شرح ميارة = الإتقان والإحكام في شرح تحفة الحكام

ميارة

مقدمة الكتاب

[مُقَدِّمَةُ الْكِتَابِ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا وَمَوْلَانَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا) (قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْعَالِمُ الْعَلَّامَةُ الدَّرَّاكَةُ الْفَهَّامَةُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَمُفْتِي الْأَنَامِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ سَيِّدِي مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ مَيَّارَةُ قَدَّسَ اللَّهُ سِرَّهُ وَأَعْلَى فِي الدَّارَيْنِ قَدْرَهُ) الْحَمْدُ لِلَّهِ الْمُنْفَرِدِ بِالْحُكْمِ وَالتَّدْبِيرِ، الْمُسْتَبِدِّ بِالْقَضَاءِ وَالتَّقْدِيرِ، الَّذِي شَرَحَ الْأَحْكَامَ لِلْعِبَادِ، وَكَفَّهُمْ بِتَنْفِيذِهَا عَنْ الظُّلْمِ وَالْفَسَادِ، وَأَتْحَفَ الْحُكَّامَ بِالشَّرَائِعِ الْإِسْلَامِيَّةِ، وَأَغْنَاهُمْ بِهَا عَنْ السِّيَاسَةِ الْكِسْرَوِيَّةِ، وَعَصَمَهُمْ بِاتِّبَاعِهِمْ الْمَنْقُولَ، عَنْ تَحْكِيمِهِمْ تَحْقِيقَ الْعُقُولِ، فَلَهُ الْحَمْدُ وَالشُّكْرُ بِكُلِّ لِسَانٍ، وَمِنْ كُلِّ مَلَكٍ وَجِنٍّ وَإِنْسَانٍ، وَصَلَوَاتُ اللَّهُ الَّتِي لَا تُحْصَى عَدَدًا، وَسَلَامُهُ الَّذِي لَا يَنْقَضِي أَمَدًا، وَرِضْوَانُهُ وَتَحِيَّاتُهُ، وَرَحْمَتُهُ وَبَرَكَاتُهُ، الْمُسَرْمَدَاتُ أَبَدًا عَلَى الْعَلَمِ الْأَكْبَرِ، وَالسَّيِّدِ الْأَطْهَرِ، مُتَلَقِّي السِّرِّ مِنْ شَدِيدِ الْقُوَى، فَلَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى سِرِّ الْوُجُودِ، وَعَيْنِ الْجُودِ سَيِّدِ الْكَوْنَيْنِ وَرَسُولِ الْمَلِكِ الْأَعْلَى إلَى الثَّقَلَيْنِ، النَّبِيِّ الْمُمَجَّدِ، سَيِّدِنَا وَمَوْلَانَا مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْسَلَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ، وَعَلَّمَهُ مِنْ لَدُنِّهِ عِلْمًا عَجَزَتْ أَفْكَارُ الْخَلْقِ عَنْ الْإِحَاطَةِ بِأَقَلِّهِ وَحَلَّاهُ مِنْ أَخْلَاقِهِ الرَّحْمَانِيَّةِ بِكُلِّ خُلُقٍ كَرِيمٍ، فَقَالَ تَعَالَى {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4] ، فَجَعَلَهُ لِلْمُهْتَدِينَ سِرَاجًا مُنِيرًا، وَنَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَيْهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا، يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنْ الْمُنْكَرِ، وَيَدُلُّهُمْ عَلَى اللَّهِ بِمَا يُعْرَفُ مِنْ الْأَدِلَّةِ وَلَا يُنْكَرُ، وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ، وَيُقَرِّرُ ذَلِكَ لَهُمْ بِنُصْحٍ تَتَحَرَّكُ لِقَبُولِهِ الْبَوَاعِثُ، وَيَضَعُ عَنْهُمْ إصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ قَبْلَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ وَبَيَّنَ لَهُمْ دِينَهُمْ امْتِثَالًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44] . فَقَامَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَعْبَاءِ الرِّسَالَةِ، مَعَ تَحْرِيرِ الْمَقَالَةِ، وَإِيضَاحِ الدَّلَالَةِ، وَلَمْ يَأْلُ جُهْدًا فِي الْإِرْشَادِ وَالتَّهْذِيبِ، وَالتَّبْصِرَةِ وَالتَّقْرِيبِ، وَالْإِجْمَالِ لِلْأَحْكَامِ وَالتَّفْصِيلِ، وَالْبَيَانِ وَالتَّحْصِيلِ، فَبَيَّنَ كُلَّ مَنْهَجٍ مَقْصُودٍ، وَكُلَّ مَقْصِدٍ مَحْمُودٍ، كُلُّ ذَلِكَ بِلَفْظٍ مُخْتَصَرٍ، وَتَوْضِيحٍ يُزِيلُ الْغَبَرَ؛ وَكَلَامٍ فَائِقٍ، وَمَعْنًى رَائِقٍ مُبَيِّنٍ لِلْحَقَائِقِ، وَآخِذٍ مِنْ الْبَلَاغَةِ بِالْعُرَى الْوَثَائِقِ غَنِيٍّ عَنْ اسْتِنْتَاجِ الْمُقَدِّمَاتِ، وَكَفِيلٍ بِإِيضَاحِ الْمُهِمَّاتِ، حَتَّى صَارَتْ قَوَاعِدُ دِينِهِ مُعَيَّنَةً، لَا يَحْتَاجُ الْمُدَّعِي فِيهَا إلَى بَيِّنَةٍ، فَفَتَحَ لِأُمَّتِهِ بَابَ الِاجْتِهَادِ وَالْقِيَاسِ الَّذِي لَهُ إلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ اسْتِنَادٌ؛ لِئَلَّا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ، وَلَا يُرَى فِي دِينِهِمْ عِوَجٌ، وَلِيَكُونَ

لِلْمُجْتَهِدِ الْمُخْطِئِ أَجْرٌ وَلِلْمُصِيبِ أَجْرَانِ، وَيُؤْتِي الْكُلَّ مِنْ رَحْمَتِهِ كِفْلَيْنِ، فَوَجَبَ عَلَيْنَا الِاعْتِصَامُ بِسُنَّتِهِ بَعْدَ وَفَاتِهِ كَمَا وَجَبَ عَلَيْنَا الِانْقِيَادُ لَهُ فِي حَيَاتِهِ، قَالَ تَعَالَى {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: 65] ، - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ - وَأَصْحَابِهِ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا، صَلَاةً وَسَلَامًا نَنَالُ مِنْ اللَّهِ بِهِمَا جَمِيلَ الرِّضَا، وَنَجِدُهُمَا عُدَّةً لِيَوْمِ فَصْلِ الْقَضَا، وَرَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ أَئِمَّةِ الْهُدَى، وَنُجُومِ الِاقْتِدَاءِ، وَمَعَالِمِ الدِّيَانَةِ، وَمَعَاقِلِ الْأَمَانَةِ، سَادَاتِنَا أَهْلِ بَيْتِهِ الَّذِينَ أَذْهَبَ اللَّهُ عَنْهُمْ الرِّجْسَ وَطَهَّرَهُمْ، وَأَعْلَى عَلَى كُلِّ آلٍ قَدْرَهُمْ وَأَشْهَرَهُمْ، وَأَئِمَّتِنَا أَصْحَابِهِ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا، وَاَلَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا، الْقَائِمِينَ بِنُصْرَتِهِ، الْحَامِلِينَ لِشَرِيعَتِهِ، وَعَلَى مَنْ أَحْسَنَ اتِّبَاعَهُمْ، وَجَدَّ مِنْ الْأَئِمَّةِ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ فِي اتِّبَاعِهِمْ، مَا دَامَ هَذَا الدِّينُ مُوَطَّأً بِالْقَوَاعِدِ الْبَيِّنَةِ، وَفُرُوعُ الشَّرِيعَةِ وَأُصُولُهَا فِي كُتُبِ الْأَئِمَّةِ مُدَوَّنَةٌ (أَمَّا بَعْدُ) فَإِنَّ عِلْمَ أَحْكَامِ الْقَضَاءِ، هُوَ مِنْ الدِّينِ بِمَنْزِلَةِ الرَّأْسِ مِنْ سَائِرِ الْأَعْضَاءِ، وَآدَابُهُ مِنْ أَجَلِّ الْآدَابِ الْمَرْعِيَّةِ، وَخُطَّتُهُ مِنْ أَعْظَمِ الْخُطَطِ الشَّرْعِيَّةِ، رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الشَّرِيعَةِ بَلْ هُوَ أُسُّهَا، وَرَئِيسُ الْعُلُومِ الْإِسْلَامِيَّةِ بَلْ هُوَ رَأْسُهَا، وَلِذَلِكَ قِيلَ: الْقَائِمُونَ مِنْ الْبَشَرِ بِحَقِّهِ هُمْ رُسُلُ اللَّهِ أَوْ وَرَثَتُهُمْ مِنْ خَلْقِهِ. فَقَامَ بِهَا فِي هَذِهِ الْمِلَّةِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمِنْ بَعْدِهِ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ، وَلَمَّا تَمَيَّزَ الْمُلْكُ مِنْ الْخِلَافَةِ صَارَ يُخْتَارُ لَهَا الْأَئِمَّةُ الْمُهْتَدُونَ، وَقَدْ أَلَّفَ النَّاسُ فِيهِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا؛ وَسَارَ الْعُلَمَاءُ فِي تَبْيِينِ أُصُولِهِ وَقَوَاعِدِهِ سَيْرًا حَثِيثًا، مَا بَيْنَ نَاثِرٍ مُطْنِبٍ وَمُوجِزٍ وَنَاظِمٍ قَصِيدَةً أَوْ مُرْتَجِزٍ، وَإِنَّ مِنْ أَجَلِّ مَا أُلِّفَ فِيهِ مِنْ الْمُخْتَصَرَات، الَّتِي أَغْنَتْ عَنْ كَثِيرٍ مِنْ الْمُطَوَّلَاتِ، رَجَزُ الْإِمَامِ الْعَالِمِ الْقَاضِي الرَّئِيسِ الْوَزِيرِ الْأَعْظَمِ، أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدٍ عُرِفَ بِابْنِ عَاصِمٍ، فَهُوَ جَامِعٌ لِكَثِيرٍ مِنْ مَقَاصِدِهِ " مُحْتَوٍ عَلَى جَمٍّ غَفِيرٍ مِنْ فَوَائِدِهِ، مَعَ سَلَامَةِ نَظْمِهِ، وَجَزَالَةِ لَفْظِهِ، وَقِلَّةِ تَعْقِيدِهِ وَسُهُولَةِ حِفْظِهِ، يَشْهَدُ بِذَلِكَ الْعِيَانُ، وَلَيْسَ مِنْ بَعْدِهِ بَيَانٌ، وَقَدْ اعْتَنَى بِشَرْحِهِ مِنْ بَعْدِهِ، وَنَثَرَ اللَّآلِئَ الْمَنْظُومَةَ فِي عِقْدِهِ، وَلَدُهُ الْإِمَامُ قَاضِي الْجَمَاعَةِ أَبُو يَحْيَى مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَاصِمٍ الْقَيْسِيُّ الْأَنْدَلُسِيُّ الْغَرْنَاطِيُّ ذَكَرَ فِي شَرْحِ تُحْفَةِ وَالِدِهِ أَنَّهُ وُلِّيَ الْقَضَاءَ عَامَ ثَمَانٍ وَثَلَاثِينَ وَثَمَانِ مِائَةٍ، احْتَفَلَ فِيهِ بِجَوْدَةِ الْقَرِيحَةِ، وَأَكْثَرَ مِنْ النُّقُولِ الصَّحِيحَةِ، فَأَبْدَأ وَأَعَادَ وَأَجَادَ وَأَفَادَ، فَجَزَاهُ اللَّهُ خَيْرًا، وَأَجْزَلَ أَجْرًا، إلَّا أَنَّهُ قَدْ أَغْفَلَ عَنْ حَلِّ مُقْفَلَاتِهِ، مَا يَعُدُّهُ الْحُذَّاقُ مِنْ مُعْضِلَاتِهِ، ثُمَّ شَرَحَهُ بَعْدَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَهُوَ ابْنُ الْعَبَّاسِ سَيِّدِي أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ يُعْرَفُ بِالْيَزَنَاسِيِّ نَسَبًا وَاشْتِهَارًا، الْعَبْدُ الْمُرَادِيُّ أَصْلًا وَنِجَارًا التِّلِمْسَانِيُّ نَشْأَةً وَدَارًا، شَرْحًا اعْتَنَى فِيهِ بِتَفْكِيكِ الْعِبَارَةِ، وَأَغْنَى بِالتَّصْرِيحِ عَنْ الْإِشَارَةِ، إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَشْفِ فِي النَّقْلِ غَلِيلًا، وَلَا أَبْرَأَ مِنْ دَاءِ الْجَهْلِ عَلِيلًا، وَقَدْ شَرَحَهُ أَيْضًا بَعْضُ أَئِمَّةِ الْمَالِكِيَّةِ مِنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ مِنْ مِصْرَ وَلَمْ يَصِلْ شَرْحُهُ إلَيْنَا (وَلَمَّا مِنْ اللَّهُ عَلَيْنَا) بِإِقْرَائِهِ وَقِرَاءَتِهِ وَاسْتِعْمَالِ الْفِكْرِ فِي تَفَهُّمِ عِبَارَتِهِ، وَقَيَّدْنَا عَلَى هَوَامِشِ الْمَتْنِ وَالشَّرْحِ مَا هُوَ كَالتَّتِمَّةِ لِلشَّرْحَيْنِ وَأَبْرَزْنَا مِنْ نُكَتِهِ وَتَحْرِيرَاتِهِ مَا فِيهِ لِطَالِبِهِ قُرَّةُ الْعَيْنِ طَلَبَ مِنَّا بَعْضُ مَنْ عَايَنَ ذَلِكَ مِنْ الْأَصْحَابِ، وَشَاهَدَهُ مِنْ ذَوِي الْأَلْبَابِ، أَنْ أَشْرَحَهُ شَرْحًا كَفِيلًا بِمُحَصِّلِ الشَّرْحَيْنِ، حَائِزًا لِكِلْتَا الْفَضِيلَتَيْنِ، مِنْ إيرَادِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ النَّاظِرُ مِنْ النَّقْلِ، وَتَبْيِينِ الْعِبَارَةِ حَتَّى يَتَّضِحَ مَعْنَاهَا لِلْعَقْلِ مُطَرِّزًا ذَلِكَ بِفَوَائِدَ يَحْتَاجُ إلَيْهَا النَّاظِرُ، وَقَوَاعِدَ يَسْتَعِينُ بِهَا الْمُنَاظِرُ، وَتَنْبِيهَاتٍ وَتَحْقِيقَاتٍ، تُزِيلُ الشُّبُهَاتِ، فَجَاءَ بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى شَرْحًا بِمَقْصُودِ طَالِبِهِ وَافِيًا، وَبِسَهْمٍ صَائِبٍ فِي مُؤَلَّفَاتِ الْفِقْهِ رَامِيًا، نَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَهُ مِنْ الْأَعْمَالِ الَّتِي لَا تَنْقَطِعُ بِالْوَفَاةِ، وَلَا تُعَقِّبُ صَاحِبَهَا حَسْرَةَ الْفَوَاتِ، وَأَنْ يَنْفَعَ بِهِ كَمَا نَفَعَ بِأُصُولِهِ، كُلَّ مَنْ رَغِبَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَحْصِيلِهِ وَحُصُولِهِ، وَيَجْعَلَهُ وَصْلَةً بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ، وَيُنِيلَنَا بِهِ فِي الدَّارَيْنِ غُفْرَانَهُ وَأَمْنَهُ، إنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ، رَحِيمٌ قَرِيبٌ وَسَمَّيْتُهُ (الْإِتْقَانَ وَالْإِحْكَامَ فِي شَرْحِ تُحْفَةِ الْحُكَّامِ) جَعَلَهُ اللَّهُ خَالِصًا لِوَجْهِهِ، وَمُقَرِّبًا مِنْ رَحْمَتِهِ، قَالَ

- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي يَقْضِي وَلَا ... يُقْضَى عَلَيْهِ جَلَّ شَأْنًا وَعَلَا ثُمَّ الصَّلَاةُ بِدَوَامِ الْأَبَدِ ... عَلَى الرَّسُولِ الْمُصْطَفَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَالْفِئَةِ الْمُتَّبِعَهْ ... فِي كُلِّ مَا قَدْ سَنَّهُ وَشَرَعَهْ قَالَ الشَّارِحُ وَلَدُ النَّاظِمِ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَى الْجَمِيعِ فِي طَالِعَةِ شَرْحِهِ فِي التَّعْرِيفِ بِوَالِدِهِ النَّاظِمِ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَاصِمٍ مَا نَصُّهُ وَقَدْ رَأَيْت أَنْ أُقَدِّمَ بَيْنَ يَدَيْ الْكَلَامِ فَصْلًا يَتَضَمَّنُ التَّعْرِيفَ بِمَشْيَخَةِ الشَّيْخِ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَبِتَآلِيفِهِ وَمَوْلِدِهِ وَوَفَاتِهِ (وُلِدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ثَانِيَ عَشَرَ جُمَادَى الْأُولَى مِنْ عَامِ سِتِّينَ وَسَبْعِمِائَةٍ (وَتُوُفِّيَ) حَادِي عَشَرَ شَوَّالٍ مِنْ عَامِ تِسْعَةٍ وَعِشْرِينَ وَثَمَانِمِائَةٍ وَمِنْ شُيُوخِهِ الشَّيْخُ الْأُسْتَاذُ الْمُفْتِي الشَّهِيرُ أَبُو سَعِيدٍ فَرَجُ بْنُ قَاسِمِ بْنِ لُبٍّ وَالْأُسْتَاذُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدٌ الْقَيْجَاطِيُّ وَنَاصِرُ السُّنَّةِ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ إبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى الشَّاطِبِيُّ وَقَاضِي الْجَمَاعَةِ الْحَافِظُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عِلَاقٍ وَخَالَاهُ قَاضِي الْجَمَاعَةِ أَبُو بَكْرٍ وَرَئِيسُ الْعُلُومِ الْمُسَانِيَةِ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ ابْنَا الْخَطِيبِ الشَّهِيرِ أَبِي الْقَاسِمِ بْنِ جُزَيٍّ وَالشَّرِيفُ الشَّهِيرُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الشَّرِيفِ الْعَالِمِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدٍ التِّلِمْسَانِيُّ وَالْقَاضِي الرَّحَّالُ أَبُو إِسْحَاقَ إبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَاجِّ النُّمَيْرِيُّ وَالشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مَنْصُورٍ الْأَشْهَبُ وَالْأُسْتَاذُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْبَلَنْسِيُّ رَحِمَهُمْ اللَّهُ أَجْمَعِينَ (ثُمَّ) عَدَّ جُمْلَةً مِنْ تَآلِيفِهِ فِي الْأُصُولِ وَالْقِرَاءَاتِ وَالْفَرَائِضِ وَالنَّحْوِ وَمِنْ جُمْلَتِهَا هَذَا النَّظْمُ (قَالَ مُقَيِّدُ هَذَا الشَّرْحِ سَمَحَ اللَّهُ لَهُ) وَقَدْ أَنْشَدَنَا صَاحِبُنَا الْفَقِيهُ الْمُؤَقِّتُ الْفَرْضِيُّ الْعَدَدِيُّ الْحَاجُّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ سَيِّدِي مُحَمَّدُ بْنُ الشَّيْخِ الْأُسْتَاذِ سَيِّدِي أَبِي الْقَاسِمِ بْنِ الْقَاضِي بَيْتًا لِنَفْسِهِ رَمَزَ فِيهِ لِوِلَادَةِ النَّاظِمِ وَوَفَاتِهِ وَبَلَدِهِ عَلَى طُرُقِ نَظْمِ الْوَفَيَاتِ لِلْكَاتِبِ الْقَشْتَالِيِّ فِي كَوْنِهِ مِنْ بَحْرِ الطَّوِيلِ وَالرَّمْزُ لِلْوَفَاةِ بِالْحُرُوفِ بِحَسَبِ الْجُمَلِ فَقَالَ: وَقَدْ رَقَصَتْ غَرْنَاطَةُ بِابْنِ عَاصِمٍ ... وَسَحَّتْ دُمُوعًا لِلْقَضَاءِ الْمُنَزَّلِ فَرَمَزَ لِسَنَةِ الْوِلَادَةِ بِالرَّاءِ وَالْقَافِ وَالصَّادِ وَالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ وَمَجْمُوعُ ذَلِكَ بِالْحِسَابِ الْمَذْكُورِ سِتُّونَ وَسَبْعُمِائَةٍ رَمْزًا لِلْوَفَاةِ وَبِالسِّينِ وَالْحَاءِ وَالتَّاءِ وَالدَّالِ وَالْمِيمِ وَالْوَاوِ وَالْعَيْنِ وَالْأَلِفِ وَمَجْمُوعُهُمَا بِالْحِسَابِ الْمَذْكُورِ ثَمَانُ مِائَةٍ وَتِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ وَفِي تَعْبِيرِهِ بِالرَّقْصِ إشَارَةٌ إلَى الْوِلَادَةِ الْمَفْرُوحِ بِهَا إذْ الرَّقْصُ إنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ الْفَرَحِ غَالِبًا كَمَا أَنَّ فِي التَّعْبِيرِ بِسَحِّ الدُّمُوعِ وَالْقَضَاءِ الْمُنَزَّلِ الْإِشَارَةَ لِلْمَوْتِ (وَافْتَتَحَ) النَّاظِمُ بِحَمْدِ اللَّهِ عَمَلًا بِمُقْتَضَى الْكِتَابِ الْعَزِيزِ وَالسُّنَّةِ الْكَرِيمَةِ فَإِنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَفْتَتِحُ خُطَبَهُ وَمَوَاعِظَهُ بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى (وَخَرَّجَ) أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كُلُّ كَلَامٍ لَا يُبْتَدَأُ فِيهِ بِحَمْدِ اللَّهِ فَهُوَ أَجْذَمُ» وَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيّ «كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَا يُبْتَدَأُ فِيهِ بِالْحَمْدُ لِلَّهِ فَهُوَ أَقْطَعُ» وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى افْتِتَاحِ تَآلِيفِهِمْ بِالثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى إمَّا بِلَفْظِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَهُوَ الْغَالِبُ أَوْ بِغَيْرِهِ كَالْبَسْمَلَةِ وَقَدْ أَكْثَرَ الْمُؤَلِّفُونَ الْكَلَامَ فِي الْحَمْدِ وَالشُّكْرِ وَأَخْصَرُ مَا رَأَيْت الْآنَ فِي ذَلِكَ كَلَامُ الشَّيْخِ خَالِدٍ الْأَزْهَرِيِّ فِي شَرْحِ تَوْضِيحِ ابْنِ هِشَامٍ وَلَفْظُهُ: الْحَمْدُ لُغَةً الْوَصْفُ بِالْجَمِيلِ الِاخْتِيَارِيِّ عَلَى قَصْدِ التَّعْظِيمِ وَالْوَصْفُ لَا يَكُونُ إلَّا بِاللِّسَانِ، فَيَكُونُ مَوْرِدُهُ خَاصًّا وَهَذَا الْوَصْفُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِإِزَاءِ نِعْمَةٍ أَوْ غَيْرِهَا فَيَكُونَ مُتَعَلِّقُهُ عَامًّا وَالشُّكْرُ عَلَى الْعَكْسِ لِكَوْنِهِ لُغَةً فِعْلًا يُنَبِّئُ عَنْ تَعْظِيمِ الْمُنْعِمِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُنْعِمٌ عَلَى الشَّاكِرِ أَوْ غَيْرِهِ فَيَكُونُ مَوْرِدُهُ اللِّسَانَ وَالْجِنَانَ وَالْأَرْكَانَ وَمُتَعَلِّقُهُ النِّعْمَةَ الْوَاصِلَةَ إلَى الشَّاكِرِ فَكُلٌّ مِنْهُمَا أَعَمُّ وَأَخَصُّ مِنْ الْآخَرِ بِوَجْهٍ فَفِي الْفَضَائِلِ حَمْدٌ فَقَطْ وَفِي أَفْعَالِ الْقَلْبِ وَالْجَوَارِحِ شُكْرٌ فَقَطْ وَفِي أَفْعَالِ اللِّسَانِ بِإِزَاءِ الْإِنْعَامِ حَمْدٌ وَشُكْرٌ. وَالْحَمْدُ عُرْفًا فِعْلٌ يُشْعِرُ بِتَعْظِيمِ الْمُنْعِمِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُنْعِمٌ عَلَى الْحَامِدِ أَوْ غَيْرِهِ وَالشُّكْرُ عُرْفًا صَرْفُ الْعَبْدِ جَمِيعَ مَا أَنْعَمَ اللَّهُ بِهِ عَلَيْهِ مِنْ السَّمْعِ وَغَيْرِهِ إلَى مَا خُلِقَ لِأَجْلِهِ فَالشُّكْرُ أَخَصُّ مُطْلَقًا لِاخْتِصَاصِ تَعَلُّقِهِ بِالْبَارِي تَعَالَى وَلِتَقْيِيدِهِ بِكَوْنِ الْمُنْعِمِ مُنْعِمًا عَلَى الشَّاكِرِ وَغَيْرِهِ

وَلِوُجُوبِ شُمُولِ الْآلَاتِ فِيهِ بِخِلَافِ الْحَمْدِ اُنْظُرْ تَمَامَ كَلَامِهِ إنْ شِئْت وَإِنَّمَا قَالَ فِي حَدِّ الْحَمْدِ الْوَصْفُ بِالْجَمِيلِ وَالْوَصْفُ لَا يَكُونُ إلَّا بِاللِّسَانِ لِأَنَّ مَقْصُودَهُ تَعْرِيفُ الْحَمْدِ الْوَاقِعِ فِي الْكِتَابِ الْمَشْرُوعِ وَهُوَ كَذَلِكَ وَصْفٌ بِاللِّسَانِ وَمَنْ أَرَادَ تَعْرِيفَ الْحَمْدِ الْقَدِيمِ وَالْحَادِثِ قَالَ هُوَ الثَّنَاءُ بِالْكَلَامِ لِأَنَّ الْكَلَامَ يَشْمَلُ الْقَدِيمَ وَالْحَادِثَ وَالْحَمْدُ وَالْمَدْحُ بِمَعْنًى وَيَفْتَرِقَانِ بِأَنَّ الْحَمْدَ خَاصٌّ لِأُولِي الْعِلْمِ وَالْمَدْحُ يَكُونُ لِأُولِي الْعِلْمِ وَغَيْرِهِمْ وَقَوْلُهُ فِي حَدِّ الشُّكْرِ صَرْفُ الْعَبْدِ. . . إلَخْ زَادَ بَعْضُهُمْ كَصَرْفِ النَّظَرِ إلَى مُطَالَعَةِ مَصْنُوعَاتِهِ وَالسَّمْعِ إلَى تَلَقِّي مَا يُنَبِّئُ عَنْ مَرْضَاتِهِ وَالِاجْتِنَابِ عَنْ مَنْهِيَّاتِهِ وَأَلْ فِي الْحَمْدِ لِاسْتِغْرَاقِ الْجِنْسِ وَهِيَ الَّتِي يَصْلُحُ فِي مَوْضِعِهَا كُلٌّ نَحْوُ: {إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ} [العصر: 2] وَذَلِكَ لِأَنَّ الْحَمْدَ إمَّا قَدِيمٌ وَهُوَ حَمْدُ اللَّهِ تَعَالَى لِنَفْسِهِ أَوْ لِمَنْ شَاءَ مِنْ عِبَادِهِ أَوْ حَادِثٌ وَهُوَ حَمْدُ الْعِبَادِ لِرَبِّهِمْ سُبْحَانَهُ أَوْ لِبَعْضِهِمْ، فَالْقَدِيمُ صِفَتُهُ وَوَصْفُهُ، وَالْحَادِثُ خَلْقُهُ وَمُلْكُهُ فَالْحَمْدُ كُلُّهُ لَهُ وَلَامُ لِلَّهِ لِلِاسْتِحْقَاقِ أَيْ جَمِيعُ الْمَحَامِدِ مُسْتَحَقَّةٌ لِلَّهِ تَعَالَى وَقِيلَ: غَيْرُ ذَلِكَ وَاسْمُ الْجَلَالَةِ عَلَمٌ عَلَى الذَّاتِ الْعَلِيَّةِ الْوَاجِبَةِ الْوُجُودِ الْمُسْتَحِقَّةِ لِجَمِيعِ الْمَحَامِدِ وَهُوَ أَشْهَرُ أَسْمَائِهِ تَعَالَى وَقَدْ قَبَضَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ الْأَلْسُنَ فَلَمْ يَتَسَمَّ بِهِ أَحَدٌ قَالَ تَعَالَى {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} [مريم: 65] أَيْ هَلْ تَعْلَمُ أَحَدًا تَسَمَّى اللَّهَ اسْتِفْهَامًا بِمَعْنَى النَّفْيِ أَيْ لَمْ يَتَسَمَّ بِهِ غَيْرُهُ وَهُوَ أَعْرَفُ الْمَعَارِفِ قَالَهُ سِيبَوَيْهِ (وَرُوِيَ) أَنَّهُ رُئِيَ فِي النَّوْمِ فَأَخْبَرَ أَنَّهُ رَأَى خَيْرًا كَثِيرًا بِسَبَبِ قَوْلِهِ ذَلِكَ، وَقَوْلُهُ الَّذِي يَقْضِي وَلَا يُقْضَى عَلَيْهِ هُوَ وَصْفٌ لِلَّهِ تَعَالَى قَالَ الشَّارِحُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَيَتَضَمَّنُ هَذَا الِاسْتِفْتَاحُ مِنْ مَحَاسِنِ الْكَلَامِ الْمُعَبِّرِ عَنْهَا عِنْدَ أَهْلِ هَذَا الشَّأْنِ بِالْأَلْقَابِ الْبَدِيعِيَّةِ النَّوْعَ الْمُسَمَّى عِنْدَهُمْ بِبَرَاعَةِ الِاسْتِهْلَالِ وَهِيَ دَلَالَةُ اسْتِفْتَاحِ الْكَلَامِ عَلَى مَا يَقْصِدُهُ الْمُتَكَلِّمُ مِنْ الْغَرَضِ فِي مَضْمُونِ جُمْلَتِهِ وَهُوَ فِي هَذَا الْكَلَامِ وَصْفُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ بِأَنَّهُ يَقْضِي وَلَا يُقْضَى عَلَيْهِ لَمَّا كَانَ قَصْدُهُ أَنْ يَتَكَلَّمَ فِي أَحْكَامِ الْقَضَاءِ وَفِي قَوْلِهِ وَلَا يُقْضَى عَلَيْهِ إشَارَةٌ لَطِيفَةٌ إلَى كَوْنِ الْقَاضِي مَقْضِيًّا عَلَيْهِ مِنْ مَوْلَاهُ سُبْحَانَهُ وَمِمَّنْ وَلَّاهُ فَمَا أَحَقَّهُ أَنْ يَسْتَشْعِرَ بِذَلِكَ الْخَوْفَ مِنْ الْجَوْرِ وَأَنْ يَتَوَخَّى الْإِصَابَةَ لِلْعَدْلِ بِأَنَّ الَّذِي بِيَدِهِ مِنْ الْقَضَاءِ إنَّمَا هُوَ مَجَازٌ يُمَاثِلُهُ مَا بِيَدِ مَنْ وَلَّاهُ وَبِيَدِ الْمَلِكِ الْحَقِّ الْقَضَاءُ حَقِيقَةً {إِنِ الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ} [الأنعام: 57] وَقُرِئَ " يَقْضِي الْحَقَّ " اهـ. (وَجَلَّ) فِعْلٌ مَاضٍ وَمَعْنَاهُ عَظُمَ وَشَأْنًا تَمْيِيزٌ مَنْقُولٌ مِنْ الْفَاعِلِ أَيْ عَظُمَ شَأْنُهُ وَعَلَا بِفَتْحِ الْعَيْنِ عَطْفٌ عَلَى جَلَّ فِعْلٌ مَاضٍ أَيْضًا قَالَ بَعْضُ مَنْ شَرَحَهُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ اسْمَ مَصْدَرٍ مَعْطُوفًا عَلَى شَأْنًا أَيْ جَلَّ شَأْنُهُ وَعَلَاؤُهُ وَقَصْرُهُ ضَرُورَةٌ وَلَمَّا حَمِدَ اللَّهَ تَعَالَى أَتْبَعَهُ بِالصَّلَاةِ عَلَى نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْأَمْرِ بِهَا فِي قَوْله تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56] وَالصَّلَاةُ الرَّحْمَةُ وَهِيَ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى زِيَادَةُ تَكْرِمَةٍ وَإِنْعَامٌ وَمِنْ الْعِبَادِ عِبَادَةٌ وَهِيَ وَإِنْ كَانَتْ بِمَعْنَى الرَّحْمَةِ وَلَكِنْ فِي التَّعْبِيرِ عَنْ الرَّحْمَةِ بِالصَّلَاةِ مِنْ التَّعْظِيمِ مَا لَيْسَ فِي لَفْظِ الرَّحْمَةِ وَبِدَوَامِ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ حَالٌ مِنْ الصَّلَاةِ أَيْ مُؤَقَّتَةً وَالْأَبَدُ حَرَكَةُ الْفَلَكِ. (وَالْمُصْطَفَى) : الْمُخْتَارُ (وَآلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) أَقَارِبُهُ الْمُؤْمِنُونَ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ (وَالْفِئَةُ) الْجَمَاعَةُ (وَالْمُتَّبِعَةُ) بِكَسْرِ الْبَاءِ وَيَجُوزُ فَتْحُهَا، وَالْمُرَادُ بِهِمْ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَجْمَعِينَ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُمْ مُتَّبِعُونَ لِمَا سَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَشَرَّعَهُ وَيَتْبَعُهُمْ مَنْ بَعْدَهُمْ فِي ذَلِكَ أَيْضًا وَمَعْنَى سَنَّهُ وَشَرَّعَهُ، أَيْ جَعَلَهُ سُنَّةً وَشَرِيعَةً وَالْمَجْرُورُ مُتَعَلِّقٌ بِالْمُتَّبِعَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَبَعْدُ فَالْقَصْدُ بِهَذَا الرَّجَزِ ... تَقْرِيرُ الْأَحْكَامِ بِقَوْلٍ مُوجَزِ آثَرْت فِيهِ الْمَيْلَ لِلتَّبْيِينِ ... وَصُنْته جُهْدِي مِنْ التَّضْمِينِ وَجِئْت فِي بَعْضٍ مِنْ الْمَسَائِلِ ... بِالْخُلْفِ رَعْيًا لِاشْتِهَارِ الْقَائِلِ فَضِمْنُهُ الْمُفِيدُ وَالْمُقَرِّبُ ... وَالْمَقْصِدُ الْمَحْمُودُ وَالْمُنْتَخَبُ (بَعْدُ) مِنْ الْأَسْمَاءِ اللَّازِمَةِ لِلْإِضَافَةِ وَإِذَا قُطِعَ عَنْهَا لَفْظًا بُنِيَ عَلَى الضَّمِّ وَالْمُضَافُ إلَيْهِ مَنْوِيٌّ تَقْدِيرُهُ وَبَعْدَ مَا ذُكِرَ مِنْ الْحَمْدِ وَالصَّلَاةِ وَالرَّجَزُ أَحَدُ بُحُورِ الشَّعْرِ الْخَمْسَةَ عَشَرَ الَّتِي أَوَّلُهَا الطَّوِيلُ وَآخِرُهَا الْمُتَقَارِبُ وَهُوَ مُسَدَّسُ الدَّائِرَةِ مُرَكَّبٌ مِنْ مُسْتَفْعِلُنْ سِتُّ مَرَّاتٍ وَيُقْرَأُ لَفْظُ الْأَحْكَامِ بِنَقْلِ حَرَكَةِ

الْهَمْزَةِ لِلسَّاكِنِ قَبْلَهَا لِلْوَزْنِ وَهُوَ جَمْعُ حُكْمٍ وَالْمُرَادُ بِهِ الْفِقْهُ الْمُتَقَرِّرُ فِي الْكُتُبِ الْمُعْتَقَدَةِ كَالْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا لِيُفْصَلَ بِهَا بَيْنَ الْخُصُومِ. (وَالْمُوجَزُ) الْمُخْتَصَرُ قَلِيلُ اللَّفْظِ كَثِيرُ الْمَعْنَى (وَآثَرْتُ) بِمَدِّ الْهَمْزَةِ بِمَعْنَى اخْتَرْتُ وَفَضَّلْتُ وَمِنْهُ {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر: 9] وَالْمَيْلُ: الْجُنُوحُ وَالرُّكُونُ (وَالتَّبْيِينُ) مَصْدَرُ بَيَّنَ (وَالصَّوْنُ) الْحِفْظُ وَمَعْنَى (جُهْدِي) طَاقَتِي وَوُسْعِي وَهُوَ بِضَمِّ الْجِيمِ وَالتَّضْمِينُ افْتِقَارُ مَعْنَى الْبَيْتِ إلَى الَّذِي بَعْدَهُ لِكَوْنِهِ خَبَرًا أَوْ جَوَابَ شَرْطٍ أَوْ اسْتِثْنَاءً أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَتِمُّ مَعْنَى الْكَلَامِ إلَّا بِهِ وَسُمِّيَ تَضْمِينًا لِأَنَّهُ ضَمَّنَ الْبَيْتَ الثَّانِيَ مَعْنَى الْبَيْتِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَا يَتِمُّ إلَّا بِالثَّانِي وَهُوَ عِنْدَ الْعَرُوضِيِّينَ مِنْ عُيُوبِ الشِّعْرِ. وَفِيهِ يَقُولُ الْخَزْرَجِيُّ وَتَضْمِينُهَا إحْوَاجُ مَعْنًى لِذَا وَذَا ، وَفِيهِ يَقُولُ ابْنُ الْحَاجِبِ: فِي لَامِيَّتِهِ فِي الْعَرُوضِ فِي تَرْجَمَةِ الْعُيُوبِ تَضْمِينُهُمْ أَنْ يَكُونَ الْبَيْتُ مُفْتَقِرًا ... إلَى الَّذِي بَعْدَهُ كَأَنَّهُ وُصِلَا وَسَمِعْت مِنْ بَعْضِ أَشْيَاخِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ النَّاظِمَ عَرَّضَ بِقَوْلِهِ: وَصُنْته جُهْدِي مِنْ التَّضْمِينِ إلَى نَظْمِ الْفَقِيهِ الْقَاضِي الْبَلِيغِ أَبِي إِسْحَاقَ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَاجِّ مِمَّنْ عَاصَرَ ابْنَ رُشْدٍ، وَكَانَ الْقَضَاءُ يَدُورُ بَيْنَهُمَا أَلَّفَ فِي أَحْكَامِ الْقَضَاءِ كَتُحْفَةِ النَّاظِمِ لِكَثْرَةِ مَا فِيهِ مِنْ التَّضْمِينِ وَمَا سَمَّاهُ الْيَاقُوتَةَ وَفِيهِ أَلْفُ بَيْتٍ وَصَدْرُهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الْقَدِيمِ الْبَاقِي ... الْبَارِئِ الْمُصَوِّرِ الْخَلَّاقِ الْحَكَمِ الْعَدْلِ الَّذِي لَا يُسْأَلُ ... فِي الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ عَمَّا يَفْعَلُ وَالْمَلِكِ الْحَقِّ الَّذِي يَقْضِي وَلَا ... يُقْضَى عَلَيْهِ جَلَّ قَدْرًا وَعَلَا سُبْحَانَهُ مِنْ وَاحِدٍ تَعَاظَمَا ... وَعَلَّمَ الْعِلْمَ أَبَانَا آدَمَا وَبَعْدُ فَالْأَهَمُّ عِلْمُ الْأَدْيَانِ ... لِطَالِبِ الْعُلُومِ كُلَّ الْأَحْيَانِ وَأَجْرُ مَنْ قَامَ بِهِ عَظِيمُ ... وَبِرِضَا اللَّهِ لَهُ نَعِيمُ وَقَدْ نَظَمْت بَعْضَ أَحْكَامِ الْقَضَا ... مُبْتَغِيًا أَجْرًا وَنَيْلًا الرِّضَا فِي رَجَزٍ خُولِطَ بِالسَّرِيعِ ... عَلَى سَبِيلِ الْمُحْدَثِ الْمَتْبُوعِ مُسْتَعْمِلًا مَا شَذَّ مِنْ زِحَافِ ... وَبَعْضَ مَا قَدْ عِيبَ فِي الْقَوَافِي وَذَاكَ مَغْفُورٌ لَدَى مَنْ أَنْصَفَا ... فِي جَنْبِ مَا جِئْت بِهِ مُعَرَّفَا مُغَلِّبًا تَحْسِينِي الْمَعْنَى عَلَى ... تَحْسِينِي اللَّفْظَ الَّذِي عَنْهُ انْجَلَى وَمَا نَظَمْته بِصِدْقِ النِّيَّةِ ... سُمِّيَ بِالْيَاقُوتَةِ الْأَلْفِيَّةِ إذْ عَدُّهَا يُنْهَى إلَى الْقُضَاةِ ... وَغَيْرِهِمْ أَلْفٌ مِنْ الْأَبْيَاتِ وَمِمَّا وَقَعَ فِيهِ مِنْ التَّضْمِينِ قَوْلُهُ فِي رُجُوعِ الشَّاهِدِ عَنْ شَهَادَتِهِ وَإِنْ يَكُ الرُّجُوعُ بَعْدَ الْحُكْمِ لَمْ ... يَجُزْ وَيَغْرَمُ امْتِثَالًا لِلْحَكَمْ جَمِيعَ مَا أَتْلَفَ بِالشَّهَادَهْ ... فَصْلٌ وَفِي بَدْءٍ وَفِي إعَادَهْ يَلْزَمُ مَنْ يَقْضِي بِأَنْ يُسْعِفَ مَنْ ... كَلَّفَهُ الْكَتْبَ لِحُكَّامِ الزَّمَنْ بِمَا بِهِ قَضَى وَمَا قَدْ ثَبَتَا ... وَالْعَمَلُ الْيَوْمَ وَمَا أَنْ مُقِتَا عَلَى قَبُولِ كُتُبِ الْقُضَاةِ ... مِنْ غَيْرِ إشْهَادٍ لَهَا وَيَأْتِي مَنْعُ الْقَبُولِ مَعَ مَا عَلَيْهِ ... عَمَلُنَا وَصَغْوُنَا إلَيْهِ فَانْظُرْ فِي هَذِهِ الْأَبْيَاتِ فَإِنَّ كُلَّ بَيْتٍ مِنْهَا لَا يَتِمُّ مَعْنَاهُ إلَّا بِمَا بَعْدَهُ وَهُوَ كَثِيرٌ فِي ذَلِكَ النَّظْمِ وَلَكِنْ يَكْفِي فِي الِاعْتِذَارِ عَنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ كَمَا تَقَدَّمَ مُغَلِّبًا تَحْسِينِي الْمَعْنَى عَلَى ... تَحْسِينِي اللَّفْظَ الَّذِي عَنْهُ انْجَلَى - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَنَفَعَنَا بِهِ قَوْلُهُ: (وَجِئْت فِي بَعْضٍ مِنْ الْمَسَائِلِ) الْبَيْتُ. أَخْبَرَ أَنَّهُ فِي الْغَالِبِ يَقْتَصِرُ عَلَى قَوْلِ وَاحِدٍ لِمَشْهُورِيَّتِهِ أَوْ جَرَيَانِ الْعَمَلِ بِهِ، وَفِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ يَذْكُرُ الْخِلَافَ بِحَيْثُ يَحْكِي قَوْلَيْنِ أَوْ

أَكْثَرَ لِمَقَاصِدَ لَهُ فِي ذَلِكَ إمَّا لِمَشْهُورِيَّتِهَا أَوْ لِجَرَيَانِ الْعَمَلِ بِهَا لِكَوْنِ الْقَائِلِ بِهَا أَوْ بِبَعْضِهَا مَشْهُورًا بِالْعِلْمِ وَالتَّحْقِيقِ وَلَهُ صِيتٌ وَمَكَانَةٌ وَشُهْرَةٌ تَمْنَعُ مِنْ إهْمَالِ قَوْلِهِ وَعَدَمِ حِكَايَتِهِ وَإِنْ خَالَفَ الْمَشْهُورَ وَمَا بِهِ الْعَمَلُ هَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ رَعْيًا لِاشْتِهَارِ الْقَائِلِ وَلَا يَعْنِي بِذَلِكَ مُرَاعَاةَ الْخِلَافِ الَّذِي هُوَ إعْمَالُ دَلِيلِ الْخَصْمِ فِي لَازِمِ مَدْلُولِهِ الَّذِي أُعْمِلَ فِي نَقِيضِهِ دَلِيلٌ آخَرُ لِأَنَّ هَذَا مِنْ دَأْبِ الْمُجْتَهِدِينَ النَّاظِرِينَ فِي الْأَدِلَّةِ فَحَيْثُ يَتَرَجَّحُ عِنْدَهُمْ دَلِيلُ الْغَيْرِ أَعْمَلُوهُ وَحَيْثُ لَا أَهْمَلُوهُ، وَالنَّاظِمُ إنَّمَا هُوَ نَاظِمٌ لِكَلَامِ الْفُقَهَاءِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَجَامِعٌ لَهُ بِمُرَاعَاةِ الْخِلَافِ وَإِنْ وَجَدْت فِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ الْمَذْكُورَةِ فِي هَذَا النَّظْمِ فَلَا يُعَبِّرُ عَنْهَا بِصِيغَةِ الْخِلَافِ وَإِنَّمَا يَجْزِمُ بِالْحُكْمِ وَإِنْ كَانَ وَجْهُهُ عِنْدَ مَنْ قَالَ بِهِ مُرَاعَاةَ الْخِلَافِ وَقَدْ أَطَالَ الشَّارِحُ هُنَا بِالْكَلَامِ عَلَى مَسْأَلَةِ مُرَاعَاةِ الْخِلَافِ وَمَا فِيهَا مِنْ الْأَبْحَاثِ وَهِيَ مِنْ حِسَانِ الْمَسَائِلِ وَلَكِنْ لَا يَصِحُّ أَنْ يُشْرَحَ بِهَا قَوْلُهُ رَعْيًا لِاشْتِهَارِ الْقَائِلِ كَمَا يَظْهَرُ ذَلِكَ مِنْ كَلَام الشَّارِحِ فِي آخِرِ الْكَلَامِ عَلَى مُرَاعَاةِ الْخِلَافِ وَلَا يَحْتَمِلُهُ بِوَجْهٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَكَذَا أَطَالَ الْكَلَامَ فِي مَسْأَلَةِ التَّرْجِيحِ مِنْ الْخِلَافِ وَمَا يَجُوزُ الْحُكْمُ وَالْفَتْوَى بِهِ وَمَا لَا وَمَنْ تَجُوزُ فَتْوَاهُ وَمَنْ لَا وَالْخِلَافُ الَّذِي فِي الْمَشْهُورِ مَا هُوَ وَوَجْهُ اخْتِيَارِ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ خِلَافَ الْمَشْهُورِ مِنْ مُرَاعَاةِ مَصَالِحَ عَرَضَتْ فِي ذَلِكَ وَأَنَّ الْقَاضِيَ يُلْزَمُ اتِّبَاعَ عَمَلِ أَهْلِ بَلَدِهِ وَيُنْهَى عَنْ الْخُرُوجِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنْ الْفَوَائِدِ فَمَنْ أَرَادَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ بِمُرَاجَعَتِهِ وَقَوْلُهُ فَضِمْنُهُ الْمُفِيدُ الْبَيْتُ أَخْبَرَ أَنَّ هَذَا النَّظْمَ تَضَمَّنَ الْمَسَائِلَ الْمُشْتَمِلَ عَلَيْهَا هَذِهِ الْكُتُبُ وَهِيَ مُفِيدُ الْحُكَّامِ لِابْنِ هِشَامٍ وَالْمُقَرِّبُ وَالْمُنْتَخَبُ كِلَاهُمَا لِابْنِ أَبِي زَمَنِينَ بِفَتْحِ الزَّايِ وَالْمِيمِ وَكَسْرِ النُّونِ الْأُولَى وَالْمَقْصِدُ الْمَحْمُودُ لِأَبِي الْقَاسِمِ الْجَزِيرِيِّ وَلَا يَعْنِي أَنَّ هَذَا النَّظْمَ اشْتَمَلَ عَلَى جَمِيعِ مَسَائِلِ هَذِهِ الْكُتُبِ بَلْ وَلَا جُلِّهَا وَإِنَّمَا يَعْنِي أَنَّ فِيهِ فَوَائِدَ وَمَسَائِلَ مِنْ هَذِهِ الْكُتُبِ وَلَيْسَ الْخَبَرُ كَالْعِيَانِ وَفِي تَسْمِيَةِ هَذِهِ الْكُتُبِ تَوْرِيَةٌ وَإِشَارَةٌ إلَى أَنَّ هَذَا النَّظْمَ اشْتَمَلَ عَلَى هَذِهِ الْأَوْصَافِ وَهِيَ كَوْنُهُ مُفِيدًا مُقَرِّبًا مُنْتَخَبًا وَالِاشْتِغَالُ بِهِ وَالِاعْتِنَاءُ بِهِ مَقْصِدٌ مَحْمُودٌ شَرْعًا تَقَبَّلَهُ اللَّهُ مِنْهُ وَنَفَعَهُ بِهِ {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ} [الشعراء: 88] {إِلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء: 89] . نَظَمْته تَذْكِرَةً وَحِينَ تَمَّ ... بِمَا بِهِ الْبَلْوَى تَعُمُّ قَدْ أَلَمَّ سَمَّيْته بِتُحْفَةِ الْحُكَّامِ ... فِي نُكَتِ الْعُقُودِ وَالْأَحْكَامِ النَّظْمُ الْجَمْعُ يُقَالُ: نَظَمْت الْعِقْدَ إذَا جَمَعْت جَوَاهِرَهُ عَلَى وَجْهٍ يُسْتَحْسَنُ وَقَوْلُهُ: (تَذْكِرَةً) مَفْعُولٌ لِأَجْلِهِ هُوَ بَيَانٌ لِلسَّبَبِ الْحَامِلِ لَهُ عَلَى نَظْمِهِ وَهُوَ تَذْكِرَةٌ لِمَنْ تَقَدَّمَتْ لَهُ مَعْرِفَةُ ذَلِكَ ثُمَّ نَسِيَهُ يَعْنِي وَتَبْصِرَةً لِمَنْ يَتَقَدَّمُ لَهُ ذَلِكَ مِنْ الصِّغَارِ وَالْكِبَارِ فَهُوَ كَقَوْلِ ابْنِ بَرِّيٍّ يَكُونُ لِلْمُبْتَدِئِينَ تَبْصِرَةً الْبَيْتَ، وَقَوْلُ الْعِرَاقِيِّ فِي صَدْرِ أَلْفِيَّتِهِ الْحَدِيثِيَّةِ نَظَمْتهَا تَبْصِرَةً لِلْمُبْتَدِئِ الْبَيْتَ، وَجُمْلَةُ (سَمَّيْته) مَعْطُوفَةٌ عَلَى نَظَمْته وَحِينَ يَتَعَلَّقُ بِتَعُمُّ. وَ (تَمَّ) بِمَعْنَى كَمُلَ وَبِمَا يَتَعَلَّقُ بِأَلَمَّ، وَ (أَلَمَّ) مَعْنَاهُ نَزَلَ وَالْمُنَاسِبُ لِلْمَحَلِّ أَنَّهُ مِنْ بَابِ قَوْلِهِمْ أَلَمَّ بِكَذَا أَيْ أَشْعَرَ بِهِ أَوْ لَا إلْمَامَ لَهُ بِكَذَا أَيْ لَا إشْعَارَ لَهُ بِهِ، وَبِهِ يَتَعَلَّقُ بِتَعُمُّ وَالْبَلْوَى مُبْتَدَأٌ وَجُمْلَةُ تَعُمُّ خَبَرُهُ وَالْجُمْلَةُ صِلَةُ مَا، وَجُمْلَةُ قَدْ أَلَمَّ حَالٌ مِنْ فَاعِلِ تَمَّ، وَتَقْدِيرُ الْبَيْتِ نَظَمْته تَذْكِرَةً وَسَمَّيْتُهُ بِكَذَا حِينَ كَمُلَ حَالَ كَوْنِهِ مُلِمًّا أَيْ مُشْعِرًا بِمَا الْبَلْوَى تَعُمُّ بِهِ لِلْقُضَاةِ وَيَتَكَرَّرُ وُقُوعُهُ لَدَيْهِمْ وَالتُّحْفَةُ مَا أَتْحَفْت بِهِ الرَّجُلَ مِنْ الْبِرِّ وَاللُّطْفِ وَكَذَا التُّحْفَةُ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَالْجَمْعُ تُحَفٌ (وَالنُّكَتُ) جَمْعُ نُكْتَةٍ بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ وَهِيَ التَّنْبِيهُ عَلَى مَا يَنْبُو عَنْهُ النَّظَرُ وَلَا يُدْرَكُ بِسُرْعَةٍ (وَالْعُقُودُ) جَمْعُ عَقْدٍ، وَالْمُرَادُ بِهَا الصُّكُوكُ وَالْوَثَائِقُ الْمَكْتُوبُ فِيهَا مَا انْبَرَمَ بَيْنَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ مِنْ بَيْعٍ أَوْ نِكَاحٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، (وَالْأَحْكَامُ) جَمْعُ حُكْمٍ وَهُوَ مَا يُلْزِمُ بِهِ الْقَاضِي الْمُتَخَاصِمَيْنِ أَوْ أَحَدَهُمَا مُوَافِقًا لِلشَّرْعِ لِأَنَّ الْفَتْوَى هِيَ الْإِخْبَارُ بِالْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ مِنْ غَيْرِ إلْزَامٍ وَالْحُكْمُ هُوَ الْإِلْزَامُ بِالْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ وَفِي هَذِهِ التَّسْمِيَةِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ جَرَى مَجْرَى الْمُؤَلِّفِينَ فِي الْأَحْكَامِ مِنْ عَدَمِ تَعَرُّضِهِمْ لِلْمُعْتَقَدَاتِ وَالْعِبَادَاتِ بَلْ اقْتَصَرُوا عَلَى

مَسَائِلِ الْأَحْكَامِ وَالْخُصُومَاتِ. وَقَدْ جَرَى النَّاظِمُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى عَادَةِ غَيْرِهِ مِنْ الْمُؤَلِّفِينَ فِي تَسْمِيَةِ تَآلِيفِهِمْ بِمَا يَخْتَارُونَهُ لَهَا مِنْ الْأَسْمَاءِ الدَّالَّةِ عَلَى مَا يُرِيدُونَهُ فِيهَا وَكَلَامُهُ صَرِيحٌ فِي أَنَّ التَّسْمِيَةَ كَانَتْ بَعْدَ كَمَالِ النَّظْمِ وَتَمَامِهِ وَهَذِهِ التَّسْمِيَةُ مُشْعِرَةٌ بِأَنَّ لِلنَّاظِمِ كَلَامًا عَلَى الْوَثَائِقِ وَهُوَ إنَّمَا تَكَلَّمَ عَلَى الْأَحْكَامِ خَاصَّةً وَأَجَابَ وَلَدُهُ بِأَنَّ الْفِقْهَ الْمَذْكُورَ فِي النَّظْمِ هُوَ الَّذِي بُنِيَتْ عَلَيْهِ الْعُقُودُ وَرُسِمَتْ عَلَيْهِ الْوَثَائِقُ فَمَعْرِفَتُهُ طَرِيقٌ لِمَعْرِفَةِ مَا عُقِدَ فِي الْوَثَائِقِ وَطَرِيقَةُ التَّوْثِيقِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الِاحْتِيَاطِ وَالْحَزْمِ وَالْخُرُوجِ عَنْ الْخِلَافِ وَارْتِكَابِ الْوَجْهِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ قَطْعًا لِلنِّزَاعِ وَالْخُصُومَاتِ، وَذَلِكَ كَاشْتِرَاطِهِمْ إذْنَ الْمَضْمُونِ عَنْهُ لِلضَّامِنِ فِي الضَّمَانِ وَإِنْ كَانَ الْمَشْهُورُ عَدَمَ اشْتِرَاطِهِ وَسَيَقُولُ النَّاظِمُ وَلَا اعْتِبَارَ بِرِضَا مَنْ ضَمِنَا وَكَإِنْزَالِ الْمُشْتَرِي فِيمَا اشْتَرَاهُ مِنْ الْأُصُولِ أَيْ إقْبَاضَهُ إيَّاهَا وَذَلِكَ لِلْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ الَّذِي فِي انْتِقَالِ الضَّمَانِ هَلْ هُوَ بِنَفْسِ الْعَقْدِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ أَوْ إلَّا مَعَ الْقَبْضِ فَلِلْخُرُوجِ مِنْ هَذَا الْخِلَافِ يَقُولُ الْمُوَثِّقُونَ فِي وَثَائِقِهِمْ وَنَزَلَ الْمُبْتَاعُ فِيمَا ابْتَاعَ، وَأَبْرَأ الْبَائِعَ مِنْ دَرْكِ الْإِنْزَالِ؛ لِأَنَّهُ بِنُزُولِهِ فِيمَا ابْتَاعَ يُسْقِطُ الضَّمَانَ عَنْ الْبَائِعِ بِاتِّفَاقٍ. وَفِي ذَلِكَ يَقُولُ الْإِمَامُ سَيِّدِي عَبْدُ الْوَاحِدِ الْوَنْشَرِيسِيُّ فِي نَظْمِ إيضَاحِ الْمَسَالِكِ لِوَالِدِهِ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ - فِي تَرْجَمَةِ الْبَيْعِ هَلْ هُوَ الْعَقْدُ فَقَطْ أَوْ الْعَقْدُ وَالْقَبْضُ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْإِنْزَالَ. وَلِلْخُرُوجِ مِنْ خِلَافِ أَشْهُبَا ... أَوْرَدَهُ الْمُوَثِّقُونَ الْكُتُبَا إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مَسَائِلِهِمْ الْمَبْنِيَّةِ عَلَى الِاحْتِيَاطِ وَالْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ، وَالْفِقْهُ الَّذِي تَضَمَّنَتْهُ كُتُبُ الْأَحْكَامِ هُوَ لُبَابُ الْفِقْهِ وَمَنْخُولُهُ. وَذَاكَ لَمَّا أَنْ بُلِيتُ بِالْقَضَا ... بَعْدَ شَبَابٍ مَرَّ عَنِّي وَانْقَضَى وَإِنَّنِي أَسْأَلُ مِنْ رَبٍّ قَضَا ... بِهِ عَلَيَّ الرِّفْقَ مِنْهُ فِي الْقَضَا وَالْحَمْلَ وَالتَّوْفِيقَ أَنْ أَكُونَا ... مِنْ أُمَّةٍ بِالْحَقِّ يَعْدِلُونَا حَتَّى أُرَى مِنْ مُفْرَدِ الثَّلَاثَةِ ... وَجَنَّةُ الْفِرْدَوْسِ لِي وِرَاثَهْ الْإِشَارَةُ بِذَلِكَ إلَى النَّظْمِ تَسْمِيَتُهُ (وَلَمَّا) بِمَعْنَى حِينَ، (وَأَنْ) بَعْدَهَا زَائِدَةٌ عَلَى حَدِّ {وَلَمَّا أَنْ جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا} [العنكبوت: 33] وَبُلِيتُ مَعْنَاهُ اُمْتُحِنْت بِخُطَّةِ الْقَضَاءِ فَبِالْقَضَاءِ يَتَعَلَّقُ بِبُلِيتُ وَكَذَا بَعْدَ شَبَابٍ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُتَعَلِّقًا بِمَحْذُوفٍ صِفَةً، أَوْ حَالًا مِنْ الْقَضَاءِ (وَالشَّبَابُ) الصِّبَا وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ الشَّبَابُ الْحَدَاثَةُ وَكَذَا الشَّبِيبَةُ وَأَشَارَ بِالْبَيْتِ إلَى بَيَانِ وَقْتِ نَظْمِهِ لِهَذِهِ الْأُرْجُوزَةِ وَهُوَ حِينَ وِلَايَتِهِ خُطَّةَ الْقَضَاءِ وَقَدْ كَانَتْ وِلَايَتُهُ لَهَا بِمَدِينَةِ وَادِي آشٍ فِي شَهْرِ صَفَرٍ مِنْ عَامِ عِشْرِينَ وَثَمَانِ مِائَةٍ إلَى أَنْ نُقِلَ عَنْهَا إلَى قَضَاءِ الْجَمَاعَةِ بِالْحَضْرَةِ وَذَلِكَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ مِنْ عَامِ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ وَثَمَانِ مِائَةٍ كَذَا قَالَ وَلَدُهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَيَعْنِي بِالْحَضْرَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ حَضْرَةَ غَرْنَاطَةَ أَعَادَهَا اللَّهُ لِلْإِسْلَامِ ثُمَّ سَأَلَ مِنْ اللَّهِ سُبْحَانَهُ أَنْ يَرْفُقَ بِهِ فِيمَا قَضَى بِهِ فِي أَزَلِهِ وَجُمْلَةُ قَضَى بِهِ عَلَيَّ صِفَةٌ (لِرَبٍّ) ، (وَالرِّفْقَ) مَفْعُولُ أَسْأَلَ. (وَالْحَمْلَ وَالتَّوْفِيقَ) مَعْطُوفَانِ عَلَى الرِّفْقِ وَالْحَمْلِ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ، أَيْ قُوَّةَ الْحَمْلِ سَأَلَ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يُعِينَهُ عَلَى حَمْلِ أَعْبَاءِ هَذِهِ الْخُطَّةِ الْعَظِيمَةِ وَأَنْ يُوَفِّقَهُ فِيهَا إلَى الصَّوَابِ لَأَنْ يَكُونَ مِمَّنْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ {وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ} [الأعراف: 181] حَتَّى يَرَى مُفْرَدَ الثَّلَاثَةِ وَأَشَارَ بِهِ إلَى مَا خَرَّجَهُ النَّسَائِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْقُضَاةُ ثَلَاثَةٌ اثْنَانِ فِي النَّارِ وَوَاحِدٌ فِي الْجَنَّةِ، رَجُلٌ عَرَفَ الْحَقَّ فَقَضَى بِهِ فَهُوَ فِي الْجَنَّةِ، وَرَجُلٌ عَرَفَ الْحَقَّ فَلَمْ يَقْضِ بِهِ وَجَارَ فِي الْحُكْمِ فَهُوَ فِي النَّارِ، وَرَجُلٌ لَمْ يَعْرِفْ الْحَقَّ فَقَضَى لِلنَّاسِ عَلَى جَهْلٍ فَهُوَ فِي النَّارِ» وَجُمْلَةُ وَجَنَّةُ الْفِرْدَوْسِ لِي وِرَاثَهْ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنْ نَائِبِ أُرَى، (الْجَنَّةَ) بِفَتْحِ الْجِيمِ الْحَدِيقَةُ ذَاتُ النَّخْلِ وَالشَّجَرِ قَالَ فِي الْقَامُوسِ وَالْفِرْدَوْسُ قَالَ الْفَرَّاءُ الْفِرْدَوْسُ عِنْدَ الْعَرَبِ الْبُسْتَانُ الَّذِي فِيهِ الْكَرْمُ وَمَعْنَى كَوْنِهَا وِرَاثَةً لَهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِهَا.

باب القضاء وما يتعلق به

[بَابُ الْقَضَاءِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ] ِ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ فِي الْقَضَاءِ وَهُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: الْقَضَاءُ فِي اللُّغَةِ عَلَى وُجُوهٍ مَرْجِعُهَا إلَى انْقِضَاءِ الشَّيْءِ وَتَمَامِهِ وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ الْقَضَاءُ الْحُكْمُ، وَعِلْمُ الْقَضَاءِ وَإِنْ كَانَ أَحَدَ أَنْوَاعِ عِلْمِ الْفِقْهِ إلَّا أَنَّهُ يَتَمَيَّزُ بِأُمُورٍ زَائِدَةٍ لَا يُحْسِنُهَا كُلُّ الْفُقَهَاءِ وَقَدْ يُحْسِنُهُ مَنْ لَا بَاعَ لَهُ فِي الْفِقْهِ وَهُوَ كَالتَّصْرِيفِ مِنْ عِلْمِ الْعَرَبِيَّةِ فَإِنَّهُ لَيْسَ كُلُّ النُّحَاةِ يَعْلَمُ التَّصْرِيفَ، وَقَدْ يُحْسِنُهُ مَنْ لَا بَاعَ لَهُ فِي النَّحْوِ. وَإِنَّمَا كَانَ فَرْضًا لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْإِنْسَانُ لَا يَسْتَقِلُّ بِأُمُورِ دُنْيَاهُ إذْ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ حَرَّاثًا طَحَّانًا جَزَّارًا إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الصَّنَائِعِ الْمُفْتَقَرِ (إلَيْهَا احْتَاجَ إلَى غَيْرِهِ) ثُمَّ بِالضَّرُورَةِ قَدْ يَحْصُلُ بَيْنَهُمَا التَّشَاجُرُ وَالتَّخَاصُمُ لِاخْتِلَافِ الْأَغْرَاضِ فَاحْتِيجَ إلَى مَنْ يَفْصِلُ تِلْكَ الْخُصُومَةَ وَيَمْنَعُ بَعْضَهُمْ مِنْ غَرَضِهِ؛ وَلِهَذَا وَجَبَ إقَامَةُ الْخَلِيفَةِ لَكِنْ نَظَرُ الْخَلِيفَةِ أَعَمُّ إذْ أَحَدُ مَا يَنْظُرُ فِيهِ الْقَضَاءُ وَلَمَّا كَانَ هَذَا الْغَرَضُ يَحْصُلُ بِوَاحِدٍ أَوْ جَمَاعَةٍ كَانَ ذَلِكَ فَرْضَ كِفَايَةٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ شَأْنُ فَرْضِ الْكِفَايَةِ اهـ. (ابْنُ عَرَفَةَ) الْقَضَاءُ صِفَةٌ حُكْمِيَّةٌ تُوجِبُ لِمَوْصُوفِهَا نُفُوذَ حُكْمِهِ الشَّرْعِيِّ وَلَوْ بِتَعْدِيلٍ أَوْ تَجْرِيحٍ لَا فِي عُمُومِ مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ، وَالنُّفُوذُ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ الْإِمْضَاءُ وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا، أَمَّا بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ فَمَعْنَاهُ الْفَرَاغُ وَالتَّمَامُ، وَقَوْلُهُ: نُفُوذُ حُكْمِهِ. . . إلَخْ أَخْرَجَ بِهِ مَنْ لَيْسَ بِتِلْكَ الصِّفَاتِ فَإِنَّهُ لَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ وَإِنَّمَا تَثْبُتُ الصِّفَةُ الْحُكْمِيَّةُ لِلْمَوْصُوفِ بَعْدَ ثُبُوتِ تَقْدِيمِهِ لِلْحُكْمِ، فَتَقْدِيمُهُ لِلْحُكْمِ وَالْفَصْلِ إذَا كَانَ أَهْلًا هُوَ الْمُوجِبُ لِحُصُولِ الصِّفَةِ الْحُكْمِيَّةِ وَالْمُرَادُ بِالْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ هُنَا هُوَ إلْزَامُ الْقَاضِي الْخَصْمَ أَمْرًا شَرْعِيًّا، وَالْإِضَافَةُ تُعَيِّنُهُ؛ لِقَوْلِهِ: حُكْمُهُ الشَّرْعِيُّ، وَأَخْرَجَ بِهِ غَيْرَ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ خِطَابَ اللَّهِ تَعَالَى. وَقَوْلُهُ: وَلَوْ بِتَعْدِيلٍ أَوْ تَجْرِيحٍ هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى مُقَدَّرٍ أَيْ بِكُلِّ شَيْءٍ حَكَمَ بِهِ وَلَوْ بِتَجْرِيحٍ أَوْ تَعْدِيلٍ لِيَصِيرَ التَّعْدِيلُ وَالتَّجْرِيحُ مِنْ مُتَعَلِّقِ الْحُكْمِ وَهُوَ كَذَلِكَ وَخَرَجَ بِقَوْلِنَا (بِكُلِّ شَيْءٍ حَكَمَ بِهِ) الَّذِي قُلْنَا إنَّهُ مُقَدَّرٌ قَبْلَ قَوْلِهِ وَلَوْ بِتَعْدِيلِ الثُّبُوتِ وَالتَّأْجِيلَاتِ وَنَحْوِهِمَا إذْ لَيْسَتْ بِحُكْمٍ. قَوْلِهِ: (لَا فِي عُمُومِ مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ) أَخْرَجَ بِهِ الْإِمَامَةَ الْكُبْرَى؛ لِأَنَّ نَظَرَهُ أَوْسَعُ مِنْ نَظَرِ الْقَاضِي لِأَنَّهُ أَيْ الْقَاضِيَ لَيْسَ لَهُ قِسْمَةُ الْغَنَائِمِ وَلَا تَفْرِيقُ مَالِ بَيْتِ الْمَالِ وَلَا تَرْتِيبُ الْجُيُوشِ وَلَا قِتَالُ الْبُغَاةِ وَلَا الْإِقْطَاعَاتُ وَفِي إقَامَةِ الْحُدُودِ خِلَافٌ اُنْظُرْ الرَّصَّاعَ. (فَائِدَةٌ) قَالَ الْقَرَافِيُّ الْقَاضِي مِنْ حَيْثُ هُوَ قَاضٍ إنَّمَا لَهُ إلْزَامُ الْحُكْمِ، أَمَّا نُفُوذُهُ فَلَا؛ لِتَعَذُّرِ ذَلِكَ عَلَيْهِ كَالْحُكْمِ عَلَى الْمُلُوكِ وَالْجَبَابِرَةِ فَإِلْزَامُ الْحُكْمِ مَوْجُودٌ وَالْقُدْرَةُ عَلَى التَّنْفِيذِ لَا وُجُودَ لَهَا فِي حَقِّ الْعَاجِزِ اهـ. وَعَلَى هَذَا فَمَعْنَى قَوْلِهِ فِي الْحَدِّ نُفُوذُ حُكْمِهِ، أَيْ إلْزَامُ نُفُوذِ كُلِّ مَا ذَكَرْنَاهُ وَالْمَعْنَى أَنَّ هَذِهِ الصِّفَةَ مِنْ شَأْنِهَا ذَلِكَ وَفِي تَبْصِرَةِ ابْنِ فَرْحُونٍ

نَاقِلًا عَنْ الْقَرَافِيِّ الْحَاكِمُ مِنْ حَيْثُ هُوَ حَاكِمٌ لَيْسَ لَهُ إلَّا الْإِنْشَاءُ وَأَمَّا قُدْرَةُ التَّنْفِيذِ فَأَمْرٌ زَائِدٌ عَلَى كَوْنِهِ حَاكِمًا فَقَدْ يُفَوَّضُ لَهُ التَّنْفِيذُ وَقَدْ لَا يَنْدَرِجُ فِي وِلَايَتِهِ اهـ. (وَاعْلَمْ) أَنَّ النَّاظِمَ بَوَّبَ لِلْقَضَاءِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْقَضَاءَ هُوَ الْحُكْمُ وَأَشَارَ لَهُ هُنَا بِقَوْلِهِ مُنَفِّذٌ بِالشَّرْعِ لِلْأَحْكَامِ فَتَرْجَمَ لِلْمَصْدَرِ وَذَكَرَ مَكَانَهُ اسْمَ الْفَاعِلِ لِأَنَّ الْمَصْدَرَ مَوْجُودٌ فِي اسْمِ الْفَاعِلِ وَأَصْلٌ لَهُ فَهُوَ مِنْ التَّعْبِيرِ بِالْأَصْلِ عَنْ الْفَرْعِ كَقَوْلِ ابْنِ مَالِكٍ فِي الِابْتِدَاءِ: مُبْتَدَأٌ زَيْدٌ وَلَمْ يَذْكُرْ بَعْدَهُ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْقَضَاءِ فِي هَذِهِ التَّرْجَمَةِ إلَّا أَوْصَافَ الْقَاضِي الَّتِي بَعْضُهَا شَرْطُ صِحَّةٍ وَبَعْضُهَا شَرْطُ كَمَالٍ أَوْ شَرْطٌ فِي دَوَامِ وِلَايَتِهِ وَمَوْضِعِ جُلُوسِهِ، وَذَلِكَ هُوَ الْمَعْنِيُّ بِقَوْلِهِ فِي التَّرْجَمَةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ وَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ. مُنَفِّذٌ بِالشَّرْعِ لِلْأَحْكَامِ ... لَهُ نِيَابَةٌ عَنْ الْإِمَامِ يَعْنِي أَنَّ الْقَاضِيَ هُوَ الْمُنَفِّذُ لِلْأَحْكَامِ بِمُقْتَضَى الشَّرْعِ وَمُوَافَقَتِهِ، وَأَنَّ لَهُ نِيَابَةً عَنْ الْإِمَامِ فِي ذَلِكَ (فَمُنَفِّذٌ) خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ الْقَاضِي مُنَفِّذٌ، (وَلِلْأَحْكَامِ) يَتَعَلَّقُ بِمُنَفِّذٌ وَكَذَا بِالشَّرْعِ (وَلَهُ نِيَابَةٌ) خَبَرٌ وَمُبْتَدَأٌ سَوَّغَ الِابْتِدَاءَ بِهِ الْعَمَلُ فِي عَنْ الْإِمَامِ، وَالْجُمْلَةُ خَبَرٌ ثَانٍ عَنْ الْمُبْتَدَأِ الْمَحْذُوفِ، وَالرَّابِطُ لِجُمْلَةِ الْخَبَرِ بِالْمُبْتَدَأِ ضَمِيرُ (لَهُ) وَهَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَوْلَى مِنْ إعْرَابِ مُنَفِّذٌ مُبْتَدَأً. وَجُمْلَةُ (لَهُ نِيَابَةٌ) خَبَرُهُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالذَّاتِ هُوَ التَّعْرِيفُ بِالْقَاضِي وَأَنَّهُ الْمُنَفِّذُ لِلْأَحْكَامِ، وَأَمَّا كَوْنُهُ نَائِبًا عَنْ الْإِمَامِ فَزَائِدٌ عَنْ الْمَقْصُودِ. وَهْبُهُ مَقْصُودًا أَيْضًا فَدَلَالَةُ الْكَلَامِ عَلَى فَائِدَتَيْنِ كَمَا يَقْتَضِيه الْإِعْرَابُ الْأَوَّلُ أَوْلَى مِنْ دَلَالَتِهِ عَلَى وَاحِدَةٍ كَمَا يَقْتَضِيه الْإِعْرَابُ الثَّانِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ: لَهُ نِيَابَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّ لِلْإِمَامِ عَزْلَهُ مَتَى شَاءَ لِسَبَبٍ وَلِغَيْرِ سَبَبٍ كَمَا هُوَ الشَّأْنُ فِيمَنْ اسْتَنَابَ غَيْرَهُ وَوَكَّلَهُ عَلَى أَمْرٍ بَدَا لَهُ فَلَهُ عَزْلُهُ بِخِلَافِ مَنْ أَوْصَى لَهُ الْإِمَامُ بِالْخِلَافَةِ وَقَبِلَ فَلَيْسَ لَهُ عَزْلُهُ. وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْقَاضِيَ وَسَائِرَ الْعُمَّالِ إنَّمَا وَلَّاهُمْ لِيَنُوبُوا عَنْهُ فِي بَعْضِ الْكُلَفِ وَالْأَشْغَالِ الَّتِي عَلَيْهِ أَنْ يَقُومَ بِهَا لِلْمُسْلِمِينَ وَيَنُوبُوا عَنْهُ فِي ذَلِكَ وَلِلْمُوَكِّلِ أَنْ يَعْزِلَ وَكِيلَهُ وَلَا كَذَلِكَ الْوَصِيَّةُ لِلرَّجُلِ يَكُونُ بَعْدَهُ إمَامًا لِلْمُسْلِمِينَ فَهَذَا لَيْسَ بِحَقٍّ لَهُ جَعْلُ غَيْرِهِ يَنُوبُ عَلَيْهِ فِيهِ وَإِنَّمَا هُوَ حُكْمٌ حَكَمَ بِهِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَأَحْكَامُهُ عَلَيْهِمْ نَافِذَةٌ قَالَهُ الْمَازِرِيُّ اهـ. مِنْ الْفُرُوقِ لِلْإِمَامِ سَيِّدِي أَحْمَدَ الْوَنْشَرِيسِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي تَبْصِرَتِهِ) حَقِيقَةُ الْقَضَاءِ الْإِخْبَارُ عَنْ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ عَلَى سَبِيلِ الْإِلْزَامِ (قَالَ غَيْرُهُ) وَمَعْنَى قَوْلِهِمْ: قَضَى الْقَاضِي، أَيْ أَلْزَمَ الْحَقَّ أَهْلَهُ. وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ {فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ} [سبأ: 14] أَلْزَمْنَاهُ وَحَتَمْنَا بِهِ عَلَيْهِ (وَفِي الْمَدْخَلِ) لِابْنِ طَلْحَةَ الْأَنْدَلُسِيِّ الْقَضَاءُ مَعْنَاهُ: الدُّخُولُ بَيْنَ الْخَلْقِ وَالْخَالِقِ لِيُؤَدِّيَ فِيهِمْ أَوَامِرَهُ وَأَحْكَامَهُ بِوَاسِطَةِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَقَالَ الْقَرَافِيُّ حَقِيقَةُ الْحُكْمِ إنْشَاءُ إلْزَامٍ أَوْ إطْلَاقٍ، فَالْإِلْزَامُ كَحُكْمِهِ بِالنَّفَقَةِ وَالشُّفْعَةِ وَالصَّدَاقِ وَنَحْوِهَا. وَأَمَّا الْحُكْمُ بِالْإِطْلَاقِ فَكَمَا إذَا حَكَمَ بِزَوَالِ الْمِلْكِ عَنْ أَرْضٍ زَالَ الْإِحْيَاءُ عَنْهَا وَأَنْ تَبْقَى مُبَاحَةً لِكُلِّ أَحَدٍ، وَحَكَمَ بِزَوَالِ مِلْكِ الصَّائِدِ عَنْ صَيْدٍ نَدَّ مِنْهُ وَحَازَهُ ثَانٍ. وَحُكْمُهُ أَنَّهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ أَنَّ الْقِيَامَ بِالْقَضَاءِ وَاجِبٌ وَلَا يَتَعَيَّنُ عَلَى أَحَدٍ إلَّا أَنْ لَا يُوجَدَ مِنْهُ عِوَضٌ، وَقَدْ اجْتَمَعَتْ فِيهِ شُرُوطُ الْقَضَاءِ فَيُجْبَرُ عَلَيْهِ قِيلَ: أَيُجْبَرُ بِالضَّرْبِ وَالسِّجْنِ؟ قَالَ: نَعَمْ وَحِكْمَتُهُ رَفْعُ التَّشَاجُرِ وَرَدُّ الثَّوَابِتِ وَقَمْعُ الظَّالِمِ وَنَصْرُ الْمَظْلُومِ وَقَطْعُ الْخُصُومَاتِ وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَغَيْرُهُ ا. هـ. وَقَدْ اشْتَمَلَ هَذَا الْكَلَامُ عَلَى حَقِيقَةِ الْقَضَاءِ وَمَعْنَاهُ وَحُكْمِهِ وَحِكْمَتِهِ ثُمَّ قَالَ فِي التَّبْصِرَةِ: (وَاعْلَمْ أَنَّ أَكْثَرَ الْمُؤَلِّفِينَ بَالَغُوا فِي التَّحْذِيرِ مِنْ الدُّخُولِ فِي وِلَايَةِ الْقَضَاءِ حَتَّى تَقَرَّرَ فِي ذِهْنِ كَثِيرٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَالصُّلَحَاءِ أَنَّ مَنْ وُلِّيَ الْقَضَاءَ فَقَدْ سَهُلَ عَلَيْهِ دِينُهُ وَأَلْقَى بِيَدِهِ إلَى التَّهْلُكَةِ، وَهَذَا غَلَطٌ فَاحِشٌ تَجِبُ التَّوْبَةُ مِنْهُ. وَالْوَاجِبُ تَعْظِيمُ هَذَا الْمَنْصِبِ الشَّرِيفِ وَمَعْرِفَةُ مَكَانَتِهِ مِنْ الدِّينِ فِيهِ بُعِثَتْ الرُّسُلُ وَبِالْقِيَامِ بِهِ قَامَتْ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ وَجَعَلَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ النِّعَمِ الَّتِي يُبَاحُ الْحَسَدُ عَلَيْهَا (فَقَدْ جَاءَ) مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا حَسَدَ إلَّا فِي اثْنَتَيْنِ رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا

فَسُلِّطَ عَلَى هَلَكَتِهِ فِي الْحَقِّ وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ الْحِكْمَةَ فَهُوَ يَقْضِي بِهَا وَيَعْمَلُ بِهَا» (وَجَاءَ) مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «هَلْ تَدْرُونَ مَنْ السَّابِقُ إلَى ظِلِّ اللَّهِ تَعَالَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ: الَّذِينَ إذَا أُعْطُوا الْحَقَّ قَبِلُوهُ وَإِذَا سُئِلُوهُ بَذَلُوهُ وَإِذَا حَكَمُوا لِلْمُسْلِمِينَ حَكَمُوا كَحُكْمِهِمْ» . (وَفِي الْحَدِيثِ) «سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمْ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إلَّا ظِلُّهُ إمَامٌ عَادِلٌ» وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْمُقْسِطُونَ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» إلَى غَيْرِ ذَلِكَ. (وَاعْلَمْ) أَنَّ كُلَّ مَا جَاءَ مِنْ الْأَحَادِيثِ الَّتِي فِيهَا تَخْوِيفٌ وَوَعِيدٌ إنَّمَا هِيَ فِي حَقِّ قُضَاةِ الْجَوْرِ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَفِي حَقِّ الْجُهَّالِ الَّذِينَ يُدْخِلُونَ أَنْفُسَهُمْ فِي هَذَا الْمَنْصِبِ بِغَيْرِ عِلْمٍ) اهـ. بِاخْتِصَارٍ، وَقَوْلُهُ فِي التَّحْذِيرِ مِنْ الْقَضَاءِ: وَهَذَا غَلَطٌ فَاحِشٌ لَيْسَ هُوَ غَلَطًا وَإِنَّمَا هُوَ نَظَرٌ لِلْغَالِبِ الَّذِي هُوَ كَالْمُحَقَّقِ، فَإِنَّ الطَّبِيعَةَ الْبَشَرِيَّةَ وَاحِدَةٌ وَمَا جَازَ عَلَى الْمِثْلِ يَجُوزُ عَلَى مُمَاثِلِهِ، وَالْعَيْبُ يَحْدُثُ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ، وَالنَّفْسُ مَجْبُولَةٌ عَلَى حُبِّ الدُّنْيَا وَالْإِمَارَةِ وَالْمَيْلِ لِلنَّفْسِ وَالْأَقَارِبِ وَالْأَصْحَابِ وَمَنْ يُعَامِلُهَا بِخَيْرٍ فَالتَّحْذِيرُ مِنْ الْقَضَاءِ مِنْ بَابِ سَدِّ الذَّرَائِعِ وَتَقْدِيمِ دَرْءِ الْمَفَاسِدِ عَلَى جَلْبِ الْمَصَالِحِ وَمِنْ بَابِ قَوْلِ الْقَائِلِ: إنَّ السَّلَامَةَ مِنْ سَلْمَى وَجَارَتِهَا ... أَلَّا تَحِلَّ عَلَى حَالٍ بِوَادِيهَا (وَقَدْ سَمِعْت) مِنْ بَعْضِ أَشْيَاخِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ أَمِيرًا وَلَّى إنْسَانًا خُطَّةَ الْحِسْبَةِ ثُمَّ بَعْدَ أَيَّامٍ قَلِيلَةٍ طَلَبَ مِنْ الْأَمِيرِ أَنْ يُخَلِّيَهُ عَنْ تِلْكَ الْخُطَّةِ وَيُوَلِّيَهَا لِغَيْرِهِ فَقَالَ لَهُ: لِمَ؟ فَقَالَ: إنَّ النَّاسَ يُهْدُونَ لِي وَيُعَامِلُونَنِي بِخَيْرٍ لَمَّا تَوَلَّيْت وَلَا أَقْدِرُ أَنْ أَحْكُمَ عَلَى مَنْ يُعَامِلُنِي بِخَيْرٍ بِمَا يَكْرَهُ فَانْظُرْ فَإِنَّ مِثْلَ هَذَا هُوَ الْمَوْجُودُ غَالِبًا وَأَمَّا مَنْ لَا يَقْبَلُ هَدِيَّةً وَلَا يَمِيلُ لِغَرَضٍ وَلَا يَخَافُ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ فَهُوَ قَلِيلٌ لَا سِيَّمَا فِي هَذَا الْوَقْتِ فَهُوَ مِمَّا يُسْمَعُ بِهِ وَلَا يُرَى تَغَمَّدَ اللَّهُ الْجَمِيعَ بِرَحْمَتِهِ وَاسْتُحْسِنَتْ فِي حَقِّهِ الْجَزَالَةُ ... وَشَرْطُهُ التَّكْلِيفُ وَالْعَدَالَةُ وَأَنْ يَكُونَ ذَكَرًا حُرًّا سَلِمْ ... مِنْ فَقْدِ رُؤْيَةٍ وَسَمْعٍ وَكَلِمْ وَيُسْتَحَبُّ الْعِلْمُ فِيهِ وَالْوَرَعْ ... مَعَ كَوْنِهِ الْحَدِيثَ لِلْفِقْهِ جَمَعْ ذَكَرَ فِي هَذِهِ الْأَبْيَاتِ بَعْضَ شُرُوطِ الْقَاضِي، وَيُطْلَقُ عَلَيْهَا صِفَاتٌ؛ لِأَنَّهَا قَائِمَةٌ بِهِ وَقَسَّمَهَا إلَى قِسْمَيْنِ: شُرُوطُ صِحَّةٍ يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهَا أَوْ عَدَمِ وَاحِدٍ مِنْهَا عَدَمُ صِحَّةِ وِلَايَتِهِ، وَشُرُوطُ كَمَالٍ تَصِحُّ وِلَايَتُهُ بِدُونِهَا لَكِنْ الْأَوْلَى وُجُودُهَا فَذَكَرَ مِنْ شُرُوطِ الصِّحَّةِ التَّكْلِيفَ وَالْعَدَالَةَ وَالذُّكُورَةَ وَالْحُرِّيَّةَ وَكَوْنَهُ سَمِيعًا بَصِيرًا مُتَكَلِّمًا. وَمِنْ شُرُوطِ الْكَمَالِ الْجَزَالَةَ وَالْعِلْمَ وَالْوَرَعَ، وَجَمْعَهُ بَيْنَ الْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ فَاشْتَرَطَ فِيهِ التَّكْلِيفَ الْمُشْتَمِلَ عَلَى شَرْطَيْ الْعَقْلِ وَالْبُلُوغِ لِأَنَّ غَيْرَ الْعَاقِلِ وَغَيْرَ الْبَالِغِ لَا يَجْرِي عَلَيْهِمَا قَلَمٌ وَلَا يَتَوَجَّهُ إلَيْهِمَا خِطَابٌ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِقَوْلِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حُكْمٌ عَلَى نَفْسِهِ فَأَوْلَى عَلَى غَيْرِهِ وَلَا يُكْتَفَى فِي شَرْطِ الْعَقْلِ بِالْعَقْلِ الَّذِي يَتَعَلَّمُ بِهِ التَّكْلِيفَ مِنْ عِلْمِهِ بِالْمُدْرِكَاتِ الضَّرُورِيَّاتِ بَلْ حَتَّى يَكُونَ صَحِيحَ التَّمْيِيزِ جَيِّدَ الْفِطْنَةِ بَعِيدًا مِنْ السَّهْوِ وَالْغَفْلَةِ؛ حَتَّى يَتَوَصَّلَ بِذَلِكَ إلَى وُضُوحِ مَا أَشْكَلَ وَفَصْلِ مَا أَعْضَلَ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَاشْتَرَطْتُ فِيهِ الْعَدَالَةَ الْمُسْتَلْزِمَةَ لِشَرْطِ الْإِسْلَامِ لِأَنَّ الْكَافِرَ لَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ لَهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا. وَالْوِلَايَةُ مِنْ أَعْظَمِ السَّبِيلِ؛ وَلِأَنَّ الْفَاسِقَ غَيْرُ مَأْمُونٍ عَلَى الْأَحْكَامِ وَلَا مَوْثُوقٌ بِهِ فِي اجْتِنَابِ الْأَغْرَاضِ وَيَأْتِي أَنَّ الْعَدْلَ هُوَ مَنْ يَجْتَنِبُ الْكَبَائِرَ وَيَتَّقِي فِي الْغَالِبِ الصَّغَائِرَ وَالْمُبَاحَ الَّذِي يَقْدَحُ فِي الْمُرُوءَةِ كَالْأَكْلِ فِي السُّوقِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَاشْتَرَطْتُ فِيهِ الذُّكُورَةَ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ فَرْعٌ عَنْ الْإِمَامَةِ، الْعُظْمَى وَوِلَايَةُ الْمَرْأَةِ الْإِمَامَةَ مُمْتَنِعٌ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمْ امْرَأَةً» فَكَذَلِكَ النَّائِبُ عَنْهُ لَا يَكُونُ امْرَأَةً. وَبِالْجُمْلَةِ فَمَنْصِبُ الْوِلَايَةِ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ لِلنِّسَاءِ وَاشْتُرِطَتْ الْحُرِّيَّةُ؛ لِأَنَّ الرِّقَّ بَقِيَّةُ أَثَرِ الْكُفْرِ وَالنُّفُوسُ تَأْنَفُ مِنْ الِانْقِيَادِ لِمَنْ عَلَيْهِ رِقٌّ وَالْإِذْعَانِ لِمَنْ تَقَرَّرَ عَلَيْهِ لِسِوَاهُ مِلْكٌ (قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ) : وَإِذَا كَانَ نَقْصُ الرِّقِّ مَانِعًا مِنْ وِلَايَةِ نَفْسِهِ فَأَحْرَى أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ إنْفَاذِ وِلَايَتِهِ عَلَى غَيْرِهِ وَلِأَنَّ الرِّقَّ لَمَّا مَنَعَ مِنْ قَبُولِ الشَّهَادَةِ كَانَ أَوْلَى أَنْ يَمْنَعَ مِنْ نُفُوذِ الْحُكْمِ وَانْعِقَادِ الْوِلَايَةِ وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِيمَنْ لَمْ تَكْمُلْ حُرِّيَّتُهُ مِنْ مُدَبَّرٍ

وَمُكَاتَبٍ وَمُعْتَقٍ بَعْضُهُ هَذَا فِي الْحُكْمِ، وَأَمَّا فِي الْفَتْوَى فَلَا يَمْنَعُهُ الرِّقُّ أَنْ يُفْتِيَ وَلَا أَنْ يَرْوِيَ لِعَدَمِ الْوِلَايَةِ فِي الْفَتْوَى وَالرِّوَايَةِ وَيَجُوزُ لَهُ إذَا عَتَقَ أَنْ يَقْضِيَ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ وَلَاءٌ. وَأَمَّا اشْتِرَاطُ كَوْنِهِ سَمِيعًا بَصِيرًا مُتَكَلِّمًا فَظَاهِرُهُ أَنَّهَا مِنْ شُرُوطِ الصِّحَّةِ أَيْضًا (قَالَ فِي التَّوْضِيحِ) عَنْ ابْنِ رُشْدٍ وَهُوَ ظَاهِرُ مَا فِي وَثَائِقِ أَبِي الْقَاسِمِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ فَقْدَهَا مُوجِبٌ لِلْعَزْلِ فَتَنْفُذُ وِلَايَةُ الْأَصَمِّ وَالْأَعْمَى وَالْأَبْكَمِ، وَتَنْفُذُ أَحْكَامُهُ وَيَجِبُ عَزْلُهُ سَوَاءٌ وُلِّيَ كَذَلِكَ أَوْ طَرَأَ عَلَيْهِ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا اُشْتُرِطَتْ السَّلَامَةُ فِي الْأَعْضَاءِ الثَّلَاثَةِ لِعَدَمِ تَأَتِّي الْمَقْصُودِ مِنْ الْفَهْمِ وَالْإِبْهَامِ لِفَاقِدِ بَعْضِهَا فَضْلًا عَنْ كُلِّهَا. (تَنْبِيهٌ) زَادَ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي شُرُوطِ الصِّحَّةَ أَنْ يَكُونَ مُجْتَهِدًا فَطِنًا فَلَا يَجُوزُ وَلَا تَصِحُّ وِلَايَةُ الْمُقَلِّدِ وَلَا تَنْفُذُ أَحْكَامُهُ قَالَ الْمَازِرِيُّ هَكَذَا يَحْكِي أَصْحَابُنَا عَنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا تَجُوزُ وِلَايَةُ الْمُقَلِّدِ وَهَذَا إنَّمَا هُوَ مَعَ وُجُودِ الْمُجْتَهِدِ وَإِلَّا صَحَّتْ وِلَايَةُ غَيْرِهِ (ابْنُ الْحَاجِبِ) فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مُجْتَهِدٌ فَمُقَلِّدٌ (ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ) فَيَنْبَغِي أَنْ يَخْتَارَ أَعْلَمَ الْمُقَلِّدِينَ، وَهَلْ يَلْزَمُهُ الِاقْتِصَارُ عَلَى قَوْلِ إمَامِهِ أَمْ لَا؟ قَوْلَانِ، وَلِاشْتِرَاطِ كَوْنِهِ فَطِنًا لَا تَجُوزُ وِلَايَةُ الْمُغَفَّلِ كَمَا فِي الشَّهَادَةِ بَلْ اشْتِرَاطُهَا هُنَا أَوْلَى (قَالَ فِي التَّوْضِيحِ) وَبَقِيَ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ شَرْطٌ تَاسِعٌ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْقَاضِي وَاحِدًا نَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ شَاسٍ وَابْنُ شَعْبَانَ وَغَيْرُهُمَا، أَيْ لَا يَجُوزُ أَنْ يُفَرَّضَ الْقَضَاءُ إلَى اثْنَيْنِ لَا يَتِمُّ الْحُكْمُ إلَّا بِاجْتِمَاعِهِمَا (ابْنُ الْحَاجِبِ) وَيَجُوزُ أَنْ يُنَصَّبَ فِي الْبَلَدِ قَاضِيَانِ أَوْ أَكْثَرُ كُلٌّ مُسْتَقِلٌّ أَوْ مُخْتَصٌّ بِنَاحِيَةٍ أَوْ نَوْعٍ، وَأَمَّا شُرُوطُ الْكَمَالِ فَذَكَرَ فِي النَّظْمِ مِنْهَا أَرْبَعَةً: الْأُولَى: الْجَزَالَةُ مَصْدَرُ جَزَلَ فَهُوَ جَزِيلٌ وَهُوَ الْعَاقِلُ الْأَصِيلُ الرَّأْيُ قَالَهُ فِي الْقَامُوسِ وَقَالَ عِيَاضٌ: الْجَزَالَةُ الْوَقَارُ وَالْعَقْلُ وَالْقَطْعُ وَفَسَّرَهَا بَعْضُهُمْ بِالْقُوَّةِ وَالْإِحْكَامِ وَالْإِتْقَانِ وَمَعْنَى اُسْتُحْسِنَتْ اُسْتُحِبَّتْ قَالَ الشَّارِحُ: كَوْنُهُ جَزِيلًا ذَكَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَات فِي خِصَالِهِ الْمُسْتَحَبَّةِ. الثَّانِي: الْعِلْمُ (قَالَ فِي التَّوْضِيحِ) نَصَّ فِي الْمُقَدِّمَاتِ عَلَى أَنَّ الْعِلْمَ مِنْ الصِّفَاتِ الْمُسْتَحَبَّةِ اهـ.

وَقَالَ الشَّارِحُ: وَكَوْنُ الْعِلْمِ فِي الْقَاضِي مِنْ الشُّرُوطِ الْمُسْتَحَبَّةِ هُوَ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ ابْنُ زَرْقُونَ وَابْنُ رُشْدٍ خِلَافُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ عِيَاضٌ وَابْنُ الْعَرَبِيِّ وَالْمَازِرِيُّ مِنْ كَوْنِهِ مِنْ الشُّرُوطِ الْوَاجِبَةِ اهـ. وَكَوْنُهُ مِنْ الشُّرُوطِ الْوَاجِبَةِ هُوَ مُقْتَضَى مَا تَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ (التَّوْضِيحُ) قَالَ عِيَاضٌ وَشَرْطُ الْعِلْمِ إذَا وُجِدَ لَازِمٌ فَلَا يَصِحُّ تَقْدِيمُ مَنْ لَيْسَ بِعَالِمٍ وَلَا يَنْعَقِدُ لَهُ تَقْدِيمٌ مَعَ وُجُودِ الْعَالِمِ الْمُسْتَحِقِّ لِلْقَضَاءِ لَكِنْ رُخِّصَ فِيمَنْ لَمْ يَبْلُغْ رُتْبَةَ الِاجْتِهَادِ فِي الْعِلْمِ إذَا لَمْ يُوجَدْ مَنْ بَلَغَهَا وَمَعَ كُلِّ حَالٍ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ لَهُ عِلْمٌ وَنَبَاهَةٌ وَفَهْمٌ فِيمَا يَتَوَلَّاهُ وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ لَهُ أَمْرٌ اهـ. وَفِي الشَّارِحِ عَنْ الْإِمَامِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: لَا نَرَى خِصَالَ الْقَضَاءِ تَجْتَمِعُ الْيَوْمَ فِي أَحَدٍ فَإِذَا اجْتَمَعَ لَهُ مِنْهَا خَصْلَتَانِ وُلِّيَ الْقَضَاءَ الْعِلْمُ وَالْوَرَعُ (قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ) فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِلْمٌ فَعَقْلٌ وَوَرَعٌ فَبِالْعَقْلِ يَسْأَلُ وَبِالْوَرَعِ يَقِفُ. الثَّالِثُ: الْوَرَعُ وَهُوَ تَرْكُ الشُّبُهَاتِ وَالتَّوَقُّفُ فِي الْأُمُورِ وَالتَّثَبُّتُ فِيهَا. الرَّابِعُ: عَلَى مَا ذَكَرَ النَّاظِمُ كَوْنُهُ جَامِعًا لِلْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ قَالَ الشَّارِحُ: وَمَا اقْتَضَاهُ الْمَنْقُولُ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ وَأَصْبَغَ فِي قَوْلِهِمْ لَا يُوَلَّى الْيَوْمَ الْقَضَاءَ صَاحِبُ رَأْيٍ لَا حَدِيثَ عِنْدَهُ وَلَا صَاحِبُ حَدِيثٍ لَا فِقْهَ عِنْدَهُ فَإِنَّمَا يَعْنِي بِهَذَا أَنْ يَكُونَ لِلْقَاضِي مِنْ الِاتِّصَافِ بِالْعِلْمِ وَالْمُشَارَكَةِ فِي الْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ مَا يَتَهَيَّأُ لَهُ النَّظَرُ بِهِ فِي النَّوَازِلِ، وَالْبَحْثُ عَنْ الدَّلَائِلِ وَالتَّرْجِيحُ عِنْدَ وُقُوعِ الْخِلَافِ وَالِاخْتِيَارُ عِنْدَ تَعَارُضِ الْأَقْوَالِ اهـ. (تَنْبِيهٌ) زَادَ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي الشُّرُوطِ الْمُسْتَحَبَّةِ كَوْنُهُ غَنِيًّا لَا دَيْنَ عَلَيْهِ بَلَدِيًّا مُعَرَّفَ النَّسَبِ غَيْرَ مَحْدُودٍ حَلِيمًا مُسْتَشِيرًا لَا يُبَالِي لَوْمَةَ لَائِمٍ سَلِيمًا مِنْ بِطَانَةِ السُّوءِ غَيْرَ زَائِدٍ فِي الدَّهَاءِ (قَالَ فِي التَّوْضِيحِ) اُسْتُحِبَّ الْغَنِيُّ؛ لِأَنَّ الْفَقِيرَ قَدْ يَحْتَاجُ إلَى غَيْرِهِ وَمَقَالَةُ السُّوءِ تَكْثُرُ فِيهِ بِخِلَافِ الْغَنِيِّ (ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ) وَالظَّاهِرُ الِاكْتِفَاءُ بِالْغِنَى عَنْ عَدَمِ الدَّيْنِ وَاسْتُحِبَّ كَوْنُهُ بَلَدِيًّا لِيَعْرِفَ النَّاسَ وَالشُّهُودَ وَالْمَقْبُولِينَ مِنْ الشُّهُودِ وَغَيْرِهِمْ (ابْنُ رُشْدٍ وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ) وَالْوُلَاةُ الْآنَ يُرَجِّحُونَ غَيْرَ الْبَلَدِ إذْ لَا يَخْلُو الْبَلَدِيُّ مِنْ أَعْدَاءٍ. وَالْغَالِبُ وُجُودُ الْمُنَافَسَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَهْلِ بَلَدِهِ وَكَوْنُهُ مَعْرُوفَ النَّسَبِ؛ لِأَنَّ مَنْ لَا يُعْرَفُ أَبُوهُ مِنْ وَلَدِ لِعَانٍ أَوْ زِنًا يُطْعَنُ فِيهِ فَلَا يَكُونُ لَهُ فِي نُفُوسِ النَّاسِ كَبِيرُ هَيْبَةٍ وَكَوْنُهُ غَيْرَ مَحْدُودٍ، أَيْ فِي زِنًا وَلَا غَيْرِهِ وَكَوْنُهُ حَلِيمًا أَيْ عَلَى الْخُصُومِ أَلَّا تُنْتَهَكَ حُرْمَةُ الشَّرْعِ فَيَكُونَ انْتِصَارُهُ لِغَيْرِهِ وَبِذَلِكَ تَتِمُّ مَهَابَتُهُ الَّتِي هِيَ إحْدَى صِفَاتِ الْكَمَالِ وَكَوْنُهُ مُسْتَشِيرًا أَيْ لِأُولِي الْعِلْمِ؛ لِأَنَّهُ أَعْوَنُ لَهُ لِحُصُولِ الصَّوَابِ (وَقَوْلُهُ لَا يُبَالِي لَوْمَةَ لَائِمٍ) الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا رَاجِعٌ إلَى الْوَصْفِ الْأَوَّلِ أَيْ الْعَدَالَةِ لِأَنَّ الْخَوْفَ مِنْ لَوْمَةِ اللَّائِمِ رَاجِعٌ إلَى الْفِسْقِ وَكَوْنُهُ سَلِيمًا مِنْ بِطَانَةِ السُّوءِ؛ لِأَنَّ السَّلَامَةَ مِنْهَا رَأْسُ كُلِّ خَيْرٍ وَكَثِيرًا مَا يُؤْتَى عَلَى أَهْلِ الْخَيْرِ مِنْ جِهَةِ قُرَنَائِهِمْ السَّوْءِ، وَكَوْنُهُ غَيْرَ زَائِدٍ فِي الدَّهَاءِ قِيلَ لِأَنَّ ذَلِكَ يَحْمِلُهُ عَلَى الْحُكْمِ بِالْفِرَاسَةِ وَتَعْطِيلِ الطُّرُقِ الشَّرْعِيَّةِ مِنْ الْبَيِّنَةِ وَالْأَيْمَانِ (ابْنُ الْحَاجِبِ) فَقَدْ عَزَلَ عُمَرُ زِيَادًا لِذَلِكَ (التَّوْضِيحُ) . وَيُقَالُ: إنَّ عُمَرَ قَالَ لِزِيَادٍ لَمَّا عَزَلَهُ كَرِهْت أَنْ أَحْمِلَ النَّاسَ عَلَى فَضْلِ عَقْلِك وَحَيْثُ لَاقَ لِلْقَضَاءِ يَقْعُدُ ... وَفِي الْبِلَادِ يُسْتَحَبُّ الْمَسْجِدُ يَعْنِي أَنَّ الْقَاضِيَ يَجْلِسُ لِلْقَضَاءِ وَالْفَصْلِ بَيْنَ الْخُصُومِ حَيْثُ يَلِيقُ ذَلِكَ وَيَصْلُحُ لَهُ كَانَ فِي بَادِيَةٍ أَوْ حَاضِرَةٍ فَإِنْ كَانَ فِي حَاضِرَةٍ اُسْتُحِبَّ جُلُوسُهُ فِي الْمَسْجِدِ (قَالَ الشَّارِحُ) نَقَلَ اللَّخْمِيُّ عَنْ أَشْهَبَ أَنَّهُ قَالَ لَا بَأْسَ بِجُلُوسِهِ فِي مَنْزِلِهِ أَوْ حَيْثُ أَحَبَّ وَفِي الْبِلَادِ اُسْتُحِبَّ لَهُ الْقُعُودُ فِي الْمَسْجِدِ

وَهَذَا هُوَ الَّذِي رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: قَضَاءُ الْقَاضِي فِي الْمَسْجِدِ مِنْ الْأَمْرِ الْقَدِيمِ وَإِذَا جَلَسَ فِيهِ رَضِيَ بِالدُّونِ مِنْ الْمَجْلِسِ وَوَصَلَ إلَيْهِ الضَّعِيفُ وَالضَّعِيفَةُ اهـ. الْمُدَوَّنَةُ قَالَ مَالِكٌ الْقَضَاءُ فِي الْمَسْجِدِ مِنْ الْحَقِّ وَهُوَ مِنْ الْأَمْرِ الْقَدِيمِ لِأَنَّهُ يَرْضَى فِيهِ بِالدُّونِ مِنْ الْمَجْلِسِ وَتَصِلُ إلَيْهِ الْمَرْأَةُ وَالضَّعِيفُ (وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ) يَجْلِسُ بِرِحَابِ الْمَسْجِدِ، وَهَذَا أَحْسَنُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «جَنِّبُوا مَسَاجِدَكُمْ رَفْعَ أَصْوَاتِكُمْ وَخُصُومَاتِكُمْ» اهـ. مِنْ الْمَوَّاقِ (وَفِي الْمُقَرِّبِ) قَالَ مَالِكٌ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَضْرِبَ فِي الْمَسْجِدِ الْأَسْوَاطَ الْيَسِيرَةَ (قَالَ الشَّارِحُ) وَمِمَّا يَلْحَقُ بِذَلِكَ مَحَلُّ سُكْنَاهُ مِنْ الْمِصْرِ وَنَقَلَ اللَّخْمِيُّ عَنْ ابْنِ شَعْبَانَ مِنْ الْعَدْلِ كَوْنُ مَنْزِلِ الْقَاضِي بِوَسَطِ مِصْرِهِ (قَالَ الشَّارِحُ) وَمِمَّا يَتَعَلَّقُ بِهَذَا الْبَيْتِ أُمُورٌ. (أَحَدُهَا) فِي كَيْفِيَّةِ جُلُوسِهِ إذَا جَلَسَ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ غَيْرِهِ وَالْمُسْتَحْسَنُ لِأَهْلِ الْعِلْمِ فِي كَيْفِيَّةِ جُلُوسِهِ أَنْ يَكُونَ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ قَالَهُ ابْنُ شَعْبَانَ وَأَنْ يَكُونَ مُرَبِّعًا أَوْ مُحْتَبِيًا قَالَهُ الْمُتَيْطِيُّ وَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ لَا بَأْسَ أَنْ يَقْضِيَ الْقَاضِي وَهُوَ مُتَّكِئٌ وَيُلْحَقُ بِذَلِكَ قُعُودٌ لِخَصْمَيْنِ عِنْدَهُ وَاَلَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُجْلِسَهُمَا بَيْنَ يَدَيْهِ كَانَا قَوِيَّيْنِ أَوْ ضَعِيفَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا قَوِيٌّ وَالْآخَرُ ضَعِيفٌ، وَالْمَشْهُورُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ فِي التَّقْرِيبِ فِي الْمَجْلِسِ (ثَانِيهَا) وَقْتُ قُعُودِهِ، وَالصَّوَابُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ فِي أَوْقَاتٍ مَعْلُومَةٍ وَلَا يَسْتَغْرِقُ الْجُلُوسُ لِلْحُكْمِ أَوْقَاتِهِ كُلَّهَا حَتَّى يَكُونَ كَالْمُسْتَأْجَرِ. (قَالَ ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ) قَالُوا يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَجْعَلَ لِجُلُوسِهِ سَاعَةً يَعْرِفُهَا النَّاسُ فَيَأْتُونَهُ فِيهَا، وَحَكَى ابْنُ يُونُسَ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ وَلَا يَجْلِسُ لِلْقَضَاءِ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَلَا بِالْأَسْحَارِ مَا عَلِمْنَا مَنْ فَعَلَهُ إلَّا لِأَمْرٍ يَحْدُثُ بِتِلْكَ الْأَوْقَاتِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَأْمُرَ فِيهَا وَيَنْهَى وَيُرْسِلَ الشُّرْطِيَّ أَمَّا الْحُكْمُ فَلَا وَكَذَلِكَ الْجُلُوسُ فِي أَيَّامِ الْعِيدِ وَعِنْدَ خُرُوجِ الْحَاجِّ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الْأَوْقَاتِ الَّتِي عَلَى النَّاسِ فِيهَا تَضْيِيقٌ. (ثَالِثُهَا) يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَى حَالَةِ الِاعْتِدَالِ وَلَا يَكُونُ عَلَى حَالَةٍ تُشَوِّشُ فَهْمَهُ مِنْ غَضَبٍ وَنَحْوِهِ كَالْجُوعِ وَالْعَطَشِ الْمُفْرِطَيْنِ وَالنَّوْمِ وَالْكَسَلِ وَالْحُزْنِ وَالْجَزَعِ. (قَالَ ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ) مَا يَنْبَغِي

فصل في معرفة أركان القضاء

لِلْقَاضِي أَنْ يَتَضَاحَكَ مَعَ النَّاسِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ تَكُونَ فِيهِ عَبُوسَةٌ مِنْ غَيْرِ غَضَبٍ وَأَنْ يَلْزَمَ التَّوَاضُعَ وَالنُّسُكَ فِي غَيْرِ وَهَنٍ وَلَا ضَعْفٍ وَلَا تَرْكِ شَيْءٍ مِنْ الْحَقِّ (رَابِعُهَا) أَنْ يَجْتَنِبَ كُلَّ مَا فِيهِ إخْلَالٌ بِالْمَرْتَبَةِ وَإِنْ كَانَ مُبَاحًا فِي أَصْلِهِ كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ لِنَفْسِهِ فِي مَجْلِسِ قَضَائِهِ إلَّا مَا خَفَّ وَعَنْ طَلَبِ الْعَوَارِيّ وَالْتِمَاسِ الْحَوَائِجِ وَقَبُولِ الْهَدَايَا مِنْ أَحَدٍ وَعَنْ إجَابَةِ الدَّعْوَةِ إلَّا لِلْوَلِيمَةِ وَحْدَهَا لِمَا جَاءَ فِي ذَلِكَ مِنْ الْحَدِيثِ ثُمَّ إنْ شَاءَ أَكَلَ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ وَلَهُ عِيَادَةُ الْمَرْضَى وَشُهُودُ الْجَنَائِزِ وَالتَّسْلِيمُ عَلَى النَّاسِ وَالرَّدُّ عَلَيْهِمْ إذَا بَدَءُوهُ وَيَتَأَكَّدُ عَلَيْهِ أَنْ يَعْتَمِدَ عَلَى مَنْ يَثِقُ بِهِ فِي إخْبَارِهِ بِأَحْوَالِهِ وَتَعْرِيفِهِ بِسِيرَتِهِ لِيَجْتَنِبَ بِذَلِكَ مَا يَنْبَغِي اجْتِنَابُهُ اهـ. مِنْ الشَّارِحِ لَكِنْ بِاخْتِصَارٍ ثُمَّ قَالَ [فَصْلٌ فِي مَعْرِفَةِ أَرْكَانِ الْقَضَاءِ] ِ تَمْيِيزُ حَالِ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى ... عَلَيْهِ جُمْلَةَ الْقَضَاءِ جَمَعَا فَالْمُدَّعِي مَنْ قَوْلُهُ مُجَرَّدٌ ... مِنْ أَصْلٍ أَوْ عُرْفٍ بِصِدْقٍ يَشْهَدُ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَنْ قَدْ عَضَّدَا ... مَقَالَهُ عُرْفٌ أَوْ أَصْلٌ شَهِدَا (الْأَرْكَانُ) جَمْعُ رُكْنٍ وَهِيَ أَجْزَاءُ الْمَاهِيَّةِ الَّتِي تَخْتَلُّ بِاخْتِلَالِ بَعْضِهَا وَالْقَضَاءُ الْحُكْمُ وَالْفَصْلُ بَيْنَ الْمُتَخَاصِمَيْنِ، وَأَرْكَانُهُ عَلَى مَا ذَكَرَ النَّاظِمُ ثَلَاثَةٌ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَالدَّعْوَى وَقَدْ ذَكَرَ فِي التَّرْجَمَةِ الثَّلَاثَةَ الْمَذْكُورَةَ وَمَا يُطْلَبُ بِهِ كُلٌّ مِنْ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَمَحَلُّ الْحُكْمِ إذَا كَانَ كُلٌّ مِنْ الْمُتَخَاصِمَيْنِ فِي بَلَدٍ وَمَنْ يُقَدَّمُ عِنْدَ اجْتِمَاعِ الْخُصُومِ وَمَنْ يُقَدَّمُ بِالْكَلَامِ مِنْ الْمُتَخَاصِمَيْنِ. وَحُكْمُ مَا إذَا جَهِلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِنْ الْمُدَّعِي مُقَدِّمًا جَمِيعَ ذَلِكَ بِفَذْلَكَةٍ قَرِيبَةٍ وَهِيَ أَنَّ تَمْيِيزَ الْقَاضِي بَيْنَ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ، عَلَيْهِ يُبْنَى جَمِيعُ مَسَائِلِ الْقَضَاءِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمَاهِيَّةَ إذَا عُرِفَتْ أَرْكَانُهَا عَلَى التَّفْصِيلِ فَقَدْ عُرِفَتْ حَقِيقَتُهَا. وَالْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ رُكْنَانِ فَإِذَا تَمَيَّزَ لِلْقَاضِي كُلٌّ مِنْهُمَا مَعَ مَعْرِفَتِهِ بِالدَّعْوَى فَقَدْ عَرَفَ الطَّالِبَ مِنْ الْمَطْلُوبِ وَمَنْ يُطَالَبُ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ بِالْيَمِينِ وَالدَّعْوَى الَّتِي يُطَالَبُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِجَوَابِهَا وَغَيْرُهَا إلَى غَيْرِ ذَلِكَ قَالُوا وَذَلِكَ كَالطَّبِيبِ وَالْمَرِيضِ فَإِنَّ الطَّبِيبَ إذَا عَرَفَ عِلَّةَ الْمَرِيضِ سَهُلَ عَلَيْهِ مَعْرِفَةُ الدَّوَاءِ الْمُوَافِقِ لِذَلِكَ الْمَرَضِ وَإِذَا جَهِلَ الْعِلَّةَ لَا يَهْتَدِي إلَى دَوَاءٍ؛ وَلِذَلِكَ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ مَنْ عَرَفَ الْمُدَّعِيَ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَقَدْ عَرَفَ وَجْهَ الْقَضَاءِ وَهَذَا هُوَ الَّذِي عِنْدَ النَّاظِمِ فِي الْبَيْتِ الْأَوَّلِ. فَقَوْلُهُ: (تَمْيِيزُ حَالِ) مُرَادُهُ تَمْيِيزُ الْمُدَّعِي مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَلَفْظَةُ (حَالِ) مَقْحَمَةٌ وَلَعَلَّ وَجْهَ الْإِتْيَانِ بِهَا أَنَّهُ لَمَّا كَانَ التَّمْيِيزُ بَيْنَهُمَا يَحْصُلُ بِالنَّظَرِ لِحَالِهِمَا مِنْ كَوْنِ أَحَدِهِمَا دَاعِيًا وَالْآخَرُ مَدْعُوًّا أَوْ طَالِبًا وَالْآخَرُ مَطْلُوبًا أَتَى بِهَذِهِ اللَّفْظَةِ إشَارَةً إلَى ذَلِكَ وَأَيْضًا فَإِنَّ مَنْ مُيِّزَ حَالُهُ وَوَصْفُهُ فَقَدْ مُيِّزَ وَعُرِفَ (وَتَمْيِيزٌ) مُبْتَدَأٌ وَجُمْلَةُ (جَمَعَ جُمْلَةَ الْقَضَاءِ) خَبَرُهُ وَفَاعِلُ (جَمَعَ) ضَمِيرُ تَمْيِيزٍ وَهُوَ الرَّابِطُ لِجُمْلَةِ الْخَبَرِ بِالْمُبْتَدَأِ. وَالْقَضَاءُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ جُمْلَةُ أَحْكَامِ الْقَضَاءِ ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِهَا فَقَالَ فَالْمُدَّعِي مِنْ قَوْلِهِ مُجَرَّدٌ. الْبَيْتَيْنِ يَعْنِي أَنَّ الْمُدَّعِيَ هُوَ الَّذِي تَجَرَّدَ قَوْلُهُ عَنْ أَصْلٍ أَوْ عُرْفٍ شُهِدَ لَهُ بِصِدْقِهِ بِمَعْنَى أَنَّ دَعْوَاهُ مُخَالِفَةٌ لِلْأَصْلِ وَالْعُرْفِ مَعًا فَلَمْ يُوَافِقْهَا وَاحِدٌ مِنْهُمَا وَأَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَنْ قَدْ عَضَّدَ قَوْلَهُ أَيْ قَوَّاهُ إمَّا أَصْلٌ أَوْ عُرْفٌ فَأَحَدُهُمَا كَافٍ (فَمِثَالُ شَهَادَةِ الْأَصْلِ) مَنْ ادَّعَى دَيْنًا قِبَلِ رَجُلٍ فَأَنْكَرَهُ وَادَّعَى بَرَاءَةَ ذِمَّتِهِ أَوْ ادَّعَى مِلْكِيَّةَ شَخْصٍ لَيْسَ فِي حَوْزِهِ فَأَنْكَرَهُ وَادَّعَى الْحُرِّيَّةَ فَالْمُدَّعِي لِبَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ وَلِلْحُرِّيَّةِ مُدَّعًى عَلَيْهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ وَالْأَصْلُ الْحُرِّيَّةُ وَمَنْ شَهِدَ لَهُ الْأَصْلُ فَهُوَ مُدَّعًى عَلَيْهِ وَمُدَّعِي عِمَارَةِ ذِمَّةِ غَيْرِهِ وَمِلْكِيَّةِ مَنْ لَيْسَ تَحْتَ يَدِهِ مُدَّعٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَشْهَدْ لَهُ عُرْفٌ وَلَا أَصْلٌ فَإِنْ أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى دَعْوَاهُ وَإِلَّا حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَبَرِئَ. (وَمِثَالُ شَهَادَةِ الْعُرْفِ) اخْتِلَافُ الزَّوْجَيْنِ فِي مَتَاعِ الْبَيْتِ فَإِذَا ادَّعَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ ذَلِكَ مَا يُعْرَفُ لِلنِّسَاءِ دُونَ الرِّجَالِ، وَادَّعَاهُ الرَّجُلُ فَهِيَ مُدَّعًى عَلَيْهَا لِأَنَّ الْعُرْفَ يَشْهَدُ لَهَا وَالزَّوْجُ مُدَّعٍ لَمْ يَشْهَدْ

لَهُ عُرْفٌ وَكَذَلِكَ مَنْ ادَّعَى الْأَشْبَهَ فِي مَسَائِلِ النِّزَاعِ فَإِنَّهُ مُدَّعًى عَلَيْهِ لِأَنَّ الْعُرْفَ يَشْهَدُ بِصِدْقِهِ وَعَلَى هَذَا فَقِسْ. (قَالَ الْقَاضِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمُقْرِي فِي كُلِّيَّاتِهِ الْفِقْهِيَّةِ) : (كُلُّ مَنْ عَضَّدَ قَوْلَهُ عُرْفٌ أَوْ أَصْلٌ فَهُوَ مُدَّعًى عَلَيْهِ، وَكُلُّ مَنْ خَالَفَ قَوْلُهُ أَحَدَهُمَا فَهُوَ مُدَّعٍ فَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَقْوَى الْمُتَدَاعِيَيْنِ سَبَبًا وَالْمُدَّعِي أَضْعَفُهُمَا) اهـ. وَهُوَ كَبَيْتَيْ النَّاظِمِ وَفِي مِثْلِ ذَلِكَ يَقُولُ بَعْضُهُمْ الْمُدَّعِي كُلُّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَشْغَلَ ذِمَّةً بَرِيَّةً أَوْ يُبَرِّئَ ذِمَّةً مَشْغُولَةً أَوْ ادَّعَى غَيْرَ الْعُرْفِ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَكْسُهُ اهـ. (وَاعْلَمْ) أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَالْمُدَّعِيَ هُوَ الْمَقْضِيُّ لَهُ أَوْ عَلَيْهِ الْمَعْدُودِينَ فِي أَرْكَانِ الْقَضَاءِ السِّتِّ عَلَى مَا ذَكَرَ ابْنُ فَرْحُونَ فِي تَبْصِرَتِهِ حَيْثُ قَالَ وَأَرْكَانُ الْقَضَاءِ سِتَّةٌ الْقَاضِي وَالْمَقْضِيُّ بِهِ وَالْمَقْضِيُّ لَهُ وَالْمَقْضِيُّ فِيهِ وَالْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ وَكَيْفِيَّةُ الْقَضَاءِ (فَالرُّكْنُ الْأَوَّلُ) فِي شُرُوطِ الْقَضَاءِ وَآدَابِ الْقَاضِي وَاسْتِخْلَافِهِ وَذِكْرِ التَّحْكِيمِ وَفِي الْأَوْصَافِ الْمُشْتَرَطَةِ فِي صِحَّةِ وِلَايَةِ الْقَضَاءِ وَمَا هُوَ غَيْرُ شَرْطٍ لَكِنْ عَدَمُهَا يُوجِبُ الْعَزْلَ وَمَا هُوَ مِنْ شُرُوطِ الْكَمَالِ. وَيُسْتَحَبُّ الْعَزْلُ عِنْدَ عَدَمِهَا وَفِي الْأَحْكَامِ اللَّازِمَةِ لِلْقَاضِي فِي سِيرَتِهِ وَالْآدَابِ الَّتِي لَا يَسَعُهُ تَرْكُهَا وَمَا جَرَى عَمَلُ الْحُكَّامِ مِنْ الْأَخْذِ بِهِ وَفِي سِيرَتِهِ فِي الْأَحْكَامِ كَأَنْ لَا يَحْكُمَ حَتَّى لَا يَشُكَّ أَنْ قَدْ فَهِمَ وَيَكْشِفَ عَنْ حَقِيقَةِ الْقَضِيَّةِ فِي الْبَاطِنِ لِيَسْتَعِينَ بِذَلِكَ عَلَى الْوُصُولِ إلَى الْحَقِّ وَلَا يُفْتِي فِي مَسَائِلِ الْقَضَاءِ وَيُحْضِرُ الْعُدُولَ فِي مَجْلِسِ قَضَائِهِ لِيَشْهَدُوا عَلَى إقْرَارِ الْخَصْمِ إنْ أَقَرَّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْكُمُ بِعِلْمِهِ وَيُحْضِرُ أَهْلَ الْعِلْمِ لِلْمُشَاوَرَةِ وَفِيمَا يَبْتَدِئُ بِالنَّظَرِ فِيهِ كَالنَّظَرِ فِي الشُّهُودِ. وَيَفْحَصُ عَنْ عَدَالَتِهِمْ وَالْكَشْفِ عَنْ الْمَحْبُوسِينَ وَفِي الْأَوْصِيَاءِ وَأَمْوَالِ الْيَتَامَى وَفِي سِيرَتِهِ مَعَ الْخُصُومِ كَالتَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا فِي النَّظَرِ وَالتَّكَلُّمِ وَتَلْقِينِ حُجَّةٍ عَمِيَ عَنْهَا وَتَقْدِيمِ الْأَوَّلِ فَالْأَوَّلِ فِي الْخُصُومِ وَتَقْدِيمِ الْمُدَّعِي لِيَبْدَأَ بِالْكَلَامِ. وَفِي اسْتِخْلَافِ الْقَاضِي وَالتَّحْكِيمِ وَنَحْوِ ذَلِكَ (وَأَمَّا الرُّكْنُ الثَّانِي) وَهُوَ الْمَقْضِيُّ بِهِ فَهُوَ الْحُكْمُ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَسُنَّةُ نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّتِي صَحِبَهَا عَمَلٌ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فِي السُّنَّةِ نَظَرَ فِي أَقْوَالِ الصَّحَابَةِ فَقَضَى بِمَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ فَإِنْ اخْتَلَفُوا قَضَى بِمَا صَحِبَهُ الْعَمَلُ أَوْ مَا أُجْمِعَ عَلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ إجْمَاعًا قَضَى بِاجْتِهَادِهِ بَعْدَ مَشُورَةِ أَهْلِ الْعِلْمِ. (وَأَمَّا الرُّكْنُ الثَّالِثُ) وَهُوَ الْمَقْضِيُّ لَهُ فَهُوَ كُلُّ مَنْ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ لَهُ وَفِي حُكْمِهِ لِأَقَارِبِهِ الَّذِينَ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ لَهُمْ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ (وَأَمَّا الرُّكْنُ الرَّابِعُ) وَهُوَ الْمَقْضِيُّ فِيهِ فَهُوَ جَمِيعُ الْحُقُوقِ بِخِلَافِ غَيْرِ الْقَاضِي فَهُوَ مَقْصُورٌ عَلَى مَا قَدِمَ عَلَيْهِ وَهُنَا ذَكَرُوا إذَا كَانَ الْمُدَّعَى فِيهِ فِي غَيْرِ بَلَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (وَأَمَّا الرُّكْنُ الْخَامِسُ) وَهُوَ الْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ فَهُوَ كُلُّ مَنْ تَوَجَّهَ عَلَيْهِ حَقٌّ إمَّا بِإِقْرَارِهِ إنْ كَانَ مِمَّنْ يَصِحُّ إقْرَارُهُ وَإِمَّا بِالشَّهَادَةِ عَلَيْهِ بَعْدَ الْعَجْزِ عَنْ الدَّفْعِ وَالْإِعْذَارِ إنْ كَانَ مِمَّنْ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ عَلَيْهِ. (وَأَمَّا الرُّكْنُ السَّادِسُ) وَهُوَ كَيْفِيَّةُ الْقَضَاءِ وَتَتَوَقَّفُ عَلَى الْعِلْمِ بِأَشْيَاءَ كَمَعْرِفَةِ مَا هُوَ حُكْمٌ وَمَا لَيْسَ بِحُكْمٍ فَلَا يُتَعَقَّبُ مَا هُوَ حُكْمٌ وَيُتَعَقَّبُ مَا لَيْسَ بِحُكْمٍ وَمَعْرِفَةِ مَا يَفْتَقِرُ لِحُكْمِ الْحَاكِمِ وَمَا لَا يَفْتَقِرُ وَمَا اُخْتُلِفَ فِيهِ، وَفِي أَبْوَابِ الْفِقْهِ الَّتِي يَدْخُلُهَا الْحُكْمُ وَمَعْرِفَةِ الْفَرْقِ بَيْنَ أَلْفَاظِ الْحُكْمِ الَّتِي جَرَتْ بِهَا عَادَةُ الْحُكَّامِ فِي التَّسْجِيلَاتِ وَفِي الْفَرْقِ بَيْن الثُّبُوتِ وَالْحُكْمِ وَفِي تَنْفِيذِهِ حُكْمَ نَفْسِهِ وَحُكْمَ غَيْرِهِ وَفِيمَا يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يُنَبَّهَ عَلَيْهِ فِيمَا يَشْهَدُ بِهِ عَلَى نَفْسِهِ فِي التَّسْجِيلَاتِ مِنْ التَّبْصِرَةِ بِاخْتِصَارِ كَثِيرٍ وَقَوْلُهُ فِي الرُّكْنِ الثَّالِثِ وَهُوَ الْمَقْضِيُّ لَهُ وَهُوَ كُلُّ مَنْ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ لَهُ صَوَابُهُ كُلُّ مَنْ ثَبَتَ لَهُ حَقٌّ وَيُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ لَهُ وَكَذَا يُشْتَرَطُ فِي الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَقِيلَ مَنْ يَقُولُ قَدْ كَانَ ادَّعَى ... وَلَمْ يَكُنْ لِمَنْ عَلَيْهِ يُدَّعَى لَمَّا قَدَّمَ أَنَّ الْمُدَّعِي مَنْ لَمْ يَشْهَدْ لَهُ أَصْلٌ وَلَا عُرْفٌ وَأَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَنْ شَهِدَ لَهُ أَحَدُهُمَا ذَكَرَ هُنَا تَعْرِيفًا آخَرَ وَهُوَ أَنَّ مَنْ أَثْبَتَ مِنْ الْمُتَدَاعِيَيْنِ فَقَالَ كَانَ كَذَا فَهُوَ الْمُدَّعِي وَأَنَّ مَنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ وَنَفَاهُ وَقَالَ لَمْ يَكُنْ فَهُوَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَهَذَا التَّعْرِيفُ فِي الْمُقَدِّمَاتِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: كُلُّ مَنْ قَالَ

كَانَ كَذَا فَهُوَ مُدَّعٍ وَكُلُّ مَنْ قَالَ لَمْ يَكُنْ فَهُوَ مُدَّعًى عَلَيْهِ ا. هـ. وَهَذَا التَّعْرِيفُ جَارٍ فِي غَالِبِ الصُّوَرِ وَإِلَّا فَقَدْ يَكُونُ الْمُثْبِتُ مُدَّعًى عَلَيْهِ وَالنَّافِي مُدَّعِيًا وَذَلِكَ كَدَعْوَى الْمَرْأَةِ عَلَى زَوْجِهَا الْحَاضِرِ مَعَهَا أَنَّهُ لَمْ يُنْفِقْ عَلَيْهَا وَادَّعَى هُوَ الْإِنْفَاقَ فَعَلَى التَّعْرِيفِ الْأَوَّلِ الزَّوْجُ مُدَّعًى عَلَيْهِ لِأَنَّ الْعُرْفَ يَشْهَدُ لَهُ وَالزَّوْجَةُ مُدَّعِيَةٌ إذْ لَا يَشْهَدُ لَهَا عُرْفٌ وَلَا أَصْلٌ وَلَا يَجْرِي عَلَى الثَّانِي؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ مُثْبِتٌ وَهُوَ مُدَّعًى عَلَيْهِ وَالزَّوْجَةُ نَافِيَةٌ وَهِيَ مُدَّعِيَةٌ. (وَقَالَ بَعْضُهُمْ فِي تَعْرِيفِ الْمُتَدَاعِيَيْنِ) كُلُّ طَالِبٍ فَهُوَ مُدَّعٍ وَكُلُّ مَطْلُوبٍ فَهُوَ مُدَّعًى عَلَيْهِ وَهَذَا أَيْضًا فِي الْغَالِبِ فَقَطْ وَقَدْ يَكُونُ الطَّالِبُ مُدَّعًى عَلَيْهِ وَالْمَطْلُوبُ مُدَّعِيًا، وَذَلِكَ كَالْيَتِيمِ إذَا بَلَغَ وَطَلَبَ مِنْ وَصِيِّهِ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ مَالَهُ الَّذِي تَحْتَ يَدَيْهِ فَزَعَمَ الْوَصِيُّ أَنَّهُ دَفَعَهُ لَهُ وَأَنْكَرَ الْيَتِيمُ فَعَلَى التَّعْرِيفِ الْأَوَّلِ الْوَصِيُّ مُدَّعٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَشْهَدْ لَهُ عُرْفٌ وَلَا أَصْلٌ وَالْيَتِيمُ مُدَّعًى عَلَيْهِ لِأَنَّهُ شَهِدَ لَهُ الْأَصْلُ وَهُوَ وُجُوبُ الْإِشْهَادِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء: 6] الْآيَةَ. وَكَذَا عَلَى التَّعْرِيفِ الثَّانِي لِأَنَّ الْوَصِيَّ مُثْبِتٌ وَالْيَتِيمُ نَافٍ وَلَا يَجْرِي عَلَى الثَّالِثِ لِأَنَّ الْوَصِيَّ مَطْلُوبٌ وَهُوَ مُدَّعٍ وَالْيَتِيمُ طَالِبٌ وَهُوَ مُدَّعًى عَلَيْهِ وَهُوَ لَا يُوجَدُ فِي وَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ التَّعْرِيفَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ. وَذَلِكَ كَمَا إذَا خَلَا الزَّوْجُ بِزَوْجَتِهِ خَلْوَةَ اهْتِدَاءٍ وَادَّعَى عَدَمَ الْمَسِيسِ وَادَّعَتْهُ الزَّوْجَةُ فَالزَّوْجُ مُدَّعٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَشْهَدْ لَهُ عُرْفٌ وَلَا أَصْلٌ. وَالزَّوْجَةُ مُدَّعًى عَلَيْهَا لِأَنَّ الْعُرْفَ يَشْهَدُ لَهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا وَلَهَا الصَّدَاقُ كَامِلًا فَالزَّوْجُ مُدَّعٍ وَهُوَ نَافٍ مَطْلُوبٌ وَالزَّوْجَةُ مُدَّعًى عَلَيْهَا وَهِيَ مُثْبِتَةٌ طَالِبَةٌ فَلَمْ يَصْدُقْ عَلَى الْمِثَالِ إلَّا الْحَدُّ الْأَوَّلُ دُونَ الثَّانِي وَالثَّالِثِ وَقَدْ أَشْبَعَ فِي التَّبْصِرَةِ الْكَلَامَ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَأَكْثَرَ مِنْ الْأَمْثِلَةِ فَعَلَيْكَ بِهِ. (تَنْبِيهٌ) هَذَا كُلُّهُ إنْ قُلْنَا إنَّ مَنْ شَهِدَ لَهُ عُرْفٌ أَوْ أَصْلٌ مُدَّعًى عَلَيْهِ، وَأَمَّا إنْ قُلْنَا إنَّهُ مُدَّعٍ قَامَ لَهُ شَاهِدٌ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْعِبَارَاتِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي تَقَدَّمَتْ فِي تَعْرِيفِ الْمُدَّعِي مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ ذَكَرَ الشَّارِحُ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ قَبْلَ قَوْلِهِ فِيمَا يَأْتِي (وَالْقَوْلُ عَلَى الْمَشْهُورِ قَوْلُ الْمُدَّعِي) الْبَيْتَ وَيَنْبَنِي عَلَى كَوْنِهِ مُدَّعًى عَلَيْهِ أَنَّ الْيَمِينَ عَلَيْهِ بِحُكْمِ الْأَصَالَةِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» فَيَمِينُهُ يَمِينُ مُنْكِرٍ أَوْ إمَّا عَلَى كَوْنِهِ مُدَّعِيًا قَامَ لَهُ شَاهِدٌ فَيَمِينُهُ لِكَمَالِ النِّصَابِ كَالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ وَيَأْتِي لِلنَّظْمِ فِي بَابِ الْيَمِينِ تَقْسِيمُهَا إلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ هَذَانِ اثْنَانِ مِنْهَا أَعْنِي يَمِينَ الْمُنْكِرِ وَالْيَمِينَ مَعَ الشَّاهِدِ. (وَمَنْ يَقُولُ) مُبْتَدَأٌ مَوْصُولٌ صِلَتُهُ جُمْلَةُ يَقُولُ فَلَا مَحَلَّ لَهَا مِنْ الْإِعْرَابِ وَفَاعِلُ يَقُولُ يَعُودُ عَلَى مَنْ وَهُوَ الرَّابِطُ لِلصِّلَةِ وَجُمْلَةُ قَدْ كَانَ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ مَحْكِيَّةٌ لِلْقَوْلِ. وَجُمْلَةُ ادَّعَى خَبَرُ مَنْ الْمَوْصُولَةِ (وَلَمْ يَكُنْ) مُبْتَدَأٌ أَيْ هَذَا اللَّفْظُ (وَلِمَنْ) خَبَرُهُ وَمَنْ مَوْصُولَةٌ صِلَتُهَا يُدَّعَى عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَالْمُدَّعَى فِيهِ لَهُ شَرْطَانِ ... تَحَقُّقُ الدَّعْوَى مَعَ الْبَيَانِ ذَكَرَ فِي هَذَا الْبَيْتِ الرُّكْنَ الثَّالِثَ مِنْ أَرْكَانِ الْقَضَاءِ وَهُوَ الْمُدَّعَى فِيهِ أَيْ الشَّيْءُ الْمُتَنَازَعُ فِيهِ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ وَأَخْبَرَ أَنَّ لَهُ شَرْطَيْنِ: أَحَدُهُمَا تَحَقُّقُ الدَّعْوَى وَهُوَ شَامِلٌ لِتَحَقُّقِ عِمَارَةِ ذِمَّةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ كَأَنْ يَقُولَ لِي عَلَيْهِ مِائَةٌ مَثَلًا وَاحْتَرَزُوا بِذَلِكَ عَنْ أَنْ يَقُولَ لِي عَلَيْهِ شَيْءٌ أَوْ أَتَحَقَّقُ عِمَارَةَ ذِمَّةِ فُلَانٍ بِشَيْءٍ أَجْهَلُ مَبْلَغَهُ وَنَحْوَ ذَلِكَ. الشَّرْطُ الثَّانِي: بَيَانُ السَّبَبِ الَّذِي تَرَتَّبَ لَهُ بِهِ قِبَلَ خَصْمِهِ مَا ادَّعَاهُ كَأَنْ

يَقُولَ بِعْت لَهُ أَوْ سَلَّفْته أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ تَرَتَّبَ مِنْ قِمَارٍ وَنَحْوِهِ مِمَّا لَا عِبْرَةَ بِهِ شَرْعًا فَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهُ الْمُدَّعِي فَلِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنْ يَسْأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ فَإِنْ جَهِلَ أَوْ غَفَلَ عَنْهُ فَيَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَسْأَلَهُ عَنْهُ لِئَلَّا يَكُونَ ثَمَنَ مَبِيعٍ غَيْرَ جَائِزٍ كَالْخَمْرِ (قَالَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ فِي مُخْتَصَرِهِ) فَيَدَّعِي بِمَعْلُومٍ مُحَقَّقٍ قَالَ وَكَذَا شَيْءٌ وَإِلَّا لَمْ يُسْمَعْ كَأَظُنُّ وَكَفَاهُ بِعْت وَتَزَوَّجْت وَحُمِلَ عَلَى الصَّحِيحِ وَإِلَّا فَلْيَسْأَلْهُ الْحَاكِمُ عَنْ السَّبَبِ ثُمَّ قَالَ وَلِمُدَّعًى عَلَيْهِ السُّؤَالُ عَنْ السَّبَبِ وَقَبْلَ نِسْيَانِهِ بِلَا يَمِينٍ ا. هـ. فَسُؤَالُ الْحَاكِمِ عَنْ السَّبَبِ إنَّمَا هُوَ إذَا غَفَلَ الْمَطْلُوبُ أَوْ جَهِلَ كَمَا تَقَدَّمَ. (قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ حَارِثٍ) يَجِبُ عَلَى الْقَاضِي أَنْ يَقُولَ لِلطَّالِبِ مِنْ أَيْنَ وَجَبَ لَك مَا ادَّعَيْتَهُ فَإِنْ قَالَ مِنْ سَلَفٍ أَوْ بَيْعٍ أَوْ ضَمَانٍ أَوْ تَعَدٍّ أَوْ شُبْهَةٍ لَمْ يُكَلَّفْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ ثُمَّ يَقُولَ لِلْمَطْلُوبِ أَجِبْهُ فَإِنْ أَبِي أَنْ يُجِيبَهُ جَوَابًا مُفَسِّرًا اضْطَرَّهُ إلَى ذَلِكَ فَإِنْ قَالَ دَعْنِي أَتَثَبَّتْ وَأَتَفَكَّرْ فَمِنْ حَقِّهِ أَنْ يَضْرِبَ لَهُ فِي ذَلِكَ أَجَلًا غَيْرَ بَعِيدٍ اهـ. وَيَأْتِي حُكْمُ مَا إذَا أَجَابَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِإِقْرَارٍ أَوْ إنْكَارٍ أَوْ لَمْ يُجِبْ رَأْسًا عِنْدَ قَوْلِهِ: وَمَنْ أَبَى إقْرَارًا أَوْ إنْكَارًا الْبَيْتَيْنِ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ فَيَدَّعِي بِمَعْلُومٍ مُحَقَّقٍ لَا يُقَالُ إنَّ الْعِلْمَ وَالتَّحْقِيقَ مُتَرَادِفَانِ أَوْ كَالْمُتَرَادَفِينَ فَالْإِتْيَانُ بِقَوْلٍ مَعْلُومٍ يُغْنِي عَنْ قَوْلِهِ مُحَقَّقٍ لِأَنَّا نَقُولُ الْمَعْلُومُ رَاجِعٌ إلَى تَصَوُّرِ الْمُدَّعَى فِيهِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُتَمَيِّزًا فِي ذِهْنِ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَفِي ذِهْنِ الْقَاضِي. وَالْمُحَقَّقُ رَاجِعٌ إلَى جَزْمِ الْمُدَّعِي بِأَنَّهُ مَالِكٌ لِمَا وَقَعَ النِّزَاعُ فِيهِ فَهُوَ مِنْ نَوْعِ التَّصْدِيقِ فَقَدْ رَجَعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ اللَّفْظَيْنِ لِمَعْنًى غَيْرِ الَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ الْآخَرُ فَلِاشْتِرَاطِ الْعِلْمِ لَا يُسْمَعُ: لِي عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَلِاشْتِرَاطِ التَّحْقِيقِ لَا يُسْمَعُ: أَشُكُّ أَنَّ لِي عَلَيْك كَذَا وَأَظُنُّ وَمَا أَشْبَهَهُ اهـ. (قَالَ فِي شِفَاءِ الْغَلِيلِ) وَأَصْلُ هَذِهِ الْعِبَارَةِ لِابْنِ شَاسٍ قَالَ أَوَّلًا وَالدَّعْوَى الْمَسْمُوعَةُ هِيَ الصَّحِيحَةُ وَهِيَ أَنْ تَكُونَ مَعْلُومَةً مُحَقَّقَةً فَلَوْ قَالَ لِي عَلَيْك شَيْءٌ لَمْ تُسْمَعْ دَعْوَاهُ اُنْظُرْ تَمَامَ كَلَامِهِ إنْ شِئْت وَمَسْأَلَةُ مَا إذَا لَمْ تُحَقَّقْ الدَّعْوَى كَأَظُنُّ أَوْ أَحْسَبُ أَنَّ لِي عَلَيْكَ كَذَا، وَهِيَ مَسْأَلَةُ يَمِينِ التُّهْمَةِ، وَتَوَجُّهُهَا لَهُ عَلَى كُلٍّ وَعَدَمُ تَوَجُّهِهَا ثَالِثُهَا عَلَى الْمُتَّهَمِ دُونَ غَيْرِهِ، وَرَابِعُهَا إنْ قَوِيَتْ التُّهْمَةُ أَقْوَالٌ وَإِذَا لَمْ تُسْمَعْ الدَّعْوَى إذَا اخْتَلَّ أَحَدُ الْوَصْفَيْنِ أَمَّا التَّحَقُّقُ عَلَى قَوْلِ مَنْ لَا يُوجِبُ يَمِينَ التُّهْمَةِ أَوْ عَلِمَ الْمُدَّعَى فِيهِ فَأَحْرَى أَنْ لَا تُسْمَعَ إذَا اخْتَلَّا مَعًا كَقَوْلِهِ أَظُنُّ أَنَّ لِي عَلَيْهِ شَيْئًا. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) قَوْلُ النَّاظِمِ تَحَقُّقُ الدَّعْوَى مَعَ الْبَيَانِ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِالتَّحَقُّقِ أَمْرَيْنِ: تَحَقُّقُ عِمَارَةِ ذِمَّةِ الْمَطْلُوبِ وَمَعْرِفَةُ الْمُدَّعَى فِيهِ وَبِالْبَيَانِ بَيَانَ السَّبَبِ الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ تَرَتَّبَ الْحَقُّ وَعَلَى هَذَا قَرَّرْنَاهُ أَوَّلًا وَهُوَ ظَاهِرُ تَقْرِيرِ الشَّارِحِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِالتَّحَقُّقِ أَمْرًا وَاحِدًا وَهُوَ الْجَزْمُ بِعِمَارَةِ ذِمَّةِ الْمَطْلُوبِ فَقَطْ وَبِالْبَيَانِ أَمْرَيْنِ بَيَانَ مَعْرِفَةِ الْمُدَّعَى فِيهِ إذْ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِهِ وَكَشْفِهِ عَنْ حَقِيقَتِهِ وَبَيَانَ السَّبَبِ الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ تَرَتَّبَ الْحَقُّ وَالْكُلُّ صَحِيحٌ مَعْنًى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّانِي) اعْلَمْ أَنَّ كُلَّ مَا ذَكَرَهُ النَّاظِمُ فِي هَذَا الْبَيْتِ ذَكَرَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي بَيَانِ الدَّعْوَى الصَّحِيحَةِ مِنْ غَيْرِهَا وَزَادَ ثَلَاثَةَ شُرُوطٍ فَمَجْمُوعُهَا خَمْسَةُ شُرُوطٍ وَلَفْظُهُ فِي شَرْطِ الدَّعْوَى وَلِلدَّعْوَى الصَّحِيحَةِ خَمْسَةُ شُرُوطٍ: (الْأَوَّلُ) أَنْ تَكُونَ مَعْلُومَةً فَلَوْ قَالَ لِي عَلَيْهِ شَيْءٌ لَمْ تُسْمَعْ دَعْوَاهُ؛ لِأَنَّهَا مَجْهُولَةٌ اهـ. (قُلْت) وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى هَذَا الشَّرْطِ فِي شَرْحِ الْبَيْتِ ثُمَّ قَالَ: (الشَّرْطُ الثَّانِي) أَنْ تَكُونَ مِمَّا لَوْ أَقَرَّ بِهَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَزِمَتْهُ فَإِنَّهُ لَوْ ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ هِبَةً وَقُلْنَا إنَّ الْهِبَةَ تَلْزَمُ بِالْقَوْلِ فَيُلْزَمُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْجَوَابِ بِإِقْرَارٍ أَوْ إنْكَارٍ، وَإِنْ قُلْنَا بِالْقَوْلِ الْمُخَالِفِ الشَّاذِّ عِنْدَنَا أَنَّ الْهِبَةَ لَا تَلْزَمُ بِالْقَوْلِ وَلِلْوَاهِبِ الرُّجُوعُ عَنْهَا مَا لَمْ تُقْبَضْ فَإِنَّ بَعْضَ النَّاسِ ذَهَبَ إلَى أَنَّ الْجَوَابَ فِيهِ لَا يَلْزَمُ؛ لِأَنَّ الْمَسْئُولَ عَنْ هَذَا لَوْ أَقَرَّ بِذَلِكَ وَقَالَ رَجَعْت عَنْهُ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ مُطَالَبَتُهُ بِشَيْءٍ وَلَا فَائِدَةَ فِي إلْزَامِهِ مَا لَوْ أَقَرَّ بِهِ لَا يَلْزَمُهُ إذَا رَجَعَ عَنْهُ وَكَذَا فِي دَعْوَى الْعِدَّةِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهَا وَالْوَصَايَا الَّتِي لَهُ الرُّجُوعُ فِيهَا. (الشَّرْطُ الثَّالِثُ) أَنْ تَكُونَ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِهَا حُكْمٌ أَوْ غَرَضٌ صَحِيحٌ فَمِثَالُ مَا يَتَعَلَّقُ بِهَا حُكْمٌ إذَا طَلَبَ الْمُدَّعِي يَمِينَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ: الْمَطْلُوبُ كُنْت اسْتَحْلَفْتنِي فَاحْلِفْ لِي أَنَّك لَمْ تَسْتَحْلِفْنِي عَلَى هَذَا الْحَقِّ فِيمَا مَضَى لَمْ يَكُنْ لِلْمُدَّعِي أَنْ يُحَلِّفَهُ يَمِينًا ثَانِيَةً حَتَّى يَحْلِفَ وَبِهَذَا

الْقَضَاءُ اهـ. وَفِي هَذَا قَالَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ وَلَهُ يَمِينُهُ أَنَّهُ لَمْ يُحَلِّفْهُ أَوَّلًا قَالَ وَكَذَا أَنَّهُ غَيْرُ عَالِمٍ بِفِسْقِ شُهُودِهِ وَاحْتَرَزُوا بِالْغَرَضِ الصَّحِيحِ مِنْ الدَّعْوَى مِنْ عُشْرِ سِمْسِمَةٍ فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِحَاكِمٍ سَمَاعُ مِثْلِ هَذِهِ الدَّعْوَى لِأَنَّهُ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا نَفْعٌ شَرْعِيٌّ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُكْتَفَى عَنْ هَذَا الشَّرْطِ بِوَجْهَيْهِ بِالشَّرْطِ الَّذِي قَبْلَهُ. (الشَّرْطُ الرَّابِعُ) أَنْ تَكُونَ الدَّعْوَى مُحَقَّقَةً فَلَوْ قَالَ: أَظُنُّ أَنَّ لِي عَلَيْهِ أَلْفًا، وَقَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي الْجَوَابِ: أَظُنُّ أَنِّي قَدْ قَضَيْته لَمْ تُسْمَعْ الدَّعْوَى لِتَعَذُّرِ الْحُكْمِ بِالْمَجْهُولِ وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا (الشَّرْطُ الْخَامِسُ) أَنْ تَكُونَ الدَّعْوَى مِمَّا لَا تَشْهَدُ الْعَادَةُ بِكَذِبِهَا كَدَعْوَى الْحَاضِرِ الْأَجْنَبِيِّ مِلْكَ دَارٍ بِيَدِ رَجُلٍ وَهُوَ يَرَاهُ يَهْدِمُ وَيَبْنِي وَيُؤَجِّرُ طُولَ الزَّمَانِ مِنْ غَيْرِ مَانِعٍ يَمْنَعُهُ مِنْ الطَّلَبِ مِنْ غَيْرِ تَوْقِيعِ رَهْبَةٍ أَوْ رَغْبَةٍ وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ لَا يُعَارِضُهُ فِيهَا وَلَا يَدَّعِي أَنَّ لَهُ فِيهَا حَقًّا وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا شَرِكَةٌ ثُمَّ قَامَ يَدَّعِي أَنَّهَا لَهُ وَيُرِيدُ أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ عَلَى دَعْوَاهُ، فَهَذَا لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ أَصْلًا فَضْلًا عَنْ بَيِّنَتِهِ لِتَكْذِيبِ الْعُرْفِ. (الثَّالِثُ) تَقَدَّمَ أَنَّ النَّاظِمَ ذَكَرَ فِي هَذَا الْبَيْتِ بَعْضَ شُرُوطِ الدَّعْوَى الصَّحِيحَةِ وَقَدْ قَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَى بَقِيَّتِهَا وَأَمَّا الدَّعْوَى نَفْسُهَا فَهِيَ كَمَا قَالَ الْقَرَافِيُّ طَلَبٌ مُعَيَّنٌ أَوْ فِي ذِمَّةِ الْمُعَيَّنِ أَوْ ادِّعَاءُ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَحَدُهُمَا بِطَلَبِ الْمُعَيَّنِ كَدَعْوَى أَنَّ هَذَا الثَّوْبَ، أَوْ هَذِهِ السِّلْعَةَ كُلٌّ مِنْهُمَا مِلْكٌ لَهُ وَغُصِبَ مِنْهُ أَوْ سُرِقَ لَهُ وَمَا فِي ذِمَّةِ الْمُعَيَّنِ كَالدَّيْنِ وَالسَّلَمِ وَنَحْوِهِمَا ثُمَّ الْمُعَيَّنُ الْمُدَّعِي عِمَارَةَ ذِمَّتِهِ إمَّا مُعَيَّنٌ بِالشَّخْصِ كَزَيْدٍ أَوْ بِالصِّفَةِ كَدَعْوَى الدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ أَوْ الْقَتْلِ عَلَى جَمَاعَةٍ أَوْ إنَّهُمْ أَتْلَفُوا لَهُ مَالًا، وَادِّعَاءُ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَحَدُهُمَا إمَّا مُعَيَّنٌ، كَدَعْوَى الْمَرْأَةِ الطَّلَاقَ أَوْ رِدَّةَ زَوْجِهَا، فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَنْ تَطْلُبَ حَوْزَ نَفْسِهَا وَهِيَ مُعَيَّنَةٌ أَوْ مَا فِي ذِمَّةِ الْمُعَيَّنِ، كَدَعْوَى الْمَرْأَةِ الْمَسِيسَ وَدَعْوَى الْمَقْتُولِ أَنَّ فُلَانًا قَتَلَهُ خَطَأً، فَيَتَرَتَّبُ عَلَى الدَّعْوَى فِي الْمِثَالَيْنِ طَلَبُ مَا فِي ذِمَّةِ الْمُعَيَّنِ، وَهُوَ كَمَالُ الصَّدَاقِ وَالدِّيَةِ، وَالتَّعْيِينُ أَيْضًا إمَّا بِالشَّخْصِ، كَالزَّوْجِ فِي الْمِثَالِ الْأَوَّلِ أَوْ بِالصِّفَةِ كَالْعَاقِلَةِ فِي الْمِثَالِ الثَّانِي، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الرَّابِعُ) جَعَلَ النَّاظِمُ الْمُدَّعِيَ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَالْمُدَّعَى فِيهِ أَرْكَانًا لِلْقَضَاءِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ وَعَدَّ فِي التَّبْصِرَةِ أَرْكَانَ الْقَضَاءِ سِتَّةً كَمَا تَقَدَّمَ عَنْهُ قَبْلَ هَذَا الْبَيْتِ وَلَمْ يَعُدَّ مِنْهَا وَاحِدًا مِنْ الثَّلَاثَةِ الَّتِي فِي الْبَيْتِ، وَالظَّاهِرُ انْدِرَاجُ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي الْمَقْضِيِّ لَهُ أَوْ عَلَيْهِ، وَانْدِرَاجُ الْمُدَّعَى فِيهِ فِي الْمَقْضِيِّ فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَانْظُرْ كَيْفَ جَعَلَ النَّاظِمُ تَحَقُّقَ الدَّعْوَى وَالْبَيَانِ شَرْطَيْنِ فِي الْمُدَّعَى بِهِ وَجَعَلَهُمَا ابْنُ فَرْحُونٍ شَرْطَيْنِ فِي الدَّعْوَى فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَالْمُدَّعِي مُطَالَبٌ بِالْبَيِّنَةِ ... وَحَالَةُ الْعُمُوم فِيهِ بَيِّنَهْ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْيَمِينِ ... فِي عَجْزِ مُدَّعٍ عَنْ التَّبْيِينِ الْأَصْلُ فِيمَا ذَكَرَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ.» فَقَوْلُ النَّاظِمِ:

وَالْمُدَّعِي مُطَالَبٌ بِالْبَيِّنَةِ) هُوَ مَعْنَى الْجُمْلَةِ الْأُولَى مِنْ الْحَدِيثِ الْكَرِيمِ وَهُوَ قَوْلُهُ " الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي " ثُمَّ أَفَادَ بِقَوْلِهِ: وَحَالَةُ الْعُمُومِ فِيهِ بَيِّنَهْ أَنَّ الْمُدَّعِيَ مُطَالَبٌ بِالْبَيِّنَةِ كَيْفَ كَانَ صَالِحًا أَوْ فَاسِقًا تَقِيًّا أَوْ فَاجِرًا. (قَالَ الْمَازِرِيُّ) جَعَلَ حُجَّةَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ وَهِيَ لِكُلِّ مُدَّعٍ عُمُومًا، وَقَوْلُ النَّاظِمِ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْيَمِينِ هُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ وَأَفَادَ النَّاظِمُ بِقَوْلِهِ: (فِي عَجْزِ مُدَّعٍ) أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إنَّمَا يُطَالَبُ بِالْيَمِينِ فِي حَالَةِ عَجْزِ الْمُدَّعِي عَنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى دَعْوَاهُ وَأَمَّا إنْ أَقَامَهَا فَإِنَّ الْحَقَّ يَثْبُتُ وَلَا يَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ. (وَاعْلَمْ) أَنَّ مُطَالَبَةَ الْمُدَّعِي بِالْبَيِّنَةِ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْيَمِينِ مُقَيَّدٌ بِإِنْكَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَأَمَّا إنْ أَقَرَّ فَلَا يَفْتَقِرُ إلَى إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ وَلَا إلَى الْيَمِينِ، وَفِي مِثْلِ هَذَا يَقُولُ الْفُقَهَاءُ: أَقَرَّ الْخَصْمُ فَارْتَفَعَ النِّزَاعُ. (تَنْبِيهٌ) ظَاهِرُ كَلَامِ النَّاظِمِ أَنَّ الْيَمِينَ تَتَوَجَّهُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْمُنْكِرِ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى وَإِنْ لَمْ تَثْبُتْ خُلْطَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُدَّعِي، وَبِهِ الْعَمَلُ عِنْدَنَا (ابْنُ عَرَفَةَ) قَطَعَ ابْنُ رُشْدٍ فِي سَمَاعِ أَصْبَغَ أَنَّ مَذْهَبَ مَالِكٍ وَكَافَّةِ أَصْحَابِهِ الْحُكْمُ بِالْخُلْطَةِ وَمِثْلُهُ لِابْنِ حَارِثٍ وَنَقَلَ ابْنُ زَرْقُونَ عَنْ ابْنِ نَافِعٍ: لَا تُعْتَبَرُ الْخُلْطَةُ (ابْنُ عَرَفَةَ) وَمَضَى عَمَلُ الْقُضَاةِ عِنْدَنَا عَلَيْهِ وَنَقَلَ لِي شَيْخُنَا ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ عَنْ بَعْضِ الْقُضَاةِ أَنَّهُ كَانَ لَا يَحْكُمُ بِهَا إلَّا إنْ طَلَبَهَا مِنْهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ اهـ. (وَقَالَ الْمُتَيْطِيُّ) قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: تَجِبُ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ دُونَ خُلْطَةٍ وَبِهِ أَخَذَ ابْنُ لُبَابَةَ وَغَيْرُهُ. (وَقَالَ ابْنُ الْهِنْدِيِّ) كَانَ بَعْضُ مَنْ يُقْتَدَى بِهِ يَتَوَسَّطُ فِي مِثْلِ هَذَا إنْ ادَّعَى قَوْمٌ عَلَى أَشْكَالِهِمْ بِمَا يُوجِبُ الْيَمِينَ أَوْجَبَهَا دُونَ إثْبَاتِ الْخُلْطَةِ وَإِنْ ادَّعَى عَلَى الرَّجُلِ الْعَدْلِ مَنْ لَيْسَ مِنْ شَكْلِهِ لَمْ يُوجِبْ عَلَيْهِ الْيَمِينَ إلَّا بِإِثْبَاتِ الْخُلْطَةِ. (قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ) : هَذِهِ مِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي خَالَفَ فِيهَا الْأَنْدَلُسِيُّونَ مَذْهَبَ مَالِكٍ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَعْتَبِرُونَ خُلْطَةً وَيُوجِبُونَ الْيَمِينَ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ الْيَوْمَ اهـ. وَفِي هَذِهِ النَّظَائِرِ قَالَ الشَّيْخُ ابْنُ غَازِيٍّ فِي بَابِ الْجِهَادِ مِنْ تَكْمِيلِ التَّقْيِيدِ

قَدْ خُولِفَ الْمَذْهَبُ بِالْأَنْدَلُسِ ... فِي سِتَّةٍ مِنْهُنَّ سَهْمُ الْفَرَسْ وَغَرْسُ الْأَشْجَارِ لَدَى الْمَسَاجِدِ ... وَالْحُكْمُ بِالْيَمِينِ قُلْ وَالشَّاهِدِ وَخُلْطَةٌ وَالْأَرْضُ بِالْجُزْءِ تَلِي ... وَرَفْعُ تَكْبِيرِ الْأَذَانِ الْأَوَّلِ وَقَدْ ذَكَرَ الْقَاضِي الْمِكْنَاسِيُّ فِي آخِرِ مَجَالِسِهِ: أَنَّ أَهْلَ الْأَنْدَلُسِ خَالَفُوا مَذْهَبَ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي ثَمَانِ عَشْرَةَ مَسْأَلَةً وَعَدَّهَا، فَانْظُرْهَا فِيهِ إنْ شِئْت

وَالْحُكْمُ فِي الْمَشْهُورِ حَيْثُ الْمُدَّعَى ... عَلَيْهِ فِي الْأُصُولِ وَالْمَالِ مَعَا وَحَيْثُ يُلْفِيهِ بِمَا فِي الذِّمَّهْ ... يَطْلُبُهُ وَحَيْثُ أَصْلٌ ثَمَّهْ تَكَلَّمَ فِي الْبَيْتَيْنِ عَلَى مَا إذَا كَانَ الْمُدَّعِي فِي بَلَدٍ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي بَلَدٍ آخَرَ أَيْنَ يَكُونُ الْحُكْمُ بَيْنَهُمَا؟ فَأَخْبَرَ أَنَّ الْحُكْمَ بَيْنَهُمَا يَكُونُ فِي بَلَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ الْخِصَامُ فِي أَصْلٍ أَوْ دَيْنٍ فِي الذِّمَّةِ، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ فِي الْبَيْتِ الْأَوَّلِ لَكِنَّهُ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مُقِيمًا لَمْ يَخْرُجْ عَنْهُ فَإِنْ خَرَجَ عَنْ بَلَدِهِ فَيُفْصَلُ فِي الْمُدَّعَى فِيهِ، فَإِنْ كَانَ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ طَلَبَهُ بِهِ حَيْثُ وَجَدَهُ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (وَحَيْثُ يُلْفِيهِ بِمَا فِي الذِّمَّهْ) يَطْلُبهُ وَإِنْ كَانَ أَصْلًا فَلَا يُحْبَسُ الْمُطَالِبُ بِهِ إلَّا إذَا كَانَ الْأَصْلُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي أَلْفَاهُ فِيهِ الْمُدَّعِي، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (وَحَيْثُ أَصْلٌ ثَمَّهْ) (قَالَ الشَّارِحُ) الْبَيْتُ الْأَوَّلُ تَضَمَّنَ مَعْنَى مَا فِي كِتَابِ الْجِدَارِ وَنَصُّهُ سُئِلَ عِيسَى عَنْ الرَّجُلِ مِنْ أَهْلِ قُرْطُبَةَ تَكُونُ لَهُ الدَّارُ، أَوْ أُلْحِقَ بِجَيَّانَ فَيُدْعَى ذَلِكَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ جَيَّانَ فَيُرِيدُ الْجَيَّانِيُّ مُخَاصَمَةَ الْقُرْطُبِيِّ عِنْدَ قَاضِي جَيَّانَ حَيْثُ الشَّيْءِ الْمُدَّعَى فِيهِ أَيُرْفَعُ مَعَهُ الْقُرْطُبِيُّ إلَى هُنَالِكَ؟ قَالَ: لَا يُرْفَعُ مَعَهُ، وَلَكِنْ لَا يَكُونُ الْحُكْمُ بَيْنَهُمَا حَيْثُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِقُرْطُبَةَ، وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ مِثْلَهُ. (قَالَ مُطَرِّفٌ) وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى حَيْثُ الْمُدَّعِي وَلَا إلَى حَيْثُ الدَّارُ الَّتِي اُدُّعِيَتْ اهـ. وَنَقَلَ الشَّارِحُ أَيْضًا مَا نَصُّهُ. وَقَالَ: فَضْلٌ إنَّ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ مِثْلُهُ، وَذَلِكَ فِيمَا يَخْتَصُّ بِالْأُصُولِ، وَزَادَ النَّاظِمُ الْمَالَ تَبَعًا لِأَهْلِ الْأَحْكَامِ بِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْقِيَاسِ الْجَلِيِّ، فَإِنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَيْ الْقُرْطُبِيَّ إذَا كَانَ لَا يُرْفَعُ إلَى حَيْثُ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى فِيهِ - وَهُوَ جَيَّانُ - فَأَحْرَى أَنْ لَا يُرْفَعَ إلَى حَيْثُ الْمُدَّعِي وَحْدَهُ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعَى فِيهِ فِي ذِمَّةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَهُوَ مَعَهُ، وَهُوَ ظَاهِرٌ اهـ. (قَالَ الشَّارِحُ) وَالْبَيْتُ الثَّانِي تَضَمَّنَ مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ: وَإِنْ كَانَتْ الدَّعْوَى فِي حَقٍّ مِنْ الْحُقُوقِ الَّتِي تَكُونُ فِي ذِمَّةِ الرَّجُلِ كَالدَّيْنِ وَمَا أَشْبَهَهُ فَإِنَّمَا يُخَاصِمُهُ حَيْثُ تَعَلَّقَ بِهِ وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ الْعَقَارُ أَيْضًا بِالْمَوْضِعِ الَّذِي تَعَلَّقَ بِهِ فَيَحْبِسُهُ؛ لِمُخَاصَمَتِهِ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى فِيهِ فِي غَيْرِ الْمَوْضِعِ الَّذِي تَعَلَّقَ بِهِ فَلَيْسَ لِلْمُدَّعِي أَنْ يَحْبِسَهُ لِمُخَاصَمَتِهِ حَيْثُ تَعَلَّقَ بِهِ اهـ. فَقَوْلُهُ: بِالْمَوْضِعِ الَّذِي تَعَلَّقَ بِهِ ظَاهِرٌ فِي كَوْنِ الْمُدَّعِي الطَّالِبِ وَجَدَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْمَطْلُوبَ بِبَلَدٍ غَيْرِ بَلَدِهِ، وَفِيهَا الْعَقَارُ الَّذِي يُتَنَازَعُ فِيهِ فَيَتَحَاكَمَانِ هُنَالِكَ، وَهُوَ قَوْلُهُ: (وَحَيْثُ أَصْلٌ ثَمَّهْ) وَهَذَا النَّقْلُ هُوَ الْمُوجِبُ لِتَقْيِيدِ قَوْلِهِ حَيْثُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْأُصُولِ بِمَا إذَا كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِبَلَدِهِ لَمْ يَخْرُجْ عَنْهُ، وَأَمَّا إنْ وَجَدَ الطَّالِبُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِبَلَدٍ غَيْرِ بَلَدِهِ، وَلَيْسَ فِيهَا الْأَصْلُ الْمُتَنَازَعُ فِيهِ، فَلَا يَحْبِسُهُ إلَّا فِي بَلَدِ الْأَصْلِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ ابْنُ حَبِيبٍ بِقَوْلِهِ وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى فِيهِ فِي غَيْرِ الْمَوْضِعِ إلَخْ، وَهُوَ مَفْهُومُ قَوْلِ النَّاظِمِ: (وَحَيْثُ أَصْلٌ ثَمَّهْ) هَذَا حَاصِلُ الْبَيْتَيْنِ. (وَفِي مُخْتَصَرِ الشَّيْخِ خَلِيلٍ) وَهَلْ يُرَاعَى حَيْثُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَبِهِ عُمِلَ أَوْ الْمُدَّعِي وَأُقِيمَ مِنْهَا؟ وَنَحْوُهُ فِي تَوْضِيحِهِ. (وَفِي ابْنِ عَرَفَةَ) الْخُصُومَةُ فِي مُعَيَّنٍ دَارٍ أَوْ غَيْرِهَا فِي كَوْنِهَا بِبَلَدِ الْمُدَّعَى فِيهِ قَالَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَسَحْنُونٌ أَوْ بِبَلَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ بِغَيْرِ بَلَدِ الْمُدَّعَى فِيهِ قَالَهُ مُطَرِّفٌ ثَالِثُهَا هَذَا، وَحَيْثُ اجْتِمَاعُهُمَا وَلَوْ بِغَيْرِ بَلَدِ الْمُدَّعَى فِيهِ قَالَهُ أَصْبَغُ، (وَقَالَ: كُلُّ مَنْ تَعَلَّقَ بِخَصْمٍ فِي حَقٍّ فَلَهُ مُخَاصَمَتُهُ حَيْثُ تَعَلَّقَ بِالذِّمَّةِ مِنْ دَيْنٍ وَحَقٍّ لَا فِي الْعَقَارِ) اهـ. عَنْ نَقْلِ الْمَوَّاقِ. وَقَدِّمْ السَّابِقَ لِلْخِصَامِ ... وَالْمُدَّعِيَ لِلْبَدْءِ بِالْكَلَامِ اشْتَمَلَ الْبَيْتُ عَلَى مَسْأَلَتَيْنِ كُلُّ شَطْرٍ مِنْهُ عَلَى مَسْأَلَةٍ (الْأُولَى) إذَا تَعَدَّدَتْ الْخُصُومُ عِنْدَ الْقَاضِي، فَإِنَّهُ يُقَدِّمُ الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ فَإِنْ جَهِلَ السَّابِقَ فَيَأْتِي حُكْمُهُ لِلنَّاظِمِ. (قَالَ اللَّخْمِيُّ) : (وَيُقَدِّمُ الْقَاضِي الْخُصُومَ الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ إلَّا فِي الْمُسَافِرِ أَوْ مَا يُخْشَى فَوَاتُهُ) اهـ. وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ: (وَقَدِّمْ السَّابِقَ) أَنَّ غَيْرَ السَّابِقِ لَا يُقَدَّمُ، وَلَكِنَّهُ مُقَيَّدٌ بِمَا فِي كَلَامِ اللَّخْمِيِّ بِغَيْرِ الْمُسَافِرِ، وَمَا يُخْشَى فَوَاتُهُ أَمَّا هُمَا فَيُقَدَّمَانِ، وَلَوْ تَأَخَّرَا (وَفِي ابْنِ الْحَاجِبِ) وَإِذَا تَزَاحَمَ الْمُدَّعُونَ فَالسَّابِقُ ثُمَّ الْقُرْعَةُ إلَّا فِي الْمُسَافِرِ، وَمَا يُخْشَى فَوَاتُهُ. (التَّوْضِيحُ) قِيلَ: (وَيَنْبَغِي أَنْ يُوَكِّلَ مَنْ يَعْرِفُ الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ، فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ الْأَوَّلَ أَقْرَعَ) اهـ

فصل في رفع المدعى عليه وما يلحق بذلك

وَيَأْتِي بَعْدَ بَيْتٍ أَنَّهُ يُقْرِعُ بَيْنَهُمَا عِنْدَ جَهْلِ السَّابِقِ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) إذَا جَلَسَ الْخَصْمَانِ بَيْنَ يَدَيْ الْقَاضِي فَإِنَّ الْمُدَّعِيَ يَبْدَأُ بِالْكَلَامِ حَتَّى يَفْرُغَ، وَحِينَئِذٍ يَتَكَلَّمُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ. (قَالَ ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ) مِنْ شَأْنِ حُكَّامِ الْعَدْلِ إذَا وَقَفَ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْهُمْ خَصْمَانِ أَنْ يَقُولَ لَهُمَا مَنْ الْمُدَّعِي مِنْكُمَا، فَإِنْ قَالَ أَحَدُهُمَا: أَنَا الْمُدَّعِي، قَالَ لَهُ: تَكَلَّمْ وَأَمَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالسُّكُوتِ حَتَّى يَفْرُغَ الْمُدَّعِي مِنْ مَقَالِهِ، فَإِنْ قَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ صَاحِبِهِ أَنَّهُ الْمُدَّعِي أَمَرَهُمَا بِالِارْتِفَاعِ عَنْهُ حَتَّى يَأْتِيَ أَحَدُهُمَا يَطْلُبُ الْخُصُومَةَ فَيَكُونُ هُوَ الْمُدَّعِي كَذَا قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ، وَرَوَاهُ عَنْ أَصْبَغَ وَيَأْتِي ذَلِكَ فِي الْبَيْتِ بَعْدَ هَذَا. وَحَيْثُ خَصْمٌ حَالَ خَصْمٍ يَدَّعِي ... فَاصْرِفْ وَمَنْ يَسْبِقْ فَذَاكَ الْمُدَّعِي وَعِنْدَ جَهْلِ سَابِقٍ أَوْ مُدَّعِي ... مَنْ لَجَّ إذْ ذَاكَ لِقُرْعَةٍ دُعِي لَمَّا قَدَّمَ أَنَّ الْمُدَّعِيَ يَبْدَأُ بِالْكَلَامِ، وَذَلِكَ إذَا عُرِفَ وَأَنَّهُ إذَا تَعَدَّدَتْ الْخُصُومُ عِنْدَ الْقَاضِي يَبْدَأُ بِالْأَوَّلِ إذَا عُرِفَ أَيْضًا أَخْبَرَ هُنَا أَنَّهُ إذَا جَهِلَ الْمُدَّعِي بِحَيْثُ ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّهُ الْمُدَّعِي، أَوْ أَنَّهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَأْمُرُهُمَا بِالِانْصِرَافِ عَنْ مَجْلِسِهِ وَمَحَلِّ حُكْمِهِ، ثُمَّ مَنْ رَجَعَ بَعْدَ ذَلِكَ لِمَجْلِسِ الْقَاضِي فَهُوَ الْمُدَّعِي، وَعَلَى هَذَا نَبَّهَ بِالْبَيْتِ الْأَوَّلِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ قَبْلَ هَذَيْنِ الْبَيْتَيْنِ نَصُّ ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ فَرَاجِعْهُ إنْ شِئْت ثُمَّ إنْ لَمْ يَعْلَمْ الْمُدَّعِي بِمَا ذَكَرَهُ مِنْ صَرْفِهِمَا إمَّا لِتَجَاهُلِهِمَا أَوْ لِرُجُوعِهِمَا إلَيْهِ مَعًا بَعْدَ صَرْفِهِمَا عَنْهُ، فَمَنْ لَجَّ فِي ذَلِكَ أَوْ خَاصَمَ وَادَّعَى أَنَّهُ الْمُدَّعِي وَلَمْ يُوَافِقْهُ خَصْمُهُ، وَادَّعَى مَا ادَّعَاهُ خَصْمُهُ فَإِنَّهُ يُقْرِعُ بَيْنَهُمَا فَمَنْ خَرَجَ سَهْمُهُ فَإِنَّهُ يُقَدَّمُ بِالْكَلَامِ وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِقَوْلِهِ: (أَوْ مُدَّعِي مَنْ لَجَّ إذْ ذَاكَ لِقُرْعَةٍ دُعِي) ؛ لِأَنَّهُ أَيْ قَوْلَهُ: (أَوْ مُدَّعِي) مَعْطُوفٌ عَلَى سَابِقٍ مَدْخُولِ. (لِجَهْلِ) (وَفِي الْمَوَّاقِ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ) وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ الْجَالِبَ بَدَأَ بِأَيِّهِمَا شَاءَ، فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا ضَعِيفًا فَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَبْدَأَ بِهِ، وَإِنْ بَقِيَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُتَعَلِّقًا بِالْآخَرِ أَقْرَعَ بَيْنَهُمَا اهـ. وَلَمْ أَقِفْ الْآنَ عَلَى الْقُرْعَةِ إذَا جَهِلَ الْمُدَّعِي، وَلَعَلَّ النَّاظِمَ قَاسَهُ عَلَى جَهْلِ السَّابِقِ فِي الْخُصُومِ وَكَذَلِكَ إذَا جَهِلَ الْأَوَّلَ مِنْ الْخُصُومِ، وَلَجَّ وَخَاصَمَ كُلُّ وَاحِدٍ مُدَّعِيًا أَنَّهُ الْأَوَّلُ فَإِنَّهُ يُقْرِعُ بَيْنَهُمَا أَيْضًا وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِقَوْلِهِ: (وَعِنْدَ جَهْلِ سَابِقٍ) الْبَيْتَ. (اللَّخْمِيُّ) إنْ تَعَذَّرَ مَعْرِفَةُ الْأَوَّلِ مِنْ الْخُصُومِ كُتِبَتْ أَسْمَاؤُهُمْ فِي بَطَائِقَ، وَخُلِطَتْ فَمَنْ خَرَجَ اسْمُهُ بُدِئَ بِهِ وَذَلِكَ كَالْقُرْعَةِ بَيْنَهُمْ اهـ. وَتَقَدَّمَ قَبْلَ الْبَيْتَيْنِ كَلَامُ ابْنِ الْحَاجِبِ [فَصْلٌ فِي رَفْعِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَمَا يُلْحَقُ بِذَلِكَ] َ دَخَلَ فِي قَوْلِهِ: وَمَا يُلْحَقُ بِذَلِكَ، أَيْ بِرَفْعِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حُكْمُ مَنْ عَصَى الْأَمْرَ وَلَمْ يَحْضُرْ، وَهُوَ الطَّبْعُ عَلَيْهِ وَعَلَى مَنْ تَكُونُ أُجْرَةُ الْعَوْنِ. وَمَعْ مَخِيلَةٍ بِصِدْقِ الطَّالِبِ ... يُرْفَعُ بِالْإِرْسَالِ غَيْرُ الْغَائِبِ وَمَنْ عَلَى يَسِيرِ الْأَمْيَالِ يَحُلْ ... فَالْكَتْبُ كَافٍ فِيهِ مَعَ أَمْنِ السُّبُلْ وَمَعْ بُعْدٍ أَوْ مَخَافَةٍ كُتِبَ ... لِأَمْثَلِ الْقَوْمِ أَنْ افْعَلْ مَا يَجِبْ إمَّا بِإِصْلَاحٍ أَوْ الْإِغْرَامِ ... أَوْ أَزْعَجَ الْمَطْلُوبَ لِلْخِصَامِ وَمَنْ عَصَى الْأَمْرَ وَلَمْ يَحْضُرْ طُبِعْ ... عَلَيْهِ مَا يُهِمُّهُ كَيْ يَرْتَفِعَ اعْلَمْ أَنَّ الْخَصْمَيْنِ لَا يَخْلُو حَالُهُمَا مِنْ إحْدَى حَالَتَيْنِ: إمَّا أَنْ يَحْضُرَا مَعًا عِنْدَ الْقَاضِي مُتَّفِقَيْنِ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِنْهُمَا أَوْ مُخْتَلِفَيْنِ فِيهِمَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ، وَإِمَّا أَنْ يَحْضُرَ أَحَدُهُمَا - وَهُوَ الطَّالِبُ - وَلَا يَحْضُرُ الْمَطْلُوبُ. ثُمَّ إنَّ هَذَا الْمَطْلُوبَ الَّذِي لَمْ يَحْضُرْ مَجْلِسَ الْقَاضِي لَا يَخْلُو حَالُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ: إمَّا أَنْ يَكُونَ حَاضِرًا مَعَهُ فِي الْبَلَدِ الَّذِي هُوَ فِيهِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ غَائِبًا عَنْهُ بِمَوْضِعٍ هُوَ تَحْتَ إيَالَةِ الْقَاضِي الْمُتَدَاعَى إلَيْهِ، وَعَلَى هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ تَكَلَّمَ النَّاظِمُ فِي هَذِهِ الْأَبْيَاتِ، فَأَخْبَرَ أَنَّهُ إنْ كَانَ

حَاضِرًا مَعَهُ فِي مِصْرِهِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يُوَجِّهُ إلَيْهِ أَحَدَ خُدَّامِهِ يَرْفَعُهُ لِمَجْلِسِ الْحُكْمِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ فِي الْمِصْرِ، فَإِنْ كَانَ عَلَى يَسِيرِ الْأَمْيَالِ مَعَ أَمْنِ الطَّرِيقِ مِنْ مَوْضِعِهِ إلَى مَحَلِّ الْحُكْمِ مِنْ الْحَاضِرَةِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَكْتُبُ إلَيْهِ يَأْمُرُهُ بِالْحُضُورِ عِوَضًا مِنْ دَفْعِ الْخَاتَمِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ الْعَمَلُ قَدِيمًا. وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا إمَّا بُعْدًا حِسِّيًّا مِنْ جِهَةِ الْمَسَافَةِ، وَإِمَّا بُعْدًا مَعْنَوِيًّا مِنْ جِهَةِ الْخَوْفِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَكْتُبُ لِأَمْثَلِ مَنْ بِمَوْضِعِ حُلُولِ الْمَطْلُوبِ بِالْأَمْرِ بِفِعْلِ مَا يَجِبُ مِنْ النَّظَرِ الْمُؤَدِّي لِلتَّنَافِي بَيْنَهُمَا إمَّا بِالصُّلْحِ أَوْ بِالْغُرْمِ، أَوْ بِالْعَزْمِ عَلَى الْمَطْلُوبِ فِي الْوُصُولِ لِمَحَلِّ الْحُكْمِ. وَرَفْعُ الْمَطْلُوبِ مِنْ مَوْضِعِهِ لِمَجْلِسِ الْحُكْمِ فِي الْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ مُقَيَّدٌ بِظُهُورِ مَخَايِلِ صِدْقِ الْمُدَّعِي فِي دَعْوَاهُ وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِقَوْلِهِ: (وَمَعْ مَخِيلَةٍ بِصِدْقِ الطَّالِبِ) وَهُوَ جَارٍ عَلَى مَا قَالَ سَحْنُونٌ مِنْ أَنَّ الْحَاكِمَ لَا يَدْفَعُ طَابِعَهُ وَلَا يَرْفَعُ الْمَطْلُوبَ حَتَّى يَأْتِيَهُ الطَّالِبُ بِشُبْهَةٍ؛ لِئَلَّا يَكُونَ مُدَّعِيًا بَاطِلًا يُرِيدُ تَعَنُّتَ الْمَطْلُوبِ. اهـ. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: ظَاهِرُ قَوْلِ ابْنِ أَبِي زَمَنِينَ أَنَّهُ يُرْفَعُ، وَإِنْ لَمْ يَأْتِ الطَّالِبُ بِشُبْهَةٍ وَبِهِ جَرَى الْعَمَلُ وَلَمْ يَعْتَمِدْهُ النَّاظِمُ، هَذَا حَاصِلُ الْأَبْيَاتِ مَا عَدَا الْأَخِيرَ مِنْهَا، وَالْمَخِيلَةُ دَلِيلُ الصِّدْقِ، وَمَخَايِلُ الصِّدْقِ دَلَائِلُهُ، وَغَيْرُ الْغَائِبِ هُوَ الْحَاضِرُ مَعَ الطَّالِبِ فِي بَلَدِهِ وَإِذَا كَانَ قَرِيبًا وَكَتَبَ إلَيْهِ لِيَحْضُرَ وَلَمْ يَحْضُرْ - وَالطَّرِيقُ مَأْمُونَةٌ - فَإِنَّهُ يَحْكُمُ عَلَيْهِ كَالْحَاضِرِ مَعَهُ فِي الْبَلَدِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ الْمَطْلُوبُ فِي بَلَدٍ لَيْسَتْ تَحْتَ عِمَالَةِ الْقَاضِي الَّذِي حَضَرَ الطَّالِبُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَإِنْ كَانَ حُلُولُهُ بِهَا لِتِجَارَةٍ أَوْ زِيَارَةٍ أَوْ نَحْوِهَا، فَيَأْتِي حُكْمُهُ فِي فَصْلِ الْبَيْعِ عَلَى الْغَائِبِ مِنْ بَابِ الْبُيُوعِ إنْ شَاءَ اللَّهُ، وَإِنْ كَانَ حُلُولُهُ بِهَا أَصَالَةً؛ لِكَوْنِهَا بَلَدَهُ وَمَوْضِعَ سُكْنَاهُ وَوَطَنًا لَهُ فَفِي مَوْضِعِ تَعْيِينِ الْحُكْمِ بَيْنَهُمَا تَفْصِيلٌ تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ: (وَالْحُكْمُ فِي الْمَشْهُورِ) إلَى آخِرِ الْبَيْتَيْنِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: (وَمَنْ عَصَى الْأَمْرَ) الْبَيْتَ فَمَعْنَاهُ أَنَّ مَنْ دَعَاهُ الْقَاضِي لِحُضُورِ مَجْلِسِ الْحُكْمِ مَعَ خَصْمِهِ فَتَغَيَّبَ، وَلَمْ يَأْتِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَطْبَعُ عَلَيْهِ مَا يُهِمُّهُ طَبْعُهُ مِمَّا لَا صَبْرَ لَهُ عَنْهُ كَدَارِهِ وَحَانُوتِهِ لِيَرْتَفِعَ أَحَبَّ أَمْ كَرِهَ، وَصِفَةُ الطَّبْعِ أَنْ يُلْصِقَ شَمْعًا أَوْ عَجِينًا بِالْبَابِ وَبِمَا يَلِيهَا وَيَتَّصِلُ بِهَا حَالَ سَدِّهَا، وَيَطْبَعُ عَلَيْهَا بِطَابَعٍ عَلَيْهِ نَقْشٌ أَوْ كِتَابَةٌ يَظْهَرُ أَثَرُهُ فِي ذَلِكَ الشَّمْعِ أَوْ الْعَجِينِ، فَإِذَا فَتَحَ الْبَابَ وَرَدَّ ذَلِكَ الشَّمْعَ أَوْ الْعَجِينَ لِمَحَلِّهِ أَوْ لَا تَغَيَّرَ نَقْشُهُ، وَعَلِمَ أَنَّ الْبَابَ قَدْ فُتِحَ فَيُعَاقِبُ مَنْ فَتَحَهُ أَشَدَّ الْعُقُوبَةِ، وَهَذَا الطَّبْعُ أَوْلَى مِنْ التَّسْمِيرِ؛ لِأَنَّهُ يَعِيبُ الْبَابَ أَوْ يُفْسِدُهُ. (قَالَ فِي الْمَقْصِدِ الْمَحْمُودِ) وَإِنْ تَغَيَّبَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ طَبَعَ الْقَاضِي عَلَى دَارِهِ، وَهُوَ أَحْسَنُ مِنْ التَّسْمِيرِ؛ لِأَنَّهُ يُفْسِدُ الْبَابَ فَإِنْ لَمْ يُفْسِدْهُ سَمَّرَهُ عَلَيْهِ بَعْدَ أَنْ يُخْرِجَ مِنْهَا مَا فِيهَا مِنْ الْحَيَوَانِ وَبَنِي آدَمَ اهـ. وَعَبَّرَ بَعْضُهُمْ عَنْ هَذَا الطَّبْعِ بِالْخَتْمِ (قَالَ فِي الطُّرَرِ) عَنْ الشَّعْبَانِيِّ مَنْ ادَّعَى عَلَى غَيْرِهِ دَعْوًى، وَدَعَاهُ لِلْقَاضِي فَإِنْ امْتَنَعَ خَتَمَ لَهُ خَاتَمًا مِنْ طِينٍ اهـ. وَفِي عُرْفِنَا الْيَوْمَ الطَّبْعُ وَالْخَتْمُ هُوَ التَّسْمِيرُ، وَهُوَ أَنْ يُسَمِّرَ طَرَفَ جِلْدٍ بِالْبَابِ وَطَرَفَهُ الْآخَرَ بِمَا يَلِيهَا، فَإِذَا فَتَحَ الْبَابَ ظَهَرَ ذَلِكَ غَالِبًا فَعُوقِبَ

فَاعِلُهُ. وَأَمَّا كَوْنُهُ يَعِيبُ الْبَابَ أَوْ يُفْسِدُهُ فَلَا يَلْتَفِتُ إلَيْهِ الْآمِرُ فَضْلًا عَنْ الْمَأْمُورِ تَهَاوُنًا وَاسْتِخْفَافًا وَأُجْرَةُ الْعَوْنِ عَلَى طَالِبِ حَقٍّ ... وَمَنْ سِوَاهُ إنْ أَلَدَّ تُسْتَحَقُّ الْعَوْنُ وَاحِدُ الْأَعْوَانِ وَهُمْ وَزَعَةُ الْقَاضِي، أَيْ خُدَّامُهُ الَّذِينَ يُنَفِّذُونَ أَحْكَامَهُ وَيَدْفَعُونَ الْخُصُومَ عَنْهُ وَيَرْفَعُونَهُمْ إلَيْهِ (قَالَ الشَّارِحُ) وَلَوْ أَمْكَنَهُ إنْفَاذُ الْأَحْكَامِ دُونَهُمْ لَكَانَ أَوْلَى، وَلَكِنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ ذَلِكَ فَلَا بُدَّ مِنْهُمْ، وَالْأَصْلُ فِي مِثْلِ أَرْزَاقِ هَؤُلَاءِ أَنْ يَكُونَ مِنْ بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ كَالْوَاجِبِ فِي

فصل في مسائل من القضاء

رِزْقِ الْحَاكِمِ الَّذِي يَصْرِفُهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ يَقُومُونَ بِأُمُورٍ لَيْسَتْ لَازِمَةً لَهُمْ بِأَعْيَانِهِمْ، وَمَنْ قَامَ بِمِثْلِ ذَلِكَ مِنْ مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ فَرِزْقُهُ مِنْ بَيْتِ مَالِهِمْ. وَلَمَّا تَعَذَّرَ إجْرَاءُ ذَلِكَ مِنْ مَوْضِعِهِ نَظَرَ الْفُقَهَاءُ بِمَا يُوجِبُهُ الِاجْتِهَادُ عَلَى مَنْ تَكُونُ أُجْرَةُ هَذَا الصِّنْفِ؟ فَاقْتَضَى النَّظَرُ أَنَّهُ عَلَى مَنْ يَحْتَاجُ إلَى إحْضَارِ خَصْمِهِ وَإِمْسَاكِهِ، وَبَعَثَهُ إلَى مَوْضِعِ انْتِصَافِهِ مِنْهُ بِقَضَاءِ مَالِهِ عَلَيْهِ أَوْ إعْطَاءِ رَهْنٍ أَوْ حَمِيلٍ أَوْ اقْتِضَاءِ يَمِينٍ أَوْ حَبْسِ هَذَا إنْ لَمْ يَظْهَرْ مِنْ الْمَطْلُوبِ مَطْلٌ وَلَا لَجَاجٌ، فَإِنْ ظَهَرَ ذَلِكَ مِنْهُ أَلْزَمَهُ الْفُقَهَاءُ أُجْرَةَ هَذَا الْعَوْنِ؛ لِكَوْنِهِ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - ظَالِمًا، وَالظَّالِمُ أَحَقُّ أَنْ يُحْمَلَ عَلَيْهِ، وَعَلَى كَوْنِ أُجْرَةِ الْعَوْنِ عَلَى الطَّالِبِ إلَّا إذَا تُبُيِّنَ مَطْلٌ وَلَدَدٌ مِنْ الْمَطْلُوبِ، فَإِنَّ الْإِجَارَةَ حِينَئِذٍ تَكُونُ عَلَيْهِ نَبَّهَ النَّاظِمُ بِهَذَا الْبَيْتِ وَاللَّدَدُ شِدَّةُ الْخُصُومَةِ قَالَ فِي الْقَامُوسِ لَدَّهُ خَصْمُهُ فَهُوَ لَادٌّ وَلَدُودٌ ا. هـ. وَالنَّاظِمُ اسْتَعْمَلَهُ رُبَاعِيًّا مِنْ الْإِلْدَادِ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ فِي شَرْحِ غَرِيبِ الْمُدَوَّنَةِ الْإِلْدَادُ الْمَطْلُ يُقَالُ مِنْهُ أَلَدَّ فُلَانٌ بِحَقِّ فُلَانٍ يُلِدُّ إلْدَادًا عَلَى وَزْنِ أَنْشَدَ يُنْشِدُ إنْشَادًا، وَأَلَدَّ عَلَى وَزْنِ أَلْدَدَ وَيُلِدُّ عَلَى وَزْنِ يُلْدِدُ وَلَمَّا تَحَرَّكَتْ الدَّالَانِ - وَهُمَا مُتَمَاثِلَانِ - أَدْغَمُوا إحْدَاهُمَا فِي الْأُخْرَى قَالَ بَعْضُ مَنْ شَرَحَ هَذَا النَّظْمَ: وَقَفَ عَلَى قَوْلِهِ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ فِي شَرْحِ غَرِيبِ الْمُدَوَّنَةِ فَإِنْ عَنَى أَنَّهُ شَرَحَ غَرِيبَ الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِهِ الْمَشْهُورِ بِالصِّحَاحِ كُلُّ لَفْظَةٍ فِي مَحَلِّهَا حَسْبَمَا اقْتَضَاهُ صَنِيعُهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقْصِدَ أَلْفَاظَ الْمُدَوَّنَةِ بَلْ اللَّفْظُ اللُّغَوِيُّ وَقَعَ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَوْ لَا فَظَاهِرٌ. وَإِنْ أَرَادَ أَنَّ الْجَوْهَرِيَّ أَلَّفَ كِتَابًا مُسْتَقِلًّا فِي شَرْحِ غَرِيبِ الْمُدَوَّنَةِ بِالْخُصُوصِ، فَهَذَا أَغْرَبُ مِنْ غَرِيبٍ إذْ لَمْ نَرَ مِمَّا وَقَفْنَا عَلَيْهِ مِنْ شُرُوحِ الْمُدَوَّنَةِ أَوْ حَوَاشِيهَا مَنْ نُقِلَ عَنْهُ وَلَا ذَكَرَهُ فَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَصْلٌ فِي مَسَائِلَ مِنْ الْقَضَاءِ] ِ وَلَيْسَ بِالْجَائِزِ لِلْقَاضِي إذَا ... لَمْ يَبْدُ وَجْهُ الْحُكْمِ أَنْ يُنَفِّذَا ذَكَرَ فِي هَذَا الْفَصْلِ مَسَائِلَ مِنْ أَحْكَامِ الْقَضَاءِ وَذَلِكَ مَنْعُ تَنْفِيذِ الْحُكْمِ قَبْلَ ظُهُورِ وَجْهِهِ، وَالصُّلْحِ بَيْنَ الْخُصُومِ وَتَلْقِينِ الْقَاضِي الْخَصْمَ بِحُجَّتِهِ وَفَتْوَى الْقَاضِي فِي الْأَحْكَامِ وَحُكْمِ الْقَاضِي بِعِلْمِهِ، وَإِذَا أَدَّى الْعَدْلُ بِمَا يَعْلَمُ الْقَاضِي خِلَافَهُ، وَإِذَا عَلِمَ صِدْقَ غَيْرِ الْعَدْلِ، وَحُكْمِ مَنْ أَسَاءَ الْأَدَبَ عَلَى الْقَاضِي أَوْ الشَّاهِدِ وَحُكْمِ الْمُلِدِّ فِي الْخِصَامِ، وَهَلْ تَبْقَى لَهُ حُجَّةٌ إنْ حَكَمَ عَلَيْهِ؟ هَذَا حَاصِلُ مَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ الْفَصْلُ، وَأَخْبَرَ فِي الْبَيْتِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْقَاضِي أَنْ يُنَفِّذَ الْحُكْمَ قَبْلَ أَنْ يَتَبَيَّنَ لَهُ وَجْهُهُ (ابْنُ الْحَاجِبِ) وَلَا يَحْكُمُ بِالتَّخْمِينِ؛ لِكَوْنِهِ فِسْقًا وَجَوْرًا وَالتَّخْمِينُ الْحَدْسُ. (قَالَ الشَّارِحُ) وَالْتِبَاسُ الْحُكْمِ يَكُونُ عَلَى وَجْهَيْنِ إمَّا لِكَوْنِهِ مُلْتَبِسًا فِي نَفْسِهِ بِتَعَارُضِ الْبَيِّنَتَيْنِ وَتَدَاخُلِ دَعْوَى الْمُتَخَاصِمَيْنِ، وَالْوَاجِبُ عَلَى الْقَاضِي فِي هَذَا الْوَجْهِ مُشَاوَرَةُ أَهْلِ الْعِلْمِ فَإِنْ ظَهَرَ وَجْهُ الْحُكْمِ فَذَاكَ وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ جَازَ لَهُ أَنْ يَنْدُبَ لِلصُّلْحِ كَمَا يَقُولُ النَّاظِمُ وَالصُّلْحُ يُسْتَدْعَى لَهُ إنْ أُشْكِلَا ... حُكْمٌ وَإِنْ تَعَيَّنَ الْحَقُّ فَلَا وَإِمَّا لِجَهْلِ الْقَاضِي الْحُكْمَ فِي ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ بَيِّنًا فِي نَفْسِهِ، وَالْوَاجِبُ عَلَى الْقَاضِي فِي هَذَا الْوَجْهِ سُؤَالُ أَهْلِ الْعِلْمِ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّ الْحُكْمَ بَيِّنٌ فِي نَفْسِهِ لَكِنْ إنْ جَهِلَهُ هَذَا الْقَاضِي فَلَا يَجْهَلُهُ غَيْرُهُ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَنْدُبَهُمْ إلَى الصُّلْحِ فِي هَذَا الْوَجْهِ؛ لِأَنَّهُ يَكُونَ مُضَيِّعًا لِحَقِّ مَنْ بَانَ حَقُّهُ بَعْدَ ذَلِكَ. وَفِي الْوَجْهَيْنِ مَعًا لَا يَجُوزُ لِلْقَاضِي تَنْفِيذُ الْحُكْمِ قَبْلَ ظُهُورِ وَجْهِهِ فَيَشْمَلُهُمَا قَوْلُهُ: (وَلَيْسَ بِالْجَائِزِ. . . إلَخْ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الْحُكْمُ مُشْكِلًا فِي نَفْسِهِ أَوْ إنَّمَا أَشْكَلَ عَلَى الْقَاضِي فَقَطْ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالصُّلْحُ يُسْتَدْعَى لَهُ إنْ أَشْكَلَا ... حُكْمٌ وَإِنْ تَعَيَّنَ الْحَقُّ فَلَا مَا لَمْ يَخَفْ بِنَافِذِ الْأَحْكَامِ ... فِتْنَةً أَوْ شَحْنَا أُولِي الْأَرْحَامِ

يَعْنِي: أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا أَشْكَلَ عَلَيْهِ الْحُكْمُ فَإِنَّهُ يَدْعُو الْخَصْمَيْنِ إلَى الصُّلْحِ، وَيَعْنِي إذَا كَانَ الْإِشْكَالُ لِتَعَارُضِ بَيِّنَاتٍ وَنَحْوِهَا لَا إنْ جَهِلَهُ الْقَاضِي مَعَ كَوْنِهِ ظَاهِرًا فِي نَفْسِهِ كَمَا تَقَدَّمَ قَرِيبًا، وَأَمَّا إنْ ظَهَرَ وَجْهُ الْحُكْمِ فَلَا يَدْعُو لِلصُّلْحِ بَلْ يُنَفِّذُ الْحُكْمَ مِنْ غَيْرِ مُبَالَاةٍ مِنْ عَذْلِ عَاذِلٍ وَلَا خِيفَةٍ مِنْ لَوْمَةِ لَائِمٍ إلَّا إذَا خَافَ بِتَنْفِيذِ الْحُكْمِ عَلَى صَمِيمِ الشَّرْعِ حُصُولَ فِتْنَةٍ أَوْ وُقُوعَ شَحْنَاءَ بَيْنَ أُولِي الْأَرْحَامِ وَذَوِي الْفَضْلِ، فَإِنَّهُ يَأْمُرُهُمْ بِالصُّلْحِ وَيَحُضُّهُمْ عَلَيْهِ وَعَلَى الْقَنَاعَةِ بِبَعْضِ الْحَقِّ وَإِنْ ظَهَرَ وَجْهُ الْحُكْمِ وَكَأَنَّهُ ارْتِكَابٌ لِأَخَفِّ الضَّرَرَيْنِ (وَفِي مُخْتَصَرِ الشَّيْخِ خَلِيلٍ) وَلَا يَدْعُو لِلصُّلْحِ إنْ ظَهَرَ وَجْهُهُ، ثُمَّ قَالَ وَأَمَرَ بِالصُّلْحِ ذَوِي الْفَضْلِ وَالرَّحِمِ كَأَنْ خَشِيَ تَفَاقُمَ الْأَمْرِ وَمَعْنَى: يَسْتَدْعِي أَيْ يَدْعُو لَهُ وَيَأْمُرُهُ بِهِ، وَفَاعِلُهُ ضَمِيرُ الْقَاضِي وَضَمِيرُ لَهُ لِلصُّلْحِ وَنَافِذُ الْأَحْكَامِ بِمَعْنَى تَنْفِيذِهَا وَإِبْرَامِهَا وَفَاعِلُ يَخَفْ لِلْقَاضِي وَخَصْمٌ إنْ يَعْجِزْ عَنْ إلْقَاءِ الْحُجَجْ ... لِمُوجِبٍ لَقَّنَهَا وَلَا حَرَجْ يَعْنِي أَنَّ الْخَصْمَ إذَا عَجَزَ عَنْ إلْقَاءِ حُجَّتِهِ لِمُوجِبٍ مِنْ دَهَشٍ أَوْ خَوْفٍ أَوْ عَمًى، فَإِنَّ لِلْقَاضِي أَنْ يُلَقِّنَهُ

حُجَّتَهُ وَلَا حَرَجَ وَلَا إثْمَ عَلَيْهِ فِي تَلْقِينِهِ إيَّاهَا، وَإِنَّمَا يَمْتَنِعُ تَلْقِينُ الْفُجُورِ (وَقَالَ اللَّخْمِيُّ) قَالَ أَشْهَبُ: (لِلْقَاضِي أَنْ يَشُدَّ عَلَى عَضُدِ أَحَدِهِمَا إنْ رَأَى ضَعْفَهُ عَنْ صَاحِبِهِ وَخَوْفَهُ مِنْهُ بِبَسْطِ أَمَلِهِ وَرَجَاءً فِي الْعَدْلِ، أَوْ يُلَقِّنَهُ حُجَّةً عَمِيَ عَنْهَا إنَّمَا يَمْتَنِعُ تَلْقِينُ أَحَدِهِمَا الْفُجُورَ) . (وَفِي الْمُقَرِّبِ) (إذَا قَالَ أَحَدُ الْخَصْمَيْنِ مَقَالَةً يَنْتَفِعُ بِهَا صَاحِبُهُ فَيَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَقُولَ هَاتِ قِرْطَاسًا أَكْتُبْ لَهُ فِيهِ مَقَالَةً، وَيُنَبِّهُهُ عَلَى ذَلِكَ إنْ غَفَلَ عَنْهُ وَلَوْ لَمْ يَطْلُبْهُ) ا. هـ. وَفَاعِلُ لَقَّنَ يَعُودُ عَلَى الْقَاضِي. وَمُنِعَ الْإِفْتَاءُ لِلْحُكَّامِ ... فِي كُلِّ مَا يَرْجِعُ لِلْخِصَامِ يَعْنِي أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُفْتِيَ فِي الْخُصُومَاتِ. (قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ) : وَلَا يُفْتِي الْحَاكِمُ فِي الْخُصُومَاتِ (وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ) : لَا بَأْسَ بِهِ كَالْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ (قَالَ ابْنُ يُونُسَ) : وَكَانَ سَحْنُونٌ إذَا أَتَاهُ رَجُلٌ يَسْأَلُهُ عَنْ مَسْأَلَةٍ مِنْ الْأَحْكَامِ لَمْ يُجِبْهُ، وَقَالَ هَذِهِ مَسْأَلَةُ خُصُومَةٍ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ رَجُلٌ مُتَفَقِّهٌ فَيَسْأَلُ عَلَى جِهَةِ التَّعْلِيمِ أَوْ يَسْأَلُ عَنْ مَسَائِلِ الْوُضُوءِ أَوْ الزَّكَاةِ، وَنَسَبَ ابْنُ الْمُنَاصِفِ الْقَوْلَ بِهِ إلَى مَالِكٍ وَنَسَبَهُ ابْنُ الْحَارِثِ لِسَحْنُونٍ، وَحُمِلَ هَذَا الْقَوْلُ عَلَى أَنَّهُ نَفْسُ الْخُصُومَةِ لِأَحَدِ الْخَصْمَيْنِ وَحُمِلَ قَوْلُ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ بِإِبَاحَةِ الْفُتْيَا لِلْقَاضِي عَلَى أَنَّهَا فِي جُمْلَةِ الْأَشْيَاءِ وَلَمْ يُعَيِّنْ الْخُصُومَةَ بِعَيْنِهَا اهـ.

وَفِي الشُّهُودِ يَحْكُمُ الْقَاضِي بِمَا ... يَعْلَمُ مِنْهُمْ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَا وَفِي سِوَاهُمْ مَالِكٌ قَدْ شَدَّدَا ... فِي مَنْعِ حُكْمِهِ بِغَيْرِ الشُّهْدَا وَقَوْلُ سَحْنُونٍ بِهِ الْيَوْمَ الْعَمَلْ ... فِيمَا عَلَيْهِ مَجْلِسُ الْحُكْمِ اشْتَمَلْ يَعْنِي أَنَّ الْقَاضِيَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ بِمَا يَعْلَمُ مِنْ عَدَالَةِ الشُّهُودِ وَجُرْحَتِهِمْ، فَيَسْتَنِدُ فِي ذَلِكَ عَلَى عِلْمِهِ وَيَحْكُمُ بِشَهَادَةِ مَنْ يَعْلَمُ عَدَالَتَهُ دُونَ مَنْ يَعْلَمُ جُرْحَتَهُ، وَأَمَّا مَنْ عَدَاهُ فَقَدْ شَدَّدَ مَالِكٌ فِي مَنْعِ اسْتِنَادِهِ لِعِلْمِهِ وَحُكْمِهِ بِهِ، وَوَجْهُ اسْتِنَادِهِ لِعِلْمِهِ فِي التَّعْدِيلِ أَوْ التَّجْرِيحِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ إلَّا بِبَيِّنَةٍ لَاحْتَاجَ إلَى تَعْدِيلِ النِّيَّةِ وَتَعْدِيلِ مُعَدِّلِهِمْ مَا لَا نِهَايَةَ لَهُ فَاضْطَرَّ إلَى الْحُكْمِ بِعِلْمِهِ فِي ذَلِكَ قَالَهُ ابْنُ يُونُسَ. وَحَكَاهُ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَوَجَّهَهُ بَعْضُهُمْ بِشُهْرَةِ حَالَةِ الْعَدَالَةِ وَحَالَةِ الْجُرْحَةِ عِنْدَ النَّاسِ فَقَلَّ مَا يَنْفَرِدُ الْقَاضِي بِعِلْمِ ذَلِكَ دُونَ غَيْرِهِ فَتَرْتَفِعُ الظِّنَّةُ عَنْهُ، وَتَبْعُدُ التُّهَمَةُ عَنْهُ لِإِشْرَاكِ النَّاسِ مَعَهُ فِي مَعْرِفَةِ مَا حَكَمَ بِهِ فِي حَقِّ الْعَدْلِ أَوْ الْمُجَرَّحِ مِنْ كِلْتَا الْحَالَتَيْنِ قَالَهُ الْمَازِرِيُّ وَإِذَا كَانَ يَعْتَمِدُ فِي ذَلِكَ عَلَى عِلْمِهِ فَعَلِمَ بِجُرْحَةِ شَخْصٍ وَعَدَّلَهُ آخَرُونَ فَلَا يَقْبَلُ تَعْدِيلَهُمْ، وَكَذَا إنْ عَلِمَ عَدَالَتَهُ فَجُرِّحَ فَلَا يَقْبَلُ

تَجْرِيحَهُمْ، فَقَوْلُهُ وَفِي سِوَاهُمْ الضَّمِيرُ لِلشُّهُودِ، أَيْ وَفِي تَجْرِيحِ الشُّهُودِ وَتَعْدِيلِهِمْ، وَشَمَلَ قَوْلُهُ وَفِي سِوَاهُمْ شَهَادَتَهُ بِمَا حَكَمَ بِهِ وَبِمَا تَحَمَّلَهُ قَبْلَ وِلَايَتِهِ أَيْ فِي وِلَايَتِهِ أَوْ فِي مَجْلِسِ قَضَائِهِ عَلَى قَوْلِ غَيْرِ سَحْنُونٍ. وَفِي هَذَا الْوَجْهِ كَلَامٌ يَأْتِي قَرِيبًا فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ لَمْ تُقْبَلْ فَإِنَّهُ يَرْفَعُ شَهَادَتَهُ لِغَيْرِهِ وَيَكُونُ شَاهِدًا لَا حَاكِمًا كَمَا يَأْتِي لِلنَّاظِمِ قَرِيبًا فِي قَوْلِهِ: وَحَقُّهُ إنْهَاءُ مَا فِي عِلْمِهِ إلَخْ فَقَوْلُهُ: وَقَوْلُ سَحْنُونٍ بِهِ الْيَوْمَ الْعَمَلْ .. إلَخْ هُوَ فِي مَعْرَضِ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ قَوْلِهِ: وَفِي سِوَاهُمْ مَالِكٌ قَدْ شَدَّدَا يَعْنِي أَنَّ عَمَلَ الْقُضَاةِ الْيَوْمَ إنَّمَا هُوَ عَلَى قَوْلِ سَحْنُونٍ فِي كَوْنِهِ يَجُوزُ لِلْقَاضِي أَنْ يَحْكُمَ بِمَا عَلِمَهُ مِنْ إقْرَارِ الْخَصْمَيْنِ فِي مَجْلِسِ حُكُومَتِهِمَا عِنْدَهُ. (قَالَ اللَّخْمِيُّ) وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَحْكُمَ إلَّا بِحَضْرَةِ الشُّهُودِ لِيَحْكُمَ بِشَهَادَتِهِمْ لَا بِعِلْمِهِ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا يُقْضَى فِيهِ بِعِلْمِهِ فَأَخْذُهُ بِالْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ أَحْسَنُ. وَفِي (الْبَيَانِ) قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَاَلَّذِي عَلَيْهِ قُضَاتُنَا بِالْمَدِينَةِ وَقَالَهُ عُلَمَاؤُنَا، وَلَا أَعْلَمُ مَالِكًا قَالَ غَيْرُهُ أَنَّهُ يَقْضِي عَلَيْهِ بِمَا يَسْمَعُ مِنْهُ وَأَقَرَّ بِهِ عِنْدَهُ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مُطَرِّفٌ وَأَصْبَغُ وَسَحْنُونٌ (قَالَ ابْنُ رُشْدٍ) وَهُوَ دَلِيلُ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَإِنَّكُمْ لَتَخْتَصِمُونَ إلَيَّ الْحَدِيثَ إلَى قَوْلِهِ: فَأَقْضِي لَهُ عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ مِنْهُ» لِأَنَّهُ قَالَ عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ مِنْهُ وَلَمْ يَقُلْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى مَا ثَبَتَ عِنْدِي مِنْ قَوْلِهِ اهـ. (وَقَالَ اللَّخْمِيُّ) لَا يَحْكُمُ بِمَا عَلِمَهُ قَبْلَ وِلَايَتِهِ لَا بَعْدَهَا فِي غَيْرِ مَجْلِسِهِ وَلَا فِيهِ قَبْلَ أَنْ يَتَحَاكَمَا وَيَجْلِسَا لِلْحُكُومَةِ كَسَمَاعِهِ إقْرَارَ أَحَدِهِمَا فَلَمَّا تَقَدَّمَا لِلْحُكُومَةِ أَنْكَرَ، وَهُوَ فِيهِ شَاهِدٌ اهـ. (فَرْعٌ) مَنْ قَامَ بِرَسْمٍ بِشَهَادَةِ عَدْلَيْنِ مَيِّتَيْنِ أَوْ غَائِبَيْنِ وَلَمْ يُوجَدْ مَنْ يَرْفَعُ عَلَى خَطِّهِمَا - وَالْقَاضِي يَعْرِفُ خَطَّهُمَا - فَلَا يَحْكُمُ بِذَلِكَ الرَّسْمِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْحُكْمِ بِعِلْمِهِ قَالَهُ الْمِكْنَاسِيُّ فِي جَامِعِ مَجَالِسِهِ (وَفِي كِتَابِ ابْنِ يُونُسَ) وَأَمَّا إذَا جَلَسَ الْخَصْمَانِ إلَيْهِ فَأَقَرَّ أَحَدُهُمَا بِشَيْءٍ وَسَمِعَهُ الْقَاضِي فَجَائِزٌ أَنْ يَقْضِيَ بِهِ بَيْنَهُمَا، وَلَوْ كَانَ غَيْرَ هَذَا لَاحْتَاجَ أَنْ يُحْضِرَ مَعَهُ شَاهِدَيْنِ أَبَدًا يَشْهَدَانِ عَلَى النَّاسِ وَبِذَلِكَ قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَبِهِ أَخَذَ سَحْنُونٌ اهـ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعَدْلٌ إنْ أَدَّى عَلَى مَا عِنْدَهُ ... خِلَافُهُ مُنِعَ أَنْ يَرُدَّهُ وَحَقُّهُ إنْهَاءُ مَا فِي عِلْمِهِ ... لِمَنْ سِوَاهُ شَاهِدًا بِحُكْمِهِ يَعْنِي أَنَّ الشَّاهِدَ الْعَدْلَ إذَا أَدَّى شَهَادَتَهُ عِنْدَ الْقَاضِي وَالْقَاضِي يَعْلَمُ خِلَافَ مَا شَهِدَ بِهِ ذَلِكَ الْعَدْلُ فَلَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يَرُدَّ شَهَادَتَهُ؛ لِكَوْنِهِ يَعْلَمُ خِلَافَ مَا شَهِدَ بِهِ ذَلِكَ الْعَدْلُ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يَحْكُمُ بِعِلْمِهِ وَلَكِنْ يَرْفَعُ الْقَاضِي شَهَادَتَهُ لِغَيْرِهِ مِنْ الْقُضَاةِ أَوْ لِمَنْ حَكَّمَهُ الْخَصْمَانِ فِي نَازِلَتِهِمَا فَيَكُونُ شَاهِدًا لَا قَاضِيًا، وَيَجْرِي هَذَا الْحُكْمُ أَيْضًا فِي غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا عَلِمَهُ الْقَاضِي فَإِنَّهُ لَا يَحْكُمُ بِعِلْمِهِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَلَكِنَّهُ يَرْفَعُ ذَلِكَ لِغَيْرِهِ عَلَى أَنَّهُ شَاهِدٌ لَا حَاكِمٌ كَمَا قَالَهُ فِي الْمُقَرِّبِ وَلَفْظُهُ (قَالَ سَحْنُونٌ) قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الْخَصْمَيْنِ يَتَخَاصَمَانِ إلَى الْقَاضِي فَيُقِرُّ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ بِشَيْءٍ وَلَيْسَ عِنْدَ الْقَاضِي أَحَدٌ غَيْرُهُ ثُمَّ يَجْحَدُ الْمُقِرُّ أَتَرَى لِلْقَاضِي أَنْ يَحْكُمَ عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ وَمَقَالِهِ، فَقَالَ: لَا إلَّا بِبَيِّنَةٍ تَشْهَدُ عَلَى إقْرَارِهِ سِوَى الْقَاضِي أَوْ يَرْفَعُهُ إلَى مَنْ فَوْقَهُ فَيَكُونُ شَاهِدًا لَا حَاكِمًا، وَقَدْ حَكَى ابْنُ يُونُسَ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ عَنْ سَحْنُونٍ لَوْ شَهِدَ عِنْدِي عَدْلَانِ مَشْهُورَانِ بِالْعَدَالَةِ، وَأَنَا أَعْلَمُ خِلَافَ مَا شَهِدَا بِهِ لَمْ يَجُزْ أَنْ أَحْكُمَ بِشَهَادَتِهِمَا وَلَا أَنْ أَرُدَّهُمَا لِعَدَالَتِهِمَا وَلَكِنْ أَرْفَعُ ذَلِكَ لِلْأَمِيرِ الَّذِي فَوْقِي وَأَشْهَدُ بِمَا عَلِمْت وَغَيْرِي بِمَا يَعْلَمُ ا. هـ. فَالْمَسْأَلَةُ الْأُولَى فِي الْمُقَرِّبِ تَقَدَّمَتْ فِي قَوْلِهِ: (وَفِي سِوَاهُمْ. . . إلَخْ) وَإِذَا لَمْ يَحْكُمْ بِعِلْمِهِ فَيَرْفَعُ شَهَادَتَهُ لِغَيْرِهِ. وَالْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ هِيَ مَسْأَلَةُ الْبَيْتَيْنِ فَقَوْلُهُ: (وَحَقُّهُ. . . إلَخْ) يَرْجِعُ لِهَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ مَعًا فَقَوْلُ النَّاظِمِ: (شَاهِدًا بِحُكْمِهِ) أَيْ بِحُكْمِ الشَّاهِدِ فَكَأَنَّهُ قَصَدَ أَنَّهُ يَنْزِلُ عَنْ رُتْبَةِ حُكْمِهِ إلَى رُتْبَةِ الشَّاهِدِ وَحُكْمِهِ، وَلَعَلَّ الْمُنَاسِبَ لِهَذَا التَّقْرِيرِ أَنَّ الْبَاءَ فِي (بِحُكْمِهِ) بِمَعْنَى عَلَى وَضَمِيرُ (حُكْمِهِ) لِلشَّاهِدِ، أَيْ وَحَقُّهُ أَنْ يَرْفَعَ شَهَادَتَهُ لِغَيْرِهِ عَلَى حُكْمِ الشَّاهِدِ وَسَبِيلِهِ، وَالْإِنْهَاءُ هُنَا بِمَعْنَى رَفْعِ الشَّهَادَةِ لَا الْإِنْهَاءُ الْمُصْطَلَحُ عَلَيْهِ. (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ رُشْدٍ قَوْلُ الْقَاضِي: وَهُوَ عَلَى قَضَائِهِ حَكَمْت لِفُلَانٍ بِكَذَا لَا يُصَدَّقُ فِيهِ إنْ كَانَ

بِمَعْنَى الشَّهَادَةِ مِثْلُ قَوْلِ أَحَدِ الْمُتَخَاصِمَيْنِ عِنْدَ قَاضٍ: حَكَمَ لِي قَاضِي بَلَدِ كَذَا بِكَذَا أَوْ ثَبَتَ لِي عِنْدَهُ كَذَا، فَيَسْأَلُهُ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ فَيَأْتِيه مِنْ عِنْدِهِ بِكِتَابٍ إنِّي حَكَمْت لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ أَوْ ثَبَتَ عِنْدِي لَهُ عَلَيْهِ كَذَا فَهَذَا لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ شَاهِدٌ وَلَوْ جَاءَ رَجُلٌ ابْتِدَاءً لِلْقَاضِي فَقَالَ لَهُ خَاطِبْ قَاضِيَ بَلَدِ كَذَا بِمَا ثَبَتَ لِي عِنْدَك عَلَى فُلَانٍ أَوْ بِمَا حَكَمْت لِي بِهِ عَلَيْهِ، فَخَاطَبَهُ بِذَلِكَ لَجَازَ لِأَنَّهُ مُخْبِرٌ لَا شَاهِدٌ كَمَا يَجُوزُ قَوْلُهُ وَيَنْفُذُ فِيمَا يُسَجِّلُ بِهِ عَلَى نَفْسِهِ وَيَشْهَدُ بِهِ مِنْ الْأَحْكَامِ مَا دَامَ عَلَى قَضَائِهِ. (فَرْعٌ) قَالَ الْمُوَثِّقُونَ وَإِذَا كَانَ عِنْدَ الْقَاضِي شَهَادَةٌ وَسُئِلَ مِنْهُ رَفْعُهَا إلَى الْقَاضِي حَيْثُ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ - وَهُوَ بِمَوْضِعٍ بَعِيدٍ - لَا يَلْزَمُهُ الْأَدَاءُ فِيهِ إذْ لَوْ كَانَ قَرِيبًا لَلَزِمَهُ الْأَدَاءُ فَلَهُ فِي ذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يُشْهِدَ بِذَلِكَ شَاهِدَيْنِ فَيَنْقُلَانِهَا عَنْهُ، وَالثَّانِي: أَنْ يُشْهِدَ عَلَى مُضَمَّنِ شَهَادَتِهِ فِي رَسْمٍ، وَيُؤَدِّي شُهُودُهُ شَهَادَتَهُمْ عِنْدَهُ وَيُخَاطِبُ عَلَيْهِ، وَالثَّالِثُ: أَنْ يُقَدِّمَ شَخْصًا يُؤَدِّي عِنْدَهُ وَيُخَاطِبُ الْمُقَدِّمَ لَهُ وَيُخَاطِبُ الْقَاضِيَ بِقَبُولِ خِطَابِ الْمُقَدِّمِ وَذَلِكَ يَتَخَرَّجُ عَلَى الْخِلَافِ هَلْ يَجُوزُ لِلْقَاضِي أَنْ يَشْهَدَ عِنْدَ مَنْ يُقَدِّمُهُ أَوْ لَا، وَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَقِيلَ: يَجُوزُ ذَلِكَ ذَكَرَ ذَلِكَ كُلَّهُ أَبُو الطَّاهِرِ بْنُ بَشِيرٍ. (قَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ) وَكَانَ فُقَهَاءُ غَرْنَاطَةَ يَعْمَلُونَ بِالْوَجْهِ الثَّانِي وَأَهْلُ مَالَقَةَ بِالْوَجْهِ الْأَوَّلِ (وَقَالَ الْمُتَيْطِيُّ) وَإِنْ عَلِمَ السُّلْطَانُ الْأَعْلَى لِرَجُلٍ حَقًّا، فَأَرَادَ أَنْ يَشْهَدَ بِهِ عِنْدَ قَاضِيهِ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ وَقِيلَ لَا يَشْهَدُ عِنْدَهُ لِأَنَّهُ كَأَنَّهُ عِنْدَ نَفْسِهِ يَشْهَدُ، إذًا هُوَ مُقَدِّمُهُ فَيَئُولَ الْأَمْرُ إلَى أَنْ يَقْضِيَ بِعِلْمِهِ، وَبِالْأَوَّلِ الْقَضَاءُ وَعَلَيْهِ الْفُتْيَا وَعِلْمُهُ بِصِدْقِ غَيْرِ الْعَدْلِ لَا ... يُبِيحُ أَنْ يَقْبَلَ مَا تَحَمَّلَا يَعْنِي أَنَّ عِلْمَ الْقَاضِي بِصِدْقِ مَنْ لَيْسَ بِعَدْلٍ لَا يُبِيحُ لَهُ قَبُولَ شَهَادَتِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ آيِلٌ إلَى حُكْمِهِ بِعِلْمِهِ، وَسَبَبٌ لِتَطَرُّقِ التُّهْمَةِ إلَيْهِ وَلِأَنَّ شَهَادَةَ غَيْرِ الْعَدْلِ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ شَرْعًا، فَهِيَ كَالْمَعْدُومَةِ حِسًّا وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: 282] وَقَالَ {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} [المائدة: 95] وَحَكَى ابْنُ يُونُسَ عَنْ سَحْنُونٍ قَالَ: لَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ لَيْسَا بِعَدْلَيْنِ عَلَى مَا أَعْلَمُ أَنَّهُ حَقٌّ لَمْ أَقْضِ بِشَهَادَتِهِمَا لِأَنِّي أَقُولُ فِي كِتَابِ حُكْمِي بَعْدَ أَنْ صَحَّتْ عِنْدِي عَدَالَتُهُمَا، وَإِنَّمَا صَحَّ عِنْدِي جُرْحَتُهُمَا، وَقَالَ نَحْوَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَابْنُ كِنَانَةَ. (وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ) : وَالْحُكْمُ بِرَدِّ شَهَادَةِ الْفَاسِقِ حَقٌّ وَلَوْ شَهِدَ بِحَقٍّ اهـ. وَمَنْ جَفَا الْقَاضِيَ فَالتَّأْدِيبُ ... أَوْلَى وَذَا لِشَاهِدٍ مَطْلُوبُ وَفَلْتَةٌ مِنْ ذِي مُرُوءَةٍ عَثَرْ ... فِي جَانِبِ الشَّاهِدِ مِمَّا يُغْتَفَرُ يَعْنِي أَنَّ مَنْ أَسَاءَ الْأَدَبَ عَلَى الْقَاضِي وَجَفَاهُ بِكَلَامٍ لَا يَلِيقُ بِمَنْصِبِهِ فَإِنَّهُ يُؤَدَّبُ، وَتَأْدِيبُهُ أَوْلَى مِنْ الْعَفْوِ عَنْهُ، وَكَذَلِكَ يُؤَدَّبُ مَنْ أَسَاءَ الْأَدَبَ عَلَى الشَّاهِدِ عَلَيْهِ إلَّا إنْ كَانَ ذَا مُرُوءَةٍ وَقَعَتْ مِنْهُ فَلْتَةٌ فِي جَانِبِ الشَّاهِدِ فَإِنَّهُ يُغْتَفَرُ لَهُ ذَلِكَ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَقِيلُوا ذَوِي الْهَيْئَاتِ عَثَرَاتِهِمْ» وَالْجَفَاءُ

مَمْدُودٌ، وَهُوَ خِلَافُ الْبِرِّ وَقَدْ جَفَوْت الرَّجُلَ أَجْفُوهُ جَفَاءً فَهُوَ مَجْفُوٌّ وَلَا تَقُلْ جَفَيْت قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ. (وَمِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ) قِيلَ لَهُ: أَرَأَيْت الَّذِي يَتَنَاوَلُ الْقَاضِيَ بِالْكَلَامِ فَيَقُولُ لَقَدْ ظَلَمْتَنِي قَالَ: إنَّ ذَلِكَ يُخْتَلَفُ وَلَمْ يَجِدْ فِيهِ تَفْسِيرًا إلَّا أَنَّ وَجْهَ مَا قَالَ إذَا أَرَادَ بِذَلِكَ أَذَاهُ، وَكَانَ الْقَاضِي مِنْ أَهْلِ الْفَضْلِ فَلَهُ أَنْ يُعَاقِبَهُ وَمَا تُرِكَ ذَلِكَ حَتَّى خَاصَمَ أَهْلُ الشَّرَفِ فِي الْعُقُوبَةِ فِي الْإِلْدَادِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا كَمَا قَالَ إنَّ لِلْقَاضِي الْفَاضِلِ الْعَدْلِ أَنْ يَحْكُمَ لِنَفْسِهِ فِي الْعُقُوبَةِ عَلَى مَنْ تَنَاوَلَهُ بِالْقَوْلِ وَآذَاهُ بِأَنْ نَسَبَ إلَيْهِ الظُّلْمَ وَالْفُجُورَ، وَمُوَاجَهَةً بِحَضْرَةِ أَهْلِ مَجْلِسِهِ بِخِلَافِ مَا شَهِدَ بِهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ آذَاهُ بِهِ وَهُوَ غَائِبٌ لِأَنَّ مَا وَاجَهَهُ بِهِ مِنْ ذَلِكَ هُوَ مِنْ قَبِيلِ الْإِقْرَارِ، وَلَهُ أَنْ يَحْكُمَ بِالْإِقْرَارِ عَلَى مَنْ اُنْتُهِكَ مَالُهُ فَيُعَاقِبَهُ لَهُ وَبِتَمَوُّلِ الْمَالِ بِإِقْرَارِهِ وَلَا يَحْكُمُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ بِالْبَيِّنَةِ. وَكَذَا قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَالْعُقُوبَةُ فِي هَذَا أَوْلَى مِنْ الْعَفْوِ وَقَالَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ: قَالَ ابْنُ سَحْنُونٍ عَنْهُ إنْ قَالَ الْخَصْمُ لِمَنْ شَهِدَ عَلَيْهِ شَهِدْتَ عَلَيَّ بِالزُّورِ أَوْ بِمَا يَسْأَلُك اللَّهُ عَنْهُ، أَوْ مَا أَنْتَ مِنْ أَهْلِ الدِّينِ أَوْ مِنْ أَهْلِ الْعَدَالَةِ، وَلَمْ يَكُنْ قَائِلُ ذَلِكَ مِنْ أَهْلِ الْفَضْلِ وَيُؤَدَّبُ الْمَعْرُوفُ بِالْإِذَايَةِ بِقَدْرِ جُرْمِهِ، وَقَدْرِ الرَّجُلِ الْمُنْتَهَكِ حُرْمَتُهُ، وَقَدْرِ الشَّاتِمِ فِي إذَايَةِ النَّاسِ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْفَضْلِ وَذَلِكَ مِنْهُ فَلْتَةٌ تَجَافَى عَنْهُ. (قَالَ الشَّارِحُ) وَيُلْحَقُ بِقَضِيَّةِ الشَّاهِدِ وُقُوعُ أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ فِي صَاحِبِهِ فَقَدْ نَقَلَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ. وَإِنْ شَتَمَ أَحَدُ الْخَصْمَيْنِ صَاحِبَهُ عِنْدَ الْقَاضِي أَوْ أَسْرَعَ إلَيْهِ بِغَيْرِ حُجَّةٍ كَقَوْلِهِ: يَا ظَالِمُ يَا جَائِرُ، فَعَلَيْهِ زَجْرُهُ وَضَرْبُهُ إلَّا ذَا مُرُوءَةٍ فِي فَلْتَةٍ مِنْهُ فَلَا يَضْرِبُهُ؛ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يُنْصِفْ النَّاسَ فِي أَعْرَاضِهِمْ لَمْ يُنْصِفْهُمْ فِي أَمْوَالِهِمْ ا. هـ. فَلَوْ قَالَ النَّاظِمُ بَدَلَ الشَّطْرِ الْأَخِيرِ مِنْ الْبَيْتِ الثَّانِي فِي الْخَصْمِ وَالشَّاهِدِ مِمَّا يُغْتَفَرْ لَأَفَادَ مَسْأَلَةَ الْوُقُوعِ فِي الْخَصْمِ. (وَفِي مُخْتَصَرِ الشَّيْخِ خَلِيلٍ) عَاطِفًا عَلَى قَوْلِهِ: وَعَزَّرَ شَاهِدًا بِزُورٍ وَمَنْ أَسَاءَ عَلَى خَصْمٍ أَوْ مُفْتٍ أَوْ شَاهِدٍ لَا يَشْهَدُ بِبَاطِلٍ كَلِخَصْمِهِ كَذَبْت، وَقَالَ قَبْلَهُ: وَتَأْدِيبُ مَنْ أَسَاءَ عَلَيْهِ إلَّا فِي مِثْلِ

فصل في المقال والجواب

اتَّقِ اللَّهَ فِي أَمْرِي فَلْيَرْفُقْ بِهِ. وَمَنْ أَلَدَّ فِي الْخِصَامِ وَانْتَهَجْ ... نَهْجَ الْفِرَارِ بَعْدَ إتْمَامِ الْحُجَجْ يُنَفِّذُ الْحُكْمَ عَلَيْهِ الْحَكَمْ ... قَطْعًا لِكُلِّ مَا بِهِ يُخْتَصَمْ وَغَيْرُ مُسْتَوْفٍ لَهَا إنْ اسْتَتَرْ ... لَمْ تَنْقَطِعْ حُجَّتُهُ إذَا ظَهَرْ لَكِنَّمَا الْحُكْمَ عَلَيْهِ يُمْضِي ... بَعْدَ تَلَوُّمٍ لَهُ مَنْ يَقْضِي يَعْنِي أَنَّ الْخَصْمَ إذَا أَلَدَّ فِي الْخِصَامِ أَيْ أَكْثَرَ الْخُصُومَةَ وَسَلَكَ طَرِيقَ الْفِرَارِ، وَفَرَّ مِنْ الْقَضَاءِ وَالْحُكْمِ عَلَيْهِ وَتَغَيَّبَ عَنْ مَجْلِسِ الْحُكْمِ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ أَتَمَّ حُجَّتَهُ وَاسْتَوْفَى مِنْ الْآجَالِ مَعْذِرَتَهُ، فَإِنَّ الْقَاضِيَ يُنَفِّذُ الْحُكْمَ عَلَيْهِ وَيُمْضِيه وَيَقْطَعُ خُصُومَتَهُ وَلَا تُرْجَى لَهُ حُجَّةٌ، وَلَا تُسْمَعُ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ بَيِّنَةٌ. وَإِنْ كَانَ فِرَارُهُ وَتَغَيُّبُهُ قَبْلَ أَنْ يَسْتَوْفِيَ حُجَّتَهُ وَيَسْتَقْصِيَ فِي إبْطَالِ دَعْوَى خَصْمِهِ مَنْفَعَتَهُ، فَإِنَّ الْقَاضِيَ يُنَفِّذُ الْحُكْمَ عَلَيْهِ أَيْضًا لَكِنْ بَعْدَ التَّلَوُّمِ لَهُ وَالتَّأَنِّي لَهُ مِنْ غَيْرِ قَطْعٍ لِمَا يَأْتِي بِهِ مِنْ الْحُجَّةِ بِهَذَا جَرَى الْعَمَلُ وَاقْتَضَاهُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ النَّظَرُ. (فَفِي سَمَاعِ أَشْهَبَ) قَالَ: كَتَبَ ابْنُ غَانِمٍ إلَى مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ يَسْأَلُهُ عَنْ الْخَصْمَيْنِ يَخْتَصِمَانِ إلَيْهِ فِي الْأَرْضِ فَيُقِيمُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ بَيِّنَةً بِأَنَّهَا لَهُ فَإِذَا عَلِمَ بِذَلِكَ الَّذِي قَامَتْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ هَرَبَ وَتَغَيَّبَ فَطُلِبَ فَلَمْ يُوجَدْ أَيُقْضَى عَلَيْهِ - وَهُوَ غَائِبٌ - فَقَالَ مَالِكٌ لِكَاتِبِهِ اُكْتُبْ إلَيْهِ إذَا ثَبَتَتْ عِنْدَك الْحُجَجُ وَسَأَلْته عَمَّا تُرِيدُ أَنْ تَسْأَلَهُ عَنْهُ عِنْدَك فَلَمْ تَبْقَ لَهُ حُجَّةٌ بِنَعَمْ فَاقْضِ عَلَيْهِ - وَهُوَ غَائِبٌ - (قَالَ ابْنُ رُشْدٍ) هَذَا كَمَا قَالَ إنَّهُ إنْ تَغَيَّبَ بَعْدَ أَنْ اسْتَوْفَى جَمِيعَ حُجَجِهِ وَهَرَبَ فِرَارًا مِنْ الْقَضَاءِ عَلَيْهِ إنَّهُ يَقْضِي عَلَيْهِ وَيُعْجِزُهُ وَلَا يَكُونُ لَهُ إذَا قَدِمَ أَنْ يَقُومَ بِحُجَّتِهِ بِمَنْزِلَةِ أَنْ لَوْ قُضِيَ عَلَيْهِ - وَهُوَ حَاضِرٌ - قَالَ وَأَمَّا إنْ هَرَبَ وَتَغَيَّبَ قَبْلَ أَنْ يَسْتَوْفِيَ جَمِيعَ حُجَجِهِ، فَالْوَاجِبُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَتَلَوَّمَ لَهُ فَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ وَتَمَادَى عَلَى تَغَيُّبِهِ وَاخْتِفَائِهِ قَضَى عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقْطَعَ حُجَّتَهُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. (قَالَ الشَّارِحُ) مَا مَعْنَاهُ إنَّ الْهَارِبَ مِنْ الْقَضَاءِ وَالْحُكْمِ عَلَيْهِ إمَّا قَبْلَ حُضُورِهِ مَجْلِسَ الْحُكْمِ وَهُوَ الْمُتَقَدِّمُ فِي قَوْلِهِ: وَمَنْ عَصَى الْأَمْرَ وَلَمْ يَحْضُرْ طَبَعَ إلَخْ وَإِمَّا بَعْدَ حُضُورِهِ مَجْلِسَ الْحُكْمِ فَفِي ذَلِكَ وَجْهَانِ: قَبْلَ تَمَامِ حُجَّتِهِ أَوْ بَعْدَ تَمَامِهَا وَهَذَا الَّذِي تَكَلَّمَ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الْأَبْيَاتِ. (وَأَلَدَّ) أَكْثَرَ الْخُصُومَةَ (وَالْمُلِدُّ) شَدِيدُ الْخُصُومَةِ وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ عِنْدَ قَوْلِهِ: (وَأُجْرَةُ الْعَوْنِ. . . إلَخْ) مَعْنَى (انْتَهَجْ) نَهَجَ الْفِرَارَ سَلَكَ طَرِيقَ الْفِرَارِ أَيْ فَرَّ وَهَرَبَ. (قَالَ فِي الصِّحَاحِ) النَّهْجُ الطَّرِيقُ الْوَاضِحُ وَنَهَجْت الطَّرِيقَ إذَا سَلَكْته وَفُلَانٌ يَنْهَجُ سَبِيلَ فُلَانٍ أَيْ يَسْلُكُ مَسْلَكَهُ اهـ. (وَالْحُجَجْ) جَمْعُ حُجَّةٍ وَهُوَ مَا يَدْفَعُ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ أَوْ يُثْبِتُ بِهِ لَهَا (وَالْحُكْمَ) بِضَمٍّ فَسُكُونٍ مَفْعُولُ يُنَفِّذُ، (وَالْحَكَمُ) فَاعِلُ يُنَفِّذُ وَهُوَ بِفَتْحَتَيْنِ الْقَاضِي، (وَقَطْعًا) مَصْدَرٌ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنْ (الْحُكْمَ) . وَقَوْلُهُ وَغَيْرُ مُسْتَوْفٍ هُوَ مُقَابِلُ قَوْلِهِ:. (بَعْدَ إتْمَامِ الْحُجَجِ) (وَالْحُكْمَ) مَفْعُولُ يُمْضِي وَهُوَ مُضَارِعُ أَمْضَى. (وَبَعْدَ تَلَوُّمٍ) يَتَعَلَّقُ بِيُمْضِي (وَلَهُ) فِي مَوْضِعِ الصِّفَةِ. (لِتَلَوُّمِ) وَالضَّمِيرُ فِي لَهُ وَعَلَيْهِ لِغَيْرِ الْمُسْتَوْفِي حُجَّتَهُ (وَمَنْ يَقْضِي) فَاعِلُ يُمْضِي. (فَرْعٌ) فِي طُرُرِ ابْنِ عَاتٍ مَنْ وَجَبَتْ لَهُ يَمِينٌ وَتَغَيَّبَ عَنْ قَبْضِهَا فَإِنَّ الْقَاضِيَ يُوَكِّلُ مَنْ يَتَقَاضَى لَهُ يَمِينَهُ إذَا ثَبَتَ عِنْدَهُ غَيْبَةُ الَّذِي وَجَبَتْ لَهُ الْيَمِينُ، وَيُشْهِدُ عَلَى ذَلِكَ [فَصْلٌ فِي الْمَقَالِ وَالْجَوَابِ] ِ الْمُرَادُ بِالْمَقَالِ دَعْوَى الْمُدَّعِي، وَبِالْجَوَابِ مَا يُجِيبُ بِهِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَإِنْ قُيِّدَتْ الدَّعْوَى فِي كِتَابٍ فَهِيَ التَّوْقِيفُ الْآتِي ذِكْرُهُ وَمِنْ الدَّعْوَى مَا يَجِبُ كَتْبُهُ وَتَقْيِيدُهُ، وَمِنْهَا مَا يَحْسُنُ تَرْكُ تَقْيِيدِهِ، وَمِنْهَا مَا يَجُوزُ فِيهِ الْأَمْرَانِ وَالتَّقْيِيدُ أَحْسَنُ كَمَا يَأْتِي ذَلِكَ كُلِّهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَمَنْ أَبَى إقْرَارًا أَوْ إنْكَارَا ... لِخَصْمِهِ كُلِّفَهُ إجْبَارًا فَإِنْ تَمَادَى فَلِطَالِبٍ قُضِيَ ... دُونَ يَمِينٍ أَوْ بِهَا وَذَا اُرْتُضِيَ

تَقَدَّمَ أَنَّ الْخَصْمَيْنِ إذَا جَلَسَا بَيْنَ يَدَيْ الْقَاضِي وَعَرَفَ الْمُدَّعِيَ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ الْمُدَّعِيَ بِالْكَلَامِ، فَإِنْ ذَكَرَ دَعْوَى صَحِيحَةً لَمْ يَخْتَلَّ فِيهَا شَرْطٌ مِنْ شُرُوطِهَا الْمُتَقَدِّمَةِ أَمَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْجَوَابِ فَإِنْ أَجَابَ بِالْإِقْرَارِ ارْتَفَعَ النِّزَاعُ. وَإِنْ أَنْكَرَ طُولِبَ الْمُدَّعِي بِالْبَيِّنَةِ فَإِنْ عَجَزَ عَنْهَا حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَبُرِّئَ وَتَقَدَّمَ هَذَا كُلُّهُ، وَكَلَامُ النَّاظِمِ هُنَا حَيْثُ يَمْتَنِعُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِنْ الْجَوَابِ بِإِقْرَارٍ أَوْ إنْكَارٍ فَأَخْبَرَ فِي الْبَيْتَيْنِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُجِبْ بِإِقْرَارٍ وَلَا بِإِنْكَارٍ فَإِنَّهُ يُكَلَّفُ الْجَوَاب وَيُجْبَرُ عَلَيْهِ يَعْنِي بِالضَّرْبِ وَالسِّجْنِ، فَإِنْ لَمْ يُجِبْ بِشَيْءٍ - قَضَى لِلطَّالِبِ دُونَ يَمِينٍ تَلْزَمُهُ، وَقِيلَ: بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ وَهُوَ الْمُرْتَضَى عِنْدَ النَّاظِمِ، وَأَفْتَى الشَّيْخُ بِعَدَمِ الْيَمِينِ فَقَالَ وَإِنْ لَمْ يُجِبْ حُبِسَ وَأُدِّبَ ثُمَّ حَكَمَ بِلَا يَمِينٍ. (قَالَ الشَّارِحُ) فَإِنْ أَبَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِنْ الْإِقْرَارِ أَوْ الْإِنْكَارِ أُجْبِرَ عَلَى ذَلِكَ بِالسِّجْنِ وَالضَّرْبِ فَإِنْ تَمَادَى عَلَى إبَايَتِهِ بَعْدَ السِّجْنِ وَالضَّرْبِ فَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: يَقْضِي عَلَيْهِ بِمَا ادَّعَاهُ عَلَيْهِ خَصْمُهُ مِنْ غَيْرِ يَمِينٍ وَقَالَ أَصْبَغُ بَعْدَ الْيَمِينِ وَهَذَا إذَا كَانَتْ الدَّعْوَى تَثْبُتُ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ وَقَالَ إنَّهُ الَّذِي ارْتَضَاهُ أَهْلُ الْعِلْمِ. (وَقَالَ فِي الْمُقَرِّبِ) وَقَدْ سَأَلَ ابْنُ كِنَانَةَ مَالِكًا عَنْ رَجُلٍ بِيَدِهِ دُورٌ فَأَتَى رَجُلٌ فَقَالَ: إنَّ هَذِهِ الدُّورَ بِحَدِّي فَقَالَ الَّذِي بِيَدِهِ الدُّورُ: أَقِمْ الْبَيِّنَةَ عَلَى مَا قُلْت، وَأَمَّا أَنَا فَلَا أُقِرُّ وَلَا أُنْكِرُ فَقَالَ مَالِكٌ لَا يُتْرَكُ عَلَى ذَلِكَ وَيُجْبَرُ حَتَّى يُقِرَّ أَوْ يُنْكِرَ. (وَقَالَ الْمُقْرِي فِي كُلِّيَّاتِهِ الْفِقْهِيَّةِ) كُلُّ مَنْ لَا يَدْفَعُ الدَّعْوَى فَإِنَّهُ يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِلَا يَمِينٍ وَلَوْ كَانَ الْمُدَّعَى فِيهِ فِي يَدِهِ (قَالَ الشَّارِحُ) ظَاهِرُ هَذِهِ الْكُلِّيَّةِ مُوَافَقَةُ مَا صَدَّرَ بِهِ الشَّيْخُ أَوَّلًا مِنْ عَدَمِ الْيَمِينِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمَوَّازِ اهـ. وَهُوَ الَّذِي فِي الْمُخْتَصَرِ كَمَا تَقَدَّمَ وَجُمْلَةُ كُلِّفَهُ جَوَابُ مَنْ أَبَى، وَهُوَ بِضَمِّ الْكَافِ وَكَسْرِ اللَّامِ مُشَدَّدَةً مَبْنِيٌّ لِلنَّائِبِ مَحْذُوفُ الْفَاعِلِ لِلْعِلْمِ بِهِ أَنَّهُ الْقَاضِي وَالنَّائِبُ ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ يَعُودُ عَلَى مَنْ أَبَى وَالضَّمِيرُ الْبَارِزُ مَفْعُولٌ ثَانٍ لِكُلِّفَ يَعُودُ عَلَى الْإِقْرَارِ وَالْإِنْكَارِ وَأَفْرَدَ الضَّمِيرَ لِلْعَطْفِ بِأَوْ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقْرَأَ كَلَّفَ بِفَتْحِ الْكَافِ وَاللَّامِ مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ وَإِجْبَارًا مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ مِنْ مَعْنَى كَلَّفَ لَا مِنْ لَفْظِهِ وَهُوَ مَصْدَرُ أَجْبَرَ الرُّبَاعِيُّ، وَيُقَالُ جَبَرَهُ جَبْرًا قَالَ فِي الْقَامُوسِ جَبَرَهُ عَلَى الْأَمْرِ أَيْ أَكْرَهَهُ كَأُجْبِرُهُ اهـ. (فَرْعٌ) قَالَ الْمُتَيْطِيُّ: وَإِنْ كَانَ جَوَابُ الْمَطْلُوبِ عَلَى التَّوْقِيفِ: لَا حَقَّ لَهُ عِنْدِي وَلَمْ يَرُدَّ عَلَى ذَلِكَ فَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يُقْنَعُ مِنْهُ بِذَلِكَ حَتَّى يُقِرَّ بِالسَّلَفِ أَوْ يُنْكِرَهُ (ابْنُ عَرَفَةَ) وَإِذَا ذَكَرَ الْمُدَّعِي دَعْوَاهُ فَمُقْتَضَى الْمَذْهَبِ أَمْرُ الْقَاضِي خَصْمَهُ بِجَوَابِهِ إنْ اسْتَحَقَّتْ الدَّعْوَى جَوَابًا وَإِلَّا فَلَا، كَقَوْلِ الْمُدَّعِي: هَذَا أَخْبَرَنِي أَنَّهُ رَأَى هِلَالَ الشَّهْرِ أَوْ سَمِعَ مَنْ يُعَرِّفُ بِلُقَطَةٍ، وَلَا يَتَوَقَّفُ أَمْرُهُ بِالْجَوَابِ عَلَى طَلَبِ الْمُدَّعِي لِذَلِكَ لِدَلَالَةِ حَالِ التَّدَاعِي عَلَيْهِ (ابْنُ عَرَفَةَ) وَظَاهِرُهُ إيجَابُ جَوَابِهِ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ: لِي عِنْدَهُ كَذَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ السَّبَبِ مِنْ سَلَفٍ أَوْ مُعَاوَضَةٍ أَوْ عَطِيَّةٍ وَنَحْوِهَا؛ لِجَوَازِ كَوْنِهَا مِنْ أَمْرٍ لَا يُوجِبُ وُجُوبَهَا عَلَيْهِ كَعِدَّةٍ أَوْ عَطِيَّةٍ مِنْ مَالِ أَجْنَبِيٍّ اهـ

وَالْكَتْبُ يَقْتَضِي عَلَيْهِ الْمُدَّعِي ... مِنْ خَصْمِهِ الْجَوَابَ تَوْقِيفًا دُعِي الْكَتْبُ مَصْدَرٌ وَهُوَ هُنَا بِمَعْنَى الْمَفْعُولِ يَعْنِي أَنَّ الْمَكْتُوبَ الَّذِي يَطْلُبُ الْمُدَّعِي مِنْ خَصْمِهِ الْجَوَابَ عَنْهُ؛ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى دَعْوَاهُ وَتَضَمُّنِهِ إيَّاهَا يُدْعَى وَيُسَمَّى عِنْدَ الْمُوَثِّقِينَ بِالتَّوْقِيفِ لِكَوْنِ الطَّالِبِ الَّذِي أَمْلَاهُ عَلَى كِتَابِهِ يُوقِفُ عَلَيْهِ الْمَطْلُوبَ وَيَطْلُبُهُ بِالْجَوَابِ عَنْهُ بَيْنَ يَدَيْ الْقَاضِي، وَهَذَا هُوَ الْمُسَمَّى بِالْمَقَالِ أَيْضًا وَالْكَتْبُ مُبْتَدَأٌ وَجُمْلَةُ يَقْتَضِي بِمَعْنَى يَطْلُبُ صِفَتُهُ وَفَاعِلُ يَقْتَضِي هُوَ الْمُدَّعِي وَمِنْ خَصْمِهِ يَتَعَلَّق بِيَقْتَضِي. (وَالْجَوَابَ) مَفْعُولُهُ وَعَلَيْهِ يَتَعَلَّقُ بِالْجَوَابِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ عَلَى بِمَعْنَى عَنْ، وَهُوَ الْمُنَاسِبُ وَتَوْقِيفًا مَفْعُولٌ ثَانٍ لِدُعِيَ وَالْأَوَّلُ ضَمِيرُ (الْكَتْبُ) وَجُمْلَةُ (دُعِي) خَبَرُ (الْكَتْبُ) وَالرَّابِطُ لِجُمْلَةِ الصِّفَةِ بِمَوْصُوفِهَا هُوَ ضَمِيرُ عَلَيْهِ وَلِجُمْلَةِ الْخَبَرِ بِالْمُبْتَدَأِ، وَهُوَ نَائِبُ. (دُعِي) الْعَائِدُ عَلَى (الْكَتْبُ) وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَمَا يَكُونُ بَيِّنًا إنْ لَمْ يُجِبْ ... عَلَيْهِ فِي الْحِينِ فَالْإِجْبَارُ يَجِبْ وَكُلُّ مَا افْتَقَرَ لِلتَّأَمُّلِ ... فَالْحُكْمُ نَسْخُهُ وَضَرْبُ الْأَجَلِ وَطَالِبُ التَّأْخِيرِ فِيمَا سَهُلَا ... لِمَقْصِدٍ يُمْنَعُهُ وَقِيلَ لَا يَعْنِي أَنَّ الْمَقَالَ الْمُسَمَّى بِالتَّوْقِيفِ إنْ كَانَ سَهْلًا بَيِّنًا لِلتَّأَمُّلِ قَلِيلَ الْفُصُولِ قَرِيبَ الْمَعْنَى، فَإِنَّ الْمَطْلُوبَ يُجْبَرُ عَلَى الْجَوَابِ عَنْهُ فِي الْحِينِ مِنْ غَيْرِ تَرَاخٍ، وَإِنْ كَانَ بِعَكْسِ ذَلِكَ مِنْ كَثْرَةِ الْفُصُولِ وَاخْتِلَافِ الْمَعَانِي وَالِافْتِقَارِ إلَى النَّظَرِ وَالتَّأَمُّلِ فَإِنَّهُ يَحْكُمُ لِلْمَطْلُوبِ بِأَخْذِ نُسْخَةٍ مِنْهُ وَيُؤَجَّلُ فِي جَوَابِهِ بِقَدْرِ اجْتِهَادِ الْقَاضِي. (قَالَ الشَّارِحُ) وَذَلِكَ مُقْتَضَى مَا نَقَلَهُ الْمَازِرِيُّ عَنْ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ قَالَ: وَبِهِ الْعَمَلُ وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِالْبَيْتَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ فَإِنْ طَلَبَ الْمَطْلُوبُ التَّأْخِيرَ بِالْجَوَابِ فِي الْمَقَالِ الْقَلِيلِ الْفُصُولِ الْقَرِيبِ الْمَعَانِي لِمَقْصِدٍ يُبَيِّنُهُ كَتَوْكِيلِ مَنْ يُجِيبُ عَنْهُ وَمَا أَشْبَهَهُ فَقِيلَ: يُمْنَعُ مِنْهُ وَقِيلَ: لَا يُمْنَعُ قَالَ الشَّارِحُ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يُمْنَعُ مِنْهُ وَلِذَلِكَ قَدَّمَهُ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي هَذَا الْبَيْتِ، وَلَفْظُ الْإِجْبَارِ يُقْرَأُ بِنَقْلِ حَرَكَةِ الْهَمْزَةِ لِلسَّاكِنِ قَبْلَهَا، وَجُمْلَةُ يُمْنَعُهُ بِالْبِنَاءِ لِلنَّائِبِ خَبَرُ (طَالِبُ) - وَالضَّمِيرُ الْبَارِزُ - لِلتَّأْخِيرِ، وَالنَّائِبُ يَعُودُ عَلَى الطَّالِبِ. (فَرْعٌ) وَفِي الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ وَإِذَا دُعِيَ الْخَصْمُ إلَى انْتِسَاخِ وَثِيقَةٍ وَقَفَ عَلَيْهَا لِيَقِفَ عَلَى فُصُولِهَا فَإِنَّهُ إنْ كَانَتْ الْوَثِيقَةُ مُخْتَصَرَةً لِلْفَهْمِ لِمَعَانِيهَا، وَيُوقَفُ عَلَيْهَا لِلسَّمَاعِ لَهَا لَمْ يُعْطَ نُسْخَتَهَا فَإِنْ كَانَتْ طَوِيلَةً كَثِيرَةَ الْمَعَانِي لَا يُحَاطُ بِفَهْمِ مَعَانِيهَا، وَيَحْتَاجُ إلَى التَّثَبُّتِ فِيهَا أُعْطِيَ نُسْخَتَهَا اهـ. (وَفِي ابْنِ عَرَفَةَ) وَفِي تَمْكِينِ الْمَطْلُوبِ مِنْ نُسْخَةٍ بِمَا شُهِدَ بِهِ عَلَيْهِ مُطْلَقًا، أَوْ إنْ كَانَتْ فِيمَا يُشْكِلُ وَيَحْتَاجُ الْمَطْلُوبُ فِيهِ إلَى تَدْبِيرٍ وَتَأَمُّلٍ نَقَلَ الْمَازِرِيُّ عَنْ الْقَاضِي أَبِي طَالِبٍ وَالشَّيْخِ الْمَازِرِيِّ وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ اهـ. وَنَحْوُهُ فِي ابْنِ سَلْمُونٍ وَمِنْ نَوَازِل الْأَيْمَانِ وَالدَّعَاوَى مِنْ الْمِعْيَارِ سُئِلَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ عَنْ مُتَخَاصِمَيْنِ طَلَبَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ أَنْ يُوقِفَهُ عَلَى

فصل في الآجال

وَثِيقَةٍ بِيَدِهِ لَهُ فِيهَا حَقٌّ فَأَجَابَ: إذَا حَضَرَ الْحُكْمَ وَجَبَ إخْرَاجُ الْوَثِيقَةِ لِلطَّالِبِ لِيَنْظُرَ فِيهَا، وَلَيْسَ لَهُ الِامْتِنَاعُ مِنْهُ وَهُوَ مِنْ حَقِّ الطَّالِبِ انْتَهَى وَيُوجِبُ التَّقْيِيدَ لِلْمَقَالِ ... تَشَعُّبُ الدَّعْوَى وَعُظْمُ الْمَالِ لِأَنَّهُ أَضْبَطُ لِلْأَحْكَامِ ... وَلِانْحِصَارِ نَاشِئِ الْخِصَامِ وَحَيْثُمَا الْأَمْرُ خَفِيفٌ بَيِّنُ ... فَالتَّرْكُ لِلتَّقْيِيدِ مِمَّا يَحْسُنُ فَرُبَّ قَوْلٍ كَانَ بِالْخِطَابِ ... أَقْرَبَ لِلْفَهْمِ مِنْ الْكِتَابِ تَقَدَّمَ أَنَّ الْمَقَالَ تَارَةً يَكُونُ صَعْبًا مُتَشَعِّبًا كَثِيرَ الْفُصُولِ وَالْمَعَانِي وَتَارَةً بِخِلَافِ ذَلِكَ بِحَيْثُ يَكُونُ سَهْلًا بَيِّنَ الْمَعْنَى ظَاهِرَ الْمَقْصُود، فَأَخْبَرَ هُنَا أَنَّهُ إنْ كَانَ كَالْوَجْهِ الْأَوَّلِ فَإِنَّ ذَلِكَ يُوجِبُ تَقْيِيدَ الْمَقَالِ لَا سِيَّمَا إنْ انْضَمَّ إلَى ذَلِكَ كَثْرَةُ الْمَالِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ لِأَنَّ تَقْيِيدَهُ يَضْبِطُ الْأَحْكَامَ، وَيُحْضِرُ ذِهْنَ الْقَاضِي لِلنَّظَرِ فِي النَّازِلَةِ وَأَطْرَافِهَا وَيَنْحَصِرُ بِسَبَبِ ذَلِكَ نَاشِئُ الْخِصَامِ؛ لِئَلَّا يَنْتَقِلَ مِنْ دَعْوَى إلَى أُخْرَى، وَإِنْ كَانَ الْمَقَالُ سَهْلًا بَيِّنًا فَتَرْكُ التَّقْيِيدِ لَهُ أَحْسَنُ إذْ رُبَّمَا كَانَ تَلَقِّي ذَلِكَ بِالْكَلَامِ مُشَافَهَةً أَقْرَبَ وَأَسْهَلَ مِنْ كَتْبِهِ وَلَا يَعْنِي النَّاظِمُ أَنَّ تَقْيِيدَ الْمُقَالِ إنَّمَا هُوَ عِنْدَ تَشَعُّبِ الدَّعْوَى وَكَثْرَةِ الْمَالِ بَلْ هُوَ مَشْرُوعٌ فِي كُلِّ دَعْوَى إلَّا أَنَّهُ إنْ كَانَتْ الدَّعْوَى مُتَشَعِّبَةً، فَتَقْيِيدُهُ وَاجِبٌ وَإِنْ كَانَتْ بَيِّنَةً ظَاهِرَةً فَيَجُوزُ أَيْضًا لَكِنْ الْأَوْلَى تَرْكُهُ وَمَا كَانَ بَيْنَهُمَا فَكَذَلِكَ أَيْضًا لَكِنْ تَقْيِيدُهُ أَوْلَى لِأَنَّهُ أَقْطَعُ لِلنِّزَاعِ. وَقَدْ ذَكَرَ لِي بَعْضُ أَشْيَاخِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ الْعَامِلِينَ لَمَّا وُلِّيَ الْقَضَاءَ جَاءَهُ الْأَعْوَانُ عَلَى مُقْتَضَى الْعَادَةِ فَطَرَدَهُمْ وَقَالَ لَهُمْ: مَنْ لَهُ حِرْفَةٌ غَيْرُ هَذِهِ فَلْيَشْتَغِلْ بِهَا فَلَا حَاجَةَ لِي إلَيْكُمْ وَأَجْلَسَ مَعَهُ عَدْلَيْنِ مَرَضِيَّيْنِ فَلَمَّا جَاءَهُ الْخَصْمَانِ قَيَّدَ الْعَدْلَانِ دَعْوَى الْمُدَّعِي وَجَوَابَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَنْهَا، ثُمَّ تَأَمَّلَ تِلْكَ الدَّعْوَى وَجَوَابَهَا وَفَصَلَ بَيْنَهُمَا - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَنَفَعَ بِهِ. وَلَفْظُ (عُظْمُ) فِي الْبَيْتِ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَسُكُونِ الظَّاءِ اسْمٌ مِنْ الْعِظَمِ بِكَسْرِهَا قَالَهُ فِي الْقَامُوسِ [فَصْلٌ فِي الْآجَالِ] ِ وَلِاجْتِهَادِ الْحَاكِمِ الْآجَالْ ... مَوْكُولَةٌ حَيْثُ لَهَا اسْتِعْمَالْ قَوْلُهُ: (فِي الْآجَالِ) أَيْ فِي بَيَانِ مِقْدَارِ الْآجَالِ وَهُوَ جَمْعُ أَجَلٍ، وَيُطْلَقُ لُغَةً عَلَى وَقْتِ الْمَوْتِ وَحُلُولِ الدَّيْنِ وَمُدَّةِ الشَّيْءِ، وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا الْمُدَّةُ الَّتِي يَضْرِبُهَا الْحَاكِمُ مُهْلَةً لِأَحَدِ الْمُتَدَاعِيَيْنِ أَوْ لَهُمَا لِمَا عَسَى أَنْ يَأْتِيَ بِهِ مِنْ الْحُجَّةِ. (قَوْلُهُ وَلِاجْتِهَادِ الْحَاكِمِ. . . إلَخْ) . يَعْنِي أَنَّ الْآجَالَ حَيْثُ تُسْتَعْمَلُ فَإِنَّهَا مَوْكُولَةٌ فِي قَدْرِهَا وَجَمْعِهَا وَتَفْرِيقِهَا إلَى نَظَرِ الْحَاكِمِ. (قَالَ ابْنُ رُشْدٍ) ضَرْبُ الْآجَالِ لِلْمَحْكُومِ عَلَيْهِ فِيمَا يَدَّعِيه مِنْ بَيِّنَةٍ مَصْرُوفٌ لِاجْتِهَادِ الْحَاكِمِ بِحَسَبِ مَا يَظْهَرُ لَهُ مِنْ حَالِ مَنْ ضَرَبَ لَهُ الْآجَالَ، وَالْأَصْلُ فِيهَا قَوْلُ الْفَارُوقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي رِسَالَتِهِ إلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَاجْعَلْ لِمَنْ ادَّعَى حَقًّا غَائِبًا أَوْ بَيِّنَةً أَمَدًا يَنْتَهِي إلَيْهِ فَإِنْ أَحْضَرَ بَيِّنَةً أَخَذْتَ لَهُ بِحَقِّهِ وَإِلَّا سَجَّلْت الْقَضِيَّةَ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ أَنْفَى لِلشَّكِّ وَأَجْلَى لِلْعَمَى وَبِثَلَاثَةٍ مِنْ الْأَيَّامِ ... أُجِّلَ فِي بَعْضٍ مِنْ الْأَحْكَامِ كَمِثْلِ إحْضَارِ الشَّفِيعِ لِلثَّمَنْ ... وَالْمُدَّعِي النِّسْيَانَ إنْ طَالَ الزَّمَنْ وَالْمُدَّعِي أَنَّ لَهُ مَا يَدْفَعُ ... بِهِ يَمِينًا أَمْرُهَا مُسْتَبْشَعُ وَمُثْبِتٌ دَيْنًا لِمِدْيَانٍ وَفِي ... إخْلَاءِ مَا كَالرَّبْعِ ذَلِكَ اُقْتُفِيَ وَشَرْطُهُ ثُبُوتُ الِاسْتِحْقَاقِ ... بِرَسْمٍ الْإِعْذَارُ فِيهِ بَاقِ مُرَادُ النَّاظِمِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي هَذِهِ الْأَبْيَاتِ وَمَا بَعْدَهَا بَيَانُ مَا حَكَمَ بِهِ الْقُضَاةُ الْمُتَقَدِّمُونَ فِي تَحْدِيدِ

الْآجَالِ فِي مَسَائِلَ يَنْقَاسُ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا مَا يُمَاثِلُهَا فَلَا مُعَارَضَةَ بَيْنَ تَحْدِيدِهَا وَبَيْنَ كَوْنِهَا مَوْكُولَةً لِاجْتِهَادِ الْحَاكِمِ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ الْعِلْمِ بِذَلِكَ تَبْقَى النَّفْسُ مُتَشَوِّفَةً لِتَحْدِيدِهَا، وَإِنْ كَانَ لَا يَجِبُ الْوُقُوفُ عِنْدَهُ لِمَا قَرَّرْنَا أَنَّ ذَلِكَ لِاجْتِهَادِ الْحَاكِمِ فَقَدْ يَرَى قَاضِي الْوَقْتِ خِلَافَ مَا حَكَمَ بِهِ مَنْ قَبْلَهُ لِمَعْنًى يَخْتَصُّ بِالنَّازِلَةِ الْمَحْكُومِ فِيهَا. (قَوْلُهُ وَبِثَلَاثَةٍ. . . إلَخْ) يَعْنِي أَنَّ الْعَمَلَ جَرَى عِنْدَ الْقُضَاةِ بِالتَّأْجِيلِ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي مَسَائِلَ وَذَلِكَ كَمَنْ أَخَذَ بِالشُّفْعَةِ فِي شِقْصٍ وَطَلَبَ التَّأْجِيلَ لِإِحْضَارِ الثَّمَنِ، وَأَمَّا إنْ طَلَبَ التَّأْخِيرَ لِيَنْظُرَ هَلْ يَشْفَعُ أَمْ لَا فَلَا يُؤَخَّرُ، وَكَمَنْ اُدُّعِيَتْ عَلَيْهِ دَعْوَى مَالِيَّةٌ فَادَّعَى النِّسْيَانَ لِطُولِ الزَّمَنِ فَيُؤَجَّلُ لِيَتَذَكَّرَ فَيُقِرُّ أَوْ يُنْكِرُ، وَكَمَنْ تَوَجَّهَتْ عَلَيْهِ يَمِينٌ فَادَّعَى أَنَّ عِنْدَهُ مَا يَدْفَعُ عَنْهُ بِهِ تِلْكَ الْيَمِينِ. (قَوْلُهُ أَمْرُهَا مُسْتَبْشَعُ) صِفَةُ الْيَمِينِ، وَلَعَلَّ وَصْفَهَا بِذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ بِتَرْجِيحِ الصُّلْحِ عَلَى الْيَمِينِ فِي دَعْوَى يُتَحَقَّقُ بُطْلَانُهَا وَفِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ وَكَذَلِكَ مَنْ طَلَبَ التَّأْخِيرَ لِإِثْبَاتِ دَيْنٍ لِمِدْيَانِهِ كَأَنْ يَكُونُ لَكَ فِي ذِمَّةِ إنْسَانٍ فَادَّعَى الْعَدَمَ، فَزَعَمْتَ أَنَّ لَهُ دَيْنًا عَلَى غَيْرِهِ وَأَرَدْت التَّأْجِيلَ لِإِثْبَاتِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ التَّأْجِيلَ؛ لِإِثْبَاتِ الدَّيْنِ عَلَى مُنْكِرِهِ. (فَلَامُ) لِمِدْيَانٍ عَلَى هَذَا بِمَعْنَى عَلَى وَكَذَلِكَ مَنْ اسْتَحَقَّ رُبْعًا بِشُرُوطِ الِاسْتِحْقَاقِ وَلَمْ يَبْقَ إلَّا الْإِعْذَارُ لِلْمُقَوَّمِ عَلَيْهِ، وَطَلَبَ الْمُسْتَحِقُّ إخْلَاءَ ذَلِكَ الرُّبْعِ فَإِنَّهُ يُؤَجَّلُ حَائِزُهُ لِإِخْلَائِهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَهَذِهِ خَمْسَةُ فُرُوعٍ وَنَصَّ عَلَى الْأَوَّلِ مِنْهَا فِي الْمُقَرِّبِ وَعَلَى الثَّالِثِ مِنْهَا الْمُتَيْطِيُّ وَعَلَى الرَّابِعِ الْجَزِيرِيُّ نَقَلَ ذَلِكَ الشَّارِحُ فِي شَرْحِهِ. وَفِي سِوَى أَصْلٍ لَهُ ثَمَانِيَهْ ... وَنِصْفُهَا لِسِتَّةٍ مُوَالِيَهْ ثُمَّ ثَلَاثَةٌ لِذَاكَ تُتْبَعُ ... تَلَوُّمًا وَأَصْلُهُ تَمَتَّعُوا يَعْنِي أَنَّ التَّأْجِيلَ فِي غَيْرِ الْأُصُولِ إحْدَى وَعِشْرُونَ يَوْمًا ثَمَانِيَةٌ ثُمَّ سِتَّةٌ ثُمَّ أَرْبَعَةٌ ثُمَّ ثَلَاثٌ تَلَوُّمًا، وَإِنَّمَا اسْتَثْنَى الْأُصُولَ لِأَنَّ الْكَلَامَ يَأْتِي عَلَيْهَا، وَكَذَلِكَ تُسْتَثْنَى الْمَسَائِلُ الْخَمْسُ الْمَذْكُورَةُ قَبْلُ وَمَا أَشْبَهَهَا إذْ لَيْسَ التَّأْجِيلُ بِثَلَاثٍ مَحْصُورًا فِيهَا كَمَا أَشْعَرَ بِذَلِكَ إدْخَالُ الْكَافِ عَلَيْهَا وَإِنْ لَمْ تُسْتَثْنَ؛ لِتَنَاقُضِ الْكَلَامِ لِدُخُولِهَا فِي قَوْلِهِ: وَفِي سِوَى أَصْلٍ، وَاسْتِعْمَالُ النَّاظِمِ فِي الْبَيْتَيْنِ تَفْرِيقُ الْآجَالِ وَسَيَأْتِي

لَهُ الْكَلَامُ فِيهَا فِي آخِرِ الْفَصْلِ وَالتَّلَوُّمُ الْأَجَلُ الْأَخِيرُ، وَالْأَصْلُ فِيهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ} [هود: 65] الْآيَةَ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ آخِرُ الْبَيْتِ الثَّانِي (قَالَ فِي الْمَقْصِدِ الْمَحْمُودِ) الْآجَالُ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الشَّيْءِ الْمُدَّعَى فِيهِ مَا عَدَا الْأُصُولَ لِلْمُثْبِتِ لِدَعْوَاهُ ثَمَانِيَةُ أَيَّامٍ ثُمَّ سِتَّةٌ ثُمَّ أَرْبَعَةٌ ثُمَّ ثَلَاثَةٌ تَلَوُّمًا. (وَقَالَ فَتْحُونٌ) وَالْآجَالُ فِي الدُّيُونِ وَالْحُقُوقِ دَوْنَهَا فِي الْعَقَارِ وَالْأُصُولِ. وَفِي أُصُولِ الْإِرْثِ إنَّ الْمُعْتَبَرْ ... مِنْ عَدَدِ الْأَيَّامِ خَمْسَةَ عَشَرْ ثُمَّ يَلِي أَرْبَعَةٌ تُسْتَقْدَمُ ... بِضْعُهَا ثُمَّ يَلِي التَّلَوُّمُ يَعْنِي أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْآجَالِ وَهُوَ الَّذِي عَبَّرَ عَنْهُ بِعَدَدِ الْأَيَّامِ فِي إثْبَاتِ الْأُصُولِ مِنْ إرْثٍ أَوْ غَيْرِهِ وَفِي الْإِرْثِ مِنْ غَيْرِ الْأُصُولِ شَهْرٌ كَامِلٌ إلَّا أَنَّهُ مُفَرَّقٌ أَيْضًا خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا ثُمَّ ثَمَانِيَةً ثُمَّ أَرْبَعَةً ثُمَّ ثَلَاثَةً تَلَوُّمًا، وَالْمُرَادُ بِالتَّأْجِيلِ هُنَا فِي الْأُصُولِ هُوَ لِإِثْبَاتِهَا، وَفِي قَوْلِهِ قَبْلُ وَفِي إخْلَاءِ مَا كَالرَّبْعِ التَّأْجِيلُ لِلْإِخْلَاءِ لَا لِلْإِثْبَاتِ؛ لِأَنَّهُ حَاصِلٌ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: وَشَرْطُهُ ثُبُوتُ. . . إلَخْ. وَهَذَا أَيْضًا مَعَ قُرْبِ الْبَيِّنَةِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: بَعْدُ وَفِي أُصُولِ إرْثٍ أَوْ سِوَاهُ إلَى أَنْ قَالَ لَكِنْ مَعَ ادِّعَاءِ بُعْدِ الْبَيِّنَهْ (قَالَ ابْنُ رُشْدٍ) وَاَلَّذِي مَضَى عَلَيْهِ عَمَلُ الْحُكَّامِ فِي التَّأْجِيلِ فِي الْأُصُولِ ثَلَاثُونَ يَوْمًا يُضْرَبُ لَهُ عَشْرَةُ أَيَّامٍ ثُمَّ عَشْرَةُ أَيَّامٍ ثُمَّ يُتَلَوَّمُ لَهُ بِعَشَرَةٍ أَوْ ثَمَانِيَةٍ ثُمَّ ثَمَانِيَةٍ ثُمَّ ثَمَانِيَةٍ ثُمَّ يُتَلَوَّمُ لَهُ بِسِتَّةٍ أَوْ خَمْسَةَ عَشْرَ يَوْمًا ثُمَّ ثَمَانِيَةٍ ثُمَّ أَرْبَعَةٍ ثُمَّ يُتَلَوَّمُ لَهُ بِتَمَامِ الثَّلَاثِينَ، وَهَذَا الْأَخِيرُ هُوَ الَّذِي فِي الْبَيْتَيْنِ. (قَالَ الشَّارِحُ) وَزَادَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَعَ الْأُصُولِ الْإِرْثَ حَسْبَمَا نَصَّ عَلَى ذَلِكَ غَيْرُ وَاحِدٍ (وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ) أَوْ يَضْرِبُ لَهُ أَجَلًا قَاطِعًا مِنْ ثَلَاثِينَ يَوْمًا يَدْخُلُ فِيهِ التَّلَوُّمُ وَالْآجَالُ كُلُّ ذَلِكَ مَضَى مِنْ فِعْلِ الْقُضَاةِ، وَهَذَا مَعَ حُضُورِ الْبَيِّنَةِ فِي الْبَلَدِ وَإِنْ كَانَتْ غَائِبَةً عَنْ الْبَلَدِ فَيُؤَجَّلُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ اهـ. . وَفِي أُصُولِ إرْثٍ أَوْ سِوَاهُ ... ثَلَاثَةُ الْأَشْهُرِ مُنْتَهَاهُ لَكِنْ مَعَ ادِّعَاءِ بُعْدِ الْبَيِّنَةِ ... وَمِثْلُهُ حَائِزُ مِلْكٍ سَكَنَهْ مَعَ حُجَّةٍ قَوِيَّةٍ لَهُ مَتَى ... أَثْبَتَهَا لِنَفْسِهِ مَنْ أَثْبَتَا يَعْنِي أَنَّ مُنْتَهَى الْآجَالِ فِي الْأُصُولِ كَانَتْ مِنْ إرْثٍ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ مَعَ بُعْدِ الْبَيِّنَةِ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ، وَكَذَلِكَ مَنْ بِيَدِهِ مِلْكٌ حَائِزٌ لَهُ فَادَّعَاهُ مُدَّعٍ وَأَثْبَتَ دَعْوَاهُ فَطَلَبَ الْحَائِزُ لِلْمِلْكِ التَّأْجِيلَ؛ لِيَأْتِيَ بِحُجَّةٍ ذَكَرهَا إنْ ثَبَتَتْ لَهُ كَانَ أَوْلَى بِالْمَنْزِلِ مِنْ مُدَّعِيهِ فَإِنَّهُ يُؤَجَّلُ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ أَيْضًا. (وَفُهِمَ) مِنْ قَوْلِهِ مُنْتَهَاهُ أَنَّ لِلْقَاضِي أَنْ يُؤَجِّلَهُ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ إنْ رَآهُ. (وَفُهِمَ) مِنْ قَوْلِهِ (بُعْدِ الْبَيِّنَةِ) أَنَّ مَا تَقَدَّمَ مِنْ التَّأْجِيلِ فِي الْأُصُولِ بِشَهْرٍ إنَّمَا هُوَ مَعَ قُرْبِهَا. (قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ الْجَزِيرِيُّ) بَعْدَ ذِكْرِ جُمْلَةٍ مِنْ الْآجَالِ مَا نَصُّهُ: (وَفِي الْأُصُولِ الشَّهْرَانِ وَالثَّلَاثَةُ) لَا سِيَّمَا إذَا ادَّعَى مَغِيبَ الْبَيِّنَةِ. (وَقَالَ الْمُتَيْطِيُّ) وَالْآجَالُ فِي الْأُصُولِ أَوْ فِي الْعَقَارِ أَبْعَدُ مِنْهَا فِي الدُّيُونِ وَالْحُقُوقِ وَيَخْتَلِفُ فِي الْآجَالِ فِي الْأُصُولِ بِاخْتِلَافِ أَحْوَالِ الْمَضْرُوبِ لَهُمْ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ سَمَاعِ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ مَنْ أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى مِلْكِهِ مَنْزِلًا بِيَدِ رَجُلٍ فَيَسْأَلُ مَنْ بِيَدِهِ الْمَنْزِلُ فَيَذْكُرُ حُجَّةً لَوْ قَامَتْ لَهُ بِهَا بَيِّنَةٌ كَانَ أَوْلَى بِالْمَنْزِلِ مِنْ مُدَّعِيهِ وَسَأَلَ ضَرْبَ الْآجَالِ، لِإِتْيَانِهِ بِالْبَيِّنَةِ عَلَى ذَلِكَ فَأُجِّلَ الْأَجَلَ الْوَاسِعَ الشَّهْرَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ فَيَمْضِي الْأَجَلُ، وَلَمْ يُحْضِرْ شَيْئًا وَيَذْكُرُ غَيْبَةَ شُهُودِهِ وَتَفَرُّقَهُمْ أَيُضْرَبُ لَهُ أَجَلٌ آخَرُ أَوْ يَقْضِي عَلَيْهِ؟ قَالَ أَمَّا الرَّجُلُ الْمَأْمُونُ الَّذِي لَا يُتَّهَمُ عَلَى الْمُدَّعِي بِبَاطِلٍ، وَلَا يَتَقَوَّلُهُ فَيَزِيدُهُ فِي الْآجَالِ وَأَمَّا الْمُلِدُّ الَّذِي يَرَى أَنَّهُ يُرِيدُ الْإِضْرَارَ بِخَصْمِهِ فَلَا يُمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَذْكُرَ أَمْرًا يَتَقَارَبُ شَأْنُهُ لَمْ يُخْتَبَرْ كَذِبُهُ فِي مِثْلِهِ وَبَيْعُ مِلْكٍ لِقَضَاءِ دَيْنِ ... قَدْ أَجَّلُوا فِيهِ إلَى شَهْرَيْنِ وَحَلُّ عَقْدِ شَهْرٍ التَّأْجِيلُ ... فِيهِ وَذَا عِنْدَهُمْ الْمَقْبُولُ يَعْنِي أَنَّ مَنْ لَهُ أَصْلٌ دَارٌ أَوْ غَيْرُهَا وَعَلَيْهِ دَيْنٌ وَلَيْسَ لَهُ قَضَاءٌ لِدَيْنِهِ إلَّا مِنْ قِيمَةِ ذَلِكَ الْأَصْلِ فَإِنَّهُ يُؤَجَّلُ الشَّهْرَ وَالشَّهْرَيْنِ لِبَيْعِ أَصْلِهِ؛ لِقَضَاءِ دَيْنِهِ لِأَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى فِي الْغَالِبِ الْمُعْتَادِ بَيْعُهُ فِي أَقَلَّ مِنْ

فصل في الإعذار

ذَلِكَ؛ لِافْتِقَارِهِ إلَى التَّسْوِيفِ وَمَعْرِفَةِ مَنْ لَهُ رَغْبَةٌ فِي شِرَائِهِ بِتَعْرِيضِهِ لِلْبَيْعِ وَالشَّهْرَانِ فِي ذَلِكَ مَظِنَّةُ بُلُوغِ الْإِخْبَارِ عَنْ بَيْعِهِ لِمَنْ يُرِيدُ شِرَاءَهُ، وَكَذَا أَجَّلُوا فِي حَلِّ الْعُقُودِ الشَّهْرَ وَنَحْوَهُ، وَحَلُّ الْعُقُودِ يَكُونُ بِأَشْيَاءَ: إمَّا بِظُهُورِ تَنَاقُضٍ عَلَى السَّوَاءِ فِي الِاسْتِرْعَاءِ أَوْ بِظُهُورِ تَنَاقُضٍ فِي الْمَشْهَدِ وَمَنْ فِي حُكْمِهِ فِي الْأَصْلِ كَاخْتِلَافِ قَوْلٍ وَاضْطِرَابِ مَقَالٍ أَوْ بِمُضَادَّةِ قَوْلِهِ لِنَصِّ مَا شُهِدَ لَهُ بِهِ وَإِمَّا بِتَجْرِيحِ شُهُودِهِمَا وَإِمَّا بِثُبُوتِ اسْتِرْعَاءٍ أَوْ إقْرَارٍ عَلَى صِفَةٍ بِعَدَاوَةٍ بَيْنَ الشُّهُودِ وَبَيْنَ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ فِي غَيْرِ ذَاتِ اللَّهِ، وَإِمَّا بِثُبُوتِ اسْتِرْعَاءٍ مَعْرُوفِ السَّبَبِ فِيمَا انْعَقَدَ بِعِوَضٍ أَوْ غَيْرِ مَعْرُوفِ السَّبَبِ فِيمَا انْعَقَدَ بِالتَّبَرُّعِ وَإِمَّا بِظُهُورِ اسْتِحَالَةٍ فِي مُتُونِ الرَّسْمِ كَذَا قَالَ الشَّارِحُ فِي أَوَّلِ بَابِ الشَّهَادَةِ. (قَالَ فِي أَحْكَامِ ابْنِ سَهْلٍ) مَنْ ثَبَتَ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَلَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ النَّاضِّ فَإِنَّهُ يُؤَجَّلُ فِي بَيْعِ رَبْعِهِ الشَّهْرَ أَوْ أَكْثَرَ إلَى الشَّهْرَيْنِ فَهَذَا مَا عِنْدَنَا قَالَهُ ابْنُ لُبَابَةَ وَابْنُ الْوَلِيدِ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ الْجَزِيرِيُّ وَفِي الْإِعْذَارِ فِي الْبَيِّنَاتِ وَحَلِّ الْعُقُودِ ثَلَاثِينَ يَوْمًا انْتَهَى. وَتُجْمَعُ الْآجَالُ وَالتَّفْصِيلُ ... فِي وَقْتِنَا هَذَا هُوَ الْمَعْمُولُ يَعْنِي أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْقَاضِي أَنْ يُجَمِّعَ الْآجَالَ وَيُعَيِّنَ لَهَا أَجَلًا مَعْلُومًا، وَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَفْصِلَهَا شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ: وَفِي سِوَى أَصْلٍ لَهُ ثَمَانِيَهْ . . . إلَخْ وَكَذَا مَا بَعْدَهُ وَفِي كِلَا الْوَجْهَيْنِ سِعَةٌ وَالْعَمَلُ الْيَوْمَ عَلَى تَفْصِيلِهَا، وَوَجْهُهُ رَجَاءُ تَمَامِ الْقَضِيَّةِ فِي أَثْنَاءِ الْأَجَلِ فَلَا يُفْتَقَرُ إلَى الْأَجَلِ الثَّانِي وَهَكَذَا قَالَ ابْنُ فَتُّوحٍ بِتَفْرِيقِ الْآجَالِ جَرَى الْعَمَلُ وَعَلَيْهِ بُنِيَتْ السِّجِلَّاتُ. [فَصْلٌ فِي الْإِعْذَارِ] ِ الْإِعْذَارُ مَصْدَرُ أَعْذَرَ إعْذَارًا إذَا بَالَغَ فِي طَلَبِ الْعُذْرِ وَقَبْلَ حُكْمٍ يَثْبُتُ الْإِعْذَارُ ... بِشَاهِدَيْ عَدْلٍ وَذَا الْمُخْتَارُ يَعْنِي أَنَّ مَنْ تَوَجَّهَ عَلَيْهِ الْحُكْمُ مِنْ الْمُتَدَاعِيَيْنِ فَإِنَّهُ يَجِبُ الْإِعْذَارُ إلَيْهِ قَبْلَ الْحُكْمِ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ بِأَنْ يُقَالَ لَهُ أَبَقِيَتْ لَك حُجَّةٌ فَإِنْ قَالَ لَا حَكَمَ عَلَيْهِ، وَإِنْ ذَكَرَ أَنَّ لَهُ بَيِّنَةً أَجَّلَهُ إلَيْهَا وَإِنْ ذَكَرَ أَنَّ لَهُ بَيِّنَةً بَعِيدَةً حَكَمَ عَلَيْهِ وَكَتَبَ فِي كِتَابٍ وَمَتَى أَحْضَرَهَا فَهُوَ عَلَى حُجَّتِهِ وَإِنْ عَجَزَ وَلَمْ يَدَّعِ شَيْئًا حُكِمَ عَلَيْهِ، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولا} [الإسراء: 15] . وَيَثْبُتُ ذَلِكَ الْإِعْذَارُ بِشَاهِدَيْ عَدْلٍ هَذَا هُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ وَبِهِ الْعَمَلُ فَقَوْلُهُ وَذَا الْمُخْتَارُ يُحْتَمَلُ أَنْ تَعُودَ الْإِشَارَةُ إلَى كَوْنِ الْإِعْذَارِ قَبْلَ الْحُكْمِ، وَمُقَابِلُهُ أَنَّهُ بَعْدَهُ وَهُمَا قَوْلَانِ كَمَا يَأْتِي وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَعُودَ إلَى قَوْلِهِ بِشَاهِدَيْ عَدْلٍ وَيَكُونُ مُقَابِلُهُ أَنَّهُ يَكْفِي الْإِعْذَارُ بِشَاهِدٍ وَاحِدٍ. (قَالَ الْمُتَيْطِيُّ) يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ لَا يُنَفِّذَ حُكْمَهُ عَلَى أَحَدٍ حَتَّى يُعْذِرَ إلَيْهِ بِرَجُلَيْنِ وَإِنْ أَعْذَرَ بِوَاحِدٍ أَجْزَأَهُ، وَاسْتَدَلَّ قَائِلُ هَذَا بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اُغْدُ يَا أُنَيْسُ عَلَى امْرَأَةِ هَذَا فَإِنْ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا» وَتُؤْخَذُ صِحَّةُ الِاكْتِفَاءِ بِوَاحِدٍ مِنْ قَوْلِ الشَّيْخِ خَلِيلٍ وَنُدِبَ مُتَعَدِّدٌ فِيهِ حَيْثُ جَعَلَ التَّعَدُّدَ مُسْتَحَبًّا لَا وَاجِبًا، وَعَلَى الِاحْتِمَالِ الْأَوَّلِ اقْتَصَرَ الشَّارِحُ (ابْنُ عَرَفَةَ) الْإِعْذَارُ سُؤَالُ الْحَاكِمِ مَنْ تَوَجَّهَ عَلَيْهِ مُوجِبُ حُكْمٍ هَلْ لَهُ مَا يُسْقِطُهُ؟ قَالَ ابْنُ فَتْحُونٍ وَغَيْرُهُ: لَا يَنْبَغِي لِلْقَاضِي تَنْفِيذُ حُكْمٍ عَلَى أَحَدٍ حَتَّى يُعْذِرَ إلَيْهِ، وَالْأَصْلُ فِيهِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ قَوْله تَعَالَى {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ} [الإسراء: 15] الْآيَةَ (وَفِي مُفِيدِ ابْنِ هِشَامٍ) وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي الْإِعْذَارِ إلَى الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ فَقِيلَ يُعْذِرُ إلَيْهِ وَحِينَئِذٍ يَحْكُمُ عَلَيْهِ وَبِهِ الْعَمَلُ، وَقِيلَ: يَحْكُمُ عَلَيْهِ وَبَعْدَ ذَلِكَ يُعْذِرُ إلَيْهِ وَعَلَى تَقْدِيمِ الْإِعْذَارِ قَبْلَ الْحُكْمِ ذَهَبَ النَّاظِمُ. (فَرْعٌ) . إذَا حَكَمَ الْقَاضِي عَلَى مَنْ تَوَجَّهَ عَلَيْهِ الْحُكْمُ مِنْ غَيْرِ إعْذَارٍ، ثُمَّ وَجَدَ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ حُجَّةً فَلَهُ الْقِيَامُ بِهَا وَكَذَا إنْ أَعْذَرَ إلَيْهِ وَلَمْ يُعْجِزْهُ، نَقَلَهُ الْيَرْنَاسَنِيُّ فِي شَرْحِهِ وَقَدْ اسْتَطْرَدَ

الشَّارِحُ هُنَا ذِكْرَ الْخِلَافِ فِي قَضَاءِ الْقَاضِي بِمَا فَهِمَ مِنْ كَلَامِ الْمُتَدَاعِيَيْنِ، وَأَنَّهُ اُخْتُلِفَ هَلْ يَجْتَزِي بِمُجَرَّدِ فَهْمِهِ أَوْ لَا مِنْ تَحْقِيقِ مَا يَسْمَعُ مِنْهُمَا دُونَ احْتِمَالٍ؟ وَكَذَا نَقَلَ الْخِلَافَ فِي الشَّهَادَةِ بِالْفَهْمِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي إعْمَالِ الشَّهَادَةِ بِمَا يَظْهَرُ مَنْ قَصْدِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ وَإِرَادَتِهِ ثَالِثَهَا، وَيُثْبِتُ الشَّاهِدُ شَهَادَتَهُ بِذَلِكَ اهـ. أَيْ يُبَيِّنُ أَنَّ شَهَادَتَهُ بِالْفَهْمِ لَا بِالتَّصْرِيحِ، ثُمَّ قَالَ الشَّارِحُ مَا حَاصِلُهُ أَنَّهُ لَا يَبْعُدُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ الْحُكْمِ وَالشَّهَادَةِ فَإِنَّ الضَّرُورَةَ تَدْعُو إلَى الشَّهَادَةِ بِالْفَهْمِ لَا سِيَّمَا الشَّهَادَةَ الاسترعائية، وَالْحُكْمُ لَيْسَ كَذَلِكَ إذْ لَا ضَرُورَةَ تَدْعُو إلَى إنْفَاذِ الْحُكْمِ دُونَ تَحْقِيقِ الْفَهْمِ عَلَى الْخَصْمَيْنِ قَالَ وَالشَّهَادَةُ الْأَصْلِيَّةُ مِثْلُهُ، وَانْظُرْ الْبَابَ مِنْ تَبْصِرَةِ ابْنِ فَرْحُونَ وَشَاهِدُ الْإِعْذَارِ غَيْرُ مُعْمَلِ ... فِي شَأْنِهِ الْإِعْذَارُ لِلتَّسَلْسُلِ وَلَا الَّذِي وَجَّهَهُ الْقَاضِي إلَى ... مَا كَانَ كَالتَّحْلِيفِ مِنْهُ بَدَلَا وَلَا الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ قَدْ شَهِدْ ... وَلَا اللَّفِيفُ فِي الْقَسَامَةِ اُعْتُمِدْ وَلَا الْكَثِيرُ فِيهِمْ الْعُدُولُ ... وَالْخُلْفُ فِي جَمِيعِهَا مَنْقُولُ عَدَّدَ فِي هَذِهِ الْأَبْيَاتِ مِنْ الشُّهُودِ الَّذِينَ لَا يُعْذَرُ فِيهِمْ أَيْ لَا يُجَرَّحُونَ خَمْسَةٌ. (الْأَوَّلُ) الشَّاهِدُ عَلَى الْمَحْكُومِ بِالْإِعْذَارِ أَيْ بِأَنَّهُ لَمْ تَبْقَ لَهُ حُجَّةٌ فَإِذَا أَشْهَدَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ ثُمَّ أَتَى بِحُجَّةٍ تُقْبَلُ لَوْ لَمْ يُعْذِرْ إلَيْهِ، وَأَنْكَرَ الْإِعْذَارَ فَاسْتَظْهَرَ الْمَحْكُومُ لَهُ بِشَهَادَةِ شَاهِدِ الْإِعْذَارِ فَأَرَادَ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ الْإِعْذَارَ فِي الشَّاهِدِ بِتَجْرِيحِهِ، فَإِنَّهُ لَا يُمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ مُتَوَقِّفٌ عَلَى الْإِعْذَارِ فَإِذَا أُمْكِنَ مِنْ تَجْرِيحِ شَاهِدِ الْإِعْذَارِ وَجَرَّحَهُ بَطَلَ وَصَارَ كَالْعَدَمِ وَتَعَذَّرَ الْحُكْمُ عَلَيْهِ لِتَوَقُّفِهِ عَلَى الْإِعْذَارِ، وَالْفَرْضُ أَنَّ تَجْرِيحَ شَاهِدِهِ فَيَتَعَذَّرُ الْحُكْمُ عَلَيْهِ أَبَدًا وَهَذَا مُرَادُهُ بِالتَّسَلْسُلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. فَالْإِعْذَارُ الْأَوَّلُ فِي الْبَيْتِ هُوَ الْمُصْطَلَحُ عَلَيْهِ وَهُوَ قَطْعُ الْحُجَّةِ، وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ بِتَجْرِيحِ الشُّهُودِ أَوْ حُجَّةِ غَيْرِهِ فَيُقَالُ لِمَنْ تَوَجَّهَ عَلَيْهِ الْحُكْمُ: شَهِدَ عَلَيْك فُلَانٌ وَفُلَانٌ بَقِيَتْ لَك حُجَّةٌ أَيْ مِنْ غَيْرِ تَجْرِيحِهِمَا أَوْ مُعَارَضَةِ شَهَادَتِهِمَا بِمَا يُبْطِلُهَا أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، وَالْإِعْذَارُ الثَّانِي الْمُرَادُ بِهِ التَّجْرِيحُ لَا غَيْرُهُ، وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْإِعْذَارَ هُوَ مِنْ حَقِّ الْقَاضِي فَإِذَا كَانَ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ حَاضِرًا بَيْنَ يَدَيْ الْقَاضِي وَقْتَ الْإِعْذَارِ لَمْ يُجَرِّحْ شَاهِدَهُ لِأَنَّ الشَّاهِدَ بِمَا فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي لَا يُجَرَّحُ كَمَا يَقُولُهُ النَّاظِمُ: وَلَا الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ قَدْ شَهِدْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَاضِرًا لِكَوْنِهِ مَرِيضًا أَوْ امْرَأَةً لَا تَخْرُجُ فَوَجَّهَ إلَيْهِ الْقَاضِي مَنْ يُعْذِرُ إلَيْهِ فَلَا يُعْذِرُ أَيْضًا فِي الشَّاهِدِ الْمُوَجَّهِ لِذَلِكَ كَمَا يَقُولُهُ أَيْضًا وَلَا الَّذِي وَجَّهَهُ الْقَاضِي إلَى ... مَا كَانَ كَالتَّحْلِيفِ مِنْهُ بَدَلَا فَمَسْأَلَةُ النَّاظِمِ الْمُشَارُ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ: (وَشَاهِدُ الْإِعْذَارِ) الْبَيْتِ آيِلَةٌ إلَى إحْدَى هَاتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ بَعْدَهَا، وَقَدْ عَادَتْ الْمَسَائِلُ الْخَمْسُ أَرْبَعًا، وَإِنَّمَا ذَكَرَهَا بِالْخُصُوصِ؛ لِإِرَادَةِ التَّنْصِيصِ عَلَى أَعْيَانِ الْمَسَائِلِ، وَإِلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَشَارَ بِالْبَيْتِ الْأَوَّلِ. (وَغَيْرُ مُعْمَلٍ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَفَتْحِ ثَالِثِهِ اسْمُ مَفْعُولٍ مِنْ أَعْمَلَ وَفِي شَأْنِهِ يَتَعَلَّقُ بِهِ وَالْإِعْذَارُ نَائِبُ فَاعِلِ مُعْمَلٍ. (الثَّانِي) مِنْ الشُّهُودِ الَّذِينَ لَا يُعْذَرُ فِيهِمْ مَنْ وَجَّهَهُ الْقَاضِي نِيَابَةً عَنْهُ لِتَحْلِيفٍ أَوْ حِيَازَةٍ وَنَحْوِهَا. (الثَّالِثُ) الشَّاهِدُ بِمَا أَقَرَّ بِهِ الْخَصْمُ بَيْنَ يَدَيْ الْقَاضِي. (قَالَ فِي طُرُرِ ابْنِ عَاتٍ) قَالَ الْبَاجِيُّ إنَّمَا يُعْذَرُ فِي الَّذِينَ حَضَرُوا الْحِيَازَةَ إذَا لَمْ يُوَجِّهْهُمْ الْقَاضِي لِحُضُورِ الْحِيَازَةِ وَإِنَّمَا تَوَجَّهُوا بِرَغْبَةِ الطَّالِبِ فِي ذَلِكَ، وَأَمَّا إذَا أَرْسَلَهُمْ الْقَاضِي فَلَا يُبَاحُ الْمَدْفَعُ فِيهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ مَقَامُ نَفْسِهِ فِي ذَلِكَ، وَالْحُجَّةُ فِي ذَلِكَ قَوْلُ سَيِّدِنَا وَمَوْلَانَا مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اُغْدُ يَا أُنَيْسُ عَلَى امْرَأَةِ هَذَا فَإِنْ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا» فَجَعَلَهُ مَقَامَ نَفْسِهِ فِي ذَلِكَ وَلِمَا ذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ أَنَّ الْحُكْمَ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ الْإِعْذَارِ قَالَ: ظَاهِرُهُ وَلَوْ فِيمَا شَهِدَ بِهِ عَلَى الْخَصْمِ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ وَلِابْنِ رُشْدٍ يَحْكُمُ عَلَيْهِ بِتِلْكَ الْبَيِّنَةِ دُونَ إعْذَارٍ قَالَهُ ابْنُ الْعَطَّارِ وَفِيهِ اخْتِلَافٌ. (الرَّابِعُ) إذَا شَهِدَ اللَّفِيفُ وَهُمْ جَمَاعَةٌ غَيْرُ عُدُولٍ وَالنِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ عَلَى أَنَّ فُلَانًا قَتَلَ فُلَانًا فَقَدْ اُخْتُلِفَ هَلْ ذَلِكَ لَوْثٌ تَجِبُ مَعَهُ الْقَسَامَةُ أَوْ لَيْسَ بِلَوْثٍ؟ وَالْمَشْهُورُ لَيْسَ بِلَوْثٍ وَعَلَى كَوْنِهِ لَوْثًا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ وَلَا اللَّفِيفُ فِي الْقَسَامَةِ اُعْتُمِدَ فَلَا يَقْدَحُ فِي شَهَادَتِهِمْ عَدَمُ الْعَدَالَةِ وَلَا يُجَرَّحُونَ؛ لِأَنَّ مَنْ قَبِلَ شَهَادَتَهُمْ وَعَدَّهَا

فصل في خطاب القضاة وما يتصل به

لَوْثًا إنَّمَا دَخَلَ عَلَى أَنَّهُمْ غَيْرُ عُدُولٍ فَكَيْفَ يُجَرِّحُ مَنْ دُخِلَ عَلَى عَدَمِ عَدَالَتِهِ وَتَجْرِيحِهِ، وَسَتَأْتِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ لِلنَّاظِمِ فِي أَحْكَامِ الدِّمَاءِ فِي أَمْثِلَةِ اللَّوْثِ الْمُوجِبِ لِلْقَسَامَةِ حَيْثُ قَالَ: أَوْ بِكَثِيرٍ مِنْ لَفِيفِ الشُّهَدَا إلَخْ (الْخَامِسُ) شَهَادَةُ الْجَمَاعَةِ الَّذِينَ مِنْهُمْ عُدُولٌ أَوْ غَيْرُهُمْ فَلَا يُجَرَّحُونَ أَيْضًا وَلَا يُعْذَرُ فِيهِمْ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ. (قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ) وَذَكَرَ ابْنُ سَهْلٍ فِي مَسْأَلَةِ أَبِي الْخَيْرِ الزِّنْدِيقِ الْمُلَقَّبِ لِزَنْدَقَتِهِ بِأَبِي الشَّرِّ أَنَّهُ شَهِدَ عَلَيْهِ بِأَنْوَاعٍ كَثِيرَةٍ مِنْ الزَّنْدَقَةِ الْوَاضِحَةِ عَدَدٌ كَثِيرٌ ثَبَتَتْ عَدَالَةُ نَحْوِ عِشْرِينَ مِنْهُمْ، وَأَكْثَرُ مِنْ ضِعْفِهِمْ اسْتِظْهَارًا فَأَفْتَى قَاضِي الْجَمَاعَةِ مُنْذِرُ بْنُ سَعِيدٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ وَصَاحِبُ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ أَحْمَدُ بْنُ مُطَرِّفٍ بِقَتْلِهِ دُونَ إعْذَارٍ، وَأَشَارَ بَعْضُ مَنْ حَضَرَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِأَنْ يُعْذَرَ إلَيْهِ فَأَخَذَ النَّاظِرُ فِي أَمْرِهِ بِالْقَوْلِ بِعَدَمِ الْإِعْذَارِ اهـ. مِنْ الشَّارِحِ. (وَفِي التَّوْضِيحِ) لَمَّا ذَكَرَ أَنَّهُ يُعْذَرُ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ فِي شَهَادَتِهِ مَنْ شَهِدَ عَلَيْهِ مَا نَصُّهُ: أَمَّا لَوْ شَهِدُوا عَلَى إقْرَارِهِ بِمَحْضَرِ الْقَاضِي فَهَلْ يُعْذَرُ إلَيْهِ فِيهِمْ أَوْ لَا يُعْذَرُ لِكَوْنِهِ سَمِعَ إقْرَارَهُ مَعَهُمْ؟ قَوْلَانِ: الْأَوَّلُ: لِابْنِ الْفَخَّارِ وَالثَّانِي: مَذْهَبُ الْأَكْثَرِ وَبِهِ مَضَى الْعَمَلُ. (قَالَ صَاحِبُ التَّحْرِيرِ) يُعْذَرُ فِي كُلِّ الشُّهُودِ إلَّا خَمْسَةً: أَوَّلُهَا: هَذَا. ثَانِيهَا: مَنْ وَجَّهَهُ الْحَاكِمُ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ، ثَالِثُهَا: الْمُزَكِّي فِي السِّرِّ رَابِعُهَا: الْمُبْرَزُ فِي الْعَدَالَةِ وَالْعَمَلُ عَلَى أَنَّهُ يُعْذَرُ فِيهِ بِالْعَدَاوَةِ لَا غَيْرُ، خَامِسُهَا: مَنْ قُبِلَ شَهَادَتُهُ بِالتَّوَسُّمِ (خَلِيلٌ) وَتَزْدَادُ سَادِسَةٌ نُقِلَتْ عَنْ ابْنِ بَشِيرٍ الْقَاضِي، وَذَلِكَ أَنَّهُ حَكَمَ عَلَى وَزِيرٍ فِي قَضِيَّةٍ وَهُوَ غَائِبٌ فَقَالَ لَهُ الْوَزِيرُ أَخْبِرْنِي بِمَنْ شَهِدَ عَلَيَّ فَقَالَ ابْنُ بَشِيرٍ مِثْلُك لَا يُخْبَرُ بِمَنْ شَهِدَ عَلَيْهِ يَعْنِي، وَإِنْ كَانَ نَصَّ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ يُخْبَرُ بِمَنْ شَهِدَ عَلَيْهِ وَبِالشَّهَادَةِ فَلَعَلَّ لَهُ حُجَّةً وَإِلَّا حُكِمَ عَلَيْهِ اهـ. وَلَيْسَ فِي كَلَامِ النَّاظِمِ مِنْ هَذِهِ السِّتِّ إلَّا الْأُولَى وَالثَّانِيَةُ، فَمَجْمُوعُهَا إذًا تِسْعُ مَسَائِلَ خَمْسَةٌ فِي النَّظْمِ وَأَرْبَعَةٌ فِي التَّوْضِيحِ، وَهِيَ الثَّالِثَةُ وَمَا بَعْدَهَا وَانْظُرْ تَزْكِيَةَ السِّرِّ فِي قَوْلِهِ: وَشَاهِدٌ تَعْدِيلُهُ بِاثْنَيْنِ الْبَيْتَيْنِ وَمَعْنَى الْمَسْأَلَةِ الْخَامِسَةِ - وَهِيَ الشَّهَادَةُ بِالتَّوَسُّمِ - هِيَ شَهَادَةُ أَهْلِ الْقَافِلَةِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ عِنْدَ حَاكِمِ الْقَرْيَةِ أَوْ الْبَلْدَةِ الَّتِي حَلُّوا أَوْ مَرُّوا بِهَا، فَإِنَّ مَالِكًا وَجَمِيعَ أَصْحَابِهِ أَجَازُوا شَهَادَةَ مَنْ شَهِدَ مِنْهُمْ لِبَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ وَإِنْ لَمْ يُعْرَفُوا بِعَدَالَةٍ وَلَا سُخْطَةٍ إلَّا عَلَى التَّوَسُّمِ لَهُمْ بِالْحُرِّيَّةِ وَالْعَدَالَةِ، وَذَلِكَ فِيمَا وَقَعَ بَيْنَهُمْ مِنْ الْمُعَامَلَاتِ فِي ذَلِكَ السَّفَرِ خَاصَّةً، وَالتَّوَسُّمُ مَأْخُوذٌ مِنْ الْوَسْمِ وَهُوَ الْعَلَامَةُ. (وَعَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) «إنَّ لِلَّهِ عِبَادًا يَعْرِفُونَ النَّاسَ بِالتَّوَسُّمِ» اُنْظُرْ الْبَابَ السَّادِسَ وَالثَّلَاثِينَ فِي الْقَضَاءِ بِشَهَادَةِ التَّوَسُّمِ مِنْ الْقِسْمِ الثَّانِي مِنْ تَبْصِرَةِ ابْنِ فَرْحُونٍ وَسَتَأْتِي هَذِهِ فِي قَوْلِ النَّاظِمِ وَمَنْ عَلَيْهِ وَسْمُ خَيْرٍ قَدْ ظَهَرْ ... زُكِّيَ إلَّا فِي ضَرُورَةِ السَّفَرْ [فَصْلٌ فِي خِطَابِ الْقُضَاةِ وَمَا يَتَّصِلُ بِهِ] ِ الْخِطَابُ هُوَ أَنْ يَكْتُبَ قَاضِي بَلَدٍ إلَى قَاضِي بَلَدٍ آخَرَ بِمَا ثَبَتَ عِنْدَهُ مِنْ حَقِّ الْإِنْسَانِ مِنْ بَلَدِ الْقَاضِي الْكَاتِبِ عَلَى آخَرَ فِي بَلَدِ الْقَاضِي الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ وَيُنَفِّذُ الْمَكْتُوبَ إلَيْهِ ذَلِكَ فِي بَلَدِهِ، فَيَقَعُ الْحُكْمُ هُنَالِكَ عَمَلًا بِقَوْلِهِ: (قُبِلَ وَالْحُكْمُ فِي الْمَشْهُورِ) الْبَيْتَ. ثُمَّ الْخِطَابُ لِلرُّسُومِ إنْ طُلِبْ ... حَتْمٌ عَلَى الْقَاضِي وَإِلَّا لَمْ يَجِبْ

يَعْنِي أَنَّ خِطَابَ الْقَاضِي لِلرُّسُومِ إنْ طَلَبَهُ مِنْهُ صَاحِبُهَا، فَهُوَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَطْلُبْهُ مِنْهُ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ ذَلِكَ، وَالرُّسُومُ جَمْعُ رَسْمٍ، وَالْمُرَادُ بِهَا الصُّكُوكُ وَكَانَ اللَّامُ فِي. (لِلرُّسُومِ) بِمَعْنَى فِي عَلَى حَدِّ {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} [الأنبياء: 47] أَيْ فِي يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَيْ ثُمَّ خِطَابُ الْقَاضِي لِقَاضٍ آخَرَ فِي الرُّسُومِ فَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ صِفَةٍ لِلرُّسُومِ، وَإِنَّمَا قَالَ فِي الرُّسُومِ لِأَنَّ الْخِطَابَ يَكُونُ بِالرَّسْمِ وَيَكُونُ بِمُشَافَهَةِ الْقَاضِي لِلْقَاضِي كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ خَلِيلٌ بِقَوْلِهِ: (وَأَنْهَى لِغَيْرِهِ بِمُشَابَهَةٍ إنْ كَانَ كُلٌّ بِوِلَايَتِهِ وَبِشَاهِدَيْنِ مُطْلَقًا. . . إلَخْ) وَكِلَاهُمَا وَاجِبٌ عَلَى الْقَاضِي إنْ طَلَبَهُ مِنْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (قَالَ الشَّارِحُ) قَالَ الْمَازِرِيُّ: وَيَكْتُبُ الْحَاكِمُ إنْ حَكَمَ بِمَا حَكَمَ بِهِ وَبِكُلِّ حُجَّةٍ لَهُ مِنْ تَعْدِيلٍ وَتَجْرِيحٍ وَمُوجِبِ حُكْمِهِ؛ لِيَكُونَ لَهُ حُجَّةً عَلَى الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ إنْ نَازَعَهُ وَيَكْتُبُ بِمَا حَكَمَ بِهِ لِحَاضِرٍ عَلَى غَائِبٍ أَبْهَمَ الْمَكْتُوبَ إلَيْهِ أَوْ عَيَّنَهُ فِي سَمَاعِ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ. (مَنْ ثَبَتَ حَقُّهُ عِنْدَ قَاضٍ فَلَهُ أَنْ يَكْتُبَ لَهُ بِذَلِكَ كِتَابًا إلَى أَيِّ الْآفَاقِ كَانَ لَا يُسَمِّي قَاضِيًا بِعَيْنِهِ وَلَا بَلَدًا بِعَيْنِهَا) (قَالَ ابْنُ رُشْدٍ) هُوَ كَمَا قَالَ اتِّفَاقًا (قَالَ الشَّارِحُ) وَمَا يُلْحَقُ بِذَلِكَ النَّظَرِ فِي الْخِطَابِ وَفِي مَحَلِّهِ مِنْ الرَّسْمِ الْمُخَاطَبِ بِهِ وَفِي كَيْفِيَّتِهِ (قَالَ ابْنُ الْمُنَاصِفِ) وَشَأْنُ قُضَاةِ وَقْتِنَا كَتْبُ الْخِطَابِ أَسْفَلَ وَثِيقَةِ ذِكْرِ الْحَقِّ، وَقَدْ يَكُونُ فِي ظَهْرِ الصَّحِيفَةِ أَوْ أَحَدِ عَرْضَيْهَا إنْ عَجَزَ أَسْفَلَهَا، وَرُبَّمَا كَانَ فِي وَرَقَةٍ مُلْصَقَةٍ بِالْوَثِيقَةِ إنْ تَعَذَّرَ الْمَوْضِعُ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَبْدَأَ بِبَسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَاسْتَخَفَّ قُضَاةُ زَمَانِنَا تَرْكَ ذَلِكَ فِي مُخَاطَبَاتِ الْوَثَائِقِ وَأُرَاهُمْ لِاكْتِفَائِهِمْ بِالِاسْتِفْتَاحِ الْوَاقِعِ فِي صَدْرِ الْعَقْدِ، وَإِعَادَةُ ذَلِكَ أَوْلَى لِأَنَّهُ ابْتِدَاءُ فَصْلٍ غَيْرِ الْأَوَّلِ وَكَيْفِيَّتُهُ أَنْ يَكْتُبَ أَعْلَمَ بِصِحَّةِ الرَّسْمِ الْمُقَيَّدِ فَوْقَ هَذَا عَلَى مَا يَجِبُ الشَّيْخَ الْفَقِيهَ الْأَجَلَّ أَبَا فُلَانِ بْنَ فُلَانٍ أَدَامَ اللَّهُ تَوْفِيقَهُ وَتَسْدِيدَهُ، وَلِيُّهُ فِي اللَّهِ تَعَالَى فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ وَالسَّلَامُ عَلَيْكُمْ. وَذِكْرُهُ تَارِيخَ الْمُخَاطَبَةِ أَحْسَنُ وَأَحْوَطُ لِاحْتِمَالِ عَزْلِ الْقَاضِي الْكَاتِبَ، وَلَمْ يَبْلُغْهُ الْعِلْمُ بِعَزْلِهِ فَيَدْخُلُهُ الْخِلَافُ فِي إعْمَالِ خِطَابِهِ وَعَدَمِ إعْمَالِهِ؛ وَلِأَنَّ الْبَيِّنَةَ الَّتِي خَاطَبَ بِقَبُولِهَا وَثُبُوتِ الْحَقِّ بِهَا رُبَّمَا انْتَقَلَتْ حَالُهُمْ إلَى جُرْحَةٍ حَدَثَتْ، فَإِذَا تَأَخَّرَ الْعَمَلُ بِذَلِكَ الْخِطَابِ ثُمَّ أَعْذَرَ لِمَنْ ثَبَتَ عَلَيْهِ الْحَقُّ، وَلَمْ يَكُنْ تَارِيخٌ أَمْكَنَهُ إبْطَالُهُ بِإِثْبَاتِ جُرْحَةِ الْبَيِّنَةِ الْآنَ، وَلَا يُمْكِنُهُ ذَلِكَ مَعَ ذِكْرِ التَّارِيخِ لِسَلَامَةِ وَقْتِ الْأَدَاءِ وَالْقَبُولِ مِنْ الْجُرْحَةِ الْحَادِثَةِ وَإِنَّمَا قَدَّمُوا فِي التَّخَاطُبِ مَفْعُولَ أَعْلَمَ وَهُوَ اسْمُ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ عَلَى الْفَاعِلِ الْكَاتِبِ تَعْظِيمًا لَهُ وَاهْتِمَامًا بِهِ اهـ. بِبَعْضٍ اخْتِصَارٍ وَبَعْضُهُ بِالْمَعْنَى. (وَقَدْ نَقَلَ) الشَّيْخُ ابْنُ غَازِيٍّ فِي تَكْمِيلِ التَّقْيِيدِ كَلَامَ ابْنِ الْمُنَاصِفِ الْمَنْقُولَ آنِفًا فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ وَإِذَا كَتَبَ قَاضٍ إلَى قَاضٍ فَمَاتَ الَّذِي كَتَبَ الْكِتَابَ أَوْ عُزِلَ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ الْكِتَابُ إلَى الْقَاضِي الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ أَوْ مَاتَ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ أَوْ عُزِلَ وَوَصَلَ الْكِتَابُ إلَى مَنْ وُلِّيَ بَعْدَهُ فَالْكِتَابُ جَائِزٌ يُنَفِّذُهُ مَنْ وَصَلَ إلَيْهِ وَإِنْ كَانَ إنَّمَا كُتِبَ لِغَيْرِهِ اهـ. ثُمَّ اسْتَطْرَدَ ذِكْرَ فُرُوعٍ رَأَيْت إثْبَاتَهَا هُنَا لِغَرَابَتِهَا بِالنِّسْبَةِ لِلْقَاصِرِ مِثْلِي. (أَحَدُهَا) بِمَ يَثْبُتُ خَطُّ الْقَاضِي الْكَاتِبِ قَالَ فِيهِ مَا حَاصِلُهُ: إنَّهُ اتَّفَقَ أَهْلُ عَصْرِنَا عَلَى

قَبُولِ كِتَابِ الْقَاضِي فِي الْأَحْكَامِ وَالْحُقُوقِ بِمُجَرَّدِ مَعْرِفَةِ خَطِّهِ دُونَ إشْهَادِهِ عَلَى ذَلِكَ وَلَا خَاتَمٍ مَعْرُوفٍ وَلَا أَعْلَمُ خِلَافًا فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنَّ كِتَابَ الْقَاضِي لَا يَجُوزُ بِمُجَرَّدِ مَعْرِفَةِ خَطِّهِ دُونَ إشْهَادِهِ عَلَى ذَلِكَ وَلَا خَاتَمٍ، ثُمَّ وَجْهُ مَا جَرَى بِهِ الْعَمَلُ. (الثَّانِي) قَالَ ابْنُ الْمُنَاصِفِ إنْ ثَبَتَ خَطُّ الْقَاضِي بِبَيِّنَةٍ عَادِلَةٍ عَارِفَةٍ بِالْخُطُوطِ وَجَبَ الْعَمَلُ بِهِ، وَإِنْ لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ عَلَى ذَلِكَ وَالْقَاضِي الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ يَعْرِفُ خَطَّ الْقَاضِي الْكَاتِبِ إلَيْهِ - فَجَائِزٌ عِنْدِي بِمَعْرِفَةِ قَبُولِهِ خَطَّهُ وَقَبُولِ سَحْنُونٍ كُتُبَ أُمَنَائِهِ بِلَا بَيِّنَةٍ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ بَابِ قَضَاءِ الْقَاضِي بِعِلْمِهِ الَّذِي لَا يَجُوزُ الْقَضَاءُ بِهِ لِأَنَّ وُرُودَ كِتَابِ الْقَاضِي عَلَيْهِ بِذَلِكَ الْحَقِّ كَقِيَامِ بَيِّنَةٍ عِنْدَهُ بِذَلِكَ، فَقَبُولُهُ الْكِتَابَ بِمَا عَرَفَهُ مِنْ خَطِّهِ كَقَبُولِهِ بِبَيِّنَةٍ بِمَا عَرَفَ مِنْ عَدَالَتِهَا. (الثَّالِثُ) قَالَ ابْنُ الْمُنَاصِفِ وَيَجِبُ عَلَى الْقَاضِي الَّذِي ثَبَتَ عِنْدَهُ كِتَابُ قَاضٍ إلَيْهِ فِي حَقٍّ يَتَأَخَّرُ الْحُكْمُ فِيهِ أَنْ يُشْهِدَ عَلَى نَفْسِهِ بِثُبُوتِ ذَلِكَ الْكِتَابِ عِنْدَهُ الَّذِي قَبِلَهُ بِمَعْرِفَةِ خَطِّهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَمَاتَ أَوْ عُزِلَ وَقَدْ مَاتَ الَّذِي كَتَبَهُ لَهُ أَوْ عُزِلَ وَخَلَفَ مَكَانَ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ قَاضٍ آخَرُ أَلْجَأَ صَاحِبَ الْحَقِّ؛ لِإِثْبَاتِ ذَلِكَ الْكِتَابِ عِنْدَهُ بِشُهُودٍ عَلَى الْقَاضِي الَّذِي كَتَبَهُ فِي حَالِ وِلَايَتِهِ أَنَّهُ كِتَابُهُ إذْ لَا يُكْتَفَى فِي ذَلِكَ بِمَعْرِفَةِ الْخَطِّ إنْ كَانَ الَّذِي كَتَبَهُ مَاتَ أَوْ عُزِلَ لِمَا نُبَيِّنُهُ، وَهُوَ أَنَّ ثُبُوتَ كِتَابِهِ بِمُجَرَّدِ الشَّهَادَةِ عَلَى خَطِّهِ كَمُشَافَهَتِهِ بِسَمَاعِ نُطْقِهِ ذَلِكَ وَسَمَاعِ ذَلِكَ مِنْهُ وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ فِي وِلَايَتِهِ وَأَمَّا بَعْدَ عَزْلِهِ فَلَا اُنْظُرْ تَمَامَ كَلَامِهِ إنْ شِئْت. (الرَّابِعُ) قَالَ ابْنُ الْمُنَاصِفِ وَتَجُوزُ مُخَاطَبَةُ قُضَاةِ الْإِمَامِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ وَلَوْ وَلَّى بَعْضُ قُضَاةِ الْإِمَامِ قُضَاةً فِي عَمَلِهِ لِبُعْدِ الْمَحَلِّ عَنْهُ صَحَّ مُخَاطَبَتُهُ إيَّاهُمْ وَمُخَاطَبَةُ بَعْضِهِمْ بَعْضًا إنْ أَذِنَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ قَصَرَهُمْ عَلَى مُخَاطَبَتِهِ لَمْ تَجُزْ مُخَاطَبَةُ بَعْضِهِمْ بَعْضًا؛ لِأَنَّهُمْ وُكَلَاؤُهُ فَلَا يَتَعَدَّوْا مَا حَدَّهُ لَهُمْ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُخَاطِبَهُمْ قَاضِي إقْلِيمٍ غَيْرِ الَّذِي وَلَّاهُمْ وَلَا يُخَاطِبُوهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِإِذْنِ الَّذِي وَلَّاهُمْ، وَإِنْ كَانَ تَقْدِيمُ الْقَاضِي قُضَاتَهُ بِإِذْنِ الْإِمَامِ الَّذِي وَلَّاهُ جَازَتْ مُخَاطَبَتُهُمْ مُطْلَقًا فِيمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ غَيْرِهِمْ. (الْخَامِسُ) قَالَ ابْنُ الْمُنَاصِفِ وَشَأْنُ قُضَاةِ وَقْتِنَا كَتْبُ الْخِطَابِ فِي أَسْفَلَ وَوَثِيقَةِ ذِكْرِ الْحَقِّ إلَى آخِرِ كَلَامِهِ الَّذِي نَقَلْنَاهُ عَنْ الشَّارِحِ أَوَّلَ شَرْحِ هَذَا الْبَيْتِ فَرَاجِعْهُ. (السَّادِسُ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ الَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ عَمَلُ الْقُضَاةِ بِإِفْرِيقِيَّةَ عَدَمُ تَسْمِيَةِ الْقَاضِي الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ، وَغَالِبُ أَمْرِهِمْ أَنَّهُ إنْ كَانَ الَّذِي كَتَبَ الْإِعْلَامَ هُوَ قَاضِي الْجَمَاعَةِ بِتُونُسَ فَإِنَّهُ لَا يَكْتُبُ فِي آخِرِ خِطَابِهِ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنْ يَقِفُ عَلَيْهِ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، وَإِنْ كَانَ الْكَاتِبُ غَيْرَهُ كَتَبَ فِي إعْلَامِهِ لَفْظَ السَّلَامِ. . . إلَخْ، وَذَكَرَ لِي بَعْضُ مَنْ يُوثَقُ بِهِ أَنَّهُ وَرَدَ خِطَابٌ مِنْ قَاضِي بِجَايَةَ إلَى تُونُسَ وَالْقَاضِي بِهَا يَوْمئِذٍ أَبُو إِسْحَاقَ بْنُ عَبْدِ الرَّفِيعِ وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ لَفْظُ السَّلَامِ فَتَوَقَّفَ فِي قَبُولِهِ (قَالَ ابْنُ الْمُنَاصِفِ) وَإِنْ شَاءَ جَعَلَ فِعْلَ الْإِعْلَامَ حَالًا وَكَتَبَ أُعْلِمُ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ اللَّامِ وَرَفْعِ آخِرِ الْفِعْلِ، ثُمَّ يَقُولُونَ بَعْدَ ذِكْرِ اسْمِ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ وَكَتَبَ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ، وَإِنْ شَاءَ كَتَبَ أَسْفَلَ الْعَقْدِ الْمُقَيَّدِ فَوْقَ هَذَا أَوْ صَحَّ بِالرَّسْمِ أَوْ ثَبَتَ الْحَقُّ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى. (السَّابِعُ) إنْ اشْتَمَلَتْ الصَّحِيفَةُ عَلَى عُقُودٍ كَثِيرَةٍ صَحَّ جَمِيعُهَا عِنْدَهُ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ فِي خِطَابٍ وَاحِدٍ فَيَقُولُ أَعْلَمْت الشَّيْخَ الْفَقِيهَ الْقَاضِيَ أَبَا فُلَانٍ بِصِحَّةِ الرُّسُومِ الثَّلَاثَةِ أَوْ الْأَرْبَعَةِ الْمُقَيَّدَةِ أَوْ الرَّسْمَيْنِ الْمُقَيَّدَيْنِ فَوْقَ كِتَابِي هَذَا أَوْ بِمَقْلُوبِهِ، وَإِنْ صَحَّ بَعْضُهَا دُونَ جَمِيعِهَا نَصَّ عَلَى مَا صَحَّ مِنْهُ إمَّا بِأَنْ يَقُولَ الْمُقَيَّدُ أَوَّلَ هَذَا الصَّفْحِ الْمُوَالِي لِكِتَابِي هَذَا أَوْ يُعَيِّنُهُ تَعْيِينًا يَدْفَعُ الْإِشْكَالَ فَيَذْكُرُ الْحَقَّ بِعَيْنِهِ. (الثَّامِنُ) إنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْعَقْدِ الْمُخَاطَبِ عَلَيْهِ إلَّا شَاهِدٌ وَاحِدٌ وَكَانَ فِيهِ شُهُودٌ لَمْ يَقْبَلْ مِنْهُمْ إلَّا شَاهِدًا وَاحِدًا خَاطَبَ فِيهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَذْكُرَ صَحَّ فِي الرَّسْمِ، وَلَا اسْتَقَلَّ وَلَا ثَبَتَ بَلْ يَقُولُ أُعْلِمُ الشَّيْخَ الْفَقِيهَ أَبَا فُلَانٍ بِقَبُولِ شَهَادَةِ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ الْمُسَمَّى عَقِبَ ذِكْرِ الْحَقِّ الْمُقَيَّدِ فَوْقَ هَذَا فِيمَا شَهِدَ بِهِ مِنْ ذَلِكَ عَلَى مَا يَجِبُ وَشِبْهُ هَذِهِ الْعِبَارَةِ، وَهَذَا إنَّمَا هُوَ فِي الْحُقُوقِ الْمَالِيَّةِ فَيَحْلِفُ صَاحِبُهَا مَعَ الشَّاهِدِ وَيَسْتَحِقُّ حَقَّهُ وَأَمَّا الْوَكَالَاتُ وَالْحُدُودُ وَمَا يَثْبُتُ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ فَلَيْسَ لِلْمُخَاطَبَةِ فِيهِ عَلَى الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ وَجْهٌ إلَّا إنْ رُجِيَ أَنْ يُضَافَ إلَيْهِ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ

شَاهِدٌ آخَرُ فَإِنْ أَحَلَفَهُ الْقَاضِي الْكَاتِبُ وَثَبَتَتْ يَمِينُهُ عِنْدَهُ بِشَاهِدَيْ عَدْلٍ كَمَا يَجِبُ قَالَ: أُعْلِمُ الشَّيْخَ الْفَقِيهَ الْقَاضِي أَبَا فُلَانٍ بِصِحَّةِ الرَّسْمِ الْمُقَيَّدِ فَوْقَ هَذَا بِشَهَادَةِ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ وَيَمِينِ صَاحِبِ الْحَقِّ الْمَشْهُودِ لَهُ فُلَانٍ عَلَى صِحَّةِ مَا شُهِدَ لَهُ بِهِ مِنْ ذَلِكَ وَثُبُوتِهِ عِنْدِي كَمَا يَجِبُ بَعْدَ سُؤَالِهِ الْإِذْنَ مِنِّي فِي الْيَمِينِ الْمَذْكُورَةِ، وَرَأَيْت إبَاحَةَ ذَلِكَ كُلِّهِ وَكَتَبَ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ. (التَّاسِعُ) إنْ كَانَ الْخِطَابُ بِقَبُولِهِ خِطَابًا وَصَلَ إلَيْهِ كَتَبَ: أُعْلِمُ الشَّيْخَ أَبَا فُلَانٍ بِقَبُولِهِ الْخِطَابَ الثَّابِتَ عِنْدِي الْمُرْتَسِمَ فَوْقَ هَذَا أَوْ يَمْنَتَهُ أَوْ يَسْرَتَهُ أَوْ مَقْلُوبَهُ. (الْعَاشِرُ) إذَا لَمْ يَكْتُبْ الْقَاضِي تَحْتَ الْعَقْدِ خِطَابًا يُصَرِّحُ فِيهِ بِالْإِعْلَامِ بِصِحَّةِ ذَلِكَ الْعَقْدِ عِنْدَهُ وَاقْتَصَرَ عَلَى أَنْ كَتَبَ صَحَّ الرَّسْمُ عِنْدِي أَوْ اسْتَقَلَّ وَكَتَبَ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ، فَذَلِكَ لَغْوٌ غَيْرُ جَائِزٍ قَبُولُهُ بِمُجَرَّدِ الْخَطِّ اهـ. وَإِلَى كَوْنِ ثَبَتَ وَنَحْوِهِ لَيْسَ بِخِطَابٍ أَشَارَ ابْنُ عَاصِمٍ بِقَوْلِهِ: وَلَيْسَ يُغْنِي كَتْبُ قَاضٍ كَاكْتَفَى الْبَيْتَيْنِ (الْحَادِيَ عَشَرَ) مِمَّا تَسَامَحَ فِيهِ أَهْلُ فَاسَ وَعَمَلُهَا وَلَا يُعْلَمُ لَهُ أَصْلُ شَهَادَةِ عُدُولِهِمْ عَلَى تَسْجِيلِ قَاضِيهِمْ فَإِذَا وَضَعَ الْقَاضِي خَطَّهُ كَتَبَ الشَّاهِدُ شَهِدَ عَلَى إشْهَادِ مَنْ ذُكِرَ بِمَا فِيهِ عَنْهُ، فَهَذِهِ شَهَادَةٌ عَلَى خَطِّهِ وَكَيْفَ تَصِحُّ الشَّهَادَةُ عَلَى خَطِّهِ وَقَدْ لَا يَكُونُ بَيْنَ مَقْعَدِهِ وَدُكَّانِ مَنْ شَهِدَ عَلَيْهِ إلَّا قَدْرَ خُطْوَةٍ أَوْ أَقَلَّ؟ وَمِمَّا يَتَسَامَحُونَ فِيهِ أَيْضًا رُسُومُ إثْبَاتِ الْأُصُولِ إذَا ثَبَتَ الرَّسْمُ عِنْدَ الْقَاضِي وَوَقَّعَ عَلَيْهِ اكْتَفَى فَتُحَازُ عَنْهُمْ، كَتَبَ الْمُوَثِّقُ الْحَمْدُ لِلَّهِ حَضَرَ عَنْ إذْنِ قَاضِي الْجَمَاعَةِ إلَى أَنْ قَالَ: فَحَاصِلُهُ أَنَّ شَاهِدَيْ الْحِيَازَةِ وَهُمَا الشَّاهِدَانِ عَلَى الْقَاضِي بِأَنَّهُ قَدَّمَهُمَا لِلْحِيَازَةِ وَأَذِنَ لَهُمَا فِيهَا فَكَيْفَ تَصِحُّ شَهَادَتُهُمَا لِأَنْفُسِهِمَا وَقَدْ كَانَ الْعَدْلُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ دِشَارٍ يُحَدِّثُ أَنَّ عَادَتَهُمْ كَانَتْ فِي الْقَدِيمِ أَنَّ الشَّهَادَةَ فِي الْحِيَازَةِ تَكُونُ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ اثْنَانِ مِنْهُمْ يَشْهَدَانِ عَلَى الْقَاضِي بِصِحَّةِ الرَّسْمِ وَبِتَوْجِيهِ الْآخَرَيْنِ لِلْحِيَازَةِ وَالِاثْنَانِ الْآخَرَانِ يَشْهَدَانِ عَلَى الْحَائِزَيْنِ بِالْحِيَازَةِ، وَلَا إشْكَالَ فِي هَذَا. قَالَ مُقَيِّدُ هَذَا الشَّرْحِ - عَفَا اللَّهُ عَنْهُ - وَكَانَ الْأَصْلُ أَنْ يَحْتَاجَ إلَى ثَمَانِيَةِ عُدُولٍ: اثْنَانِ يَشْهَدَانِ بِالْمِلْكِيَّةِ وَاسْتِمْرَارِهَا وَاثْنَانِ يَشْهَدَانِ عَلَى الْقَاضِي بِتَقْدِيمِ اثْنَيْنِ لِلْحِيَازَةِ وَاثْنَانِ يَحُوزَانِ أَعْنِي اللَّذَيْنِ قَدَّمَهُمَا الْقَاضِي لِلْحِيَازَةِ يَقُولَانِ هَذَا الَّذِي حُزْنَاهُ وَتَطَوَّفْنَا بِهِ هُوَ الَّذِي شَهِدَ بِهِ فُلَانٌ وَفُلَانٌ عِنْدَ قَاضِي كَذَا بِأَنَّهُ لِفُلَانٍ الْغَائِبِ مَثَلًا، وَاثْنَانِ يَشْهَدَانِ عَلَى الْحَائِزَيْنِ بِالْحِيَازَةِ وَيَكْتَفِي بِأَرْبَعَةٍ: اثْنَانِ يَشْهَدَانِ بِالْمِلْكِيَّةِ وَاسْتِمْرَارِهَا وَاثْنَانِ يَشْهَدَانِ عَلَى الْقَاضِي بِتَقْدِيمِ شُهُودِ الْمِلْكِ لِلْحَوْزِ وَبِأَنَّهُمَا حَازَا، وَلَا يَكْفِي أَنْ يَشْهَدَ الْحَائِزَانِ بِأَنَّ الْقَاضِيَ قَدَّمَهُمَا لِلْحِيَازَةِ؛ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ لِأَنْفُسِهِمَا وَلَا أَنَّهُمَا حَازَا لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ عَلَى فِعْلِ أَنْفُسِهِمَا. وَإِنَّمَا يَقَعُ التَّدَاخُلُ بَيْنَ شَهِيدَيْ الْمِلْكِ وَالْحِيَازَةِ فَيَكُونُ شَهِيدَيْ الْمِلْكِ هُمَا الْحَائِزَيْنِ وَبَيْنَ شَهِيدَيْ تَقْدِيمِ الْقَاضِي لِلْحِيَازَةِ وَشَهِيدَيْ الْحَوْزِ، فَيَكُونُ شَهِيدَيْ التَّقْدِيمِ عَلَى الْجَوَازِ هُمَا شَاهِدَيْ الْحَوْزِ. (الثَّانِي عَشَرَ) قَالَ فِي تَكْمِيلِ التَّقْيِيدِ أَيْضًا وَفِي النَّوَادِرِ عَنْ الْمَجْمُوعَةِ إنْ ثَبَتَ عِنْدَ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ أَنَّ مَنْ كَتَبَ إلَيْهِ مُسْتَحِقٌّ لِلْقَضَاءِ فِي فَهْمِهِ وَمَعْرِفَتِهِ وَدِينِهِ وَوَرَعِهِ غَيْرُ مَخْدُوعٍ قَبِلَ كِتَابَهُ. (قَالَ ابْنُ سَحْنُونٍ) عَنْهُ عَنْ أَشْهَبَ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ عَدْلٍ لَمْ يَقْبَلْهُ. (وَقَالَ سَحْنُونٌ) يُكَاتِبُ غَيْرَ الْعَدْلِ بِإِنْفَاذِ الْأَمْرِ وَلَا يَقْبَلُ كِتَابَهُ. (قَالَ أَشْهَبُ) لَا يَقْبَلُ كِتَابَ غَيْرِ الْعَدْلِ إلَّا مَا كَانَ مِنْ أَمْرٍ لَا يَشُكُّ فِي صِحَّتِهِ وَفِي النَّوَادِرِ عَنْ أَصْبَغَ إنْ جَاءَهُ بِكِتَابِ قَاضٍ لَا يَعْرِفُ عَدَالَتَهُ وَلَا سُخْطَتَهُ، فَإِنْ كَانَ مِنْ قُضَاةِ الْأَمْصَارِ الْجَامِعَةِ كَمَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَالْعِرَاقِ وَالشَّامِ وَمِصْرَ وَالْقَيْرَوَانِ وَالْأَنْدَلُسِ فَلْيُنَفِّذْهُ، وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْهُ، وَمَحْمَلُ مِثْلِ هَؤُلَاءِ عَلَى الصِّحَّةِ، وَأَمَّا قُضَاةُ الْكُورِ الصِّغَارِ فَلَا يُنَفِّذُهُ حَتَّى يَسْأَلَ عَنْهُ. (الثَّالِثَ عَشَرَ) فِي رَسْمِ الْعِتْقِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى سُئِلَ عَنْ الْقَاضِي يَكْتُبُ إلَى قَاضٍ فِي الْحُقُوقِ وَالْأَنْسَابِ وَالْمَوَارِيثِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ فَيَكْتُبُ: أَتَانِي فُلَانٌ بِشُهُودٍ عُدِّلُوا عِنْدِي وَقَبِلْت شَهَادَتَهُمْ وَلَا يُسَمِّيهِمْ فِي كِتَابِهِ أَيَجُوزُ؟ قَالَ: نَعَمْ وَهَذَا قَضَاءُ الْقُضَاةِ أَرَأَيْت إنْ سَمَّاهُمْ لَهُ أَيَعْرِفُهُمْ أَمْ تَنْبَغِي عَدَالَةٌ أُخْرَى وَيَسْأَلُ عَنْهُمْ أَمْ يَسْتَأْنِفُ فِيهِمْ حُكْمًا غَيْرَ مَا حَكَمَ بِهِ وَفَرَغَ مِنْهُ؟ لَيْسَ ذَلِكَ كَذَلِكَ. (قَالَ الْعُتْبِيُّ) قَدْ قِيلَ: إنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُسَمِّيَ الْبَيِّنَةَ فِي الْحُكْمِ عَلَى الْغَائِبِ لِيَجِدَ سَبِيلًا إلَى دَفْعِ شَهَادَتِهِمْ عَنْهُ وَهُوَ عِنْدِي بَيِّنٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ

الرَّابِعَ عَشَرَ) قَالَ ابْنُ رُشْدٍ يَجِبُ عَلَى الْقَاضِي الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ أَوْ مَنْ وُلِّيَ بَعْدَهُ أَنْ يَصِلَ نَظَرَهُ فِيمَا ثَبَتَ عِنْدَ الْقَاضِي الْكَاتِبِ، فَإِنْ كَتَبَ بِثُبُوتِ شَهَادَتِهِمْ فَقَطْ لَمْ يَأْمُرْ بِإِعَادَةِ شَهَادَتِهِمْ وَنَظَرَ فِي تَعْدِيلِهِمْ، وَإِنْ كَتَبَ بِتَعْدِيلِهِمْ أَوْ بِقَبُولِهِ إيَّاهُمْ أَعْذَرَ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ فِيهِمْ وَإِنْ كَتَبَ أَنَّهُ أَعْذَرَ إلَيْهِ فَعَجَزَ عَنْ الدَّفْعِ أَمْضَى الْحُكْمَ عَلَيْهِ ا. هـ. مُخْتَصَرًا مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَوَّلَ مَسْأَلَةٍ فِي الْأَقْضِيَةِ. (الْخَامِسَ عَشَرَ) لَيْسَ قَوْلُ الْقَاضِي: ثَبَتَ عِنْدِي كَذَا حُكْمًا مِنْهُ بِمُقْتَضَى مَا ثَبَتَ عِنْدَهُ فَإِنَّ ذَلِكَ أَعَمُّ مِنْهُ ا. هـ. بِاخْتِصَارٍ. (قَالَ مُقَيِّدُ هَذَا الشَّرْحِ) - سَمَحَ اللَّهُ لَهُ بِفَضْلِهِ - وَقَدْ أَطَالَ الْكَلَامَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَمِمَّا اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الثُّبُوتَ أَعَمُّ مِنْ الْحُكْمِ قَوْلُهُمْ: ثَبَتَ عِنْدَنَا مَوْتُ الْخَلِيفَةِ وَخِصْبُ أَرْضِ كَذَا وَثَبَتَ عِنْدَنَا ظُلْمُ فُلَانٍ وَعَدَاوَتُهُ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا عَلِمُوهُ بِالْخَبَرِ وَتَلَقَّوْهُ بِالْقَبُولِ مِنْ أَفْوَاهِ الْعُدُولِ مِمَّا لَا يَصِحُّ أَنْ يَنْتَصِبَ إلَيْهِ الْحُكَّامُ وَيَطْلُبَ فِيهِ الْقَضَايَا وَالْأَحْكَامُ، وَحَاصِلُ الْأَمْرِ أَنَّ الْمَعْنَى بِالثُّبُوتِ لُغَةً حُصُولُ الْأَمْرِ وَتَحَقُّقُهُ اُنْظُرْ كَلَامَهُ إنْ شِئْت. وَإِلَى الْخِلَافِ فِي كَوْنِ قَوْلِ الْقَاضِي ثَبَتَ عِنْدِي كَذَا حُكْمًا أَوْ لَيْسَ بِحُكْمٍ أَشَارَ الْإِمَامُ سَيِّدِي عَلِيٌّ الزَّقَّاقُ بِقَوْلِهِ فِي الْمَنْهَجِ الْمُنْتَخَبِ فِي قَوَاعِدِ الْمَذْهَبِ: وَالْحُكْمُ وَالثُّبُوتُ شَيْءٌ اتَّحَدْ ... وَقِيلَ غَيْرَانِ عَلَى ذَا يُعْتَمَدْ اُنْظُرْ شَرْحَ الشَّيْخِ الْمَنْجُورِ. (قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) وَالْعَمَلُ الْيَوْمَ عَلَى قَبُولِ مَا ... خَاطَبَهُ الْقَاضِي بِمِثْلٍ أَعْلَمَ وَلَيْسَ يُغْنِي كَتْبُ قَاضٍ كَاكْتَفَى ... عَنْ الْخِطَابِ وَالْمَزِيدُ قَدْ كَفَى وَإِنَّمَا الْخِطَابُ مِثْلُ أَعْلِمَا ... إذْ مُعْلِمًا بِهِ اقْتَضَى وَمُعْلَمَا هَذَا هُوَ الصَّوَابُ فِي تَرْتِيبِ هَذِهِ الْأَبْيَاتِ وَالْفَصْلُ بَيْنَهَا غَيْرُ ظَاهِرٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ؛ لِأَنَّ مُضَمَّنَ مَعْنَاهَا وَحَاصِلَهُ مَسْأَلَةٌ وَاحِدَةٌ، وَهِيَ أَنَّ الْعَمَلَ جَرَى فِي زَمَنِ النَّاظِمِ عَلَى قَبُولِ خِطَابِ الْقُضَاةِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ بِقَوْلِهِ أَعْلَمَ بِاسْتِقْلَالِهِ أَوْ ثُبُوتِهِ فُلَانٌ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يُؤَدِّي مَعْنَاهُ وَلَا يَكْفِي فِي الْخِطَابِ أَنْ يَقُولَ اكْتَفَى أَوْ ثَبَتَ أَوْ اسْتَقَلَّ وَنَحْوَهَا، وَإِنَّمَا يَكْفِي ذَلِكَ عَنْ زِيَادَةِ الشُّهُودِ فَقَطْ. وَأَمَّا الْخِطَابُ فَلَا يَكْفِي فِيهِ إلَّا مِثْلُ أَعْلَمَ. . . . إلَخْ كَمَا تَقَدَّمَ قَرِيبًا، فَقَوْلُهُ وَإِنَّمَا الْخِطَابُ مِثْلُ أَعْلَمَا هُوَ تَكْرَارٌ مَعَ الْبَيْتِ الْأَوَّلِ بِزِيَادَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْحَصْرِ، وَهُوَ إنَّمَا وَبَيَانُ تَوْجِيهِ كَوْنِ اكْتَفَى وَنَحْوِهِ لَا يَكْفِي فِي الْخِطَابِ فِي قَوْلِهِ إذْ مُعْلِمًا بِهِ اقْتَضَى وَمُعْلَمًا وَبَيَانُهُ أَنَّ اللَّفْظَ الَّذِي جَرَى بِهِ الْعَمَلُ فِي الْخِطَابِ يَدُلُّ عَلَى ثَلَاثَةِ أُمُورٍ: أَحَدُهَا: شَخْصٌ مُعْلِمٌ بِكَسْرِ اللَّامِ بِمَا ثَبَتَ عِنْدَهُ وَهُوَ الْقَاضِي الْكَاتِبُ وَالثَّانِي شَخْصٌ مُعْلَمٌ بِفَتْحِهَا وَهُوَ الْقَاضِي الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ، وَيَصِحُّ الْعَكْسُ وَهُوَ فَتْحُ اللَّامِ فِي الْأَوَّلِ وَكَسْرُهَا فِي الثَّانِي وَبِالضَّرُورَةِ أَنَّهُمَا يَدُلَّانِ عَلَى أَمْرٍ ثَابِتٍ مَعْلُومٍ عِنْدَ الْقَاضِي الْكَاتِبِ أَعْلَمَ بِهِ الْقَاضِي الْمَكْتُوبَ إلَيْهِ، فَضَمِيرُ بِهِ فِي الْبَيْتِ الثَّالِثِ لِلْأَمْرِ الْمَعْلُومِ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ الْمُعْلِمُ. وَالْمُعْلَمُ بِالْكَسْرِ وَالْفَتْحِ وَالْمَجْرُورُ يَتَنَازَعُ فِيهِ مُعْلَمٌ بِالْكَسْرِ وَالْفَتْحِ، وَاقْتَضَى بِمَعْنَى طَلَبَ وَأَفْهَمَ فَقَوْلُهُمْ فِي الْخِطَابِ أَعْلَمَ بِاسْتِقْلَالِهِ أَوْ بِثُبُوتِهِ فُلَانٌ أَعْلَمَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَاللَّامِ وَالْمِيمِ فِعْلٌ مَاضٍ، وَفَاعِلُهُ هُوَ الِاسْمُ الْمُكَنَّى عَنْهُ بِفُلَانٍ الَّذِي هُوَ الْمُعْلِمُ لِغَيْرِهِ بِمَا ثَبَتَ عِنْدَهُ، وَهُوَ يَتَعَدَّى لِمَفْعُولَيْنِ حُذِفَ الْأَوَّلُ مِنْهُمَا لِلْعُمُومِ عَلَى حَدِّ {وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلامِ} [يونس: 25] أَيْ: جَمِيعَ عِبَادِهِ، وَتَقْدِيرُهُ هُنَا مَنْ يَقِفُ عَلَيْهِ يَعْنِي مِمَّنْ هُوَ أَهْلٌ لِذَلِكَ فَيَشْمَلُ الْقَاضِيَ الْمَكْتُوبَ إلَيْهِ وَغَيْرَهُ مِمَّنْ يَتَوَلَّى بَعْدَهُ لِمَوْتِهِ أَوْ عَزْلِهِ. وَالْمَفْعُولُ الثَّانِي هُوَ قَوْلُهُ بِثُبُوتِهِ أَوْ اسْتِقْلَالِهِ، وَهُوَ يَتَعَلَّقُ بِأَعْلَمَ وَضَمِيرُ ثُبُوتِهِ لِلرَّسْمِ أَيْ أَعْلَمَ كَاتِبَهُ الْوَاقِفَ عَلَيْهِ أَنَّ هَذَا الرَّسْم يَسْتَحِقُّ أَنْ يُعْمَلَ بِمُقْتَضَاهُ؛ لِاسْتِجْمَاعِهِ شُرُوطِ الْحُكْمِ بِهِ وَاسْتِقْلَالِهِ بِنَفْسِهِ وَعَدَم تَوَقُّفِهِ عَلَى غَيْرِهِ. (قَالَ الشَّارِحُ) قَوْلُهُ: (وَإِنَّمَا الْخِطَابُ) الْبَيْتُ يَعْنِي أَنَّ الْخِطَابَ الْمُعْمَلَ بِهِ عِنْدَ الْقُضَاةِ هُوَ أَعْلَمَ بِمَا اتَّصَلَ بِهِ مِنْ تَسْمِيَةِ الْمُعْلِمِ وَتَعْيِينِ الْمُعْلَمِ أَوْ اقْتِضَائِهِ لَهُ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَبِمَا يُمَاثِلُ هَذَا اللَّفْظَ لَوْ وَقَعَ عَلَيْهِ الِاصْطِلَاحُ إذْ لَيْسَ لَفْظَةُ أَعْلَمَ بِخُصُوصِهَا بِوَاجِبَةٍ الْوُجُوبَ الَّذِي لَوْ تُعُدِّيَ لَبَطَلَ الْعَقْدُ، وَإِنَّمَا تَعَيَّنَتْ لِوُقُوعِ

اخْتِيَارِ الْقُضَاةِ عَلَيْهَا لِاسْتِيفَائِهَا الْمَعْنَى الْمَقْصُودَ فِي الْوَضْعِ، وَلَوْ وَقَعَ الِاصْطِلَاحُ مَثَلًا بِسِوَاهَا لَمَا كَانَ مَانِعٌ مِنْ ذَلِكَ، وَلَمَّا تَقَرَّرَ الِاصْطِلَاحُ بِالْإِعْلَامِ لَزِمَ فَلَوْ لَمْ يَكْتُبْ الْقَاضِي خِطَابًا يُصَرِّحُ فِيهِ بِالْإِعْلَامِ بِصِحَّةِ الْحَقِّ عِنْدَهُ، وَاقْتَصَرَ عَلَى أَنْ كَتَبَ صَحَّ الرَّسْمُ عِنْدِي أَوْ ثَبَتَ أَوْ اسْتَقَلَّ وَكَتَبَهُ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ فَذَلِكَ لَغْوٌ غَيْرُ جَائِزٍ قَبُولُهُ بِمُجَرَّدِ الْخَطِّ قَالَ ذَلِكَ ابْنُ الْمُنَاصِفِ اهـ. كَلَامُ الشَّارِحِ وَقَدْ جَرَتْ الْعَادَةُ أَنْ لَا يَكْتُبَ الْقَاضِي اسْمَهُ الْمُكَنَّى عَنْهُ بِلَفْظِ الْخِطَابِ بِفُلَانٍ بِالْكِتَابَةِ الْمَعْهُودَةِ الَّتِي يَقْرَؤُهَا كُلُّ وَاحِدٍ بَلْ يَكْتُبُ بِتَخْلِيطٍ وَتَعْمِيَةٍ وَيُسَمِّي الْعَلَامَةَ، وَذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لِئَلَّا يُزَوِّرَ وَيُخَاطِبُ غَيْرُ الْقَاضِي عَلَى لِسَانِهِ، وَكَذَلِكَ الِاصْطِلَاحُ فِي وَضْعِ الشَّاهِدِ اسْمَهُ فِي الْعَقْدِ لِئَلَّا يَكْتُبَ اسْمَهُ غَيْرُهُ فَيُنْسَبُ إلَيْهِ مَا لَمْ يَشْهَدْ بِهِ، وَمِمَّا يَنْبَغِي لِلشَّاهِدِ وَيَتَأَكَّدُ عَلَيْهِ أَنْ يَثْبُتَ عَلَى عَلَامَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَا يُنَوِّعُهَا فَيَقَعُ الِالْتِبَاسُ فِي شَهَادَتِهِ وَلَمَّا ذَكَرَ النَّاظِمُ أَنَّ الْخِطَابَ يَكُونُ بِأَعْلَمَ وَبِمِثْلِهِ مِمَّا يُؤَدِّي مَعْنَاهُ خَافَ أَنْ يُتَوَهَّمَ أَنَّ لَفْظَ اكْتَفَى وَنَحْوَهُ وَاسْتَقَلَّ وَصَحَّ وَثَبَتَ تَكْفِي فِي الْخِطَابِ بِهَا أَيْضًا، فَرَفَعَ هَذَا الْوَهْمَ أَيْضًا بِقَوْلِهِ: (وَلَيْسَ يُغْنِي كَتْبُ قَاضٍ كَاكْتَفَى) الْبَيْتَ. فَالْكَافُ الدَّاخِلَةُ عَلَى اكْتَفَى أَيْضًا اسْمٌ بِمَعْنَى مِثْلِ مَفْعُولُ كَتْبُ وَكَتْبُ فَاعِلُ يُغْنِي وَهُوَ مَصْدَرٌ مُضَافٌ لِلْفَاعِلِ وَهُوَ قَاضٍ وَكَمَّلَ بِالْمَفْعُولِ وَهُوَ الْكَافُ أَيْ بِمِثْلِ اكْتَفَى وَصَحَّ وَنَحْوُهُمَا، وَلَيْسَ هُنَا حَرْفٌ بِمَعْنَى لَا النَّافِيَةِ وَعَنْ الْخِطَابِ يَتَعَلَّقُ بِيُغْنِي أَيْ: لَا يُغْنِي عَنْ الْخِطَابِ وَلَا يَكْفِي عَنْهُ الْمُخَاطَبَةُ بِمِثْلِ اكْتَفَى وَنَحْوِهَا، وَلَمَّا نَفَى الِاكْتِفَاءَ بِهِ فِي الْخِطَابِ أَرَادَ أَنْ يُنَبِّهَ عَلَى مَا يُفِيدُهُ وَمَا يُفْهَمُ مِنْهُ، فَأَفَادَهُ بِقَوْلِهِ: وَالْمَزِيدَ قَدْ كَفَى أَيْ إنَّمَا يَكْفِي اكْتَفَى وَثَبَتَ وَنَحْوُهُمَا عَنْ زِيَادَةِ الشُّهُودِ فَقَطْ، وَلَا يَكْفِي عَنْ الْخِطَابِ. (قَالَ الشَّارِحُ) مَا جَرَى بِهِ عُرْفُ بَلَدِنَا الْأَنْدَلُسِيَّةِ مِنْ كَتْبِهِمْ اكْتَفَى فِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّ الْمَشْهُودَ لَهُ لَا يَطْلُبُ بَعْدَ ذَلِكَ بِشُهُودٍ زِيَادَةً عَلَى مَا حَصَلَ فِي الْعَقْدِ، وَأَنَّ اللَّفْظ لَا يُغْنِي عَنْ الْخِطَابِ، وَإِنَّمَا يَكْفِي الْمَشْهُودُ لَهُ عَنْ زِيَادَةِ الشُّهُودِ، وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ الرَّسْمَ قَدْ اسْتَقَلَّ عِنْدَ الْقَاضِي اهـ فَقَوْلُهُ: وَالْمَزِيدَ مَنْصُوبٌ عَلَى إسْقَاطِ الْخَافِضِ أَيْ كَفَى لَفْظُ اكْتَفَى وَمَا أَشْبَهَهُ عَنْ زِيَادَةِ الشُّهُودِ عَلَى مَا حَصَلَ فِي الْعَقْدِ لَا عَنْ الْخِطَابِ فَلَا يَكْفِي عَنْهُ فَالْمَزِيدُ بِمَعْنَى الْمَصْدَرِ أَيْ الزِّيَادَةُ، وَلَمَّا ذَكَرَ أَنَّ اكْتَفَى وَشِبْهَهُ لَا يَكْفِي عَنْ الْخِطَابِ بَيْنَ مَا يَكُونُ بِهِ الْخِطَابُ مُوَجَّهًا لَهُ بِقَوْلِهِ: وَإِنَّمَا الْخِطَابُ مِثْلُ أَعْلِمَا الْبَيْتَ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ وَإِطْلَاقُ النَّاظِمِ فِي إعْمَالِ الْخِطَابِ بِمَا ذَكَرَ يَقْتَضِي أَنَّهُ عَامٌّ فِي جَمِيعِ الْأُمُورِ مِنْ الْحُقُوقِ الْمَالِيَّةِ وَالْبَدَنِيَّةِ وَهُوَ كَذَلِكَ (قَالَ الشَّارِحُ) وَتَقْيِيدُ الْعَمَلَ بِالْيَوْمِ يُؤْذِنُ أَنَّهُ كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ بِخِلَافِهِ وَهُوَ صَحِيحٌ فَقَدْ كَانَ الْعَمَلُ حَيْثُ حَدَثَ الضَّرْبُ عَلَى الْخُطُوطِ بِاسْتِصْحَابِ شَاهِدَيْ عَدْلٍ كِتَابَ الْقَاضِي إلَى الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ بَعْدَ أَنْ كَانَ الْعَمَلُ قَبْلَ ذَلِكَ بِالِاكْتِفَاءِ بِالْكِتَابِ الْمَخْتُومِ، وَكَانَ الْعَمَلُ الْآنَ بِالِاكْتِفَاءِ بِالْخِطَابِ دُونَ الشَّاهِدَيْنِ عَلَيْهِ عَادَ إلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ قَدِيمًا مِنْ الِاكْتِفَاءِ بِالْكِتَابِ الْمَخْتُومِ وَذَلِكَ؛ لِضَرُورَةِ فَقْدِ الْعُدُولِ فِي أَكْثَرِ الْمَوَاضِعِ مِنْ نُدُورِ أَحْكَامِ الضَّرْبِ عَلَى الْخَطِّ فَاسْتُحْسِنَ الرُّجُوعُ إلَى الْعَمَلِ الْقَدِيمِ. (قَالَ فِي الْمُقَرِّبِ) قُلْت لَهُ: فَالْقَاضِي إذَا كَتَبَ إلَى الْقَاضِي بِشَهَادَةِ شُهُودٍ شَهِدُوا عِنْدَهُ وَعُدِّلُوا وَكَانُوا قَدْ شَهِدُوا عَلَى رَجُلٍ بِعَيْنِهِ بِحَدٍّ أَوْ قِصَاصٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ أَيَقْبَلُ الْقَاضِي الَّذِي جَاءَهُ الْكِتَابُ الْبَيِّنَةَ الَّتِي فِي الْكِتَابِ، وَيَقْضِي بِهَا قَالَ نَعَمْ اهـ. (تَنْبِيهٌ) قَالَ فِي تَكْمِيلِ التَّقْيِيدِ فَائِدَتَانِ الْأُولَى فِي قَوْلِ الْقَاضِي ثَبَتَ عِنْدِي ثَلَاثُ نُكَتٍ: أُولَاهَا أَنَّهُ لَيْسَ بِخِطَابٍ كَمَا تَقَدَّمَ لِابْنِ الْمُنَاصِفِ وَثَانِيهَا: هُوَ حُكْمٌ أَمْ لَا؟ وَفِيهِ صَنَّفَ الْإِمَامُ الرَّازِيّ وَثَالِثُهَا: هَلْ يَقْبَلُ ذَلِكَ مِنْهُ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ الْبَيِّنَةَ أَمْ لَا؟ . (قَالَ الْمَازِرِيُّ) : مِنْ الْحِكْمَة وَالْمَصْلَحَة مَنْعُ الْقَاضِي الْحُكْمَ بِعِلْمِهِ خَوْفَ كَوْنِهِ غَيْرَ عَدْلٍ فَيَقُولُ عَلِمْت فِيمَا لَا عِلْمَ لَهُ بِهِ وَعَلَى هَذَا التَّعْلِيلِ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ: ثَبَتَ عِنْدِي كَذَا إلَّا أَنْ يُسَمِّيَ الْبَيِّنَةَ وَقَدْ رَكَّبَ ذَلِكَ ابْنُ الْقَصَّارِ وَقَالَ: لَا يُقْبَلُ حَتَّى يُسَمِّيَ الْبَيِّنَةَ وَكَذَا قَالَ ابْنُ الْجَلَّابِ ثُمَّ قَالَ الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْمُنَاصِفِ إنْ ثَبَتَ وَاكْتَفَى وَصَحَّ وَاسْتَقَلَّ كَالْمُتَرَادِفَةِ وَذَكَرَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَاشِدٍ أَنَّهُ كَانَ يَخُصُّ اسْتَقَلَّ بِالْعُدُولِ وَاكْتَفَى بِإِثْبَاتِ الْأَمْلَاكِ وَثَبَتَ بِمَا عَدَاهُمَا. (وَعَنْ الْعُقْبَانِيِّ)

اسْتَقَلَّ لِلْمُبَرَّزِينَ وَثَبَتَ لِمَنْ يُقَارِبُهُمْ، وَاكْتَفَى لِمَنْ دُونَ ذَلِكَ وَنَحْوِهِ فِي شَرْحِ الْيَرْتَاسِيِّ عَنْ الْعُقْبَانِيِّ أَيْضًا وَنَصُّهُ: جَرَى الْعَمَلُ فِي زَمَانِنَا هَذَا فِي تِلِمْسَانَ وَمَا بَعْدَهَا مِنْ مُدُنِ الْمَغْرِبِ بِتَصْرِيحِ الْخِطَابِ بِالْإِعْلَامِ بِالِاسْتِقْلَالِ فِيمَا ثَبَتَ مِنْ الرُّسُومِ بِشَهَادَةِ الْمُبَرَّزِينَ مِنْ الْعُدُولِ وَبِالثُّبُوتِ فِيمَا ثَبَتَ دُونَهُمْ وَبِالِاكْتِفَاءِ بِالْأَدْنَى فَهِيَ ثَلَاثُ مَرَاتِبَ، وَأَمَّا بِالْجَزَائِرِ وَمَا وَالَاهَا فَالْخِطَابُ عِنْدَهُمْ بِالثُّبُوتِ وَالِاكْتِفَاءِ فَقَطْ ا. هـ. (تَنْبِيهٌ) هَذَا مَا يَكْتُبُهُ الْقَاضِي الَّذِي يُخَاطِبُ قَاضِيًا آخَرَ وَأَمَّا الْمُخَاطَبُ بِالْفَتْحِ وَهُوَ الَّذِي وَرَدَ عَلَيْهِ الْخِطَابُ فَإِنَّهُ إنْ كَانَ مُعَيَّنًا فِي الْخِطَابِ بِاسْمِهِ وَقَّعَ تَحْتَهُ أُعْلِمْتُهُ، وَإِنْ كَانَ الْخِطَابُ لَا تَعْيِينَ فِيهِ أَوْ عُيِّنَ فَمَاتَ أَوْ عُزِلَ وَقَّعَ مَنْ خَلْفَهُ قَبِلْت، وَهُوَ اصْطِلَاحٌ لَا غَيْرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَإِنْ يَمُتْ مُخَاطِبٌ أَوْ عُزِلَا ... رُدَّ خِطَابُهُ سِوَى مَا سَجَّلَا وَاعْتَمَدَ الْقَبُولَ بَعْضُ مَنْ قَضَى ... وَمُعْلَمٌ يَخْلُفُهُ وَالِي الْقَضَا وَالْحَكَمُ الْعَدْلُ عَلَى قَضَائِهِ ... خِطَابُهُ لَا بُدَّ مِنْ إمْضَائِهِ تَعَرَّضَ فِي الْأَبْيَاتِ لِمَا إذَا خَاطَبَ قَاضٍ قَاضِيًا آخَرَ فَمَاتَ أَحَدُهُمَا أَوْ عُزِلَ، فَأَخْبَرَ أَنَّهُ إذَا مَاتَ الْقَاضِي الْمُخَاطِبُ بِالْكَسْرِ أَوْ عُزِلَ فَقَدْ اُخْتُلِفَ هَلْ يُعْتَمَدُ خِطَابُهُ وَيُعْمَلُ عَلَيْهِ أَوْ لَا؟ فَمِنْهُمْ مَنْ رَدَّ خِطَابَهُ وَلَمْ يَعْتَمِدْهُ وَمِنْهُمْ مَنْ قَبِلَهُ وَاعْتَمَدَ عَلَيْهِ، وَإِلَى هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ رُدَّ خِطَابُهُ ثُمَّ قَالَ وَاعْتَمَدَ الْقَبُولَ بَعْضُ مَنْ قَضَى أَيْ بَعْضُ الْقُضَاةِ. وَهَذَا الْخِلَافُ إذَا لَمْ يُسَجِّلْ الْحُكْمَ، وَأَمَّا إنْ سَجَّلَهُ وَأَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ عَدْلَيْنِ أَنَّهُ حَكَمَ بِهِ وَأَنْفَذَهُ فَإِنَّهُ يُعْمَلُ عَلَيْهِ اتِّفَاقًا سَوَاءٌ بَقِيَ عَلَى قَضَائِهِ أَوْ مَاتَ أَوْ عُزِلَ وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِقَوْلِهِ: (سِوَى مَا سَجَّلَا) (فَإِنْ قُلْت) كَلَامُنَا فِي خِطَابِ الْقَاضِي بِمَا ثَبَتَ عِنْدَهُ لِقَاضِي بَلَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَيَكُونُ الْحُكْمُ وَالتَّنْفِيذُ فِي بَلَدِ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ فَكَيْفَ يُسَجِّلُ الْمُخَاطِبُ الْحُكْمَ وَيُنَفِّذُهُ، وَإِنَّمَا يُنَفِّذُهُ الْقَاضِي الْمَنْهِيُّ إلَيْهِ الْمُخَاطَبُ بِالْفَتْحِ؟ . (قُلْت) يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ حَيْثُ يَكُونُ الْمُتَنَازَعُ فِيهِ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ فَكَانَ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ مَعَ طَالِبِهِ فِي بَلَدِ الطَّالِبِ، فَيُنَفِّذُ قَاضِيهَا الْحُكْمَ عَلَيْهِ عَمَلًا بِقَوْلِهِ: قَبِلَ وَحَيْثُ يُلْفِيه بِمَا فِي الذِّمَّةِ يَطْلُبُهُ، ثُمَّ يَكْتُبُ لِقَاضِي بَلَدِ الْمَطْلُوبِ بِمَا حَكَمَ بِهِ وَأَمْضَاهُ لِيَكُنْ الطَّالِبُ مِنْ مَالِ الْمَطْلُوبِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ فِي بَلَدِ الْحُكْمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ثُمَّ أَخْبَرَ أَنَّهُ إذَا مَاتَ الْقَاضِي الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ الْمُخَاطَبُ بِالْفَتْحِ أَوْ عُزِلَ فَإِنَّ مَنْ وُلِّيَ الْقَضَاءَ بَعْدَهُ يَخْلُفُهُ وَيَتَنَزَّلُ مَنْزِلَتَهُ فِي إنْفَاذِ مَا طَلَبَ بِهِ سَوَاءٌ كَانَ مُعَيَّنًا مُسَمًّى فِي الْخِطَابِ أَوْ غَيْرَ مُعَيَّنٍ، وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: وَمُعْلَمٌ يَخْلُفُهُ وَالِي الْقَضَا فَمُعْلَمٌ بِفَتْحِ اللَّامِ اسْمُ مَفْعُولٍ مِنْ أَعْلَمَ ثُمَّ صَرَّحَ بِمَفْهُومِ قَوْلِهِ: وَإِنْ يَمُتْ مُخَاطِبٌ أَوْ عُزِلَا فَأَخْبَرَ أَنَّ الْقَاضِيَ الْمُخَاطِبَ لِغَيْرِهِ مِنْ الْقُضَاةِ إذَا لَمْ يَطْرَأْ عَلَيْهِ مَوْتٌ وَلَا عُزِلَ - فَإِنَّ خِطَابَهُ مَاضٍ غَيْرُ مَرْدُودٍ. (قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ) فَإِنْ مَاتَ الْقَاضِي الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ أَوْ عُزِلَ وَوَصَلَ الْكِتَابُ إلَى مَنْ وُلِّيَ بَعْدَهُ أَنْفَذَهُ مَنْ وَصَلَ إلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ إنَّمَا كَتَبَ إلَى غَيْرِهِ وَفِي آخِرِ كِتَابِ الرَّجْمِ مِنْهَا وَكَذَلِكَ إنْ مَاتَ الْقَاضِي الْكَاتِبُ أَوْ عُزِلَ اهـ. أَيْ فَإِنْ وَصَلَ إلَيْهِ يُنَفِّذُهُ فَالْمَسْأَلَةُ الْأُولَى هِيَ قَوْلُهُ وَمُعْلِمٌ يَخْلُفُهُ وَالِي الْقَضَا وَاَلَّتِي فِي آخِرِ كِتَابِ الرَّجْمِ هِيَ قَوْلُهُ فِي مَسْأَلَةِ مَوْتِ الْقَاضِي الْكَاتِبُ: وَاعْتَمَدَ الْقَبُولَ بَعْضُ مَنْ قَضَى (قَالَ الشَّارِحُ) وَفِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا إنْ مَاتَ الْقَاضِي أَوْ عُزِلَ وَفِي دِيوَانِهِ شَهَادَاتُ الْبَيِّنَاتِ وَعَدَالَتُهَا: لَمْ يَنْظُرْ فِيهَا مَنْ وُلِّيَ بَعْدَهُ وَلَمْ يُجِزْهُ إلَّا أَنْ تَقُومَ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ وَإِنْ قَالَ الْمَعْزُولُ: قَدْ شَهِدْت بِهِ الْبَيِّنَةُ عِنْدِي لَمْ يُقْبَلْ. قَوْلُهُ: وَلَا يَكُونُ شَاهِدًا بِذَلِكَ وَإِلَى هَذَا الْقَوْلِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ رُدَّ خِطَابُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ سِوَى مَا سَجَّلَا إلَى مَا فِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَبِهِ الْعَمَلُ قَالَ إشْهَادُ الْحَاكِمِ بِحُكْمِهِ يُوجِبُ حَقًّا لِلْمَحْكُومِ لَهُ وَلَوْ مَاتَ الْقَاضِي أَوْ عُزِلَ أَوْ مَاتَ الْمَحْكُومُ لَهُ أَوْ عَلَيْهِ قَبْلَ حَوْزِ الْمَحْكُومِ لَهُ بِمَا حَكَمَ لَهُ بِهِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ اتِّفَاقًا اهـ. وَلَفْظُ مُخَاطِبٍ فِي الْبَيْتِ الْأَوَّلِ بِكَسْرِ الطَّاءِ وَفَاعِلُ سَجَّلَا يَعُودُ عَلَى الْمُخَاطِبِ، وَالْقَبُولَ مَفْعُولُ اعْتَمَدَ وَبَعْضُ فَاعِلُهُ وَمُعْلَمٌ بِفَتْحِ اللَّامِ اسْمُ مَفْعُولٍ، وَالْحَكَمُ بِفَتْحَتَيْنِ وَاحْتَرَزَ بِالْعَدْلِ مِنْ غَيْرِهِ فَإِنَّ خِطَابَهُ لَا يُقْبَلُ. (قَالَ فِي النَّوَادِرِ) عَنْ

الْمَجْمُوعَةِ إنْ ثَبَتَ عِنْدَ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ أَنَّ مَنْ كَتَبَ إلَيْهِ مُسْتَحِقٌّ لِلْقَضَاءِ فِي فَهْمِهِ وَدِينِهِ وَوَرَعِهِ غَيْرُ مَخْدُوعٍ قَبِلَ كِتَابَتَهُ (قَالَ) ابْنُ سَحْنُونٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَشْهَبَ: وَإِنْ كَانَ غَيْرَ عَدْلٍ لَمْ يَقْبَلْهُ، وَلَوْ كَتَبَ إلَيْهِ الْعَدْلُ إنَّ ابْنِي ثَبَتَ لَهُ عِنْدِي بَيِّنَةُ كَذَا لَمْ يَقْبَلْهُ، وَكَانَ كَالشَّاهِدِ لَهُ فَإِنْ أَجَازَهُ لَمْ يَفْسَخْهُ مَنْ وُلِّيَ بَعْدَهُ وَفِي الْأَدَاءِ عِنْدَ قَاضٍ حَلَّ فِي ... غَيْرِ مَحَلِّ حُكْمِهِ الْخُلْفُ اُقْتُفِيَ وَمَنْعُهُ فِيهِ الْخِطَابَ الْمُرْتَضَى ... وَسَوَّغَ التَّعْرِيفَ بَعْضُ مَنْ مَضَى ذَكَرَ فِي هَذَيْنِ الْبَيْتَيْنِ ثَلَاثَ مَسَائِلَ مُتَنَاسِبَةَ الْمَعْنَى، وَهِيَ إذَا حَلَّ الْقَاضِي بِغَيْرِ مَحَلِّ وِلَايَتِهِ هَلْ لَهُ أَنْ يَسْمَعَ هُنَالِكَ بَيِّنَةً شَاهِدَةً بِحَقٍّ لِمَنْ يَكُونُ فِي وِلَايَتِهِ وَتُؤَدَّى شَهَادَتُهَا عِنْدَهُ هُنَالِكَ أَوْ لَا؟ وَهَلْ لَهُ أَنْ يُخَاطِبَ رَسْمًا ثَبَتَ عِنْدَهُ بِمَوْضِعِ وِلَايَتِهِ وَلَمْ يُخَاطِبْهُ هُنَالِكَ وَافْتَقَرَ إلَى خِطَابِهِ هُنَا أَوْ لَا؟ وَهَلْ لَهُ أَنْ يُعَرِّفَ قَاضِي مَوْضِعِ حُلُولِهِ بِمَا ثَبَتَ عِنْدَهُ مِنْ الرَّسْمِ عَلَى الْقَوْلِ بِمَنْعِ خِطَابِهِ إيَّاهُ؟ وَنَقَلَ النَّاظِمُ الْخِلَافَ فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ وَأَنَّ الْمَنْعَ مِنْ الْخِطَابِ هُوَ الْمُرْتَضَى (قَالَ الشَّارِحُ) وَمَا ضَمَّنَهُ الشَّيْخُ فِي الْبَيْتَيْنِ هُوَ مُقْتَضَى مَا نَقَلَهُ ابْنُ سَهْلٍ فِي نَوَازِلِهِ عَنْ ابْنِ الْحَكَمِ إنْ حَلَّ قَاضٍ مَحَلًّا بِغَيْرِ مَحَلِّ وِلَايَتِهِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْمَعَ بَيِّنَةً عَلَى مَنْ فِي مَحَلِّهِ، وَلَا أَنْ يَشْهَدَ عَلَى كِتَابِهِ بِذَلِكَ إلَى أَحَدٍ، وَلَهُ أَنْ يَسْأَلَ عَنْ حَالِ بَيِّنَةٍ شُهِدَتْ عِنْدَهُ. (وَفِي كِتَابِ مِنْهَاجِ الْقُضَاةِ لِابْنِ حَبِيبٍ عَنْ أَصْبَغَ) إنْ بَعَثَ الْإِمَامُ الْقَاضِيَ لِبَعْضِ الْأَمْصَارِ فِي شَيْءٍ مِنْ أُمُورِ الْعَامَّةِ فَحَلَّ بِهِ - فَلَهُ أَنْ يَسْمَعَ فِيهِ بَيِّنَةً بِحَقٍّ عَلَى غَائِبٍ فِي عَمَلِهِ، وَيَسْأَلُ مَنْ قَامَ بِهَا تَعْدِيلَهَا وَلَهُ أَنْ يَسْأَلَ قَاضِيَ ذَلِكَ الْمِصْرِ عَنْهُمْ وَيَجْتَزِي بِمَا أَخْبَرَهُ بِهِ مِنْ عَدَالَتِهِمْ لِأَنَّهُ مِنْ عَمَلِهِ، وَلَوْ اجْتَمَعَ الْخَصْمَانِ عِنْدَهُ بِذَلِكَ الْمِصْرِ لِلْمُخَاصَمَةِ عِنْدَهُ وَمَا يَخْتَصِمَانِ فِيهِ فِي بَلَدِ الْقَاضِي الْغَائِبِ عَنْ قُطْرِهِ لَمْ يَنْظُرْ بَيْنَهُمَا إلَّا أَنْ يَتَرَاضَيَا عَلَيْهِ كَتَرَاضِيهِمَا أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَهُمَا، وَبَعْضُ جَوَابِ أَصْبَغَ خِلَافُ مَا تَقَدَّمَ لِابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ. (وَسَأَلْت) ابْنَ عَتَّابٍ عَنْ قَاضٍ حَلَّ بِغَيْرِ بَلَدِهِ وَقَدْ ثَبَتَ عِنْدَهُ بِبَلَدِهِ حَقٌّ لِرَجُلٍ فَطَلَبَ مِنْهُ أَنْ يُخَاطِبَ بِهِ قَاضِيَ مَوْضِعِ الْمَطْلُوبِ، قَالَ: لَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ فَإِنْ فَعَلَ بَطَلَ خِطَابُهُ ثُمَّ قَالَ وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُنَفِّذَ. (قُلْت لَهُ) فَإِنْ كَانَ الْحَقُّ الثَّابِتُ عِنْدَهُ بِبَلَدِهِ عَلَى مَنْ هُوَ بِمَوْضِعِ احْتِلَالِهِ فَأَعْلَمَ قَاضِيَ الْمَوْضِعِ بِذَلِكَ مُشَافَهَةً بِمَا ثَبَتَ عِنْدَهُ أَيَكُونُ كَمُخَاطَبَتِهِ بِذَلِكَ؟ قَالَ: لَيْسَ مِثْلَهُ (قُلْت) مَا يَمْنَعُهُ مِنْ إخْبَارِهِ بِهِ وَيَشْهَدُ عِنْدَهُ بِذَلِكَ وَيُنَفِّذُهُ كَمَا يَشْهَدُ بِمَا يَجْرِي فِي مَجْلِسِهِ مِنْ إقْرَارٍ وَإِنْكَارٍ وَيَقْضِي بِهِ؟ ، قَالَ: لَيْسَ مِثْلَهُ وَلَكِنْ إنْ أَشْهَدَ هَذَا الْقَاضِي الْمُخْبِرُ بِذَلِكَ شَاهِدَيْنِ فِي مَنْزِلِهِ وَشَهِدَا بِذَلِكَ عِنْدَ قَاضِي الْمَوْضِعِ نَفَذَ وَجَازَ. قَالَ ابْنُ سَهْلٍ: وَرَأَيْت فُقَهَاءَ طُلَيْطِلَةَ يُجِيزُونَ إخْبَارَ الْقَاضِي الْمُحْتَلِّ بِذَلِكَ الْبَلَدِ وَيُنَفَّذُ وَيَرَوْنَهُ كَمُخَاطَبَتِهِ إيَّاهُ. (قَالَ الشَّارِحُ) فَمَعْنَى الْبَيْتِ الْأَوَّلِ هُوَ مُقْتَضَى مَا لِابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَأَصْبَغَ، وَمَنْعُ الْخِطَابِ هُوَ مُرْتَضَى ابْنِ عَتَّابٍ وَالتَّعْرِيفُ هُوَ الَّذِي أَسْنَدَ ابْنُ سَهْلٍ لِفُقَهَاءِ طُلَيْطِلَةَ وَعَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ فُقَهَاءُ طُلَيْطِلَةَ الْعَمَلُ عِنْدَ قُضَاةِ الْجَمَاعَةِ بِالْحَضْرَةِ اهـ. فَقَوْلُ النَّاظِمِ: (فِي الْأَدَاءِ) خَبَرٌ مُقَدَّمٌ وَعِنْدَ يَتَعَلَّقُ بِالْأَدَاءِ وَجُمْلَةُ حَلَّ صِفَةٌ لِقَاضٍ وَالْخُلْفُ مُبْتَدَأٌ وَاقْتُفِيَ صِفَةٌ. (الْخُلْفُ) (وَمَنْعُهُ) مُبْتَدَأٌ. (وَالْخِطَابَ) مَفْعُولُ (مَنْعُ) مِنْ مَفْهُومِ قَوْلِهِ الْمُرْتَضَى. وَقَوْلُهُ: بَعْضُ مَنْ مَضَى يُفْهِمُ الْخِلَافَ فِي الْفَرْعِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ، وَقَوْلُهُ: (وَلَيْسَ يُغْنِي) الْبَيْتَيْنِ تَقَدَّمَ شَرْحُهُمَا إثْرَ قَوْلِهِ: (وَالْعَمَلُ الْيَوْمَ عَلَى قَبُولِ مَا) الْبَيْتَ وَتَقَدَّمَ أَنَّ ذَلِكَ الْمَحَلَّ أَنْسَبُ لَهُمَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. . وَيُثْبِتُ الْقَاضِي عَلَى الْمَحْوِ وَمَا ... أَشْبَهَهُ الرَّسْمَ عَلَى مَا سَلِمَا يَعْنِي أَنَّ الرَّسْمَ إذَا كَانَ بِهِ مَحْوٌ أَوْ قَطْعٌ أَوْ حَرْقُ نَارٍ وَنَحْوُ ذَلِكَ طَلَبَ مِنْ الْقَاضِي تَصْحِيحَهُ أَوْ الْخِطَابَ بِهِ إلَى غَيْرِهِ مِنْ قُضَاةٍ فَإِنَّهُ إنَّمَا يُصَحِّحُ وَيُخَاطِبُ بِمَا سَلِمَ مِنْ فُصُولٍ لَا عَلَى جَمِيعِهِ. (قَالَ الشَّارِحُ) وَيَنُصُّ فِي كِتَابِهِ عَلَى مُنْتَهَى مَا اُبْتُدِئَ بِهِ الْمَحْوُ أَوْ الْبَشْرُ وَمُبْتَدَأُ مَا انْتَهَى إلَيْهِ اهـ أَيْ الْكَلِمَةُ الَّتِي

قَبْلَ ابْتِدَاءِ الْمَحْوِ وَاَلَّتِي بَعْدَ انْتِهَائِهِ فَقَوْلُهُ: (وَيُثْبِتُ الْقَاضِي) فِعْلٌ وَفَاعِلٌ (وَالرَّسْمَ) مَفْعُولٌ وَعَلَى الْمَحْوِ يَتَعَلَّقُ بِمَحْذُوفِ صِفَةٍ لِلرَّسْمِ أَيْ: الرَّسْمِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى الْمَحْوِ، وَمَا أَشْبَهَ الْمَحْوَ مِنْ قَطْعٍ وَغَيْرِهِ، وَعَلَى مَا سَلِمَ بَدَلٌ مِنْ الرَّسْمِ بَدَلُ بَعْضٍ مِنْ كُلٍّ، أَيْ عَلَى مَا سَلِمَ مِنْهُ. (فَرْعٌ) قَالَ فِي الطُّرُرِ فَإِنْ وَقَعَ فِي الْوَثِيقَةِ مَحْوٌ أَوْ بَشْرٌ أَوْ ضَرْبٌ فِي مَوَاضِعِ الْعَدَدِ مِثْلِ عَدَدِ الدَّنَانِيرِ أَوْ أَجَلِهَا أَوْ تَارِيخِ الْوَثِيقَةِ سُئِلَتْ الْبَيِّنَةُ، فَإِنْ حَفِظَتْ الشَّيْءَ بِعَيْنِهِ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَرَوْا الْوَثِيقَةَ مَضَتْ، وَإِنْ لَمْ يَحْفَظُوا سُئِلَتْ عَنْ الْبَشْرِ فَإِنْ حَفِظُوهُ مَضَتْ أَيْضًا وَإِنْ لَمْ يَحْفَظُوهُ سَقَطَتْ الْوَثِيقَةُ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي غَيْرِ مَوَاضِعِ الْعَقْدِ لَمْ يَضُرَّ الْوَثِيقَةَ وَلَمْ يُوهِنْهَا، وَإِنْ لَمْ يُعْتَذَرْ عَنْهُ اهـ. مِنْ الْبَابِ الثَّامِنِ مِنْ الْفَائِقِ لِلْوَنْشَرِيسِيِّ وَعِنْدَمَا يَنْفُذُ حُكْمٌ وَطُلِبْ ... تَسْجِيلُهُ فَإِنَّهُ أَمْرٌ يَجِبْ وَمَا عَلَى الْقَاضِي جُنَاحٌ لَا وَلَا ... مِنْ حَرَجٍ إنْ ابْتِدَاءً فَعَلَا يَعْنِي أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا حَكَمَ عَلَى الْخَصْمِ وَطَلَبَ أَحَدُ الْخَصْمَيْنِ مِنْ الْقَاضِي تَسْجِيلَ الْحُكْمِ أَيْ كَتْبَهُ فِي سِجِلٍّ، أَيْ صَكٍّ فَإِنَّ ذَلِكَ يَجِبُ عَلَى الْقَاضِي لِمَنْ طَلَبَهُ لِيُحَصِّنَ بِهِ لِنَفْسِهِ مَا حَكَمَ لَهُ بِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ دَفْعِ مَفْسَدَةِ تَجْدِيدِ الْخُصُومَةِ وَتَعْنِيتِ الْمَطْلُوبِ فِيهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ النِّزَاعِ بِاسْتِئْنَافِهِ مَرَّةً أُخْرَى، فَإِنْ فَعَلَهُ الْقَاضِي لِنَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُطْلَبَ بِهِ جَازَ. (قَالَ فِي الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ) وَإِنْ طَلَبَ الْقَائِمُ أَنْ يُسَجِّلَ لَهُ الْقَاضِي بِمَا أَثْبَتَهُ مِنْ مِلْكِهِ لِلْعَقَارِ الَّذِي كَانَ بِيَدِ الْمُقَوَّمِ عَلَيْهِ، وَكَانَ الْقَاضِي قَدْ أَعْذَرَ إلَى الْمُقَوَّمِ عَلَيْهِ فِي الشُّهُودِ الَّذِينَ ثَبَتَ عِنْدَهُ ذَلِكَ بِشَهَادَتِهِمْ وَعَجَزَ عَنْ الْمَدْفَعِ، فَإِنَّهُ يُسَجِّلُ لَهُ اهـ. بِاخْتِصَارٍ وَاقْتِصَارٍ عَلَى مَحَلِّ الْحُجَّةِ. وَسَاغَ مَعَ سُؤَالِهِ تَسْجِيلُ مَا ... لَمْ يَقَع النِّزَاعُ فِيهِ كُلَّمَا يَعْنِي أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْقَاضِي تَسْجِيلُ مَا لَمْ يَقَعْ فِيهِ النِّزَاعُ إذَا سُئِلَ ذَلِكَ مِنْهُ عَلَى وَجْهِ التَّحْصِينِ لَهُ وَالِاسْتِعْدَادِ بِهِ، وَذَلِكَ مِثْلُ رُسُومِ الْأَحْبَاسِ الَّتِي يَهْلِكُ شُهُودُهَا وَيُشْهِدُ عَلَى خُطُوطِهِمْ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَثْبُتُ عِنْدَ الْقَاضِي وَلَمْ يَقَعْ فِيهِ خِضَامٌ (قَالَ الْجَزِيرِيُّ فِي وَثَائِقِهِ) وَإِذَا سُئِلَ الْقَاضِي إثْبَاتَ مَا لَا خُصُومَةَ فِيهِ وَالتَّسْجِيلَ، فَإِنْ شَاءَ أَجَابَ وَإِنْ شَاءَ لَمْ يُجِبْ اهـ. (وَتَسْجِيلُ) فَاعِلُ سَاغَ (وَمَعْ) يَتَعَلَّقُ بِهِ أَوْ بِمَحْذُوفٍ حَالٍ، (تَسْجِيلِ) . وَسَائِلُ التَّعْجِيزِ مِمَّنْ قَدْ قَضَى ... يُمْضِي لَهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ بِالْقَضَا إلَّا ادِّعَاءَ حَبْسٍ أَوْ طَلَاقِ ... أَوْ نَسَبٍ أَوْ دَمٍ أَوْ عَتَاقِ ثُمَّ عَلَى ذَا الْقَوْلِ لَيْسَ يُلْتَفَتْ ... لِمَا يُقَالُ بَعْدَ تَعْجِيزٍ ثَبَتْ يَعْنِي أَنَّ الْمَقْضِيَّ لَهُ إذَا سَأَلَ مِنْ الْقَاضِي تَعْجِيزَ الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَهُ، وَيُمْضِي عَلَيْهِ حُكْمَ التَّعْجِيزِ فِي كُلِّ شَيْءٍ يَقَعُ فِيهِ التَّحَاكُمُ بَيْنَ يَدَيْ الْقَاضِي، وَلَا يَخْرُجُ مِنْ ذَلِكَ إلَّا مَا اسْتَثْنَاهُ النَّاظِمُ مِنْ الْحُبْسِ وَالطَّلَاقِ وَالنَّسَبِ وَالدَّمِ وَالْعَتَاقِ فَإِذَا عَجَزَ الْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ فَلَا يُلْتَفَتُ بَعْدَ ذَلِكَ لِمَا يَأْتِي بِهِ مِنْ بَيِّنَةٍ عَلَى صِحَّةِ دَعْوَاهُ، وَلَا يُنْظَرُ لَهُ إلَّا فِي تِلْكَ الْأُمُورِ الْمُسْتَثْنَاةِ دُونَ غَيْرِهَا. (قَالَ ابْنُ سَهْلٍ) وَإِذَا انْقَضَتْ الْآجَالُ وَالتَّلَوُّمُ وَلَمْ يَأْتِ الْمُؤَجَّلُ لَهُ بِشَيْءٍ يُوجِبُ نَظَرًا عَجَّزَهُ الْقَاضِي وَأَنْفَذَ الْقَضَاءَ عَلَيْهِ وَسَجَّلَ وَقَطَعَ بِذَلِكَ شَغَبَهُ عَنْ خَصْمِهِ فِي ذَلِكَ الْمَطْلُوبِ ثُمَّ لَا تُسْمَعُ بَعْدَ ذَلِكَ حُجَّةٌ إنْ أَتَى بِمَكَانِ هَذَا الْمُؤَجَّلِ الْعَاجِزِ طَالِبًا أَوْ مَطْلُوبًا إلَّا فِي ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ: الْعِتْقُ وَالطَّلَاقُ وَالنَّسَبُ. (قَالَ ابْنُ سَهْلٍ) وَيُشْبِهُ ذَلِكَ الْحُبُسُ وَطَرِيقُ الْعَامَّةِ وَشِبْهُ ذَلِكَ مِنْ مَنَافِعِهِمْ، وَلَيْسَ عَجْزُ طَالِبِهِ يُوجِبُ مَنْعَهُ وَمَنْعَ غَيْرِهِ مِنْ النَّظَرِ لَهُ إنْ أَتَى بِوَجْهٍ. (وَفِي طُرَرِ ابْنِ عَاتٍ) زِيَادَةُ الدَّمِ عَلَى الْمُسْتَثْنَيَاتِ الْمَذْكُورَةِ كَمَا عِنْدَ النَّاظِمِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْإِعْذَارِ وَالتَّعْجِيزِ أَنَّ الْإِعْذَارَ سُؤَالُ الْحَاكِمِ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ أَبَقِيَتْ لَك حُجَّةٌ؟ فَإِنْ قَالَ: لَا أَوْ بَقِيَتْ وَأَنْظَرَهُ لَهَا، فَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِشَيْءٍ أَشْهَدَ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ لَهُ حُجَّةٌ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ وَأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِشَيْءٍ فِي الْوَجْهِ

باب الشهود وأنواع الشهادات وما يتعلق بذلك

الثَّانِي، وَذَلِكَ هُوَ التَّعْجِيزُ اهـ. وَفِي التَّوْضِيحِ مَا ذَكَرَهُ أَيْ ابْنُ الْحَاجِبِ مِنْ أَنَّهُ إذَا ذَكَرَ أَنَّ لَهُ حُجَّةً وَتَبَيَّنَ لَدَدُهُ يَقْضِي الْقَاضِي عَلَيْهِ هُوَ التَّعْجِيزَ اهـ. (تَنْبِيهٌ) قَالَ فِي التَّبْصِرَةِ وَلَمْ تَجْرِ عَادَةُ الْمُوَثِّقِينَ بِإِفْرَادِ عَقْدِ التَّعْجِيزِ، وَإِنَّمَا يُضَمِّنُونَهُ عَقْدَ السِّجِلَّاتِ فَنَقُولُ: أَشْهَدَ الْقَاضِي فُلَانٌ أَنَّ فُلَانًا قَامَ عِنْدَهُ وَادَّعَى عَلَى فُلَانٍ كَذَا وَأَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ذَلِكَ، فَكَلَّفَ الْقَائِمَ الْإِثْبَاتَ وَأَجَّلَهُ أَجَلًا بَعْدَ أَجَلٍ ثُمَّ تَلَوَّمَ لَهُ فَلَمْ يَأْتِ بِشَيْءٍ فَسَأَلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ تَعْجِيزَ وَقَطْعَ دَعْوَاهُ عَنْهُ، فَأَجَابَهُ الْقَاضِي إلَى ذَلِكَ وَسَأَلَ الْحَاكِمُ الْمُدَّعِي أَبَقِيَتْ لَك حُجَّةٌ؟ فَقَالَ: لَا فَاسْتَبَانَ لَهُ عَجْزُهُ فَعَجَّزَهُ وَقَطَعَ عَنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ طَلَبَهُ وَتَعْنِيَتَهُ، وَسَجَّلَ بِذَلِكَ وَأَشْهَدَ بِهِ عَلَى نَفْسِهِ فِي تَارِيخِ كَذَا ا. هـ. بِبَعْضِ اخْتِصَارٍ. (فَرْعٌ) فَإِنْ حَكَمَ عَلَى الْقَائِمِ بِإِسْقَاطِ دَعْوَاهُ حِينَ لَمْ يَجِدْ بَيِّنَةً مِنْ غَيْرِ صُدُورِ تَعْجِيزٍ ثُمَّ وَجَدَ بَيِّنَةً فَلَهُ الْقِيَامُ بِهَا وَيَجِبُ الْقَضَاءُ لَهُ. (تَنْبِيهٌ) مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْمُعْجِزَ إذَا أَتَى بِبَيِّنَةٍ لَمْ تُسْمَعْ هُوَ أَحَدُ أَقْوَالٍ ثَلَاثَةٍ: وَثَانِيهَا: أَنَّهَا تُسْمَعُ، وَثَالِثُهَا: أَنَّ ذَلِكَ يُقْبَلُ مِنْ الطَّالِبِ دُونَ الْمَطْلُوبِ، وَهَذَا الْخِلَافُ إذَا عَجَّزَهُ الْقَاضِي بِإِقْرَارِهِ عَلَى نَفْسِهِ بِالْعَجْزِ، وَأَمَّا إذَا عَجَّزَهُ بِالتَّلَوُّمِ وَالْإِعْذَارِ وَهُوَ يَدَّعِي أَنَّ لَهُ حُجَّةً، فَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ مَا أَتَى بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ: ثُمَّ عَلَى ذَا الْقَوْلِ إلَى. (إذَا قِيلَ بِإِمْضَاءِ التَّعْجِيزِ فِي كُلِّ شَيْءٍ فَلَا يُلْتَفَتْ) إلَى مَا يَأْتِي بِهِ فَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ عَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ تَعْجِيزِهِ أَنَّهُ يُنْظَرُ لِمَا يَأْتِي بِهِ وَيُعْمَلُ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ الشُّهُودِ وَأَنْوَاعِ الشَّهَادَاتِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ] َ الشُّهُودُ جَمْعُ شَاهِدٍ، وَأَنْوَاعُ الشَّهَادَةِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ النَّاظِمُ فِي الْفَصْلِ الْآتِي خَمْسَةٌ، وَالشَّهَادَةُ وَالرِّوَايَةُ خَبَرَانِ غَيْرَ أَنَّ الْمُخْبَرَ عَنْهُ إنْ كَانَ عَامًّا لَا يَخْتَصُّ بِمُعَيَّنِ، فَهُوَ الرِّوَايَةُ كَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَخْتَصُّ بِشَخْصٍ مُعَيَّنٍ بَلْ هُوَ عَامٌّ فِي كُلِّ الْخَلْقِ، بِخِلَافِ قَوْلِ الْعَدْلِ عِنْدَ الْحَاكِمِ لِهَذَا عِنْدَ هَذَا دِينَارٌ، فَإِنَّهُ إلْزَامُ الْمُعَيَّنِ لَا يَتَعَدَّاهُ وَالْأَوَّلُ هُوَ الرِّوَايَةُ، وَالثَّانِي هُوَ الشَّهَادَةُ قَالَهُ الْقَرَافِيُّ، ثُمَّ أَوْرَدَ سُؤَالًا قَائِلًا مَا قَرَّرْنَاهُ مِنْ أَنَّ الشَّهَادَةَ تَتَعَلَّقُ بِجُزْئِيٍّ مَنْقُوضٍ بِأَنَّهَا قَدْ تَتَعَلَّقُ بِكُلِّيٍّ كَالشَّهَادَةِ عَلَى الْفُقَرَاءِ فِي الْوَقْفِ، وَكَذَلِكَ الرِّوَايَةُ قَدْ تَتَعَلَّقُ بِجُزْئِيٍّ كَالْإِخْبَارِ عَنْ النَّجَاسَةِ فِي الثَّوْبِ وَالْمَاءِ الْمُعَيَّنَيْنِ. (وَأَجَابَ) عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الْعُمُومَ فِي الشَّهَادَةِ بِالْعَرْضِ، وَالْمَقْصُودُ الْأَوَّلُ إنَّمَا هُوَ الْجُزْئِيُّ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْوُقُوفِ إنَّمَا هُوَ الْوَاقِفُ لِيَنْزِعَ الْمَالَ مِنْ يَدِهِ، وَكَوْنُ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ غَيْرَ مُعَيَّنٍ لَا يَقْدَحُ، وَعَنْ الثَّانِي الْإِخْبَارُ عَنْ نَجَاسَةِ الْمَاءِ الْمُعَيَّنِ إنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ وَصْفِهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ صِفَةٌ كُلِّيَّةٌ، لَا بِاعْتِبَارِ ذَاتِهِ الْمَخْصُوصَةِ، وَلِذَلِكَ كَانَ كُلُّ مَاءٍ مُمَاثِلٍ لَهُ فِي الصِّفَةِ الَّتِي حُكِمَ عَلَيْهِ بِالنَّجَاسَةِ مُمَاثِلٌ لَهُ فِي الْحُكْمِ بِنَجَاسَتِهِ. وَشَاهِدٌ صِفَتُهُ الْمَرْعِيَّةُ تَيَقُّظٌ عَدَالَةٌ حُرِّيَّهْ ذَكَرَ فِي هَذَا الْبَيْتِ صِفَةَ الشَّاهِدِ الْمَقْبُولِ الشَّهَادَةِ إلَّا أَنَّ بَعْضَهَا مُصَرَّحٌ بِهِ وَبَعْضَهَا دَاخِلٌ فِيهِ بِالتَّضَمُّنِ. (أَوَّلُهَا الْعَدَالَةُ) وَيَأْتِي تَفْسِيرُهَا فِي الْبَيْتَيْنِ بَعْدَ هَذَا. (قَالَ الشَّارِحُ) : وَهِيَ مُتَضَمِّنَةٌ لِلْإِسْلَامِ الَّذِي هُوَ شَرْطٌ فِي أَدَائِهَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: 282] وَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ مَنْ لَا يُرْضَى لَيْسَ أَهْلًا لِلشَّهَادَةِ. (الثَّانِي التَّيَقُّظُ) : وَهُوَ الْفِطْنَةُ وَالتَّحَرُّزُ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْغَفْلَةِ أَوْ الْبَلَهِ لَمْ يُؤْمَنْ عَلَيْهِ التَّحَيُّلُ مِنْ أَهْلِ الْحِيَلِ فَيَشْهَدُ بِالْبَاطِلِ. (قَالَ الشَّارِحُ) : وَاشْتِرَاطُ التَّيَقُّظِ أَخَصُّ مِنْ اشْتِرَاطِ التَّكْلِيفِ الْمُتَضَمِّنِ لِلْعَقْلِ وَالْبُلُوغِ فَيَسْتَلْزِمُهُمَا حَسْبَ مَا مَرَّ التَّنْبِيهُ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ فِي شُرُوطِ الْقَاضِي؛ لِأَنَّهُ إذَا اشْتَرَطَ التَّيَقُّظَ الَّذِي لَا يُمْكِنُ أَنْ يَتَّصِفَ بِهِ إلَّا مَنْ حَصَلَ لَهُ مُطْلَقُ وَصْفِ الْعَقْلِ لِكَوْنِ التَّيَقُّظِ زِيَادَةً عَلَيْهِ فَأَحْرَى أَنْ تَحْصُلَ مَظِنَّةُ الْعَقْلِ الَّتِي هِيَ الْبُلُوغُ، فَكَيْفَ يُتَوَهَّمُ الِاكْتِفَاءُ دُونَ هَذَيْنِ الشَّرْطَيْنِ وَقَدْ اُشْتُرِطَ مَا لَا يَكُونُ تَامًّا إلَّا بَعْدَ حُصُولِهِمَا؟ وَذَلِكَ ظَاهِرٌ فَاشْتِرَاطُ التَّيَقُّظِ

يَتَضَمَّنُ شَرْطَيْ الْعَقْلِ وَالْبُلُوغِ وَاكْتِفَائِهِ بِهِ دُونَهُمَا. (الثَّالِثُ الْحُرِّيَّةُ) : وَهِيَ شَرْطٌ فِي الشَّاهِدِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ قَدْرَ الْمَنَاصِبِ الدِّينِيَّةِ مِنْ الْقَضَاءِ، وَالشَّهَادَةِ، وَأَمْثَالِهِمَا لَا تَلِيقُ بِذَوِي الرِّقِّ. (قَالَ الشَّارِحُ) : " لِكَوْنِهِ بَقِيَّةً مِنْ الْبَقَايَا اللَّاحِقَةِ مِنْ شُؤْمِ الْكُفْرِ أَوْ سِوَى ذَلِكَ مِمَّا عُلِّلَ بِهِ " (قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ) : " وَالْحُرِّيَّةُ شَرْطٌ اتِّفَاقًا " (قَالَ الشَّارِحُ مَا مَعْنَاهُ) : إنْ حُمِلَ كَلَامُ الشَّيْخِ عَلَى الْمُنْتَصِبِ لِلشَّهَادَةِ حَسْبَمَا سَبَقَ بِهِ الِاعْتِذَارُ فِي شَرْطِ التَّيَقُّظِ فَهَلَّا اشْتَرَطَ الذُّكُورِيَّةَ لِذَلِكَ؟ وَالْجَوَابُ أَنَّهُ اكْتَفَى بِالْإِتْيَانِ فِي لَفْظِ الشَّاهِدِ بِصِيغَةِ التَّذْكِيرِ عَنْ اشْتِرَاطِ الذُّكُورِيَّةِ، أَوْ أَنَّ الذُّكُورِيَّةَ غَيْرُ مُشْتَرَطَةٍ فِي الشَّاهِدِ فِي الْإِطْلَاقِ، وَإِنَّمَا هِيَ فِي أَحْكَامٍ خَاصَّةٍ (فَإِنْ قِيلَ) : شَرْطُ عَدَمِ الْوِلَايَةِ فِي الْمَالِ اُخْتُلِفَ فِيهِ وَهَلْ هُوَ مُعْتَبَرٌ عِنْدَ الشَّيْخِ فَنَقَصَهُ مِنْ النَّظْمِ فَلَمْ يَذْكُرْهُ أَوْ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فَسَكَتَ عَنْهُ قَصْدًا؟ (فَالْجَوَابُ) أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَمْ يَعْتَبِرْهُ وَكَأَنَّهُ اعْتَمَدَ عَلَى مُقْتَضَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ فِي حَالِ الْحَجْرِ إلَّا مَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، فَمَنْ كَانَ جَارِيَ التَّصَرُّفِ عَلَى الرُّشْدِ فَأَفْعَالُهُ جَائِزَةٌ نَافِذَةٌ عِنْدَهُ وَإِنْ كَانَتْ عَلَيْهِ وِلَايَةٌ، وَمَنْ كَانَ بِعَكْسِ ذَلِكَ فَأَفْعَالُهُ كُلُّهَا عِنْدَهُ مَرْدُودَةٌ وَإِنْ كَانَ لَا وِلَايَةَ عَلَيْهِ، وَأَمَّا عَلَى مُقْتَضَى قَوْلِ مَالِكٍ فِي اعْتِبَارِ الْوِلَايَةِ فِي الْمَالِ إذَا وُجِدَتْ وَعَدَمِ اعْتِبَارِهَا إذَا لَمْ تُوجَدْ فَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ هَذَا الشَّرْطِ، وَيَكُونُ قَدْ نَقَصَهُ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَا اعْتِذَارَ عَنْ نَقْصِهِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ إلَّا مُسَامَحَةَ قَصْدِ الِاخْتِصَارِ فِي عَدَمِ الِاسْتِيفَاءِ، اهـ بِاخْتِصَارٍ وَبَعْضُهُ بِالْمَعْنَى. وَالْعَدْلُ مَنْ يَجْتَنِبُ الْكَبَائِرَ ... وَيَتَّقِي فِي الْغَالِبِ الصَّغَائِرَ وَمَا أُبِيحَ وَهُوَ فِي الْعِيَانِ ... يَقْدَحُ فِي مُرُوءَةِ الْإِنْسَانِ لَمَّا ذَكَرَ صِفَةَ الشَّاهِدِ وَكَانَتْ الْعَدَالَةُ مِنْ جُمْلَتِهَا بَيَّنَهَا فِي هَذَيْنِ الْبَيْتَيْنِ فَأَخْبَرَ أَنَّ الْعَدْلَ هُوَ الَّذِي يَجْتَنِبُ الذُّنُوبَ الْكَبَائِرَ دَائِمًا، كَالشُّرْبِ وَالسَّرِقَةِ وَنَحْوِهِمَا، وَيَتَّقِي أَيْضًا الذُّنُوبَ الصَّغَائِرَ فِي غَالِبِ أَحْوَالِهِ، وَيَتَّقِي أَيْضًا الْأَمْرَ الْمُبَاحَ الَّذِي يَقْدَحُ فِي الْمُرُوءَةِ: كَالْأَكْلِ فِي السُّوقِ، وَالْمَشْيِ حَافِيًا فِي بَلَدٍ لَا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا قَالَ وَيَتَّقِي فِي الْغَالِبِ؛ لِأَنَّ النَّادِرَ لَا يُعْتَدُّ بِهِ وَلَا يَسْلَمُ مِنْهُ إلَّا مَنْ عَصَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَلِذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ: " مِنْ الرِّجَالِ رِجَالٌ لَا تُذْكَرُ عُيُوبُهُمْ " قَالَ ابْنُ يُونُسَ: " إذَا كَانَ عَيْبُهُ خَفِيفًا " وَالْأَمْرُ كُلُّهُ حَسَنٌ فَلَا يُذْكَرُ الْيَسِيرُ الَّذِي لَيْسَ بِمَعْصُومٍ مِنْهُ أَحَدٌ فِي الصَّلَاحِ، وَقَدْ حَدَّ بَعْضُهُمْ الْعَدَالَةَ بِقَوْلِهِ: هِيَ اجْتِنَابُ الْكَبَائِرِ، وَتَوَقِّي الصَّغَائِرِ، وَحِفْظُ الْمُرُوءَةِ وَقَيَّدَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ الصَّغَائِرَ بِصَغَائِرِ الْخِسَّةِ قَالُوا: كَتَطْفِيفِ حَبَّةٍ، أَوْ سَرِقَةٍ، وَأَمَّا غَيْرُهَا كَالنَّظَرِ لِأَجْنَبِيَّةٍ فَلَا تَقْدَحُ، وَفِي تَقْسِيمِ الذُّنُوبِ إلَى كَبَائِرَ وَصَغَائِرَ خِلَافٌ اُنْظُرْ الدُّرَّ الثَّمِينَ فِي شَرْحِ الْمُرْشِدِ الْمُعِينِ. فَالْعَدْلُ ذُو التَّبْرِيزِ لَيْسَ يَقْدَحُ ... فِيهِ سِوَى عَدَاوَةٍ تُسْتَوْضَحُ

وَغَيْرُ ذِي التَّبْرِيزِ قَدْ يُجَرَّحُ ... بِغَيْرِهَا مِنْ كُلِّ مَا يُسْتَقْبَحُ ذَكَرَ فِي الْبَيْتَيْنِ مَا لَا يُجَرَّحُ بِهِ الشَّاهِدُ وَمَا يُجَرَّحُ بِهِ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْعَدْلَ مُبَرِّزٌ وَغَيْرُ مُبَرِّزٍ، فَالْمُبَرِّزُ لَا يُقْدَحُ فِيهِ وَلَا يُجْرَحُ إلَّا بِالْعَدَاوَةِ يَعْنِي: وَالْقَرَابَةَ، وَأَمَّا غَيْرُهُ فَيُقْدَحُ فِيهِ وَيُجَرَّحُ بِالْعَدَاوَةِ وَالْقَرَابَةِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ كُلِّ قَبِيحٍ. (قَالَ اللَّخْمِيُّ) : " يُسْمَعُ الْجَرْحُ فِي الرَّجُلِ الْمُتَوَسِّطِ فِي الْعَدَالَةِ مُطْلَقًا، وَيُسْمَعُ فِي الْمُبَرِّزِ وَالْمَعْرُوفِ بِالْعَدْلِ وَالصَّلَاحِ إذَا طُلِبَ، ذَلِكَ الْمَشْهُورُ عَلَيْهِ مِنْ بَابِ الْعَدَاوَةِ، أَوْ الْهِجْرَةِ أَوْ الْقَرَابَةِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، وَاخْتُلِفَ هَلْ يُقْبَلُ فِيهِ الْجَرْحُ مِنْ وَجْهِ الْإِسْفَاهِ فَمَنَعَهُ أَصْبَغُ، وَأَجَازَهُ سَحْنُونٌ " اهـ (وَفِي الْمُخْتَصَرِ) وَقَدْحٌ فِي الْمُتَوَسِّطِ بِكُلٍّ وَفِي الْمُبَرِّزِ بِعَدَاوَةٍ، أَوْ قَرَابَةٍ وَأَنَّ بِدُونِهِمَا كَغَيْرِهِمَا عَلَى الْمُخْتَارِ، وَالْمُبَرِّزُ بِكَسْرِ الرَّاءِ الْمُشَدَّدَةِ اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ بَرَّزَ بِالتَّشْدِيدِ إذَا فَاقَ أَصْحَابَهُ، وَكَذَلِكَ الْفَرَسُ إذَا سَبَقَ، (قَالَ فِي الْقَامُوسِ) : رَجُلٌ بَرْزٌ وَبَرْزِيٌّ عَفِيفٌ مَوْثُوقٌ بِعَقْلِهِ وَرَأْيِهِ، وَقَدْ بَرُزَ كَكَرُمَ، وَبَرَّزَ تَبْرِيزًا فَاقَ أَصْحَابَهُ فَضْلًا أَوْ شَجَاعَةً، وَالْفَرَسُ عَنْ الْخَيْلِ سَبَقَهَا وَرَاكِبُهُ نَجَّاهُ. اهـ (وَفِي الْمِعْيَارِ) عَنْ التَّنْبِيهَاتِ هُوَ بِكَسْرِ الرَّاءِ الْمُشَدَّدَةِ أَيْ: ظَاهِرُ الْعَدَالَةِ سَابِقًا غَيْرَهُ مُتَقَدِّمًا فِيهَا، وَأَصْلُهُ مِنْ تَبْرِيزِ الْخَيْلِ فِي السَّبْقِ وَتَقَدُّمِ سَابِقِهَا وَهُوَ الْمُبَرِّزُ لِظُهُورِهِ وَبُرُوزِهِ أَمَامَهَا. اهـ. قَالَ غَيْرُهُ هُوَ اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ بَرَّزَ مُشَدَّدُ الرَّاءِ وَأَصْلُهُ بَرَزَ خَفِيفَةٌ بِمَعْنَى خَرَجَ إلَى الْبَرَازِ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَهُوَ الْفَضَاءُ الْمُتَّسِعُ مِنْ الْأَرْضِ وَضُوعِفَ تَكْثِيرًا. اهـ (قَالَ فِي الْمِعْيَارِ) وَعَوَامُّ الْوَقْتِ، بَعْضُ الطَّلَبَةِ يَظُنُّونَ أَنَّ الْمُبَرِّزَ فِي الْعَدَالَةِ مَنْ تَصَدَّى وَبَرَزَ بِإِذْنِ الْأَمِيرِ، أَوْ الْقَاضِي لِتَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ وَبَيْعِهَا فِي الْأَسْوَاقِ، وَلَيْسَ كَمَا ظَنُّوا وَكَانَ بَعْضُ الشُّيُوخِ يُمَثِّلُ الْمُبَرِّزَ بِالشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ صَالِحٍ وَنُظَرَائِهِ وَمَا أَقَلَّ هَذَا الْوَصْفَ فِي هَذَا الزَّمَانِ الْمِسْكِينِ بَلْ كَادَ أَنْ يُعْدَمَ بِالْكُلِّيَّةِ، وَكُنْت وَقَفْتُ عَلَى بَعْضِ أَجْوِبَةِ شَيْخِنَا الْإِمَامِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَبَّاسِ - تَغَمَّدَهُ اللَّهُ بِرَحْمَتِهِ - وَهُوَ يَقُولُ فِيهِ: " وَالتَّبْرِيزُ فِي زَمَانِنَا مَعْدُومٌ كَانْعِدَامِ بَيْضِ الْأَنْوَاقِ " (قَالَ) الشَّيْخُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ قَاسِمٍ الْقُورِيُّ: " وَالْمُبَرِّزُ فِي الْعَدَالَةِ الْمُنْقَطِعُ فِي الْخَيْرِ وَالصَّلَاحِ وَأَيْنَ هُوَ الْيَوْمَ؟ إنَّمَا هُوَ فِي وَقْتِنَا كَالْغُرَابِ الْأَعْصَمِ بَيْنَ الْغِرْبَانِ " قَالَ صَاحِبُ الْمِعْيَارِ (قُلْت) : أَمَّا عَدَمُ هَذَا الْوَصْفِ وَهُوَ التَّبْرِيزُ فِي الْعَدَالَةِ، أَوْ عِزَّتُهُ فِي الْمُنْتَصِبِينَ فِي الشَّهَادَةِ مِمَّنْ أَدْرَكْنَا مِنْ عُدُولِ الْمَغْرِب الْأَوْسَطِ وَالْأَقْصَى فَغَيْر بَعِيدٍ، وَأَمَّا عَدَمُهُ أَوْ عِزَّتُهُ فِي الْمُنْتَصِبِينَ وَغَيْرِهِمْ فَغَيْرُ مُسَلَّمٍ، وَقَدْ شَاهَدْنَا مِنْهُمْ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَدَدًا كَثِيرًا، وَكَتَبَ مُسَلِّمًا عَلَيْكُمْ عَبْدُ اللَّهِ أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْوَنْشَرِيسِيِّ - وَفَّقَهُ اللَّهُ - اهـ وَذَلِكَ بَعْدَ نَحْوِ ثَمَانِي عَشْرَةَ وَرَقَةً مِنْ نَوَازِلِ الْهِبَاتِ، وَالصَّدَقَاتِ (قُلْت) : وَعَلَى مَا ذُكِرَ مِمَّا يَعْتَقِدُهُ عَوَامُّ الْوَقْتِ، وَبَعْضُ الطَّلَبَةِ يَقْرَأُ بِفَتْحِ الرَّاءِ اسْمَ مَفْعُولٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَمَنْ عَلَيْهِ وَسْمُ خَيْرٍ قَدْ ظَهَرْ ... زُكِّيَ إلَّا فِي ضَرُورَةِ السَّفَرْ وَمَنْ بِعَكْسِ حَالِهِ فَلَا غِنَى ... مِنْ أَنْ يُزَكَّى وَاَلَّذِي قَدْ أَعْلَنَا بِحَالَةِ الْجَرْحِ فَلَيْسَ تُقْبَلُ ... لَهُ شَهَادَةٌ وَلَا يُعَدَّلُ وَمَنْ يَكُنْ مَجْهُولَ حَالٍ زُكِّيَا ... وَشُبْهَةٌ تُوجِبُ فِيمَا اُدُّعِيَا حَصَرَ فِي هَذِهِ الْأَبْيَاتِ أَحْوَالَ الشَّاهِدِ غَيْرَ الْمَعْرُوفِ بِالْعَدَالَةِ بِاعْتِبَارِ افْتِقَارِهِ لِلتَّزْكِيَةِ، وَعَدَمِ افْتِقَارِهِ فَأَخْبَرَ بِأَنَّ مَنْ شَهِدَ فِي أَمْرٍ مِنْ الْأُمُورِ فَلَا يَخْلُو حَالُهُ مِنْ أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ: إمَّا أَنْ يُظْهِرَ عَلَامَةَ الْخَيْرِ عَلَيْهِ، أَوْ عَلَامَةَ الشَّرِّ، أَوْ يُعْلِنَ بِالشَّرِّ، أَوْ يُجْهَلَ حَالُهُ فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ ظَهَرَ عَلَيْهِ عَلَامَةُ الْخَيْرِ وَالدِّينِ فَإِنَّ شَهَادَتَهُ لَا تُقْبَلُ إلَّا إذَا زُكِّيَ بِأَنْ يَشْهَدَ لَهُ اثْنَانِ فَأَكْثَرُ بِأَنَّهُ عَدْلٌ رِضًا مِمَّنْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ إلَّا فِي السَّفَرِ أَعْنِي: شَهَادَةَ أَهْلِ الْقَافِلَةِ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عِنْدَ حَاكِمِ أَهْلِ الْقَرْيَةِ، أَوْ الْبَلْدَةِ الَّتِي حَلُّوا أَوْ مَرُّوا بِهَا، فَإِنَّ مَالِكًا وَجَمِيعَ أَصْحَابِهِ أَجَازُوا شَهَادَتَهُمْ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ وَإِنْ لَمْ يُعْرَفُوا بِعَدَالَةٍ وَلَا سُخْطَةٍ. وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: " إلَّا فِي ضَرُورَةِ السَّفَرِ " وَقَدْ تَقَدَّمَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ قَبْلَ فَصْلِ خِطَابِ الْقُضَاةِ، وَإِنْ ظَهَرَتْ عَلَيْهِ

عَلَامَةُ الشَّرِّ وَلَمْ تَتَحَقَّقْ عَلَيْهِ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ حَتَّى يُزَكَّى، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: وَمَنْ بِعَكْسِ حَالِهِ فَلَا غِنَى ... مِنْ أَنْ يُزَكَّى وَاَلَّذِي قَدْ أَعْلَنَا وَإِنْ كَانَ مُعْلِنًا بِالشَّرِّ وَمَا لَا يَلِيقُ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَلَا يَصِحُّ تَعْدِيلُهُ؛ لِأَنَّ حَالَتَهُ الَّتِي أَعْلَنَ بِهَا مُكَذِّبَةٌ لِمَنْ يُرِيدُ تَعْدِيلَهُ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: وَاَلَّذِي قَدْ أَعْلَنَا بِحَالَةِ الْجَرْحِ فَلَيْسَ تُقْبَلُ ... لَهُ شَهَادَةٌ وَلَا يُعَدَّلُ وَإِنْ كَانَ مَجْهُولَ الْحَالِ فَلَمْ يَظْهَرْ عَلَيْهِ وَسْمُ خَيْرٍ وَلَا شَرٍّ فَلَا بُدَّ مِنْ تَزْكِيَتِهِ، وَمَعَ ذَلِكَ فَلَا تُهْمَلُ شَهَادَتُهُ كَمَنْ ظَهَرَتْ عَلَيْهِ عَلَامَةُ الشَّرِّ، بَلْ لَهَا مَزِيَّةٌ وَهِيَ أَنَّ شَهَادَتَهُ تُوجِبُ شُبْهَةً فِي الْمُدَّعَى فِيهِ قَبْلَ تَزْكِيَتِهِ إلَى أَنْ تَثْبُتَ التَّزْكِيَةُ، فَيَتَرَتَّبُ الْحُكْمُ عَلَى الشَّهَادَةِ، أَوْ يُعْجَزُ عَنْ التَّزْكِيَةِ فَتَضْمَحِلُّ الشُّبْهَةُ الْمُتَرَتِّبَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ. (قَالَ الشَّارِحُ) : " وَإِذَا أَوْجَبَتْ شَهَادَةُ الْمَجْهُولِ الْحَالِ شُبْهَةً فِي الْمُدَّعَى فِيهِ فَأَحْرَى أَنْ تُوجِبَهَا شَهَادَةُ مَنْ ظَهَرَتْ عَلَيْهِ سِمَةُ الْخَيْرِ " (وَفِي الْعُتْبِيَّةِ) سُئِلَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ الشَّاهِدِ لَا يَعْرِفُهُ الْقَاضِي بِعَدَالَةٍ وَلَا بِحَالٍ فَاسِدَةٍ وَهُوَ مِمَّنْ يَشْهَدُ الصَّلَاةَ فِي الْمَسَاجِدِ وَلَا يَعْرِفُهُ بِأَمْرٍ قَبِيحٍ أَتُجِيزُ شَهَادَةً أَمْ لَا؟ فَقَالَ: " لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَقْبَلَ إلَّا عَدْلًا ثَابِتَ الْعَدَالَةِ " (قَالَ ابْنُ رُشْدٍ) : هَذَا قَوْلُ جُمْهُورِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَجَمِيعِ أَصْحَابِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: 282] إذْ لَا يُرْضَى إلَّا مَنْ تُعْرَفُ عَدَالَتُهُ قَالَ: وَقَدْ أَجَازَ ابْنُ حَبِيبٍ شَهَادَةَ مَنْ ظَاهِرُهُ الْعَدَالَةُ بِالتَّوَسُّمِ فِيمَا يَقَعُ فِي الْأَسْفَارِ بَيْنَ الْمُسَافِرِينَ مِنْ الْمُعَامَلَاتِ، وَالتِّجَارَاتِ، وَالْأَكْرِيَةِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمُكَارِينَ مُرَاعَاةً لِقَوْلِ الْحَسَنِ وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ. (وَقَالَ الْمُتَيْطِيُّ) : وَأَمَّا الشَّاهِدُ الَّذِي لَا نَتَوَسَّمُ فِيهِ الْعَدَالَةَ وَلَا الْجُرْحَةَ فَلَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ فِي مَوْضِعٍ مِنْ الْمَوَاضِعِ دُونَ تَزْكِيَتِهِ، إلَّا أَنَّ شَهَادَتَهُ شُبْهَةٌ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ، وَعِنْدَ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ فَتُوجِبُ الْيَمِينَ، وَتُوجِبُ الْقَسَامَةَ، وَتُوجِبُ الْحَمِيلَ وَتَوْقِيفَ الشَّيْءِ الْمُدَّعَى فِيهِ. (وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ الْجَزِيرِيُّ) فِي شَهَادَةِ مَنْ تُتَوَسَّمُ فِيهِ الْجُرْحَةُ: " أَنَّهَا لَا تُقْبَلُ إلَّا بِتَزْكِيَةٍ، وَلَا تَكُونُ شُبْهَةً تُوجِبُ حُكْمًا " (وَقَالَ الْمُتَيْطِيُّ) : " لَا يَقْبَلُ الْقَاضِي فِيمَنْ عَلِمَ جُرْحَتَهُ تَعْدِيلًا فِيمَنْ شَهِدَ بِهِ " (وَقَالَ اللَّخْمِيُّ) : " وَأَعْلَى مَنَازِلِ الشَّاهِدِ أَنَّ الْأَمْرَ فِيهِ مُشْكِلٌ وَمُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الْعَدَالَةِ وَسُقُوطِهَا، وَقَدْ اُشْتُرِطَتْ الْعَدَالَةُ فَلَا تَجُوزُ الشَّهَادَةُ مَعَ الشَّكِّ فِي وُجُودِ ذَلِكَ الشَّرْطِ إلَّا مَنْ شُهِرَ اسْمُهُ بِالصَّلَاحِ وَالْخَيْرِ، وَقَدْ شَهِدَ فَلَا تُطْلَبُ تَزْكِيَتُهُ، وَيُحْمَلُ عَلَى مَا عُرِفَ بِهِ حَتَّى يَثْبُتَ غَيْرُ ذَلِكَ " اهـ. وَمُطْلَقًا مَعْرُوفُ عَيْنٍ عُدِّلَا ... وَالْعَكْسُ حَاضِرًا وَإِنْ غَابَ فَلَا يَعْنِي أَنَّ الشَّاهِدَ الَّذِي يَحْتَاجُ إلَى التَّزْكِيَةِ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ مَعْرُوفَ الْعَيْنِ فَيُعَدَّلُ، سَوَاءٌ كَانَ حَاضِرًا بِمَجْلِسِ الْقَاضِي أَوْ غَائِبًا عَنْهُ وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِالْإِطْلَاقِ وَإِنْ كَانَ مَعْرُوفَ الْعَيْنِ وَهُوَ مَجْهُولُ الْعَيْنِ وَهُوَ الَّذِي عُنِيَ بِالْعَكْسِ فَلَا يُعَدَّلُ إلَّا حَاضِرًا عَلَى عَيْنِهِ، وَأَمَّا مَعَ غَيْبَتِهِ فَلَا (قَالَ الشَّارِحُ) : " وَهَلْ يُحْمَلُ قَوْلُهُ: " مَعْرُوفُ عَيْنٍ " عَلَى مَنْ يَعْرِفُهُ الْحَاكِمُ الَّذِي يُزَكَّى بَيْنَ يَدَيْهِ عَيْنُهُ، أَوْ عَلَى مَا هُوَ أَعْلَمُ مِنْ ذَلِكَ مِمَّنْ عَرَفَ عَيْنَهُ النَّاسُ، سَوَاءٌ عَرَفَ الْحَاكِمُ عَيْنَهُ أَوْ لَمْ يَعْرِفْهُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ قَصَدَ الْأَوَّلَ، وَعَلَيْهِ يَدُلُّ قَوْلُ ابْنِ أَبِي زَمَنِينَ فِي الْمُنْتَخَبِ قَالَ: " وَفِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ سَحْنُونٌ قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ أَيُزَكَّى الشَّاهِدُ وَهُوَ غَائِبٌ عَنْ الْقَاضِي؟ قَالَ: نَعَمْ قَالَ مُحَمَّدٌ: وَهَذَا فِي الرَّجُلِ الَّذِي يَعْرِفُهُ، وَأَمَّا مَنْ لَا يَعْرِفُهُ فَلَا تَكُونُ التَّزْكِيَةُ إلَّا عَلَى عَيْنِهِ " وَهَذَا مِنْ أَصْلِ قَوْلِهِمْ. وَعَلَى الْمَحْمَلِ الثَّانِي يَدُلُّ مَا نَقَلَهُ ابْنُ يُونُسَ عَنْ سَحْنُونٍ (قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ) : وَفِيهَا يُزَكَّى الشَّاهِدُ وَهُوَ غَائِبٌ عَنْ الْقَاضِي (الصَّقَلِّيِّ) عَنْ سَحْنُونٍ مَعْنَاهُ إنْ كَانَ مَشْهُورًا، فَأَمَّا غَيْرُ الْمَعْرُوفِ فَلَا يُزَكَّى إلَّا بِحَضْرَتِهِ (عَبْدُ الْحَقِّ) مَعْنَاهُ إنْ كَانَ غَائِبًا عَنْ مَجْلِسِ الْقَاضِي وَهُوَ حَاضِرٌ الْبَلَدَ أَوْ قَرِيبٌ جِدًّا وَمَنْ بَعُدَتْ غَيْبَتُهُ جَازَتْ تَزْكِيَتُهُ كَمَا يُقْضَى عَلَيْهِ وَنَحْوُهُ لِأَبِي مُحَمَّدٍ يَعْنِي ابْنَ أَبِي زَيْدٍ. وَشَاهِدٌ تَعْدِيلُهُ بِاثْنَيْنِ ... كَذَاكَ تَجْرِيحٌ مُبَرِّزَيْنِ وَالْفَحْصُ مِنْ تِلْقَاءِ قَاضٍ قَنَعَا ... فِيهِ بِوَاحِدٍ فِي الْأَمْرَيْنِ مَعَا

يَعْنِي أَنَّ التَّعْدِيلَ وَالتَّجْرِيحَ لِلشَّاهِدِ لَا يَثْبُتُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَّا بِعَدْلَيْنِ مُبَرِّزَيْنِ (قَالَ الشَّارِحُ) : هَذَا هُوَ الَّذِي جَرَى بِهِ الْعَمَلُ وَمَضَتْ بِهِ الْأَحْكَامُ، وَإِذَا كَانَ الْفَحْصُ فِي ذَلِكَ مِنْ قِبَلِ الْقَاضِي فَإِنَّهُ يَقْنَعُ فِيهِ بِالْوَاحِدِ فِي الْأَمْرَيْنِ مَعًا، أَعْنِي فِي التَّجْرِيحِ وَالتَّعْدِيلِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ خُرُوجُهُ مِنْ بَابِ الشَّهَادَةِ

إلَى بَابِ الْخَبَرِ وَلَا خَفَاءَ بِأَنَّ الشَّهَادَةَ يُشْتَرَطُ فِيهَا التَّعَدُّدُ مَعَ الْعَدَالَةِ وَسَائِرِ مَا يُشْتَرَطُ فِي الشَّاهِدِ، وَأَنَّ الْمُخْبِرَ غَيْرُ مُشْتَرَطٍ فِيهِ التَّعَدُّدَ فَاكْتَفَى فِي كُلِّ مَا مَرْجِعُهُ إلَى بَابِ الْخَبَرِ بِوَاحِدٍ (قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ) قَالَ مَالِكٌ: " وَلَا يُقْبَلُ فِي التَّزْكِيَةِ أَقَلُّ مِنْ رَجُلَيْنِ وَإِنْ اقْتَضَى الْقَاضِي رَجُلًا لِلْكَشْفِ جَازَ أَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ مَا نُقِلَ مِنْ التَّزْكِيَةِ عَنْ رَجُلَيْنِ لَا أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ " (وَقَالَ سَحْنُونٌ) : " لَا يَجُوزُ فِي التَّزْكِيَةِ فِي الْعَلَانِيَةِ إلَّا الْمُبَرِّزُ النَّافِذُ، الْفَطِنُ الَّذِي لَا يُخْدَعُ فِي عِلْمِهِ، وَلَا يُسْتَزَلُّ فِي رَأْيِهِ " اهـ (فَفِي كِتَابِ ابْنِ يُونُسَ) قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: " وَكُلُّ مَا يَبْتَدِئُ الْقَاضِي السُّؤَالَ عَنْهُ وَالْكَشْفَ مِنْ الْأُمُورِ فَلَهُ أَنْ يَقْبَلَ فِيهِ قَوْلَ الْوَاحِدِ، وَمَا لَمْ يَبْتَدِئْهُ هُوَ وَإِنَّمَا يُبْتَدَأُ بِهِ إلَيْهِ فِي ظَاهِرٍ، أَوْ بَاطِنٍ فَلَا بُدَّ مِنْ شَاهِدَيْنِ فِيهِ " (وَقَالَ اللَّخْمِيُّ) : " الْعَدَالَةُ تَثْبُتُ بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ إذَا كَانَ التَّعْدِيلُ مِنْ الْقَائِمِ بِالشَّهَادَةِ، اُخْتُلِفَ إذَا كَانَ ذَلِكَ بِمَسْأَلَةٍ مِنْ الْقَاضِي سَأَلَ مَنْ حَضَرَهُ، أَوْ بِمَسْأَلَةِ مَنْ يَكْشِفُهُ سَأَلَ مَنْ حَضَرَهُ أَوْ مَضَى إلَى مَنْ يَسْأَلُهُ فَقِيلَ لَا يُقْبَلُ أَقَلُّ مِنْ رَجُلَيْنِ؛ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ وَقِيلَ: وَاحِدٌ؛ لِأَنَّهَا مِنْ بَابِ الْخَبَرِ وَاسْتَحْسَنَ اللَّخْمِيُّ الْأَوَّلَ " قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: السُّؤَالُ عَنْ الشُّهُودِ فِي السِّرِّ هُوَ تَعْدِيلُ السِّرِّ وَهُوَ مِمَّا يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَفْعَلَهُ وَلَا يَكْتَفِي بِتَعْدِيلِ الْعَلَانِيَةِ دُونَهُ، وَلَهُ أَنْ يَكْتَفِيَ بِتَعْدِيلِ السِّرِّ دُونَ تَعْدِيلِ الْعَلَانِيَةِ، وَتَعْدِيلُ السِّرِّ لَا عُذْرَ فِيهِ وَيُجْزِئُ فِيهِ الشَّاهِدُ الْوَاحِدُ، وَإِنْ كَانَ الِاخْتِيَارُ اثْنَيْنِ بِخِلَافِ تَعْدِيلِ الْعَلَانِيَةِ. وَمُبَرِّزَيْنِ أَعْرَبَهُ بَعْضُهُمْ صِفَةً لِاثْنَيْنِ وَفِيهِ الْفَصْلُ بَيْنَ الصِّفَةِ وَالْمَوْصُوفِ بِجُمْلَةِ كَذَاك تَجْرِيحٌ. وَمَنْ يُزَكِّ فَلْيَقُلْ عَدْلٌ رِضَا ... وَبَعْضُهُمْ يُجِيزُ أَنْ يُبَعَّضَا يَعْنِي أَنَّ التَّزْكِيَةَ إنَّمَا تَكُونُ بِهَذَيْنِ اللَّفْظَيْنِ مَعًا، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ الشَّاهِدُ الْمُزَكِّي بِالْكَسْرِ فِي الْمُزَكَّى بِالْفَتْحِ هُوَ عَدْلٌ رِضًا، (قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ) : لَا يُجْزِئُ فِي التَّعْدِيلِ إلَّا الْقَوْلُ بِأَنَّهُمْ عُدُولٌ مَرْضِيُّونَ. اهـ وَهَذَا هُوَ التَّعْدِيلُ التَّامُّ عِنْدَ مَالِكٍ وَجَمِيعِ أَصْحَابِهِ وَنُقِلَ عَنْ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ جَوَازُ الِاكْتِفَاءِ بِقَوْلِهِ رِضًا، وَنُقِلَ عَنْ سَحْنُونٍ أَنَّهُ إنْ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ عَدْلٌ أَجْزَأَهُ، وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِقَوْلِهِ: وَبَعْضُهُمْ يُجِيزُ أَنْ يُبَعَّضَا قَالَ اللَّخْمِيُّ: إذَا عُلِمَ مِنْهُ بَعْدَ الْمُخَالَطَةِ اجْتِنَابُ الْكَذِبِ، وَاجْتِنَابُ الْكَبَائِرِ، وَالْوَفَاءُ بِالْأَمَانَةِ جَازَ أَنْ يُعَدِّلَهُ وَإِذَا قَالَ الْمُعَدِّلُ: عَدْلٌ رِضًا صَحَّتْ الْعَدَالَةُ، وَاخْتُلِفَ إذَا اخْتَصَرَ عَلَى أَحَدِ الْكَلِمَتَيْنِ فَقَالَ: عَدْلٌ أَوْ قَالَ رِضًا هَلْ يَكُونُ ذَلِكَ تَعْدِيلًا أَوْ لَا؟ . وَالْمَسْأَلَةُ عَلَى وَجْهَيْنِ فَإِنْ قَالَ إحْدَى الْكَلِمَتَيْنِ وَلَمْ يُسْأَلْ عَنْ الْأُخْرَى فَهُوَ تَعْدِيلٌ؛ لِأَنَّ الْعَدْلَ مِمَّنْ يَرْضَى لِلشَّهَادَةِ وَالرِّضَى عَدْلٌ، وَقَدْ وَرَدَ الْقُرْآنُ بِقَبُولِ شَهَادَةِ مَنْ وُصِفَ بِإِحْدَى الْكَلِمَتَيْنِ، وَإِنْ وَصَفَ الْمُعَدِّلُ بِإِحْدَى الْكَلِمَتَيْنِ فَسُئِلَ عَنْ الْأُخْرَى فَوَقَفَ كَانَ ذَلِكَ رِيبَةً فِي تَعْدِيلِهِ، وَيُسْأَلُ عَنْ السَّبَبِ فِي وُقُوفِهِ فَقَدْ يَذْكُرُ وَجْهًا يَرِيبُ فَمُوقَفٌ عَنْهُ. اهـ ثُمَّ نَقَلَ الشَّيْخُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّاطِبِيِّ مَا حَاصِلُهُ أَنَّ الْعَدَالَةَ مُعْتَبَرَةٌ فِي كُلِّ زَمَانٍ بِأَهْلِهِ وَبِحَسَبِهِ، فَعَدَالَةُ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لَا تُسَاوِيهَا عَدَالَةُ التَّابِعِينَ، وَعَدَالَةُ التَّابِعِينَ لَا تُسَاوِيهَا عَدَالَةُ مَنْ يَلِيهِمْ، وَكَذَلِكَ كُلُّ زَمَانٍ مَعَ مَا بَعْدَهُ إلَى زَمَانِنَا هَذَا، وَلَوْ فُرِضَ زَمَانٌ يَعْرَى عَنْ الْعُدُولِ جُمْلَةً لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ إقَامَةِ الْأَشْبَهِ فَهُوَ الْعَدْلُ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ، وَكَذَلِكَ تُعْتَبَرُ فِي كُلِّ مَكَان بِأَهْلِهِ فَلَيْسَتْ الْعُدُولُ فِي الْحَوَاضِرِ كَالْعُدُولِ فِي الْبَوَادِي اُنْظُرْ تَمَامَ كَلَامِهِ إنْ شِئْت. (تَنْبِيهٌ) تَقَدَّمَ فِي شَرْحِ الْبَيْتَيْنِ قَبْلَ هَذَا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْمُزَكِّي أَنْ يَكُونَ مُبَرِّزًا فِي الْعَدَالَةِ فَطِنًا لَا يُخْدَعُ، (وَفِي الْمَوَّاقِ) لَا يُزَكِّي الشَّاهِدُ إلَّا مَنْ خَالَطَهُ فِي الْأَخْذِ، وَالْإِعْطَاءِ وَطَالَتْ صُحْبَتُهُ إيَّاهُ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ، اللَّخْمِيُّ وَلَا يُقْبَلُ التَّعْدِيلُ بِيَسِيرِ الْمُخَالَطَةِ، وَلَا يُقْبَلُ تَعْدِيلُهُ مِنْ غَيْرِ سُوقِهِ وَمَحَلَّتِهِ فَإِنْ وَقَفَ أَهْلُ سُوقِهِ وَمَحِلَتِهِ عَنْ تَعْدِيلِهِ فَذَلِكَ رِيبَةٌ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ عَدْلٌ قُبِلَ مِنْ سَائِرِ بَلَدِهِ، (الْمُتَيْطِيُّ) لَا يُزَكِّي الشَّاهِدَ إلَّا أَهْلُ مَسْجِدِهِ وَسُوقِهِ، وَجِيرَانُهُ رَوَاهُ أَشْهَبُ وَقَالَهُ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ وَلَا يُزَكِّي الشَّاهِدَ مَنْ شَهِدَ مَعَهُ أَوْ نَقَلَ مَعَهُ شَهَادَةً فِي ذَلِكَ الْحَقِّ. اهـ وَيُشْتَرَطُ فِي الْمُزَكِّي أَيْضًا أَنْ يَكُونَ مَعْرُوفًا (قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ) إنْ شَهِدَ قَوْمٌ عَلَى حَقٍّ فَعَدَّلَهُمْ قَوْمٌ غَيْرُ مَعْرُوفِينَ وَعَدَّلَ الْمُعَدِّلِينَ آخَرُونَ

فَإِنْ كَانَ الشُّهُودُ غُرَبَاءَ جَازَ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانُوا مِنْ أَهْلِ الْبَلَدِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَقْبَلُ عَدَالَةً عَلَى عَدَالَةٍ. اهـ. وَكَذَلِكَ إنْ أَجَازَ الشُّهُودُ نِسَاءً فَزَكَّاهُنَّ مَنْ لَيْسَ مَعْرُوفًا وَزَكَّى الْمُزَكِّينَ آخَرُونَ جَازَ ذَلِكَ أَيْضًا، وَفِي ذَلِكَ يُذْكَرُ الْبَيْتُ الْمَنْسُوبُ لِسَيِّدِي عَبْدِ الْوَاحِدِ الْوَنْشَرِيسِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهُوَ شَهَادَةٌ عَلَى شَهَادَةٍ هَبَا ... إلَّا شَهَادَةَ النَّسَا وَالْغُرَبَا وَفِي طُرَرِ شَيْخِنَا الْإِمَامِ أَبِي مُحَمَّدٍ سَيِّدِي عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ عَاشِرٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - نِسْبَةُ هَذَا الْبَيْتِ لِسَيِّدِي عَلِيِّ بْنِ هَارُونَ قَالَ: وَأَصْرَحُ مِنْ هَذَا الْبَيْتِ قَوْلِي مُصَلِّحًا لَهُ تَعْدِيلٌ احْتَاجَ لِتَعْدِيلٍ هَبَا ... إلَّا مُزَكِّي امْرَأَةٍ أَوْ غُرَبَا وَاَلَّذِي كُنْت حَفِظْته مِنْ لَفْظِهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ... إلَّا عَدَالَةَ نِسَا أَوْ غُرَبَا وَهُوَ أَنْسَبُ بِصَدْرِ الْبَيْتِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، أَيْ: إلَّا تَعْدِيلَ النِّسَاءِ وَالْغُرَبَاءِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ تَعْدِيلُ مَنْ عَدَّلَهُمْ إنْ كَانَ الْمُعَدِّلُ غَيْرَ مَعْرُوفٍ، وَالْهَبَاءُ مَا يُرَى فِي الشَّمْسِ تَدْخُلُ الْبَيْتَ مِنْ كُوَّةٍ مِثْلَ الْغُبَارِ، وَلَيْسَ لَهُ حِسٌّ، وَلَا يُرَى فِي الظِّلِّ قَالَهُ فِي الْغَرِيبِ لِلْعَزِيزِيِّ، وَهُوَ فِي الْبَيْتِ الْمَذْكُورِ كِنَايَةٌ عَنْ عَدَمِ اعْتِبَارِ هَذِهِ الشَّاهِدَةِ، وَإِنَّ وُجُودَهَا كَالْعَدَمِ. وَثَابِتُ الْجَرْحِ مُقَدَّمٌ عَلَى ... ثَابِتِ تَعْدِيلٍ إذَا مَا اعْتَدَلَا يَعْنِي أَنَّ الشَّاهِدَ إذَا جَرَّحَهُ قَوْمٌ وَعَدَّلَهُ آخَرُونَ وَاسْتَوَى الْفَرِيقَانِ فِي الْعَدَالَةِ، بِحَيْثُ لَمْ يَكُنْ أَحَدُهُمَا أَعْدَلَ مِنْ الْآخَرِ فَإِنَّ مُثْبِتَ الْجَرْحِ مُقَدَّمٌ عَلَى مَنْ أَثْبَتَ الْعَدَالَةَ؛ لِأَنَّ الْمُجَرِّحِينَ عَلِمُوا مِنْ بَاطِنِ حَالِ الشَّاهِدِ الْمُجَرَّحِ مَا لَمْ يَعْلَمْهُ الْمُعَدِّلُونَ الَّذِينَ شَهِدُوا بِظَاهِرِ أَمْرِهِ وَقَوْلُهُ: " إذَا مَا اعْتَدَلَا " لَفْظَةُ مَا زَائِدَةٌ أَيْ: إنَّمَا يُقَدَّمُ التَّجْرِيحُ عَلَى التَّعْدِيلِ عِنْدَ تَسَاوِي الْبَيِّنَتَيْنِ، وَأَمَّا إنْ كَانَ إحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ أَعْدَلَ مِنْ الْأُخْرَى فَهِيَ مُقَدَّمَةٌ، هَذَا ظَاهِرُهُ وَظَاهِرُ مَا نَقَلَ الْمَوَّاقُ عَنْ ابْنِ عَرَفَةَ أَنَّهُمَا قَوْلَانِ قِيلَ: يُقَدَّمُ الْأَعْدَلُ مِنْ الْبَيِّنَتَيْنِ، وَقِيلَ: تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ التَّجْرِيحِ، وَلَفْظُ ابْنِ عَرَفَةَ إنْ اجْتَمَعَ تَعْدِيلٌ وَتَجْرِيحٌ فَطُرُقٌ. رَوَى ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الشَّاهِدِ يُعَدِّلُهُ رَجُلَانِ وَيَأْتِي الْمَطْلُوبُ بِرَجُلَيْنِ يُجَرِّحَانِهِ فَقَالَ مَالِكٌ يُنْظَرُ إلَى الْأَعْدَلِ مِنْ الشُّهُودِ فَيُؤْخَذُ بِهِ، وَقَالَ ابْنُ نَافِعٍ الْمُجَرِّحَانِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُمَا زَادَا وَيَسْقُطُ التَّعْدِيلُ، وَقَالَهُ ابْنُ أَبِي حَازِمٍ وَسَحْنُونٌ وَقَالَ: لَوْ عَدَّلَهُ أَرْبَعَةٌ وَجَرَّحَهُ اثْنَانِ وَالْأَرْبَعَةُ أَعْدَلُ أُخِذَتْ بِشَهَادَةِ الْمُجَرِّحَيْنِ؛ لِأَنَّهُمَا عَلِمَا مَا لَمْ يَعْلَمْهُ الْآخَرُونَ. اهـ وَإِلَى تَقْدِيمِ الْمُجَرِّحِ أَشَارَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ بِقَوْلِهِ: بِخِلَافِ الْجَرْحِ وَهُوَ الْمُقَدَّمُ، وَنَقَلَ الشَّارِحُ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّ مَحِلَّ الْخِلَافِ إذَا قَالَ الْمُعَدِّلُونَ: هُوَ عَدْلٌ جَائِزُ الشَّهَادَةِ وَقَالَ الْمُجَرِّحُونَ: هُوَ مَسْخُوطٌ غَيْرُ جَائِزِ الشَّهَادَةِ، وَأَمَّا إذَا بَيَّنَ الْمُجَرِّحُونَ الْجُرْحَةَ فَلَا خِلَافَ أَنَّ شَهَادَتَهُمْ أَعْمَلُ مِنْ شَهَادَةِ الْمُعَدِّلِينَ وَإِنْ كَانُوا أَقَلَّ عَدَالَةً مِنْهُمْ ثُمَّ، قَالَ وَالْقَوْلُ بِأَنَّ شَهَادَةَ الْمُجَرِّحِينَ أَعْمَلُ هُوَ أَظْهَرُ الْأَقْوَالِ وَأَوْلَاهَا بِالصَّوَابِ وَعَلَيْهِ ذَهَبَ النَّاظِمُ. وَطَالِبُ التَّجْدِيدِ لِلتَّعْدِيلِ مَعْ ... مُضِيِّ مُدَّةٍ فَالْأَوْلَى يُتَّبَعْ يَعْنِي أَنَّ الشَّاهِدَ إذَا شَهِدَ وَزُكِّيَ ثُمَّ بَعْدَ مُدَّةٍ شَهِدَ شَهَادَةً أُخْرَى فَهَلْ يُحْتَاجُ إلَى تَجْدِيدِ تَزْكِيَةٍ أُخْرَى أَوْ يُكْتَفَى بِالتَّزْكِيَةِ الْأُولَى؟ قَوْلَانِ وَالْأَوْلَى مِنْهُمَا اتِّبَاعُ مَنْ طَلَبَ التَّجْدِيدَ وَإِجَابَتُهُ إلَى مَا طَلَبَهُ، (ابْنُ رُشْدٍ) الْمَجْهُولُ الْحَالِ إذَا عُدِّلَ مَرَّةً فِي أَمْرٍ ثُمَّ شَهِدَ ثَانِيَةً فَقَالَ سَحْنُونٌ: يُطْلَبُ تَعْدِيلُهُ كُلَّمَا شَهِدَ حَتَّى يَكْثُرَ تَعْدِيلُهُ، وَيَشْهَدَ مُطْلَقًا (وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ) : يُكْتَفَى بِالتَّعْدِيلِ الْأَوَّلِ حَتَّى يَطُولَ سَنَةً فَلَوْ طُلِبَ تَعْدِيلُهُ بِالْقُرْبِ عَلَى قَوْلِ سَحْنُونٍ، أَوْ بِالْبُعْدِ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فَعُجِزَ عَنْ ذَلِكَ لِفَقْدِ مَنْ عَدَّلَهُ أَوَّلًا وَجَبَ قَبُولُ شَهَادَتِهِ؛ لِأَنَّ طَلَبَ تَعْدِيلِهِ ثَانِيَةً إنَّمَا هُوَ اسْتِحْسَانٌ (ابْنُ عَرَفَةَ) الْعَمَلُ قَدِيمًا وَحَدِيثًا عَلَى قَوْلِ سَحْنُونٍ نَقَلَهُ الْمَوَّاقِ عَلَى قَوْلِهِ وَإِنْ شَهِدَ ثَانِيًا فَفِي الِاكْتِفَاءِ بِالتَّزْكِيَةِ الْأُولَى تَرَدُّدٌ، (وَفِي الْعُتْبِيَّةِ) مِنْ سَمَاعِ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ إنْ كَانَ ذَلِكَ قَرِيبًا مِنْ شَهَادَتِهِ الْأُولَى وَتَعْدِيلِهِ فِيهَا بِالْأَشْهَرِ وَمَا أَشْبَهَهَا، وَلَمْ يَطُلْ ذَلِكَ جِدًّا فَلَا أَرَى ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ قَدْ طَالَ رَأَيْت أَنْ يُعْذَرَ فِيهِ

وَأَنْ يُسْأَلَ عَنْهُ طَلَبَ ذَلِكَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ أَوْ لَمْ يَطْلُبْهُ، وَالسَّنَةُ عِنْدِي فِي مِثْلِ هَذَا كَثِيرٌ طَوِيلٌ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ تَغْيِيرَ الْحَالَاتِ وَتَحْدُثُ الْأَحْدَاثُ (قَالَ أَصْبَغُ) : إلَّا أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ الْمَعْرُوفُ بِالْخَيْرِ الْمَشْهُورُ الَّذِي لَا يَحْتَاجُ مِثْلُهُ إلَى ابْتِدَاءِ السُّؤَالِ فَلَا يُسْأَلُ عَنْهُ ثَانِيَةً. اهـ. وَالْقُرْبُ فِي ذَلِكَ الْأَشْهُرُ وَمَا دُونَ الْعَامِ وَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ مَوْضُوعَ بَيْتِ النَّاظِمِ هُوَ فِي الشَّاهِدِ الْمَجْهُولِ الْحَالِ، أَمَّا الْمَعْرُوفُ بِالْعَدَالَةِ فَلَا يُبْحَثُ عَنْ تَعْدِيلِهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ تَحْصِيلِ الْحَاصِلِ. وَلِأَخِيهِ يَشْهَدُ الْمُبَرِّزُ ... إلَّا بِمَا التُّهْمَةُ فِيهِ تَبْرُزُ يَعْنِي أَنَّ الشَّاهِدَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ لِأَخِيهِ إذَا كَانَ مُبَرِّزًا أَيْ: سَابِقًا فِي الْعَدَالَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ، وَأَمَّا غَيْرُ الْمُبَرِّزِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ لِأَخِيهِ، وَإِنَّمَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْمُبَرِّزِ لِأَخِيهِ إذَا لَمْ تَلْحَقْهُ فِي ذَلِكَ تُهْمَةٌ، فَإِنْ لَحِقَتْهُ تُهْمَةٌ مِثْلُ أَنْ يَنْفِيَ عَنْ أَخِيهِ وَصْمَةً، أَوْ يَدْفَعَ عَنْهُ بِشَهَادَةٍ مِحْنَةً فَإِنَّهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ كَالشَّاهِدِ لِنَفْسِهِ لِمَا يَلْحَقُهُ مِنْ قِبَلِ أَخِيهِ بِذَلِكَ مِنْ الْمَعَرَّةِ، وَمَا يَطْرُقُهُ مِنْ إمْكَانِ التَّسَاهُلِ بِمَا يَدْفَعُ عَنْهُ، وَحَاصِلُ الْأَمْرِ أَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى قُوَّةِ التُّهْمَةِ وَضَعْفِهَا، وَشَهَادَةُ الْأَخِ لِأَخِيهِ هِيَ إحْدَى النَّظَائِرِ الَّتِي يُشْتَرَطُ فِي شَاهِدِهَا أَنْ يَكُونَ مُبَرِّزًا. (وَقَالَ ابْنُ بَشِيرٍ) : سِتَّةٌ لَا يُقْبَلُ فِيهَا إلَّا الْعَدْلُ الْمُبَرِّزُ: الشَّهَادَةُ لِلْأَخِ، وَشَهَادَةُ الْمَوْلَى لِمَنْ أَعْتَقَهُ (قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ) : مَا لَمْ يَدْفَعْ بِهَا عَنْ نَفْسِهِ شَرًّا، أَوْ يَجُرَّ إلَيْهِ بِهَا مَنْفَعَةً، وَالشَّهَادَةُ لِلصَّدِيقِ الْمُلَاطِفِ، وَلِشَرِيكِهِ الْمُفَاوِضِ فِي غَيْرِ مَالِ الْمُفَاوَضَةِ وَإِذَا زَادَ فِي شَهَادَتِهِ أَوْ نَقَصَ بَعْدَ أَدَائِهَا، وَالشَّهَادَةُ فِي التَّعْدِيلِ، وَزَادَ ابْنُ رُشْدٍ، وَالْأَجِيرُ لِمَنْ اسْتَأْجَرَهُ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي عِيَالِهِ وَمَنْ سُئِلَ فِي مَرَضِهِ شَهَادَةً لِتُنْقَلَ عَنْهُ فَقَالَ: لَا أَعْلَمُهَا ثُمَّ شَهِدَ بِهَا وَاعْتَذَرَ بِأَنَّهُ خَشِيَ فِي مَرَضِهِ عَدَمَ تَثَبُّتِهِ فِيهَا، وَإِلَى هَذِهِ النَّظَائِرِ أَشَارَ الشَّيْخُ بِقَوْلِهِ بِخِلَافِ أَخٍ لِأَخٍ إنْ بَرَّزَ وَلَوْ بِتَعْدِيلٍ وَتَأَوَّلْت أَيْضًا بِخِلَافِهِ

كَأَجِيرٍ وَمَوْلًى، وَمُلَاطِفٍ وَمُفَاوِضٍ فِي غَيْرِ مُفَاوَضَةٍ، وَزَائِدٍ، وَنَاقِصٍ، وَذَاكِرٍ بَعْدَ شَكٍّ، وَتَزْكِيَةٍ وَالْأَبُ لِابْنِهِ وَعَكْسُهُ مُنِعْ ... وَفِي ابْنِ زَوْجَةٍ وَعَكْسُ ذَا اتُّبِعْ وَوَالِدَيْ زَوْجَةٍ أَوْ زَوْجَةُ أَبْ ... وَحَيْثُمَا التُّهْمَةُ حَالُهَا غَلَبْ كَحَالَةِ الْعَدُوِّ وَالضَّنِينِ ... وَالْخَصْمِ وَالْوَصِيِّ وَالْمَدِينِ اشْتَمَلَتْ الْأَبْيَاتُ الثَّلَاثَةُ عَلَى مَا يُرَدُّ مِنْ الشَّهَادَةِ وَلَا يُقْبَلُ لِثُبُوتِ الْمَانِعِ مِنْ قَبُولِهَا وَهِيَ التُّهْمَةُ، لِأَنَّهُ مُعَارِضٌ لِحُصُولِ شَرْطِهَا الَّذِي هُوَ الْعَدَاوَةُ، وَقَدْ عَدَّ بَعْضُهُمْ عَدَمَ الْمَانِعِ شَرْطًا، وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ فَوُجُودُ الْمَانِعِ هُوَ تَخَلُّفُ شَرْطٍ (قَالَ الشَّارِحُ) : وَلَا خَفَاءَ فِي ظُهُورِ التُّهْمَةِ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ الَّتِي عَدَّدَهَا وَهِيَ: شَهَادَةُ الْأَبِ لِابْنِهِ، وَشَهَادَةُ الِابْنِ لِأَبِيهِ وَهِيَ الَّتِي عَبَّرَ عَنْهَا بِقَوْلِهِ: " وَعَكْسُهُ مُنِعَ "، وَشَهَادَةُ الرَّجُلِ لِابْنِ زَوْجَتِهِ، وَشَهَادَةُ الرَّجُلِ لِزَوْجِ أُمِّهِ وَهِيَ الَّتِي عَبَّرَ عَنْهَا بِقَوْلِهِ: " وَعَكْسُ ذَا اُتُّبِعَ "، وَشَهَادَةُ الرَّجُلِ لِوَالِدَيْ زَوْجَتِهِ، أَوْ زَوْجَةِ أَبِيهِ وَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّيْخُ مِنْ هَذِهِ الْقَضَايَا مُسَاوٍ لِمَا سَكَتَ عَنْهُ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ مَا سَكَتَ عَنْهُ عَلَى مَا نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ قِيَاسٍ لَا فَارِقَ، أَوْ مِنْ الْقِيَاسِ الْجَلِيِّ فَإِذَا قِيلَ قَدْ نَصَّ عَلَى الْأَبِ لِابْنِهِ بِقَوْلِهِ وَالْأَبُ لِابْنِهِ وَعَكْسُهُ مُنِعَ فَمِثْلُ ذَلِكَ: الْبِنْتُ لِأَبِيهَا وَهُوَ لَهَا، وَالْأُمُّ لِابْنِهَا ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى. وَإِذَا قِيلَ إنَّهُ قَدْ نَصَّ عَلَى وَلَدِ الزَّوْجَةِ، وَعَلَى زَوْجَةِ الِابْنِ بِقَوْلِهِ وَفِي ابْنِ زَوْجَةٍ وَعَكْسُ ذَا اتُّبِعْ فَمِثْلُهَا: ابْنُ الزَّوْجَةِ، وَابْنُ الزَّوْجِ وَبِنْتُهُ بِالنِّسْبَةِ لِلزَّوْجَةِ وَزَوْجُ الْبِنْتِ بِالنِّسْبَةِ لِوَالِدِيهَا، وَالزَّوْجُ لِلزَّوْجَةِ، وَالزَّوْجَةُ لِلزَّوْجِ مِنْ بَابِ الْأَوْلَى، وَكَذَلِكَ إذَا قِيلَ فَإِنَّهُ نَصَّ عَلَى وَالِدَيْ الزَّوْجَةِ بِالنِّسْبَةِ لِلزَّوْجِ، وَزَوْجَةِ الْأَبِ بِالنِّسْبَةِ إلَى وَلَدِهِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى بِقَوْلِهِ وَوَالِدَيْ زَوْجَةٍ أَوْ زَوْجَةِ أَبْ فَمِثْلُهُمْ أَيْضًا وَالِدُ الزَّوْجِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الزَّوْجَةِ، وَزَوْجُ الْأُمِّ بِالنِّسْبَةِ إلَى وَلَدِهَا ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى، وَعَلَى الْجُمْلَةِ بِحَيْثُ يَغْلِبُ حَالُ التُّهْمَةِ وَيَقْرُبُ حَالَةُ الظِّنَّةِ كَحَالَةِ الْعَدُوِّ فِي شَهَادَتِهِ عَلَى عَدُوِّهِ، وَالضَّنِينُ وَهُوَ الْمُتَّهَمُ لِمَنْ يَتَّهِمُ عَلَيْهِ كَالْمَوْضِعِ الَّتِي تَقَدَّمَتْ وَسِوَاهَا مِمَّا شُهِّرَ مِنْ ذَلِكَ التَّمْثِيلِ، وَشَهَادَةُ الْخَصْمِ عَلَى خَصْمِهِ، وَالْوَصِيُّ لِمَحْجُورِهِ، وَالْمَدِينُ لِمَنْ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَمِمَّا

يَلْحَقُ بِذَلِكَ تَزْكِيَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ الْأَصْنَافِ لِمَنْ شَهِدَ لِمَنْ يُتَّهَمُ لَهُ، أَوْ شَهِدَ عَلَى مَنْ يُتَّهَمُ عَلَيْهِ (قَالَ الْمُقْرِي فِي كُلِّيَّاتِهِ الْفِقْهِيَّةِ) : " كُلُّ مَنْ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ لِرَجُلٍ لَا تَجُوزُ تَزْكِيَتُهُ لِمَنْ شَهِدَ لَهُ، وَكُلُّ مَنْ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ عَلَى رَجُلٍ لَا تَجُوزُ تَزْكِيَتُهُ لِمَنْ شَهِدَ عَلَيْهِ ". اهـ ثُمَّ اسْتَظْهَرَ الشَّارِحُ عَلَى مَا نَقَلَ النَّاظِمُ وَمَا أَشْبَهَ بِنُقُولٍ يَطُولُ سَرْدُهَا، وَاسْتَطْرَدَ الْكَلَامَ عَلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ وَعَلَى مَوَاضِعِ الشَّهَادَةِ وَأَطَالَ فِي ذَلِكَ بِنَحْوِ ثَلَاثِ وَرَقَاتٍ وَنِصْفٍ فَلْيُرَاجِعْهُ مَنْ أَرَادَهُ. وَسَاغَ أَنْ يَشْهَدَ الِابْنُ فِي مَحَلّ ... مَعَ أَبِيهِ وَبِهِ جَرَى الْعَمَلْ يَعْنِي أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ الِابْنُ مَعَ أَبِيهِ عَلَى أَمْرٍ وَاحِدٍ عَلَى مَا جَرَى بِهِ الْعَمَلُ، فِي كَلَامِ الشَّيْخِ إشْعَارٌ بِوُجُودِ الْخِلَافِ فِي الْمَسْأَلَةِ؛ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلًا بِالْمَنْعِ لَمْ يَجْرِ بِهِ عَمَلٌ، وَمَعْنَى الْمَنْعِ أَنَّ شَهَادَتَهُمَا مَعًا كَشَهَادَةِ عَدْلٍ وَاحِدٍ وَهُوَ قَوْلُ الشَّيْخِ خَلِيلٍ، وَشَهَادَةُ ابْنٍ مَعَ أَبٍ وَاحِدَةٌ (ابْنُ رُشْدٍ) الْخِلَافُ فِي شَهَادَةِ الْأَبِ عِنْدَ ابْنِهِ وَالِابْنِ عِنْدَ أَبِيهِ، وَشَهَادَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى شَهَادَةِ صَاحِبِهِ، وَشَهَادَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى حُكْمِ صَاحِبِهِ، وَشَهَادَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا مَعَ شَهَادَةِ صَاحِبِهِ - وَاحِدٌ. قِيلَ: كُلُّ ذَلِكَ جَائِزٌ وَهُوَ قَوْلُ سَحْنُونٍ وَمُطَرِّفٍ وَقِيلَ: غَيْرُ جَائِزٍ وَهُوَ قَوْلُ أَصْبَغَ وَفَرَّقَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَهُوَ تَنَاقُضٌ. وَأَمَّا تَعْدِيلُ أَحَدِهِمَا الْآخَرَ فَلَمْ يُجِزْهُ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ إلَّا ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَفِي ذَلِكَ بُعْدٌ (ابْنُ عَرَفَةَ) مَا أَدْرَكْت قَاضِيًا حَفِظَهُ اللَّهُ مِنْ تَقَدُّمِ وَلَدِهِ أَوْ قَرِيبِهِ إلَّا قَاضِيًا وَاحِدًا جَعَلَنَا اللَّهُ مِمَّنْ عَلِمَ الْحَقَّ وَعَمِلَ بِهِ، (وَلِبَعْضِ) شُيُوخِ الشُّورَى بِقُرْطُبَةَ شَهَادَةُ الْأَخَوَيْنِ فِي حَقٍّ وَاحِدٍ لِرَجُلٍ جَائِزٌ، وَلَيْسَا كَالِابْنِ مَعَ أَبِيهِ. اهـ. فَقَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ: " وَشَهَادَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا مَعَ شَهَادَةِ صَاحِبِهِ هِيَ مَسْأَلَةُ النَّاظِمِ " وَقَدْ حَكَى فِيهَا مَعَ مَا ذَكَرَ مَعَهَا قَوْلَيْنِ، وَقَدْ ذَكَرَ الْفَقِيهُ الْمُحَصِّلُ النَّوَازِلِيُّ آخِرُ قُضَاةِ الْعَدْلِ بِالْبَادِيَةِ أَبُو سَالِمٍ سَيِّدِي إبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْجَلَالِيُّ فِي تَأْلِيفِهِ الْمُسَمَّى بِالْمَسْأَلَةِ الْأَمْلِيسِيَّةِ فِي الْأَنْكِحَةِ الْأَغْرِيسِيَّةِ مَا حَاصِلُهُ أَنَّ شَيْخَهُ وَشَيْخَيْ أَهْلِ ذَلِكَ الْعَصْرِ الْفَقِيهَانِ سَيِّدِي يَحْيَى السَّرَّاجُ وَسَيِّدِي عَبْدُ الْوَاحِدِ الْحُمَيْدِيُّ اخْتَلَفَا فِي شَهَادَةِ الْأَبِ مَعَ ابْنِهِ، وَوَقَعَ فِيهَا تَنَازُعٌ عَظِيمٌ فَأَفْتَى السَّرَّاجُ بِقَوْلِ الشَّيْخِ خَلِيلٍ " وَشَهَادَةُ ابْنٍ مَعَ أَبٍ وَاحِدَةٌ " وَحَكَمَ الْحُمَيْدِيُّ بِقَوْلِ ابْنِ عَاصِمٍ وَسَاغَ أَنْ يَشْهَدَ الِابْنُ فِي مَحَلِّ الْبَيْتِ حَتَّى آلَ الْأَمْرُ أَنْ رُفِعَتْ الْمَسْأَلَةُ لِلسُّلْطَانِ إذْ ذَاكَ مَوْلَايَ أَحْمَدَ، وَوَقَعَ الِاجْتِمَاعُ عَلَيْهَا بَيْنَ يَدَيْهِ بِالدِّيوَانِ مِنْ فَاسِ الْجَدِيدِ فَخَرَجَ الْحُكْمُ بِمَا حَكَمَ بِهِ الْقَاضِي مِنْ الْعَمَلِ عَلَى قَوْلِ ابْنِ عَاصِمٍ - رَحِمَ اللَّهُ الْجَمِيعَ بِمَنِّهِ - قَالَ: وَكَانَ السَّرَّاجُ الْمَذْكُورُ يَقِفُ مَعَ لَفْظِ الْمُخْتَصَرِ وَمَا بِهِ الْفَتْوَى فِيهِ وَلَا يَتَعَدَّى ذَلِكَ بِوَجْهٍ، وَكَانَ الْقَاضِي الْحُمَيْدِيُّ لَا يَقِفُ مَعَ ذَلِكَ لِعِلْمِهِ بِالصِّنَاعَةِ التَّوْثِيقِيَّةِ وَتَدْرِيبِهِ مَعَهَا بِالْمُبَاشَرَةِ لِلْعَمَلِ. اهـ وَزَمَنُ الْأَدَاءِ لَا التَّحَمُّلِ ... صَحَّ اعْتِبَارُهُ لِمُقْتَضٍ جَلِيّ يَعْنِي أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي قَبُولِ الشَّهَادَةِ مِنْ الشَّاهِدَيْنِ زَمَانُ أَدَائِهَا لَا زَمَانُ تَحَمُّلِهَا، فَإِذَا تَحَمَّلَهَا كَافِرًا

فصل مسائل من باب الشهادة مما يتكرر وقوعه غالبا

أَوْ فَاسِقًا أَوْ عَبْدًا، أَوْ صَبِيًّا وَأَدَّاهَا وَهُوَ مُسْلِمٌ، أَوْ عَدْلٌ، أَوْ حُرٌّ، أَوْ بَالِغٌ فَإِنَّ شَهَادَتَهُ تُقْبَلُ؛ لِأَنَّهُ فِي زَمَانِ الِادِّعَاءِ أَهْلٌ لِقَبُولِ الشَّهَادَةِ، وَهَذَا مَا لَمْ يَشْهَدْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ قَبْلَ زَوَالِ الْمَانِعِ، فَرَدَّ الْقَاضِي شَهَادَتَهُ ثُمَّ شَهِدَ بَعْدَ زَوَالِ الْمَانِعِ فَإِنَّ شَهَادَتَهُ لَا تُقْبَلُ (قَالَ فِي الْمُقَرِّبِ) قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِذَا شَهِدَ الصَّبِيُّ بِشَهَادَةٍ، أَوْ الْعَبْدُ، أَوْ النَّصْرَانِيُّ فَرُدَّتْ ثُمَّ كَبِرَ الصَّبِيُّ، أَوْ عَتَقَ الْعَبْدُ أَوْ أَسْلَمَ النَّصْرَانِيُّ، ثُمَّ شَهِدُوا بِهَا لَمْ تَجُزْ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ رُدَّتْ قَبْلَ ذَلِكَ جَازَتْ. اهـ فَقَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ رُدَّتْ قَبْلَ ذَلِكَ جَازَتْ هِيَ مَسْأَلَةُ النَّاظِمِ، وَلِذَلِكَ قَالَ الْمُقْرِي فِي كُلِّيَّاتِهِ الْفِقْهِيَّةِ: " كُلُّ مَنْ رُدَّتْ شَهَادَتُهُ لِمَانِعٍ لَمْ تُقْبَلْ عِنْدَ زَوَالِهِ (ابْنُ عَرَفَةَ) مَوَانِعُ الشَّهَادَةِ التُّهْمَةُ عَلَى زَوَالِ نَقْصٍ عَرَضَ. (فَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ) إنْ شَهِدَ صَبِيٌّ، أَوْ عَبْدٌ، أَوْ نَصْرَانِيٌّ عِنْدَ قَاضٍ فَرَدَّهَا لِمَوَانِعِهِمْ لَمْ تَجُزْ بَعْدَ زَوَالِهَا أَبَدًا، (أَشْهَبُ) مَنْ قَالَ لِقَاضٍ يَشْهَدُ لِي فُلَانٌ الْعَبْدُ، أَوْ النَّصْرَانِيُّ، وَفُلَانٌ الصَّبِيُّ فَقَالَ لَا أَقْبَلُ شَهَادَتَهُمْ ثُمَّ زَالَتْ مَوَانِعُهُمْ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمْ؛ أَنَّ قَوْلَهُ ذَلِكَ فُتْيَا لَا رَدٌّ، ا. هـ. وَالْأَدَاءُ عُرْفًا (قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ) : إعْلَامُ الشَّاهِدِ الْحَاكِمَ بِشَهَادَتِهِ بِمَا يَحْصُلُ لَهُ الْعِلْمُ بِمَا شَهِدَ بِهِ، وَإِعْلَامُ مَصْدَرٌ مُضَافٌ لِلْفَاعِلِ وَالْحَاكِمُ مَفْعُولٌ وَلَمْ يَقُلْ الْقَاضِي؛ لِأَنَّ الْحَاكِمَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ " وَبِشَهَادَتِهِ " مُتَعَلِّقٌ بِإِعْلَامٍ وَبِمَا يَحْصُلُ يُحْتَمَلُ تَعَلُّقُهُ بِإِعْلَامٍ فَتَكُونُ الْبَاءُ الثَّانِيَةُ سَبَبِيَّةً أَوْ لِلتَّعْدِيَةِ، وَيَكُونُ الْمَجْرُورُ بَدَلًا، وَيُحْتَمَلُ تَعَلُّقُهُ بِشَهَادَةٍ وَبِمَا شَهِدَ بِهِ مُتَعَلِّقٌ بِالْعِلْمِ وَضَمِيرٌ لَهُ يَعُودُ عَلَى الشَّاهِدِ. (قَالَ فِي النَّوَادِرِ لِأَشْهَبَ) قَوْلُهُ " هَذِهِ شَهَادَتِي أَدَاءٌ " قَالَ: وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْإِشَارَةَ الْمُفْهِمَةَ فِي ذَلِكَ تَكْفِي وَشَاهَدْت بَعْضَ الْمُوثَقِينَ أَدَّاهَا إشَارَةً فَلَمْ يَقْبَلْهَا مِنْهُ مَنْ أَدَّاهَا إلَيْهِ. اهـ وَالتَّحَمُّلُ تَحْصِيلُ عِلْمِ مَا يُشْهَدُ بِهِ بِسَبَبٍ اخْتِيَارِيٍّ، وَهُوَ مَأْمُورٌ بِهِ شَرْعًا؛ لِأَنَّهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَالتَّعْبِيرُ بِالْعِلْمِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا يَجُوزُ مَعَ غَيْرِهِ مِنْ شَكٍّ أَوْ وَهْمٍ، وَقَدْ يَكُونُ عِلْمًا قَطْعِيًّا، وَقَدْ يَكُونُ فِيهِ غَلَبَةُ الظَّنِّ فَالْمُرَادُ بِالْعِلْمِ هُنَا الِاعْتِقَادُ، وَقَدْ يَحْصُلُ الْعِلْمُ الْقَطْعِيُّ بِقَرَائِنَ، وَقَدْ يَحْصُلُ بِغَلَبَةِ الظَّنِّ كَذَلِكَ، فَقَوْلُهُ " بِسَبَبٍ اخْتِيَارِيٍّ " أَخْرَجَ بِهِ عِلْمَهُ دُونَ الِاخْتِيَارِ كَمَنْ قَرَعَ سَمْعَهُ صَوْتٌ مُطْلَقٌ مِنْ غَيْرِ اخْتِيَارٍ، فَإِنَّهُ لَا يُسَمَّى تَحَمُّلًا وَقَوْلُهُ " مَا يَشْهَدُ بِهِ فَصْلٌ " أَخْرَجَ بِهِ مَا لَا يُشْهَدُ بِهِ كَالْعِلْمِ بِأُمُورٍ لَيْسَتْ مُتَعَلِّقَةً بِشَهَادَةٍ وَقَوْلُ النَّاظِمِ " لِمُقْتَضٍ جَلِيّ " أَيْ ظَاهِرٍ قَالَ بَعْضُ مَنْ شَرَحَهُ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ إنَّمَا تَظْهَرُ فَائِدَتُهَا وَيُعْمَلُ بِمُقْتَضَاهَا بِالْأَدَاءِ فَإِنْ لَمْ تُؤَدَّ كَانَتْ كَالْعَدَمِ فَلِذَلِكَ اُعْتُبِرَ زَمَنُ الْأَدَاءِ لَا زَمَنُ التَّحَمُّلِ. اهـ. [فَصْلٌ مَسَائِلُ مِنْ بَابِ الشَّهَادَةِ مِمَّا يَتَكَرَّرُ وُقُوعُهُ غَالِبًا] فَصْلٌ ذَكَرَ فِي هَذَا الْفَصْلِ مَسَائِلَ مِنْ بَابِ الشَّهَادَةِ مِمَّا يَتَكَرَّرُ وُقُوعُهُ غَالِبًا وَيَشْهَدُ الشَّاهِدُ بِالْإِقْرَارِ ... مِنْ غَيْرِ إشْهَادٍ عَلَى الْمُخْتَارِ بِشَرْطِ أَنْ يَسْتَوْعِبَ الْكَلَامَا ... مِنْ الْمُقِرِّ الْبَدْءَ وَالتَّمَامَا يَعْنِي أَنَّهُ يَجُوزُ لِلشَّاهِدِ أَنْ يَشْهَدَ بِإِقْرَارِ مَنْ سَمِعَهُ يُقِرُّ عَلَى نَفْسِهِ بِمَا يَلْزَمُهُ بِسَبَبِ حُكْمٍ مَالِيٍّ وَبَدَنِيٍّ وَإِنْ كَانَ الْمُقِرُّ لَمْ يُشْهِدْهُ بِذَلِكَ، وَلَمْ يَقُلْ لَهُ اشْهَدْ عَلَيَّ، وَلَكِنَّ ذَلِكَ بِشَرْطِ أَنْ يَسْتَوْعِبَ الشَّاهِدُ كَلَامَ الْمُقِرِّ مِنْ أَوَّلِهِ إلَى آخِرِهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَسْتَوْعِبْهُ قَدْ يَفُوتُهُ مِنْهُ شَيْءٌ لَوْ سَمِعَهُ لَمْ يَشْهَدْ عَلَيْهِ لِمَا تَضَمَّنَ مِنْ نَقْضِ أَوَّلِهِ لِآخِرِهِ أَوْ بِالْعَكْسِ. (قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ) قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ سَمِعَ رَجُلٌ رَجُلًا يُطَلِّقُ زَوْجَتَهُ يَقْذِفُ رَجُلًا فَلْيَشْهَدْ لِذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يُشْهِدْهُ، وَعَلَيْهِ أَنْ يُخْبِرَ بِذَلِكَ مَنْ لَهُ الشَّهَادَةُ وَيَشْهَدُ فِي الْحُدُودِ بِمَا سَمِعَ إنْ كَانَ مَعَهُ غَيْرُهُ، (قَالَ ابْنُ يُونُسَ) خَوْفَ أَنْ يَقُولَ لَهُ الْمَقْذُوفُ كَذَبْت لَمْ يَقْذِفْنِي وَإِنَّمَا عَرَّضْت أَنْتَ بِقَذْفِي فَيَحُدُّهُ، (قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ) : وَسَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ قَبْلَ ذَلِكَ فِيمَنْ مَرَّ بِرَجُلَيْنِ يَتَكَلَّمَانِ فِي أَمْرٍ فَسَمِعَ مِنْهُمَا شَيْئًا وَلَمْ يُشْهِدَاهُ، ثُمَّ طَلَبَ أَحَدُهُمَا تِلْكَ الشَّهَادَةَ قَالَ: لَا يَشْهَدُ لَهُ، (قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ) إلَّا أَنْ يَسْتَوْعِبَ كَلَامَهُمَا مِنْ أَوَّلِهِ إلَى آخِرِهِ إذْ قَدْ يَكُونُ قَبْلَهُ، أَوْ بَعْدَهُ كَلَامٌ يُبْطِلُهُ، قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: فِي مُفِيدِهِ وَبِهِ الْعَمَلُ، وَفِي ابْنِ الْحَاجِبِ فِي عَدِّ مَوَانِعِ الشَّهَادَةِ السَّادِسُ: الْحِرْصُ عَلَى

الشَّهَادَةِ فِي التَّحَمُّلِ كَالْمُخْتَفِي لِيَتَحَمَّلَهَا لَا يَضُرُّ عَلَى الْمَشْهُورِ، (وَقَالَ مُحَمَّدٌ) : " إذَا لَمْ يَكُنْ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ خَائِفًا أَوْ مَخْدُوعًا " (التَّوْضِيحُ) الْمَشْهُورُ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَقْدَحُ، وَبِهِ قَالَ أَشْهَبُ وَعِيسَى بْنُ دِينَارٍ، وَعَامَّةُ أَصْحَابِ مَالِكٍ، وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَمُقَابِلُ الْمَشْهُورِ إمَّا مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ حَتَّى يَقُولَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ لِلشَّاهِدِ اشْهَدْ عَلَيَّ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَإِمَّا مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِهَا لَكِنْ يَرَى الِاخْتِفَاءَ يَضُرُّ بِهَا، (ابْنُ رُشْدٍ) وَهُوَ قَوْلُ سَحْنُونٍ، وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ تَقْيِيدٌ لِلْمَشْهُورِ، بَلْ هُوَ مِنْ تَمَامِهِ. (فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ) قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلَيْنِ قَعَدَا لِرَجُلٍ وَرَاءَ حِجَابٍ لِيَشْهَدَا عَلَيْهِ قَالَ: إنْ كَانَ ضَعِيفًا، أَوْ مَخْدُوعًا، أَوْ خَائِفًا لَمْ يَلْزَمْهُ، وَيَحْلِفُ مَا أَقَرَّ إلَّا لِمَا يُذْكَرُ، وَإِنْ كَانَ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ لَزِمَهُ وَلَعَلَّهُ يُقِرُّ خَالِيًا وَيَأْبَى مِنْ الْبَيِّنَةِ، فَهَذَا يَلْزَمُهُ مَا سُمِعَ مِنْهُ، قِيلَ: فَرَجُلٌ لَا يُقِرُّ إلَّا خَالِيًا هَلْ أَقْعُدُ لَهُ بِمَوْضِعٍ لَا يُعْلَمُ لِلشَّهَادَةِ عَلَيْهِ قَالَ: لَوْ أَعْلَمُ أَنَّك تَسْتَوْعِبُ أَمْرَهُمَا وَلَكِنْ أَخَافُ أَنْ تَسْمَعَ جَوَابَهُ لِسُؤَالِهِ، وَلَعَلَّهُ يَقُولُ لَهُ فِي سِرٍّ مَا الَّذِي لِي عَلَيْك إنْ جِئْتُك بِكَذَا فَيَقُولُ: عِنْدِي كَذَا فَإِنْ قَدَرْت أَنْ تُحِيطَ بِسِرِّهِمْ فَجَائِزٌ. اهـ اُنْظُرْ الْبَابَ الثَّامِنَ وَالثَّلَاثِينَ مِنْ الْقِسْمِ الثَّانِي مِنْ تَبْصِرَةِ ابْنِ فَرْحُونٍ فِي الْقَضَاءِ بِشَهَادَةِ الِاسْتِغْفَالِ قَالَ فِي آخِرِهِ. (تَنْبِيهٌ) وَحَيْثُ أَجَزْنَا شَهَادَتَهُ فَلَا يَكُونُ مِنْ بَابِ الْحِرْصِ عَلَى التَّحَمُّلِ، قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ، وَيَنْبَغِي لِلشَّاهِدِ النَّبِيهِ أَنْ يَرْفَعَ نَفْسَهُ عَنْ أَنْ يَخْتَفِيَ لِيَشْهَدَ، وَهَذَا فِيمَا لَمْ يُنْدَبْ إلَيْهِ وَلَا فُرِضَ عَلَيْهِ، فَإِنْ فَعَلَ فَقَدْ فَعَلَ مَا لَا يَلِيقُ بِالْفُضَلَاءِ وَلَا يَخْتَارُهُ الْعُقَلَاءُ اهـ وَانْظُرْ قَوْلَهُ، وَحَيْثُ أَجَزْنَا شَهَادَتَهُ فَلَا يَكُونُ مِنْ بَابِ الْحِرْصِ عَلَى التَّحَمُّلِ مَعَ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ الْمُتَقَدِّمِ، فَإِنَّهُ صَرِيحٌ فِي أَنَّهَا مِنْ الْحِرْصِ عَلَى التَّحَمُّلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَمَا بِهِ قَدْ وَقَعَتْ شَهَادَهْ ... وَطُلِبَ الْعَوْدُ فَلَا إعَادَةَ يَعْنِي إذَا شَهِدَ الشَّاهِدُ بِحَقٍّ فَتَحَمَّلَ الشَّهَادَةَ وَكَتَبَهَا، ثُمَّ جَاءَهُ صَاحِبُ الْحَقِّ وَطَلَبَ مِنْهُ إعَادَةَ الشَّهَادَةِ، إمَّا بِأَنْ يَكْتُبَ لَهُ رَسْمًا آخَرَ بِذَلِكَ لِزَعْمِهِ ضَيَاعَ الرَّسْمِ الْأَوَّلِ، أَوْ طَلَبَ مِنْهُ أَدَاءَ الشَّهَادَةِ عِنْدَ الْقَاضِي مِنْ غَيْرِ كَتْبٍ فَإِنَّهُ لَا يُجِيبُهُ إلَى ذَلِكَ لِمَا يُخْشَى فِي ذَلِكَ مِنْ تَكْرَارِ الْحَقِّ عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ بِذَلِكَ، وَهَذَا ظَاهِرٌ إذَا كَتَبَ لَهُ رَسْمًا ثَانِيًا، وَكَذَا إنْ أَدَّى فَحُكِمَ عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ، ثُمَّ ظَهَرَ الرَّسْمُ الَّذِي كُتِبَ لَهُ أَوَّلًا قَوْلُهُ " وَطَلَبَ الْعَوْدَ " يَشْمَلُ الْعَوْدَ لِلْكِتَابَةِ، وَالْأَدَاءَ (قَالَ الشَّارِحُ) : وَلَكِنْ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ الشَّهَادَةُ الَّتِي يُمْنَعُ مِنْ إعَادَتِهَا مِمَّا يَتَضَمَّنُ حَقًّا يَتَكَرَّرُ بِإِعَادَتِهَا، فَفِي كِتَابِ الِاسْتِغْنَاءِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ فِيمَنْ أَشْهَدَ فِي كِتَابٍ ذِكْرَ حَقٍّ، ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ ضَاعَ وَسَأَلَ الشُّهُودَ أَنْ يَشْهَدُوا بِمَا حَفِظُوا فَلَا يَشْهَدُوا وَإِنْ كَانُوا حَافِظِينَ لِمَا فِيهِ خَوْفًا أَنْ يَكُونَ قَدْ انْقَضَى وَمُحِيَ الْكِتَابُ، فَإِنْ جَهِلُوا، وَشَهِدُوا بِذَلِكَ قَضَى بِهِ. (وَقَالَ مُطَرِّفٌ) : يَشْهَدُونَ بِمَا حَفِظُوا إنْ كَانَ الطَّالِبُ مَأْمُونًا

وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَأْمُونًا فَقَوْلُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَحَبُّ إلَيَّ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الشَّيْخُ لِحُكْمِ مَا إذَا جَهِلَ الشُّهُودُ، وَأَعَادُوا الشَّهَادَةَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ اسْتِيفَاءَ النَّقْلِ، وَلَا قَوْلَ مُطَرِّفٍ لِنُدُورِ الْمَأْمُونِ بَلْ اقْتَصَرَ عَلَى مَا يَلْزَمُ الْمُوَثِّقَ مِنْ التَّحَفُّظِ. اهـ. كَلَامُ الشَّيْخِ (وَفِي) الْفَصْلِ الْأَوَّلِ مِنْ الْبَابِ الْخَامِسَ عَشَرَ مِنْ الْفَائِقِ لِسَيِّدِي أَحْمَدَ الْوَنْشَرِيسِيِّ أَنَّهُ إذَا أَدَّى الشَّاهِدُ شَهَادَتَهُ عِنْدَ الْقَاضِي، فَلَا يَلْزَمُهُ أَدَاءٌ ثَانٍ، لَا عِنْدَ ذَلِكَ الْقَاضِي، وَلَا عِنْدَ غَيْرِهِ إذَا أَدَّى عَلَى نَصِّ الرَّسْمِ، وَلَا إجْمَالَ فِي شَيْءٍ مِنْ فُصُولِهِ، وَفِي أَثْنَاءِ جَوَابٍ لِسَيِّدِي عَبْدِ اللَّهِ الْعَبْدُوسِيِّ مَا نَصُّهُ: وَلَا يَلْزَمُ الشَّاهِدَ أَنْ يُؤَدِّيَ شَهَادَتَهُ مَرَّتَيْنِ، إذْ ذَلِكَ إضْرَارٌ بِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ {وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ} [البقرة: 282] نَقَلَهُ فِي السِّفْرِ الْخَامِسِ فِي نَوَازِلِ الشَّهَادَةِ، وَإِلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِوَجْهَيْهَا أَعْنِي طَلَبَ الْكَتْبِ وَالْأَدَاءِ وَقَوْلَيْهَا مِنْ الْمَشْهُورِ وَقَوْلِ مُطَرِّفٍ أَشَارَ الْإِمَامُ سَيِّدِي عَلِيٌّ الزَّقَّاقُ بِقَوْلِهِ فِي قَصِيدَتِهِ اللَّامِيَّةِ الَّتِي فِي الْمَسَائِلِ الْمُتَكَرِّرَةِ الْوُقُوعِ مِنْ أَحْكَامِ الْقَضَاءِ حَيْثُ قَالَ: وَمَنْ يَبْتَغِي تَكْرِيرَ كَتْبِكَ رَسْمَهُ ... لِزَعْمِ ضَيَاعٍ أَوْ أَدَاءً فَأَهْمِلَا وَإِلَّا وَقَدْ وَدَّيْتَهُ تُمْضِ مُطْرِفٌ ... إذَا كَانَ مَأْمُونًا فَكَرِّرْ وَإِلَّا فَلَا (تَنْبِيهٌ) تَقَدَّمَ أَنَّ هَذَا فِيمَا يَخْشَى فِيهِ تَكْرَارًا لِحَقٍّ عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ وَذَلِكَ كَالدَّيْنِ، وَالْوَصِيَّةِ، وَالْكِتَابَةِ وَفِي ذَلِكَ مَا وَجَدْتُ بِخَطِّ بَعْضِ شُيُوخِنَا - رَحِمَهُ اللَّهُ - دَيْنٌ وَصِيَّةٌ كِتَابَةٌ دَمَا ... لَا نَسْخَ فِي رُسُومِهَا قَدْ عُلِمَا وَصُورَةُ الدِّمَاءِ كَمَا إذَا شَهِدَ فِي وَثِيقَةٍ أَنَّ فُلَانًا جَرَحَ فُلَانًا جَائِفَةً، فَإِذَا نُسِخَ الرَّسْمُ تُوُهِّمَ أَنَّهُ جَرَحَهُ جَائِفَتَيْنِ وَنَحْوَ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَشَاهِدٌ بُرِّزَ خَطَّهُ عَرَفْ ... نَسِيَ مَا ضَمَّنَهُ فِيمَا سَلَفْ لَا بُدَّ مِنْ أَدَائِهِ بِذَلِكَ ... إلَّا مَعَ اسْتِرَابَةٍ هُنَالِكْ وَهَذَا شُرُوعٌ مِنْ النَّاظِمِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْكَلَامِ عَلَى الشَّهَادَةِ عَلَى الْخَطِّ وَقَدْ ذَكَرَهَا ابْنُ فَرْحُونٍ فِي تَبْصِرَتِهِ فِي الْبَابِ الرَّابِعِ وَالثَّلَاثِينَ مِنْ الْقِسْمِ الثَّانِي مِنْ التَّبْصِرَةِ، وَهُوَ كَمَا قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ أَحَدُهَا: الشَّهَادَةُ عَلَى خَطٍّ نَسِيَهُ الْمُتَضَمِّنُ لِلشَّهَادَةِ عَلَى غَيْرِهِ، وَهُوَ الَّذِي بَدَأَ بِهِ النَّاظِمُ هُنَا الثَّانِي: الشَّهَادَةُ عَلَى خَطِّ الشَّاهِدِ الْمَيِّتِ، أَوْ الْغَائِبِ وَهُوَ الْآتِي لِلنَّاظِمِ بَعْدَ هَذَا، الثَّالِثُ: الشَّهَادَةُ عَلَى خَطِّ الْمُقِرِّ الْمُنْكِرِ أَنَّ ذَلِكَ الْخَطَّ خَطُّهُ وَهُوَ الْآتِي فِي قَوْلِ النَّاظِمِ وَكَاتِبٌ بِخَطِّهِ مَا شَاءَهُ الْبَيْتَيْنِ، فَقَوْلُهُ " وَشَاهِدُ " الْبَيْتَيْنِ يَعْنِي أَنَّ الشَّاهِدَ إذَا عَرَفَ خَطَّهُ فِي وَثِيقَةٍ وَنَسِيَ مَا تَضَمَّنَتْهُ الْوَثِيقَةُ، وَاشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَعْتَمِدُ عَلَى ذَلِكَ، وَيُؤَدِّي شَهَادَتَهُ عِنْدَ الْقَاضِي إلَّا إذَا وُجِدَ فِي الصَّكِّ رِيبَةٌ مِنْ مَحْوٍ أَوْ بَشْرٍ، وَلَمْ يَعْتَذِرْ عَنْهُ فَلَا يُؤَدِّيهَا حِينَئِذٍ. (قَالَ الشَّارِحُ) وَهُوَ يَحْمِلُ قَوْلَهُ " خَطَّهُ عَرَفَ " عَلَى مَعْرِفَةِ الشَّاهِدِ

خَطَّهُ فِي الشَّهَادَةِ وَحْدَهَا أَوْ فِي الشَّهَادَةِ وَالْوَثِيقَةِ مَعًا، هَذَا مِمَّا يُحْتَمَلُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَصْدَهُ فِيهِمَا مَعًا لِقَوْلِهِ " نَسِيَ مَا ضَمَّنَهُ " يَعْنِي مِمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ الْوَثِيقَةُ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْوَثِيقَةَ كُلَّهَا بِخَطِّ الشَّاهِدِ، وَقَوْلُهُ لَا بُدَّ مِنْ أَدَائِهِ بِذَلِكَ وَهَلْ عَلَى أَنَّ الْقَاضِيَ يَحْكُمُ بِهَا، أَوْ يُؤَدِّيهَا الشَّاهِدُ وَلَا يَنْتَفِعُ بِهَا صَاحِبُهَا هُوَ مُحْتَمَلٌ أَيْضًا، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ قَصَدَ أَنَّهُ يَنْتَفِعُ بِهَا (قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ) : إذَا عَرَفَ الشَّاهِدُ خَطَّهُ فِي كِتَابٍ، فَلَا يَشْهَدُ حَتَّى يَذْكُرَ الشَّهَادَةَ، وَيُوقِنَ بِهَا وَلَكِنْ يُؤَدِّي ذَلِكَ كَمَا عَلِمَ، ثُمَّ لَا يَنْفَعُ الطَّالِبَ (سَحْنُونٌ) اخْتَلَفَ فِي هَذَا أَصْحَابُنَا، وَقَوْلِي إذَا لَمْ يَرَ فِي الْكِتَابِ مَحْوًا، وَلَا لَحْقًا وَلَا مَا يَسْتَنْكِرُهُ فَلْيَشْهَدْ بِمَا فِيهِ، وَهَذَا أَمْرٌ لَا يَجِدُ النَّاسُ مِنْهُ بُدًّا، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ مِنْ الْكِتَابِ شَيْئًا (ابْنُ يُونُسَ) إنَّمَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يَرْفَعُ شَهَادَتَهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَرَى الْحَاكِمُ إجَازَتَهَا عَلَى قَوْلِ مَنْ يُجِيزُ ذَلِكَ. اهـ. (وَفِي التَّوْضِيحِ) عَنْ الْبَيَانِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ خَمْسَةُ أَقْوَالٍ الْأَوَّلُ: أَنَّهَا شَهَادَةٌ جَائِزَةٌ يُؤَدِّيهَا وَيُحْكَمُ بِهَا، وَالثَّانِي: أَنَّهَا غَيْرُ جَائِزَةٍ لَا يُؤَدِّيهَا، وَلَا يَحْكُمُ بِهَا، وَالثَّالِثُ: أَنَّهَا غَيْرُ جَائِزَةٍ إلَّا أَنَّهُ يُؤَدِّيهَا وَلَا يُحْكَمُ بِهَا، وَالرَّابِعُ: أَنَّهَا إنْ كَانَتْ فِي كَاغَدٍ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ وَإِنْ كَانَتْ فِي رِقٍّ جَازَ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ قَالَ: يُرِيدُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - إذَا كَانَتْ الشَّهَادَةُ فِي مُطْلَقِ الرِّقِّ وَلَمْ تَكُنْ عَلَى ظَهْرِهِ؛ لِأَنَّ الْبَشْرَ فِي ظَهْرِهِ أَخْفَى مِنْهُ فِي الْكَاغَدِ، وَالْخَامِسُ: إنْ كَانَ ذَكَرَ الْحَقَّ، وَالشَّهَادَةَ بِخَطِّهِ جَازَ أَنْ يَشْهَدَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِخَطِّهِ إلَّا الشَّهَادَةُ لَمْ يَشْهَدْ، ثُمَّ قَالَ وَصَوَّبَ جَمَاعَةٌ أَنَّهُ يَشْهَدُ إنْ لَمْ يَكُنْ مَحْوٌ وَلَا رِيبَةٌ، فَإِنَّهُ لَا بُدَّ لِلنَّاسِ مِنْ ذَلِكَ لِكَثْرَةِ نِسْيَانِ الشَّاهِدِ الْمُنْتَصِبِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَشْهَدْ حَتَّى يَذْكُرَهَا لَمَا كَانَ لِوَضْعِ رَسْمِ خَطِّهِ فَائِدَةٌ، (تَنْبِيهٌ) مَعْنَى اشْتِرَاطِ انْتِفَاءِ الْمَحْوِ وَالرِّيبَةِ إذَا لَمْ يَكُنْ مُعْتَذَرًا عَنْهُ فِي الْوَثِيقَةِ، وَإِنْ كَانَ مُعْتَذَرًا عَنْهُ فَهُوَ مِنْ زِينَةِ الْوَثِيقَةِ عَلَى مَا قَالَهُ بَعْضُ كِبَارِ الشُّيُوخِ. اهـ مِنْ التَّوْضِيحِ (وَفِي الْمُخْتَصَرِ) لَا عَلِمَ خَطَّ نَفْسِهِ حَتَّى يَذْكُرَهَا وَأَدَّى بِلَا نَفْعٍ، وَلَمْ أَقِفْ الْآنَ عَلَى مَنْ اشْتَرَطَ فِي هَذَا الشَّاهِدِ التَّبْرِيزَ، كَمَا اشْتَرَطَهُ النَّاظِمُ. وَالْحُكْمُ فِي الْقَاضِي كَمِثْلِ الشَّاهِدِ ... وَقِيلَ بِالْفَرْقِ لِمَعْنًى زَائِدِ يَعْنِي: أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا وَجَدَ حُكْمًا فِي دِيوَانِهِ بِخَطِّهِ وَهُوَ لَا يَذْكُرُ أَنَّهُ حَكَمَ بِهِ فَقِيلَ: إنَّهُ كَالشَّاهِدِ فَيُنَفِّذُ ذَلِكَ وَيُمْضِيهِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُعْذَرُ بِالنِّسْيَانِ إلَّا إنْ وُجِدَ فِي الْكِتَابِ رِيبَةٌ كَمَا تَقَدَّمَ، وَقِيلَ: لَا يَحْكُمُ بِهِ وَلَا يَعْمَلُ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ هُوَ كَالشَّاهِدِ؛ لِأَنَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشَّاهِدِ فَرْقًا وَهُوَ عُذْرُ الشَّاهِدِ بِأَنَّ ذَلِكَ مَقْدُورُهُ بِخِلَافِ الْقَاضِي فَإِنَّهُ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُشْهِدَ عَلَى حُكْمِهِ عَدْلَيْنِ، وَعَلَى هَذَا نَبَّهَ النَّاظِمُ بِقَوْلِهِ وَقِيلَ بِالْفَرْقِ لِمَعْنًى زَائِدِ (قَالَ ابْنُ الْمُنَاصِفِ) : اتَّفَقَ أَهْلُ عَصْرِنَا فِي الْبِلَادِ الَّتِي يَنْتَهِي إلَيْهَا أَمْرُنَا عَلَى

قَبُولِ كِتَابِ الْقَاضِي فِي الْأَحْكَامِ، وَالْحُقُوقِ بِمُجَرَّدِ مَعْرِفَةِ خَطِّ الْقَاضِي دُونَ الشَّاهِدِ عَلَى ذَلِكَ وَلَا خَاتَمَ مَعْرُوفٌ مَعَ أَنِّي لَا أَعْلَمُ خِلَافًا فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنَّ كِتَابَ الْقَاضِي لَا يَجُوزُ بِمُجَرَّدِ مَعْرِفَةِ خَطِّهِ، بَلْ قَوْلُهُمْ فِي الْقَاضِي يَجِدُ حُكْمًا بِدِيوَانِهِ بِخَطِّهِ، وَهُوَ لَا يَذْكُرُ أَنَّهُ حَكَمَ بِهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ إنْفَاذُهُ إلَّا أَنْ يَشْهَدَ عِنْدَهُ بِذَلِكَ شَاهِدَانِ، وَلَا إنْ وَجَدَ الْقَاضِي الْمُوَلَّى بَعْدَهُ وَثَبَتَ أَنَّهُ خَطُّ الْأَوَّلِ، فَإِنَّهُ لَا يَعْمَلُ بِهِ وَلَا يَتَخَرَّجُ الْقَوْلُ بِعَمَلِهِ بِتَيَقُّنِهِ بِخَطِّهِ دُونَ ذِكْرِ حُكْمِهِ بِهِ مِنْ الْخِلَافِ فِي الشَّاهِدِ بِتَيَقُّنِ خَطِّهِ بِالشَّهَادَةِ بِالْحَقِّ، وَلَا يَذْكُرُ مَوْطِنَهَا لِعُذْرِ الشَّاهِدِ بِالْجُمْلَةِ إذْ هُوَ مَقْدُورٌ كَسْبُهُ، وَالْقَاضِي كَانَ قَادِرًا عَلَى الشَّهَادَةِ عَلَى حُكْمِهِ، وَاعْتَمَدَ النَّاظِمُ فِي حِكَايَةِ الْخِلَافِ فِي مَسْأَلَةِ الْقَاضِي عَلَى مَا حَكَاهُ ابْنُ الْمُنَاصِفِ مِنْ أَهْلِ عَصْرِهِ، وَمَا ذَكَرَهُ بَعْدَهُ مِنْ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الشَّاهِدِ وَالْقَاضِي. وَخَطُّ عَدْلٍ مَاتَ أَوْ غَابَ اُكْتُفِيَ ... فِيهِ بِعَدْلَيْنِ وَفِي الْمَالِ اُقْتُفِيَ وَالْحَبْسُ إنْ يَقْدُمَ وَقِيلَ يُعْتَمَلْ ... فِي كُلِّ شَيْءٍ وَبِهِ الْآنَ الْعَمَلْ كَذَاكَ فِي الْغَيْبَةِ مُطْلَقًا وَفِي ... مَسَافَةِ الْقَصْرِ أُجِيزَ فَاعْرِفْ هَذَا هُوَ الْمَوْضِعُ الثَّانِي مِنْ الشَّهَادَةِ عَلَى الْخَطِّ، وَهُوَ الشَّهَادَةُ عَلَى خَطِّ الشَّاهِدِ الْغَائِبِ، أَوْ الْمَيِّتِ (قَالَ اللَّخْمِيُّ) : الشَّهَادَةُ عَلَى خَطِّ الشَّاهِدِ لِغَيْبَتِهِ أَوْ مَوْتِهِ صَحِيحَةٌ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْقَوْلَيْنِ؛ لِأَنَّهَا ضَرُورَةٌ (وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ) : أَمَّا الشَّهَادَةُ عَلَى خَطِّ الشَّاهِدِ الْمَيِّتِ، أَوْ الْغَائِبِ فَلَمْ يَخْتَلِفْ فِي الْأُمَّهَاتِ الْمَشْهُورَةِ قَوْلُ مَالِكٍ فِي إجَازَتِهَا وَإِعْمَالِهَا، (ابْنُ عَرَفَةَ) فَظَاهِرُ هَذَا أَنَّ الْمَشْهُورَ إعْمَالُهَا خِلَافَ قَوْلِ الْبَاجِيِّ

لَا تَجُوزُ عَلَى الْمَشْهُورِ (الْبَاجِيُّ) ، مَشْهُورُ قَوْلِ مَالِكٍ لَا تَجُوزُ الشَّهَادَةُ عَلَى خَطِّ الشَّاهِدِ رَوَاهُ مُحَمَّدٌ؛ لِأَنَّ غَايَةَ خَطِّهِ أَنَّهُ كَلَفْظِهِ وَهُوَ لَوْ سَمِعَهُ يَقُصُّ شَهَادَتَهُ لَمْ يَنْقُلْهَا عَنْهُ وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ إجَازَتَهَا. اهـ. وَقَوْلُهُ " اكْتَفَى فِيهِ بِعَدْلَيْنِ " أَيْ: يَكْتَفِي فِي ثُبُوتِ خَطِّ الْعَدْلِ الْمَيِّتِ، أَوْ الْغَائِبِ بِشَهَادَةِ عَدْلَيْنِ أَنَّ الْخَطَّ خَطُّ فُلَانٍ الْمَيِّتِ، أَوْ الْغَائِبِ، وَظَاهِرُهُ الِاكْتِفَاءُ بِالْعَدْلَيْنِ، كَانَ الْمَشْهُودُ عَلَى خَطِّهِ وَاحِدًا أَوْ مُتَعَدِّدًا؛ لِأَنَّ لَفْظَ عَدْلٍ مِنْ قَوْلِهِ " وَخَطُّ عَدْلٍ " يَصْدُقُ بِالْوَاحِدِ وَبِأَكْثَرَ فَإِذَا كَانَ الصَّكُّ بِعَدْلَيْنِ مَيِّتَيْنِ، أَوْ غَائِبَيْنِ، أَوْ أَحَدُهُمَا مَيِّتٌ وَالْآخَرُ غَائِبٌ، فَإِنَّهُ يَكْتَفِي فِي إثْبَاتِ خَطِّهِمَا مَعًا بِعَدْلَيْنِ، وَفِي التَّعْبِيرِ بِالِاكْتِفَاءِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْأَوْلَى أَنْ يَشْهَدَ عَلَى خَطِّ كُلِّ وَاحِدٍ اثْنَانِ فَيَحْتَاجُ فِي الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ إلَى أَرْبَعَةٍ عُدُولٍ فَتَطْلُبُ النَّصَّ فِي ذَلِكَ، وَقَوْلُهُ " وَفِي الْمَالِ اُقْتُفِيَ وَالْحَبْسُ إنْ يَقْدُمَ " يَعْنِي أَنَّهُ اُخْتُلِفَ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الْخَطِّ هَلْ يُعْمَلُ بِهَا فِي الْمَالِ وَالْحَبْسِ الْقَدِيمِ فَقَطْ، أَوْ يُعْمَلُ بِهَا فِي كُلِّ شَيْءٍ " وَبِهِ الْعَمَلُ " فِي زَمَانِ النَّاظِمِ يَعْنِي وَكَذَا فِي زَمَانِنَا، وَقَوْلُهُ " كَذَا فِي الْغَيْبَةِ " التَّشْبِيهُ فِي ثُبُوتِ خَطِّ الشَّاهِدِ الْغَائِبِ بِعَدْلَيْنِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا يُغْنِي عَنْهُ إذْ فَرْضُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ ذَلِكَ فِي الْغَيْبَةِ، أَوْ الْمَوْتِ، وَلَعَلَّهُ أَعَادَهُ لِبَيَانِ قَدْرِ الْغَيْبَةِ الَّذِي هُوَ مَسَافَةُ الْقَصْرِ وَقَوْلُهُ " مُطْلَقًا " أَيْ فِي الْمَالِ وَغَيْرِهِ وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ أَيْضًا، وَقَوْلُهُ " وَفِي الْمَالِ اُقْتُفِيَ " إلَخْ ابْنُ الْحَاجِبِ وَفِي قَبُولِهَا فِي غَيْرِ الْأَمْوَالِ قَوْلَانِ: (التَّوْضِيحُ) الْقَوْلُ بِأَنَّهَا تَخْتَصُّ بِالْأَمْوَالِ لِمُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ وَأَصْبَغَ قَالُوا لَا تَجُوزُ الشَّهَادَةُ عَلَى الْخَطِّ إلَّا حَيْثُ الْيَمِينُ مَعَ الشَّاهِدِ، وَالْقَوْلُ الْآخَرُ: لِمَالِكٍ اهـ (وَقَالَ ابْنُ الْهِنْدِيِّ) أَكْثَرُ مَا يَجُوزُ الْعَمَلُ بِإِجَازَةِ الشَّهَادَةِ عَلَى الْخَطِّ فِي الْأَحْبَاسِ الْقَدِيمَةِ نَقَلَهُ الْمَوَّاقُ، وَنَقَلَهُ قَبْلَهُ مِنْ الْمُفِيدِ قَالَ: قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَارِثِ: جَرَى الْعَمَلُ مِنْ الْقُضَاةِ بِبَلَدِنَا يَعْنِي قُرْطُبَةَ بِإِجَازَةِ الشَّهَادَةِ عَلَى خَطِّ الشَّاهِدِ، وَلَا عَلِمْت أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فَرَّقَ بَيْنَ الشَّهَادَةِ عَلَى الْخَطِّ فِي الْأَحْبَاسِ، وَغَيْرِهَا فِي حَالٍ مِنْ الْأَحْوَالِ. (فَرْعٌ) ظَاهِرُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى الْخَطِّ إنَّمَا تَكُونُ عَلَى الْقَطْعِ حَتَّى يَكُونَ فِي مَعْرِفَةِ الْخَطِّ، وَمَعْرِفَةُ الشُّهُودِ لَهُ كَمَعْرِفَةِ الْحَيَوَانِ، وَالثِّيَابِ وَسَائِرِ الْأَشْيَاءِ، وَوَقَعَ فِي كِتَابِ الْقَزْوِينِيِّ أَنَّ الشَّهَادَةَ فِي ذَلِكَ أَنْ تَكُونَ عَلَى الْعِلْمِ. اهـ مِنْ التَّوْضِيحِ أَيْضًا اُنْظُرْ أَوَّلَ الْبَابِ الرَّابِعِ وَالثَّلَاثِينَ مِنْ الْقِسْمِ الثَّانِي مِنْ تَبْصِرَةِ ابْنِ فَرْحُونٍ، وَإِلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَالْفُرُوعِ الثَّلَاثَةِ بَعْدَهَا أَشَارَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ بِقَوْلِهِ: " وَخَطُّ شَاهِدٍ مَاتَ أَوْ غَابَ بِبُعْدٍ وَإِنْ بِغَيْرِ مَالٍ فِيهِمَا إنْ عَرَفَهُ كَالْمُعَيَّنِ، وَأَنَّهُ كَانَ يَعْرِفُ مَشْهَدَهُ وَتَحَمَّلَهَا عَدْلًا " (الْمُتَيْطِيُّ) لَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ عَلَى الْخَطِّ إلَّا مِنْ الْفَطِنِ الْعَارِفِ بِالْخُطُوطِ وَمُمَارَسَتِهَا، وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ قَدْ أَدْرَكَ صَاحِبَ الْخَطِّ. اهـ (فَرْعٌ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: إذَا فَرَّعْنَا عَلَى قَبُولِ الشَّهَادَةِ عَلَى الْخَطِّ فَلَوْ لَمْ يَعْرِفْ الشَّاهِدُ عَلَى الْخَطِّ أَنَّ الشَّاهِدَ الْأَوَّلَ، وَهُوَ الْمَشْهُودُ عَلَى خَطِّهِ كَانَ يَعْرِفُ مَنْ أَشْهَدَهُ مَعْرِفَةَ الْعَيْنِ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى خَطِّهِ، وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ زَرْبٍ. وَالْقَوْلُ الثَّانِي: الْجَوَازُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الشَّاهِدَ

لَا يَضَعُ خَطَّهُ إلَّا عَلَى مَنْ يَعْرِفُ، ثُمَّ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ أَيْضًا. (فَرْعٌ) وَلَا تَجُوزُ الشَّهَادَةُ عَلَى خَطِّ الشَّاهِدِ الْغَائِبِ، أَوْ الْمَيِّتِ حَتَّى يَقُولَ: إنَّهُ كَانَ فِي تَارِيخِ الشَّهَادَةِ عَدْلًا وَلَمْ يَزَلْ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى تُوُفِّيَ احْتِيَاطًا مِنْ أَنْ تَكُونَ شَهَادَتُهُ سَقَطَتْ بِجَرْحِهِ، أَوْ كَانَ غَيْرَ مَقْبُولِ الشَّهَادَةِ. اهـ. (فَرْعٌ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَإِذَا قُلْنَا: يُحْكَمُ بِالشَّهَادَةِ عَلَى الْخَطِّ فَهَلْ عَلَيْهِ يَمِينٌ مَعَ الشَّاهِدَيْنِ أَمْ لَا؟ رِوَايَتَانِ وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ هَلْ يَتَنَزَّلُ الشَّاهِدَانِ عَلَى خَطِّهِ مَنْزِلَةَ الشَّاهِدَيْنِ عَلَى الْإِقْرَارِ أَوْ مَنْزِلَةَ الشَّاهِدِ فَقَطْ لِضَعْفِ الشَّهَادَةِ عَلَى الْخَطِّ؟ ثُمَّ قَالَ مَا حَاصِلُهُ: إنَّهُ إذَا لَمْ يَشْهَدْ بِذَلِكَ إلَّا شَاهِدٌ وَاحِدٌ فَمَنْ قَالَ: عَلَيْهِ الْيَمِينُ مَعَ الشَّاهِدَيْنِ أَبْطَلَ الشَّهَادَةَ هُنَا، وَمَنْ قَالَ: لَا يَمِينَ عَلَيْهِ أَعْمَلَ الشَّهَادَةَ هُنَا وَيَحْلِفُ يَمِينَيْنِ يَمِينٌ مَعَ شَاهِدِهِ، وَيَمِينٌ أُخْرَى لِكَمَالِ السَّبَبِ. (فَرْعٌ) سُئِلَ الْإِمَامُ سَيِّدِي أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ عَنْ شَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ نَظَرَا وَثِيقَةً بِيَدِ رَجُلٍ تَتَضَمَّنُ إثْبَاتَ حَقٍّ، وَتَحَقَّقَا مَا فِيهَا، وَحَفِظَاهَا، وَنَظَرَا إلَى شُهُودِهَا فَتَأَمَّلَا خُطُوطَهُمْ فَتَحَقَّقَا أَنَّهَا خُطُوطُ قَوْمٍ مَاتُوا، وَعَلِمَا أَنَّهُمْ كَانُوا بِوَسْمِ الْعَدَالَةِ، وَقَبُولِ الشَّهَادَةِ حِينَ الْوَضْعِ، وَاتَّصَلَ ذَلِكَ إلَى أَنْ مَاتُوا ثُمَّ ضَاعَتْ الْوَثِيقَةُ فَاسْتَظْهَرَ صَاحِبُ الْحَقِّ بِشَهَادَةِ هَذَيْنِ فَأَدَّيَا عِنْدَ الْقَاضِي حَسْبَمَا وَصَفَ، هَلْ يُعْمَلُ عَلَى ذَلِكَ كَمَا لَوْ لَمْ يَضِعْ الرَّسْمُ بِإِحْيَاءِ شَهَادَةِ شُهُودِهِ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ) سُئِلْت عَنْ مِثْلِ هَذَا مَرَّتَيْنِ فَأَجَبْت عَنْهُ جَوَابَيْنِ: بِأَنَّ الْقَاضِيَ يَعْمَلُ عَلَى ذَلِكَ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَا تَقَرَّرَ عِنْدَ الْقَاضِي الْآنَ مَعَ غَيْبَةِ الْوَثِيقَةِ، وَبَيْنَ مَا تَقَرَّرَ عِنْدَهُ مَعَ حُضُورِهَا بِاسْتِيفَاءِ هَذَيْنِ جَمِيعَ مَا فِيهَا وَإِحْيَائِهِمَا الشَّهَادَةَ الْوَاقِعَةَ فِيهَا، وَهُوَ الَّذِي يَفْعَلُ لَوْ حَضَرَتْ. اهـ نَقَلَهُ صَاحِبُ الْمِعْيَارِ بَعْدَ نَحْوِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ وَرَقَةً مِنْ نَوَازِلِ الشَّهَادَاتِ ثُمَّ قَالَ إثْرَهُ وَانْظُرْ مَا يُنَاقِضُ هَذِهِ الْفَتْوَى فِي ابْنِ عَرَفَةَ وَالْمُتَيْطِيِّ، وَهُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي لَا يُلْتَفَتُ إلَى غَيْرِهِ. . وَكَاتِبٌ بِخَطِّهِ مَا شَاءَهْ ... وَمَاتَ بَعْدُ أَوْ أَبَى إمْضَاءَهْ ثَبَتَ خَطُّهُ وَيَمْضِي مَا اقْتَضَى ... دُونَ يَمِينٍ وَبِذَا الْيَوْمَ الْقَضَا هَذَا هُوَ الْمَوْضِعُ الثَّالِثُ مِنْ الشَّهَادَةِ عَلَى الْخَطِّ، وَهُوَ الشَّهَادَةُ عَلَى خَطِّ مَنْ كَتَبَ بِيَدِهِ مَا يَلْزَمُهُ الْإِقْرَارُ بِهِ، ثُمَّ مَاتَ، أَوْ أَنْكَرَ أَنَّ ذَلِكَ الْخَطَّ خَطُّهُ، فَأَخْبَرَ النَّاظِمُ أَنَّ الْحُكْمَ فِي ذَلِكَ أَنْ يُثْبِتَ صَاحِبُ الْحَقِّ بِشَاهِدَيْنِ أَنَّ الْخَطَّ خَطُّ هَذَا الْمُنْكِرِ، أَوْ الْمَيِّتِ، وَيَلْزَمُهُ أَوْ وَرَثَتَهُ مَا أَقَرَّ بِهِ دُونَ يَمِينٍ، يَلْزَمُ صَاحِبَ الْحَقِّ فِي ذَلِكَ، وَبِهَذَا الْحُكْمِ الْقَضَاءُ، وَبِهِ أَفْتَى الشَّيْخُ خَلِيلٌ حَيْثُ قَالَ: " وَجَازَتْ عَلَى خَطِّ مُقِرٍّ بِلَا يَمِينٍ " (ابْنُ الْحَاجِبِ) ، أَمَّا الشَّهَادَةُ عَلَى خَطِّ الْمُقِرِّ فَجَائِزَةٌ كَإِقْرَارِهِ، وَلَا يَحْلِفُ عَلَى الْأَصَحِّ. (التَّوْضِيحُ) وَإِذَا قُلْنَا إنَّهُ يُحْكَمُ لَهُ بِالشَّهَادَةِ عَلَى الْخَطِّ فَهَلْ عَلَيْهِ يَمِينٌ مَعَ الشَّاهِدَيْنِ أَوْ لَا؟ رِوَايَتَانِ وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ هَلْ يَتَنَزَّلُ الشَّاهِدَانِ عَلَى خَطِّهِ مَنْزِلَةَ الشَّاهِدَيْنِ عَلَى الْإِقْرَارِ، أَوْ مَنْزِلَةَ الشَّاهِدِ فَقَطْ لِضَعْفِ الشَّهَادَةِ عَلَى الْخَطِّ؟ ثُمَّ قَالَ (فَرْعٌ) وَإِذَا أَقَامَ صَاحِبُ الْحَقِّ شَاهِدًا وَاحِدًا عَلَى الْخَطِّ فَرِوَايَتَانِ حَكَاهُمَا ابْنُ الْجَلَّابِ، وَهُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّهُ إذَا شَهِدَ لَهُ اثْنَانِ هَلْ يَحْتَاجُ إلَى يَمِينٍ، أَوْ لَا فَمَنْ قَالَ لَا يَحْتَاجُ إلَى يَمِينٍ أَعْمَلَ الشَّهَادَةَ هُنَا، وَمَنْ قَالَ يَحْتَاجُ أَبْطَلَ الشَّهَادَةَ هُنَا، وَإِذَا قُلْنَا يُحْكَمُ لَهُ بِهِ فَيَحْتَاجُ إلَى يَمِينَيْنِ يَمِينٍ مَعَ شَاهِدِهِ، وَيَمِينٍ أُخْرَى لِيُكْمِلَ السَّبَبَ. الشَّارْمَسَاحِيُّ فِي شَرْحِ الْجَلَّابِ، وَصَحَّ أَنْ يَحْلِفَ يَمِينَيْنِ فِي حَقٍّ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّهُمَا عَلَى جِهَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ لَا عَلَى جِهَةٍ وَاحِدَةٍ اهـ (فَرْعٌ) إذَا لَمْ يُوجَدْ مَنْ يَشْهَدُ عَلَى خَطِّ الْمُقِرِّ فَطَلَبَ الْمُدَّعِي أَنْ يُجْبَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى أَنْ يَكْتُبَ بِمَحْضَرِ الْعُدُولِ، وَيُقَابِلَ مَا كَتَبَهُ بِمَا أَظْهَرَهُ الْمُدَّعِي، فَأَفْتَى عَبْدُ الْحَمِيدِ بِعَدَمِ جَبْرِهِ، وَأَفْتَى اللَّخْمِيُّ بِجَبْرِهِ، وَأَنْ يَطُولَ تَطْوِيلًا لَا يُمْكِنُ أَنْ يَسْتَعْمِلَ فِيهِ خَطًّا غَيْرَ خَطِّهِ. اهـ. وَامْتَنَعَ النُّقْصَانُ وَالزِّيَادَهْ ... إلَّا لِمَنْ بَرَّزَ فِي الشَّهَادَهْ يَعْنِي أَنَّ الشَّاهِدَ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَزِيدَ فِي شَهَادَتِهِ، أَوْ يَنْقُصَ مِنْهَا إلَّا إذَا كَانَ مُبَرِّزًا سَابِقًا فِي الْعَدَالَةِ، فَيُقْبَلُ مِنْهُ مَا زَادَ أَوْ نَقَصَ كَمَا لَوْ شَهِدَ أَنَّ لِزَيْدٍ قِبَلَ عَمْرٍو مِائَةً ثُمَّ شَهِدَ أَنَّهَا مِائَةٌ وَعِشْرُونَ أَوْ قَالَ: إنَّمَا

عَلَيْهِ ثَمَانُونَ، أَوْ بِالْعَكْسِ وَظَاهِرُ قَبُولِ ذَلِكَ مِنْ الْمُبَرِّزِ قَبْلَ الْحُكْمِ أَوْ بَعْدَهُ وَفِي ذَلِكَ خِلَافٌ، وَتَفْصِيلٌ يُرَاجَعُ فِي الْمُطَوَّلَاتِ، وَأَمَّا غَيْرُ الْمُبَرِّزِ فَلَا تُقْبَلُ مِنْهُ زِيَادَةٌ وَلَا نُقْصَانٌ، وَقَبُولُ ذَلِكَ مِنْ الْمُبَرِّزِ مَحِلُّهُ بَعْدَ أَدَائِهَا عِنْدَ الْقَاضِي، وَأَمَّا قَبْلَ ذَلِكَ فَلَا تُعْتَبَرُ زِيَادَةً وَلَا نُقْصَانَ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي عَدِّ مَا يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّبْرِيزُ فِي الْعَدَالَةِ وَمَنْ زَادَ فِي شَهَادَتِهِ أَوْ نَقَصَ بَعْدَ أَدَائِهَا. اهـ (وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ) قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ شَهِدَ بِثَلَاثِينَ دِينَارًا ثُمَّ جَاءَ يَذْكُرُ أَنَّهَا كَانَتْ خَمْسِينَ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، (قَالَ ابْنُ رُشْدٍ) هَذِهِ إحْدَى الْمَسَائِلِ الَّتِي يُشْتَرَطُ فِيهَا التَّبْرِيزُ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ اهـ، وَقَدْ تَقَدَّمَتْ هَذِهِ النَّظَائِرُ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَلِأَخِيهِ يَشْهَدُ الْمُبَرِّزُ الْبَيْتَ وَبَرَّزَ فِي الْبَيْتِ بِفَتْحِ الرَّاءِ. وَرَاجِعٌ عَنْهَا قَبُولُهُ اعْتَبِرْ ... مَا الْحُكْمُ لَمْ يَمْضِ وَإِنْ لَمْ يَعْتَذِرْ وَإِنْ مَضَى الْحُكْمُ فَلَا وَاخْتُلِفَا ... فِي غُرْمِهِ لِمَا بِهَا قَدْ أُتْلِفَا وَشَاهِدُ الزُّورِ اتِّفَاقًا يَغْرَمُهْ ... فِي كُلِّ حَالٍ الْعِقَابُ يَلْزَمُهْ تَكَلَّمَ فِي الْأَبْيَاتِ عَلَى رُجُوعِ الشَّاهِدِ عَنْ الشَّهَادَةِ وَلِلرُّجُوعِ كَمَا قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ ثَلَاثُ صُوَرٍ: الصُّورَةُ الْأُولَى: قَبْلَ الْقَضَاءِ فَلَا قَضَاءَ أَيْ لَا: يُقْضَى بِهَا وَتَصِيرُ كَالْعَدَمِ، وَإِلَى هَذِهِ الصُّورَةِ أَشَارَ بِالْبَيْتِ الْأَوَّلِ فَضَمِيرُ قَبُولِهِ لِلرُّجُوعِ، وَالْمَعْنَى أَنَّ رُجُوعَهُ يُقْبَلُ، وَيُعْمَلُ بِهِ سَوَاءٌ اعْتَذَرَ وَقَالَ تَوَهَّمْت مَثَلًا، أَوْ نَسِيت، أَوْ لَمْ يَعْتَذِرْ إذَا كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ إمْضَاءِ الْحُكْمِ (ابْنُ الْحَاجِبِ) . الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ: بَعْدَ الْقَضَاءِ وَقَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ. (قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ) : يُسْتَوْفَى الدَّمُ كَالْمَالِ وَقَالَ أَيْضًا: وَغَيْرُهُ لَا يُسْتَوْفَى لِحُرْمَةِ الدَّمِ. الصُّورَةُ الثَّالِثَةُ بَعْدَ الِاسْتِيفَاءِ فَيُغَرَّمَانِ الدِّيَةَ وَغَيْرَهَا إنْ لَمْ يَثْبُتْ عَمْدُهُمَا عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ، لَا يُغَرَّمَانِ عِنْدَ ابْنِ الْمَاجِشُونِ، فَإِنْ ثَبَتَ عَمْدُهُمَا فَالدِّيَةُ لِابْنِ الْقَاسِمِ، وَالْقِصَاصُ لِأَشْهَبَ وَإِلَى هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ " وَإِنْ مَضَى الْحُكْمُ فَلَا " وَهُوَ تَصْرِيحٌ بِمَفْهُومِ قَوْلِهِ قَبْلَهُ " مَا الْحُكْمُ لَمْ يَمْضِ " يَعْنِي أَنَّ رُجُوعَ الشَّاهِدِ إذَا كَانَ بَعْدَ حُكْمِ الْقَاضِي بِمُقْتَضَى الشَّهَادَةِ سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ كَمَا إذَا حُكِمَ بِغُرْمِ الْمَالِ، وَلَمْ يُؤْخَذْ مِنْ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ حَتَّى رَجَعَ الشَّاهِدُ، وَهِيَ الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ عِنْدَ ابْنِ الْحَاجِبِ، أَوْ كَانَ رُجُوعُهُ بَعْدَ الِاسْتِيفَاءِ وَهُوَ دَفْعُ الْمَالِ الْمِثَالُ الْمَذْكُورُ وَهِيَ الصُّورَةُ الثَّالِثَةُ، فَإِنَّ الرُّجُوعَ فِي هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ لَا يُعْتَبَرُ وَلَا يُعْمَلُ عَلَيْهِ، بَلْ يَمْضِي الْحُكْمُ وَيُسْتَوْفَى الْمَالُ، وَاخْتُلِفَ فِي اسْتِيفَاءِ الدَّمِ هَذَا بَعْدَ الْحُكْمِ وَقَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ، وَأَمَّا بَعْدَ الِاسْتِيفَاءِ فَلَا كَلَامَ فَقَوْلُهُ " وَإِنْ مَضَى الْحُكْمُ فَلَا " أَيْ: فَلَا يُعْتَبَرُ الرُّجُوعُ وَلَا يُعْمَلُ عَلَيْهِ بِقَدْرٍ، كَأَنَّهُ لَمْ يَرْجِعْ وَيَبْقَى الْكَلَامُ فِي غُرْمِ الشَّاهِدِ لِمَا أَتْلَفَ بِشَهَادَتِهِ (وَاعْلَمْ) أَنَّ الْمُتْلَفَ بِالشَّهَادَةِ إمَّا نَفْسٌ، أَوْ مَالٌ فَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ أَنَّهُ تَعَمَّدَ

الْكَذِبَ وَالزُّورَ فَفِي غُرْمِهِ الْمَالَ مِنْ دِيَةٍ أَوْ غَيْرِهَا قَوْلَانِ: فَيُغَرَّمُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ، وَلَا يُغَرَّمُ عِنْدَ ابْنِ الْمَاجِشُونِ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ الْحَاجِبِ، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ النَّاظِمُ بِقَوْلِهِ " وَاخْتَلَفَا " إلَخْ وَضَمِيرُ بِهَا لِلشَّهَادَةِ فَإِنْ ثَبَتَ أَنَّهُ تَعَمَّدَ الْكَذِبَ، وَالزُّورَ فَيُغَرَّمُ الْمَالَ اتِّفَاقًا، وَلَا إشْكَالَ وَإِنْ كَانَ شَهِدَ بِالْقَتْلِ، أَوْ الْجُرْحِ عَمْدًا ثُمَّ رَجَعَ عَنْ شَهَادَتِهِ وَثَبَتَ أَنَّ شَهَادَتَهُ بِالْقَتْلِ، أَوْ بِالْجُرْحِ كَانَتْ زُورًا وَكَذِبًا. فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يُغَرَّمُ الدِّيَةَ وَقَالَ أَشْهَبُ: يُقْتَصُّ مِنْ الشَّاهِدِ وَإِلَى هَذَا الْوَجْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ وَشَاهِدُ الزُّورِ اتِّفَاقًا يَغْرَمُهْ أَيْ: مَا أَتْلَفَ بِشَهَادَتِهِ وَمَعْنَى فِي كُلِّ حَالٍ أَيْ: سَوَاءٌ كَانَ الْمَشْهُودُ بِهِ مَالًا، أَوْ دَمًا، وَظَاهِرُ قَوْلِهِ " يَغْرَمُهْ فِي كُلِّ حَالٍ " أَنَّهُ لَا يُنْتَقَصُ مِنْ الشَّاهِدِ فِي الْقَتْلِ، أَوْ الْجُرْحِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَقَوْلُهُ " وَالْعِقَابُ يَلْزَمُهْ " أَيْ: لِشَاهِدِ الزُّورِ زِيَادَةً عَلَى الْغُرْمِ (قَالَ الشَّارِحُ) فِي كِتَابِ ابْنِ يُونُسَ قَالَ سَحْنُونٌ: إذَا رَجَعَ الشُّهَدَاءُ قَبْلَ الْحُكْمِ، وَقَدْ شَهِدُوا بِحَقٍّ، أَوْ حَدِّ اللَّهِ مِنْ زِنًى، أَوْ سَرِقَةٍ، أَوْ خَمْرٍ، أَوْ عِتْقٍ، أَوْ فِي جَمِيعِ الْأَقْوَالِ فَإِنَّهُمْ يُقَالُونَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ مِنْ الْعُقُوبَةِ وَهِمُوا فِي شَهَادَتِهِمْ، أَوْ رَجَعُوا عَنْهَا لِشَكٍّ خَالَطَهُمْ؛ لِأَنَّ الْعُقُوبَةَ فِي هَذَا تُوجِبُ الْخَوْفَ فَلَا يَرْجِعُ أَحَدٌ عَنْ شَهَادَةٍ شَهِدَهَا عَلَى بَاطِلٍ أَوْ شَكٍّ إذَا أَرَادَ التَّوْبَةَ، وَيُحَدُّونَ فِيمَا شَهِدُوا بِهِ مِنْ الزِّنَا حَدَّ الْقَذْفِ فِي الْحُرِّ الْمُسْلِمِ، وَفِيهِ أَيْضًا رَوَى الْمُغِيرَةُ عَنْ أَبِي ذِئْبٍ أَنَّ رَسُولَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " قَالَ فِي شَاهِدٍ شَهِدَ ثُمَّ رَجَعَ عَنْ شَهَادَتِهِ بَعْدَ أَنْ حَكَمَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «تَمْضِي شَهَادَتُهُ الْأُولَى لِأَهْلِهَا وَهِيَ الشَّهَادَةُ وَالْأَخِيرَةُ بَاطِلَةٌ» وَأَخَذَ بِذَلِكَ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ، وَجَمِيعُ أَصْحَابِهِ يَرَوْنَ أَنْ يُغَرَّمَ مَا أَتْلَفَ بِشَهَادَتِهِ إذَا أَقَرَّ بِتَعَمُّدِ الزُّورِ قَالَهُ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ (قَالَ سَحْنُونٌ) : اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي رُجُوعِ الْبَيِّنَةِ بَعْدَ الْحُكْمِ فَقَالُوا: إنْ قَالُوا وَهِمْنَا، أَوْ اُشْتُبِهَ عَلَيْنَا فَلَا غُرْمَ عَلَيْهِمْ، وَلَا أَدَبَ وَإِنْ قَالُوا زَوَّرْنَا غُرِّمُوا مَا أَتْلَفُوا وَأُدِّبُوا، وَقَالَ آخَرُونَ يُغَرَّمُوا مَا أَتْلَفُوا فِي الْعَمْدِ، وَالْوَهْمِ، وَالشَّكِّ، وَيُؤَدَّبُ الْمُتَعَمِّدُونَ. اهـ. (وَفِي شَهَادَةِ الْمُدَوَّنَةِ) إنْ أُخِذَ شَاهِدُ الزُّورِ ضُرِبَ قَدْرَ مَا يَرَاهُ الْإِمَامُ، وَيُطَافُ بِهِ فِي الْمَجَالِسِ، (ابْنُ الْقَاسِمِ) يُرِيدُ فِي مَجَالِسِ الْمَسْجِدِ الْأَعْظَمِ (وَفِي مُفِيدِ الْحُكَّامِ) اتَّفَقَ أَصْحَابُ مَالِكٍ عَلَى تَغْرِيمِ شَاهِدِ الزُّورِ مَا أَتْلَفَ بِشَهَادَتِهِ، وَاخْتَلَفُوا فِي تَغْرِيمِهِ إذَا ادَّعَى الْوَهْمَ وَالشَّبَهَ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا غُرْمَ وَلَا أَدَبَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يُغَرَّمُ اهـ وَرَاجِعْ شُرَّاحَ قَوْلِهِ " وَعُزِّرَ شَاهِدُ الزُّورِ فِي مَلَأٍ بِنِدَاءٍ " (تَنْبِيهَانِ: الْأَوَّلُ) : مَا تَقَدَّمَ مِنْ إمْضَاءِ الْحُكْمِ فِي رُجُوعِ الشَّاهِدِ إنَّمَا هُوَ إذَا لَمْ يُتَبَيَّنْ كَذِبُهُ فِيمَا شَهِدَ بِهِ أَوَّلًا بِأَنْ كَانَ ذَلِكَ بِإِقْرَارِهِ لِاحْتِمَالِ صِدْقِهِ فِيمَا شَهِدَ بِهِ أَوَّلًا، وَكَذِبِهِ فِيمَا رَجَعَ إلَيْهِ، وَأَمَّا إنْ تَبَيَّنَ كَذِبُهُ فَإِنَّ الْحُكْمَ يُنْقَضُ إنْ أَمْكَنَ نَقْضُهُ كَاسْتِحْقَاقِ رُبْعٍ وَنَحْوِهِ كَمَسْأَلَةِ الْمُدَوَّنَةِ فِيمَنْ شَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ بِمَوْتِهِ فَبِيعَتْ تِرْكَتُهُ وَتَزَوَّجَتْ زَوْجَتُهُ، ثُمَّ قَدِمَ حَيًّا فَإِنْ ذَكَرَ الشُّهُودُ مَا يُعْذَرُونَ بِهِ فَهَذَا تُرَدُّ إلَيْهِ زَوْجَتُهُ، وَلَيْسَ لَهُ مِنْ مَتَاعِهِ إلَّا مَا وَجَدَ، وَمَا بِيعَ فَهُوَ أَحَقُّ بِالثَّمَنِ إنْ وَجَدَهُ قَائِمًا فَإِنْ لَمْ تَأْتِ الْبَيِّنَةُ بِمَا تُعْذَرُ بِهِ فَذَلِكَ كَتَعَمُّدِهِمْ الزُّورَ فَلْيَأْخُذْ مَتَاعَهُ حَيْثُ وَجَدَهُ وَعَبْدَهُ، وَإِنْ كَانَ قَدْ أُعْتِقَ وَأَمَتُهُ، وَإِنْ كَانَتْ قَدْ صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ وَإِلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَشَارَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ بِقَوْلِهِ آخِرَ الِاسْتِحْقَاقِ كَمَشْهُودٍ بِمَوْتِهِ إنْ عُذِرَتْ بَيِّنَتُهُ، وَإِلَّا فَكَالْغَاصِبِ وَكَذَلِكَ إنْ شَهِدَ رَجُلَانِ بِأَنَّ هَذَا الرَّجُلَ قَتَلَ فُلَانًا عَمْدًا فَحُكِمَ بِقَتْلِهِ، ثُمَّ قَدِمَ حَيًّا قَبْلَ قَتْلِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ فَإِنَّ الْحُكْمَ يَنْتَقِضُ، وَكَذَلِكَ إنْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى رَجُلٍ بِالزِّنَا فَحُكِمَ بِرَجْمِهِ، فَوُجِدَ الرَّجُلُ مَجْبُوبًا فَيُنْتَقَضُ الْحُكْمُ، وَلَا يُحَدُّ الشُّهُودُ حَدَّ الْقَذْفِ إذْ لَا حَدَّ عَلَى مَنْ قَالَ لِلْمَجْبُوبِ يَا زَانِي أَمَّا مَا لَا يُمْكِنُ نَقْضُهُ فَلَا إشْكَالَ فِي عَدَمِ نَقْضِهِ، وَيَمْضِي إذْ الْفَرْضُ أَنَّ نَقْضَهُ غَيْرُ مُمْكِنٍ، وَذَلِكَ كَالْحُكْمِ بِقَتْلِ الْقَاتِلِ فَقُتِلَ ثُمَّ قَدِمَ الْمَشْهُودُ بِقَتْلِهِ حَيًّا، وَكَالْحُكْمِ بِرَجْمِ مَنْ شَهِدَ عَلَيْهِ أَرْبَعٌ بِالزِّنَا فَرُجِمَ فَظَهَرَ أَنَّ الَّذِي رُجِمَ مَجْبُوبٌ فَلَا يُحَدُّ الشُّهُودُ لِلْقَذْفِ كَمَا مَرَّ، بَلْ عَلَيْهِمْ الدِّيَةُ فِي أَمْوَالِهِمْ مَعَ الْأَدَبِ وَطُولِ السَّجْنِ. (الثَّانِي) مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الرُّجُوعَ إذَا كَانَ قَبْلَ الْحُكْمِ فَإِنَّ الشَّهَادَةَ تَصِيرُ كَالْعَدَمِ بِغَيْرِ الشَّهَادَةِ بِالزِّنَا مَا إنْ شَهِدُوا بِزِنًى، ثُمَّ رَجَعُوا قَبْلَ الْحُكْمِ فَإِنَّهُمْ يُحَدُّونَ

فصل في أنواع الشهادات

حَدَّ الْقَذْفِ فِي الْحُرِّ الْمُسْلِمِ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ يُونُسَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ [فَصْلٌ فِي أَنْوَاعِ الشَّهَادَاتِ] ِ ثُمَّ الشَّهَادَةُ لَدَى الْقَضَاءِ ... جُمْلَتُهَا خَمْسٌ بِالِاسْتِقْرَاءِ تَخْتَصُّ أُولَاهَا عَلَى التَّعْيِينِ ... أَنْ تُوجِبَ الْحَقَّ بِلَا يَمِينِ فَفِي الزِّنَا مِنْ الذُّكُورِ أَرْبَعَهْ ... وَمَا عَدَا الزِّنَا فَفِي اثْنَيْنِ سَعَهْ وَرَجُلٌ بِامْرَأَتَيْنِ يُعْتَضَدْ ... فِي كُلِّ مَا يَرْجِعُ لِلْمَالِ اُعْتُمِدْ وَفِي اثْنَتَيْنِ حَيْثُ لَا يَطَّلِعُ ... إلَّا النِّسَاءُ كَالْمَحِيضِ مَقْنَعُ قَسَّمَ النَّاظِمُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الشَّهَادَةَ إلَى خَمْسَةِ أَقْسَامٍ (الْأَوَّلُ) : مِنْهَا مَا يُوجِب الْحَقَّ بِلَا يَمِينٍ لَكِنْ بِشَرْطِ تَعَدُّدِ الشَّاهِدِ فِيهَا عَلَى الْجُمْلَةِ وَلَوْ صَغِيرًا، أَوْ امْرَأَةً. (الثَّانِي) : مَا يُوجِبُهُ لَكِنْ مَعَ الْيَمِينِ. (الثَّالِثُ) : لَا يُوجِبُ حَقًّا بَلْ تَوْقِيفَ الشَّيْءِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ. (الرَّابِعُ) : مَا يُوجِبُ الْيَمِينَ فَقَطْ عَلَى الْمَطْلُوبِ. (الْخَامِسُ) : مَا لَا يُوجِبُ شَيْئًا وَلَا عَمَلَ عَلَيْهِ، وُجُودُهُ كَالْعَدَمِ وَهَذَا التَّقْسِيمُ هُوَ بِاعْتِبَارِ مُوجَبِ الشَّهَادَةِ بِفَتْحِ الْجِيمِ أَيْ: مَا تُوجِبُهُ وَمَا يَنْبَنِي عَلَيْهَا. (وَقَسَّمَهَا) ابْنُ الْحَاجِبِ إلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ وَسَمَّاهَا مَرَاتِبَ، وَهَذَا بِاعْتِبَارِ مَا يَكْفِي فِي الْمَشْهُودِ فِيهِ عَلَى اخْتِلَافِ أَنْوَاعِهِ، فَبَعْضُهُ لَا يَكْفِي وَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِشَهَادَةِ أَرْبَعَةٍ كَالزِّنَا، وَبَعْضُهُ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِعَدْلَيْنِ، وَهُوَ مَا لَيْسَ زِنًى وَلَا مَالًا وَلَا آيِلًا إلَى مَالٍ كَالنِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ، وَبَعْضُهُ يَثْبُتُ بِرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ، وَذَلِكَ الْمَالُ وَمَا يَئُولُ إلَيْهِ كَالْآجَالِ، وَالْخِيَارِ، وَالشُّفْعَةِ، وَبَعْضُهُ يَثْبُتُ بِامْرَأَتَيْنِ وَهُوَ مَا لَا يَظْهَرُ لِلرِّجَالِ كَالْوِلَادَةِ وَعُيُوبِ النِّسَاءِ، وَزَادَ غَيْرُهُ مَا يَثْبُتُ بِامْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ، وَذَلِكَ الْخِلْطَةُ عِنْد مَنْ اشْتَرَطَهَا فِي تَوَجُّهِ الْيَمِينِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَلِكُلٍّ مِنْ صَنِيعِ النَّاظِمِ التَّابِعِ فِيهِ لِابْنِ الْقَاسِمِ الْجَزِيرِيِّ، وَصَنِيعِ ابْنِ الْحَاجِبِ التَّابِعِ فِيهِ لِابْنِ شَاسٍ، وَجْهٌ أَحَدُهُمَا قَرِيبٌ مِنْ الْآخَرِ أَوْ عَيْنُهُ، فَالزِّنَا مَثَلًا تَكَلَّمَ فِيهِ النَّاظِمُ عَلَى أَنَّهُ إنْ شَهِدَ بِهِ أَرْبَعَةٌ ثَبَتَ بِلَا يَمِينٍ (، وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ) : لَا يَثْبُتُ إلَّا بِأَرْبَعَةٍ وَمَا لَيْسَ بِمَالٍ كَالنِّكَاحِ، وَالطَّلَاقُ فِي النَّظْمِ تَكَلَّمَ عَلَى أَنَّهُ إذَا شَهِدَ بِهِ عَدْلَانِ ثَبَتَ بِلَا يَمِينٍ وَابْنُ الْحَاجِبِ قَالَ: إنَّهُ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِعَدْلَيْنِ، وَالْمَالُ وَمَا يَئُولُ إلَيْهِ تَكَلَّمَ فِي النَّظْمِ عَلَى أَنَّهُ يَثْبُتُ بِرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ وَابْنُ الْحَاجِبِ عَلَى أَنَّهُ يَثْبُتُ بِذَلِكَ وَبِغَيْرِهِ كَامْرَأَتَيْنِ وَيَمِينٍ، وَرَجُلٍ وَيَمِينٍ، وَكِلَاهُمَا حَسَنٌ فَجَزَاهُمَا اللَّهُ عَنْ الْمُسْلِمِينَ خَيْرًا، وَأَعْظَمَ لَهُمَا ثَوَابًا وَأَجْرًا. وَذَكَرَ النَّاظِمُ فِي هَذِهِ الْأَبْيَاتِ الْقِسْمَ الْأَوَّلَ الَّذِي يُوجِبُ الْحَقَّ بِلَا يَمِينٍ، وَتَحْتَهُ سِتَّةُ أَنْوَاعٍ (النَّوْعُ الْأَوَّلُ) : شَهَادَةُ أَرْبَعَةٍ عُدُولٍ فِي الزِّنَا يَرَوْنَهُ كَالْمِرْوَدِ فِي الْمُكْحُلَةِ. (الثَّانِي) : شَهَادَةُ عَدْلَيْنِ فِي الْمَالِ وَغَيْرِهِ مَا عَدَا الزِّنَا وَإِلَى هَذَيْنِ النَّوْعَيْنِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ فَفِي الزِّنَا مِنْ الذُّكُورِ أَرْبَعَهْ الْبَيْتَ. (الثَّالِثُ) : شَهَادَةُ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ وَذَلِكَ فِي الْمَالِ، وَمَا يَئُولُ إلَيْهِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ وَرَجُلٌ بِامْرَأَتَيْنِ يُعْتَضَدْ (الرَّابِعُ) : شَهَادَةُ امْرَأَتَيْنِ فِيمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ كَالْحَيْضِ، وَالْوِلَادَةِ إلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِقَوْلِهِ وَفِي اثْنَتَيْنِ حَيْثُ الْبَيْتَ وَلَدَى فِي الْبَيْتِ الْأَوَّلِ بِمَعْنَى عِنْدَ؛ لِأَنَّهَا لَا تُعْتَبَرُ فَتُوجِبُ حَقًّا أَوْ لَا تُوجِبُهُ إلَّا عِنْدَ أَدَائِهَا عِنْدَ الْقَاضِي، وَالِاسْتِقْرَاءُ التَّتَبُّعُ وَالْبَحْثُ، وَضَمِيرُ أُولَاهَا لِلْخَمْسِ، وَبِامْرَأَتَيْنِ يَتَعَلَّقُ بِيُعْتَضَدُ، وَجُمْلَةُ اُعْتُمِدَ خَبَرُ رَجُلٍ، وَسَوَّغَ الِابْتِدَاءَ بِهِ وَصْفُهُ بِجُمْلَةِ يُعْتَضَدُ، وَنَائِبُهُ يَعُودُ عَلَى الرَّجُلِ الْمَوْصُوفِ وَهُوَ الرَّابِطُ لِجُمْلَةِ الْخَبَرِ بِالْمُبْتَدَأِ وَفِي كُلِّ يَتَعَلَّقُ بِاعْتُمِدَ وَفِي اثْنَتَيْنِ خَبَرُ مَقْنَعُ، وَسَوَّغَ الِابْتِدَاءَ بِهِ تَقَدُّمُ الْخَبَرِ وَهُوَ جَارٌّ وَمَجْرُورٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) : قَالَ الشَّارِحُ الْيَمِينُ: الْمَنْفِيَّةُ فِي هَذَا الْقَسَمِ هِيَ الْيَمِينُ الَّتِي يُقْصَدُ بِهَا تَقْوِيَةُ شَهَادَةِ الشُّهُودِ الَّذِينَ شَهِدُوا فِي ذَلِكَ، كَالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ، أَوْ مَعَ شَهَادَةِ امْرَأَتَيْنِ فِي الْأَمْوَالِ وَنَحْوِهَا، فَلَا تُعْتَرَضُ بِيَمِينِ الْقَضَاءِ الْوَاجِبَةِ فِي حَقِّ الْمَيِّتِ، وَالْغَائِبِ وَمَنْ لَحِقَ بِهِمَا؛ لِأَنَّ تِلْكَ الْيَمِينَ لَيْسَتْ بِعَاضِدَةٍ لِشَهَادَةِ الشُّهُودِ، وَلَا مُقَوِّيَةً لَهَا، وَإِنَّمَا هِيَ فِي مُقَابَلَةِ فَرْضِ دَعْوَى الْغَرِيمِ الْبَرَاءَةَ مِنْ الْحَقِّ، وَكَذَلِكَ

لَا يُعْتَرَضُ بِيَمِينِ الِاسْتِحْقَاقِ الْوَاجِبَةِ فِي غَيْرِ الْأُصُولِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِمُقَوِّيَةٍ أَيْضًا، وَإِنَّمَا هِيَ فِي مُقَابَلَةِ فَرْضِ دَعْوَى صَيْرُورَةِ الْمُسْتَحِقِّ لِلْمُسْتَحَقِّ مِنْهُ بِهِبَةٍ، أَوْ غَيْرِهَا مِمَّا يَنْفِي الْيَمِينُ احْتِمَالَهَا، وَلَا يَكْفِي عَنْهَا قَوْلُ الشُّهُودِ وَمَا يَعْلَمُونَهُ بَاعَهُ وَلَا وَهَبَهُ؛ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا نَفَوْا الْعِلْمَ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُمْ شَهِدُوا بِالْمِلْكِيَّةِ عَلَى الْبَيْتِ، وَبِاسْتِمْرَارِهَا عَلَى الْعِلْمِ، فَالْيَمِينُ فِي مُقَابَلَةِ دَعْوَى مَا لَمْ يَعْلَمُهُ الشَّاهِدُ مِنْ عَدَمِ اسْتِمْرَارِ الْمِلْكِ لَا لِتَقْوِيَةِ الشَّهَادَةِ. (الثَّانِي) : شَمَلَ قَوْلُهُ وَمَا عَدَا الزِّنَا فَفِي اثْنَيْنِ سَعَهْ جَمِيعَ الْحُقُوقِ فِي الْمَالِيَّةِ، وَالْبَدَنِيَّةِ مَا عَدَا الزِّنَا لِتَقَدُّمِهِ، فَجَمِيعُ ذَلِكَ يَثْبُتُ بِعَدْلَيْنِ عَلَى تَفْصِيلٍ فِي أَفْرَادِهِ، إذْ مِنْهَا مَا لَا يَثْبُتُ إلَّا بِعَدْلَيْنِ، وَمِنْهَا مَا يَثْبُتُ بِعَدْلٍ وَيَمِينٍ، أَوْ بِعَدْلٍ وَامْرَأَتَيْنِ، أَوْ بِامْرَأَتَيْنِ وَيَمِينٍ، فَثُبُوتُ جَمِيعِ ذَلِكَ بِعَدْلَيْنِ هُوَ الَّذِي فِي النَّظْمِ، وَالتَّفْصِيلُ الَّذِي فِي أَفْرَادِهِ هُوَ الَّذِي فِي ابْنِ الْحَاجِبِ، وَسَوَاءٌ تَضَمَّنَتْ شَهَادَةُ عَدْلَيْنِ إتْلَافَ نَفْسٍ كَالْقَوَدِ، أَوْ عُضْوٍ كَالْقَطْعِ، أَوْ إبَاحَةِ بِضْعٍ كَالنِّكَاحِ، أَوْ انْتِهَاكِ بَشَرَةٍ كَالتَّعْزِيرِ وَالْحُدُودِ، أَوْ إبَانَةِ عِصْمَةٍ كَالطَّلَاقِ وَالْفَسْخِ، أَوْ إبَانَةِ مَالٍ كَالْهِبَةِ وَالْعِتْقِ، أَوْ نَقْلِ مِلْكٍ كَالْمُعَاوَضَةِ وَالْبَيْعِ، أَوْ تَعْمِيرِ ذِمَّةٍ كَالسَّلَمِ وَالدَّيْنِ، أَوْ تَعَلُّقِ حَقٍّ كَالْعَارِيَّةِ وَالرَّهْنِ، أَوْ إلْزَامِ حُكْمٍ كَالتَّعَدِّي وَالْغَصْبِ، الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ وَاحِدٌ وَلَكِنَّ الَّذِي يَخْتَصُّ بِهِ الرِّجَالُ وَلَا يَتِمُّ إلَّا بِهِمْ أَحْكَامٌ مَخْصُوصَةٌ مِنْ ذَلِكَ. (قَالَ ابْنُ شَاسٍ) : الْمَرْتَبَةُ الثَّانِيَةُ مَا عَدَا الزِّنَا مِمَّا لَيْسَ بِمَالٍ، وَلَا يَئُولُ إلَيْهِ كَالنِّكَاحِ، وَالرَّجْعَةِ، وَالْعِتْقِ، وَالطَّلَاقِ، وَالْإِسْلَامِ، وَالرِّدَّةِ، وَالْبُلُوغِ، وَالْوَلَاءِ، وَالْعِدَّةِ، وَالْجَرْحِ، وَالتَّعْدِيلِ، وَالْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ، وَثُبُوتِهِ فِي النَّفْسِ وَالْأَطْرَافِ عَلَى خِلَافٍ فِيهَا، وَالنَّسَبِ، وَالْمَوْتِ، وَالْكِتَابَةِ، وَالتَّدْبِيرِ وَشِبْهِ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ الْوَكَالَةُ، وَالْوَصِيَّةُ عِنْدَ أَشْهَبَ وَعَبْدِ الْمَلِكِ، وَشَرْطُ ذَلِكَ كُلِّهِ التَّعَدُّدُ وَالذُّكُورِيَّةُ اهـ عَلَى نَقْلِ الشَّارِحِ. فَهَذِهِ تِسْعَ عَشْرَةَ مَسْأَلَةً مِمَّا لَا يَثْبُتُ إلَّا بِعَدْلَيْنِ، وَمِثْلُهَا لِابْنِ الْحَاجِبِ، وَفِي الْبَابِ الثَّانِي مِنْ الْقِسْمِ الثَّانِي مِنْ تَبْصِرَةِ ابْنِ فَرْحُونَ مَا نَصُّهُ الْبَابُ الثَّانِي فِي الْقَضَاءِ بِشَاهِدَيْنِ لَا يُجْزِئُ غَيْرُهُمَا وَذَلِكَ فِي النِّكَاحِ

وَالطَّلَاقِ، وَالْخُلْعِ، وَالتَّمْلِيكِ، وَالْمُبَارَاةِ، وَالْعِتْقِ، وَالْإِسْلَامِ، وَالرِّدَّةِ، وَالنَّسَبِ، وَالْكِتَابَةِ، وَالتَّدْبِيرِ، وَالْبُلُوغِ، وَالْعِدَّةِ، وَالْجَرْحِ، وَالتَّعْدِيلِ، وَالشُّرْبِ، وَالْقَذْفِ، وَالْحِرَابَةِ، وَالشَّرِكَةِ، وَالْآجَالِ، وَالْأَحْصَالِ، وَقَتْلِ الْعَمْدِ، وَكَذَلِكَ الْوَكَالَةُ، وَالْوَصِيَّةُ عِنْدَ أَشْهَبَ فَهَذِهِ الْأَحْكَامُ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ ذَكَرَيْنِ حُرَّيْنِ عَدْلَيْنِ، قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ، وَغَيْرُهُ. اهـ. وَانْظُرْ عِدَّةَ الْخُلْعِ وَالْمُبَارَاةِ مَعَ أَنَّهُمَا دَاخِلَانِ فِي الطَّلَاقِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْخُلْعِ وَالْمُبَارَاةِ وَالِافْتِدَاءِ أَنَّ الْمُبَارَاةَ أَنْ تَقُولَ الْمَرْأَةُ لِزَوْجِهَا قَبْلَ الْبِنَاءِ: خُذْ مَا أَعْطَيْتنِي وَاتْرُكْنِي، وَالْخُلْعَ بِأَنْ تَخْتَلِعَ بِكُلِّ الَّذِي لَهَا، وَالِافْتِدَاءَ أَنْ تَفْتَدِيَ بِبَعْضٍ وَتُمْسِكَ بَعْضًا، قَالَهُ فِي الْمُقَرِّبِ. (قَالَ مُقَيِّدُ هَذَا الشَّرْحِ سَمَحَ اللَّهُ لَهُ) وَقَدْ كُنْت نَظَمْتُ هَذِهِ النَّظَائِرَ فِي أَبْيَاتٍ تَقْرِيبًا لِلْحِفْظِ فَقُلْت: وَشَاهِدَانِ فِي النِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ ... وَالْخُلْعِ وَالْإِبْرَاءِ وَتَمْلِيكِ عَتَاقِ وَرِدَّةِ إسْلَامٍ أَوْ بُلُوغٍ أَوْ ... عِدَّةٍ أَوْ جُرْحٍ وَتَعْدِيلٍ حَكَوْا وَنَسَبٍ كِتَابَةٍ تَدْبِيرٍ مَعْ ... شُرْبٍ وَقَذْفٍ وَحِرَابَةٍ تَبِعْ وَأَجَلٍ مَعَ قَتْلِ عَمْدٍ شِرْكَةِ ... إحْصَالٍ التَّوْكِيلِ وَالْوَصِيَّةِ عَفْوِ الْقِصَاصِ وَثُبُوتِهِ الْوَلَا ... وَرَجْعَةٍ مَوْتٍ كَذَاك نَقَلَا نَجْلُ الْحَاجِبِ وَفَرْحُونٍ لَدَى ... تَبْصِرَةٍ بِثَانِ قِسْمٍ قَدْ بَدَا (التَّنْبِيهُ الثَّالِثُ) : شَمِلَ قَوْلُهُ: وَرَجُلٌ بِامْرَأَتَيْنِ يُعْتَضَدْ الْبَيْتَ ثَلَاثَةَ أَنْوَاعٍ الْأَوَّلُ: الشَّهَادَةُ عَلَى مَا لَيْسَ بِمَالٍ، وَلَكِنَّهُ يَئُولُ إلَى الْمَال، وَيَظْهَرُ أَنَّ هَذَا هُوَ مَنْطُوقُ الْبَيْتِ الْمَذْكُورِ. الثَّانِي: عَكْسُهُ وَهُوَ الشَّهَادَةُ عَلَى الْمَالِ، وَلَكِنَّهُ يَئُولُ إلَى غَيْرِ الْمَالِ، وَكَانَ دُخُولُ هَذَا النَّوْعِ فِي كَلَامِ النَّاظِمِ مِنْ بَابِ لَا فَارِقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا قَبْلَهُ. الثَّالِثُ: الشَّهَادَةُ عَلَى الْمَالِ الْمَحْضِ، وَدُخُولِهِ فِي النَّوْعِ الْأَوَّلِ الْمُصَرَّحِ بِهِ فِي النَّظْمِ مِنْ بَابِ أَوْلَى، إذْ هُوَ أَخَفُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَمِثَالُ الْأَوَّلِ) الْوَكَالَةُ، وَنَقْلُ الشَّهَادَةِ

عَلَى مَنْ شَهِدَ بِمَالٍ، وَالشَّهَادَةُ عَلَى خَطِّ الْقَاضِي إذَا كَانَ مُضَمِّنُهُ مَالًا، وَعَلَى النِّكَاحِ بَعْدَ مَوْتِ الزَّوْجِ أَوْ الزَّوْجَةِ، أَوْ عَلَى مَيِّتٍ أَنَّ فُلَانًا أَعْتَقَهُ، أَوْ عَلَى نِسْبَةٍ أَنَّهُ ابْنُ فُلَانٍ، أَوْ أَخُوهُ إنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ وَارِثٌ ثَابِتُ النَّسَبِ، (قَالَ الشَّارِحُ) : فَأَجْرَاهَا ابْنُ الْقَاسِمِ عَلَى حُكْمِ الشَّاهِدِ عَلَى الْمَالِ لَمَّا كَانَ الْمُسْتَحَقُّ بِهَا مَالًا، وَأَبْقَاهَا أَشْهَبُ وَعَبْدُ الْمَلِكِ عَلَى الْأَصْلِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ عَلَى مَالٍ كَالنِّكَاحِ وَشِبْهِهِ اهـ، وَعَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ ذَهَبَ النَّاظِمُ (وَمِثَالُ الثَّانِي) لَوْ شَهِدَ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ أَنَّ الْمُكَاتَبَ دَفَعَ كِتَابَتَهُ لِسَيِّدِهِ، أَوْ شَهِدُوا لِرَجُلٍ أَنَّهُ بَاعَ أَمَتَهُ مِنْ ابْنِهَا أَوْ زَوْجِهَا جَازَتْ الشَّهَادَةُ، وَعَتَقَ الْمُكَاتَبُ وَالْأَمَةُ عَلَى ابْنِهَا وَوَقَعَ الْفِرَاقُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ اهـ (قُلْت) : وَلَا يَبْعُدُ تَخْرِيجُ الْخِلَافِ فِي هَذَا النَّوْعِ مِنْ الَّذِي قَبْلَهُ إذْ هُمَا مِنْ قَاعِدَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ هَلْ يُنْظَرُ إلَى الْحَالِ، أَوْ إلَى الْمَآلِ، وَلِلْمَسْأَلَةِ نَظَائِرُ. (وَمِثَالُ الثَّالِثِ) الْبَيْعُ كَانَ عَلَى النَّقْدِ أَوْ الْأَجَلِ وَالْقَرْضُ، أَوْ الْقِرَاضُ، الْوَدِيعَةُ، وَالْإِجَارَةُ، وَالْكَفَالَةُ بِالْمَالِ، وَدِيَةُ الْخَطَأِ وَالْعَمْدِ إذَا كَانَ لَا قَوَدَ فِيهِ. (الرَّابِعُ) دَخَلَ فِي قَوْلِهِ وَفِي اثْنَتَيْنِ حَيْثُ الْبَيْتَ كُلُّ مَا يَنْفَرِدُ النِّسَاءُ بِحُضُورِهِ دُونَ الرِّجَالِ وَذَلِكَ مِثْلُ: الْحَيْضِ، وَالرَّضَاعِ، وَالِاسْتِهْلَالِ، وَالْوِلَادَةِ، وَعُيُوبِ الْفَرْجِ، فَتَثْبُتُ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ بِامْرَأَتَيْنِ عَدْلَتَيْنِ (قَالَ فِي الرِّسَالَةِ) وَشَهَادَةُ امْرَأَتَيْنِ فَقَطْ فِيمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ مِنْ الْوِلَادَةِ، وَالِاسْتِهْلَالِ وَشِبْهِ ذَلِكَ جَائِزَةٌ، وَاخْتُلِفَ فِي شَهَادَتِهِمَا عَلَى كَوْنِ الْمَوْلُودِ ابْنًا، وَلَمْ يَتَعَذَّرُ تَأْخِيرُهُ لِشَهَادَةِ الرِّجَالِ، كَمَا اُخْتُلِفَ أَيْضًا فِي إرْخَاءِ السِّتْرِ، هَلْ هُوَ مِمَّا يَخْتَصُّ بِهِ النِّسَاءُ أَمْ لَا؟ . وَوَاحِدٌ يُجْزِئُ فِي بَابِ الْخَبَرِ ... وَاثْنَانِ أَوْلَى عِنْدَ كُلِّ ذِي نَظَرْ هَذَا هُوَ النَّوْعُ الْخَامِسُ، مِمَّا دَخَلَ تَحْتَ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ مِنْ أَقْسَامِ الشَّهَادَةِ، وَهُوَ مِمَّا يُوجِبُ الْحَقَّ بِلَا يَمِينٍ، وَهُوَ خَبَرُ الْمُخْبِرِ وَذَلِكَ كَالْقَائِفِ، وَالْمُوَجَّهِ مِنْ قِبَلِ الْقَاضِي لِلتَّحْلِيفِ، وَالْحِيَازَةِ وَمَا أَشْبَهَهُ، وَفِي عَدِّهِ مِنْ أَقْسَامِ الشَّهَادَةِ مُسَامَحَةٌ، إذْ هُوَ مِنْ بَابِ الْخَبَرِ وَهُوَ مُغَايِرٌ لِلشَّهَادَةِ فِي حُكْمِهِ لِكَوْنِهِ يَكْفِي فِيهِ الْوَاحِدُ، وَالشَّهَادَةُ يُشْتَرَطُ فِيهَا التَّعَدُّدُ، وَوَجْهُ إدْخَالِ النَّاظِمِ لَهُ فِي بَابِ الشَّهَادَةِ وَخُصُوصًا فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ مِنْهَا كَوْنُهُ مِثْلَهَا يُوجِبُ الْحَقَّ بِلَا يَمِينٍ، مَعَ اسْتِحْبَابِ التَّعَدُّدِ فِيهِ، لِقَوْلِهِ وَاثْنَانِ أَوْلَى عِنْدَ كُلِّ ذِي نَظَرْ فَدَخَلَ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ مَعَ أَقْسَامِ سَائِرِ الْبَابِ. (قَالَ ابْنُ رُشْدٍ) الْقِيَاسُ عَلَى أُصُولِهِمْ أَنْ يُحْكَمَ بِقَوْلِ الْقَائِفِ الْوَاحِدِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَدْلًا؛ لِأَنَّهُ عِلْمٌ يُؤَدِّيهِ وَلَيْسَ مِنْ طَرِيقِ الشَّهَادَةِ، كَمَا يُقْبَلُ قَوْلُ النَّصْرَانِيِّ الطَّبِيبِ فِيمَا يُحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَتِهِ مِنْ نَاحِيَةِ الطِّبِّ، كَالْعُيُوبِ وَالْجِرَاحَاتِ، فَاشْتِرَاطُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيهِ الْعَدَالَةَ اسْتِحْسَانٌ. اهـ (قَالَ الشَّارِحُ) وَالْقِيَاسُ عَلَى أُصُولِهِمْ أَنْ يُحْكَمَ بِقَوْلِ الْقَائِفِ الْوَاحِدِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَدْلًا مَعَ أَنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَاتِ اشْتِرَاطُ الْعَدَالَةِ، وَاَلَّذِي يَتَّضِحُ أَنَّ الْعَدَالَةَ شَرْطٌ فِيمَنْ يُقْبَلُ قَوْلُهُ مِنْ شَاهِدٍ، أَوْ مُؤَدِّي خَبَرٍ قَائِفًا كَانَ أَوْ طَبِيبًا أَوْ سِوَاهُمَا، فَإِذَا وُجِدَتْ الْعَدَالَةُ فَلَا مَعْدِلَ عَنْهَا، وَإِنْ لَمْ تُوجَدْ فَإِنَّ الْمُلَائِمَ بِتَصَرُّفَاتِ الشَّرْعِ، أَنَّ هَذِهِ الشُّرُوطَ الَّتِي هِيَ تَكْمِيلٌ لِلْمَشْرُوطِ إذَا أُعْذِرَتْ بِالْجُمْلَةِ حَتَّى يَعُودَ اشْتِرَاطُهَا عَلَى أَصْلِهَا بِالْإِبْطَالِ، فَإِنَّهَا تُلْغَى حِينَئِذٍ، كَمَا يُقَالُ إنَّ الذَّكَاةَ شَرْطٌ فِي حِلِّيَّةِ الْمَأْكُولِ، فَإِذَا اُضْطُرَّ الْمُكَلَّفُ لَمْ يُعْتَبَرْ هَذَا الشَّرْطُ، وَكَذَلِكَ سَتْرُ الْعَوْرَةِ فِي الصَّلَاةِ، وَعَدَمُ الْمَاءِ فِي التَّيَمُّمِ عَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، وَفِي كَلَامِ الشَّيْخِ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّاطِبِيِّ أَنَّهُ لَوْ فُرِضَ ارْتِفَاعُ الْعَدَالَةِ جُمْلَةً لَكَانَ أَمْثَلَ مَنْ يُوجَدُ هُوَ الْعَدْلُ اهـ بِبَعْضِ اخْتِصَارٍ. وَبِشَهَادَةٍ مِنْ الصِّبْيَانِ فِي ... جُرْحٍ وَقَتْلٍ بَيْنَهُمْ قَدْ اُكْتُفِيَ وَشَرْطُهَا التَّمْيِيزُ وَالذُّكُورَهْ ... وَالِاتِّفَاقُ فِي وُقُوعِ الصُّورَهْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَفْتَرِقُوا أَوْ يَدْخُلَا ... فِيهِمْ كَبِيرٌ خَوْفَ أَنْ يُبَدِّلَا هَذَا هُوَ النَّوْعُ السَّادِسُ مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ مِنْ أَقْسَامِ الشَّهَادَةِ، وَهُوَ مَا يُوجِبُ الْحَقَّ بِلَا يَمِينٍ، وَهُوَ شَهَادَةُ الصِّبْيَانِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ فِيمَا يَقَعُ بَيْنَهُمْ مِنْ الْجِرَاحِ وَالْقَتْلِ، فَيَجُوزُ وَيُكْتَفَى مِنْ غَيْرِ

فصل الشهادة التي توجب الحق مع اليمين

يَمِينٍ (ابْنُ الْحَاجِبِ) . وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمُمَيِّزِ مِنْ الصِّبْيَانِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الدِّمَاءِ خَاصَّةً، وَعَلَيْهِ إجْمَاعُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، (وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ) : هِيَ السُّنَّةُ وَمَا، أَدْرَكْت الْقُضَاةَ إلَّا وَهُمْ يَحْكُمُونَ بِهَا بِخِلَافِ النِّسَاءِ فِي الْمَآتِمِ وَالْأَعْرَاسِ عَلَى الْأَصَحِّ. (التَّوْضِيحُ) أَيْ فَلَا تُقْبَلُ، وَالْأَصَحُّ لِمَالِكٍ وَمُقَابِلُهُ فِي الْجَلَّابِ عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ وَأُلْحِقَ بِالْأَعْرَاسِ الْحَمَّامُ، وَالْفَرْقُ عَلَى الْمَشْهُورِ أَنَّ شَهَادَةَ الصِّبْيَانِ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ، فَلَا يَصِحُّ الْقِيَاسُ عَلَيْهَا اهـ، وَلِقَبُولِ شَهَادَتِهِمْ شُرُوطٌ أَوَّلُهَا: التَّمْيِيزُ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ مِنْهُمْ. الثَّانِي: الذُّكُورَةُ فَلَا يُقْبَلُ الْإِنَاثُ مِنْهُمْ عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَهُوَ الَّذِي اعْتَمَدَ النَّاظِمُ. الثَّالِثُ: الِاتِّفَاقُ عَلَى الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّ اخْتِلَافَهُمْ فِيهَا شَاهِدٌ بِدَاخِلَةٍ دَخَلَتْ عَلَيْهِمْ فِي تَحْصِيلِهَا. الرَّابِعُ: عَدَمُ افْتِرَاقِهِمْ لِأَنَّهُ مَظِنَّةُ تَعْلِيمِهِمْ، فَإِنْ تَفَرَّقُوا لَمْ تُقْبَلْ إلَّا أَنْ يَشْهَدَ الْعُدُولُ عَلَى شَهَادَتِهِمْ قَبْلَ تَفَرُّقِهِمْ. الْخَامِسُ: أَنْ لَا يَدْخُلَ بَيْنَهُمْ كَبِيرٌ وَإِنْ كَانُوا مُجْتَمِعِينَ، خَوْفَ تَبْدِيلِهِ لَهُمْ مَا كَانُوا عَمِلُوهُ، وَقَدْ اقْتَصَرَ النَّاظِمُ عَلَى هَذِهِ الشُّرُوطِ الْخَمْسَةِ، وَزَادَ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي الشُّرُوطِ سَادِسًا وَهُوَ: أَنْ يَكُونُوا أَحْرَارًا فَلَا، يُقْبَلُ الْعَبِيدُ (أَشْهَبُ) ، وَلَا مَنْ فِيهِ بَقِيَّةُ رِقٍّ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ تَجُزْ شَهَادَةُ كِبَارِهِمْ فَأَحْرَى صِغَارُهُمْ. وَسَابِعًا وَهُوَ أَنْ يَكُونُوا مَحْكُومًا بِإِسْلَامِهِمْ (قَالَ فِي الْبَيَانِ) وَلَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا. ثَامِنًا وَهُوَ: أَنْ يَشْهَدَ مِنْهُمْ اثْنَانِ فَصَاعِدًا قِيَاسًا عَلَى الْكِبَارِ، وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْوَاحِدِ عِنْدَ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ، وَلَا تَكُونُ مَعَهُ قَسَامَةٌ وَلَا يَحْلِفُ فِي الْجِرَاحِ. وَتَاسِعًا وَهُوَ: مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَهُوَ أَنْ لَا يَكُونَ الشَّاهِدُ قَرِيبًا لِلْمَشْهُودِ لَهُ وَلَا عَدُوٌّ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ (التَّوْضِيحُ) . وَاخْتَارَ جَمَاعَةٌ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ أَيْ بِأَنَّ ذَلِكَ يَقْدَحُ؛ لِأَنَّا عَلِمْنَا بِالْعَادَةِ مِنْ حَالِ الْأَطْفَالِ الْمَيْلَ إلَى الْقَرِيبِ، وَالْبُغْضَ لِلْعَدُوِّ. وَعَاشِرًا وَهُوَ: أَنْ تَكُونَ الشَّهَادَةُ مِنْ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ، فَلَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُمْ لِصَغِيرٍ عَلَى كَبِيرٍ وَلَا بِالْعَكْسِ، خِلَافًا لِابْنِ الْمَاجِشُونِ وَيُفْهَمُ هَذَا الشَّرْطُ مِنْ قَوْلِ النَّاظِمِ بَيْنَهُمْ. قَوْلُهُ وَبِشَهَادَةٍ يَتَعَلَّقُ بِاكْتُفِيَ، وَمِنْ الصِّبْيَانِ يَتَعَلَّقُ بِمَحْذُوفٍ، صِفَةٌ لِشَهَادَةٍ، وَفِي جُرْحٍ يَتَعَلَّقُ بِشَهَادَةٍ، وَبَيْنَهُمْ يَتَعَلَّقُ بِمَحْذُوفٍ، صِفَةٌ لِجُرْحٍ وَقَتْلٍ (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَلَا يُقْبَلُ رُجُوعُهُمْ، وَلَا تَجْرِيحُهُمْ (التَّوْضِيحُ) يَعْنِي لَا يُقْبَلُ رُجُوعُهُمْ عَمَّا شَهِدُوا بِهِ، وَلَوْ كَانَ الرُّجُوعُ قَبْلَ الْحُكْمِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ مَا شَهِدُوا بِهِ أَوَّلًا هُوَ الْحَقُّ الْوَاقِعُ، وَأَمَّا الثَّانِي فَمِنْ التَّعْلِيمِ، وَأَمَّا تَجْرِيحُهُمْ فَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: لَمْ يُخْتَلَفْ أَنَّهُ لَا يُنْظَرُ إلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ رَأْسَ أَوْصَافِ الْعَدَالَةِ عَدَمٌ مِنْهُمْ وَهُوَ الْبُلُوغُ، اهـ وَإِلَى الْمَسْأَلَةِ بِرُمَّتِهَا أَشَارَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ بِقَوْلِهِ: إلَّا الصِّبْيَانَ لَا نِسَاءً فِي كَعُرْسٍ فِي جُرْحٍ، أَوْ قَتْلٍ، وَالشَّاهِدُ حُرٌّ مُمَيِّزٌ ذَكَرٌ تَعَدَّدَ لَيْسَ بِعَدُوٍّ وَلَا قَرِيبٍ، وَلَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ وَفُرْقَةَ، إلَّا أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهِمْ قَبْلَهَا وَلَمْ يُحْضِرْ كَبِيرًا وَيَشْهَدُ عَلَيْهِ أَوَّلُهُ وَلَا يُقْدَحُ رُجُوعُهُمْ وَلَا تَجْرِيحُهُمْ [فَصْلٌ الشَّهَادَةُ الَّتِي تُوجِبُ الْحَقَّ مَعَ الْيَمِينِ] (فَصْلٌ) ثَانِيَةٌ تُوجِبُ حَقًّا مَعَ قَسَمْ ... فِي الْمَالِ أَوْ مَا آلَ لِلْمَالِ تُؤَمْ شَهَادَةُ الْعَدْلِ لِمَنْ أَقَامَهْ ... وَامْرَأَتَانِ قَامَتَا مَقَامَهْ هَذَا هُوَ الْقِسْمُ الثَّانِي مِنْ أَقْسَامِ الشَّهَادَةِ الْخَمْسَةِ، وَهِيَ الشَّهَادَةُ الَّتِي تُوجِبُ الْحَقَّ مَعَ الْيَمِينِ، وَتَحْتَ هَذَا الْقِسْمِ أَرْبَعُ أَنْوَاعٍ الْأَوَّلُ: شَهَادَةُ الْعَدْلِ الْوَاحِدِ. وَالثَّانِي: شَهَادَةُ امْرَأَتَيْنِ إذَا عُدِّلَتَا، وَعَلَى هَذَيْنِ النَّوْعَيْنِ نَبَّهَ بِقَوْلِ شَهَادَةِ الْعَدْلِ الْبَيْتَ. النَّوْعُ الثَّالِثُ: فِي قَوْلِهِ: وَهَا هُنَا عَنْ شَاهِدٍ قَدْ يُغْنِي الْأَبْيَاتَ الثَّلَاثَةَ وَالرَّابِعُ: فِي قَوْلِهِ وَغَالِبُ الظَّنِّ الْبَيْتَ فَإِذَا شَهِدَ عَدْلٌ وَاحِدٌ فِي الْمَالِ، أَوْ فِي غَيْرِ الْمَالِ، وَلَكِنَّهُ يَئُولُ إلَى الْمَالِ، وَحَلَفَ الطَّالِبُ مَعَ الْعَدْلِ فَإِنَّ الْحَقَّ يَثْبُتُ، وَقَدْ تَقَدَّمَتْ أَمْثِلَةُ ذَلِكَ فِي التَّنْبِيهِ الثَّالِثِ، إلَّا أَنَّ الْكَلَامَ ثَمَّةَ أَنْسَبُ لِكَوْنِهِ ثَبَتَ بِالْعَدْلَيْنِ مِنْ غَيْرِ يَمِينٍ، وَهُنَا لِكَوْنِهَا ثَبَتَتْ بِعَدْلٍ وَاحِدٍ مَعَ الْيَمِينِ، أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَ الْعَدْلِ وَهُوَ امْرَأَتَانِ مَعَ الْيَمِينِ أَيْضًا، وَكَذَلِكَ إذَا شَهِدَتْ

امْرَأَتَانِ، أَوْ عَدْلٌ بِمَا ذُكِرَ وَحَلَفَ الطَّالِبُ فَإِنَّ الْحَقَّ يَثْبُتُ أَيْضًا (قَالَ الشَّارِحُ) : وَالْحُكْمُ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ فِي الْمَذْهَبِ الْمَالِكِيِّ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَفِي خَارِجِ الْمَذْهَبِ خِلَافٌ وَلَا دَاعِيَ لِنَقْلِهِ، ثُمَّ نُقِلَ عَنْ ابْنِ يُونُسَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ فِي الْأَمْوَالِ دُونَ الْعِتْقِ، وَالنِّكَاحِ، وَالطَّلَاقِ، وَالْحُدُودِ، وَالْعَقْلِ (وَفِي الْمُقَرِّبِ) قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ شَهِدَتْ امْرَأَتَانِ أَنَّ الْمَيِّتَ أَوْصَى لِهَذَا الرَّجُلِ بِكَذَا حَلَفَ مَعَ شَهَادَتِهِمَا، وَاسْتَحَقَّ الْوَصِيَّةَ إنْ لَمْ يَشْهَدْ مَعَهُمَا رَجُلٌ، وَشَهَادَةُ امْرَأَتَيْنِ، وَمِائَةِ امْرَأَةٍ فِي هَذَا سَوَاءٌ، وَفِيهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ شَهِدَتَا لِعَبْدٍ، أَوْ امْرَأَةٍ بِمَالٍ لَهُمَا عَلَى رَجُلٍ حَلَفَ مَعَ شَهَادَتِهِمَا، وَإِنْ شَهِدَتَا لِصَبِيٍّ لَمْ يَحْلِفْ حَتَّى يَكْبُرَ (وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ) : إنَّ الْيَمِينَ مَعَ الشَّاهِدِ فِي الْحُقُوقِ الْمَالِيَّةِ كَشَاهِدَيْنِ. (وَفِي الْمُوَطَّأِ) قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ، وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: وَمَنْ أَقَامَ شَاهِدًا عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ تَكَفَّلَ لَهُ بِمَا عَلَى فُلَانٍ حَلَفَ مَعَ شَاهِدٍ، وَاسْتَحَقَّ الْكَفَالَةَ قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ بِالْمَالِ إنَّمَا هِيَ مَالٌ مِثْلُ: الْجُرْحِ الَّذِي لَا قِصَاصَ فِيهِ إنَّمَا هُوَ مَالٌ. (فَرْعٌ) وَيَتَحَاصَصُ مَنْ قُضِيَ لَهُ فِي دَيْنِهِ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ، مَعَ مَنْ قُضِيَ لَهُ بِشَاهِدَيْنِ (فَرْعٌ) مَنْ لَهُ حَقَّانِ فِي كِتَابَيْنِ قَامَ لَهُ بِكُلِّ حَقٍّ شَاهِدٌ، فَلَيْسَ نُكُولُهُ عَنْ أَحَدِهِمَا يُسْقِطُ حَقَّهُ فِي الْآخَرِ. (فَرْعٌ) فِي سَمَاعِ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ مَنْ أَقَامَ شَاهِدًا عَلَى أَنَّ الْقَاضِيَ قَدْ قَضَى لَهُ، فَلَا يَحْلِفُ مَعَ شَاهِدٍ، وَلَا يَجُوزُ فِي ذَلِكَ إلَّا الشَّاهِدَانِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ وَجْهِ الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ، وَالشَّهَادَةُ عَلَى قَضَاءِ الْقَاضِي شَهَادَةٌ عَلَى شَهَادَةٍ. اهـ وَلَعَلَّ وَجْهَ ذَلِكَ أَنَّ مُسْتَنَدَ حُكْمِ الْقَاضِي

هُوَ شَهَادَةُ الشُّهُودِ، فَالشَّهَادَةُ عَلَى الْحُكْمِ شَهَادَةٌ عَلَى مُسْتَنِدِهِ. (تَنْبِيهٌ) قَالَ الشَّارِحُ: نَقَصَ النَّاظِمُ مِمَّا عَدَّهُ الْجَزِيرِيُّ وَالْمُتَيْطِيُّ تَحْتَ هَذَا الْقِسْمِ شَهَادَةَ غَيْرِ الْعَدْلِ فِي إجَابَةِ الْقَسَامَةِ مِمَّا فِي رِوَايَةِ أَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ، وَالْجَوَابُ أَنَّهُ اكْتَفَى بِذِكْرِ ذَلِكَ فِي أَحْكَامِ الدِّمَاءِ، فَأَغْنَاهُ ذَلِكَ عَنْ ذِكْرِهِ هُنَا قَصْدًا لِلِاخْتِصَارِ. اهـ. يَعْنِي ذَكَرَهُ فِي قَوْلِهِ وَمَالِكٌ فِيمَا رَوَاهُ أَشْهَبُ ... قَسَامَةٌ بِغَيْرِ عَدْلٍ يُوجِبُ وَفِي هَذَا الْجَوَابِ مَا لَا يَخْفَى لِأَنَّ الْمَقْصُودَ فِي هَذَا الْمَحِلِّ جَمْعُ النَّظَائِرِ، وَهِيَ أَوْجَهُ لِلشَّهَادَةِ الَّتِي يَثْبُتُ بِهَا الْحَقُّ مَعَ الْيَمِينِ، فَعَدَمُ ذِكْرِ بَعْضِهَا فِي هَذَا الْمَحَلِّ وَإِنْ ذُكِرَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ يُفِيتُ الْمَقْصُودَ الْمَذْكُورَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَلَوْ أَجَابَ بِكَوْنِهِ عَلَى غَيْرِ الْمَشْهُورِ لَكَانَ أَقْرَبَ عَلَى أَنَّ جَمْعَ النَّظَائِرِ لَا يُقْتَصَرُ فِيهِ عَلَى الْمَشْهُورِ. وَهَا هُنَا عَنْ شَاهِدٍ قَدْ يُغْنِي ... إرْخَاءُ سِتْرٍ وَاحْتِيَازُ رَهْنِ وَالْيَدُ مَعَ مُجَرَّدِ الدَّعْوَى أَوَانْ ... تَكَافَأَتْ بَيِّنَتَانِ فَاسْتَبِنْ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَأْبَى الْقَسَمَا ... وَفِي سِوَى ذَلِكَ خُلْفٌ عُلِمَا وَلَا يَمِينَ مَعَ نُكُولِ الْمُدَّعِي ... بَعْدُ وَيُقْضَى بِسُقُوطِ مَا اُدُّعِيَ هَذَا هُوَ النَّوْعُ الثَّالِثُ مِنْ الْأَنْوَاعِ الْأَرْبَعَةِ الْمُنْدَرِجَةِ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي مِنْ أَقْسَامِ الشَّهَادَةِ، وَهُوَ الَّذِي يُوجِبُ الْحَقَّ مَعَ الْيَمِينِ، وَهُوَ الشَّاهِدُ الْعُرْفِيُّ، وَمُثِّلَ لَهُ بِأَمْثِلَةٍ خَمْسَةٍ: الْأَوَّلُ: إرْخَاءُ السِّتْرِ، وَالْمُرَادُ بِهِ إذَا خَلَا الزَّوْجُ بِزَوْجَتِهِ خَلْوَةَ اهْتِدَاءٍ أَيْ خُلِّيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ، فَادَّعَتْ الْمَسِيسَ وَأَنْكَرَهُ، فَإِنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهَا وَلَهَا الصَّدَاقُ كَامِلًا، (قَالَ فِي التَّوْضِيحِ) . وَالتَّخْلِيَةُ بَيْنَ الزَّوْجِ وَزَوْجَتِهِ هُوَ مُرَادُ عُلَمَائِنَا بِإِرْخَاءِ السُّتُورِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ إرْخَاءَ سِتْرٍ وَلَا إغْلَاقَ بَابٍ، قَالَهُ ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ، ثُمَّ قَالَ فِي تَوْجِيهِ كَوْنِ الْقَوْلِ قَوْلَ الْمَرْأَةِ: لِأَنَّ الْحَامِلَ عَلَى الْوَطْءِ أَمْرٌ جِبِلِّيٌّ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا خَلَا بِامْرَأَتِهِ أَوَّلَ خَلْوَةٍ، مَعَ الْحِرْصِ عَلَيْهَا وَالتَّشَوُّفِ إلَيْهَا قَلَّ مَا يُفَارِقُهَا قَبْلَ الْوُصُولِ إلَيْهَا. اهـ. فَإِرْخَاءُ السِّتْرِ قَائِمٌ لِلزَّوْجَةِ فِي دَعْوَى الْمَسِيسِ مَقَامَ الشَّاهِدِ، فَتَحْلِفُ مَعَهُ وَتَسْتَحِقُّ الصَّدَاقَ كَامِلًا، وَلَا فَرْقَ عَلَى الْمَشْهُورِ فِي كَوْنِ الْقَوْلِ قَوْلَهَا بَيْنَ أَنْ يَقُومَ بِهَا مَانِعٌ شَرْعِيٌّ كَأَنْ تَكُونَ مُحْرِمَةً بِحَجٍّ، أَوْ عُمْرَةٍ، أَوْ تَكُونَ حَائِضًا أَوْ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ أَوْ لَا، (قَالَ فِي التَّوْضِيحِ) : وَرَأَى بَعْضُهُمْ أَنَّهَا لَا تُصَدَّقُ مَعَ الْمَانِعِ الشَّرْعِيِّ إلَّا عَلَى مَنْ يَلِيقُ بِهِ ذَلِكَ، وَأَمَّا الصَّالِحُ فَلَا (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَكَذَلِكَ الْمَغْصُوبَةُ تَحْمِلُ بِبَيِّنَةٍ وَتَدَّعِي الْوَطْءَ، لَهَا الصَّدَاقُ كَامِلًا وَلَا حَدَّ عَلَيْهَا. (قَالَ فِي التَّوْضِيحِ) : لَهَا الصَّدَاقُ كَامِلًا بِيَمِينٍ قَالَهُ فِي الْوَاضِحَةِ وَعَنْ مَالِكٍ فِي الَّتِي تَعَلَّقَتْ بِرَجُلٍ وَهِيَ تَرَى أَنَّ لَهَا الصَّدَاقَ بِغَيْرِ يَمِينٍ، وَاسْتَحْسَنَهُ اللَّخْمِيُّ، وَاخْتَارَ ابْنُ يُونُسَ وَغَيْرُهُ الْأَوَّلَ، وَإِنَّمَا ثَبَتَ الصَّدَاقُ وَلَمْ يَثْبُتْ الْحَدُّ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ جَعَلَ لِإِثْبَاتِ الْحُقُوقِ الْمَالِيَّةِ طَرِيقًا غَيْرَ طَرِيقِ إثْبَاتِ الزِّنَا، وَيَكْفِي فِي الْبَيِّنَةِ الَّتِي تَشْهَدُ بِاحْتِمَالِ الْمَغْصُوبَةِ اثْنَانِ. اهـ. (الْمِثَالُ الثَّانِي) مِنْ أَمْثَالِ الشَّاهِدِ الْعُرْفِيِّ حَوْزُ الْمُرْتَهِنِ لِلرَّهْنِ فَإِنَّهُ كَالشَّاهِدِ فِي قَدْرِ الدَّيْنِ، فَيَحْلِفُ الْمُرْتَهِنُ وَيَكُونُ لَهُ مَا قَالَ (قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ) : قَالَ مَالِكٌ وَإِذَا اخْتَلَفَ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ فِي مَبْلَغِ الدَّيْنِ فَالرَّهْنُ كَشَاهِدٍ لِلْمُرْتَهِنِ إذَا حَازَهُ وَثِيقَةً، فَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْحُكْمِ وَالتَّدَاعِي لَا يَوْمَ التَّرَاهُنِ مِثْلَ دَعْوَى الْمُرْتَهِنِ فَأَكْثَرَ صُدِّقَ الْمُرْتَهِنُ مَعَ يَمِينِهِ (، قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ) وَإِنْ كَانَ الرَّهْنُ يُسَاوِي مَا قَالَ الرَّاهِنُ فَأَقَلَّ لَمْ يَحْلِفْ، إلَّا الرَّاهِنُ وَحْدَهُ. اهـ (الْمِثَالُ الثَّالِثُ) لِلشَّاهِدِ الْعُرْفِيِّ الْيَدُ مَعَ مُجَرَّدِ الدَّعْوَى أَيْ: الْحَوْزُ مِنْ غَيْرِ مُعَارِضٍ لَهُ أَوْ، الْحَوْزُ مَعَ تَكَافُؤِ الْبَيِّنَتَيْنِ كَمَنْ كَانَ حَائِزَ الدَّارِ مَثَلًا، يَتَصَرَّفُ فِيهَا تَصَرُّفَ الْمَالِكِ فِي مِلْكِهِ، فَقَامَ عَلَيْهِ مَنْ ادَّعَى مِلْكِيَّتَهَا وَلَا

بَيِّنَةَ لِهَذَا الْقَائِمِ، أَوْ أَقَامَ كُلٌّ مِنْهُمَا بَيِّنَةً فَتَسَاقَطَتْ الْبَيِّنَتَانِ عِنْدَ الْمُسَاوَاةِ وَتَصِيرَانِ كَالْعَدَمِ، وَيَزِيدُ الْحَائِزُ بِحَوْزِهِ فَيَصِيرُ الْحَوْزُ لَهُ كَالشَّاهِدِ، فَيَحْلِفُ مَعَهُ وَيُسْتَحَقُّ (ابْنُ الْحَاجِبِ) وَالْيَدُ مُرَجَّحَةٌ عِنْدَ التَّسَاوِي مَعَ الْيَمِينِ عَلَى الْمَشْهُورِ، (التَّوْضِيحُ) يَعْنِي إذَا تَعَارَضَتْ الْبَيِّنَتَانِ وَتَسَاوَتَا فَإِنَّهُمَا يَسْقُطَانِ وَيَبْقَى الشَّيْءُ بِيَدِ حَائِزِهِ، هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ،. اهـ. (وَفِي الشَّارِحِ) قَالَ ابْنُ يُونُسَ: وَإِذَا تَكَافَأَتْ الْبَيِّنَتَانِ سَقَطَتَا، وَيَبْقَى الشَّيْءُ بِيَدِ حَائِزٍ، وَيَحْلِفُ وَإِنَّمَا يَحْلِفُ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَتَيْنِ لَمَّا سَقَطَتَا كَأَنَّهُمَا لَمْ يَكُونَا، وَبَقِيَتْ الدَّعْوَى، فَوَجَبَ عَلَى الْمُنْكِرِ الْيَمِينُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ هُوَ إلَى هَذَا الْمِثَالِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: وَالْيَدُ مَعَ مُجَرَّدِ الدَّعْوَى الْبَيْتَ فَلَفْظُ الْبَيْتِ وَإِنْ شَمِلَ صُورَتَيْنِ فَهُمَا فِي الْمَعْنَى صُورَةٌ وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا تَكَافَأَتْ بَيِّنَةُ الْقَائِمِ وَالْحَائِزِ يَتَسَاقَطَانِ، وَيَصِيرَانِ كَالْعَدَمِ فَتُؤَوَّلُ ثَانِيَةُ الصُّورَتَيْنِ إلَى أُولَاهَا فَقَوْلُهُ: أَوَ أَنْ تَكَافَأَتْ أَنْ الْمَفْتُوحَةُ الْهَمْزَةِ مَصْدَرِيَّةٌ، وَالْمَصْدَرُ الْمُنْسَبِكُ مِنْهَا وَمِنْ مَدْخُولِهَا مَعْطُوفٌ عَلَى مُجَرَّدِ أَيْ مُجَرَّدِ الدَّعْوَى، أَوْ مَعَ تَكَافُؤِ الْبَيِّنَتَيْنِ، وَيُقْرَأُ بِنَقْلِ حَرَكَةِ الْهَمْزَةِ إلَى الْوَاوِ قَبْلَهَا، فَتَكُونُ الْوَاوُ مَفْتُوحَةً. (الْمِثَالُ الرَّابِعُ) إذَا عَجَزَ الْمُدَّعِي عَنْ الْبَيِّنَةِ، وَتَوَجَّهَتْ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَامْتَنَعَ مِنْهَا، فَإِنَّ امْتِنَاعَهُ وَنُكُولَهُ كَالشَّاهِدِ، فَيَحْلِفُ مَعَهُ الْمُدَّعِي وَيَسْتَحِقُّ، وَإِلَى هَذَا الْمِثَالِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْبَيْتَ يَعْنِي: وَحَلَفَ الْمُدَّعِي، وَلَا بُدَّ مِنْ هَذَا الْعَقْدِ. (ابْنُ شَاسٍ) الرُّكْنُ الرَّابِعُ النُّكُولُ، وَلَا يَثْبُتُ الْحَقُّ بِهِ بِمُجَرَّدِهِ وَلَكِنْ تُرَدُّ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعِي إذَا تَمَّ نُكُولُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَيَحْكُمُ الْقَاضِي بِنُكُولِهِ، فَإِنْ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ أَحْلِفُ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ (ابْنُ الْحَاجِبِ) النُّكُولُ يَجْرِي فِيمَا يَجْرِي فِيهِ الشَّاهِدُ وَالْيَمِينُ، وَنَقَلَ الشَّارِحُ عَنْ ابْنِ يُونُسَ قَالَ فِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ: قَالَ مَالِكٌ، وَأَصْحَابُهُ: لَا يَجِبُ الْحَقُّ بِنُكُولِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حَتَّى يَرُدَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعِي فَيَحْلِفُ، وَلَمْ يَخْتَلِفْ فِي هَذَا أَهْلُ الْمَدِينَةِ. وَبِهِ حَكَمَ أَئِمَّتُهُمْ اهـ. قَوْلُهُ وَفِي سِوَى ذَلِكَ خُلْفٌ عُلِمَا يَعْنِي أَنَّ سِوَى مَا ذُكِرَ مِنْ أَمْثِلَةِ الشَّاهِدِ الْعُرْفِيِّ كَمَعْرِفَةِ الْعِفَاصِ وَالْوِكَاءِ فِي اللُّقَطَةِ، وَمَنْ كَانَ لَهُ الْقَمْطُ وَالْعُقُودُ فِي الْحِيطَانِ، وَمَنْ ادَّعَى مَا يُشْبِهُ فِي الْبُيُوعِ وَسَائِرِ الْمُعَاوَضَاتِ، وَمَا يُعْرَفُ لِلزَّوْجِ أَوْ الزَّوْجَةِ مِنْ مَتَاعِ الْبَيْتِ عِنْدَ تَنَازُعِهِمَا فِيهِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَأَنَّ الشَّاهِدَ الْعُرْفِيَّ يُقْضَى بِهِ مَعَ الْيَمِينِ، وَانْظُرْ مُقَابِلَ هَذَا الْقَوْلِ هَلْ هُوَ إلْغَاؤُهُ، وَعَدَمُ اعْتِبَارِهِ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ، لَمْ أَقِفْ الْآنَ فِيهِ عَلَى شَيْءٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَاَلَّذِي نَقَلَ أَهْلُ الْقَوَاعِدِ أَنَّ الشَّاهِدَ الْعُرْفِيَّ قِيلَ هُوَ كَالشَّاهِدِ الْوَاحِدِ، فَيَحْلِفُ مَعَهُ وَيَسْتَحِقُّ وَهُوَ الَّذِي عِنْدَ النَّاظِمِ هُنَا، وَقِيلَ هُوَ كَشَاهِدَيْنِ فَيَثْبُتُ بِهِ الْحَقُّ مِنْ غَيْرِ يَمِينٍ، فَقَوْلُهُ: وَلَا يَمِينَ مَعَ نُكُولِ الْبَيْتَ لَمَّا قَدَّمَ أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إذَا نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ، فَإِنَّ الْمُدَّعِي يَحْلِفُ وَيَسْتَحِقُّ، ذَكَرَ فِي هَذَا الْبَيْتِ حُكْمَ مَا إذَا نَكَلَ الْمُدَّعِي عَنْ الْيَمِينِ بَعْدَ نُكُولِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَهُوَ سُقُوطُ الدَّعْوَى فَقَوْلُهُ: وَلَا يَمِينَ أَيْ: لَا يَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ

مَعَ نُكُولِ الْمُدَّعِي الْكَائِنِ بَعْدَ نُكُولِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، بَلْ يُقْضَى بِسُقُوطِ الدَّعْوَى. وَغَالِبُ الظَّنِّ بِهِ الشَّهَادَهْ ... بِحَيْثُ لَا يَصِحُّ قَطْعُ عَادَهْ هَذَا هُوَ النَّوْعُ الرَّابِعُ مِمَّا انْدَرَجَ تَحْتَ الْقِسْمِ الثَّانِي، مِنْ أَقْسَامِ الشَّهَادَةِ وَهُوَ مَا يُوجِبُ الْحَقَّ لَكِنْ مَعَ الْيَمِينِ، وَذَلِكَ حَيْثُ يَكُونُ مُسْتَنَدُ الشَّاهِدِ فِي شَهَادَتِهِ عَلَيْهِ الظَّنُّ فِي الْمَحَلِّ الَّذِي لَا يَصِحُّ الْقَطْعُ فِيهِ عَادَةً، أَوْ يَعْسُرُ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُخَالِطِ الْمُطَّلِعِ عَلَى بَاطِنِ حَالِ الْمَشْهُودِ فِيهِ وَذَلِكَ كَالشَّهَادَةِ بِالْفَقْرِ لِمَنْ طُولِبَ بِدَيْنٍ مَعَ إمْكَانِ أَنَّ لَهُ مَالًا أَخْفَاهُ، إذَا رُئِيَتْ عَلَيْهِ مَخَايِلُ الْفَقْرِ: كَالصَّبْرِ عَلَى الْجُوعِ، وَالْبَرْدِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا فِيهِ ضَرَرٌ، وَكَالشَّهَادَةِ بِاسْتِمْرَارِ مِلْكِ مَنْ لَهُ مِلْكٌ ادَّعَى عَلَيْهِ تَفْوِيتَهُ بِبَيْعٍ أَوْ غَيْرِهِ، مَعَ إمْكَانِ أَنْ يَكُونَ فَوْتُهُ خُفْيَةً، وَهُوَ مَا زَالَ تَحْتَ يَدَيْهِ كَمَا كَانَ، وَكَالشَّهَادَةِ بِضَرَرِ الزَّوْجِ بِزَوْجَتِهِ، إذَا ظَهَرَتْ مَخَايِلُ مِنْ تَكَرُّرِ شَكَوَاهَا بِهِ لِلْأَقَارِبِ وَالْجِيرَانِ، مَعَ إمْكَانِ كَذِبِهَا، وَأَنَّهَا تُرِيدُ فِرَاقَهُ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُشْبِهُ، فَيَجُوزُ لِلشَّاهِدِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ أَنْ يَشْهَدَ، وَيَعْتَمِدُ عَلَى غَلَبَةِ الظَّنِّ وَيَحْلِفُ صَاحِبُ الْحَقِّ وَيَثْبُتُ لَهُ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْقَاعِدَةَ فِي الشَّرِيعَةِ مَنْ أَقَامَ بَيِّنَةً يَثْبُتُ بِهَا الشَّيْءُ الْمُتَنَازَعُ حُكِمَ لَهُ فِيهِ بِهَا مِنْ غَيْرِ يَمِينٍ، لَكِنَّ ذَلِكَ فِيمَا تَشْهَدُ فِيهِ الْبَيِّنَةُ بِالْقَطْعِ، أَمَّا مَا شَهِدَتْ فِيهِ بِظَاهِرِ الْحَالِ مُعْتَمِدَةً عَلَى الظَّنِّ لِتَعَذُّرِ الْقَطْعِ بِذَلِكَ، أَوْ عُسْرِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ يَمِينِ الطَّالِبِ، اسْتِظْهَارًا عَلَى بَاطِنِ الْأَمْرِ. (قَالَ فِي التَّوْضِيحِ) فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ فِي التَّفْلِيسِ فَإِنْ شَهِدَ بِإِعْسَارِهِ حَلَفَ، وَانْظُرْ مَا نَصُّهُ هَذِهِ مِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي يَحْلِفُ فِيهَا الْمُدَّعِي مَعَ بَيِّنَتِهِ، كَدَعْوَى الْمَرْأَةِ عَلَى زَوْجِهَا الْغَائِبِ النَّفَقَةَ، وَالْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ، وَضَابِطُهُ كُلُّ بَيِّنَةٍ شَهِدَتْ بِظَاهِرِ الْأَمْرِ، فَيُسْتَظْهَرُ بِيَمِينِ الطَّالِبِ عَلَى بَاطِنِ الْأَمْرِ. اهـ (وَقَالَ الشَّارِحُ) : وَحَكَى الْمَازِرِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ فِي الشَّهَادَةِ بِالزَّوْجِيَّةِ، إذَا رَأَى إنْسَانًا يَحُوزُ امْرَأَةً، وَيَشْتَمِلُ عَلَيْهَا اشْتِمَالَ الْأَزْوَاجِ فَيَشْهَدُ بِذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يُوجِبْ حِينَ التَّزْوِيجِ قَالَ الْمَازِرِيُّ: وَهَذَا نَوْعٌ آخَرُ كَأَنَّهُ خَارِجٌ عَنْ شَهَادَةِ السَّمَاعِ وَإِنَّمَا يُتَطَلَّبُ فِيهِ الظَّنُّ الْمُزَاحِمُ لِلْعِلْمِ، وَالْقَطْعُ الْيَقِينِيُّ بِقَرَائِنِ الْأَحْوَالِ، كَمَا تَكُونُ الشَّهَادَةُ بِالْفَقْرِ لِلْفَقِيرِ، فَإِنَّ الشُّهُودَ بِفَقْرِ مَنْ طُولِبَ بِدَيْنٍ لَا يَقْطَعُونَ بِصِحَّةِ مَا شَهِدُوا بِهِ، لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ لَهُ مَالٌ أَخْفَاهُ لَا يَعْلَمُ بِهِ إلَّا اللَّهُ سُبْحَانَهُ، لَكِنْ إذَا بَدَتْ قَرَائِنُ الْفَقْرِ، وَالْإِعْسَارِ، وَالصَّبْرِ عَلَى ضَرَرِ الْجُوعِ فِي الشَّيْءِ الَّذِي لَا يَصْبِرُ عَلَيْهِ إلَّا الْفُقَرَاءُ هَذَا يُدْرِكُهُ الْمُخَالِطُ لِلْإِنْسَانِ الْمُطَّلِعُ عَلَى بَاطِنِ حَالِهِ، فَالتَّعْدِيلُ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى قَرَائِنِ الْأَحْوَالِ. (قَالَ الْإِمَامُ أَبُو إِسْحَاقَ الشَّاطِبِيُّ) الْأَصْلُ فِي الشَّهَادَةِ أَنْ لَا تَكُونَ إلَّا عَنْ قَطْعٍ لَا تَرَدُّدَ فِيهِ لَكِنْ

فصل من أقسام الشهادة وهي التي توجب الحق من غير يمين

إنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّنَزُّلِ إلَى مَا دُونَ ذَلِكَ مِنْ الظَّنِّ الْغَالِبِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِنَادَ إلَيْهِ ضَرُورِيٌّ أَصْلُهُ شَهَادَةُ الشُّهُودِ عِنْدَ الْحَاكِمِ، فَإِنَّهَا لَا تُفِيدُ فِي الْغَالِبِ إلَّا الظَّنَّ، وَهِيَ يُقْضَى بِهَا إذْ لَا يَتَأَتَّى غَيْرُ ذَلِكَ فِي مَجَارِي الْعَادَاتِ، فَالشَّهَادَةُ إذَا لَمْ يَتَأَتَّ فِيهَا الْقَطْعُ، وَاقْتَضَتْ الْمَصْلَحَةُ إعْمَالَهَا فَلَا بُدَّ مِنْ ذَلِكَ. اهـ (تَنْبِيهٌ) قَالَ الشَّارِحُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَفِي عَدِّ هَذَا النَّوْعِ وَمَا قَبْلَهُ مِمَّا تَحْتَ هَذَا الْقِسْمِ مُسَامَحَةٌ، دَرَجَ عَلَيْهَا الْمُتَيْطِيّ فَمَنْ دُونَهُ مِنْ أَصْحَابِ كُتُبِ الْأَحْكَامِ، وَإِيَّاهُمْ تَبِعَ الشَّيْخَ فِي ذَلِكَ. [فَصْلٌ مِنْ أَقْسَامِ الشَّهَادَةِ وَهِيَ الَّتِي تُوجِبُ الْحَقَّ مِنْ غَيْرِ يَمِينٍ] (فَصْلٌ) ثَالِثَةٌ لَا تُوجِبُ الْحَقَّ نَعَمْ ... تُوجِبُ تَوْقِيفًا بِهِ حَكَمَ الْحَكَمْ وَهْيَ شَهَادَةٌ بِقَطْعٍ اُرْتُضِيَ ... وَبَقِيَ الْإِعْذَارُ فِيمَا تَقْتَضِي وَحَيْثُ تَوْقِيفٌ مِنْ الْمَطْلُوبِ ... فَلَا غِنًى عَنْ أَجَلٍ مَضْرُوبِ هَذَا هُوَ الْقِسْمُ الثَّالِثُ مِنْ أَقْسَامِ الشَّهَادَةِ الْخَمْسِ، وَهِيَ الَّتِي تُوجِبُ الْحَقَّ لَا مِنْ غَيْرِ يَمِينٍ كَالْقِسْمِ الْأَوَّلِ، وَلَا مَعَ الْيَمِينِ كَالْقِسْمِ الثَّانِي، وَإِنَّمَا تُوجِبُ تَوْقِيفَ الشَّيْءِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ، وَذَكَرَ فِي هَذَا الْفَصْلِ

ثَمَانِيَ مَسَائِلَ: التَّوْقِيفُ فِيمَا شَهِدَ بِهِ عَدْلَانِ، وَبَقِيَ الْإِعْذَارُ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ، وَضَرْبُ الْأَجَلِ فِيهِ، وَكَيْفِيَّتُهُ فِي الْأُصُولِ، وَتَوْقِيفُ الْأُصُولِ بِشَهَادَةِ الْعَدْلِ الْوَاحِدِ إلَى كَمَالِ الشَّهَادَةِ إلَى أَنْ يَقْدِرَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ، وَحِينَئِذٍ يَسْتَحِقُّهُ ظَاهِرًا، وَكَيْفِيَّتُهُ أَيْضًا وَمَا يَفْعَلُ بِالْغَلَّةِ زَمَنَ الْإِيقَافِ، وَالتَّوْقِيفُ فِيمَا شَهِدَ بِهِ رَجُلَانِ يُنْظَرُ فِي تَزْكِيَتِهِمَا، وَالتَّوْقِيفُ فِيمَا يُسْرِعُ لَهُ الْفَسَادُ، إمَّا لِلْإِعْذَارِ أَوْ لِتَزْكِيَةِ الشُّهُودِ، أَوْ لِتَكْمِيلِ نِصَابِ الشَّهَادَةِ، وَالتَّوْقِيفُ لِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عِنْدَ ظُهُورِ مَخَايِلِ الصِّدْقِ فَقَوْلُهُ: وَهِيَ شَهَادَةٌ الْبَيْتَ هُوَ إشَارَةٌ إلَى الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى مِنْ الثَّمَانِ يَعْنِي: أَنَّ مَنْ شَهِدَ لَهُ عَدْلَانِ بِاسْتِحْقَاقِ شَيْءٍ مَثَلًا، وَبَقِيَ الْإِعْذَارُ فِيهِمَا لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ فَإِنَّ هَذِهِ الشَّهَادَةَ لَا تُوجِبُ لَهُ مَا شَهِدَا لَهُ بِهِ، وَإِنَّمَا تُوجِبُ تَوْقِيفَ الشَّيْءِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ إلَى أَنْ يُعْذَرَ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ، وَحِينَئِذٍ يَسْتَحِقُّهُ الْمَشْهُودُ لَهُ، وَإِذَا وُقِفَ الشَّيْءُ الْمُتَنَازَعُ فِيهِ فَلَا بُدَّ مِنْ ضَرْبِ أَجَلٍ لِذَلِكَ لِلضَّرَرِ الَّذِي يَلْحَقُ صَاحِبَهُ، فَإِنْ تَمَّتْ الشَّهَادَةُ فِي الْأَجَلِ الْمَضْرُوبِ أَخَذَهُ الْمَشْهُودُ لَهُ، وَإِلَّا بَقِيَ بِيَدِ صَاحِبِهِ، وَيَأْتِي تَفْسِيرُ التَّوْقِيفِ مَا هُوَ قَالَ فِي الْفَصْلِ الرَّابِعِ مِنْ الْقِسْمِ الْخَامِسِ مِنْ الرُّكْنِ السَّادِسِ مِنْ تَبْصِرَةِ ابْنِ فَرْحُونٍ. وَاعْلَمْ أَنَّ الِاعْتِقَالَ وَالتَّوْقِيفَ لَا يَكُونَانِ بِمُجَرَّدِ دَعْوَى الْخَصْمِ فِي الشَّيْءِ الْمُدَّعَى فِيهِ، وَلَا يُعْقَلُ عَلَى أَحَدٍ شَيْءٌ بِمُجَرَّدِ دَعْوَى الْغَيْرِ فِيهِ حَتَّى يَنْضَمَّ إلَى ذَلِكَ سَبَبٌ يُقَوِّي الدَّعْوَى، أَوْ لَطْخٌ وَالسَّبَبُ كَالشَّاهِدِ الْعَدْلِ أَوْ الْمَرْجُوِّ تَزْكِيَتُهُ، وَاللَّطْخُ الشُّهُودُ غَيْرُ الْعُدُولِ، وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَالِاعْتِقَالُ فِي الرُّبْعِ عَلَى وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: عِنْدَ قِيَامِ الشُّبْهَةِ الظَّاهِرَةِ، أَوْ ظُهُورِ اللَّطْخَةِ فَيُرِيدُ الْمُدَّعِي تَوْقِيفَهُ لِيُثْبِتَهُ، فَالتَّوْقِيفُ هُنَا بِأَنْ يَمْنَعَ الَّذِي هُوَ فِي يَدَيْهِ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ تَصَرُّفًا يُفِيتُهُ، كَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ، أَوْ يُخْرِجُهُ عَنْ حَالِهِ كَالْبِنَاءِ، وَالْهَدْمِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ أَنْ تُرْفَعَ يَدُهُ عَنْهُ. الثَّانِي: بَعْدَ أَنْ يُثْبِتَ الْمُدَّعِي دَعْوَاهُ فِي ذَلِكَ بِشَهَادَةٍ قَاطِعَةٍ، وَكَانَ الرُّبْعُ عَلَى مَا يَجِبُ وَيَدَّعِي الْمُسْتَحَقُّ مِنْ يَدِهِ مَدْفَعًا فِيمَا قَامَتْ بِهِ الْبَيِّنَةُ لِلْمُدَّعِي، فَيَضْرِبُ لِلْمُسْتَحِقِّ مِنْهُ الْآجَالَ، وَيُوقَفُ الْمُدَّعَى فِيهِ حِينَئِذٍ بِأَنْ تُرْفَعَ يَدُ الْأَوَّلِ عَنْهُ فَإِنْ كَانَتْ دَارًا غُلِّقَتْ بِالْقُفْلِ، أَوْ أَرْضًا مُنِعَ مِنْ حَرْثِهَا، أَوْ حَانُوتًا لَهُ خَرَاجٌ وُقِفَ الْخَرَاجُ، وَيُؤْمَرُ بِإِخْلَاءِ الدَّارِ مِنْ نَفْسِهِ وَمَتَاعِهِ وَيُؤَجَّلُ فِي إخْلَاءِ ذَلِكَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَنَحْوَهَا، فَإِنْ سَأَلَ الْمَعْقُولَ عَلَيْهِ أَنْ يُتْرَكَ فِي الدَّارِ مَا يَثْقُلُ عَلَيْهِ إخْرَاجُهُ أَجَابَهُ الْحَاكِمُ إلَى ذَلِكَ، وَبِهَذَا جَرَى عَمَلُ سَحْنُونٍ. اهـ وَقَدْ تَلَخَّصَ مِنْ كَلَامِ التَّبْصِرَةِ أَنَّ التَّوْقِيفَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ سَبَبِهِ، وَعَلَيْهِ ذَهَبَ النَّاظِمُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِنْ كَانَ سَبَبُهُ شَهَادَةَ عَدْلَيْنِ، وَلَمْ يَبْقَ إلَّا الْإِعْذَارُ، فَإِنَّ التَّوْقِيفَ يَكُونُ بِرَفْعِ يَدِ حَائِزِهِ عَنْهُ وَغَلْقِهِ وَنَحْوِهِ مِمَّا يَذْكُرُ فِي الْأَبْيَاتِ الْأَرْبَعِ بَعْدَ هَذَيْنِ، فَهُوَ تَفْسِيرٌ لِلتَّوْقِيفِ الْمُتَقَدِّمِ قَرِيبًا فِي قَوْلِهِ: تُوجِبُ تَوْقِيفًا وَإِنْ كَانَ سَبَبُهُ شَهَادَةَ عَدْلٍ وَاحِدٍ فَإِنَّ الْإِيقَافَ يَكُونُ بِمَنْعِ صَاحِبِهِ مِنْ تَفْوِيتِهِ بِبَيْعٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَمِنْ إخْرَاجِهِ عَنْ حَالِهِ بِهَدْمٍ أَوْ بِنَاءٍ، وَلَا تُرْفَعُ يَدُ حَائِزِهِ عَنْهُ، وَلِذَلِكَ قَالَ النَّاظِمُ: حَيْثُ تَكُونُ الْعَقْلَةُ بِشَاهِدٍ وَاحِدٍ وَلَا يُزَالُ مِنْ يَدٍ بِهَا أُلِفْ وَفُهِمَ مِنْ إطْلَاقِ النَّاظِمِ أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ جَارٍ فِي الْأُصُولِ وَغَيْرِهَا، وَلِذَلِكَ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - قَالَ بَعْدُ: وَشَاهِدٌ عَدْلٌ بِهِ الْأَصْلُ وُقِفْ فَخَصَّ ذَلِكَ بِالْأَصْلِ فَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ مَا قَبْلَهُ عَامٌّ فِي الْأَصْلِ وَغَيْرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَوْلُهُ فِي التَّبْصِرَةِ فِي الْوَجْهِ الثَّانِي وَيَدَّعِي الْمُسْتَحِقُّ مِنْ يَدِهِ مَدْفَعًا إلَخْ وَلِاحْتِمَالِ ثُبُوتِ هَذَا الْمَدْفَعِ اُحْتِيجَ إلَى التَّوْقِيفِ إلَى أَنْ يَقَعَ الْإِعْذَارُ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ، وَأَنَّهُ لَا مَدْفَعَ لَهُ، وَقَوْلُهُ: بِهِ حَكَمَ الْحَكَمْ خَبَرٌ وَمُبْتَدَأٌ وَالْجُمْلَةُ صِفَةٌ لَتَوْقِيفًا، وَالرَّابِطُ ضَمِيرُ بِهِ أَيْ: تَوْقِيفًا مَحْكُومًا بِهِ، وَشَهَادَةُ الْقَطْعِ يُقَابِلُهَا شَهَادَةُ السَّمَاعِ. وَقَوْلُهُ: وَحَيْثُ تَوْقِيفٌ مِنْ الْمَطْلُوبِ أَيْ: حَيْثُ طُلِبَ التَّوْقِيفُ فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ ضَرْبِ الْأَجَلِ، وَتَقَدَّمَ فِي كَلَامِ التَّبْصِرَةِ فَيُضْرَبُ لِلْمُسْتَحَقِّ مِنْهُ الْآجَالُ إلَخْ. وَوَقْفُ مَا كَالدُّورِ قَفْلٌ مَعَ أَجَلْ ... لِنَقْلِ مَا فِيهَا بِهِ صَحَّ الْعَمَلْ وَمَا لَهُ كَالْفُرْنِ خَرْجٌ وَالرَّحَا ... فَفِيهِ تَوْقِيفُ الْخَرَاجِ وُضِّحَا وَهُوَ فِي الْأَرْضِ الْمَنْعُ مِنْ أَنْ تُعْمَرَا ... وَالْحَظُّ أَنْ يُكْرِيَ وَيُوقِفَ الْكِرَا قِيلَ جَمِيعًا أَوْ بِقَدْرِ مَا يَجِبْ ... لِلْحَظِّ مِنْ ذَاكَ وَالْأَوَّلُ انْتَخِبْ

تَعَرَّضَ فِي الْأَبْيَاتِ لِلْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الثَّمَانِ مَسَائِلَ الَّتِي ذُكِرَتْ فِي هَذَا الْفَصْلِ وَهِيَ: كَيْفِيَّة التَّوْقِيف الَّذِي سَبَبه شَهَادَة الْعَدْلَيْنِ، وَأَمَّا التَّوْقِيفُ الَّذِي سَبَبُهُ شَهَادَةُ عَدْلٍ وَاحِدٍ، فَيَأْتِي فِي الْبَيْتَيْنِ بَعْدَ هَذِهِ، وَكَيْفِيَّةُ ذَلِكَ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ، هُوَ كَمَا قَالَ ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ فِي الْمُنْتَخَبِ: وَمَنْ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ فِي دَارٍ أَوْ أَرْضٍ بِيَدِهِ، أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الْأُصُولِ الثَّابِتَةِ وَسَأَلَ أَنْ يُوقَفَ لَهُ فَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْفُتْيَا أَنَّ الدَّعْوَى إنْ كَانَتْ فِي دَارٍ اُعْتُقِلَتْ بِالْقَفْلِ بَعْدَ أَنْ يُضْرَبَ لَهُ أَجَلٌ فِي إخْلَائِهَا بِقَدْرِ مَا يَرَاهُ الْحَاكِمُ، وَإِنْ كَانَتْ فِي أَرْضٍ مُنِعَ مِنْ حَرْثِهَا، وَإِنْ كَانَتْ فِيمَا لَهُ خَرَاجٌ كَالْفُرْنِ وَالْحَانُوتِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وُقِفَ الْخَرَاجُ، وَإِنْ كَانَتْ فِي حِصَّةِ أَرْضٍ، أَوْ دَارٍ، أَوْ شِبْهِ ذَلِكَ اُعْتُقِلَتْ تِلْكَ الْحِصَّةُ الْمُدَّعَى فِيهَا بِالْكِرَاءِ وَوُقِفَ الْكِرَاءُ، وَقِيلَ يُوقَفُ مِنْ الْكِرَاءِ بِقَدْرِ الْحِصَّةِ فَقَطْ. اهـ وَفِيهِ كِفَايَةٌ لِشَرْحِ أَبْيَاتِ النَّاظِمِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَزَادَ اخْتِيَارَ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ بِتَوْقِيفِ جَمِيعِ الْكِرَاءِ لَا مَا يَنُوبُ الْحِصَّةَ فَقَطْ، وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ: وَوَقْفٌ مَا كَالدُّورِ إلَخْ أَنَّ وَقْفَ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْعُرُوضِ وَالْحَيَوَانِ لَا يَكُونُ كَذَلِكَ، وَلَيْسَ إلَّا وَضْعُهَا تَحْتَ يَدِ أَمِينٍ فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ فَالْأَوْلَى زِيَادَةُ بَيْتٍ بَعْدَ هَذِهِ الْأَبْيَاتِ كَقَوْلِنَا: وَوَقْفُ غَيْرِهِ بِوَضْعِهِ عَلَى ... يَدِ أَمِينٍ فَاحْفَظْنَ مَا نُقِلَا. وَشَاهِدٌ عَدْلٌ بِهِ الْأَصْلُ وَقَفْ ... وَلَا يَزَالُ مِنْ يَدٍ بِهَا أُلِفْ وَبِاتِّفَاقٍ وَقْفُ مَا يُفَادُ ... مِنْهُ إذَا مَا أُمِنَ الْفَسَادُ تَعَرَّضَ فِي الْبَيْتَيْنِ لِلْمَسْأَلَةِ الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ وَالْخَامِسَةِ مِمَّا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ هَذَا الْفَصْلُ يَعْنِي: أَنَّ مَنْ ادَّعَى مِلْكِيَّةَ أَصْلٍ تَحْتَ يَدِ غَيْرِهِ وَشَهِدَ لَهُ بِذَلِكَ عَدْلٌ وَاحِدٌ، وَأَبَى أَنْ يَحْلِفَ مَعَ شَاهِدِهِ لِرَجَائِهِ وُجُودَ شَاهِدٍ آخَرَ، أَوْ كَانَ الْقَاضِي لَا يَرَى الشَّاهِدَ مَعَ الْيَمِينِ فَإِنَّ الْأَصْلَ الْمُدَّعَى فِيهِ يُوقَفُ، وَلَكِنْ لَيْسَ كَالْوَقْفِ الْمُتَقَدِّمِ فِيمَا شَهِدَ بِهِ عَدْلَانِ، وَبَقِيَ الْإِعْذَارُ لِلْخَصْمِ مِنْ كَوْنِهِ يَخْرُجُ مِنْ يَدِ حَائِزِهِ بَلْ يَبْقَى بِيَدِ حَائِزِهِ، وَتَوْقِيفُهُ هُوَ مَنْعُهُ مِنْ تَفْوِيتِهِ بِبَيْعٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَمِنْ تَغْيِيرِ حَالَتِهِ بِهَدْمٍ أَوْ بِنَاءٍ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ التَّبْصِرَةِ، وَلِهَذَا قَالَ: وَلَا يُزَالُ مِنْ يَدٍ بِهَا أُلِفْ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُزَلْ مِنْ يَدِ حَائِزِهِ لَمْ يَبْقَ إلَّا مَنْعُهُ مِنْ تَفْوِيتِهِ وَتَغْيِيرِهِ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - وَكَذَا تَوْقِيفُ غَلَّةِ الْأَصْلِ الْمَذْكُورِ إذَا كَانَتْ لَا تَفْسُدُ. وَأَمَّا مَا يَفْسُدُ فَيُبَاعُ وَيُوقَفُ ثَمَنُهُ كَمَا يَأْتِي وَكُلُّ شَيْءٍ يُسْرِعُ الْبَيْتَيْنِ وَعَلَى حُكْمِ الْعَقْلَةِ نَبَّهَ بِالْبَيْتِ الثَّانِي وَضَمِيرٌ مِنْهُ لِلْأَصْلِ، وَفُهِمَ مِنْ حِكَايَةِ الِاتِّفَاقِ عَلَى تَوْقِيفِ الْغَلَّةِ أَنَّ تَوْقِيفَ الْأَصْلِ غَيْرُ مُتَّفَقٍ عَلَيْهِ، بَلْ فِيهِ خِلَافٌ وَهُوَ كَذَلِكَ فَقَدْ حَكَى ابْنُ عَرَفَةَ فِيهِ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ أَحَدُهَا: أَنَّهُ يُوقَفُ وَلَكِنْ وَقْفًا خَاصًّا كَمَا ذَكَرَ النَّاظِمُ (قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي وَثَائِقِ ابْنِ الْعَطَّارِ) : لَا تَجِبُ الْعَقْلَةُ بِشَاهِدٍ وَاحِدٍ، وَلَكِنَّهُ يُمْنَعُ الْمَطْلُوبُ أَنْ يُحْدِثَ فِي الْعَقَارِ بِنَاءً، أَوْ بَيْعًا أَوْ شِبْهَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: وَلَا يَخْرُجُ عَنْ يَدِهِ بِالْقَوْلِ فَقَوْلُهُ: لَا تَجِبُ الْعَقْلَةُ بِشَاهِدٍ وَاحِدٍ يَعْنِي الْعَقْلَةَ الَّتِي يَخْرُجُ بِهَا عَنْ يَدِ حَائِزِهِ لَا مُطْلَقًا. الْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ يُوقَفُ كَمَا إذَا شَهِدَ عَدْلَانِ (قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ) قَالَ ابْنُ سَهْلٍ: اُخْتُلِفَ فِي الْعَقْلَةِ بِشَاهِدٍ وَاحِدٍ عَدْلٍ فَفِي أَحْكَامِ ابْنِ زِيَادٍ وُجُوبُ الْعَقْلَةِ بِهَا، وَهُوَ فِي الدَّارِ بِالْقَفْلِ لَهَا، وَفِي الْأَرْضِ بِمَنْعِ حَرْثِهَا وَقَالَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَحْيَى وَأَيُّوبُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْقَوْلُ الثَّالِثُ لِابْنِ بَطَّالٍ عَنْ ابْنِ لُبَابَةَ: لَا تَجِبُ الْعَقْلَةُ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ، قَالَ سُلَيْمَانُ: وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ اهـ بِاخْتِصَارٍ وَتَقْدِيمٍ وَتَأْخِيرٍ عَلَى نَقْلِ الشَّارِحِ، وَكَمَا تُوقَفُ الْغَلَّةُ بِشَهَادَةِ عَدْلٍ وَاحِدٍ كَذَلِكَ كُلُّ مَا يُغَابُ عَلَيْهِ مِنْ عَرَضٍ، وَغَيْرِهِ يُوقَفُ بِشَاهِدٍ وَاحِدٍ، وَأَمَّا الْأُصُولُ فَتُوقَفُ بِالشَّاهِدِ الْوَاحِدِ وَبِشَاهِدَيْنِ، إلَّا أَنَّ كَيْفِيَّةَ الْإِيقَافِ تَخْتَلِفُ كَمَا تَقَدَّمَ. (وَفِي التَّوْضِيحِ مَا نَصُّهُ) وَفِي مَسَائِلِ ابْنِ زَرْبٍ كُلُّ مَا يُغَابُ عَلَيْهِ مِنْ الْعُرُوضِ وَغَيْرِهَا يُوقَفُ بِشَاهِدٍ عَدْلٍ وَاحِدٍ، بِخِلَافِ الْعَقَارِ فَلَا يُعْتَقَلُ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ وَحِيَازَتِهِمَا، وَقَوْلُهُ: وَلَا يَزَالُ مِنْ يَدٍ بِهَا أُلِفْ هُوَ بَيَانٌ لِكَيْفِيَّةِ التَّوْقِيفِ بِشَهَادَةِ الْعَدْلِ الْوَاحِدِ.

وَحَيْثُمَا يَكُونُ حَالُ الْبَيِّنَةِ ... فِي حَقِّ مَنْ يَحْكُمُ غَيْرَ بَيِّنَهْ يُوَقَّفُ الْفَائِدُ لَا الْأُصُولُ ... بِقَدْرِ مَا يُسْتَكْمَلُ التَّعْدِيلُ هَذَا هُوَ السَّبَبُ الثَّالِثُ مِنْ أَسْبَابِ التَّوْقِيفِ وَهُوَ أَنْ يَشْهَدَ لِلْمُدَّعِي قَوْمٌ لَا يَعْرِفُ الْقَاضِي عَدَالَتَهُمْ، وَلَا جُرْحَتَهُمْ فَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى فِيهِ أَصْلًا لَمْ يُوقَفْ، وَإِنَّمَا يُوقَفُ فَائِدَتُهُ وَغَلَّتُهُ إلَى أَنْ يُعَدَّلُ الشُّهُودُ، وَكَذَا يُوقَفُ غَيْرُ الْأَصْلِ مِنْ الْعُرُوضِ وَالْحَيَوَانِ وَغَيْرِهَا، وَقَوْلُهُ: بِقَدْرِ مَا يُسْتَكْمَلُ التَّعْدِيلُ قَالَ (الشَّارِحُ) : يَعْنِي بِذَلِكَ الْقَدْرَ أَجَلًا مَوْكُولًا لِاجْتِهَادِ الْحَاكِمِ مُقَدَّرًا بِمَا يَحْصُلُ بِهِ قَدْرُ الْمُسْتَحِقِّ مِنْ التَّعْدِيلِ، مُرَاعًى فِيهِ مِنْ الضِّيقِ وَالْفُسْحَةِ مَا يَقْتَضِيهِ الْحَالُ مِنْ بُعْدِ الْبَيِّنَةِ الْمَطْلُوبِ مِنْهَا التَّعْدِيلُ وَقُرْبِهَا، وَخَطَرِ الْمُسْتَحِقِّ وَحَقَارَتِهِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ اللَّوَاحِقِ الَّتِي يُرَاعِيهَا الْحَاكِمُ فِي الْقَضِيَّةِ الْمُعَيَّنَةِ. اهـ (ابْنُ عَرَفَةَ) الْحَيْلُولَةُ بِإِقَامَةِ الْمُدَّعِي شَاهِدَيْنِ عَدْلَيْنِ هُوَ نَقْلُ غَيْرِ وَاحِدٍ عَنْ الْمَذْهَبِ، وَكَذَا قَبْلَ تَعْدِيلِهِمَا وَهُوَ قَوْلُهُمَا إنْ كَانَ أَقَامَ شَاهِدَيْنِ بِإِذْنِ الْقَاضِي أَنْ يَنْظُرَ فِي تَعْدِيلِهِمَا، وَخَافَ عَلَى الْمُدَّعَى فِيهِ الْفَسَادَ أَمَرَ أَمِينًا فَبَاعَهُ وَقَبَضَ ثَمَنَهُ، وَوُضِعَ عَلَى يَدَيْ عَدْلٍ، وَفِي حَيْلُولَتِهِ بِإِقَامَتِهِ شَاهِدًا وَاحِدًا عَدْلًا خِلَافٌ. اهـ وَقَدْ اشْتَمَلَ كَلَامُ ابْنِ عَرَفَةَ هَذَا عَلَى أَوْجُهِ الْعَقْلَةِ الثَّلَاثَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي النَّاظِمِ فَقَوْلُهُ: الْحَيْلُولَةُ بِإِقَامَةِ شَاهِدَيْنِ عَدْلَيْنِ أَيْ: وَبَقِيَ الْإِعْذَارُ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ هُوَ الْأَوَّلُ فِي النَّظْمِ، وَقَوْلُهُ وَكَذَا قَبْلَ تَعْدِيلِهِمَا إلَخْ هِيَ مَسْأَلَةُ النَّاظِمِ هُنَا، وَقَوْلُهُ: فِي الْحَيْلُولَةِ بِإِقَامَتِهِ شَاهِدًا عَدْلًا هِيَ مَسْأَلَةُ قَوْلِهِ: وَشَاهِدٌ عَدْلٌ بِهِ الْأَصْلُ وُقِفْ وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَخَافَ عَلَى الْمُدَّعَى فِيهِ الْفَسَادَ إلَخْ فَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي شَرْحِ الْبَيْتَيْنِ بَعْدُ إنْ - شَاءَ اللَّهُ - وَقَدْ اشْتَمَلَ الْبَيْتَانِ عَلَى الْمَسْأَلَةِ السَّادِسَةِ مِنْ مَسَائِلِ هَذَا الْفَصْلِ وَهِيَ التَّوْقِيفُ فِيمَا شَهِدَ فِيهِ رَجُلَانِ يُنْظَرُ فِي تَزْكِيَتِهِمَا. وَكُلُّ شَيْءٍ يُسْرِعُ الْفَسَادُ لَهْ ... وُقِفَ لَا لَأَنْ يُرَى قَدْ دَخَلَهْ وَالْحُكْمُ بَيْعُهُ وَتَوْقِيفُ الثَّمَنْ ... إنْ خِيفَ فِي التَّعْدِيلِ مِنْ طُولِ الزَّمَنْ تَكَلَّمَ فِي الْبَيْتَيْنِ عَلَى كَيْفِيَّةِ تَوْقِيفِ مَا يَفْسُدُ إذَا شَهِدَ بِهِ مَنْ لَمْ تَثْبُتْ عَدَالَتُهُمَا، وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ مِنْ مَسَائِلِ هَذَا الْفَصْلِ يَعْنِي: أَنَّ مَا اُحْتِيجَ إلَى تَوْقِيفِهِ لِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ، وَكَانَ مِمَّا يَفْسُدُ إنْ طَالَ كَاللَّحْمِ، وَالْفَوَاكِهِ الْخَضْرَاءِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُنْظَرُ، فَإِنْ رُجِيَ حُصُولُ مَا لَا يَتِمُّ الْحُكْمُ إلَّا بِهِ مِنْ إعْذَارٍ أَوْ، تَجْرِيحٍ أَوْ تَعْدِيلٍ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ قَبْلَ تَغَيُّرِهِ وُقِفَ وَإِنْ خِيفَ تَغَيُّرُهُ وَفَسَادُهُ قَبْلَ ذَلِكَ، فَالْحُكْمُ بَيْعُهُ وَتَوْقِيفُ ثَمَنِهِ، وَهَذَا إذَا كَانَ التَّوْقِيفُ بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ يُنْظَرُ فِي تَزْكِيَتِهِمَا؛ لِأَنَّ سِيَاقَ الْكَلَامِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ لِقَوْلِهِ قَبْلَهُ وَحَيْثُمَا يَكُونُ إلَخْ. وَأَمَّا إنْ كَانَ بِشَهَادَةِ عَدْلٍ وَاحِدٍ فَيَحْلِفُ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ، وَيُخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ شَيْئِهِ، وَنَحْوُهُ قَوْلُهُ فِي الْمُخْتَصَرِ: وَبَيْعُ مَا يَفْسُدُ، وَوَقْفُ ثَمَنِهِ مَعَهُمَا بِخِلَافِ الْعَدْلِ فَيَحْلِفُ وَيَبْقَى بِيَدِهِ (قَالَ فِي الْمُقَرِّبِ) قَالَ سَحْنُونٌ فِي كِتَابِ الشَّهَادَةِ: إنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ قَالَ وَإِنْ كَانَ الَّذِي ادَّعَى الْمُدَّعِي مِمَّا لَا يَبْقَى وَيُسْرِعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ كَالْفَاكِهَةِ الرَّطْبَةِ وَاللَّحْمِ أَنَّ الْمُدَّعِيَ إذَا كَانَ إنَّمَا شَهِدَ لَهُ شَاهِدٌ وَاحِدٌ، وَأَبَى أَنْ يَحْلِفَ وَقَالَ: عِنْدِي شَاهِدٌ آخَرُ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يُؤَجِّلُ الْمُدَّعِيَ فِي إحْضَارِ شَاهِدِهِ مَا لَمْ يَخَفْ الْفَسَادَ عَلَى ذَلِكَ الَّذِي اُدُّعِيَ، فَإِنْ أَحْضَرَ مَا يَنْتَفِعُ بِهِ وَإِلَّا خَلَّى بَيْنَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَبَيْنَ الْمُدَّعَى فِيهِ، وَإِذَا أَقَامَ الْمُدَّعِي شَاهِدَيْنِ لَا يَعْرِفُهُمَا الْقَاضِي بِعَدَالَةٍ وَخَافَ عَلَى الْمُدَّعَى فِيهِ الْفَسَادَ، أَمَرَ أَمِينًا فَبَاعَهُ وَقَبَضَ ثَمَنَهُ وَوَضَعَ الثَّمَنَ عَلَى يَدِ عَدْلٍ فَإِنْ زُكِّيَتْ الْبَيِّنَةُ قَضَى بِالثَّمَنِ لِلْمُدَّعِي، (قَالَ عِيَاضٌ) قَوْلُهُ عِنْدِي شَاهِدٌ وَاحِدٌ لَا أَحْلِفُ مَعَهُ أَيْ: لَا أَحْلِفُ أَلْبَتَّةَ وَلَوْ أَرَادَ لَا أَحْلِفُ مَعَهُ الْآنَ لِأَنِّي أَرْجُو شَاهِدًا آخَرَ فَإِنْ وَجَدْته، وَإِلَّا حَلَفَ مَعَ شَاهِدَيْ بَيْعٍ حِينَئِذٍ وَوُقِفَ ثَمَنُهُ إنْ خُشِيَ فَسَادُهُ وَلَيْسَ هَذَا بِأَضْعَفَ مِنْ شَاهِدَيْنِ يُطْلَبُ تَعْدِيلُهُمَا فَقَدْ جَعَلَ لَهُ بَيْعَهُ هُنَا، وَإِنْ كَانَ عَلَى شَكٍّ مِنْ تَعْدِيلِهِمَا وَهُوَ إنْ لَمْ يَثْبُتْ بَطَلَ الْحَقُّ، وَشَاهِدٌ وَاحِدٌ فِي الْأَوَّلِ ثَابِتٌ بِكُلِّ حَالٍ وَالْحَلِفُ مَعَهُ مُمْكِنٌ إنْ لَمْ يَجِدْ آخَرَ، وَيَثْبُتُ الْحَقُّ. اهـ. عَلَى نَقْلِ الشَّارِحِ مَعَ بَعْضِ اخْتِصَارٍ (وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ) : وَمَا يَفْسُدُ مِنْ طَعَامٍ أَوْ غَيْرِهِ قَالُوا يُبَاعُ وَيُوقَفُ ثَمَنُهُ إنْ كَانَ شَاهِدَانِ، وَيُسْتَحْلَفُ وَيُخَلَّى إنْ كَانَ

شَاهِدًا، (التَّوْضِيحُ) يُسْتَحْلَفُ أَيْ: الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّ الْمُدَّعِيَ لَا يَسْتَحِقُّ مِنْ هَذَا شَيْئًا وَيُخَلَّى أَيْ الْمُدَّعَى فِيهِ تَحْتَ يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَتَبَرَّأَ (ابْنُ الْحَاجِبِ) مِنْهُ بِقَوْلِهِ قَالُوا لِإِشْكَالِهِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْحُكْمَ كَمَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الشَّاهِدِ الثَّانِي فَكَذَلِكَ يَتَوَقَّفُ عَلَى عَدَالَةِ الشَّاهِدَيْنِ فَإِمَّا أَنْ يُبَاعَ وَيُوقَفَ ثَمَنُهُ فِيهِمَا أَوْ يُخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْ هُوَ بِيَدِهِ فِيهِمَا، (وَأَجَابَ صَاحِبُ النُّكَتِ) بِأَنَّ مُقِيمَ الْعَدْلِ قَادِرٌ عَلَى إثْبَاتِ حَقِّهِ بِيَمِينِهِ، فَلَمَّا تَرَكَ ذَلِكَ اخْتِيَارًا صَارَ كَأَنَّهُ مَكَّنَهُ مِنْهُ بِخِلَافِ مَنْ أَقَامَ شَاهِدَيْنِ، أَوْ شَاهِدًا وَوَقَفَ ذَلِكَ الْقَاضِي لِيَنْظُرَ فِي تَعْدِيلِهِمْ لَا حُجَّةَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ لِعَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَى إثْبَاتِ حَقِّهِ بِغَيْرِ عَدَالَتِهِمْ، وَأَشَارَ الْمَازِرِيُّ إلَى فَرْقٍ آخَرَ وَهُوَ أَنَّ الشَّاهِدَيْنِ الْمَجْهُولَيْنِ أَقْوَى مِنْ الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ؛ لِأَنَّ الْوَاحِدَ يُعْلَمُ قَطْعًا الْآنَ أَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَحِقٍّ، وَالشَّاهِدَانِ الْمَجْهُولَانِ إذَا عُدِّلَا فَإِنَّمَا تَعْدِيلُهُمَا الْكَشْفُ عَنْ وَصْفٍ كَانَا عَلَيْهِ حِينَ الشَّهَادَةِ. اهـ مُدَّعِي كَالْعَبْدِ وَالنِّشْدَانُ ... ثُبُوتُهُ قَامَ بِهِ بُرْهَانُ أَوْ السَّمَاعُ أَنَّ عَبْدَهُ أَبَقْ ... إنْ طَلَبَ التَّوْقِيفَ فَهُوَ مُسْتَحَقَّ لِخَمْسَةٍ أَوْ فَوْقَهَا يَسِيرَا ... حَيْثُ ادَّعَى بَيِّنَةً حُضُورَا وَإِنْ تَكُنْ بَعِيدَةً فَالْمُدَّعَى ... عَلَيْهِ مَا الْقَسْمُ عَنْهُ ارْتَفَعَا كَذَاك مَعَ عَدْلٍ بِنِشْدَانٍ شَهِدْ ... وَبَعْدُ بَاقِيهِمْ يَمِينُهُ تُرَدْ هَذَا هُوَ السَّبَبُ الرَّابِعُ مِنْ أَسْبَابِ التَّوْقِيفِ لِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ كَمَا تَقَدَّمَ أَوَّلَ شَرْحِ قَوْلِهِ ثَالِثَةٌ لَا تُوجِبُ الْحَقَّ نَعَمْ الْبَيْتَيْنِ يَعْنِي أَنَّ مَنْ وَجَدَ عَبْدًا مَثَلًا، أَوْ غَيْرَهُ وَلِذَلِكَ أَدْخَلَ الْكَافَ عَلَى الْعَبْدِ بِيَدِ رَجُلٍ وَادَّعَى أَنَّهُ لَهُ، وَأَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهُ كَانَ يَنْشُدُ عَبْدًا أَوْ غَيْرَهُ مِمَّا ادَّعَى أَنَّهُ لَهُ، أَوْ أَقَامَ بَيِّنَةَ السَّمَاعِ أَنَّهُ أَبَقَ لَهُ عَبْدٌ، أَوْ ضَاعَ لَهُ فَرَسٌ مَثَلًا وَادَّعَى أَنَّ لَهُ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً حَاضِرَةً وَطَلَبَ أَنْ يُوقِفَ لَهُ ذَلِكَ الشَّيْءَ لِيَأْتِيَ بِبَيِّنَةٍ، فَإِنَّهُ يُجَابُ لِذَلِكَ الْأَيَّامَ الْيَسِيرَةَ كَالْخَمْسَةِ وَفَوْقَهَا بِيَوْمٍ، أَوْ يَوْمَيْنِ لَا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِالْأَبْيَاتِ الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ، ثُمَّ صَرَّحَ بِمَفْهُومِ قَوْلِهِ بَيِّنَةً حُضُورًا فَقَالَ: وَإِنْ تَكُنْ بَعِيدَةً الْبَيْتَ أَيْ: فَإِنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَحْلِفُ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ فِيهِ حَقًّا لِلْقَائِمِ، وَيَبْقَى شَيْؤُهُ بِيَدِهِ كَمَا فِي سَائِرِ الدَّعَاوَى، وَفُهِمَ مِنْ مُقَابَلَةِ الْبَيِّنَةِ الْحَاضِرَةِ بِالْبَعِيدَةِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَاضِرَةِ الْحَاضِرَةُ حَقِيقَةً، أَوْ مَا فِي حُكْمِهَا مِنْ الْغَائِبَةِ غَيْبَةً قَرِيبَةً وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا يَأْتِي، ثُمَّ صَرَّحَ بِمَفْهُومِ قَوْلِهِ: وَالنِّشْدَانُ الْبَيْتَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَشْهَدْ بِالنِّشْدَانِ إلَّا عَدْلٌ وَاحِدٌ، وَادَّعَى أَنَّ بَاقِيَ شُهُودِ النِّشْدَانِ غُيَّبٌ غَيْبَةً بَعِيدَةً فَإِنَّ الْحُكْمَ كَذَلِكَ أَيْضًا، يَحْلِفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَيَبْقَى شَيْؤُهُ بِيَدِهِ هَذَا ظَاهِرُ لَفْظِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَاَلَّذِي نَقَلَ عَلَيْهِ الشَّارِحُ مَا نَصُّهُ) قَالَ ابْنُ الْحَارِثِ: وَإِنْ كَانَتْ الدَّعْوَى فِي عَبْدٍ أَوْ عَرَضٍ فَسَأَلَ أَنْ يُوقَفَ لَهُ ذَلِكَ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ بِسَمَاعٍ أَوْ لَطْخٍ أَوْ ادَّعَى بَيِّنَةً قَرِيبَةً فَيُوقَفُ لَهُ الْخَمْسَةَ أَيَّامٍ إلَى الْجُمُعَةِ، (وَفِي كِتَابِ ابْنِ يُونُسَ) قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: فَإِنْ قَالَ أَوْقِفُوا الْعَبْدَ حَتَّى آتِيَ بِبَيِّنَتِي لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ بَيِّنَةً حَاضِرَةً عَلَى الْحَقِّ، أَوْ سَمَاعًا يُثْبِتُ لَهُ دَعْوَاهُ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يُوقِفُ الْعَبْدَ وَيُؤَجِّلُ لَهُ حَتَّى يَأْتِيَ بِبَيِّنَةٍ فِيمَا قَرُبَ مِنْ يَوْمٍ أَوْ نَحْوِهِ، فَإِنْ جَاءَ بِشَاهِدٍ أَوْ سَمَاعٍ وَسَأَلَ أَنْ يُوقَفَ الْعَبْدُ لِيَأْتِيَ بِبَيِّنَةٍ، فَإِنْ كَانَتْ بَيِّنَةً بَعِيدَةً، وَفِي إيقَافِهِ ضَرَرٌ اُسْتُحْلِفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَهُ لَهُ بِغَيْرِ كَفِيلٍ، (قَالَ سَحْنُونٌ) وَإِنْ ادَّعَى شُهُودًا حُضُورًا عَلَى حَقِّهِ رَأَيْت أَنْ يُوقَفَ لَهُ نَحْوَ الْخَمْسَةِ أَيَّامٍ إلَى الْجُمُعَةِ، وَهَذَا التَّحْدِيدُ لِغَيْرِ ابْنِ الْقَاسِمِ، (قَالَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ) : وَهُوَ لِسَحْنُونٍ وَفِي الْمَجْمُوعَةِ فَإِنْ ثَبَتَ بِسَمَاعٍ أَوْ شَاهِدٍ عَدْلٍ أَنَّهُ نَشَدَ مَسْرُوقًا أَوْ ادَّعَى بَيِّنَةً بَعِيدَةً وَفِي إيقَافِهِ ضَرَرٌ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ اسْتَحْلَفَ السُّلْطَانُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَخَلَّى سَبِيلَهُ، وَلَا يَأْخُذُ مِنْهُ كَفِيلًا قَالَ: وَمِمَّا يُنْظَرُ فِيهِ نَفَقَةُ الْعَبْدِ الْمَوْقُوفِ عَلَى مَنْ تَكُونُ (فَفِي الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ) قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: نَفَقَةُ الْعَبْدِ فِي التَّوْقِيفِ عَلَى الَّذِي يُقْضَى لَهُ بِهِ. اهـ نَقْلُ الشَّارِحُ وَالنِّشْدَانُ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ نَشَدْت الضَّالَّةَ أَنْشُدُهَا نِشْدَةً وَنِشْدَانًا أَيْ: طَلَبْتُهَا. اهـ وَالْبُرْهَانُ وَالْحُجَّةُ وَهِيَ الْبَيِّنَةُ، وَالسَّمَاعُ بِفَتْحِ

فصل ما يوجب اليمين لا على الطالب بل على المطلوب

السِّينِ أَيْ: بَيِّنَةُ السَّمَاعِ، وَأَبَقَ أَيْ: هَرَبَ، وَالتَّوْقِيفُ أَيْ: إلَى أَنْ يَأْتِيَ بِبَيِّنَةٍ. (تَنْبِيهٌ) ظَاهِرُ قَوْلِهِ حَيْثُ ادَّعَى بَيِّنَةً حُضُورَا أَنَّ فَاعِلَ ادَّعَى هُوَ الْمُدَّعِي الْمُتَقَدِّمُ ذِكْرُهُ وَهُوَ الَّذِي قَدْ قَامَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ بِالنِّشْدَانِ، أَوْ بِالسَّمَاعِ أَنَّ عَبْدَهُ أَبَقَ، وَأَنَّ الْمُدَّعِيَ الْمَذْكُورَ لَا يُجَابُ إلَى الْإِيقَافِ إلَّا بِأَمْرَيْنِ: النِّشْدَانِ مَعَ دَعْوَى الْبَيِّنَةِ الْحَاضِرَةِ، أَوْ السَّمَاعِ مَعَ الْبَيِّنَةِ أَيْضًا، وَظَاهِرُ مَا نَقَلَ عَلَيْهِ الشَّارِحُ أَنَّ الْبَيِّنَةَ سَبَبٌ ثَالِثٌ، وَأَنَّ الْإِيقَافَ يَكُونُ بِأَحَدِ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ: إمَّا بِبَيِّنَةِ النِّشْدَانِ، وَإِمَّا بِبَيِّنَةِ السَّمَاعِ، أَوْ دَعْوَاهُ أَنَّ لَهُ بَيِّنَةً حَاضِرَةً. وَعَلَى هَذَا فَفَاعِلُ ادَّعَى أَيْ: مُدَّعٍ لَا بِقَيْدِ كَوْنِهِ أَقَامَ لَهُ بَيِّنَةَ نِشْدَانٍ أَوْ سَمَاعٍ، فَلَوْ قَالَ أَوْ ادَّعَى بَيِّنَةً حُضُورًا لَكَانَ أَبَيْنَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَصْلٌ مَا يُوجِبُ الْيَمِينَ لَا عَلَى الطَّالِبِ بَلْ عَلَى الْمَطْلُوبِ] (فَصْلٌ) رَابِعَةٌ مَا تُلْزِمُ الْيَمِينَا ... لَا الْحَقَّ لَكِنْ لِلْمُطَالِبِينَا شَهَادَةُ الْعَدْلِ أَوْ اثْنَتَيْنِ فِي ... طَلَاقٍ أَوْ عَتَاقٍ أَوْ قَذْفٍ يَفِي وَتُوقَفُ الزَّوْجَةُ ثُمَّ إنْ نَكَلْ ... زَوْجٌ فَسَجْنٌ وَلِعَامٍ الْعَمَلْ وَقِيلَ لِلزَّوْجَةِ إذْ يُدَيَّنُ ... تَمْنَعُ نَفْسَهَا وَلَا تَزَيَّنُ هَذَا هُوَ الْقِسْمُ الرَّابِعُ مِنْ أَقْسَامِ الشَّهَادَةِ وَهُوَ مَا يُوجِبُ الْيَمِينَ، لَكِنْ لَا عَلَى الطَّالِبِ كَمَا فِي الْقِسْمِ الثَّانِي بَلْ عَلَى الْمَطْلُوبِ، وَلَا يُوجِبُ حَقًّا وَذَلِكَ إذَا شَهِدَ عَدْلٌ أَوْ امْرَأَتَانِ عَدْلَتَانِ بِطَلَاقٍ، أَوْ عِتْقٍ، أَوْ قَذْفٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَثْبُتُ إلَّا بِعَدْلَيْنِ، وَأَنْكَرَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ تُوقَفُ زَوْجَةُ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ

فصل الشهادة التي لا عمل لها

بِمَا ذُكِرَ وَيُحَالُ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ، وَيُؤْمَرُ بِأَنْ يَحْلِفَ لِرَدِّ الشَّهَادَةِ فَإِنْ حَلَفَ بَرِئَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ يُحْبَسُ فِي السِّجْنِ وَيُطَالُ سَجْنُهُ الْعَامَ وَنَحْوَهُ فَإِنْ تَمَادَى عَلَى نُكُولِهِ فَإِنَّهُ يُطْلَقُ وَيُوكَلُ إلَى دِينِهِ وَتُؤْمَرُ زَوْجَتُهُ حِينَئِذٍ بِأَنْ تَمْنَعَ نَفْسَهَا مِنْهُ مَا اسْتَطَاعَتْ وَلَا تَزَيَّنُ، وَلَا يَأْتِيهَا زَوْجُهَا إلَّا كَارِهَةً، وَلْتَفْتَدِ مِنْهُ بِمَا قَدَرَتْ (ابْنُ يُونُسَ) وَأَمَّا إنْ ادَّعَتْ الْمَرْأَةُ أَنَّ زَوْجَهَا طَلَّقَهَا لَمْ يَحْلِفْ الزَّوْجُ إلَّا أَنْ تُقِيمَ الْمَرْأَةُ شَاهِدًا، أَوْ امْرَأَتَيْنِ مِمَّنْ تَجُوزُ شَهَادَتُهُمَا فِي الْحُقُوقِ فَيَحْلِفُ الزَّوْجُ، (قَالَ مَالِكٌ) : يُحَالُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا حَتَّى يَحْلِفَ فَإِنْ نَكَلَ طَلُقَتْ عَلَيْهِ مَكَانَهَا، وَاعْتَدَّتْ مِنْ يَوْمِ الطَّلَاقِ وَرُوِيَ عَنْهُ إذَا طَالَ سَجْنُهُ دُيِّنَ وَتُرِكَ، وَالطُّولُ سَنَةٌ وَبِهَذَا أَخَذَ ابْنُ الْقَاسِمِ. (قَالَ مَالِكٌ) وَإِذَا ادَّعَى عَبْدٌ عَلَى سَيِّدِهِ أَنَّهُ أَعْتَقَهُ فَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ، وَلَوْ جَازَ هَذَا لِلنِّسَاءِ وَالْعَبِيدِ لَمْ يَشَأْ عَبْدٌ إلَّا حَلَّفَ سَيِّدَهُ، وَلَا امْرَأَةٌ إلَّا حَلَّفَتْ زَوْجَهَا كُلَّ يَوْمٍ فَإِنْ أَقَامَ الْعَبْدُ أَوْ الْمَرْأَةُ شَاهِدًا، أَوْ امْرَأَتَيْنِ مِمَّنْ تُقْبَلَانِ فِي الْحُقُوقِ مِثْلَ: أَنْ لَا تَكُونَ مِنْ الْأُمَّهَاتِ وَالْبَنَاتِ وَالْأَخَوَاتِ أَوْ مَنْ هُوَ مُتَّهَمٌ بِمَظِنَّةٍ فَإِنَّهُ لَا يَحْلِفُ الْعَبْدُ، وَلَكِنْ يَحْلِفُ السَّيِّدُ، فَإِنْ نَكَلَ عَتَقَ الْعَبْدُ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ يُسْجَنُ أَبَدًا حَتَّى يَحْلِفَ، ثُمَّ قَالَ إنْ طَالَ سَجْنُهُ دُيِّنَ، (وَفِي تَبْصِرَةِ اللَّخْمِيِّ) وَإِنْ شَهِدَ بِقَذْفٍ حُلِّفَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ وَبَرِئَ وَيُخْتَلَفُ إنْ نَكَلَ هَلْ يُحَدُّ، أَوْ يُسْجَنُ أَبَدًا حَتَّى يَحْلِفَ أَوْ يَخْرُجَ بَعْدَ سَنَةٍ قِيَاسًا عَلَى الطَّلَاقِ وَالْجِرَاحِ؟ هَلْ يُطَلِّقُ أَوْ يُقْتَصُّ مِنْهُ عِنْدَ النُّكُولِ؟ (قَالَ الشَّارِحُ) : اعْتَمَدَ الشَّيْخُ عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ الَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ، وَعَلَى مَا لِلَّخْمِيِّ فِي مَسْأَلَةِ الْقَذْفِ، وَمِمَّا يَلْحَقُ بِذَلِكَ دَعْوَى النِّكَاحِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَجْرِي مَجْرَى الْعَتَاقِ وَالطَّلَاقِ. (قَالَ الْمَازِرِيُّ) مَنْصُوصُ الْمَذْهَبِ أَنَّ مَنْ أَقَامَ شَاهِدًا وَاحِدًا بِنِكَاحِ امْرَأَةٍ وَأَنْكَرَتْهُ أَنْ لَا يَمِينَ عَلَيْهَا (، وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ) لَا يَمِينَ عَلَى دَعْوَى النِّكَاحِ عَلَى امْرَأَةٍ لِرَجُلٍ وَلَا عَلَيْهِ لَهَا مَا لَمْ يَقُمْ بِذَلِكَ شَاهِدٌ وَاحِدٌ، فَأَخَذَ مِنْهُ بَعْضُ الْأَشْيَاخِ وُجُوبَ الْيَمِينِ عَلَى الْمُنْكِرِ مِنْهُمَا بِالشَّاهِدِ الْوَاحِدِ اهـ، وَعَلَى عَدَمِ الْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ فِي النِّكَاحِ ذَهَبَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ بِقَوْلِهِ وَحُلِّفَ بِشَاهِدٍ فِي طَلَاقٍ وَعِتْقٍ لَا نِكَاحٍ، فَإِنْ نَكَلَ حُبِسَ وَإِنْ طَالَ دُيِّنَ. فَقَوْلُهُ: رَابِعَةٌ صِفَةٌ لِمَحْذُوفٍ أَيْ: شَهَادَةٌ رَابِعَةٌ، وَمَا تُلْزِمُ مَا مَوْصُولَةٌ بِمَعْنَى الَّذِي وَتُلْزِمُ بِضَمِّ أَوَّلِهِ مُضَارِعُ أَلْزَمَ، وَلِلْمُطَالَبِينَ يَجُوزُ أَنْ يُقْرَأَ بِفَتْحِ اللَّامِ الثَّانِيَةِ اسْمُ مَفْعُولٍ مِنْ طَالَبَ، وَاللَّامُ بِمَعْنَى عَلَى حَدٍّ، وَاشْتَرِطِي لَهُمْ الْوَلَاءَ أَيْ عَلَيْهِمْ أَنَّ الشَّهَادَةَ تُوجِبُ الْيَمِينَ، لَا عَلَى الطَّالِبِ كَمَا فِي الْقِسْمِ الثَّانِي بَلْ عَلَى الْمَطْلُوبِ وَهُوَ الزَّوْجُ فِي الشَّهَادَةِ بِالطَّلَاقِ، وَالسَّيِّدُ فِي الشَّهَادَةِ بِالْعِتْقِ، وَيَجُوزُ أَنْ يُقْرَأَ بِكَسْرِهَا وَتَكُونُ لِلِاسْتِحْقَاقِ أَيْ: أَنَّ هَذِهِ الشَّهَادَةَ تُوجِبُ الْيَمِينَ لِلطَّالِبِ وَهِيَ الزَّوْجَةُ فِي الطَّلَاقِ وَالْعَبْدُ فِي الْعِتْقِ وَيَسْتَحِقُّهَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْمَطْلُوبِ، وَقَوْلُهُ: وَلَا تَزَيَّنُ عَلَى حَذْفِ إحْدَى التَّاءَيْنِ أَيْ: لَا تَتَزَيَّنُ. [فَصْلٌ الشَّهَادَةُ الَّتِي لَا عَمَلَ لَهَا] (فَصْلٌ) خَامِسَةٌ لَيْسَ عَلَيْهَا عَمَلْ ... وَهِيَ الشَّهَادَةُ الَّتِي لَا تُقْبَلْ كَشَاهِدِ الزُّورِ وَالِابْنِ لِلْأَبِ ... وَمَا جَرَى مَجْرَاهُمَا مِمَّا أَبِي هَذَا هُوَ الْقِسْمُ الْخَامِسُ مِنْ أَقْسَامِ الشَّهَادَةِ الْخَمْسَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي قَوْلِهِ قَبْلُ: ثُمَّ الشَّهَادَةُ لَدَى الْأَدَاءِ الْبَيْتَ وَهِيَ الشَّهَادَةُ الَّتِي لَا عَمَلَ لَهَا، وَلَا تُوجِبُ شَيْئًا وَهَذَا الْقِسْمُ فِي الْحَقِيقَةِ لَيْسَ بِقَسَمٍ مِنْهَا وَإِنَّمَا هُوَ قِسْمٌ لَهَا، فَالصَّوَابُ فِي التَّقْسِيمِ إذَنْ أَنْ يُقَالَ: الشَّهَادَةُ عَلَى قِسْمَيْنِ قِسْمٌ: يُوجِبُ أَمْرًا، أَوْ يَنْدَرِجُ فِيهِ الْأَنْوَاعُ الْأَرْبَعَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ، وَقِسْمٌ: لَا يُوجِبُ شَيْئًا وَهُوَ هَذِهِ، أَعْنِي الشَّهَادَةَ الَّتِي اخْتَلَّ فِيهَا شَرْطٌ

فصل في شهادة السماع

مِنْ شُرُوطِ الشَّهَادَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ أَوَّلَ الْبَابِ، أَوْ وُجِدَ فِيهَا مَانِعٌ يَمْنَعُ مِنْ قَبُولِهَا فَالْأَوَّلُ: كَشَاهِدِ الزُّورِ لِاخْتِلَالِ شَرْطِ الْعَدَالَةِ فِيهِ، الثَّانِي: كَشَهَادَةِ الِابْنِ لِأَبِيهِ لِوُجُودِ الْمَانِعِ وَهِيَ التُّهْمَةُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى الشُّرُوطِ، وَأَنَّ مَنْ اخْتَلَّ فِيهِ شَرْطٌ مِنْهَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ. وَأَمَّا الْمَوَانِعُ فَعَدَّ ابْنُ الْحَاجِبِ مِنْهَا جُمْلَةً صَالِحَةً أَوَّلُهَا: التَّغَفُّلُ الثَّانِي: أَنْ يَجُرَّ بِهَا نَفْعًا كَمَنْ شَهِدَ عَلَى مَوْرُوثِهِ الْمُحْصَنِ بِالزِّنَا، أَوْ قَتْلِ الْعَمْدِ مَا لَمْ يَكُنْ فَقِيرًا أَوْ يَدْفَعُ ضَرَرًا كَشَهَادَةِ بَعْضِ الْعَاقِلَةِ بِفِسْقِ شُهُودِ الْقَتْلِ خَطَأً، الثَّالِثُ: أَكِيدُ الشَّفَقَةِ بِالنَّسَبِ كَالْأُبُوَّةِ وَالْأُمُومَةِ، أَوْ بِالسَّبَبِ كَالزَّوْجِيَّةِ فَلَا يَشْهَدُ الزَّوْجُ لِلزَّوْجَةِ وَلَا هِيَ لَهُ، الرَّابِعُ: الْعَدَاوَةُ فَلَا تُقْبَلُ عَلَيْهِ وَتُقْبَلُ لَهُ عَكْسُ الْقَرَابَةِ، الْخَامِسُ: الْحِرْصُ عَلَى إزَالَةِ التَّغْيِيرِ بِإِظْهَارِ الْبَرَاءَةِ أَوْ التَّأَسِّي، فَالْأَوَّلُ كَشَهَادَتِهِ فِيمَا رُدَّ فِيهِ بِفِسْقٍ، أَوْ صِبًا، أَوْ رِقٍّ، أَوْ كُفْرٍ، وَالثَّانِي وَهُوَ التَّأَسِّي كَشَهَادَةِ وَلَدِ الزِّنَا فِي الزِّنَا، وَكَشَهَادَةِ مَنْ حُدَّ فِي مِثْلِ مَا حُدَّ فِيهِ، السَّادِسُ: الْحِرْصُ عَلَى تَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ كَالشَّاهِدِ الْمُخْتَفِي لِتَحَمُّلِهَا، وَلَا يَضُرُّ عَلَى الْمَشْهُورِ أَوْ عَلَى أَدَائِهَا فَيَرْفَعُ شَهَادَتَهُ قَبْلَ أَنْ يُطْلَبَ بِهَا فِي مَحْضِ حَقِّ آدَمِيٍّ، وَذَلِكَ قَادِحٌ، السَّابِعُ: الِاسْتِبْعَادُ كَإِشْهَادِ أَهْلِ الْحَاضِرَةِ شُهُودًا مِنْ الْبَادِيَةِ. (وَفِي الْمُدَوَّنَةِ) لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ السُّؤَالِ إلَّا فِي التَّافِهِ الْيَسِيرِ لِحُصُولِ الرِّيبَةِ فِيمَا لَهُ قَدْرٌ وَبَالٌ، وَقَوْلُهُ مِمَّا أَبِي بِضَمِّ الْهَمْزَةِ أَيْ: مِمَّا أَبَاهُ الْفُقَهَاءُ مِنْ الشَّهَادَاتِ وَلَمْ يَقْبَلُوهُ. [فَصْلٌ فِي شَهَادَةِ السَّمَاعِ] ِ (ابْنُ عَرَفَةَ) شَهَادَةُ السَّمَاعِ لَقَبٌ لِمَا يُصَرِّحُ الشَّاهِدُ فِيهِ بِإِسْنَادِ شَهَادَتِهِ لِسَمَاعٍ مِنْ غَيْرِ مُعَيَّنٍ فَتُخْرِجُ شَهَادَتُهُ الْبَتَّ، وَالنَّقْلَ أَيْ تُخْرِجُ شَهَادَةَ الْبَتِّ مِنْ قَوْلِهِ بِإِسْنَادِ شَهَادَتِهِ لِسَمَاعٍ وَتُخْرِجُ شَهَادَةَ النَّقْلِ مِنْ قَوْلِهِ مِنْ غَيْرِ مُعَيَّنٍ؛ لِأَنَّ الْمَنْقُولَ عَنْهُ فِي شَهَادَةِ النَّقْلِ مُعَيَّنٌ وَأُعْمِلَتْ شَهَادَةُ السَّمَاعِ ... فِي الْحَمْلِ وَالنِّكَاحِ وَالرَّضَاعِ وَالْحَيْضِ وَالْمِيرَاثِ وَالْمِيلَادِ ... وَحَالِ إسْلَامٍ أَوْ ارْتِدَادِ وَالْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ وَالْوَلَاءِ ... وَالرُّشْدِ وَالتَّسْفِيهِ وَالْإِيصَاءِ وَفِي تَمَلُّكِ الْمِلْكِ بِيَدِ ... يُقَامُ فِيهِ بَعْدَ طُولِ الْمَدَدِ وَحَبْسِ مَنْ جَازَ مِنْ السِّنِينَا ... عَلَيْهِ مَا يُنَاهِزُ الْعِشْرِينَا وَعَزْلِ حَاكِمٍ وَفِي تَقْدِيمِهِ ... وَضَرَرِ الزَّوْجَيْنِ مِنْ تَتْمِيمِهِ اشْتَمَلَتْ الْأَبْيَاتُ السِّتُّ عَلَى عَدِّ مَوَاضِعِ شَهَادَةِ السَّمَاعِ وَذَلِكَ فِي: الْحَمْلِ وَمِمَّا يَنْبَنِي عَلَيْهِ أَنْ تَصِيرَ الْأَمَةُ أُمَّ وَلَدٍ، وَفِي النِّكَاحِ، وَصِفَةُ شَهَادَةِ السَّمَاعِ فِي النِّكَاحِ أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ تَحْتَ حِجَابِ الزَّوْجِ فَيُحْتَاجُ إلَى إثْبَاتِ الزَّوْجِيَّةِ بِبَيِّنَةٍ، أَوْ يَمُوتُ أَحَدُهُمَا فَيَطْلُبُ الْحَيُّ مِنْهُمَا الْمِيرَاثَ فَيُثْبِتُ الزَّوْجِيَّةَ بِالسَّمَاعِ الْمُسْتَفِيضِ فَيُحْكَمُ لَهُ بِالْمِيرَاثِ، فَلَوْ لَمْ تَكُنْ الْمَرْأَةُ فِي عِصْمَةِ أَحَدٍ بِزَوْجِيَّةٍ فَأَثْبَتَ رَجُلٌ أَنَّهَا

زَوْجَتُهُ تَزَوَّجَهَا بِالسَّمَاعِ لَمْ يَسْتَوْجِبْ الْبِنَاءَ عَلَيْهَا، لِأَنَّ شَهَادَةَ السَّمَاعِ إنَّمَا تَنْفَعُ مَعَ الْحِيَازَةِ لِلْمَرْأَةِ وَهَذَا لَمْ يَحُزْهَا إلَيْهِ إذْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ السَّمَاعُ مِنْ وَاحِدٍ وَقَدْ فَشَا ذِكْرُهُ وَوَاحِدٌ لَا يَجُوزُ بِهِ النِّكَاحُ، قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ الْحَاجِّ. (قَالَ الْقَاضِي الْمِكْنَاسِيُّ) : قُلْت فَيَظْهَرُ مِنْهُ أَنْ لَا يَبْنِيَ عَلَيْهَا بِشَهَادَةِ السَّمَاعِ مَعَ أَنَّهُ يَرِثُهَا بِهِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ سَمَاعًا مُنْتَشِرًا مُسْتَفِيضًا يَقَعُ بِهِ الْعِلْمُ كَمَا أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُمْكِنُ أَنْ يُخْتَلَفَ فِي هَذَا أَنَّهُ يَبْنِي بِهَا بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ، لَا سِيَّمَا إذَا طَالَ الْأَمْرُ وَمَاتَتْ الْبَيِّنَاتُ. اهـ (وَفِي التَّوْضِيحِ) عَنْ أَبِي عِمْرَانَ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي شَهَادَةِ السَّمَاعِ عَلَى النِّكَاحِ أَنْ يَكُونَ الزَّوْجَانِ مُتَّفِقَيْنِ عَلَيْهِ، وَأَمَّا إذَا أَنْكَرَ أَحَدُهُمَا فَلَا. اهـ. وَتَجُوزُ فِي الرَّضَاعِ وَيَنْبَنِي عَلَيْهِ انْتِشَارُ الْحُرْمَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي بَابِ الرَّضَاعِ، وَتَجُوزُ فِي الْحَيْضِ وَيَنْبَنِي عَلَيْهِ الْبُلُوغُ وَالْخُرُوجُ مِنْ الْعِدَّةِ وَغَيْرُ ذَلِكَ، وَتَجُوزُ فِي الْمِيرَاثِ فَيَشْهَدُ أَنَّ فُلَانًا وَارِثُ فُلَانٍ وَذَلِكَ يَئُولُ إلَى النَّسَبِ وَالْوَلَاءِ، وَتَجُوزُ فِي الْوِلَادَةِ، وَمِمَّا يَنْبَنِي عَلَيْهَا أَيْضًا أَنْ تَصِيرَ الْأَمَةُ أُمَّ وَلَدٍ، وَالْخُرُوجُ مِنْ الْعِدَّةِ وَغَيْرُ ذَلِكَ، وَتَجُوزُ فِي الْإِسْلَامِ وَيَنْبَنِي عَلَيْهِ أَنْ تَرِثَهُ وَرَثَتُهُ الْمُسْلِمُونَ دُونَ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ، وَفِي الرَّدِّ فَمِيرَاثُهُ لِبَيْتِ الْمَالِ وَفِي الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ وَيَنْبَنِي عَلَيْهِمَا قَبُولُ شَهَادَةِ مَنْ عُدِّلَ، وَعَدَمُ قَبُولِهَا مِمَّنْ جُرِحَ، وَتَجُوزُ فِي الْوَلَاءِ وَإِنَّ فُلَانًا مُعْتَقٌ لِفُلَانٍ أَوْ مُعْتَقٌ لِأَبِيهِ أَوْ جَدِّهِ فَيَرِثُهُ بِذَلِكَ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَاصِبٌ مِنْ نَسَبِهِ، وَتَجُوزُ فِي الرُّشْدِ وَالسَّفَهِ، وَمِمَّا يَنْبَنِي عَلَيْهِمَا إمْضَاءُ تَصَرُّفَاتِ الرَّشِيدِ وَرَدِّ تَصَرُّفَاتِ الْمَحْجُورِ عَلَى تَفْصِيلٍ مَذْكُورٍ فِي مَحَلِّهِ، وَتَجُوزُ فِي الْوَصِيَّةِ فَتَثْبُتُ بِشَهَادَةِ السَّمَاعِ. (قَالَ شَيْخُ شُيُوخِنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَنْجُورِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ الْمُنْتَخَبِ) : وَالْمَفْهُومُ مِنْ الْوَصِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ فِي كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ يَعْنِي: سَيِّدِي عَلِيًّا الزَّقَّاقَ إنَّمَا هِيَ الْوَصِيَّةُ بِالْمَالِ، (قَالَ شَيْخُ شُيُوخِنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ غَازِيٍّ) : وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِالْوَصِيَّةِ بِالْمَالِ وَإِنَّمَا ذَكَرَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ وَالْقَرَافِيُّ وَالْغِرْنَاطِيُّ لَفْظَ الْوَصِيَّةِ غَيْرَ مُفَسَّرٍ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُمْ قَصَدُوا مَا فِي الْكَافِي مِنْ الْإِيصَاءِ بِالنَّظَرِ، وَبِذَلِكَ فَسَّرَ صَاحِبُ التَّوْضِيحِ الْوَصِيَّةَ فِي النَّظْمِ الَّذِي فِي أَوَّلِهِ يَا سَائِلِي عَمَّا يُنَفَّذُ حُكْمُهُ ، وَتَجُوزُ أَيْضًا فِي ثُبُوتِ الْمِلْكِ لِحَائِزِهِ وَلَا تَنْفَعُ لِغَيْرِ الْحَائِزِ لِضَعْفِهَا، وَلِذَلِكَ قَالَ النَّاظِمُ: الْمِلْكِ بِيَدِ وَأَمَّا قَوْلُهُ يُقَامُ فِيهِ بَعْدَ طُولِ الْمَدَدِ وَقَوْلُهُ وَحَبْسٍ جَازَ إلَخْ فَيَأْتِي بَعْضُ الْكَلَامِ عَلَيْهِ قَرِيبًا - إنْ شَاءَ اللَّهُ -، وَتَجُوزُ فِي الْحَبْسِ الْقَدِيمِ وَلِذَلِكَ قَالَ: جَازَ مِنْ السِّنِينَ إلَخْ. (التَّوْضِيحُ) وَلَا تُفِيدُ شَهَادَةُ السَّمَاعِ فِي الْحَبْسِ إلَّا مَعَ الْقَطْعِ عَلَى الْمَعْرِفَةِ أَنَّهُ مُحْتَرَمٌ بِحُرْمَةِ الْأَحْبَاسِ. اهـ وَتَجُوزُ أَيْضًا فِي عَزْلِ حَاكِمٍ أَوْ تَوْلِيَتِهِ، وَيَنْبَنِي عَلَى تَوْلِيَتِهِ نُفُوذُ حُكْمِهِ، وَعَلَى عَزْلِهِ عَدَمُ نُفُوذِهِ، وَتَجُوزُ أَيْضًا فِي إثْبَاتِ ضَرَرِ الزَّوْجَيْنِ وَيَنْبَنِي عَلَيْهِ التَّطْلِيقُ بِالضَّرَرِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَنْبَنِي عَلَى هَذِهِ الْأُمُورِ. (تَتْمِيمٌ) قَالَ فِي الْبَابِ الثَّانِي وَالثَّلَاثِينَ مِنْ التَّبْصِرَةِ فِي الْقَضَاءِ بِشَهَادَةِ السَّمَاعِ (قَالَ ابْنُ رَاشِدٍ) : شَهَادَةُ السَّمَاعِ لَهَا ثَلَاثُ مَرَاتِبَ الْمَرْتَبَةُ الْأُولَى: تَقْيِيدُ الْعِلْمِ وَهِيَ الْمُعَبَّرُ عَنْهَا بِالتَّوَاتُرِ كَالسَّمَاعِ بِأَنَّ مَكَّةَ مَوْجُودَةٌ وَمِصْرَ وَنَحْوَ ذَلِكَ فَهَذِهِ إذَا حَصَلَتْ كَانَتْ بِمَنْزِلَةِ الشَّهَادَةِ بِالرُّؤْيَةِ، وَغَيْرِهَا مِمَّا يُفِيدُ الْعِلْمَ، الْمَرْتَبَةُ الثَّانِيَةُ: شَهَادَةُ الِاسْتِفَاضَةِ وَهِيَ تُفِيدُ ظَنًّا قَوِيًّا يَقْرُبُ مِنْ الْقَطْعِ وَتَرْتَفِعُ عَنْ شَهَادَةِ السَّمَاعِ مِثْلَ: أَنْ يَشْهَدَ أَنَّ نَافِعًا مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ، وَأَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ هُوَ ابْنُ الْقَاسِمِ فَيَجُوزُ الِاسْتِنَادُ إلَيْهَا، وَمِنْهَا إذَا رُئِيَ الْهِلَالُ رُؤْيَةً مُسْتَفِيضَةً، وَرَآهُ الْجَمُّ الْغَفِيرُ مِنْ أَهْلِ الْبَلَدِ وَشَاعَ أَمْرُهُ فِيهِمْ لَزِمَهُمْ الصَّوْمُ أَوْ الْفِطْرُ مَنْ رَآهُ وَمَنْ لَمْ يَرَهُ، وَحُكْمُهُ حُكْمُ الْخَبَرِ الْمُسْتَفِيضِ لَا يَحْتَاجُ إلَى شَهَادَةٍ عِنْدَ الْحَاكِمِ وَلَا تَعْدِيلٍ قَالَهُ الطُّرْطُوشِيُّ وَمِنْهَا اسْتِفَاضَةُ التَّعْدِيلِ وَالتَّجْرِيحِ وَمَا يَسْتَفِيضُ عِنْدَ الْحَاكِمِ مِنْ ذَلِكَ. (قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ) : مِنْ النَّاسِ مَنْ لَا يَحْتَاجُ أَنْ يَسْأَلَ عَنْهُ الْحَاكِمُ لِإِشْهَارِ عَدَالَتِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَسْأَلُ عَنْهُ لِاشْتِهَارِ جُرْحَتِهِ وَإِنَّمَا يُكْشَفُ عَمَّا يُشْكِلُ وَمِنْهَا الْقَسَامَةُ بِالسَّمَاعِ بِالِاسْتِفَاضَةِ، (قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ) : مِثْلُ أَنْ يَعْدُوَ رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ فِي سُوقٍ مِثْلِ سُوقِ الْأَحَدِ وَمَا أَشْبَهَهُ فِي كَثْرَةِ النَّاسِ فَقَطَعَ كُلُّ مَنْ حَضَرَ عَلَيْهِ بِالشَّهَادَةِ، فَرَأَى مَنْ ارْتَضَى مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ ذَلِكَ إنْ كَثُرَ هَكَذَا وَتَظَاهَرَ بِمَنْزِلَةِ اللَّوْثِ تَكُونُ فِيهِ الْقَسَامَةُ مِنْ مُعِينِ الْحُكَّامِ. الْمَرْتَبَةُ الثَّالِثَةُ: شَهَادَةُ السَّمَاعِ وَهِيَ الَّتِي يَقْصِدُ

الْفُقَهَاءُ الْكَلَامَ عَلَيْهِ، وَيَتَعَلَّقُ النَّظَرُ بِصِفَاتِهَا وَشُرُوطِهَا، وَمَحِلِّهَا. فَأَمَّا صِفَاتُهَا بِأَنْ يَقُولُوا: سَمِعْنَا سَمَاعًا فَاشِيًا مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ وَغَيْرِهِمْ (وَفِي مُفِيدِ الْحُكَّامِ) ، وَتَفْسِيرُ شَهَادَةِ السَّمَاعِ أَنْ يَشْهَدَ شَاهِدَانِ، أَوْ أَرْبَعَةٌ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي ذَلِكَ أَنَّهُمْ لَمْ يَزَالُوا يَسْمَعُونَ أَنَّ هَذِهِ الدَّارَ صَدَقَةٌ عَلَى بَنِي فُلَانٍ، وَأَنَّ فُلَانًا مَوْلَى فُلَانٍ قَدْ تَوَاطَأَ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ، وَكَثُرَ سَمَاعُهُمْ وَفَشَا حَتَّى لَا يَدْرُونَ وَلَا يُحِيطُونَ مِمَّا سَمِعُوهُ مِنْ كَثْرَةِ مَا سَمِعُوا بِهِ مِنْ النَّاسِ مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ وَغَيْرِهِمْ، وَلَا يَكُونُ السَّمَاعُ أَنْ يَقُولُوا: سَمِعْنَا مِنْ أَقْوَامٍ بِأَعْيَانِهِمْ يُسَمُّونَهُمْ أَوْ يَعْرِفُونَهُمْ إذْ لَيْسَتْ حِينَئِذٍ شَهَادَةً بَلْ هِيَ شَهَادَةٌ عَلَى شَهَادَةِ السَّمَاعِ اهـ. وَأَمَّا شُرُوطُهَا فَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهَا فِي الْبَيْتَيْنِ بَعْدُ، وَأَمَّا مَحَلُّهَا فَقَدْ عَدَّ النَّاظِمُ جُمْلَةً صَالِحَةً وَزَادَ غَيْرُهُ مَسَائِلَ أُخَرَ اُنْظُرْ شِفَاءَ الْغَلِيلِ لِابْنِ غَازِيٍّ. (تَنْبِيهٌ) قَوْلُهُ: وَفِي تَمَلُّكِ لِمِلْكٍ بِيَدِ الْبَيْتَيْنِ (قَالَ فِي التَّوْضِيحِ) قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ: إنَّمَا يَشْهَدُ بِالْمِلْكِ إذَا طَالَتْ الْحِيَازَةُ وَكَانَ يَتَصَرَّفُ فِيهِ تَصَرُّفَ الْمَالِكِ فِي الْهَدْمِ وَنَحْوِهِ، وَلَا يُنَازِعُهُ أَحَدٌ وَلَا يُكْتَفَى بِشَهَادَتِهِمْ أَنَّهُ يَحُوزُهَا حَتَّى يَقُولُوا: إنَّهُ يَحُوزُهَا لِحَقِّهِ وَإِنَّهَا لَهُ مِلْكٌ، وَأَمَّا مَنْ يَشْتَرِي شَيْئًا مِنْ سُوقِ الْمُسْلِمِينَ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُشْهَدَ لَهُ بِالْمِلْكِ لِأَنَّهُ قَدْ يَشْتَرِي مِنْ غَيْرِ مَالِكٍ (الْمَازِرِيُّ) وَالْمِلْكُ لَا يَكَادُ يُقْطَعُ بِهِ وَقَالَ فِي مُخْتَصَرِهِ: وَجَازَتْ بِسَمَاعٍ فَشَا عَنْ ثِقَاتٍ وَغَيْرِهِمْ بِمِلْكٍ لِحَائِزٍ مُتَصَرِّفٍ طَوِيلًا. (وَفِي التَّبْصِرَةِ) إذَا شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ بِالسَّمَاعِ أَنَّهُ حُبْسٌ عَلَى الْحَائِزِينَ لَهُ وَهُوَ تَحْتَ أَيْدِيهِمْ، أَوْ يَكُونُ لَا يَدَ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ فَتَشْهَدُ بَيِّنَةٌ بِالسَّمَاعِ أَنَّهُ حُبِسَ عَلَى بَنِي فُلَانٍ، أَوْ لِلَّهِ تَعَالَى مَا بَقِيَتْ الدُّنْيَا فَهَذَا الَّذِي تَصِحُّ فِيهِ شَهَادَةُ السَّمَاعِ إذَا تَطَاوَلَ الزَّمَانُ. (وَفِي الْمَوَّاقِ مَا نَصُّهُ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى السَّمَاعِ فِي الْأَحْبَاسِ جَائِزَةٌ بِطُولِ زَمَانِهَا. اهـ (وَفِي حَاشِيَةِ) شَيْخِنَا سَيِّدِي أَبِي مُحَمَّدٍ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ عَاشِرٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى الْمُخْتَصَرِ مَا نَصُّهُ قَوْلُهُ: وَإِنْ طَالَ الزَّمَانُ هَذَا الشَّرْطُ عِنْدَ ابْنِ عَرَفَةَ خَاصٌّ بِغَيْرِ الْمَوْتِ، وَأَمَّا بِالْبُعْدِ فَيُشْتَرَطُ عَدَمُ طُولِ الزَّمَانِ؛ لِأَنَّهُ مَعَ الطُّولِ تُمْكِنُ الشَّهَادَةُ فِيهِ عَلَى الْقَطْعِ، وَشَهَادَةُ السَّمَاعِ يُشْتَرَطُ فِيهَا كَوْنُ الْمَشْهُودِ بِهِ بِحَيْثُ لَا يُدْرَكُ بِالْقَطْعِ، قِفْ عَلَى ابْنِ غَازٍ وَفِي ابْنِ عَرَفَةَ مَا هُوَ صَرِيحٌ أَوْ كَالصَّرِيحِ فِي اخْتِصَاصِ شَرْطِ الطُّولِ بِالْأَحْبَاسِ وَالْأَشْرِيَةِ. اهـ وَهَذَا الَّذِي نَسَبَ إلَيْهِ ابْنُ عَرَفَةَ هُوَ ظَاهِرُ النَّظْمِ، وَفِي الْحَاشِيَةِ الْمَذْكُورَةِ أَنَّ شَرْطَ طُولِ الزَّمَانِ فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ كَالْحَيْضِ وَالْحَمْلِ مُشْكِلٌ. اهـ. وَشَرْطُهَا اسْتِفَاضَةٌ بِحَيْثُ لَا ... يَحْضُرُ مَنْ عَنْهُ السَّمَاعُ نُقِلَا مَعَ السَّلَامَةِ مِنْ ارْتِيَابِ ... يُفْضِي إلَى تَغْلِيطٍ أَوْ إكْذَابِ وَيُكْتَفَى فِيهَا بِعَدْلَيْنِ عَلَى ... مَا تَابَعَ النَّاسُ عَلَيْهِ الْعَمَلَا يَعْنِي أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ شَهَادَةِ السَّمَاعِ شَرْطَانِ أَحَدُهُمَا: الِاسْتِفَاضَةُ وَالثَّانِي: السَّلَامَةُ مِنْ الرِّيبَةِ الْمُؤَدِّيَةِ إلَى تَغْلِيطِ الشَّاهِدِ أَوْ تَكْذِيبِهِ، فَالِاسْتِفَاضَةُ هِيَ أَنْ يَكُونَ الْمَنْقُولُ عَنْهُ غَيْرَ مُعَيَّنٍ وَلَا مَحْصُورٍ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: بِحَيْثُ لَا يَحْضُرُ إلَخْ (قَالَ الْبَاجِيُّ) وَشَرْطُ شَهَادَةِ السَّمَاعِ أَنْ يَقُولُوا: سَمِعْنَا سَمَاعًا فَاشِيًا مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ وَغَيْرِهِمْ، وَإِلَّا لَمْ تَصِحَّ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ وَقَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ: قَالَا وَلَا يُسَمُّوا مَنْ سَمِعُوا مِنْهُ فَإِنْ سَمَّوْا خَرَجَتْ مِنْ شَهَادَةِ السَّمَاعِ إلَى الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ، وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَصْبَغُ. وَأَمَّا السَّلَامَةُ مِنْ الرِّيبَةِ بِغَلَطِ الشَّاهِدِ أَوْ كَذِبِهِ فَيُحْتَرَزُ بِذَلِكَ مِنْ وُجُودِ الرِّيبَةِ، وَمِثَالُهَا مَا حَكَاهُ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ فِي النَّوَادِرِ عَنْ الْمَجْمُوعَةِ لِابْنِ الْقَاسِمِ إذَا شَهِدَ رَجُلَانِ عَلَى السَّمَاعِ وَفِي الْقَبِيلِ مِائَةٌ مِنْ أَسْنَانِهِمَا لَا يَعْرِفُونَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمَا إلَّا بِأَمْرٍ يَفْشُو وَيَكُونُ عَلَيْهِ أَكْثَرُ مِنْ اثْنَيْنِ إلَّا أَنْ يَكُونَا شَيْخَيْنِ كَبِيرَيْنِ قَدْ بَادَ جِيلُهُمَا، فَتَجُوزُ شَهَادَتُهُمَا، وَنَقَلَ الشَّارِحُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّاطِبِيِّ شَرْطًا لَنَا وَهُوَ: أَنْ يَكُونَ فِيمَا تَقَادَمَ عَهْدُهُ وَطَالَ زَمَانُهُ فَإِنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَمْ يُفْتَقَرْ إلَيْهَا؛ لِأَنَّ قَصْدَ الزَّمَانِ مَظِنَّةٌ لِوُجُودِ شَهَادَةِ الْقَطْعِ، إلَّا أَنْ لَا يُمْكِنَ فِي الْعَادَةِ

شَهَادَةُ الْقَطْعِ كَمَا فِي الضَّرَرِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ قَالَ: وَالتَّحْقِيقُ فِي الطُّولِ الِاسْتِنَادُ إلَى الْعُرْفِ، (قُلْت) : وَتَقَدَّمَ قَبْلَ هَذِهِ الْأَبْيَاتِ مُتَّصِلًا بِهَا بَعْضُ مَا يَتَعَلَّقُ بِهَذَا الشَّرْطِ. وَرَابِعًا وَهُوَ كَثْرَةُ عَدَدِ الشُّهُودِ فَلَا يُقْتَصَرُ عَلَى رَجُلَيْنِ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُوجَدْ إلَّا رَجُلَانِ دَلَّ عَلَى عَدَمِ الِانْتِشَارِ، لَكِنْ لَوْ كَانَا مِنْ الْكِبَرِ بِحَيْثُ بَادَ جِيلُهُمَا لَزَالَتْ الرِّيبَةُ وَالْعَمَلُ عَلَى الِاكْتِفَاءِ بِعَدْلَيْنِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ: وَيُكْتَفَى فِيهَا إلَخْ. وَخَامِسًا: وَهُوَ الْعَدَالَةُ فِي هَؤُلَاءِ النَّاقِلِينَ فَلَا تَكْفِي الْكَثْرَةُ مَا لَمْ تَبْلُغْ مَبْلَغَ التَّوَاتُرِ بِخِلَافِ مَنْ يُنْقَلُ عَنْهُمْ، فَإِنَّ الِانْتِشَارَ كَافٍ لِشَهَادَةِ الْعَادَةِ بِالصِّدْقِ فِي مِثْلِهِ. وَسَادِسًا: وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْمَشْهُودُ فِيهِ مِنْ شَأْنِهِ الِاشْتِهَارُ، وَأَنْ لَا يَخْتَصَّ بِمَعْرِفَةِ بَعْضٍ دُونَ بَعْضٍ كَمَا فِي الْأَنْسَابِ، وَالْأَحْبَاسِ الْعَامَّةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ بِخِلَافِ الْحَبْسِ الْخَاصِّ لِمُعَيَّنٍ فَإِنَّهُ قَدْ لَا يَشْتَهِرُ اشْتِهَارَ الْحَبْسِ الْعَامِّ، وَلَا بُدَّ فِي نَصِّ الشَّهَادَةِ مِنْ لَفْظِ الِانْتِشَارِ، أَوْ مَا يُفْهِمُ ذَلِكَ الْمَعْنَى. وَسَابِعًا: وَهُوَ كَوْنُ الِاشْتِهَارِ فِي مَوْضِعِ الشَّيْءِ الْمَشْهُودِ بِهِ، وَزَادَ فِي التَّبْصِرَةِ. ثَامِنًا: وَهُوَ كَوْنُ الشَّيْءِ الْمَشْهُودِ بِهِ تَحْتَ يَدِ الْمَشْهُودِ لَهُ، إنَّمَا تَنْفَعُ لِمَنْ الشَّيْءُ فِي يَدِهِ. (قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ) : لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ السَّمَاعِ لِمُدَّعِي دَارٍ بِيَدِ غَيْرِهِ وَقَدْ حَازَهَا، وَإِنَّمَا تَجُوزُ لِمَنْ الدَّارُ فِي يَدِهِ. وَتَاسِعًا: وَهُوَ أَنْ يَحْلِفَ الْمَشْهُودُ لَهُ (قَالَ ابْنُ مُحَرِّزٍ) : لَا يُقْضَى لِأَحَدٍ بِشَهَادَةِ السَّمَاعِ إلَّا بَعْدَ يَمِينِهِ؛ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ السَّمَاعُ مِنْ شَاهِدٍ وَاحِدٍ، وَالشَّاهِدُ الْوَاحِدُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ الْيَمِينِ. وَعَاشِرًا: وَهُوَ أَنْ لَا يُسَمُّوا الْمَسْمُوعَ مِنْهُمْ، وَإِلَّا كَانَ نَقْلَ شَهَادَةٍ فَلَا تُقْبَلُ إذَا كَانَ الْمَقْبُولُ عَنْهُمْ غَيْرَ عُدُولٍ (قُلْت) : وَهَذَا الشَّرْطُ بِعَيْنِهِ هُوَ الَّذِي عَنَى النَّاظِمُ بِالِاسْتِفَاضَةِ وَقَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ: شَهَادَةُ السَّمَاعِ إذَا كَانَ يُنْتَزَعُ بِهَا فَلَا تَجُوزُ إلَّا عَلَى السَّمَاعِ مِنْ الْعُدُولِ، وَإِنْ كَانَتْ لِيُقِرَّ بِهَا فِي يَدِ حَائِزِهَا فَهَذِهِ يُخْتَلَفُ فِي اشْتِرَاطِ الْعَدَالَةِ فِيهَا. (تَنْبِيهٌ) مَا تَقَدَّمَ مِنْ حَلِفِ الْمَشْهُودِ لَهُ بِالسَّمَاعِ هُوَ خَاصٌّ بِالدَّعْوَى الَّتِي يَقْطَعُ الْقَائِمُ بِهَا لَا فِي مِثْلِ دَعْوَى مَوْتِ مَوْرُوثِهِ فِيمَا بَعُدَ مِنْ الْبِلَادِ فَإِنَّ الْيَمِينَ هُنَا تُضَعَّفُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا يَحْلِفُ إلَّا فِيمَا يَعْلَمُهُ الْحَالِفُ عِلْمًا يَقِينِيًّا مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ الشَّاهِدِ. وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ فَإِنَّهُ يَحْلِفُ إذَا تَحَقَّقَ ذَلِكَ مِنْ قِبَلِ الشَّاهِدِ فَيُنْظَرُ فِي إمْكَانِ تَحَقُّقِ ذَلِكَ هُنَا، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ. اهـ مِنْ الشَّارِحِ (قَالَ مُقَيِّدُ هَذَا الشَّرْحِ) : وَقَدْ كُنْت جَمَعْت الشُّرُوطَ الْمَذْكُورَةَ فِي أَبْيَاتٍ فَقُلْت شَهَادَةُ السَّمَاعِ فِيمَا عَدَّدُوا ... عَامِلَةٌ مَعَ حَلِفٍ وَقَيَّدُوا حَلِفَهُ بِكَوْنِ مَا ادَّعَاهُ ... مُحَقَّقًا عِنْدَهُ لَا امْتَرَاهُ كَذَا عَدَالَةٌ يَلِي طُولَ الْمَدَا ... وَالِانْتِشَارُ مَعَ لَفْظِهِ بَدَا مَعَ كَوْنِ مَشْهُودٍ بِهِ مِمَّا يُرَى ... أَنْ يَسْتَفِيضَ وَيَشِيعَ فِي الْوَرَى وَكَثْرَةُ الشُّهُودِ ثُمَّ الِانْتِشَارْ ... مُعْتَبَرٌ لَدَى مَحَلِّ الِاضْطِرَارْ وَلَا بِهَا يُزَالُ مَا يَدٌ شَمِلْ ... وَنَفْيُ تَعْيِينٍ لِمَنْ عَنْهُ نُقِلْ وَذُو اسْتِفَاضَةٍ كَذَا السَّلَامَهْ ... مِنْ رِيبَةٍ فَاحْفَظْ وَلَا مَلَامَهْ قَالَ النَّاظِمُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.

فصل في مسائل من الشهادة

[فَصْلٌ فِي مَسَائِلَ مِنْ الشَّهَادَةِ] ِ وَمَنْ لِطَالِبٍ بِحَقٍّ شَهِدَا ... وَلَمْ يُحَقِّقْ عِنْدَ ذَاكَ الْعَدَدَا فَمَالِكٌ عَنْهُ بِهِ قَوْلَانِ ... لِلْحُكْمِ فِي ذَاكَ مُبَيِّنَانِ إلْغَاؤُهَا كَأَنَّهَا لَمْ تُذْكَرْ ... وَتَرْفَعُ الدَّعْوَى يَمِينُ الْمُنْكِرِ أَوْ يُلْزَمَ الْمَطْلُوبُ أَنْ يُقِرَّا ... ثُمَّ يُؤَدِّي مَا بِهِ أَقَرَّا بَعْدَ يَمِينِهِ وَإِنْ تَجَنَّبَا ... تَعْيِينًا أَوْ عَيَّنَ وَالْحَلْفَ أَبَى كُلِّفَ مَنْ يَطْلُبُهُ التَّعْيِينَا ... وَهُوَ لَهْ إنْ أَعْمَلَ الْيَمِينَا وَإِنْ أَبَى أَوْ قَالَ لَسْت أَعْرِفُ ... بَطَلَ حَقُّهُ وَذَاكَ الْأَعْرَفُ وَمَا عَلَى الْمَطْلُوبِ إجْبَارٌ إذَا ... مَا شَهِدُوا فِي أَصْلِ مِلْكٍ هَكَذَا يَعْنِي أَنَّهُ إذَا شَهِدَ الشَّاهِدُ بِحَقٍّ كَدَيْنٍ مَثَلًا وَلَمْ يُحَقِّقْ مِقْدَارَهُ وَعَدَدَهُ، فَعَنْ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ قَوْلَانِ مُبَيِّنَانِ لِلْحُكْمِ فِي ذَلِكَ أَحَدُهُمَا: إلْغَاءُ تِلْكَ الشَّهَادَةِ أَيْ: عَدَمُ اعْتِبَارِهَا وَهِيَ كَالْعَدَمِ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا مُجَرَّدُ الدَّعْوَى، فَتَرْتَفِعُ وَتُقَابَلُ بِالْيَمِينِ كَسَائِرِ الدَّعَاوَى. وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ: وَمَنْ لِطَالِبٍ بِحَقٍّ شَهِدَا الْأَبْيَاتَ الثَّلَاثَةَ فَطَالِبٌ وَبِحَقٍّ يَتَعَلَّقَانِ بِشَهِدَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَتَعَلَّقَ لِطَالِبٍ بِمَحْذُوفٍ، صِفَةٌ لِطَالِبٍ، وَفَاعِلُ يُحَقِّقْ يَعُودُ عَلَى مَنْ وَالْإِشَارَةُ لِوَقْتِ الشَّهَادَةِ، وَبَاءُ بِهِ ظَرْفِيَّةٌ وَالضَّمِيرُ لِلْفَرْعِ الْمَذْكُورِ وَمُبَيِّنَانِ صِفَةٌ لَقَوْلَانِ، وَلِلْحُكْمِ يَتَعَلَّقُ بِمُبَيِّنَانِ وَإلْغَاؤُهَا بَدَلٌ مِنْ قَوْلَانِ بَدَلٌ مُفَصَّلٌ مِنْ مُجْمَلٍ وَيَمِينُ فَاعِلُ تَرْفَعُ وَالدَّعْوَى مَفْعُولٌ بِهِ. الْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّ الْمَطْلُوبَ أَيْ: الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يُكَلَّفُ وَيُلْزَمُ بِأَنْ يُقِرَّ بِمَا فِي ذِمَّتِهِ، وَيَحْلِفُ عَلَى مَا أَقَرَّ بِهِ وَيُؤَدِّيه لِصَاحِبِهِ فَإِنْ لَمْ يُقِرَّ بِشَيْءٍ، أَوْ أَقَرَّ وَلَمْ يَحْلِفْ فَإِنَّهُ يُرْجَعُ إلَى الطَّالِبِ وَيُكَلَّفُ بِأَنْ يُعَيِّنَ مَالَهُ عَلَى الْمَطْلُوبِ، وَيَحْلِفُ عَلَيْهِ فَإِنْ عَيَّنَهُ وَحَلَفَ عَلَيْهِ لَزِمَ ذَلِكَ الْمَطْلُوبَ، فَإِنْ امْتَنَعَ الطَّالِبُ مِنْ التَّعْيِينِ أَوْ عَيْنٍ وَامْتَنَعَ مِنْ الْيَمِينِ بَطَلَ حَقُّهُ، هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَتْ الْمُطَالَبَةُ بِمَا فِي الذِّمَّةِ كَانَتْ فِي شَيْءٍ مُعَيَّنٍ كَحَقٍّ فِي دَارٍ أَوْ نَحْوِهَا، فَإِنَّهُ لَا يُكَلَّفُ بِالتَّعْيِينِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَنْجَرُّ لَهُ ذَلِكَ الْحَقُّ مِنْ إرْثٍ وَلَا يُعْلَمُ قَدْرُهُ، لَكِنَّهُ يُحَالُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ذَلِكَ الشَّيْءِ حَتَّى يَحْلِفَ، وَلَا يُسْجَنَ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ فِي شَيْءٍ مُعَيَّنٍ. وَإِلَى الْقَوْلِ الثَّانِي أَشَارَ بِقَوْلِهِ: أَوْ يُلْزَمَ الْمَطْلُوبُ أَنْ يُقِرَّ الْأَبْيَاتَ الْأَرْبَعَةَ وَإِلَى مَسْأَلَةِ مَا إذَا كَانَتْ الْمُطَالَبَةُ فِي شَيْءٍ مُعَيَّنٍ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: وَمَا عَلَى الْمَطْلُوبِ الْبَيْتَ فَقَوْلُهُ: أَوْ يُلْزَمَ الْمَطْلُوبُ هُوَ بِنَصَبِ يُلْزَمَ عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ إلْغَاؤُهَا مِنْ بَابِ قَوْلِهِ: وَإِنْ عَلَى اسْمٍ خَالِصٍ فِعْلٌ عُطِفْ

.. إلَخْ وَالْمَطْلُوبُ نَائِبُ يُلْزَمَ مُضَارِعُ أَلْزَمَ " وَأَنْ يُقِرَّ " مَفْعُولُهُ الثَّانِي، وَفَاعِلُ " يُؤَدِّي " الْمَطْلُوبُ، كَذَا فَاعِلُ تَجَنَّبَ، وَ " الْحَلْفَ " مَفْعُولُ أَبَى، وَفَاعِلُهُ الْمَطْلُوبُ، وَهُوَ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَسُكُونِ اللَّامِ (قَالَ الْجَوْهَرِيُّ) حَلَفَ الرَّجُلُ أَيْ: أَقْسَمَ يَحْلِفُ حَلْفًا وَمَحْلُوفًا وَهُوَ أَحَدُ مَا جَاءَ مِنْ الْمَصَادِرِ عَلَى مَفْعُولٍ مِثْلَ: الْمَجْلُودِ وَالْمَعْقُولِ وَالْمَعْسُورِ، وَأَحْلَفْتُهُ أَنَا وَحَلَّفْتُهُ وَاسْتَحْلَفْتُهُ كُلُّهُ بِمَعْنًى، وَالْحِلْفُ بِالْكَسْرِ الْعَهْدُ يَكُونُ بَيْنَ الْقَوْمِ وَقَدْ حَالَفَهُ أَيْ: عَاهَدَهُ وَتَحَالَفُوا أَيْ: تَعَاهَدُوا انْتَهَى وَقَوْلُهُ: كُلِّفَ مَنْ يَطْلُبُهُ التَّعْيِينَا هُوَ جَوَابُ قَوْلِهِ " وَإِنْ تَجَنَّبَا " وَضَمِيرٌ وَهُوَ لِمَا عَيَّنَهُ الطَّالِبُ يَدُلُّ عَلَيْهِ التَّعْيِينُ وَضَمِيرٌ لَهُ لِمَنْ يَطْلُبُ أَيْ: الطَّالِبُ، وَقَوْلُهُ " وَإِنْ أَبَى " أَيْ: مِنْ الْحَلْفِ وَمَعْنَى هَكَذَا أَيْ: شَهِدُوا بِحَقٍّ وَلَمْ يُعَيِّنُوا قَدْرَهُ. (قَالَ ابْنُ يُونُسَ) قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ قَالَ مَالِكٌ فِي الْبَيِّنَةِ تَشْهَدُ بِحَقٍّ لِرَجُلٍ وَيَقُولُونَ لَا نَعْرِفُ عَدَدَهُ إلَّا أَنَّا نَشْهَدُ أَنَّهُ بَقِيَ عَلَيْهِ حَقٌّ فَلْيَقُلْ لِلْمَطْلُوبِ: أَقِرَّ لَهُ بِحَقِّهِ فَمَا أَقَرَّ بِهِ حَلَفَ عَلَيْهِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ وَإِنْ حُدَّ قِيلَ لِلطَّالِبِ إنْ عَرَفْته فَاحْلِفْ عَلَيْهِ وَخُذْهُ، فَإِنْ قَالَ: لَا أَعْرِفُهُ وَضَاعَتْ كُتُبُ مُحَاسَبَتِي أَوْ أَعْرِفُهُ وَلَا أَحْلِفُ فَلْيُسْجَنْ الْمَطْلُوبُ حَتَّى يُقِرَّ بِشَيْءٍ، وَيَحْلِفُ عَلَيْهِ فَإِنْ أَقَرَّ بِشَيْءٍ وَلَمْ يَحْلِفْ أُخِذَ مِنْهُ وَحُبِسَ حَتَّى يَحْلِفَ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ حَقًّا فِي دَارٍ حِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا حَتَّى يَحْلِفَ وَلَا يَحْبِسُهُ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ فِي شَيْءٍ مُعَيَّنٍ. (قَالَ الشَّارِحُ) فَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ الَّذِي قَدَّمَهُ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - نَصَّ عَلَيْهِ صَاحِبُ الِاسْتِغْنَاءِ، وَالثَّانِي هُوَ الَّذِي حَكَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ إلَّا أَنَّهُ يَظْهَرُ مِنْ قَوْلِ الشَّيْخِ بَطَلَ حَقُّهُ، بَعْضُ مُخَالَفَةٍ لِمَا نَقَلَ ابْنُ حَبِيبٍ مِنْ سَجْنِ الْمَطْلُوبِ إذَا أَبَى الطَّالِبُ مِنْ الْيَمِينِ، أَوْ قَالَ لَا أَعْرِفُ الْحَقَّ إلَّا أَنْ يَحْلِفَ فَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِمُسْتَنَدِهِ فِي ذَلِكَ، مَعَ أَنَّ وَجْهَهُ ظَاهِرٌ حَيْثُ يَأْبَى الطَّالِبُ مَعَ الْيَمِينِ مَعَ كَوْنِهِ يَعْرِفُ الْحَقَّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. . وَمُنْكِرٌ لِلْخَصْمِ مَا ادَّعَاهُ ... أَثْبَتَ بَعْدُ أَنَّهُ قَضَاهُ لَيْسَ عَلَى شُهُودِهِ مِنْ عَمَلِ ... لِكَوْنِهِ كَذَّبَهُمْ فِي الْأَوَّلِ يَعْنِي أَنَّ مَنْ اُدُّعِيَتْ عَلَيْهِ دَعْوَى تَسْتَلْزِمُ عِمَارَةَ ذِمَّةٍ بِحَقٍّ مِنْ الْحُقُوقِ الَّتِي تَعْمُرُ بِهَا الذِّمَمُ فَأَنْكَرَ تِلْكَ الدَّعْوَى وَجَحَدَهَا فَأَثْبَتَ الطَّالِبُ مَا ادَّعَاهُ عَلَيْهِ بِبَيِّنَةٍ، أَوْ بِإِقْرَارِ الْمَطْلُوبِ بِذَلِكَ فَأَقَامَ الْمَطْلُوبُ الْبَيِّنَةَ بِأَنَّهُ قَضَاهُ ذَلِكَ الْحَقَّ فَإِنَّ بَيِّنَتَهُ عَلَى الْقَضَاءِ لَا تُقْبَلُ؛ لِأَنَّهُ كَذَّبَ شَهَادَتَهُمْ بِإِنْكَارِهِ الدَّعْوَى. (قَالَ الْمُتَيْطِيُّ) : " أَمَّا لَوْ أَنْكَرَ الْمُعَامَلَةَ فَأَثْبَتَهَا الطَّالِبُ فَاسْتَظْهَرَ الْمَطْلُوبُ بِالْبَرَاءَةِ بِدَفْعِهِ فَإِنَّهُ لَا تُقْبَلُ مِنْهُ بَيِّنَةٌ بَعْدَ إنْكَارِهِ الْمُعَامَلَةَ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَالْمَعْمُولُ بِهِ " وَرَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ نَافِعٍ " تَنْفَعُهُ الْبَرَاءَةُ وَلَا يَضُرُّهُ إنْكَارُ الْمُعَامَلَةِ، وَأَمَّا إنْ قَالَ لَيْسَ عَلَيَّ شَيْءٌ فَلَمَّا أَقَامَ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ بِسَلَفٍ أَوْ بَيْعٍ جَاءَ بِبَرَاءَةٍ وَشُهُودٍ عَلَى الدَّفْعِ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ ذَلِكَ بِالْحَقِّ عَنْهُ قَوْلًا وَاحِدًا. اهـ. (ابْنُ رُشْدٍ) ؛ لِأَنَّ مِنْ حُجَّتِهِ أَنْ يَقُولَ: صَدَقْت مَا كَانَ لَك عَلَيَّ دَيْنٌ مِنْ شِرَاءٍ، وَلَا مِنْ سَلَفٍ لِأَنِّي كُنْت قَضَيْتُك حَقَّك وَإِنَّمَا تَكُونُ لَهُ حُجَّةٌ إذَا مَا قَالَ: مَا أَسْلَفْتَنِي شَيْئًا وَلَا بِعْتَنِي شَيْئًا. اهـ (قَالَ ابْنُ الْهِنْدِيِّ) فِي تَوْجِيهِ الْمَشْهُورِ وَتَضْعِيفِ الشَّاذِّ لِأَنَّ مَنْ كَذَّبَ بَيِّنَةً فَقَدْ أَسْقَطَهَا وَمَنْ، أَوْجَبَ لَهُ سَمَاعَهَا بَعْدَ تَكْذِيبِهِ إيَّاهَا فَقَدْ فَتَحَ بَابَ التَّعْنِيتِ وَالتَّشَعُّبِ وَأَعَانَ عَلَيْهِ. اهـ مِنْ الْمَوَّاقِ وَفِي مُخْتَصَرِ الشَّيْخِ خَلِيلٍ فِي بَابِ الْقَضَاءِ وَإِنْ أَنْكَرَ مَطْلُوبَ الْمُعَامَلَةِ بِالْبَيِّنَةِ، ثُمَّ لَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ بِالْقَضَاءِ بِخِلَافِ لَا حَقَّ لَك عَلَيَّ، وَقَالَ فِي بَابِ التَّخْيِيرِ وَالتَّمْلِيكِ: وَقُبِلَ إرَادَةُ الْوَاحِدَةِ بَعْدَ قَوْلِهِ لَمْ أُرِدْ طَلَاقًا وَالْأَصَحُّ خِلَافُهُ، وَقَالَ فِي بَابِ الْوَكَالَةِ: وَلَوْ أَنْكَرَ الْقَبْضَ فَقَامَتْ الْبَيِّنَةُ فَشَهِدَتْ بَيِّنَةٌ بِالتَّلَفِ كَالْمِدْيَانِ، وَقَالَ فِي بَابِ الْوَدِيعَةِ: وَيَجْحَدُهَا ثُمَّ فِي قَبُولِ بَيِّنَةِ الرَّدِّ خِلَافٌ، وَفِي الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ فَإِنْ ادَّعَى الْمَطْلُوبُ دَفْعَ مَا ثَبَتَ عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ بَعْدَ إنْكَارِهِ أَصْلَ الْمُعَامَلَةِ أَوْ السَّلَفِ لَمْ يُبِحْ لَهُ الْقَاضِي إثْبَاتَ ذَلِكَ، قَدْ كَذَّبَ شُهُودَهُ عَلَى الدَّفْعِ بِإِنْكَارِهِ أَصْلَ الطَّلَبِ وَبِهَذَا الْقَوْلِ الْقَضَاءُ اهـ مِنْ الشَّارِحِ. ثُمَّ قَالَ: وَقَوْلُ مَنْ مَالَ إلَى قَبُولِ قَوْلِ الْمُنْكِرِ إذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى إبْرَائِهِ أَوْضَحُ وَأَرْجَحُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (اللَّخْمِيُّ) اُخْتُلِفَ إذَا أَنْكَرَ الْإِيدَاعَ فَلَمَّا شَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ أَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهُ رَدَّهَا فَإِنَّهَا بَيِّنَتُهُ؛ لِأَنَّهُ كَذَّبَهَا بِقَوْلِهِ مَا أَوْدَعْتَنِي وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ مَا اشْتَرَيْتُ مِنْك فَلَمَّا أَقَامَ عَلَيْهِ

الْبَيِّنَةَ بِالشِّرَاءِ أَقَامَ هُوَ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ بِالدَّفْعِ وَقِيلَ: يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ جَمِيعًا، وَهُوَ حَسَنٌ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ أَرَدْت أَنْ لَا أَتَكَلَّفَ بَيِّنَةً، وَالْمَسْأَلَةُ مِنْ بَابِ الْإِقْرَارِ الْحَاصِلِ بِالتَّضْمِينِ لَا بِالصَّرِيحِ وَفِي إعْمَالِهِ خِلَافٌ؛ لِأَنَّ بَيِّنَةَ الْقَضَاءِ تَتَضَمَّنُ الْإِقْرَارَ بِالْمُعَامَلَةِ الَّتِي تَفَرَّعَ الْقَضَاءُ عَنْهَا، وَإِنْكَارُهُ الْمُعَامَلَةَ أَوَّلًا تَكْذِيبٌ لِبَيِّنَةِ الْقَضَاءِ. (فَرْعٌ) قَالَ فِي أَوَائِلِ نَوَازِلِ الدَّعَاوَى وَالْأَيْمَانِ مِنْ الْمِعْيَارِ، وَسُئِلَ ابْنُ رُشْدٍ عَنْ امْرَأَةٍ تُوُفِّيَتْ وَتَرَكَتْ زَوْجًا وَوَرَثَةً، فَقَامُوا يَطْلُبُونَ الزَّوْجَ بِجِهَازِهَا الَّذِي أَوْرَدَهُ أَبُوهَا بَيْتَ بِنَاءِ الزَّوْجِ الْمَذْكُورِ بِهَا فَأَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ أَوْرَدَ بَيْتَ بِنَائِهِ شَيْئًا، فَاسْتَدْعَوْا بَيِّنَةَ بَعْضِ أَشْيَاءَ، مِنْهَا فَتَقَيَّدَ عَلَيْهِ إنْكَارُهُ فَهَلْ يَضُرُّهُ إنْكَارُهُ، وَيَلْزَمُهُ إحْضَارُ كُلِّ مَا شَهِدَ بِهِ أَنَّهُ وَصَلَ بَيْتَ بِنَائِهِ، أَوْ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ؟ وَلَا يَضُرُّهُ إنْكَارُهُ إذْ لَوْ أَقَرَّ بِوُصُولِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ سِوَى الْيَمِينِ أَنَّهُ مَا غَابَ عَلَى شَيْءٍ مِنْهُ مَا لَمْ يَشْهَدْ عَلَيْهِ بِالضَّمَانِ حَسْبَمَا نَصَّ عَلَيْهِ أَهْلُ الْعِلْمِ، وَهُوَ الَّذِي يَظْهَرُ لِي؛ لِأَنَّهَا بَيِّنَةٌ قَامَتْ فِي الْقَضِيَّةِ لَوْ أَقَرَّ بِهَا لَمْ يَلْزَمْهُ، فَكَذَلِكَ إذَا أَنْكَرَهَا بِخِلَافِ مَنْ أَنْكَرَ حَقًّا طُلِبَ بِهِ ثُمَّ لَمَّا ثَبَتَ عَلَيْهِ ادَّعَى الْبَرَاءَةَ مِنْهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ بِنَفْسِ الثَّبَاتِ قَبْلَ الْإِنْكَارِ أَوْ بَعْدَهُ، فَيُحْكَمُ عَلَيْهِ بِالْأَدَاءِ وَهَذَا لَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِالْأَدَاءِ، وَإِنْ ثَبَتَ عَلَيْهِ وَوَقَعَ بَيْنَ أَصْحَابِهِ فِيهِ نِزَاعٌ وَرَاقَ مَا ذَكَرْته فَأَرَدْت مَعْرِفَةَ رَأْيِك الْعَلِيِّ فِي ذَلِكَ مَأْجُورًا إنْ شَاءَ اللَّهُ. (فَأَجَابَ) تَصَفَّحْت سُؤَالَك وَاَلَّذِي ظَهَرَ لَك فِيهِ وَهُوَ الَّذِي أُرَاهُ وَلَا يَصِحُّ عِنْدِي سِوَاهُ، فَلَا يَلْزَمُ الزَّوْجَ سِوَى الْيَمِينِ أَنَّهُ مَا أَخَذَ مِنْ مَالِهَا شَيْئًا فِي حَيَاتِهَا، وَلَا بَعْدَ وَفَاتِهَا، وَلَا غَابَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ تَرِكَتِهَا وَلَا وُجِدَ لَهَا سِوَى مَا أَحْضَرَهُ لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ هِيَ أَتْلَفَتْ مَا جُهِّزَتْ بِهِ إلَيْهِ، أَوْ تَلِفَ مِنْ غَيْرِ فِعْلِهَا. اهـ. وَفِي ذَوَيْ عَدْلٍ يُعَارِضَانِ ... مُبَرِّزًا أَتَى لَهُمْ قَوْلَانِ وَبِالشَّهِيدَيْنِ مُطَرِّفٌ قَضَى ... وَالْحَلْفَ وَالْأَعْدَلَ أَصْبَغُ ارْتَضَى يَعْنِي إذَا تَعَارَضَتْ بَيِّنَتَانِ أَحَدُهُمَا بِشَهَادَةِ عَدْلَيْنِ وَالْأُخْرَى بِشَهَادَةِ عَدْلٍ وَاحِدٍ مُبَرِّزٍ أَعْدَلُ مِنْ الشَّاهِدَيْنِ فَهَلْ تُقَدَّمُ شَهَادَةُ الْعَدْلَيْنِ أَوْ شَهَادَةُ الْعَدْلِ الْمُبَرِّزِ؟ ذَهَبَ مُطَرِّفٌ إلَى إعْمَالِ شَهَادَةِ الْعَدْلَيْنِ تَرْجِيحًا لَهَا عَلَى شَهَادَةِ الْعَدْلِ الْمُبَرِّزِ مَعَ الْيَمِينِ. وَذَهَبَ أَصْبَغُ إلَى إعْمَالِ شَهَادَةِ الْمُبَرِّزِ الْأَعْدَلِ، مَعَ يَمِينِ الْقَائِمِ بِهَا. قَالَ فِي كِتَابِ ابْنِ يُونُسَ وَظَاهِرٌ لِابْنِ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَعَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَإِنْ أَقَامَ أَحَدُهُمَا شَاهِدَيْنِ وَالْآخَرُ شَاهِدًا أَعْدَلَ أَهْلِ زَمَانِهِ وَأَرَادَ أَنْ يَحْلِفَ مَعَهُ فَلْيُقْضَ بِالشَّاهِدَيْنِ، وَكَذَلِكَ رَوَى أَصْبَغُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ أَنَّهُ يُقْضَى بِشَهَادَةِ الشَّاهِدَيْنِ، وَرَوَى عَنْهُ أَبُو زَيْدٍ أَنَّهُ يُقْضَى بِشَهَادَةِ الشَّاهِدِ الْأَعْدَلِ مَعَ يَمِينِ الطَّالِبِ، دُونَ شَهَادَةِ الشَّاهِدَيْنِ وَإِنْ كَانَا عَدْلَيْنِ، وَبِهَذَا أَخَذَ أَصْبَغُ (قَالَ ابْنُ رُشْدٍ) بَعْدَ ذِكْرِهِ مَا حَكَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ مِنْ أَنَّ الشَّاهِدَيْنِ إذَا كَانَا عَدْلَيْنِ أَحَقُّ مِنْ الْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ الَّذِي هُوَ أَعْدَلُ أَهْلِ زَمَانِهِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ، إذْ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مَنْ لَا يَرَى الْحُكْمَ بِالشَّاهِدِ مَعَ الْيَمِينِ أَصْلًا، وَمَنْ لَا يَرَى التَّرْجِيحَ بَيْنَ الْبَيِّنَتَيْنِ أَصْلًا فَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ يُقْضَى بِالشَّاهِدِ الْوَاحِدِ مَعَ يَمِينِ صَاحِبِ الْحَقِّ إذَا كَانَ أَعْدَلَ مِنْ الشَّاهِدَيْنِ

إغْرَاقٌ فِي الْقِيَاسِ اهـ. وَقِدَمُ التَّارِيخِ تَرْجِيحٌ قُبِلْ ... لَا مَعَ يَدٍ وَالْعَكْسُ عَنْ بَعْضٍ نُقِلْ وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَاكَ عِنْدَمَا ... لَا يُمْكِنُ الْجَمْعُ لَنَا بَيْنَهُمَا يَعْنِي إذَا تَعَارَضَتْ الْبَيِّنَتَانِ فَإِنْ أَمْكَنَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا جُمِعَ، ابْنُ عَرَفَةَ تَقَرَّرَ صُورَةُ الْجَمْعِ مِثْلَ قَوْلِهَا مَنْ قَالَ لِرَجُلٍ: أَسْلَمْت لَك هَذَا الثَّوْبَ فِي مِائَةِ إرْدَبٍّ حِنْطَةً، وَقَالَ الْآخَرُ: بَلْ هَذَيْنِ الثَّوْبَيْنِ سِوَاهُ فِي مِائَةِ إرْدَبٍّ حِنْطَةً وَأَقَامَا جَمِيعًا الْبَيِّنَةَ، لَزِمَهُ أَخْذُ الثَّلَاثَةِ الْأَثْوَابِ فِي مِائَتَيْ إرْدَبٍّ اهـ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فَإِنَّهُ يَرْجِعُ إلَى التَّرْجِيحِ، وَالتَّرْجِيحُ يَكُونُ بِأَشْيَاءَ مِنْ جُمْلَتِهَا قِدَمُ التَّارِيخِ، فَإِنْ كَانَ تَارِيخُ إحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ أَقْدَمَ فَهِيَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى حَدِيثَةِ التَّارِيخِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ الْقَائِمُ بِحَدِيثَةِ التَّارِيخِ حَائِزًا يَتَصَرَّفُ تَصَرُّفَ الْمَالِكِ فِي مِلْكِهِ بِمَحْضَرِ الْمُدَّعِي وَلَا عُذْرَ لَهُ فِي سُكُوتِهِ عَنْهُ، فَتُقَدَّمُ بَيِّنَتُهُ وَإِنْ كَانَتْ أَحْدَثَ تَارِيخًا؛ لِأَنَّ تَرْكَهُ بِيَدِهِ يَتَصَرَّفُ فِيهِ، وَهُوَ يَنْظُرُ إلَيْهِ قَاطِعٌ لِحُجَّتِهِ، وَقِيلَ بِعَكْسِ هَذَا الْقَوْلِ، وَإِنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الِاسْتِحْقَاقِ التَّارِيخُ الْمُتَأَخِّرُ، قَالَ ابْنُ يُونُسَ لَوْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ أَنَّ هَذَا يَمْلِكُ الْأَمَةَ مُنْذُ عَامٍ، وَشَهِدَتْ بَيِّنَةٌ لِآخَرَ أَنَّهُ يَمْلِكُهَا مُنْذُ عَامَيْنِ، فَإِنِّي أَقْضِي بِبَيِّنَةِ أَبْعَدِ التَّارِيخَيْنِ إنْ عُدِّلَتْ وَإِنْ كَانَتْ الْأُخْرَى أَعْدَلَ، وَلَا أُبَالِي بِيَدِ مَنْ كَانَتْ الْأَمَةُ إلَّا أَنْ يَحُوزَهَا الْأَقْرَبُ تَارِيخًا بِالْوَطْءِ وَالْخِدْمَةِ وَالِادِّعَاءِ لَهَا بِمَحْضَرِ الْآخَرِ، فَهَذَا يَقْطَعُ دَعْوَاهُ فِيهَا وَفِيهِ أَيْضًا. عَنْ ابْنِ سَحْنُونٍ قَالَ أَشْهَبُ فِي عَبْدٍ بِيَدِ رَجُلٍ أَقَامَ الْآخَرُ بَيِّنَةً أَنَّهُ عَبْدُهُ مُنْذُ عَامَيْنِ، وَأَقَامَ حَائِزُهُ بَيِّنَةً أَنَّهُ لَهُ مُنْذُ سَنَةٍ، قُضِيَ بِهِ لِصَاحِبِ السَّنَتَيْنِ إلَّا أَنْ يَحُوزَهُ الْآخَرُ عَلَى وَجْهِ الْمِلْكِ بِمَحْضَرِ هَذَا وَعِلْمِهِ فَأَقْضِي لَهُ بِهِ، قَالَ: وَلَوْ أَقَامَ رَجُلٌ بَيِّنَةً أَنَّهُ لَهُ مُنْذُ سَنَةٍ، وَأَقَامَ الْحَائِزُ بَيِّنَةً أَنَّهُ فِي يَدِهِ مُنْذُ سَنَتَيْنِ وَلَمْ يَشْهَدُوا أَنَّهُ لَهُ قَالَ: أُرَاهُ لِمَنْ شَهِدُوا لَهُ أَنَّهُ لَهُ مُنْذُ سَنَةٍ، إلَّا أَنْ يَكُونَ لِلْآخَرِ بَيِّنَةٌ بِالْحَوْزِ لَهُ عَلَى الْآخَرِ بِوَجْهِ الْمِلْكِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا. (قَالَ اللَّخْمِيُّ) : وَإِنْ وُرِّخَتَا قُضِيَ لِلْأَقْدَمِ، وَإِنْ كَانَتْ الْأُخْرَى أَعْدَلَ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ بِيَدِ أَحَدِهِمَا أَوْ تَحْتَ أَيْدِيهِمَا أَوْ تَحْتَ يَدِ ثَالِثٍ أَوْ لَا يَدَ عَلَيْهَا. اهـ فَقَوْلُهُ وَسَوَاءٌ كَانَتْ تَحْتَ يَدِ أَحَدِهِمَا صَادِقٌ بِمَا إذَا كَانَتْ تَحْتَ يَدِ صَاحِبِ التَّارِيخِ الْأَحْدَثِ فَإِنَّهُ يُقْضَى لِلْأَقْدَمِ وَإِنْ كَانَتْ بِيَدِ الْأَحْدَثِ، وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: " وَالْعَكْسُ عَنْ بَعْضٍ نُقِلَ " فَمُرَادُهُ بِالْعَكْسِ تَقْدِيمُ بَيِّنَةِ الْأَقْدَمِ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ بِيَدِ صَاحِبِ الْأَحْدَثِ، وَالْمُتَبَادَرُ أَنَّ الْمُرَادَ تَقْدِيمُ ذَاتِ التَّارِيخِ الْأَحْدَثِ عَلَى أَنَّ الْعَكْسَ الْحَقِيقِيَّ تَقْدِيمُ بَيِّنَةِ صَاحِبِ التَّارِيخِ الْأَحْدَثِ وَلَوْ كَانَ الشَّيْءُ بِيَدِ صَاحِبِ التَّارِيخِ الْأَقْدَمِ، فَاسْتَظْهِرْ عَلَى ذَلِكَ بِالنَّقْلِ.

وَالشَّيْءُ يَدَّعِيهِ شَخْصَانِ مَعَا ... وَلَا يَدٌ وَلَا شَهِيدٌ يُدَّعَى يُقْسَمُ مَا بَيْنَهُمَا بَعْدَ الْقَسَمْ ... وَذَاكَ حُكْمٌ فِي السَّوَاءِ مُلْتَزَمْ فِي بَيِّنَاتٍ أَوْ نُكُولٍ أَوْ يَدِ ... وَالْقَوْلُ قَوْلُ ذِي يَدٍ مُنْفَرِدِ وَهُوَ لِمَنْ أَقَامَ فِيهِ الْبَيِّنَهْ ... وَحَالَةُ الْأَعْدَلِ مِنْهَا بَيِّنَهْ يَعْنِي أَنَّ الشَّيْءَ إذَا ادَّعَاهُ شَخْصَانِ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ أَصْلًا، أَوْ عَرَضًا، أَوْ حَيَوَانًا، أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ وَلَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا تَتَرَجَّحُ بِهِ دَعْوَاهُ عَلَى دَعْوَى صَاحِبِهِ، لَا بِيَدٍ أَيْ: حَوْزٍ وَلَا بِشَهَادَةِ شَاهِدٍ وَلَا بِغَيْرِ ذَلِكَ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ، وَادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّ جَمِيعَهُ لَهُ فَإِنَّهُ يُقْسَمُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ بَعْدَ حَلِفِهِمَا، هَذِهِ مَسْأَلَةُ النَّاظِمِ وَإِلَيْهَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ: وَالشَّيْءُ يَدَّعِيهِ شَخْصَانِ مَعَا إلَى قَوْلِهِ " بَعْدَ الْقَسَمِ " إلَّا أَنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّهُ يُقْسَمُ فِي الْحَالِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ فِيهِ تَفْصِيلٌ فَإِنْ كَانَ يُخْشَى فَسَادُهُ كَالْحَيَوَانِ، وَالرَّقِيقِ، وَالطَّعَامِ فَإِنَّهُ يُسْتَأْنَى بِهِ فَإِنْ يَأْتِيَا بِشَيْءٍ، وَخِيفَ عَلَيْهِ قُسِمَ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُخْشَى عَلَيْهِ الْفَسَادُ كَالدُّورِ. (قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ) : يُتْرَكُ حَتَّى يَأْتِيَ أَحَدُهُمَا بِأَعْدَلَ مِمَّا أَتَى بِهِ صَاحِبُهُ، (ابْنُ الْقَاسِمِ) إلَّا أَنْ يَطُولَ الزَّمَانُ، وَلَا يَأْتِيَا بِشَيْءٍ غَيْرَ مَا أَتَيَا بِهِ أَوَّلًا فَإِنَّهُ يُقْسَمُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ تَرْكَ ذَلِكَ وَوَقْفَهُ ضَرَرٌ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ. وَأَمَّا إنْ ادَّعَى أَحَدُهُمَا بَعْضَهُ بِالنِّصْفِ الْآخَرِ جَمِيعِهِ فَإِنْ كَانَ الْمُتَنَازَعُ فِيهِ لَيْسَ تَحْتَ أَيْدِيهِمَا بَلْ كَانَ بِيَدِ شَخْصٍ آخَرَ لَا يَدَّعِيهِ لِنَفْسِهِ، أَوْ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ أَصْلًا كَمَا لَوْ تَنَازَعَا فِي عَفْوٍ مِنْ الْأَرْضِ فَإِنَّهُمَا يَحْلِفَانِ وَيُقْسَمُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ الدَّعْوَى اتِّفَاقًا. قَالَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَإِنْ كَانَ فِي أَيْدِيهِمَا مَعًا وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا مِنْ كَوْنِ أَحَدِهِمَا ادَّعَى جَمِيعَهُ، وَالْآخَرُ بَعْضَهُ كَالنِّصْفِ فَقِيلَ: يُقْسَمُ عَلَى قَدْرِ الدَّعْوَى أَيْضًا وَهُوَ الْمَشْهُورُ. وَقَالَ أَشْهَبُ وَسَحْنُونٌ: يُقْسَمُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ لِتَسَاوِيهِمَا فِيهِ فِي الْحِيَازَةِ، قَالَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ أَيْضًا. وَإِذَا قُلْنَا بِالْقِسْمَةِ عَلَى الدَّعْوَى إمَّا اتِّفَاقًا أَوْ عَلَى الْمَشْهُورِ كَمَا تَقَدَّمَ فَفِي كَيْفِيَّتِهِمَا قَوْلَانِ: (التَّوْضِيحُ) فَقَالَ مَالِكٌ وَأَكْثَرُ أَصْحَابِهِ: يُسْلَكُ فِيهَا مَسْلَكُ عَوْلِ الْفَرَائِضِ؛ لِتَسَاوِيهِمَا فِي الْمُتَدَاعَى فِيهِ، وَلِتَعَذُّرِ التَّرْجِيحِ وَصَارَا كَوَرَثَةٍ زَادَتْ الْإِسْهَامُ الْوَاجِبَةُ لَهُمْ عَلَى الْجَمِيعِ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ: مَبْنَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى التَّنَازُعِ فَمَنْ أَسْلَمَ شَيْئًا لِخَصْمِهِ سَقَطَ حَقُّهُ فِيهِ، فَإِذَا ادَّعَى أَحَدُهُمَا الدَّارَ كَامِلَةً، وَادَّعَى الْآخَرُ نِصْفَهَا فَعَلَى الْأَوَّلِ: يُعَالُ الْمُدَّعِي النِّصْفَ بِمِثْلِ نِصْفِ اثْنَيْنِ فَيُقْسَمُ الْمُدَّعَى فِيهِ بَيْنَهُمَا مِنْ ثَلَاثَةٍ، لِمُدَّعِي الْكُلِّ الثُّلُثَانِ، وَعَلَى الثَّانِي: يَخْتَصُّ مُدَّعِي الْكُلِّ بِالنِّصْفِ، ثُمَّ يُقْسَمُ الْآخَرُ بَيْنَهُمَا. اهـ بِبَعْضِ اخْتِصَارٍ، وَقَدْ أَطَالَ فِيهَا ابْنُ الْحَاجِبِ وَالتَّوْضِيحُ، فَعَلَيْك أَيَّهُمَا إنْ شِئْت وَذَاكَ حُكْمُ الْإِشَارَةِ لِقِسْمَةِ الْمُدَّعَى فِيهِ أَيْ: قِسْمَتُهُ حُكْمٌ مُلْتَزَمٌ فِي تَسَاوِي الْخَصْمَيْنِ، إمَّا فِي إقَامَةِ الْبَيِّنَتَيْنِ كَأَنْ يُقِيمَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةً مُسَاوِيَةً لِبَيِّنَةِ الْآخَرِ، وَإِمَّا فِي النُّكُولِ عَنْ الْيَمِينِ إذَا نَكَلَا مَعًا، وَإِمَّا فِي الْحَوْزِ بِحَيْثُ يَكُونُ تَحْتَ أَيْدِيهِمَا مَعًا وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: " وَذَاكَ حُكْمٌ فِي السَّوَاءِ مُلْتَزَمْ ... فِي بَيِّنَاتٍ أَوْ نُكُولِ أَوْ يَدِ فَالْمُرَادُ بِالْيَدِ الْحَوْزُ فَيُقْسَمُ بَيْنَهُمَا فِي الْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ بَعْدَ أَيْمَانِهِمَا، فَإِنْ كَانَ الْمُتَنَازَعُ فِيهِ تَحْتَ يَدِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ؛ لِزِيَادَتِهِ عَلَى صَاحِبِهِ بِالْحِيَازَةِ، وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِقَوْلِهِ: وَالْقَوْلُ قَوْلُ ذِي يَدٍ مُنْفَرِدِ وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا الْفَرْعُ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي مِنْ أَقْسَامِ الشَّهَادَةِ وَهِيَ الَّتِي تُوجِبُ الْحَقَّ مَعَ الْيَمِينِ، فِي قَوْلِهِ: " وَالْيَدُ مَعَ مُجَرَّدِ الدَّعْوَى " فَإِنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمِلْكِ غَيْرُ الْحَائِزِ بِتَعَارُضِ دَلِيلِ الْحِيَازَةِ مَعَ الْبَيِّنَةِ بِالْمِلْكِ فَالْبَيِّنَةُ أَعْمَلُ مِنْ دَلِيلِ الْحِيَازَةِ، وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِقَوْلِهِ: وَهُوَ لِمَنْ أَقَامَ فِيهِ الْبَيِّنَهْ أَيْ لَا لِلْحَائِزِ الَّذِي لَا بَيِّنَةَ لَهُ فَإِنْ تَسَاوَيَا فِي الْحِيَازَةِ وَإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ فَإِنَّهُ يُقْضَى بِأَعْدَلِ الْبَيِّنَتَيْنِ، وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِقَوْلِهِ: وَحَالَةُ الْأَعْدَلِ مِنْهَا بَيِّنَهْ فَإِنْ تَكَافَأَتْ الْبَيِّنَتَانِ فِي الْعَدَالَةِ قُضِيَ بِالشَّيْءِ لِحَائِزِهِ، وَهَذَا يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ: " وَلَا يَدَ " إذْ مَفْهُومُهُ أَنَّهُ مَعَ الْيَدِ لَا يُقْسَمُ بَيْنَهُمَا بَلْ يَكُونُ

باب اليمين وما يتعلق بها

لِصَاحِبِ الْيَدِ أَيْ: الْحَوْزُ. (فَرْعٌ) قَالَ الشَّارِحُ: فَإِنْ اتَّفَقَ الْخَصْمَانِ عَلَى أَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَظًّا فِي ذَلِكَ الشَّيْءِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ لَكِنَّهُمَا يَجْهَلَانِهِ، فَهَلْ يَكُونُ مُنْدَرِجًا تَحْتَ الْفِقْهِ الَّتِي تَضَمَّنَتْهُ الْأَبْيَاتُ؟ وَسُئِلَ عَنْ ذَلِكَ الْأُسْتَاذُ أَبُو سَعِيدِ بْنُ لُبٍّ فَأَجَابَ: أَمَّا الْقَاعِدَةُ الَّتِي جُهِلَ فِيهَا حَقُّ الْحَبْسِ وَقَدْرُهُ، وَقَدْرُ حَقِّ الْغَيْرِ، فَمَحْمَلُ الِاشْتِرَاكِ الْمَعْلُومِ مَعَ جَهْلِ الْمِقْدَارِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ عَلَى التَّسْوِيَةِ حَتَّى يَظْهَرَ خِلَافُهُ، قَالَ أَبُو فَرَجٍ اهـ: بِاخْتِصَارٍ. . [بَابُ الْيَمِينِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا] (ابْنُ عَرَفَةَ) وَالْيَمِينُ قَسَمٌ، أَوْ الْتِزَامٌ مَنْدُوبٌ غَيْرُ مَقْصُودٍ بِهِ الْقَرَابَةُ، أَوْ مَا يَلْزَمُ بِإِنْشَاءٍ لَا يَفْتَقِرُ إلَى قَبُولٍ مُعَلَّقٍ بِأَمْرٍ مَقْصُودٍ عَدَمُهُ اهـ فَقَوْلُهُ " قَسَمٌ " قَالَ جَلَالُ الدِّينِ الدَّمَامِينِيُّ فِي شَرْحِ التَّسْهِيلِ مَا نَصُّهُ الْقَسَمُ مَصْدَرٌ لَيْسَ بِجَارٍ عَلَى فِعْلِهِ، وَقِيَاسُهُ الْإِقْسَامُ وَهُوَ فِي عُرْفِ النُّحَاةِ جُمْلَةٌ إنْشَائِيَّةٌ يُؤَكَّدُ بِهَا أُخْرَى، لَا عَلَى جِهَةِ التَّبَعِيَّةِ، وَبِالْقَيْدِ الْأَخِيرِ خَرَجَتْ الْإِنْشَائِيَّةُ الثَّانِيَةُ مِنْ نَحْوِ أَكْرِمْ زَيْدًا أَكْرِمْ زَيْدًا. اهـ (بَيَانُهُ) أَنَّ قَوْلَ الْقَائِل مَثَلًا: بِاَللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ، فَجُمْلَةُ بِاَللَّهِ الَّتِي تَقْدِيرُهَا أُقْسِمُ بِاَللَّهِ جُمْلَةٌ إنْشَائِيَّةٌ أُكِّدَتْ بِهَا الْأُخْرَى الَّتِي هِيَ لَأَفْعَلَنَّ. وَقَوْلُهُ: " أَوْ الْتِزَامٌ مَنْدُوبٌ غَيْرُ مَقْصُودٍ بِهِ الْقُرْبَةَ " لَمَّا دَخَلَ فِي قَوْلِهِ: " الْتِزَامٌ مَنْدُوبٌ " النَّذْرُ كُلُّهُ عَلَى صَدَقَةِ دِينَارٍ مَثَلًا أَخْرَجَهُ بِقَوْلِهِ: " غَيْرُ مَقْصُودٍ بِهِ الْقُرْبَةُ "؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالنَّذْرِ الْقُرْبَةُ، وَكَذَلِكَ الصَّدَقَةُ فِي الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ بِخِلَافِ الْيَمِينِ وَذَلِكَ كَقَوْلِك: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَعَبْدِي حُرٌّ، فَإِنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ الْقُرْبَةَ الَّتِي هِيَ الْعِتْقُ، وَإِنَّمَا قَصَدَ الِامْتِنَاعَ مِنْ دُخُولِ الدَّارِ. وَغَيْرُ بِالرَّفْعِ صِفَةُ " الْتِزَامٌ "، وَقَوْلُهُ: " أَوْ مَا يَجِبُ بِإِنْشَاءٍ " قَوْلُهُ " أَوْ مَا يَجِبُ " عَطْفٌ عَلَى " الْتِزَامٌ " فَتَكُونُ أَقْسَامُ الْيَمِينِ ثَلَاثَةً، وَيَجُوزُ عَطْفُهُ عَلَى " مَنْدُوبٌ " مَدْخُولٌ لِلِالْتِزَامِ، وَالْإِنْشَاءُ مَا يَقَعُ بِهِ مَدْلُولُهُ فَيَشْمَلُ نَحْوَ أَنْتِ طَالِقٌ وَثَوْبِي صَدَقَةٌ، فَأَخْرَجَ الصَّدَقَةَ وَنَحْوَهَا بِقَوْلِهِ لَا يَفْتَقِرُ إلَى قَبُولٍ لِأَنَّهَا تَفْتَقِرُ إلَى الْقَبُولِ، وَلَفْظُ الْإِنْشَاءِ يَشْمَلُ الْمَنْدُوبَ كَأَنْتَ حُرٌّ، إلَّا أَنَّ هَذَا تَقَدَّمَ وَهُوَ الْقِسْمُ الثَّانِي مِنْ أَقْسَامِ الْيَمِينِ، " أَوْ مَا يَجِبُ بِإِنْشَاءٍ " يَعْنِي مِمَّا لَيْسَ بِمَنْدُوبٍ لِئَلَّا يَتَدَاخَلَ مَعَ الْقِسْمِ الثَّانِي مِنْ أَقْسَامِ الْيَمِينِ. وَقَوْلُهُ: " مُعَلَّقٍ بِأَمْرٍ مَقْصُودٍ عَدَمُهُ " مُعَلَّقٌ بِالْخَفْضِ صِفَةٌ لِإِنْشَاءٍ وَذَلِكَ كَقَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ، فَقَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ الطَّلَاقُ يَجِبُ بِالْإِنْشَاءِ وَلَا يَفْتَقِرُ إلَى قَبُولٍ، وَهُوَ مُعَلَّقٌ بِأَمْرٍ وَهُوَ دُخُولُ الدَّارِ، وَالْمَقْصُودُ عَدَمُ الدُّخُولِ لَا الدُّخُولُ وَهَذَا الْحَدُّ هُوَ لِلْيَمِينِ مِنْ حَيْثُ هِيَ، وَالْمَقْصُودُ فِي التَّرْجَمَةِ إنَّمَا هِيَ الْيَمِينُ الشَّرْعِيَّةُ الَّتِي تَجِبُ عَلَى الْخَصْمِ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ: بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ، كَمَا يَقُولُ بَعْدُ وَبِاَللَّهِ يَكُونُ الْحَلِفُ، وَاَلَّذِي يَتَعَلَّقُ بِالْيَمِينِ أَيْ مِنْ الْأَحْكَامِ كَتَغْلِيظِهَا بِالْمَكَانِ، وَالزَّمَانِ فِي اللِّعَانِ، وَحَالَةِ الْحَلِفِ مِنْ قِيَامٍ وَاسْتِقْبَالٍ مَثَلًا، وَتَقْسِيمِ الْيَمِينِ وَمَا يُقْلَبُ مِنْهَا وَمَا لَا يُقْلَبُ وَنَحْوِ ذَلِكَ. فِي رُبُعِ دِينَارٍ فَأَعْلَى تُقْتَضَى ... فِي مَسْجِدِ الْجَمْعِ الْيَمِينُ بِالْقَضَا وَمَا لَهُ بَالٌ فَفِيهِ تَخْرُجُ ... إلَيْهِ لَيْلًا غَيْرُ مَنْ تَبَرَّجُ وَقَائِمًا مُسْتَقْبِلًا يَكُونُ ... مَنْ اُسْتُحِقَّتْ عِنْدَهُ الْيَمِينُ يَعْنِي أَنَّ مَنْ وَجَبَتْ لَهُ يَمِينٌ فِي رُبْعِ دِينَارٍ فَأَكْثَرَ، فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَقْتَضِيَهَا فِي الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ الَّذِي تُصَلَّى فِيهِ الْجُمُعَةُ، وَيُقْضَى عَلَى الَّذِي تَوَجَّهَتْ عَلَيْهِ بِذَلِكَ أَحَبَّ أَمْ كَرِهَ، اللَّهُمَّ إلَّا إذَا رَضِيَ صَاحِبُ الْحَقِّ بِأَنْ يُحَلِّفَهُ فِي غَيْرِ الْجَامِعِ فَلَهُ ذَلِكَ، ثُمَّ إنْ كَانَ رَجُلًا فَلَا إشْكَالَ، وَإِنْ كَانَتْ امْرَأَةً مِمَّنْ تَخْرُجُ نَهَارًا فَكَالرَّجُلِ، وَإِنْ كَانَتْ لَا تَخْرُجُ إلَّا بِاللَّيْلِ خَرَجَتْ لَيْلًا وَحَلَفَتْ فِي الْجَامِعِ فِيمَا لَهُ بَالٌ مِنْ الْمَالِ، وَفَسَّرَهُ اللَّخْمِيُّ

بِالدِّينَارِ فَأَكْثَرَ، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِالْبَيْتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ. وَظَاهِرُ قَوْلِهِ " وَمَا لَهُ بَالٌ " أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَخْرُجُ فِي رُبْعِ دِينَارٍ بَلْ فِي أَكْثَرَ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ، اللَّخْمِيِّ (وَفِي التَّوْضِيحِ) ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ أَنَّهَا تَخْرُجُ لِرُبْعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا (الْمَازِرِيُّ) وَهُوَ الْمَشْهُورُ، ثُمَّ ذَكَرَ فِي الْبَيْتِ الثَّالِثِ كَيْفِيَّةَ الْحَلِفِ عِنْدَ اقْتِضَاءِ الْيَمِينِ مِنْهُ فَذَكَرَ أَنَّهُ يَكُونُ قَائِمًا لَا جَالِسًا مُسْتَقْبِلًا لِلْقِبْلَةِ لَا غَيْرَ مُسْتَقْبِلِهَا وَهَذَا أَيْضًا فِي الْيَمِينِ الَّتِي فِي رُبْعِ دِينَارٍ فَأَكْثَرَ. (قَالَ الشَّارِحُ) : فَالْأَلِفُ وَاللَّامُ فِي الْيَمِينِ لِلْعَهْدِ، وَالْمَعْهُودُ الْيَمِينُ الْمُتَقَدِّمُ قَرِيبًا، (قَالَ الشَّارِحُ) : وَإِذَا كَانَتْ الْيَمِينُ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ فِي الْحُقُوقِ الْمَالِيَّةِ، إذَا بَلَغَتْ النِّصَابَ فَأَحْرَى أَنْ تَكُونَ كَذَلِكَ فِي الْحُقُوقِ الْبَدَنِيَّةِ لِحَلِّ الْعِصَمِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، (قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ) : سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ: يَحْلِفُ فِي الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ إذَا كَانَ ذَلِكَ يَبْلُغُ رُبْعَ دِينَارٍ فَصَاعِدًا، وَأَمَّا الشَّيْءُ التَّافِهُ فَإِنَّهُ يَحْلِفُ فِي مَقَامِهِ وَحَيْثُ قُضِيَ عَلَيْهِ بِالْيَمِينِ، (قَالَ مَالِكٌ) وَيَحْلِفُونَ قِيَامًا وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَكُلُّ شَيْءٍ لَهُ بَالٌ فَإِنَّمَا يَحْلِفُ فِيهِ فِي جَامِعِ بَلَدِهِ فِي أَعْظَمِ مَوَاضِعِهِ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ، وَلَا يَعْرِفُ مَالِكٌ الْيَمِينَ عِنْدَ الْمِنْبَرِ إلَّا مِنْبَرَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي رُبْعِ دِينَارٍ فَأَكْثَرَ. اهـ مِنْ الشَّارِحِ. زَادَ الْمَوَّاقُ مَا نَصُّهُ قَالَ ابْنُ وَضَّاحٍ لِسَحْنُونٍ: إنَّ ابْنَ عَاصِمٍ كَانَ يُحَلِّفُ النَّاسَ بِالطَّلَاقِ فَمِنْ أَيْنَ أَخَذَ هَذَا؟ قَالَ: مِنْ قَوْلِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ تَحْدُثُ لِلنَّاسِ أَقْضِيَةٌ إلَخْ قَالَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ: وَكَانَ سَحْنُونٌ لَا يَقْبَلُ الْوَكِيلَ مِنْ الْمَطْلُوبِ إلَّا إذَا كَانَ مَرِيضًا، أَوْ امْرَأَةً وَيَقْبَلُهُ مِنْ الطَّالِبِ فَقِيلَ لَهُ: أَلَيْسَ مَالِكٌ كَانَ يَقْبَلُهُ مِنْهُمَا فَقَالَ: قَدْ قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: تَحْدُثُ لِلنَّاسِ أَقْضِيَةٌ إلَخْ اهـ وَعَلَى عَدَمِ وُجُوبِ الِاسْتِقْبَالِ

كَمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ. ذَهَبَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ، وَالنَّاظِمُ ذَهَبَ عَلَى الْقَوْلِ بِالِاسْتِقْبَالِ لِجَرَيَانِ الْعَمَلِ بِهِ، وَهُوَ قَوْلُ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ وَانْظُرْ مَا تَقَدَّمَ مِنْ التَّحْلِيفِ بِالطَّلَاقِ، اسْتِنَادًا لِقَوْلِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ تَحْدُثُ لِلنَّاسِ أَقْضِيَةٌ إلَخْ فَإِنَّ الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ الْأَقْضِيَةُ الْمُبَاحَةُ الَّتِي يُتَحَيَّلُ بِهَا عَلَى دَفْعِ الظَّالِمِ عَنْ الْمَظْلُومِ، وَسَدِّ أَوْجُهِ الْحِيَلِ الَّتِي يَسْتَعْمِلُ الْأَلَدُّ الْخَصِمُ، مَعَ كَوْنِ ذَلِكَ عَلَى وَجْهٍ جَائِزٍ شَرْعًا لَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي لَا يَجُوزُ شَرْعًا، فَإِنَّ الْحَلِفَ بِالطَّلَاقِ مَمْنُوعٌ أَوْ مَكْرُوهٌ لِمَا وَرَدَ أَنَّ الطَّلَاقَ، وَالْعَتَاقَ مِنْ أَيْمَانِ الْفُسَّاقِ، وَالْعُقُوبَةُ عَلَى الْمَعْصِيَةِ بِالْمَعْصِيَةِ تَكْثِيرٌ لَهَا، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ فَانْظُرْ ذَلِكَ، وَلَعَلَّهُ ذَهَبَ عَلَى الْكَرَاهَةِ لِمَسِيسِ الْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ ارْتِكَابًا لِأَخَفِّ الضَّرَرَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَمَّا مَنْعُ الْمَطْلُوبِ مِنْ التَّوْكِيلِ فَهُوَ قَوْلُ سَحْنُونٍ، كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ النَّاظِمُ فِي الْوَكَالَةِ، وَجَازَ لِلْمَطْلُوبِ أَنْ يُوَكِّلَا .. إلَخْ (قَالَ الشَّارِحُ) : وَقَوْلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ يَحْلِفُ فِي الْجَامِعِ فِي أَعْظَمِ مَوَاضِعِهِ هُوَ مِمَّا يَجِبُ أَنْ يُلَاحَظَ فِي الْوَقْتِ لِكَوْنِ الْوَاقِعِ لِأَكْثَرِ مُوَثِّقِي الزَّمَانِ أَنَّهُمْ يُحَلِّفُونَ حَيْثُ تَأَتَّى لَهُمْ وَلَا أَعْلَمُ مُسْتَنَدًا لَهُمْ فِي ذَلِكَ وَالْغَالِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ جَهْلٌ بِالْفِقْهِ (وَفِي التَّهْذِيبِ) وَتَخْرُجُ الْمَرْأَةُ فِيمَا لَهُ بَالٌ مِنْ الْحُقُوقِ فَتَحْلِفُ فِي الْمَسْجِدِ فَإِنْ كَانَتْ مِمَّنْ لَا تَخْرُجُ نَهَارًا فَلْتَخْرُجْ لَيْلًا وَتَحْلِفُ فِي الْيَسِيرِ فِي بَيْتِهَا إنْ لَمْ تَكُنْ تَخْرُجُ وَيَبْعَثُ الْقَاضِي إلَيْهَا مَنْ يُحَلِّفُهَا لِصَاحِبِ الْحَقِّ وَيُجْزِئُ رَجُلٌ وَاحِدٌ وَأُمُّ الْوَلَدِ مِثْلُ الْحُرَّةِ فِيمَنْ تَخْرُجُ أَوْ لَا تَخْرُجُ وَتَقَدَّمَ أَنَّ مَنْ وَجَّهَهُ الْقَاضِي لِلتَّحْلِيفِ فَلَا إعْذَارَ فِيهِ وَيُجْزِئُ الْوَاحِدُ. (فَرْعٌ) مَنْ كُلِّفَ فِيمَا لَهُ بَالٌ أَنْ يَحْلِفَ فِي الْمَسْجِدِ الْأَعْظَمِ عِنْدَ الْمِنْبَرِ وَمَا أَشْبَهَهُ مِنْ الْمَوَاضِعِ فَقَالَ: أَحْلِفُ فِي مَكَانِي فَهُوَ كَنُكُولِهِ عَنْ الْيَمِينِ إنْ لَمْ يَحْلِفْ فِي مَقْطَعِ الْحُقُوقِ، غُرِّمَ مَا اُدُّعِيَ عَلَيْهِ، (قَالَ ابْنُ يُونُسَ) : " يُرِيدُ بِهِ يَمِينَ الْمُدَّعِي فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ " (قَالَ مَالِكٌ) : " مَنْ أَبَى أَنْ يَحْلِفَ عِنْدَ الْمِنْبَرِ فَهُوَ كَالنَّاكِلِ عَنْ الْيَمِينِ " (قَالَ الشَّارِحُ) : " يُرِيدُ مَالِكٌ عِنْدَ مِنْبَرِ النَّبِيِّ ". - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (فَرْعٌ) أَفْتَى الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ فِي قَوْمٍ لَا جَامِعَ لَهُمْ أَنَّهُمْ يَحْلِفُونَ حَيْثُ هُمْ، وَلَا يُجْلَبُونَ إلَى الْجَامِعِ، (وَأَجَابَ التَّازَغْدَرِيُّ) " أَنَّهُمْ يُجْلَبُونَ إلَى الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ عَلَى مِقْدَارِ مَسَافَةِ الْجُمُعَةِ " صَحَّ مِنْ آخِرِ السِّفْرِ الْخَامِسِ مِنْ الْمِعْيَارِ. . وَهْيَ وَإِنْ تَعَدَّدَتْ فِي الْأَعْرَفِ ... عَلَى وِفَاقِ نِيَّةِ الْمُسْتَحْلِفِ يَعْنِي أَنَّ الْيَمِينَ الْوَاجِبَةَ بِالشَّرْعِ هِيَ الَّتِي يُحْكَمُ بِهَا عَلَى مَنْ تَوَجَّهَتْ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ سِيَاقَ الْكَلَامِ فِي ذَلِكَ " وَإِنْ تَعَدَّدَتْ " أَيْ تَنَوَّعَتْ إلَى: يَمِينِ تُهْمَةٍ، وَيَمِينِ قَضَاءٍ، وَيَمِينِ مُنْكِرٍ، وَيَمِينِ كَمَالِ النِّصَابِ فَإِنَّهَا كُلَّهَا عَلَى نِيَّةِ الْمُسْتَحْلِفِ أَيْ: الطَّالِبِ لِلْحَلِفِ، وَهُوَ الْمَحْلُوفُ لَهُ، فَمَنْ طَلَبَ دَيْنَهُ مِنْ غَرِيمِهِ فَحَلَفَ الْغَرِيمُ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عِنْدَهُ، وَنَوَى حَاضِرًا مَثَلًا فَإِنَّهُ يَحْنَثُ، وَلَا تَنْفَعُهُ نِيَّتُهُ. (قَالَ الشَّارِحُ) : " وَعَبَّرَ الشَّيْخُ بِأَعْرَفَ عَلَى قَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ ". وَأَمَّا الْيَمِينُ الَّتِي فِي غَيْرِ وَثِيقَةِ حَقٍّ فَإِنْ كَانَتْ بِاَللَّهِ فَهِيَ عَلَى نِيَّةِ الْحَالِفِ، وَإِنْ كَانَتْ بِغَيْرِ اللَّهِ مِنْ طَلَاقٍ، أَوْ عَتَاقٍ فَهِيَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ: قِيلَ عَلَى نِيَّةِ الْحَالِفِ، وَقِيلَ عَلَى نِيَّةِ الْمَحْلُوفِ لَهُ، ثَالِثُهَا إنْ تَبَرَّعَ بِهَا فَعَلَى نِيَّتِهِ، وَإِنْ طُلِبَتْ مِنْهُ فَعَلَى نِيَّةِ الْمَحْلُوفِ لَهُ، هَذَا حَاصِلُ مَا عِنْدَ

ابْنِ الْحَاجِبِ. (قَالَ الشَّارِحُ مَا حَاصِلُهُ) : إنَّ إطْلَاقَ النَّاظِمِ فِي كَوْنِ الْيَمِينِ عَلَى نِيَّةِ الْمُسْتَحْلِفِ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُ فِي الْيَمِينِ الَّتِي تَجْرِي بَيْنَ يَدَيْ الْحُكَّامِ، وَكُلُّهَا عَلَى وَثِيقَةِ حَقٍّ وَمَا كَانَ كَذَلِكَ فَهُوَ عَلَى نِيَّةِ الْمُسْتَحْلِفِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. . وَمَا يَقِلُّ حَيْثُ كَانَ يَحْلِفُ ... فِيهِ وَبِاَللَّهِ يَكُونُ الْحَلِفُ يَعْنِي: أَنَّ الْحَقَّ تَتَوَجَّهُ بِسَبَبِهِ الْيَمِينُ إذَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ رُبْعِ دِينَارٍ، فَإِنَّ مَنْ تَوَجَّهَتْ عَلَيْهِ يَحْلِفُ حَيْثُ كَانَ فِي مَسْجِدٍ، أَوْ سُوقٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ يَعْنِي: وَكَيْفَ كَانَ أَيْضًا قَائِمًا أَوْ جَالِسًا مُسْتَقْبِلًا أَوْ غَيْرَ مُسْتَقْبِلٍ. (قَالَ ابْنُ يُونُسَ) قَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ: " وَيُسْتَحْلَفُ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ قَائِمِينَ مُسْتَقْبِلِي الْقِبْلَةِ، فِي رُبُعِ دِينَارٍ فَأَكْثَرَ فِي الْمَدِينَةِ عِنْدَ مِنْبَرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَبِغَيْرِهَا فِي مَسْجِدِهِمْ الْأَعْظَمِ حَيْثُ يُعَظِّمُونَ مِنْهُ عِنْدَ مِنْبَرِهِمْ، وَتِلْقَاءِ قِبْلَتِهِمْ، فَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ الْحَقُّ رُبُعَ دِينَارٍ حَلَفُوا جُلُوسًا إنْ أَحَبُّوا، أَوْ يَحْلِفُ الرَّجُلُ فِي أَقَلَّ مِنْ رُبْعِ دِينَارٍ فِي مَكَانِهِ الَّذِي قُضِيَ عَلَيْهِ فِيهِ، وَالْمَرْأَةُ فِي بَيْتِهَا وَلَا تَخْرُجُ فِي ذَلِكَ. اهـ وَالشَّاهِدُ قَوْلُهُ " فَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ الْحَقُّ رُبْعَ دِينَارٍ " إلَخْ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: وَمَا يَقِلُّ حَيْثُ كَانَ يَحْلِفُ فِيهِ وَأَمَّا قَوْلُهُ: " وَبِاَللَّهِ يَكُونُ الْحَلِفُ " فَهُوَ بَيَانٌ لِكَيْفِيَّةِ الْيَمِينِ، كَانَ الْحَقُّ رُبْعَ دِينَارٍ أَوْ أَقَلَّ، وَفِي تَقْدِيمِ اسْمِ الْجَلَالَةِ فِي الْبَيْتِ إشَارَةٌ إلَى الْحَصْرِ، وَإِنَّ الْيَمِينَ تَكُونُ بِهَذَا اللَّفْظِ الَّذِي هُوَ اسْمُ الْجَلَالَةِ لَا بِغَيْرِهِ مِمَّا يَنْعَقِدُ بِهِ الْيَمِينُ فِي غَيْرِ الْحُقُوقِ الشَّرْعِيَّةِ: كَالْقُرْآنِ، وَالْمُصْحَفِ وَأَحْرَى مِمَّا لَا تَنْعَقِدُ بِهِ كَالنَّبِيِّ، وَالْكَعْبَةِ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْحَالِفُ مُسْلِمًا أَوْ كِتَابِيًّا أَوْ غَيْرَ كِتَابِيٍّ (ابْنُ الْحَاجِبِ) وَالْيَمِينُ فِي الْحُقُوقِ كُلِّهَا بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ فَقَطْ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَرَوَى ابْنُ كِنَانَةَ يُزَادُ فِي رُبْعِ دِينَارٍ، وَفِي الْقَسَامَةِ، وَاللِّعَانِ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ. (التَّوْضِيحُ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الِاسْمِ الْمُعَظَّمِ وَوَصْفِهِ بِاَلَّذِي لَا إلَه إلَّا هُوَ. (الْمَازِرِيُّ) وَالْمَعْرُوفُ مِنْ الْمَذْهَبِ الْمَنْصُوصُ عِنْدَ جَمِيعِ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّهُ لَا يَكْتَفِي بِاَللَّهِ فَقَطْ، وَكَذَلِكَ نَصَّ عَلَيْهِ أَشْهَبُ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: وَاَلَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ مَا أَجْزَأَهُ حَتَّى يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا، وَقَالَ (اللَّخْمِيُّ) : الَّذِي يَقْتَضِيهِ قَوْلُ مَالِكٍ الْإِجْزَاءُ إذَا اقْتَصَرَ عَلَى أَحَدِهِمَا، وَاخْتَارَهُ وَاسْتَدَلَّ لَهُ بِلُزُومِ الْكَفَّارَةِ فِي أَحَدِهِمَا بِغَيْرِ خِلَافٍ. اهـ وَاقْتِصَارُ النَّاظِمِ عَلَى اسْمِ الْجَلَالَةِ كَأَنَّهُ عَلَى قَوْلِ

اللَّخْمِيِّ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّ اللَّخْمِيَّ بَحَثَ مَعَهُ ابْنُ عَرَفَةَ، قَالَ: أَثَرُ تَعْلِيلِ اللَّخْمِيِّ إجْزَاؤُهَا بِأَنَّهَا يَمِينٌ تُكَفَّرُ، مَا نَصُّهُ قُلْت لَا يَلْزَمُ مِنْ أَنَّهَا يَمِينٌ تُكَفَّرُ أَنْ تُجْزِئَ فِي الْحُقُوقِ لِاخْتِصَاصِ يَمِينِ الْخُصُومَةِ بِالتَّغْلِيظِ. اهـ (قَالَ الشَّارِحُ) : وَمَا قَالَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَاضِحٌ لَا إشْكَالَ فِيهِ فَتَأَمَّلْهُ. اهـ (فَرْعٌ) مَنْ اشْتَرَى شَيْئًا وَوَهَبَهُ فَأَنْكَرَ الْبَائِعُ الْبَيْعَ، فَشَهِدَ لِلْمُشْتَرِي بِالشِّرَاءِ شَاهِدٌ وَاحِدٌ، فَالْيَمِينُ الَّتِي مَعَ الشَّاهِدِ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ لَا عَلَى الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ مِنْ حُجَّتِهِ أَنْ يَقُولَ: لَا أَحْلِفُ وَيَنْتَفِعُ غَيْرِي، قَالَهُ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ فِي بَعْضِ فَتَاوِيهِ. اهـ. وَبَعْضُهُمْ يَزِيدُ فِي الْيَهُودِ ... مُنَزِّلِ التَّوْرَاةِ لِلتَّشْدِيدِ كَمَا يَزِيدُ فِيهِ لِلتَّثْقِيلِ ... عَلَى النَّصَارَى مُنْزِلِ الْإِنْجِيلِ وَجُمْلَةُ الْكُفَّارِ يَحْلِفُونَ ... أَيْمَانَهُمْ حَيْثُ يُعَظِّمُونَ يَعْنِي: أَنَّ بَعْضَ أَهْلِ الْمَذْهَبِ زَادَ فِي يَمِينِ الْيَهُودِ بَعْدَ قَوْلِهِ: بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ مُنَزِّلِ التَّوْرَاةِ عَلَى مُوسَى، وَفِي يَمِينِ النَّصَارَى يَزِيدُ عَلَى قَوْلِهِ: بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ مُنَزِّلِ الْإِنْجِيلِ عَلَى عِيسَى لِقَصْدِ التَّشْدِيدِ عَلَيْهِمْ وَالتَّخْوِيفِ، وَهُوَ مُرَادُهُ بِالتَّثْقِيلِ وَهَذَا خِلَافُ الْمَشْهُورِ، وَالْمَشْهُورُ أَنْ لَا يَزِيدَ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا يَقُولُ: بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ فَقَطْ، وَيَكُونُ حَلِفُهُمْ حَيْثُ يُعَظِّمُونَ مِنْ كَنَائِسِهِمْ، وَمَوَاضِعِ تَعْظِيمِهِمْ. (قَالَ اللَّخْمِيُّ فِي تَبْصِرَتِهِ) قَالَ ابْنُ شَعْبَانَ: رَوَى الْوَاقِدِيُّ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: " يَحْلِفُ الْيَهُودِيُّ بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ مُنَزِّلِ التَّوْرَاةِ عَلَى مُوسَى، وَالنَّصَارَى بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ مُنَزِّلِ الْإِنْجِيلِ عَلَى عِيسَى، قَالَ: وَمِنْ الْكُفَّارِ مَنْ لَا يَحْلِفْ بِمَا يَحْلِفْ بِهِ الْمُسْلِمُ؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ مَا يُقِرُّ بِهِ أَهْلُ التَّوْحِيدِ، وَيَحْتَجُّ بِأَنْ لَيْسَ عَلَيْهِ الْخُرُوجُ مِنْ دِينِهِ لِيَمِينٍ وَجَبَتْ عَلَيْهِ، فَيُحْتَاطُ عَلَيْهِ حَتَّى يَقُولَ مَا لَيْسَ يُخْرِجُهُ عَنْ الشَّهَادَةِ بِالْحَقِّ، وَلَا يَحْلِفُ بِكُفْرِهِ "، قَالَ مُحَمَّدٌ فِي مَجُوسِيَّةٍ أَسْلَمَ زَوْجُهَا فَلَاعَنَتْ فَقَالَتْ: أَقُولُ وَالنَّارِ وَلَا أَحْلِفُ بِاَللَّهِ، فَقَالَ: لَا تَحْلِفُ إلَّا بِاَللَّهِ. وَأَرَى يَمِينَ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ عَلَى مَا رَوَى الْوَاقِدِيُّ حَسَنًا؛ لِأَنَّهُ إذَا حَلَفَ بِذَلِكَ حَلَفَ بِحَقٍّ، وَفِيهِ تَغْلِيظٌ، وَزَادَ فِي يَمِينِ الْيَهُودِيِّ بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ؛ لِأَنَّهُمْ يُوَحِّدُونَ، وَفِي يَمِينِ الْمَجُوسِيِّ بِاَللَّهِ إنْ أَطَاعَ حَسَنٌ مِنْ بَابِ الْيَمِينِ بِالْحَقِّ، وَذَلِكَ يُؤَدِّي إلَى اسْتِخْرَاجِ الْحَقِّ مِنْهُ، وَيُرْهَبُ بِالْيَمِينِ بِغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُعَظِّمُهُ مِنْ دِينِهِ، وَذَلِكَ يُؤَدِّي إلَى اسْتِخْرَاجِ مَا طُلِبَ مِنْهُ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُرْهَبَ عَلَيْهِ بِالْمَوْضِعِ فَيَحْلِفُ فِي بَيْتِ نَارِهِ، وَيَحْلِفُ الْآخَرُونَ فِي كَنَائِسِهِمْ وَلَا بَيْنَ الْيَمِينِ بِمَا يُعَظِّمُونَ. اهـ. وَاسْتَشْكَلَ الشَّارِحُ هَذَا الْقَوْلَ، (الْمُدَوَّنَةُ) لَا يَحْلِفُ الْيَهُودِيُّ وَالنَّصْرَانِيُّ فِي حَقٍّ أَوْ لِعَانٍ أَوْ غَيْرِهِ إلَّا بِاَللَّهِ، وَلَا يُزَادُ عَلَيْهِ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ، أَوْ الْإِنْجِيلَ (ابْنُ مُحْرِزٍ) وَظَاهِرُهَا أَنَّهُمْ لَا يَحْلِفُونَ بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ (ابْنُ شَبْلُونٍ) ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يُوَحِّدُونَ وَلَا يُكَلَّفُونَ مَا لَيْسَ مِنْ دِينِهِمْ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ يَحْلِفُونَ الْيَمِينَ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ مِنْهُمْ إيمَانًا، وَنَصَّ عَلَيْهِ مُتَقَدِّمُو عُلَمَائِنَا، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ اسْتِحْلَافُ الْمَجُوسِ بِاَللَّهِ وَهُمْ يَنْفُونَ الصَّانِعَ. (عِيَاضٌ) فَرَّقَ غَيْرُ ابْنِ شَبْلُونٍ بَيْنَ الْيَهُودِ فَأَلْزَمَهُمْ ذَلِكَ لِقَوْلِهِمْ بِالتَّوْحِيدِ، وَبَيْنَ غَيْرِهِمْ (الْمُدَوَّنَةُ) يَحْلِفُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى فِي كَنَائِسِهِمْ وَحَيْثُ يُعَظِّمُونَ، وَيَحْلِفُ الْمَجُوسُ فِي بَيْتِ نَارِهِمْ وَحَيْثُ يُعَظِّمُونَ. اهـ (قَالَ الشَّارِحُ) : وَقَدْ كَانَ الْقَاضِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ مَالِكٍ الْآبِدِيُّ - حَفِظَهُ اللَّهُ - أَيَّامَ اسْتِخْلَافِهِ عَلَى قَضَاءِ الْجَمَاعَةِ بِالْحَضْرَةِ يُغَلِّظُ عَلَى مَنْ فَهِمَ مِنْهُ اللَّدَدَ مِنْ الْيَهُودِ، وَيَطْلُبُ مِنْهُ غَرِيمُهُ ذَلِكَ بِالتَّوْرَاةِ الَّتِي تُسَمِّيهَا الْيَهُودُ

بِالْجَلْجَلَةِ فَيَأْمُرُ بِذَلِكَ، وَكَثِيرٌ مَا كَانُوا يَنْكُلُونَ عَنْ الْيَمِينِ بِهَا وَيُسْتَخْرَجُ الْحَقُّ مِنْ الْبَاطِلِ عِنْدَ ذَلِكَ بَعْدَ مَا كَانَ ظَاهِرَ الْعَزْمِ عَلَى الْيَمِينِ دُونَهَا، وَلَعَلَّهُ أَخَذَهُ مِنْ رَأْيِ اللَّخْمِيِّ الْإِرْهَابُ عَلَيْهِمْ بِمَا يُعَظِّمُونَ بِالْقِيَاسِ عَلَى بَيْتِ نَارِ الْمَجُوسِيِّ. . وَمَا كَمِثْلِ الدَّمِ وَاللِّعَانِ ... فِيهِ تَحَرِّي الْوَقْتِ وَالْمَكَانِ يَعْنِي أَنَّ مَا كَانَ مِنْ الْأَيْمَانِ فِي الْأُمُورِ الْعِظَامِ كَمِثْلِ: الدِّمَاءِ، وَاللِّعَانِ، وَالْمَالِ الْعَظِيمِ فَإِنَّهُ تُغَلَّظُ فِيهِ الْيَمِينُ بِالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ مَعًا، فَيُزَادُ فِي التَّغْلِيظِ فِي هَذِهِ الْأُمُورِ عَلَى مَا بَلَغَ رُبْعَ دِينَارٍ اعْتِبَارُ الزَّمَانِ أَيْضًا، (قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ) عَنْ الْبَاجِيِّ: وَقَدْ يُغَلَّظُ بِالزَّمَانِ، رَوَى ابْنُ كِنَانَةَ فِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ: يَتَحَرَّى فِي أَيْمَانِهِمْ فِي الْمَالِ الْعَظِيمِ، وَالدِّمَاءِ، وَاللِّعَانِ وَقْتًا يَحْضُرُهُ النَّاسُ فِي الْمَسَاجِدِ، وَيَجْتَمِعُونَ لِلصَّلَاةِ وَمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ مَالٍ وَحَقٍّ فِي كُلِّ حِينٍ. اهـ وَالْمَقْصُودُ فِي الْبَيْتِ التَّغْلِيظُ بِالزَّمَانِ، وَأَمَّا بِالْمَكَانِ فَلَيْسَ إلَّا الْجَامِعُ وَقَدْ تَقَدَّمَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. . وَهِيَ يَمِينُ تُهْمَةٍ أَوْ الْقَضَا ... أَوْ مُنْكِرٍ أَوْ مَعَ شَاهِدٍ رِضَا يَعْنِي أَنَّ الْأَيْمَانَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ: (الْأَوَّلُ) يَمِينُ التُّهْمَةِ وَهِيَ اللَّازِمَةُ فِي الدَّعْوَى غَيْرِ الْمُحَقَّقَةِ، وَفِي تَوَجُّهِهَا خِلَافٌ يَأْتِي. (الثَّانِي) يَمِينُ الْقَضَاءِ اسْتَحْسَنَهَا الْفُقَهَاءُ احْتِيَاطًا عَلَى حِفْظِ مَالِ مَنْ لَا يُمْكِنُهُ الدَّفْعُ عَنْ نَفْسِهِ إمَّا فِي الْحَالِ كَالْغَائِبِ وَالصَّغِيرِ، أَوْ فِي الْمَآلِ كَالْمَيِّتِ، فَهِيَ لِرَدِّ دَعْوَى مُقَدَّرَةٍ لَا حَاصِلَةٍ أَيْ: فِي مُقَابَلَةِ فَرْضِ دَعْوَى الْغَرِيمِ الْبَرَاءَةَ مِنْ الْحَقِّ، وَكَذَلِكَ يَمِينُ الِاسْتِحْقَاقِ الْوَاجِبَةُ فِي غَيْرِ الْأُصُولِ، فَإِنَّهَا فِي مُقَابَلَةِ فَرْضِ دَعْوَى صَيْرُورَةِ الْمُسْتَحِقِّ لِلْمُسْتَحَقِّ مِنْهُ هِبَةً، أَوْ مَا فِي مَعْنَاهَا مِنْ الْمُسْتَحِقِّ لِلْمُسْتَحَقِّ مِنْهُ، قَالَ الشَّارِحُ: أَوَّلَ فَصْلِ أَنْوَاعِ الشَّهَادَةِ. (الثَّالِثُ) : يَمِينُ الْمُنْكِرِ الَّتِي فِي مُقَابَلَةِ دَعْوَى الْمُدَّعِي مُحَقِّقًا لِدَعْوَاهُ. (الرَّابِعُ) : يَمِينُ الْقَائِمِ بِشَهَادَةِ عَدْلٍ وَاحِدٍ فِي حَقٍّ مَالِيٍّ (قَالَ الشَّارِحُ) : وَفَائِدَةُ تَعْدَادِ هَذِهِ الْأَيْمَانِ أَنْ يُمَيِّزَ بَعْضَهَا مِنْ بَعْضٍ لِمَا يَلْحَقُهَا مِنْ الْأَحْكَامِ مِثْلُ: كَوْنِهَا تُقْلَبُ أَوْ لَا، أَوْ تَجِبُ أَوْ سِوَى ذَلِكَ مِنْ الْعَوَارِضِ اللَّاحِقَةِ لَهَا حَسْبَمَا يَتَّضِحُ - إنْ شَاءَ اللَّهُ -. وَالْأَصْلُ فِي يَمِينِ التُّهْمَةِ، وَيَمِينِ الْقَضَاءِ عِنْدَهُمْ الِاسْتِحْسَانُ حَسْبَمَا يَأْتِي لِابْنِ رُشْدٍ وَلِغَيْرِهِ فِيهِمَا، وَمِنْ

أُصُولِ الْفُتْيَا لِابْنِ حَارِثٍ كُلُّ مَنْ قُضِيَ لَهُ عَلَى غَائِبٍ، أَوْ مَيِّتٍ أَوْ طِفْلٍ يَحْلِفُ لَمْ يَقْتَضِ، وَلَمْ يَضَعْ وَلَمْ يَحِلَّ وَهَذِهِ الْيَمِينُ تُسَمَّى يَمِينَ الْقَضَاءِ، وَالْأَصْلُ فِي يَمِينِ الْمُنْكِرِ قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» وَالْأَصْلُ فِي الْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ جِبْرِيلَ أَمَرَنِي بِالْقَضَاءِ بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ» . وَتُهْمَةٌ إنْ قَوِيَتْ بِهَا تَجِبْ ... يَمِينُ مَتْهُومٍ وَلَيْسَ تَنْقَلِبْ لَمَّا ذَكَرَ أَقْسَامَ الْيَمِينِ مُجْمَلَةً أَرَادَ الْآنَ ذِكْرَهَا مُفَصَّلَةً يَذْكُرُ أَحْكَامَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا، فَأَخْبَرَ أَنَّ يَمِينَ التُّهْمَةِ تَجِبُ إنْ قَوِيَتْ التُّهْمَةُ، وَلَا تَجِبُ مَعَ ضَعْفِهَا، وَإِذَا وَجَبَتْ فَلَا تَنْقَلِبُ عَلَى الْمُدَّعِي؛ لِأَنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ لَمْ يُحَقِّقْ الدَّعْوَى عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَلَا يُكَلَّفُ بِالْحَلِفِ عَلَى مَا لَمْ يَتَحَقَّقْهُ (فَقَدْ) سُئِلَ ابْنُ رُشْدٍ عَنْ يَمِينِ التُّهْمَةِ فَقَالَ: أَمَّا يَمِينُ التُّهْمَةِ وَهِيَ الدَّعْوَى الَّتِي لَمْ تُحَقَّقْ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي لُحُوقِهَا ابْتِدَاءً وَاخْتُلِفَ إذَا لَحِقَتْ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا تَلْحَقُ هَلْ تَرْجِعُ، أَمْ لَا وَالظَّاهِرُ فِي الْقِيَاسِ أَنْ لَا تَجِبَ الْيَمِينُ إلَّا بِتَحْقِيقِ الدَّعْوَى لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» وَإِيجَابُهَا اسْتِحْسَانٌ، وَالْأَظْهَرُ إذَا وَجَبَتْ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا تَجِبُ أَنْ يَحِقَّ الْحَقُّ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ دُونَ أَنْ تَرْجِعَ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعِي، إذْ لَا يُكَلَّفُ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى مَا لَا يَعْرِفُ، وَاَلَّذِي أَخْتَارُهُ فِي هَذَا أَنْ تَلْحَقَ يَمِينُ التُّهْمَةِ إذَا قَوِيَتْ، وَتَسْقُطُ إذَا ضَعُفَتْ وَلَا تَرْجِعُ إذَا لَحِقَتْ. (قَالَ الشَّارِحُ) : مُعْتَمَدُ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي هَذَا الْبَيْتِ هُوَ مَا اخْتَارَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي يَمِينِ التُّهْمَةِ. . وَلِلَّتِي بِهَا الْقَضَا وُجُوبُ ... فِي حَقِّ مَنْ يُعْدَمُ أَوْ يَغِيبُ وَلَا تُعَادُ هَذِهِ الْيَمِينُ ... بَعْدُ وَإِنْ مَرَّ عَلَيْهَا حِينُ اشْتَمَلَ الْبَيْتُ الْأَوَّلُ عَلَى مَسْأَلَةٍ وَهِيَ: بَيَانُ بَعْضِ مَنْ تَجِبُ فِي حَقِّهِ يَمِينُ الْقَضَاءِ، وَالثَّانِي عَلَى مَسْأَلَةٍ أُخْرَى وَهِيَ: إذَا حَلَفَ يَمِينَ الْقَضَاءِ مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ تَأَخَّرَ اقْتِضَاؤُهُ لِلدَّيْنِ فَهَلْ تُعَادُ أَمْ لَا فَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ (الْأُولَى) فَاعْلَمْ أَنَّ الْفُقَهَاءَ أَوْجَبُوا يَمِينَ الْقَضَاءِ عَلَى طَالِبِ مَنْ مَاتَ وَهُوَ مُرَادُهُ بِمَنْ يُعْدَمُ أَوْ غَابَ احْتِيَاطًا عَلَى أَمْوَالِ هَذَيْنِ الصِّنْفَيْنِ لِكَوْنِهِمَا فِي الْحَالِ لَا يَدْفَعَانِ عَنْ أَنْفُسِهِمَا لِامْتِنَاعِ ذَلِكَ مِنْهُمَا، إمَّا مُطْلَقًا كَالْمَيِّتِ، أَوْ مَعَ إمْكَانِ ذَلِكَ مِنْهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ كَالْغَائِبِ وَشِبْهِهِ فَقَدَّرَ الْفُقَهَاءُ عَلَى فَرْضِ حُضُورِهِمَا أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّهُ قَضَى غَرِيمَهُ وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ، فَإِنَّ الْيَمِينَ تَجِبُ لَهُ عَلَى غَرِيمِهِ الطَّالِبِ، فَكَذَلِكَ هَاهُنَا. (وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) وَهِيَ إذَا حَلَفَ هَذِهِ الْيَمِينَ مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا تَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ ثَانِيَةً، وَلَا يُطَالَبُ بِإِعَادَتِهَا، وَإِنْ مَرَّ عَلَى ذَلِكَ حِينٌ وَزَمَانٌ مَا لَمْ يَحْدُثْ مَا يُوجِبُهَا مِنْ اعْتِرَاضِ الشَّكِّ فِي بَاقِي الْحَقِّ مِثْلَ: مَا عُرِضَ أَوَّلًا فَإِنَّهَا تَجِبُ ثَانِيًا، وَيُتَصَوَّرُ ذَلِكَ بِعَوْدَةِ الْغَائِبِ مِنْ مَغِيبِهِ، وَإِقَامَتِهِ مُدَّةً بَعْدَ حَلِفِ طَالِبِهِ مَعَهُ فِي مَوْضِعِ الْحُكْمِ، ثُمَّ تَعْرِضُ لَهُ غَيْبَةٌ ثَانِيَةٌ فَإِنَّ يَمِينَ الْقَضَاءِ

تَجِبُ هُنَا؛ لِتَجَدُّدِ مَا يُوجِبُهَا مِنْ الشَّكِّ فِي بَقَاءِ الدَّيْنِ. (قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ) : وَشَرْطُ الْحُكْمِ عَلَى الْغَائِبِ بِقَضَاءِ دَيْنٍ عَلَيْهِ مَعَ قِيَامِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ - يَمِينُهُ عَلَى بَقَاءِ دَيْنِهِ إلَى حِينِ الْحُكْمِ لَهُ بِذَلِكَ. (قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي نَوَازِلِهِ) : هَذِهِ الْيَمِينُ لَا نَصَّ عَلَى وُجُوبِهَا لِعَدَمِ الدَّعْوَى بِمَا يُوجِبُهَا إلَّا أَنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ رَأَوْهَا عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِحْسَانِ احْتِيَاطًا لِلْغَائِبِ وَحِفْظًا عَلَى مَالِهِ لِلشَّكِّ فِي بَقَاءِ الدَّيْنِ عَلَيْهِ أَوْ سُقُوطِهِ عَنْهُ. (وَفِي الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ) يَحْلِفُ بِحَيْثُ يَجِبُ الْحَلِفُ قَائِمًا، مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ، مَا قَبَضْت مِنْ فُلَانٍ الْغَائِبِ شَيْئًا مِنْ الدَّيْنِ الَّذِي ثَبَتَ لِي عَلَيْهِ عِنْدَ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ صَاحِبِ أَحْكَامِ كَذَا، وَلَا قَبَضْت عَنْهُ شَيْئًا، وَلَا اسْتَحَلْت عَلَى أَحَدٍ، وَلَا أَحَلْت بِهِ أَحَدًا، وَلَا وَهَبْتُهُ لَهُ، وَلَا شَيْئًا مِنْهُ، وَلَا قَدَّمْت أَحَدًا يَقْتَضِيهِ مِنْهُ وَإِنَّهُ لِبَاقٍ عَلَيْهِ إلَى يَمِينِي هَذِهِ. (وَأَمَّا) الْمَيِّتُ وَالصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ مَا دَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِصِفَتِهِ فَإِنَّهُمْ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ بِالدُّيُونِ إلَّا بَعْدَ اسْتِحْلَافِ الطَّالِبِ لَهُمْ؛ لِكَوْنِ الْمَيِّتِ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَدَّعِيَ قَضَاءَ الدَّيْنِ، وَكَذَا الصَّبِيُّ، وَالْمَجْنُونُ مَا دَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِصِفَتِهِ صَحَّ مِنْ الشَّارِحِ، ثُمَّ نُقِلَ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ الطَّالِبُ هَذِهِ الْيَمِينَ وَتَأَخَّرَ اقْتِضَاؤُهُ مُدَّةً طَوِيلَةً لِجَمِيعِ مَالِ الْغَائِبِ، وَبَيْعِ عَقَارِهِ لِاحْتِمَالِ سُقُوطِ الدَّيْنِ فَتُعَادُ الْيَمِينُ كَمَا لَوْ كَانَ الْمَدِينُ حَاضِرًا وَادَّعَى ذَلِكَ عَلَى الطَّالِبِ فَأَحْلَفَهُ ثُمَّ تَأَخَّرَ تَنْفِيذُ الْقَضَاءِ لِطُولِ بَيْعِ رَبْعِهِ، ثُمَّ ادَّعَى الطَّالِبُ مِثْلَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُحَلِّفُهُ ثَانِيًا إلَى أَنْ قَالَ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ: وَالصَّوَابُ أَنَّهُ لَا تُعَادُ عَلَيْهِ الْيَمِينُ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَلَا يُشْبِهُ هَذَا إذَا كَانَ حَاضِرًا فَادَّعَى أَنَّهُ قَضَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ وَهَبَهُ إيَّاهُ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ عَلَيْهِ وَاجِبَةٌ بِنَصِّ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» بِخِلَافِ الْيَمِينِ لِلْغَائِبِ فَلَا نَصَّ عَلَى وُجُوبِهَا. اهـ. وَإِلَى قَوْلِ ابْنِ رُشْدٍ إنَّهُ لَوْ حَلَفَ الطَّالِبُ هَذِهِ الْيَمِينَ إلَخْ، أَشَارَ النَّاظِمُ بِقَوْلِهِ: وَلَا تُعَادُ هَذِهِ الْيَمِينُ الْبَيْتَ ثُمَّ نَقَلَ الشَّارِحُ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ مَا نَصُّهُ " وَلَوْ تَأَخَّرَ الْقَضَاءُ بَعْدَ يَمِينِهِ إلَى أَنْ جَاءَ الْغَائِبُ فَأَقَامَ مَعَهُ مُدَّةً، ثُمَّ غَابَ لَوَجَبَ أَنْ لَا يُقْضَى حَقُّهُ حَتَّى يَحْلِفَ ثَانِيَةً؛ لِأَنَّ الشَّكَّ هُنَا حَاصِلٌ كَمَا كَانَ أَوَّلَ مَرَّةٍ، وَالدَّيْنُ الْمُنَجَّمُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى كُلِّ نَجْمٍ إلَّا أَنْ يَقْدَمَ الْغَائِبُ فِي خِلَالِهِ، أَوْ تَبْعُدُ النُّجُومُ بِحَيْثُ يُمْكِنُ أَنَّهُ يُعَدُّ قَبْضُهُ النَّجْمَ الْأَوَّلَ مَضَى فَاقْتَضَى النَّجْمَ الثَّانِيَ، أَوْ وَكَّلَ مَنْ اقْتَضَاهُ وَلَا خِلَافَ فِي عَدَمِ حَلِفِهِ ثَانِيَةً إذَا حَلَفَ مَعَ شَاهِدٍ لَهُ بِحَقٍّ وَذَكَرَهُ ابْنُ عَاتٍ، وَقَالَ السَّائِلُ لَهُ عِيَاضٌ (قَالَ ابْنُ عَاتٍ) : وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْيَمِينَ تَكُونُ قَبْلَ بَيْعِ رَبْعِ الْغَائِبِ، (قَالَ الشَّارِحُ) : وَقَدْ كُنْت نَظَرْت فِي مَسْأَلَةِ تَوَجُّهِ الْيَمِينِ بِالظَّنِّ وَهِيَ يَمِينُ التُّهْمَةِ، وَمَسْأَلَةِ تَوَجُّهِ يَمِينِ الْقَضَاءِ نَظَرًا اقْتَضَى أَنْ قَيَّدْتُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ مَا نَصُّهُ اُنْظُرْهُ فِيهِ إنْ شِئْت، وَلَوْ أَرَادَ النَّاظِمُ التَّنْبِيهَ عَلَى مَسْأَلَةِ ابْنِ رُشْدٍ: وَلَوْ تَأَخَّرَ الْقَضَاءُ بَعْدَ يَمِينِهِ إلَى أَنْ جَاءَ الْغَائِبُ إلَخْ، لَزَادَ بَعْدَ قَوْلِهِ: " وَلَا تُعَادُ هَذِهِ الْيَمِينُ " الْبَيْتَ فَقَالَ مَثَلًا: إلَّا إذَا مَا حَدَثَ الشَّكُّ الَّذِي ... أَوْجَبَهَا مِنْ أَوَّلَ فَلْتَحْتَذِي وَيَكُونُ الِاسْتِثْنَاءُ رَاجِعًا لِقَوْلِهِ وَلَا تُعَادُ إلَخْ. . وَلِلْيَمِينِ أَيُّمَا إعْمَالِ ... فِيمَا يَكُونُ مِنْ دَعَاوَى الْمَالِ إلَّا بِمَا عُدَّ مِنْ التَّبَرُّعِ ... مَا لَمْ يَكُنْ فِي الْحَالِ عِنْدَ الْمُدَّعِي وَفِي الْإِقَامَةِ ابْنُ عَتَّابٍ يَرَى ... وُجُوبَهَا لِشُبْهَةٍ مُعْتَبَرَا وَهَذِهِ الْيَمِينُ حَيْثُ تُوجَبُ ... يَسُوغُ قَلْبُهَا وَمَا إنْ تُقْلَبُ هَذَا هُوَ الْقِسْمُ الثَّالِثُ مِنْ أَقْسَامِ الْيَمِينِ وَهِيَ يَمِينُ الْمُنْكِرِ، فَأَخْبَرَ أَنَّ هَذِهِ الْيَمِينَ لَهَا عَمَلٌ، وَأَثَرٌ فِي دَعَاوَى الْمَالِ مِمَّا يَقْتَضِي عِمَارَةَ ذِمَّةٍ بَرِيَّةٍ، أَوْ بَرَاءَةَ ذِمَّةٍ مَعْمُورَةٍ فَتَتَوَجَّهُ الْيَمِينُ عَلَى الْمَطْلُوبِ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ، وَعَلَى الطَّالِبِ فِي الثَّانِي وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِالْبَيْتِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ اسْتَثْنَى مِنْ دَعْوَى الْمَالِ دَعْوَى التَّبَرُّعِ، وَأَنَّهَا لَا تُوجِبُ يَمِينًا وَذَلِكَ أَنْ يَدَّعِيَ الْإِنْسَانُ عَلَى غَيْرِهِ أَنَّهُ وَهَبَهُ شَيْئًا، أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَيْهِ وَأَنْكَرَ مَالِكُ ذَلِكَ الشَّيْءِ أَنْ يَكُونَ وَهَبَ أَوْ تَصَدَّقَ فَلَا يَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ

وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِقَوْلِهِ: إلَّا بِمَا عُدَّ مِنْ التَّبَرُّعِ فَهُوَ مُخْرَجٌ مِنْ قَوْلِهِ: وَلِلْيَمِينِ أَيُّمَا إعْمَالِ الْبَيْتَ وَاحْتُرِزَ بِالتَّبَرُّعِ مِنْ الْمُعَاوَضَةِ، فَإِنَّهَا تُوجِبُ الْيَمِينَ، ثُمَّ أُخْرِجَ مِنْ دَعْوَى التَّبَرُّعِ الَّتِي تُوجِبُ الْيَمِينَ صُورَةٌ وَاحِدَةٌ وَهِيَ مَا إذَا كَانَ الشَّيْءُ الْمُدَّعَى هِبَتُهُ، أَوْ صَدَقَتُهُ تَحْتَ يَدِ الْمُدَّعِي فِي وَقْتِ الدَّعْوَى فَإِنَّ الْيَمِينَ تَجِبُ عَلَى مَالِكِهِ أَنَّهُ مَا وَهَبَهُ، وَلَا تَصَدَّقَ بِهِ وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِقَوْلِهِ: مَا لَمْ يَكُنْ فِي الْحَالِ عِنْدَ الْمُدَّعِي فَاسْمُ يَكُنْ يَعُودُ عَلَى الشَّيْءِ الْمُدَّعَى هِبَتُهُ، أَوْ صَدَقَتُهُ فِي الْحَالِ أَيْ حَالِ الدَّعْوَى، وَالْمُدَّعِي هُوَ الْمَوْهُوبُ لَهُ بِزَعْمِهِ، وَلَمَّا دَخَلَ فِي دَعْوَى التَّبَرُّعِ الَّتِي لَا تُوجِبُ الْيَمِينَ دَعْوَى الْإِقَالَةِ. وَكَانَ ابْنُ عَتَّابٍ يَرَى وُجُوبَ الْيَمِينِ فِيهَا لِشُبْهَةِ مَا نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: " وَفِي الْإِقَالَةِ " الْبَيْتَ، ثُمَّ نَبَّهَ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْيَمِينَ أَيْ: يَمِينَ الْإِنْكَارِ حَيْثُ تَتَوَجَّهُ يَجُوزُ قَلْبُهَا تَارَةً وَذَلِكَ حَيْثُ تَكُونُ الدَّعْوَى مُحَقَّقَةً، وَتَارَةً لَا يَجُوزُ قَلْبُهَا وَذَلِكَ إذَا كَانَتْ غَيْرَ مُحَقَّقَةٍ، وَتُوجَبُ بِفَتْحِ الْجِيمِ مُضَارِعُ أَوْجَبَ مَبْنِيٌّ لِلنَّائِبِ وَإِنْ بَعْدَ مَا زَائِدَةٌ (ابْنُ عَرَفَةَ) الْبَاجِيُّ فِي تَرْجَمَةِ مَا يَجُوزُ مِنْ الْعَطِيَّةِ مَا ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ هِبَةً مُعَيَّنَةً، ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنْ لَا يَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (وَقَالَ ابْنُ الْجَلَّابِ) عَلَيْهِ الْيَمِينُ وَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْمُدَّعِي وَأَخَذَهَا، وَأَمَّا إنْ كَانَ فِي الذِّمَّةِ كَمَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَيَدَّعِي عَلَى رَبِّهِ أَنَّهُ وَهَبَهُ لَهُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ عَلَيْهِ الْيَمِينُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقْسِمَ قَسْمَةً أُخْرَى، إنْ كَانَتْ الْهِبَةُ بِغَيْرِ يَدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ، فَلَا يَمِينَ عَلَى الْوَاهِبِ، وَإِنْ كَانَتْ تَحْتَ يَدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ فَعَلَيْهِ الْيَمِينُ كَانَتْ مُعَيَّنَةً أَوْ فِي الذِّمَّةِ، وَيُصَحِّحُ هَذَا التَّقْسِيمَ أَنَّ مَنْ اسْتَحَقَّ عَرَضًا بِيَدِ رَجُلٍ، لَمْ يُحْكَمْ لَهُ حَتَّى يَحْلِفَ أَنَّهُ مَا بَاعَ وَلَا وَهَبَ. (قَالَ الشَّارِحُ) : أَقُولُ مُعْتَمَدُ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اسْتِثْنَاءُ التَّبَرُّعِ مِنْ الدَّعَاوَى الْمَالِيَّةِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ بِيَدِ الْمُدَّعِي، هُوَ مُقْتَضَى مَا ذَكَرَهُ الْبَاجِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يُقْسِمَ قَسْمَةً أُخْرَى، وَفِي طُرَرِ ابْنِ عَاتٍ سُئِلَ ابْنُ رُشْدٍ عَنْ دَعْوَى الْإِقَالَةِ وَنَحْوِهَا فَقَالَ: مَا هِيَ مِنْ دَعْوَى الْمَعْرُوفِ وَكَانَ بَيْنَ شُيُوخِنَا اخْتِلَافٌ فِي ذَلِكَ، ثُمَّ نُقِلَ عَنْ بَعْضِ شُيُوخِنَا أَنَّ الشَّيْءَ الْمُدَّعَى فِيهِ إنْ كَانَ بِيَدِ الْمُدَّعِي أَوْ كَانَ لَهُ بِهِ تَشَبُّثٌ وَجَبَتْ لَهُ الْيَمِينُ فِي ذَلِكَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِيَدِهِ، وَلَا لَهُ بِهِ تَشَبُّثٌ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ الْيَمِينُ، وَهُوَ تَفْصِيلٌ حَسَنٌ لَهُ وَجْهٌ مِنْ النَّظَرِ، ثُمَّ قَالَ: وَكَانَ ابْنُ عَتَّابٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ: لَا تَجِبُ الْيَمِينُ لِمُدَّعِي الْإِقَالَةَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِيهَا إلَّا أَنْ يَأْتِيَ بِشُبْهَةٍ تُقَوَّى بِهَا دَعْوَاهُ، وَكَذَلِكَ كَانَ صَاحِبُهُ ابْنُ الْقَطَّانِ يُفْتِي أَنْ لَا يَمِينَ فِي ذَلِكَ إلَّا بِشُبْهَةٍ. اهـ بِاخْتِصَارٍ وَإِلَى قَوْلِ ابْنِ عَتَّابٍ وَابْنِ الْقَطَّانِ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ بِشُبْهَةٍ أَشَارَ الْمُؤَلِّفُ بِقَوْلِهِ: " لِشُبْهَةٍ مُعْتَبِرَا ". . وَمُثْبِتٌ لِنَفْسِهِ وَمَنْ نَفَى ... عَنْهَا عَلَى الْبَتَاتِ يُبْدِي الْحَلِفَا وَمُثْبِتٌ لِغَيْرِهِ ذَاكَ اكْتَفَى ... وَإِنْ نَفَى فَالنَّفْيُ لِلْعِلْمِ كَفَى يَعْنِي أَنَّ الْحَالِفَ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَحْلِفَ عَنْ نَفْسِهِ، أَوْ عَنْ غَيْرِهِ وَفِي كُلٍّ مِنْ الْوَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ يُثْبِتَ بِيَمِينِهِ شَيْئًا أَوْ يَنْفِيَهُ، فَالْأَقْسَامُ أَرْبَعَةٌ: فَإِنْ حَلَفَ عَنْ نَفْسِهِ فَإِنَّمَا يَحْلِفُ عَلَى الْبَتَاتِ سَوَاءٌ أَثْبَتَ كَمَا إذَا قَامَ لَهُ شَاهِدٌ بِحَقٍّ، فَإِنَّهُ يَحْلِفُ مَعَ شَاهِدٍ وَيَسْتَحِقُّ وَيَكُونُ حَلِفُهُ عَلَى الْبَتِّ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ فِي ذِمَّةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، أَوْ نَفَى كَمَا إذَا كَانَ لَهُ دَيْنٌ عَلَى غَائِبٍ، أَوْ مَيِّتٍ بِبَيِّنَةٍ فَإِنَّهُ لَا يَقْتَضِيهِ حَتَّى يَحْلِفَ يَمِينَ الْقَضَاءِ أَنَّهُ مَا قَبَضَ مِنْهُ شَيْئًا، وَإِنْ حَلَفَ عَنْ غَيْرِهِ فَإِنْ أَثْبَتَ فَيَحْلِفُ عَلَى الْبَتِّ أَيْضًا كَمَنْ قَامَ لَهُ شَاهِدٌ بِدَيْنٍ لِأَبِيهِ الْمَيِّتِ فَيَحْلِفُ مَعَ الشَّاهِدِ عَلَى الْبَتِّ، أَنَّ لِأَبِيهِ قِبَلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ذَلِكَ الدَّيْنُ، وَإِنْ نَفَى فَلَا يَحْلِفُ عَلَى الْبَتِّ

بِحَيْثُ يَجْزِمُ بِنَفْيِ مَا نَفَى وَإِنَّمَا يَحْلِفُ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ، كَمَا إذَا كَانَ لِأَبِيهِ الْمَيِّتِ دَيْنٌ عَلَى مَيِّتٍ، أَوْ غَائِبٍ فَيَحْلِفُ يَمِينَ الْقَضَاءِ عَنْ أَبِيهِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ أَنَّ أَبَاهُ اقْتَضَى ذَلِكَ الدَّيْنَ وَلَا شَيْئًا مِنْهُ، فَيَمِينُهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ لَا عَلَى الْبَتِّ. (قَالَ الشَّارِحُ) : وَظَاهِرُ سِيَاقِهِ أَنَّهُ لِابْنِ يُونُسَ مَا نَصُّهُ قَالَ مَالِكٌ: يَحْلِفُ فِي دَيْنٍ لِأَبِيهِ الْمَيِّتِ عَلَى الْبَتِّ، وَلَوْ أَقَامَ شَاهِدَيْنِ عَلَى عِلْمِهِ أَنَّهُ مَا عَلِمَ أَبَاهُ أَنَّهُ قَبَضَ ذَلِكَ الدَّيْنَ، (قَالَ ابْنُ كِنَانَةَ) : وَيَحْلِفُ الْكِبَارُ مَعَ شَاهِدِ وَالِدِهِمْ عَلَى الْبَتِّ فِي الدَّيْنِ، وَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّهُ قَبَضَ مِنْهُ شَيْئًا، وَلَا قَبَضَهُ قَابِضٌ فَتَصِيرُ أَوَّلُ الْيَمِينَيْنِ عَلَى الْبَتِّ، وَالثَّانِيَةُ عَلَى الْعِلْمِ، (وَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ) ، وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الَّذِي يَأْتِي بِشَاهِدٍ وَاحِدٍ فِي حَقٍّ لِأَبِيهِ كَيْفَ يَحْلِفُ؟ أَعَلَى الْبَتِّ أَوْ عَلَى الْعِلْمِ؟ قَالَ عَلَى الْبَتَاتِ أَنَّهُ حَقٌّ وَلَكِنْ إنْ جَاءَ بِشَاهِدَيْنِ أُحْلِفَ بِاَللَّهِ أَنَّهُ مَا عَلِمَ أَبَاهُ اقْتَضَاهُ وَيَحْلِفُ مَعَ الشَّاهِدِ عَلَى الْحَقِّ بِالْبَتَاتِ، وَمَعَ الشَّاهِدَيْنِ عَلَى الْعِلْمِ (قَالَ الشَّارِحُ) : مَا فِي الْعُتْبِيَّةِ أَنَّهَا يَمِينٌ وَاحِدَةٌ، وَلَا خَفَاءَ أَنَّهُمَا يَمِينَانِ: أَحَدُهُمَا عَلَى الْبَتِّ مَعَ الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ، وَثَانِيهمَا عَلَى الْعِلْمِ سَوَاءٌ كَانَتْ مَعَ الشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ، أَوْ مَعَ الشَّاهِدَيْنِ حَسْبَمَا تَقَدَّمَ لِابْنِ كِنَانَةَ اهـ وَنَقَلَ قَبْلَ هَذَا مَا حَاصِلُهُ أَنَّ الصَّغِيرَ إذَا شَهِدَ لَهُ عَدْلٌ وَاحِدٌ بِحَقِّهِ أَنَّ الْمَطْلُوبَ يَحْلِفُ وَيَبْقَى الشَّيْءُ بِيَدِهِ وَيُسَجَّلُ لَهُ بِذَلِكَ سِجِلًّا لِيَحْلِفَ إذَا بَلَغَ، ثُمَّ قَالَ قِيلَ: وَكَيْفَ يَحْلِفُ الصَّبِيُّ عَلَى مَا لَا يَعْلَمُ؟ قَالَ: لَا يَحْلِفُ حَتَّى يَعْلَمَ بِالْخَبَرِ الَّذِي يَتَيَقَّنُ بِهِ، فَلَهُ أَنْ يَحْلِفَ بِذَلِكَ وَيَحْلِفُ عَلَى الْبَتِّ أَنَّ هَذَا الْحَقَّ لَحَقٌّ. اهـ قَوْلُهُ: " وَمُثْبِتٌ " فِي الْمَوْضِعَيْنِ هُوَ صِفَةٌ لِمَحْذُوفٍ أَيْ: حَالِفٌ مُثْبِتٌ وَذَلِكَ إشَارَةٌ لِلْبَتَاتِ وَقَوْلُهُ: " وَإِنْ نَفَى " أَيْ: عَنْ غَيْرِهِ. . وَالْبَالِغُ السَّفِيهُ بَانَ حَقُّهُ ... يَحْلِفُ مَعَ عَدْلٍ وَيَسْتَحِقُّهُ هَذَا هُوَ الْقِسْمُ الرَّابِعُ مِنْ أَقْسَامِ الْيَمِينِ وَهُوَ الْيَمِينُ مَعَ الشَّاهِدِ لِكَمَالِ النِّصَابِ، يَعْنِي أَنَّ السَّفِيهَ الْبَالِغَ إذَا بَانَ حَقُّهُ بِشَهَادَةِ عَدْلٍ وَاحِدٍ فَإِنَّهُ يَحْلِفُ مَعَ شَاهِدِهِ وَيَسْتَحِقُّ حَقَّهُ. (قَالَ فِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ سَمَاعِ أَصْبَغَ) قَالَ: سَمِعْت ابْنَ الْقَاسِمِ يَقُولُ فِي الَّذِي يَأْتِي بِشَاهِدٍ وَاحِدٍ عَلَى حَقِّهِ وَهُوَ كَبِيرٌ سَفِيهٌ مُوَلًّى عَلَيْهِ قَدْ احْتَلَمَ أَنَّهُ يَحْلِفُ مَعَ شَاهِدِهِ وَإِنْ كَانَ سَفِيهًا، وَلَيْسَ هَذَا مِثْلَ الصَّبِيِّ هَهُنَا فَإِنْ أَبَى أَنْ يَحْلِفَ حَلَفَ الْآخَرُ وَبَرِئَ وَلَمْ يَسْتَأْنِ بِهِ كَمَا يَسْتَأْنِي بِالصَّغِيرِ، وَقَالَهُ أَصْبَغُ كُلَّهُ، ثُمَّ قَالَ وَإِنْ نَكَلَ السَّفِيهُ عَنْ الْيَمِينِ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يَحْلِفُ فِيهِ مَعَهُ حَلَفَ الْمَطْلُوبُ وَبَرِئَ، وَلَمْ يَكُنْ لِلسَّفِيهِ إذًا رُشْدٌ أَنْ يَحْلِفَ كَالْكَبِيرِ الْمَالِكِ أَمْرَ نَفْسِهِ اهـ. وَتُرْجَأُ الْيَمِينُ حُقَّتْ لِلْقَضَا ... لِغَيْرِ بَالِغٍ وَحَقَّهُ اقْتَضَى يَعْنِي أَنَّ الصَّغِيرَ الَّذِي لَمْ يَبْلُغْ إذَا كَانَ لَهُ حَقٌّ عَلَى مَيِّتٍ، أَوْ غَائِبٍ وَنَحْوِهِمَا مِمَّنْ لَا يُقْتَضَى مِنْهُ إلَّا بَعْدَ يَمِينِ الْقَضَاءِ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي حَقَّهُ الْوَاجِبَ لَهُ الْآنَ، وَتُرْجَى الْيَمِينُ الْوَاجِبَةُ عَلَيْهِ إلَى بُلُوغِهِ فَإِنْ حَلَفَ بَقِيَ حَقُّهُ بِيَدِهِ وَتَمَّ لَهُ الْحُكْمُ بِهِ، وَإِنْ نَكَلَ عَنْهَا رُدَّ الْحَقُّ إلَى مَنْ أُخِذَ مِنْهُ، (وَقَالَ فِي الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ) وَمَعْنَى تُرْجَأُ تُؤَخَّرُ وَحَقَّهُ مَفْعُولُ اقْتَضَى. تَحْصِيلٌ: اعْلَمْ أَنَّ أَقْسَامَ الْيَمِينِ أَرْبَعَةٌ كَمَا تَقَدَّمَ وَاَلَّذِي تَتَوَجَّهُ

عَلَيْهِ ثَلَاثَةٌ: إمَّا رَشِيدٌ، أَوْ سَفِيهٌ بَالِغٌ، أَوْ صَغِيرٌ، فَالْأَقْسَامُ اثْنَا عَشَرَ مِنْ ضَرْبِ أَرْبَعَةِ عِدَّةِ أَقْسَامِ الْيَمِينِ فِي ثَلَاثَةِ مَنْ تَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ فَالرَّشِيدُ يَحْلِفُ الْأَقْسَامَ الْأَرْبَعَةَ، وَالصَّبِيُّ لَا يَحْلِفُ الْآنَ وَاحِدًا مِنْهَا عَلَى الْمَشْهُورِ، وَأَمَّا يَمِينُ الْإِنْكَارِ، وَالتُّهْمَةِ فَلَا إشْكَالَ، وَأَمَّا يَمِينُ الْقَضَاءِ فَذَكَرَ فِي هَذَا الْبَيْتِ أَنَّهَا تُؤَخَّرُ إلَى بُلُوغِهِ، وَأَمَّا يَمِينُ كَمَالِ النِّصَابِ فَيَأْتِي لِلنَّاظِمِ بَعْدَ هَذَا الْبَيْتِ حُكْمُ مَا إذَا شَهِدَ لَهُ عَدْلٌ وَاحِدٌ، وَأَمَّا السَّفِيهُ الْبَالِغُ فَيَحْلِفُ مَعَ الشَّاهِدِ، كَمَا ذَكَرَ فِي الْبَيْتِ قَبْلَ هَذَا، وَفِي حَلِفِهِ الْآنَ يَمِينُ الْقَضَاءِ، وَتَأْخِيرُهَا لِخُرُوجِهِ مِنْ الْوِلَايَةِ قَوْلَانِ: (قَالَ الْمُتَيْطِيُّ) : فِي الْمَرْأَةِ الْمُوَلَّى عَلَيْهَا تَقُومُ بِكَالِئِهَا، الْمَشْهُورُ أَنَّهَا هِيَ الَّتِي تَحْلِفُ وَأَفْتَى ابْنُ عَتَّابٍ أَنَّهَا تُرْجَى عَلَيْهَا الْيَمِينُ حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ الْوِلَايَةِ، لَا يَحْلِفُ يَمِينَ الْإِنْكَارِ، لَا يَمِينَ التُّهْمَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ لَمْ يَلْزَمْهُ مَا أَقَرَّ بِهِ، وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ الْيَمِينَ إنَّمَا تَتَوَجَّهُ فِي الدَّعْوَى الَّتِي لَوْ أَقَرَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِهَا انْتَفَعَ الْمُدَّعِي وَهَذِهِ لَا يَنْتَفِعُ بِهَا فَلَا تُوجِبُ يَمِينًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. . وَحَيْثُ عَدْلٌ لِلصَّغِيرِ شَهِدَا ... بِحَقِّهِ وَخَصْمُهُ قَدْ جَحَدَا يَحْلِفُ مُنْكِرٌ وَحَقٌّ وَقَفَا ... إلَى مَصِيرِ خَصْمِهِ مُكَلَّفَا وَحَيْثُ يُبْدِي الْمُنْكِرُ النُّكُولَا ... بَلَغَ مَحْجُورٌ بِهِ الْمَأْمُولَا يَعْنِي أَنَّ الصَّغِيرَ إذَا قَامَ لَهُ شَاهِدٌ بِحَقٍّ وَالْمَشْهُودُ عَلَيْهِ مُنْكِرٌ فَإِنَّ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ يَحْلِفُ أَنْ لَا حَقَّ لِلصَّغِيرِ عِنْدَهُ، فَإِنْ نَكَلَ اقْتَضَى الصَّغِيرُ حَقَّهُ فِي الْحَالِ دُونَ يَمِينٍ، وَلَا يَحْلِفُ إذَا كَبِرَ، وَإِنْ حَلَفَ بَقِيَ الشَّيْءُ بِيَدِهِ إلَى أَنْ يَبْلُغَ الصَّغِيرُ، وَيَكْتُبَ الْقَاضِي لَهُ بِذَلِكَ عَقْدًا بِمَا صَحَّ عِنْدَهُ مِنْ شَهَادَةِ الشَّاهِدِ، فَإِنْ بَلَغَ وَحَلَفَ أَخَذَ شَيْأَهُ، وَإِنْ نَكَلَ فَلَا شَيْءَ لَهُ. (قَالَ ابْنُ يُونُسَ) : وَمِنْ كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ وَإِذَا قَامَ لِلْمَيِّتِ شَاهِدٌ بِدَيْنٍ وَوَارِثُهُ صَغِيرٌ حَلَفَ الْمَطْلُوبُ، فَإِنْ حَلَفَ تُرِكَ حَتَّى يَكْبُرَ الصَّبِيُّ فَيَحْلِفُ وَيَسْتَحِقُّ، وَإِنْ نَكَلَ أَيْ: بَعْدَ بُلُوغِهِ لَمْ يَحْلِفْ الْمَطْلُوبُ ثَانِيَةً، وَإِنْ نَكَلَ الْمَطْلُوبُ، أَوْ لَا غُرِّمَ وَيَكْتُبُ الْقَاضِي بِذَلِكَ قَضِيَّتَهُ وَيُشْهِدُ عَلَى مَا ثَبَتَ عِنْدَهُ مِنْ شَهَادَةِ الشَّاهِدِ؛ لِيُنَفِّذَهُ مِنْ بَعْدِهِ إنْ مَاتَ الشَّاهِدُ، وَإِنْ شَارَكَهُ وَارِثٌ كَبِيرٌ حَلَفَ الْكَبِيرُ وَاسْتَحَقَّ قَدْرَ حِصَّتِهِ، وَأُحْلِفَ الْمَطْلُوبُ فَإِنْ نَكَلَ عُجِّلَ حَقُّ الطِّفْلِ إنْ كَانَ حَالًا، ثُمَّ لَا يَمِينَ عَلَى الصَّغِيرِ بَعْدَ كِبَرِهِ كَحُكْمٍ نَفَذَ، ثُمَّ نَقَلَ الشَّارِحُ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ خِلَافًا فِي تَوْقِيفِ الْحَقِّ فَقَالَ: فَعَلَى قَوْلِ أَصْبَغَ هَذَا لَا يَجِبُ تَوْقِيفُ الدَّيْنِ، وَقَدْ قِيلَ: إنَّهُ إذَا حَلَفَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ أُخِذَ

مِنْهُ الدَّيْنُ فَيُوقَفُ حَتَّى يَكْبَرَ الصَّغِيرُ فَيَحْلِفُ، وَيَأْخُذُهُ، وَمَعْنَى ذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ غَنِيًّا وَخِيفَ الْعُدْمُ، وَهُوَ فِي الْقِيَاسِ صَحِيحٌ إذًا، وَكَانَ الْمُدَّعَى فِيهِ شَيْئًا بِعَيْنِهِ لَوَجَبَ تَوْقِيفُهُ، أَوْ بَيْعُهُ وَتَوْقِيفُ ثَمَنِهِ إنْ خُشِيَ عَلَيْهِ عَلَى مَا يَأْتِي لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي سَمَاعِ مُحَمَّدِ بْنِ غَالِبٍ إذَا وُقِفَ الدَّيْنُ، أَوْ الْعَرَضُ فَضَمَانُهُ مِنْ الصَّبِيِّ إنْ حَلَفَ وَمِنْ الْغَرِيمِ إنْ نَكَلَ وَلَمْ يَحْلِفْ. (قَالَ ابْنُ رُشْدٍ) : لَا اخْتِلَافَ فِي أَنَّ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ إذَا نَكَلَ يُغَرَّمُ وَلَا يَجِبُ عَلَى الصَّغِيرِ إذَا بَلَغَ أَنْ يَحْلِفَ؛ لِأَنَّ نُكُولَهُ كَالْإِقْرَارِ. (فَرْعٌ) وَكَذَلِكَ وَكِيلُ الْغَائِبِ يُقِيمُ شَاهِدًا وَاحِدًا عَلَى حَقِّ الْغَائِبِ فَيُقْضَى عَلَى الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ بِالْيَمِينِ إلَى أَنْ يَقْدَمَ الْغَائِبُ فَيَحْلِفُ مَعَ شَاهِدِهِ، وَإِنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ غُرِّمَ وَلَمْ يَكُنْ عَلَى الْغَائِبِ إذَا قَدِمَ أَنْ يَحْلِفَ. اهـ وَقَدْ ذَهَبَ النَّاظِمُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ الْجَارِي عَلَى قَوْلِ أَصْبَغَ مِنْ عَدَمِ التَّوْقِيفِ؛ لِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ: " وَحَقٌّ وُقِفَا " أَيْ: بِيَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَظَاهِرُهُ كَانَ دَيْنًا، أَوْ شَيْئًا مُعَيَّنًا كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ غَنِيًّا، أَوْ فَقِيرًا وَبِهِ صَرَّحَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ حَيْثُ قَالَ: وَحَلَفَ مَطْلُوبٌ لِيُتْرَكَ بِيَدِهِ وَيُسَجَّلَ لِيَحْلِفَ إذَا بَلَغَ. (فَرْعٌ) فِي الْعُتْبِيَّةِ يُشْبِهُ مَا تَقَدَّمَ قَالَ أَشْهَبُ فِي الْمَيِّتِ يَثْبُتُ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَيَجِدُ وَصِيُّهُ شَاهِدًا بِالْبَرَاءَةِ مِنْهُ، وَالْوَرَثَةُ صِغَارٌ فَيَحْلِفُ الطَّالِبُ أَنَّهُ مَا قَبَضَ، فَإِنْ حَلَفَ دُفِعَ إلَيْهِ الْمَالُ الْآنَ فَإِذَا كَبِرَ الصِّغَارُ حَلَفُوا وَاسْتَرْجَعُوا الْمَالَ. .

باب الرهن وما يتعلق به

وَالْبِكْرُ مَعَ شَاهِدِهَا تُحَلَّفُ ... وَفِي ادِّعَاءِ الْوَطْءِ أَيْضًا تَحْلِفُ وَفِي سِوَى الْمَشْهُورِ يَحْلِفُ الْأَبُ ... عَنْ ابْنِهِ وَحَلْفُ الِابْنِ مَذْهَبُ يَعْنِي أَنَّ الْبِكْرَ الْبَالِغَ إذَا قَامَ لَهَا شَاهِدٌ بِحَقٍّ فَإِنَّهَا تَحْلِفُ مَعَهُ وَتَسْتَحِقُّ، وَهَذَا كَمَا تَقَدَّمَ فِي السَّفِيهِ الْبَالِغِ حَيْثُ قَالَ: " وَالْبَالِغُ السَّفِيهُ " الْبَيْتَ وَكَذَلِكَ أَيْضًا إذَا خَلَا بِهَا الزَّوْجُ خَلْوَةَ اهْتِدَاءٍ وَادَّعَتْ الْوَطْءَ وَأَنْكَرَهُ الزَّوْجُ، فَإِنَّ خَلْوَتَهُ بِهَا شَاهِدٌ عُرْفِيٌّ يَشْهَدُ لَهَا فَتَحْلِفُ مَعَهُ وَتَسْتَحِقُّ الصَّدَاقَ كَامِلًا، وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا فِي قَوْلِهِ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي مِنْ أَقْسَامِ الشَّهَادَةِ وَهِيَ الَّتِي تُوجِبُ الْحَقَّ مَعَ الْيَمِينِ، " وَهَا هُنَا عَنْ شَاهِدٍ " الْبَيْتَ وَعَلَى هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ اشْتَمَلَ الْبَيْتُ الْأَوَّلُ. (قَالَ) ابْنُ سَهْلٍ فِي أَحْكَامِهِ عَنْ ابْنِ لُبَابَةَ: إنَّ الْعَوَاتِقَ الْأَبْكَارَ لَا يَمِينَ عَلَى مَنْ لَمْ تَطْلُقْ مِنْهُنَّ مِنْ الْوِلَايَةِ إلَّا فِي شَيْءٍ يَكُونُ لَهُنَّ بِهِ شَاهِدٌ وَاحِدٌ، فَإِنَّهُنَّ يَحْلِفْنَ كَمَا يَحْلِفُ السَّفِيهُ، وَفِي مِثْلِ ادِّعَائِهِنَّ عَلَى الْأَزْوَاجِ الْوَطْءَ اهـ. وَأَمَّا الْبَيْتُ الثَّانِي فَقَدْ اسْتَدْرَكَ فِيهِ قَوْلَيْنِ آخَرَيْنِ فِي مَسْأَلَةِ الصَّبِيِّ، يَقُومُ لَهُ شَاهِدٌ بِحَقٍّ، فَقَدْ قَدَّمَ فِيهِ قَوْلًا وَاحِدًا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي قَوْلِهِ: " يَحْلِفُ مُنْكِرٌ وَحَقٌّ وَقَفَا " الْبَيْتَ وَذَكَرَ هُنَا قَوْلَيْنِ آخَرَيْنِ مُقَابِلَيْنِ لِلْمَشْهُورِ، وَلِذَلِكَ قَالَ: " وَفِي سِوَى الْمَشْهُورِ " أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْأَبَ يَحْلِفُ عَنْ ابْنِهِ الصَّغِيرِ، الثَّانِي: أَنَّ الصَّبِيَّ هُوَ الَّذِي يَحْلِفُ. (قَالَ الشَّارِحُ) قَوْلُهُ " وَحَلِفُ الِابْنِ مَذْهَبٌ " يَعْنِي بِهِ أَنَّهُ قَدْ قِيلَ: إنَّ الِابْنَ يَحْلِفُ وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا، وَسَاقَهُ بِالتَّنْكِيرِ إشْعَارًا بِأَنَّهُ مَذْهَبٌ لَا يَخْلُو مِنْ شُذُوذٍ لِعَدَمِ جَرَيَانِهِ عَلَى الْأُصُولِ، وَفِيهِ إشْكَالٌ كَمَا يَأْتِي، ثُمَّ قَالَ وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَلَيْسَ لِوَصِيِّ الصَّغِيرِ أَنْ يَحْلِفَ مَعَ شَاهِدٍ وَيَسْتَحِقُّ حَقَّهُ، وَاخْتُلِفَ هَلْ ذَلِكَ لِلْأَبِ أَمْ لَا؟ فَالْمَشْهُورُ الْمَعْلُومُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرِوَايَتِهِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ لَهُ. (وَقَالَ ابْنُ كِنَانَةَ) : ذَلِكَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ يَمُونُهُ وَيُنْفِقُ عَلَيْهِ وَهَذَا فِيمَا لَمْ يَلِ فِيهِ الْأَبُ أَوْ الْوَصِيُّ الْمُعَامَلَةَ؛ لِأَنَّ مَا وَلِيَ فِيهِ أَحَدُهُمَا الْمُعَامَلَةَ فَالْيَمِينُ عَلَيْهِ وَاجِبَةٌ؛ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَحْلِفْ غُرِّمَ وَقَدْ وَقَعَ فِي كِتَابٍ جُمِعَتْ فِيهِ أَقْضِيَةُ مَالِكٍ وَاللَّيْثِ أَنَّ الصَّغِيرَ يَحْلِفُ مَعَ شَاهِدِهِ كَالسَّفِيهِ وَهُوَ بَعِيدٌ؛ لِأَنَّ الْقَلَمَ مَرْفُوعٌ عَنْهُ فَلَا يَتَحَرَّجُ مِنْ الْحَلِفِ عَلَى بَاطِلٍ. . [بَابُ الرَّهْنِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ] ِ (ابْنُ عَرَفَةَ) الرَّهْنُ مَالٌ قُبِضَ تَوَثُّقًا بِهِ فِي دَيْنٍ فَتَخْرُجُ الْوَدِيعَةُ وَالْمَصْنُوعُ بِيَدِ صَانِعِهِ، وَقَبْضُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ عَبْدًا جَنَى عَلَيْهِ وَإِنْ شَارَكَهُ فِي الْأَحَقِّيَّةِ لِجَوَازِ اشْتِرَاكِ الْمُخْتَلِفَاتِ فِي أَمْرٍ يَخُصُّهَا، وَلَا تَدْخُلُ وَثِيقَةُ ذِكْرِ الْحَقِّ وَلَا الْحَمِيلُ، وَلَا يَخْرُجُ مَا اُشْتُرِطَتْ مَنْفَعَتُهُ؛ لِأَنَّ شَرْطَهَا لَا يُنَافِي قَبْضَهُ لِلتَّوَثُّقِ. اهـ. (فَقَوْلُهُ مَالٌ) جِنْسُ مُنَاسِبِ الرَّهْنِ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ بِمَعْنَى الْمَرْهُونِ وَحَدُّ الِاسْمِ دُونَ الْمَصْدَرِ الَّذِي هُوَ إعْطَاءُ مَالٍ تَوَثُّقًا بِحَقٍّ؛ لِأَنَّ الِاسْمَ هُوَ الْمُسْتَعْمَلُ فِي عُرْفِ الشَّرْعِ، (قَوْلُهُ قُبِضَ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ الرَّهْنَ لَا يَتَقَرَّرُ مِنْ غَيْرِ قَبْضٍ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِنْ وَقَعَ مِنْهُ صِحَّةُ التَّوَثُّقِ بِهِ، (قَوْلُهُ فِي دَيْنٍ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ الرَّهْنُ فِي مُعَيَّنٍ، وَإِنَّمَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ فِي دَيْنٍ، وَالدَّيْنُ لَا يَتَقَرَّرُ فِي الْمُعَيَّنَاتِ (فَإِنْ قُلْت) وَقَعَ فِي كُتُبِ الْفُقَهَاءِ أَنَّ الرَّهْنَ يَصِحُّ فِي الْعَارِيَّةِ، وَإِطْلَاقُهُمْ يَدُلُّ عَلَى الْحَقِيقَةِ كَمَا تَقَدَّمَ، فَالْحَدُّ غَيْرُ جَامِعٍ (قُلْت) الْجَوَابُ: أَنَّ الرَّهْنَ الْمَذْكُورَ لَمْ يَكُنْ فِي الْمُعَيَّنِ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ فِي قِيمَتِهِ إذَا هَلَكَ وَكَانَ مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ تَأَوَّلُوا مَا وَقَعَ لَهُمْ وَهُوَ صَحِيحٌ صَحَّ مِنْ الرَّصَّاعِ (ابْنُ سَلْمُونٍ) وَإِذَا كَانَ فِي الْعَارِيَّةِ فَهُوَ فِي الْقِيمَةِ فِيمَا يُغَابُ عَلَيْهِ. (وَفِي ابْنِ الْحَاجِبِ) الرَّهْنُ إعْطَاءُ أَمْرٍ وَثِيقَةً بِحَقٍّ. اهـ. (التَّوْضِيحُ) الرَّهْنُ لُغَةً اللُّزُومُ، وَالْحَبْسُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} [المدثر: 38] أَيْ: مَحْبُوسَةٌ، وَالرَّاهِنُ دَافِعُ الرَّهْنِ وَالْمُرْتَهِنُ بِكَسْرِ الْهَاءِ آخِذُهُ، وَيُقَالُ لِلرَّهْنِ مُرْتَهَنٌ بِفَتْحِ الْهَاءِ، وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى آخِذِهِ؛ لِأَنَّهُ وُضِعَ عِنْدَهُ الرَّهْنُ، وَعَلَى الرَّاهِنِ؛ لِأَنَّهُ يُسْأَلُ الرَّهْنَ. (الْجَوْهَرِيُّ وَالنَّوَوِيُّ) يُقَالُ رَهَنْتُهُ الشَّيْءَ وَأَرْهَنْتُهُ وَجَمْعُ الرَّهْنِ رِهَانٌ وَرُهُونٌ وَرُهُنٌ (ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ) وَأَتَى بِلَفْظِ أَمْرٍ لِيَشْمَلَ الذَّوَاتَ وَالْمَنَافِعَ؛ لِأَنَّهُ يَصِحُّ رَهْنُهُمَا، وَنَبَّهَ بِقَوْلِهِ إعْطَاءُ الْإِقْبَاضِ، لِأَنَّ الرَّهْنَ لَا يَتِمُّ بِمُجَرَّدِ

الْقَبْضِ حَتَّى يَكُونَ الْمَالِكُ هُوَ الَّذِي أَقْبَضَهُ إيَّاهُ وَأَذِنَ لَهُ فِي قَبْضِهِ، فَلَوْ تَوَلَّى الْمُرْتَهِنُ قَبْضَهُ دُونَ إقْبَاضِ مَالِكِهِ وَإِذْنِهِ لِمَ يَكُنْ رَهْنًا بِخِلَافِ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى وَصَفَ الرِّهَانَ بِكَوْنِهَا مَقْبُوضَةٌ، وَلَفْظُ مَقْبُوضَةٍ يَقْتَضِي قَابِضًا وَمَقْبُوضًا فَلَا بُدَّ مِنْ الْمَقْبُوضِ مِنْهُ، وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ وَصْفُهُ بِكَوْنِهِ مَقْبُوضًا: وَلَمَّا لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ فِي الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ صَحَّ قَبْضُ الْمَوْهُوبِ لَهُ وَالْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ دُونَ إقْبَاضٍ مِنْ الْوَاهِبِ وَالْمُتَصَدِّقِ اهـ (قَوْلُهُ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ) يَعْنِي كَاشْتِرَاطِ حَوْزِهِ وَانْقِسَامِهِ إلَى مَا يُغَابُ عَلَيْهِ، وَمَا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ، وَمَا يُضْمَنُ، وَمَا لَا يُضْمَنُ، وَمَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُ مَنْفَعَتِهِ، وَمَا لَا يَجُوزُ، وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ مِمَّا يَكْثُرُ فِيهِ التَّدَاعِي بَيْنَ الْمُتَرَاهِنَيْنِ. الرَّهْنُ تَوْثِيقٌ بِحَقِّ الْمُرْتَهِنْ ... وَإِنْ حَوَى قَابِلَ غَيْبَةٍ ضَمِنْ مَا لَمْ تَقُمْ لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَهْ ... لِمَا جَرَى فِي شَأْنِهِ مُعَيَّنَهْ وَإِنْ يَكُنْ عِنْدَ أَمِينٍ وُقِفَا ... فَلَا ضَمَانَ فِيهِ مَهْمَا تَلِفَا اشْتَمَلَ الْبَيْتَانِ الْأَوَّلَانِ عَلَى مَسْأَلَتَيْنِ الْأُولَى حَدُّ الرَّهْنِ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ مَالٌ قُبِضَ تَوَثُّقًا بِهِ فِي دَيْنٍ، الثَّانِيَةُ أَنَّ الرَّهْنَ إذَا كَانَ مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ وَكَانَ تَحْتَ يَدِ الْمُرْتَهِنِ وَادَّعَى ضَيَاعَهُ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ إلَّا إذَا قَامَتْ بَيِّنَةٌ عَلَى هَلَاكِهِ بِغَيْرِ سَبَبِهِ فَلَا يَضْمَنُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَقِيلَ يَضْمَنُهُ وَهُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي كَوْنِ الضَّمَانِ ضَمَانَ تُهْمَةٍ أَوْ ضَمَانَ أَصَالَةٍ. (وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ: قَابِلَ غَيْبَةٍ: أَنَّهُ إنْ كَانَ مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ؛ فَلَا يَضْمَنُهُ وَهُوَ كَذَلِكَ) . وَاشْتَمَلَ الْبَيْتُ الثَّالِثُ عَلَى مَسْأَلَةٍ وَهِيَ أَنَّ الرَّهْنَ إذَا كَانَ تَحْتَ يَدِ أَمِينٍ فَتَلِفَ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ أَيْضًا، وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِقَوْلِهِ: وَإِنْ يَكُنْ عِنْدَ أَمِينٍ وُقِفَا الْبَيْتَ (ابْنُ يُونُسَ) قَالَ مَالِكٌ: وَمَا قَبَضَهُ الْمُرْتَهِنُ مِنْ رَهْنٍ غَابَ عَلَيْهِ فَضَاعَ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ إلَّا أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً عَلَى

هَلَاكِهِ مِنْ غَيْرِ سَبَبِهِ. (قَالَ الْمُتَيْطِيُّ) . هَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ رَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ، وَبِهِ الْحُكْمُ وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ اهـ فَقَوْلُهُ: مِنْ غَيْرِ سَبَبِهِ يُرِيدُ بِأَمْرٍ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ بِتَعَدِّي أَجْنَبِيٍّ فَذَلِكَ مِنْ الرَّاهِنِ، وَلَهُ طَلَبُ الْمُتَعَدِّي (ابْنُ الْحَاجِبِ.) وَإِنَّ مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ كَالْحُلِيِّ وَالثِّيَابِ عِنْدَ مُؤْتَمَنٍ فَكَالْأَوَّلِ. (التَّوْضِيحُ) أَيْ فَالضَّمَانُ مِنْ الرَّاهِنِ اهـ وَفَاعِلُ حَوَى لِلْمُرْتَهِنِ وَمَعْنَى حَوَاهُ: ضَمَّهُ وَكَانَ تَحْتَ يَدِهِ. وَقَابِلَ: صِفَةٌ لِمَحْذُوفٍ أَيْ: رَهْنًا قَابِلَ غَيْبَةٍ. وَفَاعِلُ ضَمِنَ لِلْمُرْتَهِنِ أَيْضًا، وَمَا ظَرْفِيَّةٌ مَصْدَرِيَّةٌ، وَضَمِيرُ (لَهُ) لِلْمُرْتَهِنِ أَيْضًا، وَضَمِيرُ عَلَيْهِ: لِلرَّهْنِ وَبَيِّنَةٌ فَاعِلُ تَقُمْ وَمُعَيَّنَةٌ: صِفَةٌ لِبَيِّنَةٍ وَلِمَا جَرَى مُتَعَلِّقٌ بِمُعَيَّنَةٍ، وَاسْمُ يَكُنْ: لِلرَّهْنِ، وَجُمْلَةُ وُقِفَا: خَبَرُ يَكُنْ، وَعِنْدَ: يَتَعَلَّقُ بِوَقَفَا. (فَرْعٌ) قَالَ مَالِكٌ: وَإِذَا غَرِمَ الْمُتَعَدِّي الْقِيمَةَ فَأَحَبُّ مَا فِيهِ إنْ أَتَى الرَّاهِنُ بِرَهْنٍ ثِقَةٍ مَكَانَ ذَلِكَ الرَّهْنِ أَخَذَ الْقِيمَةَ وَإِلَّا جُعِلَتْ هَذِهِ الْقِيمَةُ رَهْنًا وَطُبِعَ عَلَيْهَا. قَالَ: وَمَا قَبَضَهُ الْمُرْتَهِنُ مِنْ رَهْنٍ لَا يُغَابُ عَلَيْهِ مِنْ رَبْعٍ أَوْ حَيَوَانٍ أَوْ رَقِيقٍ فَالْمُرْتَهِنُ مُصَدَّقٌ فِيهِ، وَلَا يَضْمَنُ مَا زَعَمَ أَنَّهُ هَلَكَ أَوْ عَطِبَ أَوْ أَبَقَ أَوْ دَخَلَهُ عَيْبٌ، وَيَكُونُ ضَمَانُهُ مِنْ الرَّاهِنِ. (وَفِي الْمُقَرَّبِ) ": وَمَا كَانَ مِنْ الْعُرُوضِ كُلِّهَا الَّتِي يُغَابُ عَلَيْهَا إذَا جُعِلَتْ رَهْنًا عَلَى يَدِ مَنْ ارْتَضَيَاهُ فَهَلَكَ فَهُوَ مِنْ الرَّاهِنِ ". (قَالَ ابْنُ يُونُسَ) لِبَيَانِ بَرَاءَةِ الْمُرْتَهِنِ: وَلَمْ يَضْمَنْ الْأَمِيرُ؛ لِأَنَّهُ مُؤْتَمَنٌ، وَإِنَّمَا قَبَضَهُ لِمَنْفَعَةِ غَيْرِهِ كَالْمُودَعِ. (فَرْعٌ) قَالَ اللَّخْمِيُّ: إنْ اخْتَلَفَا فَدَعَا أَحَدُهُمَا إلَى كَوْنِهِ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ وَالْآخَرُ إلَى أَنْ يَكُونَ عَلَى يَدِ عَدْلٍ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ مَنْ دَعَا إلَى الْعَدْلِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الرَّهْنِ: التَّوَثُّقُ، وَهُوَ يَحْصُلُ بِكَوْنِهِ عَلَى يَدِ عَدْلٍ إلَّا أَنْ تَكُونَ الْعَادَةُ تَسْلِيمَهُ إلَى يَدِ الْمُرْتَهِنِ، فَإِنْ لِمَ تَكُنْ عَادَةً كَانَ لِلرَّاهِنِ أَنْ لَا يُسَلِّمَهُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ: لَا آمَنُكَ عَلَيْهِ. وَلِلْمُرْتَهِنِ أَنْ لَا يَقْبِضَهُ لِأَنَّهُ يَقُولُ: عَلَيَّ فِي قَبْضِهِ مَضَرَّةٌ أَضْمَنُهُ إنْ كَانَ مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ وَأَتَكَلَّفُ حِفْظَهُ إنْ كَانَ حَيَوَانًا. (قَالَ الشَّارِحُ) : " فَعَلَى هَذَا إنْ كَانَ الرَّهْنُ أَصْلًا مِمَّا لَا يُضْمَنُ وَلَا يُتَكَلَّفُ حِفْظُهُ يُلْزَمُ الْمُرْتَهِنَ قَبْضُهُ وَإِنْ لِمَ تَكُنْ هُنَاكَ عَادَةً " مَعَ أَنَّ فِي قَوْلِ اللَّخْمِيِّ: " إلَّا أَنْ تَكُونَ الْعَادَةُ تَسْلِيمَهُ لِلْمُرْتَهِنِ " بَحْثًا؛ لِأَنَّهُ مَا أَبْدَاهُ مِنْ حُجَّةِ الْمُرْتَهِنِ فِي عَدَمِ قَبْضِهِ وَاضِحَةٌ فَكَيْفَ تُرَدُّ عَلَيْهِ بِعَادَةِ غَيْرِهِ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ. (وَالْجَوَابُ) - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ -: أَنَّهُ إنْ دَخَلَا عَلَى الْمُسَاكَتَةِ وَلَمْ يُبَيِّنَا عِنْدَ مَنْ يَكُونُ الرَّهْنُ فَيُرْجَعُ لِلْعَادَةِ؛ لِأَنَّهَا كَالشَّرْطِ وَإِنْ امْتَنَعَ ابْتِدَاءً، وَذَكَرَ عُذْرَهُ فِي عَدَمِ قَبْضِهِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ قَبْضُهُ عِنْدَ أَمِينٍ؛ لِأَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ مَنْ دَعَا إلَيْهِ كَمَا تَقَدَّمَ. . وَالْحَوْزُ مِنْ تَمَامِهِ وَإِنْ حَصَلْ ... وَلَوْ مُعَارًا عِنْدَ رَاهِنٍ بَطَلْ يَعْنِي أَنَّ الْحَوْزَ مِنْ تَمَامِ الرَّهْنِ وَلَا يَصِحّ إلَّا بِهِ، فَكَذَلِكَ إذَا عَادَ لِيَدِ رَاهِنِهِ بِأَيِّ وَجْهِ فَرْضٍ بَطَلَ

ابْنُ يُونُسَ) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: 283] فَلَزِمَ بِهَذَا اسْتِدَامَةُ الْقَبْضِ وَهُوَ شَرْطٌ فِي صِحَّتِهِ، فَمَتَى عَادَ إلَى الرَّاهِنِ بِوَجْهٍ مَا بَطَلَ كَالِابْتِدَاءِ، (قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ) : مَنْ ارْتَهَنَ رَهْنًا فَقَبَضَهُ ثُمَّ أَوْدَعَهُ عِنْدَ الرَّاهِنِ، أَوْ آجَرَهُ مِنْهُ، أَوْ أَعَارَهُ إيَّاهُ، أَوْ رَدَّهُ إلَيْهِ بِأَيِّ وَجْهٍ حَتَّى يَكُونَ الرَّاهِنُ هُوَ الْحَائِزُ لَهُ فَقَدْ خَرَجَ مِنْ الرَّهْنِ (قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ) ثُمَّ إنْ قَامَ الْمُرْتَهِنُ بِرَدِّهِ قُضِيَ لَهُمْ بِذَلِكَ مَا لَمْ يَدْخُلْهُ فَوْتٌ مِنْ تَحْبِيسٍ أَوْ عِتْقٍ أَوْ تَدْبِيرٍ أَوْ بَيْعٍ، أَوْ قَامَ غُرَمَاؤُهُ. (وَفِي الْمُقَرَّبِ) : " وَإِنْ اسْتَعَارَهُ مِنْهُ الرَّاهِنُ ثُمَّ اسْتَحْدَثَ دَيْنًا أَوْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَقْدَمَ الْمُرْتَهِنُ كَانَ أُسْوَةَ الْغُرَمَاءِ " وَفِيهِ قَالَ (ابْنُ الْقَاسِمِ) وَمَنْ ارْتَهَنَ دَارًا ثُمَّ أَذِنَ لِلرَّاهِنِ أَنْ يَسْكُنَهَا أَوْ يُكْرِيَهَا فَقَدْ خَرَجَتْ مِنْ الرَّهْنِ، وَإِنْ لِمَ يَسْكُنْ وَلَمْ يُكْرِ (ابْنُ حَارِثٍ) اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَتِمُّ إلَّا بِقَبْضِهِ، فَإِنْ تَرَاخَى بِقَبْضِهِ إلَى قِيَامِ الْغُرَمَاءِ بَطَلَ وَلَوْ كَانَ جَادًّا فِي طَلَبِهِ. (فَرْعٌ) إذَا وُجِدَ الرَّهْنُ بِيَدِ الْمُرْتَهِنِ بَعْدَ مَوْتِ رَاهِنِهِ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ: حُزْتُهُ فِي صِحَّتِهِ، وَكَذَلِكَ الْهِبَةُ. (الْمَوَّاقُ) وَعَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ: " لَا يَنْفَعُ ذَلِكَ حَتَّى تُعْلَمَ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ حَازَهُ قَبْلَ الْمَوْتِ أَوْ الْفَلَسِ. (قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ) : صَوَابُهُ لَا يَنْفَعُهُ إلَّا بِمُعَايَنَةِ الْحَوْزِ (ابْنُ رُشْدٍ) يَجْرِي هَذَا الْخِلَافُ فِي الصَّدَقَةِ تُوجَدُ بِيَدِ الْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُتَصَدِّقِ فَيَدَّعِي قَبْضَهَا فِي صِحَّتِهِ، وَفِي الْمُدَوَّنَةِ دَلِيلُ الْقَوْلَيْنِ جَمِيعًا (الْبَاجِيُّ) عِنْدِي لَوْ ثَبَتَ أَنَّهُ وَجَدَهُ بِيَدِهِ قَبْلَ الْمَوْتِ أَوْ الْفَلَسِ كَانَ رَهْنًا وَإِنْ لِمَ يَحْضُرُوا الْحِيَازَةَ، لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ مَقْبُوضًا وَكَذَلِكَ الصَّدَقَةُ وَهَذَا هُوَ الْقَوْلُ بِالِاكْتِفَاءِ بِالْحَوْزِ (ابْنُ يُونُسَ) . قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: صَوَابُهُ لَا يَنْفَعُ إلَّا بِمُعَايَنَةِ الْبَيِّنَةِ الْحَوْزَ بَعْدَ الِارْتِهَانِ. (وَفِي التَّوْضِيحِ عَنْ اللَّخْمِيِّ) إذْ لَا بُدَّ مِنْ مُعَايَنَةِ الْبَيِّنَةِ لِقَبْضِ الْمُرْتَهَنِ وَهَذَا هُوَ الْقَوْلُ بِأَنَّهُ لَا يَكْفِي إلَّا التَّحْوِيزُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْحَوْزَ رَفْعُ مُبَاشَرَةِ الرَّاهِنِ

التَّصَرُّفَ فِي الرَّهْنِ، وَالتَّحْوِيزُ هُوَ تَسْلِيمُ الْعَطِيَّةِ أَوْ الرَّهْنِ مِنْ الْمُعْطِي أَوْ الرَّاهِنِ لِمَنْ ثَبَتَ لَهُ ذَلِكَ. (الرَّصَّاعُ) . وَالصَّحِيحُ أَنَّ الرَّهْنَ يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّحْوِيزُ، وَلَا يَكْفِي الْحَوْزُ بِخِلَافِ غَيْرِهِ وَلِذَلِكَ يُكْتَبُ فِي وَثِيقَةِ الرَّهْنِ " وَبَسَطَ يَدَهُ عَلَى حَوْزِ الرَّهْنِ فَحَازَهُ مُعَايَنَةً "، وَلَا يُحْتَاجُ ذَلِكَ فِي وَثِيقَةِ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ، وَكَتْبُهُ فِيهِمَا مِنْ جَهْلِ الْمُوَثِّقِ. وَإِلَى ذَلِكَ أَشَرْنَا بِقَوْلِنَا فِي تَكْمِيلِ الْمَنْهَجِ. وَالْقَبْضُ فِي غَيْرِ الرِّهَانِ كَافِ ... وَفِيهِ الْإِقْبَاضُ عَلَى خِلَافِ لِذَاكَ قَالُوا فِي رُسُومِ الرَّهْنِ قَطُّ ... يَدًا عَلَى الْحَوْزِ لِرَهْنٍ قَدْ بَسَطْ وَكَتْبُهُ فِي غَيْرِهِ دَلَّ عَلَى ... جَهْلِ الْمُوَثِّقِ كَذَاكَ نُقِلَا (فَرْعٌ) إذَا كَانَ الرَّهْنُ بِيَدِ مَنْ هُوَ مِنْ الرَّاهِنِ بِسَبَبٍ كَمُدَبَّرِهِ وَأُمِّ وَلَدِهِ وَزَوْجَتِهِ وَعَبْدِهِ وَوَلَدِهِ

الصَّغِيرِ فَالِاتِّفَاقُ عَلَى لَغْوِ حَوْزِهِمْ، وَأَمَّا مِثْلُ وَلَدِهِ الْكَبِيرِ وَمُكَاتَبِهِ وَمَا أَشْبَهَهُمَا مِمَّا يُخْتَلَفُ فِيهِ حَسْبَمَا يَظْهَرُ مِنْ النُّقُولِ. (قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ) : " وَلَمَّا كَانَ الْحَوْزُ رَفْعَ مُبَاشَرَةِ الرَّاهِنِ التَّصَرُّفَ فِي الرَّهْنِ صَحَّ بِيَدِ مَنْ لَا تَسَلُّطَ لِلرَّاهِنِ عَلَى مَا فِي يَدِهِ، وَبَطَلَ فِي غَيْرِهِ ". (ابْنُ شَاسٍ) : " يَصِحُّ حَوْزُ مُكَاتَبِ الرَّاهِنِ رَهْنَهُ لِمُرْتَهِنِهِ ". (فَرْعٌ) وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى قَوْلُ مَثَلِهَا الثَّالِثِ: إنْ كَانَ لَك عَلَى رَجُلٍ طَعَامُ سَلَمٍ حَلَّ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُوَكَّلَ عَلَى قَبْضِهِ مِنْهُ عَبْدُهُ وَمُدَبَّرُهُ وَأُمُّ وَلَدِهِ وَزَوْجَتُهُ أَوْ صِغَارُ بَنِيهِ. وَهُوَ كَتَوْكِيلِكَ إيَّاهُ فَلَا تَبِعْهُ بِذَلِكَ الْقَبْضِ، وَلَك أَنْ تَبِيعَهُ بِقَبْضِ الْكَبِيرِ مِنْ وَلَدِهِ الْبَائِنِ عَنْهُ اهـ مِنْ الشَّارِحِ. (فَرْعٌ) قَالَ فِي الْبَابِ الثَّامِنِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ الْقِسْمِ الثَّانِي مِنْ تَبْصِرَةِ ابْنِ فَرْحُونٍ (مَسْأَلَةٌ فِي الطُّرَرِ) : " وَلَا يَجُوزُ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يُكْرِيَ الرَّهْنَ مِنْ قَرِيبِ الرَّاهِنِ، وَلَا لِأَحَدٍ مِنْ سَبَبِهِ، وَلَا لِصَدِيقِهِ الْمُلَاطِفِ، وَلَا لِأَحَدٍ يُتَّهَمُ أَنْ يَكُونَ اكْتَرَى ذَلِكَ لِرَبِّ الدَّارِ، فَإِنْ أَكْرَاهُ لِأَحَدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ ثُمَّ أَكْرَاهُ لِصَاحِبِ الدَّارِ خَرَجَ الرَّهْنُ عَنْ أَنْ يَكُونَ رَهْنًا لِلتُّهْمَةِ الدَّاخِلَةِ فِيهِ مِنْ إجَارَتِهِ مِمَّنْ يُتَّهَمُ عَلَيْهِ وَنَحْوُهُ فِي كِتَابِ الرَّهْنِ مِنْ الْمُتَيْطِيَّةِ. اهـ وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ فَإِنْ أَكْرَاهُ مِنْ أَحَدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ. إلَخْ أَنَّ الْمُرْتَهِنَ إذَا أَكْرَاهُ لِأَجْنَبِيٍّ مِنْ الرَّاهِنِ ثُمَّ أَكْرَاهُ ذَلِكَ الْأَجْنَبِيُّ مِنْ الرَّاهِنِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَبْطُلُ، وَبِهَذَا رَأَيْنَا الْعَمَلَ. . وَالْعَقْدُ فِيهِ بِمُسَاقَاةٍ وَمَا ... أَشْبَهَهَا حَوْزٌ وَإِنْ تَقَدَّمَا يَعْنِي أَنَّ عَقْدَ الْمُسَاقَاةِ وَمَا أَشْبَهَهَا مِنْ إجَارَةٍ أَوْ كِرَاءٍ لِلرَّهْنِ حَوْزٌ لِلْمُرْتَهِنِ، فَمَنْ ارْتَهَنَ شَيْئًا ثُمَّ عَقَدَ فِيهِ مَنْ رَاهَنَهُ مُسَاقَاةً أَوْ كِرَاءً وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ سَائِرِ الْعُقُودِ فَإِنَّ ذَلِكَ حَوْزٌ لَهُ سَوَاءٌ تَأَخَّرَ عَقْدُ الْمُسَاقَاةِ وَنَحْوِهَا عَنْ الرَّهْنِ - كَمَا ذُكِرَ - أَوْ تَقَدَّمَ عَقْدُ ذَلِكَ عَلَى الرَّهْنِ كَأَنْ يَكُونَ فِي يَدِهِ حَائِطُ مُسَاقَاةٍ، أَوْ دَارٌ مُكْتَرَاةٌ ثُمَّ يَرْتَهِنُ ذَلِكَ مِنْ رَبِّهِ فَإِنَّ ذَلِكَ حَوْزٌ لَهُ أَيْضًا. وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِقَوْلِهِ: " وَإِنْ تَقَدَّمَا " أَيْ عَقْدُ الْمُسَاقَاةِ وَنَحْوِهَا عَلَى الرَّهْنِ. أَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ وَهِيَ تَقَدُّمُ عَقْدِ الْمُسَاقَاةِ وَنَحْوِهَا عَلَى الرَّهْنِ فَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَيَصِحُّ رَهْنُ الْمُسَاقَاةِ وَالْمُسْتَأْجِرِ لِلْمُسْتَأْجَرِ وَغَيْرِهِ. (التَّوْضِيحُ) . يَعْنِي إذَا دَفَعَ رَجُلٌ حَائِطَ مُسَاقَاةٍ لِرَجُلٍ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَرْهَنَ ذَلِكَ الْحَائِطَ، وَكَذَا يَصِحُّ رَهْنُ الشَّيْءِ الْمُسْتَأْجَرِ لِمَنْ هُوَ فِي إجَارَتِهِ وَغَيْرِهِ. (وَفِي الْجَلَّابِ) " مَنْ آجَرَ دَارِهِ مِنْ رَجُلٍ ثُمَّ رَهَنَهَا مِنْهُ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ، وَكَذَلِكَ لَوْ آجَرَهَا مِنْ رَجُلٍ ثُمَّ رَهَنَهَا مِنْ غَيْرِهِ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ، وَكَذَلِكَ مَنْ سَاقَى حَائِطَهُ مِنْ رَجُلٍ ثُمَّ رَهَنَهُ مِنْهُ فَلَا بَأْسَ ". وَنُقِلَ عَنْ ابْنِ يُونُسَ أَنَّ مَذْهَبَ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَرْتَهِنَ مَا هُوَ بِيَدِهِ بِإِجَارَةٍ أَوْ مُسَاقَاةٍ وَيَكُونُ ذَلِكَ حَوْزًا لِلْمُرْتَهِنِ. وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى وَهِيَ تَقَدُّمُ الرَّهْنِ عَلَى الْمُسَاقَاةِ وَنَحْوِهَا فَلَمْ أَقِفْ الْآنَ فِيهِ عَلَى نَصٍّ صَرِيحٍ وَظَهَرَ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ أَنَّهُ أَحْرَى؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ عَقْدُ الْمُسَاقَاةِ

الْمُتَقَدِّمُ عَلَى الرَّهْنِ حَوْزًا لِلْمُرْتَهِنِ فَأَحْرَى عَقْدُ الْمُسَاقَاةِ الْمُتَأَخِّرِ عَنْ الرَّهْنِ أَنْ يَكُونَ حَوْزًا لِلْمُرْتَهَنِ، وَلِذَلِكَ عُنِيَ النَّاظِمُ بِتَقَدُّمِ الْمُسَاقَاةِ وَغَيْرِهَا عَلَى الرَّهْنِ لِأَنَّهُ مَحَلُّ خِلَافٍ. وَلَفْظُ الشَّارِحِ وَقَوْلُ الشَّيْخِ: " وَإِنْ تَقَدَّمَا " هُوَ فِي مَسَاقِ الْغَايَةِ لِلْخِلَافِ الَّذِي فِي كَوْنِ الْعَقْدِ سَابِقًا اهـ. وَالشَّرْطُ أَنْ يَكُونَ مَا يُرْتَهَنُ ... مِمَّا بِهِ اسْتِيفَاءُ حَقٍّ يُمْكِنُ فَخَارِجٌ كَالْخَمْرِ بِاتِّفَاقِ ... وَدَاخِلٌ كَالْعَبْدِ ذِي الْإِبَاقِ يَعْنِي أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الرَّهْنِ أَنْ يَكُونَ مِمَّا يُمْكِنُ أَنْ يُسْتَوْفَى مِنْهُ الْحَقُّ الَّذِي رُهِنَ فِيهِ سَوَاءٌ أَمْكَنَ الِاسْتِيفَاءُ مِنْ عَيْنِهِ كَالدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ وَكَالْمِثْلِيَّاتِ إذَا اُرْتُهِنَتْ فِي مِثْلِهَا وَطُبِعَ عَلَيْهَا، أَوْ مِنْ قِيمَتِهِ كَرَهْنِ ثَوْبٍ فِي دَرَاهِمَ، أَوْ ثَمَنِ مَنَافِعِهِ كَرَهْنِ حَائِطٍ فِي دَيْنٍ؛ فَإِنَّهُ يُمْكِنُ اسْتِيفَاءُ الْحَقِّ مِنْ ثَمَنِ غَلَّتِهِ، وَأَمَّا مَا لَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاءُ الْحَقِّ مِنْهُ كَالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ فَلَا يَصِحُّ رَهْنُهُ. وَتَعْبِيرُهُمْ بِالْإِمْكَانِ لِيَدْخُلَ رَهْنُ الْعَبْدِ الْآبِقِ وَالْبَعِيرِ الشَّارِدِ فَإِنَّهُ يُمْكِنُ اسْتِيفَاءُ الْحَقِّ مِنْهُ إذَا ظَفِرَ بِهِ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَسْتَوْفِيَ مِنْهُ إنْ لَمْ يَظْفَرْ بِهِ؛ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ كُلَّ مَا يَجُوزُ بِغَيْرِ عِوَضٍ جَازَ فِيهِ الْغَرَرُ، وَذَلِكَ كَالطَّلَاقِ؛ فَإِنَّهُ يَجُوزُ بِعِوَضٍ وَهُوَ الْخُلْعُ؛ وَيَجُوزُ بِغَيْرِ عِوَضٍ فَيَجُوزُ أَنْ تُخَالِعَهُ بِعَبْدٍ آبِقٍ أَوْ بَعِيرٍ شَارِدٍ، وَكَذَلِكَ الدَّيْنُ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ بَيْعٍ أَوْ مِنْ سَلَفٍ يَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَ عَنْهُ وَثِيقَةَ رَهْنٍ، وَيَجُوزُ مِنْ غَيْرِ رَهْنٍ، فَيَجُوزُ فِي الرَّهْنِ الْغَرَرُ؛ لِأَنَّ غَايَةَ الْأَمْرِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَظْفَرْ بِذَلِكَ يَكُونُ بَاعَ أَوْ سَلَّفَ مِنْ غَيْرِ رَهْنٍ، وَذَلِكَ جَائِزٌ. (قَالَ ابْنُ شَاسٍ) : وَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ مِمَّا يُمْكِنُ أَنْ يُسْتَوْفَى مِنْهُ، أَوْ مِنْ ثَمَنِهِ، أَوْ ثَمَنِ مَنَافِعِهِ الدَّيْنُ الَّذِي رُهِنَ بِهِ أَوْ بَعْضُهُ. (وَفِي الْمُدَوَّنَةِ) " لَا يَجُوزُ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَرْتَهِنَ مِنْ ذِمِّيٍّ خَمْرًا أَوْ خِنْزِيرًا ". (قَالَ أَشْهَبُ) : فَإِنْ قَبَضَهُ ثُمَّ فُلِّسَ الذِّمِّيُّ هُوَ فِيهِ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجُزْ فِي الْأَصْلِ. (وَفِي ابْنِ يُونُسَ، وَابْنِ الْمَوَّازِ) " يَجُوزُ ارْتِهَانُ الْبَعِيرِ الشَّارِدِ وَالْعَبْدِ الْآبِقِ إنْ قَبَضَهُ قَبْلَ مَوْتِ صَاحِبِهِ أَوْ فَلَسِهِ " (قَالَ الشَّارِحُ) : وَظَاهِرُ إطْلَاقِ الشَّيْخِ أَنَّ رَهْنَ مَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ لِلْغَرَرِ كَالْآبِقِ وَالشَّارِدِ، وَالتَّمْرِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ جَائِزٌ فِي الْقَرْضِ وَبَعْدَ عَقْدِ الْبَيْعِ وَفِي عَقْدِ الْبَيْعِ، فَأَمَّا جَوَازُ ذَلِكَ فِي الْقَرْضِ وَبَعْدَ عَقْدِ الْبَيْعِ فَقَدْ حَكَى ذَلِكَ اللَّخْمِيُّ وَغَيْرُهُ، وَأَمَّا فِي عَقْدِ الْبَيْعِ فَفِيهِ خِلَافٌ. حَكَى ابْنُ رُشْدٍ أَنَّ الْمَشْهُورَ جَوَازُهُ قَالَ: " وَهُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقَاتِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ ". (وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ) الْمَازِرِيُّ فِي رَهْنِ مَا فِيهِ غَرَرٌ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ قَوْلَانِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ لِلرَّهْنِ حَظًّا مِنْ الثَّمَنِ أَوَّلًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَتِمَّةٌ) وَكَمَا يُشْتَرَطُ فِي الرَّهْنِ أَنْ يَكُونَ مِمَّا يُمْكِنُ اسْتِيفَاءُ الْحَقِّ مِنْهُ كَذَلِكَ يُشْتَرَطُ فِي الرَّاهِنِ أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ يَصِحُّ مِنْهُ الْبَيْعُ (ابْنُ شَاسٍ) " يَصِحُّ الرَّهْنُ مِمَّنْ يَصِحُّ مِنْهُ الْبَيْعُ فَلَا يَرْهَنُ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ وَلَا أَحَدُ الْوَصِيَّيْنِ إلَّا بِإِذْنِ صَاحِبِهِ ". وَجَازَ فِي الرَّهْنِ اشْتِرَاطُ الْمَنْفَعَهْ ... إلَّا فِي الْأَشْجَار فَكُلٌّ مَنَعَهْ إلَّا إذَا النَّفْعُ لِعَامٍ عُيِّنَا ... وَالْبَدْءُ لِلصَّلَاحِ قَدْ تَبَيَّنَا وَفِي الَّذِي الدَّيْنُ بِهِ مِنْ سَلَفِ ... وَفِي الَّتِي وَقْتُ اقْتِضَائِهَا خَفِيَ

يَعْنِي أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَشْتَرِطَ الِانْتِفَاعَ بِالرَّهْنِ إنْ كَانَ مِمَّا يَجُوزُ شَرْعًا مِثْلُ سُكْنَى الدَّارِ وَاعْتِمَارِ الْأَرْضِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ إلَّا فِي ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ: مَنْفَعَةِ الْأَشْجَارِ عَلَى تَفْصِيلٍ فِيهَا وَإِلَّا إذَا كَانَ الدَّيْنُ مِنْ سَلَفٍ وَإِلَّا مَا يَخْتَلِفُ الِانْتِفَاعُ بِهِ بِاخْتِلَافِ النَّاسِ. (فَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) وَهِيَ مَنْ ارْتَهَنَ أَشْجَارًا فَلَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُ مَنْفَعَتِهَا وَهِيَ ثِمَارُهَا لِكَوْنِ ذَلِكَ مِنْ بَيْعِ مَا لَمْ يُخْلَقْ، وَقَدْ نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ مَا لَمْ يُخْلَقْ إلَّا أَنْ يَكُونَ النَّفْعُ لِعَامٍ عُيِّنَ. وَقَدْ بَدَا صَلَاحُ الثَّمَرَةِ الْمُنْتَفَعِ بِهَا فَإِنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ لِخُرُوجِهِ عَنْ بَيْعِ مَا لَمْ يُخْلَقْ وَعَنْ بَيْعِ الثَّمَرَةِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا. (الْمُتَيْطِيُّ) مَنْ ارْتَهَنَ أَشْجَارًا وَاشْتَرَطَ ثِمَارَهَا فِي ذَلِكَ الْعَامِ فَإِنْ كَانَ الرَّهْنُ فِي سَلَفٍ لَمْ يَجُزْ وَإِنْ كَانَ عَنْ بَيْعٍ وَالثَّمَرَةُ قَدْ طَابَتْ فَذَلِكَ جَائِزٌ، وَلَوْ كَانَتْ سَنَتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ لَمْ يَجُزْ. (وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) وَهِيَ إذَا كَانَ الدَّيْنُ الْمُرْتَهَنُ فِيهِ مِنْ سَلَفٍ فَلَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُ الْمَنْفَعَةِ أَيْضًا لِأَنَّهُ سَلَفٌ جَرَّ نَفْعًا. (قَالَ الْمُتَيْطِيُّ) : " وَلَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُ الْمَنْفَعَةِ بِالرَّهْنِ فِي السَّلَفِ كَانَ ذَلِكَ فِي الْعَقْدِ أَوْ بَعْدَهُ وَهُوَ فِي الْعَقْدِ سَلَفٌ بِزِيَادَةٍ وَبَعْدَ الْعَقْدِ هَدِيَّةُ مِدْيَانٍ وَكَذَلِكَ بَعْدَ الْعَقْدِ فِي الْبَيْعِ أَيْضًا. (وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) وَهِيَ إذَا كَانَ الرَّهْنُ ثِيَابًا أَوْ حَيَوَانًا وَنَحْوَهُمَا مِمَّا يَخْتَلِفُ الِانْتِفَاعُ بِهِ بِاخْتِلَافِ النَّاسِ فَلَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُ مَنْفَعَتِهِ، فَرُبَّ مُرْتَهِنٍ ثَوْبًا يُسَخِّرُهُ ضِعْفَيْ مُرْتَهِنٍ آخَرَ وَمُسْتَعْمَلِ دَابَّةٍ كَذَلِكَ، وَرُبَّ لَابِسِ ثَوْبٍ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً يَنْقُصُ مِنْهُ مَا لَا يَنْقُصُ لَوْ لَبِسَهُ غَيْرُهُ عَشْرَةَ أَيَّامٍ أَوْ أَكْثَرَ، وَعَنْ هَذَا الْمَعْنَى عَبَّرَ بِقَوْلِهِ: وَفِي الَّتِي وَقْتُ اقْتِضَائِهَا خَفِيَ أَيْ وَإِلَّا الْمَنْفَعَةُ الَّتِي وَقْتُ اقْتِضَائِهَا يَخْتَلِفُ. وَخَرَجَ بِذَلِكَ الدُّورُ وَالْأَرْضُونَ وَنَحْوُهَا؛ لِأَنَّ مَنْفَعَتَهَا لَا تَخْتَلِفُ؛ لِأَنَّ فِي الدُّورِ السُّكْنَى، وَفِي الْأَرْضِ الِاعْتِمَارُ فَلَا يُنْقِصُ اسْتِعْمَالُهَا مِنْهَا، وَلَا كَذَلِكَ الثِّيَابُ وَالْحَيَوَانُ. (قَالَ فِي الْمُقَرَّبِ) : قُلْت: فَهَلْ يَجُوزُ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَشْتَرِطَ شَيْئًا مِنْ مَنْفَعَةِ الرَّهْنِ؟ فَقَالَ: إنْ كَانَ مِنْ بَيْعٍ فَذَلِكَ جَائِزٌ، وَإِنْ كَانَ مِنْ قَرْضٍ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ سَلَفٌ جَرَّ مَنْفَعَةً. إلَّا أَنَّ مَالِكًا قَالَ لِي: إذَا بَاعَهُ بَيْعًا، وَارْتَهَنَ رَهْنًا، وَاشْتَرَطَ مَنْفَعَةَ الرَّهْنِ إلَى أَجَلٍ فَلَا أَرَى بِهِ بَأْسًا فِي الدُّورِ وَالْأَرْضِينَ، وَأَكْرَهُ ذَلِكَ فِي الثِّيَابِ وَالْحَيَوَانِ وَقَوْلُهُ " وَفِي الَّذِي " عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ " إلَّا فِي الْأَشْجَارِ فَاَلَّذِي: صِفَةٌ لِمَحْذُوفٍ أَيْ وَإِلَّا الرَّهْنُ الَّذِي لِلدَّيْنِ، وَضَمِيرُ بِهِ: لِلرَّهْنِ الْمَوْصُوفِ بِاَلَّذِي، وَبَاؤُهُ ظَرْفِيَّةٌ وَكَأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْقَلْبِ أَيْ إلَّا الدَّيْنَ الَّذِي فِيهِ الرَّهْنُ مِنْ سَلَفٍ. وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ: إلَّا الْعَقْدَ الَّذِي الرَّهْنُ فِيهِ مِنْ سَلَفٍ فَلَا يَجُوزُ فِيهِ اشْتِرَاطُ الْمَنْفَعَةِ. . وَبِجَوَازِ بَيْعِ مَحْدُودِ الْأَجَلْ ... مِنْ غَيْرِ إذْنِ رَاهِنٍ جَرَى الْعَمَلْ مَعَ جَعْلِهِ ذَاكَ لَهُ وَلَمْ يَحِنْ ... دَيْنٌ وَلَا بِعُقْدَةِ الْأَصْلِ قُرِنْ

يَعْنِي أَنَّ مَنْ رَهَنَ رَهْنًا فِي حَقٍّ إلَى أَجَلٍ مَحْدُودٍ وَجَعَلَ لِلْمُرْتَهِنِ بَيْعَ ذَلِكَ الرَّهْنِ بِمَعْنَى أَنَّهُ وَكَّلَهُ عَلَى بَيْعِهِ إنْ حَلَّ الْأَجَلُ وَلَمْ يَقْضِهِ حَقَّهُ، وَكَانَ جَعْلُهُ لَهُ ذَلِكَ بَعْدَ عَقْدِ الْمُعَامَلَةِ، وَقَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ الْمَضْرُوبِ أَيْ فِيمَا بَيْنَهُمَا فَإِنَّهُ جَرَى الْعَمَلُ بِجَوَازِ بَيْعِ الْمُرْتَهِنِ لِلرَّهْنِ الْمَذْكُورِ إذَا حَلَّ الْأَجَلُ وَلَمْ يَقْضِهِ حَقَّهُ مِنْ غَيْرِ إذْنِ الرَّاهِنِ إذْنًا ثَانِيًا. وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْ جَعَلَ لَهُ بَيْعَهُ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ، أَوْ بَعْدَ حُلُولِ الدَّيْنِ فَإِنَّ ذَلِكَ كَالْعَدَمِ؛ لِأَنَّهَا وَكَالَةُ اضْطِرَارٍ، وَعَلَى اعْتِبَارِ الْإِذْنِ الْحَاصِلِ فِي نَفْسِ الْعَقْدِ. لَكِنْ بِالنِّسْبَةِ لِلْأَمِينِ ذَهَبَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ حَيْثُ قَالَ: " وَلِلْأَمِينِ بَيْعُهُ بِإِذْنٍ فِي عَقْدِهِ ". فَقَوْلُهُ " وَبِجَوَازِ ": يَتَعَلَّقُ بِجَرَى، " وَمَحْدُودِ ": صِفَةٌ فِي اللَّفْظِ الْمَحْذُوفِ أَيْ رَهْنٍ مَحْدُودٍ أَجَلُهُ، " وَمِنْ غَيْرِهِ ": يَتَعَلَّقُ بِبَيْعٍ أَيْضًا، " وَجَعْلُ ": مَصْدَرٌ مُضَافٌ لِلْمَفْعُولِ أَيْ مَعَ جَعْلِ الرَّاهِنِ ذَلِكَ الْبَيْعَ لَهُ أَيْ لِلْمُرْتَهِنِ، وَالْحَالَةُ أَنَّهُ لَمْ يَحِنْ أَيْ لَمْ يَحِلَّ أَجَلُ ذَلِكَ الدَّيْنِ وَلَا قُرِنَ أَيْ الْجُعْلُ الَّذِي هُوَ التَّوْكِيلُ عَلَى الْبَيْعِ بِعُقْدَةِ الْأَصْلِ الَّذِي هُوَ الْبَيْعُ أَوْ الْقَرْضُ، بَلْ بَعْدَهُ، وَقَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ " فَقُرِنْ ": عُطِفَ عَلَى يَحِنْ، " وَبِعُقْدَةِ ": يَتَعَلَّقُ بِقُرِنَ، وَنَائِبُ قُرِنَ يَعُودُ عَلَى الْجُعْلِ هَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ النَّاظِمِ، وَهُوَ الَّذِي فِي ابْنِ سَلْمُونٍ وَلَفْظُهُ قَالَ بَعْضُهُمْ: وَإِنَّمَا لَا يُغْنِي التَّقْدِيمُ فِي الْبَيْعِ - وَإِنْ جُعِلَ لَهُ ذَلِكَ - دُونَ مَشُورَتِهِ، وَلَا سُلْطَانَ إذَا كَانَ التَّقْدِيمُ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ، أَوْ عِنْدَ حُلُولِ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّهَا وَكَالَةُ اضْطِرَارٍ. . (وَقَالَ إسْمَاعِيلُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ) : ذَلِكَ جَائِزٌ نَافِذٌ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ عَقْدِ الْبَيْعِ وَقَبْلَ حُلُولِ أَجَلِ الدَّيْنِ لَجَازَ الشَّرْطُ وَعَمِلَتْ الْوَكَالَةُ بِاتِّفَاقٍ؛ لِأَنَّهَا عَلَى طَوَاعِيَةٍ. (قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ) : " وَإِذَا كَانَ هَذَا التَّقَدُّمُ وَالرَّهْنُ فِي قَرْضٍ فَلَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ سَلَفٌ جَرَّ مَنْفَعَةٍ إذْ قَدْ رَفَعَ عَنْ نَفْسِهِ الْمُؤْنَةَ فِي بَيْعِهِ وَمَشُورَةِ الْقَاضِي ". (وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ) : " ذَلِكَ جَائِزٌ ". فَقَوْلُهُ " وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ عَقْدِ الْبَيْعِ " إلَى قَوْلِهِ " عَلَى طَوَاعِيَةٍ ". هُوَ مَنْطُوقُ قَوْلِ النَّاظِمِ مَعَ جَعْلِهِ ذَاكَ لَهُ الْبَيْتَ. وَقَوْلُهُ: " وَإِنَّمَا لَا يُغْنِي التَّقْدِيمُ فِي الْبَيْعِ " إلَى قَوْلِهِ: " لِأَنَّهَا وَكَالَةُ اضْطِرَارٍ " هُوَ مَفْهُومُ قَوْلِهِ: مَعَ جَعْلِهِ ذَاكَ لَهُ الْبَيْتَ. وَقَوْلُهُ " وَقَالَ إسْمَاعِيلُ الْقَاضِي " هُوَ مُقَابِلُ قَوْلِهِ " وَإِنَّمَا لَا يُغْنِي التَّقْدِيمُ " وَقَالَ إسْمَاعِيلُ الْقَاضِي: يُغْنِي أَيْ يَكْفِي. وَقَوْلُهُ " قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ. إلَخْ " لَمَّا ذَكَرَ أَنَّ التَّقْدِيمَ عَلَى الْبَيْعِ إذَا كَانَ بَعْدَ الْعَقْدِ، وَقَبْلَ حُلُولِ

أَجَلِ الدَّيْنِ فَهُوَ جَائِزٌ، وَكَانَ ظَاهِرُهُ الْعُمُومُ كَانَ الدَّيْنُ مِنْ بَيْعٍ أَوْ قَرْضٍ اسْتَدْرَكَ الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ، وَأَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عُمَرَ قَيَّدَ جَوَازَ ذَلِكَ بِالْبَيْعِ دُونَ الْقَرْضِ، وَأَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ أَحْمَدَ أَجَازَ ذَلِكَ فِي الْقَرْضِ وَالْبَيْعِ مَعًا، وَهَذَا هُوَ ظَاهِرُ النَّظْمِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى قَوْلِهِ " وَلَا بِعُقْدَةِ الْأَصْلِ قُرِنَ " أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمُرْتَهِنِ بَيْعُ الرَّهْنِ مِنْ غَيْرِ إذْنِ الرَّاهِنِ إذَا لَمْ يَكُنِ الرَّهْنُ مَقْرُونًا بِعُقْدَةِ الْبَيْعِ أَوْ الْقَرْضِ؛ بِأَنْ كَانَ مُتَطَوِّعًا بِهِ بَعْدَ الْعَقْدِ، أَمَّا إنْ كَانَ مُشْتَرَطًا فِي أَصْلِ الْمُعَامَلَةِ فَلَا يَجُوزُ لِلْمُرْتَهِنِ بَيْعُهُ مِنْ غَيْرِ إذْنِ الرَّاهِنِ فَنَائِبُ قُرِنَ عَلَى هَذَا الِاحْتِمَالِ ضَمِيرُ الرَّهْنِ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِنَقْلِ الشَّارِحِ عَنْ الْمُتَيْطِيِّ أَنَّهُ إنْ اشْتَرَطَ الْمُرْتَهِنُ عَلَى الرَّاهِنِ أَنَّ لَهُ بَيْعَ الرَّهْنِ عِنْدَ الْأَجَلِ مِنْ غَيْرِ مُؤَامَرَةِ صَاحِبِهِ، أَوْ الْعَدْلِ إنْ كَانَ عَلَى يَدِ عَدْلٍ جَازَ إنْ كَانَ الرَّهْنُ بَعْدَ عَقْدِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ مَعْرُوفٌ مِنْ الرَّاهِنِ وَالْإِذْنِ فِي بَيْعِهِ. (قَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ) : وَذَلِكَ جَائِزٌ بِاتِّفَاقٍ. وَاخْتُلِفَ إذَا كَانَ ذَلِكَ شَرْطًا فِي أَصْلِ الْعَقْدِ فَقَالَ مَالِكٌ: لَا يُبَاعُ إلَّا بِأَمْرِ السُّلْطَانِ إنْ كَانَ الرَّهْنُ بِيَدِ الْمُرْتَهِنِ، أَوْ بِيَدِ عَدْلٍ فَإِنْ بِيعَ نَفَذَ الْبَيْعُ وَلَمْ يُرَدَّ. (ثُمَّ قَالَ) : وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: " وَلَوْ طَاعَ الرَّاهِنُ لِلْمُرْتَهِنِ بَعْدَ الْبَيْعِ، وَقَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ بِأَنْ رَهَنَهُ رَهْنًا، وَوَكَّلَهُ عَلَى بَيْعِهِ عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ دُونَ مُؤَامَرَةِ سُلْطَانٍ جَازَ اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ مَعْرُوفٌ مِنْهُ، وَكَذَلِكَ شَرْطُ تَوْكِيلِ غَيْرِهِمَا، وَهُوَ الْوَاقِعُ فِي عَصْرِنَا اهـ (وَحَاصِلُهُ) أَنَّ الرَّهْنَ إذَا كَانَ مُتَطَوَّعًا بِهِ بَعْدَ الْعَقْدِ فَلِلْمُرْتَهِنِ بَيْعُهُ اتِّفَاقًا. وَإِلَيْهِ أَشَارَ النَّاظِمُ بِقَوْلِهِ: " وَلَا بِعُقْدَةِ الْأَصْلِ قُرِنَ ". وَمَفْهُومُهُ إنْ كَانَ مَشْرُوطًا مَدْخُولًا عَلَيْهِ فَلَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ بَيْعُهُ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ كَمَا تَقَدَّمَ. وَالِاحْتِمَالُ الْأَوَّلُ الْمُؤَيَّدُ بِكَلَامِ ابْنِ سَلْمُونٍ هُوَ أَقْرَبُ لِعِبَارَةِ النَّاظِمِ حَيْثُ عَيَّنَ وَقْتَ الْجُعْلِ بِقَوْلِهِ مَعَ جَعْلِهِ ذَاكَ لَهُ وَلَمْ يَحِنْ إلَخْ وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي عِبَارَةِ الْمُتَيْطِيِّ عَلَى نَقْلِ الشَّارِحِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهَاتٌ) : (الْأَوَّلُ) مَا ذَكَرَهُ النَّاظِمُ مِنْ أَنَّهُ إذَا أَذِنَ بَعْدَ عَقْدِ الرَّهْنِ وَقَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ جَازَ لِلْمُرْتَهِنِ الْبَيْعُ بِذَلِكَ. (قَالَ فِي التَّوْضِيحِ) : قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَابْنُ مَرْزُوقٍ: لَكِنْ نَقَلَ الْمُتَيْطِيُّ عَنْ بَعْضِ الْمُوَثَّقِينَ مَنْعَهُ؛ لِأَنَّهُ هَدِيَّةُ مِدْيَانٍ. (وَالثَّانِي) مَا فُهِمَ مِنْ كَلَامِ النَّاظِمِ مِنْ أَنَّ الْإِذْنَ إذَا كَانَ بَعْدَ الْأَجَلِ لَا عِبْرَةَ بِهِ هُوَ خِلَافُ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ " وَلَا يَسْتَقِلُّ الْمُرْتَهِنُ بِالْبَيْعِ إلَّا بِإِذْنٍ بَعْدَ الْأَجَلِ " (التَّوْضِيحُ) قَوْلُهُ " وَلَا يَسْتَقِلُّ بَلْ يُرْفَعُ إلَى الْحَاكِمِ لِيُطَالِبَ الرَّاهِنَ أَوْ يُكَلِّفَهُ الْبَيْعَ فَإِنْ امْتَنَعَ بَاعَ عَلَيْهِ اهـ. الثَّالِثُ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ الْجَوَاهِرِ: فَلَوْ قَالَ الرَّاهِنُ، لِمَنْ عَلَى يَدَيْهِ الرَّهْنُ مِنْ مُرْتَهِنٍ أَوْ عَدْلٍ: إنْ لَمْ آتِ إلَى أَجَلِ كَذَا فَأَنْتَ مُسَلَّطٌ عَلَى بَيْعِ الرَّهْنِ فَلَا يَبِيعُهُ إلَّا بِأَمْرِ السُّلْطَانِ، فَإِنْ بَاعَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ نَفَذَ اهـ وَنَحْوُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ. ثُمَّ قَالَ: وَإِنَّمَا لَمْ يَجُزْ الْبَيْعُ هُنَا لِلْأَمِينِ إلَّا بِأَمْرِ السُّلْطَانِ؛ لِأَنَّهُ قَيَّدَ الْبَيْعَ بِأَنْ لَمْ يَأْتِ، وَمِنْ الْجَائِزِ أَنْ يَكُونَ أَتَى أَوْ حَاضِرًا مَعَهُ فِي الْبَلَدِ، فَلِذَلِكَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ نَظَرِ السُّلْطَانِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ قَدْ أَذِنَ إذْنًا مُطْلَقًا. وَعَلَى مَا فِي الْجَوَاهِرِ وَالْمُدَوَّنَةِ مِنْ التَّقْيِيدِ بِقَوْلِهِ إنْ لَمْ آتِ عَوَّلَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ مَعَ اعْتِبَارِ الْإِذْنِ الْحَاصِلِ فِي نَفْسِ الْعَقْدِ بِالنِّسْبَةِ لِلْأَمِينِ وَالْحَاصِلِ بَعْدَ الْعَقْدِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُرْتَهِنِ حَيْثُ قَالَ: وَلِلْأَمِينِ بَيْعُهُ بِإِذْنٍ فِي عَقْدِهِ إنْ لِمَ يَقُلْ إنْ لَمْ آتِ كَالْمُرْتَهِنِ بَعْدَهُ وَإِلَّا مَضَى فِيهِمَا. (فَرْعٌ) إذْنُ الرَّاهِنِ فِي بَيْعِ الرَّهْنِ هُوَ تَوْكِيلٌ مِنْهُ عَلَى ذَلِكَ، وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ لِلْمُوَكِّلِ عَزْلَ وَكِيلِهِ إلَّا إذَا تَعَلَّقَ بِالْوَكَالَةِ حَقُّ الْغَيْرِ كَمَسْأَلَتِنَا هَذِهِ، فَلَيْسَ لَهُ حِينَئِذٍ عَزْلُهُ؛ لِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ تَعَلَّقَ لَهُ حَقٌّ بِالْوَكَالَةِ. (قَالَ اللَّخْمِيُّ) : لِأَنَّ فِي ذَلِكَ حَقًّا لِلطَّالِبِ إنْ كَانَ حَاضِرًا فَلَهُ أَنْ لَا يَتَكَلَّفَ مُطَالَعَةَ سُلْطَانٍ، وَإِنْ كَانَ غَائِبًا أَنْ لَا يَتَكَلَّفَ إثْبَاتَهَا اهـ. وَجَازَ رَهْنُ الْعَيْنِ حَيْثُ يُطْبَعُ ... عَلَيْهِ أَوْ عِنْدَ أَمِينٍ يُوضَعُ يَعْنِي أَنَّهُ يَجُوزُ رَهْنُ الْعَيْنِ ذَهَبًا كَانَ أَوْ فِضَّةً إذَا طُبِعَ عَلَيْهِ أَوْ جُعِلَ بِيَدِ أَمِينٍ لِأَنَّهُ حَيْثُ لِمَ يُطْبَعْ

عَلَيْهِ وَلَا جُعِلَ تَحْتَ يَدِ أَمِينٍ يُتَّهَمُ الْمُرْتَهِنُ بِسَلَفِهِ وَرَدِّ مِثْلِهِ (ابْنُ الْحَاجِبِ) وَمَا لَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ إنْ لَمْ يُطْبَعْ عَلَيْهِ أَوْ يَكُنْ عِنْدَ أَمِينٍ امْتَنَعَ مُطْلَقًا. (وَقَالَ أَشْهَبُ) : إنْ كَانَ نَقْدًا لِقُوَّةِ التُّهْمَةِ. (التَّوْضِيحُ) : يَعْنِي أَنَّ الرَّهْنَ إذَا كَانَ مِمَّا يُعْرَفُ كَالْحَيَوَانِ وَالْكِتَابِ. (قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ) : وَالْحُلِيِّ جَازَ أَنْ يُوضَعَ تَحْتَ يَدِ الْمُرْتَهِنِ وَغَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ، فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ مُمْتَنِعٌ إلَّا أَنْ يُطْبَعَ عَلَيْهِ أَوْ يُوضَعَ تَحْتَ يَدِ أَمِينٍ (الْمَازِرِيُّ) وَإِنَّمَا امْتَنَعَ إذَا لَمْ يُطْبَعْ عَلَيْهِ أَنْ يُوضَعَ تَحْتَ يَدِ أَمِينٍ حِمَايَةً لِلذَّرِيعَةِ أَنْ يَكُونَ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ قَصَدَا أَنْ يُقْبَضَ عَلَى جِهَةِ السَّلَفِ، وَيُسَمِّيَا ذَلِكَ الْقَبْضَ رَهْنًا. وَاشْتِرَاطُ السَّلَفِ فِي الْمُدَايَنَةِ وَالْمُبَايَعَةِ مَمْنُوعٌ، وَالتَّطَوُّعُ بِهِ كَهِبَةِ مِدْيَانٍ وَقَوْلُهُ " مُطْلَقًا " أَيْ كَانَ نَقْدًا أَوْ طَعَامًا مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا. (وَقَالَ أَشْهَبُ) : إنَّمَا يَمْتَنِعُ فِي النَّقْدِ. وَهَكَذَا نَقَلَ (الْمَازِرِيُّ) وَلَفْظُهُ: " وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ وَلَيْسَ مِنْ الْأَثْمَانِ الَّتِي هِيَ الدَّنَانِيرُ وَالدَّرَاهِمُ وَالْفُلُوسُ كَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ فَإِنَّ فِي ذَلِكَ قَوْلَيْنِ: الْمَشْهُورُ مِنْهُمَا إلْحَاقُ ذَلِكَ بِالدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ. " وَقَدْ أَجَازَ أَشْهَبُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ التَّصَرُّفَ فِي الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ مِمَّنْ وَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهَا بِغَيْرِ إذْنِ مَالِكِهَا مُسْتَخَفٌّ، وَيَبْعُدُ اسْتِخْفَافُ ذَلِكَ فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ اهـ. (قَالَ الشَّارِحُ) ظَاهِرُ اقْتِصَارِ الشَّيْخِ عَلَى ذِكْرِ الْعَيْنِ دُونَ الطَّعَامِ وَمَا أَشْبَهَهُ أَنَّهُ مُوَافِقٌ لِمَا نُقِلَ عَنْ (أَشْهَبَ) فِي الْمَجْمُوعَةِ دُونَ مَا تَقَدَّمَ (لِابْنِ الْقَاسِمِ) فِي إلْحَاقِهِ مَا لَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ مِمَّا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ بِالْعَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. . وَالرَّهْنُ لِلْمُشَاعِ مَعَ مَنْ رَهَنَا ... قَبْضُ جَمِيعِهِ لَهُ تَعَيَّنَا وَمَعَ غَيْرِ رَاهِنٍ يَكْفِيهِ أَنْ ... يَحُلَّ فِيهِ كَحُلُولِ مَنْ رَهَنْ تَكَلَّمَ فِي الْبَيْتَيْنِ عَلَى كَيْفِيَّةِ قَبْضِ الرَّهْنِ إذَا كَانَ جُزْءًا مُشَاعًا أَيْ غَيْرَ مُعَيَّنٍ بَلْ هُوَ عَامٌّ شَائِعٌ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ الشَّيْءِ الْمُرْتَهَنِ بَعْضِهِ كَنِصْفِ دَارٍ أَوْ رُبْعِهَا أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَجْزَاءِ، فَإِنَّ النِّصْفَ مَثَلًا لَا يَخْتَصُّ بِمَوْضِعٍ مِنْهَا دُونَ آخَرَ بَلْ هُوَ عَامٌّ فِي كُلِّ جُزْءٍ مِنْهَا هَكَذَا الرُّبْعُ وَالثُّمُنُ، وَسَائِرُ الْأَجْزَاءِ الْمُشَاعَةِ لَا تَخْتَصُّ بِمَحَلٍّ دُونَ آخَرَ. فَمَنْ رَهَنَ جُزْءًا كَرُبْعٍ مَثَلًا فَإِنَّ مَا عَدَا ذَلِكَ الْجُزْءِ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ لِلرَّاهِنِ أَيْضًا كَمَالِكِ دَارٍ رَهَنَ نِصْفَهَا مَثَلًا، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ لِغَيْرِ الرَّاهِنِ كَمَنْ يَمْلِكُ نِصْفَ دَارٍ فَرَهَنَهُ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ لِلرَّاهِنِ وَلِغَيْرِهِ مَعًا كَمَنْ يَمْلِكُ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ دَارٍ فَرَهَنَ نِصْفَهَا فَالْوَجْهُ الْأَوَّلُ لَا يَتِمُّ الرَّهْنُ فِيهِ إلَّا بِحَوْزِ جَمِيعِ الدَّارِ مَثَلًا، وَإِلَى هَذَا الْوَجْهِ أَشَارَ بِالْبَيْتِ الْأَوَّلِ. وَأَمَّا الْوَجْهُ الثَّانِي فَيَكْفِي فِي حَوْزِهِ حَوْزُ النِّصْفِ الَّذِي يَمْلِكُهُ الرَّاهِنُ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ " وَمَعَ غَيْرِ رَاهِنٍ " الْبَيْتَ. وَأَمَّا الْوَجْهُ الثَّالِثُ فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ حَوْزِ الثَّلَاثَةِ الْأَرْبَاعِ إذْ بِحَوْزِهَا يَحِلُّ مَحَلَّ الرَّاهِنِ، وَيَصْدُقُ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ أَيْضًا قَوْلُهُ " وَمَعَ غَيْرِ رَاهِنٍ. " إلَخْ لِأَنَّهُ يَصْدُقُ بِغَيْرِ الرَّاهِنِ وَحْدَهُ كَمَا فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ وَبِغَيْرِ الرَّاهِنِ وَلِغَيْرِ الرَّاهِنِ مَعًا كَمَا فِي الصُّورَةِ الثَّالِثَةِ. وَالْمَقْصُودُ فِي الصُّوَرِ كُلِّهَا رَفْعُ يَدِ الرَّاهِنِ وَعَدَمُ جَوَلَانِهَا فِي الرَّهْنِ (قَالَ ابْنُ يُونُسَ) : قَالَ (مَالِكٌ) : وَلَا بَأْسَ بِرَهْنِ جُزْءٍ مُشَاعٍ غَيْرِ مَقْسُومٍ مِنْ رَبْعٍ أَوْ حَيَوَانٍ أَوْ عَرَضٍ وَقَبْضِهِ - إنْ كَانَ بَيْنَ الرَّاهِنِ وَغَيْرِهِ - أَنْ يَحُوزَ الْمُرْتَهِنُ حِصَّةَ الرَّاهِنِ وَيُكْرِيهِ وَيُوَلِّيهِ مَعَ مَنْ لَهُ فِيهِ شِرْكٌ كَرَبِّهِ، وَلَا بَأْسَ أَنْ يَضَعَاهُ عَلَى يَدِ الشَّرِيكِ، وَالْحَوْزُ فِي ارْتِهَانِ مَا يَمْلِكُ الرَّاهِنُ جَمِيعَهُ مِنْ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ أَوْ دَابَّةٍ أَوْ ثَوْبٍ قَبْضُ جَمِيعِهِ. (قَالَ ابْنُ يُونُسَ) : وَاخْتُلِفَ فِي الدَّارِ فَقِيلَ: لَا يَجُوزُ حَتَّى يَقْبِضَ الْمُرْتَهِنُ جَمِيعَهَا أَوْ تَكُونَ عَلَى يَدِ عَدْلٍ، وَقِيلَ: تَكُونُ بِيَدِ الرَّاهِنِ مَعَ يَدِ الْمُرْتَهِنِ فَيُكْرِيَانِ جَمِيعًا، وَيَصِحُّ الْحَوْزُ أَوْ يَضَعَانِهَا جَمِيعًا عَلَى غَيْرِهِمَا مَا لَمْ يَكُنِ الْمَوْضُوعُ عَلَى يَدِهِ هُوَ الْقَيِّمُ بِهِ مِثْلُ عَبْدِهِ أَوْ أَجِيرِهِ. (قَالَ الشَّارِحُ) إطْلَاقُ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي جَوَازِ رَهْنِ الْمُشَاعِ مَعَ غَيْرِ الرَّاهِنِ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ لَهُ بِإِذْنِ الشَّرِيكِ إنْ كَانَ غَيْرَ رَبْعٍ وَلَا يَنْقَسِمُ يَقْتَضِي أَنَّهُ اعْتَمَدَ قَوْلَ (ابْنِ الْقَاسِمِ) فِي ذَلِكَ، فَإِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ إذْنُ الشَّرِيكِ (ابْنُ عَرَفَةَ) فِي الْكَلَامِ عَلَى رَهْنِ الْمُشَاعِ وَهُوَ فِيمَا بَاقِيهِ لِغَيْرِ الرَّاهِنِ رَبْعًا أَوْ مُنْقَسِمًا لَا يَفْتَقِرُ لِإِذْنِ شَرِيكِهِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَهُ فَفِي كَوْنِهِ كَذَلِكَ. وَوَقْفِهِ عَلَيْهِ قَوْلَانِ (لِابْنِ الْقَاسِمِ) (وَأَشْهَبَ) قَائِلًا لِأَنَّ رَهْنَهُ يَمْنَعُهُ مِنْ بَيْعِهِ نَاجِزًا اهـ وَكَذَلِكَ إطْلَاقُهُ فِي حَوْزِ الْمُشَاعِ بِحُلُولِ الْمُرْتَهِنِ

فصل في اختلاف المتراهنين

مَحَلَّ الرَّاهِنِ دُونَ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ كَوْنِهِ دَارًا أَوْ أَرْضًا فَيَكْفِي فِيهِ ذَلِكَ وَبَيْنَ كَوْنِهِ مِمَّا يُنْقَلُ كَالثَّوْبِ وَالْعَبْدِ فَيَكْفِي فِيهِ ذَلِكَ عَلَى قَوْلِ (ابْنِ الْقَاسِمِ) دُونَ قَوْلِ (أَشْهَبَ) " أَنَّهُ لَا يَكْفِي فِيهِ ذَلِكَ "، يَقْتَضِي أَنَّهُ اعْتَمَدَ قَوْلَ (ابْنِ الْقَاسِمِ) أَيْضًا فِي ذَلِكَ دُونَ قَوْلِ أَشْهَبَ. وَالرَّهْنُ مَحْبُوسٌ بِبَاقِي مَا وَقَعْ ... فِيهِ وَلَا يَرُدُّ قَدْرَ مَا انْدَفَعْ يَعْنِي أَنَّهُ إذَا أَدَّى الرَّاهِنُ لِلْمُرْتَهِنِ بَعْضَ حَقِّهِ وَطَلَبَ مِنْهُ أَنْ يَرُدَّ لَهُ مِنْ الرَّهْنِ مَا يُقَابِلُ مَا دَفَعَ مِنْ الْحَقِّ إذَا كَانَ الرَّهْنُ مِمَّا يَنْقَسِمُ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إلَّا بِرِضَا الْمُرْتَهِنِ، وَالرَّهْنُ بِجُمْلَتِهِ مَحْبُوسٌ بِبَاقِي الْحَقِّ إلَى أَنْ يَقَعَ مِنْهُ الْخَلَاصُ (ابْنُ عَرَفَةَ) . وَكُلُّ جُزْءٍ مِنْ الرَّهْنِ رَهْنٌ بِكُلِّ جُزْءٍ مِنْ الدَّيْنِ الَّذِي هُوَ رُهِنَ فِيهِ بِمَعْنَى الْكُلِّيَّةِ فِيهِمَا لَا بِمَعْنَى التَّوْزِيعِ إنْ اتَّحَدَ مَالِكُ الدَّيْنِ وَإِنْ تَعَدَّدَ وَلَا شَرِكَةَ بَيْنَهُمْ فِيهِ فَعَلَى مَعْنَى التَّوْزِيعِ، وَفِيهَا مَنْ رَهَنَ امْرَأَتَهُ رَهْنًا بِكُلِّ الْمَهْرِ قَبْلَ الْبِنَاءِ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَهُ لِمَ يَكُنْ لَهُ أَخْذُ نِصْفِ الرَّهْنِ. وَالرَّهْنُ أَجْمَعُ رَهْنٌ بِنِصْفِ الْمَهْرِ كَمَنْ قَضَى بَعْضَ الدَّيْنِ أَوْ وُهِبَ لَهُ فَكُلُّ الرَّهْنِ رَهْنٌ بِمَا بَقِيَ. وَفِيهَا مَنْ رَهَنَ دَارًا مِنْ رَجُلَيْنِ صَفْقَةً وَاحِدَةً فِي دَيْنٍ لَهُمَا وَلَا شَرِكَةَ بَيْنَهُمَا فَقَضَى أَحَدُهُمَا كُلَّ حَقِّهِ أَخَذَ حِصَّتَهُ مِنْ الدَّارِ. (وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ) مَنْ ارْتَهَنَ دَابَّةً أَوْ دَارًا أَوْ ثَوْبًا فَاسْتَحَقَّ نِصْفَ ذَلِكَ مِنْ يَدِ الْمُرْتَهِنِ فَبَاقِيهِ رَهْنٌ بِجَمِيعِ الْحَقِّ. اهـ (وَفِي مُخْتَصَرِ الشَّيْخِ خَلِيلٍ) " وَإِذَا قَضَى بَعْضَ الدَّيْنِ أَوْ سَقَطَ فَجَمِيعُ الرَّهْنِ فِيمَا بَقِيَ كَاسْتِحْقَاقِ بَعْضِهِ وَ (بِبَاقِي) يَتَعَلَّقُ بِمَحْبُوسٍ، وَمَا: مَوْصُولٌ مُضَافٌ إلَيْهِ مَا قَبْلَهُ وَاقِعٌ عَلَى الدَّيْنِ أَيْ بِبَاقِي الدَّيْنِ الَّذِي وَقَعَ الرَّهْنُ فِيهِ، وَلَا يُرَدُّ مِنْ الرَّهْنِ قَدْرُ مَا دُفِعَ مِنْ الدَّيْنِ. وَشَرْطُ مِلْكِ الرَّهْنِ حَيْثُ لَا يَقَعْ ... إنْصَافُهُ مِنْ حَقِّهِ النَّهْيُ وَقَعْ يَعْنِي أَنَّهُ نُهِيَ عَنْ أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُرْتَهِنُ عَلَى الرَّاهِنِ أَنَّهُ إنْ لَمْ يُنْصِفْهُ مِنْ حَقِّهِ لِأَجَلِ كَذَا مَلَكَ الرَّهْنَ فِي ذَلِكَ الْحَقِّ، وَذَلِكَ هُوَ غَلْقُ الرَّهْنِ الَّذِي وَرَدَ النَّهْيُ عَنْهُ. (ذَكَرَ) (الْإِمَامُ مَالِكٌ) فِي مُوَطَّئِهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: قَالَ «لَا يَغْلَقُ الرَّهْنُ» (قَالَ مَالِكٌ) : تَفْسِيرُ ذَلِكَ فِيمَا نُرَى - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنْ يَرْهَنَ الرَّجُلُ الرَّهْنَ عِنْدَ الرَّجُلِ بِشَيْءٍ وَفِي الرَّهْنِ فَضْلٌ عَمَّا رَهَنَ بِهِ فَيَقُولُ الرَّاهِنُ لِلْمُرْتَهِنِ: إنْ جِئْتُكَ بِحَقِّكَ إلَى أَجَلٍ يُسَمِّيهِ لَهُ وَإِلَّا فَالرَّهْنُ لَك بِمَا فِيهِ. فَهَذَا لَا يَصِحُّ، وَلَا يَحِلُّ، وَهُوَ الَّذِي نُهِيَ عَنْهُ. وَإِنْ جَاءَهُ صَاحِبُهُ بِاَلَّذِي رَهَنَ بِهِ بَعْدَ الْأَجَلِ فَهُوَ لَهُ، وَأُرَى هَذَا الشَّرْطَ مُنْفَسِخًا. . (وَفِي ابْنِ يُونُسَ) " وَمَنْ لَك عَلَيْهِ دَيْنٌ إلَى أَجَلٍ مَعَ بَيْعٍ أَوْ قَرْضٍ فَيَرْهَنُكَ بِهِ رَهْنًا عَلَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يَفْتَدِهِ مِنْكَ إلَى أَجَلٍ فَالرَّهْنُ لَك بِدَيْنِكَ لَمْ يَجُزْ وَيُنْقَضُ هَذَا الرَّهْنُ وَلَا يُنْتَظَرُ بِهِ الْأَجَلُ ". (قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ:) وَيَصِيرُ السَّلَفُ حَالًّا وَلَكَ أَنْ تَحْبِسَ الرَّهْنَ حَتَّى تَأْخُذَ حَقَّكَ وَأَنْتَ أَحَقُّ بِهِ مِنْ الْغُرَمَاءِ. (قَالَ ابْنُ يُونُسَ:) وَهَذَا إذَا كَانَ الرَّهْنُ فِي أَصْلِ الْبَيْعِ أَوْ السَّلَفِ وَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَسَدَ الْبَيْعُ وَالسَّلَفُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي مَا يَصِحُّ لَهُ فِي ثَمَنِ سِلْعَتِهِ الثَّمَنُ أَوْ الرَّهْنُ. وَكَذَلِكَ فِي السَّلَفِ لَا يَدْرِي هَلْ يُرْجِعُ إلَيْهِ مَا أَسْلَفَ أَوْ الرَّهْنَ وَلَوْ كَانَ هَذَا الرَّهْنُ بَعْدَ أَنْ وَقَعَ الْبَيْعُ أَوْ السَّلَفُ لَمْ يُفْسَخْ إلَّا الرَّهْنُ وَحْدَهُ، وَيَأْخُذُهُ رَبُّهُ وَيَبْقَى الْبَيْعُ وَالسَّلَفُ بِلَا رَهْنٍ إلَى أَجَلِهِ، وَلَا يَكُونُ الْمُرْتَهِنُ أَحَقَّ بِهَذَا الرَّهْنِ فِي فَلَسٍ وَلَا مَوْتٍ. اهـ (وَشَرْطُ) : مُبْتَدَأٌ أَوَّلٌ وَهُوَ مُضَافٌ لِلْمَفْعُولِ، وَإِنْصَافُهُ: فَاعِلُ يَقَعُ، وَمِنْ حَقِّهِ: يَتَعَلَّقُ بِإِنْصَافِهِ، وَالنَّهْيُ: مُبْتَدَأٌ ثَانٍ خَبَرُهُ جُمْلَةُ وَقَعَ، وَالْجُمْلَةُ خَبَرُ الْمُبْتَدَأِ الْأَوَّلِ، وَفَاعِلُ وَقَعَ يَعُودُ عَلَى النَّهْيِ، وَالرَّابِطُ لِجُمْلَةِ الْخَبَرِ بِالْمُبْتَدَأِ الْأَوَّلِ مَحْذُوفٌ أَيْ (عَنْهُ) ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ الزَّوَائِدِ عَلَى مَا فِي الْمُخْتَصَرِ. . [فَصْلٌ فِي اخْتِلَافِ الْمُتَرَاهِنَيْنِ] ِ ذَكَرَ النَّاظِمُ مِنْ اخْتِلَافِ الْمُتَرَاهِنَيْنِ ثَلَاثَ مَسَائِلَ: الِاخْتِلَافَ فِي عَيْنِ الرَّهْنِ، وَالِاخْتِلَافَ فِي حُلُولِ الْأَجَلِ، وَالِاخْتِلَافَ فِي صِفَةِ الرَّهْنِ.

وَفِي اخْتِلَافِ رَاهِنٍ وَمُرْتَهِنْ ... فِي عَيْنِ رَهْنٍ كَانَ فِي حَقٍّ رُهِنْ الْقَوْلُ قَوْلُ رَاهِنٍ إنْ صَدَّقَا ... مَقَالَهُ شَاهِدُ حَالٍ مُطْلَقَا كَأَنْ يَكُونَ الْحَقُّ قَدْرُهُ مِائَهْ ... وَقِيمَةُ الرَّهْنِ لِعَشْرٍ مُبْدِئَهْ يَعْنِي أَنَّهُ إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَرَاهِنَانِ فِي عَيْنِ الرَّهْنِ فَقَالَ الرَّاهِنُ لَيْسَ هَذَا رَهْنِي وَرَهْنِي أَفْضَلُ مِنْ هَذَا وَقَالَ الْمُرْتَهِنُ بَلْ هُوَ رَهْنُكَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الرَّاهِنِ إنْ صَدَّقَهُ الْعُرْفُ وَالْحَالُ. (قَالَ فِي الْعُتْبِيَّةِ) قَالَ أَصْبَغُ فِيمَنْ رَهَنَ رَهْنًا بِأَلْفِ دِينَارٍ فَجَاءَ لِيَقْبِضَهُ فَأَخْرَجَ الْمُرْتَهِنُ رَهْنًا يُسَاوِي مِائَةَ دِينَارٍ فَقَالَ الرَّاهِنُ: لَيْسَ هَذَا رَهْنِي وَقِيمَةُ رَهْنِي أَلْفُ دِينَارٍ وَذَكَرَ صِفَةً تُسَاوِي أَلْفَ دِينَارٍ فَالرَّاهِنُ مُصَدَّقٌ مَعَ يَمِينِهِ لِكَوْنِهِ ادَّعَى مَا يُشْبِهُ وَادَّعَى الْمُرْتَهِنُ مَا لَا يُشْبِهُ، فَإِذَا حَلَفَ - أَيْ الرَّاهِنُ - سَقَطَ عَنْهُ مِنْ الدَّيْنِ مِقْدَارُ قِيمَةِ رَهْنِهِ. اهـ وَنَقَلَهُ الْمَوَّاقُ وَقَالَ: إثْرَهُ مَا نَصُّهُ، وَقَالَ (أَشْهَبُ) : الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُرْتَهِنِ وَإِنْ لَمْ يُسَاوِ إلَّا دِرْهَمًا وَاحِدًا، وَقَالَ عِيسَى عَنْ (ابْنِ الْقَاسِمِ) نَحْوَ قَوْلِ أَشْهَبَ (ابْنُ حَبِيبٍ) ، وَبِهِ أَقُولُ، وَقَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ (ابْنُ يُونُسَ) كَمَا لَوْ قَالَ لَمْ تُرْهِنِّي شَيْئًا اهـ. وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ ذَهَبَ (الشَّيْخُ خَلِيلٌ) بِقَوْلِهِ " لَا الْعَكْسُ أَيْ لَا يَكُونُ شَاهِدًا عَلَى الرَّهْنِ. (قَوْلُهُ " فِي عَيْنِ رَهْنٍ ") يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ قَدْرَ الدَّيْنِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَجُمْلَةُ " كَانَ فِي حَقِّ " صِفَةٌ لِرَهْنٍ، وَمَقَالَهُ مَفْعُولُ (صَدَّقَا) وَ (شَاهِدُ) فَاعِلُهُ، وَمَعْنَى الْإِطْلَاقِ: كَانَ الرَّاهِنُ مُتَّهَمًا أَوْ لَا، كَذَا قَالَ بَعْضُ مَنْ شَرَحَهُ وَجُمْلَةُ (قَدْرُهُ مِائَهْ) خَبَرُ يَكُونُ، وَجُمْلَةُ وَقِيمَةُ الرَّهْنِ لِعَشْرٍ مُبْدِئَهْ حَالِيَّةٌ. (وَقَدْ اسْتَطْرَدَ) الشَّارِحُ هُنَا حُكْمَ اخْتِلَافِ الْمُتَرَاهِنَيْنِ فِي صِفَةِ الرَّهْنِ إذَا ضَاعَ مَعَ اتِّفَاقِهِمَا عَلَى قَدْرِ الدَّيْنِ أَوْ اخْتِلَافِهِمَا فِيهِ، وَإِذَا كَانَ الرَّهْنُ شَيْئَيْنِ فَضَاعَ أَحَدُهُمَا أَوْ اخْتَلَفَا فِي كَوْنِهِ رَهْنًا أَوْ وَدِيعَةً أَوْ عَارِيَّةً اُنْظُرْهُ فِيهِ إنْ شِئْتَ. .

باب الضمان وما يتعلق به

وَالْقَوْلُ حَيْثُ يَدَّعِي مَنْ ارْتَهَنْ ... حُلُولَ وَقْتِ الرَّهْنِ قَوْلُ مَنْ رَهَنْ وَفِي كَثَوْبٍ خَلَقٍ وَيَدَّعِي ... جِدَّتَهُ الرَّاهِنُ عَكْسَ ذَا وُعِيَ إلَّا إذَا خَرَجَ عَمَّا يُشْبِهُ ... فِي ذَا وَذَا وَالْعَكْسُ لَا يُشْتَبَهُ اشْتَمَلَ الْبَيْتَانِ عَلَى مَسْأَلَتَيْنِ: (الْأُولَى) إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَرَاهِنَانِ فِي حُلُولِ أَجَلِ الدَّيْنِ الْمَرْهُونِ فِيهِ فَادَّعَى الْمُرْتَهِنُ حُلُولَ أَجَلِهِ وَادَّعَى الرَّاهِنُ عَدَمَ الْحُلُولِ فَالْقَوْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُ الرَّاهِنِ، وَأَنَّهُ لَمْ يَحِلَّ إلَّا إذَا خَرَجَ قَوْلُهُ عَمَّا يُشْبِهُ وَأَشْبَهَ قَوْلَ الْمُرْتَهِنِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ. (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) إذَا اخْتَلَفَا فِي جِدَّةِ الرَّهْنِ وَكَوْنِهِ خَلَقًا بَالِيًا مَعَ اتِّفَاقِهِمَا عَلَى أَنَّهُ هُوَ فَقَالَ الرَّاهِنُ كَانَ جَدِيدًا وَإِنَّمَا خَلِقَ بِاسْتِعْمَالِ الْمُرْتَهِنِ وَقَالَ الْمُرْتَهِنُ كَذَلِكَ رَهَنْتُهُ خَلَقًا بَالِيًا فَالْقَوْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُ الْمُرْتَهِنِ إلَّا إذَا خَرَجَ قَوْلُهُ عَمَّا يُشْبِهُ وَأَشْبَهَ قَوْلُ الرَّاهِنِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ. (قَالَ فِي الْمُقَرَّبِ) : قُلْت لَهُ: فَإِنْ اخْتَلَفَ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ فِي حُلُولِ الْحَقِّ فَقَالَ الْمُرْتَهِنُ قَدْ حَلَّ وَقَالَ الرَّاهِنُ لَمْ يَحِلَّ قَالَ: الْقَوْلُ قَوْلُ الرَّاهِنِ؛ لِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ قَدْ أَقَرَّ أَنَّ الْحَقَّ إلَى أَجَلٍ وَادَّعَى انْقِضَاءَهُ وَالْأَصْلُ الِاسْتِصْحَابُ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ الرَّاهِنُ مِنْ الْأَجَلِ مَا لَا يُشْبِهُ فَلَا يُصَدَّقُ. (وَفِي طُرُرِ ابْنِ عَاتٍ) . وَكَذَلِكَ إنْ أَتَى بِثَوْبٍ خَلَقٍ وَقَالَ الرَّاهِنُ: كَانَ جَدِيدًا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُرْتَهِنِ بِيَمِينِهِ إذَا أَتَى بِمَا يُشْبِهُ (الْجَوْهَرِيُّ) . وَمِلْحَفَةٌ خَلَقٌ وَثَوْبٌ خَلَقٌ أَيْ بَالٍ يَسْتَوِي فِيهِ الْمُذَكَّرُ وَالْمُؤَنَّثُ لِأَنَّهُ فِي الْأَصْلِ مَصْدَرُ الْأَخْلَقِ أَيْ الْأَمْلَسِ، وَالْجَمْعُ خُلْقَانٌ وَمِلْحَفَةٌ خُلَيْقٌ صَغَّرُوهُ بِلَا هَاءٍ؛ لِأَنَّهُ صِفَةٌ وَالْهَاءُ لَا تَلْحَقُ تَصْغِيرَ الصِّفَاتِ كَمَا قَالُوا نُصَيْفٌ فِي تَصْغِيرِ امْرَأَةٍ نَصَفِ. وَقَدْ خَلُقَ الثَّوْبُ بِالضَّمِّ خُلُوقًا أَيْ بَلِيَ، وَأَخْلَقَ الثَّوْبُ مِثْلُهُ، وَأَخْلَقْتُهُ أَنَا يَتَعَدَّى وَلَا يَتَعَدَّى وَأَخْلَقْتُهُ ثَوْبًا إذَا كَسَوْتُهُ ثَوْبًا خَلَقًا، وَثَوْبٌ أَخْلَاقٌ إذَا كَانَتْ الْخُلُوقَةُ فِيهِ كُلِّهِ كَمَا قَالُوا بُرْمَةُ أَعْشَارِ وَأَرْضٌ سَبَاسِبُ اهـ. [بَابُ الضَّمَانِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ] ِ عَبَّرَ بَعْضُهُمْ بِالضَّمَانِ كَابْنِ الْحَاجِبِ وَبَعْضُهُمْ بِالْحَمَالَةِ. (قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ:) الْحَمَالَةُ الْتِزَامُ دَيْنٍ لَا يُسْقِطُهُ أَوْ طَلَبُ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ لِمَنْ هُوَ لَهُ. (قَوْلُهُ لَا يُسْقِطُهُ) فِي مَحَلِّ خَفْضٍ صِفَةٌ لِدَيْنٍ، وَفَاعِلُ يُسْقِطُ ضَمِيرُ الِالْتِزَامِ، وَمَفْعُولُهُ الْبَارِزُ لِلدَّيْنِ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ لَا يُسْقِطُ الْحَقَّ عَنْ الْمَضْمُونِ. وَأَخْرَجَ بِذَلِكَ الْحَوَالَةَ فَإِنَّ الْتِزَامَ قَبُولِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ لِلْحَوَالَةِ وَإِنْ كَانَ لَا يُشْتَرَطُ عَلَى الْمَشْهُورِ يُسْقِطُ الدَّيْنَ الَّذِي كَانَ لِلْمُحَالِ بِالْفَتْحِ عَلَى الْمُحِيلِ بِالْكَسْرِ، وَيَصِيرُ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ. وَقَوْلُهُ " أَوْ طَلَبِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ " (طَلَبِ) بِالْخَفْضِ عَطْفٌ عَلَى دَيْنٍ مَدْخُولِ الِالْتِزَامِ، وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ الْحَمَالَةُ بِالْوَجْهِ وَالْحَمَالَةُ بِالطَّلَبِ. وَسُمِّيَ الضَّامِنُ بِالْحَمِيلِ ... كَذَاكَ بِالزَّعِيمِ وَالْكَفِيلِ يَعْنِي أَنَّ الضَّامِنَ يُسَمَّى بِهَذِهِ الْأَسْمَاءِ الَّتِي هِيَ الْحَمِيلُ وَالزَّعِيمُ وَالْكَفِيلُ وَالْمُرَادُ مِنْ ذَلِكَ بَيَانُ صِيَغِ الضَّمَانِ. (قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ:) الصِّيغَةُ مَا دَلَّ عَلَى الْحَقِيقَةِ عُرْفًا فَفِيهَا مَنْ قَالَ: أَنَا حَمِيلٌ بِفُلَانٍ أَوْ زَعِيمٌ أَوْ كَفِيلٌ أَوْ ضَامِنٌ أَوْ قَبِيلٌ أَوْ هُوَ لَك عِنْدِي أَوْ عَلَيَّ أَوْ إلَيَّ أَوْ قِبَلِي فَهِيَ حَمَالَةٌ لَازِمَةٌ إنْ أَرَادَ

الْوَجْهَ لَزِمَهُ وَإِنْ أَرَادَ الْمَالَ لَزِمَهُ. . وَهُوَ مِنْ الْمَعْرُوفِ فَالْمَنْعُ اقْتَضَى ... مِنْ أَخْذِهِ أَجْرًا بِهِ أَوْ عِوَضَا يَعْنِي أَنَّ الضَّمَانَ مِنْ الْمَعْرُوفِ فَلَا يَجُوزُ أَخْذُ الْعِوَضِ فِي مُقَابَلَتِهِ. (قَالَ ابْنُ يُونُسَ:) وَقَالَ مَالِكٌ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ: لَا خَيْرَ فِي الْحَمَالَةِ بِجُعْلٍ (قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ:) فَإِنْ نَزَلَ وَكَانَ يَعْلَمُ صَاحِبَ الْحَقِّ سَقَطَتْ الْحَمَالَةُ وَرَدَّ الْجُعْلَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُهُ فَالْحَمَالَة لَازِمَةٌ لِلْحَمِيلِ وَيُرَدُّ الْجُعْلُ عَلَى كُلِّ حَالٍ. وَقَالَهُ أَصْبَغُ. (وَقَالَ اللَّخْمِيُّ) الْحَمَالَةُ بِجُعْلٍ فَاسِدَةٌ لِأَنَّهُ يَأْخُذُ الْجُعْلَ فَإِنْ كَانَ الْمُتَحَمَّلُ عَنْهُ مُوسِرًا كَانَ مِنْ أَكْلِ أَمْوَالِ

النَّاسِ بِالْبَاطِلِ، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا فَغَرِمَ الْحَمِيلُ كَانَ رِبَا سَلَفٍ بِزِيَادَةٍ فَقَضَاؤُهُ عَنْهُ سَلَفٌ، وَالزِّيَادَةُ الْجُعْلُ الْمُتَقَدِّمُ وَهَذَا إذَا كَانَ الْجُعْلُ يَأْخُذُهُ الْحَمِيلُ أَوْ غَيْرُهُ وَاخْتُلِفَ إذَا كَانَ يَحْصُلُ الْجُعْلُ أَوْ الْمَنْفَعَةُ لِلْغَرِيمِ وَكَانَتْ الْحَمَالَةُ بِمَا حَلَّ؛ لِيُؤَخِّرَهُ بِهِ إلَى أَجَلٍ أَوْ بِمَا لَمْ يَحِلَّ؛ لِيَأْخُذَهُ إذَا حَلَّ الْأَجَلُ فَإِذَا كَانَ الْجُعْلُ تَحْصُلُ مَنْفَعَتُهُ لِلْحَمِيلِ رُدَّ الْجُعْلُ قَوْلًا وَاحِدًا. وَيَفْتَرِقُ الْجَوَابُ فِي ثُبُوتِ الْحَمَالَةِ وَسُقُوطِهَا وَفِي صِحَّةِ الْبَيْعِ وَفَسَادِهِ وَذَلِكَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ. اُنْظُرْ تَمَامَهُ فِي الشَّرْحِ إنْ شِئْتَ (ابْنُ الْحَاجِبِ) . وَلَا يَجُوزُ الضَّمَانُ بِجُعْلٍ. (التَّوْضِيحُ) أَيْ لَا يَجُوزُ لِلضَّامِنِ أَنْ يَأْخُذَ جُعْلًا سَوَاءٌ كَانَ مِنْ رَبِّ الدَّيْنِ أَوْ الْمِدْيَانِ أَوْ غَيْرِهِمَا. (الْمَازِرِيُّ) وَلِلْمَنْعِ عِلَّتَانِ: أَوَّلُهُمَا: أَنَّ ذَلِكَ مِنْ بِيَاعَاتِ الْغَرَرِ؛ لِأَنَّ مَنْ اشْتَرَى سِلْعَةً وَقَالَ لِرَجُلٍ: تَحَمَّلْ عَنِّي بِثَمَنِهَا وَهُوَ مِائَةٌ عَلَى أَنْ أُعْطِيَكَ عَشْرَةَ دَنَانِيرَ، أَوْ بَاعَ سِلْعَةً وَقَالَ لِآخَرَ تَحَمَّلْ عَنِّي الدَّرْكَ فِي ثَمَنِهَا إنْ وَقَعَ الِاسْتِحْقَاقُ وَأَنَا أُعْطِيكَ عَشْرَةً لَمْ يَدْرِ الْحَمِيلُ هَلْ يُفْلِسُ مَنْ تَحَمَّلَ عَنْهُ أَوْ يَغِيبُ فَيَخْسَرُ مِائَةَ دِينَارٍ وَلَمْ يَأْخُذْ إلَّا عَشْرَةً أَوْ يَسْلَمَ مِنْ الْغَرَامَةِ فَيَأْخُذُ الْعَشَرَةَ. ثَانِيهِمَا أَنَّهُ دَائِرٌ بَيْنَ أَمْرَيْنِ مَمْنُوعَيْنِ؛ لِأَنَّهُ إنْ أَدَّى الْغَرِيمُ كَانَ لَهُ الْجُعْلُ بَاطِلًا وَإِنْ أَدَّى الْحَمِيلُ وَرَجَعَ بِهِ عَلَى الْمَضْمُونِ صَارَ كَأَنَّهُ أَسْلَفَهُ مَا أَدَّى وَرَبِحَ ذَلِكَ الْجُعْلَ فَكَانَ سَلَفًا بِزِيَادَةٍ (مَالِكٌ) وَيُرَدُّ الْجُعْلُ (ابْنُ الْقَاسِمِ) . وَإِنْ عَلِمَ بِذَلِكَ الطَّالِبُ سَقَطَتْ الْحَمَالَةُ وَإِلَّا رَدَّ الْجُعْلَ. وَالْحَمَالَةُ عَامَّةٌ وَهَذَا إذَا كَانَ الْفَسَادُ فِي الْحَمَالَةِ مَحَلَّ الْحَاجَةِ مِنْهُ الْآنَ. (فَائِدَةٌ) ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ لَا تُفْعَلُ إلَّا لِلَّهِ سُبْحَانَهُ وَلَا يَجُوزُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَيْهَا: أَحَدُهَا الضَّمَانُ، وَالثَّانِي رِفْقُ الْجَاهِ، وَالثَّالِثُ الْقَرْضُ وَقَدْ جَمَعَهَا شَيْخُنَا الْعَالِمُ الْمُتَفَنِّنُ الْمَرْحُومُ بِفَضْلِ اللَّهِ وَكَرَمِهِ أَبُو مُحَمَّدٍ سَيِّدِي عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ عَاشِرٍ فِي بَيْتٍ فَقَالَ: الْقَرْضُ وَالضَّمَانُ رِفْقُ الْجَاهِ ... تُمْنَعُ أَنْ تُرَى لِغَيْرِ اللَّهِ. وَالْحُكْمُ ذَا حَيْثُ اشْتِرَاطُ مَنْ ضَمِنْ ... حَطًّا مِنْ الْمَضْمُونِ عَمَّنْ قَدْ ضَمِنْ يَعْنِي أَنَّ الْحُكْمَ الْمُتَقَدِّمَ وَهُوَ الْمَنْعُ وَعَدَمُ الْجَوَازِ جَارٍ فِيمَا إذَا اشْتَرَطَ الضَّامِنُ عَلَى الْمَضْمُونِ لَهُ أَنْ يَحُطَّ عَنْ الْمَضْمُونِ بَعْضَ دَيْنِهِ الْحَالِّ وَيَضْمَنُ لَهُ بَاقِيه إلَى أَجَلٍ يَضْرِبَانِهِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ، وَقِيلَ بِجَوَازِ ذَلِكَ وَهُوَ أَبْيَنُ. (قَالَ اللَّخْمِيُّ) : وَاخْتُلِفَ عَنْ (مَالِكٍ) فِيمَنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ حَالٌّ فَأَخَّرَهُ إلَى أَجَلٍ عَلَى أَنْ يَتَحَمَّلَ بِهِ رَجُلٌ، وَيُسْقِطُ الطَّالِبُ بَعْضَ دَيْنِهِ. فَقَالَ (مَالِكٌ) (وَابْنُ الْقَاسِمِ) (وَأَشْهَبُ) وَغَيْرُهُمْ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ فِيمَنْ كَانَ لَهُ دَيْنٌ حَالٌّ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ ضَعْ لَهُ بَعْضَ دَيْنِكَ عَلَيْهِ وَأَنَا أَتَحَمَّلُ لَك بِمَا بَقِيَ إلَى أَجَلٍ آخَرَ: لَا بَأْسَ بِهِ، لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ بِحَقِّهِ حَالًّا، فَتَأْخِيرُهُ لَهُ بِحَمِيلٍ. وَقَالَ: سَلَفَ مِنْهُ بِحَمِيلٍ اخْتَلَفَتْ رِوَايَةُ أَشْهَبَ عَنْهُ بِالْجَوَازِ وَالْكَرَاهَةِ. (وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ) : لَا يَصِحُّ ذَلِكَ قَالَ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ لَوْ قَالَ: أَعْطِنِي عَشْرَةَ دَرَاهِمَ مِنْ دَيْنِكَ وَأَنَا أَتَحَمَّلُ لَك، فَتَكُونُ الْحَمَالَةُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ حَرَامًا وَالْأَوَّلُ أَبْيَنُ. (وَقَالَ أَشْهَبُ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ) فِيمَنْ لَهُ عَلَى رَجُلٍ عَشْرَةُ دَنَانِيرَ إلَى أَجَلٍ فَقَالَ لَهُ قَبْلَ الْأَجَلِ: " هَلْ لَك أَنْ أَحُطَّ عَنْكَ دِينَارَيْنِ وَتُعْطِينِي بِالثَّمَانِيَةِ رَهْنًا أَوْ حَمِيلًا " فَلَا بَأْسَ بِهِ (وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ:) لَا يَجُوزُ. اهـ قِيلَ: لِأَنَّهُ إذَا أَخَذَ رَهْنًا أَوْ حَمِيلًا فِي حُكْمِ مَنْ تَعَجَّلَ حَقَّهُ عَلَى أَنْ يُسْقِطَ بَعْضَهُ. وَقَدْ ذَهَبَ النَّاظِمُ عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَهُوَ الْمَنْعُ وَعَدَمُ الْجَوَازِ حَلَّ الدَّيْنُ أَوْ لَمْ يَحِلَّ، وَلَفْظُهُ يَشْمَلُهُمَا. . وَبِاشْتِرَاكٍ وَاسْتِوَاءٍ فِي الْعَدَدْ ... تَضَامُنٌ خُفِّفَ فِيهِ إنْ وَرَدْ التَّضَامُنُ تَفَاعُلٌ مَصْدَرٌ مِنْ تَضَامَنَ، وَهُوَ أَنْ يَضْمَنَ كُلٌّ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ، وَظَاهِرُ مَا تَقَدَّمَ مَنْعُهُ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ضَمِنَ صَاحِبَهُ؛ لِأَجْلِ أَنْ يَضْمَنَهُ هُوَ فَلَمْ يَقَع الضَّمَانُ لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى، يَعْنِي أَنَّهُ يَجُوزُ عَلَى وَجْهِ الرُّخْصَةِ وَالتَّوْسِعَةِ أَنْ يَشْتَرِيَ اثْنَانِ أَوْ أَكْثَرُ سِلْعَةً بِثَمَنٍ فِي ذِمَّتِهِمَا عَلَى أَنْ يَضْمَنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَوْ مِنْهُمْ بَقِيَّةَ أَصْحَابِهِ لَكِنْ بِشَرْطَيْنِ: أَحَدُهُمَا وُقُوعُ الِاشْتِرَاكِ فِي السِّلْعَةِ الْوَاقِعِ فِيهَا التَّضَامُنُ، وَثَانِيهِمَا الِاسْتِوَاءُ فِي الِاشْتِرَاكِ فِيهَا فَإِنْ. انْخَرَمَ أَحَدُ هَذَيْنِ الشَّرْطَيْنِ أَوْ كِلَاهُمَا فَيَمْتَنِعُ ذَلِكَ. (قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ:) لَوْ اشْتَرَيَا سِلْعَةً بَيْنَهُمَا عَلَى السَّوَاءِ لَجَازَ لِلْعَمَلِ فَأَشَارَ بِقَوْلِهِ لِلْعَمَلِ أَنَّ الْقِيَاسَ

الْمَنْعُ وَالْجَوَازُ لِعَمَلِ الْمَاضِينَ. (قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ) : قُلْت: وَلِأَنَّ اسْتِوَاءَهُمَا فِي الْبَيْعِ وَثَمَنِهِ يُوجِبُ شِبْهَ مَجْمُوعِهِمَا بِشَخْصٍ وَاحِدٍ، وَاخْتِلَافُهُمَا فِي أَحَدِهِمَا يُوجِبُ تَعَدُّدَهُمَا الْمُقْتَضِي لِلضَّمَانِ بِالْجُعْلِ اهـ. وَقَدْ ذَكَرُوا هُنَا مَسْأَلَةَ الْحُمَلَاءِ السِّتِّ فَرَاجِعْهَا إنْ شِئْتَ فِي التَّوْضِيحِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْمُطَوَّلَاتِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَ (تَضَامُنٌ) مُبْتَدَأٌ سَوَّغَهُ الْعَمَلُ فِي اشْتِرَاكٍ، وَ (فِي) بِمَعْنَى مَعَ، (وَاسْتِوَاءٍ) عَطْفٌ عَلَيْهِ، وَجُمْلَةُ (خُفِّفَ) فِيهِ خَبَرُ تَضَامُنٌ، وَ (إنْ وَرَدْ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِهَا فَالْكَسْرُ عَلَى أَنَّهَا شَرْطِيَّةٌ حُذِفَ جَوَابُهَا لِدَلَالَةِ مَا قَبْلَهُ عَلَيْهِ، وَالْفَتْحُ عَلَى أَنَّهَا مَصْدَرِيَّةٌ أَيْ خُفِّفَ فِيهِ، لِأَنَّ (وَرَدْ) أَيْ لِوُرُودِهِ فَحُذِفَ حَرْفُ الْجَرِّ مَعَ أَنَّ وَهُوَ كَثِيرٌ. . وَصَحَّ مِنْ أَهْلِ التَّبَرُّعَاتِ ... وَثُلْثِ مَنْ يُمْنَعُ كَالزَّوْجَاتِ يَعْنِي أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الضَّامِنِ أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ لَهُ التَّبَرُّعُ فِي الْمَالِ، وَلَا حَجْرَ عَلَيْهِ لِأَحَدٍ، وَكَذَلِكَ مَنْ حُجِرَ عَلَيْهِ فِي الزَّائِدِ عَلَى ثُلُثِهِ كَالْمَرِيضِ وَالزَّوْجَةِ؛ فَإِنَّهُ يَصِحُّ ضَمَانُهُ فِيمَا لَمْ يُحْجَرْ عَلَيْهِ فِيهِ وَهُوَ مِقْدَارُ ثُلُثِهِ فَأَقَلَّ. فَلَا يَصِحُّ ضَمَانُ الْمَحْجُورِ مُطْلَقًا، وَلَا ضَمَانُ الْمَرِيضِ أَوْ الزَّوْجَةِ فِي الزَّائِدِ عَلَى ثُلُثِهِمَا. فَفَاعِلُ (صَحَّ) الضَّمَانُ (وَثُلُثِ) بِالْخَفْضِ عُطِفَ عَلَى أَهْلِ أَيْ وَصَحَّ الضَّمَانُ مِنْ ثُلُثِ مَنْ يُمْنَعُ مِنْ التَّبَرُّعِ فِي الزَّائِدِ عَلَى الثُّلُثِ فَيَصِحُّ فِي الثُّلُثِ فَدُونَ، وَلَا يَصِحُّ فِي أَكْثَرَ مِنْهُ (ابْنُ عَرَفَةَ) . (الْبَاجِيُّ) : الْحَمِيلُ مَنْ لَا حَجْرَ عَلَيْهِ فِيهَا كَفَالَةُ ذَاتِ الزَّوْجِ فِي ثُلُثِهَا، وَإِنْ تَكَفَّلَتْ لِزَوْجِهَا. فَفِيهَا (قَالَ مَالِكٌ:) عَطِيَّتُهَا زَوْجَهَا جَمِيعَ مَا لِهَا جَائِزٌ، وَكَذَلِكَ كَفَالَتُهَا عَنْهُ (الْبَاجِيُّ) . يُرِيدُ بِإِذْنِهِ، وَفِيهَا كَفَالَةُ الْمَرِيضِ فِي ثُلُثِهِ اهـ وَإِنَّمَا مُنِعَتْ الزَّوْجَةُ مِنْ الضَّمَانِ إلَّا فِي ثُلُثِهَا لِأَجْلِ الزَّوْجِ، فَإِذَا أَذِنَ لَهَا - وَلَا حَجْرَ عَلَيْهَا - صَحَّ ضَمَانُهَا، وَكَذَلِكَ الْمَرِيضُ مُنِعَ لِحَقِّ الْوَرَثَةِ، فَإِذَا أَجَازُوا ضَمَانَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ أَوْ قَبْلَهُ عَلَى تَفْصِيلٍ فِيهِ صَحَّ. (وَفِي مُخْتَصَرِ الشَّيْخِ خَلِيلٍ) " وَصَحَّ مِنْ أَهْلِ التَّبَرُّعِ كَمُكَاتَبٍ وَمَأْذُونٍ إنْ أَذِنَ سَيِّدُهُمَا وَزَوْجَةٍ وَمَرِيضٍ بِثُلُثٍ. وَهُوَ بِوَجْهٍ أَوْ بِمَالٍ جَارِ ... وَالْأَخْذُ مِنْهُ أَوْ عَلَى الْخِيَارِ يَعْنِي أَنَّ الضَّمَانَ عَلَى وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ ضَمَانُ الْوَجْهِ وَهُوَ عَلَى ضَرْبَيْنِ: (الْأَوَّلُ أَنْ يَتَبَرَّأَ ضَامِنُ الْوَجْهِ مِنْ الْمَالِ فَلَا يَلْزَمُهُ مِنْهُ شَيْءٌ إلَّا إنْ فَرَّطَ، وَيَبْرَأُ بِإِحْضَارِ الْمَضْمُونِ وَلَوْ مَيِّتًا:) : وَالضَّرْبُ الثَّانِي أَنْ لَا يَتَبَرَّأَ مِنْ الْمَالِ وَيَقَعَ الضَّمَانُ مُجْمَلًا فَيَلْزَمُهُ الْمَالُ كَمَا يُصَرَّحُ بِهِ بَعْدُ فِي قَوْلِهِ: وَإِنَّ ضَمَانَ الْوَجْهِ جَاءَ مُجْمَلًا إلَخْ (قَالَ فِي النَّوَادِرِ:) قَالَ (مَالِكٌ) : مَنْ تَحَمَّلَ بِوَجْهِ رَجُلٍ أَوْ بِعَيْنِهِ أَوْ بِنَفْسِهِ فَهُوَ سَوَاءٌ إنْ لَمْ يَأْتِ بِهِ وَإِلَّا غَرِمَ الْمَالَ حَتَّى يَشْتَرِطَ فِي حَمَالَتِهِ لَسْتُ مِنْ الْمَالِ فِي شَيْءٍ، (مُحَمَّدٌ) . أَوْ يَقُولُ: لَا أَضْمَنُ إلَّا الْوَجْهَ، فَهَذَا لَا يَضْمَنُ إلَّا الْوَجْهَ غَابَ الْغَرِيمُ أَوْ حَضَرَ أَوْ مَاتَ أَوْ فَلَّسَ لَا يُطْلَبُ إلَّا بِإِحْضَارِهِ. الْوَجْهُ الثَّانِي ضَمَانُ الْمَالِ، وَفِي تَعْيِينِ الْمَطَالِبِ بِالْمَالِ مِنْ الْغَرِيمِ أَوْ الضَّامِنِ تَفْصِيلٌ. كَانَ الْإِمَامُ مَالِكٌ

أَوَّلًا يَقُولُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مَنْ شَاءَ إمَّا الْغَرِيمُ أَوْ الضَّامِنُ، ثُمَّ رَجَعَ إلَى أَنَّهُ لَا يُطَالِبُ الضَّامِنَ وَالْغَرِيمُ حَاضِرٌ مَلِيٌّ وَإِنَّمَا يُطَالِبُ إذَا غَابَ الْمَدِينُ أَوْ فَلَّسَ وَبِهِ أَخَذَ ابْنُ الْقَاسِمِ (ابْنُ رُشْدٍ) . وَهِيَ الرِّوَايَةُ الْمَشْهُورَةُ عَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ فِي الْمُخْتَصَرِ بِقَوْلِهِ: " وَلَا يُطَالَبُ إنْ حَضَرَ الْغَرِيمُ مُوسِرًا. فَقَوْلُ النَّاظِمِ: " وَالْأَخْذُ مِنْهُ " أَيْ مِنْ الْغَرِيمِ الْحَاضِرِ الْمَلِيِّ، وَهَذَا هُوَ الْقَوْلُ الْمَرْجُوعُ إلَيْهِ الْمَشْهُورُ كَمَا تَقَدَّمَ، وَلِذَلِكَ قَدَّمَهُ، وَقَوْلُهُ: " أَوْ عَلَى الْخِيَارِ " هُوَ قَوْلُ مَالِكٍ: " الْأَوَّلِ الْمَرْجُوعِ عَنْهُ ". (قَالَ الشَّارِحُ:) وَاعْتَمَدَ الْقُضَاةُ قَوْلَ مَالِكٍ الْأَوَّلَ الْمَرْجُوعَ عَنْهُ. . وَلَا اعْتِبَارَ بِرِضَا مَنْ ضَمِنَا ... إذْ قَدْ يُؤَدِّي دَيْنَ مَنْ لَا أَذِنَا يَعْنِي أَنَّ مَنْ ضَمِنَ عَنْ شَخْصٍ حَقًّا مِنْ الْحُقُوقِ فَإِنَّ الضَّمَانَ يَصِحُّ وَإِنْ لَمْ يَأْذَنِ الْمَضْمُونُ عَنْهُ فِي ذَلِكَ (قَالَ فِي الْمُقَرَّبِ) : قَالَ مَالِكٌ: وَلَوْ أَنَّ رَجُلَيْنِ تَخَاصَمَا فِي مَطْلَبٍ فَقَالَ رَجُلٌ لِلطَّالِبِ مَا ثَبَتَ لَك قِبَلَ فُلَانٍ فَأَنَا كَفِيلٌ بِهِ فَاسْتَحَقَّ الْحَقَّ قِبَلَ الْمَطْلُوبِ كَانَ الْكَفِيلُ ضَامِنًا. (قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ) : وَلَوْ مَاتَ الْكَفِيلُ قَبْلَ أَنْ يَسْتَحِقَّ الْحَقُّ لِطَالِبِهِ ثُمَّ اسْتَحَقَّ بَعْدَ مَوْتِ الْكَفِيلِ لَكَانَ ذَلِكَ فِي مَالِهِ. اهـ وَكُلُّ مَنْ تَبَرَّعَ بِكَفَالَةٍ لَزِمَتْهُ، وَكَذَلِكَ مَنْ قَالَ لِرَجُلٍ وَهُوَ يَدَّعِي قِبَلَ أَخِيهِ حَقًّا: مَا تَصْنَعُ يَا أَخِي؟ احْلِفْ أَنَّ حَقَّكَ حَقٌّ وَأَنَا ضَامِنٌ لِذَلِكَ فَإِنَّ ذَلِكَ يَلْزَمُهُ إنْ حَلَفَ الْمُدَّعِي، فَلَوْ قَالَ بَعْدَ قَوْلِهِ أَنَا ضَامِنٌ: إنَّمَا قُلْتُهُ قَوْلًا وَلَا أُرَى أَفْعَلُهُ وَلَا أَضْمَنُ لَمْ يَنْفَعْهُ قَوْلُهُ وَلَا رُجُوعُهُ إذَا رَضِيَ الْمُدَّعِي بِقَوْلِهِ. (قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ) : وَمَنْ قَالَ لِقَوْمٍ: اشْهَدُوا أَنِّي ضَامِنٌ بِمَا قُضِيَ لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ، أَوْ قَالَ أَنَا كَفِيلٌ بِمَا ادَّعَى فُلَانٌ عَلَى فُلَانٍ وَهُمَا غَائِبَانِ جَمِيعًا أَوْ أَحَدُهُمَا أَوْ كَانَا حَاضِرَيْنِ لَزِمَهُ مَا قَالَ؛ لِأَنَّ مَالِكًا أَلْزَمَ الْمَعْرُوفَ مَنْ أَوْجَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ لَوْ غَابَ الضَّامِنُ لَكَانَ ذَلِكَ فِي مَالِهِ اهـ. (قَالَ الشَّارِحُ) : أَقُولُ: " وَعَلَى الْوَاقِعِ فِي الْمَغْرِبِ هُوَ عَمَلُ الْمُوَثَّقِينَ فِي ضَمَانِ مَا يَتَعَيَّنُ عَلَى الْغَرِيمِ مِنْ غَيْرِ إذْنِهِ ". وَعَلَّلَ النَّاظِمُ مَا ذُكِرَ مِنْ عَدَمِ اعْتِبَارِ رِضَا الْمَضْمُونِ عَنْهُ بِأَنَّهُ قَدْ يُؤَدِّي الدَّيْنَ عَنْ الْمَدِينِ مِنْ غَيْرِ إذْنِهِ، أَيْ فَكَمَا يُؤَدِّي عَنْهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَكَذَلِكَ يَضْمَنُ عَنْهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ؛ لِأَنَّ الضَّامِنَ هُوَ بِصَدَدِ أَنْ يُؤَدِّيَ عَنْ الْمَضْمُونِ فَالضَّمَانُ أَخَفُّ مِنْ الْأَدَاءِ. قَالَ فِي (الْمُقَرَّبِ) : قَالَ مَالِكٌ: وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا أَدَّى حَقًّا عَنْ رَجُلٍ كَانَ عَلَيْهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ لَكَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِمَا أَدَّى عَنْهُ. انْتَهَى. . (تَنْبِيهَانِ: الْأَوَّلُ) يُقَيَّدُ قَوْلَهُ (قَدْ يُؤَدِّي دَيْنَ مَنْ لَا إذْنَ) بِقَيْدَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنْ لَا يَقْصِدَ الْمُؤَدِّي التَّضْيِيقَ عَلَى الْمُؤَدَّى عَنْهُ وَالْإِضْرَارَ بِهِ لِعَدَاوَةٍ بَيْنَهُمَا وَنَحْوِهِ فَإِنْ قَصَدَ ذَلِكَ مُنِعَ، الثَّانِي أَنَّ ذَلِكَ فِيمَنْ أَدَّى بِقَصْدِ الرُّجُوعِ عَلَى الْمُؤَدَّى عَنْهُ، وَأَمَّا إنْ أَدَّى بِقَصْدِ التَّبَرُّعِ وَالْهِبَةِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يُلْزِمُ الْمُؤَدَّى عَنْهُ إذْ لَا يَلْزَمُهُ قَبُولُ الْهِبَةِ. (التَّنْبِيهُ الثَّانِي) : مَا جَرَى

عَلَيْهِ عَمَلُ الْمُوَثَّقِينَ مِنْ تَضْمِينِهِمْ حُضُورَ الْمَضْمُونِ عَنْهُ، وَإِذْنُهُ فِي الضَّمَانِ هُوَ مَا اصْطَلَحُوا عَلَيْهِ مِنْ بِنَاءِ الْأَحْكَامِ عَلَى الْوَجْهِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ قَطْعًا لِلنِّزَاعِ وَالْخِصَامِ، إذْ مِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ يَشْتَرِطُ رِضَا الْمَضْمُونِ عَنْهُ. . وَيَسْقُطُ الضَّمَانُ فِي فَسَادِ ... أَصْلِ الَّذِي الضَّمَانُ فِيهِ بَادِ يَعْنِي إذَا فَسَدَتْ الصَّفْقَةُ الْوَاقِعُ فِيهَا الضَّمَانُ فَإِنَّ الضَّمَانَ يَسْقُطُ فِي ذَلِكَ عَنْ الضَّامِنِ. (قَالَ فِي التَّوْضِيحِ) فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ: وَلَا يَجُوزُ ضَمَانٌ بِجُعْلٍ. أَمَّا إذَا كَانَ الْفَسَادُ فِي الْمُحْتَمَلِ بِهِ كَمَا لَوْ أَعْطَاهُ دِينَارًا فِي دِينَارَيْنِ إلَى شَهْرٍ وَتَحَمَّلَ لَهُ رَجُلٌ بِدِينَارٍ فَثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَرَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ: " إنَّ حُكْمَ الْحَمَالَةِ سَاقِطٌ "، وَمِثْلُهُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ؛ لِأَنَّ فِيهَا " وَكُلُّ حَمَالَةٍ وَقَعَتْ عَلَى حَرَامٍ بَيْنَ الْمُتَبَايِعَيْنِ فِي أَوَّلِ أَمْرِهِمَا أَوْ بَعْدَهُ فَهِيَ سَاقِطَةٌ، وَلَا يَلْزَمُ الْحَمِيلَ بِهَا شَيْءٌ عَلِمَ الْمُتَبَايِعَانِ أَنَّ ذَلِكَ حَرَامٌ أَوْ جَهِلَا، عَلِمَ الْحَمِيلُ بِذَلِكَ أَوْ جَهِلَهُ " (مُحَمَّدٌ) ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْفَسَادُ مِنْ عَقْدِ الْبَيْعِ أَوْ بِسَبَبِهِ وَهُوَ قَوْلُ أَشْهَبَ: " إنَّ الْحَمَالَةَ بِالْحَرَامِ أَوْ بِالْأَمْرِ الْفَاسِدِ بَاطِلَةٌ " وَوَجْهُ هَذَا الْقَوْلِ أَنَّ الَّذِي تَحَمَّلَ بِهِ الْحَمِيلُ وَهُوَ الثَّمَنُ لَمَّا سَقَطَ عَنْ الْمُتَحَمِّلِ عَنْهُ لِفَسَادِ الْبَيْعِ سَقَطَ عَنْ الْحَمِيلِ. (الْقَوْلُ الثَّانِي) " أَنَّ الْحَمَالَةَ لَازِمَةٌ عَلِمَ الْحَمِيلُ بِفَسَادِ الْبَيْعِ أَمْ لَا " وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَقَوْلُ غَيْرِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ؛ لِأَنَّ الْكَفِيلَ هُوَ الَّذِي أَدْخَلَ الْمُتَحَمَّلَ لَهُ دَفْعَ مَالِهِ لِلثِّقَةِ بِهِ فَعَلَيْهِ الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَةِ السِّلْعَةِ أَوْ الثَّمَنِ الَّذِي تَحَمَّلَ بِهِ. (الثَّالِثُ) التَّفْصِيلُ بَيْنَ عِلْمِ الْحَمِيلِ بِالْفَسَادِ فَعَلَيْهِ أَوَّلًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَهُوَ لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ، ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا الْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ إذَا كَانَتْ الْحَمَالَةُ فِي أَصْلِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ بَعْدَ عَقْدِهِ فَهِيَ سَاقِطَةٌ بِالِاتِّفَاقِ اهـ بِبَعْضِ اخْتِصَارٍ مِنْ الْقَوْلَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ. وَهُوَ بِمَا عَيَّنَ لِلْمُعَيَّنِ ... وَهُوَ بِمَالٍ حَيْثُ لَمْ يُعَيَّنْ تَقَدَّمَ أَنَّ الضَّمَانَ عَلَى وَجْهَيْنِ: ضَمَانُ الْمَالِ وَضَمَانُ الْوَجْهِ، وَأَخْبَرَ أَنَّهُ إنْ وَقَعَ الضَّمَانُ مُعَيِّنًا لِلْمَضْمُونِ مِنْ مَالٍ أَوْ وَجْهٍ فَذَلِكَ لَازِمٌ بِلَا إشْكَالٍ، وَإِنْ وَقَعَ الضَّمَانُ مُجْمَلًا مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ فَيُحْمَلُ عَلَى الْمَالِ. (وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ:) اخْتَلَفَ فُقَهَاؤُنَا الْمُتَأَخِّرُونَ إذَا قَالَ: أَنَا حَمِيلٌ لَك أَوْ زَعِيمٌ أَوْ كَفِيلٌ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى هَذَا هَلْ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ حَمِيلٌ بِالْمَالِ أَوْ عَلَى الْوَجْهِ إذَا عُرِّيَ الْكَلَامُ مِنْ دَلِيلٍ؟ وَالصَّوَابُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ بِالْمَالِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الزَّعِيمُ غَرِيمٌ.» . وَلِأَنَّ حَمِيلَ الْوَجْهِ إذَا لَمْ يَأْتِ بِهِ غَرِمَ الْمَالَ. فَالْأَصْلُ فِي الْحَمَالَةِ الْمَالُ؛ لِأَنَّهُ الْمَطْلُوبُ حَتَّى يُشْتَرَطَ الْوَجْهُ أَوْ يَقْتَضِيهِ لَفْظُهُ، وَأَمَّا إنْ اخْتَلَفَا فَقَالَ الطَّالِبُ شَرَطْتُ لَك الْحَمَالَةَ بِالْمَالِ وَقَالَ الْكَفِيلُ بِالْوَجْهِ وَقَدْ أُحْضِرَ الْغَرِيمُ مُعْدَمًا فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْحَمِيلِ؛ لِأَنَّ الطَّالِبَ يَدَّعِي اشْتِغَالَ ذِمَّتِهِ فَعَلَيْهِ الْبَيَانُ. (قَالَ ابْنُ يُونُسَ:) وَلِأَنَّ الْحَمَالَةَ مِنْ الْمَعْرُوفِ فَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا مَا أَقَرَّ بِهِ مُعْطِيهِ اهـ. (وَرَدَّ) فِي (التَّوْضِيحِ) الِاسْتِدْلَالَ بِالْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ بِأَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ خَرَجَ مَخْرَجَ بَيَانِ وَجْهِ الْمُطَالَبَةِ لِلْكَفِيلِ بِمَا ضَمِنَهُ وَلَمْ يُقْصَدْ بِهِ بَيَانُ حُكْمِ إطْلَاقِ اللَّفْظَةِ. الثَّانِي أَنَّ الْغَرَامَةَ إنَّمَا تَكُونُ فِي الْأَمْوَالِ لَا فِي الْأَبَدَانِ إذْ الْبَدَنُ لَا يَصِحُّ أَنْ يُغَرَّمَ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: " الزَّعِيمُ غَرِيمٌ بِمَا ضَمِنَ ". وَالضَّمَانُ الَّذِي يُتَصَوَّرُ فِيهِ الْغَرَامَةُ أَنْ يَكُونَ فِي الْمَالِ. . وَإِنْ ضَمَانُ الْوَجْهِ جَاءَ مُجْمَلَا ... فَالْحُكْمُ أَنَّ الْمَالَ قَدْ تُحُمِّلَا يَعْنِي أَنَّ ضَامِنَ الْوَجْهِ إذَا لَمْ يَتَبَرَّأْ مِنْ الْمَالِ وَإِنَّمَا ضَمِنَ ضَمَانًا مُجْمَلًا فَإِنَّ الْحُكْمَ أَنَّ الْمَالَ لَازِمٌ لِلضَّامِنِ.

قَالَ فِي الرِّسَالَةِ:) " وَحَمِيلُ الْوَجْهِ إنْ لَمْ يَأْتِ بِهِ غَرِمَ حَتَّى يَشْتَرِطَ أَنْ لَا يَغْرَمَ ". (قَالَ ابْنُ فَتُّوحٍ:) " وَإِذَا وَقَعَ ضَمَانُ الْوَجْهِ مُجْمَلًا وَلَمْ يُحْضِرْ الْوَجْهَ ضَمِنَ أَيْضًا الْمَالَ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ أَنَّهُ يَضْمَنُ الْوَجْهَ خَاصَّةً وَلَيْسَ عَلَيْهِ مِنْ الْمَالِ شَيْءٌ فَلَهُ شَرْطٌ ". (وَفِي الْمُقَرَّبِ) قَالَ سَحْنُونٌ: " قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: قَالَ مَالِكٌ: إنْ تَكَفَّلَ بِوَجْهِ رَجُلٍ إلَى أَجَلٍ فَمَضَى الْأَجَلُ فَإِنَّ السُّلْطَانَ يَتَلَوَّمُ لَهُ، فَإِنْ أَتَى بِهِ وَإِلَّا غَرِمَ الْمَالَ، فَإِنْ أَغْرَمَهُ ثُمَّ أَتَى بِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الَّذِي أَخَذَهُ مِنْهُ وَلَكِنْ يَتْبَعُ بِهِ الَّذِي تَحَمَّلَ بِهِ عَنْهُ. " قُلْتُ لِابْنِ الْقَاسِمِ: فَإِنْ أَتَى بِهِ عِنْدَ الْأَجَلِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ مِنْ الْحَمَالَةِ شَيْءٌ إنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ عَدِيمًا. اهـ ثُمَّ قَالَ. وَجَائِزٌ ضَمَانُ مَا تَأَجَّلَا ... مُعَجَّلًا وَعَاجِلٍ مُؤَجَّلَا قَوْلُهُ وَجَائِزٌ ضَمَانُ مَا تَأَجَّلَا مُعَجَّلًا يَعْنِي أَنَّ مَنْ لَهُ دَيْنٌ عَلَى رَجُلٍ إلَى أَجْلٍ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ حَمِيلًا بِذَلِكَ الدَّيْنِ عَلَى أَنْ يُوَفِّيَهُ عَاجِلًا إمَّا الْآنَ أَوْ قَبْلَ الْأَجَلِ؛ لِأَنَّ مَا قَبْلَ الْأَجَلِ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ مُعَجَّلٌ وَإِلَى هَذَا الْفَرْعِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ وَجَائِزٌ ضَمَانُ مَا تَأَجَّلَا مُعَجَّلًا وَكَذَا يَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَهُ الْحَمِيلُ بِالْمُؤَجَّلِ إلَى الْأَجَلِ نَفْسِهِ كَمَا سَيَأْتِي عَنْ الْمُدَوَّنَةِ. وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ (مُعَجَّلًا) أَنَّهُ لَوْ أَعْطَاهُ الْحَمِيلَ لِأَبْعَدَ مِنْ الْأَجَلِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ سَلَفٌ جَرَّ نَفْعًا فَالسَّلَفُ التَّأْخِيرُ بَعْدَ الْأَجَلِ، وَالنَّفْعُ التَّوَثُّقُ بِالْحَمِيلِ وَهَذَا إذَا كَانَ الدَّيْنُ مِمَّا لِلْمَدِينِ تَعْجِيلُهُ قَبْلَ أَجَلِهِ كَالْعَيْنِ مِنْ بَيْعٍ أَوْ قَرْضٍ، وَالْعَرَضِ وَالْحَيَوَانِ وَالطَّعَامِ مِنْ قَرْضٍ، وَأَمَّا إذَا كَانَ الدَّيْنُ عَرَضًا أَوْ حَيَوَانًا مِنْ بَيْعٍ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَهُ حَمِيلًا بِالدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ حَالًّا؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ (حُطَّ عَنِّي الضَّمَانَ فِي الْمُدَّةِ الْبَاقِيَةِ مِنْ الْأَجَلِ وَأَزِيدُكَ تَوَثُّقًا بِالْحَمِيلِ) (قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ) قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ " وَمَنْ لَهُ عَلَى رَجُلٍ دَيْنٌ إلَى أَجَلٍ وَأَخَذَ مِنْهُ قَبْلَ الْأَجَلِ حَمِيلًا أَوْ رَهْنًا عَلَى أَنْ يُوَفِّيَهُ حَقَّهُ إلَى الْأَجَلِ أَوْ إلَى دُونِهِ فَذَلِكَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ زِيَادَةُ تَوَثُّقٍ ". (ابْنُ يُونُسَ) : " إنَّمَا يَجُوزُ إلَى دُونِ الْأَجَلِ إنْ كَانَ الْحَقُّ مِمَّا لَهُ تَعْجِيلُهُ وَأَمَّا إنْ كَانَ حَيَوَانًا مِنْ بَيْعٍ فَلَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ (حُطَّ عَنِّي الضَّمَانَ وَأَزِيدُكَ تَوَثُّقًا) . وَنُقِلَ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ مَا نَصُّهُ " وَلَيْسَ بِبَيِّنٍ لِأَنَّ رَبَّ الدَّيْنِ مَا أَخَذَ زِيَادَةً فِي نَفْسِ الْحَقِّ، وَلَا مُنْفَصِلَةً يَنْتَفِعُ بِهَا، وَإِنَّمَا قَصَدَ التَّوَثُّقَ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا غَرَضَ لَهُ فِي التَّأْخِيرِ، وَلَا غَرَضَ لِلْآخَرِ فِي بَقَاءِ الدَّيْنِ فِي ذِمَّتِهِ. وَتَظْهَرُ فَائِدَتُهُ مَعَ التَّأْخِيرِ لَا مَعَ التَّعْجِيلِ. اهـ (وَفِي الْمُقَرَّبِ) قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: " وَإِنْ أَخَذَ مِنْهُ حَمِيلًا قَبْلَ مَحَلِّ الْأَجَلِ أَوْ رَهْنًا عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ حَقَّهُ قَبْلَ

مَحِلِّ الْأَجَلِ أَوْ بَعْدَ مَحِلِّهِ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا تُهْمَةَ فِيهِ ". (وَقَالَ فِيهِ) : وَمَنْ أَعْطَى لِصَاحِبِ الْحَقِّ حَمِيلًا قَبْلَ مَحِلِّ أَجَلِ الدَّيْنِ عَلَى أَنْ يُؤَخِّرَهُ إلَى أَبْعَدَ مِنْ الْأَجَلِ لَمْ يَصِحَّ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ قَدْ حَلَّ أَجَلُ الدَّيْنِ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ، وَكَذَلِكَ الرَّهْنُ فِي هَذَا ". (وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ) : لِأَنَّ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ أَسْلَفَ سَلَفًا عَنْ ظَهْرِ يَدٍ وَأَخَذَ بِهِ حَمِيلًا ". وَإِلَى فَرْعِ النَّاظِمِ أَشَارَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ بِقَوْلِهِ فِي مُخْتَصَرِهِ " وَالْمُؤَجَّلُ حَالًّا إنْ كَانَ مِمَّا يُعَجَّلُ " قَوْلُهُ: (وَعَاجِلٍ مُؤَجَّلًا) عَاجِلٍ بِالْخَفْضِ عَطْفٌ عَلَى مَا وَالْمَعْنَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِمَنْ لَهُ دَيْنٌ حَالٌّ - وَعَنْ حُلُولِهِ عَبَّرَ (بِعَاجِلٍ) - أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الْمَدِينِ حَمِيلًا بِذَلِكَ الدَّيْنِ إلَى أَجَلٍ، وَأَطْلَقَ فِي الْجَوَازِ وَقَيَّدَهُ غَيْرُهُ بِمَا إذَا كَانَ الْمَدِينُ مُوسِرًا؛ لِأَنَّهُ كَابْتِدَاءِ دَيْنٍ بِحَمِيلٍ. (اللَّخْمِيِّ) إنْ حَلَّ الدَّيْنُ فَأَعْطَاهُ حَمِيلًا عَلَى أَنْ يُؤَخِّرَهُ فَإِنْ كَانَ الْغَرِيمُ مُوسِرًا بِجَمِيعِ الْحَقِّ كَانَ التَّأْخِيرُ وَالْحَمَالَةُ جَائِزَةً. اهـ وَكَذَا إنْ كَانَ عَدِيمًا وَكَانَ لَا يُوسِرُ فِي الْأَجَلِ كَالْمُحْبَسِ عَلَيْهِ أُصُولٌ لَهَا غَلَّاتٌ لَيْسَ لَهُ مِنْهَا إلَّا مَا يُقْبَضُ فِي تِلْكَ الْغَلَّاتِ فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَأَعْطَاهُ حَمِيلًا بِهِ لِسِتَّةِ شُهُورٍ مَثَلًا وَلَا تُوجَدُ غَلَّةُ أُصُولِهِ وَلَا يَحِلُّ بَيْعُهَا إلَّا بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ فَذَلِكَ جَائِزٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ مُعْسِرٌ وَإِنْظَارُهُ وَاجِبٌ. (التَّوْضِيحُ) أَمَّا إنْ لَمْ يُوسِرْ إلَّا عِنْدَ الْأَجَلِ أَوْ بَعْدَهُ فَيَجُوزُ بِاتِّفَاقٍ. اهـ. وَأَمَّا إنْ كَانَ عَدِيمًا وَيُوسِرُ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ مَثَلًا فِي الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ لِوُجُودِ الْغَلَّةِ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ فَفِي جَوَازِ التَّأْخِيرِ لِتَمَامِ الْأَجَلِ وَمَنْعِهِ قَوْلَانِ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ ذَهَبَ فِي الْمُخْتَصَرِ، حَيْثُ قَالَ: " وَعَكْسُهُ إنْ أَيْسَرَ غَرِيمُهُ أَوْ يُوسَرُ فِي الْأَجَلِ إذْ مَفْهُومُهُ أَنَّهُ إذَا أَيَسَرَ فِي الْأَجَلِ لَمْ يَجُزْ " وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ. وَإِلَى مَسْأَلَةِ الْخِلَافِ فِيهِ أَشَارَ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي قَوْلِهِ: " وَلَوْ شَرَطَ الْأَجَلَ فِي الْحَالِ وَالْغَرِيمُ مُعْسِرٌ يُوسِرُ فِي مِثْلِهِ " مَنَعَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَجَازَهُ أَشْهَبُ. (التَّوْضِيحُ) يَعْنِي لَوْ شَرَطَ الضَّامِنُ التَّأْجِيلَ بِالدَّيْنِ الْحَالِّ عَلَى الْغَرِيمِ وَالْغَرِيمُ حِينَئِذٍ مُعْسِرٌ يُوسِرُ قَبْلَ تَمَامِ الْأَجَلِ فَهَلْ يُمْنَعُ؟ لِأَنَّ الزَّمَانَ الْمُتَأَخِّرَ عَنْ يَسَارِهِ يُعَدُّ صَاحِبُ الْحَقِّ فِيهِ مُسَلِّفًا؛ لِأَنَّهُ أَخَّرَ مَا عَجَّلَ فَيَمْتَنِعُ؛ لِأَنَّهُ مُسَلِّفٌ قَدْ انْتَفَعَ بِالْحَمِيلِ الَّذِي أَخَذَهُ مِنْ غَرِيمِهِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ. وَهَذَا عَلَى أَنَّ الْيَسَارَ الْمُتَرَقَّبَ كَالْمُحَقَّقِ أَوْ يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ اسْتِصْحَابُ عُسْرِهِ، وَيُسْرُهُ قَدْ لَا يَكُونُ فَلَمْ يَضُرَّهُ وَكَانَ الْمُعْسِرُ تَبَرَّعَ بِالضَّمَانِ، وَهُوَ قَوْلُ أَشْهَبَ. أَمَّا إنْ لَمْ يُوسِرْ إلَّا عِنْدَ الْأَجَلِ أَوْ بَعْدَهُ فَيَجُوزُ بِاتِّفَاقٍ وَهَذَا مَفْهُومُ الْمُصَنِّفِ، وَقَوْلُهُ فِي (مِثْلِهِ) لَفْظَةُ (مِثْلِ) زَائِدَةٌ لِأَنَّ الْمُرَادَ فِي الْأَجَلِ قَبْلَ فَرَاغِهِ. وَمَعْنَى قَوْلِهِ (يُوسِرُ قَبْلَ) أَيْ الْغَالِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُوسِرَ قَبْلَهُ كَبَعْضِ أَصْحَابِ الْغَلَّاتِ، وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ (وَالْغَرِيمُ مُعْسِرٌ) أَنَّهُ لَوْ كَانَ مُوسِرًا لَجَازَ، وَكَذَلِكَ نَصَّ عَلَيْهِ اللَّخْمِيُّ. (كَلَامُ التَّوْضِيحِ بِلَفْظِهِ) وَقَدْ أَطَالَ الشَّارِحُ هُنَا بِمَسْأَلَةٍ سُئِلَ عَنْهَا الْأُسْتَاذُ أَبُو سَعِيدِ بْنُ لُبٍّ هِيَ مِنْ مَعْنَى مَا نَحْنُ بِصَدَدِهِ فَلْيُرَاجِعْهَا فِيهِ مَنْ أَرَادَهَا. وَمَا عَلَى الْحَمِيلِ غُرْمُ مَا حَمَلْ ... إنْ مَاتَ مَضْمُونٌ وَلَمْ يَحِنْ أَجَلْ يَعْنِي أَنَّهُ إذَا مَاتَ الْغَرِيمُ الْمَضْمُونُ عَنْهُ قَبْلَ حُلُولِ أَجَلِ الضَّمَانِ فَلَا غُرْمَ عَلَى الْحَمِيلِ إذْ ذَاكَ، فَإِنْ تَرَكَ الْمَضْمُونُ مَالًا أَخَذَهُ صَاحِبُ الدَّيْنِ وَبَرِئَ الضَّامِنُ فَلَا غُرْمَ عَلَيْهِ رَأْسًا، وَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ مَالًا فَلَا غُرْمَ عَلَى الْحَمِيلِ - أَيْ - الْآنَ قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ، وَأَمَّا بَعْدَ حُلُولِهِ فَيَغْرَمُ. فَنَفْيُ الْغُرْمِ عَنْ الْحَمِيلِ الْمَذْكُورِ فِي الْبَيْتِ هُوَ عِنْدَ مَوْتِ الْغَرِيمِ، وَلَا إشْكَالَ أَنَّهُ لَا غُرْمَ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ. (قَالَ فِي الْمُقَرَّبِ) : " وَإِنْ مَاتَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ كَانَ لِلَّذِي لَهُ الْحَقُّ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ مَالِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْكَفِيلَ حَتَّى يَحِلَّ الْأَجَلُ ". وَنَحْوَهُ نَقَلَ الْمَوَّاقُ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ (قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ) : وَمَوْتُ الْغَرِيمِ مَلِيًّا يُوجِبُ تَعْجِيلَ الْقَضَاءِ مِنْ تَرِكَتِهِ، وَمَوْتُهُ عَدِيمًا لَا يُوجِبُ عَلَى الْحَمِيلِ تَعْجِيلَهُ. هَذَا حُكْمُ مَوْتِ الْغَرِيمِ قَبْلَ حُلُولِ أَجْلِ الدَّيْنِ. أَمَّا إذَا مَاتَ الضَّامِنُ قَبْلَ الْأَجَلِ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: قَالَ مَالِكٌ: إذَا مَاتَ الضَّامِنُ قَبْلَ الْأَجَلِ فَلِلطَّالِبِ تَعْجِيلُ حَقِّهِ مِنْ تَرِكَتِهِ ثُمَّ لَا رُجُوعَ لِوَرَثَتِهِ عَلَى الْغَرِيمِ حَتَّى يَحِلَّ الْأَجَلُ وَلَهُ مُحَاصَّةُ غُرَمَائِهِ أَيْضًا. (وَفِي ابْنِ عَرَفَةَ أَثَرُ مَا تَقَدَّمَ عَنْهُ) . وَفِي كَوْنِ مَوْتِ الْحَمِيلِ يُوجِبُ تَعْجِيلَ الْحَقِّ مِنْ تَرِكَتِهِ وَيَقْتَضِيهِ وَارِثُهُ عِنْدَ حُلُولِهِ وَوَقْفِهِ لِحُلُولِهِ فَإِنْ حَلَّ وَالْغَرِيمُ مَلِيٌّ رُدَّ لِوَارِثِهِ وَإِلَّا أَخَذَهُ الطَّالِبُ رِوَايَتَانِ لَهُ وَلِابْنِ وَهْبٍ وَعَبْدِ الْمَلِكِ. وَعَلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى ذَهَبَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ حَيْثُ قَالَ: وَعُجِّلَ بِمَوْتِ الضَّامِنِ وَرَجَعَ وَارِثُهُ بَعْدَ أَجَلِهِ وَقَدْ كُنْتُ نَظَمْتُ بَيْتًا فِي

حُكْمِ مَوْتِ الضَّامِنِ وَهُوَ وَعُجِّلَ الْحَقُّ بِمَوْتِ مَنْ ضَمِنْ ... وَارِثُهُ يَرْجِعُ بَعْدَ أَنْ يَحِنْ قَالَ النَّاظِمُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَيَأْخُذُ الضَّامِنُ مِنْ مَضْمُونِهِ ... ثَابِتَ مَا أَدَّاهُ مِنْ دُيُونِهِ يَعْنِي أَنَّ الضَّامِنَ إذَا أَدَّى الْحَقَّ الَّذِي ضَمِنَهُ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ وَثَبَتَ ذَلِكَ يَعْنِي إمَّا بِبَيِّنَةٍ أَوْ بِإِقْرَارِ الْمَضْمُونِ لَهُ فَإِنَّهُ يُرْجَعُ عَلَى الْمَضْمُونِ عَنْهُ بِمَا أَدَّى عَنْهُ مِنْ الدَّيْنِ. (ابْنُ الْحَاجِبِ) " وَيَرْجِعُ بِمَا أَدَّى بِبَيِّنَةٍ أَوْ بِإِقْرَارِ الْمَضْمُونِ لَهُ وَلَا يَكْفِيهِ إقْرَارُ الْمَضْمُونِ عَنْهُ ". (وَفِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ) " مَنْ تَحَمَّلَ بِعَبْدٍ أَوْ حَيَوَانٍ أَوْ عَرَضٍ أَوْ طَعَامٍ فَأَدَّاهُ الْحَمِيلُ مِنْ عِنْدِهِ رَجَعَ بِذَلِكَ كُلِّهِ بِمِثْلِهِ؛ لِأَنَّهُ سَلَفٌ " (ابْنُ يُونُسَ) وَهُوَ الصَّوَابُ (وَفِي التَّوْضِيحِ) (فَرْعٌ) وَيَرْجِعُ بِمِثْلِ مَا أَدَّى إذَا كَانَ مِثْلِيًّا، وَاخْتُلِفَ إذَا تَكَفَّلَ بِعَرَضٍ وَأَدَّاهُ. فَالْمَشْهُورُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ يَرْجِعُ بِمِثْلِهِ؛ لِأَنَّهُ كَالسَّلَفِ. (وَفِي سَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ) " الْمَطْلُوبُ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ دَفَعَ مِثْلَهُ وَإِنْ شَاءَ دَفَعَ قِيمَتَهُ ". (وَفِي الْوَاضِحَةِ) " لِأَنَّهُ لَا يَغْرَمُ إلَّا مِثْلَهُ " (قَالَ فِي الْبَيَانِ) : " وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ إنْ اشْتَرَى الْعَرَضَ أَنَّهُ يَرْجِعُ بِثَمَنِهِ الَّذِي اشْتَرَاهُ بِهِ مَا لَمْ يُحَابِ فَلَا يَرْجِعْ بِالزِّيَادَةِ " اهـ. وَالشَّاهِدُ الْعَدْلُ لِقَائِمٍ بِحَقْ ... إعْطَاءُ مَطْلُوبٍ بِهِ الضَّامِنَ حَقْ يَعْنِي أَنَّ مَنْ ادَّعَى دَعْوَى وَأَقَامَ عَلَيْهَا شَاهِدًا وَاحِدًا عَدْلًا فَإِنَّ مِنْ حَقِّهِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الْمَطْلُوبِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ضَامِنًا بِذَلِكَ الْحَقَّ. (قَالَ الشَّارِحُ:) لِأَنَّ الْحُكْمَ قَدْ قَارَبَ أَنْ يَتَوَجَّهَ إمَّا بِإِضَافَةِ شَاهِدٍ ثَانٍ لِلْأَوَّلِ، وَإِمَّا بِيَمِينِ الْقَائِمِ مَعَ شَاهِدِهِ، وَأَيَّا مَا كَانَ فَيَجِبُ الْحُكْمُ بِهِ. وَالضَّامِنُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ مِمَّا يَتَعَيَّنُ عَلَى الْمَضْمُونِ عَنْهُ وَيَظْهَرُ أَنَّ هَذَا إنَّمَا يَكُونُ مِنْ عِنْدِ مَنْ يُجِيزُ الْحُكْمَ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ. (فَفِي كِتَابِ ابْنِ يُونُسَ) قَالَ ابْن الْقَاسِمِ: " وَإِنْ سَأَلَهُ كَفِيلًا بِالْحَقِّ حَتَّى يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يُقِيمَ شَاهِدًا فَلَهُ أَخْذُ الْكَفِيلِ وَإِلَّا فَلَا إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ بَيِّنَةً يُحْضِرُهَا مِنْ السُّوقِ أَوْ مِنْ بَعْضِ الْقَبَائِلِ، فَلْيُوقِفْ الْقَاضِي الْمَطْلُوبَ عِنْدَهُ لِمَجِيءِ الْبَيِّنَةِ فَإِنْ جَاءَ بِهَا وَإِلَّا خَلَّى سَبِيلَهُ ". وَهَذَا الَّذِي نَقَلَ ابْنُ يُونُسَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ. وَإِنْ ادَّعَى بَيِّنَةً بِكَالسُّوقِ وَقَفَهُ الْقَاضِي عِنْدَهُ. انْتَهَى كَلَامُ الشَّارِحِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ هُنَا أَنَّ الْحَمِيلَ مَعَ الشَّاهِدِ بِالْوَجْهِ، وَكَذَا ظَاهِرُ كَلَامِهِ آخِرَ الشَّهَادَاتِ حَيْثُ قَالَ: كَحِسَابٍ وَشِبْهِهِ بِكَفِيلٍ بِالْمَالِ كَأَنْ أَرَادَ إقَامَةَ ثَانٍ أَوْ لِإِقَامَةِ بَيِّنَةٍ فَبِالْحَمِيلِ بِالْوَجْهِ عَلَى قَاعِدَتِهِ الْأَكْثَرِيَّةِ مِنْ رُجُوعِ الْقَيْدِ لِمَا بَعْدَ الْكَافِ. وَفِي التَّوْضِيحِ: آخِرِ الشَّهَادَاتِ مَا هُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْحَمِيلَ بِالْمَالِ وَلَفْظُهُ " فَأَمَّا الْمَطْلُوبُ إذَا أُجِّلَ لِدَفْعِ الْبَيِّنَةِ فَلِلطَّالِبِ أَخْذُ حَمِيلٍ بِالْمَالِ ". (الْمَازِرِيُّ) . وَكَذَلِكَ لَوْ أَقَامَ عَلَيْهِ شَاهِدًا وَطَلَبَ ذَلِكَ الْمُدَّعِي أَنْ يَأْتِيَ بِشَاهِدٍ آخَرَ. اهـ مَحَلُّ الْحَاجَةِ مِنْهُ، فَظَاهِرُ قَوْلِ الْمَازِرِيِّ " وَكَذَلِكَ. " إلَخْ أَوْ صَرِيحُهُ أَنَّ الْحَمِيلَ بِالْمَالِ لَا بِالْوَجْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ثُمَّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.

وَضَامِنُ الْوَجْهِ عَلَى مَنْ أَنْكَرَا ... دَعْوَى امْرِئٍ خَشْيَةَ أَنْ لَا يَحْضُرَا مِنْ بَعْدِ تَأْجِيلٍ لِهَذَا الْمُدَّعِي ... بِقَدْرِ مَا اسْتَحَقَّ فِيمَا يَدَّعِي وَقِيلَ إنْ لَمْ يُلْفِ مَنْ يَضْمَنُهُ ... لِلْخَصْمِ لَازِمْهُ وَلَا يَسْجُنُهُ وَأَشْهَبُ بِضَامِنِ الْوَجْهِ قَضَى ... عَلَيْهِ حَتْمًا وَبِقَوْلِهِ الْقَضَا لَمَّا ذَكَرَ فِي الْبَيْتِ قَبْلَ هَذَا حُكْمَ مَنْ ادَّعَى دَعْوَى وَقَامَ لَهُ بِهَا شَاهِدٌ ذَكَرَ هُنَا حُكْمَ مَنْ ادَّعَى دَعْوَى وَلَا مُصَدِّقَ لَهُ مِنْ شَاهِدٍ وَلَا غَيْرِهِ وَزَعَمَ أَنَّ لَهُ بَيِّنَةً عَلَى ذَلِكَ وَأَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَإِنَّ الْحُكْمَ فِي ذَلِكَ أَنْ يَضْرِبَ الْقَاضِي لِلْمُدَّعِي أَجَلًا لِإِثْبَاتِ دَعْوَاهُ بِقَدْرِ مَا يَلِيقُ بِهِ، وَلَا ضَرَرَ فِيهِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَيَأْمُرُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِإِعْطَاءِ حَمِيلٍ بِالْوَجْهِ خَشْيَةَ أَنْ لَا يَجِدَهُ الْمُدَّعِي إذَا أَتَى بِبَيِّنَةٍ. وَلِذَلِكَ قَالَ خَشْيَةَ أَنْ لَا يَحْضُرَ أَيْ لِيُقِيمَ الْبَيِّنَةَ عَلَى عَيْنِهِ. فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَنْ يَضْمَنُهُ فَيَقُولُ لِلْمُدَّعِي لَازِمْهُ وَلَا يَسْجُنُهُ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى. هَذَا مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ. (قَالَ أَشْهَبُ) : " لَا بُدَّ مِنْ ضَامِنِ الْوَجْهِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ سُجِنَ " وَالْقَضَاءُ بِقَوْلِهِ. وَإِنَّمَا يُسْجَنُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ الْمُدَّعِي أَنَّ لَهُ بَيِّنَةً غَائِبَةً وَلَيْسَ فِي النَّظْمِ مَا يُشْعِرُ بِحَلِفِهِ. هَذَا حَاصِلُ مَا نَقَلَ الشَّارِحُ عَنْ الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ مَعَ طُولِ عِبَارَتِهَا. فَقَوْلُهُ (وَضَامِنُ الْوَجْهِ) مُبْتَدَأٌ وَمُضَافٌ إلَيْهِ، وَ (عَلَى مَنْ أَنْكَرَا) خَبَرَهُ أَيْ وَاجِبٌ أَوْ لَازِمٌ، (وَخَشْيَةَ) مَفْعُولٌ مِنْ أَجْلِهِ، وَ (مِنْ بَعْدِ) يَتَعَلَّقُ بِمَا تَعَلَّقَ بِهِ الْخَبَرُ وَفَاعِلُ (اسْتَحَقَّ) لِلْمُدَّعِي أَيْ يُؤَجَّلُ الْمُدَّعِي بِقَدْرِ مَا اسْتَحَقَّ مِنْ التَّأْجِيلِ مِمَّا يَسَعُهُ مِنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ وَلَا ضَرَرَ فِيهِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ وَقِيلَ إنْ لَمْ يُلْفِ مَنْ يَضْمَنُهُ أَيْ يُقَالُ لِلْمُدَّعِي وَهُوَ الَّذِي كَنَّى عَنْهُ بِالْخَصْمِ فَلِلْخَصْمِ يَتَعَلَّقُ بِقِيلِ إنْ لَمْ يُوجَدْ مَنْ يَضْمَنُ وَجْهَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ (لَازِمْهُ) هَذَا هُوَ الْمَحْكِيُّ بِالْقَوْلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَيَبْرَأُ الْحَمِيلُ لِلْوَجْهِ مَتَى ... أَحْضَرَ مَضْمُونًا لِخَصْمٍ مَيِّتَا يَعْنِي أَنَّ الْحَمِيلَ بِالْوَجْهِ الَّذِي اُشْتُرِطَ أَنْ لَا يَغْرَمَ الْمَالَ يَبْرَأُ مِنْ الْحَمَالَةِ بِإِحْضَارِ الْمَضْمُونِ لِلْمَضْمُونِ لَهُ سَوَاءٌ أَحْضَرَهُ حَيًّا أَوْ مَيِّتًا. (قَالَ اللَّخْمِيُّ:) " وَالْحَمَالَةُ بِالْوَجْهِ تَسْقُطُ عَنْ الْحَمِيلِ بِإِحْضَارِ الْمَضْمُونِ وَإِنْ كَانَ مُعْدَمًا، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ حَاضِرَ الْبَلَدِ مَسْجُونًا كَانَ سِجْنُهُ ذَلِكَ فِي حَقٍّ أَوْ تَعَدِّيًا عَلَيْهِ؛ وَلِأَنَّ ذَلِكَ كَمَوْتِهِ إذَا تَعَدَّى عَلَيْهِ بِالسِّجْنِ ". وَمِنْ (الْمُقَرَّبِ) فِي الْحَمَالَةِ بِالْوَجْهِ: " وَإِنْ مَاتَ الْغَرِيمُ بَرِئَ الْحَمِيلُ أَيْضًا، لِأَنَّهُ إنَّمَا تَحَمَّلَ بِنَفْسِهِ وَقَدْ ذَهَبَتْ نَفْسُهُ ". اهـ وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ (أَحْضَرَ) أَنَّهُ إنْ لَمْ يُحْضِرْهُ، وَإِنَّمَا أَثْبَتَ مَوْتَهُ

باب الوكالة وما يتعلق بها

فَإِنَّهُ لَا يَبْرَأُ بِذَلِكَ وَهُوَ كَذَلِكَ. . وَأَخَّرُوا السَّائِلَ لِلْإِرْجَاءِ ... كَالْيَوْمِ عِنْدَ الْحُكْمِ لِلْأَدَاءِ إنْ جَاءَ فِي الْحَالِ بِضَامِنٍ وَإِنْ ... لَمْ يَأْتِ بِالْحَمِيلِ بِالْمَالِ سُجِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ بَابِ الْمِدْيَانِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهَا هُنَا لِمُنَاسَبَتِهَا بِالْبَابِ فِي مُطْلَقِ إعْطَاءِ الضَّامِنِ، وَ (الْإِرْجَاءُ) التَّأْخِيرُ، يَعْنِي أَنَّ الْمِدْيَانَ إذَا حُكِمَ عَلَيْهِ بِأَدَاءِ الدَّيْنِ وَسَأَلَ أَنْ يُؤَخَّرَ الزَّمَانَ الْيَسِيرَ كَالْيَوْمِ وَشِبْهِهِ فَإِنَّهُ يُجَابُ إلَى مَا سَأَلَ لَكِنْ إنْ جَاءَ بِضَامِنٍ يَضْمَنُ الْمَالَ لِصَاحِبِهِ يَعْنِي أَوْ جَاءَ بِرَهْنٍ فَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا فَإِنَّهُ يُسْجَنُ. (فَفِي أَحْكَامِ ابْنِ سَهْلٍ) " سُئِلَ سَحْنُونٌ عَمَّنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَسَأَلَ أَنْ يُؤَخَّرَ يَوْمًا أَوْ نَحْوَهُ قَالَ: يُؤَخَّرُ وَيُعْطِي حَمِيلًا بِالْمَالِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ حَمِيلًا بِالْمَالِ إلَى يَوْمٍ وَلَا وَجَدَ الْمَالَ سُجِنَ ". (وَفِي مُخْتَصَرِ الشَّيْخِ خَلِيلٍ) وَإِنْ وَعَدَ بِقَضَاءِ دَيْنٍ وَسَأَلَ تَأْخِيرَهُ كَالْيَوْمِ أَعْطَى حَمِيلًا بِالْمَالِ وَإِلَّا سُجِنَ. . [بَابُ الْوَكَالَةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا] (ابْنُ عَرَفَةَ) . الْوَكَالَةُ نِيَابَةُ ذِي حَقٍّ غَيْرِ ذِي امْرَأَةٍ وَلَا عِبَادَةٍ لِغَيْرِهِ فِيهِ غَيْرِ مَشْرُوطَةٍ بِمَوْتِهِ. (قَوْلُهُ ذِي حَقٍّ) أَخْرَجَ بِهِ مَنْ لَا حَقَّ لَهُ فَإِنَّهُ لَا نِيَابَةَ لَهُ، (وَقَوْلُهُ غَيْرِ ذِي امْرَأَةٍ) أَخْرَجَ بِهِ الْوِلَايَةَ الْعَامَّةَ وَالْخَاصَّةَ، (وَقَوْلُهُ وَلَا عِبَادَةَ لِغَيْرِهِ فِيهِ) أَخْرَجَ بِهِ إمَامَةَ الصَّلَاةِ (وَقَوْلُهُ لِغَيْرِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِنِيَابَةٍ، وَالضَّمِيرُ عَائِدٌ عَلَى الْمُضَافِ إلَيْهِ الَّذِي هُوَ صَاحِبُ الْحَقِّ، (وَقَوْلُهُ غَيْرِ مَشْرُوطَةٍ بِمَوْتِهِ) أَخْرَجَ بِهِ الْمُوصِي؛ لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ فِيهِ عُرْفًا: وَكِيلٌ، وَلِذَا فَرَّقُوا بَيْنَ (فُلَانٍ وَكِيلِي وَوَصِيِّي) . اهـ وَقَدْ عَقَدَ النَّاظِمُ فِي هَذَا الْبَابِ الْكَلَامَ عَلَى الْوَكَالَةِ بِقِسْمَيْهَا مِنْ تَعْمِيمٍ وَتَخْصِيصٍ. وَمَسَائِلُهَا مِمَّا يَكْثُرُ وُقُوعُهَا بَيْنَ يَدَيْ الْقُضَاةِ. هَذَا مَعَ أَنَّ الْوَارِدَ عَنْ أَهْلِ الْعِلْمِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فِي ذَمِّ الْخُصُومَةِ عَلَى الْجُمْلَةِ وَفِيمَا يَخُصُّ عَيْنَ الْمَسْأَلَةِ مِمَّا لَا يُحْصَى كَثْرَةً، فَمِنْ ذَلِكَ مَا حَكَاهُ الْمُتَيْطِيُّ قَالَ: وَكَرِهَ مَالِكٌ الْخُصُومَاتِ لِذَوِي الْهَيْئَاتِ. وَحُكِيَ عَنْ ابْنِ شَعْبَانَ " قَالَ مَالِكٌ: أُرَى الْمُخَاصِمَ رَجُلَ سَوْءٍ ". وَقَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَبْغَضُ الرِّجَالِ إلَى اللَّهِ الْأَلَدُّ الْخَصِمُ» . (وَفِي جَامِعِ الْبَيَانِ) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: " مَنْ حَالَتْ شَفَاعَتُهُ دُونَ حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ فَقَدْ حَادَّ اللَّهَ، وَمَنْ تَكَلَّمَ فِي خُصُومَةٍ لَا عِلْمَ لَهُ بِهَا لَمْ يَزَلْ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ حَتَّى يَنْزِعَ " يَجُوزُ تَوْكِيلٌ لِمَنْ تَصَرَّفَا ... فِي مَالِهِ لِمَنْ بِذَاكَ اتَّصَفَا يَعْنِي أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يُوَكِّلَ عَلَى قَبْضِ حُقُوقِهِ وَاقْتِضَاءِ دُيُونِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أُمُورِهِ لَكِنْ إنَّمَا لَهُ ذَلِكَ إذَا كَانَ رَشِيدًا لَا حَجْرَ عَلَيْهِ لِأَحَدٍ، وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِقَوْلِهِ (لِمَنْ تَصَرَّفَا فِي مَالِهِ) فَالرُّشْدُ شَرْطٌ فِي الْمُوَكِّلِ بِالْكَسْرِ، وَكَذَلِكَ يُشْتَرَطُ فِي الْمُوَكَّلِ الرُّشْدُ أَيْضًا، وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِقَوْلِهِ (لِمَنْ بِذَاكَ اتَّصَفَا) فَيُشْتَرَطُ فِي الْمُوَكَّلِ بِالْفَتْحِ الرُّشْدُ أَيْضًا، وَفُهِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْمَحْجُورَ لَا يُوَكِّلُ غَيْرَهُ عَلَى حُقُوقِهِ، وَلَا يَكُونُ وَكِيلًا لِغَيْرِهِ. (ابْنُ عَرَفَةَ) . " قَالَ ابْنُ شَاسٍ كُلُّ مَنْ جَازَ تَصَرُّفُهُ لِنَفْسِهِ جَازَ تَوْكِيلُهُ، وَمَنْ جَازَ تَصَرُّفُهُ لِنَفْسِهِ جَازَ كَوْنُهُ وَكِيلًا إلَّا لِمَانِعٍ. وَمَسَائِلُ الْمَذْهَبِ وَاضِحَةٌ بِهِ وَبِامْتِنَاعِ تَوْكِيلِ مَنْ لَيْسَ لَهُ جَائِزُ الْأَمْرِ ". (وَفِي سَمَاعِ يَحْيَى) فِي تَوْكِيلِ بِكْرٍ مَنْ يُخَاصِمُ لَهَا، تَوْكِيلُهَا غَيْرُ جَائِزٍ لَهَا؛ لِأَنَّهَا لَا تَلِي هَذَا مِنْ أَمْرِهَا إنَّمَا يَلِيهِ وَصِيُّهَا وَمَنْ يُوَكِّلُهُ السُّلْطَانُ. وَوَقَعَ فِي الْمُدَوَّنَةِ مَا يُوهِمُ صِحَّةَ وَكَالَةِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ فِي عِتْقِهَا. الثَّانِي إنْ دَفَعَ الْعَبْدُ مَالًا لِرَجُلٍ عَلَى أَنْ يَشْتَرِيَهُ وَيُعْتِقَهُ فَفَعَلَ فَالْبَيْعُ لَازِمٌ، فَإِنْ اسْتَثْنَى مَالَهُ لَمْ يَغْرَمْ الْمَالَ ثَانِيًا وَإِلَّا غَرِمَهُ وَيُعْتَقُ الْعَبْدُ وَلَا يُتْبَعُ بِشَيْءٍ. (ثُمَّ قَالَ الشَّارِحُ) : وَأَمَّا مَنْعُ كَوْنِ الْوَكِيلِ مَحْجُورًا عَلَيْهِ فَقَالَ اللَّخْمِيُّ: لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ تَضْيِيعٌ لِلْمَالِ (قُلْتُ) : وَعَلَيْهِ عَمَلُ أَهْلِ بَلَدِنَا. وَظَاهِرُ كِتَابِ الْمِدْيَانِ جَوَازُهُ، فَفِيهَا مَا نَصُّهُ (قُلْتُ) : إنْ دَفَعْتُ إلَى عَبْدٍ أَجْنَبِيٍّ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ مَالًا يَتَّجِرُ لِي بِهِ أَوْ لِيَتِيمٍ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ ثُمَّ لَحِقَهُمَا دَيْنٌ يَكُونُ فِي ذِمَّتِهِمَا؟ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: " يَكُونُ فِي الْمَالِ الَّذِي دُفِعَ إلَيْهِمَا وَمَا زَادَ فَهُوَ سَاقِطٌ عَنْهُمَا ". (قُلْتُ) : ظَاهِرُهُ جَوَازُ تَوْكِيلِهِمَا إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّمَا تَكَلَّمَ عَلَيْهِ بَعْدَ وُقُوعِهِ.

وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ وَهُوَ الْأَكْثَرُ مِنْ أَخْذِ الشُّيُوخِ الْأَحْكَامَ مِنْ مَفْرُوضَاتِ الْمُدَوَّنَةِ اهـ فَقِفْ عَلَى أَنَّ مَسَائِلَ الْمُدَوَّنَةِ تُؤْخَذُ مِنْهَا الْأَحْكَامُ، وَلَا يُقَالُ إنَّ تِلْكَ الْأَحْكَامَ هِيَ بَعْدَ الْوُقُوعِ وَالنُّزُولِ لَا ابْتِدَاءً وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَفِي شَرْحِ الْحَطَّابِ لِقَوْلِ الشَّيْخِ خَلِيلٍ فِي بَابِ الشَّرِكَةِ " وَإِنَّمَا تَصِحُّ مِنْ أَهْلِ التَّوْكِيلِ " بَعْدَ أَنْ أَطَالَ الْكَلَامَ عَلَى تَوْكِيلِ الْمَحْجُورِ وَتَوَكُّلِهِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى بِكْرًا أَوْ غَيْرَهَا. ثُمَّ قَالَ: " فَتَحَصَّلَ مِنْ هَذِهِ النُّقُولِ أَنَّ تَوْكِيلَ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ فِي الْخِصَامِ فِي تَخْلِيصِ مَالِهِ وَطَلَبِ حُقُوقِهِ لَا يَجُوزُ عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ "، وَيَصِحُّ عَلَى مَا قَالَهُ فِي اللُّبَابِ وَنَقَلَهُ فِي مُعِينِ الْحُكَّامِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ. وَتَقَدَّمَ أَنَّ غَيْرَهُ خَالَفَهُ. فِيهِ وَأَمَّا تَوْكِيلُهُ عَلَى الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فِي مَالِهِ فَلَا يَجُوزُ وَلَمْ أَرَ فِيهِ خِلَافًا بَعْدَ الْبَحْثِ إلَّا مَا يُؤْخَذُ مِنْ مَسْأَلَةِ الْعِتْقِ الَّتِي فِي الْمُدَوَّنَةِ وَالْعُتْبِيَّةِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهَا. وَأَمَّا تَوْكِيلُ الْمَرْأَةِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهَا فِي لَوَازِمِ عِصْمَتِهَا فَيَجُوزُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي التَّوْضِيحِ بَلْ لَيْسَ لِوَلِيِّهَا الْقِيَامُ بِذَلِكَ إلَّا بِتَوْكِيلٍ مِنْهَا كَمَا تَقَدَّمَ. وَأَمَّا كَوْنُ الْمَحْجُورِ عَلَيْهَا وَكِيلًا فَيَجُوزُ عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَصَرَّحَ بِهِ ابْنُ رُشْدٍ مِنْ أَنَّهُ يَجُوزُ بِلَا خِلَافٍ وَصَرَّحَ بِهِ ابْنُ رَاشِدٍ فِي اللُّبَابِ وَأَفْتَى بِهِ ابْنُ الْحَاجِّ. وَيُؤْخَذُ مِنْ مَسْأَلَةِ الْعِتْقِ الثَّانِي مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَمِنْ مَسْأَلَةِ كِتَابِ الْمِدْيَانِ مِنْهَا وَلَا يَجُوزُ عَلَى مَا قَالَهُ اللَّخْمِيُّ. (وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ) : عَلَيْهِ عَمَلُ أَهْلِ بَلَدِنَا، وَمَشَى عَلَيْهِ صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ وَتَابِعُوهُ كَالْقَرَافِيِّ وَابْنِ الْحَاجِبِ وَقَبْلَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْمُؤَلِّفُ فِي تَوْضِيحِهِ وَغَيْرُهُمْ، فَتَحَصَّلَ فِي ذَلِكَ طَرِيقَانِ. قَالَ: وَإِنَّمَا أَطَلْت الْكَلَامَ فِي هَذَا؛ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَتَكَلَّمُ عَلَيْهِ فِي الْوَكَالَةِ، وَيُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِ هُنَا الْمَنْعُ مِنْ تَوْكِيلِهِ وَتَوَكُّلِهِ وَهِيَ إحْدَى الطَّرِيقَيْنِ كَمَا عَمِلْتَ وَلَكِنْ يُقَيَّدُ ذَلِكَ فِيمَا عَدَا تَوْكِيلَ الْمَحْجُورِ عَلَيْهَا فِي لَوَازِمِ الْعِصْمَةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ اهـ. (وَلِمَنْ تَصَرَّفَا) يُحْتَمَلُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِتَوْكِيلٌ أَوْ بِيَجُوزُ (لِمَنْ بِذَاكَ اتَّصَفَا) يَتَعَلَّقُ بِتَوْكِيلٌ وَ (بِذَاكَ اتَّصَفَا) وَالْإِشَارَةُ لِلتَّصَرُّفِ فِي الْمَالِ. وَمَنَعُوا التَّوْكِيلَ لِلذِّمِّيِّ ... وَلَيْسَ إنْ وَكَّلَ بِالْمَرْضِيِّ يَعْنِي أَنَّ الْفُقَهَاءَ مَنَعُوا أَنْ يُوَكِّلَ الْمُسْلِمُ ذِمِّيًّا؛ لِكَوْنِهِ لَا يَتَّقِي الْحَرَامَ فِي مُعَامَلَاتِهِ، وَكَذَلِكَ لَمْ يَرْتَضُوا أَنْ يَكُونَ الْمُسْلِمُ وَكِيلًا لِذِمِّيٍّ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ إهَانَتِهِ وَالِاعْتِذَارِ عَلَيْهِ. (قَالَ الشَّارِحُ) : وَكَأَنَّ الْحُكْمَ بِعَدَمِ الْجَوَازِ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى أَشَدُّ وَلِذَلِكَ عَبَّرَ عَنْهُ الشَّيْخُ بِلَفْظِ الْمَنْعِ، وَفِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ بِنَفْيِ الرِّضَا اهـ. (قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ) : " قَالَ مَالِكٌ: " لَا يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَسْتَأْجِرَ نَصْرَانِيًّا إلَّا لِخِدْمَةٍ فَأَمَّا لِبَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ أَوْ تَقَاضٍ أَوْ لِيُبْضِعَ مَعَهُ فَلَا يَجُوزُ لِعَمَلِهِمْ بِالرِّبَا وَاسْتِحْلَالِهِمْ لَهُ ". (قَالَ مَالِكٌ) : " وَكَذَا عَبْدُهُ النَّصْرَانِيُّ لَا يَجُوزُ أَنْ يَأْمُرَهُ بِبَيْعِ شَيْءٍ وَلَا شِرَائِهِ وَلَا اقْتِضَائِهِ، وَلَا يَمْنَعُ الْمُسْلِمُ عَبْدَهُ النَّصْرَانِيَّ أَنْ يَأْتِيَ الْكَنِيسَةَ وَلَا مِنْ شُرْبِ الْخَمْرِ وَأَكْلِ الْخِنْزِيرِ ". (قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ) : " وَلَا يُشَارِكُ الْمُسْلِمُ ذِمِّيًّا إلَّا أَنْ لَا يَغِيبَ عَلَى بَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ إلَّا بِحَضْرَةِ الْمُسْلِمِ ". قَالَ: " وَلَا بَأْسَ أَنْ يُسَاقِيَهُ إذَا كَانَ الذِّمِّيُّ لَا يَعْصِرُ حِصَّتَهُ خَمْرًا ". قَالَ: " وَلَا أُحِبُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَدْفَعَ لِذِمِّيٍّ قِرَاضًا لِعَمَلِهِ بِالرِّبَا وَلَا يَأْخُذُ مِنْهُ قِرَاضًا لِئَلَّا يُذِلَّ نَفْسَهُ ". يُرِيدُ: " وَإِنْ وَقَعَ لَمْ يُفْسَخْ " اهـ. وَهَذَا النَّصُّ كُلُّهُ فِي الْفَرْعِ الْأَوَّلِ أَعْنِي تَوْكِيلَ الْمُسْلِمِ الذِّمِّيَّ إلَّا قَوْلَهُ آخِرًا وَلَا يَأْخُذُ مِنْهُ قِرَاضًا لِئَلَّا

يُذِلَّ نَفْسَهُ فَإِنَّهُ شَاهِدٌ لِلْفَرْعِ الثَّانِي وَهُوَ كَوْنُ الْمُسْلِمِ وَكِيلًا لِلذِّمِّيِّ، وَالْمُرَادُ بِالذِّمِّيِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمِ الْكَافِرُ مِنْ حَيْثُ هُوَ ذِمِّيًّا كَانَ أَوْ حَرْبِيًّا. (وَفِي طُرَرِ ابْنِ عَاتٍ) قَالَ الشَّعْبَانِيُّ: الْوَكَالَاتُ أَمَانَاتٌ وَيَنْبَغِي لِأُولِي الْأَمَانَاتِ أَنْ لَا يُوَكِّلُوا أُولِي الْخِيَانَاتِ. (قَالَ مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ) : كَفَى بِالْمَرْءِ خِيَانَةً أَنْ يَكُونَ أَمِينًا لِلْخَوَنَةِ. وَمَنْ عَلَى قَبْضٍ صَبِيًّا قَدَّمَا ... فَقَبْضُهُ بَرَاءَةٌ لِلْغُرَمَا تَقَدَّمَ أَنَّ مِنْ شَرْطِ الْوَكِيلِ أَنْ يَكُونَ رَشِيدًا لِقَوْلِهِ فِي الشَّطْرِ الثَّانِي مِنْ الْبَيْتِ الْأَوَّلِ (لِمَنْ بِذَاكَ اتَّصَفَا) وَذَكَرَ هُنَا أَنَّ مَنْ قَدَّمَ أَيْ وَكَّلَ صَبِيًّا عَلَى قَبْضِ دَيْنٍ فَقَبَضَهُ فَإِنَّ الْغَرِيمَ يَبْرَأُ بِالدَّفْعِ لَهُ. (قَالَ فِي نَوَازِلِ ابْنِ الْحَاجِّ) : " مَنْ وَكَّلَ عَلَى قَبْضِ دَيْنٍ لَهُ صَبِيًّا قَبْلَ الْبُلُوغِ فَقَبْضُهُ بَرَاءَةٌ لِلْغُرَمَاءِ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْحَقِّ قَدْ رَضِيَ بِهِ وَأَنْزَلَهُ مَنْزِلَتَهُ ". وَظَاهِرُ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ كَالْمُخَالِفِ لِهَذِهِ الْفَتْوَى مِنْ كَوْنِهِ عَلَّلَ الْمَنْعَ مِنْ تَوْكِيلِ مَنْ لَيْسَ لَهُ بِجَائِزِ الْأَمْرِ بِأَنَّهُ تَضْيِيعٌ لِلْمَالِ، فَعَلَى ذَلِكَ كَانَ النَّظَرُ هُنَا أَنْ تُمْنَعَ هَذِهِ الْوَكَالَةُ فَتَأَمَّلْهُ. (وَفِي طُرَرِ ابْنِ عَاتٍ) " وَلَا يُوَكِّلُ مُسْلِمٌ لِكَافِرٍ، وَلَا كَبِيرٌ لِطِفْلٍ، وَلَا طِفْلٌ لِكَبِيرٍ مِنْ الِاسْتِغْنَاءِ " فَمَنْ مَوْصُولَةٌ مُبْتَدَأٌ صِلَتُهُ قَدَّمَا، (وَصَبِيًّا) مَفْعُولُهُ (وَعَلَى قَبْضٍ) يَتَعَلَّقُ بِقَدِمَ، وَجُمْلَةُ (فَقَبْضُهُ بَرَاءَةٌ) خَبَرُ مَنْ، (وَلِلْغُرَمَاءِ) يَتَعَلَّقُ بِبَرَاءَةٍ انْتَهَى. وَجَازَ لِلْمَطْلُوبِ أَنْ يُوَكِّلَا ... وَمَنْعُ سَحْنُونٍ لَهُ قَدْ نُقِلَا يَعْنِي أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمَطْلُوبِ أَنْ يُوَكِّلَ مَنْ يُخَاصِمُ عَنْهُ وَيَدْفَعُ حُجَّةَ طَالِبِهِ، كَمَا يَجُوزُ لِلْمَطْلُوبِ عِنْدَ سَائِرِ الْفُقَهَاءِ إلَّا سَحْنُونًا؛ فَإِنَّهُ أَبَاحَ ذَلِكَ لِلطَّالِبِ وِفَاقًا لِغَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ، وَمَنَعَ ذَلِكَ لِلْمَطْلُوبِ. (قَالَ الْمُتَيْطِيُّ) : فَإِذَا أَرَادَ الرَّجُلُ التَّوْكِيلَ جَازَ ذَلِكَ لَهُ طَالِبًا كَانَ أَوْ مَطْلُوبًا هَذَا هُوَ الْقَوْلُ الْمَشْهُورُ الَّذِي جَرَى عَلَيْهِ الْعَمَلُ. وَكَانَ سَحْنُونٌ لَا يَقْبَلُ مِنْ الْمَطْلُوبِ وَكِيلًا إلَّا مِنْ امْرَأَةٍ لَا يَخْرُجُ مِثْلُهَا أَوْ مَرِيضٍ أَوْ مُرِيدِ سَفَرٍ أَوْ مَنْ تَبَيَّنَ عُذْرُهُ أَوْ مَنْ كَانَ فِي شُغْلِ الْأَمِيرِ أَوْ عَلَى خُطَّةٍ لَا يَسْتَطِيعُ مُفَارَقَتَهَا كَالْحِجَابَةِ وَغَيْرِهَا، وَكَانَ يَقْبَلُ التَّوْكِيلَ مِنْ كُلِّ طَالِبٍ. وَحَيْثُمَا التَّوْكِيلُ بِالْإِطْلَاقِ ... فَذَلِكَ التَّفْوِيضُ بِاتِّفَاقِ يَعْنِي أَنَّ الْوَكَالَةَ عَلَى وَجْهَيْنِ تَكُونُ مُفَوَّضَةً أَيْ عَامَّةً فِي كُلِّ شَيْءٍ فَلَا تُخَصُّ بِشَيْءٍ مِنْ الْأَشْيَاءِ، وَتَكُونُ مُقَيَّدَةً كَوَكَّلْتُكَ عَلَى كَذَا فَتَخْتَصُّ بِذَلِكَ فَإِذَا وَرَدَ لَفْظُ التَّوْكِيلِ مُطْلَقًا غَيْرَ مُقَيَّدٍ بِشَيْءٍ فَيُحْمَلُ عَلَى الْوَكَالَةِ الْمُفَوَّضَةِ الْعَامَّةِ فِي جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ. وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِالْبَيْتِ، وَفُهِمَ مِنْهُ أَنَّ لَفْظَ التَّوْكِيلِ إذَا كَانَ مُقَيَّدًا بِشَيْءٍ فَإِنَّهُ يَتَقَيَّدُ بِهِ وَلَا يَتَعَدَّاهُ لِغَيْرِهِ (ابْنُ عَرَفَةَ) شَرْطُ صِحَّتِهَا عِلْمُ مُتَعَلَّقِهَا خَاصًّا أَوْ عَامًّا بِلَفْظٍ أَوْ قَرِينَةٍ أَوْ عُرْفٍ خَاصٍّ أَوْ عَامٍّ، فَلَوْ أَتَى لَفْظُ التَّوْكِيلِ مُطْلَقًا كَأَنْتَ وَكِيلِي أَوْ وَكَّلْتُكَ فَطَرِيقَانِ (فَقَالَ ابْنُ بَشِيرٍ) وَابْنُ شَاسٍ: " لَغْوٌ "، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ: " لَمْ يُفِدْ. " وَقَالَ ابْن رُشْدٍ: إنَّمَا

تَكُونُ الْوَكَالَةُ مُفَوَّضَةً فِي كُلِّ شَيْءٍ إذَا لَمْ يُسَمَّ فِيهَا شَيْءٌ، وَلِهَذَا قَالُوا فِي الْوَكَالَةِ إذَا طَالَتْ قَصُرَتْ وَإِذَا قَصُرَتْ طَالَتْ وَكَذَلِكَ الْوَصِيَّةُ إذَا قَالَ الرَّجُلُ فُلَانٌ وَصِيِّي وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ كَانَ وَصِيًّا لَهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ فِي مَالِهِ وَبُضْعِ بَنَاتِهِ وَإِنْكَاحِ بَنِيهِ الصِّغَارِ، وَهَذَا قَوْلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ. وَلَيْسَ يَمْضِي غَيْرُ مَا فِيهِ نَظَرْ ... إلَّا بِنَصٍّ فِي الْعُمُومِ مُعْتَبَرْ يَعْنِي أَنَّ فِعْلَ الْوَكِيلِ مَاضٍ لَا يُرَدُّ إلَّا مَا كَانَ مِنْهُ غَيْرَ نَظَرٍ وَغَيْرَ سَدَادٍ فَيُرَدُّ، وَلَا يَمْضِي إلَّا أَنْ يَنُصَّ لَهُ الْمُوَكِّلُ عَلَى الْعُمُومِ وَالِاسْتِغْرَاقِ، وَأَنَّ فِعْلَهُ مَاضٍ نَظَرًا كَانَ أَوْ غَيْرَ نَظَرٍ فَيَمْضِي وَلَوْ كَانَ غَيْرَ نَظَرٍ إلَّا فِي أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ: طَلَاقِ زَوْجَتِهِ،، وَإِنْكَاحِ أَبْكَارِ بَنَاتِهِ، وَبَيْعِ دَارِ سُكْنَاهُ، وَعِتْقِ عَبْدِهِ، فَلَا يَمْضِي فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَلَوْ فُوِّضَ لَهُ فِي النَّظَرِ وَغَيْرِهِ. (قَالَ فِي التَّوْضِيحِ) " وَشَرَطَ الْمُصَنِّفُ أَنْ يَكُونَ تَصَرُّفُهُ نَظَرًا؛ لِأَنَّهُ مَعْزُولٌ عَنْ غَيْرِهِ بِالْعَادَةِ إلَّا أَنْ يُصَرِّحَ لَهُ بِذَلِكَ فَيَقُولُ نَظَرًا وَغَيْرَ نَظَرٍ " " وَفِيهِ نَظَرٌ إذْ لَا يَأْذَنُ الشَّرْعُ فِي السَّفَهِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَضْمَنَ الْوَكِيلُ إذْ لَا يَحِلُّ لَهُمَا ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ". (ابْنُ رَاشِدٍ) . وَذَكَرَ غَيْرُ الْمُصَنِّفِ وَابْنُ شَاسٍ وَابْنُ رُشْدٍ أَنَّهُ يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ بَيْعُ دَارِ السُّكْنَى، وَبَيْعُ الْعَبْدِ، وَزَوَاجُ الْبِكْرِ، وَطَلَاقُ الزَّوْجَةِ. إذْ الْعُرْفُ قَاضٍ بِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَنْدَرِجُ تَحْتَ عُمُومِ التَّفْوِيضِ، وَإِنَّمَا يَفْعَلُهُ الْوَكِيلُ إذَا وَقَعَ النَّصُّ عَلَيْهِ اهـ (الْحَطَّابُ) . فَقَوْله إلَّا الطَّلَاقَ وَإِنْكَاحَ بِكْرِهِ. . إلَخْ مُسْتَثْنًى مِنْ قَوْلِهِ " وَغَيْرُ نَظَرٍ " وَإِذَا اُسْتُثْنِيَتْ هَذِهِ مَعَ وُجُودِ هَذَا الْقَيْدِ فَأَحْرَى أَنْ تُسْتَثْنَى فِي عَدَمِهِ. ثُمَّ قَالَ الْحَطَّابُ: " وَفَهِمَ ابْنُ فَرْحُونٍ كَلَامَ ابْنِ الْحَاجِبِ عَلَى خِلَافِ مَا فَهِمَهُ الْمُصَنِّفُ وَابْنُ عَرَفَةَ فَقَالَ هَذَا مِثَالٌ لِوَكَالَةِ التَّفْوِيضِ وَلَفْظُ مَا يَقْتَضِي الْعُمُومَ وَمَعْنَاهُ، فَلَوْ قَالَ لَهُ وَكَّلْتُكَ بِمَا تُعَاطِيهِ مِنْ بَيْعٍ وَشِرَاءٍ وَطَلَاقٍ وَعِتْقٍ وَقَلِيلِ الْأَشْيَاءِ وَكَثِيرِهَا جَازَ فِعْلُ الْوَكِيلِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ عَلَى وَجْهِ النَّظَرِ، وَعَكْسُهُ هُوَ مَعْزُولٌ عَنْهُ بِالْعَادَةِ إلَّا أَنْ يَقُولَ لَهُ افْعَلْ مَا رَأَيْتَ كَانَ نَظَرًا عِنْدَ أَهْلِ الْبَصَرِ وَالْمَعْرِفَةِ أَوْ غَيْرَ نَظَرٍ، وَلَيْسَ مُرَادُهُ افْعَلْ مَا شِئْتَ وَإِنْ كَانَ سَفَهًا كَمَا فَهِمَهُ صَاحِبُ التَّوْضِيحِ " (ثُمَّ قَالَ ح) : وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ مَعْنَى قَوْلِهِمْ: " وَيَمْضِي النَّظَرُ أَيْ " مَا فِيهِ مَصْلَحَةٌ تَعُودُ بِتَنْمِيَةِ الْمَالِ لَا التَّبَرُّعَاتِ كَالْعِتْقِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ إلَّا أَنْ يَقُولَ: وَكَّلْتُكَ وَكَالَةً مُفَوَّضَةً وَأَذِنْتُ لَك أَنْ تَفْعَلَ جَمِيعَ مَا تَرَاهُ. وَإِنْ كَانَ غَيْرَ نَظَرٍ أَيْ لَيْسَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ تَعُودُ بِتَنْمِيَةِ الْمَالِ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَتَمْضِي التَّبَرُّعَاتُ، وَلَا يُقَالُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ: إنَّهَا سَفَهٌ أَوْ فَسَادٌ إلَّا مَا تَفَاحَشَ مِنْ ذَلِكَ وَخَرَجَ عَنْ الْحَدِّ وَلَمْ يَكُنْ فَاعِلُهُ مِنْ أَهْلِ الْيَقِينِ وَالتَّوَكُّلِ، فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. . وَذَا لَهُ تَقْدِيمُ مَنْ يَرَاهُ ... بِمِثْلِهِ أَوْ بَعْضِ مَا اقْتَضَاهُ وَمَنْ عَلَى مُخَصَّصٍ وُكِّلَ لَمْ ... يُقَدِّمْ إلَّا إنْ بِهِ الْجَعْلُ حَكَمْ الْإِشَارَةُ إلَى الْوَكِيلِ الْمُفَوَّضِ لَهُ يَعْنِي أَنَّ الْوَكِيلَ الْمُفَوَّضَ إلَيْهِ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ عَلَى مِثْلِ مَا وُكِّلَ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى بَعْضِهِ، وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِالْبَيْتِ الْأَوَّلِ، وَأَمَّا الْوَكِيلُ الْمَخْصُوصُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ إلَّا إنْ جُعِلَ لَهُ ذَلِكَ، وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِالْبَيْتِ الثَّانِي. (قَالَ الْمُتَيْطِيُّ) : " وَذَكَرْنَا فِي هَذَا النَّصِّ أَنَّهُ: إنْ أَذِنَ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ عَنْهُ

مَنْ شَاءَ إلَخْ هُوَ أَحْسَنُ مِنْ إسْقَاطِ ذِكْرِهِ لِاخْتِلَافِ الشُّيُوخِ الْمُتَقَدِّمِينَ فِي ذَلِكَ، فَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ يَقُولُ: إذَا وَكَّلَهُ تَوْكِيلًا مُفَوَّضًا فَلَهُ أَنْ يُوَكِّلَ غَيْرَهُ وَإِنْ لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهِ الْمُوَكِّلُ، وَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ يَقُولُ: لَيْسَ لِلْوَكِيلِ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَنُصَّ فِي تَوْكِيلِهِ عَلَى ذَلِكَ ". (قَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ) : " وَلَا أَحْفَظُ فِي ذَلِكَ قَوْلًا مَنْصُوصًا لِأَحَدٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ الْمُتَقَدِّمِينَ ". وَالْأَظْهَرُ أَنَّ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ؛ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ قَدْ أَنْزَلَهُ مَنْزِلَتَهُ وَجَعَلَهُ عِوَضَهُ فَلَهُ أَنْ يَفْعَلَ مَا كَانَ لِمُوَكِّلِهِ أَنْ يَفْعَلَهُ اهـ. (وَفِي ابْنِ سَلْمُونٍ) : " وَلِلْمُفَوَّضِ إلَيْهِ أَنْ يُقَدِّمَ عَنْ مُوَكِّلِهِ غَيْرَهُ بِمِثْلِ ذَلِكَ أَوْ بِمَا يَقْتَضِيهِ رَأْيُهُ مِنْ مَعَانِي التَّفْوِيضِ الْمَذْكُورَةِ، وَقِيلَ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ حَتَّى يُنَصَّ لَهُ عَلَيْهِ ". (قَالَ ابْنُ رُشْدٍ) : " وَلَا أَعْلَمُ لِلْمُتَقَدِّمِينَ فِي ذَلِكَ نَصًّا، وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا الْمُتَأَخِّرُونَ فِي ذَلِكَ ". وَالْأَظْهَرُ أَنَّ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ وَإِنْ لَمْ يَجْعَلْ لَهُ الْمُوَكِّلُ ذَلِكَ. فَمَنْ أَرَادَ الْخُرُوجَ مِنْ الْخِلَافِ فَلْيَكْتُبْ فِي الْعَقْدِ مَا نَصُّهُ: " وَجَعَلَ لَهُ أَنْ يُفَوِّضَ عَنْهُ إلَى مَنْ شَاءَ بِمِثْلِ ذَلِكَ ". أَوْ بِمَا شَاءَ مِنْ الْفُصُولِ الْمُنْدَرِجَةِ تَحْتَ عُمُومِهِ، وَالْعَزْلُ وَالتَّبْدِيلُ مَا أَحَبَّ. وَأَمَّا الْوَكِيلُ الْمَخْصُوصُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ بِاتِّفَاقٍ إلَّا أَنْ يَجْعَلَ لَهُ ذَلِكَ الْمُوَكِّلُ اهـ. (تَنْبِيهٌ) اسْتَثْنَى ابْنُ الْحَاجِبِ مِنْ الْوَكِيلِ الْمَخْصُوصِ مَسْأَلَتَيْنِ: (الْأُولَى) أَنْ يَكُونَ الْوَكِيلُ لَا يَلِيقُ بِهِ تَوَلِّي الْمُوَكَّلِ فِيهِ كَمَنْ وَكَّلَ رَجُلًا شَرِيفًا مَعْرُوفًا بِالْجَلَالَةِ عَلَى بَيْعِ ثَوْبٍ أَوْ دَابَّةٍ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ لَمَّا كَانَ لَا يَتَصَرَّفُ فِي هَذَا لِنَفْسِهِ كَانَ ذَلِكَ قَرِينَةً فِي إجَازَةِ تَوْكِيلِهِ غَيْرَهُ فَكَانَ ذَلِكَ كَالتَّصْرِيحِ بِإِجَازَةِ التَّوْكِيلِ. (وَالثَّانِيَةُ) أَنْ يُوَكِّلَهُ عَلَى أُمُورٍ كَثِيرَةٍ لَا يُمْكِنُ الْوَكِيلُ أَنْ يَسْتَقِلَّ بِهَا؛ لِأَنَّهُ بِالْعَادَةِ قَدْ أَذِنَ لَهُ فِي التَّوْكِيلِ اُنْظُرْ التَّوْضِيحَ. (وَمُخَصَّصٍ) فِي الْبَيْتِ الثَّانِي بِفَتْحِ الصَّادِ اسْمُ مَفْعُولٍ نَعْتٌ لِمَحْذُوفٍ أَيْ وَوُكِّلَ عَلَى شَيْءٍ مَخْصُوصٍ، وَالْمُخَصِّصُ لَهُ الْمُوَكِّلُ؛ (وَالْجَعْلُ) بِفَتْحِ الْجِيمِ فَاعِلٌ بِفِعْلٍ يُفَسِّرُهُ حُكِمَ، فَهُوَ إمَّا بِمَعْنَى اسْمِ الْفَاعِلِ أَيْ الْجَاعِلِ وَإِمَّا عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ ذُو الْجَعْلِ، وَالْمُرَادُ بِهِ الْمُوَكِّلُ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَمَعْنَى (لَمْ يُقَدِّمْ) أَيْ لَمْ يُوَكِّلْ، وَمَعْنَى (حُكِمَ بِهِ) أَيْ جُعِلَ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ لَهُ، وَضَمِيرُ بِهِ لِلتَّقْدِيمِ الْمَفْهُومِ مِنْ قَوْلِهِ لَمْ يُقَدِّمْ. وَمَا مِنْ التَّوْكِيلِ لِاثْنَيْنِ فَمَا ... زَادَ مِنْ الْمَمْنُوعِ عِنْدَ الْعُلَمَا يَعْنِي أَنَّ الْعُلَمَاءَ أَيْ الْفُقَهَاءَ مَنَعُوا مِنْ تَوْكِيلِ وَكِيلَيْنِ اثْنَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ ضَرَرًا عَلَى الْمُوَكَّلِ عَلَيْهِ. (قَالَ الْمُتَيْطِيُّ) : " وَلَا يَجُوزُ لِرَجُلٍ وَلَا امْرَأَةٍ أَنْ يُوَكِّلَ فِي الْخِصَامِ أَكْثَرَ مِنْ وَكِيلٍ وَاحِدٍ، وَلَا يَجُوزُ تَوْكِيلُ وَكِيلَيْنِ " اهـ. وَهَذَا فِي التَّوْكِيلِ عَلَى الْخُصُومَةِ، وَأَمَّا بَيْعٌ أَوْ شِرَاءٌ أَوْ نِكَاحٌ وَنَحْوُهَا فَيَجُوزُ تَوْكِيلُ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ. (وَمَا) مُبْتَدَأٌ مَوْصُولٌ، وَ (مِنْ التَّوْكِيلِ) يَتَعَلَّقُ بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ أَيْ مَا يَقَعُ صِلَةَ مَا، (وَلِاثْنَيْنِ) يَتَعَلَّقُ بِتَوْكِيلٍ، وَ (مَا) عَطْفٌ عَلَى اثْنَيْنِ، (وَزَادَ) صِلَةُ مَا الثَّانِيَةِ، وَ (مِنْ الْمَمْنُوعِ) خَبَرُ مَا الْأُولَى وَ (عِنْدَ) يَتَعَلَّقُ بِالْمَمْنُوعِ. وَالنَّقْصُ لِلْإِقْرَارِ وَالْإِنْكَارِ مِنْ ... تَوْكِيلِ الِاخْتِصَامِ بِالرَّدِّ قَمِنْ وَحَيْثُ الْإِقْرَارُ أَتَى بِمَعْزِلِ ... مِنْ الْخِصَامِ فَهُوَ غَيْرُ مُعْمَلِ يَعْنِي أَنَّ التَّوْكِيلَ عَلَى الْخُصُومَةِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ الْإِقْرَارُ وَالْإِنْكَارُ أَيْ لَمْ يَجْعَلْ الْمُوَكِّلُ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُقِرَّ عَنْهُ أَوْ يُنْكِرَ، وَعَنْ عَدَمِ فِعْلِ ذَلِكَ عَبَّرَ بِالنَّقْصِ، فَرَدَّ الْمُوَكَّلُ عَلَيْهِ التَّوْكِيلَ؛ لَمَّا انْتَقَصَ مِنْهُ مِنْ الْإِقْرَارِ وَالْإِنْكَارِ. قَالَ: لَا أُخَاصِمُكَ حَتَّى يَجْعَلَ لَك الْإِقْرَارَ وَالْإِنْكَارَ، فَإِنَّ ذَلِكَ التَّوْكِيلَ الْمَنْقُوصَ مِنْهُ ذَلِكَ حَقِيقٌ بِأَنْ يُرَدَّ؛ لِمَا لِخَصْمِهِ فِي ذَلِكَ مِنْ الْحَقِّ. (وَقَمِنْ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَكَسْرِ الْمِيمِ أَيْ حَقِيقٌ وَهُوَ خَبَرُ النَّقْصِ وَلِلْإِقْرَارِ، وَ (مِنْ تَوْكِيلِ) يَتَعَلَّقَانِ بِالنَّقْصِ، وَكَانَ الْمُرَادُ أَنَّ التَّوْكِيلَ عَلَى الْخِصَامِ الْمَنْقُوصِ مِنْهُ الْإِقْرَارُ وَالْإِنْكَارُ إذَا رَدَّهُ الْخَصْمُ فَهُوَ حَقِيقٌ بِأَنْ يُرَدَّ، وَأَشَارَ بِذَلِكَ إلَى قَوْلِ الْمُتَيْطِيِّ " وَقَوْلُنَا فِي النَّقْصِ وَعَلَى الْإِقْرَارِ عَلَيْهِ وَالْإِنْكَارِ عَنْهُ هُوَ مِمَّا لَا بُدَّ مِنْهُ وَلَا يَتِمُّ التَّوْكِيلُ عَلَى

الْمُخَاصَمَةِ إلَّا بِهِ فَإِنْ لَمْ يُذْكَرْ فِيهِ الْإِقْرَارُ وَالْإِنْكَارُ كَانَ لِخَصْمِهِ أَنْ يَضْطَرَّهُ إلَى التَّوْكِيلِ عَلَى هَذَيْنِ الْفَصْلَيْنِ هَذَا، هُوَ الْقَوْلُ الْمَشْهُورُ الْمَعْلُومُ، وَبِهِ جَرَى الْعَمَلُ عِنْدَ الْقُضَاةِ وَالْحُكَّامِ " اهـ. وَهَذَا هُوَ قَوْلُ ابْنِ الْعَطَّارِ وَبِهِ جَرَى الْعَمَلُ، فَلِذَلِكَ اعْتَمَدَهُ النَّاظِمُ. وَفِي نَوَازِلِ أَصْبَغَ خِلَافُهُ ثُمَّ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَقَدْ نَزَلَتْ فَقَضَى فِيهَا بِأَنْ لَا يُقْبَلَ إلَّا أَنْ يَحْضُرَ مَعَ وَكِيلِهِ لِيُقِرَّ بِمَا يُوقَفُ عَلَيْهِ خَصْمُهُ أَوْ يَكُونَ فِي وَقْتِ الْحُكْمِ قَرِيبًا مِنْ مَجْلِسِ الْقَاضِي اهـ. (ابْنُ عَرَفَةَ) وَفِي (نَوَازِلِ أَصْبَغَ) : " وَهِيَ عَلَى الْخِصَامِ فَقَطْ لَا تَشْمَلُ صُلْحًا وَلَا إقْرَارًا وَلَا يَصِحُّ مِنْ الْوَكِيلِ أَحَدُهُمَا إلَّا أَنْ يَنُصَّ مُوَكِّلُهُ عَلَيْهِ. " (وَفِي التَّوْضِيحِ) " وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ لِلْوَكِيلِ الْإِقْرَارُ إنْ نَهَاهُ مُوَكِّلُهُ عَنْهُ، وَأَمَّا إنْ أَطْلَقَ الْوَكَالَةَ فَالْمَعْرُوفُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْوَكَالَةَ عَلَى الْخِصَامِ لَا تَسْتَلْزِمُ الْوَكَالَةَ عَلَى الْإِقْرَارِ إذَا لَمْ يَجْعَلْهُ إلَيْهِ، وَلَوْ أَقَرَّ لَمْ يَلْزَمْ. " وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ لُزُومُ مَا أَقَرَّ بِهِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ فَقَالَ ابْنُ الْعَطَّارِ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْأَنْدَلُسِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ: إنَّ مِنْ حَقِّ الْخَصْمِ أَنْ لَا يُخَاصِمَ الْوَكِيلَ حَتَّى يَجْعَل لَهُ الْإِقْرَارَ. (قَالَ فِي الْبَيَانِ) : " وَنَزَلَتْ عِنْدِنَا فَقَضَى فِيهَا بِأَنَّهُ لَا تُقْبَلُ مِنْهُ الْوَكَالَةُ إلَّا أَنْ يَحْضُرَ الْمُوَكِّلُ مَعَ وَكِيلِهِ فِي وَقْتِ الْحُكْمِ أَوْ يَكُونَ قَرِيبًا مِنْ مَجْلِسِ الْقَاضِي، وَأَمَّا إنْ جَعَلَ لَهُ الْإِقْرَارَ فَفِي الْمُتَيْطِيَّةِ يَلْزَمُهُ مَا أَقَرَّ بِهِ الْوَكِيلُ. " (قَالَ فِي الْكَافِي) : وَبِهِ جَرَى الْعَمَلُ عِنْدَنَا. وَزَعَمَ ابْنُ خُوَيْزِ مَنْدَادٍ أَنَّ تَحْصِيلَ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ إقْرَارُهُ. (قَالَ فِي الْكَافِي) : وَهَذَا غَيْرُ الْمُفَوَّضِ. قَالَ: وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ فِيمَنْ قَالَ: مَا أَقَرَّ بِهِ عَلَيَّ فُلَانٌ فَهُوَ لَازِمٌ لِي أَنْ لَا يَلْزَمَهُ. وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ إذَا قَالَ الْمُوَكِّلُ لِوَكِيلِهِ: أَقِرَّ عَنِّي لِفُلَانٍ بِأَلْفٍ هَلْ يَكُونُ ذَلِكَ إقْرَارًا بِالْأَلْفِ لِفُلَانٍ أَوْ لَا؟ وَاخْتَارَ الْمَازِرِيُّ أَنَّهُ إقْرَارٌ لَهُ وَقَدْ اشْتَمَلَ الْبَيْتُ الْأَوَّلُ عَلَى مَسْأَلَةٍ وَهِيَ أَنَّ نَقْصَ الْإِقْرَارِ وَالْإِنْكَارِ مِنْ وَكَالَةِ الْخِصَامِ يُوجِبُ رَدَّ الْوَكَالَةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي كَلَامِ الْمُتَيْطِيِّ، وَفِي قَوْلِ التَّوْضِيحِ. وَعَلَى الْأَوَّلِ فَقَالَ ابْنُ الْعَطَّارِ إلَى قَوْلِهِ مِنْ مَجْلِسِ الْقَاضِي: وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ (تَوْكِيلُ الِاخْتِصَامِ) أَنَّ الْوَكَالَةَ الْمُفَوَّضَةَ لَا تُرَدُّ بِعَدَمِ النَّصِّ عَلَى الْإِقْرَارِ وَالْإِنْكَارِ بَلْ إنْ نَصَّ عَلَيْهِ فَلَا إشْكَالَ، وَإِنْ سَكَتَ عَنْهُ شَمِلَهُ التَّفْوِيضُ وَصَحَّ إقْرَارُ الْوَكِيلِ عَنْ مُوَكِّلِهِ. وَاشْتَمَلَ الْبَيْتُ الثَّانِي عَلَى مَسْأَلَةٍ أُخْرَى وَهِيَ أَنَّ وَكَالَةَ الْخِصَامِ إذَا لَمْ يُذْكَرْ فِيهَا الْإِقْرَارُ ثُمَّ أَقَرَّ الْوَكِيلُ فَإِنَّ إقْرَارَهُ لَا يَلْزَمُ الْمُوَكِّلَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا فِي كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ، وَفِي قَوْلِ صَاحِبِ التَّوْضِيحِ. وَأَمَّا إنْ أَطْلَقَ الْوَكَالَةَ إلَى قَوْلِهِ (مَا أَقَرَّ بِهِ) وَإِذَا لَمْ يَصِحَّ الْإِقْرَارُ حَيْثُ لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهِ فَأَحْرَى إنْ نَهَاهُ عَنْهُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ كَلَامِ التَّوْضِيحِ. وَمَنْ عَلَى خُصُومَةٍ مُعَيَّنَهْ ... تَوْكِيلُهُ فَالطُّولُ لَنْ يُوَهِّنَهْ يَعْنِي أَنَّ مَنْ وُكِّلَ عَلَى الْخِصَامِ فِي شَيْءٍ مُعَيَّنٍ ثُمَّ طَالَ الزَّمَانُ قَبْلَ كَمَالِ تِلْكَ الْخُصُومَةِ سَوَاءٌ ابْتَدَأَهَا ثُمَّ حَصَلَ الطُّولُ أَوْ حَصَلَ قَبْلَ ابْتِدَائِهَا فَإِنَّ لِلْوَكِيلِ تَمَامَ تِلْكَ الْخُصُومَةِ، وَلَا يُوهِنُ تَوْكِيلَهُ أَوْ

يُضْعِفُهُ ذَلِكَ الطُّولُ. فَفِي مَسَائِلِ ابْنِ حَبِيبٍ قَالَ سَحْنُونٌ فِيمَنْ وُكِّلَ عَلَى خُصُومَةٍ فَلَمْ يَقُمْ الْوَكِيلُ بِذَلِكَ إلَّا بَعْدَ سِنِينَ إمَّا أَنْشَبَ الْخُصُومَةَ قَبْلَ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِشَيْءٍ ثُمَّ قَامَ يَطْلُبُ بِتِلْكَ الْوَكَالَةِ الْقَدِيمَةِ فَقَالَ: " يَبْعَثُ الْقَاضِي إلَى الْمُوَكِّلِ يَسْأَلُ أَهُوَ عَلَى وَكَالَتِهِ أَمْ خَلَعَهُ؟ فَإِنْ كَانَ غَائِبًا فَالْوَكِيلُ عَلَى وَكَالَتِهِ ". (قَالَ الشَّارِحُ) : " وَيَأْتِي بَعْدَ هَذَا مَا يَشْهَدُ لِهَذَا ". وَ (مَنْ) مَوْصُولَةٌ مُبْتَدَأٌ وَجُمْلَةُ تَوْكِيلُهُ عَلَى خُصُومَةٍ فِي الْمُبْتَدَأِ، وَالْخَبَرُ صِلَةُ (مَنْ) وَجُمْلَةُ (فَالطُّولُ لَنْ يُوَهِّنَهْ) خَبَرُ (مَنْ) . وَإِنْ يَكُنْ قَدَّمَ لِلْمُخَاصَمَهْ ... وَتَمَّ مَا أَرَادَ مَعَ مَنْ خَاصَمَهْ وَرَامَ أَنْ يُنْشِئَ أُخْرَى فَلَهُ ... ذَاكَ إذَا أَطْلَقَ مَنْ وَكَّلَهُ وَلَمْ يَجُزْ عَلَيْهِ نِصْفُ عَامِ ... مِنْ زَمَنِ التَّوْكِيلِ لِلْخِصَامِ يَعْنِي أَنَّ مَنْ قُدِّمَ أَيْ وُكِّلَ عَلَى الْخُصُومَةِ فَخَاصَمَ وَتَمَّ خِصَامُهُ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُنْشِئَ خُصُومَةً أُخْرَى عَنْ مُوَكِّلِهِ الْأَوَّلِ فَلَهُ ذَلِكَ بِشَرْطَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنْ تَكُونَ وَكَالَةً مُطْلَقَةً غَيْرَ مُقَيَّدَةٍ بِخُصُومَةٍ بِعَيْنِهَا، وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِقَوْلِهِ (إذَا أَطْلَقَ مَنْ وَكَّلَهُ) الثَّانِي أَنْ لَا يَبْعُدَ مَا بَيْنَ التَّوْكِيلِ وَالْخُصُومَةِ الثَّانِيَةِ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ، وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِقَوْلِهِ وَلَمْ يَجُزْ عَلَيْهِ نِصْفُ عَامٍ إلَخْ (قَالَ فِي الْمَقْصِدِ الْمَحْمُودِ) : " وَإِنْ كَانَتْ الْوَكَالَةُ مُبْهَمَةً، لِلْوَكِيلِ أَنْ يُخَاصِمَ عَنْهُ فِي قَضِيَّةٍ أُخْرَى يُحْدِثَانِ الْقَضِيَّةَ الْأُولَى، وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي قَضِيَّةٍ مُفَسَّرَةٍ بِمُطَالَبَةِ فُلَانٍ وَلَا فِي الْمُبْهَمَةِ إذَا طَالَ الزَّمَانُ نَحْوَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، وَأَمَّا إذَا اتَّصَلَ الْخِصَامُ فِيهَا فَلَهُ التَّكَلُّمُ عَنْهُ وَإِنْ طَالَ الْأَمَدُ اهـ. (وَسُئِلَ) الْإِمَامُ أَبُو إِسْحَاقَ الشَّاطِبِيُّ عَمَّنْ قَامَ وَكَالَةً عَنْ غَائِبٍ بَعْدَ نَحْوِ ثَلَاثِينَ سَنَةً وَلَمْ يَكُنْ أَشْهَدَ بِقَبُولِ الْوَكَالَةِ وَقَدْ تَعَلَّقَ الْآنَ لِوَلَدِ الْقَائِمِ بِالْوَكَالَةِ حَقٌّ فِي مَالِ الْغَائِبِ (فَأَجَابَ) بِأَنَّ عَدَمَ الْإِشْهَادِ بِقَبُولِ الْوَكَالَةِ مَعَ تَرْكِهِ النَّظَرَ فِيمَا وُكِّلَ عَلَيْهِ الثَّلَاثِينَ سَنَةً وَنَحْوَهَا مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَقْبَلْهَا وَلَا الْتَفَتَ إلَى قَبُولِهَا فَلَا يَصِحُّ الْآنَ الْقِيَامُ بِهَا إلَّا بِتَجْدِيدِ وَكَالَةٍ أُخْرَى مِنْ الْمُوَكِّلِ الْغَائِبِ، أَوْ يَنْظُرُ الْقَاضِي فِي ذَلِكَ فَيُقَدِّمُ لِلنَّظَرِ فِي مَالِ الْغَائِبِ مَنْ يَرْتَضِيهِ، وَلَا حُجَّةَ لَهُ مِنْ دَعْوَى عَدَمِ الْعِلْمِ بِالْوَكَالَةِ حَتَّى الْآنَ إذَا كَانَ حَاضِرًا بِالْبَلَدِ الَّذِي وُكِّلَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي مَا لَا يُشْبِهُ؛ وَلِأَنَّهُ يُتَّهَمُ حِينَ تَعَلَّقَ لِابْنِهِ حَقٌّ فِي مَالِ الْغَائِبِ اهـ. (فَرْعٌ) مِمَّا يَدْخُلُ فِي الْإِطْلَاقِ فِي التَّوْكِيلِ قِيَامُ الْوَكِيلِ عِنْدَ مَنْ شَاءَ مِنْ الْقُضَاةِ بِخِلَافِ مَا إذَا خَصَّهُ بِقَاضٍ بِعَيْنِهِ، وَنَصَّ عَلَى ذَلِكَ الْمُوَثِّقُونَ. (قَالَ ابْنُ فَتُّوحٍ) : وَإِذَا وَكَّلَهُ عَلَى الْخِصَامِ عِنْدَ حَاكِمٍ بِعَيْنِهِ قَدْ صَرَّحَ بِاسْمِهِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَ عِنْدَ غَيْرِهِ إذَا لَمْ يَكُنِ التَّوْكِيلُ مُجْمَلًا، وَإِذَا كَانَ التَّوْكِيلُ مُجْمَلًا وَلَمْ يُذْكَرْ فِيهِ عِنْدَ حَاكِمِ كَذَا فَلَهُ أَنْ يُنَاظِرَ عَنْهُ حَيْثُ شَاءَ اهـ. وَمَوْتُ مَنْ وَكَّلَ أَوْ وَكِيلِ ... يَبُتُّ مَا كَانَ مِنْ التَّوْكِيلِ وَلَيْسَ مَنْ وَكَّلَهُ مُوَكَّلُ ... بِمَوْتِ مَنْ وَكَّلَهُ يَنْعَزِلُ وَالْعَزْلُ لِلْوَكِيلِ وَالْمُوَكَّلِ ... مِنْهُ يَحِقُّ بِوَفَاةِ الْأَوَّلِ

اشْتَمَلَ كُلُّ بَيْتٍ مِنْ الْأَبْيَاتِ الثَّلَاثَةِ عَلَى مَسْأَلَةٍ، فَمَسْأَلَةُ الْبَيْتِ الْأَوَّلِ هِيَ أَنَّ مَنْ وَكَّلَ وَكِيلًا فَمَاتَ الْمُوَكِّلُ وَالْوَكِيلُ فَإِنَّ التَّوْكِيلَ يَبْطُلُ بِمَوْتِ الْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ انْتَقَلَ لِغَيْرِهِ مِنْ الْوَرَثَةِ وَلَا إشْكَالَ فِي بُطْلَانِهِ بِمَوْتِ الْوَكِيلِ؛ إذْ لَيْسَتْ الْوَكَالَةُ حَقًّا لِلْوَكِيلِ فَتُورَثُ عَنْهُ. وَمَسْأَلَةُ الْبَيْتِ الثَّانِي هِيَ أَنَّ مَنْ وَكَّلَ وَكِيلًا فَوَكَّلَ الْوَكِيلُ وَكِيلًا آخَرَ مِنْ تَحْتِهِ لِكَوْنِ الْمُوَكَّلِ جَعَلَ لَهُ ذَلِكَ، أَوْ كَانَ وَكِيلًا مُفَوَّضًا فَمَاتَ الْوَكِيلُ الْأَوَّلُ فَإِنَّ الْوَكِيلَ الثَّانِي لَا يَنْعَزِلُ بِمَوْتِ الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ، لِأَنَّ الثَّانِيَ وَكِيلٌ عَنْ الْمُوَكِّلِ أَيْضًا كَالْأَوَّلِ لَا عَنْ الثَّانِي، فَمِنْ قَوْلِهِ (وَلَيْسَ مَنْ وَكَّلَهُ) وَاقِعَةٌ عَلَى الْوَكِيلِ الثَّانِي (وَمَنْ) الثَّانِيَةُ وَاقِعَةٌ عَلَى الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ. وَمَسْأَلَةُ الْبَيْتِ الثَّالِثِ هِيَ أَنَّ مَنْ وَكَّلَ وَكِيلًا فَوَكَّلَ الْوَكِيلُ وَكِيلًا آخَرَ مِنْ تَحْتِهِ ثُمَّ مَاتَ الْمُوَكِّلُ فَإِنَّ الْوَكِيلَيْنِ مَعًا يَنْعَزِلَانِ، فَهِيَ كَالثَّانِيَةِ إلَّا أَنَّ الْمَيِّتَ فِي الثَّانِيَةِ هُوَ الْوَكِيلُ الْأَوَّلُ وَالْمَيِّتُ فِي الثَّالِثَةِ هُوَ الْمُوَكِّلُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (قَالَ ابْنُ يُونُسَ) : " قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: " مَنْ أَمَرَ رَجُلًا يَشْتَرِي لَهُ سِلْعَةً وَلَمْ يَدْفَعْ لَهُ ثَمَنَهَا أَوْ دَفَعَهُ إلَيْهِ وَاشْتَرَاهَا الْوَكِيلُ بَعْدَ مَوْتِ الْآمِرِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِمَوْتِهِ أَوْ اشْتَرَاهَا ثُمَّ مَاتَ الْآمِرُ فَذَلِكَ لَازِمٌ لِلْوَرَثَةِ، إلَّا أَنْ يَشْتَرِيَهَا وَهُوَ يَعْلَمُ بِمَوْتِ الْآمِرِ فَلَا يَلْزَمُ الْوَرَثَةَ ذَلِكَ وَعَلَيْهِ غُرْمُ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ وَكَالَتَهُ قَدْ انْفَسَخَتْ ". وَقَالَهُ مَالِكٌ فِيمَنْ لَهُ وَكِيلٌ بِبَلَدٍ يُجَهِّزُ إلَيْهِ الْمَتَاعَ: " إنَّ مَا بَاعَ أَوْ اشْتَرَى بَعْدَ مَوْتِ الْآمِرِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِمَوْتِهِ فَهُوَ لَازِمٌ لِلْوَرَثَةِ، وَمَا بَاعَ أَوْ اشْتَرَى بَعْدِ عِلْمِهِ بِمَوْتِهِ لَمْ يَلْزَمْهُمْ؛ لِأَنَّ وَكَالَتَهُ قَدْ انْفَسَخَتْ ". ثُمَّ قَالَ: " إلَّا أَنْ يَمُوتَ عِنْدَمَا أَشْرَفَ الْوَكِيلُ عَلَى تَمَامِ الْخُصُومَةِ، وَبِحَيْثُ لَوْ أَرَادَ الْمَيِّتُ فَسْخَ وَكَالَتِهِ وَيُخَاصِمُ هُوَ أَوْ يُوَكِّلُ غَيْرَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ فَحِينَئِذٍ لَا تَنْفَسِخُ وَكَالَتُهُ بِمَوْتِ الْآمِرِ، قَالَ: " وَمَا كَانَ مِنْ يَمِينٍ يَحْلِفُهَا الْآمِرُ حَلَفَهَا الْوَرَثَةُ إنْ كَانَ فِيهِمْ مَنْ بَلَغَهُ عِلْمُ ذَلِكَ " اهـ. وَهَذَا فِقْهُ مَوْتِ الْمُوَكِّلِ وَهُوَ أَحَدُ طَرَفَيْ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى. (وَقَالَ الْمَازِرِيُّ مَا مَعْنَاهُ) : إذَا وَكَّلَ الْوَكِيلُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يَصِحُّ لَهُ التَّوْكِيلُ ثُمَّ مَاتَ الْوَكِيلُ الْأَوَّلُ فَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْوَكِيلَ الثَّانِي لَا يَنْعَزِلُ بِمَوْتِ الْأَوَّلِ بِخِلَافِ انْعِزَالِ الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ بِمَوْتِ مَنْ وَكَّلَهُ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ الْأَوَّلَ إذَا وَكَّلَ رَجُلًا بِإِذْنِ رَبِّ الْمَالِ فَكَأَنَّ رَبَّ الْمَالِ وَكَّلَهُ وَنَابَ عَنْهُ هُوَ فِي هَذَا، فَيَكُونُ تَصَرُّفُ هَذَا الْوَكِيلِ الثَّانِي فِيمَا يَكُونُ فِيهِ تَصَرُّفَ الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ لَازِمًا لِرَبِّ الْمَالِ كَتَصَرُّفِ رَبِّ الْمَالِ نَفْسِهِ اهـ وَهَذَا فِقْهُ مَوْتِ الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ مِنْ الْعُتْبِيَّةِ. قَالَ يَحْيَى عَنْ ابْنِ وَهْبٍ: وَإِذَا مَاتَ الْوَكِيلُ فَلَيْسَ وَلَدُهُ بِمَثَابَتِهِ. اهـ وَهَذَا فِقْهُ مَوْتِ الْوَكِيلِ. وَإِنَّ الْوَكَالَةَ تَنْفَسِخُ أَيْضًا وَهُوَ الطَّرَفُ الثَّانِي لِلْمَسْأَلَةِ الْأُولَى. وَلَمْ يَنْقُلْ الشَّارِحُ عَلَى فَسْخِ وَكَالَةِ الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي بِمَوْتِ الْمُوَكِّلِ فِقْهًا صَرِيحًا، وَلَكِنَّهُ ظَاهِرٌ مِمَّا تَقَدَّمَ مِنْ فَسْخِهَا بِمَوْتِ الْمُوَكِّلِ إذْ ظَاهِرُهُ كَانَ الْوَكِيلُ وَاحِدًا أَوْ مُتَعَدِّدًا بِسَبَبِ تَوْكِيلِ الْوَكِيلِ وَكِيلًا آخَرَ مِنْ تَحْتِهِ. وَمَا لِمَنْ حَضَرَ فِي الْجِدَالِ ... ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ انْعِزَالِ إلَّا لِعُذْرِ مَرَضٍ أَوْ لِسَفَرْ ... وَمِثْلُهُ مُوَكِّلٌ ذَاكَ حَضَرْ اشْتَمَلَ الْبَيْتَانِ عَلَى مَسْأَلَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا الْوَكِيلُ إذَا جَالَسَ خَصْمَهُ عِنْدَ الْقَاضِي ثَلَاثًا فَأَكْثَرَ فَلَيْسَ

لِمُوَكِّلِهِ عَزْلُهُ وَلَا لَهُ هُوَ أَنْ يَعْزِلَ نَفْسَهُ، وَيَنْحَلَّ مِنْ التَّوْكِيلِ لِمَا يَلْحَقُ خَصْمَهُ فِي ذَلِكَ مِنْ الضَّرَرِ إلَّا لِعُذْرٍ يَحْدُثُ لِلْوَكِيلِ مِنْ مَرَضٍ أَوْ سَفْرٍ فَيَنْعَزِلَ إذْ ذَاكَ. وَعَلَى هَذَا نَبَّهَ بِالْبَيْتِ الْأَوَّلِ وَشَطْرِ الثَّانِي. الثَّانِيَةُ: أَنَّ صَاحِبَ الْحَقِّ إذَا قَاعَدَ خَصْمَهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ أَيْ فَأَكْثَرَ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُوَكِّلَ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ أَيْضًا، وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِقَوْلِهِ: وَمِثْلُهُ مُوَكِّلٌ ذَاكَ حَضَرَ وَسَمَّاهُ مُوَكِّلًا بِالْكَسْرِ بِاعْتِبَارِ الْمَآلِ وَهَذَا مَا لَمْ يَرْضَ الْمُوَكَّلُ عَلَيْهِ بِعَزْلِ الْوَكِيلِ فِي الْأُولَى وَبِالتَّوْكِيلِ فِي الثَّانِيَةِ فَلَهُ ذَلِكَ. (قَالَ الْمُتَيْطِيُّ) : " وَلِلْمُوَكِّلِ عَزْلُ الْوَكِيلِ مَا لَمْ يُنَاشِبْ الْخُصُومَةَ فَإِنْ كَانَ الْوَكِيلُ قَدْ نَازَعَ خَصْمَهُ وَجَالَسَهُ عِنْدَ الْحَاكِمِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَأَكْثَرَ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَزْلُهُ ". قَالَ: " وَفِي الْمَكَانِ الَّذِي لَا يَكُونُ لِلْمُوَكِّلِ أَنْ يَعْزِلَهُ عَنْ الْخِصَامِ لَا يَكُونُ لَهُ هُوَ أَنْ يَنْحَلَّ عَنْهُ إذَا قَبِلَ الْوَكَالَةَ " قَالَ: " وَإِنْ خَاصَمَ الرَّجُلُ عَنْ نَفْسِهِ وَقَاعَدَ خَصْمَهُ أَيْضًا ثَلَاثَ مَجَالِسَ وَانْعَقَدَتْ الْمَقَالَاتُ بَيْنَهُمَا لَمْ يَكُنْ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يُوَكِّلَ خَصْمًا يَتَكَلَّمَ عَنْهُ إذَا مَنَعَهُ صَاحِبُهُ مِنْ ذَلِكَ، إلَّا أَنْ يَمْرَضَ أَوْ يُرِيدَ سَفَرًا، وَيُعَرِّفُ ذَلِكَ وَلَا يُمْنَعُ الْخَصْمَانِ مِنْ السَّفَرِ، وَلَا مَنْ أَرَادَهُ مِنْهُمَا وَيَكُونُ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ عَنْهُ عِنْدَ ذَلِكَ. (قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْقَطَّانُ) : وَيَلْزَمُهُ فِي السَّفَرِ الْيَمِينُ أَنَّهُ مَا اسْتَعْمَلَ السَّفَرَ لِيُوَكِّلَ غَيْرَهُ فَإِنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ لَمْ يُبَحْ لَهُ تَوْكِيلُ غَيْرِهِ إلَّا أَنْ يَشَاءَ خَصْمُهُ. (وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ الْفَخَّارِ) لَا يَمِينَ عَلَيْهِ اهـ. (وَمَا) نَافِيَةٌ، (وَمَنْ) مَوْصُولَةٌ وَاقِعَةٌ عَلَى الْوَكِيلِ، وَجُمْلَةُ (حَضَرْ) صِلَةُ مَنْ، (وَانْعِزَالِ) مُبْتَدَأٌ جُرَّ بِمِنْ الزَّائِدَةِ، وَالْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ وَهُوَ (لِمَنْ حَضَرَ) خَبَرُ (انْعِزَالِ) ، مُوَكِّلٌ بِالْكَسْرِ مُبْتَدَأٌ، (وَذَاكَ حَضَرَ) صِفَتُهُ، وَهُوَ الْمُسَوِّغُ، (وَمِثْلُهُ) خَبَرٌ مُقَدَّمٌ، وَالْإِشَارَةُ لِمُقَاعَدَةِ الْخَصْمِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ. وَمَنْ لَهُ مُوَكَّلٌ وَعَزَلَهْ ... لِخَصْمِهِ إنْ شَاءَ أَنْ يُوَكِّلَهْ يَعْنِي أَنَّ مَنْ وَكَّلَ وَكِيلًا ثُمَّ عَزَلَهُ - حَيْثُ يَجُوزُ لَهُ - فَأَرَادَ خَصْمُهُ أَنْ يُوَكِّلَ ذَلِكَ الْوَكِيلَ الْمَعْزُولَ فَإِنَّ ذَلِكَ لَهُ وَلَا حُجَّةَ لِمَنْ عَزَلَهُ أَنْ يَقُولَ: إنَّهُ قَدْ اطَّلَعَ عَلَى خُصُومَتِي وَعَلِمَ كُنْهَ حُجَّتِي فَلَا يَتَوَكَّلُ عَلَيَّ. (قَالَ فِي الِاسْتِغْنَاءِ) : " مَنْ عَزَلَ وَكِيلَهُ فَأَرَادَ خَصْمُهُ تَوْكِيلَهُ فَأَبَى الْأَوَّلُ وَذَلِكَ لِمَا اطَّلَعَ عَلَيْهِ مِنْ عَوْرَاتِهِ وَوُجُوهِ

خُصُومَاتِهِ فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ وَلَهُ أَنْ يُوَكِّلَهُ إنْ شَاءَ " اهـ. . وَكُلُّ مَنْ عَلَى مَبِيعٍ وُكِّلَا ... كَانَ لَهُ الْقَبْضُ إذَا مَا أَغْفَلَا يَعْنِي أَنَّ مَنْ وَكَّلَ وَكِيلًا عَلَى بَيْعِ شَيْءٍ فَبَاعَهُ فَإِنَّ لِلْوَكِيلِ مُطَالَبَةَ الْمُشْتَرِي بِدَفْعِهِ الثَّمَنَ سَوَاءٌ نَصَّ لَهُ الْمُوَكِّلُ عَلَى قَبْضِ الثَّمَنِ أَوْ لَمْ يَنُصَّ لَهُ عَلَيْهِ، وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِقَوْلِهِ (إذَا مَا أَغْفَلَا) فَمَا زَائِدَةٌ وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ (إذَا مَا أَغْفَلَا) أَنَّ لَهُ أَنْ يَقْبِضَ إذَا نَصَّ عَلَيْهِ مِنْ بَابِ أَوْلَى وَهُوَ كَذَلِكَ. (قَالَ الْمُتَيْطِيُّ) : " وَلَيْسَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يَنْتَهِيَ مِنْ وَكَالَتِهِ إلَى أَكْثَرَ مِمَّا جَعَلَهُ إلَيْهِ مُوَكِّلُهُ بِإِفْصَاحٍ أَوْ تَبْيِينٍ إلَّا الْمَأْمُورَ بِالْبَيْعِ فَلَهُ قَبْضُ الثَّمَنِ فَإِنْ لَمْ يَقْبِضْ الثَّمَنَ ضَمِنَهُ إنْ مَاتَ مُبْتَاعُ ذَلِكَ الشَّيْءِ ". (قَالَ ابْنُ فَتُّوحٍ) : " وَمَنْ وُكِّلَ عَلَى بَيْعِ سِلْعَةٍ وَلَمْ يُوَكَّلْ عَلَى قَبْضِ الثَّمَنِ فَإِنَّ لِلْوَكِيلِ قَبْضُهُ دُونَ تَوْكِيلٍ " اهـ. (قَالَ الشَّارِحُ) : " وَمِمَّا يُشْبِهُ قَبْضَ ثَمَنِ الْمَبِيعِ لِلْوَكِيلِ عَلَى الْبَيْعِ قَبْضُ الْمَبِيعِ لِلْوَكِيلِ عَلَى الشِّرَاءِ ". وَظَاهِرُ إطْلَاقَاتِهِمْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا. (وَفِي ابْنِ الْحَاجِبِ) " وَيَمْلِكُ الْوَكِيلُ عَلَى الْمُطَالَبَةِ بِالثَّمَنِ وَقَبْضِهِ وَقَبْضِ الْمَبِيعِ وَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ " (قَالَ فِي التَّوْضِيحِ) : " يَعْنِي أَنَّ التَّوْكِيلَ عَلَى الْمَبِيعِ يَسْتَلْزِمُ أَنْ يَكُونَ لِلْوَكِيلِ الْمُطَالَبَةُ بِالثَّمَنِ وَقَبْضُ الثَّمَنِ، وَلِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُسَلِّمَ الْمَبِيعَ وَهُوَ لَمْ يَقْبِضْ ثَمَنَهُ، وَهَذَا مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ تَكُنِ الْعَادَةُ التَّرْكَ فَقَدْ نَصَّ أَبُو عِمْرَانَ عَلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَتْ الْعَادَةُ فِي الرِّبَاعِ أَنَّ وَكِيلَ الْبَيْعِ لَا يَقْبِضُ الثَّمَنَ فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يَبْرَأُ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ ". وَقَوْلُهُ (وَقَبْضُ الْمَبِيعِ) أَيْ وَالْوَكَالَةُ عَلَى الشِّرَاءِ تَسْتَلْزِمُ قَبْضَ مَا اشْتَرَاهُ، وَتَسْتَلْزِمُ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ. وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ الْهِنْدِيِّ: كُلُّ مَنْ نُصَّ لَهُ فِي الْوَكَالَةِ عَلَى شَيْءٍ فَلَا يَتَعَدَّاهُ إلَّا هُنَا، وَأَمَّا لَوْ وَكَّلَهُ عَلَى الْبَيْعِ وَصَرَّحَ بِأَنْ لَا يَقْبِضَ الثَّمَنَ فَلَا يَكُونُ لَهُ الْقَبْضُ وَقَوْلُهُ (وَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ) يُرِيدُ وَلَمْ يَعْلَمْ الْوَكِيلُ بِالْعَيْبِ قَبْلَ شِرَائِهِ، وَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ (فَإِنْ عَلِمَ بِالْعَيْبِ كَانَ لَهُ أَيْ كَانَ الْمَبِيعُ لِلْوَكِيلِ) وَلَا يَرُدُّهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْعَيْبُ يَسِيرًا أَوْ فِي شِرَائِهِ غِبْطَةٌ وَنَظَرٌ فَيَلْزَمُ الْمُوَكِّلَ صَحَّ وَآخِرُهُ بِالْمَعْنَى وَقَوْلُهُ (عَلَى مَبِيعٍ) أَيْ عَلَى بَيْعِ مَبِيعٍ أَيْ بَيْعِ مَا يُبَاعُ.

وَغَائِبٌ يَنُوبُ فِي الْقِيَامِ ... عَنْهُ أَبٌ وَابْنٌ وَفِي الْخِصَامِ وَجَائِزٌ إثْبَاتُ غَيْرِ الْأَجْنَبِي ... لِمَنْ يَغِيبُ وَاخْتِصَامُهُ أَبِي يَعْنِي أَنَّ الْغَائِبَ إذَا ظَهَرَ لَهُ حَقٌّ كَظُهُورِ دَابَّةٍ أَوْ عَبْدٍ سُرِقَ لَهُ أَوْ أُخِذَ شَيْءٌ مِنْ مَالِهِ أَوْ أُحْدِثَ عَلَيْهِ ضَرَرٌ فِي دَارِهِ مَثَلًا أَوْ أَرْضِهِ وَلَمْ يَتْرُكْ وَكِيلًا يَقُومُ بِأُمُورِهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِأَبِيهِ أَوْ ابْنِهِ أَنْ يَقُومَ عَنْهُ، وَيُخَاصِمَ عَنْهُ وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِالْبَيْتِ الْأَوَّلِ فَقَوْلُهُ (وَفِي الْخِصَامِ) عَطْفٌ عَلَى (الْقِيَامِ) ، وَأَمَّا غَيْرُ الْأَبِ وَالِابْنِ فَإِنْ كَانَ أَجْنَبِيًّا فَلَا كَلَامَ لَهُ وَلَا يُمَكَّنُ مِنْ الْقِيَامِ، وَلَا مِنْ الْخِصَامِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ أَجْنَبِيٍّ يُمَكَّنُ مِنْ الْقِيَامِ وَالْإِثْبَاتِ وَلَا يُمَكَّنُ مِنْ الْخِصَامِ، وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِالْبَيْتِ الثَّانِي فَظَاهِرُ الْبَيْتَيْنِ أَنَّ هَذَا قَوْلٌ وَاحِدٌ بِالتَّفْصِيلِ بَيْنَ الْقَرِيبِ جِدًّا وَهُوَ الْأَبُ فِي مَالِ ابْنِهِ وَالِابْنُ فِي مَالِ أَبِيهِ، وَالْقَرِيبِ لِأَحَدٍ، وَبَيْنَ الْأَجْنَبِيِّ، وَكَذَا قَرَّرَهُ الشَّارِحُ قَائِلًا: " الْأَصْلُ أَنْ لَا يَنُوبَ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ إلَّا بِاسْتِخْلَافِهِ إيَّاهُ وَاسْتِنَابَتِهِ لَهُ إلَّا أَنَّهُمْ اسْتَثْنَوْا مِنْ ذَلِكَ قِيَامَ الْأَبِ عَنْ ابْنِهِ وَقِيَامَ الِابْنِ عَنْ أَبِيهِ مِنْ غَيْرِ اسْتِخْلَافِ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ. وَإِنَّمَا ذَلِكَ لِلْخُصُوصِيَّةِ الَّتِي اقْتَضَتْهَا نِسْبَةُ الْأُبُوَّةِ مِنْ الْبُنُوَّةِ وَنِسْبَةُ الْبُنُوَّةِ مِنْ الْأُبُوَّةِ، فَلِذَلِكَ أُنْزِلَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ مَنْزِلَةَ الْوَكِيلِ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ النَّصُّ عَلَى تَوْكِيلِهِ فَأَبَاحُوا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْقِيَامَ عَنْ صَاحِبِهِ، وَلَمَّا كَانَ مَنْ سِوَاهُمَا مِنْ الْأَقَارِبِ لَا تُوجَدُ فِيهِ هَذِهِ الْخُصُوصِيَّةُ أَبَاحُوا لَهُ إثْبَاتَ حَقِّ الْغَائِبِ خِيفَةَ ضَيَاعِهِ بِمَوْتِ مَنْ يَشْهَدُ لَهُ أَوْ بِغَيْبَتِهِ، وَلِكَوْنِهِ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فِي إثْبَاتِ حَقِّهِ لَهُ، وَمَنَعُوا مِنْ الْخُصُومَةِ وَمَا أَشْبَهَهَا لِعَدَمِ فَوْتِ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَلِاتِّقَاءِ الْمَضَرَّةِ الدَّاخِلَةِ عَلَيْهِ مِنْ قِبَلِ مَنْ يَخْتَصِمُ عَنْهُ مِمَّنْ يُمْكِنُ أَنْ لَا يَكُونَ اسْتَوْفَى حُجَّتَهُ اهـ بِبَعْضِ اخْتِصَارٍ. ثُمَّ جَلَبَ الشَّارِحُ كَلَامَ الْعُتْبِيَّةِ وَابْنِ رُشْدٍ قَائِلًا: " أَجَازَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ لِلِابْنِ أَنْ يُخَاصِمَ عَنْ أَبِيهِ الْغَائِبِ فِي رِبَاعِهِ وَحَيَوَانِهِ وَجَمِيعِ مَالِهِ دُونَ الْوَكِيلِ وَكَذَلِكَ الْأَبُ فِيمَا ادَّعَى لِابْنِهِ ". (وَقَالَ فِي الْوَاضِحَةِ) : " إنَّ ذَلِكَ فِي الْأَبِ أَبْيَنُ مِنْهُ فِي الِابْنِ. " وَلَمْ يُرْوَ ذَلِكَ لِمَنْ سِوَى الْأَبِ وَالِابْنِ مِنْ الْقَرَابَةِ وَالْعَشِيرَةِ، وَيُمَكَّنُ مِنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ وَإِثْبَاتِ الْحَقِّ لَا أَكْثَرَ. ثُمَّ قَالَ: " وَالصَّوَابُ أَنَّ الْأَبَ وَالِابْنَ يُمَكَّنَانِ مِنْ الْإِثْبَاتِ وَالْخُصُومَةِ عَنْ الْغَائِبِ، وَمَنْ عَدَاهُمَا مِنْ الْقَرَابَةِ لَا يُمَكَّنُونَ إلَّا مِنْ الْإِثْبَاتِ لَا غَيْرُ، وَلَا يُمَكَّنُونَ مِنْ الْخُصُومَةِ. وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْأَجْنَبِيَّ لَا يُمَكَّنُ مِنْ شَيْءٍ. وَاَلَّذِي فِي التَّوْضِيحِ قَبْلَ بَابِ الْعَدَالَةِ مُتَّصِلًا بِهِ إذَا قَامَ عَنْ الْغَائِبِ مُحْتَسِبٌ فِي شَيْءٍ تُسُوِّرَ فِيهِ عَلَى الْغَائِبِ، أَوْ أُخِذَ لَهُ، أَوْ فِي عَيْبٍ أُحْدِثَ عَلَيْهِ فِي دَارِهِ أَوْ أَرْضِهِ فَهَلْ يُمَكِّنُ الْقَاضِي هَذَا الْقَائِمَ مِنْ مُخَاصِمَةِ ذَلِكَ الْمُتَعَدِّي أَمْ لَا؟ خَمْسَةُ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا: أَنَّهُ لَا يُمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ إلَّا الْأَبُ وَالِابْنُ وَمَنْ لَهُ قَرَابَةٌ قَرِيبَةٌ، ثُمَّ إذَا مَكَّنَهُ مِنْ الْمُخَاصَمَةِ فَلَا يُخْرِجُ الْمِلْكَ مِنْ يَدِ حَائِزِهِ، وَلَا يُزِيلُ الْعَيْبَ الَّذِي أُحْدِثَ لِاحْتِمَالِ أَنْ يُقِرَّ بِهِ الْغَائِبُ أَوْ يُقِرَّ أَنَّهُ أُعْلِمَ بِمَا أُحْدِثَ، وَإِنَّمَا يَشْهَدُ بِذَلِكَ خَوْفًا مِنْ مَوْتِ الشُّهُودِ ثُمَّ يُنْظَرُ الْغَائِبُ، وَلَوْ أَقَرَّ مَنْ بِيَدِهِ الْعَقَارُ أَوْ غَيْرُهُ أَنَّهُ لِغَائِبٍ أَخْرَجَهُ عَنْهُ وَجَعَلَهُ بِيَدِ ثِقَةٍ، وَيَقْطَعُ الْعَيْبَ إنْ اعْتَرَفَ بِإِحْدَاثِهِ. وَثَانِيهَا: أَنَّهُ يُمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ الْقَرِيبُ وَالْأَجْنَبِيُّ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ أَيْضًا، وَذَهَبَ سَحْنُونٌ إلَى أَنَّ الْقَاضِيَ يُوَكِّلُ عَنْ الْغَائِبِ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ، وَقَالَهُ أَصْبَغُ. وَثَالِثُهَا: أَنَّهُ يُمَكَّنُ مِنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ وَلَا يُمَكَّنُ مِنْ الْخُصُومَةِ، وَرَابِعُهَا: أَنَّهُ لَا يُمَكَّنُ مِنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ وَلَا مِنْ الْخُصُومَةِ إلَّا بِتَوْكِيلِ الْغَائِبِ قَالَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَمُطَرِّفٌ فِي الْوَاضِحَةِ، خَامِسُهَا: أَنَّ الْقَرِيبَ وَالْأَجْنَبِيَّ يُمَكَّنُ مِنْ الْخُصُومَةِ فِي الْعَبْدِ وَالدَّابَّةِ وَالثَّوْبِ دُونَ تَوْكِيلٍ، لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ تَفُوتُ وَتَحُولُ وَتَغِيبُ، وَلَا يُمَكَّنُ مِنْ الْخُصُومَةِ فِي غَيْرِ ذَلِكَ إلَّا الْأَبُ وَالِابْنُ، حَكَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ وَمُطَرِّفٌ. وَعَلَى الْقَوْلِ بِالتَّمْكِينِ فَهَلْ هَذَا فِي الْقَرِيبِ وَالْبَعِيدِ، أَوْ فِي الْبَعِيدِ خَاصَّةً؟ قَوْلَانِ قَالَ سَحْنُونٌ: فِي الْقَرِيبِ الْغَيْبَةِ دُونَ بِعِيدِهَا، وَقِيلَ: فِي الْبَعِيدِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ رِوَايَةِ أَشْهَبَ، وَقَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ اهـ (وَفِي مُخْتَصَرِ الشَّيْخِ خَلِيلٍ) ، وَفِي تَمْكِينِ الدَّعْوَى لِغَائِبٍ بِلَا وَكَالَة تَرَدُّدٌ (تَنْبِيهٌ) : يُسْتَثْنَى مِنْ هَذَا الْخِلَافِ مَسْأَلَتَانِ: الْأُولَى مَنْ تَعَلَّقَ بِهِ ضَمَانُ مَالِ الْغَائِبِ الْمُدَّعَى فِيهِ كَالْمُسْتَعِيرِ وَالْمُرْتَهِنِ إذَا كَانَ الشَّيْءُ مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ، فَإِنَّ لِهَذَا الْمُسْتَعِيرِ وَالْمُرْتَهِنِ الْمُخَاصَمَةُ وَالدَّعْوَى، وَإِثْبَاتَ مِلْكِ الْغَائِبِ وَتَسَلُّمَهُ. الثَّانِيَةُ: مَنْ أَرَادَ أَنْ يَسْتَوْفِيَ مِنْ ذَلِكَ الْمُدَّعَى فِيهِ شَيْئًا لَهُ فِي ذِمَّةِ الْمَالِكِ الْغَائِبِ وَذَلِكَ الْمُرْتَهَنِ، لَهُ أَنْ يُثْبِتَ مِلْكَ الرَّاهِنِ لِيَبِيعَهُ، وَيَسْتَوْفِيَ مِنْهُ حَقَّهُ. وَزَوْجَةُ الْغَائِبِ وَغُرَمَاؤُهُ يُثْبِتُونَ مَا لَهُ

فصل في تداعي الموكل والوكيل

لِيُبَاعَ لَهُمْ وَيَسْتَوْفُوا حَقَّهُمْ، وَمَا عَدَا هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ هُوَ مَحَلُّ الْخِلَافِ الْمُتَقَدِّمِ. رَاجِعْ الْحَطَّابَ آخِرَ بَابِ الْقَضَاءِ. (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ حَقُّ الْغَائِبِ فَهَلْ يُوقَفُ حَتَّى يُحَلَّفَ يَمِينَ الِاسْتِظْهَارِ؟ أَوْ يُسَلَّمَ لِوَكِيلِهِ وَتُؤَخَّرَ الْيَمِينُ حَتَّى يَقْدَمَ فَيَحْلِفَ أَوْ يَمُوتَ فَتَحْلِفَ وَرَثَتُهُ وَإِنْ نَكِلَ أَوْ نَكَلُوا رَجَعَ عَلَيْهِ؟ ذَكَرَ الْبُرْزُلِيُّ فِي ذَلِكَ قَوْلَيْنِ. قَالَ الْحَطَّابُ: " وَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِ الْمُؤَلِّفِ فِي بَابِ الشَّهَادَةِ: وَإِنْ قَالَ أَبْرَأَنِي مُوَكِّلُك الْغَائِبُ. إلَخْ، وَكَذَلِكَ إذَا أَرَدْتَ الْيَمِينَ عَلَى الْمُوَكِّلِ وَهُوَ غَائِبٌ ". (قَالَ ابْنُ رُشْدٍ) : الَّذِي أَرَاهُ أَنْ يُؤْخَذَ حَمِيلٌ بِالثَّمَنِ مِنْ الَّذِي وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْيَمِينُ ابْتِدَاءً إلَى أَنْ يَكْتُبَ لِلْغَائِبِ الَّذِي رُدَّتْ عَلَيْهِ الْيَمِينُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي هُوَ بِهِ فَيَحْلِفُ، وَسَوَاءٌ كَانَ قَرِيبَ الْغَيْبَةِ أَوْ بَعِيدَهَا مِنْ الْحَطَّابِ فِي الْمَوْضِعِ الْمَذْكُورِ. . [فَصْلٌ فِي تَدَاعِي الْمُوَكِّلِ وَالْوَكِيلِ] ِ وَإِنْ وَكِيلٌ ادَّعَى إقْبَاضَ مَنْ ... وَكَّلَهُ مَا حَازَ فَهْوَ مُؤْتَمَنْ مَعَ طُولِ مُدَّةٍ وَإِنْ يَكُنْ مَضَى ... شَهْرٌ يُصَدَّقْ مَعَ يَمِينٍ تُقْتَضَى وَإِنْ يَكُنْ بِالْفَوْرِ الْإِنْكَار لَهُ ... فَالْقَوْلُ مَعَ حَلْفٍ لِمَنْ وَكَّلَهُ ذَكَرَ فِي هَذِهِ الْأَبْيَاتِ وَالْخَمْسِ بَعْدَهَا حُكْمَ مَا إذَا أَقَرَّ الْوَكِيلُ بِقَبْضِ مَا وُكِّلَ عَلَى قَبْضِهِ أَوْ قَبْضِ ثَمَنِ مَا وُكِّلَ عَلَى بَيْعِهِ، وَادَّعَى أَنَّهُ دَفَعَ لِمُوَكِّلِهِ مَا قَبَضَ لَهُ، وَأَنْكَرَ الْمُوَكِّلُ وَزَعَمَ أَنَّهُ لَمْ يُعْطِهِ شَيْئًا وَأَنَّهُ بَاقٍ تَحْتَ يَدِ الْوَكِيلِ، فَحَكَى الْمُؤَلِّفُ فِي ذَلِكَ أَرْبَعَةَ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ مِنْهَا مَا ذَكَرَهُ فِي هَذِهِ الْأَبْيَاتِ وَهُوَ أَنَّهُ إنْ كَانَ تَدَاعِيهِمَا بَعْدَ طُولِ الْمُدَّةِ مِنْ زَمَنِ قَبْضِ الْوَكِيلِ كَالْعَامِ وَنَحْوِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَكِيلِ مِنْ غَيْرِ يَمِينٍ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قَامَ لَهُ شَاهِدَانِ: الْأَمَانَةُ وَطُولُ الْمُدَّةِ، وَإِنْ كَانَ التَّدَاعِي بِالْقُرْبِ كَالشَّهْرِ وَنَحْوِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ لَكِنْ مَعَ يَمِينِهِ. (قَالَ الشَّارِحُ) : لِأَنَّ شَهَادَةَ الْأَمَانَةِ تَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ. فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ، وَقِصَرُ الْمُدَّةِ يُوجِبُ لِلْمُوَكِّلِ حَقًّا فَوَجَبَتْ لَهُ عَلَيْهِ الْيَمِينُ، وَإِنْ كَانَ التَّدَاعِي بِالْقُرْبِ فَلَا قَوْلَ لِلْوَكِيلِ بَلْ لِلْمُوَكَّلِ مَعَ يَمِينِهِ، لِأَنَّ قَبْضَ الْوَكِيلِ مُحَقَّقٌ إمَّا بِإِقْرَارٍ أَوْ بَيِّنَةٍ، فَالْوَكِيلُ مُدَّعٍ بَرَاءَةَ ذِمَّتِهِ بَعْدَ ثُبُوتِ عِمَارَتِهَا وَلَمْ يَقَعْ مِنْ التَّرَاخِي فِي الزَّمَانِ مَا يَشْهَدُ بِبَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ. (قَالَ ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ) : " قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: وَسَأَلْتُ مُطَرِّفًا عَنْ الرَّجُلِ يُوَكَّلُ عَلَى التَّقَاضِي أَوْ عَلَى قَبْضِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ أَوْ عَلَى بَيْعِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ أَوْ عَلَى الْخُصُومَةِ، أَوْ الْوَكِيلِ الْمُفَوَّضِ إلَيْهِ الَّذِي تُؤْخَذُ مِنْهُ الْبَرَاءَاتُ بِمَا دُفِعَ إلَيْهِ مِنْ الدُّيُونِ وَمَا حُكِمَ لَهُ بِاسْمِ صَاحِبِهِ، فَاخْتَلَفَ هَذَا وَاَلَّذِي وَكَّلَهُ، فَقَالَ الْمُوَكِّلُ: هَاتِ مَا قَبَضْتَ لِي، وَقَالَ: الْوَكِيلُ قَدْ بَرِئْتُ إلَيْك بِهِ، فَقَالَ لِي: سَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ: " الْوَكِيلُ عَلَى هَذِهِ الْأَوْجَهِ الَّتِي ذَكَرْتَ ضَامِنٌ بِمَنْزِلَةِ إذَا ادَّعَى بِحَضْرَةٍ مَا قَبَضَ الْمَالَ أَنَّهُ قَدْ دَفَعَهُ، وَأَنْكَرَ صَاحِبُ حَلِفٍ - صَاحِبُ الْحَقِّ - بِاَللَّهِ مَا قَبَضْتُ وَأُغْرِمَهُ

الْوَكِيلُ. وَذَلِكَ إذَا كَانَ بِحَضْرَةِ ذَلِكَ وَقُرْبِهِ بِالْأَيَّامِ الْيَسِيرَةِ، أَمَّا إنْ تَبَاعَدَ ذَلِكَ مِثْلَ الشَّهْرِ وَنَحْوِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَكِيلِ فِي الدَّفْعِ بِيَمِينِهِ يَحْلِفُ وَيُبَرَّأُ، وَإِنْ طَالَ ذَلِكَ جِدًّا لَمْ يَكُنْ عَلَى الْوَكِيلِ يَمِينٌ وَكَانَ بَرِيئًا وَلَمْ يَضُرَّهُ مَا كُتِبَ عَلَيْهِ مِنْ الْبَرَاءَةِ إلَيْهِ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْبَرَاءَةَ وَإِنْ كَانَتْ مِنْهُ وَالدَّفْعُ وَإِنْ كَانَ إلَيْهِ، إنَّمَا الْبَرَاءَةُ عَلَى الَّذِي وَكَّلَهُ، وَالدَّفْعُ كَأَنَّهُ إلَيْهِ حِينَ ثَبَتَ أَنَّهُ وَكِيلُهُ وَأَنَّهُ فِي كُلِّ مَا قَبَضَ أَوْ دَفَعَ أَوْ أَقَرَّ أَوْ جَحَدَ بِمَنْزِلَتِهِ كَنَفْسِهِ فَلَا إشْهَادَ وَلَا بَرَاءَةَ عَلَى الْوُكَلَاءِ بِدَفْعِ مَا دَفَعُوا إلَى الَّذِينَ وَكَّلُوهُمْ بِمَا قَبَضُوا لَهُمْ وَجَرْيِ أَيْدِيهِمْ. فَقَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ فَاعِلٌ بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ يُفَسِّرُهُ ادَّعَى، (وَإِقْبَاضٌ) مَصْدَرُ أَقْبَضَ أُضِيفَ لِلْمَفْعُولِ الْأَوَّلِ وَهُوَ مَنْ، (وَمَا حَازَ) مَفْعُولٌ ثَانٍ، وَفَاعِلُ حَازَ لِلْوَكِيلِ. وَجُمْلَةُ (فَهُوَ مُؤْتَمَنْ) جَوَابُ إنْ، (وَمَعَ) يَتَعَلَّقُ بِمُؤْتَمَنٍ، وَجُمْلَةُ (تُقْتَضَى) صِفَةٌ لِيَمِينٍ (وَالْإِنْكَارُ) اسْمٌ (بِالْفَوْرِ) خَبَرُهَا، وَجُمْلَةُ (فَالْقَوْلُ لِمَنْ وَكَّلَهُ) جَوَابُ إنْ يَكُنْ (وَمَعْ حَلْفٍ) حَالٌ لِلْقَوْلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقِيلَ إنَّ الْقَوْلَ لِلْوَكِيلِ ... مَعَ الْيَمِينِ دُونَ مَا تَفْصِيلِ هَذَا هُوَ الْقَوْلُ الثَّانِي فِي الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْوَكِيلِ مَعَ يَمِينِهِ مُطْلَقًا أَيْ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ بَيْنَ طُولِ الْمُدَّةِ وَقِصَرِهَا، وَهَذَا هُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ، وَنَصُّ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ بِقَوْلِهِ، وَصَدَقَ فِي الرَّدِّ كَالْمُودَعِ فَالْأَوْلَى لِلنَّاظِمِ تَقْدِيمُهُ عَلَى قَوْلِ مُطَرِّفٍ الَّذِي بَدَأَ بِهِ (ابْنُ يُونُسَ) . قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَغَيْرِهَا فِي الْوَكِيلِ الْمُفَوَّضِ إلَيْهِ أَوْ الْمَخْصُوصِ أَوْ الزَّوْجِ: يُوَكَّلُونَ عَلَى قَبْضِ حَقٍّ فَيَدَّعُونَ أَنَّهُمْ قَبَضُوهُ وَدَفَعُوهُ إلَى مَنْ وَكَّلَهُمْ أَنَّهُمْ مُصَدَّقُونَ فِي ذَلِكَ كُلُّهُمْ مَعَ أَيْمَانِهِمْ كَالْمُودَعِ يَقُولُ رَدَدْتُ الْوَدِيعَةَ وَيُنْكِرُهَا. وَقَالَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ خِلَافًا لِمُطَرِّفٍ وَابْنِ حَبِيبٍ (ابْنُ عَرَفَةَ) . وَفِيهَا وَالْوَكِيلُ مَبِيعٌ مُصَدَّقٌ فِي دَفْعِ ثَمَنِهِ لِلْآمِرِ. وَقِيلَ إنْ أَنْكَرَ بَعْدَ حِينِ ... فَهْوَ مُصَدَّقٌ بِلَا يَمِينِ وَإِنْ يَمُرَّ الزَّمَنُ الْقَلِيلُ ... فَمَعْ يَمِينٍ قَوْلُهُ مَقْبُولُ وَقِيلَ بَلْ يَخْتَصُّ بِالْمُفَوَّضِ ... إلَيْهِ ذَا الْحُكْمُ لِفَرْقٍ مُقْتَضِ وَمَنْ لَهُ وَكَالَةٌ مُعَيَّنَهْ ... يَغْرَمُ إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَهْ ذَكَرَ فِي هَذِهِ الْأَبْيَاتِ بَقِيَّةَ الْأَقْوَالِ الْأَرْبَعَةِ وَهُوَ الثَّالِثُ وَالرَّابِعُ. فَالثَّالِثُ التَّفْصِيلُ أَيْضًا بَيْنَ أَنْ يَطُولَ الزَّمَانُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَكِيلِ بِلَا يَمِينٍ وَعَنْ طُولِهِ عَبَّرَ بِالْحِينِ وَالْحِينُ يُطْلَقُ عَلَى السَّنَةِ وقَوْله تَعَالَى {تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا} [إبراهيم: 25] . وَكَذَا تَقَدَّمَ فِي الْقَوْلِ الْأَوَّلِ، وَأَنَّ الْمُرَادَ بِالطُّولِ السَّنَةُ وَنَحْوُهَا وَبَيَّنَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِالْقُرْبِ فَالْقَوْلُ لِلْوَكِيلِ مَعَ يَمِينِهِ. وَبَقِيَ مِنْ التَّقْسِيمِ الْمَذْكُورِ فِي الْقَوْلِ الْأَوَّلِ حُكْمُ مَا إذَا قَامَ بِالْفَوْرِ وَلَعَلَّ الْقَوْلَ فِي ذَلِكَ أَيْضًا لِلْوَكِيلِ وَكَذَا يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ بَعْضِ مَنْ شَرَحَهُ. فَإِنَّهُ قَالَ: إنْ كَانَ الْإِنْكَارُ بِحَضْرَةِ ذَلِكَ أَوْ بِقُرْبِهِ بِالْأَيَّامِ الْيَسِيرَةِ صَدَقَ الْوَكِيلُ مِنْ يَمِينِهِ وَبِهَذَا يَفْتَرِقُ هَذَا الْقَوْلُ مَعَ الْأَوَّلِ، فَإِنَّ الْأَوَّلَ إنْ أُقِيمَ فِيهِ بِالْفَوْرِ فَالْقَوْلُ لِلْمُوَكَّلِ كَمَا تَقَدَّمَ. (الْقَوْلُ الرَّابِعُ) : إنَّ هَذَا الْحُكْمَ الْمَذْكُورَ فِي الْقَوْلِ الثَّالِثِ إنَّمَا هُوَ فِي الْوَكِيلِ الْمُفَوَّضِ إلَيْهِ وَأَمَّا الْوَكَالَةُ الَّتِي عَيَّنَ فِيهَا الْآمِرُ الْمُوَكَّلَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَغْرَمُ وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الرَّدِّ لِلْمُوَكِّلِ، وَقَوْلُهُ (لِفَرْقٍ مُقْتَضِ) ، (قَالَ الشَّارِحُ) : هُوَ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - ظُهُورُ الْوُثُوقِ مِنْ الْمُوَكِّلِ بِأَمَانَةِ الْمُفَوَّضِ إلَيْهِ دُونَ ظُهُورِ ذَلِكَ مِنْ الْمُوَكِّلِ لِلْوَكِيلِ الْمَخْصُوصِ (ابْنُ عَرَفَةَ) . وَفِيهَا " وَالْوَكِيلُ عَلَى بَيْعٍ مُصَدَّقٌ فِي دَفْعِ ثَمَنِهِ لِلْآمِرِ؛ لِأَنَّهُ أَمِينُهُ " (ابْن رُشْدٍ) " فِي قَبُولِ قَوْلِ الْوَكِيلِ مَعَ حَلِفِهِ أَنَّهُ دَفَعَ لِمُوَكِّلِهِ مَا أَمَرَهُ بِقَبْضِهِ مِنْ مَبِيعٍ أَوْ غَرِيمٍ مُطْلَقًا وَإِنْ كَانَ بَعْدَ شَهْرٍ وَنَحْوِهِ إنْ طَالَ لَمْ يَحْلِفْ "، ثَالِثُهَا: إنْ كَانَ بِالْقُرْبِ بِيَسِيرِ الْأَيَّامِ أَحْلَفَهُ وَإِنْ طَالَ لَمْ يَحْلِفْ، وَرَابِعُهَا: الْوَكِيلُ عَلَى مُعَيَّنٍ غَارِمٌ مُطْلَقًا وَالْمُفَوَّضُ إلَيْهِ يَحْلِفُ فِي الْقُرْبِ لَا فِي الْبُعْدِ لِسَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مَعَهَا وَرِوَايَةِ مُطَرِّفٍ وَقَوْلِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ مَعَ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَأَصْبَغَ اهـ فَقَوْلُهُ (ذَا الْحُكْمُ) ذَا اسْمُ إشَارَةٍ فَاعِلٌ بِ يَخْتَصُّ، وَالْحُكْمُ نَعْتٌ لَهُ، وَ (بِالْمُفَوَّضِ) يَتَعَلَّقُ بِ يَخْتَصُّ، وَكَذَا الْفَرْقُ وَقَوْلُهُ (وَمَنْ لَهُ وَكَالَةٌ مُعَيَّنَهْ) الْبَيْتَ. هُوَ تَصْرِيحٌ بِمَفْهُومِ قَوْلِهِ (يَخْتَصُّ بِالْمُفَوَّضِ إلَيْهِ) . وَأَمَّا

باب الصلح وما يتعلق به

غَيْرُهُ فَيَغْرَمُ إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ. وَالزَّوْجُ لِلزَّوْجَةِ كَالْمُوَكَّلِ ... فِيمَا مِنْ الْقَبْضِ لِمَا بَاعَتْ يَلِي يَعْنِي أَنَّ الزَّوْجَ لِلزَّوْجَةِ كَالْوَكِيلِ فَإِذَا بَاعَتْ شَيْئًا وَقَبَضَ الزَّوْجُ ثَمَنَهُ أَوْ قَبَضَ لَهَا دَيْنًا ثُمَّ تَنَازَعَا فَادَّعَتْ أَنَّهُ لَمْ يَدْفَعْ لَهَا مَا قَبَضَ وَادَّعَى هُوَ أَنَّهُ دَفَعَ لَهَا ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَجْرِي عَلَى الْحُكْمِ الْمُتَقَدِّمِ فِي الْوَكِيلِ مِنْ كَوْنِ النِّزَاعِ بَعْدَ طُولِ الْمُدَّةِ أَوْ بِالْقُرْبِ أَوْ بِالْفَوْرِ، اجْرِهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. قَالَ ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ فِي مُنْتَخَبِهِ إثْرَ مَا تَقَدَّمَ عَنْهُ فِي شَرْحِ الْأَبْيَاتِ الثَّلَاثِ، وَكَذَا الزَّوْجُ فِيمَا بَاعَ لِامْرَأَتِهِ بِإِذْنِهَا إذَا ادَّعَتْ أَنَّهَا لَمْ تَقْبِضْ ذَلِكَ مِنْهُ وَادَّعَى أَنَّهُ قَدْ بَرِئَ بِدَفْعِ ذَلِكَ إلَيْهَا. " (وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ) : " وَفِي حَمْلِ الزَّوْجِ فِي بَيْعِهِ وَشِرَائِهِ لِزَوْجِهِ عَلَى الْوَكَالَةِ وَإِنْ لَمْ تَثْبُتْ أَوْ حَتَّى يَثْبُتَ دَلِيلَا سَمَاعُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي كِتَابِ الْمِدْيَانِ وَسَمَاعِ عَبْدِ الْمَلِكِ فِي كِتَابِ الدَّعْوَى ". (قَالَ الشَّارِحُ) : " يَظْهَرُ أَنَّ الْوَكَالَةَ إمَّا أَنْ تَكُونَ بِالنَّصِّ - وَلَا إشْكَالَ - وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ بِمُقْتَضَى الْعَادَةِ كَالزَّوْجِ مَعَ زَوْجَتِهِ وَكَالِابْنِ مَعَ أَبِيهِ وَهُوَ دَلِيلُ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الزَّوْجَةِ وَصِحَّةِ الْعَقْدِ عَلَى أُخْتِهِ الْبِكْرِ إذَا أَجَازَهُ الْأَبُ، وَإِبَاحَةِ الْمُخَاصَمَةِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَبِ وَالِابْنِ عَنْ صَاحِبِهِ. وَمَوْتُ زَوْجٍ أَوْ وَكِيلٍ إنْ عَرَضْ ... مِنْ غَيْرِ دَفْعِ مَا بِتَحْقِيقٍ قَبَضْ مِنْ مَالِهِ يَأْخُذُ ذَاكَ قَائِمُ ... بِالْفَوْرِ وَالْعَكْسُ لِعَكْسٍ لَازِمُ يَعْنِي إذَا قَبَضَ الزَّوْجُ ثَمَنَ مَا بَاعَتْهُ زَوْجَتُهُ أَوْ قَبَضَ دَيْنًا لَهَا عَلَى غَيْرِهِ أَوْ قَبَضَ الْوَكِيلُ ذَلِكَ مِنْ مُوَكِّلِهِ ثُمَّ مَاتَ الْقَابِضُ مِنْ زَوْجٍ أَوْ وَكِيلٍ وَلَمْ يُحَقِّقْ بَرَاءَةَ ذِمَّتِهِ مِمَّا قَبَضَ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مَوْتُهُ قَرِيبًا مِنْ قَبْضِهِ لِمَا قَبَضَ، أَوْ بَعْدَ الْمُدَّةِ الطَّوِيلَةِ، فَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْمُدَّةِ الطَّوِيلَةِ فَلَا شَيْءَ لِلزَّوْجَةِ قِبَلَ وَرَثَةِ الزَّوْجِ، وَلَا لِلْمُوَكِّلِ قِبَلَ وَرَثَةِ الْوَكِيلِ، وَغَايَةُ مَا تَتَوَجَّهُ عَلَيْهِمْ الْيَمِينُ أَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ أَنَّهُ بَقِيَ قِبَلَ مَوْرُوثِهِمْ مِنْ الْحَقِّ الَّذِي ادَّعَى عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَإِنْ مَاتَ الزَّوْجُ أَوْ الْوَكِيلُ بِالْقُرْبِ فَيُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنْ أَمْوَالِهِمَا إذَا عُرِفَ الْقَبْضُ وَجُهِلَ الدَّفْعُ وَالْمَرْأَةُ وَالْمُوَكِّلُ يَدَّعِيَانِ عَدَمَ الدَّفْعِ. (قَالَ ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ) : " قَالَ مُطَرِّفٌ: " فَإِنْ مَاتَ الزَّوْجُ وَالْوَكِيلُ بِحِدْثَانِ مَا جَرَى عَلَى أَيْدِيهِمَا مِمَّا ذَكَرْنَاهُ فَذَلِكَ كُلُّهُ فِي أَمْوَالِهِمَا إذَا كَانَ قَدْ عُرِفَ الْقَبْضُ وَجُهِلَ الدَّفْعُ وَالْمَرْأَةُ وَالْمُوَكِّلُ يَدَّعِيَانِ ذَلِكَ وَمَا كَانَ مِنْ مَوْتِهِمَا بِغَيْرِ حِدْثَانِهِ وَمَا يُمْكِنُ فِيهِ الْمَخْرَجُ وَالْقَضَاءُ وَالدَّفْعُ فَلَا شَيْءَ فِي أَمْوَالِهِمَا، وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ الدَّفْعُ وَلَمْ يُذْكَرْ ". (ابْنُ عَرَفَةَ) وَإِنْ مَاتَ الْوَكِيلُ بِحِدْثَانِ قَبْضِهِ كَانَ فِي مَالِهِ وَبَعْدَهُ مِمَّا يُمْكِنُ فِيهِ الْقَضَاءُ وَالدَّفْعُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ اهـ. (وَسُئِلَ) الْأُسْتَاذُ أَبُو سَعِيدِ بْنُ لُبٍّ عَنْ امْرَأَةٍ تُوُفِّيَ وَالِدُهَا وَتَوَلَّى زَوْجُهَا قَبْضَ مِيرَاثِهَا مِنْهُ، ثُمَّ تُوُفِّيَ زَوْجُهَا فَأَثْبَتَتْ أَنَّ مَا قَبَضَ زَوْجُهَا مِنْ مَتْرُوكِ وَالِدِهَا أَدْخَلَهُ فِي مَصَالِحِهِ وَلَمْ يُمَكِّنْهَا مِنْ شَيْءٍ مِنْهُ، (فَأَجَابَ) : إذَا ثَبَتَ أَنَّ مَا قَبَضَ لَمْ يُمَكِّنْهَا مِنْ شَيْءٍ مِنْهُ فَلَا إشْكَالَ، وَإِنْ لَمْ تُثْبِتْ ذَلِكَ وَإِنَّمَا تَعَلَّقَتْ بِالْقَبْضِ خَاصَّةً فَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ قَبَضَ بِإِذْنِ الزَّوْجَةِ وَمَاتَ بِحِدْثَانِ الْقَبْضِ فَذَلِكَ لَازِمٌ لِتَرِكَتِهِ بَعْدَ يَمِينِ الْقَضَاءِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بِغَيْرِ حِدْثَانِهِ بَلْ بَعْدَ شَهْرٍ وَنَحْوِهِ فَيُحْمَلُ الْأَمْرُ عَلَى أَنَّهُ قَدْ دَفَعَ مَا قَبَضَ، وَإِنْ كَانَ الْقَبْضُ تَعَدِّيًا مِنْهُ وَتَجَاسُرًا عَلَى مَالِ الزَّوْجَةِ وَتَحَامُلًا فَذَلِكَ لَازِمٌ لِمَالِهِ وَلِتَرِكَتِهِ بَعْدَ يَمِينِ الْقَضَاءِ. انْتَهَى. [بَابُ الصُّلْحِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ]

(ابْن عَرَفَةَ) : الصُّلْحُ انْتِقَالٌ عَنْ حَقٍّ أَوْ دَعْوَى بِعِوَضٍ لِرَفْعِ نِزَاعٍ أَوْ خَوْفِ وُقُوعِهِ. وَقَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ هُوَ قَبْضُ شَيْءٍ عَنْ عِوَضٍ يَدْخُلُ فِيهِ مَحْضُ الْبَيْعِ وَهُوَ مِنْ حَيْثُ ذَاتُهُ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ، وَقَدْ يَعْرِضُ وُجُوبُهُ عِنْدَ تَعْيِينِ مَصْلَحَتِهِ وَحُرْمَتِهِ وَكَرَاهَتِهِ لَا لِاسْتِلْزَامِ مَفْسَدَةٍ وَاجِبَةِ الدَّرْءِ أَوْ رَاجِحَتِهِ (الرَّصَّاعُ) . قَوْلُهُ (عَنْ حَقٍّ أَوْ دَعْوَى) الْأَوَّلُ الصُّلْحُ عَلَى الْإِقْرَارِ، وَالثَّانِي عَلَى الْإِنْكَارِ (وَبِعِوَضٍ) يَتَعَلَّقُ بِانْتِقَالٍ وَخَرَجَ الِانْتِقَالُ بِغَيْرِ عِوَضٍ، وَقَوْلُهُ لِرَفْعِ نِزَاعٍ يَخْرُجُ بِهِ بَيْعُ الدَّيْنِ وَمَا شَابَهَهُ، وَقَوْلُهُ أَوْ خَوْفِ وُقُوعِهِ يَدْخُلُ فِيهِ الصُّلْحُ عَنْ الْمَحْجُورِ وَمَا شَابَهَهُ. الصُّلْحُ جَائِزٌ بِالِاتِّفَاقِ ... لَكِنَّهُ لَيْسَ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَهُوَ كَمِثْلِ الْبَيْعِ فِي الْإِقْرَارِ ... كَذَاكَ لِلْجُمْهُورِ فِي الْإِنْكَارِ فَجَائِزٌ فِي الْبَيْعِ جَازَ مُطْلَقَا ... فِيهِ وَمَا اُتُّقِيَ بَيْعًا يُتَّقَى كَالصُّلْحِ بِالْفِضَّةِ أَوْ بِالذَّهَبِ ... تَفَاضُلًا أَوْ بِتَأَخُّرٍ أَبِي أَخْبَرَ أَنَّ الصُّلْحَ جَائِزَةٌ وَأَنَّ جَوَازَهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ. (التَّوْضِيحُ) " الصُّلْحُ مَأْخُوذٌ مِنْ صَلَحَ الشَّيْءُ بِفَتْحِ اللَّامِ وَضَمِّهَا إذَا كَمُلَ وَهُوَ خِلَافُ الْفَسَادِ، وَالصُّلْحُ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ، وَقَدْ اصْطَلَحَا وَاصَّالَحَا وَتَصَالَحَا. (وَرَوَى) التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ إلَّا صُلْحًا حَرَّمَ حَلَالًا أَوْ أَحَلَّ حَرَامًا وَالْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ إلَّا شَرْطًا حَرَّمَ حَلَالًا أَوْ أَحَلَّ حَرَامًا» . اهـ بِبَعْضِ اخْتِصَارٍ. وَالْمُرَادُ بِالْجَائِزِ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - الْجَوَازُ الْأَعَمُّ الشَّامِلُ لِلْوَاجِبِ وَالْمَنْدُوبِ، وَالْمُبَاحِ، وَالْمَكْرُوهِ، وَقَوْلُهُ لَكِنَّهُ لَيْسَ عَلَى الْإِطْلَاقِ أَيْ لَكِنَّ جَوَازَهُ لَيْسَ عَلَى الْإِطْلَاقِ أَيْ فِي كُلِّ صُورَةٍ صُورَةٌ وَفِي وَجْهٍ وَجْهٌ بَلْ هُوَ جَائِزٌ فِي الْجُمْلَةِ وَمِنْهُ مَا هُوَ غَيْرُ جَائِزٍ ثُمَّ بَيَّنَ وَجْهَ ذَلِكَ وَهُوَ أَنَّ الصُّلْحَ كَالْبَيْعِ وَالْبَيْعُ مِنْهُ مَا هُوَ جَائِزٌ وَمِنْهُ مَا هُوَ مَمْنُوعٌ فَكَذَلِكَ الصُّلْحُ فَلِذَلِكَ أَتَى بِالْفَاءِ فِي قَوْلِهِ (فَجَائِزٌ) أَيْ فَمَا جَازَ فِي الْبَيْعِ جَازَ فِي الصُّلْحِ وَمَا امْتَنَعَ فِي الْبَيْعِ امْتَنَعَ فِي الصُّلْحِ، وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِقَوْلِهِ (وَهُوَ كَمِثْلِ الْبَيْعِ.) الْبَيْتَيْنِ. فَقَوْلُهُ (جَازَ فِيهِ) أَيْ فِي الصُّلْحِ، وَ (مَا اُتُّقِيَ بَيْعًا) أَيْ فِي الْبَيْعِ يُتَّقَى فِي الصُّلْحِ، وَالْكَافُ الدَّاخِلَةُ عَلَى (مِثْلِ) زَائِدَةٌ عَلَى حَدِّ {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11] وَكَوْنُ الصُّلْحِ كَالْبَيْعِ فِيمَا يَحِلُّ وَيَحْرُمُ وَهُوَ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ إنْ كَانَ الصُّلْحُ عَلَى الْإِقْرَارِ، وَأَمَّا عَلَى الْإِنْكَارِ فَكَذَلِكَ عِنْدَ الْجُمْهُورِ خِلَافًا لِأَشْهَبَ، وَعَلَى هَذَا نَبَّهَ النَّاظِمُ بِقَوْلِهِ (وَهُوَ كَمِثْلِ الْبَيْعِ.) الْبَيْتَ، وَقَوْلُهُ كَالصُّلْحِ بِالْفِضَّةِ أَوْ بِالذَّهَبِ الْبَيْتَ هُوَ تَمْثِيلٌ لِبَعْضِ مَا شَمِلَهُ قَوْلُهُ (وَمَا اُتُّقِيَ بَيْعًا يُتَّقَى) وَ (أَبِي) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الْبَاءِ مَبْنِيًّا لِلنَّائِبِ أَيْ أَبَاهُ الْفُقَهَاءُ وَمَنَعُوهُ وَكَأَنَّهُ تَأْكِيدٌ لِقَوْلِهِ (وَمَا اُتُّقِيَ بَيْعًا يُتَّقَى) (قَالَ فِي الْمُفِيدِ) : " وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى جَوَازِ الصُّلْحِ عَلَى الْإِقْرَارِ وَالْإِنْكَارِ إذَا كَانَ عَلَى طَوْعٍ مِنْ الْمُتَصَالِحَيْنِ لَا يَدْخُلُهُ إكْرَاهٌ وَالصُّلْحُ كَالْبَيْعِ فَمَا يَجُوزُ فِي الْبَيْعِ جَازَ فِي الصُّلْحِ، وَمَا امْتَنَعَ فِي الْبَيْعِ امْتَنَعَ فِي الصُّلْحِ. اهـ. (وَفِي ابْنِ الْحَاجِبِ) " الصُّلْحُ مُعَاوَضَةٌ كَالْبَيْعِ وَإِبْرَاءٌ وَإِسْقَاطٌ ". (التَّوْضِيحُ) عَنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ " الْمُعَاوَضَةُ أَخْذُ مَا يُخَالِفُ الشَّيْءَ الْمُدَّعَى فِيهِ إمَّا فِي الْجِنْسِ أَوْ فِي الصِّفَةِ، وَالْإِبْرَاءُ إسْقَاطُ بَعْضِ مَا فِي الذِّمَّةِ إذَا كَانَ الْمُدَّعَى فِيهِ غَيْرَ مُعَيَّنٍ، وَالْإِسْقَاطُ وَضْعُ بَعْضِ الْمُدَّعَى فِيهِ الْمُعَيَّنِ كَدَارٍ أُخِذَ بَعْضُهَا " اهـ. وَذُكِرَ فِي كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ " هَذِهِ احْتِمَالَاتٌ أُخَرُ ". (وَفِي الْجَوَاهِرِ) " الصُّلْحُ عَنْ الدَّيْنِ كَبَيْعِ الدَّيْنِ وَإِنْ صَالَحَ عَنْ بَعْضِهِ فَهُوَ إبْرَاءٌ مِنْ الْبَعْضِ، وَلَوْ صَالَحَ مِنْ حَالٍّ إلَى مُؤَجَّلٍ مِثْلِهِ أَوْ أَقَلَّ جَازَ وَلَا يَجُوزُ عَلَى أَكْثَرَ مِنْهُ، وَإِنْ صَالَحَ عَنْ مُؤَجَّلٍ عَلَى حَالِّ بَعْضِهِ وَإِسْقَاطِ بَعْضِهِ لَمْ يَجُزْ، وَبِالْجُمْلَةِ فَهَذَا الْقِسْمُ مِنْ الصُّلْحِ بَيْعٌ وَحُكْمُهُ حُكْمُ الْبَيْعِ فِي الْمُعَيَّنِ كَانَ أَوْ فِي الدَّيْنِ، وَيُقَدَّرُ الْمُدَّعَى بِهِ وَالْمَقْبُوضُ كَالْعِوَضَيْنِ فِيمَا يَجُوزُ بَيْنَهُمَا وَمَا يُمْنَعُ، وَتَمْنَعُ الْجَهَالَةُ وَالْغَرَرُ وَوَاحِدٌ بِاثْنَيْنِ مِنْ جِنْسٍ إلَى أَجَلٍ وَالْوَضْعُ عَلَى التَّعْجِيلِ وَغَيْرِهِ مِمَّا يُشْبِهُ اهـ. وَهَذَا كُلُّهُ مُنْدَرِجٌ فِي قَوْلِهِ (فَجَائِزٌ فِي الْبَيْعِ) الْبَيْتُ، وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ (كَالصُّلْحِ بِالْفِضَّةِ) إلَى أَنَّهُ كَمَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَبِيعَ فِضَّةً مَصُوغَةً بِفِضَّةٍ مَسْكُوكَةً أَكْثَرَ مِنْهَا أَوْ ذَهَبٍ مَسْكُوكًا بِذَهَبٍ مَصُوغٍ أَكْثَرَ مِنْهُ فَكَذَلِكَ يَمْتَنِعُ الصُّلْحُ عَنْ أَحَدِهِمَا بِجِنْسِهِ أَكْثَرَ مِنْهُ أَوْ أَقَلَّ وَلَوْ يَدًا بِيَدٍ لِفَوَاتِ الْمُمَاثَلَةِ الْمُشْتَرَطَةِ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ وَكَذَلِكَ يَمْتَنِعُ الصُّلْحُ عَنْ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ كَذَهَبٍ بِفِضَّةٍ، وَبِالْعَكْسِ نَسِيئَةً، وَلَوْ مِثْلًا بِمِثْلٍ لِفَوَاتِ الْمُنَاجَزَةِ، وَأَمَّا

أَخْذُ الْفِضَّةِ عَنْ فِضَّةٍ قَدْرِهَا، أَوْ ذَهَبٍ عَنْ ذَهَبٍ قَدْرِهِ، وَلَوْ نَسِيئَةً، فَجَائِزٌ لِأَنَّ هَذَا اقْتِضَاءُ دَيْنٍ لَا صُلْحٌ فَقَوْلُهُ كَالصُّلْحِ بِالْفِضَّةِ أَيْ عَنْ الْفِضَّةِ أَيْضًا، لَكِنْ تَفَاضُلًا، وَقَوْلُهُ أَوْ بِالذَّهَبِ أَيْ عَنْ الذَّهَبِ أَيْضًا مُتَفَاضِلًا. قَوْلُهُ أَوْ بِتَأَخُّرٍ أَيْ الصُّلْحُ عَنْ الْفِضَّةِ بِالذَّهَبِ، أَوْ الْعَكْسِ مِنْ غَيْرِ يَدٍ بِيَدٍ. وَكَذَا الصُّلْحُ عَنْ أَحَدِهِمَا بِجِنْسِهِ غَيْرِ يَدٍ بِيَدٍ، لَا عَلَى وَجْهِ الْقَضَاءِ مِنْ الدَّيْنِ، وَقَدْ نَقَلَ الْمَوَّاقُ فِي قَوْلِ الشَّيْخِ خَلِيلٍ: " وَجَازَ عَنْ دَيْنٍ بِمَا يُبَاعُ بِهِ فُرُوعًا خَمْسَةً، عَنْ ابْنِ يُونُسَ فِي بَيْعِ الدَّيْنِ. وَقَدْ نَقَلْنَا عَنْهُ فِي فَصْلِ بَيْعِ الدَّيْنِ. فَلِذَلِكَ لَمْ نُعِدْهُ هُنَا (ابْنُ الْحَاجِبِ) " الصُّلْحُ عَنْ الدَّيْنِ كَبَيْعِ الدَّيْنِ، وَيُقَدَّرُ الدَّيْنُ، وَالْمَقْبُوضُ كَالْعِوَضَيْنِ فَيُعْتَبَرُ: ضَعْ، وَتَعَجَّلْ، وَحُطَّ الضَّمَانَ وَأَزِيدُكَ، وَبَيْعُ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ " (التَّوْضِيحُ) عُطِفَ قَوْلُهُ: " فَيُعْتَبَرُ ضَعْ " بِالْفَاءِ؛ لِأَنَّهُ كَالنَّتِيجَةِ عَمَّا قَبْلَهُ، " وَضَعْ وَتَعَجَّلْ " يَكُونُ فِي الْعَيْنِ وَغَيْرِهِ، كَمَا لَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ بِعَشْرَةِ دَرَاهِمَ، أَوْ عَشْرَةِ أَثْوَابٍ إلَى شَهْرٍ فَأَقَرَّ بِذَلِكَ، ثُمَّ صَالَحَهُ عَلَى ثَمَانِيَةٍ نَقْدًا، " وَحُطَّ الضَّمَانَ، وَأَزِيدُكَ " إنَّمَا يَكُونُ فِي غَيْرِ الْعَيْنِ كَمَا ادَّعَى عَلَيْهِ بِعَشْرَةِ أَثْوَابٍ إلَى شَهْرٍ، فَصَالَحَهُ عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ نَقْدًا، وَإِنْ صَالَحَهُ عِنَبًا بِدَنَانِيرَ مُؤَجَّلَةٍ، أَوْ دَرَاهِمَ مُؤَجَّلَةٍ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ فَسْخُ دَيْنٍ فِي دَيْنٍ. وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ: " وَبَيْعُ الدَّيْنِ بِالدِّينِ "، وَكَذَلِكَ يُعْتَبَرُ الصَّرْفُ الْمُؤَخَّرُ كَمَا لَوْ صَالَحَهُ عَلَى دَنَانِيرَ مُؤَجَّلَةٍ بِدَرَاهِمَ، أَوْ بِالْعَكْسِ، وَكَذَلِكَ يُعْتَبَرُ بَيْعُ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ فَلَا يَجُوزُ لِمَنْ ادَّعَى بِطَعَامٍ مِنْ بَيْعٍ أَنْ يُصَالِحَ عَنْهُ بِغَيْرِهِ، وَكَذَلِكَ يُعْتَبَرُ مَعْرِفَةُ مَا يُصَالِحُ عَنْهُ، فَإِنْ كَانَ مَجْهُولًا لَمْ يَجُزْ. وَلِذَلِكَ اشْتَرَطَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي صُلْحِ الْوَلَدِ لِلزَّوْجَةِ عَلَى إرْثِهَا مَعْرِفَتَهَا لِجَمِيعِ التَّرِكَةِ، وَحُضُورَ أَصْنَافِهَا، وَحُضُورَ مَنْ عَلَيْهِ الْعَرْضُ، وَإِقْرَارَهُ، وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ. وَكَانَ الْمُصَنِّفُ عَبَّرَ بِالْمَوَانِعِ الثَّلَاثَةِ عَلَى مَا عَدَاهَا اهـ. وَقَدْ جَمَعَ بَعْضُ الشُّيُوخِ هَذِهِ الْمَوَانِعَ الَّتِي تُتَّقَى فِي بَيْعِ الدَّيْنِ بِقَوْلِهِ: جَهْلًا وَفَسْخًا وَنَسَا وَحُطَّ ضَعْ ... وَالْبَيْعُ قَبْلَ الْقَبْضِ إنْ صَالَحْتَ دَعْ أَيْ إنْ صَالَحْتَ فَدَعْ أَيْ اُتْرُكْ الْجَهْلَ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ، وَهُوَ فَسْخُ الدَّيْنِ فِي الدَّيْنِ، وَرِبَا النَّسَاءِ أَيْ التَّأَخُّرِ فِي الصَّرْفِ مَثَلًا، وَحُطَّ الضَّمَانَ وَأَزِيدُكَ وَضَعْ وَتَعَجَّلْ، وَبَيْعُ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ (فَرْعَانِ: الْأَوَّلُ) :. اُخْتُلِفَ فِي الصُّلْحِ عَنْ تَرْكِ الْقِيَامِ بِالْعَيْبِ فَابْنُ الْقَاسِمِ يَرَى أَنَّهُ مُبَايَعَةٌ بَعْدَ فَسْخِ الْأَوَّلِ، يُعْتَبَرُ مَا يَحِلُّ وَيَحْرُمُ مِنْ بَيْعٍ وَسَلَفٍ وَفَسْخِ دَيْنٍ وَأَشْهَبُ يَرَى الْبَيْعَ الْأَوَّلَ بَاقِيًا وَهَذَا عِوَضٌ عَنْ الْإِسْقَاطِ، فَيَعْتَبِرُ مَا يَحِلُّ وَيَحْرُمُ مِنْ سَلَفٍ جَرَّ مَنْفَعَةً وَفَسْخِ دَيْنٍ اُنْظُرْ مَا يَنْبَنِي عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ابْنِ الْحَاجِبِ فِي التَّوْضِيحِ أَوَّلَ بَابِ الصُّلْحِ (الثَّانِي) مَا تَقَدَّمَ مِنْ جَوَازِ الصُّلْحِ عَلَى الْإِنْكَارِ هُوَ عَلَى الْجُمْلَةِ، وَإِلَّا فَلِجَوَازِهِ شُرُوطُهُ، فَشُرُوطُهُ عِنْدَ مَالِكٍ ثَلَاثَةٌ: وَهُوَ أَنْ يَجُوزَ عَلَى دَعْوَى الْمُدَّعِي، وَعَلَى إنْكَارِ الْمُنْكِرِ، وَعَلَى ظَاهِرِ الْحُكْمِ، وَابْنُ الْقَاسِمِ يَشْتَرِطُ الْأَوَّلَيْنِ فَقَطْ. وَأَصْبَغُ يَشْتَرِطُ شَرْطًا وَاحِدًا: وَهُوَ أَنْ لَا تَتَّفِقَ دَعْوَاهُمَا عَلَى فَسَادٍ. اُنْظُرْ بَيَانَ ذَلِكَ فِي التَّوْضِيحِ. وَالصُّلْحُ بِالْمَطْعُومِ فِي الْمَطْعُومِ ... نَسِيئَةً رُدَّ عَلَى الْعُمُومِ وَالْوَضْعُ مِنْ دَيْنٍ عَلَى التَّعْجِيلِ ... أَوْ الْمَزِيدُ فِيهِ لِلتَّأْجِيلِ وَالْجَمْعُ فِي الصُّلْحِ لِبَيْعٍ وَسَلَفْ ... وَمَا أَبَانَ غَرَرًا بِذَا اتَّصَفْ وَالصُّلْحُ بِالْمَطْعُومِ قَبْلَ الْقَبْضِ ... مِنْ ذِمَّةٍ فَذَاكَ غَيْرُ مَرْضِي وَإِنْ يَكُنْ يَقْبِضُ مِنْ أَمَانَهْ ... فَحَالَةُ الْجَوَازِ مُسْتَبَانَهْ . جَمِيعُ مَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ الْأَبْيَاتُ الْخَمْسُ، هُوَ مِمَّا انْدَرَجَ فِي قَوْلِهِ: " قَبْلُ " وَهُوَ كَمِثْلِ الْبَيْعِ، إلَى أَنْ قَالَ

فَجَائِزٌ فِي الْبَيْعِ جَازَ مُطْلَقَا ... فِيهِ وَمَا اُتُّقِيَ بَيْعًا يُتَّقَى وَقَدْ اشْتَمَلَتْ عَلَى مَسَائِلَ: (الْأُولَى) - مَنْ لَك عَلَيْهِ طَعَامٌ مِنْ قَرْضٍ، أَوْ وَدِيعَةٍ، أَوْ هِبَةٍ فَصَالَحْتَهُ بِطَعَامٍ آخَرَ إلَى أَجَلٍ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ طَعَامٌ بِطَعَامٍ إلَى أَجَلٍ، وَفَسْخُ دَيْنٍ فِي دِينٍ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ الطَّعَامُ الَّذِي لَكَ عَلَى الْغَرِيمِ مِنْ بَيْعٍ فَلَا يَجُوزُ أَنْ تَأْخُذَ عَنْهُ غَيْرَهُ، لَا طَعَامًا وَلَا غَيْرَهُ لَا نَقْدًا وَلَا إلَى أَجَلٍ؛ لِأَنَّهُ بَيْعُ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ، وَفَسْخُ دَيْنٍ فِي دَيْنٍ، (قَالَ ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ فِي مُنْتَخَبِهِ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَسَأَلْتُ مُطَرِّفًا وَابْنَ الْمَاجِشُونِ عَنْ الصُّلْحِ يَقَعُ بِمَا لَا يَجُوزُ التَّبَايُعُ بِهِ. مِثْلُ الرَّجُلِ يَدَّعِي عَلَى الرَّجُلِ شَعِيرًا، فَيُصَالِحَهُ بِقَمْحٍ إلَى أَجَلٍ، فَقَالَ: لَا يَجُوزُ الصُّلْحُ بِمَا ذَكَرْتَ؛ لِأَنَّهُ حَرَامٌ صُرَاحٌ، وَالصُّلْحُ بِهِ مَفْسُوخٌ إنْ عُثِرَ عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَفُوتَ، فَإِنْ فَاتَ قَبْلَ الْفَسْخِ؛ صُحِّحَ بِالْقِيمَةِ عَلَى قَابِضِهِ، كَمَا يُصَحَّحُ الْبَيْعُ الْحَرَامُ إذَا فَاتَ، ثُمَّ يَرْجِعُ عَلَى صَاحِبِهِ فِي دَعْوَاهُ الْأُولَى، إلَّا أَنْ يَصْطَلِحَا صُلْحًا آخَرَ بِمَا يَجُوزُ بِهِ الصُّلْحُ، وَمَفْهُومُ قَوْلِ ابْنِ أَبِي زَمَنِينَ: " فَصَالَحَهُ بِقَمْحٍ إلَى أَجَلٍ " أَنَّهُ لَوْ صَالَحَهُ بِقَمْحٍ عَجَّلَهُ لَهُ جَازَ وَهُوَ كَذَلِكَ، لَكِنْ إنْ كَانَ كَمِثْلِ الشَّعِيرِ فِي الْكَيْلِ، وَهَذَا أَيْضًا إذَا كَانَ الشَّعِيرُ تَرَتَّبَ مِنْ قَرْضٍ، أَوْ هِبَةٍ، أَوْ وَدِيعَةٍ، أَوْ نَحْوِهَا، وَأَمَّا إنْ تَرَتَّبَ مِنْ شِرَاءٍ، فَإِنْ قُلْنَا الْمُخَالَفَةُ فِي الصِّنْفِ كَالْمُخَالَفَةِ فِي الْجِنْسِ لَمْ يَجُزْ، لِأَنَّهُ بَيْعُ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ، وَإِنْ قُلْنَا: لَيْسَ كَالْمُخَالِفِ فِي الْجِنْسِ جَازَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَتَذَكَّرْ قَوْلَهُ فِي بُيُوعِ الْآجَالِ، وَهَلْ غَيْرُ صِنْفِ طَعَامِهِ كَقَمْحٍ وَشَعِيرٍ مُخَالِفٌ، أَوْ لَا تَرَدُّدَ؟ وَإِلَى هَذَا الْفَرْعِ أَشَارَ بِالْبَيْتِ الْأَوَّلِ فَقَوْلُهُ: " نَسِيئَةً " حَالٌ مِنْ الْمَطْعُومِ الْأَوَّلِ، " وَفِي " الدَّاخِلَةُ عَلَى الْمَطْعُومِ الثَّانِي بِمَعْنَى " عَنْ "، وَجُمْلَةُ رُدَّ خَبَرُ الصُّلْحِ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ: " عَلَى الْعُمُومِ " أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ جِنْسَيْنِ، كَقَوْلِ مُؤَخَّرٍ عَنْ قَمْحٍ، أَوْ جِنْسٍ وَاحِدٍ مُخْتَلِفِ الصِّنْفِ مُتَّفِقِ الْقَدْرِ، كَقَمْحٍ مُؤَخَّرٍ عَنْ شَعِيرٍ، أَوْ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ وَصِنْفٍ وَاحِدٍ، كَقَمْحٍ مُؤَخَّرٍ عَنْ قَمْحٍ أَقَلَّ مِنْهُ أَوْ أَكْثَرَ، فَهَذِهِ الْوُجُوهُ مَمْنُوعَةٌ فِي الْبَيْعِ، فَتُمْنَعُ فِي الصُّلْحِ أَيْضًا، فَالْمَنْعُ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي لِلنَّسَاءِ فَقَطْ، وَفِي الثَّالِثِ لِلْفَضْلِ وَالنَّسَاءِ مَعًا، وَأَمَّا أَخْذُ قَمْحٍ مَثَلًا مُؤَخَّرٍ عَنْ قَمْحٍ مُمَاثِلٍ لِلْأَوَّلِ فِي الصِّفَةِ وَالْقَدْرِ، فَلَيْسَ بِصُلْحٍ وَإِنَّمَا هُوَ اقْتِضَاءٌ بَعْدَ تَأْجِيلٍ. (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) - الْوَضْعُ مِنْ الدَّيْنِ عَلَى تَعْجِيلِهِ. كَأَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ عَشْرَةً إلَى شَهْرٍ، فَيَقُولُ: أَعْطِنِي ثَمَانِيَةً نَقْدًا. فَهَذَا مَمْنُوعٌ فِي الْبَيْعِ، وَكَذَلِكَ فِي الصُّلْحِ، وَلَعَلَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا إلَّا فِي تَسْمِيَتِهِ بَيْعًا أَوْ صُلْحًا، وَوَجْهُ مَنْعِهِ أَنَّ مَنْ عَجَّلَ مَا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ يُعَدُّ مُسَلِّفًا، فَقَدْ سَلَّفَ الْآنَ ثَمَانِيَةً لِيَقْتَضِيَ مِنْ نَفْسِهِ عَشْرَةً عِنْدَ الْأَجَلِ، فَهُوَ سَلَفٌ جَرَّ نَفْعًا، وَكَذَلِكَ تَأْخِيرُ الدَّيْنِ لِلزِّيَادَةِ فِيهِ، كَمَنْ كَانَ لَكَ عَلَيْهِ عَشْرَةٌ حَلَّتْ، فَأَخَّرْتَهُ شَهْرًا مَثَلًا لِيُعْطِيَكَ أَحَدَ عَشْرَ، لِأَنَّ مَنْ أَخَّرَ مَا وَجَبَ لَهُ عُدَّ مُسَلِّفًا، فَقَدْ سَلَّفَ لِيَنْتَفِعَ وَإِلَى هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ " وَالْوَضْعُ مِنْ دَيْنٍ " الْبَيْتَ (قَالَ فِي الْمُفِيدِ) : وَاَلَّذِي لَا يَجُوزُ الصُّلْحُ فِيهِ الرَّجُلُ يَكُونُ لَهُ قِبَلَ الرَّجُلِ حَقٌّ إلَى أَجَلٍ، فَيُصَالِحَهُ عَلَى أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ بَعْضَهُ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْأَجَلِ، وَيَحُطَّ عَنْهُ بَعْضَهُ فَهَذَا لَا يَجُوزُ. (وَفِي الرِّسَالَةِ) وَكَانَ رِبَا الْجَاهِلِيَّةِ فِي الدُّيُونِ إمَّا أَنْ يَقْضِيَهُ، وَإِمَّا أَنْ يُرْبِيَ لَهُ فِيهِ، ثُمَّ قَالَ وَلَا تَجُوزُ الْوَضِيعَةُ مِنْ الدَّيْنِ عَلَى تَعْجِيلِهِ، وَلَا التَّأْخِيرُ بِهِ عَلَى الزِّيَادَةِ فِيهِ، وَإِلَى هَذَا الْفَرْعِ أَشَارَ بِالْبَيْتِ الثَّانِي. (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) الْجَمْعُ بَيْنَ الْبَيْعِ وَالسَّلَفِ. فَكَمَا يَمْتَنِعُ فِي بَابِ الْبُيُوعِ يَمْتَنِعُ فِي بَابِ الصُّلْحِ (قَالَ الشَّارِحُ) : وَمِثَالُ الْبَيْعِ وَالسَّلَفِ فِي الصُّلْحِ أَنْ يَكُونَ لِلْغَرِيمِ قِبَلِ غَرِيمِهِ دِينَارٌ، وَهُوَ لَهُ مُنْكِرٌ أَوْ بِهِ مُقِرٌّ، فَيَصْطَلِحَانِ عَلَى أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ عَرَضًا بِنِصْفِ دِينَارٍ، وَيُؤَخِّرَهُ بِالنِّصْفِ الْبَاقِي إلَى أَجَلٍ، فَقَدْ اجْتَمَعَ الْبَيْعُ وَالسَّلَفُ، لِأَنَّ الْعَرَضَ مَبِيعٌ بِنِصْفِ دِينَارٍ، وَالنِّصْفُ الْآخَرُ مِنْ الدِّينَارِ سَلَفٌ إلَى الْأَجَلِ الَّذِي أَخَّرَهُ إلَيْهِ، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ: وَالْجَمْعُ فِي الصُّلْحِ لِبَيْعٍ وَسَلَفْ (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) الصُّلْحُ بِمَا فِيهِ غَرَرٌ. كَالْعَبْدِ الْآبِقِ، وَالْبَعِيرِ الشَّارِدِ، فَكَمَا يَمْتَنِعُ بَيْعُ ذَلِكَ يَمْتَنِعُ الصُّلْحُ بِهِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: وَمَا أَبَانَ غَرَرًا بِذَا اتَّصَفْ (الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ) أَنْ يُصَالِحَ عَنْ دَيْنٍ فِي ذِمَّتِهِ، بِطَعَامٍ لَمْ يَقْبِضْهُ مِنْ ذِمَّةِ مَنْ هُوَ فِي ذِمَّتِهِ، فَكَمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ، كَذَلِكَ لَا يَجُوزُ الصُّلْحُ بِهِ، وَأَمَّا إنْ كَانَ الطَّعَامُ الْمُصَالَحُ بِهِ مِنْ قَرْضٍ، أَوْ هِبَةٍ وَنَحْوِهِمَا؛ فَيَجُوزُ الصُّلْحُ بِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ (قَالَ فِي الْمُقَرَّبِ) فِي بَابِ مَا يَجُوزُ مِنْ مُصَالَحَةِ الْوَرَثَةِ لِزَوْجِ الْمُتَوَفَّى وَمَا لَا يَجُوزُ مَا نَصُّهُ (قُلْتُ) : فَإِنْ كَانَ الطَّعَامُ مِنْ سَلَمٍ

فصل وللأب الصلح على المحجور

فَقَالَ: لَا يَجُوزُ أَنْ يُصَالِحُوهَا - يَعْنِي الزَّوْجَةَ - بِشَيْءٍ، عَلَى أَنْ يَكُونَ الطَّعَامُ لَهُمْ؛ لِأَنَّهُ بَيْعُ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ، وَفِيهِ فِي جَامِعِ الصُّلْحِ (قُلْتُ) : فَمَنْ كَانَ لَهُ عَلَى رَجُلٍ إرْدَبُّ حِنْطَةٍ، وَعَشَرَةُ دَرَاهِمَ، فَصَالَحَهُ مِنْ ذَلِكَ عَلَى أَحَدَ عَشَرَ دِرْهَمًا أَيَجُوزُ هَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ، إذَا كَانَ الطَّعَامُ مِنْ قَرْضٍ اهـ. وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ: وَالصُّلْحُ بِالْمَطْعُومِ قَبْلَ الْقَبْضِ الْبَيْتَيْنِ وَقَوْلُهُ: (مِنْ أَمَانَهْ) هُوَ تَصْرِيحٌ بِمَفْهُومِ قَوْلِهِ: (مِنْ ذِمَّةِ) (وَالْوَضْعُ) مُبْتَدَأٌ، وَ (الْمَزِيدُ) (وَالْجَمْعُ) (وَمَا أَبَانَ) مَعْطُوفَاتٌ عَلَيْهِ، وَجُمْلَةُ (اتَّصَفَ بِذَا) خَبَرُ الْوَضْعِ، وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ، وَالْإِشَارَةُ (بِذَا) لِرَدِّ الصُّلْحِ الْمُتَقَدِّمِ فِي قَوْلِهِ: (رُدَّ عَلَى الْعُمُومِ) . [فَصْلٌ وَلِلْأَبِ الصُّلْحُ عَلَى الْمَحْجُورِ] فَصْلٌ وَلِلْأَبِ الصُّلْحُ عَلَى الْمَحْجُورِ ... وَلَوْ بِدُونِ حَقِّهِ الْمَأْثُورِ إنْ خَشِيَ الْفَوْتَ عَلَى جَمِيعِ مَا ... هُوَ بِهِ يَطْلُبُ مَنْ قَدْ خَصَمَا وَالْبِكْرُ وَحْدَهَا تُخَصُّ هَاهُنَا ... بِعَفْوِهِ عَنْ مَهْرِهَا قَبْلَ الْبِنَا يَعْنِي أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْأَبِ أَنْ يُصَالِحَ عَنْ وَلَدِهِ الْمَحْجُورِ، ذَكَرًا كَانَ الْوَلَدُ أَوْ أُنْثَى، بِحَقِّهِ الْوَاجِبِ لَهُ فَأَكْثَرَ - وَلَا إشْكَالَ - كَأَنْ يَكُونَ لِوَلَدِهِ عَرَضٌ عَلَى مَدِينٍ، فَيُصَالِحُهُ الْأَبُ عَلَى عَرَضٍ آخَرَ، يُسَاوِي قِيمَةَ الْعَرَضِ الَّذِي فِي الذِّمَّةِ أَوْ أَكْثَر، وَكَذَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُصَالِحَ عَنْ وَلَدِهِ بِأَقَلَّ مِنْ حَقِّهِ، لَكِنْ بِشَرْطٍ وَهُوَ أَنْ يَخْشَى فَوَاتَ جَمِيعِ الْحَقِّ، فَالصُّلْحُ بِبَعْضِهِ أَوْلَى مِنْ فَوْتِ جَمِيعِهِ، وَتَخْتَصُّ الْبِكْرُ بِأَنَّهُ يَجُوزُ لِأَبِيهَا الْعَفْوُ عَنْ نِصْفِ صَدَاقِهَا؛ إنْ طَلَّقَهَا الزَّوْجُ قَبْلَ الْبِنَاءِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} [البقرة: 237] إلَى قَوْلِهِ: {عُقْدَةُ النِّكَاحِ} [البقرة: 237] (قَالَ فِي طُرَرِ ابْنِ عَاتٍ) : قَالَ جَمَاعَةٌ فِي تَفْسِيرِ {الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} [البقرة: 237] : هُوَ الْأَبُ فِي ابْنَتِهِ الْبِكْرِ، مِنْهُمْ الزُّهْرِيُّ وَعَلْقَمَةُ وَالْحَسَنُ وَطَاوُسٌ وَمَالِكٌ، وَأَصْحَابُهُ وَبِهِ الْفَتْوَى (قَالَ فِي الْمُفِيدِ) : وَإِذَا صَالَحَ الرَّجُلُ عَلَى ابْنَتِهِ الْبِكْرِ بِبَعْضِ حَقِّهَا مِنْ مِيرَاثٍ، أَوْ صَدَاقٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ حَقُّهَا عَيْنًا، لَا خِصَامَ فِيهِ وَلَا دَعْوَى، فَلَا يَجُوزُ صُلْحُهُ عَلَيْهَا بِأَقَلَّ مِنْ حَقِّهَا، إذْ لَا يُنْظَرُ فِي ذَلِكَ. فَإِنْ رُفِعَ رَجَعَتْ بِبَاقِي حَقِّهَا عَلَى مَنْ هُوَ لَهَا عَلَيْهِ، ثُمَّ لَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى وَالِدِهَا، إلَّا أَنْ يَتَحَمَّلَ فِي ذَلِكَ مَا يُدْرِكُهُ مِنْ دَرْكٍ، فَيَكُونُ هُوَ الْمَطْلُوبُ بِهِ فِي عُسْرِهِ وَيُسْرِهِ، وَيَتْبَعُهُ بِذَلِكَ غَرِيمُ الِابْنَةِ، وَإِنْ كَانَ غَرِيمُهَا عَدِيمًا؛ طَلَبَتْ وَالِدَهَا بِحَقِّهَا قَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ (قَالَ الشَّارِحُ) : " وَالِابْنُ وَالْبِنْتُ فِي هَذَا سَوَاءٌ، وَلِذَلِكَ أَتَى الشَّيْخُ بِلَفْظِ " الْمَحْجُورِ " الشَّامِلِ لَهُمَا "، وَذِكْرُ ابْنِ هِشَامٍ الْبِنْتَ فَقَطْ، هُوَ عَلَى وَجْهِ التَّمْثِيلِ فَقَطْ، وَلَا تَخْتَصُّ الْبِنْتُ إلَّا بِجَوَازِ الْعَفْوِ عَنْ نِصْفِ مَهْرِهَا قَبْلَ الْبِنَاءِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ النَّاظِمُ بِالْبَيْتِ الثَّالِثِ (وَفِي الطُّرَرِ) قَالَ مَالِكٌ: وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَعْفُوَ عَنْ شَيْءٍ مِنْ صَدَاقِهَا - يُرِيدُ الْبِكْرَ - إلَّا الْأَبُ وَحْدَهُ، لَا وَصِيٌّ وَلَا غَيْرُهُ (وَفِي ابْنِ يُونُسَ) : " فَأَمَّا قَبْلَ الطَّلَاقِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَضَعَ مِنْ صَدَاقِهَا شَيْئًا ". (التَّوْضِيحُ) وَأَجَازَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَفْوَ الْوَلِيِّ قَبْلَ الطَّلَاقِ أَيْضًا، وَرَأَى أَنَّهُ إذَا جَازَ ذَلِكَ لِتَحْصِيلِ زَوْجٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، فَلَا يَجُوزُ لِلزَّوْجِ الْحَاصِلِ لَهَا الَّذِي لَمْ يُطَلِّقْهَا أَوْلَى اهـ. وَالْعَفْوُ قَبْلَ الطَّلَاقِ إمَّا عَلَى شَرْطِ التَّطْلِيقِ، أَوْ عَلَى بَقَاءِ الْعِصْمَةِ لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَتْرُكَ لَهَا مَا يَحِلُّ بِهِ النِّكَاحُ. وَلِلْوَصِيِّ الصُّلْحُ عَمَّنْ قَدْ حُجْر ... وَلَا يَجُوزُ مَعَ غَبْنٍ أَوْ ضَرَرْ يَعْنِي أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْوَصِيِّ أَنْ يُصَالِحَ عَنْ مَحْجُورِهِ إذَا كَانَ نَظَرًا لِلْمَحْجُورِ، فَإِنْ كَانَ فِيهِ غَبْنٌ وَنَقْصٌ مِنْ حَقِّهِ، أَوْ عَلَيْهِ فِيهِ ضَرَرٌ لَمْ يَجُزْ. (قَالَ ابْنُ رُشْدٍ) : وَقَعَتْ هَذِهِ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ، وَظَاهِرُهَا أَنَّ الْوَصِيَّ

يَجُوزُ صُلْحُهُ عَنْ الْيَتِيمِ الَّذِي إلَى نَظَرِهِ، فِيمَا طُلِبَ لَهُ مِنْ الْحَقِّ أَوْ طُولِبَ بِهِ، فِي أَنْ يَأْخُذَ بَعْضَ حَقِّهِ الَّذِي يُطْلَبُ. مِنْ الْغَيْرِ، وَيَضَعُ بَعْضَهُ إذَا خُشِيَ أَنْ لَا يَصِحَّ لَهُ مَا ادَّعَاهُ، وَبِأَنْ يُعْطِيَ مِنْ مَالِهِ بَعْضَ مَا يُطْلَبُ بِهِ، إذَا خُشِيَ أَنْ يَثْبُتَ عَلَيْهِ جَمِيعُ مَا يُطْلَبُ بِهِ، وَفِي أَوَاخِرِ السِّفْرِ الثَّالِثِ مِنْ الْمِعْيَارِ، فِي صَدْرِ جَوَابٍ لِمُؤَلِّفِهِ فِي مَسْأَلَةٍ مِنْ الصُّلْحِ، سُمِّيَ جَوَابُهُ الْمَذْكُورُ تَنْبِيهُ الطَّالِبِ الدَّرَّاكِ فِي الصُّلْحِ الْمُنْعَقِدِ بَيْنَ ابْنِ سَعْدٍ، وَالْحَبَّاكِ. قَالَ: تَحْصِيلُ صُلْحِ الْوَصِيِّ عَنْ أَيْتَامِهِ بِبَعْضِ الْحَقِّ، بَعْدَ فَرْضِ سَلَامَتِهِ مِنْ الْقَوَادِحِ الْفِقْهِيَّةِ وَالْمَوَانِعِ الشَّرْعِيَّةِ، إنَّهُ لَا يَخْلُو مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ مِمَّا يُطْلَبُ لِلْمَحْجُورِ، وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مِمَّا يُطْلَبُ بِهِ، فَالْأَوَّلُ لَا يَخْلُو مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: الْأَوَّلُ - أَنْ يَكُونَ بَعْدَ ثُبُوتِ الْحَقِّ لَهُمْ، بِحَيْثُ لَا خِصَامَ فِيهِ وَلَا دَعْوَى، وَالثَّانِي - أَنْ يَكُونَ قَبْلَ ثُبُوتِهِ فِي الْحَالِ، وَلَا يُرْجَى ثُبُوتُهُ فِي الْمَآلِ، وَالثَّالِثُ - أَنْ يَكُونَ غَيْرَ ثَابِتٍ فِي الْحَالِ، لَكِنْ يُرْجَى ثُبُوتُهُ فِي الْمَآلِ فَالْأَوَّلُ لَا يَجُوزُ بِاتِّفَاقٍ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ فِي مَالِ الْمَحْجُورِ، وَهُوَ مَمْنُوعٌ عِنْدَ الْكَافَّةِ وَالْجُمْهُورِ، وَالثَّانِي مَشْرُوعٌ، وَالثَّالِثُ مَمْنُوعٌ. وَإِنْ كَانَ مِمَّا يُطْلَبُ بِهِ، فَلَا يَخْلُو أَيْضًا إمَّا أَنْ يَكُونَ الْحَقُّ ثَابِتًا فِي الْحَالِ، أَوْ لَيْسَ ثَابِتًا فِي الْحَالِ، وَلَا يُرْجَى ثُبُوتُهُ فِي الْمَآلِ، أَوْ لَيْسَ ثَابِتًا فِي الْحَالِ، وَلَكِنْ يُرْجَى ثُبُوتُهُ فِي الْمَآلِ، فَالْأَوَّلُ يَجُوزُ صُلْحُهُ عَلَيْهِ بِمِثْلِ الْحَقِّ فَأَقَلَّ، وَلَا يَجُوزُ بِأَكْثَرَ، وَالثَّانِي وَهُوَ مَا لَيْسَ بِثَابِتٍ فِي الْحَالِ، وَلَا يُرْجَى ثُبُوتُهُ فِي الْمَآلِ، فَاخْتَلَفَ الْمَذْهَبُ فِي إجَازَتِهِ وَمَنْعِهِ عَلَى قَوْلَيْنِ. وَالْقَوْلُ بِالْإِجَازَةِ مِنْهُمَا هُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي سَمَاعِ أَصْبَغَ، وَالْمَنْعُ هُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ فِي وَاضِحَتِهِ وَأَحْكَامِهِ، ثُمَّ قَالَ: قُلْتُ وَالْقَوْلَانِ مُتَكَافِئَانِ فِي نَظَرِ كَثِيرٍ مِنْ مَشَايِخِ الْمَذْهَبِ، وَصَوَّبَ بَعْضُ مُتَأَخِّرِيهِمْ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَاعْتَلَّ لَهُ بِأَنَّ فِعْلَ الْوَصِيِّ مَحْمُولٌ عَلَى النَّظَرِ، حَتَّى يَثْبُتَ خِلَافُهُ اهـ كَذَا وَجَدْتُ هَذَا الْكَلَامَ فِي نُسْخَتَيْنِ مِنْ الْمِعْيَارِ، وَالْغَالِبُ أَنَّهُ سَقَطَ بَعْضُهُ وَأَصْلُهُ، وَالثَّانِيَ وَهُوَ مَا لَيْسَ بِثَابِتٍ فِي الْحَالِ، وَلَا يُرْجَى ثُبُوتُهُ فِي الْمَآلِ، فَلَا يَجُوزُ الصُّلْحُ فِيهِ عَنْهُ بِحَالٍ، وَأَمَّا الثَّالِثُ - وَهُوَ مَا لَيْسَ ثَابِتًا فِي الْحَالِ، وَلَكِنْ يُرْجَى ثُبُوتُهُ فِي الْمَآلِ، فَاخْتَلَفَ الْمَذْهَبُ. . . إلَخْ، وَهَذَا الْقِسْمُ هُوَ الْمُنَاسِبُ لِمَحَلِّ الْخِلَافِ بِسَبَبِ النَّظَرِ إلَى الْحَالِ، وَالْمَآلِ، وَهِيَ قَاعِدَةٌ مِنْ الْقَوَاعِدِ الشَّرْعِيَّةِ قَوْلُهُ (وَلِلْوَصِيِّ) يَتَعَلَّقُ بِ يَجُوزُ، وَالصُّلْحُ مُبْتَدَأٌ وَعَمَّنْ يَتَعَلَّقُ بِهِ، وَجُمْلَةُ لَا يَجُوزُ خَبَرُ الصُّلْحِ. وَلَا يَجُوزُ نَقْضُ صُلْحٍ أُبْرِمَا ... وَإِنْ تَرَاضَيَا وَجَبْرًا أُلْزِمَا يَعْنِي أَنَّ الْمُتَخَاصِمَيْنِ إذَا وَقَعَ الصُّلْحُ بَيْنَهُمَا عَلَى وَجْهٍ جَائِزٍ ثُمَّ أَرَادَا الرُّجُوعَ إلَى مَا كَانَا عَلَيْهِ مِنْ الْخُصُومَةِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ وَيُجْبَرَانِ عَلَى الْتِزَامِ مَا وَقَعَ بَيْنَهُمَا مِنْ الصُّلْحِ (قَالَ ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ فِي مُنْتَخَبِهِ) وَسُئِلَ عِيسَى عَنْ رَجُلَيْنِ اصْطَلَحَا فِي شَيْءٍ تَدَاعَيَا فِيهِ ثُمَّ أَرَادَا أَنْ يَنْقُضَا الصُّلْحَ وَيَرْجِعَا إلَى الدَّعْوَى الْأُولَى قَالَ هَذَا لَا يَجُوزُ (سَحْنُونٌ) إنْ اسْتَحَقَّ مَا قَبَضَ الْمُدَّعِي فِي الصُّلْحِ عَلَى الْإِنْكَارِ فَلْيَرْجِعْ بِقِيمَةِ مَا قَبَضَ أَوْ مِثْلِهِ إنْ كَانَ يُوجَدُ لَهُ مِثْلٌ (ابْنُ يُونُسَ) هَذَا هُوَ الصَّوَابُ لَا الرُّجُوعُ إلَى الْخُصُومَةِ. وَيُنْقَضُ الْوَاقِعُ فِي الْإِنْكَارِ ... إنْ عَادَ مُنْكِرٌ إلَى الْإِقْرَارِ يَعْنِي أَنَّ مَنْ ادَّعَى حَقًّا عَلَى غَيْرِهِ، فَجَحَدَهُ وَأَنْكَرَهُ ثُمَّ صَالَحَهُ عَلَى الْإِنْكَارِ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ أَقَرَّ بِمَا أَنْكَرَ أَوَّلًا قَبْلَ الصُّلْحِ فَإِنَّ الصُّلْحَ يُنْقَضُ وَيَلْزَمُهُ غُرْمُ مَا بَقِيَ مِنْ حَقِّ الْمُدَّعِي، وَهَذَا الْفَرْعُ وَمَا يُسْتَطْرَدُ بَعْدَهُ مِنْ نَظَائِرِهِ فِي مَعْرِضِ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ قَوْلِهِ وَلَا يَجُوزُ نَقْضُ صُلْحٍ أُبْرِمَا قَالَ فِي (الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ) قَالَ أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ سُئِلَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ عَنْ رَجُلٍ لَهُ حَقٌّ عَلَى رَجُلٍ فَجَحَدَهُ، فَصَالَحَهُ عَلَى الْإِنْكَارِ بِبَعْضِ الْحَقِّ، ثُمَّ أَقَرَّ بَعْدُ أَنَّ مَا ادَّعَى بِهِ عَلَيْهِ حَقٌّ فَقَالَ عِيسَى يَلْزَمُهُ غُرْمُ مَا بَقِيَ مِنْ حَقِّ الْمُدَّعَى وَقَالَ لَوْ أَنَّ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ وَثِيقَةً بِحَقٍّ فَضَاعَتْ فَأَنْكَرَ غَرِيمُهُ فَصَالَحَهُ بِبَعْضِ الْحَقِّ ثُمَّ وَجَدَهَا فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِمَا بَقِيَ مِنْ حَقِّهِ (ابْنُ الْحَاجِبِ) وَالصُّلْحُ عَلَى الْإِنْكَارِ وَعَلَى الِافْتِدَاءِ مِنْ الْيَمِينِ جَائِزٌ حُكْمُهُ

وَلَا يَحِلُّ لِلظَّالِمِ مِنْهُمَا فَلَوْ أَقَرَّ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ نَقْضُهُ لِأَنَّهُ مَغْلُوبٌ، ثُمَّ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ " وَإِنْ أَشْهَدَ سِرًّا ": فَقَوْلَانِ وَهُنَا ثَمَانِ مَسَائِلَ أَرْبَعٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا أَيْ عَلَى نَقْضِ الصُّلْحِ فِي ثَلَاثَةٍ مِنْهَا وَعَلَى إمْضَائِهِ فِي الرَّابِعَةِ، وَأَرْبَعٌ مُخْتَلَفٌ فِيهَا. فَأَمَّا الْمُتَّفَقُ عَلَيْهَا فَالْأُولَى: إنْ كَانَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ غَائِبَةٌ وَأَشْهَدَ وَأَعْلَنَ، وَالثَّانِيَةُ: إذَا صَالَحَ عَلَى الْإِنْكَارِ ثُمَّ أَقَرَّ، وَالثَّالِثَةُ: إذَا صَالَحَ عَلَى الْإِنْكَارِ وَذَكَرَ ضَيَاعَ صَكِّهِ أَيْ وَثِيقَتِهِ ثُمَّ وَجَدَهُ بَعْدَ الصُّلْحِ فَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ اتَّفَقُوا فِيهَا عَلَى الْقَبُولِ، وَالرَّابِعَةُ: إذَا ضَاعَ صَكُّهُ فَقَالَ لَهُ غَرِيمُهُ: حَقُّكَ حَقٌّ فَأْتِ بِالصَّكِّ فَامْحُهُ وَخُذْ حَقَّكَ. فَقَالَ: قَدْ ضَاعَ وَأَنَا أُصَالِحُكَ فَفَعَلَ ثُمَّ يَجِدُ ذِكْرَ الْحَقِّ فَلَا رُجُوعَ لَهُ بِاتِّفَاقٍ (ابْنُ يُونُسَ) وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا أَنَّ غَرِيمَهُ فِي هَذِهِ مُعْتَرِفٌ وَإِنَّمَا طَالَبَهُ بِإِحْضَارِ صَكِّهِ لِيَمْحُوَ مَا فِيهِ، فَقَدْ رَضِيَ هَذَا بِإِسْقَاطِهِ وَاسْتِعْجَالِ حَقِّهِ وَالْأَوَّلُ مُنْكِرٌ لِلْحَقِّ وَقَدْ أَشْهَدَ أَنَّهُ إنَّمَا صَالَحَهُ لِضَيَاعِ صَكِّهِ فَهُوَ كَإِشْهَادِهِ أَنَّهُ إنَّمَا يُصَالِحُهُ لِغَيْبَةِ بَيِّنَتِهِ. وَأَمَّا الْأَرْبَعُ الْمُخْتَلَفُ فِيهَا فَهِيَ: إذَا كَانَتْ بَيِّنَتُهُ غَائِبَةً وَأَشْهَدَ سِرًّا كَمَا ذُكِرَ. وَالثَّانِيَةُ: إذَا صَالَحَ وَلَمْ يَعْلَمْ بِبَيِّنَتِهِ، ثُمَّ عَلِمَ وَالْمَشْهُورُ فِيهَا الْقَبُولُ كَمَا تَقَدَّمَ، وَالثَّالِثَةُ: إذَا صَالَحَ وَهُوَ عَالِمٌ بِبَيِّنَتِهِ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْمَشْهُورَ فِيهَا عَدَمُ الْقَبُولِ، وَالرَّابِعَةُ: مَنْ يُقِرُّ فِي السِّرِّ وَيَجْحَدُ فِي الْعَلَانِيَةِ فَصَالَحَهُ غَرِيمُهُ عَلَى أَنْ يُؤَخِّرَهُ سَنَةً وَأَشْهَدَ الطَّالِبَ أَنَّهُ إنَّمَا يُصَالِحُهُ لِغَيْبَةِ بَيِّنَتِهِ فَإِذَا قَدِمَتْ قَامَ بِهَا، فَقِيلَ ذَلِكَ لَهُ إذَا عَلِمَ أَنَّهُ كَانَ يَطْلُبُهُ وَهُوَ يَجْحَدُهُ، وَقِيلَ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ (خَلِيلٌ) وَأَفْتَى بَعْضُ أَشْيَاخِ شَيْخِي بِأَنَّ ذَلِكَ لَهُ لِضَرُورَةٍ وَهُوَ قَوْلُ سَحْنُونٍ وَالْآخَرُ لِمُطَرِّفٍ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تُسَمَّى إيدَاعَ الشَّهَادَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَإِلَى هَذِهِ الْمَسَائِلِ الثَّمَانِ أَشَارَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ فِي مُخْتَصَرِهِ بِقَوْلِهِ: " فَلَوْ أَقَرَّ بَعْدَهُ، أَوْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ لَمْ يَعْلَمْهَا، أَوْ أَشْهَدَ، وَأَعْلَنَ أَنَّهُ يَقُومُ بِهَا، أَوْ وَجَدَ وَثِيقَتَهُ بَعْدَهُ فَلَهُ نَقْضُهُ كَمَنْ لَمْ يُعْلِنْ، أَوْ يُقِرَّ سِرًّا فَقَطْ عَلَى الْأَحْسَنِ لَا إنْ عَلِمَ بِبَيِّنَتِهِ وَلَمْ يُشْهِدْ أَوْ ادَّعَى ضَيَاعَ الصَّكِّ فَقِيلَ لَهُ حَقُّكَ ثَابِتٌ فَأْتِ فَصَالِحْ ثُمَّ وَجَدَهُ " اهـ. وَالْمَسْأَلَةُ الْأُولَى فِي الْمُخْتَصَرِ هِيَ الثَّانِيَةُ فِي التَّوْضِيحِ، وَالثَّانِيَةُ فِيهِ هِيَ الثَّانِيَةُ مِنْ الْأَرْبَعِ الْأَخِيرَةِ فِي التَّوْضِيحِ، وَالثَّالِثَةُ فِيهِ هِيَ الْأُولَى فِي التَّوْضِيحِ، وَالرَّابِعَةُ هِيَ الثَّالِثَةُ فِي التَّوْضِيحِ، وَالْخَامِسَةُ هِيَ الْأُولَى مِنْ الْأَرْبَعِ الْأَخِيرَةِ، وَالسَّادِسَةُ هِيَ الرَّابِعَةُ مِنْ الْأَرْبَعِ الْأَخِيرَةِ، وَالسَّابِعَةُ هِيَ الثَّالِثَةُ مِنْ الْأَرْبَعِ الْأَخِيرَةِ، وَالثَّامِنَةُ هِيَ الرَّابِعَةُ مِنْ الْأَرْبَعِ الْأُولَى. وَقَوْلُهُ فِي آخِرِ كَلَامِ التَّوْضِيحِ: " وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تُسَمَّى إيدَاعَ الشَّهَادَةِ " (قُلْت) هِيَ الَّتِي تُسَمَّى فِي عُرْفِنَا الِاسْتِرْعَاءَ، وَهِيَ أَنْ يَكُونَ الْحَقُّ عَلَى ظَالِمٍ لَا يُنْتَصَفُ مِنْهُ وَلَا تَنَالُهُ الْأَحْكَامُ فَيَخَافُ صَاحِبُ الْحَقِّ أَنْ يَطُولَ الزَّمَانُ وَيَضِيعَ حَقُّهُ، فَيُشْهِدُ سِرًّا وَخُفْيَةً أَنَّهُ عَلَى حَقِّهِ غَيْرُ تَارِكٍ لَهُ وَأَنَّهُ يَقُومُ بِهِ مَتَى أَمْكَنَهُ ذَلِكَ وَقَدْ أَشْبَعَ الْكَلَامَ فِيهَا صَاحِبُ الْمِعْيَارِ فِي نَوَازِلِ الصُّلْحِ عَنْ الْإِمَامِ أَبِي الْحَسَنِ عَلِيِّ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَطِيَّةَ الْوَنْشَرِيسِيِّ لَمَّا سُئِلَ عَنْ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ آخِرَ الصُّلْحِ " فَإِنْ أَشْهَدَ سِرًّا فَقَوْلَانِ " فَعَلَيْك بِهِ إنْ تَعَلَّقَ لَك بِهِ غَرَضٌ فَإِنَّهُ كَثِيرُ الْوُقُوعِ لَا سِيَّمَا فِي هَذَا الزَّمَانِ. إنْ طَالَ هَذَا وَلَمْ يَحْدُثْ لَهُ غِيَرٌ ... لَمْ يُبْكَ مَيْتٌ وَلَمْ يُفْرَحْ بِمَوْلُودِ وَقَدْ نَقَلْنَا مِنْهُ جُمْلَةً صَالِحَةً فِي شَرْحِنَا الْمُسَمَّى بِفَتْحِ الْعَلِيمِ الْخَلَّاقِ فِي شَرْحِ لَامِيَّةِ الزَّقَّاقِ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ فِي آخِرِهَا: وَلَا تَكْتُبَنْ طَوْعًا بِعَيْبٍ بِمَرْكَبٍ الْأَبْيَاتَ الثَّلَاثَةَ. وَالتَّرِكَاتُ مَا تَكُونُ الصُّلْحُ ... مَعَ عِلْمِ مِقْدَارٍ لَهَا يَصِحُّ يَعْنِي أَنَّ التَّرِكَةَ يَصِحُّ وَيَجُوزُ فِيهَا الصُّلْحُ أَيْ: سَوَاءٌ كَانَتْ عَيْنًا، أَوْ عَرَضًا، أَوْ حَيَوَانًا، أَوْ طَعَامًا، أَوْ مَلَقَةً مِنْ الْبَعْضِ، أَوْ الْكُلِّ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ لَكِنْ بِشَرْطِ عِلْمِ مِقْدَارِهَا لِمَا فِي الصُّلْحِ مَعَ جَهْلِ مِقْدَارِهَا مِنْ الْغَرَرِ الَّذِي مَنَعَ مِنْهُ الشَّارِحُ فِي أَبْوَابِ الْمُعَاوَضَاتِ، ثُمَّ نَقَلَ الشَّارِحُ جَوَابَ الْإِمَامِ أَبِي سَعِيدِ بْنِ لُبٍّ

عَنْ صُلْحٍ فِي تَرِكَةٍ وَقَعَ فِيهِ جَهْلٌ وَغَبْنٌ. قَالَ: " فَأَمَّا الْجَهْلُ فَقَدْ قَالَ أَهْلُ الْوَثَائِقِ: إذَا سَقَطَ مِنْ الْعَقْدِ ذِكْرُ مَعْرِفَةِ الْقَدْرِ وَادَّعَى أَحَدُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ الْجَهْلَ لَمْ يُصَدَّقْ وَلَا يَمِينَ لَهُ عَلَى صَاحِبِهِ فِي وَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ إلَّا فِي وَجْهٍ وَاحِدٍ وَهُوَ أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّ صَاحِبَهُ كَانَ عَالِمًا بِجَهْلِهِ، فَيَجِبُ لَهُ الْيَمِينُ عَلَى صَاحِبِهِ أَنَّهُ مَا عَلِمَ بِجَهْلِهِ إذَا أَنْكَرَ ذَلِكَ فَإِنْ حَلَفَ تَمَّ الْعَقْدُ، وَإِنْ نَكَلَ وَرَدَّ الْيَمِينَ عَلَى الْآخَرِ حَلَفَ لَقَدْ كَانَ جَاهِلًا بِمَا خَرَجَ عَنْهُ وَفُسِخَ الْعَقْدُ إنْ شَاءَ هَذَا مَعَ عَدَمِ ثُبُوتِ جَهِلَهُ بِقَدْرِ ذَلِكَ أَمَّا لَوْ ثَبَتَ ذَلِكَ أَوْ اعْتَرَفَ بِهِ الْخَصْمُ لَثَبَتَ الْخِيَارُ لِلْجَاهِلِ فِي الْفَسْخِ فَإِنْ اعْتَرَفَ الْخَصْمُ أَنَّهُ كَانَ عَالِمًا بِجَهْلِ صَاحِبِهِ عِنْدَ الْعَقْدِ وَجَبَ الْفَسْخُ بِكُلِّ حَالٍ لِفَسَادِهِ حِينَئِذٍ. وَأَمَّا الْقِيَامُ بِالْغَبْنِ فَمَا فِيهِ مَعْلُومٌ فَلْيُرَاجَعْ فِي مَحَلِّهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ". وَلَا يَجُوزُ الصُّلْحُ بِاقْتِسَامِ مَا ... فِي ذِمَّةٍ وَإِنْ أَقَرَّ الْغُرَمَا وَالزَّرْعِ قَبْلَ ذَرْوِهِ وَالثَّمَرِ ... مَا دَامَ مُبْقًى فِي رُءُوسِ الشَّجَرِ وَلَا بِإِعْطَاءٍ مَنْ الْوُرَّاثِ ... لِلْعَيْنِ فِي الْكَالِئِ وَالْمِيرَاثِ وَحَيْثُ لَا عَيْنٌ وَلَا دَيْنٌ وَلَا ... كَالِئٍ سَاغَ مَا مِنْ إرْثٍ بُذِلَا اشْتَمَلَتْ الْأَبْيَاتُ عَلَى أَرْبَعِ مَسَائِلَ ثَلَاثَةٍ مَمْنُوعَةٍ وَوَاحِدَةٍ جَائِزَةٍ (الْأُولَى) مَنْ الثَّلَاثِ إذَا كَانَتْ التَّرِكَةُ دُيُونًا عَلَى أُنَاسٍ شَتَّى فَلَا يَجُوزُ لِلْوَرَثَةِ قَسْمُ تِلْكَ الدُّيُونِ بِأَنْ يَخْرُجَ وَاحِدٌ بِغَرِيمٍ وَآخَرُ بِغَرِيمٍ آخَرَ وَهَكَذَا. وَإِنْ حَضَرَ الْغُرَمَاءُ وَأَقَرُّوا بِالدَّيْنِ تَبْقَى الدُّيُونُ بَيْنَهُمْ فَمَتَى اقْتَضَوْا مِنْهَا شَيْئًا اقْتَسَمُوهُ. وَلَا تُقْسَمُ الذِّمَمُ وَفِي الْأَثَرِ النَّهْيُ عَنْ الذِّمَّة بِالذِّمَّةِ وَمَنْ اقْتَضَى مِنْهُمْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ أَوْ صَالَحَ عَنْ نَصِيبِهِ مِنْهُ دَخَلَ مَعَهُ سَائِرُ الْوَرَثَةِ فِي ذَلِكَ إلَّا أَنْ يُسَلِّمُوا لَهُ فِعْلَهُ أَوْ مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ وَيَتْبَعُونَ الْغَرِيمَ بِحِصَصِهِمْ. كَذَا نَقَلَ الشَّارِحُ عَنْ الْمُتَيْطِيِّ، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ النَّاظِمُ بِالْبَيْتِ الْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ: (فِي ذِمَّةٍ) كَأَنَّهُ أَرَادَ الْجِنْسَ بِدَلِيلِ صِيغَةِ الْجَمْعِ فِي الْغُرَمَاءِ، وَأَبْيَنُ مِنْهُ أَنْ لَوْ قَالَ بِذِمَمٍ وَإِنْ أَقَرَّ الْغُرَمَا. (الثَّانِيَةُ) قَسْمُ الزَّرْعِ قَبْلَ ذَرْوِهِ وَالثَّمَرِ فِي رُءُوسِ الشَّجَرِ قَبْلَ جَذَاذِهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْغَرَرِ وَالْمُخَاطَرَةِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ تَدْعُو إلَى ذَلِكَ. (قَالَ الْمُتَيْطِيُّ) بِأَثَرِ النَّقْلِ الْمُتَقَدِّمِ عَنْهُ: " وَكَذَلِكَ إذَا وَرِثُوا زَرْعًا، وَأَرْضًا، وَشَجَرًا فِيهَا ثِمَارٌ، ثُمَّ لَمْ يَقْسِمُوا الْأَرْضَ وَأُصُولَ الشَّجَرِ وَيَبْقَى الزَّرْعُ وَالثَّمَرُ بَيْنَهُمْ عَلَى مَوَارِيثِهِمْ حَتَّى يُصَفَّى الزَّرْعُ وَيَصِيرَ حَبًّا وَتُجْنَى الثَّمَرَةُ فَيَقْتَسِمُونَ ذَلِكَ كَيْلًا، وَلَا يَجُوزُ اقْتِسَامُهُمْ الزَّرْعَ فَدَادِينَ وَلَا قَتًّا وَلَا حُزُمًا وَلَا الثَّمَرَ فِي الشَّجَرِ وَهُوَ فِي الْمُزَابَنَةِ، فَإِنْ اقْتَسَمُوا ذَلِكَ جَهْلًا ثُمَّ عُثِرَ عَلَيْهِ فُسِخَ. فَإِنْ نَزَلَتْ جَائِحَةٌ فِيهَا قَبَضَهُ أَحَدُهُمْ فَهِيَ مِنْ جَمِيعِهِمْ وَيَكُونُ جَمِيعُ السَّالِمِ مِنْ الْجَائِحَةِ مِنْ ثَمَرٍ أَوْ زَرْعٍ بَيْنَهُمْ اهـ ". مَحَلُّ الْحَاجَةِ مِنْهُ. وَإِلَى هَذَا أَشَارَ النَّاظِمُ بِقَوْلِهِ: (وَالزَّرْعِ قَبْل ذَرْوِهِ) الْبَيْتَ، فَقَوْلُهُ: (وَالزَّرْعِ) هُوَ بِالْخَفْضِ عُطِفَ عَلَى مَدْخُولِ الِاقْتِسَامِ، وَالثَّمَرِ عُطِفَ عَلَى الزَّرْعِ وَمُبْقًى بِضَمٍّ فَسُكُونٍ خَبَرُ مَا دَامَ. (الثَّالِثَةُ) إعْطَاءُ الْوَارِثِ عَيْنًا لِلزَّوْجَةِ فِي كَالِئِ صَدَاقِهَا وَمِيرَاثِهَا مِنْ زَوْجِهَا، فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ أَيْضًا لِلْجَهْلِ بِمَا بَقِيَ مِنْ التَّرِكَةِ بَعْدَ بَيْعِ مَا يُقْضَى بِهِ الدَّيْنُ مِنْهَا؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمِيرَاثِ. (قَالَ الْمُتَيْطِيُّ) : " وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَنْعَقِدَ الصُّلْحُ بِدَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ عَلَى الْكَالِئِ وَالْمِيرَاثِ؛ لِأَنَّ الْجَهْلَ يَدْخُلُهُ إذْ لَا مِيرَاثَ إلَّا بَعْدَ الدَّيْنِ، وَالْكَالِئُ مِنْ الدَّيْنِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُبَاعَ مِنْ التَّرِكَةِ بِقَدْرِ الدَّيْنِ وَيُؤَدَّى وَيُعْرَف مَا بَقِيَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَيَقَعُ الصُّلْحُ عَلَى نَصِيبِهَا مِنْهُ، وَلَعَلَّهُ يُبَاعُ فِي الْكَالِئِ ثُلُثُ الْعَقَارِ أَوْ رُبْعُهُ أَوْ سُدُسُهُ أَوْ مِنْ الْعَبِيدِ أَوْ مِنْ الْإِمَاءِ وَالْوِطَاءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَذْهَبُ بِأَكْثَرِ الْمَالِ فَلَا يَدْرِي كَمْ يُبَاعُ فِي الدَّيْنِ مِنْ التَّرِكَةِ. فَإِذَا لَمْ يُعْرَفْ وَقَعَ الْجَهْلُ فِي نَصِيبِهَا مِنْ الْبَاقِي، وَالصُّلْحُ فِي ذَلِكَ مَجْهُولٌ، وَالصُّلْحُ بَيْعٌ مِنْ الْبُيُوعِ ". وَهَكَذَا نُقِلَ عَنْ أَشْهَبَ وَقَالَهُ ابْنُ الْعَطَّارِ وَابْنُ زَرْبٍ وَفَضْلُ بْنُ سَلَمَةَ وَغَيْرُهُمْ مِنْ الْمُوَثَّقِينَ اهـ. وَإِلَى هَذَا أَشَارَ النَّاظِمُ بِقَوْلِهِ: (وَلَا بِإِعْطَاءٍ مِنْ الْوَارِثِ) الْبَيْتَ، فَقَوْلُهُ: (وَلَا بِإِعْطَاءٍ) هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: (بِاقْتِسَامِ) وَ (مِنْ الْوَارِثِ) مُتَعَلِّقٌ بِإِعْطَاءٍ، وَمَعْنَى فِي الْكَالِئِ وَالْمِيرَاثِ أَيْ فِي مُقَابَلَتِهِمَا مَعًا. (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) الْجَائِزَةُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي التَّرِكَةِ عَيْنٌ وَلَا دَيْنٌ عَلَى هَالِكِهَا وَلَا كَالِئٍ لِزَوْجَتِهِ عَلَيْهِ وَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ الدَّيْنِ فَيَجُوزُ أَنْ تُصَالِحَ

بِدَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ لِخُلُوِّ الْمَسْأَلَةِ عَنْ الْمَوَانِعِ الشَّرْعِيَّةِ. وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِقَوْلِهِ وَحَيْثُ لَا عَيْنٌ وَلَا دَيْنٌ وَلَا كَالِئَ الْبَيْتَ (تَتْمِيمٌ) مِمَّا يُنَاسِبُ الْمَسْأَلَةَ الثَّالِثَةَ الْمُتَقَدِّمَةَ آنِفًا مَسَائِلُ فِي الْمُدَوَّنَةِ نَقَلَهَا الْإِمَامُ الْمَوَّاقُ عَلَى قَوْلِ الشَّيْخِ خَلِيلٍ، " وَعَنْ إرْثِ زَوْجَةٍ مِنْ عَرَضٍ، وَوَرِقٍ، وَذَهَبٍ بِذَهَبٍ مِنْ التَّرِكَة قَدْرَ مَوْرِثِهَا مِنْهُ، فَأَقَلَّ " إلَى قَوْلِهِ: " وَإِنْ كَانَ فِيهَا دَيْنٌ فَكَبَيْعِهِ " رَأَيْتُ إثْبَاتَهَا هُنَا تَتْمِيمًا لِلْفَائِدَةِ وَإِنْ كَانَ فِيهَا طُولٌ فَيُغْتَفَرُ لِامْتِحَانِ ذِهْنِ الطَّالِبِ بِهَا، وَرَفْعِ تَوَهُّمِ مَنْعِ مَا هُوَ مِنْهَا جَائِزٌ وَجَوَازِ مَا هُوَ مَمْنُوعٌ، وَبَيَانِ وَجْهِ مَا هُوَ الْجَائِزُ مِنْهَا وَالْمَمْنُوعُ. (قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) : مِنْ الْمُدَوَّنَةِ " قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: " مَنْ مَاتَ عَنْ وَلَدٍ وَزَوْجَةٍ وَتَرَكَ دَنَانِيرَ، وَدَرَاهِمَ، وَعُرُوضًا حَاضِرَةً وَغَائِبَةً، وَعَقَارًا، فَصَالَحَ الْوَلَدُ الزَّوْجَةَ عَلَى دَرَاهِمَ مِنْ التَّرِكَةِ. فَإِنْ كَانَتْ قَدْرَ مَوْرِثِهَا مِنْ الدَّرَاهِمِ فَأَقَلَّ جَازَ، وَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهَا بَاعَتْ عُرُوضًا حَاضِرَةً وَغَائِبَةً وَدَنَانِيرَ بِدَرَاهِمَ نَقْدًا وَذَلِكَ حَرَامٌ " اهـ. فَإِنْ كَانَتْ الدَّرَاهِمُ ثَمَانِينَ فَصَالَحَهَا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ فَقَدْ أَخَذَتْ وَاجِبَهَا مِنْهَا، وَهُوَ عَشَرَةٌ وَسَلِمَتْ فِي وَاجِبِهَا مَنْ غَيْرِهَا مِنْ الدَّنَانِيرِ وَالْعُرُوضِ. وَكَذَا إنْ صَالَحَهَا بِثَمَانِيَةِ دَرَاهِمَ فَقَدَ تَرَكَتْ مِنْ حَقِّهَا مِنْ الدَّرَاهِمِ دِرْهَمَيْنِ وَتَرَكَتْ جَمِيعَ حَقِّهَا مِنْ الدَّنَانِيرِ وَالْعُرُوضِ وَلَا مَحْذُورَ فِي ذَلِكَ. وَإِنْ صَالَحَهَا بِأَكْثَرَ مِنْ حَقِّهَا مِنْ الدَّرَاهِمِ لَمْ يَجُزْ كَمَا بَيَّنَ وَجْهَهُ بِقَوْلِهِ: " لِأَنَّهَا بَاعَتْ عُرُوضًا. . . إلَخْ " وَلَا يَجُوزُ النَّقْدُ بِشَرْطٍ فِي بَيْعِ الْغَائِبِ إلَّا أَنْ يَقْرُبَ مَكَانُهُ أَوْ يَكُونَ مِمَّا يُؤْمَنُ تَغَيُّرَهُ، وَفِيهِ أَيْضًا اجْتِمَاعُ الْبَيْعِ وَالصَّرْفِ؛ لِأَنَّ مَا زَادَ مِنْ الدَّرَاهِمِ عَلَى وَاجِبِهَا مِنْهَا بَعْضُهُ فِي مُقَابَلَةِ الذَّهَبِ وَهُوَ صَرْفٌ، وَبَعْضُهُ فِي مُقَابَلَةِ الْعُرُوضِ الْحَاضِرَةِ وَالْغَائِبَةِ وَهُوَ بَيْعٌ يُرِيدُ إلَّا أَنْ تَكُونَ الدَّرَاهِمُ الزَّائِدَةُ عَلَى نَصِيبِهَا يَسِيرَةً أَقَلَّ مِنْ صَرْفِ دِينَارٍ فَتَنْتَفِي عِلَّةُ اجْتِمَاعِ الْبَيْعِ وَالصَّرْفِ فِي أَكْثَرَ مِنْ الدِّينَارِ. (ثُمَّ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَة أَثَرَ مَا تَقَدَّمَ) : " وَإِنْ صَالَحَهَا الْوَلَدُ عَلَى دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ مِنْ غَيْرِ التَّرِكَةِ قَلَّتْ أَوْ كَثُرَتْ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهَا بَاعَتْ ذَهَبًا وَفِضَّةً وَعُرُوضًا بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ؛ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّهُ إذَا بِيعَ الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ مَعَ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ أَوْ مَعَهُمَا عُرُوضٌ لِفَوَاتِ التَّمْثِيلِ فِي الْوَجْهَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ وَلِاجْتِمَاعِ الْبَيْعِ وَالصَّرْفِ فِي الْوَجْهِ الثَّالِث ". (ثُمَّ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَة أَثَرَ مَا تَقَدَّمَ) : " فَأَمَّا عَلَى عُرُوضٍ مِنْ مَالِهِ نَقْدًا فَذَلِكَ جَائِزٌ بَعْدَ مَعْرِفَتِهِمَا بِجَمِيعِ التَّرِكَة، وَحُضُورِ أَصْنَافِهَا وَحُضُورِ مَنْ عَلَيْهِ الْعَرْضُ، وَإِقْرَارِهِ بِهِ يُرِيدُ، وَالْعَرْضُ الَّذِي أَعْطَاهَا نَقْدًا مُخَالِفٌ لِلْعُرُوضِ الَّتِي عَلَى الْغُرَمَاءِ قَالَ: فَإِنْ لِمَ يَقِفَا عَلَى مَعْرِفَةِ ذَلِكَ كُلِّهِ لَمْ يَجُزْ ". اُنْظُرْ قَوْلَهُ بَعْدَ مَعْرِفَتِهِمَا بِجَمِيعِ التَّرِكَةِ إلَخْ. " فَإِنْ جَهِلَا أَوْ أَحَدُهُمَا فَبَيْنَ الْوَجْهَيْنِ فَرْقٌ " اهـ. وَانْظُرْ إذَا صَالَحَهَا بِعَرَضٍ مِنْ التَّرِكَةِ مَعَ وُجُودِ الشُّرُوطِ الَّتِي ذُكِرَ مِنْ مَعْرِفَتِهِمَا بِجَمِيعِ التَّرِكَةِ إلَخْ، فَإِنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ) صُلْحٌ لِوَارِثٍ بِقَدْرِ حَظِّهِ مِنْ صِنْفِ مَا أَخَذَهُ وَاضِحٌ؛ لِأَنَّهُ لِمَا سِوَاهُ وَاهِبٌ، وَبِزَائِدٍ عَنْ حَظِّهِ فِيهِ بَائِعٌ حَظَّهُ فِي غَيْرِهِ بِالزَّائِدِ فَيُعْتَبَرُ الْبَيْعُ وَالصَّرْفُ وَتَعْجِيلُ قَبْضِ مَا مَعَهُ وَشَرْطُ بَيْعِ الدَّيْنِ بِحُضُورِ الْمَدِينِ وَإِقْرَارِهِ. وَعِبَارَةُ الْمُدَوَّنَةِ " إنْ تَرَكَ دَنَانِيرَ وَدَرَاهِمَ وَعُرُوضًا وَذَلِكَ كُلُّهُ حَاضِرٌ لَا دَيْنَ فِيهِ وَلَا شَيْءَ غَائِبٌ فَصَالَحَهَا الْوَلَدُ عَلَى دَنَانِيرَ مِنْ التَّرِكَةِ يُرِيدُ أَكْثَرَ مِنْ حَظِّهَا مِنْ الدَّنَانِيرِ فَذَلِكَ جَائِزٌ إنْ كَانَتْ الدَّرَاهِمُ يَسِيرَةً. (اللَّخْمِيُّ) يَعْنِي إذَا كَانَتْ الدَّنَانِيرُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ ثَمَانِينَ فَأَعْطَى الْوَلَدُ لِلزَّوْجَةِ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ مِنْ تِلْكَ الدَّنَانِيرِ فَأَقَلَّ جَازَ، وَاخْتُلِفَ إذَا أَعْطَوْهَا الْعَشَرَةَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَمَنَعَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَرَآهُ رِبًا، وَكَأَنَّهَا بَاعَتْ نَصِيبَهَا مِنْ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ وَالْعُرُوضِ بِهَذِهِ الْعَشَرَةِ. وَإِنْ أَخَذَتْ مِنْ الدَّنَانِيرِ الَّتِي خَلَّفَهَا الْمَيِّتُ أَحَدَ عَشْرَ دِينَارًا جَازَ؛ لِأَنَّ صَرْفًا وَبَيْعًا فِي دِينَارٍ وَاحِدٍ جَائِزٌ اهـ. بَيَانُ وَجْهِ جَوَازِهِ أَنَّ الْعَشَرَةَ دَنَانِيرَ هِيَ وَاجِبُهَا فِي الثَّمَانِينَ دِينَارًا، وَالدِّينَارَ الْحَادِيَ عَشَرَ بَعْضُهُ فِي مُقَابَلَةِ وَاجِبِهَا فِي الْعُرُوضِ وَهُوَ بَيْعٌ وَبَعْضُهُ فِي مُقَابَلَةِ وَاجِبِهَا مِنْ الدَّرَاهِمِ وَهُوَ صَرْفٌ فَقَدْ اجْتَمَعَ الْبَيْعُ وَالصَّرْفُ فِي دِينَارٍ وَاحِدٍ وَهُوَ الْحَادِيَ عَشَرَ وَهُوَ جَائِزٌ. (ثُمَّ قَالَ) : " وَمِنْ الْمُدَوَّنَة قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَإِنْ تَرَكَ دَرَاهِمَ وَعُرُوضًا فَصَالَحَهَا الْوَلَدُ عَلَى دَنَانِيرَ مِنْ مَالِهِ فَإِنْ كَانَتْ الدَّرَاهِمُ يَسِيرَةً حَظُّهَا مِنْهَا أَقَلُّ مِنْ صَرْفِ دِينَارٍ جَازَ إنْ لِمَ يَكُنْ فِي التَّرِكَةِ دَيْنٌ، وَإِنْ كَانَ حَظُّهَا مِنْهَا صَرْفُ دِينَارٍ فَأَكْثَرُ لَمْ يَجُزْ " اهـ. فَقَوْلُهُ أَقَلُّ مِنْ صَرْفِ دِينَارٍ جَازَ. وَجْهُ جَوَازِهِ أَنَّ أَحَدَ

الدَّنَانِيرِ الْمُصَالَحِ بِهَا بَعْضُهُ فِي مُقَابَلَةِ وَاجِبِهَا مِنْ الدِّرْهَمِ وَهُوَ صَرْفٌ وَبَعْضُهُ مَعَ بَقِيَّةِ الدَّنَانِيرِ الْمُصَالَحِ بِهَا فِي مُقَابَلَةِ الْعُرُوضِ ضِ. قَالَ: " وَهُوَ بَيْعٌ فَاجْتَمَعَ الْبَيْعُ وَالصَّرْفُ فِي دِينَارٍ وَاحِدٍ وَهُوَ جَائِزٌ ". وَقَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ فِي حَظِّهَا صَرْفُ دِينَارٍ فَأَكْثَرُ لَمْ يَجُزْ. وَجْهُ مَنْعِهِ أَنَّهُ كَانَ فِي حَظِّهَا مِنْ الدَّرَاهِمِ صَرْفُ دِينَارٍ فَقَطْ، كَانَ دِينَارٌ صَرْفًا بِوَاجِبِهَا مِنْ الدَّرَاهِمِ وَبَاقِي الدَّنَانِيرِ فِي مُقَابَلَةٍ. قَالَ: " وَهُوَ بَيْعٌ فَلَمْ يَجْتَمِعَا فِي دِينَارٍ وَاحِدٍ وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ وَاجِبُهَا مِنْ الدَّرَاهِمِ صَرْفُ دِينَارٍ وَنِصْفٍ مَثَلًا فَإِنَّ النِّصْفَ الْبَاقِيَ مِنْ الدِّينَارِ وَبَاقِي الدَّنَانِيرِ فِي مُقَابَلَةِ الْعُرُوضِ فَلَمْ يَجْتَمِعَا فِي دِينَارٍ وَاحِدٍ. وَكَذَا إنْ كَانَ وَاجِبُهَا صَرْفَ دِينَارَيْنِ فَأَكْثَرَ " (ثُمَّ قَالَ مِنْ الْمُدَوَّنَة) : " وَإِذَا كَانَ فِي التَّرِكَةِ دَيْنٌ مِنْ دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ لَمْ يَجُزْ الصُّلْحُ عَلَى دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ نَقْدًا مِنْ عِنْدِ الْوَلَدِ، وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ حَيَوَانًا أَوْ عُرُوضًا مِنْ بَيْعٍ أَوْ قَرْضٍ أَوْ طَعَامًا مِنْ قَرْضٍ لَا مِنْ سَلَمٍ فَصَالَحَهَا الْوَلَدُ مِنْ ذَلِكَ عَلَى دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ عَجَّلَهَا لَهَا مِنْ عِنْدِهِ فَذَلِكَ جَائِزٌ إذَا كَانَ الْغُرَمَاءُ حُضُورًا مُقِرِّينَ وَوَصَفَ ذَلِكَ كُلَّهُ " اهـ (قَوْلُهُ لَمْ يَجُزْ الصُّلْحُ عَلَى دَنَانِيرَ) . وَجْهُ مَنْعِهِ أَنَّهُ اشْتَرَى دَنَانِيرَ نَقْدًا بِدَنَانِيرَ إلَى أَجَلٍ أَوْ دَرَاهِمَ نَقْدًا بِدَرَاهِمَ إلَى أَجَلٍ، وَقَوْلُهُ: " وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ حَيَوَانًا أَوْ عُرُوضًا " إلَى قَوْلِهِ: " فَذَلِكَ جَائِزٌ ". وَجْهُ جَوَازِهِ أَنَّهُ اشْتَرَى دَيْنًا مِنْ عُرُوضٍ، أَوْ طَعَامٍ فِي ذِمَّةِ الْمَدِينِ بِدَنَانِيرَ، أَوْ دَرَاهِمَ مُعَجَّلَةٍ وَلَا مَحْذُورَ فِيهِ إلَّا إنْ كَانَ الطَّعَام مِنْ بَيْع، فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ. فَلِذَلِكَ قَالَ: " مِنْ قَرْضٍ لَا مِنْ سَلَمٍ "، وَكَذَا يُشْتَرَطُ فِي جَوَازِهِ حُضُورُ الْغُرَمَاءِ، وَإِقْرَارُهُمْ وَصْف الْمَبِيعِ عَلَى قَاعِدَةِ بَيْعِ الدَّيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.: قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَإِنْ يَفُتْ مَا الصُّلْحُ فِيهِ يُطْلَبُ ... لَمْ يَجُزْ إلَّا مَعَ قَبْضٍ يَجِبُ يَعْنِي أَنَّ مَنْ ادَّعَى عَلَى غَيْرِهِ أَنَّهُ غَصَبَهُ، أَوْ سَرَقَ لَهُ ثَوْبًا، أَوْ عَبْدًا، أَوْ دَابَّةً، أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ، وَفَاتَ ذَلِكَ بِيَدِ الْغَاصِبِ أَوْ السَّارِقِ بِمَوْتٍ أَوْ تَغَيُّرٍ يُوجِبُ عَلَيْهِ الْقِيمَةَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُصَالِحَ عَنْهُ إلَّا بِمُعَجَّلٍ لِأَنَّهُ بِنَفْسِ الْفَوَاتِ وَجَبَتْ الْقِيمَةُ فَلَا تُفْسَخُ فِي مُؤَخَّرٍ. وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ قَائِمًا لَمْ يَفُتْ فَإِنَّهُ يَجُوزُ الصُّلْحُ بِمُعَجَّلٍ وَبِمُؤَجَّلٍ؛ لِأَنَّهُ كَالْبَيْعِ وَهُوَ يَجُوزُ بِالْمُؤَجَّلِ وَالْمُعَجَّلِ. (قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ) : " وَإِذَا ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ آخَرَ أَنَّهُ غَصَبَهُ ثَوْبًا أَوْ عَبْدًا أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَالْعَبْدُ وَالثَّوْبُ قَائِمًا فَيَجُوزُ أَنْ يُصَالِحَهُ بِدَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ أَوْ بِعَرْضٍ مِنْ غَيْرِ صِنْفِهِ وَيُؤَخِّرَ ذَلِكَ وَلَا يَتَعَجَّلَهُ وَهُوَ كَالْبَيْعِ سَوَاءٌ، فَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى فِيهِ فَائِتًا لَمْ يَجُزْ الصُّلْحُ إلَّا بِمَا يَتَعَجَّلُ قَبْضُهُ مَكَانَهُ؛ لِأَنَّهُ قِيمَةُ الشَّيْءِ الْمَغْصُوبِ أَوْ مِثْلُهُ، قَدْ صَارَ دَيْنًا عَلَى الْغَاصِبِ فَلَا يُقْبَضُ عَلَى ذَلِكَ إلَّا مَا كَانَ يَتَعَجَّلُ قَبْضُهُ إلَّا أَنْ يُصَالِحَ عَنْ ذَلِكَ بِمِثْلِ قِيمَةِ الشَّيْءِ الْمَغْصُوبِ دَرَاهِمَ يُؤَخِّرُهُ فَيَجُوزُ ذَلِكَ، وَلَا يُصَالِحُهُ عَنْ ذَلِكَ بِدَنَانِيرَ مُؤَجَّلَةٍ لِأَنَّ الْأَشْيَاءَ الْمُسْتَهْلَكَةَ إنَّمَا تُقَوَّمُ بِالْوَرِقِ وَلَا يَجُوزُ الصُّلْحُ فِيمَا فَاتَ مِنْهَا حَتَّى تُعْرَفَ قِيمَةُ الشَّيْءِ الْمَغْصُوبِ الْفَائِتِ، وَيَجُوزُ إذَا كَانَ قَائِمًا وَإِنْ لَمْ تُعْرَفْ قِيمَتُهُ. وَإِذَا طُلِبَ الصُّلْحُ فِي شَيْءٍ فَاتَ مِنْ دَابَّةٍ أَوْ عَرْضٍ - يُرِيدُ الشَّيْخُ بِمِثْلِهِ أَوْ بِغَيْرِ النَّقْدِ الْجَارِي فِي الْبَلَدِ الَّذِي يُطْلَبُ فِيهِ الصُّلْحُ - فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا مَعَ الْقَبْضِ لِلشَّيْءِ الَّذِي وَقَعَ بِهِ الصُّلْحُ لِأَنَّهُ يَدْخُلُهُ الدَّيْنُ بِالدَّيْنِ " اهـ. مِنْ الشَّارِحِ، ثُمَّ قَالَ: وَجَائِزٌ تَحَلُّلٌ فِيمَا اُدُّعِيَ ... وَلَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ لِلْمُدَّعِي يَعْنِي أَنَّهُ يَجُوزُ التَّحَلُّلُ مِنْ الدَّعْوَى الَّتِي لَمْ تَقُمْ عَلَيْهَا بَيِّنَةٌ لِلْمُدَّعِي، وَهَذَا فِي الدَّعْوَى الْمَجْهُولَةِ لَهُمَا مَعًا وَأَحْرَى الْمَعْلُومَةُ لَهُمَا. وَأَمَّا الْمَعْلُومَةُ لِوَاحِدٍ الْمَجْهُولَةُ لِآخَرَ فَلَا يَجُوزُ الصُّلْحُ فِيهَا. وَبَقِيَ هَذَا الْقَيْدُ عَلَى النَّاظِمِ وَمَعْنَى التَّحَلُّلِ أَنَّهُ يُصَالِحُهُ بِشَيْءٍ وَيَجْعَلُهُ فِي حِلٍّ. (قَالَ فِي كِتَابِ الشُّفْعَةِ مِنْ الْمِعْيَارِ) : " إنْ صَالَحَ رَجُلٌ رَجُلًا فِي حَقٍّ ادَّعَاهُ عَلَيْهِ فِي دَارِهِ فَإِنْ عَرَفَاهُ جَمِيعًا أَوْ جَهِلَاهُ جَمِيعًا فَذَلِكَ جَائِزٌ. وَإِنْ عَرَفَهُ أَحَدُهُمَا وَجَهِلَهُ الْآخَرُ لَمْ يَجُزْ الصُّلْحُ كَالْبَيْعِ عِنْدَ مَالِكٍ (وَفِي الْمُقَرَّبِ) قُلْت: فَمَنْ كَانَ لَهُ عَلَى رَجُلٍ دَرَاهِمُ ثُمَّ نَسِيَا جَمِيعًا عَدَدَهَا كَيْفَ يَصْنَعَانِ؟ قَالَ: يَصْطَلِحَانِ عَلَى مَا شَاءَا مِنْ ذَهَبٍ، أَوْ وَرِقٍ، أَوْ عَرْضٍ وَيُحَلِّلُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ وَلَا يُؤَخِّرُهُ بِمَا صَالَحَهُ عَلَيْهِ. وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ:

باب النكاح وما يتعلق به

يَجُوزُ التَّحْلِيلُ فِي الدَّعْوَى الْمَجْهُولَةِ عَلَى مَا نَصَّهُ أَهْلُ الْوَثَائِقِ اهـ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالصُّلْحُ فِي الْكَالِئِ حَيْثُ حَلَّا ... بِالصَّرْفِ فِي الْعَيْنِ لِزَوْجٍ حَلَّا يَعْنِي أَنَّهُ يَجُوزُ لِلزَّوْجِ أَنْ يُصَالِحَ عَنْ كَالِئِ الزَّوْجَةِ الَّذِي فِي ذِمَّتِهِ إذَا حَلَّ أَجَلُهُ، وَكَذَا إنْ حَلَّ بَعْضُهُ جَازَ الصُّلْحُ عَنْ ذَلِكَ الْبَعْضِ، فَيُصَالِحُ بِدَنَانِيرَ إنْ كَانَ عَلَيْهِ دَرَاهِمُ أَوْ بِالدَّرَاهِمِ إنْ كَانَ عَلَيْهِ دَنَانِيرُ. أَمَّا أَنْ يَحِلَّ أَجَلُهُ فَلَا يَجُوزُ الصُّلْحُ الْمَذْكُورُ. (قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ) : وَصُلْحُ الرَّجُلِ زَوْجَتَهُ عَنْ كَالِئِهَا إذَا كَانَ دَنَانِيرَ بِدَرَاهِمَ أَوْ بِالْعَكْسِ جَائِزٌ إذَا كَانَ حَالًّا أَوْ كَانَ مُنْكِرًا لَهُ. فَإِنْ كَانَ مُؤَخَّرًا فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ. وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ هُوَ يَدَّعِي التَّأْخِيرَ وَالزَّوْجَةُ تَدَّعِي حُلُولَهُ لِأَنَّهُ صَرْفٌ مُسْتَأْخَرٌ فِي حَقِّ الزَّوْجِ وَيَجُوزُ ذَلِكَ عَلَى قَوْلِ أَصْبَغَ اهـ. [بَابُ النِّكَاحِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ] ِ حَدَّدَهُ الْإِمَامُ ابْنُ عَرَفَةَ بِقَوْلِهِ النِّكَاحُ عَقْدٌ عَلَى مُجَرَّدِ مُتْعَةِ التَّلَذُّذِ بِآدَمِيَّةٍ غَيْرُ مُوجِبٍ قِيمَتَهَا بِبَيِّنَةِ قَبْلَهُ غَيْرُ عَالِمٍ عَاقِدُهَا حُرْمَتَهَا إنْ حَرَّمَهَا الْكِتَابُ عَلَى الْمَشْهُورِ أَوْ الْإِجْمَاعِ عَلَى الْآخِرِ قَالَ شَارِحُ الْحُدُودِ الْإِمَامُ الرَّصَّاعُ قَوْلُهُ عَقْدٍ عَبَّرَ بِالْعَقْدِ لِأَنَّ النِّكَاحَ فِيهِ إيجَابٌ وَقَبُولٌ مِنْ جَانِبَيْنِ وَالْعَقْدُ فِيهِ لُزُومُ الْعَاقِدِ عَلَى نَفْسِهِ أَمْرًا مِنْ الْأُمُورِ وَأَصْلِ الْعَقْدِ فِي اللُّغَةِ الرَّبْطِ وَمِنْهُ عَقَدَ إزَارَهُ وَقَدْ يُسْتَعَارُ لِلْمَعَانِي أَيْ كَهَذَا وَقَوْلُهُ عَلَى مُجَرَّدٍ هُوَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ وَهُوَ اسْمُ مَفْعُولٍ مِنْ جَرَّدَ وَهُوَ صِفَةٌ قَبْلَ الْإِضَافَةِ لِلْمُتْعَةِ أَيْ الْمُتْعَةُ الْمُجَرَّدَةُ بِمَعْنَى أَنَّهَا الْمَقْصُودَةُ مِنْ غَيْرِ إضَافَةِ شَيْءٍ إلَيْهَا وَاحْتُرِزَ بِهِ مِنْ الْعَقْدِ عَلَى الْمَنَافِعِ وَهُوَ الْإِجَارَةُ وَالْكِرَاءُ وَعَلَى الذَّوَات وَهُوَ الْبَيْعُ وَالْمُتْعَةُ مَعْلُومَةٌ مَشْهُورَةٌ فَلِذَلِكَ عُرِفَ بِهَا وَهِيَ التَّلَذُّذُ وَالتَّمَتُّعُ أَعَمُّ مِنْ التَّلَذُّذِ لِأَنَّ التَّمَتُّعَ يَكُونُ حِسِّيًّا وَمَعْنَوِيًّا كَتَمَتُّعِ الْجَاهِ وَالْوِلَايَةِ وَتَمَتُّعِ الرُّكُوبِ وَالْأَكْلِ وَالْمُقَدِّمَات وَالتَّلَذُّذُ يَكُونُ بِالْأُمُورِ الْحِسِّيَّةِ ثُمَّ أَخْرَجَ الْأُمُورَ الْمَعْنَوِيَّةَ بِقَوْلِهِ التَّلَذُّذُ ثُمَّ أَخْرَجَ مِنْ الْحِسِّيَّةِ التَّلَذُّذَ بِالطَّعَامِ وَالشَّرَابِ بِقَوْلِهِ بِآدَمِيَّةٍ وَزَعَمَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ أَنَّهُ أَخْرَجَ بِهِ الْعَقْدَ عَلَى الْجِنِّيَّةِ وَفِيهِ عِنْدِي بَعْدَ قَوْلِهِ غَيْرِ مُوجِبٍ قِيمَتَهَا أَخْرَجَ بِهِ تَحْلِيلَ الْأَمَةِ إذَا وَقَعَ بِبَيِّنَةِ فَإِنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ عَقَدَ عَلَى مُجَرَّدِ التَّلَذُّذِ بِآدَمِيَّةٍ بِبَيِّنَةٍ لَكِنَّهُ يُوجِبُ ذَلِكَ التَّلَذُّذُ قِيمَةَ الْآدَمِيَّةِ وَالْقِيمَةُ فِي الْمُحَلَّلَةِ تَجِبُ بِالتَّلَذُّذِ وَقِيلَ بِالْغَيْبَةِ عَلَى الْمُحَلَّلَةِ وَإِطْلَاقُ مُتْعَةِ التَّلَذُّذِ يُوجِبُ إدْخَالَ نِكَاحِ الْخَصِيّ وَالْمَجْبُوبِ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَقَوْلُهُ بِبَيِّنَةٍ حَالٌ مِنْ التَّلَذُّذِ مَعْنَاهُ فِي حَالِ كَوْنِ التَّلَذُّذِ يَكُونُ بِبَيِّنَةٍ قَبْلَ وُجُودِهِ أَخْرَجَ بِهِ صُوَرَ الزِّنَا اهـ. (وَكَتَبَ) عَلَيْهِ شَيْخُنَا سَيِّدِي أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْوَاحِدِ ابْنُ عَاشِرٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَعْنِي عَلَى قَوْلِ الرَّصَّاعِ بِبَيِّنَةٍ حَالٌ مِنْ التَّلَذُّذِ مَا نَصُّهُ هَذَا كَلَامٌ غَيْرُ وَاضِحٍ فَإِنَّ الْمُفْتَقِرَ لِلْبَيِّنَةِ هُوَ الْعَقْدُ لَا التَّلَذُّذُ اهـ. (ثُمَّ قَالَ الرَّصَّاعُ) قَوْلُهُ غَيْرُ عَالِمٍ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونُ حَالًا مِنْ الْمُتْعَةِ وَهُوَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَكَأَنَّهُ قَالَ عَقْدٌ عَلَى الْمُتْعَةِ بِآدَمِيَّةٍ فِي حَالِ كَوْنِ الْمُتْعَةِ غَيْرَ عَالِمٍ عَاقِدُهَا حُرْمَتَهَا فَهِيَ حَالٌ جَرَتْ عَلَى غَيْرِ مَنْ هِيَ لَهُ وَيُحْتَمَلُ غَيْرُ بِالرَّفْعِ عَلَى الصِّفَةِ وَهُوَ الَّذِي يَنْطِقُ بِهِ كَثِيرٌ مِنْ الشُّيُوخِ وَأَخْرَجَ بِهِ صُورَةَ الْعَقْدِ عَلَى آدَمِيَّةٍ بِالْقُيُودِ الْمَذْكُورَةِ وَالْعَاقِدُ عَالِمٌ بِتَحْرِيمِ الْمُتْعَةِ بِتِلْكَ الْآدَمِيَّةِ كَالْعَقْدِ عَلَى الْأُخْتِ وَالْعَمَّةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمُحَرَّمَات فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِنِكَاحٍ بَلْ حُكْمُهُ حُكْمُ الزِّنَا وَالسِّفَاحِ فَلَا يُلْحَقُ فِيهِ وَلَدٌ وَلَا يُدْرَأُ فِيهِ الْحَدُّ لِقُوَّةِ الدَّلِيلِ عَلَى التَّحْرِيمِ هَذَا عَلَى الْقَوْلِ الْمَشْهُورِ فِي أَنَّ ذَلِكَ مَقْصُورٌ عَلَى مَا حُرِّمَتْ الْمُتْعَةُ فِيهِ بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَلِذَلِكَ قَالَ إنْ حَرَّمَهَا الْكِتَابُ عَلَى الْمَشْهُورِ. ثُمَّ أَشَارَ إلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ أَنَّ ذَلِكَ لَا يُقْتَصَرُ فِيهِ عَلَى تَحْرِيمِ الْكِتَابِ بَلْ ذَلِكَ عَامٌّ فِيمَا وَقَعَ تَحْرِيمُهُ بِالْكِتَابِ أَوْ بِغَيْرِهِ وَهُوَ أَعَمَّ وَأَشْمَلُ مِمَّا حَرَّمَهُ الْكِتَابُ وَحْدَهُ مِمَّا عُدِّدَ فِي كِتَابِ

اللَّهِ تَعَالَى وَلِذَلِكَ قَالَ الْإِجْمَاعُ عَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى الْكِتَابِ أَيْ أَوْ مَا حَرَّمَهُ الْإِجْمَاعُ عَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ وَهُمَا طَرِيقَانِ مَشْهُورَانِ فِي الْمَذْهَبِ بَنَوْا عَلَيْهِمْ مَسَائِل فِي النِّكَاحِ وَالزِّنَا كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي مَحِلِّهِ وَلِنَذْكُر مَا تَمَسُّ الْحَاجَةُ إلَيْهِ فِي فَهْمِ رَسْمِهِ مِثَالُ ذَلِكَ إذَا جَمَعَ بَيْن الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا أَوْ نَكَحَ نِكَاحَ مُتْعَةٍ عَالِمًا بِتَحْرِيمِ ذَلِكَ فَهَلْ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ نِكَاحٌ يَثْبُتُ فِيهِ لَوَازِمُ النِّكَاحِ أَوْ لَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَيَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمُ الزِّنَا قَوْلَانِ الْمَشْهُورُ أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ النِّكَاحِ وَالْقَوْلُ الْآخَرُ أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الزِّنَا فَالْأَوَّلُ يَقُولُ بِعَدَمِ حَدِّهِ وَبِإِلْحَاقِ الْوَلَدِ بِهِ وَالثَّانِي عَكْسُهُ فَالْأَوَّلُ يُرَاعِي الْمُحَرَّمَاتِ بِالْكِتَابِ فَقَطْ وَمَا حُرِّمَ بِالسُّنَّةِ لَا يَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ ذَلِكَ الثَّانِي يُرَاعِي مَا يَعُمُّ ذَلِكَ فَإِذَا صَحَّ وَجَبَ أَنْ يَقُولَ الشَّيْخُ أَوْ الْإِجْمَاعُ كَمَا تَقَدَّمَ وَقِيلَ إنَّمَا صَوَابُهُ بِالْوَاوِ وَقِيلَ أَصْلُهُ أَوْ وَالْإِجْمَاعُ بِزِيَادَةِ وَاوٍ بَعْدَ أَوْ لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَا يَقُولُ بِالثَّانِي وَالثَّانِي يَقُولُ بِالْأَوَّلِ وَيَزِيدُ عَلَيْهِ وَذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ مَعَ الْوَاوِ وَبِاعْتِبَارِ النَّاكِحِ النِّكَاحُ ... وَاجِبٌ أَوْ مَنْدُوبٌ أَوْ مُبَاحُ يَعْنِي أَنَّ حُكْمَ النِّكَاحِ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ النَّاكِحِ فَتَعْرِضُ لَهُ أَحْكَامُ الشَّرِيعَةِ الْخَمْسَةِ إلَّا أَنَّ النَّاظِمَ لَمْ يَذْكُرْ الْمَكْرُوهَ وَالْحَرَامَ (قَالَ فِي التَّوْضِيحِ) وَحُكْمُ النِّكَاحِ النَّدْبُ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ وَقَدْ يَجِبُ عَلَى مَنْ لَا يَنْفَكُّ عَنْ الزِّنَا إلَّا بِهِ وَيُكْرَهُ فِي حَقِّ مَنْ لَا يَشْتَهِيهِ وَيَنْقَطِعُ بِهِ عَنْ عِبَادَتِهِ (وَفِي الْمُقْنِعِ لِابْنِ بَطَّالٍ) يُكْرَهُ لِمَنْ لَا يَجِدُ الطُّولَ وَلَا حِرْفَةَ لَهُ وَلَا صِنَاعَةَ (ابْنِ بَشِيرٍ) وَيَحْرُمُ عَلَى مَنْ لَا يَخَافُ الْعَنَتَ وَكَانَ يَضُرُّ بِالْمَرْأَةِ لِعَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَى الْوَطْءِ أَوْ عَلَى النَّفَقَةِ أَوْ يَكْتَسِبُ مِنْ مَوْضِعٍ لَا يَحِلُّ (اللَّخْمِيُّ) وَيُبَاحُ لِمَنْ لَا نَسْلَ لَهُ وَلَا أَرَبَ لَهُ فِي النِّسَاءِ وَأَشَارَ إلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ مُسَاوِيَةٌ لِلرَّجُلِ فِي هَذِهِ الْأَقْسَامِ وَالنِّكَاحُ فِي اللُّغَةِ التَّدَاخُلُ يُقَالُ تَنَاكَحَتْ الْأَشْجَارُ إذَا دَخَلَ بَعْضُهَا فِي بَعْضٍ وَنَكَحَ الْبَذْرُ الْأَرْضَ وَيُطْلَقُ فِي الشَّرْعِ عَلَى الْعَقْدِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 22] وَعَلَى الْوَطْءِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] وَكَثُرَ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْعَقْدِ وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الْوَطْءِ وَاخْتُلِفَ فِي إطْلَاقِهِ عَلَى الْعَقْدِ فَقِيلَ بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ وَقِيلَ بِطَرِيقِ الْمَجَازِ وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّ الْمَجَازَ خَيْرٌ مِنْ الِاشْتِرَاكِ ثُمَّ قَالَ عَنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ حَقِيقَةٌ لُغَةً فِي الْوَطْءِ مَجَازٌ فِي الْعَقْدِ وَفِي الشَّرْعِ عَلَى الْعَكْسِ صَحَّ مِنْ التَّوْضِيحِ بِاخْتِصَارٍ وَتَقْدِيمٍ وَتَأْخِيرٍ حَسْبَمَا اقْتَضَاهُ الْمَقَامُ (ابْنُ سَلْمُونٍ) وَتُسْتَحَبُّ الْخِطْبَةُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بَعْدَ الْعَصْرِ وَيُسْتَحَبُّ الْعَقْدُ فِي شَوَّالٍ وَالْبِنَاءُ فِيهِ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «تَزَوَّجَ عَائِشَةَ فِي شَوَّالٍ وَبَنَى بِهَا فِي شَوَّالٍ» اهـ. (وَفِي) أَوَاخِرِ السِّفْرِ الْأَوَّلِ مِنْ الْمِعْيَارِ فِي الْفَصْلِ الَّذِي عَقَدَهُ لِتَعْدَادِ الْبِدَعِ الْمُسْتَحَبَّةِ وَغَيْرِهَا مَا نَصَّهُ وَمِنْهَا كَرَاهَةُ الْجُهَّالِ وَمَنْ لَا يُعْبَأُ بِهِ عِنْدنَا الْيَوْمَ عَقْدُ النِّكَاحِ فِي شَهْرِ الْمُحَرَّمِ وَالدُّخُولُ فِيهِ (قَالَ صَاحِبُ الْمُفْهِمِ) بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يَتَمَيَّزَ بِالْعَقْدِ وَالدُّخُولِ فِيهِ تَمَسُّكًا بِمَا عَظَّمَ اللَّهُ تَعَالَى وَرَسُولُهُ مِنْ حُرْمَتِهِ وَرَدْعًا لِلْجُهَّالِ عَنْ جَهَالَتِهِمْ وَالْمَهْرُ وَالصِّيغَةُ وَالزَّوْجَانِ ... ثُمَّ الْوَلِيُّ جُمْلَةُ الْأَرْكَانِ يَعْنِي أَنَّ أَرْكَانَ النِّكَاحِ خَمْسَةٌ الْمَهْرُ وَالصَّدَاقُ وَالصِّيغَةُ الدَّالَّةُ عَلَى الْمَاهِيَّةِ وَالزَّوْجُ وَالزَّوْجَةُ وَالْوَلِيُّ وَنَحْوُهُ قَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ أَرْكَانُهُ الصِّيغَةُ وَالْوَلِيّ وَالزَّوْجُ وَالزَّوْجَةُ وَالصَّدَاقُ وَالتَّحْقِيقُ

مَا قَالَهُ الْإِمَامُ الْحَطَّابُ أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الزَّوْجَ وَالزَّوْجَةَ رُكْنَانِ وَالْوَلِيَّ وَالصِّيغَةَ شَرْطَانِ وَأَمَّا الشُّهُودُ وَالصَّدَاقُ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُعَدَّا فِي الْأَرْكَانِ وَلَا فِي الشُّرُوطِ لِوُجُودِ النِّكَاحِ الشَّرْعِيِّ بِدُونِهِمَا غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ النِّكَاحِ أَنْ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ سُقُوطُ الصَّدَاقِ وَيُشْتَرَطُ فِي جَوَازِ الدُّخُولِ الْإِشْهَادُ فَتَأَمَّلْهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْإِشْهَادَ فِي الْعَقْدِ مُسْتَحَبٌّ وَأَمَّا الصَّدَاقُ فَقَالَ الشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ فِي قَوْلِ الرِّسَالَةِ وَصَدَاقُ هَذَا شَرْطُ كَمَالٍ فِي الْعَقْدِ لِأَنَّهُ لَوْ سَكَتَ عَنْهُ لَمْ يَضُرّ كَمَا فِي التَّفْوِيضِ نَعَمْ لَوْ تَعَرَّضُوا لِإِسْقَاطِهِ فَسَدَ النِّكَاحُ وَفُسِخَ قَبْلَ الدُّخُولِ اهـ وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ ذِكْرَ الصَّدَاقِ أَوْلَى مِنْ نِكَاحِ التَّفْوِيضِ اهـ. وَفِي الدُّخُولِ الْحَتْمُ لِلْإِشْهَادِ ... وَهُوَ مُكَمِّلٌ فِي الِانْعِقَادِ يَعْنِي أَنَّ الْإِشْهَادَ بِالنِّكَاحِ شَرْطُ صِحَّةٍ فِي الدُّخُولِ وَشَرْطُ كَمَالٍ فِي الِانْعِقَادِ فَيَصِحُّ النِّكَاحُ وَيَنْعَقِدُ

بِدُونِ إشْهَادٍ بَلْ بِحُصُولِ الْإِيجَابِ مِنْ الْوَلِيِّ وَالْقَبُولِ مِنْ الزَّوْجِ بَعْدَ كَوْنِهِ صَحِيحًا مُنْعَقِدًا فَيُسْتَحَبُّ الْإِشْهَادُ عِنْدَ الْعَقْدِ خَوْفَ مَوْتٍ أَوْ نَدَمٍ فَإِنْ لَمْ يُشْهِدَا عِنْدَ الْعَقْدِ فَلَا بَأْسَ وَلَكِنْ لَا يَدْخُلُ إلَّا بَعْدَ الْإِشْهَادِ فَإِنْ دَخَلَ بِغَيْرِ إشْهَادٍ فُسِخَ النِّكَاحُ بِطَلْقَةٍ بَائِنَةٍ وَلَا حَدَّ عَلَى الزَّوْجَيْنِ إنْ كَانَ النِّكَاحُ فَاشِيًّا وَلَوْ عَلِمَا بِوُجُوبِ الْإِشْهَادِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَاشِيًّا حُدَّا وَلَوْ جَهِلَا وُجُوبَ الْإِشْهَادِ وَإِذَا فُسِخَ لِدُخُولِهِ قَبْلَ الْإِشْهَادِ فَتُسْتَبْرَأ بِثَلَاثِ حِيَضٍ وَلَهُمَا الْمُرَاجَعَةُ إنْ شَاءَا (قَالَ فِي الْمُقَرِّبِ) قَالَ سَحْنُونٌ قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ أَرَأَيْت الرَّجُلَ يَعْقِدُ نِكَاحَ ابْنَتِهِ الْبِكْرِ وَلَا يُحْضِرُ شُهُودًا أَتَكُونُ هَذِهِ الْعُقْدَةُ صَحِيحَةٌ قَالَ نَعَمْ وَيُشْهِدَانِ فِيمَا يَسْتَقْبِلَانِ وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِهَا وَمِنْ الْوَاضِحَةِ قَالَ مَالِكٌ وَمِنْ نَكَحَ وَلَمْ يُشْهِدْ لَمْ يَضُرّهُ وَلَكِنَّهُ لَا يَبْنِي حَتَّى يُشْهِدَ (قَالَ الشَّارِحُ) إنَّ الْمُتَأَخِّرِينَ قَرَّرُوا حُكْمَ الْإِشْهَادِ أَنَّهُ شَرْطٌ فِي الدُّخُولِ وَلَا يَعْتَبِرُونَ الشُّهْرَةَ الَّتِي هِيَ خَاصِّيَّةُ النِّكَاحِ فِي نَظَرِ الْأَقْدَمِينَ وَشَدَّدَ الْمُتَأَخِّرُونَ فِي تَحْصِيلِ هَذَا الشَّرْطِ حَتَّى كَانَ عِنْدَهُمْ رُكْنٌ مِنْ الْمَاهِيَّةِ وَخُلُوُّ بَعْضِ الْأَنْكِحَةِ عَنْهُ مَعَ وُجُودِ الشُّهْرَةِ مِمَّا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى فَتَحْدُثُ مِنْ ذَلِكَ نَوَازِلُ كَثِيرَةٌ وَفِي كَلَامِ الْمُتَقَدِّمِينَ مَا يُشْعِرُ بِأَنَّ انْصِرَافَ مُعْظَمِ الْقَصْدِ فِي النِّكَاحِ إنَّمَا هُوَ الشُّهْرَةُ وَلِذَلِكَ قَالَ ابْنُ شَاسٍ فِي جَوَاهِرِهِ وَلَمْ تَكُنْ أَنْكِحَةُ السَّلَفِ بِإِشْهَادٍ وَفِي جَوَابِ الْأُسْتَاذِ أَبُو سَعِيدِ بْنِ لُبٍّ عَنْ مَسَائِلَ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى أَعْنِي الْإِشْهَادَ فِي النِّكَاحِ أَوْ فِي الْمُرَاجَعَةِ مِنْ الطَّلَاقِ مَا نَصُّهُ قَدْ ذَكَرَ أَهْلُ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْإِعْلَانَ بِالنِّكَاحِ وَشُهْرَتِهِ مَعَ عِلْمِ الزَّوْجِ وَالْوَلِيِّ بِذَلِكَ يَكْفِي وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ إشْهَادٌ وَهَكَذَا كَانَتْ أَنْكِحَةُ كَثِيرٍ مِنْ السَّلَفِ وَهَذَا الْمَعْنَى قَدْ حُكِيَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ اهـ بِاخْتِصَارٍ. (وَمِمَّا يُنَاسِبُ) هَذَا الْمَحِلِّ الْمَسْأَلَةُ الْكَثِيرَةُ الْوُقُوعِ فِي كُلِّ بَلَدٍ وَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ وَقَدْ سُئِلَ عَنْهَا جَمَاعَةٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَأَجَابُوا عَنْهَا بِأَجْوِبَةٍ مُخْتَلِفَةٍ وَمِنْ جُمْلَتِهِمْ آخِرِ الْفُقَهَاءِ وَقُضَاةِ الْعَدْلِ الْفَقِيهُ النَّوَازِلِيُّ أَبُو سَالِمٍ سَيِّدِي إبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْجَلَالِيُّ فَاعْتَنَى بِالْمَسْأَلَةِ وَجَمَعَ مَا اسْتَحْضَرَ فِيهَا وَأَلَّفَ فِي ذَلِكَ تَأْلِيفًا سَمَّاهُ بِالْمَسْأَلَةِ الْأَمْلِيسِيَّةِ فِي الْأَنْكِحَةِ الْإِغْرِيسِيَّةِ لِأَنَّ السُّؤَالَ وَرَدَ مِنْ بَلَدِ غَرِيس وَالْأَمْلِيسُ التَّمْرُ الَّذِي لَا عَجْمَ لَهُ (وَلَفْظُ السُّؤَالِ) سُئِلْتُ عَنْ عَوَائِدَ جَرَتْ بِبَلَدِ غَرِيسَ وَنَوَاحِيهَا وَهِيَ أَنْ يُوَجِّهَ الرَّجُلُ أَوْ الْمَرْأَةُ مَنْ يَخْطُبُ لَهُ امْرَأَةً لِنَفْسِهِ أَوْ لِوَلَدِهِ مِنْ الْمَرْأَةِ أَوْ وَلِيِّهَا خَاطِبًا رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً فَيُجَابُ بِالْقَبُولِ وَيَتَوَاعَدُونَ لِلْعَقْدِ الشَّرْعِيِّ فِي لَيْلَةِ الْبِنَاءِ ثُمَّ يَبْعَثُ لِلْمَرْأَةِ وَوَلِيِّهَا حِنَّاءً وَحَوَائِجَ تَتَزَيَّنُ بِهَا وَهَدَايَا فِي الْمَوَاسِمِ وَيُوَلْوِلُ النِّسَاءُ عِنْد الْخِطْبَةِ وَيُسْمِعُونَ الْجِيرَانَ أَنَّ فُلَانًا تَزَوَّجَ فُلَانَةَ وَيَشْتَهِرُ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ ثُمَّ يَطْرَأُ عِنْدَ الْبِنَاءِ وَالْعَقْد تَنَازُعٌ وَتَنَافُرٌ بَيْنَهُمْ أَوْ مَوْتُ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ فَهَلْ تَثْبُتُ الزَّوْجِيَّةُ بِتِلْكَ الْعَادَةِ وَيُحْكَمُ بِصِحَّتِهَا عَلَى الْمُنْكِرِ وَتُبْنَى عَلَيْهِ أَحْكَامُهَا مِنْ الْإِرْثِ وَتَحْرِيمِ مَنْكُوحَاتِ الْآبَاءِ وَحَلَائِلِ الْأَبْنَاءِ وَيَتَنَزَّل ذَلِكَ كُلُّهُ مَنْزِلَةَ نِكَاحِ التَّفْوِيضِ أَوْ لَا بَيِّنُوا لَنَا ذَلِكَ بَيَانًا شَافِيًا وَلَكُمْ الْأَجْرُ وَالسَّلَامُ اهـ. (وَفِي) عَادَةِ أَهْلِ فَارِسَ زِيَادَةٌ عَلَى مَا ذُكِرَ أَنَّهُ إذَا حَصَلَ الْإِيجَابُ مِنْ وَلِيِّ الزَّوْجَةِ يَتَوَاعَدُ أَهْلُ الزَّوْجَةِ وَالزَّوْجِ لِيَوْمٍ وَوَقْتٍ يَجْتَمِعُونَ فِيهِ يُسَمُّونَهُ كَمَالُ الْعَطِيَّةِ وَيَأْتِي أَهْلُ الزَّوْجِ مَعَهُمْ بِمَنْ لَهُ وَجَاهَةٌ مِنْ الشُّرَفَاءِ وَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ لَهُ الْوَجَاهَةُ وَيَجْتَمِعُونَ فِي الْمَسْجِدِ فَيَسْمَعُ الْحَاضِرُونَ مِنْ وَلِيِّ الزَّوْجَةِ إنْكَاحَ وَلِيَّتِهِ لِفُلَانٍ وَيَسْمَعُونَ مِنْ وَلِيّ الزَّوْجِ أَوْ مِمَّنْ نَابَ عَنْهُ الْقَبُولَ وَيُعَيَّنُونَ الصَّدَاقَ إمَّا جِهَارًا أَوْ بَيْنَ أَوْلِيَاءِ الزَّوْجَيْنِ وَيَقْرَءُونَ الْفَاتِحَةَ وَيَنْصَرِفُونَ وَلَا يَحْضُرُ الزَّوْجُ حَيَاءً وَلَا يُشْهِدُ عَلَيْهِ ثُمَّ يَقَعُ مَوْتٌ لِأَحَدِ الزَّوْجَيْنِ أَوْ نَدَمٌ فَيَحْتَجُّ الزَّوْجُ أَوْ وَرَثَتُهُ بِأَنَّهُ لَمْ يَحْضُرْ وَيَدَّعِي أَنَّهُ لَمْ يُوَافِقْ. (فَأَجَابَ) سَيِّدِي إبْرَاهِيمُ الْمَذْكُورُ بِمَا نَصُّهُ مَعَ اخْتِصَارِ مَا أَمْكَنَ اخْتِصَارُهُ وَذَلِكَ أَنَّ الْعَادَةَ الْمَذْكُورَةَ إنْ كَانَتْ جَارِيَةً عِنْدَهُمْ مَجْرَى الْعَقْدِ الْمُصْطَلَحِ عَلَيْهِ عِنْدَ أَهْلِ التَّوْثِيقِ بِحَيْثُ يُرَتِّبُونَ عَلَى تِلْكَ الْأُمُورِ مِنْ إرْسَالِ الْحِنَّاءِ وَغَيْرِهَا آثَارَ النِّكَاحِ وَجَرَتْ الْأَحْكَامُ عِنْدَهُمْ بِذَلِكَ وَتَقَرَّرَتْ أَنَّ الْإِشْهَادَ الْوَاقِعَ مِنْهُمْ لَيْلَةَ الدُّخُولِ لَيْسَ هُوَ إلَّا لِلتَّحْصِينِ مِنْ النِّزَاعِ فِي قَدْرِ الْمَهْرِ أَوْ أَجَلِهِ وَحُلُولِهِ وَلِبَيَانِ مَا قُبِضَ مِنْ الْمَهْرِ وَمَا لَمْ يُقْبَضْ وَإِنَّ قَوْلَ السَّائِلِ وَيَتَوَاعَدُونَ لِلْعَقْدِ الشَّرْعِيِّ فِي لَيْلَةِ الْبِنَاءِ أَنَّ ذَلِكَ الْوَعْدَ إنَّمَا هُوَ لِلتَّحْصِينِ الْمَذْكُورِ فَهَذَا لَا إشْكَالَ فِيهِ عِنْد الْقَائِلِ بِهِ أَنَّ تِلْكَ الْعَادَةَ يُحْكَمُ بِهَا

وَيُلْزَمُ الْمُتَعَاقِدَانِ بِهَا وَأَمَّا إنْ كَانَتْ الْعَادَةُ الْمَذْكُورَةُ إنَّمَا هِيَ عِنْدَهُمْ تَوْطِئَةً لِلْعُقْدَةِ الشَّرْعِيَّةِ الَّتِي يَتَوَاعَدُونَ إلَيْهَا لَيْلَةَ الْبِنَاءِ وَأَنَّهُمْ لَا إلْزَامَ بَيْنَهُمْ بِمَا يَقَعُ مِنْ الْأَحْوَالِ الْمَذْكُورَةِ وَأَنَّ جَمِيعَ ذَلِكَ أَمَارَاتٌ عَلَى مَيْلِ كُلٍّ مِنْ الْجِهَتَيْنِ إلَى الْأُخْرَى وَأَنَّ تَنْجِيزَ ذَلِكَ لَا يَقَعُ بَيْنَهُمْ إلَّا عِنْدَ الْإِشْهَادِ الَّذِي يَقَعُ لَيْلَةَ الدُّخُولِ وَعَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ تَقَرَّرَتْ عَادَتُهُمْ يَعْرِفُهَا الْخَاصُّ وَالْعَامُّ فَهَذَا أَيْضًا لَا إشْكَالَ فِي عَدَمِ اللُّزُومِ بِذَلِكَ وَأَنَّ تِلْكَ الْقَرَائِنَ وَالْأَوْصَافَ إنَّمَا هِيَ أَمَارَاتٌ عَلَى الْعَقْدِ الْمُنْبَرِمِ. وَالْأَمَارَاتُ عَلَى الشَّيْءِ هِيَ غَيْرُ ذَلِكَ الشَّيْءِ قَطْعًا وَإِذَا كَانَتْ الْعَادَةُ هَكَذَا فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُخْتَلَفَ فِي عَدَمِ اللُّزُومِ بِتِلْكَ الْعَوَائِدِ وَعَدَمِ تَرَتُّبِ الْآثَارِ عَلَيْهَا وَأَمَّا إنْ جُهِلَتْ عَادَةُ الْبَلَدِ بِحَيْثُ إنَّ تِلْكَ الْأُمُورَ تَقَعُ بَيْنهمْ كَمَا وُصِفَ فَإِنْ سُئِلُوا عَنْ عَادَتِهِمْ هَلْ مُرَادُهُمْ الْعَقْدُ الْمُبْرَمُ اللَّازِمِ أَوْ الْوَعْدُ وَالْأَمَارَةُ وَأَمَّا الِانْبِرَامُ فَإِنَّمَا يَقَعُ لَيْلَةَ الْبِنَاءِ فَلَمْ يُحَرِّرُوا شَيْئًا مِنْ عَادَتِهِمْ فَهَذَا هُوَ مَحِلُّ الْإِشْكَالِ عَلَى مَاذَا يُحْمَلُ هَلْ عَلَى الِانْبِرَامِ أَوْ الْحِلِّ وَلَعَلَّ هَذَا الْقِسْمَ هُوَ مَحِلُّ الْخِلَافِ كَمَا يَأْتِي فَمَنْ قَالَ إنَّهَا تَتَنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الْعَقْدِ الْمُبْرَمِ يَقُولُ إنَّ الْأَرْكَانَ الْمَذْكُورَةَ فِي النِّكَاحِ كُلُّهَا حَاصِلَةٌ فِي الْوَاقِعِ بَيْنَهُمْ بِالْمَعْنَى وَأَنَّ ذَلِكَ أَقْوَى فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ لِأَنَّ الدَّلَالَةَ الْفِعْلِيَّةَ أَقْوَى مِنْ الدَّلَالَةِ الْقَوْلِيَّةِ وَمَنْ قَالَ إنَّ الْإِشْهَادَ عَلَى الصِّفَةِ الْمَذْكُورَةِ مُتَعَبَّدٌ بِهِ لَا يَقُومُ غَيْرُهُ مِمَّا يَقَعُ وَيَدُلُّ عَلَى مَعْنَاهُ دَلَالَةً وَاضِحَةً مَقَامَهُ وَلَا بُدَّ مِنْ الصِّفَةِ الْمَعْهُودَةِ عَلَيْهِ يَقُولُ الْأَوْصَافُ الْمَذْكُورَةُ غَيْرُ الْعَقْدِ فَلَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا حُكْمٌ وَعَلَى هَذَا يُتَنَزَّلُ اخْتِلَافُ فَتَاوَى الشُّيُوخِ. (فَأَفْتَى) جَمَاعَةٌ بِلُزُومِ النِّكَاحِ مِنْهُمْ السَّيِّدُ الشَّرِيفُ الْمَزْدَغِيُّ (قَالَ فِي الْمِعْيَارِ) وَسَأَلَ عَنْ يَتِيمَةٍ عَقَدَ عَلَيْهَا أَخُوهَا النِّكَاحَ بِغَيْرِ وَكَالَةٍ مِنْهَا لَهُ غَيْرَ أَنَّ النَّاسَ حَضَرُوا وَطَلَبُوهُ وَأَعْطَاهُمْ وَأَكَلُوا طَعَامًا فِي الْوَقْتِ وَقَامَتْ الْوَلَاوِلُ وَذَلِكَ مُنْذُ عَامَيْنِ وَلَمْ يَسْمَعُوا مِنْ الْبِنْتِ الْمَذْكُورَةِ إنْكَارًا وَلَا قَبُولًا إلَى الْآنَ وَقَبْلَهُ بِمُدَّةٍ أَنْكَرَتْ ذَلِكَ وَقَالَتْ لَمْ أُوَافِقْ فَقَالَ لَهَا زَوْجُهَا الَّذِي أَرَادَ تَزْوِيجَهَا أَرْسَلْت إلَيْك الْحِنَّاءَ وَالصَّابُونَ وَالْفَاكِهَةَ فِي الْحَاجُوزِ وَالْأَعْيَادِ عَلَى عَادَةِ النَّاسِ حِينَ يَتَزَوَّجُونَ وَيَكُونُ ذَلِكَ فِي الْإِمْلَاكِ وَهَلْ إذَا ثَبَتَ هَذَا وَشَهِدَ عَلَيْهَا أَنَّهَا كَانَتْ تَعْلَمُ أَنَّ الْحِنَّاءَ مِنْ عِنْدِهِ وَكَذَا الْفَاكِهَةَ يَكُونُ سُكُوتُهَا رِضًا مِنْهَا بِالزَّوَاجِ أَمْ لَا حَتَّى يَسْمَعَ مِنْهَا الْإِشْهَادَ بِالْوَكَالَةِ وَالرِّضَا بِالْمَهْرِ وَنَقْدِهِ وَكَالَتَهُ فَبَيِّنُوا لَنَا ذَلِكَ كُلَّهُ بَيَانًا شَافِيًا مَشْكُورِينَ مَأْجُورِينَ. (فَأَجَابَ) الْجَوَابُ وَاَللَّهُ يَهْدِي إلَى الْحَقِّ وَالْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ عَمَّا ذُكِرَ أَعْلَاهُ أَنَّ الْبِنْتَ الْمَذْكُورَةَ إنْ أَكَلَتْ مِنْ تِلْكَ الْفَاكِهَةِ وَغَسَلَتْ بِذَلِكَ الصَّابُونِ أَوْ صَبَغَتْ بِتِلْكَ الْحِنَّاءِ وَصَدَقَتْ طُولَ الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ فَذَلِكَ كُلُّهُ يَدُلُّ عَلَى قَبُولِهَا النِّكَاحَ مَعَ أَنَّ تَهْنِئَةَ النَّاسِ لَهَا مَعَ سُكُوتِهَا وَتَسْمِيَتِهَا بِامْرَأَةِ فُلَانٍ وَلَمْ تُنْكِرْ يَكْفِي فِي ذَلِكَ كُلِّهِ فَهِيَ بِمَا ذُكِرَ زَوْجَتُهُ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ وَكَتَبَ مُحِبُّكُمْ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْحَسَنِي لَطَفَ اللَّهُ بِهِ اهـ (وَأَفْتَى) جَمَاعَةٌ بِعَدَمِ اللُّزُومِ مِنْهُمْ الْإِمَامُ أَبُو الْعَبَّاسِ الْبَقِّيُّ (قَالَ فِي الْمِعْيَارِ) وَسُئِلَ أَبُو الْعَبَّاسِ سَيِّدِي أَحْمَدُ الْبَقِّيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَنْ رَجُلٍ خَطَبَ بِنْتًا يَتِيمَةً مِنْ أَخِيهَا وَاتَّفَقُوا عَلَى التَّزْوِيجِ بِعَدَدٍ مَعْلُومٍ وَحَوَائِجَ مُعْتَبَرَةٍ وَحَضَرُوا بِمَجْلِسٍ وَاحِدٍ وَعُمِلَ لَهَا طَعَامٌ وَأَكَلُوا دُونَ أَنْ تَقَعَ بَيْنَهُمْ شَهَادَةٌ وَأَعْطَاهَا أَيْضًا الْعَصْفَةَ وَأَلْقَتْهَا فِي رَأْسِهَا وَعُمِلَ لَهَا طَعَامٌ أَيْضًا وَمَشَى الرَّجُلُ مَعَ الْفُرْسَانِ فِي حِينِ السَّفَرِ لِلْغَزْوِ فِي الْأَيَّامِ الْمَاضِيَةِ وَمَضَى كَيْفَ قُضِيَ عَلَيْهِ وَقِيلَ إنَّهُ أُسِرَ وَقَامَ الْآنَ أَهْلُ الْبِنْتِ يُرِيدُونَ تَزْوِيجَهَا لِغَيْرِهِ فَمَا الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ بِوَاجِبِ الشَّرْعِ فَهَلْ يَحِلُّ الْعَقْدُ عَلَيْهَا لِغَيْرِهِ أَمْ لَا. (فَأَجَابَ) بَعْدَ الصَّدْرِ تَأَمَّلْت مَكْتُوبَكُمْ وَاَلَّذِي يَكُونُ عَلَيْهِ عَمَلُكُمْ فِي الْمَسْأَلَةِ أَنْ لَا نِكَاحَ بَيْنَهُمَا وَبِذَلِكَ جَرَتْ عَادَةُ الْمُفْتِينَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَأَنَّهُ إذَا لَمْ يَقَعْ إشْهَادٌ فَلَا نِكَاحَ بِوَجْهٍ وَلَا تَوَارُثَ وَلَا عِدَّةَ وَذَلِكَ كُلُّهُ إنَّمَا هُوَ مَنُوطٌ بِالْإِشْهَادِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ إشْهَادٌ فَلَا نِكَاحَ وَقَدْ كَانَ شَيْخُنَا سَيِّدِي إبْرَاهِيمُ بْنُ فَتُّوحٍ يَسْتَشْكِلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَلَا سِيَّمَا إذَا عَظُمَ التَّرَاكُنُ فِيهَا مِثْل هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَهَذَا مَا عِنْدِي فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتِهِ مِنْ كَاتِبِهِ أَحْمَدَ الْبَقِّيِّ وَفَّقَهُ اللَّهُ اهـ بِلَفْظِهِ فَقَوْلُهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَبِهَذَا جَرَتْ عَادَةُ الْمُفْتِينَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ هُوَ كَذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ سِرَاجٍ وَالسَّرَقُسْطِيِّ وَأَمَّا قَوْلُهُ إذَا لَمْ يَقَعْ إشْهَادٌ فَلَا نِكَاحَ فَلْيَنْظُرْ مَعَ قَوْلِهِمْ إنَّ الْإِشْهَادَ مُسْتَحَبٌّ عِنْد

الْعَقْدِ شَرْطٌ فِي الدُّخُولِ فَقَطْ وَالْمُفْتُونَ بِمَا ذُكِرَ لَمْ يُعَلِّلُوا ذَلِكَ بِتَرْكِ الْإِشْهَادِ وَإِنَّمَا عَلَّلُوهُ بِفَقْدِ الصِّيغَةِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ اهـ. وَيَأْتِي ذَلِكَ فِي شَرْحِ الْبَيْتِ بَعْدَ هَذَا وَهَذَا مَا أَمْكَنَ جَلْبُهُ فِي هَذَا الْمَحِلِّ وَمَنْ أَرَادَ تَتَبُّعَ الْمَسْأَلَةِ وَأَجْوِبَتِهَا وَمَا قِيلَ فِيهَا فَلْيُرَاجَعْ التَّأْلِيفَ الْمَذْكُورَ الْمُسَمَّى بِالْمَسْأَلَةِ الْأَمْلِيسِيَّةِ فِي الْأَنْكِحَةِ الْمُنْعَقِدَةِ عَلَى عَادَةِ الْبَلَدِ الْإِغْرِيسِيَّةِ لِسَيِّدِي إبْرَاهِيمَ الْجَلَالِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَنَفَعَ بِهِ وَهُوَ تَأْلِيفٌ عَجِيبٌ فِي نَحْوِ خَمْسَ عَشْرَةَ وَرِقَّةً فِي الْقَالِبِ الْكَبِيرِ. (قَالَ مُقَيِّدُ هَذَا الشَّرْحِ سَمَحَ اللَّهُ لَهُ) وَقَدْ سُئِلَ شَيْخُنَا الْإِمَامُ الْعَالِمُ الْحَافِظُ أَبُو الْعَبَّاسِ سَيِّدِي أَحْمَدُ الْمُقْرِي التِّلْمِسَانِيُّ ثُمَّ الْفَاسِيُّ عَنْ هَذِهِ النَّازِلَةِ وَمِمَّا ذُكِرَ فِي السُّؤَالِ أَنَّ الزَّوْجَ فَعَلَ عَادَةَ أَهْلِهِ مِنْ تَحْنِئَةِ يَدَيْهِ وَجَاءَ الْعِيدُ فَبَعَثَ لِلزَّوْجَةِ كَبْشًا وَكَانَ عَازِمًا عَلَى الْبِنَاءِ وَالْعُرْسِ فَاخْتَرَمَتْهُ الْمَنِيَّةُ (فَأَجَابَ بِمَا نَصُّهُ) أَنَّ هَذِهِ النَّازِلَةَ اخْتَلَفَتْ فِيهَا آرَاءُ الْأَئِمَّةِ وَفَتَاوِيهِمْ فَاَلَّذِي أَفْتَى بِهِ الشَّرِيفُ الْمَزْدَغِيُّ أَنَّ مِثْلَ هَذَا النِّكَاحُ صَحِيحٌ فِي أَحْكَامِهِ ثَابِتَةٌ وَاَلَّذِي أَفْتَى بِهِ الشَّيْخُ الْبَقِّيُّ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْإِشْهَادِ وَلَا تَكْفِي عَنْهُ الْهَدِيَّةُ وَالتَّهْنِئَةُ وَالْحِنَّاءُ وَنَحْوُهَا قَائِلًا إنَّهُ الَّذِي أَفْتَى بِهِ الْأَشْيَاخُ وَإِنْ اسْتَشْكَلَهُ الْإِمَامُ ابْنُ فَتُّوحٍ قَائِلًا إنَّ مِثْلَ ذَلِكَ يَكْفِي فِي انْعِقَادِ النِّكَاحِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَكَتَبَ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُقْرِي. اهـ وَالظَّاهِرُ مَا أَفْتَى بِهِ الشَّرِيفُ مِنْ لُزُومِ النِّكَاحِ وَتَرْتِيبِ أَحْكَامِهِ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِقَوْلِهِمْ مَنْ زَوَّجَ ابْنَهُ الْبَالِغَ أَوْ أَجْنَبِيًّا فَقَدْ نَقَلَ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ صَاحِبِ النُّكَتِ وَاللَّخْمِيِّ أَنَّهُ إنْ طَالَ سُكُوتُهُ بَعْد عَقْدِ النِّكَاحِ زَادَ اللَّخْمِيُّ وَقَبْلَ التَّهْنِئَةِ عَلَى جَرْيِ الْعَادَةِ لَزِمَهُ النِّكَاحُ قَالَ اللَّخْمِيُّ وَيَغْرَمُ نِصْفَ الصَّدَاقِ وَلَا يُمَكَّنُ مِنْهَا لِإِقْرَارِهِ أَنَّهَا غَيْرُ زَوْجَتِهِ (قَالَ صَاحِبُ النُّكَتِ) وَعَرَضْته عَلَى بَعْضِ شُيُوخِنَا فَصَوَّبَهُ. اهـ وَإِلَى اللُّزُومِ فِي هَذِهِ النَّازِلَةِ وَمَا أَشْبَهَهَا أَشَارَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ بِقَوْلِهِ وَإِنْ طَالَ كَثِيرًا لَزِمَ فَالصِّيغَةُ النُّطْقُ بِمَا كَأَنْكَحَا ... مِنْ مُقْتَضٍ تَأَبُّدًا مُسْتَوْضَحَا لَمَّا عَدَّ الْأَرْكَانَ جُمْلَةً وَأَلْحَقَ بِهَا مَا هُوَ شَرْطٌ فِي الدُّخُولِ لَا فِي صِحَّةِ الْعَقْدِ رَجَعَ إلَى الْكَلَامِ عَلَى تِلْكَ الْأَرْكَانِ تَفْصِيلًا فَأَخْبَرَ أَنَّ الصِّيغَةَ الَّتِي هِيَ أَحَدُ الْأَرْكَانِ الْخَمْسَةِ هِيَ التَّلَفُّظِ بِ أَنْكَحْتُ وَزَوَّجْت وَنَحْوِهَا مِمَّا يَقْتَضِي تَمْلِيكُ عِصْمَةَ وَلِيَّتِهِ عَلَى التَّأْبِيدِ لِنَاكِحِهَا وَأَدْخَلَ الْكَافَ عَلَى أُنْكِحَكَ إشَارَةٌ إلَى عَدَمِ قَصْرِهَا عَلَى صِيغَةٍ مَخْصُوصَةٍ (قَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ) يَنْعَقِدُ بِكُلِّ لَفْظٍ دَالٍ عَلَى التَّمْلِيكِ أَبَدًا كَالْبَيْعِ وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ الصِّيغَةُ مِنْ الْوَلِيِّ لَفْظٌ يَدُلُّ عَلَى التَّأْبِيدِ مُدَّةَ الْحَيَاةِ كَأَنْكَحْتُ وَزَوَّجْت وَمَلَّكْت وَبِعْت وَكَذَلِكَ وَهَبْت بِتَسْمِيَةِ الصَّدَاقِ وَمِنْ الزَّوْجِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْقَبُولِ (وَقَالَ الْمُقْرِي فِي كُلِّيَّاتِهِ الْفِقْهِيَّةِ) كُلُّ عَقْدٍ فَالْمُعْتَبَرُ فِي انْعِقَادِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى مَعْنَاهُ لَا صِيغَةٍ مَخْصُوصَةٍ وَيَخْتَلِفُ فِي الْمُحْتَمَلِ حَيْثُ يَقَعُ النُّكُولُ (قَالَ الشَّارِحُ) لَمْ تَزَلْ الْفُتْيَا صَادِرَةً عَنْ شَيْخِنَا أَبِي الْقَاسِمِ ابْنِ سِرَاجٍ أَبْقَى اللَّهُ بَرَكَتَهُ بِعَدَمِ التَّوَارُثِ مَهْمَا مَاتَ الزَّوْجَيْنِ فِي الْأَنْكِحَةِ الْمُنْعَقِدَةِ فِي الْجِهَةِ الشَّرْقِيَّةِ الَّتِي يَتَأَخَّرُ فِيهَا الْكَتْبُ وَالْإِشْهَادُ لِلدُّخُولِ وَيُقَدِّمُونَ فِيهَا دِينَارًا وَاحِدًا مِنْ الصَّدَاقِ وَيُسَمُّونَهُ الْمَوْزُونَ وَيَعْتَلُّ لِقَوْلِهِ بِعَدَمِ الْمِيرَاثِ فِيهِ بِأَنَّهُ فَاتَ فِيهِ الصِّيغَةُ وَمَا زَالَ الْأَصْحَابُ يُرَاجِعُونَهُ فِي ذَلِكَ بِالْبَحْثِ وَهُوَ عَلَى أَوَّلِهِ فِي فُتْيَاهُ بِذَلِكَ وَإِذَا رُوجِعَ قَوْلُ الْمُقْرِي الْمَنْقُولُ آخِرًا وَقَوْلُ عَبْدِ الْوَهَّابِ الْمَنْقُولِ أَوَّلًا يَظْهَرُ أَنَّ تِلْكَ الْأَنْكِحَةَ غَيْرُ خَالِيَةٍ مِنْ الصِّيغَةِ بِوَجْهٍ اهـ وَرُبْعُ دِينَارٍ أَقَلُّ الْمُصْدَقِ ... وَلَيْسَ لِلْأَكْثَرِ حَدٌّ مَا ارْتَقَى أَوْ مَا بِهِ قُوِّمَ أَوْ دَرَاهِمُ ... ثَلَاثَةٌ فَهِيَ لَهُ تُقَاوِمُ وَقَدْرُهَا بِالدِّرْهَمِ السَّبْعِينِيَّ ... نَحْوٌ مِنْ الْعِشْرِينَ فِي التَّبْيِينِ وَيَنْبَغِي فِي ذَاكَ الِاحْتِيَاطُ ... بِخَمْسَةٍ بِقَدْرِهَا تُنَاطُ تَكَلَّمَ فِي هَذِهِ الْأَبْيَاتِ عَلَى بَعْضِ مَا يَتَعَلَّقُ بِالصَّدَاقِ أَحَدِ الْأَرْكَانِ الْمَذْكُورَةِ وَقَدْ اشْتَمَلَتْ عَلَى مَسْأَلَتَيْنِ (الْأُولَى) بَيَانُ قَدْرِ الصَّدَاقِ كَمْ هُوَ بِاعْتِبَارِ أَقَلِّهِ وَأَكْثَرِهِ مِنْ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ وَالْعَرُوضِ فَأَخْبَرَ أَنَّ أَقَلَّهُ رُبْعُ دِينَارٍ شَرْعِيٌّ مِنْ الذَّهَبِ أَوْ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ أَيْضًا شَرْعِيَّةٌ مِنْ الْفِضَّةِ أَوْ مَا يُسَاوِي

رُبْعَ دِينَارٍ يَعْنِي أَوْ مَا يُسَاوِي ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ أَيْضًا مِنْ الْعَرُوضِ وَأَمَّا أَكْثَرُهُ فَلَا حَدَّ لَهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا} [النساء: 20] وَعَلَى هَذَا نَبَّهَ بِالْبَيْتَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ (الثَّانِيَةُ) بَيَانُ كَمْ فِي ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ شَرْعِيَّةٍ مِنْ الدَّرَاهِمِ الْجَارِيَةِ إذْ ذَاكَ فِي الْبِلَادِ الْأَنْدَلُسِيَّةِ فَأَخْبَرَ أَنَّ الْعِشْرِينَ مِنْهَا أَوْ نَحْوِهَا هُوَ قَدْرُ الثَّلَاثَةِ الدَّرَاهِمِ الشَّرْعِيَّةِ وَمَعَ ذَلِكَ فَيَنْبَغِي الِاحْتِيَاطُ بِزِيَادَةِ خَمْسَةِ دَرَاهِمَ عَلَى الْعِشْرِينَ لِيُتَحَقَّقَ وَيُتَيَقَّنَ قَدْرُ الثَّلَاثَةِ دَرَاهِمَ خَوْفَ أَنْ يَكُونَ فِي الْعِشْرِينَ نَقْصٌ أَوْ غِشٌّ فَيَنْقُصُ الصَّدَاقُ عَنْ أَقَلِّهِ شَرْعِيًّا فَيَزُولُ ذَلِكَ الْخَوْفُ بِتِلْكَ الزِّيَادَةِ فَقَوْلُهُ أَوْ مَا بِهِ قُوِّمَ أَيْ بِرُبْعِ دِينَارٍ وَهُوَ عَطْفٌ عَلَى رُبْعٍ وَقَوْلُهُ أَوْ دَرَاهِمُ عَطْفٌ عَلَى مَا وَثَلَاثَةٌ نَعْتٌ لِدَرَاهِمَ وَضَمِيرُ فَهِيَ لِلثَّلَاثَةِ وَضَمِيرُ لَهُ لِرُبْعِ دِينَارٍ وَمَعْنَى تُقَاوِمُهُ أَيْ تُعَادِلُهُ وَتُسَاوِيه فِي كَوْنِهَا أَقَلَّ الصَّدَاقِ وَضَمِيرُ قَدْرِهَا لِلثَّلَاثَةِ دَرَاهِمَ وَهُوَ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ نَحْوُ الْإِشَارَةِ بِذَلِكَ لِلصَّدَاقِ الَّذِي بِتِلْكَ الدَّرَاهِمِ دَلَّ عَلَيْهِ السِّيَاقُ وَبِخَمْسَةٍ يَتَعَلَّقُ بِالِاحْتِيَاطِ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ بِزِيَادَةِ خَمْسَةٍ عَلَى الْعِشْرِينَ وَبِقَدْرِهَا يَتَعَلَّقُ بِتُنَاطُ وَالضَّمِيرُ فِي بِقَدْرِهَا لِلثَّلَاثَةِ دَرَاهِمَ وَنَائِبُ تُنَاط لِلْخَمْسَةِ وَالْعِشْرِينَ. (قَالَ فِي النَّوَادِرِ) وَمِنْ كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ وَأَقَلُّ الصَّدَاقِ مِنْ الذَّهَبِ رُبْعُ دِينَارٍ وَمِنْ الْوَرِقِ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ وَمِنْ الْعَرُوضِ مَا قِيمَتُهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ (وَمِنْ الْمُقَرِّبِ) قُلْت لَهُ أَرَأَيْت مَنْ تَزَوَّجَ بِعَرْضٍ قِيمَتُهُ أَقَلُّ مِنْ ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ أَوْ تَزَوَّجَ مِنْ دِرْهَمَيْنِ فَقَالَ لَا أَرَى لِأَحَدٍ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِأَقَلَّ مِنْ رُبْعِ دِينَارٍ فَإِنْ فَعَلَ كَانَ النِّكَاحُ جَائِزًا وَيُقَالُ لِلزَّوْجِ أَكْمِلْ لَهَا رُبْعُ دِينَارٍ فَإِنْ رَضِيَ وَإِلَّا فُسِخَ النِّكَاحُ إنْ لَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِهَا فَإِنْ دَخَلَ بِهَا أَكْمَلَ لَهَا رُبْعَ دِينَارِ. اهـ وَقَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ تَقْدِيرُ الصَّدَاقِ بِمَا ذُكِرَ هُوَ مَقِيسٌ عَلَى أَقَلِّ مَا تُقْطَعُ فِيهِ الْيَدُ فِي السَّرِقَةِ عِنْدَ مَالِك (ابْنُ عَرَفَةَ) وَأَقَلُّهُ الْمَشْهُورُ رُبْعُ دِينَارٍ أَوْ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ أَوْ مَا قِيمَتُهُ أَحَدُهُمَا وَقِيلَ أَوْ مَا قِيمَتُهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ فَقَطْ. (قَالَ الشَّارِحُ) فَتَخْصِيصُ الشَّيْخِ تَقْوِيمَ الْعَرْضِ بِرُبْعِ دِينَارٍ يَدُلُّ عَلَى اعْتِمَادِهِ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ إذَا لَا قَائِلَ بِالِاقْتِصَارِ عَلَى تَقْوِيمِ الْعَرْضِ بِرُبْعِ دِينَارٍ وَإِنَّمَا هُمَا قَوْلَانِ تَعْمِيمُ التَّقْوِيمِ بِرُبْعِ دِينَارٍ وَبِالثَّلَاثَةِ دَرَاهِمَ وَتَخْصِيصُ التَّقْوِيمِ بِالدَّرَاهِمِ (قَالَ الشَّارِحُ مَا مَعْنَاهُ) إنَّ بَعْضَهُمْ سَأَلَ عَنْ تَحْقِيقِ نِصَابِ الزَّكَاةِ بِتَحْقِيقِ دِرْهَمِنَا السَّبْعِينِيِّ مِنْ الدِّرْهَمِ الشَّرْعِيِّ (فَأَجَابَ) وَقَالَ يَتَحَصَّلُ مِنْهُ أَنَّ الدِّرْهَمَ الشَّرْعِيَّ فِيهِ مِنْ دَرَاهِمِنَا سِتَّةُ دَرَاهِمَ وَثَلَاثَةُ أَعْشَارِ الدِّرْهَمِ. اهـ وَلَا شَكَّ أَنَّك ضَرَبْت سِتَّةً وَثَلَاثَةَ أَعْشَارٍ فِي ثَلَاثَةٍ كَانَ الْخَارِجُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ وَتِسْعَةَ أَعْشَارٍ فَلِذَلِكَ قَالَ النَّاظِمُ إنَّ قَدْرَ ذَلِكَ بِتِلْكَ الدَّرَاهِمِ عِشْرُونَ دِرْهَمًا بِتَقْرِيبٍ وَمِنْهُ مَا سُمِّيَ أَوْ مَا فُوِّضَا ... فِيهِ وَحَتْمًا لِلدُّخُولِ فُرِضَا يَعْنِي أَنَّ النِّكَاحَ يَكُونُ عَلَى وَجْهَيْنِ نِكَاحُ تَسْمِيَةٍ وَهُوَ أَنْ يُسَمِّيَ الصَّدَاقَ فِي الْعَقْدِ كَمَا يُسَمِّيَ الثَّمَنَ فِي الْبَيْعِ إلَّا أَنَّهُ يَجُوزُ فِيهِ مِنْ الْمُكَارَمَةِ وَعَدَمِ الِاسْتِقْصَاءِ مَا لَا يَجُوزُ فِي الثَّمَنِ الْوَجْهُ الثَّانِي نِكَاحُ التَّفْوِيضِ وَهُوَ كَمَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ مَا عُقِدَ دُونَ تَسْمِيَةِ مَهْرٍ وَلَا إسْقَاطِهِ وَلَا صَرْفِهِ لِحُكْمِ أَحَدٍ وَأَخْرَجَ بِالْقَيْدِ الْأَخِيرِ نِكَاحَ التَّحْكِيمِ (قَالَ الرَّصَّاعُ) يَرِدُ عَلَيْهِ مَا إذَا جَرَتْ عَادَةٌ بِمَهْرٍ فِي عُرْفٍ وَوَقَعَ الْعَقْدُ

وَلَمْ تَقَعْ تَسْمِيَةٌ فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ التَّفْوِيضِ وَنُقِلَ ذَلِكَ عَنْ اللَّخْمِيِّ وَنَقَلَ الْمَازِرِيُّ أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ التَّسْمِيَةِ اهـ وَفِي الرِّسَالَةِ وَنِكَاحُ التَّفْوِيضِ جَائِزٌ أَنْ يَعْقِدَاهُ وَلَا يَذْكُرَانِ صَدَاقًا وَيَتَحَتَّمُ فَرْضُ الصَّدَاقِ بِالدُّخُولِ فَلَا يَدْخُلُ إلَّا بَعْدَ فَرْضِهِ وَتَقْدِيرِهِ عَلَى هَذَا نَبَّهَ بِقَوْلِهِ وَحَتْمًا لِلدُّخُولِ فُرِضَا وَفِي الرِّسَالَةِ إثْرَ مَا تَقَدَّمَ ثُمَّ لَا يَدْخُلُ بِهَا حَتَّى يَفْرِضَ لَهَا. (وَفِي الْمُقَرِّبِ) فَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى عَشَرَةٍ مِنْ الْإِبِلِ أَوْ مِنْ الْبَقَرِ أَوْ مِنْ الْغَنَمِ كَانَ لَهَا وَسَطٌ مِنْ الْأَسْنَانِ وَكَذَلِكَ إنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى عَبْدٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ وَلَمْ يَصِفْهُ وَلَمْ يَضْرِبْ لَهُ أَجَلًا فَعَلَيْهِ عَبْدٌ وَسَطٌ حَالًّا وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ فَإِنْ سَمَّوْا فِي السِّرِّ مَهْرًا وَفِي الْعَلَانِيَةِ مَهْرًا قَالَ ذَلِكَ جَائِزٌ عِنْدَ مَالِكٍ وَيُؤْخَذُ بِمَهْرِ السِّرِّ إنْ كَانُوا أَشْهَدُوا عَلَيْهِ عُدُولًا (وَفِي الْمُقَرِّبِ أَيْضًا) قُلْت فَمَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَلَمْ يَفْرِضْ لَهَا صَدَاقًا أَيَجُوزُ ذَلِكَ قَالَ نَعَمْ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَيَفْرِضُ لَهَا صَدَاقَ مِثْلِهَا إنْ دَخَلَ بِهَا قَبْلَ أَنْ يَفْرِضَ لَهَا وَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَتَرَاضَيَا عَلَى صَدَاقٍ فَلَا صَدَاقَ لَهَا وَلَهَا الْمُتْعَةُ وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَتَرَاضَيَا فَلَا مُتْعَةَ لَهَا وَلَا صَدَاقَ وَلَهَا الْمِيرَاثُ. (وَفِيهِ) قُلْت وَأَيُّ شَيْءٍ التَّفْوِيضُ عِنْد مَالِكٍ قَالَ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ أَنْكَحْنَاك وَلَمْ يُسَمُّوا الصَّدَاقَ (قُلْت لَهُ) فَإِنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَلَمْ يَفْرِضْ لَهَا وَقَالَ لَا أَفْرِضُ إلَّا بَعْدَ الْبِنَاءِ فَقَالَ قَالَ مَالِكٌ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَبْنِي بِهَا حَتَّى يَفْرِضَ لَهَا صَدَاقَ مِثْلِهَا إلَّا أَنْ تَرْضَى لَهُ بِدُونِ ذَلِكَ فَإِنْ لَمْ تَرْضَ إلَّا بِصَدَاقِ مِثْلِهَا لَزِمَهُ ذَلِكَ إنْ أَرَادَ إمْسَاكَهَا. اهـ (وَفِي الرِّسَالَةِ) إنْ دَخَلَ بِهَا لَزِمَهُ صَدَاقُ الْمِثْلِ وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا وَفَرَضَ لَهَا صَدَاقَ مِثْلِهَا لَزِمَهَا وَإِنْ فَرَضَ لَهَا أَقَلَّ فَهِيَ مُخَيَّرَةٌ (وَفِي مُخْتَصَرِ الشَّيْخِ خَلِيلٍ) وَمَهْرُ الْمِثْلِ مَا يَرْغَبُ بِهِ مِثْلِهِ فِيهَا بِاعْتِبَارِ دِينٍ وَجَمَالٍ وَحَسَبٍ وَمَالٍ وَبَلَدٍ وَأُخْتٍ شَقِيقَةٍ أَوْ لِأَبٍ وَعَمَّة لَا أُمَّ (ابْنُ الْحَاجِبِ) وَفِيهَا وَيَنْظُرُ الرَّجُلُ فَقَدْ يُزَوَّجُ فَقِيرٌ لِقَرَابَتِهِ وَأَجْنَبِيٌّ لِمَالِهِ فَلَيْسَ مَهْرُهُمَا سَوَاءً وَكُلُّ مَا يَصِحُّ مِلْكًا يُمْهَرُ ... إلَّا إذَا مَا كَانَ فِيهِ غَرَرُ يَعْنِي أَنَّ كُلَّ مَا يَصِحُّ مِلْكُهُ فَإِنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مَهْرًا إلَّا إذَا كَانَ فِيهِ غَرَرٌ كَالْعَبْدِ الْآبِقِ وَالْبَعِيرِ الشَّارِدِ وَالثَّمَرَةِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ فَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ كَوْنُهُ صَدَاقًا وَقَدْ يُفْهَمُ مِنْ اسْتِثْنَائِهِ مَا فِيهِ غَرَرٌ أَنَّ مَا شَارَكَهُ فِي كَوْنِهِ لَا يُبَاعُ لَا يَجُوزُ كَوْنُهُ صَدَاقًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ غَرَرٌ كَالضَّحِيَّةِ وَأُمِّ الْوَلَدِ وَالزَّيْتِ النَّجَسِ وَجِلْدِ الْمَيْتَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ (قَالَ ابْنُ زَرْقُونٍ فِي الْمَنْهَجِ السَّالِكِ) وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ صَدَاقًا إلَّا مَا يَجُوزُ مِلْكُهُ وَبَيْعُهُ (وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ) وَشَرْطُهُ كَوْنه مُنْتَفَعًا بِهِ لِلزَّوْجَةِ مُتَمَوَّلًا اهـ وَيُفْهَمُ كَوْنُهُ مُنْتَفَعًا بِهِ مُتَمَوَّلًا مِنْ تَحْدِيدِ أَقَلِّ الصَّدَاقِ كَمَا تَقَدَّمَ فَإِنَّهُ مُنْتَفَعٌ بِهِ مُتَمَوَّلٌ وَلَا

يُؤْخَذُ كَوْنُهُ مُتَمَوَّلًا مِنْ قَوْلِهِ وَكُلُّ مَا يَصِحُّ مِلْكًا لِأَنَّ الْمِلْكَ أَعَمُّ فَقَدْ يَكُونُ مَالًا وَغَيْرَ مَالٍ كَعِصْمَةِ الزَّوْجَةِ فَإِنَّهَا مِلْكٌ لِلزَّوْجِ وَلَيْسَتْ بِمَالٍ وَالْمَهْرُ وَالصَّدَاقُ مَا قَدْ أَصْدَقَا ... وَفِي الْكِتَابِ بِالْمَجَازِ أُطْلِقَا يَعْنِي أَنَّ الْعِوَضَ الَّذِي يُعْطِيه الزَّوْجُ لِلزَّوْجَةِ وَيُصْدِقُهَا إيَّاهُ يُسَمَّى فِي الْعُرْفِ مَهْرًا وَيُسَمَّى صَدَاقًا وَأَمَّا إطْلَاقُ الصَّدَاقِ عَلَى الْكِتَابِ أَيْ الْمَكْتُوبِ الَّذِي فِيهِ الشَّهَادَةُ عَلَى النِّكَاحِ فَإِنَّمَا هُوَ بِطَرِيقِ الْمَجَازِ لَا الْحَقِيقَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} [النساء: 4] (قَالَ ابْنُ سَلْمُونٍ) وَالصَّدَاقُ مَا يَبْذُلُهُ الزَّوْجُ لِلزَّوْجَةِ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ وَهُوَ الْمَهْرُ أَيْضًا وَقَدْ يُسَمَّى بَعْضُ الْكِتَابِ الْمَكْتُوبِ الَّتِي تَقَعُ فِيهِ الشَّهَادَةُ بِالنِّكَاحِ صَدَاقًا وَذَلِكَ تَجَوُّزٌ وَإِنَّمَا يُسَمَّى ذَلِكَ كِتَابُ الصَّدَاقِ أَوْ كِتَابُ النِّكَاحِ وَالصَّدَاقُ هُوَ الْمَبْذُولُ اهـ (تَنْبِيهٌ) الْمُتَبَادَرُ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مِنْ اللُّغَةِ لَا مِنْ الْأَحْكَامِ الَّتِي قُصِدَتْ فِي النَّظْمِ إنَّمَا ذَكَرهَا لِتَأَكُّدِ مَعْرِفَتِهَا لِأَهْلِ التَّوْثِيقِ وَيُكْرَهُ النِّكَاحُ بِالْمُؤَجَّلِ ... إلَّا إذَا مَا كَانَ مَعَ مُعَجَّلِ يَعْنِي أَنَّهُ يُكْرَهُ أَنْ يُعْقَدَ النِّكَاحُ ابْتِدَاءً عَلَى صَدَاقٍ مُؤَجَّلِ أَيْ كُلُّهُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ إلَّا إذَا مَا كَانَ مَعَ مُعَجَّلٍ أَيْ إلَّا إذَا كَانَ الْمُؤَجَّلُ مَعَ مُعَجَّلٍ فَإِنْ دَخَلَا عَلَى أَنَّ بَعْضَهُ مُعَجَّلٍ وَبَعْضَهُ مُؤَجَّلٍ فَلَا كَرَاهَةَ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَقَالَ مَالِكٌ بِكَرَاهَتِهِ (ابْنُ الْحَاجِبِ) وَكَرِهَ مَالِكٌ الْمُؤَجَّلَ وَقَالَ إنَّمَا الصَّدَاقُ فِيمَا مَضَى نَاجِزٌ كُلُّهُ فَإِنْ وَقَعَ شَيْءٌ مِنْهُ مُؤَخَّرًا فَلَا أُحِبُّ طُولَهُ. اهـ (وَفِي الْمُقَرِّبِ) قَالَ سَحْنُونٌ قُلْت لَهُ فَمَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً بِدَنَانِيرَ مُسَمَّاةٍ نَقْدًا وَبِدَنَانِيرَ إلَى سَنَةٍ فَقَالَ قَالَ مَالِكٌ لَا يُعْجِبُنِي هَذَا النِّكَاحُ وَلَيْسَ هُوَ نِكَاحَ مَنْ أَدْرَكْنَا (قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ) فَإِنْ وَقَعَ النِّكَاح هَكَذَا أَجْزَتْهُ وَكَانَ لِلزَّوْجِ إذَا أَتَى بِالْمُعَجَّلِ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهَا وَيَكُونُ الْمُؤَجَّلُ إلَى أَجَلِهِ وَأَمَدُ الْكَوَالِئِ الْمُعَيَّنَهْ ... سِتَّةُ أَشْهُرٍ لِعِشْرِينَ سَنَهْ بِحَسَبِ الْمُهُورِ فِي الْمِقْدَارِ ... وَنِسْبَةِ الْأَزْوَاجِ وَالْأَقْدَارِ يَعْنِي أَنَّهُ يَجُوزُ فِي أَجَلِ الْكَالِئ أَيْ الْمُؤَخَّرِ مِنْ الصَّدَاقِ أَنْ يَكُونَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ الْعَقْدِ إلَى

فصل في الأولياء وما يترتب في الولاية

عِشْرِينَ سَنَةً وَذَلِكَ بِحَسَبِ ثَلَاثَةِ أُمُورٍ كَثْرَةِ الْمَهْر وَقِلَّتِهِ وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِقَوْلِهِ بِحَسَبِ الْمُهُورِ فِي الْمِقْدَارِ وَبِحَسَبِ صِغَرِ الزَّوْجَيْنِ وَكِبَرِهِمَا وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِقَوْلِهِ وَنِسْبَةُ الْأَزْوَاجِ وَلَوْ قَالَ وَسِنِّ الْأَزْوَاجِ وَالْأَقْدَارِ لَكَانَ أَبَيْنَ وَبِحَسَبِ ضِعَةِ الْأَقْدَارِ وَارْتِفَاعِهَا وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِقَوْلِهِ وَالْأَقْدَارُ (وَفِي الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ) قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ ابْنُ وَهْبٍ رَأْيِي فِيهِ يَعْنِي فِي الْكَالِئِ الْعِشْرُونَ سَنَةً فَمَا دُونَ ذَلِكَ وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَهُوَ مَفْسُوخٌ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَنَا مَعَك عَلَى هَذَا فَأَقَامَ ابْنُ وَهْبٍ عَلَى رَأْيِهِ وَرَجَعَ ابْنُ الْقَاسِمِ فَقَالَ لَا أَفْسَخُهُ إلَى الْعِشْرِينَ وَلَا إلَى الثَّلَاثِينَ وَلَا إلَى الْأَرْبَعِينَ وَأَفْسَخُهُ فِيمَا هُوَ فَوْقَ ذَلِكَ وَلِأَصْبَغَ فِي الْعُتْبِيَّةِ يَجُوزُ فِي الْعِشْرِينَ فَأَقَلُّ وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُوَازَنَةِ وَفِي الْمُتَيْطِيَّةِ وَقَالَ ابْنُ لُبَابَةَ فِي وَثَائِقِهِ إنْ كَانَ الزَّوْجُ صَغِيرًا وَالزَّوْجَةُ صَغِيرَةً وَالْبِنَاءُ يَتَأَخَّرُ قُيِّدَ فِي أَجَلِ الْكَالِئِ إلَى عِشْرِينَ سَنَةً وَنَحْوِهَا وَفِيهَا أَيْضًا وَإِنَّمَا ذَلِكَ عَلَى مَا تَرَاضَى عَلَيْهِ الْأَزْوَاجُ وَالزَّوْجَاتُ وَعَلَى الْأَقْدَارِ وَالْحَالَاتِ. [فَصْلٌ فِي الْأَوْلِيَاءِ وَمَا يَتَرَتَّبُ فِي الْوِلَايَةِ] ِ قَوْله فِي الْأَوْلِيَاءِ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ فِي أَحْكَامِ الْأَوْلِيَاءِ يَعْنِي مِنْ تَعْيِينِ مَنْ لَهُ الْوِلَايَةُ وَمَنْ لَا وِلَايَةَ لَهُ وَمِنْ تَرْتِيبِهِمْ وَمَنْ لَهُ الْجَبْرُ مِنْهُمْ وَمَنْ لَا جَبْرَ لَهُ وَمِنْ ذِكْرِ شُرُوطِ الْوَلِيِّ وَاَلَّذِي يَتَرَتَّبُ عَلَى الْوِلَايَةِ كَتَوْكِيلِ الْمَالِكَةِ وَالْوَصِيَّةِ مَنْ يَعْقِدُ نِكَاحَ أَمَتِهَا أَوْ مَحْجُورَتِهَا وَالْمُرَادُ بِالْوَلِيِّ إذَا أَطْلَقَ وَلِيُّ الْمَرْأَةِ وَهُوَ الْمَقْصُودُ هُنَا وَكَذَا وَلِيُّ الزَّوْجِ إذَا كَانَ رَقِيقًا أَوْ مَحْجُورًا كَمَا يَأْتِي وَالْأَوْلِيَاءُ جَمْعُ وَلِيٍّ وَهُوَ كَمَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ الْوَلِيُّ مَنْ لَهُ عَلَى الْمَرْأَةِ مِلْكٌ أَوْ أُبُوَّةٌ أَوْ تَعْصِيبٌ أَوْ إيصَاءٌ أَوْ كَفَالَةٌ أَوْ سَلْطَنَةٌ أَوْ ذُو إسْلَامٍ فَقَوْلُهُ عَلَى الْمَرْأَةِ يَشْمَلُ الْحُرَّةَ وَالْأَمَةَ وَقَوْلُهُ أَوْ تَعْصِيبٌ كَالْأَخِ شَقِيقًا أَوْ لِأَبٍ وَكَذَا الْعَمُّ وَقَوْلُهُ أَوْ إيصَاءٌ أَيْ مَنْ أُسْنِدَ إلَيْهِ الْإِيصَاءُ أَيْ كَانَ لَهُ أَنْ يُوصِي أَبٌ أَوْ وَصِيٌّ وَقَوْلُهُ أَوْ سَلْطَنَةٌ يَعْنِي مَنْ تَقَرَّرَ عَلَيْهَا نَظَرٌ مِنْ السُّلْطَانِ وَهُوَ الْقَاضِي وَقَوْلُهُ أَوْ ذُو إسْلَامٍ هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ مَنْ لَهُ عَلَى الْمَرْأَةِ وَهُوَ أَعَمُّ الْوِلَايَاتِ. وَعَاقِدٌ يَكُونُ حُرًّا ذَكَرًا ... مُكَلَّفًا وَالْقُرْبُ فِيهِ اُعْتُبِرَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْوَلِيَّ أَحَدُ أَرْكَانِ النِّكَاحِ وَذَكَرَ هُنَا أَنَّ الْوَلِيَّ الَّذِي يَعْقِدُ النِّكَاحَ عَلَى وَلِيَّتِهِ يُشْتَرَطُ فِيهِ شُرُوطٌ وَهِيَ الْحُرِّيَّةُ وَالذُّكُورِيَّةُ وَالتَّكْلِيفُ وَيَنْدَرِجُ فِيهِ الْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ وَالْقُرْبُ مِنْ الْمَرْأَةِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهَا النِّكَاحُ بِحَيْثُ لَا يَكُونُ ثَمَّ مَنْ هُوَ أَحَقُّ بِعَقْدِ نِكَاحِهَا مِنْهُ لِئَلَّا يَكُونُ مِنْ إنْكَاحِ الْوَلِيِّ الْأَبْعَدِ مَعَ وُجُودِ الْأَقْرَبِ مِنْهُ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ وَفِيهِ تَفْصِيلٌ (قَالَ فِي التَّوْضِيحِ) لِلْوَلِيِّ ثَمَانِيَةُ شُرُوطٍ سِتَّةٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا وَاثْنَانِ مُخْتَلَفٌ فِيهِمَا فَالسِّتَّةُ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهَا أَنْ يَكُونَ حُرًّا بَالِغًا عَاقِلًا ذَكَرًا حَلَالًا مُسْلِمًا أَعْنِي إذَا كَانَتْ وَلِيَّتُهُ مُسْلِمَةً فَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مُسْلِمَةٍ فَلَا يُشْتَرَطُ إسْلَامُهُ لِأَنَّ الْكَافِرَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَعْقِدَ نِكَاحَ وَلِيَّتِهِ الْكَافِرَةِ لِمُسْلِمٍ وَالِاثْنَانِ الْمُخْتَلَفُ فِيهِمَا أَنْ يَكُونَ رَشِيدًا عَدْلًا وَتَكَلَّمَ ابْنُ الْحَاجِبِ عَلَيْهَا كُلِّهَا وَمُرَادُهُ بِالرَّقِيقِ الْقِنُّ وَمَنْ فِيهِ شَائِبَةُ حُرِّيَّةٍ اهـ وَقَدْ زَادَ ابْنُ الْحَاجِبِ عَلَى النَّاظِمِ كَوْنَهُ حَلَالًا مُسْلِمًا رَشِيدًا عَدْلًا وَانْفَرَدَ النَّاظِمُ بِاشْتِرَاطِ قُرْبِهِ مِنْ الْمَرْأَةِ كَمَا تَقَدَّمَ (قَالَ مُقَيِّدُهُ عَفَا اللَّهُ عَنْهُ) وَقَدْ كُنْت جَمَعْت الشُّرُوطَ الْمَذْكُورَةَ فِي التَّوْضِيحِ فِي بَيْتَيْنِ وَهُمَا.

شَرْطُ الْوَلِيِّ عَقْدٌ ذُكُورَةٌ حَلَالٌ ... وَمُسْلِمٌ حُرٌّ بُلُوغٌ وَالْكَمَالُ فِي الرُّشْدِ قُلْ ثُمَّ عَدَالَةٌ تُرَى ... وَفِيهِمَا خُلْفٌ وَإِلَّا لَا امْتِرَا ثُمَّ ذَيَّلْتهمَا بِمَا زَادَ ابْنُ الْحَاجِبِ فَقُلْت: وَكَوْنُهُ أَقْرَبَ خَوْفَ عَقْدِ مَنْ ... بَعُدَ مَعَ وُجُودِ أَقْرَبِ قَمِنْ وَهَذَا الشَّرْطُ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِقَوْلِهِمْ فِي حَقِّ الْوَلِيِّ مَنْ لَهُ عَلَى الْمَرْأَةِ تَعْصِيبٌ (فَرْعٌ) اُخْتُلِفَ فِي وِلَايَةِ النِّكَاحِ هَلْ هِيَ حَقٌّ لِلْمَرْأَةِ فَلَا يَعْقِدُ عَلَيْهَا الْوَلِيُّ إلَّا بِتَفْوِيضٍ مِنْهَا لَهُ عَلَى ذَلِكَ مَا عَدَا الْأَبَ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَوْ هِيَ حَقُّ الْوَلِيِّ فَلَهُ الْعَقْدُ عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ تَفْوِيضِهَا وَهُوَ لِابْنِ حَبِيبٍ حَكَاهُمَا فِي التَّوْضِيحِ (فَرْعٌ) قَالَ فِي الْمُقَرِّبِ قُلْت لَهُ أَرَأَيْت إنْ اخْتَلَفَ الْأَوْلِيَاءُ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ فَقَالَ قَالَ مَالِكٌ إنْ كَانُوا فِي الْعَقْدِ سَوَاءً نَظَرَ السُّلْطَانُ فِي ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ أَعْدَلَ مِنْ بَعْضٍ فَالْأَعْدَلُ أَوْلَى. وَالسَّبْق لِلْمَالِكِ فَابْنٍ فَأَب ... فَالْأَخِ فَابْنِهِ فَجَدِّ النَّسَبِ فَالْأَقْرَبِينَ بَعْدُ بِالتَّرْتِيبِ ... بِحَسَبِ الدُّنُوِّ فِي التَّعْصِيبِ لَمَّا ذَكَرَ شُرُوطَ الْوَلِيِّ ذَكَرَ هُنَا تَرْتِيبَهُمْ إنْ تَعَدَّدُوا فَأَخْبَرَ أَنَّ الْمَالِكَ أَيْ السَّيِّدَ مُقَدَّمٌ عَلَى سَائِرِ الْأَوْلِيَاءِ ثُمَّ يَلِيه الِابْنُ ثُمَّ ابْنُهُ وَإِنْ بَعُدَ ثُمَّ الْأَبُ ثُمَّ الْأَخُ ثُمَّ ابْنُ الْأَخِ ثُمَّ الْجَدُّ أَبُو الْأَبِ وَلِهَذَا قَالَ فَجَدُّ النَّسَبِ وَاحْتَرَزَ بِهِ مِنْ الْجَدِّ لِلْأُمِّ فَإِنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ إلَّا إذَا كَانَ مِنْ الْعُصْبَةِ ثُمَّ بَعْدَ الْجَدِّ الْعَمُّ ثُمَّ ابْنُهُ وَلِذَلِكَ قَالَ فَالْأَقْرَبِينَ بَعْدَ الْبَيْتِ وَمَنْ فِي دَرَجَةٍ وَاحِدَةٍ كَالْأَخَوَيْنِ وَالْعَمَّيْنِ وَأَبْنَائِهِمْ يُقَدَّمُ الشَّقِيقُ مِنْهُمْ عَلَى الَّذِي لِلْأَبِ وَنَحْوِهِ قَوْلُ الشَّيْخِ خَلِيلٍ وَقَدَّمَ ابْنٌ فَابْنُهُ إلَخْ (تَنْبِيهَانِ الْأَوَّلُ) إنَّمَا يُقَدَّمُ الِابْنُ عَلَى الْأَبِ إذَا لَمْ يَكُنِ الْأَبُ جَدَّدَ عَلَيْهَا الْحَجْرَ فِي وَقْتٍ يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ فَإِنْ فَعَلَ فَالْأَبُ مُقَدَّمٌ عَلَى الِابْنِ كَمَا أَنَّ الْوَصِيَّ مُقَدَّمٌ عَلَى الِابْنِ (الثَّانِي) بَقِيَ عَلَى الْمُؤَلِّفِ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ الْمَوْلَى الْأَعْلَى أَيْ الْمُعْتِقُ بِكَسْرِ التَّاءِ وَفِي كَوْنِ الْأَسْفَلِ وَلِيًّا قَوْلَانِ وَهُوَ الْمُعْتَقُ بِفَتْحِهَا ثُمَّ بَعْدَهُ الْكَافِلُ ثُمَّ الْقَاضِي ثُمَّ وِلَايَةُ الْإِسْلَامِ فَتُوَكِّلُ رَجُلًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِعَقْدِ نِكَاحِهَا وَفِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ تَفْصِيلٌ وَذَلِكَ إذَا تُعُدِّيَ عَلَى الْوَلِيِّ فَزَوَّجَ الْمَرْأَةَ غَيْر مَنْ لَهُ تَزْوِيجُهَا فَأَمَّا أَنْ يَتَعَدَّى عَلَيْهِ أَجْنَبِيٌّ أَوْ وَلِيٌّ أَبْعَدُ مِنْهُ وَالْوَلِيُّ الَّذِي تُعُدِّيَ عَلَيْهِ إمَّا مُجْبِرًا أَوْ غَيْرَ مُجْبِرٍ اُنْظُرْ التَّوْضِيحَ وَفِي وِلَايَةِ الْكَافِلِ فُرُوعٌ فَمَنْ أَرَادَ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ بِالْمُطَوَّلَاتِ. (وَقَدْ) أَطَالَ الشَّارِحُ هُنَا بِجَوَابِ سُؤَالٍ سُئِلَ عَنْهُ الْأُسْتَاذُ أَبُو سَعِيدِ بْنُ لُبٍّ وَهُوَ أَنَّ صَبِيَّةً زَوَّجَهَا خَالُهَا مَعَ وُجُودِ عَمٍّ شَقِيقٍ لَهَا وَعِلْمٌ بِالنِّكَاحِ وَفُهِمَ مِنْهُ الرِّضَا بِهِ وَلَمْ يَعْقِدْهُ هُوَ وَلَا وَكَّلَ عَلَى عَقْدِهِ وَالصَّبِيَّةُ دَنِيَّةٌ وَبَنَى بِهَا زَوْجُهَا وَأَقَامَ مَعَهَا نَحْوَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ ثُمَّ طَلَّقَهَا ثُمَّ أَرَادَ مُرَاجَعَتَهَا عِنْدَ الْقَاضِي فَرَأَى أَنَّ النِّكَاحِ مَفْسُوخٌ فَرَدَّ الْمَرْأَةَ إلَى صَدَاقِ مِثْلِهَا وَأَلْغَى الطَّلَاقَ الْوَاقِعَ وَلَمْ يَعْتَدَّ بِهِ (فَأَجَابَ) بِأَنَّ هَذَا النِّكَاحَ عَقَدَهُ وَلِيٌّ عَامٌّ مَعَ وُجُودِ وَلِيٍّ خَاصٍّ قَالَ وَلَا اعْتِبَارَ بِرِضَا الْعَمِّ إذَا لَمْ يَتَوَلَّ الْعَقْدَ وَلَا قَدَّمَ مَنْ يَتَوَلَّاهُ ذَكَر ذَلِكَ ابْنُ الْحَاجِّ فِي نَوَازِلِهِ فِي نِكَاحِ عَقْدِ الْخَالِ مَعَ حُضُورِ الْأَخِ الشَّقِيقِ وَرِضَاهُ دُونَ تَقْدِيمٍ مِنْهُ فَقَالَ لَيْسَ حُضُورُ الْأَخِ عَقْدَ النِّكَاحِ وَرِضَاهُ بِعَقْدِ الْخَالِ بِشَيْءٍ وَحُضُورُهُ كَغَيْبَتِهِ إذَا لَمْ يَتَوَلَّ الْعَقْدَ وَلَمْ يُقَدِّمْ وَإِنَّمَا يُرَادُ أَنْ يَتَوَلَّى الْعَقْدَ أَوْ يُقَدِّمُ غَيْرَهُ. وَأَمَّا إنْ تَوَلَّى غَيْرُهُ بِغَيْرِ اسْتِخْلَافِهِ فَلَا وَإِنْ كَانَ هُوَ حَاضِرًا فَهُوَ كَعَدَمِهِ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهَا إذَا كَانَتْ قَدْ بَلَغَتْ وَاسْتُؤْمِرَتْ فَفِي الْمَسْأَلَةِ سِتَّةُ أَقْوَالٍ فِي الْمَذْهَبِ الْخِيَارُ لِلْوَلِيِّ فِي إمْضَاءِ النِّكَاحِ أَوْ فَسْخِهِ بِحَسَبِ مَا يَرَاهُ لِوَلِيَّتِهِ إلَّا أَنْ يَطُولَ وَتَلِدَ الْأَوْلَادَ فَيَمْضِي النِّكَاحُ مَاضٍ بِالْعَقْدِ. يَفْسَخُ وَإِنْ أَجَازَهُ الْوَلِيُّ الدُّخُول فُوِّتَ. يُفْسَخُ أَبَدًا وَإِنْ تَطَاوَلَ وَوَلَدَتْ الْأَوْلَادَ. وَالتَّفْرِقَةُ بَيْنَ الدَّنِيَّةِ فَيَصِحُّ وَيَنْظُرُ فِي ذَاتِ الْقَدْرِ وَاخْتَارَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ اللَّخْمِيُّ أَنَّهُ نِكَاحٌ صَحِيحُ الْعَقْدِ بِوِلَايَةٍ صَحِيحَةٍ لَكِنْ تَعَلَّقَ بِهِ حَقٌّ لِوَلِيٍّ آخَرَ قَالَ وَمِمَّا يُؤَيِّدُ ذَلِكَ تَفْرِقَةُ مَالِكٍ عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ قَوْلِهِ بَيْنَ الدَّنِيَّةِ وَغَيْرِهَا فَثَبَتَ بِهَذَا أَنَّ ذَلِكَ فِي ذَاتِ النَّسَبِ مِنْ حَقِّ الْوَلِيِّ لَا مِنْ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنْ وَضَعَتْ نَفْسَهَا فِيمَنْ هُوَ كُفْءٌ لَهَا مَضَى نِكَاحُهَا وَتَقْوَى صِحَّةُ النِّكَاحِ فِي هَذِهِ النَّازِلَةِ بِثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا أَنَّ الْمَرْأَةَ دَنِيَّةٌ وَالثَّانِي

أَنَّ الْخَالَ قَدْ قِيلَ فِيهِ أَنَّهُ وَلِيٌّ مِنْ أَوْلِيَاءِ النَّسَبِ وَكَذَلِكَ الْأَخُ لِلْأُمِّ ذَكَرَ أَنَّهَا رِوَايَةٌ لِعَلِيِّ بْنِ زِيَادٍ. وَالثَّالِثُ أَنَّ رِضَا الْوَلِيِّ الْأَقْرَبِ وَعِلْمَهُ مِمَّا يُسْقِطُ خِيَارَهُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ لَهُ الْخِيَارَ فَلَا يَبْقَى لَهُ فِي النِّكَاحِ مَقَالٌ بَعْدَ أَنْ عَلِمَ بِهِ وَرَضِيَهُ ذَكَرَهُ فِي الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ وَغَيْرِهَا اُنْظُرْ تَمَامَ كَلَامِهِ وَنَقَلَ فِي آخِرِهِ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ حَبِيبٍ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْوَلِيُّ الْأَقْرَبُ حَاضِرًا يَعْلَمُ أَنَّ غَيْرَهُ عَقَدَ عَلَى وَلِيَّتِهِ فَلَمْ يَتَكَلَّمْ وَلَمْ يُغَيِّر فَإِنَّ ذَلِكَ يُحْمَلُ مِنْهُ عَلَى الرِّضَا وَالتَّسْلِيمِ وَهُوَ خِلَافُ مَا تَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ الْحَاجِّ (وَفِي مُخْتَصَرِ الشَّيْخِ خَلِيلٍ) وَصَحَّ بِهَا فِي دَنِيَّةٍ مَعَ خَاصٍّ لَمْ يُجْبَرْ فَتَعْبِيرُهُ بِالصِّحَّةِ يُؤْذِنُ بِعَدَمِ جَوَازِ الْإِقْدَامِ عَلَيْهِ ابْتِدَاءً وَضَمِيرُ بِهَا فِي كَلَامِهِ لِلْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ. وَلِلْوَصِيِّ الْعَقْدُ قَبْلَ الْأُولَيَا ... وَقِيلَ بَعْدَهُمْ وَمَا إنْ رَضِيَا وَبَعْضٌ اسْتَحَبَّ لِلْوَصِيِّ ... أَنْ يُسْنِدَ الْعَقْدَ إلَى الْوَلِيِّ يَعْنِي أَنَّ وَصِيَّ الْأَبِ أَوْلَى بِالْعَقْدِ عَلَى مَحْجُورَتِهِ مِنْ أَوْلِيَائِهَا وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِمْ وَقِيلَ إنَّهُمْ مُقَدَّمُونَ عَلَيْهِ (قَالَ الشَّارِحُ) وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَاسْتَحَبَّ بَعْضُهُمْ وَهُوَ ابْنُ السَّلِيمِ لِلْوَصِيِّ أَنْ يُسْنِدَ الْعَقْدَ حَتَّى يُخْرِجَ مِنْ هَذَا الْخِلَافِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِالْبَيْتِ الثَّانِي (قَالَ فِي الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ) وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي إنْكَاحِ ذَاتِ الْوَصِيِّ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ فَقَالَ مَالِكٌ إنَّ الْوَصِيَّ أَوْلَى بِإِنْكَاحِهَا مِنْ الْأَوْلِيَاءِ فَإِنْ زَوَّجَهَا أَحَدُ الْأَوْلِيَاءِ بِغَيْرِ إذْنِ الْوَصِيِّ فَسَخَهُ الْوَصِيُّ مَا لَمْ تَطُلْ وَتَلِدْ الْأَوْلَادَ وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ الْوَلِيُّ أَحَقُّ مِنْ الْوَصِيِّ وَكَانَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ يَرَى عَلَى الْوَصِيِّ مَشُورَةُ الْوَلِيِّ وَلِذَلِكَ كَانَ ابْنُ السَّلِيمِ قَاضِي قُرْطُبَةَ يَتَحَرَّى الْخُرُوجَ مِنْ الْخِلَافِ فَيَأْمُرُ الْوَصِيَّ أَنْ يُقَدِّمَ الْوَلِيَّ لِلْعَقْدِ اهـ (وَفِي الْمُقَرِّبِ) أَنَّ وَصِيَّ الْوَصِيِّ كَالْوَصِيِّ وَإِنْ تَعَدَّدَ لِثَالِثٍ وَرَابِعٍ وَأَكْثَرَ قَالَ وَهَذَا كُلُّهُ إنْ بَلَغَتْ الْمَحِيضَ وَأَمَّا إنْ لَمْ تَبْلُغْ فَلَا يُزَوِّجُهَا إلَّا الْأَبُ وَحْدَهُ (وَقَالَ ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ) الْوَصِيُّ الَّذِي لَا يُزَوِّجُ الصَّغِيرَةَ قَبْلَ بُلُوغِهَا وَلَا الْبَالِغَ إلَّا بِأَمْرِهَا هُوَ الْوَصِيُّ الَّذِي لَمْ يَأْمُرْهُ الْأَبُ بِالتَّزْوِيجِ وَأَمَّا إنْ قَالَ لَهُ زَوِّجْ ابْنَتِي قَبْلَ بُلُوغِهَا أَوْ بَعْدَهُ فَيَجُوزُ لِلْوَصِيِّ تَنْفِيذُ مَا أَمَرَهُ بِهِ الْأَبُ فَلِذَلِكَ يَقُصُّ الْمُوَثَّقُونَ فِي عُقُودِ الْإِيصَاءِ أَنَّهُ جَعَلَ لَهُ إنْكَاحَ الْأُنْثَى قَبْلَ الْبُلُوغِ وَبَعْدَهُ جَبْرًا مِنْ غَيْرِ كَشْفٍ وَلَا اسْتِئْمَارٍ اهـ. وَالْمَرْأَةُ الْوَصِيُّ لَيْسَتْ تَعْقِدُ ... إلَّا بِتَقْدِيمِ امْرِئٍ يُعْتَمَدُ إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ وَصِيًّا أَيْ عَلَى أُنْثَى فَلَا يَجُوزُ لَهَا أَنْ تُبَاشِرَ عَقْدَ نِكَاحِهَا لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ الْوَلِيِّ الذُّكُورَةَ وَإِنَّمَا تُقَدِّمُ رَجُلًا يَلِي الْعَقْدَ عَلَى الْمَحْجُورَةِ الْمَذْكُورَةِ وَذِكْرُ الْمَسْأَلَةِ فِي سِيَاقِ الْوَلِيِّ مِنْ جِهَةِ الْمَرْأَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ هُنَا بِالْوَصِيِّ عَلَى أُنْثَى وَأَمَّا الْوَصِيُّ عَلَى ذَكَرٍ فَتَعْقِدُ لَهُ كَمَا يَأْتِي فِي قَوْلِهِ وَالْعَبْدُ وَالْمَرْأَةُ حَيْثُ وُصِّيَا ... وَعَقَدَا عَلَى صَبِيٍّ أُمْضِيَا (فَفِي الْمُقَرِّبِ) قُلْت لَهُ أَيَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَعْقِدَ النِّكَاحَ عَلَى ابْنَتِهَا؟ فَقَالَ: قَالَ مَالِكٌ لَا تَعْقِدُ الْمَرْأَةُ النِّكَاحَ عَلَى ابْنَتِهَا وَلَا عَلَى أَحَدٍ مِنْ النِّسَاءِ إلَّا أَنْ تَكُونَ وَصِيًّا فَيَجُوزُ لَهَا أَنْ تَسْتَخْلِفَ مَنْ يُزَوِّجُهَا وَإِنْ اسْتَخْلَفَتْ أَجْنَبِيًّا جَازَ وَإِنْ كَانَ أَوْلِيَاءُ الِابْنَةِ حُضُورًا (قَالَ ابْنُ يُونُسَ) وَلَمَّا كَانَتْ الْمَرْأَةُ لَا تَعْقِدُ عَلَى نَفْسِهَا كَانَ عَقْدُهَا عَلَى امْرَأَةٍ غَيْرِهَا أَحْرَى أَنْ لَا يَجُوزُ فَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تُنْكِحُ الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ وَلَا الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا» وَيَلْحَقُ بِالْمَرْأَةِ الْوَصِيُّ الْمَرْأَةُ الْمَالِكَةُ تُرِيدُ تَزْوِيجَ أَمَتِهَا وَالْكَافِلَةُ فِي مَكْفُولَتِهَا وَالْمُعْتِقَةُ بِكَسْرِ التَّاءِ فِي مُعْتَقَتِهَا وَالْعَبْدُ الْوَصِيُّ عَلَى أُنْثَى فَلَا بُدَّ مِنْ تَوْكِيلِهِمْ مَنْ يَعْقِدُ عَلَى

الْأُنْثَى. (وَفِي النَّوَادِرِ) إذَا عَقَدَ الْعَبْدُ نِكَاحَ ابْنَتِهِ الْحُرَّةِ أَوْ غَيْرِهَا وَأَجَازَ ذَلِكَ وُلَاتُهَا أَوْ كَانَ بِإِذْنِهِمْ أَوْ عَقَدَ نِكَاحَ أَمَتَهُ وَالْمَرْأَةُ نِكَاحَ ابْنَتَهَا أَوْ ابْنَةِ غَيْرِهَا فَلَا يَجُوزُ وَيُفْسَخُ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَبَعْدَهُ وَإِنْ وَلَدَتْ الْأَوْلَادَ وَطَالَ الزَّمَانُ وَأَجَازَهُ الْأَوْلِيَاءُ أَوْ كَانَ بِإِذْنِهِمْ كَانَ لَهَا خَطْبٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ وَيُفْسَخُ بِطَلْقَةٍ وَلَهَا الْمُسَمَّى إنْ دَخَلَتْ وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ وَصِيَّةً عَلَى الَّتِي عَقَدَتْ عَلَيْهَا أَوْ كَانَ الْعَبْدُ وَصِيًّا (قَالَ مَالِكٌ) الْأَوْلَى لِلْمَرْأَةِ الْوَصِيَّةِ أَنْ تُوَلِّي أَجْنَبِيًّا عَلَى الْعَقْدِ فَيَجُوزُ وَإِنْ كَرِهَ الْأَوْلِيَاءُ وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ الْوَصِيُّ (قَالَ أَصْبَغُ) وَلَا مِيرَاثَ فِيمَا عَقَدَتْهُ الْمَرْأَةُ أَوْ الْعَبْدُ إنْ فُسِخَ بِطَلَاقٍ لِضَعْفِ الِاخْتِلَافِ فِيهِ (قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ) وَكَذَلِكَ عَقْدُ كُلِّ مَنْ فِيهِ بَقِيَّةُ رِقٍّ بِكِتَابَةٍ أَوْ بِعِتْقِ بَعْضِهِ كَعَقْدِ الْعَبْدِ وَأَمَّا الْعَبْدُ يَعْقِدُ عَلَى نَفْسِهِ فَذَلِكَ جَائِزٌ يُرِيدُ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ اهـ وَانْظُرْ قَوْلَهُ إلَّا بِتَقْدِيمِ امْرِئٍ يُعْتَمَدُ حَيْثُ وَصَفَ امْرِئٍ بِجُمْلَةِ يُعْتَمَدُ هَلْ مُرَادُهُ أَنَّهُ لَا يُوَكَّلُ إلَّا مَنْ يُعْتَمَدُ فِي الْوِلَايَةِ بِاجْتِمَاعِ شُرُوطِهَا فِيهِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ. وَالْعَبْدُ وَالْمَحْجُورُ مَهْمَا نَكَحَا ... بِغَيْرِ إذْنٍ فَانْفِسَاخٌ وَضَحَا وَرُبْعُ دِينَارٍ لَهَا بِمَا اسْتَحَلَّ ... مِنْهَا إنْ ابْتَنَى وَذَا بِهِ الْعَمَلْ وَإِنْ يَمُتْ زَوْجٌ فَالْإِرْثُ هَدَرٌ ... وَالْعَكْسُ لِلْحَاجِرِ فِيهِ النَّظَرُ يَعْنِي أَنَّ الْعَبْدَ الْقِنَّ وَكَذَا كُلُّ مَنْ فِيهِ شَائِبَةٌ رِقٍّ مِنْ مُكَاتَبٍ وَغَيْرِهِ إذَا تَزَوَّجَ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ وَالْمَحْجُورِ أَيْ الْبَالِغُ بِدَلِيلِ ذِكْرِهِ لِلصَّبِيِّ بَعْدَ إذَا تَزَوَّجَ بِغَيْرِ إذْنِ وَصِيِّهِ ثُمَّ عَلِمَ الْوَصِيُّ أَوْ السَّيِّدُ بِذَلِكَ فَإِنَّ النِّكَاحَ يُفْسَخُ وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْفَسْحَ مُعْتَبَرٌ مُتَعَيِّنٌ لَا خِيَارَ لِلْحَاجِرِ فِيهِ أَمَّا مَسْأَلَةُ الْعَبْدِ فَفِيهَا قَوْلَانِ الْمَشْهُورُ أَنَّ السَّيِّدَ يُخَيَّرَ بَيْنَ فَسْخِ النِّكَاحِ وَإِمْضَائِهِ (وَقَالَ أَبُو الْفَرَجِ الْقِيَاس الْفَسْخُ لِأَنَّهُ نِكَاحٌ فِيهِ خِيَارٌ وَهُمَا عَلَى الْخِلَافِ فِي الْخِيَارِ الْحُكْمِيِّ هَلْ هُوَ كَالشَّرْطِ أَمْ لَا الْبَاجِيُّ) وَقَوْلُ أَبِي الْفَرَجِ عِنْدِي هُوَ الصَّحِيحُ وَانْظُرْ هَلْ يَتَخَرَّجُ هَذَا الْقَوْلُ فِي السَّفِيهِ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْمَحْجُورِ فَلَمْ يَذْكُرْ فِي التَّوْضِيحِ إلَّا أَنَّ لَهُ الْخِيَارَ إلَّا مَا أَشَارَ إلَيْهِ مِنْ تَخْرِيجِ الْقَوْلِ الَّذِي فِي الْعَبْدِ فِي السَّفِيهِ فَقَوْلُ الشَّيْخِ فَانْفِسَاخٌ وَضَحَا يَعْنِي إنْ شَاءَ أَمْضَى هَذَا فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ مَعًا إلَى أَنَّ فِي الْأُولَى قَوْلًا مَنْصُوصًا بِتَحَتُّمِ الْفَسْخِ فَإِذَا رَدَّ السَّيِّدُ أَوَ الْوَصِيُّ النِّكَاحَ فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْبِنَاءِ فَلَا شَيْءَ لِلزَّوْجَةِ لِلْقَاعِدَةِ أَنَّ الصَّدَاقَ يَسْقُطُ بِالْفَسْخِ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَإِنْ رَدَّهُ بَعْدَ الْبِنَاءِ فَتَرُدُّ الزَّوْجَةُ الصَّدَاقَ وَلَيْسَ لَهَا مِنْهُ إلَّا قَدْرُ مَا يُسْتَحَلُّ بِهِ الْفَرْجُ وَذَلِكَ رُبْعُ دِينَارٍ وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِالْبَيْتِ الثَّانِي. ثُمَّ ذَكَرَ فِي الْبَيْتِ الثَّالِثِ أَنَّهُ إذَا مَاتَ الزَّوْجُ بِقِسْمَيْهِ يَعْنِي الْمَحْجُورَ الْحُرَّ أَوْ الْعَبْدَ قَبْلَ فَسْخِ النِّكَاحِ فَيَتَعَيَّنُ الْفَسْخُ وَيَسْقُطُ الصَّدَاقُ وَلَا إرْثَ لِلزَّوْجَةِ مِنْهُ وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِقَوْلِهِ فَالْإِرْثُ هَدَرٌ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا يُتَوَهَّمُ الْإِرْثُ فِي مَوْتِ الْمَحْجُورِ لَا فِي مَوْتِ الْعَبْدِ لِأَنَّهُ لَا يَرِثُ وَلَا يُوَرَّثُ وَإِذَا مَاتَتْ زَوْجَةُ الْمَحْجُورِ وَهُوَ مُرَادُهُ بِالْعَكْسِ فَيَنْظُرُ حَاجِرُهُ بِالْأَصْلَحِ لَهُ فَإِنْ رَأَى أَنَّهُ يَرِثُ مِنْهَا أَكْثَرَ مِمَّا يُعْطِي مِنْ الصَّدَاقِ فَيُمْضِي النِّكَاحَ وَلَا يَرُدُّهُ وَإِنْ رَأَى أَنَّهُ يَرِثُ أَقَلَّ مِمَّا يُعْطِي مِنْ الصَّدَاقِ فَيَفْسَخُ النِّكَاحَ وَيَرُدُّهُ إذْ لَا مَصْلَحَةَ لِلْمَحْجُورِ فِي إمْضَائِهِ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ عَلَى مَا إذَا مَاتَتْ زَوْجَةُ الْعَبْدِ الَّذِي تَزَوَّجَ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ قَبْلَ أَنْ يَفْسَخَ السَّيِّدُ أَوْ يُمْضِي لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يَرِثُ وَلَا يُوَرَّثُ فَلَا فَائِدَةَ فِي إمْضَائِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (قَالَ فِي الْمُنْتَخَبِ) قَالَ سَحْنُونٌ قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ فَإِنْ تَزَوَّجَ الصَّغِيرُ بِغَيْرِ إذْنِ أَبِيهِ فَأَجَازَهُ الْأَبُ أَيَجُوزُ قَالَ نَعَمْ إذَا كَانَ

عَلَى وَجْهِ النَّظَرِ لَهُ وَإِنْ فَرَّقَ الْوَلِيُّ بَيْنَهُمَا لَمْ يَكُنْ عَلَى الصَّبِيِّ مِنْ الصَّدَاقِ شَيْءٌ وَإِنْ كَانَ مِثْلُهُ يَقْوَى عَلَى الْجِمَاعِ (قَالَ ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ) وَالسَّفِيهُ الْكَبِيرُ بِمَنْزِلَةِ الصَّغِيرِ تَزْوِيجُ أَبِيهِ إيَّاهُ جَائِزٌ عَلَيْهِ رَضِيَ بِذَلِكَ السَّفِيهُ أَوْ سَخِطَهُ وَكَذَلِكَ وَصِيُّ أَبِيهِ وَخَلِيفَةُ السُّلْطَانِ عَلَيْهِ الَّذِي يُوَكِّلُهُ عَلَى النَّظَرِ فِي مَالِهِ وَهُوَ مِنْ أَصْلِ قَوْلِ مَالِكٍ وَفِي سَمَاعِ أَصْبَغَ سُئِلَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ السَّفِيهِ يَنْكِحُ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهِ ثُمَّ مَاتَا أَيَتَوَارَثَانِ قَالَ إنْ مَاتَ هُوَ فَلَا تَرِثُ وَإِنْ مَاتَتْ هِيَ فَالنَّظَرُ لِوَلِيِّهِ إنْ أَرَادَ أَنْ يُثْبِتَ النِّكَاحَ وَيَأْخُذَ الْمِيرَاثَ أَخَذَهُ وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَرُدَّهُ تَرَكَهُ (وَمِنْ الْمُنْتَخَبِ أَيْضًا) قُلْت لَهُ يَعْنِي لِابْنِ الْقَاسِمِ فَلَوْ أَنَّ عَبْدًا تَزَوَّجَ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ فَأَجَازَهُ السَّيِّدُ أَيَجُوزُ قَالَ نَعَمْ قُلْت فَإِنَّ فَسَخَهُ بِالْبَتَاتِ أَيَكُونُ ذَلِكَ لَهُ قَالَ نَعَمْ لِأَنَّهُ لَمَّا نَكَحَ بِغَيْرِ إذْنِ السَّيِّدِ صَارَ الطَّلَاقُ بِيَدِ السَّيِّدِ اهـ. (وَفِي التَّوْضِيحِ) فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ فَلَوْ تَزَوَّجَ الْعَبْدُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ مَا نَصُّهُ بِاخْتِصَارٍ عَلَى الْمَشْهُورِ يُفْسَخُ بِطَلَاقٍ لَصِحَّتِهِ وَعَلَى قَوْلِ أَبِي الْفَرَجِ بِغَيْرِ طَلَاقٍ قَالَهُ اللَّخْمِيُّ وَعَلَى الطَّلَاقِ فَمَحِلُّهُ عِنْدَ مَالِكٍ إنْ لَمْ يَنْوِ عَدَدًا عَلَى وَاحِدَةٍ وَاخْتَلَفَ قَوْلُهُ إذَا طَلَّقَ طَلْقَتَيْنِ فَقَالَ مَرَّةً ذَلِكَ لَهُ وَقَالَ مَرَّةً لَا يَلْزَمَهُ إلَّا وَاحِدَةٌ لِأَنَّ الْوَاحِدَةَ تُبَيِّنُهَا وَهُوَ أَحْسَنُ وَاسْتُحْسِنَ أَنْ تَكُونَ لَهُ الرَّجْعَةُ إنْ عَتَقَ فِي الْعِدَّةِ اهـ وَذَكَرَ ابْنُ يُونُسَ أَنَّ أَكْثَرَ الرُّوَاةِ رَوَوْا لُزُومَ وَاحِدَةٍ فَقَدْ قَالَ غَيْرُهُ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْجُمْهُورِ. اهـ (وَفِي مُخْتَصَرِ الشَّيْخِ خَلِيلٍ) وَلِلسَّيِّدِ رَدُّ نِكَاحِ عَبْدِهِ بِطَلْقَةٍ فَقَطْ بَائِنَةٍ وَعَاقِدٌ عَلَى ابْنِهِ حَالَ الصِّغَرِ ... عَلَى شُرُوطٍ مُقْتَضَاةٍ بِالنَّظَرِ إنْ ابْنُهُ بَعْدَ الْبُلُوغِ دَخَلَا ... مَعَ عِلْمِهِ يَلْزَمُهُ مَا حَمَلَا وَحَيْثُ لَمْ يَبْلُغْ وَإِنْ بَنَى فَمَا ... يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَهَبَهُ عَلِمَا وَالْحَلُّ بِالْفَسْخِ بِلَا طَلَاقِ ... إنْ رَدَّ ذَاكَ وَبِلَا صَدَاقِ يَعْنِي أَنَّ مَنْ عَقَدَ النِّكَاحَ عَلَى ابْنِهِ الصَّغِيرِ عَلَى شُرُوطٍ اقْتَضَى نَظَرُهُ الدُّخُولَ عَلَيْهَا لِمَا رَأَى لَهُ فِي ذَلِكَ النِّكَاحِ مِنْ الْغِبْطَةِ وَالْمَصْلَحَةِ كَطَلَاقِ مَنْ يَتَزَوَّجُ عَلَيْهَا أَوْ عِتْقِ مَنْ يَتَسَرَّى عَلَيْهَا ثُمَّ بَلَغَ الِابْنُ وَدَخَلَ بِالزَّوْجَةِ عَالِمًا بِتِلْكَ الشُّرُوطِ فَإِنَّهَا تَلْزَمُهُ وَأَمَّا قَبْلَ بُلُوغِهِ فَلَا تَلْزَمُهُ دَخَلَ أَوْ لَمْ يَدْخُلْ عَلِمَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ وَكَذَا لَا تَلْزَمُهُ إنْ بَلَغَ وَلَمْ يَدْخُلْ غَيْرَ عَالِمٍ بِالشُّرُوطِ وَحَيْثُ لَمْ يَلْزَمْهُ النِّكَاحُ فِي وَجْهٍ مِنْ هَذِهِ الْوُجُوهِ وَأَرَادَ حِلَّهُ عَنْ نَفْسِهِ فَإِنَّهُ يُفْسَخُ بِلَا طَلَاقٍ وَبِلَا صَدَاقٍ. (قَالَ فِي الْمُنْتَخَبِ) رَوَى ابْنُ مُزَيْنٍ عَنْ أَصْبَغَ أَنَّهُ قَالَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ مَا كَتَبَ الْأَبُ عَلَى ابْنِهِ الصَّغِيرِ عِنْد النِّكَاحِ مِنْ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ فَإِذَا بَلَغَ الِابْنُ وَعَلِمَ بِذَلِكَ وَدَخَلَ بَعْدَ عِلْمِهِ لَزِمَتْهُ الشُّرُوطُ وَإِنْ دَخَلَ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ لَمْ يَلْزَمْهُ مِنْهَا قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ فَإِنْ عَلِمَ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ دَخَلَ عَلَى الشُّرُوطِ وَإِنْ شَاءَ فُسِخَ النِّكَاحُ عَنْهُ وَلَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ وَكَذَلِكَ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَهُوَ رَأْيِي وَاَلَّذِي أَسْتَحْسِنُ اهـ وَنَقَلَ فِي التَّوْضِيحِ فِي الصَّغِيرِ يُزَوِّجُ نَفْسَهُ أَوْ يُزَوِّجُهُ وَلِيُّهُ بِشُرُوطٍ فَبَلَغَ وَكَرِهَهَا قَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا لُزُومُ النِّكَاحِ بِشُرُوطِهِ وَالثَّانِي التَّخْيِيرُ فِي الْفَسْخِ وَالْإِمْضَاءِ قَالَ وَالْقَوْلُ بِاللُّزُومِ لِابْنِ وَهْبٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَبِعَدَمِ اللُّزُومِ لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَعَلَى عَدَمِ اللُّزُومِ فَهَلْ تَسْقُطُ مُطْلَقًا أَيْ وَيَصِحُّ النِّكَاحُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْعَطَّارِ أَوْ يُخَيَّرُ فِي الْتِزَامِهَا وَيَثْبُتُ النِّكَاحُ وَعَدَمُ الْتِزَامِهَا وَيُفْسَخُ النِّكَاحُ وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ. وَإِذَا فُسِخَ فَهَلْ بِطَلَاقٍ الْبَاجِيُّ وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَوْ بِغَيْرِ طَلَاقٍ وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ أَصْبَغَ وَعَلَى الطَّلَاقِ فَهَلْ عَلَيْهِ نِصْفُ الصَّدَاقِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْكِتَابِ أَوْ لَا وَهُوَ قَوْلُهُ فِي الْمَجَالِسِ (بَعْضُ الْمُوَثَّقِينَ) وَعَلَى الْأَوَّلِ الْعَمَلُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ الْعَمَلُ عَلَى الثَّانِي ثُمَّ الْفَسْخُ بِطَلَاقٍ أَوْ بِغَيْرِهِ إنَّمَا هُوَ إذَا تَمَسَّكَتْ الْمَرْأَةُ بِشُرُوطِهَا وَأَمَّا إنْ رَضِيَتْ بِإِسْقَاطِهَا فَلَا وَإِذَا أَسْقَطَتْ فَلَا كَلَامَ لِأَبِيهَا وَلَوْ كَانَتْ مَحْجُورًا عَلَيْهَا وَرَأَى ابْنُ الْعَطَّارِ أَنَّ ذَلِكَ فِي الْحَجْرِ لِلْأَبِ وَلَوْ طَلَّقَ قَبْلَ عِلْمِهِ بِالشُّرُوطِ فَفِي لُزُومِ نِصْفِ الصَّدَاقِ قَوْلَانِ ثُمَّ نَقَلَ عَنْ ابْنِ رَاشِدٍ وَهَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَحْصُلْ الدُّخُولُ وَإِنْ دَخَلَ فَأَمَّا أَنْ يَدْخُلَ بَعْد بُلُوغِهِ أَوْ قَبْلِهِ فَإِنْ

فصل فيمن له الإجبار وما يتعلق به

دَخَلَ بَعْد بُلُوغِهِ لَزِمَتْهُ الشُّرُوطُ إنْ عَلِمَ بِهَا (ابْنُ الْقَاسِمِ) وَإِنْ ادَّعَى أَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ بِهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ وَقَالَ ابْنُ الْعَطَّارِ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ وَتَلْزَمُهُ بِدُخُولِهِ وَأَمَّا إنْ دَخَلَ قَبْلَ الْبُلُوغِ فَذَكَرَ الْمُتَيْطِيّ وَغَيْرُهُ أَنَّ الشُّرُوطَ تَسْقُطُ عَنْهُ وَإِنْ عَلِمَ بِهَا لِأَنَّ الْمَرْأَةَ مَكَّنَتْ مِنْ نَفْسِهَا مَنْ لَا تَلْزَمُهُ الشُّرُوطُ (وَقَالَ ابْنُ بَشِيرٍ) وَلَوْ دَخَلَ الصَّبِيُّ وَقَدْ بَلَغَ عَالِمًا بِالشُّرُوطِ فَهَلْ تَلْزَمُهُ أَوْ لَا قَوْلَانِ وَإِنْ دَخَلَ قَبْلَ الْعِلْمِ فَثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ تَلْزَمُهُ وَلَا تَلْزَمُهُ يُخَيَّرُ الْآنَ اهـ [فَصْلٌ فِيمَنْ لَهُ الْإِجْبَارُ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ] ِ ثُيُوبَةُ النِّكَاحِ وَالْمِلْكِ مَعًا ... لِلْأَبِ الْإِجْبَارُ بِهَا قَدْ مُنِعَا كَمَا لَهُ ذَلِكَ فِي صِغَارِ ... بَنَاتِهِ وَبَالِغِ الْإِبْكَارِ وَيُسْتَحَبُّ إذْنُهَا وَالسَّيِّدُ ... بِالْجَبْرِ مُطْلَقًا لَهُ تَفَرُّدُ تَرْجَمَ لِمَنْ لَهُ الْإِجْبَارُ عَلَى النِّكَاحِ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْأَبَ مِمَّنْ يُجْبِرُ وَلَمَّا كَانَ لَا يُجْبِرُ فِي الْقَلِيلِ مِنْ الصُّوَرِ قُدِّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ لِيَتَفَرَّغَ لِصُوَرِ الْجَبْرِ فَأَخْبَرَ أَنَّ الْأَبَ يَمْتَنِعُ إجْبَارُهُ فِي صُورَتَيْنِ: (إحْدَاهُمَا) الثَّيِّبُ بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ أَوْ فَاسِدٍ كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ بَعْدُ فِي قَوْلِهِ وَكَالصَّحِيحِ مَا بِعَقْدٍ فَاسِدٍ مَعَ كَوْنِهَا حُرَّةً بَالِغَةً فَلَا جَبْرَ لِلْأَبِ عَلَيْهَا (الثَّانِيَةُ) الْأَمَةُ الْبَالِغَةُ الثَّيِّبُ بِوَطْءِ السَّيِّدِ إذَا أُعْتِقَتْ وَلَهَا أَب حُرٌّ فَلَا يُجْبِرُهَا أَيْضًا وَعَلَى هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ نَبَّهَ بِالْبَيْتِ الْأَوَّلِ فَقَوْلُهُ وَالْمِلْكِ بِالْخَفْضِ عَطْفٌ عَلَى النِّكَاحِ مَدْخُولٌ لِثُيُوبَةِ وَضَمِيرُ بِهَا لِلثُّيُوبَةِ وَالْبَاءُ سَبَبِيَّةٌ أَوْ بِمَعْنَى مَعَ وَبِذِكْرِ الثَّانِيَةِ بَعْدَ الْأُولَى يَظْهَرُ أَنَّهُ قَلِيلُ الْجَدْوَى وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرْفَعَ بِالْعَطْفِ عَلَى ثُيُوبَةٍ وَالْمَعْنَى أَنَّ الْمِلْكَ يَمْنَعُ الْأَبَ مِنْ الْإِجْبَارِ ثَيِّبًا كَانَتْ أَوْ بِكْرًا فَالْحُرُّ الَّذِي لَهُ بِنْتٌ مَمْلُوكَةٌ لَا جَبْرَ لَهُ عَلَيْهَا وَإِنَّمَا يُجْبِرُهَا سَيِّدُهَا كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ فِي قَوْلِهِ وَالسَّيِّدُ بِالْجَبْرِ مُطْلَقًا لَهُ تَفَرُّدُ وَضَمِيرُ بِهَا عَلَى هَذَا الِاحْتِمَالِ يَعُود عَلَى الثُّيُوبَةِ وَالْمِلْكِ بِتَأْوِيلِهِمَا مَعًا بِالصِّفَةِ. وَقَوْلُهُ كَمَا لَهُ ذَلِكَ فِي صِغَارِ بَنَاتِهِ الْإِشَارَةُ لِلْإِجْبَارِ يَعْنِي أَنَّ لِلْأَبِ أَنْ يُجْبِرَ بِنْتَه الصَّغِيرَةَ الَّتِي لَمْ تَبْلُغْ يَعْنِي سَوَاءٌ كَانَتْ بِكْرًا وَلَا إشْكَالَ أَوْ ثَيِّبًا بِأَيِّ شَيْءٍ كَانَتْ ثُيُوبَتُهَا وَقَوْلُهُ وَبَالِغِ الْإِبْكَارِ أَيْ وَكَذَلِكَ لِلْأَبِ جَبْرُ ابْنَتِهِ الْبِكْرِ الْبَالِغِ ثُمَّ أَخْبَرَ فِي الْبَيْتِ الثَّالِثِ أَنَّ الْأَبَ وَإِنْ كَانَ يُجْبِرُ الْبِكْرَ الْبَالِغَ فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ إذْنُهَا ثُمَّ أَخْبَرَ أَنَّ السَّيِّدَ أَيْ الْمَالِكَ انْفَرَدَ بِوَصْفٍ عَنْ سَائِرِ الْأَوْلِيَاءِ وَهُوَ

الْجَبْرُ لِمَمْلُوكِهِ مُطْلَقًا أَيْ يُجْبِر الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى بَالِغَيْنِ أَوْ غَيْرَ بَالِغَيْنِ بِكْرًا كَانَتْ الْأُنْثَى أَوْ ثَيِّبًا وَهَذَا مُرَادُهُ بِالْإِطْلَاقِ (وَفِي طُرَرِ ابْنِ عَاتٍ) الثُّيُوبَةُ الَّتِي تُسْقِطُ الْإِجْبَارَ عَلَى النِّكَاحِ مَا كَانَتْ عَنْ نِكَاحٍ صَحِيحٍ أَوْ فَاسِدٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ أَوْ مُجْمَعٍ عَلَى فَسَادِهِ أَوْ عَلَى وَجْهِ الْمِلْكِ كَانَ ذَلِكَ الْمِلْكُ بِوَجْهٍ صَحِيحٍ أَوْ فَاسِدٍ. (وَفِي مُعِينِ الْحُكَّامِ لِابْنِ عَبْدِ الرَّفِيعِ) الثَّيِّبُ الصَّغِيرَةُ إذَا رَجَعَتْ لِلْأَبِ قَبْلَ الْبُلُوغِ فَلَهُ إجْبَارُهَا عَلَى النِّكَاحِ وَيُزَوِّجُهَا كَمَا يُزَوِّجُ الْبِكْرَ (وَفِي الْمُدَوَّنَةِ) قَالَ سَحْنُونٌ قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ أَيَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يُجْبِرَ ابْنَتَهُ الْبِكْرَ عَلَى النِّكَاحِ وَلَا يَسْتَأْمِرُهَا قَالَ نَعَمْ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ كَانَتْ بَالِغًا أَوْ غَيْرَ بَالِغٍ (ابْنُ الْحَاجِبِ) وَالْأَبُ يُجْبِرُ الصَّغِيرَةَ التَّوْضِيحُ ظَاهِرُهُ بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا وَلَا خِلَافَ فِي الْبِكْرِ وَأَمَّا الثَّيِّبُ الصَّغِيرَةُ فَفِيهَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ الْجَبْرُ وَعَدَمُهُ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ يُجْبِرُهَا إنْ كَانَ زَوَّجَهَا ثَانِيًا قَبْلَ الْبُلُوغِ وَلَا يُجْبِرُهَا بَعْدَهُ لِأَنَّهَا صَارَتْ ثَيِّبًا بَالِغًا ثُمَّ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَالْبَالِغُ الْبِكْرُ بِغَيْرِ إذْنٍ وَقِيلَ يُسْتَحَبُّ اسْتِئْذَانُهَا اهـ وَفِي الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ وَغَيْرِهَا اسْتِحْبَابُ مُشَاوَرَةِ الْأَبِ ابْنَتَهُ الْبِكْرَ فِي النِّكَاحِ وَيَظْهَرُ مِنْ إطْلَاقِ الشَّيْخِ الْقَوْلَ بِالْجَبْرِ فِي بَالِغِ الْأَبْكَارِ أَنَّهَا وَإِنْ عَنَّسَتْ أَيْ طَالَتْ إقَامَتُهَا قَبْلَ التَّزْوِيجِ فَإِنَّ لَهُ جَبْرَهَا وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى مَا رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ. (وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ) الْمَالِكُ وَإِنْ تَعَدَّدَ يُجْبِرُ عَبْدَهُ وَأَمَتَهُ (وَفِي الْجَوَاهِرِ) لِلسَّيِّدِ إجْبَارُ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ وَلَا يُجْبَرُ هُوَ لَهُمَا (ابْنُ الْحَاجِبِ) وَتُوَكِّلُ الْمَالِكَةُ فِي أَمَتِهَا وَلِيَّهَا أَوْ غَيْرَهُ وَيُوَكِّلُ الْمُكَاتَبُ فِي أَمَتِهِ وَإِنْ كَرِهَ سَيِّدُهُ بِشَرْطِ ابْتِغَاءِ الْفَضْلِ الْوَصِيَّ وَيُزَوِّجُ رَقِيقَ الْمُوصَى عَلَيْهِ فِي الْمَصْلَحَةِ وَمَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ لَا يُجْبِرُ وَلَكِنَّهُ كَمَالِكِ الْجَمِيعِ فِي الْوِلَايَةِ وَالرَّدِّ وَمَنْ فِيهِ عَقْدُ حُرِّيَّةٍ ثَالِثُهَا يُجْبَرُ الذَّكَرُ وَرَابِعُهَا يُجْبَرُ مَنْ لَهُ انْتِزَاعُ مَالِهِ اهـ. فَقَوْلُهُ وَلَكِنَّهُ أَيْ مَالِك الْبَعْضِ كَمَالِكِ الْجَمِيعِ فِي الْوِلَايَة عَلَى الْأَمَةِ وَفِي رَدِّ نِكَاحِ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ إنْ تَزَوَّجَا بِغَيْرِ إذْنِ السَّيِّدِ اهـ. وَالْأَبُ إنْ زَوَّجَهَا مِنْ عَبْدِ ... فَهُوَ مَتَى أَجْبَرَ ذُو تَعَدِّ يَعْنِي أَنَّ الْأَبَ وَإِنْ كَانَ لَهُ جَبْرُ ابْنَتِهِ الْبِكْرِ فَإِنَّمَا لَهُ ذَلِكَ فِيمَا لَا ضَرَرَ فِيهِ وَلَا مَعَرَّةَ أَمَّا مَا فِيهِ ذَلِكَ فَلَا يُجْبِرُهَا عَلَيْهِ فَإِنْ جَبَرَهَا فَهُوَ مُتَعَدٍّ وَلَا عِبْرَةَ بِجَبْرِهِ (قَالَ فِي الْمُفِيدِ) وَأَمَّا تَزْوِيجُهَا يَعْنِي الْبِكْرَ مِنْ الْعَبْدَ فَيَمْتَنِعُ عَلَى كُلِّ حَالٍ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ نَقْصًا وَمَعَرَّةً (قَالَ ابْنُ عَبْدِ الرَّفِيعِ فِي مُعِينِهِ) لَيْسَ لِلْأَبِ أَنْ يُزَوِّجَ ابْنَتَهُ مِنْ عَبْدٍ لِمَا يَلْحَقُهَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْمَعَرَّةِ وَقَالَ سَحْنُونٌ فِي السُّلَيْمَانِيَّة إذَا أَرَادَ الْأَبُ أَنْ يُزَوِّجَ ابْنَتَهُ الْبِكْرَ مَجْنُونًا أَوْ مَجْذُومًا أَوْ أَبْرَصَ أَوْ أَسْوَدَ وَمَنْ لَيْسَ بِكُفْءٍ. وَأَبَتْ الِابْنَةُ ذَلِكَ كَانَ لِلسُّلْطَانِ مَنْعُهُ لِأَنَّ ذَلِكَ ضَرَرٌ اهـ وَلَوْ أَدْخَلَ كَافًا عَلَى عَبْدٍ لِيَدْخُلَ غَيْرُهُ مِمَّنْ ذُكِرَ لَكَانَ أَحْسَنَ (فَرْعٌ) قَالَ فِي الْمُفِيدِ إثْرَ مَا تَقَدَّمَ عَنْهُ مِنْ مَنْعِ الْأَبِ إنْكَاحَ ابْنَتِهِ مِنْ عَبْدٍ فَإِنْ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ الْأَبُ وَالِابْنَةُ وَهِيَ رَشِيدَةٌ وَلَا عَصَبَةَ لَهَا زُوِّجَتْ مِنْهُ وَإِنْ كَانَتْ بِكْرًا أَوْ ثَيِّبًا سَفِيهَةً وَلَهَا عَصَبَةٌ قَرِيبَةٌ مُنِعَتْ وَلِلْعَصَبَةِ مَنْعُهَا مِنْ ذَلِكَ اهـ. وَكَالْأَبِ الْوَصِيُّ فِيمَا جَعَلَا ... أَبٌ لَهُ مُسَوَّغٌ مَا فَعَلَا يَعْنِي أَنَّ الْوَصِيَّ كَالْأَبِ فِيمَا جَعَلَ لَهُ الْأَبُ مِنْ إنْكَاحِ بَنَاتِهِ جَبْرًا قَبْلَ الْبُلُوغِ وَبَعْدَهُ مِنْ غَيْرِ كَشْفٍ وَلَا اسْتِئْمَارٍ فَإِذَا جَعَلَ لَهُ ذَلِكَ تَنَزَّلَ مَنْزِلَتَهُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ (قَالَ فِي النَّوَادِرِ) قَالَ أَصْبَغُ وَإِذَا قَالَ الْأَبُ لِلْوَصِيِّ زَوِّجْ ابْنَتِي مِنْ فُلَانٍ بَعْدَ عَشْرِ سِنِينَ أَوْ أَنْ تَبْلُغَ فَذَلِكَ لِفُلَانٍ إذَا بَذَلَ صَدَاقَ الْمِثْلِ وَلَيْسَ لَهَا وَلَا لِلْوَصِيِّ أَنْ يَأْبَيَا ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَحْدُثَ لِفُلَانٍ فِسْقٌ أَوْ تَلَصُّصٌ قَالَ فِي الْوَاضِحَةِ أَوْ سَقَمٌ بَيِّنٌ

فَتَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ سَوَاءٌ أَحَبَّتْ أَوْ كَرِهَتْ وَإِنْ لَمْ يَحْدُثْ مِنْهُ أَنَّهُ تَزَوَّجَ وَكَانَ خُلُوًّا أَوْ اتَّخَذَ السَّرَارِي فَلَا حُجَّةَ لَهَا بِذَلِكَ (قَالَ مَالِكٌ) وَإِذَا أَوْصَى الْأَبُ بِتَزْوِيجِ الْبِكْرِ بَعْدَ مَوْتِهِ لَزِمَهَا مَا أَوْصَى بِهِ وَإِنْ كَرِهَتْ وَبَلَغَتْ (قَالَ الشَّارِحُ) مِنْ إطْلَاقِ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ وَأَمْثَالِهَا أَخَذَ أَهْلُ كُتُبِ الْأَحْكَامِ جَعْلَ الْإِجْبَارِ لِلْوَصِيِّ وَأَنَّ النَّصَّ عَلَيْهِ يَرْفَعُ حُكْمَ اخْتِلَافٍ إنْ وُجِدَ فِيهِ. اهـ (وَفِي مُخْتَصَرِ الشَّيْخِ خَلِيلٍ) وَجَبَرَ وَصِيٌّ أَمَرَهُ أَبٌ بِهِ أَوْ عَيَّنَ الزَّوْجَ وَإِلَّا فَخِلَافٌ (فَرْعٌ) قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَلِلْوَصِيِّ أَنْ يُزَوِّجَ الْبِكْرَ الْبَالِغَ بِرِضَاهَا وَإِنْ كَرِهَ الْوَلِيُّ وَلَوْ رَضِيَتْ هِيَ وَوَلِيُّهَا بِرَجُلٍ وَعَقَدَا لَهُ لَمْ يَجُزْ إلَّا بِرِضَا الْوَصِيِّ وَإِنْ اخْتَلَفُوا نَظَرَ السُّلْطَانُ (وَقَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ) الْوَصِيُّ أَوْلَى مِنْ الْوَلِيِّ وَيُشَاوَرُ الْوَلِيُّ وَيُزَوِّجُ الْوَلِيُّ الثَّيِّبَ بِرِضَاهَا وَإِنْ كَرِهَ الْوَصِيُّ وَإِنْ زَوَّجَهَا الْوَصِيُّ أَيْضًا بِرِضَاهَا جَاز وَإِنْ كَرِهَ الْوَلِيُّ وَلَيْسَ كَالْأَجْنَبِيِّ فِيهَا وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُزَوِّجَ الطِّفْلَةَ قَبْلَ بُلُوغِهَا مِنْ قَاضٍ أَوْ وَصِيٍّ إلَّا الْأَبُ وَحْدَهُ اهـ مِنْ التَّوْضِيحِ وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْوَصِيَّ فِي الْبِكْرِ مُقَدَّمٌ عَلَى الْوَلِيِّ وَأَمَّا فِي الثَّيِّبِ فَهُمَا سَوَاءٌ وَحَيْثُمَا زَوَّجَ بِكْرًا غَيْرُ أَبْ ... فَمَعْ بُلُوغٍ بَعْدَ إثْبَاتِ السَّبَبْ وَحَيْثُمَا الْعَقْدُ لِقَاضٍ وُلِّيَ ... فَمَعْ كُفْءٍ بِصَدَاقِ الْمِثْلِ يَعْنِي أَنَّ الْبِكْرَ إذَا زَوَّجَهَا غَيْرُ الْأَبِ كَأَخِيهَا وَعَمِّهَا وَنَحْوِهِمَا كَالْوَصِيِّ إذَا لَمْ يَجْعَلْ لَهُ الْأَبُ الْإِجْبَارَ عَلَيْهَا عَلَى أَحَدِ قَوْلَيْنِ مَشْهُورَيْنِ فَلَا يُزَوِّجُونَهَا إلَّا إذَا بَلَغَتْ وَثَبَتَ سَبَبُ تَزْوِيجِهِمْ لَهَا مِنْ كَوْنِهَا لَا أَب لَهَا أَوْ لَهَا أَبٌ مَفْقُودٌ أَوْ أَسِيرٌ فِي بَلَدٍ لِلْعَدُوِّ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَسْبَابِ الَّتِي تُذْكَرُ أَمَّا اشْتِرَاطُ الْبُلُوغِ فَلِأَنَّهَا لَا يُزَوِّجُهَا غَيْرُ الْأَبِ إلَّا بِرِضَاهَا وَلَا عِبْرَةَ بِرِضَا غَيْرِ الْبَالِغِ وَأَمَّا ثُبُوتُ السَّبَبِ فَإِنَّ ذَاتَ الْأَبِ إذَا زَوَّجَهَا غَيْرُهُ يُفْسَخُ نِكَاحُهَا إلَّا لِسَبَبٍ كَمَا يُذْكَرُ قَرِيبًا وَلَا يَشْمَلُ قَوْلُهُ غَيْرَ الْأَبِ الْوَصِيَّ الَّذِي جَعَلَ لَهُ الْأَبُ الْإِجْبَارَ قَبْلَ الْبُلُوغِ وَبَعْدَهُ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْأَبِ سَوَاءٌ وَلَا يَتَوَقَّفُ إنْكَاحُهُ إيَّاهَا إلَّا عَلَى ثُبُوتِ كَوْنِهِ وَصِيًّا مِنْ قِبَلِ الْأَبِ فَلِذَلِكَ يُنْسَخُ رَسْمُ الْإِيصَاءِ أَعْلَى الصَّدَاقِ وَالصَّدَاقُ أَسْفَلُ وَهَذَا أَوْلَى وَبَعْضُهُمْ يَخْتَصِرُ وَيَقُولُ الْمُوَثِّقُ فِي رَسْمِ الصَّدَاقِ أَنْكَحَهُ إيَّاهَا الْوَصِيُّ عَلَيْهَا مِنْ قِبَلِ أَبِيهَا وَهُوَ فُلَانٌ حَسْبَمَا ذَلِكَ فِي عِلْمِ شَهِيدَيْهِ أَوْ بِشَهَادَةِ شَهِيدَيْهِ وَكَذَلِكَ إذَا عَقَدَ الْقَاضِي نِكَاحَ بِكْرٍ لِكَوْنِهَا لَا وَلِيَّ لَهَا مِنْ النَّسَبِ وَلَا وَصِيَّ عَلَيْهَا وَلَا كَافِلَ أَوْ غَابَ أَبُوهَا غِيبَةً بَعِيدَةً كَإِفْرِيقِيَّةَ مِنْ مِصْرَ فَلَا تُزَوَّجُ أَيْضًا إلَّا بَعْدَ الْبُلُوغِ وَثُبُوتِ النَّسَبِ الَّذِي مِنْ جُمْلَتِهِ كَفَاءَةُ الزَّوْجِ لَهَا وَكَوْنُ مَا بَذَلَ لَهَا هُوَ صَدَاقَ مِثْلِهَا مِنْ مِثْلِهِ وَشَمَلَ قَوْلُهُ غَيْرَ الْأَبِ الْقَاضِي وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ وَإِنْ كَانَ مِنْ عَطْفِ خَاصٍّ عَلَى عَامٍّ لِرَفْعِ تَوَهُّمِ قُصُورِ الْحُكْمِ عَلَى وَلِيِّ النَّسَبِ وَالْوَصِيِّ وَصَرَّحَ بِأَنَّ الْقَاضِيَ كَذَلِكَ وَلَمْ يُصَرِّحْ النَّاظِمُ بِاشْتِرَاطِ الْبُلُوغِ فِي إنْكَاحِ الْقَاضِي وَلَا بُدَّ مِنْهُ بَلْ هُوَ أَحْرَى بِالنِّسْبَةِ لِوَلِيِّ النَّسَبِ وَيَأْتِي التَّصْرِيحُ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (قَالَ فِي النَّوَادِرِ) قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَإِذَا رَفَعَتْ امْرَأَةٌ إلَى الْإِمَامِ أَمْرَهَا بِالتَّنَاكُحِ كَشَفَ عَنْهَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلِيٌّ زَوَّجَهَا بِرِضَاهَا إذَا دَعَتْ إلَى كُفْءٍ فِي الْحَالِ وَالْمَالِ وَالْقَدْرِ (وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ) لَا يَجُوزُ لِلْوَلِيِّ وَلَا لِلسُّلْطَانِ وَلَا لِأَحَدٍ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ أَنْ يُزَوِّجَهَا بِأَقَلَّ مِنْ صَدَاقِ مِثْلِهَا (وَفِي الْمُتَيْطِيَّةِ) وَإِنْ كَانَتْ الزَّوْجَةُ بِكْرًا فَيَنْبَغِي أَنْ يَثْبُتَ عِنْدَهُ بِالْعُدُولِ أَنَّهَا يَتِيمَةٌ بِكْرٌ بَالِغٌ فِي سِنِّهَا خُلُوٌّ مِنْ زَوْجٍ وَفِي غَيْرِ عِدَّةٍ مِنْهُ، وَأَنْ لَا وَلِيَّ لَهَا يَعْقِدُ نِكَاحَهَا فِي عِلْمِهِمْ وَأَنَّ الزَّوْجَ كُفْءٌ لَهَا فِي حَالِهِ وَمَالِهِ وَأَنَّ الَّذِي بَذَلَ لَهَا مِنْ الْمَهْرِ مَهْرُ مِثْلِهَا اهـ وَقَدْ اشْتَمَلَ كَلَامُ النَّوَادِرِ وَمَا بَعْدُهُ عَلَى عَشَرَةِ أَسْبَابٍ أَنْ لَا يَكُونَ لَهَا وَلِيٌّ وَرِضَاهَا بِالزَّوْجِ وَبِالصَّدَاقِ وَالزَّوْجُ كُفْءٌ لَهَا وَأَنَّ مَا بَذَلَ لَهَا مِنْ الصَّدَاقِ هُوَ صَدَاقُ مِثْلِهَا وَأَنَّهَا يَتِيمَةٌ بِكْرٌ بَالِغٌ خُلُوٌّ مِنْ زَوْجٍ وَفِي غَيْرٍ عِدَّةٍ وَزَادَ الْجُزُولِيُّ كَوْنَهَا صَحِيحَةً بَالِغَةً غَيْرَ مُحْرِمَةٍ وَلَا مُحَرَّمَةٍ عَلَى الزَّوْجِ وَأَنَّهَا حُرَّةٌ. (قَالَ الْحَطَّابُ) فَإِنْ زَوَّجَهَا الْقَاضِي مِنْ غَيْرِ إثْبَاتِ مَا ذُكِرَ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُفْسَخُ حَتَّى يَثْبُتَ مَا يُوجِبُ فَسْخَهُ قَالَ وَلَمْ أَرَ فِي ذَلِكَ نَصًّا انْتَهَى وَتَأْذَنُ الثَّيِّبُ بِالْإِفْصَاحِ ... وَالصَّمْتُ إذْنُ الْبِكْرِ فِي النِّكَاحِ وَاسْتُنْطِقَتْ لِزَائِدٍ فِي الْعَقْدِ ... كَقَبْضِ عَرْضٍ وَكَزَوْجٍ عَبْدٍ

تَقَدَّمَ أَنَّ الثَّيِّبَ الْبَالِغَ الْحُرَّةَ لَا تُجْبَرُ وَإِنَّمَا تُزَوَّجُ بِإِذْنِهَا وَرِضَاهَا وَكَذَلِكَ الْبِكْرُ غَيْرُ ذَاتِ الْأَبِ وَغَيْرُ ذَاتِ الْوَصِيِّ الَّذِي جَعَلَ لَهُ الْإِجْبَارَ لَا تُجْبَرُ أَيْضًا وَأَفَادَ النَّاظِمُ هُنَا أَمْرًا زَائِدًا عَلَى مُطْلَقِ الْإِذْنِ وَالرِّضَا وَهُوَ أَنَّ إذْنَ الثَّيِّبِ يَكُونُ بِالنُّطْقِ وَالْإِفْصَاحِ عَنْ الرِّضَا وَلَا يَكْفِي فِيهَا الصَّمْتُ وَأَنَّ إذْنَ الْبِكْرِ صَمْتُهَا فَإِنْ نَطَقَتْ فَأَوْلَى وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِالْبَيْتِ الْأَوَّلِ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْبِكْرُ تُسْتَأْمَرُ فَإِذْنُهَا صُمَاتُهَا وَالثَّيِّبُ تُعْرِبُ عَنْ نَفْسِهَا» ثُمَّ ذَكَرَ فِي الثَّانِي أَنَّ الْبِكْرَ تُسْتَنْطَقُ أَيْ يُطْلَبُ نُطْقُهَا فِي مَسَائِلَ وَكَأَنَّهَا فِي مَعْرِضِ الِاسْتِثْنَاءِ عَنْ قَوْلِهِ وَالصَّمْتُ إذْنُ الْبِكْرِ فِي النِّكَاحِ (قَالَ الشَّارِحُ) وَوَجْهُ ذَلِكَ ظَاهِرٌ فَإِنَّ مُطْلَقَ النِّكَاحِ الْجَارِي عَلَى صَرِيحِ الْعَادَةِ هُوَ الَّذِي اكْتَفَى فِيهِ الشَّارِحُ بِصَمْتِ الْبِكْرِ دَلِيلًا عَلَى رِضَاهَا الْمُلْزِمِ لَهَا حُكْمَ انْعِقَادِهِ عَلَيْهَا وَأَمَّا مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ مِنْ حُكْمِ الْمُعَاوَضَةِ فِي الصَّدَاقِ لِكَوْنِهِ عَرْضًا عِوَضًا عَنْ الْمُعْتَادِ مِنْ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ أَوْ مِنْ كَوْنِ الزَّوْجِ عَبْدًا أَوْ مِنْ كَذَا فَلَيْسَ ذَلِكَ بِمَحِلٍّ يُكْتَفَى فِيهِ بِالصَّمْتِ دَلِيلًا عَلَى الرِّضَا فَيُرْجَعُ فِي ذَلِكَ إلَى الْأَصْلِ الَّذِي هُوَ الْكَلَامُ الْمُعْرِبُ عَمَّا يَنْطَوِي عَلَيْهِ الضَّمِيرُ (قَالَ فِي الْمَنْهَجِ السَّالِكِ) وَالْمُسْتَأْذِنَات فِي النِّكَاحِ عَلَى قِسْمَيْنِ أَبْكَارٌ وَثَيِّبَاتٌ فَإِذْنُ الْبِكْرِ يَكُونُ بِالصَّمْتِ وَيَكُونُ بِالْقَوْلِ وَإِذْنُ الثَّيِّبِ لَا يَكُونُ إلَّا بِالْقَوْلِ وَقَدْ اسْتَقْصَى الْإِمَامُ الْقَاضِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمُقْرِي كُلَّ مَنْ يَلْزَمُهَا الْكَلَامُ مِنْ الْأَبْكَارِ فَقَالَ فِي كُلِّيَّاتِهِ الْفِقْهِيَّةِ كُلُّ بِكْرٍ تُسْتَأْمَرُ فَإِذْنُهَا صُمَاتُهَا إلَّا الْمُرْشِدَةَ وَالْمُعَنِّسَةَ وَالْمُصَدَّقَةَ عَرْضًا وَالْمُعَلَّمَةَ بَعْدَ الْعَقْدِ بِالْقُرْبِ وَالْمُزَوَّجَةَ مِمَّنْ فِيهِ رِقٌّ أَوْ عَيْبٌ وَالصَّغِيرَةَ الْمُنْكَحَةَ لِلْخَوْفِ بَعْدَ الْعَشْرِ وَمُطَالِعَةَ الْحَاكِمِ وَالْمُشْتَكِيَةَ بِالْعَضْلِ اهـ. (وَلِابْنِ الْقَاسِمِ الْجَزِيرِيِّ) أَنَّ الْمُرْشِدَة يُكْتَفَى فِي إذْنِهَا بِالصَّمْتِ وَأَنْ لَا إذْن إلَّا لِلْبَالِغَةِ اهـ وَفِي التَّوْضِيحِ فِي عَدَّ هَذِهِ النَّظَائِرَ الثَّانِيَةُ وَالْمُرْشِدَةُ ذَات الْأَبِ كَذَا فِي نُسْخَةٍ مِنْهُ وَفِي الْأُخْرَى كَانَ لَهَا أَب أَمْ لَا اهـ وَالْمُعَنِّسَةُ هِيَ الَّتِي طَالَتْ إقَامَتُهَا بِبَيْتِ أَبِيهَا حَتَّى عَرَفَتْ مَصَالِحَهَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَسِنُّهَا أَرْبَعُونَ وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ ثَلَاثُونَ وَالْمُرَادُ بِالْمُعَنِّسَةِ الْيَتِيمَةُ وَأَمَّا ذَاتُ الْأَبِ فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْأَبَ يُجْبِرُهَا فَلَا يَحْتَاجُ إلَى إذْنِهَا وَقَيَّدَ فِي التَّوْضِيحِ الْمُصَدَّقَةَ عَرْضًا بِالْيَتِيمَةِ الَّتِي

لَا وَصِيَّ لَهَا وَالْمُعْلَمَةُ بَعْدَ الْعَقْدِ بِالْقُرْبِ هِيَ الَّتِي عَقَدَ عَلَيْهَا وَلِيُّهَا قَبْلَ أَنْ تَأْذَنَ لَهُ، ثُمَّ بَلَغَهَا ذَلِكَ وَرَضِيَتْ بِالْقُرْبِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ أَنَّهَا يَتِيمَةٌ أَيْضًا إذَا لَوْ كَانَتْ ذَاتَ أَبٍ لَمْ يَحْتَجْ لِإِذْنِهَا، وَكَذَا الْمُزَوَّجَةُ لِذِي رِقٍّ أَوْ عَيْبٍ يَتِيمَةٌ أَيْضًا. وَالْحَاصِلُ أَنَّ هَذِهِ السَّبْعَ كُلَّهَا فِي الْيَتِيمَةِ إلَّا الْمُرْشِدَةَ وَاَلَّتِي عَضَلهَا الْوَلِيُّ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ يَتِيمَةً أَوْ ذَاتَ أَبٍ. (قَالَ الشَّيْخُ ابْنُ غَازِيٍّ فِي شِفَاءِ الْغَلِيلِ) وَقَدْ اسْتَوْفَيْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهِنَّ فِي تَكْمِيلِ التَّقْيِيدِ وَتَحْلِيلِ التَّعْقِيدِ وَنَظَمْنَاهُ فِي رَجَزٍ وَهُوَ سَبْعٌ مِنْ الْأَبْكَارِ بِالنُّطْقِ خَلِيق ... مَنْ زُوِّجَتْ ذَا عَاهَةٍ أَوْ مِنْ رَقِيق أَوْ صَغُرَتْ أَوْ عَنَسَتْ أَوْ أُسْنِدَتْ ... مَعْرِفَةُ الْعَرْضِ لَهَا أَوْ رَشَدَتْ أَوْ رَفَعَتْ لِحَاكِمٍ عَضْلَ الْوَلِيِّ ... أَوْ رَضِيَتْ مَا بِالتَّعَدِّي قَدْ وَلِي اهـ. قَالَ مُقَيِّدُ هَذَا الشَّرْحِ عَفَا اللَّه عَنْهُ وَقَدْ ذَيَّلْتهَا بِبَيْتٍ وَهُوَ وَكُلُّهُنَّ ذَاتُ يُتْمٍ مَا سِوَى ... مَنْ رَشَدَتْ أَوْ عُضِلَتْ فَهِيَ سَوَا أَيْ فَهِيَ مِمَّنْ يَنْطِقُ سَوَاءٌ كَانَتْ يَتِيمَةً أَوْ ذَاتَ أَبٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ ذَكَرَ الشَّيْخُ خَلِيلٍ هَذِهِ النَّظَائِرَ وَأَسْقَطَ مِنْهَا الْمُعَنَّسَةَ فَقَالَ وَالثَّيِّبُ تُعْرِبُ كَبِكْرٍ رُشِّدَتْ أَوْ عُضِلَتْ أَوْ زُوِّجَتْ بِعَرْضٍ أَوْ بِرِقٍّ أَوْ عَيْبٍ أَوْ يَتِيمَةٍ أَوْ اُفْتِيتَ عَلَيْهَا (فَرْعَانِ الْأَوَّلُ) قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ فَإِنْ قَالَتْ مَا عَلِمْت أَنَّ الصَّمْتَ إذْنٌ لَمْ يُقْبَلْ عَلَى الْأَصَحِّ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ لِأَنَّهُ مُشْتَهِرٌ وَلَعَلَّ مُقَابِل الْأَصَحّ مَبْنِيٌّ عَلَى وُجُوبِ إعْلَامِهَا وَإِلَّا فَلَوْ كَانَ اسْتِئْذَانُهَا مُسْتَحَبًّا بِلَا خِلَافٍ لَمَا صَحَّ أَنْ تُعْذَرَ بِالْجَهْلِ وَاخْتَارَ عَبْدُ الْحَمِيدِ أَنْ يُنْظَرَ إلَى أَمْرِ هَذِهِ الصَّبِيَّةِ فَإِنْ عَلِمَ مِنْهَا الْبَلَهَ وَقِلَّةَ الْمَعْرِفَةِ قُبِلَ وَإِلَّا، فَلَا (فَائِدَةٌ) مَسَائِلُ لَا يُعْذَرُ فِيهَا بِالْجَهْلِ مِنْهَا هَذِهِ، ثُمَّ عَدَّ مِنْهَا نَحْوَ الْأَرْبَعِينَ مَسْأَلَةً وَقَدْ نَظَمَهَا الشَّارِحُ بَهْرَامُ فِي الْكَبِيرِ وَنَظَمَهَا غَيْرُهُ كَسَيِّدِي عَلِيٍّ الزَّقَّاقِ فِي الْمَنْهَجِ الْمُنْتَخَبِ حَيْثُ قَالَ هَلْ يُعْذَرُ ذُو الْجَهْلِ أَوْ لَا وَاَلَّذِي قَدْ حُقِّقَا إلَى تَمَامِ تِسْعَةِ أَبْيَاتٍ. (الثَّانِي) تَقَدَّمَ مِنْ جُمْلَةِ هَذِهِ النَّظَائِرِ الْمَرْأَةُ الَّتِي عَقَدَ عَلَيْهَا وَلِيُّهَا قَبْلَ أَنْ تَأْذَنَ لَهُ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْوِلَايَةَ حَقٌّ لِلْمَرْأَةِ، فَلَا يَعْقِدُ عَلَيْهَا الْوَلِيُّ إلَّا بِتَفْوِيضٍ مِنْ الْمَرْأَةِ لَهُ عَلَى ذَلِكَ وَهُوَ كَذَلِكَ لَكِنْ هَذَا فِيمَا عَدَا الْأَبَ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا وَأَنْكَرَ ذَلِكَ ابْنُ حَبِيبٍ وَقَالَ هُوَ حَقٌّ لَهُ قَدْ اسْتَخْلَفَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ وَالْوَلِيُّ أَحَقُّ بِهِ مِنْهَا فَهُمَا قَوْلَانِ ذَكَرَهُمَا فِي التَّوْضِيحِ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَبَقِيَّةُ الْأَوْلِيَاءِ يُزَوِّجُونَ وَثَيِّبٌ بِعَارِضٍ كَالْبِكْرِ ... وَبِالْحَرَامِ الْخُلُفُ فِيهَا يَجْرِي كَوَاقِعٍ قَبْلَ الْبُلُوغِ الْوَارِدِ ... وَكَالصَّحِيحِ مَا بِعَقْدٍ فَاسِدٍ يَعْنِي أَنَّ الثُّيُوبَةَ الْحَاصِلَةَ بِأَمْرٍ عَارِضٍ كَحَمْلِ شَيْءٍ ثَقِيلٍ أَوْ بِالْقَفْزَةِ أَوْ بِكَثْرَةِ الضَّحِكِ فَإِنَّهَا كَالْعَدَمِ وَكَأَنَّهَا مَا زَالَتْ بِكْرًا قَائِمَةً الْعُذْرَةِ وَتَسْتَمِرُّ عَلَيْهَا حُكْمُ الْجَبْرِ الَّذِي عَلَى الْبِكْرِ وَأَمَّا إنْ حَصَلَتْ الثُّيُوبَةُ بِحَرَامٍ أَيْ بِزِنَا أَوْ غَصْبٍ فَفِي بَقَاءِ الْجَبْرِ عَلَيْهَا وَانْقِطَاعِهِ قَوْلَانِ (التَّوْضِيحُ) الْقَوْلُ بِالْجَبْرِ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ وَالْقَوْلُ بِعَدَمِهِ فِي الْجَلَّابِ، ثُمَّ شَبَّهَ فِي الْحُكْمِ السَّابِقِ وَهُوَ اسْتِمْرَارُ الْجَبْرِ وَعَدَمُ انْقِطَاعِهِ مَا إذَا حَصَلَتْ الثُّيُوبَةُ بِنِكَاحٍ وَاقِعٍ قَبْلَ الْبُلُوغِ، ثُمَّ مَاتَ الزَّوْجُ أَوْ طَلَّقَ وَرَجَعَتْ قَبْلَ الْبُلُوغِ أَيْضًا وَلَا إشْكَالَ وَالْإِجْبَارُ هُنَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَإِنْ رَجَعَتْ بَعْد الْبُلُوغِ فَفِي الْجَبْرِ قَوْلَانِ ظَاهِر النَّظْمِ الْجَبْرُ لِإِطْلَاقِهِ فِي النِّكَاحِ الْحَاصِلِ قَبْلَ الْبُلُوغِ وَأَمَّا الثُّيُوبَةُ بِالنِّكَاحِ الْفَاسِدِ فَإِنَّهَا كَالصَّحِيحِ لَا جَبْرَ مَعَهَا (قَالَ فِي الْمَقْصِدِ الْمَحْمُودِ) وَالثُّيُوبَةُ غَيْرُ مُسْقِطَةٍ لِلْإِجْبَارِ إنْ كَانَتْ مِنْ غَيْرِ نِكَاحٍ أَوْ مِنْ نِكَاحٍ فَرَجَعَتْ إلَيْهِ قَبْل الْبُلُوغِ وَاخْتُلِفَ إنْ بَلَغَتْ هَلْ يَسْتَمِرُّ الْإِجْبَارُ أَوْ يَرْتَفِعُ (وَقَالَ ابْنُ عَاتٍ فِي طُرَرِهِ) وَاخْتُلِفَ لَهَا كَانَتْ الْإِصَابَةُ مِنْ زِنَا أَوْ غَصْبٍ فَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ تُجْبَرُ كَالْبِكْرِ قَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ الْغَصْبُ وَالطَّوْعُ سَوَاءٌ يُجْبَرَانِ وَقَالَ ابْنُ الْجَلَّابِ الثَّيِّبُ بِنِكَاحٍ أَوْ زِنَا سَوَاءٌ لَا تُجْبَرُ (وَفِي سَمَاعِ عِيسَى) قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَإِذَا زَوَّجَ ابْنَتَهُ الْبِكْرَ فَابْتَنَى بِهَا زَوْجُهَا قَبْلَ أَنْ تَبْلُغَ الْمَحِيضَ، ثُمَّ طَلَّقَهَا أَوْ مَاتَ عَنْهَا وَهِيَ غَيْرُ بَالِغٍ فَتَزْوِيجُهُ جَائِزٌ عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ مُؤَامَرَتِهَا مَا لَمْ تَحِضْ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ

فصل في حكم فاسد النكاح وما يتعلق به

وَفِي الْمُقَرِّبِ) قُلْت لَهُ أَرَأَيْت إنْ زَنَتْ الْبِكْرُ فَحُدَّتْ أَوْ لَمْ تُحَدَّ أَيَكُونُ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا بِغَيْرِ رِضَاهَا قَالَ نَعَمْ (وَفِيهِ أَيْضًا) قَالَ سَحْنُونٌ قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ فَإِنْ زَوَّجَهَا تَزْوِيجًا حَرَامًا فَدَخَلَ بِهَا زَوْجُهَا وَجَامَعَهَا، ثُمَّ طَلَّقَهَا أَوْ مَاتَ عَنْهَا وَلَمْ يَتَبَاعَدْ ذَلِكَ فَقَالَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا إلَّا بِرِضَاهَا لِأَنَّهُ نِكَاحٌ يُدْرَأُ بِهِ الْحَدُّ وَيَلْحَقُ فِيهِ الْوَلَدُ وَالْعِدَّةُ فِيهِ كَالْعِدَّةِ فِي النِّكَاحِ الْحَلَالِ اهـ وَإِنْ يُرَشِّدْهَا الْوَصِيُّ مَا أَبِي ... فِيهَا وِلَايَةَ النِّكَاحِ كَالْأَبِ يَعْنِي أَنَّ الْوَصِيَّ إذَا رَشَّدَ مَحْجُورَتَهُ وَأَطْلَقَ يَدَهَا عَلَى التَّصَرُّفِ فِي مَالِهَا فَإِنَّ وِلَايَةَ نِكَاحِهَا لَا تَنْعَزِلُ عَنْهَا كَالْحُكْمِ فِي أَبِيهَا الَّذِي جَاءَ الْوَصِيُّ بِسَبَبِهِ فَكَمَا أَنَّ خُرُوجَهَا مِنْ حِجْرِ الْأَبِ لَا يَقْطَعُ نَظَرَهُ عَنْهَا فِي الْوِلَايَةِ فَكَذَلِكَ خُرُوجُهَا مِنْ حِجْرِ الْوَصِيِّ الَّذِي هُوَ بِسَبَبِهِ لَا يَقْطَعُ نَظَرَهُ عَنْهَا فِي الْوِلَايَةِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ مَنْ يَتَقَدَّمُ عَلَى الْأَبِ وَهُوَ الِابْنُ فَكَذَلِكَ يَتَقَدَّمُ عَلَى وَصِيِّهِ (قَالَ فِي طُرَرِ ابْنِ عَاتٍ) اُنْظُرْ إذَا رَشَّدَ الْوَلِيُّ مَحْجُورَتَهُ هَلْ تَسْقُطُ الْوِلَايَةُ عَنْهَا أَوْ لَا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا أَذْكُرُ فِي ذَلِكَ نَصَّ رِوَايَةٍ وَاَلَّذِي يُوجِبُهُ النَّظَرُ أَنَّ وِلَايَتَهُ بِهَا فِي النِّكَاحِ لَا تَسْقُطُ بِتَمْلِيكِهِ إيَّاهَا أَمْر نَفْسِهَا لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ وَلِيًّا مِنْ أَوْلِيَائِهَا بِإِقَامَةِ الْأَبِ إيَّاهُ لَهَا مَقَامَ نَفْسِهِ فَوَجَبَ أَنْ لَا تَسْقُطَ وِلَايَتُهُ عَنْهَا إلَّا بِمَا كَانَتْ تَسْقُطُ بِهِ وِلَايَةُ الْأَبِ عَنْهَا وَالْأَبُ لَوْ رَشَّدَهَا لَمْ تَسْقُطْ بِذَلِكَ وِلَايَتُهُ عَنْهَا فَكَذَلِكَ هُوَ فَتَدَبَّرْ ذَلِكَ اهـ. (قَالَ الشَّارِحُ) أَقُولُ الْعَجَبُ مِنْ ابْنِ رُشْدٍ كَيْفَ قَالَ لَا أَذْكُرُ نَصَّ رِوَايَةٍ مَعَ مَا ذَكَرَهُ الْمُتَيْطِيّ مِنْ الْخِلَافِ عَنْ الْعُتَيْبَة وَاعْتَمَدَ الشَّيْخُ مَا نَقَلَهُ الْمُتَيْطِيّ عَنْ أَصْبَغَ وَأَشْهَبَ وَذَهَبَ إلَيْهِ ابْنُ رُشْدٍ أَيْ مِنْ كَوْنِ الْوَصِيِّ أَوْلَى مِنْ الْوَلِيِّ فِي الثَّيِّبِ إنْ خَرَجَتْ مِنْ الْوِلَايَةِ دُون قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَسَحْنُونٍ وَدُون مَا رَجَّحَهُ اللَّخْمِيُّ مِنْ كَوْنِ الْوَلِيِّ أَحَقَّ مِنْ الْوَصِيِّ اهـ أَيْ وَإِذَا كَانَ الْخِلَافُ فِي أَيِّهِمَا أَوْلَى فَإِنَّ ذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ بَقَاءَ وِلَايَةِ الْوَصِيِّ بَعْدَ تَرْشِيدِهَا وَأَنَّ وِلَايَتَهُ لَمْ تَسْقُطْ إذْ الْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ فِيمَا وَرَاءَ ذَلِكَ وَهُوَ أَيُّهُمَا أَوْلَى وَمُطْلَقُ بَقَاءِ وِلَايَتِهِ هُوَ الَّذِي فِي الْبَيْتِ وَسَيُعِيدُ النَّاظِمُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي بَابِ الْحَجْرِ حَيْثُ قَالَ: وَحَيْثُ رَشَدَ الْوَصِيُّ مَنْ حَجْرِ ... وِلَايَةِ النِّكَاحِ تَبْقَى بِالنَّظَرِ [فَصْلٌ فِي حُكْمِ فَاسِدِ النِّكَاحِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ] (فَصْلٌ فِي حُكْمِ فَاسِدِ النِّكَاحِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ) وَفَاسِدُ النِّكَاحِ مَهْمَا وَقَعَا ... فَالْفَسْخُ فِيهِ أَوْ تَلَافٍ شُرِعَا فَمَا فَسَادُهُ يَخُصُّ عَقْدَهُ ... فَفَسْخُهُ قَبْلَ الْبِنَا وَبَعْدَهُ وَمَا فَسَادُهُ مِنْ الصَّدَاقِ ... فَهْوَ بِمَهْرِ الْمِثْل بَعْدُ بَاقِ يَعْنِي: أَنَّ النِّكَاحَ إذَا وَقَعَ فَاسِدًا فَإِنَّهُ يُرْجَعُ فِيهِ إلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ إمَّا الْفَسْخُ وَإِمَّا التَّلَافِي وَالتَّدَارُكُ فَمَا كَانَ فَسَادُهُ لِفَسَادِ عَقْدِهِ فَالْحُكْمُ فِيهِ الْفَسْخُ سَوَاءٌ عُثِرَ عَلَيْهِ قَبْلَ الْبِنَاءِ أَوْ بَعُدَهُ وَمَا فَسَدَ لِصَدَاقِهِ فَإِنَّهُ يُفْسَخُ قَبْلَ الدُّخُولِ وَيَثْبُتُ بَعْدَهُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ وَنَحْوُهُ فِي الرِّسَالَةِ وَغَيْرِهَا (قَالَ الشَّارِحُ) وَالظَّاهِرُ مِنْ الشَّارِعِ فِي عُقُودِ هَذِهِ الْمُعَامَلَاتِ أَنَّهَا مَهْمَا وَقَعَتْ مُخَالِفَةً لِمَا اسْتَقَرَّ مِنْهَا شَرْعًا وَكَانَتْ الْمُخَالَفَةُ فِيهَا مِمَّا يُمْكِنُ تَلَافِيهَا وَيَتَأَتَّى اسْتِدْرَاكُ الْأَمْرِ فِيهَا فَإِنَّ الْمَشْرُوعَ فِيهَا الْإِصْلَاحُ وَالِاسْتِدْرَاكُ وَالتَّلَافِي لِمَا فُرِضَ اخْتِلَالُهُ مِنْ الْأَرْكَانِ وَالتَّحْصِيلِ لِمَا وَقَعَ إهْمَاله مِنْ الشُّرُوطِ وَمَهْمَا كَانَتْ الْمُخَالَفَةُ فِيهَا مِمَّا لَا يُمْكِنُ تَلَافِيهَا وَلَا يَتَأَتَّى اسْتِدْرَاكُ الْأَمْرِ فِيهَا لِخُرُوجِ الْمَاهِيَّةِ عَمَّا قَصَدَ بِهَا شَرْعًا أَوْ مُنَافَاتُهَا لِمَا اسْتَقَرَّتْ عَلَيْهَا وَضْعًا فَإِنَّ الْمَشْرُوعَ فِيهَا الْفَسْخُ وَالْإِبْطَالُ (قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ) وَالْعَقْدُ الْمَلْزُومُ لِلتَّلَاقِي فَاسِدٌ مُطْلَقًا لِعَدَمِ قَبُولِهِ التَّصْحِيحَ كَنَقْلِ ابْنِ شَاسٍ تَزْوِيجَ عَبْدِهِ بِجَعْلِهِ مَهْرَهُ فَاسِدًا لِأَدَاءِ ثُبُوتِهِ لِنَفْيِهِ وَلِمُنَافَاةِ الْمِلْكِ لِلنِّكَاحِ لَوْ ثَبَتَ بِخِلَافِ كَوْنِ الْمَهْرِ خَمْرًا. (وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ الْجَزِيرِيُّ) وَالْفَسَادُ عَلَى وَجْهَيْنِ فَسَادٌ فِي الْعَقْدِ وَفَسَادٌ فِي الصَّدَاقِ فَالْفَسَادُ لِعَقْدِهِ عَلَى ضَرْبَيْنِ وَجْهٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ وَوَجْهٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ فَالْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ كَذَوَاتِ الْمَحَارِمِ فَيُفْسَخُ أَبَدًا

بِغَيْرِ طَلَاقٍ وَلَا مُوَارَثَةَ فِيهِ وَلَا خُلْعٍ وَفِيهِ الْمُسَمَّى بَعْدَ الْبِنَاءِ وَيَلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ وَيُحَدُّ إنْ كَانَ عَالِمًا وَهَذِهِ إحْدَى الْمَسَائِلِ الَّتِي يَلْحَقُ فِيهَا الْوَلَدُ مَعَ وُجُوبِ الْحَدِّ وَهِيَ قَلِيلَةٌ وَالْمُخْتَلَفُ فِيهِ كَنِكَاحِ الشِّغَارِ وَالْمُحَرَّمِ وَشِبْهِ ذَلِكَ فَالْفَسْخُ فِيهِ بِطَلَاقٍ وَيَمْضِي فِيهِ الْخُلْعُ وَهُوَ آخِرُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ لِرِوَايَةٍ بَلَغَتْهُ عَنْ مَالِكٍ وَقَدْ كَانَ يَقُولُ كُلُّ نِكَاحٍ يَكُونَانِ مَغْلُوبَيْنِ عَلَى فَسْخِهِ يُفْسَخُ بِغَيْرِ طَلَاقٍ كَنِكَاحِ الْمَحْرَمِ وَشَبَهِهِ وَالْفَاسِدِ لِصَدَاقِهِ كَالنِّكَاحِ بِغَرَرٍ أَوْ حَرَامٍ أَوْ بِمَجْهُولٍ فِي صَدَاقٍ أَوْ أَجَلٍ فَيُفْسَخُ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَلَا صَدَاقَ فِيهِ وَيَثْبُتُ بَعْدَهُ وَيَجِبُ صَدَاقُ الْمِثْلِ اهـ. (وَفِي مُخْتَصَرِ الشَّيْخِ خَلِيلٍ) وَهُوَ طَلَاقٌ إنْ اخْتَلَفَ فِيهِ كَمُحَرَّمٍ وَشِغَارٍ وَالتَّحْرِيمُ بِعَقْدِهِ وَوَطْئِهِ وَفِيهِ الْإِرْثُ كَإِنْكَاحِ الْمَرِيضِ وَإِنْكَاحِ الْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ لَا إنْ اُتُّفِقَ عَلَى فَسَادِهِ، فَلَا طَلَاقَ وَلَا إرْثَ كَخَامِسَةٍ وَحُرِّمَ وَطْؤُهُ فَقَطْ وَمَا فُسِخَ بَعْدَهُ فَالْمُسَمَّى وَإِلَّا فَصَدَاقُ الْمِثْلِ وَسَقَطَ بِالْفَسْخِ قَبْلَهُ وَيَأْتِي لِلنَّاظِمِ قَبْلَ بَابِ النَّفَقَةِ وَفَسْخٌ فَاسِدٍ بِلَا وِفَاقِ ... بِطَلْقَةٍ تُعَدُّ فِي الطَّلَاقِ وَمَنْ يَمُتْ قَبْلَ وُقُوعِ الْفَسْخِ ... فِي ذَا فَمَا لِإِرْثِهِ مِنْ نَسْخِ وَفَسْخُ مَا الْفَسَادُ فِيهِ مُجْمَعٌ ... عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ طَلَاقٍ يَقَعُ اهـ. (وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ الْجَزِيرِيُّ) وَهَذِهِ إحْدَى الْمَسَائِلِ الَّتِي يَلْحَقُ فِيهَا الْوَلَدُ إلَى آخِرِ هَذِهِ النَّظَائِرِ أَشَارَ لَهَا سَيِّدِي عَلِيٌّ الزَّقَّاقُ بِقَوْلِهِ آخِرَ الْمَنْهَجِ الْمُنْتَخَبِ وَنَسَبٌ وَالْحَدُّ لَنْ يَجْتَمِعَا الْأَبْيَاتُ الثَّلَاثَةُ اُنْظُرْهَا فِي شَرْحِهِ وَانْظُرْهَا آخِرَ بَابِ الِاسْتِلْحَاقِ مِنْ التَّوْضِيحِ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَيُحَدُّ الْوَاطِئُ الْعَالِمُ إلَخْ وَيَأْتِي ذِكْرُهَا قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَحَيْثُ دَرْءُ الْحَدِّ يَلْحَقُ الْوَلَدْ ... فِي كُلِّ مَا مِنْ النِّكَاحِ قَدْ فَسَدَ وَلِلَّتِي كَانَ بِهَا اسْتِمْتَاعُ ... صَدَاقُهَا لَيْسَ لَهُ امْتِنَاعُ يَعْنِي أَنَّ النِّكَاحَ الْفَاسِدَ الْمُتَّفَقَ عَلَى فَسَادِهِ إنْ دُرِئَ فِيهِ الْحَدُّ عَنْ الْوَاطِئِ كَنِكَاحِ الْمُعْتَدَّةِ أَوْ ذَاتِ مَحْرَمٍ أَوْ رَضَاعٍ غَيْرِ عَالِمٍ بِهَا فَإِنَّ الْوَلَدَ يَلْحَقُ بِهِ وَمَفْهُومُهُ إنْ لَمْ يُدْرَأْ فِيهِ الْحَدُّ فَإِنَّ الْوَلَدَ لَا يَلْحَقُ بِهِ لِأَنَّهُ زِنَا يُرِيدُ إلَّا فِي الْمَسَائِل الَّتِي يُحَدُّ فِيهَا الْوَاطِئُ وَيُلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ فَيَجْتَمِعُ فِيهَا الْحَدُّ وَالنَّسَبُ فَهَذَا الْقَيْدُ فِي الْمَفْهُومِ وَذَلِكَ مَنْ يَتَزَوَّجُ الْمَرْأَةَ وَيُقِرُّ أَنَّهُ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا وَعَلِمَ أَنَّهَا لَا تَحِلُّ لَهُ إلَّا بَعْدَ زَوْجٍ وَوَطِئَهَا وَأَوْلَدَهَا فَيُحَدُّ وَيُلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ أَوْ يَتَزَوَّجُ الْمَرْأَةَ، ثُمَّ يُقِرُّ أَنَّهَا خَامِسَةٌ وَيَطَؤُهَا وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهَا لَا تَحِلُّ لَهُ أَوْ يَتَزَوَّجُ الْمَرْأَةَ وَيَطَؤُهَا وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهَا لَا تَحِلُّ لَهُ بِنَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ مَعَ عِلْمِهِ بِعَدَمِ حِلِّيَّةِ ذَلِكَ فَيُحَدّ وَيَلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ وَإِلَيْهَا أَشَارَ سَيِّدِي عَلِيٌّ الزَّقَّاقُ بِقَوْلِهِ وَنَسَبٌ وَالْحَدُّ لَنْ يَجْتَمِعَا ... إلَّا بِزَوْجَاتٍ ثَلَاثٍ فَاسْمَعَا مَبْتُوتَةٍ خَامِسَةٍ وَمَحْرَمِ ... وَأَمَتَيْنِ حُرَّتَيْنِ فَاعْلَمْ فَالزَّوْجَاتُ الثَّلَاثُ مِنْ هَذِهِ وَالْأَمَتَانِ الْحُرَّتَانِ هُمَا مَنْ يَشْتَرِي أَمَةً مِمَّنْ تُعْتَقُ عَلَيْهِ وَيُوَلِّدُهَا، ثُمَّ يُقِرُّ أَنَّهُ وَطِئَهَا عَالِمًا بِذَلِكَ أَوْ مَنْ يَشْتَرِي الْأَمَةَ فَيُوَلِّدُهَا، ثُمَّ يُقِرُّ بِحُرِّيَّتِهَا وَشِرَائِهَا مَعَ عِلْمِهِ بِحُرِّيَّتِهَا وَأَمَّا قَوْلُهُ وَلِلَّتِي كَانَ بِهَا اسْتِمْتَاعُ الْبَيْتُ فَيَعْنِي بِذَلِكَ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا دَخَلَ بِالْمَرْأَةِ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ الَّذِي

يُفْسَخُ وَلَوْ دَخَلَ فَإِنَّ لَهَا صَدَاقَهَا كَامِلًا إنْ كَانَ نِكَاحَ تَسْمِيَةٍ وَإِنْ كَانَ تَفْوِيضًا فَصَدَاقُ الْمِثْلِ وَتَقَدَّمَ قَوْلُهُ فِي الْمُخْتَصَرِ وَمَا فُسِخَ بَعْدَهُ فَالْمُسَمَّى وَإِلَّا فَصَدَاقُ الْمِثْلِ وَالْمُرَادُ بِالِاسْتِمْتَاعِ فِي الْبَيْتِ الْوَطْءُ بِدَلِيلِ وُجُوبِ الصَّدَاقِ كَامِلًا، وَأَمَّا مُقَدِّمَاتُهُ، فَلَا يَجِبُ بِهَا كُلُّ الصَّدَاقِ وَالْعَقْدَ لِلنِّكَاحِ فِي السِّرِّ اجْتَنِبْ ... وَلَوْ بِالِاسْتِكْتَامِ وَالْفَسْخُ يَجِبْ يَعْنِي أَنَّ نِكَاحَ السِّرِّ مَمْنُوعٌ يَجِبُ اجْتِنَابُهُ وَيُفْسَخُ إنْ وَقَعَ وَإِنْ كَانَ السِّرُّ فِيهِ بِاسْتِكْتَامِ الشُّهُودِ (قَالَ فِي الْمُقَرِّبِ) قُلْت وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا نَكَحَ بِبَيِّنَةٍ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَكْتُمُوا ذَلِكَ أَيَجُوزُ هَذَا النِّكَاحُ قَالَ لَا وَإِنْ كَثُرَتْ الْبَيِّنَةُ وَالنِّكَاحُ بِذَلِكَ مَفْسُوخٌ إذَا كَانَ أَصْلُهُ عَلَى الِاسْتِسْرَارِ، وَأَمْرِ الشُّهُودِ بِكِتْمَانِهِ (ابْنُ الْحَاجِبِ) وَنِكَاحُ السِّرِّ بَاطِلٌ وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ الْمُتَوَاصَى بِكَتْمِهِ وَإِنْ أَشْهَدَا فِيهِ وَيُفْسَخُ بَعْدَ الْبِنَاءِ وَإِنْ طَالَ عَلَى الْمَشْهُورِ وَقِيلَ هُوَ الَّذِي دَخَلَ وَلَمْ يُشْهِدْ فِيهِ (التَّوْضِيحُ) الْمَشْهُورُ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ نِكَاحَ السِّرِّ هُوَ الْمُتَوَاصَى بِكَتْمِهِ وَلَوْ كَانُوا مِائَةَ شَاهِدٍ، ثُمَّ قَالَ وَإِنَّمَا يَفْسُدُ عَلَى الْمَشْهُورِ إذَا أَوْصَى بِالْكِتْمَانِ قَبْلَ الْعَقْدِ، وَأَمَّا لَوْ أَوْصَى الشُّهُودَ بِالْكِتْمَانِ بَعْدَ الْعَقْدِ فَإِنَّهُ صَحِيحٌ وَيُؤْمَرُونَ بِإِشْهَارِهِ أَشْهَبُ، وَهَذَا إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ وَإِنْ نَكَحَ عَلَى نِيَّةِ الِاسْتِكْتَامِ بَعْدَ الْعَقْدِ فَلْيُفَارِقْ وَقَالَ أَصْبَغُ لَا أَرَى أَنْ يَفْسَخَ إذَا لَمْ يَكُنْ إلَّا ضَمِيرٌ فِي نَفْسِهِ لِأَنَّهُ لَا بَأْسَ أَنْ يَتَزَوَّجَ وَنِيَّتُهُ أَنْ يُفَارِقَ وَالْبُضْعُ بِالْبُضْعِ هُوَ الشِّغَارُ ... وَعَقْدُهُ لَيْسَ لَهُ قَرَارُ (قَالَ فِي التَّوْضِيحِ) أَصْلُ الشِّغَارِ فِي اللُّغَةِ الرَّفْعُ مِنْ قَوْلِهِمْ شَغَرَ الْكَلْبُ رِجْلَهُ إذَا رَفَعَهَا لِيَبُولَ، ثُمَّ اسْتَعْمَلُوهُ فِيمَا يُشْبِهُهُ فَقَالُوا شَغَرَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ إذَا فَعَلَ بِهَا ذَلِكَ لِلْجِمَاعِ، ثُمَّ اسْتَعْمَلُوهُ فِي النِّكَاحِ بِغَيْرِ مَهْرٍ إذَا كَانَ وَطْئًا بِوَطْءٍ وَفِعْلًا بِفِعْلٍ فَكَأَنَّ الرَّجُلَ يَقُولُ لِلْآخَرِ شَاغِرْنِي أَيْ أَنْكِحْنِي وَلِيَّتَك وَأُنْكِحُك وَلِيَّتِي بِغَيْرِ صَدَاقٍ (قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ) قِيلَ وَإِنَّمَا سُمِّيَ نِكَاحَ الشِّغَارِ لِخُلُوِّهِ عَنْ الصَّدَاقِ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِمْ بَلْدَة شَاغِرَةٌ أَيْ خَالِيَةٌ مِنْ أَهْلِهَا وَنِكَاحُ الشِّغَارِ عَلَى وَجْهَيْنِ صَرِيحُ الشَّغْرِ وَوَجْهُ الشِّغَارِ فَصَرِيحُ الشِّغَارِ هُوَ أَنْ لَا يُذْكَرَ فِيهِ صَدَاقٌ كَزَوِّجْنِي ابْنَتَك عَلَى أَنْ أُزَوِّجَك ابْنَتِي فَيَكُونُ صَدَاقُ كُلِّ وَاحِدَةٍ بِضْعَ الْأُخْرَى وَيُفْسَخُ أَبَدًا وَإِنْ دَخَلَ وَطَالَ وَوَلَدَتْ الْأَوْلَادَ. وَوَجْهُ الشِّغَارِ أَنْ يَذْكُرَ فِيهِ صَدَاقَ كُلِّ وَاحِدَةٍ سَوَاءٌ كَانَ مُمَاثِلًا لِصَدَاقِ الْأُخْرَى أَوْ مُخَالِفًا كَزَوِّجْنِي أُخْتَك بِمِائَةٍ عَلَى أَنْ أُزَوِّجُك أُخْتِي بِمِائَةٍ أَوْ بِخَمْسِينَ وَيُفْسَخُ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَيَثْبُتُ بَعْدَهُ بِصَدَاقِ الْمِثْلِ إلَّا أَنْ يَكُونَ صَدَاقُ مِثْلِهَا مِمَّا سُمِّيَ، فَلَا تَنْقُصُ عَنْ الْمُسَمَّى فَإِنْ سَمَّوْا لِوَاحِدَةٍ دُونَ أُخْرَى كَزَوِّجْنِي أُخْتَك بِمِائَةٍ عَلَى أَنْ أُزَوِّجَك أُخْتِي فَهُوَ مُرَكَّبٌ مِنْ الْوَجْهَيْنِ وَكُلُّ وَاحِدَةٍ عَلَى حُكْمِهَا فَاَلَّتِي سُمِّيَ لَهَا يُفْسَخُ نِكَاحُهَا قَبْلَ الْبِنَاءِ وَيَثْبُتُ بَعْدَهُ بِصَدَاقِ الْمِثْلِ وَاَلَّتِي لَمْ يُسَمِّ لَهَا يُفْسَخُ أَبَدًا قَبْلَ الْبِنَاءِ وَبَعْدَهُ وَنَقَلَ الشَّارِحُ هَذَا الْفِقْهَ عَنْ الْمُقَرِّبِ وَفِيهِ قُلْت فَلَوْ قَالَ زَوِّجْنِي أَمَتَك بِلَا مَهْرٍ وَأُزَوِّجُك أَمَتِي بِلَا مَهْرٍ فَقَالَ مَالِكٌ الشِّغَارُ بَيْنَ الْعَبِيدِ كَالشِّغَارِ بَيْنَ الْأَحْرَارِ يُفْسَخُ وَإِنْ دَخَلَ بِهَا، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ زَوِّجْ عَبْدِي أَمَتَك بِلَا مَهْرٍ عَلَى أَنْ أُزَوِّجَ عَبْدَك أَمَتِي بِلَا مَهْرٍ فَهَذَا كُلُّهُ شِغَارٌ لَا يَجُوزُ وَإِنْ رَضِيَ النِّسَاءُ بِهِ اهـ. فَقَوْلُهُ وَعَقْدُهُ لَيْسَ لَهُ قَرَارٌ فِيهِ إجْمَالٌ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ صَرِيحًا، فَلَا يُقَرُّ مُطْلَقًا دَخَلَ أَوْ لَمْ يَدْخُلْ وَإِنْ كَانَ وَجْهًا، فَلَا قَرَارَ لَهُ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَأَمَّا بَعْدَهُ فَإِنَّهُ يُقَرُّ وَأَجَلُ الْكَالِئِ مَهْمَا أُغْفِلَا ... قَبْلَ الْبِنَاءِ الْفَسْخُ فِيهِ أُعْمِلَا إذَا كَانَ بَعْضُ الصَّدَاقِ مُؤَخَّرًا وَهُوَ الَّذِي يُسَمَّى بِالْكَالِئِ، فَلَا بُدَّ مِنْ تَعْيِينِ قَدْرِ تَأْخِيرِهِ فَإِذَا لَمْ يُعَيَّنْ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لِنِسْيَانٍ أَوْ غَفْلَةٍ فَالنِّكَاحُ صَحِيحٌ وَيُضْرَبُ لَهُ مِنْ الْأَجَلِ بِحَسَبِ عُرْفِ الْبَلَدِ فِي

الْكَالِئِ قِيَاسًا عَلَى بَيْعِ الْخِيَارِ إذَا لَمْ يُضْرَبْ لِلْخِيَارِ أَجَلٌ فَإِنَّهُ يُضْرَبُ لَهُ أَجَلُ الْخِيَارِ فِي تِلْكَ السِّلْعَةِ الْمَبِيعَةِ عَلَى الْخِيَارِ وَالْبَيْعُ جَائِزٌ وَإِنْ تَرَكَ تَعْيِينَ قَدْرِ تَأْخِيرِهِ قَصْدًا فَهَذَا هُوَ الَّذِي يُفْسَخُ فِيهِ النِّكَاحُ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَيَثْبُتُ بَعْدَهُ بِصَدَاقِ الْمِثْلِ وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ قَوْلُهُ فِي الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ وَفِي الْمُتَيْطِيَّةِ قَالَ بَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ وَهُوَ دَلِيلُ الْمُدَوَّنَةِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ وَبِهِ الْحُكْمُ اهـ فَفِي تَعْبِيرِ النَّاظِمِ بِالْإِغْفَالِ مُسَامَحَةٌ لِأَنَّ الْغَفْلَةَ وَالذُّهُولَ لَا يَنْبَنِي عَلَيْهِمَا حُكْمٌ حَتَّى يَنْفَسِخَ النِّكَاحُ مِنْ أَجْلِهَا لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ، ثُمَّ ذَكَر الشَّارِحُ إذَا اخْتَلَفَ الزَّوْجُ وَالْوَلِيُّ فِي أَجَلِ الْكَالِئِ وَقَالَ الشُّهُودُ نَسِينَاهُ اُنْظُرْهُ فِيهِ وَمَا يُنَافِي الْعَقْدَ لَيْسَ يُجْعَلُ ... شَرْطًا وَغَيْرُهُ بِطَوْعٍ يُقْبَلُ مُرَادُهُ بِالْبَيْتِ الْكَلَامُ عَلَى شُرُوطِ النِّكَاحِ وَقَسَّمَهَا إلَى مَا يُنَافِي الْعَقْد، فَلَا يَجُوزُ جَعْلُهُ شَرْطًا فِي عَقْدِ النِّكَاحِ إلَى مَا لَا يُنَافِيه فَيَجُوزُ جَعْلُهُ طَوْعًا بَعْدَ الْعَقْدِ وَيُكْرَهُ اشْتِرَاطُهُ فِي الْعَقْدِ (قَالَ فِي التَّوْضِيحِ) حَاصِلُهُ أَنَّ الشَّرْطَ فِي النِّكَاحِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ مَا يُنَاقِضُ مُقْتَضَاهُ مِثْلُ أَنْ لَا يَقْسِمُ لَهَا أَوْ يُؤْثِرُ عَلَيْهَا أَوْ لَا نَفَقَةَ لَهَا أَوْ لَا مِيرَاثَ لَهَا فَكَالصَّدَاقِ الْفَاسِدِ أَنْ يُفْسَخَ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَيَثْبُتُ بَعْدَهُ عَلَى الْمَشْهُورِ هَكَذَا قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَنَقَلَ بَعْضُهُمْ الِاتِّفَاقَ عَلَى ذَلِكَ وَأَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ وَنُقِلَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ تَزَوَّجَ عَلَى أَنْ لَا نَفَقَةَ وَلَا مِيرَاثَ أَنَّهُ يُفْسَخُ بَعْدَ الْبِنَاءِ اهـ (وَنَقَلَ الشَّارِحُ) عَنْ ابْنِ عَرَفَةَ مَا نَصَّهُ وَشَرْطُ مَا يُنَاقِضُهُ قَالَ اللَّخْمِيُّ كَشَرْطِ أَنْ لَا يَأْتِيَهَا لَيْلًا أَوْ الْأَثَرَةُ عَلَيْهَا أَوْ لَا يُعْطِيهَا الْوَلَدَ أَوْ لَا نَفَقَةَ لَهَا أَوْ لَا إرْثَ بَيْنَهُمَا فِي فَسْخِهِ مُطْلَقًا أَوْ قَبْلَ الْبِنَاءِ ثَالِثُهَا تُخَيِّرُ الْمَرْأَةُ وَلَوْ بَنَى بِهَا فِي إسْقَاطٍ فَيَمْضِي وَالتَّمَسُّكُ بِهِ فَيُفْسَخُ لِنَقْلِ اللَّخْمِيِّ وَنَقْلِهِ عَنْ ابْنِ زِيَادٍ اهـ (، ثُمَّ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ) الْقِسْمُ الثَّانِي مَا لَا يُنَاقِضُهُ بَلْ يَكُونُ الْعَقْدُ يَقْتَضِيه وَإِنْ لَمْ يُذْكَرْ كَشَرْطِهِ أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهَا أَوْ يَبِيتَ عِنْدَهَا أَوْ لَا يُؤْثِرَ عَلَيْهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ وَوُجُودُ هَذَا وَعَدَمُهُ سَوَاءٌ وَلَا يُوقِعُ فِي الْعَقْد خَلَلًا وَيُحْكَمُ بِهِ إنْ تُرِكَ أَوْ ذُكِرَ إلَّا إنَّهُ إنْ شَرَطَ أَنْ لَا يَضْرِبَهَا مَثَلًا، ثُمَّ أَثْبَتَتْ الضَّرَرَ فَلَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا مِنْ غَيْرِ رَفْعٍ لِحَاكِمٍ وَإِنْ لَمْ تَشْتَرِطْ فَفِي اشْتِرَاطِ الرَّفْعِ لِلْحَاكِمِ وَعَدَمِ اشْتِرَاطِهِ قَوْلَانِ كَمَا يَقُولهُ النَّاظِمُ فِي فَصْلِ الضَّرَرِ وَبَعْثِ الْحَكَمَيْنِ وَحَيْثُمَا الزَّوْجَةُ تُثْبِتُ الضَّرَرْ. (الْقَسَمُ الثَّالِثُ) مَا لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالْعَقْدِ، فَلَا يَقْتَضِيه وَلَا يُنَافِيه وَلِلْمَرْأَةِ فِيهِ غَرَضٌ كَشَرْطِ أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا فَذَكَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ وَيُلْغَى اهـ وَإِلَى هَذِهِ الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ أَشَارَ ابْنُ الْحَاجِبِ بِقَوْلِهِ وَإِذَا شَرَطَ مَا يُنَاقِضُ مُقْتَضَى

الْعَقْدِ مِثْلَ أَنْ لَا يَقْسِمَ لَهَا أَوْ يُؤْثِرَ عَلَيْهَا فَكَالصَّدَاقِ الْفَاسِدِ وَمَا لَا يُنَاقِضُهُ يُلْغَى فَإِنْ كَانَ لَهَا فِيهِ غَرَضٌ مِثْلُ أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا أَوْ لَا يَتَسَرَّى أَوْ لَا يُخْرِجُهَا مِنْ بَلَدِ أَبِيهَا أَوْ بَيْتِ عَمِّهَا (وَقَالَ مَالِكٌ) لَقَدْ أَشَرْت عَلَى الْقَاضِي أَنْ يَنْهَى النَّاسَ عَنْ ذَلِكَ وَلَيْسَ بِلَازِمٍ اهـ. (قَوْلُهُ أَنْ يَنْهَى النَّاسَ عَنْ ذَلِكَ) أَيْ عَنْ التَّزْوِيجِ عَلَى الشَّرْطِ وَلَا يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهِ بَلْ يُسْتَحَبُّ (، ثُمَّ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ) وَقَوْلُ الْمُصَنِّف فِي الْقِسْمِ الثَّالِثِ مَكْرُوهٌ سَبَبُ الْكَرَاهَةِ فِيهِ وَاضِحٌ لِأَنَّ فِيهِ تَفْوِيتَ غَرَضِ الْمَرْأَةِ وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ شِهَابٍ وَغَيْرُهُ بِلُزُومِ الشُّرُوطِ هُنَا اهـ فَقَوْلُهُ وَمَا يُنَافِي الْعَقْدَ لَيْسَ يُجْعَلُ شَرْطًا يَعْنِي وَلَا طَوْعًا، وَهَذَا هُوَ الْقِسْمُ الْأَوَّلُ وَقَوْلُهُ وَغَيْرُهُ بِطَوْعٍ يُقْبَلُ يَشْمَلُ الْقِسْمَ الثَّانِي وَالثَّالِثَ إلَّا أَنَّ الثَّانِيَ يَجُوزُ جَعْلُهُ شَرْطًا فِي الْعَقْدِ وَطَوْعًا بَعْدُ، وَأَمَّا الثَّالِثُ فَيَجُوزُ طَوْعًا بَعْدَهُ الْعَقْدُ وَيُكْرَهُ اشْتِرَاطُهُ كَمَا تَقَدَّمَ (قَالَ الشَّارِحُ) وَكُلُّ مَا لَا يُنَافِيه اسْتَخَفَّ الْمُوَثِّقُونَ كَتْبَهُ عَلَى الطَّوْعِ اهـ. وَقَدْ أَشَارَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ لِلْقِسْمِ الْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ وَمَا فَسَدَ لِصَدَاقِهِ أَوْ عَلَى شَرْطٍ يُنَاقِضُ الْعَقْدَ كَأَنْ لَا يَقْسِمُ لَهَا أَوْ يُؤْثِرُ عَلَيْهَا وَإِلَى الثَّانِي بِقَوْلِهِ وَجَازَ شَرْطُ أَنْ لَا يُضِرَّ بِهَا فِي عِشْرَةٍ وَكِسْوَةٍ وَنَحْوِهِمَا وَإِلَى الثَّالِثِ بِقَوْلِهِ بِخِلَافِ أَلْفٍ وَإِنْ أَخْرَجَهَا مِنْ بَلَدِهَا أَوْ تَزَوَّجَ عَلَيْهَا فَأَلْفَانِ وَلَا يَلْزَمُ الشَّرْطُ وَكُرِهَ وَلَهَا الْأَلْفُ الثَّانِيَةُ إنْ خَالَفَ (وَفِي الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ) وَكَرِهَ مَالِكٌ الشُّرُوطَ وَقَالَ لَا أَرَى لِأَحَدٍ أَنْ يَكْتُبَ شَهَادَتَهُ فِي كِتَابٍ فِيهِ الشُّرُوطُ وَيَلْزَمُ النِّكَاحُ وَإِنْ كَانَتْ بِعَقْدِ يَمِينٍ كَقَوْلِهِ الدَّاخِلَةُ طَالِقٌ أَوْ أَمْرُهَا بِيَدِهَا وَالطَّوْعُ فِيهَا أَحْسَنُ مِنْ أَنْ يَعْقِدَ بِشَرْطٍ وَهِيَ مَحْمُولَةٌ عَلَى الطَّوْعِ حَتَّى يَثْبُتَ أَنَّهَا كَانَتْ مُشْتَرِطَةً فِي عَقْدِ النِّكَاحِ وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي النِّكَاحِ بِالشُّرُوطِ فَرَأَى قَوْمٌ فَسْخَهُ وَرَأَى مَالِكٌ وَمَنْ ذَهَبَ مَذْهَبَهُ أَنَّ النِّكَاحَ بِهَا مَكْرُوهٌ فَإِنْ نَزَلَ بِهَا لَزِمَتْ وَجَازَ النِّكَاحُ وَلِهَذَا الِاخْتِلَافِ يَكْتُبُ قَوْمٌ مِنْ الْمُوَثَّقِينَ شَرَطَ فُلَانٌ لِزَوْجَتِهِ فُلَانَةَ شُرُوطًا طَاعَ بِهَا بَعْدَ أَنْ مَلَكَ عِصْمَةَ نِكَاحِهَا وَيَفْسُدُ النِّكَاحُ بِالْإِمْتَاعِ فِي ... عُقْدَتِهِ وَهُوَ عَلَى الطَّوْعِ اُقْتُفِيَ الْإِمْتَاعُ إعْطَاءُ الزَّوْجَةِ أَوْ أَبِيهَا شَيْئًا لِلزَّوْجِ إمَّا فِي عَقْدِ النِّكَاحِ أَوْ بَعْدَهُ كَإِمْتَاعِهِ بِسُكْنَى دَارِهَا أَوْ اسْتِغْلَالِ أَرْضِهَا فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ فَسَدَ النِّكَاحُ وَإِنْ كَانَ طَوْعًا بَعْدَ الْعَقْدِ جَازَ (قَالَ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَازِرِيُّ) فِي تَوْجِيهِ الْمَنْعِ وَفَسَادِ النِّكَاحِ لِأَنَّ بَقَاءَ أَمَدِ الزَّوْجِيَّةِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ مَجْهُولٌ إذْ لَا يَدْرِي مَتَى يَقَعُ الطَّلَاقُ أَوْ الْمَوْتُ فَإِنْ كَانَ مَجْهُولًا وَقَارَنَ الْعَقْدَ فَالصَّدَاقُ الْمَبْذُولُ مِنْ الزَّوْجِ بَعْضُهُ عِوَضٌ عَنْ هَذَا الْإِسْكَانِ الْمَجْهُولِ، لِأَنَّ السُّكْنَى مِنْ الْأَعْوَاضِ الْمَالِيَّةِ وَهِيَ أَظْهَرُ فِي كَوْنِهَا عِوَضًا مَالِيًّا مِنْ الْفَرْجِ وَمُحَالٌ أَنْ لَا يَجْعَلَ لَهَا حِصَّةً مِنْ الصَّدَاقِ. فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ ذَلِكَ مِمَّا يُعَاوِضُ عَلَيْهِ الزَّوْجُ وَهُوَ مَجْهُولٌ فَسَدَ الْعَقْدُ فِيهِ وَوَجَبَ فَسْخُ النِّكَاحِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ قَبْلَ الدُّخُولِ

فصل في مسائل من النكاح

عَلَى الْمَشْهُورِ إلَّا رِوَايَةً شَاذَّةً، وَأَمَّا إنْ وَقَعَ الدُّخُولُ فَفِي فَسْخِهِ اخْتِلَافٌ مَشْهُورٌ. وَلَمَّا وَقَفَ الْخَطِيبُ الشَّهِيرُ أَبُو الْقَاسِمِ ابْنُ جُزَيٍّ عَلَى جَوَاب الْمَازِرِيِّ الْمُتَقَدِّمِ أَجَابَ بِأَنَّ ذَلِكَ فَاسِدٌ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: (الْأَوَّلُ) مَا ذَكَرَهُ الْمَازِرِيُّ مِنْ الْجَهْلِ فِي ذَلِكَ وَمَا يُقَابِلُهُ مِنْ الصَّدَاقِ (الثَّانِي) أَنَّهُ يَجْتَمِعُ فِيهِ بَيْعٌ وَنِكَاحٌ وَاجْتِمَاعُهُمَا مَمْنُوعٌ وَذَلِكَ أَنَّ الزَّوْجَ يَبْذُلُ بَعْضَ الصَّدَاقِ فِي مُقَابَلَةِ الْفَرْجِ وَهُوَ النِّكَاحُ وَبَعْضَهُ فِي مُقَابِلَةِ مَا يُمَتَّعُ بِهِ مِنْ الْمَالِ وَهُوَ الْبَيْعُ (الثَّالِثُ) أَنَّهُ يُؤَدِّي لَأَنْ يَبْقَى النِّكَاحُ بِغَيْرِ صَدَاقٍ فَإِنَّ الَّذِي يَنْتَفِعُ بِهِ الزَّوْجُ مِنْ الِاسْتِغْلَالِ وَالسُّكْنَى رُبَّمَا يَكُونُ مِثْلَ الصَّدَاقِ أَوْ أَكْثَرَ لَا سِيَّمَا إنْ طَالَتْ مُدَّةُ الْإِمْتَاعِ فَيُقَابِلُ الصَّدَاقَ بِذَلِكَ فَكَأَنَّهُ لَمْ يُعْطِهَا شَيْئًا وَلَكِنْ إنَّمَا يُمْنَعُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ إذَا كَانَ الْإِمْتَاعُ شَرْطًا مُقَارِنًا لِلْعَقْدِ فَإِنْ كَانَ تَطَوُّعًا بَعْدَ انْعِقَادِ الْبَيْعِ لَمْ يُمْنَعْ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ لِأَنَّهُ كَأَنَّ الْمَرْأَةَ أَعْطَتْهُ حَظًّا مِنْ مَالِهَا وَذَلِكَ جَائِزٌ بِشَرْطِ أَنْ لَا تَنْعَقِدَ عَلَيْهِ الْقُلُوبُ حِينَ الْعَقْدِ وَيَجُوز أَيْضًا أَنْ يَكُونَ مُقَارِنًا لِلْعَقْدِ إنْ كَانَ الْإِمْتَاعُ فِي غَيْرِ مِلْكِ الزَّوْجَةِ أَلَا تَرَى مَا رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ أَجَازَ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِآخَرَ تَزَوَّجْ ابْنَتِي عَلَى أَنْ أُعْطِيَك مِائَةَ دِينَارٍ لِأَنَّ الْمِائَةَ دِينَارٍ مِنْ مَالِ وَالِدِ الزَّوْجَةِ لَا مِنْ مَالِهَا، وَهَذَا أَشَدُّ مِنْ الْإِمْتَاعِ اهـ. [فَصْلٌ فِي مَسَائِلَ مِنْ النِّكَاحِ] ِ وَالْعَبْدُ وَالْمَرْأَةُ حَيْثُ أُوصِيَا ... وَعَقَدَا عَلَى صَبِيٍّ أُمْضِيَا يَعْنِي أَنَّ الْعَبْدَ وَالْمَرْأَةَ إذَا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَصِيًّا عَلَى مَحْجُورٍ ذَكَرٍ وَعَقَدَا لَهُ النِّكَاحَ فَإِنَّهُ يَمْضِي وَلَوْ كَانَ الْمَحْجُورُ صَبِيًّا صَغِيرًا؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ الْآنَ صَغِيرًا فَيَصِحُّ مِنْهُ الْعَقْدُ يَوْمًا مَا وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ عَلَى صَبِيٍّ أَنَّ الْعَبْدَ وَالْمَرْأَةَ الْوَصِيَّيْنِ عَلَى صَبِيَّةٍ لَا يَصِحُّ عَقْدُهُمَا عَلَيْهَا بَلْ يُوَكِّلَانِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِ النَّاظِمِ فِي فَصْلِ الْأَوْلِيَاءِ وَالْمَرْأَةُ الْوَصِيُّ لَيْسَتْ تَعْقِدُ إلَّا بِتَقْدِيمِ امْرِئٍ يُعْتَمَدُ لِأَنَّهَا لَا يَصِحُّ لَهَا أَنْ تَعْقِدَ عَلَى نَفْسِهَا يَوْمًا مَا (فَفِي طُرَرِ ابْنِ عَاتٍ) ، وَأَمَّا الْعَبْدُ وَالْمَرْأَةُ فَيُزَوِّجَانِ بَنِيهِمَا وَبَنِي مَنْ أَوْصَى بِهَا إلَيْهِمَا الذُّكْرَانَ (قَالَ الشَّارِحُ) لَمْ يَتَعَرَّضْ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِجَوَازِ عَقْدِ الْكَافِرِ عَلَى مَنْ أَوْصَى بِهِ إلَيْهِ لِنُدُورِ إيصَائِهِ (وَفِي الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ) وَلِلْمَرْأَةِ الْوَصِيِّ عَقْدُ نِكَاحِ مَنْ إلَى نَظِيرِهَا مِنْ أَيْتَامِهَا وَعَبِيدِهَا الذُّكْرَانِ، وَهَذَا خِلَافُ يَتِيمَتِهَا وَإِمَائِهَا، فَلَا يَجُوزُ لَهَا الْعَقْدُ عَلَيْهِنَّ إلَّا بِتَوْكِيلِ رَجُلٍ يَعْقِدُهُ اهـ وَالْأَبُ لَا يَقْضِي اتِّسَاعُ حَالِهِ ... تَجْهِيزَهُ لِابْنَتِهِ مِنْ مَالِهِ يَعْنِي الْأَبَ إذَا زَوَّجَ ابْنَتَهُ الْبِكْرَ وَكَانَ مُتَّسِعَ الْحَالِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ تَجْهِيزُ ابْنَتِهِ مِنْ مَالِهِ يَعْنِي وَإِنَّمَا يُجَهِّزُهَا مِنْ صَدَاقِهَا خَاصَّةً وَيَأْتِي أَنَّهُ يَنْبَغِي تَجْهِيزُهَا بِمَالِهَا مِنْ غَيْرِ الصَّدَاقِ (قَالَ فِي الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ) وَلَا يَلْزَمُ الْأَبَ أَنْ يُجَهِّزَ ابْنَتَهُ بِشَيْءٍ مِنْ مَالِهِ اهـ (قَالَ الْمُتَيْطِيّ) وَإِذَا قَبَضَتْ الْمَرْأَةُ نَقْدَهَا مِنْ زَوْجِهَا أَوْ قَبَضَهُ وَلِيُّهَا فَمِنْ حَقِّ الزَّوْجَةِ أَنْ تَتَجَهَّزَ بِهِ إلَيْهِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَجَمِيعِ أَصْحَابِهِ حَاشَا ابْنَ وَهْبٍ اهـ. وَفِي جَوَابِ الْإِمَامِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْمَازِرِيِّ عَنْ مَسْأَلَةِ قَوْلِهِ وَلَوْ طُولِبَ بِصَدَاقِهَا لِمَوْتِهَا فَطَالَبَهُمْ بِإِبْرَازِ جِهَازَهَا لَمْ يَلْزَمْهُمْ عَلَى الْقَوْلِ مَا نَصُّهُ الْأَصْلُ فِي الشَّرِيعَةِ عَدَمُ إلْزَامِ الْمَرْأَةِ وَأَبِيهَا جِهَازًا وَالصَّدَاقُ عِوَضٌ عَنْ الْبُضْعِ وَهُوَ الْمَقْصُودُ وَلَوْ كَانَ عِوَضًا عَنْ الِانْتِفَاعِ لَا بِجِهَازٍ وَهُوَ مَجْهُولٌ لَكَانَ فَاسِدًا لَكِنَّ الْأَصْلَ الْبُضْعُ وَمَا سِوَاهُ تَبَعٌ وَفِي الْمَذْهَبِ رِوَايَةٌ شَاذَّةٌ غَرِيبَةٌ أَنَّ لَيْسَ عَلَى الْمَرْأَةِ تَجْهِيزٌ بِصَدَاقِهَا فَأَحْرَى بِمَا سِوَاهُ وَأَظُنُّهَا فِي وَثَائِقِ ابْنِ الْعَطَّارِ وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى تَتَجَهَّزُ بِالصَّدَاقِ خَاصَّةً اهـ وَفِي الْمُخْتَصَرِ وَلَزِمَهَا التَّجْهِيزُ عَلَى الْعَادَةِ

بِمَا قَبَضَتْهُ إنْ سَبَقَ الْبِنَاءَ (ابْنُ عَرَفَةَ) الْمَشْهُورُ وُجُوبُ تَجْهِيزِ الْحُرَّةِ بِنَقْدِهَا الْعَيِّنِ الْمُتَيْطِيُّ وَيَشْتَرِي مِنْهُ الْآكَدَ فَالْآكَدَ عُرْفًا مِنْ فُرُشٍ وَوَسَائِدَ وَثِيَابٍ وَطِيبٍ وَخَادِمٍ إنْ اتَّسَعَ لَهَا رَوَاهُ مُحَمَّدٌ قِيلَ وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ وَمَا أَحَلَّهُ بَعْدَ الْبِنَاءِ، فَلَا حَقَّ لِلزَّوْجَةِ فِي التَّجْهِيزِ بِهِ وَإِنْ حَلَّ قَبْلَ الْبِنَاءِ فَلِغُرَمَائِهَا أَخْذُهُ فِي دُيُونِهِمْ وَإِنْ لَمْ يَحِلَّ بَاعُوهُ، وَأَمَّا مَا أَجَلُهُ قَبْلَ الْبِنَاءِ فَكَالنَّقْدِ اهـ. (فَرْعٌ) إذَا تَغَالَى الزَّوْجُ فِي الصَّدَاقِ لِيُسْرِهَا وَإِتْيَانِهَا بِمَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِتَجْهِيزِ أَمْثَالِهَا بِهِ فَامْتَنَعَ أَبُوهَا مِنْ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ الْبِنَاءِ فَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ وَمِثْلُهُ فِي نَوَازِلِ الْعَبْدُوسِيِّ لِلزَّوْجِ الْخِيَارُ بَيْنَ أَنْ يَلْتَزِمَ النِّكَاحَ عَلَى أَنْ يُجَهِّزَهَا لَهُ بِنَقْدِهَا خَاصَّةً أَوْ يُطَلِّقَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ فَقَالَ فِي الْمُعْلِمِ يَحُطُّ مِنْ الصَّدَاقِ الزِّيَادَةَ الَّتِي زَادَهَا لِإِجْلِ الْجِهَازِ عَلَى الْأَصَحِّ عِنْدنَا إذَا كَانَ الْمَقْصُودُ مِنْ الْجِهَازِ فِي حُكْمِ التَّبَعِ لِاسْتِبَاحَةِ الْبُضْعِ كَمَنْ اشْتَرَى سِلْعَتَيْنِ فَاسْتُحِقَّ أَدْنَاهُمَا فَإِنَّ الْبَيْعَ يُنْتَقَضُ بِقَدْرِ الْمُسْتَحَقَّةِ اهـ وَقَبِلَهُ ابْنُ عَاتٍ اُنْظُرْ شِفَاءَ الْغَلِيلِ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَلَوْ طُولِبَ بِصَدَاقِهَا لِمَوْتِهَا فَطَالَبَهُمْ بِإِبْرَازِ جِهَازِهَا لَمْ يَلْزَمْهُمْ عَلَى الْمَقُولِ. وَبِسِوَى الصَّدَاقِ لَيْسَ يُلْزِمُ ... تَجَهُّزَ الثَّيِّبِ مَنْ يُحَكَّمُ يَعْنِي أَنَّ الْقَاضِي لَا يُلْزِمُ الثَّيِّبَ أَنْ تَتَجَهَّزَ بِغَيْرِ صَدَاقِهَا يَعْنِي بَلْ بِصَدَاقِهَا خَاصَّةً، وَأَمَّا بِغَيْرِهِ، فَلَا يَلْزَمُ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ كَمَا يَأْتِي لِلنَّاظِمِ فَيُلْزِمُ بِضَمِّ الْيَاءِ مُضَارِعُ أَلْزَمَ وَمَنْ يُحَكَّمُ بِفَتْحِ الْكَافِ فَاعِلُ يُلْزِمُ وَتَجَهُّز مَفْعُولُهُ وَبِسِوَى مُتَعَلِّقٌ بِتَجَهُّزِ (قَالَ فِي طُرَرِ ابْنِ عَاتٍ) ، وَكَذَا الثَّيِّبُ لَا يَلْزَمُهَا أَنْ تَتَجَهَّزَ بِغَيْرِ الصَّدَاقِ اهـ وَفِي مَسَائِلِ النِّكَاحِ مِنْ الْمَازِرِيِّ عَنْ ابْنِ مُغِيثٍ إنْ أَبَانَ الزَّوْجُ زَوْجَتَهُ، ثُمَّ رَاجَعَهَا لَمْ يَلْزَمْهَا أَنْ تَتَجَهَّزَ إلَيْهِ إلَّا بِمَا قَبَضَتْهُ فِي الْمُرَاجَعَةِ خَاصَّةً، وَأَمَّا بِنِصْفِ نَقْدِهَا الَّذِي قَبَضَتْهُ قَبْلَ الْبِنَاءِ، فَلَا اهـ. وَأَشْهَرُ الْقَوْلَيْنِ أَنْ تُجَهَّزَا ... لَهُ بِكَالِئٍ لَهَا قَدْ حُوِّزَا يَعْنِي أَنَّهُ إذَا حَلَّ الْكَالِئُ عَلَى الزَّوْجِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَقَبَضَتْهُ قَبْلَ الدُّخُولِ فَأَشْهَرُ الْقَوْلَيْنِ أَنَّهَا يَلْزَمُهَا أَنْ تَتَجَهَّزَ بِهِ لِأَنَّهُ صَارَ مِنْ جُمْلَةِ النَّقْدِ الَّذِي يَلْزَمُهَا التَّجْهِيزُ بِهِ وَالْمَشْهُورُ الْمُقَابِلُ لِلْأَشْهَرِ لَا يَلْزَمُهَا ذَلِكَ فَالْأَشْهَرُ قَوْلُ ابْنِ زَرْبٍ وَمُقَابِلُهُ لِابْنِ فَتْحُونٍ كَمَا يَأْتِي (قَالَ فِي الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ) وَالْكَالِئُ إذَا حَلَّ أَجَلُهُ قَبْلَ الْبِنَاءِ كَانَ بِمَنْزِلَةِ النَّقْدِ فِي دَعْوَى الزَّوْجِ قَبْضَهُ وَكَانَ لِلزَّوْجَةِ الِامْتِنَاعُ مِنْ الْبِنَاءِ حَتَّى تَقْبِضَ النَّقْدَ وَالْكَالِئَ مَعًا فَإِذَا قَبَضَتْ ذَلِكَ لَزِمَهَا أَنْ تَتَجَهَّزَ إلَى زَوْجِهَا بِجَمِيعِ مَا قَبَضَتْ مِنْ نَقْدٍ وَكَالِئٍ (قَالَ الشَّارِحُ) سَيَأْتِي لِلنَّاظِمِ بَعْدَ التَّصْرِيحِ بِأَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الزَّوْجِ بَعْدَ الْبِنَاءِ فِيمَا ادَّعَى دَفْعَهُ مِنْ حَالِ الْكَالِئِ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَأَنَّ لِلزَّوْجَةِ الِامْتِنَاعَ حَتَّى يَدْفَعَ لَهَا الْكَالِئَ الْحَالَّ يَعْنِي فِي قَوْلِهِ وَالْقَوْلُ وَالْيَمِينُ لِلزَّوْجِ ابْتَنَى الْأَبْيَاتَ الثَّلَاثَ وَذَلِكَ قَبْلَ فَصْلِ مَا يُهْدِيهِ الزَّوْجُ، ثُمَّ يَقَعُ الطَّلَاقُ (وَفِي مَسَائِلِ ابْنِ زَرْبٍ) وَلَوْ حَلَّ الْكَالِئُ قَبْلَ الْبِنَاءِ فَدَعَاهَا الزَّوْجُ إلَى قَبْضِهِ وَالتَّجَهُّزِ بِهِ مَعَ النَّقْدِ فَأَبَتْ هِيَ مِنْ قَبْضِهِ حَتَّى يَبْنِيَ بِهَا لِئَلَّا يَلْزَمَهَا التَّجَهُّزَ بِهِ قَالَ تُجْبَرُ عَلَى أَخْذِهِ وَأَنْ تَتَجَهَّزَ بِهِ ذَكَرَهُ ابْنُ سَهْلٍ (قَالَ الشَّارِحُ) ، وَكَذَلِكَ يَظْهَرُ لَوْ لَمْ يَحِلَّ أَجَلُهُ عَلَى قَوْلِ ابْنِ فَتْحُونٍ

لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَى الْمَرْأَةِ أَنْ تَتَجَهَّزَ بِكَالِئِهَا وَإِنْ قَبَضَتْهُ قَبْلَ الْبِنَاءِ إذَا أَرَادَ الزَّوْجُ دَفْعَهُ وَكَانَ عَيْنًا فَيَلْزَمُهَا قَبُولُهُ دُونَ التَّجَهُّزِ بِهِ وَقَيَّدْنَا بِالْعَيْنِ لِأَنَّ غَيْرَ الْعَيْنِ لَا يَلْزَمُ قَبُولُهُ قَبْلَ أَجَلِهِ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ ابْنِ زَرْبٍ إنَّهُ لَا يَلْزَمُهَا أَنْ تَتَجَهَّزَ، فَلَا يَجُوزُ لَهَا قَبُولُهُ لِأَنَّهَا إنْ قَبِلَتْهُ لَزِمَهَا أَنْ تَتَجَهَّزَ بِهِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ الْمُعَجِّلُ مُسَلِّفٌ فَقَدْ سَلَّفَ لِيَنْتَفِعَ بِالْجِهَازِ صَحَّ مِنْ الشَّارِحِ بِالْمَعْنَى فَرَاجِعْهُ إنْ شِئْت وَمُقَابِلُ الْأَشْهَرِ عِنْدِ النَّاظِمِ حَكَاهُ فِي الطُّرَرِ عَنْ ابْنِ فَتْحُونٍ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى الْمَرْأَةِ أَنْ تَتَجَهَّزَ بِكَالِئِهَا وَإِنْ قَبَضَتْهُ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَلِلْوَصِيِّ يَنْبَغِي وَلِلْأَبِ ... تَشْوِيرُهَا بِمَالِهَا وَالثَّيِّبِ يَعْنِي أَنَّهُ يَنْبَغِي لِلْأَبِ وَلِلْوَصِيِّ تَشْوِيرُ الْبِكْرِ بِمَالِهَا أَيْ غَيْرُ الصَّدَاقِ، وَأَمَّا الصَّدَاقُ فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهَا تَتَجَهَّزُ بِهِ فَالتَّجْهِيزُ بِالصَّدَاقِ لَازِمٌ وَبِغَيْرِهِ مُسْتَحَبٌّ وَعَلَيْهِ تَكَلَّمَ فِي الْبَيْتِ، وَكَذَلِكَ يَنْبَغِي لِلثَّيِّبِ أَيْضًا أَنْ تَشُورَ نَفْسَهَا بِمَالِهَا زَائِدًا عَلَى الصَّدَاقِ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهَا أَنْ تَتَجَهَّزَ بِغَيْرِ صَدَاقِهَا وَأَفَادَ هُنَا اسْتِحْبَابَ ذَلِكَ وَقَوْلُهُ وَالثَّيِّبِ عَطْفٌ عَلَى الْوَصِيِّ أَيْ يَنْبَغِي لِلثَّيِّبِ ذَلِكَ وَلَوْلَا إفْرَادُ الضَّمِيرِ فِي قَوْلِهِ بِمَالِهَا لَأَمْكَنَ عَطْفُ الثَّيِّبِ عَلَى ضَمِيرِ تَشْوِيرِهَا مِنْ غَيْرِ إعَادَةِ الْخَافِضِ (وَفِي طُرَرِ ابْنِ عَاتٍ) وَيَنْبَغِي لِلْأَبِ أَنْ يُشَوِّرَ الْبِكْرَ بِمَالِهَا، وَكَذَلِكَ الْوَصِيُّ فِي الْيَتِيمَةِ وَيَشْتَرِيَانِ لَهَا كُسْوَةً وَحُلِيًّا لِأَنَّ ذَلِكَ تَطَهُّرٌ لَهَا وَصَلَاحٌ وَيُرَغِّبُ النَّاسَ فِيهَا وَلَا يُجْبَرَانِ عَلَى ذَلِكَ اهـ

وَزَائِدٌ فِي الْمَهْرِ بَعْدَ الْعَقْدِ لَا ... يَسْقُطُ عَمَّنْ زَادَهُ إنْ دَخَلَا وَنِصْفُهُ يَحِلُّ بِالطَّلَاقِ ... مِنْ قَبْلِ الِابْتِنَاءِ كَالصَّدَاقِ وَمَوْتُهُ لِلْمَنْعِ مِنْهُ مُقْتَضِ ... فَإِنَّهُ كَهِبَةٍ لَمْ تُقْبَض يَعْنِي أَنَّ مَنْ عَقَدَ عَلَى امْرَأَةٍ بِصَدَاقٍ مُسَمًّى، ثُمَّ زَادَهَا بَعْدَ الْعَقْدِ عَلَى مَا سَمَّى لَهَا حِينَ الْعَقْدِ فَإِنَّهُ إنْ دَخَلَ لَزِمَتْهُ تِلْكَ الزِّيَادَةُ كَامِلَةً طَلَّقَ أَوْ لَمْ يُطَلِّقْ عَاشَ أَوْ مَاتَ وَإِنْ طَلَّقَ قَبْلَ الْبِنَاءِ لَزِمَهُ نِصْفُهَا وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ الْبِنَاءِ سَقَطَتْ الزِّيَادَةُ لِأَنَّهَا كَهِبَةٍ لَمْ تُقْبَضْ (قَالَ فِي الْمُقَرِّبِ) قُلْت فَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى صَدَاقٍ مُسَمًّى، ثُمَّ زَادَهَا بَعْدَ ذَلِكَ فِي صَدَاقِهَا مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ، ثُمَّ طَلَّقَهَا قَالَ لَهَا نِصْفُ الزِّيَادَةِ بِمَنْزِلَةِ مَا وَهَبَ لَهَا تَقُومُ بِهِ عَلَيْهِ وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ أَنَّ تَقْبِضَهُ، فَلَا شَيْءَ لَهَا لِأَنَّهَا هِبَةٌ لَمْ تُقْبَضْ (وَفِي الْمُدَوَّنَةِ) مَنْ تَزَوَّجَ بِمَهْرٍ مُسَمًّى، ثُمَّ زَادَهَا فِيهِ طَوْعًا فَلَمْ تَقْبِضْهُ حَتَّى مَاتَ أَوْ طَلَّقَ قَبْلَ الْبِنَاءِ لَزِمَهُ نِصْفُ مَا زَادَ فِي الطَّلَاقِ وَسَقَطَ كُلُّهُ بِالْمَوْتِ (وَفِي ابْنِ الْحَاجِبِ) وَمَا زَادَهُ فِي صَدَاقِهَا طَوْعًا بَعْد الْعَقْدِ فَإِنْ لَمْ تَقْبِضْهُ لَمْ تَأْخُذْ مِنْهُ فِي الْمَوْتِ شَيْئًا لِأَنَّهَا عَطِيَّةٌ لَمْ تُقْبَضْ وَتَأْخُذُهُ أَوْ نِصْفَهُ فِي الطَّلَاقِ وَفِي التَّوْضِيحِ أَوْ لِلتَّفْصِيلِ أَيْ تَأْخُذُهُ كُلَّهُ إنْ وَقَعَ الطَّلَاقُ بَعْدَ الْبِنَاءِ أَوْ نِصْفَهُ إنْ وَقَعَ قَبْلَهُ. اهـ (وَفِي مُخْتَصَرِ الشَّيْخِ خَلِيلٍ) وَتُشْطَرُ وَمَزِيدٌ بَعْدَ الْعَقْدِ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الْمَسِيسِ، ثُمَّ قَالَ وَسَقَطَ الْمَزِيدُ بِالْمَوْتِ فَقَطْ وَإِنْ أَتَى الضَّمَانُ فِي الْمَهْرِ عَلَى إطْلَاقِهِ فَالْحَمْلُ صَحَّ مُجْمَلًا يَعْنِي أَنَّ مَنْ زَوَّجَ غَيْرَهُ كَابْنِهِ وَخَدِيمِهِ وَصَاحِبِهِ وَضَمِنَ عَنْهُ الصَّدَاقَ فِي نَفْسِ عَقْدِ النِّكَاحِ فَإِنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى الْحَمْلِ الْآتِي أَيْ عَلَى أَنَّهُ تَحَمَّلَ بِهِ وَتَبَرَّعَ بِهِ مِنْ مَالِهِ وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الزَّوْجِ لِأَنَّهُ خَرَجَ مَخْرَجَ الصِّلَةِ وَالصَّدَقَةِ، وَكَذَلِكَ إذَا زَوَّجَ ابْنَتَهُ وَضَمِنَ لَهَا الصَّدَاقَ فَيَلْزَمُهُ وَلَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الزَّوْجِ وَلَا يُحْمَلُ عَلَى الْحَمَالَةِ بِمَعْنَى أَنَّهُ ضَمِنَهُ عَنْ الزَّوْجِ وَيُرْجَعُ بِهِ عَلَيْهِ عَلَى قَاعِدَةِ مَنْ ضَمِنَ وَغَرِمَ عَنْ الْمَضْمُون عَنْهُ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ وَلَا إشْكَالَ. (قَالَ فِي الْمُقَرِّبِ) قَالَ سَحْنُونٌ قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ أَرَأَيْت لَوْ أَنَّ رَجُلًا زَوَّجَ ابْنَتَهُ وَضَمِنَ لَهَا الصَّدَاقَ أَيَجُوزُ ذَلِكَ قَالَ نَعَمْ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَلِلِابْنَةِ أَنْ تَأْخُذَ بِصَدَاقِهَا أَبَاهَا وَلَا يَكُونُ لِلْأَبِ أَنْ يَرْجِعَ بِهِ عَلَى الزَّوْجِ لِأَنَّ ضَمَانَهُ عَنْهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ عَلَى وَجْهِ الصِّلَةِ لَهُ وَالصَّدَقَةِ (وَفِيهِ أَيْضًا) قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ الشَّرِيفِ يُزَوِّجُ الرَّجُلَ وَيَضْمَنُ عَنْهُ الصَّدَاقَ أَنَّهُ لَا يَتْبَعُهُ بِشَيْءٍ (وَقَالَ الْمُتَيْطِيُّ) وَلَوْ ذُكِرَ فِي عَقْدِ الصَّدَاقِ أَنَّ فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ الْفُلَانِيِّ ضَمِنَ عَنْ الزَّوْجِ النَّقْدَ وَلَمْ يُبَيِّنْ هَلْ هُوَ عَلَى الْحَمْلِ أَوْ عَلَى الْحَمَالَةِ قَالَ فَصَّلَ مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ عَلَى الْحَمْلِ حَتَّى تُرَادَ الْحَمَالَةُ نَصًّا قَالَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ فِي الْوَاضِحَةِ قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْمُوَثِّقِينَ وَبِهِ الْحُكْمُ اهـ. (قَالَ

مُقَيِّدُ هَذَا الشَّرْحِ) عَفَا اللَّهُ عَنْهُ وَلِلْخُرُوجِ مِنْ الْإِجْمَالِ فِي مُطْلَقِ الْحَمْلِ يَكْتُبُ الْمُوَثِّقُونَ الْيَوْمَ وَبِأَنَّ تَحَمُّلَ وَالِدِ الزَّوْجِ عَنْ وَلَدِهِ بِجَمِيعِ النَّقْدِ لِمَالِهِ وَذِمَّتِهِ حَمْلًا لَا حَمَالَةً خَارِجٌ عَنْ مَعْنَى الْحَمَالَةِ وَسَبِيلِهَا وَوَالِدُ الزَّوْجِ فَرْضُ مِثَالٍ فَقَطْ (قَالَ الشَّارِحُ) وَمِمَّا يَتَأَكَّدُ مَعْرِفَتُهُ هُنَا لُزُومُ هَذَا الْحَمْلِ لِلْحَامِلِ عَاشَ أَوْ مَاتَ إلَّا أَنْ يَنْفَسِخَ النِّكَاحُ بِوَجْهٍ مِنْ وُجُوهِ الْفَسْخِ وَلُزُومِ النِّصْفِ فِي الطَّلَاقِ وَفِي الْخُلْعِ الْخِلَافُ هَلْ يَسْقُطُ عَنْ الْحَامِلِ الصَّدَاقُ جُمْلَةً، أَوْ يَكُونُ النِّصْفُ الْمُخْتَلَعُ بِهِ لِلزَّوْجِ الْمُخَالِعِ (وَقَالَ ابْنُ حَارِثٍ فِي اتِّفَاقَاتِهِ) وَاتَّفَقُوا فِي الرَّجُلِ يَتَزَوَّجُ الْمَرْأَةَ وَيَحْمِلُ عَنْهُ رَجُلٌ الصَّدَاقَ وَفِي عَقْدِ النِّكَاحِ أَنَّ الصَّدَاقَ عَلَى الْحَامِلِ عَاشَ، أَوْ مَاتَ وَإِنْ انْفَسَخَ النِّكَاحُ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ، فَلَا شَيْءَ عَلَى الْحَامِلِ لِلزَّوْجِ وَإِنْ طَلَّقَ الزَّوْجُ قَبْلَ الدُّخُولِ فَلِلزَّوْجَةِ نِصْفُ ذَلِكَ الصَّدَاقِ وَيَسْقُطُ عَنْ الْحَامِلِ النِّصْفُ وَلَا يَكُونُ لِلزَّوْجِ أَنْ يُتْبِعَهُ بِشَيْءٍ وَاخْتَلَفُوا إذَا خَالَعَ الزَّوْجُ امْرَأَتَهُ قَبْلَ الدُّخُولِ. ذَكَرَ ابْنُ حَبِيبٍ فِي كِتَابِهِ أَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ يَقُولُ يَسْقُطُ عَنْ الْحَامِلِ جَمِيعُ الصَّدَاقِ وَلَا يَرْجِعُ الزَّوْجُ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ مِنْهُ وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ إنَّمَا يَرْجِعُ إلَى الْحَامِلِ نِصْفُ الزَّوْجِ، وَأَمَّا النِّصْفُ الَّذِي كَانَ يَجِبُ لِلْمَرْأَةِ فَهُوَ لِلزَّوْجِ (قَالَ الشَّارِحُ) أَقُولُ قَدْ كَانَ يَجْرِي فِي الْبَحْثِ عِنْد الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ وَجْهَ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَظْهَرُ لِأَنَّهُ إنَّمَا تَحَمَّلَ الْمُتَحَمِّلُ الصَّدَاقَ وَعَلَى أَنْ يَصِيرَ الْمُتَحَمَّلُ عَنْهُ ذَا زَوْجَةٍ وَلَمْ يَتَبَرَّعْ عَنْهُ مُطْلَقًا اهـ (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ سَلْمُونٍ وَلِلْمَرْأَةِ الِامْتِنَاعُ مِنْ الدُّخُولِ حَتَّى تَقْبِضَهُ فَإِنْ أَعْدَمَ الْحَامِلُ لَمْ يَكُنْ لِلزَّوْجِ سَبِيلٌ إلَيْهَا حَتَّى يَدْفَعَهُ وَيَتْبَعَ بِهِ الْحَامِلَ إنْ دَفَعَهُ فَإِنْ أَبَاحَتْ لَهُ الدُّخُولَ دُونَ شَيْءٍ لَمْ يَكُنْ لَهَا قِبَلَ زَوْجِهَا شَيْءٌ وَتَتْبَعُ بِهِ الْحَامِلَ إذْ لَا يُطَالَبُ الزَّوْجُ بِمَا تَحَمَّلَ عَنْهُ غَيْرُهُ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ (قَالَ ابْنُ عَتَّابٍ) حَكَى ابْنُ مُغِيثٍ أَنَّهُ إنْ كَانَ لِلِابْنِ مَالٌ وَتَحَمَّلَ الْأَبُ عَنْهُ الصَّدَاقَ وَكَانَتْ الْمَرْأَةُ مُخَيَّرَةً إنْ شَاءَتْ أَخَذَتْ بِهِ الْحَامِلَ أَوْ الْمَحْمُولَ عَنْهُ (تَنْبِيهٌ) قَالَ ابْنُ سَلْمُونٍ هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ الْحَمْلُ فِي نَفْسِ الْعَقْدِ، وَأَمَّا لَوْ وَقَعَ الْحَمْلُ بَعْد عَقْدِ النِّكَاحِ كَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْهِبَةِ تَبْطُلُ بِالْوَفَاةِ إنْ لَمْ تُقْبَضْ فِي قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ تَلْزَمُهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَنِحْلَةٌ لَيْسَ لَهَا افْتِقَارُ ... إلَى حِيَازَةٍ وَذَا الْمُخْتَارُ وَيَنْفُذُ الْمَنْحُولُ لِلصَّغِيرِ مَعْ ... أَخِيهِ فِي الشِّيَاعِ إنْ مَوْتٌ وَقَعْ النِّحْلَةُ مَا يُعْطِيه وَالِدُ الزَّوْجِ لِوَلَدِهِ فِي عَقْدِ نِكَاحِهِ، أَوْ وَالِدُ الزَّوْجَةِ ابْنَتَهُ فِي نِكَاحِهَا وَيَنْعَقِدُ النِّكَاحُ عَلَى ذَلِكَ فَإِذَا وَقَعَ ذَلِكَ فَهِيَ لَازِمَةٌ لِلنَّاحِلِ فِي مَالِهِ وَذِمَّتِهِ يُؤْخَذُ بِهَا فِي حَيَاتِهِ وَبَعْدَ مَوْتِهِ لَا يُبْرِئُهُ مِنْهَا إلَّا الْأَدَاءُ قَالَهُ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ فَإِنَّ مَاتَ الْأَبُ قَبْلَ أَنْ تُحَازَ فَالنِّحْلَةُ صَحِيحَةٌ نَافِذَةٌ عَلَى الْقَوْلِ الْمُخْتَارِ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ، وَكَذَلِكَ إنْ مَاتَتْ الِابْنَةُ الْمَنْحُولَةُ فَمِنْ حَقِّ الزَّوْجِ مِيرَاثُهُ فِي النِّحْلَةِ (ابْنُ سَلْمُونٍ) وَإِذَا انْعَقَدَ النِّكَاحُ عَلَى هَذِهِ النِّحْلَةِ لَمْ تَفْتَقِرْ إلَى حِيَازَةٍ وَقِيلَ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ الْحِيَازَةِ وَبِالْأَوَّلِ الْعَمَلُ لِأَنَّهَا لَمَّا انْعَقَدَ النِّكَاحُ عَلَيْهَا صَارَتْ بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ اهـ (وَمِنْ كِتَابِ ابْنِ أَبِي زَمَنِينَ) وَمَنْ تَزَوَّجَ وَهُوَ

فصل في تداعي الزوجين وما يلحق به

كَبِيرٌ مَالِكٌ لِأَمْرِ نَفْسِهِ وَنَحَلَهُ أَبُوهُ نِحْلَة انْعَقَدَ عَلَيْهَا النِّكَاحُ، ثُمَّ مَاتَ الْأَبُ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ نِحْلَتَهُ فَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إنَّهَا نِحْلَةٌ تَامَّةٌ وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْهَا الِابْنُ اهـ وَالْقَوْلُ بِعَدَمِ افْتِقَارِهَا لِلْحَوْزِ وَلَا تَبْطُلُ بِمَوْتِ الْمُعْطِي قَبْلَ الْقَبْضِ قَالَ الْمُتَيْطِيّ هُوَ الْمَشْهُورُ وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ وَبِهِ الْحُكْمُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ اهـ وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِالْبَيْتِ الْأَوَّلِ وَأَشَارَ بِالْبَيْتِ الثَّانِي إلَى قَوْلِهِ فِي كِتَابِ الِاسْتِغْنَاءِ إنْ نَحَلَ رَجُلٌ ابْنَهُ الْكَبِيرَ فِي عَقْدِ نِكَاحِهِ وَنَحَلَ مَعَهُ ابْنًا صَغِيرًا أَمْلَاكًا مُشْتَرَكَةً، ثُمَّ مَاتَ الْأَبُ قَبْلَ بُلُوغِ الصَّغِيرِ النَّفَذُ لَهُمَا إنْ حَازَهَا الْكَبِيرُ وَإِنْ لَمْ يَحُزْهَا جَازَ نَصِيبُ الْكَبِيرِ الَّذِي انْعَقَدَ عَلَيْهِ النِّكَاحُ وَبَطَلَ نَصِيبُ الصَّغِيرِ وَقُسِمَ بَيْنَهُمَا (قَالَ الْمُشَاوِرُ) وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَنْفُذَ جَمِيعُ ذَلِكَ لِأَنَّ عَقْدَ النِّكَاحِ فِي بَعْضِهِ كَالْحِيَازَةِ فِي جَمِيعِهَا لِلِاخْتِلَافِ فِي ذَلِكَ كَمَنْ تَصَدَّقَ عَلَى كَبِيرٍ وَصَغِيرٍ اهـ مِنْ ابْنِ سَلْمُونٍ وَنَقَلَهُ الشَّارِحُ أَيْضًا. (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ سَلْمُونٍ وَلَا شُفْعَةَ فِي هَذِهِ النِّحْلَةِ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِنْ كَانَ النِّكَاحُ انْعَقَدَ عَلَيْهَا وَاخْتَلَفَ فِي ذَلِكَ الشُّيُوخُ وَهِيَ بِمَنْزِلَةِ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَلَا شُفْعَةَ فِيهِمَا وَإِنْ كَانَ قَدْ رَوَى ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ فِيهِمَا الشُّفْعَةَ وَقَالَ بِهِ بَعْضُ الشُّيُوخِ فِي النِّحْلَةِ عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ فِي الْهِبَةِ وَلَيْسَ عَلَيْهَا عَمَلٌ اهـ (فَرْعٌ) إذَا اعْتَرَفَ وَالِدُ الزَّوْجَةِ أَنَّ لَهَا أَمْلَاكًا وَسَمَّاهَا فِي كِتَابِ صَدَاقِهَا سُئِلَ عَنْهُ الْأُسْتَاذُ أَبُو سَعِيدِ ابْنُ لُبٍّ فَأَجَابَ بِأَنَّ مَا اعْتَرَفَ بِهِ وَالِدُ الزَّوْجَةِ الْمَذْكُورَةِ نَافِذٌ لَهَا مَالًا مِنْ مَالِهَا وَمِلْكًا مِنْ أَمْلَاكِهَا اُنْظُرْ تَمَامَ كَلَامِهِ فِي الشَّارِحِ وَانْظُرْ ابْنَ سَلْمُونٍ أَيْضًا، ثُمَّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَمَعْ طَلَاقٍ قَبْلَ الِابْتِنَاءِ ... تَثْبُتُ وَالْفَسْخُ مَعَ الْبِنَاءِ وَالْخُلْفُ فِيهَا مَعَ وُقُوعِ الْفَسْخِ فِي ... تَنَاكُحٍ قَبْلَ الْبِنَاءِ فَاعْرِفْ يَعْنِي أَنَّ النِّكَاحَ إذَا انْعَقَدَ عَلَى نِحْلَةٍ، ثُمَّ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ فَإِنْ كَانَتْ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الْبِنَاءِ فَإِنَّ النِّحْلَةَ تَثْبُتُ وَأَحْرَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنْ تَثْبُتَ فِي الطَّلَاقِ بَعْدَ الْبِنَاءِ وَإِنْ كَانَتْ الْفُرْقَةُ بِالْفَسْخِ لِفَسَادٍ وَنَحْوِهِ فَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْبِنَاءِ فَإِنَّهَا تَثْبُتُ أَيْضًا وَإِنْ كَانَ الْفَسْخُ قَبْلَ الْبِنَاءِ فَفِي بُطْلَانِهَا وَصِحَّتِهَا قَوْلَانِ (ابْنُ سَلْمُونٍ) وَإِنْ طَلَّقَ الزَّوْجُ زَوْجَتَهُ قَبْلَ الْبِنَاءِ فَالنِّحْلَةُ جَائِزَةٌ لِلْمَنْحُولِ نَافِذَةٌ وَإِنْ فُسِخَ هَذَا النِّكَاحُ قَبْلَ الْبِنَاءِ لِفَسَادٍ فِيهِ فِي ذَلِكَ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ النِّحْلَةَ تَبْطُلُ وَتَعُودُ إلَى النَّاحِلِ قَالَهُ ابْنُ الْعَطَّارِ وَالثَّانِي أَنَّهُ لَا تَبْطُلُ وَهِيَ نَافِذَةٌ جَائِزَةٌ كَالطَّلَاقِ وَإِنْ كَانَ الْفَسْخُ بَعْدَ الْبِنَاءِ فَالنِّحْلَةُ نَافِذَةٌ بِاتِّفَاقٍ اهـ وَقَدْ أَطَالَ الشَّارِحُ الْكَلَامَ هُنَا وَخَتَمَهُ بِمَسْأَلَةِ مَنْ زَوَّجَ ابْنَتَهُ وَنَحَلَهَا غَيْرُهُ نِحْلَةً، ثُمَّ طَلُقَتْ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَسَكَتَ وَالِدُهَا عَنْ طَلَبِ مَا نُحِلَتْ بِهِ مُدَّةً فَهَلْ تَأْخُذُ مَا نُحِلَتْ بِهِ وَلَا يَضُرُّ سُكُوتُ وَالِدِهَا عَنْ طَلَبِهَا فَأَجَابَ الْأُسْتَاذُ أَبُو سَعِيدٍ بْنُ لُبٍّ بِأَنَّهُ إذَا ثَبَتَتْ الشَّهَادَةُ بِالنِّحْلَةِ عَلَى النَّاحِلِ فِي عُقْدَةِ النِّكَاحِ فَقَدْ حَصَلَ مَلْكُ الزَّوْجَةِ لِلشَّيْءِ الْمَنْحُولِ مِنْ غَيْرِ افْتِقَارٍ إلَى حِيَازَةٍ عَلَى الْقَوْلِ الْمَشْهُورِ الْمَعْمُولِ بِهِ فِي ذَلِكَ [فَصْلٌ فِي تَدَاعِي الزَّوْجَيْنِ وَمَا يَلْحَقُ بِهِ] ِ الزَّوْجُ وَالزَّوْجَةُ مَهْمَا اخْتَلَفَا ... فِي قَدْرِ مَهْرٍ وَالنِّكَاحُ عُرِفَا فَإِنْ يَكُنْ ذَلِكَ مِنْ قَبْلِ الْبِنَا ... فَالْقَوْلُ لِلزَّوْجَةِ قَدْ تَعَيَّنَا مَعَ الْيَمِينِ إنْ تَكُنْ لَمْ تُحْجَرْ ... وَعَاقِدٌ يَحْجُرُهَا بِهَا حَرْ

69 - وَبَعْد ذَا يَحْلِفُ زَوْجٌ أَنْكَرَا ... ثُمَّ يَكُونُ بَعْدَهَا مُخَيَّرَا فِي رَفْعِ مَا كَانَ عَلَيْهِ الْقَسَمُ ... أَوْ الْفِرَاقُ دُونَ شَيْءٍ يَلْزَمُ وَإِنْ تَرَاضَيَا عَلَى النِّكَاحِ ... فَفِي الْأَصَحِّ الرَّفْعُ لِلْجُنَاحِ وَفِي انْفِسَاخٍ حَيْثُ يُفْقَدُ الرِّضَا ... بِطَلْقَةٍ وَاحِدَةٍ جَرَى الْقَضَا وَتَأْخُذُ الزَّوْجَةُ مَعَ نُكُولِهِ ... مَا يَقْتَضِيه الْحَلْفُ فِي حُلُولِهِ وَالْحُكْمُ فِي نُكُولِ كُلٍّ مِنْهُمَا ... بِمَا بِهِ بَعْدَ الْيَمِينِ حُكِمَا وَقِيلَ بَلْ نُكُولُهُ مُصَدَّقٌ ... لِمَا ادَّعَتْهُ زَوْجَةٌ مُحَقَّقٌ (قَوْلُهُ تَدَاعِي الزَّوْجَيْنِ) أَيْ اخْتِلَافُهُمَا وَذَكَرَ مِنْ ذَلِكَ الِاخْتِلَافَ فِي قَدْرِ الصَّدَاقِ وَعَلَيْهِ تَكَلَّمَ فِي الْأَبْيَاتِ الْعَشَرَةِ وَالثَّلَاثَةِ بَعْدَهَا، ثُمَّ اخْتِلَافٌ فِي النَّوْعِ وَالصِّفَةِ وَذَكَرَ أَنَّهُ إذَا اتَّفَقَ الزَّوْجَانِ عَلَى النِّكَاحِ وَلَا نَكِرَةَ بَيْنَهُمَا فِيهِ وَإِنَّمَا اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الصَّدَاقِ فَقَالَتْ الزَّوْجَةُ مِائَةٌ مَثَلًا وَقَالَ الزَّوْجُ ثَمَانُونَ فَإِنْ كَانَ اخْتِلَافُهُمْ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَلَمْ يَقَعْ مَوْتٌ وَلَا فِرَاقٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجَةِ مَعَ يَمِينِهَا إنْ كَانَتْ رَشِيدَةً، وَأَمَّا إنْ كَانَتْ مَحْجُورَةً فَيَحْلِفُ حَاجِرُهَا لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي تَوَلَّى الْعَقْدَ عَلَيْهَا وَفَرَّطَ فِي الْإِشْهَادِ فَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ وَنَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ غَرِمَ لِلْمَرْأَةِ الزَّائِدَ عَلَى مَا قَالَ الزَّوْجُ وَهُوَ عِشْرُونَ فِي الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ لِنُكُولِهِ وَتَضْيِيعِهِ الْإِشْهَادَ وَإِلَى هَذَا أَشَارَ النَّاظِمُ بِالْأَبْيَاتِ الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ فَقَوْلُهُ فَإِنْ يَكُنْ ذَلِكَ أَيْ الِاخْتِلَافُ مِنْ قَبْلَ الْبِنَاءِ يَعْنِي وَلَمْ يَقَعْ مَوْتٌ وَلَا فِرَاقِ وَلِذَلِكَ أَصْلَحَ الشَّطْرَ الْأَوَّلَ

مِنْ الْبَيْتِ الثَّانِي فَقِيلَ إنْ كَانَ ذَا قَبْلَ الْفِرَاقِ وَالْبِنَا وَقَوْلُهُ وَعَاقِدُ يَحْجُرُهَا بِهَا حَرْ أَيْ وَالْعَاقِدُ عَلَى الْمَرْأَةِ النِّكَاحَ الْحَاجِرُ لَهَا حَرٍ أَيْ حَقِيقٌ بِالْيَمِينِ أَيْ بِأَنْ يَحْلِفَهَا هُوَ لَا الزَّوْجَةُ وَقَوْلُهُ وَبَعْدَ ذَا إلَخْ أَيْ إذَا حَلَفَتْ الزَّوْجَةُ، أَوْ حَاجِرُهَا عَلَى الْمِائَةِ مَثَلًا فَإِنَّ الزَّوْجَ يَحْلِفُ بَعْدَ حَلِفِهَا إنَّهُ إنَّمَا تَزَوَّجَ بِثَمَانِينَ، ثُمَّ يَكُونُ مُخَيَّرًا بَعْدَ يَمِينِهِ فِي دَفْعِ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ الْقَسَمُ مِنْ الْمَرْأَةِ وَهُوَ الْمِائَةُ، أَوْ يُفَارِقُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَظَاهِرُ هَذَا، أَوْ صَرِيحُهُ أَنَّهُ إنَّمَا يُخَيَّرُ بَعْدَ حَلِفِهِ هُوَ قَالَ الشَّارِحُ وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى مَا يَأْتِي فِي وَاضِحَةِ ابْنِ حَبِيبٍ دُونَ مَا فِي التَّهْذِيبِ أَيْ مِنْ تَقْدِيمِ تَخْيِيرِهِ عَلَى يَمِينِهِ وَإِنَّهُ إذَا حَلَفَتْ الزَّوْجَةُ يُخَيِّرهُ فِيمَا ذُكِرَ قَبْلَ أَنْ يَحْلِفَ هُوَ فَإِنْ دَفَعَ مَا حَلَفَتْ هِيَ عَلَيْهِ لَزِمَ النِّكَاحُ بِذَلِكَ وَإِلَّا فَإِنْ امْتَنَعَ مِنْ دَفْعِ مَا حَلَفَتْ عَلَيْهِ حَلَفَ عَلَى مَا ادَّعَى وَافْتَرَقَا وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَلِهَذَا أَصْلَحَ الشَّارِحُ الْبَيْتَ الرَّابِعَ فَقَالَ بَعْدَ قَوْلِهِ: وَعَاقِدٌ يَحْجُرُهَا بِهِ حَرْ ... ثُمَّ يَكُونُ زَوْجُهَا مُخَيَّرًا فِي دَفْعِهِ الْمَهْرَ الَّذِي قَدْ أَنْكَرَا ... أَوْ الْيَمِينِ وَإِذَا مَا يُقْسِمُ كَانَ الْفِرَاقُ دُونَ شَيْءٍ يَلْزَمُ ... قَالَ الشَّارِحُ، ثُمَّ يَزِيدُ بَعْدَ ذَلِكَ بَيْتًا نَصُّهُ: أَوْ كَانَ بَعْدَ مَوْتِهَا أَوْ فُرْقَتِهِ ... فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ دُونَ زَوْجَتِهْ قَالَ وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ لَمْ يَكُنْ نَقَصَ شَيْئًا مِنْ مَعْنَى الْمُدَوَّنَةِ فِي هَذَا الْفَصْلِ إلَّا أَنَّهُ اعْتَمَدَ قَوْلَ ابْنِ حَبِيبٍ وَنَقَصَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ الَّتِي إذَا كَانَ الِاخْتِلَافُ فِيهَا قَبْلَ الْبِنَاءِ وَبَعْدَ مَوْتٍ أَوْ طَلَاقٍ وَلَا أَحْسَبُهُ اسْتَدْرَكَ الْقَوْلَ فِيهَا اهـ. قَوْلُهُ وَإِنْ تَرَاضَيَا عَلَى النِّكَاحِ الْبَيْتُ يَعْنِي أَنَّ الزَّوْجَيْنِ اللَّذَيْنِ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الْمَهْرِ وَتَحَالَفَا إذَا تَرَاضَيَا بَعْد تَخَالُفِهِمَا عَلَى النِّكَاحِ وَذَلِكَ إذَا رَضِيَ الزَّوْجُ بِمَا حَلَفَتْ عَلَيْهِ الزَّوْجَةُ، أَوْ رَضِيَتْ الزَّوْجَةُ بِمَا حَلَفَ عَلَيْهِ الزَّوْجُ، أَوْ تَرَاضَيَا بِغَيْرِ ذَلِكَ فَالْقَوْلُ الْأَصَحُّ إنَّ ذَلِكَ صَحِيحٌ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يَنْقَطِعُ بَيْنَهُمَا إلَّا بِحُكْمِ الْحَاكِمِ بِالْفَسْخِ وَقَبْلَ الْحُكْمِ مَا زَالَا عَلَى نِكَاحِهِمَا. وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ أَنَّ النِّكَاحَ يَنْفَسِخُ بَيْنَهُمَا بِنَفْسِ التَّحَالُفِ مِنْ غَيْرِ افْتِقَارٍ إلَى حُكْمٍ وَعَلَيْهِ إذَا تَرَاضَيَا عَلَى النِّكَاحِ بَعْدَ التَّحَالُفِ، فَلَا بُدَّ مِنْ شُرُوطِ النِّكَاحِ لِانْفِسَاخِ الْأَوَّلِ وَإِذَا حَلَفَا وَلَمْ يَرْضَ أَحَدُهُمَا بِمَا قَالَ الْآخَرُ وَفُسِخَ النِّكَاحُ بَيْنَهُمَا فَإِنَّ فَسْخَهُ يَكُونُ بِطَلْقَةٍ وَاحِدَةٍ وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِقَوْلِهِ وَفِي انْفِسَاخٍ حَيْثُ يُفْقَدُ الرِّضَا فَهُوَ تَصْرِيحٌ بِمَفْهُومِ قَوْلِهِ وَإِنْ تَرَاضَيَا عَلَى النِّكَاحِ وَإِذَا حَلَفَتْ الزَّوْجَةُ وَنَكَلَ هُوَ وَامْتَنَعَ مِنْ الْحَلِفِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ مَا حَلَفَتْ عَلَيْهِ وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِقَوْلِهِ وَتَأْخُذُ الزَّوْجَةُ مَعَ نُكُولِهِ الْبَيْتَ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ النَّاظِمُ عَلَى عَكْسِ هَذِهِ الصُّورَةِ إذَا نَكَلَتْ الزَّوْجَةُ وَحَلَفَ الزَّوْج فَإِنَّ النِّكَاحَ يَلْزَمُ بِمَا حَلَفَ عَلَيْهِ الزَّوْجُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَشَارَ لِمَا إذَا نَكَلَا مَعًا بِقَوْلِهِ وَالْحُكْمُ فِي نُكُولِ كُلٍّ مِنْهُمَا الْبَيْتَيْنِ وَحَاصِلُهُ إنَّ فِي ذَلِكَ قَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا إنَّ ذَلِكَ كَالْحُكْمِ بَيْنَهُمَا بَعْدَ التَّحَالُفِ مِنْ تَخْيِيرِ الزَّوْجِ فِي دَفْعِ مَا ادَّعَتْهُ الزَّوْجَةُ، أَوْ الْفِرَاقُ دُونَ شَيْءٍ يَلْزَمُهُ وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِقَوْلِهِ وَالْحُكْمُ فِي نُكُولِ كُلٍّ مِنْهُمَا الْبَيْتُ الْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّ الزَّوْجَ يَلْزَمُهُ مَا ادَّعَتْهُ الزَّوْجَةُ لِأَنَّ نُكُولَهُ عَنْ الْيَمِينِ مُحَقِّقٌ لِدَعْوَاهَا عَلَيْهِ وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِقَوْلِهِ وَقِيلَ بَلْ نُكُولُهُ مُصَدَّقٌ الْبَيْتَ (قَالَ الْمُتَيْطِيُّ) فَإِذَا اخْتَلَفَ الزَّوْجَانِ فِي الصَّدَاقِ فَإِنْ كَانَ اخْتِلَافُهُمَا فِي عَدَدِهِ قَبْلَ الْبِنَاءِ مِنْ غَيْرِ مَوْتٍ وَلَا طَلَاقٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَرْأَةِ مَعَ يَمِينِهَا إنْ كَانَتْ مَالِكَةً أَمْرَ نَفْسِهَا أَوْ قَوْلُ مَنْ عَقَدَ النِّكَاحَ عَلَيْهَا مِنْ أَبٍ أَوْ وَصِيٍّ، أَوْ وَلِيٍّ إنْ كَانَتْ مَحْجُورًا عَلَيْهَا عَلَى الْمُسْتَحْسَنِ مِنْ الْأَقْوَالِ وَهِيَ الْمُبْتَدِئَةُ بِالْيَمِينِ، أَوْ أَبُوهَا هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ وَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ أَنَّ الْأَبَ يَحْلِفُ فِي صَدَاقِ ابْنَتِهِ الْبِكْرِ. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ فِي وَاضِحَتِهِ، ثُمَّ يَكُونُ الزَّوْجُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى تَكْذِيبِ الْمَرْأَةِ أَوْ تَكْذِيبِ أَبِيهَا وَبَيْنَ أَنْ يَلْتَزِمَ عَلَى مَا حَلَفَتْ عَلَيْهِ الْمَرْأَةُ، أَوْ أَبُوهَا، أَوْ يَتْرُكَ النِّكَاحَ وَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ مِنْ الصَّدَاقِ وَلَمْ يَرَ النِّكَاحَ مُنْفَسِخًا بَيْنَهُمَا بِنَفْسِ التَّحَالُفِ حَتَّى يُخَيَّرَ بَعْد ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهَا مَا حَلَفَتْ عَلَيْهِ وَيَدْخُلُ بِهَا شَاءَتْ، أَوْ أَبَتْ وَبَيْنَ أَنْ يُطَلِّقَ وَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَقَالَهُ الْقَاضِيَانِ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ الْقَصَّارِ وَأَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْوَهَّابِ وَنَحْوُهُ لِلْمُغِيرَةِ أَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَعْدَ التَّحَالُفِ مِنْ الْخِيَارِ مِثْلَ مَا لِصَاحِبِهِ

فِي إمْضَاءِ النِّكَاحِ عَلَى مَا ادَّعَاهُ الْآخَرُ، أَوْ رَدَّهُ فَإِنْ أَبَيَا مِنْ ذَلِكَ فُسِخَ بَيْنَهُمَا بِطَلْقَةٍ وَقِيلَ بِغَيْرِ طَلَاقٍ (قَالَ الشَّارِحُ) الْقَوْلُ الَّذِي حَكَاهُ الْمُتَيْطِيُّ أَوَّلًا أَنَّهُ يُفْسَخُ بِطَلْقَةٍ هُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ بِهِ جَرَى الْقَضَاءُ (قَالَ الْمُتَيْطِيُّ) وَقَالَ سَحْنُونٌ إذَا تَحَالَفَا انْفَسَخَ النِّكَاحُ بَيْنَهُمَا كَاللِّعَانِ (قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي كِتَابِهِ عَنْ نَصِّ شُيُوخِهِ) إذَا اخْتَلَفَا فِي الصَّدَاقِ قَبْلَ الْبِنَاءِ فَتَحَالَفَا فَبَعْدَ التَّحَالُفِ وَقَبْلَ فَسْخِ النِّكَاحِ رَضِيَ أَحَدُهُمَا بِمَا قَالَ الْآخَرُ إنَّ ذَلِكَ لَيْسَ لِمَنْ أَرَادَهُ وَلَيْسَ ذَلِكَ مِثْلَ الْبُيُوعِ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ لِأَنَّ النِّكَاحَ بَابٌ يَنْبَغِي أَنْ يُحْتَاطُ فِيهِ فَهُوَ كَاللِّعَانِ بِتَمَامِ التَّحَالُفِ يَنْفَسِخُ كَمَا قَالَ سَحْنُونٌ وَذُكِرَ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي عِمْرَانَ أَنَّ ذَلِكَ مِثْلُ الْبُيُوعِ يَجْرِي فِيهِ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ فِي الْبَيْعِ قَالَ وَقَدْ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الْمُغِيرَةُ أَنَّهُ إذَا رَضِيَ أَحَدُهُمَا بِمَا قَالَ الْآخَرُ تَمَّ النِّكَاحُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ مُحْرِزٍ وَهُوَ الصَّوَابُ. (قَالَ الشَّارِحُ) وَمَا حَكَاهُ الْمُتَيْطِيُّ عَنْ ابْنِ عُمْرَانَ وَصَوَّبَهُ ابْنُ مُحْرِزٍ هُوَ الَّذِي عَبَّرَ عَنْهُ الشَّيْخُ بِالْأَصَحِّ (، ثُمَّ قَالَ الشَّارِحُ) وَهَذِهِ الْأَبْيَاتُ الْمُتَكَلَّمُ عَلَيْهَا تَتَنَزَّلُ عَلَى مَا نَقَلْتُهُ عَنْ الْمُتَيْطِيُّ بِلَا إشْكَالٍ إلَّا أَنَّ بَيْنَ مَا اعْتَمَدَهُ الْمُتَيْطِيُّ أَنَّهُ الْمَذْهَبُ وَتَبِعَهُ الشَّيْخُ وَبَيْنَ نَصِّ الْمُدَوَّنَةِ مُغَايَرَةُ مَا فِي التَّخْيِيرِ فَهُوَ فِي نَصِّ الْمُدَوَّنَةِ خَيَّرَ الزَّوْجَ بَيْنَ أَنْ يُعْطِيَ مَا حَلَفَتْ عَلَيْهِ الزَّوْجَةُ وَبَيْنَ أَنْ يَحْلِفَ وَيَنْحَلَّ عَنْهُ وَهُوَ فِيمَا حَكَى الْمُتَيْطِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ وَاضِحَةِ ابْنِ حَبِيبٍ يَكُونُ الزَّوْجُ بِالْخِيَارِ بَعْدَ أَنْ يَحْلِفُ عَلَى تَكْذِيبِ الْمَرْأَةِ، أَوْ تَكْذِيبِ أَبِيهَا فَقَالَ فِي التَّهْذِيبِ وَإِذَا اخْتَلَفَ الزَّوْجَانِ فِي الصَّدَاقِ بَعْدَ الطَّلَاقِ قَبْلَ الْبِنَاءِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ مَعَ يَمِينِهِ فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَتْ وَأَخَذَتْ مَا تَدَّعِي، وَكَذَلِكَ إنْ مَاتَتْ قَبْلَ الْبِنَاءِ فَادَّعَى وَرَثَتُهَا تَسْمِيَةً وَادَّعَى الزَّوْجُ تَفْوِيضًا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الصَّدَاقِ مِنْ غَيْرِ مَوْتٍ وَلَا طَلَاقٍ فَادَّعَتْ الْمَرْأَةُ أَكْثَرَ مِمَّا أَقَرَّ بِهِ الزَّوْجُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا وَيُخَيَّرُ الزَّوْجُ فِي إتْمَامِ مَا ادَّعَتْهُ وَإِلَّا تَحَالَفَا وَفُسِخَ النِّكَاحُ وَلَا صَدَاقَ لَهَا (قَالَ الشَّارِحُ) قَوْلُ الْمُدَوَّنَةِ بِالتَّخْيِيرِ قَبْلَ الْحَلِفِ أُجْرِيَ عَلَى النَّظَرِ وَقَدْ لَا يُخَالِفُ ابْنَ الْقَاسِمِ ابْنُ حَبِيبٍ فِي انْسِحَابِ التَّخْيِيرِ فِيمَا بَعْدَ الْحَلِفِ لِأَنَّهَا مَسْأَلَةٌ أُخْرَى وَهِيَ بِمَاذَا يَتَقَرَّرُ الْفَسْخُ هَلْ بِنَفْسِ الْحَلِفِ، أَوْ حَتَّى يُوقِعَ فَتَأَمَّلْهُ، ثُمَّ قَالَ فِي قَوْلِهِ وَالْحُكْمُ فِي نُكُولِ كُلٍّ مِنْهَا الْبَيْتَيْنِ (قَالَ الْمُتَيْطِيُّ) وَاخْتُلِفَ إذَا نَكَلَا جَمِيعًا عَنْ الْأَيْمَانِ فَقِيلَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ حَلَفَا وَقِيلَ الْقَوْلُ قَوْلُ الْمَرْأَةِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ وَالْأَوَّلُ أَحْسَنُ، وَكَذَا ذَكَرَ فِي كِتَابِ السَّلَمِ الثَّانِي اهـ. وَحَيْثُمَا ادَّعَى بِمَا قَدْ يُنْكَرُ ... تَرَدُّدُ الْإِمَامِ فِيهِ يُؤْثَرُ فَقَالَ يَحْلِفَانِ وَالنِّكَاحُ ... بَيْنَهُمَا الْفَسْخُ لَهُ يُتَاحُ وَجَعَلَ الْقَوْلَ لِمَنْ جَاءَ بِمَا ... يُشْبِهُ وَارْتَضَاهُ بَعْضُ الْعُلَمَا يَعْنِي أَنَّهُ إذَا ادَّعَى أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ مَا يَسْتَنْكِرُ وَلَا يُشْبِهُ مِنْ الصَّدَاقِ فِي الْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ يَعْنِي وَادَّعَى الْآخَرُ مَا يُشْبِهُ فَإِنَّ الْإِمَامَ مَالِكًا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - تَرَدَّدَ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ فَقَالَ مَرَّةً يَتَحَالَفَانِ وَيُفْسَخُ النِّكَاحُ بَيْنَهُمَا وَقَالَ مَرَّةً الْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ ادَّعَى مِنْهُمَا مَا يُشْبِهُ كَسَائِرِ أَبْوَابِ الْفِقْهِ (قَالَ الْمُتَيْطِيُّ) وَاخْتُلِفَ أَيْضًا إذَا أَتَى أَحَدُهُمَا يَعْنِي الزَّوْجَيْنِ بِمَا يُشْبِهُ وَأَتَى الْآخَرُ بِمَا لَا يُشْبِهُ وَلَمْ يَكُنْ بَنَى بِهَا فَقَالَ مَالِكٌ مَرَّةً يَتَحَالَفَانِ وَيُتَفَاسَخَانِ وَقَالَ مَرَّةً الْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ أَتَى بِمَا يُشْبِهُ دُونَ الْآخَرِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ، وَهَذَا أَصْوَبُ لِأَنَّ ذَلِكَ دَلِيلٌ كَالشَّاهِدِ يَحْلِفُ مَعَهُ مَنْ قَامَ لَهُ ذَلِكَ الدَّلِيلُ (قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ) وَسَوَاءٌ كَانَ اخْتِلَافُهُمْ فِي عَدَدِ الصَّدَاقِ، أَوْ فِي نَوْعِهِ كَانَ مِمَّا يُصَدِّقُهُ النِّسَاءُ، أَوْ مِمَّا لَا يُصَدِّقْنَهُ اهـ وَمُرَادُهُ بِبَعْضِ الْعُلَمَاءِ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ اللَّخْمِيُّ قَالَ الشَّارِحُ (تَنْبِيهٌ) مُرَادُ النَّاظِمِ إذَا ادَّعَى أَحَدُهُمَا مَا يُشْبِهُ وَادَّعَى الْآخَرُ مَا لَا يُشْبِهُ لِقِلَّةٍ، أَوْ كَثْرَةٍ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ وَحَيْثُمَا ادَّعَى بِمَا قَدْ يُنْكَرُ وَقَوْلُهُ وَجَعَلَ الْقَوْلَ لِمَنْ جَاءَ بِمَا يُشْبِهُ وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْكَلَامَ الْمُتَقَدِّمَ قَبْلَ هَذِهِ الْأَبْيَاتِ حَيْثُ يَدَّعِيَانِ مَعًا مَا يُشْبِهُ، أَوْ يَدَّعِيَانِ مَعًا مَا لَا يُشْبِهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -

وَالنَّوْعُ وَالْوَصْفُ إذَا مَا اخْتَلَفَا ... فِيهِ لِلِاخْتِلَافِ فِي الْقَدْرِ اقْتَفَى يَعْنِي أَنَّ الزَّوْجَيْنِ إذَا اخْتَلَفَا قَبْلَ الْبِنَاءِ فِي نَوْعِ الصَّدَاقِ كَأَنْ يَقُولَ بِثَوْبٍ وَتَقُولَ بِمِائَةٍ وَقِيمَتُهَا مُتَسَاوِيَةٌ، أَوْ اتَّفَقَا عَلَى النَّوْعِ وَاخْتَلَفَا فِي الْوَصْفِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ كَأَنْ تَقُولَ بِعَبْدٍ تُرْكِيٍّ وَقَالَ هُوَ بِعَبْدٍ زِنْجِيٍّ فَإِنَّ الْحُكْمَ فِي ذَلِكَ يَقْتَفِي وَيَتْبَعُ الْحُكْمَ فِي الِاخْتِلَافِ فِي الْقَدْرِ الْمُتَقَدِّمِ فِي صَدْرِ هَذَا الْفَصْلِ وَحَاصِلُهُ إنَّهُ إذَا لَمْ يَرْضَ أَحَدهمَا بِقَوْلِ الْآخَرِ تَحَالَفَا وَتَفَاسَخَا (ابْنُ عَرَفَةَ) فِي الزَّوْجَيْنِ يَخْتَلِفَانِ فِي قَدْرِ الْمَهْرِ، أَوْ نَوْعِهِ سَمِعَ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ بَعْضِ رِوَايَاتِ الْعُتْبِيَّةِ إنْ كَانَ قَبْلَ الْبِنَاءِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْأَبِ، أَوْ الْوَلِيِّ إنْ كَانَتْ بِكْرًا وَتَحْلِفُ إذْ لَيْسَ لَهَا الرِّضَا بِالْمَهْرِ فَإِنْ أَعْطَى الزَّوْجُ مَا حَلَفَتْ عَلَيْهِ وَإِلَّا حَلَفَ وَانْفَسَخَ النِّكَاحُ وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي نَوْعِهِ قَبْلَ الْبِنَاءِ فَلِلَّخْمِيِّ مَعَ مَا تَقَدَّمَ وَلِابْنِ رُشْدٍ تَحَالَفَا وَتَفَاسَخَا اهـ (ابْنُ الْحَاجِبِ) وَإِذَا تَنَازَعَا فِي قَدْرِ الْمَهْرِ، أَوْ صِفَتِهِ قَبْلَ الْبِنَاءِ مِنْ غَيْرِ مَوْتٍ وَلَا طَلَاقٍ تَحَالَفَا وَتَفَاسَخَا وَيَجْرِي الرُّجُوعُ إلَى الْأَشْبَهِ وَانْفِسَاخُ النِّكَاحِ بِتَمَامِ التَّحَالُفِ وَغَيْرِهِ كَالْبَيْعِ (التَّوْضِيحُ) اُحْتُرِزَ بِقَبْلِ الْبِنَاءِ مِنْ بَعْدِهِ وَسَيَأْتِي حُكْمُهُ وَبِقَوْلِهِ مِنْ غَيْرِ مَوْتٍ، أَوْ طَلَاقٍ مِمَّا لَوْ حَصَلَ أَحَدُهُمَا وَسَيَأْتِي وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَنَّ الْحُكْمَ التَّحَالُفُ وَالتَّفَاسُخُ فَإِنْ حَلَفَ أَحَدُهُمَا وَنَكَلَ الْآخَرُ ثَبَتَ النِّكَاحُ وَلَزِمَ النَّاكِلَ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ الْآخَرُ وَقَوْلُهُ وَتَحَالَفَا أَيْ بِشَرْطِ أَنْ تَكُونَ مَالِكَةً أَمْرَ نَفْسِهَا وَإِلَّا فَيَحْلِفُ مَنْ عَقَدَ النِّكَاحَ عَلَيْهَا مِنْ أَبٍ، أَوْ وَصِيٍّ، أَوْ وَلِيٍّ إنْ كَانَتْ مَحْجُورًا عَلَيْهَا قَالَهُ الْمُتَيْطِيُّ وَغَيْرُهُ اهـ. وَيَأْتِي هَذَا لِابْنِ الْحَاجِبِ فِي قَوْلِهِ وَإِذَا تَنَازَعَ أَبُو الْبِكْر وَالزَّوْجُ تَحَالَفَا وَلَا كَلَامَ لَهَا (التَّوْضِيحُ) قَوْلُهُ وَيَجْرِي الرُّجُوعُ إلَخْ أَشَارَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَى مَسَائِلَ (الْأُولَى) إذَا ادَّعَى أَحَدُهُمَا مَا يُشْبِهُ هَلْ يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ أَوْ يَتَحَالَفَانِ لِمَالِكٍ فِيهِ قَوْلَانِ اللَّخْمِيُّ وَالْأَوَّلُ هُوَ الصَّوَابُ لِأَنَّ ذَلِكَ كَالشَّاهِدِ يَحْلِفُ مَعَهُ مَنْ قَامَ لَهُ (وَالثَّانِيَةُ) هَلْ يَنْفَسِخُ النِّكَاحُ بِتَمَامِ التَّحَالُفِ كَاللِّعَانِ وَهُوَ قَوْلُ سَحْنُونٍ، أَوْ لَا يَنْفَسِخُ وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا الرُّجُوعُ إلَى قَوْلِ الْآخَرِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ وَالْقَاضِيَيْنِ ابْنِ الْقَصَّارِ وَعَبْدِ الْوَهَّابِ وَبِهِ جَرَى عَمَلُ الْأَنْدَلُسِيِّين (ابْنُ مُحْرِزٍ) وَهُوَ أَصْوَبُ وَلَا شَكَّ عَلَى قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ أَنَّهُ يَنْفَسِخُ بِطَلَاقٍ وَانْظُرْ عَلَى قَوْلِ سَحْنُونٍ الَّذِي يَقُولُ إنَّهُ يَنْفَسِخُ بِتَمَامِ التَّحَالُفِ كَاللِّعَانِ هَلْ يَنْفَسِخُ بِغَيْرِ طَلَاقٍ أَمْ لَا. (الثَّالِثَةُ) تَبْدِئَةُ الزَّوْجَةِ لِأَنَّهَا بَائِعَةٌ نَفْسَهَا وَلِمَالِكٍ فِي الْمُخْتَصَرِ أَنَّهُ يَبْدَأُ الزَّوْجُ (الرَّابِعَةُ) إذَا نَكَلَا قَالَ اللَّخْمِيُّ قِيلَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ لَوْ حَلَفَا وَقِيلَ الْقَوْلُ قَوْلُ الْمَرْأَةِ، وَهَذَا كُلُّهُ دَاخِلٌ تَحْتَ قَوْلِهِ وَغَيْرُهُ كَالْبَيْعِ اهـ وَقَوْلُهُ فِي الْبَيْتِ فِيهِ أَيْ الْمَذْكُورِ مِنْ النَّوْعِ وَالْوَصْفِ وَيَجُوزُ إفْرَادُ الضَّمِيرِ إذَا كَانَ الْعَطْفُ بِأَوْ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ فِيمَا عَيَّنَا ... مِنْ قَدْرِهِ مَعَ حَلْفِهِ بَعْدَ الْبِنَا وَتَحْلِفُ الزَّوْجَةُ إنْ لَمْ يَحْلِفْ ... وَتَقْتَضِي مَا عَيَّنَتْ بِالْحَلِفِ لَمَّا قَدَّمَ الْكَلَامَ عَلَى حُكْمِ الِاخْتِلَافِ فِي الْقَدْرِ قَبْلَ الْبِنَاءِ أَتْبَعُهُ بِالْكَلَامِ عَلَيْهِ بَعْدَ الْبِنَاءِ وَهُوَ تَصْرِيحٌ بِمَفْهُومِ قَوْلِهِ فِي الْبَيْتِ الثَّانِي مِنْ هَذَا الْفَصْلِ فَإِنْ يَكُنْ ذَلِكَ مِنْ قَبْلِ الْبِنَا وَأَخْبَرَ هُنَا أَنَّ الْقَوْلَ فِي ذَلِكَ قَوْلُ الزَّوْجِ مَعَ يَمِينِهِ فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَتْ الزَّوْجَةُ وَأَخَذَتْ مَا حَلَفَتْ عَلَيْهِ (قَالَ الْمُتَيْطِيُّ) وَإِذَا كَانَ اخْتِلَافُهُمَا بَعْدَ الْبِنَاءِ فِي عَدَدِ الصَّدَاقِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ مَعَ يَمِينِهِ (قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ) لِأَنَّهَا مَكَّنَتْهُ مِنْ نَفْسِهَا فَصَارَتْ مُدَّعِيَةً وَهُوَ مُقِرٌّ لَهَا بِدَيْنٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ وَإِنْ نَكَلَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَرْأَةِ مَعَ يَمِينِهَا وَيَكُونُ لَهَا مَا حَلَفَتْ عَلَيْهِ قَالَ الْمُتَيْطِيُّ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ اهـ (ابْنُ الْحَاجِبِ) فَإِنْ تَنَازَعَا بَعْدَ الْبِنَاءِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ لِأَنَّهُ فَوْتٌ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يَتَحَالَفَانِ مَعَ بَقَاءِ الْعِصْمَةِ وَيَجِبُ لَهَا صَدَاقُ الْمِثْلِ وَقِيلَ إنْ اخْتَلَفَا فِي صِفَتِهِ فَمَا قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْقَدْرِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ مَعَ يَمِينِهِ (التَّوْضِيحُ) أَيْ فَإِنْ تَنَازَعَا بَعْدَ الْبِنَاءِ فِي الْقَدْرِ، أَوْ الصِّفَةِ وَالْأَوَّلُ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ، ثُمَّ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فَرْعٌ فَإِنْ اخْتَلَفَا فِي

فصل في الاختلاف في القبض

الْجِنْسِ بَعْدَ الْبِنَاءِ فَحَكَى اللَّخْمِيُّ وَالْمُتَيْطِيُّ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ الْأَوَّلُ أَنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ وَيُفْسَخُ النِّكَاحُ إنْ كَانَ تَنَازُعُهُمَا قَبْلَ الْبِنَاءِ كَانَ بِمَا يُصَدِّقُهُ النِّسَاءُ، أَوْ لَا وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْبِنَاءِ ثَبَتَ النِّكَاحُ وَتُرَدُّ الْمَرْأَةُ إلَى صَدَاقِ مِثْلِهَا مَا لَمْ يَكُنْ فَوْقَ قِيمَةِ مَا ادَّعَتْ، أَوْ دُونَ مَا ادَّعَى الزَّوْجُ إلَّا أَنْ يَرْضَى الزَّوْجُ أَنْ يُعْطِيَهَا مَا ادَّعَتْ، وَهَذَا كُلُّهُ قَوْلُ مَالك (، ثُمَّ قَالَ) وَإِذَا قُلْنَا بِالتَّحَالُفِ وَرَدِّ الْمَرْأَةِ إلَى صَدَاقِ الْمِثْلِ فَهَلْ يَثْبُتُ النِّكَاحُ وَهُوَ الْمَعْرُوفُ فِي الْمَذْهَبِ وَرَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ، أَوْ يُفْسَخُ وَهُوَ الَّذِي فِي الْجَلَّابِ اهـ وَإِلَى هَذَا الْفِقْهِ بِعَيْنِهِ أَشَارَ النَّاظِمُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِقَوْلِهِ. وَإِنْ هُمَا تَخَالَفَا فِي نَوْعِ مَا ... أَصْدَقَ مَا كَانَ فَحَلْفًا أُلْزِمَا وَفِي الْأَصَحِّ يَثْبُتُ النِّكَاحُ ... وَمَهْرُ مِثْلِهَا لَهَا مُبَاحُ فَقَوْلُهُ وَإِنْ هُمَا أَيْ الزَّوْجَانِ تَخَالَفَا فِي نَوْعِ الصَّدَاقِ يَعْنِي وَكَانَ ذَلِكَ بَعْدَ الْبِنَاءِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ فِي الْبَيْتِ قَبْلَهُ مَعَ حَلِفِهِ بَعْدَ الْبِنَا وَقَوْلُهُ مَا كَانَ أَيْ كَانَ مِمَّا يُصْدَقُهُ النِّسَاءُ، أَوْ لَا وَأَلِفُ أُلْزِمَا لِلتَّثْنِيَةِ أَيْ أُلْزِمَا مَعًا بِالْحَلِفِ وَفِي ثُبُوتِ النِّكَاحِ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَفَسْخِهِ قَوْلَانِ وَعَلَى كُلٍّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ فَلَهَا صَدَاقُ مِثْلِهَا وَتَقَدَّمَ هَذَا فِي قَوْلِ التَّوْضِيحِ وَإِذَا قُلْنَا بِالتَّحَالُفِ وَرَدِّ الْمَرْأَةِ إلَخْ اهـ [فَصْلٌ فِي الِاخْتِلَافِ فِي الْقَبْضِ] ِ وَإِنْ هُمَا قَبْلَ الْبِنَاءِ اخْتَلَفَا ... فِي الْقَبْضِ لِلنَّقْدِ الَّذِي قَدْ وَصَفَا فَالْقَوْلُ لِلزَّوْجَةِ وَالْيَمِينُ ... أَوْ لِلَّذِي فِي حِجْرِهِ تَكُونُ يَعْنِي إنَّ الزَّوْجَيْنِ إذَا اخْتَلَفَا قَبْلَ الْبِنَاءِ فَادَّعَى الزَّوْجُ أَنَّهُ دَفَعَ الْحَالَّ مِنْ الصَّدَاقِ وَأَنْكَرَتْ الزَّوْجَةُ وَزَعَمَتْ أَنَّهَا لَمْ تَقْبِضْهُ فَالْقَوْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُ الزَّوْجَةِ مَعَ يَمِينِهَا، أَوْ يَمِينِ حَاجِرِهَا إنْ كَانَتْ مَحْجُورَةً (قَالَ فِي التَّهْذِيبِ) وَإِذَا ادَّعَى الزَّوْجُ أَنَّهُ دَفَعَ الصَّدَاقَ وَأَنْكَرَتْ الزَّوْجَةُ، أَوْ مَاتَ الزَّوْجُ فَادَّعَتْ الزَّوْجَةُ أَنَّهَا لَمْ تَقْبِضْ صَدَاقَهَا، أَوْ مَاتَ الزَّوْجَانِ وَتَدَاعَى وَرَثَتُهُمَا فِي دَفْعِ الصَّدَاقِ، فَلَا قَوْلَ لِلْمَدْخُولِ بِهَا وَلِوَرَثَتِهَا وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ أُصْدِقَتْ هِيَ، أَوْ وَرَثَتُهَا اهـ وَفِي التَّهْذِيبِ هَذَا زِيَادَةُ فَوَائِدَ عَلَى الْمُحْتَاجِ إلَيْهِ مِنْ فِقْهِ الْبَيْتَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، ثُمَّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَعَالَى. وَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ بَعْدَ مَا بَنَى ... وَيَدَّعِي الرَّفْعَ لَهَا قَبْلَ الْبِنَا وَهُوَ لَهَا فِيمَا ادَّعَى مِنْ بَعْدِ أَنْ ... بَنَى بِهَا وَالْعُرْفُ رَعْيُهُ حَسَنْ يَعْنِي إذَا اخْتَلَفَ الزَّوْجَانِ فِي دَفْعِ الْحَالِّ مِنْ الصَّدَاقِ وَكَانَ اخْتِلَافُهُمَا بَعْدَ الْبِنَاءِ فَإِنْ ادَّعَى الزَّوْجُ دَفْعَهُ قَبْلَ الْبِنَاءِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ وَإِنْ ادَّعَى دَفْعُهُ بَعْدَ الْبِنَاءِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا مَعَ يَمِينِهَا أَيْضًا وَتَقَدَّمَ نَصُّ التَّهْذِيبِ لِهَذَا (قَالَ الشَّارِحُ) مُفَسِّرًا لِقَوْلِ النَّاظِمِ وَالْعُرْفُ رَعْيُهُ حَسَن وَلِلْعُرْفِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ تَأْثِيرٌ فَالْحَقُّ مُرَاعَاتُهُ قَالَ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى فِي هَذَيْنِ الْبَيْتَيْنِ قَالُوا مِنْ بَابِ ارْتِفَاعِ أَصْلٍ بِغَالِبٍ لِأَنَّ الدُّخُولَ بِالزَّوْجَةِ دَلِيلٌ عِنْدَهُمْ لِصِحَّةِ دَعْوَى الزَّوْجِ أَنَّهُ دَفَعَ نَقْدَ الْمَهْرِ قَبْلَهُ لِأَنَّهُ

فصل فيما يهديه الزوج ثم يقع الطلاق

الْغَالِبُ عَادَةً فَارْتَفَعَ بِهِ أَصْلُ عِمَارَةِ الذِّمَّةِ بِخِلَافِ دَعْوَاهُ الدَّفْع قَبْلَ الْبِنَاءِ، فَلَا غَالِبَ مَعَهُ حِينَئِذٍ فَيُحَبُّ الْبَقَاء مَعَ الْأَصْلِ إذْ لَا مُعَارِضَ لَهُ اهـ، ثُمَّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالْقَوْلُ وَالْيَمِينُ لِلَّذِي ابْتَنَى ... فِي دَفْعِهِ الْكَالِئَ قَبْلَ الِابْتِنَا إنْ كَانَ قَدْ حَلَّ وَفِي الَّذِي يَحِلْ ... بَعْدَ بِنَائِهِ لَهَا الْقَوْلُ جُعِلْ ثُمَّ لَهَا امْتِنَاعُهَا أَنْ يَدْخُلَا ... أَوْ تَقْبِضَ الْحَائِنَ مِمَّا أُجِّلَا يُعْنَى أَنَّ الزَّوْجَ إذَا بَنَى بِزَوْجَتِهِ وَادَّعَى أَنَّهُ دَفَعَ لَهَا، أَوْ لِحَاجِرِهَا الْكَالِئِ قَبْلَ الثَّنَاءِ وَأَنْكَرَتْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ إنْ كَانَ قَدْ حَلَّ عَلَيْهِ قَبْلَ الْبِنَاءِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ وَإِنْ كَانَ لَمْ يَحِلَّ إلَّا بَعْدَ الْبِنَاءِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا مَعَ يَمِينِهَا وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِالْبَيْتَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ وَأَشَارَ بِالْبَيْتِ الثَّالِثِ إلَى أَنَّ الْكَالِئَ إذَا حَلَّ قَبْلَ الْبِنَاءِ فَلِلْمَرْأَةِ أَنْ تَمْتَنِعَ مِنْ الدُّخُولِ حَتَّى تَقْبِضَهُ لِأَنَّهُ صَارَ مِنْ جُمْلَةِ الْحَالِّ (قَالَ فِي الْمُقَرِّبِ) قُلْت فَإِنْ تَزَوَّجَهَا بِصَدَاقٍ بَعْضُهُ مُعَجَّلٌ وَبَعْضُهُ مُؤَجَّلُ وَدَخَلَ وَاخْتَلَفَا فِي قَبْضِ الْمُؤَجَّلِ فَقَالَ سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ تَزَوَّجَ بِمِائَةِ دِينَارٍ وَخَادِمٍ إلَى سَنَةٍ فَنَقَدَهَا الْمِائَةَ وَدَخَلَ عَلَيْهَا بَعْد السَّنَةِ مِنْ يَوْم تَزَوَّجَهَا، ثُمَّ اخْتَلَفَا فِي قَبْضِ الْخَادِمِ فَقَالَ مَالِكٌ إنْ كَانَ دَخَلَ بِهَا بَعْد مُضِيِّ السَّنَةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ وَإِنْ كَانَ دَخَلَ بِهَا قِبَلَ مُضِيِّ السَّنَةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَرْأَةِ فَكَذَلِكَ مَسْأَلَتُك (وَفِي النَّوَادِرِ مِنْ كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ) قَالَ مَالِكٌ لَا تُقْبَلُ دَعْوَى الْمَرْأَةِ بَعْدَ الْبِنَاءِ أَنَّهَا لَمْ تَقْبِضْ صَدَاقَهَا إلَّا فِيمَا يَحِلُّ مِنْهُ قَبْلَ الْبِنَاءِ (وَفِي النَّوَادِرِ عَنْ كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ عَنْ رِوَايَةِ أَشْهَبَ) مَنْ تَزَوَّجَ بِعَاجِلٍ وَآجِلٍ فَلَهُ الْبِنَاءُ يَدْفَعُ الْمُعَجَّلَ فَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ حَتَّى حَلَّ الْمُؤَجَّلُ فَلَهُ مَنْعُهُ حَتَّى تَقْبِضَ جَمِيعَهُ اهـ [فَصْلٌ فِيمَا يُهْدِيهِ الزَّوْجُ ثُمَّ يَقَعُ الطَّلَاقُ] فَصْلٌ فِيمَا يُهْدِيهِ الزَّوْجُ (أَيْ: لِلزَّوْجَةِ) ثُمَّ يَقَعُ الطَّلَاقُ (يَعْنِي: أَوْ الْفَسْخَ) وَكُلُّ مَا يُرْسِلُهُ الزَّوْجُ إلَى ... زَوْجَتِهِ مِنْ الثِّيَابِ وَالْحُلَى فَإِنْ يَكُنْ هَدِيَّةً سَمَّاهَا ... فَلَا يَسُوغُ أَخْذُهُ إيَّاهَا إلَّا بِفَسْخٍ قَبْلَ أَنْ يَبْتَنِيَا ... فَإِنَّهُ مُسْتَخْلِصٌ مَا بَقِيَا وَإِنْ تَكُنْ عَارِيَّةً وَأَشْهَدَا ... مِنْ قَبْلُ سِرًّا فَلَهُ مَا وَجَدَا وَمُدَّعٍ إرْسَالَهَا كَيْ تُحْتَسَبْ ... مِنْ مَهْرِهَا الْحَلْفُ عَلَيْهِ قَدْ وَجَبْ ثُمَّ لَهَا الْخِيَارُ فِي صَرْفٍ وَفِي ... إمْسَاكِهَا مِنْ الصَّدَاقِ فَاعْرِفْ وَمُدَّعِي الْإِرْسَالَ لِلثَّوَابِ ... شَاهِدُهُ الْعُرْفُ بِلَا ارْتِيَابِ يَعْنِي أَنَّ مَا يُرْسِلُهُ الزَّوْجُ وَيَبْعَثُهُ إلَى زَوْجَتِهِ قَبْلَ الْبِنَاءِ مِنْ الثِّيَابِ وَالْحُلِيِّ وَغَيْرِ ذَلِكَ، ثُمَّ يَقَع الْفِرَاقُ بِطَلَاقٍ أَوْ بِفَسْخٍ فَهَلْ يَرْجِعُ ذَلِكَ لِلزَّوْجِ، أَوْ تَسْتَبِدُّ بِهِ الزَّوْجَةُ فِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ فَإِنْ سُمِّيَ ذَلِكَ هَدِيَّةً فَلَيْسَ لَهُ ارْتِجَاعُهُ وَكَانَ لِلزَّوْجَةِ إلَّا أَنْ يُفْسَخَ النِّكَاحُ بَيْنَهُمَا قَبْلَ الْبِنَاءِ بِوَجْهٍ مِنْ وُجُوهِ الْفَسْخِ فَلَهُ حِينَئِذٍ اسْتِخْلَاصُ مَا بَقِيَ دُونَ مَا ضَاعَ مِنْهَا، فَلَا تُطَالَبُ بِهِ وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِالْأَبْيَاتِ الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ وَإِنْ أَشْهَدَ الزَّوْجُ سِرًّا بِأَنَّ ذَلِكَ عَارِيَّةٌ لِلزَّوْجَةِ فَلَهُ اسْتِرْجَاعُ مَا وُجِدَ مِنْهَا فِي الطَّلَاقِ وَالْفَسْخِ وَبَقَاءِ الْعِصْمَةِ فَإِنْ ادَّعَى إرْسَالَهَا تُحْسَبُ لَهُ مِنْ الْمَهْرِ حَلَفَ عَلَى ذَلِكَ وَكَانَتْ الزَّوْجَةُ مُخَيَّرَةً بَيْنَ صَرْفِ ذَلِكَ لِلزَّوْجِ وَرَدِّهِ لَهُ، أَوْ تَحْبِسَ ذَلِكَ وَتَحْسِبُهُ مِنْ الْمَهْرِ كَمَا زَعَمَ الزَّوْجُ وَإِنْ ادَّعَى أَنَّ ذَلِكَ هِبَةٌ لِلثَّوَابِ رَجَعَ بِذَلِكَ لِلْعُرْفِ فَإِنْ شَهِدَ لَهُ الْعُرْفُ صُدِّقَ فِي دَعْوَاهُ وَإِلَّا، فَلَا (قَالَ فِي النَّوَادِرِ) وَالْعُتَيْبَة

فصل في الاختلاف في الشوار المورد بيت البناء

رَوَى عِيسَى وَأَصْبَغُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ أَهْدَى هَدِيَّةً لِزَوْجَتِهِ، ثُمَّ طَلَّقَ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَالْهِدَايَةُ قَائِمَةٌ، فَلَا شَيْءَ لَهُ فِيهَا وَلَوْ عُثِرَ عَلَى فَسَادِ النِّكَاحِ بِفَسْخٍ فَمَا أَدْرَكَ مِنْهَا أَخَذَهُ وَمَا فَاتَ، فَلَا شَيْءَ لَهُ فِيهِ قَالَ عَنْهُ أَصْبَغُ وَلَوْ طُلِّقَ عَلَيْهِ لِعَدَمِ النَّفَقَةِ وَشِبْهِ هَذَا فَهُوَ كَطَوْعِهِ بِالطَّلَاقِ، فَلَا شَيْءَ لَهُ فِيهِ، وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ إذَا أَهْدَى، ثُمَّ طَلَّقَ قَبْلَ الْبِنَاءِ. (وَفِي النَّوَادِرِ مِنْ كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ) قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَمَنْ بَعَثَ إلَى زَوْجَتِهِ مَتَاعًا وَحُلِيًّا وَأَشْهَدَ أَنَّهُ عَارِيَّةٌ وَلَمْ يَعْلَمْ أَوْلِيَاؤُهَا فَذَلِكَ عَلَى مَا أَشْهَدَ إنْ أَدْرَكَهُ أَخَذَهُ وَإِنْ تَلِفَ وَلَمْ تَكُنْ عَلِمَتْ بِمَا أَشْهَدَ حَتَّى تَقْبَلَهُ عَلَى الْعَارِيَّةِ، فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهَا (وَفِي النَّوَادِرِ أَيْضًا مِنْ الْوَاضِحَةِ) وَمَا أَهْدَى النَّاكِحُ مِنْ حُلِيٍّ، أَوْ ثِيَابٍ، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَحْتَسِبَ ذَلِكَ فِي الصَّدَاقِ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إذَا سَمَّاهُ هَدِيَّةً وَإِنْ لَمْ يُسَمِّهِ هَدِيَّةً حَلَفَ مَا أَرْسَلَهُ هَدِيَّةٌ وَمَا بَعَثَهُ إلَّا لِيُنْقِصَهُ مِنْ الصَّدَاقِ فَذَلِكَ لَهُ فَإِنْ شَاءَتْ الزَّوْجَةُ قَاصَّتْهُ بِهِ، أَوْ رَدَّتْهُ وَقَالَهُ أَصْبَغُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَقَالَهُ غَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ (وَفِي الْمُقَرِّبِ) قَالَ مَالِكٌ وَلَيْسَ بَيْنَ الرَّجُلِ وَامْرَأَتِهِ ثَوَاب فِي الْهِبَةِ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهَا أَرَادَتْ بِذَلِكَ الثَّوَابَ مِثْلَ أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ الْمُوسِرُ تَكُونُ لِامْرَأَتِهِ الْجَارِيَةُ الْفَارِهَةُ فَطَلَبهَا مِنْهَا فَتُعْطِيه إيَّاهَا لِتَسْتَغْزِرَ عَطِيَّتَهُ، وَكَذَلِكَ الرَّجُلُ فِيمَا يَهَبُ لِزَوْجَتِهِ. (وَفِي الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ) فَإِنْ لَمْ يُسَمِّ هَدِيَّةً وَلَا أَعْلَنَ بِهَا وَادَّعَى أَنَّهُ أَرْسَلَ لَهَا ثِيَابًا لِيُكَافَأ عَلَيْهَا فَإِنَّهُ يُنْظَرُ إلَى حَالِ أَهْلِ الْبَلَدِ فَإِنْ كَانَ الْمُتَعَارَفُ عِنْدَهُمْ أَنَّ الرِّجَالَ إنَّمَا يَهْدُونَ إلَى نِسَائِهِمْ لِيُكَافَئُوا عَلَى ذَلِكَ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ فِي الْبَلَدِ سِيرَةٌ بِالْمُكَافَأَةِ وَلَا رُئِيَ مِنْ الزَّوْجِ إنَّ ذَلِكَ كَانَ مِنْهُ عَلَى طَلَبِ الْمُكَافَأَةِ وَلَا ذَكَرَ وَجْهًا غَيْرَ طَلَبِ الْمُكَافَأَةِ وَلَمْ يُرَ فِي وَقْتِ الْهَدِيَّةِ مَا يَدُلُّ عَلَى إرَادَتِهِ الَّتِي ذَكَرَ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِيهَا قِيَامٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَشَرْطُ كِسْوَةٍ مِنْ الْمَحْظُورِ ... لِلزَّوْجِ فِي الْعَقْدِ عَلَى الْمَشْهُورِ يَعْنِي: أَنَّ اشْتِرَاطَ الزَّوْجِ عَلَى الزَّوْجَةِ كِسْوَةً لَهُ فِي نَفْسِ عَقْدِ النِّكَاحِ مَحْظُورُ وَمَمْنُوعٌ عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ الْمَذْهَبِ لِأَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ النِّكَاحِ وَالْبَيْعِ وَذَلِكَ مَمْنُوعٌ لِافْتِرَاقِ أَحْكَامِهِمَا لِأَنَّ الْبَيْعَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُكَايَسَةِ وَتَجُوزُ فِيهِ الْهِبَةُ وَالنِّكَاحُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُكَارَمَةِ وَلَا تَجُوزُ فِيهِ الْهِبَةُ فَافْتَرَقَا فَإِذَا جُمِعَا لَمْ يَدْرِ مَا يَنُوبُ الْبُضْعَ وَلَا مَا يَنُوبُ الْكِسْوَةَ مَثَلًا مِمَّا أَعْطَى الزَّوْجُ فَمَآلُ ذَلِكَ إلَى الْجَهْلِ بِالصَّدَاقِ وَبِعِوَضِ الْكِسْوَةِ وَالْجَهْلُ فِي ذَلِكَ مَمْنُوعٌ وَقِيلَ فِي وَجْهِ الْمَنْعِ أَيْضًا إنَّ الْكِسْوَةَ قَدْ تُسَاوِي مَا أَعْطَى الزَّوْجُ فَيَخْلُو الْبُضْعُ عَنْ الْعِوَضِ وَالْقَائِلُ بِهَذَا يَمْنَعُ ذَلِكَ وَلَوْ كَانَ فِيمَا أَعْطَى الزَّوْجُ فَضْلٌ كَثِيرٌ عَلَى مَا أَعْطَتْهُ الْمَرْأَةُ حِمَايَةً لِلذَّرَائِعِ فَيُخْشَى إنْ صَحَّ الْأَمْرُ مِنْ هَذَيْنِ أَنْ لَا يَصِحَّ مِنْ غَيْرِهِمَا فَإِنْ وَقَعَ ذَلِكَ فُسِخَ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَثَبَتَ بَعْدَهُ بِصَدَاقِ الْمِثْلِ وَفُهِمَ عَنْ قَوْلِهِ وَشَرْطُ أَنَّ ذَلِكَ يَجُوزُ إنْ كَانَ طَوْعًا بَعْدَ الْعَقْدِ وَلِلزَّوْجِ يَتَعَلَّقُ بِشَرْطِ (قَالَ الشَّارِحُ) وَفِي وَثَائِقِ ابْنِ سَلْمُونٍ تَقْرِيرُ الْعَمَلِ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَكَأَنَّهُ ارْتَكَبَ فِيهَا غَيْرَ الْمَشْهُورِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَتَقَدَّمَ نَحْوُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي قَوْلِ الشَّيْخِ وَيَفْسُدُ النِّكَاحُ بِالْإِمْتَاعِ فِي ... عُقْدَتِهِ وَهُوَ عَلَى الطَّوْعِ انْتَفَى فَرَاجِعْهُ إنْ شِئْت. [فَصْلٌ فِي الِاخْتِلَافِ فِي الشُّوَارِ الْمُورَدِ بَيْتَ الْبِنَاءِ] ِ وَالْأَبُ إنْ أَوْرَدَ بَيْتَ مَنْ بَنَى ... بِبِنْتِهِ الْبِكْرِ شُوَارًا لِابْتِنَا وَقَامَ يَدَّعِي إعَارَةً لِمَا ... زَادَ عَلَى نَقْدٍ إلَيْهِ سُلِّمَا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ بِغَيْرِ بَيِّنَهْ ... مَا لَمْ يَطُلْ بَعْدَ الْبِنَا فَوْق السَّنَهْ

وَإِنْ يَكُنْ بِمَا أَعَارَ أَشْهَدَا ... قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَهُ مَا وَجَدَا وَفِي سِوَى الْبِكْرِ وَمِنْ غَيْر أَبِ ... قَبُولُ قَوْلٍ دُونَ إشْهَادٍ أَبِي وَلَا ضَمَانَ فِي سِوَى مَا أَتْلَفَتْ ... مَالِكَةٌ لِأَمْرِهَا الْعِلْمَ اقْتَفَتْ يَعْنِي أَنَّ مَنْ زَوَّجَ ابْنَتَهُ الْبِكْرَ وَأَوْرَدَ شُوَارَهَا بَيْتَ بِنَاءِ الزَّوْجِ بِهَا أَيْ أَرْسَلَ الشُّوَارَ وَهُوَ مَا اشْتَرَى لَهَا بِنَقْدِهَا مِنْ ثِيَابٍ وَحُلِيٍّ وَغِطَاءٍ وَوَطْءٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ لِبَيْتِ الْبِنْتِ الْمَذْكُورَةِ فَكَانَ ذَلِكَ تَحْتَ يَدِهَا، ثُمَّ ادَّعَى الْأَبُ أَنَّ الشُّوَارَ الْمَذْكُورَ، أَوْ بَعْضَهُ عَارِيَّةٌ بِيَدِهَا فَإِنَّهُ يُنْظَرُ فَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الشُّوَارِ مِثْلَ مَا قَبَضَ مِنْ صَدَاقِ ابْنَتِهِ، أَوْ أَقَلَّ، فَلَا تُقْبَلُ دَعْوَاهُ وَلَا يُلْتَفَتُ إلَيْهَا وَإِنْ زَادَتْ قِيمَتُهُ عَلَى مَا قَبَضَ فَتُقْبَلُ دَعْوَاهُ الْعَارِيَّةَ فِي ذَلِكَ الزَّائِدِ مَعَ يَمِينِهِ إنْ ادَّعَى ذَلِكَ دَاخِلَ السَّنَةِ مِنْ يَوْمِ الْبِنَاءِ بِالْبِنْتِ الْمَذْكُورَةِ فَإِنْ انْقَضَتْ لَمْ تُقْبَلْ دَعْوَاهُ وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِالْأَبْيَاتِ الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ هَذَا إذَا كَانَتْ الْعَارِيَّةُ الْمَذْكُورَةُ بِمُجَرَّدِ دَعْوَى الْأَبِ، وَأَمَّا إنْ شَهِدَ بِالْعَارِيَّةِ قَبْلَ الْبِنَاءِ بِالْبِنْتِ يَعْنِي، أَوْ بَعْدَهُ بِالْقُرْبِ جَدًّا فَلِلْأَبِ مِنْ تِلْكَ الْعَارِيَّةِ مَا وُجِدَ مِنْهَا دُونَ مَا تَلِفَ، فَلَا تَضْمَنُهُ الْبِنْتُ إنْ لَمْ تَعْلَمْ بِالْعَارِيَّةِ كَمَا يَأْتِي وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ وَإِنْ يَكُنْ بِمَا أَعَارَ أَشْهَدَا الْبَيْتَ، ثُمَّ صَرَّحَ بِمَفْهُومِ وَصْفِ الْبِنْتِ بِالْبَكَارَةِ وَبِمَفْهُومِ الْأَبِ فِي قَوْلِهِ وَالْأَبُ فَأَخْبَرَ أَنَّ الزَّوْجَةَ إذَا كَانَتْ ثَيِّبًا، فَلَا تُقْبَلُ دَعْوَى الْأَبِ الْعَارِيَّةَ لَهَا لَا دَاخِلَ السَّنَةِ وَلَا بَعْدَهَا وَأَحْرَى عَدَمُ قَبُولِهَا مِنْ غَيْرِ الْأَبِ كَالْأُمِّ أَمْ غَيْرِهَا كَالْوَصِيِّ وَالْوَلِيِّ وَأَنَّ

فصل في الاختلاف في متاع البيت

مُدَّعِي الْعَارِيَّةِ إنْ كَانَ غَيْرَ أَبٍ كَأُمٍّ، أَوْ وَصِيٍّ، أَوْ وَلِي لَمْ تُقْبَلْ دَعْوَاهُ لَا لِلْبِكْرِ وَلَا لِغَيْرِهَا وَإِلَى هَذَيْنِ الْمَفْهُومَيْنِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ وَفِي سِوَى الْبِكْرِ وَمِنْ غَيْرِ أَبٍ الْبَيْتَ، ثُمَّ بَيَّنَ مَا يُضْمَنُ مِنْ الْعَارِيَّةِ وَمَا لَا يُضْمَنُ مِنْهَا فَقَالَ وَلَا ضَمَانَ فِي سِوَى مَا أُتْلِفَتْ يَعْنِي إذَا صَحَّتْ الْعَارِيَّةُ فَوَجَدَ الْمُعَارَ تَالِفًا كُلَّهُ، أَوْ بَعْضَهُ، فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْبِنْتِ الْمَذْكُورَةِ فِيمَا تَلِفَ إلَّا فِي وَجْهٍ وَاحِدٍ وَهُوَ إذَا عَلِمَتْ بِالْعَارِيَّةِ وَكَانَتْ رَشِيدَةً. أَمَّا الْجَاهِلَةُ بِالْعَارِيَّةِ، فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهَا وَلَوْ رَشِيدَةً، وَكَذَا الْعَالِمَةُ بِهَا وَهِيَ مَحْجُورَةٌ، فَلَا غُرْمُ عَلَيْهَا أَيْضًا (قَالَ فِي مُنْتَقَى الْأَحْكَامِ) قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَإِذَا ادَّعَى الْأَبُ بَعْضَ مَا جَهَّزَ بِهِ الْبِكْرَ بَعْدَ دُخُولِ الزَّوْجِ أَنَّهُ لَهُ وَإِنَّهُ أَعَارَهُ إيَّاهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ إذَا كَانَ فِيمَا سَاقَتْ إلَى زَوْجِهَا وَفَاءً بِمَا أَعْطَاهَا سِوَى هَذَا الَّذِي يَدَّعِيه الْأَبُ وَسَوَاءٌ عُرِفَ لَهُ قَبْلَ ذَلِكَ، أَوْ لَمْ يُعْرَفْ أَقَرَّتْ بِهِ الِابْنَةُ، أَوْ أَنْكَرَتْهُ مَا لَمْ يَطُلْ زَمَنُ ذَلِكَ جِدًّا وَلَيْسَتْ السَّنَةُ طُولًا وَلَا يَكُونُ هَذَا إلَّا لِلْأَبِ فِي ابْنَتِهِ الْبِكْرِ لِأَنَّ مَا لَهَا فِي يَدِهِ وَالْقَوْلُ فِيهِ قَوْلُهُ، وَأَمَّا الِابْنَةُ الثَّيِّبُ، فَلَا لِأَنَّهُ لَا قَضَاءَ لِلْأَبِ فِي مَالِهَا وَإِنَّمَا هُوَ فِي يَدِهَا، وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْأَوْلِيَاءِ فِي الْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ لَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ وَإِنَّمَا جَازَ ذَلِكَ لِلْأَبِ فِي الْبِكْرِ خَاصَّةً كَذَلِكَ أَوْضَحَ لِي مَنْ كَاشَفْت مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَانْظُرْ إذَا كَانَ قَدْ أَشْهَدَ عَلَى الشُّورَةِ قَبْلَ ذَلِكَ. وَقَالَ أُشْهِدُكُمْ أَنَّهَا عَارِيَّةٌ بِيَدِ ابْنَتِي، ثُمَّ قَامَ يَطْلُبُهَا فَلَهُ ذَلِكَ بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا قَالَهُ فِي سَمَاعِ أَصْبَغَ وَعَلَى هَذَا يَكُونُ حُكْمُ سَائِرِ الْأَوْلِيَاءِ مَعَ الْإِشْهَادِ إذَا أَدْخَلَهُ بَيْتَهَا بِبَيِّنَةٍ وَإِنْ تَلِفَ ذَلِكَ الشَّيْءُ وَكَانَتْ بِكْرًا، فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهَا وَإِنَّ عَلِمَتْ بِالْعَارِيَّةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ هَلَاكُهُ بَعْدَ أَنْ رَشِدَتْ فَتَضْمَنُهُ إلَّا أَنْ تَقُومَ لَهَا بَيِّنَةٌ بِالتَّلَفِ مِنْ غَيْرِ سَبَبِهَا وَإِنْ لَمْ تَعْلَمْ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا وَإِنْ كَانَتْ رَشِيدَةً ثَيِّبًا يَوْمَ أَخْرَجَهَا وَعَلِمَتْ ضَمِنَتْ وَإِنْ لَمْ تَعْلَمْ لَمْ تَضْمَنْ اهـ (قَالَ الشَّارِحُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) هَذِهِ الْأَبْيَاتُ السِّتَّةُ مِنْ الْأَبْيَاتِ الْجَامِعَةِ، ثُمَّ قَالَ وَلَمْ يَبْقَ مِمَّا نُقِلَ مِنْ مُنْتَقَى الْأَحْكَامِ شَيْءٌ لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهِ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَا عَدَا عَدَمَ ضَمَانِ الرَّشِيدَةِ مَا قَامَتْ لَهَا الْبَيِّنَةُ عَلَى تَلَفِهِ مِنْ غَيْرِ سَبَبِهَا خَاصَّةً اهـ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ [فَصْلٌ فِي الِاخْتِلَافِ فِي مَتَاعِ الْبَيْتِ] ِ وَإِنْ مَتَاعَ الْبَيْتِ فِيهِ اُخْتُلِفَا ... وَلَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ فَتُقْتَفَى فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ مَعَ يَمِينِ ... فِيمَا بِهِ يَلِيقُ كَالسِّكِّينِ وَمَا يَلِيقُ بِالنِّسَاءِ كَالْحُلِيِّ ... فَهْوَ لِزَوْجَةٍ إذَا مَا تَأْتَلِي وَإِنْ يَكُنْ لَاقَ بِكُلٍّ مِنْهُمَا ... مِثْلَ الرَّقِيقِ حَلَفَا وَاقْتَسَمَا وَمَالِكٌ بِذَاكَ لِلزَّوْجِ قَضَى ... مَعَ الْيَمِينِ وَبِقَوْلِهِ الْقَضَا وَهُوَ لِمَنْ يَحْلِفُ مَعَ نُكُولِ ... صَاحِبِهِ مِنْ غَيْرِ مَا تَفْصِيل يَعْنِي أَنَّهُ إذَا اخْتَلَفَ الزَّوْجَانِ فِي مَتَاعِ الْبَيْتِ وَأَثَاثِهِ وَادَّعَاهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِنَفْسِهِ فَإِنَّهُ يُفَصَّلُ فِي ذَلِكَ فَمَا كَانَ مِنْهُ يَلِيقُ بِالرَّجُلِ كَالسِّكِّينِ وَالرُّمْحِ وَالْفَرَسِ وَالْكِتَابِ فَيُحْكَمُ بِهِ لِلرَّجُلِ مَعَ يَمِينِهِ مَا لَمْ تَقُمْ لَهُ بَيِّنَةٌ، فَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ وَمَا يَلِيقُ بِالْمَرْأَةِ كَالْحُلِيِّ وَمَا لَا يَلْبَسُهُ الرِّجَالُ فَيُحْكَمُ بِهِ لِلْمَرْأَةِ مَعَ يَمِينِهَا مَا لَمْ تَقُمْ لَهَا أَيْضًا بَيِّنَةٌ، فَلَا يَمِينَ عَلَيْهَا وَعَلَى كَوْنِ هَذَا الْحُكْمِ إذَا لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ نَبَّهَ بِقَوْلِهِ وَلَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ فَتُقْتَفَى وَمَا يَلِيق بِكُلٍّ مِنْهُمَا كَالرَّقِيقِ وَالثِّيَابِ الَّتِي يَلْبَسُهَا الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ فَفِيهِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ وَيُقْسَمُ بَيْنَهُمَا أَنْصَافًا وَالثَّانِي وَهُوَ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ يُحْكَمُ بِهِ لِلزَّوْجِ أَيْضًا بَعْدَ يَمِينِهِ وَبِهَذَا الْقَوْلِ الْحُكْمُ وَالْقَضَاءُ وَإِلَى هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ أَشَارَ بِالْبَيْتِ الرَّابِعِ وَالْخَامِسِ وَأَشَارَ بِالْبَيْتِ السَّادِسِ إلَى أَنَّ مَنْ ادَّعَى مِنْ الزَّوْجَيْنِ مَا يَلِيقُ بِهِ وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ وَقُلْنَا الْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ فَنَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ وَحَلَفَ الْآخِرُ فَإِنَّ ذَلِكَ يَكُونُ لِلْحَالِفِ لِأَنَّ نُكُولَ الْمُدَّعِي كَالشَّاهِدِ عَلَيْهِ فَيَحْلِفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَيَسْتَحِقُّ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِقَوْلِهِ مِنْ غَيْرِ مَا تَفْصِيل وَالْيَمِينُ مِنْ

الزَّوْجَيْنِ عَلَى الْبَتِّ وَمِنْ وَرَثَةِ الزَّوْجَيْنِ عَلَى الْعِلْمِ نَقَلَهُ الشَّارِحُ فِي سِيَاقِ كَلَامِ النَّوَادِرِ عَنْ الْوَاضِحَةِ (ابْنُ الْحَاجِبِ) وَإِذَا اخْتَلَفَا فِي مَتَاعِ الْبَيْتِ حُرَّيْنِ أَوْ عَبْدَيْنِ، أَوْ مُخْتَلِفَيْنِ وَلَا بَيِّنَةَ قُضِيَ لِلْمَرْأَةِ بِمَا يُعْرَفُ لِلنِّسَاءِ كَالطَّسْتِ وَالْمَنَارَةِ وَالْقِبَابِ وَالْحِجَالِ وَالْفُرُشِ وَالْبُسُطِ وَالْحُلِيِّ وَلِلرَّجُلِ بِمَا يُعْرَفُ لِلرِّجَالِ وَبِمَا يُعْرَفُ لَهُمَا لِأَنَّهُ بَيْتُهُ وَعَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ بَيْنَهُمَا بَعْد أَيْمَانِهِمَا. (التَّوْضِيحُ) فَإِنْ قَامَتْ لِلْمَرْأَةِ بَيِّنَةٌ بِمَا يُعْرَفُ لِلنِّسَاءِ قُضِيَ لَهَا بِهِ مِنْ غَيْرِ يَمِينٍ، وَكَذَلِكَ هُوَ وَإِنْ لَمْ تَقُمْ لِأَحَدِهِمَا بَيِّنَةٌ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ وَلَا بَيِّنَةَ فَإِنَّهُ يُقْضَى لِلْمَرْأَةِ بِمَا يُعْرَفُ لِلنِّسَاءِ وَلِلرَّجُلِ بِمَا يُعْرَفُ لِلرِّجَالِ خَاصَّةً وَيُقْضَى لَهُ أَيْضًا بِمَا يُعْرَفُ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ لِأَنَّ الْبَيْتَ لِلرَّجُلِ، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ مِثْلُهُ إلَّا فِيمَا يُعْرَفُ لَهُمَا فَإِنَّهُ قَالَ إنَّمَا يَكُونُ بَيْنَهُمَا بَعْدَ أَيْمَانِهِمَا وَإِلَيْهِ أَشَارَ ابْنُ الْحَاجِبِ بِقَوْلِهِ وَعَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ الضَّمِيرَ فِي أَنَّهُ عَائِدٌ عَلَى مَا يَصْلُحُ لَهُمَا، ثُمَّ قَالَ وَإِذَا فَرَّعْنَا عَلَى الْمَشْهُورِ فَهَلْ عَلَيْهِ يَمِينٌ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ عِنْدَهُمْ، أَوْ لَا يُحْتَاجُ إلَيْهَا وَهُوَ قَوْلُ سَحْنُونٍ وَرَأَى صَاحِبُ الْبَيَانِ أَنَّهُ لَا يُخْتَلَفُ فِي تَوَجُّهِ الْيَمِينِ وَالطَّسْتُ إنَاءٌ مَبْسُوطُ الْقَاعِ مَعْطُوفُ الْأَطْرَافِ يُعْمَلُ فِي الْغَالِبِ مِنْ النُّحَاسِ يُعَدُّ فِي الْغَالِبِ لِغَسْلِ الْيَدَيْنِ وَالْمَنَارَةُ الشَّيْءُ الَّذِي يُوضَعُ عَلَيْهِ السِّرَاجُ وَالْقِبَابُ جَمْعُ قُبَّةٍ وَالْحِجَالُ قَالَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ هِيَ السُّتُورُ. وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ الْحَجَلَةُ بِالتَّحْرِيكِ وَاحِدَةٌ حِجَالُ الْعَرُوسِ وَهِيَ بَيْتٌ يُزَيَّنُ بِالثِّيَابِ وَالْأَسِرَّةِ وَالسُّتُورِ أَصْبَغُ وَأَبُو عِمْرَانَ وَغَيْرُهُمَا، وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ الْعُرْفَ جَارٍ بِذَلِكَ أَيْ وَإِنْ كَانَ الْعُرْفُ فِي شَيْءٍ مِمَّا ذُكِرَ أَنَّهُ لِلرَّجُلِ

فصل في إثبات الضرر والقيام به وبعث الحكمين

قُضِيَ لَهُ وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْبُسُطَ تَبِعَ فِيهِ الْمُدَوَّنَةَ وَهُوَ جَارٍ عَلَى الْعُرْفِ عِنْدنَا بِمِصْرَ فِي أَنَّ الْمَرْأَةَ تَأْتِي بِهَا، وَأَمَّا إنْ طَالَ الْأَمْرُ فَالرَّجُلُ هُوَ الَّذِي يُخْلِفُهَا ابْنُ رَاشِدٍ وَعِنْدَنَا أَنَّهَا مَعْرُوفَةٌ لِلرِّجَالِ (قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ) وَيَقْضِي لِلْمَرْأَةِ بِجَمِيعِ الْحُلِيِّ إلَّا السَّيْفَ وَالْمِنْطَقَةَ وَالْخَاتَمَ فَإِنَّهَا لِلرِّجَالِ وَلِلرَّجُلِ جَمِيعُ الرَّقِيقِ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَأَصْنَافُ الْمَاشِيَةِ وَمَا فِي الْحَوَائِطِ مِنْ خَيْلٍ، أَوْ بِغَالٍ فَلِمَنْ حَازَ ذَلِكَ قَبْلُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَوْزًا فَالْمَرْكُوبُ كُلُّهُ لِلرَّجُلِ. وَقَوْلُهُ فِي الْمُدَوَّنَة وَالْخَاتَمُ ابْنُ يُونُسَ أَيْ الْفِضَّةُ يَعْنِي، وَأَمَّا الذَّهَبُ فَهُوَ لِلْمَرْأَةِ خَلِيلٌ وَجَرَتْ الْعَادَةُ عِنْدَنَا بِأَنَّ صِيَاغَةَ خَاتَمِ الرَّجُلِ لَا تُشَابِهُ صِيَاغَةَ خَاتَمِ الْمَرْأَةِ فَيُرْجَعُ إلَى ذَلِكَ، وَأَمَّا الرَّقِيقُ فَمَا قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ ظَاهِرٌ فِي الذُّكُورِ، وَأَمَّا الْإِنَاثُ فَقَدْ تَكُونُ لِلنِّسَاءِ وَقَدْ تَكُونُ لِلرِّجَالِ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَأَمَّا إنْ اخْتَلَفَا فِي الدَّارِ قُضِيَ بِهَا لِلرَّجُلِ، ثُمَّ ذَكَرَ فَرَعَيْنَ. الْأَوَّلُ إنْ طَلَّقَهَا وَعَلَيْهَا ثِيَابٌ فَطَلَبَتْهُ بِالْكُسْوَةِ فَقَالَ لَهَا مَا عَلَيْك فَقُولِي وَقَالَتْ بَلْ هُوَ لِي، أَوْ عَارِيَّةٌ عِنْدِي فَثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ قِيلَ الْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ وَقِيلَ قَوْلُ الزَّوْجَةِ وَقِيلَ إنْ كَانَتْ مِنْ كُسْوَةِ الْبِذْلَةِ فَالْقَوْلُ لَهُ مَعَ يَمِينِهِ وَإِلَّا فَقَوْلُهَا مَعَ يَمِينِهَا فَإِذَا حَلَفَتْ كَسَاهَا الْفَرْعُ الثَّانِي إذَا اشْتَرَى لِزَوْجَتِهِ ثِيَابًا فَلَبِسَتْهَا فِي غَيْرِ الْبِذْلَةِ، ثُمَّ فَارَقَهَا وَادَّعَى أَنَّهَا عَارِيَّةٌ وَأَنْكَرَتْهُ فَقَالَ الدَّاوُدِيُّ إنْ كَانَ مِثْلُهُ يَشْتَرِي ذَلِكَ لِزَوْجَتِهِ عَلَى وَجْهِ الْعَارِيَّةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ وَإِلَّا فَقَوْلُهَا وَسَوَاءٌ كَانَ لِبَاسَهَا، أَوْ لَا قَلِيلًا كَانَ، أَوْ كَثِيرًا قَرِيبًا، أَوْ بَعِيدًا وَقَالَ غَيْرُهُ الْقَوْلُ قَوْلُهُ مُطْلَقًا اهـ كَلَامٌ ابْنِ رَاشِدٍ اهـ كَلَامُ التَّوْضِيحِ (وَفِي الْمُخْتَصَرِ) وَإِنْ أَقَامَ الرَّجُلُ بَيِّنَةً عَلَى شِرَاءِ مَا لَهَا حَلَفَ وَقُضِيَ لَهُ بِهِ كَالْعَكْسِ وَفِي حَلِفِهَا تَأْوِيلَانِ: (الْمُوَافِقُ) ابْنُ الْهِنْدِيِّ إنْ كَسَا الرَّجُلُ زَوْجَتَهُ كُسْوَةً، ثُمَّ طَلَّقَهَا فَأَرَادَ أَخْذَ كُسْوَتِهِ فَإِنْ مَضَى لَهَا ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ فَهِيَ لِلْمَرْأَةِ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ فَهِيَ لِلرَّجُلِ وَقَعَ هَذَا فِي الْقَذْفِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ لَكِنْ قَالَ شُهُور فَحُمِلَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ وَيَبْقَى النَّظَرُ فِي ثِيَابِ غَيْرِ الْمِهْنَةِ إذَا لَمْ يُشْهِدْ أَنَّهَا زِينَةٌ اُنْظُرْ قَبْلَ تَرْجَمَةِ بَابِ اللِّعَانِ مِنْ طُرَرِ ابْنِ عَاتٍ وَقَالَ ابْنُ الْفَخَّارِ الْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ أَنَّ الثِّيَابَ الَّتِي لَا تُشَاكِلُ أَنْ تَكُونَ مِنْ بِذْلَتِهَا لِارْتِفَاعِهَا وَمِثْلُهَا لَا يَفْرِضُهَا عَلَيْهِ الْقَاضِي أَنَّهَا عَارِيَّةٌ وَقَالَ إنَّ هَذَا هُوَ مُقْتَضَى مَا فِي النِّكَاحِ الثَّانِي الْمُدَوَّنَةُ وَفِي نَوَازِلِ ابْنِ الْحَاجِّ إنْ وَجَدَتْ ذَهَبًا نَاضَّةً فِي تَرِكَةِ الزَّوْجِ فَادَّعَتْهَا الْمَرْأَةُ فَإِنْ قَامَ دَلِيلٌ مِثْلُ أَنْ تَكُونَ قَرِيبَةَ عَهْدٍ بِبَيْعِ أَصْلٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا مَعَ يَمِينِهَا. (قَالَ ابْنُ مُزَيْنٍ) وَإِذَا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهَا لَا بُدَّ مِنْ يَمِينِهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْوَرَثَةُ إلَّا أَوْلَادَهَا إذْ لَيْسَ هَذَا مِنْ دَعْوَى الْوَلَدِ إنَّمَا هِيَ الْمُدَّعِيَةُ فَحَكَمَتْ السُّنَّةُ بِأَنْ تَحْلِفَ وَانْظُرْ إذَا اخْتَلَفَا فِي الدَّجَاجِ قِيلَ يُقْضَى بِهَا لِلزَّوْجِ مَعَ يَمِينِهِ وَسَمِعَ أَصْبَغُ إنْ تَدَاعَيَا فِي غَزْلٍ فَهُوَ لَهَا بَعْدَ حَلِفِهَا (ابْنُ عَرَفَةَ) إنْ كَانَ الزَّوْجُ مِنْ الْحَاكَةِ وَأَشْبَهَ غَزْلُهُ غَزْلَهَا فَمُشْتَرَكٌ وَإِلَّا فَهُوَ لِمَنْ أَشْبَهَ غَزْلُهُ مِنْهُمَا (الْمُتَيْطِيُّ) إنْ عُرِفَتْ الْبَيِّنَةُ أَنَّ الْكَتَّانَ لِلرَّجُلِ، أَوْ أَقَرَّتْ الْمَرْأَةُ بِذَلِكَ كَانَا شَرِيكَيْنِ فِي الْغَزْلِ الرَّجُلُ بِقِيمَةِ كَتَّانِهِ وَالْمَرْأَةُ بِقِيمَةِ عَمَلِهَا اهـ مِنْ الْمَوَّاقِ بِتَقْدِيمٍ وَتَأْخِيرٍ [فَصْلٌ فِي إثْبَاتِ الضَّرَرِ وَالْقِيَامِ بِهِ وَبَعْثِ الْحَكَمَيْنِ] ِ وَيَثْبُتُ الْإِضْرَارُ بِالشُّهُودِ ... أَوْ بِسَمَاعٍ شَاعَ فِي الْوُجُودِ يَعْنِي أَنَّ إضْرَارَ الزَّوْجِ بِزَوْجَتِهِ يَثْبُتُ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ إمَّا بِشَهَادَةِ الشُّهُودِ بِهِ وَمُعَايَنَتِهِمْ إيَّاهُ لِمُجَاوَرَتِهِمْ لِلزَّوْجَيْنِ لِقَرَابَتِهِمْ مِنْهُمَا وَنَحْوِ ذَلِكَ وَإِمَّا بِالسَّمَاعِ الْفَاشِي الْمُسْتَفِيضِ عَلَى أَلْسِنَةِ الْجِيرَانِ

وَالْخَدَمِ وَغَيْرِهِمَا قَالَ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ مِنْ الْعُتْبِيَّةِ لِأَصْبَغَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ سَأَلَ عَنْ الشَّاهِدَيْنِ الْعَدْلَيْنِ يَشْهَدَانِ فِي ضَرَرِ الزَّوْجِ لِزَوْجَتِهِ عَلَى السَّمَاعِ الْفَاشِي مِنْ الْجِيرَانِ وَالْأَهْلِينَ فَقَالَ السَّمَاعُ الْفَاشِي وَالشُّهُودُ الْكَثِيرُ عَلَيْهِ أَحَبُّ إلَيَّ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ غَيْرَهُمَا نَفَذَ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَ الزَّوْجِ مَدْفَعٌ (وَفِي الْمُفِيدِ) وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إنَّ شَهَادَةَ الشُّهُودِ عَلَى مَعْرِفَةِ الضَّرَرِ بِالْبَتَاتِ فِيهَا بَعْضُ الْمَغْمَزِ مِنْ أَجْلِ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَعْرِفُهُ الشُّهُودُ مَعْرِفَةَ قَطْعٍ (قَالَ أَصْبَغُ) إنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ لَا دَاخِلَةَ فِيهِ عَلَيْهِمْ إذَا عَرَفُوا ذَلِكَ مَعْرِفَةَ يَقِينٍ. اهـ (قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ) قُلْت شَهَادَةُ بَتِّ الْعِلْمِ بِضَرَرِ الزَّوْجِ عَامِلَةٌ قَالَهُ الْبَاجِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ الْمَذْهَبِ (ابْنُ رُشْدٍ) اتِّفَاقًا قُلْت فِي سَمَاعِ أَصْبَغَ ابْنَ الْقَاسِمِ فِي الشَّهَادَةِ إنَّمَا تَجُوزُ فِيهَا عَلَى السَّمَاعِ اهـ وَإِنْ تَكُنْ قَدْ خَالَعَتْ وَأَثْبَتَتْ ... إضْرَارَهُ فَفِي اخْتِلَاعٍ رَجَعَتْ وَبِالْيَمِينِ النَّصُّ فِي الْمُدَوَّنَةِ ... وَقَالَ قَوْمُ مَا الْيَمِينُ بَيِّنَهْ يَعْنِي أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا خَالَعَتْ زَوْجَهَا بِأَنْ أَعْطَتْهُ شَيْئًا عَلَى أَنْ يُطَلِّقَهَا فَطَلَّقَهَا، ثُمَّ أَثْبَتَتْ أَنَّهُ كَانَ يَضُرُّ بِهَا إلَى أَنْ خَالَعَتْهُ تَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا أَعْطَتْهُ وَالْخُلْعُ لَازِمٌ (وَفِي الطُّرَرِ) وَتَحْلِفُ أَنَّهَا إنَّمَا أَسْقَطَتْ

ذَلِكَ لِلْإِضْرَارِ ذَكَرَ ذَلِكَ ابْنُ فَتْحُونٍ وَفِي وَثَائِقِهِ نَقَلَهُ الشَّارِحُ وَانْظُرْهُ مَعَ نَقْلِ الْمَوَّاقِ ذَلِكَ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ وَحِكَايَةِ الْخِلَافِ فِي الْيَمِينِ (ابْنُ الْحَاجِبِ) وَلَوْ خَالَعَتْهُ لِظُلْمِهِ، أَوْ ضَرَرِهِ فَلَهَا اسْتِرْجَاعُهُ وَيَنْفُذُ الطَّلَاقُ (التَّوْضِيحُ) يَعْنِي إذَا خَالَعَتْهُ، ثُمَّ ادَّعَتْ أَنَّهَا إنَّمَا خَالَعَتْهُ لِظُلْمِهِ لَهَا فِي بَدَنِهَا، أَوْ لِضَرَرِهِ بِهَا كَمَا لَوْ كَانَ يَمْنَعُهَا مِنْ زِيَارَةِ وَالِدَيْهَا عَلَى أَنَّ الظُّلْمَ وَالضَّرَرَ كَمَا كَالْمُتَرَادَفِينَ فَإِنْ أَثْبَتَتْ ذَلِكَ فَلَهَا اسْتِرْجَاعُ مَالِهَا وَيَنْفُذُ الطَّلَاقُ بَائِنًا لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى شَرَطَ فِي حِلِّيَّةِ مَا تَدْفَعُهُ أَنْ يَكُونَ عَنْ طِيبِ نَفْسٍ فَقَالَ عَزَّ مَنْ قَائِلٍ {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} [النساء: 4] (ابْنُ الْقَاسِمِ) وَلَيْسَ مِنْ الْإِضْرَارِ الْبُغْضُ لَهَا وَإِنَّمَا الْأَذَى بِضَرْبٍ، أَوْ إيصَالِ شَتْمٍ فِي غَيْرِ حَقٍّ، أَوْ أَخْذِ مَالٍ أَوْ الْمُشَاوِرَةِ (مَالِكٌ) وَلَيْسَ عِنْدَنَا فِي قِلَّةِ الضَّرَرِ وَكَثْرَتِهِ شَيْءٌ مَعْرُوفٌ وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِيمَنْ عَلِمَ مِنْ امْرَأَتِهِ الزِّنَا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُضَارَّهَا حَتَّى تَفْتَدِيَ (وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ) فِي النَّاشِزِ تَقُولُ لَا أُصَلِّي وَلَا أَصُومُ وَلَا أَغْتَسِلُ مِنْ جَنَابَةٍ لَا يُجْبَرُ عَلَى فِرَاقِهَا إنْ شَاءَ فَارَقَهَا وَحَلَّ لَهُ مَا افْتَدَتْ بِهِ (قَالَ فِي الْبَيَانِ) وَلَهُ أَنْ يُؤَدِّبَهَا عَلَى تَرْكِ الصَّلَاةِ وَيُمْسِكَهَا. (قَالَ فِي الْمُقَدَّمَاتِ) وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُضَيِّقَ عَلَيْهَا وَإِنْ أَتَتْ بِفَاحِشَةٍ مِنْ زِنَا، أَوْ نُشُوزٍ، أَوْ فِرَارٍ قَالَ وَلَا خِلَافَ بَيْنَ مَالِكٍ وَجَمِيعِ أَصْحَابِهِ فِي ذَلِكَ وَعَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْمُضَارَّةُ فِي تَرْكِ الصَّلَاةِ حَتَّى تُخَالِعَهُ انْتَهَى بِبَعْضِ اخْتِصَارٍ (وَفِي الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ) وَلَمْ يَضُرَّهَا مَا عَقَدَتْ عَلَى نَفْسِهَا مِنْ أَنَّهَا فَعَلَتْ ذَلِكَ طَيِّبَةَ النَّفْسِ وَلَا إسْقَاطُهَا الْبَيِّنَاتِ الْمُسْتَرْعَاةَ وَثُبُوتُ الْإِكْرَاهِ يُسْقِطُ ذَلِكَ عَنْهَا اهـ (التَّوْضِيحُ) وَإِنْ اعْتَرَفَتْ فِي عَقْدِ الْخُلْعِ بِالطَّوْعِ وَكَانَتْ اسْتَرْعَتْ فَلَهَا الرُّجُوعُ بِالْإِنْفَاقِ، وَكَذَلِكَ إنْ لَمْ تَسْتَرْعِ وَقَامَتْ لَهَا بَيِّنَةٌ لَمْ تَكُنْ عَلِمَتْ بِهَا، وَأَمَّا إنْ عَلِمَتْ بِهَا فَفِيهِ نَظَرٌ وَاَلَّذِي قَالَهُ ابْنُ الْهِنْدِيِّ وَابْنُ الْعَطَّارِ وَغَيْرُهُمَا أَنَّ لَهَا الرُّجُوعَ وَلَا يَضُرُّهَا ذَلِكَ وَلَا يَضُرُّهَا أَيْضًا إسْقَاطُ الْبَيِّنَاتِ الْمُسْتَرْعَاةِ وَغَيْرُهَا وَهُوَ أَصْوَبُ لِأَنَّ ضَرَرَهُ بِهَا يَحْمِلُهَا عَلَى أَنْ تَعْتَرِفَ بِالطَّوْعِ. (فَرْعٌ) وَإِنْ خَالَعَهَا وَأَخَذَ مِنْهَا حَمِيلًا بِالدَّرَكِ فَقَالَ ابْنُ الْعَطَّارِ إذَا أُثْبِتَ الضَّرَرُ لَا تَسْقُطُ التَّبَاعَاتُ عَنْ الْحَمِيلِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُكْرَهٍ وَقَدْ أُدْخِلَ الزَّوْجُ فِي زَوَالِ الْعِصْمَةِ وَلَا يَرْجِعُ الْحَمِيلُ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ بَعْضُ فُقَهَائِنَا الصَّقَلِّيِّينَ وَذَكَرَ ابْنُ يُونُسَ خِلَافًا فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْقَرَوِيِّينَ وَأَنَّ مِنْهُمْ مِنْ يَقُولُ هَكَذَا وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ إذَا أَثْبَتَتْ الْمَرْأَةُ الضَّرَرَ يَسْقُطُ الطَّلَبُ عَنْ الْحَمِيلِ لِأَنَّهُ إذَا سَقَطَ الْمَالُ عَنْ الْأَصْلِ تَسْقُطُ عَنْ الْحَمِيلِ الْمُطَالَبَةُ انْتَهَى كَذَا إذَا عَدْلٌ بِالْإِضْرَارِ شَهِدْ ... فَالرَّدُّ لِلْخُلَعِ مَعَ الْحَلْفِ اعْتَمِدْ لِأَنَّ ذَاكَ رَاجِعٌ لِلْمَالِ ... وَفُرْقَةٌ تَمْضِي بِكُلِّ حَالِ يَعْنِي أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ الضَّرَرُ بِعَدْلَيْنِ وَلَا بِشَهَادَةِ السَّمَاعِ وَإِنَّمَا شَهِدَ بِهِ عَدْلٌ وَاحِدٌ فَإِنَّ الْمَرْأَة تَحْلِفُ مَعَ الشَّاهِدِ وَيَرُدُّ الزَّوْجُ الْمَالَ لِأَنَّ النِّزَاعَ فِي الْمَالِ وَهُوَ يَثْبُتُ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ، وَأَمَّا الطَّلَاقُ فَيَمْضِي، وَكَذَلِكَ إذَا ثَبَتَ الضَّرَرُ بِشَهَادَةِ امْرَأَتَيْنِ (ابْنُ الْحَاجِبِ) وَإِنْ شَهِدَ وَاحِدٌ وَامْرَأَتَانِ بِالضَّرَرِ حَلَفَتْ وَاسْتَرْجَعَتْهُ لِأَنَّهُ عَلَى مَالٍ وَقَالَ قَبْلَهُ وَيَنْفُذُ الطَّلَاقُ (ابْنُ الْقَاسِمِ الْجَزِيرِيُّ) وَإِنْ قَامَ لَهَا بَعْدَ الْخُلْعِ شَاهِدٌ وَاحِدٌ بِالضَّرَرِ حَلَفَتْ مَعَهُ وَاسْتَحَقَّتْ الرُّجُوعَ (وَفِي تَهْذِيبِ الطَّالِبِ) إذَا شَهِدَ

امْرَأَتَانِ بَعْدَ الْخُلْعِ عَلَى أَنَّهَا خَالَعَتْهُ لِأَجَلِ الضَّرَرِ حَلَفَتْ وَرَدَّ مَا أَعْطَتْهُ اهـ وَفِي الْمُخْتَصَرِ وَبِيَمِينِهَا مَعَ شَاهِدٍ أَوْ امْرَأَتَيْنِ بَعْدَ قَوْلِهِ وَرُدَّ الْمَالُ بِشَهَادَةِ سَمَاعٍ عَلَى الضَّرَرِ وَحَيْثُمَا الزَّوْجَةُ تُثْبِتُ الضَّرَرْ ... وَلَمْ يَكُنْ لَهَا بِهِ شَرْطٌ صَدَرْ قِيلَ لَهَا الطَّلَاقُ كَالْمُلْتَزَمِ ... وَقِيلَ بَعْدَ رَفْعِهِ لِلْحَكَمِ وَيَزْجُرَ الْقَاضِي بِمَا يَشَاؤُهُ ... وَبِالطَّلَاقِ إنْ يَعُدْ قَضَاؤُهُ تَقَدَّمَ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَمَا يُنَافِي الْعَقْدَ لَيْسَ يُجْعَلُ شَرْطًا الْبَيْتَ إنَّ الشُّرُوطَ فِي النِّكَاحِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ أَحَدُهَا مَا لَا يُنَاقِضُ الْعَقْدَ بَلْ يَقْتَضِيه وَمِنْ مَثَلِهِ شَرْطُ أَنْ لَا يَضْرِبَهَا وَوُجُودُ مِثْلِ هَذَا الشَّرْطِ وَعَدَمُهُ سَوَاءٌ لِأَنَّهُ يُحْكَمُ بِهِ ذُكِرَ، أَوْ تُرِكَ وَإِنَّمَا يَظْهَرُ أَثَرُ اشْتِرَاطِهِ فِيمَا إذَا أَثْبَتَتْ الضَّرَرَ فَإِنْ كَانَ شَرْطًا فِي الْعَقْدِ فَلَهَا تَطْلِيقُ نَفْسِهَا مِنْ غَيْرِ رَفْعٍ لِلْحَكَمِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ النَّاظِمُ لِهَذَا وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ مِنْ مَفْهُومِ كَلَامِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَرْطًا فَفِي افْتِقَارِ تَطْلِيقِهَا نَفْسَهَا لِلرَّفْعِ لِلْحَاكِمِ وَعَدَمِ افْتِقَارِهِ قَوْلَانِ: قِيلَ لَهَا ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ رَفْعٍ كَمَا لَوْ اشْتَرَطَتْهُ فِي عَقْدِ نِكَاحِهَا وَقِيلَ لَا تُطَلِّقُ نَفْسَهَا إلَّا بَعْدَ الرَّفْعِ لِلْحَاكِمِ وَعَلَى ذَلِكَ أَعْنِي حَيْثُ لَمْ يَكُنْ شَرْطًا نَبَّهَ بِالْبَيْتَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ وَعَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الرَّفْعِ لِلْقَاضِي فَلِلْحَاكِمِ أَنْ يَزْجُرَهُ ابْتِدَاءً بِمَا يَقْتَضِيه اجْتِهَادُهُ مِنْ تَوْبِيخٍ، أَوْ سِجْنٍ، أَوْ غَيْرِهِ فَإِنْ عَادَ لِمُضَارَّتِهَا قَضَى عَلَيْهِ بِالطَّلَاقِ وَعَنْ ذَلِكَ نَبَّهَ بِالْبَيْتِ الثَّالِثِ فَقَوْلُهُ وَيَزْجُرَ بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ رَفْعِهِ لِلْحَاكِمِ مِنْ بَابِ قَوْلِهِ وَإِنْ عَلَى اسْمٍ خَالِصٍ فِعْلًا عُطِفْ أَيْ قِيلَ إنَّمَا تُطَلِّقُ نَفْسَهَا بَعْدَ الرَّفْعِ وَالزَّجْرِ مَعًا فَإِنْ عَادَ لِإِضْرَارِهَا طَلُقَتْ عَلَيْهِ (قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ الْجَزِيرِيُّ) بَعْدَ وَثِيقَةِ الِاسْتِرْعَاءِ بِالضَّرَرِ وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا الْعَقْدُ وَجَبَ لِلْمَرْأَةِ الْأَخْذُ بِشَرْطِهَا بَعْد الْإِعْذَارِ لِلزَّوْجِ وَاخْتُلِفَ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا شَرْطٌ فَقِيلَ لَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا كَاَلَّتِي لَهَا شَرْطٌ وَقِيلَ لَيْسَ لَهَا ذَلِكَ وَإِنَّمَا تَرْفَعُ أَمْرهَا إلَى السُّلْطَانِ فَيَزْجُرُهُ وَلَا يُطَلِّقُ عَلَيْهِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى فَإِنْ تَكَرَّرَ ضَرَرُهُ طَلَّقَ عَلَيْهِ اهـ. وَاسْتَشْكَلَ الشَّارِحُ هَذَا الْقَوْلَ بِفَوَاتِ الْإِعْذَارِ لِلزَّوْجِ وَافْتِيَاتِ الزَّوْجَةِ بِالطَّلَاقِ وَقَدْ سُئِلَ الْقَاضِي أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ الْقَبَّابُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَهِيَ إذَا أَثْبَتَتْ الضَّرَرَ غَيْرُ ذَاتِ الشَّرْطِ وَعَجَزَ الزَّوْجُ عَنْ الْمَدْفَعِ وَهَجَمَتْ الزَّوْجَةُ فَأَوْقَعَتْ الطَّلَاقَ هَلْ يَنْفُذُ وَتَمْلِكُ بِهِ نَفْسَهَا وَفِي جَوَابِهِ أَنَّ الْقَاضِيَ يَجْعَلُ لَهَا تَطْلِيقَ نَفْسِهَا مَعَ الشَّرْطِ وَعَدَمِهِ فَإِنْ جَعَلَهُ لَهَا مَعَ الشَّرْطِ فَالطَّلَاقُ، وَكَذَا مَعَ عَدَمِهِ إذَا جُعِلَ لَهَا تَطْلِيقٌ فَإِنْ لَمْ يَجْعَلْهُ لَهَا وَهَجَمَتْ بِإِيقَاعِ الطَّلَاقِ قَبْلَ جَعْلِ الْقَاضِي ذَلِكَ بِيَدِهِ فَهَذَا مَحِلُّ النَّظَرِ اُنْظُرْ تَمَامَ كَلَامِهِ إنْ شِئْت وَنَقَلَ هَذَا السُّؤَالَ وَجَوَابَهُ سَيِّدِي أَحْمَد الْوَنْشَرِيسِيُّ فِي آخِرِ تَأْلِيفِهِ الْمُسَمَّى بِالْفَائِقِ فِي أَحْكَامِ الْوَثَائِقِ وَهُوَ الْفَرْعُ الْخَامِسُ وَالثَّلَاثُونَ وَالْمِائَتَانِ اهـ. وَإِنْ ثُبُوتُ ضَرَرٍ تَعَذَّرَ ... لِزَوْجَةٍ وَرَفْعُهَا تَكَرَّرَا فَالْحَكَمَانِ بَعْدُ يُبْعَثَانِ ... بَيْنَهُمَا بِمُقْتَضَى الْقُرْآنِ إنْ وُجِدَا عَدْلَيْنِ مِنْ أَهْلِهِمَا ... وَالْبَعْثُ مِنْ غَيْرِهِمْ إنْ عُدِمَا وَمَا بِهِ قَدْ حَكَمَا يَمْضِي وَلَا ... إعْذَارَ لِلزَّوْجَيْنِ فِيمَا فَعَلَا يَعْنِي أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا ادَّعَتْ أَنَّ زَوْجَهَا يَضْرِبُهَا وَتَكَرَّرَ رَفْعُ شَكَوَاهَا بِهِ لِلْقَاضِي وَتَعَذَّرَ عَلَيْهَا إثْبَاتُ ذَلِكَ الضَّرَرِ. فَإِنَّ الشَّأْنَ فِي ذَلِكَ أَنْ يَبْعَثَ الْقَاضِي لَهُمَا حَكَمَيْنِ عَدْلَيْنِ حَكَمًا مِنْ أَهْله وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا أَنَّ وُجِدَا وَإِنْ لَمْ يُوجَدَا فَمِنْ غَيْرِ أَهْلِهِمَا فَيَخْتَبِرَانِ أَمْرَهُمَا وَيَدْعُوَانِهِمَا لِلصُّلْحِ فَإِنْ رَجَعَا إلَيْهِ فَبِهَا وَنِعْمَتْ وَإِلَّا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا بِخُلْعٍ، أَوْ بِغَيْرِ خُلْعٍ، أَوْ ائْتَمَنَاهُ عَلَيْهَا كُلُّ ذَلِكَ بِحَسَبِ مَا ظَهَرَ لَهُمَا وَأَدَّاهُ إلَيْهِ اجْتِهَادُهُمَا وَمَا حَكَمَ بِهِ الْحَكَمَانِ عَلَى الزَّوْجَيْنِ مَاضٍ وَلَا إعْذَارَ فِيهِ لِلزَّوْجَيْنِ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا} [النساء: 35] الْآيَة (ابْنُ الْحَاجِبِ) وَإِذَا نَشَزَتْ وَعَظَهَا، ثُمَّ هَجَرَهَا، ثُمَّ ضَرَبَهَا ضَرْبًا غَيْرَ مَخُوفٍ فَإِنْ ظَنَّ أَنَّهُ لَا يُفِيدُ لَمْ يَجُزْ ضَرْبُهَا أَصْلًا فَإِنْ كَانَ الْعُدْوَانُ مِنْهُ زُجِرَ عَنْهُ (التَّوْضِيحُ) أَيْ زَجَرَهُ الْحَاكِمُ

فصل في الرضاع

، وَأَمَّا إنْ كَانَ الْعُدْوَانُ مِنْهَا فَإِنْ رَجَا الْحَاكِمُ إصْلَاحًا بِزَجْرِ الزَّوْجِ كَمَا تَقَدَّمَ وَإِلَّا زَجَرَهَا هُوَ وَإِنْ كَانَ الْعُدْوَانُ مِنْهُمَا مَعًا فَإِنَّ الْإِمَام يَزْجُرُهُمَا (ابْنُ الْحَاجِبِ) فَإِنْ أَشْكَلَ وَلَا بَيِّنَةَ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْإِصْلَاحِ أَقَامَ الْحَاكِمُ أَوْ الزَّوْجَانِ، أَوْ مَنْ يَلِي عَلَيْهِمَا حَكَمَيْنِ ذَكَرَيْنِ حُرَّيْنِ عَدْلَيْنِ فَقِيهَيْنِ بِذَلِكَ حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ أَحَدُهُمَا، أَوْ كِلَاهُمَا فَمِنْ غَيْرِهِمَا وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَا جَارَيْنِ وَهُمَا حَكَمَانِ لَا وَكِيلَانِ عَلَى الْأَصَحِّ فَيَنْفُذُ طَلَاقُهُمَا مِنْ غَيْرِ إذْنِ الزَّوْجِ وَحُكْمِ الْحَاكِمِ وَعَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا فَإِنْ لَمْ يَقْدِرَا فَإِنْ كَانَ الْمُسِيءُ الزَّوْجَ فَرَّقَا بَيْنَهُمَا وَإِنْ كَانَتْ الزَّوْجَةَ ائْتَمَنَاهُ عَلَيْهَا، أَوْ خَالَعَا لَهُ بِنَظَرِهِمَا وَإِنْ كَانَتْ مِنْهُمَا خَالَعَا لَهُ بِمَا يَخِفُّ فِي نَظَرِهِمَا اهـ فَقَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ فَإِنْ أَشْكَلَ وَلَا بَيِّنَةَ هِيَ مَسْأَلَةُ النَّاظِمِ (التَّوْضِيحُ) . قَوْلُهُ وَلَا بَيِّنَةَ لِأَنَّهَا إنْ قَامَتْ لَهَا بَيِّنَةٌ أَنْ يَضْرِبَهَا كَانَ لَهَا أَنْ تُفَارِقَ فَإِنْ لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ وَادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ إضْرَارَ صَاحِبِهِ زُجِرَا مَعًا فَإِنْ تَكَرَّرَ تَرْدَادُهُمَا أَمَرَهُ الْقَاضِي أَنْ يُسْكِنَهَا بَيْنَ قَوْمٍ صَالِحِينَ وَكَلَّفَهُمْ تَفَقُّدَ خَبَرِهِمَا اهـ. يَعْنِي ثُمَّ يَنْظُرُ فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ الْإِسَاءَةُ مِنْهُ أَوْ مِنْهَا، أَوْ مِنْهُمَا أُجْرِي عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَقَوْلُ النَّاظِمِ يَمْضِي وَلَا إعْذَارَ لِلزَّوْجَيْنِ فِيمَا فَعَلَا قَالَ فِي (الْمُقَدِّمَاتِ) وَحُكْمُ الْحَاكِمِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ لَا إعْذَارَ فِيهِ لِأَحَدِهِمَا لِأَنَّهُمَا لَا يَحْكُمَانِ بِالشَّهَادَةِ الْقَاطِعَةِ وَإِنَّمَا يَحْكُمَانِ بِمَا خَلَصَ إلَيْهِمَا مَنْ عَلِمَ أَحْوَالَهُمَا بَعْدَ النَّظَرِ وَالْكَشْفِ اهـ. [فَصْلٌ فِي الرَّضَاعِ] ِ (ابْنُ عَرَفَةَ) الرَّضَاعُ عُرْفًا وُصُولُ لَبَنِ آدَمِيٍّ لِمَحِلٍّ مَظِنَّةَ غِذَاءٍ آخَرَ، ثُمَّ قَالَ لِتَحْرِيمِهِمْ بِالسُّعُوطِ وَالْحِقْنَةِ وَلَا دَلِيلَ إلَّا مُسَمَّى الرَّضَاعِ وَيُقَالُ الرَّضَاعُ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَكَسْرِهَا، وَكَذَا الرَّضَاعَةُ وَالرِّضَاعَةُ وَيُقَالُ رَضَعَ رَضْعًا وَهُوَ قِيَاسٌ وَيُقَالُ أَرْضَعْت إرْضَاعًا (الْجَوْهَرِيُّ) وَيُقَالُ رَضِعَ الصَّبِيُّ أُمّه يَرْضَعُهَا رَضَاعًا مِثْلُ سَمِعَ يَسْمَعُ سَمَاعًا وَأَهْلُ نَجْدٍ يَقُولُونَ رَضَعَ يَرْضِعُ رَضْعًا مِثْلُ ضَرَبَ يَضْرِبُ ضَرْبًا عِيَاضٌ وَأَرْضَعَتْهُ أُمُّهُ وَامْرَأَةٌ مُرْضِعٌ أَيْ لَهَا وَلَدٌ تَرْضِعُهُ فَإِنْ وَصَفْتهَا بِإِرْضَاعِ الْوَلَدِ قُلْت مُرْضِعَةً (قَالَ فِي الْكَافِيَةِ) : وَمَا مِنْ الصِّفَاتِ بِالْأُنْثَى يَخُصْ ... عَنْ تَاءٍ اسْتَغْنَى لِأَنَّ اللَّفْظَ نَصْ وَحَيْثُ مَعْنَى الْفِعْلِ يَنْوِي التَّاء زِدْ ... كَذِي غَدَتْ مُرْضِعَةً طِفْلًا وُلِدْ وَحَاصِلُهُ إنَّهُ إذَا أُرِيدَ أَنَّهَا تُرْضِعُ بِالْقُوَّةِ فَيُجَرَّدُ مِنْ التَّاءِ وَإِنْ أُرِيدَ أَنَّهَا تُرْضِعُ بِالْفِعْلِ فَتَثْبُتُ التَّاءُ (التَّوْضِيحُ) . وَذَكَرَ أَهْلُ اللُّغَةِ أَنَّهُ لَا يُقَالُ فِي لَبَنِ بَنَاتِ آدَمَ لَبَنٌ وَإِنَّمَا يُقَالُ فِيهِ لِبَانٌ وَاللَّبَنُ لِسَائِرِ الْحَيَوَانِ غَيْرِهِنَّ وَجَاءَ فِي الْحَدِيثِ كَثِيرًا خِلَافُ قَوْلِهِمْ اهـ. وَكُلُّ مَنْ تَحْرُمُ شَرْعًا بِالنَّسَبْ ... فَمِثْلُهَا مِنْ الرَّضَاعِ يُجْتَنَبْ يَعْنِي أَنَّ كُلَّ امْرَأَةٍ حَرَّمَهَا الشَّرْعُ بِالنَّسَبِ كَالْأُمِّ وَالْبِنْتِ وَنَحْوِهِمَا فَإِنَّ مِثْلَهَا مِنْ الرَّضَاعِ حَرَامٌ أَيْضًا وَعَنْ حُرْمَتِهَا عَبَّرَ بِيَجْتَنِبُ لِأَنَّ الْحَرَامَ يَجِبُ اجْتِنَابُهُ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} [النساء: 23] وَقَوْله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهَا (قَالَ فِي التَّوْضِيحِ) وَالْمُحَرَّمَاتُ مِنْ النَّسَبِ سَبْعٌ الْأُمَّهَاتُ وَالْبَنَاتُ وَالْأَخَوَاتُ وَالْعَمَّاتُ وَالْخَالَاتُ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ فَإِنَّ الرَّضَاعِ كَالنَّسَبِ فَأُمُّك كُلُّ مَنْ أَرْضَعَتْك بِوَاسِطَةٍ، أَوْ بِغَيْرِهَا وَأُمَّهَاتُهَا وَبِنْتُك كُلُّ مَنْ أَرْضَعَتْهَا زَوْجَتُكَ بِلَبَنِك أَوْ أَرْضَعَتْهَا ابْنَتُك مِنْ نَسَبٍ، أَوْ رَضَاعٍ (قُلْت) ، وَكَذَا كُلُّ مَنْ أَرْضَعَتْهَا زَوْجَةُ ابْنِك مِنْ النَّسَبِ، أَوْ رَضَاعٍ (التَّوْضِيحُ) وَإِخْوَتُكَ كُلُّ مَنْ وَلَدَتْهُ مَنْ أَرْضَعَتْك، أَوْ وَلَدٌ لِفَحْلِهَا (قُلْت) ، وَكَذَا مَنْ أَرْضَعَهَا مَنْ أَرْضَعَتْك (التَّوْضِيحُ) فَإِنْ أَتَى مِنْ أُمِّك وَفَحْلِهَا وَلَدٌ فَهُوَ أَخٌ شَقِيقٌ مِنْ الرَّضَاعِ وَإِنْ وُلِدَ لِأُمِّك مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ الْفَحْلِ فَهُوَ أَخٌ لِأُمِّك وَإِنْ وُلِدَ لِأَبِيك مِنْ غَيْرِ أُمِّك إمَّا مِنْ

زَوْجَةٍ أُخْرَى، أَوْ سُرِّيَّةٍ فَهُوَ أَخُوك لِأَبِيكِ وَأَخَوَاتُ الْفَحْلِ عَمَّاتٌ لِلرَّضَاعِ أَخَوَاتُ أُمِّ الرَّضِيعِ خَالَاتٌ لَهُ وَلَا يَخْفَى عَلَيْك بَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ اهـ.، وَكَذَا يَحْرُمُ بِالرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ بِالصَّهَرِ كَزَوْجَةِ الْأَبِ مِنْ الرَّضَاعِ وَزَوْجَةِ الِابْنِ مِنْ الرَّضَاعِ، وَكَذَا أُمِّ الزَّوْجَةِ مِنْ الرَّضَاعِ أَيْ مَنْ أَرْضَعَتْ زَوْجَتَك رَاجِعْ تَفْسِيرَ ابْنِ جُزَيٍّ وَالْكَوَاشِيُّ، وَكَذَا يُحَرَّمُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ مِنْ الرَّضَاعِ (ابْنُ سَلْمُونٍ) . وَالرَّضَاعُ كَالنَّسَبِ فَيَحْرُمُ مِنْهُ مَا يَحْرُمُ مِنْ الْوِلَادَةِ إذَا أَرْضَعَتْ امْرَأَةٌ صَبِيًّا حُرِّمَتْ عَلَيْهِ لِأَنَّهَا أُمُّهُ وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ جَمِيعُ بَنَاتِهَا الَّتِي أَرْضَعَتْهُنَّ قَبْلَهُ، أَوْ مَعَهُ، أَوْ بَعْدَهُ لِأَنَّهُنَّ أَخَوَاتُهُ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ قَرَابَتِهَا هُمْ مِنْهُ بِمَنْزِلَةِ قَرَابَةِ أُمِّهِ مِنْ النَّسَبِ وَصَاحِبُ اللَّبَنِ بِمَنْزِلَةِ أَبِيهِ يَحْرُمُ عَلَيْهِ أَخَوَاتُهُ لِأَنَّهُنَّ عَمَّاتُهُ وَأُمُّهُ لِأَنَّهَا جَدَّتُهُ وَبَنَاتُهُ وَإِنْ كُنَّ مِنْ غَيْرِ تِلْكَ الْمَرْأَةِ الْمُرْضِعَةِ لِأَنَّهُنَّ أَخَوَاتٌ لِأَبِيهِ، وَكَذَا سَائِرُ قَرَابَتِهِ هُمْ بِمَنْزِلَةِ قَرَابَةِ أَبِيهِ مِنْ النَّسَبِ وَقِسْ عَلَى ذَلِكَ وَجَوَّزَ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَخُو الطِّفْلِ الْمُرْضَعِ مِنْ النَّسَبِ أُخْتَهُ وَأُمَّهُ مِنْ الرَّضَاعِ لِأَنَّهُ أَجْنَبِيٌّ وَإِنَّمَا يُقَدَّرُ الطِّفْلُ الْمُرْضَعُ خَاصَّةَ وَلَدًا لِصَاحِبَةِ اللَّبَنِ وَلِصَاحِبِهِ. وَالرَّضَاعُ الَّذِي يُحَرِّمُ هُوَ مَا كَانَ فِي الْحَوْلَيْنِ وَمَا قَارَبَهُمَا كَالشَّهْرِ وَالشَّهْرَيْنِ فَإِنْ فُطِمَ فِي نَفْسِ الْحَوْلَيْنِ أَوْ بَعْدَهُمَا وَاسْتَغْنَى بِالطَّعَامِ، ثُمَّ وَقَعَ الرَّضَاعُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَلَا يَحْرُمُ اهـ (ابْنُ الْحَاجِبِ) يَحْرُمُ بِالرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ بِالنَّسَبِ فَيُقَدَّرُ الطِّفْلُ خَاصَّةً وَلَدًا لِصَاحِبِهِ اللَّبَنِ وَلِصَاحِبِهِ إنْ كَانَ فَلِذَلِكَ جَازَ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَخُوهُ نَسَبًا أُخْتَهُ وَأُمَّهُ مِنْ الرَّضَاعِ (ابْنُ الْعَطَّارِ) وَتَفْسِيرُ مَا يَحْرُمُ وَيَحِلُّ مِنْ ذَلِكَ أَنْ تَنْظُرَ فَإِنْ كَانَ الْخَاطِبُ لَمْ يَرْضَعْ أُمَّ الْمَخْطُوبَةِ وَلَا رَضَعَتْ الْمَخْطُوبَةُ أُمَّهُ وَلَا أَرْضَعَتْهُمَا امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ أُمًّا لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَا أُرْضِعَا لَبَنَ فَحْلٍ وَاحِدٍ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ الْمَرَاضِعُ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ لِرَجُلٍ امْرَأَتَانِ فَتُرْضِعُ وَاحِدَةٌ صَبِيًّا وَالْأُخْرَى صَبِيَّةً، فَلَا يَتَنَاكَحَانِ وَمَا عَدَا ذَلِكَ، فَلَا بَأْسَ فِي قَوْلِ مَالِكٍ اهـ مِنْ الْمَوَّاقِ (قُلْت) ، وَهَذَا الضَّابِطُ إنَّمَا يَشْمَلُ الْأُخْتَ مِنْ الرَّضَاعِ خَاصَّةً دُونَ مَنْ عَدَاهَا مِمَّنْ يُحَرِّمُ الرَّضَاعُ بِتَحْرِيمِ نَظِيرِهِ مِنْ النَّسَبِ تَنْبِيهٌ ابْنُ عَرَفَةَ قَالَ تَقِيُّ الدِّينِ يُسْتَثْنَى مِنْ عُمُومِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ» جُمْلَةُ نِسْوَةٍ وَيَحْرُمْنَ مِنْ النَّسَبِ وَقَدْ لَا يَحْرُمْنَ مِنْ الرَّضَاعِ (الْأُولَى) أُمُّ أَخِيك وَأُخْتِك مِنْ النَّسَبِ هِيَ أُمُّك، أَوْ زَوْجَةُ أَبِيك كِلْتَاهُمَا حَرَامٌ عَلَيْك بِخِلَافِ مُرْضِعَةِ أَخِيك، أَوْ أُخْتِك. (الثَّالِثَةُ) أُمُّ وَلَدِ وَلَدِك هِيَ مِنْ النَّسَبِ حَلِيلَةُ وَلَدِك بِخِلَافِ مُرْضِعَةِ وَلَدِ وَلَدِك، وَكَذَلِكَ جَدَّةُ وَلَدِك هِيَ مِنْ النَّسَبِ أُمُّك، أَوْ أُمُّ زَوْجَتِك كِلْتَاهُمَا حَرَامٌ عَلَيْك بِخِلَافِ مُرْضِعَةِ وَلَدِك، وَكَذَلِكَ أُخْتُ وَلَدِك هِيَ مِنْ النَّسَبِ بِنْتُك، أَوْ رَبِيبَتُك كِلْتَاهُمَا حَرَامٌ عَلَيْك بِخِلَافِ أُخْتِ وَلَدِك مِنْ الرَّضَاعِ، وَكَذَلِكَ أُمُّ خَالِك وَخَالَتِك وَأُمُّ عَمِّك وَعَمَّتِك هِيَ مِنْ النَّسَبِ جَدَّتُك لِلْأُمِّ، أَوْ حَلِيلَةُ وَالِدِ أُمِّك كِلْتَاهُمَا حَرَامٌ عَلَيْك بِخِلَافِهِمَا مِنْ الرَّضَاعِ (قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ) هَذَا مِنْ تَقِيِّ الدِّينِ مَعَ جَلَالَةِ قَدْرِهِ وَحُلُولِهِ بِالْمَنْزِلَةِ الرَّفِيعَةِ فِي الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ غَلَطٌ وَاضِحٌ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ الْعَامِّ بِغَيْرِ أَدَاتِهِ وَهُوَ التَّخْصِيصُ إنَّمَا هُوَ فِيمَا انْدَرَجَ تَحْتَ الْعَامِّ فِيمَا لَمْ يَنْدَرِجْ تَحْتَهُ وَالْعَامُّ فِي مَسْأَلَتِنَا هُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ وَالنِّسْوَةُ الْمَذْكُورَات الْمُدَّعَى تَخْصِيصُ الْعَامِّ الْمَذْكُورِ بِهِنَّ لَا شَيْءَ مِنْهُنَّ مُنْدَرِجٌ تَحْتَ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ بِحَالٍ وَلَا أَعْلَمُ مَنْ ذَكَرَ هَذِهِ الْمَسَائِلَ عَلَى أَنَّهَا مُخَصِّصَةٌ لِلْحَدِيثِ كَمَا زَعَمَ وَإِنَّمَا أَشَارَ ابْنُ رُشْدٍ إلَى بَيَانِ اخْتِلَافِ حُكْمِ مُسَمَّى اللَّفْظِ الْإِضَافِيِّ اُنْظُرْ الْمُقَدِّمَاتِ.

فَإِنْ أَقَرَّ الزَّوْجُ بِالرَّضَاعِ ... فَهُوَ إلَى فَسْخِ النِّكَاح دَاعِ وَيَلْزَمُ الصَّدَاقُ بِالْبِنَاءِ ... وَنِصْفُهُ مِنْ قَبْلِ الِابْتِنَاءِ كَذَاك بِالْإِقْرَارِ مِنْهُمَا مَعَا ... لَا بِاعْتِرَافِ زَوْجَةٍ إنْ وَقَعَا يَعْنِي أَنَّ مَنْ كَانَ مُتَزَوِّجًا لِامْرَأَةٍ، ثُمَّ ثَبَتَ أَنَّهَا أُخْتُهُ، أَوْ بِنْتُ أَخُوهُ مَثَلًا مِنْ الرَّضَاعِ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الثُّبُوتُ بِبَيِّنَةٍ فَالْحُكْمُ ظَاهِرٌ وَهُوَ أَنَّ النِّكَاحَ يُفْسَخُ بَيْنَهُمَا، ثُمَّ إنْ كَانَ الْفَسْخُ قَبْلَ الْبِنَاءِ، فَلَا شَيْءَ فِيهِ عَلَى الزَّوْجِ وَإِنْ كَانَ بَعْدُ فَعَلَيْهِ الصَّدَاقُ كَامِلًا بِالْمَسِيسِ عَلَى قَاعِدَةِ الْأَنْكِحَةُ الْفَاسِدَةُ تُفْسَخُ قَبْلَ الْبِنَاءِ، أَوْ بَعْدَهُ، وَهَذَا أَعْنِي ثُبُوتَ الرَّضَاعِ بِالْبَيِّنَةِ هُوَ الْآتِي فِي الْبَيْتِ بَعْدَ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ فِي قَوْلِهِ وَيُفْسَخُ النِّكَاحُ بِالْعَدْلَيْنِ ... بِصِحَّةِ الْإِرْضَاعِ شَاهِدَيْنِ وَإِنَّمَا قَدَّمْتُهُ تَوْطِئَةً لِمَسْأَلَةِ النَّاظِمِ هُنَا وَهِيَ ثُبُوتُ الرَّضَاعِ بِالْإِقْرَارِ، ثُمَّ الْمُقِرُّ إمَّا أَنْ يَكُونَ الزَّوْجَيْنِ مَعًا، أَوْ الزَّوْجَ فَقَطْ أَوْ الزَّوْجَةَ فَقَطْ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ وَإِلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ كَذَاك بِالْإِقْرَارِ مِنْهُمَا مَعَا فَالتَّشْبِيهُ رَاجِعٌ لِلْحُكْمِ السَّابِقِ وَهُوَ فَسْخُ النِّكَاحِ فَقَطْ لَا إلَى مَا وَرَاءَ ذَلِكَ إذَا كَانَ الْإِقْرَارُ مِنْهُمَا مَعًا، فَلَا شَيْءَ فِيهِ لِلزَّوْجَةِ إنْ فُسِخَ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَفِيهِ الْمُسَمَّى إنْ فُسِخَ بَعْدَهُ بِخِلَافِ إقْرَارِ الزَّوْجِ الْمَذْكُورِ قَبْلَهُ فَإِنَّهُ كَالطَّلَاقِ وَإِلَى هَذَا الْوَجْهِ أَشَارَ ابْنُ الْحَاجِبِ بِقَوْلِهِ وَإِذَا اتَّفَقَ الزَّوْجَانِ عَلَى الرَّضَاعِ فُسِخَ وَلَا صَدَاقَ قَبْلَ الدُّخُولِ وَلَهَا الْمُسَمَّى بَعْدَهُ (التَّوْضِيحُ) وَحَمَلَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ وَلَهَا الْمُسَمَّى بَعْدَهُ عَلَى مَا إذَا لَمْ تَكُنْ عَالِمَةً قَالَ، وَأَمَّا إنْ كَانَتْ عَالِمَةً حِينَ الْعَقْدِ فَيَسْقُطُ جَمِيعُ الْمُسَمَّى إلَّا رُبْعَ دِينَارٍ إنْ لَمْ يَكُنِ الزَّوْجُ حِينَ الْعَقْدِ وَالدُّخُولِ عَالِمًا وَكَانَتْ كَالْغَارَّةِ قَالُوا وَلَهَا رُبْعُ دِينَارٍ اهـ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ لَهَا الْمُسَمَّى عَلَى حَمْلِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ إذَا لَمْ تَكُنِ الزَّوْجَةُ عَالِمَةً بِالرَّضَاعِ حِينَ الْعَقْدِ أَمَّا إنْ عَلِمَتْ فَلَيْسَ لَهَا إلَّا رُبْعُ دِينَارٍ إذَا كَانَ الزَّوْجُ غَيْرَ عَالِمٍ، ثُمَّ أَشَارَ النَّاظِمُ إلَى الْوَجْهِ الثَّانِي وَهُوَ مَا إذَا أَقَرَّ الزَّوْجُ فَقَطْ بِقَوْلِهِ فَإِنْ أَقَرَّ الزَّوْجُ بِالرَّضَاعِ الْبَيْتَيْنِ وَذَكَرَ أَنَّ الْحُكْمَ فِيهِ فَسْخُ النِّكَاحِ فَإِنْ فُسِخَ قَبْلَ الْبِنَاءِ فَفِيهِ نِصْفُ الصَّدَاقِ لِتُهْمَةِ أَنْ يَكُونَ إقْرَارُهُ لِيَسْقُطَ عَنْهُ نِصْفُ الصَّدَاقِ وَإِنْ فُسِخَ بَعْدَهُ فَفِيهِ الْمُسَمَّى كَامِلًا وَإِلَى هَذَا الْوَجْهِ أَشَارَ ابْنُ الْحَاجِبِ بِقَوْلِهِ وَإِنْ ادَّعَاهُ فَأَنْكَرَتْ أُخِذَ بِإِقْرَارِهِ وَلَهَا نِصْفُهُ (التَّوْضِيحُ) أُخِذَ بِإِقْرَارِهِ أَيْ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا لِإِقْرَارِهِ بِذَلِكَ كَالطَّلَاقِ فَلِذَلِكَ كَانَ لَهَا نِصْفُهُ إنْ كَانَ إقْرَارُهُ بِذَلِكَ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَجَمِيعُهُ إنْ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَهُ اهـ، ثُمَّ أَشَارَ إلَى الْوَجْهِ الثَّالِثِ وَهُوَ مَا إذَا أَقَرَّتْ الزَّوْجَةُ فَقَطْ بِقَوْلِهِ لَا بِاعْتِرَافِ زَوْجَةٍ إنْ وَقَعَا أَيْ لَا يُفْسَخُ النِّكَاحُ بِإِقْرَارِهَا وَحْدَهَا وَإِلَى هَذَا الْوَجْهِ أَشَارَ ابْنُ الْحَاجِبِ بِقَوْلِهِ فَإِنْ ادَّعَتْهُ فَأَنْكَرَهُ لَمْ يَنْدَفِعْ وَلَا تَقْدِرُ عَلَى طَلَبِ الْمَهْرِ قَبْلَ الدُّخُولِ (التَّوْضِيحُ) . يَعْنِي إذَا ادَّعَتْ الْمَرْأَةُ أَنَّهُمَا أَخَوَانِ مِنْ الرَّضَاعِ وَأَنْكَرَ الزَّوْجُ ذَلِكَ لَمْ يُسْمَعْ مِنْهَا ذَلِكَ لِأَنَّهَا تُتَّهَمُ عَلَى فَسْخِ النِّكَاحِ، فَلَا يُفْسَخُ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ لَمْ يَنْدَفِعْ وَلَا تَقْدِرُ عَلَى طَلَبِ الْمَهْرِ وَلَا شَيْءَ مِنْهُ قَبْلَ الْبِنَاءِ لِإِقْرَارِهَا بِفَسَادِ الْعُقْدَةِ اهـ يَعْنِي بَعْدَ كَوْنِ النِّكَاحِ لَا يُفْسَخُ فَإِنْ لَمْ يُطَلِّقْهَا، فَلَا إشْكَالَ وَإِنْ طَلَّقَهَا بَعْدَ الْبِنَاءِ فَلَهَا صَدَاقُهَا وَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الْبِنَاءِ، فَلَا شَيْءَ لَهَا لِإِقْرَارِهَا بِفَسَادِ الْعُقْدَةِ فَيَكُونُ كَالْفَسْخِ قَبْلَ الْبِنَاءِ. (فَرْعٌ) فَإِنْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ عَلَى إقْرَارِ أَحَدِهِمَا قَبْلَ الْعَقْدِ فُسِخَ النِّكَاحُ قَالَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَفِي الشَّارِحِ فِي سِيَاقِ كَلَامِ الْمُتَيْطِيُّ وَلَوْ ثَبَتَ إقْرَارُهُمَا، أَوْ أَحَدُهُمَا بِذَلِكَ قَبْلَ النِّكَاحِ فَإِنَّهُ يُفْسَخُ وَلَيْسَ عَلَيْهِ مِنْ الْمَهْرِ شَيْءٌ وَيَسْقُطُ عَنْهُ نِصْفُ الصَّدَاقِ إنْ وَقَعَ الْفَسْخُ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَإِنْ كَانَ هُوَ الْمُقِرَّ دُونَهَا لِأَنَّهُ لَا تُهْمَةَ فِي ذَلِكَ اهـ. وَيُفْسَخُ النِّكَاحُ بِالْعَدْلَيْنِ ... بِصِحَّةِ الْإِرْضَاعِ شَاهِدَيْنِ وَبِاثْنَتَيْنِ إنْ يَكُنْ قَوْلُهُمَا ... مِنْ قَبْلِ عَقْدٍ قَدْ فَشَا وَعُلِمَا وَرَجُلٌ وَامْرَأَةٌ كَذَا وَفِي ... وَاحِدَةٍ خُلْفٌ وَفِي الْأُولَى اُقْتُفِيَ يَعْنِي أَنَّ النِّكَاحَ يُفْسَخُ إذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ عَدْلَانِ بِصِحَّةِ الرَّضَاعِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ وَأَنَّهَا مِمَّنْ لَا تَحِلُّ لَهُ، وَكَذَلِكَ يُفْسَخُ بِشَهَادَةِ امْرَأَتَيْنِ بِذَلِكَ لَكِنْ إنْ فَشَا ذَلِكَ وَعُلِمَ وَشَاعَ مِنْ قَوْلِهِمَا قَبْلَ عَقْدِ النِّكَاحِ وَعَلَى هَذَا نَبَّهَ بِالْبَيْتَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ: وَقَوْلُهُ وَرَجُلٌ وَامْرَأَةٌ كَذَا هُوَ مَرْفُوعٌ بِالِابْتِدَاءِ عَلَى حَذْفِ

فصل في عيوب الزوجين وما يردان به منها

مُضَافٍ وَالْخَبَرُ الْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ بَعْدَهُ وَالْإِشَارَةُ بِذَا إلَى شَهَادَةِ الْمَرْأَتَيْنِ أَيْ وَشَهَادَةُ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ كَهَذِهِ الشَّهَادَةِ أَعْنِي شَهَادَةَ الْمَرْأَتَيْنِ فِي أَنَّ النِّكَاحَ يُفْسَخُ بِهَا مَعَ الْقَيْدِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ كَوْنُ الرَّضَاعِ فَاشِيًّا شَائِعًا قَبْلَ عَقْدِ النِّكَاحِ فَالتَّشْبِيهُ فِي الْفَسْخِ وَالْفَشْوِ، ثُمَّ أَشَارَ إلَى أَنَّ فَسْخَهُ بِشَهَادَةِ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ بِذَلِكَ خِلَافًا يَعْنِي مَعَ الْفَشْوِ أَيْضًا وَذَلِكَ ظَاهِرٌ لِأَنَّهُ إذَا اُشْتُرِطَ فِي صِحَّةِ شَهَادَةِ الْمَرْأَتَيْنِ وَفِي شَهَادَةِ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ فَأَحْرَى أَنْ يُشْتَرَطَ فِي شَهَادَةِ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ وَفُهِمَ مِنْ فَسْخِ النِّكَاحِ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ أَنَّ الرَّضَاعَ يَثْبُتُ بِهَا إذْ لَوْلَا ثُبُوتُهُ مَا فُسِخَ النِّكَاحُ (ابْنُ الْحَاجِبِ) وَيَثْبُتُ الرَّضَاعُ بِشَاهِدَيْنِ وَبِامْرَأَتَيْنِ إنْ كَانَ فَاشِيًا مِنْ قَوْلِهِمَا قَبْلَ الْعَقْدِ وَإِلَّا لَمْ يَثْبُتْ عَلَى الْمَشْهُورِ وَالرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ مِثْلُهُمَا (التَّوْضِيح) أَيْ يُشْتَرَطُ الْفَشْوُ عَلَى الْمَشْهُورِ. وَاخْتَلَفَ الشُّيُوخُ هَلْ تُشْتَرَطُ الْعَدَالَةُ مَعَ الْفَشْوِ أَوْ إنَّمَا تُشْتَرَطُ مَعَ عَدَمِ الْفَشْوِ عَلَى مَذْهَبَيْنِ وَإِلَى الثَّانِي ذَهَبَ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَالْأَوَّلُ مُقْتَضَى كَلَامِ اللَّخْمِيِّ (ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ) وَهُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِهِمْ (ابْنُ الْحَاجِبِ) وَفِي الْوَاحِدَةِ فَاشِيًا مِنْ قَوْلِهَا قَوْلَانِ (التَّوْضِيحُ) الْمَشْهُورُ عَدَمُ الْقَبُولِ وَيُسْتَحَبُّ التَّنَزُّهُ وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ وَفِي الشَّارِحِ عَنْ الْعُتْبِيَّةِ وَقَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ وَابْنُ وَهْبٍ وَابْنُ نَافِعٍ وَسَحْنُونٌ تَجُوزُ شَهَادَةُ الْمَرْأَتَيْنِ فِي ذَلِكَ وَالرَّجُلُ وَالْمَرْأَةِ وَإِنْ لَمْ يَفْشُ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمَا فَشَهَادَةُ الْمَرْأَتَيْنِ مَعَ الْفَشْوِ تَجُوزُ بِاتِّفَاقٍ وَشَهَادَةُ الْمَرْأَةِ الْوَاحِدَةِ دُونَ فَشْوٍ لَا تَجُوزُ بِاتِّفَاقٍ وَيُخْتَلَفُ فِي شَهَادَةِ الْمَرْأَةِ الْوَاحِدَةِ مَعَ الْفَشْوِ وَفِي شَهَادَةِ الْمَرْأَتَيْنِ دُون فَشْوٍ وَمَنْ يَشْتَرِطُ الْفَشْوَ فِي شَهَادَتِهِمَا لَا يَشْتَرِطُ الْعَدَالَةَ وَمَنْ لَا يَشْتَرِطُ الْفَشْوَ يَشْتَرِطُ الْعَدَالَةَ وَقَدْ مَضَى الْقَوْلُ عَلَى هَذَا فِي رَسْمٍ جَاعَ فَبَاعَ امْرَأَتَهُ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ النِّكَاحِ اهـ. فَقَوْلُهُ بِصِحَّةِ الْإِرْضَاعِ يَتَعَلَّقُ بِشَاهِدَيْنِ وَبِاثْنَتَيْنِ عَطْفٌ عَلَى بِالْعَدْلَيْنِ وَجُمْلَةُ قَدْ فَشَا خَبَرُ كَانَ وَمِنْ قَبْلِ عَقْدٍ يَتَعَلَّقُ بِفَشَا وَقَوْلُهُ وَفِي الْأُولَى اُقْتُفِيَ أَيْ اُقْتُفِيَ الْفَسْخُ فِي الْقَوْلِ الْأَوْلَى أَيْ الْأَحَقِّ بِسُكُونِ الْوَاوِ مِنْ الْأَوْلَوِيَّةِ [فَصْلٌ فِي عُيُوبِ الزَّوْجَيْنِ وَمَا يُرَدَّانِ بِهِ مِنْهَا] عَطَفَ مَا يُرَدَّانِ بِهِ عَلَى عُيُوبِ مِنْ عَطْفِ خَاصٍّ عَلَى عَامٍّ إذْ كُلُّ مَا يُرَدَّانِ بِهِ عَيْبٌ وَلَيْسَ كُلُّ عَيْبٍ يَرُدَّانِ بِهِ وَضَمِيرُ مِنْهَا لِلْعُيُوبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مِنْ الْجُنُونِ وَالْجُذَامِ وَالْبَرَص ... وَالدَّاءِ فِي الْفَرْجِ الْخِيَارُ يُقْتَنَص بَعْدَ ثُبُوتِ الْعَيْبِ أَوْ إقْرَارِ ... بِهِ وَرَفْعِ الْأَمْرِ فِي الْمُخْتَارِ يَعْنِي أَنَّ الْعُيُوبَ الَّتِي تُوجِبُ الْخِيَارَ لِأَحَدِ الزَّوْجَيْنِ فِي الْآخَرِ أَرْبَعَةٌ الْجُنُونُ وَالْجُذَامُ وَدَاءُ الْفَرْجِ وَالْبَرَصُ وَدَاءٌ الْفَرْجِ يَخْتَلِفُ بِاعْتِبَارِ النِّسَاءِ وَالرِّجَالِ كَمَا يَأْتِي وَإِنَّمَا يَثْبُتُ الْخِيَارُ لِلسَّالِمِ مِنْ الزَّوْجَيْنِ فِي الْآخَرِ الَّذِي بِهِ الْعَيْبُ بَعْدَ ثُبُوتِ الْعَيْبِ إمَّا بِشَهَادَةِ أَهْلِ الْبَصَرِ وَالْمَعْرِفَةِ بِذَلِكَ وَإِمَّا بِإِقْرَارِ الْمَعِيبِ بِعَيْبِهِ وَبَعْدَ الرَّفْعِ لِلْحَاكِمِ عَلَى الْقَوْلِ الْمُخْتَارِ فِي ذَلِكَ (ابْنُ الْحَاجِبِ) وَلِكُلٍّ مِنْ الزَّوْجَيْنِ الْخِيَارُ بِالْعَيْبِ وَالْغَرُورِ لِلْمَرْأَةِ الْخِيَارُ بِالْعِتْقِ (التَّوْضِيحُ) يَعْنِي أَنَّ لِلْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَسْبَابٍ اثْنَانِ يَسْتَوِي فِيهِمَا الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ وَهُمَا الْعَيْبُ وَالْغَرُورُ بِالْحُرِّيَّةِ وَالثَّالِثُ خَاصٌّ بِالْمَرْأَةِ وَهُوَ الْعِتْقُ إذَا كَانَ زَوْجُهَا عَبْدًا يَعْنِي، ثُمَّ عَتَقَتْ (، ثُمَّ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ) وَالْعَيْبُ الْجُنُونُ وَالْجُذَامُ وَالْبَرَصُ وَدَاءٌ الْفَرْجِ مَا لَمْ يَرْضَ بِقَوْلٍ، أَوْ تَلَذُّذٍ أَوْ تَمْكِينٍ، أَوْ سَبْقِ عِلْمٍ بِالْعَيْبِ (التَّوْضِيح)

وَقَوْلُهُ مَا لَمْ يَرْضَ رَاجِعٌ إلَى غَيْرِ مَذْكُورٍ وَهُوَ لَازِمُ الْعَيْبِ الَّذِي هُوَ وُجُوبُ الْخِيَارِ وَلَا يَرْجِعُ لِلْعَيْبِ لِأَنَّهُ وَإِنْ حَصَلَ الرِّضَا فَهُوَ عَيْبٌ وَفَاعِلُ يَرْضَ ضَمِيرٌ عَائِدٌ عَلَى أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ كَذَلِكَ قَوْلُهُ، أَوْ سَبْقِ عِلْمٍ يُرِيدُ مِنْ أَحَدِهِمَا بِعَيْبِ الْآخَرِ وَهُوَ ظَاهِرٌ. اهـ (الْمُتَيْطِيُّ) فَإِذَا رَفَعَتْ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا إلَى الْإِمَامِ وَأَحَبَّتْ فِرَاقَهُ وَقَرَّرَتْهُ عَلَى عَيْبِهِ فَإِنْ أَقَرَّ بِهِ وَإِلَّا أَثْبَتَتْ ذَلِكَ عِنْدَهُ وَيُعْرَفُ الْجُذَامُ وَالْبَرَصُ بِأَنْ يُنْظَرَ إلَى جَسَدِهِ مَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فِي الْعَوْرَةِ فَيُصَدَّقُ فِيهِ. (قَالَ بَعْضُ الْمُوَثَّقِينَ) وَحَكَى بَعْضُ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ يَنْظُرُ الرِّجَالُ إلَيْهِ لِلضَّرُورَةِ كَمَا يُنْظَرُ النِّسَاءُ، وَأَمَّا الْحَصُورُ وَالْمَجْبُوبُ الْمَمْسُوحُ ذَكَرُهُ وَأُنْثَيَاهُ، أَوْ مَقْطُوعُهُمَا جَمِيعًا وَالْعِنِّينُ فِي قَوْلِ الْقَاضِي أَبِي مُحَمَّدٍ فَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ حَبِيبٍ يُخْتَبَرُ بِالْجَسِّ عَلَى الثَّوْبِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ لِأَنَّ ذَلِكَ ظَاهِرٌ لَا يَخْفَى وَيُحْذَرُ مِنْ الْمُلَامَسَةِ (قَالَ الْمُتَيْطِيُّ) فَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ بِإِقْرَارِهِ، أَوْ انْكَشَفَ عَلَيْهِ طَلَّقَ عَلَيْهِ الْإِمَامُ وَلَا يُفَوِّضُ ذَلِكَ إلَيْهَا هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ اهـ وَالِاقْتِنَاصُ الِاصْطِيَادُ وَالْمُرَادُ هُنَا أَنَّ مِنْ هَذِهِ الْعُيُوبِ يَحْصُلُ الْخِيَارُ لِلسَّالِمِ مِنْهُمَا فَكَأَنَّ الْخِيَارَ وَحْشُ صَيْدٍ وَتُوُصِّلَ إلَيْهِ مِنْ هَذِهِ الْعُيُوبِ (تَنْبِيهٌ) بَقِيَ عَلَى النَّاظِمِ مِنْ الْعُيُوبِ الْمُشْتَرَكَةِ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَيَرُدُّ بِهِ كُلٌّ مِنْهُمَا الْعَذْيَطَةُ وَهُوَ حَدَثُ الْغَائِطِ عِنْدَ الْجِمَاعِ وَدَاءُ فَرْجِ الزَّوْجِ بِالْقَضَاءِ ... كَالْجَبِّ وَالْعُنَّةِ وَالْخِصَاءِ وَذَاكَ لَا يُرْجَى لَهُ زَوَالٌ ... فَلَيْسَ فِي الْحُكْمِ بِهِ إمْهَالٌ شَرَعَ هُنَا فِي الْكَلَامِ عَلَى دَاءِ فَرْجِ الرَّجُلِ وَسَيَذْكُرُ دَاءَ فَرْجِ الْمَرْأَةِ فِي قَوْلِهِ وَالرَّتْقُ دَاءُ الْفَرْجِ فِي النِّسَاءِ إلَخْ وَأَخْبَرَ هُنَا أَنَّ دَاءَ فَرْجِ الرَّجُلِ إذَا كَانَ جَبًّا، أَوْ عُنَّةً، أَوْ خِصَاءَ فَإِنَّ الْحُكْمَ فِيهِ لَا يُمْهَلُ بَلْ إمَّا أَنْ تَرْضَى، أَوْ تُفَارِقَ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ لَا يُرْجَى زَوَالُهُ صَارَ الْإِمْهَالُ كَالْعَبَثِ (قَالَ فِي الْمُقَرِّبِ) قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ كُلُّ مَنْ ذَهَبَ ذَكَرُهُ قَبْلَ بِنَائِهِ بِامْرَأَتِهِ بِخِصَاءٍ، أَوْ بَلِيَّةٍ نَزَلَتْ بِهِ فُرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ مَكَانَهُ وَلَمْ يُؤَجَّلْ لَهُ كَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ رَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَغَيْرُهُ (وَفِي النَّوَادِرِ مِنْ الْوَاضِحَةِ) ، وَكَذَلِكَ يُفَرَّقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعِنِّينِ بِغَيْرِ أَجَلٍ إذَا أَقَرَّ بِذَلِكَ، وَكَذَلِكَ إذَا أَقَرَّ أَنَّهُ حَصُورٌ أَوْ مَجْبُوبٌ وَالْعِنِّينُ الَّذِي لَا يَنْتَشِرُ ذَكَرُهُ كَالْأُصْبُعِ فِي جَسَدِهِ لَا يَنْقَبِضُ وَلَا يَنْبَسِطُ وَالْحَصُورُ الَّذِي يُخْلَقُ بِغَيْرِ ذَكَرٍ، أَوْ بِذَكَرٍ صُغَارٍ كَالزِّرِّ وَشِبْهِهِ لَا يُمْكِنُ بِهِ وَطْءٌ فَهَذَانِ إنْ أَقَرَّا بِحَالِهِمَا فَطَلَبَتْ الزَّوْجَةُ الْفِرَاقَ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا بِطَلْقَةٍ، وَكَذَلِكَ الْمَجْبُوبُ وَلَا تَأْجِيلَ فِيهِمْ اهـ (ابْنُ الْحَاجِبِ) وَدَاءُ فَرْجِ الرَّجُلِ مَا يَمْنَعُ الْوَطْءَ كَالْجَبِّ وَالْخِصَاءِ وَالْعُنَّةِ وَالِاعْتِرَاضِ فَالْمَجْبُوبُ الْمَقْطُوعُ ذَكَرُهُ وَأُنْثَيَاهُ وَالْخَصِيُّ الْمَقْطُوعُ أَحَدُهُمَا وَإِنْ كَانَ قَائِمَ الذَّكَرِ وَالْعِنِّينُ ذُو ذَكَرٍ لَا يَتَأَتَّى بِهِ الْجِمَاعُ أَيْ لِصِغَرِهِ وَالْمُعْتَرِضُ بِصِفَةِ الْمُتَمَكِّنِ وَلَا يَقْدِرُ وَرُبَّمَا كَانَ بَعْدَ وَطْءٍ وَرُبَّمَا كَانَ فِي امْرَأَةٍ دُونَ أُخْرَى وَقَدْ يُفَسَّرُ الْعِنِّينُ بِالْمُعْتَرَضِ. (التَّوْضِيحُ) وَيُقَالُ لِلْمُعْتَرَضِ الْمَرْبُوطُ وَيُقَالُ أَنَّ سَبَبَهُ السِّحْرُ وَقَوْلُهُ وَقَدْ يُفَسَّرُ الْعِنِّينُ بِالْمُعْتَرَضِ أَيْ وَقَدْ يُطْلِقُ الْأَصْحَابُ لَفْظَ الْعِنِّينِ وَيَكُونُ مُرَادُهُمْ بِهِ الْمُعْتَرِضَ اهـ بِاخْتِصَارٍ (ابْنِ الْحَاجِبِ)

فَفِي الْجَبِّ وَالْخِصَاءِ وَالْعُنَّةِ الْخِيَارُ وَقِيلَ إلَّا فِي الْقَائِمِ الذَّكَرِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَقْطُوعَ الْحَشَفَةِ (التَّوْضِيحُ) وَهَلْ الْحَصُور مَنْ لَا ذَكَرَ لَهُ أَلْبَتَّةَ، أَوْ لَهُ ذَكَرٌ صَغِيرٍ فَيَرْجِعُ إلَى الْعِنِّينِ قَوْلَانِ وَقَدْ فَسَّرَ ابْنُ عَبَّاسٍ الْحَصُورَ بِاَلَّذِي لَا يَنْزِلُ الْمَاءُ مِنْهُ وَقَتَادَةُ وَمُجَاهِدٌ بِاَلَّذِي لَا يَأْتِي النِّسَاءَ اهـ وَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى الْمُعْتَرَضِ قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَحَيْثُ عِيبَ الزَّوْجُ بِاعْتِرَاضِ ... أَوْ بَرَصٍ وَقِيمَ عِنْدَ الْقَاضِي أَجَّلَهُ إلَى تَمَامِ عَامِ ... كَذَاك فِي الْجُنُونِ وَالْجُذَامِ وَبَعْدَ ذَا يَحْكُمُ بِالطَّلَاقِ ... إنْ عَدِمَ الْبُرْءَ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَالْعَبْدُ فِي الْأَصَحِّ كَالْأَحْرَارِ ... وَقِيلَ بِالتَّشْطِيرِ كَالظِّهَارِ يَعْنِي أَنَّهُ إذَا كَانَ عَيْبُ الزَّوْجِ مِمَّا يُرْجَى زَوَالُهُ وَيُطْمَعُ فِي بُرْئِهِ وَقَامَتْ الزَّوْجَةُ بِحَقِّهَا عِنْدَ الْقَاضِي، فَلَا يُطَلِّقُ عَلَيْهِ مِنْ حِينِهِ بَلْ يُؤَجِّلُ لَهُ سَنَةً وَذَلِكَ الِاعْتِرَاضُ وَالْبَرَصُ وَالْجُنُونُ وَالْجُذَامُ فَإِنْ بَرِئَ فِي السَّنَةِ، فَلَا إشْكَالَ وَإِنْ تَمَّتْ وَلَمْ يَبْرَأْ فَالْخِيَارُ لِلزَّوْجَةِ فِي أَنْ تُقِيمَ مَعَهُ أَوْ تُفَارِقَهُ وَالتَّأْجِيلُ فِي ذَلِكَ بِالسَّنَةِ هُوَ لِلْحُرِّ وَاخْتُلِفَ فِي الْعَبْدِ فَقِيلَ كَالْحُرِّ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَقِيلَ يُؤَجَّلُ شَطْرَ السَّنَةِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ، وَكَذَلِكَ هَذَا الْخِلَافُ فِي الْعَبْدِ يُظَاهِرُ مِنْ زَوْجَتِهِ وَيُمْنَعُ مِنْ التَّكْفِيرِ فَيَدْخُلُ عَلَيْهِ الْإِيلَاءُ فَقِيلَ يُؤَجَّلُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ كَالْحُرِّ وَقِيلَ بِالتَّشْطِيرِ فَيُؤَجَّلُ شَهْرَيْنِ فَقَطْ وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ كَالظِّهَارِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَالَ فِي طُرَرِ ابْنِ عَاتٍ) الِاعْتِرَاضُ وَالْجُنُونُ وَالْجُذَامُ وَالْبَرَصُ لَا يُطَلَّقُ فِيهِ ابْتِدَاءً وَيُؤَجَّلُ مَنْ بِهِ هَذِهِ الْعُيُوبِ لِلْمُعَالَجَةِ مِنْهُ إذَا كَانَ يُطْمَعُ فِي إزَالَتِهِ عَنْهُ وَالْأَجَلُ فِي ذَلِكَ عَامٌ لِلْحُرِّ وَفِي الْعَبْدِ خِلَافٌ قِيلَ عَامٌ قِيلَ سِتَّةُ أَشْهُرٍ وَقَالَ الْمُتَيْطِيُّ مِثْلَهُ وَزَادَ بَعْدَ الْأَجَلِ لِلْحُرِّ وَسَوَاءٌ كَانَتْ زَوْجَتُهُ حُرَّةً، أَوْ أَمَةً وَالْقَوْلُ بِأَنَّ الْعَبْدَ يُؤَجَّلُ سَنَةً رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ وَقَالَهُ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ وَقِيلَ سِتَّةُ أَشْهُرٍ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَبِهِ الْحُكْمُ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ اللَّخْمِيُّ الْأَوَّلُ أَبْيَنُ لِأَنَّ السَّنَةَ جُعِلَتْ لِيُخْتَبَرَ بِهَا فِي الْفُصُولِ الْأَرْبَعَةِ فَقَدْ يَنْفَعُ فِي فَصْلٍ دُونَ فَصْلٍ، وَهَذَا يَسْتَوِي فِيهِ الْحُرُّ وَالْعَبْدُ. (فَرْعٌ) وَهَلْ يَكُونُ الْأَجَلُ مِنْ يَوْمِ الرَّفْعِ، أَوْ مِنْ يَوْمِ الْحُكْمِ نَقَلَ الْمُتَيْطِيُّ عَنْ ابْنِ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ السَّنَةَ مِنْ يَوْمِ تَرْفَعهُ إلَى السُّلْطَانِ وَقَالَ الْبَاجِيُّ هَذِهِ عِبَارَةُ أَصْحَابِنَا وَتَحْقِيقُ ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّ ابْتِدَاءَ أَجَلِ السَّنَةِ مِنْ يَوْمِ يَحْكُمُ السُّلْطَانُ بِهَا إذْ لَا يَحْكُمُ إلَّا بَعْدَ ثُبُوتِ الْعَيْبِ أَوْ إقْرَارِ الزَّوْجِ فَقَدْ يَطُولُ مَا بَيْنَ الرَّفْعِ وَالْحُكْمِ وَكَالرِّجَالِ أَجَلُ النِّسَاءِ ... فِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ الْأَدْوَاءِ وَفِي سِوَاهَا لَا يَكُونُ الْأَجَلُ ... لَهُنَّ إلَّا مَا يَرَى الْمُؤَجِّلُ يَعْنِي أَنَّ الْمَرْأَةَ تُؤَجَّلُ فِي هَذِهِ الْأَمْرَاضِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي هِيَ الْجُنُونُ وَالْجُذَامُ وَالْبَرَصُ سَنَةً كَالرَّجُلِ، وَأَمَّا مَا عَدَاهَا فَتُؤَجَّلُ قَدْرَ مَا يَرَاهُ الْمُؤَجِّلُ بِالْكَسْرِ وَهُوَ الْقَاضِي مِمَّا يَتَأَتَّى فِيهِ مُعَالَجَةُ ذَلِكَ الدَّاءِ وَإِنَّمَا تَعَيَّنَ عَوْدُ الْإِشَارَةِ إلَى مَا عَدَا الِاعْتِرَاضَ لِأَنَّهُمْ عَدَّوْهُ مِنْ الْأَمْرَاضِ الْخَاصَّةِ بِالرَّجُلِ وَالْكَلَامُ الْآنَ فِي النِّسَاءِ وَالْأَدْوَاءُ جَمْعُ دَاءٍ وَهُوَ الْمَرَضُ (فَفِي وَثَائِقِ ابْنِ فَتْحُونٍ) إذَا كَانَ بِالْمَرْأَةِ جُنُونٌ أَوْ جُذَامٌ، أَوْ بَرَصٌ فَإِنَّهَا تُؤَجَّلُ فِي التَّدَاوِي مِنْ ذَلِكَ سَنَةً وَقَالَ فِي دَاءِ الْفَرْجِ إنَّهَا تُؤَجَّلُ فِي التَّدَاوِي مِنْهُ بِقَدْرِ اجْتِهَادِ الْحَاكِمِ وَلَمْ يُحِدَّ اهـ (وَفِي مُخْتَصَرِ الشَّيْخِ خَلِيلٍ) وَأُجِّلَا فِيهِ وَفِي بَرَصٍ وَجُذَامٍ رُجِيَ بُرْؤُهُمَا سَنَةً، ثُمَّ قَالَ وَأُجِّلَتْ الرَّتْقَاءُ لِلدَّوَاءِ بِالِاجْتِهَادِ وَيُمْنَعُ الْمَبْرُوصُ وَالْمَجْذُوم مِنْ ... بِنَائِهِ وَذُو الْجُنُونِ فَاسْتَبِنْ وَذُو اعْتِرَاضٍ وَحْدَهُ لَنْ يُمْنَعَا ... وَهُوَ مُصَدَّقٌ إذَا مَا نُوزِعَا وَإِنْ يَقُلْ وَطِئْت أَثْنَاءَ الْأَمَدْ ... فَقَوْلُهُ مَعَ الْيَمِينِ الْمُعْتَمَدْ

اشْتَمَلَتْ الْأَبْيَاتُ عَلَى ثَلَاثِ مَسَائِلَ (الْأُولَى) أَنَّ مَنْ ضُرِبَ لَهُ الْأَجَلُ مِنْ الرِّجَالِ لِمُعَالَجَةِ دَائِهِ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَطَلَبَ الْبِنَاءَ بِزَوْجَتِهِ أَثْنَاءَ الْأَجَلِ الْمَضْرُوبِ فَإِنَّهُ يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ وَذَلِكَ الْمَجْنُونُ وَالْمَجْذُومُ وَالْمَبْرُوصُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي ضَرْبِ الْأَجَلِ لَهُمْ فِي قَوْلِهِ وَحَيْثُ عِيبَ الزَّوْجُ بِاعْتِرَاضِ الْبَيْتَيْنِ إلَّا الْمُعْتَرَضَ فَإِنَّهُ لَا يُمْنَعُ وَلَهُ الْبِنَاءُ فِي أَثْنَاءِ الْأَجَلِ وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِالْبَيْتِ الْأَوَّلِ وَشَطْرِ الثَّانِي (قَالَ فِي طُرَرِ ابْنِ عَاتٍ) وَيُمْنَعُ الْمَجْنُونُ مِنْ الْبِنَاءِ بِهَا لِمَا يُخْشَى مِنْهُ عَلَيْهَا، وَكَذَلِكَ الْمَجْذُومُ وَالْمَبْرُوصُ إذَا كَانَتْ الرَّائِحَةُ مِنْهُمَا تُؤْذِي ذَكَرَ ذَلِكَ ابْنُ فَتْحُونٍ وَقَالَ الْمُتَيْطِيُّ مِثْلُهُ سَوَاءٌ (وَفِي طُرَرِ ابْنِ عَاتٍ) وَلَا يُمْنَعُ الْمُعْتَرَضُ مِنْ الْبِنَاءِ وَقَالَ الْمُتَيْطِيُّ مِثْلَهُ وَزَادَ فَإِنْ وَطِئَ فِي خِلَالِ السَّنَةِ وَإِلَّا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا عِنْدَ انْقِضَائِهَا (قَوْلُهُ وَهُوَ مُصَدَّقٌ إذَا مَا نُوزِعَا) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ مِمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهَا الْأَبْيَاتُ يَعْنِي إذَا ادَّعَتْ الْمَرْأَةُ عَلَى الرَّجُلِ الِاعْتِرَاضَ وَأَنْكَرَ هُوَ فَإِنَّهُ مُصَدَّقُ فِي نَفْيِ الِاعْتِرَاضِ (ابْنُ الْحَاجِبِ) وَصُدِّقَ فِي الْعُنَّةِ (التَّوْضِيحُ) أَيْ فِي الِاعْتِرَاضِ فَهَذِهِ مِنْ الْمَوَاضِعِ الَّتِي أُطْلِقَ فِيهَا الْعُنَّةُ عَلَى الِاعْتِرَاضِ اهـ. وَهُوَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ فِي نَفْيِ الْعُنَّةِ (وَفِي الطُّرَرِ) إذَا أَنْكَرَ الزَّوْجُ مَا ادَّعَتْ عَلَيْهِ مِنْ الِاعْتِرَاضِ فَهُوَ مُصَدَّقٌ وَقَدْ نَزَلَتْ بِالْمَدِينَةِ وَفِي ابْنِ الْحَاجِبِ أَيْضًا وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي الْوَطْءِ مَعَ يَمِينِهِ بَعْدَ أَنْ تَوَقَّفَ حِينَ نَزَلَتْ بِالْمَدِينَةِ (وَفِي الْمُخْتَصَرِ) وَصُدِّقَ فِي الِاعْتِرَاضِ أَيْ فِي نَفْيِ الِاعْتِرَاضِ (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) مِمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ الْأَبْيَاتُ الْمُعْتَرَضُ يُضْرَبُ لَهُ الْأَجَلُ فَيَدَّعِي فِي أَثْنَائِهِ أَنَّهُ وَطِئَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِالْبَيْتِ الثَّالِثِ (التَّوْضِيحَ) فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي الْوَطْءِ مَعَ يَمِينِهِ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَإِنْ قَالَ الْمُعْتَرَضُ فِي الْأَجَلِ جَامَعْتهَا دِينَ وَحَلَفَ فَإِنْ نَكَلَ وَحَلَفَتْ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا فَإِنْ نَكَلَتْ بَقِيَتْ زَوْجَةً وَتَوَقَّفَ فِيهَا مَالِكٌ مَرَّةً إذْ نَزَلَتْ بِالْمَدِينَةِ وَأَفْتَى غَيْرُهُ أَنْ تَجْعَلَ الصُّفْرَةَ فِي قُبُلِهَا وَقَالَ أُنَاسٌ يُجْعَلَ نِسَاءٌ مَعَهَا. اهـ (وَفِي الْمُخْتَصَرِ) وَصُدِّقَ إنْ ادَّعَى فِيهَا الْوَطْءَ بِيَمِينِهِ وَإِنْ نَكَلَ حَلَفَتْ وَإِلَّا بَقِيَتْ فَقَوْلُهُ حَلَفَتْ أَيْ وَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا وَإِنْ نَكَلَتْ بَقِيَتْ أَيْ زَوْجَةً. وَتُمْنَعُ الْإِنْفَاقُ مَا لَمْ تَدْخُلْ ... إنْ طَلَبَتْهُ فِي خِلَالِ الْأَجَل تَقَدَّمَ أَنَّ الْمَجْنُونَ وَالْمَجْذُومَ وَالْمَبْرُوصَ يُضْرَبُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ سَنَةً وَيَمْنَعُونَ مِنْ الدُّخُولِ أَثْنَاءَهَا فَإِذَا طَلَبَتْ زَوْجَةُ أَحَدِهِمْ النَّفَقَةَ فِي ذَلِكَ الْأَجَلِ، فَلَا نَفَقَةَ لَهَا فِيهِ لِأَنَّهَا فِي مُقَابَلَةِ الِاسْتِمْتَاعِ وَقَدْ مَنَعَتْهُ نَفْسَهَا لِسَبَبٍ لَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى دَفْعِهِ فَكَانَ بِذَلِكَ مَعْذُورًا، وَهَذَا فِي غَيْرِ الْمُعْتَرَضِ، وَأَمَّا الْمُعْتَرَضُ فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يُمْنَعُ مِنْ الْبِنَاءِ بِزَوْجَتِهِ فَإِذَا طَلَبَتْهُ بِالنَّفَقَةِ لَزِمَتْهُ لِكَوْنِهِ مُتَمَسِّكًا مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا (قَالَ ابْنُ رُشْدٍ) فِي رَسْمِ الصَّلَاةِ مِنْ سَمَاعِ يَحْيَى مِنْ كِتَابِ الطَّلَاقِ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ التُّونِسِيِّ وَانْظُرْ إذَا ضُرِبَ لِلْمَجْنُونِ أَجَلٌ سَنَةً قَبْلَ الدُّخُولِ هَلْ لَهَا نَفَقَةُ إذَا دَعَتْهُ إلَى الدُّخُولِ مَعَ امْتِنَاعِهَا مِنْ ذَلِكَ لِجُنُونِهِ كَمَا إذَا أَعْسَرَ بِالصَّدَاقِ أَنَّهُ يُؤْمَرُ بِإِجْرَاءِ النَّفَقَةِ مَعَ امْتِنَاعِهَا مِنْهُ لِعَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَى دَفْعِ صَدَاقِهَا فَأَجَالَ النَّظَرَ وَلَمْ يُبَيِّنْ فِي ذَلِكَ شَيْئًا وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا لَا نَفَقَةَ لَهَا لِأَنَّهَا مَنَعَتْهُ نَفْسَهَا لِسَبَبِ لَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى دَفْعِهِ فَكَانَ بِذَلِكَ مَعْذُورًا بِخِلَافِ الَّتِي مَنَعَتْهُ نَفْسَهَا حَتَّى يُؤَدِّيَ إلَيْهَا صَدَاقَهَا إذْ لَعَلَّ لَهُ مَالًا فَكَتَمَهُ. اهـ (قَالَ الشَّيْخُ ابْنُ غَازِيٍّ) وَلَا يَصِحُّ قِيَاسُ الْمُعْتَرَضِ عَلَى الْمَجْنُونِ لِأَنَّ الْمَجْنُونَ يُمْنَعُ عَنْهَا كَمَا قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَالْمُعْتَرَضُ مُرْسَلٌ عَلَيْهَا اهـ، وَهَذَا فِي تَأْجِيلِ الزَّوْجِ وَانْظُرْ إذَا أُجِّلَتْ الزَّوْجَةُ لِجُنُونٍ، أَوْ جُذَامٍ أَوْ بَرَصٍ قَبْلَ الْبِنَاءِ هَلْ لَهَا نَفَقَةٌ لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ لَيْسَ مِنْ قِبَلِهَا، أَوْ لَا نَفَقَةَ لَهَا لِأَنَّهَا وَإِنْ لَمْ تَمْنَعْهُ هِيَ فَإِنَّهُ إنْ اسْتَمْتَعَ سَقَطَ خِيَارُهُ

وَالْعَيْبُ فِي الرِّجَالِ مِنْ قَبْلِ الْبِنَا ... وَبَعْدَهُ الرَّدُّ بِهِ تَعَيَّنَا إلَّا اعْتِرَاضًا كَانَ بَعْد مَا دَخَلْ ... وَالْوَطْءُ مِنْهُ هَبْهُ مَرَّةً حَصَلْ وَبِالْقَدِيمِ الزَّوْجُ وَالْكَثِيرِ ... يُرَدُّ وَالْحَادِثِ وَالْيَسِيرِ إلَّا حُدُوثَ بَرَصٍ مَنْزُورِ ... فَلَا طَلَاقَ مِنْهُ فِي الْمَشْهُورِ وَزَوْجَةٌ بِسَابِقٍ لِعَقْدِهِ ... وَهُوَ لِزَوْجٍ آفَةٌ مِنْ بَعْدِهْ اعْلَمْ أَنَّ فَهْمَ هَذِهِ الْأَبْيَاتِ يَتَوَقَّفُ عَلَى مَعْرِفَةِ فِقْهِ الْمَسْأَلَةِ فِي الْجُمْلَةِ وَذَلِكَ أَنَّ الْعَيْبَ الْمَوْجُودَ فِي أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ إمَّا أَنْ يَكُونَ سَابِقًا عَلَى عَقْدِ النِّكَاحِ، أَوْ حَادِثًا بَعْدَ عَقْدِهِ فَإِنْ كَانَ سَابِقًا عَلَى الْعَقْدِ ثَبَتَ بِهِ الْخِيَارُ لِلْآخَرِ لِأَنَّ صَاحِبَ الْعَيْبِ مُدَلِّسٌ حَيْثُ كَتَمَ وَلَمْ يُبَيِّنْ وَسَوَاءٌ كَانَ الْعَيْبُ بِالزَّوْجِ أَوْ الزَّوْجَةِ وَإِنْ كَانَ حَادِثًا بَعْدَ الْعَقْدِ فَإِنْ حَدَثَ بِالْمَرْأَةِ، فَلَا مَقَالَ لِلزَّوْجِ وَهِيَ مُصِيبَةٌ نَزَلَتْ بِهِ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى الْفِرَاقِ بِالطَّلَاقِ وَسَيَقُولُ النَّاظِمُ بَعْدُ وَزَوْجَة بِسَابِقٍ لِعَقْدِهِ ... وَهُوَ لِزَوْجٍ آفَةٌ مِنْ بَعْدِهِ وَإِنْ حَدَثَ بِالرَّجُلِ فَحَكَى ابْنُ الْحَاجِبِ فِي ذَلِكَ أَرْبَعَةَ أَقْوَالٍ الْأَوَّلُ أَنَّ لَهَا الْخِيَارَ فِي كُلِّ عَيْبٍ حَدَثَ بِالرَّجُلِ بَعْدَ الْعَقْدِ بَنَى، أَوْ لَمْ يَبْنِ لِأَنَّ الْفِرَاقَ لَيْسَ بِيَدِهَا، فَلَا مُخَلِّصَ إلَّا إنْ خُيِّرَتْ الثَّانِي لَا خِيَارَ لَهَا كَاَلَّذِي يَحْدُثُ بِالزَّوْجِ الثَّالِثُ لَا خِيَارَ لَهَا إلَّا إنْ حَدَثَ بِهِ بَرَصٌ فَتُخَيَّرُ الرَّابِعُ لَهَا الْخِيَارُ إلَّا فِي الْبَرَصِ الْيَسِيرِ، فَلَا خِيَارَ لَهَا (ابْنُ الْحَاجِبِ) وَالْعَيْبُ الْمُقْتَضِي لِلْخِيَارِ مَا وُجِدَ قَبْلَ الْعَقْدِ لَا بَعْدَهُ وَفِي ثُبُوتِ الْخِيَارِ لِلْمَرْأَةِ خَاصَّةً بَعْدَهُ ثَالِثُهَا إلَّا فِي الْبَرَصِ وَرَابِعُهَا إلَّا فِي الْقَلِيلِ مِنْهُ اهـ فَتَكَلَّمَ النَّاظِمُ فِي الْبَيْتَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ عَلَى الْعَيْبِ الْحَادِثِ بِالرَّجُلِ بَعْدَ عَقْدِ النِّكَاحِ بَنَى، أَوْ لَمْ يَبْنِ وَأَنَّ لِلْمَرْأَةِ الْخِيَارَ بِسَبَبِهِ إلَّا إذَا كَانَ الْعَيْبُ اعْتِرَاضًا حَدَثَ بَعْدَ الْوَطْءِ وَلَوْ مَرَّةً وَاحِدَةً، فَلَا خِيَارَ لَهَا وَتَقَدَّمَ أَنَّ ابْنَ الْحَاجِبِ حَكَى فِي ذَلِكَ أَرْبَعَةَ أَقْوَالٍ ذَهَبَ النَّاظِمُ فِي هَذَا الْبَيْتِ عَلَى الْأَوَّلِ مِنْهَا، ثُمَّ تَكَلَّمَ عَلَى نَظِيرِهِ. وَهُوَ حُدُوثُ الْعَيْبِ بِالزَّوْجَةِ بَعْدَ عَقْدِ النِّكَاحِ عَلَيْهَا حَيْثُ قَالَ وَهُوَ لِزَوْجٍ آفَةٌ مِنْ بَعْدِهِ أَيْ حُدُوثُ الْعَيْبِ بِالزَّوْجَةِ بَعْدَ الْعَقْدِ آفَةٌ نَزَلَتْ بِالزَّوْجِ، فَلَا خِيَارَ لَهُ فَإِمَّا أَمْسَكَ، أَوْ طَلَّقَ، ثُمَّ تَكَلَّمَ عَلَى الرَّدِّ بِالْعَيْبِ الْقَدِيمِ السَّابِقِ عَلَى الْعَقْدِ فَأَشَارَ لِرَدِّ الزَّوْجِ بِهِ بِقَوْلِهِ وَبِالْقَدِيمِ الزَّوْجُ وَالْكَثِيرِ الْبَيْتَ إلَّا أَنَّ قَوْلَهُ وَالْحَادِثِ أَيْ بَعْدَ الْعَقْدِ هُوَ تَكْرَارٌ مَعَ قَوْلِهِ أَوَّلًا وَالْعَيْبُ فِي الرِّجَالِ مِنْ قَبْلِ الْبِنَا الْبَيْتَيْنِ وَكَأَنَّهُ كَرَّرَهُ لِيَسْتَثْنِيَ مِنْهُ حُدُوثَ الْبَرَصِ الْيَسِيرِ بِالزَّوْجِ فَإِنَّهُ لَا يُوجِبُ لِلْمَرْأَةِ خِيَارًا، أَوْ هَذَا هُوَ الْقَوْلُ الرَّابِعُ عِنْدَ ابْنِ الْحَاجِبِ كَمَا تَقَدَّمَ وَمَفْهُومُهُ أَنَّ الْكَثِيرَ يُوجِبُ لَهَا الْخِيَارَ، وَكَذَلِكَ الْجُذَامُ الْبَيِّنُ إذَا هُوَ أَضَرُّ مِنْ الْبَرَصِ، وَهَذَا الْمَفْهُومُ هُوَ مَنْطُوقُ قَوْلِ الشَّيْخِ خَلِيلٍ وَلَهَا فَقَطْ الرَّدُّ بِالْجُذَامِ الْبَيِّنِ وَالْبَرَصِ الْمُضِرِّ الْحَادِثَيْنِ بَعْدَهُ فَتَلَخَّصَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّهُ يُسْتَثْنَى مِنْ الْعَيْبِ الْحَادِثِ بِالزَّوْجِ بَعْد الْعَقْدِ شَيْئَانِ. الِاعْتِرَاضُ بَعْدَ الْوَطْءِ وَالْبَرَصُ الْيَسِيرُ، فَلَا خِيَارَ فِيهِمَا لِلزَّوْجَةِ لِقَوْلِهِ إلَّا اعْتِرَاضًا كَانَ بَعْد مَا دَخَلْ الْبَيْتَ وَلِقَوْلِهِ إلَّا حُدُوثَ بَرَصٍ مَنْزُورِ الْبَيْتَ، فَلَا طَلَاقَ مِنْهُ أَيْ، فَلَا خِيَارَ فِيهِ لِلْمَرْأَةِ وَلَوْ عَبَّرَ بِالْخِيَارِ بَدَلَ الطَّلَاقِ لَكَانَ أَوْلَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، ثُمَّ تَكَلَّمَ عَلَى رَدِّ الْمَرْأَةِ بِالْعَيْبِ الْقَدِيمِ فَقَالَ وَزَوْجَةٌ بِسَابِقٍ لِعَقْدِهِ فَتَلَخَّصَ مِنْ كَلَامِهِ أَيْضًا أَنَّهُ حَكَى فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي حَكَى ابْنُ الْحَاجِبِ فِيهَا أَرْبَعَةَ أَقْوَالٍ وَهِيَ حُدُوثُ الْعَيْبِ بِالرَّجُلِ بَعْدَ الْعَقْدِ قَوْلَيْنِ مِنْهَا الْأَوَّلُ فِي الْبَيْتِ الْأَوَّلِ مِنْ هَذِهِ وَالرَّابِعُ فِي قَوْلِهِ إلَّا حُدُوثَ بَرَصٍ مَنْزُورِ فَقَوْلُ النَّاظِمِ وَالْعَيْبُ فِي الرِّجَالِ مِنْ قَبْلِ الْبِنَا وَبَعْدَهُ الْبَيْتَ مَعْنَاهُ أَنَّ الْعَيْبَ الْحَادِثَ بِالرَّجُلِ بَعْدَ عَقْدِ النِّكَاحِ سَوَاءٌ حَدَثَ قَبْلَ الْبِنَاءِ أَوْ بَعْدَهُ عَيْبٌ لِلزَّوْجَةِ الرَّدُّ بِهِ، وَهَذَا هُوَ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ عِنْدَ ابْنِ الْحَاجِبِ وَلَمَّا دَخَلَ فِي قَوْلِهِ وَبَعْدَهُ عَيْبُ الِاعْتِرَاضِ الْحَادِثِ بَعْدَ الْبِنَاءِ وَالْوَطْءِ وَهُوَ لَا يُرَدُّ بِهِ اسْتَثْنَاهُ النَّاظِمُ. فَقَالَ الِاعْتِرَاضُ إذَا كَانَ بَعْدَ الْوَطْءِ وَلَوْ مَرَّةً وَاحِدَةً فَإِنَّهُ لَا يُرَدُّ بِهِ وَذَلِكَ مُصِيبَةٌ نَزَلَتْ بِالزَّوْجَةِ وَقَوْله وَبِالْقَدِيمِ الزَّوْجُ وَالْكَثِيرِ الْبَيْتَيْنِ يَعْنِي أَنَّ الْعَيْبَ إذَا كَانَ بِالزَّوْجِ فَإِنَّهُ يُرَدُّ بِهِ قَلِيلًا كَانَ الْعَيْبُ، أَوْ كَثِيرًا قَدِيمًا كَانَ أَيْ قَبْلَ الْعَقْدِ أَوْ حَادِثًا بَعْدَ الْعَقْدِ إلَّا إذَا كَانَ الْحَادِثُ بَعْدَهُ بَرَصًا يَسِيرًا، فَلَا يُرَدُّ بِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَهَذَا هُوَ الْقَوْلُ الرَّابِعُ عِنْدَ ابْنِ الْحَاجِبِ كَمَا تَقَدَّمَ فَكَأَنَّ النَّاظِمَ حَكَى الْقَوْلَ الْأَوَّلَ

وَالرَّابِعَ مِمَّا عِنْدَ ابْنِ الْحَاجِبِ وَزَادَ ابْنُ الْحَاجِبِ بَعْدَ حِكَايَةِ الْأَقْوَالِ الْأَرْبَعَةِ مَا نَصُّهُ، وَأَمَّا جُنُونُهُ الْحَادِثُ فَيُعْزَلُ سَنَةً فَإِنْ صَحَّ وَإِلَّا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا وَقِيلَ إنْ كَانَ يُؤْذِيهَا وَعَنْ مَالِكٍ وَالْمَجْذُومُ الْبَيِّنُ كَذَلِكَ (التَّوْضِيحُ) أَيْ فَيُعْزَلُ سَنَةً إنْ رُجِيَ بُرْؤُهُ، ثُمَّ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا إنْ شَاءَتْ. وَحَاصِلُ الْقَوْلِ الرَّابِعِ أَنَّ مَا يَحْدُثُ بِالرَّجُلِ بَعْدَ الْعَقْدِ، فَلَا خِيَارَ لِلْمَرْأَةِ إلَّا فِي الْبَرَصِ الْكَثِيرِ وَالْجُذَامِ الْبَيِّنِ وَالْجُنُونِ إذَا حَدَثَ بَعْدَ الْعَقْدِ وَقَبْلَ الْبِنَاءِ أَمَّا بَعْدَ الْبِنَاءِ، فَلَا خِيَارِ لَهَا بِهِ وَعَلَى هَذَا اقْتَصَرَ فِي الْمُخْتَصَرِ بِقَوْلِهِ وَلَهَا فَقَطْ الرَّدُّ بِالْجُذَامِ الْبَيِّنِ وَالْبَرَصِ الْمُضِرِّ الْحَادِثَيْنِ بَعْدَهُ لَا بِكَاعْتِرَاضٍ، أَوْ جُنُونِهِمَا وَإِنْ مَرَّةً فِي السَّنَةِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَهُ أَيْ بَعْدَ الْعَقْدِ وَحَكَى ابْنُ عَرَفَةَ فِي جُنُونِ مَنْ تَأْمَنُ زَوْجَتُهُ أَذَاهُ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ الْأَوَّلُ إلْغَاؤُهُ لِابْنِ رُشْدٍ مِنْ سَمَاعِ زُونَانَ عَنْ أَشْهَبَ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ الثَّانِي اعْتِبَارُهُ لِسَمَاعِ عِيسَى رَأَى ابْنِ الْقَاسِمِ وَرِوَايَتَهُ الثَّالِثُ إنْ حَدَثَ بَعْدَ الْبِنَاءِ أُلْغِيَ وَإِلَّا، فَلَا اللَّخْمِيُّ وَقَوْلُهُ وَزَوْجَةٌ بِسَابِقٍ لِعَقْدِهِ يَعْنِي أَنَّ الزَّوْجَةَ تُرَدُّ بِالْعَيْبِ السَّابِقِ عَلَى الْعَقْدِ وَلَا إشْكَالَ فِي هَذَا، وَأَمَّا مَا حَدَثَ بِالْمَرْأَةِ بَعْدَ الْعَقْدِ فَمُصِيبَةٌ نَزَلَتْ بِالزَّوْجِ لَا خِيَارَ لَهُ فَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَ، أَوْ فَارَقَ فَإِنْ فَارَقَ قَبْلَ الْبِنَاءِ لَزِمَهُ نِصْفُ الصَّدَاقِ وَإِنْ فَارَقَ بَعْدَهُ لَزِمَهُ الصَّدَاقُ كَامِلًا. وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِقَوْلِهِ وَهُوَ أَيْ حُدُوثُ الْعَيْبِ بِالْمَرْأَةِ مِنْ بَعْدِ الْعَقْدِ آفَةٌ نَزَلَتْ بِالزَّوْجِ، فَلَا رَدَّ لَهُ بِهِ وَفِي الْمَوَّاقِ عَنْ ابْنِ عَرَفَةَ مَا حَدَثَ بِالْمَرْأَةِ مِنْ عَيْبٍ بَعْدَ الْعَقْدِ لَغْوٌ وَهُوَ نَازِلَةٌ بِالزَّوْجِ (ابْنُ رُشْدٍ) وَمَا حَدَثَ بِالرَّجُلِ بَعْدَ الْعَقْدِ مِنْ جُذَامٍ ثَالِثُ الْأَقْوَالِ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ لَهَا الْخِيَارُ إنْ كَانَ بَيِّنًا إلَّا إنْ رُجِيَ بُرْؤُهُ، فَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا إلَّا بَعْدَ أَجَلِهِ سَنَةً لِعِلَاجِهِ (ابْنُ عَرَفَةَ) وَالْبَرَصُ إذَا حَدَثَ بِالرَّجُلِ بَعْدَ الْعَقْدِ فَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ يَسِيرُهُ لَغْوٌ اتِّفَاقًا وَشَدِيدُهُ وَكَثِيرُهُ سَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ يُرَدُّ بِهِ (وَقَالَ الْمُتَيْطِيُّ) حُدُوثُ جُنُونِ الرَّجُلِ بَعْدَ الْعَقْدِ وَقَبْلَ الدُّخُولِ كَوُجُودِهِ قَبْلَ الْعَقْدِ قَالَ، وَكَذَا الْجُذَامُ بِخِلَافِهِمَا إذَا حَدَثَا بَعْدَ الدُّخُولِ رَاجِعْهُ اهـ. وَالْعَيْبُ مُبْتَدَأٌ وَفِي الرِّجَالِ وَمِنْ قَبْلِ الْبِنَا فِي مَحِلِّ الصِّفَةِ لِلْعَيْبِ وَجُمْلَةُ الرَّدُّ بِهِ تَعَيَّنَا خَبَرُ الْعَيْبُ وَالرَّابِطُ جُمْلَةَ الْخَبَرِ بِالْمُبْتَدَأِ ضَمِيرُ بِهِ الْعَائِدُ عَلَى الْعَيْبُ وَالزَّوْجُ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرُهُ يُرَدُّ وَبِالْقَدِيمِ يَتَعَلَّقُ بِيَرُدُّ وَزَوْجَةٌ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ مَحْذُوفٌ أَيْ تُرَدُّ وَبِسَابِقٍ بِذَلِكَ الْمَحْذُوفِ وَالرَّتْقُ دَاءُ الْفَرْجِ فِي النِّسَاءِ ... كَالْقَرْنِ وَالْعَفْلِ وَالْإِفْضَاءِ بَيَّنَ هُنَا دَاءَ فَرْجِ الْمَرْأَةِ وَهُوَ نَظِيرُ قَوْلِهِ فِي بَيَانِ دَاءِ الْفَرْجِ فِي الرَّجُلِ وَدَاءُ فَرْجِ الزَّوْجِ بِالْقَضَاءِ ... كَالْجَبِّ وَالْعُنَّةِ وَالْخِصَاءِ يَعْنِي أَنَّ دَاءَ فَرْجِ الْمَرْأَةِ هُوَ الرَّتَقُ وَالْقَرَنُ وَالْعَفَلُ وَالْإِفْضَاءُ (ابْنُ الْحَاجِبِ) وَدَاءُ الْفَرْجِ فِي الْمَرْأَةِ مَا يَمْنَعُ الْوَطْءَ، أَوْ لَذَّتَهُ كَالرَّتَقِ وَالْقَرَنِ وَالْعَفَلِ وَزِيدَ الْبَخَرُ وَالْإِفْضَاءُ (التَّوْضِيحُ) عِيَاضٌ الرَّتَقُ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَالتَّاءِ الْتِصَاقُ مَوْضِعِ الْوَطْءِ وَالْتِحَامُهُ وَالْعَفَلُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الْفَاءِ فِي النِّسَاءِ كَالْأُذْرَةِ فِي الرِّجَالِ وَهُوَ بُرُوزُ لَحْمٍ فِي الْفَرْجِ وَالْقَرْنِ بِفَتْحِ الْقَافِ وَسُكُونِ الرَّاءِ مِثْلُهُ لَكِنَّهُ قَدْ يَكُونُ خِلْقَةً غَالِبًا وَيَكُونُ عَظْمًا وَقَدْ يَكُونُ لَحْمًا قَالَ غَيْرُهُ، وَأَمَّا الْقَرَن بِفَتْحِ الْقَافِ وَالرَّاءِ فَهُوَ الْمَصْدَرُ وَهُوَ الْأَحْسَنُ هُنَا لِيَكُونَ مُوَافِقًا لِبَاقِي الْعُيُوبِ فَإِنَّهَا كُلَّهَا مَصَادِرُ وَمَنْ عَدَّ الْفَتْحَ خَطَأً فَقَدْ أَخْطَأَ قَوْلُهُ وَزِيدَ الْبَخَرُ وَالْإِفْضَاءُ زَادَهُمَا فِي الْجَلَّابِ وَالْبَخَرُ نَتْنُ الْفَرْجِ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ أَخْبَرَ بِذَلِكَ عَنْ دَاءِ الْفَرْجِ اهـ وَالْإِفْضَاءُ اخْتِلَاطُ مَحِلِّ الْجِمَاعِ وَمَجْرَى الْبَوْلِ بِزَوَالِ الْحَائِلِ الرَّقِيقِ الَّذِي بَيْنَهُمَا وَإِذَا وَقَعَ ذَلِكَ، فَلَا تُمْسِكُ بَوْلًا وَلَا نُطْفَةً وَالْبَخَرُ وَالْإِفْضَاءُ يَمْنَعَانِ لَذَّةَ الْجِمَاعِ لَا مُطْلَقَ الْجِمَاعِ (قَالَ الشَّارِحُ) وَسَكَنَّ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - التَّاءَ مِنْ الرَّتْقِ لِضَرُورَةِ الْوَزْنِ، أَوْ لَعَلَّهُ اسْتَعْمَلَهُ مَصْدَرًا كَقَوْلِك رَتَقْت الشَّيْءَ رَتْقًا وَلَا تُرَدُّ مِنْ عَمَى وَلَا شَلَلْ ... وَنَحْوِهِ إلَّا بِشَرْطٍ يُمْتَثَلْ يَعْنِي أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تُرَدُّ إلَّا مِنْ الْعُيُوبِ الْمَذْكُورَةِ قَبْلُ وَلَا تُرَدُّ مِنْ غَيْرِهَا كَالْعَمَى وَأَحْرَى الْعَوَرُ وَالشَّلَلُ وَقَطْعُ عُضْوٍ وَنَحْوُ ذَلِكَ إلَّا إذَا تَزَوَّجَ عَلَى شَرْطِ السِّلَامَةِ فَيُمْتَثَلُ الشَّرْطُ وَتَرُدُّ بِغَيْرِ مَا تَقَدَّمَ

أَوْ قَدْ وُلِدَتْ مِنْ زِنًا، أَوْ سَوْدَاءَ فَقَالَ مَالِكٌ لَا تُرَدُّ النِّسَاءُ فِي النِّكَاحِ إلَّا مِنْ الْعُيُوبِ الْأَرْبَعَةِ الَّتِي وُصِفَتْ لَك وَمِنْ كِتَابِ ابْنِ يُونُسَ وَسُئِلَ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ أَبِي زَيْدٍ عَمَّا يَكْتُبُ النَّاسُ فِي صَدَقَاتِهِمْ وَهِيَ صَحِيحَةُ الْعَقْلِ وَالْبَدَنِ إنْ وَجَدَهَا بَعْدَ ذَلِكَ عَمْيَاءَ أَوْ شَلَّاءَ هَلْ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا بِهَذَا الَّذِي كَتَبَ فِي الصَّدَاقِ فَقَالَ لَا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ وَلَيْسَ كَالشَّرْطِ حَتَّى يُبَيِّنَ فَيَقُولُ لَا عَمْيَاءَ وَلَا شَلَّاءَ قَالَ وَلَوْ كَانَ فِي مَوْضِعِ صَحِيحَةِ الْبَدَنِ سَلِيمَةِ الْبَدَنِ لَرَأَيْت لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا إذَا وَجَدَهَا عَمْيَاءَ، أَوْ شَلَّاءَ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ وَبِهَذَا كَانَ يُفْتِي عُلَمَاؤُنَا وَنُفْتِي نَحْنُ (قَالَ الشَّارِحُ) اسْتَشْكَلَ ابْنُ عَرَفَةَ الرَّدَّ بِالسَّوَادِ إذَا اشْتَرَطَ السَّلَامَةَ لِعَدَمِ انْدِرَاجِهَا عِنْدَهُ تَحْتَ الْعُيُوبِ الَّتِي يُرَدُّ بِهَا إذَا اشْتَرَطَ السَّلَامَةُ وَبَحْثُهُ ظَاهِرٌ. اهـ (وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ) إنْ وَجَدَهَا سَوْدَاءَ، أَوْ عَمْيَاءَ، أَوْ عَوْرَاءَ لَمْ تُرَدَّ وَلَا يَرُدُّ بِغَيْرِ الْعُيُوبِ الْأَرْبَعَةِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ السَّلَامَةَ مِنْهُ قُلْت فَإِنْ شَرَطَ أَنَّهَا صَحِيحَةٌ فَإِذَا هِيَ عَمْيَاءُ، أَوْ شَلَّاءُ، أَوْ مُقْعَدَةٌ أَيَرُدُّهَا قَالَ نَعَمْ إذَا اشْتَرَطَهَا عَلَى مَنْ أَنْكَحَهُ إيَّاهَا لِقَوْلِ مَالِكٍ فِيمَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَإِذَا هِيَ لِغَيَّةٍ إنْ زَوَّجُوهُ عَلَى نَسَبٍ فَلَهُ رَدُّهَا وَإِلَّا، فَلَا (عِيَاضٌ) قَوْلُهُ لِغَيَّةٍ أَيِّ لِغَيْرِ نِكَاحٍ كَمَا قَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ لِزِنْيَةٍ عَكْسُ هَذَا الرَّشِيدَةُ إلَّا إنَّهُ يَجُوزُ فَتْحُ الرَّاءِ هُنَا (ابْنُ رُشْدٍ) إنْ أَجَابَ الْوَلِيُّ الْخَاطِبَ عِنْدَ قَوْلِهِ قِيلَ لِي وَلِيَّتُك سَوْدَاء أَوْ عَوْرَاءُ بِقَوْلِهِ كَذَبَ مِنْ قَالَ ذَلِكَ هِيَ الْبَيْضَاءُ الْغَرَّاءُ، فَلَا خِلَافَ أَنَّ هَذَا شَرْطٌ يُوجِبُ رَدَّهَا إنْ وُجِدَ بِهَا بَعْضَ ذَلِكَ. وَإِنَّمَا الْخِلَافُ إنْ وَصَفَهَا الْوَلِيُّ عِنْدَ الْخِطْبَةِ بِالْبَيَاضِ وَصِحَّةِ الْعَيْنَيْنِ ابْتِدَاءً بِغَيْرِ سَبَبٍ وَهِيَ سَوْدَاءُ، أَوْ عَمْيَاءُ فَفِي لَغْوِهِ وَكَوْنِهِ شَرْطًا قَوْلَانِ (الْمُتَيْطِيُّ) قَوْلُهُ صَحِيحَةٌ فِي جِسْمِهَا قِيلَ هُوَ كَشَرْطِ السَّلَامَةِ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ وَحَكَى عَبْدُ الْحَقِّ وَغَيْرُهُ عَنْ الشَّيْخِ أَنَّهُ لَا يُوجِبُ لَهُ ذَلِكَ (الْبَاجِيُّ) ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهَا لَا تُرَدُّ بِفَاحِشِ الْقَرَعِ كَالْجَرَبِ خِلَافًا لِابْنِ حَبِيبٍ (ابْنُ رُشْدٍ) وَابْنُ حَبِيبٍ يَرَى رَدَّ الْقَرْعَاءِ وَالسَّوْدَاءِ (ابْنُ عَرَفَةَ) نَقَلَهُ عَنْهُ اللَّخْمِيُّ بِشَرْطِ كَوْنِهَا مِنْ بِيضٍ وَفِي الْجَلَّابِ تُرَدُّ مِنْ نَتِنِ الْفَرْجِ فَعَلَى هَذَا تُرَدُّ بِالْبَخَرِ وَالْخَشَمِ وَهُوَ نَتِنِ الْأَنْفِ لَانَ نَتِنَ الْأَعْلَى أَوْلَى بِالرَّدِّ اهـ. وَالزَّوْجُ حَيْثُ لَمْ يَجِدْهَا بِكْرَا ... لَمْ يَرْجِعْ إلَّا بِاشْتِرَاطِ عُذْرَا مَا لَمْ يُزِلْ عُذْرَتَهَا نِكَاحٌ ... مُكْتَتَمٌ فَالرَّدُّ مُسْتَبَاحٌ يَعْنِي أَنَّ مَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى أَنَّهَا بِكْرٌ فَوَجَدَهَا ثَيِّبًا، فَلَا رُجُوعَ لَهُ لِأَنَّ الْبِكْرَ فِي اللُّغَةِ هِيَ الَّتِي لَمْ يَنْعَقِدْ عَلَيْهَا نِكَاحٌ قَطُّ وَهَذِهِ كَذَلِكَ وَلَا يَدُلُّ لَفْظُ بِكْرٍ عَلَى كَوْنِهَا عَذْرَاءَ وَهِيَ الَّتِي بِخَاتَمِ رَبِّهَا هَذَا لَفْظُ الشَّارِحِ فَإِنْ كَانَ زَوَالُ عُذْرَتِهَا بِنِكَاحٍ كَتَمُوهُ عَنْ الزَّوْجِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ فَلَهُ رَدُّهَا إذْ لَيْسَتْ بِكْرًا حِينَئِذٍ وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِقَوْلِهِ وَالزَّوْجُ حَيْثُ لَمْ يَجِدْهَا بِكْرًا لَمْ يَرْجِعْ، ثُمَّ قَالَ مَا لَمْ يُزِلْ عُذْرَتَهَا نِكَاحٌ (قَالَ فِي الْمُقَرِّبِ) قُلْت تَزَوَّجَهَا وَهُوَ لَا يَعْرِفُهَا فَإِذَا هِيَ عَمْيَاءُ، أَوْ عَوْرَاءُ أَوْ قَطْعَاءُ، أَوْ شَلَّاءُ، أَوْ مُقْعَدَةُ

الْبَيْتِ، وَأَمَّا مَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى أَنَّهَا عَذْرَاءُ فَوَجَدَهَا ثَيِّبًا غَيْرَ عَذْرَاءَ فَلَهُ الرُّجُوعُ وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِقَوْلِهِ إلَّا بِاشْتِرَاطِ عَذْرَاء (الْمَوَّاقِ) عَنْ ابْنِ عَرَفَةَ لَوْ شَرَطَ أَنَّهَا عَذْرَاءُ فَوَجَدَهَا ثَيِّبًا غَيْرَ عَذْرَاءَ فَلَهُ رَدُّهَا اتِّفَاقًا وَفِي كَوْنِ شَرْطِ أَنَّهَا بِكْرٌ كَذَلِكَ وَلَغْوُهُ قَوْلَانِ وَاَلَّذِي عَوَّلَ عَلَيْهِ ابْنُ فَتْحُونٍ وَصَوَّبَهُ وَأَخَذَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ وَرَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ وَقَالَهُ أَشْهَبُ أَنْ لَا رَدَّ لَهُ بِذَلِكَ. اهـ (الْحَطَّابُ) وَعَلَى عَدَمِ رَدِّهَا بِالثُّيُوبَةِ فِي الدُّخُولِ عَلَى أَنَّهَا بِكْرٌ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ الْمُتَيْطِيُّ وَابْنِ فَتْحُونٍ لَوْ بَانَ أَنَّهَا ثَيِّبٌ مِنْ زَوْجٍ لَكَانَ لِلزَّوْجِ الرَّدُّ اهـ، ثُمَّ قَالَ الْمَوَّاقِ ابْنُ عَرَفَةَ عَلَى رَدِّهَا بِالثُّيُوبَةِ إنْ أَكَذَبَتْهُ فِي دَعْوَاهُ أَنَّهُ وَجَدَهَا ثَيِّبًا فَلَهُ عَلَيْهَا الْيَمِينُ إنْ كَانَتْ مَالِكَةً أَمْرَ نَفْسِهَا، أَوْ عَلَى أَبِيهَا إنْ كَانَتْ ذَاتَ أَبٍ (ابْنُ حَبِيبٍ) وَلَا يُنْظِرُهَا لِلنِّسَاءِ وَلَا تُكْشَفُ الْحُرَّةُ فِي مِثْلِ هَذَا، اُنْظُرْ إذَا قَالَ وَجَدْتهَا مُفْتَضَّةً فَإِنَّهُ يَجِبُ حَدُّهُ لِلْقَذْفِ وَإِنْ ثَيِّبٌ قَوْلُهُ أَيْ إنَّهَا ثَيِّبٌ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لَمْ أَجِدْهَا بِكْرًا لِأَنَّ الْعُذْرَةَ تَذْهَبُ بِغَيْرِ جِمَاعٍ اُنْظُرْ نَوَازِلَ ابْنِ الْحَاجِّ فَعَلَى مَا ذُكِرَ عَوَّلَ شَيْخ الشُّيُوخ ابْنُ لُبٍّ قَالَ وَلَا يُنْظِرُهَا الْقَوَابِلَ وَشَدَّدَ فِي ذَلِكَ. (وَمِنْ نَوَازِلِ الْبُرْزُلُيِّ) سُئِلَ الْقَابِسِيُّ عَمَّنْ اشْتَرَطَ عَذْرَاءَ فَوَجَدَهَا ثَيِّبًا فَقَالَ هَذَا شَيْءٌ لَا يَمْنَعُ الزَّوْجَ الْوَطْءَ وَشَيْءٌ يَدْخُلُ عَلَى الْمَرْأَةِ وَلَا تَشْعُرُ مِنْ لَعِبٍ، أَوْ قَفْزَةٍ وَمِنْ تَكَرُّرِ الْحَيْضِ فَتَأْكُلهُ الْحَيْضَةُ وَيَزُولُ الْحِجَابُ وَلَيْسَ بِعَيْبٍ عَلَى كُلِّ حَالٍ اهـ وَانْظُرْ جَوَابَ الْقَابِسِيِّ هَذَا مَعَ مَا تَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ عَرَفَةَ أَنَّهُ لَهُ الرَّدُّ اتِّفَاقًا، ثُمَّ قَالَ الْمَوَّاقِ وَقَالَ الْمُتَيْطِيُّ إنْ شَرَطَ أَنَّهَا بِكْرٌ فَأَلْفَاهَا ثَيِّبًا عَلَى ذَلِكَ، فَلَا رَدَّ لَهُ وَرَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ لِأَنَّ الْعُذْرَةَ تَذْهَبُ بِالْقَفْزَةِ وَالْحَيْضَةِ كَمَا قَالَ أَشْهَبُ وَقَدْ تَكُونُ الْعُذْرَةُ ذَهَبَتْ بَعْدَ عَقْدِ النِّكَاحِ، فَلَا يَجِبُ عَلَى الزَّوْجَةِ شَيْءٌ (وَسُئِلَ) الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ عَمَّنْ تَزَوَّجَ بِكْرًا، ثُمَّ زَنَتْ فَقَالَ هَذِهِ نَازِلَةٌ نَزَلَتْ بِالزَّوْجِ وَيَلْزَمُهُ جَمِيعُ الصَّدَاقِ إنْ دَخَلَ وَنِصْفُهُ إنْ طَلَّقَ قَبْلَ الدُّخُولِ (وَفِي الْمُدَوَّنَةِ) فِي الْمَرْأَةِ يَظْهَرُ بِهَا حَمْلٌ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا الزَّوْجُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ هِيَ زَوْجَتُهُ إنْ شَاءَ طَلَّقَ وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَ وَلَا يَلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ وَتُحَدُّ هِيَ (الْمُتَيْطِيُّ) يَنْبَغِي لِأَوْلِيَاءِ الْمَرْأَةِ تَذْهَبُ عُذْرَتُهَا بِغَيْرِ جِمَاعٍ أَنْ يُشِيعُوا ذَلِكَ وَيُشْهِدُوا بِهِ لِيَرْتَفِعَ عَنْهَا الْعَارُ عِنْدَ نِكَاحِهَا. ثُمَّ قَالَ وَيَنْبَغِي لِلْوَلِيِّ أَنْ يُعْلِمَ الزَّوْجَ عِنْدِ نِكَاحِهَا بِمَا جَرَى عَلَيْهَا فَإِنْ لَمْ يُعْلِمْهُ فَقَالَ أَشْهَبُ لَا مَقَالَ لِلزَّوْجِ وَقَالَ أَصْبَغُ لِلزَّوْجِ الرَّدُّ وَالرُّجُوعُ عَلَى الْأَبِ قَالَ ابْنُ الْعَطَّارِ وَهُوَ الصَّوَابُ عِنْدِي اهـ كَلَامُ الْمَوَّاقِ (تَنْبِيهَاتٌ. الْأَوَّلُ) قَالَ مُقَيَّدُ هَذَا الشَّرْحِ عَفَا اللَّهُ عَنْهُ بِفَضْلِهِ تَلَقَّيْنَا مِنْ بَعْضِ شُيُوخِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - أَنَّ الْخِلَافَ الْمُتَقَدِّمَ فِي الرَّدِّ إذَا لَمْ يَجِدْهَا بِكْرًا إنَّمَا هُوَ فِي غَيْرِ عُرْفِ أَهْلِ فَاسَ أَمَّا عُرْفُنَا الْيَوْمَ فَإِنَّ اشْتَرَطَ الْبَكَارَةِ كَاشْتِرَاطِ كَوْنِهَا عَذْرَاءَ وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فِي عُرْفِنَا لِأَنَّهُمْ يَعْنُونَ بِالْبَكَارَةِ كَوْنَهَا عَذْرَاءَ لَا غَيْرُ فَلِلزَّوْجِ الرَّدُّ إذَا وَجَدَهَا ثَيِّبًا سَوَاءٌ قَالُوا بِكْرًا، أَوْ عَذْرَاءَ (الثَّانِي) تَنَبَّهْ لِلْفَرْقِ بَيْنَ قَوْلِهِ وَجَدْتهَا مُفْتَضَّةً أَوْ وَجَدْتهَا ثَيِّبًا وَأَنَّهُ عَلَى التَّعْبِيرِ بِالِافْتِضَاضِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ وَهُوَ غَالِبُ عِبَارَتِهِمْ يُحَدُّ حَدَّ الْقَذْفِ. (الثَّالِثُ) فُهِمَ مِنْ قَوْلِهِمْ أَنَّ الْعُذْرَةَ تَزُولُ بِالْقَفْزَةِ وَغَيْرِهَا كَتَكْرَارِ الْحَيْضِ فَتَأْكُلُهُ الْحَيْضَةُ وَيَزُولُ الْحِجَابُ أَنَّ الْعُذْرَة سَاتِرٌ رَقِيقٌ عَلَى الْمَحِلِّ يَزُولُ بِأَدْنَى شَيْءٍ وَهُوَ الَّذِي عَبَّرَ عَنْهُ الشَّارِحُ كَمَا تَقَدَّمَ بِخَاتَمِ رَبِّهَا. (الرَّابِعُ) فُهِمَ مِنْ قَوْلِهِمْ فِي تَوْجِيهِ عَدَمِ الرَّدِّ فِي اشْتِرَاطِ كَوْنِهَا عَذْرَاءَ وَقَدْ تَكُونُ الْعُذْرَةُ ذَهَبَتْ بَعْد عَقْدِ النِّكَاحِ إلَخْ أَنْ لَا رَدَّ لِلزَّوْجِ حَتَّى يَثْبُتَ أَنَّ زَوَالَهَا قَبْلَ الْعَقْدِ عَلَيْهَا لِأَنَّ الْأَصْلَ الِاسْتِصْحَابُ

فَيُحْمَلُ زَوَالُهَا عَلَى الْحُدُوثِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ خِلَافُهُ. (الْخَامِسُ) اُنْظُرْ قَوْلَهُ فِيمَنْ ظَهَرَ بِهَا حَمْلٌ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَلَا يُلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ أَيْ بِالزَّوْجِ ظَاهِرُهُ وَلَوْ أَتَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ مِنْ يَوْمِ الْعَقْدِ عَلَيْهَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ يُلْحَقُ بِهِ إذَا أَتَتْ بِهِ لِذَلِكَ وَلَا يَنْتَفِي إلَّا بِاللِّعَانِ وَإِنَّمَا لَا يُلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ إذَا أَتَتْ بِهِ لِأَقَلِّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (السَّادِسُ) قَوْلُ الْمُتَيْطِيُّ يَنْبَغِي لِأَوْلِيَاءِ الْمَرْأَةِ تَذْهَبُ عُذْرَتُهَا مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ أَنْ يُشِيعُوا ذَلِكَ إلَخْ (قُلْت) عَلَى إشَاعَةِ ذَلِكَ عَمَلَ الْعَامَّةُ فِيمَا يَقَعُ لَهُمْ مِنْ ذَلِكَ، وَكَذَا الْمُوَثِّقُونَ حَتَّى يَعْقِدُوا فِي ذَلِكَ الْوَثَائِقَ وَالسِّجِلَّاتِ وَقَدْ وَقَفْت فِي ذَلِكَ عَلَى وَثِيقَةٍ بِخَطِّ الْإِمَامِ الْعَالِمِ الْحَسَنِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَطِيَّةِ التِّيجَانِيِّ الشَّهِيرِ الْوَنْشَرِيسِيِّ وَقَدْ تُقْطَعُ بَعْضُ أَطْرَافِهَا لِقِدَمِهَا وَنَصَّ مَا وَجَدْتُ سَالِمًا مِنْ ذَلِكَ هَذَا كِتَابُ تَحْصِينٍ لِرَفْعِ مَا عَسَى أَنْ يَكُونَ مِنْ الظُّنُونِ عَقَدَهُ فُلَانٌ لِابْنَتِهِ فُلَانَةَ الصَّغِيرَةِ فِي حَجَرِهِ وَوِلَايَتِهِ، وَأَمْرِهِ لِمَا جَرَى عَلَيْهَا مِنْ الْقَدَرِ الَّذِي لَا يُغَالَبُ بِالْحَذَرِ وَذَلِكَ أَنَّهَا مَشَتْ فِي الْأَرْضِ مِشْيَةَ الصَّبِيَّانِ وَلَعِبَتْ لِعْبَ أَمْثَالِهَا مِنْ الْوِلْدَانِ فَسَقَطَتْ عَلَى حَجَرٍ أَصَابَ رَحِمَهَا وَأَسْقَطَ عُذْرَتَهَا وَيَعْلَم مِنْ يَضَع اسْمَهُ عَقِبَ تَارِيخِهِ أَنَّهَا لِصِغَرِهَا مِمَّنْ لَا يُتَشَوَّفُ إلَيْهَا الرِّجَالُ فَصِغَرِ سِنِّهَا قَرِينَةُ رَفْعِ الِاحْتِمَالِ فَلِيَكُنِ الذَّاهِبُ إلَى نِكَاحِهَا طَيِّبُ النَّفْسِ زَهِيُّ الْبَالِ وَأَنَّهُ رَافِعٌ حِجَابَ لَمْ يُرْفَعْ لِقَضَاءِ أَرَبٍ مِنْ الْآرَابِ وَأَنَّهَا بِكْرٌ عَوَانٌ لَمْ يَطْمِثْهَا إنْسٌ قَبْلَهُ وَلَا جَانٌّ وَيَشْهَدُ بِمُضْمَنِ هَذِهِ الْوَثِيقَةِ عَنْ عِلْمِ صِغَرِ الْبِنْتِ الْمَذْكُورَةِ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَفِي كَذَا اهـ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ قَبْلَ إلَّا بِنْتًا ... فِي قِدَمِ الْعَيْبِ الَّذِي تَبَيَّنَا وَالْقَوْلُ بَعْدُ فِي الْحُدُوثِ قَوْلُ الْأَبْ ... وَالزَّوْجُ إذَا ذَاكَ بَيَانُهُ وَجَبْ يَعْنِي أَنَّهُ إذَا ظَهَرَ بِالزَّوْجَةِ عَيْبٌ وَاخْتَلَفَتْ مَعَ الزَّوْجِ فَادَّعَى الزَّوْجُ أَنَّ الْعَيْبَ قَدِيمٌ يُوجِبُ لَهُ الْخِيَارُ وَادَّعَتْ الزَّوْجَةُ حُدُوثَهُ فَيَكُونُ مُصِيبَةٌ بِالزَّوْجِ فَإِنْ كَانَ اخْتِلَافُهُمَا قَبْلَ الْبِنَاءِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ فِي قِدَمِهِ وَعَلَى الزَّوْجَةِ بَيَانُ كَوْنِهِ حَادِثًا وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْبِنَاءِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجَةِ فِي حُدُوثِهِ، أَوْ قَوْلُ أَبِيهَا وَعَلَى الزَّوْجِ بَيَانُ كَوْنِهِ قَدِيمًا وَعَلَيْهِ نَبَّهَ بِقَوْلِهِ وَالزَّوْجُ إذْ ذَاكَ بَيَانُهُ وَجَبَ (فَفِي طُرَرِ ابْنِ عَاتٍ) اُنْظُرْ إذَا ظَهَرَ بِالزَّوْجَةِ جُذَامٌ فَادَّعَى الزَّوْجُ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ بِهَا قَدِيمًا وَقَالَ الْأَب بَلْ حَدَّثَ بِهَا فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْبِنَاءِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ وَعَلَى الْأَبِ الْبَيِّنَةُ بِحُدُوثِهِ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْبِنَاءِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْأَبِ وَعَلَى الزَّوْجِ الْبَيِّنَةُ قِيَاسًا عَلَى الْبُيُوعِ فِيمَا وَجَدَ مِنْ عَيْبِ السِّلْعَةِ فَاخْتُلِفَ فِيهِ الْحُكْمُ فِيهِمَا سَوَاءٌ ذَكَرَ ذَلِكَ ابْنُ رُشْدٍ فِي سَمَاعِ عِيسَى مِنْ الشَّرْحِ وَقَدْ وَهَمَ ابْنُ فَتْحُونٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -

فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَنَحْوِ هَذَا الْفِقْهِ فِي الْمَوَّاقِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ (قَالَ الشَّارِحُ) هَلْ يُرِيدُ بِالْبَيِّنَةِ إقَامَةَ شَهَادَةٍ بِأَنَّ الْعَيْبَ بِهَا قَدِيمٌ، أَوْ حَادِثٌ، أَوْ شَهَادَةُ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِأَنَّهُ قَدِيمٌ أَقْدَمُ مِنْ أَمَدِ الْعَقْدِ، أَوْ حَادِثٌ بَعْدَ الْعَقْدِ، أَوْ مُحْتَمَلٌ كَالشَّهَادَةِ فِي الرَّقِيقِ وَفِي الدَّوَابِّ هَذَا مِمَّا يُحْتَمَلُ وَلَمْ أَرَ فِيهِ شَيْئًا اهـ وَقَوْلُهُ وَالْقَوْلُ بَعْدُ أَيْ بَعْدَ الْبِنَاءِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ قَبْلَ الِابْتِنَاءِ وَلَفْظُ الْأَبِ أَيْ أَبِي الزَّوْجَةِ يَقْرَأُ بِنَقْلِ حَرَكَةِ الْهَمْزَةِ لِلسَّاكِنِ قَبْلَهَا وَالْإِشَارَةُ فِي قَوْلِهِ إذْ ذَاكَ لِكَوْنِ الِاخْتِلَافِ بَعْدَ الْبِنَاءِ كَذَا بِرِدِّ ذِي انْتِسَابٍ أُلْفِيَا ... لِغَيَّةٍ أَوْ مُسْتَرَقًّا قُضِيَا يَعْنِي كَمَا يَقْضِي لِلزَّوْجَةِ بِحُدُوثِ عَيْبِهَا الْمُتَنَازِعِ فِيهِ بَعْدَ الْبِنَاءِ كَذَلِكَ يَقْضِي لَهَا بِرَدِّ الزَّوْجِ إذَا تَزَوَّجَتْهُ عَلَى أَنَّهُ ذُو نَسَبٍ فَوَجَدَتْهُ لَا نَسَبَ لَهُ أَيْ وَلَدُ زِنًا وَهُوَ قَوْلُهُ لِغَيَّةٍ أَيْ لِزَنْيَةِ وَهُوَ بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ مِنْ الْغَيِّ وَحَكَى بَعْضُ اللُّغَوِيِّينَ كَسْرَ الْغَيْنِ، أَوْ تَزَوَّجَتْهُ وَهِيَ حُرَّةٌ عَلَى أَنَّهُ حُرٌّ فَوَجَدَتْهُ عَبْدًا، أَوْ فِيهِ شَائِبَةٌ رِقٍّ فَلَهَا الْخِيَارُ فِي رَدِّهِ وَالرِّضَا بِهِ فِي الْوَجْهَيْنِ، وَكَذَلِكَ عَكْسُ الْمَسْأَلَتَيْنِ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى أَنَّهَا ذَاتُ نَسَبٍ فَوَجَدَهَا بِنْتَ زِنًا فَهُوَ مُخَيَّرٌ أَيْضًا، كَذَلِكَ مَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى أَنَّهَا حُرَّةٌ فَوَجَدَهَا أَمَةً أَمَّا مَسْأَلَةُ وُجُودِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ وَلَدَ زِنًا فَفِي الْمُقَرِّبِ فِي وُجُودِ الْمَرْأَةِ بِنْتَ زِنًا أَنَّ

فصل في الإيلاء والظهار

مَالِكًا سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَأَصَابَهَا لِزَنْيَةِ فَقَالَ إنْ كَانُوا زَوَّجُوهَا مِنْهُ عَلَى النَّسَبِ فَأَرَى لَهُ الْخِيَارُ وَإِنْ كَانُوا لَمْ يُزَوِّجُوهَا مِنْهُ عَلَى نَسَبٍ، فَلَا خِيَارَ لَهُ (قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ) وَأَرَى لَهَا الْمَهْرَ عَلَيْهِ إنْ دَخَلَ بِهَا وَيَكُونُ ذَلِكَ عَلَى مَنْ عَقَدَهَا إلَّا أَنْ لَا يَكُونَ غَرَّهُ مِنْهَا أَحَدٌ وَهِيَ الَّتِي غَرَّتْ مِنْ نَفْسِهَا فَيَكُونُ ذَلِكَ عَلَيْهَا اهـ (وَفِيهِ أَيْضًا) فِي وُجُودِ الرَّجُلِ ابْنَ زِنًا، وَكَذَلِكَ مِنْ تَزَوَّجَتْ عَلَى نَسَبٍ فَغَرَّهَا فَهِيَ بِالْخِيَارِ قُلْت فَإِنْ كَانَ الرَّجُلُ لَغَيَّةً وَتَزَوَّجَهَا عَلَى النَّسَبِ وَعَلِمَتْ فَقَالَ لَهَا أَنْ تَرُدَّهُ إنْ كَانَتْ إنَّمَا تَزَوَّجَتْهُ عَلَى نَسَبٍ ا. هـ، وَأَمَّا وُجُودُ الزَّوْجِ عَبْدًا فَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ ابْنِ الْقَاسِمِ سُئِلَ عَنْ الرَّجُلِ يَتَزَوَّجُ الْحُرَّةَ عَلَى أَنَّهُ حُرٌّ فَإِذَا هُوَ عَبْدٌ هَلْ يَكُونُ لَهَا الْخِيَارُ قَبْلَ أَنْ تَرْفَعَ ذَلِكَ إلَى السُّلْطَانِ وَهَلْ يُفَوِّضُ إلَيْهَا السُّلْطَانُ إذَا رُفِعَ ذَلِكَ إلَيْهِ أَمْرَهَا إلَى نَفْسِهَا فَتُطَلِّقُ مَا شَاءَتْ؟ قَالَ: أَمَّا الَّذِي غَرَّ مِنْ نَفْسِهِ فَلِامْرَأَتِهِ أَنْ تَخْتَارَ قَبْلَ أَنْ تَرْفَعَ ذَلِكَ إلَى السُّلْطَانِ فَمَا طَلَّقَتْ بِهِ نَفْسَهَا جَازَ عَلَيْهَا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ يُرِيدُ إنَّهَا إنْ فَعَلَتْ جَازَ ذَلِكَ لَهَا إنْ كَانَ الزَّوْجُ مُقِرًّا بِأَنَّهُ غَرَّهَا. (وَفِي الْعُتْبِيَّةِ) وَسُئِلَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مُكَاتَبٍ تَزَوَّجَ حُرَّةً فَكَانَتْ مَعَهُ سِنِينَ، ثُمَّ ادَّعَتْ أَنَّهُ غَرَّهَا مِنْ نَفْسِهِ وَزَعَمَتْ أَنَّهَا لَمْ تَعْلَمْ حِينَ نَكَحَتْهُ أَنَّهُ مُكَاتِبٌ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: أَرَى أَنْ تَحْلِفَ أَنَّهَا لَمْ تَعْلَمْ وَيَكُونُ لَهَا الْخِيَارُ وَمِنْ الْعَبِيد مَنْ يَكُونُ فِي تِجَارَتِهِ وَمَنْظَرِهِ حَالَ الْحُرِّ وَهِيَ امْرَأَةٌ فِي خِدْرِهَا لَمْ تَعْلَمْ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا مَعَ يَمِينِهَا إنْ ادَّعَى عَلَيْهَا أَنَّهَا عَلِمَتْ حَتَّى يُعْلَمَ أَنَّهَا قَدْ عَلِمَتْ ا. هـ، وَأَمَّا وُجُودُ الزَّوْجَةِ أَمَةً فَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَفِيهَا فِي الْأَمَةِ تَغُرُّ بِالْحُرِّيَّةِ الْأَقَلُّ مِنْ صَدَاقِ الْمِثْلِ وَالْمُسَمَّى التَّوْضِيحُ وَالْحُكْمُ بِالْأَقَلِّ إنَّمَا هُوَ إذَا لَمْ يُمْسِكْهَا، وَأَمَّا إذَا أَمْسَكَهَا فَالْمُسَمَّى ذَكَرَهُ فِي الْجَوَاهِرِ (وَفِي الْمَوَّاقِ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ) مَنْ تَزَوَّجَ أَمَةً أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا حُرَّةً، ثُمَّ عَلِمَ بَعْدَ أَنْ بَنَى بِهَا أَنَّهَا أَمَةٌ أَذِنَ السَّيِّدُ أَنْ تَسْتَخْلِفَ رَجُلًا عَلَى إنْكَاحِهَا فَلَهَا الْمُسَمَّى إلَّا أَنْ يَزِيدَ عَلَى صَدَاقِ الْمِثْلِ فَتَرُدُّ مَا زَادَ (ابْنُ يُونُسَ) بَيَانُهُ أَنَّ لَهَا الْأَقَلَّ مِنْ الْمُسَمَّى، أَوْ صَدَاقِ الْمِثْلِ وَلَهُ أَنْ يَثْبُتَ عَلَى نِكَاحِهَا اهـ وَلِغَيَّةٍ يَتَعَلَّقُ بِأُلْفِيَا وَهُوَ فِي مَحِلِّ الْمَفْعُولِ الثَّانِي لِأُلْفِيَا بِمَعْنَى وُجِدَ وَمُسْتَرَقًّا مَعْطُوفُ عَلَى مَحِلِّ لَغَيَّةً [فَصْلٌ فِي الْإِيلَاءِ وَالظِّهَارِ] ِ وَمَنْ لِوَطْءٍ بِيَمِينٍ مَنْعَهْ ... لِزَوْجَةٍ فَوْقَ شُهُورٍ أَرْبَعَهْ فَذَلِكَ الْمُولِي وَتَأْجِيلٌ وَجَبْ ... لَهُ إلَى فَيْئَتِهِ لِمَا اجْتَنَبْ (ابْنُ عَرَفَةَ) الْإِيلَاءُ حَلِفُ زَوْجٍ عَلَى تَرْكِ وَطْءِ زَوْجَتِهِ يُوجِبُ خِيَارَهَا فِي طَلَاقِهِ. (الرَّصَّاع) كَذَا قَالَ الشَّيْخُ،، ثُمَّ اعْتَرَضَ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ رَسْمَهُ فِي قَوْلِهِ: الْحَلِفُ بِيَمِينٍ يَتَضَمَّنُ تَرْكَ وَطْءِ الزَّوْجَةِ غَيْرِ الْمُرْضِعِ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ يَلْزَمُ الْحِنْثُ فِيهَا حُكْمًا. فَقَوْلُهُ: الْحَلِفُ إلَخْ. الْإِيلَاءُ فِي اللُّغَةِ هُوَ الْيَمِينُ مُطْلَقًا وَقِيلَ هُوَ الِامْتِنَاعُ، ثُمَّ اُسْتُعْمِلَ فِي امْتِنَاعٍ خَاصٍّ وَكَأَنَّ الشَّيْخَ ابْنَ الْحَاجِبِ فَهِمَ أَنَّ الْإِيلَاءَ اللُّغَوِيَّ اُسْتُعْمِلَ شَرْعًا فِي بَعْضِ مَدْلُولِهِ بِنَقْلٍ، أَوْ تَخْصِيصٍ. وَقَوْلُهُ: " يَتَضَمَّنُ " أَشَارَ بِهِ إلَى التَّضَمُّنِ اللُّغَوِيِّ الَّذِي يَعُمُّ الدَّلَالَاتِ الثَّلَاثَ. وَقَوْلُهُ: " تَرْكُ وَطْءِ الزَّوْجَةِ " خَرَجَ بِهِ إذَا حَلَفَ عَلَى غَيْرِ تَرْكِ الْوَطْءِ وَزَادَ غَيْرَ الْمُرْضِعِ لِيُخْرِجَ بِهِ صُورَةَ الرَّضَاعِ فَإِنَّهُ لَمْ يُرِدْ ضَرَرًا عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ " وَأَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ " أَخْرَجَ بِهِ مَا إذَا حَلَفَ عَلَى أَرْبَعَةٍ فَمَا دُونَهَا. وَقَوْلُهُ: " يَلْزَمُ الْحِنْثُ فِيهَا حُكْمًا " أَخْرَجَ بِهِ إنْ وَطِئْتُكِ فَعَلَيَّ أَنْ أَمْشِيَ إلَى السُّوقِ، أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَلْزَمُ شَرْعًا ثَمَّ ذَكَرَ وَجْهَ بَحْثِ ابْنِ عَرَفَةَ مَعَ ابْنِ الْحَاجِبِ وَأَطَالَ فِي ذَلِكَ فَرَاجِعْهُ إنْ شِئْت.، ثُمَّ قَالَ الرَّصَّاع فِي حَدِّ ابْنِ عَرَفَةَ الْمُتَقَدِّمِ: قَوْلُهُ " يُوجِبُ خِيَارَهَا فِي طَلَاقِهِ " أَخْرَجَ بِهِ مَا إذَا حَلَفَ عَلَى تَرْكِ وَطْئِهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فَأَقَلَّ فَإِنَّهُ لَا خِيَارَ لَهَا فِي ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ابْنُ الْحَاجِبِ) وَشَرْطُ الْمُولِي أَنْ يَكُونَ زَوْجًا مُسْلِمًا مُكَلَّفًا يُتَصَوَّرُ وِقَاعُهُ وَقَالَ أَصْبَغُ يَصِحُّ إيلَاءُ الْخَصِيِّ وَالْمَجْبُوبِ وَيَصِحُّ مِنْ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ وَالصَّحِيحِ وَالْمَرِيضِ اهـ وَإِلَى حَدِّ الْإِيلَاءِ

وَبَعْضِ أَحْكَامِهِ أَشَارَ النَّاظِمُ بِالْبَيْتَيْنِ وَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى حَدِّ الظِّهَارِ إنْ شَاءَ اللَّهُ يَعْنِي أَنَّ مَنْ حَلَفَ عَلَى تَرْكِ وَطْءِ زَوْجَتِهِ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَهُوَ مُولٍ، وَهَذَا إنْ كَانَ حُرًّا. وَأَمَّا الْعَبْدُ فَبِأَكْثَرَ مِنْ شَهْرَيْنِ وَالْحُكْمُ أَنَّهُ إذَا وَقَعَ ذَلِكَ يُؤَجَّلُ الزَّوْجُ كَمَا يَأْتِي فَإِنْ فَاءَ أَيْ رَجَعَ لِمَا حَلَفَ عَلَى تَرْكِهِ وَهُوَ الْوَطْءُ وَوَطِئَ دَاخِلَ الْأَجَلِ انْحَلَّ عَنْهُ الْإِيلَاءُ وَكَفَّرَ عَنْ يَمِينِهِ إنْ كَانَتْ مِمَّا تُكَفَّرُ، وَإِنْ انْقَضَى الْأَجَلُ وَلَمْ يَفِئْ وَقَفَهُ الْقَاضِي فَإِمَّا فَاءَ وَإِلَّا طَلَّقَ عَلَيْهِ. (قَالَ الْمُتَيْطِيُّ) : وَإِذَا آلَى حُرٌّ مِنْ امْرَأَتِهِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فَدُونَ، أَوْ عَبْدٌ شَهْرَيْنِ فَدُونَ، فَلَا حُكْمَ لَهُ، فَإِنْ زَادَ إيلَاءُ الْحُرِّ أَوْ الْعَبْدِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ، أَوْ كَانَ مُبْهَمًا لَمْ يُؤَقِّتْهُ بِمُدَّةٍ، أَوْ قَدْ مَضَى لَهُ نَحْوُ ذَلِكَ فَالزَّوْجَةُ مُخَيَّرَةٌ بَيْنَ الصَّبْرِ عَلَيْهِ أَوْ طَلَبِ الْوَاجِبِ لَهَا فِي الْفَيْئَةِ، أَوْ الطَّلَاقِ، وَهَذَا إذَا لَمْ يَمْنَعْ مِنْ الْوَطْءِ مَانِعٌ اهـ وَفِي الْمُخْتَصَرِ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، أَوْ شَهْرَيْنِ لِلْعَبْدِ. وَأَجَلُ الْإِيلَاءِ مِنْ يَوْمِ الْحَلِفْ ... وَحَانِثٌ مِنْ يَوْمِ رَفْعِهِ اُؤْتُنِفْ يَعْنِي أَنَّ فِي ابْتِدَاءِ ضَرْبِ الْأَجَلِ لِلْمُولِي تَفْصِيلًا وَهُوَ أَنَّهُ إنْ كَانَتْ يَمِينُهُ عَلَى بِرٍّ كَلَا وَطِئْتُ فَابْتِدَاءُ الْأَجَلِ لَهُ مِنْ يَوْمِ الْحَلِفِ. وَإِنْ كَانَتْ عَلَى حِنْثٍ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: كَمَا لَوْ قَالَ: " إنْ لَمْ أَدْخُلْ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ " فَابْتِدَاؤُهُ مِنْ يَوْمِ الرَّفْعِ وَالْحُكْمِ (التَّوْضِيح) وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمُولِيَ حَقِيقَةُ أَجَلِهِ مِنْ يَوْمِ الْيَمِينِ، وَأَمَّا مَنْ أُلْحِقَ بِهِ فَأَجَلُهُ مِنْ يَوْمِ الرَّفْعِ، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ، وَقِيلَ: إنَّ أَجَلَهُ مِنْ يَوْمِ الْيَمِينِ كَالْأَوَّلِ (ابْنُ الْحَاجِبِ) . وَيَلْحَقُ بِالْمُولِي مَنْ مُنِعَ مِنْهَا لِشَكٍّ (التَّوْضِيحُ) أَيْ كُلُّ مَنْ كَانَتْ يَمِينُهُ عَلَى حِنْثٍ كَمَا لَوْ قَالَ: " إنْ لَمْ أَدْخُلْ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ". وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ فِي الطَّلَاقِ وَإِنْ كَانَ فِيمَا يُمْكِنُ دَعْوَى تَحْقِيقِهِ إلَخْ هَكَذَا كَانَ شَيْخُنَا يُقَرِّرُ هَذَا الْمَحَلَّ وَهُوَ الَّذِي يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِ فِي الْجَوَاهِرِ، وَمَثَّلَ ابْنُ رَاشِدٍ مَنْ مُنِعَ مِنْهَا لِشَكٍّ بِمَا إذَا قَالَ لِامْرَأَتَيْهِ: " إحْدَاكُمَا طَالِقٌ " وَقَالَ: " نَوَيْتُ وَاحِدَةً مُعَيَّنَةً وَنَسِيتُ عَيْنَهَا " فَإِنَّهُ يُوقَفُ رَجَاءَ أَنْ يَتَذَكَّرَ فَلَوْ طَالَ وَقَامَتَا عَلَيْهِ فَكَالْمُولِي.، ثُمَّ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ عَاطِفًا عَلَى الْمُلْحَقِ بِالْمُولِي: وَمَنْ امْتَنَعَ مِنْ الْوَطْءِ لِغَيْرِ عِلَّةٍ وَعُرِفَ مِنْهُ حَاضِرًا، أَوْ مُسَافِرًا (التَّوْضِيح) أَيْ عُرِفَ مِنْهُ أَنَّهُ يَمْتَنِعُ لِعِلَّةٍ،، ثُمَّ قَالَ: وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مَرْوِيٌّ عَنْ مَالِكٍ لَكِنَّهُ خِلَافٌ عَلَى الْمَشْهُورِ فَإِنَّ الْمَشْهُورَ - وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ - أَنَّ لَهَا أَنْ تَقُومَ بِالْفِرَاقِ فَإِذَا تَبَيَّنَ ضَرَرُهُ طَلُقَتْ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ ضَرْبِ أَجَلٍ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ عَاطِفًا عَلَى مَا ذَكَرَ: وَمَنْ احْتَمَلَتْ مُدَّةُ يَمِينِهِ أَقَلَّ (التَّوْضِيح) كَمَا لَوْ قَالَ: " وَاَللَّهِ لَا وَطِئْتُكِ حَتَّى يَمُوتَ زَيْدٌ " وَنَحْوَ ذَلِكَ، قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ ابْنُ الْحَاجِبِ إلَّا أَنَّ أَجَلَهُمْ مِنْ يَوْمِ الرَّفْعِ وَالْأَوَّلُ مِنْ يَوْمِ الْحَلِفِ (التَّوْضِيح) الضَّمِيرُ مِنْ أَجَلِهِمْ عَائِدٌ عَلَى مَنْ أُلْحِقَ بِالْمُولِي. وَقَوْلُهُ: " وَالْأَوَّلُ مِنْ يَوْمِ الْحَلِفِ " أَيْ مَنْ حَلَفَ عَلَى تَرْكِ الْوَطْءِ. وَعَلَى مَا قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ بِإِسْقَاطِ مَنْ امْتَنَعَ مِنْ الْوَطْءِ لِغَيْرِ عِلَّةٍ لِكَوْنِهِ يُطَلَّقُ عَلَيْهِ بِلَا ضَرْبِ أَجَلٍ، وَعَلَى الْمَشْهُورِ ذَهَبَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ حَيْثُ قَالَ: وَالْأَجَلُ مِنْ الْيَمِينِ إنْ كَانَتْ يَمِينُهُ صَرِيحَةً فِي تَرْكِ الْوَطْءِ لَا إنْ احْتَمَلَتْ مُدَّةً أَقَلَّ، أَوْ حَلَفَ عَلَى حِنْثٍ فَمِنْ الرَّفْعِ وَالْحُكْمِ. وَيَقَعُ الطَّلَاقُ حَيْثُ لَا يَفِي ... إلَّا عَلَى ذِي الْعُذْرِ فِي التَّخَلُّفِ يَعْنِي أَنَّهُ إذَا انْقَضَى أَجَلُ الْمُولِي وَلَمْ يَفِئْ أَيْ لَمْ يَطَأْ فَإِنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ عَلَيْهِ إلَّا إذَا كَانَ لَهُ عُذْرٌ كَالْمَرِيضِ وَالْمَسْجُونِ وَالْغَائِبِ فَلَا تَطْلُقُ بِنَفْسِ انْقِضَاءِ الْأَجَلِ بَلْ يُمْهَلُ حَتَّى يُمْكِنَهُ ذَلِكَ، فَإِنْ أَمْكَنَهُ وَلَمْ يَفْعَلْ طَلُقَتْ عَلَيْهِ (ابْنُ الْحَاجِبِ) وَلِلزَّوْجَةِ الْمُطَالَبَةُ إذَا مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ فَيَأْمُرُ الْحَاكِمُ بِالْفَيْئَةِ أَوْ الطَّلَاقِ، فَإِنْ أَبَى طَلَّقَ عَلَيْهِ (التَّوْضِيح) إذَا وَقَفَ الْمُولِي فَلَهُ حَالَتَانِ الْأُولَى: أَنْ يَقُولَ: " لَا أَطَأُ " وَالْحُكْمُ فِيهَا أَنْ يُطَلِّقَ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ تَلَوُّمٍ. وَالثَّانِيَةُ: أَنْ يَقُولَ: " أَطَأُ " فَهَذَا يُتَلَوَّمُ لَهُ فِيهَا وَيُخْتَبَرُ مَرَّةً فَإِنْ تَبَيَّنَ كَذِبُهُ طَلَّقَ عَلَيْهِ. وَالْفَيْئَةُ تَغَيُّبُ الْحَشَفَةِ فِي الْقُبُلِ فِي التَّثْبِيتِ وَافْتِضَاضُ الْبِكْرِ طَائِعًا عَاقِلًا قَالَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ ثُمَّ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَإِنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ مَحْبُوسًا أَوْ غَائِبًا فَتُكَفَّرُ الْيَمِينُ عَلَى الْمَشْهُورِ إنْ كَانَتْ مِمَّا تُكَفَّرُ قَبْلَ الْحِنْثِ كَالْيَمِينِ بِاَللَّهِ أَوْ تَعْجِيلِ الْحِنْثِ كَعِتْقِ الْعَبْدِ أَوْ إبَانَةِ الزَّوْجَةِ الْمَحْلُوفِ بِهِمَا، فَإِنْ أَبَوْا طَلَّقَ عَلَيْهِمْ، وَإِنْ كَانَتْ مِمَّا لَا تُكَفَّرُ قَبْلَهُ كَصَوْمٍ لَمْ يَأْتِ أَوْ يَمِينٍ لَا يَنْفَعُ فِيهِ تَعْجِيلُ الطَّلَاقِ كَطَلَاقٍ فِيهِ رَجْعَةٌ فِيهَا أَوْ فِي غَيْرِهَا فَالْفَيْئَةُ الْوَعْدُ. وَيَبْعَثُ إلَى الْغَائِبِ وَلَوْ عَلَى

شَهْرَيْنِ مَسِيرَةً (وَقَالَ سَحْنُونٌ) الْأَكْثَرُ أَنَّ الْوَعْدَ كَافٍ إلَى أَنْ يُمْكِنَهُمْ الْوَطْءُ، فَإِنْ لَمْ يَطَئُوا طَلَّقَ عَلَيْهِمْ اهـ اُنْظُرْ التَّوْضِيحَ وَعَادِمٌ لِلْوَطْءِ لِلنِّسَاءِ ... لَيْسَ لَهُ كَالشَّيْخِ مِنْ إيلَاءِ يَعْنِي أَنَّ الْعَاجِزَ عَنْ الْوَطْءِ كَالشَّيْخِ الْعَاجِزِ عَنْ الْجِمَاعِ لَا إيلَاءَ لَهُ، وَدَخَلَ تَحْتَ الْكَافِ الْخَصِيُّ وَالْمَجْبُوبُ وَمَنْ قُطِعَ ذَكَرُهُ (قَالَ فِي الْمُقَرِّبِ) : قُلْتُ لَهُ: أَرَأَيْتَ الشَّيْخَ الْكَبِيرَ الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى الْجِمَاعِ إذَا آلَى مِنْ امْرَأَتِهِ أَيُوقَفُ بَعْدَ الْأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ؟ قَالَ: لَا، وَإِنَّمَا الْإِيلَاءُ عَلَى مَنْ يَسْتَطِيعُ الْفَيْئَةَ بِالْجِمَاعِ وَكَذَلِكَ الْخَصِيُّ الَّذِي لَا يَطَأُ وَمِثْلُهُمَا الَّذِي يُولِي مِنْ امْرَأَتِهِ ثُمَّ يُقْطَعُ ذَكَرُهُ فَلَيْسَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ تَوْقِيفٌ اهـ وَفِي ابْنِ الْحَاجِبِ فِي عَدِّ شُرُوطِ الْمُولِي أَنْ يَكُونَ يُتَصَوَّرُ وِقَاعُهُ وَقَالَ أَصْبَغُ يَصِحُّ إيلَاءُ الْخَصِيِّ وَالْمَجْبُوبِ (التَّوْضِيح) لِأَنَّ لِلزَّوْجَةِ مَنْفَعَةً فِيمَا آلَى عَنْهُ مِنْ الْمُضَاجَعَةِ وَالْمُبَاشَرَةِ وَلِذَلِكَ تَزَوَّجَتْهُ، فَإِذَا قَطَعَ عَنْهَا ذَلِكَ وَجَبَ أَنْ تُوَقِّفَهُ. قَالَ: وَأَمَّا إذَا أَقْعَدَهُ الْكِبَرُ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِيهِ تَحَرُّكٌ فَيَقْطَعُهُ عَنْهَا اهـ. وَأَجَلُ الْمُولِي شُهُورٌ أَرْبَعَهْ ... وَاشْتَرَكَ التَّارِكُ لِلْوَطْءِ مَعَهُ فِي ذَاكَ حَيْثُ التَّرْكُ قَصَدٌ لِلضَّرَرْ ... مِنْ بَعْدِ زَجْرِ حَاكِمٍ وَمَا ازْدَجَرْ بَعْدَ تَلَوُّمٍ وَفِي الظِّهَارِ ... لِمَنْ أَبَى التَّكْفِيرَ ذَاكَ جَارِ وَأَجَلُ الْمُظَاهِرِ الْمَأْثُورُ ... مِنْ يَوْمِ رَفْعِهِ هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ بَعْدِ أَنْ يُؤْمَرَ بِالتَّكْفِيرِ ... وَهْيَ عَلَى التَّرْتِيبِ لَا التَّخْيِيرِ اشْتَمَلَتْ الْأَبْيَاتُ عَلَى خَمْسِ مَسَائِلَ: (الْأُولَى) أَنَّ مَنْ حَلَفَ عَلَى تَرْكِ وَطْءٍ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالْمُولِي فَإِنَّهُ يُضْرَبُ لَهُ أَجَلُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ} [البقرة: 226] الْآيَةَ فَهَذَا تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ: " وَتَأْجِيلٌ وَجَبَ لَهُ إلَى فَيْئَتِهِ لِمَا اجْتَنَبْ " وَهَذَا لِلْحُرِّ، أَمَّا لِلْعَبْدِ فَأَجَلُ إيلَائِهِ شَهْرَانِ كَمَا يَأْتِي لِلْمُؤَلِّفِ. (الثَّانِيَةُ) مَنْ امْتَنَعَ مِنْ الْوَطْءِ مِنْ غَيْرِ يَمِينٍ بَلْ لِقَصْدِ الضَّرَرُ بِالزَّوْجَةِ فَتَرْفَعُ أَمْرَهَا إلَى السُّلْطَانِ فَيَزْجُرُهُ عَنْ فِعْلِهِ فَإِذَا لَمْ يَنْزَجِرْ تُلُوِّمَ لَهُ ثَمَّ ضُرِبَ لَهُ أَجَلُ الْمُولِي وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ: " وَاشْتَرَكَ التَّارِكُ لِلْوَطْءِ مَعَهُ " أَيْ مَعَ الْمُولِي فِي ذَلِكَ هُوَ التَّأْجِيلُ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَإِلَى هَذَا أَشَارَ ابْنُ الْحَاجِبِ بِقَوْلِهِ: " وَيَلْحَقُ بِالْمُولِي مَنْ مَنَعَ مِنْهَا الشَّكَّ وَمَنْ امْتَنَعَ مِنْ الْوَطْءِ لِغَيْرِ عِلَّةٍ " إلَخْ فَذَهَبَ النَّاظِمُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ وَأَنَّهُ يُلْحَقُ بِالْمُولِي وَيُضْرَبُ لَهُ الْأَجْلُ وَلَكِنْ بَعْدَ التَّلَوُّمِ مِنْ غَيْرِ ضَرْبٍ. (قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ) : قَالَ مَالِكٌ: وَمَنْ تَرَكَ وَطْءَ زَوْجَتِهِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَلَا إيلَاءٍ لَمْ يُتْرَكْ إمَّا وَطِئَ أَوْ طَلَّقَ يُرِيدُ وَيُتَلَوَّمُ لَهُ بِمِقْدَارِ أَجَلِ الْإِيلَاءِ أَوْ أَكْثَرَ اهـ. (الثَّالِثَةُ) الْمُظَاهِرُ مِنْ زَوْجَتِهِ إذَا امْتَنَعَ مِنْ التَّكْفِيرِ فَإِنَّهُ يَدْخُلُ عَلَيْهِ الْإِيلَاءُ وَتَطْلُقُ عَلَيْهِ بَعْدَ أَجَلِهِ وَذَلِكَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ لِلْحُرِّ وَشَهْرَانِ لِلْعَبْدِ، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ: " وَفِي الظِّهَارِ لِمَنْ أَبَى التَّكْفِيرَ ذَاكَ جَارِ " وَالْإِشَارَةُ بِذَلِكَ لِلتَّأْجِيلِ (وَمِنْ الْمُقَرِّبِ) قُلْتُ: هَلْ يَدْخُلُ الْإِيلَاءُ عَلَى الظِّهَارِ؟ قَالَ: نَعَمْ إذَا كَانَ يَقْدِرُ عَلَى الْكَفَّارَةِ فَلَمْ يُكَفِّرْ وَمَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ أَوْ أَكْثَرُ وَقَفَ فَإِمَّا أَنْ يُكَفِّرَ وَإِمَّا طَلُقَتْ عَلَيْهِ إذَا طَلَبَتْ زَوْجَتُهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ فِي تَرْكِ الْكَفَّارَةِ وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَيْهَا مُضَارٌّ بِهَا وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ. (الرَّابِعَةُ) اُخْتُلِفَ فِي ابْتِدَاءِ أَجَلِ الْإِيلَاءِ لِلْمُظَاهِرِ هَلْ هُوَ مِنْ يَوْمِ رَفْعِهَا لِلْحَاكِمِ؟ وَهُوَ لِمَالِكٍ وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَلَى مَا قَالَ النَّاظِمُ، أَوْ مِنْ يَوْمِ الْيَمِينِ؟ وَهُوَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَعَلَيْهِ اخْتَصَرَ الْبَرَاذِعِيُّ وَغَيْرُهُ (الْمُدَوَّنَة) ، وَفِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلٌ ثَالِثٌ أَنَّ الْأَجَلَ مِنْ يَوْمِ تَبَيُّنِ ضَرَرِهِ وَقِيلَ وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ، وَقَدْ حَكَى هَذِهِ الثَّلَاثَةَ صَاحِبُ الْمُخْتَصَرِ حَيْثُ قَالَ: وَهَلْ الْمُظَاهِرُ إنْ قَدَرَ عَلَى التَّكْفِيرِ وَامْتَنَعَ كَالْأَوَّلِ وَعَلَيْهِ اُخْتُصِرَتْ أَوْ كَالثَّانِي وَهُوَ الْأَرْجَحُ أَوْ مِنْ تَبَيُّنِ الضَّرَرِ وَعَلَيْهِ تُؤُوِّلَتْ أَقْوَالٌ. (الْخَامِسَةُ) أَنَّ كَفَّارَةَ الظِّهَارِ عَلَى التَّرْتِيبِ لَا عَلَى التَّخْيِيرِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى. {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 3] الْآيَةَ

(التَّوْضِيح) لَا خِلَافَ فِي تَرْتِيبِهَا وَأَنَّ الْعِتْقَ أَوَّلًا ثُمَّ الصِّيَامَ ثُمَّ الْإِطْعَامَ فَقَوْلُهُ: " فِي ذَاكَ " أَيْ التَّأْجِيلِ وَ " مِنْ بَعْدِ زَجْرِ حَاكِمٍ " وَ " بَعْدَ تَلَوُّمٍ " يَتَعَلَّقَانِ بِمَحْذُوفِ حَالٍ مِنْ قَوْلِهِ ذَاكَ أَيْ يَشْتَرِكُ التَّارِكُ لِلْوَطْءِ مَعَ الْمُولِي فِي التَّأْجِيلِ كَائِنًا أَوْ حَالَةَ كَوْنِهِ أَيْ التَّأْجِيلِ بَعْدَ شَيْئَيْنِ بَعْدَ زَجْرِ حَاكِمٍ وَبَعْدَ تَلَوُّمٍ كَذَاك أَيْضًا مَا لَهُ ظِهَارُ ... مَنْ لَا عَلَى الْوَطْءِ لَهُ اقْتِدَارُ قَوْلُهُ: " كَذَاكَ " - الْبَيْتَ - هُوَ رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ: " وَعَادِمٌ لِلْوَطْءِ لِلنِّسَاءِ " - الْبَيْتَ - يَعْنِي كَمَا أَنَّ الشَّيْخَ وَمَنْ يُشْبِهُهُ مِمَّنْ لَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى الْوَطْءِ لَا يَدْخُلُ عَلَيْهِ الْإِيلَاءُ فَكَذَلِكَ الظِّهَارُ لَا يَصِحُّ مِنْهُ. وَهُوَ قَوْلُ سَحْنُونٍ وَقِيلَ: يَصِحُّ. وَبِهِ صَدَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ فَقَالَ: وَيَصِحُّ ظِهَارُ الْعَاجِزِ عَنْ الْوَطْءِ لِمَانِعٍ فِيهِ أَوْ فِيهَا كَالْمَجْبُوبِ وَالرَّتْقَاءِ. وَقَالَ سَحْنُونٌ لَا يَصِحُّ اهـ فَكَأَنَّ النَّاظِمَ ذَهَبَ عَلَى قَوْلِ سَحْنُونٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَإِنْ يَكُنْ مُظَاهِرٌ أَوْ مُولِي ... عَبْدًا يُؤَجَّلْ نِصْفَ ذَا التَّأْجِيلِ ثُمَّ الطَّلَاقُ فِي انْقِضَاءِ الْأَجَلِ ... بَعْدَ تَقَضِّي الْمُوجِبَاتِ الْأُوَلِ يَعْنِي إذَا كَانَ الْمُظَاهِرُ الَّذِي امْتَنَعَ مِنْ التَّكْفِيرِ وَدَخَلَ عَلَيْهِ الْإِيلَاءُ عَبْدًا أَوْ كَانَ الْمُولِي مِنْ أَوَّلِ وَهْلَةٍ عَبْدًا فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُؤَجَّلُ نِصْفَ هَذَا التَّأْجِيلِ الَّذِي تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ: " وَأَجَلُ الْمُولِي شُهُورٌ أَرْبَعَهْ " وَنِصْفُهُ هُوَ شَهْرَانِ فَإِذَا انْقَضَتْ الشَّهْرَانِ وَلَمْ يَفِئْ طَلُقَتْ عَلَيْهِ لَكِنْ بَعْدَ ثُبُوتِ الزَّوْجِيَّةِ وَالظِّهَارِ وَالِامْتِنَاعِ مِنْ التَّكْفِيرِ وَالْإِيلَاءِ وَالْإِبَايَةِ مِنْ الْفَيْئَةِ وَإِلَى ثُبُوتِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: " بَعْدَ تَقَضِّي الْمُوجِبَاتِ الْأُوَلِ " فَالْبَيْتُ الْأَوَّلُ مِنْ هَذَيْنِ نَظِيرُ قَوْلِهِ فِي تَأْجِيلِ الْحُرِّ: " وَأَجَلُ الْمُولِي شُهُورٌ أَرْبَعَهْ ". وَالثَّانِي نَظِيرُ قَوْلِهِ فِي التَّطْلِيقِ عَلَى الْحُرِّ بَعْدَ الْأَجَلِ: " وَيَقَعُ الطَّلَاقُ حَيْثُ لَا يَفِي " الْبَيْتَ. وَقَوْلُهُ هُنَا: " فِي انْقِضَاءِ الْأَجَلِ " فِي: بِمَعْنَى مَعَ، فَهِيَ لِلْمُصَاحَبَةِ نَحْوَ {ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ} [الأعراف: 38] أَيْ مَعَهُمْ. (فَرْعٌ) إنْ كَانَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ رَقِيقًا فَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ حُرًّا ضُرِبَ لَهُ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَإِنْ كَانَتْ الزَّوْجَةُ أَمَةً، وَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ عَبْدًا فَشَهْرَانِ وَإِنْ كَانَتْ الزَّوْجَةُ حُرَّةً؛ لِأَنَّ هَذَا مِنْ بَابِ الطَّلَاقِ وَهُوَ مُعْتَبَرٌ بِالرِّجَالِ بِخِلَافِ الْعِدَّةِ فَإِنَّهَا مُعْتَبَرَةٌ بِالنِّسَاءِ. وَيَمْلِكُ الرَّجْعَةَ فِيمَا أَصْدَرَا ... مَنْ فَاءَ فِي الْعِدَّةِ أَوْ مَنْ كَفَّرَا يَعْنِي أَنَّ الْمُولِيَ إذَا طُلِّقَ عَلَيْهِ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْأَجَلِ وَامْتِنَاعِهِ مِنْ الْفَيْئَةِ ثُمَّ رَاجَعَ الزَّوْجَةَ فِي عِدَّةِ الطَّلَاقِ الْمَذْكُورِ وَفَاءً أَيْ وَطِئَ فِي الْعِدَّةِ أَيْضًا فَإِنَّ رَجْعَتَهُ تَصِحُّ وَتَتِمُّ. وَبِالتَّمَامِ عَبَّرَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَالشَّيْخُ خَلِيلٌ وَكَذَلِكَ الْمُظَاهِرُ إذَا امْتَنَعَ مِنْ التَّكْفِيرِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ وَدَخَلَ الْإِيلَاءُ فَطُلِّقَ عَلَيْهِ ثُمَّ رَاجَعَ الزَّوْجَةَ فِي الْعِدَّةِ وَكَفَّرَ عَنْ ظِهَارِهِ كَفَّارَةَ الظِّهَارِ الْمَعْلُومَةَ وَذَلِكَ فِي الْعِدَّةِ أَيْضًا فَإِنَّ رَجْعَتَهُ تَتِمُّ عَلَيْهِ أَيْضًا. وَكَذَلِكَ الْمُولِي إذَا كَانَتْ يَمِينُهُ مِمَّا تُكَفَّرُ قَبْلَ الْحِنْثِ كَالْيَمِينِ بِاَللَّهِ مَثَلًا ثُمَّ طَلَّقَ عَلَيْهِ ثُمَّ كَفَّرَ عَنْ يَمِينِهِ فِي الْعِدَّةِ وَرَاجَعَ فَإِنَّ رَجْعَتَهُ تَتِمُّ وَسَوَاءٌ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - رَاجَعَ كُلٌّ مِنْهُمَا ثُمَّ كَفَّرَ أَوْ كَفَّرَ ثُمَّ رَاجَعَ بِخِلَافِ الْفَيْئَةِ إنَّمَا تَكُونُ بَعْدَ الْمُرَاجَعَةِ لِأَنَّهَا مُطَلَّقَةٌ لَا يَجُوزُ الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا بِغَيْرِ الْوَطْءِ إلَّا بَعْدَ الْمُرَاجَعَةِ فَضْلًا عَنْ الْوَطْءِ، لَكِنَّ رَجْعَتَهُ مُتَوَقِّفَةٌ عَلَى الْفَيْئَةِ إنْ فَاءَ صَحَّتْ رَجْعَتُهُ وَإِلَّا فَلَا، فَقَوْلُهُ: مَنْ فَاءَ مِنْ الْعِدَّةِ هُوَ خَاصٌّ بِالْمُولِي إذَا كَانَتْ يَمِينُهُ بِطَلَاقٍ وَنَحْوِهِ،. وَقَوْلُهُ: أَوْ مَنْ كَفَّرَا يَصِحُّ رُجُوعُهُ لِلْمُولِي إذَا كَانَتْ يَمِينُهُ بِاَللَّهِ وَلِلْمُظَاهِرِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَائِدَةٌ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ اعْلَمْ أَنَّ كُلَّ طَلَاقٍ يُوقِعُهُ الْحَاكِمُ فَإِنَّهُ بَائِنٌ إلَّا طَلَاقَيْنِ طَلَاقَ الْمُولِي وَطَلَاقَ الْمُعْسِرِ بِالنَّفَقَةِ، ثُمَّ الرَّجْعَةُ فِي الْمُولِي مُشْتَرَطَةٌ بِانْحِلَالِ الْيَمِينِ فِي الْعِدَّةِ لِأَنَّهَا إنَّمَا طَلُقَتْ عَلَيْهِ لِلضَّرَرِ اللَّاحِقِ لَهَا بِتَرْكِ الْجِمَاعِ بِسَبَبِ الْيَمِينِ فَلَوْ عَادَتْ إلَيْهِ بِدُونِ الِانْحِلَالِ لَبَقِيَ ذَلِكَ الضَّرَرُ عَلَى حَالِهِ. اهـ وَلِأَجْلِ اشْتِرَاطِ انْحِلَالِ الْيَمِينِ فِي صِحَّةِ الرَّجْعَةِ قَالَ الْمُؤَلِّفُ: " مَنْ فَاءَ فِي الْعِدَّةِ أَوْ مَنْ كَفَّرَا " وَإِنَّمَا يَكُونُ طَلَاقُ الْمُولِي رَجْعِيًّا إذَا كَانَ بَعْدَ الْبِنَاءِ، أَمَّا إنْ كَانَ قَبْلَهُ فَبَائِنٌ صَرَّحَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ابْنُ الْحَاجِبِ حَيْثُ قَالَ آخِرَ الْإِيلَاءِ: وَلَا رَجْعَةَ فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا اهـ.

فصل في اللعان

[فَصْلٌ فِي اللِّعَانِ] ِ (ابْنُ عَرَفَةَ) اللِّعَانُ حَلِفُ الزَّوْجِ عَلَى زِنَا زَوْجَتِهِ أَوْ نَفْيِ حَمْلِهَا اللَّازِمِ لَهُ وَحَلِفُهَا عَلَى تَكْذِيبِهِ إنْ أَوْجَبَ نُكُولُهَا حَدَّهَا بِحُكْمِ قَاضٍ (الرَّصَّاعُ) قَوْلُهُ: " أَوْ نَفْيِ حَمْلِهَا " يَصْدُقُ بِنَفْيِ الْحَمْلِ وَالْوَلَدِ لِأَنَّ مَنْ نَفَى حَمْلًا فَقَدْ نَفَى الْوَلَدَ وَكَذَلِكَ الْعَكْسُ، وَقَوْلُهُ: " اللَّازِمِ لَهُ " أَخْرَجَ بِهِ الْحَمْلَ غَيْرَ اللَّازِمِ لَهُ فَإِنَّهُ لَا لِعَانَ فِيهِ كَمَا إذَا أَتَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ الْعَقْدِ، وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ الزَّوْجُ خَصِيًّا أَوْ مَجْبُوبًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ، وَيَدْخُلُ مَا إذَا وَضَعَتْهُ وَسَكَتَ فَإِنَّهُ لَازِمٌ لَهُ. وَقَوْلُهُ: " وَحَلِفُهَا عَلَى تَكْذِيبِهِ إنْ أَوْجَبَ نُكُولُهَا حَدَّهَا " أَخْرَجَ بِهِ مَا إذَا حَلَفَ وَنَكَلَتْ وَلَمْ يُوجِبْ النُّكُولُ حَدَّهَا كَمَا إذَا غُصِبَتْ فَأَنْكَرَ وَلَدَهَا وَثَبَتَ الْغَصْبُ فَلَا لِعَانَ عَلَيْهَا وَإِنَّمَا اللِّعَانُ عَلَيْهِ وَحْدَهُ، وَهَذِهِ الصُّورَةُ تَرُدُّ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ لِأَنَّهُ صَيَّرَ اللِّعَانَ يَلْزَمُهُ يَمِينَانِ، وَزِيَادَةُ الشَّيْخِ تُخْرِجُ هَذِهِ الصُّورَةَ وَأَنَّ حَلِفَهُمَا مَعًا مَشْرُوطٌ بِكَوْنِ نُكُولِهَا يُوجِبُ حَدَّهَا، وَقَوْلُهُ: " بِحُكْمِ قَاضٍ " أَخْرَجَ بِهِ لِعَانَ الزَّوْجَةِ وَالزَّوْجِ مِنْ غَيْرِ حُكْمٍ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِلِعَانٍ شَرْعِيٍّ وَيَخْرُجُ بِهِ السُّكُوتُ عَلَى وَضْعِ الْوَلَدِ فَلَا يَرُدُّ عَلَى الشَّيْخِ حَلِفُهُمَا مَرَّةً وَاحِدَةً رَاجِعْ ابْنَ عَرَفَةَ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَحْكُمُ بِذَلِكَ فَلَيْسَ بِلِعَانٍ شَرْعِيٍّ اهـ. وَمَعْنَى قَوْلِ الرَّصَّاعِ: " وَيَخْرُجُ بِهِ السُّكُوتُ " إلَخْ أَنَّ مَنْ وَضَعَتْ زَوْجَتُهُ وَسَكَتَ وَلَمْ يَنْفِهِ ثُمَّ أَرَادَ نَفْيَهُ بِاللِّعَانِ فَإِنَّهُ لَا يُلَاعِنُ. وَتَخْرُجُ هَذِهِ الصُّورَةُ مِنْ قَوْلِهِ فِي الْحَدِّ: " بِحُكْمِ قَاضٍ " لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَحْكُمُ بِاللِّعَانِ بَعْدَ السُّكُوتِ عَلَى الْوَضْعِ، وَكَذَا قَوْلُهُ فِي الْحَدِّ: " حَلِفُ الزَّوْجِ وَحَلِفُ الزَّوْجَةِ " يُصَدَّقُ بِمَا إذَا حَلَفَ عَلَى مَا ذَكَرَ يَمِينًا وَاحِدَةً وَحَلَفَتْ هِيَ عَلَى تَكْذِيبِهِ يَمِينًا وَاحِدَةً أَيْضًا فَأُخْرِجَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ " بِحُكْمِ قَاضٍ " لِأَنَّهُ لَا يَحْكُمُ بِاللِّعَانِ إلَّا عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوعِ فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَإِنَّمَا لِلزَّوْجِ أَنْ يَلْتَعِنَا ... لِنَفْيِ حَمْلٍ أَوْ لِرُؤْيَةِ الزِّنَا مَعَ ادِّعَائِهِ لِلِاسْتِبْرَاءِ ... وَحَيْضَةٍ بَيِّنَةِ الْإِجْزَاءِ يَعْنِي أَنَّ الزَّوْجَ إنَّمَا يُلَاعِنُ زَوْجَتَهُ لِأَحَدِ وَجْهَيْنِ إمَّا لِنَفْيِ حَمْلٍ يَظْهَرُ بِهَا فَيُنْكِرُهُ وَيَدَّعِي أَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُ، وَإِمَّا لِكَوْنِهِ رَآهَا تَزْنِي كَالْمِرْوَدِ فِي الْمُكْحُلَةِ، وَإِنَّمَا يُلَاعِنُ لِنَفْيِ حَمْلٍ ظَهَرَ بِهَا إذَا اعْتَمَدَ عَلَى اسْتِبْرَائِهَا بِحَيْضَةٍ فَأَكْثَرَ يَعْنِي أَوْ بِغَيْرِ ذَلِكَ كَمَا سَيَأْتِي، وَيَكْفِي فِي هَذَا الِاسْتِبْرَاءِ حَيْضَةٌ وَاحِدَةٌ، وَفُهِمَ مَنْ قَوْلِهِ: " وَإِنَّمَا لِلزَّوْجِ أَنْ يَلْتَعِنَا " أَنَّ السَّيِّدَ لَا يُلَاعِنُ أَمَتَهُ وَهُوَ كَذَلِكَ وَيُشْتَرَطُ فِي الْمُلَاعِنِ شُرُوطٌ (ابْنُ الْحَاجِبِ) وَشَرْطُ الْمُلَاعِنِ أَنْ يَكُونَ زَوْجًا مُسْلِمًا مُكَلَّفًا فَيُلَاعِنُ الْحُرُّ الْحُرَّةَ وَالْأَمَةَ وَالْكِتَابِيَّةَ وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ فِيهِنَّ اهـ. وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّهُ يُعْتَمَدُ فِي نَفْيِ الْحَمْلِ عَلَى الِاسْتِبْرَاءِ هُوَ الْمَشْهُورُ قَالَهُ عِيَاضٌ وَقِيلَ لَا يُعْتَمَدُ عَلَى ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ اُخْتُلِفَ هَلْ يُعْتَمَدُ فِي نَفْيِ الْحَمْلِ عَلَى الرُّؤْيَةِ وَحْدَهَا ثُمَّ يَظْهَرُ حَمْلٌ أَمْ لَا؟ وَكَذَلِكَ اُخْتُلِفَ هَلْ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِمَا مَعًا أَعْنِي الِاسْتِبْرَاءَ وَالرُّؤْيَةَ كَمَا إذَا اسْتَبْرَأَهَا مِنْ وَطْئِهِ ثُمَّ رَآهَا بَعْدَ ذَلِكَ تَزْنِي ثُمَّ ظَهَرَ حَمْلٌ؟ وَالْمَشْهُورُ اعْتِمَادُهُ عَلَى الِاسْتِبْرَاءِ وَحْدَهُ كَمَا ذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ وَأَحْرَى مَعَ الرُّؤْيَةِ وَأَمَّا الرُّؤْيَةُ وَحْدَهَا فَلَا يُعْتَمَدُ عَلَيْهَا فِي نَفْيِ الْحَمْلِ عَلَى الْمَشْهُورِ. (التَّوْضِيحَ) وَالْأَظْهُر أَنَّهُ لَا يَعْتَمِد عَلَى أَحَدهمَا بَلْ وَلَا عَلَيْهِمَا لِأَنَّهُ إذَا كَانَتْ الْحَامِل تَحِيض يَصِحّ لَهُ النَّفْيُ. وَالْقَوْلُ بِاعْتِمَادِهِ عَلَى الرُّؤْيَةِ أَضْعَفُ لَأَنْ الْحَيْضَ عَلَامَةٌ ظَنِّيَّةٌ عَلَى بَرَاءَةِ الرَّحِمِ بِخِلَافِ رُؤْيَتِهِ فَإِنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الْحَمْلِ أَلْبَتَّةَ اهـ وَقَالَ قَبْلَهُ يَلِيهِ يُعْتَمَدُ فِي نَفْيِ الْوَلَدِ أَوْ الْحَمْلِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ وَاخْتُلِفَ فِي رَابِعٍ وَمَعْنَى اعْتِمَادِهِ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ فِي الشَّرْعِ أَنْ يَنْفِيَ الْوَلَدَ بِذَلِكَ، الْأَوَّلُ: إذَا لَمْ يَطَأْهَا بَعْدَ وَضْعٍ يَعْنِي وَقَدْ طَالَ مَا بَيْنَ الْوَضْعَيْنِ بِحَيْثُ لَا يَكُونُ الْوَلَدُ الثَّانِي مِنْ بَقِيَّةِ الْأَوَّلِ، الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ وَطِئَهَا بَعْدَ الْوَضْعِ وَلَكِنْ بَيْنَ هَذَا الْحَمْلِ وَالْإِصَابَةِ مُدَّةٌ لَا يَتَأَتَّى فِيهَا وَلَدٌ إمَّا لِقِلَّةِ الزَّمَانِ كَخَمْسَةِ أَشْهُرٍ

وَنَحْوِهَا وَإِمَّا لِكَثْرَتِهِ كَخَمْسِ سِنِينَ فَأَكْثَرَ، الثَّالِثُ: إذَا اسْتَبْرَأَهَا مِنْ وَطْئِهِ ثُمَّ رَآهَا بَعْدَ ذَلِكَ تَزْنِي فَيُعْتَمَدُ عَلَى ذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ وَحَكَى ابْنُ شَاسٍ وَغَيْرُهُ عَنْ السُّيُورِيِّ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ نَفْيُهُ بِهِمَا قَالَ. وَحَكَى الدَّاوُدِيُّ عَنْ الْمُغِيرَةِ مِثْلَهُ، ثُمَّ ذَكَرَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْخِلَافِ فِي الِاعْتِمَادِ عَلَى أَحَدِهِمَا فَقَطْ أَيْ الِاسْتِبْرَاءِ وَالرُّؤْيَةِ وَهُوَ الْوَجْهُ الرَّابِعُ وَمَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ مِنْ الِاكْتِفَاءِ فِي الِاسْتِبْرَاءِ بِحَيْضَةٍ هُوَ الْمَشْهُورُ (ابْنُ الْحَاجِبِ) وَالِاسْتِبْرَاءُ بِحَيْضَةٍ وَقِيلَ بِثَلَاثٍ (التَّوْضِيحَ) صَرَّحَ الْبَاجِيُّ وَجَمَاعَةٌ بِمَشْهُورِيَّةِ الْأَوَّلِ، وَالْقَوْلُ بِالثَّلَاثِ لِلْمُغِيرَةِ رُوِيَ أَيْضًا عَنْ مَالِكٍ وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ إنْ كَانَتْ أَمَةً فَحَيْضَةٌ وَإِنْ كَانَتْ حُرَّةً فَثَلَاثٌ. ثُمَّ قَالَ: فَائِدَة لَيْسَ عِنْدَنَا حُرَّةٌ تُسْتَبْرَأُ بِحَيْضَةٍ إلَّا هُنَا وَلَيْسَ لَنَا أَمَةٌ تُسْتَبْرَأُ بِثَلَاثٍ إلَّا عَلَى قَوْلِ الْمُغِيرَةِ هُنَا وَفِيمَنْ ادَّعَى سَيِّدُهَا وَطْأَهَا فَأَتَتْ بِوَلَدٍ فَنَفَاهُ وَادَّعَى أَنَّهُ كَانَ اسْتَبْرَأَهَا اهـ. قَوْلُهُ: " لَيْسَ عِنْدَنَا حُرَّةٌ تُسْتَبْرَأُ بِحَيْضَةٍ إلَّا هُنَا " قِيلَ إنَّ هَذِهِ غَفْلَةٌ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا ارْتَدَّتْ أَوْ زَنَتْ وَلَهَا زَوْجٌ فَلَا تُقْتَلُ وَلَا تُحَدُّ إلَّا بَعْدَ حَيْضَةٍ خَوْفَ كَوْنِهَا حَامِلًا. وَفِي ذَلِكَ يَقُولُ بَعْضُ شُيُوخِنَا: تُسْتَبْرَأُ الْحُرَّةُ مِثْلُ الْأَمَةِ ... لَدَى اللِّعَانِ وَالزِّنَا وَالرِّدَّةِ قَالَ النَّاظِمُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَيُسْجَنُ الْقَاذِفُ حَتَّى يَلْتَعِنْ ... وَإِنْ أَبَى فَالْحَدُّ حُكْمٌ يَقْتَرِنْ يَعْنِي أَنَّ مَنْ قَذَفَ زَوْجَتَهُ فَرَمَاهَا بِزِنًى أَوْ نَفَى حَمْلَهَا فَإِنَّهُ يُلَاعَنُ، فَإِنْ امْتَنَعَ مِنْ اللِّعَانِ سُجِنَ حَتَّى يَلْتَعِنَ، فَإِنْ أَبَى فَعَلَيْهِ حَدُّ الْقَذْفِ (فَفِي طُرُرِ ابْنِ عَاتٍ) قَالَ الْبَاجِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ إذَا نَفَى وَلَدَهُ أَوْ ادَّعَى رُؤْيَةً أَنْ يُسْجَنَ حَتَّى يَلْتَعِنَ. (وَفِي الْمُقَرِّبِ) قُلْتُ لَهُ: فَإِنْ أَبَى أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ أَنْ يَلْتَعِنَ فَقَالَ: إنْ كَانَ الرَّجُلُ أُقِيمَ عَلَيْهِ حَدُّ الْقَذْفِ وَإِنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ أُقِيمَ عَلَيْهَا حَدُّ الزِّنَا وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ. وَمَا بِحَمْلٍ بِثُبُوتِهِ يَقَعْ ... وَقَدْ أَتَى لِمَالِكٍ حَتَّى تَضَعْ يَعْنِي أَنَّ اللِّعَانَ إذَا كَانَ لِنَفْيِ الْحَمْلِ فَإِنَّهُمَا يَتَلَاعَنَانِ إذَا ثَبَتَ الْحَمْلُ إذْ ذَاكَ. وَقِيلَ: يُؤَخَّرُ لِعَانُهُمَا حَتَّى تَضَعَ خَوْفَ أَنْ يَنْفَشَّ الْحَمْلُ بَعْدَ اللِّعَانِ (قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ) : وَلَهُ أَنْ يُلَاعِنَ وَهِيَ حَامِلٌ وَقَدْ قِيلَ: إنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُلَاعِنَهَا حَتَّى تَضَعَ. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ مَالِكٍ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَيَرُدُّهُ الْأَثَرُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَاعَنَ بَيْنَ الْعَجْلَانِيِّ وَزَوْجَتِهِ وَهِيَ حَامِلٌ» (قَالَ الشَّارِحُ) : هَذَا الْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَسْعَدُ بِالْأَثَرِ وَهَذَا الْقَوْلُ الثَّانِي أَرْجَحُ فِي النَّظَرِ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى صُورَةٍ نَادِرَةٍ وَالصُّورَةُ النَّادِرَةُ لَا تُرَاعَى فِي الْأَحْكَامِ. اهـ (ابْنُ الْحَاجِبِ) وَمَنَعَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ فِي الْحَمْلِ لِجَوَازِ انْفِشَاشِهِ وَرُدَّ بِأَنَّ الْعَجْلَانِيَّ وَغَيْرَهُ لَاعَنَ فِي الْحَمْلِ لِظُهُورِهِ كَإِيجَابِ النَّفَقَةِ وَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ (التَّوْضِيحَ) أَيْ كَمَا يَقْضِي لِلْمُطَلَّقَةِ بِنَفَقَةِ الْحَمْلِ إذَا ظَهَرَ حَمْلُهَا وَكَمَا يَجِبُ الرَّدُّ إذَا اشْتَرَى جَارِيَةً وَظَهَرَ حَمْلُهَا وَلَا يُؤَخَّرُ فِيهِمَا إلَى الْوَضْعِ، وَمَنَعَ عَبْدُ الْمَلِكِ اللِّعَانَ قَبْلَ الْوَضْعِ خَشْيَةَ أَنْ يَنْفَشَّ وَرَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ وَالْفَرْقُ عَلَى قَوْلِهِ بَيْنَ اللِّعَانِ وَمَا ذَكَرَهُ أَنَّ اللِّعَانَ تَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أُمُورٌ عِظَامٌ مِنْ فَسْخِ النِّكَاحِ وَالْحُرْمَةِ عَلَى التَّأْبِيدِ وَوُجُوبِ الْحَدِّ اهـ.

وَيَبْدَأُ الزَّوْجُ بِالِالْتِعَانِ ... لِدَفْعِ أَرْبَعٍ مِنْ الْأَيْمَانِ إثْبَاتًا أَوْ نَفْيًا عَلَى مَا وَجَبَا ... مُخَمِّسًا بِلَعْنَةٍ إنْ كَذَبَا وَتَحْلِفُ الزَّوْجَةُ بَعْدُ أَرْبَعَا ... لِتَدْرَأَ الْحَدَّ بِنَفْيِ مَا ادَّعَى تَخْمِيسُهَا بِغَضَبٍ إنْ صَدَقَا ... ثُمَّ إذَا تَمَّ اللِّعَانُ افْتَرَقَا وَيَسْقُطُ الْحَدُّ وَيَنْتَفِي الْوَلَدْ ... وَيَحْرُمُ الْعَوْدُ إلَى طُولِ الْأَبَدْ وَالْفَسْخُ مِنْ بَعْدِ اللِّعَانِ مَاضِي ... دُونَ طَلَاقٍ وَبِحُكْمِ الْقَاضِي تَعَرَّضَ فِي هَذِهِ الْأَبْيَاتِ لِصِفَةِ اللِّعَانِ فَأَخْبَرَ أَنَّ الزَّوْجَ هُوَ الَّذِي يَبْدَأُ بِاللِّعَانِ (قَالَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ) وَصِفَتُهُ أَنْ يَقُولَ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ: أَشْهَدُ بِاَللَّهِ. ثُمَّ قَالَ: فَلَوْ بَدَأَتْ الْمَرْأَةُ بِاللِّعَانِ؟ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يُعَادُ. وَقَالَ أَشْهَبُ يُعَادُ (التَّوْضِيحَ) لَا خِلَافَ أَنَّ الرَّجُلَ يَبْدَأُ بِاللِّعَانِ وَهُوَ الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ الْآيَةُ وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ عُوَيْمِرٍ، ثُمَّ قَالَ: وَجَعَلَ فِي الْبَيَانِ مَنْشَأَ الْخِلَافِ هَلْ تَقْدِيمُ الرَّجُلِ وَاجِبٌ أَمْ لَا؟ . اهـ وَقَوْلُهُ: " لِدَفْعِ حَدٍّ " أَشَارَ بِهِ إلَى بَعْضِ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى اللِّعَانِ وَهُوَ سُقُوطُ حَدِّ الْقَذْفِ عَنْ الرَّجُلِ إنْ كَانَتْ الزَّوْجَةُ حُرَّةً مُسْلِمَةً، وَدَفْعُ الْأَدَبِ عَنْهُ إنْ كَانَتْ أَمَةً أَوْ كِتَابِيَّةً (قَالَ فِي التَّوْضِيحِ) اعْلَمْ أَنَّهُ يَتَرَتَّبُ عَلَى اللِّعَانِ سِتَّةُ أَحْكَامٍ ثَلَاثَةٌ عَلَى لِعَانِهَا فَالثَّلَاثَةُ الْأُوَلُ سُقُوطُ الْحَدِّ عَنْهُ وَوُجُوبُ حَدِّ الزِّنَا عَلَيْهَا وَقَطْعُ النَّسَبِ، وَالثَّلَاثَةُ الْأُخَرُ سُقُوطُ الْحَدِّ عَنْهَا وَالْفِرَاقُ وَتَأْبِيدُ الْحُرْمَةِ، وَقِيلَ فِي الْأَخِيرَيْنِ إنَّهُمَا مُرَتَّبَانِ عَلَى لِعَانِهِ. وَقَوْلُهُ: " أَرْبَعٍ مِنْ الْأَيْمَانِ إثْبَاتًا أَوْ نَفْيًا عَلَى مَا وَجَبَا " - الْبَيْتَ - هُوَ بَيَانٌ لِكَيْفِيَّةِ لِعَانِ الزَّوْجِ، فَقَوْلُهُ أَرْبَعٍ مِنْ الْأَيْمَانِ كَأَنَّهُ بَدَلٌ مِنْ الِالْتِعَانِ (ابْنُ الْحَاجِبِ) وَصِفَتُهُ أَنْ يَقُولَ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ: " أَشْهَدُ بِاَللَّهِ " وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَزِيدُ: الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ لَرَأَيْتُهَا تَزْنِي. وَقِيلَ: وَيَصِفُ كَالشُّهُودِ، وَقِيلَ: وَيَكْفِي لَزَنَتْ. وَفِي نَفْيِ الْحَمْلِ: لَزَنَتْ، أَوْ مَا هَذَا الْحَمْلُ مِنِّي، وَيَقُولُ فِي الْخَامِسَةِ: أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إنْ كَانَ مِنْ الْكَاذِبِينَ اهـ (قَالَ ابْنُ فَتْحُونٍ فِي الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ) : يَحْلِفُ الزَّوْجُ مُسْتَقْبِلًا الْقِبْلَةَ قَائِمًا يَقُولُ: بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ لَزَنَتْ فُلَانَةُ هَذِهِ - فَيُشِيرُ إلَيْهَا - وَمَا هَذَا الْحَمْلُ مِنِّي أَوْ مَا حَمْلُهَا هَذَا مِنِّي. وَإِنْ لَمْ يَنْفِ حَمْلًا قَالَ: زَنَتْ فُلَانَةُ هَذِهِ وَلَا يَزِيدُ عَلَى هَذَا. وَقَالَ قَوْمٌ يَقُولُ: أَشْهَدُ بِاَللَّهِ ثُمَّ يُخَمِّس بِاللَّعْنِ ثُمَّ تُخَوَّفُ الْمَرْأَةُ بِاَللَّهِ فَإِنْ تَمَادَتْ عَلَى الْيَمِينِ حَلَفَتْ أَرْبَعَ أَيْمَانٍ عَلَى مَا تَقَدَّمَ لَمَا زَنَيْتُ وَأَنَّ هَذَا الْحَمْلَ مِنْهُ وَتَخْمِيسٌ بِالْغَضَبِ، تَقُولُ: غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهَا إنْ كَانَ مِنْ الصَّادِقِينَ، أَوْ عَلَيْهَا غَضَبُ اللَّهِ إنْ كَانَ مِنْ الصَّادِقِينَ. اهـ وَقَوْلُهُ إثْبَاتًا أَوْ نَفْيًا تَقَدَّمَ أَنَّ الْإِثْبَاتَ كَقَوْلِهِ: لَزَنَتْ، أَوْ لَرَأَيْتُهَا تَزْنِي. وَالنَّفْيُ كَقَوْلِهِ: مَا هَذَا الْحَمْلُ مِنِّي. قَوْلُهُ " وَتَحْلِفُ الزَّوْجَةُ بَعْدُ أَرْبَعًا " هَذَا بَيَانٌ لِكَيْفِيَّةِ لِعَانِهَا (ابْن الْحَاجِبِ) وَتَقُولُ الْمَرْأَةُ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ: أَشْهَدُ بِاَللَّهِ مَا رَآنِي أَزْنِي - إنْ كَانَ قَالَ لَرَأَيْتُهَا تَزْنِي - أَوْ مَا زَنَيْتُ، أَوْ لَقَدْ كَذَبَ فِي الْجَمِيعِ. وَفِي نَفْيِ الْحَمْلِ: مَا زَنَيْتُ، وَإِنَّهُ لَمِنْهُ. وَفِي الْخَامِسَةِ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إنْ كَانَ مِنْ الصَّادِقِينَ. وَيَتَعَيَّنُ لَفْظُ الشَّهَادَةِ وَاللَّعْنِ وَالْغَضَبِ بَعْدَهَا (التَّوْضِيحَ) يَعْنِي يَتَعَيَّنُ أَنْ يَقُولَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا: " أَشْهَدُ " وَلَا يُجْزِئُ " أَحْلِفُ " وَلَا: أُقْسِمُ " عَلَى الْمَشْهُورِ، وَيَتَعَيَّنُ اللَّعْنُ فِي حَقِّ الرَّجُلِ وَالْغَضَبُ فِي حَقِّهَا وَهَكَذَا قَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: إنَّ النَّظَرَ يَقْتَضِي أَنْ لَا يُجْزِئَ إذَا أَبْدَلَ اللَّعْنَةَ بِالْغَضَبِ فِي حَقِّهَا وَبِالْعَكْسِ. ثُمَّ ذَكَرَ وَجْهَ اخْتِصَاصِ خَامِسَةِ الرَّجُلِ بِاللَّعْنَةِ وَخَامِسَةِ

الْمَرْأَةِ بِالْغَضَبِ فَانْظُرْهُ إنْ شِئْتَ. قَوْلُهُ: " وَتَحْلِفُ الزَّوْجَةُ بَعْدُ " أَيْ بَعْدَ حَلِفِ الزَّوْجِ، وَتَقَدَّمَ كَوْنُ الزَّوْجِ هُوَ الَّذِي يَبْدَأُ بِالْحَلِفِ. وَقَوْلُهُ: " لِتَدْرَأَ الْحَدَّ " أَيْ لِتَدْفَعَ حَدَّ الزِّنَا عَنْهَا إنْ نَكَلَتْ وَلَمْ تَحْلِفْ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ هَذَا مِمَّا يَتَرَتَّبُ عَلَى لِعَانِهَا مِنْ الْأَحْكَامِ، وَقَوْلُهُ: " بِنَفْيِ مَا ادَّعَى " يَجُوزُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِتَحْلِفُ وَالْبَاءُ لِلْمُجَاوَرَةِ بِمَعْنَى عَلَى، أَيْ تَحْلِفُ الزَّوْجَةُ عَلَى نَفْيِ مَا ادَّعَاهُ الزَّوْجُ، وَيَجُوزُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِتَدْرَأَ وَالْبَاءُ سَبَبِيَّةٌ، وَقَوْلُهُ: " ثُمَّ إذَا تَمَّ اللِّعَانُ افْتَرَقَا وَيَسْقُطُ الْحَدُّ " - الْبَيْتَ - هَذَا بَيَانٌ لِمَا يَنْبَنِي عَلَى اللِّعَانِ. وَذَلِكَ: الْفِرَاقُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ، وَسُقُوطُ الْحَدِّ عَنْهُ وَعَنْهَا، فَيَسْقُطُ عَنْهُ حَدُّ الْقَذْفِ وَعَنْهَا حَدُّ الزِّنَا وَقَطْعُ النَّسَبِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: " وَيَنْتَفِي الْوَلَدُ " وَتَأْبِيدُ التَّحْرِيمِ وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ عَنْ التَّوْضِيحِ، وَقَوْلُهُ " وَالْفَسْخُ مِنْ بَعْدِ اللِّعَانِ مَاضٍ " - الْبَيْتَ - اشْتَمَلَ عَلَى مَسْأَلَتَيْنِ (إحْدَاهُمَا) أَنَّ فُرْقَةَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ فَسْخٌ بِغَيْرِ طَلَاقٍ (التَّوْضِيحَ) فَرْعٌ: وَالْفُرْقَةُ فِي اللِّعَانِ فَسْخٌ بِغَيْرِ طَلَاقٍ، قَالَ فِي الْبَيَانِ: هَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ وَجَمِيعِ أَصْحَابِهِ، وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا: إنَّهُ طَلْقَةٌ بَائِنَةٌ. (وَفِي الْجَلَّابِ) أَنَّ الْمُلَاعَنَةَ قَبْلَ الْبِنَاءِ لَا صَدَاقَ لَهَا، خِلَافُ قَوْلِ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَالْمُوَطَّأِ إنَّ لَهَا نِصْفَ الصَّدَاقِ. وَبَنَاهُ اللَّخْمِيُّ عَلَى فُرْقَةِ الْمُتَلَاعِنَيْنِ هَلْ هِيَ فَسْخٌ فَلَا شَيْءَ لَهَا أَوْ طَلَاقٌ فَلَهَا؟ وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ الْمَعْرُوفَ أَنَّ لَهَا النِّصْفَ وَأَنَّ فُرْقَةَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ فَسْخٌ، وَلَكِنْ لَمَّا كُنَّا لَا نَعْلَمُ صِدْقَ الزَّوْجِ وَلَعَلَّهُ أَرَادَ تَحْرِيمَهَا وَإِسْقَاطَ حَقِّهَا مِنْ نِصْفِ الصَّدَاقِ اُتُّهِمَ فِي ذَلِكَ وَأُلْزِمَ نِصْفَ الصَّدَاقِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ إنَّمَا لَزِمَهُ النِّصْفُ مُرَاعَاةً لِقَوْلِ مَنْ قَالَ: هُوَ طَلَاقٌ اهـ. (قُلْتُ) وَقَدْ اشْتَمَلَ كَلَامُ التَّوْضِيحِ هَذَا عَلَى فَائِدَةٍ أُخْرَى وَهِيَ لُزُومُ نِصْفِ الصَّدَاقِ وَإِنْ تَلَاعَنَا قَبْلَ الْبِنَاءِ وَإِنْ قُلْنَا إنَّ فُرْقَتَهُمَا فَسْخٌ بِغَيْرِ طَلَاقٍ لِلتُّهْمَةِ. وَقَدْ قُلْتُ فِي ذَلِكَ: وَإِنْ تَلَاعَنَا وَلَمْ يَبْنِ لَزِمْ ... لِتُهْمَةٍ نِصْفُ صَدَاقٍ قَدْ عُلِمْ وَأَشَرْت بِقَوْلِي: " نِصْفُ صَدَاقٍ قَدْ عُلِمْ " إلَى أَنَّهُمَا إذَا عَقَدَا النِّكَاحَ عَلَى وَجْهِ التَّفْوِيضِ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ. (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) مِمَّا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ الْبَيْتُ الْأَخِيرُ فُرْقَةُ الْمُتَلَاعِنَيْنِ، هَلْ تَقَعُ بِنَفْسِ اللِّعَانِ أَوْ حَتَّى يَحْكُمَ بِهَا الْقَاضِي؟ . (وَمِنْ التَّبْصِرَةِ) وَاخْتُلِفَ فِي وُقُوعِ الْفِرَاقِ فَقَالَ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ يَقَعُ الْفِرَاقُ بِنَفْسِ اللِّعَانِ وَلَا تَحِلُّ لَهُ أَبَدًا، (وَفِي الْمُتَيْطِيَّةِ) قَالَ بَعْضُ الْمُوَثِّقِينَ: لَا يَتِمُّ الْفِرَاقُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ إلَّا بِحُكْمِ الْقَاضِي فِي ذَلِكَ. وَالْحُجَّةُ لِهَذَا الْقَوْلِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعُوَيْمِرٍ وَزَوْجَتِهِ بَعْدَ الْتِعَانِهِمَا: «قُومَا فَقَدْ فَرَّقْتُ بَيْنَكُمَا وَوَجَبَتْ النَّارُ لِأَحَدِكُمَا وَالْوَلَدُ لِلْمَرْأَةِ» (وَفِي التَّوْضِيحِ) وُقُوعُ الْفِرَاقِ بِمُجَرَّدِ الْتِعَانِهِمَا هُوَ الْمَذْهَبُ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ فِي قَوْلِهِ: لَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ بِلِعَانِهِمَا حَتَّى يُفَرِّقَ الْحَاكِمُ بَيْنَهُمَا اهـ. وَيُؤْخَذُ الْقَوْلَانِ مِنْ النَّظْمِ فَيُؤْخَذُ الْقَوْلُ بِأَنَّ الْفُرْقَةَ تَقَعُ بِنَفْسِ اللِّعَانِ مِنْ قَوْلِهِ: ثُمَّ إذَا تَمَّ اللِّعَانُ افْتَرَقَا وَيُؤْخَذُ الْقَوْلُ بِافْتِقَارِهَا لِحُكْمِ حَاكِمٍ مِنْ قَوْلِهِ: " وَبِحُكْمِ الْقَاضِي " وَهُوَ أَصَرْحُ. وَمُكْذِبٌ لِنَفْسِهِ بَعْدُ الْتَحَقْ ... وَلَدُهُ وَحُدَّ وَالتَّحْرِيمُ حَقْ وَرَاجِعٌ قَبْلَ التَّمَامِ مِنْهُمَا ... يُحَدُّ وَالنِّكَاحُ لَنْ يَنْفَصِمَا يَعْنِي أَنَّ مَنْ لَاعَنَ زَوْجَتَهُ وَتَمَّ اللِّعَانُ بَيْنَهُمَا ثُمَّ أَكْذَبَ نَفْسَهُ فَإِنَّ الْوَلَدَ يَلْحَقُ بِهِ وَيُحَدُّ حَدَّ الْقَذْفِ لِلزَّوْجَةِ، وَأَمَّا تَحْرِيمُ الزَّوْجَةِ فَأَمْرٌ مَاضٍ لَا تَحِلُّ لَهُ أَبَدًا وَلَا سَبِيلَ لِمُرَاجَعَتِهَا، فَإِنْ كَانَ رُجُوعُهُ وَتَكْذِيبُ نَفْسِهِ قَبْلَ تَمَامِ اللِّعَانِ فَإِنَّهُ يُحَدُّ وَنِكَاحُهُمَا بَاقٍ لَمْ يَنْفَسِخْ. (قَالَ الْمُتَيْطِيُّ) : فَإِنْ رَجَعَ الزَّوْجُ بَعْدَ ذَلِكَ وَأَكْذَبَ نَفْسَهُ فَلَهُ الْحَدُّ وَلَحِقَ بِهِ الْوَلَدُ وَلَمْ تَحِلَّ لَهُ بِذَلِكَ، فَأَمَّا إنْ رَجَعَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ تَمَامِ اللِّعَانِ بِكَلِمَةٍ فَمَا فَوْقَهَا فَإِنَّهُ يَثْبُتُ نِكَاحُهَا وَيُحَدُّ الرَّاجِعُ مِنْهُمَا. اهـ فَقَوْلُهُ: " وَرَاجِعٌ قَبْلَ التَّمَامِ " هُوَ تَصْرِيحٌ بِمَفْهُومِ قَوْلِهِ: " وَمُكَذِّبٌ لِنَفْسِهِ بَعْدُ " أَيْ بَعْدَ اللِّعَانِ أَيْ بَعْدَ تَمَامِهِ (ابْنُ الْحَاجِبِ) فَلَوْ أَكْذَبَ أَحَدُهُمَا نَفْسَهُ قَبْلَ تَمَامِ لِعَانِهِمَا حُدَّ وَبَقِيَتْ زَوْجَةً، وَيَتَوَارَثَانِ وَإِنْ رُجِمَتْ اهـ.

باب الطلاق والرجعة وما يتعلق بهما

وَسَاكِتٌ وَالْحَمْلُ حَمْلٌ بَيِّنُ ... يُحَدُّ مُطْلَقًا وَلَا يَلْتَعِنُ وَمِثْلُهُ الْوَاطِئُ بَعْدَ الرُّؤْيَةِ ... وَيُلْحَقُ الْوَلَدُ وَحَدُّ الْفِرْيَةِ يَعْنِي أَنَّ مَنْ رَأَى بِزَوْجَتِهِ حَمْلًا بَيِّنًا وَسَكَتَ ثُمَّ نَفَاهُ وَأَرَادَ أَنْ يُلَاعِنَ فَإِنَّهُ لَا يُلَاعِنُ وَيُحَدُّ حَدَّ الْقَذْفِ، وَهُوَ الَّذِي عَبَّرَ عَنْهُ فِي الْبَيْتِ الثَّانِي بِحَدِّ الْفِرْيَةِ. وَالْفِرْيَةُ: الْكِذْبَةُ. وَيُلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ وَسَوَاءٌ سَكَتَ كَثِيرًا وَلَا إشْكَالَ أَوْ قَلِيلًا كَالْيَوْمِ وَالْيَوْمَيْنِ وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِالْإِطْلَاقِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فَهُوَ رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ: " وَسَاكِتٌ " وَكَذَلِكَ الَّذِي رَأَى زَوْجَتَهُ تَزْنِي ثُمَّ وَطِئَهَا ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَلْتَعِنَ (قَالَ فِي الْمُقَرِّبِ) : قُلْتُ: فَلَوْ أَنَّ رَجُلًا نَظَرَ إلَى امْرَأَتِهِ حَامِلًا وَهِيَ مُسْلِمَةٌ حُرَّةٌ أَوْ نَصْرَانِيَّةٌ أَوْ أَمَةٌ فَسَكَتَ وَلَمْ يَنْفِ الْحَمْلَ وَلَا ادَّعَاهُ فَلَمَّا وَضَعَتْ انْتَفَى مِنْهُ؟ قَالَ مَالِكٌ إذَا رَأَى الْحَمْلَ فَسَكَتَ حَتَّى وَضَعَتْهُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْتَفِيَ مِنْهُ، وَإِنْ انْتَفَى مِنْهُ حِينَ تَلِدُهُ جُلِدَ الْحَدَّ إنْ كَانَتْ زَوْجَتُهُ حُرَّةً مُسْلِمَةً، وَلَا حَدَّ عَلَيْهِ فِي الْكَافِرَةِ وَالْأَمَةِ لِأَنَّ قَاذِفَهَا لَا يُحَدُّ. (قُلْتُ) : فَإِنْ رَأَى الْحَمْلَ فَسَكَتَ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ فَأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ ثُمَّ انْتَفَى مِنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ؟ قَالَ: إذَا شَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ قَدْ رَآهُ فَلَمْ يُنْكِرْ أَوْ أَقَرَّ ثُمَّ جَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ يُنْكِرُ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُ. (وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ) : رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ فِي كِتَابِ الرَّجْمِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ مَنْ ادَّعَى رُؤْيَةً وَأَقَرَّ أَنَّهُ وَطِئَ بَعْدَهَا حُدَّ وَلَحِقَ بِهِ الْوَلَدُ اهـ. وَإِنْ تَضَعْ بَعْدَ اللِّعَانِ لِأَقَلَّ ... مِنْ سِتَّةِ الْأَشْهُرِ فَالْمَهْرُ بَطَلْ وَلَيْسَ لِلتَّحْرِيمِ مِنْ تَأْبِيدِ ... إذْ النِّكَاحُ كَانَ كَالْمَفْقُودِ يَعْنِي أَنَّ مَنْ عَقَدَ عَلَى امْرَأَةٍ وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا ثُمَّ ظَهَرَ بِهَا حَمْلٌ زَعَمَتْ أَنَّهُ مِنْهُ وَأَنْكَرَ ذَلِكَ فَتَلَاعَنَا ثُمَّ وَلَدَتْ فَإِنْ وَلَدَتْهُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ عَقَدَ عَلَيْهَا فَلَا صَدَاقَ لَهَا وَلَمْ تَحْرُمْ عَلَيْهِ بِالْتِعَانِهَا، أَمَّا سُقُوطُ الصَّدَاقِ فَلِأَنَّ النِّكَاحَ انْفَسَخَ لِظُهُورِ كَوْنِهَا مُعْتَدَّةً لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ الْوِلَادَةِ قَبْلَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ أَنَّهَا يَوْمَ عَقَدَ عَلَيْهَا النِّكَاحَ كَانَتْ حَامِلًا، وَالْفَسْخُ قَبْلَ الْبِنَاءِ لَا شَيْءَ فِيهِ وَلَوْلَا الْإِتْيَانُ بِالْوَلَدِ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لَوَجَبَ نِصْفُ الصَّدَاقِ فِي اللِّعَانِ قَبْلَ الْبِنَاءِ كَمَا تَقَدَّمَ. وَأَمَّا عَدَمُ تَأْبِيدِ التَّحْرِيمِ بِالْتِعَانِهَا فَلِأَنَّهَا كَانَتْ غَيْرَ زَوْجَةٍ لَهُ لِأَنَّ ذَلِكَ النِّكَاحَ كَالْعَدَمِ لِكَوْنِهَا مُعْتَدَّةً، وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِالْبَيْتِ الثَّانِي. هَذَا مَقْصُودُ النَّاظِمِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِالْبَيْتَيْنِ وَهَكَذَا هِيَ الْمَسْأَلَةُ فِي ابْنِ سَلْمُونٍ، وَلَفْظُهُ فِي الْمَسْأَلَة بِرُمَّتِهَا: وَإِذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا وَظَهَرَ بِهَا حَمْلٌ فَادَّعَتْهُ عَلَيْهِ وَنَفَاهُ هُوَ فَإِنَّهُمَا يَلْتَعِنَانِ وَلَا يَنْتَفِي مِنْهُ إلَّا بِاللِّعَانِ إذَا ادَّعَتْ أَنَّهُ كَانَ يَغْشَاهَا وَكَانَ ذَلِكَ يُمْكِنُ وَجَاءَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ مِنْ يَوْمِ تَزَوَّجَهَا، فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَلَا صَدَاقَ لَهَا وَلَا لِعَانَ، فَإِنْ تَضَعْ الْحَمْلَ فَأَتَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مَنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لَمْ يَكُنْ لَهَا صَدَاقٌ وَلَمْ تَحْرُمْ عَلَيْهِ بِالْتِعَانِهَا لِأَنَّهَا كَانَتْ غَيْرَ زَوْجَةٍ لَهُ. قَالَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمَوَّازِ. اهـ فَمَسْأَلَةُ النَّاظِمِ هِيَ قَوْلُ ابْنِ سَلْمُونٍ. " فَإِنْ لَاعَنَ قَبْلَ أَنْ تَضَعَ الْحَمْلَ " إلَخْ وَكَانَ وَجْهُ لِعَانِهِ قَبْلَ الْوَضْعِ - مَعَ أَنَّهُ قَالَ قَبْلَهُ: " إذَا أَتَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَلَا لِعَانَ " - أَنَّهُ إذَا عَلِمَ بِالْحَمْلِ وَسَكَتَ وَلَمْ يُلَاعِنْ لَزِمَهُ الْوَلَدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَمَعْنَى قَوْلِهِ: " فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مَنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ " إلَخْ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ حَتَّى وَلَدَتْ فَلَا صَدَاقَ وَلَا لِعَانَ، وَالْوَجْهُ الَّذِي بَعْدَهُ عُلِمَ قَبْلَ الْوَضْعِ فَلَمْ يُمْكِنْهُ السُّكُوتُ فَلَاعَنَ ثُمَّ وَلَدَتْ وَهِيَ مَسْأَلَةُ النَّاظِمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ الطَّلَاقِ وَالرَّجْعَةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِمَا] (ابْن عَرَفَةَ) الطَّلَاقُ صِفَةٌ حُكْمِيَّةٌ تَرْفَعُ حِلِّيَّةَ مُتْعَةِ الزَّوْجِ بِزَوْجَتِهِ مُوجِبٌ تَكَرُّرُهَا مَرَّتَيْنِ لِلْحُرِّ وَمَرَّةً لِذِي رِقٍّ حُرْمَتُهَا عَلَيْهِ قَبْلَ زَوْجٍ. قَوْلُهُ: " حُكْمِيَّةٌ " لِأَنَّ الطَّلَاقَ مَعْنًى تَقْدِيرِيٌّ، " وَتَرْفَعُ حِلِّيَّةَ " أَخْرَجَ بِهِ الظِّهَارَ وَمَا شَابَهَهَا، وَقَوْلُهُ: " حِلِّيَّةَ " لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِهَا لِأَنَّ الْمُتْعَةَ لَا تُرْفَعُ وَإِنَّمَا يُرْفَعُ الْمُعَلَّقُ بِهَا، وَقَوْلُهُ: " بِزَوْجَتِهِ أَخْرَجَ بِهِ حِلِّيَّةَ الْمُتْعَةِ بِغَيْرِهَا، وَقَوْلُهُ: " مُوجِبٌ تَكَرُّرُهَا ": إلَخْ صِفَةٌ لِلصِّفَةِ جَرَتْ عَلَى غَيْرِ مَنْ هِيَ لَهُ عَلَى نُسْخَةِ الرَّفْعِ، وَفِي نُسْخَةٍ بِالنَّصْبِ عَلَى الْحَالِ. وَيَظْهَرُ أَنَّهُ زَادَ ذَلِكَ لِوُجُوهٍ أَظْهَرُهَا أَنَّهُ يُخْرِجُ بِذَلِكَ صُوَرًا كَثِيرَةً تَمْنَعُ أَوْ تَرْفَعُ الْمُتْعَةَ بِالزَّوْجَةِ وَذَلِكَ مِثْلُ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ وَبِالصَّلَاةِ وَبِالدُّخُولِ

فِي الِاعْتِكَافِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. اهـ وَقَوْلُهُ: " مُوجِبٌ تَكَرُّرُهَا " التَّكَرُّرُ هُوَ مَا بَعْدَ الطَّلْقَةِ الْأُولَى. وَأَمَّا الرَّجْعَةُ فَهِيَ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَكَسْرِهَا وَصَوَّبَ الْجَوْهَرِيُّ الْفَتْحَ وَاسْتَعْمَلَهَا الْفُقَهَاءُ بِالْكَسْرِ. (قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ) هُوَ رَفْعُ الزَّوْجِ أَوْ الْحَاكِمِ حُرْمَةَ الْمُتْعَةِ بِالزَّوْجَةِ لِطَلَاقِهَا، قَالَ: فَتَخْرُجُ الْمُرَاجَعَةُ. اهـ أَيْ لِأَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا أَنَّ الرَّجْعَةَ هِيَ مِنْ الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ، وَالْمُرَاجَعَةَ هِيَ مِنْ الْبَائِنِ وَلِذَلِكَ عَبَّرُوا فِيهَا بِالْمُفَاعَلَةِ الَّتِي لَا تَكُونُ فِي الْغَالِبِ إلَّا بَيْنَ اثْنَيْنِ (الرَّصَّاعُ) قَوْلُهُ: " أَوْ الْحَاكِمُ " أَشَارَ بِهِ إلَى إدْخَالِ مَا إذَا طَلَّقَ فِي الْحَيْضِ وَامْتَنَعَ مِنْ الرَّجْعَةِ فَإِنَّ الْحَاكِمَ يَحْكُمُ عَلَيْهِ بِالرَّجْعَةِ، وَتَصِحُّ رَجْعَتُهُ. وَيَجُوزُ لَهُ الْوَطْءُ بِذَلِكَ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ (ابْنُ الْحَاجِبِ) فَإِنْ أَبَى أَجْبَرَهُ الْحَاكِمُ بِالْأَدَبِ، وَإِنْ أَبَى ارْتَجَعَ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ وَلَهُ وَطْؤُهَا بِذَلِكَ عَلَى الْأَصَحِّ، كَمَا يَتَوَارَثَانِ بَعْدَ مُدَّةِ الْعِدَّةِ قَوْلُهُ: " حُرْمَةُ الْمُتْعَةِ " هَذَا هُوَ الْمَرْفُوعُ وَاحْتَرَزَ بِهِ مَنْ رَفْعِ الْحِلِّيَّةِ، أَيْ فَإِنَّهُ نَفْسُ الطَّلَاقِ، وَقَوْلُهُ: " بِطَلَاقِهَا " مُتَعَلِّقٌ بِالْحُرْمَةِ، وَاحْتَرَزَ بِهِ مِنْ رَفْعِ الزَّوْجِ الْحُرْمَةَ بِغَيْرِ الطَّلَاقِ كَمَا إذَا رَفَعَ حُرْمَةَ الظِّهَارِ أَيْ بِالتَّكْفِيرِ. ثُمَّ قَالَ الرَّصَّاعُ: لَمْ أَقِفْ لِلشَّيْخِ عَلَى حَدِّ الْمُرَاجَعَةِ. وَيُمْكِنُ أَنَّهُ رَأَى أَنَّهَا تَدْخُلُ تَحْتَ حَدِّ النِّكَاحِ لِأَنَّ النِّكَاحَ إمَّا لِمُرَاجَعَةٍ أَوْ لِغَيْرِهَا فَيُقَالُ فِيهَا نِكَاحٌ مِنْ زَوْجٍ أَبَانَهَا بِغَيْرِ الثَّلَاثِ اهـ. أَيْ وَأَمَّا إذَا لَمْ يُبِنْهَا فَهِيَ رَجْعَةٌ لَا مُرَاجَعَةٌ، وَأَمَّا إذَا أَبَانَهَا بِالثَّلَاثِ ثُمَّ تَرَاجَعَا بَعْدَ زَوْجٍ فَإِنَّ ذَلِكَ ابْتِدَاءُ نِكَاحٍ لَا شَكَّ فِيهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

مِنْ الطَّلَاقِ الطَّلْقَةُ السُّنِّيَّهْ ... إنْ حَصَلَتْ شُرُوطُهَا الْمَرْعِيَّهْ وَهْيَ الْوُقُوعُ حَالَ طُهْرٍ وَاحِدَهْ ... مِنْ غَيْرِ مَسٍّ وَارْتِدَافِ زَائِدَهْ مِنْ ذَاكَ بَائِنٌ وَمِنْهُ الرَّجْعِيّ ... وَمَا عَدَا السُّنِّيَّ فَهْوَ بِدْعِي مِنْهُ مُمَلَّكٌ وَمِنْهُ خُلْعِي ... وَذُو الثَّلَاثِ مُطْلَقًا وَرَجْعِي يَعْنِي أَنَّ الطَّلَاقَ عَلَى وَجْهَيْنِ سُنِّيٌّ وَهُوَ مَا اجْتَمَعَتْ فِيهِ الشُّرُوطُ الْأَرْبَعَةُ، وَبِدْعِيٌّ وَهُوَ مَا اخْتَلَّتْ فِيهِ تِلْكَ الشُّرُوطُ أَوْ وَاحِدٌ مِنْهَا، ثُمَّ أَشَارَ بِقَوْلِهِ مِنْ ذَاكَ بَائِنٌ وَمِنْهُ الرَّجْعِيّ إلَى أَنَّ الطَّلَاقَ السُّنِّيَّ يَنْقَسِمُ إلَى بَائِنٍ وَرَجْعِيٍّ. (قُلْتُ) : وَكَذَلِكَ الطَّلَاقُ الْبِدْعِيُّ يَنْقَسِمُ إلَى رَجْعِيٍّ وَبَائِنٍ كَمَا يَأْتِي، فَالْأَقْسَامُ أَرْبَعَةٌ فَطَلَاقُ الزَّوْجَةِ غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا وَلَوْ حَائِضًا وَمَنْ بَقِيَتْ عَلَى طَلْقَةٍ وَإِنْ حَصَلَتْ بِشُرُوطِ السُّنِّيِّ سُنِّيٌّ بَائِنٌ، وَطَلَاقُ الزَّوْجَةِ الْمَدْخُولِ بِهَا بِالشُّرُوطِ الْأَرْبَعَةِ سُنِّيٌّ وَرَجْعِيٌّ، وَالطَّلَاقُ فِي الْحَيْضِ بِدْعِيٌّ رَجْعِيٌّ، وَالطَّلَاقُ الثَّلَاثُ بِدْعِيٌّ بَائِنٌ، وَمَثَّلَ الشَّارِحُ لِلْبِدْعِيِّ الْبَائِنِ بِالطَّلَاقِ الْمُمَلَّكِ قَالَ: وَهُوَ طَلَاقُ الْخُلْعِ مِنْ غَيْرِ خُلْعٍ وَبِالْخُلْعِ وَبِالثَّلَاثِ. ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ طَلَاقَ غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا يُحْتَمَلُ كَوْنُهُ مُطْلَقًا مَعَ شُرُوطِ السُّنِّيِّ وَعَدَمِهَا. قَالَ مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ، سُنِّيٌّ بَائِنٌ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ سُنِّيًّا مَعَ وُجُودِ شُرُوطِ السُّنِّيِّ، وَاَلَّذِي يُمْكِنُ مِنْهَا هُنَا أَيْ مِنْ شُرُوطِ السُّنِّيِّ فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا اثْنَانِ فَقَطْ: أَنْ تَكُونَ وَاحِدَةً وَأَنْ تَكُونَ فِي طُهْرٍ. وَأَمَّا كَوْنُهُ لَمْ يَمَسَّ فِيهِ فَهُوَ فَرْضُ الْمَسْأَلَةِ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا، وَأَمَّا عَدَمُ ارْتِدَافِ أُخْرَى فَلَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ لِأَنَّ الِارْتِدَافَ إنَّمَا يَكُونُ عَلَى الرَّجْعِيِّ وَطَلَاقُ غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا بَائِنٌ. (وَفِي الرَّصَّاعِ) أَنَّ اللَّخْمِيَّ نَقَلَ عَنْ أَشْهَبَ جَوَازَ طَلَاقِ الْوَاحِدَةِ الَّتِي صَادَفَتْ آخِرَ الثَّلَاثِ فَيَكُونُ سُنِّيًّا بَائِنًا كَمَا تَقَدَّمَ وَاَللَّه سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. (قَالَ مُقَيِّدُ هَذَا الشَّرْحِ سَمَحَ اللَّهُ لَهُ بِفَضْلِهِ) وَقَدْ كُنْتُ قُلْتُ فِي هَذَا الْقِسْمِ وَالتَّمْثِيلِ لَهُ أَبْيَاتًا وَهِيَ هَذِهِ مِنْ الطَّلَاقِ سُنَّةٌ وَبِدْعِي ... وَالْكُلُّ إمَّا بَائِنٌ أَوْ رَجْعِي سُنِّيُّهُ فِي حَالِ طُهْرٍ وَاحِدَهْ ... مِنْ غَيْرِ مَسٍّ وَارْتِدَافِ زَائِدَهْ فَغَيْرُ مَدْخُولٍ وَمَنْ تَبْقَى عَلَى ... وَاحِدَةٍ إنْ بِالشُّرُوطِ حَصَلَا فَبَائِنُ السُّنِّيّ وَرَجْعِيُّ السُّنَّةِ ... بَعْدَ الْبِنَاءِ بِشُرُوطٍ مَتَّتْ مُمَلَّكٌ أَوْ خُلْعٌ أَوْ أَقْصَاهُ ... بِدْعِيٌّ وَبَائِنٌ فَلَا تَنْسَاهُ رَجْعِي وَبِدْعِي إنْ تَسَلْ هُوَ وَاحِدُ ... بَعْدَ الْبِنَا بِفَقْدِ شَرْطٍ يُوجَدُ وَضَمِيرُ سُنِّيِّهِ لِلطَّلَاقِ مِنْ حَيْثُ هُوَ بَائِنًا أَوْ رَجْعِيًّا، وَقَوْلُنَا: " فَغَيْرُ مَدْخُولٍ " إلَخْ هُوَ ابْتِدَاءُ تَمْثِيلِ الْأَقْسَامِ الْأَرْبَعَةِ تَبَعًا لِلشَّارِحِ وَتَقْلِيدًا لَهُ، وَقَوْلُنَا: " إنْ بِالشُّرُوطِ حَصَلَا " رَاجِعٌ لِطَلَاقِ مَنْ تَبْقَى عَلَى وَاحِدَةٍ فَقَطْ، وَمَتَّتْ مَعْنَاهُ قَرُبَتْ، وَأَقْصَى الطَّلَاقِ هُوَ الثَّلَاثُ، وَجُمْلَةُ " يُوجَدُ " هِيَ صِفَةٌ أُخْرَى لِوَاحِدٍ، وَ " بِفَقْدِ " يَتَعَلَّقُ بِيُوجَدُ أَيْ إنْ تَسْأَلْ عَنْ الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ الْبِدْعِيِّ فَهُوَ الطَّلَاقُ الْوَاحِدُ، ثُمَّ وَصَفَهُ بِوَصْفَيْنِ آخَرَيْنِ: كَوْنُهُ بَعْدَ الْبِنَاءِ وَكَوْنُهُ يُوجَدُ بِفَقْدِ شَرْطٍ مِنْ شُرُوطِ السُّنِّيِّ وَلْيُرْجَعْ إلَى حَلِّ أَلْفَاظِ النَّاظِمِ. قَوْلُهُ: " الْمَرْعِيَّةُ " أَيْ الْمَرْعِيَّةُ الْمَحْفُوظَةُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ. (قَالَ فِي التَّوْضِيحِ) : وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالسُّنِّيِّ أَنَّهُ رَاجِحُ الْفِعْلَ كَمَا هُوَ الْمُتَبَادِرُ إلَى الذِّهْنِ مِنْ النِّسْبَةِ إلَى السُّنَّةِ بَلْ بِمَعْنَى أَنَّهُ الَّذِي أَذِنَتْ فِيهِ السُّنَّةُ مُقَابِلَ الْبِدْعِيِّ. وَنَحْوُهُ لِعَبْدِ الْوَهَّابِ وَغَيْرِهِ طَلَاقُ الْبِدْعَةِ هُوَ مَا وَقَعَ عَلَى غَيْرِ الْوَجْهِ الْمَشْرُوعِ، وَالطَّلَاقُ مُبَاحٌ مِنْ حَيْثُ هُوَ فِي الْجُمْلَةِ، وَقَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ: " إنَّهُ مَكْرُوهٌ " لِمَا فِي أَبِي دَاوُد أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إنَّ أَبْغَضَ الْحَلَالِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى الطَّلَاقُ» . وَلَا إشْكَالَ أَنَّهُ قَدْ يَعْرِضُ لَهُ الْوُجُوبُ وَالتَّحْرِيمُ وَالنَّدْبُ، وَثَبَتَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «طَلَّقَ حَفْصَةَ وَاحِدَةً ثُمَّ رَاجَعَهَا وَطَلَّقَ الْعَالِيَةَ بِنْتَ سُفْيَانَ وَهِيَ الَّتِي تُدْعَى أُمَّ الْمَسَاكِينِ» ، وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ لِطَلَاقِ السُّنَّةِ أَرْبَعَةَ قُيُودٍ (الْأَوَّلُ) : أَنْ يُطَلِّقَ فِي طُهْرٍ، فَإِنْ طَلَّقَهَا فِي حَيْضٍ كَانَ مُطَلِّقًا لِلْبِدْعَةِ. (عَبْدُ الْوَهَّابِ) وَهُوَ حَرَامٌ بِإِجْمَاعٍ، وَاخْتُلِفَ هَلْ الْمَنْعُ فِي الْحَيْضِ تَعَبُّدٌ أَوْ لِطُولِ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا؟ وَهُوَ الْمَشْهُورُ؟ لِأَنَّهُ إذَا طَلَّقَهَا فِي حَيْضٍ لَا تَعْتَدُّ بِهِ فَتَلْغِي بَقِيَّةَ أَيَّامِ حَيْضِهَا. (الْقَيْدُ الثَّانِي) أَنْ لَا يُجَامِعَهَا فِي ذَلِكَ الطُّهْرِ، فَإِنْ جَامَعَهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا كَانَ مُطَلِّقًا لِلْبِدْعَةِ وَلَيْسَ مَمْنُوعًا كَطَلَاقِ الْحَيْضِ فَقَدْ صَرَّحَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا بِكَرَاهَتِهِ (قَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ) : لِأَنَّهُ لَبَسَ عَلَيْهَا الْعِدَّةَ فَلَمْ تَدْرِ هَلْ تَعْتَدُّ بِالْوَضْعِ أَوْ بِالْأَقْرَاءِ؟ (الثَّالِثُ) : أَنْ يُطَلِّقَهَا وَاحِدَةً. (اللَّخْمِيُّ) وَإِيقَاعُ الِاثْنَتَيْنِ مَكْرُوهٌ، وَالثَّلَاثِ مَمْنُوعٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} [الطلاق: 1] أَيْ مِنْ

الرَّغْبَةِ فِي الْمُرَاجَعَةِ وَالنَّدَمِ عَلَى الْفِرَاقِ. وَنَقَلَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُ الْإِجْمَاعَ عَلَى لُزُومِ الثَّلَاثِ فِي حَقِّ مَنْ أَوْقَعَهَا، وَعَنْ بَعْضِ الْمُبْتَدِعَةِ أَنَّهُ إنَّمَا يَلْزَمُ مُوقِعَ الثَّلَاثِ وَاحِدَةٌ، وَعَنْ بَعْضِ الظَّاهِرِيَّةِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، وَحَكَى التِّلْمِسَانِيُّ أَنَّ عِنْدَنَا قَوْلًا بِأَنَّهُ إذَا أَوْقَعَ الثَّلَاثَ فِي كَلِمَةٍ إنَّمَا تَلْزَمُهُ وَاحِدَةٌ (الْقَيْدُ الرَّابِعُ) أَنْ تَكُونَ غَيْرَ مُعْتَدَّةٍ لِيَحْتَرِزَ مِنْ أَنْ يُطَلِّقَهَا فِي كُلِّ طُهْرٍ طَلْقَةً فَإِنْ فَعَلَ فَالْأُولَى لِلسُّنَّةِ وَالْأُخْرَيَانِ لِلْبِدْعَةِ وَهَذَا مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ اهـ بِاخْتِصَارٍ. فَقَوْلُ النَّاظِمِ: " مِنْ غَيْرِ مَسٍّ " هُوَ إشَارَةٌ لِلْقَيْدِ الثَّانِي الْمُتَقَدِّمِ عَنْ التَّوْضِيحِ وَقَوْلُهُ: " وَارْتِدَافِ زَائِدَهُ " هُوَ إشَارَةٌ إلَى الْقَيْدِ الرَّابِعِ فِي التَّوْضِيحِ (وَفِي الرِّسَالَةِ) وَطَلَاقُ السُّنَّةِ مُبَاحٌ وَهُوَ أَنْ يُطَلِّقَهَا فِي طُهْرٍ لَمْ يَقْرَبْهَا فِيهِ طَلْقَةً ثُمَّ لَا يُتْبِعَهَا طَلَاقًا حَتَّى تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ اهـ. فَقَوْلُهُ: " ثُمَّ لَا يُتْبِعُهَا طَلَاقًا " هُوَ الْقَيْدُ الرَّابِعُ فِي التَّوْضِيحِ وَهُوَ مُرَادُ النَّاظِمِ بِقَوْلِهِ: " وَارْتِدَافِ زَائِدَهُ " أَيْ وَمِنْ غَيْرِ أَنْ يُرْدِفَ عَلَى الطَّلْقَةِ الْأُولَى طَلْقَةً زَائِدَةً عَلَيْهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ كَمَا فِي الرِّسَالَةِ. وَقَوْلُهُ: " مِنْ ذَاكَ بَائِنٌ " أَيْ مِنْ الطَّلَاقِ السُّنِّيِّ مَا هُوَ بَائِنٌ وَمِنْهُ مَا هُوَ رَجْعِيٌّ كَمَا تَقَدَّمَ تَمْثِيلُهُ، وَقَوْلُهُ: " مَا عَدَا السُّنِّيَّ فَهُوَ بِدْعِيٌّ " أَيْ مَا اخْتَلَّ فِيهِ قَيْدٌ مِنْ قُيُودِ السُّنِّيِّ فَهُوَ بِدْعِيٌّ، وَقَوْلُهُ: مِنْهُ مُمَلَّكٌ وَمِنْهُ خُلْعِيٌّ أَيْ مِنْ الطَّلَاقِ الْبِدْعِيِّ يَعْنِي الْبَائِنَ مُمَلَّكٌ وَخُلْعِيٌّ، وَقَوْلُهُ " وَذُو الثَّلَاثِ مُطْلَقًا " عَطْفٌ عَلَى مُمَلَّكٍ، وَأَشَارَ بِالطَّلَاقِ فِي الثَّلَاثِ إلَى كَوْنِهِ لَا يَكُونُ سُنِّيًّا بِوَجْهٍ، قَالَ الشَّارِحُ: يَعْنِي بِخِلَافِ طَلَاقِ مَنْ بَقِيَتْ عَلَى وَاحِدَةٍ فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ بَائِنًا فَهُوَ سُنِّيٌّ إنْ كَانَ فِي طُهْرٍ لَمْ يَقْرَبْهَا فِيهِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَقَوْلُهُ: " وَرَجْعِي " أَيْ وَمِنْ الطَّلَاقِ الْبِدْعِيِّ مَا هُوَ رَجْعِيٌّ وَهُوَ مُقَابِلُ قَوْلِهِ: مِنْهُ مُمَلَّكٌ وَمِنْهُ خُلْعِي وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ: مِنْهُ مُمَلَّكٌ وَمِنْهُ خُلْعِي أَيْ وَهُوَ بَائِنٌ. وَيَمْلِكُ الرَّجْعَةَ فِي الرَّجْعِيِّ ... قَبْلَ انْقِضَاءِ الْأَمَدِ الْمَرْعِيِّ وَلَا افْتِقَارَ فِيهِ لِلصَّدَاقِ ... وَالْإِذْنِ وَالْوَلِيِّ بِاتِّفَاقِ يَعْنِي أَنَّ مَنْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ طَلَاقًا رَجْعِيًّا سَوَاءٌ كَانَ سُنِّيًّا أَوْ بِدْعِيًّا فَإِنَّهُ يَمْلِكُ رَجْعَتَهَا مَا لَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُهَا. وَالْعِدَّةُ هِيَ مُرَادُهُ بِالْأَمَدِ الْمَرْعِيِّ، فَإِذَا رَاجَعَهَا فَلَا يَفْتَقِرُ لِصَدَاقٍ وَلَا لِإِذْنِ الزَّوْجَةِ وَلَا لِلْوَلِيِّ بِاتِّفَاقٍ (وَقَالَ فِي الْمَنْهَجِ السَّالِكِ) فَالزَّوْجُ يَمْلِكُ رَجْعَةَ زَوْجَتِهِ فِي الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ مَا لَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُهَا مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ رِضَاهَا وَتَصِحُّ الرَّجْعَةُ بِالْقَوْلِ وَتَصِحُّ أَيْضًا بِالْفِعْلِ الْحَالِّ مَحَلَّ الْقَوْلِ وَالدَّالِّ فِي الْعِدَّةِ عَلَى الِارْتِجَاعِ كَالْوَطْءِ وَالْقُبْلَةِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ بِشَرْطِ الْقَصْدِ إلَى الِارْتِجَاعِ، وَاخْتُلِفَ فِي الْمَذْهَبِ إذَا انْفَرَدَتْ النِّيَّةُ فِي ذَلِكَ دُونَ اللَّفْظِ فَقِيلَ لَا تَصِحُّ الرَّجْعَةُ بِذَلِكَ وَقِيلَ تَصِحُّ وَهُوَ الصَّوَابُ اهـ. وَمَوْقِعُ الرَّجْعِيِّ دُونَ طُهْرِ ... يُمْنَعْ مَعَ رُجُوعِهِ بِالْقَهْرِ يَعْنِي أَنَّ مَنْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ طَلَاقًا رَجْعِيًّا وَهِيَ حَائِضٌ فَإِنَّهُ فَعَلَ مَمْنُوعًا وَيُجْبَرُ عَلَى الرَّجْعَةِ، فَإِذَا ارْتَجَعَ أَمْسَكَهَا حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ ثُمَّ إنْ شَاءَ طَلَّقَ وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَ، (قَالَ فِي الْمُنْتَخَبِ) وَمَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ أَوْ نُفَسَاءُ أُجْبِرَ عَلَى رَجْعَتِهَا إلَّا أَنْ تَكُونَ غَيْرَ مَدْخُولٍ فَلَا بَأْسَ بِطَلَاقِهَا، وَإِنْ كَانَتْ حَائِضًا وَإِذَا أُجْبِرَ عَلَى رَجْعَتِهَا أَمْهَلَهَا حَتَّى تَطْهُرَ مِنْ دَمِ حَيْضِهَا أَوْ نِفَاسِهَا ثُمَّ ابْتِدَاءً أَوْ حِنْثًا أُجْبِرَ عَلَى الرَّجْعَةِ مَا بَقِيَ مِنْ الْعِدَّةِ شَيْءٌ، وَقَالَ أَشْهَبُ مَا لَمْ تَطْهُرْ مِنْ الثَّانِيَةِ فَإِنْ أَبَى ابْتِدَاءً أَوْ حِنْثًا أُجْبِرَ عَلَى الرَّجْعَةِ مَا بَقِيَ مِنْ الْعِدَّةِ شَيْءٌ، وَقَالَ أَشْهَبُ: مَا لَمْ تَطْهُرْ مِنْ الثَّانِيَةِ فَإِنْ أَبَى أَجْبَرَهُ الْحَاكِمُ بِالْأَدَبِ وَإِنْ أَبَى ارْتَجَعَ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يُمْسِكَهَا حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ. (التَّوْضِيحَ) لِأَنَّهُ لَمَّا طَلَّقَ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي نُهِيَ عَنْهُ لِئَلَّا تَطُولَ الْعِدَّةُ أُمِرَ بِالْمُرَاجَعَةِ لِيُوقِعَ الطَّلَاقَ عَلَى سُنَّتِهِ فَلَوْ أُبِيحَ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَ إذَا طَهُرَتْ مِنْ تِلْكَ الْحَيْضَةِ كَانَتْ فِي مَعْنَى الْمُطَلَّقَةِ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَكَانَتْ تَبْنِي عَلَى عِدَّتِهَا الْأُولَى فَيَتِمُّ مَقْصُودُهُ فَأُمِرَ بِالْوَطْءِ لِيَقْطَعَ حُكْمَ الطَّلَاقِ الْأَوَّلِ، وَإِذَا وَطِئَهَا لَمْ يُمَكَّنْ مِنْ طَلَاقِهَا فِي ذَلِكَ الطُّهْرِ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نُهِيَ عَنْ أَنْ يُطَلِّقَهَا فِي طُهْرٍ مَسَّهَا فِيهِ اهـ. وَفِي الْمُمَلِّكِ الْخِلَافُ وَالْقَضَا ... بِطَلْقَةٍ بَائِنَةٍ فِي الْمُرْتَضَى

(قَالَ الشَّارِحُ) : الطَّلَاقُ الْمُمَلِّكُ هُوَ طَلَاقُ الْخُلْعِ مِنْ غَيْرِ خُلْعٍ وَفِيهِ خِلَافٌ بَيْنَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَغَيْرِهِ فَابْنُ الْقَاسِمِ يَقُولُ: هُوَ طَلْقَةٌ بَائِنَةٌ. وَبِقَوْلِهِ: " الْقَضَاءُ " وَهُوَ قَوْلُ أَصْبَغَ وَحَكَى سَحْنُونٌ عَنْ غَيْرِهِ أَنَّهَا الْبَتَّةُ، وَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ هُوَ الَّذِي عَبَّرَ عَنْهُ بِالْمُرْتَضَى لِجَرَيَانِ الْعَمَلِ بِهِ (وَفِي الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ) قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ وَالْمُبَارَأَةُ إذَا انْعَقَدَتْ بِغَيْرِ شَيْءٍ يَأْخُذُهُ الزَّوْجُ مِنْ الْمَرْأَةِ فَهِيَ طَلْقَةٌ تَمْلِكُ بِهَا الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا لَا يُرَاجِعُهَا الزَّوْجُ فِي الْعِدَّةِ وَبَعْدَهَا إلَّا بِوَلِيٍّ وَصَدَاقٍ وَشُهُودٍ وَرِضَاهَا فِي قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ اهـ كَلَامُ الشَّارِحِ وَتَقَدَّمَ عَنْ الشَّارِحِ أَنَّ مِنْ أَمْثِلَةِ الْبِدْعِيِّ الْبَائِنِ الطَّلَاقُ الْمُمَلِّكُ، قَالَ: وَهُوَ طَلَاقُ الْخُلْعِ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ وَكَأَنَّهُمْ أَرَادُوا بِالْخُلْعِ الْبَيْنُونَةَ فَالطَّلَاقُ الْبَائِنُ

مِنْ غَيْر عِوَضٍ هُوَ الْمُمَلِّكُ. وَبَائِنٌ كُلُّ طَلَاقٍ أُوقِعَا ... قَبْلَ الْبِنَاءِ كَيْفَمَا قَدْ وَقَعَا يَعْنِي أَنَّ كُلَّ طَلَاقٍ وَقَعَ قَبْلَ الْبِنَاءِ فَإِنَّهُ بَائِنٌ (قَالَ الشَّارِحُ) : كَيْفَمَا وَقَعَ مِنْ كَوْنِهِ سُنِّيًّا أَوْ بِدْعِيًّا (قَالَ ابْنُ سَلْمُونٍ) : وَالطَّلَاقُ قَبْلَ الْبِنَاءِ كُلُّهُ بَائِنٌ وَقَعَ عَلَى إسْقَاطٍ أَوْ غَيْرِهِ. وَمِمَّا يُنَاسِبُ أَنْ يُذْكَرَ هُنَا الطَّلَاقُ الَّذِي يُوقِعُهُ الْحَاكِمُ وَهُوَ كُلُّهُ بَائِنٌ مِثْلُ هَذَا إلَّا الطَّلَاقَ عَلَى الْمُولِي وَفِي عَدَمِ النَّفَقَةِ. اهـ ثُمَّ نَقَلَ فَتْوَى بَعْضِ الشُّيُوخِ بِكَوْنِ طَلَاقِ مُثْبِتَةِ الضَّرَرِ رَجْعِيًّا، قَالَ: " وَهُوَ غَلَطٌ " (قَالَ مُقَيِّدُهُ عَفَا اللَّهُ عَنْهُ) : وَقَدْ كُنْتُ قُلْتُ فِي ذَلِكَ تَذْيِيلًا لِقَوْلِ النَّاظِمِ: وَبَائِنٌ كُلُّ طَلَاقٍ أُوقِعَا بَيْتًا هُوَ كَذَا الَّذِي يُوقِعُهُ الْقَاضِي عَدَا ... طَلَاقِ مُولٍ مُعْسِرٍ رَجْعِيٍّ بَدَا قَالَ النَّاظِمُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَبِالثَّلَاثِ لَا تَحِلُّ إلَّا ... مِنْ بَعْدِ زَوْجٍ لِلَّذِي تَخَلَّى وَهْيَ لِحُرٍّ مُنْتَهَى الطَّلَاقِ ... وَحُكْمُهَا يَنْفُذُ بِالْإِطْلَاقِ هَبْ أَنَّهَا فِي كِلْمَةٍ قَدْ جُمِعَتْ ... أَوْ طَلْقَةٍ مِنْ بَعْدِ أُخْرَى وَقَعَتْ وَمُوقِعٌ مَا دُونَهَا مَعْدُودُ ... بَيْنَهُمَا إنْ قُضِيَ التَّجْدِيدُ يَعْنِي أَنَّ مَنْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ ثَلَاثًا فَإِنَّهَا لَا تَحِلُّ لَهُ إلَّا مِنْ بَعْدِ زَوْجٍ وَهُوَ مَعْنَى الْبَيْتِ الْأَوَّلِ، وَاَلَّذِي تَخَلَّى عَنْهَا هُوَ الَّذِي طَلَّقَهَا ثَلَاثًا، فَلِلَّذِي يَتَعَلَّقُ بِتَحِلُّ وَإِنَّمَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدِ زَوْجٍ بِشُرُوطٍ: الْأَوَّلُ: أَنْ يَكُونَ الزَّوْجُ الَّذِي تَزَوَّجَتْهُ بَالِغًا وَالزَّوْجَةُ مُطِيقَةٌ لِلْوَطْءِ فَلَا تَحِلُّ بِنِكَاحِ غَيْرِ الْبَالِغِ وَلَا بِوَطْءِ الزَّوْجِ الْبَالِغِ مَنْ لَا تُطِيقُ الْوَطْءَ، فَإِنَّ وَطْأَهَا كَالْعَدَمِ، وَلَا يُشْتَرَطُ بُلُوغُهَا بَلْ أَنْ تُطِيقَ الْوَطْءَ فَقَطْ. الثَّانِي: أَنْ يَطَأهَا وَطْئًا مُبَاحًا، فَلَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الْبِنَاءِ أَوْ بَعْدَ وَطْءٍ غَيْرِ مُبَاحٍ كَالْوَطْءِ فِي الدُّبُرِ أَوْ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ أَوْ فِي الْحَيْضِ فَلَا تَحِلُّ بِذَلِكَ. الثَّالِثُ: أَنْ يَتَقَارَرَ الزَّوْجَانِ عَلَى الْوَطْءِ (ابْنُ الْحَاجِبِ) فَلَوْ ادَّعَتْ الْوَطْءَ بَعْدَ الدُّخُولِ وَأَنْكَرَهُ الزَّوْجُ فَثَالِثُهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ إنْ كَانَ بَعْدَ الطَّلَاقِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا، وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ أَيْضًا قَبْلَهُ: وَيَكْفِي إيلَاجُ الْحَشَفَةِ أَوْ مِثْلِهَا مِنْ مَقْطُوعِهَا فِي الْقُبُلِ وَلَوْ كَانَ خَصِيًّا عَلَى الْمَنْصُوصِ. (التَّوْضِيحَ) قَوْلُهُ: " وَيَكْفِي إيلَاجُ الْحَشَفَةِ " أَيْ وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْإِنْزَالِ، وَفَسَّرَ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ الْعُسَيْلَةَ الْمُشْتَرَطَةَ بِإِيلَاجِ الْحَشَفَةِ وَقَوْلُهُ فِي الْقُبُلِ ظَاهِرُهُ أَنَّهَا لَا تَذُوقُ الْعُسَيْلَةَ إلَّا فِي الْقُبُلِ وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ وَيَكْفِي إيلَاجُ الْحَشَفَةِ أَنَّ مَا دُونَ ذَلِكَ لَا يَكْفِي (ابْنُ الْقَاسِمِ) وَلَوْ وَطِئَ فَوْقَ الْفَرْجِ فَأَنْزَلَ وَدَخَلَ مَاؤُهُ فِي فَرْجِهَا وَأَنْزَلَتْ هِيَ فَلَا يُحْصِنُهَا. وَقَوْلُهُ: " وَلَوْ كَانَ خَصِيًّا " يَعْنِي قَائِمَ الذَّكَرِ مَقْطُوعَ الْخُصْيَتَيْنِ. الرَّابِعُ: الِانْتِشَارُ فِي الْوَطْءِ، أَيْ قِيَامُ الذَّكَرِ لِأَنَّ الْعُسَيْلَةَ لَا تَحْصُلُ إلَّا بِهِ، هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَالشَّاذُّ لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ. الْخَامِسُ: عِلْمُ الزَّوْجَةِ خَاصَّةً بِالْوَطْءِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ

فصل الخلع

وَقَالَ أَشْهَبُ عِلْمُ الزَّوْجِ. وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَلَوْ كَانَا مَجْنُونَيْنِ حَلَّتْ. قَالَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ (التَّوْضِيحَ) وَرَأَى اللَّخْمِيُّ أَنَّهَا لَا تَحِلُّ إلَّا بِأَنْ يَكُونَا عَالِمَيْنِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَكِ» السَّادِسُ: أَنْ يَكُونَ النِّكَاحُ صَحِيحًا (ابْنُ الْحَاجِبِ) وَلَا تَحِلُّ بِنِكَاحٍ غَيْرِ صَحِيحٍ كَنِكَاحِ الْمُحَلِّلِ، ثُمَّ قَالَ: وَلَا تَحِلُّ الذِّمِّيَّةُ بِنِكَاحِ الذِّمِّيِّ لِفَسَادِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ. السَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ النِّكَاحُ لَازِمًا (ابْنُ الْحَاجِبِ) وَلَا بِنِكَاحٍ غَيْرِ لَازِمٍ كَنِكَاحِ الْعَبْدِ الْمُتَعَدِّي وَنِكَاحِ ذَاتِ الْعَيْبِ أَوْ الْمَغْرُورَةِ أَوْ ذِي الْعَيْبِ أَوْ الْمَغْرُورِ إلَّا إذَا لَزِمَ بِإِجَازَةِ السَّيِّدِ وَرَضِيَ الزَّوْجُ أَوْ الزَّوْجَةُ وَوَطِئَ بَعْدَ اللُّزُومِ (التَّوْضِيحَ) قَوْلُهُ: " الْمَغْرُورِ أَوْ الْمَغْرُورَةِ " أَيْ بِالْحُرِّيَّةِ، وَقَوْلُهُ: " إلَّا إذَا لَزِمَ بِإِجَازَةِ السَّيِّدِ " رَاجِعٌ إلَى الْعَبْدِ، وَقَوْلُهُ: " وَرَضِيَ الزَّوْجُ أَوْ الزَّوْجَةُ " رَاجِعٌ إلَى صُورَتَيْ الْعَيْبِ وَالْغُرُورِ، وَقَوْلُهُ: " وَوَطِئَ بَعْدَ اللُّزُومِ " يَعْنِي فِي الْخَمْسَةِ. اهـ (ابْنُ الْحَاجِبِ) وَلَا تَحِلُّ بِعَقْدٍ وَلَا بِوَطْءِ مِلْكٍ، قَوْلُهُ: " وَهِيَ لِحُرٍّ " أَيْ الثَّلَاثُ يَعْنِي وَأَمَّا الْعَبْدُ فَطَلْقَتَانِ، وَقَوْلُهُ: " وَحُكْمُهَا " أَيْ حُكْمُ الثَّلَاثِ، وَحُكْمُ الثَّلَاثِ هُوَ تَحْرِيمُ الزَّوْجَةِ إلَّا بَعْدَ زَوْجٍ، وَالْإِطْلَاقُ يُفَسِّرُهُ مَا فِي الْبَيْتِ بَعْدَهُ يَلِيَهُ وَهُوَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُطَلِّقَهَا ثَلَاثًا فِي كَلِمَةٍ كَقَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا. أَوْ يُطَلِّقَهَا ثُمَّ يُرَاجِعَهَا ثُمَّ يُطَلِّقُهَا إلَى الثَّلَاثِ الْحُكْمُ وَاحِدٌ، إلَّا أَنَّهُ فِي ثَلَاثِ مَرَّاتٍ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ، وَفِي كَلِمَةٍ فِيهِ خِلَافٌ ضَعِيفٌ. (ابْنُ نَاجِي) مَذْهَبُنَا لُزُومُ الثَّلَاثِ، وَقِيلَ بِلُزُومِ طَلْقَةٍ وَاحِدَةٍ اُنْظُرْ تَمَامَ كَلَامِهِ وَانْظُرْ الْفَائِقَ فِي أَحْكَامِ الْوَثَائِقِ لِسَيِّدِي أَحْمَدَ الْوَنْشَرِيسِيِّ فَقَدْ أَطَالَ فِي الْمَسْأَلَةِ بِنَحْوِ وَرَقَتَيْنِ وَذَلِكَ قَبْلَ تَرْجَمَةِ نَوَازِلِ الطَّلَاقِ وَفُرُوعِهِ. قَوْلُهُ " وَمَوْقِعُ مَا دُونَهَا " - الْبَيْتَ - وَالْمَعْنَى أَنَّ مَنْ أَوْقَعَ مِنْ الطَّلَاقِ مَا دُونَ الثَّلَاثِ مِنْ وَاحِدَةٍ أَوْ اثْنَتَيْنِ فَإِنَّ مَا أَوْقَعَهُ مَعْدُودٌ عَلَيْهِ وَمَحْسُوبٌ عَلَيْهِ إنْ قَضَى اللَّهُ تَعَالَى بِتَجْدِيدِ النِّكَاحِ بَيْنَهُمَا، فَإِذَا طَلَّقَهَا ثُمَّ رَاجَعَهَا فَتَبْقَى عِنْدَهُ عَلَى طَلْقَتَيْنِ، وَإِذَا طَلَّقَهَا طَلْقَتَيْنِ ثُمَّ رَاجَعَهَا فَتَبْقَى عِنْدَهُ عَلَى طَلْقَةٍ، وَلَوْ تَزَوَّجَتْ غَيْرَهُ فِي خِلَالِ ذَلِكَ ثُمَّ رَاجَعَهَا فَإِنَّهُ يُحْسَبُ عَلَيْهِ مَا كَانَ طَلَّقَهَا قَبْلَ تَزَوُّجِهَا لِغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ الْأَجْنَبِيَّ لَا يَهْدِمُ إلَّا الثَّلَاثَ، فَلَوْ زَادَ النَّاظِمُ بَعْدَ وَمُوقِعُ مَا دُونَهَا مَعْدُودٌ الْبَيْتَ قَوْلَهُ مَثَلًا وَلَوْ تَزَوَّجَتْ لِغَيْرِهِ وَلَا ... يَهْدِمُ ذَا إلَّا الثَّلَاثَ مُسَجَّلًا وَمَعْنَى مُسْجَلًا مُطْلَقًا، وَمَعْنَاهُ أَنَّ نِكَاحَ الْأَجْنَبِيِّ يَهْدِمُ الثَّلَاثَ كَانَتْ فِي كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ كَلِمَاتٍ. [فَصْلٌ الْخُلْع] فَصْلُ: وَالْخُلْعُ سَائِغٌ وَالِافْتِدَاءُ ... فَالِافْتِدَاءُ بِاَلَّذِي تَشَاءُ وَالْخُلْعُ بِاللَّازِمِ فِي الصَّدَاقِ ... أَوْ حَمْلٍ أَوْ عِدَّةٍ أَوْ إنْفَاقِ وَلَيْسَ لِلْأَبِ إذَا مَاتَ الْوَلَدْ ... شَيْءٌ وَذَا بِهِ الْقَضَاءُ فِي الْمَدَدْ (الرَّصَّاعُ) لَمْ يُعَرِّفْ الشَّيْخُ الْخُلْعَ، وَوَقَعَ لِبَعْضِ الشُّيُوخِ مِنْ تَلَامِذَتِهِ أَنَّهُ عَرَّفَهُ بِقَوْلِهِ: عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ عَلَى الْبُضْعِ تَمْلِكُ بِهِ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا وَيَمْلِكُ بِهِ الزَّوْجُ الْعِوَضَ. ثُمَّ قَالَ: وَالصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ فِي رَسْمِهِ صِفَةٌ حُكْمِيَّةٌ تَرْفَعُ حِلِّيَّةَ مُتْعَةِ الزَّوْجِ بِسَبَبِ عِوَضٍ عَلَى التَّطْلِيقِ. وَقَوْلُهُ: " وَالْخُلْعُ سَائِغٌ " إلَخْ يَعْنِي أَنَّ الْخُلْعَ جَائِزٌ وَالِافْتِدَاءُ بِهِ كَذَلِكَ جَائِزٌ، ثُمَّ فَسَّرَ كُلًّا مِنْهُمَا فَفَسَّرَ الِافْتِدَاءَ بِأَنَّهُ افْتِدَاءُ الزَّوْجَةِ بِبَعْضِ مَالِهَا، وَفَسَّرَ الْخُلْعَ بِأَنَّهُ الِافْتِدَاءُ بِاللَّازِمِ فِي الصَّدَاقِ وَبِمُؤْنَةِ حَمْلٍ وَخَرَاجِ عِدَّةٍ وَإِنْفَاقٍ عَلَى وَلَدٍ، وَهَذَا الْفَرْقُ مُجَرَّدُ اصْطِلَاحٍ لِأَهْلِ كُتُبِ الْأَحْكَامِ. وَمَعْنَى قَوْلِ الْمُوَثِّقِ فِي وَثِيقَةِ الطَّلَاقِ " وَتَحَمَّلَتْ لَهُ بِخَرَاجِ عِدَّتِهَا " يَعْنِي كِرَاءَ مَسْكَنِهَا مُدَّةَ الْعِدَّةِ فَيَلْزَمُهَا ذَلِكَ إنْ كَانَتْ الدَّارُ بِكِرَاءٍ أَوْ الْتَزَمَتْ غُرْمَ الْكِرَاءِ لَهُ إنْ كَانَتْ الدَّارُ لَهُ. قَالَهُ فِي وَثَائِقِ الْقَشْتَالِيِّ فَإِذَا مَاتَ الْوَلَدُ الَّذِي الْتَزَمَتْ الزَّوْجَةُ الْإِنْفَاقَ عَلَيْهِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهَا لِأَبِيهِ بَعْدَ مَوْتِهِ شَيْءٌ عَلَى مَا جَرَى بِهِ الْحُكْمُ وَالْقَضَاءُ فِي هَذِهِ الْأَزْمِنَة، وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِقَوْلِهِ: وَلَيْسَ لِلْأَبِ إذَا مَاتَ الْوَلَدْ الْبَيْتَ (قَالَ فِي الْمُقَرِّبِ) : قُلْتُ لَهُ: فَمَا الْمُبَارَأَةُ؟ وَمَا الْخُلْعُ؟ وَمَا الْفِدْيَةُ؟ قَالَ الْمُبَارَأَةُ أَنْ تَقُولَ

الْمَرْأَةُ لِزَوْجِهَا قَبْلَ الْبِنَاءِ: خُذْ مَا أَعْطَيْتَنِي وَاتْرُكْنِي. وَالْخُلْعُ أَنْ يَخْتَلِعَ بِاَلَّذِي لَهَا كُلِّهِ. وَالْفِدْيَةُ أَنْ تَفْتَدِيَ بِبَعْضٍ وَتُمْسِكَ بَعْضًا. قُلْتُ: أَفَيَحِلُّ لِلزَّوْجِ مَا أَعْطَتْهُ عَلَى ذَلِكَ قَالَ نَعَمْ إذَا لَمْ يَكُنْ عَنْ إضْرَارٍ مِنْهُ لَهَا (وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ) مَا رَأَيْتُ أَحَدًا مِمَّنْ يُقْتَدَى بِهِ يَكْرَهُ أَنْ تَفْتَدِيَ الْمَرْأَةُ بِأَكْثَرَ مِنْ صَدَاقِهَا. وَقَالَ تَعَالَى {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229] وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَنْ إضْرَارٍ مِنْ الزَّوْجِ بِهَا وَلَا تَضْيِيقٍ عَلَيْهَا. (قَالَ الشَّارِحُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) اخْتَصَرَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذِكْرَ الْمُبَارَأَةِ وَهِيَ فِي الْمُدَوَّنَةِ مَعَ الْخُلْعِ وَالْفِدْيَةِ فِي نَسَقٍ وَاحِدٍ. (وَفِي الْمُقَرِّبِ) قُلْتُ لَهُ: فَإِنْ اخْتَلَعَتْ مِنْهُ عَلَى أَنَّهُ لَا سُكْنَى عَلَى الزَّوْجِ؟ فَقَالَ إنْ كَانَ إنَّمَا شَرَطَ عَلَيْهَا كِرَاءَ الْمَنْزِلِ الَّذِي تَعْتَدُّ فِيهِ فَذَلِكَ جَائِزٌ مِثْلُ أَنْ تَكُونَ فِي مَسْكَنِ الْكِرَاءِ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتْ تَسْكُنُ فِي مَسْكَنِ الزَّوْجِ فَاشْتَرَطَ أَنَّ عَلَيْهَا كَذَا وَكَذَا دِرْهَمًا فِي كِرَاءِ الْمَسْكَنِ فَذَلِكَ جَائِزٌ أَيْضًا. وَإِنْ كَانَ إنَّمَا اشْتَرَطَ عَلَيْهَا أَنْ تَخْرُجَ مِنْ الْمَنْزِلِ الَّذِي تَعْتَدُّ فِيهِ فَهَذَا لَا يَجُوزُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ وَتَسْكُنُ بِغَيْرِ شَرْطٍ وَالْخُلْعُ مَاضٍ. قُلْتُ لَهُ: فَإِنْ اخْتَلَعَتْ مِنْهُ عَلَى أَنَّ نَفَقَةَ الزَّوْجِ وَنَفَقَةَ الْوَلَدِ عَلَيْهَا إلَى فِطَامِهِ؟ فَقَالَ سَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ: إذَا اخْتَلَعَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ زَوْجِهَا عَلَى أَنْ تُرْضِعَ وَلَدَهُ وَتُنْفِقَ عَلَيْهِ إلَى فِطَامِهِ أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ، وَإِنْ مَاتَتْ كَانَ الرَّضَاعُ وَالنَّفَقَةُ فِي مَالِهَا، وَفِيهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ قُلْتُ لِمَالِكٍ فَإِنْ مَاتَ الْوَلَدُ قَبْلَ الْحَوْلَيْنِ أَيَكُونُ لِلزَّوْجِ عَلَى الْمَرْأَةِ شَيْءٌ؟ فَقَالَ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا طَلَبَ ذَلِكَ. وَكَأَنَّهُ ذَهَبَ إلَى أَنَّهَا إنَّمَا أَبْرَأَتْهُ مِنْ رَضَاعِ ابْنِهِ حَتَّى تَفْطِمَهُ، وَإِنْ ذَهَبَ قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لِلزَّوْجِ عَلَيْهَا شَيْءٌ. اهـ فَقَوْلُهُ: فَالِافْتِدَاءُ بِاَلَّذِي تَشَاءُ أَيْ بِمَا تُرِيدُهُ مِنْ مَالِهَا دُونَ مَا لَمْ تُرِدْهُ فَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ الِافْتِدَاءَ بِبَعْضِ مَالِهَا لَا بِكُلِّهِ، " فَالِافْتِدَاءُ " مُبْتَدَأٌ " وَبِاَلَّذِي " خَبَرُهُ لَا مُتَعَلِّقٌ بِهِ، وَقَوْلُهُ: " وَالْخُلْعُ بِاللَّازِمِ " إلَخْ " الْخُلْعُ " مُبْتَدَأٌ " وَبِاللَّازِمِ " خَبَرُهُ أَيْ بِاَلَّذِي هُوَ لَازِمٌ لَهَا عَلَيْهِ مِنْ صَدَاقٍ لَمْ تَقْبِضْهُ " أَوْ حَمْلٍ " عَطْفٌ عَلَى الصَّدَاقِ مَدْخُولٌ لَازِمٌ أَيْ بِاللَّازِمِ فِي الْحَمْلِ مِنْ النَّفَقَةِ عَلَيْهِ، وَاللَّازِمُ فِي الْعِدَّةِ أَيْ مِنْ كِرَاءِ الْمَسْكَنِ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ وَثَائِقِ الْقَشْتَالِيِّ وَبِاللَّازِمِ فِي الْإِنْفَاقِ عَلَى الْوَلَدِ بَعْدَ وَضْعِهِ. وَقَوْلُهُ: " وَلَيْسَ لِلْأَبِ " أَيْ لَيْسَ لِأَبِ الْوَلَدِ شَيْءٌ عَلَى الْمَرْأَةِ إذَا مَاتَ الْوَلَدُ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ الَّتِي الْتَزَمَتْ نَفَقَتُهُ فِيهَا لِلْأَبِ. وَالْخُلْعُ بِالْإِنْفَاقِ مَحْدُودُ الْأَجَلْ ... بَعْدَ الرَّضَاعِ بِجَوَازِهِ الْعَمَلْ وَجَازَ قَوْلًا وَاحِدًا حَيْثُ الْتُزِمْ ... ذَاكَ وَإِنْ مُخَالِعٌ بِهِ عُدِمْ يَعْنِي أَنَّ الْعَمَلَ عَلَى جَوَازِ الْخُلْعِ أَنْ تُنْفِقَ الْمَرْأَةُ عَلَى الْوَلَدِ أَجَلًا مَحْدُودًا بَعْدَ حَوْلَيْ الرَّضَاعِ يَلْزَمُهَا ذَلِكَ، وَمَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ سُقُوطُ نَفَقَةِ الزَّائِدِ عَلَى الْحَوْلَيْنِ (التَّوْضِيحَ) وَقَالَ الْمَخْزُومِيُّ وَالْمُغِيرَةُ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ وَأَشْهَبُ وَابْنُ نَافِعٍ وَسَحْنُونٌ لَا تَسْقُطُ، وَهُوَ الصَّوَابُ عِنْدَ جَمَاعَةِ الشُّيُوخِ. حَتَّى قَالَ ابْنُ لُبَابَةَ الْخَلْقُ كُلُّهُمْ عَلَى خِلَافِ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرِوَايَتِهِ (الْمُتَيْطِيُّ) قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْمُوَثِّقِينَ وَالْعَمَلُ عَلَى الْقَوْلِ، وَوَجْهُهُ ظَاهِرٌ، لِأَنَّ غَايَتَهُ غَرَرٌ، وَالْغَرَرُ جَائِزٌ هُنَا، وَفِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ آخَرَانِ: الْأَوَّلُ: رِوَايَةُ ابْنِ زِيَادٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يَجُوزُ فِي الْعَامَيْنِ وَمَا قَارَبَهُمَا لَا أَكْثَرَ، وَالثَّانِي: قَالَ أَصْبَغُ أَكْرَهُهُ ابْتِدَاءً فَإِنْ وَقَعَ أَمْضَيْتُهُ اهـ. قَوْلُهُ " وَجَازَ قَوْلًا وَاحِدًا " الْبَيْتُ مِنْهُ يُفْهَمُ أَنَّ مَا قَبْلَهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ قَرِيبًا أَنَّ فِيهِ أَرْبَعَةَ أَقْوَالٍ، وَأَشَارَ بِهَذَا الْبَيْتِ إلَى قَوْلِهِ فِي التَّوْضِيحِ إثْرَ مَا تَقَدَّمَ مُتَّصِلًا بِهِ. قَالَ اللَّخْمِيُّ وَغَيْرُهُ: وَهَذَا الْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ إذَا وَقَعَ الْخُلْعُ عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يَشْتَرِطْ إثْبَاتَ ذَلِكَ - إنْ مَاتَ الْوَلَدُ - وَلَا سُقُوطَهُ. وَأَمَّا شَرْطُ الْأَبِ نَفَقَةَ الِابْنِ مُدَّةً مَعْلُومَةً - عَاشَ الْوَلَدُ أَوْ مَاتَ - فَيَجُوزُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَغَيْرِهِ فَلَوْ مَاتَ الْوَلَدُ أَخَذَ الْأَبُ ذَلِكَ مِنْهَا مُشَاهَرَةً حَتَّى يَتِمَّ الْأَجَلُ وَكَذَلِكَ الْأَبُ اهـ. (وَفِي الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ) فَإِنْ مَاتَ الِابْنُ فِي الْمُدَّةِ لَمْ يَكُنْ لِلزَّوْجِ رُجُوعٌ فِيمَا بَقِيَ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَحَمَّلَتْ عَنْهُ دَفْعَ مُؤْنَتِهِ، وَلَوْ مَاتَتْ هِيَ وَقَفَ مِنْ مَالِهَا قَدْرَ مُؤْنَةِ الِابْنِ إلَى انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ، فَإِنْ مَاتَ الِابْنُ قَبْلَ انْقِضَائِهَا رَجَعَ مَا بَقِيَ مِمَّا وَقَفَ إلَى وَرَثَةِ الْمَرْأَةِ، وَأَمَّا إنْ أَفْلَسَتْ الْمَرْأَةُ رَجَعَ ذَلِكَ الْمَوْقُوفُ إلَى الْغُرَمَاءِ إنْ كَانَ بَقِيَ شَيْءٌ مِنْ دُيُونِهِمْ لِلزَّوْجِ مُحَاصَّةَ الْغُرَمَاءِ بِالنَّفَقَةِ، وَأَمَّا لَوْ اشْتَرَطَ الزَّوْجُ نَفَقَةَ الصَّبِيِّ مُدَّةً مَعْلُومَةً - عَاشَ أَوْ مَاتَ وَذَلِكَ لِلْأَبِ لَازِمٌ عَلَى الْأُمِّ - لَجَازَ ذَلِكَ عَلَى قَوْلِ

ابْنِ الْقَاسِمِ وَغَيْرِهِ، وَمُرَادُ النَّاظِمِ بِالْمُخَالَعِ بِهِ: الْوَلَدُ. مَعْنَى " عُدِمَ " مَاتَ، وَفَاعِلُ جَازَ يَعُودُ عَلَى الْخُلْعِ وَذَلِكَ إشَارَةٌ لِنَفَقَةِ الْوَلَدِ. وَلِلْأَبِ التَّرْكُ مِنْ الصَّدَاقِ ... أَوْ وَضْعُهُ لِلْبِكْرِ فِي الطَّلَاقِ يَعْنِي أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْأَبِ أَيْ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ سَائِرِ الْأَوْلِيَاءِ إذَا زَوَّجَ بِنْتَهُ الْبِكْرَ أَنْ يَضَعَ مِنْ صَدَاقِهَا مَا يَرَاهُ سَدَادًا وَنَظَرًا لِاِبْنَتِهِ، وَلَهُ أَيْضًا أَنْ يَضَعَ جَمِيعَهُ فِي الطَّلَاقِ قَبْلَ الْمَسِيسِ (قَالَ فِي الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ) : قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لِلْأَبِ أَنْ يَضَعَ عَنْ زَوْجِ ابْنَتِهِ الْبِكْرِ الَّتِي فِي حِجْرِهِ وَتَحْتَ وِلَايَةِ نَظَرِهِ مِنْ مُعَجَّلِ مَهْرِهَا وَمُؤَجَّلِهِ مَا يَرَاهُ سَدَادًا وَنَظَرًا لِاِبْنَتِهِ، وَلَهُ أَيْضًا أَنْ يُؤَخِّرَ بِهِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَضَعَ جَمِيعَ الْمَهْرِ إلَّا عَلَى الطَّلَاقِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لِلْوَصِيِّ وَلَا لِلْوَلِيِّ. (وَفِي النَّوَادِرِ مِنْ كِتَابِ مُحَمَّدٍ) قَالَ مَالِكٌ لِلْأَبِ أَنْ يُزَوِّجَ الْبِكْرَ بِأَقَلَّ مِنْ صَدَاقِ مِثْلِهَا عَلَى النَّظَرِ وَلَا يَحُطُّ مِنْ الصَّدَاقِ بَعْدَ الْعَقْدِ إلَّا عَلَى الطَّلَاقِ أَوْ بَعْدَ وُقُوعِ الطَّلَاقِ قَبْلَ الْبِنَاءِ يَهَبُهُ لِلزَّوْجِ، فَذَلِكَ جَائِزٌ عَلَيْهَا. (وَفِي ابْنِ الْحَاجِبِ) وَعَفْوُهُ فِي الْبِكْرِ عَنْ نِصْفِ الصَّدَاقِ بَعْدَ الطَّلَاقِ مَاضٍ لَا قَبْلَهُ. وَعَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ إلَّا بِوَجْهِ نَظَرٍ (التَّوْضِيحُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلا أَنْ يَعْفُونَ} [البقرة: 237] أَيْ النِّسَاءُ الْمَالِكَاتُ لِأَمْرِهِنَّ عَنْ النِّصْفِ الَّذِي لَهُنَّ {أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} [البقرة: 237] وَمَذْهَبُ مَالِكٍ أَنَّ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ هُوَ الْأَبُ فِي ابْنَتِهِ وَالسَّيِّدُ فِي أَمَتِهِ، وَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ أَنَّهُ الزَّوْجُ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُكَمِّلَ الصَّدَاقَ، وَقَالَ بِكُلٍّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ جَمَاعَةٌ. وَيَنْفُذُ الطَّلَاقُ بِالتَّصْرِيحِ ... وَبِالْكِنَايَاتِ عَلَى الصَّحِيحِ أَشَارَ بِالْبَيْتِ إلَى أَنَّ الطَّلَاقَ يَلْزَمُ بِاللَّفْظِ الصَّرِيحِ وَبِالْكِنَايَةِ، وَاللَّفْظُ أَحَدُ أَرْكَانِ الطَّلَاقِ، وَالطَّلَاقُ لَهُ أَرْكَانٌ أَرْبَعَةٌ: الْأَوَّلُ: وَهُوَ الزَّوْجُ، وَالْمَحَلُّ وَهُوَ الزَّوْجَةُ، وَالْقَصْدُ، وَاللَّفْظُ. فَالْأَهْلُ مُسْلِمٌ مُكَلَّفٌ فَلَا يَنْفُذُ طَلَاقُ الْكَافِرِ وَلَا الصَّبِيِّ وَلَا الْمَجْنُونِ، بِخِلَافِ السَّكْرَانِ فَيَمْضِي طَلَاقُهُ، وَالْمَحَلُّ شَرْطُهُ أَنْ يَمْلِكَهُ الزَّوْجُ قَبْلَ الطَّلَاقِ، وَالْمِلْكُ إمَّا تَحْقِيقًا أَوْ تَعْلِيقًا، فَلَوْ قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ: " إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ " فَنَكَحَهَا فَدَخَلَتْ الدَّارَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ إنْ نَكَحْتُك فَلَوْ قَالَ: " إنْ نَكَحْتُك

فَأَنْتِ طَالِقٌ " فَالْمَشْهُورُ اعْتِبَارُهُ وَتَطْلُقُ عَلَيْهِ عَقِبَ الْعَقْدِ عَلَيْهَا وَيَلْزَمُهُ نِصْفُ الصَّدَاقِ. وَإِنْ دَخَلَ بِهَا فَالصَّدَاقُ كَامِلًا، وَالْقَصْدُ هُوَ الْقَصْدُ لِلطَّلَاقِ فَلَا أَثَرَ لِسَبْقِ اللِّسَانِ إذَا جَاءَ مُسْتَفْتِيًا، وَلَا أَثَرَ لِلَّفْظِ يَجْهَلُ مَعْنَاهُ كَمَا إذَا قِيلَ لِأَعْجَمِيٍّ قُلْ زَوْجَتِي طَالِقٌ فَقَالَهُ فَلَا يَلْزَمُهُ لِعَدَمِ الْقَصْدِ. وَلَا أَثَرَ لِطَلَاقِ الْإِكْرَاهِ كَنِكَاحِهِ وَعِتْقِهِ وَغَيْرِهِ لِعَدَمِ الْقَصْدِ، وَاللَّفْظُ صَرِيحٌ وَكِنَايَةٌ وَغَيْرُهُمَا، فَالصَّرِيحُ مَا فِيهِ صِيغَةُ طَلَاقٍ مِثْلُ أَنْتِ طَالِقٌ أَوْ أَنَا طَالِقٌ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ: " لَمْ أُرِدْ بِهِ الطَّلَاقَ " إذَا قَامَتْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ، وَكَذَلِكَ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ فِي الْفَتْوَى إذَا أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ أَنَّهُ أَتَى بِهَذَا اللَّفْظِ قَاصِدًا إلَى النُّطْقِ بِهِ وَقَالَ: " لَمْ أُرِدْ بِهِ الطَّلَاقَ " إذَا قَامَتْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ، وَيَلْزَمُهُ، وَالْكِنَايَةُ قِسْمَانِ: ظَاهِرٌ وَمُحْتَمَلٌ فَالظَّاهِرُ مَا هُوَ فِي الْعُرْفِ طَلَاقٌ مِثْلُ سَرَّحْتُك، وَفَارَقْتُك، وَأَنْتِ حَرَامٌ، وَبَتَّةٌ، وَبَتْلَةٌ، وَخَلِيَّةٌ، وَبَرِيَّةٌ، وَبَائِنٌ، وَحَبْلُك عَلَى غَارِبِك، وَنَحْوُ هَذَا. وَهُوَ كَالصَّرِيحِ فِي أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهِ الطَّلَاقَ وَاخْتُلِفَ فِي اللَّازِمِ فِي ذَلِكَ عَلَى سِتَّةِ أَقْوَالٍ حَكَاهَا ابْنُ الْحَاجِبِ (قَالَ فِي التَّوْضِيحِ) : وَهِيَ رَاجِعَةٌ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّهَا ثَلَاثٌ وَاخْتُلِفَ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ هَلْ هِيَ الثَّلَاثُ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا وَغَيْرِهَا وَلَا يَنْوِي، أَوْ الثَّلَاثُ وَيَنْوِي فِيهَا، أَوْ يَنْوِي فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا فَقَطْ؟ . وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهَا طَلْقَةٌ. وَاخْتُلِفَ عَلَيْهِ، فَقِيلَ بَائِنَةٌ وَقِيلَ رَجْعِيَّةٌ. وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: أَنَّهَا ثَلَاثٌ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا وَوَاحِدَةٌ فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا. اهـ وَالْكِنَايَةُ الْمُحْتَمَلَةُ مِثْلَ اذْهَبِي، وَانْصَرِفِي، وَاعْزُبِي، وَأَنْتِ حُرَّةٌ، وَمُعْتَقَةٌ، وَالْحَقِي بِأَهْلِك، وَلَسْتِ لِي بِامْرَأَةٍ، أَوْ لَا نِكَاحَ بَيْنِي وَبَيْنَكِ. فَتُقْبَلُ دَعْوَاهُ فِي أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهِ الطَّلَاقَ. وَفِي عَدَدِهِ إذَا قَالَ: " أَرَدْت الطَّلَاقَ وَقَصَدْت وَاحِدَةً أَوْ أَكْثَرَ " قُبِلَ ذَلِكَ مِنْهُ. (قَالَ أَصْبَغُ) وَإِنْ نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ وَلَمْ يَنْوِ عَدَدًا فَهُوَ الْبَتَّةُ مَدْخُولًا بِهَا أَمْ لَا؟ قَالَهُ فِي

التَّوْضِيحِ. وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: وَهُوَ مَا لَيْسَ بِصَرِيحٍ وَلَا كِنَايَةٍ فَذَلِكَ مِثْلَ اسْقِينِي الْمَاءَ فَإِنْ قَصَدَ بِهِ الطَّلَاقَ وَقَعَ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَفِيهَا كُلُّ كَلَامٍ يَنْوِي بِهِ الطَّلَاقَ فَهُوَ طَلَاقٌ. اهـ وَجَمِيعُ ذَلِكَ مِنْ ابْنِ الْحَاجِبِ وَجُلُّهُ بِاللَّفْظِ، وَقَدْ بَحَثَ فِي التَّوْضِيحِ فِي بَعْضِ الْأَلْفَاظِ الْمُمَثَّلِ بِهَا فَلْيُرَاجِعْهُ مَنْ أَرَادَهُ. وَنَقَلَ الشَّارِحُ عَنْ الْكَافِي أَنَّ صَرِيحَ الطَّلَاقِ مَا نَطَقَ بِهِ الْقُرْآنُ الْعَظِيمُ مِنْ الطَّلَاقِ وَالسَّرَاحِ وَالْفِرَاقِ قَالَ تَعَالَى {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1] وَقَالَ {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [البقرة: 231] وَقَالَ فِي الْآيَة الْأُخْرَى {أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [الطلاق: 2] . ثُمَّ قَالَ: قَالَ ابْنُ مَرْزُوقٍ فِي مَنْهَجِهِ السَّالِكِ: وَلَهُ يَعْنِي الطَّلَاقَ لَفْظَانِ: صَرِيحٌ وَكِنَايَةٌ، فَالصَّرِيحُ مَا جَاءَ فِيهِ لَفْظُ الطَّلَاقِ كَقَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ وَشِبْهُ ذَلِكَ، وَالْكِنَايَةُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ: كِنَايَةٌ ظَاهِرَةٌ: كَخَلِيَّةٍ، وَبَرِيَّةٍ، وَحَرَامٍ، وَحَبْلُك عَلَى غَارِبِك، وَهِيَ ثَلَاثَةٌ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا وَيَنْوِي فِي أَقَلَّ فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا. وَكِنَايَةٌ مُحْتَمَلَةٌ كَقَوْلِهِ: اذْهَبِي وَانْصَرِفِي وَشِبْهُ ذَلِكَ. وَكِنَايَةٌ لَا يَقْتَضِي لَفْظُهَا طَلَاقًا كَقَوْلِهِ: اسْقِينِي مَاءً أَوْ أَلْبِسِينِي ثِيَابَك فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الطَّلَاقَ اهـ. فَجَعَلَ الْكِنَايَةَ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ وَإِنْ قَصَدَ الطَّلَاقَ بِاسْقِينِي الْمَاءَ وَنَحْوِهِ مِنْ الْكِنَايَةِ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ ابْنَ الْحَاجِبِ جَعَلَهُ قِسْمًا ثَالِثًا لَيْسَ مِنْ الصَّرِيحِ وَلَا مِنْ الْكِنَايَةِ، (قَالَ الشَّارِحُ) : قَوْلُ النَّاظِمِ " وَبِالْكِنَايَاتِ " بِلَفْظِ الْجَمْعِ يُرِيدُ أَضْرُبَهَا الثَّلَاثَةَ الَّتِي فَصَّلَهَا ابْنُ زَرْقُون إلَيْهَا إذَا أُرِيدَ بِهَا الطَّلَاقُ. اهـ وَهُوَ ظَاهِرٌ إلَّا أَنَّهُ يَبْقَى النَّظَرُ فِي مُقَابِلِ الصَّحِيحِ مَا هُوَ؟ فَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ الرَّصَّاعُ فِي شَرْحِ النِّكَاحِ الَّذِي تَحِلُّ بِهِ الْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا لِلَّذِي طَلَّقَهَا: وَالْفَرْقُ بَيْنَ التَّعْرِيضِ وَالْكِنَايَةِ أَنَّ الْكِنَايَةَ إنَّمَا يَذْكُرُ الشَّيْءَ بِذِكْرِ لَازِمِهِ كَقَوْلِنَا: فُلَانٌ طَوِيلُ النِّجَادِ. وَالتَّعْرِيضُ أَنْ يَذْكُرَ كَلَامًا يُحْتَمَلُ مَقْصُودُهُ وَغَيْرُ مَقْصُودِهِ. وَالْقَرَائِنُ تُفِيدُ الْمَقْصُودَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَيَنْفُذُ الْوَاقِعُ مِنْ سَكْرَانِ ... مُخْتَلِطٍ كَالْعِتْقِ وَالْأَيْمَانِ وَمِنْ مَرِيضٍ وَمَتَى مِنْ الْمَرَضْ ... مَاتَ فَلِلزَّوْجَةِ الْإِرْثُ الْمُفْتَرَضْ مَا لَمْ يَكُنْ بِخُلْعٍ أَوْ تَخْيِيرِ ... أَوْ مَرَضٍ لَيْسَ مِنْ الْمَحْذُورِ تَقَدَّمَ أَنَّ مِنْ أَرْكَانِ الطَّلَاقِ الزَّوْجَ وَأَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَقْلُ، فَإِنْ فَقَدَ الْعَقْلَ بِسُكْرٍ وَكَانَ مُخْتَلِطًا غَيْرَ طَافِحٍ فَإِنَّ طَلَاقَهُ يَنْفُذُ، وَكَذَا عِتْقُهُ، وَأَيْمَانُهُ الَّتِي حَلَفَ بِهَا، جَمِيعُ ذَلِكَ يَلْزَمُهُ وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِالْبَيْتِ الْأَوَّلِ (التَّوْضِيحَ) قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ: أَمَّا السَّكْرَانُ بِخَمْرٍ أَوْ نَبِيذٍ فَالْمَشْهُورُ نُفُوذُ طَلَاقِهِ قَالَهُ الْمَازِرِيُّ وَقَدْ رُوِيَتْ عِنْدَنَا رِوَايَةٌ شَاذَّةٌ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ، وَقَالَ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ لَا يَلْزَمُهُ طَلَاقٌ وَلَا عَتَاقٌ. وَتَأَوَّلَ الشَّيْخُ أَبُو الْوَلِيدِ يَعْنِي ابْنَ رُشْدٍ الْخِلَافَ عَلَى الْمُخْتَلَطِ الَّذِي مَعَهُ بَقِيَّةٌ مِنْ عَقْلِهِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الِاخْتِلَاطَ مِنْ نَفْسِهِ فَيُخْطِئُ وَيُصِيبُ، قَالَ: وَأَمَّا السَّكْرَانُ الَّذِي لَا يَعْرِفُ الْأَرْضَ مِنْ السَّمَاءِ وَلَا الرَّجُلَ مِنْ الْمَرْأَةِ فَلَا اخْتِلَافَ أَنَّهُ كَالْمَجْنُونِ فِي جَمِيعِ أَفْعَالِهِ وَأَحْوَالِهِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ وَفِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى إلَّا فِيمَا ذَهَبَ وَقْتُهُ مِنْ الصَّلَوَاتِ، فَقِيلَ إنَّهَا لَا تَسْقُطُ، بِخِلَافِ الْمَجْنُونِ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ بِإِدْخَالِهِ السُّكْرَ عَلَى نَفْسِهِ كَالْمُتَعَمِّدِ لِتَرْكِهَا حَتَّى خَرَجَ وَقْتُهَا اهـ. (ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ) وَيَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ الشُّيُوخِ أَنَّ الصَّلَاةَ يَقْضِيهَا السَّكْرَانُ سَوَاءٌ كَانَ مُطْبِقًا أَمْ لَا، وَأَنَّهُ لَا يُخْتَلَفُ فِي ذَلِكَ وَتَحْصِيلُ الْقَوْلِ فِي السَّكْرَانِ أَنَّ الْمَشْهُورَ تَلْزَمُهُ الْجِنَايَاتُ وَالْعِتْقُ وَالطَّلَاقُ وَالْحُدُودُ وَلَا تَلْزَمُهُ الْإِقْرَارَاتُ وَالْعُقُودُ. (قَالَ فِي الْبَيَانِ) وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَعَامَّةِ أَصْحَابِهِ وَأَظْهَرُ الْأَقْوَالِ. اهـ كَلَامُ التَّوْضِيحِ وَعَلَى هَذَا التَّحْصِيلِ أَنْشَدَنَا شَيْخُنَا الْعَالِمُ الْمُتَفَنِّنُ أَبُو مُحَمَّدٍ سَيِّدِي عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ عَاشِرٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِنَفْسِهِ: لَا يَلْزَمُ السَّكْرَانَ إقْرَارٌ عُقُودْ ... بَلْ مَا جَنَى عِتْقٌ طَلَاقٌ وَحُدُودْ قَوْلُهُ " وَمِنْ مَرِيضٍ " يَعْنِي أَنَّ الطَّلَاقَ يَصِحُّ مِنْ الْمَرِيضِ. (ابْنُ الْحَاجِبِ) وَطَلَاقُ الْمَرِيضِ وَإِقْرَارُهُ بِهِ كَالصَّحِيحِ فِي أَحْكَامِهِ، وَتَنَصُّفِ صَدَاقِهِ، وَعِدَّةِ الْمُطَلَّقَةِ، وَسُقُوطِهَا فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا إلَّا أَنَّهُ لَا يَنْقَطِعُ مِيرَاثُهَا هِيَ خَاصَّةً إنْ كَانَ مَخُوفًا قَضَى بِهِ عُثْمَانُ لِامْرَأَةِ عَبْد الرَّحْمَنِ قَوْلُهُ: " وَمَتَى مِنْ الْمَرَضِ "

الْبَيْتَ - يَعْنِي أَنَّ مَنْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ وَهُوَ مَرِيضٌ يَعْنِي مَرَضًا مَخُوفًا فَإِنَّهُ مَتَى مَاتَ مِنْ مَرَضِهِ ذَلِكَ فَإِنَّ الزَّوْجَةَ تَرِثُهُ وَإِنْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا وَتَزَوَّجَتْ غَيْرَهُ وَلَا يَنْقَطِعُ مِيرَاثُهَا مِنْهُ إلَّا إذَا صَحَّ صِحَّةً بَيِّنَةً. (التَّوْضِيحَ) قَوْلُ ابْنُ الْحَاجِبِ: " إلَّا أَنَّهُ لَا يَنْقَطِعُ مِيرَاثُهَا هِيَ خَاصَّةً " بَيَانٌ لِمَا يُخَالِفُ فِيهِ طَلَاقُ الْمَرِيضِ طَلَاقَ الصَّحِيحِ يَعْنِي أَنَّ الْمَرِيضَ إذَا طَلَّقَ زَوْجَتَهُ أَوْ أَقَرَّ بِطَلَاقِهَا لَا يَنْقَطِعُ بِذَلِكَ مِيرَاثُهَا مِنْهُ بَلْ تَرِثُهُ إنْ مَاتَ مِنْ مَرَضِهِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمَّا اُتُّهِمَ عَلَى حِرْمَانِهَا مِنْ الْمِيرَاثِ عُومِلَ بِنَقِيضِ قَصْدِهِ، وَإِنْ مَاتَتْ هِيَ قَبْلَهُ لَا يَرِثُهَا، وَأُخِذَ عَدَمُ إرْثِهِ مِنْهَا مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ " خَاصَّةً " وَتَرِثُهُ سَوَاءٌ كَانَ طَلَاقًا بَائِنًا أَوْ رَجْعِيًّا، ثَلَاثًا أَوْ وَاحِدَةً، انْقَضَتْ عِدَّتُهَا أَمْ لَا. وَقَوْلُهُ إنْ كَانَ مَخُوفًا (ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ) لَا خِلَافَ فِي اشْتِرَاطِ ذَلِكَ عِنْدَ مَنْ أَثْبَتَ لَهَا الْمِيرَاثَ، وَاسْتَدَلَّ عَلَى وُجُوبِ إرْثِهَا بِمَا فِي الْمُوَطَّأِ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ أَلْبَتَّةَ وَهُوَ مَرِيضٌ فَوَرَّثَهَا عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانِ مِنْهُ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا (وَفِي الْمُقَرِّبِ) قُلْت لَهُ أَرَأَيْت إنْ طَلَّقَ الْمَرِيضُ امْرَأَتَهُ قَبْلَ الْبِنَاءِ بِهَا ثُمَّ مَاتَ مِنْ مَرَضِهِ ذَلِكَ؟ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ لَهَا نِصْفُ الصَّدَاقِ وَلَهَا الْمِيرَاثُ وَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا، فَإِنْ كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا كَانَ الْمِيرَاثُ وَاعْتَدَّتْ عِدَّةَ الطَّلَاقِ. وَإِنْ كَانَ طَلَاقًا يَمْلِكُ فِيهِ رَجْعَتَهَا فَمَاتَ وَهِيَ فِي عِدَّتِهَا انْتَقَلَتْ إلَى عِدَّةِ الْوَفَاةِ، وَإِنْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا مِنْ الطَّلَاقِ قَبْلَ أَنْ يَهْلَكَ ثُمَّ هَلَكَ فَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا وَلَهَا الْمِيرَاثُ، قُلْت وَهَلْ تَرِثُ الْمَرْأَةُ أَزْوَاجًا كُلَّهُمْ يُطَلِّقُونَهَا فِي مَرَضِهِمْ ثُمَّ مَاتُوا قَبْلَ أَنْ يَصِحُّوا وَهِيَ تَحْتَ زَوْجٍ؟ قَالَ: نَعَمْ. (قَالَ الشَّارِحُ) - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَقُولُ: لَمْ يُفَصِّلْ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَوْنَ الطَّلَاقِ قَبْلَ الْبِنَاءِ أَوْ بَعْدَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِد هُنَا إلَّا أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ طَلَاقَ الْمَرِيضَ نَافِذٌ وَأَنَّ الْمِيرَاثَ لَازِمٌ سَوَاءٌ طَلَّقَ قَبْلَ الْبِنَاءِ أَوْ بَعْدَهُ، رَجْعِيًّا أَوْ بَائِنًا. وَقَدْ ذَكَرَ كُلَّ مَسْأَلَةٍ فِي مَحَلِّهَا فَاعْتَمِدْ عَلَى مُرَاجَعَتِهِ هُنَالِكَ اهـ وَقَدْ اشْتَمَلَ كَلَامُ صَاحِبِ الْمُقَرِّبِ عَلَى فَوَائِدَ، كُلُّهَا جَارِيَةٌ عَلَى الْقَوَاعِدِ. قَوْلُهُ مَا لَمْ يَكُنْ بِخُلْعٍ أَوْ تَخْيِيرِ - الْبَيْتَ - يَعْنِي أَنَّ الْمُطَلَّقَةَ فِي الْمَرَضِ تَرِثُ زَوْجَهَا إذَا مَاتَ مِنْ مَرَضِهِ ذَلِكَ، إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهَا تَسَبُّبٌ فِي الطَّلَاقِ كَمَا لَوْ بَذَلَتْ لَهُ مَالًا حَتَّى طَلَّقَهَا، وَكَمَا لَوْ خَيَّرَهَا أَوْ مَلَّكَهَا فَاخْتَارَتْ الْفِرَاقَ، أَوْ كَانَ الْمَرَضُ غَيْرَ مَخُوفٍ فَلَا تَرِثهُ، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ عَدَمِ إرْثِهَا مِنْهُ إنْ كَانَ الْمَرَضُ غَيْرَ مَخُوفٍ ظَاهِرٌ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ التَّوْضِيحِ عَنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ. وَأَمَّا عَدَمُ إرْثِهَا مِنْهُ فِي مَسْأَلَتَيْ الْخُلْعِ وَالتَّخْيِيرِ فَهُوَ خِلَافُ الْمَعْرُوفِ عِنْدَ ابْنِ الْحَاجِبِ وَالْمَعْرُوفُ وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهَا

تَرِثُهُ. (قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ) : وَإِنْ مَلَكَهَا فِي مَرَضِهِ أَوْ خَيَّرَهَا فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا أَوْ طَلَّقَهَا طَلَاقًا بَائِنًا فِي مَرَضِهِ فَإِنَّهُ لَا يَرِثُهَا إنْ مَاتَتْ، وَتَرِثُهُ هِيَ إنْ مَاتَ مِنْ ذَلِكَ الْمَرَضِ اهـ لِأَنَّ الطَّلَاقَ جَاءَ مِنْ قِبَلِهِ (ابْنُ عَرَفَةَ) خُلْعُ الْمَرِيضِ تَامٌّ وَتَرِثُهُ إنْ مَاتَ. قَالَ أَبُو عِمْرَان وَتَرِثُ مِنْ الْمَالِ الَّذِي أَعْطَتْهُ. اهـ وَأَجَابَ الشَّارِحُ بِأَنَّ النَّاظِمَ اعْتَمَدَ فِي اسْتِثْنَاءِ طَلَاقِ الْخُلْعِ تَخْرِيجَ ابْنِ عَرَفَةَ وَفِي اسْتِثْنَاءِ التَّخْيِيرِ رِوَايَةَ زِيَادٍ فِي الْمُمَلَّكَةِ فِي الْمَرَضِ أَنَّهَا لَا تَرِثُهُ، وَاسْتَظْهَرَ تَخْرِيجَ ابْنِ عَرَفَةَ فِي الْخُلْعِ، قَالَ: لِأَنَّ الطَّلَاقَ مِنْ قِبَلِهَا فَكَأَنَّهَا اخْتَارَتْ أَنْ لَا تَرِثَ اهـ بِاخْتِصَارٍ: وَهَذَا الْجَوَابُ ضَعِيفٌ فَقَدْ نَصُّوا عَلَى أَنَّ الْقَوْلَ الْمُخَرَّجَ لَا يُعْمَلُ بِهِ فِي قَضَاءٍ وَلَا فَتْوَى، وَإِنَّمَا يُذْكَرُ تَفَقُّهًا وَتَفَنُّنًا فَقَطْ، وَأَضْعَفُ مِنْهُ مُخَالَفَةُ الْمُدَوَّنَةِ، وَالْعَمَلُ عَلَى رِوَايَةِ زِيَادٍ فِي مَسْأَلَةِ التَّخْيِيرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَوْلُهُ: " وَيَنْفُذُ الْوَاقِعُ " أَيْ الطَّلَاقُ الْوَاقِعُ وَقَوْلُهُ: " مُخْتَلَطٍ " هُوَ الَّذِي مَعَهُ بَقِيَّةٌ مِنْ عَقْلِهِ. هَذَا مَحَلُّ الْخِلَافِ عَلَى طَرِيقَةِ ابْنِ رُشْدٍ وَالْمَشْهُورُ لُزُومُ طَلَاقِهِ، وَمَفْهُومُ " مُخْتَلَطٍ " أَنَّ غَيْرَ الْمُخْتَلَطِ وَهُوَ الَّذِي لَا يَعْرِفُ الْأَرْضَ مِنْ السَّمَاءِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ اتِّفَاقًا وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ، وَطَرِيقَةُ ابْنُ بَشِيرٍ عَكْسُ هَذِهِ إنْ كَانَ فِي حَالِ تَمْيِيزِهِ لَزِمَهُ الطَّلَاقُ بِاتِّفَاقٍ، وَإِنْ كَانَ مَغْمُورًا فَالْمَشْهُورُ عَدَمُ اللُّزُومِ، وَنَقَلَ بَعْضُهُمْ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ شَعْبَانَ وَعِيَاضٍ (التَّوْضِيحَ) وَظَاهِرُ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ أَنَّ الْخِلَافَ فِي السَّكْرَانِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ مَعَهُ، مَيْزٌ أَمْ لَا. وَكَذَلِكَ حَكَى ابْنُ رُشْدٍ عَنْ الْمَازِرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: الْمَشْهُورُ لُزُومُ طَلَاقِهِ وَالشَّاذُّ عَدَمُ لُزُومِ طَلَاقِهِ وَلَمْ يُفَصِّلْ اهـ وَهَذِهِ طَرِيقَةٌ ثَالِثَةٌ (التَّوْضِيحَ) فَيَتَحَصَّلُ فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةُ طُرُقٍ. وَقَوْلُهُ: " فَلِلزَّوْجَةِ الْإِرْثُ الْمُفْتَرَضُ " أَيْ الْمُفْتَرَضُ لَهَا شَرْعًا مِنْ رُبْعٍ أَوْ ثُمُنٍ، وَقَوْلُهُ: " مَا لَمْ يَكُنْ " أَيْ الطَّلَاقُ " بِخُلْعٍ " إلَخْ أَيْ فَلَا تَرِثُهُ حِينَئِذٍ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ هَذَا غَيْرُ مَعْرُوفٍ، وَالْمَعْرُوفُ وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهَا تَرِثُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ) تَقَدَّمَ أَنْ كَانَ مِنْ أَرْكَانِ الطَّلَاقِ الْقَصْدُ فَلِذَلِكَ لَا يَلْزَمُ الْمَجْنُونَ وَالْمُبَرْسَمَ الَّذِي لَا يَعْقِلُ وَالْمَرِيضَ الْمَغْلُوبَ عَلَى عَقْلِهِ، وَنَقَلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي مَدَارِكِهِ عَنْ بَعْضِ الْأَئِمَّةِ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ طَلَاقِ الذَّاهِلِ بِقَوْلِ السَّائِلِ: أَيَا قَاضِيًا فَاقَ الْأَنَامَ بِعِلْمِهِ ... وَأَرْبَى عَلَيْهِمْ بِالنُّهَى وَالْفَضَائِلِ فَدَيْتُك هَلْ يَجْرِي الطَّلَاقُ لِذَاهِلٍ ... فَرُدَّ فَأَنْتَ الْيَوْمَ قُطْبُ الْمَسَائِلِ (فَأَجَابَ) إذَا كَانَ ذَا عَقْلٍ فَطَلَّقَ زَوْجَهُ ... فَقَدْ لَزِمَ التَّطْلِيقُ يَا خَيْرَ سَائِلِ وَإِنْ كَانَ مَعْتُوهًا وَلَا عَقْلَ عِنْدَهُ ... يَقِينًا فَلَا يَمْضِي طَلَاقٌ لِذَاهِلِ اهـ مِنْ شَرْحِ الْقَلْشَانِيِّ عَلَى الرِّسَالَةِ، وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ إنَّمَا لَزِمَ طَلَاقُ السَّكْرَانِ وَإِنْ اخْتَلَّ فِيهِ الْقَصْدُ؛ لِأَنَّهُ كَالْمُتَعَمِّدِ لِإِدْخَالِهِ ذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ اخْتِيَارًا. وَالْخُلْفُ فِي مُطَلِّقٍ هَزْلًا وَضَحْ ... ثَالِثُهَا إلَّا إنْ الْهَزْلُ اتَّضَحْ يَعْنِي أَنَّهُ اُخْتُلِفَ فِيمَنْ طَلَّقَ عَلَى وَجْهِ الْهَزْلِ وَاللَّعِبِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ: قِيلَ: يَلْزَمُهُ وَهُوَ الْمَشْهُورُ، وَقِيلَ: لَا يَلْزَمُهُ، ثَالِثُهَا: إنْ اتَّضَحَ الْهَزْلُ وَبَانَ لَمْ يَلْزَمْ وَإِنْ لَمْ يَتَّضِحْ وَلَمْ يَبِنْ فَيَلْزَمُ. (ابْنُ الْحَاجِبِ) وَفِي الْهَزْلِ فِي النِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ ثَالِثُهَا: إنْ قَامَ عَلَيْهِ دَلِيلٌ لَمْ يَلْزَمْ (التَّوْضِيحَ) وَيَلْحَقُ بِالثَّلَاثِ الرَّجْعَةُ، وَالْمَشْهُورُ اللُّزُومُ لِمَا فِي التِّرْمِذِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ثَلَاثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ النِّكَاحُ وَالطَّلَاقُ وَالرَّجْعَةُ» قَالَ: وَهُوَ حَسَنٌ غَرِيبٌ وَالْقَوْلُ بِعَدَمِ اللُّزُومِ فِي السُّلَيْمَانِيَّةِ، لَكِنْ إنَّمَا ذَكَرَهُ فِي النِّكَاحِ، وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ نَقَلَهُ ابْنُ شَاسٍ عَنْ اللَّخْمِيِّ (ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ) وَاَلَّذِي حَكَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ إنَّمَا هُمَا قَوْلَانِ، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْقَوْلِ الثَّالِثِ وَهُوَ شَرْطُ قِيَامِ الدَّلِيلِ عَلَى عَدَمِ اللُّزُومِ يَعُدُّونَهُ مِنْ تَمَامِ الْقَوْلِ الثَّانِي؛ لِأَنَّ الْهَزْلَ لَا يَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى اهـ وَكَلَامُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ ظَاهِرٌ بَلْ مُتَعَيِّنٌ لَا يُعْدَلُ عَنْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَمَالِكٌ لَيْسَ لَهُ بِمُلْزِمِ ... لِمُكْرَهٍ فِي الْفِعْلِ أَوْ فِي الْقَسَمِ يَعْنِي أَنَّ مَنْ طَلَّقَ مُكْرَهًا عَلَيْهِ غَيْرَ طَائِعٍ بَلْ لِخَوْفِهِ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ وَلَدِهِ أَوْ مَالِهِ أَوْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ كَذَلِكَ مُكْرَهًا ثُمَّ حَنِثَ فَإِنَّ الْإِمَام مَالِكًا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا يُلْزِمُهُ طَلَاقًا فِي الْوَجْهَيْنِ فَضَمِيرُ " لَهُ " لِلطَّلَاقِ " وَلَهُ " يَتَعَلَّقُ بِمُلْزِمٍ، وَلَا يَخْتَصُّ هَذَا الْحُكْمُ بِالطَّلَاقِ وَالْيَمِينِ بَلْ وَكَذَلِكَ مَنْ أُكْرِهَ عَلَى بَيْعٍ أَوْ شِرَاءَ أَوْ نِكَاحٍ أَوْ عِتْقٍ أَوْ إقْرَارٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ كُلُّ ذَلِكَ لَا يَلْزَمُهُ هَذَا كُلُّهُ فِي الْإِكْرَاهِ عَلَى الْأَقْوَالِ، وَأَمَّا الْإِكْرَاهُ عَلَى الْأَفْعَالِ فَقَالَ الشَّيْخُ ابْن غَازِيٍّ وَالْأَفْعَالُ الَّتِي ذَكَرُوا فِي الْبَابِ ضَرْبَانِ: (أَحَدُهُمَا) : الْفِعْلُ الَّذِي يَقَعُ بِهِ الْحِنْثُ كَمَنْ حَلَفَ لَا أَفْعَلُ كَذَا فَأُكْرِهَ عَلَى فِعْلِهِ، أَوْ حَلَفَ لِيَفْعَلَنَّ كَذَا وَقْت كَذَا فَحِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ذَلِكَ حَتَّى ذَهَبَ الْوَقْتُ، كَانَتْ يَمِينُهُ عَلَى بِرٍّ أَوْ حِنْثٍ. وَفِيهِ طُرُقٌ الْأُولَى: طَرِيقَةُ اللَّخْمِيِّ قَالَ: إذَا حَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَنْ لَا يَفْعَلَ شَيْئًا فَأُكْرِهَ عَلَى فِعْلِهِ مِثْلَ أَنْ يَحْلِفَ أَنْ لَا يَدْخُلَ دَارَ فُلَانٍ فَحُمِلَ حَتَّى أُدْخِلَهَا، أَوْ أُكْرِهَ حَتَّى دَخَلَ بِنَفْسِهِ، أَوْ حَلَفَ لَيَدْخُلَنَّهَا فِي وَقْتِ كَذَا فَحِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ذَلِكَ حَتَّى ذَهَبَ الْوَقْتُ فَهُوَ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ غَيْرُ حَانِثٍ. وَطَرِيقَةُ ابْنِ رُشْدٍ قَالَ فِي حِنْثِهِ ثَالِثُهَا: يَحْنَثُ فِي يَمِينِ الْحِنْثِ لَا الْبِرِّ وَهُوَ الْمَشْهُورُ. وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ فِي بَابِ الْأَيْمَانِ حَيْثُ قَالَ: وَوَجَبَتْ بِهِ إنْ لَمْ يُكْرَهْ بِبِرٍّ وَهَذَا فِي الْحَالِفِ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ لَا غَيْرُ. (الضَّرْبُ الثَّانِي) الْأَفْعَالُ الْمَمْنُوعَةُ شَرْعًا وَذَلِكَ مِثْلُ شُرْبِ الْخَمْرِ، وَأَكْلِ لَحْمِ الْخِنْزِيرِ، وَالسُّجُودِ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَالزِّنَا بِالْمَرْأَةِ الْمُخْتَارَةِ لِذَلِكَ، وَالْمُكْرَهَةِ عَلَى أَنْ يُزْنَى بِهَا وَلَا زَوْجَ لَهَا، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ الْمَخْلُوقِ (قَالَ ابْنُ رُشْدٍ) : وَأَمَّا الْإِكْرَاهُ عَلَى الْأَفْعَالِ فَاخْتُلِفَ فِيهِ فِي الْمَذْهَبِ عَلَى قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْإِكْرَاهَ فِي ذَلِكَ إكْرَاهٌ. وَهُوَ قَوْلُ سَحْنُونٍ وَالثَّانِي: أَنَّ الْإِكْرَاهَ فِي ذَلِكَ لَا يَكُونُ إكْرَاهًا يُنْتَفَعُ بِهِ، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ ابْنُ حَبِيبٍ وَأَمَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقٌّ لِمَخْلُوقٍ كَالْقَتْلِ وَالْغَصْبِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَلَا اخْتِلَافَ فِي أَنَّ الْإِكْرَاهَ غَيْرُ نَافِعٍ فِي ذَلِكَ، وَفِي ذَلِكَ قَالَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ لَا قَتْلَ مُسْلِمٍ، وَقَطْعِهِ، وَأَنْ يَزْنِيَ. وَإِذَا اُعْتُبِرَ الْإِكْرَاهُ فِي الْأَفْعَالِ فَأَحْرَى أَنْ يُعْتَبَرَ فِي الْأَقْوَالِ، قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: لِأَنَّ الْمَفَاسِدَ لَا تَتَحَقَّقُ فِي الْأَقْوَالِ لِأَنَّ الْمُكْرَهَ عَلَى كَلِمَةِ الْكُفْرِ مُعَظِّمٌ لِرَبِّهِ فِي قَلْبِهِ، وَالْأَيْمَانُ سَاقِطَةُ الِاعْتِبَارِ بِخِلَافِ شُرْبِ

فصل في الأيمان اللازمة

الْخَمْرِ وَالْقَتْلِ وَنَحْوِهِمَا فَإِنَّ الْمَفَاسِدَ فِيهَا مُتَحَقِّقَةٌ. وَعَبَّرَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ عَنْ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْقَوْلَ لَا تَأْثِيرَ لَهُ فِي الْمَعَانِي وَلَا الذَّوَاتِ بِخِلَافِ الْفِعْلِ فَإِنَّهُ مُؤَثِّرٌ اهـ (وَفِي التَّوْضِيحِ) فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ " وَلَا أَثَرَ لِطَلَاقِ الْإِكْرَاهِ " فُرُوعٌ مُفِيدَةٌ فَرَاجِعْهُ إنْ شِئْت فَيَبْقَى الْكَلَامُ فِيمَا هُوَ إكْرَاهٌ أَوْ لَيْسَ بِإِكْرَاهٍ (قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ) : وَيَتَحَقَّقُ الْإِكْرَاهُ بِالتَّخْوِيفِ الْوَاضِحِ بِمَا يُؤْلِمُ مِنْ قَتْلٍ، أَوْ ضَرْبٍ، أَوْ صَفْعٍ لِذِي مُرُوءَةٍ مِنْ سُلْطَانٍ أَوْ غَيْرِهِ. وَفِي التَّخْوِيفِ بِقَتْلِ أَجْنَبِيٍّ قَوْلَانِ بِخِلَافِ قَتْلِ الْوَلَدِ، وَفِي التَّخْوِيفِ بِالْمَالِ ثَالِثُهَا إنْ كَانَ كَثِيرًا تَحَقَّقَ. اهـ (وَفِي الْمُقَرِّبِ) قُلْت لَهُ: فَطَلَاقُ الْمُكْرَهِ وَعِتْقُهُ وَنِكَاحُهُ؟ قَالَ: لَا يَلْزَمُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ. (وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ) : اتَّفَقَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ أَنَّ الْمُكْرَهَ عَلَى الْيَمِينِ لَا تَلْزَمُهُ الْيَمِينُ إذَا كَانَ إكْرَاهُهُ لِشَيْءٍ يَلْحَقُهُ فِي بَدَنِهِ مِنْ قَتْلٍ أَوْ ضَرْبٍ أَوْ سَجْنٍ أَوْ تَعْذِيبٍ، أَوْ كَانَتْ يَمِينُهُ فِيمَا كَانَ لِلَّهِ فِيهِ مَعْصِيَةٌ، أَوْ فِيمَا لَيْسَ لَهُ فِيهِ طَاعَةٌ وَلَا مَعْصِيَةٌ، وَسَوَاءٌ هُدِّدَ فَقِيلَ لَهُ: " إنْ لَمْ تَحْلِفْ فُعِلَ بِك كَذَا وَكَذَا " أَوْ اُسْتُحْلِفَ وَلَمْ يُهَدَّدْ فَحَلَفَ خَوْفًا مِنْ ذَلِكَ مَا لَمْ يَحْلِفْ هُوَ مُتَطَوِّعًا بِالْيَمِينِ قَبْلَ أَنْ يُسْتَحْلَفَ اهـ. وَالتَّخْوِيفُ بِمَا ذُكِرَ إنَّمَا هُوَ فِي غَيْرِ الْإِكْرَاهِ عَلَى الْكُفْرِ، وَسَبِّ النَّبِيِّ، وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ، وَقَذْفِ الْمُسْلِمِ، أَمَّا هَذِهِ الثَّلَاثَةُ فَلَا يُعْتَبَرُ الْإِكْرَاهُ فِيهَا إلَّا بِالْقَتْلِ لَا بِالضَّرْبِ وَالسَّجْنِ وَنَحْوِهِمَا، وَفِي ذَلِكَ يَقُولُ الشَّيْخُ خَلِيلٌ وَأَمَّا الْكُفْرُ وَسَبُّهُ وَقَذْفُ الْمُسْلِمِ فَإِنَّمَا يَجُوزُ لِلْقَتْلِ. [فَصْلٌ فِي الْأَيْمَانِ اللَّازِمَةِ] ِ وَكُلُّ مَنْ يَمِينُهُ بِاللَّازِمَهْ ... لَهُ الثَّلَاثُ فِي الْأَصَحِّ لَازِمَهْ وَقِيلَ بَلْ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّهْ ... مَعَ جَهْلِهِ وَفَقْدِهِ لِلنِّيَّهْ وَقِيلَ بَلْ بَائِنَةٌ وَقِيلَ بَلْ ... جَمِيعُ الْأَيْمَانِ وَمَا بِهِ عَمَلْ

يَعْنِي أَنَّ مَنْ حَلَفَ بِالْأَيْمَانِ اللَّازِمَةِ فَقَالَ مَثَلًا: الْأَيْمَانُ تَلْزَمُنِي، أَوْ أَيْمَانُ الْبَيْعَةِ تَلْزَمُنِي. كَذَا فِي بَعْضِ نُسَخِ ابْنِ الْحَاجِبِ أَوْ قَالَ: الْأَيْمَانُ لَازِمَةٌ لِي، أَوْ جَمِيعُ الْأَيْمَانِ أَوْ الْأَيْمَانُ كُلُّهَا تَلْزَمُنِي، فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيمَا يَلْزَمُهُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ: تَلْزَمُهُ الثَّلَاثُ فَفِي الْمُنْتَقَى لِلْبَاجِيِّ حَكَى الشَّيْخُ عَبْدُ الْحَقِّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهَا ثَلَاثٌ، قَالَ: وَهُوَ الْأَظْهَرُ عِنْدِي عَلَى أَصْلِ مَالِكٍ وَلِاسْتِظْهَارِهِ أَشَارَ النَّاظِمُ بِالْأَصَحِّ. الثَّانِي: تَلْزَمُهُ طَلْقَةٌ رَجْعِيَّةٌ إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ. الثَّالِثُ: تَلْزَمُهُ طَلْقَةٌ بَائِنَةٌ. (التَّوْضِيحُ) فِي بَابِ الْأَيْمَان، وَإِذَا قُلْنَا بِلُزُومِ طَلْقَةٍ فَهَلْ هِيَ بَائِنَةٌ أَوْ رَجْعِيَّةٌ؟ حَكَى بَعْضُهُمْ فِي ذَلِكَ قَوْلَيْنِ، وَاَلَّذِي كَانَ يُفْتِي بِهِ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ لُزُومُ الثَّلَاثِ وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ التُّونِسِيِّ وَاللَّخْمِيِّ وَعَبْدِ الْحَمِيدِ وَالْمَازِرِيِّ وَغَيْرِهِمْ، حَتَّى أَنَّ السُّيُورِيَّ أَفْتَى بِنَقْضِ حُكْمِ حَاكِمٍ أَفْتَى بِوَاحِدَةٍ، وَحَكَى ابْنُ بَشِيرٍ قَوْلًا بِالْفَرْقِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ قَصَدَ بِقَوْلِهِ " الْأَيْمَانُ تَلْزَمُهُ " الْعُمُومَ فَتَلْزَمُهُ الثَّلَاثُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَقْصِدٌ فِي ذَلِكَ لَزِمَتْهُ وَاحِدَةٌ اهـ. الْقَوْلُ الرَّابِعُ مِمَّا حَكَى النَّاظِمُ لُزُومُ جَمِيعِ الْأَيْمَان (ابْنُ الْحَاجِبِ) وَلَوْ قَالَ الْأَيْمَانُ تَلْزَمُهُ أَوْ أَيْمَانُ الْبَيْعَةِ وَلَا نِيَّةَ تُخَصِّصُ فَالْجَمِيعُ اتِّفَاقًا، وَفِي لُزُومِ طَلْقَةٍ أَوْ ثَلَاثٍ قَوْلَانِ فَيَلْزَمُهُ عِتْقُ

مَنْ يَمْلِكُهُ حِينَ الْحِنْثِ، وَالْمَشْيُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ وَصَدَقَةُ ثُلُثِ مَالِهِ وَكَفَّارَةُ يَمِينٍ وَكَفَّارَةُ ظِهَارٍ وَصِيَامُ سَنَةٍ إنْ كَانَ مُعْتَادَ الْيَمِينِ بِهَا. (التَّوْضِيحَ) قَالَ الطُّرْطُوشِيُّ لَيْسَ لِمَالِكٍ وَلَا لِأَصْحَابِهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَوْلٌ يُؤْثَرُ وَإِنَّمَا تَكَلَّمَ فِيهَا الْمُتَأَخِّرُونَ، وَفِيهَا أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ فِي الْمَذْهَبِ، نُقِلَ عَنْ الْأَبْهَرِيِّ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ غَيْرُ الِاسْتِغْفَارِ، وَعَنْ الطُّرْطُوشِيِّ وَابْنِ الْعَرَبِيِّ وَالسُّهَيْلِيِّ أَنَّ عَلَيْهِ ثَلَاثَ كَفَّارَاتٍ الطُّرْطُوشِيُّ وَلَا يَدْخُلُ فِي يَمِينِهِ طَلَاقٌ وَلَا عَتَاقٌ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ ذَلِكَ، وَيَكُونَ الْعُرْفُ جَارِيًا بِهِ وَعَنْ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّ عَلَيْهِ كَفَّارَةَ يَمِينٍ، وَعَلَى هَذَا فَالِاتِّفَاقُ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ تَبَعًا لِابْنِ بَشِيرٍ لَيْسَ بِجَيِّدٍ اهـ. (قَالَ مُقَيِّدُهُ: عَفَا اللَّهُ عَنْهُ بِمَنِّهِ) : وَقَدْ وَقَفْت عَلَى سُؤَالٍ سُئِلَهُ شَيْخَا شُيُوخِنَا الْإِمَامَانِ الْعَالِمَانِ الشَّهِيرَانِ سَيِّدِي أَبُو زَكَرِيَّاءَ يَحْيَى السَّرَّاجُ وَسَيِّدِي أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْوَاحِدِ الْحُمَيْدِيُّ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ - مَا تَقُولَانِ فِيمَنْ قَلَّدَ الْأَبْهَرِيَّ فِي الَّذِي يَقُولُ لَا شَيْءَ فِي هَذِهِ الْيَمِينِ سِوَى الِاسْتِغْفَارِ، أَوْ قَوْلِ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ الَّذِي يَقُولُ إنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ سِوَى كَفَّارَةِ يَمِينٍ بِاَللَّهِ فَهَلْ تَقْلِيدُهُمَا مُنْجٍ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ الْحُمَيْدِيُّ) بِأَنْ قَالَ: الَّذِي كَانَ يُفْتِي بِهِ الْإِمَامُ ابْنُ سِرَاجٍ عَدَمُ اللُّزُومِ وَاخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ.

قَالَ وَهُوَ الَّذِي نَخْتَارُهُ وَنَرْتَضِيهِ تَبَعًا لِذَلِكَ الْإِمَامِ الْعَظِيمِ. (وَأَجَابَ) السَّرَّاجُ فَقَالَ: مَا نَقَلَهُ السَّائِلُ عَنْ الْأَبْهَرِيِّ وَابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ صَحِيحٌ، وَقَدْ نُقِلَ ذَلِكَ عَنْ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَمَنْ قَلَّدَ ذَلِكَ فَهُوَ مُخْلِصٌ، فَإِنَّ مَنْ قَلَّدَ عَالِمًا لَقِيَ اللَّهَ سَالِمًا، وَكَتَبَ عَبْدُ اللَّهِ تَعَالَى يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدٍ السَّرَّاجُ. اهـ وَانْظُرْ قَوْلَ النَّاظِمِ فِي الْقَوْلِ الرَّابِعِ أَنَّهُ مَا بِهِ عَمَلٌ مَعَ أَنَّهُ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الشَّيْخِ خَلِيلٍ وَحَكَى عَلَيْهِ ابْنُ الْحَاجِبِ الِاتِّفَاقَ وَإِنْ بُحِثَ مَعَهُ فِي الِاتِّفَاقِ كَمَا تَقَدَّمَ. (وَقَالَ الشَّارِحُ) بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ فَتْوَى عَنْ الْأُسْتَاذِ أَبِي سَعِيدٍ بْنِ لُبٍّ فِيمَنْ حَلَفَ بِالْأَيْمَانِ اللَّازِمَةِ عَلَى أَمْرٍ يَعْتَقِدُهُ فَظَهَرَ خِلَافُهُ وَأَنَّهُ يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ وَرَجَّحَ كَوْنَهُ ثَلَاثًا ثُمَّ قَالَ آخِرَ كَلَامِهِ: أَقُولُ لَمْ تَزَلْ الْفُتْيَا عَلَى عَهْدِ شَيْخِنَا أَبِي الْقَاسِمِ بْنِ سِرَاجٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - صَادِرَةً بِلُزُومِ الْوَاحِدَةِ فِي الزَّوْجَةِ لِلْحَالِفِ بِاللَّازِمَةِ إذَا حَلَفَ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فِي الثَّلَاثِ عَلَى وَفْقِ الْأَشْيَاخِ الثَّلَاثَةِ أَبِي الْحَسَنِ الْقَابِسِيِّ وَأَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَأَبِي عِمْرَانَ الْفَاسِيِّ وَمَنْ وَافَقَهُمْ عَلَى ذَلِكَ مِنْ أَشْيَاخِ الْأَنْدَلُسِ، وَرُبَّمَا اسْتَظْهَرُوا بِتَحْلِيفِ الْحَانِثِ عَلَى عَدَمِ عِلْمِهِ الْحُكْمَ فِيهَا، حَتَّى كَادَ ذَلِكَ يُؤْثَرُ فِي ذَلِكَ الْعُرْفِ الْمُسْتَقِرِّ فِيهَا قَدِيمًا اهـ

وَالْبِكْرُ ذَاتُ الْأَبِ لَا تَخْتَلِعُ ... إلَّا بِإِذْنِ حَاجِرٍ وَتُمْنَعُ وَجَازَ إنْ أَبٌ عَلَيْهَا أَعْمَلَهْ ... كَذَا عَلَى الثَّيِّبِ بَعْدَ الْإِذْنِ لَهْ يَعْنِي أَنَّ الْبِكْرَ ذَاتَ الْأَبِ لَا يَجُوزُ خُلْعُهَا إلَّا بِإِذْنِ حَاجِرِهَا وَهُوَ أَبُوهَا، وَتُمْنَعُ مِنْ الْخُلْعِ بِغَيْرِ إذْنِهِ، فَإِنْ

صَالَحَ أَبُوهَا عَنْهَا جَازَ ذَلِكَ، هَذَا فِي الْبِكْرِ، وَكَذَا يَجُوزُ صُلْحُهُ عَنْ ابْنَتِهِ الثَّيِّبِ لَكِنْ بِإِذْنِهَا لَهُ، أَمَّا صُلْحُ الْبِكْرِ أَوْ صُلْحُ أَبِيهَا فَقَالَ ابْنُ سَلْمُونٍ فَإِنْ كَانَتْ الزَّوْجَةُ مَحْجُورَةً لِوَالِدِهَا فَلَا يَجُوزُ خُلْعُهَا إلَّا بِإِذْنِ أَبِيهَا. ثُمَّ قَالَ: وَيَجُوزُ لِلْأَبِ أَنْ يُمْضِيَ الْخُلْعَ عَلَيْهَا دُونَ إذْنِهَا إنْ كَانَتْ بِكْرًا. وَقَدْ قَالَ ابْنُ فَتْحُونٍ وَالْمُتَيْطِيُّ يَجُوزُ لِلْمَحْجُورَةِ أَنْ تُخَالِعَ بِإِذْنِ أَبِيهَا أَوْ وَصِيِّهَا وَتَقُولُ بَعْدَ إذْنِهِ لِمَا رَآهُ مِنْ الْغِبْطَةِ. (ابْنُ الْحَاجِبِ) وَصُلْحُ الْأَبِ عَنْ الْمُجْبَرَةِ بِالصَّدَاقِ كُلِّهِ نَافِذٌ (التَّوْضِيحَ) أَمَّا صُلْحُ الْأَبِ عَنْ ابْنَتِهِ الْبِكْرِ الصَّغِيرَةِ وَالْبَالِغِ فَجَائِزٌ الْبَاجِيُّ بِلَا خِلَافٍ وَأَلْحَقَ اللَّخْمِيُّ بِهَا الْبِكْرَ الْمَدْخُولَ بِهَا إذَا لَمْ تَطُلْ إقَامَتُهَا وَطَلُقَتْ قَبْلَ الْمَسِيسِ لِأَنَّ لَهُ الْجَبْرَ عَلَى النِّكَاحِ، وَالصَّغِيرَةَ الَّتِي ثُيِّبَتْ قَبْلَ الْبُلُوغِ عَلَى الْقَوْلِ بِجَبْرِهَا. وَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ - يَعْنِي ابْنَ الْحَاجِبِ عَبَّرَ بِالْمُجْبَرَةِ لِهَذَا. اهـ (وَأَمَّا) صُلْحُ الْأَبِ عَنْ الثَّيِّبِ بِإِذْنِهَا فَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَفِي صُلْحِ الْأَبِ عَنْ ابْنَتِهِ الْبَالِغِ الثَّيِّبِ السَّفِيهَةِ قَوْلَانِ: الْأَوَّلُ: لِابْنِ الْعَطَّارِ وَابْنِ الْهِنْدِيِّ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْمُوَثَّقِينَ لَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ إلَّا بِإِذْنِهَا. وَقَالَ ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ وَابْنُ لُبَابَةَ جَرَتْ الْفُتْيَا مِنْ الشُّيُوخِ بِجَوَازِ ذَلِكَ وَرَأَوْهَا بِمَنْزِلَةِ الْبِكْرِ مَا دَامَتْ فِي وِلَايَتِهِ. اللَّخْمِيُّ. وَهُوَ الْجَارِي عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ ابْنُ رَاشِدٍ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَعْمُولُ بِهِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَهُوَ أَصْلُ الْمَذْهَبِ. اهـ وَفِي الْمُخْتَصَرِ: وَفِي خُلْعِ الْأَبِ عَنْ السَّفِيهَةِ خِلَافٌ يَعْنِي بِغَيْرِ إذْنِهَا، وَأَمَّا بِإِذْنِهَا فَجَائِزٌ بِلَا خِلَافٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَذَهَبَ النَّاظِمُ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ لِمَا تَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ رَاشِدٍ وَابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ هَذَا كُلُّهُ فِي ذَاتِ الْأَبِ وَعَلَيْهَا تَكَلَّمَ النَّاظِمُ، وَأَمَّا ذَاتُ الْوَصِيِّ فَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَفِي خُلْعِ الْوَصِيِّ عَنْ يَتِيمَتِهِ دُونَ إذْنِهَا ثَالِثُهَا إنْ لَمْ تَبْلُغُ، وَفِي اخْتِصَارِ الْوَاضِحَةِ قَالَ الْفَضْلُ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: يَجُوزُ مُبَارَأَةُ الْوَصِيِّ عَنْ الْبِكْرِ بِرِضَاهَا. (قُلْت) فَالْأَرْجَحُ عَقْدُهُ أَيْ: الْخُلْعِ عَلَى الْوَصِيِّ بِرِضَاهَا لَا عَلَيْهَا بِإِذْنِهِ. خِلَافٌ قَصَرَهُ بَعْضُهُمْ عَلَيْهَا بِإِذْنِ الْوَصِيِّ اتِّبَاعًا مِنْهُ لِلَفْظِ الْمُوَثِّقِينَ، وَفِي التَّوْضِيحِ قَوْلٌ بِخِلَافِ الْوَصِيِّ أَيْ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُخَالِعَ عَنْ الْبِكْرِ عَلَى الْمَشْهُورِ (الْبَاجِيُّ) وَهُوَ مَشْهُورُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرِوَايَتِهِ عَنْ مَالِكٍ وَمُقَابِلُ الْمَشْهُورِ رَوَاهُ ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الْوَصِيَّ يُخَالِعُ عَنْ الْيَتِيمَةِ وَهُوَ، لِابْنِ الْقَاسِم أَيْضًا اهـ (ابْنُ سَلْمُونٍ) وَخُلْعُهَا جَائِزٌ بِإِذْنِ وَصِيِّهَا سَوَاءٌ كَانَ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ أَوْ مِنْ قِبَلِ الْقَاضِي إذَا كَانَ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ النَّظَرِ لَهَا عَلَى مَا جَرَى بِهِ الْعَمَلُ، وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ اهـ. وَامْتَنَعَ الْخُلْعُ عَنْ الْمَحْجُورِ ... إلَّا بِإِذْنِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَالْخُلْعُ جَائِزٌ عَلَى الْأَصَاغِرِ ... مَعَ أَخْذِ شَيْءٍ لِأَبٍ أَوْ حَاجِرِ يَعْنِي أَنَّ الزَّوْجَ إذَا كَانَ مَحْجُورًا يَعْنِي بَالِغًا فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَبِيهِ وَلَا لِوَصِيِّهِ أَنْ يُخَالِعَ عَنْهُ إلَّا بِإِذْنِهِ، وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِالْبَيْتِ الْأَوَّلِ، وَأَمَّا إنْ كَانَ صَغِيرًا غَيْرَ بَالِغٍ فَلَا يَجُوزُ لِلْأَبِ وَلَا لِلْوَصِيِّ أَنْ يُخَالِعَ عَنْهُ إلَّا بِعِوَضٍ، وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِالْبَيْتِ الثَّانِي، فَقَوْلُهُ: " عَلَى الْمَحْجُورِ " يَعْنِي الْبَالِغَ بِدَلِيلِ كَلَامِهِ فِي الْبَيْتِ الثَّانِي عَنْ الصَّغِيرِ، وَمُقَابِلُ الْمَشْهُورِ أَنَّهُ يَجُوزُ خُلْعُهَا عَنْهُ وَقَوْلُهُ: " لِأَبٍ " يَتَعَلَّقُ بِجَائِزٍ، وَالْمُرَادُ بِالْحَاجِرِ الْوَصِيُّ وَوَصِيُّ الْوَصِيِّ وَوَصِيُّ الْقَاضِي (قَالَ ابْنُ سَلْمُونٍ) وَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ فِي وَلَايَةٍ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ كَبِيرًا أَوْ صَغِيرًا دُونَ بُلُوغٍ، فَإِنْ كَانَ كَبِيرًا فَخُلْعُهُ جَائِزٌ وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ إذْنِ وَصِيِّهِ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ بِيَدِهِ وَيَلْزَمُهُ إذَا أَوْقَعَهُ، وَتُذْكَرُ فِي الْعَقْدِ مُوَافَقَةُ الْوَصِيِّ أَوْ الْأَبِ إنْ حَضَرَ عَلَى الْخُلْعِ، وَتُضَمَّنُ الشَّهَادَةُ عَلَى الْجَمِيعِ، وَلَا يَجُوزُ خُلْعُ الْأَبِ أَوْ الْوَصِيِّ عَلَيْهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَقِيلَ: يَجُوزُ مِثْلُ مَا تَقَدَّمَ فِي النِّكَاحِ. وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا فَيَجُوزُ خُلْعُ الْأَبِ وَالْوَصِيِّ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ يَأْخُذَانِهِ لَهُ دُونَ أَمْرِهِ، وَلَا يَجُوزُ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ: وَلَا يَجُوزُ طَلَاقُ الصَّغِيرِ وَلَا خُلْعُهُ وَلَا طَلَاقُ الْأَبِ وَالْوَصِيِّ إلَّا بِشَيْءٍ يَأْخُذَانِهِ بِلَا خِلَافٍ اهـ وَنَحْوَهُ نَقَلَ الشَّارِحُ عَنْ الْمُقَرِّبِ اهـ. وَمَنْ يُطَلِّقْ زَوْجَةً وَتَخْتَلِعْ ... بِوَلَدٍ مِنْهُ لَهَا وَيَرْتَجِعْ ثُمَّ يُطَلِّقْهَا فَحُكْمُ الشَّرْعِ ... أَنْ لَا يَعُودَ حُكْمُ ذَاكَ الْخُلْعِ يَعْنِي إنْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ عَلَى أَنْ تَحَمَّلَتْ لَهُ بِنَفَقَةِ وَلَدِهَا مِنْهُ إلَى الْحُلُمِ ثُمَّ رَاجَعَهَا مِنْ ذَلِكَ الطَّلَاقِ

فَلَا إشْكَالَ أَنَّ النَّفَقَةَ تَعُودُ عَلَى الْأَبِ، فَإِذَا طَلَّقَهَا ثَانِيَةً فَلَا تَعُودُ نَفَقَةُ الْوَلَدِ عَلَيْهَا إلَّا أَنْ تَتَحَمَّلَ بِهَا فِي الْخُلْع الثَّانِي (فَفِي طُرُرِ ابْنِ عَاتٍ) فِي مَسَائِلِ ابْنِ رُشْدٍ فِي الْمَرْأَةِ إذَا خُولِعَتْ عَلَى أَنْ تَحَمَّلَتْ بِنَفَقَةِ ابْنِهَا مِنْ الزَّوْجِ إلَى الْحُلُمِ ثُمَّ ارْتَجَعَهَا سَقَطَ عَنْهَا مَا تَحَمَّلَتْهُ مِنْ نَفَقَةِ ابْنِهِ وَرَجَعَتْ عَلَى الْأَبِ وَلَا تَعُودُ عَلَى الْمَرْأَةِ إلَّا أَنْ تَتَحَمَّلَ بِهَا ثَانِيَةً اهـ فَتَأَمَّلْ فِي ذَلِكَ. (وَفِي ابْنِ سَلْمُونٍ) وَكَذَلِكَ إنْ ارْتَجَعَهَا فَإِنَّهَا تَسْقُطُ عَنْهَا مَا تَحَمَّلَتْهُ مِنْ النَّفَقَةِ وَلَا تَرْجِعُ عَلَى الْأَبِ وَلَا تَعُودُ عَلَيْهَا إنْ طَلَّقَهَا ثَانِيَةً إلَّا أَنْ تَتَحَمَّلَهَا اهـ. وَإِنْ تَمُتْ ذَاتُ اخْتِلَاعٍ وُقِفَا ... مِنْ مَالِهَا مَا فِيهِ لِلدَّيْنِ وَفَا لِلْأَمَدِ الَّذِي إلَيْهِ اُلْتُزِمَا ... وَهُوَ مُشَارِكٌ بِهِ لِلْغُرَمَا يَعْنِي أَنَّ مَنْ خَالَعَ زَوْجَتَهُ عَلَى أَنْ تَحَمَّلَتْ لَهُ بِنَفَقَةِ وَلَدِهَا مِنْهُ لِمُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ ثُمَّ مَاتَتْ فِي أَثْنَاءِ تِلْكَ الْمُدَّةِ فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ مَالِهَا نَفَقَةُ بَقِيَّةِ الْمُدَّةِ الْمَضْرُوبَةِ، فَإِنْ كَانَ عَلَى الْمَرْأَةِ دَيْنٌ غَيْرُ مَا الْتَزَمَتْهُ مِنْ النَّفَقَةِ فَإِنَّ لِلزَّوْجِ مُحَاصَّةَ غُرَمَائِهَا بِمَا الْتَزَمَتْهُ مِنْ نَفَقَةِ وَلَدِهِ، (قَالَ فِي الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ) قَالَ سَحْنُونٌ تَلْزَمُهَا النَّفَقَةُ وَإِنْ اُشْتُرِطَتْ عَلَيْهَا خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةٍ، فَإِنْ مَاتَ الِابْنُ فِي الْمُدَّةِ لَمْ يَكُنْ لِلزَّوْجِ رُجُوعٌ فِيمَا بَقِيَ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَحَمَّلَتْ لَهُ رَفْعَ مُؤْنَتِهِ عَنْهُ، وَلَوْ مَاتَتْ هِيَ وُقِفَ مِنْ مَالِهَا قَدْرُ مُؤْنَةِ الِابْنِ إلَى انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ الَّتِي الْتَزَمَتْهَا، فَإِنْ مَاتَ الِابْنُ قَبْلَ انْقِضَائِهَا رَجَعَ مَا بَقِيَ مِمَّا وُقِفَ مِيرَاثًا إلَى وَرَثَةِ الْمَرْأَةِ، وَإِنْ أَفْلَسَتْ رَجَعَ ذَلِكَ الْمَوْقُوفُ إلَى الْغُرَمَاءِ إنْ كَانَ بَقِيَ لَهُمْ شَيْءٌ مِنْ دُيُونِهِمْ إذْ لِلزَّوْجِ مُحَاصَّةُ الْغُرَمَاءِ بِالنَّفَقَةِ. اهـ " وَلِلْأَمَدِ يَتَعَلَّقُ بِ وَفَاءٌ وَنَائِبُ " اُلْتُزِمَا " لِلْإِنْفَاقِ بِدَلِيلِ السِّيَاقِ " وَمَا فِيهِ " نَائِبُ " وُقِفَا "، وَقَوْلُهُ: " وَهُوَ " أَيْ الزَّوْجُ مُشَارِكٌ لِغُرَمَاءِ الْمَرْأَةِ فِي مُتَخَلَّفِهَا فَيُحَاصِصُ هُوَ بِنَفَقَةِ وَلَدِهِ وَالْغُرَمَاءُ بِدَيْنِهِمْ. وَمَوْقِعُ الثَّلَاثِ فِي الْخُلْعِ ثَبَتْ ... طَلَاقُهُ وَالْخُلْعُ رُدَّ إنْ أَبَتْ يَعْنِي أَنَّ مَنْ خَالَعَتْ زَوْجَهَا بِأَلْفٍ مَثَلًا عَلَى أَنْ يُطَلِّقَهَا وَاحِدَةً فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا فَلَمْ تَرْضَ ذَلِكَ وَأَبَتْهُ فَإِنَّ الثَّلَاثَ تَلْزَمُهُ وَيَرُدُّ الْأَلْفَ، (قَالَ ابْنُ سَلْمُونٍ) الْخُلْعُ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ وَإِنْ شَرَطَ أَنَّهَا رَجْعِيَّةٌ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَإِنْ أَوْقَعَ ثَلَاثًا عَلَى الْخُلْعِ نَفَذَ الطَّلَاقُ وَسَقَطَ الْخُلْعُ، (ابْنُ عَرَفَةَ) وَرَوَى اللَّخْمِيُّ إنْ أَعْطَتْهُ مَالًا عَلَى تَطْلِيقِهَا وَاحِدَةً فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا لَزِمَهُ، وَلَا قَوْلَ لَهَا، وَأَرَى: إنْ كَانَ رَاغِبًا فِي إمْسَاكٍ فَرَغِبَتْ فِي الطَّلَاقِ أَنْ لَا قَوْلَ لَهَا، وَإِنْ كَانَ رَاغِبًا فِي طَلَاقِهَا فَأَعْطَتْهُ عَلَى أَنْ تَكُونَ وَاحِدَةً. فَتَرْجِعُ بِجَمِيعِ مَا أَعْطَتْهُ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا أَعْطَتْهُ عَلَى أَنْ لَا يُوقِعَ الِاثْنَتَيْنِ لِتَحِلَّ لَهُ إنْ بَدَا لَهُمَا مِنْ قَبْلِ زَوَاجٍ. (قُلْتُ) : الْأَظْهَرُ رُجُوعُهَا عَلَيْهِ بِمَا أَعْطَتْهُ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ بِطَلَاقِهِ إيَّاهَا ثَلَاثًا يَعِيبُهَا لِامْتِنَاعِ كَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ مِنْ تَزْوِيجِهَا خَوْفَ جَعْلِهَا إيَّاهُ مُحَلِّلًا فَتُسِيءُ عِشْرَتَهُ لِيُطَلِّقَهَا فَتَحِلَّ لِلْأَوَّلِ. اهـ (قَالَ الشَّارِحُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَجْهُ الْقَوْلِ بِالرُّجُوعِ مُطْلَقًا ظَاهِرٌ وَإِيَّاهُ اعْتَمَدَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي هَذَا الْبَيْتِ، وَيَظْهَرُ مِنْ ابْنِ عَرَفَةَ كَوْنُهُ سَاقَهُ نَظَرًا مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ، وَمِثْلُهُ مَنْصُوصٌ فِي وَثَائِقِ ابْنِ سَلْمُونٍ فَرْعٌ) وَكَذَلِكَ عَكْسُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ خَالَعَتْهُ عَلَى أَنْ يُطَلِّقَهَا ثَلَاثًا فَطَلَّقَ وَاحِدَةً: لَا كَلَامَ لَهَا لِأَنَّ مَقْصُودَهَا قَدْ حَصَلَ. (ابْنُ الْحَاجِبِ) وَلَوْ قَالَتْ: طَلِّقْنِي ثَلَاثًا عَلَى أَلْفٍ. فَقَالَ: طَلَّقْتُكِ وَاحِدَةً. أَوْ بِالْعَكْسِ وَقَعَ ذَلِكَ عَلَى الْمَنْصُوصِ فِيهِمَا؛ لِأَنَّ مَقْصُودَهَا قَدْ حَصَلَ، قَالَ فِي إيضَاحِ الْمَسَالِكِ: وَالْمَذْهَبُ أَنْ لَا كَلَامَ لَهَا، وَصَحَّحَ ابْنُ بَشِيرٍ تَخْرِيجَ اللَّخْمِيِّ الْخِلَافَ عَلَى الْقَاعِدَةِ يَعْنِي قَاعِدَةَ اشْتِرَاطِ مَا لَا يُفِيدُ هَلْ يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ أَمْ لَا؟ وَاخْتَارَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ شَرْطٌ يُفِيدُ غَلَبَةَ الشَّفَاعَةِ لَهَا فِي مُرَاجَعَتِهِ عَلَى كَرَاهَةٍ مِنْهَا. اهـ وَعَلَى أَنَّهُ مِنْ شَرْطِ مَا يُفِيدُ تَلْزَمُهُ وَاحِدَةٌ، وَيَرُدُّ الْخُلْعَ كَمَسْأَلَةِ النَّاظِمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَإِلَى الْمَسْأَلَتَيْنِ أَشَارَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ بِقَوْلِهِ: أَوْ طَلِّقْنِي ثَلَاثًا بِأَلْفٍ فَطَلَّقَ وَاحِدَةً أَوْ بِالْعَكْسِ، فَمَسْأَلَةُ الْعَكْسِ فِي كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَخَلِيلٍ هِيَ مَسْأَلَةُ النَّاظِمِ، وَالْأَوَّلُ فِي كَلَامِهِمَا

هِيَ مَسْأَلَةُ هَذَا الْفَرْعِ. وَمُوقِعُ الطَّلَاقِ دُونَ نِيَّهْ ... بِطَلْقَةٍ يُفَارِقُ الزَّوْجِيَّهْ وَقِيلَ بَلْ يَلْزَمُهُ أَقْصَاهُ ... وَالْأَوَّلُ الْأَظْهَرُ لَا سِوَاهُ يَعْنِي أَنَّ مَنْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ وَلَمْ يَنْوِ وَاحِدَةً وَلَا ثَلَاثًا فَقِيلَ تَلْزَمُهُ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ لِأَنَّهَا مُحَقَّقَةٌ، وَقَدْ حَصَلَ بِهَا مُسَمَّى الطَّلَاقِ، وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ الثَّلَاثُ احْتِيَاطًا. وَالْأَوَّلُ وَهُوَ لُزُومُ الْوَاحِدَةِ أَظْهَرُ. (قُلْت) : وَالْخِلَافُ مَبْنِيٌّ جَارٍ عَلَى الْخِلَافِ فِي اللَّفْظِ الْمُحْتَمَلِ لِأَقَلَّ وَلِأَكْثَرَ إذَا لَمْ تَصْحَبْهُ نِيَّةٌ هَلْ يُحْمَلُ عَلَى أَقَلِّ مَصْدُوقَاتِهِ أَوْ عَلَى أَكْثَرِهَا؟ وَلِلْمَسْأَلَةِ نَظَائِرُهَا (وَفِي طُرُرِ ابْنِ عَاتٍ) مَنْ قَالَ: " طَلَّقْتُ امْرَأَتِي " وَلَا نِيَّةَ لَهُ، فَقِيلَ إنَّهَا وَاحِدَةٌ، وَقِيلَ إنَّهَا ثَلَاثٌ، ذَكَرَ ذَلِكَ ابْنُ رُشْدٍ فِي طَلَاقِ السُّنَّةِ. اهـ (وَفِي ابْنِ سَلْمُونٍ) فَإِنْ طَلَّقَهَا وَلَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَفِي ذَلِكَ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ تَلْزَمُهُ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ وَالثَّانِي أَنَّهُ تَلْزَمُهُ الثَّلَاثُ ذَكَرَ ذَلِكَ ابْنُ رُشْدٍ فِي طَلَاقِ السُّنَّةِ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي رَجُلٍ تَشَاجَرَ مَعَ امْرَأَتِهِ فَقَالَ لَهَا: " أَنْتِ طَالِقٌ " ثُمَّ اتَّبَعَتْهُ بِالسَّبِّ وَقَبِيحِ الْكَلَامِ فَقَالَ لَهَا: " أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا " وَلَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ (فَأَجَابَ) إذَا كَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا وَصَفْتَ فَقَدْ بَانَتْ مِنْهُ بِثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ وَلَا سَبِيلَ لَهُ إلَيْهَا إلَّا بَعْدَ زَوْجٍ. اهـ وَهَذَا بِنَاءً عَلَى حَمْلِ الطَّلَاقِ الْأَوَّلِ عَلَى الرَّجْعِيِّ فَلِذَلِكَ أَلْزَمَهُ الثَّلَاثَ الَّتِي أَوْقَعَ عَلَيْهَا بَعْدَ ذَلِكَ، وَقَدْ تَلَخَّصَ مِنْ هَذَا أَنَّ مَنْ طَلَّقَ وَلَا نِيَّةَ لَهُ فِي وَاحِدَةٍ وَلَا فِي ثَلَاثٍ وَقُلْنَا تَلْزَمُهُ وَاحِدَةٌ إنَّ تِلْكَ الْوَاحِدَةَ رَجْعِيَّةٌ يُرْتَدَفُ عَلَيْهَا الطَّلَاقُ وَكَذَا يَتَحَصَّلُ مِنْ جَوَابِ الْإِمَامِ أَبِي سَعِيدٍ ابْنِ لُبٍّ فِيمَنْ قَالَ: " نَعَمْ مُطَلِّقٌ أَنَا " ثُمَّ بَعْدَ يَوْمَيْنِ قَالَ: " هِيَ طَالِقٌ وَهِيَ عَلَيْهِ حَرَامٌ أَنَّهُ إنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ: " مُطَلِّقٌ أَنَا " طَلْقَةً مُمَلِّكَةً فَلَا يَرْتَدِفُ عَلَيْهَا مَا ذَكَرَهُ مِنْ التَّحْرِيمِ، فَإِنْ أَرَادَ مُرَاجَعَتَهَا حَلَفَ أَنَّهُ قَصَدَ الطَّلْقَةَ الْمُمَلِّكَةَ. وَإِنْ أَرَادَ بِهَا طَلْقَةً رَجْعِيَّةً أَوْ لَمْ يُرِدْ رَجْعِيَّةً وَلَا مُمَلِّكَةً وَإِنَّمَا نَوَى الطَّلَاقَ دُونَ صِفَتِهِ فَإِنَّهُ يَرْتَدِفُ عَلَيْهِ التَّحْرِيمُ الَّذِي ذَكَرَهُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ قَصَدَ بِالتَّحْرِيمِ تَفْسِيرَ الطَّلَاقِ الَّذِي أَوْقَعَهُ أَوَّلًا فَقَدْ لَزِمَهُ حُكْمُهُ، وَالتَّحْرِيمُ إذَا لَزِمَ فَهُوَ الثَّلَاثُ. (قَالَ الشَّارِحُ مَا مَعْنَاهُ) : وَعَلَى لُزُومِ الْوَاحِدَةِ لِمَنْ لَا نِيَّةَ لَهُ فَهَلْ تَكُونُ رَجْعِيَّةً يَرْتَدِفُ عَلَيْهَا التَّحْرِيمُ كَمَا ذَكَرَ الْأُسْتَاذُ أَوْ بَائِنًا؟ قَالَ: وَهُوَ الْأَظْهَرُ فِي هَذِهِ الْأَزْمِنَةِ لِعَدَمِ مَعْرِفَةِ النَّاسِ بِالرَّجْعِيِّ فَلَا يَرْتَدِفُ التَّحْرِيمُ اهـ. وَمَا امْرُؤٌ لِزَوْجَةٍ يَلْتَزِمُ ... مِمَّا زَمَانُ عِصْمَةٍ يَسْتَلْزِمُ فَذَا إذَا دُونَ الثَّلَاثِ طَلَّقَا ... زَالَ وَإِنْ رَاجَعَ عَادَ مُطْلَقَا مِثْلُ حَضَانَةٍ وَالْإِنْفَاقِ عَلَى ... أَوْلَادِهَا وَمِثْلُ شَرْطٍ جَعَلَا يَعْنِي أَنَّ الزَّوْجَ إذَا الْتَزَمَ لِزَوْجَتِهِ مَا شَأْنُهُ أَنْ يُلْتَزَمَ زَمَانَ الْعِصْمَةِ كَحَضَانَةِ أَوْلَادِهَا وَالنَّفَقَةِ عَلَيْهِمْ وَكَالْغَيْبَةِ عَنْهَا أَوْ الرَّحِيلِ بِهَا وَالْإِخْدَامِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الشُّرُوطِ الْمُعْتَادَةِ ثُمَّ طَلَّقَهَا دُونَ الثَّلَاثِ فَإِنَّ ذَلِكَ يَسْقُطُ عَنْهُ، فَإِذَا رَاجَعَهَا رَجَعَ إلَيْهِمَا كَانَ الْتَزَمَهُ، فَإِذَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا ثُمَّ رَاجَعَهَا بَعْدَ زَوْجٍ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَعُودُ عَلَيْهِ، وَهَذَا يُؤْخَذُ مِنْ مَفْهُومِ قَوْلِهِ: فَذَا إذَا دُونَ الثَّلَاثِ طَلَّقَا الْبَيْتَ إذْ مَفْهُومُهُ أَنَّهُ إنْ طَلَّقَ ثَلَاثًا ثُمَّ رَاجَعَهَا لَمْ يَعُدْ عَلَيْهِ. وَقَوْلُهُ: " مِثْلُ حَضَانَةٍ وَالْإِنْفَاقِ " الْبَيْتَ هُوَ تَمْثِيلٌ لِقَوْلِهِ: وَمَا امْرُؤٌ لَزَوْجَةٍ يَلْتَزِمُ وَلَوْ جَعَلَهُ إثْرَهُ لَكَانَ أَنْسَبَ (فَفِي طُرَرِ ابْنِ عَاتٍ) وَسُئِلَ يَعْنِي ابْنَ رُشْدٍ عَنْ رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَطَاعَ لَهَا بِالنَّفَقَةِ عَلَى ابْنٍ لَهَا مِنْ غَيْرِهِ مُدَّةَ الزَّوْجِيَّةِ ثُمَّ طَلَّقَهَا وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا ثُمَّ رَاجَعَهَا هَلْ تَعُودُ النَّفَقَةُ أَمْ لَا؟ فَقَالَ: تَعُودُ عَلَيْهِ مَا بَقِيَ مِنْ طَلَاقِ الْمُمَلِّكِ شَيْءٌ، فَإِنْ ادَّعَى الزَّوْجُ أَنَّهُ إنَّمَا الْتَزَمَ النَّفَقَةَ دُونَ الْكِسْوَةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ، وَحَكَى ابْنُ زَرْبٍ أَنَّهُ تَلْزَمُهُ الْكِسْوَةُ مَعَ النَّفَقَةِ، وَرَجَّحَ ابْنُ عَرَفَةَ انْدِرَاجَ الْكِسْوَةِ فِي النَّفَقَةِ. (فَرْعٌ) سُئِلَ الْأُسْتَاذُ أَبُو سَعِيدٍ بْنُ لُبٍّ عَنْ الزَّوْجَةِ إذَا أَسْقَطَتْ عَنْ زَوْجِهَا حُكْمَ الطَّوْعِ بِنَفَقَةِ أَوْلَادِهَا مِنْ غَيْرِهِ هَلْ لَهَا ذَلِكَ وَيَنْتَفِعُ الزَّوْجُ

بِإِسْقَاطِهَا أَمْ لَا؟ فَأَجَابَ لَيْسَ لِلزَّوْجَةِ أَنْ تُسْقِطَ عَنْ زَوْجِهَا حُكْمَ الطَّوْعِ وَلَا يَنْتَفِعُ الزَّوْجُ بِهِ إنْ فَعَلَتْ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْأَوْلَادِ تَعَلَّقَ بِالطَّوْعِ فَلَيْسَ لِأُمِّهِمْ إسْقَاطُهُ وَإِنْ كَانَتْ وَصِيًّا عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ وَصِيَّ الْمَحْجُورِ لَا يُفَوِّتُ عَلَيْهِ مَالًا بِغَيْرِ عِوَضٍ، وَقَدْ نَصَّ ابْنُ رُشْدٍ فِي النَّوَازِلِ عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ لَيْسَ لَهَا أَنْ تُسْقِطَ عَنْ زَوْجِهَا مِنْ الشُّرُوطِ إلَّا مَا لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقٌّ لِغَيْرِهَا كَتَطْلِيقِ نَفْسِهَا إنْ تَزَوَّجَ عَلَيْهَا، فَإِنْ كَانَ الشَّرْطُ أَنَّ الدَّاخِلَةَ عَلَيْهَا طَالِقٌ فَهَذَا لَا يَسْقُطُ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى. مِنْ (الْفَائِقِ) لِلْوَنْشَرِيسِيِّ وَانْظُرْ إذَا تَطَوَّعَ بِنَفَقَةِ وَلَدِهَا هَلْ تَنْقَطِعُ بِبُلُوغِهِ عَاقِلًا قَادِرًا عَلَى التَّكَسُّبِ كَمَا تَنْقَطِعُ بِذَلِكَ عَنْ الْأَبِ أَوْ لَا تَنْقَطِعُ إلَّا بِمَوْتِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ أَوْ فِرَاقِهِمَا لِقَوْلِ الْمُوَثِّقِ فِي وَثِيقَةِ الِالْتِزَامِ مُدَّةُ الزَّوْجِيَّةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أُمِّهِ: قَالَ الْحَطَّابُ فِي الِالْتِزَامِ (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ زَرْبٍ: وَفِي الطُّرَرِ: رَأَيْت فِي بَعْضِ الْكُتُبِ إنْ كَانَ الطَّوْعُ بِنَفَقَةِ الْوَلَدِ لِمُدَّةِ الزَّوْجِيَّةِ فَإِنَّمَا يَلْزَمُ الزَّوْجَ الْإِنْفَاقُ عَلَى الرَّبِيبِ مَا دَامَ صَغِيرًا لَا يَقْدِرُ عَلَى الْكَسْبِ اهـ. وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ سَلْمُونٍ وَنَصُّهُ: وَإِنْ كَانَ الطَّوْعُ لِمُدَّةِ الزَّوْجِيَّةِ فَإِنَّمَا يَلْزَمُ الزَّوْجَ الْإِنْفَاقُ عَلَى الرَّبِيبِ مَا دَامَ صَغِيرًا لَا يَقْدِرُ عَلَى الْكَسْبِ اهـ. (الْحَطَّابُ) وَهَذَا خِلَافُ مَا تَقَدَّمَ عَنْ مُخْتَصَرِ الْمُتَيْطِيَّةِ مُعِينُ الْحُكَّامِ، قَالَ فِي مُعِينِ الْحُكَّامِ: إذَا طَاعَ الزَّوْجُ بِنَفَقَةِ ابْنِ امْرَأَتِهِ أَمَدَ الزَّوْجِيَّةِ جَازَ بَعْدَ ثُبُوتِ الْعَقْدِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي الْعَقْدِ لَمْ يَجُزْ لِلْغَرَرِ وَيُفْسَخُ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَيَثْبُتُ بَعْدَهُ بِصَدَاقِ الْمِثْلِ وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ. كَذَا جَرَى الْعَمَلُ فِي التَّمْتِيعِ ... بِأَنَّهُ يَرْجِعُ بِالرُّجُوعِ وَشَيْخُنَا أَبُو سَعِيدٍ فَرَّقَا ... بَيْنَهُمَا رَدًّا عَلَى مَنْ سَبَقَا وَقَالَ قَدْ قَاسَ قِيَاسًا فَاسِدَا ... مَنْ جَعَلَ الْبَابَيْنِ بَابًا وَاحِدَا لِأَنَّهُ حَقٌّ لَهُ قَدْ أَسْقَطَهْ ... فَلَا يَعُودُ دُونَ أَنْ يَشْتَرِطَهْ وَذَاكَ لَمْ يُسْقِطْهُ مُسْتَوْجِبُهُ ... فَعَادَ عِنْدَمَا بَدَا مُوجِبُهُ وَالْأَظْهَرُ الْعَوْدُ كَمَنْ تَخْتَلِعُ ... فَكُلُّ مَا تَتْرُكُهُ مُرْتَجَعُ تَقَدَّمَ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ آخِرَ فَصْلٍ فِي حُكْمِ فَاسِدِ النِّكَاحِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ: وَيَفْسُدُ النِّكَاحُ بِالْإِمْتَاعِ فِي ... عُقْدَتِهِ وَهُوَ عَلَى الطَّوْعِ اُقْتُفِيَ أَنَّ الْإِمْتَاعَ هُوَ أَنْ تُعْطِيَ الزَّوْجَةُ وَأَبُوهَا لِلزَّوْجِ دَارًا يَسْكُنُهَا أَوْ أَرْضًا يُعَمِّرُهَا وَنَحْوَ ذَلِكَ، وَأَنَّ ذَلِكَ إنْ كَانَ فِي نَفْسِ عَقْدِ النِّكَاحِ فَالنِّكَاحُ فَاسِدٌ. وَإِنْ كَانَ طَوْعًا بَعْدَ الْعَقْدِ فَجَائِزٌ. وَلَمَّا ذَكَرَ النَّاظِمُ فِي الْأَبْيَاتِ قَبْلَ هَذِهِ حُكْمَ مَا الْتَزَمَهُ الزَّوْجُ لِزَوْجَتِهِ. وَإِنْ طَلَّقَهَا سَقَطَ عَنْهُ وَإِنْ رَاجَعَهَا رَجَعَ عَلَيْهِ إلَّا إذَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا وَرَاجَعَهَا بَعْدَ زَوْجٍ فَلَا يَعُودُ عَلَيْهِ إلَّا إذَا الْتَزَمَهُ ثَانِيَةً فِي هَذِهِ الْمُرَاجَعَةِ ذَكَرَ هُنَا أَنَّ الْإِمْتَاعَ كَذَلِكَ وَأَنَّهَا إنْ أَمْتَعَتْهُ سُكْنَى دَارِهَا مَثَلًا ثُمَّ طَلَّقَهَا فَلَا سُكْنَى لَهُ، فَإِنْ رَاجَعَهَا رَجَعَتْ إلَيْهِ السُّكْنَى، إلَّا إذَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا ثُمَّ رَاجَعَهَا بَعْدَ زَوْجٍ لَمْ تَرْجِعْ لَهُ، فَلَا فَرْقَ فِي الْحُكْمِ بَيْنَ مَا الْتَزَمَهُ الزَّوْجُ لِزَوْجَتِهِ وَمَا الْتَزَمَتْهُ هِيَ لَهُ. وَعَلَى هَذَا نَبَّهَ بِالْبَيْتِ الْأَوَّلِ وَأَخْبَرَ فِيهِ أَنَّ الَّذِي جَرَى بِهِ الْعَمَلُ أَنَّ الْمَسْأَلَتَيْنِ سَوَاءٌ، أَنَّهُ وَإِنْ طَلَّقَ دُونَ الثَّلَاثِ ثُمَّ رَاجَعَهَا لَهُ مَا أَمْتَعَتْهُ بِهِ، ثُمَّ أَخْبَرَ النَّاظِمُ عَنْ شَيْخِهِ أَبِي سَعِيدٍ ابْنِ لُبٍّ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ - أَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ رَدًّا عَلَى مَنْ سَبَقَ مِمَّنْ سَاوَى بَيْنَهُمَا وَهُوَ الْإِمَامُ ابْنُ الْقَاسِمِ الْجَزِيرِيُّ مُؤَلِّفُ الْمَقْصِدِ الْمَحْمُودِ - أَحَدِ الْكُتُبِ الْأَرْبَعَةِ الَّتِي يَنْقُلُ مِنْهَا النَّاظِمُ -. وَقَالَ: إنَّ مَنْ قَاسَ مَسْأَلَةَ الْإِمْتَاعِ عَلَى مَسْأَلَةِ الْتِزَامِ الزَّوْجِ فَإِنَّ قِيَاسَهُ فَاسِدٌ لَا عَمَلَ عَلَيْهِ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْفَرْقِ. وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِقَوْلِهِ: وَشَيْخُنَا أَبُو سَعِيدٍ فَرَّقَا الْبَيْتَيْنِ فَقَوْلُهُ: " مَنْ جَعَلَ " هُوَ فَاعِلُ " قَاسَ "، وَفَاعِلُ " قَالَ " لِأَبِي سَعِيدٍ " وَرَدًّا " مَفْعُولٌ مِنْ أَجْلِهِ، ثُمَّ بَيَّنَ الْفَرْقَ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ فِي قَوْلِهِ: لِأَنَّهُ حَقٌّ لَهُ قَدْ أَسْقَطَهُ الْبَيْتَيْنِ، وَأَنَّهُ فِي مَسْأَلَةِ الْإِمْتَاعِ الْحَقُّ لِلزَّوْجِ، فَإِذَا طَلَّقَ فَقَدْ أَسْقَطَ حَقَّهُ فَلَا يَعُودُ إلَيْهِ بِالْمُرَاجَعَةِ إلَّا إذَا أُمْتِعَ ثَانِيَةً، وَأَمَّا مَا الْتَزَمَهُ الزَّوْجُ لِزَوْجَتِهِ فَإِنَّ الْحَقَّ فِيهِ لِلزَّوْجَةِ أَوْ لِبَنِيهَا وَهُمْ لَمْ يُسْقِطُوا مَا وَجَبَ لَهُمْ فَيَعُودُ ذَلِكَ لَهُمْ إذَا

فصل في التداعي في الطلاق

عَادَ سَبَبُهُ وَمُوجِبُهُ وَهُوَ الزَّوْجِيَّةُ. وَقَوْلُهُ: " لِأَنَّهُ " أَيْ الْإِمْتَاعُ " حَقٌّ لَهُ " أَيْ لِلزَّوْجِ. " وَقَوْلُهُ " وَذَاكَ " أَيْ: مَا الْتَزَمَهُ الزَّوْجُ. ثُمَّ أَخْبَرَ النَّاظِمُ أَنَّ الْأَظْهَرَ عِنْدَهُ مِنْ الرَّأْيَيْنِ عَوْدُ الْإِمْتَاعِ بِالْمُرَاجَعَةِ كَمَا صَدَّرَ بِهِ أَوَّلًا، وَنَظَرُ ذَلِكَ بِالْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ قَرِيبًا وَهُوَ مَنْ الْتَزَمَ لِزَوْجَتِهِ نَفَقَةَ أَوْلَادِهَا أَوْ شُرُوطًا فَطَلُقَتْ دُونَ الثُّلَاثِ بِخُلْعٍ يَعْنِي أَوْ بِغَيْرِ خُلْعٍ ثُمَّ رَاجَعَهَا فَإِنَّ كُلَّ مَا الْتَزَمَ لَهَا أَوَّلًا مِمَّا ذَكَرَ يَرْجِعُ عَلَيْهِ كَمَا كَانَ، وَلَمَّا كَانَ لَهَا عَلَى الزَّوْجِ شُرُوطٌ وَتَسْقُطُ عَنْهُ بِالطَّلَاقِ صَارَتْ كَأَنَّهَا أَعْطَتْهُ شَيْئًا لِيُطَلِّقَهَا فَسَمَّاهَا مُخْتَلِفَةً، وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ اسْتَظْهَرَ اسْتِوَاءَ الْمَسْأَلَتَيْنِ وَلَمْ يَظْهَرْ لَهُ الْفَرْقُ الْمُتَقَدِّمُ، وَعَلَى هَذَا نَبَّهَ بِقَوْلِهِ: " كَمَنْ تَخْتَلِع " فَكُلُّ مَا تَتْرُكُهُ مُرْتَجَع فَإِنْ كَانَ هَذَا مُرَادَهُ فَفِي قَوْلِهِ: " كَمَنْ تَخْتَلِعُ " إلَخْ تَكْرَارٌ مَعَ قَوْلِهِ كَذَا جَرَى الْعَمَلُ فِي التَّمْتِيعِ الْبَيْتَ " وَتَتْرُكُهُ " بِمَعْنَى الْمَاضِي أَيْ تَرَكَتْهُ. " وَمَا سَقَطَ مِنْ حَقِّهَا بِالطَّلَاقِ " أَيْ يَعُودُ بِالْمُرَاجَعَةِ. وَلَا يَعْنِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّ كُلَّ مَا تَتْرُكُهُ الْمُخْتَلِعَةُ لِلزَّوْجِ مِنْ الْمَالِ مِمَّا أَعْطَتْهُ لَهُ مِنْ يَدِهَا أَوْ سَلَّمَتْ لَهُ فِيهِ مِمَّا فِي ذِمَّتِهِ يَجِبُ رَدُّهُ إلَيْهَا إذَا رَاجَعَهَا، إذْ قَدْ يَتَرَاجَعَانِ عَلَى ذَلِكَ وَقَدْ يَرُدُّ لَهَا بَعْضَهُ وَقَدْ لَا يَرُدُّ لَهَا شَيْئًا وَلَا يُعْطِيهَا إلَّا مَا يَحِلُّ بِهِ النِّكَاحُ فَانْظُرْ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَبِهَذَا حَمَلَ الشَّارِحُ قَوْلَهُ: " كَمَنْ تَخْتَلِعُ "، وَلَفْظَهُ: وَالْأَظْهَرُ عَوْدَةُ التَّمْتِيعِ كَالْمُخْتَلِعَةِ الَّتِي تَتْرُكُ مَا كَانَ لَهَا فِي مَهْرِهَا مِنْ كَالِئٍ وَسِوَاهُ فَإِذَا عَادَتْ الزَّوْجِيَّةُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مُفَارِقِهَا عَادَ عَلَيْهِ كُلُّ مَا تَرَكَتْهُ. اهـ وَهُوَ غَيْرُ ظَاهِرٍ لِمَا قُلْنَا مِنْ أَنَّ عَوْدَ مَا أَعْطَتْهُ إنَّمَا هُوَ اتِّفَاقِيٌّ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ لَا لَازِمٌ حَتَّى يُقَاسَ عَلَيْهِ. (قَالَ فِي الْمَقْصِدِ الْمَحْمُودِ) وَإِنْ أَعْمَرَتْ زَوْجَةٌ زَوْجَهَا فِي دَارِهَا أَوْ غَيْرِهَا مُدَّةَ الزَّوْجِيَّةِ فَطَلَّقَهَا الزَّوْجُ فَإِنْ رَاجَعَهَا بَقِيَتْ الْعُمْرَى مَا بَقِيَ مِنْ طَلَاقِ ذَلِكَ الْمِلْكِ شَيْءٌ، فَلَا يَنْقَطِعُ إلَّا بِالثَّلَاثِ إنْ رَاجَعَهَا بَعْدَ زَوْجٍ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: " أَمَدَ الزَّوْجِيَّةِ " يَقْتَضِي أَمَدَ الْعِصْمَةِ وَقَدْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ بْنُ رُشْدٍ فِيهِ: مَنْ تَطَوَّعَ لِزَوْجِهِ بِنَفَقَةِ ابْنِهَا مِنْ غَيْرِ أَمَدِ الزَّوْجِيَّةِ فَطَلَّقَهَا ثُمَّ رَاجَعَهَا وَأَبَى مِنْ الْإِنْفَاقِ فَإِنَّ الْإِنْفَاقَ لَازِمٌ لَهُ مَا بَقِيَ مِنْ طَلَاقِ ذَلِكَ الْمِلْكِ شَيْءٌ. كَمَا قَالُوا فِي عَوْدَةِ الْيَمِينِ (قَالَ الشَّارِحُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) : وَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ تَفْرِيقِ الْأُسْتَاذِ أَبِي سَعِيدِ ابْنِ لُبٍّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَيْنَهُمَا فَإِنَّهُ قَوْلُهُ: وَرَجْعَةُ الزَّوْجِ تُفِيدُ كُلَّ مَا ... قَدْ كَانَ فِي عِصْمَتِهِ مُلْتَزَمًا مِنْ شَرْطٍ أَوْ نَفَقَةٍ لَا تَلْزَمُهْ ... وَإِنْ يُمَتِّعْ فَالطَّلَاقُ يَهْدِمُهْ لِأَنَّهُ حَقٌّ لَهُ قَدْ تَرَكَهْ ... وَغَيْرُهُ مِنْ بَعْدِهِ قَدْ مَلَكَهْ وَذَاكَ حَقٌّ وَاجِبٌ عَلَيْهِ ... فَلَمْ يَكُنْ إسْقَاطُهُ إلَيْهِ قَاسَ الْجَزِيرِيُّ قِيَاسًا فَاسِدًا ... فَجَعَلَ الْبَابَيْنِ بَابًا وَاحِدًا. [فَصْلٌ فِي التَّدَاعِي فِي الطَّلَاقِ] ِ أَيْ فِي النِّزَاعِ عِنْدَ الطَّلَاقِ وَالزَّوْجُ إنْ طَلَّقَ مِنْ بَعْدِ الْبِنَا ... وَلِادِّعَاءِ الْوَطْءِ رَدَّ مُعْلِنَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ زَوْجَةٍ وَتَسْتَحِقّ ... بَعْدَ الْيَمِينِ مَهْرَهَا الَّذِي يَحِقْ وَإِنْ يَكُنْ مِنْهَا نُكُولٌ فَالْقَسَمْ ... عَلَيْهِ وَالْوَاجِبُ نِصْفُ مَا الْتَزَمْ وَيَغْرَمُ الْجَمِيعَ مَهْمَا نَكَلَا ... وَإِنْ يَكُنْ لِلِابْتِنَاءِ قَدْ خَلَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ زَائِرٍ وَقِيلَ بَلْ ... لِزَوْجَةٍ وَمَا عَلَيْهِ مِنْ عَمَلْ يَعْنِي أَنَّ مَنْ تَزَوَّجَ بِامْرَأَةٍ وَخَلَا بِهَا خَلْوَةَ اهْتِدَاءٍ أَيْ جِيءَ بِهَا إلَيْهِ وَمُكِّنَ مِنْهَا وَخُلِّيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا (الْجَوْهَرِيُّ) هُدِيَتْ الْمَرْأَةُ إلَى زَوْجِهَا هِدَاءً وَهِيَ مَهْدِيَّةٌ ثُمَّ طَلَّقَهَا وَقَالَ: لَمْ أَمَسَّهَا. وَقَالَتْ: بَلْ مَسَّنِي. فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا مَعَ يَمِينِهَا، وَلَهَا الصَّدَاقُ كَامِلًا، وَعَلَى هَذَا نَبَّهَ بِقَوْلِهِ: " وَالزَّوْجُ إنْ طَلَّقَ " الْبَيْتَيْنِ وَذَلِكَ لِأَنَّ إرْخَاءَ السِّتْرِ شَاهِدٌ عُرْفِيٌّ فَتَحْلِفُ مَعَهُ وَتَسْتَحِقُّ، فَإِنْ نَكَلَتْ عَنْ الْيَمِينِ حَلَفَ الزَّوْجُ وَلَمْ يَكُنْ لَهَا إلَّا

نِصْفُ الصَّدَاقِ، وَعَلَى هَذَا نَبَّهَ بِقَوْلِهِ: وَإِنْ يَكُنْ مِنْهَا نُكُولٌ فَالْقَسَمْ الْبَيْتَ وَذَلِكَ لِأَنَّ نُكُولَهَا كَالشَّاهِدِ لِلزَّوْجِ فَيَحْلِفُ مَعَهُ وَيَسْقُطُ عَنْهُ نِصْفُ الصَّدَاقِ، فَإِذَا نَكَلَ هُوَ أَيْضًا بَعْدَ نُكُولِهَا فَيَجِبُ عَلَيْهِ الصَّدَاقُ كَامِلًا، وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِقَوْلِهِ: وَيَغْرَمُ الْجَمِيعُ مَهْمَا نَكَلَا وَذَلِكَ لِقَوْلِهِمْ: النُّكُولُ بَعْدَ النُّكُولِ تَصْدِيقٌ لِلنَّاكِلِ الْأَوَّلِ وَهُوَ هُنَا الزَّوْجَةُ فَلَهَا جَمِيعُ الصَّدَاقِ وَهَذَا إذَا كَانَتْ الْخَلْوَةُ خَلْوَةَ اهْتِدَاءٍ، وَأَمَّا إنْ كَانَتْ الْخَلْوَةُ خَلْوَةَ زِيَارَةٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّائِرِ مِنْهُمَا مَعَ يَمِينِهِ، فَإِنْ زَارَتْهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا أَنَّهُ مَسَّهَا وَلَهَا جَمِيعُ الصَّدَاقِ، وَإِنْ زَارَهَا هُوَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ إنَّهُ لَمْ يَمَسَّهَا وَعَلَيْهِ نِصْفُ الصَّدَاقِ، وَقِيلَ الْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجَةِ سَوَاءٌ زَارَتْهُ أَوْ زَارَهَا، وَلَيْسَ الْعَمَلُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ، فَقَوْلُهُ: وَالزَّوْجُ إنْ طَلَّقَ مِنْ بَعْدِ الْبِنَا أَيْ مِنْ بَعْدِ الْخَلْوَةِ بِهَا إنْ كَانَتْ خَلْوَةَ اهْتِدَاءٍ. (قَالَ فِي التَّوْضِيحِ:) أَيْ خُلِّيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ. وَهُوَ مُرَادُ عُلَمَائِنَا بِإِرْخَاءِ الْمَسْتُورِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ إرْخَاءَ سِتْرٍ وَلَا إغْلَاقَ بَابٍ. قَالَهُ ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ. اهـ مَفْهُومُ قَوْلِهِ: " مِنْ بَعْدِ الْبِنَا " أَنَّهُمَا إذَا اخْتَلَفَا فِي الْمَسِيسِ بَعْدَ الْعَقْدِ عَلَيْهَا وَلَمْ تَثْبُتْ خَلْوَةٌ بَيْنَهُمَا فَإِنَّ الْقَوْلَ فِي ذَلِكَ قَوْلُ الزَّوْجِ. نَقَلَهُ الشَّارِحُ عَنْ ابْنِ الْحَارِثِ " وَلِادِّعَاءِ " يَتَعَلَّقُ بِرَدٍّ وَلَامُهُ زَائِدَةٌ، وَمُعْلِنًا حَالٌ مِنْ فَاعِلِ رَدَّ الْعَائِدِ عَلَى الزَّوْجِ، وَكَانَ فِي قَوْلِهِ: " وَإِنْ يَكُنْ مِنْهَا نُكُولٌ " تَامَّةٌ وَأَلِفُ " نَكَلَا لِلتَّثْنِيَةِ، أَيْ كُلٌّ مِنْهُمَا، وَقَدْ خَلَا خَبَرُ كَانَ مِنْ قَوْلِهِ: " وَإِنْ يَكُنْ لِلِابْتِنَاءِ "، وَقَوْلُهُ: " فَالْقَوْلُ قَوْلُ زَائِرٍ " هُوَ جَوَابُ قَوْلِهِ: " وَإِنْ يَكُنْ " (قَالَ فِي الْمُقَرِّبِ:) قَالَ سَحْنُونٌ: قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ: قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَخَلَا بِهَا وَأَرْخَى السِّتْرَ عَلَيْهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا وَقَالَ: " لَمْ أَمَسَّهَا "، وَقَالَتْ: " قَدْ مَسَّنِي " فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ وَلَهَا الصَّدَاقُ كَامِلًا إذَا كَانَ الدُّخُولُ عَلَيْهَا دُخُولَ بِنَاءٍ وَسَوَاءٌ فِي هَذَا دَخَلَ عَلَيْهَا فِي بَيْتِهِ أَوْ بَيْتِهَا، (قُلْت) : فَإِنْ كَانَ بَنَى بِهَا وَدَخَلَ عَلَيْهَا نَهَارًا فِي رَمَضَانَ أَوْ وَهِيَ صَائِمَةٌ صِيَامَ نَذْرٍ أَوْ كَفَّارَةٍ أَوْ تَطَوُّعٍ ثُمَّ طَلَّقَهَا مِنْ يَوْمِهِ أَوْ كَانَتْ مُحْرِمَةً أَوْ حَائِضًا فَطَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ تَحِلَّ إحْرَامَهَا أَوْ تَغْتَسِلَ مِنْ حَيْضَتِهَا وَأَنْكَرَ الْمَسِيسَ؟ . فَقَالَ سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ دَخَلَ عَلَى امْرَأَتِهِ وَهِيَ حَائِضٌ ثُمَّ اخْتَلَفَا، فَقَالَ الزَّوْجُ: " لَمْ أَمَسَّهَا "، وَقَالَتْ الْمَرْأَةُ: " بَلْ قَدْ مَسَّنِي " فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجَةِ إذَا أُرْخِيَتْ عَلَيْهِمَا السُّتُورُ فَأَنَا أَرَى كُلَّ مَنْ خَلَا بِامْرَأَتِهِ وَادَّعَتْ أَنَّهُ قَدْ مَسَّهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا إذَا كَانَتْ خَلْوَةَ بِنَاءٍ، وَإِنْ كَانَتْ حِينَ خَلَا بِهَا فِي حَالَةٍ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُجَامِعَهَا فِيهَا. اهـ وَقَدْ اخْتَصَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ بِأَوْجَزِ عِبَارَةٍ وَأَلْطَفِ إشَارَةٍ فَقَالَ: وَالْمَذْهَبُ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهَا فِي الْوَطْءِ إذَا خَلَا بِهَا خَلْوَةَ اهْتِدَاءٍ وَإِنْ كَانَتْ مُحْرِمَةً، أَوْ حَائِضًا، أَوْ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ. ثُمَّ قَالَ: وَفِي خَلْوَةِ الزِّيَارَةِ مَشْهُورُهَا قَوْلُ الزَّائِرِ مِنْهُمَا لِلْعُرْفِ بِخِلَافِ خَلْوَةِ الِاهْتِدَاءِ. (التَّوْضِيحَ) الْمَشْهُورُ إنْ زَارَتْهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا لِأَنَّ الْعُرْفَ أَنَّ الرَّجُلَ يَنْشَطُ فِي بَيْتِهِ، وَإِنْ زَارَهَا هُوَ فِي بَيْتِهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ لِأَنَّ الْعُرْفَ أَنَّ الرَّجُلَ لَا يَنْشَطُ إلَيْهَا، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ " لِلْعُرْفِ " اهـ (وَقَالَ الْمُتَيْطِيُّ) الْقَوْلُ قَوْلُهَا رَشِيدَةً كَانَتْ أَوْ سَفِيهَةً، كَانَ الْبِنَاءُ فِي دَارِهِ أَوْ فِي دَارِهَا، وَقَعَ الطَّلَاقُ عَنْ قُرْبٍ مِنْ الْبِنَاءِ أَوْ بُعْدٍ، وَلَهَا الْمَهْرُ كُلُّهُ وَلَا رَجْعَةَ لَهُ لِإِنْكَارِهِ الْوَطْءَ، وَاخْتُلِفَ فِي يَمِينِهَا، وَسَكَتَ عَنْ الْيَمِينِ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَقَالَ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ وَكِتَابِ ابْنِ الْجَهْمِ عَلَيْهَا الْيَمِينُ. اهـ. وَعَلَى وُجُوبِ الْيَمِينِ اعْتَمَدَ النَّاظِمُ لِأَنَّ إرْخَاءَ السُّتُورِ شَاهِدٌ عُرْفِيٌّ كَمَعْرِفَةِ الْعِفَاصِ وَالْوِكَاءِ فِي اللُّقَطَةِ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّ الْعَادَةَ وَالْعُرْفَ كَشَاهِدٍ وَاحِدٍ فَلَا بُدَّ مِنْ الْيَمِينِ مَعَهُ، وَقِيلَ: كَالشَّاهِدِينَ فَلَا يَمِينَ. (وَقَالَ الْمُتَيْطِيُّ أَيْضًا) وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ قَاعِدَةٌ: كُلُّ مَنْ حُكِمَ بِقَوْلِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ يَمِينِهِ. اهـ (وَقَالَ ابْنُ الْحَارِثِ) : رُوِيَ عَنْ ابْن وَهْبٍ أَنَّهُ قَالَ: رَجَعَ مَالِكٌ عَنْ كَوْنِ الْقَوْلِ قَوْلَ الزَّائِرِ إلَى أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمَرْأَةِ حَيْثُمَا أَخَذَهُمْ السِّتْرُ وَكَانَتْ الْخَلْوَةُ. اهـ وَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ نَبَّهَ النَّاظِمُ بِقَوْلِهِ: وَقِيلَ بَلْ لِزَوْجَةٍ وَمَا عَلَيْهِ مِنْ عَمَلْ وَلَمْ يَنْقُلْ الشَّارِحُ فِقْهًا يُوَافِقُ قَوْلَ النَّاظِمِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْهَا نُكُولٌ فَالْقَسَمْ ... عَلَيْهِ وَالْوَاجِبُ نِصْفُ مَا الْتَزَمْ وَيَغْرَمُ الْجَمِيعَ مَهْمَا نَكَلَا ... وَلَكِنَّهُ جَارٍ عَلَى الْفِقْهِ ظَاهِرُ الْوَجْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَمَنْ كَسَا الزَّوْجَةَ ثُمَّ طَلَّقَا ... يَأْخُذُهَا مَعَ قُرْبِ عَهْدٍ مُطْلَقًا وَالْأَخْذُ إنْ مَرَّتْ لَهَا شُهُورُ ... ثَلَاثَةٌ فَصَاعِدًا مَحْظُورُ وَإِنْ يَكُونَا اخْتَلَفَا فِي الْمَلْبَسِ ... فَالْقَوْلُ قَوْلُ زَوْجَةٍ فِي الْأَنْفَسِ وَالْقَوْلُ لِلزَّوْجِ بِثَوْبٍ مُمْتَهَنْ ... وَلُبْسُ ذَاتِ الْحَمْلِ بِالْحَمْلِ اقْتَرَنْ وَحَيْثُمَا خُلْفُهُمَا فِي الزَّمَنِ ... يُقَالُ لِلزَّوْجَةِ فِيهِ بَيِّنِي وَعَجْزُهَا يَمِينَ زَوْجٍ يُوجِبُ ... وَإِنْ أَرَادَ قَلْبَهَا فَتُقْلَبُ اشْتَمَلَتْ الْأَبْيَاتُ عَلَى مَسَائِلَ: (الْأُولَى) : مَنْ كَسَا زَوْجَتَهُ ثُمَّ طَلَّقَهَا طَلَاقًا بَائِنًا وَلَا حَمْلَ بِهَا بِحَيْثُ لَا يَجِبُ لَهَا عَلَيْهِ كُسْوَةٌ، وَأَرَادَ الزَّوْجُ أَخْذَ كُسْوَتِهِ، فَإِنْ كَانَتْ كُسْوَتُهُ لَهَا قَبْلَ الطَّلَاقِ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ فَلَهُ أَخْذُ كُسْوَتِهِ كَيْفَمَا وَجَدَهَا، وَإِنْ كَانَتْ قَبْلَ الطَّلَاقِ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا فَلَا يَأْخُذُهَا، وَإِلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَة أَشَارَ النَّاظِمُ بِقَوْلِهِ: وَمَنْ كَسَا الزَّوْجَةَ ثُمَّ طَلَّقَا الْبَيْتَيْنِ وَمَعْنَى الْإِطْلَاقِ فِي الْبَيْتِ الْأَوَّلِ كَيْفَمَا وَجَدَهَا خَلِقَةً أَمْ لَا. (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) إذَا كَسَاهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا وَادَّعَى أَنَّهَا الْكُسْوَةُ الْوَاجِبَةُ عَلَيْهِ لِيَسْتَرِدَّهَا إنْ كَانَ الطَّلَاقُ بِالْقُرْبِ كَمَا ذَكَرَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، وَادَّعَتْ هِيَ أَنَّهُ أَهْدَاهَا لَهَا فَهِيَ هِبَةٌ قَدْ حِيزَتْ، فَالْقَوْلُ لِلزَّوْجَةِ فِي الثَّوْبِ الرَّفِيعِ الْمُنَاسِبِ لِدَعْوَاهَا، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ فِي ثَوْبِ الْمِهْنَةِ الْمُنَاسِبِ لِمَا يُفْرَضُ عَلَيْهِ وَيُلْزَمُ بِهِ، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ: وَإِنْ يَكُونَا اخْتَلَفَا فِي الْمَلْبَسِ ... فَالْقَوْلُ قَوْلُ زَوْجَةٍ فِي الْأَنْفَسِ وَالْقَوْلُ لِلزَّوْجِ بِثَوْبٍ مُمْتَهَنْ ... (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) مَنْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ حَامِلًا فَإِنَّ لَهَا عَلَيْهِ الْكُسْوَةَ مَا دَامَتْ حَامِلًا، وَإِلَيْهَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ: وَلُبْسُ ذَاتِ الْحَمْلِ بِالْحَمْلِ اقْتَرَنْ (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) إذَا كَسَاهَا وَطَلَّقَهَا وَاتَّفَقَا عَلَى أَنَّهَا الْكُسْوَةُ الْوَاجِبَةُ عَلَيْهِ وَلَكِنْ اخْتَلَفَا فِي قُرْبِ الزَّمَانِ وَبُعْدِهِ، فَادَّعَى الزَّوْجُ قُرْبَ زَمَانِ كُسْوَتِهِ لَهَا لِيَسْتَرِدَّهَا مِنْهَا، وَادَّعَتْ هِيَ طُولَ زَمَنِ ذَلِكَ لِتَبْقَى لَهَا، حَسْبَمَا تَقَدَّمَ فَعَلَى الزَّوْجَة الْبَيِّنَةُ بِطُولِ الزَّمَنِ لِأَنَّهَا مُدَّعِيَةٌ، فَإِنْ عَجَزَتْ عَنْهَا حَلَفَ الزَّوْجُ لِأَنَّهُ مُدَّعَى عَلَيْهِ، فَإِنْ أَرَادَ قَلْبَ الْيَمِينِ عَلَى الزَّوْجَةِ فَلَهُ ذَلِكَ، وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِقَوْلِهِ: وَحَيْثُمَا خُلْفُهُمَا فِي الزَّمَنِ الْبَيْتَيْنِ قَالَ فِي الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ: وَإِنْ كَسَا الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ كُسْوَةً ثُمَّ طَلَّقَهَا لَا تَجِبُ لَهَا بِهِ نَفَقَةٌ وَلَا كُسْوَةٌ، فَإِنْ أَرَادَ أَخْذَ كُسْوَتِهِ مِنْهَا فَإِنْ كَانَ مَضَى لِابْتِيَاعِهِ لَهَا أَشْهُرٌ وَكَانَ ذَلِكَ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ فَمَا فَوْقَهَا إلَى الْعَشَرَةِ فَهِيَ لِلْمَرْأَةِ وَلَا شَيْءَ فِيهَا لِلرَّجُلِ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ فَهِيَ لِلرَّجُلِ، فَإِنْ اخْتَلَفَا وَادَّعَى الزَّوْجُ أَنَّهُ ابْتَاعَهَا مُنْذُ شَهْرَيْنِ، وَادَّعَتْ الْمَرْأَةُ مُنْذُ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ وَزِيَادَةٍ، فَعَلَى الْمَرْأَةِ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَى مُدَّةِ الِابْتِيَاعِ لِأَنَّهَا تُرِيدُ اسْتِحْقَاقَ الْكُسْوَةِ، فَإِنْ عَجَزَتْ عَنْ إثْبَاتِ ذَلِكَ كَانَ لَهَا الْيَمِينُ عَلَى الزَّوْجِ. (قَالَ ابْنُ فَتْحُونٍ) بَعْدَ نَقْلِهِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ اسْتِحْبَابَ مَالِكٍ إذَا مَاتَ الزَّوْجُ أَوْ الْمَرْأَةُ بَعْدَ الْأَشْهُرِ أَنْ لَا يَتْبَعَ الْمَرْأَةَ بِشَيْءٍ مِنْ الْكُسْوَةِ مَا نَصُّهُ: وَاَلَّذِي وَقَعَ فِي الْكِتَابِ الْمَذْكُورِ إنَّمَا هُوَ فِي الْكُسْوَةِ الَّتِي يَفْرِضُهَا الْقَاضِي. وَأَمَّا مَا كَسَاهَا الزَّوْجُ عَلَى وَجْهِ الْهَدِيَّةِ فَلَا شَيْءَ لَهُ فِيهَا خَلَقَتْ أَوْ لَمْ تَخْلُقْ، قَرُبَ عَهْدُهَا أَوْ بَعُدَ، وَهِيَ مُوَرَّثَةٌ عَنْهَا، فَإِنْ اخْتَلَفَا فَقَالَ: الزَّوْجُ هَذِهِ الْكُسْوَةُ مِمَّا فُرِضَ عَلَيَّ. وَقَالَتْ الزَّوْجَةُ: بَلْ هِيَ مِمَّا أَهْدَيْتَهُ إلَيَّ. كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الزَّوْجِ بِيَمِينِهِ، إلَّا أَنْ تَكُونَ الْكُسْوَةُ مِمَّا لَا يَفْرِضُ مِثْلَهَا الْقَاضِي فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهَا أَوْ قَوْلَ وَرَثَتِهَا. (وَفِي الْمُقَرِّبِ) قُلْت: فَإِنْ دَفَعَ الزَّوْجُ لَهَا ثَوْبًا فَقَالَتْ: أَهْدَيْتَهُ إلَيَّ. وَقَالَ. بَلْ هُوَ مِمَّا فَرَضَ الْقَاضِي عَلَيَّ. فَقَالَ: الْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ الثَّوْبُ مِنْ الثِّيَابِ الَّتِي لَا يَفْرِضُهَا الْقَاضِي لِمِثْلِهَا فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهَا اهـ. فَقَوْلُهُ فِي الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ: " وَإِنْ كَسَا الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ " إلَخْ هِيَ الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى فِي النَّظْمِ، وَقَوْلُهُ: " فَإِنْ اخْتَلَفَا وَادَّعَى الزَّوْجُ " وَمَا بَعْدَهُ هِيَ الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ فِي النَّظْمِ. وَقَوْلُهُ: " فَإِنْ اخْتَلَفَا فَقَالَ الزَّوْجُ " وَمَا بَعْدَهُ عَنْ الْمُقَرِّبِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ فِي النَّظْمِ. (وَسُئِلَ) الْإِمَامُ أَبُو إِسْحَاقَ الشَّاطِبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَنْ تَاجِرٍ فِي الثِّيَابِ وَغَيْرِهَا تُوُفِّيَ فَادَّعَى وَرَثَتُهُ فِي بَعْضِ الثِّيَابِ الَّتِي هِيَ مِنْ شَاكِلَةِ الْمَرْأَةِ وَاحْتَوَى عَلَيْهَا مَنْزِلُهَا أَنَّهَا مِنْ جُمْلَةِ مُتَخَلَّفِهِ، وَادَّعَتْ الْمَرْأَةُ أَنَّ الزَّوْجَ سَاقَهَا لَهَا وَأَنَّهَا مَتَاعُهَا لَا مِنْ الْمُتَخَلَّفِ، فَقَوْلَ مَنْ يَكُونُ

فصل من طلق زوجته طلاقا رجعيا ثم أراد العود للزوجية

الْقَوْلُ؟ (فَأَجَابَ) إنَّ دَعْوَى الْمَرْأَةِ فِي الثِّيَابِ أَنَّ زَوْجَهَا سَاقَهَا لَهَا لَا تُسْمَعُ إلَّا إذَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى أَنَّ تِلْكَ الثِّيَابَ بِأَعْيُنِهَا مِنْ جُمْلَةِ السِّيَاقَةِ وَأَنَّهُ وَهَبَهَا لَهَا عَلَى الْخُصُوصِ، فَإِنْ لَمْ تَقُمْ عَلَى ذَلِكَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ وَرَثَةِ الْمَيْتِ مَعَ أَيْمَانِهِمْ أَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ تِلْكَ الثِّيَابَ مِنْ جُمْلَةِ مَالِ الْمَرْأَةِ وَلَا مَتَاعِهَا إلَى آخِرِ نَصِّ الْيَمِينِ. لَا تَدْخُلُ هَذِهِ النَّازِلَةُ فِي مَسْأَلَةِ الِاخْتِلَافِ فِي مَتَاعِ الْبَيْتِ لَكِنْ يَبْقَى النَّظَرُ فِي لِبَاسِهَا تِلْكَ الثِّيَابَ وَامْتِهَانِهَا لَهَا هَلْ تَسْتَحِقُّهَا بِذَلِكَ أَمْ لَا، وَالصَّحِيحُ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّ الرَّجُلَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْتَجِعَ كُسْوَةَ الْمَرْأَةِ عِنْد فِرَاقِهَا إذَا كَانَتْ مُبْتَذَلَةً، فَإِنْ لَمْ تُبْتَذَلْ كَانَ لَهُ ارْتِجَاعُهَا، فَهَذِهِ الثِّيَابُ مِثْلُهَا إنْ كَانَتْ الزَّوْجَةُ قَدْ ابْتَذَلَتْهَا فَهِيَ لَهَا، وَإِلَّا صَارَتْ مِيرَاثًا اهـ مِنْ الشَّارِحِ وَإِنَّمَا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ وَرَثَةِ الزَّوْجِ لِإِقْرَارِهَا أَنَّهَا لِلزَّوْجِ وَادَّعَتْ أَنَّهُ أَعْطَاهَا إيَّاهَا فَلَا تُقْبَلُ دَعْوَاهَا وَلِذَلِكَ لَمْ تَدْخُلْ فِي الِاخْتِلَافِ فِي مَتَاعِ الْبَيْتِ وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَصْلُحُ بِالْمَرْأَةِ لِأَنَّ ذَلِكَ حَيْثُ لَمْ يُعْلَمْ لِمَنْ هُوَ الشَّيْءُ الْمُتَنَازَعُ فِيهِ وَهَذَا قَدْ عُلِمَ أَنَّهُ لِلزَّوْجِ فَلَا يَخْرُجُ عَنْ مِلْكِهِ إلَّا بِبَيَانٍ. [فَصْلٌ مَنْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ طَلَاقًا رَجْعِيًّا ثُمَّ أَرَادَ الْعَوْدَ لِلزَّوْجِيَّةِ] (فَصْلٌ) مَنْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ طَلَاقًا رَجْعِيًّا ثُمَّ أَرَادَ الْعَوْدَ لِلزَّوْجِيَّةِ وَمَنْ يُطَلِّقْ طَلْقَةً رَجْعِيَّهْ ... ثُمَّ أَرَادَ الْعَوْدَ لِلزَّوْجِيَّةِ فَالْقَوْلُ لِلزَّوْجَةِ وَالْيَمِينُ ... عَلَى انْقِضَاءِ عِدَّةٍ تُبِينُ ثُمَّ لَهُ ارْتِجَاعُهَا حَيْثُ الْكَذِبْ ... مُسْتَوْضَحٌ مِنْ الزَّمَانِ الْمُقْتَرِبْ وَمَا ادَّعَتْ مِنْ ذَلِكَ الْمُطَلَّقَهْ ... بِالسُّقْطِ فَهِيَ أَبَدًا مُصَدَّقَهْ

يَعْنِي أَنَّ مَنْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ طَلَاقًا رَجْعِيًّا ثُمَّ أَرَادَ رَجْعَتَهَا فَزَعَمَتْ أَنَّ عِدَّتَهَا انْقَضَتْ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا مَعَ يَمِينِهَا إذَا كَانَ يُمْكِنُ ذَلِكَ، فَإِنْ قَرُبَ مَا بَيْنَ الطَّلَاقِ وَالرَّجْعَةِ جِدًّا بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ انْقِضَاءُ عِدَّةِ الْأَقْرَاءِ فِيهِ وَتَبَيَّنَ كَذِبُهَا فَلَهُ مُرَاجَعَتُهَا، فَإِنْ ادَّعَتْ أَنَّ انْقِضَاءَهَا كَانَ بِسَبَبِ سَقْطٍ أَسْقَطَتْهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا وَلَوْ بِقُرْبٍ مِنْ الطَّلَاق، وَعَلَى تَصْدِيقِهَا وَلَوْ بِالْقُرْبِ. نَبَّهَ بِقَوْلِهِ " أَبَدًا " وَالْإِشَارَة بِذَلِكَ لِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ. وَقَوْلُهُ " تُبِينُ " بِضَمِّ التَّاءِ مُضَارِعُ أَبَانَ، وَهُوَ خَبَرٌ عَنْ الْيَمِينِ، أَيْ أَنَّ يَمِينَهَا عَلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ تُبِينُ عِصْمَتَهَا وَتُخْرِجُهَا مِنْ الْعِدَّةِ، (قَالَ فِي الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ:) فَإِنْ أَرَادَ ارْتِجَاعَهَا وَقَالَتْ: " قَدْ انْقَضَتْ عِدَّتِي " كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهَا إذَا كَانَ قَدْ مَضَى مِنْ الْعِدَّةِ مَا يُشْبِهُ أَنْ تَحِيضَ فِيهِ ثَلَاثَ حِيَضٍ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ارْتِجَاعُهَا. (وَفِي طُرَرِ ابْنِ عَاتٍ) قَالَ ابْنُ الْهِنْدِيِّ وَفِي مَقَالَاتِ ابْنِ مُغِيثٍ مَعَ يَمِينِهَا. (وَفِي الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ أَيْضًا) وَإِنْ اسْتَبَانَ كَذِبُهَا لِقِصَرِ الْمُدَّةِ رَاجَعَهَا عَلَى مَا أَحَبَّتْ أَوْ كَرِهَتْ. (وَقَالَ الْمُتَيْطِيُّ) : وَإِنْ قَالَتْ: " قَدْ انْقَضَتْ عِدَّتِي بِسُقُطٍ " قُبِلَ قَوْلُهَا وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ الطَّلَاقِ بِيَوْمٍ، وَلَا يَمِينَ عَلَيْهَا، وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى تَكْذِيبِ الْجِيرَانِ لَهَا اهـ. وَمَا حَكَاهُ الْمُؤَلِّفُ مِنْ حَلِفِ الْمَرْأَةِ هُوَ الَّذِي حَكَاهُ ابْنُ مُغِيثٍ عَنْ ابْنِ الْهِنْدِيِّ كَمَا تَقَدَّمَ، وَنَقَلَ الْمُتَيْطِيُّ أَنَّهَا تُصَدَّقُ بِلَا يَمِينٍ وَقَالَ: إنَّ الْعَمَلَ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ صَاحِبُ الْمُخْتَصَرِ حَيْثُ قَالَ: وَصُدِّقَتْ فِي انْقِضَاءِ عِدَّةِ الْأَقْرَاءِ وَالْوَضْعِ بِلَا يَمِينٍ مَا أَمْكَن، وَلَعَلَّ الشَّيْخَ اعْتَمَدَ الْقَوْلَ بِيَمِينِهَا لِفَسَادِ الزَّمَانِ وَقِلَّةِ الْأَمَانِ. وَلَا يُطَلِّقُ الْعَبِيدَ السَّيِّدُ ... إلَّا الصَّغِيرَ مَعَ شَيْءٍ يُرْفَدُ وَكَيْفَمَا شَاءَ الْكَبِيرُ طَلَّقَا ... وَمُنْتَهَاهُ طَلْقَتَانِ مُطْلَقَا لَكِنَّ فِي الرَّجْعِيِّ الْأَمْرَ بِيَدِهْ ... دُونَ رِضَا وَلِيِّهَا وَسَيِّدِهْ يَعْنِي أَنَّ الطَّلَاقَ بِيَدِ الْعَبْدِ لَا بِيَدِ سَيِّدِهِ، فَلَيْسَ لِلسَّيِّدِ أَنْ يُطَلِّقَ زَوْجَةَ عَبْدِهِ إلَّا إذَا كَانَ الْعَبْدُ صَغِيرًا عَقَدَ عَلَيْهِ سَيِّدُهُ فَلَهُ أَنْ يُطَلِّقَ عَلَيْهِ لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَأْخُذَ لَهُ شَيْئًا يُرْفَدُ بِهِ أَيْ يُعَانُ بِهِ، وَعَلَى هَذَا نَبَّهَ بِالْبَيْتِ الْأَوَّلِ، فَقَوْلُهُ: " الْعَبِيدَ " مَنْصُوبٌ عَلَى إسْقَاطِ الْخَافِض أَيْ عَلَى الْعَبِيدِ ". وَالسَّيِّدُ " فَاعِلُ " يُطَلِّقُ " " وَالصَّغِيرَ نَعْتٌ لِمَحْذُوفٍ دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: " الْعَبِيدَ " أَيْ إلَّا الْعَبْدَ الصَّغِيرَ فَلِسَيِّدِهِ أَنْ يُطَلِّقَ عَلَيْهِ بِالْخُلْعِ. وَقَوْلُهُ وَكَيْفَمَا شَاءَ الْكَبِيرُ طَلَّقَا الْبَيْتَ يَعْنِي أَنَّ الْعَبْدَ الْكَبِيرَ يُطَلِّقُ كَيْفَمَا شَاءَ بِخُلْعٍ أَوْ بِغَيْرِهِ، وَاحِدَةً أَوْ أَكْثَرَ، إلَّا أَنَّ مُنْتَهَى طَلَاقِهِ طَلْقَتَانِ سَوَاءٌ أَوْقَعَهُمَا مَعًا فِي حَالَةِ رِقِّهِ أَوْ طَلَّقَ وَاحِدَةً فِي رِقِّهِ ثُمَّ عَتَقَ فَلَا تَبْقَى لَهُ إلَّا وَاحِدَةٌ. وَأَمَّا إنْ لَمْ يُطَلِّقْ حَتَّى عَتَقَ فَهُوَ كَالْحُرِّ بِالْأَصَالَةِ يُطَلِّقُ ثَلَاثًا سَوَاءٌ كَانَتْ زَوْجَتُهُ حُرَّةً أَوْ أَمَةً لَيْسَ لَهُ إلَّا طَلْقَتَانِ لِأَنَّ الطَّلَاقَ مُعْتَبَرٌ بِالرِّجَالِ وَالْعِدَّةَ مُعْتَبَرَةٌ بِالنِّسَاءِ، وَسَوَاءٌ كَانَ رَقِيقًا كُلُّهُ أَوْ بَعْضُهُ، وَعَلَى هَذِهِ الْوُجُوهِ الثَّلَاثَةِ نَبَّهَ بِالْإِطْلَاقِ. وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ: " لَكِنَّ فِي الرَّجْعِيِّ " الْبَيْت إلَى أَنَّ الْعَبْدَ إذَا طَلَّقَ طَلَاقًا رَجْعِيًّا فَإِنَّ أَمْرَ الرَّجْعَةِ بِيَدِهِ إنْ شَاءَ رَاجَعَ أَوْ تَرَكَ، فَإِنْ رَاجَعَ فَلَا يَحْتَاجُ لِإِذْنِ سَيِّدِهِ وَلَا لِإِذْنِ وَلِيِّهَا لِأَنَّ الْعِصْمَةَ الَّتِي أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ فِيهَا مَا زَالَتْ بِيَدِهِ وَلَيْسَتْ رَجْعَتُهَا ابْتِدَاءَ نِكَاحٍ حَتَّى يَحْتَاجَ إلَى إذْنِ سَيِّدِهِ وَوَلِيِّهَا. (قَالَ فِي الْمُنْتَخَبِ) : وَظَاهِرُهُ لِابْنِ الْقَاسِمِ قُلْت لَهُ: أَيَجُوزُ لِلسَّيِّدِ أَنْ يُطَلِّقَ عَلَى عَبْدٍ امْرَأَتَهُ؟ قَالَ لَا؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ بِيَدِ الْعَبْدِ. قُلْت: فَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ صَغِيرًا لَمْ يَبْلُغْ فَزَوَّجَهُ سَيِّدُهُ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُطَلِّقَ عَلَيْهِ فَقَالَ: لَيْسَ ذَلِكَ لَهُ إلَّا بِشَيْءٍ يَأْخُذُهُ لَهُ فَيَكُونُ خُلْعًا. (وَفِي النَّوَادِرِ) وَلَيْسَ لِلسَّيِّدِ أَنْ يُبَارِئَ عَنْ عَبْدِهِ وَقَدْ نَكَحَ بِإِذْنِهِ حَتَّى يَرْضَى الْعَبْدُ. قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ وَيُزَوِّجُ عَبْدَهُ الصَّغِيرَ وَلَا يُطَلِّقُ عَلَيْهِ إلَّا بِشَيْءٍ يَأْخُذُهُ لَهُ كَالْيَتِيمِ الصَّغِيرِ. (قَالَ ابْنُ الْحَارِثِ) : وَاتَّفَقُوا فِي الْعَبْدِ أَنَّ طَلَاقَهُ طَلْقَتَانِ. وَقَالَ فِي الْكَافِي: وَطَلَاقُ الْعَبْدِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ طَلَاقِ الْحُرِّ

وَذَلِكَ طَلْقَتَانِ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَتَبَعَّضُ فَإِذَا طَلَّقَ زَوْجَتَهُ طَلْقَةً فِي حِينِ رِقِّهِ ثُمَّ عَتَقَ بَقِيَتْ لَهُ فِيهَا طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ. (وَقَالَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ فِي مُخْتَصَرِهِ) : وَجَمِيعُ طَلَاقِ الْعَبْدِ طَلْقَتَانِ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ جَعَلَ حَدَّ الْأَرِقَّاءِ نِصْفَ حَدِّ الْأَحْرَارِ، وَالطَّلَاقُ وَالْعِدَّةُ مِنْ مَعَانِي الْحُدُودِ. (وَفِي النَّوَادِرِ مِنْ كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ) وَكَذَلِكَ يَرْتَجِعُ الْعَبْدُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ وَلَا إذْنِ سَيِّدِ زَوْجَتِهِ اهـ وَالْحُكْمُ فِي الْعَبِيدِ كَالْأَحْرَارِ ... فِي غَايَةِ الزَّوْجَاتِ فِي الْمُخْتَارِ يَعْنِي أَنَّ الْعَبِيدَ كَالْأَحْرَارِ فِي غَايَةِ الزَّوْجَاتِ، كَمَا أَنَّ غَايَتَهَا لِلْحُرِّ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ، وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. فِيهِ كَذَلِكَ غَايَتُهَا لِلْعَبْدِ أَرْبَعُ زَوْجَاتٍ أَيْضًا عَلَى الْمَشْهُورِ الْمُخْتَارِ، وَمُقَابِلُهُ لَا يَتَزَوَّجُ الْعَبْدُ إلَّا اثْنَتَيْنِ. (قَالَ فِي الْمُقَرِّبِ) قُلْت لَهُ الْعَبْدُ كَمْ يَتَزَوَّجُ؟ فَقَالَ مَالِكٌ أَحْسَنُ مَا سَمِعْت فِيهِ أَنَّ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَرْبَعًا. قُلْت لَهُ: إنْ شَاءَ إمَاءً وَإِنْ شَاءَ حَرَائِرَ؟ قَالَ نَعَمْ ذَلِكَ لَهُ. (وَفِي النَّوَادِرِ مِنْ كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ) قَالَ مَالِكٌ وَلِلْعَبْدِ أَنْ يَنْكِحَ أَرْبَعَ نِسْوَةٍ. وَهَذَا أَحْسَنُ مَا سَمِعْت، وَقَالَ رَبِيعَةُ قَالَهُ عَنْهُ أَشْهَبُ وَإِنْ كَانَ لَهُ حُرَّتَانِ وَمَمْلُوكَتَانِ فَذَلِكَ جَائِزٌ إنْ أَذِنَ لَهُ أَهْلُهُ. وَرَوَى عَنْهُ أَشْهَبُ فِي نِكَاحِ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ: إنَّا لَنَقُولُ ذَلِكَ وَمَا نَدْرِي مَا هُوَ. ثُمَّ قَالَ الشَّارِحُ: وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ اقْتِصَارَهُ عَلَى اثْنَيْنِ. وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَالزَّائِدُ عَلَى أَرْبَعٍ مُمْتَنِعٌ لِلْحُرِّ وَالْعَبْدِ. وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: الثَّالِثَةُ لِلْعَبْدِ كَالْخَامِسَةِ لِلْحُرِّ. (التَّوْضِيحَ) لَا خِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ السُّنَّةِ فِي تَحْرِيمِ مَا زَادَ عَلَى أَرْبَعٍ لِحَدِيثِ غَيْلَانَ الثَّقَفِيِّ وَنَحْوِهِ خِلَافًا لِبَعْضِ الْمُبْتَدِعَةِ، وَوَجْهُ الْمَشْهُورِ فِي إبَاحَةِ الْأَرْبَعِ لِلْعَبْدِ عُمُومُ قَوْله تَعَالَى {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} [النساء: 3] وَقَاسَ ابْنُ وَهْبٍ ذَلِكَ عَلَى طَلَاقِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَنْشَأُ الْخِلَافِ اخْتِلَافَ الْأُصُولِيِّينَ فِي دُخُولِ الْعَبِيدِ تَحْتَ الْخِطَابِ وَعَدَمِ دُخُولِهِمْ اهـ. وَمِنْ الذَّخِيرَةِ (تَمْهِيدٌ) لِلْعَبْدِ مَعَ الْحُرِّ أَرْبَعُ حَالَاتٍ التَّشْطِيرُ كَالْحُدُودِ، وَالْمُسَاوَاةُ كَالْعِبَادَاتِ، وَمُخْتَلَفٌ فِيهِ كَعَدَدِ الزَّوْجَاتِ، وَأَجَلِ الْإِيلَاءِ، وَالْعُنَّةِ، وَالْمَفْقُودِ، وَحَدِّ الْقَذْفِ، فَعَلَى النِّصْفِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ عِنْدَ مَالِكٍ وَقِيلَ بِالْمُسَاوَاةِ، وَسَقَطَ عَنْهُ وَاجِبٌ عَلَى الْحُرِّ كَالزَّكَاةِ وَالْحَجِّ اهـ وَلَعَلَّهُ يَعْنِي بِالْعُنَّةِ الِاعْتِرَاضَ. وَيَتْبَعُ الْأَوْلَادُ فِي اسْتِرْقَاقِ ... لِلْأُمِّ لَا لِلْأَبِ فِي الْإِطْلَاقِ وَكُسْوَةٌ لِحُرَّةٍ وَالنَّفَقَهْ ... عَلَيْهِ وَالْخُلْفُ بِغَيْرِ الْمُعْتَقَهْ وَلَيْسَ لَازِمًا لَهُ أَنْ يُنْفِقَا ... عَلَى بَنِيهِ أَعْبُدًا أَوْ عَتَقَا يَعْنِي أَنَّ الْأَوْلَادَ يَتْبَعُونَ أُمَّهُمْ فِي الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ، فَإِذَا كَانَتْ أُمُّهُمْ حُرَّةً فَهُمْ أَحْرَارٌ، وَإِنْ كَانَتْ أُمُّهُمْ مَمْلُوكَةً فَهُمْ أَرِقَّاءٌ سَوَاءٌ كَانُوا مِنْ نِكَاحٍ أَوْ مِنْ مِلْكِ الْيَمِينِ إذَا كَانَ أَبُوهُمْ قِنًّا، وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِالْإِطْلَاقِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. هَذَا إنْ كَانَ الْإِطْلَاقُ رَاجِعًا لِقَوْلِهِ: " لِلْأُمِّ " وَيُحْتَمَلُ وَهُوَ أَقْرَبُ أَنْ يَرْجِعَ لِقَوْلِهِ: " لَا لِلْأَبِ " أَيْ لَا يَتْبَعُونَ أَبَاهُمْ حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا، وَعَلَى الِاحْتِمَالِ الْأَوَّلِ يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ الْإِطْلَاقُ إذَا كَانُوا مِنْ مِلْكِ الْيَمِينِ وَأَبُوهُمْ حُرٌّ فَهُمْ أَحْرَارٌ وَلَا يَتْبَعُونَ أُمَّهُمْ فِي الرِّقِّ فَهِيَ وَإِنْ دَاخَلَتْهَا شَائِبَةُ الْحُرِّيَّةِ بِالْحَمْلِ مَنْ سَيِّدِهَا الْحَرِّ لَكِنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ كُلَّ مَنْ فِيهِ شَائِبَةُ رِقٍّ فَلَهُ حُكْمُ الرَّقِيقِ الْخَالِصِ. فَإِذَا تَزَوَّجَ الرَّجُلُ امْرَأَةً فَأَوْلَادُهُ مَعَهَا تَابِعُونَ لَهَا فِي الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ سَوَاءٌ كَانَ هُوَ حُرًّا أَوْ عَبْدًا، وَإِنْ كَانُوا مِنْ مِلْكِ الْيَمِينِ وَأَبُوهُمْ عَبْدٌ فَهْم أَرِقَّاءٌ، كَمَا إذَا اشْتَرَى أَمَةً وَأَوْلَادَهَا فَأَوْلَادُهَا أَرِقَّاءٌ لِسَيِّدِهِ، وَإِنْ اشْتَرَى الْحُرُّ أَمَةً وَأَوْلَادُهَا مَعَهَا أَحْرَارٌ غَيْرُ تَابِعِينَ لِأُمِّهِمْ. فَتَلَخَّصَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْأَوْلَادَ إنْ كَانَتْ أُمُّهُمْ مَمْلُوكَةً لِأَبِيهِمْ فَهُمْ تَابِعُونَ لِأَبِيهِمْ. وَإِنْ كَانَتْ أُمُّهُمْ زَوْجَةً لِأَبِيهِمْ فَهُمْ تَابِعُونَ لِأُمِّهِمْ، وَعَلَى هَذَا الطَّرَفِ الْأَخِيرِ تَكَلَّمَ النَّاظِمُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (قَالَ ابْن حَارِثٍ فِي أُصُولِ الْفُتْيَا) : قَالَ مُحَمَّدٌ أَصْلُ مَذْهَبِ مَالِكٍ فِي الصَّبِيِّ أَنَّ حُكْمَهُ فِي الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ حُكْمُ أَبِيهِ إنْ كَانَ الْفِرَاشُ فِرَاشَ مِلْكِ الْيَمِينِ، وَإِنْ كَانَ فِرَاشَ نِكَاحٍ فَحُكْمُهُ حُكْمُ أُمِّهِ فِي رِقِّهَا وَحُرِّيَّتِهَا. وَقَوْلُهُ: " وَكُسْوَةُ الْحُرَّةِ " الْبَيْتَ يَعْنِي أَنَّ الْعَبْدَ إذَا تَزَوَّجَ حُرَّةً فَإِنَّ عَلَيْهِ نَفَقَتَهَا وَكُسْوَتَهَا كَالْحُرِّ، وَاخْتُلِفَ إنْ تَزَوَّجَ الْعَبْدُ أَمَةً فَقِيلَ ذَلِكَ

فصل في الرجعة

عَلَيْهِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ، وَقِيلَ: ذَلِكَ عَلَى سَيِّدِهَا، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ نَبَّهَ بِقَوْلِهِ: " وَالْخُلْفُ بِغَيْرِ الْمُعْتَقَةِ " وَالْبَاءُ ظَرْفِيَّةٌ (قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ) : قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي الْعَبْدِ لَهُ زَوْجَةٌ حُرَّةٌ: عَلَيْهِ النَّفَقَةُ. قَالَ مَالِكٌ وَيُقَالُ لَهُ أَنْفِقْ أَوْ طَلِّقْ. (قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ) وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ أَنَّ عَلَى الْعَبْدِ أَنْ يُنْفِقَ عَلَى زَوْجَتِهِ الْحُرَّةِ. (وَفِيهَا أَيْضًا) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ: وَيَخْتَلِفُ إذَا كَانَا عَبْدَيْنِ. فَعَلَى الْقَوْلِ أَنَّهُ لَا نَفَقَةَ عَلَى الْعَبْدِ لِلْحُرَّةِ لَا يَكُونُ لَهَا إنْ كَانَتْ أَمَةً، وَعَلَى الْقَوْلِ إنَّ عَلَيْهِ ذَلِكَ لِلْحُرَّةِ يَخْتَلِفُ إنْ كَانَتْ أَمَةً، وَالْمُدَبَّرَةُ وَالْمُعْتَقَةُ إلَى أَجَلٍ كَالْأَمَةِ. (قَالَ الشَّارِحُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) : يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ أَنَّ فِي وُجُوبِ النَّفَقَةِ لِلْحُرَّةِ الْخِلَافَ. وَهُوَ خِلَافُ مَا سَبَقَ لِابْنِ الْمَوَّازِ مِنْ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ. فَتَأَمَّلْهُ وَقَوْلُهُ: وَلَيْسَ لَازِمًا لَهُ أَنْ يُنْفِقَا الْبَيْتَ يَعْنِي أَنَّ الْعَبْدَ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يُنْفِقَ عَلَى أَوْلَادِهِ عَبِيدًا كَانُوا أَوْ أَحْرَارًا، وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِقَوْلِهِ: " وَلَيْسَ لَازِمًا لَهُ " إلَخْ " عُتَقَا " بِضَمِّ الْعَيْنِ وَفَتْحِ التَّاء جَمْعُ عَتِيقٍ، وَوَجْهُهُ ظَاهِرٌ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ إنْ كَانُوا أَحْرَارًا لِكَوْنِ أُمِّهِمْ حُرَّةً فَتَكُونُ نَفَقَتُهُمْ مِنْ مَالِهِمْ إنْ كَانَ لَهُمْ مَالٌ وَإِلَّا فَعَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَإِنْ كَانُوا مَمَالِيكَ لِسَيِّدِ أُمِّهِمْ فَنَفَقَتُهُمْ عَلَى سَيِّدِهِمْ، وَلَا يَجُوزُ لِلْعَبْدِ إتْلَافُ مَالِ سَيِّدِهِ، وَعَلَى هَذَا فَصَوَابُ التَّعْبِيرِ لَا يَجُوزُ لَهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَازِمًا لَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَإِنْ كَانَ أَوْلَادُ الْعَبْدِ مِنْ أَمَتِهِ جَازَ لَهُ الْإِنْفَاقُ عَلَيْهِمْ لِأَنَّ الْمَالَ لِسَيِّدِهِ وَأَوْلَادُهُ مَمْلُوكُونَ لَهُ أَيْضًا فَلَمْ يَتَبَرَّعْ بِمَالِ سَيِّدِهِ بَلْ أَنْفَقَهُ فِيمَا يَجِبُ عَلَى سَيِّدِهِ. (قَالَ فِي النَّوَادِرِ:) قَالَ مَالِكٌ وَلَيْسَ عَلَى الْعَبْدِ فِي أَوْلَادِهِ الْأَحْرَارِ وَلَا الْمَمَالِيكِ نَفَقَةٌ وَلَا إرْضَاعٌ إلَّا أَنْ يَكُونُوا لِسَيِّدِهِ اهـ. [فَصْلٌ فِي الرَّجْعَةِ] ِ وَكَابْتِدَاءِ مَا سِوَى الرَّجْعِيِّ ... فِي الْإِذْنِ وَالصَّدَاقِ وَالْوَلِيِّ وَلَا رُجُوعَ لِمَرِيضَةٍ وَلَا ... بِالْحَمْلِ سِتَّةَ الشُّهُورِ وَصَلَا يَعْنِي أَنَّ الرَّجْعَةَ مِنْ الطَّلَاقِ الْبَائِنِ كَابْتِدَاءِ النِّكَاحِ فِي اشْتِرَاطِ الْإِذْنِ مِنْ الزَّوْجَةِ - إنْ لَمْ تَكُنْ مُجْبَرَةً - وَالصَّدَاقِ وَالْوَلِيِّ وَالْإِشْهَادِ عِنْدَ الدُّخُولِ، وَإِذَا اُشْتُرِطَ ذَلِكَ فَلَا رُجُوعَ لِلْمَرِيضَةِ مَرَضًا مَخُوفًا وَلَا لِحَامِلٍ بَلَغَتْ سِتَّةَ أَشْهُرٍ لِأَنَّهَا مَرِيضَةٌ، فَلَوْ أَدْخَلَ الْفَاءَ عَلَى " رُجُوعٍ " لِيُعْلَمَ كَوْنُهُ نَتِيجَةً عَمَّا قَبْلَهُ لَكَانَ أَبْيَنَ. (قَالَ ابْنُ عَبْدِ الرَّفِيعِ فِي مُعِينِ الْحُكَّامِ) : وَإِذَا رَاجَعَ الزَّوْجُ زَوْجَتَهُ الْمُخَالِعَةَ أَوْ الْمُبَارِئَةَ فَلَا بُدَّ مِنْ رِضَاهَا وَوَلِيٍّ وَصَدَاقٍ، إلَّا أَنْ تَكُونَ مَرِيضَةً أَوْ حَامِلًا مُثْقَلًا قَدْ بَلَغَتْ سِتَّةَ أَشْهُرٍ فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ اهـ. وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ " مَا سِوَى الرَّجْعِيِّ " أَنَّ الرَّجْعَةَ مِنْ الرَّجْعِيِّ لَيْسَتْ كَابْتِدَاءِ النِّكَاحِ فَلَا يُشْتَرَطُ

فصل في الفسخ

إلَّا كَوْنُ الزَّوْجِ عَاقِلًا، بَالِغًا، وَيَرْتَجِعُ وَلَوْ كَانَ مُحْرِمًا، أَوْ عَبْدًا، بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ، لِأَنَّ الزَّوْجَةَ مَا زَالَتْ فِي عِصْمَتِهِ. (ابْنُ الْحَاجِبِ) وَشَرْطُ الْمُرْتَجِعِ أَيْ: مِنْ الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ أَهْلِيَّةُ النِّكَاحِ، وَلَا يَمْنَعُ مَرَضٌ، وَلَا إحْرَامٌ، وَيَرْتَجِعُ الْعَبْدُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ. (التَّوْضِيحَ) يَعْنِي أَنَّ الْمُرْتَجِعَ يُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ أَهْلًا لِلنِّكَاحِ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ عَاقِلًا، بَالِغًا. وَقَوْلُهُ وَلَا يَمْنَعُ مَرَضٌ أَيْ: لَا يَمْنَعُ مِنْ الرَّجْعَةِ مَا يَمْنَعُ مِنْ ابْتِدَاءِ النِّكَاحِ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمُتَزَوِّجَ وَالْمُرْتَجِعَ يَسْتَوِيَانِ فِي الشُّرُوطِ دُونَ انْتِفَاءِ الْمَوَانِعِ، وَلَمْ يَمْنَعْ الْمَرَضُ؛ لِأَنَّ الْمُطَلَّقَةَ طَلَاقًا رَجْعِيًّا تَرِثُ، فَلَمْ يَكُنْ فِي ارْتِجَاعِهَا إدْخَالُ وَارِثٍ، بِخِلَافِ ابْتِدَاءِ النِّكَاحِ. وَقَوْلُهُ: وَلَا إحْرَامَ، يُرِيدُ سَوَاءً كَانَتْ هِيَ مُحْرِمَةً أَوْ هُوَ اهـ. وَقَوْلُهُ وَيَرْتَجِعُ الْعَبْدُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَذِنَ لَهُ فِي النِّكَاحِ فَقَدْ أَذِنَ لَهُ فِي تَوَابِعِهِ وَلِأَنَّ الرَّجِيعَةَ زَوْجَتُهُ اهـ. وَزَوْجَةُ الْعَبْدِ إذَا مَا عَتَقَتْ ... وَاخْتَارَتْ الْفِرَاقَ مِنْهُ طَلُقَتْ بِمَا تَشَاؤُهُ وَمَهْمَا عَتَقَا ... فَمَا لَهُ مِنْ ارْتِجَاعٍ مُطْلَقَا يَعْنِي: إذَا كَانَ الْعَبْدُ مُتَزَوِّجًا بِأَمَةٍ ثُمَّ أَعْتَقَ الْأَمَةَ سَيِّدُهَا عِتْقًا نَاجِزًا؛ فَإِنَّ لَهَا الْخِيَارَ فِي الْإِقَامَةِ مَعَ زَوْجِهَا أَوْ مُفَارَقَتِهِ. وَيُحَالُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا حَتَّى تَخْتَارَ، فَإِنْ اخْتَارَتْ الْبَقَاءَ فَلَا إشْكَالَ، وَإِنْ اخْتَارَتْ الطَّلَاقَ وَقَالَتْ: اخْتَرْتُ نَفْسِي فَهِيَ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ، إلَّا أَنْ تَنْوِيَ أَكْثَرَ، فَيَلْزَمُ مَا نَوَتْ، وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِقَوْلِهِ " مِمَّا تَشَاؤُهُ " فَإِنْ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا وَطَلُقَتْ ثُمَّ عَتَقَ الْعَبْدُ فَلَا رَجْعَةَ لَهُ عَلَيْهَا، سَوَاءً عَتَقَ فِي الْعِدَّةِ أَوْ بَعْدَهَا، وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِقَوْلِهِ " مُطْلَقَا " (قَالَ فِي التَّهْذِيبِ) وَإِذَا عَتَقَتْ الْأَمَةُ تَحْتَ عَبْدٍ؛ حِيلَ بَيْنَهُمَا حَتَّى تَخْتَارَ، وَلَهَا الْخِيَارُ بِطَلْقَةٍ، وَتَكُونُ بَائِنَةً، وَلَا رَجْعَةَ لَهُ إنْ عَتَقَ فِي الْعِدَّةِ، إنْ قَالَتْ حِينَ عَتَقَتْ: اخْتَرْتُ نَفْسِي. وَلَا نِيَّةَ لَهَا فَهِيَ طَلْقَةٌ بَائِنَةٌ، إلَّا أَنْ تَنْوِيَ أَكْثَرَ فَيَلْزَمُ مَا نَوَتْ، وَلَوْ طَلَّقَتْ نَفْسَهَا أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ أَوْ أَلْبَتَّةَ بَعْدَ الْبِنَاءِ لَزِمَ، وَلَا تَحِلُّ لَهُ إنْ طَلُقَتْ اثْنَتَيْنِ فَأَكْثَرَ، إلَّا بَعْدَ زَوْجٍ، لِأَنَّهُ جَمِيعُ طَلَاقِ الْعَبْدِ. وَكَذَلِكَ إنْ بَانَتْ بِوَاحِدَةٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ لَهُ فِيهَا طَلْقَةٌ، وَأَوَّلُ قَوْلِ مَالِكٍ: أَنَّهُ لَيْسَ لَهَا أَنْ تَخْتَارَ بِنَفْسِهَا بِأَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ. ثُمَّ رَجَعَ إلَى أَنَّ ذَلِكَ لَهَا عَلَى حَدِيثِ بَرِيرَةَ، وَلَهَا الْخِيَارُ عِنْدَ غَيْرِ السُّلْطَانِ اهـ (فَرْعٌ) فَلَوْ عَتَقَ زَوْجُهَا قَبْلَ أَنْ تَخْتَارَ؛ سَقَطَ خِيَارُهَا. وَكَذَلِكَ إنْ طَلَّقَهَا طَلَاقًا بَائِنًا قَبْلَ أَنْ تَخْتَارَ سَقَطَ خِيَارُهَا لِاسْتِحَالَةِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ مِنْهَا وَهِيَ بَائِنَةٌ بِخِلَافِ الرَّجْعِيَّةِ، فَإِنَّهَا زَوْجَةٌ. وَفِي الْمَسْأَلَةِ فُرُوعٌ اُنْظُرْ التَّوْضِيحَ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ. [فَصْلٌ فِي الْفَسْخِ] ِ وَفَسْخُ فَاسِدٍ بِلَا وِفَاقِ ... بِطَلْقَةٍ تُعَدُّ فِي الطَّلَاقِ وَمَنْ يَمُتْ قَبْلَ وُقُوعِ الْفَسْخِ ... فِي ذَا فَمَا لِإِرْثِهِ مِنْ نَسْخِ وَفَسْخُ مَا الْفَاسِدُ فِيهِ مُجْمَعُ ... عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ طَلَاقٍ يَقَعُ وَتَلْزَمُ الْعِدَّةُ بِاتِّفَاقِ ... لِمُبْتَنًى بِهَا عَلَى الْإِطْلَاقِ اشْتَمَلَتْ الْأَبْيَاتُ الْأَرْبَعَةُ عَلَى أَرْبَعِ مَسَائِلَ. (الْأُولَى) أَنَّ النِّكَاحَ الْفَاسِدَ الْمُخْتَلَفَ فِيهِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِي صِحَّتِهِ وَفَسَادِهِ إذَا أُرِيدَ فَسْخُهُ فَإِنَّمَا يُفْسَخُ بِطَلَاقٍ، مُرَاعَاةً لِمَنْ يَقُولُ بِصِحَّتِهِ، وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِالْبَيْتِ الْأَوَّلِ. (الثَّانِيَةُ) إذَا مَاتَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ فِي هَذَا النِّكَاحِ الْمُخْتَلَفِ فِي صِحَّتِهِ وَفَسَادِهِ قَبْلَ وُقُوعِ الْفَسْخِ؛ فَإِنَّهُمَا يَتَوَارَثَانِ كَالصَّحِيحِ، مَا لَمْ يَكُنْ الْفَسْخُ لِحَقِّ الْوَرَثَةِ فِي الْإِرْثِ؛ فَلَا إرْثَ كَنِكَاحِ الْمَرِيضِ. وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِالْبَيْتِ الثَّانِي. (وَالثَّالِثَةُ) إذَا كَانَ فَسَادُ النِّكَاحِ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يُفْسَخُ بِغَيْرِ طَلَاقٍ، وَهُوَ مَفْهُومُ الْأُولَى، وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِالْبَيْتِ الثَّالِثِ. (الرَّابِعَةُ) إذَا فُسِخَ النِّكَاحُ بَعْدَ الْبِنَاءِ فَتَجِبُ فِيهِ الْعِدَّةُ بِاتِّفَاقٍ فِي الْمُتَّفَقِ عَلَى فَسَادِهِ وَالْمُخْتَلَفِ فِيهِ لِقَوْلِهِ عَلَى الْإِطْلَاقِ، أَمَّا الْأُولَى وَالثَّانِيَةُ وَهُمَا فَسْخُ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ بِطَلَاقٍ وَثُبُوتِ الْإِرْثِ فِيهِ فَقَالَ ابْنُ الْحَارِثِ فِي أُصُولِ الْفُتْيَا: كُلُّ نِكَاحٍ كَانَ فِيهِ

اخْتِلَافٌ وَدَخَلَتْ فِي تَحْرِيمِهِ الشُّبْهَةُ فَالْوَلَدُ فِيهِ يَلْحَقُ وَفَسْخُهُ بِطَلَاقٍ، وَمَنْ مَاتَ مِنْ الزَّوْجَيْنِ قَبْلَ الْفَسْخِ وَرِثَهُ الْبَاقِي اهـ. وَحَكَى ابْنُ الْحَاجِبِ فِي تَمْيِيزِ مَا يُفْسَخُ بِطَلَاقٍ مِمَّا يُفْسَخُ بِغَيْرِ طَلَاقٍ قَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا: قَالَ أَكْثَرُ الرُّوَاةِ: إنَّ كُلَّ نِكَاحٍ كَانَ لِلزَّوْجِ أَوْ لِلزَّوْجَةِ أَوْ لِلْوَلِيِّ إمْضَاؤُهُ وَفَسْخُهُ فَفَسْخُهُ بِطَلْقَةٍ بَائِنَةٍ. وَمَا كَانُوا مَغْلُوبِينَ عَلَى فَسْخِهِ فَفَسْخُهُ بِغَيْرِ طَلَاقٍ. فَالْأَوَّلُ كَنِكَاحِ الْأَجْنَبِيِّ يَرُدُّهُ الْوَلِيُّ، فَالْخِيَارُ فِيهِ لِلْوَلِيِّ وَإِذَا كَانَ بِالزَّوْجَةِ عَيْبٌ فَالْخِيَارُ لِلزَّوْجِ، أَوْ بِهِ عَيْبٌ فَالْخِيَارُ لِلزَّوْجَةِ، ثُمَّ مَثَّلَ لِلثَّانِي وَهُوَ مَا كَانُوا مَغْلُوبِينَ عَلَى فَسْخِهِ بِوَلَايَةِ الْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ وَنِكَاحِ الشِّغَارِ وَالْمَرِيضِ وَالْمُحْرِمِ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ، وَكَالصَّدَاقِ الْفَاسِدِ قَبْلَ الْبِنَاءِ، وَكَالْمُجْمَعِ عَلَى فَسْخِهِ. الْقَوْلُ الثَّانِي قَالَ: رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ وَرَجَعَ إلَيْهِ ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّ مَا اُخْتُلِفَ فِي إجَازَتِهِ وَفَسْخِهِ فَفَسْخُهُ بِطَلَاقٍ كَوَلَايَةِ الْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ وَنِكَاحِ الشِّغَارِ وَنِكَاحِ الْمَرِيضِ وَالْمُحْرِمِ وَكَالصَّدَاقِ الْفَاسِدِ قَبْلَ الْبِنَاءِ، وَمَا اُتُّفِقَ عَلَى فَسْخِهِ فَفَسْخُهُ بِغَيْرِ طَلَاقٍ كَالْخَامِسَةِ وَأُخْتِ الْمَرْأَةِ أَوْ عَمَّتِهَا أَوْ خَالَتِهَا. قَالَ: وَمَا فُسِخَ بِطَلَاقٍ يَقَعُ بِهِ التَّحْرِيمُ أَيْ: تَحْرِيمُ الْمُصَاهَرَةِ مِنْ كَوْنِهَا تُحَرَّمُ عَلَى آبَائِهِ، وَأَبْنَائِهِ، وَتُحَرَّمُ عَلَيْهِ أُمَّهَاتُهَا وَبَنَاتُهَا، وَيَقَعُ فِيهِ الطَّلَاقُ إذَا أَوْقَعَهُ الزَّوْجُ قَبْلَ الْفِرَاقِ، وَتَقَعُ بِهِ الْمُوَارَثَةُ إذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْفَسْخِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ الْفَسْخُ لِحَقِّ الْوَرَثَةِ، كَنِكَاحِ الْمَرِيضِ، فَلَا إرْثَ فِيهِ لِأَنَّا لِأَجْلِ الْإِرْثِ فَسَخْنَاهُ. وَأَمَّا مَا يُفْسَخُ بِغَيْرِ طَلَاقٍ فَلَا يَقَعُ فِيهِ طَلَاقٌ إذَا أَوْقَعَهُ الزَّوْجُ قَبْلَ الْفِرَاقِ، وَلَا تَقَعُ فِيهِ مُوَارَثَةٌ. اهـ بِالْمَعْنَى، وَزِيَادَةُ بَعْضِ الْكَلِمَاتِ لِلْبَيَانِ، وَقَدْ اشْتَمَلَ كَلَامُ ابْنِ الْحَاجِبِ هَذَا عَلَى الْمَسَائِلِ الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ فَالْأُولَى: هِيَ قَوْلُهُ فِي الْقَوْلِ الثَّانِي: إنَّ مَا اُخْتُلِفَ فِي إجَازَةِ فَسْخِهِ فَفَسْخُهُ بِطَلَاقٍ، وَالثَّانِيَةُ هِيَ قَوْلُهُ فِيهِ أَيْضًا: مَا فُسِخَ بِطَلَاقٍ تَقَعُ بِهِ الْمُوَارَثَةُ، وَالثَّالِثَةُ هِيَ قَوْلُهُ فِيهِ أَيْضًا: وَمَا لَمْ يُخْتَلَفْ فِي فَسْخِهِ فَفَسْخُهُ بِغَيْرِ طَلَاقٍ. وَهُوَ تَصْرِيحٌ بِمَفْهُومِ الْأَوْلَى، وَإِنَّمَا جَلَبْنَا كَلَامَ ابْنِ الْحَاجِبِ بِجُمْلَتِهِ لِمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنْ الْفَوَائِدِ وَالْمُثُلِ. (قَالَ فِي التَّوْضِيحِ) مَا حَاصِلُهُ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَك مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ كُلَّ مَا يُفْسَخُ بِطَلَاقٍ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ وَهُوَ مَا لِأَحَدِ الثَّلَاثَةِ فَسْخُهُ وَإِجَازَتُهُ فَإِنَّهُ يُفْسَخُ بِذَلِكَ. أَيْ: بِطَلَاقٍ، وَعَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي إنَّ مَا اُخْتُلِفَ فِيهِ يُفْسَخُ بِطَلَاقٍ؛ لِأَنَّ مَا لِأَحَدِ الثَّلَاثَةِ فَسْخُهُ مِنْ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ، وَلَيْسَ كُلُّ مَا يُفْسَخُ بِطَلَاقٍ عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي وَهُوَ الْمُخْتَلَفُ فِيهِ يُفْسَخُ بِهِ عَلَى الْأَوَّلِ، فَيَكُونُ لِأَحَدِ الثَّلَاثَةِ فَسْخُهُ، فَإِنَّ نِكَاحَ الشِّغَارِ وَنِكَاحَ الْمُحْرِمِ مَثَلًا يُفْسَخُ بِطَلَاقٍ، لِكَوْنِهِ مُخْتَلَفًا فِيهِ، وَلَيْسَ لِلثَّلَاثَةِ فِيهِ خِيَارٌ، فَكُلُّ مَا لِأَحَدِ الثَّلَاثَةِ فَسْخُهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، وَلَيْسَ كُلُّ مُخْتَلَفٍ فِيهِ لِأَحَدِ الثَّلَاثَةِ فَسْخُهُ، - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ -. (وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) وَهِيَ النِّكَاحُ الْفَاسِدُ إذَا فُسِخَ بَعْدَ الْبِنَاءِ فَقَالَ: تَجِبُ فِيهِ الْعِدَّةُ لَا الِاسْتِبْرَاءُ مُتَّفَقًا عَلَى فَسَادِهِ، أَوْ مُخْتَلَفًا فِيهِ. وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِقَوْلِهِ وَتَلْزَمُ الْعِدَّةُ بِاتِّفَاقٍ ... لِمُبْتَنًى بِهَا عَلَى الْإِطْلَاقِ (قَالَ فِي الْمُقَرِّبِ) قُلْت لَهُ: أَرَأَيْتَ إنْ كَانَ النِّكَاحُ فَاسِدًا وَدَخَلَ بِهَا زَوْجُهَا، ثُمَّ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا وَتَصَادَقَا عَلَى تَرْكِ الْمَسِيسِ، أَعْلَيْهَا عِدَّةٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، كَالْعِدَّةِ مِنْ النِّكَاحِ الصَّحِيحِ، وَلَا تُصْدَقُ عَلَى الْعِدَّةِ، أَلَّا تَرَى أَنَّهَا لَوْ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لَثَبَتَ نَسَبُهُ، إلَّا أَنْ يَنْفِيَهُ بِلِعَانٍ، وَلَا صَدَاقَ لَهَا؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَدَّعِهِ انْتَهَى. فَقَوْلُهُ لَا تُصْدَقُ عَلَى الْعِدَّةِ أَيْ: لَا تُصْدَقُ فِي عَدَمِ الْمَسِيسِ فَتَسْقُطُ عَنْهَا الْعِدَّةُ، بَلْ الْعِدَّةُ لَازِمَةٌ لِأَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ تَعَالَى، وَإِنَّمَا تُؤَاخَذُ بِهِ فِي أَنَّهَا لَا صَدَاقَ لَهَا لِإِقْرَارِهَا أَنَّهَا لَمْ تُمَسَّ، فَلَا تَسْتَحِقُّ صَدَاقًا، وَإِطْلَاقُ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْقَوْلَ بِلُزُومِ الْعِدَّةِ لِلْمُبْتَنَى بِهَا يُظْهِرُ أَنَّهُ مُوَافِقٌ فِي ذَلِكَ لِمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْمُقَرِّبِ، وَيَظْهَرُ مِنْ قَوْلِهِ عَلَى الْإِطْلَاقِ أَنَّهُ سَوَاءٌ كَانَ النِّكَاحُ فَاسِدًا أَوْ مُخْتَلَفًا فِيهِ أَوْ مُجْمَعًا عَلَيْهِ. فَأَمَّا الْمُخْتَلَفُ فِيهِ فَلَا إشْكَالَ فِي ذَلِكَ، وَنَصُّ الْمُقَرِّبِ الْمُتَقَدِّمِ يَشْهَدُ لَهُ. وَأَمَّا الْمُجْمَعُ عَلَيْهِ فَيَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ عَدَمُ لُزُومِ الْعِدَّةِ فِيهِ، وَإِنَّمَا يَجِبُ فِيهِ الِاسْتِبْرَاءُ، وَيَظْهَرُ مِنْ الْمُقَرِّبِ أَنَّهُ تَجِبُ فِيهِ الْعِدَّةُ، لِقَوْلِهِ: وَإِنْ عُلِمَ بِذَلِكَ أَيْ: بِفَسَادِ النِّكَاحِ كَأُخْتِهِ مِنْ الرَّضَاعِ، قَبْلَ مَوْتِ زَوْجِهَا وَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا؛ فَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ، وَسَبِيلُهَا فِيهَا سَبِيلُ النِّكَاحِ الصَّحِيحِ فِي السُّكْنَى، وَالنَّفَقَةِ. وَجَمِيعُ ذَلِكَ قَوْلُ مَالِكٍ اهـ. فَصَحَّ إطْلَاقُ النَّاظِمِ وُجُوبَ الْعِدَّةِ فِي الْفَاسِدِ بِقِسْمَيْهِ، وَعَلَى مَا يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ يَكُونُ إطْلَاقُ الْعِدَّةِ فِي فَسْخِ النِّكَاحِ الْمُتَّفَقِ عَلَى فَسَادِهِ مَجَازًا، يُرَادُ بِهِ الِاسْتِبْرَاءُ، وَفِي الرَّصَّاعِ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ عَرَفَةَ: الْعِدَّةُ مُدَّةُ مَنْعِ النِّكَاحِ لِفَسْخِهِ، أَوْ مَوْتِ

باب النفقة وما يتعلق بها

الزَّوْجِ أَوْ طَلَاقِهِ مَا نَصُّهُ (فَإِنْ قُلْت) أَطْلَقَ الشَّيْخُ فِي قَوْلِهِ لِفَسْخِهِ فَظَاهِرُهُ: أَنَّ النِّكَاحَ الْفَاسِدَ إذَا فُسِخَ تَجِبُ فِيهِ الْعِدَّةُ، وَلَوْ كَانَ مُجْمَعًا عَلَى فَسَادِهِ (قُلْتُ) كَذَلِكَ وَقَعَ فِي إطْلَاقِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَقَالَ شَارِحُهُ: هُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ فِيهَا: وَمَا فُسِخَ مِنْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ أَوْ ذَاتِ مَحْرَمٍ فَالْعِدَّةُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ كَالْعِدَّةِ فِي الصَّحِيحِ. وَنَقَلَ الشَّيْخُ عَنْ اللَّخْمِيِّ أَنَّهُ إنْ كَانَ مُجْمَعًا عَلَى فَسَادِهِ فَثَلَاثُ حِيَضٍ. وَقِيلَ: حَيْضَةٌ، وَإِنْ كَانَ مُخْتَلَفًا فِيهِ فَثَلَاثٌ، وَعِنْدِي أَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بِنِكَاحٍ، وَالرَّسْمُ يَدُلُّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ نِكَاحٌ فَفُسِخَ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - اهـ. كَلَامُ الرَّصَّاعِ. [بَابُ النَّفَقَةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا] (ابْنُ عَرَفَةَ) النَّفَقَةُ مَا بِهِ قِوَامُ مُعْتَادِ حَالِ آدَمِيٍّ دُونَ سَرَفٍ (الرَّصَّاعُ) قَوْلُهُ: " مَا بِهِ قِوَامُ مُعْتَادِ حَالِ آدَمِيٍّ " أَخْرَجَ بِهِ مَا بِهِ قِوَامُ مُعْتَادِ غَيْرِ آدَمِيٍّ، وَمَا لَيْسَ مُعْتَادًا فِي حَالِ الْآدَمِيِّ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِنَفَقَةٍ شَرْعًا. وَأَخْرَجَ بِقَوْلِهِ: " دُونَ سَرَفٍ " السَّرَفَ، فَلَيْسَ بِنَفَقَةٍ شَرْعًا إلَخْ، وَلَا يَحْكُمُ الْحَاكِمُ بِهِ، وَالْمُرَادُ هُنَا بِالنَّفَقَةِ: النَّفَقَةُ الَّتِي يُحْكَمُ بِهَا. وَفِي دُخُولِ الْكُسْوَةِ فِي النَّفَقَةِ خِلَافٌ مَشْهُورٌ، ذَكَرَهُ ابْنُ سَهْلٍ وَغَيْرُهُ، وَعَلَيْهِ مَنْ الْتَزَمَ نَفَقَةَ رَجُلٍ، هَلْ تَجِبُ عَلَيْهِ كُسْوَتُهُ؟ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ زَرْبٍ أَوْ لَا تَجِبُ؟ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ سَهْلٍ وَابْنِ رُشْدٍ وَغَيْرِهِمْ (قَالَ ابْنُ رُشْدٍ) : لِأَنَّ النَّفَقَةَ وَإِنْ كَانَتْ مِنْ أَلْفَاظِ الْعُمُومِ فَقَدْ تُعُرِّفَتْ عِنْدَ أَكْثَرِ النَّاسِ بِالطَّعَامِ دُونَ الْكُسْوَةِ. (قَالَ الشَّارِحُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مَا حَاصِلُهُ) : إنَّ النَّفَقَةَ مَوْضُوعَةٌ لِلطَّعَامِ وَالْكُسْوَةِ، ثُمَّ تَخَصَّصَتْ عِنْدَنَا عُرْفًا بِالطَّعَامِ فَقَطْ اهـ. وَقَوْلُهُ: " وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا " الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِالنَّفَقَةِ مَا يَجِبُ مِنْهَا لِلْمُطَلَّقَاتِ، وَمَا يَلْحَقُ بِهَا مِنْ كُسْوَةٍ وَإِسْكَانٍ، وَحُكْمِ الْمُعْسِرِ بِهَا. وَيَجِبُ الْإِنْفَاقُ لِلزَّوْجَاتِ ... فِي كُلِّ حَالَةٍ مِنْ الْحَالَاتِ وَالْفَقْرُ شَرْطُ الْأَبَوَيْنِ وَالْوَلَدْ ... عَدَمُ مَالٍ وَاتِّصَالٌ لِلْأَمَدْ فَفِي الذُّكُورِ لِلْبُلُوغِ يَتَّصِلْ ... وَفِي الْإِنَاثِ بِالدُّخُولِ يَنْفَصِلْ وَالْحُكْمُ فِي الْكُسْوَةِ حُكْمُ النَّفَقَهْ ... وَمُؤَنُ الْعَبْدِ تَكُونُ مُطْلَقَهْ ذَكَرَ فِي هَذِهِ الْأَبْيَاتِ أَسْبَابَ وُجُوبِ النَّفَقَةِ وَشُرُوطَهَا، وَأَسْبَابُهَا - كَمَا قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ ثَلَاثَةٌ: النِّكَاحُ، وَالْقَرَابَةُ، وَالْمِلْكُ، فَتَجِبُ فِي النِّكَاحِ بِالدُّخُولِ، أَوْ بِالدُّعَاءِ إلَى الدُّخُولِ، وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا مَرِيضًا مَرَضَ السِّيَاقِ وَالزَّوْجُ بَالِغٌ وَالزَّوْجَةُ مُطِيقَةٌ لِلْوَطْءِ. كَذَا فِي ابْنِ الْحَاجِبِ وَجَعَلَ فِي التَّوْضِيحِ السَّلَامَةَ مِنْ الْمَرَضِ، وَالْبُلُوغَ فِي الزَّوْجِ، وَإِطَاقَةَ الْوَطْءِ فِي الزَّوْجَةِ، شُرُوطًا فِي الدُّعَاءِ لِلدُّخُولِ، فَإِذَا دُعِيَ إلَيْهِ وَقَدْ اخْتَلَّ أَحَدُ هَذِهِ الشُّرُوطِ فَلَا تَجِبُ، أَمَّا إنْ دَخَلَ فَتَجِبُ النَّفَقَةُ بِغَيْرِ شَرْطٍ. وَجَعَلَهَا اللَّقَانِيِّ شَرْطًا فِي الدُّخُولِ وَفِي الدُّعَاءِ إلَيْهِ، فَلَا تَجِبُ نَفَقَةُ الزَّوْجَةِ وَلَوْ دَخَلَ بِهَا إلَّا إذَا بَلَغَ الزَّوْجُ، وَأَطَاقَتْ الزَّوْجَةُ الْوَطْءَ، وَلَمْ يُعَضِّدْهُ بِنَقْلٍ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ شَرْطٌ فِي الدُّعَاءِ فَقَطْ، كَمَا فِي التَّوْضِيحِ (ابْنُ الْحَاجِبِ) وَتُعْتَبَرُ بِحَالِ الزَّوْجِ، وَالزَّوْجَةِ، وَالْبَلَدِ، وَالسِّعْرِ، وَتَجِبُ نَفَقَتُهَا كَانَتْ غَنِيَّةً أَوْ فَقِيرَةً حُرَّةً أَوْ أَمَةً، كَانَ الزَّوْجُ حُرًّا أَوْ عَبْدًا، وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِقَوْلِهِ: فِي كُلِّ حَالَةٍ مِنْ الْحَالَاتِ (ابْنُ سَلْمُونٍ) وَعَلَى الْعَبْدِ نَفَقَةُ زَوْجَتِهِ الْحُرَّةِ، وَكِسْوَتُهَا طُولَ بَقَائِهَا فِي عِصْمَتِهِ مِنْ كَسْبِهِ، وَلَا يَمْنَعُهُ سَيِّدُهُ مِنْ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَتْ الزَّوْجَةُ أَمَةً فَنَفَقَتُهَا كَذَلِكَ عَلَى زَوْجِهَا، حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا، بَوَّأَهَا مَعَهُ السَّيِّدُ بَيْتًا أَمْ لَا. وَقَالَ أَشْهَبُ لَا نَفَقَةَ لَهَا عَلَى الزَّوْجِ بِحَالٍ وَهِيَ عَلَى السَّيِّدِ، وَقِيلَ بِالْفَرْقِ بَيْنَ أَنْ يُبَوِّئَهَا سَيِّدُهَا مَعَ زَوْجِهَا بَيْتًا فَتَلْزَمُ الزَّوْجَ أَوْ لَا يُبَوِّئُهَا فَتَسْقُطُ عَنْ الزَّوْجِ، اُنْظُرْ تَمَامَ كَلَامِهِ. وَأَمَّا نَفَقَةُ الْقَرَابَةِ: فَعَلَى الْأَوْلَادِ الصِّغَارِ الَّذِينَ لَا مَالَ لَهُمْ عَلَى الذُّكُورِ حَتَّى يَحْتَلِمُوا، وَلَا زَمَانَةَ بِهِمْ، وَعَلَى الْإِنَاثِ حَتَّى يُنْكَحْنَ وَيَدْخُلَ بِهِنَّ أَزْوَاجُهُنَّ وَعَلَى الْأَبَوَيْنِ الْفَقِيرَيْنِ بِشَرْطِ الْحُرِّيَّةِ فِي الْمُنْفِقِ وَالْمُنْفَقِ عَلَيْهِ، وَأَمَّا الْمَمْلُوكُ: فَنَفَقَتُهُ عَلَى مَالِكِهِ، وَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ أَوْلَادِهِ وَلَا نَفَقَةُ أَبَوَيْهِ، إذْ لَيْسَ لَهُ إتْلَافُ مَالِ سَيِّدِهِ وَلَا يَطْلُبُهُ

أَبُوهُ أَوْ ابْنُهُ بِالنَّفَقَةِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ عَلَى سَيِّدِهِ. وَعَلَى اسْتِمْرَارِ نَفَقَةِ الْأَوْلَادِ إلَى الْأَمَدِ الْمَذْكُورِ نَبَّهَ بِقَوْلِهِ: " وَاتِّصَالٌ لِلْأَمَدِ " ثُمَّ فَسَّرَ ذَلِكَ الْأَمَدَ بِقَوْلِهِ: فَفِي الذُّكُورِ لِلْبُلُوغِ يَتَّصِلْ ... وَفِي الْإِنَاثِ بِالدُّخُولِ يَنْفَصِلْ (ابْنُ الْحَاجِبِ) . وَتَجِبُ عَلَى الْأَبِ الْحَرِّ نَفَقَةُ وَلَدِهِ الْفَقِيرِ عَلَى قَدْرِ حَالِهِ لَهُ، وَنَفَقَةُ الذَّكَرِ حَتَّى يَحْتَلِمَ، عَاقِلًا غَيْرَ زَمِنٍ بِمَا يَمْنَعُ التَّكَسُّبَ، وَقِيلَ: حَتَّى يَحْتَلِمَ، وَالْبِنْتُ حَتَّى يَدْخُلَ بِهَا الزَّوْجُ، وَلَوْ أَسْلَمَ بَعْدَ الْبُلُوغِ وَبَقِيَتْ كَافِرَةً، وَلَوْ عَادَتْ بَالِغَةً أَوْ عَادَتْ الزَّمَانَةُ لِلذَّكَرِ لَمْ تَعُدْ، ثُمَّ لَهُمَا أَنْ يَذْهَبَا حَيْثُ شَاءَا إلَّا أَنْ يُخَافَ سَفَهٌ؛ فَيَمْنَعَهُمَا الْأَبُ أَوْ الْوَصِيُّ. (التَّوْضِيحُ) وَاحْتُرِزَ بِوَصْفِ الْأَبِ بِالْحُرِّيَّةِ مِنْ أَنْ يَكُونَ الْأَبُ عَبْدًا أَوْ فِيهِ شَائِبَةٌ مِنْ شَوَائِبِ الْحُرِّيَّةِ، فَلَا نَفَقَةَ لِوَالِدِهِ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ لَا نَفَقَةَ لِلْوَلَدِ الرَّقِيقِ عَلَى أَبِيهِ، وَشَرَطَ فِي نَفَقَةِ الْوَلَدِ أَنْ يَكُونَ فَقِيرًا، وَأَمَّا إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: أَوْ يَكُونُ اكْتَسَبَ مَا يَسْتَغْنِي بِهِ فَلَا تَجِبُ نَفَقَتُهُ. وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ لِلْبِنْتِ مَا تَسْتَغْنِي بِهِ فَلَا تَجِبُ نَفَقَتُهَا، فَإِنْ كَانَتْ الصَّنْعَةُ لَا تَكْفِي أُعْطِيت تَمَامَ الْكِفَايَةِ (اللَّخْمِيُّ) وَإِذَا كَسَدَتْ الصَّنْعَةُ عَادَتْ النَّفَقَةُ عَلَى الْأَبِ، وَاشْتَرَطَ هُنَا الْفَقْرَ وَلَمْ يَشْتَرِطْهُ فِي الزَّوْجَةِ؛ لِأَنَّ نَفَقَةَ الْوَلَدِ مُوَاسَاةٌ بِخِلَافِ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ فَإِنَّهَا مُعَاوَضَةٌ. وَقَوْلُهُ: " وَلَوْ أَسْلَمَ بَعْدَ الْبُلُوغِ " أَيْ: وَلَوْ أَسْلَمَ الْأَبُ بَعْدَ بُلُوغِ ابْنَتِهِ الْبِكْرِ وَبَقِيَتْ هِيَ كَافِرَةً فَلَا تَسْقُطُ نَفَقَتُهَا، وَذَكَرَهَا لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ خُرُوجُهَا لِاخْتِلَافِ الدِّينَيْنِ، وَكَذَلِكَ نَصَّ اللَّخْمِيُّ عَلَى الْوُجُوبِ فِي عَكْسِ هَذِهِ الصُّورَةِ، أَعْنِي: إذَا أَسْلَمَتْ بَعْدَ بُلُوغِهَا وَبَقِيَ هُوَ كَافِرًا، لَمْ تَسْقُطْ نَفَقَتُهَا عَنْهُ لِأَنَّهُ حُكْمٌ بَيْنَ مُسْلِمٍ وَكَافِرٍ. وَقَوْلُهُ: " وَلَوْ عَادَتْ بَالِغَةً " إلَخْ يَعْنِي فَلَوْ زَوَّجَ ابْنَتَهُ الصَّغِيرَةَ ثُمَّ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا أَوْ مَاتَ عَنْهَا وَعَادَتْ إلَى أَبِيهَا بَعْدَ الْبِنَاءِ بَالِغَةً لَمْ تَعُدْ نَفَقَتُهَا عَلَى الْأَبِ. (مَالِك) فَإِنْ طَلُقَتْ قَبْلَ الْبِنَاءِ فَهِيَ عَلَى نَفَقَتِهَا، وَمَفْهُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهَا لَوْ عَادَتْ غَيْرَ بَالِغَةٍ لَوَجَبَ عَلَى الْأَبِ الْإِنْفَاقُ، وَهُوَ قَوْلُ سَحْنُونٍ قَالَ: تَعُودُ نَفَقَتُهَا وَلَا يُسْقِطُهَا بُلُوغُهَا بَلْ حَتَّى تَتَزَوَّجَ زَوْجًا آخَرَ. وَقَالَ غَيْرُهُ: لَا تَعُودُ أَصْلًا. وَقِيلَ: تَعُودُ إلَى أَنْ تَبْلُغَ فَتَسْقُطَ. قَالَ: وَلَا تَسْقُطُ النَّفَقَةُ لِتَرْشِيدِهِ لِاِبْنَتِهِ. وَقَوْلُهُ: " أَوْ عَادَتْ الزَّمَانَةُ لِلذَّكَرِ " يَعْنِي إنْ بَلَغَ الِابْنُ زَمِنًا وَقُلْنَا بِاسْتِمْرَارِ نَفَقَتِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ ثُمَّ صَحَّ وَحَكَمْنَا بِسُقُوطِ نَفَقَتِهِ ثُمَّ زَمِنَ فَإِنَّ النَّفَقَةَ لَا تَعُودُ إلَى الْأَبِ اهـ. (وَفِي الْمُقَرِّبِ) قُلْت لَهُ: أَرَأَيْت الصَّبِيَّ الصَّغِيرَ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ وَأَبَوَاهُ مُعْسِرَانِ أَيُنْفَقُ عَلَيْهِمَا مِنْ مَالِ هَذَا الِابْنِ؟ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ يُنْفَقُ عَلَيْهِمَا مِنْ مَالِ الْوَلَدِ، صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا، ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى، مُتَزَوِّجَةً كَانَتْ الْأُمُّ أَوْ غَيْرَ مُتَزَوِّجَةٍ اهـ. وَقَوْلُهُ: وَالْحُكْمُ فِي الْكُسْوَةِ حُكْمُ النَّفَقَةِ يَعْنِي أَنَّ حُكْمَ الْكُسْوَةِ حُكْمُ النَّفَقَةِ فَحَيْثُ تَجِبُ النَّفَقَةُ تَجِبُ الْكُسْوَةُ وَحَيْثُ لَا فَلَا

أُجْرَةَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَقَوْلُهُ: وَمُؤَنُ الْعَبْدِ تَكُونُ مُطْلَقَا أَيْ: عَلَى سَيِّدِهِ، وَمُؤْنَتُهُ: نَفَقَتُهُ وَكُسْوَتُهُ. وَهَذِهِ إشَارَةٌ إلَى السَّبَبِ الثَّالِثِ مِنْ أَسْبَابِ النَّفَقَةِ وَهُوَ الْمَلِكُ. (ابْنُ الْحَاجِبِ) وَتَجِبُ نَفَقَةُ مِلْكِ الْيَمِينِ وَإِلَّا بِيعَ عَلَيْهِ (التَّوْضِيحُ) تَصَوُّرُهُ ظَاهِرٌ (فَرْعٌ) إذَا تَبَيَّنَ ضَرَرُهُ بِعَبْدِهِ فِي تَجْوِيعِهِ وَتَكْلِيفِهِ مِنْ الْعَمَلِ مَا لَا يُطِيقُ وَتَكَرَّرَ ذَلِكَ مِنْهُ بِيعَ عَلَيْهِ اهـ. (وَفِي الرِّسَالَةِ) وَعَلَيْهِ أَنْ يُنْفِقَ عَلَى عَبِيدِهِ وَيُكَفِّنَهُمْ إنْ مَاتُوا. وَمُنْفِقٌ عَلَى صَغِيرٍ مُطْلَقَا ... لَهُ الرُّجُوعُ بِاَلَّذِي قَدْ أَنْفَقَا عَلَى أَبٍ أَوْ مَالِ الِابْنِ وَأُبِيَا ... إلَّا بِعِلْمِ الْمَالِ أَوْ يُسْرِ الْأَبِ وَيَرْجِعُ الْوَصِيُّ مُطْلَقًا بِمَا ... يُنْفِقُهُ وَمَا الْيَمِينَ أُلْزِمَا وَغَيْرُ مُوصٍ يُثْبِتُ الْكَفَالَهْ ... وَمَعْ يَمِينٍ يَسْتَحِقُّ مَالَهْ

يَعْنِي أَنَّ مَنْ أَنْفَقَ عَلَى صَغِيرٍ سَوَاءٌ كَانَ لَهُ أَبٌ أَوْ يَتِيمًا، وَهُوَ مُرَادُهُ بِالْإِطْلَاقِ، فَإِنَّ لَهُ الرُّجُوعَ مِمَّا أَنْفَقَ، وَيَكُونُ رُجُوعُهُ فِي مَالِ الصَّبِيِّ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ وَعَلِمَ بِهِ الْمُنْفِقُ، أَوْ فِي مَالِ الْأَبِ إنْ كَانَ مُوسِرًا وَعَلِمَ الْمُنْفِقُ بِيُسْرِهِ. وَهَذَا مَعْنَى الْبَيْتَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ، فَإِنْ كَانَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا مَالٌ رَجَعَ فِي مَالِ الصَّبِيِّ. (قَالَ ابْنُ رُشْدٍ) : إنْ كَانَ لِلصَّبِيِّ ذِي الْأَبِ أَوْ لِلْيَتِيمِ مَالٌ فَلِلْمُنْفِقِ عَلَيْهِمَا الرُّجُوعُ عَلَيْهِمَا فِي أَمْوَالِهِمَا، إنْ كَانَتْ لَهُ بِالنَّفَقَةِ بَيِّنَةٌ، وَإِنْ لَمْ يُشْهِدْ أَنَّهُ إنَّمَا يُنْفِقُ لِيَرْجِعَ بِهِ بَعْدَ يَمِينِهِ أَنَّهُ إنَّمَا أَنْفَقَ عَلَيْهِمَا لِيَرْجِعَ فِي أَمْوَالِهِمَا لَا عَلَى وَجْهِ الْحِسْبَةِ، وَيُسْرُ أَبِي الْوَلَدِ كَمَالِهِ، وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى السَّبَائِيُّ أَنْ لَا رُجُوعَ فِي أَمْوَالِهِمَا إلَّا أَنْ يَكُونَ أَشْهَدَ أَنَّهُ إنَّمَا أَنْفَقَ لِيَرْجِعَ بِذَلِكَ، وَهَذَا إذَا أَنْفَقَ وَهُوَ يَعْلَمُ مَالَ الْيَتِيمِ، أَوْ يُسْرَ الْأَبِ، وَلَوْ أَنْفَقَ عَلَيْهِمَا ظَانًّا أَنَّهُ لَا مَالَ لِلْيَتِيمِ، وَلَا لِلِابْنِ، وَلَا لِأَبِيهِ، ثُمَّ عَلِمَ ذَلِكَ فَلَا رُجُوعَ. وَقِيلَ: لَهُ الرُّجُوعُ. وَالْقَوْلَانِ قَائِمَانِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ. وَسَمِعَ سَحْنُونٌ مِنْ ابْنِ الْقَاسِمِ: مَنْ غَابَ أَوْ فُقِدَ فَأَنْفَقَ رَجُلٌ عَلَى وَلَدِهِ فَقَدِمَ أَوْ مَاتَ فِي غَيْبَتِهِ وَعَلِمَ أَنَّهُ كَانَ عَدِيمًا؛ لَمْ يَتْبَعْهُ بِمَا أَنْفَقَ. (قَالَ ابْنُ رُشْدٍ) : لِأَنَّ الْوَلَدَ إذَا لَمْ يَكُنْ لِأَبِيهِ وَلَا لَهُ مَالٌ فَهُوَ كَالْيَتِيمِ، النَّفَقَةُ عَلَيْهِ احْتِسَابًا. (قَالَ الْمُتَيْطِيُّ) : يَرْجِعُ بِسِتَّةِ شُرُوطٍ: أَنْ يَكُونَ لِلصَّبِيِّ مَالٌ حِينَ الْإِنْفَاقِ، وَأَنْ يَكُونَ قَدْ عَلِمَ بِهِ الْمُنْفِقُ، وَأَنْ يَكُونَ مَالُهُ غَيْرَ عَيْنٍ، وَأَنْ يَنْوِيَ الْمُنْفِقُ الرُّجُوعَ بِنَفَقَتِهِ، وَأَنْ يَحْلِفَ عَلَى ذَلِكَ، وَأَنْ تَكُونَ النَّفَقَةُ غَيْرَ سَرَفٍ اهـ. مِنْ شَرْحِ الرِّسَالَةِ لِلْقَلَشَانِيِّ بِتَقْدِيمٍ وَتَأْخِيرٍ وَبَعْضِ اخْتِصَارٍ. (وَفِي الْمُقَرِّبِ) قُلْت: فَمَنْ كَفَلَ يَتِيمًا لَهُ مَالٌ فَأَنْفَقَ عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: إنَّمَا أَنْفَقْتُ عَلَيْهِ لِأَرْجِعَ بِهِ فِي مَالِهِ. فَإِنَّ ذَلِكَ لَهُ، وَسَوَاءٌ أَشْهَدَ عَلَى ذَلِكَ أَوْ لَمْ يُشْهِدْ. وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ. (قُلْت) فَلَوْ أَنَّ رَجُلًا غَابَ عَنْ أَوْلَادٍ لَهُ صِغَارٍ فَأَنْفَقَ عَلَيْهِمْ رَجُلٌ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَأْمُرَهُ وَالِدُهُمْ بِالنَّفَقَةِ عَلَيْهِمْ ثُمَّ قَدِمَ وَالِدُهُمْ أَيَكُونُ لِهَذَا الرَّجُلِ أَنْ يَتْبَعَهُ بِمَا أَنْفَقَ؟ قَالَ: نَعَمْ، إذَا كَانَ الْأَبُ مُوسِرًا يَوْمَ أَنْفَقَ عَلَيْهِمْ إذَا قَالَ: أَنْفَقْتُ عَلَيْهِمْ عَلَى وَجْهِ السَّلَفِ، وَحَلَفَ عَلَى ذَلِكَ، وَكَانَتْ لَهُ أَيْضًا بَيِّنَةٌ بِالْإِنْفَاقِ. (وَفِي النَّوَادِرِ) وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَمَنْ أَنْفَقَ عَلَى صَبِيٍّ عَلَى الْحِسْبَةِ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّ لَهُ أَبًا مُوسِرًا لَمْ يَتْبَعْهُ بِشَيْءٍ، إلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ الْأَبَ تَعَمَّدَ ذَلِكَ بِهِمْ. (فَرْعٌ) مَنْ أَنْفَقَ عَلَى يَتِيمٍ وَوَجَبَ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ هَلْ يُكَلَّفُ بِيَمِينِ الْقَضَاءِ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْ إنْفَاقَهُ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ وَلَا أَسْقَطَهُ لِإِمْكَانِ أَنْ يَصِلَ إلَيْهِ ذَلِكَ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَعْلَمْهُ الْقَاضِي؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ عَلَى الْيَتِيمِ كَالْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ؟ وَانْظُرْ فِي مَسَائِلِ الْمَحْجُورِ مِنْ كِتَابِ ابْنِ سَهْلٍ هَذَا فِي غَيْرِ الْوَصِيِّ. وَأَمَّا الْوَصِيُّ فَقَدْ لَا يَكُونُ عَلَيْهِ يَمِينُ الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالْإِنْفَاقِ عَلَى الْيَتِيمِ لِيَرْجِعَ بِهِ فِي مَالِهِ، وَسَوَاءً أَنْفَقَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ أَوْ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ هُوَ قَائِمٌ بِمَا أَنْفَقَ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ الطُّرَرِ. (فَرْعٌ) وَفِي طُرَرِ ابْنِ عَاتٍ قَالَ بَعْضُ الْمُفْتِينَ فِي الْمَرْأَةِ تَتَزَوَّجُ وَيَتَطَوَّعُ زَوْجُهَا بِنَفَقَةِ ابْنِهَا، ثُمَّ تُرِيدُ الرُّجُوعَ بِهَا عَلَى ابْنِهَا، فِي حَيَاتِهِ أَوْ بَعْدَ وَفَاتِهِ، وَكَانَ لَهُ مَالٌ وَقْتَ الْإِنْفَاقِ، فَإِنَّهَا لَا رُجُوعَ لَهَا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مَعْرُوفٌ مِنْ الزَّوْجِ وَصْلَةٌ لِلرَّبِيبِ، وَالْأُمُّ لَمْ تَتْرُكْ عَلَى ذَلِكَ مِنْ حَقِّهَا شَيْئًا اهـ. (قَالَ مُقَيِّدُهُ عَفَا اللَّهُ عَنْهُ) وَقَدْ قُلْت فِي ذَلِكَ بَيْتًا وَهُوَ: وَمَنْ بِإِنْفَاقِ الرَّبِيبِ طَاعَ لَا ... رُجُوعَ لِلْأُمِّ عَلَى ابْنٍ فَاقْبَلَا (تَنْبِيهٌ) تَقَدَّمَ أَنَّ الْمُنْفِقَ عَلَى الصَّغِيرِ إذَا لَمْ يُشْهِدْ أَنَّهُ إنَّمَا أَنْفَقَ لِيَرْجِعَ فَإِنَّهُ يَحْلِفُ عَلَى ذَلِكَ، وَيَرْجِعُ، وَكَذَلِكَ يَرْجِعُ إذَا أَنْفَقَ وَلَمْ يَنْوِ رُجُوعًا وَلَا عَدَمَهُ، فَإِنَّهُ يَحْلِفُ أَنَّهُ لَمْ يَنْوِ رُجُوعًا وَلَا عَدَمَ الرُّجُوعِ، وَيَرْجِعُ. نَقَلَهُ صَاحِبُ الْمِعْيَارِ فِي أَثْنَاءِ جَوَابِ الْعَبْدُوسِيِّ بَعْدَ كَرَاسِينَ مِنْ نَوَازِلِ الْأَحْبَاسِ، قَوْلُهُ: وَيَرْجِعُ الْوَصِيُّ مُطْلَقًا بِمَا ... يُنْفِقُهُ وَمَا الْيَمِينَ أُلْزِمَا وَغَيْرُ مُوصٍ يُثْبِتُ الْكَفَالَهْ ... وَمَعْ يَمِينٍ يَسْتَحِقُّ مَالَهْ يَعْنِي أَنَّ الْوَصِيَّ إذَا أَنْفَقَ عَلَى مَحْجُورِهِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا أَنْفَقَ. سَوَاءً أَشْهَدَ أَنَّهُ أَنْفَقَ لِيَرْجِعَ أَوْ لَا، كَانُوا فِي حَضَانَتِهِ أَوْ لَا، وَهُوَ مُرَادُهُ بِالْإِطْلَاقِ، فَإِنْ لَمْ يُشْهِدْ فَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ، فَيُصَدَّقُ فِي قَصْدِ الرُّجُوعِ، وَعَلَى سُقُوطِ الْيَمِينِ نَبَّهَ بِقَوْلِهِ: " وَمَا الْيَمِينَ أُلْزِمَا " فَمَا نَافِيَةٌ، أَيْ: لَمْ يُلْزِمْهُ الشَّرْعُ يَمِينًا عَلَى ذَلِكَ، قَوْلُهُ: " وَغَيْرُ مُوصٍ الْبَيْتَ، هُوَ تَفْصِيلٌ لِمَا أَجْمَلَ فِي قَوْلِهِ صَدْرَ الْمَسْأَلَةِ: وَمُنْفِقٌ عَلَى صَغِيرٍ مُطْلَقَا وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمُنْفِقَ عَلَى الصَّغِيرِ إنْ كَانَ وَصِيًّا عَلَيْهِ فَلَهُ الرُّجُوعُ

فصل في التداعي في النفقة

مُطْلَقًا، كَانُوا فِي حَضَانَتِهِ أَوْ لَا، إنْ لَمْ يَكُنْ وَصِيًّا فَإِنَّمَا يَرْجِعُ إذَا أَثْبَتَ أَنَّهُمْ فِي كَفَالَتِهِ وَحَلَفَ أَنَّهُ أَنْفَقَ لِيَرْجِعَ، وَأَنَّ النَّفَقَةَ مِنْ عِنْدِهِ. (وَفِي كِتَابِ الِاسْتِغْنَاءِ) قَالَ الْمُشَاوِرُ فِي رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً لَهَا أَوْلَادٌ وَكَانَ الْأَوْلَادُ مَعَ أُمِّهِمْ عَلَى مَائِدَةِ الزَّوْجِ وَفِي بَيْتِهِ وَدَارِهِ زَمَانًا وَلَهُمْ أُصُولٌ وَدُورٌ فَلَمَّا بَلَغُوا قَامَ يَطْلُبهُمْ بِالنَّفَقَةِ فَأَنْكَرُوهُ وَقَالُوا: لَمْ نَأْكُلْ إلَّا مَالَنَا، وَأَقَامَ الزَّوْجُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُمْ كَانُوا عَلَى مَائِدَتِهِ، وَلَا يَعْلَمُونَ الْإِنْفَاقَ مِمَّنْ كَانَ مِنْهُمْ: أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الزَّوْجِ الْحَاضِرِ الْمُنْفِقِ بِيَمِينِهِ، وَيَرْجِعُ بِذَلِكَ فِي غَلَّةِ أُصُولِهِمْ، وَفِي الْأُصُولِ إنْ لَمْ تَفِ الْغَلَّاتُ بِذَلِكَ، فَإِنْ شَطَّ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ شَيْءٌ لَمْ يَكُنْ لَهُ إتْبَاعُهُمْ بِهِ اهـ. نَقَلَهُ ابْنُ سَلْمُونٍ. [فَصْلٌ فِي التَّدَاعِي فِي النَّفَقَةِ] ِ وَمَنْ يَغِبْ عَنْ زَوْجَةٍ وَلَمْ يَدَعْ ... نَفَقَةً لَهَا وَبَعْدَ أَنْ رَجَعْ نَاكَرَهَا فِي قَوْلِهَا فِي الْحِينِ ... فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ الْيَمِينِ مَا لَمْ تَكُنْ لِأَمْرِهَا قَدْ رَفَعَتْ ... قَبْلَ إيَابِهِ لِيَقْوَى مَا ادَّعَتْ فَيَرْجِعُ الْقَوْلُ لَهَا مَعَ الْحَلِفْ ... وَالرَّدُّ لِلْيَمِينِ فِيهِمَا عُرِفْ وَحُكْمُ مَا عَلَى بَنِيهِ أَنْفَقَتْ ... كَحُكْمِ مَا لِنَفْسِهَا قَدْ وَثَّقَتْ فَإِنْ يَكُنْ قَبْلَ الْمَغِيبِ طَلَّقَا ... فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا بِذَاكَ مُطْلَقَا إنْ أَعْمَلَتْ فِي ذَلِكَ الْيَمِينَا ... وَأَثْبَتَتْ حَضَانَةَ الْبَنِينَا يَعْنِي أَنَّ الرَّجُلَ إذَا غَابَ عَنْ زَوْجَتِهِ مُدَّةً وَلَمْ يَتْرُكْ لَهَا نَفَقَةً فَلَمَّا قَدِمَ وَطَالَبَتْهُ بِمَا أَنْفَقَتْ عَلَى نَفْسِهَا، ادَّعَى أَنَّهُ تَرَكَ لَهَا نَفَقَتَهَا، فَإِنَّ الْقَوْلَ فِي ذَلِكَ قَوْلُ الزَّوْجِ، أَنَّهُ تَرَكَ النَّفَقَةَ وَيَحْلِفُ عَلَى ذَلِكَ مَا لَمْ تَكُنْ رَفَعَتْ أَمْرَهَا لِلْحَاكِمِ فِي مَغِيبِهِ، فَتَقْوَى دَعْوَاهَا، وَيَرْجِعُ الْقَوْلُ قَوْلَهَا مَعَ يَمِينِهَا أَيْضًا. وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِقَوْلِهِ: " وَمَنْ يَغِبْ عَنْ زَوْجَةٍ إلَى قَوْلِهِ: فَيَرْجِعُ الْقَوْلُ لَهَا مَعَ الْحَلِفْ قَوْلُهُ: وَالرَّدُّ لِلْيَمِينِ فِيهِمَا عُرِفَ يَعْنِي: أَنَّ مَنْ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ مِنْ الزَّوْجَيْنِ مَعَ يَمِينِهِ فَلَهُ أَنْ يَرُدَّ الْيَمِينَ عَلَى الْآخَرِ، فَإِنْ كَانَ الْقَوْلُ لِلزَّوْجِ فَرَدَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمَرْأَةِ حَلَفَتْ وَلَزِمَتْهُ النَّفَقَةُ. وَإِنْ كَانَ الْقَوْلُ لِلزَّوْجَةِ فَرَدَّتْ الْيَمِينَ عَلَى الزَّوْجِ حَلَفَ وَبَرِيءَ. هَذَا فِيمَا أَنْفَقَتْهُ عَلَى نَفْسِهَا، أَمَّا مَا أَنْفَقَتْهُ عَلَى بَنِيهَا مِنْهُ فَيَجْرِي عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ أَنْ تَرْفَعَ ذَلِكَ لِلْقَاضِي قَبْلَ قُدُومِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا أَوْ لَا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِ مَنْ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ مِنْهُمَا وَعَلَى هَذَا نَبَّهَ بِقَوْلِهِ: وَحُكْمُ مَا عَلَى بَنِيهِ أَنْفَقَتْ الْبَيْتَ هَذَا كُلُّهُ إنْ غَابَ وَهِيَ فِي عِصْمَتِهِ، أَمَّا إنْ طَلَّقَهَا بَائِنًا ثُمَّ غَابَ فَإِنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهَا فِي النَّفَقَةِ رَفَعَتْ لِلْقَاضِي أَوْ لَمْ تَرْفَعْ وَهُوَ

مَعْنَى الْإِطْلَاقِ فِي قَوْلِهِ: " بِذَاكَ مُطْلَقًا. وَالْبَاءُ ظَرْفِيَّةٌ، وَالْإِشَارَةُ لِلْإِنْفَاقِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهَا إذَا حَلَفَتْ وَأَثْبَتَتْ أَنَّ الْأَوْلَادَ كَانُوا فِي حَضَانَتِهَا. (قَالَ فِي الْمُقَرِّبِ) قُلْت: فَإِنْ قَامَتْ امْرَأَةٌ عَلَى زَوْجِهَا فَادَّعَتْ أَنَّهُ لَمْ يُنْفِقْ عَلَيْهَا سِنِينَ، فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ الْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ، وَيَحْلِفُ إنْ ادَّعَى الْإِنْفَاقَ وَكَانَ مُوسِرًا مُقِيمًا مَعَهَا بِالْبَلَدِ، وَإِنْ كَانَ غَائِبًا فَلَمَّا قَدِمَ قَامَتْ عَلَيْهِ فَقَالَ: قَدْ كُنْتُ أَبْعَثُ إلَيْهَا بِالنَّفَقَةِ. فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ، إلَّا أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ قَدْ رَفَعَتْ ذَلِكَ إلَى السُّلْطَانِ وَاسْتَرْعَتْ عَلَيْهِ فِي مَغِيبِهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ يَلْزَمُهُ مِنْ يَوْمِ رَفَعَتْ وَلَا يُبَرِّئُهُ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ بِمَخْرَجٍ مِنْ ذَلِكَ، وَفِيهِ أَيْضًا قَالَ مُحَمَّدٌ وَإِذَا أَنْفَقَتْ امْرَأَةٌ عَلَى أَوْلَادٍ لَهَا صِغَارٍ فِي مَغِيبِ زَوْجِهَا ثُمَّ قَدِمَ فَطَالَبَتْهُ بِذَلِكَ فَحَالُهَا فِيمَا تَدَّعِي مِنْ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِمْ مِنْ مَالِهَا كَحَالِ مَا تَدَّعِي أَنَّهَا أَنْفَقَتْهُ عَلَى نَفْسِهَا. كَذَلِكَ رَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَفِي الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ، فَإِنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ مُطَلَّقَةً كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهَا فِي نَفَقَتِهَا وَنَفَقَةِ بَنِيهَا إنْ كَانَتْ حَاضِنَةً لَهُمْ اهـ. ابْنُ الْحَاجِبِ فَإِنْ تَنَازَعَا فِي إعْطَائِهَا وَإِرْسَالِهَا فَثَالِثُهَا الْمَشْهُورُ إنْ كَانَتْ رَفَعَتْ أَمْرَهَا إلَى الْحَاكِمِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا مِنْ يَوْمئِذٍ، وَأَمَّا الْحَاضِرُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ لِلْعُرْفِ، وَلَهَا طَلَبُهُ عِنْدَ سَفَرِهِ بِنَفَقَةِ الْمُسْتَقْبَلِ يَدْفَعُهَا لَهَا أَوْ يُقِيمُ لَهَا كَفِيلًا يُجْرِيهَا عَلَيْهَا اهـ فَإِنْ يَكُنْ مُدَّعِيًا حَالَ الْعَدَم ... طُولَ مَغِيبِهِ وَحَالُهُ انْبَهَمْ فَحَالَةُ الْقُدُومِ لِابْنِ الْقَاسِمِ ... مُسْتَنِدٌ لَهَا قَضَاءُ الْحَاكِم فَمُعْسِرٌ مَعَ الْيَمِينِ صُدِّقَا ... وَمُوسِرٌ دَعْوَاهُ لَنْ تُصَدَّقَا وَقِيلَ بِاعْتِبَارِ وَقْتِ السَّفَرِ ... وَالْحُكْمُ بِاسْتِصْحَابِ حَالِهِ حَرْ وَقِيلَ بِالْحَمْلِ عَلَى الْيَسَارِ ... وَالْقَوْلُ بِالتَّصْدِيقِ أَيْضًا جَارِ يَعْنِي إذَا قَدِمَ الزَّوْجُ مِنْ مَغِيبِهِ فَطَلَبَتْهُ بِالنَّفَقَةِ مُدَّةَ الْغَيْبَةِ فَزَعَمَ أَنَّهُ كَانَ مُعْسِرًا، لَا تَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ فِي مُدَّةِ الْغَيْبَةِ شَيْئًا، وَأَنْكَرَتْ ذَلِكَ الْمَرْأَةُ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يُجْهَلَ حَالُهُ يَوْمَ خُرُوجِهِ أَوْ يُعْلَمَ، فَإِنْ جُهِلَ حَالُهُ يَوْمَ خُرُوجِهِ فَلَمْ يَثْبُتْ كَوْنُهُ إذْ ذَاكَ مَلِيًّا وَلَا مُعْدِمًا فَثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: أَوَّلُهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ يُسْتَدَلُّ بِحَالَةِ قُدُومِهِ عَلَى حَالَةِ غَيْبَتِهِ، فَيُصَدَّقُ مَعَ يَمِينِهِ إنْ قَدِمَ مُعْدِمًا، وَلَا يُصَدَّقُ إنْ قَدِمَ مُوسِرًا. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ تَغْيِيرِ الْحَالِ. قَالَ فِي الْبَيَانِ وَهُوَ مَعْنَى مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَإِلَى هَذَا الْقَوْلِ أَشَارَ النَّاظِمُ بِقَوْلِهِ بَعْدَ تَصْوِيرِ الْمَسْأَلَةِ فَحَالَةُ الْقُدُومِ لِابْنِ الْقَاسِمِ الْبَيْتَيْنِ الْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْيَسَارِ فَلَا يُصَدَّقُ فِيمَا ادَّعَى أَنَّهُ كَانَ فِي مَغِيبِهِ مُعْدِمًا وَإِنْ قَدِمَ مُعْدِمًا، قَالَ الشَّارِحُ: وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ فِي الْوَاضِحَةِ وَتَأَوَّلَهُ بَعْضُ أَهْلِ النَّظَرِ عَلَى مَعْنَى مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ. وَفِي التَّوْضِيحِ، وَالْقَوْلُ بِأَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهَا لِابْنِ الْمَاجِشُونِ وَابْنِ حَبِيبٍ قَالَا: عَلَيْهِ النَّفَقَةُ إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ. وَوَجْهُهُ أَنَّ الْغَالِبَ الْمِلَاءُ، وَلِأَنَّ كُلَّ غَرِيمٍ ادَّعَى الْعَدَمَ فَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ، عَلَى الْمَذْهَبِ قَالَ فِي الْبَيَانِ: وَتَأَوَّلَهُ بَعْضُ أَهْلِ النَّظَرِ عَلَى الْمُدَوَّنَةِ. وَإِلَى هَذَا الْقَوْلِ أَشَارَ النَّاظِمُ بِقَوْلِهِ: وَقِيلَ بِالْحَمْلِ عَلَى الْيَسَارِ الْقَوْلُ الثَّالِثُ أَنَّهُ يُصَدَّقُ فِي دَعْوَاهُ الْإِعْسَارَ حَالَةَ الْغَيْبَةِ، سَوَاءٌ قَدِمَ مُوسِرًا أَوْ مُعْسِرًا، قَالَ الشَّارِحُ: وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ سَحْنُونٍ وَابْنِ كِنَانَةَ هُنَا، وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَالْقَوْلُ بِأَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهَا لِابْنِ كِنَانَةَ وَسَحْنُونٍ وَوَجْهُهُ أَنَّ الْأَصْلَ الْعَدَمُ، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ النَّاظِمُ بِقَوْلِهِ: وَالْقَوْلُ بِالتَّصْدِيقِ أَيْضًا جَارِ وَإِلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ مَعَ بَعْضِ الْمُخَالَفَةِ فِي التَّرْتِيبِ أَشَارَ ابْنُ الْحَاجِبِ بِقَوْلِهِ: وَلَوْ تَنَازَعَا فِي الْإِعْسَارِ فِي الْغَيْبَةِ فَثَالِثُهَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إنْ قَدِمَ مُعْسِرًا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ، وَإِلَّا فَقَوْلُهَا. فَالْأَوَّلُ عِنْدَهُ هُوَ الثَّالِثُ فِي النَّظْمِ، وَالثَّانِي عِنْدَهُ هُوَ الثَّانِي أَيْضًا فِي النَّظْمِ، وَالثَّالِثُ عِنْدَهُ هُوَ الْأَوَّلُ فِي النَّظْمِ هَذَا كُلُّهُ إنْ جُهِلَ حَالُهُ يَوْمَ خُرُوجِهِ كَمَا تَقَدَّمَ. وَأَمَّا إنْ عُلِمَتْ حَالُهُ يَوْمَ خُرُوجِهِ مِنْ مُلَاءٍ أَوْ عَدَمٍ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا عُلِمَ بِهِ مِنْ ذَلِكَ فَتُسْتَصْحَبُ تِلْكَ الْحَالُ. وَإِنْ قَدِمَ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ قَالَ الشَّارِحُ: هَذَا قَوْلُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ فِي الْوَاضِحَةِ. وَحَكَى أَبُو عُمَرَ الْإِشْبِيلِيُّ: أَنَّهَا رِوَايَةٌ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَهُوَ صَحِيحٌ لِأَنَّهُ إذَا خَرَجَ مُوسِرًا ثَبَتَ أَنَّ الْإِنْفَاقَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ إلَّا بِيَقِينٍ، وَإِذَا خَرَجَ مُعْدِمًا فَقَدْ ثَبَتَ

فصل فيما يجب للمطلقات وغيرهن من النفقة وما يلحق بها

أَنَّ الْإِنْفَاقَ قَدْ سَقَطَ عَنْهُ فَلَا يَعُودُ إلَّا بِيَقِينٍ اهـ. وَإِلَى حُكْمِ مَا إذَا عُلِمَ حَالُهُ يَوْمَ خُرُوجِهِ أَشَارَ النَّاظِمُ بِقَوْلِهِ: وَقِيلَ بِاعْتِبَارِ وَقْتِ السَّفَرِ الْبَيْتَ إلَّا أَنَّ حِكَايَةَ هَذَا الْقَوْلِ الَّذِي فِيمَنْ عُلِمَ حَالُهُ يَوْمَ خُرُوجِهِ أَثْنَاءَ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي فِيمَنْ جُهِلَ حَالُهُ يَوْمَ خُرُوجِهِ مِمَّا لَا يَحْسُنُ، لِأَنَّ إحْدَى الْحَالَتَيْنِ قَسِيمٌ لِلْأُخْرَى - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - وَقَدْ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ الشَّارِحُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ: وَقَدْ كَانَ إصْلَاحُهُ سَهْلًا بِأَنْ يَنْقُلَ الْأَقْوَالَ الثَّلَاثَةَ مُتَوَالِيَةً يَعْنِي: يُقَدَّمُ قَوْلُهُ وَقِيلَ بِالْحَمْلِ عَلَى الْيَسَارِ عَلَى الْبَيْتِ قَبْلَهُ وَيَقُولُ: عِوَضَ قَوْلِهِ قَبْلَهُ وَيْلَ بِاعْتِبَارِ وَقْتِ السَّفَرِ مَا نَصُّهُ: وَحَالُهُ إنْ عُلِمَتْ وَقْتَ السَّفَرْ ... فَالْحُكْمُ بِاسْتِصْحَابِهَا دُونَ النَّظَرْ قَالَ بَلْ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ ثُمَّ عَلَى مُقْتَضَى هَذَا الْبَيْتِ الْمُصْلَحِ لَكَانَ كَافِيًا اهـ. [فَصْلٌ فِيمَا يَجِبُ لِلْمُطَلَّقَاتِ وَغَيْرِهِنَّ مِنْ النَّفَقَةِ وَمَا يُلْحَقُ بِهَا] إسْكَانُ مَدْخُولٍ بِهَا إلَى انْقِضَا ... عِدَّتِهَا مِنْ الطَّلَاقِ مُقْتَضَى وَذَاتُ حَمْلٍ زِيدَتْ الْإِنْفَاقَا ... لِوَضْعِهَا وَالْكِسْوَةَ اتِّفَاقَا وَمَا لَهَا إنْ مَاتَ حَمْلُ مَنْ بَقَى ... وَاسْتَثْنِ سُكْنَى إنْ يَمُتْ مَنْ طَلَّقَا وَفِي الْوَفَاةِ تَجِبُ السُّكْنَى فَقَدْ ... فِي دَارِهِ أَوْ مَا كِرَاءَهُ نَقَدْ وَخَمْسَةُ الْأَعْوَامِ أَقْصَى الْحَمْلِ ... وَسِتَّةُ الْأَشْهُرِ فِي الْأَقَلِّ ذَكَرَ فِي هَذِهِ الْأَبْيَاتِ مَا يَجِبُ لِلْمُطَلَّقَةِ مِنْ نَفَقَةٍ، وَكِسْوَةٍ وَلَهَا وَلِلْمُتَوَفَّى عَنْهَا مِنْ السُّكْنَى وَمُدَّةِ الْحَمْلِ، يَعْنِي أَنَّ مَنْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ طَلَاقًا بَائِنًا فَإِنَّ لَهَا عَلَيْهِ الْإِسْكَانَ إلَى انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا، فَتَبْقَى فِي مَسْكَنِهَا الَّذِي كَانَتْ تَسْكُنُ فِيهِ قَبْلَ طَلَاقِهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا، فَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا فَلَهَا مَعَ السُّكْنَى النَّفَقَةُ، وَالْكِسْوَةُ إلَى أَنْ تَضَعَ حَمْلَهَا. فَإِنْ مَاتَ الْحَمْلُ، أَوْ وَضَعَتْهُ مَيِّتًا، أَوْ حَيًّا، ثَمَّ مَاتَ سَقَطَ جَمِيعُ ذَلِكَ فَتَسْقُطُ النَّفَقَةُ وَالْكِسْوَةُ بِمَوْتِ الْحَمْلِ لِأَنَّهُمَا لَهُ فِي الْحَقِيقَةِ وَتَسْقُطُ السُّكْنَى لِخُرُوجِهَا مِنْ الْعِدَّةِ بِوَضْعِ حَمْلِهَا، وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِقَوْلِهِ إسْكَانُ مَدْخُولٍ بِهَا إلَى انْقِضَا إلَى قَوْلِهِ وَمَا لَهَا إنْ مَاتَ حَمْلُ مَنْ بَقَى فَ " مَا " نَافِيَةٌ وَضَمِيرُ " لَهَا " لِلْمَذْكُورَاتِ مِنْ السُّكْنَى وَالنَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ. قَوْلُهُ: وَاسْتَثْنِ سُكْنَى إنْ يَمُتْ مَنْ طَلَّقَا يَعْنِي: أَنَّ مَنْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ وَأَسْكَنَهَا ثُمَّ مَاتَ فِي عِدَّتِهَا فَإِنَّ سُكْنَاهَا لَا تَسْقُطُ بِمَوْتِهِ بَلْ تَسْتَمِرُّ إلَى انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا مِنْ الطَّلَاقِ، وَلَا تَنْتَقِلُ لِعِدَّةِ الْوَفَاةِ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّ الطَّلَاقَ بَائِنٌ. وَلَمَّا ذَكَرَ أَنَّ مَوْتَ الْحَمْلِ يُسْقِطُ السُّكْنَى أَمَرَ بِاسْتِثْنَاءِ، أَيْ بِإِخْرَاجِ السُّكْنَى إنْ مَاتَ الْمُطَلِّقُ وَأَنَّ مَوْتَهُ لَا يُسْقِطُهَا وَإِلَى هَذَا الْفَرْعِ أَشَارَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ بِقَوْلِهِ: وَاسْتَمَرَّ إنْ مَاتَ عَلَى مَا قَرَّرَهُ عَلَيْهِ الشَّيْخُ ابْنُ غَازِيٍّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ وَاسْتَمَرَّ الْمَسْكَنُ لِلْمُطَلَّقَةِ إلَى انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا إنْ مَاتَ الْمُطَلِّقُ فِي الْعِدَّةِ (قَالَ فِي النَّوَادِرِ مِنْ كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ) قَالَ مَالِكٌ: وَلِلْمَبْتُوتَةِ السُّكْنَى عَلَى زَوْجِهَا فِي الْعِدَّةِ وَيُحْبَسُ فِي ذَلِكَ وَيُبَاعُ عَلَيْهِ مَا لَهُ، أَوْ يُسْتَيْقَنُ أَنْ لَا شَيْءَ لَهُ؛ فَيَكُونُ ذَلِكَ عَلَيْهَا. وَلَا تَخْرُجُ وَفِيهَا أَيْضًا مِنْ الْكِتَابِ الْمَذْكُورِ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَبْتُوتَةِ: لَا نَفَقَةَ لَهَا إلَّا أَنْ تَكُونَ حَامِلًا وَفِيهَا أَيْضًا قَالَ مُحَمَّدٌ وَإِنْ طَلَبَتْ الْكِسْوَةَ فَذَلِكَ لَهَا وَيُنْظَرُ إلَى قَدْرِ مَا بَقِيَ مِنْ مُدَّةِ الْحَمْلِ فَتُعْطَى بِقَدْرِ ذَلِكَ مِنْ الْكِسْوَةِ ثَمَنًا، قَالَهُ مَالِكٌ، وَقَالَ مَالِكٌ وَالْكِسْوَةُ، وَالدِّرْعُ، وَالْخِمَارُ، وَالْإِزَارُ وَلَيْسَ الْجُبَّةُ عِنْدَنَا مِنْ الْكِسْوَةِ (قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ) وَنَحْنُ نَقْضِي هَهُنَا بِالْجُبَّةِ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ كُلُّهَا مِنْ الْعُتْبِيَّةِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَفِي النَّوَادِرِ وَإِذَا طَلَّقَ ثَلَاثًا فِي مَرَضِهِ وَهِيَ بَيِّنَةُ الْحَمْلِ فَالنَّفَقَةُ فِي رَأْسِ مَالِهِ وَكَذَلِكَ فِي الْخُلْعِ وَالْمُبَارَأَةِ وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ ذَلِكَ فِي صِحَّةٍ ثُمَّ مَرَضٍ فَإِذَا مَاتَ انْقَطَعَتْ النَّفَقَةُ عَنْهَا (قَالَ فَضْلُ بْنُ سَلَمَةَ) : هَذَا خِلَافُ مَا قَالَ فِي طَلَاقِ السُّنَّةِ أَنَّ السُّكْنَى قَدْ وَجَبَتْ عِنْدَ الطَّلَاقِ فَلَا يَقْطَعُ الْمَوْتُ مَا قَدْ وَجَبَ اهـ. وَعَلَى عَدِمَ انْقِطَاعِ السُّكْنَى بِمَوْتِ الْمُطَلِّقِ اعْتَمَدَ النَّاظِمُ فِي قَوْلِهِ: وَاسْتَثْنِ سُكْنَى إنْ يَمُتْ مَنْ طَلَّقَا وَقَوْلُهُ: وَفِي الْوَفَاةِ تَجِبُ السُّكْنَى فَقَدْ

الْبَيْتُ يَعْنِي: أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا مَاتَ عَنْهَا زَوْجُهَا وَلَمْ تَكُنْ حَامِلًا فَإِنَّهَا تَجِبُ لَهَا السُّكْنَى إنْ كَانَتْ الدَّارُ مَمْلُوكَةً لِلْمَيِّتِ، أَوْ قَدْ نَقَدَ كِرَاءَهَا، وَلَا تَجِبُ لَهَا نَفَقَةٌ وَلَا كِسْوَةٌ وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِقَوْلِهِ " فَقَدْ " أَيْ فَحَسْبُ. (قَالَ فِي النَّوَادِر مِنْ كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ) قَالَ مَالِكٌ: وَمَنْ مَاتَ وَلَهُ زَوْجَةٌ وَهُوَ فِي دَارٍ هِيَ لَهُ، أَوْ نَقَدَ كِرَاءَهَا فَلَهَا السُّكْنَى، وَإِنْ أَحَاطَ بِهِ الدَّيْنُ (وَفِي ابْنِ الْحَاجِبِ) وَإِنْ كَانَ مُكْتَرًى غَيْرَ مَنْقُودٍ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ لَمْ تَكُنْ أَحَقَّ، فَتَخْرُجُ إلَّا أَنْ يُكْرِيَهَا الْوَرَثَةُ كِرَاءَ مِثْلِهَا. (التَّوْضِيحُ) ظَاهِرُ قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَلَمْ يَنْقُدْ الزَّوْجُ الْكِرَاءَ لَا سُكْنَى لَهَا أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْكِرَاءُ مُشَاهَرَةً، أَوْ وَجِيبَةً، أَيْ فِي مُدَّةٍ مُعَيَّنَةٍ. وَعَلَى هَذَا الظَّاهِرِ حَمَلَهُ الْبَاجِيُّ وَغَيْرُهُ. وَفِي النُّكَتِ عَنْ بَعْضِ الْقَرَوِيِّينَ أَنَّهُ حَمَلَ الْمُدَوَّنَةَ عَلَى الْمُشَاهَرَةِ، وَأَمَّا الْوَجِيبَةُ فَإِنَّهَا أَحَقُّ بِالسُّكْنَى، سَوَاءٌ نَقَدَ أَوْ لَا اهـ. وَقَوْلُهُ: وَخَمْسَةُ الْأَعْوَامِ أَقْصَى الْحَمْلِ ... وَسِتَّةُ الْأَشْهُرِ فِي الْأَقَلِّ لَمَّا ذَكَرَ أَنَّ الْمُطَلَّقَةَ إذَا كَانَتْ حَامِلًا تَجِبُ لَهَا النَّفَقَةُ وَالْكِسْوَةُ وَالسُّكْنَى، تَشَوَّفَتْ النَّفْسُ وَاحْتَاجَتْ إلَى مَعْرِفَةِ مُدَّةِ الْحَمْلِ، وَلَمَّا كَانَتْ تَخْتَلِفُ بِالطُّولِ وَالْقِصَرِ اُحْتِيجَ إلَى مَعْرِفَةِ أَقَلِّهَا وَأَكْثَرِهَا، فَأَخْبَرَ أَنَّ أَقَلَّهَا سِتَّةُ أَشْهُرٍ وَأَكْثَرَهَا خَمْسَةُ أَعْوَامٍ، أَمَّا كَوْنُ أَقَلِّهَا سِتَّةَ أَشْهُرٍ فَقَوْلُهُ تَعَالَى

{وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا} [الأحقاف: 15] وَقَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} [البقرة: 233] . وَقَالَ أَيْضًا {وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ} [لقمان: 14] فَالْآيَةُ الْأُولَى أَعْلَمَتْ أَنَّ مُدَّةَ الْحَمْلِ وَالرَّضَاعِ مَعًا ثَلَاثُونَ شَهْرًا فَإِذَا انْقَضَتْ الثَّلَاثُونَ كَمَلَ الْحَمْلُ، وَحَصَلَ الْفِصَالُ وَهُوَ الْفِطَامُ، وَالثَّانِيَةُ، وَالثَّالِثَةُ أَعْلَمَتَا أَنَّ مُدَّةَ الرَّضَاعِ وَحْدَهُ حَوْلَانِ كَامِلَانِ، وَإِذَا كَانَتْ مُدَّةُ الرَّضَاعِ وَحْدَهُ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ، فَمُدَّةُ الْحَمْلِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ إذْ هِيَ الْبَاقِيَةُ بَعْدَ حَطِّ زَمَنِ الرَّضَاعِ مِنْ الثَّلَاثِينَ شَهْرًا الْمُقَدَّرَةِ لِمَجْمُوعِهِمَا (قَالَ فِي الْمَقْصِدِ الْمَحْمُودِ) : وَأَقَلُّ مُدَّةِ الْحَمْلِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا} [الأحقاف: 15] وَقَالَ {وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ} [لقمان: 14] فَتَبْقَى مُدَّةُ الْحَمْلِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ اهـ.، وَأَمَّا كَوْنُ أَكْثَرِ الْحَمْلِ خَمْسَةَ أَعْوَامٍ فَاعْلَمْ أَنَّ الْمُعْتَدَّةَ مِنْ وَفَاةٍ، أَوْ طَلَاقٍ إذَا حَصَلَتْ لَهَا رِيبَةٌ وَشَكٌّ فِي كَوْنِهَا حَامِلًا أَوْ لَا فَإِنْ كَانَ سَبَبُ الرِّيبَةِ تَأَخُّرَ الْحَيْضِ عَنْ وَقْتِهِ تَرَبَّصَتْ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ اسْتِبْرَاءً، ثُمَّ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ عِدَّةً هَذَا إنْ تَأَخَّرَ لِغَيْرِ سَبَبٍ. أَمَّا إنْ تَأَخَّرَ لِسَبَبٍ كَالرَّضَاعِ وَالْمَرَضِ فَإِنَّهَا تَنْتَظِرُ الْأَقْرَاءَ عَلَى الْمَشْهُورِ وَقِيلَ تَحِلُّ بِمُضِيِّ السَّنَةِ، وَإِنْ كَانَ سَبَبُ الرِّيبَةِ حِسَّ الْبَطْنِ فَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَالْمُرْتَابَةُ بِحِسِّ الْبَطْنِ لَا تُنْكَحُ إلَّا بَعْدَ أَقْصَى أَمَدِ الْوَضْعِ وَهُوَ خَمْسَةُ أَعْوَامٍ عَلَى الْمَشْهُورِ وَرُوِيَ أَرْبَعَةٌ وَرُوِيَ سَبْعَةٌ (وَقَالَ أَشْهَبُ) : لَا تَحِلُّ أَبَدًا حَتَّى يُتَبَيَّنَ أَيْ بَرَاءَتُهَا مِنْ الْحَمْلِ. قَالَ الْحَطَّابُ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَتَرَبَّصَتْ أَيْ إنْ ارْتَابَتْ بِهِ وَهَلْ خَمْسًا أَوْ أَرْبَعًا خِلَافٌ، يَعْنِي فَإِذَا مَضَتْ الْخَمْسَةُ أَوْ الْأَرْبَعَةُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ حَلَّتْ وَلَوْ بَقِيَتْ الرِّيبَةُ (قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ) : وَلَا تُنْكَحُ مُسْتَرَابَةُ الْبَطْنِ إلَّا بَعْدَ زَوَالِ الرِّيبَةِ، أَوْ بَعْدَ خَمْسِ سِنِينَ اهـ. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ وَإِنْ قَالَتْ أَنَا بَاقِيَةٌ عَلَى رِيبَتِي؛ لِأَنَّ الْخَمْسَ سِنِينَ أَمَدُ مَا يَنْتَهِي إلَيْهِ الْحَمْلُ اهـ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ فِي عِدَّةِ الطَّلَاقِ أَوْ فِي عِدَّةِ الْوَفَاةِ اهـ. وَهَذَا إذَا كَانَتْ الرِّيبَةُ هَلْ حَرَكَةُ مَا فِي بَطْنِهَا حَرَكَةُ وَلَدٍ أَوْ حَرَكَةُ رِيحٍ وَأَمَّا إنْ تَحَقَّقَ وُجُودُ وَلَدٍ فَلَا تَحِلُّ أَبَدًا، قَالَهُ اللَّخْمِيُّ وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ، وَلَفْظُهُ الْخَامِسَةُ يَعْنِي مِنْ الْمُعْتَدَّاتِ: الْمُرْتَابَةُ فِي الْحَمْلِ بِحِسِّ بَطْنٍ عِدَّتُهَا بِوَضْعِهِ، أَوْ مُضِيِّ أَقْصَى أَمَدِ الْحَمْلِ مَعَ عَدِمَ تَحَقُّقِهِ، ثُمَّ قَالَ اللَّخْمِيُّ: إنْ تَحَقَّقَ حَمْلُهَا وَالشَّكُّ لِطُولِ الْمُدَّةِ لَمْ تَحِلَّ أَبَدًا اهـ. فَمَفْهُومُ قَوْلِ ابْنِ عَرَفَةَ مَعَ عَدِمَ تَحَقُّقِهِ إلَخْ مَعَ مَا نَقَلَهُ عَنْ اللَّخْمِيِّ يَدُلُّ عَلَى مَا قَيَّدَ بِهِ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) فَإِنْ مَاتَ الْوَلَدُ فِي بَطْنِهَا فَلَا تَحِلُّ إلَّا بِخُرُوجِهِ. اهـ. كَلَامُ الْحَطَّابِ وَحَالُ ذَاتِ طَلْقَةٍ رَجْعِيَّةِ ... فِي عِدَّةٍ كَحَالَةِ الزَّوْجِيَّةِ مِنْ وَاجِبٍ عَلَيْهِ كَالْإِنْفَاقِ ... إلَّا فِي الِاسْتِمْتَاعِ بِالْإِطْلَاقِ يَعْنِي: أَنَّ الْمُطَلَّقَةَ طَلَاقًا رَجْعِيًّا حَالُهَا مَعَ زَوْجِهَا فِي زَمَنِ الْعِدَّةِ كَحَالِ الزَّوْجَةِ غَيْرِ الْمُطَلَّقَةِ مِنْ وُجُوبِ النَّفَقَةِ لَهَا وَثُبُوتِ الْمِيرَاثِ بَيْنَهُمَا وَارْتِدَافِ الطَّلَاقِ عَلَيْهَا وَانْعِقَادِ الظِّهَارِ وَلُزُومِ الْإِيلَاءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَحْكَامِ الزَّوْجِيَّةِ مَا عَدَا الِاسْتِمْتَاعَ فَلَا يَجُوزُ لَهُ بِوَطْءٍ وَلَا مُقَدِّمَاتِهِ، بَلْ حَتَّى بِالنَّظَرِ عَلَى وَجْهِ التَّلَذُّذِ، وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِالْإِطْلَاقِ (قَالَ الْمُتَيْطِيُّ) : تَجِبُ النَّفَقَةُ لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ مَدْخُولٍ بِهَا أَيَّامَ عِدَّتِهَا إذَا لَمْ يَكُنْ طَلَاقُهَا بَائِنًا وَكَانَ الزَّوْجُ يَمْلِكُ ارْتِجَاعَهَا فِيهِ سَوَاءٌ أَوْقَعَهُ الزَّوْجُ أَوْ الزَّوْجَةُ أَوْ أَوْقَعَهُ السُّلْطَانُ بِالْإِيلَاءِ أَوْ عَدَمِ النَّفَقَةِ إذَا أَيْسَرَ فِي الْعِدَّةِ (وَفِي الْجَوَاهِرِ) هِيَ مُحَرَّمَةُ الْوَطْءِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: مُبَاحَةُ الْوَطْءِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} [البقرة: 228] وَالْبَعْلُ مَنْ لَهُ الْوَطْءُ؛ وَلِأَنَّهُ مِنْ أَحْكَامِ الْعَقْدِ؛ فَيَثْبُتُ قِيَاسًا عَلَى النَّفَقَةِ وَالْمِيرَاثِ وَجَوَابُهُ أَنَّ لَفْظَ الرَّدِّ يَقْتَضِي الْخُرُوجَ عَنْ الزَّوْجِيَّةِ. اهـ وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ فِي عِدَّةٍ أَنَّهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ لَيْسَتْ كَالزَّوْجَةِ لِأَنَّهَا بَانَتْ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَحَيْثُ لَا عِدَّةَ لِلْمُطَلَّقَهْ ... فَلَيْسَ مِنْ سُكْنَى وَلَا مِنْ نَفَقَهْ وَلَيْسَ لِلرَّضِيعِ سُكْنَى بِالْقَضَا ... عَلَى أَبِيهِ وَالرَّضَاعُ مَا انْقَضَى أَفَادَ بِالْبَيْتِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْمُطَلَّقَةَ الَّتِي لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا وَهِيَ الَّتِي طَلُقَتْ قَبْلَ الْبِنَاءِ لَا تَجِبُ لَهَا سُكْنَى وَلَا نَفَقَةٌ؛؛ لِأَنَّهُمَا إنَّمَا يَجِبَانِ لِلْمُطَلَّقَةِ فِي زَمَنِ الْعِدَّةِ. وَالْفَرْضُ أَنَّهُ لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا وَقَدْ بَانَتْ مِنْهُ وَجَازَ لَهَا أَنْ

تَتَزَوَّجَ غَيْرَهُ فِي الْحِينِ فَلَا مَعْنَى لِوُجُوبِ شَيْءٍ لَهَا مِنْ تَوَابِعِ النِّكَاحِ عَلَى الزَّوْجِ وَقَدْ انْفَصَلَتْ الْعِصْمَةُ بَيْنَهُمَا وَأَفَادَ بِالْبَيْتِ الثَّانِي أَنَّ مَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَلَهُ مَعَهَا وَلَدٌ رَضِيعٌ فَإِنَّمَا لَهَا عَلَى الزَّوْجِ نَفَقَةُ وَلَدِهِ لَا كِرَاءُ مَسْكَنِهِ مَا دَامَ فِي زَمَنِ الرَّضَاعِ (قَالَ فِي السِّرِّ الْمَصُونِ) : إذَا لَزِمَتْ الْجَارِيَةَ الْعِدَّةُ لِمَكَانِ الْخَلْوَةِ بِهَا لَزِمَ الزَّوْجَ السُّكْنَى وَلَوْ خَلَا بِهَا فِي بَيْتِ أَهْلِهَا، ثُمَّ طَلَّقَهَا وَاتَّفَقَا عَلَى عَدَمِ الْمَسِيسِ، فَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ وَلَا سُكْنَى لَهَا وَلَوْ قَالَتْ جَامَعَنِي وَهُوَ يُنْكِرُ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وَلَا سُكْنَى عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَتْ صَغِيرَةً لَا يُجَامَعُ مِثْلُهَا وَدَخَلَ بِهَا وَطَلَّقَهَا أَلْبَتَّةَ فَلَا سُكْنَى لَهَا؛ لِأَنَّهَا لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا بِاخْتِصَارٍ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ كُلَّمَا انْتَفَتْ الْعِدَّةُ انْتَفَى لَازِمُهَا مِنْ السُّكْنَى وَالنَّفَقَةِ، وَإِذَا وَجَبَتْ الْعِدَّةُ فَقَدْ ثَبَتَتْ النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى كَمَا إذَا كَانَتْ الْمُطَلَّقَةُ حَامِلًا وَقَدْ يَنْتَفِيَانِ كَمَا إذَا خَلَا بِهَا فِي بَيْتِ أَهْلِهَا وَادَّعَتْ الْمَسِيسَ وَأَنْكَرَهُ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ لِمَكَانِ الْخَلْوَةِ، وَلَا نَفَقَةَ لَهَا؛ لِأَنَّهَا بَائِنٌ غَيْرُ حَامِلٍ وَلَا سُكْنَى عَلَى الزَّوْجِ؛ لِأَنَّهَا عَلَى زَعْمِهِ مُطَلَّقَةٌ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَفِي طُرَرِ ابْنِ عَاتٍ) وَلَا سُكْنَى لِلرَّضِيعِ عَلَى أَبِيهِ مُدَّةَ الرَّضَاعِ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ الرَّضَاعِ وَحِينَئِذٍ يَكُونُ عَلَيْهِ السُّكْنَى، كَذَلِكَ رَأَيْتُ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ يُرِيدُ أَنَّ مَسْكَنَ الرَّضِيعِ مُدَّةَ الرَّضَاعِ إنَّمَا هُوَ فِي حِجْرِ الْأُمِّ فِي الْغَالِبِ. اهـ. وَجُمْلَةُ " وَالرَّضَاعُ مَا انْقَضَى " حَالِيَّةٌ، وَ " مَا " نَافِيَةٌ. وَمُرْضَعٌ لَيْسَ بِذِي مَالٍ عَلَى ... وَالِدِهِ مَا يَسْتَحِقُّ جُعِلَا وَمَعْ طَلَاقٍ أُجْرَةُ الْإِرْضَاعِ ... إلَى تَمَامِ مُدَّةِ الرَّضَاعِ وَبَعْدَهَا يَبْقَى الَّذِي يَخْتَصُّ بِهْ ... حَتَّى يُرَى سُقُوطُهُ بِمُوجَبِهْ وَإِنْ تَكُنْ مَعَ ذَاكَ ذَاتَ حَمْلِ ... زِيدَتْ لَهَا نَفَقَةٌ بِالْعَدْلِ بَعْدَ ثُبُوتِهِ وَحَيْثُ بِالْقَضَا ... تُؤْخَذُ وَانْفَشَّ فَمِنْهَا تُقْتَضَى وَإِنْ يَكُنْ دَفْعٌ بِلَا سُلْطَانِ ... فَفِي رُجُوعِهِ بِهِ قَوْلَانِ وَمَنْ لَهُ مَالٌ فَفِيهِ الْفَرْضُ حَقْ ... وَعَنْ أَبٍ يَسْقُطُ كُلُّ مَا اسْتَحَقَّ تَكَلَّمَ فِي الْأَبْيَاتِ عَلَى بَعْضِ مَسَائِلِ الْإِرْضَاعِ وَلَمْ يُتْقِنْهَا وَلَا اسْتَوْفَى الْأَكِيدَ مِنْهَا فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ جُمْلَةٍ صَالِحَةٍ مِنْ ذَلِكَ، وَأَحْسَنُ مَا وَقَفْتُ عَلَيْهِ الْآنَ بِتَقْرِيبٍ قَوْلُ ابْنِ سَلْمُونٍ وَيَلْزَمُ الْأُمَّ رَضَاعُ ابْنِهَا

إلَّا أَنْ تَكُونَ مَرِيضَةً، أَوْ غَيْرَ ذَاتِ لَبَنٍ، أَوْ شَرِيفَةَ الْقَدْرِ مِثْلُهَا لَا يُرْضِعُ فَيَكُونُ عَلَى الْأَبِ أَنْ يَأْتِيَ لَهُ بِمَنْ يُرْضِعُهُ، فَإِنْ طَلَّقَهَا الْأَبُ، فَإِنَّهُ يُؤَدِّي إلَيْهَا أُجْرَةَ الْإِرْضَاعِ عَلَى قَدْرِ حَالِهِ فِي الْيُسْرِ وَالْعُسْرِ، فَإِنْ لَمْ تَرْضَ بِمَا فُرِضَ لَهَا كَانَ لِلْأَبِ أَخْذُهُ وَيَدْفَعُهُ لِمَنْ يُرْضِعُهُ، فَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ غَيْرَهَا أَوْ كَانَ الْأَبُ مُعْسِرًا لَا يَقْدِرُ عَلَى أُجْرَةٍ كَانَ عَلَيْهَا إرْضَاعُهُ بَاطِلًا أَوْ بِمَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ. وَإِنْ كَانَ مُوسِرًا أَوْ وَجَدَ مَنْ يُرْضِعُهُ بِأَقَلَّ مِنْ الْأُجْرَةِ الْمَفْرُوضَةِ عَلَيْهِ، فَهَلْ لَهُ أَخْذُهُ أَمْ لَا؟ فِي ذَلِكَ قَوْلَانِ: وَإِنْ مَاتَ الْأَبُ، فَإِنَّهَا تُرْضِعُهُ بِأُجْرَةٍ تَأْخُذُهَا مِنْ مَالِ الطِّفْلِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ لَزِمَهَا إرْضَاعُهُ بَاطِلًا، وَإِنْ أَبَتْ الْأُمُّ إرْضَاعَهُ، فَأَرَادَتْ دَفْعَهُ إلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يُؤْمَرُ بِأَخْذِهِ حَتَّى يَجِدَ مَنْ يُرْضِعُهُ. اهـ. قَوْلُهُ وَمُرْضِعٌ لَيْسَ الْبَيْتُ مُرْضَعٌ بِفَتْحِ الضَّادِ اسْمَ مَفْعُولٍ، يَعْنِي أَنَّ الْوَلَدَ الْمُرْضَعَ الَّذِي لَا مَالَ لَهُ، فَإِنَّ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ أُجْرَةِ الرَّضَاعِ وَغَيْرِهَا عَلَى أَبِيهِ، وَهَذَا إذَا كَانَتْ أُمُّهُ مَرِيضَةً، أَوْ لَا لَبَنَ لَهَا أَوْ عَالِيَةَ الْقَدْرِ مِثْلُهَا لَا يُرْضِعُ، وَأَمَّا إنْ لَمْ تَكُنْ كَذَلِكَ، فَإِنَّ الْإِرْضَاعَ يَجِبُ عَلَيْهَا كَمَا تَقَدَّمَ أَوَّلَ كَلَامِ ابْنِ سَلْمُونٍ. وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ لَيْسَ بِذِي مَالٍ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لِلْوَلَدِ مَالٌ، فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ مَالِهِ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي قَوْلِهِ وَمَنْ لَهُ مَالٌ فَفِيهِ الْفَرْضُ حَقْ هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ فِي عِصْمَةِ أَبِي الصَّبِيِّ وَأَمَّا إنْ طَلَّقَهَا، فَإِنَّ لَهَا أُجْرَةَ الرَّضَاعِ مِنْ مَالِ الْوَلَدِ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ أَوْ مِنْ مَالِ أَبِيهِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَى تَمَامِ الْحَوْلَيْنِ مُدَّةَ الرَّضَاعِ، فَإِنْ انْقَضَتْ مُدَّةُ الرَّضَاعِ فَيَبْقَى مَا يَجِبُ لِلْوَلَدِ نَفْسِهِ مِنْ نَفَقَةٍ وَكِسْوَةٍ حَتَّى يَسْقُطَ ذَلِكَ عَنْ أَبِيهِ إنْ كَانَ هُوَ الدَّافِعَ لِذَلِكَ لِكَوْنِ الْوَلَدِ لَا مَالَ لَهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا فِي قَوْلِ ابْنِ سَلْمُونٍ فَإِنْ طَلَّقَهَا الْأَبُ، فَإِنَّهُ يُؤَدِّي لَهَا أُجْرَةَ الْإِرْضَاعِ عَلَى قَدْرِ حَالِهِ فِي الْيُسْرِ وَالْعُسْرِ. اهـ. وَبِالضَّرُورَةِ أَنَّهُ إذَا انْقَضَى زَمَنُ الْإِرْضَاعِ وَالْوَلَدُ عِنْدَ أُمِّهِ، فَإِنَّ الْأَبَ يُطَالَبُ بِنَفَقَتِهِ إلَى سُقُوطِهَا وَهُوَ مُرَادُهُ بِمَا يَخْتَصُّ بِهِ أَيْ دُونَ الْأُمِّ وَعَلَى هَذَا نَبَّهَ بِقَوْلِهِ وَمَعْ طَلَاقٍ أُجْرَةُ الْإِرْضَاعِ الْبَيْتَيْنِ وَضَمِيرُ " بَعْدَهَا " لِمُدَّةِ الرَّضَاعِ قَوْلُهُ: وَإِنْ تَكُنْ مَعَ ذَاكَ ذَاتَ حَمْلِ ... زِيدَتْ لَهُ نَفَقَةٌ بِالْعَدْلِ بَعْدَ ثُبُوتِهِ، يَعْنِي وَإِنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ ذَاتَ حَمْلٍ مَعَ ذَلِكَ، وَهُوَ كَوْنُهَا مُرْضِعًا فَكَانَتْ تُرْضِعُ وَلَدًا وَبِبَطْنِهَا وَلَدٌ آخَرُ، فَإِنَّهَا تَسْتَحِقُّ شَيْئَيْنِ: أُجْرَةَ الْإِرْضَاعِ؛ لِأَنَّهَا بَائِنٌ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا الْإِرْضَاعُ، وَالثَّانِي نَفَقَةُ الْحَمْلِ الَّذِي فِي بَطْنِهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 6] . وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِقَوْلِهِ وَإِنْ تَكُنْ مَعَ ذَاكَ ذَاتَ حَمْلِ زِيدَتْ لَهَا نَفَقَةٌ أَيْ نَفَقَةُ الْحَمْلِ عَلَى أُجْرَةِ الرَّضَاعِ بَعْدَ ثُبُوتِ الْحَمْلِ. قَالَ فِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ وَابْنِ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ، وَسُئِلَ عَمَّنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ حَامِلًا وَهِيَ تُرْضِعُ: أَتَرَى عَلَيْهِ النَّفَقَتَيْنِ جَمِيعًا كِلْتَيْهِمَا نَفَقَةَ الْحَمْلِ وَنَفَقَةَ الرَّضَاعِ؟ قَالَ: أَرَى ذَلِكَ عَلَيْهِ جَمِيعًا. اهـ. وَدَلِيلُ ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 6] وَقَالَ تَعَالَى {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق: 6] وَلَيْسَ وُجُوبُ نَفَقَةِ الْحَمْلِ بِاَلَّذِي يُسْقِطُ مَا أَوْجَبَ اللَّهُ لَهَا مِنْ أُجْرَةِ الرَّضَاعِ. (وَفِي النَّوَادِرِ مِنْ كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ) " وَإِذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَامِلٌ مُرْضِعٌ فَعَلَيْهِ نَفَقَةُ الْحَمْلِ وَنَفَقَةُ الرَّضَاعِ جَمِيعًا " اهـ. فَإِنْ ادَّعَتْ الْبَائِنُ الْحَمْلَ فَلَا يُقْضَى لَهَا بِالنَّفَقَةِ حَتَّى يَثْبُتَ الْحَمْلُ فَإِذَا ثَبَتَ وَدَفَعَ نَفَقَتَهُ ثُمَّ انْفَشَّ الْحَمْلُ وَكَشَفَ الْغَيْبُ أَنْ لَا حَمْلَ فَفِي رُجُوعِهِ بِنَفَقَتِهِ تَفْصِيلٌ، وَهُوَ إنْ دَفَعَهَا بِحُكْمِ

حَاكِمٍ رَجَعَ بِهَا عَلَى الزَّوْجَةِ وَإِنْ دَفَعَهَا بِاخْتِيَارِهِ مِنْ غَيْرِ حُكْمٍ فَفِي رُجُوعِهِ وَعَدَمِ رُجُوعِهِ قَوْلَانِ وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: وَحَيْثُ بِالْقَضَا تُؤْخَذُ وَانْفَشَّ فَمِنْهَا تُقْتَضَى ... وَإِنْ يَكُنْ دَفْعٌ بِلَا سُلْطَانِ فَفِي رُجُوعِهِ بِهِ قَوْلَانِ ... ابْنُ الْحَاجِبِ وَتَجِبُ النَّفَقَةُ بِثُبُوتِ الْحَمْلِ بِالنِّسَاءِ (التَّوْضِيحُ) هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ، وَلِمَالِكٍ فِي الْمَبْسُوطِ أَنَّهَا لَا تُدْفَعُ لَهَا النَّفَقَةُ إلَّا بَعْدَ الْوَضْعِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَنْفَشَّ مِنْ غَيْرِ حَمْلٍ (ابْنُ الْحَاجِبِ) وَفِي رُجُوعِهِ ثَالِثُهَا إنْ كَانَ بِحُكْمٍ رَجَعَ، وَرَابِعُهَا بِعَكْسِهِ (التَّوْضِيحُ) وَإِذَا فَرَّعْنَا عَلَى الْمَشْهُورِ وَأَنْفَقَ بِظُهُورِ الْحَمْلِ، ثَمَّ تَبَيَّنَ أَنْ لَا حَمْلَ فَهَلْ يَرْجِعُ بِالنَّفَقَةِ أَمْ لَا؟ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ الرُّجُوعُ مُطْلَقًا، وَعَدَمُ الرُّجُوعِ مُطْلَقًا، وَالثَّالِثُ إنْ دَفَعَ لَهَا بِحُكْمٍ رَجَعَ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ قَدْ اسْتَبَانَ أَنَّ الْأَمْرَ عَلَى خِلَافِ مَا ثَبَتَ وَإِنْ دَفَعَ بِغَيْرِ حُكْمٍ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ مُتَطَوِّعٌ وَالرَّابِعُ عَكْسُهُ اهـ. بِاخْتِصَارٍ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ قَاعِدَةِ الْحُكْمِ بِمَا ظَاهِرُهُ صَوَابٌ وَبَاطِنُهُ خَطَأٌ وَبَاطِلٌ هَلْ يُغَلَّبُ حُكْمُ الظَّاهِرِ فَتَنْفُذُ الْأَحْكَامُ أَوْ الْبَاطِنُ فَتُرَدُّ وَيَنْبَنِي عَلَى ذَلِكَ فُرُوعٌ وَمِنْ جُمْلَتِهَا هَذِهِ مَنْ دَفَعَ نَفَقَةَ الْحَمْلِ، ثُمَّ انْفَشَّ هَلْ يَرْجِعُ أَمْ لَا؟ قَوْلُهُ: وَمَنْ لَهُ مَالٌ فَفِيهِ الْفَرْضُ حَقُّ الْبَيْتُ يَعْنِي أَنَّ الْأَوْلَادَ إنَّمَا تَجِبُ نَفَقَتُهُمْ وَكِسْوَتُهُمْ وَأُجْرَةُ رَضَاعِهِمْ وَغَيْرُ ذَلِكَ عَلَى أَبِيهِمْ إنْ كَانُوا فُقَرَاءَ وَلَا مَالَ لَهُمْ، وَأَمَّا إنْ كَانَ لَهُمْ مَالٌ، فَإِنَّ جَمِيعَ مُؤْنَتِهِمْ مِنْ مَالِ أَنْفُسِهِمْ وَلَيْسَ عَلَى الْأَبِ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ (قَالَ فِي الْمُفِيدِ) وَلَا يَلْزَمُ الْأَبَ نَفَقَةُ بَنِيهِ إنْ كَانَ لَهُمْ مَالٌ (وَقَالَ الْمُتَيْطِيُّ) : وَمَنْ كَانَ مِنْ صِغَارِ بَنِيهِ وَأَبْكَارِ بَنَاتِهِ لَهُ مَالٌ فَلَا يَلْزَمُ الْأَبَ نَفَقَتُهُ وَيُنْفِقُ عَلَيْهِ الْأَبُ مِنْهُ عَيْنًا كَانَ أَوْ عُرُوضًا، وَقَدْ سُئِلَ الْأُسْتَاذُ أَبُو سَعِيدِ بْنُ لُبٍّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَنْ رَجُلٍ أَنْفَقَ نَفَقَةً كَبِيرَةً فِي عُرْسِ ابْنِهِ، ثُمَّ طَلَبَهُ بِهَا (فَأَجَابَ) : لَا طَلَبَ لِلْأَبِ عَلَى ابْنِهِ بِمَا كَثُرَ مِنْ النَّفَقَةِ فِي عُرْسِهِ وَدَخَلَ فِي بَابِ السَّرَفِ، وَإِنَّمَا يَطْلُبُهُ بِالْقَدْرِ الْمُعْتَادِ فِي ذَلِكَ مِمَّا هُوَ دَاخِلٌ فِي بَابِ الِاقْتِصَادِ عَلَى مُقْتَضَى الْعَادَةِ الْجَارِيَةِ لِمِثْلِ الزَّوْجِ مَعَ تِلْكَ الزَّوْجَةِ بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ يَمِينًا بِاَللَّهِ تَعَالَى أَنَّهُ إنَّمَا أَنْفَقَ تِلْكَ النَّفَقَةَ مِنْ مَالِهِ لِيَرْجِعَ بِهَا عَلَى ابْنِهِ وَهَذَا إنْ كَانَ لِلِابْنِ مَالٌ وَقْتَ الْإِنْفَاقِ، وَإِلَّا فَلَا رُجُوعَ لَهُ بِشَيْءٍ. اهـ. وَمَا أَفْتَى بِهِ ظَاهِرٌ إنْ كَانَ الِابْنُ صَغِيرًا وَانْظُرْ مَا الْحُكْمُ إنْ كَانَ كَبِيرًا هَلْ هُوَ كَالصَّغِيرِ أَوْ يُرْجَعُ عَلَيْهِ كَانَ لَهُ مَالٌ وَقْتَ الْإِنْفَاقِ أَوْ لَا؟ وَهُوَ ظَاهِرُ اشْتِرَاطِهِمْ فِي الصَّغِيرِ أَنْ يَكُونَ لَهُ مَالٌ دُونَ الْكَبِيرِ فَيُرْجَعُ عَلَيْهِ مُطْلَقًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ثَمَّ قَالَ وَكُلُّ مَا يَرْجِعُ لِافْتِرَاضِ ... مُوَكَّلٌ إلَى اجْتِهَادِ الْقَاضِي بِحَسَبِ الْأَقْوَاتِ وَالْأَعْيَانِ ... وَالسِّعْرِ وَالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ يَعْنِي: أَنَّ كُلَّ مَا يَرْجِعُ لِلْفَرْضِ وَالتَّقْدِيرِ مِنْ نَفَقَةٍ وَكِسْوَةٍ وَإِسْكَانٍ وَمَا يَلْتَحِقُ بِذَلِكَ فَإِنَّهُ مَوْكُولٌ إلَى اجْتِهَادِ الْقَاضِي فَيَجْتَهِدُ فِيهِ بِحَسَبِ جِنْسِ الْقُوتِ وَقَدْرِهِ وَبِحَسَبِ عَيْنِ مَا فُرِضَ لَهُ أَوْ عَلَيْهِ وَبِاعْتِبَارِ السِّعْرِ مِنْ رَخَاءٍ وَغَلَاءٍ وَبِاعْتِبَارِ الزَّمَانِ مِنْ شِتَاءٍ وَصَيْفٍ وَبِاعْتِبَارِ الْمَكَانِ فِي عَادَةِ أَهْلِهِ، وَكَذَلِكَ الْكِسْوَةُ يُلَاحَظُ فِيهَا هَذِهِ الِاعْتِبَارَاتُ وَالْمَسْكَنُ كَذَلِكَ فَفِي مُخْتَصَرِ الشَّيْخِ خَلِيلٍ أَنَّهُ يَجِبُ لِلزَّوْجَةِ قُوتٌ وَإِدَامٌ وَكِسْوَةٌ وَمَسْكَنٌ بِالْعَادَةِ بِقَدْرِ وُسْعِهِ وَحَالِهَا وَالْبَلَدِ وَالسِّعْرِ وَإِنْ أَكُولَةً وَتُزَادُ الْمُرْضِعُ مَا تَقْوَى بِهِ، إلَّا الْمَرِيضَةَ وَقَلِيلَةَ الْأَكْلِ فَلَا يَلْزَمُ إلَّا مَا تَأْكُلُ عَلَى الْأَصْوَبِ. وَلَا يَلْزَمُ الْحَرِيرُ وَحُمِلَ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَعَلَى الْمُتَدَيِّنَةِ لِقَنَاعَتِهَا فَيُفْرَضُ الْمَاءُ وَالزَّيْتُ وَالْحَطَبُ وَالْمِلْحُ وَاللَّحْمُ الْمَرَّةَ بَعْدَ الْمَرَّةِ، وَحَصِيرٌ وَسَرِيرٌ اُحْتِيجَ إلَيْهِ وَأُجْرَةُ قَابِلَةٍ، وَزِينَةٌ تُسْتَضَرُّ بِتَرْكِهَا كَكُحْلٍ وَدُهْنٍ مُعْتَادَيْنِ وَحِنَّاءٍ وَمُشْطٍ وَإِخْدَامُ أَهْلِهِ وَإِنْ بِكِرَاءٍ وَلَوْ بِأَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ وَقَضَى لَهَا بِخَادِمِهَا إنْ أَحَبَّتْ إلَّا لِرِيبَةٍ وَإِلَّا فَعَلَيْهَا الْخِدْمَةُ الْبَاطِنَةُ مِنْ عَجْنٍ وَكَنْسٍ وَفَرْشٍ بِخِلَافِ النَّسْجِ وَالْغَسْلِ، وَفِي ابْنِ الْحَاجِبِ نَحْوُهُ قَالَ وَقَدَّرَ مَالِكٌ الْمُدَّ فِي الْيَوْمِ وَقَدَّرَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَيْبَتَيْنِ وَنِصْفًا فِي الشَّهْرِ إلَى ثَلَاثَةٍ؛ لِأَنَّ مَالِكًا بِالْمَدِينَةِ وَابْنَ الْقَاسِمِ بِمِصْرَ قَالَ وَإِنْ أَكَلَ الشَّعِيرَ أَكَلَتْهُ (التَّوْضِيحُ) وَالْمُرَادُ بِالْمُدِّ هُنَا الْمُدُّ الْهَاشِمِيُّ وَهُوَ مَنْسُوبٌ إلَى هِشَامِ بْنِ إسْمَاعِيلَ الْمَخْزُومِيِّ وَكَانَ أَمِيرًا بِالْمَدِينَةِ فِي خِلَافَةِ هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ (ابْنُ حَبِيبٍ وَغَيْرُهُ) وَفِي الْوَيْبَةِ اثْنَتَانِ وَعِشْرُونَ مُدًّا بِمُدِّ النَّبِيِّ. - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اهـ. وَفِي الْمُدِّ الْهِشَامِيِّ

مُدٌّ وَثُلُثَانِ بِمَدِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثُمَّ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَأَمْرُ الْإِدَامِ كَذَلِكَ وَلَا يُفْرَضُ مِثْلُ الْعَسَلِ وَالسَّمْنِ وَالْحَالُومِ وَالْفَاكِهَةِ وَيُفْرَضُ الْخَلُّ. اهـ. وَعَدَمُ فَرْضِ السَّمْنِ مُقَيَّدٌ بِبَلَدٍ لَيْسَ أَكْلُهُ عُرْفًا عِنْدَهُمْ ثُمَّ قَالَ وَأَمْرُ الْكِسْوَةِ كَذَلِكَ (التَّوْضِيحُ) أَيْ فَيُعْتَبَرُ فِي جِنْسِهَا وَقَدْرِ حَالِهَا كَمَا فِي النَّفَقَةِ وَيُعْتَبَرُ أَيْضًا الزَّمَانُ وَالْمَكَانُ مِمَّا يَصْلُحُ لِلشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ مِنْ قَمِيصٍ وَجُبَّةٍ وَخِمَارٍ وَمِقْنَعَةٍ وَإِزَارٍ وَشِبْهِهِ مِمَّا لَا غَنَاءَ عَنْهُ، وَمِنْ غِطَاءٍ وَوِطَاءٍ وَوِسَادَةٍ وَسَرِيرٍ اُحْتِيجَ إلَيْهِ لِعَقَارِبَ أَوْ بَرَاغِيثَ أَوْ فِيرَانٍ. اهـ. (الْجَوْهَرِيُّ) الْمِقْنَعَةُ بِالْكَسْرِ مَا تُقَنِّعُ بِهِ الْمَرْأَةُ رَأْسَهَا وَالْقِنَاعُ أَوْسَعُ مِنْ الْمِقْنَعَةِ اهـ. ثُمَّ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَالْأَصْلُ أَنَّ مَا هُوَ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ يُفْرَضُ، وَمَا هُوَ زِيَادَةٌ فِي مَعْنَى السَّرَفِ لَا يُفْرَضُ وَمَا هُوَ مِنْ التَّوَسُّعِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهَا وَلَكِنَّهُ عَادَتُهَا قَوْلَانِ. اهـ. وَقَوْلُهُ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهَا، أَيْ وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِهَا فَمُتَأَكَّدٌ وَمَعَ ذَلِكَ هُوَ عَادَتُهَا هَذَا مَحِلُّ الْقَوْلَيْنِ ثُمَّ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: وَلَا يَلْزَمُهُ مَا هُوَ مِنْ شَوْرَتِهَا الَّتِي هِيَ مِنْ صَدَاقِهَا مِنْ مَلْبَسٍ وَغِطَاءٍ وَوِطَاءٍ وَلَهُ عَلَيْهَا الِاسْتِمْتَاعُ مَعَهَا بِهِ. اهـ. (قَالَ مُقَيِّدُهُ عَفَا اللَّهُ عَنْهُ) : قَوْلُ عَبْدِ الْمَلِكِ هَذَا هُوَ الْأَصْلُ فِيمَا بِهِ الْحُكْمُ عِنْدَنَا أَنَّ الزَّوْجَ لَا يُفْرَضُ عَلَيْهِ لِلزَّوْجَةِ عِنْدَ الْمُشَاحَّةِ اللِّبَاسُ وَالْفِرَاشُ إذَا كَانَ الصَّدَاقُ مُعْتَبَرًا حَتَّى تَطُولَ الْمُدَّةُ وَيَغْلِبَ عَلَى الظَّنِّ تَلَاشِي شَوْرَتِهَا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الصَّدَاقُ قَلِيلًا جِدًّا فَيُفْرَضُ ذَلِكَ عَلَيْهِ مِنْ حِينِهِ أَوْ قَلِيلًا لَا جِدًّا فَبَعْدَ السَّنَةِ وَنَحْوِهَا (وَفِي ابْنِ عَرَفَةَ) وَوَاجِبُهَا مَا يَضُرُّ بِهَا فَقْدُهُ وَلَا يَضُرُّهُ وَفِيمَا فَوْقَهُ مُعْتَادًا لِمِثْلِهَا غَيْرَ سَرَفٍ لَا يَضُرُّهُ خِلَافٌ، وَفِي تَعْيِينِهِ بِمُقْتَضَى مَحَلِّ قَابِلِهِ وَعَادَاتِهِ مَقَالَاتٌ، فَنِصْفُ مَأْكُولِهَا جُلُّ قُوتِ مِثْلِهِمَا بِبَلَدِهِمَا، يَفْرِضُ لَهَا مِنْ الطَّعَامِ مَا يَرَى أَنَّهُ الشِّبَعُ مِمَّا يَقْتَاتُ أَهْلُ بَلَدِهِمَا مِنْ الْبِلَادِ مَا لَا يُنْفِقُ أَهْلُهُ شَعِيرًا بِحَالِ غَنِيِّهِمْ وَلَا فَقِيرِهِمْ وَمِنْهَا مِنْ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ يُسْتَخَفُّ وَيُسْتَجَازُ، اُنْظُرْ كَلَامَهُ إنْ شِئْتَ فَقَدْ أَطَالَ فِي ذَلِكَ عَلَى عَادَتِهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَنَفَعَ بِهِ. (وَفِي طُرُرِ ابْنِ عَاتٍ) عَنْ أَحْمَدَ بْنِ نَصْرٍ وَإِذَا فَرَضَ الْقَاضِي لِلْمَرْأَةِ نَفَقَتَهَا زَادَ فِي الرَّخَاءِ عَلَى رُبُعَيْنِ وَيُنْقِصُ فِي الْغَلَاءِ الْمُفْرِطِ عَنْ رُبُعَيْنِ وَفِي (مُفِيدِ ابْنِ هِشَامٍ) وَالنَّفَقَةُ فِي الْجَوْدَةِ وَالدَّنَاءَةِ وَالْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ عَلَى قَدْرِ شَأْنِ الزَّوْجَيْنِ وَيَسَارِهِمَا، وَفِي الْمُدَّةِ هَلْ تَكُونُ شَهْرًا أَوْ سَنَةً عَلَى قَدْرِ يُسْرِ الزَّوْجِ خَاصَّةً وَأَجَازَ ابْنُ الْقَاسِمِ أَنْ يُفْرَضَ لِسَنَةٍ، وَقَالَ سَحْنُونٌ: لَا يُفْرَضُ لِسَنَةٍ؛ لِأَنَّ الْأَسْوَاقَ تَحُولُ وَأَرَى أَنْ يُوَسَّعَ فِي الْمُدَّةِ إذَا كَانَ الزَّوْجُ مُوسِرًا وَلَمْ يُؤَدِّ إلَى ضَرَرٍ فَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ مُوسِرًا فَالْأَشْهُرُ الثَّلَاثَةُ وَالْأَرْبَعَةُ وَإِنْ كَانَ مُتَوَسِّطًا فَالشَّهْرُ وَالشَّهْرَانِ وَإِنْ كَانَ ذَا صِنَاعَةٍ فَالشَّهْرُ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ فَعَلَى مَا يَرَى أَنَّهُ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَغْرَمَهُ. اهـ. وَفِي مُخْتَصَرِ الشَّيْخِ خَلِيلٍ وَقُدِّرَتْ بِحَالِهِ مِنْ يَوْمٍ أَوْ جُمُعَةٍ أَوْ شَهْرٍ أَوْ سَنَةٍ، وَفِيهِ أَيْضًا وَيَجُوزُ إعْطَاءُ الثَّمَنِ عَمَّا لَزِمَهُ (وَفِي ابْنِ سَلْمُونٍ) الْحَاكِمُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يُؤَاخَذَ الزَّوْجُ بِمَا يُفْرَضُ عَلَيْهِ بِعَيْنِهِ أَوْ بِثَمَنِهِ (وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ) : لَهُ أَنْ يُعْطِيَهَا عَنْ جَمِيعِ لَوَازِمِهَا ثَمَنًا إلَّا الطَّعَامَ فَفِيهِ قَوْلَانِ، وَالْقَادِرُ بِالْكَسْبِ كَالْقَادِرِ بِالْمَالِ وَلَا يُجْبَرُ عَلَى الْعَمَلِ. اهـ. (قَالَ مُقَيِّدُ هَذَا الشَّرْحِ سَمَحَ اللَّهُ لَهُ بِفَضْلِهِ) : وَقَدْ وَجَدْتُ بِخَطِّ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّ الَّذِي فَرَضَ بِفَاسَ فِي وَقْتِهِ الطَّبِيبُ أَبَا الْفَضْلِ قَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ شُهِّرَ بِالْوَزِيرِ وَقَدْ أَدْرَكْتُهُ مَاتَ فِي سَنَةِ تِسْعَ عَشْرَةَ وَأَلْفٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ مِقْدَارِ النَّفَقَةِ فِي كُلِّ شَهْرٍ عَلَى الْمُتَعَارَفِ فِي ذَلِكَ (فَأَجَابَ بِمَا نَصُّهُ) : اعْلَمْ حَفِظَكَ اللَّهُ أَنَّ فَرْضَ الْمَرْءِ الْبَالِغِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى رُبُعَانِ مِنْ الدَّقِيقِ وَرُبُعٌ وَنِصْفٌ مِنْ الْفَحْمِ وَرِطْلٌ وَنِصْفٌ مِنْ السَّمْنِ وَمِثْلُهُ مِنْ الْخَيْلَعِ وَالزَّبِيبِ وَالصَّابُونِ، فِي الضَّرُورِيَّاتِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْأُوقِيَّةِ هَذَا فِي كُلِّ شَهْرٍ لِمَنْ يَكُونُ مُقِلًّا بِحَسَبِ ثَمَنِ جَمِيعِ مَا ذُكِرَ وَيُزَادُ عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْأُوقِيَّةِ وَيُعْطَى الْمُجْتَمِعُ فِي كُلِّ شَهْرٍ وَالْعَدِيمُ يَتَسَاوَى مَعَ الْمُقِلِّ فِي الدَّقِيقِ وَيُخَالِفُهُ فِيمَا عَدَاهُ يُنْقَصُ لَهُ مِنْ الْفَحْمِ نِصْفُ رُبُعٍ وَمِنْ السَّمْنِ نِصْفُ رِطْلٍ وَكَذَلِكَ فِيمَا بَعْدَهُ، وَالضَّرُورِيَّاتِ نِصْفُ أُوقِيَّةٍ بِحَسَبِ ذَلِكَ مَعَ مَا هُوَ مُعَيَّنٌ فِي الضَّرُورِيَّاتِ وَيُعْطَى فِي كُلِّ شَهْرٍ وَأَمَّا أَهْلُ الْبَادِيَةِ فَيُنْقَصُ لَهُمْ الْوُقُودُ وَالصَّابُونُ وَالزَّيْتُ، وَمَا عَدَاهُ يَلْزَمُهُمْ وَنَفَقَةُ الْأَوْلَادِ إذَا كَانَ الْوَلَدُ مِنْ سَبْعَةِ أَعْوَامٍ يُعْطَى لَهُ نِصْفُ نَفَقَةِ أُمِّهِ، وَإِذَا كَانَ مِنْ خَمْسَةٍ إلَى سِتَّةٍ الثُّلُثُ، وَإِذَا كَانَ مِنْ عَشْرَةٍ إلَى اثْنَيْ عَشَرَ الثُّلُثَانِ

فصل في الطلاق بالإعسار بالنفقة وما يلحق بها

وَالرَّضِيعُ أُوقِيَّةٌ فِي الشَّهْرِ، وَالْحَاضِنَةُ ثَمَنُ الْأُوقِيَّةِ فِي الشَّهْرِ، وَإِذَا كَانَتْ السُّنُونَ مُتَعَدِّدَةً وَلَمْ يَعْلَمْ الْعَامَ الْغَالِيَ مِنْ الرَّاخِي يَتَوَخَّى الصَّلَاحَ وَالسَّدَادَ وَيَجْتَهِدُ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. وَالْمَفْرُوضُ أَرْبَعَةٌ غَنِيٌّ وَمُتَوَسِّطٌ وَمُقِلٌّ وَعَدِيمٌ فَفَرْضُ عَامَّةِ النَّاسِ عِنْدَنَا رَفِيعًا أَوْ وَضِيعًا فَرْضُ الِاسْتِغْلَالِ وَلَوْ كَانَ تَاجِرًا، إلَّا إذَا ثَبَتَ عُدْمُهُ فَيُفْرَضُ لَهُ فَرْضُ الْعَدِيمِ، وَأَمَّا الْغَنِيُّ وَالْمُتَوَسِّطُ فَلَيْسَ بِمَحْدُودٍ وَلِذَلِكَ لَمْ أُبَيِّنْ لَكَ فَرَضَهُمَا وَأَمَّا خِدْمَةُ النِّسَاءِ فِي الْبَادِيَةِ فَلَا يُفْرَضُ لَهُنَّ شَيْءٌ إلَّا إذَا كَانَتْ أَجِيرَةً لِأَجْنَبِيٍّ فَيُفْرَضُ لَهَا أُجْرَةُ أَمْثَالِهَا وَفِي الْحَضَانَةِ رُبُعُ الْأُوقِيَّةِ لِلرَّأْسِ بِزِيَادَةِ ثَمَنِ الْأُوقِيَّةِ عَلَى أَهْلِ الْحَاضِرَةِ. وَالسَّلَامُ [فَصْلٌ فِي الطَّلَاقِ بِالْإِعْسَارِ بِالنَّفَقَةِ وَمَا يُلْحَقُ بِهَا] الزَّوْجُ إنْ عَجَزَ عَنْ إنْفَاقِ ... لِأَجَلٍ شَهْرَيْنِ ذُو اسْتِحْقَاقِ بَعْدَهُمَا الطَّلَاقُ لَا مِنْ فِعْلِهِ ... وَعَاجِزٌ عَنْ كِسْوَةٍ كَمِثْلِهْ وَلِاجْتِهَادِ الْحَاكِمِينَ يُجْعَلُ ... فِي الْعَجْزِ عَنْ هَذَا وَهَذَا الْأَجَلُ وَذَاكَ مِنْ بَعْدِ ثُبُوتِ مَا يَجِبْ ... كَمِثْلِ عِصْمَةٍ وَحَالِ مَنْ طَلَبْ يَعْنِي أَنَّ الزَّوْجَ إذَا عَجَزَ عَنْ النَّفَقَةِ، يَعْنِي أَوْ الْكِسْوَةِ بِقَوْلِهِ فِي الْبَيْتِ الثَّانِي يُضْرَبُ لَهُ أَجَلُ شَهْرَيْنِ، أَوْ مَا يَرَاهُ الْحَاكِمُ كَمَا يَقُولُهُ فِي الْبَيْتِ الثَّالِثِ فَإِذَا انْقَضَى الْأَجَلُ الْمَضْرُوبُ وَلَمْ يَجِدْ مَا عَجَزَ عَنْهُ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يُطَلِّقُ عَلَيْهِ وَلِذَلِكَ قَالَ: إنَّ الطَّلَاقَ لَيْسَ مِنْ فِعْلِ الزَّوْجِ يَعْنِي بَلْ مِنْ فِعْلِ الْحَاكِمِ. وَهَذَا إذَا امْتَنَعَ الزَّوْجُ مِنْ التَّطْلِيقِ فَإِنَّ الْحَاكِمَ حِينَئِذٍ يُطَلِّقُ عَلَيْهِ وَقِيلَ يَأْمُرُهَا بِهِ فَتُوقِعُهُ، وَأَمَّا ابْتِدَاءً فَالزَّوْجُ هُوَ الْمَأْمُورُ بِالتَّطْلِيقِ قَوْلُهُ وَلِاجْتِهَادِ الْحَكَمَيْنِ، الْبَيْتُ يَعْنِي أَنَّ تَعْيِينَ مُدَّةِ الْأَجَلِ الْمَضْرُوبِ فِي الْعَجْزِ عَنْ الْإِنْفَاقِ أَوْ الْكِسْوَةِ مَوْكُولٌ إلَى اجْتِهَادِ الْحَكَمَيْنِ وَنَظَرِهِمَا فَيُقَدَّرُ أَنَّهُ بِحَسَبِ مَا يَظْهَرُ لَهُمَا فِي كُلِّ نَازِلَةٍ نَازِلَةٍ فَقَوْلُ هَذَا الْأَوَّلِ إشَارَةٌ إلَى الْإِنْفَاقِ، وَالثَّانِي إشَارَةٌ إلَى الْكِسْوَةِ، وَذَكَرَهُ بِاعْتِبَارِ اللِّبَاسِ وَأَفَادَ بِهَذَا الْبَيْتِ أَنَّ التَّحْدِيدَ بِالشَّهْرَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ فِي الْبَيْتِ الْأَوَّلِ لَيْسَ لَازِمًا لَا يُعْدَلُ عَنْهُ بَلْ هُوَ مِنْ جُمْلَةِ الْآجَالِ الَّتِي هِيَ مَوْكُولَةٌ إلَى اجْتِهَادِ الْقُضَاةِ فَيُقَدِّرُونَهَا بِمَا ظَهَرَ كَمَا قَالَ النَّاظِمُ أَوَّلَ الْكِتَابِ وَلِاجْتِهَادِ الْحَاكِمِ الْآجَالُ ... مَوْكُولَةٌ حَيْثُ لَهَا اسْتِعْمَالُ وَقَوْلُهُ وَذَاكَ مِنْ بَعْدِ ثُبُوتِ مَا يَجِبْ الْبَيْتُ يَعْنِي أَنَّ مَا ذُكِرَ مِنْ التَّطْلِيقِ عَلَى الْمُعْسِرِ بِالنَّفَقَةِ إنَّمَا هُوَ بَعْدَ ثُبُوتِ مُوجِبِهِ مِنْ الْعِصْمَةِ وَإِعْسَارِ الزَّوْجِ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ " وَحَالِ مَنْ طَلَبْ " فَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ طُلِّقَ عَلَيْهِ لَكِنْ بَعْدَ تَلَوُّمٍ بِقَدْرِ اجْتِهَادِ الْقَاضِي، وَأَمَّا إنْ لَمْ يَثْبُتْ عُسْرُهُ فَهُوَ مَأْمُورٌ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ؛ إمَّا النَّفَقَةُ وَالْكِسْوَةُ؛ وَإِمَّا الطَّلَاقُ وَتَلَوُّمٌ بِالِاجْتِهَادِ، فَهُوَ كَقَوْلِ الشَّيْخِ خَلِيلٍ فَيَأْمُرُهُ الْقَاضِي وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ عُسْرُهُ بِالنَّفَقَةِ أَوْ الْكِسْوَةِ أَوْ الطَّلَاقِ، وَإِلَّا تَلَوَّمَ بِالِاجْتِهَادِ، ثُمَّ طَلَّقَ عَلَيْهِ فَقَوْلُهُ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَا ذَكَرَهُ مِنْ عَدَمِ ثُبُوتِ عُسْرِهِ وَذَلِكَ بِأَنْ يَثْبُتَ عُسْرُهُ فَلَا يُؤْمَرُ حِينَئِذٍ بِالطَّلَاقِ، إذْ لَا فَائِدَةَ فِي أَمْرِهِ بِمَا يُثْبِتُ عُسْرَهُ وَعَجْزَهُ عَنْهُ فَيُطَلِّقُ عَلَيْهِ لَكِنْ بَعْدَ تَلَوُّمٍ يَرَاهُ الْقَاضِي كَمَا تَقَدَّمَ. وَفِي ابْنِ الْحَاجِبِ وَيَثْبُتُ لَهَا حَقُّ الْفَسْخِ بِالْعَجْزِ عَنْ النَّفَقَةِ الْحَاضِرَةِ لَا الْمَاضِيَةِ حُرَّيْنِ، أَوْ عَبْدَيْنِ أَوْ مُخْتَلِفَيْنِ مَا لَمْ تَكُنْ عَلِمَتْ فَقْرَهُ قَبْلَ الْعَقْدِ فَيَأْمُرُهُ الْحَاكِمُ بِالْإِنْفَاقِ، أَوْ الطَّلَاقِ فَإِنْ أَبَى طَلَّقَ عَلَيْهِ بَعْدَ التَّلَوُّمِ، وَرُوِيَ شَهْرٌ، وَرُوِيَ شَهْرَانِ، وَرُوِيَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَالصَّحِيحُ

يَخْتَلِفُ بِالرَّجَاءِ اهـ. أَيْ فَمَنْ يُرْجَى زَوَالُ فَقْرِهِ يُتَلَوَّمُ لَهُ أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِهِ (وَقَالَ الشَّارِحُ) يَسُوغُ أَنْ يُزَادَ فِي الْآجَالِ فِي حَقِّ بَعْضِ الْأَزْوَاجِ لِمَنْ يُرْجَى لَهُ الْوَجْدُ وَالسَّعَةُ وَلَا يَكُونُ عَلَى زَوْجَتِهِ كَبِيرُ مَضَرَّةٍ فِي الْبَقَاءِ مَعَهُ لِانْتِظَارِ يَسْرَتِهِ، كَمَا أَنَّهُ يُنْقَصُ مِنْهُ لِمَنْ يُرْجَى لَهُ شَيْءٌ مَعَ تَضَرُّرِ زَوْجَتِهِ بِالْإِقَامَةِ دُونَ الْقِيَامِ بِحَقِّهَا بِحَسَبِ اجْتِهَادِ الْقَاضِي فِي ذَلِكَ فِي إفْرَادِ الْمَسَائِلِ، وَإِنَّمَا التَّأْجِيلُ بِالشَّهْرَيْنِ تَقْرِيرٌ لِمَا اسْتَمَرَّ عَلَيْهِ الْعَمَلُ مِنْ الْقُضَاةِ أَكْثَرَ مَا فِي حَقِّ عُمُومِ النَّاسِ. اهـ. ثُمَّ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَتَطْلُقُ عَلَيْهِ لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى الْكِسْوَةِ اهـ. (التَّوْضِيحُ) اللَّخْمِيُّ، وَكَذَلِكَ لَوْ عَجَزَ عَنْ الْغِطَاءِ وَالْوَطْءِ (أَشْهَبُ) وَيَسْتَأْنِي فِي الْكِسْوَةِ الشَّهْرَيْنِ وَنَحْوَهُمَا اهـ. (وَفِي ابْنِ سَلْمُونٍ) فَمَنْ ادَّعَى الْعَجْزَ عَنْ النَّفَقَةِ، وَكَذَلِكَ عَنْ الْقُوتِ وَعَمَّا يُوَارِي الْعَوْرَةَ مِنْ الْكِسْوَةِ وَادَّعَى الْعُدْمَ فَلَا يُحْبَسُ حَتَّى تَقُومَ عَلَيْهِ شُبْهَةٌ يَظْهَرُ بِهَا لَدَدُهُ وَعَلَيْهِ إثْبَاتُ ذَلِكَ إنْ نَاكَرَتْهُ الزَّوْجَةُ، فَإِذَا أَثْبَتَ ذَلِكَ حَلَفَ أَنَّهُ لَا مَالَ لَهُ وَأَنَّ الَّذِي يُفْرَضُ عَلَيْهِ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ، فَإِذَا حَلَفَ أُجِّلَ فِي الْكِسْوَةِ، وَإِنْ قَدَرَ عَلَى النَّفَقَةِ دُونَ الْكِسْوَةِ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا بَعْدَ الشَّهْرَيْنِ وَنَحْوِهِمَا وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَلَا يُؤَجَّلُ، إلَّا دُونَ ذَلِكَ، وَذَلِكَ إلَى اجْتِهَادِ الْحَاكِمِ، وَإِذَا ثَبَتَ عُدْمُهُ، أَوْ أَقَرَّ بِالْعَجْزِ وَوَافَقَتْهُ الزَّوْجَةُ عَلَى ذَلِكَ أَجَّلَهُ الْحَاكِمُ فِي الْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا الشَّهْرَ وَنَحْوَهُ وَتَكُونُ مَعَهُ فِي خِلَالِ التَّأَجُّلِ، وَلَا تَتْبَعُهُ بِنَفَقَةٍ زَمَنَ الْإِعْسَارِ. وَإِنْ عُلِمَ لَهُ مَالٌ، أَوْ ظَهَرَ لَدَدُهُ كَانَ لِلسُّلْطَانِ أَنْ يَسْجُنَهُ، فَإِنْ وَجَدَ فِي خِلَالِ الْأَجَلِ مَا يُنْفِقُ عَلَيْهَا بَطَلَ حُكْمُهُ وَبَقِيَتْ زَوْجَةً، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ شَيْئًا وَدَعَتْ إلَى الطَّلَاقِ فَيَكْتُبُ فِي ذَلِكَ مَا نَصُّهُ " لَمَّا انْصَرَمَ الْأَجَلُ الْمُقَيَّدُ فَوْقَ هَذَا، أَوْ حَضَرَ عِنْدَ الْقَاضِي فُلَانٍ وَفَّقَهُ اللَّهُ الزَّوْجَانِ فُلَانٌ وَفُلَانَةُ وَأَقَرَّ الزَّوْجُ فُلَانٌ بِاتِّصَالِ عِشْرَتِهِ وَأَنَّهُ لَمْ يَجِدْ مِنْهُ مَا يُنْفِقُ مِنْهُ عَلَى زَوْجَتِهِ الْمَذْكُورَةِ وَسَأَلَتْ مِنْهُ الزَّوْجَةُ النَّظَرَ لَهَا أَمَرَهُ بِالطَّلَاقِ فَأَبَى مِنْ ذَلِكَ وَثَبَتَتْ إبَايَتُهُ عِنْدَهُ فَطَلَّقَهَا عَلَيْهِ طَلْقَةً وَاحِدَةً يَمْلِكُ بِهَا رَجْعَتَهَا إنْ أَيْسَرَ فِي عِدَّتِهَا وَحَكَمَ بِذَلِكَ وَأَنْفَذَهُ بَعْدَ الْإِعْذَارِ إلَيْهِمَا وَثُبُوتِ زَوْجِيَّتِهِمَا لَدَيْهِ وَشُهِدَ عَلَى الْقَاضِي وَفَّقَهُ اللَّهُ بِمَا فِيهِ مِنْ ثُبُوتِ وَحُكْمِ مَنْ أَشْهَدَهُ الزَّوْجَانِ بِمَا فِيهِ عَنْهُمَا فِي كَذَا، وَإِنْ أَيْسَرَ فِي عِدَّتِهَا بِنَفَقَةِ الشَّهْرِ وَنَحْوِهِ وَمَا يَجِبُ مِنْ اللِّبَاسِ كَانَ أَمْلَكَ بِهَا " انْتَهَى. (وَفِي مُفِيدِ ابْنِ هِشَامٍ) وَلَوْ أَعْسَرَ بِنَفَقَتِهَا بَعْدَ الدُّخُولِ، أَوْ بَعْدَ أَنْ دُعِيَ إلَى الْبِنَاءِ فَلَمْ يَجِدْ شَيْئًا يُنْفِقُ مِنْهُ عَلَيْهَا وَأَرَادَتْ فِرَاقَهُ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا إنْ طَلَبَتْ ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ يُؤَجَّلَ لَهُ مَا يَرَاهُ الْحَاكِمُ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا أَيَّامًا ثَلَاثَةً، أَوْ جُمُعَةً وَقِيلَ ثَلَاثِينَ وَقِيلَ شَهْرَيْنِ، وَالتَّوْقِيتُ فِي هَذَا خَطَأٌ وَإِنَّمَا فِيهِ اجْتِهَادُ الْحَاكِمِ عَلَى مَا يَرَاهُ مِنْ حَاجَةِ الْمَرْأَةِ وَصَبْرِهَا، وَالْجُوعُ لَا صَبْرَ عَلَيْهِ. وَالْفُرْقَةُ فِيهَا طَلْقَةٌ رَجْعِيَّةٌ، فَإِنْ أَيْسَرَ فِي عِدَّتِهَا فَلَهُ رَجْعَتُهَا إنْ كَانَ قَدْ دَخَلَ بِهَا وَلَا تَلْزَمُهُ نَفَقَةُ مَا أَعْسَرَ بِهِ، وَلَا تَصِحُّ رَجْعَتُهُ، إلَّا بِالْيَسَارِ. اهـ ثُمَّ قَالَ النَّاظِمُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَوَاجِدُ نَفَقَةٍ وَمَا ابْتَنَى ... وَعَنْ صَدَاقٍ عَجْزُهُ تَبَيَّنَا تَأْجِيلُهُ عَامَانِ وَابْنُ الْقَاسِمِ ... يَجْعَلُ ذَاكَ لِاجْتِهَادِ الْحَاكِمِ يَعْنِي أَنَّ مَنْ عَقَدَ عَلَى امْرَأَةٍ وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا، ثُمَّ طُولِبَ بِالصَّدَاقِ فَعَجَزَ عَنْهُ لَكِنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى النَّفَقَةِ فَإِنَّهُ يُؤَجَّلُ لِذَلِكَ سَنَتَيْنِ وَعَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ ذَلِكَ مَوْكُولٌ إلَى اجْتِهَادِ الْقَاضِي (قَالَ فِي الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ) وَإِذَا أَصْدَقَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ صَدَاقًا وَلَمْ يَجِدْ الصَّدَاقَ قَبْلَ دُخُولِهِ عَلَيْهَا وَيَجِدُ النَّفَقَةَ، فَإِنَّهُ يُضْرَبُ لَهُ فِي ذَلِكَ أَجَلٌ قِيلَ لَهُ، فَإِنْ حَلَّ الْأَجَلُ وَلَوْ لَمْ يَأْتِ بِشَيْءٍ قَالَ يُضْرَبُ لَهُ أَجَلٌ آخَرُ يُتَلَوَّمُ لَهُ فِيهِ، فَإِذَا اسْتَقْصَى التَّلَوُّمَ رَأَيْتُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَلَيْسَ مَنْ تُرْجَى لَهُ تِجَارَةٌ تَأْتِيه، أَوْ غَلَّةٌ كَاَلَّذِي لَا يُعْرَفُ لَهُ شَيْءٌ فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ. وَرُوِيَ عَنْ أَشْهَبَ أَنَّهُ يُضْرَبُ لَهُ فِي الصَّدَاقِ إذَا كَانَ يُجْرِي النَّفَقَةَ أَجَلَ سَنَتَيْنِ (وَفِي الْمُدَوَّنَةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ) لَا أَعْرِفُ سَنَةً وَلَا سَنَتَيْنِ وَلَكِنْ قَدْ قَالَ مَالِكٌ: يَتَلَوَّمُ لَهُ تَلَوُّمًا بَعْدَ تَلَوُّمٍ، وَإِلَّا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا اهـ. (ابْنُ الْحَاجِبِ) وَلِلْمَرْأَةِ مَنْعُ نَفْسِهَا مِنْ الدُّخُولِ وَمِنْ الْوَطْءِ بَعْدَهُ وَمِنْ السَّفَرِ مَعَهُ حَتَّى تَقْبِضَ مَا وَجَبَ لَهَا مِنْ صَدَاقِهَا، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ تَلَوَّمَ لَهُ بِأَجَلٍ بَعْدَ أَجَلٍ، ثُمَّ يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا بِطَلْقَةٍ وَفِي نِصْفِ الصَّدَاقِ حِينَئِذٍ قَوْلَانِ (التَّوْضِيحُ) مَا وَجَبَ لَهَا أَيْ الْحَالُّ

وَمَا حَلَّ، ثُمَّ قَالَ إذَا طُولِبَ الزَّوْجُ بِالصَّدَاقِ، فَإِنْ صَدَّقَتْهُ الْمَرْأَةُ، أَوْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ عَلَى إعْسَارِهِ ضَرَبَ لَهُ الْأَجَلَ وَتَلَوَّمَ لَهُ، ثُمَّ يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا بِطَلْقَةٍ (قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ) وَيَخْتَلِفُ التَّلَوُّمُ فِيمَنْ يُرْجَى وَفِيمَنْ لَا يُرْجَى، أَيْ فَيُطَالُ فِي الْأَجَلِ فِي حَقِّ مَنْ يُرْجَى دُونَ غَيْرِهِ (قَالَ الْمُتَيْطِيُّ) وَيُؤَجِّلُهُ فِي إثْبَاتِ عُسْرِهِ أَحَدًا وَعِشْرِينَ يَوْمًا، سِتَّةً، ثُمَّ سِتَّةً، ثُمَّ سِتَّةً، ثُمَّ ثَلَاثَةً وَلِلْمَرْأَةِ أَنْ تَطْلُبَهُ بِحَمِيلٍ بِوَجْهِهِ. فَإِنْ عَجَزَ عَنْهُ فَلَهَا أَنْ تَسْجُنَهُ؛ لِأَنَّ الصَّدَاقَ دَيْنٌ كَسَائِرِ الدُّيُونِ (ثُمَّ قَالَ) وَذَكَرَ الْمُتَيْطِيُّ أَنَّ الَّذِي اخْتَارَهُ الْمُوَثِّقُونَ فِي مِقْدَارِ الْأَجَلِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ شَهْرًا، سِتَّةُ أَشْهُرٍ، ثُمَّ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ، ثُمَّ شَهْرَانِ، ثُمَّ شَهْرٌ وَنَقَلَهُ ابْنُ سَحْنُونٍ وَلِمَالِكٍ فِي الْمُخْتَصَرِ أَنَّهُ يُضْرَبُ لَهُ السَّنَةُ وَالسَّنَتَانِ، ثُمَّ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ كَانَ يُجْرِي النَّفَقَةَ وَإِذَا ضُرِبَ الْأَجَلُ فَقَالَ ابْنُ مَالِكٍ فِي أَحْكَامِهِ لَا يُعَدُّ الْيَوْمُ الَّذِي يُكْتَبُ فِيهِ الْأَجَلُ (خَلِيلٌ) وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُخْتَلَفَ فِيهِ كَعُهْدَةِ السَّنَةِ وَالْكِرَاءِ وَنَحْوِهِمَا. ثُمَّ قَالَ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَفِي نِصْفِ الصَّدَاقِ حِينَئِذٍ قَوْلَانِ، أَيْ حِينَ التَّفَرُّقِ بِالْإِعْسَارِ بِالصَّدَاقِ اهـ. وَإِلَى هَذَا كُلِّهِ أَشَارَ فِي الْمُخْتَصَرِ بِقَوْلِهِ، وَإِنْ لَمْ تَجِدْهُ أُجِّلَ لِإِثْبَاتِ عُسْرِهِ ثَلَاثَةَ أَسَابِيعَ، ثُمَّ تَلَوَّمَ لَهُ بِالنَّظَرِ وَعَمِلَ بِسَنَةٍ وَشَهْرٍ وَفِي التَّلَوُّمِ لِمَنْ لَا يُرْجَى، وَصُحِّحَ عَدَمُهُ تَأْوِيلَانِ، ثُمَّ طُلِّقَ عَلَيْهِ وَوَجَبَ نِصْفُهُ. اهـ. ثُمَّ قَالَ. وَزَوْجَةُ الْغَائِبِ حَيْثُ أَمَّلَتْ ... فِرَاقَ زَوْجِهَا بِشَهْرٍ أُجِّلَتْ وَبِانْقِضَاءِ الْأَجَلِ الطَّلَاقُ مَعْ ... يَمِينِهَا وَبِاخْتِيَارِهَا يَقَعْ يَعْنِي أَنَّ مَنْ غَابَ عَنْ زَوْجَتِهِ وَلَمْ يَتْرُكْ لَهَا نَفَقَةً وَأَرَادَتْ فِرَاقَهُ فَإِنَّهَا تُؤَجَّلُ شَهْرًا فَإِذَا انْقَضَى الشَّهْرُ خُيِّرَتْ فِي الْبَقَاءِ وَالطَّلَاقِ، فَإِنْ اخْتَارَتْهُ فَإِنَّهَا تَطْلُقُ عَلَيْهِ بَعْدَ يَمِينِهَا أَنَّهُ لَمْ يَتْرُكَ لَهَا نَفَقَةً وَلَا بَعَثَ بِهَا وَوَصَلَتْهَا، وَعَلَى كَوْنِهَا خُيِّرَتْ فَاخْتَارَتْ الطَّلَاقَ نَبَّهَ بِقَوْلِهِ " وَبِاخْتِيَارِهَا يَقَعُ " رَدًّا عَلَى مَنْ يَقُولُ: إنَّ الْقَاضِيَ يُطَلِّقُهَا عَلَيْهِ، وَيَأْتِي التَّصْرِيحُ بِهِ فِي آخِرِ كَلَامِ ابْنِ سَلْمُونٍ فَفِي الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ إذَا رَفَعَتْ امْرَأَةٌ عِنْدَ الْحَاكِمِ أَنَّ زَوْجَهَا غَابَ عَنْهَا وَلَمْ يَتْرُكْ لَهَا شَيْئًا تُنْفِقُ مِنْهُ عَلَى نَفْسِهَا وَأَثْبَتَتْ لَهُ مَالًا أَعْدَاهَا بِنَفَقَتِهَا فِيهِ، فَإِنْ لَمْ تُثْبِتْ لَهُ مَالًا يُعْدِيهَا فِيهِ، وَذَهَبَتْ إلَى أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا عَلَيْهِ بِعَدَمِ النَّفَقَةِ وَهُوَ عَدِيمٌ، أَوْ مَجْهُولُ الْحَالِ، فَإِنَّهُ يُتَلَوَّمُ لَهُ، فَإِنْ أَتَى، أَوْ وَجَدَتْ لَهُ مَالًا، وَإِلَّا طَلُقَتْ عَلَيْهِ مِنْ جِهَةِ النَّفَقَةِ لَا مِنْ جِهَةِ الْفَقْدِ كَمَا تَطْلُقُ عَلَى الْعَدِيمِ الْحَاضِرِ. وَيَجِبُ فِي ذَلِكَ أَنْ تُثْبِتَ عُدْمَ الْغَائِبِ وَغَيْبَتَهُ، ثُمَّ يَسْتَأْنِي بَعْدَ ذَلِكَ كَمَا يَسْتَأْنِي عَلَى الْحَاضِرِ، ثُمَّ يُقْضَى عَلَيْهِ وَتُرْجَى لَهُ الْحُجَّةُ لِمَغِيبِهِ (قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ) وَتَحْلِفُ الْمَرْأَةُ بِاَللَّهِ مَا تَرَكَ عِنْدَهَا النَّفَقَةَ وَلَا أَرْسَلَ إلَيْهِ شَيْئًا وَوَصَلَ إلَيْهَا وَلَا وَضَعَتْ عَنْهُ نَفَقَتَهَا اهـ. (وَفِي طُرَرِ ابْنِ عَاتٍ) بَنَى ابْنُ فَتْحُونٍ وَثَائِقَهُ عَلَى تَلَوُّمِ ثَلَاثِينَ يَوْمًا (وَفِي ابْنِ سَلْمُونٍ) ، وَكَذَلِكَ إنْ

كَانَتْ غَيْبَتُهُ قَبْلَ الْبِنَاءِ، وَلَمْ يَتْرُكْ مَالًا فَإِنَّهَا تَطْلُقُ عَلَيْهِ إذَا دَعَتْ إلَى ذَلِكَ عَلَى الصَّحِيحِ وَقِيلَ لَا تَطْلُقُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ لَا تَجِبُ لَهَا حَتَّى تَطْلُبَهَا وَبِغَيْبَتِهِ عُدِمَ ذَلِكَ، ثُمَّ ذَكَرَ الْخِلَافَ فِي وُجُوبِ النَّفَقَةِ عَلَى الَّذِي غَابَ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَكَانَتْ غَيْبَتُهُ قَرِيبَةً دُونَ الْبَعِيدَةِ فَتَلْزَمُهُ قَوْلًا وَاحِدًا إنْ طَلَبَتْ الزَّوْجَةُ، ثُمَّ ذَكَرَ وَثِيقَةَ الْبَيِّنَةِ بِأَنَّهُ غَابَ وَلَمْ يَتْرُكْ لَهَا نَفَقَةً، ثُمَّ وَثِيقَةَ التَّأْجِيلِ بِالشَّهْرِ، ثُمَّ وَثِيقَةَ التَّطْلِيقِ بَعْدَ انْقِضَاءِ الشَّهْرِ وَنَصُّهَا لَمَّا انْصَرَمَ الْأَجَلُ الْمُقَيَّدُ فِي كَذَا وَلَمْ يَئُبْ الزَّوْجُ الْمَذْكُورُ فِي كَذَا لِزَوْجَتِهِ الْمَذْكُورَةِ فِيهِ مِنْ الْغَيْبَةِ الْمَشْهُودِ بِهَا فِي كَذَا، وَسَأَلَتْ الزَّوْجَةُ مِنْ الْقَاضِي فُلَانٍ وَفَّقَهُ اللَّهُ النَّظَرَ لَهَا فِي ذَلِكَ اقْتَضَى نَظَرُهُ إحْلَافَهَا فَحَلَفَتْ بِحَيْثُ يَجِبُ. وَكَمَا يَجِبُ يَمِينًا قَالَتْ فِيهَا: بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ لَقَدْ غَابَ عَنِّي زَوْجِي فُلَانٌ الْمَذْكُورُ فِي كَذَا الْغَيْبَةَ الْمَشْهُودَ بِهَا فِي كَذَا وَلَا رَجَعَ مِنْ مَغِيبِهِ سِرًّا وَلَا جَهْرًا وَتَرَكَنِي دُونَ نَفَقَةٍ وَلَا شَيْءَ أَمُونُ بِهِ نَفْسِي وَلَا بَعَثَ إلَيَّ بِشَيْءٍ فَوَصَلَنِي وَلَا أَقَامَ لِي بِذَلِكَ كَفِيلًا وَلَا مَنْ يَنُوبُ عَنْهُ وَلَا قَامَ عَنْهُ أَحَدٌ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَذِنْتُ لَهُ فِي سَفَرِهِ وَلَا رَضِيتُ بِالْمُقَامِ مَعَهُ دُونَ النَّفَقَةِ وَلَا أَعْلَمُ مَالًا أُعْدِي لَهُ فِيهِ بِذَلِكَ وَلَا أَنَّ عِصْمَةَ النِّكَاحِ انْفَصَلَتْ بَيْنِي وَبَيْنَهُ بِوَجْهٍ حَتَّى الْآنَ، وَلَمَّا كَمَّلَتْ يَمِينَهَا وَثَبَتَتْ لَدَيْهِ أَذِنَ لَهَا فِي تَطْلِيقِ نَفْسِهَا إنْ شَاءَتْ فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا عَلَيْهِ وَاحِدَةً قَبْلَ الْبِنَاءِ بِهَا مَلَكَتْ بِهَا أَمْرَ نَفْسِهَا، أَوْ بَعْدَ الْبِنَاءِ بِهَا طَلْقَةً رَجْعِيَّةً يَمْلِكُ بِهَا رَجْعَتَهَا إنْ قَدِمَ مُوسِرًا فِي عِدَّتِهَا وَأَمَرَهَا بِالِاعْتِدَادِ مِنْ الْآنَ. وَإِرْجَاءُ الْحُجَّةِ لِلْغَائِبِ مَتَى قَدِمَ وَمَنْ حَضَرَ الْيَمِينَ الْمَنْصُوصَةَ وَاسْتَوْعَبَهَا مِنْ الْحَالِفِ وَيَعْرِفُ الْإِذْنَ فِيهَا وَفِي الطَّلَاقِ وَأَشْهَدَتْهُ الْحَالِفَةُ بِمَا فِيهِ عَنْهَا وَعَرَفَهَا قَيَّدَ بِذَلِكَ شَهَادَتَهُ فِي كَذَا وَأَسْقَطَ ابْنُ فَتْحُونٍ أَذِنَ لَهَا فِي الطَّلَاقِ وَجَعَلَ فِي عِوَضِهِ فَطَلَّقَهَا وَمَا ذَكَرْنَا أَصْوَبُ اهـ. وَعَلَى التَّنْبِيهِ عَلَى هَذَا الْأَصْوَبِ أَشَارَ النَّاظِمُ بِقَوْلِهِ " وَبِاخْتِيَارِهَا يَقَعْ " (قَالَ ابْنُ عَاتٍ) وَالْمَعْنَى الْمَقْصُودُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْمَرْأَةَ هِيَ الْمُفَارِقَةُ وَأَنَّ الْحَقَّ إذَا كَانَ لِلْمَرْأَةِ خَالِصًا فَإِنْفَاذُ الطَّلَاقِ مَوْكُولٌ إلَيْهَا مَعَ إبَاحَةِ الْحَاكِمِ ذَلِكَ لَهَا وَنُسِبَ ذَلِكَ إلَى السُّلْطَانِ؛ لِأَنَّهُ الْحَاكِمُ بِهِ وَمُنَفِّذُهُ (فَرْعٌ) اُخْتُلِفَ إذَا فُقِدَ الزَّوْجُ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَضَرَبَ الْحَاكِمُ الْأَجَلَ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا، وَسَوَاءٌ تَزَوَّجَتْ أَمْ لَا فَعَنْ مَالِكٍ أَنَّهَا تُعْطَى جَمِيعَ الصَّدَاقِ، وَبِهِ قَالَ سَحْنُونٌ وَابْنُ الْعَطَّارِ وَبِهِ الْقَضَاءُ وَفِي الْجَلَّابِ أَنَّهَا تُعْطَى نِصْفَ الصَّدَاقِ فَقَطْ، فَإِنْ ثَبَتَ بَعْدَ ذَلِكَ وَفَاتُهُ أَكْمَلَ لَهَا صَدَاقَهَا، وَكَذَلِكَ إنْ مَضَى عَلَيْهِ مِنْ السِّنِينَ مَا لَا يَحْيَا إلَى مِثْلِهِ وَقَالَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ وَابْنُ دِينَارٍ مِنْ التَّوْضِيحِ. (فَرْعٌ) إذَا تَطَوَّعَ أَحَدُ أَقَارِبِ الزَّوْجِ، أَوْ أَجْنَبِيٌّ بِالنَّفَقَةِ عَلَى زَوْجَةِ الْغَائِبِ فَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ الْكَاتِبِ لَهَا أَنْ تُفَارِقَ؛ لِأَنَّ الْفِرَاقَ قَدْ وَجَبَ لَهَا وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: لَا مَقَالَ لَهَا؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْفِرَاقِ هُوَ عَدَمُ النَّفَقَةِ وَقَدْ وَجَدْتُهَا اهـ. مِنْ طُرَرِ سَيِّدِي أَحْمَدَ الْوَنْشَرِيسِيِّ عَلَى وَثَائِقِ الْقَشْتَالِيِّ، ثُمَّ قَالَ وَمَنْ عَنْ الْإِخْدَامِ عَجْزُهُ ظَهَرْ ... فَلَا طَلَاقَ وَبِذَا الْحُكْمِ اشْتَهَرَ يَعْنِي أَنَّ الزَّوْجَ إذَا قَدَرَ عَلَى النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ وَعَجَزَ عَنْ الْإِخْدَامِ مَعَ كَوْنِهِ وَزَوْجَتَهُ أَهْلًا لِلْإِخْدَامِ فَفِي التَّطْلِيقِ عَلَيْهِ بِذَلِكَ قَوْلَانِ الْمَشْهُورُ مِنْهُمَا أَنَّهَا لَا تَطْلُقُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ. (قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ) وَاخْتُلِفَ إذَا عَجَزَ الزَّوْجُ عَنْ الْإِخْدَامِ هَلْ تَطْلُقُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ أَمْ لَا؟ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي رِوَايَةِ عِيسَى: لَا تَطْلُقُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ قَالَ الْمُتَيْطِيُّ، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ وَبِهِ الْقَضَاءُ وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ. اهـ. وَجُمْلَةُ " عَجْزُهُ ظَهَرَ عَنْ الْإِخْدَامِ " صِلَةُ مَنْ وَالرَّابِطُ ضَمِيرُ " عَجْزُهُ " وَ " فَلَا طَلَاقَ " جَوَابُ " مَنْ ".

فصل في أحكام المفقودين

[فَصْلٌ فِي أَحْكَامِ الْمَفْقُودِينَ] َ جَمَعَهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ مِنْهُمْ مَنْ يُفْقَدُ فِي أَرْضِ الْإِسْلَامِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُفْقَدُ فِي أَرْضِ الْكُفْرِ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا؛ إمَّا فِي غَيْرِ حَرْبٍ، أَوْ فِي حَرْبٍ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ حُكْمٌ يَخُصُّهُ، ثُمَّ قَالَ وَحُكْمُ مَفْقُودٍ بِأَرْضِ الْكُفْرِ ... فِي غَيْرِ حَرْبٍ حُكْمُ مَنْ فِي الْأَسْرِ تَعْمِيرُهُ فِي الْمَالِ وَالطَّلَاقُ ... مُمْتَنِعٌ مَا بَقِيَ الْإِنْفَاقُ وَكُلُّ مَنْ لَيْسَ لَهُ مَالٌ حَرِيّ ... بِأَنْ يَكُونَ حُكْمُهُ كَالْمُعْسِرِ الْمَفْقُودُ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ مَنْ انْقَطَعَ خَبَرُهُ وَيُمْكِنُ الْكَشْفُ عَنْهُ. خَرَجَ بِقَوْلِهِ مَنْ انْقَطَعَ خَبَرُهُ: الْأَسِيرُ الَّذِي عُلِمَ خَبَرُهُ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ وَيُمْكِنُ الْكَشْفُ عَنْهُ: الْمَحْبُوسُ الَّذِي لَا يُسْتَطَاعُ الْكَشْفُ عَنْهُ فَإِنَّهُ لَا يُحْكَمُ لَهُ بِحُكْمِ الْمَفْقُودِ وَالْحَدُّ شَامِلٌ لِلْحُرِّ وَالْعَبْدِ قَالَهُ الرَّصَّاعُ وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَفْقُودَ؛ إمَّا أَنْ يُفْقَدَ فِي أَرْضِ الْكُفْرِ، أَوْ فِي أَرْضِ الْإِسْلَامِ وَبَدَأَ النَّاظِمُ بِاَلَّذِي يُفْقَدُ فِي أَرْضِ الْكُفْرِ وَسَيَقُولُ وَمَنْ بِأَرْضِ الْمُسْلِمِينَ يُفْتَقَدْ إلَخْ وَقَسَّمَ الْمَفْقُودَ فِي أَرْضِ الْكُفْرِ إلَى مَنْ فُقِدَ فِي غَيْرِ حَرْبٍ وَعَلَيْهِ تَكَلَّمَ فِي هَذِهِ الْأَبْيَاتِ بِاعْتِبَارِ زَوْجَتِهِ وَمَالِهِ وَأَدْمَجَ مَعَهُ حُكْمَ الْأَسِيرِ الْمَجْهُولِ الْحَيَاةِ بِاعْتِبَارِ زَوْجَتِهِ وَمَالِهِ أَيْضًا فَأَخْبَرَ أَنَّ حُكْمَ الْمَفْقُودِ فِي أَرْضِ الْكُفْرِ فِي غَيْرِ حَرْبٍ حُكْمُ الْأَسِيرِ، أَيْ الَّذِي لَمْ تُعْلَمْ حَيَاتُهُ مِنْ مَوْتِهِ، وَحُكْمُهُ أَنَّ الْمَالَ لَا يُوَرَّثُ حَتَّى يَأْتِيَ عَلَيْهِ مِنْ السِّنِينَ مَا لَا يَعِيشُ إلَى مِثْلِهِ. وَكَذَا لَا تَتَزَوَّجُ زَوْجَتُهُ إلَّا بَعْدَ انْقِضَاءِ أَجَلِ التَّعْمِيرِ وَالْحُكْمِ بِمَوْتِهِ، فَكَذَلِكَ الْمَفْقُودُ بِأَرْضِ الْكُفْرِ فِي غَيْرِ حَرْبٍ لَا يُوَرَّثُ مَالُهُ وَلَا تَتَزَوَّجُ زَوْجَتُهُ إلَّا بَعْدَ التَّعْمِيرِ فَقَوْلُهُ وَالطَّلَاقُ مُمْتَنِعٌ، يَعْنِي أَنَّ زَوْجَةَ الْمَفْقُودِ وَالْأَسِيرِ لَا تَطْلُقُ عَلَيْهِ مَا دَامَتْ نَفَقَتُهَا مِنْ مَالِهِ، فَإِنْ لَمْ يَبْقَ لَهُ مَالٌ، أَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَوَّلِ وَهْلَةٍ فَإِنَّهَا تَطْلُقُ عَلَيْهِ بِالْإِعْسَارِ، وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِقَوْلِهِ وَكُلُّ مَنْ لَيْسَ لَهُ مَالٌ حَرِيّ الْبَيْتَ فَهُوَ تَصْرِيحٌ بِمَفْهُومِ. قَوْلِهِ مُمْتَنِعٌ مَا بَقِيَ الْإِنْفَاقُ إلَّا أَنَّ ظَاهِرَ قَوْلِهِ مَا بَقِيَ الْإِنْفَاقُ أَنَّهُ مَهْمَا كَانَ عِنْدَهُ مَا تُنْفِقُ مِنْهُ، فَلَهَا حُكْمُ الزَّوْجَةِ فَتُنْفِقُ مِنْ مَالِهِ وَلَا تَتَزَوَّجُ، وَلَوْ طَالَتْ السُّنُونَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ هُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا قَبْلَ الْحُكْمِ بِمَوْتِهِ، أَمَّا إذَا انْقَضَى أَجَلُ التَّعْمِيرِ، وَحُكِمَ بِمَوْتِهِ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا حِينَئِذٍ وَلَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ لِأَنَّهَا إذْ ذَاكَ مُتَوَفًّى عَنْهَا وَلَا نَفَقَةَ لِلْمُتَوَفَّى عَنْهَا، وَلَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ بَعْدَ عِدَّةِ الْوَفَاةِ تَبْتَدِئُهَا مِنْ غَدِ يَوْمِ الْحُكْمِ بِمَوْتِهِ. (قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ) ، وَأَمَّا الْأَسِيرُ، فَإِنْ كَانَ لِامْرَأَتِهِ شَرْطٌ فِي الْمَغِيبِ، طَوْعًا أَوْ كَرْهًا، فَلَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا بِهِ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا شَرْطٌ وَلَا خَلَفَ لَهَا نَفَقَةً قَامَتْ بِعَدَمِهَا وَطَلَّقَهَا عَلَيْهِ الْإِمَامُ كَمَا تَطْلُقُ عَلَى الْحَاضِرِ، فَإِنْ كَانَ خَلَفَ لَهَا مَا تُنْفِقُ مِنْهُ عَلَيْهَا وَلَمْ يَكُنْ لَهَا عَلَيْهِ شَرْطٌ فَلَا تَتَزَوَّجُ أَبَدًا وَيُنْفَقُ عَلَيْهَا مِنْ مَالِهِ حَتَّى يَثْبُتَ مَوْتُهُ، أَوْ تُبْصِرَهُ طَائِعًا، أَوْ يَنْقَضِيَ تَعْمِيرُهُ، إنْ جُهِلَ مَكَانُهُ فَتَنْقَطِعُ النَّفَقَةُ عَنْهَا وَعَمَّنْ كَانَ يُنْفَقُ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ وَتَعْتَدُّ زَوْجَتُهُ وَتَتَزَوَّجُ وَيُقَسَّمُ مَالُهُ فِي ثُبُوتِ الْمَوْتِ، أَوْ انْقِضَاءِ التَّعْمِيرِ اهـ. وَيَأْتِي لِلنَّاظِمِ الْكَلَامُ عَلَى حَدِّ التَّعْمِيرِ، وَفِي مُخْتَصَرِ الشَّيْخِ خَلِيلٍ وَبَقِيَتْ أُمُّ وَلَدِهِ وَمَالُهُ وَزَوْجَةُ الْأَسِيرِ وَزَوْجَةُ مَفْقُودِ أَرْضِ الشِّرْكِ لِلتَّعْمِيرِ، وَالشَّاهِدُ لِمَسْأَلَتِنَا، أَعْنِي مَسْأَلَةَ الْمَفْقُودِ وَالْأَسِيرِ هُوَ قَوْلُهُ وَزَوْجَةُ الْأَسِيرِ وَزَوْجَةُ مَفْقُودِ أَرْضِ الشِّرْكِ يَعْنِي وَمَالُهُمَا فَقَوْلُهُ " وَمَفْقُودٌ " عَطْفٌ عَلَى الْأَسِيرِ مَدْخُولٌ لِزَوْجَةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. .

وَإِنْ يَكُنْ فِي الْحَرْبِ فَالْمَشْهُورُ ... فِي مَالِهِ وَالزَّوْجَةِ التَّعْمِيرُ وَفِيهِ أَقْوَالٌ لَهُمْ مُعَيَّنَهْ ... أَصَحُّهَا الْقَوْلُ بِسَبْعِينَ سَنَهْ وَقَدْ أَتَى الْقَوْلُ بِضَرْبِ عَامِ ... مِنْ حِينِ يَأْسٍ مِنْهُ لَا الْقِيَامِ وَيُقْسَمُ الْمَالُ عَلَى مَمَاتِهِ ... وَزَوْجَةٌ تَعْتَدُّ مِنْ وَفَاتِهِ وَذَا بِهِ الْقَضَاءُ فِي أَنْدَلُسِ ... لِمَنْ مَضَى فَمُقْتَفِيهِمْ مُؤْتَسِ يَعْنِي الْمَفْقُودُ فِي أَرْضِ الْكُفْرِ إمَّا فِي غَيْرِ حَرْبٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ، وَإِمَّا فِي حَرْبٍ وَعَلَيْهِ تَكَلَّمَ هُنَا فَهُوَ تَصْرِيحٌ بِمَفْهُومِ قَوْلِهِ وَحُكْمُ مَفْقُودٍ بِأَرْضِ الْكُفْرِ فِي غَيْرِ حَرْبٍ يَعْنِي أَنَّ مَنْ فُقِدَ فِي أَرْضِ الْكُفْرِ فِي الْحَرْبِ وَالْقِتَالِ مَعَ الْكُفَّارِ فَفِيهِ قَوْلَانِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ النَّاظِمُ، الْأَوَّلُ: أَنَّهُ يُعْمَلُ فِي الْمَالِ وَالزَّوْجَةِ كَالْمَفْقُودِ وَالْأَسِيرِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ فَلَا يُقَسَّمُ مَالُهُ، وَلَا تَتَزَوَّجُ زَوْجَتُهُ، إلَّا بَعْدَ أَجَلِ التَّعْمِيرِ، وَالْحُكْمِ بِمَوْتِهِ وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ فَالْمَشْهُورُ فِي مَالِهِ وَالزَّوْجَةِ التَّعْمِيرُ الْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ يُضْرَبُ لَهُ أَجَلُ سَنَةٍ بَعْدَ النَّظَرِ وَالْبَحْثِ عَنْهُ فَإِذَا انْقَضَتْ السَّنَةُ وُرِّثَ مَالُهُ وَاعْتَدَّتْ زَوْجَتُهُ عِدَّةَ الْوَفَاةِ، وَهَذَا هُوَ الْقَوْلُ الَّذِي اعْتَمَدَهُ الشَّيْخُ خَلِيلٌ حَيْثُ قَالَ: وَفِي الْمَفْقُودِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْكُفَّارِ تَعْتَدُّ بَعْدَ سَنَةٍ بَعْدَ النَّظَرِ وَإِلَى هَذَا الْقَوْلِ أَشَارَ النَّاظِمُ بِقَوْلِهِ وَقَدْ أَتَى الْقَوْلُ بِضَرْبِ عَامِ وَمُبْتَدَأُ الْعَامِ مِنْ حَيْثُ الْيَأْسُ مِنْ خَبَرِهِ لَا مِنْ حِينِ قِيَامِ الزَّوْجَةِ، وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِقَوْلِهِ: مِنْ حِينِ يَأْسٍ مِنْهُ لَا الْقِيَامِ ، فَإِذَا انْقَضَى الْعَامُ وَحُكِمَ بِمَوْتِهِ قُسِّمَ مَالُهُ وَاعْتَدَّتْ زَوْجَتُهُ عِدَّةَ الْوَفَاةِ، وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِقَوْلِهِ: يُقَسَّمُ الْمَالُ عَلَى مَمَاتِهِ الْبَيْتُ فَقَوْلُهُ عَلَى مَمَاتِهِ، أَيْ عَلَى الْقَوْلِ بِتَمْوِيتِهِ إذْ ذَاكَ، أَيْ لَا عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ بِتَعْمِيرِهِ، وَبِهَذَا الْقَوْلِ الْقَضَاءُ فِي بِلَادِ الْأَنْدَلُسِ لِمَنْ مَضَى مِنْ الشُّيُوخِ فَمَنْ عَمِلَ بِذَلِكَ فَهُوَ مُؤْتَسٍ وَمُقْتَدٍ بِهِمْ، وَلَمَّا ذَكَرَ النَّاظِمُ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ بِتَعْمِيرِهِ ذَكَرَ إثْرَهُ بَعْضَ مَا قِيلَ فِي التَّعْمِيرِ، وَأَخْبَرَ أَنَّ فِيهِ أَقْوَالًا لَهُمْ لَكِنَّهُ لَمْ يَحْكِ مِنْهَا إلَّا قَوْلًا وَاحِدًا وَهُوَ سَبْعُونَ سَنَةً، وَقَالَ إنَّهُ أَصَحُّهَا، وَفِي ابْنِ الْحَاجِبِ أَنَّ مَفْقُودَ الْمُعْتَرَكِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْكُفَّارِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: (الْأَوَّلُ) أَنَّهُ كَالْأَسِيرِ لَا تَتَزَوَّجُ زَوْجَتُهُ وَلَا يُقَسَّمُ مَالُهُ حَتَّى يُعْلَمَ مَوْتُهُ، أَوْ يَأْتِيَ عَلَيْهِ مِنْ الزَّمَانِ مَا لَا يَعِيشُ إلَى مِثْلِهِ (وَالثَّانِي) أَنَّهُ كَالْمَفْقُودِ فِي أَرْضِ الْإِسْلَامِ فِي مَالِهِ وَزَوْجَتِهِ فَيُعَمَّرُ فِي مَالِهِ وَيُضْرَبُ لِزَوْجَتِهِ أَجَلُ أَرْبَعِ سِنِينَ، ثُمَّ تَعْتَدُّ كَعِدَّةِ الْوَفَاةِ (الْقَوْلُ الثَّالِثُ) تَعْتَدُّ بَعْدَ سَنَةٍ بَعْدَ النَّظَرِ، وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الثَّانِي فِي النَّظْمِ وَعَلَيْهِ ذَهَبَ خَلِيلٌ كَمَا تَقَدَّمَ، وَنَقَلَ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّ فِي حَدِّ التَّعْمِيرِ سِتَّةَ أَقْوَالٍ اقْتَصَرَ فِي مُخْتَصَرِهِ عَلَى ثَلَاثَةٍ مِنْهَا، فَقَالَ وَهُوَ سَبْعُونَ سَنَةً وَاخْتَارَ الشَّيْخَانِ ثَمَانِينَ وَحَكَمَ بِخَمْسٍ وَسَبْعِينَ، ثُمَّ قَالَ وَمَنْ بِأَرْضِ الْمُسْلِمِينَ يُفْقَدُ ... فَأَرْبَعٌ مِنْ السِّنِينَ الْأَمَدُ وَبِاعْتِدَادِ الزَّوْجَةِ الْحُكْمُ جَرَى ... مُبَعَّضًا وَالْمَالُ فِيهِ عُمِّرَا لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى الْمَفْقُودِ فِي أَرْضِ الْكُفْرِ بِقِسْمَيْهِ، أَيْ فِي غَيْرِ حَرْبٍ، أَوْ فِي حَرْبٍ تَكَلَّمَ هُنَا عَلَى الْمَفْقُودِ فِي أَرْضِ الْإِسْلَامِ فِي غَيْرِ حَرْبٍ فَأَخْبَرَ أَنَّهُ يُفْصَلُ بَيْنَ زَوْجَتِهِ وَمَالِهِ، فَأَمَّا زَوْجَتُهُ فَيُضْرَبُ لَهَا أَجَلُ أَرْبَعِ سِنِينَ بَعْدَ الْعَجْزِ عَنْ خَبَرِهِ تَعْتَدُّ عِدَّةَ الْوَفَاةِ، ثُمَّ تَتَزَوَّجُ إنْ شَاءَتْ، وَأَمَّا مَالُهُ فَلَا يُوَرَّثُ حَتَّى يَأْتِيَ عَلَيْهِ مِنْ السِّنِينَ مَا لَا يَعِيشُ إلَى مِثْلِهِ (قَالَ فِي الرِّسَالَةِ) وَالْمَفْقُودُ يُضْرَبُ لَهُ أَجَلُ أَرْبَعِ سِنِينَ مِنْ يَوْمِ تَرْفَعُ ذَلِكَ وَيَنْتَهِي الْكَشْفُ عَنْهُ، ثُمَّ تَعْتَدُّ كَمُعْتَدَّةِ الْمَيِّتِ، ثُمَّ تَتَزَوَّجُ إنْ شَاءَتْ وَلَا يُوَرَّثُ مَالُهُ حَتَّى يَأْتِيَ عَلَيْهِ مِنْ الزَّمَانِ مَا لَا يَعِيشُ إلَى مِثْلِهِ اهـ. فَقَوْلُهُ وَبِاعْتِدَادِ الزَّوْجَةِ الْبَيْتُ يَعْنِي أَنَّ الْحُكْمَ جَرَى فِي الْمَفْقُودِ بِأَرْضِ الْإِسْلَامِ مُبَعَّضًا بِسَبَبِ اعْتِدَادِ الزَّوْجَةِ بَعْدَ الْأَرْبَعِ سِنِينَ وَحِلِّيَّتِهَا لِلْأَزْوَاجِ بَعْدَهَا وَتَعْمِيرِهِ فِي الْمَالِ فَلَمْ يُعَمَّرْ فِي الْجَمِيعِ وَلَا ضُرِبَ لَهُ الْأَجَلُ فِي الْجَمِيعِ، بَلْ عُمِّرَ فِي الْمَالِ وَضُرِبَ لِزَوْجَتِهِ الْأَجَلُ فَيُحْكَمُ بِمَوْتِهِ بِاعْتِبَارِ الزَّوْجَةِ وَبِحَيَاتِهِ بِاعْتِبَارِ الْمَالِ، وَهَذَا هُوَ التَّبْعِيضُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ النَّاظِمُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَحُكْمُ مَفْقُودٍ بِأَرْضِ الْفِتَنِ ... فِي الْمَالِ وَالزَّوْجَةِ حُكْمُ مَنْ فَنِيَ مَعَ التَّلَوُّمِ لِأَهْلِ الْمَلْحَمَهْ ... بِقَدْرِ مَا تَنْصَرِفُ الْمُنْهَزِمَهْ فَإِنْ نَأَتْ أَمَاكِنُ الْمَلَاحِمِ ... تَرَبَّصَ الْعَامَ لَدَى ابْنِ الْقَاسِمِ

فصل في الحضانة

وَأَمَدُ الْعِدَّةِ فِيهِ إنْ شُهِدْ ... أَنْ قَدْ رَأَى الشُّهُودُ فِيهَا مَنْ فُقِدْ هَذَا هُوَ الْقِسْمُ الرَّابِعُ مِنْ أَقْسَامِ الْمَفْقُودِ بِأَرْضِ الْمُسْلِمِينَ فِي وَقْتِ الْحَرْبِ بَيْنَهُمْ، وَهُوَ الْمَفْقُودُ فِي الْفِتَنِ الْوَاقِعَةِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَذَكَرَ النَّاظِمُ عَلَى ظَاهِرِ لَفْظِهِ أَنَّ فِيهِ قَوْلًا وَاحِدًا بِالتَّفْصِيلِ إنْ لَمْ تَبْعُدْ أَمَاكِنُ الْمَلْحَمَةِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ مَنْ مَاتَ حَاضِرًا فِي الْمَالِ وَالزَّوْجَةِ فَيُوَرَّثُ مَالُهُ وَتَعْتَدُّ زَوْجَتُهُ، وَلَا يُضْرَبُ لَهُ أَجَلٌ وَإِنَّمَا يَتَلَوَّمُ الْإِمَامُ لِزَوْجَتِهِ بِقَدْرِ انْصِرَافِ مَنْ انْصَرَفَ وَانْهِزَامِ مَنْ انْهَزَمَ، ثُمَّ تَعْتَدُّ وَتَتَزَوَّجُ، وَإِنْ بَعُدَتْ أَمَاكِنُ الْمَلْحَمَةِ الَّتِي فُقِدَ فِيهَا عَنْ بَلَدِهِ كَإِفْرِيقِيَّةَ، وَنَحْوِهَا انْتَظَرَتْ زَوْجَتُهُ سَنَةً وَالْعِدَّةُ دَاخِلَةٌ فِي السَّنَةِ، هَذَا إنْ رَأَى الْمَفْقُودَ فِي الْمَعْرَكَةِ مَنْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ، وَإِنْ لَمْ يَشْهَدُوا بِمَوْتِهِ هَذَا مَقْصُودُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ لَفْظِهِ أَنَّ الَّذِينَ رَأَوْهُ فِي الْمَلْحَمَةِ لَمْ يَشْهَدُوا وَإِنَّمَا نُقِلَتْ الشَّهَادَةُ عَنْهُمْ لِقَوْلِهِ " إنْ شُهِدَ " أَنْ قَدْ رَأَى الشُّهُودُ وَالْأَمْرُ قَرِيبٌ فَقَوْلُهُ " مَنْ فَنِيَ " أَيْ مَنْ مَاتَ فِي بَلَدِهِ " وَنَأَتْ " مَعْنَاهُ بَعُدَتْ " وَلَدَى " بِمَعْنَى عِنْدَ " وَأَمَدُ الْعِدَّةِ " فِيهِ، أَيْ دَاخِلٌ فِي الْعَامِ " وَشُهِدَ " بِالْبِنَاءِ لِلنَّائِبِ الَّذِي هُوَ " أَنْ قَدْ رَأَى " " وَالشُّهُودُ " فَاعِلُ رَأَى وَ " مَنْ فُقِدْ " مَفْعُولُهُ، وَضَمِيرُ فِيهَا لِلْمَلْحَمَةِ. (قَالَ فِي التَّوْضِيحِ) فِي الْمَفْقُودِ فِي الْفِتَنِ الْوَاقِعَةِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ أَنَّ ابْنَ الْحَاجِبِ حَكَى فِيهِ أَرْبَعَةَ أَقْوَالٍ الْأَوَّلُ لِمَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ زَوْجَتَهُ تَعْتَدُّ مِنْ يَوْمِ الْتِقَاءِ الصَّفَّيْنِ وَكَانَ أَشْبَاهُ ذَلِكَ فِيمَا مَضَى يَوْمَ صِفِّينَ وَالْحَرَّةِ. الثَّانِي لِأَصْبَغَ يُضْرَبُ لِامْرَأَتِهِ بِقَدْرِ مَا يُسْتَقْصَى أَمْرُهُ وَيَسْتَبِينُ خَبَرُهُ، وَلَيْسَ لِذَلِكَ حَدٌّ مَعْلُومٌ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَجَعَلَهُ الْمُصَنِّفُ خِلَافًا لِلْأَوَّلِ. وَجَعَلَهُ بَعْضُهُمْ تَفْسِيرًا لَهُ. الثَّالِثُ لِابْنِ الْقَاسِمِ تَتَرَبَّصُ زَوْجَتُهُ سَنَةً، ثُمَّ تَعْتَدُّ. الرَّابِعُ أَنَّ الْعِدَّةَ دَاخِلَةٌ فِي السَّنَةِ قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ وَهُوَ الصَّوَابُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا تَلَوَّمَ لَهُ مَخَافَةَ أَنْ يَكُونَ حَيًّا، فَإِذَا لَمْ يُوجَدْ لَهُ خَبَرٌ حُمِلَ عَلَى أَنَّهُ قُتِلَ فِي الْمَعْرَكَةِ، وَفِي الْعُتْبِيَّةِ خَامِسٌ بِالْفَرْقِ بَيْنَ مَا قَرُبَ مِنْ الدِّيَارِ يَتَلَوَّمُ الْإِمَامُ لِزَوْجَتِهِ بِاجْتِهَادِهِ بِقَدْرِ انْصِرَافِ مَنْ انْصَرَفَ وَانْهِزَامِ مَنْ انْهَزَمَ، ثُمَّ تَعْتَدُّ وَتَتَزَوَّجُ وَبَيْنَ مَا بَعُدَ، مِثْلُ إفْرِيقِيَّةَ، وَنَحْوِهَا تَمْكُثُ زَوْجَتُهُ سَنَةً فَأَدْخَلَ نَظَرَ الْإِمَامِ فِي ذَلِكَ وَفَرَّقَ بَيْنَ الْقُرْبِ وَالْبُعْدِ وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ سَادِسٌ إنْ كَانَ بَعِيدًا فَحُكْمُهُ كَالْمَفْقُودِ تَتَرَبَّصُ أَرْبَعَةَ أَعْوَامٍ (اللَّخْمِيُّ) مَنْ قَالَ: إنَّ الْعِدَّةَ مِنْ يَوْمِ الْتِقَاءِ الصَّفَّيْنِ وَرَّثَ مَالُهُ حِينَئِذٍ. وَمَنْ جَعَلَ لِزَوْجَتِهِ التَّرَبُّصَ وَقَفَ مَالُهُ إلَى التَّعْمِيرِ، وَاخْتُلِفَ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ زَوْجَتَهُ تَتَرَبَّصُ سَنَةً فَقِيلَ يُوَرَّثُ مَالُهُ ذَلِكَ الْوَقْتَ، وَقِيلَ يُوقَفُ مَالُهُ إلَى التَّعْمِيرِ قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ، وَهَذَا الْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ إذَا شَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ الْعَادِلَةُ أَنَّهُ شَهِدَ الْمُعْتَرَكَ، وَأَمَّا إنْ كَانَ إنَّمَا رَأَوْهُ خَارِجًا مَعَ الْعَسْكَرِ وَلَمْ يَرَوْهُ فِي الْمُعْتَرَكِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمَفْقُودِ فِي زَوْجَتِهِ وَمَالِهِ بِاتِّفَاقٍ. اهـ. فَقَوْلُهُ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمَفْقُودِ، أَيْ تُؤَجَّلُ زَوْجَتُهُ أَرْبَعَ سِنِينَ وَيَبْقَى مَالُهُ لِلتَّعْمِيرِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ فِي التَّوْضِيحِ مَعَ التَّرَدُّدِ فِي كَوْنِ الثَّانِي تَفْسِيرًا لَهُ، أَوْ خِلَافًا، ذَهَبَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ حَيْثُ قَالَ وَاعْتَدَّتْ فِي كَمَفْقُودِ الْمُعْتَرَكِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ بَعْدَ انْفِصَالِ الصَّفَّيْنِ وَهَلْ يَتَلَوَّمُ وَيَجْتَهِدُ؟ تَفْسِيرَانِ وَوُرِّثَ مَالُهُ وَحِينَئِذٍ وَعَلَى مَا تَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ الْحَاجِبِ وَالتَّوْضِيحِ عَنْ الْعُتْبِيَّةِ يَكُونُ قَوْلُهُ فِي النَّظْمِ، فَإِنْ نَأَتْ أَمَاكِنُ الْمَلَاحِمِ قَوْلًا ثَالِثًا مُسْتَقِلًّا، لَا مِنْ تَمَامِ الْأَوَّلِ كَمَا يَظْهَرُ مِنْ النَّظْمِ، وَيَكُونُ قَوْلُهُ إنْ شُهِدَ إلَخْ تَقْيِيدًا لِمَحَلِّ الْخِلَافِ كَمَا قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ لَا شَرْطًا فِي مَسْأَلَةِ مَا إذَا بَعُدَتْ أَمَاكِنُ الْمَلَاحِمِ كَمَا يَظْهَرُ مِنْ النَّظْمِ أَيْضًا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [فَصْلٌ فِي الْحَضَانَةِ] ِ (ابْنُ عَرَفَةَ) الْحَضَانَةُ هِيَ مَحْصُولُ قَوْلِ الْبَاجِيِّ حِفْظُ الْوَلَدِ فِي مَبِيتِهِ، وَمُؤْنَةُ طَعَامِهِ، وَمَلْبَسِهِ، وَمَضْجَعِهِ، وَتَنْظِيفُ جِسْمِهِ (الرَّصَّاعُ) الْمَصْدَرُ مُضَافٌ لِلْمَفْعُولِ وَأَصْلُ ذَلِكَ أَنْ يُحْفَظَ الْوَلَدُ وَبِنَاءُ الْمَصْدَرِ مِنْ الْمَفْعُولِ فِيهِ خِلَافٌ، وَقَصَرَ الْحِفْظَ لِلْحَاضِنِ عَلَى مَا ذَكَرَ فَلَا نَظَرَ لَهُ فِي غَيْرِ هَذَا، فَإِنْ كَانَ لِلْمَحْضُونِ

أَبٌ فَيَنْظُرُ لَهُ فِي غَيْرِ هَذَا مِنْ مَالِهِ، وَتَعْلِيمِهِ الصَّنْعَةَ، وَتَزْوِيجِهِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ حَتَّى إنَّ خِتَانَ الْمَحْضُونِ يَكُونُ عِنْدَ أَبِيهِ وَيُرَدُّ إلَى الْأُمِّ، وَالرُّقَاد اخْتَارَ بَعْضُ الشُّيُوخِ أَنَّهُ يَكُونُ عِنْدَ الْأُمِّ. وَأَمَّا زِفَافُ الْأُنْثَى لِدَارِ زَوْجِهَا فَمِنْ عِنْدِ أُمِّهَا قَالَهُ فِي تَكْمِيلِ التَّقْيِيدِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ النَّاظِمُ الْحَقُّ لِلْحَاضِنِ فِي الْحَضَانَهْ ... وَحَالُ هَذَا الْقَوْلِ مُسْتَبَانَهْ لِكَوْنِهِ يُسْقِطُهَا فَتَسْقُطْ ... وَقِيلَ بِالْعَكْسِ فَمَا إنْ تَسْقُطْ يَعْنِي أَنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِي الْحَضَانَةِ هَلْ هِيَ حَقٌّ لِلْحَاضِنِ؟ وَعَلَيْهِ إذَا أَسْقَطَهَا سَقَطَتْ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَنْ لَهُ حَقٌّ إذَا أَسْقَطَهُ يَسْقُطُ قِيلَ إنَّهَا حَقٌّ لِلْمَحْضُونِ، وَهُوَ مُرَادُهُ بِالْعَكْسِ وَعَلَيْهِ فَلَا تَسْقُطُ إنْ أَسْقَطَهَا. وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي قَوْلِهِ " فَمَا إنْ تَسْقُطْ " إنْ زَائِدَةٌ، وَفِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ آخَرَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهَا لَهُمَا مَعًا، وَالثَّانِي أَنَّهَا حَقُّ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَعَلَيْهِ فَلَا تَسْقُطُ أَيْضًا إنْ أَسْقَطَهَا الْحَاضِنُ (التَّوْضِيحُ) عَنْ اللَّخْمِيِّ كُلُّ مَنْ ذَكَرَ أَنَّ لَهُ حَقًّا فِي الْحَضَانَةِ فَلَيْسَ ذَلِكَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهِ، وَهُوَ بِالْخِيَارِ فِي ذَلِكَ مِنْ أَبٍ، أَوْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ لِكُلٍّ حَنَانًا وَعَطْفًا مَا خَلَا الْأُمَّ فَاخْتُلِفَ هَلْ تُجْبَرُ أَمْ لَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ حَقٌّ لَهَا، أَوْ لَهُ؟ (ابْنُ مُحْرِزٍ) وَالصَّوَابُ عِنْدِي أَنَّهُ حَقٌّ سَوَاءٌ بَيْنَ الْحَاضِنَةِ وَالْمَحْضُونِ. (قَالَ فِي الطُّرَرِ) عَنْ ابْنِ مُحْرِزٍ وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي الْحَضَانَةِ هَلْ هِيَ حَقٌّ لِلْأُمِّ، أَوْ لِلْوَلَدِ عَلَى الْأُمِّ؟ وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ هُوَ أَنَّهُ إذَا كَانَ حَقًّا لَهَا جَازَ تَرْكُهَا لَهُ، وَانْتَقَلَ إلَى غَيْرِهَا وَإِذَا كَانَ حَقًّا لِلْوَلَدِ لَزِمَهَا وَلَمْ يَكُنْ لَهَا تَرْكُهُ إلَّا مِنْ عُذْرٍ قَالَ ابْنُ مُحْرِزٍ: وَالصَّوَابُ مِنْ ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّهُ حَقٌّ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْحَاضِنِ وَالْمَحْضُونِ. (قَالَ الشَّارِحُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) وَالْقَوْلُ الَّذِي اخْتَارَهُ ابْنُ مُحْرِزٍ هُوَ أَظْهَرُ؛ لِأَنَّهُ تَطَّرِدُ فِيهِ الْفُرُوعُ الْوَارِدَةُ فِي هَذَا الْبَابِ قَالَ فَمَا يُؤَيِّدُ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ كَوْنُ الْحَاضِنِ لَا تَجِبُ لَهُ أُجْرَةٌ عَلَى مُجَرَّدِ الْحَضَانَةِ فِي الْقَوْلِ الْمَشْهُورِ فَلَوْ لَمْ تَكُنْ حَقًّا لَهُ لَفُرِضَتْ عَلَيْهِ الْأُجْرَةُ فَتَأَمَّلْهُ. اهـ (تَنْبِيهٌ) قَوْلُهُمْ لَا أُجْرَةَ لِلْحَضَّانَةِ عَلَى الْمَشْهُورِ مَعْنَاهُ: لَا أُجْرَةَ لَهَا عَلَى مُجَرَّدِ الْحَضَانَةِ، وَأَمَّا خِدْمَتُهَا لِلْمَحْضُونِ كَطَبْخِ طَعَامِهِ، وَطَحْنِ دَقِيقِهِ، وَغَسْلِ ثِيَابِهِ فَإِنَّ لَهَا الْأُجْرَةَ عَلَى ذَلِكَ، وَلِهَذَا زَادَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ قَوْلَهُ " لِأَجْلِهَا " بَعْدَ قَوْلِهِ وَلَا شَيْءَ لِلْحَاضِنِ فَنَبَّهَ بِهِ عَلَى أَنَّ عَدَمَ اسْتِحْقَاقِهَا لِلْأُجْرَةِ إنَّمَا هُوَ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا عَمَلٌ سِوَى الْحَضَانَةِ وَحْدَهَا وَهِيَ النَّظَرُ فِي مَصَالِحِ ذَاتِ الْمَحْضُونِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي حَدِّ الْحَضَانَةِ وَمَفْهُومُهُ أَنَّهَا إنْ كَانَتْ تَخْدِمُ الْمَحْضُونَ فَلَهَا عَلَيْهِ الْأُجْرَةُ وَهُوَ كَذَلِكَ وَقِيلَ لَهَا النَّفَقَةُ، وَإِنْ زَادَتْ عَلَى الْأُجْرَةِ ابْنُ عَرَفَةَ اللَّخْمِيُّ لِلْأُمِّ الْحَاضِنَةِ الْفَقِيرَةِ النَّفَقَةُ عَلَى وَلَدِهَا الْيَتِيمِ. فَإِنْ كَانَتْ مُوسِرَةً فَقَالَ مَالِكٌ: لَا نَفَقَةَ لَهَا، وَقَالَ مَرَّةً: لَهَا إنْ قَامَتْ عَلَيْهِمْ، وَقَالَ أَيْضًا تُنْفِقُ بِقَدْرِ حَضَانَتِهَا إنْ كَانَ لَا بُدَّ لَهُمْ مِنْ حَاضِنٍ جَعَلَ لَهَا فِي هَذَا الْقَوْلِ الْأُجْرَةَ دُونَ النَّفَقَةِ وَأَرَى إنْ تَأَيَّمَتْ لَأَجْلِهِمْ وَهِيَ الْقَائِمَةُ بِأَمْرِهِمْ كَانَ لَهَا النَّفَقَةُ، وَإِنْ زَادَتْ عَلَى الْأُجْرَةِ، لِأَنَّهَا لَوْ تَزَوَّجَتْ أَتَى مَنْ يُنْفِقُ عَلَيْهَا، وَإِنْ لَمْ تَتَأَيَّمْ لِأَجْلِهِمْ، أَوْ كَانَتْ فِي سِنِّ مَنْ لَا يَتَزَوَّجُ، فَلَهَا الْأُجْرَةُ، وَإِنْ كَانَتْ دُونَ نَفَقَتِهَا، وَإِنْ كَانَ لَهُمْ مَنْ يَخْدُمُهُمْ، أَوْ اسْتَأْجَرَتْ لَهُمْ مَنْ يَخْدُمُهُمْ، وَإِنَّمَا هِيَ نَاظِرَةٌ لَهُمْ فَلَا شَيْءَ لَهَا. اهـ. وَمِمَّا يَنْبَنِي عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي فِي مَحْضُونٍ لَيْسَ لَهُ إلَّا دَارٌ أَرَادَتْ جَدَّتُهُ لِأُمِّهِ حَضَانَتَهُ وَبَيْعَهَا وَالْإِنْفَاقَ عَلَيْهِ مِنْ قِيمَتِهَا، وَأَرَادَتْ جَدَّتُهُ لِأَبِيهِ حَضَانَتَهُ عَلَى أَنْ تُنْفِقَ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهَا وَتُبْقِيَ لَهُ دَارِهِ فَقِيلَ: جَدَّةُ الْأُمِّ، أَوْلَى وَقِيلَ جَدَّةُ الْأَبِ، وَهُمَا عَلَى أَنَّ الْحَقَّ لِلْحَاضِنَةِ أَوْ لِلْمَحْضُونِ، وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى مَا سُئِلَ عَنْهُ أَبُو سَعِيدٍ بْنُ لُبٍّ فِي بِنْتَيْنِ كَانَتَا فِي حَضَانَةِ جَدَّتِهِمَا لِلْأُمِّ فَمَاتَ أَبُوهُمَا وَأَوْصَى بِهِمَا إلَى شَقِيقَتِهِ وَتَحْتَ إشْرَافِ زَوْجِهَا فَالْتَزَمَتْ الْعَمَّةُ نَفَقَتَهُمَا وَكِسْوَتَهُمَا مِنْ مَالِ نَفَسِهَا مِنْ غَيْرِ رُجُوعٍ عَلَيْهِمَا عَلَى أَنْ تَكُونَ لَهَا الْحَضَانَةُ وَامْتَنَعَتْ الْجَدَّةُ مِنْ ذَلِكَ، وَإِنْ بَقِيَتَا عِنْدَ الْجَدَّةِ ذَهَبَ مَالُهُمَا (فَأَجَابَ) بِأَنَّ الصَّوَابَ نَقْلُ الْحَضَانَةِ إلَى الْعَمَّةِ إنْ لَمْ يُعْلَمْ فِي ذَلِكَ ضَرَرٌ عَلَى الْبِنْتَيْنِ، وَلَا نَقْصٌ مُرْفَقٌ فِي الْكَفَالَةِ وَالْقِيَامِ بِالْمُؤْنَةِ وَالْخِدْمَةِ لِظُهُورِ الْمَصْلَحَةِ الْعُظْمَى لِلْبِنْتَيْنِ بِصَوْنِ مَالِهِمَا، ثُمَّ رَجَّحَ ذَلِكَ بِوُجُوهٍ نَقَلَهَا الشَّارِحُ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَهِيَ إلَى الِاثِّغَارِ فِي الدُّخُولِ ثُمَّ قَالَ

وَصَرْفُهَا إلَى النِّسَاءِ أَلْيَقُ ... لِأَنَّهُنَّ فِي الْأُمُورِ أَشْفَقُ وَكَوْنُهُنَّ مِنْ ذَوَاتِ الرَّحِمِ ... شَرْطٌ لَهُنَّ وَذَوَاتُ مَحْرَمِ يَعْنِي أَنَّ صَرْفَ 8 الْحَضَانَةِ وَجَعْلَهَا لِلنِّسَاءِ أَلْيَقُ مِنْ جَعْلِهَا لِلرِّجَالِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا الْقِيَامُ بِمُؤْنَةِ الصَّبِيِّ؛ لِأَنَّهُ خَلْقٌ ضَعِيفٌ لَا يَقُومُ بِنَفْسِهِ فَقَدَّمَ الشَّارِعُ لِحَضَانَتِهِ مَنْ هُوَ فِي طَبْعِهِ أَشْفَقُ عَلَى الْمَحْضُونِ وَأَرْفَقُ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ وَعَلَى هَذَا نَبَّهَ بِالْبَيْتِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ ذَكَرَ فِي الثَّانِي أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْحَاضِنَةِ شَرْطَانِ: أَحَدُهُمَا أَنْ تَكُونَ مِنْ ذَوَاتِ رَحِمِ الْمَحْضُونِ، الثَّانِي أَنْ تَكُونَ مِنْ ذَوَاتِ مَحَارِمِهِ. (قَالَ الْقَرَافِيُّ فِي ذَخِيرَتِهِ) قَاعِدَةً يُقَدِّمُ الشَّرْعُ فِي كُلِّ وِلَايَةٍ مَنْ هُوَ أَقْوَمُ بِمَصَالِحِ تِلْكَ الْوِلَايَةِ فَفِي الْحَرْبِ مَنْ هُوَ شُجَاعٌ مُجَرَّبٌ لِيَسُوسَ الْجُيُوشَ، وَفِي الْقَضَاءِ مَنْ هُوَ فَقِيهٌ مُتَوَفِّرُ الدِّينِ وَالْعَزْمِ وَالْفِرَاسَةِ، وَفِي وِلَايَةِ الْأَيْتَامِ مَنْ هُوَ عَارِفٌ بِتَنْمِيَةِ الْمَالِ وَمَصَارِفِهِ، وَقَدْ يَكُونُ الْمُقَدَّمُ فِي بَابٍ مُؤَخَّرًا فِي آخَرَ فَالْمَرْأَةُ مُؤَخَّرَةٌ فِي الْإِمَامَةِ مُقَدَّمَةٌ فِي الْحَضَانَةِ لِمَزِيدِ شَفَقَتِهَا وَصَبْرِهَا فَهِيَ أَقْوَمُ بِمَصَالِحِ الْحَضَانَةِ مِنْ الرِّجَالِ (قَالَ ابْنُ رُشْدٍ) : وَيَسْتَحِقُّ النِّسَاءُ الْحَضَانَةَ بِوَصْفَيْنِ: أَحَدِهِمَا أَنْ يَكُنَّ ذَوَاتِ رَحِمٍ مِنْ الْمَحْضُونِ، وَالثَّانِي أَنْ يَكُنَّ مُحَرَّمَاتٍ عَلَيْهِ فَإِنْ كُنَّ ذَوَاتِ رَحِمٍ مِنْهُ وَلَمْ يَكُنَّ مُحَرَّمَاتٍ عَلَيْهِ كَبِنْتِ الْخَالَةِ وَبِنْتِ الْعَمَّةِ لَمْ تَكُنْ لَهُنَّ حَضَانَةٌ، وَإِنْ كُنَّ مُحَرَّمَاتٍ عَلَيْهِ وَلَمْ يَكُنَّ ذَوَاتِ رَحِمٍ مِنْهُ كَالْأُمِّ مِنْ الرَّضَاعَةِ، وَالْمُحَرَّمَاتِ بِالصِّهْرِ لَمْ تَكُنْ لَهُنَّ حَضَانَةٌ أَيْضًا. اهـ. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ أَيْضًا، وَأَمَّا الرِّجَالُ فَإِنَّهُمْ يَسْتَحِقُّونَ الْحَضَانَةَ بِمُجَرَّدِ الْوِلَايَةِ كَانُوا مِنْ ذَوِي رَحِمِ الْمَحْرَمِ كَالْجَدِّ وَالْأَخِ وَابْنِ الْأَخِ، أَوْ مِنْ ذَوِي رَحِمِهِ الَّذِي لَيْسَ بِمَحْرَمٍ كَابْنِ الْعَمِّ، أَوْ لَمْ يَكُونُوا مِنْ ذَوِي رَحِمِهِ كَالْمَوْلَى الْمُعْتَقِ وَالْوَصِيِّ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ، وَمِنْ قِبَلِ السُّلْطَانِ. اهـ. وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْبَيْتِ الثَّانِي بَعْضَ شُرُوطِ الْحَاضِنِ إنْ كَانَ امْرَأَةً، وَيَأْتِي بَعْضُ شُرُوطِهِ إنْ كَانَ رَجُلًا، أَوْ امْرَأَةً فِي قَوْلِهِ وَشَرْطُهَا الصِّحَّةُ وَالصِّيَانَةُ الْبَيْتَيْنِ وَلَمْ يَظْهَرْ. وَجْهُ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ هَذِهِ الشُّرُوطِ، وَالْأَنْسَبُ جَمْعُهَا فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهِيَ إلَى الِاثِّغَارِ فِي الذُّكُورِ ... وَالِاحْتِلَامُ الْحَدُّ فِي الْمَشْهُورِ وَفِي الْإِنَاثِ لِلدُّخُولِ الْمُنْتَهَى ... وَالْأُمُّ أَوْلَى ثُمَّ أُمَّهَاتُهَا فَأُمُّهَا فَخَالَةٌ فَأُمُّ الْأَبْ ... ثُمَّ أَبٌ فَأُمُّ مَنْ لَهُ انْتَسَبْ فَالْأُخْتُ فَالْعَمَّةُ فَابْنَةُ الَأَخْ ... فَابْنَةُ أُخْتٍ فَأَخٌ بَعْدُ رَسَخْ وَالْعَصَبَاتُ بَعْدُ وَالْوَصِيُّ ... أَحَقُّ وَالسِّنُّ بِهَا مَرْعِيُّ يَعْنِي أَنَّ حَدَّ الْحَضَانَةِ فِي الذَّكَرِ إلَى الِاحْتِلَامِ، أَيْ الْبُلُوغِ عَلَى الْقَوْلِ الْمَشْهُورِ، وَقِيلَ إلَى الِاثِّغَارِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي مُصْعَبٍ وَغَيْرِهِ وَأَمَّا الْأُنْثَى فَتَنْتَهِي إلَى دُخُولِ زَوْجِهَا بِهَا، ثُمَّ ذَكَرَ تَرْتِيبَ الْحَاضِنَاتِ إذَا تَعَدَّدْنَ فَذَكَرَ أَنَّ الْأُمَّ أَوْلَى، ثُمَّ أُمُّهَا وَهِيَ جَدَّةُ الْمَحْضُونِ، ثُمَّ أُمُّ أُمِّ الْأُمِّ وَهِيَ جَدَّةُ أُمِّهِ، ثُمَّ الْخَالَةُ، ثُمَّ أُمُّ الْأَبِ، ثُمَّ الْأَبُ، ثُمَّ أُمُّ الْجَدِّ وَهِيَ الْمُرَادُ بِمَنْ لَهُ انْتَسَبَ، أَيْ مَنْ انْتَسَبَ الْأَبُ لَهُ وَهُوَ الْجَدُّ، ثُمَّ الْأُخْتُ، ثُمَّ الْعَمَّةُ، ثُمَّ بِنْتُ الْأَخِ، ثُمَّ بِنْتُ الْأُخْتِ، ثُمَّ الْأَخُ، ثُمَّ الْوَصِيُّ، ثُمَّ الْعَصَبَةُ وَلِهَذَا قَالَ وَالْوَصِيُّ أَحَقُّ، أَيْ مِنْ الْعَصَبَةِ وَإِذَا تَعَدَّدَ مَنْ هُوَ فِي دَرَجَةٍ وَاحِدَةٍ فَالْأَكْبَرُ سِنًّا مُقَدَّمٌ عَلَى مَنْ هُوَ أَصْغَرُ مِنْهُ فَلِذَلِكَ قَالَ وَالسِّنُّ بِهَا مَرْعِيٌّ، وَكَذَلِكَ إذَا تَعَدَّدْنَ بِوُجُودِ الشَّقِيقِ وَاَلَّذِي لِلْأُمِّ وَاَلَّذِي لِلْأَبِ قُدِّمَ الشَّقِيقُ، ثُمَّ الَّذِي لِلْأُمِّ؛ لِأَنَّ الْحَنَانَ وَالشَّفَقَةَ مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ أَكْثَرُ مِنْ الَّذِي لِلْأَبِ وَيُقَدَّمُ عِنْدَ الِاسْتِوَاءِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بِزِيَادَةِ الصِّيَانَةِ وَالشَّفَقَةِ. (قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ) وَاخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي أَمَدِ حَضَانَةِ الذُّكْرَانِ مِنْ الْبَنِينَ فَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ لِلِاحْتِلَامِ قَالَ ابْنُ شَعْبَانَ يَحْتَلِمُ الْغُلَامُ صَحِيحُ الْعَقْلِ وَالْبَدَنِ وَفِي مُخْتَصَرِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَأَبِي مُصْعَبٍ الِاثِّغَارُ فِي رِوَايَةِ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ مَالِكٍ وَفِي رِوَايَةٍ وَفِي الْمُدَوَّنَةِ وَالْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ وَحَضَانَةُ الْغِلْمَانِ حَتَّى يَحْتَلِمُوا، وَحَضَانَةُ النِّسَاءِ حَتَّى يُنْكَحْنَ وَيَدْخُلَ بِهِنَّ أَزْوَاجُهُنَّ. (وَفِي الْمُتَيْطِيَّةِ) قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَالْجَدَّةُ لِلْأُمِّ أَحَقُّ وَإِنْ بَعُدَتْ بَعْدَ الْأُمِّ، ثُمَّ الْخَالَةُ، ثُمَّ الْجَدَّةُ لِلْأَبِ، وَقَسَّمَ ابْنُ الْحَاجِبِ مَنْ لَهُ الْحَضَانَةُ إلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ، تَارَةً يَنْفَرِدُ النِّسَاءُ، وَتَارَةً يَنْفَرِدُ الرِّجَالُ، وَتَارَةً يَجْتَمِعُ النِّسَاءُ وَالرِّجَالُ

مَعًا فَأَشَارَ إلَى انْفِرَادِ النِّسَاءِ بِقَوْلِهِ الْحَضَانَةُ فِي النِّسَاءِ لِلْأُمِّ، ثُمَّ جَدَّةِ الْأُمِّ لِأُمِّهَا، ثُمَّ الْخَالَةِ، ثُمَّ الْجَدَّةِ لِلْأَبِ، ثُمَّ جَدَّةِ الْأَبِ لِأَبِيهِ، ثُمَّ الْأُخْتِ، ثُمَّ الْعَمَّةِ، ثُمَّ بِنْتِ الْأَخِ، وَفِي إلْحَاقِ خَالَةِ الْخَالَةِ بِالْخَالَةِ قَوْلَانِ وَأَشَارَ إلَى انْفِرَادِ الرِّجَالِ بِقَوْلِهِ وَفِي الذُّكُورِ لِلْأَبِ، ثُمَّ الْأَخِ، ثُمَّ الْجَدِّ، ثُمَّ أَبِي الْجَدِّ، ثُمَّ ابْنِ الْأَخِ، ثُمَّ الْعَمِّ، ثُمَّ ابْنِ الْعَمِّ، ثُمَّ الْمَوْلَى الْأَعْلَى وَالْأَسْفَلِ عَلَى الْمَشْهُورِ فِيهِمَا (التَّوْضِيحُ) قَوْلُهُ ثُمَّ الْمَوْلَى، أَيْ بَعْدَ الْعَصَبَةِ وَهُوَ الْمُعْتِقُ وَالْأَسْفَلُ يُرِيدُ بَعْدَ الْأَعْلَى نَصَّ عَلَى ذَلِكَ اللَّخْمِيُّ وَقَوْلُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ فِيهِمَا، أَيْ فِي الْأَعْلَى وَالْأَسْفَلِ وَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ إثْبَاتُ الْحَضَانَةِ لَهُمَا، أَيْ وَمُقَابِلُهُ لَا حَقَّ لَهُمَا فِي الْحَضَانَةِ، ثُمَّ أَشَارَ إلَى الْوَجْهِ الثَّالِثِ وَهُوَ إذَا اجْتَمَعَ مِمَّنْ لَهُ الْحَضَانَةُ النِّسَاءُ وَالرِّجَالُ فَقَالَ وَالْأُمُّ، ثُمَّ أُمُّهَا أَوْلَى مِنْ الْجَمِيعِ، وَفِي الْأَبِ مَعَ بَقِيَّتِهِنَّ، ثَالِثُهَا الْمَشْهُورُ وَيُقَدَّمُ عَلَى مَنْ بَعْدَ الْجَدَّةِ لِلْأَبِ، وَقِيلَ الْأَبُ أَوْلَى مِنْ الْأُمِّ عِنْدَ اثِّغَارِ الذُّكُورِ، وَبَقِيَّةُ النِّسَاءِ أَوْلَى مِنْ بَقِيَّةِ الذُّكُورِ (التَّوْضِيحُ) قَوْلُهُ أَوْلَى مِنْ الْجَمِيعِ، أَيْ مِنْ جَمِيعِ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَقَوْلُهُ: وَقِيلَ الْأَبُ أَوْلَى يَعْنِي فَأَحْرَى أَنْ يَكُونَ مُقَدَّمًا عَلَى غَيْرِهَا، وَهَذَا الْقَوْلُ رَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ وَوَجْهُهُ أَنَّ احْتِيَاجَ الْوَلَدِ إلَى أَبِيهِ بَعْدَ سِنِّ الِاثِّغَارِ أَكْثَرُ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ حِينَئِذٍ إلَى التَّرْبِيَةِ وَالتَّعْلِيمِ. اهـ. وَنَقَلَ الشَّارِحُ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ الْخِلَافَ فِي بِنْتِ الْأُخْتِ هَلْ لَهَا حَضَانَةٌ، أَوْ لَا؟ قَالَ: وَالصَّوَابُ أَنَّ لَهَا الْحَضَانَةَ، فَإِنْ اجْتَمَعَتْ مَعَ بِنْتِ الْأَخِ فَقِيلَ بِنْتُ الْأَخِ مُقَدَّمَةٌ، وَقِيلَ بِنْتُ الْأُخْتِ مُقَدَّمَةٌ وَقِيلَ هُمَا سَوَاءٌ، يَنْظُرُ السُّلْطَانُ فِي أَكْفَئِهِمَا وَأَحْرَزِهِمَا، وَقَوْلُهُ، ثُمَّ أُمُّهَا بِهَا، أَيْ أُمُّ الْأُمِّ أَوْلَى بِهَا، أَيْ بِالْحَضَانَةِ وَقَوْلُهُ فَأُمُّهَا، أَيْ أُمُّ الْمُحَدَّثِ عَنْهَا الَّتِي هِيَ أُمُّ الْأُمِّ وَأُمُّهَا هِيَ جَدَّةُ أُمِّ الْمَحْضُونِ لِأُمِّهَا قَالَ النَّاظِمُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَشَرْطُهَا الصِّحَّةُ وَالصِّيَانَهْ ... وَالْحِرْزُ وَالتَّكْلِيفُ وَالدِّيَانَهْ وَفِي الْإِنَاثِ عَدَمُ الزَّوْجِ عَدَا ... جَدًّا لِمَحْضُونٍ لَهَا زَوْجًا غَدَا تَعَرَّضَ فِي الْبَيْتَيْنِ لِشُرُوطِ الْحَاضِنِ فَأَخْبَرَ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِيهِ صِحَّةُ الْجِسْمِ لِيَتَحَرَّزَ بِذَلِكَ مِنْ الْمَرِيضِ الضَّعِيفِ الْقُوَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقُومُ بِمَصْلَحَةِ نَفْسِهِ فَأَحْرَى أَنْ لَا يَقُومَ بِمَصْلَحَةِ غَيْرِهِ، وَكَذَا مَنْ يُخَافُ مِنْ مَرَضِهِ ضَرُورَةُ الْعَدْوَى عَلَى مَا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ مِنْ كَوْنِهِ عِنْدَهُ لَا بِهِ كَالْجُذَامِ وَالْبَرَصِ، وَيُشْتَرَطُ فِيهِ أَيْضًا الصِّيَانَةُ لِيَتَحَرَّزَ بِذَلِكَ مِنْ لُحُوقِ الْمَعَرَّةِ بِسَبَبِ عَدَمِ الصَّوْنِ، وَأَنْ يَكُونَ فِي حِرْزٍ لِئَلَّا يَلْحَقَهُ الضَّيَاعُ كَأَنْ يَكُونَ بِطَرَفِ الْعِمَارَةِ بِحَيْثُ يُخَافُ عَلَيْهِ مِنْ السِّبَاعِ وَنَحْوِهَا، أَوْ تُصِيبُهُ الْمُتَوَقَّعَاتُ الْمَحْظُورَةُ، كَالْخَوْفِ عَلَيْهِ مِنْ سَارِقٍ يَسْرِقُهُ، أَوْ سَالِبٍ يَسْلُبُهُ ثِيَابَهُ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يُصِيبُهُ مِنْ قِلَّةِ الصَّوْنِ وَالْحِفْظِ وَأَنْ يَكُونَ مُكَلَّفًا، أَيْ عَاقِلًا بَالِغًا. لِأَنَّ غَيْرَ الْبَالِغِ، أَوْ الْمَجْنُونَ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ الْمَحْضُونُ مَعَهُ فِي أَمْنٍ، وَلَا حِرْزٍ فَهُوَ فِي نَفْسِهِ مُفْتَقِرٌ لِمَنْ يَكْفُلُهُ، فَكَيْفَ يَكْفُلُ غَيْرَهُ، وَأَنْ يَكُونَ دَيِّنًا؛ لِأَنَّ الْفَاسِقَ وَأَحْرَى الْكَافِرُ لَا يُؤْمَنُ عَلَى الْمَحْضُونِ مِنْ وُجُوهٍ. وَهَذِهِ الشُّرُوطُ عَامَّةٌ، سَوَاءٌ كَانَ

الْحَاضِنُ رَجُلًا، أَوْ امْرَأَةً وَيُزَادُ فِي شُرُوطِ الْحَاضِنَةِ الْخُلُوُّ عَنْ زَوْجٍ قَدْ دَخَلَ بِهَا إلَّا إنْ كَانَ هَذَا الزَّوْجُ جَدًّا لِلْمَحْضُونِ كَالْجَدَّةِ لِلْأُمِّ الْمُتَزَوِّجَةِ بِوَالِدِ الْأُمِّ فَلَا تَسْقُطُ حَضَانَتُهَا؛ لِأَنَّ لَهُ حَنَانًا وَشَفَقَةً حَتَّى قِيلَ إنَّ لَهُ الْحَضَانَةَ (قَالَ فِي النَّوَادِرِ) مِنْ كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ قَالَ وَمَنْ لَمْ تَكُنْ فِي حِرْزٍ، أَوْ كَانَتْ غَيْرَ مَأْمُونَةٍ أَوْ تَضْعُفُ عَنْهُمْ، أَوْ كَانَتْ سَفِيهَةً، أَوْ سَقِيمَةً، أَوْ ضَعِيفَةً، أَوْ مُسِنَّةً فَلَا حَضَانَةَ لَهَا كَانَتْ جَدَّةً، أَوْ غَيْرَهَا (قَالَ الشَّارِحُ) مَا عَدَّهُ الشَّيْخُ مِنْ الشُّرُوطِ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ فِي النَّوَادِرِ الْمُتَقَدِّمِ، ثُمَّ بَيَّنَهُ بِمَا هُوَ ظَاهِرٌ. (وَفِي الْمُقَرِّبِ) إذَا كَانَتْ الْأُمُّ لَيْسَتْ بِمَرْضِيَّةٍ فِي حَالِهَا فَيَكُونُ أَبُو الْجَارِيَةِ أَوْ، أَوْلِيَاؤُهَا أَحَقَّ بِهَا إذَا ضُمَّتْ إلَى كَفَالَةٍ وَحِرْزٍ. (قَالَ الشَّارِحُ) وَمِنْ قَوْلِ الْمُقَرِّبِ وَمِثْلِهِ

أَخَذَ الْمُتَأَخِّرُونَ شَرْطَ الدِّيَانَةِ فِي الْحَاضِنَةِ إذَا كَانَتْ مُسْلِمَةً، فَإِنَّ الْكِتَابِيَّةَ تَحْضُنُ مَا لَمْ يُخَفْ أَنْ تَسْقِيَهُمْ الْخَمْرَ، أَوْ تُغَذِّيَهُمْ بِالْخِنْزِيرِ (وَفِي النَّوَادِرِ مِنْ كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ) وَلَا حَقَّ لِمَنْ تَكُونُ مُتَزَوِّجَةً مِنْهُمْ إلَّا أَنْ يَكُونَ زَوْجُ الْجَدَّةِ جَدَّ الصَّبِيِّ فَلَا يَضُرُّهَا ذَلِكَ. اهـ. مِنْ الشَّارِحِ وَهَلْ يُشْتَرَطُ فِي الْحَاضِنِ الرُّشْدُ أَمْ لَا؟ قَالَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ فِي شُرُوطِ الْحَاضِنِ " وَرُشْدٌ " وَخَرَجَ بِهِ السَّفِيهُ قَالَ اللَّخْمِيُّ، وَهَذَا إذَا كَانَ سَفِيهًا فِي عَقْلِهِ ذَا طَيْشٍ وَقِلَّةِ ضَبْطٍ لَا يُحْسِنُ الْقِيَامَ بِالْمَحْضُونِ وَلَا أَدَبَهُ، أَوْ كَانَ سَفِيهًا فِي الْمَالِ يُبَذِّرُ مَا يَقْبِضُهُ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْأَمَدِ قَالَ، وَأَمَّا إنْ كَانَ سَفِيهًا مُوَلًّى عَلَيْهِ ذَا صِيَانَةٍ وَقِيَامٍ بِالْمَحْضُونِ فَلَا

يَسْقُطُ حَقُّهُ مِنْ الْحَضَانَةِ اهـ. نَقَلَهُ الشَّارِحُ عَنْ بَهْرَامَ (ابْنُ غَازِيٍّ) قَوْلُهُ " وَرُشْدٌ " قَدْ عَلِمْتَ كَلَامَ اللَّخْمِيِّ فِيهِ (وَقَالَ الْمُتَيْطِيُّ) اُخْتُلِفَ فِي السَّفِيهَةِ، قِيلَ لَهَا الْحَضَانَةُ وَقِيلَ لَا حَضَانَةَ لَهَا (ابْنُ عَرَفَةَ) نَزَلْتُ بِبَلَدِ بَاجَةَ فَكَتَبَ قَاضِيهَا لِقَاضِي الْجَمَاعَةِ يَوْمَئِذٍ بِتُونُسَ وَهُوَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فَكَتَبَ إلَيْهِ بِأَنْ لَا حَضَانَةَ لَهَا فَرَفَعَ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ أَمْرَهُ إلَى سُلْطَانِهَا الْأَمِيرِ أَبِي يَحْيَى بْنِ الْأَمِيرِ أَبِي زَكَرِيَّا فَأَمَرَ بِاجْتِمَاعِ فُقَهَاءِ الْوَقْتِ مَعَ الْقَاضِي الْمَذْكُورِ لِيَنْظُرُوا فِي ذَلِكَ فَاجْتَمَعُوا بِالْقَصَبَةِ. وَكَانَ مِنْ جُمْلَتِهِمْ ابْنُ هَارُونَ وَالْأَجَمِيُّ قَاضِي الْأَنْكِحَةِ حِينَئِذٍ بِتُونُسَ فَأَفْتَى الْقَاضِيَانِ وَبَعْضُ أَهْلِ الْمَجْلِسِ بِأَنْ لَا حَضَانَةَ لَهَا وَأَفْتَى ابْنُ هَارُونَ وَبَعْضُ أَهْلِ الْمَجْلِسِ بِأَنَّ لَهَا الْحَضَانَةَ، وَرُفِعَ ذَلِكَ إلَى السُّلْطَانِ الْمَذْكُورِ فَخَرَجَ الْأَمْرُ بِالْعَمَلِ بِفَتْوَى ابْنِ هَارُونَ وَأَمَرَ قَاضِي الْجَمَاعَةِ بِأَنْ يَكْتُبَ بِذَلِكَ إلَى قَاضِي بَاجَةَ فَفَعَلَ وَهُوَ الصَّوَابُ، وَهُوَ ظَاهِرُ عُمُومِ الرِّوَايَاتِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا (تَكْمِيلٌ) قَالَ ابْنُ عَاتٍ قَالَ الْمُشَاوِرُ وَحَضَانَةُ أَوْلَادِ السُّؤَالِ وَالْفُقَرَاءِ وَمَنْ لَا قَرَابَةَ لَهُمْ يَنْظُرُ فِي ذَلِكَ السُّلْطَانُ لِلْأَصَاغِرِ بِالْأَحْوَطِ لَهُمْ وَمَا يَرَاهُ صَلَاحًا لَهُمْ مِنْ أَحَدِ الْأَبَوَيْنِ اهـ. وَالْمُشَاوِرُ هُوَ ابْنُ الْفَخَارِ اهـ. كَلَامُ ابْنِ غَازِيٍّ، وَكَذَا مِنْ شَرْطِ مَنْ لَهُ الْحَضَانَةُ مِنْ الرِّجَالِ وُجُودُ الْأَهْلِ مِنْ زَوْجَةٍ، أَوْ سُرِّيَّةٍ، نَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ اللَّخْمِيِّ، ثُمَّ قَالَ وَإِذَا كَانَتْ الْحَضَانَةُ لِرَجُلٍ رُوعِيَ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ فِيمَنْ يَتَوَلَّى الْحَضَانَةَ مِنْ نِسَائِهِ فِي الْقِيَامِ بِالْمَحْضُونِ وَدَفْعِ الْمَضَرَّةِ عَنْهُ. اهـ. هَذَا إذَا كَانَ الْحَاضِنُ وَالْمَحْضُونُ مَعًا ذَكَرَيْنِ، فَيُشْتَرَطُ فِي الْحَاضِنِ أَنْ يَكُونَ لَهُ مَنْ يَحْضُنُ، فَإِنْ كَانَ الْحَاضِنُ ذَكَرًا وَالْمَحْضُونُ أُنْثَى فَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ اللَّخْمِيِّ، وَأَمَّا فِي الْأُنْثَى فَحَقُّ الْأَوْلِيَاءِ فِي حَضَانَتِهَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: ثَابِتٍ، وَسَاقِطٍ، وَمُخْتَلَفٍ فِيهِ، فَيَثْبُتُ فِيمَنْ بَيْنَهُنَّ وَبَيْنَهُ مَحْرَمٌ، كَالْأَخِ وَابْنِهِ وَالْجَدِّ وَيَسْقُطُ فِي كُلِّ مَنْ لَيْسَ بِمَحْرَمٍ إذَا كَانَ غَيْرَ مَأْمُونٍ أَوْ مَأْمُونًا وَلَا أَهْلَ لَهُ وَاخْتُلِفَ إذَا كَانَ مَأْمُونًا وَلَهُ أَهْلٌ. اهـ. بِاخْتِصَارٍ ، ثُمَّ قَالَ النَّاظِمُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَمَا سُقُوطُهَا لِعُذْرٍ قَدْ بَدَا ... وَارْتَفَعَ الْعُذْرُ تَعُودُ أَبَدَا وَهِيَ عَلَى الْمَشْهُورِ لَا تَعُودُ إنْ ... كَانَ سُقُوطُهَا بِتَزْوِيجٍ قُرِنْ لَفْظَةُ " مَا " مَوْصُولَةٌ وَاقِعَةٌ عَلَى الْحَضَانَةِ، يَعْنِي أَنَّ الْحَضَانَةَ إذَا سَقَطَتْ لِعُذْرٍ، ثُمَّ زَالَ الْعُذْرُ فَإِنَّهَا تَعُودُ وَذَلِكَ كَالْمَرَضِ، وَالسَّفَرِ، وَانْقِطَاعِ اللَّبَنِ فَإِنَّ الْحَضَانَةَ تَعُودُ بَعْدَ الصِّحَّةِ وَالْحُضُورِ وَجَرْيِ اللَّبَنِ. وَكَذَا إذَا وَجَبَتْ لَهَا الْحَضَانَةُ وَهِيَ إذْ ذَاكَ مُتَزَوِّجَةٌ ثُمَّ طَلَّقَ الزَّوْجُ، أَوْ مَاتَ، فَإِنَّ الْحَضَانَةَ تَعُودُ لَهَا؛ لِأَنَّهَا مَعْذُورَةٌ بِالْمَنْعِ مِنْ الْحَضَانَةِ بِسَبَبِ كَوْنِهَا مُتَزَوِّجَةً فَإِنْ وَجَبَتْ لَهَا وَهِيَ غَيْرُ مُتَزَوِّجَةٍ فَتَزَوَّجَتْ، ثُمَّ تَأَيَّمَتْ فَلَا تَعُودُ لَهَا لِإِدْخَالِهَا عَلَى نَفْسِهَا مَا يُسْقِطُ حَضَانَتَهَا، وَعَلَى عَدَمِ عَوْدِهَا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ نَبَّهَ بِقَوْلِهِ: وَهِيَ عَلَى الْمَشْهُورِ لَا تَعُودُ إنْ ... كَانَ سُقُوطُهَا بِتَزْوِيجٍ قُرِنْ أَيْ بِإِحْدَاثِ التَّزْوِيجِ وَاسْتِئْنَافِهِ بَعْدَ أَنْ لَمْ تَكُنْ وَقْتَ وُجُوبِ الْحَضَانَةِ مُتَزَوِّجَةً. (قَالَ اللَّخْمِيُّ) كُلُّ امْرَأَةٍ سَقَطَ حَقُّهَا بِسَبَبٍ ثَمَّ زَالَ السَّبَبُ فَهِيَ عَلَى حَقِّهَا إذَا كَانَ سُقُوطُهُ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهَا، مِثْلُ أَنْ تَكُونَ مَرِيضَةً فَبَرِئَتْ، أَوْ ذَاتَ زَوْجٍ فِي حِينِ وُجُوبٍ ثُمَّ طَلَّقَ، أَوْ مَاتَ، أَوْ سَافَرَ لِحَجَّةِ الْفَرِيضَةِ، أَوْ سَافَرَ بِهَا زَوْجُهَا وَهُوَ جَدُّ الصِّبْيَانِ، أَوْ غَيْرُهُ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ غَيْرَ طَائِعَةٍ، أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا تَبَيَّنَ بِهِ عُذْرُهَا. (قَالَ مَالِكٌ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ) وَإِذَا تَرَكَتْ وَلَدَهَا مِنْ عُذْرٍ بِأَنْ مَرِضَتْ، أَوْ انْقَطَعَ لَبَنُهَا، أَوْ جَهِلَتْ أَنَّ ذَلِكَ لَهَا، فَلَهَا انْتِزَاعُهُ قَالَ أَبُو عِمْرَانَ فِي الَّذِي يَنْتَقِلُ إلَى بَلَدٍ مِنْ الْبُلْدَانِ فَيَأْخُذُ وَلَدَهُ مِنْ أُمِّهِ، ثُمَّ يَرْجِعُ إلَى الْبَلَدِ هَلْ يَرُدُّ إلَيْهَا الْوَلَدَ؟ فَقَالَ نَعَمْ يَرْجِعُ إلَى حَضَانَةِ الْأُمِّ فَقِيلَ لَهُ فَلَوْ خَرَجَتْ إلَى مِيرَاثٍ لَهَا فِي بَلَدٍ تَطْلُبُهُ، ثُمَّ رَجَعَتْ فَقَالَ تَرْجِعُ إلَيْهَا الْحَضَانَةُ. اهـ. وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ حَقَّ الْحَضَانَةِ يَسْقُطُ حَالَ حُصُولِ الْعُذْرِ اهـ. مِنْ حَاشِيَةِ اللَّقَانِيِّ عَلَى التَّوْضِيحِ (وَفِي الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ) ، فَإِنْ أَسْلَمَتْ الْمَرْأَةُ ابْنَهَا الْمُرْضَعَ إلَى أَبِيهِ فَلَمَّا فُطِمَ أَرَادَتْ أَخْذَهُ، فَإِنْ كَانَ إسْلَامُهَا لَهُ عُذْرٌ مِثْلُ أَنْ تَكُونَ لَا لَبَنَ لَهَا قُبِلَ عُذْرُهَا وَاسْتَرَدَّتْ ابْنَهَا بَعْدَ فِطَامِهِ إلَى حَضَانَتِهَا. (وَفِي طُرَرِ ابْنِ عَاتٍ) ، وَكَذَلِكَ إذَا مَرِضَتْ، أَوْ سَافَرَتْ سَفَرًا لَا يَكُونُ لَهَا حَمْلُ الْمَحْضُونِ إلَيْهِ فَلَهَا أَنْ تَأْخُذَهُ إذَا رَجَعَتْ، أَوْ صَحَّتْ، ذَكَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَفِي

الْمُقَرِّبِ قُلْت، فَإِنْ تَزَوَّجَتْ وَهُوَ صَغِيرٌ فَأَخَذَهُ أَبُوهُ، أَوْ أَوْلِيَاؤُهُ، ثُمَّ مَاتَ عَنْهَا زَوْجُهَا، أَوْ طَلَّقَهَا أَيُرَدُّ إلَى أُمِّهِ قَالَ لَا إذَا أَسْلَمَتْهُ مَرَّةً فَلَا حَقَّ لَهَا فِيهِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ اهـ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَا كَانَ مِنْ الْأَعْذَارِ اخْتِيَارِيًّا أَدْخَلَتْهُ الْحَاضِنَةُ عَلَى نَفْسِهَا كَالتَّزْوِيجِ فَإِنَّهَا لَا تَعُودُ بَعْدَ ذَهَابِهِ وَمَا دَخَلَ عَلَيْهَا مِنْ الْأَعْذَارِ اضْطِرَارًا، أَحَبَّتْ أَمْ كَرِهَتْ مِثْلُ انْقِطَاعِ اللَّبَنِ وَالْمَرَضِ، فَإِنَّهَا تَعُودُ بَعْدَ زَوَالِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. . وَحَيْثُ بِالْمَحْضُونِ سَافَرَ الْوَلِيّ ... بِقَصْدِ الِاسْتِيطَانِ وَالتَّنَقُّلِ فَذَاكَ مُسْقِطٌ لِحَقِّ الْحَاضِنَهْ ... إلَّا إذَا صَارَتْ هُنَاكَ سَاكِنَهْ يَعْنِي أَنَّ الصَّبِيَّ إذَا كَانَ عِنْدَ حَاضِنَتِهِ، ثُمَّ أَرَادَ وَلِيُّهُ أَبًا، أَوْ أَخًا، أَوْ غَيْرَهُمَا أَنْ يُسَافِرَ بِقَصْدِ الِاسْتِيطَانِ وَالْإِقَامَةِ عَلَى التَّأْبِيدِ، وَأَرَادَ أَنْ يَذْهَبَ بِالصَّبِيِّ مَعَهُ فَلَهُ ذَلِكَ وَيُقَالُ لِلْحَاضِنَةِ؛ إمَّا أَنْ تَنْتَقِلِي لِلْبَلَدِ الَّذِي انْتَقَلَ إلَيْهِ الْوَلِيُّ وَالْمَحْضُونُ، وَإِلَّا سَقَطَتْ حَضَانَتُكِ (ابْنُ الْحَاجِبِ) وَيَسْقُطُ حَقُّ الْأُمِّ وَغَيْرِهَا مِنْ الْحَضَانَةِ إذَا سَافَرَ وَلِيُّ الطِّفْلِ الْحُرِّ أَبًا، أَوْ غَيْرَهُ سَفَرَ نُقْلَةٍ سِتَّةَ بُرُدٍ وَلَوْ كَانَ رَضِيعًا، لَا سَفَرَ تَنَزُّهٍ، أَوْ تِجَارَةٍ إلَّا أَنْ تُسَافِرَ وَهِيَ مَعَهُ (التَّوْضِيحُ) دَخَلَ فِي قَوْلِهِ أَبًا، أَوْ غَيْرَهُ الْوَصِيُّ وَغَيْرُهُ. وَقَوْلُهُ " الْحُرِّ " يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ صِفَةً لِلْوَلِيِّ، أَوْ الطِّفْلِ وَقَوْلُهُ " سِتَّةَ بُرُدٍ " هُوَ بَيَانٌ لِلسَّفَرِ الْمُسْقِطِ، يَعْنِي وَأَمَّا لَوْ سَافَرَ سَفَرًا قَرِيبًا فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يُسْقِطُ حَضَانَتَهَا لِإِمْكَانِ نَظَرِ الْوَلِيِّ، وَهَذَا التَّحْدِيدُ لِمَالِكٍ فِي الْمَوَّازِيَّةِ، وَقَوْلُهُ " وَلَوْ كَانَ رَضِيعًا " مُبَالَغَةٌ وَهُوَ الْمَشْهُورُ بِشَرْطِ أَنْ يَقْبَلَ غَيْرَ أُمِّهِ وَلِابْنِ الْقَاسِمِ " لَيْسَ لَهُ أَخْذُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ فَطِيمًا قَدْ اسْتَغْنَى عَنْ أُمِّهِ " وَلِمَالِكٍ فِي الْمَوَّازِيَّةِ " لَا يَخْرُجُ بِهِمْ حَتَّى يُثْغِرُوا " وَقَوْلُهُ " إلَّا أَنْ تُسَافِرَ هِيَ مَعَهُ " أَيْ إلَّا أَنْ تَتْبَعَهُ فَهِيَ عَلَى حَضَانَتِهَا، وَلَا كَلَامَ لِلْوَلِيِّ. بَعْضُ شُيُوخِنَا. وَإِنْ كَانَ لِلْوَلَدِ وَلِيَّانِ وَهُمَا فِي الْعَقْدِ سَوَاءٌ فَسَافَرَ أَحَدُهُمَا فَلَيْسَ لَهُ الرِّحْلَةُ بِالْوَلَدِ، وَالْمُقِيمُ أَوْلَى لِبَقَاءِ الْوَلَدِ مَعَ أُمِّهِ، وَكَذَلِكَ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أُمٌّ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُقَدَّمُ فِي إنْكَاحِهَا إنْ كَانَتْ أُنْثَى (فَرْعَانِ: الْأَوَّلُ) قَالَ جَمَاعَةٌ يُشْتَرَطُ فِي إسْقَاطِ الْحَضَانَةِ بِالسَّفَرِ أَنْ تَكُونَ الطَّرِيقُ مَأْمُونَةً يُسْلَكُ فِيهَا بِالْمَالِ وَالْحَرِيمِ، وَكَذَلِكَ الْبَلَدُ الَّذِي يَنْتَقِلُ إلَيْهِ وَلَا يُشْتَرَطُ عَدَمُ رُكُوبِهِ بِهِ الْبَحْرُ، قَالَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} [يونس: 22] (وَالثَّانِي) إذَا قُلْنَا لِلْوَلِيِّ الِانْتِقَالُ بِالْوَلَدِ فَلَا يَكُونُ الْوَالِي أَحَقَّ حَتَّى يُثْبِتَ عِنْدَ حَاكِمِ الْبَلَدِ الَّذِي فِيهِ الْحَاضِنَةُ أَنَّهُ قَدْ اسْتَوْطَنَ الْمَوْضِعَ الَّذِي رَحَلَ إلَيْهِ. اهـ. بِبَعْضِ اخْتِصَارٍ قَالَ النَّاظِمُ: وَيُمْنَعُ الزَّوْجَانِ مِنْ إخْرَاجِ مَنْ ... مِنْ حِينِ الِابْتِنَاءِ مَعَهُمَا سَكَنْ مِنْ وَلَدٍ لِوَاحِدٍ أَوْ أُمِّ ... وَفِي سِوَاهُمْ عَكْسُ هَذَا الْحُكْمِ يَعْنِي إذَا بَنَى الزَّوْجُ بِزَوْجَتِهِ فَأَتَتْ مَعَهَا بِوَلَدِهَا الصَّغِيرِ، أَوْ وَجَدَتْ عِنْدَهُ وَلَدًا لَهُ صَغِيرًا وَسَكَنَ ذَلِكَ الْوَلَدُ مَعَهُمَا ثُمَّ أَرَادَ إخْرَاجَ وَلَدِهَا، أَوْ أَرَادَتْ إخْرَاجَ وَلَدِهِ عَنْهَا فَلَيْسَ ذَلِكَ لَهُ، وَلَا لَهَا وَيُجْبَرُ الْمُمْتَنِعِ مِنْهُمَا عَلَى السُّكْنَى مَعَ ذَلِكَ الْوَلَدِ، وَكَذَلِكَ إذَا وُجِدَتْ عِنْدَ الزَّوْجِ أُمُّهُ وَسَكَتَتْ ثُمَّ امْتَنَعَتْ مِنْ

السُّكْنَى مَعَهَا فَلَيْسَ لَهَا ذَلِكَ. وَعَلَى هَذَا نَبَّهَ بِالْبَيْتِ الْأَوَّلِ وَبِشَطْرِ الثَّانِي وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ وَفِي سِوَاهُمْ عَكْسُ هَذَا الْحُكْم إلَى أَنَّهُ إذَا بَنَى بِزَوْجَتِهِ وَلَمْ تَأْتِ مَعَهَا بِوَلَدٍ، أَوْ لَمْ تَجِدْ عِنْدَهُ وَلَدًا، ثُمَّ أَرَادَتْ أَنْ تَأْتِيَ بِوَلَدِهَا، أَوْ أَرَادَ أَنْ يَأْتِيَ بِوَلَدٍ لَهُ، وَامْتَنَعَ الْآخَرُ فَإِنَّ لَهُ ذَلِكَ، وَلَا يُجْبَرُ عَلَى السُّكْنَى مَعَهُ وَإِنَّمَا يُجْبَرُ الْمُمْتَنِعُ مِنْ السُّكْنَى مَعَهُ إذَا لَمْ يَدْخُلْ عَلَيْهِ مِنْ أَوَّلِ وَهْلَةٍ، إذَا كَانَ لِلْوَلَدِ وَلِيُّ حَاضِنٌ يُمْكِنُ دَفْعُهُ إلَيْهِ، وَإِلَّا أُجْبِرَ الْمُمْتَنِعُ عَلَى السُّكْنَى مَعَهُ. وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ عَلَيْهِ ابْتِدَاءً فَفِي سَمَاعِ أَشْهَبَ وَابْنِ نَافِعٍ مِنْ كِتَابِ الطَّلَاقِ مِنْ الْعُتْبِيَّةِ، وَسُئِلَ عَنْ امْرَأَةٍ خَطَبَهَا رَجُلٌ، لَهَا بِنْتٌ صَغِيرَةٌ لَمْ تَلِ نَفْسَهَا فَتَزَوَّجَهَا وَهُوَ يَعْلَمُ بِذَلِكَ، ثُمَّ بَنَى بِهَا، وَابْنَتُهَا مَعَهَا، ثُمَّ قَالَ لَهَا بَعْدَ ذَلِكَ أَخْرِجِي ابْنَتَكِ عَنِّي، أَتَرَى ذَلِكَ لَهُ؟ فَقَالَ لَهُ: مَا أَرَى ذَلِكَ لَهُ. (قَالَ ابْنُ رُشْدٍ) ظَاهِرُ قَوْلِهِ أَنَّهُ إذَا تَزَوَّجَهَا وَهُوَ يَعْلَمُ بِابْنَتِهَا، ثُمَّ بَنَى بِهَا وَهِيَ مَعَهَا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُخْرِجَهَا عَنْهَا وَفِي طُرَرِ ابْنِ عَاتٍ مِمَّا سُئِلَ عَنْهُ ابْنُ زَرْبٍ وَإِنْ بَنَى بِهَا وَالصَّبِيُّ مَعَهُ، ثُمَّ أَرَادَتْ بَعْدَ ذَلِكَ إخْرَاجَهُ عَنْ نَفْسِهَا لَمْ يَكُنْ لَهَا ذَلِكَ لِدُخُولِهَا عَلَيْهِ (وَفِي سَمَاعِ سَحْنُونٍ) عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ طَلَاقِ السُّنَّةِ مِنْ الْعُتْبِيَّةِ أَنَّهُ لَيْسَ لِلرَّجُلِ أَنَّهُ يُسْكِنُ أَوْلَادَهُ مِنْ امْرَأَتِهِ مَعَ امْرَأَةٍ لَهُ أُخْرَى فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ وَمَسْكَنٍ وَاحِدٍ يَجْمَعُهُمْ إلَّا أَنْ تَرْضَى بِذَلِكَ، وَفِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ مِنْ كِتَابِ النِّكَاحِ مِنْ الْعُتْبِيَّةِ وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ امْرَأَةٍ تَزَوَّجَهَا رَجُلٌ فَأَسْكَنَهَا مَعَ أَبِيهِ وَأُمِّهِ فَشَكَتْ الضَّرَرَ فِي ذَلِكَ فَقَالَ مَالِكٌ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُسْكِنَهَا مَعَهُمَا فَقِيلَ لَهُ إنَّهُ يَقُولُ: إنَّ أَبِي أَعْمَى وَأُغْلِقُ دُونِي وَدُونَهُ بَابًا قَالَ يُنْظَرُ فِي ذَلِكَ، فَإِنْ رُئِيَ ضَرَرٌ كَأَنَّهُ يَقُولُ إنْ رُئِيَ ضَرَرٌ يُحَوِّلُهَا عَنْ حَالِهَا. اهـ. (وَفِي طُرَرِ ابْنِ عَاتٍ) سُئِلَ ابْنُ زَرْبٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذَا تَزَوَّجَ الرَّجُلُ امْرَأَةً وَلَهُ وَلَدٌ صَغِيرٌ مِنْ غَيْرِهَا فَأَرَادَ إسْكَانَهُ مَعَهَا بَعْدَ الْبِنَاءِ، وَأَبَتْ هِيَ ذَلِكَ إنْ كَانَ لَهُ مَنْ يَدْفَعُهُ إلَيْهِ مِنْ أَهْلِهِ لِيَحْضُنَهُ لَهُ وَيَكْفُلَهُ أُجْبِرَ عَلَى إخْرَاجِهِ عَنْهَا، وَإِنْ كَانَ لَا أَهْلَ لَهُ لَمْ يُكَلَّفْ إخْرَاجَهُ، وَأُجْبِرَتْ هِيَ عَلَى الْبَقَاءِ مَعَهُ، ثُمَّ قَالَ وَكَذَلِكَ الزَّوْجَةُ إذَا كَانَ لَهَا وَلَدٌ صَغِيرٌ مَعَ الزَّوْجِ هَذَا حَرْفًا بِحَرْفٍ. اهـ. (تَنْبِيهٌ) ظَاهِرُ قَوْلِهِ " أَوْ أُمِّ " أَنَّ الْأُمَّ تَجْرِي عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ الَّذِي فِي الْوَلَدِ وَأَنَّهَا إنْ كَانَتْ مَعَ ابْنِهَا يَوْمَ الْبِنَاءِ أُلْزِمَتْ الزَّوْجَةُ بِالسُّكْنَى مَعَهَا، وَإِلَّا فَلَا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ لَا تُجْبَرُ الزَّوْجَةُ عَلَى السُّكْنَى مَعَ أُمِّهِ، أَوْ أَبِيهِ مُطْلَقًا، سَوَاءٌ كَانَا مَعَهُ حِينَ الْبِنَاءِ، أَوْ لَا وَلَكِنْ هَذَا فِي ذَوَاتِ الْقَدْرِ، وَأَمَّا الْوَضِيعَةُ فَلَا (التَّوْضِيحُ) قَالَ مَالِكٌ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُسْكِنَ مَعَهَا أَبَوَيْهِ إلَّا بِرِضَاهَا قَالَ فِي الْبَيَانِ لِمَا عَلَيْهَا مِنْ الضَّرَرِ بِاطِّلَاعِهِمْ عَلَى أَمْرِهَا وَمَا تُرِيدُ أَنْ تَكْتُمَهُ عَنْهُمْ مِنْ أَمْرِهَا. (قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ) فِي الْمَرْأَةِ تَكُونُ هِيَ وَأَهْلُ زَوْجِهَا فِي دَارٍ وَاحِدَةٍ فَتَقُولُ: إنَّ أَهْلَكَ يُؤْذُونَنِي فَأَخْرِجْهُمْ عَنِّي، أَوْ أَخْرِجْنِي عَنْهُمْ، رُبَّ امْرَأَةٍ لَا يَكُونُ لَهَا ذَلِكَ لِكَوْنِ صَدَاقِهَا قَلِيلًا وَتَكُونُ وَضِيعَةَ الْقَدْرِ، وَلَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ عَلَى ذَلِكَ تَزَوَّجَهَا، وَفِي الْمَنْزِلِ سَعَةٌ، فَأَمَّا ذَاتُ الْقَدْرِ فَلَا بُدَّ لَهُ أَنْ يَعْزِلَهَا، وَإِنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَعْزِلَهَا حُمِلَ عَلَى الْحَقِّ أَبَرَّهُ ذَلِكَ، أَوْ أَحْنَثَهُ. (قَالَ فِي الْبَيَانِ) وَلَيْسَ قَوْلُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ عِنْدِي خِلَافًا لِقَوْلِ مَالِكٍ اهـ. وَقَدْ تَلَخَّصَ مِنْ هَذَا أَنَّ فِي الْأَوْلَادِ تَفْصِيلًا غَيْرَ الَّذِي فِي الزَّوْجَةِ فَفِي الْأَوْلَادِ يُفَرَّقُ بَيْنَ أَنْ يَسْكُنُوا مِنْ أَوَّلِ وَهْلَةٍ، أَوْ لَا وَفِي الزَّوْجَةِ يُفَرَّقُ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ ذَاتَ قَدْرٍ، أَوْ وَضِيعَةً، وَهَذَا ظَاهِرٌ مِنْ قَوْلِ الشَّيْخِ خَلِيلٍ وَلَهَا الِامْتِنَاعُ مِنْ أَنْ تَسْكُنَ مَعَ أَقَارِبِهِ إلَّا الْوَضِيعَةَ كَوَلَدٍ صَغِيرٍ لِأَحَدِهِمَا إنْ كَانَ لَهُ حَاضِنٌ إلَّا أَنْ يَبْنِيَ وَهُوَ مَعَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

باب في البيوع وما شاكلها

[بَابٌ فِي الْبُيُوعِ وَمَا شَاكَلَهَا] ذَكَرَ فِي هَذَا الْبَابِ الْبُيُوعَ، وَمَا شَاكَلَهَا أَيْ، وَمَا شَابَهَهَا وَكَانَ مِثْلَهَا فِي كَوْنِهِ عَقْدَ مُعَاوَضَةٍ وَذَلِكَ كَبَيْعِ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ بِجِنْسِهِ، أَوْ بِنَقْدٍ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ الْأَخَصَّ هُوَ الَّذِي أَحَدُ عِوَضَيْهِ غَيْرُ ذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ، وَكَذَلِكَ الْمُقَاصَّةُ وَالْحَوَالَةُ وَالشُّفْعَةُ وَالْقِسْمَةُ وَالْإِقَالَةُ وَالتَّوْلِيَةُ وَالتَّصْيِيرِ وَالسَّلَمُ، وَنَحْوُهَا مِمَّا أَدْمَجَهُ النَّاظِمُ فِي هَذَا الْبَابِ، وَفَصَلَ بَيْنَ أَنْوَاعِهِ بِالْفُصُولِ دُونَ الْأَبْوَابِ. وَأَمَّا مَا فَسَّرَ بِهِ شُرَّاحُ الرِّسَالَةِ قَوْلَهَا، وَمَا شَاكَلَ الْبُيُوعَ مِنْ الْكِرَاءِ وَالْإِجَارَةِ لِكَوْنِهِمَا شِرَاءَ مَنْفَعَةٍ وَالْبَيْعُ شِرَاءُ رَقَبَةٍ، فَلَا يَصِحُّ تَفْسِيرُ كَلَامِ النَّاظِمِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْهُمَا فِي هَذِهِ التَّرْجَمَةِ، بَلْ عَقَدَ لَهُمَا بَابًا مُسْتَقِلًّا. وَبَابُ الْبُيُوعِ مِمَّا يُتَعَيَّنُ الِاهْتِمَامُ بِمَعْرِفَةِ أَحْكَامِهِ لِعُمُومِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ، إذْ لَا يَخْلُو مُكَلَّفٌ غَالِبًا مِنْ بَيْعٍ، أَوْ شِرَاءٍ فَيَجِبُ أَنْ يَعْلَمَ حُكْمَ اللَّهِ فِي ذَلِكَ قَبْلَ التَّلَبُّسِ بِهِ. (قَالَ الْقَبَّابُ) : لَا يَجُوزُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَجْلِسَ فِي السُّوقِ حَتَّى يَعْلَمَ أَحْكَامَ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فَإِنَّهُ يَكُونُ حِينَئِذٍ فَرْضًا وَاجِبًا عَلَيْهِ، كَذَلِكَ الَّذِي يَتَصَرَّفُ لِنَفْسِهِ، أَوْ غَيْرِهِ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَعْلَمَ حُكْمَ مَا يَتَصَرَّفُ فِيهِ وَلَا يَجُوزُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَدْفَعَ قِرَاضًا لِمَنْ لَا يَعْلَمُ أَحْكَامَ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُوَكِّلَ الذِّمِّيَّ عَلَى الشِّرَاءِ وَلَا غَيْرِهِ، وَلَا يَتَوَكَّلُ لَهُ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُشَارِكَ الذِّمِّيَّ إلَّا إذَا لَمْ يَغِبْ الذِّمِّيُّ عَلَى بَيْعٍ وَلَا شِرَاءٍ اهـ. وَبَعْدَ الْعِلْمِ بِمَا ذُكِرَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْعَمَلُ بِمَا عَلِمَهُ وَيَجْتَهِدُ فِي ذَلِكَ وَيَتَوَلَّى بَيْعَهُ وَشِرَاءَهُ بِنَفْسِهِ إنْ قَدَرَ، وَإِلَّا فَغَيْرُهُ بِمُشَاوِرَتِهِ، وَلَا يَتَّكِلُ فِي ذَلِكَ عَلَى مَنْ لَا يَعْرِفُ الْأَحْكَامَ، أَوْ يَعْرِفُهَا وَيَتَسَاهَلُ فِي الْعَمَلِ بِمُقْتَضَاهَا لِغَلَبَةِ الْفَسَادِ وَعُمُومِهِ. وَالْبَيْعُ مَصْدَرُ بَاعَ الشَّيْءَ، يَبِيعُهُ إذَا أَخْرَجَهُ عَنْ مِلْكِهِ بِعِوَضٍ، أَوْ أَدْخَلَهُ فِيهِ فَهُوَ مِنْ الْأَضْدَادِ، يُطْلَقُ عَلَى الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ. وَذَكَرَ الزَّنَاتِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ أَنَّ لُغَةَ قُرَيْشٍ اسْتِعْمَالُ بَاعَ إذَا أَخْرَجَ، وَاشْتَرَى إذَا أَدْخَلَ قَالَ: وَهِيَ أَفْصَحُ وَعَلَى هَذَا اصْطَلَحَ الْعُلَمَاءُ تَقْرِيبًا لِلْفَهْمِ، نَقَلَهُ الْحَطَّابُ، وَفِي شَرْحِ الْجُزُولِيِّ عَلَى الرِّسَالَةِ مَا حَاصِلُهُ إنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَعَاوِضَيْنِ بَائِعٌ لِمَا خَرَجَ مِنْ يَدِ مُشْتَرٍ لِمَا أَخَذَهُ، وَاصْطَلَحَ الْفُقَهَاءُ أَنَّ آخِذَ الْعَرَضِ يُسَمَّى مُشْتَرِيًا، وَآخِذَ الْعَيْنِ بَائِعًا وَجَمَعَ النَّاظِمُ الْبَيْعَ، وَإِنْ كَانَ مَصْدَرًا، وَحَقُّهُ أَنْ لَا يُجْمَعَ لِصِدْقِهِ عَلَى الْقَلِيلِ، وَالْكَثِيرِ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ، لَكِنَّهُ جَمَعَهُ بِاعْتِبَارِ أَنْوَاعِهِ، كَالْعُلُومِ وَالْمِيَاهِ؛ لِأَنَّ مِنْ الْبَيْعِ صَحِيحًا وَفَاسِدًا. وَالْمَبِيعَاتُ: أُصُولٌ، وَعُرُوضٌ، وَغَيْرُهُمَا كَمَا يَأْتِي (قَالَ فِي التَّوْضِيحِ) فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ الْبُيُوعُ مَا نَصُّهُ أَتَى بِجَمْعِ الْكَثْرَةِ لِتَعَدُّدِ الْأَنْوَاعِ، وَحَدَّهُ الْمَازِرِيُّ بِأَنَّهُ: نَقْلُ الْمِلْكِ بِعِوَضٍ، وَهَذَا يَشْمَلُ الصَّحِيحَ وَالْفَاسِدَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْفَاسِدَ يَنْقُلُ الْمِلْكَ، ثُمَّ قَالَ، وَإِنْ قُلْنَا لَا يَنْقُلُ لَمْ يَشْمَلْهُ لَكِنَّ الْعَرَبَ قَدْ تَكُونُ التَّسْمِيَةُ عِنْدَهُمْ صَحِيحَةً لِاعْتِقَادِهِمْ أَنَّ الْمِلْكَ قَدْ انْتَقَلَ عَلَى حُكْمِهِمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَنْتَقِلْ عَلَى حُكْمِ الْإِسْلَامِ خَلِيلٌ، وَإِنْ أَرَدْتَ إخْرَاجَهُ بِوَجْهٍ لَا شَكَّ فِيهِ فَزِدْ بِوَجْهٍ جَائِزٍ. اهـ. وَحَدَّهُ ابْنُ عَرَفَةَ بِقَوْلِهِ " عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ عَلَى غَيْرِ مَنَافِعَ، وَلَا مُتْعَةِ لَذَّةٍ وَمُكَايَسَةٍ، أَحَدُ عِوَضَيْهِ غَيْرُ ذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ، مُعَيَّنٌ غَيْرُ الْعَيْنِ فِيهِ " فَقَوْلُهُ " عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ " يَشْمَلُ هِبَةَ الثَّوَابِ وَالصَّرْفَ وَالْمُرَاطَلَةَ وَالسَّلَمَ وَأَخْرَجَ بِهِ التَّبَرُّعَاتِ، كَالْهِبَةِ، وَالصَّدَقَةِ وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ " غَيْرِ مَنَافِعِ الْكِرَاءِ وَالْإِجَارَةِ " لِأَنَّ الْعَقْدَ فِيهِمَا عَلَى الْمَنَافِعِ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ " وَلَا مُتْعَةِ لَذَّةٍ " النِّكَاحُ؛ لِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ عَلَى مُتْعَةِ التَّلَذُّذِ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ " ذُو مُكَايَسَةٍ " هِبَةُ الثَّوَابِ؛ لِأَنَّهَا عَلَى الْمُكَارَمَةِ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ " أَحَدُ عِوَضَيْهِ غَيْرُ ذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ " الصَّرْفُ، وَالْمُرَاطَلَة؛ لِأَنَّ الْعِوَضَيْنِ مَعًا ذَهَبٌ أَوْ فِضَّةٌ، أَوْ مُجْتَمِعٌ مِنْهُمَا، وَشَمِلَ قَوْلُهُ " أَحَدَ عِوَضَيْهِ. . . إلَخْ " مَا إذَا كَانَ أَحَدُ الْعِوَضَيْنِ ذَهَبًا، أَوْ فِضَّةً وَالْآخَرُ عَرْضًا، وَمَا إذَا كَانَا مَعًا عَرْضَيْنِ، وَيَأْتِي لِلنَّاظِمِ أَنَّ هَذَا

الْوَجْهَ يُسَمَّى الْمُعَاوَضَةَ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ " مُعَيَّنٌ غَيْرُ الْعَيْنِ فِيهِ " السَّلَمُ؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْعَيْنِ فِيهِ وَهُوَ الْمُسْلَمُ فِيهِ فِي الذِّمَّةِ غَيْرُ مُعَيَّنٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. مَا يُسْتَجَازُ بَيْعُهُ أَقْسَامُ ... أُصُولٌ أَوْ عُرُوضٌ أَوْ طَعَامُ أَوْ ذَهَبٌ أَوْ فِضَّةٌ أَوْ ثَمَرُ ... أَوْ حَيَوَانٌ وَالْجَمِيعُ يُذْكَرُ أَخْبَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ فِي نَظَرِ الشَّرْعِ يَنْقَسِمُ إلَى سِتَّةِ أَنْوَاعٍ: (الْأَوَّلُ) أُصُولٌ وَذَلِكَ، كَالدُّورِ، وَالْحَوَائِطِ وَالْفَنَادِقِ، وَالْحَوَانِيتَ، وَالْأَرَضِينَ، وَغَيْرِ ذَلِكَ. (وَالثَّانِي) عُرُوضٌ، كَالثِّيَابِ، وَالسِّلَاحِ، وَالْآلَاتِ، وَنَحْوِهَا. (الثَّالِثُ) طَعَامٌ كَالْحُبُوبِ مِنْ الْقَمْحِ وَالشَّعِيرِ، وَالْقَطَانِيِّ، وَإِدَامٌ كَالسَّمْنِ وَالزَّيْتِ وَمُصْلِحَاتِهِ، كَالْمِلْحِ وَالْبَصَلِ، وَنَحْوِهِمَا. (الرَّابِعُ) ذَهَبٌ وَفِضَّةٌ وَهُمَا النَّقْدَانِ اللَّذَانِ يَتَعَلَّقُ بِهِمَا الْأَغْرَاضُ مِنْ حَيْثُ التَّنْمِيَةُ الْمَنُوطَةُ بِهِمَا. (الْخَامِسُ) ثَمَرٌ وَذَلِكَ، كَالْفَوَاكِهِ، وَالْمَقَاثِئِ، وَالْخُضَرِ، وَأَفْرَدَهَا بِالذِّكْرِ، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ جِنْسِ الطَّعَامِ لِمَا اخْتَصَّتْ بِهِ عَنْ الطَّعَامِ مِنْ اشْتِرَاطِ بُدُوِّ الصَّلَاحِ فِي جَوَازِ بَيْعِهَا، وَغَيْرِ ذَلِكَ. (السَّادِسُ) حَيَوَانٌ، كَالرَّقِيقِ، وَالدَّوَابِّ، وَالْأَنْعَامِ، وَالْوَحْشِ، وَالطَّيْرِ وَفَائِدَةُ تَقْسِيمِ هَذِهِ الْمَبِيعَاتِ لِمَا ذُكِرَ اخْتِصَاصُ كُلِّ نَوْعٍ مِنْهَا بِأَحْكَامٍ مُعْتَبَرَةٍ فِيهِ، وَإِنْ لَمْ تُعْتَبَرْ فِي غَيْرِهِ عَلَى الْإِطْلَاقِ، كَالْعُيُوبِ الْمُوجِبَةِ لِلْقِيمَةِ فِي الْأُصُولِ، أَوْ لِلرَّدِّ فِي الْحَيَوَانِ، وَالْعُرُوضِ وَرِبَا الْفَضْلِ وَالنَّسَاءِ فِي النَّقْدَيْنِ وَالطَّعَامَيْنِ، وَبُدُوِّ الصَّلَاحِ فِي الثِّمَارِ، وَالْعُهْدَتَيْنِ فِي الرَّقِيقِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَالْمُرَادُ بِالْجَوَازِ فِي النُّطْقِ: الْجَوَازُ الْأَعَمُّ الشَّامِلُ لِلْوُجُوبِ وَغَيْرِهِ (قَالَ الْإِمَامُ الْحَطَّابُ) : وَالْإِجْمَاعُ عَلَى جَوَازِ الْبَيْعِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ وَقَدْ يَعْرِضُ لَهُ الْوُجُوبُ كَمَنْ اُضْطُرَّ لِشِرَاءِ طَعَامٍ أَوْ شَرَابٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، وَالنَّدْبُ كَمَنْ أَقْسَمَ عَلَى إنْسَانٍ أَنْ يَبِيعَ لَهُ سِلْعَةً لَا ضَرُورَةَ عَلَيْهِ فِي بَيْعِهَا فَيُنْدَبُ إلَى إجَابَتِهِ لِأَنَّ إبْرَارَ الْمُقْسِمِ فِيمَا لَيْسَ فِيهِ ضَرَرٌ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ، وَالْكَرَاهَةُ كَبَيْعِ الْهِرِّ، وَالسِّبَاعِ لِأَخْذِ جُلُودِهَا، وَالتَّحْرِيمُ كَالْبُيُوعِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا وَحِكْمَةُ مَشْرُوعِيَّتِهِ الرِّفْقُ بِالْعِبَادِ، وَالتَّعَاوُنُ عَلَى حُصُولِ الْمَعَاشِ، وَلِهَذَا يُمْنَعُ احْتِكَارُ مَا يَضُرُّ بِالنَّاسِ اهـ. وَلِلْبَيْعِ ثَلَاثَةُ أَرْكَانٍ: الْأَوَّلُ الصِّيغَةُ، الثَّانِي الْعَاقِدُ وَالْمُرَادُ بِهِ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي مَعًا، الثَّالِثُ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ وَالْمُرَادُ بِهِ الثَّمَنُ وَالْمَثْمُونُ مَعًا فَهِيَ فِي الْحَقِيقَةِ خَمْسَةٌ، وَلَمَّا كَانَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي يَشْتَرِكَانِ فِي الشُّرُوطِ كَمَا يَأْتِي قَرِيبًا عَبَّرُوا عَنْهُمَا بِالْعَاقِدِ، وَكَذَلِكَ الثَّمَنُ وَالْمَثْمُونُ يُشْتَرَطُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا يُشْتَرَطُ فِي الْآخَرِ فَلِذَلِكَ عَبَّرُوا عَنْهُمَا بِالْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، وَالصِّيغَةُ مَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا مِنْ قَوْلٍ، كَبِعْت وَيَرْضَى الْمُشْتَرِي، أَوْ ابْتَعْتُ وَيَرْضَى الْبَائِعُ، أَوْ فِعْلٍ، كَالْمُعَاطَاةِ وَذَلِكَ فِيمَا كَانَتْ قِيمَتُهُ مَعْلُومَةً فَيَضَعُ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ وَيُعْطِي الْبَائِعُ الْمَثْمُونَ مِنْ غَيْرِ لَفْظٍ، وَأَمَّا الْعَاقِدُ فَيُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ انْعِقَادِ الْبَيْعِ أَنْ يَكُونَ عَاقِدُهُ مُمَيِّزًا فَبَيْعُ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ لِصِغَرٍ، أَوْ جُنُونٍ، أَوْ سُكْرٍ غَيْرُ مُنْعَقِدٍ فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِ لَازِمًا، وَيُشْتَرَطُ فِي لُزُومِهِ كَوْنُ عَاقِدِهِ رَشِيدًا طَائِعًا فَبَيْعُ الْمَحْجُورِ مُنْعَقِدٌ غَيْرُ لَازِمٍ يَتَوَقَّفُ لُزُومُهُ عَلَى إجَازَةِ حَاجِرِهِ. وَقَدْ أَشَارَ النَّاظِمُ إلَى هَذِهِ الشُّرُوطِ بِقَوْلِهِ فِي بَيْعِ الْأُصُولِ مِمَّنْ لَهُ تَصَرُّفٌ فِي الْمَالِ وَكَذَا الْمُكْرَهُ بِفَتْحِ الرَّاءِ إذَا أُكْرِهْ عَلَى الْبَيْعِ بَيْعُهُ غَيْرُ لَازِمٍ أَيْضًا إلَّا إذَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ فِي حَقٍّ شَرْعِيِّ كَقَضَاءِ دَيْنٍ وَنَحْوِهِ فَلَا يُشْتَرَطُ رِضَاهُ، وَأَمَّا الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ فَلَهُ سَبْعَةُ شُرُوطٍ: الْأَوَّلُ: الطَّهَارَةُ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُ نَجِسِ الْعَيْنِ كَالزِّبْلِ، وَلَا الْمُتَنَجِّسِ الَّذِي لَا يَقْبَلُ التَّطْهِيرَ كَالزَّيْتِ عَلَى الْمَشْهُورِ فِيهَا، أَمَّا الْمُتَنَجِّسُ الَّذِي يَقْبَلُ الطَّهَارَةَ كَالثَّوْبِ فَيَجُوزُ بَيْعُهُ إذَا بَيَّنَ

كَوْنَهُ نَجِسًا، وَيَتَأَكَّدُ الْبَيَانُ إذَا كَانَ جَدِيدًا، وَتَعَدُّدُهُ كَذَلِكَ. الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مُنْتَفَعًا بِهِ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْحَيَوَانِ غَيْرِ الْمَأْكُولِ اللَّحْمِ إذَا أَشْرَفَ عَلَى الْمَوْتِ، وَكَذَا مَأْكُولُ اللَّحْمِ عَلَى مَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ لِلْغَرَرِ فِي حَيَاتِهِ وَحُصُولِ ذَكَاتِهِ لِاحْتِمَالِ عَدَمِ حَرَكَتِهِ بَعْدَ ذَبْحِهِ. الثَّالِثُ: عَدَمُ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِهِ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْكِلَابِ لِوُرُودِ النَّهْيِ عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي جَوَازِ بَيْعِ مَا أُذِنَ فِي اتِّخَاذِهِ مِنْهَا وَسَيَأْتِي، وَكَذَا الْأُضْحِيَّةُ، وَأُمُّ الْوَلَدِ وَنَحْوُهَا.: الرَّابِعُ أَنْ يَكُونَ مَقْدُورًا عَلَيْهِ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْآبِقِ إنْ لَمْ يُعْرَفْ مَحَلُّهُ، وَكَذَا إنْ عُرِفَ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَكَذَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْبَعِيرِ الشَّارِدِ، وَلَا الْإِبِلِ الْمُهْمَلَةِ، وَكَذَا الْمَغْصُوبِ إنْ كَانَ الْغَاصِبُ لَا تَنَالُهُ الْأَحْكَامُ إلَّا أَنْ يُبَاعَ لِغَاصِبِهِ وَهَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَرُدَّهُ لِرَبِّهِ مُدَّةً، وَحِينَئِذٍ يُبَاعُ لِغَاصِبِهِ، أَوْ لَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ؟ فِيهِ تَرَدُّدٌ. الْخَامِسُ: أَنْ يَكُونَ مَمْلُوكًا لِبَائِعِهِ، أَوْ لِمَنْ نَابَ عَنْهُ بِوَكَالَةٍ، أَوْ إيصَاءٍ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُ مَا لَيْسَ لَك فَإِنْ وَقَعَ، تَوَقَّفَ ذَلِكَ عَلَى رِضَا مَالِكِهِ وَهُوَ الْمَعْرُوفُ بِبَيْعِ الْفُضُولِيِّ وَيَأْتِي لِلنَّاظِمِ فِيهِ تَفْصِيلٌ. السَّادِسُ: أَنْ يَكُونَ مِمَّا يَتَقَرَّرُ مَلِكُ مُبْتَاعِهِ عَلَيْهِ وَلَوْ وَجَبَ عِتْقُهُ إذْ بِهِ يَجِبُ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُبَاعَ مُصْحَفٌ، أَوْ مُسْلِمٌ لِكَافِرٍ لِعَدَمِ تَقَرُّرِ مِلْكِهِ عَلَيْهِ، فَإِنْ وَقَعَ فَلَا يُفْسَخُ، وَيُبَاعُ عَلَيْهِ وَيَدْخُلُ فِي قَوْلِهِمْ " مِمَّا يَتَقَرَّرُ مَلِكُ مُبْتَاعِهِ عَلَيْهِ " مَنْ اشْتَرَى مَنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ مِنْ أَقَارِبِهِ فَإِنَّهُ مِمَّا يَتَقَرَّرُ مِلْكُهُ عَلَيْهِ، وَلِذَلِكَ وَجَبَ عِتْقُهُ عَلَيْهِ وَكَانَ لَهُ وَلَاؤُهُ. السَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا، جُمْلَةً وَتَفْصِيلًا، مَثْمُونًا كَانَ، أَوْ ثَمَنًا فَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْمَجْهُولِ جُمْلَةً، كَبَيْعِ الْحُوتِ فِي الْمَاءِ، وَلَا الْبَيْعُ بِزِنَةِ حَجَرٍ مَجْهُولِ الْقَدْرِ ذَهَبًا، أَوْ فِضَّةً وَلَا بَيْعُ مَعْلُومِ الْقَدْرِ جُمْلَةً مَجْهُولِ التَّفْصِيلِ، كَعَبْدَيْ رَجُلَيْنِ بِمِائَةٍ مَثَلًا وَهُوَ الَّذِي يُعَبِّرُونَ عَنْهُ بِجَمْعِ الرَّجُلَيْنِ سِلْعَتَهُمَا فِي الْبَيْعِ إذْ لَا يُدْرَى مَا يَنُوبُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْعَبْدَيْنِ مِنْ الْمِائَةِ (تَنْبِيهٌ) إذَا بِيعَ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ، وَمَا لَا يَجُوزُ كَثَوْبٍ وَخَمْرٍ فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ فَنُقِلَ فِي إيضَاحِ الْمَسَالِكِ فِي ذَلِكَ تِسْعَةُ أَقْوَالٍ: فَسْخُ الْجَمِيعِ، فَسْخُ مَا قَابَلَ الْحَرَامَ وَصِحَّةُ مَا قَابَلَ الْحَلَالَ، وَثَالِثُهَا الْأَقَلُّ يَتْبَعُ الْأَكْثَرَ اُنْظُرْ بَقِيَّتَهَا فِي تَرْجَمَةِ الْعَقْدِ هَلْ يَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ أَمْ لَا؟ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -

وَالْبَيْعُ وَالشَّرْطُ الْحَلَالُ إنْ وَقَعْ ... مُؤَثِّرًا فِي ثَمَنٍ مِمَّا امْتَنَعْ وَكُلُّ مَا لَيْسَ لَهُ تَأْثِيرُ ... فِي ثَمَنٍ جَوَازُهُ مَأْثُورُ وَالشَّرْطُ إنْ كَانَ حَرَامًا بَطَلَا ... بِهِ الْمَبِيعُ مُطْلَقًا إنْ جُعِلَا يَعْنِي أَنَّ الْبَيْعَ إذَا وَقَعَ مُصَاحِبًا الشَّرْطَ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الشَّرْطُ حَلَالًا، أَوْ حَرَامًا. فَإِنْ كَانَ حَلَالًا فَفِيهِ تَفْصِيلٌ، إنْ وَقَعَ مُؤَثِّرًا فِي الثَّمَنِ جَهْلًا مَثَلًا فَهُوَ مَمْنُوعٌ، وَالْبَيْعُ فَاسِدٌ، وَإِنْ لَمْ يُؤَثِّرْ فِي ذَلِكَ فَهُوَ جَائِزٌ، وَالْبَيْعُ صَحِيحٌ وَالشَّرْطُ مَعْمُولٌ بِهِ وَإِلَى هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ أَشَارَ بِالْبَيْتِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي، وَإِنْ كَانَ الشَّرْطُ حَرَامًا بَطَلَ بِهِ الْبَيْعُ مُطْلَقًا، أَيْ أَثَّرَ جَهْلًا فِي الثَّمَنِ، أَوْ لَا، وَإِلَى هَذَا الْوَجْهِ أَشَارَ بِالْبَيْتِ الثَّالِثِ، فَمِثَالُ الشَّرْطِ الْحَلَالِ الْمُؤَثِّرِ فِي الثَّمَنِ جَهْلًا: أَنْ يَشْتَرِطَ الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي أَنْ لَا يَبِيعَ مَا اشْتَرَى مِنْهُ، وَلَا يَهَبَهُ فَنَفْسُ الشَّرْطِ وَهُوَ كَوْنُ الْمُشْتَرِي يَتَمَسَّكُ بِمَا اشْتَرَى وَلَا يَبِيعُهُ وَلَا يَهَبُهُ حَلَالٌ جَائِزٌ. وَاشْتِرَاطُهُ الدُّخُولَ عَلَيْهِ مَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ عَلَى هَذَا الشَّرْطِ إنَّمَا يَكُونُ غَالِبًا بِرُخْصٍ وَنَقْصٍ عَنْ ثَمَنِ ذَلِكَ الْمَبِيعِ لَوْ لَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ فِي بَيْعِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّحْجِيرِ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَمِقْدَارُ مَا اُنْتُقِصَ مِنْ الثَّمَنِ لِأَجْلِ ذَلِكَ الشَّرْطِ مَجْهُولٌ وَالْجَهْلُ فِي الثَّمَنِ لَا يَجُوزُ وَيَفْسُدُ بِهِ الْبَيْعُ، وَمِثَالُهُ أَيْضًا أَنْ يَشْتَرِطَ أَحَدُ الْمُتَبَايِعَيْنِ عَلَى الْآخَرِ أَنْ يُسَلِّفَهُ دَرَاهِمَ طَعَامًا مَثَلًا فَنَفْسُ الْمَشْرُوطِ الَّذِي هُوَ السَّلَفُ جَائِزٌ، وَاشْتِرَاطُهُ وَانْعِقَادُ الْبَيْعِ عَلَيْهِ مَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ السَّلَفُ مِنْ الْبَائِعِ فَإِنَّمَا يَبِيعُ غَالِبًا بِأَكْثَرَ مِنْ الْقِيمَةِ لِأَجْلِ السَّلَفِ. وَإِنْ كَانَ مِنْ الْمُشْتَرِي فَإِنَّمَا يَشْتَرِي غَالِبًا بِأَقَلَّ لِأَجْلِ السَّلَفِ أَيْضًا، وَمِقْدَارُ مَا ازْدَادَ فِي الثَّمَنِ، أَوْ اُنْتُقِصَ بِسَبَبِ الشَّرْطِ مَجْهُولٌ، وَالْمَجْهُولُ فِي الثَّمَنِ مَمْنُوعٌ يَفْسُدُ بِهِ الْبَيْعُ، وَلَوْ تَحَقَّقْنَا أَنْ لَا زِيَادَةَ فِي الثَّمَنِ وَلَا نَقْصَ؛ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ الْحُكْمَ إذَا عُلِّلَ بِعِلَّةٍ غَالِبًا اُكْتُفِيَ بِغَلَبَتِهَا عَنْ تَتَبُّعِهَا فِي كُلِّ صُورَةٍ صُورَةٍ، إعْطَاءً لِلنَّادِرِ حُكْمَ الْغَالِبِ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ، وَعِبَارَةُ ابْنِ عَرَفَةَ فِي ذَلِكَ الْحُكْمُ الْمُعَلَّقُ بِالْمَظِنَّةِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى تَحَقُّقِ الْحِكْمَةِ اهـ. وَعَلَّلَ بَعْضُهُمْ الْمَنْعَ فِي الْمِثَالِ الثَّانِي بِأَنَّ السَّلَفَ صَارَ بِسَبَبِ اشْتِرَاطِهِ مِنْ جُمْلَةِ الثَّمَنِ، وَالِانْتِفَاعُ بِهِ مَجْهُولٌ اهـ. وَمَا عَلَّلْنَا بِهِ أَظْهَرُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَالْمَنْعُ فِي الْمِثَالِ الْأَوَّلِ أَشَدُّ؛ لِأَنَّ فِيهِ زِيَادَةً عَلَى التَّأْثِيرِ فِي الثَّمَنِ عِلَّةً أُخْرَى لِلْمَنْعِ وَهِيَ كَوْنُ ذَلِكَ الْمُؤَثِّرِ مِنْ بَابِ اشْتِرَاطِ مَا يُوجِبُ الْحُكْمُ خِلَافَهُ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ يُوجِبُ جَوَازَ تَصَرُّفِ الْمُشْتَرِي فِيمَا اشْتَرَاهُ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ شَاءَ، مِمَّا أَبَاحَهُ الشَّارِعُ مِنْ بَيْعٍ، أَوْ هِبَةٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، فَالتَّحْجِيرُ عَلَيْهِ بِأَنْ لَا يَبِيعَ وَلَا يَهَبَ شَرْطٌ مُنَاقِضٍ لِمُقْتَضَى عَقْدِ الْبَيْعِ، وَاشْتِرَاطُ مِثْلِهِ مَمْنُوعٌ وَيَفْسُدُ بِهِ الْبَيْعُ، وَمِثَالُ الشَّرْطِ الْحَلَالِ الَّذِي لَا يُؤَثِّرُ فِي الثَّمَنِ اشْتِرَاطُ الْمُشْتَرِي كَوْنَ الثَّمَنِ إلَى أَجَلٍ مُعَيَّنٍ غَيْرِ بَعِيدٍ جِدًّا. وَاشْتِرَاطُ الْبَائِعِ فِي الثَّمَنِ الْمُؤَجَّلِ، أَوْ الْمُعَجَّلِ أَنْ يُعْطِيَهُ فِيهِ رَهْنًا، أَوْ حَمِيلًا فَإِنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ جَائِزٌ بِنَصِّ الْكِتَابِ الْعَزِيزِ فَلَا يُتَوَهَّمُ فِيهِ أَنَّهُ مِنْ الشَّرْطِ الْمُؤَثِّرِ فِي الثَّمَنِ، وَهَذَا شَرْطٌ صَحِيحٌ مَعْمُولٌ بِهِ وَهُوَ مِمَّا لَا يَقْتَضِيهِ عَقْدُ الْبَيْعِ، وَلَا يُنَافِيهِ وَفِيهِ مَصْلَحَةٌ لِلْبَائِعِ وَيَنْدَرِجُ فِي هَذَا الْقِسْمِ الشَّرْطُ الَّذِي يَقْتَضِيهِ عَقْدُ الْبَيْعِ كَالرُّجُوعِ بِدَرْكِ الْعَيْبِ وَالِاسْتِحْقَاقِ، وَيُعْمَلُ بِهِ وَلَوْ لَمْ يُشْتَرَطْ، وَاشْتِرَاطُهُ تَأْكِيدٌ، وَمِثَالُ الشَّرْطِ الْحَرَامِ مَنْ بَاعَ أَمَةً رَفِيعَةً وَاشْتَرَطَ عَلَى الْمُشْتَرِي أَنْ يَمْنَعَهَا الدُّخُولَ وَالْخُرُوجَ، أَوْ اشْتَرَطَ كَوْنَهَا مُغَنِّيَةً، أَوْ بَاعَ دَارًا وَاشْتَرَطَ اتِّخَاذَهَا مَجْمَعًا لِأَهْلِ الْفَسَادِ فَالشَّرْطُ حَرَامٌ. وَالْبَيْعُ بِهِ فَاسِدٌ، وَإِذَا فَسَدَ الْبَيْعُ بِالشَّرْطِ الْحَلَالِ الْمُؤَثِّرِ فِي الثَّمَنِ فَأَحْرَى أَنْ يَفْسُدَ بِالْحَرَامِ الْمُؤَثِّرِ كَالْمِثَالِ الْأَوَّلِ وَالثَّالِثِ مِنْ هَذَا الْقِسْمِ، فَلَا فَرْقَ فِي الشَّرْطِ الْحَرَامِ بَيْنَ كَوْنِهِ مُؤَثِّرًا فِي الثَّمَنِ، أَوْ لَا، وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِالْإِطْلَاقِ، فَقَوْلُهُ " وَالْبَيْعُ " مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ " مِمَّا امْتَنَعَ " وَ " الشَّرْطُ عَطْفٌ عَلَى الْبَيْعِ، وَيَصِحُّ نَصْبُهُ عَلَى الْمَعِيَّةِ " وَالْحَلَالِ " نَعْتٌ لِلشَّرْطِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ وَ " مُؤَثِّرًا " حَالٌ مِنْ فَاعِل وَقَعَ الْعَائِدِ عَلَى الشَّرْطِ وَفِي " ثَمَنٍ " يَتَعَلَّقُ بِمُؤَثِّرٍ، وَجَوَابُ الشَّرْطِ مَحْذُوفٌ لِدَلَالَةِ الْخَبَرِ عَلَيْهِ وَهُوَ " مِمَّا امْتَنَعَ " وَكُلُّ " مُبْتَدَأٌ مُضَافٌ إلَى " مَا " وَهِيَ نَكِرَةٌ مَوْصُوفَةٌ وَاقِعَةٌ عَلَى شَرْطٍ، أَيْ كُلُّ شَرْطٍ. وَجُمْلَةُ " لَيْسَ لَهُ تَأْثِيرُ " صِفَةُ " مَا "، وَجُمْلَةُ " جَوَازُهُ مَأْثُورُ " مِنْ الْمُبْتَدَأ، وَالْخَبَرُ خَبَرُ " كُلُّ " وَمَأْثُورٌ، أَيْ مَرْوِيٌّ، وَ " الشَّرْطُ " مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ جُمْلَةُ الشَّرْطِ وَجَوَابُهَا، وَمَرَّ إنْ كَانَ حَرَامًا بَطَلَا بِهِ الْمَبِيعُ مُطْلَقًا، وَ " إنْ جُعِلَ " حَشْوٌ مُسْتَغْنًى عَنْهُ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ إنْ وَقَعَ وَذَلِكَ هُوَ فَرْضُ الْمَسْأَلَةِ، وَالْمَبِيعُ فَاعِلُ بَطَلَ

وَهُوَ بِمَعْنَى الْبَيْعِ أَوْ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ، أَيْ بَطَلَ بَيْعُ الْمَبِيعِ (تَنْبِيهَاتٌ. الْأَوَّلُ) الْمَنْعُ فِي الشَّرْطِ الْحَلَالِ الْمُؤَثِّرِ فِي الثَّمَنِ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا اسْتَمَرَّ الْمُتَبَايِعَانِ عَلَى شُرُوطِهِمَا، أَمَّا إنْ أَسْقَطَاهُ فَإِنَّ الْبَيْعَ يَصِحُّ، وَكَذَا يُقَيَّدُ الْمَنْعُ أَيْضًا فِي الْمِثَالِ الْأَوَّلِ وَهُوَ أَنْ لَا يَبِيعَ بِمَا إذَا عَمَّمَ، أَوْ اسْتَثْنَى قَلِيلًا كَقَوْلِهِ لِلْمُشْتَرِي عَلَى أَنْ لَا يَبِيعَهُ جُمْلَةً، أَوْ لَا يَبِيعَهُ إلَّا مِنْ فُلَانٍ. وَأَمَّا إذَا خَصَّ نَاسًا قَلِيلِينَ كَقَوْلِهِ بِعْهُ لِمَنْ شِئْتَ إلَّا لِفُلَانٍ، أَوْ لِبَنِي فُلَانٍ، وَهُمْ قَلِيلُونَ جِدًّا بِالنِّسْبَةِ إلَى غَيْرِهِمْ فَلَا يَمْتَنِعُ هَذَا الشَّرْطُ، إذْ لَا تَحْجِيرَ فِيهِ وَلَا بَدَّ وَلَا تَأْثِيرَ فِي الثَّمَنِ. (الثَّانِي) اعْلَمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي اشْتِرَاطِ السَّلَفِ بَيْنَ كَوْنِهِ بِدَلَالَةِ الْمُطَابَقَةِ كَمَا تَقَدَّمَ، أَوْ بِدَلَالَةِ الِالْتِزَامِ وَذَلِكَ كَمَنْ بَاعَ شَيْئًا لِمَنْ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ حَالٌّ، وَاشْتَرَطَ هَذَا الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي عَدَمَ الْمُقَاصَّةِ، بَلْ يَقْتَضِيهِ ثَمَنُ هَذَا الْمَبِيعِ. وَيَبْقَى الدَّيْنُ عَلَى حُلُولِهِ فَهَذَا بَيْعٌ وَاشْتِرَاطُ سَلَفٍ؛ لِأَنَّ مَنْ أَخَّرَ مَا أَوْجَبَ لَهُ عُدَّ مُسَلِّفًا، وَالْمُسَلَّفُ هُنَا الْمُشْتَرِي مِنْ هَذَا الْمَدِينِ. اُنْظُرْ الْحَطَّابَ، أَوْ فَصْلَ الْمُقَاصَّةِ. (الثَّالِثُ) اعْلَمْ أَنَّ النَّاظِمَ قَسَّمَ الشَّرْطَ الْمُصَاحِبَ لِعَقْدِ الْبَيْعِ إلَى حَلَالٍ وَحَرَامٍ، وَقَسَّمَ الْحَلَالَ إلَى مُؤَثِّرٍ فِي الثَّمَنِ وَغَيْرِ مُؤَثِّرٍ، وَتَلَخَّصَ مِنْ حُكْمِهِمَا أَنَّ الشَّرْطَ الْحَرَامَ وَالْحَلَالَ الْمُؤَثِّرَ فِي الثَّمَنِ، الْبَيْعُ مَعَهُمَا فَاسِدٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ وَأَنَّ الشَّرْطَ الْحَلَالَ الَّذِي يُؤَثِّرُ فِي الثَّمَنِ، الْبَيْعُ فِيهِ صَحِيحٌ وَالشَّرْطُ مَعْمُولٌ بِهِ. وَبَقِيَ عَلَيْهِ قِسْمٌ ثَالِثٌ تَوَسَّطَ بَيْنَهُمَا، الْبَيْعُ فِيهِ صَحِيحٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ، وَذَلِكَ كَمَنْ اشْتَرَطَ فِي بَيْعِ الْجَارِيَةِ، أَوْ الْعَبْدِ كَوْنَهُمَا عُرْيَانَيْنِ مِنْ غَيْرِ ثَوْبٍ أَصْلًا، وَكَمَنِ اشْتَرَطَ ثِمَارًا، أَوْ حَبًّا مَعَ أَرْضِهِ قَبْلَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ وَاشْتَرَطَ الزَّكَاةَ عَلَى الْبَائِعِ، وَكَاشْتِرَاطِ الْبَائِعِ أَنْ لَا عُهْدَةَ عَلَيْهِ فِي عَيْبٍ، أَوْ اسْتِحْقَاقٍ، أَوْ لَا جَائِحَةَ عَلَيْهِ فِي ثِمَارٍ وَنَحْوِهَا، أَوْ لَا مُوَاضَعَةَ فِي الْجَارِيَةِ الَّتِي فِيهَا الْمُوَاضَعَةُ، أَوْ اشْتَرَطَ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَأْتِ الْمُشْتَرِطُ بِالثَّمَنِ إلَى أَجَلِ كَذَا، فَلَا بَيْعَ بَيْنَهُمَا فَالْبَيْعُ فِي هَذِهِ الْفُرُوعِ صَحِيحٌ، وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ إلَّا إذَا اشْتَرَطَ الْبَائِعُ فِي آخِرِهَا أَنَّ عَقْدَ الْبَيْعِ مُتَوَقِّفٌ عَلَى دَفْعِ الثَّمَنِ فَإِنَّ الْبَيْعَ لَا يَنْعَقِدُ إلَّا بِدَفْعِهِ. وَكَذَا الْبَيْعُ عَلَى شَرْطِ عَدَمِ الْمُقَاصَّةِ، وَكَذَا اشْتِرَاطُ مَنْ اشْتَرَى بِدَيْنٍ أَنَّ الدَّيْنَ لَا يَحِلُّ بِمَوْتِهِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَقَدْ أَشَارَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ لِلْوَجْهِ الْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ فِي " تَعْدَادِ الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ، وَكَبَيْعٍ وَشَرْطٍ يُنَاقِضُ الْمَقْصُودَ كَأَنْ لَا يَبِيعَ " ثُمَّ قَالَ " أَوْ يُخِلَّ كَبَيْعٍ وَسَلَفٍ " ثُمَّ أَشَارَ إلَى الْوَجْهِ الثَّانِي بِقَوْلِهِ " مُشْبِهًا فِي الصِّحَّةِ كَشَرْطِ رَهْنٍ وَحَمِيلٍ " وَأَشَارَ إلَى الثَّالِثِ بِقَوْلِهِ فِي فَصْلِ مَا يَتَنَاوَلُهُ الْبَيْعُ " وَالْعَبْدِ ثِيَابَ مِهْنَتِهِ، وَهَلْ يُوفِي بِشَرْطِ عَدَمِهَا وَهُوَ الْأَظْهَرُ، أَوْ لَا؟ كَمُشْتَرِطِ زَكَاةِ مَا لَمْ يَطِبْ، وَأَنْ لَا عُهْدَةَ، أَوْ لَا مُوَاضَعَةَ، أَوْ لَا جَائِحَةَ أَوْ إنْ لَمْ يَأْتِ بِالثَّمَنِ لِكَذَا فَلَا بَيْعَ. (التَّنْبِيهُ الرَّابِعُ) اعْلَمْ

أَنَّ الْإِمَامَ مَالِكًا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - نَزَّلَ الْأَحَادِيثَ الْوَارِدَةَ فِي الْبَيْعِ وَالشَّرْطِ عَلَى الْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ، فَنَزَّلَ مَا وَرَدَ مِنْ فَسَادِ الْبَيْعِ وَالشَّرْطِ مَعًا عَلَى الشَّرْطِ الْحَرَامِ وَالْحَلَالِ الْمُؤَثِّرِ فِي الثَّمَنِ، وَنَزَّلَ مَا وَرَدَ مِنْ جَوَازِهِمَا عَلَى الشَّرْطِ الْحَلَالِ الَّذِي لَا تَأْثِيرَ لَهُ فِي الثَّمَنِ. وَنَزَّلَ مَا وَرَدَ مِنْ جَوَازِ الْبَيْعِ وَبُطْلَانِ الشَّرْطِ عَلَى الْوَجْهِ الثَّالِثِ. (ابْنُ رُشْدٍ) رُوِيَ أَنَّ عَبْدَ الْوَارِثِ بْنَ سَعِيدٍ قَالَ قَدِمْتُ مَكَّةَ فَوَجَدْت فِيهَا أَبَا حَنِيفَةَ وَابْنَ أَبِي لَيْلَى وَابْنَ شُبْرُمَةَ فَقُلْتُ لِأَبِي حَنِيفَةَ مَا تَقُولُ فِي رَجُلٍ بَاعَ بَيْعًا وَاشْتَرَطَ شَيْئًا فَقَالَ: الْبَيْعُ بَاطِلٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ، ثُمَّ أَتَيْتُ ابْنَ أَبِي لَيْلَى فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ: الْبَيْعُ جَائِزٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ، ثُمَّ أَتَيْتُ ابْنَ شُبْرُمَةَ فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ: الْبَيْعُ جَائِزٌ وَالشَّرْطُ جَائِزٌ فَقُلْتُ: سُبْحَانَ اللَّهِ ثَلَاثَةٌ مِنْ فُقَهَاءِ الْعِرَاقِ اخْتَلَفُوا فِي مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ فَأَتَيْتُ أَبَا حَنِيفَةَ فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ: مَا أَدْرِي مَا قَالَا «إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ» ثُمَّ أَتَيْتُ ابْنَ أَبِي لَيْلَى فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ: لَا أَدْرِي مَا قَالَا: قَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ أَشْتَرِيَ بَرِيرَةَ وَأُعْتِقَهَا، وَإِنْ اشْتَرَطَ أَهْلُهَا الْوَلَاءَ فَإِنَّ الْوَلَاءَ لِمَنْ أَعْتَقَ» : الْبَيْعُ جَائِزٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ. ثُمَّ أَتَيْتُ ابْنَ شُبْرُمَةَ فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ: لَا أَدْرِي مَا قَالَا قَالَ «جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بِعْتُ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَاقَةً وَشَرَطَ لِي حِلَابَهَا وَظَهْرَهَا إلَى الْمَدِينَةِ» : الْبَيْعُ جَائِزٌ وَالشَّرْطُ جَائِزٌ. فَعَرَفَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْأَحَادِيثَ كُلَّهَا فَاسْتَعْمَلَهَا فِي مَوَاضِعِهَا وَتَأَوَّلَهَا عَلَى وُجُوهِهَا، وَلَمْ يُمْعِنْ غَيْرُهُ النَّظَرَ، وَلَا أَحْسَنَ تَأْوِيلَ الْأَثَرِ اهـ. وَإِلَى هَذِهِ الْقَضِيَّةِ أَشَارَ الشَّيْخُ ابْنُ غَازِيٍّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِقَوْلِهِ بَيْعُ الشُّرُوطِ الْحَنَفِيُّ حَرَّمَهْ ... وَجَابِرٌ سَوَّغَ لِابْنِ شبرمة وَفُصِّلَتْ لِابْنِ أَبِي لَيْلَى الْأَمَهْ ... وَمَالِكٌ إلَى الثَّلَاثِ قَسَّمَهْ وَمُرَادُهُ بِالتَّفْصِيلِ: جَوَازُ الْبَيْعِ. وَبُطْلَانُ الشَّرْطِ؛ لِأَنَّ الْقَوْلَيْنِ الْآخَرَيْنِ جَوَازُهُمَا، أَوْ بُطْلَانُهُمَا، وَالْمُرَادُ بِالْأَمَةِ: بَرِيرَةُ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ وَمَالِكٌ إلَى الثَّلَاثِ قَسَّمَهْ " أَنَّ مَالِكًا قَسَّمَ الشَّرْطَ فِي الْبَيْعِ إلَى الثَّلَاثَةِ الْأَقْسَامِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَالْأَلِفُ وَاللَّامُ فِي قَوْلِ الشَّيْخِ ابْنِ غَازِيٍّ " إلَى الثَّلَاثِ " لِلْعَهْدِ وَالْمَعْهُودُ، الْأَقْسَامُ الثَّلَاثَةُ الْمَذْكُورَةُ: قِسْمٌ يَصِحُّ فِيهِ الْبَيْعُ وَالشَّرْطُ مَعًا وَذَلِكَ إذَا كَانَ الشَّرْطُ حَلَالًا وَلَمْ يُؤَثِّرْ فِي الثَّمَنِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَقِسْمٌ يَبْطُلَانِ مَعًا وَذَلِكَ إذَا كَانَ الشَّرْطُ حَرَامًا، أَوْ حَلَالًا وَأَثَّرَ فِي الثَّمَنِ. وَقِسْمٌ يَصِحُّ فِيهِ الْبَيْعُ وَالشَّرْطُ وَذَلِكَ فِي الْوَجْهِ الثَّالِثِ، فَلَيْسَ مَوْضُوعُ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ عِنْدَ مَالِكٍ وَاحِدًا حَتَّى يَكُونَ خِلَافًا حَقِيقَةً، بَلْ مَوْضُوعُ كُلِّ قَوْلٍ خِلَافُ مَوْضُوعِ الْقَوْلِ الْآخَرِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَتَقَدَّمَ بَيَانُ مَوْضُوعِ كُلِّ قَوْلٍ مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ قَبْلَ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ هَذَا (فَرْعٌ) إذَا اشْتَرَطَ الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي أَنْ لَا يَبِيعَ وَلَا يَهَبَ وَلَا يُعْتِقَ حَتَّى يُعْطِيَ الثَّمَنَ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الرَّهْنِ إذَا كَانَ إعْطَاؤُهُ الثَّمَنَ لِأَجَلٍ مَعْلُومٍ نَقَلَهُ الْحَطَّابُ عَنْ ابْنِ أَبِي زَمَنِينَ (قُلْت) : وَلَعَلَّ هَذِهِ فِي الْأُصُولِ فَقَطْ، أَوْ فِيهَا وَفِي غَيْرِهَا إذَا وَضَعَ الْمَبِيعَ عِنْدَ أَمِينٍ عَلَى الْقَوْلَيْنِ الْآتِيَيْنِ فِي قَوْلِ النَّاظِمِ وَشَرْطُ إبْقَاءِ الْمَبِيعِ فِي الثَّمَنْ رَهْنًا الْبَيْتَيْنِ لِأَنَّ قَوْلَهُمْ هُنَا إنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الرَّهْنِ يَقْتَضِي أَنَّهُ تَحْتَ يَدِ الْبَائِعِ، وَإِلَّا فَلَا مَعْنَى لِكَوْنِهِ كَالرَّهْنِ. وَهُوَ تَحْتَ يَدِ الْمُشْتَرِي، وَإِذَا كَانَ تَحْتَ يَدِ الْبَائِعِ فَهِيَ الْمَسْأَلَةُ الْآتِيَةُ لِلنَّاظِمِ (فَرْعٌ) قَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي مَسَائِلِ الضَّرَرِ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ فِيمَنْ لَهُ دَارَانِ بَاعَ إحْدَاهُمَا، وَاشْتَرَطَ عَلَى الْمُشْتَرِي أَنْ لَا يَرْفَعَ عَلَى الْحَائِطِ الْفَاصِلِ بَيْنَ الدَّارَيْنِ شَيْئًا مَخَافَةَ أَنْ يُظْلِمَ عَلَيْهِ دَارِهِ وَيَمْنَعَ مِنْ دُخُولِ الشَّمْسِ فِيهَا فَالْتَزَمَهُ الْمُشْتَرِي أَنَّ الْبَيْعَ جَائِزٌ وَالشَّرْطَ لَازِمٌ. اهـ. وَجَمْعُ بَيْعٍ مَعَ شِرْكَةٍ وَمَعْ ... صَرْفٍ وَجُعْلٍ وَنِكَاحٍ امْتَنَعْ وَمَعْ مُسَاقَاةٍ وَمَعْ قِرَاضِ ... وَأَشْهَبُ الْجَوَازُ عَنْهُ مَاضِ يَعْنِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ عَلَى الْمَشْهُورِ. وَنَسَبَهُ الشَّارِحُ لِابْنِ الْقَاسِمِ أَنْ يَجْتَمِعَ الْبَيْعُ مَعَ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْعُقُودِ السِّتِّ الَّتِي أَوَّلُهَا الشَّرِكَةُ وَآخِرُهَا الْقِرَاضُ خِلَافًا لِأَشْهَبَ فَإِنَّهُ يَقُولُ بِجَوَازِ ذَلِكَ وَنَقَلَ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ الْقَرَافِيِّ مَنْعَ اجْتِمَاعِ الْبَيْعِ مَعَ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ السِّتِّ، وَبَقِيَ عَلَى النَّاظِمِ الْقَرْضُ، أَيْ السَّلَفُ فَلَا يَجْتَمِعُ مَعَ الْبَيْعِ وَكَمَا لَا يَجْتَمِعُ الْبَيْعُ مَعَ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ السَّبْعَةِ بِزِيَادَةِ الْقَرْضِ فَكَذَلِكَ

لَا يَجْتَمِعُ اثْنَانِ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ لِافْتِرَاقِ أَحْكَامِهَا هَكَذَا عِبَارَتُهُمْ، وَأَخْصَرُ مِنْ هَذَا أَنْ يُقَالَ ثَمَانِيَةُ عُقُودٍ لَا يَجْتَمِعُ اثْنَانِ مِنْهَا فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ. وَقَدْ قُلْت فِي ذَلِكَ تَبَعًا لِغَيْرِي فِي جُلِّ التَّعْبِيرِ مَا نَصُّهُ عُقُودٌ مَنَعْنَا اثْنَيْنِ مِنْهَا بِعُقْدَةٍ ... لِكَوْنِ مَعَانِيهَا مَعًا تَتَفَرَّقُ فَجُعْلٌ وَصَرْفٌ وَالْمُسَاقَاةُ شِرْكَةٌ ... نِكَاحٌ قِرَاضٌ قَرْضُ بَيْعٌ مُحَقَّقُ وَبَاءُ " بِعُقْدَةِ " ظَرْفِيَّةٌ وَ " قَرْضُ " بِغَيْرِ تَنْوِينٍ وَحُذِفَ الْعَاطِفُ لِلْوَزْنِ " وَمَعًا " بِمَعْنَى جَمِيعًا وَظَاهِرُ قَوْلِهِ وَأَشْهَبُ الْجَوَازُ عَنْهُ مَاضِ أَنَّ أَشْهَبَ يَقُولُ بِجَوَازِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْبَيْعِ وَكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْعُقُودِ السِّتِّ، وَاَلَّذِي فِي ابْنِ الْحَاجِبِ أَنَّهُ يَقُولَ بِجَوَازِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْبَيْعِ وَالصَّرْفِ وَلَفْظُهُ. وَالصَّرْفُ وَالْبَيْعُ مُمْتَنِعٌ خِلَافًا لِأَشْهَبَ، وَالتَّصْرِيحُ بِمَنْعِ جَمْعِ الْبَيْعِ مَعَ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْعُقُودِ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ هُوَ مِنْ زِيَادَةِ هَذَا النَّاظِمِ عَلَى مُخْتَصَرِ الشَّيْخِ خَلِيلٍ إلَّا مَنْعَ اجْتِمَاعِ الْإِجَارَةِ وَالْجُعْلِ، فَقَدْ صَرَّحَ بِهِ حَيْثُ قَالَ فِي بَابِ الْإِجَارَةِ كَمَعَ جُعْلٍ لَا بَيْعٍ، وَيَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ الْمَذْكُورِ هُنَا الْإِجَارَةُ وَالْكِرَاءُ؛ لِأَنَّهُمَا بَيْعُ مَنَافِعَ، فَكَمَا يَمْتَنِعُ اجْتِمَاعُ الْبَيْعِ مَعَ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْعُقُودِ السِّتِّ، كَذَلِكَ يَمْتَنِعُ اجْتِمَاعُ الْإِجَارَةِ وَالْكِرَاءِ مَعَ وَاحِدٍ مِنْهَا. وَيَجُوزُ الْبَيْعُ مَعَ الْإِجَارَةِ، أَوْ الْكِرَاءِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ، وَيَمْتَنِعُ اجْتِمَاعُ الْكِرَاءِ، أَوْ الْبَيْعِ مَعَ الْجُعْلِ مَثَلًا، أَمَّا مَنْعُ اجْتِمَاعِ الْإِجَارَةِ مَعَ الْجُعْلِ فَقَدْ تَقَدَّمَ قَرِيبًا فِي نَصِّ الشَّيْخِ خَلِيلٍ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَنَجَسٌ صَفْقَتُهُ مَحْظُورَهْ ... وَرَخَّصُوا فِي الزِّبْلِ لِلضَّرُورَةِ تَقَدَّمَ أَنَّ مِنْ شَرْطِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ طَاهِرًا فَلِذَلِكَ امْتَنَعَ بَيْعُ مَا هُوَ نَجَسٌ، كَالزِّبْلِ لَكِنَّهُمْ رَخَّصُوا فِي بَيْعِهِ لِلْحَاجَةِ إلَى الِانْتِفَاعِ بِهِ، نَقَلَ الشَّارِحُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَنْ الْمُقَرِّبِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَسَمِعْتُ مَالِكًا يَكْرَهُ بَيْعَ رَجِيعِ بَنِي آدَمَ وَلَمْ أَسْمَعْ مِنْهُ فِي الزِّبْلِ شَيْئًا وَلَا أَرَى بِهِ بَأْسًا. اهـ. (وَفِي النَّوَادِرِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ) وَلَا بَأْسَ بِأَكْلِ مَا زُبِلَ بِهِ، أَيْ بِرَجِيعِ بَنِي آدَمَ، وَبَلَغَنِي أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَرِهَهُ وَلَا أَرَى بِهِ بَأْسًا، قَالَ أَشْهَبُ: أَكْرَهُ بَيْعَ رَجِيعِ بَنِي آدَمَ إلَّا مَنْ اُضْطُرَّ إلَيْهِ، وَالْمُبْتَاعُ أَعْذَرُ فِي شِرَائِهِ مِنْ بَائِعِهِ (قَالَ الشَّارِحُ) أَقُولُ: مَسَاقُ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ يَقْتَضِي كَرَاهَتَهَا فَلِذَلِكَ عَبَّرَ الْمُتَأَخِّرُونَ عَنْهُمْ بِأَنَّهُمْ رَخَّصُوا فِي بَيْعِ الزِّبْلِ، وَتَبِعَهُمْ الشَّيْخُ اهـ. (قُلْت) وَمِمَّا تَدْعُو الضَّرُورَةُ إلَيْهِ مَعَ الِاتِّفَاقِ عَلَى نَجَاسَتِهِ الْمَاءُ الْمُتَغَيِّرُ بِالنَّجَاسَةِ كَالْمُجْتَمِعِ مِنْ الْمَرَاحِيضِ، وَقِيَاسُهُ عَلَى الزِّبْلِ فِي التَّرَخُّصِ فِي جَوَازِ بَيْعِهِ أَحْرَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) فِي بَيْعِ مَا ظَهَرَ مِنْ فَضَلَاتِ الْبَهَائِمِ، قَالَ فِي الْمُقَرِّبِ " قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَا بَأْسَ بِبَيْعِ بَعْرِ الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ وَأَخْثَاءِ الْبَقَرِ " وَعَلَى هَذَا يَجُوزُ بَيْعُ خُرْءِ الْحَمَامِ وَالدَّجَاجِ غَيْرِ الْمُخَلَّاةِ، وَفِي الْمُخَلَّاةِ نَظَرٌ، صَحَّ مِنْ الشَّارِحِ. وَ " الْمَحْظُورُ " بِالظَّاءِ الْمُشَالَةِ: الْمَمْنُوعُ، وَالتَّصْرِيحُ بِالتَّرْخِيصِ فِي بَيْعِ الزِّبْلِ مِنْ زِيَادَةِ هَذَا النَّاظِمِ عَلَى الْمُخْتَصَرِ.

فصل في بيع الأصول

[فَصْلٌ فِي بَيْعِ الْأُصُولِ] ِ الْبَيْعُ فِي الْأُصُولِ جَازَ مُطْلَقَا ... إلَّا بِشَرْطٍ فِي الْبُيُوعِ مُتَّقَى بِأَضْرُبِ الْأَثْمَانِ وَالْآجَالِ ... مِمَّنْ لَهُ تَصَرُّفٌ فِي الْمَالِ أَخْبَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ الْأُصُولِ، كَالدُّورِ، وَالْحَوَائِطِ، وَالْحَوَانِيتَ، وَالْأَرَاضِي، وَغَيْرِهَا، إلَّا أَنْ يَصْحَبَ بَيْعَهَا شَرْطٌ يُتَّقَى فِي الْبُيُوعِ لِكَوْنِهِ يُنَاقِضُ مَقْصُودَ الْمُشْتَرِي، أَوْ يُخِلُّ بِالثَّمَنِ فَيَفْسُدُ الْبَيْعُ إذْ ذَاكَ كَمَا تَقَدَّمَ، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِالْبَيْتِ الْأَوَّلِ، وَاسْتِثْنَاؤُهُ الشَّرْطَ الْمُتَّقَى فِي الْبَيْعِ يُغْنِي عَنْهُ مَا سَبَقَ وَلَعَلَّهُ خَافَ تَوَهُّمَ جَوَازِهِ بِالِانْدِرَاجِ فِي عُمُومِ قَوْلِهِ " جَازَ مُطْلَقًا " فَاسْتَثْنَاهُ لِذَلِكَ فَإِذَا خَلَا بَيْعُهَا عَنْ الشَّرْطِ الْمَمْنُوعِ فَهُوَ جَائِزٌ بِالْعَيْنِ، وَالْعَرْضِ، وَالطَّعَامِ، وَالرَّقِيقِ، وَالدَّوَابِّ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ الْأَثْمَانِ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الثَّمَنُ نَقْدًا وَإِلَى أَجَلٍ، أَيْ مَعْلُومٌ غَيْرُ بَعِيدٍ جِدًّا، وَإِلَى هَذَا التَّعْمِيمِ أَشَارَ بِالْبَيْتِ الثَّانِي فَهُوَ تَفْسِيرٌ لِلْإِطْلَاقِ الَّذِي فِي الْبَيْتِ الْأَوَّلِ، وَقَوْلُهُ " مِمَّنْ لَهُ تَصَرُّفٌ " يَتَعَلَّقُ بِالْبَيْعِ، أَيْ بَيْعُ الْأُصُولِ جَائِزٌ إذَا وَقَعَ وَصَدَرَ مِمَّنْ لَهُ التَّصَرُّفُ فِي الْمَالِ وَهُوَ الرَّشِيدُ، وَهُوَ تَصْرِيحٌ بِاشْتِرَاطِ الرُّشْدِ فِي الْبَائِعِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ مِنْ قَوْلِهِ " مِمَّنْ لَهُ تَصَرُّفٌ " بِمَعْنَى اللَّازِمِ، أَيْ يَجُوزُ بَيْعُ الْأُصُولِ لِمَنْ لَهُ التَّصَرُّفُ فَيَكُونُ نَصًّا فِي اشْتِرَاطِ الرُّشْدِ فِي الْمُشْتَرِي أَيْضًا. وَكُلٌّ مِنْ الِاحْتِمَالَيْنِ صَحِيحٌ، إذْ الرُّشْدُ شَرْطٌ فِي كُلٍّ مِنْ الْمُتَعَاوِضَيْنِ إلَّا أَنَّهُ شَرْطٌ فِي اللُّزُومِ لَا فِي الِانْعِقَادِ؛ لِأَنَّ الِانْعِقَادَ يَجُوزُ مِنْ الْمُمَيِّزِ وَلَوْ مَحْجُورًا، وَلَا يَلْزَمُ إلَّا مِنْ الرَّشِيدِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَذَلِكَ الشَّرْطُ لَا يَخْتَصُّ بِبَيْعِ الْأُصُولِ، بَلْ عَامٌّ فِي جَمِيعِ الْمَبِيعَاتِ. (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي آخِرِ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ جَامِعِ الْبُيُوعِ: الْبَلَدُ الَّذِي تَجُوزُ فِيهِ جَمِيعُ السِّكَكِ جَوَازًا وَاحِدًا لَا فَضْلَ لِبَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ لَيْسَ عَلَى مَنْ ابْتَاعَ فِيهِ شَيْئًا أَنْ يُبَيِّنَ بِأَيِّ سِكَّةٍ يَبْتَاعُ، وَيُجْبَرُ الْبَائِعُ عَلَى أَنْ يَأْخُذَ كُلَّ سِكَّةٍ أَعْطَاهُ كَمَا أَنَّ الْبَلَدَ إذَا كَانَتْ تَجْرِي فِيهِ سِكَّةٌ وَاحِدَةٌ فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُبَيِّنَ بِأَيِّ سِكَّةٍ يَبْتَاعُ، وَيُجْبَرُ عَلَى أَنْ يَقْبِضَ السِّكَّةَ الْجَارِيَةَ، وَأَمَّا الْبَلَدُ الَّذِي تَجْرِي فِيهِ جَمِيعُ السِّكَكِ، وَلَا تَجُوزُ فِيهِ بِجَوَازِ وَاحِدٍ لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ فِيهِ حَتَّى يُبَيِّنَ بِأَيِّ سِكَّةٍ يَبْتَاعُ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ كَانَ الْبَيْعُ فَاسِدًا. اهـ. (فَرْعٌ) سُئِلَ الْأُسْتَاذُ أَبُو سَعِيدِ بْنُ لُبٍّ عَمَّا يَكْثُرُ وُقُوعُهُ، وَهُوَ أَنْ يَتَسَامَحَ النَّاسُ فِي اقْتِضَاءِ الدَّرَاهِمِ النَّاقِصَةِ عَنْ الْوَازِنَةِ إلَى أَنْ تَصِيرَ الدَّرَاهِمُ كُلُّهَا نَقْصًا وَيَقَعُ التَّشَاحُّ بَعْدَ انْعِقَادِ الْبَيْعِ فِي زَمَنِ التَّسَامُحِ، وَوُقُوعُ الْقَبْضِ فِي وَقْتٍ آخَرَ يَكُونُ أُولُو الْأَمْرِ قَدْ أَلْزَمُوا النَّاسَ التَّعَامُلَ بِالْوَزْنِ. (فَأَجَابَ) بِأَنَّ الْعُقُودَ مَحْمَلُهَا عَلَى السِّكَّةِ الْوَازِنَةِ عَلَى أَصْلِهَا، وَعَلَى هَذَا جَرَى الْعُرْفُ فِي الْعُقُودِ، وَمَا يَجْرِي بَيْنَ النَّاسِ مِنْ الْمُسَامَحَةِ، كَالتَّعَامُلِ النَّاجِزِ عِنْدَ الِاقْتِضَاءِ لَا تَعْمُرُ بِهِ الذِّمَمُ، وَلَا يَجُوزُ الدُّخُولُ فِي الْعُقُودِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ، ثُمَّ قَالَ: وَاَلَّذِي يُوجِبُهُ النَّظَرُ الْفِقْهِيُّ فِي النَّازِلَةِ أَنْ يُنْظَرَ إلَى تَوَارِيخِ الْعُقُودِ فَمَا انْعَقَدَ مِنْهَا عَلَى الْمُسَامَحَةِ فِي وَقْتِ اخْتِلَاطِ الدَّرَاهِمِ فِي التَّعَامُلِ وَجَوَازِ النَّاقِصِ مَعَ الْوَازِنِ عَلَى حَدٍّ وَاحِدٍ فِي الْأَشْيَاءِ كُلِّهَا لِعَدَمِ تَعَلُّقِ الْأَغْرَاضِ بِالْوَازِنَةِ دُونَ النَّاقِصَةِ فَالْحُكْمُ فِيهَا بِالْوَازِنَةِ. وَإِنْ جَرَتْ النَّاقِصَةُ بَيْنَهُمْ عَلَى التَّجَاوُزِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ عَلَى الطَّوْعِ، فَأَمَّا مَا يُحْكَمُ بِهِ، وَمَا يُبْدِي الْحَالِفُ عَلَى الْقَضَاءِ فَبِالْوَازِنَةِ الَّتِي ضُرِبَتْ عَلَيْهَا سِكَّةُ ذَلِكَ الْبَلَدِ، قَالَهُ فِي الْوَاضِحَةِ وَوَجْهُهُ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ السِّكَّةَ الْمَوْجُودَةَ الْبَاقِيَةَ عَلَى ضَرْبِهَا هِيَ الْأَصْلُ فِي تَعَلُّقِ الْحُقُوقِ بِهَا دُونَ مَا دَخَلَهُ الْفَسَادُ مِنْهَا، إذْ التَّسَامُحُ فِي قَبْضِهِ مَعْرُوفٌ يَصْنَعُهُ الْقَابِضُ، وَلَا يَدْخُلُ بِالْحُقُوقِ فِي بَابِ التَّسَامُحِ وَالْمَعْرُوفِ مَعَ السُّكُوتِ عَنْهُ، وَمَا انْعَقَدَ عَلَى الْمُسَاكَنَةِ فِي آخِرِ تِلْكَ الْمُدَّةِ وَقْتَ أَنْ خَلَتْ وُجُوهُ التَّعَامُلِ مِنْ الدَّرَاهِمِ الْوَازِنَةِ كَمَا ذُكِرَ فِي السُّؤَالِ، فَالْوَاجِبُ فِيهِ الْآنَ الْحُكْمُ بِالدَّرَاهِمِ الْجَارِيَةِ فِي وَقْتِ التَّعَاقُدِ؛ لِأَنَّهَا هِيَ الَّتِي كَانَتْ حِينَئِذٍ مُتَعَلَّقُ الْأَغْرَاضِ وَمَنَاطُ الْأَحْكَامِ فَيَبْقَى الْأَمْرُ بَعْد ذَلِكَ كَمَا كَانَ قَائِمًا؛ لِأَنَّ النَّاسَ يَقْصِدُونَ إلَى مَا يَجِدُونَ وَيَعْقِدُونَ عَلَى مَا يَعْتَادُونَ، وَالْعَادَةُ فِي عُرْفِ الشَّرْعِ كَالشَّرْطِ. وَلَيْسَ هَذَا مِمَّا يَتَنَاوَلُهُ النَّصُّ الْمُتَقَدِّمُ؛ لِأَنَّهُ عِنْد وُجُودِ الْوَازِن مُخْتَلَطًا

بِالنَّاقِصِ فَلَمْ يُعَيِّنْ عُرْفُ التَّعَامُلِ أَحَدَهُمَا دُونَ الْآخَرِ بِخِلَافِ هَذَا الْوَجْهِ الَّذِي خَصَّ الْوُجُودُ فِيهِ الْوَصْفَ وَعَيَّنَ الْمَقْصُودَ اهـ. بِاخْتِصَارٍ (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ سَلْمُونٍ، وَإِنْ كَانَ فِي الْعَقْدِ أَنَّهُ قَبَضَهَا مُقَلَّبَةً، ثُمَّ أَتَى الْبَائِعُ بِدَرَاهِمَ رَدِيئَةٍ يَزْعُمُ أَنَّهَا مِنْ دَرَاهِمِ الْمُبْتَاعِ وَأَنْكَرَهَا فَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ. فَإِنْ سَقَطَ هَذَا الْفَصْلُ مِنْ الْعَقْدِ وَجَبَتْ الْيَمِينُ عَلَى الْمُبْتَاعِ أَنَّهُ مَا يَعْرِفُهَا مِنْ دَرَاهِمِهِ، وَلَهُ رَدُّ الْيَمِينِ، فَإِنْ رَدَّهَا حَلَفَ الْبَائِعُ عَلَى الْبَتِّ أَنَّهَا مِنْ دَرَاهِمِ الْمُبْتَاعِ، وَوَجَبَ لَهُ الْبَدَلُ. اهـ. وَفِي شَرْحِ الْمَوَّاقِ عِنْدَ قَوْلِهِ فِي الْبُيُوعِ، وَعَدَمِ دَفْعِ رَدِيءٍ، أَوْ نَاقِصٍ " مَنْ صَرَفَ دِينَارًا بِدَرَاهِمَ فَغَابَ عَلَيْهَا ثُمَّ رَدَّ مِنْهَا رَدِيئًا فَأَنْكَرَهُ الصَّرَّافُ فَمَا عَلَيْهِ إلَّا الْيَمِينُ أَنَّهُ لَمْ يُعْطِهِ إلَّا جِيَادًا فِي عِلْمِهِ، وَمَا يَعْلَمُهَا مِنْ دَرَاهِمِهِ، وَكَذَلِكَ مَنْ قَبَضَ طَعَامًا عَلَى تَصْدِيقِ الْكَيْلِ، ثُمَّ ادَّعَى نَقْصًا، أَوْ اقْتَضَى دَيْنًا، ثُمَّ أَخَذَ صُرَّةً صَدَّقَ الدَّافِعُ أَنَّ فِيهَا كَذَا، ثُمَّ وَجَدَهَا تَنْقُصُ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الدَّافِعِ. (فَرْعٌ) يَجُوزُ تَأْخِيرُ الثَّمَنِ إلَى مَا يَتَّفِقَانِ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَتَطَاوَلَ جِدًّا (قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ) قِيلَ لِمَالِكٍ: أَتَكْرَهُ أَنْ يَبِيعَ الرَّجُلُ إلَى عِشْرِينَ سَنَةً، قَالَ نَعَمْ، قِيلَ لَهُ: أَنَفْسَخُهُ؟ قَالَ لَا قَالَ، وَلَوْ كَانَ سَبْعِينَ أَوْ ثَمَانِينَ لَفَسَخْتُهُ، وَقَدْ قَالَ لِي مَالِكٌ فِي النِّكَاحِ إذَا وَقَعَ إلَى ثَلَاثِينَ سَنَةً جَازَ وَكَذَلِكَ الْبَيْعُ عِنْدِي، فَإِنْ أَقَامَ بَعْدَ الْبَيْعِ مُدَّةً طَوِيلَةً، ثُمَّ قَامَ يَطْلُبُهُ فَلَهُ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ لَوْ لَمْ يَقَعْ بَيْنَهُمَا إشْهَادٌ فَلَا تَبْطُلُ إلَّا بِتَطَاوُلِ الزَّمَانِ كَالثَّلَاثِينَ سَنَةً وَالْأَرْبَعِينَ، وَكَذَلِكَ الدُّيُونُ إنْ كَانَتْ مَعْرُوفَةَ الْأَصْلِ إذَا تَطَاوَلَ زَمَانُهَا هَكَذَا، وَمَنْ هِيَ عَلَيْهِ حَاضِرٌ فَلَا يَقُومُ بِدَيْنِهِ إلَّا بَعْدَ هَذَا مِنْ الزَّمَانِ فَيَقُولُ " قَضَيْتُكَ وَبَادَ شُهُودِي " مِنْ ابْنِ سَلْمُونٍ وَانْظُرْ الْحَطَّابَ فِي آخِرِ بَابِ الشَّهَادَاتِ قَبْلَ قَوْلِهِ " بَابُ إنْ أَتْلَفَ مُكَلَّفٌ. . . إلَخْ " وَجَائِزٌ أَنْ يُشْتَرَى الْهَوَاءُ ... لَأَنْ يُقَامَ مَعَهُ الْبِنَاءُ هُنَا مَسْأَلَتَانِ: إحْدَاهُمَا شِرَاءُ عَشْرَةِ أَذْرُعٍ مَثَلًا مِنْ هَوَاءٍ فَوْقَ سَقْفِ بَيْتٍ لَأَنْ يُقِيمَ مُشْتَرِيهِ فِي ذَلِكَ الْهَوَاءِ مَا أَحَبَّ إذَا كَانَ ذَلِكَ الْهَوَاءُ مُقَدَّرًا بِأَذْرُعٍ مَعْلُومَةٍ، وَوَصَفَ الْبِنَاءَ الَّذِي يَبْنِي عَلَيْهِ بِصِفَةٍ مَضْبُوطَةٍ. (الثَّانِيَةُ) شِرَاءُ عَشْرَةِ أَذْرُعٍ مَثَلًا مِنْ هَوَاءٍ فَوْقَ عَشْرَةِ أَذْرُعٍ مِنْ هَوَاءٍ إذَا وَصَفَ الْبِنَاءَ الْأَسْفَلَ وَالْأَعْلَى؛ لِأَنَّ مَتَانَةَ الْأَسْفَلِ مِمَّا يَرْغَبُ فِيهِ صَاحِبُ الْأَعْلَى، وَخِفَّةَ الْأَعْلَى مِمَّا يَرْغَبُ فِيهِ صَاحِبُ الْأَسْفَلِ. (قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ) يَجُوزُ بَيْعُ عَشْرَةِ أَذْرُعٍ فَصَاعِدًا مِنْ هَوَاءِ بَيْتٍ إنْ وَصَفَ مَا يَبْنِي فَوْقَ جِدَارِهِ، وَلَا بَأْسَ بِبَيْعِ عَشَرَةِ أَذْرُعٍ مِنْ هَوَاءٍ فَوْقَ عَشَرَةِ أَذْرُعٍ مِنْ هَوَاءٍ إذَا شَرَطَ بِنَاءً يَبْنِيهِ وَيَصِفُهُ لِيَبْنِيَ الْمُبْتَاعُ فَوْقَهُ. اهـ. مِنْ الْمَوَّاقِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ كَلَامَ النَّاظِمِ يَشْمَلُ الصُّورَتَيْنِ، فَإِنْ شَمِلَهُمَا فَالْأَوْلَى مِنْ زِيَادَةِ هَذَا النَّظْمِ عَلَى الْمُخْتَصَرِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إلَّا أَنْ يُقَالَ تُؤْخَذُ مِنْ بَابٍ أَحْرَى مِمَّا ذَكَرَ صَاحِبُ الْمُخْتَصَرِ فَلَا زِيَادَةَ. وَمَا عَلَى الْجُزَافِ وَالتَّكْسِيرِ ... يُبَاعُ مَفْسُوخٌ لَدَى الْجُمْهُورِ التَّكْسِيرُ: الْكَيْلُ وَالْكَلَامُ فِي الْأُصُولِ وَالْمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ تُبَاعَ أَرْضٌ بَعْضُهَا بِالْكَيْلِ وَبَعْضُهَا جُزَافًا، كَأَنْ يَشْتَرِيَ أَرْضًا مِائَةَ ذِرَاعٍ مِنْهَا بِكَذَا وَبَاقِيَهَا بِكَذَا، أَوْ اشْتَرَى أَرْضًا عَلَى كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَاشْتَرَى مَعَهَا شَجَرًا، أَوْ كَرْمًا، أَوْ دُورًا فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ، فَإِنْ وَقَعَ ذَلِكَ فُسِخَ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ وَفُهِمَ مِنْ نِسْبَةِ الْفَسْخِ لِلْجُمْهُورِ أَنَّ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مَنْ لَا يَفْسَخُهُ. (وَاعْلَمْ) أَنَّ مِنْ الْأَشْيَاءِ مَا الْأَصْلُ فِيهِ أَنْ يُبَاعَ كَيْلًا، كَالْحُبُوبِ، وَيَجُوزُ بَيْعُهُ جُزَافًا وَأَنَّ مِنْهَا مَا الْأَصْلُ فِيهِ أَنْ يُبَاعَ جُزَافًا، كَالْأَرْضِ، وَالثِّيَابِ وَيَجُوزُ بَيْعُهُ كَيْلًا، وَالضَّابِطُ لِمَا يَجُوزُ فِيهِ الْجَمْعُ بَيْنَ الْجُزَافِ وَالْمَكِيلِ فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ، وَمَا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ

إذَا جَاءَ كُلٌّ مِنْ الْمَبِيعِينَ عَلَى أَصْلِهِ جَازَ كَبَيْعِ جُزَافِ أَرْضٍ مَعَ مَكِيلِ حَبٍّ لِمَجِيءِ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى أَصْلِهِ، وَإِنْ خَرَجَا مَعًا عَنْ أَصْلِهِمَا، كَجُزَافِ حَبٍّ مَعَ مَكِيلِ أَرْضٍ، أَوْ خَرَجَ أَحَدُهُمَا فَقَطْ كَجُزَافِ أَرْضٍ مَعَ مَكِيلِ أَرْضٍ، أَوْ جُزَافِ حَبٍّ مَعَ مَكِيلِ حَبٍّ امْتَنَعَ لِمَجِيءِ مَكِيلِ الْأَرْضِ فِي الْأُولَى، وَجُزَافِ الْحَبِّ فِي الثَّانِيَةِ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ، وَإِلَى هَذِهِ الصُّوَرِ الْأَرْبَعِ أَشَارَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ بِقَوْلِهِ عَاطِفًا عَلَى مَا يَجُوزُ " وَجُزَافُ حَبٍّ مَعَ مَكِيلٍ مِنْهُ، أَوْ أَرْضٌ، وَجُزَافُ أَرْضٍ مَعَ مَكِيلٍ لَا مَعَ حَبٍّ ". (قَالَ الشَّيْخُ ابْنُ غَازِيٍّ) فِي شِفَاءِ الْعَلِيلِ بَعْدَ تَقْدِيرِ كَلَامِ الشَّيْخِ خَلِيلٍ، وَقَدْ ظَهَرَ لَكَ أَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ اشْتَمَلَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ: ثَلَاثَةٍ مَمْنُوعَةٍ، وَوَاحِدٍ جَائِزٍ، وَأَصْلُ هَذَا كُلِّهِ لِابْنِ رُشْدٍ فِي كِتَابِ الْغَرَرِ مِنْ الْمُقَدِّمَاتِ وَفِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَسَمَاعِ أَصْبَغَ مِنْ جَامِعِ الْبُيُوعِ. (تَنْبِيهٌ) مِنْ الْبَيِّنِ أَنَّ الْمَوْزُونَ، وَالْمَزْرُوعَ فِي هَذَا الْبَابِ فِي مَعْنَى الْكَيْلِ، وَقَدْ تَنَازَلَ لِذَلِكَ الشَّيْخُ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقَبَّابُ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ جَمَاعَةَ " لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ الرَّجُلُ قِرْبَةَ لَبَنٍ عَلَى أَنْ يَزِنَ زُبْدَهَا، وَإِنَّمَا يَشْتَرِي ذَلِكَ كُلَّهُ مِنْ غَيْرِ وَزْنٍ. اهـ. كَلَامُ ابْنِ غَازِيٍّ (تَنْبِيهَانِ. الْأَوَّل) قَالَ الْمَوَّاقُ: وَانْظُرْ مَسْأَلَةً تَعُمُّ بِهَا الْبَلْوَى وَهِيَ أَنَّ الْمَرْءَ يَشْتَرِي مِنْ الْعَطَّارِ وَزْنًا مَعْلُومًا مِنْ شَيْءٍ وَيَفْضُلُ لَهُ دِرْهَمٌ فَيَقُولُ لَهُ: أَعْطِنِي بِهِ أَبْزَارًا، وَالْأَبْزَارُ بِالدِّرْهَمِ يَكُونُ جُزَافًا فَهَذَا جَائِزٌ إذَا لَمْ يَدْخُلَا عَلَى ذَلِكَ فِي أَصْلِ الْعُقْدَةِ اهـ. (الثَّانِي) إنْ جَعَلْنَا مَا مِنْ قَوْلِ النَّاظِمِ " وَمَا عَلَى الْجُزَافِ " وَاقِعَةً عَلَى كُلِّ مَبِيعٍ أَصْلًا كَانَ، أَوْ غَيْرَهُ فَيُقَيَّدُ الْمَنْعُ بِمَا إذَا خَرَجَ الْمَبِيعَانِ مَعًا، أَوْ أَحَدُهُمَا عَنْ أَصْلِهِ، أَمَّا إنْ جَاءَ عَلَى أَصْلِهِ فَالْجَوَازُ كَمَا تَقَدَّمَ، وَإِنْ جَعَلْنَاهَا وَاقِعَةً عَلَى الْأُصُولِ فَقَطْ وَهُوَ ظَاهِرُ السِّيَاقِ فَلَا يُحْتَاجُ إلَى تَقْيِيدٍ؛ لِأَنَّ بَيْعَ الْأُصُولِ بَعْضَهُ جُزَافًا وَبَعْضَهُ مَكِيلًا مَمْنُوعٌ مُطْلَقًا لِخُرُوجِ الْمَكِيلِ عَنْ أَصْلِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَآبِرٌ مِنْ زَرْعٍ أَوْ مِنْ شَجَرِ ... لِبَائِعٍ إلَّا بِشَرْطِ الْمُشْتَرِي وَلَا يَسُوغُ بِاشْتِرَاطِ بَعْضِهِ ... وَإِنْ جَرَى فَلَا غِنًى عَنْ نَقْضِهِ وَغَيْرُ مَا أُبِرَ لِلْمُبْتَاعِ ... بِنَفْسِ عَقْدِهِ بِلَا نِزَاعِ وَلَا يَجُوزُ شَرْطُهُ لِلْبَائِعِ ... وَالْبَيْعُ مَفْسُوخٌ بِهِ فِي الْوَاقِعِ وَفِي الثِّمَارِ عَقْدُهَا الْإِبَارُ ... وَالزَّرْعِ أَنْ تُدْرِكَهُ الْأَبْصَارُ كَذَا قَلِيبُ الْأَرْضِ لِلْمُبْتَاعِ ... دُونَ اشْتِرَاطِهِ فِي الِابْتِيَاعِ

الْأَصْلُ فِي هَذَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ بَاعَ نَخْلًا قَدْ أُبِّرَتْ فَثَمَرُهَا لِلْبَائِعِ، إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهَا الْمُبْتَاعُ» فَمَنْ بَاعَ شَجَرًا فِيهَا ثِمَارٌ، أَوْ أَرْضًا فِيهَا زَرْعٌ، وَلَمْ يَنُصَّ عَلَى الثِّمَارِ وَلَا عَلَى الزَّرْعِ فَمَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ مَأْبُورًا فَهُوَ لِلْبَائِعِ، إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ كُلَّهُ. وَلَا يَجُوزُ لِلْمُشْتَرِي اشْتِرَاطُ بَعْضِ مَا أُبِرَ وَتَرْكِ مَا سِوَاهُ وَإِنْ وَقَعَ ذَلِكَ فَالْحُكْمُ فِيهِ أَنْ يُنْقَضَ، وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِالْبَيْتَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ. (قَالَ الْمُتَيْطِيُّ) : وَلَا يَجُوزُ عِنْدَ مَالِكٍ أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ نِصْفَ الزَّرْعِ، أَوْ نِصْفَ الثَّمَرَةِ إذَا كَانَ الْجَمِيعُ لِلْبَائِعٍ، فَإِنْ فَعَلَ فَسَدَتْ الصَّفْقَةُ، وَفُسِخَ الْبَيْعُ. (قَالَ الْمُتَيْطِيُّ) : وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ فِي اشْتِرَاطِ بَعْضِهِ قَاصِدٌ لِابْتِيَاعِ الزَّرْعِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ فِي الْجَمِيعِ. اهـ. وَمَا لَمْ يُؤْبَرْ مِنْهَا فَإِنَّهُ لِلْمُبْتَاعِ بِنَفْسِ الْعَقْدِ حَسْبَمَا أَحْكَمَتْهُ السُّنَّةُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ فِي الْحَدِيثِ «إنَّهَا تَكُونُ لِلْبَائِعِ إذَا أُبِرَتْ» ذَلِكَ دَلَّ عَلَى أَنَّهَا تَكُونُ لِلْمُبْتَاعِ إذَا لَمْ تُؤْبَرْ، وَلَا يَجُوزُ لِلْبَائِعِ أَنْ يَشْتَرِطَهَا لِنَفْسِهِ، فَإِنْ وَقَعَ فَالْحُكْمُ فِيهِ أَنْ يُفْسَخَ الْبَيْعُ، كَمَا لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَسْتَثْنِيَ جَنِينَ الْأَمَةِ الْحَامِلِ فِي الْبَيْعِ عِنْدَ مَالِكٍ وَجَمِيعِ أَصْحَابِهِ، وَعَلَى هَذَا نَبَّهَ بِقَوْلِهِ وَغَيْرُ مَا أُبِرَ لِلْمُبْتَاعِ الْبَيْتَيْنِ (قَالَ فِي الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ) وَالثَّمَرَةُ غَيْرُ الْمُؤَبَّرَةِ دَاخِلَةٌ فِي مِلْكِ الْمُبْتَاعِ بِوُقُوعِ الْبَيْعِ عَلَى الْأَصْلِ، وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ عِنْدَ اسْتِثْنَاءِ الْبَائِعِ لَهَا قَبْلَ الْإِبَارِ بَيْعُ الثَّمَرِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ. (قَالَ الشَّارِحُ) وَإِنَّمَا يَدْخُلُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَيْعُ الثَّمَرَةِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فِي كَوْنِ الْمُسْتَثْنَى مُشْتَرًى، وَهُوَ أَشْكَلُهُمَا لَا عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي مِنْ كَوْنِهِ مُبْقًى وَهُوَ الْأَظْهَرُ. (فَرْعٌ) قَالَ فِي الْعُتْبِيَّةِ " قَالَ مَالِكٌ: مَنْ بَاعَ نَخْلًا قَدْ أُبِرَ بَعْضُهَا، وَلَمْ يُؤَبَّرْ الْآخَرُ فَإِنَّهُ يَنْظُرُ إلَى الَّذِي هُوَ أَكْثَرُ وَيَجْعَلُ الْقَلِيلَ تَابِعًا لَهُ، إنْ كَانَ أَكْثَرَهَا فَالثَّمَرُ لِلْبَائِعِ، وَإِنْ كَانَ الَّذِي لَمْ يُؤْبَرْ أَكْثَرَهَا فَالثَّمَرُ لِلْمُبْتَاعِ. (قَالَ مَالِكٌ) : كُلُّ ثَمَرَةٍ لَمْ تُؤْبَرْ فَهِيَ كَذَلِكَ، وَحَدُّ الْإِبَارِ فِي الثِّمَارِ: عَقْدُهَا، وَفِي الزَّرْعِ: إدْرَاكُ الْأَبْصَارِ إيَّاهُ، وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِقَوْلِهِ: وَفِي الثِّمَارِ عَقْدُهَا الْإِبَارُ الْبَيْتُ (الْمُتَيْطِيُّ) شَرْحُ الْإِبَارِ هُوَ فِي النَّخْلِ: تَذْكِيرُهُ بَعْدَ تَلْقِيحِهِ، وَفِي سَائِرِ الشَّجَرِ الْعَقْدُ، وَثُبُوتُ مَا يَثْبُتُ مِنْهُ بَعْدَ سُقُوطِ مَا يَسْقُطُ، وَنَبَاتُ الزَّرْعِ هُوَ كَإِبَارِ النَّخْلِ فِي الْحُكْمِ، هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ وَبِهِ الْقَضَاءُ. (وَقَالَ ابْنُ هِشَامٍ فِي مُفِيدِهِ) : وَإِبَارُ الزَّرْعِ هُوَ: خُرُوجُهُ مِنْ الْأَرْضِ، وَإِبَارِ النَّخْلِ: التَّذْكِيرُ، وَإِبَارِ الْعِنَبِ وَالثَّمَرِ: الْعَقْدُ قَوْلُهُ كَذَا قَلِيبُ الْأَرْضِ لِلْمُبْتَاعِ لَمَّا ذَكَرَ أَنَّ الثِّمَارَ غَيْرَ الْمَأْبُورَةِ يَتَنَاوَلُهَا عَقْدُ الْبَيْعِ اسْتَطْرَدَ قَلِيبَ الْأَرْضِ وَذَكَرَ أَنَّ عَقْدَ الْبَيْعِ يَتَنَاوَلُهُ أَيْضًا. (قَالَ الشَّارِحُ فِي طُرَرِ ابْنِ عَاتٍ) " وَإِنْ كَانَ فِي الْمَبِيعِ أَرْضٌ مَقْلُوبَةٌ فَالْقَلِيبُ لِلْمُبْتَاعِ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْهُ الْمُبْتَاعُ " قَالَهُ حُدَيْسٌ وَغَيْرُهُ وَبِهِ الْفَتْوَى صَحَّ مِنْ وَثَائِقِ ابْنِ مُغِيثٍ (قَالَ الشَّارِحُ) أَلَمَّ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي هَذِهِ الْأَبْيَاتِ بِمَا يَتَنَاوَلُهُ مُسَمَّى الشَّيْءِ الْمَبِيعِ، وَمَا يَنْدَرِجُ فِي مُسَمَّاهُ، وَلَا يَخْلُو مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: الْأَوَّلِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الشَّيْءُ مُنْدَرِجًا فِي الْمَبِيعِ انْدِرَاجًا حِسِّيًّا، أَوْ مَعْنَوِيًّا بِحَيْثُ يَتَعَذَّرُ انْفِصَالُهُ مِنْهُ، أَوْ يَبْعُدُ كَالزَّرْعِ غَيْرِ الْمَأْبُورِ مَعَ الْأَرْضِ وَقَلِيبِهَا، وَكَالشَّجَرِ مَعًا وَالثِّمَارِ غَيْرِ الْمَأْبُورَةِ مَعَ الشَّجَرِ. ثُمَّ قَالَ فَهَذَا الْقِسْمُ مِمَّا يَدْخُلُ بِنَفْسِ الْبَيْعِ فَيَكُونُ لِلْمُبْتَاعِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ، انْتَهَى مَحَلُّ الْحَاجَةِ مِنْهُ فَانْظُرْ كَيْفَ جُعِلَ الْقَلِيبُ مِمَّا يَتَنَاوَلُهُ عَقْدُ الْبَيْعِ، وَالْمَسَائِلُ الَّتِي يُنْظَرُ فِيهَا هَلْ يَتَنَاوَلُهَا عَقْدُ الْبَيْعِ، أَوْ لَا؟ هِيَ مَا يُمْكِنُ انْفِكَاكُهُ وَانْفِصَالُهُ عَنْ الْبَيْعِ؛ إمَّا فِي الْحَالِ، كَالسَّلَمِ الْمُسَمَّى، أَوْ فِي الْمَآلِ كَالزَّرْعِ، وَالثِّمَارِ غَيْرِ الْمَأْبُورَيْنِ فَإِنَّهُمَا بَعْدَ الْإِبَارِ يُرِيدُ الْبَائِعُ أَنْ يَكُونَا لَهُ، وَأَنَّ عَقْدَ الْبَيْعِ لَا يَتَنَاوَلُهُمَا مَعًا، وَيُرِيدُ الْمُشْتَرِي أَخْذَهُمَا لِنَفْسِهِ لِدُخُولِهِمَا فِي مُسَمَّى الْبَيْعِ فَيَحْتَاجُ إلَى بَيَانِ مَا يَتَنَاوَلُهُ عَقْدُ الْبَيْعِ وَمَا لَا. أَمَّا قَلِيبُ الْأَرْضِ إنْ عَنَوْا بِهِ حَرْثَهَا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ فَهُوَ لِلْمُشْتَرِي عَلَى كُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا لَا يُمْكِنُ انْفِصَالُهُ حَالًا وَمَآلًا، حَتَّى يُمْكِنَ أَنْ يَدَّعِيَ الْبَائِعُ أَنَّهُ لَمْ يَتَنَاوَلْهُ الْبَيْعُ فَبَقِيَ وَإِنَّمَا هُوَ بِمَثَابَةِ مَنْ بَنَى فِي دَارِهِ، أَوْ صَلَّحَ فِيهَا، ثُمَّ بَاعَهَا أَيُقْبَلُ مِنْهُ أَنَّ ذَلِكَ الْإِصْلَاحَ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ لَمْ يَتَنَاوَلْهُ الْبَيْعُ عَلَى أَنَّ الْبِنَاءَ يُمْكِنُ قَلْعُهُ وَأَخْذُ أَنْقَاضِهِ وَلَا كَذَلِكَ الْقَلِيبُ؟ هَذَا مِمَّا أَشْكَلَ عَلَيَّ وَلَمْ أَفْهَمْ عَدَّهُ مِنْ الْأُمُورِ الَّتِي يُمْكِنُ أَنْ يَتَنَاوَلَهَا عَقْدُ الْبَيْعِ، وَأَنْ لَا اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُرِيدُوا بِالْقَلِيبِ الْبِئْرَ، فَلَا شَكَّ أَنَّ مِنْ اشْتَرَى أَرْضًا وَفِيهَا بِئْرٌ فَإِنَّهُ يُمْكِنُ لِلْبَائِعِ أَنْ يَقُولَ لَمْ يَتَنَاوَلْهَا عَقْدُ الْبَيْعِ فَأَخْبَرَ أَنَّهَا لِلْمُشْتَرِي، وَأَنَّ عَقْدَ الْبَيْعِ يَتَنَاوَلُهَا كَتَنَاوُلِ الْأَرْضِ لِلْأَشْجَارِ وَهَذَا ظَاهِرٌ وَرُبَّمَا رَشَّحَهُ التَّعْبِيرُ بِالْقَلِيبِ دُونَ الْقَلْبِ

وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ) جَمِيعُ مَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ الْأَبْيَاتُ السِّتُّ هُوَ مِنْ زِيَادَةِ هَذَا النَّظْمِ عَلَى الْمُخْتَصَرِ مَا عَدَا كَوْنِ الثِّمَارِ الْمَأْبُورَةِ لِلْبَائِعِ، وَغَيْرِ الْمَأْبُورَةِ لِلْمُشْتَرِي وَالْمَاءُ إنْ كَانَ يَزِيدُ وَيَقِلْ ... فَبَيْعُهُ لِجَهْلِهِ لَيْسَ يَحِلْ (قَالَ الشَّارِحُ) إنْ كَانَ الْمَاءُ يَزِيدُ أَحْيَانًا وَيَنْقُصُ أَحْيَانًا بِحَيْثُ لَا يَأْخُذُهُ الضَّبْطُ فَلَا يَحِلُّ بَيْعُهُ لِلْجَهْلِ بِهِ (فَفِي الْمُتَيْطِيَّةِ) ، وَإِنْ كَانَ هَذَا الشِّرْبُ يَقِلُّ مَاؤُهُ مَرَّةً وَيَكْثُرُ أُخْرَى وَلَا يُوقَفُ عَلَى الْحَقِيقَةِ مِنْهُ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ؛ لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ، وَبَيْعُ الْمَجْهُولِ غَرَرٌ، وَلَا يَجُوزُ. قَالَ وَأَخْذُ هَذَا الْقَوْلِ عَلَى إطْلَاقِهِ مِمَّا يُشْكِلُ مَعَهُ بَيْعُ شُرُوبِ مَوَاضِعَ سَمَّاهَا قَالَ؛ لِأَنَّهَا تَقِلُّ فِي السِّنِينَ الْجَدْبَةِ، وَتَكْثُرُ فِي السِّنِينَ الْمَطِرَةِ، وَالظَّاهِرُ جَوَازُ الْمُعَاوَضَةِ فِيهَا لِارْتِبَاطِهَا بِمَا أَجْرَى اللَّهُ مِنْ الْعَادَةِ فِيهَا، فَالْمُتَعَاقِدَانِ يَعْلَمَانِ ذَلِكَ وَيَدْخُلَانِ عَلَيْهِ فَهُوَ كَالْغَرَرِ الْمُغْتَفَرِ فِي بَيْعِ الْأُصُولِ، وَقَدْ لَا تَكُونُ لَهَا غَلَّةٌ فِي بَعْضِ السِّنِينَ وَالْأَوْلَى حَمْلُ الْبَيْتِ وَمَا اُسْتُظْهِرَ بِهِ عَلَيْهِ مِنْ النَّقْلِ عَلَى مَا جَهِلَ الْمُتَعَاقِدَانِ مُعَاقَلَتَهُ وَكَثْرَتَهُ، وَتَكُونُ مِنْ التَّلَوُّنِ بِحَيْثُ لَا يَأْخُذُهَا الضَّبْطُ، ثُمَّ اسْتَطْرَدَ الْكَلَامَ عَلَى جَوَازِ بَيْعِ الْمَاءِ لِمَنْ يَمْلِكُهُ قَالَ: وَأَمَّا مَنْ يَمْلِكُ مَنْفَعَتَهُ فَلَا يَجُوزُ لَهُ بَيْعُهُ، بَلْ يَسْقِي بِهِ، فَإِنْ اسْتَغْنَى عَنْهُ تَرَكَهُ لِغَيْرِهِ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِمَّا يَنْدَرِجُ فِي قَوْلِ الْمُخْتَصَرِ " وَجَهْلٌ بِمَثْمُونٍ "، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَشَرْطُ إبْقَاءِ الْمَبِيعِ فِي الثَّمَنْ ... رَهْنًا سِوَى الْأُصُولِ بِالْمَنْعِ اقْتَرَنْ وَقِيلَ بِالْجَوَازِ مَهْمَا اتَّفَقَا ... فِي وَضْعِهِ عِنْدَ أَمِينٍ مُطْلَقَا يَعْنِي أَنَّهُ يَمْتَنِعُ أَنْ يَشْتَرِطَ الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي أَنْ يَبْقَى الْمَبِيعُ تَحْتَ يَدِ الْبَائِعِ، أَوْ تَحْتَ يَدِ أَمِينٍ رَهْنًا فِي الثَّمَنِ إلَّا فِي الْأُصُولِ، فَإِنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ فِيهَا، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِالْبَيْتِ الْأَوَّلِ وَقِيلَ إنَّمَا يَمْتَنِعُ ذَلِكَ إذَا كَانَ عَلَى أَنْ يَبْقَى ذَلِكَ الْمَبِيعُ تَحْتَ يَدِ الْبَائِعِ، وَأَمَّا إنْ وَضَعَاهُ تَحْتَ يَدِ أَمِينٍ فَإِنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ مُطْلَقًا، أَيْ فِي الْأُصُولِ وَغَيْرِهَا، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِالْبَيْتِ الثَّانِي عَلَى أَنَّهُ لَا يُحْتَاجُ إلَى هَذَا الْإِطْلَاقِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي غَيْرِ الْأُصُولِ وَقَدْ تَلَخَّصَ مِنْ الْبَيْتَيْنِ أَنَّ اشْتِرَاطَ بَقَاءِ الْمَبِيعِ تَحْتَ يَدِ بَائِعِهِ رَهْنًا فِي الثَّمَنِ، إنْ كَانَ فِي الْأُصُولِ فَهُوَ جَائِزٌ. وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِهَا فَقَوْلَانِ: الْمَنْعُ وَظَاهِرُهُ الْإِطْلَاقُ كَانَ تَحْتَ يَدِ الْبَائِعِ، أَوْ الْأَمِينِ، وَالْجَوَازُ عِنْدَ أَمِينٍ، وَظَاهِرُ النُّقُولِ الْآتِيَةِ أَنَّ الْقَوْلَ بِالْمَنْعِ مَحَلُّهُ إذَا بَقِيَ الْمَبِيعُ تَحْتَ يَدِ بَائِعِهِ، وَأَمَّا إنْ وَضَعَاهُ عِنْدَ أَمِينٍ فَلَيْسَ إلَّا الْجَوَازُ، فَلَيْسَ إذَنْ إلَّا قَوْلٌ وَاحِدٌ بِالتَّفْصِيلِ: الْجَوَازُ إنْ وُضِعَ بِيَدِ أَمِينٍ، وَالْمَنْعُ إنْ وُضِعَ عِنْدَ الْبَائِعِ (قَالَ ابْنُ حَارِثٍ) فِي أُصُولِ الْفُتْيَا وَإِذَا اشْتَرَيْتَ شَيْئًا مِنْ الْأَشْيَاءِ بِثَمَنٍ إلَى أَجَلٍ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَشْتَرِطَ الْبَائِعُ حَبْسَهُ إلَى أَجَلٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّا يَجُوزُ أَنْ يُشْتَرَى عَلَى أَلَّا يُقْبَضَ إلَّا إلَى ذَلِكَ الْأَجَلِ، مِثْلُ الدَّارِ وَالْأَرْضِ يَشْتَرِطُ الْبَائِعُ سُكْنَاهَا إلَى أَجَلٍ، فَذَلِكَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهَا مَأْمُونَةٌ. وَإِنْ اشْتَرَطَ الْبَائِعُ أَنْ يَكُونَ عَلَى يَدِ عَدْلٍ جَازَ ذَلِكَ وَفِي ابْنِ سَلْمُونٍ، وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ لِلْبَائِعِ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَى الْمُشْتَرِي أَنْ تَبْقَى الدَّابَّةُ بِيَدِهِ رَهْنًا فِي الثَّمَنِ إلَى أَجَلِهِ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْحَيَوَانِ وَالْعُرُوضِ، وَالْبَيْعُ عَلَى ذَلِكَ مَفْسُوخٌ، وَرَوَى ذَلِكَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْحَيَوَانِ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُرُوضِ. (قَالَ ابْنُ رُشْدٍ) : وَذَلِكَ جَائِزٌ فِي الْأُصُولِ كُلِّهَا؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ تُبَاعَ عَلَى أَنْ تُقْبَضَ إلَى أَجَلٍ، فَإِنْ وُضِعَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ الَّتِي لَا يَجُوزُ ارْتِهَانُهَا عِنْدَ بَائِعِهَا عَلَى يَدَيْ عَدْلٍ كَانَ ذَلِكَ جَائِزًا اهـ. عَنْ نَقْلِ الشَّارِحِ، وَانْظُرْ

مَا ذُكِرَ هُنَا مَعَ مَا تَقَدَّمَ فِي آخِرِ الْكَلَامِ عَلَى الشُّرُوطِ فِي الْبَيْعِ مِنْ جَوَازِ مِثْلِ هَذَا وَجَائِزٌ فِي الدَّارِ أَنْ يُسْتَثْنَى ... سُكْنَى بِهَا كَسَنَةٍ أَوْ أَدْنَى يَعْنِي أَنَّهُ يَجُوزُ لِبَائِعِ الدَّارِ أَنْ يَسْتَثْنِيَ سُكْنَاهَا سَنَةً فَمَا دُونَهَا (قَالَ فِي الْمُقَرَّبِ) : قَالَ: مَالِكٌ وَمَنْ اشْتَرَى دَارًا عَلَى أَنَّ لِلْبَائِعِ سُكْنَاهَا الْأَشْهُرَ وَالسَّنَةَ، فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَكُرِهَ مَا تَبَاعَدَ مِنْ ذَلِكَ، وَفِي الْمُتَيْطِيَّةِ، وَلَا يَجُوزُ أَكْثَرُ مِنْ الْعَامِ لِمَا يُخَافُ مِنْ تَغَيُّرِهَا فَيَدْخُلُ الْغَرَرُ عَلَى الْمُبْتَاعِ إذْ لَا يَدْرِي حَالَهَا عِنْدَ رُجُوعِهَا إلَيْهِ هَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرِوَايَتُهُ اهـ. وَفِي مُخْتَصَرِ الشَّيْخِ خَلِيلٍ عَاطِفًا عَلَى الْحَائِزَاتِ وَبَيْعِ دَارٍ لِتُقْبَضَ بَعْدَ عَامٍ، وَفِي الْمَوَّاقِ وَفِي تَحْدِيدِ الْمُدَّةِ بِسَنَةٍ، أَوْ لَا سِتَّةُ أَقْوَالٍ. (فَرْعٌ) يَجُوزُ اسْتِثْنَاءُ السَّنَةِ فَمَا دُون، وَلَوْ كَانَ الثَّمَنُ مُؤَجَّلًا نَقَلَهُ الْمَوَّاقُ عَنْ سَمَاعِ يَحْيَى بْنِ الْقَاسِمِ، أَيْ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ مُعَيَّنٌ لَا تَحْمِلُهُ الذِّمَّةُ، فَلَيْسَ فِيهِ تَعْمِيرُ الذِّمَّتَيْنِ وَمُشْتَرِي الْأَصْلِ شِرَاؤُهُ الثَّمَرَ ... قَبْلَ الصَّلَاحِ جَائِزٌ فِيمَا اشْتَهَرَ وَالزَّرْعُ فِي ذَلِكَ مِثْلُ الشَّجَرِ ... وَلَا رُجُوعَ إنْ تُصَبْ لِلْمُشْتَرِي تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ: وَآبِرٌ مِنْ زَرْعٍ أَوْ مِنْ شَجَرِ لِبَائِعٍ أَنَّ مَنْ اشْتَرَى أَشْجَارًا فِيهَا ثِمَارٌ مَأْبُورَةٌ، أَوْ اشْتَرَى أَرْضًا فِيهَا زَرْعٌ قَدْ نَبَتَ فَإِنَّ الثَّمَرَةَ وَالزَّرْعَ لِلْبَائِعِ، وَذَكَرَ هُنَا أَنَّهُ يَجُوزُ لِمُشْتَرِي الشَّجَرِ وَالْأَرْضِ أَنْ يَشْتَرِيَ تِلْكَ الثِّمَارَ، وَذَلِكَ الزَّرْعَ وَإِنْ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُمَا، سَوَاءٌ اشْتَرَى الشَّجَرَ أَوْ الثَّمَرَ، أَوْ الْأَرْضَ وَالزَّرْعَ فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ فِي صَفْقَتَيْنِ الْأَشْجَارَ، ثُمَّ الثِّمَارَ وَالصُّورَةُ الثَّانِيَةُ: هِيَ ظَاهِرُ قَصْدِ النَّاظِمِ، وَالْأُولَى أَوْلَى بِالْجَوَازِ (قَالَ فِي الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ) : لَا بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِيَ الرَّجُلُ الْأَرْضَ فِي صَفْقَةٍ، ثُمَّ يَشْتَرِيَ الزَّرْعَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي صَفْقَةٍ أُخْرَى (وَفِي طُرَرِ ابْنِ عَاتٍ) ، وَحُكْمُ شِرَاءِ الزَّرْعِ بَعْدَ الْأَرْضِ حُكْمُ شِرَاءِ الثَّمَرَةِ بَعْدَ الْأَصْلِ تَدْخُلُ فِيهِ الْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ ذَكَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ اهـ. مِنْ الشَّارِحِ وَالْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ الْجَوَازُ وَالْمَنْعُ وَالْجَوَازُ إذَا كَانَ الشِّرَاءُ بِحَدَثَانِ الْعَقْدِ (وَفِي التَّوْضِيحِ) ، وَحَدُّ الْقُرْبِ فِي ذَلِكَ عِشْرُونَ يَوْمًا ا. هـ. وَاقْتَصَرَ النَّاظِمُ عَلَى الْجَوَازِ مُطْلَقًا بَعُدَ الشِّرَاءُ مِنْ الْعَقْدِ أَوْ قَرُبَ؛ لِأَنَّهُ الْمَشْهُورُ، وَيُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ: فِيمَا اشْتَهَرَ أَنَّ ثَمَّ مُقَابِلًا لِلْمَشْهُورِ، وَهُوَ كَذَلِكَ، كَمَا تَقَدَّمَ، وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ: وَلَا رُجُوعَ إنْ تُصَبْ لِلْمُشْتَرِي لِقَوْلِ الْمُتَيْطِيِّ فَإِنْ أُجِيحَتْ الثَّمَرَةُ الْمُشْتَرَطَةُ فِي أَصْلِ الْبَيْعِ، أَوْ الْمُلْحَقَةِ بِذَلِكَ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ، أَوْ بَعْدَهُ، فَلَا قِيَامَ لِلْمُبْتَاعِ بِهَا كَانَتْ الْجَائِحَةُ أَقَلَّ مِنْ ثُلُثِهَا، أَوْ أَتَتْ عَلَى جَمِيعِهَا اهـ. وَتُصَبْ مَعْنَاهُ تُجَاحُ وَلِلْمُشْتَرِي: خَبَرُ لَا وَنَائِبُ تُصَبْ يَعُودُ عَلَى الثَّمَرَةِ، وَفِي مَعْنَاهَا الزَّرْعُ وَجَوَابُ الشَّرْطِ مَحْذُوفٌ؛ لِدَلَالَةِ مَا تَقَدَّمَ عَلَيْهِ وَبَيْعُ مِلْكٍ غَابَ جَازَ بِالصِّفَهْ ... أَوْ رُؤْيَةٍ تَقَدَّمَتْ أَوْ مَعْرِفَهْ وَجَازَ شَرْطُ النَّقْدِ فِي الْمَشْهُورِ ... وَمُشْتَرٍ يَضْمَنُ لِلْجُمْهُورِ

الْمُلْكُ بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِهَا الشَّيْءُ الْمَمْلُوكُ، إلَّا أَنَّهُ لَا يُسْتَعْمَلُ بِالضَّمِّ إلَّا فِي مَوَاضِعِ الْكَثْرَةِ وَسَعَةِ السُّلْطَانِ، يُقَال: لِفُلَانٍ مُلْكٌ عَظِيمٌ، أَيْ مَمْلُوكٌ كَثِيرٌ قَالَهُ أَبُو الْبَقَاءِ فِي الْمُعَرَّبِ، وَيُقْرَأُ فِي الْبَيْتِ بِالْكَسْرِ وَالْمُرَادُ بِهِ الْأَصْلُ كَالدَّارِ وَغَيْرِهَا. وَغَيْبَةُ الْمَبِيعِ، إمَّا أَنْ تَكُونَ عَنْ مَجْلِسِ الْعَقْدِ، وَهُوَ حَاضِرٌ بِالْبَلَدِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ غَائِبًا عَنْ الْبَلَدِ، وَهَذَا إمَّا أَنْ تَكُونَ غَيْبَتُهُ بَعِيدَةً، أَوْ قَرِيبَةً، أَوْ مُتَوَسِّطَةً فَغَائِبُ الْمَجْلِسِ حَاضِرُ الْبَلَدِ فِيهِ قَوْلَانِ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ: جَوَازُ بَيْعِهِ عَلَى الصِّفَةِ ذَكَرَ ذَلِكَ فِيهَا فِي خَمْسَةِ مَوَاضِعَ وَمَذْهَبُ مَالِكٍ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ عَدَمُ جَوَازِهِ؛ لِأَنَّهُ عُدُولٌ عَنْ الْمُعَايَنَةِ إلَى خَبَرٍ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ وَقَصَرَ بَعْضُهُمْ الْأَوَّلَ فَقَالَ: إنَّ الضَّرُورَةَ قَدْ تَدْعُو إلَى مُبَادَرَةِ الْعَقْدِ خَوْفَ أَنْ يَبْدُوَ لَلْآخَرِ شَيْءٌ وَالْغَائِبُ الْبَعِيدُ جِدًّا، كَإِفْرِيقِيَّةَ مِنْ خُرَاسَانَ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ. وَيَجُوزُ بَيْعُ الْقَرِيبِ عَلَى الْمَشْهُورِ، كَاَلَّذِي عَلَى مَسَافَةِ يَوْمٍ خِلَافًا لِرِوَايَةِ ابْنِ شَعْبَانَ، وَيَجُوزُ بَيْعُ الْمُتَوَسِّطِ اتِّفَاقًا اهـ. مِنْ شَرْحِ الْقَلْشَانِيِّ عَلَى الرِّسَالَةِ وَمَعْنَى الْبَيْتَيْنِ أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ الْأَصْلِ الْغَائِبِ عَلَى الصِّفَةِ، أَوْ بِرُؤْيَةٍ مُتَقَدِّمَةٍ، أَوْ مَعْرِفَةٍ، وَيَجُوزُ فِيهِ اشْتِرَاطُ النَّقْدِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَضَمَانُهُ مِنْ الْمُشْتَرِي بِنَفْسِ الْعَقْدِ. (تَنْبِيهٌ) عُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ قَوْلَ النَّاظِمِ غَابَ شَامِلٌ لِلْغَائِبِ عَنْ مَجْلِسِ الْعَقْدِ وَلِلْغَائِبِ بِغَيْرِ الْبَلَدِ غَيْبَةً قَرِيبَةً، أَوْ مُتَوَسِّطَةً، وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ بِالصِّفَهْ أَنَّهُ إنَّمَا يَجُوزُ بَيْعُ الْغَائِبِ إذَا ضُبِطَ بِالصِّفَةِ الْحَاضِرَةِ، وَيُوصَفُ بِمَا تَخْتَلِفُ الْأَغْرَاضُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ الْمُعْتَبَرُ فِي السَّلَمِ الْمَقِيسِ هَذَا عَلَيْهِ قَالَهُ الْبَاجِيُّ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَصِفَهُ بَائِعُهُ، أَوْ غَيْرُهُ (الْمَوَّاقُ) عَنْ ابْنِ رَاشِدٍ وَقَوْلُ ابْنِ الْعَطَّارِ قِيلَ: إنَّ بَيْعَ الْغَائِبِ لَا يَجُوزُ بِصِفَةِ الْبَائِعِ غَيْرُ صَحِيحٍ إنَّمَا يَجُوزُ النَّقْدُ فِيهِ بِصِفَةِ الْبَائِعِ رَبْعًا كَانَ، أَوْ غَيْرَهُ اهـ. وَإِنَّمَا يُفْتَقَرُ لِلصِّفَةِ إذَا كَانَ الْبَيْعُ عَلَى الْبَتِّ، وَيَجُوزُ بَيْعُ الْغَائِبِ دُونَ تَقَدُّمِ رُؤْيَةٍ، وَلَا ذِكْرِ صِفَةٍ إذَا كَانَ عَلَى خِيَارِ الْمُشْتَرِي عِنْدَ رُؤْيَتِهِ هَذَا مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ، وَقَدْ تَلَخَّصَ مِنْ هَذَا أَنَّ بَيْعَ الْغَائِبِ إنْ كَانَ عَلَى الْبَتِّ وَاللُّزُومِ، فَلَا بُدَّ مِنْ الْوَصْفِ، أَوْ تَقَدُّمِ مَعْرِفَةٍ، أَوْ رُؤْيَةٍ، وَعَلَى هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ تَكَلَّمَ النَّاظِمُ، وَإِنْ كَانَ عَلَى خِيَارِ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الرُّؤْيَةِ، فَلَا يُشْتَرَطُ وَصْفٌ وَلَا رُؤْيَةٌ، فَهُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ، وَهَكَذَا فِي الْمُدَوَّنَةِ اُنْظُرْ الْقَلْشَانِيَّ، وَقَدْ أَصْلَحَ بَعْضُهُمْ قَوْلَ الشَّيْخِ خَلِيلٍ وَغَائِبٌ وَلَوْ بِلَا وَصْفٍ. . . إلَخْ بِقَوْلِهِ: وَغَائِبٌ عَلَى خِيَارِ رُؤْيَةٍ، وَلَوْ بِلَا وَصْفٍ وَرُؤْيَةٍ كَعَلَى اللُّزُومِ بِرُؤْيَةٍ لَا يَتَغَيَّرُ بَعْدَهَا غَالِبًا، أَوْ وَصْفٍ، وَلَوْ مِنْ بَائِعِهِ، وَلَمْ يَبْعُدْ كَخُرَاسَانَ مِنْ إفْرِيقِيَّةَ وَلَمْ تُمْكِنْ رُؤْيَتُهُ بِلَا مَشَقَّةٍ، وَلَوْ عَلَى يَوْمٍ، وَعَطْفُ الْمَعْرِفَةِ عَلَى الرُّؤْيَةِ فِي الْبَيْتِ مِنْ عَطْفِ عَامٍّ عَلَى خَاصٍّ. وَكَأَنَّهُ عَنَى بِالرُّؤْيَةِ مَرَّةً، أَوْ مَرَّتَيْنِ مَثَلًا وَبِالْمَعْرِفَةِ مَا هُوَ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا جَازَ اشْتِرَاطُ النَّقْدِ فِي بَيْعِ الْعَقَارِ الْغَائِبِ عَلَى الْمَشْهُورِ لِغَلَبَةِ السَّلَامَةِ (ابْنُ الْحَاجِبِ) ، وَالنَّقْدُ

فصل في بيع العروض من الثياب وسائر السلع

فِي الْغَائِبِ بِغَيْرِ شَرْطٍ جَائِزٌ، فَإِنْ شُرِطَ فِي الْعَقَارِ وَشِبْهِهِ جَازَ، وَإِنْ بَعُدَ خِلَافًا لِأَشْهَبَ (التَّوْضِيحُ) ، وَنَقَلَ الْبَاجِيُّ عَنْ أَشَهَبَ مَنْعَ اشْتِرَاطِ النَّقْدِ مَعَ الْبُعْدِ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُ النَّقْدِ عَلَى الْمَذْهَبِ إذَا لَمْ يَشْتَرِهَا عَلَى صِفَةِ صَاحِبِهَا، كَذَا رَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ، ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا الْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ إذَا بِيعَ الْعَقَارُ جُزَافًا، وَأَمَّا إذَا بِيعَ مُذَارَعَةً، فَلَا يَصِحُّ النَّقْدُ فِيهِ، وَضَمَانُهُ مِنْ بَائِعِهِ اهـ. فَمُقَابِلُ الْمَشْهُورِ فِي اشْتِرَاطِ النَّقْدِ هُوَ لِأَشْهَبَ فِي الْبَعِيدِ، وَأَمَّا كَوْنُ ضَمَانِ الْعَقَارِ مِنْ الْمُشْتَرِي، فَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: الَّذِي حَكَاهُ النَّاسُ أَنَّ مَالِكًا إنَّمَا قَالَ: أَوَّلًا الضَّمَانُ مِنْ الْمُشْتَرِي إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ عَلَى الْبَائِعِ، ثُمَّ رَجَعَ إلَى الْعَكْسِ أَنَّهُ مِنْ الْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ مِنْ الْمُشْتَرِي، وَهُوَ الَّذِي فِي الْمُدَوَّنَةِ، ثُمَّ هَلْ الْقَوْلَانِ فِي الرِّبَاعِ، أَوْ الرِّبَاعُ مِنْ الْمُشْتَرِي اتِّفَاقًا طَرِيقَانِ اهـ. (وَفِي الْمَوَّاقِ) عَنْ الْمُدَوَّنَةِ لَمْ يَخْتَلِفْ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الرَّبْعِ وَالدُّورِ وَالْأَرَضِينَ وَالْعَقَارِ أَنَّ ضَمَانَهَا مِنْ الْمُبْتَاعِ مِنْ يَوْمِ الْعَقْدِ، وَإِنَّ بَعُدَتْ اهـ. وَالْأَجْنَبِيُّ جَائِزٌ مِنْهُ الشِّرَا ... مُلْتَزِمَ الْعُهْدَةِ فِيمَا يُشْتَرَى مَنْ اشْتَرَى شَيْئًا، فَوَجَدَ بِهِ عَيْبًا، أَوْ اُسْتُحِقَّ مِنْ يَدِهِ، فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى الَّذِي بَاعَ لَهُ، سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الْبَائِعُ هُوَ الْمَالِكُ لِلشَّيْءِ الْمَبِيعِ، وَلَا إشْكَالَ، أَوْ كَانَ نَائِبًا وَوَكِيلًا عَنْ مَالِكِهِ، وَإِنَّمَا تَكُونُ عُهْدَتُهُ عَلَى الْوَكِيلِ إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ الْمُشْتَرِي، فَإِنْ عَلِمَ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الشِّرَاءِ أَنَّ مُتَوَلِّيَ الْبَيْعِ نَائِبٌ عَنْ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ يُخَيَّرُ بَيْنَ إمْضَاءِ الْبَيْعِ. وَتَكُونُ عُهْدَتُهُ عَلَى الْمَالِكِ وَرَدِّهِ؛ لِأَنَّ مِنْ حُجَّتِهِ أَنْ يَقُولَ إنَّمَا رَضِيتُ أَنْ تَكُونَ عُهْدَتِي عَلَيْك يَا مُتَوَلِّيَ الْبَيْعِ لِمُلَائِكَ وَلَا أَرْضَى أَنْ تَكُونَ عَلَى الْمَنُوبِ عَنْهُ لِعُسْرِهِ وَقِلَّةِ ذَاتِ يَدِهِ وَمَحَلُّ هَذَا التَّخْيِيرِ إذَا لَمْ يَرْضَ هَذَا الْوَكِيلُ بِكَوْنِ الْعُهْدَةِ عَلَيْهِ فَإِنْ الْتَزَمَ كَوْنَهَا عَلَيْهِ فَلَا حُجَّةَ لِلْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ عَلَى ذَلِكَ دَخَلَ، وَهَذَا مَقْصُودُ النَّاظِمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. فَالْمُرَادُ بِالْأَجْنَبِيِّ فِي الْبَيْتِ وَكِيلُ الْمَالِكِ لِلشَّيْءِ الْمَبِيعِ النَّائِبُ هُوَ عَنْهُ فَهُوَ بَائِعٌ وَسَمَّاهُ أَجْنَبِيًّا لِكَوْنِهِ غَيْرَ مَالِكٍ لِلشَّيْءِ الْمَبِيعِ، يَعْنِي أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَشْتَرِيَ الشَّيْءَ مِنْ النَّائِبِ عَنْ مَالِكِ ذَلِكَ الشَّيْءِ وَعَنْهُ عَبَّرَ بِالْأَجْنَبِيِّ، يَعْنِي وَتَكُونُ عُهْدَةُ الْعَيْبِ وَالِاسْتِحْقَاقُ عَلَى ذَلِكَ الْأَجْنَبِيِّ إذَا لَمْ يَعْلَمْ الْمُشْتَرِي بِكَوْنِهِ وَكِيلًا وَاعْتَقَدَ أَنَّهُ الْمَالِكُ لِلشَّيْءِ الْمَبِيعِ، فَإِنْ عَلِمَ الْمُشْتَرِي بِذَلِكَ بَعْدَ انْعِقَادِ الْبَيْعِ فَلَهُ الْخِيَارُ فِي رَدِّ الْبَيْعِ وَلَا إشْكَالَ وَفِي إمْضَائِهِ وَتَكُونُ الْعُهْدَةُ عَلَى الْمَالِكِ لَا عَلَى الْأَجْنَبِيِّ. وَمَحَلُّ هَذَا التَّخْيِيرِ إذَا لَمْ يَلْتَزِمْ الْوَكِيلُ الْعُهْدَةَ فَإِنْ الْتَزَمَهَا فَيَلْزَمُ الْبَيْعُ وَلَا كَلَامَ لِلْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ عَلَى ذَلِكَ دَخَلَ كَمَا تَقَدَّمَ، وَهَذَا مُرَادُ النَّاظِمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ " فَالْأَجْنَبِيُّ " فِي الْبَيْتِ مُبْتَدَأٌ " وَجَائِزٌ " خَبَرُهُ وَلَوْ قَالَ لَازِمٌ لَكَانَ أَبَيْنَ " وَالشِّرَا " فَاعِلٌ لِجَائِزٍ وَمِنْهُ يَتَعَلَّقُ بِالشِّرَاءِ وَضَمِيرُهُ لِلْأَجْنَبِيِّ " وَمُلْتَزِمَ " حَالٌ مِنْ الضَّمِيرِ الْمَجْرُورِ بِمِنْ. (قَالَ فِي التَّوْضِيحِ) آخِرَ الْكَلَامِ عَلَى الرَّدِّ بِالْعَيْبِ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ، وَإِذَا صَرَّحَ الْوَكِيلُ، أَوْ عَلِمَ فَالْعُهْدَةُ عَلَى الْمُوَكِّلِ مَا نَصُّهُ. فَرْعٌ، فَإِنْ عَلِمَ الْمُبْتَاعُ بَعْدَ الْبَيْعِ أَنَّ الْمَبِيعَ لِغَيْرِ الْمُتَوَلِّي فَخَيَّرَهُ مَالِكٌ، فِي الرَّدِّ، أَوْ التَّمَاسُكِ عَلَى أَنَّ عُهْدَتَهُ عَلَى الْآمِرِ إلَّا أَنْ يَرْضَى الرَّسُولُ أَنْ يَكْتُبَهَا عَلَى نَفْسِهِ، فَلَا حُجَّةَ لِلْمُشْتَرِي (ابْنُ الْمَوَّازِ) ، وَكَذَلِكَ إذَا ثَبَتَ أَنَّهُ لِغَيْرِهِ اهـ. وَإِنَّمَا قَيَّدَ ابْنُ الْمَوَّازِ الْمَسْأَلَةَ بِثُبُوتِ كَوْنِ الْمَبِيعِ لِغَيْرِ الْبَائِعِ؛ لِكَوْنِهِ إذَا لَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ، يُتَّهَمُ الْبَائِعُ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمَالِكَ لِلْمَبِيعِ لَكِنْ حَصَلَ لَهُ نَدَمٌ، فَادَّعَى أَنَّ الشَّيْءَ لِغَيْرِهِ لَعَلَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يَرْضَى، وَيَفْسَخُ الْبَيْعَ وَوَجَدَ الشَّارِحُ فِي مَعْنَى الْبَيْتِ وَجْهَيْنِ بِسَبَبِ احْتِمَالِ لَفْظِ الشِّرَاءِ لِمَعْنَاهُ الْمُتَبَادِرِ عُرْفًا، وَلِكَوْنِهِ بِمَعْنَى بَاعَ عَلَى حَدِّ {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ} [يوسف: 20] ، أَيْ بَاعُوهُ وَالْأَجْنَبِيُّ مُشْتَرٍ عَلَى الِاحْتِمَالَيْنِ عِنْدَهُ لَا بَائِعٌ، كَمَا قَرَّرْنَا، وَالْمَعْنَى عَلَى مَا قَالَ إنَّهُ يَجُوزُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَنُوبَ عَنْ غَيْرِهِ فِي الشِّرَاءِ، وَيَلْتَزِمَ لَهُ عُهْدَةَ الْعَيْبِ وَالِاسْتِحْقَاقِ، وَإِنَّهُ إنْ حَصَلَ أَحَدُهُمَا غَرِمَ لِلْمُشْتَرِي الثَّمَنَ، وَلَمْ يَدْعَمْ ذَلِكَ بِنَقْلٍ فَتَطْلُبَ نَصَّهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ [فَصْلٌ فِي بَيْعِ الْعُرُوضِ مِنْ الثِّيَابِ وَسَائِرِ السِّلَعِ] ِ بَيْعُ الْعُرُوضِ بِالْعُرُوضِ إنْ قُصِدْ ... تَعَاوُضٌ وَحُكْمُهُ بَعْدُ يَرِدْ الْعَرْضُ فِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ: هُوَ مَا عَدَا الْعَيْنِ وَالطَّعَامِ مِنْ الْأَشْيَاءِ كُلِّهَا وَأَخْبَرَ النَّاظِمُ فِي الْبَيْتِ

أَنَّ بَيْعَ الْعُرُوضِ بِالْعُرُوضِ وَيُسَمَّى فِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ مُعَاوَضَةً، وَفِي حُكْمِهِ تَفْصِيلٌ يَأْتِي فِي الْأَبْيَاتِ بَعْدَ هَذَا تَلِيه، فَبَيْعُ الْعُرُوضِ: مُبْتَدَأٌ وَمُضَافٌ إلَيْهِ، وَبِالْعُرُوضِ: يَتَعَلَّقُ بِبَيْعٍ، وَنَائِبُ " قُصِدَ " يَعُودُ عَلَى بَيْعٍ، وَتَعَاوُضٌ: خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مُضْمَرٍ، أَيْ هُوَ تَعَاوُضٌ، وَالْجُمْلَةُ جَوَابُ الشَّرْطِ الَّذِي هُوَ إنْ قُصِدَ، وَالشَّرْطُ وَجَوَابُهُ خَبَرُ بَيْعُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَيَأْتِي لِلنَّاظِمِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى بَعْدَ بَابِ الْقِسْمَةِ بَعْضُ مَسَائِلَ مِنْ بَابِ الْمُعَاوَضَةِ فَإِنْ يَكُنْ مَبِيعُهَا يَدًا بِيَدْ ... فَإِنَّ ذَاكَ جَائِزٌ كَيْفَ انْعَقَدْ وَإِنْ يَكُنْ مُؤَجَّلًا وَتَخْتَلِفْ ... أَجْنَاسُهُ فَمَا تَفَاضَلَ أُلِفْ وَالْجِنْسُ مِنْ ذَاكَ بِجِنْسٍ لِأَمَدْ ... مُمْتَنِعٌ فِيهِ تَفَاضُلٌ فَقَدْ إلَّا إذَا تَخْتَلِفُ الْمَنَافِعُ ... وَمَا لِبَيْعٍ قَبْلَ قَبْضٍ مَانِعُ وَبَيْعُ كُلٍّ جَائِزٌ بِالْمَالِ ... عَلَى الْحُلُولِ أَوَّلَ الْآجَالِ أَشَارَ بِالْأَبْيَاتِ الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ وَشَطْرِ الرَّابِعِ أَنَّ بَيْعَ الْعَرْضِ بِالْعَرْضِ يُتَصَوَّرُ فِيهِ ثَمَانِيَةُ أَوْجُهٍ. لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يُبَاعَ الْعَرْضَانِ يَدًا بِيَدٍ، أَوْ يَتَأَخَّرَ أَحَدُهُمَا، فَهَاتَانِ صُورَتَانِ، وَفِي كُلٍّ مِنْهُمَا إمَّا أَنْ يُبَاعَ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ مُتَمَاثِلًا، أَوْ مُتَفَاضِلًا، فَهَذِهِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ، وَفِي كُلٍّ مِنْ الْأَرْبَعَةِ إمَّا أَنْ يُبَاعَ بِجِنْسِهِ، أَوْ بِغَيْرِ جِنْسِهِ، وَمَعْنَى التَّفَاضُلِ فِي الْجِنْسَيْنِ الْمُخْتَلِفَيْنِ أَنْ يُبَاعَ وَاحِدٌ بِاثْنَيْنِ مَثَلًا كَثَوْبَيْنِ بِفَرَسٍ، فَأَشَارَ بِالْبَيْتِ الْأَوَّلِ إلَى أَرْبَعَةٍ مِنْهَا فَأَخْبَرَ أَنَّهُ إذَا بِيعَ الْعَرْضُ بِالْعَرْضِ يَدًا بِيَدٍ، فَإِنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ مُطْلَقًا، سَوَاءٌ بِيعَ الْجِنْسُ بِجِنْسِهِ مُتَمَاثِلًا، أَوْ مُتَفَاضِلًا، فَهَاتَانِ صُورَتَانِ، أَوْ بِيعَ الْجِنْسُ بِغَيْرِ جِنْسِهِ مُتَمَاثِلًا، أَيْ وَاحِدًا بِوَاحِدٍ، أَوْ مُتَفَاضِلًا، أَيْ وَاحِدًا بِاثْنَيْنِ مَثَلًا، فَهَاتَانِ صُورَتَانِ أُخْرَيَانِ، وَإِلَى هَذَا الْإِطْلَاقِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: " كَيْفَ انْعَقَدْ " وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ: " وَإِنْ يَكُنْ مُؤَجَّلًا " الْبَيْت إلَى مَفْهُومِ قَوْلِهِ: " يَدًا بِيَدْ "، وَأَخْبَرَ أَنَّهُ إذَا تَأَخَّرَ أَحَدُ الْعَرْضَيْنِ، وَاخْتَلَفَ الْجِنْسَانِ، فَلَا يُمْنَعُ التَّفَاضُلُ. وَأَحْرَى فِي الْجَوَازِ صُورَةُ التَّمَاثُلِ، وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا مِنْ اخْتِلَافِ الْجِنْسَيْنِ إذْ لَا مُوجِبَ لِلْمَنْعِ فِي ذَلِكَ، فَهَاتَانِ صُورَتَانِ، ثُمَّ أَشَارَ إلَى مَفْهُومِ قَوْلِهِ: " يَدًا بِيَدْ " وَإِلَى مَفْهُومِ قَوْلِهِ: " وَتَخْتَلِفُ أَجْنَاسُهُ " بِقَوْلِهِ: وَالْجِنْسُ مِنْ ذَاكَ بِجِنْسٍ لِأَمَدْ الْبَيْتَ فَأَخْبَرَ أَنَّ الْعَرْضَ إذَا بِيعَ بِعَرْضٍ وَهُمَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ وَتَأَخَّرَ أَحَدُهُمَا فَإِنَّهُ يُمْنَعُ فِيهِ التَّفَاضُلُ فَقَطْ دُونَ التَّمَاثُلِ فَلَا يُمْنَعُ، وَهَاتَانِ صُورَتَانِ أَيْضًا وَبِهِمَا كَمُلَتْ الثَّمَانِ، وَوَجْهُ الْمَنْعِ فِي التَّفَاضُلِ أَنَّهُ إذَا عُجِّلَ الْأَقَلُّ كَانَ سَلَفًا جَرَّ نَفْعًا؛ لِأَنَّ الْمُعَجِّلَ لِلْعَرْضِ الْقَلِيلِ مُسَلِّفٌ يَأْخُذُ عَنْهُ أَكْثَرَ مِنْهُ، وَإِنْ عَجَّلَ الْأَكْثَرَ كَانَ ضَمَانًا بِجُعْلٍ؛ لِأَنَّ مَنْ دَفَعَ كَثِيرًا ثُمَّ يَأْخُذُ أَقَلَّ تَرَكَ بَعْضَ مَا دَفَعَ فِي مُقَابَلَةِ بَقَاءِ ذَلِكَ فِي ضَمَانِ مُشْتَرِيه إلَى أَجَلٍ. وَوَجْهُ الْجَوَازِ فِي التَّمَاثُلِ أَنَّهُ سَلَفٌ مَحْضٌ وَلَمْ يَجُرَّ نَفْعًا لِمُسَلِّفِهِ لِكَوْنِهِ أَخَذَ مِثْلَ مَا أَعْطَى قَدْرًا وَجِنْسًا، ثُمَّ اسْتَثْنَى مِنْ مَنْعِ التَّفَاضُلِ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ مَا اخْتَلَفَتْ مَنَافِعُهُ فَقَالَ: إلَّا إذَا تَخْتَلِفُ الْمَنَافِعُ أَيْ فَإِنَّ اخْتِلَافَ الْمَنَافِعِ يُصَيِّرُ الْجِنْسَ الْوَاحِدَ كَالْجِنْسَيْنِ. وَالْجِنْسَانِ يَجُوزُ التَّفَاضُلُ بَيْنَهُمَا كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ: وَإِنْ يَكُنْ مُؤَجَّلًا وَتَخْتَلِفْ أَجْنَاسُهُ الْبَيْتَ وَقَدْ مَثَّلُوا لِمَا اخْتَلَفَتْ مَنَافِعُهُ مِنْ الْجِنْسِ الْوَاحِدِ فِي بَابِ السَّلَمِ بِالْحِمَارِ الْفَأْرَةِ أَيْ السَّرِيعِ السَّيْرِ يُدْفَعُ فِي اثْنَيْنِ لَيْسَا كَذَلِكَ، وَبِالْفَرَسِ الْجَوَادِ أَيْ السَّابِقِ يُدْفَعُ فِي اثْنَيْنِ مِنْ حَوَاشِي الْخَيْلِ، وَكَذَلِكَ كَبِيرٌ فِي صَغِيرٍ وَصَغِيرٌ فِي كَبِيرٍ عَلَى الْأَصَحِّ. قَالَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ (التَّوْضِيحُ) يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ الْجِنْسَ فَيَصْدُقُ عَلَى كَبِيرٍ فِي صَغِيرٍ وَعَكْسِهِ، وَعَلَى كَبِيرَيْنِ فِي صَغِيرَيْنِ وَعَكْسِهِ، وَعَلَى كَبِيرٍ فِي صَغِيرَيْنِ وَعَكْسِهِ وَعَلَى صَغِيرٍ فِي كَبِيرَيْنِ وَعَكْسِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ الْوَاحِدَ وَيَكُونَ التَّعَدُّدُ مَأْخُوذًا مِنْهُ مِنْ بَابِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ كُلَّ مَنْ أَجَازَ مَعَ الْوَاحِدَةِ أَجَازَ مَعَ التَّعَدُّدِ وَالْأَصَحُّ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ اهـ. وَقَالَ قَبْلَ هَذَا وَضَابِطُ هَذَا أَنَّ اخْتِلَافَ الْمَنْفَعَةِ يُصَيِّرُ الْجِنْسَ الْوَاحِدَ جِنْسَيْنِ اهـ. وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ: وَمَا لِبَيْعٍ قَبْلَ قَبْضٍ مَانِعُ إلَى أَنَّهُ يَجُوزُ فِي الْعُرُوضِ كُلِّهَا بَيْعُهَا قَبْلَ قَبْضِهَا وَلَيْسَتْ كَالطَّعَامِ الَّذِي لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ، وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ: وَبَيْعُ كُلٍّ جَائِزٌ بِالْمَالِ

الْبَيْتَ إلَى أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ الْعُرُوضِ كُلِّهَا بِالْعَيْنِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَذَلِكَ الَّذِي يَعْنِي بِالْمَالِ وَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الْعَيْنُ حَالًّا، أَوْ مُؤَجَّلًا، إذْ لَا مَحْذُورَ فِي بَيْعِ الْعَرْضِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَلَا فِي بَيْعِهِ بِالْعَيْنِ حَالًّا، أَوْ إلَى أَجَلٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَمَنْ يُقَلِّبْ مَا يُفِيتُ شَكْلَهُ ... لَمْ يَضْمَنْ إلَّا حَيْثُ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ يَعْنِي أَنَّ مَنْ أَخَذَ آنِيَةَ فَخَارٍ، أَوْ زُجَاجًا لِيُقَلِّبَهَا وَيَتَأَمَّلَهَا فَسَقَطَتْ مِنْ يَدِهِ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيطٍ وَلَا عَمْدٍ فَانْكَسَرَتْ فَإِنَّهُ إنْ أَذِنَ لَهُ صَاحِبُهَا فِي التَّقْلِيبِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيهَا، وَإِنْ أَخَذَهَا مِنْ غَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهَا ضَمِنَهَا، فَإِنْ وَقَعَتْ مِنْ يَدِهِ عَلَى آنِيَةٍ أُخْرَى فَانْكَسَرَتْ السُّفْلَى أَيْضًا فَإِنَّهُ يَضْمَنُهَا لَا مَحَالَةَ أَذِنَ لَهُ فِي تَقْلِيبِ الْأُولَى أَوْ لَمْ يَأْذَنْ، فَقَوْلُهُ: " يُفِيتُ " هُوَ بِضَمِّ الْيَاءِ مُضَارِعُ أَفَاتَ وَفَاعِلُهُ ضَمِيرُ التَّقْلِيبِ " وَشَكْلَهُ " مَفْعُولُهُ وَمَعْنَى إفَاتَتِهِ: اسْتِهْلَاكُهُ وَإِعْدَامُهُ، فَفِي سَمَاعِ سَحْنُونٍ. وَسَأَلْت ابْنَ الْقَاسِمِ عَنْ رَجُلٍ يَأْتِي إلَى الزَّجَّاجِ، أَوْ الْقَلَّالِ، أَوْ الْعَطَّارِ يَسْتَقْرِضُ مِنْهُ قَارُورَةً، أَوْ قُلَّةً، أَوْ قَدَحًا لِيَنْظُرَ إلَى ذَلِكَ فَيَقَعُ ذَلِكَ مِنْهُ فَيَنْكَسِرُ وَيَنْكَسِرُ مَا تَحْتَهُ مِنْ الزُّجَاجِ، أَوْ الْقِلَالِ قَالَ: لَا أَرَى عَلَيْهِ ضَمَانَ مَا نَاوَلَهُ، وَيَضْمَنُ مَا انْكَسَرَ تَحْتَهُ، قُلْت: فَإِنْ تَنَاوَلَ ذَلِكَ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَجَعَلَ يُسَاوِمُهُ وَلَمْ يُنَاوِلْهُ صَاحِبُ الْمَتَاعِ فَيَقَعُ مِنْهُ فَيَنْكَسِرُ؟ قَالَ: هُوَ ضَامِنٌ لِمَا أَخَذَ وَلِمَا انْكَسَرَ أَسْفَلَهُ. قَالَ الْعُتْبِيُّ رَوَاهَا عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَزَادَ فِيهَا: وَكَذَلِكَ السَّيْفُ يَتَنَاوَلُهُ فَيَهُزُّهُ فَيَنْكَسِرُ، أَوْ الدَّابَّةُ يَرْكَبُهَا لِيَسْتَخْبِرَهَا فَتَمُوتُ تَحْتَهُ، أَوْ الْفَرَسُ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ أَنَّهُ إنْ أَخَذَ ذَلِكَ مِنْهُ كَانَ ضَامِنًا، وَإِنْ كَانَ ضَامِنًا بِإِذْنِهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ. رَوَاهَا أَيْضًا أَصْبَغُ وَزَادَ فِيهَا: وَكَذَلِكَ قُلَلُ الْخَلِّ يَرْفَعُهَا لِيَرُوزَهَا لِيَعْرِفَ قَدْرَهَا وَمَلَاهَا فَتَنْكَسِرُ. قَالَ أَصْبَغُ هَذَا عِنْدِي فِي الْقَوَارِيرِ وَالْأَقْدَاحِ مَا لَمْ يُعَنِّفْ وَيَأْخُذْهُ بِغَيْرِ مَأْخَذِهِ مِثْلَ أَنْ يُعَلِّقَ الْقُلَّةَ الْكَبِيرَةَ بِأُذُنِهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ وُجُوهِ الْعُنْفِ فَيَضْمَنُ بِهِ (قَالَ أَصْبَغُ) وَإِذَا رَآهُ وَعَلِمَ بِهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ اهـ. عَلَى نَقْلِ الشَّارِحِ. (فَرْعٌ) فَإِنْ رَفَعَ الْقَارُورَةَ وَصَاحِبُهَا سَاكِتٌ يُنْظَرُ لَمْ يَأْمُرْهُ وَلَمْ يَنْهَهُ فَانْكَسَرَتْ فَفِي ضَمَانِهِ قَوْلَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّ السُّكُوتَ عَلَى الشَّيْءِ إذْنٌ فِيهِ فَلَا ضَمَانَ، أَوْ لَيْسَ إذْنًا فَيَضْمَنُ (فَرْعٌ) فَإِنْ ادَّعَى رَبُّ الْقَارُورَةِ حَيْثُ أَذِنَ لَهُ فِي التَّقْلِيبِ أَنَّهُ تَعَمَّدَ طَرْحَهَا أَوْ فَرَّطَ حَتَّى سَقَطَتْ فَعَلَيْهِ الْيَمِينُ، (قَالَ الشَّارِحُ) : وَذَلِكَ جَارٍ عَلَى قَاعِدَةِ التَّدَاعِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَالْبَيْعُ جَائِزٌ عَلَى أَنْ يُنْتَقَدْ ... فِي مَوْضِعٍ آخَرَ إنْ حُدَّ الْأَمَدْ يَعْنِي أَنَّهُ يَجُوزُ الْبَيْعُ عَلَى أَنْ يَنْتَقِدَ الْبَائِعُ الثَّمَنَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ غَيْرِ الْمَوْضِعِ الَّذِي فِيهِ الْبَيْعُ إذَا جَعَلَا لِذَلِكَ أَجَلًا مَعْلُومًا لِئَلَّا يَصِيرَ الْبَيْعُ إلَى أَجَلٍ مَجْهُولٍ. (قَالَ فِي التَّهْذِيبِ:) وَمَنْ بَاعَ سِلْعَةً بِعَيْنٍ عَلَى أَنْ يَأْخُذَهُ فِي بَلَدٍ آخَرَ فَإِنْ سَمَّيَا الْبَلَدَ وَلَمْ يَضْرِبَا لِذَلِكَ أَجَلًا لَمْ يَجُزْ، وَإِنْ ضَرَبَا لِذَلِكَ أَجَلًا جَازَ، سَمَّيَا الْبَلَدَ، أَوْ لَمْ يُسَمِّيَاهُ اهـ. " وَيُنْتَقَدُ " بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ وَنَائِبُهُ يَعُودُ عَلَى الثَّمَنِ الْمَدْلُولِ عَلَيْهِ بِالْبَيْعِ. وَبَيْعُ مَا يُجْهَلُ ذَاتًا بِالرِّضَا ... بِالثَّمَنِ الْبَخْسِ أَوْ الْغَالِي مَضَى وَمَا يُبَاعُ أَنَّهُ يَاقُوتَهْ ... أَوْ أَنَّهُ زُجَاجَةٌ مَنْحُوتَهْ وَيَظْهَرُ الْعَكْسُ فَكُلٌّ مِنْهُمَا ... جَازَ بِهِ قِيَامُ مَنْ تَظَلَّمَا يَعْنِي أَنَّ بَيْعَ الشَّيْءِ الَّذِي يَجْهَلُ الْمُتَبَايِعَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا ذَاتَه وَحَقِيقَتَهُ مَاضٍ لَا يُرَدُّ، سَوَاءٌ بِيعَ بِثَمَنٍ بَخْسٍ، أَوْ بِثَمَنٍ غَالٍ وَلَكِنَّ هَذَا إذَا سَمَّى الْمَبِيعَ بِاسْمِهِ كَقَوْلِهِ: مَنْ يَشْتَرِي مِنِّي هَذَا الْحَجَرَ؟ فَبَاعَهُ بِثَمَنٍ يَسِيرٍ فَظَهَرَ أَنَّهُ يَاقُوتَةٌ فَالْبَيْعُ لَازِمٌ، إذْ لَوْ شَاءَ تَثَبَّتَ قَبْلَ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الْيَاقُوتَ يُسَمَّى حَجَرًا، وَسَوَاءٌ عَلِمَ الْمُبْتَاعُ حِينَ اشْتَرَى أَنَّهُ يَاقُوتٌ، أَوْ لَمْ يَعْلَمْ، وَكَذَلِكَ لَوْ ظَنّ الْمُبْتَاعُ أَنَّهُ يَاقُوتٌ فَرَفَعَ فِي ثَمَنِهِ فَأَخْطَأَ ظَنُّهُ فَلَا رَدَّ لَهُ،

فصل في بيع الطعام

وَإِلَى هَذَا الْوَجْهِ أَشَارَ بِالْبَيْتِ الْأَوَّلِ. وَأَمَّا إذَا سُمِّيَ بِغَيْرِ اسْمِهِ فَإِنَّ لِمَنْ تَظَلَّمَ الْقِيَامُ فِي ذَلِكَ كَمَا لَوْ قَالَ الْبَائِعُ: مَنْ يَشْتَرِي مِنِّي هَذِهِ الزُّجَاجَةَ؟ فَبَاعَهَا ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ يَاقُوتَةٌ فَلِلْبَائِعِ رَدُّ الْبَيْعِ، جَهِلَهُ الْمُبْتَاعُ، أَوْ عَلِمَهُ، كَمَا لَوْ سَمَّى يَاقُوتًا فَأَلْفَى زُجَاجًا فَلِلْمُشْتَرِي رَدُّ الْبَيْعِ، وَإِلَى هَذَا الْوَجْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: وَمَا يُبَاعُ أَنَّهُ يَاقُوتَهْ إلَخْ وَإِلَى هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ أَشَارَ الشَّيْخُ بِقَوْلِهِ: وَلَمْ يُرَدَّ بِغَلَطٍ إنْ سُمِّيَ بِاسْمِهِ. فَأَشَارَ إلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ: إنْ سُمِّيَ بِاسْمِهِ. وَإِلَى الثَّانِي بِمَفْهُومِ الشَّرْطِ، وَإِنَّهُ إنْ سُمِّيَ بِغَيْرِ اسْمِهِ يُرَدُّ الْبَيْعُ (الْمَوَّاقُ) قَالَ مَالِكٌ مَنْ بَاعَ قَمِيصًا، ثُمَّ قَالَ مُشْتَرِيهِ: هُوَ خَزٌّ. فَقَالَ الْبَائِعُ: مَا عَلِمْتُ أَنَّهُ خَزٌّ لَوْ عَلِمْتُهُ مَا بِعْتُهُ بِهَذَا الثَّمَنِ: هُوَ لِلْمُشْتَرِي لَا شَيْءَ لِلْبَائِعِ عَلَيْهِ، وَلَوْ شَاءَ تَثَبَّتَ قَبْلَ بَيْعِهِ، وَكَذَا مَنْ بَاعَ حَجَرًا بِثَمَنٍ يَسِيرٍ ثُمَّ هُوَ يَاقُوتَةٌ تَبْلُغُ مَالًا كَثِيرًا، أَيْ فَهِيَ لِلْمُشْتَرِي وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يُرَدُّ هَذَا الْبَيْعُ. ابْنُ رُشْدٍ. هَذَا الْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ إذَا سُمِّيَ الشَّيْءُ بِاسْمٍ يَصْلُحُ لَهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَأَمَّا إذَا سَمَّى أَحَدُهُمَا الشَّيْءَ بِغَيْرِ اسْمِهِ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ الْبَائِعَ: " أَبِيعُكَ هَذِهِ الْيَاقُوتَةَ " فَتُوجَدُ غَيْرَ يَاقُوتَةٍ، أَوْ يَقُولُ: " أَبِيعُكَ هَذِهِ الزُّجَاجَةَ " ثُمَّ يَعْلَمُ الْبَائِعُ أَنَّهَا يَاقُوتَةٌ فَلَا خِلَافَ أَنَّ الشِّرَاءَ لَا يَلْزَمُ الْمُشْتَرِي وَأَنَّ الْبَيْعَ لَا يَلْزَمُ الْبَائِعَ اُنْظُرْهُ آخِرَ بُيُوعِ الْقَبَّابِ اهـ. (وَاعْلَمْ) أَنَّ الْغَبْنَ فِي الْبَيْعِ إذَا كَانَ بِسَبَبِ الْجَهْلِ بِحَقِيقَةِ الْمَبِيعِ فَهَذَا حُكْمُهُ، وَإِنْ كَانَ بِسَبَبِ الْجَهْلِ بِالْقِيمَةِ فَقَطْ مَعَ مَعْرِفَةِ حَقِيقَةِ الشَّيْءِ الْمَبِيعِ فَهُوَ الَّذِي يَأْتِي لِلنَّاظِمِ فِي فَصْلِ الْغَبْنِ حَيْثُ قَالَ: وَمَنْ بِغَبْنٍ فِي مَبِيعٍ قَامَا الْأَبْيَاتُ الثَّلَاثَةُ (الْمَوَّاقُ) وَدَعْوَى جَهْلِ الْبَيْعِ رَاجِعٌ لِدَعْوَى الْفَسَادِ وَجَعْلُ الْمُتَيْطِيِّ وَغَيْرِهِ ذَلِكَ مِنْ دَعْوَى الْغَبْنِ لَيْسَ كَذَلِكَ اهـ. [فَصْلٌ فِي بَيْعِ الطَّعَامِ] ِ الْبَيْعُ لِلطَّعَامِ بِالطَّعَامِ ... دُونَ تَنَاجُزٍ مِنْ الْحَرَامِ وَالْبَيْعُ لِلصِّنْفِ بِصِنْفِهِ وَرَدْ ... مِثْلًا بِمِثْلٍ مُقْتَضًى يَدًا بِيَدْ وَالْبَيْعُ لِلطَّعَامِ قَبْلَ الْقَبْضِ ... مُمْتَنِعٌ مَا لَمْ يَكُنْ مِنْ قَرْضِ وَالْجِنْسُ بِالْجِنْسِ تَفَاضُلًا مُنِعْ ... حَيْثُ اقْتِيَاتٌ وَادِّخَارٌ يَجْتَمِعْ وَغَيْرُ مُقْتَاتٍ وَلَا مُدَّخَر ... يَجُوزُ مَعَ تَفَاضُلٍ كَالْخُضَرِ وَفِي اخْتِلَافِ الْجِنْسِ بِالْإِطْلَاقِ ... جَازَ مَعَ الْإِنْجَازِ بِاتِّفَاقِ تَعَرَّضَ فِي هَذِهِ الْأَبْيَاتِ لِحُكْمِ بَيْعِ الطَّعَامِ بِالطَّعَامِ وَبَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَاعْلَمْ أَنَّ الطَّعَامَ عَلَى قِسْمَيْنِ رِبَوِيٌّ وَهُوَ الْمُقْتَاتُ الْمُدَّخَرُ لِلْعَيْشِ غَالِبًا وَنُسِبَ لِلرِّبَا لِدُخُولِهِ فِيهِ أَعْنِي رِبَا الْفَضْلِ الَّذِي هُوَ الزِّيَادَةُ وَرِبَا النَّسَاءِ الَّذِي هُوَ التَّأْخِيرُ كَمَا يَأْتِي بَيَانُهُ، وَمَعْنَى كَوْنِهِ مُقْتَاتًا أَنَّهُ تَقُومُ بِهِ الْبُنْيَةُ أَيْ عِنْدَهُ لَا بِهِ، وَمَعْنَى كَوْنِهِ مُدَّخَرًا أَيْ أَنَّهُ لَا يَفْسُدُ بِطُولِ الزَّمَانِ عَلَيْهِ إلَّا الطُّولُ الْكَثِيرُ (قَالَ ابْنُ نَاجِي) (وَلَا حَدَّ لِلِادِّخَارِ عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ وَإِنَّمَا يُرْجَعُ فِيهِ إلَى الْعُرْفِ) وَحَكَى الشَّاذِلِيُّ أَنَّهُ سَمِعَ فِيهِ فِي بَعْضِ الْمَجَالِسِ أَنَّ حَدَّهُ سِتَّةُ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرُ. وَغَيْرُ رِبَوِيٍّ كَالْفَوَاكِهِ وَالْخُضَرِ وَهُوَ مَا اخْتَلَّ فِيهِ الْقَيْدَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا بِأَنْ كَانَ غَيْرَ مُقْتَاتٍ وَلَا مُدَّخَرٍ كَالتُّفَّاحِ، وَالْإِجَّاصِ. أَوْ مُقْتَاتًا غَيْرَ مُدَّخَرٍ كَاللِّفْتِ أَوْ مُدَّخَرًا غَيْرَ مُقْتَاتٍ كَالْجَوْزِ وَاللَّوْزِ وَالضَّابِطُ فِي حُكْمِ ذَلِكَ الطَّعَامُ إذَا بِيعَ بِطَعَامٍ فَلَا يَجُوزُ إلَّا يَدًا بِيَدٍ وَلَا يَجُوزُ فِيهِ تَأْخِيرٌ سَوَاءٌ بِيعَ بِجِنْسِهِ أَوْ بِغَيْرِ جِنْسِهِ رِبَوِيٌّ أَوْ غَيْرُ رِبَوِيٍّ أَوْ أَحَدُهُمَا رِبَوِيٌّ دُونَ الْآخَرِ لَا يَجُوزُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ تَأْخِيرٌ أَصْلًا وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِقَوْلِهِ: الْبَيْعُ لِلطَّعَامِ بِالطَّعَامِ ... دُونَ تَنَاجُزٍ مِنْ الْحَرَامِ وَأَمَّا رِبَا الْفَضْلِ وَهُوَ كَوْنُ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ أَكْثَرَ مِنْ الْآخَرِ فَفِيهِ تَفْصِيلٌ وَهُوَ أَنَّهُ إذَا بِيعَ الْجِنْسُ بِجِنْسِهِ وَهُمَا رِبَوِيَّانِ كَالْقَمْحِ بِالشَّعِيرِ فَيَحْرُمُ الْفَضْلُ وَهُوَ الزِّيَادَةُ وَلَا يُبَاعُ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِقَوْلِهِ: وَالْجِنْسُ بِالْجِنْسِ تَفَاضُلًا مُنِعْ ... حَيْثُ اقْتِيَاتٌ وَادِّخَارٌ يَجْتَمِعْ

وَإِنْ بِيعَ الْجِنْسُ الرِّبَوِيُّ بِرِبَوِيٍّ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ كَالْقَمْحِ بِالْفُولِ جَازَ التَّفَاضُلُ فَيُبَاعُ وَسْقٌ مِنْ قَمْحٍ بِوَسْقَيْنِ مِنْ فُولٍ مَثَلًا، وَكَذَا يَجُوزُ التَّفَاضُلُ إذَا بِيعَ الْجِنْسُ بِغَيْرِ جِنْسِهِ سَوَاءٌ كَانَ أَحَدُهُمَا رِبَوِيًّا كَرَطْلِ دَقِيقٍ بِرَطْلَيْنِ مِنْ تُفَّاحٍ مَثَلًا، أَوْ كَانَا مَعًا غَيْرَ رِبَوِيَّيْنِ سَوَاءٌ كَانَا جِنْسَيْنِ كَتُفَّاحٍ وَإِجَّاصٍ، أَوْ جِنْسًا وَاحِدًا كَتُفَّاحٍ وَتُفَّاحٍ فَيَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ مِمَّا اخْتَلَفَتْ أَجْنَاسُهُ مُطْلَقًا رِبَوِيَّيْنِ أَوْ غَيْرَ رِبَوِيَّيْنِ، أَوْ أَحَدُهُمَا رِبَوِيٌّ دُونَ الْآخَرِ فَقَدْ نَبَّهَ عَلَى حُكْمِهِ بِقَوْلِهِ وَفِي اخْتِلَافِ الْجِنْسِ بِالْإِطْلَاقِ ... جَازَ مَعَ الْإِنْجَازِ بِاتِّفَاقِ وَقَوْلُهُ مَعَ الْإِنْجَازِ زِيَادَةُ بَيَانٍ وَإِلَّا فَقَدْ تَقَدَّمَ مَنْعُ التَّأْخِيرِ مُطْلَقًا وَأَمَّا مَا اتَّفَقَتْ أَجْنَاسُهُ مِنْ غَيْرِ الرِّبَوِيِّ كَتُفَّاحٍ مَعَ مِثْلِهِ وَالْخُضَرِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ فَنَبَّهَ عَلَى حُكْمِهِ بِقَوْلِهِ: وَغَيْرُ مُقْتَاتٍ وَلَا مُدَّخَرِ ... يَجُوزُ مَعَ تَفَاضُلٍ كَالْخُضَرِ وَقَدْ اخْتَصَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ ضَابِطَ بَيْعِ النَّقْدَيْنِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَبَيْعِ الطَّعَامَيْنِ بِقَوْلِهِ وَيَحْرُمُ بَيْعُ رِبَا الْفَضْلِ وَالنَّسَاءِ فِيمَا يَتَّحِدُ جِنْسُهُ مِنْ النُّقُودِ، وَمِنْ الْمَطْعُومَاتِ الرِّبَوِيَّةِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْمُمَاثَلَةِ وَالْمُنَاجَزَةِ. وَيَحْرُمُ النَّسَاءُ خَاصَّةً فِيمَا يَخْتَلِفُ جِنْسُهُ مِنْ النُّقُودِ وَفِي الْمَطْعُومَاتِ كُلِّهَا اهـ فَقَوْلُهُ " كُلِّهَا " يَعْنِي مَا عَدَا الرِّبَوِيَّ بِجِنْسِهِ فَيَحْرُمَانِ فِيهِ مَعًا كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ أَوَّلًا وَمِنْ الْمَطْعُومَاتِ الرِّبَوِيَّةِ وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَالْبَيْعُ لِلصِّنْفِ بِصِنْفِهِ وَرَدْ ... مِثْلٍ بِمِثْلٍ مُقْتَضًى يَدًا بِيَدْ فَلَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ لِتَمَامِ التَّقْسِيمِ دُونَهُ لِأَنَّ حَاصِلَهُ أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ طَعَامٍ بِطَعَامٍ يَدًا بِيَدٍ مِثْلًا بِمِثْلٍ كَيْفَ كَانَ الطَّعَامَانِ، وَهَذَا الْمِقْدَارُ قَدْ اُسْتُفِيدَ مِمَّا تَقَدَّمَ فَلَوْ أَسْقَطَهُ مَا ضَرَّ ذَلِكَ وَكَأَنَّهُ ذَكَرَهُ تَوْطِئَةً لِمَا يُذْكَرُ بَعْدَهُ مِنْ حُكْمِ مَا اتَّفَقَتْ أَجْنَاسُهُ أَوْ اخْتَلَفَتْ وَبِيعَ مُتَفَاضِلًا أَوْ بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ أَوْ لِأَجَلٍ مِمَّا يَدْخُلُهُ رِبَا الْفَضْلِ وَالنَّسَاءِ فَقَطْ. أَمَّا مَا سَلِمَ مِنْهُمَا مَعًا كَهَذَا فَلَا إشْكَالَ فِي جَوَازِهِ، وَأَمَّا بَيْعُ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ الْمُشَارُ لَهُ بِقَوْلِهِ وَالْبَيْعُ لِلطَّعَامِ قَبْلَ الْقَبْضِ الْبَيْتَ فَقَدْ ذَكَرَهُ النَّاظِمُ خِلَالَ بَيْعِ الطَّعَامِ بِالطَّعَامِ وَمَا كَانَ يَنْبَغِي لَهُ ذَلِكَ فَلَوْ قَدَّمَهُ أَوْ أَخَّرَهُ لَكَانَ أَوْلَى. وَحَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ فِيهِ أَنَّ مَنْ اشْتَرَى طَعَامًا رِبَوِيًّا كَانَ أَوْ غَيْرَ رِبَوِيٍّ عَلَى كَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ أَوْ عَدَدٍ لَمْ يَجُزْ لَهُ بَيْعُهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ إلَّا إذَا بَاعَهُ قَبْلَ قَبْضِهِ مِمَّنْ كَانَ لَهُ فِي ذِمَّتِهِ مِثْلُهُ. كَمَنْ سَلَّفَ لِغَيْرِهِ طَعَامًا فَيَجُوزُ لِرَبِّهِ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ مِنْ الْمُتَسَلِّفِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ كَمَا يَأْتِي (قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ) قَالَ مَالِكٌ: كُلُّ طَعَامٍ ابْتَعْتَهُ بِعَيْنِهِ أَوْ مَضْمُونًا عَلَى كَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ أَوْ عَدَدٍ مِمَّا يُدَّخَرُ أَوْ لَا يُدَّخَرُ فَلَا يَجُوزُ أَنْ تَبِيعَهُ مِنْ بَائِعِكَ أَوْ غَيْرِهِ حَتَّى تَسْتَوْفِيَهُ إلَّا أَنْ تَقْبَلَ مِنْهُ أَوْ تَشْتَرِكَ فِيهِ أَوْ تُوَلِّيَهُ وَكَذَلِكَ كُلُّ طَعَامٍ أَوْ شَرَابٍ عَدَا الْمَاءِ. (قَالَ مَالِكٌ) وَكُلُّ مَا اكْتَرَيْتَ بِهِ أَوْ صَالَحْت عَنْ دَمِ عَمْدٍ أَوْ خَالَعْت بِهِ مِنْ طَعَامٍ بِعَيْنِهِ أَوْ مَضْمُونًا عَلَى كَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ فَلَا تَبِعْهُ حَتَّى تَقْبِضَهُ. (ابْنُ عَرَفَةَ) وَالْمَشْهُورُ أَنَّ الطَّعَامَ غَيْرَ الرِّبَوِيِّ كَالرِّبَوِيِّ. (ابْنُ الْحَاجِبِ) وَبَيْعُ الْمُشْتَرَى قَبْلَ الْقَبْضِ جَائِزٌ إلَّا فِي الطَّعَامِ مُطْلَقًا بِشَرْطِ كَوْنِهِ مُعَاوَضَةً فِيمَا فِيهِ حَقُّ تَوْفِيَةٍ مِنْ كَيْلٍ وَشِبْهِهِ بِخِلَافِ الْقَرْضِ، وَالْهِبَةِ، وَالصَّدَقَةِ، وَكَذَلِكَ الْجُزَافُ عَلَى الْأَصَحِّ فَمَنْ ابْتَاعَ طَعَامًا جَازَ لَهُ إقْرَاضُهُ أَوْ وَفَاؤُهُ عَنْ قَرْضٍ وَمَنْ اقْتَرَضَهُ فَإِنَّ لَهُ بَيْعَهُ اهـ وَقَدْ اشْتَمَلَ كَلَامُ الْمُدَوَّنَةِ الْمُتَقَدِّمُ وَكَلَامُ ابْنِ الْحَاجِبِ هَذَا عَلَى مَسَائِلَ: الْأُولَى: أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي مَنْعِ بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ رِبَوِيًّا أَوْ غَيْرَهُ وَهَذَا الَّذِي يَعْنِي ابْنُ الْحَاجِبِ بِالْإِطْلَاقِ. الثَّانِيَةُ: كَوْنُهُ بِمُعَاوَضَةٍ احْتِرَازًا مِنْ الْقَرْضِ، وَالْهِبَةِ، وَالصَّدَقَةِ فَيَجُوزُ لِمَنْ اشْتَرَى طَعَامًا أَنْ يُسَلِّفَهُ لِغَيْرِهِ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ هُوَ مِنْ الَّذِي بَاعَهُ لَهُ، وَلَكِنْ لَا يَجُوزُ لَهُ بَيْعُهُ لِمُتَسَلِّفِهِ وَلَا لِغَيْرِهِ إلَّا بَعْدَ قَبْضِهِ لِئَلَّا يَتَوَالَى بَيْعَانِ لَا قَبْضَ بَيْنَهُمَا، وَأَنْ يَقْضِيَ بِهِ طَعَامًا فِي ذِمَّتِهِ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ الْبَائِعُ أَيْضًا. وَمَنْ تَسَلَّفَ طَعَامًا جَازَ لَهُ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ مِنْ مُسَلِّفِهِ، وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِقَوْلِهِ " فَمَنْ ابْتَاعَ طَعَامًا جَازَ لَهُ " إلَخْ فَقَدْ اشْتَمَلَ عَلَى ثَلَاثَةِ فُرُوعٍ وَكَذَا يَجُوزُ لِمَنْ سَلَّفَ لِغَيْرِهِ طَعَامًا أَنْ يَبِيعَهُ قَبْلَ قَبْضِهِ مِنْ الْمُتَسَلِّفِ وَهَذِهِ الْفُرُوعُ الْأَرْبَعَةُ يَشْمَلُهَا قَوْلُ النَّاظِمِ " مَا لَمْ يَكُنْ مِنْ قَرْضِ وَشُمُولُهُ لِلْأَخِيرِ مِنْهَا أَظْهَرُ. وَانْظُرْ كَيْفَ أَخْرَجُوا الْقَرْضَ مِنْ الْمُعَاوَضَةِ وَالْمُعَاوَضَةُ حَاصِلَةٌ فِيهِ. (قَالَ الشَّارِحُ) وَفِي اقْتِصَارِ الشَّيْخِ عَلَى إخْرَاجِ الْقَرْضِ إيهَامُ أَنَّهُ فِي غَيْرِ الْقَرْضِ مِمَّا لَا عِوَضَ لَهُ فِيهِ

لَا يَجُوزُ وَلَوْ قَالَ إلَّا بِمِثْلِ قَرْضِ لَكَانَ فِيهِ إشَارَةٌ إلَى سِوَاهُ اهـ (تَنْبِيهٌ) وَحَيْثُ جَازَ بَيْعُ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ، فَإِنَّمَا يَجُوزُ إذَا عُجِّلَ الثَّمَنُ لِأَنَّهُ مِنْ بَيْعِ الدَّيْنِ، وَلَا يَجُوزُ إلَّا بِتَعْجِيلِ الثَّمَنِ (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي كَوْنِ طَعَامِ الْغَصْبِ وَالتَّعَدِّي كَالْقَرْضِ أَوْ الْبَيْعِ نَقَلَ الْبَاجِيُّ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ وَحِكَايَةُ الْقَاضِي، اهـ. " وَيَجُوزُ أَنْ تَأْخُذَ الْمَرْأَةُ الثَّمَنَ عَمَّا وَجَبَ لَهَا مِنْ الطَّعَامِ فِي نَفَقَتِهَا أَوْ نَفَقَةِ أَوْلَادِهَا مِنْ الْمَوَّاقِ " الثَّالِثَةُ: أَنَّ مَحَلَّ الْمَنْعِ الْمَذْكُورِ هُوَ فِي الطَّعَامِ الَّذِي فِيهِ حَقُّ تَوْفِيَةٍ، وَهُوَ الَّذِي بِيعَ عَلَى كَيْلٍ، أَوْ وَزْنٍ، أَوْ عَدَدٍ دُونَ الْمَبِيعِ جُزَافًا فَيَجُوزُ بَيْعُهُ. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ لِأَنَّهُ مَقْبُوضٌ بِنَفْسِ الْعَقْدِ فَلَيْسَ فِيهِ حَقُّ تَوْفِيَةٍ وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ يَعْنِي ابْنَ الْحَاجِبِ فِي الْجُزَافِ قَوْلًا بِالْمَنْعِ. اهـ الرَّابِعَةُ: أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الطَّعَامِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مُعَيَّنًا أَوْ مَضْمُونًا فِي الذِّمَّةِ كَالسَّلَمِ، وَلَا فَرْقَ فِي الْمَنْعِ بَيْنَ بَيْعِهِ لِبَائِعِهِ، أَوْ لِأَجْنَبِيٍّ. وَأَنَّ مَنْ اشْتَرَى طَعَامًا جَازَ لَهُ أَنْ يَتَقَايَلَ مَعَ بَائِعِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ، وَلَيْسَتْ الْإِقَالَةُ هُنَا بَيْعًا وَأَنْ يُشَارِكَ فِيهِ غَيْرَهُ قَبْلَ قَبْضِهِ. أَيْ يُوَلَّى بَعْضَهُ وَأَنْ يُوَلِّيَ جَمِيعَ مَا اشْتَرَى مِنْ الطَّعَامِ لِغَيْرِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ مَا عَدَا الْمَاءَ. وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الطَّعَامِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مِنْ بَيْعٍ أَوْ مِنْ كِرَاءٍ أَوْ مِنْ صُلْحٍ عَنْ دَمٍ عَمْدٍ أَوْ خُلْعٍ كُلُّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِ النَّاظِمِ وَالْبَيْعُ لِلطَّعَامِ قَبْلَ الْقَبْضِ أَنَّ مَا عَدَا الطَّعَامَ يَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ. (قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ) مَا ابْتَعْتَهُ أَوْ أَسْلَمَكَ فِيهِ عَدَا الطَّعَامِ، وَالشَّرَابِ، مِنْ سَائِرِ الْعُرُوضِ عَلَى عَدَدٍ أَوْ كَيْلٍ، أَوْ وَزْنٍ فَجَائِزٌ بَيْعُ ذَلِكَ كُلِّهِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَقَبْلَ أَجَلِهِ مِنْ غَيْرِ بَائِعِك بِمِثْلِ رَأْسِ مَالِكَ أَوْ أَكْثَرَ نَقْدًا أَوْ بِمَا شِئْتَ مِنْ الْأَثْمَانِ. وَبَيْعُ مَعْلُومٍ بِمَا قَدْ جُهِلَا ... مِنْ جِنْسِهِ تَزَابُنٌ لَنْ يُقْبَلَا يَعْنِي أَنَّ بَيْعَ الشَّيْءِ الْمَعْلُومِ الْقَدْرِ بِكَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ أَوْ عَدَدٍ بِشَيْءٍ مَجْهُولِ الْقَدْرِ وَهُمَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ يُسَمَّى بَيْعَ مُزَابَنَةٍ وَهُوَ غَيْرُ مَقْبُولٍ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ أَيْ غَيْرُ جَائِزٍ لِنَهْيِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْهُ. (قَالَ الشَّارِحُ) : وَالزَّبِنُ وَالزِّبَانُ هُوَ الْخَطِرُ وَالْخِطَارُ اهـ وَإِذَا كَانَ فِي بَيْعِ الْمَعْلُومِ بِالْمَجْهُولِ مُخَاطَرَةٌ وَهُوَ الَّذِي فِي الْبَيْتِ فَأَحْرَى وُجُودُ الْمُخَاطَرَةِ فِي بَيْعِ مَجْهُولٍ بِمَجْهُولٍ مِنْ جِنْسِهِ. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْمُزَابَنَةِ هُوَ بَيْعُ الْعِنَبِ بِالزَّبِيبِ كَيْلًا.» (الْمَازِرِيُّ) الْمُزَابَنَةُ عِنْدَنَا بَيْعُ مَعْلُومٍ بِمَجْهُولٍ أَوْ بَيْعُ مَجْهُولٍ بِمَجْهُولٍ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ فِيهِمَا. (ابْنُ عَرَفَةَ) يَبْطُلُ. عَكْسُهُ بَيْعُ الشَّيْءِ بِمَا يَخْرُجُ مِنْهُ حَسْبَمَا يَأْتِي وَيَكُونُ فِي الرِّبَوِيِّ وَغَيْرِهِ. اهـ. فَمِنْ الْمُزَابَنَةِ بَيْعُ ثَمَرِ النَّخْلِ بِالتَّمْرِ كَيْلًا وَبَيْعُ الزَّبِيبِ بِالْعِنَبِ كَيْلًا وَبَيْعُ زَرْعٍ قَائِمٍ أَوْ مَحْصُودٍ بِكَيْلٍ مِنْ الْبُرِّ أَوْ زَيْتُونٍ فِي شَجَرَةٍ بِكَيْلٍ مِنْ الزَّيْتُونِ وَكَبَيْعِ الرُّطَبِ بِالْبُسْرِ وَالْبُسْرِ بِالتَّمْرِ، وَكَذَلِكَ رَطْبُ كُلِّ ثَمَرَةٍ بِيَابِسِهَا. (التَّوْضِيحُ) وَتَفْسِيرُهَا الْوَاقِعُ فِي الْحَدِيثِ إنَّمَا هُوَ فِي الرِّبَوِيِّ، وَهُوَ عِنْدَ أَهْلِ الْمَذْهَبِ لَا يَخْتَصُّ الرِّبَوِيَّ لِأَنَّ غَيْرَ الرِّبَوِيِّ، وَإِنْ لِمَ يَدْخُلْ تَحْتَ الْمُزَابَنَةِ فَثَمَّ عُمُومَاتٌ يَدْخُلُ تَحْتَهَا كَالنَّهْيِ عَنْ الْغَرَرِ. (ابْنُ الْحَاجِبِ) فَإِنْ

فصل في بيع النقدين والحلي وشبهه

عُلِمَ أَنَّ أَحَدَهُمَا أَكْثَرُ جَازَ فِيمَا لَا رِبَا فِيهِ. (التَّوْضِيحُ) لِانْتِفَاءِ الْمُزَابَنَةِ إذْ ذَاكَ إذْ الْمُزَابَنَةُ الْمُدَافَعَةُ مِنْ قَوْلِهِمْ (نَاقَةٌ زَبُونٌ) إذَا مَنَعَتْ مِنْ حِلَابِهَا وَمِنْهُ الزَّبَانِيَةُ لِدَفْعِهِمْ الْكَفَرَةَ، فَكَأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَبَايِعَيْنِ يَدْفَعُ صَاحِبَهُ عَنْ مُرَادِهِ، وَيَعْتَقِدُ أَنَّهُ الْغَالِبُ فَإِذَا عُلِمَ أَنَّ أَحَدَهُمَا أَكْثَرُ انْتَفَى هَذَا. وَعُمُومُ قَوْلِهِ جَازَ فِيمَا لَا رِبَا فِيهِ يَشْمَلُ غَيْرَ الْمَطْعُومَيْنِ وَالْمَطْعُومَيْنِ غَيْرَ الرِّبَوِيَّيْنِ وَهُوَ مُقْتَضَى النَّظَرِ اهـ وَيَدْخُلُ فِي غَيْرِ الْمَطْعُومَيْنِ نَحْوُ حَرِيرٍ، وَكَتَّانٍ بِكَتَّانٍ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، وَيَدْخُلُ فِي الْمَطْعُومَيْنِ غَيْرِ الرِّبَوِيَّيْنِ الْفَوَاكِهُ، وَالْخُضَرُ يُبَاعُ الْجِنْسُ مِنْهُمَا بِجِنْسِهِ. (تَنْبِيهٌ) بَقِيَ عَلَى النَّاظِمِ مِنْ الْمُزَابَنَةِ بَيْعُ مَجْهُولٍ بِمَجْهُولٍ، وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ أَحْرَى فِي الْمَنْعِ بِمَا ذَكَرَ، وَاسْتَثْنَى مَا إذَا كَثُرَ أَحَدُ الْعِوَضَيْنِ كَثْرَةً بَيِّنَةً فَإِنَّهُ جَائِزٌ فِيمَا يَجُوزُ فِيهِ التَّفَاضُلُ كَالصُّوفِ وَالْكَتَّانِ وَنَحْوِهِمَا. أَمَّا مَا يَمْتَنِعُ فِيهِ التَّفَاضُلُ كَالطَّعَامِ الرِّبَوِيِّ يُبَاعُ بِجِنْسِهِ فَيُمْتَنَعُ وَإِنْ تَبَيَّنَ الْفَضْلُ لِأَنَّهُ وَإِنْ ذَهَبَتْ الْمُزَابَنَةُ بِالْكَثْرَةِ فَقَدْ خَلَفَهَا رِبَا الْفَضْلِ وَكَذَا سَلَمُ الشَّيْءِ فِيمَا يُخْرَجُ مِنْهُ كَسَلَمِ سَيْفٍ فِي حَدِيدٍ وَغَزْلٍ فِي كَتَّانٍ فَإِنَّهُ مِنْ الْمُزَابَنَةِ أَيْضًا كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ عَرَفَةَ وَلَوْ زَادَ بَعْدَ هَذَا الْبَيْتِ فَقَالَ: كَذَاك مَجْهُولٌ بِمَجْهُولٍ عَدَا ... إنْ كَثُرَ الْفَضْلُ وَلَا مَنْعٌ بَدَا وَسَلَمُ الشَّيْءِ بِشَيْءٍ يُخْرَجُ ... مِنْهُ تَزَابُنٌ وَذَاكَ الْمَنْهَجُ وَبَاءُ بِشَيْءٍ " ظَرْفِيَّةٌ " وَالْإِشَارَةُ فِي قَوْلِهِ وَذَاكَ الْمَنْهَجُ إلَى الْمَنْعِ الْمُتَقَدِّمِ فِي قَوْلِ النَّاظِمِ فِي الْبَيْتِ " لَنْ يُقْبَلَا " وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَصْلٌ فِي بَيْعِ النَّقْدَيْنِ وَالْحُلِيِّ وَشِبْهِهِ] ِ يَعْنِي بِالنَّقْدَيْنِ الْمَسْكُوكَ مِنْهُمَا وَبِالْحُلِيِّ الْمَصُوغَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَضَمِيرُ شِبْهِهِ لِلْحُلِيِّ وَشِبْهُ الْحُلِيِّ هُوَ الْمُحَلَّى بِأَحَدِ النَّقْدَيْنِ. اهـ وَالصَّرْفُ أَخْذُ فِضَّةٍ فِي ذَهَبِ ... أَوْ عَكْسُهُ وَمَا تَفَاضُلٌ أَبِي وَالْجِنْسُ بِالْجِنْسِ هُوَ الْمُرَاطَلَهْ ... بِالْوَزْنِ أَوْ بِالْعَدِّ فَالْمُبَادَلَهْ وَالشَّرْطُ فِي الصَّرْفِ تَنَاجُزٌ فَقَطْ ... وَمَعَهُ الْمِثْلُ بِثَانٍ يُشْتَرَطْ ذَكَرَ فِي هَذِهِ الْأَبْيَاتِ تَعْرِيفَ الصَّرْفِ وَالْمُرَاطَلَةِ وَالْمُبَادَلَةِ وَشُرُوطَهَا فَأَخْبَرَ أَنَّ بَيْعَ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ بِالْآخَرِ كَبَيْعِ الذَّهَبِ بِالْفِضَّةِ وَبِالْعَكْسِ يُسَمَّى صَرْفًا، وَيَجُوزُ فِيهِ التَّفَاضُلُ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ " وَمَا تَفَاضُلٌ " أَبِي " أَيْ: امْتَنَعَ وَإِنَّمَا يَمْتَنِعُ فِيهِ التَّأْخِيرُ وَلَوْ قَرِيبًا وَيَفْسُدُ بِافْتِرَاقِ الْمُتَصَارِفَيْنِ اخْتِيَارًا وَكَذَا غَلَبَةً عَلَى الْمَشْهُورِ، وَكَذَا إنْ غَابَ أَحَدُ النَّقْدَيْنِ عَنْ مَجْلِسِ الصَّرْفِ غَيْبَةً قَرِيبَةً كَدَارِهِ أَوْ حَانُوتِهِ لِأَنَّ الْمُنَاجَزَةَ شَرْطٌ فِيهِ كَمَا نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ وَالشَّرْطُ فِي الصَّرْفِ تَنَاجُزٌ فَقَطْ أَيْ: دُونَ التَّمَاثُلِ فَلَا يُشْتَرَطُ كَمَا تَقَدَّمَ فَيَجُوزُ بَيْعُ الْفِضَّةِ بِالذَّهَبِ وَالذَّهَبِ بِالْفِضَّةِ مُتَمَاثِلًا أَوْ مُتَفَاضِلًا لَكِنْ يَدًا بِيَدٍ مِنْ غَيْرِ تَأْخِيرٍ. وَأَخْبَرَ أَنَّهُ إذَا بِيعَ أَحَدُ النَّقْدَيْنِ بِجِنْسِهِ كَذَهَبٍ بِذَهَبٍ وَفِضَّةٍ بِفِضَّةٍ فَإِنْ كَانَ بِالْوَزْنِ فَإِنَّهُ يُسَمَّى مُرَاطَلَةً وَإِنْ كَانَ بِالْعَدَدِ فَإِنَّهُ يُسَمَّى مُبَادَلَةً، وَيُشْتَرَطُ فِي جَوَازِهِمَا شَرْطَانِ التَّمَاثُلُ فَلَا يُبَاعُ ذَهَبٌ بِذَهَبٍ مُتَفَاضِلًا وَلَا فِضَّةٌ بِفِضَّةٍ مُتَفَاضِلًا بَلْ مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَجْوَدَ مِنْ الْآخَرِ أَوْ أَكْثَرَ عَدَدًا أَوْ أَحَدُهُمَا مَصُوغٌ وَالْآخَرُ لَيْسَ كَذَلِكَ أَوْ كَانَا غَيْرَ مَصُوغَيْنِ. وَالشَّرْطُ الثَّانِي: التَّنَاجُزُ فَلَا يَجُوزُ فِي ذَلِكَ تَأْخِيرٌ أَيْضًا وَعَلَى هَذَيْنِ الشَّرْطَيْنِ نَبَّهَ بِقَوْلِهِ وَمَعَهُ الْمِثْلُ بِثَانٍ يُشْتَرَطْ أَيْ: وَيُشْتَرَطُ مَعَ التَّنَاجُزِ الْمِثْلُ أَيْ: التَّمَاثُلُ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي الَّذِي هُوَ بَيْعُ الْجِنْسِ بِجِنْسِهِ (فَضَمِيرُ مَعَهُ) لِلتَّنَاجُزِ وَبَاءُ بِثَانٍ ظَرْفِيَّةٌ وَهُوَ وَصْفٌ لِمَحْذُوفٍ أَيْ: فِي الْوَجْهِ الثَّانِي وَهَذَا نَحْوُ مَا تَقَدَّمَ فِي الطَّعَامِ مِنْ أَنَّهُ إذَا بِيعَ الطَّعَامُ الرِّبَوِيُّ بِجِنْسِهِ فَيَحْرُمُ فِيهِ الْفَضْلُ وَالنَّسَاءُ مَعًا وَإِذَا بِيعَ جِنْسُهُ رِبَوِيًّا أَوْ غَيْرَهُ فَلَا يَحْرُمُ إلَّا فِي النَّسَاءِ فَقَطْ أَيْ التَّأْخِيرِ. وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ ابْنُ الْحَاجِبِ بِقَوْلِهِ " وَيَحْرُمُ الْفَضْلُ وَالنَّسَاءُ فِيمَا

يَتَّحِدُ جِنْسُهُ مِنْ النُّقُودِ، وَمِنْ الْمَطْعُومَاتِ الرِّبَوِيَّةِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْمُمَاثَلَةِ، وَالْمُنَاجَزَةِ وَيَحْرُمُ النَّسَاءُ خَاصَّةً فِيمَا يَخْتَلِفُ جِنْسُهُ مِنْ النُّقُودِ، وَمِنْ الْمَطْعُومَاتِ كُلِّهَا ". انْتَهَى يُرِيدُ وَكَذَلِكَ فِيمَا يَتَّحِدُ جِنْسُهُ مِنْ الرِّبَوِيِّ فَلَا يَحْرُمُ فِيهِ إلَّا النَّسَاءُ خَاصَّةً. الْمَوَّاقُ سَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا بَأْسَ بِالْمُرَاطَلَةِ بِالصَّنْجَةِ فِي كِفَّةٍ وَاحِدَةٍ ابْنُ رُشْدٍ هِيَ أَصَحُّ لِتَيَقُّنِ الْمُمَاثَلَةِ إذْ قَدْ يَكُونُ عَيْنٌ أَرْجَحَ مِنْ الْأُخْرَى فِي الْمِيزَانِ. وَفِيهَا: وَجْهُ الْمُرَاطَلَةِ: اعْتِدَالُ الْكِفَّتَيْنِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَجَاوَزَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ رُجْحَانَ شَيْءٍ. رَاطَلَ أَبُو بَكْرٍ أَبَا رَافِعٍ خَلْخَالَيْنِ بِدَرَاهِمَ فَرَجَحَتْ دَرَاهِمُ أَبِي رَافِعٍ فَقَالَ هُوَ لَك حَلَالٌ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ إنْ أَحْلَلْتَهُ أَنْتَ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِلُّهُ وَمَنَعَ الْقَابِسِيُّ أَنْ يُرَاطِلَ سِكِّيًّا بِحُلِيٍّ قَبْلَ مَعْرِفَةِ وَزْنِ السِّكَّةِ إذْ لَا يَجُوزُ بَيْعُ السِّكِّيِّ جُزَافًا. أَجَازَ ذَلِكَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ لِأَنَّهُ مُتَّفِقُ الْوَزْنِ. وَقِيلَ عَنْ الْقَابِسِيِّ إنَّهُ كَرِهَ أَنْ يَتَرَاطَلَا دَرَاهِمَ بِدَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ بِدَنَانِيرَ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَزْنَ دَرَاهِمِهِ أَوْ ذَهَبِهِ. ابْنُ يُونُسَ وَالصَّوَابُ جَوَازُ ذَلِكَ إذْ لَا غَرَرَ فِيهِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَأْخُذُ مِثْلَ دَرَاهِمِهِ وَمِثْلَ وَزْنِ ذَهَبِهِ. (وَفِي الْمُوَطَّأِ) لَا بَأْسَ أَنْ يَأْخُذَ أَحَدَ عَشَرَ دِينَارًا بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ إذَا كَانَ وَزْنُ الذَّهَبَيْنِ سَوَاءً. اهـ. وَقَدْ تَلَخَّصَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْمُرَاطَلَةَ عَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يُجْعَلَ أَحَدُ الْعِوَضَيْنِ فِي كِفَّةٍ ثَمَّ يُجْعَلُ الْعِوَضُ الْآخَرُ فِي الْكِفَّةِ الْأُخْرَى وَالثَّانِي أَنْ يُجْعَلَ الْحَجَرُ الَّذِي يُوزَنُ بِهِ فِي كِفَّةٍ ثَمَّ يُجْعَلُ أَحَدُ الْعِوَضَيْنِ فِي الْكِفَّةِ الْأُخْرَى حَتَّى يَعْتَدِلَ مَعَ الْحَجَرِ ثُمَّ يُفْرَغُ ذَلِكَ الْعِوَضُ وَيُجْعَلُ مَكَانَهُ الْعِوَضُ الْآخَرُ حَتَّى يَعْتَدِلَ مَعَ الْحَجَرِ أَيْضًا، وَالْحَجَرُ لَمْ يَزَلْ فِي كِفَّتِهِ الَّتِي وُضِعَ فِيهَا أَوَّلًا وَفِي هَذَا الْوَجْهِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ إنَّهُ أَصَحُّ وَإِنَّ الْمُرَاطَلَةَ تَجُوزُ وَلَوْ جَهِلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَزْنَ دَرَاهِمِهِ لِأَنَّهُ أَخَذَ مِثْلَ مَا أَعْطَى. هَذَا بَعْضُ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْمُرَاطَلَةِ. وَأَمَّا الْمُبَادَلَةُ فَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ الْمُبَادَلَةُ لَقَبٌ فِي الْمَسْكُوكَيْنِ عَدَدًا وَهِيَ جَائِزَةٌ فِي الْعَدَدِيِّ دُون الْوَزْنِيِّ. (التَّوْضِيحُ) يَعْنِي لَا تَجُوزُ إلَّا فِي الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ إنْ كَانَ التَّعَامُلُ بِهِمَا عَدَدًا فَإِنْ كَانَ التَّعَامُلُ بِالْوَزْنِ لَمْ يَجُزْ إلَّا بِالْوَزْنِ فَتَعُودُ مُرَاطَلَةً. وَإِذَا كَانَ التَّعَامُلُ بِالْعَدَدِ جَازَتْ فِي الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. مَا لَمْ يَكُنْ أَحَدُ الْعِوَضَيْنِ أَوْزَنَ فَتُمْنَعُ إلَّا فِي الْعَدَدِ الْيَسِيرِ وَذَلِكَ سِتَّةٌ فَمَا دُونَ عَلَى الْمَشْهُورِ. وَكَوْنُ النَّقْصِ يَسِيرًا سُدُسًا فَمَا دُونَ. (ابْنُ الْحَاجِبِ) وَيَجُوزُ إبْدَالُ الْقَلِيلِ بِأَوْزَنَ مِنْهُ يَسِيرًا لِلْمَعْرُوفِ وَالتَّعَامُلِ بِالْعَدَدِ. (قَالَ فِي التَّوْضِيحِ) أَجَازَ أَيْ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنْ يُبْدِلَ السِّتَّةَ تَنْقُصُ سُدُسًا بِسِتَّةٍ وَازِنَةٍ عَلَى الْمَعْرُوفِ الْحَطَّابُ وَمِنْ شَرْطِهَا أَنْ تَكُونَ بِلَفْظِ الْمُبَادَلَةِ وَأَنْ يَكُونَ وَاحِدًا بِوَاحِدٍ احْتِرَازًا مِنْ وَاحِدٍ بِاثْنَيْنِ وَأَنْ تَكُونَ السِّكَّةُ وَاحِدَةً وَعَلَى وَجْهِ الْمَعْرُوفِ لَا الْمُكَايَسَةِ وَأَنْ تَكُونَ يَدًا بِيَدٍ اهـ. وَتَجُوزُ فِي الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ فَيُبْدَلُ دِرْهَمٌ بِدِرْهَمٍ وَدِرْهَمَانِ بِدِرْهَمَيْنِ وَهَكَذَا وَيُبْدَلُ دِينَارٌ بِدِينَارٍ وَدِينَارَانِ بِدِينَارَيْنِ وَهَكَذَا (قَالَ الشَّارِحُ) وَهِيَ أَيْ: الْمُبَادَلَةُ مُخْتَصَّةٌ بِمَا قَلَّ مِنْ الْعَدَدِ كَالدِّينَارِ وَالدِّينَارَيْنِ. (الْحَطَّابُ) وَالْمُعْتَبَرُ الْأَشْخَاصُ فَعَلَى مَذْهَبِ مَنْ مَنَعَ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةٍ لَا يَجُوزُ بَدَلُ أَرْبَعَةِ قَرَارِيطَ نَاقِصَةٍ بِأَرْبَعَةِ قَرَارِيطَ وَازِنَةٍ وَلَا يُقَالُ إنَّ الْأَرْبَعَةَ قَرَارِيطَ أَقَلُّ مِنْ ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ الْأَشْخَاصُ اهـ (تَنْبِيهٌ) هَذَا الْحُكْمُ الْمَذْكُورُ فِي الْمُبَادَلَةِ هُوَ إذَا أُبْدِلَ وَاحِدٌ بِوَاحِدٍ أَوْ اثْنَانِ بِاثْنَيْنِ وَهَكَذَا إلَى سِتَّةٍ بِسِتَّةٍ كَمَا تَقَدَّمَ وَأَمَّا إذَا أَبْدَلَ شَخْصٌ وَاحِدًا بِمُتَعَدِّدٍ غَيْرِ مُسَاوٍ لَهُ فِي الْوَزْنِ كَإِبْدَالِ دِينَارٍ بِأَرْبَعَةِ أَرْبَاعِهِ وَهِيَ أَنْقَصُ مِنْ الدِّينَارِ وَزْنًا أَوْ إبْدَالِ رِيَالٍ وَاحِدٍ بِأَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ مَوْزُونَةً مَثَلًا أَوْ أَكْثَرَ وَهِيَ أَنْقَصُ مِنْ الرِّيَالِ وَزْنًا فَنَقَلَ (الْمَوَّاقُ) فِي ذَلِكَ مَا نَصَّهُ ابْنُ رُشْدٍ كَرِهَ مَالِكٌ أَنْ يُعْطِيَ الرَّجُلُ الْمِثْقَالَ وَيَأْخُذُ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ قِيرَاطًا مَعْدُودَةً بِغَيْرِ مُرَاطَلَةٍ لِأَنَّ الشَّيْءَ إذَا وُزِنَ مُجْتَمِعًا ثَمَّ فُرِّقَ زَادَ أَوْ نَقَصَ " وَأَجَازَ ذَلِكَ ابْنُ الْقَاسِمِ اسْتِحْسَانًا عَلَى وَجْهِ الْمَعْرُوفِ فِي الدِّينَارِ الْوَاحِدَةِ كَمَا أَجَازُوا مُبَادَلَةَ الدِّينَارِ النَّاقِصِ بِالْوَازِنِ عَلَى وَجْهِ الْمَعْرُوفِ وَفِي الْمُدَوَّنَةِ أَمَّا بَدَلُ دِينَارٍ أَوْ دِرْهَمٍ بِوَزْنٍ مِنْهُ فَجَائِزٌ وَذَلِكَ فِيمَا قَلَّ بِخِلَافِ الْمُرَاطَلَةِ لِأَنَّ ذَلِكَ فِي الْمُرَاطَلَةِ تَكَايُسٌ وَفِي الْمُبَادَلَةِ مَعْرُوفٌ. ابْنُ رُشْدٍ يُجَوِّزُ ذَلِكَ فِيمَا قَلَّ مِثْلُ الدِّينَارَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ إلَى السِّتَّةِ عَلَى مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ وَإِنْ كَانَ سَحْنُونٌ قَدْ أَصْلَحَ فِي الْمُدَوَّنَةِ السِّتَّةَ وَرَدَّهَا إلَى ثَلَاثَةٍ اهـ. وَهَذَا صَرِيحٌ فِي

جَوَازِ إبْدَالِ الدِّينَارِ بِنِصْفَيْ دِينَارٍ أَوْ بِأَرْبَعَةِ أَرْبَاعِهِ وَإِنْ لَمْ يَتَسَاوَ الْعِوَضَانِ فِي الْوَزْنِ وَعَلَى هَذَا اعْتَمَدَ شَيْخُ شُيُوخِنَا الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ سَيِّدِي مُحَمَّدٌ الْقَصَّارُ فِي فَتْوَاهُ بِجَوَازِ إبْدَالِ رِيَالٍ كَبِيرٍ بِعِشْرِينَ مَوْزُونَةٍ يَعْنِي أَوْ بِأَكْثَرَ حِينَ صُغِّرَتْ الدَّرَاهِمُ وَذَلِكَ فِي رِيَالٍ وَاحِدٍ لَا فِي أَكْثَرَ وَمَأْخَذُهُ فِي ذَلِكَ ظَاهِرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (فَرْعٌ) سُئِلَ التُّونُسِيُّ عَنْ مُرَاطَلَةِ الدَّرَاهِمِ الْقَدِيمَةِ بِالْجَدِيدَةِ الْمُحْدَثَةِ الْآنَ وَالْقَدِيمَةُ أَكْثَرُ فِضَّةً وَهَلْ يُقْتَضَى بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ وَهُمَا مُخْتَلِفَا الصِّفَةِ وَالنَّفَاقِ وَهَلْ لِمَنْ بَاعَ بِالْقَدِيمَةِ أَنْ يَقْتَضِيَهَا مِنْهَا أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) : الْمُرَاطَلَةُ بِهَا جَائِزَةٌ لِأَنَّ مُعْطِي الْجَدِيدَةِ مُتَفَضِّلٌ لَا انْتِفَاعَ لَهُ بِمَا فِي الْقَدِيمَةِ مِنْ زِيَادَةِ الْفِضَّةِ إذْ لَوْ سُكَّتْ الْقَدِيمَةُ لَخَسِرَ فِيهَا وَيَغْرَمُ عَلَيْهَا لِتَصِيرَ جَدِيدَةً وَقَدْ أَجَازَ أَصْحَابُنَا مُرَاطَلَةَ التِّبْرِ الْجَدِيدِ بِالْمَسْكُوكِ وَقَدْ عُلِمَ أَنَّهُ تَرَكَ الْجَوْدَةَ لِلسِّكَّةِ وَلِمَ يُغَرَّمْ عَلَيْهِ، وَمَنْ بَاعَ بِقَدِيمَةٍ قَبْلَ قَطْعِهَا فَلَيْسَ لَهُ إلَّا هِيَ، وَمَنْ رَضِيَ أَنْ يُؤَدِّيَ جَدِيدَةً عَنْ قَدِيمَةٍ جَازَ لِأَنَّهُ أَعْطَى أَفْضَلَ فِي النَّفَاقِ. اهـ مِنْ أَوَاخِرِ السِّفْرِ الثَّالِثِ مِنْ الْمِعْيَارِ. وَبَيْعُ مَا حُلِّيَ مِمَّا اُتُّخِذَا ... بِغَيْرِ جِنْسِهِ بِنَقْدٍ نَفَذَا وَكُلُّ مَا الْفِضَّةُ فِيهِ وَالذَّهَبْ ... فَبِالْعُرُوضِ الْبَيْعُ فِي ذَاكَ وَجَبْ تَكَلَّمَ فِي الْبَيْتَيْنِ عَلَى مَا يَجُوزُ أَنْ يُبَاعَ بِهِ الْمُحَلَّى كَالسَّيْفِ وَالْمُصْحَفِ وَغَيْرِهِمَا مِمَّا حُلِّيَ بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ، وَكَذَا الثَّوْبُ الْمَنْسُوجُ أَوْ الْمَغْرُوزُ بِخُيُوطٍ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ وَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُبَاعَ بِهِ فَأَخْبَرَ أَنَّ الْمُحَلَّى بِأَحَدِ النَّقْدَيْنِ إذَا كَانَ جَائِزَ الِاتِّخَاذِ كَالسَّيْفِ لِلرَّجُلِ وَالثِّيَابِ لِلْمَرْأَةِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ بِغَيْرِ جِنْسِهِ أَيْ بِغَيْرِ جِنْسِ حِلْيَتِهِ، فَإِذَا حُلِّيَ بِذَهَبٍ جَازَ بَيْعُهُ بِفِضَّةٍ وَإِذَا حُلِّيَ بِفِضَّةٍ جَازَ بَيْعُهُ بِذَهَبٍ لَكِنْ إنَّمَا يَجُوزُ ذَلِكَ إذَا كَانَ نَقْدًا أَيْ مُعَجَّلًا مِنْ غَيْرِ تَأْخِيرٍ لِأَنَّهُ بَيْعٌ وَصَرْفٌ فَيُطْلَبُ فِيهِ الْمُنَاجَزَةُ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْعَيْنَ الْمَدْفُوعَةَ فِي الْمَحَلِّ بَعْضُهَا فِي مُقَابَلَةِ نَصْلِ السَّيْفِ مَثَلًا أَوْ فِي نَفْسِ الثَّوْبِ أَوْ الْمُصْحَفِ وَهُوَ بَيْعٌ. وَبَعْضُهَا فِي مُقَابَلَةِ الْحِلْيَةِ وَهُوَ صَرْفٌ وَاجْتِمَاعُهُمَا تُطْلَبُ فِيهِ الْمُنَاجَزَةُ كَمَا تُطْلَبُ فِي انْفِرَادِ الصَّرْفِ وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ مِمَّا اُتُّخِذَا أَنَّ مَا لَا يَجُوزُ اتِّخَاذُهُ كَالسَّيْفِ لِلْمَرْأَةِ أَوْ السِّوَارِ لِلرَّجُلِ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِذَلِكَ وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ " بِنَقْدٍ " أَنَّ بَيْعَهُ بِتَأْخِيرٍ مَمْنُوعٌ وَهُوَ كَذَلِكَ إنْ كَانَتْ الْحِلْيَةُ غَيْرَ تَبَعٍ بِأَنْ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ الثَّالِثِ وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتْ تَبَعًا عَلَى الْمَشْهُورِ. وَفُهِمَ مِنْ إطْلَاقِ الْجَوَازِ فِي بَيْعِهِ بِالنَّقْدِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الْحِلْيَةِ تَابِعَةً أَوْ مَتْبُوعَةً أَيْضًا وَهُوَ كَذَلِكَ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ مَنْعِ اجْتِمَاعِ الْبَيْعِ وَالصَّرْفِ لِلضَّرُورَةِ وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ بِغَيْرِ جِنْسِهِ أَنَّ بَيْعَهُ بِجِنْسِ الْحِلْيَةَ غَيْرُ جَائِزٍ وَهُوَ كَذَلِكَ لَكِنْ إذَا كَانَتْ الْحِلْيَةُ غَيْرَ تَابِعَةٍ لِلشَّيْءِ الْمُحَلَّى بِهَا هُنَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِجِنْسِ الْحِلْيَةِ وَأَمَّا إنْ كَانَتْ تَابِعَةً فَيَجُوزُ لَكِنْ بِالتَّعْجِيلِ أَيْضًا لَا بِالتَّأْخِيرِ عَلَى الْمَشْهُورِ. (ابْنُ الْحَاجِبِ) وَالتَّبَعُ الثُّلُثُ وَقِيلَ دُونَهُ وَقِيلَ النِّصْفُ. (التَّوْضِيحُ) الْأَوَّلُ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ (ابْنُ الْحَاجِبِ) وَيُعْتَبَرُ بِالْقِيمَةِ وَقِيلَ بِالْوَزْنِ مَعَ قِيمَةِ الْمُحَلَّى. (التَّوْضِيحُ) سَبَبُهُمَا هَلْ تُعْتَبَرُ الصِّيَاغَةُ أَمْ لَا؟ وَمَعْنَى كَلَامِهِ أَنَّا إذَا بَنَيْنَا عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ أَنَّ التَّبَعَ الثُّلُثُ أَوْ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الْأَقْوَالِ فَهَلْ يُعْتَبَرُ التَّبَعُ بِالْقِيمَةِ أَوْ بِالْوَزْنِ فَقَطْ؟ فَإِنْ كَانَ وَزْنُ الْحِلْيَةِ عِشْرِينَ وَبِصِيَاغَتِهَا تُسَاوِي ثَلَاثِينَ وَقِيمَةُ النَّصْلِ أَرْبَعِينَ جَازَ عَلَى الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ وَالْقَوْلُ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ. قَالَ ابْنُ يُونُسَ هُوَ ظَاهِرُ الْمُوَطَّأِ وَالْمُوَازِيَةِ وَالثَّانِي ذَكَرَ الْبَاجِيُّ أَنَّهُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ قِيَاسًا عَلَى النِّصَابِ فِي السَّرِقَةِ، وَالزَّكَاةِ اهـ وَلَوْ زَادَ النَّاظِمُ بَيْتًا بَعْدَ الْبَيْتِ الْأَوَّلِ فَقَالَ وَبَيْعُهُ بِجِنْسِهِ يَجُوزُ إنْ ... حِلْيَتُهُ ثُلُثًا فَدُونَهُ قَمِنْ لَأَفَادَ حُكْمَ بَيْعِهِ بِجِنْسِهِ وَقَمِنٌ فِي هَذَا الْبَيْتِ بِمَعْنَى " حَقِيقٌ " رَاجِعٌ لِكَوْنِ الْحِلْيَةِ ثُلُثًا أَيْ: يَجُوزُ إنْ كَانَتْ حِلْيَتُهُ ثُلُثًا حَقِيقَةً وَهُوَ إيمَاءٌ لِاخْتِيَارِ الْقَوْلِ بِاعْتِبَارِ الْوَزْنِ اعْتِمَادًا عَلَى قَوْلِ الْبَاجِيِّ (إنَّهُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ) . وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُسْتَثْنَاةٌ أَيْضًا مِنْ بَيْعِ الْجِنْسِ بِجِنْسِهِ مُتَفَاضِلًا لِلضَّرُورَةِ هَذَا حُكْمُ الْمُحَلَّى بِأَحَدِ النَّقْدَيْنِ وَأَمَّا الْمُحَلَّى بِهِمَا مَعًا كَالسَّيْفِ الْمُحَلَّى بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ مَعًا أَوْ الْمُحَلَّى مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ مَعًا فَلَا يُبَاعُ بِذَهَبٍ وَلَا بِفِضَّةٍ بَلْ بِالْعُرُوضِ وَالْفُلُوسِ إلَّا إذَا كَانَ مَجْمُوعُهُمَا تَبَعًا لِلسِّلْعَةِ سَوَاءٌ كَانَ أَحَدُهُمَا تَبَعًا لِلْآخَرِ أَوْ لَا. إذَا كَانَ نَقْدًا فَإِذَا كَانَا تَبَعًا فَيُبَاعُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ النَّقْدَيْنِ. قَالَهُ

فصل في بيع الثمار وما يلحق بها

ابْنُ حَبِيبٍ فِي الْوَاضِحَةِ، وَحَكَى اللَّخْمِيُّ عَلَيْهِ الِاتِّفَاقَ. قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَإِلَى هَذَا الْقِسْمِ أَعْنِي الْمُحَلَّى بِهِمَا أَشَارَ النَّاظِمُ بِالْبَيْتِ الثَّانِي وَالْجَوَازُ مُقَيَّدٌ بِالنَّقْدِ أَيْضًا كَمَا فِي الْبَيْتِ الْأَوَّلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ) مَا تَقَدَّمَ مِنْ اشْتِرَاطِ النَّقْدِ إنَّمَا هُوَ إذَا بِيعَ الْمُحَلَّى بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ عَلَى التَّفْصِيلِ الْمُتَقَدِّمِ، وَأَمَّا إنْ بِيعَ بِالْعَرْضِ فَيَجُوزُ نَقْدًا وَإِلَى أَجَلٍ وَجَمِيعُ مَا تَقَدَّمَ إنَّمَا هُوَ فِي الْحِلْيَةِ وَالْمُسَمَّرَةِ الَّتِي فِي نَزْعِهَا ضَرَرٌ أَمَّا مَا لَيْسَ كَذَلِكَ كَعِقْدِ جَوْهَرٍ فِيهِ قِطَعٌ مِنْ الذَّهَبِ فَلَا بُدَّ مِنْ نَزْعِهِ وَبَيْعِ كُلٍّ بِمَا يَجُوزُ أَنْ يُبَاعَ بِهِ. [فَصْلٌ فِي بَيْعِ الثِّمَارِ وَمَا يُلْحَقُ بِهَا] (ضَمِيرُ بِهَا) لِلثِّمَارِ وَاَلَّذِي يُلْحَقُ بِالثِّمَارِ الْمَقَاثِئُ وَالْخُضَرُ بَيْعُ الثِّمَارِ وَالْمَقَاثِئِ وَالْخُضَرْ ... بُدُوُّ الصَّلَاحِ فِيهِ شَرْطٌ مُعْتَبَرْ وَحَيْثُ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهَا امْتَنَعْ ... مَا لَمْ يَكُنْ بِالشَّرْطِ لِلْقَطْعِ وَقَعْ يَعْنِي أَنَّهُ: يُشْتَرَطُ فِي جَوَازِ بَيْعِ الثِّمَارِ كَالْعِنَبِ: وَالتَّمْرِ وَفِي بَيْعِ الْمَقَاثِئِ كَالْبِطِّيخِ وَالْفَقُّوسِ وَفِي بَيْعِ الْخُضَرِ كَاللِّفْتِ وَالْفُجْلِ بُدُوُّ الصَّلَاحِ فِي جَمِيعِهَا ثُمَّ صَرَّحَ بِالْمَفْهُومِ فَقَالَ: وَحَيْثُ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهَا امْتَنَعَ أَيْ: بَيْعُهَا إلَّا إذَا بِيعَتْ عَلَى شَرْطِ أَنْ تُقْطَعَ فِي الْحَالِ فَيَجُوزُ لَكِنْ بِشُرُوطٍ تَأْتِي وَبُدُوُّ الصَّلَاحِ فِي الثَّمَرِ هُوَ الزَّهْوُ وَذَلِكَ بِأَنْ تَحْمَرَّ أَوْ تَصْفَرَّ وَفِي غَيْرِهِ بِظُهُورِ الْحَلَاوَةِ أَوْ اسْوِدَادِ مَا يَسْوَدُّ كَالزَّيْتُونِ وَالْعِنَبِ الْأَسْوَدِ وَالتَّهَيُّؤُ لِلنُّضْجِ بِحَيْثُ إذَا قُطِعَ لَا يَفْسُدُ وَفِي مُخْتَصَرِ الشَّيْخِ خَلِيلٍ وَهُوَ الزَّهْوُ وَظُهُورُ الْحَلَاوَةِ وَالتَّهَيُّؤُ لِلنُّضْجِ وَفِي ذِي النَّوْرِ بِانْفِتَاحِهِ وَالْبُقُولِ بِاطِّعَامِهَا وَهَلْ فِي الْبِطِّيخِ الِاصْفِرَارُ أَوْ التَّهَيُّؤُ لِلنُّضْجِ؟ قَوْلَانِ (وَفِي النَّوَادِرِ مِنْ كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ) قَالَ مَالِكٌ: إذَا أَزْهَى فِي الْحَائِطِ كُلِّهِ نَخْلَةٌ دَالِيَةٌ بِيعَ جَمِيعُهُ بِذَلِكَ مَا لَمْ تَكُنْ بَاكُورَةً. مَالِكٌ، وَإِنْ كَانَ فِي الدَّالِيَةِ الْحَبَّاتُ فِي الْعُنْقُودِ أَوْ الْعُنْقُودَيْنِ جَازَ بَيْعُهَا، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا تَتَابَعَ طِيبُهُ. ثُمَّ قَالَ مَالِكٌ وَلَا تُبَاعُ الْبُقُولُ حَتَّى تَبْلُغَ إبَّانَهَا الَّتِي تَطِيبُ فِيهِ وَيَكُونُ مَا قُطِعَ مِنْهَا لَيْسَ بِفَسَادٍ. قَالَ وَفِي الْجَزَرِ وَاللِّفْتِ وَالْفُجْلِ وَالثُّومِ وَالْبَصَلِ إذَا اسْتَقَلَّ وَرَقُهُ وَتَمَّ، وَانْتُفِعَ بِهِ، وَلَمْ يَكُنْ مَا يُقْلَعُ مِنْهُ فَسَادًا جَازَ بَيْعُهُ إذَا نَظَرَ إلَى شَيْءٍ مِنْهُ. (تَنْبِيهٌ) يَدْخُلُ فِي الثِّمَارِ الْحُبُوبُ كَالْقَمْحِ وَالْفُولِ وَنَحْوِهِمَا وَبُدُوُّ صَلَاحِهَا هُوَ بِالْيُبْسِ فَإِنْ بِيعَ بَعْدَ الْإِفْرَاكِ وَقَبْلَ الْيُبْسِ مَضَى بِقَبْضِهِ، وَإِنْ عُلِمَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَيْبَسَ فُسِخَ. وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ بِهِ إلَّا بَعْدَ أَنْ يَيْبَسَ مَضَى الْبَيْعُ وَلَمْ يُفْسَخْ. ابْنُ رُشْدٍ لَمْ يَحْكُمُوا لَهُ بِحُكْمِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ مُرَاعَاةً لِمَنْ أَجَازَ مِنْهُمْ. ابْنُ شِهَابٍ وَأَمَّا إذَا لَمْ يَبِنْ صَلَاحُهَا فَلَا تُبَاعُ إلَّا عَلَى شَرْطِ أَنْ تُقْطَعَ فِي الْحَالِ أَوْ قَرِيبًا مِنْهُ وَلَا يَدَّخِرُهَا إلَى الزَّمَانِ الَّذِي تَزِيدُ فِيهِ (قَالَ فِي التَّوْضِيحِ) وَقَيَّدَهُ اللَّخْمِيُّ بِثَلَاثَةِ شُرُوطٍ: أَوَّلُهَا: أَنْ يُنْتَفَعَ بِهِ لِنَهْيِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ ثَانِيهَا أَنْ تَدْعُو إلَى ذَلِكَ حَاجَةٌ وَإِلَّا كَانَ مِنْ الْفَسَادِ. ثَالِثُهَا أَنْ لَا يَتَمَالَأَ أَهْلُ الْبَلَدِ عَلَى ذَلِكَ لِئَلَّا يَعْظُمَ الْفَسَادُ. أَمَّا بَيْعُهَا عَلَى شَرْطِ التَّبْقِيَةِ فَبَاطِلٌ وَعَلَى الْإِطْلَاقِ بِحَيْثُ لَمْ يُشْتَرَطْ الْقَطْعُ وَلَا التَّبْقِيَةُ فَظَاهِرُ. الْمُدَوَّنَةِ يَصِحُّ. وَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ يَبْطُلُ. اهـ وَبَعْضُهُ بِالْمَعْنَى، وَكَذَلِكَ يَجُوزُ بَيْعُهَا مَعَ الْأَصْلِ أَوْ وَحْدَهَا لِمَنْ اشْتَرَطَ الْأَصْلَ وَبَقِيَتْ الثِّمَارُ الْمَأْبُورَةُ لِلْبَائِعِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُلْحَقَ بِالْعَقْدِ يُعَدُّ وَاقِعًا فِيهِ وَإِلَى هَذَا كُلِّهِ أَشَارَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ بِقَوْلِهِ، وَقَبِلَهُ مَعَ أَصْلِهِ وَأَلْحَقَ بِهِ أَوْ عَلَى قَطْعِهِ إنْ نَفَعَ وَاضْطُرَّ لَهُ وَلَمْ يُتَمَالَأْ عَلَيْهِ عَلَى التَّبْقِيَةِ أَوْ الْإِطْلَاقِ وَخِلْفَةُ الْقَصِيلِ مِلْكُهَا حَرِيّ ... لِبَائِعٍ إلَّا بِشَرْطِ الْمُشْتَرِي وَلَا يَجُوزُ فِي الثِّمَارِ الْأَجَلُ ... إلَّا بِمَا إثْمَارُهُ مُتَّصِلُ وَغَائِبٌ فِي الْأَصْلِ لَا يُبَاعُ ... إلَّا إذَا يَحْصُلُ الِانْتِفَاعُ اشْتَمَلَتْ الْأَبْيَاتُ الثَّلَاثَةُ عَلَى ثَلَاثِ مَسَائِلَ: - (الْأُولَى) : أَنَّ مَنْ اشْتَرَى قَصِيلًا لَا تَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ خِلْفَتُهُ بَلْ تَبْقَى لِلْبَائِعِ إلَّا إذَا اشْتَرَطَهَا الْمُشْتَرِي (قَالَ الشَّارِحُ) وَكَذَلِكَ مَا أَشْبَهَ الْقَصِيلَ فِي الْخِلْفَةِ

كَالْقُرْطِ وَالْقَضْبِ يَجُوزُ اشْتِرَاطُ خِلْفَةِ ذَلِكَ. وَفِي النَّوَادِرِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَإِنَّمَا يَجُوزُ فِي الْقَضْبِ وَالْقُرْطِ وَالْقَصِيلِ أَنْ يُشْتَرَطَ خِلْفَتُهُ فِي بَلَد السَّقْيِ لَا فِي بَلَدِ الْمَطَرِ إذْ لَيْسَتْ الْخِلْفَةُ فِيهِ بِمَأْمُونَةٍ وَإِذَا لَمْ تُشْتَرَطْ الْخِلْفَةُ فَإِنَّمَا لَهُ الْجَزَّةُ الْأُولَى وَإِذَا اشْتَرَطَهَا فَلَهُ مَا خَلَفَتْ وَإِنْ كَانَتْ خِلْفَةً بَعْدَ خِلْفَةٍ وَإِنَّمَا ذَلِكَ كَالْبُقُولِ إذَا بَلَغَ أَنْ يُنْتَفَعَ بِهِ إذَا قُطِعَ جَازَ بَيْعُهُ حِينَئِذٍ وَبَيْعُ مَا يَطْلُعُ مِنْهُ وَإِلَى هَذَا أَشَارَ النَّاظِمُ بِالْبَيْتِ الْأَوَّلِ فَرْعٌ أَفْتَى ابْنُ سِرَاجٍ بِجَوَازِ بَيْعِ الْقَصِيلِ بِالطَّعَامِ نَقْدًا وَإِلَى أَجَلٍ اتِّفَاقًا وَبِأَنَّهُ يُبَادِرُ بِجَزِّ الْقَصِيلِ فَإِنْ تَرَكَهُ حَتَّى حَبَّبَ فُسِخَ الْبَيْعُ عَلَى الْمَنْصُوصِ لِابْنِ الْقَاسِمِ. (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) : - مَسْأَلَةُ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ فِيهَا مَالِكٌ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُشْتَرَى مَا تُطْعِمُ الْمَقَاثِئَ شَهْرًا لِاخْتِلَافِ الْحَمْلِ فِي كَثْرَتِهِ وَقِلَّتِهِ (وَفِي الْمُتَيْطِيَّةِ) وَأَمَّا الْمَوْزُ وَالْقُرْطُ وَالْقَضْبُ فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ ضَرْبِ الْأَجَلِ لِأَنَّ مُدَّةَ بَقَائِهِ مَجْهُولَةٌ وَرُبَّمَا بَقِيَ الْمَوْزُ سِنِينَ مُتَعَدِّدَةً وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِالْبَيْتِ الثَّانِي (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْمُغَيَّبِ فِي الْأَرْضِ كَالْجَزَرِ وَالْفُجْلِ وَالْبَصَلِ حَتَّى يَحْصُلَ الِانْتِفَاعُ بِهَا، وَلَمْ يَكُنْ فِي قَلْعِهَا فَسَادٌ فَذَلِكَ بُدُوُّ صَلَاحِهَا. وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِالْبَيْتِ الثَّالِثِ وَجَائِزٌ فِي ذَاكَ أَنْ يُسْتَثْنَى ... أَكْثَرُ مِنْ نِصْفٍ لَهُ أَوْ أَدْنَى وَدُونَ ثُلْثٍ إنْ يَكُنْ مَا اُسْتُثْنِيَ ... بِعَدَدٍ أَوْ كَيْلٍ أَوْ بِوَزْنِ وَإِنْ يَكُنْ لِثَمَرَاتٍ عَيَّنَا ... فَمُطْلَقًا يَسُوغُ مَا تَعَيَّنَا تَعَرَّضَ فِي الْأَبْيَاتِ لِحُكْمِ بَيْعِ الثِّمَارِ وَاسْتِثْنَاءِ بَعْضِهَا فَالْإِشَارَةُ فِي الْبَيْتِ الْأَوَّلِ لِلثِّمَارِ وَالْمَقَاثِئِ وَالْخُضَرِ وَمُغَيَّبِ الْأَصْلِ كَالْجَزَرِ فَأَخْبَرَ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّهُ يَجُوزُ لِبَائِعِ الثِّمَارِ وَمَا ذُكِرَ مَعَهَا اسْتِثْنَاءُ الْجُزْءِ الشَّائِعِ كَالرُّبْعِ وَالثُّلُثِ وَالنِّصْفِ وَأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ وَأَكْثَرَ وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِالْبَيْتِ الْأَوَّلِ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ مَقْصُودَهُ الْجُزْءُ الشَّائِعُ مَا ذَكَرَ فِي الْبَيْتِ بَعْدَهُ وَهُوَ أَنَّهُ إذَا اسْتَثْنَى كَيْلًا أَوْ وَزْنًا أَوْ عَدَدًا فَإِنْ يَكُنْ مَا اسْتَثْنَاهُ مِقْدَارَ ثُلُثِ تِلْكَ الثَّمَرَةِ فَأَقَلَّ جَازَ ذَلِكَ وَإِلَّا فَلَا إلَّا، أَنَّ ظَاهِرَ قَوْلِهِ (وَدُونَ ثُلْثٍ) أَنَّ مِقْدَارَ الثُّلُثِ نَفْسِهِ مِنْ حَيِّزِ الْكَثِيرِ فَلَا يَجُوزُ اسْتِثْنَاؤُهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَهَذَانِ وَجْهَانِ اسْتِثْنَاءُ الْجُزْءِ الْمُشَاعِ. وَاسْتِثْنَاءُ قَدْرٍ مَعْلُومٍ بِكَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ أَوْ عَدَدٍ وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ اسْتِثْنَاءُ ثَمَرَةِ شَجَرَةٍ أَوْ شَجَرَاتٍ بِعَيْنِهَا وَذَلِكَ جَائِزٌ أَيْضًا كَانَ ذَلِكَ الْمُسْتَثْنَى قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا (قَالَ الشَّارِحُ) لِأَنَّهُ غَيْرُ مَبِيعٍ فَلَا يَدْخُلُهُ الْخِلَافُ الَّذِي فِي كَوْنِ الْمُسْتَثْنَى مَبِيعًا أَوْ مُبْقًى وَقَدْ أَشَارَ الشَّيْخُ خَلِيلُ لِلْوَجْهَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ بِقَوْلِهِ " وَثَمَرَةٌ وَاسْتِثْنَاءُ قَدْرِ ثُلُثٍ " ثُمَّ قَالَ " وَجُزْءٌ مُطْلَقًا " وَلَمْ يَذْكُرْ الْوَجْهَ الثَّالِثَ وَنَقَلَ الشَّارِحُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ عَنْ الْمُتَيْطِيِّ مَا نَصُّهُ (وَيَجُوزُ لِبَائِعِ الثَّمَرَةِ أَنْ يَسْتَثْنِيَ جُزْءًا شَائِعًا مِنْهَا قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا لِأَنَّ الْبَيْعَ لَمْ يَتَنَاوَلْ ذَلِكَ الْجُزْءَ الْمُسْتَثْنَى) هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ. ثُمَّ قَالَ (وَلِلْبَائِعِ أَنْ يَسْتَثْنِيَ مِنْ الثَّمَرَةِ الْمَبِيعَةِ كَيْلًا مَعْلُومًا فِيمَا يُكَالُ أَوْ وَزْنًا مَعْلُومًا فِيمَا يُوزَنُ إذَا كَانَ الْمُسْتَثْنَى ثُلُثَ الثَّمَرِ فَدُونَ، وَلَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى ذَلِكَ) اهـ. ثُمَّ نَقَلَ عَلَى الْوَجْهِ الثَّالِثِ مَا نَصُّهُ: وَفِي النَّوَادِرِ عَنْ الْوَاضِحَةِ وَمَنْ بَاعَ ثَمَرَ حَائِطِهِ وَاسْتَثْنَى ثَمَرَ أَرْبَعِ نَخَلَاتٍ بِأَعْيَانِهَا جَازَ ذَلِكَ قَلَّتْ أَوْ كَثُرَتْ اهـ وَإِلَى هَذَا التَّعْمِيمِ فِي الْقَلِيلَةِ وَالْكَثِيرَةِ أَشَارَ النَّاظِمُ بِالْإِطْلَاقِ: وَفِي عَصِيرِ الْكَرْمِ يُشْرَى بِالذَّهَبْ ... أَوْ فِضَّةٍ أَخْذُ الطَّعَامِ يُجْتَنَبْ يَعْنِي أَنَّ مَنْ بَاعَ عَصِيرَ كَرْمِهِ بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ عَنْ ثَمَنِهِ قَمْحًا أَوْ شَعِيرًا وَلَا غَيْرَهُمَا مِنْ سَائِرِ الطَّعَامِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ اقْتِضَاءِ الطَّعَامِ مِنْ ثَمَنِ الطَّعَامِ وَهُوَ مَمْنُوعٌ نَظَرًا إلَى مَا آلَ إلَيْهِ الْأَمْرُ مِنْ طَعَامٍ بِطَعَامٍ إلَى أَجَلٍ وَهَذَا الْحُكْمُ لَا يَخْتَصُّ بِالْعَصِيرِ بَلْ كُلُّ طَعَامٍ كَذَلِكَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَقْتَضِيَ عَنْ ثَمَنِهِ طَعَامًا.

فصل في الجائحة في الثمار

[فَصْلٌ فِي الْجَائِحَةِ فِي الثِّمَارِ] فَصْلٌ فِي الْجَائِحَةِ فِي ذَلِكَ وَكُلُّ مَا لَا يُسْتَطَاعُ الدَّفْعُ لَهْ ... جَائِحَةٌ مِثْلُ الرِّيَاحِ الْمُرْسَلَةِ وَالْجَيْشُ مَعْدُودٌ مِنْ الْجَوَائِح ... كَفِتْنَةٍ وَكَالْعَدُوِّ الْكَاشِح تَعَرَّضَ فِي الْبَيْتَيْنِ لِتَعْرِيفِ الْجَائِحَةِ، فَأَخْبَرَ أَنَّهَا كُلُّ مَا لَا يُسْتَطَاعُ دَفْعُهُ كَالرِّيحِ الْعَاصِفَةِ وَالْجَرَادِ الْمُنْتَشِرِ، وَالْجَيْشِ يَمُرُّ بِالنَّخِيلِ، وَالْفِتْنَةِ، وَالْعَدُوِّ، وَالْمَطَرِ وَالْبَرْدِ، وَالطَّيْرِ، وَالنَّارِ، وَنَحْوِهِمَا. وَفُهِمَ مِنْهُ أَنَّ مَا يُسْتَطَاعُ دَفْعُهُ كَسَارِقٍ لَيْسَ بِجَائِحَةٍ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْنِ فِي الْمَسْأَلَةِ (قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ) قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: كُلُّ مَا أَصَابَ الثَّمَرَةَ مِنْ الْجَرَادِ، وَالرِّيحِ، وَالنَّارِ وَالْغَزْوِ، وَالْبَرْدِ، وَالْمَطَرِ، الْغَالِبِ وَالدُّودِ، وَعَفَنِ، الثَّمَرَةِ، فِي الشَّجَرَةِ وَالسَّمُومِ فَذَلِكَ كُلُّهُ جَائِحَةٌ تُوضَعُ مِنْ الْمُبْتَاعِ إنْ أَصَابَتْ الثُّلُثَ فَصَاعِدًا، أَوْ الْجَيْشُ يَمُرُّ بِالنَّخْلِ فَيَأْخُذُ ثَمَرَتَهُ فَذَلِكَ جَائِحَةٌ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَلَوْ سَرَقَهَا سَارِقٌ كَانَتْ الْجَائِحَةَ أَيْضًا وَقَالَ ابْنُ نَافِعٍ لَيْسَ السَّارِقُ بِجَائِحَةٍ ابْنُ يُونُسَ وَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَصْوَبُ لِأَنَّهُ فِعْلُ مَخْلُوقٍ لَا يُقْدَرُ عَلَى دَفْعِهِ كَالْجَرَادِ. اهـ " وَالْكَاشِحُ: الْمُضْمِرُ لِلْعَدَاوَةِ " وَهُوَ نَعْتٌ لِلْعَدُوِّ فَإِنْ يَكُنْ مِنْ عَطَشٍ مَا اتَّفَقَا ... فَالْوَضْعُ لِلثَّمَنِ فِيهِ مُطْلَقَا وَإِنْ يَكُنْ مِنْ غَيْرِهِ فَفِي الثَّمَرْ ... مَا بَلَغَ الثُّلْثَ فَأَعْلَى الْمُعْتَبَرْ وَفِي الْبُقُولِ الْوَضْعُ فِي الْكَثِيرِ ... وَفِي الَّذِي قَلَّ عَلَى الْمَشْهُورِ وَأَلْحَقُوا نَوْعَ الْمَقَاثِئِ بِالثَّمَرْ ... هُنَا وَمَا كَالْيَاسَمِينِ وَالْجَزَرْ حَاصِلُ الْأَبْيَاتِ أَنَّ الْجَائِحَةَ إنْ كَانَتْ مِنْ الْعَطَشِ فَإِنَّهُ يُوضَعُ عَنْ الْمُشْتَرِي ثَمَنُ مَا اُجْتِيحَ قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا وَإِلَيْهِ أَشَارَ (بِالْإِطْلَاقِ) وَإِنْ كَانَتْ مِنْ غَيْرِ الْعَطَشِ يُفَصَّلُ فِي ذَلِكَ فَفِي: - الثِّمَارِ لَا يُوضَعُ إلَّا مَا بَلَغَ الثُّلُثَ فَأَكْثَرَ، وَيُلْحَقُ بِالثِّمَارِ فِي اعْتِبَارِ الثُّلُثِ أَنْوَاعُ الْمَقَاثِئِ وَمَا كَالْيَاسَمِينِ، وَمُغَيَّبُ الْأَصْلِ كَالْجَزَرِ حَسْبَمَا صَرَّحَ بِهِ النَّاظِمُ فِي الْبَيْتِ الرَّابِعِ عَلَى بَحْثٍ يَأْتِي مَعًا فِي مُغَيَّبِ الْأَصْلِ. وَأَمَّا الْبُقُولُ فَتُوضَعُ جَائِحَتُهَا قَلَّتْ أَوْ كَثُرَتْ عَلَى الْمَشْهُودِ. (قَالَ مَالِكٌ) مَنْ اشْتَرَى شَيْئًا مِنْ الْبُقُولِ السَّلْقِ وَالْبَصَلِ وَالْجَزَرِ وَالْفُجْلِ وَالْكُرَّاثِ وَشِبْهِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُوضَعُ قَلِيلُ مَا أُجِيحَ مِنْ ذَلِكَ وَكَثِيرُهُ. (ابْنُ الْمَوَّازِ) وَاللِّفْتُ، وَالْأُصُولُ، الْمُغَيَّبَةُ فِي الْأَرْضِ مِمَّا لَا يُدَّخَرُ هِيَ بِمَنْزِلَةِ الْبَقْلِ. (سَحْنُونٌ) ، وَأَمَّا الزَّعْفَرَانُ وَالرَّيْحَانُ، وَالْبَقْلُ، وَالْقُرْطُ، وَالْقَضْبُ فَإِنَّ الْجَوَائِحَ تُوضَعُ فِي قَلِيلِهَا وَكَثِيرِهَا وَلَا تَصِحُّ فِيهَا الْمُسَاقَاةُ

اهـ مِنْ الْمَوَّاقِ. (تَنْبِيهٌ) مَا ذَكَرَهُ النَّاظِمُ مِنْ إلْحَاقِ مُغَيَّبِ الْأَصْلِ كَالْجَزَرِ بِالثِّمَارِ فَلَا تُوضَعُ جَائِحَتُهُ إلَّا إذَا بَلَغَتْ الثُّلُثَ هُوَ أَحَدُ قَوْلَيْنِ فِي الْمَسْأَلَة وَنَقَلَهُ فِي الْعُتْبِيَّةِ عَنْ سَحْنُونٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ حَسْبَمَا نَقَلَهُ الشَّارِحُ وَتَقَدَّمَ قَرِيبًا فِي نَقْلِ الْمَوَّاقِ أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْبَقْلِ تُوضَعُ جَائِحَتُهُ وَإِنْ قَلَّتْ وَعَلَيْهِ دَرَجَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ حَيْثُ قَالَ وَتُوضَعُ مِنْ الْعَطَشِ وَإِنْ قَلَّتْ كَالْبُقُولِ وَالزَّعْفَرَانِ وَالرَّيْحَانِ وَالْقُرْطِ وَالْقَضْبِ وَوَرَقِ التُّوتِ وَمُغَيَّبِ الْأَصْلِ كَالْجَزَرِ وَالْجَزَرِ الإسفرانية وَانْظُرْ هَلْ يُحَاوَلُ عَلَى إفَادَةِ الْخِلَافِ فِي مُغَيَّبِ الْأَصْلِ مِنْ النَّظْمِ وَذَلِكَ إنْ أَعْرَبْنَا قَوْلَهُ وَالْجَزَرُ مُبْتَدَأٌ (وَقَوْلٌ) فِي الْبَيْتِ بَعْدَهُ (وَالْقَصَبُ) عَطْفٌ عَلَيْهِ وَجُمْلَةُ بِهِ قَوْلَانِ خَبَرٌ عَنْ الْجَزَرِ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ وَبَاءُ (بِهِ) ظَرْفِيَّةٌ وَضَمِيرُهَا لِلْمَذْكُورِ مِنْ جَزَرٍ وَقَصَبٍ لِأَنَّ ذِكْرَ الْخِلَافِ أَوْلَى مِنْ الِاقْتِصَارِ عَلَى غَيْرِ الْمَشْهُورِ. وَنَقَلَ الشَّارِحُ عَنْ الِاسْتِغْنَاءِ مَا نَصُّهُ: مَنْ جَعَلَ فِي الْفُجْلِ وَالْجَزَرِ وَاللِّفْتِ وَالْأُصُولِ الْمُغَيَّبَةِ الْجَائِحَةِ فِي الثُّلُثِ فَصَاعِدًا يَجْعَلُ فِيهَا الشُّفْعَةَ. وَمَنْ جَعَلَ الْجَائِحَةَ فِيهَا فِي الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ كَالْبُقُولِ لَمْ يَجْعَلْ فِيهَا الشُّفْعَةَ وَالْأَحْسَنُ فِيهَا قَوْلُ الْمُدَوَّنَةِ أَنْ لَا شُفْعَةَ فِيهَا وَلَيْسَتْ كَالْبَاذِنْجَانِ وَالْمَقَاثِئِ لِأَنَّ هَذِهِ لَهَا ثَمَرَةٌ تَخْرُجُ عَنْ أُصُولِهَا تُجْتَنَى وَتَبْقَى أَيْ الْأُصُولُ، اهـ قَوْلُهُ وَلَيْسَتْ كَالْبَاذِنْجَانِ وَالْمَقَاثِئِ أَيْ اللَّذَيْنِ لَا تُوضَعُ جَائِحَتُهُمَا إلَّا إذَا بَلَغَتْ الثُّلُثَ بَلْ تُوضَعُ مِنْ مُغَيَّبِ الْأَصْلِ وَإِنْ قَلَّتْ لِأَنَّهَا إذَا جُنِيَتْ لَمْ يَبْقَ لَهَا أَصْلٌ. (تَنْبِيهٌ ثَانٍ) يَتَعَلَّقُ بِقَوْلِ النَّاظِمِ وَإِنْ تَكُنْ مِنْ غَيْرِهِ فَفِي الثَّمَرِ الْبَيْتَ أَشَارَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ لِلْمَسْأَلَةِ بِقَوْلِهِ [وَتُوضَعُ جَائِحَةُ الثِّمَارِ كَالْمَوْزِ وَالْمَقَاثِئِ] (قَالَ الشَّيْخُ ابْنُ غَازٍ) نَبَّهَ بِالثِّمَارِ عَلَى مَا يُدَّخَرُ كَالتَّمْرِ وَالْعِنَبِ وَنَبَّهَ بِالْمَوْزِ عَلَى مَا لَا يُدَّخَرُ كَالْخَوْخِ وَالرُّمَّانِ وَنَبَّهَ بِالْمَقَاثِئِ عَلَى مَا يُطْعِمُ بُطُونًا كَالْوَرْدِ وَالْيَاسَمِينِ حَسْبَمَا هُوَ مَبْسُوطٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَيَنْطَبِقُ قَوْلُهُ وَإِنْ بِيعَتْ عَلَى الْجَذِّ عَلَى الْجَمِيعِ اهـ وَالْقَصَبُ الْحُلْوُ بِهِ قَوْلَانِ ... كَوَرَقِ التُّوتِ هُمَا سِيَّانِ يَعْنِي أَنَّ: فِي الْقَصَبِ الْحُلْوِ وَوَرَقِ التُّوتِ قَوْلَيْنِ هَلْ يُلْحَقَانِ بِالثِّمَارِ فَلَا تُوضَعُ الْجَائِحَةُ فِيهِمَا إلَّا إذَا بَلَغَتْ الثُّلُثَ فَأَكْثَرَ أَوْ يُلْحَقَانِ بِالْبُقُولِ فَتُوضَعُ جَائِحَتُهُمَا وَإِنْ قَلَّتْ، نَقَلَ الشَّارِحُ عَنْ النَّوَادِرِ أَنَّ الْجَائِحَةَ فِي قَصَبِ السُّكَّرِ لَا تُوضَعُ حَتَّى تَبْلُغَ الثُّلُثَ. وَأَنَّهُ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ. ثُمَّ نَقَلَ عَنْ كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ أَنَّ الْجَائِحَةَ تُوضَعُ فِي قَصَبِ السُّكَّرِ وَإِنْ قَلَّتْ. وَنَقَلَ أَيْضًا عَنْ الْوَاضِحَةِ قَالَ وَجَائِحَةُ وَرَقِ التُّوتِ الَّذِي يُبَاعُ لِيُجْمَعَ أَخْضَرَ لِعَلْفِ دُودِ الْحَرِيرِ كَجَائِحَةِ الْبَلَحِ وَشِبْهِهِ يُوضَعُ الثُّلُثُ فَصَاعِدًا وَلَيْسَ كَالْبَقْلِ. وَرَوَى أَبُو زَيْدٍ فِي وَرَقِ التُّوتِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ أَنَّهُ كَالْبَقْلِ يُوضَعُ مِنْهُ مَا قَلَّ وَمَا كَثُرَ وَذَهَبَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ الْجَائِحَةِ فِي قَصَبِ السُّكَّرِ رَأْسًا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ حَتَّى يَطِيبَ وَيُمْكِنَ قَطْعُهُ وَلَيْسَ هُوَ بِبُطُونٍ وَقِيلَ فِيهِ الْجَائِحَةُ وَعَلَى هَذَا فَهَلْ هُوَ كَالثِّمَارِ أَوْ كَالْبُقُولِ؟ الْقَوْلَانِ الْمُتَقَدِّمَانِ وَإِنَّمَا شَرَحْنَا الْقَوْلَيْنِ فِي قَصَبِ السُّكَّرِ بِمَا ذُكِرَ دُونَ الْقَوْلِ بِالْجَائِحَةِ وَعَدَمِهَا لِيُوَافِقَ الْقَوْلَيْنِ فِي وَرَقِ التُّوتِ عَلَى أَنَّهُ كَالْبَقْلِ تُوضَعُ جَائِحَتُهُ وَإِنْ قَلَّتْ لِكَوْنِهِ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَكُلُّهَا الْبَائِعُ ضَامِنٌ لَهَا ... إنْ كَانَ مَا أُجِيحَ قَبْلَ الِانْتِهَاءِ يَعْنِي أَنَّ: الثِّمَارَ كُلَّهَا فِي ضَمَانِ الْبَائِعِ فَيُرْجَعُ عَلَيْهِ بِجَائِحَتِهَا إذَا أُجِيحَتْ قَبْلَ انْتِهَاءِ الطِّيبِ وَمَفْهُومُهُ أَنَّ مَا أُجِيحَ بَعْدَ انْتِهَائِهِ فَلَا يُرْجَعُ بِهِ عَلَى الْبَائِعِ وَضَمَانُهَا حِينَئِذٍ مِنْ الْمُشْتَرِي وَإِنَّمَا كَانَتْ فِي ضَمَانِ الْبَائِعِ قَبْلَ انْتِهَاءِ الطِّيبِ لِأَنَّ لِلْمُشْتَرِي حَقًّا عَلَى الْبَائِعِ فِي إبْقَاءِ الثَّمَرَةِ فِي أُصُولِهَا لِصَلَاحِهَا وَكَمَالِ طِيبِهَا فَقَدْ بَقِيَ لَهُ فِيهَا حَقُّ تَوْفِيَةٍ وَلَهُ عَلَى الْبَائِعِ سَقْيُهَا وَظَاهِرُ النَّظْمِ أَنَّ بِانْتِهَاءِ الطِّيبِ تَخْرُجُ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ وَإِنْ لَمْ يَمْضِ مِنْ الزَّمَانِ مَا يُمْكِنُهُ فِيهِ قَطْعُهَا. وَهُوَ أَحَدُ أَقْوَالٍ ثَلَاثَةٍ. " قَالَ الْحَطَّابُ " نَاقِلًا عَنْ ابْنِ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ أَحَدُهُمَا أَنَّ

الثَّمَرَةَ تَدْخُلُ فِي ضَمَانِ الْمُشْتَرِي وَيَسْقُطُ عَنْ الْبَائِعِ فِيهَا حُكْمُ الْجَائِحَةِ بِتَنَاهِي طِيبِهَا وَإِنْ لَمْ يَمْضِ مِنْ الْمُدَّةِ بَعْدَ تَنَاهِي طِيبِهَا مَا يُمْكِنُهُ فِيهِ قَطْعُهَا الثَّانِي مِنْ الْأَقْوَالِ أَنَّهَا لَا تَدْخُلُ فِي ضَمَانِهِ وَلَا يَرْتَفِعُ عَنْ الْبَائِعِ حُكْمُ الْجَائِحَةِ إلَّا بَعْدَ تَنَاهِي طِيبِهَا وَأَنْ يَمْضِيَ مِنْ الْمُدَّةِ بَعْدَ تَنَاهِي طِيبِهَا مَا لَوْ شَاءَ الْمُبْتَاعُ أَنْ يَجُذَّهَا فِيهِ جَذَّهَا. الثَّالِثُ أَنَّهَا لَا تَدْخُلُ فِي ضَمَانِهِ وَيَرْتَفِعُ عَنْ الْبَائِعِ حُكْمُ الْجَائِحَةِ حَتَّى يَمْضِيَ مِنْ الْمُدَّةِ بَعْدَ انْتِهَاءِ طِيبِهَا مَا جَرَى عَلَيْهِ الْعُرْفُ مِنْ التَّرَاخِي فِي ذَلِكَ وَاشْتَرَى عَلَيْهِ الْمُشْتَرِي وَدَخَلَ عَلَيْهِ الْبَائِعُ لِأَنَّ الْعُرْفَ الْبَيِّنَ عِنْدَهُمْ كَالشَّرْطِ وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ جَيِّدَةٌ مُسْتَقْصَاةٌ مُحَصَّلَةٌ غَايَةَ التَّحْصِيلِ لَمْ أَرَهَا مَجْمُوعَةً وَلَا مُخَلَّصَةً مُحَصَّلَةً لِمُتَقَدِّمٍ وَلَا سَمِعْتُهَا مِنْ مُتَأَخِّرٍ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ الْهَادِي بِعَوْنِهِ اهـ كَلَامُهُ وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ بِتَمَامِ مَعْنَاهُ فِي أَوْجَزِ عِبَارَةٍ وَأَلْطَفِ إشَارَةٍ. وَنَصَّهُ ابْنُ رُشْدٍ فِيمَا أُجِيحَ قَبْلَ كَمَالِ طِيبِهِ: الْجَائِحَةُ اتِّفَاقًا لِحَقِّ الْمُبْتَاعِ فِي بَقَائِهَا حَتَّى تَيْبَسَ وَمَا أُجِيحَ بَعْدَ إمْكَانِ جِذَاذِهِ بَعْدَ طِيبِهِ وَقَبْلَ مُضِيِّ مَا يُؤَخَّرُ إلَيْهِ جَذُّهُ عَادَةً يَجْرِي عَلَى اخْتِلَافِ قَوْلِ مَالِكٍ فِي الْقَبُولِ وَمَا أُجِيحَ بَعْدَهُ مِنْ مُبْتَاعِهِ اتِّفَاقًا فَفِي كَوْنِ الثَّمَرَةِ مِنْ مُبْتَاعِهَا يَتَنَاهَى طِيبُهَا وَإِنْ لَمْ يَمْضِ مَا يُمْكِنُهُ فِيهِ جَذُّهَا أَوْ بِمُضِيِّهَا. ثَالِثُهَا: بِمُضِيِّ ذَلِكَ وَمَا يَجْرِي الْعُرْفُ بِالتَّأْخِيرِ إلَيْهِ وَهَذَا تَحْصِيلٌ لَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ اهـ وَقَوْلُ ابْنِ عَرَفَةَ فِي الْوَجْهِ الثَّانِي عَلَى اخْتِلَافِ قَوْلِ مَالِكٍ فِي الْبُقُولِ أَيْ لِأَنَّهُ قَالَ مَرَّةً فِيهَا الْجَائِحَةُ، وَمَرَّةً لَا جَائِحَةَ فِيهَا. فَالثَّمَرَةُ بَعْدَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا كَالْبُقُولِ وَيَجْرِي الْخِلَافُ فِي هَذَا الْوَجْهِ أَيْضًا عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي ضَمَانِ الْمَكِيلِ إذَا تَلِفَ بَعْدَ أَنْ يَمْتَلِئَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَقَبْلَ أَنْ يُفْرِغَهُ فِي وِعَائِهِ. (تَنْبِيهَانِ: - الْأَوَّلُ) لَمْ يَذْكُرْ النَّاظِمُ كَيْفِيَّةَ الرُّجُوعِ عَلَى الْبَائِعِ بِالْجَائِحَةِ وَفِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ لِأَنَّ الثِّمَارَ عَلَى قِسْمَيْنِ: - (الْأَوَّلُ) : أَنْ يَكُونَ مَا بِيعَ مِنْ الثَّمَرِ مِمَّا شَأْنُهُ أَنْ يَيْبَسَ وَيُدَّخَرَ وَيُحْبَسَ أَوَّلُهُ عَلَى آخِرِهِ حَتَّى يُجَذَّ جَمِيعُهُ، وَسَوَاءٌ كَانَ مِمَّا يُخْرَصُ أَوْ لَا وَذَلِكَ كَالتَّمْرِ، وَالْعِنَبِ، وَالزَّيْتُونِ، وَالْجَوْزِ وَاللَّوْزِ، وَالْفُسْتُقِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ فَهَذَا إذَا أُجِيحَ مِنْهُ الْقَدْرُ الْمُعْتَبَرُ فِي الْجَائِحَةِ وَهُوَ ثُلُثُ الْمَكِيلَةِ فَأَكْثَرُ وُضِعَ عَنْ الْمُشْتَرِي نِسْبَةُ مَا أُجِيحَ مِنْ الثَّمَنِ قَوْلًا وَاحِدًا. وَلَا يُلْتَفَتُ هُنَا إلَى الْقِيمَةِ فَإِنْ أُجِيحَ مَثَلًا ثُلُثُ مَكِيلَةِ الْحَائِطِ وُضِعَ عَنْ الْمُشْتَرِي ثُلُثُ الثَّمَنِ، أَوْ النِّصْفُ وُضِعَ عَنْهُ نِصْفُ الثَّمَنِ وَنَحْوُ ذَلِكَ وَإِنْ أُجِيحَ أَقَلُّ مِنْ ثُلُثِ الثَّمَرَةِ فِي الْمِقْدَارِ لَمْ يُوضَعْ عَنْهُ شَيْءٌ وَلَا تَقْوِيمَ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ لِأَنَّ لِمُبْتَاعِهَا تَعْجِيلَ جَذِّهَا أَوْ تَأْخِيرَهَا حَتَّى تَيْبَسَ. وَقَرِيبٌ مِنْ هَذَا اللَّفْظِ فِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ لَا تَقْوِيمَ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ لِأَنَّ قُبَّةَ الْمُجَاحِ وَغَيْرِهِ مُتَسَاوِيَةٌ لَا تَتَفَاوَتُ فَلَا فَائِدَةَ لِلتَّقْوِيمِ بِخِلَافِ مَا يَتَفَاوَتُ طِيبُهُ وَمَا اخْتَلَفَتْ بُطُونُهُ فَإِنَّ الْقِيمَةَ فِيهِ مُخْتَلِفَةٌ. اهـ (الْقِسْمُ الثَّانِي) قَالَ: ابْنُ الْقَاسِمِ: وَمَا بِيعَ مِمَّا يُطْعِمُ بُطُونًا كَالْمَقَاثِئِ وَالْوَرْدِ، وَالْيَاسَمِينِ، وَشِبْهِهِ أَوْ مِنْ الثِّمَارِ، أَوْ مِمَّا لَا يُخْرَصُ وَلَا يُدَّخَرُ مِمَّا يُطْعَمُ فِي كُرَةٍ إلَّا أَنَّ طِيبَهُ يَتَفَاوَتُ، وَلَا يُحْبَسُ، أَوَّلُهُ عَلَى آخِرِهِ كَالتُّفَّاحِ، وَالرُّمَّانِ، وَالْخَوْخِ وَالتِّينِ فَإِنْ أُجِيحَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ نُظِرَ فَإِنْ كَانَ مَا أَصَابَتْ الْجَائِحَةُ مِنْهُ قَدْرَ ثُلُثِ الثَّمَرَةِ فِي النَّبَاتِ فَأَكْثَرَ أَوَّلَ مَجْنَاهُ أَوْ وَسَطَهُ أَوْ آخِرَهُ حُطَّ مِنْ الثَّمَنِ قَدْرُ قِيمَتِهِ فِي زَمَنِهِ مِنْ قِيمَةِ بَاقِيهِ كَانَ فِي الْقِيمَةِ أَقَلُّ مِنْ الثُّلُثِ أَوْ أَكْثَرُ. وَإِنْ كَانَ الْمُجَاحُ مِنْ الْجَمِيعِ أَقَلَّ مِنْ الثُّلُثِ فِي كَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ لَا فِي الْقِيمَةِ فَلَا يُوضَعُ فِيهِ جَائِحَةٌ زَادَتْ قِيمَتُهُ عَلَى الثُّلُثِ أَوْ نَقَصَتْ مِثْلَ أَنْ يَبْتَاعَ مَقْثَأَةً بِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَأُجِيحَ بَطْنٌ مِنْهَا ثُمَّ جَنَى بَطْنَيْنِ فَانْقَطَعَتْ فَإِنْ كَانَ الْمُجَاحُ مِمَّا لَمْ يُجَحْ قَدْرَ ثُلُثِ النَّبَاتِ بَعْدَ مَعْرِفَةِ نَاحِيَةِ النَّبَاتِ وُضِعَ قَدْرُهُ. وَقِيلَ مَا قِيمَةُ الْمُجَاحِ فِي زَمَنِهِ فَقِيلَ ثَلَاثُونَ وَالْبَطْنُ الثَّانِي عِشْرُونَ وَالثَّالِثُ عَشَرَةٌ فِي زَمَانِهَا لِغَلَاءِ أَوَّلِهِ. وَإِنْ قَلَّ وَرَخُصَ آخِرُهُ وَإِنْ كَثُرَ فَيُرْجَعُ بِنِصْفِ الثَّمَنِ. وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْمُجَاحُ تِسْعَةَ أَعْشَارِ الْقِيمَةِ لَرَجَعَ بِمِثْلِهِ مِنْ الثَّمَنِ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ الثُّلُثِ فِي النَّبَاتِ لَمْ يُوضَعْ مِنْهُ شَيْءٌ وَإِنْ كَانَ قِيمَتُهُ تِسْعَةَ أَعْشَارِ الصَّفْقَةِ وَكَذَلِكَ فِيمَا يَتَفَاوَتُ طِيبُهُ مِمَّا لَيْسَ بَطْنًا بَعْدَ بَطْنٍ اهـ مِنْ الْمَوَّاقِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ هُوَ الْمَشْهُورُ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ يُقَوَّمُ الْمُجَاحُ فِي وَقْتِهِ وَغَيْرُ الْمُجَاحِ فِي وَقْتِهِ ثُمَّ يُنْسَبُ قِيمَةُ الْمُجَاحِ مِنْ الْمَجْمُوعِ، فَإِنْ كَانَتْ ثُلُثًا رَجَعَ بِثُلُثِ الثَّمَنِ، وَإِنْ كَانَتْ رُبُعًا رَجَعَ بِرُبُعِ

فصل في بيع الرقيق وسائر الحيوان

الثَّمَنِ، وَإِنْ نِصْفًا رَجَعَ بِنِصْفِ الثَّمَنِ، وَهَكَذَا. وَقِيلَ إنَّ الْجَائِحَةَ مُعْتَبَرَةٌ بِثُلُثِ الْقِيمَةِ فَإِنْ أُجِيحَ قِيمَةُ ثُلُثِ ذَلِكَ أَوْ أَكْثَرَ وُضِعَ عَنْ الْمُشْتَرِي نِسْبَةُ ذَلِكَ مِنْ الثَّمَنِ وَإِلَّا فَلَا. وَهَذَا قَوْلُ أَشْهَبَ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَيْضًا وَغَيْرِهَا وَإِلَى هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ أَشَارَ الْإِمَامُ ابْنُ الْحَاجِبِ بِقَوْلِهِ، [وَيُعْتَبَرُ ثُلُثُ الْمَكِيلَةِ لَا ثُلُثُ الْقِيمَةِ مُطْلَقًا عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ فَيُحَطُّ مِنْ الثَّمَنِ قَدْرُ قِيمَتِهِ مِنْ بَاقِيهِ كَانَتْ أَقَلَّ مِنْ الثُّلُثِ أَوْ أَكْثَرَ] (وَقَالَ أَشْهَبُ) الْمُعْتَبَرُ ثُلُثُ الْقِيمَةِ، وَلَوْ كَانَ يُحْبَسُ أَوَّلُهُ عَلَى آخِرِهِ كَالْعِنَبِ، وَالرُّطَبِ، فَبِالْمَكِيلَةِ بِاتِّفَاقٍ. اهـ فَقَوْلُهُ مُطْلَقًا عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ أَيْ: كَانَ مِمَّا يُطْعِمُ بَطْنًا أَوْ بُطُونًا كَالْمَقَاثِئِ، وَالْوَرْدِ، وَالْيَاسَمِينَ وَيُحْتَمَلُ: بَلَغَ ثُلُثَ الْقِيمَةِ أَمْ لَا وَقَوْلُهُ (قَدْرَ قِيمَتِهِ) أَيْ: قِيمَةِ الْمُجَاحِ الَّذِي هُوَ الثُّلُثُ فَأَكْثَرُ مَنْسُوبًا مِنْ قِيمَةِ الْمَجْمُوعِ مَا أُجِيحَ وَمَا لَمْ يُجَحْ كَمَا تَقَدَّمَ فَبِتِلْكَ النِّسْبَةِ يُرْجَعُ مِنْ الثَّمَنِ. وَقَوْلُهُ بِاتِّفَاقٍ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ حَكَى جَمَاعَةٌ هَذَا الِاتِّفَاقَ كَالْمُؤَلِّفِ لَكِنَّهُ مُقَيَّدٌ بِأَنْ يَكُونَ صِنْفًا وَاحِدًا وَلَوْ كَانَ أَصْنَافًا كَالْبَرْنِيِّ وَالْجُعْرُورِيِّ وَالصَّيْحَانِيِّ لَجَرَى عَلَى الْخِلَافِ. اهـ. أَيْ: الْمُتَقَدِّمِ بَيْنَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ هَلْ الْمُعْتَبَرُ الْمَكِيلَةُ أَوْ الْقِيمَةُ؟ (الثَّانِي) إذَا بَقِيَ بَعْدَ الْجَائِحَةِ شَيْءٌ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ الْمُشْتَرِي بِمَا يَنْوِيهِ مِنْ الثَّمَنِ وَإِنْ قَلَّ وَلَيْسَ لَهُ رَدُّ ذَلِكَ عَلَى الْبَائِعِ وَأَخْذُ جَمِيعِ ثَمَنِهِ كَمَا إذَا اسْتَحَقَّ جُلَّ الْمَبِيعِ إذْ لَا سَبَبَ لِلْبَائِعِ فِي الْجَائِحَةِ فَفَارَقَ ذَلِكَ حُكْمَ الِاسْتِحْقَاقِ وَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ. قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ الشَّيْخُ خَلِيلُ بِقَوْلِهِ (وَلَزِمَ الْمُشْتَرِي بَاقِيهَا وَإِنْ قَلَّ) (الثَّالِثُ) غُلُوُّ السِّعْرِ غَيْرُ مُسْقِطٍ لِلرُّجُوعِ بِالْجَائِحَةِ قَالَ الْحَطَّابُ صَرَّحَ بِذَلِكَ ابْنُ شَعْبَانَ فِي الزَّاهِي وَنَصُّهُ وَلَوْ أُجِيحَ وَغَلَا ثَمَنُ الثَّمَرَةِ حَتَّى زَادَ عَلَى الْمَعْلُومِ مِنْ الْأَثْمَانِ لَوْ لَمْ تَكُنْ جَائِحَةٌ مَا سَقَطَتْ. اهـ، وَمَنْ أَرَادَ تَتَبُّعَ مَسَائِلَ هَذَا الْفَصْلِ فَعَلَيْهِ بِتَأْلِيفِ الْإِمَامِ الْحَطَّابِ فِي مَسَائِلِ الْجَوَائِحِ الْمُسَمَّى بِالْقَوْلِ الْوَاضِحِ فِي مَسَائِلِ الْجَوَائِحِ. (الرَّابِعُ) : إنَّمَا قَدَّمْنَا فِي هَذَا الْفَصْلِ بَعْضَ الْأَبْيَاتِ عَلَى بَعْضٍ لِمَا رَأَيْنَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْمُنَاسَبَةِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [فَصْلٌ فِي بَيْعِ الرَّقِيقِ وَسَائِرِ الْحَيَوَانِ] ِ بَيْعُ الرَّقِيقِ أَصْلُهُ السَّلَامَهْ ... وَحَيْثُ لَمْ تُذْكَرْ فَلَا مَلَامَهْ وَهُوَ مُبِيحٌ لِلْقِيَامِ عِنْدَمَا ... يُوجِبُ عَيْبٌ بِالْمَبِيعِ قُدِّمَا يَعْنِي أَنَّ: الْأَصْلَ فِي بَيْعِ الرَّقِيقِ السَّلَامَةُ مِنْ الْعَيْبِ فَإِنْ نُصَّ عَلَيْهَا فَلَا إشْكَالَ، وَإِنْ تَذَكَّرَ فَلَا مَلَامَةَ فِي عَدَمِ ذِكْرِهَا، وَالْبَيْعُ مَحْمُولٌ عَلَيْهَا، وَإِنْ سَكَتَ عَنْهَا اسْتِصْحَابًا لِلْأَصْلِ فَلِذَلِكَ كَانَ لِلْمُشْتَرِي الْقِيَامُ بِالْعَيْبِ الْقَدِيمِ يَجِدُهُ بِالْمَبِيعِ لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي مَا لَمْ يَنُصَّ عَلَى الْبَرَاءَةِ فَلَا قِيَامَ لِلْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ حِينَئِذٍ بِعَيْبٍ إلَّا بِمَا ثَبَتَ تَدْلِيسُهُ بِهِ. وَإِلَى إبَاحَةِ قِيَامِ الْمُشْتَرِي بِالْعَيْبِ الْقَدِيمِ أَشَارَ الْمُؤَلِّفُ بِقَوْلِهِ (وَهُوَ مُبِيحٌ) الْبَيْتَ وَالضَّمِيرُ لِبَيْعِ الرَّقِيقِ الَّذِي أَصْلُهُ السَّلَامَةُ يَعْنِي مَا لَمْ يَدْخُلْ عَلَى الْبَرَاءَةِ فَلَا قِيَامَ لَهُ كَمَا ذَكَرَ. (قَالَ ابْنُ سَلْمُونٍ) : بَيْعُ الرَّقِيقِ عَلَى وَجْهَيْنِ عَلَى السَّلَامَةِ مِنْ الْعُيُوبِ وَعَلَى الْبَرَاءَةِ وَيُكْتَبُ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ اشْتَرَى فُلَانٌ مِنْ فُلَانٍ مَمْلُوكَةً رُومِيَّةً اسْمُهَا كَذَا، أَوْ مَمْلُوكَةً سَوْدَاءَ جَانِيَةً أَوْ بَزِيزِيَّةً اسْمُهَا كَذَا، أَوْ مَمْلُوكًا اسْمُهُ كَذَا وَنَعْتُهُ كَذَا، بِثَمَنٍ مَبْلَغُهُ كَذَا يَدْفَعُهُ لِأَجْلِ كَذَا وَقَبَضَ الْمُشْتَرِي مَا اشْتَرَاهُ بَعْدَ النَّظَرِ، وَالتَّقْلِيبِ، وَالرِّضَا عَلَى الصِّحَّةِ مِنْ جَمِيعِ الْعُيُوبِ، أَوْ بَعْدَ الْعِلْمِ أَنَّ بِهَا مِنْ الْعُيُوبِ كَذَا وَكَذَا فَرَضِيَهَا، وَالْتَزَمَهَا، وَعَلَى السَّلَامَةِ مِمَّا عَدَا ذَلِكَ، وَشُهِدَ عَلَيْهِمَا بِذَلِكَ وَبِمَحْضَرِ الْمَمْلُوكَةِ، وَعَلَى عَيْنِهَا وَإِقْرَارِهَا بِالرِّقِّ لِبَائِعِهَا الْمَذْكُورِ إلَى أَنْ عُقِدَ عَلَيْهَا هَذَا الْبَيْعُ وَفِي تَارِيخِ كَذَا. (بَيَانٌ) فَائِدَةُ الِاعْتِرَافِ بِالرِّقِّ أَنَّهُ قَدْ يُثْبِتُ حُرِّيَّةً وَالْبَائِعُ عَدِيمٌ وَالْعَبْدُ أَوْ الْأَمَةُ ذُو مَالٍ فَيُرْجَعُ عَلَيْهِ بِالثَّمَنِ. وَفِي كِتَابِ الِاسْتِغْنَاءِ أَنَّهُ لَا قِيَامَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِالْحُرِّيَّةِ إنْ ادَّعَاهَا وَقَوْلُنَا عَلَى الصِّحَّةِ

وَالسَّلَامَةِ بَيَانٌ حَسَنٌ وَإِنْ سَكَتَ عَنْهُ فَالْبَيْعُ مَحْمُولٌ عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ حَتَّى يَنُصَّ فِيهِ أَنَّهُ عَلَى الْبَرَاءَةِ وَحُكْمُ هَذَا الْبَيْعِ أَنَّ مَا أَلْفَى فِي الْمَبِيعِ مِنْ عَيْبٍ أَقْدَمَ مِنْ أَمَدِ الْبَيْعِ رَجَعَ بِهِ. اهـ وَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى بَيْعِ الْبَرَاءَةِ حَيْثُ ذَكَرَهُ النَّاظِمُ. (فَرْعٌ) نَقَلَ الشَّارِحُ عَنْ الْمُقَرَّبِ مَا نَصُّهُ وَلِمَالِكٍ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ اشْتَرَى بِالْبَرَاءَةِ فَلَا يَبِيعُ بَيْعَ الْإِسْلَامِ وَعُهْدَتِهِ حَتَّى يُخْبَرَ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ بِالْبَرَاءَةِ وَمَنْ اشْتَرَى بِبَيْعِ الْإِسْلَامِ وَعُهْدَتِهِ فَلَا يَبِيعُ بِالْبَرَاءَةِ لِأَنَّ هَذَا مِمَّا يَكُونُ فِي مِثْلِهِ التَّدْلِيسُ إلَّا رَجُلًا بَاعَ لِدَيْنٍ عَلَيْهِ، أَوْ فِي مِيرَاثٍ، أَوْ بَيْعِ السُّلْطَانِ فَإِنَّ لِهَؤُلَاءِ أَنْ يَبِيعُوا بَيْعَ الْبَرَاءَةِ وَإِنْ كَانُوا قَدْ ابْتَاعُوا بَيْعَ الْإِسْلَامِ وَعُهْدَةِ الْإِسْلَامِ. اهـ وَالْعَيْبُ إمَّا ذُو تَعَلُّقٍ حَصَلْ ... ثُبُوتُهُ فِيمَا يُبَاعُ كَالشَّلَلْ أَوْ مَا لَهُ تَعَلُّقٌ لَكِنَّهْ ... مُنْتَقِلٌ عَنْهُ كَمِثْلِ الْجَنَّهْ أَوْ بَائِنٌ كَالزَّوْجِ وَالْإِبَاقِ ... فَالرَّدُّ فِي الْجَمِيعِ بِالْإِطْلَاقِ إلَّا بِأَوَّلٍ بِمَا مِنْهُ ظَهَرْ ... لِمَنْ يَكُونُ بِالْعُيُوبِ ذَا بَصَرْ وَالْخُلْفُ فِي الْخَفِيِّ مِنْهُ وَالْحَلِفْ ... يَلْزَمُ إلَّا مَعَ تَدَيُّنٍ عُرِفْ يَعْنِي أَنَّ: عُيُوبَ الرَّقِيقِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: - أَحَدُهَا أَنْ يَكُونَ مُتَعَلِّقًا بِهِ تَعَلُّقَ ثُبُوتٍ لَا يُنْتَقَلُ عَنْهُ كَالشَّلَلِ وَالْقَطْعِ وَالْكَيِّ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مُتَعَلِّقًا بِهِ تَعَلُّقَ انْتِقَالٍ كَالْجُنُونِ، وَالْبَوْلِ فِي الْفِرَاشِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَالثَّالِثُ أَنْ يَكُونَ بَائِنًا عَنْهُ كَالسَّرِقَةِ وَالْإِبَاقِ وَالزَّوْجِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَإِلَى هَذِهِ الْأَقْسَامِ أَشَارَ بِالْبَيْتَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ وَشَطْرِ الثَّالِث وَالشَّلَلُ يُبْسُ الْكَفِّ لِجُرْحٍ أَوْ غَيْرِهِ فَمَنْ اشْتَرَى رَقِيقًا فَوَجَدَ فِيهِ عَيْبًا قَدِيمًا مِنْ الْقِسْمِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ فَلَهُ الرَّدُّ بِهِ كَانَ الْمُشْتَرِي عَارِفًا بِالْعُيُوبِ أَوْ غَيْرَ عَارِفٍ بِهَا، وَكَذَلِكَ لَهُ الرَّدُّ بِعُيُوبِ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ لِغَيْرِ الْعَارِفِ ظَاهِرًا كَانَ الْعَيْبُ أَوْ خَفِيًّا. وَأَمَّا الْعَارِفُ فَلَا رَدَّ لَهُ بِمَا كَانَ مِنْهُ ظَاهِرٌ، تَقْدِيمًا لِلْغَالِبِ الَّذِي هُوَ رُؤْيَتُهُ وَالْعِلْمُ بِهِ عَلَى الْأَصْلِ الَّذِي هُوَ الْجَهْلُ بِهِ وَأَمَّا الْخَفِيُّ فَفِي رُجُوعِ الْعَارِفِ بِهِ قَوْلَانِ: - أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَا رَدَّ لَهُ رَوَاهُ (ابْنُ حَبِيبٍ) وَغَيْرُهُ عَنْ مَالِكٍ. وَالثَّانِي أَنَّهُ يَرُدُّ بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ مَا رَآهُ. قَوْلُهُ ابْنُ الْقَاسِمِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَ بَصَرِهِ غَيْرُ مُتَّهَمٍ لِتَدَيُّنِهِ فَلَهُ الرَّدُّ فِي الظَّاهِرِ وَالْخَفِيِّ دُونَ يَمِينٍ. وَإِلَى الرَّدِّ بِمَا ذُكِرَ إلَّا مَا اُسْتُثْنِيَ مِنْهُ أَشَارَ بِقَوْلِهِ (فَالرَّدُّ فِي الْجَمِيعِ بِالْإِطْلَاقِ إلَّا بِأَوَّلٍ إلَى آخِرِ الْبَيْتَيْنِ) وَضَمِيرُ مِنْهُ فِي الْبَيْتِ الرَّابِعِ وَالْخَامِسِ لِلْقِسْمِ الْأَوَّلِ مِنْ الْعُيُوبِ. (وَقَوْلُهُ فِي الْخَفِيِّ مِنْهُ إلَخْ) يَعْنِي وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا مِنْ كَوْنِ الْمُشْتَرِي ذَا بَصَرٍ بِالْعُيُوبِ وَحَلِفُهُ مُفَرَّعٌ عَلَى أَنَّ لَهُ الرَّدَّ كَمَا تَقَدَّمَ عَلَى أَنَّ تَقْسِيمَ الْمُشْتَرِي إلَى كَوْنِهِ عَارِفًا بِالْعُيُوبِ أَوْ لَا إنَّمَا يَظْهَرُ مَعْنَاهُ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ فَقَطْ بِمَا هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِالْمَبِيعِ إذْ هُوَ الَّذِي يَفْتَرِقُ فِيهِ الْعَارِفُ مِنْ غَيْرِهِ.

وَأَمَّا الْقِسْمَانِ الْأَخِيرَانِ فَالْعَارِفُ وَغَيْرُهُ فِيهِمَا سَوَاءٌ. وَإِنَّمَا يُذْكَرُ فِيهِمَا تَتْمِيمًا لِلتَّقْسِيمِ لَا غَيْرُ (قَالَ الشَّارِحُ) وَأَمَّا مَا تَعَلَّقَ مِنْ الْعُيُوبِ بِالْأَبْدَانِ تَعَلُّقَ انْتِقَالٍ أَوْ كَانَ بَائِنًا عَنْهَا فَلِلْمَبِيعِ الرَّدُّ بِهِ نَخَّاسًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ. (تَفْرِيعٌ) إنَّمَا يَثْبُتُ لِلْمُشْتَرِي الرَّدُّ بِالْعَيْبِ إذَا ثَبَتَ الْعَيْبُ وَكَوْنُهُ قَدِيمًا أَيْ قَبْلَ الْبَيْعِ وَلَمْ يَدْخُلْ عَلَيْهِ الْمُشْتَرِي، وَلَا رَضِيَ بِهِ بَعْدَ الشِّرَاءِ فَإِذَا تَنَازَعَا فِي وُجُودِ الْعَيْبِ الْخَفِيِّ فَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ لَا يُقْبَلُ دَعْوَى الْمُبْتَاعِ إنْ بَاعَ لَهُ عَيْبًا دُونَ أَنْ يُبَيِّنَهُ بِالْمُشَاهَدَةِ إنْ كَانَ مُشَاهَدًا أَوْ بِالْبَيِّنَةِ إنْ كَانَ غَيْرَ مُشَاهَدٍ ابْنُ الْحَاجِبِ فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ عُدُولٌ قُبِلَ غَيْرُهُمْ لِلضَّرُورَةِ. قَالَ (الْبَاجِيُّ) وَلَوْ كَانُوا غَيْرَ مُسْلِمِينَ وَسَيَأْتِي هَذَا لِلنَّاظِمِ آخَرَ التَّرْجَمَةِ. وَإِذَا تَنَازَعَا فِي قِدَمِ الْعَيْبِ وَحُدُوثِهِ فَقَالَ (فِي التَّوْضِيحِ) لَا يَخْلُو الْعَيْبُ إمَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّا لَا يَحْدُثُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي أَوْ مِمَّا أَنَّهُ لَا يَكُونُ عِنْدَ الْبَائِعِ فَالْقَوْلُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ قَوْلُ مَنْ قَوِيَ سَبَبُهُ مِنْهُمَا مَعَ يَمِينِهِ. أَوْ يَكُونُ مُحْتَمَلًا فَيُثْبِتُهُ الْمُبْتَاعُ بِالْبَيِّنَةِ فَإِنْ لَمْ تُوجَدْ الْبَيِّنَةُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ مَعَ يَمِينِهِ إذْ الْأَصْلُ لُزُومُ الْعَقْدِ. اهـ فَقَوْلُهُ مِمَّا لَا يَحْدُثُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي أَيْ لِظُهُورِ عَلَامَةِ قِدَمِهِ. وَقَوْلُهُ، أَوْ مِمَّا يُعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَكُونُ عِنْدَ الْبَائِعِ أَيْ لِظُهُورِ عَلَامَةِ حُدُوثِهِ وَقَوْلُهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ قَوِيَ سَبَبُهُ هُوَ الْمُشْتَرِي فِي الصُّورَةِ الْأُولَى وَالْبَائِعُ فِي الثَّانِيَةِ. وَإِذَا تَنَازَعَا فِي دُخُولِ الْمُشْتَرِي عَلَى الْعَيْبِ فَادَّعَى الْبَائِعُ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ بِالْعَيْبِ أَوْ أَرَاهُ إيَّاهُ وَأَنْكَرَ ذَلِكَ الْمُبْتَاعُ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ الْمُبْتَاعَ الْيَمِينُ فَإِنْ حَلَفَ رُدَّ بِالْعَيْبِ وَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْبَائِعُ وَبَرِئَ مِنْهُ. (قَالَهُ الْبَاجِيُّ) نَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ. وَإِذَا تَنَازَعَا فَادَّعَى الْبَائِعُ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ عَلِمَ بِالْعَيْبِ وَرَضِيَهُ (فَفِي الْمُدَوَّنَةِ) لَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْلِفَ الْمُبْتَاعُ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّهُ عَلِمَ رِضَاهُ بِمُخْبِرٍ أَخْبَرَهُ. أَوْ يَقُولُ قَدْ بَيَّنْتُهُ لَهُ فَرَضِيَهُ. قَالَ فِيهَا وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ لَهُ احْلِفْ أَنَّك لَمْ تَرَ الْعَيْبَ عِنْدَ الشِّرَاءِ فَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ حَتَّى يَدَّعِيَ أَنَّهُ أَرَاهُ إيَّاهُ فَيَحْلِفُ. قَالَهُ فِي (التَّوْضِيحِ) وَكَيْفِيَّةُ دُخُولِ الْمُشْتَرِي عَلَى الْعَيْبِ أَنَّ الْعَيْبَ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَتَفَاوَتَ فِي نَفْسِهِ بِالْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ أَوْ لَا، فَالثَّانِي يَبْرَأُ بِتَسْمِيَتِهِ كَقَطْعِ الْيَدِ وَالْعَوَرِ مَثَلًا وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَلَا تَنْقَطِعُ حُجَّةُ الْمُشْتَرِي فِيهِ إلَّا بِثَلَاثَةِ شُرُوطٍ: - الْأَوَّلُ أَنْ يَقُولَ هُوَ بِهِ ابْنُ الْمَوَّازِ وَلَا يَنْفَعُهُ لَوْ أَفْرَدَهُ فَقَالَ أَبِيعُكَ بِالْبَرَاءَةِ مِنْ كَذَا حَتَّى يَقُولَ: إنَّ ذَلِكَ بِهِ. ثَانِيهَا: أَنْ يُطْلِعَهُ عَلَى مَا يَعْلَمُ مِنْ حَالِهِ بِمُشَاهَدَةٍ، أَوْ خَبَرٍ يَقُومُ مَقَامَهَا. ثَالِثُهَا: أَنْ لَا يُجْمِلَهُ مِنْ غَيْرِهِ مِمَّا لَيْسَ فِيهِ لِأَنَّهُ إذَا ذَكَرَ لَهُ مَا لَيْسَ فِيهِ اعْتَقَدَ الْمُبْتَاعُ أَنَّ جَمِيعَ مَا ذَكَرَ كَذَلِكَ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ لَمْ يَتَبَرَّأْ مِنْ عَيْبٍ (قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ) وَلَّى هَذِهِ الْكَيْفِيَّةُ أَشَارَ فِي مُخْتَصَرِهِ بِقَوْلِهِ وَإِذَا عَلِمَهُ بَيَّنَ أَنَّهُ بِهِ وَوَصَفَهُ أَوْ أَرَاهُ لَهُ وَلَمْ يُجْمِلْهُ. وَحَيْثُ لَا يَثْبُتُ فِي الْعَيْبِ الْقِدَمْ ... كَانَ عَلَى الْبَائِعِ فِي ذَاكَ الْقَسَمْ وَهُوَ عَلَى الْعِلْمِ بِمَا يَخْفَى وَفِي ... غَيْرِ الْخَفِيِّ الْحَلْفُ بِالْبَتِّ اُقْتُفِيَ وَفِي نُكُولِ بَائِعٍ مَنْ اشْتَرَى ... يَحْلِفُ وَالْحَلِفُ عَلَى مَا قَرَّرَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ إذَا وَقَعَ النِّزَاعُ فِي قِدَمِ الْعَيْبِ وَحُدُوثِهِ، وَلَمْ يَثْبُتْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ مَعَ يَمِينِهِ. وَإِذَا قُلْنَا بِحَلِفِهِ فَهَلْ يَحْلِفُ عَلَى الْبَتّ، أَوْ عَلَى الْعِلْمِ فِيهِ تَفْصِيلٌ: - فَإِنْ كَانَ الْعَيْبُ مِمَّا يَخْفَى حَلَفَ عَلَى

الْعِلْمِ. وَإِنْ كَانَ ظَاهِرًا لَا يَخْفَى حَلَفَ عَلَى الْبَتِّ. فَإِنْ نَكَلَ الْبَائِعُ حَلَفَ الْمُشْتَرِي وَرُدَّ. وَحَلِفُهُ كَمَا ذَكَرَ فِي الْبَائِعِ عَلَى الْعِلْمِ فِي الْخَفِيِّ وَعَلَى الْبَتِّ فِي الظَّاهِرِ. (قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ) قَالَ مَالِكٌ إنْ كَانَ الْعَيْبُ مِمَّا يُمْكِنُ حُدُوثُهُ عِنْدَ أَحَدِهِمَا فَإِنْ كَانَ ظَاهِرًا لَا يَخْفَى مِثْلُهُ حَلَفَ الْبَائِعُ عَلَى الْبَتِّ أَنَّهُ مَا بَاعَهُ وَهُوَ بِهِ إنْ كَانَ مِمَّا يَخْفَى مِثْلُهُ وَيَرَى أَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْهُ حَلَفَ الْبَائِعُ عَلَى الْعِلْمِ أَنَّهُ مَا بَاعَهُ وَهُوَ بِهِ وَعَلَى الْمُبْتَاعِ الْبَيِّنَةُ أَنَّ الْعَيْبَ كَانَ قَدِيمًا عِنْدَ الْبَائِعِ. وَفِي النَّوَادِرِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَإِذَا كَانَ عَيْبٌ يَحْدُثُ مِثْلُهُ وَيَقْدُمُ حَلَفَ الْبَائِعُ عَلَى الْعِلْمِ فِيمَا يَخْفَى وَعَلَى الْبَتِّ فِيمَا لَا يَخْفَى فَإِنْ نَكَلَ فِي الْوَجْهَيْنِ حَلَفَ الْمُبْتَاعُ عَلَى الْعِلْمِ. قَالَ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ يَحْلِفُ الْبَائِعُ فِي الْبَتِّ وَالْعِلْمِ (قَالَ الشَّارِحُ) اعْتَمَدَ الشَّيْخُ مَا فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ مِنْ كَوْنِ حَلِفِ الْمُبْتَاعِ كَحَلِفِ الْبَائِعِ فِي الْعُلُوِّ وَالْبَتِّ دُونَ رِوَايَةِ عِيسَى لِأَنَّهُ الَّذِي جَرَتْ بِهِ الْأَحْكَامُ. (وَفِي الْمُخْتَصَرِ) وَيَمِينُهُ بِعْتُهُ وَفِي ذِي التَّوْفِيَةِ، وَأَقْبَضْتُهُ، وَمَا هُوَ بِهِ بَتًّا فِي الظَّاهِرِ، وَعَلَى الْعِلْمِ فِي الْخَفِيِّ وَلَيْسَ فِي صَغِيرَةٍ مُوَاضَعَهْ ... وَلَا لِوَخَشٍ حَيْثُ لَا مُجَامَعَهْ وَلَا يَجُوزُ شَرْطُ تَعْجِيلِ الثَّمَنْ ... وَإِنْ يَكُنْ ذَاكَ بِطَوْعٍ فَحَسَنْ

الْمُوَاضَعَةُ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: هِيَ جَعْلُ الْأَمَةِ مُدَّةَ اسْتِبْرَائِهَا فِي حَوْزٍ مَقْبُولٍ خَبَرُهُ عَنْ حَيْضَتِهَا. اهـ (قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ) الشَّأْنُ كَوْنُهَا عَلَى يَدِ امْرَأَةٍ فَإِنْ وُضِعَتْ بِيَدِ رَجُلٍ لَهُ أَهْلٌ يَنْظُرُونَهَا أَجْزَأَ. (ابْنُ رُشْدٍ) الِاسْتِبْرَاءُ وَاجِبٌ لِحِفْظِ النَّسَبِ كَوُجُوبِ الْعِدَّةِ. وَأَمَّا الْمُوَاضَعَةُ فَهِيَ أَيْضًا وَاجِبَةٌ لِدَفْعِ الْغَرَرِ وَالْخَطَرِ وَذَلِكَ فِي الْأَمَةِ الَّتِي يُنْقِصُ الْحَمْلُ مِنْ ثَمَنِهَا كَثِيرًا، أَوْ الَّتِي وَطِئَهَا الْبَائِعُ. اهـ قَدْ اشْتَمَلَ الْبَيْتَانِ عَلَى مَسْأَلَتَيْنِ: - الْأَوَّلُ: مَنْ اشْتَرَى أَمَةً صَغِيرَةً لَا تُطِيقُ الْوَطْءَ، أَوْ كَبِيرَةً، وَخْشًا وَهِيَ الَّتِي لَا تُرَادُ لِلْوَطْءِ فَلَا مُوَاضَعَةَ فِيهِمَا. إنَّمَا الْمُوَاضَعَةُ فِي الَّتِي تُطِيقُ مَنْ الرَّقِيقِ أَوْ وَخْشَةٍ إذَا أَقَرَّ الْبَائِعُ بِوَطْئِهَا. الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّ الْأَمَةَ الْمُوَاضَعَةَ لَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُ النَّقْدِ فِيهَا لِتَرَدُّدِهِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ ثَمَنًا إنْ لَمْ يَظْهَرْ حَمْلٌ أَوْ سَلَفًا إنْ ظَهَرَ. فَإِنْ شُرِطَ النَّقْدُ فَسَدَ الْبَيْعُ. فَإِنْ وَقَعَ النَّقْدُ تَطَوُّعًا بَعْدَ الْعَقْدِ جَازَ ذَلِكَ. (تَنْبِيهٌ) لِكُلٍّ مِنْ الْمَسْأَلَتَيْنِ نَظَائِرُ أَمَّا الْأُولَى: - فَنَظَائِرُهَا فِي عَدَمِ الْمُوَاضَعَةِ سِتٌّ (قَالَ اللَّخْمِيُّ) لَا مُوَاضَعَةَ لِلْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ فِي سِتٍّ: ذَاتِ الزَّوْجِ، وَالْحَامِلِ، وَالْمُعْتَدَّةِ مِنْ طَلَاقٍ، أَوْ وَفَاةٍ، وَالْمُسْتَبْرَأَةِ مِنْ غَصْبٍ، أَوْ زِنًا. اهـ، وَكَذَا الْمَرْدُودَةِ بِعَيْبٍ، أَوْ فَسَادٍ، أَوْ إقَالَةٍ، وَنَظِيرُ الثَّانِيَةِ فِي مَنْعِ اشْتِرَاطِ النَّقْدِ، وَجَوَازِهِ تَطَوُّعًا بَعْدَ الْعَقْدِ: الْمَبِيعُ بِخِيَارٍ، وَبَيْعُ الْغَائِبِ، وَالرَّقِيقُ الْمَبِيعُ بِعُهْدَةِ الثَّلَاثِ، وَالْأَرْضُ غَيْرُ الْمَأْمُونَةِ، وَالْجَعْلِ، وَالْإِجَارَةِ لِحِرْزِ الزَّرْعِ. وَالْأَجِيرُ يَتَأَخَّرُ عَمَلُهُ شَهْرًا. (وَفِي الْمُخْتَصَرِ) وَلَا مُوَاضَعَةَ فِي مُتَزَوِّجَةٍ، وَحَامِلٍ، وَمُعْتَدَّةٍ، وَزَانِيَةٍ كَالْمَرْدُودَةِ بِعَيْبٍ، أَوْ فَسَادٍ، أَوْ إقَالَةٍ إنْ لَمْ يَغِبْ الْمُشْتَرِي وَفَسَدَ. إنْ نُقِدَ بِشَرْطٍ لَا تَطَوُّعًا. وَقَالَ فِيمَا يُمْتَنَعُ فِيهِ اشْتِرَاطُ النَّقْدِ وَبِشَرْطِ نَقْدٍ أَيْ فِي الْمَبِيعِ بِخِيَارٍ كَغَائِبٍ، وَعُهْدَةِ ثَلَاثٍ، وَمُوَاضَعَةٍ، وَأَرْضٍ لَمْ يُؤْمَنْ رَيُّهَا، وَجُعْلٍ، وَإِجَارَةٍ لِحِرْزِ زَرْعٍ، وَأَجِيرٍ تَأَخَّرَ شَهْرًا. وَالْبَيْعُ مَعَ بَرَاءَةٍ إنْ نُصَّتْ ... عَلَى الْأَصَحِّ بِالرَّقِيقِ اُخْتُصَّتْ وَالْفَسْخُ إنْ عَيْبٌ بَدَا مِنْ حُكْمِهِ ... مَعَ اعْتِرَافٍ أَوْ ثُبُوتِ عِلْمِهِ وَيَحْلِفُ الْبَائِعُ مَعَ جَهْلِ الْخَفِي ... بِالْعِلْمِ وَالظَّاهِرُ بِالْبَتِّ حَفِيّ وَحَيْثُمَا نُكُولُهُ تَبَدَّا ... بِهِ الْمَبِيعُ لَا الْيَمِينُ رُدَّا وَبَعْضُهُمْ فِيهَا الْجَوَازَ أَطْلَقَا ... وَشَرْطُهَا مُكْثٌ بِمِلْكٍ مُطْلَقَا بَيْعُ الْبَرَاءَةِ هُوَ أَنْ يَشْتَرِطَ الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي الْبَرَاءَةَ مِنْ الْعُيُوبِ الَّتِي لَا عِلْمَ لَهُ بِهَا فَلَا يَرْجِعُ لَهُ الْبَائِعُ إلَّا بِمَا عَلِمَ بِهِ. وَكَتَمَهُ (ابْنُ عَرَفَةَ) . الْبَرَاءَةُ تَرْكُ الْقِيَامِ بِعَيْبٍ قَدِيمٍ. اهـ وَفِيهَا أَقْوَالٌ أَحَدُهَا أَنَّ الْبَرَاءَةَ جَائِزَةٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ. وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ وَهْبٍ وَرِوَايَةُ ابْنِ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ وَهُوَ الَّذِي حَكَى النَّاظِمُ هُنَا حَيْثُ قَالَ: " وَبَعْضُهُمْ فِيهَا الْجَوَازُ أَطْلَقَا ". الثَّانِي أَنَّهَا لَا تَجُوزُ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَشْيَاءِ ذَكَرَهُ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّالِثُ أَنَّهَا جَائِزَةٌ فِي الْحَيَوَانِ مُطْلَقًا. وَهُوَ فِي (الْمُوَطَّأِ) الرَّابِعُ: أَنَّهَا تَجُوزُ فِي الرَّقِيقِ خَاصَّةً. وَهُوَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَإِلَيْهِ رَجَعَ مَالِكٌ وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ أَصْحَابِهِ. نَقَلَهُ ابْنُ سَلْمُونٍ وَهُوَ الَّذِي اعْتَمَدَ النَّاظِمُ وَعَبَّرَ عَنْهُ بِالْأَصَحِّ وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ هُوَ قَوْلُهُ " وَبَعْضُهُمْ فِيهَا الْجَوَازَ أَطْلَقَا " وَأَنَّهَا لَا تَخْتَصُّ بِالرَّقِيقِ. (قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ) قَالَ مَالِكٌ لَا تَنْفَعُ الْبَرَاءَةُ مِمَّا يَعْلَمُ الْبَائِعُ فِي مِيرَاثٍ أَوْ غَيْرِهِ فِي شَيْءٍ مِنْ السِّلَعِ، وَالْحَيَوَانِ إلَّا فِي الرَّقِيقِ وَحْدَهُ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَهُوَ الَّذِي آخُذُ بِهِ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ. اهـ وَهَذَا فِي بَيْعِ الْإِنْسَانِ رَقِيقَهُ. وَأَمَّا بَيْعُ الْقَاضِي وَالْوَصِيِّ، وَالْوَارِثِ بِالْبَرَاءَةِ فَيَأْتِي لِلنَّاظِمِ الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي فَصْلِ مَسَائِلَ مِنْ أَحْكَامِ الْبَيْعِ وَأَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِالرَّقِيقِ حَيْثُ قَالَ " وَكُلُّ مَا الْقَاضِي يَبِيعُ مُطْلَقًا إلَخْ " (قَالَ ابْنُ سَلْمُونٍ) وَحُكْمُ بَيْعِ الْبَرَاءَةِ أَنَّهُ إذَا اطَّلَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى عَيْبٍ فِي الْمَبِيعِ فَإِنْ أَقَرَّ الْبَائِعُ أَوْ ثَبَتَ أَنَّهُ عَلِمَ بِهِ قَبْلَ

الْبَيْعِ رَجَعَ بِهِ وَانْفَسَخَ الْبَيْعُ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلِمَ بِهِ حَلَفَ عَلَى ذَلِكَ وَلَزِمَ الْمُشْتَرِي. (قَالَ ابْنُ الْعَطَّارِ) [يَحْلِفُ فِي الْعَيْبِ الْخَفِيِّ عَلَى الْعِلْمِ وَفِي الظَّاهِرِ عَلَى الْبَتِّ] اهـ وَإِلَى كَلَامِ ابْنِ سَلْمُونٍ هَذَا أَشَارَ النَّاظِمُ بِقَوْلِهِ " وَالْفَسْخُ إنْ عَيْبٌ " بَدَا مِنْ حُكْمِهِ الْبَيْتَيْنِ وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِ النَّاظِمِ " وَالْفَسْخُ إنْ عَيْبٌ " بَدَا إلَخْ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَعْتَرِفْ الْبَائِعُ بِالْعَيْبِ وَلَا ثَبَتَ عِلْمُهُ بِهِ أَنَّ الْبَيْعَ لَا يُفْسَخُ. وَيَلْزَمُ الْمُشْتَرِي وَهُوَ قَوْلُ ابْنُ سَلْمُونٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلِمَ بِهِ حَلَفَ عَلَى ذَلِكَ وَلَزِمَ الْمُشْتَرِي، وَحَلِفُهُ إمَّا عَلَى الْعِلْمِ فِي الْعَيْبِ الْخَفِيِّ، أَوْ عَلَى الْبَتِّ فِي الظَّاهِرِ كَمَا تَقَدَّمَ. وَأَشَارَ النَّاظِمُ بِقَوْلِهِ " وَحَيْثُمَا نُكُولُهُ تَبَدَّا " الْبَيْتَ إلَى قَوْلِ الْمُتَيْطِيِّ عَلَى نَقْلِ الشَّارِحِ وَنَحْوِهِ فِي ابْنِ سَلْمُونٍ أَيْضًا. وَإِنْ نَكَلَ الْبَائِعُ عَنْ الْيَمِينِ فِي بَيْعِ الْبَرَاءَةِ وَجَبَ عَلَيْهِ الرَّدُّ وَلَا تُنْقَلُ الْيَمِينُ فِي الْمُبْتَاعِ عَنْ الْيَمِينِ رُدَّ عَلَيْهِ الْبَيْعُ. وَلَا تُرَدُّ عَلَيْهِ الْيَمِينُ لِأَنَّهَا لِلتُّهْمَةِ فَلَا تَنْقَلِبُ، وَقَوْلُهُ " وَبَعْضُهُمْ فِيهَا الْجَوَازَ أَطْلَقَا " الضَّمِيرُ لِلْبَرَاءَةِ وَمَعْنَى (الْإِطْلَاقِ) أَنَّهَا تَصِحُّ فِي كُلِّ مَبِيعٍ لَا تَخْتَصُّ بِالرَّقِيقِ وَتَقَدَّمَ أَنَّ هَذَا مُقَابِلُ الْأَصَحِّ. فِي الْبَيْتِ الْأَوَّلِ وَقَوْلُهُ " وَشَرْطُهَا مُكْثُهُ بِمِلْكٍ مُطْلَقًا " أَشَارَ بِهِ لِقَوْلِ ابْنِ سَلْمُونٍ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْبَرَاءَةِ إلَّا فِيمَا طَالَ مُكْثُهُ عِنْدَ الْبَائِعِ وَاخْتَبَرَهُ. وَأَمَّا مَا لَمْ يَطُلْ مُكْثٌ فَإِنَّ مَالِكًا وَأَصْحَابَهُ يَكْرَهُونَ بَيْعَهُ عَلَى الْبَرَاءَةِ، فَمَرَّةً قَالَ إذَا وَقَعَ مَضَى وَمَرَّةً أَبْطَلَ الْبَرَاءَةَ فِيهِ. اهـ (وَبَاءَ بِالْعِلْمِ) لِلِاسْتِعْلَاءِ عَلَى حَدِّ {مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ} [آل عمران: 75] أَيْ عَلَى قِنْطَارٍ وَالظَّاهِرُ مُبْتَدَأٌ، وَحَفِيٌّ خَبَرُهُ وَبِهِ يَتَعَلَّقُ بِالْبَتِّ وَمَعْنَى حَفِيٌّ مُعْتَبَرٌ وَالْخَفِيُّ وَالظَّاهِرُ وَصْفَانِ لِمَحْذُوفٍ أَيْ " الْعَيْبُ الْخَفِيُّ " وَالظَّاهِرُ، وَمَعْنَى مُطْلَقًا آخِرَ الْبَيْتِ الْأَخِيرِ سَوَاءٌ قُلْنَا تَخْتَصُّ بِالرَّقِيقِ أَوْ لَا فَلَا بُدَّ مِنْ طُولِ الْمُكْثِ عِنْدَ الْبَائِعِ إذْ هُوَ مَظِنَّةُ الِاطِّلَاعِ عَلَى الْعُيُوبِ. وَالْيَوْمُ وَالْيَوْمَانِ فِي الْمَرْكُوبِ ... وَشِبْهِهِ اُسْتُثْنِيَ لِلرُّكُوبِ يَعْنِي أَنَّهُ يَجُوزُ لِمَنْ بَاعَ دَابَّةً أَنْ يَسْتَثْنِيَ رُكُوبَهَا الْيَوْمَ وَالْيَوْمَيْنِ. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ مَنْ بَاعَ دَابَّةً وَاسْتَثْنَى رُكُوبَهَا يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ، أَوْ سَافَرَ عَلَيْهَا الْيَوْمَ أَوْ إلَى الْمَكَانِ الْقَرِيبِ جَازَ ذَلِكَ. وَلَا يَنْبَغِي فِيمَا بَعْدُ. وَضَمَانُهَا مِنْ الْمُبْتَاعِ فِيمَا يَجُوزُ اسْتِثْنَاؤُهُ وَمِنْ الْبَائِعِ فِيمَا لَا يَجُوزُ اسْتِثْنَاؤُهُ (اللَّخْمِيُّ) مَنْ بَاعَ رَاحِلَةً وَاسْتَثْنَى رُكُوبَهَا يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ وَهِيَ فِي الْحَضَرِ أَوْ فِي السَّفَرِ جَازَ وَيُكْرَهُ مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ. وَيُمْنَعُ مَا كَثُرَ كَالْجُمُعَةِ مِنْ الْمَوَّاقِ عَلَى قَوْلِ الشَّيْخِ خَلِيلٍ وَبَيْعُهَا وَاسْتِثْنَاءُ رُكُوبِهَا الثَّلَاثَ لَا جُمُعَةَ وَكُرِهَ الْمُتَوَسِّطُ. وَلَمْ يَجُزْ فِي الْحَيَوَانِ كُلِّهِ ... شِرَاؤُهُ عَلَى اشْتِرَاطِ حَمْلِهِ

يَعْنِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ شِرَاءُ الْحَيَوَانِ كُلِّهِ عَلَى اخْتِلَافِ أَنْوَاعِهِ وَمِنْ الْأَنْعَامِ، وَغَيْرِهَا عَلَى شَرْطِ كَوْنِهِ حَامِلًا. (قَالَ الشَّارِحُ) : فَفِي الْمُقَرَّبِ قَالَ مَالِكٌ وَمَنْ اشْتَرَى شَاةً عَلَى أَنَّهَا حَامِلٌ فَلَا خَيْرَ فِي هَذَا الْبَيْعِ لِأَنَّهُ كَأَنَّهُ أَخَذَ لِجَنِينِهَا ثَمَنًا حِينَ بَاعَهَا بِشَرْطِ أَنَّهَا حَامِلٌ. قَالَ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ شَاةٍ وَغَيْرِهَا مِنْ الْحَيَوَانِ فِي هَذَا الْمَعْنَى إلَّا فِي الْجَارِيَةِ الرَّائِعَةِ الَّتِي يَكُونُ الْحَمْلُ فِيهَا عَيْبًا يَتَبَرَّأُ الْبَائِعُ مِنْهُ، وَلِذَلِكَ أَتَى الشَّيْخُ بِلَفْظِ الْحَيَوَانِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْعُمُومِ وَسَاقَ الشَّاةَ فِي الْكِتَابِ عَلَى سَبِيلِ التَّمْثِيلِ وَلَمْ يَحْتَجْ النَّاظِمُ إلَى اسْتِثْنَاءِ

جَوَازِ اشْتِرَاطِ الْحَمْلِ فِي الرَّائِعَةِ لِأَنَّ كَلَامَ النَّاظِمِ فِي اشْتِرَاطِ الْمُشْتَرِي مَا يَصْلُحُ بِهِ، وَيَرْغَبُ فِيهِ، وَيَزِيدُ فِي الثَّمَنِ مِنْ أَجَلِهِ فَيُمْنَعُ لِأَجْلِ الْغَرَرِ، وَاشْتِرَاطُ الْحَمْلِ فِي الرَّائِعَةِ إنَّمَا الْمَقْصُودُ مِنْهُ التَّبَرِّي مِنْ الْعَيْبِ لَا الزِّيَادَةُ فِي الثَّمَنِ. (قَالَ ابْنُ رُشْدٍ) : لَمْ يَجُزْ بَيْعُ الْحَامِلِ بِشَرْطِ الْحَمْلِ وَإِنْ كَانَ حَمْلًا ظَاهِرًا لِأَنَّهُ غَرَرٌ إذْ قَدْ يَنْفَشُّ الْحَمْلُ بَعْدَ ظُهُورِهِ فَيَكُونُ بِالشَّرْطِ قَدْ أَخَذَ لِلْجَنِينِ ثَمَنًا ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا كُلُّهُ فِي الْحَيَوَانِ الَّذِي يَزِيدُهُ الْحَمْلُ، وَأَمَّا فِي الْجَوَارِي الْمُرْتَفِعَاتِ الَّتِي يُنْقِصُهُنَّ الْحَمْلُ فَيَجُوزُ أَنْ يَبِيعَهَا عَلَى أَنَّهَا حَامِلٌ إذَا كَانَتْ ظَاهِرَةَ الْحَمْلِ لِأَنَّ ذَلِكَ تَبَرٍّ مِنْ عَيْبِ حَمْلِهَا كَالتَّبَرِّي مِنْ سَائِرِ عُيُوبِهَا. وَذَاتُ حَمْلٍ قَدْ تَدَانَى وَضْعُهَا ... لَمْ يَمْتَنِعْ عَلَى الْأَصَحِّ بَيْعُهَا كَذَا الْمَرِيضُ فِي سِوَى السِّيَاقِ ... يَصِحُّ بَيْعُهُ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَالْعَبْدُ فِي الْإِبَاقِ مَعَ عِلْمِ مَحَلْ ... قَرَارِهِ مِمَّا ابْتِيَاعٌ فِيهِ حَلْ وَالْبَائِعُ الضَّامِنُ حَتَّى يَقْبِضَا ... وَإِنْ تَقَعْ إقَالَةٌ لَا تُرْتَضَى لَمَّا تَضَمَّنَ الْبَيْتُ قَبْلَ هَذَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ مَا فِيهِ غَرَرٌ كَالْحَمْلِ، وَكَانَ بَعْضُ الْمَبِيعَاتِ يُتَوَهَّمُ فِيهَا الْغَرَرُ رُفِعَ ذَلِكَ الْوَهْمُ بِالتَّنْصِيصِ عَلَى جَوَازِ بَيْعِهَا. وَذَلِكَ الْحَامِلُ الَّتِي قَرُبَ وَضْعُهَا، وَالْمَرِيضُ مَرَضًا مَخُوفًا إنْ لَمْ يَبْلُغْ حَدَّ السِّيَاقِ، وَالْعَبْدُ الْآبِقُ إذَا عُلِمَ مَحَلُّهُ فَأَخْبَرَ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ تُبَاعَ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ، وَإِنْ كَانَ فِي بَيْعِهَا غَرَرٌ لِاحْتِمَالِ الْمَوْتِ مِنْ النِّفَاسِ، وَالْمَرَضِ، وَعَدَمِ وُجُودِ الْآبِقِ، أَوْ وُجُودُهُ قَدْ تَغَيَّرَ عَنْ حَالِهِ أَمَّا جَوَازُ بَيْعِ الْمَرِيضِ فِي غَيْرِ السِّيَاقِ، وَالْحَامِلِ الْمُقْرِبِ فَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَلَا يُبَاعُ مَنْ فِي السِّيَاقِ وَيَجُوزُ بَيْعُ الْمَرِيضِ الْمَخُوفِ عَلَيْهِ وَالْحَامِلِ الْمُقْرِبِ عَلَى الْأَصَحِّ. (قَالَ فِي التَّوْضِيحِ) فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَلَا يُبَاعُ مَنْ فِي السِّيَاقِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ خَاصٌّ بِالرَّقِيقِ، وَمَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ لِأَنَّهُ مِنْ أَكْلِ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ. وَأَمَّا مَأْكُولُ اللَّحْمِ فَيُبَاعُ لِيُذَكَّى فَيَجُوزُ بَيْعُهُ لِحُصُولِ الْمَنْفَعَةِ بِهِ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ (ابْنُ عَرَفَةَ) : ظَاهِرُ إطْلَاقَاتِهِمْ وَنَصُّ ابْنِ مُحْرِزٍ مَنْعُ بَيْعِ مَنْ فِي السِّيَاقِ وَلَوْ كَانَ مَأْكُولَ اللَّحْمِ لِلْغَرَرِ فِي حُصُولِ الْغَرَضِ مِنْ حَيَاتِهِ أَوْ صَيْرُورَتِهِ لَحْمًا وَفِي حُصُولِ ذَكَاتِهِ لِاحْتِمَالِ عَدَمِ حَرَكَتِهِ بَعْدَ ذَبْحِهِ اهـ. وَهُوَ ظَاهِرٌ وَقَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ " وَيَجُوزُ بَيْعُ الْمَرِيضِ وَالْحَامِلِ " الْمَصْدَرُ مُضَافٌ لِلْمَفْعُولِ أَيْ يَجُوزُ أَنْ يُبَاعَ الْمَرِيضُ، وَأَنْ تُبَاعَ الْحَامِلُ، فَالْمَرِيضُ، وَالْحَامِلُ مَبِيعًا لَا بَائِعًا لِأَنَّ وُقُوعَ الْبَيْعِ، وَنَحْوَهُ مِنْهُمَا جَائِزٌ مَاضٍ. وَلَا يُحْجَرُ عَلَيْهِمَا إلَّا فِي التَّبَرُّعَاتِ كَالْهِبَةِ، وَالصَّدَقَةِ وَمَعْنَى الْإِطْلَاقِ فِي الْبَيْتِ الثَّانِي أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ الْمَرِيضِ فِي غَيْرِ السِّيَاقِ كَانَ مَأْكُولَ اللَّحْمِ كَالْأَنْعَامِ، أَوْ غَيْرَ مَأْكُولِهِ كَالْبِغَالِ، وَالْحَمِيرِ. وَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ مَنْ بَلَغَ حَدَّ السِّيَاقِ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ كَانَ مَأْكُولَ اللَّحْمِ أَوْ لَا. وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ عَرَفَةَ، وَعَلَيْهِ فَإِطْلَاقُ النَّاظِمِ مَنْعَ بَيْعِ مَنْ فِي السِّيَاقِ صَحِيحٌ. وَأَمَّا جَوَازُ بَيْعِ الْآبِقِ إذَا عُلِمَ مَحَلُّهُ فَقَالَ الْمُتَيْطِيِّ وَيَجُوزُ بَيْعُ الْعَبْدِ الْآبِقِ إذَا عَلِمَ الْمُبْتَاعُ مَوْضِعَهُ وَصِفَتَهُ، فَإِنْ وُجِدَ هَذَا الْآبِقُ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي عَلَيْهَا قَبَضَهُ وَصَحَّ الْبَيْعُ فِيهِ وَإِنْ وَجَدَهُ قَدْ تَغَيَّرَ أَوْ تَلِفَ كَانَ مِنْ الْبَائِعِ، وَيَسْتَرْجِعُ الْمُبْتَاعُ الثَّمَنَ. وَقَالَ سَحْنُونٌ إنَّمَا يَجُوزُ ابْتِيَاعُ الْآبِقِ إذَا كَانَ فِي وَثَاقٍ. وَقَوْلُهُ: وَالْبَائِعُ الضَّامِنُ حَتَّى يُقْبِضَا مِنْ تَمَامِ مَسْأَلَةِ بَيْعِ الْآبِقِ وَتَقَدَّمَ قَوْلُ الْمُتَيْطِيِّ، وَإِنْ وَجَدَهُ قَدْ تَغَيَّرَ أَوْ تَلِفَ كَانَ أَيْ ضَمَانُهُ مِنْ الْبَائِعِ. (وَفِي الْمُدَوَّنَةِ) بَيْعُ الْآبِقِ وَلَوْ قَرُبَتْ غَيْبَتُهُ مَمْنُوعٌ. وَكَذَا الشَّارِدُ وَمَا نَدَّ أَوْ ضَلَّ. اهـ وَظَاهِرُهَا مَنْعُ بَيْعِ الْآبِقِ مُطْلَقًا. وَقَوْلُهُ وَإِنْ تَقَع إقَالَةٌ لَا تُرْتَضَى هُوَ مِنْ تَمَامِ مَسْأَلَةِ بَيْعِ الْآبِقِ يَعْنِي إذَا فَرَّعْنَا عَلَى جَوَازِ بَيْعِ الْآبِقِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَقَايَلَ فِيهِ

الْمُتَبَايِعَانِ. وَالْمَسْأَلَةُ مَفْرُوضَةٌ فِي بَيْعِ الْغَائِبِ آبِقًا كَانَ أَوْ غَيْرَ آبِقٍ. (قَالَ فِي الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ) قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ لَمْ يَخْتَلِفْ قَوْلُ مَالِكٍ وَلَا ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّ الْإِقَالَةَ فِي بَيْعِ الْغَائِبِ غَيْرُ جَائِزَةٍ لِأَنَّهُ مِنْ وَجْهِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ. اهـ (وَفِي ابْنِ سَلْمُونٍ) فِي الْكَلَامِ عَلَى بَيْعِ الْغَائِبِ وَلَا تَجُوزُ الْإِقَالَةُ فِيهِ عِنْدَ مَالِكٍ لِأَنَّ الثَّمَنَ قَدْ ثَبَتَ عَلَيْهِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَصِيرَ فِيهِ شَيْئًا غَائِبًا لَا يَتَنَجَّزُ قَبْضُهُ وَيَدْخُلُهُ الدَّيْنُ بِالدَّيْنِ وَيَجُوزُ بَيْعُهُ مِنْ غَيْرِهِ إذَا لَمْ يُنْتَقَدْ. وَامْتَنَعَ التَّفْرِيقُ لِلصِّغَارِ ... مِنْ أُمِّهِمْ إلَّا مَعَ الْإِثْغَارِ ثُمَّ بِالْإِجْبَارِ عَلَى الْجَمْعِ الْقَضَا ... وَالْخُلْفُ إنْ يَكُنْ مِنْ الْأُمِّ رِضَا يَعْنِي أَنَّ مَنْ مَلَكَ أَمَةً وَوَلَدَهَا لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا بِالْبَيْعِ بِأَنْ يَبِيعَ أَحَدَهُمَا، وَيَحْبِسَ الْآخَرَ أَوْ يَبِيعَ الْأَمَةَ لِرَجُلٍ وَالْوَلَدَ لِرَجُلٍ آخَرَ مَادَامَ الْوَلَدُ صَغِيرًا لَمْ يُثْغِرْ، فَإِنْ أَثْغَرَ جَازَتْ التَّفْرِقَةُ (وَالْإِثْغَارُ) نَبَاتُ رَوَاضِعِ الصَّبِيِّ بَعْدَ سُقُوطِهَا. وَهَذِهِ رِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَبِهَا الْقَضَاءُ، وَقِيلَ الْحَدُّ فِي ذَلِكَ الْبُلُوغُ فِي الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى. (قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ) : لَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا وَإِنْ بَلَغَ. وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِالْبَيْتِ الْأَوَّلِ وَأَشَارَ بِالْبَيْتِ الثَّانِي أَنَّهُ إذَا وَقَعَ وَنَزَلَ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا فَإِنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا فِي مِلْكِ شَخْصٍ وَاحِدٍ وَيُقْضَى عَلَيْهِ بِذَلِكَ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فُسِخَ الْبَيْعُ وَأَنَّهُ إنْ رَضِيَتْ الْأُمُّ بِالتَّفْرِقَةِ فَقَوْلَانِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْحَقَّ لَهَا وَلِلَّهِ تَعَالَى وَيَنْبَنِي عَلَى هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ أَيْضًا أَنَّا إذَا قُلْنَا الْحَقُّ لِلْآدَمِيِّ إذَا فُرِّقَا يُجْبَرَانِ عَلَى الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا. وَإِنْ قُلْنَا الْحَقُّ لِلَّهِ فَلَا بُدَّ مِنْ فَسْخِ الْبَيْعِ لِأَنَّ الْعَقْدَ عَلَى أَحَدِهِمَا فَاسِدٌ كَالْخَمْرِ. هَذَا خَاصٌّ بِالْآدَمِيِّ دُونَ سَائِرِ الْحَيَوَانِ. (ابْنُ نَاجِي) وَالتَّفْرِقَةُ جَائِزَةٌ بَيْنَ الْحَيَوَانِ الْبَهِيمِيِّ عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، وَرَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهَا لَا تَجُوزُ وَأَنَّ حَدَّ عَدَمِ التَّفْرِقَةِ أَنْ يَسْتَغْنِيَ عَنْ آبَائِهِ بِالرَّعْيِ نَقَلَهُ التَّادَلِيُّ. اهـ وَالْأَصْلُ فِيمَا ذَكَرَهُ مَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْوَالِدَةِ وَوَلَدِهَا فَرَّقَ اللَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحِبَّتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» فِي الْإِشْرَافِ أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى الْقَوْلِ بِهَذَا الْخَبَرِ إذَا كَانَ الْوَلَدُ طِفْلًا لَمْ يَبْلُغْ سَبْعَ سِنِينَ. (ابْنُ يُونُسَ) وَالْأَصْوَبُ أَنَّهُ حَقٌّ لِلْوَلَدِ لَوْ رَضِيَتْ الْأُمُّ بِالتَّفْرِقَةِ لَمْ تَجُزْ. وَقَالَهُ مَالِكٌ وَسَوَاءٌ كَانَتْ الْأُمُّ مُسْلِمَةً أَوْ كَافِرَةً (قَالَ مَالِكٌ) وَحَدُّ ذَلِكَ الْإِثْغَارِ مَا لَمْ يُعَجَّلْ بِهِ جِوَارِي كُنَّ أَوْ غِلْمَانًا (قَالَ مَالِكٌ) وَيُفَرَّقُ بَيْنَ الْوَلَدِ وَالصَّغِيرِ، وَبَيْنَ أَبِيهِ وَجَدِّهِ وَجَدَّتِهِ لِأُمِّهِ، وَلِأَبِيهِ وَفِي الْبَيْعِ مَتَى شَاءَ سَيِّدُهُ، وَإِنَّمَا لَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا فِي الْأُمِّ خَاصَّةً. اهـ مِنْ الْمَوَّاقِ وَنَقَلَ الْحَطَّابُ قَالَ: قَالَ: اللَّخْمِيُّ وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ عَنْ بَعْضِ الْمَدَنِيِّينَ مَنْعَ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْأَبِ وَوَلَدِهِ وَهُوَ أَحْسَنُ قِيَاسًا عَلَى الْأُمِّ وَإِنْ كَانَتْ الْأُمُّ أَعْظَمَ مَوْجِدَةً. اهـ وَالْحَمْلُ عَيْبٌ قِيلَ بِالْإِطْلَاقْ ... وَقِيلَ فِي عِلْيَةِ ذِي اسْتِرْقَاقْ وَالِافْتِضَاضُ فِي سِوَى الْوَخْشِ الدَّنِيّ ... عَيْبٌ لَهَا مُؤَثِّرٌ فِي الثَّمَنِ وَالْحَمْلُ لَا يَثْبُتُ فِي أَقَلَّ مِنْ ... ثَلَاثَةٍ مِنْ الشُّهُورِ فَاسْتَبِنْ وَلَا تَحَرُّكَ لَهُ يَثْبُتُ فِي ... مَا دُونَ عِدَّةِ الْوَفَاةِ فَاعْرَفْ يَعْنِي أَنَّ مِنْ جُمْلَةِ عُيُوبِ الرَّقِيقِ الْحَمْلَ فَقِيلَ إنَّهُ عَيْبٌ فِيهِ مُطْلَقًا وَخْشًا كَانَتْ أَوْ عِلْيَةً وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ وَقِيلَ: إنَّمَا هُوَ. عَيْبٌ فِي الْعِلْيَةِ دُونَ الْوَخْشِ وَقَوْلُ ابْنِ كِنَانَةَ، وَالْعِلْيَةُ بِكَسْرِ الْعَيْن

وَسُكُونِ اللَّامِ وَفَتْحِ الْيَاءِ الْجَارِيَةُ الْحَسَنَةُ الَّتِي تُرَادُ لِلْفِرَاشِ غَالِبًا وَالْوَخْشُ الْقَبِيحَةُ الَّتِي تُرَادُ لِلْخِدْمَةِ وَمِنْ جُمْلَةِ عُيُوبِ الرَّقِيقِ أَيْضًا الِافْتِضَاضُ لَكِنْ فِي الْعِلْيَةِ فَهُوَ فِيهَا عَيْبٌ مُؤَثِّرٌ فِي نَقْصِ ثَمَنِهَا دُونَ الْوَخْشِ، فَلَيْسَ هُوَ عَيْبًا فِيهَا. أَمَّا كَوْنُ الْحَمْلِ عَيْبًا فِي الرَّقِيقِ فَقَالَ فِي الْمُقَرَّبِ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ الْحَمْلُ فِي الرَّقِيقِ عَيْبٌ فِي وَخْشِ وَغَيْرِهِ. وَقَدْ خَالَفَ ابْنُ كِنَانَةَ فِي وَخْشٍ الرَّقِيقِ فَقَالَ: إنَّ الْحَمْلَ لَيْسَ عَيْبًا فِيهِنَّ. فَسَأَلْنَا مَالِكًا عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: هُوَ عَيْبٌ. وَأَمَّا كَوْنُ الِافْتِضَاضِ عَيْبًا فِي الْعِلْيَةِ دُونَ الْوَخْشِ فَفِي الْمُقَرَّبِ أَيْضًا. وَسُئِلَ سَحْنُونٌ عَمَّنْ اشْتَرَى صَبِيَّةً مِثْلُهَا لَا يُوطَأُ فَوَجَدَهَا مُفْتَضَّةً فَقَالَ: إنْ كَانَتْ مِنْ وَخْشِ الرَّقِيقِ فَلَيْسَ ذَلِكَ بِعَيْبٍ وَإِنْ كَانَتْ مِنْ عِلْيَةِ الرَّقِيقِ فَذَلِكَ عَيْبٌ يَرُدُّهَا بِهِ. اهـ وَفِي أَحْكَامِ ابْنِ سَهْلٍ مَا ظَاهِرُهُ أَنَّ الِافْتِضَاضَ فِي الْعِلْيَةِ عَيْبٌ كَانَتْ مِمَّنْ يُوطَأُ مِثْلُهَا، أَوْ لَا وَهُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِ النَّاظِمِ هَذَا الْحَاصِلُ مَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ الْبَيْتَانِ الْأَوَّلَانِ، ثُمَّ ذَكَرَ فِي الْبَيْتَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ مَا حَاصِلُهُ أَنَّ الْحَمْلَ لَا يَثْبُتُ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ وَلَا يَتَحَرَّكُ فِي أَقَلَّ مِنْ مِقْدَارِ عِدَّةِ الْوَفَاةِ وَهُوَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرَةُ أَيَّامٍ، وَيَنْبَنِي عَلَى ذَلِكَ رَدُّهَا بِعَيْبِ الْحَمْلِ إذَا تَنَازَعَ الْمُتَبَايِعَانِ فِي كَوْنِهِ حَدَثَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي أَوْ كَانَ بِهَا قَبْلَ الْبَيْعِ. (قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ) : لَا شَكَّ أَنَّ الْحَمْلَ عَيْبٌ وَيُثْبَتُ بِشَهَادَةِ النِّسَاءِ وَلَا يَتَبَيَّنُ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ، وَلَا يَتَحَرَّكُ تَحَرُّكًا بَيِّنًا يَصِحُّ الْقَطْعُ عَلَى تَحْرِيكِهِ فِي أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ. فَإِذَا شَهِدَتْ امْرَأَتَانِ أَنَّ بِهَا حَمْلًا بَيِّنًا لَا تَشُكَّانِ فِيهِ مِنْ غَيْرِ تَحْرِيكٍ رُدَّتْ الْأَمَةُ فِيمَا دُونَ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ وَلَا تُرَدُّ فِيمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ حَادِثًا عِنْدَ الْمُشْتَرِي. وَإِذَا شَهِدْنَ أَنَّ بِهَا حَمْلًا يَتَحَرَّكُ رُدَّتْ فِيمَا دُونَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ وَلَمْ تُرَدَّ فِيمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ حَادِثًا، فَإِنْ رُدَّتْ ثُمَّ وُجِدَ ذَلِكَ الْحَمْلُ بَاطِلًا لَمْ تُرَدَّ إلَى الْمُشْتَرِي إذْ لَعَلَّهَا أَسْقَطَتْهُ. اهـ (مِنْ الْحَطَّابِ) عِنْدَ قَوْلِهِ فِي الْعُيُوبِ وَرَفْعِ حَيْضَةِ اسْتِبْرَاءٍ. وَنَقَلَهُ الشَّارِحُ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ (قُلْتُ) : فَلَوْ زَادَ النَّاظِمُ هُنَا فَقَالَ مَثَلًا: فَإِنْ يَبِنْ حَمْلٌ قُبَيْلَ أَشْهُرِ ... ثَلَاثَةٍ مِنْ دُونِ تَحْرِيكٍ حَرِيّ رُدَّتْ بِهِ كَذَا إذَا تَحَرَّكَا ... مِنْ قَبْلِ أَرْبَعٍ وَعَشْرٍ فَاسْلُكَا فَإِنْ بِهِ رُدَّتْ وَبَعْدُ يَنْتَفِي ... لَا رَدَّ لِاحْتِمَالِ سَقْطٍ قَدْ خَفِيَ لَكَانَ قَدْ صَرَّحَ بِنَتِيجَةِ مَعْرِفَةِ زَمَنٍ يُثْبَتُ فِيهِ الْحَمْلُ، أَوْ يَتَحَرَّكُ اللَّذَيْنِ فِي كَلَامِ النَّاظِمِ (فَائِدَةٌ) . قَالَ: الْقَاضِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمُقْرِي فِي آخِرِ النِّكَاحِ مِنْ قَوَاعِدِهِ الْوَلَدُ يَتَحَرَّكُ لِمِثْلِ مَا يَتَخَلَّقُ لَهُ وَيُوضَعُ لِمِثْلِ مَا يَتَحَرَّكُ فِيهِ وَهُوَ يَتَخَلَّقُ فِي الْعَادَةِ تَارَةً لِشَهْرٍ فَيَتَحَرَّكُ لِشَهْرَيْنِ، وَيُوضَعُ لِسِتَّةٍ وَتَارَةً لِشَهْرٍ وَخَمْسَةِ أَيَّامٍ فَيَتَحَرَّكُ لِشَهْرَيْنِ وَثُلُثٍ، وَيُوضَعُ لِسَبْعَةٍ وَتَارَةً لِشَهْرٍ، وَنِصْفٍ فَيَتَحَرَّكُ لِثَلَاثَةٍ، وَيُوضَعُ لِتِسْعَةٍ فَلِذَلِكَ لَا يَعِيشُ ابْنُ ثَمَانِيَةٍ وَلَا يَنْقُصُ الْحَمْلُ عَنْ سِتَّةٍ اهـ وَهَذَا الْأَخِيرُ هُوَ الْغَالِبُ وَمَعَ ذَلِكَ فَالْأَحْكَامُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَقَلِّ الْحَمْلِ وَهُوَ سِتَّةُ أَشْهُرٍ فَهُوَ مِمَّا قُدِّمَ فِيهِ النَّادِرُ عَلَى الْغَالِبِ وَلَهُ نَظَائِرُ. وَيُثْبِتُ الْعُيُوبَ أَهْلُ الْمَعْرِفَهْ ... بِهَا وَلَا يُنْظَرُ فِيهِمْ لِصِفَهْ يَعْنِي أَنَّ الْعُيُوبَ الَّتِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا وَمَا يَنْبَنِي عَلَيْهَا إنَّمَا تَثْبُتُ بِأَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِهَا، وَالْبَصَرِ بِحَقَائِقِهَا فَإِذَا كَانُوا عَارِفِينَ بِهَا فَلَا يُنْظَرُ فِيهِمْ لِصِفَةٍ غَيْرِ الْمَعْرِفَةِ فَإِنَّهَا فِيهِمْ شَرْطُ وُجُوبٍ، وَأَمَّا الْعَدَالَةُ وَغَيْرُهَا فَإِنَّهَا فِيهِمْ شَرْطُ كَمَالٍ إنْ، وُجِدَتْ فَبِهَا وَنِعْمَتُ وَإِنْ لَمْ تُوجَدْ فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ حَتَّى الْإِسْلَامُ. (قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ) وَيَشْهَدُ بِالْعُيُوبِ أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ بِهَا عُدُولًا كَانُوا أَوْ غَيْرَهُمْ، وَيُقْبَلُ فِي ذَلِكَ أَهْلُ الْكِتَابِ

فصل كلاب الماشية يجوز بيعها

إذَا لَمْ يُوجَدْ سِوَاهُمْ وَالْوَاحِدُ مِنْهُمْ، أَوْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ كَافٍ وَالِاثْنَانِ أَوْلَى وَطَرِيقُ ذَلِكَ الْعِلْمُ، لَا الشَّهَادَةُ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ الْمَعْمُولِ بِهِ. وَتَقَدَّمَ فِي بَابِ الشَّهَادَةِ قَوْلُهُ: وَوَاحِدٌ يُجْزِئُ فِي بَابِ الْخَبَرْ ... وَاثْنَانِ أَوْلَى عِنْدَ كُلِّ ذِي نَظَرْ وَيَأْتِي لَهُ فِي فَصْلِ الْعُيُوبِ ... ثُمَّ الْعُيُوبُ كُلُّهَا لَا تُعْتَبَرْ إلَّا بِقَوْلِ مَنْ لَهُ بِهَا بَصَرْ [فَصْلٌ كِلَابَ الْمَاشِيَةِ يَجُوزُ بَيْعُهَا] فَصْلٌ وَاتَّفَقُوا أَنَّ كِلَابَ الْمَاشِيَةِ يَجُوزُ بَيْعُهَا كَكَلْبِ الْبَادِيَةِ وَعِنْدَهُمْ قَوْلَانِ فِي ابْتِيَاعِ كِلَابِ الِاصْطِيَادِ وَالسِّبَاعِ. يَعْنِي اتَّفَقَ أَهْلُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ الْكِلَابِ الْمُتَّخَذَةِ لِحِفْظِ الْمَوَاشِي مِمَّا يَعْدُو عَلَيْهَا مِنْ الْحَيَوَانِ الْمُفْتَرِسِ، وَبَيْعُ الْكِلَابِ الْمُتَّخَذَةِ فِي الْبَادِيَةِ، وَاخْتُلِفَ فِي بَيْعِ كِلَابِ الصَّيْدِ وَفِي بَيْعِ السِّبَاعِ كَالْفُهُودِ وَنَحْوِهَا فَفِي النَّوَادِرِ: وَلَا بَأْسَ بِاشْتِرَاءِ كِلَابِ الصَّيْدِ وَلَا يُعْجِبُنِي بَيْعُهَا وَقَالَ سَحْنُونٌ: نَعَمْ يَجُوزُ بَيْعُهَا بِثَمَنِهَا وَهِيَ مِثْلُ كِلَابِ الْحَرْثِ، وَالْمَاشِيَةِ، وَالصَّيْدِ (ابْنُ الْحَاجِبِ) . وَفِي كَلْبِ الصَّيْدِ وَالسِّبَاعِ قَوْلَانِ: (التَّوْضِيحُ) أَيْ وَفِي مَنْعِ بَيْعِ الْكَلْبِ وَجَوَازِهِ قَوْلَانِ: وَالْمَشْهُورُ الْمَنْعُ قَالَ فِي الْبَيَانِ وَهُوَ الْمَعْلُومُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرِوَايَتِهِ عَنْ مَالِكٍ. وَالْجَوَازُ لِابْنِ كِنَانَةَ وَابْنِ نَافِعٍ وَسَحْنُونٍ وَشَهَّرَهُ بَعْضُهُمْ، وَعَنْ مَالِكٍ ثَالِثٌ بِالْكَرَاهَةِ، وَعَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ رَابِعٌ بِجَوَازِ اشْتِرَاطِهِ، وَمَنْعِ بَيْعِهِ حَكَاهُ ابْنُ زَرْقُونَ، ثُمَّ قَالَ وَهَذَا الْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ فِي مُبَاحِ الِاتِّخَاذِ، وَأَمَّا غَيْرُهُ فَلَا خِلَافَ فِي مَنْعِ بَيْعِهِ، وَأَنَّ ثَمَنَهُ لَا يَحِلُّ. نَقَلَ ذَلِكَ فِي الْبَيَانِ وَقَوْلُهُ: وَالسِّبَاعُ قَالَ بَعْضُ مَنْ تَكَلَّمَ عَلَى هَذَا الْمَوْضِعِ أَيْ: وَفِي الْكَلْبِ الَّذِي يَحْرُسُ الْمَاشِيَةَ مِنْ السِّبَاعِ وَفِي مَعْنَاهُ كَلْبُ الزَّرْعِ فَإِنَّ اتِّخَاذَ الْكَلْبِ جَائِزٌ. وَاخْتُلِفَ فِي بَيْعِهِ كَمَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ نَقَلَهُ الْبَاجِيُّ وَغَيْرُهُ وَذَكَر الْمَازِرِيُّ خِلَافًا فِي الْكَلْبِ الَّذِي يُتَّخَذُ لِحِرَاسَةِ الدُّورِ وَالْقَيَاسِرِ وَالْفَنَادِقِ. وَلِلْمَنْعِ ذَهَبَ ابْنُ الْقَصَّارِ، وَأَجَازَ فِيهِ شَيْخُنَا - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَجْهًا آخَرَ، وَهُوَ أَنْ يُرِيدَ بِالسِّبَاعِ الَّتِي فِي مَعْنَى الْكَلْبِ كَالْفَهْدِ وَنَحْوِهِ وَهُوَ الَّذِي اقْتَصَرَ عَلَيْهِ ابْنُ رُشْدٍ. اهـ (قَالَ الشَّارِحُ) : وَقَعَ فِي الْبَيْتِ الْأَوَّلِ مِنْ هَذَيْنِ الْبَيْتَيْنِ لَفْظُ الِاتِّفَاقِ، وَلَا يَخْلُو مِنْ نَقْدٍ. اُنْظُرْ بَقِيَّةَ كَلَامِهِ ثُمَّ قَالَ: لَفْظُ ابْنِ الْحَاجِبِ هُوَ الَّذِي نَظَمَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْبَيْتِ الثَّانِي:

وَبَيْعُ مَا كَالشَّاةِ بِاسْتِثْنَاءِ ... ثُلُثِهِ فِيهِ الْجَوَازُ جَائِي أَوْ قَدْرِ رِطْلَيْنِ مَعًا مِنْ شَاةِ ... وَيُجْبَرُ الْآبِي عَلَى الذَّكَاةِ وَلَيْسَ يُعْطِي فِيهِ لِلتَّصْحِيحِ ... مِنْ غَيْرِهِ لَحْمًا عَلَى الصَّحِيحِ وَالْخُلْفُ فِي الْجِلْدِ وَفِي الرَّأْسِ صَدَرْ ... مَشْهُورُهَا الْجَوَازُ فِي حَالِ السَّفَرْ وَفِي الضَّمَانِ إنْ تَفَانَى أَوْ سُلِبْ ... ثَالِثُهَا فِي الْجِلْدِ وَالرَّأْسِ يَجِبْ اشْتَمَلَتْ الْأَبْيَاتُ عَلَى مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ: بَيْعُ الشَّاةِ، وَاسْتِثْنَاءُ بَعْضِهَا وَلَا يَعْنِي خُصُوصَ الشَّاةِ، بَلْ وَالْبَعِيرَ وَالْبَقَرَةَ وَنَحْوَهَا؛ وَلِذَلِكَ أَدْخَلَ الْكَافَ عَلَى الشَّاةِ. ثُمَّ إنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: (أَحَدُهَا) . أَنْ يَسْتَثْنِيَ جُزْءًا شَائِعًا قَلَّ أَوْ كَثُرَ كَالرُّبُعِ أَوْ الثُّلُثِ أَوْ النِّصْفِ أَوْ الثُّلُثَيْنِ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَجْزَاءِ. وَذَلِكَ جَائِزٌ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ الْمَازِرِيِّ: وَلَا خِلَافَ فِيهِ. وَإِلَى هَذَا الْوَجْهِ أَشَارَ النَّاظِمُ بِالْبَيْتِ الْأَوَّلِ، (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) - أَنْ يَسْتَثْنِيَ أَرْطَالًا مِنْ لَحْمِهَا وَذَلِكَ جَائِزٌ أَيْضًا؛ لَكِنْ فِيمَا قَلَّ كَالرِّطْلَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ وَالْأَرْبَعَةِ (ابْنُ الْحَاجِبِ) . وَيَجُوزُ بَيْعُ الشَّاةِ، وَاسْتِثْنَاءُ ثَلَاثَةِ أَرْطَالٍ فَأَدْنَى وَإِلَيْهِ رَجَعَ بَعْدَ مَنْعِهِ ابْنُ الْقَاسِمِ وَسِتَّةٌ أَشْهَبُ وَقَدْرِ الثُّلُثِ. اهـ وَإِلَى هَذَا الْوَجْهِ أَشَارَ النَّاظِمُ بِقَوْلِهِ: أَوْ قَدْرِ رِطْلَيْنِ مَعًا مِنْ شَاةِ وَهُوَ بِالْخَفْضِ عَطْفًا عَلَى لَفْظِ ثُلُثِهِ، وَيَتَعَلَّقُ بِهَذَا الْوَجْهِ فَرْعَانِ (الْفَرْعُ الْأَوَّلُ) إذَا أَرَادَ الْبَائِعُ الذَّبْحَ؛ لِيَتَوَصَّلَ لِمَا اُسْتُثْنِيَ وَامْتَنَعَ الْمُشْتَرِي؛ فَإِنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى الذَّبْحِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ الْمَازِرِيِّ: هُوَ الْمَعْرُوفُ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ دَخَلَ عَلَى أَنْ يَدْفَعَ لِلْبَائِعِ لَحْمًا، وَلَا يُتَوَصَّلُ إلَيْهِ إلَّا بِالذَّبْحِ، وَحَكَى بَعْضُهُمْ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ اهـ وَإِلَى هَذَا الْفَرْعِ أَشَارَ النَّاظِمُ بِقَوْلِهِ: وَيُجْبَرُ الْآبِي عَلَى الذَّكَاةِ إلَّا أَنَّ لَفْظَهُ يَشْمَلُ امْتِنَاعَ الْبَائِعِ مِنْ الذَّبْحِ، إذْ قَدْ يَبْدُو لَهُ وَلَا يُرِيدُ الذَّبْحَ فَظَاهِرُ النَّاظِمِ أَنَّهُ يُجْبَرُ أَيْضًا (الْفَرْعُ الثَّانِي) - إذَا اتَّفَقَ الْمُتَبَايِعَانِ عَلَى أَنْ يُعْطِيَ الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ لَحْمًا مِنْ غَيْرِهَا، عِوَضًا عَنْ الْأَرْطَالِ الْمُسْتَثْنَاةِ وَالْمَشْهُورُ مَنْعُهُ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: الْأَصَحُّ مَنْعُهُ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَشْهَبَ، لِمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ أَنَّهُ يَدْخُلُهُ بَيْعُ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ. وَالْجَوَازُ ظَاهِرُ قَوْلِ مَالِكٍ فِي رِوَايَةِ مُطَرِّفٍ، وَفِي الْمُدَوَّنَةِ مَا يَقْتَضِيهِ اهـ. وَإِلَى هَذَا الْفَرْعِ أَشَارَ النَّاظِمُ بِقَوْلِهِ: وَلَيْسَ يُعْطَى فِيهِ لِلتَّصْحِيحِ إلَخْ أَيْ: لِتَصِحَّ الشَّاةُ وَتَدُومَ حَيَّاتُهَا وَمُقَابِلُ الصَّحِيحِ فِي الْبَيْتِ، الْجَوَازُ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ التَّوْضِيحِ أَنَّهُ ظَاهِرُ قَوْلِ مَالِكٍ وَفَاعِلُ يُعْطِي ضَمِيرُ الْمُشْتَرِي، وَضَمِيرُ فِيهِ لِلْمُسْتَثْنِي الَّذِي هُوَ الْأَرْطَالُ، وَضَمِيرُ غَيْرِهِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ وَلَحْمًا مَفْعُولُ يُعْطِي (الْوَجْهُ الثَّالِثُ) : - مِنْ أَوْجُهِ الْمَسْأَلَةِ مَنْ بَاعَ شَاةً وَاسْتَثْنَى الْجِلْدَ وَالرَّأْسَ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ، وَفِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: الْجَوَازُ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ، حَكَاهُ فَضْلٌ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ وَعِيسَى، وَالْمَنْعُ فِيهِمَا حَكَاهُ الْأَبْهَرِيُّ رِوَايَةً عَنْ مَالِكٍ وَالثَّالِثُ الْمَشْهُورُ يَجُوزُ فِي السَّفَرِ دُونَ الْحَضَرِ، وَدَلِيلُهُ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي مَرَاسِيلِهِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ خَرَجَ هُوَ وَأَبُو بَكْرٍ مُهَاجِرَيْنِ إلَى الْمَدِينَةِ، وَمَرَّا بِرَاعِي غَنَمٍ اشْتَرَيَا مِنْهُ شَاةً، وَشَرَطَا لَهُ سَلَبَهَا» وَلَا يُقَاسُ الْحَضَرُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا جَازَ فِي السَّفَرِ؛ لِكَوْنِهِ لَا قِيمَةَ لَهُ هُنَاكَ، فَخَفَّ الْغَرَرُ اهـ. وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ بَعْدَ هَذَا، وَكَأَنَّهُ اشْتَرَى الْجَمِيعَ اهـ. وَإِلَى هَذَا الْوَجْهِ وَالْخِلَافِ فِيهِ، أَشَارَ النَّاظِمُ بِقَوْلِهِ: " وَالْخُلْفُ فِي الْجِلْدِ الْبَيْتَ " وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ: " الْجَوَازُ فِي حَالِ السَّفَرِ " أَنَّهُ يُمْنَعُ اسْتِثْنَاءُ ذَلِكَ فِي الْحَضَرِ، وَهُوَ مُحْتَمِلٌ لِلْمَنْعِ حَقِيقَةً وَلِلْكَرَاهَةِ اُنْظُرْ التَّوْضِيحَ ثُمَّ ذَكَرَ النَّاظِمُ فَرْعًا يَتَعَلَّقُ بِالْوَجْهَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ مِنْ الْمَسْأَلَةِ وَهُمَا: اسْتِثْنَاءُ الْأَرْطَالِ، أَوْ الْجِلْدِ وَالرَّأْسِ، وَهُوَ إذَا مَاتَتْ الشَّاةُ الْمُسْتَثْنَى مِنْهَا ذَلِكَ أَوْ سُرِقَتْ

فصل في بيع الدين والمقاصة فيه

أَوْ غُصِبَتْ وَإِلَى الْمَوْتِ وَالسَّرِقَةِ، أَشَارَ بِقَوْلِهِ: " إنْ تَفَانَى أَوْ سُلِبَ " هَلْ يَضْمَنُ الْمُشْتَرِي ذَلِكَ الْمُسْتَثْنَى أَوْ لَا يَضْمَنُهُ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ: " فَلَوْ مَاتَ مَا اُسْتُثْنِيَ مِنْهُ مُعَيَّنٌ " فَثَالِثُهَا يَضْمَنُ الْمُشْتَرِي الْجِلْدَ وَالرَّأْسَ دُونَ اللَّحْمِ مَا نَصُّهُ: مُرَادُهُ بِالْمُعَيَّنِ خِلَافُ الْجُزْءِ الشَّائِعِ كَالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ فَإِنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ. وَحَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ: أَنَّهُ اخْتِلَافٌ فِي مَسْأَلَةِ الْأَرْطَالِ وَالْجِلْدِ وَالرَّأْسِ، فَقِيلَ يَضْمَنُ فِي الْجَمِيعِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا يُجْبَرُ، أَوْ لَا يَضْمَنُ، بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يُجْبَرُ، أَوْ يَضْمَنُ فِي مَسْأَلَةِ الْجِلْدِ وَالرَّأْسِ بِنَاءً عَلَى عَدَمِ جَبْرِهِ دُونَ مَسْأَلَةِ الْأَرْطَالِ فَإِنَّهُ يُجْبَرُ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ وَالثَّالِثُ هُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ وَنَسَبَ ابْنُ يُونُسَ وَغَيْرُهُ الْقَوْلَيْنِ فِي ضَمَانِ الْجِلْدِ لِابْنِ الْقَاسِمِ. وَحَمَلَ ابْنُ دَحُونٍ الْقَوْلَ بِعَدَمِ الضَّمَانِ عَلَى مَا إذَا لَمْ يُفَرِّطْ. وَأَمَّا إنْ تَوَانَى بِالذَّبْحِ فَيَضْمَنُ، وَهُوَ مَعْنَى الرِّوَايَةِ بِالضَّمَانِ وَعَلَى هَذَا فَلَا خِلَافَ فِي الْمَسْأَلَةِ. اهـ. (تَنْبِيهٌ) تَقَدَّمَ أَنَّ الْإِجْبَارَ عَلَى الذَّبْحِ، إنَّمَا هُوَ مُفَرَّعٌ عَلَى اسْتِثْنَاءِ الْأَرْطَالِ، أَمَّا اسْتِثْنَاءُ الْجُزْءِ الشَّائِعِ، أَوْ الْجِلْدِ وَالرَّأْسِ، فَلَا يُجْبَرُ عَلَى الذَّبْحِ فِيهِمَا عَلَى الْمَشْهُورِ وَكَذَا تَقَدَّمَ أَوَّلَ كَلَامِ التَّوْضِيحِ الْمَنْقُولِ آنِفًا، أَنَّ الْخِلَافَ فِي الضَّمَانِ مُفَرَّعٌ عَلَى اسْتِثْنَاءِ الْأَرْطَالِ وَالْجِلْدِ وَالرَّأْسِ، وَأَمَّا عَلَى اسْتِثْنَاءِ الْجُزْءِ الشَّائِعِ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُشْتَرِي، لِأَنَّهُ شَرِيكٌ. [فَصْلٌ فِي بَيْعِ الدَّيْنِ وَالْمُقَاصَّةِ فِيهِ] ِ جَمَعَ النَّاظِمُ فِي هَذَا الْفَصْلِ بَيْنَ الدَّيْنِ وَاقْتِضَائِهِ، وَالْمُقَاصَّةِ فِيهِ لِلْمُنَاسَبَةِ الظَّاهِرَةِ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ، وَكَأَنَّهُ أَطْلَقَ بَيْعَ الدَّيْنِ عَلَى مَا تَبْرَأُ بِهِ ذِمَّةُ الْمَدِينِ، سَوَاءٌ كَانَ بَيْعًا (وَذَلِكَ حَيْثُ يُقْضَى مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الدَّيْنِ) أَوْ اقْتِضَائِهِ وَذَلِكَ حَيْثُ يَقْضِي مِنْ جِنْسِ الدَّيْنِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بَيْعُ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ لِأَنَّ مَقْصُودَ النَّاظِمِ، الْكَلَامُ عَلَى مَا يَجُوزُ مِنْ بَيْعِ الدَّيْنِ، وَمَا يُمْنَعُ مِنْهُ وَعَلَى نَسْخِهِ زِيَادَةٌ بِالدَّيْنِ، يَكُونُ إنَّمَا تَرْجَمَ لِلْمَمْنُوعِ فَقَطْ، وَهُوَ بَيْعُهُ بِالدَّيْنِ بِمَا يَجُوزُ الْبَيْعُ بَيْعُ الدَّيْنِ ... مُسَوَّغٌ مِنْ عَرْضٍ أَوْ مِنْ عَيْنِ وَإِنَّمَا يَجُوزُ مَعَ حُضُورِ مَنْ ... أَقَرَّ بِالدَّيْنِ وَتَعْجِيلِ الثَّمَنْ يَعْنِي أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ الدَّيْنِ بِمَا يَجُوزُ الْبَيْعُ بِهِ مِنْ عَرَضٍ، أَوْ عَيْنٍ. وَيَعْنِي بِمَا يَجُوزُ الْبَيْعُ بِهِ لِذَلِكَ الدَّيْنِ، بِحَيْثُ يَنْظُرُ لِمَا فِي الذِّمَّةِ مِنْ عَيْنٍ، أَوْ عَرَضٍ وَيُعْتَبَرُ فِي بَيْعِهِ وَمَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِهِ وَمَا يَمْتَنِعُ بِشُرُوطِ صِحَّتِهِ، وَكَمَالِهِ فَقَوْلُهُ: بَيْعُ الدَّيْنِ مُسَوَّغٌ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ، وَبِمَا يَتَعَلَّقُ بِمُسَوَّغٌ وَهِيَ مَوْصُولَةٌ، صِلَتُهَا يَجُوزُ الْبَيْعُ، وَحُذِفَ الْعَائِدُ؛ لِكَوْنِهِ مَجْرُورًا بِمَا جُرَّ بِهِ الْمَوْصُولُ. وَقَوْلُهُ: " مِنْ عَرْضٍ أَوْ مِنْ عَيْنِ " الظَّاهِرُ أَنَّهُ تَفْسِيرٌ لِلْإِبْهَامِ الَّذِي فِي مَا، أَيْ وَاَلَّذِي يَجُوزُ أَنْ يُبَاعَ بِهِ الدَّيْنُ هُوَ الْعَيْنُ أَوْ الْعَرَضُ، وَيُحْتَمَلُ عَلَى بُعْدٍ أَنْ يَكُونَ تَفْسِيرًا لِلدَّيْنِ، أَيْ يَجُوزُ بَيْعُ الدَّيْنِ، سَوَاءٌ كَانَ الدَّيْنُ عَيْنًا أَوْ عَرَضًا، وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ فَإِذَا كَانَ الدَّيْنُ عَيْنًا؛ جَازَ أَنْ يُعْطِيَهُ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ إذَا حَلَّ الْأَجَلُ كَمَا يَأْتِي، وَأَمَّا مِنْ جِنْسِهِ فَهُوَ اقْتِضَاءٌ لَا بَيْعٌ، إلَّا إذَا أُرِيدَ بِالْبَيْعِ مَا تَبْرَأُ بِهِ الذِّمَّةُ كَمَا تَقَدَّمَ وَجَازَ أَنْ يُعْطِيَهُ عَرَضًا، وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ عَرَضًا جَازَ أَنْ

يُعْطِيَهُ عَيْنًا أَوْ عَرَضًا مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ، وَأَمَّا مِنْ جِنْسِهِ فَاقْتِضَاءٌ أَيْضًا (قَالَ الشَّارِحُ) وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ بِمَا يَجُوزُ الْبَيْعُ بِهِ مِنْ أَنْ يَبِيعَ الدَّيْنَ بِمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُبَاعَ بِهِ حَاضِرًا، وَذَلِكَ ظَاهِرٌ وَإِنَّمَا يَجُوزُ بَيْعُ الدَّيْنِ بِشَرْطَيْنِ أَحَدُهُمَا - حُضُورُ الْمَدِينِ الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ، وَإِقْرَارُهُ بِبَقَاءِ الْحَقِّ قِبَلَهُ، فَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الدَّيْنِ وَالْمَدِينُ غَائِبٌ أَوْ مُنْكِرٌ وَثَانِيهِمَا - تَعْجِيلُ الثَّمَنِ الْمَدْفُوعِ فِيهِ؛ لِئَلَّا يَكُونَ فَسْخَ دَيْنٍ فِي دَيْنٍ وَمِنْ هُنَالِكَ لَا يَجُوزُ دَنَانِيرُ فِي دَرَاهِمَ، وَلَا دَرَاهِمُ فِي دَنَانِيرَ، عَلَى تَأْخِيرِ الْمَدْفُوعِ لَحْظَةً؛ لِأَنَّهُ صَرْفُ مُسْتَأْخَرٍ ثُمَّ قَالَ: وَفِي مُفِيدِ ابْنِ هِشَامٍ، مِنْ مُخْتَصَرِ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ، مَنْ كَانَ لَهُ دَيْنٌ مِنْ عَيْنٍ أَوْ عَرَضٍ، فَلَهُ بَيْعُهُ مِنْ غَيْرِ غَرِيمِهِ قَبْلَ مَحَلِّهِ، أَوْ بَعْدَهُ بِثَمَنٍ يَتَعَجَّلُهُ فَإِنْ كَانَ دَنَانِيرَ، أَوْ دَرَاهِمَ بَاعَهُ بِعَرَضٍ، وَإِنْ كَانَ عَرَضًا بَاعَهُ بِعَيْنٍ أَوْ بِعَرَضٍ يُخَالِفُهُ نَقْدًا قَالَ سَحْنُونٌ: بِمَحْضَرِ الْغَرِيمِ وَإِقْرَارِهِ اهـ. وَالظَّاهِرُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّ بَيْعَ الدَّيْنِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ الَّتِي فِي الْمُفِيدِ لِلْمَدِينِ نَفْسِهِ جَائِزٌ أَيْضًا لِأَنَّهُ دَيْنٌ بِدَيْنٍ. وَإِنْ صَالَحْتَهُ عَلَى عَشَرَةِ أَرْطَالٍ، مِنْ لَحْمِ شَاةٍ وَهِيَ حَيَّةٌ لَمْ يَجُزْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَمَنْ اسْتَهْلَكَ لَك بَعِيرًا، لَمْ يَجُزْ أَنْ تُصَالِحَهُ عَلَى بَعِيرٍ مِثْلِهِ إلَى أَجَلٍ، لِفَسْخِكَ مَا وَجَبَ لَك مِنْ الْقِيمَةِ فِي ذَلِكَ لَوْ صَالَحْتَهُ عَلَى دَنَانِيرَ مُؤَجَّلَةٍ، فَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ الْقِيمَةِ، لَمْ يَجُزْ، وَإِنْ كَانَتْ كَالْقِيمَةِ فَأَدْنَى، وَكَانَ مَا اُسْتُهْلِكَ مِمَّا يُبَاعُ بِالدَّنَانِيرِ بِالْبَلَدِ جَازَ، وَيَجُورُ عَلَى دَرَاهِمَ نَقْدًا، أَوْ عَلَى عَرَضٍ نَقْدًا بَعْدَ مَعْرِفَتِكُمَا بِقِيمَةِ الْمُسْتَهْلَكِ مِنْ الدَّنَانِيرِ، وَلَا يَجُوزُ إلَى أَجَلٍ وَإِنْ كَانَ مِمَّا يُبَاعُ بِالدَّرَاهِمِ؛ جَازَ الصُّلْحُ عَلَى دَرَاهِمَ مُؤَجَّلَةٍ مِثْلِ الْقِيمَةِ فَأَدْنَى، وَلَا يَجُوزُ عَلَى دَنَانِيرَ أَوْ عَرَضٍ إلَّا نَقْدًا بَعْدَ مَعْرِفَتِكُمَا بِقِيمَةِ الْمُسْتَهْلَكِ مِنْ الدَّرَاهِمِ وَإِنْ شَرَطْتُمَا تَأْخِيرَ ذَلِكَ إلَى أَجَلٍ لَمْ يَجُزْ، وَلَوْ تَعَجَّلْتَهُ بَعْدَ الشَّرْطِ لَمْ يَجُزْ؛ لِوُقُوعِهِ فَاسِدًا وَكَذَلِكَ إنْ ادَّعَيْتَ أَنَّهُ اسْتَهْلَكَ لَك غَنَمًا أَوْ مَتَاعًا، فَالصُّلْحُ فِيهِ عَلَى عَيْنٍ أَوْ عَرَضٍ يَجْرِي عَلَى وَصْفِنَا. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِيمَنْ ذَبَحَ لِرَجُلٍ شَاةً أَوْ بَقَرَةً أَوْ فَصِيلًا " فَإِنْ كَانَ لَحْمُ الشَّاةِ لَمْ يَفُتْ؛ لَمْ يَجُزْ أَنْ تُصَالِحَهُ بِشَاةٍ إذْ لَهُ أَخْذُهَا مَذْبُوحَةً فَصَارَ لَحْمًا بِحَيَوَانٍ وَإِنْ فَاتَ اللَّحْمُ فَجَائِزٌ نَقْدًا بَعْدَ الْمَعْرِفَةِ بِقِيمَةِ الشَّاةِ، وَلَوْ اسْتَهْلَكَ لَهُ صُبْرَةَ قَمْحٍ لَا يَعْرِفَانِ كَيْلَهَا؛ جَازَ أَنْ يَأْخُذَ بِالْقِيمَةِ مَا شَاءَ مِنْ طَعَامٍ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ، أَوْ عَرَضٍ نَقْدًا، وَأَمَّا عَلَى مَكِيلَةٍ مِنْ قَمْحٍ أَوْ شَعِيرٍ أَوْ سُلْتٍ؛ فَلَا يَصِحُّ عَلَى التَّحَرِّي " (أَيْ لِأَنَّ الثَّلَاثَةَ صَفٌّ وَاحِدٌ، وَالشَّكُّ فِي التَّمَاثُلِ كَتَحَقُّقِ التَّفَاضُلِ) قَالَ: " وَأَمَّا عَلَى كَيْلٍ لَا يُشَكُّ أَنَّهُ أَدْنَى مِنْ كَيْلِ الصُّبْرَةِ، فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَكَأَنَّهُ أَخَذَ بَعْضَ حَقِّهِ، فَلَا تُبَالِي أَخَذَ قَمْحًا أَوْ شَعِيرًا أَوْ سُلْتًا، يُرِيدُ هَهُنَا وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ الْقِيمَةَ " اهـ عَلَى نَقْلِ الْمَوَّاقِ قَالَ: " وَعَلَى هَذَا يَنْبَنِي مُصَالَحَةُ الْفَرَّانِ وَالرَّحَوِيِّ، فِيمَا تَبَدَّلَ عِنْدَهُمَا " وَكَانَ سَيِّدِي ابْنُ سِرَاجٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَ مَا لَا يَشُكُّ أَنَّهُ أَقَلُّ، حَتَّى يَتَحَقَّقَ أَنَّ خُبْزَهُ أَوْ دَقِيقَهُ قَدْ أُكِلَ، لِئَلَّا يَكُونَ مُبَادَلَةً بِتَأْخِيرٍ وَكَانَ يَقُولُ قَدْ تَقَدَّمَ لَهُ قَرِينَةُ الْحَالِ، أَنَّ طَعَامَهُ قَدْ أُكِلَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ هَذَا فِي الْأُضْحِيَّةِ اهـ (ابْنُ الْحَاجِبِ) يَجُوزُ الصُّلْحُ عَلَى ذَهَبٍ مِنْ وَرِقٍ وَبِالْعَكْسِ إذَا كَانَا حَالَّيْنِ وَعَجَّلَ وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ لَك عَلَيْهِ مِائَةُ دِرْهَمٍ حَالَّةٍ، وَهُوَ مُقِرٌّ بِهَا جَازَ أَنْ تُصَالِحَهُ عَلَى خَمْسِينَ مِنْهَا إلَى أَجَلٍ؛ لِأَنَّك حَطَطْتَهُ وَأَخَّرْتَهُ، وَلَا بَأْسَ أَنْ تُصَالِحَهُ عَلَى دَنَانِيرَ أَوْ عَرَضٍ نَقْدًا، وَلَا يَجُوزُ فِيهَا تَأْخِيرٌ؛ لِأَنَّهُ فَسْخُ دَيْنٍ وَصَرْفُ مُسْتَأْخَرٍ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: " وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مُنْكِرًا " لِأَنَّ الْمُدَّعِي إذَا كَانَ مُحِقًّا؛ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَأْخُذَ عَنْ مِائَةِ دِرْهَمٍ خَمْسِينَ إلَى أَجَلٍ، وَإِنْ أَخَذَ عَنْهَا عَرَضًا أَوْ ذَهَبًا إلَى أَجَلٍ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ فَسْخُ دَرَاهِمَ فِي عُرُوضٍ أَوْ دَنَانِيرَ إلَى أَجَلٍ، وَذَلِكَ حَرَامٌ وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعِي مُبْطِلًا؛ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَخْذُ شَيْءٍ عَاجِلٍ أَوْ آجِلٍ اهُوَ هَذَا كُلُّهُ دَاخِلٌ فِي قَوْلِ النَّاظِمِ: بِمَا يَجُوزُ الْبَيْعُ بَيْعُ الدَّيْنِ. الْبَيْتَ إنَّمَا أَطَلْتُ هُنَا بَعْضَ التَّطْوِيلِ لِأَنَّ فِي بَيْعِ الدَّيْنِ بَعْضَ صُعُوبَةٍ، وَتَكْثِيرُ الْأَمْثِلَةِ، مِمَّا يَتَمَرَّنُ بِهِ الطَّالِبُ، وَهَذَا النَّقْلُ لَا شَكَّ أَنَّهُمْ ذَكَرُوهُ فِي بَابِ الصُّلْحِ، وَلَكِنْ إنَّمَا يُصَالَحُ عَنْ الدَّيْنِ بِمَا يُبَاعُ بِهِ، وَالْمَقْصُودُ هُنَا مَعْرِفَةُ مَا يُبَاعُ بِهِ الدَّيْنُ مِمَّا لَا يُبَاعُ بِهِ. وَقَدْ تَلَخَّصَ مِنْ مَسْأَلَةِ اسْتِهْلَاكِ صُبْرَةِ الْقَمْحِ الْمُتَقَدِّمَةِ قَرِيبًا: أَنَّ مَنْعَ بَيْعِ الْمَجْهُولِ بِمَعْلُومٍ مِنْ الْجِنْسِ الْوَاحِدِ مِنْ الطَّعَامِ الرِّبَوِيِّ (سَوَاءٌ تَبَيَّنَ الْفَضْلُ مِنْ إحْدَى الْجِهَتَيْنِ أَوْ لَا) إنَّمَا هُوَ إذَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الْبَيْعِ وَحُضُورِ الْعِوَضَيْنِ، وَأَمَّا بَعْدَ

تَقَرُّرِ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ فِي الذِّمَّةِ وَقَصْدِ الصُّلْحِ عَنْهُ؛ فَيَجُوزُ أَنْ يَقْضِيَ مَا لَا يَشُكُّ أَنَّهُ أَقَلُّ؛ لِأَنَّ الصُّلْحَ عَنْ بَعْضِ الدَّيْنِ هِبَةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَشَارَ النَّاظِمُ بِقَوْلِهِ: وَإِنَّمَا يَجُوزُ مَعَ حُضُورٍ مِنْ الْبَيْتِ إلَى بَعْضِ شُرُوطِ جَوَازِ بَيْعِ الدَّيْنِ. وَذَكَرَ مِنْهَا ثَلَاثَةً: حُضُورُ الْمَدِينِ، وَإِقْرَارُهُ، وَتَعْجِيلُ الثَّمَنِ. وَبَقِيَ عَلَيْهِ مَا نَقَلَ الْمَوَّاقُ عَنْ الْغَرْنَاطِيِّ ثَلَاثَةٌ أُخَرُ: أَنْ لَا يَكُونَ الدَّيْنُ طَعَامًا بِعَرَضٍ، وَأَنْ يُبَاعَ بِغَيْرِ جِنْسِهِ، وَأَنْ لَا يَكُونَ الْمُبْتَاعُ عَدُوًّا لِلْغَرِيمِ (الْبُرْزُلِيُّ) . وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ عُرُوضًا فَهَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ يُبْقِيَ مِثْلَ أَجَلِ السَّلَمِ مِنْ أَجَلِهِ أَوْ لَيْسَ مِنْ شَرْطِهِ ذَلِكَ؟ وَأَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ: مُقَيَّدٌ هَذَا الشَّرْحِ سَمَحَ اللَّهُ لَهُ، وَقَدْ كُنْتُ نَظَمْتُ شُرُوطَ جَوَازِ بَيْعِ الدَّيْنِ، عَلَى مَا ذَكَرَ الْغَرْنَاطِيُّ فَقُلْتُ: شُرُوطُ بَيْعِ الدَّيْنِ سِتَّةٌ تُرَى ... حُضُورُ مِدْيَانٍ وَإِقْرَارٌ يُرَى وَبَيْعُهُ بِغَيْرِ جِنْسٍ وَنَقَدْ ... ثَمَنُهُ وَلَا عَدَاوَةَ يُرَدْ وَلَيْسَ ذَا الدَّيْنُ طَعَامًا وَاخْتُلِفْ ... فِي أَجَلِ السَّلَمِ إنْ عَرْضًا وُصِفْ أَيْ: إنْ كَانَ الدَّيْنُ عَرَضًا مَوْصُوفًا فِي الذِّمَّةِ، ثُمَّ زِدْتَ عَلَى شُرُوطِ بَيْعِ الدَّيْنِ مَسْأَلَتَيْنِ فَقُلْتُ فِيهِمَا: وَلَيْسَ مِنْ شُرُوطِهِ الْحُلُولُ ... إلَّا بِصَرْفٍ شَرْطُهُ مَقُولُ فِي كَوْنِ ذَا الْمَدِينِ أَوْلَى بِاَلَّذِي ... بِيعَ بِهِ أَوْ لَا خِلَافَ فَاحْتَذِي (فَائِدَةٌ) مِنْ صُوَرِ بَيْعِ الدَّيْنِ - الَّذِي الْكَلَامُ فِيهِ - الْمَسْأَلَة الْمُلَقَّبَةِ - عِنْدَ الْعَامَّةِ - بِقَلْبِ الرَّهْنِ، وَذَلِكَ أَنْ يَكُونَ بِيَدِ الْإِنْسَانِ رَهْنٌ فِي دَيْنٍ مُؤَجَّلٍ، ثُمَّ يَحْتَاجُ إلَى دَيْنِهِ قَبْلَ الْأَجَلِ؛ فَيَبِيعُ ذَلِكَ الدَّيْنَ الْمُؤَجَّلَ بِمَا يَجُوزُ أَنْ يُبَاعَ بِهِ، كَمَا إذَا كَانَ دَيْنُهُ دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ كَمَا هُوَ الْغَالِبُ فِي بَيْعِ الرَّهْنِ؛ فَيَبِيعُهُ بِسِلْعَةٍ نَقْدًا، مَعَ اعْتِبَارِ بَقِيَّةِ شُرُوطِ جَوَازِ بَيْعِ الدَّيْنِ - كَمَا تَقَدَّمَ - وَيَحِلُّ الْمُشْتَرِي لِلدَّيْنِ الْمَذْكُورِ مَحَلَّ بَائِعِهِ الْمُرْتَهِنِ، أَوْ لَا فِي الْجَوَازِ وَالْمَنْفَعَةِ وَإِنْ جُعِلَتْ لَهُ، وَالْبَيْعُ لِلرَّهْنِ بِالتَّفْوِيضِ الَّذِي جُعِلَ لِلْمُرْتَهِنِ الْبَائِعِ لِلدَّيْنِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَيُكْتَبُ فِي ذَلِكَ فِي ظَهْرِ وَثِيقَةِ الدَّيْنِ أَوْ طَرَفِهَا: اشْتَرَى فُلَانٌ جَمِيعَ الدَّيْنِ أَعْلَاهُ، أَوْ بِمُحَوَّلِهِ بِكَذَا وَكَذَا، وَقَبَضَ الْبَائِعُ الْمَذْكُورُ جَمِيعَ الثَّمَنِ مُعَايَنَةً، أَوْ بِاعْتِرَافِهِ بَعْدَ التَّقْلِيبِ وَالرِّضَا كَمَا يَجِبُ، وَأَبْرَأَ الْمُشْتَرِي مِنْ جَمِيعِهِ. فَبَرِئَ، وَأَحَلَّهُ مَحَلَّهُ فِي الرَّهْنِ وَالِانْتِفَاعِ بِهِ، وَالْجَوَازِ لَهُ وَالتَّفْوِيضِ، وَتَمَلَّكَ الْمُشْتَرِي الْمَذْكُورُ مُشْتَرَاهُ تَمَلُّكًا تَامًّا، عَلَى السُّنَّةِ فِي ذَلِكَ وَالْمَرْجِعُ بِالدَّرْكِ عُرْفًا قَدْرُهُ إلَى آخِرِ الْوَثِيقَةِ وَهَذَا مَعَ التَّنْصِيصِ عَلَى دُخُولِ الرَّهْنِ فِي الْبَيْعِ، وَهُوَ الْمَعْمُولُ بِهِ فِي وَقْتِنَا، إذْ هُوَ الْمَقْصُودُ بِشِرَاءِ الدَّيْنِ غَالِبًا، وَلِلرَّاهِنِ الْخِيَارُ بَيْنَ أَنْ يَجْعَلَ رَهْنَهُ بِيَدِ الْمُشْتَرِي الْمَدِينِ، أَوْ يَجْعَلَهُ بِيَدِ رَجُلٍ غَيْرِهِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ إنْ لَمْ تُشْتَرَطْ مَنْفَعَتُهُ، أَمَّا إذَا كَانَ الْمُرْتَهِنُ اشْتَرَطَ الْمَنْفَعَةَ، وَبَاعَ الدَّيْنَ وَالْمَنْفَعَةَ مَعًا - كَمَا هُوَ الْوَاقِعُ كَثِيرًا - فَلَا خِيَارَ لِلرَّاهِنِ، إلَّا إذَا لَحِقَهُ ضَرَرٌ؛ فَيُزَالُ الضَّرَرُ، وَيُكْرِي ذَلِكَ لِغَيْرِ مُشْتَرِي الدَّيْنِ، وَالْكِرَاءُ لِمُشْتَرِيهِ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ لِمُشْتَرِطِهَا وَإِنْ شَرَطَ عَدَمَ دُخُولِهِ لَمْ يَدْخُلْ، وَيَبْقَى الرَّهْنُ بِيَدِ مَنْ هُوَ بِيَدِهِ، وَأَمَّا إنْ بِيعَ الدَّيْنُ وَسَكَتَ عَنْ الرَّهْنِ، فَلَا يَشْمَلُهُ الْبَيْعُ لِأَنَّ الدَّيْنَ مِلْكٌ لِلْبَائِعِ، وَالتَّوَثُّقُ بِالرَّهْنِ حَقٌّ لَهُ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا مُنْفَكٌّ عَنْ الْآخَرِ، وَالْأَصْلُ بَقَاءُ مَالِ الْإِنْسَانِ عَلَى مِلْكِهِ؛ حَتَّى يَخْرُجَ عَنْهُ بِرِضَاهُ، وَإِذَا اخْتَلَفَا فِي بَيْعِ الدَّيْنِ هَلْ وَقْعَ عَلَى دُخُولِ الرَّهْنِ أَوْ لَا؟ تَحَالَفَا وَتَفَاسَخَا، وَيَبْدَأُ الْبَائِعُ. كَمَا فِي اخْتِلَافِ الْمُتَبَايِعَيْنِ إذَا اخْتَلَفَا هَلْ وَقَعَ الْبَيْعُ عَلَى رَهْنٍ أَوْ حَمِيلٍ أَوْ لَا؟ وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي الْحَمِيلِ إلَّا أَنَّهُ إذَا اشْتَرَطَ دُخُولَهُ فَيُشْتَرَطُ حُضُورُهُ، وَإِقْرَارُهُ بِالْحِمَالَةِ، لِئَلَّا يَصِيرَ مِنْ شِرَاءِ مَا فِيهِ خُصُومَةٌ. اُنْظُرْ الْحَطَّابَ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ فِي الْبُيُوعِ: وَحَاضِرٌ إلَّا أَنْ يُقِرَّ وَمَعَ كَوْنِ الدَّيْنِ بِبَيِّنَةٍ عَادِلَةٍ، وَبِرَهْنٍ يُسَاوِي الدَّيْنَ وَأَكْثَرَ، وَهُوَ مَحُوزٌ بِيَدِ الْمُرْتَهِنِ؛ فَلَا بُدَّ مِنْ حُضُورِ الْمَدِينِ، وَإِقْرَارِهِ بِالدَّيْنِ

عَلَى الْقَوْلِ الْمَشْهُورِ. وَأَجَازَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي سَمَاعِ عِيسَى بْنِ مُعَاوِيَةَ شِرَاءَ الدَّيْنِ عَلَى الْغَائِبِ وَقَالَهُ أَصْبَغُ فِي نَوَازِلِهِ، وَرَوَاهُ أَبُو زَيْدٍ عَنْ مَالِكٍ، وَنَقَلَ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَازِرِيُّ (فِي شَرْحِ التَّلْقِينِ) أَنَّ ابْنَ الْمَوَّازِ يُجِيزُ شِرَاءَ الدَّيْنِ عَلَى الْغَائِبِ الْقَرِيبِ الْغَيْبَةِ، إذَا كَانَ عَلَى الدَّيْنِ بَيِّنَةٌ نَقَلَ ذَلِكَ صَاحِبُ الْمِعْيَارِ، أَوَّلَ الْكُرَّاسِ السَّابِعِ مِنْ تَرْجَمَةِ الْمُعَاوَضَاتِ وَالْبُيُوعِ، فِي سُؤَالِ نَازِلَةٍ سُئِلَ عَنْهَا الْإِمَامُ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقَبَّابُ. وَفِي السُّؤَالِ الْمَذْكُورِ وَجَوَابِهِ طُولٌ حَذَفْتُهُ اخْتِصَارًا. قَالَ الْقَبَّابُ الْمَذْكُورُ أَوَّلَ الْجَوَابِ: " أَمَّا مَنْ يُجِيزُ بَيْعَ الدَّيْنِ عَلَى غَائِبٍ بِغَيْرِ رَهْنٍ، فَلَا يُشْكِلُ عَلَى أَحَدٍ أَنَّهُ مَعَ الرَّهْنِ أَوْلَى بِالْجَوَازِ " لَكِنَّهَا كُلَّهَا أَقْوَالٌ غَيْرُ مَشْهُورَةٍ، وَلَا مُعَوَّلَ عَلَيْهَا عِنْدَ أَصْحَابِ الْأَحْكَامِ اُنْظُرْ تَمَامَ كَلَامِهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَاَلَّذِي جَرَى بِهِ الْعَمَلُ عِنْدَنَا فِي الرِّهَانِ بَيْعُ الدَّيْنِ مِنْ غَيْرِ حُضُورِ الْمَدِينِ، وَلَعَلَّهُ ارْتِكَابًا لِمُقَابِلِ الْمَشْهُورِ؛ لِقِلَّةِ الْغَرَرِ مَعَ ثُبُوتِ الدَّيْنِ وَحِيَازَةِ الرَّهْنِ (فَرْعٌ) مَا تَقَدَّمَ مِنْ جَوَازِ بَيْعِ الدَّيْنِ إنَّمَا هُوَ إذَا لَمْ يُقْصَدْ بِهِ التَّضْيِيقُ عَلَى الْمَدِينِ وَتَعْنِيَتِهِ، وَأَمَّا إنْ قُصِدَ بِهِ ذَلِكَ؛ فَيُمْنَعُ وَيُرَدُّ إنْ وَقَعَ ذَلِكَ وَهَلْ يَكْفِي فِي مَنْعِ ذَلِكَ وَفَسْخِهِ قَصْدُ الْمُشْتَرِي وَحْدَهُ الْإِضْرَارَ، أَوْ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْبَائِعُ عَالِمًا بِقَصْدِ الْمُشْتَرِي الضَّرَرَ؟ وَإِلَّا لَمْ يُفْسَخْ بَلْ يُبَاعُ الدَّيْنُ عَلَى الْمُشْتَرِي فَيَرْتَفِعُ الضَّرَرُ ابْنُ يُونُسَ وَهُوَ أَظْهَرُ. قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ فِي مَسْأَلَةِ الضَّمَانِ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَضْمُونِ عَنْهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا فِي شُرُوطِ بَيْعِ الدَّيْنِ. (فَرْعٌ) إذَا بِيعَ الدَّيْنُ فَاخْتُلِفَ هَلْ يَكُونُ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ أَحَقَّ بِهِ أَمْ لَا؟ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي بَابِ الشُّفْعَةِ: " وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ أَحَقَّ بِهِ " وَعَنْ مَالِكٍ: أَرَاهُ حَسَنًا وَمَا أَرَى أَنْ يَقْضِيَ بِهِ وَقَالَ أَشْهَبُ يَقْضِي بِهِ اهـ. وَتَقَدَّمَ هَذَا فِي الْبَيْتِ الرَّابِعِ مِنْ شُرُوطِ بَيْعِ الدَّيْنِ وَفِي طَعَامٍ إنْ يَكُنْ مِنْ قَرْضِ ... يَجُوزُ الِابْتِيَاعُ قَبْلَ الْقَبْضِ هَذَا مِنْ تَمَامِ الْكَلَامِ عَلَى بَيْعِ الدَّيْنِ، وَمُرَادُهُ أَنَّ مَنْ كَانَ لَهُ عَلَى رَجُلٍ طَعَامٌ، تَرَتَّبَ لَهُ عَلَيْهِ مِنْ سَلَفِ إحْسَانٍ تَوْسِعَةٌ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ مِنْ ذَلِكَ الرَّجُلِ، وَهَذَا الْمَعْنَى تَقَدَّمَ دُخُولُهُ فِي قَوْلِهِ فِي تَرْجَمَةِ بَيْعِ الطَّعَامِ وَالْبَيْعُ لِلطَّعَامِ قَبْلَ الْقَبْضِ ... مُمْتَنِعٌ مَا لَمْ يَكُنْ مِنْ قَرْضٍ وَإِنَّمَا أَعَادَهُ لِكَوْنِهِ مِنْ بَيْعِ الدَّيْنِ، وَفِي الرِّسَالَةِ " وَلَا بَأْسَ بِبَيْعِ طَعَامِ الْقَرْضِ قَبْلَ أَنْ يُسْتَوْفَى " (وَفِي الْمُتَيْطِيَّةِ) جَائِزٌ لِمَنْ أَقْرَضَ طَعَامًا أَوْ وَرِثَهُ أَوْ وُهِبَ لَهُ، أَنْ يَبِيعَهُ قَبْلَ أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ اهـ. وَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ الثَّمَنِ مُعَجَّلًا، وَلَمْ يُصَرِّحْ بِهِ النَّاظِمُ هُنَا، اتِّكَالًا مِنْهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ: " قَبْلَ هَذَا يَلِي هُوَ تَعْجِيلَ الثَّمَنِ "، وَهَذَا يَعْنِي تَعْجِيلَ الثَّمَنِ شَرْطٌ فِي بَيْعِ الدَّيْنِ مُطْلَقًا، طَعَامًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ وَالِاقْتِضَاءُ لِلدُّيُونِ مُخْتَلِفْ ... وَالْحُكْمُ قَبْلَ أَجَلٍ لَا يَخْتَلِفْ وَالْمِثْلُ مَطْلُوبٌ وَذُو اعْتِبَارِ ... فِي الْجِنْسِ وَالصِّفَةِ وَالْمِقْدَارِ وَالْعَيْنُ فِيهِ مَعَ بُلُوغٍ أَجَلَا ... صَرْفٌ وَمَا تَشَاؤُهُ إنْ عَجِلَا وَغَيْرُ عَيْنٍ بَعْدَهُ مِنْ سَلَفِ ... خُذْ فِيهِ مِنْ مُعَجِّلٍ مَا تَصْطَفِي وَإِنْ يَكُنْ مِنْ سَلَمٍ بَعْدَ الْأَمَدْ ... فَالْوَصْفُ فِيهِ السَّمْحُ جَائِزٌ فُقِدْ الِاقْتِضَاءُ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: هُوَ فِي الْعُرْفِ: قَبْضُ مَا فِي ذِمَّةِ غَيْرِ الْقَابِضِ فَقَوْلُهُ: " غَيْرُ الْقَابِضِ " أَخْرَجَ بِهِ الْمُقَاصَّةَ؛ لِأَنَّهَا قَبْضٌ وَقَوْلُهُ: " مَا فِي ذِمَّةِ الْقَابِضِ " وَقَوْلُهُ: " مَا فِي ذِمَّةِ. . . إلَخْ " يَعْنِي أَنَّ الِاقْتِضَاءَ هُوَ: أَنْ يَقْبِضَ رَبُّ الدَّيْنِ مِنْ الْمَدِينِ مِنْ جِنْسِ الدَّيْنِ الَّذِي لَهُ عَلَيْهِ مِثْلَ أَنْ يَكُونَ لَك عَلَى الْمَدِينِ ذَهَبٌ، فَيُعْطِيكَ

ذَهَبًا، أَوْ وَرِقٌ فَيُعْطِيكَ وَرِقًا، أَوْ كَتَّانٌ، فَيُعْطِيكَ كَتَّانًا أَوْ حَرِيرٌ فَيُعْطِيكَ حَرِيرًا، وَعَلَى ذَلِكَ فَقِسْ. أَمَّا إنْ أَعْطَاكَ عَنْ الذَّهَبِ فِضَّةً أَوْ بِالْعَكْسِ فَهُوَ صَرْفٌ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِمْ: " صَرْفُ مَا فِي الذِّمَّةِ جَائِزٌ " بِشَرْطِ الْحُلُولِ. وَإِنْ أَعْطَاكَ عَنْ الذَّهَبِ حَرِيرًا مَثَلًا، أَوْ عَنْ الْحَرِيرِ ذَهَبًا، أَوْ عَنْ الصُّوفِ كَتَّانًا، فَهُوَ مِنْ بَيْعِ الدَّيْنِ لَا مِنْ اقْتِضَائِهِ، وَاقْتِضَاءُ الدَّيْنِ أَوْ بَيْعُهُ مِنْ الْمَدِينِ، يُتَصَوَّرُ بَيْنَ شَخْصَيْنِ: رَبُّ الدَّيْنِ وَالْمَدِينِ وَأَمَّا بَيْعُهُ لِغَيْرِ الْمِدْيَانِ فَيُتَصَوَّرُ بَيْنَ ثَلَاثَةِ أَشْخَاصٍ: رَبُّ الدَّيْنِ وَالْمَدِينِ وَالْمُشْتَرِي لِلدَّيْنِ، وَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ أَطْلَقَ الِاقْتِضَاءَ عَلَى مَا تَبْرَأُ بِهِ الذِّمَّةُ، كَانَ الْمَقْبُوضُ مِنْ جِنْسِ الدَّيْنِ، أَوْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ ذَكَرَ مَا هُوَ اقْتِضَاءٌ حَقِيقَةً، وَمَا هُوَ بَيْعٌ حَقِيقَةً، وَمَا هُوَ مُحْتَمِلٌ لِإِرَادَةِ الْبَيْعِ أَوْ الِاقْتِضَاءِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ قَسَّمَ الِاقْتِضَاءَ إلَى مَا قَبْلَ الْأَجَلِ، وَإِلَى مَا بَعْدَهُ، فَأَشَارَ إلَى مَا قَبْلَ الْأَجَلِ بِقَوْلِهِ: ... وَالْحُكْمُ قَبْلَ أَجَلٍ لَا يَخْتَلِفْ وَالْمِثْلُ مَطْلُوبٌ وَذُو اعْتِبَارِ ... أَيْ: مُعْتَبَرٌ فِي الْجِنْسِ وَالصِّفَةِ وَالْمِقْدَارِ وَهَذَا اقْتِضَاءٌ حَقِيقَةً لِأَنَّهُ أَعْطَى مِثْلَ مَا عَلَيْهِ جِنْسًا وَصِفَةً وَمِقْدَارًا، ثُمَّ قَسَّمَ الِاقْتِضَاءَ بَعْدَ الْأَجَلِ إلَى كَوْنِهِ - أَيْ الدَّيْنِ - عَيْنًا أَوْ غَيْرَ عَيْنٍ، فَإِنْ كَانَ عَيْنًا وَأَعْطَاهُ عَيْنًا مُخَالِفًا لِجِنْسِ الدَّيْنِ فَهُوَ صَرْفٌ، وَإِنْ أَعْطَاهُ عَنْ الْعَيْنِ عَرَضًا ثَوْبًا مَثَلًا فَهُوَ بَيْعٌ لِلدَّيْنِ بِذَلِكَ الثَّوْبِ، فَقَالَ وَالْعَيْنُ فِيهِ مَعَ بُلُوغٍ أَجَلَا ... صَرْفٌ وَمَا تَشَاؤُهُ إنْ عَجِلَا فَقَوْلُهُ وَالْعَيْنُ فِيهِ الضَّمِيرُ لِلْعَيْنِ، أَيْ دَفْعُ الْعَيْنِ فِي الْعَيْنِ صَرْفٌ، فَالْعَيْنُ الْأَوَّلُ - هُوَ الْمَدْفُوعُ عَنْ الدَّيْنِ - وَالثَّانِي - الَّذِي كَنَّى عَنْهُ بِالضَّمِيرِ - هُوَ الدَّيْنُ الْمُتَرَتِّبُ فِي الذِّمَّةِ وَمُقَابِلُهُ هُوَ قَوْلُهُ: " وَغَيْرُ عَيْنٍ إلَخْ " وَهَذَا كُلُّهُ مِنْ بَيْعِ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ الصَّرْفَ بَيْعٌ، وَإِنْ غَلَبَ إطْلَاقُ الْبَيْعِ عَلَى مَا أَحَدُ عِوَضَيْهِ غَيْرُ ذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ، وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ غَيْرَ عَيْنٍ بَلْ عَرَضًا، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ سَلَفٍ، أَوْ مِنْ بَيْعٍ، وَعَنْ الْبَيْعِ عَبَّرَ بِالسَّلَمِ؛ لِأَنَّ السَّلَمَ بَيْعٌ بِالْمَعْنَى الْأَعَمِّ. فَإِنْ كَانَ مِنْ سَلَفٍ جَازَ أَنْ يَأْخُذَ عَنْهُ مَا شَاءَ مُعَجَّلًا، فَإِنْ أَخَذَ مِنْ جِنْسِ الدَّيْنِ فَهُوَ اقْتِضَاءٌ، وَإِنْ أَخَذَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ فَهُوَ بَيْعٌ، فَهَذَا مِمَّا يُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْبَيْعُ وَالِاقْتِضَاءُ، وَهُوَ قَوْلُهُ: وَغَيْرُ عَيْنٍ بَعْدَهُ مِنْ سَلَفِ ... خُذْ فِيهِ مِنْ مُعَجِّلٍ مَا تَصْطَفِي وَإِنْ كَانَ مِنْ سَلَمٍ " - أَيْ بَيْعٍ - فَقَالَ فِيهِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْ سَلَمٍ بَعْدَ الْأَمْرِ ... فَالْوَصْفُ فِيهِ السَّمْحُ جَائِزٌ فَقَدْ فَأَخْبَرَ أَنَّهُ يَجُوزُ السَّمْحُ فِي الصِّفَةِ بِحَيْثُ يَأْخُذُ أَدْنَى صِفَةٍ مِمَّا لَهُ عَلَيْهِ، وَهَذَا مِنْ الِاقْتِضَاءِ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - لِأَنَّ الْوَصْفَ إنَّمَا يَصِحُّ ذِكْرُهُ إذَا كَانَ الْقَضَاءُ مِنْ جِنْسِ الدَّيْنِ. وَقَدْ ذَكَرَ النَّاظِمُ اشْتِرَاطَ حُلُولِ الْأَجَلِ فِي هَذِهِ الْأَبْيَاتِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ اعْتِنَاءً بِهِ الْأَوَّلُ - قَوْلُهُ: " مَعَ بُلُوغٍ أَجَلًا " الثَّانِيَةُ - قَوْلُهُ: " وَغَيْرُ عَيْنٍ بَعْدَهُ " - أَيْ بَعْدَ الْأَجَلِ - الثَّالِثَةُ - قَوْلُهُ " بَعْدَ الْأَمَدِ ". هَذَا حَاصِلُ هَذِهِ الْأَبْيَاتِ الْخَمْسَةِ، لَكِنْ بِاعْتِبَارِ مَا هُوَ اقْتِضَاءُ دَيْنٍ أَوْ بَيْعٍ، وَأَمَّا شَرْحُهَا فَيَأْتِي - إنْ شَاءَ اللَّهُ - عَلَى أَنَّ النَّاظِمَ قَدَّمَ الْكَلَامَ عَلَى جَوَازِ بَيْعِ الدَّيْنِ وَصَرْفِهِ قَوْلِهِ: بِمَا يَجُوزُ الْبَيْعُ بَيْعُ الدَّيْنِ ... مُسَوَّغٌ مِنْ عَرْضٍ أَوْ مِنْ عَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي مَحَلِّهِ، إلَّا أَنَّ فِيهِ إجْمَالًا وَكَأَنَّهُ تَرْجَمَةٌ، وَمَا هُنَا تَفْسِيرٌ لَهُ، وَأَفَادَ هُنَا زِيَادَةً عَلَى مَا شَمِلَ قَوْلُهُ: بِمَا يَجُوزُ الْبَيْعُ بَيْعُ الدَّيْنِ الْبَيْتُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي صَرْفِ الدَّيْنِ حُلُولُ الْأَجَلِ، لِقَوْلِهِ هُنَا مَعَ بُلُوغٍ أَجَلًا " وَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ حُلُولُ الْأَجَلِ فِي غَيْرِ الصَّرْفِ مِنْ أَنْوَاعِ بَيْعِ الدَّيْنِ، فَيَجُوزُ بَيْعُ الدَّيْنِ الْعَيْنِ قَبْلَ حُلُولِهِ بِعَرَضٍ مُعَجَّلٍ، وَيَجُوزُ بَيْعُ الْعَرَضِ الْمُؤَجَّلِ بِعَرَضٍ أَوْ عَيْنٍ حَالٍّ، وَأَفَادَ فِيمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ حُضُورُ الْمَدِينِ وَإِقْرَارُهُ. وَأَمَّا اشْتِرَاطُ تَعْجِيلِ مَا يُبَاعُ بِهِ الدَّيْنُ، فَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِيمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ: " وَتَعْجِيلُ الثَّمَنِ " وَهُنَا فِي قَوْلِهِ: " وَمَا تَشَاؤُهُ إنْ عَجَّلَا "، وَفِي قَوْلِهِ: " خُذْ مِنْ مُعَجَّلٍ " وَيَأْتِي بَقِيَّةُ الْكَلَامِ مَعَ أَلْفَاظِ النَّاظِمِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الصُّوَرَ الْعَقْلِيَّةَ الْمُتَصَوَّرَةَ فِي اقْتِضَاءِ الدَّيْنِ الِاقْتِضَاءَ الْحَقِيقِيَّ - الَّذِي هُوَ الْأَخْذُ مِنْ جِنْسِ الدَّيْنِ - أَرْبَعٌ وَعِشْرُونَ صُورَةً بَيَانُهَا: أَنَّ الدَّيْنَ إمَّا عَيْنٌ أَوْ عَرَضٌ، وَيَنْدَرِجُ فِي الْعَرَضِ، الطَّعَامَ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْعَرَضِ مَا يُقَابِلُ الْعَيْنَ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا إمَّا مِنْ بَيْعٍ أَوْ مِنْ قَرْضٍ فَهَذِهِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ فِي كُلٍّ مِنْهَا، إمَّا أَنْ يَكُونَ حَالًّا، أَوْ مُؤَجَّلًا وَلَمْ يَحِلَّ أَجَلُهُ، فَهَذِهِ ثَمَانِيَةُ أَوْجُهٍ

وَالْحَالُّ يَشْمَلُ الْحَالَّ ابْتِدَاءً، وَمَا حَلَّ أَجَلُهُ وَقْتَ الِاقْتِضَاءِ بَعْدَ أَنْ كَانَ مُؤَجَّلًا، وَالْحُكْمُ فِيهِمَا وَاحِدٌ ثُمَّ الْقَضَاءُ، فِي هَذِهِ الْأَوْجُهِ الثَّمَانِيَةِ إمَّا بِمِثْلِ الدَّيْنِ جِنْسًا وَصِفَةً وَمِقْدَارًا، وَإِمَّا بِأَقَلَّ قَدْرًا أَوْ صِفَةً، وَإِمَّا بِأَكْثَرَ قَدْرًا أَوْ صِفَةً، مَعَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ أَيْضًا فِيهِمَا، فَإِذَا ضُرِبَتْ أَحْوَالُ الْقَضَاءِ الثَّلَاثَةُ فِي الْأَوْجُهِ الثَّمَانِيَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ، بَلَغَتْ أَرْبَعًا وَعِشْرِينَ صُورَةً، هَذَا بَيَانُ عَدَدِ صُوَرِ الِاقْتِضَاءِ فِي الْجُمْلَةِ، فِيمَا بَيْنَ جَائِزٍ وَمَمْنُوعٍ. وَأَمَّا بَيَانُ الْجَائِزِ مِنْ غَيْرِهِ، فَاعْلَمْ أَنَّهُ إنْ وَقَعَ الِاقْتِضَاءُ بِمِثْلِ الدَّيْنِ؛ فَالصُّوَرُ ثَمَانٍ كَمَا تَقَدَّمَ، لِأَنَّ الدَّيْنَ إمَّا مِنْ بَيْعٍ أَوْ مِنْ قَرْضٍ، وَفِي كُلٍّ مِنْهُمَا إمَّا أَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ عَيْنًا أَوْ عَرَضًا، فَهَذِهِ أَرْبَعُ صُوَرٍ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا إمَّا أَنْ يَكُونَ حَالًّا أَوْ غَيْرَ حَالٍّ، وَكُلُّهَا جَائِزَةٌ، وَتَدْخُلُ كُلُّهَا فِي قَوْلِ الشَّيْخِ خَلِيلٍ: " وَقَضَاءُ قَرْضٍ بِمُسَاوٍ "، ثُمَّ قَالَ " وَثَمَنُ الْمَبِيعِ مِنْ الْعَيْنِ كَذَلِكَ ". فَيَدْخُلُ فِي قَضَاءِ الْقَرْضِ أَرْبَعُ صُوَرٍ، كَوْنُ الدَّيْنِ عَيْنًا أَوْ عَرَضًا فِي كُلٍّ مِنْهُمَا، إمَّا حَالٌّ أَوْ مُؤَجَّلٌ لَمْ يَحِلَّ، وَيَدْخُلُ فِي ثَمَنِ الْمَبِيعِ أَرْبَعُ صُوَرٍ كَذَلِكَ. وَإِذَا كَانَ الْقَضَاءُ بِالْمِثْلِ (كَمَا هُوَ الْفَرْضُ) فَلَا فَرْقَ فِي ثَمَنِ الْمَبِيعِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ عَيْنًا أَوْ عَرَضًا، وَإِنْ وَقَعَ الِاقْتِضَاءُ بِأَقَلَّ صِفَةً أَوْ قَدْرًا، فَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ حَالًّا؛ جَازَتْ أَرْبَعُ صُوَرٍ، وَهِيَ كَوْنُ الدَّيْنِ عَيْنًا أَوْ عَرَضًا فِي كُلٍّ مِنْهُمَا، إمَّا مِنْ بَيْعٍ، أَوْ مِنْ قَرْضٍ، وَذَلِكَ حُسْنُ اقْتِضَاءٍ وَتَدْخُلُ هَذِهِ الْأَرْبَعُ فِي قَوْلِ (الشَّيْخِ خَلِيلٍ) وَإِنْ حَلَّ الْأَجَلُ صِفَةً أَوْ قَدْرًا، وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ غَيْرَ حَالٍّ، مُنِعَتْ هَذِهِ الْأَرْبَعُ الْمَذْكُورَةُ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ ضَعْ، وَتَعَجَّلَ الْمُؤَدِّي إلَى سَلَفٍ جَرَّ نَفْعًا، لِأَنَّ الْمُعَجَّلَ لِمَا فِي الذِّمَّةِ مُسَلَّفٌ عَلَى الْمَشْهُورِ، فَقَدْ سُلِّفَ حَيْثُ عُجِّلَ قَبْلَ الْأَجَلِ، وَانْتَفَعَ بِدَفْعِ قَلِيلٍ فِي كَثِيرٍ، أَوْ أَرْدَأَ عَنْ أَفْضَلَ، وَتَخْرُجُ هَذِهِ الصُّوَرُ الْأَرْبَعُ الْمَمْنُوعَةُ مِنْ مَفْهُومِ الشَّرْطِ فِي قَوْلِ الشَّيْخِ خَلِيلٍ: " وَإِنْ حَلَّ الْأَجَلُ بِأَقَلَّ صِفَةً أَوْ قَدْرًا إذْ مَفْهُومُهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَحِلَّ لَمْ يَجُزْ، وَهُوَ كَذَلِكَ وَإِنْ وَقَعَ الِاقْتِضَاءُ بِأَكْثَرَ قَدْرًا أَوْ أَفْضَلَ صِفَةً؛ فَالصُّوَرُ ثَمَانٍ أَيْضًا فَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ عَيْنًا مِنْ بَيْعٍ جَازَ الْقَضَاءُ بِأَكْثَرَ قَدْرًا أَوْ أَفْضَلَ صِفَةً، حَلَّ الْأَجَلُ أَوْ لَمْ يَحِلَّ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ الشَّيْخُ بِقَوْلِهِ: " وَثَمَنُ الْمَبِيعِ مِنْ الْعَيْنِ ". كَذَلِكَ وَجَازَ بِأَكْثَرَ وَإِنْ كَانَ عَرَضًا مِنْ بَيْعٍ أَيْضًا، جَازَ الْقَضَاءُ بِأَكْثَرَ وَأَفْضَلَ صِفَةً إنْ حَلَّ الْأَجَلُ، وَلَا يَجُوزُ قَبْلَ حُلُولِهِ قَالَ فِي آخِرِ بَابِ السَّلَمِ: " وَجَازَ قَبْلَ زَمَانِهِ قَبُولُ صِفَتِهِ فَقَطْ ". إذْ مَفْهُومُهُ أَنَّهُ بَعْدَ زَمَانِهِ، أَيْ بَعْدَ حُلُولِهِ يَجُوزُ بِأَكْثَرَ وَبِأَفْضَلَ، فَهَذِهِ أَرْبَعُ صُوَرٍ - عَيْنٌ مِنْ بَيْعٍ حَلَّ أَوْ لَمْ يَحِلَّ، عَرَضٌ مِنْ بَيْعٍ حَلَّ أَوْ لَمْ يَحِلَّ، وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ مِنْ قَرْضٍ؛ لَمْ يَجُزْ بِأَكْثَرَ قَدْرًا عَرَضًا كَانَ الدَّيْنُ أَوْ عَيْنًا، حَلَّ أَوْ لَمْ يَحِلَّ، وَهَذِهِ أَرْبَعٌ أَيْضًا، وَإِلَيْهَا أَشَارَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ بِقَوْلِهِ: " لَا أَزِيدُ عَدَدًا أَوْ وَزْنًا " وَيَجُوزُ بِأَفْضَلَ صِفَةً وَإِنْ لَمْ يَحِلَّ لِقَوْلِهِ: " وَقَضَاءُ قَرْضٍ بِمُسَاوٍ أَفْضَلُ صِفَةً ". وَالنَّاظِمُ قَسَّمَ الْمَسْأَلَةَ إلَى الِاقْتِضَاءِ، قَبْلَ الْأَجَلُ، وَإِلَى الِاقْتِضَاءِ بَعْدَ الْأَجَلِ، ثُمَّ نَوَّعَ مَا بَعْدَ الْأَجَلِ إلَى كَوْنِ الدَّيْنِ عَيْنًا أَوْ عَرَضًا، ثُمَّ نَوَّعَ الْعَرَضَ إلَى كَوْنِهِ مِنْ سَلَفٍ أَوْ بَيْعٍ، وَتَقْسِيمُهُ هَذَا يَرْجِعُ إلَى التَّقْسِيمِ الْمَذْكُورِ. أَوَّلًا، لِأَنَّ الدَّيْنَ الْمُقْتَضَى قَبْلَ حُلُولِ أَجَلِهِ، إمَّا أَنْ يَكُونَ عَيْنًا أَوْ عَرَضًا، وَفِي كِلَا الْوَجْهَيْنِ، إمَّا أَنْ يَكُونَ تَرَتَّبَ مِنْ بَيْعٍ أَوْ قَرْضٍ، فَهَذِهِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ، وَفِي كُلٍّ مِنْ الْأَرْبَعَةِ إمَّا أَنْ يَقَعَ الِاقْتِضَاءُ بِمِثْلِ الدَّيْنِ صِفَةً مِقْدَارًا، أَوْ بِأَكْثَرَ قَدْرًا أَوْ أَفْضَلَ صِفَةً، أَوْ بِأَقَلَّ قَدْرًا وَصِفَةً، فَهَذِهِ اثْنَتَا عَشْرَةَ صُورَةً قَبْلَ الْأَجَلِ وَيُتَصَوَّرُ مِثْلُهَا بَعْدَ الْأَجَلِ، هَذَا كُلُّهُ فِي الِاقْتِضَاءِ الْحَقِيقِيِّ، الَّذِي هُوَ مِنْ جِنْسِ الدَّيْنِ وَالنَّاظِمُ تَكَلَّمَ عَلَى مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ الِاقْتِضَاءِ وَبَيْعِ الدَّيْنِ - كَمَا بَيَّنَّاهُ أَوَّلَ شَرْحِ هَذِهِ الْأَبْيَاتِ - وَصَرَّحَ بِجَوَازِ صُورَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ صُوَرِ الِاقْتِضَاءِ قَبْلَ الْأَجَلِ، وَبِجَوَازِ أَرْبَعِ صُوَرٍ مِنْ صُوَرِ الِاقْتِضَاءِ بَعْدَ الْأَجَلِ، كَمَا يُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِهِ وَيَأْتِي بَيَانُهُ - إنْ شَاءَ اللَّهُ - فِي شَرْحِ أَلْفَاظِ النَّظْمِ: وَإِذْ فَرَغْنَا مِنْ الْكَلَامِ عَلَى اقْتِضَاءِ الدَّيْنِ فِي الْجُمْلَةِ؛ فَلْنَرْجِعْ الْآنَ إلَى أَلْفَاظِ النَّظْمِ فَقَوْلُهُ: وَالِاقْتِضَاءُ لِلدُّيُونِ مُخْتَلِفْ الْبَيْتَيْنِ يَعْنِي أَنَّ اقْتِضَاءَ الدُّيُونِ مُخْتَلِفٌ حُكْمُهُ، فَمِنْهُ جَائِزٌ، وَمِنْهُ مَمْنُوعٌ. وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ مُخْتَلِفٌ وَصْفُهُ، فَمِنْهُ بِمِثْلِ الدَّيْنِ، وَمِنْهُ بِأَقَلَّ، وَمِنْهُ بِأَكْثَرَ وَيُؤَيِّدُ الِاحْتِمَالَ الْأَوَّلَ، أَنَّهُ جَعَلَ الَّذِي لَا يَخْتَلِفُ هُوَ الْحُكْمُ حَيْثُ قَالَ: وَالْحُكْمُ قَبْلَ أَجَلٍ لَا يَخْتَلِفْ وَهُوَ مُقَابِلٌ لِقَوْلِهِ: " مُخْتَلِفْ " فَالْمُخْتَلِفُ إذًا هُوَ الْحُكْمُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَقْضِيَّ إنْ كَانَ مُمَاثِلًا لِلْمُقْتَضَى عَنْهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَهُوَ، جَائِزٌ وَإِنْ كَانَ بِأَقَلَّ قَدْرًا أَوْ صِفَةً أَوْ بِأَفْضَلَ صِفَةً أَوْ قَدْرًا، فَفِيهِ مَا هُوَ جَائِزٌ

وَمَا هُوَ مَمْنُوعٌ كَمَا تَقَدَّمَ. وَيَأْتِي قَوْلُهُ: ... وَالْحُكْمُ قَبْلَ أَجَلٍ لَا يَخْتَلِفْ وَالْمِثْلُ مَطْلُوبٌ وَذُو اعْتِبَارِ ... فِي الْجِنْسِ وَالصِّفَةِ وَالْمِقْدَارِ يَعْنِي أَنَّ الدَّيْنَ الَّذِي يُرَادُ قَضَاؤُهُ، وَإِنْ كَانَ مُؤَجَّلًا وَلَمْ يَحِلَّ أَجَلُهُ، فَإِنَّ حُكْمَ اقْتِضَائِهِ لَا يَخْتَلِفُ بِالْجَوَازِ. وَالْمَنْعِ، بَلْ هُوَ جَائِزٌ مُطْلَقًا لَكِنْ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَهِيَ حَيْثُ يُمَاثِلُ هَذَا الدَّيْنَ الْمَقْضِيَّ فِي الْجِنْسِ وَالصِّفَةِ وَالْمِقْدَارِ، وَإِذَا مَاثَلَهُ فِيمَا ذَكَرَ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مِنْ بَيْعٍ أَوْ قَرْضٍ كَانَ عَيْنًا، أَوْ عَرَضًا حَلَّ الْأَجَلُ أَوْ لَمْ يَحِلَّ، ثَمَانِ صُوَرٍ كُلُّهَا جَائِزَةٌ، دَاخِلَةٌ فِي قَوْلِهِ: وَالْحُكْمُ قَبْلَ أَجَلٍ لَا يَخْتَلِفْ ... وَالْمِثْلُ مَطْلُوبٌ وَذُو اعْتِبَارِ إلَخْ وَكَأَنَّهُ إنَّمَا قَيَّدَهُ بِقَبْلَ الْأَجَلِ لِيُقَابِلَ بِهِ مَا بَعْدَ الْأَجَلِ الْمَذْكُورِ فِي قَوْلِهِ: وَالْعَيْنُ فِيهِ مَعَ بُلُوغٍ أَجَلَا وَفِي قَوْلِهِ: " وَغَيْرُ عَيْنٍ بَعْدَهُ " أَيْ بَعْدَ الْأَجَلِ، وَفِي قَوْلِهِ: " بَعْدَ الْأَمَدِ ". وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ: وَالْمِثْلُ مَطْلُوبٌ وَذُو اعْتِبَارِ .. إلَخْ أَنَّهُ إذَا قَضَى قَبْلَ الْأَجَلِ بِغَيْرِ الْمِثْلِ، بَلْ بِأَقَلَّ صِفَةً أَوْ قَدْرًا، أَوْ بِأَكْثَرَ صِفَةً أَوْ قَدْرًا، لَا يَكُونُ جَائِزًا مُطْلَقًا، بَلْ مِنْهُ جَائِزٌ وَمِنْهُ مَمْنُوعٌ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي التَّقْسِيمِ. قَوْلُهُ: وَالْعَيْنُ فِيهِ مَعَ بُلُوغٍ أَجَلَا ... صَرْفٌ وَمَا تَشَاؤُهُ إنْ عُجِّلَا هَذَا شُرُوعٌ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي، وَهُوَ الِاقْتِضَاءُ بَعْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ، وَتَقَدَّمَ فِي التَّقْسِيمِ أَنَّهُ يَتَنَوَّعُ إلَى اثْنَيْ عَشَرَ وَجْهًا بِاعْتِبَارِ الِاقْتِضَاءِ الْحَقِيقِيِّ، وَإِنَّ النَّاظِمَ تَكَلَّمَ عَلَى مَا هُوَ أَعَمُّ، وَأَنَّهُ نَوَّعَ الِاقْتِضَاءَ بَعْدَ الْأَجَلِ، إلَى كَوْنِ الدَّيْنِ عَيْنًا أَوْ عَرَضًا، وَنَوَّعَ الْعَرَضَ إلَى كَوْنِهِ مِنْ سَلَفٍ، أَوْ بَيْعٍ، فَأَخْبَرَ فِي هَذَا الْبَيْتِ أَنَّ الدَّيْنَ إذَا كَانَ عَيْنًا ذَهَبًا، أَوْ فِضَّةً، وَحَلَّ أَجَلُهُ ثُمَّ قَضَى عَنْهُ عَيْنًا مُخَالِفًا لِجِنْسِ الدَّيْنِ، بِحَيْثُ قَضَى ذَهَبًا عَنْ وَرِقٍ، أَوْ وَرِقًا عَنْ ذَهَبٍ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ صَرْفٌ وَهُوَ جَائِزٌ فِي فَرْضِنَا مِنْ كَوْنِ الِاقْتِضَاءِ بَعْدَ حُلُولِ أَجَلِ الدَّيْنِ، لِأَنَّ صَرْفَ مَا فِي الذِّمَّةِ جَائِزٌ بِشَرْطِ الْحُلُولِ، فَقَوْلُهُ: " صَرْفٌ " هُوَ عَلَى حَذْفِ الصِّفَةِ، أَيْ جَائِزٌ. وَدَلِيلُ حَذْفِهَا قَوْلُهُ: " مَعَ بُلُوغٍ أَجَلَا " وَلِأَنَّ الِاسْمَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ يُحْمَلُ عَلَى الْكَامِلِ مِنْ مُسَمَّاهُ، وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ مَعَ بُلُوغٍ أَجَلَا أَنَّهُ إذَا لَمْ يَحِلَّ مَمْنُوعٌ وَهُوَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ صَرْفٌ بِتَأْخِيرٍ فَقَوْلُهُ: " وَالْعَيْنُ فِيهِ " الضَّمِيرُ لِلْعَيْنِ أَيْ وَقَضَاءُ الْعَيْنِ عَنْ الْعَيْنِ، فَفِي بِمَعْنَى عَنْ، وَالْعَيْنُ الْأَوَّلُ - هُوَ الْمَدْفُوعُ قَضَاءً، وَالثَّانِي الْمُكَنَّى عَنْهُ بِالضَّمِيرِ مِنْ الْمُتَرَتَّبِ فِي الذِّمَّةِ بِدَلِيلِ مُقَابَلَتِهِ بِقَوْلِهِ وَغَيْرُ عَيْنٍ بَعْدَهُ مِنْ سَلَفِ .. إلَخْ لِأَنَّ التَّفْصِيلَ فِيمَا هُوَ مِنْ سَلَفٍ أَوْ بَيْعٍ، إنَّمَا هُوَ فِي الْمُتَرَتِّبِ فِي الذِّمَّةِ قَطْعًا، وَفُهِمَ مِنْ إطْلَاقِهِ فِي الْعَيْنِ الْمُتَرَتِّبِ فِي الذِّمَّةِ، أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي كَوْنِهِ مِنْ بَيْعٍ أَوْ سَلَفٍ، وَهُوَ كَذَلِكَ، وَقَوْلُهُ: " وَمَا تَشَاؤُهُ إنْ عَجَّلَا ". يَعْنِي أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُقْضَى عَنْ الدَّيْنِ الْعَيْنِ مِنْ غَيْرِ الْعَيْنِ، مِمَّا يَشَاؤُهُ الْمُتَعَامِلَانِ، بِشَرْطِ تَعْجِيلِ ذَلِكَ الْمَقْضِيِّ؛ لِئَلَّا يَكُونَ فَسْخَ دَيْنٍ فِي دَيْنٍ، فَيَجُوزُ أَنْ تَقْضِيَ عَنْ الْعَيْنِ ثَوْبًا، وَعَنْ الثَّوْبِ الْحَرِيرِ ثَوْبَ كَتَّانٍ مَثَلًا وَنَحْوُ ذَلِكَ، بِشَرْطِ أَنْ يُعَجَّلَ ذَلِكَ الْمَقْضِيُّ أَيْضًا. وَقَدْ اشْتَمَلَ هَذَا الْبَيْتُ عَلَى مَسْأَلَتَيْنِ مِنْ الْمَسَائِلِ الْأَرْبَعِ، الَّتِي ذَكَرَ فِي الِاقْتِضَاءِ بَعْدَ الْأَجَلِ الْأُولَى مِنْ صَرْفِ الدَّيْنِ وَالثَّانِيَةُ مِنْ بَيْعِ الدَّيْنِ، عَلَى أَنَّ صَرْفَ الدَّيْنِ هُوَ بَيْعٌ لَهُ أَيْضًا، وَقَوْلُهُ: وَغَيْرُ عَيْنٍ بَعْدَهُ مِنْ سَلَفِ ... خُذْ فِيهِ مِنْ مُعَجَّلٍ مَا تَصْطَفِي تَقَدَّمَ أَنَّ هَذَا الْبَيْتَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ، أَنَّ الْقَضَاءَ وَقَعَ بِغَيْرِ الْجِنْسِ، فَيَكُونُ مِنْ بَيْعِ الدَّيْنِ، يُحْتَمَلُ أَنَّهُ مِنْ الْجِنْسِ؛ فَيَكُونُ اقْتِضَاءً حَقِيقِيًّا، وَعَلَى الثَّانِي فَالْمُرَادُ أَنَّ الدَّيْنَ إذَا كَانَ غَيْرَ عَيْنٍ، بَلْ كَانَ عَرَضًا أَوْ طَعَامًا، وَكَانَ هَذَا الدَّيْنُ تَرَتَّبَ مِنْ سَلَفِ إحْسَانٍ وَتَوْسِعَةٍ، لَا مِنْ ثَمَنِ مَبِيعٍ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ قَضَاؤُهُ بِمَا شَاءَهُ الْمُسَلِّفُ وَالْمُتَسَلِّفُ مَعًا، وَاتَّفَقَا عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ النَّاظِمُ إنَّمَا خَاطَبَ الْمُسَلِّفَ فَقَطْ بِقَوْلِهِ: " خُذْ " فَيَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَهُ أَقَلَّ مِنْ الدَّيْنِ قَدْرًا أَوْ صِفَةً، لَكِنْ إذَا كَانَ الدَّيْنُ حَالًّا، لَا يَجُوزُ ذَلِكَ قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ، لِمَا فِيهِ مِنْ (ضَعْ) وَتَعَجَّلْ، وَيَجُوزُ بِأَفْضَلَ صِفَةً حَلَّ أَوْ لَمْ يَحِلَّ، وَلَا يَجُوزُ بِأَكْثَرَ قَدْرًا حَلَّ الْأَجَلُ أَوْ لَمْ يَحِلَّ. فَقَوْلُهُ: " مَا تَصْطَفِي " يَعْنِي - كَمَا ذَكَرْنَا - إمَّا مِنْ مِثْلِ دَيْنِك وَلَا إشْكَالَ، أَوْ أَقَلَّ مِنْهُ صِفَةً أَوْ قَدْرًا إنْ حَلَّ الْأَجَلُ، أَوْ أَفْضَلَ صِفَةً حَلَّ الْأَجَلُ أَوْ لَا، وَالْمَأْخُوذُ مُعَجَّلٌ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ لِقَوْلِهِ: " مِنْ مُعَجَّلٍ " وَعَلَى الِاحْتِمَالِ الْأَوَّلِ، وَأَنَّهُ مِنْ بَيْعِ الدَّيْنِ فَمَعْنَاهُ خُذْ مَا شِئْت مِمَّا يُخَالِفُ دَيْنَكَ فِي الْجِنْسِ، وَإِذَا اخْتَلَفَا فِي الْجِنْسِ؛ فَلَا عَلَيْكَ فِي الْمِقْدَارِ وَالْأَجَلِ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ -، وَقَوْلُهُ: " وَإِنْ يَكُنْ مِنْ سَلَمٍ " هُوَ مُقَابِلُ قَوْلِهِ فِي الْبَيْتِ قَبْلَهُ: " مِنْ سَلَفٍ " وَيَعْنِي أَنَّ الدَّيْنَ الَّذِي أُرِيدَ قَضَاؤُهُ إذَا كَانَ تَرَتَّبَ مِنْ بَيْعٍ

وَعَنْهُ عَبَّرَ بِالسَّلَمِ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ - بِالْكَسْرِ - مُشْتَرٍ، وَالْمُسْلَمَ إلَيْهِ بَائِعٌ، وَالسَّلَمُ بَيْعٌ بِالْمَعْنَى الْأَعَمِّ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ تَقْدِيمِ الثَّمَنِ وَتَأْخِيرِ الْمَثْمُونِ وَهُوَ السَّلَمُ، وَبَيْنَ تَقْدِيمِ الْمَثْمُونِ وَتَأْخِيرِ الثَّمَنِ وَهُوَ الْبَيْعُ الْمَعْرُوفُ، إذَا تَأَخَّرَ ثَمَنُهُ فَأَحَدُ الْعِوَضَيْنِ دَيْنٌ فِي الذِّمَّةِ. أَمَّا الثَّمَنُ فِي الْبَيْعِ فَهُوَ فِي ذِمَّةِ الْمُشْتَرِي، أَوْ الْمَثْمُونُ فِي السَّلَمِ، فَهُوَ دَيْنٌ فِي ذِمَّةِ الْبَائِعِ، فَقَوْلُهُ وَإِنْ يَكُنْ مِنْ سَلَمٍ بَعْدَ الْأَمَدْ الْبَيْتَ يَعْنِي فَإِذَا كَانَ الدَّيْنُ مِنْ بَيْعٍ - كَمَا ذَكَرَ - وَهُوَ عَرَضٌ، فَإِنْ حَلَّ الْأَجَلُ؛ جَازَ بِأَقَلَّ قَدْرًا أَوْ صِفَةً؛ لِأَنَّهُ حُسْنُ اقْتِضَاءٍ، وَإِنْ لَمْ يَحِلَّ لَمْ يَجُزْ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ: ضَعْ وَتَعَجَّلْ، وَيَجُوزُ الْقَضَاءُ بِأَكْثَرَ قَدْرًا أَوْ أَفْضَلَ صِفَةً، إنْ حَلَّ الْأَجَلُ، وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ، لِمَا فِيهِ مِنْ: حُطَّ الضَّمَانَ وَأَزِيدُكَ، وَقَوْلُ النَّاظِمِ: فَالْوَصْفُ فِيهِ السَّمْحُ جَائِزٌ فَقَدْ شَرَحَهُ الشَّارِحُ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَلَفْظُهُ " وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ مِنْ سَلَمٍ "، وَقَدْ حَلَّ الْأَجَلُ أَيْضًا، فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَتَسَامَحَ فِيهِ الطَّالِبُ لِلْغَرِيمِ فِي الْوَصْفِ خَاصَّةً، كَأَنْ يَكُونَ فِي ذِمَّتِهِ قَمْحٌ مِنْ الْجِنْسِ الطَّيِّبِ، أَوْ حَرِيرٌ كَذَلِكَ، فَيَأْخُذُهُ مِنْهُ مِنْ الْوَسَطِ وَإِنَّمَا لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ قَبْلَ الْأَجَلِ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ خَشْيَةِ ضَعْ وَتَعَجَّلْ اهـ. وَلَمْ أَرَهُ نَقَلَ هُنَا مَا يُوَافِقُ مَا شَرَحَ بِهِ، بَلْ نَقَلَ مَا يُوَافِقُ مَا ذَكَرْنَا، وَمِنْ أَنَّهُ إذَا حَلَّ الْأَجَلُ جَازَ السَّمْحُ فِي الْقَدْرِ وَفِي الصِّفَةِ، لَا فِي الْوَصْفِ فَقَطْ، كَمَا شَرَحَ بِهِ كَلَامَ الْمُؤَلِّفِ وَلَفْظُهُ عَنْ النَّوَادِرِ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: وَإِذَا حَلَّ لَهُ الدَّيْنُ وَلَيْسَ بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ؛ جَازَ أَخْذُك أَرْفَعَ أَوْ أَدْنَى، أَوْ أَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ مِنْ صِنْفِهِ أَوْ مِنْ غَيْرِ صِنْفِهِ " اهـ. مَحَلُّ الْحَاجَةِ وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُ النَّاظِمِ عَلَى أَنَّ السَّمْحَ وَقَعَ هُوَ الْمَطْلُوبُ، فَأَعْطَى أَفْضَلَ مِمَّا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ السَّمْحَ حِينَئِذٍ جَائِزٌ أَيْضًا فِي الصِّفَةِ وَالْقَدْرِ مَعًا كَمَا تَقَدَّمَ، فَلَا يَلْتَئِمُ مَعَ قَوْلِ النَّاظِمِ: فَالْوَصْفُ فِيهِ السَّمْحُ جَائِزٌ فَقَدْ لِأَنَّ " قَدْ " اسْمٌ بِمَعْنَى حَسْب رَاجِعٌ لِلْوَصْفِ، فَهُوَ تَصْرِيحٌ بِأَنَّهُ بِمَا يَجُوزُ السَّمْحُ فِي الْوَصْفِ فَقَطْ، سَوَاءٌ جَعَلْنَا السَّمْحَ مِنْ قِبَلِ الطَّالِبِ، أَوْ الْمَطْلُوبِ، مَعَ أَنَّ الْمَنْصُوصَ أَنَّهُ إذَا حَلَّ الْأَجَلُ، جَازَ السَّمْحُ بِالْقَدْرِ وَالصِّفَةِ مِنْ قِبَلِ الطَّالِبِ، إذَا أَخَذَ أَقَلَّ قَدْرًا أَوْ أَدْنَى صِفَةً، وَمِنْ قِبَلِ الْمَطْلُوبِ أُعْطِيَ أَكْثَرَ قَدْرًا أَوْ أَفْضَلَ صِفَةً، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) وَمِنْ الْمَجْمُوعَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، عَنْ مَالِكٍ: " وَمَنْ لَهُ دَنَانِيرُ دَيْنًا فَلَا يَأْخُذُ قَبْلَ الْأَجَلِ بَعْضَهَا، وَيَأْخُذُ بِبَاقِيهَا عَرَضًا فَيَصِيرُ بَيْعًا وَسَلَفًا، وَعَرَضًا وَذَهَبًا بِذَهَبٍ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْعَرَضِ دُونَ مَا أَخَذَهُ بِهِ دَخَلَهُ - مَعَ ذَلِكَ - ضَعْ وَتَعَجَّلْ (فَرْعٌ) مِنْ الْمَجْمُوعَةِ أَيْضًا قَالَ أَشْهَبُ " وَإِذَا كَانَ لَك عَرَضٌ مِنْ بَيْعٍ إلَى أَجَلٍ " فَعَجَّلَهُ لَك، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَجْوَدَ وَلَا أَرْدَأَ فَجَائِزٌ وَإِنْ كَانَ مِثْلَهُ، وَلَكِنْ لَمْ يُعَجِّلْهُ حَتَّى أَعْطَيْتَهُ شَيْئًا أَوْ أَعْطَاك شَيْئًا، وَلَوْ نَفْعًا بِخَطْرَةٍ أَوْ كَلِمَةٍ فَلَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ مِنْكَ وَضِيعَةٌ عَلَى تَعْجِيلِ حَقٍّ، وَمِنْهُ طَرْحُ ضَمَانٍ بِزِيَادَةٍ اهـ. عَلَى نَقْلِ الشَّارِحِ فِي هَذَا الْفَرْعِ وَاَلَّذِي قَبْلَهُ وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ قَوْلُهُ: " وَإِنْ كَانَ مِثْلَهُ، وَلَكِنْ لَمْ يُعَجِّلْهُ إلَخْ " وَأَمَّا مَا قَبْلَهُ فَقَدْ تَقَدَّمَ.

وَيُقْتَضَى الدَّيْنُ مِنْ الدَّيْنِ وَفِي ... عَيْنٍ وَعَرَضٍ وَطَعَامٍ قَدْ يَفِي فَمَا يَكُونَانِ بِهِ عَيْنًا إلَى ... مُمَاثِلٍ وَذِي اخْتِلَافٍ فُصِّلَا فَمَا اخْتِلَافٌ وَحُلُولٌ عَمَّهْ ... يَجُوزُ فِيهِ صَرْفُ مَا فِي الذِّمَّهْ وَفِي تَأَخُّرِ الَّذِي يُمَاثِلُ ... مَا كَانَ أَشْهَبُ بِمَنْعٍ قَائِلُ وَفِي اللَّذَيْنِ فِي الْحُلُولِ اتَّفَقَا ... عَلَى جَوَازِ الِانْتِصَافِ اتَّفَقَا تَكَلَّمَ فِي هَذِهِ الْأَبْيَاتِ وَمَا بَعْدَهَا إلَى تَمَامِ اثْنَيْ عَشَرَ بَيْتًا عَلَى الْمُقَاصَّةِ، وَصُورَتُهَا: أَنْ يَكُونَ لَك دَيْنٌ عَلَى إنْسَانٍ وَلَهُ عَلَيْكَ دَيْنٌ مِثْلُهُ، فَتَتْرُكَ مَا لَكَ عَلَيْهِ فِي مُقَابَلَةِ مَا لَهُ عَلَيْكَ، وَهُوَ كَذَلِكَ يَتْرُكُ مَا لَهُ عَلَيْكَ فِي مُقَابَلَةِ مَا لَكَ عَلَيْهِ. قَالَ (ابْنُ عَرَفَةَ) : الْمُقَاصَّةُ مُتَارَكَةُ مَطْلُوبٍ بِمُمَاثِلِ صِنْفِ مَا عَلَيْهِ لِمَا لَهُ عَلَى طَالِبِهِ فِيمَا ذُكِرَ عَلَيْهِمَا مَالِيًّا فَقَوْلُهُ: مُتَارَكَةٌ مُفَاعَلَةٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ تَرَكَ الطَّلَبَ؛ لِوُصُولِهِ إلَى حَقِّهِ بِمَا فِي ذِمَّتِهِ وَقَوْلُهُ: " بِمُمَاثِلِ " مُتَعَلِّقٌ بِمَطْلُوبٍ، " وَلِمَا لَهُ " مُتَعَلِّقٌ " بِمُمَاثِلِ "، " وَعَلَى طَالِبِهِ " يَتَعَلَّقُ بِالصِّلَةِ، وَقَوْلُهُ: بِمُمَاثِلِ صِنْفِ مِنْ إضَافَةِ الصِّفَةِ إلَى الْمَوْصُوفِ، أَيْ بِصِنْفِ مَا عَلَيْهِ الْمُمَاثِلِ لِمَا لَهُ هُوَ، أَيْ الْمَطْلُوبُ عَلَى طَالِبِهِ، وَأَخْرَجَ بِهِ الْمُخْتَلِفَيْنِ جِنْسًا أَوْ نَوْعًا، فَإِنَّ الْمُقَاصَّةَ لَا تَصِحُّ فِي ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ: " فِيمَا ذُكِرَ عَلَيْهِمَا " يَتَعَلَّقُ " بِمُتَارَكَةُ " أَخْرَجَ بِهِ الْمُتَارَكَةَ فِي غَيْرِ الْمَذْكُورِ، وَقَوْلُهُ: " مَالِيًّا " أَخْرَجَ بِهِ مُتَارَكَةَ رَجُلٍ رَجُلًا طَلَبَ حَدَّ صَاحِبِهِ، وَقَدْ قَذَفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ. وَقَدْ صَوَّرَ الشَّيْخُ ابْنُ غَازِيٍّ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الْمُدَوَّنَةِ الْمُسَمَّاةِ " بِتَكْمِيلِ التَّقْيِيدِ وَتَحْلِيلِ التَّعْقِيدِ " فِي الْمُقَاصَّةِ مِائَةً وَثَمَانِيًا مِنْ الصُّوَرِ، وَبَيَانُهَا: أَنَّ الدَّيْنَيْنِ إمَّا أَنْ يَكُونَا عَيْنَيْنِ، أَوْ طَعَامَيْنِ، أَوْ عَرَضَيْنِ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا إمَّا أَنْ يَتَرَتَّبَ مِنْ بَيْعٍ، أَوْ مِنْ قَرْضٍ، أَوْ أَحَدُهُمَا مِنْ بَيْعٍ وَالْآخَرُ مِنْ قَرْضٍ. فَهَذِهِ تِسْعُ صُوَرٍ، وَفِي كُلٍّ مِنْهَا أَنْ يَتَّفِقَا فِي الْجِنْسِ وَالْقَدْرِ وَالصِّفَةِ، أَوْ يَخْتَلِفَا فِي الْجِنْسِ أَوْ فِي الْقَدْرِ فَقَطْ، أَوْ فِي الصِّفَةِ فَقَطْ مَعَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ فِيهِمَا، فَإِذَا ضُرِبَتْ هَذِهِ الْوُجُوهُ الْأَرْبَعَةُ فِي التِّسْعَةِ قَبْلَهَا؛ بَلَغَتْ سِتًّا وَثَلَاثِينَ، وَفِي كُلٍّ مِنْ هَذِهِ السِّتِّ وَالثَّلَاثِينَ إمَّا أَنْ يَكُونَا - أَيْ الدَّيْنَانِ - حَالَّيْنِ، أَوْ مُؤَجَّلَيْنِ، أَوْ أَحَدُهُمَا حَالٌّ وَالْآخَرُ مُؤَجَّلٌ، فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ، إذَا ضُرِبَتْ فِي السِّتِّ وَالثَّلَاثِينَ؛ بَلَغَتْ مِائَةً وَثَمَانِيَةً مِنْ الصُّوَرِ، قَالَ - مُقَيِّدٌ: هَذَا الشَّرْحُ - سَمَحَ اللَّهُ لَهُ وَقَدْ كُنْتُ جَمَعْتُ هَذَا التَّقْسِيمَ الَّذِي فِي الْمُقَاصَّةِ فِي أَبْيَاتٍ وَهِيَ هَذِهِ دَيْنُ الْمُقَاصَّةِ لِعَيْنٍ يَنْقَسِمْ ... وَبِطَعَامٍ وَبِعَرْضٍ قَدْ عُلِمْ وَكُلُّهَا مِنْ قَرْضٍ أَوْ بَيْعٍ وَرَدْ ... أَوْ مِنْ كِلَيْهِمَا فَذِي تِسْعٌ تُعَدْ فِي كُلِّهَا يَحْصُلُ الِاتِّفَاقُ فِي ... جِنْسٍ وَقَدْرِ صِفَةٍ فَلْتَقْتَفِي أَوْ كُلُّهَا مُخْتَلِفٌ فَهِيَ إذَنْ ... أَرْبَعُ حَالَاتٍ بِتِسْعٍ فَاضْرِبَنْ يَخْرُجُ سِتٌّ مَعَ ثَلَاثِينَ نَعَمْ ... تُضْرَبُ فِي أَحْوَالِ آجَالٍ تُؤَمْ حَلَّا مَعًا أَوْ وَاحِدٌ أَوْ لَا مَعَا ... جُمْلَتُهَا حَقٌّ كَمَا قَبْلُ اسْمَعَا تَكْمِيلُ تَقْيِيدِ ابْنِ غَازِيٍّ اخْتَصَرَا ... أَحْكَامَهَا فِي جَدْوَلٍ فَلْيُنْظَرَا قَوْلُهُ: وَفِي عَيْنٍ وَعَرْضٍ وَطَعَامٍ قَدْ يَفِي إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الدَّيْنَيْنِ فِي الْمُقَاصَّةِ، إمَّا عَيْنَانِ، أَوْ عَرَضَانِ، أَوْ طَعَامَانِ، فَإِنْ كَانَا عَيْنَيْنِ - وَعَلَيْهِمَا تَكَلَّمَ فِي هَذِهِ الْأَبْيَاتِ الْخَمْسَةِ - فَإِمَّا مُتَمَاثِلَانِ ذَهَبٌ وَذَهَبٌ، أَوْ فِضَّةٌ وَفِضَّةٌ، أَوْ مُخْتَلِفَانِ جِنْسًا كَذَهَبٍ وَفِضَّةٍ، أَوْ صِفَةً كَدَنَانِيرَ مُحَمَّدِيَّةٍ وَيَزِيدِيَّةٍ، فَإِنْ كَانَا مُخْتَلِفَيْنِ جِنْسًا أَوْ صِفَةً وَهُمَا حَالَّانِ؛ جَازَتْ الْمُقَاصَّةُ وَذَلِكَ فِي الْمُخْتَلِفَيْنِ جِنْسًا مِنْ صَرْفِ مَا فِي الذِّمَّةِ، وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: فَمَا يَكُونُ بِهِ عَيْنًا إلَى ... مُمَاثِلٍ وَذِي اخْتِلَافٍ فُصِّلَا فَمَا اخْتِلَافٌ وَحُلُولٌ عَمَّهْ ... يَجُوزُ فِيهِ صَرْفُ مَا فِي الذِّمَّهْ

فَلَفْظَةُ " مَا " مِنْ قَوْلِهِ فَمَا يَكُونَانِ مَوْصُولَةٌ، صِفَةٌ لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ فَالْوَجْهُ الَّذِي يَكُونُ الدَّيْنَانِ فِيهِ عَيْنًا، وَضَمِيرُ التَّثْنِيَةِ لِلدَّيْنَيْنِ، وَبَاءُ بِهِ ظَرْفِيَّةٌ، وَضَمِيرُهَا يَعُودُ عَلَى مَا وَقَعَتْ عَلَيْهِ مَا وَإِلَى مُمَاثِلٍ يَتَعَلَّقُ " بِفُصِّلَ "، وَجُمْلَةُ فُصِّلَا خَبَرُ مَا وَنَائِبُهَا لِلْعَائِدِ عَلَى مَا هُوَ الرَّابِطُ لِجُمْلَةِ الْخَبَرِ بِالْمُبْتَدَأِ، أَوْ ذِي عُطِفَ عَلَى مُمَاثِلٍ، " وَمَا " أَوَّلَ الْبَيْتِ الثَّانِي مَوْصُولَةٌ أَيْضًا كَالْأَوَّلِ، " وَاخْتِلَافٌ " فَاعِلٌ بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ يُفَسِّرُهُ، " عَمَّهْ "، وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ " وَحُلُولٌ عَمَّهْ " أَنَّهُ إذَا لَمْ يَعُمَّهُمَا الْحُلُولُ، بِأَنْ كَانَا مُؤَجَّلَيْنِ، أَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا حَالًّا، وَالْآخَرُ مُؤَجَّلًا، فَإِنَّ الْمُقَاصَّةَ لَا تَجُوزُ وَهُوَ كَذَلِكَ. وَإِنْ كَانَ الدَّيْنَانِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ، وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا مِنْ كَوْنِ الدَّيْنَيْنِ مَعًا عَيْنًا، كَذَهَبٍ وَذَهَبٍ، أَوْ فِضَّةٍ وَفِضَّةٍ، فَإِنْ لَمْ يَحِلَّ وَاحِدٌ مِنْهُمَا، أَوْ حَلَّ أَحَدُهُمَا وَلَمْ يَحِلَّ الْآخَرُ، فَالْمَشْهُورُ جَوَازُ الْمُقَاصَّةِ خِلَافًا لِأَشْهَبَ، وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: وَفِي تَأَخُّرِ الَّذِي يُمَاثِلُ ... مَا كَانَ أَشْهَبُ بِمَنْعٍ قَائِلُ وَمَفْهُومُ نِسْبَةِ الْمَنْعِ لِأَشْهَبَ، أَنَّ غَيْرَهُ وَهُوَ ابْنُ الْقَاسِمِ يَقُولُ بِالْجَوَازِ، وَلَفْظَةُ " مَا " مِنْ قَوْلِهِ مَا كَانَ اسْتِفْهَامِيَّةٌ، أَيْ إذَا لَمْ يَحِلَّا مَعًا فَالْمَنْعُ لِأَشْهَبَ كَيْفَ كَانَ التَّأْخِيرُ، أَيْ اتَّفَقَ الْأَجَلَانِ أَوْ اخْتَلَفَا، وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ وَفِي تَأَخُّرٍ أَنَّهُ حَيْثُ لَا تَأَخُّرَ، وَذَلِكَ إذَا حَلَّا مَعًا، فَإِنَّ الْمُقَاصَّةَ جَائِزَةٌ عِنْدَ أَشْهَبَ وَغَيْرِهِ، وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِقَوْلِهِ: وَفِي اللَّذَيْنِ فِي الْحُلُولِ اتَّفَقَا ... عَلَى جَوَازِ الِانْتِصَافِ اُتُّفِقَا وَهُوَ تَصْرِيحٌ بِمَفْهُومِ قَوْلِهِ وَفِي تَأَخُّرِ الَّذِي يُمَاثِلُ وَقَدْ اشْتَمَلَ كَلَامُ النَّاظِمِ فِي هَذِهِ الْأَبْيَاتِ الْأَرْبَعَةِ - بِالنَّظَرِ إلَى ظَاهِرِهِ - عَلَى أَرْبَعِ صُوَرٍ مِنْ دَيْنِ الْعَيْنِ؛ لِأَنَّ دَيْنَ الْعَيْنَيْنِ إمَّا مُخْتَلِفَانِ، كَذَهَبٍ وَفِضَّةٍ، أَوْ مُتَّفِقَانِ كَذَهَبٍ وَذَهَبٍ، أَوْ فِضَّةٍ وَفِضَّةٍ، فَهَاتَانِ صُورَتَانِ، وَفِي كُلٍّ مِنْهُمَا إمَّا حَالَّانِ، أَوْ غَيْرُ حَالَّيْنِ، فَهَذِهِ أَرْبَعُ صُوَرٍ، وَقَدْ أَشَارَ بِهَا إلَى قَوْلِ ابْنِ سَلْمُونٍ: فَإِنْ كَانَ الدَّيْنَانِ عَيْنًا، فَإِنْ كَانَ مَالُ أَحَدِهِمَا دَنَانِيرَ وَمَالُ الْآخَرِ دَرَاهِمَ، فَلَا تَجُوزُ الْمُقَاصَّةُ، إلَّا أَنْ يَكُونَا حَالَّيْنِ مَعًا؛ لِيَكُونَ صَرْفَ مَا فِي الذِّمَّةِ، وَإِنْ كَانَا مُؤَخَّرَيْنِ أَوْ أَحَدَهُمَا فَلَا تَجُوزُ الْمُقَاصَّةُ بِاتِّفَاقٍ اهـ. وَإِلَى هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ أَشَارَ النَّاظِمُ بِالْبَيْتِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي ثُمَّ قَالَ ابْنُ سَلْمُونٍ: وَإِنْ كَانَ مَا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ، فَإِنْ كَانَا حَالَّيْنِ جَازَتْ الْمُقَاصَّةُ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ كَانَا مُؤَخَّرَيْنِ إلَى أَجَلَيْنِ مُتَّفِقَيْنِ أَوْ مُخْتَلِفَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا فَأَجَازَهَا ابْنُ الْقَاسِمِ، وَمَنَعَهَا أَشْهَبُ اهـ. وَإِلَى هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ أَشَارَ النَّاظِمُ بِقَوْلِهِ: وَفِي تَأَخُّرِ الَّذِي يُمَاثِلُ الْبَيْتَيْنِ، هَذَا بِاعْتِبَارِ ظَاهِرِ اللَّفْظِ، وَأَمَّا فِي الْحَقِيقَةِ فَالْمَقْصُودُ الْكَلَامُ عَلَى جَمِيعِ أَقْسَامِ دَيْنِ الْعَيْنِ، فَيَكُونُ قَدْ اشْتَمَلَ عَلَى صُوَرِ النَّقْدِ السِّتِّ وَالثَّلَاثِينَ سَبْعٌ وَعِشْرُونَ صُورَةً فِي الْمُخْتَلِفَيْنِ مِنْهَا، وَتِسْعٌ فِي الْمُتَّفِقَيْنِ؛ لِأَنَّ دَيْنَيْ الْعَيْنِ الْمُخْتَلِفَيْنِ إمَّا أَنْ يَخْتَلِفَا فِي الْقَدْرِ، كَدِينَارٍ فِي ذِمَّةِ وَاحِدٍ، وَدِينَارَيْنِ اثْنَيْنِ فِي ذِمَّةِ الْآخَرِ، أَوْ يَخْتَلِفَا فِي الصِّفَةِ، كَدَرَاهِمَ مُحَمَّدِيَّةٍ وَأُخْرَى يَزِيدِيَّةٍ، أَوْ يَخْتَلِفَانِ فِي الْجِنْسِ كَدِينَارٍ وَدَرَاهِم فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ، وَكُلٌّ مِنْهَا إمَّا مِنْ بَيْعٍ أَوْ مِنْ قَرْضٍ، أَوْ أَحَدِهِمَا مِنْ بَيْعٍ وَالْآخَرُ مِنْ قَرْضٍ، فَهَذِهِ تِسْعَةُ أَوْجُهٍ وَفِي كُلٍّ مِنْهُمَا إمَّا أَنْ يَكُونَ الدَّيْنَانِ حَالَّيْنِ أَوْ مُؤَجَّلَيْنِ، أَوْ أَحَدُهُمَا حَالٌّ وَالْآخَرُ مُؤَجَّلٌ. فَهَذِهِ سَبْعَةٌ وَعِشْرُونَ وَجْهًا، فَالْمُخْتَلِفَانِ فِي الْقَدْرِ كَدِينَارٍ فِي مُقَابَلَةِ دِينَارَيْنِ، الْمُقَاصَّةُ فِيهَا مَمْنُوعَةٌ، كَانَا مِنْ بَيْعٍ أَوْ قَرْضٍ، أَوْ أَحَدُهُمَا مِنْ بَيْعٍ وَالْآخَرَ مِنْ قَرْضٍ، وَفِي كُلٍّ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثِ إمَّا حَالَّانِ أَوْ مُؤَجَّلَانِ، أَوْ أَحَدُهُمَا حَالٌّ وَالْآخَرُ مُؤَجَّلٌ، الْمَجْمُوعُ تِسْعُ صُوَرٍ كُلُّهَا مَمْنُوعَةٌ، وَأَمَّا الْمُخْتَلِفَانِ فِي الصِّفَةِ أَوْ فِي الْجِنْسِ فَإِنْ حَلَّا جَازَتْ الْمُقَاصَّةُ وَإِنْ لَمْ يَحِلَّا أَوْ حَلَّ أَحَدُهُمَا فَقَطْ، لَمْ تَجُزْ وَفِي ذَلِكَ ثَمَانِ عَشْرَةَ صُورَةً؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إمَّا مِنْ بَيْعٍ أَوْ مِنْ قَرْضٍ، أَوْ أَحَدُهُمَا مِنْ بَيْعٍ وَالْآخَرُ مِنْ قَرْضٍ فَهَذِهِ سِتُّ صُوَرٍ، ثَلَاثٌ فِي الْمُخْتَلِفَيْنِ صِفَةً، وَثَلَاثٌ فِي الْمُخْتَلِفَيْنِ جِنْسًا، وَفِي كُلٍّ مِنْ السِّتِّ إمَّا حَالَّانِ أَوْ مُؤَجَّلَانِ، أَوْ أَحَدُهُمَا حَالٌّ وَالْآخَرُ مُؤَجَّلٌ، فَهَذِهِ ثَمَانِ عَشَرَةَ صُورَةً مُضَافَةً إلَى التِّسْعِ قَبْلَهَا، الْمَجْمُوعُ سَبْعٌ وَعِشْرُونَ صُورَةً. وَأَمَّا الدَّيْنَانِ الْمُتَّفِقَانِ فِي الْجِنْسِ وَالصِّفَةِ وَالْقَدْرِ، فَإِمَّا مِنْ بَيْعٍ أَوْ مِنْ قَرْضٍ، أَوْ أَحَدُهُمَا مِنْ بَيْعٍ وَالْآخَرُ مِنْ قَرْضٍ، فَهَذِهِ ثَلَاثُ صُوَرٍ، وَفِي كُلٍّ مِنْهَا إمَّا أَنْ يَكُونَا حَالَّيْنِ أَوْ مُؤَجَّلَيْنِ، أَوْ أَحَدُهُمَا حَالٌّ وَالْآخَرُ مُؤَجَّلٌ، فَهَذِهِ تِسْعُ صُوَرٍ

كُلُّهَا جَائِزَةٌ عَلَى الْمَشْهُورِ، خِلَافًا لِأَشْهَبَ، فِيمَا لَمْ يَحِلَّا مَعًا فَقَوْلُ النَّاظِمِ: فَمَا اخْتِلَافٌ وَحُلُولٌ عَمَّهْ يَعْنِي بِالِاخْتِلَافِ، إمَّا فِي الصِّفَةِ كَمُحَمَّدِيَّةٍ وَيَزِيدِيَّةٍ، أَوْ فِي الْجِنْسِ كَذَهَبٍ وَفِضَّةٍ وَعَلَى الثَّانِي يَصْدُقُ قَوْلُهُ: " صَرْفُ مَا فِي الذِّمَّةِ "، وَلَوْ عَبَّرَ بِمَا يَشْمَلُ الصَّرْفَ وَالِاخْتِلَافَ فِي الصِّفَةِ لَكَانَ أَوْلَى، وَتَقَدَّمَ أَنَّ فِي ذَلِكَ ثَمَانِ عَشْرَةَ صُورَةً، الْجَائِزَةُ مِنْ ذَلِكَ مَا كَانَ الدَّيْنَانِ فِيهِ حَالَّيْنِ مَعًا، وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِقَوْلِهِ: " وَحُلُولٌ عَمَّهْ ". وَأَمَّا الْمُخْتَلِفَانِ فِي الْقَدْرِ، فَالْمُقَاصَّةُ فِيهِمَا مَمْنُوعَةٌ كَمَا تَقَدَّمَ، وَهِيَ تِسْعٌ كَمَا تَقَدَّمَ - أَيْضًا - وَوَجْهُ مَنْعِهَا مَا فِي ذَلِكَ مِنْ التَّفَاضُلِ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ مِنْ الْعَيْنِ، وَلَا تَدْخُلُ هَذِهِ التِّسْعُ فِي قَوْلِهِ: فَمَا اخْتِلَافٌ وَحُلُولٌ عَمَّهْ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الِاخْتِلَافُ فِي الْجِنْسِ أَوْ الصِّفَةِ، فَهُوَ الَّذِي يُفَصَّلُ فِيهِ كَمَا تَقَدَّمَ، أَمَّا فِي الْقَدْرِ فَمَمْنُوعٌ مُطْلَقًا، وَأَمَّا الْمُتَّفِقَانِ فِي الْجِنْسِ وَالصِّفَةِ وَالْقَدْرِ، وَهِيَ تِسْعٌ كَمَا تَقَدَّمَ قَرِيبًا، فَالْحُكْمُ فِيهَا الْجَوَازُ اتِّفَاقًا فِي الْحَالَيْنِ، لِقَوْلِهِ وَفِي اللَّذَيْنِ فِي الْحُلُولِ اتَّفَقَا ... عَلَى جَوَازِ الِاتِّصَافِ اُتُّفِقَا وَالْجَوَازُ عَلَى الْمَشْهُورِ فِي الْمُؤَجَّلَيْنِ مَعًا أَوْ أَحَدِهِمَا، وَالْمَنْعُ لِأَشْهَبَ وَهُوَ قَوْلُهُ وَفِي تَأَخُّرِ الَّذِي يُمَاثِلُ ... مَا كَانَ أَشْهَبُ بِمَنْعٍ قَائِلُ وَقَدْ اجْتَمَعَ مِنْ الصُّوَرِ سِتٌّ وَثَلَاثُونَ، وَتِسْعٌ فِي الْمُخْتَلِفَيْنِ جِنْسًا، وَتِسْعٌ فِي الْمُخْتَلِفَيْنِ صِفَةً، وَتِسْعٌ فِي الْمُخْتَلِفَيْنِ قَدْرًا، وَتِسْعٌ فِي الْمُتَّفِقَيْنِ جِنْسًا. وَصِفَةً وَقَدْرًا وَذَاكَ فِي الْعَرَضَيْنِ لَا الْمِثْلَيْنِ حَلْ ... بِحَيْثُ حَلَّا أَوْ تَوَافَقَ الْأَجَلْ تَكَلَّمَ فِي هَذَا الْبَيْتِ عَلَى مَا إذَا كَانَ الدَّيْنَانِ عَرَضًا، وَفِي ذَلِكَ سِتٌّ وَثَلَاثُونَ صُورَةً كَمَا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّ الْعَرَضَيْنِ إمَّا أَنْ يَتَرَتَّبَا مِنْ بَيْعٍ أَوْ مِنْ قَرْضٍ، أَوْ أَحَدُهُمَا مِنْ بَيْعٍ وَالْآخَرُ مِنْ قَرْضٍ، فَهَذِهِ ثَلَاثُ صُوَرٍ، وَفِي كُلٍّ مِنْهُمَا إمَّا أَنْ يَتَّفِقَا فِي الْجِنْسِ وَالصِّفَةِ وَالْقَدْرِ، أَوْ يَخْتَلِفَا فِي الْجِنْسِ أَوْ فِي الصِّفَةِ أَوْ فِي الْقَدْرِ، فَهَذِهِ اثْنَتَا عَشَرَ صُورَةً، وَفِي كُلٍّ مِنْهَا إمَّا أَنْ يَكُونَا حَالَّيْنِ أَوْ مُؤَجَّلَيْنِ، أَوْ أَحَدُهُمَا حَالٌّ وَالْآخَرُ مُؤَجَّلٌ؛ يَجْتَمِعُ سِتٌّ وَثَلَاثُونَ صُورَةً، فَأَخْبَرَ فِي هَذَا الْبَيْتِ أَنَّ الْعَرَضَيْنِ إذَا كَانَا مُخْتَلِفَيْنِ، وَلِذَلِكَ قَالَ: " لَا الْمِثْلَيْنِ " كَمَا لَوْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا قِبَلَ الْآخَرِ ثَوْبٌ، وَلِلْآخَرِ عَلَى صَاحِبِهِ فَرَسٌ؛ فَإِنَّ الْمُقَاصَّةَ جَائِزَةٌ، لَكِنْ إذَا حَلَّ الدَّيْنَانِ مَعًا أَوْ لَمْ يَحِلَّا وَأَجَلُهُمَا مُتَّفِقٌ، كَأَنْ يَكُونَ أَجَلُهُمَا مَعًا شَهْرًا مَثَلًا، سَوَاءٌ اتَّفَقَا عَلَى الشَّهْرِ ابْتِدَاءً أَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا لِشَهْرَيْنِ، وَمَضَى لَهُ شَهْرٌ ثُمَّ أَوْقَعَا الْمُعَامَلَةَ الثَّانِيَةَ لِشَهْرٍ، فَتَجُوزُ الْمُقَاصَّةُ الْآنَ؛ لِاتِّفَاقِ بَاقِي الْأَجَلَيْنِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَشَارَ بِذَلِكَ لِقَوْلِ ابْنِ سَلْمُونٍ: وَإِنْ كَانَ مَا لِأَحَدِهِمَا قِبَلَ الْآخَرِ عَرَضًا، خِلَافَ عَرَضِ صَاحِبِهِ غَيْرَ طَعَامٍ، فَالْمُقَاصَّةُ جَائِزَةٌ، إنْ كَانَا حَالَّيْنِ أَوْ مُؤَخَّرَيْنِ إلَى أَجَلٍ مُتَّفِقٍ، وَإِنْ كَانَا لِأَجَلَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ لَمْ تَجُزْ الْمُقَاصَّةُ، سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ مِنْ قَرْضٍ أَوْ بَيْعٍ فِي الْعَيْنِ وَالْعَرَضِ، وَالْحُكْمُ فِي ذَلِكَ وَاحِدٌ اهـ. وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ حَلَّا أَوْ تَوَافَقَ الْأَجَلُ، أَنَّهُمَا إذَا لَمْ يَحِلَّا، وَلَكِنَّ أَجَلَهُمَا مُخْتَلِفٌ، كَأَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا لِشَهْرٍ وَالْآخَرُ لِشَهْرَيْنِ، فَإِنَّ الْمُقَاصَّةَ لَا تَجُوزُ الْآنَ، وَانْظُرْ الْحُكْمَ إذَا حَلَّ أَحَدُهُمَا هَلْ تَجُورُ الْمُقَاصَّةُ الْآنَ أَمْ لَا؟ وَأَمَّا قَبْلَ حُلُولِ الْقَرِيبِ مِنْهُمَا فَلَا تَجُوزُ؛ لِكَوْنِهِمَا لِأَجَلَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، وَيَدْخُلُ فِي الْعَرَضَيْنِ غَيْرِ الْمِثْلَيْنِ سَبْعٌ وَعِشْرُونَ صُورَةً؛ لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ إمَّا فِي الْجِنْسِ، أَوْ فِي الصِّفَةِ، أَوْ فِي الْقَدْرِ، وَفِي كُلٍّ مِنْهُمَا إمَّا مِنْ بَيْعٍ، أَوْ مِنْ قَرْضٍ، أَوْ أَحَدُهُمَا مِنْ بَيْعٍ وَالْآخَرُ مِنْ قَرْضٍ. فَهَذِهِ تِسْعُ صُوَرٍ، وَفِي كُلٍّ مِنْهَا إمَّا حَالَّانِ أَوْ مُؤَجَّلَانِ، أَوْ أَحَدُهُمَا حَالٌّ وَالْآخَرُ مُؤَجَّلٌ، فَهَذِهِ سَبْعٌ وَعِشْرُونَ صُورَةً، الْجَائِزُ مِنْهَا مَا كَانَا حَالَّيْنِ أَوْ مُؤَجَّلَيْنِ لِأَجَلٍ مُتَّفَقٍ، وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ: " لَا الْمِثْلَيْنِ " أَنَّ الْعَرَضَيْنِ إذَا كَانَا مُتَمَاثِلَيْنِ يَعْنِي فِي الْجِنْسِ وَالصِّفَةِ وَالْقَدْرِ فَإِنَّ الْمُقَاصَّةَ جَائِزَةٌ مُطْلَقًا لَا يُقَيِّدُ حُلُولُهُمَا، أَوْ تَوَافُقُ أَجَلِهِمَا، بَلْ تَجُوزُ سَوَاءٌ كَانَا مِنْ بَيْعٍ أَوْ مِنْ قَرْضٍ، أَوْ أَحَدُهُمَا مِنْ بَيْعٍ وَالْآخَرُ مِنْ قَرْضٍ وَسَوَاءٌ حَلَّا مَعًا أَوْ لَمْ يَحِلَّا، أَوْ حَلَّ وَاحِدٌ فَقَطْ، فَالصُّوَرُ التِّسْعُ كُلُّهَا جَائِزَةٌ قَالَ الشَّيْخُ بَهْرَامُ فِي فَصْلِ الْمُقَاصَّةِ وَتَجُوزُ فِي الْعَرَضَيْنِ مُطْلَقًا إنْ اتَّفَقَا جِنْسًا وَصِفَةً فَقَوْلُهُ وَذَاكَ أَيْ " الْمُقَاصَّةُ " الْمُعَبَّرُ عَنْهَا فِي الْبَيْتِ قَبْلَهُ " بِالِانْتِصَافِ "؛ وَلِذَلِكَ أَتَى بِاسْمِ الْإِشَارَةِ مُذَكَّرًا وَحَلَّ أَيْ جَازَ خَبَرٌ عَنْ

اسْمِ الْإِشَارَةِ. (ابْنُ سَلْمُونٍ) وَإِنْ كَانَ مَا لِأَحَدِهِمَا قِبَلَ الْآخَرِ عَرَضًا، خِلَافَ عَرَضِ صَاحِبِهِ غَيْرَ طَعَامٍ، فَالْمُقَاصَّةُ جَائِزَةٌ، إنْ كَانَا حَالَّيْنِ أَوْ مُؤَخَّرَيْنِ إلَى أَجَلٍ مُتَّفِقٍ، وَإِنْ كَانَا لِأَجَلَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ لَمْ تَجُزْ الْمُقَاصَّةُ، سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ مِنْ قَرْضٍ أَوْ مِنْ بَيْعٍ فِي الْعَيْنِ، وَالْعَرَضِ، الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ وَاحِدٌ وَفِي تَوَافُقِ الطَّعَامَيْنِ اقْتَفِي ... حَيْثُ يَكُونَانِ مَعًا مِنْ سَلَفِ وَفِي اخْتِلَافٍ لَا يَجُوزُ إلَّا ... إنْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا قَدْ حَلَّا تَكَلَّمَ فِي الْبَيْتَيْنِ وَالْأَرْبَعَةِ بَعْدَهُمَا عَلَى مَا إذَا كَانَ الدَّيْنَانِ طَعَامًا، وَتَقَدَّمَ غَيْرَ مَرَّةٍ أَنَّ فِي ذَلِكَ سِتًّا وَثَلَاثِينَ صُورَةً، وَتَعَرَّضَ فِي الْبَيْتَيْنِ لِمَا إذَا كَانَ الطَّعَامَانِ مِنْ سَلَفٍ، وَيُتَصَوَّرُ فِيهِ اثْنَتَا عَشْرَةَ صُورَةً؛ لِأَنَّهُمَا إمَّا مُتَّفِقَانِ فِي الْجِنْسِ وَالصِّفَةِ وَالْقَدْرِ، أَوْ مُخْتَلِفَانِ فِي الْجِنْسِ أَوْ فِي الصِّفَةِ أَوْ فِي الْقَدْرِ، فَهَذِهِ أَرْبَعُ صُوَرٍ، مَضْرُوبَةٍ فِي أَحْوَالِ الْأَجَلِ الثَّلَاثِ بِاثْنَيْ عَشَرَ، وَحَاصِلُ الْبَيْتَيْنِ أَنَّ الطَّعَامَيْنِ مِنْ سَلَفٍ إنْ كَانَا مُتَّفِقَيْنِ فَالْمُقَاصَّةُ جَائِزَةٌ، حَلَّا أَوْ لَمْ يَحِلَّا، أَوْ حَلَّ أَحَدُهُمَا، وَإِنْ كَانَا مُخْتَلِفَيْنِ لَا تَجُوزُ؛ إلَّا إذَا حَلَّا مَعًا، وَكَأَنَّهُ أَشَارَ بِالْبَيْتَيْنِ لِقَوْلِ ابْنِ سَلْمُونٍ: وَإِنْ كَانَ الدَّيْنَانِ طَعَامًا مِنْ قَرْضٍ وَكَانَا مُتَّفِقَيْنِ، مِثْلَ أَنْ يَكُونَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ حِنْطَةٌ سَمْرَاءُ، وَلِلْآخَرِ مِثْلُهَا فَالْمُقَاصَّةُ جَائِزَةٌ حَالَّيْنِ كَانَا أَوْ مُؤَخَّرَيْنِ، أَوْ أَحَدَهُمَا، وَإِنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا سَمْرَاءُ، وَلِلْآخَرِ مَحْمُولَةٌ لَمْ تَجُزْ الْمُقَاصَّةُ اهـ. أَنْ يَكُونَا مَعًا حَالَّيْنِ فَيَكُونُ بَدَلًا وَإِلَّا فَلَا اهـ. وَنَحْوُهُ فِي الشَّارِحِ، وَصَرَّحَ بِأَنَّ الِاتِّفَاقَ فِي الْبَيْتِ الْمُرَادِ بِهِ فِي الصِّفَةِ، وَذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ الِاتِّفَاقَ وَبِالِاتِّفَاقِ فِي الْجِنْسِ، وَكَذَا فِي الْقَدْرِ، لِأَنَّ الِاتِّفَاقَ إذَا أُطْلِقَ فِي الْمَحَلِّ يُرَادُ بِهِ فِي الثَّلَاثَةِ، وَإِذَا فُسِّرَ الِاتِّفَاقُ بِالِاتِّفَاقِ فِي الْجِنْسِ وَالصِّفَةِ وَالْقَدْرِ، فَيُفَسَّرُ مُقَابِلُهُ وَهُوَ الِاخْتِلَافُ، بِالِاخْتِلَافِ فِي الْجِنْسِ أَوْ فِي الصِّفَةِ أَوْ الْقَدْرِ فَتَجُوزُ الْمُقَاصَّةُ، فِي أَوْجُهِ الِاخْتِلَافِ، وَالثَّلَاثَةِ إنْ حَلَّا مَعًا وَيُزَادُ عَلَى اشْتِرَاطِ الْحُلُولِ فِيهِمَا مَعًا فِي مَسْأَلَةِ الِاخْتِلَافِ فِي الْقَدْرِ، أَنَّ مَحَلَّ الْجَوَازِ إنْ كَانَتْ فِي مِقْدَارِ الدَّيْنِ لَا فِي أَكْثَرَ لِمَنْعِ الزِّيَادَةِ فِي الْقَرْضِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (ابْنُ سَلْمُونٍ) وَإِنْ كَانَ الدَّيْنَانِ طَعَامًا، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَا مِنْ قَرْضٍ أَوْ مِنْ بَيْعٍ، أَوْ أَحَدُهُمَا مِنْ قَرْضٍ وَالْآخَرُ مِنْ بَيْعٍ. فَإِنْ كَانَا مِنْ قَرْضٍ وَكَانَا مُتَّفِقَيْنِ، مِثْلَ أَنْ يَكُونَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ حِنْطَةٌ سَمْرَاءُ، وَلِلْآخَرِ مِثْلُهَا فَالْمُقَاصَّةُ جَائِزَةٌ، حَالَّيْنِ كَانَا أَوْ مُؤَخَّرَيْنِ، أَوْ أَحَدَهُمَا، وَإِنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا سَمْرَاءُ وَلِلْآخَرِ مَحْمُولَةٌ لَمْ تَجُزْ الْمُقَاصَّةُ، إلَّا أَنْ يَكُونَا مَعًا حَالَّيْنِ؛ فَيَكُونُ بَدَلًا، وَإِلَّا فَلَا، وَإِنْ كَانَا مِنْ بَيْعٍ، فَإِنْ اخْتَلَفَا أَوْ اخْتَلَفَتْ رُءُوسُ أَمْوَالِهِمَا، أَوْ كَانَا مُؤَخَّرَيْنِ لِأَجَلَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، لَمْ تَجُزْ الْمُقَاصَّةُ، إلَّا أَنْ يَكُونَ الْأَجَلَانِ مُتَّفِقَيْنِ، فَمَنَعَ ابْنُ الْقَاسِمِ الْمُقَاصَّةَ، وَأَجَازَ أَشْهَبُ وَإِنْ يَكُونَا مِنْ مَبِيعٍ وَوَقَعْ ... فِيهِ بِالْإِطْلَاقِ اخْتِلَافٌ امْتَنَعْ وَفِي اتِّفَاقِ أَجَلَيْ مَا اتَّفَقَا ... هُوَ لَدَى أَشْهَبَ غَيْرُ مُتَّقَى تَعَرَّضَ فِي الْبَيْتَيْنِ لِمَا إذَا تَرَتَّبَ الطَّعَامَانِ مِنْ بَيْعٍ، وَفِي ذَلِكَ اثْنَتَا عَشْرَةَ صُورَةً، كَالدَّيْنِ مِنْ سَلَفٍ كَمَا تَقَدَّمَ قَرِيبًا، وَالصُّورَةُ كُلُّهَا مَمْنُوعَةٌ عَلَى الْمَشْهُورِ، فَأَشَارَ النَّاظِمُ لِمَنْعِ الْمُقَاصَّةِ فِي الطَّعَامَيْنِ الْمُخْتَلِفَيْنِ فِي جِنْسٍ أَوْ صِفَةٍ، أَوْ قَدْرٍ حَلَّا أَوْ لَمْ يَحِلَّا، أَوْ حَلَّ أَحَدهمَا، بِقَوْلِهِ: " وَأَنْ يَكُونَ مِنْ مَبِيعٍ " الْبَيْتَ، وَعَلَى أَوْجُهِ الِاخْتِلَافِ الْمَذْكُورِ وَأَوْجُهِ الْآجَالِ، أَشَارَ بِالْإِطْلَاقِ وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ تِسْعُ صُوَرٍ، وَأَشَارَ لِحُكْمِ الصُّوَرِ الثَّلَاثِ الْبَاقِيَةِ، وَهِيَ إذَا اتَّفَقَ الطَّعَامَانِ جِنْسًا وَصِفَةً وَقَدْرًا، وَلَمْ يَحِلَّ أَجَلُهُمَا وَلَكِنَّ أَجَلَهُمَا مُتَّفِقٌ، وَهُوَ الْجَوَاز لِأَشْهَبَ؛ لِأَنَّهُ قَالَهُ بِقَوْلِهِ: وَفِي اتِّفَاقِ أَجَلَيْ مَا اتَّفَقَا ... هُوَ لَدَى أَشْهَبَ غَيْرُ مُتَّقَى وَمَفْهُومُهُ الْمَنْعُ لِغَيْرِهِ، وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَكَذَا يَجُوزُ عِنْدَ أَشْهَبَ إذَا حَلَّا مَعًا - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ -. وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَحِلَّا وَلَمْ يَتَّفِقْ أَجَلُهُمَا فَالْمَنْعُ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَتَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ سَلْمُونٍ وَإِنْ كَانَا - أَيْ الطَّعَامَانِ - مِنْ بَيْعٍ، فَإِنْ اخْتَلَفَا أَوْ اخْتَلَفَتْ رُءُوسُ أَمْوَالِهِمَا، أَوْ كَانَا مُؤَخَّرَيْنِ لِأَجَلَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ لَمْ تَجُزْ الْمُقَاصَّةُ، إلَّا أَنْ يَكُونَ الْأَجَلَانِ مُتَّفِقَيْنِ، فَمَنَعَ ابْنُ الْقَاسِمِ الْمُقَاصَّةَ، وَأَجَازَهَا أَشْهَبُ اهـ

فصل في الحوالة

وَشَرْطُ مَا مِنْ سَلَفٍ وَبَيْعِ ... حُلُولُ كُلٍّ وَاتِّفَاقُ النَّوْعِ وَالْخُلْفُ مَعَ تَأَخُّرٍ مَا كَانَا ... ثَالِثُهَا مِنْ سَلَمٍ قَدْ حَانَا تَعَرَّضَ فِي الْبَيْتَيْنِ لِمَا إذَا تَرَتَّبَ أَحَدُ الطَّعَامَيْنِ مِنْ بَيْعٍ، وَالْآخَرُ مِنْ سَلَفٍ، وَفِي ذَلِكَ اثْنَتَا عَشْرَةَ صُورَةً أَيْضًا، لِأَنَّ الطَّعَامَيْنِ إمَّا مُتَّفِقَانِ جِنْسًا وَصِفَةً وَقَدْرًا، وَإِمَّا مُخْتَلِفَانِ صِفَةً أَوْ جِنْسًا أَوْ مِقْدَارًا، فَهَذِهِ أَرْبَعُ صُوَرٍ كُلُّ وَاحِدَةٍ إمَّا مَعَ حُلُولِ الْأَجَلِ فِيهِمَا أَوْ مَعَ عَدَمِهِ فِيهِمَا، أَوْ مَعَ حُلُولِ أَحَدِهِمَا فَقَطْ، وَأَخْبَرَ النَّاظِمُ فِي الْبَيْتِ الْأَوَّلِ، أَنَّ شَرْطَ جَوَازِ الْمُقَاصَّةِ فِيمَا كَانَا مِنْ سَلَفٍ وَبَيْعٍ حُلُولُ أَجَلِ كُلٍّ مِنْهُمَا وَاتِّفَاقُهُمَا فِي النَّوْعِ، وَمَفْهُومُهُ أَنَّ مَا اخْتَلَّ فِيهِ الشَّرْطَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا لَمْ تَجُزْ فِيهِ الْمُقَاصَّةُ، فَإِنْ اخْتَلَّ شَرْطُ اتِّفَاقِ النَّوْعِ لَمْ تَجُزْ، قَالَ الشَّارِحُ: " وَذَلِكَ صَحِيحٌ " (قُلْتُ) : وَلِذَلِكَ اُكْتُفِيَ عَنْهُ بِالْمَفْهُومِ. وَإِنْ اخْتَلَّ شَرْطُ الْحُلُولِ فِيهِمَا بِأَنْ كَانَا مُؤَجَّلَيْنِ، أَوْ أَحَدَهُمَا فَقَطْ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ، الْأَوَّلُ - الْمَنْعُ لِابْنِ الْقَاسِمِ تَأَخَّرَ أَجَلَاهُمَا، أَوْ تَأَخَّرَ أَجَلُ الْقَرْضِ أَوْ أَجَلُ السَّلَمِ - الثَّانِي لِأَشْهَبَ الْجَوَازُ مُطْلَقًا - وَالثَّالِثُ - الْجَوَازُ إنْ حَلَّ السَّلَمُ، وَالْمَنْعُ إنْ لَمْ يَحِلَّا مَعًا أَوْ حَلَّ أَجَلُ الْقَرْضِ دُونَ أَجَلِ السَّلَمِ، وَعَلَى التَّعْمِيمِ فِي مَحَلِّ الْخِلَافِ بَيْنَ أَنْ يَتَأَجَّلَا مَعًا. أَوْ أَحَدُهُمَا، نَبَّهَ النَّاظِمُ بِقَوْلِهِ: " مَا كَانَ "، أَيْ سَوَاءٌ كَانَ التَّأْخِيرُ فِي وَاحِدٍ أَوْ فِي اثْنَيْنِ، ثَالِثُهَا - تَجُوزُ الْمُقَاصَّةُ إنْ حَلَّ أَجَلُ السَّلَمِ (قَالَ ابْنُ سَلْمُونٍ) وَإِنْ كَانَ الدَّيْنَانِ طَعَامًا، وَكَانَا مِنْ بَيْعٍ وَقَرْضٍ، فَإِنْ لَمْ يَخْتَلِفَا وَكَانَا حَالَّيْنِ جَازَتْ الْمُقَاصَّةُ، وَإِنْ اخْتَلَفَا لَمْ تَجُزْ بِوَجْهٍ، وَإِنْ كَانَا مُؤَخَّرَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا فَثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ الْمَنْعُ لِابْنِ الْقَاسِمِ، وَالْجَوَازُ لِأَشْهَبَ وَالثَّالِثُ - أَنَّهُ إنْ كَانَ السَّلَمُ حَالًّا جَازَتْ وَإِلَّا فَلَا [فَصْلٌ فِي الْحَوَالَةِ] ِ وَامْنَعْ حَوَالَةً بِشَيْءٍ لَمْ يَحِلْ ... وَبِاَلَّذِي حَلَّ بِإِطْلَاقٍ أُحِلْ وَبِالرِّضَا وَالْعِلْمِ مِنْ مُحَالِ ... عَلَيْهِ فِي الْمَشْهُورِ لَا تُبَالِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُحَالَ إلَّا ... فِيمَا يُجَانِسُ لِدَيْنٍ حَلَّا وَلَا تُحِلْ بِأَحَدِ النَّقْدَيْنِ فِي ... ثَانِيهِمَا إلَّا إنْ الْقَبْضُ اُقْتُفِيَ وَفِي طَعَامٍ مَا إحَالَةٌ تَفِي ... إلَّا إذَا كَانَا مَعًا مِنْ سَلَفِ وَفِي اجْتِمَاعِ سَلَمٍ وَقَرْضِ ... يُشْتَرَطُ الْحُلُولُ فِي ذِي الْقَبْضِ (ابْنُ الْحَاجِبِ) الْحَوَالَةُ نَقْلُ الدَّيْنِ إلَى ذِمَّةٍ تَبْرَأُ بِهِ الْأُولَى، وَفِي التَّلْقِينِ الْحَوَالَةُ: تَحْوِيلُ الْحَقِّ مِنْ ذِمَّةٍ إلَى ذِمَّةٍ تَبْرَأُ بِهِ الْأُولَى. (التَّوْضِيحُ) قَالَ عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ: هِيَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ التَّحَوُّلِ مِنْ شَيْءٍ إلَى شَيْءٍ؛ لِأَنَّ الطَّالِبَ تَحَوَّلَ مِنْ طَلَبِهِ لِغَرِيمِهِ إلَى غَرِيمِ غَرِيمِهِ وَهِيَ مَحْمُولَةٌ عَلَى النَّدْبِ عِنْدَ أَكْثَرِ شُيُوخِهِ، وَحَمَلَهَا بَعْضُهُمْ عَلَى الْإِبَاحَةِ لَمَّا أَشْبَهَتْ بَيْعَ الدَّيْنِ اهـ ، وَلَهَا شُرُوطٌ (أَوَّلُهَا) أَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ الْمُحَالُ بِهِ حَالًّا، فَإِنْ كَانَ لَمْ يَحِلَّ لَمْ تَجُزْ الْإِحَالَةُ وَإِذَا كَانَ حَالًّا جَازَتْ الْإِحَالَةُ، سَوَاءٌ حَلَّ الدَّيْنُ الْمُحَالُ عَلَيْهِ، أَوْ لَمْ يَحِلَّ؛ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: وَبِاَلَّذِي حَلَّ بِإِطْلَاقٍ أُحِلَّ وَمُرَادُهُ بِإِطْلَاقٍ حَلَّ الْمُحَالُ عَلَيْهِ أَوْ لَا قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: لِأَنَّهُ إذَا انْحَلَّ عَلَى مَا لَمْ يَحِلَّ؛ كَانَ ذَلِكَ زِيَادَةً فِي الْمَعْرُوفِ اهـ. أَيْ وَهُوَ جَائِزٌ، وَهَذَا فِي غَيْرِ الطَّعَامَيْنِ، كَمَا يَأْتِي فِي الشَّرْطِ الرَّابِعِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ حَوْلِهِمَا مَعًا إلَّا إنْ كَانَا مِنْ قَرْضٍ، وَإِنْ كَانَ الْمُحَالُ بِهِ غَيْرَ حَالٍّ لَمْ تَجُزْ الْإِحَالَةُ، وَعَلَيْهِ نَبَّهَ بِقَوْلِهِ: وَامْنَعْ حَوَالَةً بِشَيْءٍ لَمْ يَحِلْ (الثَّانِي) رِضَا الْمُحِيلِ وَالْمُحَالِ فَقَطْ، دُونَ رِضَا الْمُحَالِ عَلَيْهِ فَلَا يُشْتَرَطُ عَلَى الْمَشْهُورِ وَقَدْ نَبَّهَ النَّاظِمُ عَلَى الشَّرْطِ بِقَوْلِهِ: " وَبِالرِّضَا وَالْعِلْمِ " الْبَيْتَ، إذْ يُفْهَمُ مِنْ حُكْمِهِ بِعَدَمِ الْمُبَالَاةِ بِرِضَا الْمُحَالِ عَلَيْهِ، وَعِلْمِهِ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ رِضَا

غَيْرِهِ وَهُوَ الْمُحِيلُ وَالْمُحَالُ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَلَا خِلَافَ فِي اشْتِرَاطِ رِضَا الْمُحِيلِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ مُتَعَلِّقٌ بِذِمَّتِهِ، فَلَا يُجْبَرُ عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ مِنْ ذِمَّةٍ أُخْرَى، وَأَمَّا رِضَا الْمُحَالِ فَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى مَذْهَبِ الْجُمْهُورِ، مِنْ عَدَمِ وُجُوبِ قَبُولِ الْحَوَالَةِ، وَأَمَّا عَلَى مَذْهَبِ أَهْلِ الظَّاهِرِ فَلَا؛ لِوُجُوبِ ذَلِكَ عَلَيْهِ، وَأَمَّا رِضَا الْمُحَالِ عَلَيْهِ فَلَا يُشْتَرَطُ عَلَى الْمَشْهُورِ وَحَكَى ابْنُ شَعْبَانَ قَوْلًا بِاشْتِرَاطِ رِضَاهُ، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ وَعَلَى الْمَشْهُورِ، فَيُشْتَرَطُ فِي ذَلِكَ السَّلَامَةُ مِنْ الْعَدَاوَةِ قَالَهُ مَالِكٌ اهـ. (الثَّالِثُ) - أَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ الْمُحَالُ بِهِ مِثْلَ الدَّيْنِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ، فِي الْقَدْرِ وَالصِّفَةِ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَهُوَ أَنْ يَكُونَا مُتَجَانِسَيْنِ كَذَهَبٍ وَذَهَبٍ، وَفِضَّةٍ وَفِضَّةٍ، وَلَا تَجُوزُ الْإِحَالَةُ بِذَهَبٍ عَلَى فِضَّةٍ، وَلَا الْعَكْسُ وَمُتَمَاثِلَيْنِ فِي الْعَدَدِ وَالصِّفَةِ اهـ. أَيْ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُحِيلَ بِدِينَارٍ عَلَى دِينَارَيْنِ، وَلَا بِالْعَكْسِ، لِأَنَّهُ ذَهَبٌ يَذْهَبُ مُتَفَاضِلًا، وَأَمَّا الْإِحَالَةُ بِدِينَارٍ عَلَى مَنْ لَكَ عَلَيْهِ دِينَارَانِ، عَلَى أَنْ يَأْخُذَ الْمُحَالُ مِنْ الْمُحَالِ عَلَيْهِ دِينَارًا أَوْ يَتْرُكَ الدِّينَارَ الْآخَرَ فَهَذَا جَائِزٌ، وَيَجُوزُ أَنْ يَحْتَالَ بِالْأَعْلَى عَلَى الْأَدْنَى، كَمَا لَوْ كَانَ لَهُ فِضَّةٌ مُحَمَّدِيَّةٌ، فَأُحِيلَ عَلَى يَزِيدِيَّةٍ، وَلَا يَجُوزُ أَخْذُ الْأَعْلَى عَنْ الْأَدْنَى قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: صَرَّحَ بِذَلِكَ غَيْرُ وَاحِدٍ، وَإِلَى هَذَا الشَّرْطِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُحَالَ إلَّا الْبَيْتَ، وَلَمَّا كَانَ هَذَا يَقْتَضِي مَنْعَ الْإِحَالَةَ بِذَهَبٍ عَنْ فِضَّةٍ، وَبِالْعَكْسِ نَبَّهَ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ يَجُوزُ بِشَرْطِ الْقَبْضِ فِي الْحَالِّ، وَلَا يَجُوزُ بِتَأْخِيرٍ بِقَوْلِهِ: وَلَا تُحِلْ " بِأَحَدِ النَّقْدَيْنِ فِي ثَانِيهِمَا " الْبَيْتَ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ أَحَدُهُمَا ذَهَبًا وَالْآخَرُ فِضَّةً، فَلَا يُحِيلُهُ بِهِ وَإِنْ حَلَّا، إلَّا أَنْ يَقْبِضَهُ مَكَانَهُ قَبْلَ افْتِرَاقِ الثَّلَاثَةِ، وَقَبْلَ طُولِ الْمَجْلِسِ اهـ. (الرَّابِعُ) . يُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَكُونَ الدَّيْنَانِ طَعَامًا مِنْ سَلَمٍ، فَلَا تَجُوزُ الْإِحَالَةُ حِينَئِذٍ سَوَاءٌ حَلَّا أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَا مِنْ سَلَفٍ جَازَتْ الْإِحَالَةُ، وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِقَوْلِهِ: وَفِي طَعَامٍ مَا إحَالَةٌ تَفِي فَمَا " نَافِيَةٌ "، " وَتَفِي " مُضَارِعُ وَفَى، أَيْ: لَا تَصِحُّ وَلَا تَتِمُّ الْإِحَالَةُ إلَّا إذَا كَانَا مَعًا مِنْ سَلَفٍ فَفُهِمَ مِنْهُ أَنَّهَا لَا تَصِحُّ إذَا كَانَا مَعًا مِنْ غَيْرِ سَلَفٍ وَهُوَ الْبَيْعُ أَيْ السَّلَمُ فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مِنْ بَيْعٍ وَالْآخَرُ مِنْ سَلَفٍ جَازَتْ إنْ حَلَّا مَعًا وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِقَوْلِهِ وَفِي اجْتِمَاعِ سَلَمٍ وَقَرْضِ الْبَيْتُ مُرَادُهُ بِذِي الْقَبْضِ الدَّيْنُ الْمَقْبُوضُ حِسًّا وَهُوَ مَا عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ وَكَذَا يُشْتَرَطُ حُلُولُ الدَّيْنِ الْمُحَالِ بِهِ وَلَا إشْكَالَ إلَّا أَنَّهُ لَمَّا قَدَّمَ اشْتِرَاطَ الْحُلُولِ فِي الْمُحَالِ بِهِ لَمْ يَحْتَجْ إلَى إعَادَتِهِ وَلَمَّا قَدَّمَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ حُلُولُ الْمُحَالِ عَلَيْهِ وَهُوَ مُشْتَرَطٌ فِي الْإِحَالَةِ فِي الطَّعَامَيْنِ أَحَدُهُمَا مِنْ بَيْعٍ وَالْآخَرُ مِنْ سَلَفٍ احْتَاجَ إلَى التَّنْصِيصِ عَلَيْهِ وَلَمْ يَسَعْهُ السُّكُوتُ عَنْهُ وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِقَوْلِهِ وَفِي اجْتِمَاعِ سَلَمٍ وَقَرْضِ الْبَيْتَ (قَالَ فِي التَّوْضِيحِ) عَنْ صَاحِبِ الْمُقَدِّمَاتِ وَالتَّنْبِيهَاتِ يُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَكُونَ الدَّيْنَانِ طَعَامًا وَمِنْ سَلَمٍ سَوَاءٌ حَلَّا أَمْ لَا لِئَلَّا يَدْخُلَهُ بَيْعُ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَسَوَاءٌ كَانَ الطَّعَامَانِ مُتَّفِقَيْنِ أَمْ لَا اسْتَوَتْ رُءُوسُ الْأَمْوَالِ أَمْ لَا وَأَجَازَ أَشْهَبُ إذَا اتَّفَقَتْ رُءُوسُ الْأَمْوَالِ وَاتَّفَقَ الطَّعَامَانِ تَشْبِيهًا بِالتَّوْلِيَةِ فَإِنْ كَانَ الطَّعَامَانِ مِنْ قَرْضٍ جَازَ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مِنْ بَيْعٍ وَالْآخَرُ مِنْ قَرْضٍ جَازَتْ الْحَوَالَةُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ بِشَرْطِ حُلُولِ الطَّعَامَيْنِ مَعًا وَحَكَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ إلَّا ابْنَ الْقَاسِمِ جَوَازَ الْحَوَالَةِ بِشَرْطِ حُلُولِ الْمُحَالِ بِهِ خَاصَّةً اهـ وَفِي التَّهْذِيبِ وَمَنْ لَهُ عَلَيْكَ طَعَامٌ مِنْ سَلَمٍ فَأَحَلْتَهُ عَلَى طَعَامٍ لَك مِنْ قَرْضٍ أَوْ كَانَ الَّذِي لَهُ عَلَيْكَ مِنْ قَرْضٍ فَأَحَلْتَهُ عَلَى طَعَامٍ لَك مِنْ بَيْعٍ أَوْ قَرْضٍ قَدْ حَلَّ أَوْ دَفَعْتَ إلَيْهِ دَرَاهِمَ يَبْتَاعُ بِهَا طَعَامًا يَقْبِضُهُ مِنْ حَقِّهِ فَذَلِكَ كُلُّهُ جَائِزٌ اهـ مِنْ الشَّارِحِ (الْخَامِسُ) يُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ الْحَوَالَةُ عَلَى أَصْلِ دَيْنٍ

فصل في بيع الخيار والثنيا

ابْنُ الْحَاجِبِ) فِي تَعْدَادِ شُرُوطِ الْحَوَالَةِ وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ دَيْنٌ لِلْمُحِيلِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْحَوَالَةِ تَقْتَضِي أَنْ تَكُونَ عَلَى دَيْنٍ لِأَنَّهَا نَقْلُ الدَّيْنِ مِنْ ذِمَّةٍ إلَى ذِمَّةٍ (الْبَاجِيُّ) فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَهِيَ حَمَالَةٌ عِنْدَ جَمِيعِ أَصْحَابِنَا اهـ وَلَمْ يُصَرِّحْ النَّاظِمُ بِهَذَا الشَّرْطِ وَلَكِنَّهُ يَسْتَرْوِحُ مِنْ اشْتِرَاطِ حُلُولِ الدَّيْنِ بِهِ دُونَ الْمُحَالِ عَلَيْهِ أَنَّ الدَّيْنَ حَاصِلٌ لَا مَحَالَةَ إذْ الْكَلَامُ عَلَى حُلُولِهِ وَعَدَمِ حُلُولِهِ فَرْعُ وُجُودِهِ وَكَذَا يُفْهَمُ ذَلِكَ مِنْ لَفْظِ الْحَوَالَةِ كَمَا تَقَدَّمَ قَرِيبًا عَنْ التَّوْضِيحِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (تَفْرِيعٌ) فَلَوْ أَحَالَهُ عَلَى مَنْ لَا شَيْءَ لَهُ عَلَيْهِ رَجَعَ الْمُحَالُ عَلَى الْمُحِيلِ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ الْمُحَالُ أَنَّ الْمُحِيلَ لَا شَيْءَ لَهُ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ وَاشْتَرَطَ الْمُحِيلُ عَلَى الْمُحَالِ الْبَرَاءَةَ فَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى الْمُحِيلِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ هَكَذَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَحَصَّلَ ابْنُ زَرْقُونٍ فِيهَا خَمْسَةَ أَقْوَالٍ الْأَوَّلُ لِابْنِ الْقَاسِمِ لَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى الْمُحِيلِ انْتَهَى مَحَلُّ الْحَاجَةِ مِنْهُ (تَنْبِيهَانِ الْأَوَّلُ) لِلْحَوَالَةِ شُرُوطُ صِحَّةٍ فَلَا يَجُوزُ وَلَا تَصِحُّ بِدُونِهَا وَهِيَ الْخَمْسَةُ الْمَذْكُورَةُ وَشُرُوطُ لُزُومٍ وَهُوَ أَنْ لَا يَغُرَّهُ بِفَلَسٍ عَلِمَهُ وَحْدَهُ مِنْ غَرِيمِهِ (قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ) وَلَوْ غَرَّكَ مِنْ عَدَمٍ يَعْلَمُهُ بِغَرِيمِهِ أَوْ بِفَلَسٍ فَلَكَ طَلَبُ الْمُحِيلِ وَلَوْ لَمْ يَغُرّكَ أَوْ كُنْتُمَا عَالِمَيْنِ بِفَلَسِهِ كَانَتْ حَوَالَةً لَازِمَةً لَك (الثَّانِي) فَائِدَةُ الْحَوَالَةِ وَحُكْمُهَا قَالَ ابْنُ زَرْقُونٍ وَأَمَّا حُكْمُهَا فَهُوَ بَرَاءَةُ الْمُحِيلِ مِنْ دَيْنِ الْمُحَالِ وَتَحَوُّلِ الْحَقِّ إلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ وَبَرَاءَةُ الْمُحَالِ عَلَيْهِ مِنْ طَلَبِ الْمُحِيلِ [فَصْلٌ فِي بَيْعِ الْخِيَارِ وَالثُّنْيَا] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فَصْلٌ فِي بَيْعِ الْخِيَارِ وَالثُّنْيَا بَيْعُ الْخِيَارِ جَائِزُ الْوُقُوعِ ... لِأَجَلٍ يَلِيقُ بِالْمَبِيعِ كَالشَّهْرِ فِي الْأَصْلِ، وَبِالْأَيَّامِ ... فِي غَيْرِهِ كَالْعَبْدِ وَالطَّعَامِ وَهُوَ بِالِاشْتِرَاطِ عِنْدَ الْعَقْدِ ... وَلَا يَجُوزُ فِيهِ شَرْطُ النَّقْدِ (ابْنُ عَرَفَةَ) بَيْعُ الْخِيَارِ بَيْعٌ وُقِفَ بَتُّهُ أَوَّلًا عَلَى إمْضَاءٍ يُتَوَقَّعُ فَخَرَجَ بِقَوْلِهِ وُقِفَ بَتُّهُ بَيْعُ الْبَتِّ، وَالْبَيْعُ الَّذِي فِيهِ خِيَارٌ غَيْرُ مَدْخُولٍ عَلَيْهِ ابْتِدَاءً وَهُوَ الْخِيَارُ الْحُكْمِيُّ أَيْ الَّذِي أَدَّى إلَيْهِ حُكْمٌ كَمَنْ اشْتَرَى شَيْئًا عَلَى الْبَتِّ فَاطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ، فَإِنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الرَّدِّ وَالتَّمَاسُكِ، لِأَنَّهُ وَقَعَ عَلَى الْبَتِّ وَلَمْ يَتَوَقَّفْ بَتُّهُ أَوَّلًا عَلَى إمْضَاءٍ يُتَوَقَّعُ، فَيُقَالُ فِيهِ: بَيْعٌ آلَ إلَى خِيَارٍ لِأَنَّهُ بَيْعٌ مِنِّي عَلَى خِيَارٍ وَبَيْعُ الثُّنْيَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ عَمَّمَ ابْنُ رُشْدٍ لَفْظَ بَيْعِ الثُّنْيَا فِي بِيَاعَاتِ الشُّرُوطِ الْمُنَافِيَةِ لِلْبَيْعِ قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: بَيْعُ الشُّرُوطِ الْمُسَمَّاةِ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ بَيْعُ الثُّنْيَا كَالْبَيْعِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَبِيعُ وَلَا يَهَبُ (ابْنُ عَرَفَةَ) وَخَصَّهُ الْأَكْثَرُ بِمَعْنَى قَوْلِهَا فِي بُيُوعِ الْآجَالِ فَمَنْ ابْتَاعَ سِلْعَةً عَلَى أَنَّ الْبَائِعَ مِنِّي رَدَّ الثَّمَنَ فَالسِّلْعَةُ لَهُ قَالَ فِيهَا لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ سَلَفٌ جَرَّ نَفْعًا اهـ وَهَذَا الْمَعْنَى الَّذِي خَصَّهُ بِهِ الْأَكْثَرُ هُوَ الْمَعْرُوفُ الْيَوْمَ بِبَيْعِ الثُّنْيَا، وَهُوَ الَّذِي قَصَدَ النَّاظِمُ بِدَلِيلِ مَا يَذْكُرُهُ بَعْدَ قَوْلِهِ بَيْعُ الْخِيَارِ جَائِزُ الْوُقُوعِ الْبَيْتَيْنِ أَخْبَرَ أَنَّ الْبَيْعَ عَلَى الْخِيَارِ جَائِزٌ. (قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ) وَبَيْعُ الْخِيَارِ جَائِزٌ وَذَلِكَ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ أَشْتَرِي مِنْكَ هَذَا الشَّيْءَ وَأَنَا عَلَيْكَ فِيهِ بِالْخِيَارِ إلَى وَقْفِ كَذَا (قَالَ فِي التَّوْضِيحِ) مُوجَبُ الْخِيَارِ. إمَّا مِنْ جِهَةِ الْعَقْدِ أَوْ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَالْأَوَّلُ هُوَ التَّرَوِّي، وَالثَّانِي هُوَ النَّقِيصَةُ، وَخِيَارُ التَّرَوِّي مُسْتَثْنَى مِنْ بَيْعِ الْغَرَرِ لِلتَّرَدُّدِ فِي الْعَقْدِ لَكِنْ أَجَازَهُ الشَّرْعُ لِيَدْخُلَ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ عَلَى بَصِيرَةٍ بِالثَّمَنِ وَالْمَثْمُونِ، وَلِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ: - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَوْلَا الْخَبَرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا جَازَ الْخِيَارُ أَصْلًا لَا فِي الثَّلَاثَةِ، وَلَا فِي غَيْرِهَا اهـ وَبَعْدَ الْحُكْمِ بِجَوَازِهِ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ ضَرْبِ أَجَلٍ (ابْنُ الْحَاجِبِ) وَحَدُّهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ السِّلَعِ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ فَفِيهَا فِي الدَّارِ الشَّهْرُ وَنَحْوُهُ، وَقِيلَ الشَّهْرَانِ وَفِيهَا فِي الرَّقِيقِ الْجُمُعَةُ وَنَحْوُهَا وَقِيلَ شَهْرٌ لِكِتْمَانِهِ عُيُوبَهُ وَفِيهَا يَرْكَبُ الدَّابَّةَ الْيَوْمَ وَنَحْوَهُ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِطَ الْبَرِيدَيْنِ هَذَا فِي الرُّكُوبِ وَإِلَّا فَتَجُوزُ الثَّلَاثَةُ، وَفِي الثَّوْبِ الثَّلَاثَةُ، وَلَا يُشْتَرَطُ لِبَاسُهُ بِخِلَافِ اسْتِخْدَامِ الرَّقِيقِ (التَّوْضِيحُ) وَفِي قَوْلِهِ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ أَشَارَ إلَى أَنَّهُ يَضْرِبُ مِنْ الْأَجَلِ أَقَلَّ مَا يُمْكِنُ

تَقْلِيلًا لِلْغَرَرِ الْمَذْكُورِ ثُمَّ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فَإِنْ شَرَطَ لِبَاسَ الثَّوْبِ فَقَالُوا يُفْسِدُ الْعَقْدَ فَإِذَا فُسِخَ لَزِمَهُ الْكِرَاءُ لِأَجْلِ اللُّبْسِ ابْنُ يُونُسَ بِلَا خِلَافٍ وَقِيلَ لَا كِرَاءَ عَلَيْهِ كَسَائِرِ الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ فِي كَوْنِ الْمُشْتَرِي لَا يَرُدُّ الْغَلَّةَ اهـ وَآخِرُهُ بِالْمَعْنَى وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْقَوْلَ بِعَدَمِ الْكِرَاءِ مُخَرَّجٌ لَا مَنْصُوصٌ (فِي الْمُدَوَّنَةِ) وَمَنْ اشْتَرَى شَيْئًا مِنْ الرُّطَبِ وَالْفَوَاكِهِ وَالْخُضَرِ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ فَإِنْ كَانَ النَّاسُ يُشَاوِرُونَ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ غَيْرَهُمْ، وَيَحْتَاجُونَ فِيهِ إلَى رَأْيِهِمْ فَلَهُمْ مِنْ الْخِيَارِ فِي ذَلِكَ بِقَدْرِ حَاجَةِ النَّاسِ بِمَا لَا يَقَعُ فِيهِ تَغْيِيرٌ وَلَا فَسَادٌ، وَإِلَى هَذَا كُلِّهِ أَشَارَ النَّاظِمُ بِقَوْلِهِ لِأَجَلٍ يَلِيقُ بِالْمَبِيعِ كَالشَّهْرِ فِي الْأَصْلِ إلَخْ قَوْلُهُ وَهُوَ بِالِاشْتِرَاطِ عِنْدَ الْعَقْدِ يَعْنِي أَنَّ خِيَارَ التَّرَوِّي إنَّمَا يَصِحُّ بِالشَّرْطِ لَا بِالْمَجْلِسِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ «الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا» بَلْ لَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهِ مَشْرُوطًا مَدْخُولًا عَلَيْهِ ابْتِدَاءً كَمَا تَقَدَّمَ فِي حَدِّ ابْنِ عَرَفَةَ لِبَيْعِ الْخِيَارِ. قَوْلُهُ: وَلَا يَجُوزُ فِيهِ شَرْطُ النَّقْدِ يَعْنِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي بَيْعِ الْخِيَارِ اشْتِرَاطُ نَقْدِ الثَّمَنِ قَبْلَ مُضِيِّ أَجَلِ الْخِيَارِ فَإِنْ تَطَوَّعَ الْمُشْتَرِي بِدَفْعِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُشْتَرَطَ عَلَيْهِ فَذَلِكَ جَائِزٌ (قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ) وَالنَّقْدُ فِيمَا بَعُدَ مِنْ أَجَلِ الْخِيَارِ أَوْ قَرُبَ لَا يَحِلُّ بِشَرْطٍ، وَإِنْ كَانَ بَيْعُ الْخِيَارِ بِغَيْرِ شَرْطِ النَّقْدِ فَلَا بَأْسَ بِالنَّقْدِ فِيهِ (ابْنُ الْحَاجِبِ) وَالنَّقْدُ بِغَيْرِ شَرْطٍ جَائِزٌ وَفِي فَسَادِ الْبَيْعِ بِاشْتِرَاطِهِ قَوْلَانِ التَّوْضِيحُ وَالْمَعْرُوفُ الْفَسَادُ مَعَ الِاشْتِرَاطِ (فَرْعٌ) لَا يَجُوزُ فِي شَيْءٍ مِنْ السِّلَعِ أَنْ تَكُونَ فِيهِ مُدَّةُ الْخِيَارِ مَجْهُولَةً فَإِنْ عَقَدَا عَلَى ذَلِكَ كَقَوْلِهِمَا إلَى قُدُومِ زَيْدٍ لَا أَمَارَةَ عِنْدَهُمْ عَلَى قُدُومِهِ أَوْ إلَى أَنْ يُولَدَ لِفُلَانٍ وَلَا حَمْلَ عِنْدَهُ أَوْ إلَى أَنْ يَنْفُقَ سُوقُ السِّلْعَةِ وَلَا أَوَانَ يَغْلِبَ عَلَى الظَّنِّ عُرْفًا أَنَّهَا تَنْفُقُ فِيهِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَرْجِعُ إلَى الْجَهْلِ بِالْمُدَّةِ، فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ لَكِنْ إنْ وَقَعَ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ وَلَمْ يُعَيِّنْ مُدَّةً وَلَا مَجْهُولَةً فَالْعَقْدُ صَحِيحٌ وَيُحْمَلُ عَلَى خِيَارِ مِثْلِ السِّلْعَةِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَلَوْ زَادَ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ عَلَى مَا هُوَ أَمَدُ خِيَارِهَا فَسَدَ الْبَيْعُ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ (فَرْعٌ) إذَا بِيعَ مَا لَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ عَلَى خِيَارٍ كَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ لَمْ يَجُزْ عَلَى شَرْطِ غَيْبَةِ أَحَدِ الْمُتَبَايِعَيْنِ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ يَكُونُ تَارَةً سَلَفًا اُنْظُرْ التَّوْضِيحَ وَالْبَيْعُ بِالثُّنْيَا لِفَسْخٍ دَاعِ ... وَالْخَرْجُ بِالضَّمَانِ لِلْمُبْتَاعِ وَلَا كِرَاءَ فِيهِ هَبْهُ لِأَجَلْ ... أَوْ لَا وَذَا الَّذِي بِهِ جَرَى الْعَمَلْ وَالشَّرْحُ لِلثُّنْيَا رُجُوعُ مِلْكِ مَنْ ... بَاعَ إلَيْهِ عِنْدَ إحْضَارِ الثَّمَنْ تَقَدَّمَ أَوَّلَ هَذِهِ التَّرْجَمَةِ بَعْضُ الْكَلَامِ عَلَى تَعْرِيفِ بَيْعِ الثُّنْيَا مَا هُوَ؛ وَأَنَّهُ الْبَيْعُ عَلَى أَنَّ الْبَائِعَ

مَتَى أَتَى بِالثَّمَنِ؛ يُرِيدُ أَوْ إلَى مُدَّةِ كَذَا فَالْبَيْعُ مَرْدُودٌ عَلَيْهِ، وَعَلَى هَذَا نَبَّهَ بِالْبَيْتِ الثَّالِثِ، وَلَوْ قَدَّمَهُ عَلَى الَّذِي قَبْلَهُ لَكَانَ أَوْلَى لِمَا فِي كَلَامِهِ مِنْ تَقْدِيمِ الْحُكْمِ عَلَى التَّصَوُّرِ، فَإِذَا وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَى ذَلِكَ فُسِخَ مَا لَمْ يَفُتْ فَإِذَا فُسِخَ لَمْ يَرُدَّ الْمُشْتَرِي الْغَلَّةَ، لِأَنَّ الضَّمَانَ كَانَ مِنْهُ فَالْغَلَّةُ لَهُ بِخَبَرِ «الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ» كَانَ لِأَجَلٍ أَوْ لِغَيْرِ أَجَلٍ لَا يَرُدُّ الْغَلَّةَ (قَالَ الْمُتَيْطِيُّ) أَمَّا الثُّنْيَا فَلَا تُجَوِّزُ انْعِقَادَ الْبِيَعِ عَلَيْهَا فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَشْيَاءِ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ أَبِيعُك هَذَا الْمِلْكَ أَوْ هَذِهِ السِّلْعَةَ بِثَمَنِ كَذَا عَلَى أَنِّي إنْ أَتَيْتُك بِالثَّمَنِ إلَى مُدَّةِ كَذَا وَقَالَ مَتَى أَتَيْتُك بِهِ وَلَمْ يَحُدَّ مُدَّةً فَالْمَبِيعُ مَرْدُودٌ إلَى مَصْرُوفٍ عَلَيَّ فَإِنْ تَبَايَعَا عَلَى ذَلِكَ فُسِخَ الْبَيْعُ مَا لَمْ يَفُتْ ذَلِكَ بِيَدِ الْمُبْتَاعِ فَيُلْزَمْ الْقِيمَةَ يَوْمَ الْقَبْضِ. وَفَوْتُ الْأُصُولِ لَا يَكُونُ إلَّا بِالْهَدْمِ، وَالْبِنَاءِ، وَالْغَرْسِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ هَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ إلَّا أَشْهَبَ وَأَصْبَغَ فَإِنَّهُمَا يَقُولَانِ يُفِيتُهَا، حَوَالَةُ الْأَسْوَاقِ كَالْعُرُوضِ وَالْحَيَوَانِ سَوَاءٌ، وَلِلْمُبْتَاعِ مَا اُغْتُلَّ فِي الْمِلْكِ قَبْلَ الْفَسْخِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي الْأُصُولِ حِينَ بِيعَ ثَمَرٌ مَأْبُورٌ وَاشْتَرَطَهُ الْمُبْتَاعُ، فَإِنَّهُ يُرَدُّ مَعَ الْأُصُولِ إنْ كَانَ حَاضِرًا إمَّا

مَكِيلَتُهُ إنْ عَلِمَهَا وَوَجَدَهُ يَابِسًا أَوْ الْقِيمَةُ إنْ جَهِلَ الْكَيْلَ أَوْ وَجَدَهُ رَطْبًا عَلَى مَا تَقَدَّمَ هَذَا هُوَ الْقَوْلُ الْمَشْهُورُ الْمَعْمُولُ بِهِ اهـ وَحَكَى ابْنُ سَلْمُونٍ فِي بَيْعِ الثُّنْيَا قَوْلَيْنِ هَلْ هُوَ بَيْعٌ فَاسِدٌ؛ فَلَا يَرُدُّ الْمُشْتَرِي الْغَلَّةَ أَوْ سَلَفٌ جَرَّ نَفْعًا؛ وَعَلَيْهِ فَيَرُدُّ الْغَلَّةَ وَتَكُونُ لِلْبَائِعِ. قَالَ وَاَلَّذِي عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ لَا كِرَاءَ فِيهِ كَانَ إلَى أَجَلٍ أَوْ إلَى غَيْرِ أَجَلٍ لِأَنَّهُ بَيْعٌ فَاسِدٌ عِنْدَهُمْ، وَبِهِ الْعَمَلُ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْغَفُورِ إنْ وَقَعَ إلَى أَجَلٍ كَانَ فِيهِ الْكِرَاءُ لِأَنَّهُ كَالرَّهْنِ، وَإِنْ وَقَعَ إلَى غَيْرِ أَجَلٍ فَلَا كِرَاءَ فِيهِ انْتَهَى بِالْمَعْنَى (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يَرُدُّ الْغَلَّةَ إنَّمَا هُوَ فِيمَا حَدَثَ عِنْدَهُ أَمَّا إنْ اشْتَرَى الْأُصُولَ وَفِيهَا ثِمَارٌ مَأْبُورَةٌ، وَاشْتَرَطَهَا الْمُبْتَاعُ ثُمَّ فُسِخَ الْبَيْعُ فَإِنَّهُ يَرُدُّهَا كَمَا تَقَدَّمَ تَفْصِيلُهُ فِي كَلَامِ الْمُتَيْطِيِّ لِأَنَّهُ دَفَعَ لَهَا حِصَّةً مِنْ الثَّمَنِ، وَلَيْسَتْ بِخَرَاجٍ يَكُونُ لِلْمُبْتَاعِ بِالضَّمَانِ فَإِذَا عَادَ إلَيْهِ ثَمَنُهُ بِجُمْلَتِهِ فَمِنْ حَقِّ الْبَائِعِ أَنْ يَعُودَ لَهُ أَصْلُهُ بِثَمَرَتِهِ فَلَا يُعْتَرَضُ عَلَى النَّاظِمِ بِعَدَمِ التَّحَرُّزِ مِنْهُ. قَالَ الشَّارِحُ: وَهُوَ ظَاهِرٌ (الثَّانِي) قَالَ الْحَطَّابُ وَهَذَا كُلُّهُ أَيْ كَوْنُ الْمُشْتَرِي لَا يَرُدُّ الْغَلَّةَ إنَّمَا هُوَ إذَا قَبَضَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ وَاسْتَغَلَّهُ إمَّا بِكِرَاءٍ أَوْ سُكْنَى وَأَمَّا مَا يَقَعُ فِي عَصْرِنَا هَذَا، وَهُوَ مَا عَمَّتْ بِهِ الْبَلْوَى وَذَلِكَ، أَنَّ الشَّيْخَ يَبِيعُ الدَّارَ مَثَلًا بِأَلْفِ دِينَارٍ، وَهِيَ تُسَاوِي أَرْبَعَةَ آلَافٍ أَوْ خَمْسَةً، وَيَشْتَرِطُ عَلَى الْمُشْتَرِي أَنَّهُ مَتَى جَاءَهُ بِالثَّمَنِ رَدَّهَا إلَيْهِ، ثُمَّ يُؤَجِّرُهَا الْمُشْتَرِي لِبَائِعِهَا بِمِائَةِ دِينَارٍ فِي كُلِّ سَنَةٍ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهَا الْمُشْتَرِي، وَقَبْلَ أَنْ يُخْلِيهَا الْبَائِعُ مِنْ أَمْتِعَةٍ بَلْ يَسْتَمِرُّ الْبَائِعُ عَلَى سُكْنَاهَا إنْ كَانَتْ مَحَلَّ سُكْنَاهُ، أَوْ عَلَى وَضْعِ يَدِهِ عَلَيْهَا، أَوْ إجَارَتِهَا، وَيَأْخُذُ مِنْهُ الْمُشْتَرِي الْأُجْرَةَ الْمُسَمَّاةَ فِي كُلِّ سَنَةٍ، فَهَذَا لَا يَجُوزُ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ هَذَا صَرِيحُ الرِّبَا، وَلَا عِبْرَةَ بِالْعَقْدِ الَّذِي عَقَدَاهُ فِي الظَّاهِرِ، لِأَنَّهُ إنَّمَا حُكِمَ بِالْغَلَّةِ لِلْمُشْتَرِي فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ لِانْتِقَالِ الضَّمَانِ إلَيْهِ، وَهُنَا لَمْ يَنْتَقِلْ الضَّمَانُ لِبَقَاءِ الْمَبِيعِ تَحْتَ يَدِ بَائِعِهِ، فَلَا يُحْكَمُ لَهُ بِالْغَلَّةِ، بَلْ لَوْ قَبَضَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ وَتَسَلَّمَهُ بَعْدَ أَنْ أَخْلَاهُ الْبَائِعُ ثُمَّ آجَرَهُ الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ عَلَى الْوَجْهِ الْمُتَقَدِّمِ لَمْ يَجُزْ، لِأَنَّ مَا خَرَجَ مِنْ الْيَدِ، وَعَادَ إلَيْهَا لِغُلُوٍّ كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي بُيُوعِ الْآجَالِ وَآلَ الْحَالُ إلَى صَرِيحِ الرِّبَا وَهَذَا وَاضِحٌ لِمَنْ تَدَبَّرَهُ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ (الْحَطَّابُ) وَسَمِعْتُ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَحْكِي عَنْ بَعْضِ مَنْ عَاصَرَهُ أَنَّهُ لَا يُحْكَمُ لِلْمُشْتَرِي بِالْغَلَّةِ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ إذَا كَانَ جَاهِلًا بِفَسَادِ حَالِ الْعَقْدِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ عَالِمًا بِذَلِكَ، وَتَعَمَّدَ فَلَا غَلَّةَ، وَلَمْ أَقِفْ عَلَى ذَلِكَ مَنْصُوصًا وَظَاهِرُ إطْلَاقِهِمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْعَالِمِ وَالْجَاهِلِ اهـ. وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَ أَنَّهُ عَمَّتْ بِهِ الْبَلْوَى عِنْدَهُمْ كَذَلِكَ عِنْدَنَا وَأَكْثَرُ، وَتَجَدُّدُ الدَّارِ فِي مِثْلِ الْقَضِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ يُسَاوِي كِرَاؤُهَا خَمْسَ أَوَاقٍ فِي الشَّهْرِ مَثَلًا وَيَكْتَرِيهَا بَائِعُهَا مِنْ الْمُشْتَرِي مِنْهُ بِعَشْرِ أَوَاقٍ أَوْ أَكْثَرَ، وَمَا ذَلِكَ إلَّا لِيَتَوَصَّلَ الْبَائِعُ لِفَائِدَةِ مَالِهِ الَّذِي دَفَعَ لِبَائِعِهَا، وَلَا يَكْفِيهِ فِي ذَلِكَ كِرَاؤُهَا بِمَا تُسَاوِيهِ وَمِنْ مَفَاسِدِ ذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ يَقْتَضِي الْأَجَلُ، وَلَا يَجِدُ مَا يَدْفَعُ لِلْمُشْتَرِي، فَيَمْضِي الْبَيْعُ بِمَا سَمَّوْهُ بَيْعًا وَهُوَ ثُلُثُ قِيمَتِهَا، أَوْ أَقَلُّ فَيَجْتَمِعُ عَلَى بَائِعِهَا كَثْرَةُ مَا أَعْطَى فِي الْكِرَاءِ وَقِلَّةُ الثَّمَنِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَفْعَلُهُ أَهْلُ الضَّرُورَاتِ وَالْحَاجَةِ، وَلَا تَجِدُ فِيمَنْ يُعَامِلُهُمْ فِي الْغَالِبِ رَأْفَةً وَلَا رَحْمَةً بَلْ قُلُوبُهُمْ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً، وَكَأَنَّهُ تَقَدَّمَتْ بَيْنَهُمْ عَدَاوَةٌ قَدِيمَةٌ. هَذَا هُوَ الْغَالِبُ فِيمَا رَأَيْنَا فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ (الثَّالِثُ) إذَا مَاتَ أَحَدُ الْمُتَبَايِعَيْنِ فِي بَيْعِ الثُّنْيَا الْجَائِزِ (قَالَ التَّوْضِيحُ) لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى بَيْعِ الْخِيَارِ، وَأَنَّهُ يُورَثُ أَقَامَ أَبُو مُحَمَّدٍ صَالِحٌ مِنْ قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ إنَّ الْخِيَارَ يُورَثُ أَنَّ الثُّنْيَا تُورَثُ أَيْ الْجَائِزَةُ إذَا مَاتَ الْمُتَطَوِّعُ لَهُ بِهَا وَهُوَ الْبَائِعُ وَاخْتَلَفُوا إذَا مَاتَ الْمُشْتَرِي الَّذِي تَطَوَّعَ بِهَا هَلْ يَلْزَمُ ذَلِكَ وَرَثَتَهُ؛ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إبْرَاهِيمَ أَوْ لَا يَلْزَمُ وَرَثَتَهُ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْفَضْلِ رَاشِدٍ، وَاخْتَارَهُ أَبُو الْحَسَنِ الْحَطَّابُ وَمَا قَالَهُ أَبُو الْفَضْلِ رَاشِدٍ وَرَجَّحَهُ أَبُو الْحَسَنِ هُوَ الظَّاهِرُ وَقَدْ صَرَّحَ ابْنُ رُشْدٍ بِأَنَّ الثُّنْيَا إذَا كَانَتْ عَلَى التَّطَوُّعِ فَهِيَ مِنْ الْمَعْرُوفِ، وَالْمَعْرُوفُ يَبْطُلُ بِالْمَوْتِ وَالْفَلَسِ اهـ وَهَذَا فِي الصَّحِيحَةِ كَمَا تَقَدَّمَ، أَمَّا الْفَاسِدَةُ فَيُفْسَخُ الْبَيْعُ كَمَا تَقَدَّمَ اهـ كَلَامُ الْحَطَّابِ (قَالَ مُقَيِّدُ هَذَا الشَّرْحِ سَمَحَ اللَّهُ لَهُ بِفَضْلِهِ) وَقَدْ قُلْت فِي نَظْمِنَا الْمُسَمَّى بِبُسْتَانِ فِكَرِ الْمُهَجِ فِي تَذْيِيلِ الْمَنْهَجِ فِي بَعْضِ مَا يَتَعَلَّقُ بِبَيْعِ الثُّنْيَا مَا نَصُّهُ

إنْ مَاتَ بَائِعٌ بِثُنْيَا انْتَقَلَتْ ... لِوَارِثٍ وَالْعَكْسُ قَالُوا بَطَلَتْ إذْ بَائِعٌ فِيهِ كَمَوْهُوبٍ لَهُ ... وَمُشْتَرٍ كَوَاهِبٍ عِ أَصْلَهُ وَذَاكَ فِي الطَّوْعِ بِهَا أَمَّا إذَا ... كَانَتْ بِشَرْطِ الْفَسَادِ أَنْبِذَا ثَمَّتْ هَلْ بَيْعُ فَسَادٍ أَوْ سَلَفْ ... يَجُرُّ نَفْعًا فِي الْخَرَاجِ يُخْتَلَفْ وَذَاكَ بَعْدَ الْقَبْضِ أَمَّا قَبْلَهُ ... بِالِاتِّفَاقِ رَدَّ مَا اسْتَغَلَّهُ قَالَ النَّاظِمُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَجَازَ إنْ وَقَعَ بَعْدَ الْعَقْدِ ... طَوْعًا بِحَدٍّ وَبِغَيْرِ حَدِّ وَحَيْثُمَا شَرْطٌ عَلَى الطَّوْعِ جُعِلْ ... فَالْأَحْسَنُ الْكَتْبُ بِعَقْدٍ مُسْتَقِلْ وَالْقَوْلُ قَوْلُ مُدَّعٍ لِلطَّوْعِ ... لَا مُدَّعِي الشَّرْطِ بِنَفْسِ الْبَيْعِ يَعْنِي أَنَّ الْبَيْعَ عَلَى خِيَارٍ تَارَةً يَكُونُ مَدْخُولًا عَلَيْهِ ابْتِدَاءً بِحَيْثُ يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ بَيْنَ الْمُتَبَايِعَيْنِ عَلَى خِيَارٍ لَهُمَا أَوْ لِأَحَدِهِمَا، وَتَارَةً يَنْعَقِدُ بَيْنَهُمَا عَلَى الْبَتِّ ثُمَّ يَجْعَلُ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ الْخِيَارَ، وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ الثَّانِي نَبَّهَ النَّاظِمُ هُنَا بِقَوْلِهِ وَجَازَ إنْ وَقَعَ بَعْدَ الْعَقْدِ فَفَاعِلُ جَازَ لِلْخِيَارِ الْمَذْكُورِ قَبْلُ فَالْمَسْأَلَةُ عَلَى هَذَا مِنْ بَيْعِ الْخِيَارِ مُدْخَلَةٌ بَيْنَ أَحْكَامِ بَيْعِ الثُّنْيَا فَلَوْ قَدَّمَهَا عَلَى بَيْعِ الثُّنْيَا لَكَانَ أَنْسَبَ لَا مِنْ بَيْعِ الثُّنْيَا وَتَقَدَّمَ أَنَّ بَيْعَ الْخِيَارِ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ ضَرْبِ أَجَلٍ لَأَمَدِ الْخِيَارِ فَإِنْ جَعَلَاهُ فِيهَا وَنَعِمَتْ وَإِنْ لَمْ لَا يَجْعَلَا لَهُ أَجَلًا ضُرِبَ لَهُ مِنْ الْأَجَلِ مَا يَلِيقُ بِذَلِكَ الْمَبِيعِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِقَوْلِهِ بِحَدٍّ وَبِغَيْرِ حَدٍّ هَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّارِحِ حَيْثُ نَزَلَ عَلَى الْمَسْأَلَةِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَمَنْ اشْتَرَى سِلْعَةً مِنْ رَجُلٍ ثُمَّ جَعَلَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ الْخِيَارَ بَعْد تَمَامِ الْبَيْعِ، فَذَلِكَ يَلْزَمُهُمَا إذَا كَانَ يَجُوزُ فِي مِثْلِهِ الْخِيَارُ، وَهُوَ بَيْعٌ مُؤْتَنَفٌ بِمَنْزِلَةِ بَيْعِ الْمُشْتَرِي لَهَا مِنْ غَيْرِ الْبَائِعِ فَمَا أَصَابَ السِّلْعَةَ فِي أَيَّامِ الْخِيَارِ فَهُوَ مِنْ الْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ صَارَ بَائِعًا اهـ وَإِلَى هَذَا الْفَرْعِ أَشَارَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ بِقَوْلِهِ فِي فَصْلِ الْخِيَارِ وَصَحَّ بَعْدَ بَتٍّ. وَالظَّاهِرُ أَوْ الْمُتَعَيَّنُ أَنَّ مُرَادَ النَّاظِمِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنْ يُبَيِّنَ أَنَّ الثُّنْيَا إذَا وَقَعَتْ طَوْعًا بَعْدَ انْعِقَادِ الْبَيْعِ وَانْبِرَامِهِ فَهِيَ جَائِزَةٌ، فَيَكُونُ كَلَامُهُ هُنَا تَصْرِيحًا بِمَفْهُومِ قَوْلِهِ قَبْلُ. وَالْبَيْعُ بِالثُّنْيَا لِفَسْخِ دَاعٍ فَذَكَرَ أَوَّلًا أَنَّ الْبَيْعَ الْمَصْحُوبَ بِالثُّنْيَا يُفْسَخُ، وَذَلِكَ يَتَضَمَّنُ عَدَمَ جَوَازِهِ ابْتِدَاءً ثُمَّ ذَكَرَ هُنَا أَنَّهُ يَجُوزُ التَّطَوُّعُ بِالثُّنْيَا بَعْدَ الْعَقْدِ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ سِيَاقُ الْكَلَامِ قَبْلَ الْبَيْتِ وَبَعْدَهُ، وَفَاعِلُ جَازَ عَلَى هَذَا الْبَيْعِ بِالثُّنْيَا الْمُتَقَدِّمِ الذِّكْرِ، وَيَكُونُ النَّاظِمُ أَشَارَ بِقَوْلِهِ، وَجَازَ إنْ وَقَعَ الْبَيْتَ لِقَوْلِ ابْنِ سَلْمُونٍ وَغَيْرِهِ وَاللَّفْظُ لَهُ، فَإِنْ وَقَعَ الْبَيْعُ صَحِيحًا وَطَاعَ بِالثُّنْيَا بَعْدَ ذَلِكَ جَازَ ثُمَّ قَالَ: وَيَجُوزُ هَذَا الطَّوْعُ إلَى أَجَلٍ وَإِلَى غَيْرِ أَجَلٍ انْتَهَى مَحَلُّ الْحَاجَةِ الْآنَ مِنْهُ عَلَى أَنَّ النَّاظِمَ كَثِيرًا مَا يَتْبَعُ ابْنَ سَلْمُونٍ فَهُوَ مِمَّا يُسْتَعَانُ بِهِ عَلَى فَهْمِ هَذَا النَّظْمِ (قَالَ مُقَيِّدُ هَذَا الشَّرْحِ سَمَحَ اللَّهُ لَهُ بِفَضْلِهِ) اُنْظُرْ هَلْ يُقَالُ: إنَّ قَوْلَ الْفُقَهَاءِ - يَصِحُّ الْخِيَارُ بَعْدَ الْبَتِّ - يَحْتَمِلُ بَيْعَ الْخِيَارِ، وَيَحْتَمِلُ بَيْعَ الثُّنْيَا؛ وَأَنَّهُ يَرْجِعُ فِي ذَلِكَ لِمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ قَرَائِنُ الْأَحْوَالِ، فَإِنْ دَلَّتْ عَلَى جَعْلِ الْخِيَارِ فِي الْحَالِ، وَمَا يَقْرُبُ مِنْهُ فَهُوَ مِنْ بَيْعِ الْخِيَارِ، لِأَنَّ الْمُشْتَرِي جَعَلَ الْخِيَارَ لِلْبَائِعِ فَهُوَ مُنْعَقِدٌ مِنْ جِهَةِ الْمُشْتَرِي مُنْحَلٌّ مِنْ جِهَةِ الْبَائِعِ كَذَا صَرَّحَ بِهِ الرَّصَّاعُ فِي شَرْحِ حَدِّ بَيْعِ الْخِيَارِ وَعَلَيْهِ فَلَا بُدَّ مِنْ ضَرْبِ أَجَلٍ يَلِيقُ بِالْمَبِيعِ كَمَا تَقَدَّمَ يَجْرِي عَلَى أَحْكَامِ بَيْعِ الْخِيَارِ وَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُ الْمُدَوَّنَةِ الْمُتَقَدِّمِ، وَهُوَ بَيْعٌ مُؤْتَنَفٌ بِمَنْزِلَةِ بَيْعِ الْمُشْتَرِي لَهَا مِنْ غَيْرِ الْبَائِعِ، لِأَنَّ الْبَائِعَ إذَا قَبِلَ مَا جَعَلَ لَهُ الْمُشْتَرِي مِنْ الْخِيَارِ، فَقَدْ صَارَ مُشْتَرِيًا عَلَى خِيَارٍ لَهُ، وَإِنْ دَلَّتْ قَرَائِنُ الْحَالِ عَلَى أَنَّ هَذَا الْخِيَارَ لَا يَخْتَصُّ بِزَمَنِ التَّبَايُعِ، وَلَا يَقْرُبُ مِنْهُ بَلْ هُوَ مُطْلَقٌ، أَوْ لِأَجَلٍ بَعِيدٍ لَا يُضْرَبُ مِثْلُهُ فِي بَيْعِ الْخِيَارِ، فَهُوَ بَيْعُ ثُنْيَا طَوْعًا بَعْدَ الْعَقْدِ فَتَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُ بَيْعِ الثُّنْيَا أَمَّا إنْ وَقَعَ تَصْرِيحٌ بِإِحْدَى الْوِجْهَتَيْنِ فَلَا إشْكَالَ وَعَلَى هَذَا فَبَيْعُ الْخِيَارِ أَعَمُّ مِنْ بَيْعِ الثُّنْيَا فَكُلُّ ثُنْيَا خِيَارٌ وَلَيْسَ كُلُّ خِيَارٍ ثُنْيَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَوْلُهُ وَحَيْثُمَا شَرْطٌ عَلَى الطَّوْعِ جُعِلْ الْبَيْتَ أَشَارَ بِهِ لِقَوْلِ الْمُتَيْطِيِّ وَذَكَرَ هَذَا الطَّوْعَ فِي آخِرِ

عَقْدِ الِابْتِيَاعِ قَبْلَ تَقْيِيدِ الْإِشْهَادِ، وَبَعْدَ وَصْفِ الْبَيْعِ أَنَّهُ انْعَقَدَ دُونَ شَرْطٍ وَلَا ثُنْيَا وَلَا خِيَارٍ لَمْ يُخِلَّ بِالْعَقْدِ وَكَانَ جَائِزًا كَالتَّبَرِّي مِنْ الْوَصْفِ سَوَاءٌ. وَعَقْدُهُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي غَيْرِ وَثِيقَةِ الِابْتِيَاعِ أَحْسَنُ وَأَبْعَدُ مِنْ التُّهْمَةِ، وَكَثِيرًا مَا يَفْعَلُهُ النَّاسُ لِيُبْعِدُوا الظِّنَّةَ عَنْهُمْ فِي ذَلِكَ، وَفِي ظَاهِرِ قَوْلِ النَّاظِمِ شَرْطٌ عَلَى الطَّوْعِ شِبْهُ تَنَافٍ لِأَنَّ مَا هُوَ شَرْطٌ لَيْسَ بِطَوْعٍ، وَلَكِنَّ الْمُرَادَ ظَاهِرٌ وَهُوَ أَنَّ تَعْلِيقَ الْإِقَالَةِ عَلَى الْإِتْيَانِ بِالثَّمَنِ إنْ كَانَ طَوْعًا مِنْ الْمُشْتَرِي، وَلَمْ يَشْتَرِطْ عَلَيْهِ حَالَ الْعَقْدِ فَيَجُوزُ كَتْبُهُ فِي رَسْمِ التَّبَايُعِ وَالْأَحْسَنُ كَتْبُهُ فِي عَقْدٍ وَحَدَهُ مُسْتَقِلٍّ. وَلَوْ قَالَ (وَحَيْثُمَا الثُّنْيَا عَلَى الطَّوْعِ جُعِلْ لَكَانَ أَوْلَى) . قَوْلُهُ: وَالْقَوْلُ قَوْلُ مُدَّعٍ لِلطَّوْعِ الْبَيْتَ يَعْنِي أَنَّهُ إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَعَاقِدَانِ فِي بَيْعِ الثُّنْيَا، فَقَالَ أَحَدُهُمَا، وَذَلِكَ كَانَ طَوْعًا بَعْدَ الْعَقْدِ، وَقَالَ الْآخَرُ بَلْ كَانَ شَرْطًا فِي أَصْلِ الْعَقْدِ فَالْقَوْلُ لِمُدَّعِي الطَّوْعِ، لِأَنَّهُ ادَّعَى الصِّحَّةَ وَهِيَ الْأَصْلُ لَا لِمُدَّعِي الشَّرْطِ لِأَنَّهُ ادَّعَى الْفَسَادَ، وَهُوَ خِلَافُ الْأَصْلِ وَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ النَّاظِمُ مِنْ كَوْنِ الْقَوْلِ لِمُدَّعِي الصِّحَّةِ هُوَ الَّذِي فِي وَثَائِق ابْنِ الْعَطَّارِ وَهَلْ بِيَمِينٍ أَوْ لَا يَمِينَ عَلَيْهِ لِقِيَامِ الْبَيِّنَةِ لَهُ بِالطَّوْعِ قَوْلَانِ وَفِي طُرَرِ ابْنِ عَاتٍ عَنْ الْمُشَاوِرِ مَنْ ادَّعَى مِنْهُمَا، أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي أَصْلِ الصَّفْقَةِ حَلَفَ وَفُسِخَ الْبَيْعُ لِمَا قَدْ جَرَى مِنْ عُرْفِ النَّاسِ قَالَ وَبِذَلِكَ كَانَتْ الْفُتْيَا عِنْدَنَا وَقَالَ سَحْنُونٌ إنْ كَانَ مُتَّهَمًا بِمِثْلِ هَذَا فَعَلَيْهِ الْيَمِينُ، وَإِلَّا فَلَا. نَقَلَ ذَلِكَ ابْنُ سَلْمُونٍ وَالْمُتَيْطِيُّ. وَقَدْ بَحَثَ الشَّارِحُ فِي كَوْنِ الْقَوْلِ لِمُدَّعِي الصِّحَّةِ بِأَنَّ ذَلِكَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَغْلِبْ الْفَسَادُ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِمَّا يَغْلِبُ فِيهَا الْفَسَادُ، وَكَادَتْ أَنْ لَا تَقَعَ إلَّا عَلَى الْوَجْهِ الْفَاسِدِ، فَلَا يَنْبَغِي الْعُدُولُ فِيهَا عَنْ كَوْنِ الْقَوْلِ لِمُدَّعِي الْفَسَادِ مَعَ يَمِينِهِ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْمُشَاوِرِ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى الدُّخُولِ عَلَى الْفَسَادِ: كَوْنُ الْبَيْعِ يَقَعُ بِأَقَلَّ مِنْ الْقِيمَةِ بِكَثِيرٍ مِمَّا يَتَحَقَّقُهُ الْمُتَبَايِعَانِ، وَلَوْلَا الدُّخُولُ عَلَى ذَلِكَ، وَاعْتِقَادُ الْبَائِعِ أَنَّ ذَلِكَ بِيَدِ الْمُشْتَرِي كَالرَّهْنِ، مَا رَضِيَ الْبَائِعُ بِذَلِكَ الثَّمَنِ، وَلَا بِمَا يَقْرُبُ مِنْهُ (تَنْبِيهٌ) مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي كَوْنِ الثُّنْيَا طَوْعًا أَوْ شَرْطًا إنَّمَا هُوَ إذَا سَقَطَ مِنْ الْوَثِيقَةِ كَوْنُ الْبَيْعِ لَا شَرْطَ فِيهِ وَلَا ثُنْيَا، وَلَا خِيَارَ أَمَّا إنْ كَانَ فِيهَا ذَلِكَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ مُدَّعِي الصِّحَّةِ، وَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ اُنْظُرْ الْمُتَيْطِيَّ (قُلْت) يَنْبَغِي أَنْ يُفْصَلَ فِي ذَلِكَ. فَإِنْ قُرِئَ الْعَقْدُ عَلَى مَنْ ادَّعَى الْفَسَادَ فُهِمَ مَعْنَى قَوْلِ الْمُوَثِّقِ، لَا شَرْطَ فِيهِ وَلَا ثُنْيَا. وَعُرِفَ مَعْنَاهُ، فَلَا إشْكَالَ فِي كَوْنِ الْقَوْلِ قَوْلَ مُدَّعِي الصِّحَّةِ وَإِنْ لَمْ يُقْرَأْ عَلَيْهِ أَوْ قُرِئَ وَلَمْ يَتَنَازَلْ مَعَهُ لِفَهْمِ مَا ذُكِرَ وَلَا لِعَدَمِ فَهْمِهِ، فَلَا يَكُونُ الْقَوْلُ لِمُدَّعِي الصِّحَّةِ، لِأَنَّ جُلَّ الْمُوَثِّقِينَ يَكْتُبُونَ الْوَثِيقَةَ عَلَى الْمِسْطَرَةِ الْجَارِيَةِ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِفَهْمِ بَعْضِ فُصُولِهَا، هَذَا فِي الْكَاتِبِ. فَمَا بَالُك بِالْعَامِّيِّ الَّذِي يَشْهَدُ عَلَيْهِ عَلَى أَنَّ الْعَامَّةَ عِنْدَنَا الْيَوْمَ لَا يَعْرِفُونَ مَعْنَى الثُّنْيَا الَّتِي تَفِي الْمُوَثِّقَ، وَإِنَّمَا يُسَمُّونَ ذَلِكَ: الْبَيْعَ وَالْإِقَالَةَ. فَكَيْفَ يُؤَاخَذُ بِمَا لَمْ يَفْهَمْ مَعْنَاهُ. وَهَذَا أَيْضًا مَا لَمْ يَكُنْ الْمُدَّعِي قَدْ أَشْهَدَ بِإِسْقَاطِ دَعْوَاهُ وَاسْتِرْعَاءَاتِهِ. فَلَا يُلْتَفَتُ حِينَئِذٍ إلَى دَعْوَاهُ. وَلَوْ أَثْبَتَهَا بِبَيِّنَةٍ بِمِثْلِ ذَلِكَ أَجَابَ الْإِمَامُ السَّنُوسِيُّ نَقَلَهُ صَاحِبُ الْمِعْيَارِ آخِرَ السِّفْرِ الثَّالِثِ فِي صُلْحٍ اُدُّعِيَ فَسَادُهُ وَقَدْ كَانَ أَشْهَدَ بَعْضَ الْمُصَالِحِينَ بِإِسْقَاطِ دَعْوَى الْفَسَادِ. (تَفْرِيعٌ) تَقَدَّمَ أَنَّ الثُّنْيَا عَلَى وَجْهَيْنِ: مُطْلَقَةٌ وَمُقَيَّدَةٌ فَإِنْ كَانَ الطَّوْعُ إلَى أَجَلٍ لَزِمَ الْمُبْتَاعَ مَتَى جَاءَهُ الثَّمَنُ فِي خِلَالِ الْأَجَلِ، أَوْ عِنْدَ انْقِضَائِهِ، أَوْ بَعْدَهُ، عَلَى الْقُرْبِ مِنْهُ أَنْ يَقْبَلَهُ مِنْ الْمَبِيعِ وَيُعِيدَهُ إلَيْهِ، وَلَا يَكُونُ لَهُ تَفْوِيتُهُ فِي خِلَالِ الْأَجَلِ، فَإِنْ فَعَلَ بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ شِبْهِ ذَلِكَ نُقِضَ إنْ أَرَادَهُ الْبَائِعُ، وَرُدَّ إلَيْهِ. وَإِنْ أَفَاتَهُ عِنْدَ انْقِضَاءِ الْأَجَلِ وَلَمْ يَأْتِ الْبَائِعُ بِالثَّمَنِ إلَّا عَلَى بُعْدٍ مِنْ انْقِضَائِهِ، فَلَا سَبِيلَ لَهُ إلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَضْرِبَا فِي ذَلِكَ أَجَلًا فَلِلْبَائِعِ أَخْذُهُ مَتَى جَاءَهُ بِالثَّمَنِ فِي قُرْبِ الزَّمَنِ أَوْ بَعْدَهُ مَا لَمْ يَفُتْهُ الْمُبْتَاعُ، فَإِنْ أَفَاتَهُ الْمُبْتَاعُ فَلَا سَبِيلَ لِلْبَائِعِ إلَيْهِ. فَإِنْ قَامَ عَلَيْهِ حِينَ إرَادَةِ التَّفْوِيتِ، فَلَهُ مَنْعُهُ بِالسُّلْطَانِ إذَا كَانَ مَالُهُ حَاضِرًا. فَإِنْ بَاعَهُ بَعْدَ مَنْعِ السُّلْطَانِ رُدَّ الْبَيْعُ، وَإِنْ فَوَّتَهُ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ السُّلْطَانُ عَلَيْهِ بِتَوْقِيفِهِ نُقِدَ تَفْوِيتُهُ. نَقَلَهُ الشَّارِحُ عَنْ الْمُتَيْطِيِّ وَنَحْوَهُ فِي ابْنِ سَلْمُونٍ

فصل في بيع الفضولي وما يمثله

[فَصْلٌ فِي بَيْعِ الْفُضُولِيِّ وَمَا يُمَثِّلُهُ] ُ تُكُلِّمَ فِي هَذِهِ التَّرْجَمَةِ عَلَى بَيْعِ الْفُضُولِيِّ وَهُوَ الَّذِي يَبِيعُ مَالَ غَيْرِهِ مِمَّنْ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ وَكِيلًا لَهُ، وَعَلَى مَا يُشْبِهُ ذَلِكَ مِنْ التَّبَرُّعِ بِمَالِ الْغَيْرِ بِهِبَةٍ أَوْ عِتْقٍ أَوْ نَحْوِهِمَا وَمِنْ اسْتِفَادَةِ الزَّوْجِ مَالَ زَوْجَتِهِ وَهِيَ سَاكِنَةٌ، وَمِنْ حُضُورِ رَبِّ الدَّيْنِ لِقَسْمِ تَرِكَةِ مَدِينِهِ، وَلَمْ يَتَكَلَّمْ وَهِيَ مِنْ التَّرَاجِمِ الَّتِي لَمْ يَذْكُرْهَا الشَّيْخُ خَلِيلٍ وَإِنْ قَالَ فِي الْبُيُوعِ: وَمَلَكَ غَيْرُهُ عَلَى رِضَاهُ، فَفِيهِ مِنْ الْإِجْمَالِ بِالنِّسْبَةِ لِمَا ذَكَرَ النَّاظِمُ مَا لَا يَخْفَى. وَحَاضِرٌ بِيعَ عَلَيْهِ مَالُهْ ... بِمَجْلِسٍ فِيهِ السُّكُوتُ حَالُهْ يَلْزَمُ ذَا الْبَيْعُ وَإِنْ أَقَرَّ مَنْ ... بَاعَ لَهُ بِالْمِلْكِ أُعْطِيَ الثَّمَنْ وَإِنْ يَكُنْ وَقْتُ الْمَبِيعِ بَائِعُهْ ... لِنَفْسِهِ ادَّعَاهُ وَهُوَ سَامِعُهْ فَمَا لَهُ إنْ قَامَ أَيَّ حِينِ ... فِي ثَمَنٍ حَقٌّ وَلَا مَثْمُونِ مَنْ بِيعَ عَلَيْهِ مَالُهُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ حَاضِرَ الْمَجْلِسِ عَقْدَ الْبَيْعِ. وَعَلَيْهِ تُكُلِّمَ فِي هَذِهِ الْأَبْيَاتِ، أَوْ غَائِبًا عَنْهُ ثُمَّ بَلَغَهُ، وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْأَبْيَاتِ بَعْدَ هَذِهِ. وَفِي كُلٍّ مِنْ الْوَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ يُقِرَّ الْبَائِعُ بِالْمِلْكِيَّةِ لِرَبِّ ذَلِكَ الشَّيْءِ، أَوْ يَدَّعِيَهُ لِنَفْسِهِ. فَإِنْ كَانَ حَاضِرًا، فَلَا قِيَامَ لَهُ قَامَ بِقُرْبٍ أَوْ بُعْدٍ مُدَّةً. وَإِنْ كَانَ غَائِبًا فَفِيهِ تَفْصِيلٌ كَمَا يَأْتِي لِلْمُؤَلِّفِ وَأَشَارَ بِالْأَبْيَاتِ لِقَوْلِ ابْنِ هِشَامٍ فِي الْمُفِيدِ عَنْ الْمُسْتَخْرَجَةِ فِي الرَّجُلِ يُبَاعُ عَلَيْهِ مَالُهُ وَهُوَ حَاضِرٌ فَلَا يُغَيِّرُ، وَلَا يُنْكِرُ، ثُمَّ أَرَادَ بَعْدَ ذَلِكَ الرُّجُوعَ فِيهِ، فَلَا سَبِيلَ لَهُ إلَيْهِ وَلَهُ أَخْذ الثَّمَنِ. قَالَ: وَالْمَعْنَى فِي ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: إذَا بَاعَهُ وَهُوَ يَنْسِبهُ إلَيْهِ، وَأَمَّا إذَا بَاعَهُ وَهُوَ يَنْسِبُهُ إلَى نَفْسِهِ وَهُوَ يَقُولُ: إنَّمَا أَبِيعُ مَالِي، وَشَرِيكُهُ فِي ذَلِكَ الْمَالِ سَاكِتٌ لَا يُغَيِّرُ وَلَا يُنْكِرُ، ثُمَّ قَالَ يَطْلُبُهُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَلَا سَبِيلَ لَهُ إلَيْهِ وَسُكُوتُهُ رِضًا مِنْهُ بِدَعْوَى الْبَائِعِ فِيهِ، وَإِقْرَارٌ مِنْهُ لَهُ بِالْمِلْكِ، أَوْ يَكُونُ أَرَادَ بِهِ الْمَكْرَ، وَالْخَدِيعَةَ كَمَا قَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. فَيَلْزَمُهُ ذَلِكَ إذَا كَانَ الْبَائِعُ مَعَ الرَّعِيَّةِ لَا سُلْطَانَ لَهُ وَلَا مَقْدِرَةَ لَهُ عَلَى الْغَصْبِ اهـ وَهُوَ عَيْنُ مَا نَظَمَهُ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، مَعَ زِيَادَةِ تَقْيِيدِ سُكُوتِ هَذَا الَّذِي بِيعَ عَلَيْهِ مَالُهُ بِعَدَمِ الْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ وَإِلَّا فَلَا حُكْمَ لِسُكُوتِهِ وَلَهُ الْقِيَامُ فِي مَالِهِ. وَلَمَّا رَآهُ النَّاظِمُ ظَاهِرًا لَمْ يَحْتَجَّ لَهُ لِلتَّنْصِيصِ عَلَيْهِ هُنَا وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ بَعْدُ فِي الْبَيْعِ عَلَى مَنْ لَمْ يَحْضُرْ حَيْثُ قَالَ: وَسَاكِنًا لِغَيْرِ عُذْرٍ مَانِعٍ وَالْمَسْأَلَتَانِ مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ. وَانْظُرْ قَوْلَهُ: وَشَرِيكُهُ، الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ: وَصَاحِبُ الْمَالِ سَاكِتٌ إلَخْ وَكَانَ فَرْضُ الْمَسْأَلَةِ عِنْدَهُ أَعَمُّ مِنْ كَوْنِ الْبَائِعِ لَا حَقَّ لَهُ فِي الْمَبِيعِ وَهَذَا هُوَ بَيْعُ الْفُضُولِيِّ

الْمَعْرُوفُ أَوْ لَهُ فِيهِ حَظٌّ. ثُمَّ بَاعَ نَصِيبَهُ وَنَصِيبَ شَرِيكِهِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ هَذَا الْوَجْهُ الثَّانِي مِنْ بَيْعِ الْفُضُولِيِّ إذَا هَجَمَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ أَوْ الشُّرَكَاءِ وَبَاعَ نَصِيبَهُ، وَنَصِيبَ غَيْرِهِ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقَعَ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ تَشَاحٌّ وَلَا مُخَاصَمَةٌ وَلَا اجْتَمَعَتْ شُرُوطُ جَبْرِ الشَّرِيكِ عَلَى الْبَيْعِ. وَأَمَّا بَعْدَ التَّشَاحِّ فِي الِانْتِقَالِ بِالْمُشْتَرَكِ عَلَى الْإِشَاعَةِ، وَوُجُودِ أَسْبَابِ الْبَيْعِ عَلَى الشَّرِيكِ، فَإِنَّ لِأَحَدِ الشُّرَكَاءِ عَلَى مَا جَرَى عَلَيْهِ عَمَلُ الْمُتَأَخِّرِينَ، بَيْعَ الْجَمِيعِ ثُمَّ يُخَيَّرُ بَقِيَّةُ الشُّرَكَاءِ فِي ضَمِّ صَفْقَةِ الْبَيْعِ فَيُعْطُونَ لِلْبَائِعِ قِيمَةَ نَصِيبِهِ، وَبَيْنَ أَنْ يَبِيعُوا وَيَقْبِضُوا الثَّمَنَ مِنْ الْمُشْتَرِي، وَلَيْسَ هُوَ مِنْ بَيْعِ الْفُضُولِيِّ. وَهَذَا هُوَ الْمُسَمَّى فِي عُرْفِنَا بِبَيْعِ الصَّفْقَةِ، الْمَنْصُوصُ لِلْقُدَمَاءِ أَنَّهُمَا إذَا تَشَاحَّا وَدَعَا أَحَدَهُمَا لِلْبَيْعِ فَيُجْبَرُ عَلَى الْبَيْعِ مَنْ أَبَاهُ فَيَبِيعَانِ مَعًا، لَا أَنَّ لِأَحَدِهِمَا الْإِقْدَامَ عَلَى بَيْعِ الْجَمِيعِ. وَلِبَيْعِ الصَّفْقَةِ شُرُوطٌ، وَتُعْرَضُ فِيهِ فُرُوعٌ وَقَدْ ذَكَرْنَا مَا وَقَفْنَا عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ آخِرَ شَرْحِ لَامِيَةِ الْفَقِيهِ سَيِّدِي عَلِيٍّ الزَّقَّاقِ الْمُسَمَّى " بِفَتْحِ الْعَلِيمِ الْخَلَّاقِ فِي شَرْحِ لَامِيَةِ الْفَقِيهِ الزَّقَّاقِ " وَآخِرَ تَرْجَمَةِ الْبُيُوعِ مِنْ تَذْيِيلِ الْمَنْهَجِ الْمُنْتَخَبِ فِي قَوَاعِدِ الْمَذْهَبِ لِلْفَقِيهِ الْمَذْكُورِ وَغَائِبٍ يَبْلُغُهُ مَا عَمِلَهْ ... وَقَامَ بَعْدَ مُدَّةٍ لَا شَيْءَ لَهْ وَغَيْرُ مَنْ فِي عُقْدَةِ الْبَيْعِ حَضَرْ ... وَبِالْمَبِيعِ بَائِعٌ لَهُ أَقَرْ وَقَامَ بِالْفَوْرِ فَذَا التَّخْيِيرُ فِي ... إمْضَائِهِ الْبَيْعَ أَوْ الْفَسْخَ اُقْتُفِيَ وَإِنْ يَقُمْ مِنْ بَعْدِ أَنْ مَضَى زَمَنْ ... فَالْبَيْعُ مَاضٍ وَلَهُ أَخْذُ الثَّمَنْ إنْ كَانَ عَالِمًا بِفِعْلِ الْبَائِعِ ... وَسَاكِتًا لِغَيْرِ عُذْرٍ مَانِعِ لَمَّا ذَكَرَ حُكْمَ مَنْ بِيعَ عَلَيْهِ مَالُهُ وَهُوَ حَاضِر، ذَكَرَ هُنَا حُكْمَ مَنْ بِيعَ عَلَيْهِ مَالُهُ وَهُوَ لَمْ يَحْضُرْ مَجْلِسَ الْبَيْعِ، ثُمَّ بَلَغَهُ ذَلِكَ، فَذَكَرَ أَنَّهُ إنْ ادَّعَى الْبَائِعُ ذَلِكَ لِنَفْسِهِ، وَبَلَغَ ذَلِكَ رَبَّ الْمَالِ، وَلَمْ يَقُمْ إلَّا بَعْدَ مُدَّةٍ فَلَا شَيْءَ لَهُ فِي ثَمَنٍ، وَلَا مَثْمُونٍ فَضْلًا عَنْ رَدِّ الْبَيْعِ وَفَسْخِهِ، وَإِنْ أَقَرَّ الْبَائِعُ بِأَنَّهُ إنَّمَا يَبِيعُ مَالَ غَيْرِهِ فَإِنْ قَامَ رَبُّهُ بِالْفَوْرِ فَهُوَ مُخَيَّرٌ فِي إمْضَاءِ الْبَيْعِ وَفَسْخِهِ، وَإِنْ لَمْ يَقُمْ إلَّا بَعْدَ أَنْ مَضَى زَمَانٌ فَلَهُ أَخْذُ ثَمَنِ شَيْئِهِ، وَالْبَيْعُ مَاضٍ لَا سَبِيلَ لَهُ إلَى فَسْخِهِ. فَقَوْلُهُ: مَا عَمِلَهُ أَيْ الْبَائِعُ مِنْ الْبَيْع يَعْنِي وَادَّعَى ذَلِكَ لِنَفْسِهِ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ فِي الْبَيْتِ الثَّانِي: وَبِالْمَبِيعِ بَائِعٌ لَهُ أَقَرَّ وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ: وَقَامَ بَعْدَ مُدَّةٍ لَا شَيْءَ لَهْ أَنَّهُ إنْ قَامَ بِالْفَوْرِ فَلَا يَكُونُ لَا شَيْءَ لَهُ بَلْ لَهُ فِي النَّظَرِ فِي إمْضَاءِ الْبَيْعِ، وَأَخْذِ الثَّمَنِ، وَفِي رَدِّهِ وَفَسْخِهِ. وَقَوْلُهُ: وَغَيْرُ مَنْ فِي عَقْدِهِ الْبَيْعِ حَضَرْ مُسْتَغْنَى عَنْهُ بِقَوْلِهِ: وَغَائِبٌ يَبْلُغهُ مَا عَمَلَهْ إذْ فَرْضُ الْمَسْأَلَةِ كُلِّهَا فِيمَنْ لَمْ يَحْضُرْ. وَقَوْلُهُ: وَإِنْ يَقُمْ مِنْ بَعْدِ أَنْ مَضَى زَمَنْ هُوَ مُقَابِلُ قَوْلِهِ: وَقَامَ بِالْفَوْرِ. وَقَوْلُهُ: إنْ كَانَ عَالِمًا بِفِعْلِ الْبَائِعِ هُوَ شَرْطٌ فِي إمْضَاءِ الْبَيْعِ بَعْدَ مُضِيِّ زَمَانٍ، فَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَعْلَمْ فَلَهُ الْقِيَامُ، وَإِنْ مَضَى زَمَانٌ. وَقَوْلُهُ: وَسَاكِتًا لِغَيْرِ عُذْرٍ مَانِعٍ لَا بُدَّ مِنْ هَذَا الْقَيْدِ، وَهُوَ كَوْنُ سُكُوتِهِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ مِنْ خَوْفٍ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ. فَإِنْ كَانَ لِخَوْفٍ فَلَا حُكْمَ لِسُكُوتِهِ، وَلَهُ الْقِيَامُ طَالَ الزَّمَانُ أَوْ قَرُبَ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْبَيْعِ عَلَى الْحَاضِرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَشَارَ بِالْأَبْيَاتِ إلَى قَوْلِهِ فِي الْمُفِيدِ وَكَذَلِكَ إنْ بَاعَهُ وَهُوَ غَائِبٌ وَهُوَ يَدَّعِيهِ أَيْضًا لِنَفْسِهِ، فَبَلَغَ صَاحِبَ الْمَالِ ذَلِكَ، فَلَا يُغَيِّرُ وَلَا يُنْكِرُ وَلَا يُشْهِدُ عَلَى ذَلِكَ عُدُولًا ثُمَّ قَامَ يَطْلُبهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَا سَبِيلَ لَهُ إلَى ذَلِكَ، وَلَا إلَى ثَمَنِهِ اهـ. وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِالْبَيْتِ الْأَوَّلِ. وَأَشَارَ بِالْبَيْتِ الثَّانِي وَمَا بَعْدَهُ إلَى قَوْلِهِ فِي الْمُفِيدِ أَيْضًا: وَإِنْ قَالَ: أَبِيعُكَ دَارَ فُلَانٍ وَفُلَانٌ غَائِبٌ فَتَمَّ الْبَيْعُ فِيهَا. ثُمَّ عَلِمَ الْغَائِبُ بِذَلِكَ فِي غَيْبَتِهِ، أَوْ قَدِمَ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَجَازَ الْبَيْعَ وَأَخَذَ الثَّمَنَ، وَإِنْ شَاءَ فَسَخَ الْبَيْعَ وَأَخَذَ مَالَهُ. ثُمَّ قَالَ: قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ وَقَالَ أَبُو عُمَرَ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ فِي الرَّجُلِ الَّذِي لَمْ يَحْضُرْ الْبَيْعَ: إذَا عَلِمَ وَسَكَتَ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ أَوْ مَا قَارَبَ فَإِنَّ لَهُ الْقِيَامَ، وَيُفْسَخُ الْبَيْعُ مَا لَمْ تَكْثُرْ الْأَيَّامُ فَيَلْزَمُهُ، اهـ وَعَلَى مَا نُقِلَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ اعْتَمَدَ النَّاظِمُ وَلَمْ يَعْتَمِدْ عَلَى مَا نُقِلَ فِي الْمُفِيدِ أَيْضًا عَنْ ابْنِ زَرْبٍ: أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ بَيْعِ عَلَيْهِ مَالُهُ، وَهُوَ غَائِبٌ ثُمَّ عَلِمَ بِالْبَيْعِ وَسَكَتَ سَنَةً أَوْ سَنَتَيْنِ ثُمَّ قَامَ فِيهِ، فَقَالَ: الْقِيَامُ لَهُ وَاجِبٌ، وَلَيْسَ هُوَ كَمَنْ بِيعَ عَلَيْهِ مَالُهُ وَهُوَ حَاضِرٌ لِلْبَيْعِ فَسَكَتَ وَلَمْ يُغَيِّرْ فَهَذَا لَيْسَ لَهُ غَيْرُ الثَّمَنِ

وَالْبَيْعُ لَازِمٌ انْتَهَى. وَنَقَلَ أَيْضًا قَالَ: قَالَ ابْنُ زَرْبٍ: إذَا بِيعَ عَلَيْهِ مَالُهُ وَلَمْ يَحْضُرْ الْبَيْعَ فَهُوَ مُخَيَّرٌ فِي فَسْخِ الْبَيْعِ أَوْ أَخْذِ الثَّمَنِ، وَلَا يَضُرُّهُ سُكُوتُهُ، لِأَنَّهُ يَقُولُ أَرَدْتُ أَنْ أَسْتَخِيرَ اللَّهَ فِيهِ، وَأُشَاوِرَ نَفْسِي وَغَيْرِي. وَإِذَا بِيعَ عَلَيْهِ بِحَضْرَتِهِ، وَسَكَتَ فَلَا خِيَارَ لَهُ كَمَا لِلَّذِي لَمْ يَحْضُرْ الْبَيْعَ وَلَيْسَ لَهُ غَيْرُ الثَّمَنِ، لِأَنَّ سُكُوتَهُ رِضًا مِنْهُ بِالثَّمَنِ اهـ (قَالَ الشَّارِحُ) : وَفِي جَعْلِ ابْنِ زَرْبٍ الْخِيَارَ لِلْغَائِبِ بَعْدَ عِلْمِهِ إلَى السَّنَةِ وَالسَّنَتَيْنِ إشْكَالٌ، فَتَأَمَّلْهُ انْتَهَى وَإِشْكَالُهُ ظَاهِرٌ وَالظَّاهِرُ اللُّزُومُ إلَّا إنْ سَكَتَ لِعُذْرٍ وَحَاضِرٌ لِوَاهِبٍ مِنْ مَالِهِ ... وَلَمْ يُغَيِّرْ مَا رَأَى مِنْ حَالِهِ الْحُكْمُ مَنْعُهُ الْقِيَامَ بِانْقِضَاءِ ... مَجْلِسِهِ إذْ صَمْتُهُ عَيْنُ الرِّضَا وَالْعِتْقُ مُطْلَقًا عَلَى السَّوَاءِ ... مَعَ هِبَةٍ وَالْوَطْءُ لِلْإِمَاءِ يَعْنِي أَنَّ مَنْ وُهِبَ مَالُهُ أَوْ تُصَدِّقَ بِهِ وَسَكَتَ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَلَمْ يُغَيِّرْ عَلَى فَاعِلِ ذَلِكَ حَتَّى انْقَضَى الْمَجْلِسُ فَلَا قِيَامَ لَهُ وَلَزِمَهُ ذَلِكَ. وَيُعَدُّ سُكُوتُهُ رِضًا مِنْهُ بِذَلِكَ، وَقِيَامُهُ بَعْدَ ذَلِكَ نَدَامَةٌ، فَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ، وَكَذَلِكَ مَنْ أُعْتِقَ رَقِيقُهُ وَهُوَ حَاضِرٌ. كَيْفَ كَانَ الْعِتْقُ نَاجِزًا أَوْ لِأَجَلٍ وَهُوَ مُرَادُهُ بِالْإِطْلَاقِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَسَكَتَ فَذَلِكَ وَالْهِبَةُ سَوَاءٌ أَيْ فِي اللُّزُومِ وَعَدَمِ سَمَاعِ قِيَامِهِ وَكَذَلِكَ وَطْءُ إمَائِهِ وَهُوَ سَاكِتٌ (قَالَ فِي الْمُفِيدِ) قَالَ مُطَرِّفٌ مِنْ أُحْدِثَ فِي مَالِهِ بَيْعٌ أَوْ هِبَةٌ أَوْ صَدَقَةٌ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ جَمِيعِ الْأَحْدَاثِ، فَإِنْ تَرَكَ حَتَّى طَالَ ذَلِكَ فَلَا حَقَّ لَهُ وَلَا حُجَّةَ لَا فِيمَا بِيعَ مِنْ ذَلِكَ، وَلَا فِي ثَمَنِهِ وَلَا فِيمَا وُهِبَ، وَلَا فِيمَا أَصْدَقَهُ النِّسَاءَ. انْتَهَى (قَالَ الشَّارِحُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) : مَا اسْتَظْهَرْتُ بِهِ مِنْ قَوْلِ مُطَرِّفٍ أَعَمُّ مِنْ كَلَامِ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِالْعِتْقِ وَمَا بَعْدَهُ، وَهُوَ فِي مَعْنَى مَا نَصَّ عَلَيْهِ مِنْ بَابِ الْإِرْفَاقِ إلَّا أَنَّ فِي وَطْءِ الْإِمَاءِ إشْكَالًا فَلْيُتَأَمَّلْ، وَإِشْكَالُهُ ظَاهِرٌ، فَإِنَّ الْإِقْدَامَ عَلَى بَيْعِ مَالِ الْغَيْرِ وَهِبَتِهِ، لَيْسَ كَالْإِقْدَامِ عَلَى وَطْءِ مِلْكِ الْغَيْرِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَلَعَلَّ ذَلِكَ مَعَ ادِّعَاءِ الْوَاطِئِ أَنَّ سَيِّدَهَا وَهَبَهَا لَهُ، أَوْ بَاعَهَا مِنْهُ فَإِذَا وَطِئَهَا وَسَيِّدُهَا حَاضِرٌ لَا مَانِعَ لَهُ مِنْ الْكَلَامِ، فَذَلِكَ حَوْزٌ يَمْنَعُ قِيَامَ سَيِّدِهَا كَمَنْ حَازَ دَارًا عَلَى حَاضِرٍ عَشْرَ سِنِينَ إلَخْ فَإِنَّ الْحَوْزَ لَا يَنْفَعُ إلَّا مَعَ ادِّعَاءِ الْمِلْكِيَّةِ، وَفِي تَقْسِيمِ الْحَوْزِ ذَكَرُوا وَطْءَ الْإِمَاءِ، وَأَنَّهُ مِنْ أَقْوَى أَوْجُهِ الْحَوْزِ كَمَا يَأْتِي لِلنَّاظِمِ فِي تَرْجَمَةِ الْحَوْزِ، وَلَعَلَّ النَّاظِمَ سَرَقَهُ ذَلِكَ فَذَكَرَهُ هُنَا. وَالزَّوْجَةُ اسْتَفَادَ زَوْجٌ مَالَهَا ... وَسَكَتَتْ عَنْ طَلَبٍ لِمَالِهَا لَهَا الْقِيَامُ بَعْدُ فِي الْمَنْصُوصِ ... وَالْخُلْفُ فِي السُّكْنَى عَلَى الْخُصُوصِ كَذَاكَ مَا اسْتَغَلَّهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ ... مُتِّعَ إنْ مَاتَ كَمِثْلِ مَا سَكَنْ فِيهِ خِلَافٌ وَاَلَّذِي بِهِ الْعَمَلْ ... فِي الْمَوْتِ أَخْذُهَا كِرَاءَ مَا اسْتَغَلَّ يَعْنِي أَنَّ الزَّوْجَ إذَا اسْتَفَادَ مَالَ زَوْجَتِهِ فَاسْتَغَلَّ حَائِطَهَا، أَوْ حَرَثَ أَرْضَهَا، أَوْ سَكَنَ دَارَهَا، أَوْ أَكْرَاهَا لِغَيْرِهِ وَقَبَضَ الْكِرَاءَ وَلَمْ يَكُنْ مُمَتَّعًا مِنْ ذَلِكَ أَوْ قَبَضَ لَهَا دَيْنًا أَوْ ثَمَنَ مَا بَاعَهُ مِنْ أَمْتِعَتِهَا نَائِبًا عَنْهَا، وَسَكَتَتْ عَنْ طَلَبِ مَا يَجِبُ لَهَا مِنْ ذَلِكَ، ثُمَّ قَامَتْ بَعْدَ ذَلِكَ تَطْلُبُ مَا يَجِبُ لَهَا مِنْ ذَلِكَ، فَالْمَنْصُوصُ فِي الْمَذْهَبِ عَنْ مَالِكٍ: أَنَّ لَهَا الْقِيَامَ فِي حَقِّهَا عَلَى الزَّوْجِ فِي حَيَاتِهِ، هَذَا فِي مُطْلَقِ الِاسْتِفَادَةِ. وَاخْتُلِفَ فِي السُّكْنَى بِالْخُصُوصِ، هَلْ تَرْجِعُ عَلَيْهِ بِكِرَاءِ مَا سَكَنَ، أَوْ لَا تَرْجِعُ. وَكَذَلِكَ اُخْتُلِفَ فِيمَا اسْتَغَلَّهُ مِنْ جِنَانِهَا، وَمَاتَ الزَّوْجُ، فَفِيهِ الْخِلَافُ كَالْخِلَافِ فِي السُّكْنَى، وَاَلَّذِي جَرَى بِهِ الْعَمَلُ، أَنَّهُ إنْ

مَاتَ الزَّوْجُ أَخَذَتْ كِرَاءَ مَا اسْتَغَلَّ. وَمَفْهُومُهُ أَنَّهَا لَا تَأْخُذُ كِرَاءَ مَا سَكَنَ، وَمَفْهُومٌ فِي الْمَوْتِ أَنَّهَا تَرْجِعُ فِي حَيَاتِهِ فِي السُّكْنَى وَالْغَلَّةِ وَغَيْرِهِمَا كَمَا قَدَّمَهُ فِي قَوْلِهِ لَهَا الْقِيَامُ بَعْدُ فِي الْمَنْصُوصِ هَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ النَّاظِمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ: مِنْ غَيْرِ أَنْ مُتِّعَ؛ أَنَّ مَا أَمْتَعَتْهُ بِهِ بَعْدَ عَقْدِ نِكَاحِهَا فَلَا رُجُوعَ لَهَا بِهِ مِنْ ذَلِكَ (قَالَ فِي طُرَرِ ابْنِ عَاتٍ) قَالَ الْقَاضِي: فَإِنْ زَرَعَ مَالَهَا وَهِيَ رَشِيدَةٌ، وَانْتَفَعَ بِهِ، وَهِيَ تَحْتَهُ فَتُطَالِبُهُ بِالْكِرَاءِ، كَانَ ذَلِكَ لَهَا، وَكَذَلِكَ إنْ أَكْرَى مَالَهَا وَهِيَ سَاكِنَةٌ تَنْظُرُ فِيهِ ثُمَّ طَلَبَتْهُ بِالْكِرَاءِ، كَانَ ذَلِكَ لَهَا، وَرَجَعَتْ بِهِ عَلَيْهِ إنْ أَحَبَّتْ، لِأَنَّ مَالَ أَحَدٍ لَا يَطِيبُ إلَّا عَنْ طِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ وَالْمَرْأَةُ وَغَيْرُهَا فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ (وَفِي الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ) قَالَ مُحَمَّدٌ بْنُ أَحْمَدَ: إذَا سَكَنَ الزَّوْجُ دَارَ زَوْجَتِهِ وَهِيَ مَعَهُ، وَطَلَبَتْهُ بِالْكِرَاءِ، وَكَانَتْ مَالِكَةً لِنَفْسِهَا قِيلَ عَلَيْهِ الْكِرَاءُ، وَقِيلَ لَا كِرَاءَ عَلَيْهِ فِيمَا مَضَى، وَلَهَا الْكِرَاءُ مِنْ يَوْمِ تَطْلُبُهُ، وَلِلزَّوْجِ إخْرَاجُهَا مِنْهَا إلَى دَارِ غَيْرِهَا إنْ أَحَبَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهَا شَرْطُ السُّكْنَى فِي دَارٍ بِعَقْدِ يَمِينٍ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُخْرِجَهَا عَنْهَا وَلَهَا أَخْذُ الْكِرَاءِ لَا يُسْقِطُهُ عَنْهُ شَرْطُ السُّكْنَى، وَإِنْ كَانَتْ فِي وِلَايَةٍ فَلَهَا الْكِرَاءُ عَلَيْهِ مِنْ يَوْمِ سَكَنَ اهـ فَقَوْلُهُ بِعَقْدِ يَمِينٍ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِطَلَاقٍ أَوْ نَحْوِهِ ثُمَّ قَالَ فِي الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ: وَالصَّوَابُ وُجُوبُ الْكِرَاءِ إذْ هُوَ لَهَا لَمْ يَسْقُطْ بِكِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ وَلَا إجْمَاعٍ، فَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ مَعَ هَذَا أَنْ يَأْخُذَ مِنْ مَالِ أَحَدٍ إلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ وَلَمْ يَخْتَلِفْ قَوْلُ مَالِكٍ أَنَّهُ إذَا أَكَلَ مَالَهَا وَهِيَ تَنْظُرُ لَا تُغَيِّرُ، أَوْ أَنْفَقَتْ عَلَيْهِ، أَنَّ لَهَا أَخْذَهُ بِذَلِكَ بَعْدَ يَمِينِهَا أَنَّهَا لَمْ تُنْفِقْ عَلَيْهِ، وَلَا تَرَكَتْهُ يَأْكُلُ عَلَى وَجْهِ الْحِسْبَةِ إلَّا لِتَرْجِعَ عَلَيْهِ بِحَقِّهَا، فَمَنْ أَسْقَطَ الْكِرَاءَ فَعَلَيْهِ دَلِيلُ الْفَرْقِ بَيْنَ ذَلِكَ. (وَفِي طُرَرِ ابْنِ عَاتٍ) قَالَ ابْنُ لُبَابَةَ: كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ سُلَيْمَانَ بْنِ أَسْوَدَ فَجَاءَ رَجُلٌ يُخَاصِمُ خَتَنَهُ، وَكَانَتْ الِابْنَةُ فِي وِلَايَةِ الْأَبِ، وَكَانَ الزَّوْجُ سَاكِنًا مَعَهَا دَارَهَا، فَطَلَبَ الْأَبُ مِنْ الزَّوْجِ أَنْ يُرَحِّلَ الِابْنَةَ مِنْ دَارِهَا، وَأَنْ يُكْرِيَهَا لَهَا، فَتَنْتَفِعَ بِكِرَائِهَا. فَقَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ أَسْوَدَ لِلزَّوْجِ: أَلَكَ دَارٌ؟ فَقَالَ: لَا وَصَدَّقَهُ أَبُو الْجَارِيَةِ فَقَالَ الْقَاضِي لِأَبِ الْجَارِيَةِ: وَلَا كَرَامَةَ لَك أَنْ تُخْرِجَ ابْنَتَكَ مِنْ دَارِهَا إلَى دَارٍ أُخْرَى مَعَ زَوْجِهَا، فَتَمْشِيَ بِفِرَاشِهَا عَلَى عُنُقِهَا مِنْ دَارِهَا فَتَهْتِكَ سِتْرَهَا لَيْسَ هَذَا مِنْ حُسْنِ النَّظَرِ لَهَا. فَكَانَ ابْنُ لُبَابَةَ يُعْجِبُهُ ذَلِكَ مِنْ قَضَاءِ سُلَيْمَانَ. وَخِلَافُ ابْنِ الْعَطَّارِ وَابْنِ الْفَخَّارِ فِيهَا شَهِيرٌ اهـ وَفِي مُخْتَصَرِ الشَّيْخِ خَلِيلٍ وَإِنْ تَزَوَّجَ ذَاتَ بَيْتٍ وَإِنْ بِكِرَاءٍ فَلَا كِرَاءَ إلَّا أَنْ تُبَيِّنَ. وَحَاضِرٌ لِقَسْمِ مَتْرُوكٍ لَهُ ... عَلَيْهِ دَيْنٌ لَمْ يَكُنْ أَهْمَلَهُ لَا يُمْنَعُ الْقِيَامَ بَعْدُ إنْ بَقِيَ ... لِلْقَسْمِ قَدْرُ دَيْنِهِ الْمُحَقَّقِ وَيَقْتَضِي مِنْ ذَاكَ حَقًّا مَلَكَهْ ... بَعْدَ الْيَمِينِ أَنَّهُ مَا تَرَكَهْ يَعْنِي أَنَّ مَنْ لَهُ دَيْنٌ عَلَى رَجُلٍ، فَمَاتَ الْمَدِينُ، وَحَضَرَ رَبُّ الدَّيْنِ لِقَسْمِ تَرِكَتِهِ، فَإِنْ بَقِيَ مِنْ التَّرِكَةِ

فصل في بيع المضغوط وما أشبهه

قَدْرُ دَيْنِهِ فَأَكْثَرَ لَمْ يُقْسَمْ، فَلِرَبِّهِ الْقِيَامُ بِدَيْنِهِ، وَيَقْضِي لَهُ بِهِ بَعْدَ يَمِينِهِ أَنَّ سُكُوتَهُ وَقْتَ قَسْمِ مَا قُسِمَ لَمْ يَكُنْ إسْقَاطًا لِحَقِّهِ، وَلَا تَرْكًا يَعْنِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَلَا بُدَّ مَعَ ذَلِكَ مِنْ يَمِينٍ أُخْرَى وَهِيَ يَمِينُ الْقَضَاءِ أَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْهُ وَلَا شَيْئًا مِنْهُ، وَلَا تَرَكَهُ وَلَا أَحَالَ عَلَيْهِ لِوُجُوبِهَا عَلَى مَنْ لَهُ حَقٌّ عَلَى مَيِّتٍ أَوْ غَائِبٍ أَوْ صَغِيرٍ وَنَحْوِهِمْ، ثُمَّ يَقْتَضِي دَيْنَهُ مِمَّا لَمْ يُقْسَمْ مِنْ التَّرِكَةِ. وَفُهِمَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّهُ إذَا حَضَرَ الْقَسْمَ وَقَسَمَ جَمِيعَ التَّرِكَةِ، وَلَمْ يَتَكَلَّمْ فَلَا قِيَامَ لَهُ يَعْنِي إلَّا أَنْ يَكُونَ سُكُوتُهُ لِأَمْرٍ كَمَا يَأْتِي قَالَ فِي الْمُنْتَخَبِ: قِيلَ لِعِيسَى: فَلَوْ مَاتَ رَجُلٌ فَاقْتَسَمَ وَرَثَتُهُ مَالَهُ وَرَجُلٌ حَاضِرٌ يَنْظُرُ إلَى قِسْمَتِهِمْ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ بِذِكْرِ حَقٍّ قَالَ فَلَا شَيْءَ لَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ عُذْرٌ فِي تَرْكِ الْقِيَامِ وَهُوَ يَدَّعِي حَقَّهُ عِنْدَمَا يَحْدُثُ فِيهِ هَذَا الْإِحْدَاثُ، وَتَشْهَدُ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ كَانَ مُدَّعِيًا بِحَقِّهِ أَوْ يَكُونُ غَائِبًا أَوْ يَكُونُ لَهُمْ سُلْطَانٌ يَمْتَنِعُونَ بِهِ، وَنَحْوَ هَذَا مِمَّا يُعْذَرُ بِهِ فَهُوَ عَلَى حَقِّهِ أَبَدًا، وَإِنْ طَالَ زَمَانُهُ إذَا كَانَ لَهُ عُذْرٌ مِنْ بَعْضِ مَا وَصَفْنَا انْتَهَى عَلَى نَقْلِ الشَّارِحِ وَنُقِلَ. وَالْمَسْأَلَةُ آخِرَ مَجَالِسِ الْمِكْنَاسِيِّ. وَقَالَ: لَا شَيْءَ لَهُ. وَلَوْ قَالَ: أَنَا سَكَتُّ لِأَنَّ الرَّسْمَ كَانَ غَائِبًا عَنِّي، وَخِفْتُ إذَا طَلَبْتُ دَيْنِي عَجَّزَنِي الْقَاضِي، أَوْ قَالَ لَمْ أَجِدْ مَا أَقُومُ بِهِ حَتَّى الْآنَ فَلَا شَيْءَ لَهُ. وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ: " قَدْرِ دَيْنِهِ " أَنَّهُ إنْ بَقِيَ مَا لَا يَفِي إلَّا بِبَعْضِ الدَّيْنِ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي ذَلِكَ الْبَعْضَ، وَيُسْقِطُ الْبَاقِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَصْلٌ فِي بَيْعِ الْمَضْغُوطِ وَمَا أَشْبَهَهُ] ُ وَمَنْ يَبِعْ فِي غَيْرِ حَقٍّ شَرْعِي ... بِالْقَهْرِ مَالًا تَحْتَ ضَغْطٍ مَرْعِي فَالْبَيْعُ إنْ وَقَعَ مَرْدُودٌ وَمَنْ ... بَاعَ يَجُوزُ الْمُشْتَرَى دُونَ ثَمَنْ الْمَضْغُوطُ هُوَ الْمُكْرَهُ الْمُضَيَّقُ عَلَيْهِ (قَالَ فِي الْقَامُوسِ) الضُّغْطَةُ بِالضَّمِّ: الضِّيقُ، وَالشِّدَّةُ وَالْإِكْرَاهُ يَعْنِي أَنَّ مَنْ أُكْرِهَ، وَضُيِّقَ عَلَيْهِ، وَأُجْبِرَ عَلَى بَيْعِ شَيْءٍ مِنْ الْأَشْيَاءِ أَصْلًا كَانَ أَوْ عَرَضًا أَوْ حَيَوَانًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ، وَلِذَلِكَ عَبَّرَ النَّاظِمُ بِالْمَالِ الشَّامِلِ لِجَمِيعِ ذَلِكَ فَقَوْلُهُ: مَالًا هُوَ مَفْعُولُ يَبِعْ، وَكَانَ ذَلِكَ الْبَيْعُ لِغَيْرِ حَقٍّ شَرْعِيٍّ وَضَغْطُهُ مُرَاعَى شَرْعًا لِكَوْنِهِ مَخُوفًا مُضِرًّا كَالْقَتْلِ، وَالضَّرْبِ، وَالسَّجْنِ، وَالصَّفْعِ لِذِي مُرُوءَةٍ بِمَحْضَرِ النَّاسِ، وَقَتْلِ الْوَلَدِ، وَأَخْذِ الْمَالِ لَا سِيَّمَا إنْ كَثُرَ. قَالَ الشَّارِحُ: وَالْإِهَانَةُ الْمُلْزِمَةُ لِمَنْ لَا تَلِيقُ بِهِ إكْرَاهٌ. فَكَيْفَ بِالضَّرْبِ وَالْإِيلَامِ؟ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي نَوَازِلِهِ: وَالسَّجْنُ بِمُجَرَّدِهِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ إكْرَاهٌ، فَكَيْفَ بِمَا وَصَفْتُ مِنْ الْإِخَافَةِ وَالثِّقَافِ فِي الْحَدِيدِ. فَإِنَّ ذَلِكَ الْبَيْعَ مَفْسُوخٌ، مَرْدُودٌ شَرْعًا. وَالْبَائِعُ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ يَأْخُذُ شَيْأَهُ أَيْنَ وَجَدَهُ بِلَا ثَمَنٍ يَلْزَمُهُ فِيهِ. عَلَى تَفْصِيلٍ فِي ذَلِكَ يَأْتِي قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ. وَإِنَّمَا كَانَ بَيْعُهُ مَفْسُوخًا؛ لِأَنَّ مِنْ شُرُوطِ لُزُومِ الْبَيْعِ كَوْنَ عَاقِدِهِ مُكَلَّفًا. وَالْمُكْرَهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ عَلَى الصَّحِيحِ فَبَيْعُهُ غَيْرُ لَازِمٍ. وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ فِي غَيْرِ حَقٍّ شَرْعِيٍّ إنْ أُكْرِهَ عَلَى الْبَيْعِ فِي حَقٍّ شَرْعِيٍّ، كَجَبْرِ الْقَاضِي الْمُفْلِسَ عَلَى الْبَيْعِ لِقَضَاءِ غُرَمَائِهِ، وَجَبْرِ الْمَدِينِ غَيْرِ الْمُفْلِسِ لِقَضَاءِ دَيْنٍ عَلَيْهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَبَيْعُهُ مَاضٍ وَلَا يُرَدُّ إلَيْهِ شَيْؤُهُ، وَلَوْ بَاعَهُ تَحْتَ الضَّغْطِ، وَالْإِكْرَاهِ، وَكَذَلِكَ مَنْ اضْطَرَّتْهُ الْحَاجَةُ وَالْفَاقَةُ لِبَيْعِ شَيْئِهِ فَلَا بَأْسَ بِالشِّرَاءِ مِنْهُ. وَبَيْعُهُ مَاضٍ لَا يُرَدُّ. وَمَفْهُومُ وَصْفِ الضَّغْطِ بِكَوْنِهِ مَرْعِيًّا أَنَّ الضَّغْطَ غَيْرَ الْمَرْعِيِّ شَرْعًا لَا عِبْرَةَ بِهِ وَهُوَ كَالْعَدَمِ، وَذَلِكَ كَالْحَيَاءِ وَالْخَوْفِ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ. أَوْ عَلَى مَالٍ تَافِهٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ. وَمَا ذَكَرَ النَّاظِمُ مِنْ فَسْخِ الْبَيْعِ وَرَدِّ الْمَبِيعِ لِرَبِّهِ هُوَ عَامٌّ سَوَاءٌ أُكْرِهَ عَلَى الْبَيْعِ أَوْ عَلَى إعْطَاءِ مَالٍ ظُلْمًا فَبَاعَ لِذَلِكَ. وَهَذَا الْوَجْهُ الثَّانِي هُوَ الْمُتَبَادِرُ مِنْ لَفْظِهِ، لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ لِفَقْدِ شَرْطٍ مِنْ شُرُوطِ الْبَيْعِ وَهُوَ التَّكْلِيفُ؛ لِأَنَّ الْمُكْرَهَ غَيْرُ مُكَلَّفٍ كَمَا تَقَدَّمَ (قَالَ الْحَطَّابُ) وَاعْلَمْ أَنَّ مَنْ أُكْرِهَ عَلَى الْبَيْعِ لَمْ يَلْزَمْهُ الْبَيْعُ بِإِجْمَاعٍ، وَأَمَّا مَنْ أُكْرِهَ عَلَى دَفْعِ مَالٍ، فَبَاعَ لِذَلِكَ فَفِيهِ خِلَافُ مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرِوَايَتُهُ عَنْ مَالِكٍ أَنْ لَا يَلْزَمُهُ. وَقَالَ بِذَلِكَ جَمَاعَةٌ. وَقَالَ ابْنُ كِنَانَةَ: بَيْعُهُ لَازِمٌ غَيْرُ مَفْسُوخٍ. قَالَ الْبُرْزُلِيُّ وَمَالَ إلَيْهِ شَيْخُنَا يَعْنِي ابْنَ عَرَفَةَ (التَّوْضِيحُ) وَالْمَذْهَبُ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ. ثُمَّ قَالَ: وَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّ الْمَذْهَبَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْإِكْرَاهِ عَلَى الْبَيْعِ أَوْ عَلَى مَالٍ فَيَبِيعُ

لِذَلِكَ انْتَهَى كَلَامُ الْحَطَّابِ وَمَا ذَكَرَهُ النَّاظِمُ مِنْ كَوْنِ الْبَائِعِ يَأْخُذُ مَا بَاعَ بِلَا ثَمَنٍ قَالَ الْحَطَّابُ إنَّمَا هُوَ إذَا أُكْرِهَ عَلَى دَفْعِ مَالٍ ظُلْمًا، فَبَاعَ مَتَاعَهُ لِذَلِكَ، فَيُرَدُّ إلَيْهِ مَتَاعُهُ بِلَا ثَمَنٍ؛ حَتَّى يَتَحَقَّقَ أَنَّ الْمَضْغُوطَ صَرَفَ الثَّمَنَ فِي مَصَالِحِهِ، وَأَمَّا إذَا أُكْرِهَ عَلَى الْبَيْعِ فَقَطْ. فَلَهُ إجَازَةُ الْبَيْعِ، وَلَهُ رَدُّهُ. فَإِنْ رَدَّ الْبَيْعَ. رَدَّ الثَّمَنَ الَّذِي أَخَذَهُ إلَّا أَنْ تَقُومَ بَيِّنَةٌ عَلَى تَلَفِهِ. قَالَهُ فِي كِتَابِ الْإِكْرَاهِ مِنْ النَّوَادِرِ. وَقَالَ فِي الْبَيَانِ: سَوَاءٌ عَلِمَ الْمُشْتَرِي أَنَّ الْبَائِعَ مَضْغُوطٌ أَيْ عَلَى إعْطَاءِ الْمَالِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ قَالَ ذَلِكَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَبْسُوطِ. وَسَوَاءٌ وَصَلَ الثَّمَنُ مِنْ الْمُبْتَاعِ إلَى الْمَضْغُوطِ فَدَفَعَهُ الْمَضْغُوطُ إلَى الظَّالِمِ، أَوْ جَهِلَ هَلْ دَفَعَهُ إلَيْهِ أَوْ أَدْخَلَهُ فِي مَنَافِعِهِ؟ أَوْ كَانَ الظَّالِمُ هُوَ الَّذِي تَوَلَّى قَبْضَهُ مِنْ الْمُبْتَاعِ، فَلِلْمَضْغُوطِ فِي ذَلِكَ أَنْ يَأْخُذَ مَالَهُ مِنْ الْمُشْتَرِي، أَوْ مِمَّنْ اشْتَرَاهُ مِنْ الْمُشْتَرِي بِغَيْرِ ثَمَنٍ وَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي الثَّانِي عَلَى الْمُشْتَرِي مِنْ الْمَضْغُوطِ، وَالْمُشْتَرِي مِنْ الْمَضْغُوطِ عَلَى الظَّالِمِ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ الْبَائِعَ أَدْخَلَ الثَّمَنَ فِي مَنَافِعِهِ، وَلَمْ يَدْفَعْهُ إلَى الظَّالِمِ فَلَا يَكُونُ لَهُ إلَى ذَلِكَ سَبِيلٌ حَتَّى يَدْفَعَ الثَّمَنَ إلَى الْمُشْتَرِي. قَالَ ذَلِكَ كُلَّهُ ابْنُ حَبِيبٍ فِي الْوَاضِحَةِ وَحَكَاهُ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَأَصْبَغَ وَذَهَبَ سَحْنُونٌ إلَى أَنَّهُ إذَا كَانَ الْمَضْغُوطُ هُوَ الْبَائِعُ الْقَابِضُ لِلثَّمَنِ فَلَا سَبِيلَ لَهُ إلَى مَا بَاعَ إلَّا بَعْدَ غُرْمِ الثَّمَنِ وَحَكَاهُ عَنْ مَالِكٍ وَقَالَ ابْنُ كِنَانَةَ: بَيْعُهُ لَازِمٌ لَهُ غَيْرُ مَفْسُوخٍ عَنْهُ، وَهُوَ أَجْرٌ يُؤْجَرُ بِهِ عَلَيْهِ وَيَلْزَمُهُ إيَّاهُ؛ لِأَنَّهُ أَنْقَذَهُ مِمَّا كَانَ فِيهِ مِنْ الْعَذَابِ انْتَهَى مِنْ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ السُّلْطَانِ انْتَهَى كَلَامُ الْحَطَّابِ (تَنْبِيهٌ) مَا تَقَدَّمَ فِي نَقْلِ الْحَطَّابِ عَنْ الْبَيَانِ مِنْ الْمُكْرَهِ عَلَى إعْطَاءِ مَالٍ ظُلْمًا، يَأْخُذُ شَيْأَهُ بِلَا ثَمَنٍ، سَوَاءٌ عَلِمَ الْمُبْتَاعُ بِالضَّغْطِ أَمْ لَا وَنَقَلَ الشَّارِحُ مِثْلَهُ هُوَ مُخَالِفٌ لِمَا نَقَلَهُ الشَّارِحُ آخِرًا مِنْ كَوْنِهِ إنَّمَا يَأْخُذُهُ بِغَيْرِ ثَمَنٍ إذَا عَلِمَ الْمُشْتَرِي بِالضَّغْطِ، وَأَمَّا غَيْرُ الْعَالِمِ فَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُ إلَّا بِثَمَنٍ وَلَفْظُهُ وَلَا بُدَّ مِنْ اشْتِرَاطِ عِلْمِ الْمُشْتَرِي مِنْ الْمَضْغُوطِ بِضَغْطَتِهِ فِي كَوْنِهِ يَأْخُذُ مِلْكَهُ مِنْهُ دُونَ ثَمَنٍ، وَأَمَّا إنْ كَانَ غَيْرَ عَالِمٍ بِالضَّغْطَةِ فَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُ إلَّا بِالثَّمَنِ. نَصَّ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ رُشْدٍ فِي نَوَازِلِهِ فَيَنْبَغِي تَقْيِيدُ كَلَامِ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِهِ، اهـ وَنَحْوُهُ نَقَلَ الْمَوَّاقُ عَنْ سَحْنُونٍ قَالَ: مَنْ أُكْرِهَ عَلَى إعْطَاءِ مَالٍ ظُلْمًا فَبَيْعُهُ لِذَلِكَ بَيْعُ مُكْرَهٍ، وَلِرَبِّ الْمَبِيعِ أَخْذُهُ بِلَا ثَمَنٍ إنْ كَانَ الْمُشْتَرِي عَالِمًا بِضَغْطِهِ، وَإِلَّا فَبِالثَّمَنِ رَوَى مُطَرِّفٌ: يَتْبَعُ الْمُشْتَرِي بِثَمَنِهِ الظَّالِمَ دَفَعَهُ هُوَ لَهُ، أَوْ الْبَائِعُ. وَلَوْ قَبَضَهُ وَكِيلُ الظَّالِمِ تَبِعَ أَيَّهُمَا شَاءَ فَقَالَ مُطَرِّفٌ: فَإِنْ قَالَ الْوَكِيلُ مَا فَعَلْتُهُ إلَّا خَوْفًا مِنْ الظَّالِمِ لَمْ يُعْذَرْ، لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ» ثُمَّ قَالَ: قَالَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ: إذَا وَقَعَ مَغْرَمٌ فِي قَرْيَةٍ مِنْ قِبَلِ السُّلْطَانِ، وَأَسْلَمَ لَهُمْ الدَّرَاهِمَ عَلَى الزَّيْتُونِ وَغَيْرِهِ، وَثَبَتَ أَنَّ أَهْلَ الْقَرْيَةِ مَضْغُوطُونَ، فَمَنْ أَسْلَمَ إلَيْهِمْ فَلَا دَرَاهِمَ لَهُ وَلَا زَيْتُونَ؛ لِأَنَّ تِلْكَ الدَّرَاهِمَ أَخَذَهَا السُّلْطَانُ بِأَعْيَانِهَا اهـ (الْمَوَّاقُ) اُنْظُرْ ظَاهِرَهُ. وَلَوْ قَبَضَ الدَّرَاهِمَ أَرْبَابُ الزَّيْتُونِ خِلَافَ مَا لِسَحْنُونٍ أَوَّلَ الْمَسْأَلَةِ، وَاَلَّذِي صَدَرَ بِهِ الْحُكْمُ فِي زَمَانِنَا أَنَّ الْمَضْغُوطَ إذَا تَوَلَّى قَبْضَ الثَّمَنِ، لَا يَأْخُذُ شَيْأَهُ حَتَّى يَرُدَّ الثَّمَنَ وَهَذَا هُوَ الْبَيِّنُ (فُرُوعٌ. الْأَوَّلُ) مَا قَاطَعَ بِهِ الْمَضْغُوطُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ الْمَالِ وَأَشْهَدَ بِالْبَعْضِ الضَّامِنِينَ مِنْ التَّوْكِيلِ عَلَى بَيْعِ أَمْلَاكِهِ فِيمَا ضَمِنُوا عَنْهُ غَيْرُ لَازِمٍ لَهُ، وَلَا جَائِزٌ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ مَا أَشْهَدَ بِهِ بَعْدَ تَسْرِيحِهِ مِنْ ارْتِجَاعِ أَمْلَاكِهِ مِنْ أُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ وَتَصْيِيرِهَا إلَى الضَّامِنِينَ فِيمَا ضَمِنُوا عَنْهُ، وَأَنَّ ذَلِكَ حَقٌّ ثَابِتٌ لَا يَجُوزُ، وَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ أَمْرَهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْإِكْرَاهِ الْمُتَقَدِّمِ. نَقَلَهُ الشَّارِحُ (الثَّانِي) قَالَ الشَّارِحُ: وَحُكْمُ الضَّغْطِ مُنْسَحِبٌ عَلَى الْبَائِعِ وَإِنْ تَرَاخَى الْبَيْعُ عَنْ وَقْتِهِ بِالشَّهْرَيْنِ وَنَحْوِهِمَا. اُنْظُرْ تَمَامَ كَلَامِهِ. (الثَّالِثُ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَبَيْعُ قَرِيبِ الْمَضْغُوطِ لِفِكَاكِهِ مِنْ عَذَابٍ كَزَوْجَتِهِ وَوَلَدِهِ وَقَرِيبِهِ لَازِمٌ اهـ يُرِيدُ مَتَاعَ نَفْسِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي التَّوْضِيحِ وَغَيْرِهِ، قَائِلًا: لِأَنَّ هَؤُلَاءِ لَمْ يُضْغَطُوا، وَلَوْ لَمْ يَبِيعُوا مَتَاعَهُمْ، لَمْ يُطْلَبُوا اهـ. وَهَذَا فِي غَيْرِ الْأَبِ، وَأَمَّا الْأَبُ إذَا عُذِّبَ وَلَدُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ الْبُرْزُلِيُّ إنَّهُ مِنْ الْإِكْرَاهِ. (الرَّابِعُ) شَهَادَةُ الْعُدُولِ عَلَى بَيْعِ الْمُكْرَهِ قَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِيهَا نَظَرٌ إلَّا أَنْ يَخَافُوا عَلَيْهِ فَهَذَا وَجْهٌ لَكِنَّ حَقَّهُمْ أَنْ يَذْكُرُوا، وَإِنْ لَمْ يَخَافُوا عَلَيْهِ، فَالصَّوَابُ أَنْ لَا يَشْهَدُوا مِثْلَ هَذَا؛

فصل في مسائل من أحكام البيع

لِأَنَّهَا صَفْقَةٌ لَا تَجُوزُ، وَإِنْ خَافُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ الْعَزْلَ فَلَا يَشْهَدُوا. مِنْ الْحَطَّابِ (الْخَامِسُ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَالُوا: سَوَاءٌ كَانَ عِنْدَهُ عَيْنٌ فَتَرَكَهَا وَبَاعَ خَشْيَةَ أَنْ يُزَادَ عَلَيْهِ، أَوْ لَمْ يَكُنْ (السَّادِسُ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ أَيْضًا عَنْ مُطَرِّفٍ وَمَنْ كَانَ عَالِمًا بِحَالِ الْمَضْغُوطِ فَاشْتَرَى شَيْئًا مِنْ مَتَاعِهِ فَهُوَ ضَامِنٌ كَالْغَاصِبِ، وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَعْلَمْ فَيَشْتَرِي مِنْ السُّوقِ فَلَا يَضْمَنُ الدُّورَ وَالْحَيَوَانَ، وَيَضْمَنُ مَا انْتَفَعَ بِهِ بِأَكْلٍ وَلُبْسٍ. وَالْغَلَّةُ لَهُ. وَأَمَّا الْعَالِمُ فَلَا غَلَّةَ لَهُ، وَهُوَ لَهَا ضَامِنٌ. (السَّابِعُ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ أَيْضًا: وَكُلُّ مَا أَحْدَثَ الْمُبْتَاعُ فِيهِ مِنْ عِتْقٍ أَوْ تَدْبِيرٍ فَلَا يَلْزَمُ الْمَضْغُوطَ، وَلَهُ أَخْذُ رَقِيقِهِ مِنْ الْمُبْتَاعِ، سَوَاءٌ عَلِمَ بِحَالِهِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ، وَقَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَأَصْبَغُ (الثَّامِنُ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ أَيْضًا: وَلَوْ أَعْطَى الْمَضْغُوطُ حَمِيلًا فَتَغَيَّبَ فَأَخَذَ الْمَالَ مِنْ الْحَمِيلِ لَمْ يَرْجِعْ الْحَمِيلُ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ، وَلَوْ أَخَذَ مَا ضُغِطَ بِهِ مِنْ رَجُلٍ سَلَفًا فَقَالَ أَصْبَغُ: يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا أَسْلَفَهُ؛ لِأَنَّ السَّلَفَ مَعْرُوفٌ. قَالَ فَضْلُ بْنُ سَلَمَةَ: وَعَلَى أَصْلِهِ فَيَرْجِعُ الْحَمِيلُ لِأَنَّ الْحَمَالَةَ مَعْرُوفٌ اهـ. وَالْخُلْفُ فِي الْبَيْعِ لِشَيْءٍ مُغْتَصَبْ ... ثَالِثُهَا جَوَازُهُ مِمَّنْ غَصَبْ يَعْنِي أَنَّهُ اُخْتُلِفَ هَلْ يَجُوزُ لِرَبِّ الشَّيْءِ الْمَغْصُوبِ أَنْ يَبِيعَهُ لِمَنْ شَاءَ مِنْ الْغَاصِبِ الَّذِي هُوَ تَحْتَ يَدِهِ، أَوْ مِنْ غَيْرِهِ أَوْ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ بَائِعُهُ قَادِرًا عَلَى تَسْلِيمِهِ لِمُشْتَرِيهِ، وَهَذَا عَاجِزٌ عَنْ ذَلِكَ. الْقَوْلُ الثَّالِثُ بِالتَّفْصِيلِ، يَجُوزُ بَيْعُهُ لِغَاصِبِهِ، وَلَا يَجُوزُ لِغَيْرِهِ. هَذَا هُوَ ظَاهِرُ النَّظْمِ عَلَى الطَّرِيقَةِ الْحَاجِبِيَّةِ أَنَّ صَدْرَ الْقَوْلِ الثَّالِثِ وَهُوَ الْجَوَازُ دَلِيلُ الْأَوَّلِ وَعَجُزُهُ، وَهُوَ الْمَنْعُ دَلِيلُ الثَّانِي. وَلَمْ أَقِفْ عَلَى الْخِلَافِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ الَّذِي فِي التَّوْضِيحِ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّهُ جَعَلَ بَيْعَ الْمَغْصُوبِ مِنْ غَيْرِ غَاصِبِهِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: إنْ كَانَ مَقْدُورًا عَلَيْهِ مُقِرًّا بِالْغَصْبِ فَهُوَ جَائِزٌ بِاتِّفَاقٍ، وَإِنْ كَانَ مُمْتَنِعًا مِنْ دَفْعِهِ، وَهُوَ مِمَّنْ لَا تَأْخُذُهُ الْأَحْكَامُ مُقِرًّا أَوْ غَيْرَهُ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ مِنْ غَيْرِهِ اتِّفَاقًا، وَإِنْ كَانَ مُنْكِرًا، وَهُوَ مِمَّنْ تَأْخُذُهُ الْأَحْكَامُ، وَعَلَيْهِ بِالْغَصْبِ بَيِّنَةٌ فَقَوْلَانِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي اشْتِرَاءِ مَا فِيهِ خُصُومَةُ. ابْنِ رُشْدٍ وَالْمَشْهُورُ مِنْهُمَا الْمَنْعُ، لِأَنَّهُ غَرَرٌ قَالَ: وَأَمَّا بَيْعُهُ مِنْ غَاصِبِهِ فَجَعَلَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي الشَّهَادَاتِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: الْأَوَّلُ، أَنْ يُعْلَمَ أَنَّهُ عَازِمٌ عَلَى رَدِّهِ فَيَجُوزُ بِاتِّفَاقٍ، الثَّانِي أَنْ يُعْلَمَ أَنَّهُ غَيْرُ عَازِمٍ عَلَى رَدِّهِ. وَإِنْ طَلَبَهُ رَبُّهُ. فَلَا يَجُوزُ بِاتِّفَاقٍ، وَالثَّالِثُ أَنْ يُشْكِلَ أَمْرُهُ. وَفِيهِ قَوْلَانِ. قَالَ: وَإِلَى هَذِهِ تَرْجِعُ الرِّوَايَاتُ ا. هـ وَبِالْفَسَادِ قَالَ مُطَرِّفٌ وَرَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ وَبِذَلِكَ حَكَمَ الْقَاضِي ابْنُ بَشِيرٍ اُنْظُرْ تَمَامَ كَلَامِهِ [فَصْلٌ فِي مَسَائِلَ مِنْ أَحْكَامِ الْبَيْعِ] ِ أَبٌ عَلَى بَنِيهِ فِي وِثَاقِ ... حَجْرٌ لَهُ يَبِيعُ بِالْإِطْلَاقِ وَفِعْلُهُ عَلَى السَّدَادِ يُحْمَلْ ... وَحَيْثُ لَا رَدَّ ابْنُهُ مَا يَفْعَلْ

يَعْنِي أَنَّ لِلْأَبِ أَنْ يَبِيعَ مَالَ وَلَدِهِ الَّذِي فِي حِجْرِهِ صَغِيرًا كَانَ أَوْ بَالِغًا جَدَّدَ عَلَيْهِ الْحَجْرَ لِإِطْلَاقِهِ فِي الْمَحْجُورِ أَصْلًا، كَأَنْ كَانَ الْمَبِيعَ أَوْ غَيْرَهُ. كَانَ الْبَيْعُ لِمُوجِبٍ مِنْ الْمُوجِبَاتِ الَّتِي تُذْكَرُ بَعْدُ فِي بَيْعِ الْوَصِيِّ، أَوْ لِغَيْرِ مُوجِبٍ وَهُوَ مُرَادُهُ بِالْإِطْلَاقِ بِدَلِيلِ مُقَابَلَتِهِ بِقَوْلِهِ وَبَيْعُ مَنْ وُصِيَّ لِلْمَحْجُورِ إلَّا لِمُقْتَضٍ، وَإِنَّمَا جَازَ ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ لِلْبَيْعِ مُوجِبًا؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ مَحْمُولٌ عَلَى السَّدَادِ لِمَا جُبِلَ عَلَيْهِ الْأَبُ مِنْ الْحَنَانَةِ وَالشَّفَقَةِ، فَإِنْ تَبَيَّنَ وَظَهَرَ أَنَّ بَيْعَهُ غَيْرُ سَدَادٍ رُدَّ فِعْلُهُ، وَمِمَّا يُحْمَلُ عَلَى غَيْرِ السَّدَادِ حَتَّى يُثْبِتَ كَوْنَهُ سَدَادًا أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمُشْتَرِي مَالَ ابْنِهِ، أَوْ يَشْتَرِي لِوَلَدِهِ مِنْ نَفْسِهِ، أَوْ يَبِيعَ لِأَجْنَبِيٍّ لِمَنْفَعَةِ نَفْسِهِ بِالثَّمَنِ، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ (قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ) : وَبَيْعُ الْأَبِ عَلَى صِغَارِ بَنِيهِ، وَأَبْكَارِ بَنَاتِهِ جَائِزٌ، وَفِعْلُهُ أَبَدًا مَحْمُولٌ عَلَى النَّظَرِ حَتَّى يَثْبُتَ خِلَافُهُ. قَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ: وَهَذَا مِمَّا لَا اخْتِلَافَ فِيهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمُشْتَرِي مِنْ مَالِ ابْنِهِ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ النَّظَرِ حَتَّى يَثْبُتَ النَّظَرُ، وَفَائِدَةُ ذَلِكَ أَنَّ عَلَى مَنْ أَرَادَ إثْبَاتَ الْبَيْعِ إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ بِالنَّظَرِ، وَإِذَا بَاعَ عَلَى ابْنِهِ لِغَيْرِهِ فَإِقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَى مَنْ يُرِيدُ فَسْخَ الْبَيْعِ، وَأَنَّ الْبَيْعَ كَانَ غَيْرَ نَظَرٍ اهـ. وَنَحْوُهُ فِي التَّوْضِيحِ وَزَادَ أَنَّهُ لَوْ بَاعَ عَنْ نَفْسِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ بَاعَ مِنْ وَلَدِهِ فَالْبَيْعُ مَاضٍ، وَلَا اعْتِرَاضَ فِيهِ لِلِابْنِ ذَا رُشْدٍ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْوَاضِحَةِ وَالثَّمَانِيَةِ: فَإِنْ بَاعَ لِمَنْفَعَةِ نَفْسِهِ. فَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: كَانَ أَصْبَغُ يُمْضِي بَيْعَهُ ثُمَّ رَجَعَ إلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَغَيْرِهِ: أَنَّهُ إذَا تَحَقَّقَ أَنَّهُ بَاعَ لِمَنْفَعَةِ نَفْسِهِ فُسِخَ. اهـ (فَرْعٌ) فِي مُفِيدِ ابْنِ هِشَامٍ إذَا صَدَقَ الرَّجُلُ زَوْجَتَهُ شَيْئًا مِنْ مَالِ ابْنِهِ الصَّغِيرِ جَازَ، وَلَا كَلَامَ لِلِابْنِ فِي ذَلِكَ بَعْدَ بُلُوغِهِ، وَإِنْ وَجَدَهُ عِنْدَهَا بِعَيْنِهِ (فَرْعٌ) وَفِي الْمُفِيدِ أَيْضًا قَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ فِي الْوَاضِحَةِ: وَمَا بِعْتَ أَوْ وَهَبْتَ مِنْ مَالِ وَلَدِك وَلَمْ يَعْلَمْ أَلَهُ فَعَلْتَهُ أَمْ لَكَ؟ فَذَلِكَ مَاضٍ، لِأَنَّك قَدْ تَلِي بِهِمْ مِثْلَ ذَلِكَ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّك إنَّمَا فَعَلْتَهُ لِنَفْسِك فَيُرَدُّ انْتَهَى مِنْ الشَّارِحِ وَبَيْعُ مِنْ وُصِّيَ لِلْمَحْجُورِ ... إلَّا لِمُقْتَضٍ مِنْ الْمَحْظُورِ يَعْنِي أَنَّ بَيْعَ الْوَصِيِّ مَالَ مَحْجُورِهِ مِنْ الْمَحْظُورِ الْمَمْنُوعِ إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِمُقْتَضٍ أَيْ لِمُوجِبٍ

فَيَجُوزُ بَيْعُهُ حِينَئِذٍ، وَلَمْ يَذْكُرْ مُوجِبَاتِ الْبَيْعِ اتِّكَالًا عَلَى شُهْرَتِهَا عِنْدَ الْفُقَهَاءِ وَإِلَيْهَا أَشَارَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ بِقَوْلِهِ: وَإِنَّمَا يُبَاعُ عَقَارُهُ لِحَاجَةٍ أَيْ مَأْكَلٍ أَوْ مَلْبَسٍ أَوْ غِبْطَةٍ أَيْ كَثْرَةٍ فِي الثَّمَنِ أَوْ لِكَوْنِهِ مُوَظَّفًا فَيُبْدِلُهُ بِمَا لَا وَظِيفَ عَلَيْهِ أَوْ كَوْنِهِ حِصَّةً فَيُبْدِلُهُ لَهُ بِكَامِلٍ لِضَرَرِ الشَّرِكَةِ وَنَحْوِهِ، أَوْ لِقِلَّةِ غَلَّتِهِ فَيُبْدِلُهُ بِمَا كَثُرَتْ غَلَّتُهُ، أَوْ لِكَوْنِهِ بَيْنَ ذِمِّيِّينَ، أَوْ جِيرَانِ سُوءٍ أَوْ لِإِرَادَةِ شَرِيكِهِ بَيْعًا، وَلَا مَالَ لَهُ يَضُمُّ بِهِ صَفْقَةَ الْبَيْعِ، أَوْ لِخَشْيَةِ انْتِقَالِ الْعِمَارَةِ أَوْ لِخَوْفِ الْخَرَابِ وَلَا مَالَ لَهُ أَوْ لَهُ، وَالْبَيْعُ أَوْلَى. وَهَذِهِ الْأَسْبَابُ إنَّمَا هِيَ شَرْطٌ فِي بَيْعِ عَقَارِ الْيَتِيمِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الْحَاجِبِ وَالشَّيْخُ خَلِيلٍ وَغَيْرُهُمَا، لَا فِي كُلِّ مَبِيعٍ كَمَا قَدْ يَظْهَرُ مِنْ إطْلَاقِ النَّاظِمِ. وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ افْتِقَارِ بَيْعِ الْوَصِيِّ عَقَارَ الْمَحْجُورِ لِذِكْرِ السَّبَبِ، هُوَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ الْمَشْهُورَيْنِ. الْقَوْلُ الْآخَرُ: أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ كَالْأَبِ، وَهُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّ فِعْلَ الْوَصِيِّ مَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ السَّدَادِ حَتَّى يَثْبُتَ السَّدَادُ، أَوْ فِعْلُهُ مَحْمُولٌ عَلَى السَّدَادِ حَتَّى يَثْبُتَ خِلَافُهُ، وَفِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلٌ ثَالِثٌ: إنْ كَانَ الْوَصِيُّ ثِقَةً مَأْمُونًا عَارِفًا حَسَنَ النَّظَرِ، حُمِلَ عَلَى السَّدَادِ، وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا أَوْ امْرَأَةً حُمِلَ غَيْرُهُ وَأَشَارَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ فِي التَّقْيِيدِ: إلَى أَنَّ الْعَمَلَ جَرَى بِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى النَّظَرِ فِي الرُّبُعِ وَغَيْرِهِ قَالَ الْبُرْزُلِيُّ: وَبِهِ رَأَيْتُ الْعَمَلَ فِي زَمَانِنَا هَذَا مِنْ شَيْخِنَا يَعْنِي ابْنَ عَرَفَةَ، وَتَابَعَهُ عَلَيْهِ قُضَاةُ بَلَدِهِ وَنَحْوُهُ فِي الطُّرَرِ فَيَمْضِي فِعْلُهُ مَا لَمْ يَكُنْ الْيَتِيمُ غَنِيًّا. (قَالَ فِي التَّوْضِيحِ) : فَإِنْ بَيَّنَ السَّبَبَ فَلَا يُخْتَلَفُ فِي جَوَازِ بَيْعِهِ، وَيَضْمَنُ الْعَقْدَ مَعْرِفَةُ الشُّهُودِ لِذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَضْمَنُوهُ فَلَا يُخْتَلَفُ فِي الْجَوَازِ أَيْضًا، ثُمَّ قَالَ: وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَكْتَفِي بِذِكْرِ السَّبَبِ مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ إلَى إثْبَاتِهِ وَقَدْ نَصَّ فِي الطُّرَرِ عَلَى أَنَّ بَيْعَهُ جَائِزٌ، وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ ذَلِكَ أَيْ السَّبَبُ إلَّا مِنْ قَوْلِهِ. وَعَلَى مَا قَالَهُ أَبُو عِمْرَانَ: مِنْ أَنَّ فِعْلَهُ فِي الرِّبَاعِ مَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ النَّظَرِ حَتَّى يَثْبُتَ. لَا يَتِمُّ الْبَيْعُ حَتَّى يَشْهَدَ الشُّهُودُ بِمَعْرِفَةِ السَّدَادِ أَنْ يَكُونَ الْبَيْعُ لِسَبَبٍ مِنْ حَاجَةٍ وَنَحْوِهَا مِمَّا تَقَدَّمَ. (تَنْبِيهٌ) لَيْسَ مِنْ السَّدَادِ الْبَيْعُ لِيَصِيرَ ثَمَنُ الْمَبِيعِ فِيمَا لَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ لَمْ تَدْعُ لَهُ ضَرُورَةٌ فَقَدْ أَفْتَى الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ فِي مَسْأَلَةِ وَصِيٍّ بَاعَ دَارَ يَتِيمٍ لِغَيْرِ حَاجَةٍ إلَّا لِبِنَاءِ صِهْرِيجٍ فِي دَارٍ أُخْرَى، وَتَزْوِيقٍ وَزَلِيجٍ، يُنْقَضُ هَذَا الْبَيْعُ؛ لِأَنَّ هَذَا سُوءُ نَظَرٍ. وَإِنْ كَانَ فِي تَعَقُّبِ فِعْلِ الْوَصِيِّ قَوْلَانِ. قَالَ: وَحُكِيَ أَنَّ بَعْضَ كِبَارِ الْفَاسِيِّينَ مِنْ فُقَهَائِهِمْ اشْتَرَى جَنَانًا فَبَنَى فِيهِ مَنَارَةً وَصِهْرِيجًا فَوَجَبَتْ فِيهِ الشُّفْعَةُ، فَطَلَبَ قِيمَةَ بِنَائِهِ، وَهُوَ غَلَطٌ إذْ مِثْلُ هَذَا لَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الْجَنَانِ نَقَلَهُ الشَّارِحُ. (فَرْعٌ) إذَا قَيَّمَ فِيمَا بَاعَهُ الْوَصِيُّ، فَعَلَى الْمُشْتَرِي أَنْ يُثْبِتَ أَنَّهُ الْمُشْتَرِي شِرَاءً صَحِيحًا، وَأَنَّ الْوَصِيَّ بَاعَ لِغِبْطٍ أَوْ حَاجَةٍ، وَيَتِمُّ لَهُ الشِّرَاءُ. وَفِي الطِّرَازِ عَنْ ابْنِ الْمَوَّازِ يَمْضِي وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِشَيْءٍ مِنْ الْوُجُوهِ الْمَذْكُورَةِ، وَهُوَ قَوْلُ الشُّيُوخِ قَدِيمًا وَبِهِ الْعَمَلُ مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ غَبْنٌ فِي الثَّمَنِ مِمَّا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ. وَجَازَ بَيْعُ حَاضِنٍ بِشَرْطِ أَنْ ... أُهْمِلَ مَحْضُونٌ، وَلَا يَعْلُو الثَّمَنْ عِشْرِينَ دِينَارًا مِنْ الشَّرْعِيِّ ... فِضِّيَّةً وَذَا عَلَى الْمَرْضِيِّ

يَعْنِي أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْحَاضِنِ أَنْ يَبِيعَ مَالَ مَحْضُونِهِ بِشَرْطَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ الْمَحْضُونُ يَتِيمًا مُهْمَلًا، أَيْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ وَصِيٌّ مِنْ أَبٍ وَلَا مُقَدَّمٌ مِنْ قَاضٍ، الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ قَلِيلًا كَعِشْرِينَ دِينَارًا شَرْعِيَّةً فَأَقَلَّ، فَإِنْ كَانَ لِلْمَحْضُونِ أَبٌ أَوْ وَصِيٌّ فَالْبَيْعُ لَهُمَا كَمَا تَقَدَّمَ،، أَوْ كَانَ الثَّمَنُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ بَعْدَ الْكَلَامِ عَلَى بَيْعِ الْأَبِ وَالْوَصِيِّ: وَأَمَّا الْكَافِلُ فَفِي بَيْعِهِ عَلَى مَكْفُولِهِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ: الْمَنْعُ مُطْلَقًا، قَالَهُ مَالِكٌ فِي كِتَابِ الْقَسْمِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ، وَالْجَوَازُ مُطْلَقًا، وَالْجَوَازُ فِي بَلَدٍ لَا سُلْطَانَ فِيهِ، وَالْمَنْعُ فِي بَلَدٍ فِيهِ سُلْطَانٌ، وَالْجَوَازُ فِي الْيَسِيرَةِ، قَالَهُ فِي الْعُتْبِيَّةِ. وَبِهِ قَالَ أَصْبَغُ وَبِهِ جَرَى الْعَمَلُ. وَاخْتُلِفَ فِي حَدِّ الْيَسِيرِ، فَقَالَ ابْنُ زَرْبٍ: ثَلَاثُونَ دِينَارًا، وَقَالَ ابْنُ الْعَطَّارِ: عِشْرُونَ دِينَارًا وَنَحْوُهَا، وَقَالَ ابْنُ الْهِنْدِيِّ: عَشْرَةٌ وَنَحْوُهَا. وَحُكِيَ عَنْ ابْنِ الْعَطَّارِ انْتَهَى بِبَعْضِ اخْتِصَارٍ (وَفِي الْمُتَيْطِيَّةِ) وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لِلصَّغِيرِ وَالْبِكْرِ الَّتِي لَمْ تَعْنِسْ أَبٌ وَلَا وَصِيٌّ، وَاحْتَاجَ مَنْ كَانَ مِنْهُمَا إلَى بَيْعِ شَيْءٍ مِنْ عَقَارِهِ، وَلَهُ حَاضِنٌ قَرِيبٌ أَوْ أَجْنَبِيٌّ أَوْ امْرَأَةٌ، فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَبِيعَ عَلَيْهِ الْيَسِيرَ التَّافِهَ مِنْ عَقَارِهِ، مِثْلُ الَّذِي يَكُونُ ثَمَنُهُ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ إلَى عِشْرِينَ وَيَنْفُذُ ذَلِكَ، وَلَا قِيَامَ فِيهِ لِلْيَتِيمِ بَعْدَ رُشْدِهِ إذَا أَصَابَ الْحَاضِنُ وَجْهَ الْبَيْعِ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ بِحَضْرَةِ السُّلْطَانِ أَوْ بَعِيدًا عَنْهُ. وَقِيلَ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْحَاضِن وَبِمَا قَدَّمْنَاهُ جَرَى الْعَمَلُ. (قَالَ الشَّارِحُ) وَأَشَارَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِالْمَرْضِيِّ إلَى هَذَا الْقَوْلِ الَّذِي جَرَى بِهِ الْعَمَلُ. اهـ أَيْ مِنْ جَوَازِ بَيْعِ الْحَاضِنِ، قَالَ: وَحَالُ الْأُمِّ فِي ذَلِكَ أَقْوَى مِنْ غَيْرِهَا لِأَنَّ مَالِكًا أَجَازَ لَهَا أَنْ تُوصِيَ بِابْنِهَا وَبِمَا يَصِيرُ لَهُ مِنْ تَرِكَتِهَا إلَى مَنْ يَنْظُرُ لَهُ إذَا كَانَتْ التَّرِكَةُ سِتِّينَ دِينَارًا فَأَقَلَّ. (فَرْعٌ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَإِذَا قُيِّمَ عَلَى الْمُبْتَاعِ فِيمَا بَاعَهُ الْكَافِلُ فَعَلَيْهِ أَنْ يُثْبِتَ حَضَانَةَ الْبَائِعِ، وَحَاجَةَ الْمَحْضُونِ، وَالسَّدَادَ فِي الثَّمَنِ، وَأَنَّهُ أَنْفَقَ الثَّمَنَ عَلَيْهِ، وَأَدْخَلَهُ فِي مَصَالِحِهِ، وَأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ، وَأَنَّهُ أَوْلَى مَا بِيعَ عَلَيْهِ مِنْ عَقَارِهِ، وَيَضْمَنُ ذَلِكَ عَقْدَ الْبَيْعِ آخِرًا. (فَرْعٌ) نَقَلَ صَاحِبُ الْمِعْيَارِ آخِرَ السِّفْرِ الثَّالِثِ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الصَّغِيرِ فِي أَثْنَاءِ جَوَابٍ لَهُ: أَنَّ الْقَرِيبَ كَالْأَخِ وَالْعَمِّ اُخْتُلِفَ فِيهِ هَلْ يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الْوَصِيِّ؛ فَيَمْضِي بَيْعُهُ عَلَى الصَّغِيرِ، وَلَا يُرَدُّ. أَوْ لَا يَنْزِلُ مَنْزِلَتَهُ فَلَا يَمْضِي

بَيْعُهُ بَلْ يُرَدُّ، وَعَلَى رَدِّهِ فَلَا يَرُدُّ الْمُشْتَرِي الْغَلَّةَ لِلشُّبْهَةِ بِمُرَاعَاةِ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ كَالْوَصِيِّ وَمَا اشْتَرَى الْمَرِيضُ أَوْ مَا بَاعَا ... إنْ هُوَ مَاتَ يَأْبَى الِامْتِنَاعَ فَإِنْ يَكُنْ حَابَى بِهِ فَالْأَجْنَبِي ... مِنْ ثُلْثِهِ يَأْخُذُ مَا بِهِ حُبِيَ وَمَا بِهِ الْوَارِثُ حَابَى مُنِعَا ... وَإِنْ يُجِزْهُ الْوَارِثُونَ اُتُّبِعَا مَا ذُكِرَ هُنَا وَمَا بَعْدَهُ إلَى آخِرِ الْفَصْلِ هُوَ مِنْ زِيَادَاتِ هَذَا النَّظْمِ عَلَى مُخْتَصَرِ الشَّيْخِ خَلِيلٍ إلَّا بَيْعَ الْحَاكِمِ وَالْوَارِثِ وَالْمَجْنُونِ وَمَنْ مَعَهُ وَالْأَعْمَى. وَالْمُحَابَاةُ مُفَاعَلَةٌ مِنْ حَابَى إذَا أَعْطَى. وَيُطْلِقُهُ الْفُقَهَاءُ عَلَى الْبَيْعِ بِأَقَلَّ مِنْ الْقِيمَةِ بِكَثِيرٍ قَصْدًا لِنَفْعِ الْمُشْتَرِي، وَعَلَى الشِّرَاءِ بِأَكْثَرَ كَذَلِكَ قَصْدًا لِنَفْعِ الْبَائِعِ، فَمَا نَقَصَ عَنْ الْقِيمَةِ فِي الْبَيْعِ أَوْ زَادَ عَلَيْهَا فِي الشِّرَاءِ عَطِيَّةٌ وَهِبَةٌ مِنْ الْمَرِيضِ لِلْمُشْتَرِي أَوْ الْبَائِعِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ بِقَصْدِ نَفْعِ مَنْ ذُكِرَ بَلْ لِلْجَهْلِ بِالثَّمَنِ فَهُوَ الْغَبْنُ الْآتِي لِلنَّاظِمِ، أَمَّا التَّوْلِيجُ فَهُوَ الْهِبَةُ فِي صُورَةِ الْبَيْعِ لِإِسْقَاطِ كُلْفَةِ الْحَوْزِ فِي الْبَيْعِ وَالِافْتِقَارِ إلَيْهِ فِي الْهِبَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. هَذَا هُوَ الْغَالِبُ فِي الِاسْتِعْمَالِ إنْ كَانَ بَعْضُهَا يُطْلَقُ عَلَى بَعْضٍ لِتَقَارُبِ مَعَانِيهَا. وَيَعْنِي النَّاظِمُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْمَرِيضَ مَرَضًا مَخُوفًا إذَا بَاعَ أَوْ اشْتَرَى فِي حَالَ مَرَضِهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ مَاضٍ نَافِذٌ وَلَا يُرَدُّ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُحْجَرُ عَلَيْهِ فِي التَّبَرُّعَاتِ لَا فِي الْمُعَاوَضَاتِ. وَإِلَى نُفُوذِ بَيْعِهِ وَإِمْضَائِهِ أَشَارَ النَّاظِمُ بِقَوْلِهِ: يَأْبَى الِامْتِنَاعُ أَيْ لَا يَقْبَلُ الِامْتِنَاعَ، وَإِذَا لَمْ يَقْبَلْهُ فَهُوَ مَاضٍ، وَذَلِكَ الْمُرَادُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ مُحَابَاةٌ فَلَا إشْكَالَ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ مُحَابَاةٌ كَانَ ذَلِكَ كَمَا ذَكَرْنَا مَحْضَ هِبَةٍ فِي الْمَرَضِ، فَإِنْ كَانَ لِأَجْنَبِيٍّ فَإِنَّهُ يُخْرَجُ مِنْ ثُلُثِهِ إنْ مَاتَ، فَإِنْ زَادَ عَلَيْهِ رُدَّ إلَّا أَنْ يُجِيزَهُ الْوَرَثَةُ، وَإِنْ كَانَ لِوَارِثٍ تَوَقَّفَ عَلَى إجَازَةِ بَاقِي الْوَرَثَةِ، فَإِنْ أَجَازُوهُ جَازَ، وَإِنْ رَدُّوهُ رُدَّ (قَالَ فِي الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ) : وَبَيْعُ الْمَرِيضِ وَابْتِيَاعُهُ جَائِزٌ مَا لَمْ يُحَابِ، فَإِنْ حَابَى وَمَاتَ مِنْ مَرَضِهِ فَإِنْ كَانَتْ الْمُحَابَاةُ لِمَنْ لَا يَرِثُهُ فَمُحَابَاةٌ فِي ثُلُثِهِ، إنْ حَمَلَهَا الثُّلُثُ أَوْ مَا حَمَلَ مِنْهَا، وَيَرْجِعُ مَا لَمْ يَحْمِلْ مِنْهَا مِيرَاثًا، وَإِنْ كَانَتْ لِمَنْ يَرِثُهُ فَلَا يَجُوزُ شَيْءٌ مِنْ الْمُحَابَاةِ لِأَنَّهَا وَصِيَّةٌ لِوَارِثٍ إلَّا أَنْ يُجِيزَهَا الْوَرَثَةُ اهـ. مِنْ الشَّارِحِ (ابْنُ الْحَاجِبِ) وَيُوقَفُ كُلُّ تَبَرُّعٍ، فَإِنْ مَاتَ فَمِنْ الثُّلُثِ، وَإِنْ صَحَّ كَالْإِنْشَاءِ (التَّوْضِيحُ) كُلُّ تَبَرُّعٍ أَيْ عِتْقًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ. وَظَاهِرُهُ كَانَ لَهُ مَالٌ مَأْمُونٌ أَمْ لَا وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ الْأَوَّلُ وَاَلَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ فِي الْمَأْمُونِ أَنَّهُ يَنْفُذُ مَا بَتَلَ مِنْ عِتْقٍ، أَوْ غَيْرِهِ، فِي الْمَرَضِ. قَالَ فِي كِتَابِ الْعِتْقِ: وَلَيْسَ الْمَالُ الْمَأْمُونُ عِنْدَ مَالِكٍ إلَّا فِي الدُّورِ وَالْأَرْضِينَ وَالنَّخْلِ وَالْعَقَارِ فَإِنْ مَاتَ أَيْ بَعْدُ، فَتَبَرُّعُهُ خَارِجٌ مِنْ الثُّلُثِ كَالْوَصَايَا، وَإِنْ لَمْ يَمُتْ فَكَالْإِنْشَاءِ فِي الصِّحَّةِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ أَنْشَأَ ذَلِكَ التَّبَرُّعَ فِي الصِّحَّةِ فَيَلْزَمُهُ. (تَنْبِيهٌ) إذَا أَجَازَ الْوَرَثَةُ الْوَصِيَّةَ لِلْوَارِثِ أَوْ الزَّائِدِ عَلَى الثُّلُثِ فِي الْوَصِيَّةِ لِأَجْنَبِيٍّ، فَهَلْ إجَازَتُهُمْ تَقْرِيرٌ لِمَا فَعَلَ الْمُوصِي؛ فَلَا تَفْتَقِرُ لِحَوْزٍ، أَوْ ذَلِكَ إنْشَاءُ عَطِيَّةٍ مِنْ الْوَارِثِ فَتَفْتَقِرُ لِلْحَوْزِ فَإِنْ مَاتَ الْوَارِثُ قَبْلَ حَوْزِهَا بَطَلَتْ قَوْلَانِ.

وَكُلُّ مَا الْقَاضِي يَبِيعُ مُطْلَقَا ... بَيْعُ الْبَرَاءَةِ بِهِ تَحَقَّقَا وَالْخُلْفُ فِيمَا بَاعَهُ الْوَصِيُّ ... أَوْ وَارِثٌ وَمَنْعُهُ مَرْضِيُّ إلَّا بِمَا الْبَيْعُ بِهِ يَكُونُ ... بِرَسْمِ أَنْ تُقْضَى بِهِ الدُّيُونُ يَعْنِي أَنَّ كُلَّ مَا يَبِيعُهُ الْقَاضِي مِنْ رَقِيقٍ أَوْ حَيَوَانٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ عَلَى مُفْلِسٍ، أَوْ صَغِيرٍ أَوْ غَيْرِهِمَا، وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِالْإِطْلَاقِ فَإِنَّهُ بَيْعُ بَرَاءَةٍ أَيْ لَا قِيَامَ فِيهِ لِلْمُشْتَرِي بِعَيْبٍ إنْ وَجَدَهُ، وَاخْتُلِفَ فِيمَا بَاعَهُ الْوَصِيُّ وَالْوَارِثُ هَلْ هُوَ بَيْعُ بَرَاءَةٍ فَلَا يُرَدُّ بِعَيْبٍ أَوْ لَا فَلِلْمُشْتَرِي الْقِيَامُ بِالْعَيْبِ، وَمَنْعُ كَوْنِ بَيْعِهَا بَيْعَ بَرَاءَةٍ هُوَ الْقَوْلُ الْمُرْضِي. قَالَ الشَّارِحُ: يَعْنِي بِهِ الْقَوْلَ الَّذِي جَرَى بِهِ الْعَمَلُ انْتَهَى. وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِي كَوْنِ بَيْعِ الْوَصِيِّ وَالْوَارِثِ بَيْعَ بَرَاءَةٍ أَوْ لَا إنَّمَا هُوَ إنْ لَمْ يَكُنْ لِقَضَاءِ دَيْنٍ نَحْوَهُ كَتَنْفِيذِ وَصِيَّةٍ أَمَّا مَا كَانَ لِذَلِكَ فَإِنَّهُ بَيْعُ بَرَاءَةٍ هَذَا ظَاهِرُ النَّظْمِ وَفِي الشَّارِحِ أَنَّ فِيهِ الْخِلَافَ كَغَيْرِهِ، وَعَلَيْهِ فَلَوْ قَالَ كَذَلِكَ الْبَيْعُ الَّذِي يَكُونُ .. إلَخْ (قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ) وَأَمَّا مَا بَاعَهُ السُّلْطَانُ عَلَى مُفْلِسٍ، أَوْ فِي مَغْنَمٍ، أَوْ لِقَضَاءِ دَيْنٍ أَوْ وَرَثَةٍ أَوْ عَلَى صَغِيرٍ فَهُوَ بَيْعُ بَرَاءَةٍ، وَإِنْ لَمْ يُشْتَرَطُ، وَلَيْسَ لِلْمُبْتَاعِ رَدٌّ بِعَيْبٍ قَدِيمٍ وَلَا فِي ذَلِكَ عُهْدَةُ ثَلَاثٍ وَلَا سَنَةٍ. وَهُوَ مِنْ الْمُبْتَاعِ بِعَقْدِ الشِّرَاءِ، هَذَا قَوْلُ مَالِكٍ الْمَشْهُورُ الْمَعْمُولُ بِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي كِتَابِ: (الْعُيُوبِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ) : وَثَبَتَ مَالِكٌ عَلَى أَنَّ بَيْعَ السُّلْطَانِ بَيْعُ بَرَاءَةٍ قَالَ وَهُوَ أَشَدُّ مِنْ الْبَرَاءَةِ. ثُمَّ قَالَ الْمُتَيْطِيُّ فَإِذَا قُلْنَا بِالْقَوْلِ الْمَشْهُورِ الْمَعْمُولِ بِهِ، فَهَلْ يَكُونُ بَيْعُ السُّلْطَانِ بَيْعَ بَرَاءَةٍ فِي كُلِّ شَيْءٍ أَوْ فِي الرَّقِيقِ خَاصَّةً؟ عَنْ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ: إحْدَاهُمَا: أَنَّهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ رَوَاهَا ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَمُطَرِّفٍ وَأَصْبَغَ وَغَيْرِهِمْ. قَالَ الشَّارِحُ: وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ هِيَ الَّتِي اعْتَمَدَ الشَّيْخُ. وَفِي الْمُفِيدِ وَاخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي بَيْعِ الْمِيرَاثِ فَقَالَ مَرَّةً: هُوَ بَيْعُ بَرَاءَةٍ. وَقَالَ مَرَّةً: لَا يَكُونُ بَيْعَ بَرَاءَةٍ. (وَفِي الْجَوَاهِرِ) قَالَ الْإِمَامُ: وَأَمَّا بَيْعُ الْوَرَثَةِ لِقَضَاءِ دُيُونٍ، وَتَنْفِيذِ وَصَايَا، فَإِنَّ فِيهِ الْخِلَافَ الْمَشْهُورَ قَالَ: فَاقْتَصَرَ مَرَّةً عَلَى ثُبُوتِ الْبَرَاءَةِ فِي بَيْعِ السُّلْطَانِ خَاصَّةً، وَأَضَافَ إلَى ذَلِكَ مَرَّةً بَيْعَ أَهْلِ الْمِيرَاثِ، وَمُرَادُهُ مِنْ ذَلِكَ مَا بَاعُوهُ لِقَضَاءِ دَيْنٍ، أَوْ إنْفَاذِ وَصِيَّةٍ. (قَالَ ابْنُ شَاسٍ) : وَإِنَّمَا حُمِلَ بَيْعُ الْوَرَثَةِ لِقَضَاءِ دَيْنٍ أَوْ لِإِنْقَاذِ وَصِيَّةٍ عَلَى بَيْعِ الْبَرَاءَةِ لِكَوْنِ الدُّيُونِ كَالْوَصَايَا يَجِبُ إنْفَاذُهَا، وَمِنْ حَقِّ أَهْلِهَا أَنْ تُعَجَّلَ لَهُمْ حُقُوقُهُمْ إذَا طَلَبُوهَا وَالسُّلْطَانُ وَالْوَصِيُّ،

وَالْوَرَثَةُ غَيْرُ عَالِمِينَ بِأَحْوَالِ الْمَبِيعِ وَهُمْ مُطَالَبُونَ بِاسْتِعْجَالِ الْبَيْعِ فَحُمِلَ بَيْعُهُمْ عَلَى الْبَرَاءَةِ لِأَجْلِ ذَلِكَ، بِخِلَافِ بَيْعِ الْإِنْسَانِ مَالَ نَفْسِهِ انْتَهَى. (تَنْبِيهٌ) قَالَ الشَّيْخُ خَلِيلٍ فِي ابْتِدَاءِ مَوَانِعِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ: وَمُنِعَ مِنْهُ بَيْعُ حَاكِمٍ وَوَارِثٍ رَقِيقًا فَقَطْ فَقَوْلُهُ رَقِيقًا فَقَطْ يُحْتَمَلُ رُجُوعُهُ لِبَيْعِ الْحَاكِمِ وَالْوَارِثِ مَعًا، وَإِنَّ بَيْعَهُمَا إنَّمَا يَكُونُ بَيْعَ بَرَاءَةٍ فِي الرَّقِيقِ فَقَطْ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِرِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَيُحْتَمَلُ رُجُوعُهُ لِبَيْعِ الْوَارِثِ فَقَطْ فَهُوَ الَّذِي يَخْتَصُّ بِالرَّقِيقِ وَأَمَّا بَيْعُ السُّلْطَانِ فَبَيْعُ بَرَاءَةٍ فِي كُلِّ شَيْءٍ وَهِيَ رِوَايَةُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَأَصْبَغَ (تَنْبِيهٌ) إنَّمَا يَكُونُ بَيْعُهُمَا بَيْعَ بَرَاءَةٍ إذَا لَمْ يُدَلِّسَا، وَالْمُرَادُ بِبَيْعِ الْحَاكِمِ مَا بَاعَهُ بِوَصْفِ الْحُكْمِ، لَا مَا بَاعَهُ بِوَصْفِ الْمِلْكِ (قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ) وَعَلَى اعْتِبَارِ الْمِيرَاثِ فَفِي كَوْنِهِ مَا بِيعَ لِقَضَاءِ دَيْنٍ فَقَطْ، أَوْ وَلِمَا بِيعَ لِقَسْمِ الْوَرَثَةِ قَوْلَانِ لِلْبَاجِيِّ وَعِيَاضٍ وَغَيْرِهِ انْتَهَى. (ابْنُ هَارُونَ فِي اخْتِصَارِ الْمُتَيْطِيَّةِ) مَا بَاعَهُ الْوَرَثَةُ لِقَضَاءِ دَيْنٍ أَوْ وَصَايَا لَا يَكُونُ بَيْعَ بَرَاءَةٍ، إلَّا أَنْ يُصَرِّحَ الْوَرَثَةُ بِأَنَّهُ بَيْعُ مِيرَاثٍ أَوْ يَعْلَمَ بِذَلِكَ الْمُبْتَاعُ فَيَكُونُ بَيْعَ بَرَاءَةٍ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الْمُبْتَاعُ بِأَنَّهُ بَيْعُ مِيرَاثٍ أَوْ سُلْطَانٍ فَهُوَ مُخَيَّرٌ فِي الرَّدِّ أَوْ التَّمَاسُكِ بِلَا عُهْدَةٍ قَالَهُ مَالِكٌ قَالَ مَالِكٌ: وَأَرَى إنْ عَلِمَ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ بَيْعُ سُلْطَانٍ أَوْ مِيرَاثٍ، وَجَهِلَ أَنَّهُ بَيْعُ بَرَاءَةٍ أَنْ تَكُونَ لَهُ الْعُهْدَةُ، وَلَا يَكُونُ بَيْعُ السُّلْطَانِ بَيْعَ بَرَاءَةٍ حَتَّى يُسْأَلَ الَّذِي يُبَاعُ عَلَيْهِ هَلْ عَلِمَ بِهِ عَيْبًا أَمْ لَا؟ اهـ وَفِيهِ تَحْرِيرٌ وَبِكَلَامِ الْمُتَيْطِيِّ وَمَا تَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ عَرَفَةَ يَتَبَيَّنُ مَعْنَى قَوْلِ الشَّيْخِ خَلِيلٍ: وَوَارِثٍ وَأَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ مَنْ صَارَ لَهُ رَقِيقٌ مِنْ إرْثٍ فَبَاعَهُ بَلْ مَا بِيعَ لِيُقْسَمَ أَوْ بِيعَ لِقَضَاءِ دَيْنٍ أَوْ وَصَايَا عَلَى الْخِلَافِ الْمُتَقَدِّمِ وَقَوْلُهُ وَوَارِثٍ الْمُتَيْطِيُّ وَكَذَا الْوَصِيُّ إذَا بَاعَ لِمَنْ يَلِي عَلَيْهِ لِنَفَقَةٍ أَوْ غَيْرِهَا، وَبَيَّنَ ذَلِكَ، فَلَا تِبَاعَةَ عَلَيْهِ، وَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي فِي الثَّمَنِ إنْ كَانَ قَائِمًا، فَإِنْ أَنْفَقَهُ عَلَى الْأَيْتَامِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَبَيْعُ الْقَاضِي كَبَيْعِ الْوَصِيِّ. اهـ وَهُوَ عِنْدَهُ عَامٌّ فِي الرَّقِيقِ وَغَيْرِهِ انْتَهَى مِنْ طُرَرِ شَيْخِنَا - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَإِنَّمَا أَثْبَتُّهُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ طُولٌ لِمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنْ الْفَوَائِدِ. (تَنْبِيهٌ) مَا تَقَدَّمَ لِلنَّاظِمِ فِي تَرْجَمَةِ بَيْعِ الرَّقِيقِ وَالْحَيَوَانِ فِي قَوْلِهِ: وَالْبَيْعُ مِنْ بَرَاءَةٍ إنْ نُصَّتْ ... عَلَى الْأَصَحِّ بِالرَّقِيقِ اخْتَصَّتْ هُوَ فِي غَيْرِ بَيْعِ الْقَاضِي وَالْوَارِثِ وَنَحْوِهِ كَالْوَصِيِّ، بَلْ فِي بَيْعِ الْإِنْسَانِ مَالَ نَفْسِهِ وَنَحْوِهِ كَالْوَكِيلِ إنْ أَمَرَهُ بِذَلِكَ مُوَكِّلُهُ بِدَلِيلِ مَا ذُكِرَ هُنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَمِنْ أَصَمَّ أَبْكَمَ الْعُقُودُ ... جَائِزَةٌ وَيَشْهَدُ الشُّهُودُ بِمُقْتَضَى إشَارَةٍ قَدْ أَفْهَمَتْ ... مَقْصُودَهُ وَبِرِضَاهُ أَعْلَمَتْ وَإِنْ يَكُنْ مَعَ ذَاكَ أَعْمَى امْتَنَعَا ... لِفَقْدِهِ الْإِفْهَامَ وَالْفَهْمَ مَعَا يَعْنِي أَنَّ مَنْ كَانَ أَصَمَّ أَبْكَمَ فَإِنَّ مَا يَعْقِدُهُ مِنْ بَيْعٍ، وَابْتِيَاعٍ، وَنِكَاحٍ، وَمُعَاوَضَةٍ، وَتَبَرُّعٍ، جَائِزٌ لَازِمٌ لَهُ وَيَعْتَمِدُ الشُّهُودُ عَلَيْهِ بِمَا فَعَلَ مِنْ ذَلِكَ عَلَى الْإِشَارَةِ الَّتِي تُفْهِمُ مَقْصُودَهُ قَطْعًا وَتُعْلِمُ بِرِضَاهُ حَتْمًا، فَإِنْ إنْضَاف إلَى الصَّمَمِ وَالْبَكَمِ آفَةُ الْعَمَى امْتَنَعَ كُلُّ عَقْدٍ فِي حَقِّهِ لِفَقْدِهِ الْآلَةَ الَّتِي تُوَصِّلُ الْإِفْهَامَ عَنْهُ لِلشَّاهِدِ عَلَيْهِ، وَالْفَهْمَ لَهُ (قَالَ فِي الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ) وَيَلْزَمُ الْأَصَمَّ الْأَبْكَمَ بَيْعُهُ وَابْتِيَاعُهُ وَأَفْعَالُهُ كُلُّهَا إذَا قَطَعَ الشُّهُودُ عَلَيْهِ مَعْرِفَته ذَلِكَ وَرِضَاهُ بِإِشَارَتِهِ إلَيْهِمْ، وَإِشَارَتِهِمْ إلَيْهِ، وَلَمْ يَشُكُّوا فِي ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ أَصَمَّ أَبْكَمَ أَعْمَى لَمْ تَجُزْ مُبَايَعَتُهُ، وَلَا مُنَاكَحَتُهُ وَلَا مُعَامَلَتُهُ، انْتَهَى. مِنْ الشَّارِحِ أَيْ وَيَكُونُ النَّظَرُ فِي مَالِهِ وَغَيْرِهِ لِلْقَاضِي كَالصَّبِيِّ الْمُهْمَلِ وَغَيْرِهِ كَذَاكَ لِلْمَجْنُونِ وَالصَّغِيرِ ... يُمْنَعُ وَالسَّكْرَانِ لِلْجُمْهُورِ يَعْنِي كَمَا يَمْتَنِعُ الْعَقْدُ مِمَّنْ اجْتَمَعَ فِيهِ الصَّمَمُ وَالْعَمَى وَالْبَكَمُ، كَذَلِكَ يَمْتَنِعُ مِنْ هَؤُلَاءِ، وَهُمْ الْمَجْنُونُ وَالصَّغِيرُ وَالسَّكْرَانُ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَوَّلَ الْبُيُوعِ مِنْ شَرْطِ عَاقِدِ الْبَيْعِ أَنْ يَكُونَ بَالِغًا عَاقِلًا، فَالْمَجْنُونُ وَالصَّغِيرُ وَالسَّكْرَانُ هُمْ كَمَنْ اجْتَمَعَ فِيهِ الصَّمَمُ وَالْبَكَمُ وَالْعَمَى فِي عَدَمِ جَوَازِ مُعَامَلَتِهِمْ عِنْدَ الْجُمْهُورِ

لِأَنَّ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةَ وَإِنْ وُجِدَ مِنْهُمْ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ الْفَهْمُ وَالْإِفْهَامُ، فَهُمْ لِفَقْدِ الْعَقْلِ أَوْ عَدَمِ كَمَالِهِ كَمَنْ لَا فَهْمَ لَهُ وَلَا إفْهَامَ فَاسْتَوَوْا مَعَهُمْ فِي الْحُكْمِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ» فَذَكَرَ فِيهِمْ الْمَجْنُونَ حَتَّى يُفِيقَ، وَالصَّغِيرَ حَتَّى يَحْتَلِمَ. (قَالَ الشَّارِحُ) : وَاشْتِرَاطُ الصِّحَّةِ، وَجَوَازُ الْأَمْرِ فِي الْعُقُودِ كُلِّهَا أَشْهَرُ مِنْ أَنْ يُسْتَظْهَرَ عَلَيْهِ، وَمَنَعَ فَاقِدَ الْعَقْلِ عَدَمُ الصِّحَّةِ وَجَوَازُ الْأَمْرِ، وَالصَّغِيرُ غَيْرُ جَائِزِ الْأَمْرِ، وَالسَّكْرَانُ إذَا فَقَدَ عَقْلَهُ بِالْجُمْلَةِ لَاحِقٌ بِالْمَجْنُونِ مَا دَامَ عَلَى تِلْكَ الْحَالَةِ، فَفِي الْمَنْهَجِ السَّالِكِ بَعْدَ تَقْسِيمِهِ الْبُيُوعَ إلَى خَمْسَةِ أَقْسَامٍ، وَذَكَرَ الْقِسْمَ الْأَوَّلَ مَا نَصُّهُ: وَالثَّانِي: بَيْعُ مَنْ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ كَالصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ وَالْمَضْغُوطِ وَأَشْبَاهِهِمْ، وَفِي الْمُفِيدِ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ السَّكْرَانِ وَلَا ابْتِيَاعُهُ عِنْدَ مَالِكٍ، وَلَكِنْ يَحْلِفُ بِاَللَّهِ أَنَّهُ مَا كَانَ يَعْقِلُ حِينَ بَيْعِهِ أَوْ ابْتِيَاعِهِ ثُمَّ لَا يَلْزَمُهُ الْعَقْدُ اهـ. وَفِي التَّوْضِيحِ فِي تَرْجَمَةِ الْأَهْلِ أَحَدُ أَرْكَانِ الطَّلَاقِ فِي السَّكْرَانِ ثَلَاثَةُ طُرُقٍ الْأُولَى لِابْنِ رُشْدٍ أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ هُوَ الْمُخْتَلَطُ الَّذِي مَعَهُ بَقِيَّةٌ مِنْ عَقْلِهِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الِاخْتِلَاطَ مِنْ نَفْسِهِ فَيُخْطِئُ وَيُصِيبُ. قَالَ: وَأَمَّا السَّكْرَانُ الَّذِي لَا يَعْرِفُ الْأَرْضَ مِنْ السَّمَاءِ، وَلَا الرَّجُلَ مِنْ الْمَرْأَةِ، فَلَا اخْتِلَافَ أَنَّهُ كَالْمَجْنُونِ فِي جَمِيعِ أَفْعَالِهِ وَأَحْوَالِهِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ الثَّانِيَةُ: عَكْسُهَا لِابْنِ بَشِيرٍ إنْ كَانَ فِي حَالِ تَمْيِيزِهِ لَزِمَهُ الطَّلَاقُ بِالِاتِّفَاقِ، وَإِنْ كَانَ مَغْمُورًا فَالْمَشْهُورُ اللُّزُومُ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَهَذِهِ عَكْسُ طَرِيقَةِ ابْنِ رُشْدٍ الثَّالِثَةُ: لِلَّخْمِيِّ: أَنَّ الْخِلَافَ فِي السَّكْرَانِ مُطْلَقًا، سَوَاءٌ كَانَ مَعَهُ مَيْزٌ أَمْ لَا. وَكَذَلِكَ حَكَى ابْنُ رُشْدٍ عَنْ الْمَازِرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: الْمَشْهُورُ لُزُومُ طَلَاقِهِ، وَالشَّاذُّ عَدَمُ لُزُومِهِ وَلَمْ يُفَصِّلْ (قَالَ فِي التَّوْضِيحِ) : وَتَحْصِيلُ الْقَوْلِ فِي السَّكْرَانِ أَنَّ الْمَشْهُورَ تَلْزَمُهُ الْجِنَايَاتُ، وَالْعِتْقُ، وَالطَّلَاقُ، وَالْحُدُودُ، وَلَا تَلْزَمُهُ الْإِقْرَارَاتُ وَالْعُقُودُ قَالَ فِي الْبَيَانِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَعَامَّةِ أَصْحَابِهِ، وَأَظْهَرُ الْأَقْوَالِ اهـ وَقَدْ جَمَعَ شَيْخُنَا ابْنُ عَاشِرٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا التَّحْصِيلَ فِي بَيْتٍ وَهُوَ لَا يَلْزَمُ السَّكْرَانَ إقْرَارٌ عُقُودْ ... بَلْ مَا جَنَى عِتْقٌ طَلَاقٌ وَحُدُودْ وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ أَوَّلَ الْبُيُوعِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَصِحَّ بَيْعُ السَّكْرَانِ أَوْ لَمْ يَلْزَمْهُ، لِأَنَّا لَوْ فَتْحَنَا هَذَا الْبَابَ مَعَ شِدَّةِ حِرْصِ النَّاسِ عَلَى أَخْذِ مَا بِيَدِهِ، وَكَثْرَةِ وُقُوعِ الْبَيْعِ لَأَدَّى إلَى أَنْ لَا يَبْقَى لَهُ شَيْءٌ. بِخِلَافِ طَلَاقِهِ وَقَتْلِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَتَعَلَّقُ فِيهِ الْحَقُّ لِغَيْرِهِ، فَإِنَّا لَوْ لَمْ نَعْتَبِرْهُ لَتَسَاكُرِ النَّاسِ لِيُتْلِفُوا أَمْوَالَ النَّاسِ وَأَرْوَاحَهُمْ انْتَهَى وَذُو الْعَمَى يَسُوغُ الِابْتِيَاعُ لَهُ ... وَبَيْعُهُ وَكُلُّ عَقْدٍ أَعْمَلَهُ وَبَعْضُهُمْ فَرَّقَ بَيْنَ مَنْ وُلِدْ ... أَعْمَى وَمَنْ عَمَاهُ مِنْ بَعْدُ وُجِدْ يَعْنِي أَنَّ الْأَعْمَى يَجُوزُ أَنْ يُبَاعَ لَهُ فَيَكُون مُشْتَرِيًا، وَيَجُوزُ بَيْعُهُ فَيَكُونُ بَائِعًا وَكَذَا يَجُوزُ كُلُّ عَقْدٍ أَوْقَعَهُ مِنْ نِكَاحٍ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْمُعَاوَضَاتِ، وَالتَّبَرُّعَاتِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَبَعْضُ الْفُقَهَاءِ فَرَّقَ بَيْنَ مَنْ وُلِدَ أَعْمَى فَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ، وَلَا ابْتِيَاعُهُ، وَبَيْنَ مَنْ طَرَأَ ذَلِكَ عَلَيْهِ بَعْدَ الْإِبْصَارِ فَيَصِحُّ بَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ (ابْنُ الْحَاجِبِ) وَالْأَعْمَى يَصِحُّ بَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ بِالصِّفَةِ، وَقِيلَ إلَّا الْأَصْلِيَّ (التَّوْضِيحُ) وَحَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ: أَنَّهُ إنْ تَقَدَّمَ لَهُ إبْصَارٌ صَحَّ بَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ اتِّفَاقًا وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ، فَقَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ: يَصِحُّ بَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ وَمَنَعَ ذَلِكَ أَبُو جَعْفَرَ الْأَبْهَرِيُّ هَكَذَا نَقَلَ اللَّخْمِيُّ (ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ) وَفِي مَعْنَى مَنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُ إبْصَارُ الَّذِي تَقَدَّمَ لَهُ إبْصَارٌ فِي سِنِّ الصِّغَرِ، ثُمَّ لَا يَتَخَيَّلُ الْأَلْوَانَ. وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا الْخِلَافُ فِي الصِّفَةِ الَّتِي لَا تُدْرَكُ إلَّا بِحَاسَّةِ الْبَصَرِ، وَأَمَّا مَا يُدْرَكُ بِغَيْرِ ذَلِكَ فَلَا مَانِعَ اهـ فِي الْمُفِيدِ. وَيَجُوزُ عِنْدَ مَالِكٍ بَيْعُ الْأَعْمَى وَشِرَاؤُهُ فِي السَّلَمِ وَغَيْرِهِ إذَا وُصِفَ لَهُ الشَّيْءُ صِفَةً مَعْلُومَةً، أَوْ كَانَ مَعَهُ مَنْ يَرَاهُ مِمَّنْ يَرْضَى ذَلِكَ مِنْهُ. وَفِي الْمَقْصِدِ الْمَحْمُودِ فِيمَنْ وُلِدَ أَعْمَى لَا تَجُوزُ مُعَامَلَتُهُ فِي بَيْعٍ وَلَا ابْتِيَاعٍ لِجَهْلِهِ بِالْمَبِيعِ، وَأَجَازَهُ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى الذَّوْقِ وَاللَّمْسِ دُونَ مَا يَرْجِعُ إلَى اللَّوْنِ وَالشَّكْلِ وَهُوَ أَحْسَنُ

فصل في اختلاف المتبايعين

[فَصْلٌ فِي اخْتِلَافِ الْمُتَبَايِعَيْنِ] ِ وَحَيْثُمَا اخْتَلَفَ بَائِعٌ وَمَنْ ... مِنْهُ اشْتَرَى إنْ كَانَ فِي قَدْرِ الثَّمَنْ وَلَمْ يَفُتْ مَا بِيعَ فَالْفَسْخُ إذَا ... مَا حَلَفَا أَوْ نَكَلَا قَدْ أُنْفِذَا وَالْبَدْءُ بِالْبَائِعِ ثُمَّ الْمُشْتَرِي ... فِي الْأَخْذِ وَالْيَمِينِ ذُو تَخَيُّرِ ثُمَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ بَعْدَ الرِّضَا ... وَقِيلَ إنْ تَحَالَفَا الْفَسْخُ مَضَى وَقِيلَ لَا يُحْتَاجُ فِي الْفَسْخِ إلَى ... حُكْمٍ وَسَحْنُونٌ لَهُ قَدْ نَقَلَا ذُكِرَ فِي هَذَا الْفَصْلِ حُكْمُ اخْتِلَافِ الْمُتَبَايِعَيْنِ، إمَّا فِي قَدْرِ الثَّمَنِ، أَوْ فِي جِنْسِهِ، أَوْ فِي الْأَجَلِ، أَوْ فِي انْقِضَائِهِ، أَوْ فِي قَبْضِ الثَّمَنِ، أَوْ الْمَثْمُونِ، أَوْ فِي الْبَتِّ وَالْخِيَارِ، أَوْ فِي الصِّحَّةِ، وَالْفَسَادِ، أَوْ فِي بَعْضِ مَا يَتَنَاوَلُهُ لَهُ عَقْدُ الْبَيْعِ. أَشَارَ بِالْأَبْيَاتِ إلَى أَنَّهُ إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ فِي قَدْرِ الثَّمَنِ مَعَ قِيَامِ الْمَبِيعِ، وَعَدَمِ فَوَاتِهِ فَإِنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ، وَيُفْسَخُ بَيْعُهُمَا. وَكَذَلِكَ يُفْسَخُ إنْ نَكَلَا مَعًا عَنْ الْيَمِينِ. وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِالْبَيْتَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ وَأَشَارَ لِكَيْفِيَّةِ تَحَالُفِهِمَا بِقَوْلِهِ: وَالْبَدْءُ بِالْبَائِعِ، وَالْبَيْتُ وَبَيَانُهُ أَنَّهُ إذَا قَالَ الْبَائِعُ: بِعْتُ بِعَشَرَةٍ مَثَلًا، وَقَالَ الْمُشْتَرِي: بَلْ بِثَمَانِيَةٍ، فَيَحْلِفُ الْبَائِعُ أَنَّهُ إنَّمَا بَاعَ بِعَشَرَةٍ، ثُمَّ يُقَالُ لِلْمُشْتَرِي إنْ شِئْتَ فَخُذْهُ بِالْعَشَرَةِ، فَإِنْ أَخَذَهُ بِهَا فَلَا كَلَامَ وَإِلَّا حَلَفَ أَنَّهُ إنَّمَا اشْتَرَى بِثَمَانِيَةٍ وَيُفْسَخُ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا. وَكَذَا يُفْسَخُ إنْ نَكَلَا مَعًا عَنْ الْيَمِينِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَاخْتُلِفَ هَلْ يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ بِتَمَامِ تَحَالُفِهِمَا؟ أَوْ حَتَّى يَحْكُمَ الْقَاضِي بِالْفَسْخِ؟ وَيَنْبَنِي عَلَى ذَلِكَ إذَا رَجَعَ أَحَدُهُمَا لِقَوْلِ صَاحِبِهِ بَعْدَ التَّحَالُفِ وَقَبْلَ الْحُكْمِ فَعَلَى تَوَقُّفِ الْفَسْخِ عَلَى الْحُكْمِ، مَنْ رَجَعَ لَزِمَ الْبَيْعُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا. وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: ثُمَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ بَعْدَ الرِّضَا أَيْ بَعْدَ التَّحَالُفِ عَلَى عَدَمِ تَوَقُّفِ الْفَسْخِ عَلَى الْحُكْمِ لَا يَلْزَمُ الْبَيْعُ إنْ رَجَعَ أَحَدُهُمَا لِوُقُوعِ الْفَسْخِ بِتَمَامِ التَّحَالُفِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: وَقِيلَ إنْ تَحَالَفَا، الْفَسْخُ مَضَى وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَقِيلَ لَا يَحْتَاجُ، الْبَيْتَ فَهُوَ فِي الْمَعْنَى تَعْلِيلٌ لِلْقَوْلِ الثَّانِي وَكَأَنَّهُ يَقُولُ: وَجْهُ مُضِيِّ الْفَسْخِ بِتَمَامِ التَّحَالُفِ، كَوْنُ الْفَسْخِ لَا يَفْتَقِرُ لِحُكْمِ حَاكِمٍ. وَعَلَيْهِ فَلَوْ قَالَ: إذْ قِيلَ لَا يَحْتَاجُ إلَخْ، لَكَانَ، أَبَيْنَ وَأَحْسَنُ مِنْهُ أَنْ يَقُولَ مَبْنَاهُمَا احْتِيَاجُ فَسْخِهِ إلَى الْبَيْتِ أَيْ مَبْنَى الْقَوْلَيْنِ فِي لُزُومِ الْبَيْعِ لِمَنْ رَجَعَ، وَعَدَمِ لُزُومِهِ احْتِيَاجُ الْفَسْخِ إلَى الْحُكْمِ أَيْ وَعَدَمُ احْتِيَاجِهِ إلَيْهِ، وَهُوَ الَّذِي نَقَلَهُ سَحْنُونٌ وَتَقَدَّمَ فِي اللِّعَانِ وَالْفَسْخُ مِنْ بَعْدِ اللِّعَانِ مَاضِي ... دُونَ طَلَاقٍ وَبِحُكْمِ الْقَاضِي وَتَقَدَّمَ أَيْضًا فِي فَصْلِ تَدَاعِي الزَّوْجَيْنِ: وَإِنْ تَرَاضَيَا عَلَى النِّكَاحِ ... فَفِي الْأَصَحِّ الرَّفْعُ لِلْجُنَاحِ أَيْ تَرَاضَيَا عَلَى النِّكَاحِ بَعْدَ حَلْفِهِمَا بِنَاءً عَلَى افْتِقَارِ الْفَسْخِ لِلْحُكْمِ، وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ مَبْنِيٌّ عَلَى عَدَمِ افْتِقَارِهِ لَهُ (قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ) : وَإِذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ فِي ثَمَنِ السِّلْعَةِ قَبْلَ قَبْضِهَا فَإِنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ، يَحْلِفُ الْبَائِعُ أَوَّلًا، ثُمَّ يَكُونُ لِلْمُبْتَاعِ الْخِيَارُ فِي أَنْ يَأْخُذَ السِّلْعَةَ مِمَّا حَلَفَ عَلَيْهِ الْبَائِعُ، أَوْ يَحْلِفُ عَلَى مَا قَالَ فَيُفْسَخُ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إلَّا أَنْ يَرْضَى الْمُبْتَاعُ أَخْذَهَا قَبْلَ الْحُكْمِ بِالْفَسْخِ بِمَا حَلَفَ عَلَيْهِ الْبَائِعُ فَذَلِكَ لَهُ. (قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ) : وَإِنْ أَرَادَ الْبَائِعُ قَبْلَ الْفَسْخِ أَنْ يُلْزِمَهَا الْمُبْتَاعَ بِمَا حَلَفَ عَلَيْهِ، فَذَلِكَ لَهُ، وَإِلَّا فُسِخَ الْبَيْعُ. وَقَالَ سَحْنُونٌ: بِتَمَامِ التَّحَالُفِ يَقَعُ الْفَسْخُ كَاللِّعَانِ قَالَ الْمُتَيْطِيُّ: وَإِنْ نَكَلَ الْبَائِعُ أَوَّلًا عَنْ الْيَمِينِ حَلَفَ الْمُبْتَاعُ، وَاسْتَحَقَّ سِلْعَتَهُ بِمَا حَلَفَ عَلَيْهِ، وَإِنْ نَكَلَ الْمُبْتَاعُ أَيْضًا انْفَسَخَتْ الصَّفْقَةُ بَيْنَهُمَا. رَوَاهُ مُحَمَّدٌ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ اهـ وَقَوْلُ الْمُتَيْطِيِّ فِي ثَمَنِ السِّلْعَةِ قَبْلَ قَبْضِهَا يُرِيدُ، وَكَذَلِكَ بَعْدَ قَبْضِهَا وَالْغَيْبَةِ عَلَيْهَا، وَلَمْ تَفُتْ عَلَى إحْدَى رِوَايَتَيْنِ، وَهِيَ الَّتِي اعْتَمَدَ

النَّاظِمُ، وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ قَبْضِهَا، وَعَدَمِ قَبْضِهَا إذَا كَانَتْ قَائِمَةً لَمْ تَفُتْ حَسْبَمَا نَقَلَهُ الشَّارِحُ عَنْ الْمُتَيْطِيَّةِ أَيْضًا، وَعَنْ الْمُقَرِّبِ وَقَالَ فِي الْجَوَاهِرِ: إذَا حَلَفَا فَمَذْهَبُ سَحْنُونٍ انْفِسَاخُ الْعَقْدِ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: بَلْ يَفْتَقِرُ إلَى إنْشَاءِ الْفَسْخِ، وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ إذَا رَضِيَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْفَسْخِ أَنْ يُمْضِيَ الْعَقْدَ بِمَا قَالَ الْآخَرُ وَإِنْ يَفُتْ فَالْقَوْلُ لِلَّذِي اشْتَرَى ... وَذَا الَّذِي بِهِ الْقَضَاءُ قَدْ جَرَى هَذَا تَصْرِيحٌ بِمَفْهُومِ قَوْلِهِ فِي الْبَيْتِ الثَّانِي مِنْ الْأَبْيَاتِ قَبْلَ هَذَا، وَلَمْ يَفُتْ مَا بِيعَ، يَعْنِي إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ فِي قَدْرِ الثَّمَنِ بَعْدَ فَوْتِ الْمَبِيعِ بِحَوَالَةِ سُوقٍ فَأَكْثَرَ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي، يَعْنِي مَعَ يَمِينِهِ عَلَى الْقَوْلِ الَّذِي بِهِ الْقَضَاءُ، وَهِيَ رِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ وَيَعْنِي أَيْضًا، إذَا أَتَى بِمَا يُشْبِهُ وَإِلَّا فَالْقَوْلُ لِلْبَائِعِ مَعَ يَمِينِهِ إنْ أَتَى مِمَّا يُشْبِهُ، وَيَأْخُذُ مَا قَالَ فَإِنْ نَكَلَ أَخَذَ مَا قَالَ الْمُبْتَاعُ بِلَا يَمِينٍ، وَإِنْ جَاءَا مَعًا بِمَا لَا يُشْبِهُ فَعَلَى الْمُبْتَاعِ الْقِيمَةُ، وَيُصَدَّقُ فِي الصِّفَةِ وَإِنْ قَالَ عَبْدٌ أَعْجَمِيٌّ مُقْعَدٌ إلَّا أَنْ تَقُومَ بَيِّنَةٌ بِخِلَافِهِ قَالَهُ الْمُتَيْطِيُّ ثُمَّ نَقَلَ رِوَايَةً أُخْرَى قَالَ: وَبِالْأُولَى الْقَضَاءُ. وَلَوْ قَالَ النَّاظِمُ بَدَلَ الشَّرْطِ الْأَخِيرِ: إنَّ قَوْلَهُ أَشْبَهَ وَالْخُلْفُ جَرَى لَكَانَ أَفْيَدَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَفِي مُخْتَصَرِ الشَّيْخِ خَلِيلٍ وَصُدِّقَ مَنْ ادَّعَى الْأَشْبَهَ وَحَلَفَ إنْ فَاتَ فَقَوْلُهُ: مَنْ ادَّعَى الْأَشْبَهَ أَيْ مِنْ بَائِعٍ أَوْ مُشْتَرٍ مَعَ يَمِينِهِ عِنْد فَوْتِ الْمَبِيعِ وَإِنْ يَكُنْ فِي جِنْسِهِ الْخُلْفُ بَدَا ... تَفَاسَخَا بَعْدَ الْيَمِينِ أَبَدَا وَمَا يَفُوتُ وَاقْتَضَى الرُّجُوعَ ... بِقِيمَةٍ فَذَاكَ يَوْمَ بِيعَا تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي قَدْرِ الثَّمَنِ مَعَ قِيَامِ السِّلْعَةِ، أَوْ فَوَاتِهَا، وَالْكَلَامُ الْآنَ فِي الِاخْتِلَافِ فِي جِنْسِ الثَّمَنِ مَعَ الْقِيَامِ أَوْ الْفَوَاتِ أَيْضًا يَعْنِي إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ فِي جِنْسِ الثَّمَنِ كَادِّعَاءِ أَحَدِهِمَا: أَنَّ الْبَيْعَ وَقَعَ بِدَنَانِيرَ، أَوْ دَرَاهِمَ، وَادَّعَى الْآخَرُ أَنَّهُ بِطَعَامٍ مَثَلًا، فَإِنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ وَيَتَفَاسَخَانِ، سَوَاءٌ كَانَ الْمَبِيعُ بَاقِيًا أَوْ فَائِتًا وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ " أَبَدَا " فَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ قَائِمًا رَجَعَ لِبَائِعِهِ وَلَا إشْكَالَ وَإِنْ كَانَ قَدْ فَاتَ فَإِنَّ الْبَائِعَ يَرْجِعُ فِيهِ عَلَى الْمُبْتَاعِ بِقِيمَتِهِ يَوْمَ بَيْعِهِ، وَإِلَى اعْتِبَارِ الْقِيمَةِ يَوْمَ الْبَيْعِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ يَوْمَ بِيعَا وَنَحْوُ هَذَا فِي الْمُتَيْطِيَّةِ. نَقَلَهُ الشَّارِحُ. قَالَ: وَقَدْ اقْتَضَى هَذَا الْكَلَامُ بِفَوْتِهِ أَنَّهُ إنْ نَكَلَ أَحَدُهُمَا عَمَّا حَلَفَ عَلَى ضِدِّهِ الْآخَرُ، فَإِنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْحَالِفِ مِنْهُمَا. وَحَيْثُمَا الْمَبِيعُ بَاقٍ وَاخْتُلِفْ ... فِي أَجَلٍ تَفَاسَخَا بَعْدَ الْحَلِفْ وَقِيلَ ذَا إنْ ادَّعَى الْمُبْتَاعُ مَا ... يَبْعُدُ وَالْعُرْفُ بِهِ قَدْ عُدِمَا وَإِنْ يَفُتْ فَالْقَوْلُ عِنْدَ مَالِكْ ... لِبَائِعٍ نَهْجُ الْيَمِينِ سَالِكْ وَقِيلَ لِلْمُبْتَاعِ وَالْقَوْلَانِ ... لِحَافِظِ الْمَذْهَبِ مَنْقُولَانِ وَفِي انْقِضَاءِ أَجَلٍ بِذَا قُضِيَ ... حَتَّى يَقُولَ إنَّهُ لَمْ يَنْقَضِ

هَذَا الْكَلَامُ فِي الِاخْتِلَاف فِي الْأَجَلِ، أَيْ هَلْ وَقَعَ الْبَيْعُ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ أَوْ مُعَجَّلٍ؛ وَهُوَ أَيْضًا إمَّا مَعَ قِيَامِ الْمَبِيعِ أَوْ مَعَ فَوَاتِهِ، وَفِي الِاخْتِلَافِ فِي انْقِضَاءِ الْأَجَلِ وَعَدَمِ انْقِضَائِهِ بَعْدَ الِاتِّفَاقِ عَلَى الدُّخُولِ عَلَى الْأَجَلِ، وَهُوَ أَيْضًا إمَّا مَعَ قِيَامِ الْمَبِيعِ أَوْ مَعَ فَوَاتِهِ. يَعْنِي إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ فِي كَوْنِ الْبَيْعِ وَقَعَ لِأَجَلٍ أَوْ عَلَى الْحُلُولِ، فَإِنْ كَانَتْ السِّلْعَةُ قَائِمَةً فَقَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ وَيَتَفَاسَخَانِ مُطْلَقًا. وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ. وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ خَاصٌّ بِمَا إذَا ادَّعَى الْمُبْتَاعُ أَجَلًا بَعِيدًا وَلَا عُرْفَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ الْمَبِيعِ فَهَهُنَا يَتَحَالَفَانِ وَيَتَفَاسَخَانِ، وَإِنْ كَانَ فِي مِثْلِ تِلْكَ السِّلْعَةِ أَجَلٌ مَعْرُوفٌ جَارٍ بَيْنَ النَّاسِ فَادَّعَاهُ أَحَدُهُمَا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ، لِأَنَّهُ ادَّعَى مَا يُشْبِهُ، وَهَذَا الْقَوْلُ مَنْقُولٌ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَيْضًا، وَعَلَى هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ نَبَّهَ بِالْبَيْتَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ. فَقَوْلُهُ لَهُ: وَقِيلَ ذَا أَيْ التَّحَالُفُ وَالتَّفَاسُخُ، وَمَا نَكِرَةٌ مَوْصُوفَةٌ صِفَتُهَا جُمْلَةُ يَبْعُدُ وَاقِعَةٌ عَلَى الْأَجَلِ، وَجُمْلَةُ وَالْعُرْفُ بِهِ قَدْ عُدِمَا حَالِيَةٌ، وَبِهِ يَتَعَلَّقُ بَعْدَمَا، وَالضَّمِيرُ يَعُودُ عَلَى مَا وَقَعَتْ عَلَيْهِ مَا، وَأَمَّا إذَا اخْتَلَفَا فِي الْأَجَلِ بَعْدَ فَوَاتِ الْمَبِيعِ كَالطَّحْنِ فِي الْقَمْحِ، وَحَوَالَةِ الْأَسْوَاقِ فِي الْعُرُوضِ، وَالْعِتْقِ، وَالتَّدْبِيرِ، فِي الرَّقِيقِ، وَالْإِيلَادِ فِي الْإِمَاءِ، وَالْبَيْعِ، وَالْوَقْفِ فِي الْعَقَارِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا يُعَدّ فَوْتًا فِي تِلْكَ السِّلْعَةِ الْمُعَيَّنَةِ فَقَوْلَانِ أَيْضًا: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْقَوْلَ لِلْبَائِعِ مَعَ يَمِينِهِ وَهُوَ لِمَالِكٍ فِي رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْهُ، وَقِيلَ الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُبْتَاعِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَقَدْ نَقَلَ ابْنُ رُشْدٍ وَهُوَ الَّذِي عَنَى النَّاظِمُ بِحَافِظِ الْمَذْهَب وَعَلَى هَذَا نَبَّهَ بِالْبَيْتِ الثَّالِثِ وَالرَّابِعِ. فَقَوْلُهُ وَإِنْ يُفْتِ هُوَ مُقَابِلُ قَوْلِهِ وَحَيْثُمَا الْمَبِيعُ بَاقٍ، وَنَهَجَ أَيْ طَرِيقَ مَفْعُولُ سَالِكٍ وَسَالِكٌ صِفَةُ بَائِعٍ، وَقَوْلُهُ وَقِيلَ لِلْمُبْتَاعِ هُوَ مُقَابِلٌ لِقَوْلِهِ لِبَائِعٍ (قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ) وَإِنْ اخْتَلَفَا فَقَالَ الْبَائِعُ بِالنَّقْدِ، وَقَالَ الْمُبْتَاعُ إلَى أَجَلٍ، وَالسِّلْعَةُ قَائِمَةٌ. فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: إنْ كَانَ مَا يَدَّعِيه الْمُبْتَاعُ أَجَلًا قَرِيبًا لَا يُتَّهَمُ فِيهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ، وَإِلَّا صُدِّقَ الْبَائِعُ إلَّا أَنْ يَكُونَ لِلسِّلْعَةِ أَمَدٌ مَعْرُوفٌ تُبَاعُ عَلَيْهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ مُدَّعِيهِ مِنْهُمَا، ثُمَّ قَالَ الْمُتَيْطِيُّ وَقَالَ أَيْضًا ابْنُ الْقَاسِمِ: مَرَّةً أُخْرَى يَتَحَالَفَانِ وَيَتَفَاسَخَانِ وَيَبْدَأُ الْبَائِعُ. قَالَ الْمُتَيْطِيُّ وَإِنْ فَاتَتْ السِّلْعَةُ بِيَدِ الْمُبْتَاعِ فَفِي ذَلِكَ قَوْلَانِ لِابْنِ الْقَاسِمِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُبْتَاعِ مَعَ يَمِينِهِ، وَالْآخَرُ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْبَائِعِ مَعَ يَمِينِهِ. وَهِيَ رِوَايَةُ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ وَبِهَا قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ اهـ وَأَشَارَ بِالْبَيْتِ الْخَامِسِ إلَى حُكْمِ الِاخْتِلَافِ فِي انْقِضَاءِ الْأَجَلِ وَأَنَّ الْقَوْلَ فِي ذَلِكَ قَوْلُ الْمُشْتَرِي مَعَ يَمِينِهِ أَنَّهُ لَمْ يَنْقَضِ وَعَلَى الْمُشْتَرِي تَعُودُ الْإِشَارَةُ فِي قَوْلِهِ بِذَا لِتَقَدُّمِهِ فِي الْبَيْتِ قَبْلَهُ، وَهَذَا إنَّمَا هُوَ مَعَ فَوَاتِ الْمَبِيعِ، وَرُبَّمَا يُؤْخَذُ هَذَا مِنْ إتْيَانِهِ بِذَلِكَ إثْرَ قَوْلِهِ: وَإِنْ يَفُتْ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ لِمَنْ الْقَوْلُ قَوْلُهُ وَأَمَّا مَعَ قِيَامِ الْمَبِيعِ وَعَدَمِ فَوَاتِهِ فَيَتَحَالَفَانِ وَيَتَفَاسَخَانِ (قَالَ الشَّارِحُ) : يُؤْخَذُ حُكْمُهُ مِنْ عُمُومِ قَوْلِهِ أَوَّلًا وَحَيْثُمَا الْمَبِيعُ بَاقٍ وَاخْتُلِفَ الْبَيْتَ (قَالَ فِي الْمُنْتَخَبِ) قَالَ سَحْنُونٌ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَإِذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ فَقَالَ الْبَائِعُ بِعْتُك إلَى شَهْرٍ، وَقَالَ الْمُشْتَرِي: اشْتَرَيْتُ مِنْك إلَى شَهْرَيْنِ فَإِنْ كَانَتْ السِّلْعَةُ لَمْ تَفُتْ تَحَالَفَا وَتَرَادَّا، وَإِنْ كَانَتْ قَدْ فَاتَتْ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي اهـ وَنَحْوُهُ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ.

وَالْقَوْلُ قَوْلُ مُشْتَرٍ بَعْدَ الْحَلِفْ ... فِي الْقَبْضِ فِيمَا بَيْعُهُ نَقْدًا عُرِفْ وَهُوَ كَذَا لِبَائِعٍ فِيمَا عَدَا ... مُسْتَصْحَبِ النَّقْدِ وَلَوْ بَعْدَ مَدَى كَالدُّورِ وَالرَّقِيقِ وَالرِّبَاعِ ... مَا لَمْ يُجَاوِزْ حَدَّ الِابْتِيَاعِ وَالْقَبْضُ لِلسِّلْعَةِ فِيهِ اُخْتُلِفَا ... كَقَبْضٍ حُكْمُهُ قَدْ سَلَفًا تَكَلَّمَ فِي هَذِهِ الْأَبْيَاتِ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي قَبْضِ الثَّمَنِ أَوْ الْمَثْمُونِ فَذَكَرَ أَنَّهُ إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ فِي قَبْضِ الثَّمَنِ فَقَالَ الْمُشْتَرِي: دَفَعْتُ الثَّمَنَ، وَقَالَ الْبَائِعُ: لَمْ يُعْطِ شَيْئًا، فَيُرْجَعُ فِي ذَلِكَ لِلْعُرْفِ الْجَارِي فِي ذَلِكَ الْمَبِيعِ فَمَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِأَنَّهُ يُبَاعُ نَقْدًا كَالدَّقِيقِ، وَالزَّيْتِ، وَاللَّحْمِ، وَالْفَوَاكِهِ، وَالْخُضَرِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ دَفَعَ الثَّمَنَ مَعَ يَمِينِهِ، وَسَوَاءٌ كَانَ اخْتِلَافُهُمَا بَعْدَ الِافْتِرَاقِ، أَوْ قَبْلَهُ. وَمَا جَرَتْ الْعَادَةُ أَنَّهُ يُبَاعُ بِغَيْرِ النَّقْدِ فِي الْحَالِ كَالْبَزِّ، وَالرَّقِيقِ، وَالرِّبَاعِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ أَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْ الثَّمَنَ سَوَاءٌ قَامَ فِي الْحِينِ أَوْ بَعْدَ زَمَانِ وُقُوعِ الْبَيْعِ فِيهِ مَا لَمْ يُجَاوِزْ فِي ذَلِكَ حَدَّ الِابْتِيَاعِ، أَيْ مَا لَمْ يَقُمْ بَعْدَ أَكْثَرَ مِنْ عِشْرِينَ سَنَةً إذَا لَمْ تَجْرِ عَادَةُ النَّاسِ بِتَأْخِيرِ الثَّمَنِ هَذِهِ الْمُدَّةَ. وَحَدُّ تَأْخِيرِ الثَّمَنِ عَلَى مَا قَالَ النَّاظِمُ هُوَ فِي الدُّورِ، وَالْأَرْضِينَ، وَالرِّبَاعِ، وَغَيْرِهَا إلَى عِشْرِينَ سَنَةً فَمَا دُونَهَا وَهَذَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْعُرْفِ وَأَمَّا إذَا اخْتَلَفَا فِي قَبْضِ الشَّيْءِ الْمَبِيعِ، فَقَالَ الْمُشْتَرِي: لَمْ أَقْبِضْهُ، وَقَالَ الْبَائِعُ: بَلْ قَبَضْتَهُ، فَالْحُكْمُ فِي ذَلِكَ كَالِاخْتِلَافِ فِي قَبْضِ الثَّمَنِ، فَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ مِمَّا جَرَتْ الْعَادَةُ بِتَسْلِيمِهِ عِنْدَ قَبْضِ الثَّمَنِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ وَإِنْ كَانَ مِمَّا جَرَتْ الْعَادَةُ بِتَرَاخِي قَبْضِهِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي كَمَا تَقَدَّمَ فِي الثَّمَنِ. هَذَا حَاصِلُ كَلَامِ النَّاظِمِ. فَقَوْلُهُ: فِي الْقَبْضِ أَيْ قَبْضِ الثَّمَنِ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: وَالْقَبْضُ لِلسِّلْعَةِ فِيهِ اُخْتُلِفَا وَنَقْدًا مَنْصُوبٌ عَلَى إسْقَاطِ حَرْفِ الْجَرِّ أَيْ بِالنَّقْدِ، وَقَوْلُهُ وَهُوَ كَذَا لِبَائِعٍ أَيْ الْقَوْلُ كَذَا مَعَ الْيَمِينِ لِبَائِعٍ، وَالْمَدَى الزَّمَانُ، وَلَوْ إغْيَاءً فِي كَوْنِ الْقَوْلِ لِلْبَائِعِ وَكَالدُّورِ وَمَا بَعْدَهُ تَمْثِيلٌ لِمَا عَادَتُهُ أَنْ يُبَاعَ بِتَأْخِيرٍ وَجَارٍ خَبَرُ الْقَبْضُ، وَالْقَبْضُ الَّذِي سَلَفَ أَيْ تَقَدَّمَ حُكْمُهُ هُوَ قَبْضُ الثَّمَنِ. (قَالَ فِي الْمُنْتَخَبِ) قَالَ مَالِكٌ وَمَنْ اشْتَرَى سِلْعَةً وَانْقَلَبَ بِهَا وَزَعَمَ أَنَّهُ دَفَعَ الثَّمَنَ وَقَالَ الْبَائِعُ لَمْ يَدْفَعْ إلَيَّ شَيْئًا فَإِنْ كَانَتْ السِّلْعَةُ مِثْلَ الْحِنْطَةِ، وَالزَّيْتِ، وَاللَّحْمِ، وَالْفَوَاكِهِ، وَالْخُضَرِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي وَعَلَيْهِ الْيَمِينُ لِأَنَّ هَذَا مِمَّا يَتَبَايَعُ عَلَى وَجْهِ الِانْتِقَادِ فَهُوَ يُشْبِهُ الصَّرْفَ. قَالَ مُحَمَّدٌ: وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ أَيْضًا إنْ لَمْ يَفْتَرِقَا إذَا قَبَضَ مَا اشْتَرَى، كَذَلِكَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ وَسَوَاءٌ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ كَانَ مَا اشْتَرَى مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا، ثُمَّ قَالَ فِي الْمُنْتَخَبِ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ كَانَ مَا اشْتَرَى مِثْلَ الدُّورِ وَالْأَرْضِينَ، وَالْبَزِّ، وَالدَّقِيقِ، وَالدَّوَابِّ، وَالْعُرُوضِ، كُلِّهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْمُشْتَرِي الْبَيِّنَةَ عَلَى دَفْعِ الثَّمَنِ. قَالَ مُحَمَّدٌ وَذَكَر ابْنُ حَبِيبٍ أَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ كَانَ يَجْعَلُ الْقَوْلَ فِي هَذَا قَوْلَ الْبَائِعِ أَبَدًا وَإِنْ كَانَ بَعْدَ عِشْرِينَ سَنَةً حَتَّى يَجُوزَ الْوَقْتُ الَّذِي لَا يَجُوزُ إلَيْهِ التَّبَايُعُ اهـ. وَكَلَامُ الْمُنْتَخَبِ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِيمَا يُبَاعُ بِالنَّقْدِ بَيْنَ أَنْ يَفْتَرِقَ الْمُتَبَايِعَانِ أَمْ لَا، الْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي فِي الْوَجْهَيْنِ لِقَوْلِهِ أَوَّلًا، وَانْقَلَبَ بِهَا ثُمَّ قَالَ، قَالَ مُحَمَّدٌ وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ إنْ لَمْ يَفْتَرِقَا، فَإِطْلَاقُ النَّاظِمِ فِي الْبَيْتِ الْأَوَّلِ صَحِيحٌ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْمُنْتَخَبِ الْيَمِينَ عَلَى الْبَائِعِ حَيْثُ يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِي غَيْرِ مَا يُبَاعُ بِالنَّقْدِ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ إذَا قَبَضَ الْمُبْتَاعُ السِّلْعَةَ الْمَبِيعَةَ وَبَانَ بِهَا، قَالَ إنَّ الْبَائِعَ مُصَدَّقٌ مَعَ يَمِينِهِ، إلَّا أَنْ تَقُومَ بَيِّنَةٌ وَتَقَدَّمَ أَنَّ لُزُومَ الْيَمِينِ يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِ النَّاظِمِ وَهُوَ كَذَا، وَفِي الْمُنْتَخَبِ أَيْضًا وَإِنْ اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ فِي قَبْضِ السِّلْعَةِ فَقَالَ الْمُشْتَرِي لَمْ أَقْبِضْهَا، وَقَالَ الْبَائِعُ قَدْ قَبَضْتَهَا فَإِنْ كَانَ أَشْهَدَ لَهُ بِالثَّمَرِ فَقَدْ قَبَضَ السِّلْعَةَ، كَذَا رَوَى أَصْبَغُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ. وَيَحْلِفُ الْبَائِعُ إنْ كَانَ ذَلِكَ بِحَدَاثَةِ الْبَيْعِ وَالْإِشْهَادِ لِأَنَّ هَذَا مِنْ أَفْعَالِ النَّاسِ فَأَمَّا إنْ سَكَتَ حَتَّى إذَا حَلَّ الْأَجَلُ قَالَ لَمْ أَقْبِضْ السِّلْعَةَ فَلَا قَوْلَ لَهُ وَلَا يَمِينَ عَلَى الْبَائِعِ إذَا حَلَّ الْأَجَلُ اهـ وَهَذَا النَّقْلُ غَيْرُ مُوَافِقٍ لِإِحَالَةِ النَّاظِمِ الِاخْتِلَافَ فِي قَبْضِ السِّلْعَةِ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي قَبْضِ الثَّمَنِ لِأَنَّهَا تَقْتَضِي التَّفْصِيلَ بَيْنَ مَا الْعَادَةُ قَبْضُهُ عِنْدَ عَقْدِ الْبَيْعِ أَوْ تَأْخِيرُهُ عَنْهُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي جُلِّ كَلَامِ النَّاظِمِ، وَاَلَّذِي فِي مُخْتَصَرِ الشَّيْخِ خَلِيلٍ مَا حَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ فِي قَبْضِ الثَّمَنِ أَوْ السِّلْعَةِ فَالْأَصْلُ بَقَاءُ الثَّمَنِ فِي ذِمَّةِ الْمُشْتَرِي وَبَقَاءُ السِّلْعَةِ تَحْتَ يَدِ الْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْهَدَ عُرْفٌ لِأَحَدِهِمَا، إمَّا لِلْمُشْتَرِي بِدَفْعِ الثَّمَنِ كَمَنْ اشْتَرَى لَحْمًا، أَوْ بَقْلًا وَبَانَ بِهِ فَإِنَّ

الْعُرْفَ يَشْهَدُ لِلْمُشْتَرِي بِدَفْعِ الثَّمَنِ سَوَاءٌ كَانَ الْمَبِيعُ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا عَلَى الْمَشْهُورِ فِي الْكَثِيرِ فَإِنْ لَمْ يَبْنِ بِهِ وَإِنَّمَا وَقَعَ النِّزَاعُ بِالْحَضْرَةِ فَإِنْ ادَّعَى الْمُشْتَرِي أَنَّهُ دَفَعَ الثَّمَنَ بَعْدَ أَخْذِهِ لِلسِّلْعَةِ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ وَالْقَوْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُ الْبَائِعِ وَإِنْ ادَّعَى دَفْعَهُ قَبْلَ أَخْذِهِ لِلسِّلْعَةِ فَثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: قِيلَ: الْقَوْلُ قَوْلُهُ: وَقِيلَ قَوْلُ الْبَائِعِ، ثَالِثُهَا: يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِيمَا الْعَادَةُ فِيهِ أَنْ يَدْفَعَ ثَمَنَهُ قَبْلَ قَبْضِهِ دُونَ غَيْرِهِ، وَإِمَّا أَنْ يَشْهَدَ الْعُرْفُ لِلْبَائِعِ بِكَوْنِ الْمُشْتَرِي قَبَضَ الْمَبِيعَ كَأَنْ يَشْهَدَ الْمُشْتَرِي بِتَقَرُّرِ الثَّمَنِ فِي ذِمَّتِهِ فَإِنَّهُ مُقْتَضٍ لِقَبْضِ الْمَثْمُونِ فَإِنْ ادَّعَى الْمُشْتَرِي أَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ أَنَّهُ قَبَضَهُ مَعَ يَمِينِهِ إنْ قَامَ الْمُشْتَرِي بِالْقُرْبِ وَإِلَّا فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَالْقَوْلُ قَوْلُ مُدَّعٍ لِأَصْلِ ... أَوْ صِحَّةٍ فِي كُلِّ فِعْلٍ فِعْلِ مَا لَمْ يَكُنْ فِي ذَاكَ عُرْفٌ جَارِ ... عَلَى خِلَافِ ذَاكَ ذُو اسْتِقْرَارِ يَعْنِي أَنَّهُ إذَا اخْتَلَفَ الْخَصْمَانِ فَادَّعَى أَحَدُهُمَا الْأَصْلَ وَادَّعَى الْآخَرُ خِلَافَهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ مُدَّعِي الْأَصْلِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي ذَلِكَ الشَّيْءِ الْمُدَّعِي فِيهِ عُرْفٌ جَارٍ قَدْ اسْتَقَرَّ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ الْقَوْلُ قَوْلَ مُدَّعِي مُقْتَضَى ذَلِكَ الْعُرْفِ الْجَارِي عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ وَكَذَلِكَ إذَا ادَّعَى أَحَدُهُمَا الصِّحَّةَ وَالْآخَرُ الْفَسَادَ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ مُدَّعِي الصِّحَّةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي ذَلِكَ الشَّيْءِ عُرْفٌ جَارٍ قَدْ اسْتَقَرَّ عَلَى الْفَسَادِ فَإِنَّهُ يُرْجِعُ الْقَوْلُ قَوْلَ مُدَّعِي مُقْتَضَى ذَلِكَ الْعُرْفِ الْجَارِي عَلَى خِلَافِ الصِّحَّةِ (قَالَ الشَّارِحُ) وَهَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مِنْ بَابِ تَعَارُضِ الْأَصْلِ وَالْغَالِبِ الْمَبْحُوثِ فِيهِمَا عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ. اهـ فَمِثَالُ الِاخْتِلَافِ فِي الْأَصْلِ وَخِلَافِهِ اخْتِلَافُ الْمُتَبَايِعَيْنِ فِي الْبَتِّ وَالْخِيَارِ فَالْقَوْلُ لِمُدَّعِي الْبَتِّ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ فِي الْبُيُوعِ إلَّا إنْ جَرَى الْعُرْفُ فِي مَوْضِعٍ إنَّ هَذِهِ السِّلْعَةَ الْمَبِيعَةَ لَا تُبَاعُ إلَّا عَلَى خِيَارٍ فَالْقَوْلُ لِمُدَّعِيهِ لِأَنَّهُ صَارَ أَصْلًا فِي هَذِهِ السِّلْعَةِ الْمُعَيَّنَةِ وَكَذَا إذَا ادَّعَى أَحَدُهُمَا عَدَمَ الشَّرْطِ فِي بَيْعٍ أَوْ نِكَاحٍ وَادَّعَى الْآخَرُ الشَّرْطَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ مُدَّعِي عَدَمِ الشَّرْطِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ. وَكَذَا إنْ ادَّعَى أَنَّهُ أَمَرَهُ وَكِيلُهُ بِشِرَاءِ حِنْطَةٍ فَاشْتَرَى تَمْرًا، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَأْمُورِ مَعَ يَمِينِهِ لِأَنَّ الْآمِرَ قَدْ أَقَرَّ لَهُ بِالْوَكَالَةِ عَلَى الشِّرَاءِ فَلَمَّا اسْتَهْلَكَ الثَّمَنَ ادَّعَى مَا يُوجِبُ تَضْمِينَهُ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْآمِرِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَكَمَنِ ادَّعَى سِلْعَةً بِيَدِ رَجُلٍ وَقَالَ اسْتَوْدَعْتُكَهَا وَقَالَ الَّذِي هِيَ فِي يَدِهِ وَهَبْتَنِيهَا، فَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ السِّلْعَةِ. وَمِثَالُ الِاخْتِلَافِ فِي الصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ ادِّعَاءُ أَحَدِهِمَا مُسَاقَاةً جَائِزَةً وَالْآخَرِ مُسَاقَاةً لَا تَجُوزُ، أَوْ أَحَدِهِمَا أَنَّهُ لَمْ يَضْرِبْ لِلسَّلَمِ أَجَلًا، وَقَالَ الْآخَرُ ضَرَبْنَا أَجَلَ شَهْرَيْنِ مَثَلًا، أَوْ ادَّعَى السَّلَمَ إلَيْهِ بَعْدَ حُلُولِ أَجَلِ السَّلَمِ أَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْ رَأْسَ مَالِ السَّلَمِ إلَّا بَعْدَ شَهْرٍ أَوْ شَهْرَيْنِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ مُدَّعِي الصِّحَّةِ فِي ذَاكَ كُلِّهِ، وَيَكُنْ فِي الْبَيْتِ الثَّانِي تَامَّةٌ وَفِي ذَلِكَ يَتَعَلَّقُ بِيَكُنْ عَلَى قَوْلٍ، وَعُرْفٌ فَاعِلُ يَكُنْ وَجَارٍ وَذُو اسْتِقْرَارٍ صِفَتَانِ

لِعُرْفٍ وَعَلَى خِلَافٍ مُتَعَلِّقٌ بِجَارٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَتَابِعِ الْمَبِيعِ كَالسَّرْجِ اخْتُلِفْ ... فِيهِ بِرَدِّ بَيْعِهِ بَعْدَ الْحَلِفْ وَذَاكَ إنْ لَمْ يَفُتْ الْمَبِيعْ ... وَيَبْدَأُ الْيَمِينَ مَنْ يَبِيعْ وَذَا الَّذِي قَالَ بِهِ ابْنُ الْقَاسِمِ ... وَإِنْ يَفُتْ فَلِاجْتِهَادِ الْحَاكِمِ (قَالَ الشَّارِحُ) تَابِعُ الْمَبِيعِ كَسَرْجِ الدَّابَّةِ وَإِكَافِهَا وَلِجَامِهَا مِمَّا هُوَ ظَاهِرُ التَّبَعِيَّةِ لَهَا وَلِذَلِكَ كُلِّهِ أَشَارَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِكَافِ التَّشْبِيهِ إذَا وَقَعَ فِيهِ الِاخْتِلَافُ بَيْنَ الْمُتَبَايِعَيْنِ أَنَّهُمَا عَقَدَا عَلَيْهِ أَوْ عَلَى عَدَمِهِ فَإِنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ كَمَا سَبَقَ وَيُرَدُّ بَعْدَ الْأَيْمَانِ إنْ كَانَ الْمَبِيعُ الَّذِي تَبِعَهُ هَذَا الْمُخْتَلَفُ فِيهِ لَمْ يَفُتْ وَيَبْدَأُ الْبَائِعُ بِالْيَمِينِ كَمَا تَقَدَّمَ وَذَلِكَ فِي قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ قَدْ فَاتَ فَيَجْتَهِدُ الْحَاكِمُ فِي ذَلِكَ فَفِي الْمُتَيْطِيَّةِ وَإِنْ ادَّعَى عِنْدَ تَمَامِ الْبَيْعِ أَنَّهُ ابْتَاعَ الدَّابَّةَ بِسَرْجِهَا وَلِجَامِهَا أَوْ بِبُرْدَتِهَا وَأَنْكَرَ ذَلِكَ الْبَائِعُ تَحَالَفَا، وَتَفَاسَخَا فِي قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ مَا لَمْ تَفُتْ الدَّابَّةُ اهـ. وَبَيْعُ مَنْ رُشِّدَ كَالدَّارِ ادَّعَى ... بِأَنَّهُ فِي سَفَهٍ قَدْ وَقَعَا لِلْمُشْتَرِي الْقَوْلُ بِهِ مَعَ قَسَمِ ... وَعَكْسُ هَذَا لِابْنِ سَحْنُونٍ نُمِيَ يَعْنِي أَنَّ مَنْ كَانَ مَحْجُورًا ثُمَّ تَرَشَّدَ وَصَدَرَ مِنْهُ بَيْعُ دَارٍ أَوْ غَيْرِهَا فَادَّعَى أَنَّ ذَلِكَ الْبَيْعَ وَقَعَ مِنْهُ فِي حَالِ السَّفَهِ قَبْلَ التَّرْشِيدِ لِيَكُونَ لَهُ النَّظَرُ فِي إمْضَائِهِ وَرَدِّهِ وَادَّعَى الْمُشْتَرِي أَنَّهُ إنَّمَا اشْتَرَى مِنْهُ بَعْدَ التَّرْشِيدِ وَخُرُوجِهِ مِنْ الْوِلَايَةِ فَالْقَوْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُ الْمُشْتَرِي مَعَ يَمِينِهِ (قَالَ الشَّارِحُ) : يُرِيدُ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذَا لَمْ يَكُنْ لِمُدَّعِي ذَلِكَ بَيِّنَةٌ عَلَى قَوْلِهِ وَلَمْ يَظْهَرْ لِلشِّرَاءِ تَارِيخٌ بِعَيْنِهِ مِنْ تَارِيخِ التَّرْشِيدِ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَحْنُونٍ الْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ إنَّهُ وَقَعَ فِي حَالِ السَّفَهِ وَكَأَنَّهُ رَأَى أَنَّ السَّفَهَ سَابِقٌ لِلْبَيْعِ وَالْمُشْتَرِي يُسَلِّمُهُ لَهُ فَحُمِلَ الْحَالُ عَلَى الِاسْتِصْحَابِ وَأَنَّ الْمُشْتَرِي هُوَ الْمُدَّعِي لِوُقُوعِ الْبَيْعِ فِي حَالِ الرُّشْدِ فَفِي طُرَرِ ابْنِ عَاتٍ قَالَ مَالِكٌ مَا بَاعَ السَّفِيهُ مِنْ السِّلَعِ وَأَخَذَ الثَّمَنَ فَأَتْلَفَهُ إنَّ الثَّمَنَ مِنْ الْمُبْتَاعِ وَيَرُدُّ السِّلْعَةَ إنْ وُجِدَتْ أَوْ قِيمَتَهَا. وَقَالَ غَيْرُهُ إنْ ادَّعَى الْمُوَلَّى عَلَيْهِ فِي شَيْءٍ بَاعَهُ أَنَّهُ بَاعَهُ قَبْلَ أَنْ يَجُوزَ لَهُ الْبَيْعُ، وَقَالَ الْمُبْتَاعُ بَعْدَ أَنْ جَازَ لَك الْبَيْعُ إنَّ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْبَائِعِ أَنَّهُ بَاعَ وَهُوَ سَفِيهٌ لِأَنَّهُ يُرِيدُ فَسْخَ بَيْعٍ قَدْ تَمَّ بَيْنَهُمَا وَلِابْنِ سَحْنُونٍ فِي كِتَابِهِ قَوْلٌ، إنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ السَّفِيهِ اهـ وَالشَّاهِدُ قَوْلُهُ وَقَالَ غَيْرُهُ إلَخْ وَبَيْعٌ مَصْدَرٌ مُضَافٌ لِلْفَاعِلِ وَهُوَ مَنْ وَكُمِّلَ بِالْمَفْعُولِ وَهُوَ الْكَافُ الدَّاخِلَةُ عَلَى الدَّارِ لِأَنَّهُ اسْمٌ بِمَعْنَى مِثْلَ، وَجُمْلَةُ ادَّعَى حَالٌ مِنْ نَائِبِ رُشِّدَ. وَمَنْ يَكُنْ بِمَالِ غَيْرِهِ اشْتَرَى ... وَالْمُشْتَرِي لَهُ لِلْأَمْرِ أَنْكَرَا وَحَلَفَ الْآمِرُ فَالْمَأْمُورُ ... مِنْهُ ارْتِجَاعُ مَالِهِ مَأْثُورُ وَمَالَهُ شَيْءٌ عَلَى مَنْ بَاعَا ... مَا لَمْ يَكُنْ قَدْ صَدَّقَ الْمُبْتَاعَا وَقِيلَ بَلْ يَكُونُ ذَا تَخَيُّرٍ ... فِي أَخْذِهِ مِنْ بَائِعٍ أَوْ مُشْتَرٍ وَالْبَيْعُ فِي الْقَوْلَيْنِ لَنْ يُنْتَقَضَا ... وَالْمُشْتَرِي لَهُ الْمَبِيعُ مُقْتَضَى يَعْنِي أَنَّ مَنْ اشْتَرَى شَيْئًا بِمَالِ غَيْرِهِ وَادَّعَى أَنَّ رَبَّ الْمَالِ أَمَرَهُ بِالشِّرَاءِ وَأَنْكَرَ رَبُّ الْمَالِ كَوْنَهُ أَمَرَهُ بِذَلِكَ فَرَبُّ الْمَال مُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَيْهِ الْيَمِينُ أَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْهُ بِالشِّرَاءِ فَإِذَا حَلَفَ أَخَذَ مَالَهُ مِنْ الْمُشْتَرِي وَلَيْسَ لِرَبِّ الْمَالِ رُجُوعٌ عَلَى الْبَائِعِ بِالْمَالِ فِي قَوْلِ أَصْبَغَ بْنِ الْفَرَجِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْبَائِع صَدَّقَ الْمُبْتَاعَ فِي قَوْلِهِ إنَّ رَبَّ الْمَالِ أَمَرَهُ بِالشِّرَاءِ فَحِينَئِذٍ يَرْتَجِعُهُ مِنْهُ وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِالْأَبْيَاتِ الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ وَقِيلَ رَبُّ الْمَالِ مُخَيَّرٌ فِي أَخْذِهِ مِمَّنْ شَاءَ مِنْهُمَا فَإِنْ أَخَذَهُ مِنْ الْمُشْتَرِي فَلَا كَلَامَ لِأَنَّ الشَّيْءَ الْمَبِيعَ يَكُونُ لَهُ وَإِنْ أَخَذَهُ مِنْ الْبَائِعِ رَجَعَ الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَعَلَى كِلَا الْقَوْلَيْنِ فَلَا يُنْتَقَضُ الْبَيْعُ، وَالْمَبِيعُ لِلْمُشْتَرِي عَلَى كُلِّ حَالٍ وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِالْبَيْتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ وَقَوْلُهُ وَحَلَفَ الْآمِرُ الْمُرَادُ بِهِ رَبُّ الْمَالِ وَسَمَّاهُ آمِرًا بِنَاءً عَلَى دَعْوَى الْمُشْتَرِي أَنَّهُ أَمَرَهُ

فصل في حكم البيع على الغائب

بِالشِّرَاءِ وَضَمِيرُ مِنْهُ يَعُودُ عَلَى الْمَأْمُورِ الَّذِي هُوَ الْمُشْتَرِي وَسَمَّاهُ مَأْمُورًا بِاعْتِبَارِ دَعْوَاهُ الْأَمْرَ، وَضَمِيرُ مَالِهِ لِلْآمِرِ وَمَأْثُورٌ صِفَةُ ارْتِجَاعُ وَضَمِيرُ مَالَهُ لِرَبِّ الْمَالِ وَاسْمُ يَكُنْ لِلْبَائِعِ وَاسْمُ يَكُونُ فِي الْبَيْتِ الرَّابِعِ لِرَبِّ الْمَالِ. (تَنْبِيهٌ) مَسْأَلَةُ النَّاظِمِ هَذِهِ هِيَ إذَا أَرَادَ رَبُّ الْمَالِ أَخْذَ مَالِهِ وَلَمْ يُرِدْ أَخْذَ مَا اشْتَرَى بِهِ مِمَّنْ يَأْخُذُ مَالَهُ هَلْ مِنْ الْبَائِعِ أَوْ مِنْ الْمُشْتَرِي فَإِنْ أَحَبَّ رَبُّ الْمَالِ أَخْذَ ذَلِكَ مِنْ الْمُشْتَرِي وَنَازَعَهُ الْمُشْتَرِي وَأَرَادَهُ لِنَفْسِهِ وَيُعْطِي لِرَبِّ الْمَالِ مِثْلَ دَنَانِيرِهِ أَوْ دَرَاهِمِهِ فَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي مُتَعَدِّيًا فِي الصَّرْفِ فِي الْمَالِ كَالْغَاصِبِ وَالْمُودِعِ فَلَيْسَ لِرَبِّ الْمَالِ إلَّا مِثْلُ مَالِهِ وَإِنْ كَانَ مَأْذُونًا لَهُ فِي التَّصَرُّفِ كَالْمُقَارِضِ وَالْوَكِيلِ يَتَعَدَّى، فَرَبُّ الْمَالِ مُخَيَّرٌ فِي أَخْذِهِ وَأَخْذِ مَالِهِ اُنْظُرْ فِي التَّوْضِيحِ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ فِي الشَّرِكَةِ وَلَوْ اشْتَرَى مِنْ الْمَالِ جَارِيَةً لِنَفْسِهِ خُيِّرَ الْآخَرُ فِي رَدِّهَا شَرِكَةً كَالْمُقَارَضَةِ لَا كَالْمُودِعِ [فَصْلٌ فِي حُكْمِ الْبَيْعِ عَلَى الْغَائِبِ] ِ لِطَالِبِ الْحُكْمِ عَلَى الْغِيَابِ ... يَنْظُرُ فِي بُعْدٍ وَفِي اقْتِرَابِ فَمَنْ عَلَى ثَلَاثَةِ الْأَيَّامِ ... وَنَحْوِهَا يُدْعَى إلَى الْأَحْكَامِ وَيَعْذُرُ الْحَاكِمُ فِي وُصُولِهِ ... بِنَفْسِهِ لِلْحُكْمِ أَوْ وَكِيلِهِ فَإِنْ تَمَادَى وَالْمَغِيبُ حَالُهُ ... بِيعَ بِإِطْلَاقٍ عَلَيْهِ مَالُهُ بَعْدَ ثُبُوتِ الْمُوجِبَاتِ الْأُوَلِ ... كَالدَّيْنِ وَالْغَيْبَةِ وَالتَّمَوُّلِ وَمَا مِنْ الدَّيْنِ عَلَيْهِ قُضِيَا ... وَكَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ أُمْضِيَا وَمَالَهُ لِحُجَّةٍ إرْجَاءُ ... فِي شَأْنِ مَا جَرَى بِهِ الْقَضَاءُ إلَّا مَعَ اعْتِقَالِهِ مِنْ عُذْرِ ... مِثْلِ الْعَدُوِّ وَارْتِجَاجِ الْبَحْرِ قَوْلُهُ فِي التَّرْجَمَةِ فِي حُكْمِ الْبَيْعِ عَلَى الْغَائِبِ الْأَوْلَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنْ يَقُولَ فِي الْحُكْمِ عَلَى الْغَائِبِ لِيَشْمَلَ الْبَيْعَ عَلَيْهِ، وَالتَّطْلِيقَ، وَالْإِعْتَاقَ، لِعَدَمِ النَّفَقَةِ كَمَا يَقُولُ بَعْدُ وَكَالطَّلَاقِ، وَالْعَتَاقِ، أُمْضِيَا وَوَجْهُ مَا فُعِلَ أَنَّ الْمَقْصُودَ هُنَا الْبَيْعُ عَلَى الْغَائِبِ وَغَيْرُهُ إنَّمَا ذُكِرَ اسْتِطْرَادًا فَقَطْ وَلِذَا ذَكَرَهُ خِلَالَ تَرَاجُمِ الْبُيُوعِ. قَوْلُهُ لِطَالِبِ الْحُكْمِ إلَخْ إذَا حَضَرَ الطَّالِبُ وَحْدَهُ عِنْدَ الْقَاضِي فَلَا يَخْلُو الْمَطْلُوبُ إمَّا أَنْ يَكُونَ تَحْتَ إيَالَةِ الْقَاضِي الْمُتَدَاعَى إلَيْهِ أَوْ خَارِجًا عَنْهَا فَإِنْ كَانَ تَحْتَ إيَالَتِهِ فَلَا يَخْلُو مِنْ إحْدَى ثَلَاثٍ إمَّا أَنْ يَكُونَ حَاضِرًا مَعَهُ فِي مِصْرٍ فَالْعَمَلُ الْجَارِي أَنْ يَتَوَجَّهَ إلَيْهِ أَحَدُ الْوَزَعَةِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ حَالًّا عَلَى يَسِيرِ الْأَمْيَالِ مَعَ أَمْنِ الطَّرِيقِ فَالْعَمَلُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَكْتُبَ لَهُ الْقَاضِي بِالْأَمْرِ بِالْحُضُورِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ بَعِيدًا بُعْدًا حِسِّيًّا مِنْ جِهَةِ الْمَسَافَةِ أَوْ مَعْنَوِيًّا مِنْ جِهَةِ الْخَوْفِ وَالْحُكْمُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَكْتُبَ الْقَاضِي لِأَمْثَلَ مَنْ هُنَالِكَ بِفِعْلِ مَا يَجِبُ مِنْ النَّظَرِ الْمُؤَدِّي لِلتَّنَاصُفِ بَيْنَهُمَا إمَّا بِالصُّلْحِ أَوْ بِالْغُرْمِ أَوْ بِالْعَزْمِ عَلَى الْمَطْلُوبِ فِي الْوُصُولِ لِمَحَلِّ الْحُكْمِ، وَالرَّفْعُ فِي الْوُجُوهِ الثَّلَاثَةِ مُقَيَّدٌ بِظُهُورِ مَخَايِلِ صِدْقِ الطَّالِبِ وَهَذَا كُلُّهُ تَقَدَّمَ أَوَّلَ الْكِتَابِ فِي تَرْجَمَةِ رَفْعِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ. وَإِنْ كَانَ الْمَطْلُوبُ خَارِجًا عَنْ إيَالَةِ الْقَاضِي الْمُتَدَاعَى إلَيْهِ فَلَهُ حَالَتَانِ إحْدَاهُمَا أَنْ تَكُونَ غَيْبَتُهُ عَارِضَةً لِسَفَرٍ أَوْ زِيَارَةٍ أَوْ نَحْوِهِمَا وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِالْغَائِبِ هُنَا وَالْحَالَةُ الثَّانِيَة أَنْ تَكُونَ غَيْبَتُهُ أَصْلِيَّةً بِمَعْنَى أَنَّ ذَلِكَ الْمَحَلَّ الَّذِي هُوَ فِيهِ هُوَ وَطَنُهُ وَمَحَلُّ قَرَارِهِ فَيُرِيدُ الطَّالِبُ أَنْ يَأْتِيَهُ لِمَوْضِعِهِ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْخِلَافِ هَلْ يُرَاعَى مَحَلُّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَوْ الْمُدَّعِي. وَتَقَدَّمَ لِلنَّاظِمِ فِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ حَيْثُ قَالَ: وَالْحُكْمُ فِي الْمَشْهُورِ حَيْثُ الْمُدَّعَى ... عَلَيْهِ فِي الْأُصُولِ وَالْمَالِ مَعَا وَحَيْثُ يُلْفِيه بِمَا فِي الذِّمَّهْ ... يَطْلُبهُ وَحَيْثُ أَصْلٌ ثَمَّهْ قَوْلُهُ لِطَالِبِ الْحُكْمِ إلَخْ يَعْنِي أَنَّ الْغَائِبَ الَّذِي أُرِيدَ الْحُكْمُ عَلَيْهِ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا أَوْ بَعِيدًا

قَالَ فِي الْمُفِيدِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ بْنُ رُشْدٍ: الْحُكْمُ عَلَى الْغَائِبِ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ أَحَدُهَا: غَائِبٌ قَرِيبُ الْغَيْبَةِ عَلَى مَسِيرَةِ الْيَوْمِ وَالْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ فَهَذَا يُكْتَبُ إلَيْهِ وَيُعْذَرُ إلَيْهِ فِي كُلِّ حَقٍّ فَإِمَّا وَكَّلَ وَإِمَّا قَدِمَ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ حُكِمَ عَلَيْهِ فِي الدَّيْنِ وَبِيعَ عَلَيْهِ مَالُهُ مِنْ أَصْلٍ وَغَيْرِهِ وَفِي اسْتِحْقَاقِ الْعُرُوضِ وَالْحَيَوَانِ وَالْأُصُولِ وَجَمِيعِ الْأَشْيَاءِ وَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَلَمْ تُرْجَ لَهُ حُجَّةٌ فِي ذَلِكَ (قَالَ ابْنُ رُشْدٍ) فِي نَوَازِلِهِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ حَدِّ الْغَيْبَةِ الْقَرِيبَةِ هُوَ مَعَ الْأَمْنِ وَالطَّرِيقِ الْمَسْلُوكَةِ وَأَمَّا إذَا كَانَتْ الطَّرِيقُ غَيْرَ مَأْمُونَةٍ وَلَا مَسْلُوكَةٍ فَيُحْكَمُ عَلَى الْغَائِبِ فِيهَا وَإِنْ قَرُبَتْ غَيْبَتُهُ وَتُرْجَى لَهُ الْحُجَّةُ، وَمَنْ خَلْفَ الْبَحْرِ بِالْجَوَازِ الْقَرِيبِ الْمَأْمُونِ كَالْبَرِّ الْوَاحِدِ إلَّا فِي الْأَمَدِ الَّذِي يُمْتَنَعُ رُكُوبُهُ فَيَكُونُ لِلْقَرِيبِ فِيهِ حُكْمُ الْبَعِيدِ هَذَا الَّذِي أَرَاهُ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اهـ عَلَى نَقْلِ الشَّارِحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِيَّاهُ اعْتَمَدَ النَّاظِمُ فِيمَا ذُكِرَ وَلَمْ يَتْرُكْ مِنْهُ شَيْئًا قَوْلُهُ وَيَعْذُرُ الْحَاكِمُ أَيْ يَقْطَعُ عُذْرَهُ وَحُجَّتَهُ بِالْكَتْبِ إلَيْهِ فَإِمَّا وَكَّلَ أَوْ قَدِمَ كَمَأ ذُكِرَ وَقَوْلُهُ بِإِطْلَاقٍ أَيْ أَصْلًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ وَقَوْلُهُ بَعْدَ ثُبُوتٍ يَتَعَلَّقُ بِبَيْعٍ، وَقَوْلُهُ الْأَوَّلِ نَعْتٌ لِلْمُوجِبَاتِ وَمَعْنَى كَوْنِهَا مُوجِبَاتٍ أَنَّهَا مُقْتَضِيَةٌ لِتَرَتُّبِ الْحُكْمِ وَمَعْنَى أَوَّلِيَّتِهَا أَنَّهَا مُتَقَدِّمَةٌ عَلَى بَيْعِ مَالِهِ فَلَا يُبَاعُ مَالُهُ حَتَّى يَثْبُتَ الدَّيْنُ الْمُوجِبُ لِعِمَارَةِ ذِمَّتِهِ، وَغَيْبَتُهُ الْمُوجِبَةُ لِإِنْفَاذِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ وَالْإِعْذَارُ إلَيْهِ الْمُوجِبُ لِتُفِيدَ الْحُكْمَ عَلَيْهِ بِعَدَدِ الْمَالِ، وَالْمِلْكُ الْمُوجِبُ لِنُفُوذِ الْحُكْمِ بِالْبَيْعِ فِي هَذَا الشَّيْءِ الْمُعَيَّنِ قَوْلُهُ وَمَا مِنْ الدَّيْنِ عَلَيْهِ قُضِيَا مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ بِيعَ بِإِطْلَاقٍ عَلَيْهِ مَالُهُ. وَقَوْلُهُ: وَكَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ، أُمْضِيَا يَعْنِي وَكَمَا يُحْكَمُ عَلَى الْغَائِبِ بِبَيْعِ مَالِهِ وَقَضَاءِ دَيْنِهِ، كَذَلِكَ يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِالطَّلَاقِ لِزَوْجَتِهِ، وَالْعِتْقِ لِرَقِيقِهِ بَعْدَ ثُبُوتِ الْمُوجِبَاتِ لِذَلِكَ فَفِي الطَّلَاقِ بَعْدَ ثُبُوتِ الزَّوْجِيَّةِ، وَثُبُوتِ الشَّرْطِ إنْ كَانَ الطَّلَاقُ بِهِ أَوْ ثُبُوتِ الْإِعْسَارِ بِالنَّفَقَةِ إنْ كَانَ الطَّلَاقُ بِهِ، وَالْيَمِينُ عَلَى نَصِّهِ، وَالْإِعْذَارُ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فِي الْعِتْقِ بَعْدَ ثُبُوتِ غَيْبَةِ السَّيِّدِ وَمِلْكِهِ لِهَذَا الْمَمْلُوكِ وَثُبُوتِ حُرِّيَّتِهِ بِالْأَصَالَةِ، أَوْ الشَّهَادَةِ عَلَى السَّيِّدِ بِالْعِتْقِ وَعَدَمِ النَّفَقَةِ لِأُمِّ وَلَدِهِ الَّتِي لَا صَنْعَةَ لَهَا أَوْ لَهَا صَنْعَةٌ لَا تَقُومُ بِنَفَقَتِهَا، وَالْإِعْذَارُ إلَيْهِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، وَقَوْلُهُ: وَمَا لَهُ لِحُجَّةٍ إرْجَاءُ الْبَيْتَيْنِ. تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّهُ لَا تُرْجَى لَهُ حُجَّةٌ فِي ذَلِكَ وَإِنَّ مَنْ خَلْفَ الْبَحْرِ بِالْجَوَازِ الْقَرِيبِ الْمَأْمُونِ كَالْبَرِّ الْوَاحِدِ إلَّا فِي الْأَمَدِ الَّذِي يَمْتَنِعُ رُكُوبُهُ فَيَكُونُ لِلْقَرِيبِ فِيهِ حُكْمُ الْبَعِيدِ أَيْ فَتُرْجَى لَهُ الْحُجَّةُ وَتُسْمَعُ مِنْهُ. فَرْعٌ اُخْتُلِفَ هَلْ يُسْتَأْنَى فِي الْبَيْعِ عَلَيْهِ إنْ خِيفَ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ لَا فَقِيلَ لَا يُسْتَأْنَى بِهِ لِأَنَّ لَهُ ذِمَّةً وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ وَقِيلَ يُسْتَأْنَى بِهِ كَالْمَيِّتِ الَّذِي لَا ذِمَّةَ لَهُ. وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَغَيْرِهِ، وَأَمَّا الْبَعِيدُ الْغَيْبَةِ، فَلَا خِلَافَ فِي وُجُوبِ الِاسْتِينَاءِ بِهِ إذَا خُشِيَ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ دَيْنٌ. نَقَلَهُ الشَّارِحُ عَنْ الطُّرَرِ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي وَالْحُكْمُ مِثْلُ الْحَالَةِ الْمُقَرَّرَة ... فِيمَنْ عَلَى مَسَافَةٍ كَالْعَشَرَةِ وَفِي سِوَى اسْتِحْقَاقِ أَصْلٍ أُعْمِلَا ... وَالْخُلْفُ فِي التَّفْلِيسِ مَعَ عِلْمِ الْمَلَا وَذَا لَهُ الْحُجَّةُ تُرْجَى وَاَلَّذِي ... بِيعَ عَلَيْهِ مَالُهُ مِنْ مُنْقِذِ وَيَقْتَضِي بِمُوجِبِ الرُّجُوعِ ... مِنْ الْغَرِيمِ ثَمَنُ الْمَبِيعِ هَذَا هُوَ الْقِسْمُ الثَّانِي مِنْ الْغِيَابِ وَهُوَ ذُو الْغَيْبَةِ الْمُتَوَسِّطَةِ بَيْنَ الْقُرْبِ وَالْبُعْدِ وَهُوَ مَنْ عَلَى الْعَشَرَةِ الْأَيَّامِ وَنَحْوِهَا وَحُكْمُهُ حُكْمُ الْقَرِيبِ الْغَيْبَةِ فِي كَوْنِهِ يُحْكَمُ عَلَيْهِ فِي كُلِّ شَيْءٍ إلَّا فِي اسْتِحْقَاقِ الْأُصُولِ فَلَا يُحْكَمُ بِهِ عَلَيْهِ فِي غَيْبَتِهِ وَاخْتَلَفَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ هَلْ يُفَلَّسُ وَهُوَ غَائِبٌ أَوْ لَا وَمَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا عُلِمَ كَوْنُهُ مَلِيًّا وَأَمَّا إنْ جُهِلَ حَالُهُ يُفَلَّسُ اتِّفَاقًا وَإِذَا فُلِّسَ فَتُحَلُّ دُيُونُهُ، وَمَنْ وَجَدَ سِلْعَتَهُ عِنْدَهُ أَخَذَهَا فَإِذَا أَتَى بِحُجَّةٍ بَعْدَ الْحُكْمِ عَلَيْهِ فَهُوَ عَلَى حُجَّتِهِ بِخِلَافِ قَرِيبِ الْغَيْبَةِ كَمَا تَقَدَّمَ فَلَا تُرْجَى لَهُ حُجَّةٌ فَإِنْ أَثْبَتَ الْبَرَاءَةَ مِنْ الدَّيْنِ الَّذِي بِيعَ فِيهِ مَالُهُ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ فِيهِ عَلَى الْغَرِيمِ بِثَمَنِ الْمَبِيعِ، وَلَا يُنْقَضُ الْبَيْعُ وَإِلَى ذَلِكَ كُلِّهِ أَشَارَ بِالْأَبْيَاتِ الْأَرْبَعَةِ (قَالَ ابْنُ رُشْدٍ) فِي تَقْسِيمِ الْغَيْبَةِ

مَا نَصُّهُ وَالثَّانِي غَائِبٌ بَعِيدُ الْغَيْبَةِ عَلَى مَسِيرَةِ الْعَشَرَةِ أَيَّامٍ وَشَبَهِهَا فَهَذَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ فِيمَا عَدَا اسْتِحْقَاقِ الرِّبَاعِ وَالْأُصُولِ مِنْ الدُّيُونِ وَالْحَيَوَانِ وَالْعُرُوضِ وَتُرْجَى لَهُ الْحُجَّةُ فِي ذَلِكَ وَفِي الطُّرَرِ وَأَمَّا تَفْلِيسُهُ حَتَّى يَقْضِيَ دَيْنَ مَنْ لَمْ يَحِلَّ دَيْنُهُ، وَيَكُونُ مَنْ وَجَدَ سِلْعَتَهُ أَحَقَّ بِهَا فَإِنْ عُلِمَ مِلَاؤُهُ فَقِيلَ يُفَلَّسُ وَقِيلَ لَا يُفَلَّسُ. (قَالَ ابْنُ رُشْدٍ) وَهَذَا الْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ فِيمَنْ عَلَى عَشَرَةِ أَيَّامٍ وَنَحْوِهَا، وَأَمَّا الْغَيْبَةُ الْبَعِيدَةُ كَالشَّهْرِ وَنَحْوِهِ فَلَا خِلَافَ فِي وُجُوبِ تَفْلِيسِهِ فِيهَا وَإِنْ عُلِمَ مِلَاؤُهُ، فَإِنْ جُهِلَتْ حَالَتُهُ فِي غَيْبَتِهِ فَلَا اخْتِلَافَ بِأَنَّهُ يُقْضَى بِذَلِكَ فِي غَيْبَتِهِ إذَا كَانَتْ بَعِيدَةً وَلَا أَنَّهُ لَا يُقْضَى بِذَلِكَ فِي الْغَيْبَةِ الْقَرِيبَةِ حَتَّى يُكْتَبَ فِي أَمْرِهِ وَيُكْشَفَ عَنْ حَالِهِ اهـ بِتَقْدِيمٍ وَتَأْخِيرٍ لِمُحَاذَاةِ كَلَامِ النَّاظِمِ. قَوْلُهُ وَالْحُكْمُ مِثْلُ الْحَالَةِ الْمُقَرَّرَهْ أَيْ الْحُكْمُ عَلَى مَنْ عَلَى مَسَافَةِ عَشَرَةِ أَيَّامٍ وَنَحْوِهَا مِثْلَ الْحُكْمِ فِي الْحَالَةِ الْمُقَرَّرَةِ أَوَّلًا وَهِيَ الْحَالَةُ الَّتِي يَكُونُ فِيهَا الْغَائِبُ عَلَى مَسَافَةِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَنَحْوِهَا وَنَائِبُ أَعُمِلَا لِلْحُكْمِ، وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ مَعَ عِلْمِ الْمَلَا أَنَّهُ إذَا جُهِلَ مِلَاؤُهُ وَعَدَمُهُ فَإِنَّهُ يُفَلَّسُ اتِّفَاقًا كَمَا تَقَدَّمَ وَالْإِشَارَةُ بِذَا لِلْغَائِبِ غَيْبَةً مُتَوَسِّطَةً وَمَعْنَى " مَالَهُ مِنْ مُنْقِذِ " أَيْ لَا يُسْتَرْجَعُ مِنْ يَدِ مُشْتَرِيهِ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُ فَمَا، نَافِيَةٌ، وَضَمِيرُ لَهُ لِلْمَبِيعِ، وَالْمُنْقِذُ، اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ أَنْقَذَ، وَفَاعِلُ يَقْتَضِي لِلْغَائِبِ وَبَاءُ بِمُوجِبٍ سَبَبِيَّةٌ تَتَعَلَّقُ بِيَقْتَضِي، وَمُوجِبُ الرُّجُوعِ وَالْبَرَاءَةِ مِنْ الدَّيْنِ وَمِنْ الْغَرِيمِ يَتَعَلَّقُ بِيَقْتَضِي، وَالْمُرَادُ بِهِ رَبُّ الدَّيْنِ وَغَائِبٍ مِنْ مِثْلِ قُطْرِ الْمَغْرِبِ ... لِمِثْلِ مَكَّةَ وَمِثْلِ يَثْرِبَ مَا الْحُكْمُ فِي شَيْءٍ عَلَيْهِ يَمْتَنِعْ ... وَهُوَ عَلَى حُجَّتِهِ مَا تَنْقَطِعْ وَالْحُكْمُ مَاضٍ أَبَدًا لَا يُنْقَضْ ... وَمَا بِهِ أُفِيتَ لَا يُنْتَقَضُ لَكِنَّ مَعَ بَرَاءَةٍ يُقْضَى لَهُ ... بِأَخْذِهِ مِنْ الْغَرِيمِ مَالَهُ ، هَذَا هُوَ الْقِسْمُ الثَّالِثُ وَهُوَ ذُو الْغَيْبَةِ الْبَعِيدَةِ مِثْلَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ الْمُشَرَّفَةِ وَهِيَ الْمُسَمَّاةُ بِيَثْرِبَ وَمِثْلَ مِصْرَ وَالشَّامِ مِنْ الْمَغْرِبِ وَمِثْلَ تُونُسَ مِنْ الْأَنْدَلُسِ وَنَحْوَ ذَلِكَ وَالْحُكْمُ يَمْضِي عَلَيْهِ فِي كُلِّ شَيْءٍ مِنْ اسْتِحْقَاقِ أَصْلٍ وَغَيْرِهِ وَهُوَ عَلَى حُجَّتِهِ كَاَلَّذِي قَبْلَهُ وَالْحُكْمُ فِيهِ مِثْلُ الَّذِي قَبْلَهُ فِيمَا بِيعَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يُنْقَضُ، وَيَرْجِعُ عَلَى غَرِيمِهِ إذَا ثَبَتَتْ بَرَاءَتُهُ مِنْ الدَّيْنِ (قَالَ ابْنُ رُشْدٍ) فِي التَّقْسِيمِ السَّابِقِ: وَالثَّالِثُ غَائِبٌ مُنْقَطِعُ الْغَيْبَةِ مِثْلَ مَكَّةَ مِنْ إفْرِيقِيَّةَ وَالْمَدِينَةِ مِنْ الْأَنْدَلُسِ وَخُرَاسَانَ فَهَذَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ فِي كُلِّ شَيْءٍ مِنْ الدُّيُونِ، وَالْحَيَوَانِ، وَالْعُرُوضِ، وَالرِّبَاعِ، وَالْأُصُولِ، وَتُرْجَى لَهُ الْحُجَّةُ فِي ذَلِكَ وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِّ فِي نَوَازِلِهِ: وَإِذَا بِيعَ عَلَى الْغَائِبِ مِلْكُهُ فِي دَيْنٍ ثَابِتٍ عَلَيْهِ، ثُمَّ قَدِمَ وَأَثْبَتَ الْبَرَاءَةَ مِنْهُ كَانَ الْبَيْعُ فِي الْمِلْكِ ثَابِتًا وَيَرْجِعُ عَلَى الْغَرِيمِ بِمَا قَبَضَهُ مِنْ ثَمَنِهِ وَلَا يُعَدَّى فِي الْمِلْكِ بِشَيْءٍ اهـ (قَالَ الشَّارِحُ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ هِيَ الْمَسْأَلَةُ الْجَارِيَةُ الْوَاقِعَةُ لِشَيْخِنَا قَاضِي الْجَمَاعَةِ أَبِي الْقَاسِمِ بْنِ سِرَاجٍ وَوَقَعَ فِيهَا الْخِلَافُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَثِيرِ مِنْ مُعَاصِرِيهِ وَصُورَتُهَا أَنَّ تَاجِرًا كَانَ تَسَرَّى جَارِيَةً بِغِرْنَاطَةَ وَغَابَ إلَى نَاحِيَةِ تُونُسَ، فَطَالَتْ غَيْبَتُهُ بِهَا وَصَارَتْ الْجَارِيَةُ تَدَّعِي أَنَّهَا بِحَالِ ضَيَاعٍ، فَكَفَلَهَا بَعْضُ حَاشِيَةِ السُّلْطَانِ مِمَّنْ لَهُ وَجَاهَةٌ فِي الدَّوْلَةِ، وَكَتَبَ عَلَى سَيِّدِهَا النَّفَقَةَ، إلَى أَنْ تُحُمِّلَ لَهُ قِبَلَهُ قَرِيبٌ مِنْ مِقْدَارِ ثَمَنِهَا فَرُفِعَ أَمْرُهُ لِلْقَاضِي وَأَثْبَتَ دَيْنَهُ ذَلِكَ الْمُتَرَتِّبَ مِنْ النَّفَقَةِ، وَغَيْبَةَ مَالِكِ الْجَارِيَةِ وَصِحَّةَ مِلْكِهِ إيَّاهَا وَحَلَفَ عَلَى الْمُتَحَمِّلِ لَهُ وَقُوِّمَتْ الْجَارِيَةُ وَصُيِّرَتْ فِي النَّفَقَةِ لِكَافِلِهَا فَأَعْتَقَهَا، وَتَزَوَّجَهَا، وَوَقَفَ لِلتَّاجِرِ مَا فَضَلَ مِنْ ثَمَنِهَا، ثُمَّ قَدِمَ التَّاجِرُ مَالِكُهَا الْأَوَّلُ، وَبَعْدَ بَيْعِهَا بِأَشْهُرٍ. فَتَظَلَّمَ مِنْ بَيْعِ الْجَارِيَةِ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ وَادَّعَى أَنَّهُ تَرَكَ لَهَا مَا تَقُومُ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ مُدَّةِ الْغَيْبَةِ وَأَنَّ لَهَا صَنْعَةً يُمْكِنُهَا إتْمَامُ نَفَقَتِهَا بَعْد مَا تَرَكَ لَهَا مِنْ صَنْعَةِ يَدِهَا وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الدَّعَاوَى الَّتِي رُبَّمَا لَمْ تَثْبُت لَهُ وَكَانَ يَتَعَلَّقُ مِنْ الدَّوْلَةِ بِجِهَةٍ لَا تَقْصُرُ عَنْ تَعَلُّقِ خَصْمِهِ فَكَانَ هَذَا الْخِصَامُ مُتَكَافِئًا فِي الِاسْتِظْهَارِ بِالْوَجَاهَةِ بَيْنَ هَذَيْنِ الْخَصْمَيْنِ وَثَبَتَ الشَّيْخُ عَلَى حُكْمِهِ أَيْ مِنْ تَصْيِيرِ الْجَارِيَةِ لِلَّذِي أَنْفَقَ عَلَيْهَا فِي نَفَقَتِهِ وَخَالَفَهُ غَيْرُهُ وَلَمْ يُلِمَّ شَيْخُنَا الْقَاضِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِإِثْبَاتِ عَجْزِهَا عَنْ النَّفَقَةِ مِنْ صَنْعَتِهَا وَلَا إثْبَاتِ كَوْنِ مَالِكِهَا لَمْ يَتْرُكْ لَهَا نَفَقَةً. وَقَدْ وَقَعَتْ لِابْنِ عَبْدِ الرَّفِيعِ فِي مُفِيدِهِ قَالَ: إذَا قَامَتْ مَمْلُوكَةٌ عِنْدَ الْقَاضِي وَذَكَرَتْ

غَيْبَةَ مَالِكِهَا عَنْهَا وَأَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ لَهَا نَفَقَةً كَلَّفَهَا إثْبَاتَ غَيْبَتِهِ وَمِلْكِهِ لَهَا، وَأَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ لَهَا نَفَقَةً وَلَا بَعَثَ لَهَا بِشَيْءٍ وَزَادَ غَيْرُهُ أَنَّهُ يُكَلِّفُهَا أَيْضًا إثْبَاتَ كَوْنِهَا عَاجِزَةً عَنْ اسْتِعْمَالِهَا فِيمَا يُسْتَعْمَلُ فِيهِ مِثْلُهَا لِتُنْفِقَ مِنْهُ عَلَى نَفْسِهَا قَالَهُ ابْنُ عَتَّابٍ فِي أُمِّ الْوَلَدِ، فَالْمَمْلُوكَةُ أَحْرَى وَأَوْلَى بِهَذَا الْحُكْمِ الْحَاكِمِ. قَالَ الشَّارِحُ وَقَدْ أَوْجَبَ النَّظَرَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَالِاسْتِقْرَاءَ لِأَمْثَالِهَا عَلَيَّ أَنْ قَيَّدْتُ مَا نَصُّهُ حُكْمُ الْحَاكِمِ إذَا لَمْ يُصَادِفْ مَحَلًّا لِكَوْنِهِ مَبْنِيًّا عَلَى أُمُورٍ مَنْظُومَةٍ ثُمَّ يَنْجَلِي الْأَمْرُ بِخِلَافِ ذَلِكَ كَمَسْأَلَةِ زَوْجَةِ الْمَفْقُودِ إذَا ضُرِبَ لَهَا الْأَجَلُ وَاعْتَدَّتْ وَتَزَوَّجَتْ ثُمَّ قَدِمَ زَوْجُهَا الْأَوَّلُ ثُمَّ اسْتَطْرَدَ نَحْوَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ مَسْأَلَةً مِنْ هَذَا الْمَعْنَى ثُمَّ قَالَ مَا مَعْنَاهُ إنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ بِمَا يَجِبُ أَنْ يُنْظَرَ فِيهِ النَّظَرُ الَّذِي يُرْفَعُ عَنْهُ التَّنَاقُضُ الَّذِي يَظْهَرُ لِبَادِئِ الرَّأْيِ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسَائِلِ وَذَلِكَ يَقْسِمُ التَّقْسِيمَ الْحَاصِرَ لِصُوَرِ تِلْكَ الْمَسَائِلِ كُلِّهَا وَلَعَلَّهُ يُنْتِجُ قَاعِدَةً تَرْجِعُ إلَيْهَا أَفْرَادُهَا فَأَقُولُ لَا يَخْلُو حُكْمُ الْحَاكِمِ فِي أَمْثَالِ تِلْكَ الْمَسَائِلِ أَنْ يَكُونَ مَبْنِيًّا عَلَى مُوجِبٍ قَطْعِيٍّ أَوْ ظَنِّيٍّ فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يُعَارِضَهُ قَطْعِيٌّ أَوْ ظَنِّيٌّ فَأَمَّا الْأَوَّلُ فَوُجُودُهُ خَالٍ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَقَعَ التَّعَارُضُ بَيْنَ قِطْعَتَيْنِ وَأَمَّا الثَّانِي فَلَا يَنْهَضُ أَنْ يُنْقَضَ بِمُوجِبٍ ظَنِّيٍّ مَا ثَبَتَ أَوَّلًا بِمُوجِبٍ قَطْعِيٍّ وَلَيْسَ فِي تِلْكَ الْمَسَائِلِ الْمُتَقَدِّمَةِ مِثَالٌ لِوَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ بِوَجْهٍ. وَأَمَّا الثَّانِي مِنْ التَّقْسِيمِ الْأَوَّلِ وَهُوَ مَا ثَبَتَ بِمُوجِبٍ ظَنِّيٍّ فَلَا يَخْلُو أَنَّهُ يُعَارِضُهُ قَطْعِيٌّ أَوْ ظَنِّيٌّ وَأَيًّا مَا كَانَ مِنْ هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْغَيْرِ أَوْ يَطْرَأَ فَوْتٌ أَوْ خَوْفُ فَوْتِ مَصْلَحَةٍ نُصِّبَ الْحَاكِمُ أَوْ لَا يَقَعُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَأَمَّا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ وَهُوَ مَا عَارَضَ فِيهِ الْقَطْعِيُّ الظَّنِّيَّ وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقُّ الْغَيْرِ، وَلَا طَرَأَ فَوْتٌ وَلَا غَيْرُهُ فَالظَّاهِرُ فِي هَذَا نَقْصُ الْحُكْمِ وَذَلِكَ كَإِتْيَانِ الزَّوْجِ الْمَفْقُودِ بَعْد أَنْ اعْتَدَّتْ زَوْجَتُهُ وَقَبْلَ أَنْ تَتَزَوَّجَ أَوْ بَعْدَ الْعَقْدِ عَلَيْهَا، وَقَبْلَ الدُّخُولِ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ مَالِكٍ وَكَانْفِشَاشِ الْحَمْلِ بَعْدَ دَفْعِ النَّفَقَةِ وَنَحْوَ ذَلِكَ وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي وَهُوَ إذَا عَارَضَ الْقَطْعِيُّ الظَّنِّيَّ وَتَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْغَيْرِ، أَوْ طَرَأَ فَوْتٌ وَذَلِكَ كَإِتْيَانِ الزَّوْجِ الْمَفْقُودِ بَعْدَ أَنْ دَخَلَ بِزَوْجَتِهِ أَوْ بَعْدَ الْعَقْدِ فَقَطْ عَلَى قَوْلٍ فَالظَّاهِرُ هُنَا عَدَمُ نَقْضِ الْحُكْمِ وَالْقِيَاسُ النَّقْضُ وَعَدَمُهُ اسْتِحْسَانٌ. وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّالِثُ وَهُوَ إذَا عَارَضَ الظَّنِّيُّ الظَّنِّيَّ وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقُّ الْغَيْرِ وَلَا طَرَأَ فَوْتٌ فَلَا إشْكَالَ هُنَا فِي نَقْضِ الْحُكْمِ كَمَا إذَا بِيعَتْ دَارُ الْمَدِينِ الْغَائِبِ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ فَلَمَّا قَدِمَ أَثْبَتَ الْبَرَاءَةَ مِنْ الدَّيْنِ أَوْ أَبْطَلَ أَصْلَهُ فَيُنْتَقَضُ الْبَيْعُ لِعَدَمِ تَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ وَهُنَا تَنْزِيلُ مَسْأَلَةِ الْجَارِيَةِ لَوْ لَمْ يَحْدُثْ فِيهَا فَوْتٌ بِالْعِتْقِ وَالتَّزْوِيجِ وَأَمَّا بَعْدَ حُدُوثِهِمَا فَهِيَ مِنْ أَمْثِلَةِ الْقِسْمِ الرَّابِعِ. وَأَمَّا الْقِسْمُ الرَّابِعُ وَهُوَ إذَا عَارَضَ الظَّنِّيُّ الظَّنِّيَّ وَتَعَلَّقَ حَقُّ الْغَيْرِ أَوْ طَرَأَ فَوْتٌ كَبَيْعِ دَارِ الْغَائِبِ مِنْ غَيْرِ صَاحِبِ الدَّيْنِ فَيَمْضِي الْحُكْمُ وَلَا تُرَدُّ لِلْغَائِبِ وَهُوَ اسْتِحْسَانٌ وَالْقَوْلُ بِالنَّقْضِ أَقْيَسُ. انْتَهَى كَلَامُ الشَّارِحِ بِاخْتِصَارٍ. (قَالَ مُقَيِّدُ هَذَا الشَّرْحِ) وَقَدْ كُنْتُ نَظَمْتُ هَذِهِ الْقَاعِدَةَ بِأَقْسَامِهَا تَقْرِيبًا لِلْحِفْظِ فَقُلْتُ فِي أَوَاخِرِ نَظْمِنَا الْمُسَمَّى " بُسْتَانُ فِكَرِ الْمُهَجِ فِي تَكْمِيلِ الْمَنْهَجِ " إنْ حَكَمَ الْقَاضِي فَبَانَ خُلْفُ مَا ... اسْتَنَدَ الْحُكْمُ لَهُ فَأُعْلِمَا فَمَا انْتَمَى لِلْقَطْعِ فَالْمُعَارِضُ ... قَطْعِي امْنَعْنَ وَالظَّنُّ لَا يُنَاقِضُ وَلَيْسَ يُوجَدُ لِهَذَيْنِ مِثَالْ ... وَإِنَّمَا التَّقْسِيمُ أَفْضَى لِلْمَقَالْ وَمَا انْتَمَى لِلظَّنِّ فَاَلَّذِي أَتَى ... إمَّا بِقَطْعٍ أَوْ بِظَنٍّ ثَبَتَا إنْ لَمْ يَكُنْ لِلْغَيْرِ حَقٌّ لَا وَلَا ... طَارِئُ فَوْت فَانْقُضَنَّ مُسْجَلَا وَذَا كَمَفْقُودٍ أَتَى وَلَا نِكَاحَ ... أَوْ أَخَذَ الدَّارَ الَّذِي الدَّيْنَ اسْتَبَاحَ فَثَبَتَتْ بَرَاءَةُ الْمِدْيَانِ ... وَإِنْ يَكُنْ أَثْبَتَ بِاسْتِحْسَانِ كَأَنْ أَتَى بَعْدَ النِّكَاحِ أَوْ أَخَذْ ... دَارِهِ أَجْنَبِيٌّ بِبَيْعٍ قَدْ نَفِذْ وَنَقْضُهُ الْقِيَاسُ وَالْبَسْطُ لَدَى ... شَرْحِ ابْنِ عَاصِمٍ لِمَنْ قَدْ وُلِدَا فِي بَيْعِ مَالِ غَائِبٍ ذَاكَ ذَكَرْ ... فَرَاجِعْنَهُ ثُمَّ حَقِّقْ النَّظَرْ.

فصل في العيوب

[فَصْلٌ فِي الْعُيُوبِ] (فَصْلٌ فِي الْعُيُوبِ) وَمَا مِنْ الْأُصُولِ بِيعَ وَظَهَرَ ... لِلْمُشْتَرِي عَيْبٌ بِهِ كَانَ اسْتَتَرَ فَإِنْ يَكُنْ لَيْسَ لَهُ تَأْثِيرُ ... فِي ثَمَنٍ فَخَطْبُهُ يَسِيرُ وَمَا لِمَنْ صَارَ لَهُ الْمَبِيعُ ... رَدٌّ وَلَا بِقِيمَةٍ رُجُوعُ وَإِنْ يَكُنْ يَنْقُصُ بَعْضَ الثَّمَنِ ... كَالْعَيْبِ عَنْ صَدْعِ جِدَارِ بَيِّنِ فَالْمُشْتَرِي لَهُ الرُّجُوعُ هَهُنَا ... بِقِيمَةِ الْعَيْبِ إذَا تَعَيَّنَا وَإِنْ يَكُنْ لِنَقْصِ ثُلْثِهِ اقْتَضَى ... فَمَا عَلَا فَالرَّدُّ حَتْمٌ بِالْقَضَا قَدْ تَكَلَّمَ فِي هَذِهِ التَّرْجَمَةِ عَلَى مَنْ اشْتَرَى شَيْئًا ثُمَّ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا لَمْ يَرَهُ وَقْتَ التَّقْلِيبِ ثُمَّ إنَّ الشَّيْءَ الْمُشْتَرَى إمَّا أَنْ يَكُونَ رَقِيقًا أَوْ غَيْرَهُ مِنْ سَائِرِ الْحَيَوَانِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ لِلنَّاظِمِ أَوَائِلَ الْبُيُوعِ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ أَصْلًا كَالدَّارِ وَالْفُنْدُقِ أَوْ غَيْرِهِمَا كَالثَّوْبِ وَعَلَيْهِمَا تَكَلَّمَ فِي هَذِهِ التَّرْجَمَةِ فَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي أَصْلًا فَلَا يَخْلُو الْعَيْبُ الَّذِي ظَهَرَ فِيهِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ. الْأَوَّلُ لَا يُرَدُّ بِهِ الْمَبِيعُ وَلَا يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ بِقِيمَتِهِ لِيَسَارَتِهِ، يُرِيدُ كَالشِّرَافَاتِ يَجِدُهَا مُنْهَدِمَةً، الثَّانِي لَا يُرَدُّ وَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي بِقِيمَتِهِ كَصَدْعٍ فِي حَائِطٍ وَنَحْوِهِ، الثَّالِثُ تُرَدُّ مِنْ أَجَلِهِ كَصَدْعِ جِدَارٍ يُخْشَى سُقُوطُ الدَّارِ مِنْهُ وَإِلَى هَذِهِ الْأَقْسَامِ أَشَارَ بِالْأَبْيَاتِ السِّتِّ، فَقَوْلُهُ كَانَ اسْتَتَرَ أَيْ وَقْتَ التَّقْلِيبِ، قَوْلُهُ: فَإِنْ يَكُنْ لَيْسَ لَهُ تَأْثِيرُ هُوَ إشَارَةٌ لِلْوَجْهِ الْأَوَّلِ وَاَلَّذِي صَارَ لَهُ الْمَبِيعُ هُوَ الْمُشْتَرِي لَا يَرُدُّ مُشْتَرَاهُ وَلَا يَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ لِيَسَارَتِهِ، وَقَوْلُهُ: وَإِنْ يَكُنْ يُنْقَصُ بَعْضَ الثَّمَنِ الْبَيْتَيْنِ هُوَ إشَارَةٌ إلَى الْوَجْهِ الثَّانِي، وَقَوْلُهُ: وَإِنْ يَكُنْ لِنَقْصِ ثُلْثِهِ اقْتَضَى الْبَيْتَ إشَارَةٌ إلَى الْوَجْهِ الثَّالِثِ (قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ) الْعُيُوبُ فِي الدُّورِ وَنَحْوِهَا مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ بْنُ أَبِي زَيْدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ أَحَدُهَا: عَيْبٌ خَطِيرٌ يَسْتَغْرِقُ مُعْظَمَ الثَّمَنِ، أَوْ مَا يُخْشَى مِنْهُ سُقُوطُ حَائِطٍ كَصَدْعٍ فِيهِ فَهَذَا وَشِبْهُهُ يَثْبُتُ لَهُ الرَّدُّ بِهِ وَيَرْجِعُ بِجَمِيعِ ثَمَنِهِ، وَالثَّانِي عَيْبٌ يَسِيرٌ لَا يَنْقُصُ مِنْ الثَّمَنِ فَهَذَا لَا تُرَدُّ بِهِ الدَّارُ وَلَا يَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ لِيَسَارَتِهِ وَيَتَمَسَّكُ بِالْمَبِيعِ، وَالثَّالِثُ لَا يُرَدُّ بِهِ وَلَكِنْ يَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ بِقِيمَتِهِ كَصَدْعٍ فِي حَائِطٍ وَنَحْوِهِ اهـ وَهُوَ مِثْلُ كَلَامِ النَّاظِمِ إلَّا فِي تَقْدِيمِ الْوُجُوهِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضِ فَإِنَّ الْأَوَّلَ فِي كَلَامِ الْمُتَيْطِيِّ هُوَ الثَّالِثُ عِنْدَ النَّاظِمِ وَالثَّانِي عِنْدَهُ هُوَ الْأَوَّلُ عِنْدَ النَّاظِمِ وَالثَّالِثُ هُوَ الثَّانِي عِنْدَ النَّاظِمِ (قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ) فِي تَفْسِيرِ الْعَيْبِ الْكَثِيرِ الْمُوجِبِ لِلرَّدِّ مَا نَصُّهُ وَفِي حَدِّ الْكَثِيرِ بِثُلُثِ الثَّمَنِ أَوْ رُبْعِهِ، ثَالِثُهَا مَا قِيمَتُهُ عَشْرَةُ مَثَاقِيلَ وَرُبْعُهَا عَشْرَةٌ مِنْ مِائَةٍ وَخَامِسُهَا لَا حَدَّ لِمَا بِهِ الرَّدُّ إلَّا مَا أَضَرَّ اهـ وَمَنْ تَفْسِيرِهِ هَذَا الْعَيْبَ الْكَثِيرَ الْمُوجِبَ لِلرَّدِّ يُعْلَمُ حَدُّ الْعَيْبِ الْمُتَوَسِّطِ الْمُوجِبِ لِلْقِيمَةِ (قَالَ الْمَوَّاقُ) اُنْظُرْ هُنَا مَسْأَلَةً وَهِيَ أَنَّهُ لَمَّا صَارَ الْعَيْبُ الْيَسِيرُ فِي الدُّورِ لَا يَلْزَمُ الرَّدُّ بِهِ وَيُحْكَمُ لِلْمُبْتَاعِ إنْ رَجَعَ بِالْقِيمَةِ انْفَتَحَ بِسَبَبِ هَذَا الْبَابِ التَّرَخُّصُ فِي الدَّيْنِ تَجِدُ الرَّجُلَ بَعْدَ الشِّرَاءِ يُفَتِّشُ عُيُوبًا لِيَنْحَطَّ لَهُ بِذَلِكَ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ مَعَ اغْتِبَاطِهِ بِالْمَبِيعِ وَقَدْ يُعْطَاهُ فِيهِ رُبْعُ رَيْعٍ فَاَلَّذِي أَتَحَمَّلُ عُهْدَتَهُ فِي هَذَا فُتْيَا ابْنِ الْحَاجِّ فِي نَوَازِلِهِ قَالَ مَا نَصُّهُ إذَا كَانَ الْعَيْبُ فِي الْعَقَارِ يَسِيرًا فَلَا يُرَدُّ الْمَبِيعُ وَلِلْمُبْتَاعِ الرُّجُوعُ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ إلَّا أَنْ يَقُولَ الْبَائِعُ اصْرِفْ عَلَى مَا بِعْتُ مِنْك وَخُذْ الثَّمَنَ فَمِنْ حَقِّهِ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَفُوتَ الْمَبِيعُ فَيَكُونَ فِيهِ قِيمَةُ الْعَيْبِ اهـ وَبِفُتْيَا ابْنِ الْحَاجِّ هَذِهِ جَرَى الْعَمَلُ عِنْدَنَا بِفَاسَ

وَكُلُّ عَيْبٍ يَنْقُصُ الْأَثْمَانَا ... فِي غَيْرِهَا رُدَّ بِهِ مَا كَانَا وَبَعْضُهُمْ بِالْأَصْلِ عَرْضًا أَلْحَقَا ... فِي أَخْذِ قِيمَةٍ عَلَى مَا سَبَقَا يَعْنِي أَنَّ كُلَّ عَيْبٍ يُنْقِصُ مِنْ ثَمَنِ الْمَبِيعِ أَيَّ مَبِيعٍ كَانَ مَا عَدَا الْأُصُولَ فَإِنَّهُ يُرَدُّ بِهِ يَعْنِي إذَا كَانَ مِمَّا يَخْفَى عِنْدَ التَّقْلِيبِ وَقَامَ بِالْفَوْرِ كَمَا يَأْتِي لِلنَّاظِمِ قَرِيبًا فَإِنْ تَأَخَّرَ الْقِيَامُ بِالْعَيْبِ عَنْ زَمَنِ الْبَيْعِ مُدَّةً يُمْكِنُ فِيهَا حُدُوثُ الْعَيْبِ فَلَا بُدَّ مِنْ ثُبُوتِ قِدَمِهِ وَإِنْ اسْتَعْمَلَ مَا اشْتَرَاهُ بَعْدَ اطِّلَاعِهِ عَلَى عَيْبِهِ فَلَا رَدَّ لَهُ كَمَا يَأْتِي لِلنَّاظِمِ قَرِيبًا وَكَذَا إنْ كَانَ الْعَيْبُ مِمَّا لَا يَخْفَى عِنْدَ التَّقْلِيبِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي عُيُوبِ الرَّقِيقِ، هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَبَعْضُهُمْ أَلْحَقَ الْعَرَضَ بِالْأُصُولِ فَجَعَلَ لِوَاجِدِ الْعَيْبِ فِي الْعَرَضِ الرُّجُوعَ بِالْقِيمَةِ إذَا بَلَغَتْ قِيمَةُ الْعَيْبِ الثُّلُثَ فَمَا زَادَ (قَالَ فِي الْمُقَرِّبِ) : قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَكُلُّ مَا كَانَ عِنْدَ النَّاسِ يُنْقِصُ الثَّمَنَ فَهُوَ عَيْبٌ يُرَدُّ مِنْهُ. اهـ (قَالَ الشَّارِحُ) : عُمُومُ قَوْلِ الشَّيْخِ وَكُلُّ عَيْبٍ يَقْتَضِي أَنَّ كُلَّ عَيْبٍ عِنْدَ أَهْلِ الْبَصَرِ بِالْعُيُوبِ يُنْقِصُ مِنْ ثَمَنِ الْمَبِيعِ إذَا فُرِضَ سَالِمًا مِنْهُ فَإِنَّهُ عَيْبٌ لِكَوْنِهِ أَتَى بِهَا كُلِّيَّةً تَنْدَرِجُ تَحْتَهَا جُمْلَةٌ مِنْ الْجُزْئِيَّاتِ لَا يَنْحَصِرُ عَدَدُهَا وَذَلِكَ ظَاهِرٌ مِنْ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ وَالْحُكْمُ فِي ذَلِكَ شَامِلٌ لِلْأَصْلِ وَالْعَرَضِ وَكَفَى بِنَصِّ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ الْعَرَضَ يُرَدُّ فِي الْقَوْلِ الْمَشْهُورِ مُطْلَقًا، وَالْأَصْلُ لَا يُرَدُّ إلَّا أَنْ تَبْلُغَ قِيمَةُ الْعَيْبِ الثُّلُثَ، أَوْ الرُّبُعَ أَوْ الْعُشْرَ، عَلَى اخْتِلَافِ الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ اهـ وَأَشَارَ النَّاظِمُ بِقَوْلِهِ: وَبَعْضُهُمْ الْبَيْتَ إلَى قَوْلِ صَاحِبِ الْمُفِيدِ رَوَى زِيَادٌ عَنْ مَالِكٍ فِيمَنْ ابْتَاعَ ثَوْبًا فَإِذَا فِيهِ خَرْقٌ يَسِيرٌ يَخْرُجُ فِي الْقَطْعِ لَمْ يُرَدَّ بِهِ وَوُضِعَ عَنْهُ قَدْرُ الْعَيْبِ اهـ وَقَدْ بَحَثَ مَعَهُ الشَّارِحُ فِي نَقْلِهِ لِهَذَا الْقَوْلِ لِاقْتِصَارِهِ فِي غَالِبِ الْأَمْرِ عَلَى مَا بِهِ الْعَمَلُ قَالَ فَلَعَلَّهُ كَانَ عِنْدَهُ ظَاهِرَ الْوَجْهِ رَاجِحَ الْمُدْرَكِ

ثُمَّ الْعُيُوبُ كُلُّهَا لَا تُعْتَبَرْ ... إلَّا بِقَوْلِ مَنْ لَهُ بِهَا بَصَرْ تَقَدَّمَ أَنَّ كُلَّ عَيْبٍ يَنْقُصُ الثَّمَنَ فَإِنَّ لِلْمُشْتَرِي الرَّدَّ بِهِ إذَا كَانَ لَمْ يَرَهُ وَقْتَ التَّقْلِيبِ ثُمَّ إنْ كَانَ الْعَيْبُ ظَاهِرًا جَلِيًّا لَا يَخْتَلِفُ فِيهِ اثْنَانِ فَلَا إشْكَالَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَيَدَّعِي الْبَائِعُ أَنْ لَا عَيْبَ فِيهِ وَيَزْعُمُ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ عَيْبٌ فَيُرْجَعُ فِي ذَلِكَ لِقَوْلِ مَنْ لَهُ بِذَلِكَ بَصَرٌ وَمَعْرِفَةٌ فَيَشْهَدُونَ بِوُجُودِ الْعَيْبِ بِذَلِكَ الْمَبِيعِ وَأَنَّ ذَلِكَ الْعَيْبَ مِمَّا يَنْقُصُ الثَّمَنَ لِأَنَّ مِنْ الْعُيُوبِ مَا هُوَ خَفِيفٌ لَا يُؤَثِّرُ فِي الثَّمَنِ وَلَا يَخْلُو مِنْهُ الْمَبِيعُ غَالِبًا فَلَا عِبْرَةَ بِهِ وَتَقَدَّمَ لِلنَّاظِمِ فِي آخِرِ فَصْلِ بَيْعِ الرَّقِيقِ وَالْحَيَوَانِ وَيُثْبِتُ الْعُيُوبَ أَهْلُ الْمَعْرِفَهْ ... بِهَا وَلَا يُنْظَرُ فِيهِمْ لِصِفَهْ (قَالَ الْبَاجِيُّ) إنْ كَانَ الْعَيْبُ مِمَّا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ فَقَالَ مُحَمَّدٌ وَغَيْرُهُ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِقَوْلِ عَدْلَيْنِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِتِلْكَ السِّلْعَةِ وَعُيُوبِهَا فَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يَعْلَمُهُ إلَّا أَهْلُ الْعِلْمِ بِهِ كَالْأَمْرَاضِ الَّتِي لَا يَعْرِفُ أَسْرَارَهَا إلَّا الْأَطِبَّاءُ فَلَا يُقْبَلُ إلَّا قَوْلُ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِذَلِكَ فَإِنْ كَانُوا مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ فَهُوَ أَتَمُّ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فِيهِمْ أَهْلُ عَدْلٍ قُبِلَ قَوْلُ غَيْرِهِمْ إنْ لَمْ يَكُونُوا مُسْلِمِينَ لِأَنَّ طَرِيقَ ذَلِكَ الْخَبَرُ مِمَّا يَنْفَرِدُونَ بِعِلْمِهِ وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ كَالْعُيُوبِ فِي جَسَدِ الْمَرْأَةِ فَظَاهِرُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ مَا تَحْتَ الثِّيَابِ مِنْ الْعُيُوبِ يُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ امْرَأَتَيْنِ فَإِنْ كَانَ الْعَيْبُ الَّذِي يَشْهَدُ فِيهِ النِّسَاءُ مِمَّا يَسْتَوِي فِيهِ النِّسَاءُ قُبِلَ فِيهِ امْرَأَتَانِ مِنْ عُدُولِ النِّسَاءِ دُونَ يَمِينٍ. وَإِنْ كَانَ مِنْ الْعُيُوبِ الَّتِي يَنْفَرِدُ بِمَعْرِفَتِهَا أَهْلُ الْعِلْمِ شَهِدَتْ امْرَأَتَانِ بِصِفَتِهِ وَسُئِلَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِذَلِكَ عَنْ الْحُكْمِ (الْمُتَيْطِيُّ) الْوَاحِدُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَوْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إنْ لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهُمْ يَكْفِي إذْ طَرِيقُ ذَلِكَ، الْعِلْمُ لَا الشَّهَادَةُ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ الْمَعْمُولُ بِهِ اهـ مِنْ الْمَوَّاقِ فَإِذَا ثَبَتَ الْعَيْبُ بِأَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِهِ فَقَدْ قَدَّمَ النَّاظِمُ مَا حَاصِلُهُ أَنَّ غَيْرَ الْعَارِفِ يَرْجِعُ بِالْعَيْبِ ظَاهِرًا كَانَ أَوْ خَفِيًّا، وَأَمَّا الْعَارِفُ فَلَا رُجُوعَ لَهُ فِي الْعَيْبِ الظَّاهِرِ وَفِي رُجُوعِهِ فِي الْخَفِيِّ خِلَافٌ، وَهُوَ قَوْلُهُ فِي فَصْلِ بَيْعِ الرَّقِيقِ وَسَائِرِ الْحَيَوَانِ: .. ... فَالرَّدُّ فِي الْجَمِيعِ بِالْإِطْلَاقِ إلَّا بِأَوَّلٍ بِمَا مِنْهُ ظَهَرْ ... لِمَنْ يَكُونُ بِالْعُيُوبِ ذَا بَصَرْ وَالْخُلْفُ فِي الْخَفِيِّ مِنْهُ، أَيْ لِلْعَارِفِ أَيْضًا وَأَمَّا غَيْرُهُ فَدَخَلَ فِي عُمُومِ قَوْلِهِ فَالرَّدُّ فِي الْجَمِيعِ بِالْإِطْلَاقِ وَلِلشَّارِحِ هُنَا تَفْصِيلٌ وَلَفْظُهُ بِبَعْضِ اخْتِصَارٍ، وَإِذَا ثَبَتَ فِي نَظَرِهِمْ أَنَّهُ عَيْبٌ مُؤَثِّرٌ فِي الثَّمَنِ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّا يَخْفَى عِنْدَ التَّقْلِيبِ، أَوْ مِمَّا لَا يَخْفَى عِنْدَهُ فَمَا لَا يَخْفَى يُحْمَلُ الْمُشْتَرِي عَلَى أَنَّهُ رَآهُ وَدَخَلَ عَلَيْهِ وَبَدَا لَهُ فِي الشِّرَاءِ فَهُوَ يَحْتَالُ عَلَى حِلِّهِ أَوْ نَقْصِ الثَّمَنِ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَخْفَى فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّا يَخْفَى عَلَى الْعَارِفِ وَغَيْرِهِ، فَالرَّدُّ بِهِ لِلْعَارِفِ وَغَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يَخْفَى إلَّا عَلَى غَيْرِ الْعَارِفِ فَيُفَرَّقُ فِيهِ بَيْنَ غَيْرِ الْعَارِفِ فَلَهُ الرَّدُّ وَبَيْنَ الْعَارِفِ كَالنَّخَّاسِ فِي الرَّقِيقِ وَالدَّوَابِّ فَلَا رَدَّ لَهُ اُنْظُرْ تَمَامَ كَلَامِهِ. وَالْمُشْتَرِي الشَّيْءَ وَبَعْدُ يَطَّلِعْ ... فِيهِ عَلَى عَيْبٍ قِيَامُهُ مُنِعْ إلَّا عَلَى الْفَوْرِ وَمَهْمَا اُسْتُعْمِلَا ... بَعْدَ اطِّلَاعِهِ الْمَعِيبَ بَطَلَا كَاللُّبْسِ وَالرُّكُوبِ وَالْبِنَاءِ ... وَالْهَدْمِ وَالْجِمَاعِ لِلْإِمَاءِ

تَقَدَّمَ أَنَّ مَنْ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ فِيمَا اشْتَرَى فَلَهُ رَدُّهُ لَكِنْ لِلرَّدِّ بِالْعَيْبِ مَوَانِعُ أَحَدُهَا الْبَيْعُ عَلَى الْبَرَاءَةِ إمَّا فِي الرَّقِيقِ فَقَطْ عَلَى الْمَشْهُورِ أَوْ فِيهِ وَفِي غَيْرِهِ عَلَى مُقَابِلِهِ الثَّانِي فَوْتُ الْمَبِيعِ إمَّا حِسًّا كَالتَّلَفِ وَالْمَوْتِ وَإِمَّا حُكْمًا كَالْعِتْقِ وَالِاسْتِيلَادِ. وَالثَّالِثُ زَوَالُ الْعَيْبِ. الرَّابِعُ مَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا بِالْعَيْبِ كَاسْتِعْمَالِ الْمَعِيبِ بَعْدَ الِاطِّلَاعِ عَلَى الْعَيْبِ وَإِلَى هَذَا الْقِسْمِ أَشَارَ النَّاظِمُ بِالْأَبْيَاتِ فَإِذَا صَدَرَ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا بِالْعَيْبِ فَلَا رَدَّ لَهُ، كَالسُّكُوتِ عَنْ الْقِيَامِ مِنْ غَيْرِ عُذْرِ خَوْفٍ أَوْ غَيْرِهِ مَعَ الطُّولِ، فَإِنْ قَامَ بِالْفَوْرِ فَلَهُ الرَّدُّ، وَكَاسْتِعْمَالِ الْمَبِيعِ كَلُبْسِ الثَّوْبِ، وَرُكُوبِ الدَّابَّةِ اخْتِيَارًا وَالْبِنَاءِ وَالْهَدْمِ وَوَطْءِ الْأَمَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَأَحْرَى مِنْ ذَلِكَ التَّصْرِيحُ بِالرِّضَا بِالْعَيْبِ. (قَالَ فِي التَّوْضِيحِ) وَهَذَا لِأَنَّ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ هُوَ عَلَى الْفَوْرِ يَبْطُلُ بِالتَّأْخِيرِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ إذْ الْأَصْلُ فِي الْبَيْعِ اللُّزُومُ فَإِذَا تَمَكَّنَ مِنْ الرَّدِّ وَتَرَاخَى عَنْهُ لَزِمَهُ. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: إلَّا أَنْ يَكُونَ كَالْيَوْمِ وَنَحْوِهِ بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ أَنَّهُ مَا كَانَ سُكُوتُهُ رِضًا. اهـ (ابْنُ شَاسٍ) ظُهُورُ مَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا بِالْعَيْبِ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ أَوْ سُكُوتٍ مَانِعٌ

مِنْ الرَّدِّ (ابْنُ يُونُسَ) قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْحَاضِرِ يَرْكَبُ الدَّابَّةَ رُكُوبَ احْتِبَاسٍ لَهَا بَعْدَ عِلْمٍ بِالْعَيْبِ فَإِنَّهَا تَلْزَمُهُ وَذَلِكَ رِضًا وَإِنْ رَكِبَهَا لِيَرُدَّهَا وَشِبْهِ ذَلِكَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ قَالَ فِي كِتَابِ الْخِيَارِ وَلَوْ تَسَاوَقَ أَوْ تَسَاوَمَ بِالثَّوْبِ أَوْ لَبِسَهُ بَعْدَ اطِّلَاعِهِ عَلَى الْعَيْبِ فَذَلِكَ رِضًا مِنْهُ بِالْعَيْبِ. (ابْنُ عَرَفَةَ) تَصَرُّفُ الْمُخْتَارِ مُعْتَبَرٌ، أَمَّا سُكْنَى الدَّارِ وَنَحْوِهَا، بَعْدَ عِلْمِ عَيْبِهَا وَقَبْلَ الْقِيَامِ بِهِ فَلَا أَعْرِفُ فِيهِ نَصًّا، وَهُوَ أَشَدُّ مِنْ مُجَرَّدِ السُّكُوتِ، وَأَمَّا بَعْدَ الْقِيَامِ فَقَالَ اللَّخْمِيُّ وَالْمَازِرِيُّ: لَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ بَغْلَةِ الدَّارِ أَوْ الْحَائِطِ حِينَ الْمُخَاصَمَةِ، وَالْغَلَّةُ لَهُ حَتَّى يُحْكَمَ بِالْفَسْخِ فَيَجْنِيَ الثِّمَارَ وَيَأْخُذَ غَلَّةَ الدَّارِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُخْرِجَ الْمُكْرِيَ ثُمَّ يُخَاصِمَ وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتْ لِلسُّكْنَى وَيُمْنَعُ لُبْسَ الثَّوْبِ وَالتَّلَذُّذَ بِالْجَارِيَةِ فَإِنْ لَبِسَ أَوْ وَطِئَ كَانَ رِضًا وَسَقَطَ قِيَامُهُ (الْمَازِرِيُّ) وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ يُمْنَعُ مِنْ اسْتِخْدَامِ الْعَبْدِ وَالدَّابَّةِ ابْنُ شَاسٍ عَلَى الْمَشْهُورِ وَيَنْزِلُ عَنْ الدَّابَّةِ إنْ كَانَ رَاكِبًا إلَّا أَنْ يَتَعَذَّرَ عَلَيْهِ الْقَوْدُ فَيُعْذَرُ فِي الرُّكُوبِ إلَى مُصَادَفَةِ الْخَصْمِ أَوْ الْقَاضِي عَلَى الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ. (ابْنُ يُونُسَ) اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الدَّابَّةِ يُسَافِرُ عَلَيْهَا ثُمَّ يَجِدُ بِهَا عَيْبًا فِي سَفَرِهِ فَرَوَى أَشْهَبُ إنْ حَمَلَ عَلَيْهَا بَعْدَ عِلْمِهِ بِعَيْبِهَا لَزِمَتْهُ، وَرَوَى عَنْهُ ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّ لَهُ رَدَّهَا وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي رُكُوبِهَا بَعْدَ عِلْمِهِ وَلَا عَلَيْهِ أَنْ يُكْرِيَ غَيْرَهَا وَيَسُوقَهَا وَلْيَرْكَبْ فَإِنْ وَصَلَتْ بِحَالِهَا رَدَّهَا وَإِنْ عَجَفَتْ رَدَّهَا وَمَا نَقَصَهَا، أَوْ يَأْخُذُ قِيمَةَ الْعَيْبِ. وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ. (ابْنُ يُونُسَ) وَبِهِ أَقُولُ، وَجْهُهُ أَنَّ الْمُضْطَرَّ فِي حُكْمِ الْمُكْرَهِ وَلَوْ تَصَرَّفَ مُكْرَهًا لَمْ يَسْقُطْ خِيَارُهُ فَكَذَلِكَ مَعَ الِاضْطِرَارِ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَحِلُّ لَهُ أَكْلُ مَالِ غَيْرِهِ مَعَ الِاضْطِرَارِ فَفِي هَذَا أَحْرَى اهـ. (فَرْعٌ) إذَا اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ فَوَجَدَ الْبَائِعَ غَائِبًا. فَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: فَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ غَائِبًا أَشْهَدَ شَاهِدَيْنِ فَإِنْ عَجَزَ أَعْلَمَ الْقَاضِيَ فَتَلَوَّمَ ثُمَّ قَضَى عَلَيْهِ إنْ أَثْبَتَ الْعُهْدَةَ. (التَّوْضِيحُ) أَيْ فَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ حَاضِرًا مَعَهُ فِي الْبَلَدِ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ غَائِبًا أَشْهَدَ شَاهِدَيْنِ أَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِالْعَيْبِ رُدَّ عَلَيْهِ إنْ أَمْكَنَ بِأَنْ تَكُونَ غَيْبَتُهُ قَرِيبَةً أَوْ لَهُ وَكِيلٌ حَاضِرٌ فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الرَّدِّ لِبُعْدِ الْغَيْبَةِ رُفِعَ إلَى الْقَاضِي فَيُثْبِتُ عِنْدَهُ الشِّرَاءَ وَصِحَّتَهُ وَصِحَّةَ مِلْكِ الْبَائِعِ إلَى حِينِ الْبَيْعِ وَأَنَّهُ اشْتَرَى عَلَى بَيْعِ الْإِسْلَامِ وَعُهْدَتِهِ، أَيْ عَلَى حَقِّهِ فِي الْعَيْبِ وَالِاسْتِحْقَاقِ اهـ وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ اشْتَرَى عَبْدًا فَوَجَدَ بِهِ عَيْبًا قَدِيمًا لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ فَرَفَعَهُ إلَى الْإِمَامِ، وَالْبَائِعُ غَائِبٌ فَعَلَى الْمُبْتَاعِ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ اشْتَرَى بِبَيْعِهِ الْإِسْلَامَ وَعُهْدَتَهُ، فَإِنْ أَقَامَهَا لَمْ يُعَجِّلْ الْإِمَامُ عَلَى الْقَرِيبِ الْغَيْبَةِ وَأَمَّا الْبَعِيدُ الْغِيبَةِ فَيَتَلَوَّمُ لَهُ إنْ طَمِعَ بِقُدُومِهِ فَإِنْ لَمْ يَأْتِ قَضَى عَلَيْهِ بِرَدِّ الْعَبْدِ ثُمَّ يَبِيعُهُ عَلَيْهِ وَيُعْطِي الْمُبْتَاعَ ثَمَنَهُ الَّذِي نُقِدَ فِيهِ بَعْدَ أَنْ تَقُولَ بَيِّنَتُهُ أَنَّهُ نَقَدَ الثَّمَنَ وَهُوَ كَذَا وَكَذَا دِينَارًا فَمَا فَضَلَ حَبَسَهُ الْإِمَامُ لِلْغَائِبِ عِنْدَ أَمِينٍ، وَإِنْ كَانَ نَاقِصًا أَتْبَعَهُ بِهِ الْمُبْتَاعُ اهـ مِنْ الْمَوَّاقِ، ابْنُ عَرَفَةَ غَيْبَةُ بَائِعِ الْمَعِيبِ لَا تُسْقِطُ حَقَّ مُبْتَاعِهِ. (قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ) مَنْ أَقَامَ بِيَدِهِ عَبْدًا اشْتَرَاهُ سِتَّةَ أَشْهُرٍ لِغَيْبَةِ بَائِعِهِ وَلَمْ يَرْفَعْ لِلسُّلْطَانِ حَتَّى مَاتَ الْعَبْدُ لَهُ الرُّجُوعُ بِعَيْنِهِ وَيُعْذَرُ لِغَيْبَةِ الْبَائِعِ لِتَنَقُّلِ الْخُصُومَةِ عِنْدَ الْقُضَاةِ وَيَرْجُو إنْ قَدِمَ الْبَائِعُ مُوَافَقَتَهُ. فَقَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ إنْ كَانَ الْبَائِعُ غَائِبًا أَشْهَدَ شَاهِدَيْنِ يَقْتَضِي أَنَّ الشَّهَادَةَ شَرْطٌ فِي رَدِّهِ أَوْ سُقُوطِ الْيَمِينِ عَنْهُ إنْ قَدِمَ رَبُّهُ وَلَوْ لَمْ يَدَّعِ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَلَا أَعْرِفُ هَذَا لِغَيْرِ ابْنِ شَاسٍ (ابْنُ عَرَفَةَ) وَلَهُ أَيْضًا الْقِيَامُ فِي غَيْبَتِهِ اهـ ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَ مَا تَقَدَّمَ. (فَرْعٌ) إذَا أَرَادَ الْبَائِعُ إحْلَافَ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ مَا رَضِيَ بِالْعَيْبِ بَعْدَ عِلْمِهِ وَلَا اسْتَخْدَمَهُ فَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ عَلَيْهِ ذَلِكَ قَالَهُ ابْنُ سَلْمُونٍ وَنَحْوُهُ فِي التَّوْضِيحِ وَفِي الْمُخْتَصَرِ وَلَمْ يُحَلَّفْ مُشْتَرٍ اُدُّعِيَتْ رُؤْيَتُهُ إلَّا بِدَعْوَى الْإِرَادَةِ وَلَا الرِّضَا بِهِ إلَّا بِدَعْوَى مُخْبِرِهِ. وَكَامِنٍ يَبْدُو مَعَ التَّغْيِيرِ ... كَالسُّوسِ لَا يُرَدُّ فِي الْمَأْثُورِ يَعْنِي أَنَّ الْعَيْبَ الْكَامِنَ الَّذِي لَا يُطَّلَعُ عَلَيْهِ إلَّا بَعْدَ تَغَيُّرِ الْمَبِيعِ كَسُوسِ الْخَشَبِ، وَمَرَارَةِ الْقِثَّاءِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يَشْتَرِكُ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي فِي الْجَهْلِ بِهِ لَيْسَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَرُدَّ بِهِ. (قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ) قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: كُلُّ مَا بِيعَ مِنْ غَيْرِ الْحَيَوَانِ وَفِي بَاطِنِهِ عَيْبٌ مِنْ أَصْلِ الْخِلْقَةِ يَجْهَلُهُ الْمُتَبَايِعَانِ وَلَا يُعْلَمُ

بِعَيْبِهِ إلَّا بَعْدَ الشَّقِّ أَوْ الْكَسْرِ مِثْلُ الْخَشَبِ. وَشِبْهِهَا شِبْهِهِ يُشَقُّ فَيَجِدُ الْمُبْتَاعُ فِي دَاخِلِهَا دَاخِلِهِ عَيْبًا بَاطِنًا فَهُوَ لَازِمٌ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْبَائِعِ مِنْ رَدٍّ وَلَا قِيمَةِ عَيْبٍ وَكَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ فِي الْجَوْزِ الْهِنْدِيِّ، وَالْجَوْزُ يُوجَدُ دَاخِلُهُ فَاسِدًا، وَالْقِثَّاءُ تُوجَدُ مُرًّا فَلَا يُرَدُّ وَهُوَ مِنْ الْمُبْتَاعِ وَسَمِعَ أَشْهَبُ: الشَّاةُ يَجِدُهَا عَجْفَاءَ أَوْ جَوْفَهَا أَخْضَرَ لَيْسَ لَهُ رَدُّهَا، وَاضْطَرَبَ الشُّيُوخُ فِيمَنْ اشْتَرَى أُضْحِيَّةً فَوَجَدَهَا عَجْفَاءَ لَا تُجْزِئُ، وَعَنْ يَحْيَى بْنِ عُمَرَ فِيمَنْ اشْتَرَتْ رَمَادًا وَقَالَ الْبَائِعُ هُوَ جَيِّدٌ وَقَالَتْ بَيَّضْت بِهِ الْغَزْلَ فَلَمْ يَخْرُجْ جَيِّدًا فَإِنْ بَقِيَ مِنْهُ شَيْءٌ بُيِّضَ بِهِ غَزْلٌ فَإِنْ خَرَجَ جَيِّدًا فَلَا شَيْءَ عَلَى الْبَائِعِ وَإِلَّا رَجَعَتْ عَلَيْهِ بِالثَّمَنِ الْبُرْزُلِيُّ هَذَا مِثْلُ مَا تَقَدَّمَ فِي الزَّرِيعَةِ إذَا زَعَمَ الْمُشْتَرِي أَنَّهَا لَا تَنْبُتُ يُؤْخَذُ بَعْضُهَا وَيُخْتَبَرُ وَأَفْتَى ابْنُ عَرَفَةَ بِرَدِّ الْجُبْنِ يُوجَدُ فَاسِدًا لِأَنَّهُ مِمَّا عَمِلَتْ الْأَيْدِي، وَكَذَلِكَ قَالَ فِي الْحَدِيدِ يُوجَدُ أَجْرَشَ مُتَقَطِّعًا إذَا دَخَلَ النَّارَ فَيُرَدُّ لِأَنَّهُ عَيْبٌ. (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ سَحْنُونٍ عَنْ أَبِيهِ: مَنْ بَاعَ شَعِيرًا لِلزِّرَاعَةِ وَعَلِمَ أَنَّهُ لَا يَنْبُتُ، فَزَرَعَهُ الْمُشْتَرِي، فَلَمْ يَنْبُتْ رَجَعَ عَلَى الْبَائِعِ بِكُلِّ الثَّمَنِ لِتَدْلِيسِهِ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يَرْجِعُ مُبْتَاعُهُ بِمَا بَيْنَ قِيمَتِهِ نَابِتًا أَوْ غَيْرَ نَابِتٍ عَلِمَ بَائِعُهُ بِذَلِكَ أَوْ لَا يُرِيدُ إذَا لَمْ يَشْتَرِطْ عَلَيْهِ زَرِيعَةً وَلَا بَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ لِذَلِكَ وَحَكَى أَنَّ الْقَاضِيَ ابْنَ عَبْدِ الرَّفِيعِ قَالَ لِلْمُشْتَرِي: أَثْبِتْ ثَلَاثَةَ أَشْيَاءَ أَنَّك زَرَعْتَ الزَّرِيعَةَ الَّتِي اشْتَرَيْتَهَا مِنْ هَذَا بِعَيْنِهَا، وَأَنَّكَ زَرَعْتَهَا فِي الْإِبَّانِ وَفِي أَرْضٍ ثَرِيَّةٍ، وَأَنَّهَا لَمْ تَنْبُتْ وَلَك الرُّجُوعُ. (قَالَ الْقَلْشَانِيُّ) وَاسْتَحْسَنَ هَذَا شَيْخُنَا أَبُو مَهْدِي عِيسَى الْغُبْرِينِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - اهـ مِنْ الْقَلْشَانِيِّ بِاخْتِصَارٍ. قُلْت وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى زَرِيعَةُ دُودِ الْحَرِيرِ يُوجَدُ نَسْجُهَا فَاسِدًا فَإِذَا ذَكَرَ بَائِعُهَا أَنَّهَا جَيِّدَةٌ فَهَلْ هُوَ مِنْ الْغَرَرِ بِالْقَوْلِ وَالْمَشْهُورُ فِيهِ عَدَمُ الْغُرْمِ إلَّا أَنْ يُبْنَى عَلَيْهِ عَقْدٌ وَهَذَا الَّذِي اشْتَرَى الزَّرِيعَةَ عَلَى أَنَّهَا جَيِّدَةٌ قَدْ يَشْتَرِي لَهَا الْوَرَقَ بِمَالٍ مُعْتَبَرٍ فَيُؤَدِّي ذَلِكَ إلَى الْخَسَارَةِ الْكَثِيرَةِ وَلَمْ أَقِفْ فِي ذَلِكَ عَلَى نَصٍّ. وَالْبَقُّ عَيْبٌ مِنْ عُيُوبِ الدُّورِ ... وَيُوجِبُ الرَّدَّ عَلَى الْمَشْهُورِ يَعْنِي أَنَّ الْبَقَّ فِي الدَّارِ عَيْبٌ مِنْ الْعُيُوبِ الْمُوجِبَةِ لِلرَّدِّ إلَّا أَنَّ ظَاهِرَ عِبَارَةِ النَّاظِمِ أَنَّ مُطْلَقَ وُجُودِ الْبَقِّ عَيْبٌ وَلَوْ قَلَّ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ الْقَلِيلَ مِنْهُ لَا يَكَادُ تَسْلَمُ مِنْهُ دَارٌ، وَالْمُوجِبُ لِلرَّدِّ إنَّمَا هُوَ كَثْرَتُهُ فَلِذَلِكَ أُصْلِحَ كَلَامُهُ فَقِيلَ: وَكَثْرَةُ الْبَقِّ تَعِيبُ الدُّورَا وَتُوجِبُ الرَّدَّ لِأَهْلِ الشُّورَى وَفِي قَوْلِهِ أَيْضًا عَلَى الْمَشْهُورِ مُسَامَحَةٌ لِأَنَّ الْمُرَادَ مَا وَقَعَ بِهِ الْحُكْمُ بِقُرْطُبَةَ لَا الْمَشْهُورُ الْمُصْطَلَحُ عَلَيْهِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ. (قَالَ فِي طُرَرِ ابْنِ عَاتٍ) وَكَثْرَةُ الْبَقِّ عَيْبٌ فِيهَا أَيْ فِي الدَّارِ قَالَ: وَأَخْبَرَنِي بَعْضُ فُقَهَاءِ الشُّورَى بِقُرْطُبَةَ أَنَّهَا نَزَلَتْ بِقُرْطُبَةَ وَحُكِمَ بِرَدِّهَا ا. هـ. (قَالَ الشَّارِحُ) وَعَلَى فُتْيَا أَهْلِ الشُّورَى اعْتَمَدَ الْأُسْتَاذُ أَبُو سَعِيدٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، فِي مَسْأَلَةِ النَّمْلِ الْأَسْوَدِ السَّابِقِ لَهُ فِيهِ الْفُتْيَا فِيمَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ اهـ. وَنَقَلَ الشَّارِحُ الْفُتْيَا الْمَذْكُورَةَ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ: وَكُلُّ عَيْبٍ يُنْقِصُ الْأَثْمَانَا الْبَيْتَيْنِ، وَلَفْظُهُ سُئِلَ الْأُسْتَاذُ أَبُو سَعِيدِ بْنُ لُبٍّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَنْ دَارٍ بِيعَتْ وَسَكَنَهَا الْمُشْتَرِي نَحْوَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ ثُمَّ ظَهَرَ فِيهَا عَيْبٌ وَهُوَ نَمْلٌ أَسْوَدُ صَغِيرٌ يُفْسِدُ الْخُبْزَ، وَالْإِدَامَ، وَيَأْكُلُ الْأَطْفَالَ، وَأَخْبَرَ الْجِيرَانُ أَنَّ ذَلِكَ عَيْبٌ قَدِيمٌ يَظْهَرُ مِنْ فَصْلِ الرَّبِيعِ إلَى الْخَرِيفِ. (فَأَجَابَ) إنْ ثَبَتَ الْعَيْبُ الْمَذْكُورُ وَقِدَمُهُ، وَلَمْ يَكُنِ الْبَائِعُ أَعْلَمَ بِهِ، وَلَا تَبَرَّأَ مِنْهُ، فَرَدُّ الدَّارِ بَيِّنٌ وَاجِبٌ لِلْمُشْتَرِي إنْ شَاءَ ذَلِكَ، ثُمَّ اسْتَطْرَدَ مَسْأَلَةً أُخْرَى نَزَلَتْ بِمَالِقَةَ وَهِيَ أَنَّ مُشْتَرِيَ رِيَاضٍ قَامَ عَلَى بَائِعِهِ بِعَيْبٍ، هُوَ أَنَّ امْرَأَةً قُتِلَتْ فِي الرِّيَاضِ قَبْلَ الشِّرَاءِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ الْمُشْتَرِي إلَّا بَعْدَ الشِّرَاءِ وَأَنَّ الرِّيَاضَ بِسَبَبِ هَذَا الْقَتْلِ يُوحِشُ سَاكِنِيهِ، وَتَنْفِرُ نُفُوسُهُمْ عَنْهُ، وَيَأْبَى الْعِيَالُ وَالْأَوْلَادُ سُكْنَاهُ وَتَتَرَاءَى لَهُمْ بِسَبَبِ هَذِهِ الْوَحْشَةِ خَيَالَاتٌ شَيْطَانِيَّةٌ مُفْزِعَةٌ مُقْلِقَةٌ فَرَاجِعْهُ إنْ شِئْت. قَالَ النَّاظِمُ: وَأُجْرَةُ السِّمْسَارِ تُسْتَرَدُّ ... حَيْثُ يَكُونُ لِلْمَبِيعِ رَدُّ يَعْنِي أَنَّ مَنْ اشْتَرَى شَيْئًا ثُمَّ رَدَّهُ بِعَيْبٍ أَوْ بِغَيْرِهِ وَكَانَ الْبَائِعُ قَدْ دَفَعَ لِلدَّلَّالِ أُجْرَةً فَإِنَّ أُجْرَةَ الدَّلَّالِ تُرَدُّ،

فصل في الغبن

لِلْبَائِعِ وَهَذَا مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا كَانَ الْبَائِعُ غَيْرَ مُدَلِّسٍ، أَمَّا إنْ كَانَ الْبَائِعُ مُدَلِّسًا بِعَيْبٍ فَلَا تُرَدُّ. (قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ) قَالَ مَالِكٌ إذَا رُدَّتْ السِّلْعَةُ بِعَيْبٍ رَدَّ السِّمْسَارُ الْجُعْلَ عَلَى الْبَائِعِ قَالَ ابْنُ اللَّبَّادِ مَعْنَاهُ إنْ لَمْ يُدَلِّسْ، وَأَمَّا إنْ دَلَّسَ فَالْجَعْلُ لِلْأَجِيرِ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُ اهـ. (وَفِي الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ) وَإِذَا رُدَّ الْعَبْدُ أَوْ الْجَارِيَةُ بِعَيْبٍ قَدِيمٍ دَلَّسَ بِهِ الْبَائِعُ لَمْ يَرْجِعْ الْبَائِعُ عَلَى الدَّلَّالِ بِمَا أَعْطَاهُ، فَإِنْ لَمْ يُدَلِّسْ بِهِ رَجَعَ عَلَيْهِ بِالدَّلَالَةِ بَعْد أَنْ يَحْلِفَ أَنَّهُ لَمْ يُدَلِّسْ بِالْعَيْبِ اهـ. (تَنْبِيهٌ) رَدُّ السِّمْسَارِ الْجُعْلَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ نَقْضٌ لِلْبَيْعِ الْأَوَّلِ لَا ابْتِدَاءُ بَيْعٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَانْظُرْ الْإِقَالَةَ هَلْ يَجْرِي رَدُّ السِّمْسَارِ فِيهَا عَلَى كَوْنِهَا نَقْضًا أَوْ بَيْعًا مُسْتَأْنَفًا. وَحَيْثُمَا عَيَّنَ قَاضٍ شُهَدَا ... لِلْعَيْبِ فَالْإِعْذَارُ فِيهِمْ عُهِدَا يَعْنِي أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا عَيَّنَ شُهُودًا لِإِثْبَاتِ عُيُوبِ الرَّقِيقِ وَالدَّوَابِّ وَغَيْرِهِمَا لِكَوْنِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْبَصَرِ وَالْمَعْرِفَةِ بِذَلِكَ فَإِنَّهُمْ مِنْ جُمْلَةِ الشُّهُودِ الَّذِينَ يُعْذَرُ الْخَصْمُ فِي شَهَادَتِهِمْ، وَنَصَّ عَلَى ذَلِكَ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّهُمْ كَالْمُوَجَّهِينَ مِنْ قِبَلِ الْقَاضِي لِحِيَازَةٍ وَنَحْوِهَا فَلَا يُعْذَرُ فِيهِمْ لِنِيَابَتِهِمْ عَنْهُ لِأَنَّ شُهُودَ الْعُيُوبِ مُخْبِرُونَ عَمَّا أَدَّاهُمْ إلَيْهِ اجْتِهَادُهُمْ وَنَظَرُهُمْ وَمَعْرِفَتُهُمْ فَيُعْذَرُ فِيهِمْ كَغَيْرِهِمْ. (قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ) فَإِذَا كَتَبَ الشُّهُودُ شَهَادَتَهُمْ فِي عَقْدِ الِاسْتِرْعَاءِ وَشَهِدُوا بِهَا عِنْدَ الْحَاكِمِ كَتَبَ الْحَاكِمُ بَعْدَهَا شَهِدُوا عِنْدِي بِنَصِّهِ عَلَى عَيْنِ الْمَمْلُوكِ الْمَنْعُوتِ فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا الْعَقْدُ عِنْدَهُ أَعْذَرَ فِيهِ إلَى الْبَائِعِ مِنْ طَرِيقِ الْعِلْمِ لَا مِنْ طَرِيقِ الْعَدَالَةِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ فَإِنْ أَتَى الْبَائِعُ بِمَنْ هُوَ أَعْلَمُ بِالْعُيُوبِ مِنْ هَؤُلَاءِ الشُّهُودِ سُمِعَ مِنْهُ وَإِلَّا فَلَا حُجَّةَ لَهُ اهـ. وَقَوْلُ الْمُتَيْطِيِّ لِمَا قَدَّمْنَاهُ هُوَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ عَدَمُ اشْتِرَاطِ الْعَدَالَةِ فِي أَهْلِ الْبَصَرِ وَالْمَعْرِفَةِ بِالْعُيُوبِ فَيَبْقَى الْإِعْذَارُ فِيهِمْ مِنْ جِهَةِ الْمَعْرِفَةِ بِذَلِكَ وَتَقَدَّمَ لِلشَّارِحِ فِيهِ كَلَامٌ عِنْدَ قَوْلِهِ فِي بَابِ الشَّهَادَةِ، وَوَاحِدٌ يُجْزِئُ فِي بَابِ الْخَبَرِ. [فَصْلٌ فِي الْغَبْنِ] ِ وَمَنْ بِغَبْنٍ فِي مَبِيعٍ قَامَا ... فَشَرْطُهُ أَنْ لَا يَجُوزَ الْعَامَا وَأَنْ يَكُونَ جَاهِلًا بِمَا صَنَعْ ... وَالْغَبْنُ بِالثُّلْثِ فَمَا زَادَ وَقَعْ وَعِنْدَ ذَا يُفْسَخُ بِالْأَحْكَامِ ... وَلَيْسَ لِلْعَارِفِ مِنْ قِيَامِ

تَقَدَّمَ أَنَّ الْجَهْلَ يُعْرَضُ فِي الْبَيْعِ عَلَى وَجْهَيْنِ؛ جَهْلٍ بِحَقِيقَةِ الْمَبِيعِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ وَبَيْعُ مَا يُجْهَلُ ذَاتًا لِرِضًا الْأَبْيَاتِ الثَّلَاثَةَ. وَجَهْلٌ بِقَدْرِ الثَّمَنِ وَهُوَ الْغَبْنُ الْمَذْكُورُ هُنَا وَهُوَ أَنْ يَشْتَرِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ الْقِيمَةِ بِكَثِيرٍ فَيُغْبَنَ الْمُشْتَرِي، أَوْ يَبِيعَ بِأَقَلَّ مِنْ الْقِيمَةِ بِكَثِيرٍ فَيُغْبَنَ الْبَائِعُ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ: وَفِي النَّقِيصَةِ الَّتِي لَا يُتَغَابَنُ بِمِثْلِهَا طَرِيقَتَانِ. هَذَا يُسَمَّى الْقِيَامَ بِالْغَبْنِ سَوَاءٌ كَانَ الْمَغْبُونُ بَائِعًا أَوْ مُشْتَرِيًا، وَالْغَبْنُ بِفَتْحِ الْغَيْنِ وَسُكُونِ الْبَاءِ عِبَارَةٌ عَنْ اشْتِرَاءِ السِّلْعَةِ بِأَكْثَرَ مِمَّا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ أَنَّ النَّاسَ لَا يَتَغَابَنُونَ بِمِثْلِهِ أَوْ بَيْعِهَا بِأَقَلَّ كَذَلِكَ وَأَمَّا مَا جَرَتْ الْعَادَةُ فَلَا يُوجِبُ رَدًّا اتِّفَاقًا وَالطَّرِيقَةُ الْأُولَى لِعَبْدِ الْوَهَّابِ فِي الْمَعُونَةِ. وَحَاصِلُهَا أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي ثُبُوتِ الْخِيَارِ لِغَيْرِ الْعَارِفِ، وَفِي الْعَارِفِ قَوْلَانِ وَحَاصِلُ الطَّرِيقَةِ الثَّانِيَةِ إنْ اسْتَسْلَمَ أَيْ أَخْبَرَ الْبَائِعُ أَنَّهُ غَيْرُ عَارِفٍ بِقِيمَتِهِ فَقَالَ لَهُ الْبَائِعُ: قِيمَتُهُ كَذَا فَلَهُ الرَّدُّ وَإِنْ كَانَ عَالِمًا بِالْمَبِيعِ وَبِثَمَنِهِ فَلَا رَدَّ لَهُ وَلَا خِلَافَ فِي هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ، وَفِيمَا عَدَاهُمَا قَوْلَانِ (ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ) مَشْهُورُ الْمَذْهَبِ عَدَمُ الْقِيَامِ بِالْغَبْنِ اهـ وَعَلَى مَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّهُ الْمَشْهُورُ وَذَهَبَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ حَيْثُ قَالَ وَلَا بِغَبْنٍ وَلَوْ خَالَفَ الْعَادَةَ، وَهَلْ إلَّا أَنْ يَسْتَسْلِمَ وَيُخْبِرَهُ بِجَهْلِهِ أَوْ يَسْتَأْمِنَهُ، تَرَدَّدَ فِي عَدَمِ الْقِيَامِ بِالْغَبْنِ هَلْ يُقَيَّدُ بِعَدَمِ الِاسْتِسْلَامِ وَالْإِخْبَارِ بِجَهْلِهِ، أَمَّا إنْ اسْتَسْلَمَ وَأَخْبَرَهُ بِجَهْلِهِ فَلَهُ الْقِيَامُ أَوْ يُقَيَّدُ بِعَدَمِ الِاسْتِئْمَانِ فَإِنْ اسْتَأْمَنَهُ فَلَهُ الْقِيَامُ فِي ذَلِكَ تَرَدَّدَ، وَكَذَا قَالَ الشَّيْخُ فِي طُرَرِهِ. قَالَ: وَلَيْسَ فِي الطَّرِيقَتَيْنِ قَوْلٌ بِعَدَمِ الْقِيَامِ مُطْلَقًا بَلْ كُلٌّ مِنْهُمَا تَحْكِي التَّقْيِيدَ لَكِنْ بِغَيْرِ مَا قُيِّدَتْ بِهِ الْأُخْرَى وَذَهَبَ النَّاظِمُ عَلَى جَوَازِ الْحُكْمِ بِالْقِيَامِ بِالْغَبْنِ وَذَكَرَ لَهُ ثَلَاثَةَ شُرُوطٍ أَحَدُهَا أَنْ لَا يَمْضِيَ عَامٌ بَعْدَ الْبَيْعِ وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ الْمَغْبُونُ مِنْهُمَا جَاهِلًا بِالْقِيَمِ وَالْأَثْمَانِ، وَالثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ الْغَبْنُ ثُلُثًا فَأَكْثَرَ، أَمَّا مُرُورُ الْعَامِ فَنَقَلَ الْمَوَّاقُ عَنْ فُتْيَا لِابْنِ لُبٍّ أَنَّ الْمَالِكَ أَمَرَ نَفْسَهُ مُرُورَ عَامٍ يَقْطَعُ قِيَامَهُ، قَالَ وَأَمَّا الْمَحْجُورُ فَيُنْظَرُ لَهُ وَأَمَّا كَوْنُ الْمَغْبُونِ جَاهِلًا بِالْقِيَمِ وَالْأَثْمَانِ فَنَقَلَ الشَّارِحُ ذَلِكَ عَنْ فُتْيَا ابْنِ لُبٍّ أَيْضًا وَأَنَّهُ إنْ أَثْبَتَ ذَلِكَ رَجَعَ وَإِلَّا فَلَا، وَأَمَّا كَوْنُ الْغَبْنِ الثُّلُثَ فَأَكْثَرَ فَهُوَ أَحَدُ الْأَقْوَالِ فِي تَحْدِيدِ الْغَبْنِ قِيلَ الثُّلُثُ فَمَا زَادَ وَعَلَيْهِ ذَهَبَ النَّاظِمُ، وَقَيْلَ هُوَ مَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ، وَقِيلَ مَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِمِثْلِهِ وَلَوْ دُونَ الثُّلُثِ وَحَكَى

فصل في الشفعة

ابْنُ عَرَفَةَ الْأَقْوَالَ الثَّلَاثَةَ، وَمِثْلُهَا فِي التَّوْضِيحِ وَإِلَى هَذِهِ الشُّرُوطِ أَشَارَ بِالْبَيْتَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ. فَإِذَا اجْتَمَعَتْ الشُّرُوطُ الْمَذْكُورَةُ فَالْمَشْهُورُ أَنَّ الْبَيْعَ يُفْسَخُ وَإِلَى فَسْخِهِ أَشَارَ النَّاظِمُ بِقَوْلِهِ وَعِنْدَ ذَا يُفْسَخُ بِالْأَحْكَامِ لَكِنَّ فَسْخَهُ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَفُتْ مِنْ يَدِ مُشْتَرِيهِ بِبَيْعٍ وَنَحْوِهِ فَإِنْ فَاتَ مَضَى وَالْقَوْلُ بِالْفَسْخِ إذَا لَمْ يَفُتْ قَالَ الْمِكْنَاسِيُّ فِي مَجَالِسِهِ هُوَ الْمَشْهُورُ وَالْحُكْمُ بِغَيْرِهِ إنَّمَا هُوَ لِمَصَالِحَ وَقْتِيَّةٍ وَفِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ آخَرَانِ وَقِيلَ لِلْمُبْتَاعِ أَنْ يُوفِيَ تَمَامَ الْقِيمَةِ وَلَا يَرُدَّ الْبَيْعَ وَلَا الشِّرَاءَ وَإِنْ لَمْ يَفُتْ وَقِيلَ يَمْضِي لَهُ بِقَدْرِ الثَّمَنِ مِنْ قِيمَتِهِ يَوْمَ الْبَيْعِ اُنْظُرْ آخِرَ جَامِعِ مَجَالِسِ الْقَاضِي الْمِكْنَاسِيِّ وَقَوْلُهُ وَلَيْسَ لِلْعَارِفِ مِنْ قِيَامٍ تَصْرِيحٌ بِمَفْهُومِ قَوْلِهِ وَأَنْ يَكُونَ جَاهِلًا بِمَا صَنَعْ (تَنْبِيهٌ) مَا تَقَدَّمَ كُلُّهُ إنَّمَا هُوَ فِي الرَّشِيدِ يَبِيعُ مَالَ نَفْسِهِ وَأَمَّا السَّفِيهُ يَبِيعُ عَنْهُ وَصِيُّهُ فَلَهُ الْقِيَامُ وَلَوْ بَعْدَ السَّنَةِ إذَا بَاعَ بِمَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِمِثْلِهِ وَلَوْ لَمْ يَبْلُغْ الثُّلُثَ وَكَذَا الْمُوَكِّلُ إذَا بَاعَ الْوَكِيلُ كَمَا ذَكَرَ. (قَالَ ابْنُ عِمْرَانَ) اتَّفَقُوا أَنَّ النَّائِبَ عَنْ غَيْرِهِ فِي بَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ مِنْ وَكِيلٍ أَوْ وَصِيٍّ إذَا بَاعَ أَوْ اشْتَرَى بِمَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِمِثْلِهِ فَإِنَّهُ مَرْدُودٌ اهـ عَلَى نَقْلِ الْمَوَّاقِ ثُمَّ قَالَ وَفِي نَوَازِلِ الْبُرْزُلِيِّ إنَّمَا يُوَكِّلُ الْوَكِيلَ لِيَنْتَفِعَ بِهِ. قَالَ الْقَرَافِيُّ وَلَا يَتَصَرَّفُ مَنْ وَلِيَ وِلَايَةَ الْخِلَافَةِ فَمَا دُونَهَا إلَى الْوَصِيَّةِ إلَّا لِجَلْبِ مَصْلَحَةٍ أَوْ دَرْءِ مَفْسَدَةٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [الأنعام: 152] فَكُلُّ مَنْ وَلِيَ وِلَايَةً فَهُوَ مَعْزُولٌ عَنْ الْمَفْسَدَةِ الرَّاجِحَةِ، وَالْمَصْلَحَةِ الْمَرْجُوحَةِ اهـ. وَرَاجِعْ الْحَطَّابَ عِنْدَ قَوْلِهِ وَلَا يُغْبَنُ وَلَوْ خَالَفَ الْعَادَةَ. (فَرْعٌ) قَالَ الْحَطَّابُ فِي الْمَحَلِّ الْمَذْكُورِ، وَالْمَرْدُودُ بِالْغَبْنِ إنَّمَا يَرْجِعُ لِمَالِكِهِ بِمِلْكٍ مُسْتَأْنَفٍ لَا عَلَى الْمِلْكِ الْأَوَّلِ، فَإِنْ كَانَ الْمَرْدُودُ حِصَّةً فَلَا شُفْعَةَ لِمَنْ رَجَعَتْ لَهُ حِصَّتُهُ فِيمَا بَاعَ شَرِيكُهُ بَعْدَ بَيْعِ الْغَبْنِ وَقَبْلَ نَقْضِهِ وَلَا لِشَرِيكِهِ شُفْعَةٌ أَيْضًا فِيمَا رَجَعَ لِمَالِكِهِ، وَإِنْ قُلْنَا بِمِلْكٍ مُسْتَأْنَفٍ، إذْ لَيْسَ بِبَيْعٍ مَحْضٍ إذْ هُوَ مَا تَرَاضَى عَلَيْهِ الْمُتَبَايِعَانِ وَالْمَأْخُوذُ مِنْهُ الْحِصَّةُ هُنَا مَغْلُوبٌ عَلَى إخْرَاجِهَا مِنْ يَدِهِ اهـ. وَإِلَى الْمَسْأَلَةِ بِرُمَّتِهَا أَشَرْنَا فِي تَكْمِيلِ الْمَنْهَجِ الْمُنْتَخَبِ بِقَوْلِنَا: مَنْ بَاعَ مَالَ نَفْسِهِ أَوْ اشْتَرَى. الْأَبْيَاتَ السَّبْعَ آخِرُهَا قَوْلُهُ: وَالرَّدُّ بَعْدَ الْغَبْنِ مِلْكٌ مُؤْتَنَفْ ... لَا شُفْعَةٌ فِي الْجَانِبَيْنِ تُؤْتَنَفْ. [فَصْلٌ فِي الشُّفْعَةِ] (فَصْلٌ فِي الشُّفْعَةِ) وَفِي الْأُصُولِ شُفْعَةٌ مِمَّا شُرِعْ ... فِي ذِي الشِّيَاعِ وَبِحَدٍّ تَمْتَنِعْ وَمِثْلُ بِئْرٍ وَكَفَحْلِ النَّخْلِ ... يَدْخُلُ فِيهَا تَبَعًا لِلْأَصْلِ وَالْمَاءُ تَابِعٌ لَهَا فِيهِ اُحْكُمْ ... وَوَحْدَهُ إنْ أَرْضُهُ لَمْ تُقْسَمْ (التَّوْضِيحُ) قَالَ عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ وَهِيَ بِسُكُونِ الْفَاءِ مِنْ الشَّفْعِ وَهُوَ ضِدُّ الْوِتْرِ لِأَنَّ الشَّفِيعَ يَضُمُّ الْحِصَّةَ الَّتِي يَأْخُذُهَا إلَى حِصَّتِهِ فَتَصِيرُ حِصَّتُهُ حِصَّتَيْنِ (ابْنُ عَرَفَةَ) الشُّفْعَةُ اسْتِحْقَاقُ شَرِيكٍ أَخْذَ مَبِيعِ شَرِيكِهِ بِثَمَنِهِ. (قَالَ الرَّصَّاعُ) فَإِذَا بَاعَ الشَّرِيكُ حِصَّتَهُ مِنْ دَارٍ فَلِشَرِيكِهِ الشُّفْعَةُ وَهَلْ مَعْنَاهُ أَنَّ لِلشَّرِيكِ طَلَبَ أَخْذِ الْمَبِيعِ بِسَبَبِ الْبَيْعِ أَوْ مَعْنَاهُ أَنَّ الشَّرِيكَ لَهُ حَالَةٌ اسْتَحَقَّ بِهَا الطَّلَبَ، وَالْأَخْذَ بِسَبَبِ الْبَيْعِ ذَلِكَ مِمَّا يُقَرِّرُ مَعْنَى الِاسْتِحْقَاقِ هُنَا، وَالظَّاهِرُ وَهُوَ الصَّوَابُ، الثَّانِي وَطَلَبُ الشُّفْعَةِ يَبْعُدُ هُنَا. قَوْلُهُ: وَفِي الْأُصُولِ شُفْعَةٌ يَعْنِي أَنَّ الشُّفْعَةَ إنَّمَا هِيَ مَشْرُوعَةٌ فِي الْأُصُولِ وَهِيَ الْأَرْضُ وَمَا يَتَّصِلُ بِهَا مِنْ الْبِنَاءِ وَالشَّجَرِ وَذَلِكَ مُدَّةَ بَقَائِهَا مُشْتَرَكَةً عَلَى الْإِشَاعَةِ فَإِذَا وُضِعَتْ الْحُدُودُ وَصُرِفَتْ الطُّرُقُ ثُمَّ بَاعَ أَحَدُهُمْ مَا خَرَجَ لَهُ فِي الْقِسْمَةِ فَلَا شُفْعَةَ لِغَيْرِهِ لِكَوْنِ كُلِّ وَاحِدٍ صَارَ

جَارًا لِلْآخَرِ وَلَا شُفْعَةَ لِلْجَارِ وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِالْبَيْتِ الْأَوَّلِ. هَذَا حُكْمُ الْعَقَارِ الْمُنْقَسِمِ الَّذِي لَيْسَ تَابِعًا فِي الِانْتِفَاعِ بِهِ لِغَيْرِهِ كَالدُّورِ، وَالْأَرَضِينَ، وَالنَّخْلِ، وَالشَّجَرِ، فَقَوْلُهُ " شُفْعَةٌ " مُبْتَدَأٌ عَامِلٌ فِي الْأُصُولِ وَهُوَ الْمُسَوِّغُ لِلِابْتِدَاءِ بِالنَّكِرَةِ وَمِمَّا شُرِعَ خَبَرُهُ وَفِي ذِي الشِّيَاعِ يَتَعَلَّقُ بِشُرِعْ وَبَاءُ بِحَدٍّ سَبَبِيَّةٌ تَتَعَلَّقُ بِتَمْتَنِعْ وَأَمَّا مَا كَانَ تَابِعًا لِغَيْرِهِ وَمُتَعَلِّقًا بِهِ مِمَّا هُوَ ثَابِتٌ بِهِ وَلَا يُنْقَلُ وَلَا يُحَوَّلُ، وَذَلِكَ كَالْجُدْرَانِ، وَالْبِئْرِ، وَفَحْلِ النَّخْلِ، وَالْمَاءِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ فَتَجِبُ الشُّفْعَةُ فِي ذَلِكَ مَا دَامَ أَصْلُهُ مُشَاعًا غَيْرَ مَقْسُومٍ وَكَذَلِكَ إذَا بِيعَ التَّابِعُ وَحْدَهُ وَالْمَتْبُوعُ لِحَالِهِ لَمْ يَنْقَسِمْ، وَأَمَّا إنْ قُسِمَ الْمَتْبُوعُ وَهُوَ الْأَرْضُ، بَقِيَ التَّابِعُ لَهَا عَلَى الْإِشَاعَةِ فَبَاعَ أَحَدُ الشُّرَكَاءِ نَصِيبَهُ مِنْهُ فَلَا شُفْعَةَ عَلَى الْمَشْهُورِ فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ تَجِبُ الشُّفْعَةُ فِي الْأَوَّلَيْنِ دُونَ الثَّالِثِ. إلَى هَذَا التَّقْسِيمِ أَشَارَ ابْنُ سَلْمُونٍ بِقَوْلِهِ وَأَمَّا الْمَاءُ فَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ لَا اخْتِلَافَ أَعْلَمُهُ فِي الْمَذْهَبِ فِي إيجَابِ الشُّفْعَةِ فِيهِ إذَا بِيعَ مَعَ الْأَرْضِ أَوْ دُونَهَا وَلَمْ تُقْسَمْ الْأَرْضُ وَاخْتُلِفَ فِي إيجَابِ الشُّفْعَةِ فِيهِ إذَا قُسِمَتْ الْأَرْضُ فَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ لَا شُفْعَةَ فِيهِ وَقَالَ فِي رِوَايَةِ يَحْيَى إنَّ فِيهِ الشُّفْعَةَ اهـ مِنْ الشَّارِحِ. (وَنَقَلَ أَيْضًا عَنْ الْمُقَرَّبِ مَا نَصُّهُ) قَالَ مُحَمَّدٌ وَفِي تَفْسِيرِ ابْنِ أَبِي زَمَنِينَ قُلْت لِعِيسَى مَا مَعْنَى قَوْلِ مَالِكٍ لَا شُفْعَةَ فِي بِئْرٍ وَلَا فِي فَحْلِ نَخْلٍ قَالَ هِيَ آبَارُ الْحَوَائِطِ إذَا قُسِمَتْ الْحَوَائِطُ وَبَقِيَتْ الْبِئْرُ أَوْ الْفَحْلُ لَمْ يُقْسَمْ فَلَا شُفْعَةَ فِيهِمَا لِأَنَّهُمَا لَا يُسْتَطَاعُ قَسْمُهُمَا وَلَوْ كَانَتْ آبَارًا كَثِيرَةً أَوْ فُحُولًا كَثِيرَةً لَمْ تُقْسَمْ فَبَاعَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ سَهْمَهُ فِيهَا لَكَانَتْ فِيهَا الشُّفْعَةُ لِأَنَّ الْقَسْمَ يَصْلُحُ فِيهَا وَفِيهِ قَالَ مَالِكٌ وَلَوْ أَنَّ بِئْرًا بَيْنَ رَجُلَيْنِ وَبِهَا بَيَاضٌ وَنَخْلٌ فَبَاعَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ نَصِيبَهُ مِنْ الْمَاءِ وَتَرَكَ نَصِيبَهُ مِنْ النَّخْلِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ بَاعَ وَلَمْ يُقَاسِمْ شَرِيكَهُ لَكَانَ لِشَرِيكِهِ الشُّفْعَةُ فِي الْمَاءِ وَإِنْ اقْتَسَمَا النَّخْلَ وَالْأَرْضَ ثُمَّ بَاعَ أَحَدُهُمَا حِصَّتَهُ مِنْ الْمَاءِ لَمْ تَكُنْ فِيهِ شُفْعَةٌ اهـ. وَقَدْ أَشَارَ النَّاظِمُ لِحُكْمِ التَّابِعِ بِقَوْلِهِ " وَمِثْلُ بِئْرٍ " الْبَيْتَيْنِ، وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ الطَّرِيقُ الْمُشْتَرَكَةُ وَسَاحَةُ الدَّارِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَأَشَارَ لِحُكْمِ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ وَبَيْعِ التَّابِعُ وَالْمَتْبُوعُ مَعًا بِقَوْلِهِ وَيَدْخُلُ فِيهِمَا تَبَعًا لِلْأَصْلِ وَبِقَوْلِهِ وَالْمَاءُ تَابِعٌ لَهَا فِيهِ الْحُكْمُ فَفَاعِلُ يَدْخُلُ يَعُودُ عَلَى " مِثْلُ " وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ وَضَمِيرُ فِيهَا لِلشُّفْعَةِ وَضَمِيرُ لَهَا فِي الْبَيْتِ الثَّانِي يَعُودُ عَلَى الْأُصُولِ ثُمَّ أَشَارَ لِحُكْمِ الْقِسْمِ الثَّانِي وَهُوَ مَا إذْ بِيعَ التَّابِعُ وَحْدَهُ وَالْمَتْبُوعُ لَمْ يُقْسَمْ بِقَوْلِهِ " وَحْدَهُ إنْ أَرْضُهُ لَمْ تُقْسَمْ " وَفُهِمَ مِنْ وُجُوبِ الشُّفْعَةِ فِي هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ عَدَمُ وُجُوبِهَا فِي الْقِسْمِ الثَّالِثِ وَهُوَ إذَا بِيعَ التَّابِعُ وَحْدَهُ بَعْدَ قَسْمِ الْمَتْبُوعِ وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ، وَتَلَخَّصَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ التَّقْسِيمَ الْمَذْكُورَ جَارٍ فِي الْفَحْلِ وَالْبِئْرِ وَالْمَاءِ وَسَاحَةِ الدَّارِ وَنَحْوِ ذَلِكَ إلَّا فِي تَعَدُّدِ الْفَحْلِ وَالْبِئْرِ فَالشُّفْعَةُ فِيهَا وَإِنْ قُسِمَ مَتْبُوعُهَا كَمَا تَقَدَّمَ. قَالَ النَّاظِمُ وَالْفُرْنُ وَالْحَمَّامُ وَالرَّحَى الْقَضَا ... وَالْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ فِيهَا قَدْ مَضَى

يَعْنِي أَنَّهُ اُخْتُلِفَ فِي الْأُصُولِ الَّتِي لَا تُرَادُ إلَّا لِخَرَاجِهَا وَلَا تَقْبَلُ الْقِسْمَةَ كَالْفُرْنِ وَالْحَمَّامِ وَالرَّحَى وَالْحَانُوتِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ هَلْ تَجِبُ فِيهَا شُفْعَةٌ أَوْ لَا وَبِوُجُوبِهَا الْحُكْمُ وَالْقَضَاءُ (ابْنُ الْحَاجِبِ) وَفِي غَيْرِ الْمُنْقَسِمِ كَالْحَمَّامِ وَنَحْوِهِ قَوْلَانِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا لِضَرَرِ الشَّرِكَةِ وَلِضَرَرِ الْقِسْمَةِ. (التَّوْضِيحُ) يَعْنِي فِي الشُّفْعَةِ فِيمَا لَا يَقْبَلُ الْقِسْمَةَ إلَّا بِضَرَرٍ قَوْلَانِ وَهُمَا لِمَالِكِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَفِي الْمُدَوَّنَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا اهـ وَبِعَدَمِ الشُّفْعَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَمُطَرِّفٌ وَبِالشُّفْعَةِ قَالَ أَشْهَبُ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ وَأَصْبَغُ قَالَ صَاحِبُ الذَّخِيرَةِ وَعَدَمُ الشُّفْعَةِ هُوَ الْمَشْهُورُ وَقَالَ صَاحِبُ الْمُفِيدِ وَبِهِ الْقَضَاءُ وَأَفْتَى بِهِ فُقَهَاءُ قُرْطُبَةَ لَمَّا جَمَعَهُمْ الْقَاضِي مُنْذِرُ بْنُ سَعِيدٍ إذْ كَانَ بِهِ الْقَضَاءُ عِنْدَهُمْ فَرَفَعَ الشَّفِيعُ أَمْرَهُ إلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَقَالَ حُكِمَ عَلَيَّ بِغَيْرِ قَوْلِ مَالِكٍ فَوَقَّعَ بِخَطِّ يَدِهِ إلَى الْقَاضِي أَنْ يَحْمِلَهُ عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ وَيُقْضَى لَهُ بِهِ فَجَمَعَ الْقَاضِي مُنْذِرُ بْنُ سَعِيدٍ الْفُقَهَاءَ وَشَاوَرَهُمْ فَقَالُوا مَالِكٌ يَرَى فِي الْحَمَّامِ الشُّفْعَةَ فَقَضَى مُنْذِرٌ بِذَلِكَ وَحَكَمَ لَهُ بِهَا. (وَقَالَ ابْنُ الْحَارِثِ) : وَأَخْبَرَنِي مَنْ أَثِقُ أَنَّهُ جَرَى الْعَمَلُ عِنْدَ الشُّيُوخِ بِقُرْطُبَةَ بِإِيجَابِ الشُّفْعَةِ وَقَوْلُهُ كَالْحَمَّامِ وَنَحْوِهِ أَيْ مِنْ الْأَبْرِحَةِ وَالْآبَارِ وَالْعُيُونِ وَالشَّجَرَةِ الْوَاحِدَةِ وَشِبْهِ ذَلِكَ وَمَنْشَأُ الْقَوْلَيْنِ مَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ أَنَّ الشُّفْعَةَ إنَّمَا شُرِعَتْ لِدَفْعِ الضَّرَرِ وَهَلْ ذَلِكَ لِدَفْعِ ضَرَرِ الشَّرِكَةِ فَتَجِبَ الشُّفْعَةُ فِي ذَلِكَ حَتَّى لَا يَتَضَرَّرَ بِشَرِكَةِ الدَّاخِلِ أَوْ إنَّمَا ذَلِكَ لِدَفْعِ ضَرَرِ الْقِسْمَةِ لِأَنَّ أَحَدَ الشُّرَكَاءِ لَهُ طَلَبُ الْبَاقِينَ بِالْقِسْمَةِ فَإِذَا اشْتَرَى أَجْنَبِيٌّ مِنْ أَحَدِهِمْ خَشِيَ الْبَاقُونَ أَنْ يَدْعُوَهُمْ إلَى الْقِسْمَةِ وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ مُضِرًّا بِهِمْ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَحْتَاجُ إلَى اسْتِحْدَاثِ مَرَافِقَ فِي نَصِيبِهِ غَالِبًا فَشُرِعَتْ الشُّفْعَةُ لِدَفْعِ هَذَا الضَّرَرِ فَعَلَى هَذَا لَا شُفْعَةَ فِيمَا لَا يَنْقَسِمُ لِعَدَمِ حُصُولِ هَذَا الضَّرَرِ فِيهِ الْأَوَّلُ أَظْهَرُ اهـ. وَإِلَى مَا حُكِمَ بِهِ بِقُرْطُبَةَ مِنْ الشُّفْعَةِ فِيمَا لَا يَنْقَسِمُ أَشَارَ النَّاظِمُ بِقَوْلِهِ " وَالْقَضَا. بِالْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ فِيهِ قَدْ مَضَى " وَإِلَى الْقَوْلَيْنِ أَشَارَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ بِقَوْلِهِ إنْ انْقَسَمَ وَفِيهَا الْإِطْلَاقُ وَعُمِلَ بِهِ وَنَقَلَ الشَّارِحُ عَنْ الْمُقَرَّبِ قَالَ سَحْنُونُ: قُلْت لَهُ أَرَأَيْتَ الْحَمَّامَ هَلْ فِيهِ شُفْعَةٌ فِي قَوْلِ مَالِكٍ قَالَ نَعَمْ وَفِيهِ أَيْضًا قُلْت لَهُ فَالْأَرْضُ الَّتِي فِيهَا بَيْتُ الرَّحَى وَالْأَرْضُ الَّتِي يَجْرِي فِيهَا الْمَاءُ إلَى الرَّحَى إذَا بِيعَ ذَلِكَ مَعَ الرَّحَى قَالَ يَكُونُ فِي الْأَرْضِ وَالْبَيْتِ الشُّفْعَةُ وَلَيْسَتْ الرَّحَى مِنْ الْبُنْيَانِ إنَّمَا هِيَ بِمَنْزِلَةِ حَجَرٍ مُلْقًى فِي الدَّارِ وَكَذَلِكَ الرَّحَى الَّتِي يَجُرُّهَا الدَّوَابُّ هِيَ بِهَذِهِ الْمَنْزِلَةِ لَا شُفْعَةَ فِيهَا وَإِنَّمَا الشُّفْعَةُ فِي الْأَرْضِ قَالَ مُحَمَّدٌ وَفِي كِتَابِ الْجِدَارِ رَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْأَرْضِ الَّتِي بُنِيَ فِيهَا بَيْتُ الرَّحَى أَنَّهُ قَالَ إذَا بِيعَتْ الرَّحَى مِنْ أَصْلِهَا فَفِيهَا وَفِي الْمَطَاحِينِ وَجَمْعِ مَا كَانَ فِيهَا مَبْنِيًّا الشُّفْعَةُ وَإِذَا بَاعَ الْحِجَارَةَ وَحْدَهَا فَلَا شُفْعَةَ فِيهَا قَالَ عِيسَى وَبِهَذَا آخُذُ قَالَ مُحَمَّدٌ وَهُوَ قَوْلُ أَشْهَبَ وَسَحْنُونٍ وَذَكَرَ بَعْضُ الرُّوَاةِ عَنْ سَحْنُونٍ أَنَّهُ قَالَ وَهَذَا الْقَوْلُ عِنْدِي أَعْدَلُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ اهـ. وَفِي الثِّمَارِ شُفْعَةٌ إنْ تَنْقَسِمْ ... وَذَا أَنَّ الْمَشْهُورَ فِي ذَاكَ الْتُزِمْ وَمِثْلُهُ مُشْتَرَكٌ مِنْ الثَّمَرْ ... لِلْيُبْسِ إنْ بَدْوُ الصَّلَاحِ قَدْ ظَهَرْ تَكَلَّمَ فِي الْبَيْتَيْنِ عَلَى الشُّفْعَةِ فِي الثِّمَارِ عَلَى مَا اخْتَارَ الْإِمَامُ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنْ وُجُوبِ الشُّفْعَةِ فِيهَا قَالَ وَمَا عَلِمْت أَنَّ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ قَبْلِي قَالَ إنَّ فِي الثَّمَرِ شُفْعَةً وَإِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ أَسْتَحْسِنُهُ اهـ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الشُّفْعَةَ إنَّمَا هِيَ فِي الْمُشْتَرَكِ مِنْ الثِّمَارِ وَغَيْرِهَا ثُمَّ الِاشْتِرَاكُ فِي الثَّمَرَةِ إمَّا أَنْ يَكُونَ مَعَ الِاشْتِرَاكِ فِي الْأَصْلِ أَيْضًا كَحَائِطٍ بَيْنَ رَجُلَيْنِ بَاعَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ فَشَفَعَهُ شَرِيكُهُ وَكَانَ فِي الْأَصْلِ ثِمَارٌ فِي وَقْتِ الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ وَإِمَّا مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاكٍ فِي الْأَصْلِ فِي الثَّمَرَةِ وَحْدَهَا كَالْمُحَبَّسِ عَلَيْهِمْ وَالْمُسَاقَى بِأَيْدِيهِمْ فَالْوَجْهُ الْأَوَّلُ هُوَ مُرَادُ النَّاظِمِ بِالْبَيْتِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي هُوَ مُرَادُهُ بِالْبَيْتِ الثَّانِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فَالْوَجْهُ الْأَوَّلُ مِنْ بَابِ الْمَشْفُوعِ بِالتَّبَعِ لِغَيْرِهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ وَمِثْلُ بِئْرٍ

وَكَفَحْلِ النَّخْلِ الْبَيْتَ وَالْوَجْهُ الثَّانِي مِنْ الْمَشْفُوعِ اسْتِقْلَالًا ثُمَّ الْوَجْهُ الْأَوَّلُ وَهُوَ حَيْثُ يَبِيعُ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ نَصِيبَهُ مِنْ الْأَصْلِ لَا يَخْلُو ذَلِكَ الْأَصْلُ إمَّا أَنْ يَكُونَ فِيهِ ثِمَارٌ يَوْمَ الْبَيْعِ أَوْ لَا فَإِنْ كَانَ فِيهِ ثِمَارٌ يَوْمَ الْبَيْعِ فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ مَأْبُورَةً أَوْ مَزْهِيَّةً أَوْ غَيْرَ مَأْبُورَةٍ وَلَا مَزْهِيَّةً وَكَذَا يُفَصَّلُ فِي وَقْتِ قِيَامِ الشَّفِيعِ كَمَا يَأْتِي. (قَالَ فِي التَّوْضِيحِ) اُخْتُلِفَ فِي ثُبُوتِ الشُّفْعَةِ إذَا بِيعَتْ الثَّمَرَةُ مُفْرَدَةً إلَى قَوْلِهِ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ اهـ. وَإِلَى مَسَائِلِ الِاسْتِحْسَانِ هَذِهِ أَشَارَ الشَّيْخُ ابْنُ غَازِيٍّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي نَظَائِرِ الرِّسَالَةِ بِقَوْلِهِ وَقَالَ مَالِكٌ بِاخْتِيَارِ الْبَيْتَيْنِ (وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ) بَعْدَ أَنْ تَكَلَّمَ عَلَى بَيْعِ الثَّمَرَةِ وَحْدَهَا مَا نَصُّهُ هَذَا إنْ انْفَرَدَتْ بِالْبَيْعِ وَأَمَّا إنْ بِيعَتْ مَعَ الْأَصْلِ فَهَذَا يَحْتَاجُ إلَى تَفْصِيلٍ فَإِنْ اشْتَرَى النَّخْلَ لَا ثَمَرَ فِيهَا فَقَامَ الشَّفِيعُ قَبْلَ الْإِبَارِ فَالثِّمَارُ لَهُ مَعَ الْأَصْلِ اتِّفَاقًا قُلْتُ لِقَوْلِهَا فِي الْقَسَمِ لِأَنَّهَا قَبْلَ الْإِبَارِ كَجُزْءٍ مِنْ النَّخْلِ قَالَ وَأَمَّا إنْ قَامَ بَعْدَ الْإِبَارِ فَلَهُ أَخْذُهَا مَعَ الْأَصْلِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَلِمُحَمَّدٍ عَنْ أَشْهَبَ إنْ اشْتَرَاهَا مَأْبُورَةً أَوْ غَيْرَ مَأْبُورَةٍ ثُمَّ أَبَّرَهَا الْمُبْتَاعُ فَلِلشَّفِيعِ الْأَصْلُ دُونَهَا لِأَنَّ الشُّفْعَةَ بَيْعٌ وَمَأْبُورُ الثِّمَارِ لِلْبَائِعِ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ هُوَ قَوْلُ بَعْضِ الْمَدَنِيِّينَ وَعَلَى أَنَّهَا تَبَعٌ لِلْأَصْلِ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَالْمَجْمُوعَةِ عَلَيْهِ مِنْ الثَّمَنِ مَا أَنْفَقَ الْمُشْتَرِي وَسَقَى وَعَالَجَ (الْبَاجِيُّ) . قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إنْ فَاتَتْ الثَّمَرَةُ بِالْجِذَاذِ وَالْيُبْسِ أَخَذَ الشَّفِيعُ الْأَصْلَ بِكُلِّ الثَّمَنِ لَا يُوضَعُ مِنْهُ شَيْءٌ لِلثَّمَرَةِ وَلَا حِصَّةَ لَهَا مِنْ الثَّمَنِ يَوْمَ الصَّفْقَةِ وَإِنْ كَانَتْ الثَّمَرَةُ يَوْمَ الشِّرَاءِ مَأْبُورَةً فَعَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيهَا حُكْمُ الشُّفْعَةِ مَا لَمْ تَيْبَسْ فَإِنْ يَبِسَتْ فَلَا شُفْعَةَ وَيُقْسَمُ الثَّمَنُ عَلَى الْأَصْلِ وَالثَّمَرَةِ فَيَأْخُذُ الشَّفِيعُ الْأَصْلَ بِمَنَابِهِ وَإِنْ اشْتَرَاهَا مُزْهِيَةً فَقَالَ أَشْهَبُ لِلشَّفِيعِ أَخْذُ الْأَصْلِ دُونَ الثَّمَرَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الثَّمَرَةَ لَا شُفْعَةَ فِيهَا وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا: فِيهَا الشُّفْعَةُ قَالَ مُحَمَّدٌ وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ الثَّمَرَةُ لِلشَّفِيعِ مَا لَمْ تَيْبَسْ أَوْ تُجَذَّ فَإِنْ جُذَّتْ حُطَّ عَنْ الشَّفِيعِ حِصَّتُهَا مِنْ الثَّمَنِ اهـ. هَذَا حُكْمُ الشُّفْعَةِ فِي الثَّمَرَةِ إذَا بِيعَ الْأَصْلُ وَفِيهِ ثَمَرَةٌ أَوْ لَمْ تَكُنْ ثُمَّ حَدَثَتْ وَقَامَ الشَّفِيعُ قَبْلَ الْيُبْسِ أَوْ الْجَذِّ وَأَمَّا إذَا بِيعَتْ الثَّمَرَةُ وَحْدَهَا سَوَاءٌ بَاعَهَا الشَّرِيكُ فِي الْأَصْلِ أَوْ فِي الثَّمَرَةِ فَقَطْ فَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ أَيْضًا فِي ثُبُوتِ الشُّفْعَةِ فِي بَيْعِ الثَّمَرِ مُجَرَّدًا ثَالِثُهَا إنْ كَانَ الْأَصْلُ بَيْنَهُمَا لِلْمَشْهُورِ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ وَمُحَمَّدٌ عِيَاضٌ: إذَا اشْتَرَاهَا مَعَ الْأَصْلِ يَأْخُذُهَا مَا لَمْ تُجَذَّ وَإِنْ اشْتَرَاهَا بِغَيْرِ أَصْلٍ فَالشُّفْعَةُ فِيهَا مَا لَمْ تَيْبَسْ وَعَلَى هَذَا حُمِلَ قَوْلُهُ فِي الْكِتَابِ وَقَالَ آخَرُونَ هُوَ اخْتِلَافُ قَوْلٍ فِي الْوَجْهَيْنِ وَظَاهِرُ اخْتِصَارِ ابْنِ أَبِي زَمَنِينَ وَابْنِ أَبِي زَيْدٍ وَغَيْرِهِمَا التَّسْوِيَةُ بَيْنَ هَذِهِ الْوُجُوهِ وَأَنَّ الشُّفْعَةَ فِيهَا مَا لَمْ تَيْبَسْ ثُمَّ قَالَ الْبَاجِيُّ وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ وَمُعْظَمُ أَصْحَابِهِ ثُبُوتَ الشُّفْعَةِ فِي الثَّمَرَةِ أَشْهَبُ لِأَنَّهَا تَنْقَسِمُ بَعْدَ الْجِذَاذِ كَالْأَرْضِ يُرِيدُ إذَا قُسِمَتْ فِي النَّخْلِ قَبْلَ الْجَذِّ وَلِمُحَمَّدٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ لَا شُفْعَةَ فِيهَا وَرَوَاهُ الْقَاضِي. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) قَوْلُهُ أَنْ تَنْقَسِمْ إنْ قُرِئَ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَإِنْ شَرْطِيَّةٌ كَمَا هُوَ الْجَارِي عَلَى الْأَلْسِنَةِ فَانْظُرْ مَا مَعْنَاهُ لِأَنَّ الثِّمَارَ بَعْدَ الْجِذَاذِ كُلَّهَا تُقْسَمُ وَلَا إشْكَالَ وَأَمَّا قَبْلَهُ فَغَيْرُ الثَّمَرِ وَالْعِنَبِ يُقْسَمُ عَلَى التَّحَرِّي بِشَرْطِ أَنْ يُجَذَّ مَكَانَهُ وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ قَسْمُهُ وَأَمَّا التَّمْرُ وَالْعِنَبُ فَيُقْسَمَانِ بِالتَّحَرِّي أَيْضًا بِشُرُوطٍ كَمَا أَشَارَ إلَى ذَلِكَ كُلِّهِ الشَّيْخُ خَلِيلٌ بِقَوْلِهِ وَتَمْرٍ أَوْ زَرْعٍ إنْ لَمْ يَجُذَّاهُ وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ لَا كَبَعْلٍ وَذَاتِ بِئْرٍ أَوْ غَرَبٍ ثُمَّ قَالَ إلَّا التَّمْرَ وَالْعِنَبَ إذَا اخْتَلَفَتْ حَاجَةُ أَهْلِهِ إلَخْ وَيَأْتِي لِلنَّاظِمِ فِي بَابِ الْقِسْمَةِ مِثْلُ هَذَا وَقَدْ تَلَخَّصَ مِنْ هَذَا أَنَّهَا كُلَّهَا تَنْقَسِمُ فِي رُءُوسِ الشَّجَرِ عَلَى التَّحَرِّي بَعْضَهَا بِشَرْطٍ وَاحِدٍ وَبَعْضَهَا بِشُروُطٍ فَمَا مَعْنَى اشْتِرَاطِ الْقَسْمِ الَّذِي فِي كَلَامِ النَّاظِمِ. وَأَقْرَبُ مَا ظَهَرَ لِي فِي الْوَقْتِ أَنَّهُ تَعْلِيلٌ لِوُجُوبِ الشُّفْعَةِ فِي الثِّمَارِ لَا شَرْطٌ فِيهِ فَكَأَنَّهُ قَالَ إنَّمَا وَجَبَتْ فِيهَا الشُّفْعَةُ لِكَوْنِهَا تَنْقَسِمُ وَقَبُولُ الْقِسْمَةِ شَرْطٌ فِي كُلِّ مَا يُشْفَعُ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَعَلَى هَذَا فَيُقْرَأُ " أَنْ تَنْقَسِمْ " بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ أَيْ لِأَجْلِ أَنْ تَنْقَسِمَ وَيَدُلُّ عَلَى كَوْنِهِ تَعْلِيلًا لَا شَرْطًا قَوْلُ ابْنِ عَرَفَةَ وَصَاحِبِ التَّوْضِيحِ كَمَا تَقَدَّمَ

قَرِيبًا عَنْ أَشْهَبَ فِي تَعْلِيلِ وُجُوبِ الشُّفْعَةِ فِي الثِّمَارِ لِأَنَّهَا تَنْقَسِمُ بِالْجُذُوذِ كَالْأَرْضِ وَيَسْتَرْوِحُ ذَلِكَ أَيْضًا مِنْ قَوْلِ النَّاظِمِ وَذَا أَنَّ الْمَشْهُورَ فِي ذَاكَ اُلْتُزِمَ فَإِنَّهُ رَاجِعٌ لِلتَّعْلِيلِ بِالِانْقِسَامِ أَيْ إنَّ تَعْلِيلَ وُجُوبِ الشُّفْعَةِ فِي الثِّمَارِ بِهِ لِانْقِسَامٍ جَارٍ عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ اشْتِرَاطِ قَبُولِ الْقَسْمِ فِي الْمَشْفُوعِ وَالثِّمَارُ تَنْقَسِمُ فَفِيهَا الشُّفْعَةُ يَعْنِي وَأَحْرَى فِي وُجُوبِ الشُّفْعَةِ فِي مُقَابِلِ الْمَشْهُورِ الَّذِي لَا يَشْتَرِطُ ذَلِكَ فَمَفْهُومُ الْمَشْهُورِ مَفْهُومُ مُوَافَقَةٍ لِأَنَّ مَا يَقْبَلُ الْقِسْمَةَ يُشْفَعُ اتِّفَاقًا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَرْجِعَ قَوْلُهُ وَذَا عَلَى الْمَشْهُورِ لِقَوْلِهِ وَفِي الثِّمَارِ شُفْعَةٌ وَيَكُونُ مُقَابِلُهُ لَا شُفْعَةَ فِيهَا وَهُوَ لِمُحَمَّدٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ كَمَا تَقَدَّمَ آخِرَ كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ. (الثَّانِي) قَوْلُهُ لِلْيُبْسِ هُوَ رَاجِعٌ لِمَا إذَا بِيعَتْ الثَّمَرَةُ مَعَ الْأَصْلِ وَلِمَا إذَا بِيعَتْ الثَّمَرَةُ وَحْدَهَا فَإِذَا يَبِسَتْ الثَّمَرَةُ وَهِيَ بِيَدِ الْمُشْتَرِي فَلَا شُفْعَةَ فِيهَا وَقِيلَ إنَّمَا تَسْقُطُ بِالْجَذِّ وَتَقَدَّمَ هَذَا فِي كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ. (الثَّالِثُ) اُخْتُلِفَ فِي الْمُرَادِ بِالْيُبْسِ هَلْ هُوَ حُضُورُ وَقْتِ جِذَاذِهَا أَوْ ارْتِفَاعِ مَنْفَعَتِهَا بِبَقَائِهَا فِي أَصْلِهَا. (قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ) وَمَعْنَى يُبْسِهَا هُوَ حُضُورُ وَقْتِ جِذَاذِهَا لِلتَّيْبِيسِ إنْ كَانَتْ تَيْبَسُ أَوْ لِلْأَكْلِ إنْ كَانَتْ لَا تَيْبَسُ وَكَذَا هُوَ النَّصُّ لِابْنِ كِنَانَةَ فَهُوَ تَفْسِيرٌ لِقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ قُلْت ظَاهِرُ الرِّوَايَاتِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ أَنْ يُبْسَهَا ارْتِفَاعُ مَنْفَعَتِهَا بِبَقَائِهَا فِي أَصْلِهَا لَا حُضُورُ وَقْتِ قِطَافِهَا فَقَدْ يَحْضُرُ وَيَكُونُ لِبَقَائِهَا زِيَادَةُ مَنْفَعَةٍ كَالْعِنَبِ وَالرُّمَّانِ عِنْدَنَا. (الرَّابِعُ) قَوْلُهُ إنْ بَدْوُ الصَّلَاحِ قَدْ ظَهَرَ شَرْطٌ فِي بَيْعِ الثَّمَرَةِ وَحْدَهَا فَإِذَا بِيعَتْ بَعْدَ ظُهُورِ صَلَاحِهَا فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ وَفِيهِ الشُّفْعَةُ وَإِذَا بِيعَتْ قَبْلَهُ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ لَا شُفْعَةَ فِيهِ إلَّا أَنْ تَفُوتَ أَمَّا إنْ بِيعَتْ الثَّمَرَةُ مَعَ الْأَصْلِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهَا بَدْوُ الصَّلَاحِ. (الْخَامِسُ) قَالَ الْقَاضِي الْمِكْنَاسِيُّ فِي مَجَالِسِهِ وَقَدْ فَرَّقُوا فِي الثَّمَرَةِ بَيْنَ الْمُدَّخَرِ وَغَيْرِهِ وَاَلَّذِي جَرَى عَلَيْهِ الْعَمَلُ وُجُوبُهَا فِي الْمُدَّخَرِ وَغَيْرِهِ وَبِهِ أَفْتَى الْعَبْدُوسِيُّ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَبِيعَ مِنْهَا شَيْئًا وَقَالَ بِهَذَا مَضَى الْعَمَلُ انْتَهَى مَحَلُّ الْحَاجَةِ مِنْهُ، فَقَوْلُهُ فَرَّقُوا فِي الثَّمَرَةِ بَيْنَ الْمُدَّخَرِ أَيْ فَفِيهِ الشُّفْعَةُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ مِمَّا لَا يُدَّخَرُ فَلَا شُفْعَةَ فِيهِ هَذَا مُرَادُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَاَلَّذِي جَرَى بِهِ الْعَمَلُ عِنْدَنَا أَنَّ الشُّفْعَةَ فِي الثِّمَارِ الْخَرِيفِيَّةِ دُونَ الصَّيْفِيَّةِ فَلَا شُفْعَةَ فِيهَا مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ لِكَوْنِهِ يَبِيعُهَا أَوْ يَأْكُلُهَا وَسَمِعْت مَنْ عَلَّلَ ذَلِكَ بِضَرَرِ دُخُولِ الْمُشْتَرِي فِي الثِّمَارِ الْخَرِيفِيَّةِ لِطُولِ زَمَنِ جِذَاذِهَا بِخِلَافِ الصَّيْفِيَّةِ لِقِصَرِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَمَا نَقَلَهُ الْمِكْنَاسِيُّ عَنْ الْعَبْدُوسِيُّ نَقَلَهُ عَنْهُ صَاحِبُ الْمِعْيَارِ بِأَبْيَنَ مِنْ هَذَا وَلَفْظُهُ أَوَائِلَ نَوَازِلِ الشُّفْعَةِ. وَسُئِلَ سَيِّدِي عَبْدُ اللَّهِ الْعَبْدُوسِيُّ عَنْ الشُّفْعَةِ فِي الثِّمَارِ الصَّيْفِيَّةِ وَالْخَرِيفِيَّةِ هَلْ فِيهَا شُفْعَةٌ أَمْ لَا لِأَنَّهَا إنَّمَا تُشْرَى لِلْبَيْعِ وَالشَّفِيعُ إذَا شَفَعَ لِلْبَيْعِ لَا شُفْعَةَ لَهُ وَإِنْ قُلْتُمْ لَا يَشْفَعُ لِلْبَيْعِ فَهَلْ ذَلِكَ إنْ بَاعَهَا فِي رُءُوسِ الْأَشْجَارِ قَبْلَ قَطْعِهَا كَمَا اشْتَرَاهَا أَوْ مُطْلَقُ الْبَيْعِ وَلَوْ بَعْدَ قَطْعِهَا مُجَزَّأً يَوْمًا فَيَوْمًا وَهَلْ فِي حَبِّ الزَّيْتُونِ شُفْعَةٌ أَمْ لَا لِأَنَّ الْغَالِبَ أَخْذُهُ لِيُبَاعَ زَيْتُهُ بَعْدَ عَصْرِهِ فَأَجَابَ مَتَى عَلَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَكْلِ الثِّمَارِ وَلَا عَلَى ادِّخَارِهَا بَلْ يَأْكُلُ الْبَعْضَ وَيَبِيعُ الْبَعْضَ كَالْفَاكِهَةِ الصَّيْفِيَّةِ مَعْلُومٌ أَنَّهَا لَا تُدَّخَرُ وَكَذَا الْخَرِيفِيَّةُ إذَا كَانَ يَبِيعُهَا وَلَا يَدَّخِرُهَا فَلَا شُفْعَةَ فِيهَا بِهَذَا جَرَى الْعَمَلُ مِنْ زَمَنِ سَيِّدِي عِيسَى بْنِ عَلَّالٍ إلَى الْآنَ هَذَا مَعْنَى قَوْلِهِمْ إذَا كَانَ بِبَيْعٍ لَا وَقَالَ آخَرُونَ مَعْنَى ذَلِكَ مَا دَامَتْ فِي أَشْجَارِهَا وَبَاعَهَا كَذَلِكَ وَنُصُوصُهُمْ تَدُلُّ عَلَى هَذَا وَكَذَا حُكْمُ حَبِّ الزَّيْتُونِ وَالشُّفْعَةُ فِيهِ وَاجِبَةٌ لِأَنَّهُ لَا يَبِيعُهُ فِي الْوَقْتِ قِيلَ وَأَصْحَابُنَا الْفَاسِيُّونَ مُخَالِفُونَ لَهُ عَمَلًا بِفَتْوَى شَيْخِهِمْ بِأَنَّ الشُّفْعَةَ فِيهَا كَانَ الْمَشْفُوعُ مِنْهَا يُرَادُ لِلْبَيْعِ اهـ. وَلَمْ تُبَحْ لِلْجَارِ عِنْدَ الْأَكْثَرِ ... وَفِي طَرِيقٍ مُنِعَتْ وَأَنْدَرِ وَالْحَيَوَانِ كُلِّهِ وَالْبِئْرِ ... وَجُمْلَةِ الْعُرُوضِ فِي الْمَشْهُورِ وَفِي الزُّرُوعِ وَالْبُقُولِ وَالْخُضَرْ ... وَفِي مُغَيَّبٍ فِي الْأَرْضِ كَالْجَزَرْ وَنَخْلَةٍ حَيْثُ تَكُونُ وَاحِدَهْ ... وَشِبْهُهَا وَفِي الْبُيُوعِ الْفَاسِدَهْ مَا لَمْ تُصَحَّحْ فَبِقِيمَةٍ تَجِبْ ... كَذَاك ذُو التَّعْوِيضِ ذَا فِيهِ يَجِبْ وَالْخُلْفُ فِي صِنْفِ الْمَقَاثِي وَاشْتَهَرْ ... وَالْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ فِيهِ الْمُعْتَبَرْ

ذَكَرَ فِي هَذِهِ الْأَبْيَاتِ عَشْرُ مَسَائِلَ لَا شُفْعَةَ فِيهَا بَعْضُهَا اتِّفَاقًا وَبَعْضُهَا عَلَى الْمَشْهُورِ. (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) لَا شُفْعَةَ لِلْجَارِ وَالْقَوْلُ بِثُبُوتِ الشُّفْعَةِ لَهُ شَاذٌّ بَلْ قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ مِنْ الْخَطَأِ الَّذِي يَنْتَقِضُ بِهِ حُكْمُ الْعَدْلِ الْعَالِمِ الْحُكْمُ بِالشُّفْعَةِ لِلْجَارِ اهـ وَعَلَى هَذَا فَكَانَ النَّاظِمُ فِي غِنًى عَنْ الْإِشَارَةِ إلَى هَذَا الْخِلَافِ لِشُذُوذِهِ. (الثَّانِيَةُ) الطَّرِيقُ فَإِذَا كَانَتْ طَرِيقٌ لِدُورٍ مَثَلًا فَبَاعَ أَحَدُ أَرْبَابِ الدُّورِ دَارِهِ فَلَا شُفْعَةَ لِجَارِهِ فِيهَا كَمَا تَقَدَّمَ قَرِيبًا إذْ لَا شَرِكَةَ بَيْنَهُمَا فِيهَا وَأَمَّا الطَّرِيقُ فَهِيَ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ أَرْبَابِ الدُّورِ كُلِّهِمْ فَقَدْ يُتَوَهَّمُ أَنَّ فِيهَا الشُّفْعَةَ لِأَجْلِ الِاشْتِرَاكِ فِيهَا الْحُكْمُ أَنَّهُ لَا شُفْعَةَ فِيهَا لِأَنَّهَا تَبَعٌ لِمَا لَا شُفْعَةَ فِيهِ وَهُوَ الدَّارُ فَكَمَا لَا شُفْعَةَ فِي الْمَتْبُوعِ وَهُوَ الدَّارُ فَكَذَلِكَ لَا شُفْعَةَ فِي التَّابِعِ وَهُوَ الطَّرِيقُ وَهَذَا بِعَيْنِهِ يَجْرِي فِي الْأَنْدَرِ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَهُوَ مَوْضِعُ تَيْبِيسِ الثِّمَارِ وَالزُّرُوعِ فَإِذَا كَانَ مُشْتَرَكًا بَيْنَ أَرْبَابِ دُورٍ فَبَاعَ أَحَدُهُمْ دَارِهِ فَلَا شُفْعَةَ فِي الْأَنْدَرِ كَالطَّرِيقِ الْمُتَقَدِّمِ. (تَنْبِيهٌ) يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَسْأَلَةٌ ذَكَرَهَا فِي نَوَازِلِ الشَّعْبِيِّ وَنَقَلَهَا الْمَوَّاقُ قَبْلَ قَوْلِهِ وَخِيَارٌ إلَّا بَعْدَ مُضِيِّهِ وَنَصُّ النَّوَازِلِ قَالَ بَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ فِي الْحَائِطِ يَكُونُ بَيْنَ دَارَيْنِ لِرَجُلَيْنِ وَالْحَائِطُ خَاصَّةً مُشْتَرَكٌ فَبَاعَ أَحَدُهُمَا دَارِهِ بِحُقُوقِهَا فَدَخَلَ الْحَائِطُ فِي الشِّرَاءِ فَلِشَرِيكِهِ أَنْ يُقَوِّمَ بِالشُّفْعَةِ وَتُقَوَّمُ الدَّارُ بِغَيْرِ اشْتِرَاطِ الْحَائِطِ وَتُقَوَّمُ بِالْحَائِطِ فَمَا نَابَ الْحَائِطَ مِنْ الثَّمَنِ أَخَذَ الشَّفِيعُ بِذَلِكَ كَشَيْءٍ بِيعَ لَا شُفْعَةَ فِيهِ مَعَ شَيْءٍ فِيهِ شُفْعَةٌ أَنَّ الثَّمَنَ يَفِيضُ عَلَى ذَلِكَ وَيَأْخُذُ الشَّفِيعُ بِمَا يَنُوبُ مَالَهُ الشُّفْعَةَ فِيهَا وَيَسْقُطُ مَنَابُ الشَّيْءِ الْآخَرِ اهـ. (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) الْحَيَوَانُ كُلُّهُ أَيْ عَاقِلًا كَانَ الرَّقِيقُ أَوْ غَيْرُ عَاقِلٍ كَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ فَإِذَا بَاعَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ فِيهَا نَصِيبَهُ فَلَا شُفْعَةَ لِلْآخَرِ وَحَكَى فِي التَّوْضِيحِ عَنْ الْمَازِرِيِّ قَوْلًا بِوُجُوبِ الشُّفْعَةِ فِي الْحَيَوَانِ نَعَمْ لِلشَّرِيكِ بَيْعُ جَمِيعِ الْحَيَوَانِ صَفْقَةً وَاحِدَةً وَيُجْبَرُ الشَّرِيكُ عَلَى ضَمِّ الصَّفْقَةِ أَوْ تَكْمِيلِهَا لِلْمُشْتَرِي إذَا كَانَ مَدْخَلُهُمَا دَفْعَةً وَاحِدَةً إمَّا بِشِرَاءٍ أَوْ مِيرَاثٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ عَلَى تَفْصِيلٍ فِي الْمَسْأَلَةِ مَذْكُورَةً فِي مَحَلِّهِ وَقَدْ ذَكَرْت مَا وَقَفْت عَلَيْهِ مِنْ فُرُوعِ بَيْعِ الصَّفْقَةِ آخِرَ شَرْحِنَا الْمُسَمَّى بِفَتْحِ الْعَلِيمِ الْخَلَّاقِ فِي شَرْحِ لَامِيَّةِ الْفَقِيهِ الزَّقَّاقِ وَكَذَا آخِرَ بَابِ الْبُيُوعِ مِنْ نَظْمِنَا الْمُسَمَّى بِبُسْتَانِ فِكَرِ الْمُهَجِ فِي تَكْمِيلِ الْمَنْهَجِ. (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) الْبِئْرُ الْوَاحِدَةُ إذَا قُسِمَتْ الْأَرْضُ وَبَقِيَتْ الْبِئْرُ عَلَى الْإِشَاعَةِ فَبَاعَ أَحَدُهُمْ نَصِيبَهُ فَلَا شُفْعَةَ لِلشَّرِيكِ لِأَنَّ الْبِئْرَ تَبَعٌ لِلْأَرْضِ وَهِيَ لَا شُفْعَةَ فِيهَا لِقِسْمَتِهَا. (الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ) الْعُرُوض كَالثِّيَابِ وَالسِّلَعِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَلَا شُفْعَةَ فِيهَا إلَّا إذَا بَاعَ الشَّرِيكُ جَمِيعَ ذَلِكَ فَلِلشَّرِيكِ تَكْمِيلُ الصَّفْقَةِ أَوْ ضَمُّهَا كَمَا تَقَدَّمَ. (وَفِي التَّوْضِيحِ) لَا شُفْعَةَ عِنْدَنَا فِي الْحَيَوَانِ وَالْعُرُوضِ وَحَكَى الْإسْفَرايِينِيّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ عَنْ مَالِكٍ الشُّفْعَةَ فِي ذَلِكَ قَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ وَغَيْرُهُ وَهَذَا لَا يَعْرِفُهُ أَصْحَابُ مَالِكٍ ثُمَّ بَحَثَ فِيهِ اُنْظُرْهُ إنْ شِئْت فَإِنْ كَانَ النَّاظِمُ أَشَارَ بِمُقَابِلِ الْمَشْهُورِ لِهَذَا الْقَوْلِ فَلَيْسَ ذَلِكَ مِمَّا تَتَأَكَّدُ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ. (الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ) الزَّرْعُ وَالْبُقُولُ وَالْخُضَرُ وَمَا كَانَ مُغَيَّبًا فِي الْأَرْضِ كَالْجَزَرِ وَاللِّفْتِ وَنَحْوِهَا لَا شُفْعَةَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ. (الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ) النَّخْلَةُ الْوَاحِدَةُ أَوْ الزَّيْتُونَةُ الْوَاحِدَةُ وَقَدْ قُسِمَتْ أَرْضُهَا فَلَا شُفْعَةَ فِيهَا أَيْضًا كَالْبِئْرِ. (الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ) الْبَيْعُ الْفَاسِدُ لَا شُفْعَةَ فِيهِ وَيُفْسَخُ إلَّا أَنْ يَفُوتَ بِيَدِ الْمُشْتَرِي فَيَصِحَّ بِالْقِيمَةِ وَبِهَا تَكُونُ الشُّفْعَةُ لِلشَّرِيكِ وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِقَوْلِهِ وَفِي الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ مَا لَمْ تَصِحَّ إلَخْ. (الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةُ) الشِّقْصُ الْمَبِيعُ بِعُرُوضٍ أَوْ غَيْرِهَا وَكَذَا الَّذِي يُوهَبُ عَلَى عِوَضٍ أَوْ أَوْصَى بِهِ عَلَى عِوَضٍ فَفِيهِ الشُّفْعَةُ لِأَنَّهُ بَيْعٌ مِنْ الْبُيُوعِ بِهَذَا شَرَحَ الشَّارِحُ قَوْلَهُ " كَذَلِكَ ذُو التَّعْوِيضِ ذَا فِيهِ يَجِبْ " وَكَأَنَّهُ أَرَادَ أَنَّ كُلَّ مَا دُفِعَ فِيهِ عِوَضٌ فَفِيهِ الشُّفْعَةُ سَوَاءٌ سَمَّيَاهُ بَيْعًا وَلَا إشْكَالَ أَوْ سَمَّيَاهُ هِبَةً أَوْ وَصِيَّةً فَإِنَّ كَوْنَهُ بِعِوَضٍ يُلْحِقُهُ بِالْبَيْعِ، وَاحْتَرَزَ بِذَلِكَ مِمَّا دُفِعَ تَبَرُّعًا فَإِنَّهُ لَا شُفْعَةَ فِيهِ كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ فِي قَوْلِهِ وَالْمَنْعُ فِي التَّبَرُّعَاتِ مُفْتَرَضْ وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ أَنَّ الشِّقْصَ إذَا عُوِّضَ بِشِقْصٍ فَفِيهِ الشُّفْعَةُ وَهُوَ كَذَلِكَ

وَيَشْفَعُ بِقِيمَةِ الْمَدْفُوعِ فِي الشِّقْصِ الْمَشْفُوعِ كَمَنْ بَاعَ رُبُعَ دَارٍ بِثُلُثِ حَائِطٍ أَوْ بِحَائِطٍ مَثَلًا فَإِنَّ الشَّرِيكَ فِي الدَّارِ يَشْفَعُ ذَلِكَ الرُّبُعَ بِقِيمَةِ ثُلُثِ الْحَائِطِ وَهِيَ الْمُنَاقَلَةُ وَفِي ثُبُوتِ الشُّفْعَةِ فِيهَا خِلَافٌ اُنْظُرْ ابْنَ عَرَفَةَ. (الْمَسْأَلَةُ الْعَاشِرَةُ) أَصْنَافُ الْمَقَاثِي فَفِي وُجُوبِ الشُّفْعَةِ فِيهَا خِلَافٌ وَالْمَشْهُورُ وُجُوبُهَا قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ وَلَا شُفْعَةَ فِي الْجِوَارِ وَالْمُلَاصَقَةِ فِي سِكَّةٍ لَا تُنْفِذُ أَوْ غَيْرِهَا وَلَا شُفْعَةَ بِالشَّرِكَةِ فِي الطَّرِيقِ وَمَنْ لَهُ طَرِيقٌ فِي دَارِ رَجُلٍ فَبِيعَتْ الدَّارُ فَلَا شُفْعَةَ لَهُ فِيهَا. (وَفِي مُفِيدِ ابْنِ هِشَامٍ) قَالَ سَحْنُونٌ وَلَا شُفْعَةَ فِي الْأَنْدَرِ وَفِيهِ أَيْضًا مِنْ التَّفْرِيغِ وَلَا شُفْعَةَ فِي عَرَضٍ وَلَا حَيَوَانٍ وَلَا طَرِيقٍ وَلَا بِئْرٍ وَلَا فَحْلِ نَخْلٍ. (وَفِي التَّهْذِيبِ أَيْضًا) وَأَمَّا الزَّرْعُ يَبِيعُ أَحَدُهُمْ حِصَّتَهُ مِنْهُ قَبْلَ يُبْسِهِ فَلَا شُفْعَةَ فِيهِ وَهُوَ لَا يُبَاعُ حَتَّى يَيْبَسَ وَكُلُّ مَا بِيعَ مِنْ سَائِرِ الثِّمَارِ مِمَّا فِيهِ الشُّفْعَةُ مِثْلُ الثَّمَرِ وَالْعِنَبِ وَمَا يَيْبَسُ فِي شَجَرِهِ فَبِيعَ بَعْدَ الْيُبْسِ فِي شَجَرَةٍ فَلَا شُفْعَةَ فِيهِ كَالزَّرْعِ وَلَا جَائِحَةَ فِيهِ حِينَئِذٍ وَفِي سَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَلَا شُفْعَةَ فِي الْبُقُولِ فَأَمَّا الْمَقَاثِي فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ الْأُصُولِ وَفِيهَا الشُّفْعَةُ لِأَنَّهَا ثَمَرَةٌ. (ابْنُ عَرَفَةَ) رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ الشُّفْعَةُ فِي الْعِنَبِ ابْنُ الْقَاسِمِ وَكَذَا الْمَقَاثِي وَلَا شُفْعَةَ فِي الْبُقُولِ يُرِيدُ كُلَّ مَا لَهُ أَصْلٌ تُجْنَى ثَمَرَتُهُ مَعَ بَقَائِهِ فَفِيهِ الشُّفْعَةُ وَفِيهِ أَيْضًا وَمَنْ بَاعَ نَخْلَةً لَهُ فِي جِنَانِ رَجُلٍ فَلَا شُفْعَةَ لِرَبِّ الْجِنَانِ فِيهَا وَفِيهِ أَيْضًا وَالنَّخْلَةُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ يَبِيعُ أَحَدُهُمَا حِصَّتَهُ مِنْهَا فَلَا شُفْعَةَ لِصَاحِبِهِ فِيهَا. (وَفِي الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ) وَلَا شُفْعَةَ فِي الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ الْوَاقِعَةِ فِي الْأَنْصِبَاءِ الْمُشَاعَةِ وَتُفْسَخُ الْبُيُوعُ بِالْفَسَادِ الْوَاقِعِ فِيهَا وَتُفْسَخُ الشُّفْعَةُ إلَّا أَنْ يُغْفَلَ عَنْ فَسْخِهَا حَتَّى تَفُوتَ فَوْتًا يَمْضِي بِهِ الْبَيْعُ وَتُصَحَّحُ بِالْقِيمَةِ فَيَشْفَعُ الشَّفِيعُ حِينَئِذٍ بِالْقِيمَةِ الَّتِي صَحَّحَ بِهَا الْبَيْعَ لَا الثَّمَنِ الْأَوَّلِ وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِقَوْلِهِ: وَفِي الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ مَا لَمْ تُصَحَّحْ فَبِقِيمَتِهِ تَجِبُ. (فَرْعٌ) : قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَإِنْ كَانَ أَحْدَثَ الْمُشْتَرِي فِي الدَّارِ بِنَاءً لَمْ يَأْخُذْهَا الشَّفِيعُ حَتَّى يَدْفَعَ إلَى الْمُشْتَرِي قِيمَةَ مَا أَنْفَقَ مَعَ الْقِيمَةِ الَّتِي وَجَبَتْ لِلْبَائِعِ عَلَى الْمُشْتَرِي وَإِنْ كَانَتْ الدَّارُ قَدْ انْهَدَمَتْ لَمْ يُوضَعْ لِلشَّفِيعِ لِلْهَدْمِ شَيْءٌ وَيُقَالُ لَهُ: خُذْهَا بِالْقِيمَةِ الَّتِي لَزِمَتْ الْمُشْتَرِيَ يَوْمَ قَبْضِهَا أَوْ دَعْ اهـ. (تَنْبِيهٌ) : يَقْدَمُ آخِرَ فَصْلِ التَّصْيِيرِ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّهُ اتَّفَقَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَسَحْنُونٌ عَلَى أَنَّهُ لَا شُفْعَةَ فِيمَا يَدْفَعُهُ الْوَصِيُّ لِمَحْجُورِهِ تَوَخِّيًا لِمَا عَسَى أَنْ يَكُونَ تَعَلَّقَ بِذِمَّتِهِ مِنْ مَالِهِ وَاخْتَلَفَا فِي تَعْلِيلِ ذَلِكَ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لِجَهْلِ الثَّمَنِ وَهُوَ بَيْعٌ وَقَالَ سَحْنُونٌ لِكَوْنِهِ صَدَقَةً. وَالتَّرْكُ لِلْقِيَامِ فَوْقَ الْعَامِ ... يُسْقِطُ حَقَّهُ مَعَ الْمُقَامِ وَغَائِبٌ بَاقٍ عَلَيْهَا وَكَذَا ... ذُو الْعُذْرِ لَمْ يَجِدْ إلَيْهَا مَنْفَذًا يَعْنِي أَنَّ مَنْ وَجَبَتْ لَهُ شُفْعَةٌ فَسَكَتَ وَلَمْ يَقُمْ لَهَا حَتَّى مَضَى عَامٌ يَعْنِي مِنْ يَوْمِ عِلْمِهِ بِالْبَيْعِ هُوَ حَاضِرٌ فِي تِلْكَ الْبَلْدَةِ يَعْنِي وَقَادِرٌ عَلَى الْقِيَامِ بِشُفْعَتِهِ لَمْ يَمْنَعْهُ خَوْفٌ وَلَا غَيْرُهُ فَإِنَّ شُفْعَتَهُ تَسْقُطُ وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِالْبَيْتِ الْأَوَّلِ. (قَالَ فِي التَّوْضِيحِ) الْمَشْهُورُ أَنَّهَا تَسْقُطُ بَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةٍ طَوِيلَةٍ وَاخْتُلِفَ فِيهَا فَرَأَى أَشْهَبُ السَّنَةَ وَلَا شُفْعَةَ بَعْدَهَا وَهُوَ مَذْهَبُ الرِّسَالَةِ، الْمُتَيْطِيُّ وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ وَبَالَغَ أَشْهَبُ فِي هَذَا فَقَالَ إذَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ السَّنَةِ فَلَا شُفْعَةَ وَمَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ مَا قَارَبَ السَّنَةَ لَهُ حُكْمُهَا. (قَالَ فِي الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ) وَالشَّهْرُ وَالشَّهْرَانِ وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْهِنْدِيِّ اهـ ثُمَّ صَرَّحَ النَّاظِمُ بِمَفْهُومِ قَوْلِهِ مَعَ الْمُقَامِ وَبِمَفْهُومِ الْقَيْدِ الَّذِي قُلْنَا إنَّهُ يُعَيِّنُهُ وَهُوَ كَوْنُهُ قَادِرًا عَلَى الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ فَقَالَ وَغَائِبٌ بَاقٍ عَلَيْهَا الْبَيْتَ وَمُرَادُهُ كَمَا قَالَ فِي الرِّسَالَةِ أَنَّ الْغَائِبَ عَلَى شُفْعَتِهِ وَإِنْ طَالَتْ غَيْبَتُهُ (ابْنُ الْحَاجِبِ) وَالْغَائِبُ عَلَى شُفْعَتِهِ مَا لَمْ يُصَرِّحْ فَإِذَا قَدِمَ فَكَالْحَاضِرِ مِنْ حِينِ قُدُومِهِ. (التَّوْضِيحُ) يَعْنِي أَنَّ الْغَائِبَ عَلَى شُفْعَتِهِ عَلِمَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ إلَّا أَنْ يُصَرِّحَ بِإِسْقَاطِهَا أَوْ مَا فِي مَعْنَى ذَلِكَ كَمَا لَوْ أَمَرَ بِالْمُقَاسَمَةِ مَعَهُ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَقَيَّدَ أَشْهَبُ هَذَا بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ مَوْضُوعُهُ قَرِيبًا قَالَ وَأَمَّا إنْ كَانَ قَرِيبًا لَا مُؤْنَةَ عَلَيْهِ فِي الشُّخُوصِ فَطَالَ زَمَانُهُ بَعْدَ عِلْمِهِ بِوُجُوبِ الشُّفْعَةِ فَهُوَ كَالْحَاضِرِ قَالَ غَيْرُهُ فِي

الْمَجْمُوعَةِ وَلَيْسَتْ الْمَرْأَةُ الضَّعِيفَةُ وَمَنْ لَا يَسْتَطِيعُ النُّهُوضَ فِي ذَلِكَ مِثْلَ غَيْرِهِمْ وَإِنَّمَا فِيهِ اجْتِهَادُ السُّلْطَانِ (مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ) وَالْمَرِيضُ الْحَاضِرُ وَالصَّغِيرُ وَالْبِكْرُ كَالْغَائِبِ وَلَهُمْ بَعْدَ زَوَالِ الْعُذْرِ مَا لِلْحَاضِرِ سَوَاءٌ كَانَ الْمَرِيضُ وَالْغَائِبُ عَالِمًا بِشُفْعَتِهِ أَوْ جَاهِلًا اهـ وَعَلَى نَحْوِ الْمَرْأَةِ الضَّعِيفَةِ وَمَنْ ذُكِرَ بَعْدَهَا نَبَّهَ النَّاظِمُ بِقَوْلِهِ " وَكَذَا ذُو الْعُذْرِ لَمْ يَجِدْ إلَيْهَا مَنْفَذًا " وَكَذَا فَسَّرَ الشَّارِحُ ذَا الْعُذْرِ بِالرَّجُلِ الضَّعِيفِ وَالْمَرْأَةِ الضَّعِيفَةِ وَالْغَائِبَةِ وَإِنْ كَانَتْ عَلَى الْبَرِيدِ وَالْبَرِيدَيْنِ وَالشَّيْخِ الْكَبِيرِ وَالْمَرِيضِ. قُلْت وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ مَا إذَا كَانَ الْمُشْتَرِي يَخَافُ مِنْهُ إنْ شَفَعَ مِنْ يَدِهِ. (فَرْعٌ) إذَا أَشْهَدَ الشَّفِيعُ أَنَّهُ أَخَذَ بِالشُّفْعَةِ وَكَتَبَ ذَلِكَ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ الْمُبْتَاعُ حَتَّى مَضَى أَجَلُ الشُّفْعَةِ هَلْ تَصِحُّ شُفْعَتُهُ أَمْ لَا حَمَلَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ قَوْلَ ابْنِ الْحَاجِبِ وَتُمْلَكُ بِتَسْلِيمِ الثَّمَنِ أَوْ بِالْإِشْهَادِ أَوْ بِالْقَضَاءِ عَلَى مَعْرِفَةِ الْمُبْتَاعِ بِالْإِشْهَادِ وَحَمَلَهُ خَلِيلٌ عَلَى الْإِطْلَاقِ سَوَاءٌ عَلِمَ بِذَلِكَ أَمْ لَا وَأَفْتَى الشَّيْخُ ابْنُ عَرَفَةَ بِصِحَّةِ الشُّفْعَةِ بِمُجَرَّدِ الْإِشْهَادِ وَلَمْ يَعْتَبِرْ عِلْمَ الْمُبْتَاعِ بِذَلِكَ اهـ مِنْ خَطِّ شَيْخِنَا الْإِمَامِ أَبِي الْعَبَّاسِ سَيِّدِي أَحْمَدَ الْمُقْرِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَفِي شِفَاءِ الْغَلِيلِ لِلشَّيْخِ ابْنِ غَازِيٍّ عَنْ تَقْيِيدِ أَبِي عِمْرَانَ الْعَبْدُوسِيِّ أَنَّهُ لَا يَنْفَعُهُ هَذَا الْإِشْهَادُ. وَالْأَبُ وَالْوَصِيُّ مَهْمَا غَفَلَا ... عَنْ حَدِّهَا فَحُكْمُهَا قَدْ بَطَلَا يَعْنِي أَنَّ الصَّبِيَّ إذَا وَجَبَتْ لَهُ شُفْعَةٌ فَلَمْ يَقُمْ بِهَا أَبُوهُ أَوْ وَصِيُّهُ وَسَكَتَا عَنْهَا حَتَّى انْقَضَتْ السَّنَةُ وَهِيَ الْمُرَادُ بِحَدِّهَا فَإِنَّ حُكْمَهَا يَبْطُلُ وَلَا شُفْعَةَ لَهُ. (وَقَالَ فِي الْمُقَرَّبِ) قُلْت لَهُ فَلَوْ أَنَّ صَبِيًّا وَجَبَتْ لَهُ شُفْعَةٌ مَنْ يَأْخُذُ لَهُ بِهَا؟ قَالَ: الْوَالِدُ وَالْوَصِيُّ وَإِنْ لَمْ يَكُونَا لَهُ فَالسُّلْطَانُ وَإِنْ كَانَ فِي مَوْضِعٍ لَا سُلْطَانَ فِيهِ فَهُوَ عَلَى شُفْعَتِهِ إذَا بَلَغَ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ قُلْت لَهُ فَإِنْ كَانَ لَهُ وَالِدٌ فَلَمْ يَقُمْ بِشُفْعَتِهِ وَلَا عَلِمَ أَنَّهُ تَرَكَهَا حَتَّى بَلَغَ الصَّبِيُّ بَعْدَ مُدَّةٍ طَوِيلَةٍ أَيَكُونُ عَلَى شُفْعَتِهِ فَقَالَ لَا لِأَنَّ تَرْكَ وَالِدِهِ الْقِيَامَ بِالْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ بَلَغَ الصَّبِيُّ فَتَرَكَ أَنْ يَأْخُذَ حَتَّى مَضَتْ لِذَلِكَ مُدَّةٌ طَوِيلَةٌ لَكَانَ ذَلِكَ قَطْعًا لِشُفْعَتِهِ قَالَ مُحَمَّدٌ: وَإِنْ كَانَ لَهُ وَصِيٌّ فَلَمْ يَقُمْ بِشُفْعَتِهِ وَلَا عَلِمَ أَنَّهُ أَسْلَمَهَا حَتَّى كَبِرَ الصَّبِيُّ فَهُوَ عَلَى شُفْعَتِهِ كَذَلِكَ قَالَ أَشْهَبُ ذَكَرَهُ بَعْضُ الْمُخْتَصِرِينَ وَقَدْ جَاءَ عَنْ أَشْهَبَ أَيْضًا خِلَافُ هَذَا وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ أَشْبَهُ بِأُصُولِهِمْ. (قَالَ الشَّارِحُ) اعْتَمَدَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي مَسْأَلَةِ الْوَصِيِّ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ عَنْ أَشْهَبَ ثَانِيًا مِمَّا ارْتَهَنَ فِيهِ أَنَّهُ أَشْبَهُ بِأُصُولِهِمْ اهـ.

وَإِنْ يُنَازِعْ مُشْتَرٍ فِي الِانْقِضَا ... فَلِلشَّفِيعِ مَعَ يَمِينِهِ الْقَضَا يَعْنِي إذَا تَنَازَعَ الْمُشْتَرِي لِلشِّقْصِ وَالشَّفِيعُ فَقَالَ الْمُشْتَرِي: انْقَضَتْ السَّنَةُ وَلَمْ تَشْفَعْ فَلَا شُفْعَةَ لَك وَقَالَ الشَّفِيعُ إنَّهَا لَمْ تَنْقَضِ وَأَنَا مَا زِلْت عَلَى شُفْعَتِي فَالْقَوْلُ قَوْلُ الشَّفِيعِ بِعَدَمِ انْقِضَائِهَا مَعَ يَمِينِهِ وَعَلَى الْمُشْتَرِي الْمُدَّعِي انْقِضَاءَهَا إثْبَاتُ ذَلِكَ قَالَ فِي طُرَرِ ابْنِ عَاتٍ اُنْظُرْ إذَا اخْتَلَفَا فِي مُدَّةِ الِابْتِيَاعِ فَقَالَ الشَّفِيعُ وَقَعَ مُنْذُ شَهْرَيْنِ وَقَالَ الْمُشْتَرِي مُنْذُ عَامَيْنِ وَلَمْ تَقُمْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةٌ فَلِابْنِ فَتْحُونٍ فِي وَثَائِقِهِ أَنَّ الْقَوْلَ فِي ذَلِكَ قَوْلُ الشَّفِيعِ مَعَ يَمِينِهِ لِأَنَّ الشُّفْعَةَ قَدْ وَجَبَتْ لَهُ بِالْبَيْعِ وَالْمُبْتَاعُ مُدَّعٍ تَارِيخًا يُسْقِطُ مَا ثَبَتَ لَهُ مِنْهَا فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ. وَلَيْسَ الْإِسْقَاطُ بِلَازِمٍ لِمَنْ ... أَسْقَطَ قَبْلَ الْبَيْعِ لَا عِلْمِ الثَّمَنْ كَذَاكَ لَيْسَ لَازِمًا مَنْ أُخْبِرَا ... بِثَمَنٍ أَعْلَى وَبِالنَّقْصِ اشْتَرَى يَعْنِي أَنَّ الشَّفِيعَ إذَا أَسْقَطَ الشُّفْعَةَ قَبْلَ شِرَاءِ الْمُشْتَرِي بِأَنْ قَالَ لَهُ اشْتَرِ وَلَا شُفْعَةَ لِي عَلَيْك أَوْ أَسْقَطْت شُفْعَتِي عَنْك فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ الْإِسْقَاطُ وَكَانَ لَهُ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ بَعْدَ الشِّرَاءِ (ابْنُ يُونُسَ) لِأَنَّ مَنْ وَهَبَ مَا لَا يَمْلِكُ لَا تَصِحُّ هِبَتُهُ اهـ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ بَابِ إسْقَاطِ الْحَقِّ قَبْلَ وُجُوبِهِ وَلَهَا نَظَائِرُ اُنْظُرْهَا نَظْمًا وَنَثْرًا فِي شَرْحِنَا الْمُسَمَّى بِالرَّوْضِ الْمُبْهِجِ فِي شَرْحِ تَكْمِيلِ الْمَنْهَجِ. (قَالَ فِي الْمُقَرَّبِ) قُلْت لَهُ: فَإِنْ أَتَى رَجُلٌ إلَى رَجُلٍ فَقَالَ لَهُ إنِّي أُرِيدُ أَنْ أَشْتَرِيَ الْحِصَّةَ الَّتِي أَنْتَ شَفِيعُهَا فَأَسْلِمْ لِي الشُّفْعَةَ فَقَالَ قَدْ فَعَلْت فَلَمَّا اشْتَرَى قَامَ يَطْلُبُ شُفْعَتَهُ فَقَالَ قَالَ مَالِكٌ: ذَلِكَ لَهُ اهـ وَقَوْلُهُ " لَا عِلْمِ الثَّمَنْ " هُوَ بِالْخَفْضِ عَطْفٌ عَلَى الْبَيْعِ مَدْخُولٌ لِقَبْلَ يَعْنِي أَنَّ الشَّرِيكَ إذَا أَسْقَطَ الشُّفْعَةَ

بَعْدَ الْبَيْعِ وَقَبْلَ الْعِلْمِ بِالثَّمَنِ فَإِنَّ الشُّفْعَةَ تَسْقُطُ وَالْإِسْقَاطُ لَازِمٌ لَهُ (الْمَوَّاقُ) وَانْظُرْ قَدْ نَصُّوا أَنَّ لَهُ أَنْ يُسَلِّمَ الشُّفْعَةَ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ بِالثَّمَنِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِالشُّفْعَةِ بِمَا لَا يَعْلَمُ مِنْ الثَّمَنِ اُنْظُرْ نَوَازِلَ الشَّعْبِيِّ اهـ نَقَلَهُ قَبْلَ قَوْلِهِ خِيَارٌ إلَّا بَعْدَ مُضِيِّهِ فَإِنْ أَخَذَ الشُّفْعَةَ بِمَا لَا يَعْلَمُ مِنْ الثَّمَنِ فَنَقَلَ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ الْمَازِرِيِّ إنْ أَخَذَ قَبْلَ عِلْمِهِ بِالثَّمَنِ ثُمَّ عَلِمَ فَقَالَ ظَنَنْت أَقَلَّ فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَرُدَّ فَلَهُ ذَلِكَ اتِّفَاقًا وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَتَمَسَّكَ بِهِ فَالْمَشْهُورُ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ. وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ اهـ، وَقَوْلُهُ كَذَاكَ لَيْسَ لَازِمًا الْبَيْتَ التَّشْبِيهُ رَاجِعٌ لِلْمَسْأَلَةِ الْأُولَى الَّتِي الْإِسْقَاطُ فِيهَا غَيْرُ لَازِمٍ فَكَمَا لَا يَلْزَمُ الْإِسْقَاطُ قَبْلَ الْبَيْعِ كَذَلِكَ لَا يَلْزَمُ إذَا أُخْبِرَ الشَّفِيعُ أَنَّ الشِّقْصَ بِيعَ بِمِائَةٍ مَثَلًا فَأَسْقَطَ الشُّفْعَةَ ثُمَّ بَانَ لَهُ أَنَّهُ إنَّمَا بِيعَ بِخَمْسِينَ وَنَحْوِهَا فَإِنَّ الْإِسْقَاطَ لَا يَلْزَمُ وَلَهُ الشُّفْعَةُ. (قَالَ فِي الْمُقَرَّبِ) قُلْت فَإِنْ أُخْبِرَ الشَّفِيعُ بِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ اشْتَرَى بِكَذَا وَكَذَا دِرْهَمًا فَسَلَّمَ الشُّفْعَةَ ثُمَّ صَحَّ عَنْهُ أَنَّهُ اشْتَرَى بِأَقَلَّ فَقَامَ بِشُفْعَتِهِ فَقَالَ ذَلِكَ لَهُ عِنْدَ مَالِكٍ وَيُحَلَّفُ بِاَللَّهِ مَا سَلَّمَ الشُّفْعَةَ إلَّا لِمَكَانِ الثَّمَنِ الْكَثِيرِ اهـ وَاسْمُ لَيْسَ يَعُودُ عَلَى الْإِسْقَاطِ (فَرْعٌ) إذَا أُخْبِرَ الشَّفِيعُ بِتَجْزِئَةِ الشِّقْصِ الْمَبِيعِ فَسَلَّمَ فَبَانَ أَنَّهُ لَمْ يُجَزَّأْ أَفَلَا يَلْزَمُهُ التَّسْلِيمُ قَالَ فِي الْمُقَرَّبِ قُلْت لَهُ فَإِنْ قِيلَ لَهُ يَعْنِي لِلشَّفِيعِ إنَّ فُلَانًا قَدْ اشْتَرَى نِصْفَ نَصِيبِ شَرِيكِك فَسَلِّمْ شُفْعَتَهُ ثُمَّ قِيلَ لَهُ مَا اشْتَرَى إلَّا الْجَمِيعَ فَقَامَ يَطْلُبُ شُفْعَتَهُ؟ ، فَقَالَ: لَهُ ذَلِكَ. (فَرْعٌ) إنْ اشْتَرَى رَجُلَانِ حِصَّةَ رَجُلٍ فَأُخْبِرَ الشَّرِيكُ أَنَّ حِصَّةَ شَرِيكِهِ قَدْ اشْتَرَاهَا فُلَانٌ لِأَحَدِهِمَا وَلَمْ يُذْكَرْ لَهُ أَنَّ الْآخَرَ اشْتَرَى مَعَهُ فَقَالَ قَدْ أَسْلَمْت لَهُ الشُّفْعَةَ ثُمَّ عَلِمَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهُمَا اشْتَرَيَا جَمِيعًا فَقَامَ يَطْلُبُ شُفْعَتَهُ؟ ، فَقَالَ: ذَلِكَ لَهُ وَيَأْخُذُ مَا اشْتَرَيَا جَمِيعًا قَالَهُ فِي الْمُقَرَّبِ إثْرَ مَا قَبْلَهُ يَلِيهِ. . وَشُفْعَةٌ فِي الشِّقْصِ يُعْطِي عَنْ عِوَضْ ... وَالْمَنْعُ فِي التَّبَرُّعَاتِ مُفْتَرَضْ يَعْنِي أَنَّ الشُّفْعَةَ إنَّمَا هِيَ فِي الشِّقْصِ الْمَدْفُوعِ فِي مُقَابَلَةِ عِوَضٍ كَالْمَبِيعِ وَالْمَدْفُوعِ رَأْسَ مَالِ سَلَمٍ وَالْمُصَالَحِ بِهِ وَالْمَوْهُوبِ لِلثَّوَابِ وَنَحْوِ ذَلِكَ أَمَّا الْمَدْفُوعُ تَبَرُّعًا مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ رَأْسًا كَالْمَوْهُوبِ وَالْمُتَصَدَّقِ بِهِ وَالْمُوصَى بِهِ فَلَا شُفْعَةَ فِيهِ ثُمَّ الْعِوَضُ الْمَدْفُوعُ إمَّا مِثْلِيٌّ أَوْ مُقَوَّمٌ (قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ) مَا اُشْتُرِيَ بِعَيْنٍ أَوْ مِثْلِيٍّ فَالشُّفْعَةُ فِيهِ بِمِثْلِ ثَمَنِهِ وَمَا اُشْتُرِيَ بِمُقَوَّمٍ فَبِقِيمَتِهِ. (تَتْمِيمٌ) قَالَ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْقَشْتَالِيُّ فِي وَثَائِقِهِ فَلَوْ وَقَعَ الْمَبِيعُ بِعَيْنٍ ثُمَّ دَفَعَ عَرَضًا أَوْ وَقَعَ بِغَرَضٍ ثُمَّ دَفَعَ عَيْنًا فَفِي ذَلِكَ

قَوْلَانِ قِيلَ يَأْخُذُ بِمَا نَقَدَ رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ أَحَبَّ إلَيَّ أَنْ لَا يَأْخُذَ إلَّا بِمَا وَقَعَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ اهـ هَذَا إنْ كَانَ الْعِوَضُ مَعْلُومًا فَإِنْ كَانَ مَجْهُولًا فَمِنْهُ مَا يَزُولُ جَهْلُهُ بِالتَّقْوِيمِ كَمَا لَوْ اشْتَرَى الشِّقْصَ الَّذِي فِيهِ الشُّفْعَةُ مَعَ مَا لَا شُفْعَةَ فِيهِ كَرُبُعِ دَارٍ وَعَبْدٍ اُشْتُرِيَا بِمِائَةٍ مَثَلًا فَلِلشَّفِيعِ أَخْذُ الرُّبُعِ بِمَا يَخُصُّهُ مِنْ الثَّمَنِ بَعْدَ فَضِّ الْمِائَةِ عَلَى رُبُعِ الدَّارِ وَالْعَبْدِ وَيَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ بَاقِي الصَّفْقَةِ وَهُوَ الْعَبْدُ هَكَذَا فِي الْمُدَوَّنَةِ. وَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ لِلْمُشْتَرِي مَقَالٌ بِسَبَبِ تَبْعِيضِ صَفْقَتِهِ لِأَنَّهُ دَخَلَ عَلَى ذَلِكَ وَكَذَلِكَ الشِّقْصُ الْمَدْفُوعُ فِي جُرْحِ الْخَطَأِ فَإِنَّ الشِّقْصَ يَشْفَعُ بِدِيَةِ ذَلِكَ الْجُرْحِ فَإِنْ كَانَ الَّذِينَ وَجَبَتْ عَلَيْهِمْ الدِّيَةُ مِنْ أَهْلِ الْإِبِلِ أَخَذَ الشَّفِيعُ الشِّقْصَ بِقِيمَةِ الْإِبِلِ وَإِنْ كَانُوا مِنْ أَهْلِ الذَّهَبِ فَالذَّهَبُ وَكَذَلِكَ إنْ كَانُوا أَهْلَ وَرِقٍ وَتُنَجَّمُ عَلَى الشَّفِيعِ نُجُومًا كَمَا تُنَجَّمُ عَلَى الْعَاقِلَةِ إنْ كَانَتْ كَامِلَةً فَفِي ثَلَاثِ سِنِينَ وَالثُّلُثَانِ فِي سَنَتَيْنِ وَكَذَلِكَ النِّصْفُ وَالثُّلُثُ فِي سَنَةٍ وَمِنْهُ مَا لَا يَزُولُ جَهْلُهُ كَالشِّقْصِ الْمَدْفُوعِ فِي صُلْحِ الْإِنْكَارِ أَوْ صُلْحِ دَمِ الْعَمْدِ أَوْ لِلزَّوْجَةِ فِي الصَّدَاقِ أَوْ لِلزَّوْجِ فِي الْخُلْعِ وَدَفَعَهُ الْعَبْدُ لِسَيِّدِهِ فِي عِتْقِهِ أَوْ قَاطَعَهُ بِهِ عَنْ كِتَابَتِهِ أَوْ دَفَعَهُ الْمُعَمِّرُ بِالْكَسْرِ لِلْمُعَمَّرِ بِالْفَتْحِ عِوَضًا عَمَّا جَعَلَ لَهُ مِنْ الْعُمْرَى فَإِنَّ الشِّقْصَ فِي هَذِهِ الْوُجُوهِ السَّبْعَةِ يُشْفَعُ بِقِيمَتِهِ لَا بِقِيمَةِ مَا دُفِعَ فِيهِ الشِّقْصُ إذْ لَا قِيمَةَ لَهُ. وَكَذَلِكَ إذَا اُسْتُحِقَّ هَذَا الشِّقْصُ الْمَدْفُوعُ فِي وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ السَّبْعَةِ وَأَخَذَهُ الْمُسْتَحِقُّ مِنْ يَدِ قَابِضِهِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِقِيمَتِهِ وَكَذَلِكَ إذَا وَجَدَ بِهِ عَيْبًا فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِقِيمَتِهِ سَالِمًا وَقَدْ نَظَمَ الشَّيْخُ ابْنُ غَازِيٍّ هَذِهِ النَّظَائِرَ السَّبْعَةَ فِي قَوْلِهِ صُلْحَانِ بُضْعَانِ وَعِتْقَانِ مَعًا ... عُمْرَى لِأَرْشِ عِوَضٍ بِهَا ارْجِعَا اهـ. وَلَمْ يُبَيِّنْ أَيْنَ يَكُونُ الرُّجُوعُ بِقِيمَةِ هَذَا الشِّقْصِ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا دُفِعَ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ السَّبْعِ وَذَلِكَ فِي ثَلَاثِ مَسَائِلَ وَهِيَ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ وَالِاسْتِحْقَاقِ وَالشُّفْعَةِ إنْ كَانَ الْمَدْفُوعُ مِمَّا يُشْفَعُ؛ فَلِذَلِكَ زِدْتُ بَعْدَ الْبَيْتِ الْمَذْكُورِ بَيْتًا آخَرَ فَقُلْتُ فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَالِاسْتِحْقَاقِ ... وَشُفْعَةٍ فَاعْلَمْ بِلَا شِقَاقِ وَلِهَذَا قَالَ الشَّيْخُ ابْنُ غَازِيٍّ إنَّ الْبَيْتَ مُشْتَمِلٌ عَلَى إحْدَى وَعِشْرِينَ مَسْأَلَةً مِنْ ضَرْبِ سَبْعَةٍ فِي ثَلَاثٍ وَإِلَى هَذِهِ النَّظَائِرِ السَّبْعِ أَشَارَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ بِقَوْلِهِ كَإِنْكَارٍ عَلَى الْأَرْجَحِ بَعْدَ قَوْلِهِ وَإِلَّا فَفِي عِوَضِهِ أَيْ إذَا اُسْتُحِقَّ الْمُصَالَحُ بِهِ عَلَى الْإِنْكَارِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِعِوَضِهِ أَيْ قِيمَتِهِ إنْ كَانَ مُقَوَّمًا أَوْ مِثْلِهِ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا ثُمَّ قَالَ وَفِي عَرَضٍ بِعَرَضٍ بِمَا خَرَجَ مِنْهُ أَوْ قِيمَتِهِ إلَّا نِكَاحًا وَخُلْعًا وَصُلْحَ عَمْدٍ وَمُقَاطَعًا بِهِ عَنْ عَبْدٍ أَوْ مُكَاتَبٍ أَوْ عُمْرَى فَقَوْلُهُ إلَّا نِكَاحًا إلَخْ أَيْ فَلَا يَرْجِعُ بِمَا خَرَجَ مِنْ يَدِهِ لِتَعَذُّرِهِ وَلَا بِقِيمَتِهِ إذْ لَا قِيمَةَ لَهُ بَلْ بِقِيمَةِ هَذَا الْعِوَضِ قَوْلُهُ وَالْمَنْعُ فِي التَّبَرُّعَاتِ مُفْتَرَضْ يَعْنِي أَنَّ الشِّقْصَ الْمَدْفُوعَ تَبَرُّعًا كَالصَّدَقَةِ وَالْهِبَةِ لَا شُفْعَةَ فِيهِ (قَالَ فِي الْمَقْصَدِ الْمَحْمُودِ) : وَلَا شُفْعَةَ فِي الصَّدَقَةِ وَالْهِبَةِ لِلَّهِ وَبِهِ

الْعَمَلُ اهـ. (فَرْعٌ) : وَكَذَا لَا شُفْعَةَ فِي الشِّقْصِ الْمَدْفُوعِ تَمَخِّيًا (قَالَ ابْنُ سَلْمُونٍ) فَإِنْ أَرَادَ أَبٌ أَوْ وَصِيٌّ أَنْ يَصِيرَ الْمَحْجُورُ بِهِمَا مِلْكًا فِي دَيْنٍ مَجْهُولٍ عَلَى جِهَةِ التَّمَخِّي مِمَّا اُسْتُهْلِكَ لَهُ أَوْ تَصَرَّفَ فِيهِ وَأَرَادَ التَّحَلُّلَ مِنْ ذَلِكَ فَذَلِكَ جَائِزٌ قَالَ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ وَاتَّفَقَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَسَحْنُونٌ عَلَى أَنْ لَا شُفْعَةَ فِي هَذَا التَّمَخِّي وَاخْتَلَفَا فِي التَّعْلِيلِ فَرَآهُ ابْنُ الْقَاسِمِ بَيْعًا جُهِلَ فِيهِ الثَّمَنُ فَلَا شُفْعَةَ فِيهِ وَلَا يَفْتَقِرُ إلَى حِيَازَةٍ وَرَآهُ سَحْنُونٌ صَدَقَةً فَلَا شُفْعَةَ فِيهِ وَهُوَ عِنْدَهُ يَفْتَقِرُ إلَى حِيَازَةٍ، قَالَ: وَقَوْلُ سَحْنُونٍ أَظْهَرُ عِنْدِي اهـ. (فَرْعٌ) وَكَذَا لَا شُفْعَةَ فِي النَّخْلَةِ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهِيَ مَا يُعْطِيهِ وَالِدُ الزَّوْجِ لِوَلَدِهِ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ أَوْ وَالِدُ الزَّوْجَةِ لِابْنَتِهِ كَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ النِّكَاحُ انْعَقَدَ عَلَيْهَا وَاخْتَلَفَ فِي ذَلِكَ الشُّيُوخُ وَهِيَ بِمَنْزِلَةِ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَلَا شُفْعَةَ فِيهِمَا قَالَهُ ابْنُ سَلْمُونٍ فِي النِّكَاحِ. (فَرْعٌ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ فِي الَّذِي قَالَ إنِّي أَخَافُ أَنْ يَكُونَ قَدْ بَاعَهُ فِي السِّرِّ وَأَعْطَاهُ ثَوَابًا لِيَقْطَعَ شُفْعَتِي وَأُرِيدُ أَنْ أُحَلِّفَ الْمُتَصَدَّقَ عَلَيْهِ فَقَالَ مَالِكٌ إنْ كَانَ رَجُلَ صِدْقٍ لَا يُتَّهَمُ عَلَى مِثْلِ هَذَا فَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ مُتَّهَمًا عَلَيْهِ حُلِّفَ. وَالْخُلْفُ فِي أَكْرِيَةِ الرِّبَاعِ ... وَالدُّورِ وَالْحُكْمُ بِالِامْتِنَاعِ يَعْنِي أَنَّهُ اُخْتُلِفَ فِي الشُّفْعَةِ فِي الْكِرَاءِ كَدَارٍ بَيْنَ رَجُلَيْنِ أَكْرَى أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ فَهَلْ لِشَرِيكِهِ أَنْ يَشْفَعَ ذَلِكَ الْكِرَاءَ لِأَنَّهُ بَيْعُ مَنْفَعَةٍ أَوْ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ فِيهِ خِلَافٌ. (قَالَ فِي الْمُفِيدِ) وَكَذَلِكَ اخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِي الْكِرَاءِ هَلْ فِيهِ شُفْعَةٌ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْهُ لَا شُفْعَةَ فِيهِ وَقَالَ أَشْهَبُ وَابْنُ نَافِعٍ وَابْنُ كِنَانَةَ فِيهِ الشُّفْعَةُ. (قَالَ ابْنُ فَتْحُونٍ) وَبِسُقُوطِ الشُّفْعَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَمُطَرِّفٌ وَبِهِ الْقَضَاءُ. (وَفِي الْمُدَوَّنَةِ) قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَإِنْ اكْتَرَى رَجُلَانِ دَارًا بَيْنَهُمَا فَلِأَحَدِهِمَا أَنْ يَكْرِيَ حِصَّتَهُ مِنْهَا قَالَ مَالِكٌ وَلَا شُفْعَةَ فِيهِ لِشَرِيكِهِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ اهـ. (تَنْبِيهٌ) : قَيَّدَ بَعْضُهُمْ الْخِلَافَ فِي الْكِرَاءِ بِمَا إذَا انْفَرَدَ عَنْ بَيْعِ الْأَصْلِ أَمَّا مَعَهُ فَلَا خِلَافَ فِي الشُّفْعَةِ كَمَنْ لَهُ شِقْصٌ فِي أَرْضٍ فَأَكْرَاهُ الْأَجْنَبِيَّ ثُمَّ بَاعَ الشِّقْصَ الْمُكْتَرَى فَإِنَّ لِشَرِيكِهِ الشُّفْعَةَ فِي بَيْعِ الشِّقْصِ وَفِي كِرَائِهِ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ اُنْظُرْ مَجَالِسَ الْمِكْنَاسِيِّ. وَلَيْسَ لِلشَّفِيعِ مِنْ تَأْخِيرِ ... فِي الْأَخْذِ أَوْ فِي التَّرْكِ فِي الْمَشْهُورِ يَعْنِي أَنَّهُ إذَا طَلَبَ الْمُشْتَرِي مِنْ الشَّفِيعِ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ أَوْ تَسْلِيمِهَا فَأَرَادَ الشَّفِيعُ أَنْ يُمْهِلَهُ لِلنَّظَرِ وَيَتَرَوَّى فَالْحُكْمُ أَنَّهُ لَا يُؤَخَّرُ فِي ذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ وَيُقَالُ لِلشَّفِيعِ إمَّا أَنْ تَأْخُذَ بِالشُّفْعَةِ وَتُحْضِرَ لِهَذَا الْمُشْتَرِي ثَمَنَهُ وَإِمَّا أَنْ تُسَلِّمَ لَهُ مُشْتَرَاهُ لِيَنْتَفِعَ بِهِ. (وَقَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ) وَلِلْمُبْتَاعِ إنْ أَرَادَ التَّخَلُّصَ

مِنْ أَمْرِ الشَّفِيعِ أَنْ يُلْزِمَهُ الْأَخْذَ أَوْ التَّرْكَ فَإِنْ شَاءَ أَنْ يُؤَخِّرَ لِيَنْظُرَ وَيَسْتَشِيرَ كَانَ فِيهِ قَوْلَانِ فَالْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْعَمَلُ وَانْعَقَدَتْ عَلَيْهِ الْأَحْكَامُ أَنَّهُ لَا يُؤَخَّرُ سَاعَةً وَاحِدَةً وَيُجْبِرُهُ السُّلْطَانُ عَلَى الْأَخْذِ أَوْ التَّرْكِ وَقَالَهُ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَنَحْوُهُ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ. وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ شُفْعَةٍ وَلَا ... هِبَتُهَا وَإِرْثُهَا لَنْ يَبْطُلَا يَعْنِي أَنَّ مَنْ وَجَبَتْ لَهُ شُفْعَةٌ لَا يَصِحُّ لَهُ بَيْعُهَا وَلَا هِبَتُهَا وَأَمَّا إرْثُهَا عَمَّنْ وَجَبَتْ لَهُ إذَا مَاتَ قَبْلَ الْأَخْذِ وَالتَّرْكِ فَإِنَّهُ صَحِيحٌ لِأَنَّ «مَنْ مَاتَ عَنْ حَقٍّ فَلِوَرَثَتِهِ» . (قَالَ فِي الْمُقَرَّبِ) قُلْت هَلْ تُورَثُ الشُّفْعَةُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ قَالَ نَعَمْ وَاعْلَمْ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ النَّاظِمُ مِنْ عَدَمِ صِحَّةِ بَيْعِ الشُّفْعَةِ أَوْ هِبَتِهَا هُوَ صَحِيحٌ فِي الْجُمْلَةِ لَكِنْ فِيهِ إجْمَالٌ لِأَنَّ بَيْعَ الشُّفْعَةِ أَوْ هِبَتَهَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ لِأَجْنَبِيٍّ أَوْ لِلْمُشْتَرِي وَفِي كُلٍّ مِنْ الْوَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ يَقَعَ الْبَيْعُ أَوْ الْهِبَةُ بَعْدَ بَيْعِ الشَّرِيكِ وَقَبْلَ الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ أَوْ بِعَدَمِ الْبَيْعِ وَالْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ فَالصُّوَرُ أَرْبَعٌ فَأَمَّا بَيْعُهَا أَوْ هِبَتُهَا لِأَجْنَبِيٍّ بَعْدَ وُجُوبِهَا وَقَبْلَ الْأَخْذِ فَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ لَا اخْتِلَافَ فِي أَنَّ الشَّفِيعَ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَبِيعَ شُفْعَتَهُ قَبْلَ الِاسْتِشْفَاعِ مِنْ غَيْرِ الْمُبْتَاعِ وَلَا أَنْ يَهَبَهَا لَهُ وَصُورَتُهَا أَنَّهُ إذَا بَاعَ شَرِيكُك وَجَبَتْ لَك الشُّفْعَةُ فَلَا يَجُوزُ لَك أَنْ تَبِيعَ مَا وَجَبَ لَك أَنْ تَهَبَهُ لِغَيْرِ الْمُشْتَرِي مِنْ شَرِيكِك وَالْفَرْضُ أَنَّك لَمْ تَأْخُذْ بِالشُّفْعَةِ بَعْدُ وَأَمَّا بَيْعُهَا إنْ وَهَبْتهَا لِأَجْنَبِيٍّ بَعْدَ أَنْ تَأْخُذَ بِالشُّفْعَةِ فَلَا يَجُوزُ أَيْضًا. (قَالَ فِي الْمُقَرَّبِ) قُلْت فَمَنْ أَتَى إلَى رَجُلٍ وَجَبَتْ لَهُ شُفْعَةٌ فَقَالَ لَهُ خُذْ بِشُفْعَتِك وَأَنَا أُرْبِحُكَ عِدَّةً سَمَّاهَا قَالَ لَا يَجُوزُ هَذَا وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ اهـ. وَصُورَتُهَا أَنْ يَبِيعَ شَرِيكُكَ شِقْصَهُ بِمِائَةٍ مَثَلًا وَوَجَبَتْ لَك شُفْعَتُهُ فَيَأْتِيك أَجْنَبِيٌّ يَقُولُ لَك خُذْ شُفْعَتَك بِالْمِائَةِ وَأَنَا أُعْطِيك فِي ذَلِكَ الشِّقْصِ مِائَةً وَخَمْسِينَ أَوْ يَقُولُ خُذْ بِشُفْعَتِك وَهَبْ لِي مَا شَفَعْتُ فَتَأْخُذُ بِالشُّفْعَةِ مِنْ يَدِ الْمُشْتَرِي بِالْمِائَةِ ثُمَّ تَهَبُ ذَلِكَ الشِّقْصَ أَوْ تَبِيعُهُ لَهُ بِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا مِنْ بَابِ بَيْعِ الشِّقْصِ الْمَشْفُوعِ أَوْ هِبَتِهِ بِقُرْبِ الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ وَلِلْمُشْتَرِي الْمَشْفُوعِ مِنْ يَدِهِ قِيَامٌ عَلَى الشَّفِيعِ إذَا بَاعَ بِالْقُرْبِ لَا سِيَّمَا وَالْبَيْعُ هُنَا مَدْخُولٌ عَلَيْهِ قَبْلَ الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ وَأَمَّا بَيْعُهَا أَوْ هِبَتُهَا مِنْ الْمُبْتَاعِ الَّذِي اشْتَرَى مِنْ شَرِيكِكَ بَعْدَ بَيْعِ الشَّرِيكِ وَقَبْلَ أَنْ تَأْخُذَ بِشُفْعَتِك فَهِيَ الَّتِي نَقَلَ الشَّارِحُ عَنْ طُرَرِ ابْنِ عَاتٍ أَنَّ ابْنَ رُشْدٍ سُئِلَ عَنْهَا وَهِيَ الشَّفِيعُ يَهَبُ شُفْعَتَهُ لِلْمُبْتَاعِ بَعْدَ الْبَيْعِ أَوْ بِبَيْعِهِ إيَّاهَا مِنْهُ. فَعَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِ ذَلِكَ وَهُوَ مَذْهَبُ أَصْبَغَ لَا يَكُونُ لِلشُّرَكَاءِ فِي الشُّفْعَةِ مَعَ الشَّفِيعِ إنْ كَانَ لَهُ شُرَكَاءُ إلَّا مَا وَجَبَ لَهُمْ مِنْ الشُّفْعَةِ اهـ لَفْظُهُ فِي هَذَا الْقَوْلِ وَمَعْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ عَلَى الْقَوْلِ بِالْجَوَازِ يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي مَا لِلشَّفِيعِ فَإِنْ لَمْ يُشَارِكْ الشَّفِيعَ أَحَدٌ فِي رُتْبَتِهِ اسْتَبَدَّ الْمُشْتَرِي بِمَا اشْتَرَى وَإِنْ شَارَكَهُ غَيْرُهُ كَانَ لِلْمُشْتَرِي مَا يَنُوبُ الشَّفِيعَ مِنْ الْمَشْفُوعِ وَلِشُرَكَائِهِ مَا يَنُوبُهُمْ مِنْهُ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ وَهُوَ مَعْنَى مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ وَالْأَظْهَرُ مَا فِي الْقَوْلَيْنِ وَاَلَّذِي أَقُولُ بِهِ يَرُدُّ الشَّفِيعُ عَلَى الْمُبْتَاعِ الْمَالَ الَّذِي أَخَذَهُ مِنْهُ عَلَى هِبَةِ الشُّفْعَةِ لَهُ إنْ كَانَ أُخِذَ مِنْهُ شَيْءٌ وَيَكُونُ أَحَقَّ بِشُفْعَتِهِ عَلَى إنْ شَاءَ أَخَذَهَا وَإِنْ شَاءَ سَلَّمَهَا فَإِنْ سَلَّمَهَا كَانَ لِإِشْرَاكِهِ فِيهَا وَإِنْ كَانَ لَهُ إشْرَاكٌ أَخَذَ الْجَمِيعَ بِالشُّفْعَةِ وَلَا اخْتِلَافَ فِي أَنَّ الشَّفِيعَ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَبِيعَ شُفْعَتَهُ قَبْلَ الِاسْتِشْفَاعِ مِنْ غَيْرِ الْمُبْتَاعِ وَلَا أَنْ يَهَبَهَا لَهُ اهـ. وَحَاصِلُ هَذَا الْقَوْلِ أَنَّ الْبَيْعَ أَوْ الْهِبَةَ يُفْسَخُ وَيَرُدُّ الشَّفِيعُ عَلَى الْمُبْتَاعِ مَا أَخَذَهُ مِنْهُ تَرْجِعُ الشُّفْعَةُ لِصَاحِبِهَا كَمَا كَانَتْ قَبْلَ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ فَيَكُونُ أَحَقَّ بِشُفْعَتِهِ إنْ شَاءَ أَخَذَهَا وَإِنْ شَاءَ سَلَّمَهَا فَإِنْ سَلَّمَهَا كَانَ لِإِشْرَاكِهِ فِيهَا أَخْذُ الْجَمِيعِ بِالشُّفْعَةِ إنْ كَانَ لَهُ إشْرَاكٌ فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ الْوَجْهَانِ الْأَوَّلَانِ مَمْنُوعَانِ وَفِي الثَّالِثِ قَوْلٌ بِالْجَوَازِ فَإِطْلَاقُ النَّاظِمِ الْمَنْعَ صَحِيحٌ وَأَمَّا الصُّورَةُ الرَّابِعَةُ وَهِيَ الْبَيْعُ أَوْ الْهِبَةُ لِلْمُشْتَرِي بَعْدَ الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ فَلَيْسَ مِنْ بَابِ بَيْعِ الشُّفْعَةِ وَلَا هِبَتِهَا وَإِنَّمَا هِيَ مِنْ بَابِ بَيْعِ الشِّقْصِ الْمَشْفُوعِ كَمَا فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ إلَّا أَنَّ الْبَيْعَ فِي تِلْكَ لِلْأَجْنَبِيِّ فَلِذَلِكَ قُلْنَا إنَّ لِلْمُشْتَرِي

فِي ذَلِكَ كَلَامًا وَأَمَّا فِي هَذِهِ فَالْبَيْعُ أَوْ الْهِبَةُ لِلْمُشْتَرِي فَلَا كَلَامَ. (قَالَ الشَّارِحُ) اعْتَمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فُتْيَا ابْنِ رُشْدٍ فِي مَنْعِ بَيْعِ الشُّفْعَةِ وَهِبَتِهَا مُطْلَقًا وَذَلِكَ ظَاهِرٌ إذَا كَانَ لِلشَّفِيعِ شُرَكَاءُ يُسَاوُونَهُ فِي الشُّفْعَةِ أَوْ هُوَ أَشْفَعُ مِنْهُمْ لِأَنَّهُ يُفَوِّتُ عَلَيْهِمْ حَقَّهُمْ وَأَمَّا حَيْثُ لَا يَكُونُ لَهُ شُرَكَاءُ وَوَهَبَ حَظَّهُ أَوْ بَاعَهُ فَلَمْ يَتَّضِحْ لِي وَجْهُ الْمَنْعِ كُلَّ الِاتِّضَاحِ لِأَنَّهُ حَقٌّ لَهُ مَلَكَهُ مِنْ أَجْلِ الضَّرَرِ الدَّاخِلِ عَلَيْهِ فَتَرَكَهُ عَلَى عِوَضٍ أَوْ دُونَهُ وَقَدْ نَصَّ فِي الْمُقَرَّبِ عَلَى جَوَازِ بَيْعِ الشُّفْعَةِ لِلْمُشْتَرِي وَلَفْظُهُ قُلْت فَمَنْ سَلَّمَ شُفْعَتَهُ بِمَالٍ أَخَذَهُ مِنْ الْمُشْتَرِي فَقَالَ قَالَ مَالِكٌ إنْ كَانَ بَعْدَ وُجُوبِ الشُّفْعَةِ فَذَلِكَ لَهُ وَإِنْ كَانَ قَبْلَ وُجُوبِهَا فَذَلِكَ بَاطِلٌ مَرْدُودٌ وَهُوَ عَلَى شُفْعَتِهِ يَأْخُذُهَا إنْ شَاءَ اهـ. (وَفِي الْمُقَدِّمَاتِ) وَتُورَثُ الشُّفْعَةُ فَيَتَنَزَّلُ الْوَارِثُ مَنْزِلَةَ الْمَوْرُوثِ فِي الْحَقِّ الَّذِي كَانَ لَهُ مِنْ الْأَخْذِ أَوْ التَّرْكِ سَوَاءٌ مَاتَ الْمَوْرُوثُ وَالشِّقْصُ الَّذِي يَسْتَشْفِعُ بِهِ بِيَدِهِ فَوَرِثَ عَنْهُ أَوْ مَاتَ بَعْدَ بَيْعِ الشِّقْصِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْبَيْعَ لَا يُسْقِطُ شُفْعَتَهُ لَا تُبَاعُ وَتُوهَبُ اهـ. وَحَيْثُمَا فِي ثَمَنِ الشِّقْصِ اخْتُلِفْ ... فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الْحَلِفْ إنْ كَانَ مَا ادَّعَاهُ لَيْسَ يَبْعُدْ ... وَقِيلَ مُطْلَقًا وَلَا يُعْتَمَدْ وَابْنُ حَبِيبٍ قَالَ بَلْ يُقَوَّمْ ... وَبِاخْتِيَارٍ لِلشَّفِيعِ يُحْكَمْ يَعْنِي أَنَّهُ إذَا اخْتَلَفَ الشَّفِيعُ وَالْمُشْتَرِي فِي ثَمَنِ الشِّقْصِ الْمَبِيعِ فَقَالَ الشَّفِيعُ بِثَمَانِينَ وَقَالَ الْمُشْتَرِي بِمِائَةٍ مَثَلًا فَثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ. (الْأَوَّلُ) أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُشْتَرِي مَعَ يَمِينِهِ لَكِنْ إذَا ادَّعَى مِنْ الثَّمَنِ مَا لَا يُبْعِدُهُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ وَإِلَى هَذَا الْقَوْلِ أَشَارَ الْمُؤَلِّفُ بِقَوْلِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي مَعَ الْحَلِفْ ... إنْ كَانَ مَا ادَّعَاهُ لَيْسَ يَبْعُدْ (الْقَوْلُ الثَّانِي) أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُشْتَرِي مُطْلَقًا أَتَى بِمَا يَبْعُدُ أَوْ بِمَا يُشْبِهُ وَهُوَ قَوْلُ مُطَرِّفٍ لَكِنَّ هَذَا الْقَوْلَ غَيْرُ مُعْتَمَدٍ عِنْدَ أَهْلِ الْأَحْكَامِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ النَّاظِمُ بِقَوْلِهِ وَقِيلَ مُطْلَقًا وَلَا يُعْتَمَدْ (الْقَوْلُ الثَّالِثُ) لِابْنِ حَبِيبٍ يُقَوَّمُ الشِّقْصُ قِيمَةَ عَدْلٍ وَيُخَيَّرُ الشَّفِيعُ بَيْنَ أَنْ يَشْفَعَ بِتِلْكَ الْقِيمَةِ أَوْ يَتْرُكَ إلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ وَابْنُ حَبِيبٍ قَالَ بَلْ يُقَوَّمْ الْبَيْتَ وَحَكَى غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ابْنُ هِشَامٍ فِي مُفِيدِهِ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ مِثْلَ قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ. وَمَنْ لَهُ الشُّفْعَةُ مَهْمَا يَدَّعِي ... بَيْعًا لِشِقْصٍ حِيزَ بِالتَّبَرُّعِ فَمَا ادَّعَاهُ فَعَلَيْهِ الْبَيِّنَهْ ... وَخَصْمُهُ يَمِينُهُ مُعَيِّنَهْ يَعْنِي أَنَّهُ إذَا تَنَازَعَ الشَّفِيعُ وَمَنْ صَارَ لَهُ الشِّقْصُ الْآنَ فَادَّعَى الشَّفِيعُ أَنَّ الشِّقْصَ إنَّمَا حِيزَ بِالْبَيْعِ لِتَكُونَ لَهُ شُفْعَتُهُ وَادَّعَى حَائِزُهُ أَنَّهُ إنَّمَا حَازَهُ بِالتَّبَرُّعِ بِأَنْ وُهِبَ لَهُ أَوْ تُصُدِّقَ بِهِ عَلَيْهِ فَلَا يُشْفَعُ مِنْ يَدِهِ فَعَلَى الشَّفِيعِ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ حِيزَ بِمُعَاوَضَةٍ فَإِذَا أَثْبَتَ ذَلِكَ كَانَتْ لَهُ شُفْعَتُهُ وَإِنْ لَمْ يُثْبِتْ ذَلِكَ فَعَلَى الْحَائِزِ الْيَمِينُ أَنَّهُ إنَّمَا صَارَ لَهُ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَتَسْقُطُ شُفْعَةُ الشَّرِيكِ وَوَجْهُ ذَلِكَ هُوَ كَوْنُ الشَّفِيعِ مُدَّعِيًا فَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ كَوْنُهُ يَدَّعِي مَا يُوجِبُ لَهُ حَقًّا قَبْلَ خَصْمِهِ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ فَفِي الْمُقَرَّبِ سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ تَصَدَّقَ عَلَى رَجُلٍ بِشِقْصٍ لَهُ فِي دَارٍ فَقَالَ الشَّفِيعُ لَهُ أَخَافُ أَنْ يَكُونَ قَدْ بَاعَهُ فِي السِّرِّ وَأَعْطَاهُ ثَوَابًا وَأَشْهَدَ لَهُ بِالصَّدَقَةِ لِيَقْطَعَ شُفْعَتِي وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أُحَلِّفَ الْمُتَصَدَّقَ عَلَيْهِ فَقَالَ: إنْ كَانَ رَجُلَ صِدْقٍ لَا يُتَّهَمُ عَلَى مِثْلِ هَذَا فَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ مِنْهُمَا حُلِّفَ وَنَحْوُهُ فِي الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ. (وَفِي طُرَرِ ابْنِ عَاتٍ) أَفْتَى فِيهَا أَبُو إبْرَاهِيمَ إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بِالْيَمَنِ دُونَ نَظَرٍ إلَى حَالِهِ وَقَالَ

إنَّهُ جَرَى الْعَمَلُ عِنْدَهُمْ بِهَا قَالَ الشَّارِحُ وَهِيَ مِثْلُ مَسْأَلَةِ الثُّنْيَا عَلَى الطَّوْعِ إذَا ادَّعَى أَحَدُهُمَا الرَّهْنَ فِي ذَلِكَ وَكَذَّبَهُ الْآخَرُ فَمُدَّعِي الرَّهْنِ مُدَّعٍ وَمُدَّعِي الثُّنْيَا مُدَّعًى عَلَيْهِ يُحَلَّفُ إنْ لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ لِمُدَّعِي الرَّهْنِيَّةِ وَاعْتَمَدَ النَّاظِمُ فُتْيَا الشَّيْخِ أَبِي إبْرَاهِيمَ بِوُجُوبِ الْيَمِينِ عَلَى الْمُتَّهَمِ وَغَيْرِهِ لِإِطْلَاقِهِ فِيهَا وَذَلِكَ لِجَرَيَانِ الْعَمَلِ بِهَا دُونَ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ مِنْ التَّفْصِيلِ بَيْنَ الْمُتَّهَمِ وَغَيْرِهِ. (تَنْبِيهٌ) قَالَ فِي أَوَائِلِ نَوَازِلِ الدَّعَاوَى وَالْأَيْمَانِ مِنْ الْمِعْيَارِ إثْرَ قَوْلِهِ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي سُئِلَ عَنْهَا مَالِكٌ الْمَنْقُولَةِ قَرِيبًا عَنْ الْمُقَرَّبِ وَإِنْ كَانَ مُتَّهَمًا حُلِّفَ مَا نَصُّهُ قَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ فِيهِ: حُجَّةُ مُرَاعَاةِ الشُّبْهَةِ فِي الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَأَنَّ مَنْ ادَّعَى عَلَيْهِ بِدَعْوَى مَا لَا يُشْبِهُ وَلَا تَلِيقُ بِهِ وَلَا جَرَتْ عَادَتُهُ بِهِ أَنَّهُ لَا يَمِينَ عَلَيْهِ قَالَ وَرَأَيْت بِخَطِّ أَبِي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ يَحْيَى بْنَ تَمَّامٍ الْفَقِيهَ السَّبْتِيَّ اشْتَرَى حِصَّةً مِنْ حَمَّامٍ كَانَ لِرَجُلٍ يُعْرَفُ بِابْنِ اللَّوْنَكَةِ فِيهِ حِصَّةٌ فَخَافَ ابْنُ تَمَّامٍ أَنْ يَشْفَعَ عَلَيْهِ فَأَشْهَدَ لَهُ الْبَائِعَ بِالصَّدَقَةِ فَقَامَ ابْنُ اللَّوْنَكَةِ بِشُفْعَتِهِ فَدَافَعَهُ الْفَقِيهُ ابْنُ تَمَّامٍ بِالصَّدَقَةِ وَرَفَعَهُ إلَى قَاضِي سَبْتَةَ الْقُبَاعِيِّ فَأَفْتَى وَالْفُقَهَاءُ مَعَهُ بِأَنْ لَا شُفْعَةَ فِي الصَّدَقَةِ فَرَفَعَ ابْنُ اللَّوْنَكَةِ أَمْرَهُ إلَى الْحَضْرَةِ بِقُرْطُبَةَ وَكَتَبَ إلَى ابْنِ الْمُكْرِي بِصُورَةِ الْمَسْأَلَةِ فَكَتَبَ بِخَطِّهِ فِي أَسْفَلِهَا هَذِهِ مِنْ حِيَلِ الْفُجَّارِ وَرَأَى الشُّفْعَةَ وَاجِبَةً فَنَفَّذَ فُتْيَاهُ وَأَخَذَ الشَّفِيعُ شُفْعَتَهُ اهـ وَمَا أَجَابَ بِهِ ابْنُ الْمُكْرِي مِنْ وُجُوبِ الشُّفْعَةِ هُوَ الظَّاهِرُ أَوْ الْمُتَعَيَّنُ لَا سِيَّمَا حَيْثُ تَحُفُّ بِذَلِكَ قَرَائِنُ الْعِوَضِ وَيَبْعُدُ فِيهِ التَّبَرُّعُ وَهُوَ غَالِبُ صُوَرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. وَالشِّقْصُ لِاثْنَيْنِ فَأَعْلَى مُشْتَرًى ... يُمْنَعُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ مَا يَرَى إنْ كَانَ مَا اشْتَرَى صَفْقَةً وَمَا ... فِي صَفَقَاتٍ مَا يَشَاءُ الْتَزَمَا الشِّقْصُ الْجُزْءُ يَعْنِي أَنَّ مَنْ بَاعَ شِقْصًا لِرَجُلَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ أَوْ أَكْثَرَ فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ فَأَرَادَ مَنْ لَهُ الشُّفْعَةُ أَنْ يَشْفَعَ مَا بِيَدِ بَعْضِ الْمُشْتَرِينَ لِعَدَمِ رِضَاهُ بِشَرِكَتِهِ دُونَ بَعْضٍ لِرِضَاهُ بِشَرِكَتِهِ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّمَا لَهُ أَخْذُ جَمِيعِ الشِّقْصِ بِالشُّفْعَةِ أَوْ تَرْكُهُ لِمَنْ اشْتَرَاهُ. (قَالَ الشَّارِحُ) وَفِي أُصُولِ الْفُتْيَا قَالَ ابْنُ الْحَارِثِ وَإِذَا كَانَ الشَّفِيعُ رَجُلًا وَاحِدًا وَالْمُشْتَرِيَانِ رَجُلَانِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ حِصَّةَ أَحَدِهِمَا وَيَدَعَ الْأُخْرَى اهـ يَعْنِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إلَّا إذَا تَرَاضَى عَلَى ذَلِكَ الشَّفِيعُ وَالْمُشْتَرِيَانِ فَلَهُمْ ذَلِكَ كَمَا يَأْتِي وَإِذَا لَمْ يَجُزْ لِلشَّفِيعِ أَخْذُ مَا اشْتَرَاهُ أَحَدُ الْمُشْتَرِيَيْنِ فَأَوْلَى وَأَحْرَى أَنْ لَيْسَ لَهُ أَخْذُ بَعْضِ مَا اشْتَرَاهُ الْوَاحِدُ كَأَنْ يَشْتَرِيَ رُبُعًا فَيُرِيدَ الشَّفِيعُ أَنْ يَشْفَعَ الثُّمُنَ فَقَطْ وَأَمَّا إنْ كَانَ شِرَاءُ الِاثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ فِي صَفَقَاتٍ فَلِلشَّفِيعِ أَخْذُ مَا شَاءَ وَتَرْكُ مَا شَاءَ وَإِلَى هَذَا أَشَارَ النَّاظِمُ بِالْبَيْتَيْنِ فَالشِّقْصُ مُبْتَدَأٌ وَمُشْتَرًى صِفَةٌ لَهُ وَلِاثْنَيْنِ يَتَعَلَّقُ بِمُشْتَرًى وَأَعْلَى مَعْطُوفٌ عَلَى الِاثْنَيْنِ وَجُمْلَةُ يُمْنَعُ خَبَرُ " الشِّقْصُ " وَ " إنْ كَانَ " شَرْطٌ فِي قَوْلِهِ يُمْنَعُ إلَخْ وَ " مَا اشْتَرَى " اسْمُ " كَانَ " عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ كَانَ شِرَاءُ مَا اشْتَرَى صَفْقَةً وَ " مَا فِي صَفَقَاتٍ " مُبْتَدَأٌ وَفِي صَفَقَاتٍ يَتَعَلَّقُ بِفِعْلٍ وَاجِبِ الْإِضْمَارِ لِأَنَّهُ صِلَةُ مَا رَأَى وَمَا اشْتَرَى فِي صَفَقَاتٍ وَجُمْلَةُ الْتَزَمَ خَبَرُ مَا وَمَا يَشَاءُ مَفْعُولُ " الْتَزَمَ " وَالْعَائِدُ مَحْذُوفٌ أَيْ الْتَزَمَ مَا يَشَاءُ مِنْهَا. وَيَدْخُلُ فِي مَنْطُوقِ كَلَامِ النَّاظِمِ صُورَتَانِ لِأَنَّ شِرَاءَ الِاثْنَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ إمَّا مِنْ وَاحِدٍ وَهِيَ الصُّورَةُ الَّتِي شَرَحْنَا بِهَا كَلَامَ النَّاظِمِ وَإِمَّا مِنْ مُتَعَدِّدٍ وَهِيَ الصُّورَةُ الَّتِي نَقَلَ الشَّارِحُ عَنْ الْمُقَرَّبِ وَلَفْظُهُ فَفِي الْمُقَرَّبِ قُلْت: فَإِنْ اشْتَرَى ثَلَاثَةُ رِجَالٍ مِنْ ثَلَاثَةِ رِجَالٍ دَارًا أَوْ أَرْضًا وَنَخْلًا وَشَفِيعُ ذَلِكَ كُلِّهِ رَجُلٌ وَاحِدٌ فَقَالَ أَنَا آخُذُ حَظَّ أَحَدِهِمَا وَأُسَلِّمُ حَظَّ الِاثْنَيْنِ فَقَالَ لَيْسَ لَهُ إلَّا أَنْ يَأْخُذَ الْجَمِيعَ أَوْ يَتْرُكَ وَيَدْخُلُ فِي كَلَامِهِ مِنْ بَابٍ أُخْرَى صُورَةٌ ثَالِثَةٌ وَهِيَ مَا إذَا اشْتَرَى وَاحِدٌ مِنْ ثَلَاثَةٍ مَثَلًا فِي صَفْقَةٍ ثَلَاثَةَ أَشْقَاصٍ عَكْسُ الصُّورَةِ الْأُولَى فَلَيْسَ لِلشَّفِيعِ أَيْضًا أَخْذُ بَعْضِ مَا اشْتَرَاهُ ذَلِكَ الْوَاحِدُ دُونَ بَعْضٍ (قَالَ فِي الْمُقَرَّبِ أَيْضًا) قُلْت لَهُ فَمَنْ اشْتَرَى حُظُوظَ ثَلَاثَةِ رِجَالٍ مِنْ دَارٍ مُشْتَرَكَةٍ صَفْقَةً وَاحِدَةً فَقَالَ شَفِيعُهَا: أَنَا آخُذُ حَظَّ رَجُلٍ مِنْهُمْ وَأُسَلِّمُ حَظَّ الِاثْنَيْنِ مِنْهُمْ فَقَالَ مَالِكٌ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ بَعْضَ ذَلِكَ دُونَ بَعْضٍ (تَنْبِيهَانِ: الْأَوَّلُ) مَا تَقَدَّمَ مِنْ عَدَمِ التَّبْعِيضِ فِيمَا اُشْتُرِيَ صَفْقَةً

وَاحِدَةً إنَّمَا هُوَ إذَا امْتَنَعَ الْمُشْتَرِي مِنْ ذَلِكَ (قَالَ الْجَزِيرِيُّ: فِي الْمَقْصِدِ الْمَحْمُودِ) وَلَيْسَ لِلشَّفِيعِ تَبْعِيضُ مُشَفَّعَةٍ إلَّا بِرِضَا الْمُبْتَاعِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْبَيْعُ فِي صَفَقَاتٍ فَيَأْخُذَ مِنْهَا مَا شَاءَ. (الثَّانِي) تَقَدَّمَ أَنَّ مَا اُشْتُرِيَ فِي صَفَقَاتٍ فَلِلشَّفِيعِ أَخْذُ مَا شَاءَ (قَالَ فِي الْمُقَرَّبِ) فِي مَسْأَلَةِ حُظُوظِ ثَلَاثَةِ رِجَالٍ مَا نَصُّهُ: فَإِنْ كَانَ إنَّمَا اشْتَرَى مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ حَظَّهُ عَلَى حِدَتِهِ فِي صَفْقَةٍ فَقَالَ الشَّفِيعُ: أَنَا آخُذُ حَظَّ وَاحِدٍ وَأَدَعُ غَيْرَهُ قَالَ مَالِكٌ ذَلِكَ لَهُ فَإِنْ أَخَذَ حَظَّ الْأَوَّلِ فَلَا شُفْعَةَ لِلْمُشْتَرِي مَعَهُ فِي ذَلِكَ لِأَنَّ صَفْقَتَيْهِ الْبَاقِيَتَيْنِ وَقَعَتَا بَعْدَ الصَّفْقَةِ الْأُولَى وَإِنْ أَخَذَ الصَّفْقَةَ الثَّانِيَةَ كَانَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَشْفَعَ مَعَهُ فِيهَا بِقَدْرِ الصَّفْقَةِ الْأُولَى وَإِنْ أَخَذَ الْأَخِيرَةَ كَانَ الْمُشْتَرِي شَفِيعًا مَعَهُ بِالصَّفْقَتَيْنِ الْأُولَتَيْنِ. وَالشُّرَكَاءُ لِلشَّفِيعِ وَجَبَا ... أَنْ يَشْفَعُوا مَعَهُ بِقَدْرِ الْأَنْصِبَا يَعْنِي إذَا وَجَبَتْ الشُّفْعَةُ لِاثْنَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ فَشَفَعَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ فَإِنَّ لِبَقِيَّةِ شُرَكَائِهِ أَنْ يَدْخُلُوا مَعَهُ فِيمَا شَفَعَ بِقَدْرِ أَنْصِبَائِهِمْ فَمَنْ كَانَ لَهُ رُبُعُ مَا شَفَعَ فِيهِ وَمَنْ كَانَ لَهُ أَقَلُّ أَوْ أَكْثَرُ فَعَلَى نِسْبَةِ ذَلِكَ قَالَ الشَّارِحُ وَلِذَلِكَ كَانَ أَهْلُ السَّهْمِ الْوَاحِدِ فِي الْمِيرَاثِ أَحَقَّ بِالشُّفْعَةِ فِيهِ مِمَّنْ عَدَاهُمْ مِنْ أَهْلِ السِّهَامِ كَالزَّوْجَاتِ إذَا وَرِثْنَ الرُّبُعَ أَوْ الثُّمُنَ فَبَاعَتْهُ إحْدَاهُنَّ فَإِنَّ مَنْ لَمْ تَبِعْ مِنْهُنَّ أَحَقُّ بِالشُّفْعَةِ فِي ذَلِكَ الشِّقْصِ مِنْ غَيْرِهِمَا مِنْ أَهْلِ الْمِيرَاثِ. (قَالَ فِي الْمُقَرَّبِ) قَالَ مَالِكٌ: وَالشُّفْعَةُ إنَّمَا تَكُونُ عَلَى قَدْرِ الْأَنْصِبَاءِ لَا عَلَى عَدَدِ الرِّجَالِ اهـ. (وَفِي الْمُدَوَّنَةِ) قَالَ مَالِكٌ الْقَضَاءُ إذَا وَجَبَتْ الشُّفْعَةُ لِلشُّرَكَاءِ قُسِمَتْ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ أَنْصِبَائِهِمْ لَا عَلَى عَدَدِهِمْ قَالَ أَشْهَبُ لِأَنَّ الشُّفْعَةَ إنَّمَا وَجَبَتْ بِشَرِكَتِهِمْ لَا بِعَدَدِهِمْ فَيَجِبُ تَفَاضُلُهُمْ فِيمَا يَتَفَاضَلُ فِيهِ أَهْلُ الشَّرِكَةِ اهـ وَهَذَا إذَا كَانَ الْمُشْتَرِي أَجْنَبِيًّا غَيْرَ شَرِيكٍ فَإِذَا شَفَعَ وَاحِدٌ مِنْ يَدِهِ شَارَكَهُ فِي الشُّفْعَةِ بَقِيَّةُ شُرَكَائِهِ فَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي أَحَدَ الشُّرَكَاءِ وَأَرَادَ شُرَكَاؤُهُ مُشَارَكَتَهُ فِيمَا اشْتَرَى فَإِنَّ لَهُ مِنْهُ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ. (قَالَ فِي الْمُقَرَّبِ) قَالَ مَالِكٌ: إنْ كَانَ لِلْمُبْتَاعِ مِنْهُ سَهْمٌ مُتَقَدِّمٌ حَاصَّهُمْ بِهِ فَقَطْ. وَمَا بِعَيْبٍ حُطَّ بِالْإِطْلَاقِ ... عَنْ الشَّفِيعِ حُطَّ بِاتِّفَاقِ يَعْنِي أَنَّهُ إذَا رَجَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ بِعَيْبٍ فَحَطَّ عَنْهُ بَعْضَ الثَّمَنِ فِي مُقَابَلَةِ الْعَيْبِ فَإِنَّ ذَلِكَ يُحَطُّ عَنْ الشَّفِيعِ فَيَشْفَعُ بِمَا بَقِيَ مِنْ الثَّمَنِ بَعْدَ الْحَطِّ وَالْإِطْلَاقُ رَاجِعٌ لِلْعَيْبِ فَيَدْخُلُ فِيهِ عَيْبُ قِيمَةٍ وَهُوَ الَّذِي لَا يُرَدُّ مَعَهُ وَالْعَيْبُ الْمُوجِبُ لِلرَّدِّ إذَا صَالَحَهُ عَلَى حَطِّ بَعْضِ الثَّمَنِ أَوْ حَدَثَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي عَيْبٌ يَمْنَعُ الرَّدَّ فَأَخَذَ أَرْشَ الْعَيْبِ الْقَدِيمِ فَإِنَّ ذَلِكَ يُحَطُّ عَنْ الشَّفِيعِ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا. (قَالَ ابْنُ شَاسٍ) وَلَوْ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ قَبْلَ أَخْذِ الشَّفِيعِ إلَّا أَنَّهُ حَدَثَ عِنْدَهُ عَيْبٌ يَمْنَعُ مِنْ الرَّدِّ فَأَخَذَ أَرْشَهُ

فَذَلِكَ الْأَرْشُ مَحْطُوطٌ عَنْ الشَّفِيعِ قَوْلًا وَاحِدًا اهـ وَهَذَا كَمَا قَالَ إذَا اطَّلَعَ عَلَى الْعَيْبِ قَبْلَ أَخْذِ الشَّفِيعِ وَأَمَّا لَوْ اطَّلَعَ عَلَيْهِ بَعْدَهُ فَقَالَ ابْنُ شَاسٍ أَيْضًا لَوْ وَجَدَ الْمُشْتَرِي بِالشِّقْصِ عَيْبًا بَعْدَ أَخْذِهِ الشَّفِيعَ لَمْ يَكُنْ لَهُ طَلَبُ أَرْشٍ فَإِنْ رَدَّ الشَّفِيعُ عَلَيْهِ رَدَّ هُوَ حِينَئِذٍ عَلَى الْبَائِعِ اهـ فَمَا مَوْصُولَةٌ مُبْتَدَأٌ وَاقِعٌ عَلَى الْمَحْطُوطِ مِنْ الثَّمَنِ وَحُطَّ صِلَتُهَا وَنَائِبُهُ يَعُودُ عَلَى مَا وَمُتَعَلِّقُ حُطَّ مَحْذُوفٌ أَيْ عَنْ الْمُشْتَرِي وَبِعَيْبٍ يَتَعَلَّقُ بِحُطَّ وَبَاؤُهُ سَبَبِيَّةٌ حَالَةَ كَوْنِ الْعَيْبِ مُطْلَقًا عَيْبَ قِيمَةٍ أَوْ رَدٍّ كَمَا تَقَدَّمَ وَجُمْلَةُ حُطَّ عَنْ الشَّفِيعِ خَبَرُ مَا فَعَنْ الشَّفِيعِ يَتَعَلَّقُ بِحُطَّ الثَّانِي. وَلَا يُحِيلُ مُشْتَرٍ لِبَائِعْ ... عَلَى الشَّفِيعِ لِاقْتِضَاءِ مَانِعْ وَلَيْسَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَضْمَنَ عَنْ ... مُسْتَشْفِعٍ لِمُشْتَرٍ مِنْهُ الثَّمَنْ ذَكَرَ هُنَا مَسْأَلَتَيْنِ: (الْأُولَى) : أَنَّ مَنْ بَاعَ شِقْصًا بِثَمَنٍ إلَى أَجَلٍ فَقَامَ الشَّرِيكُ وَشَفَعَهُ إلَى ذَلِكَ الْأَجَلِ فَلَا يَجُوزُ لِلْمُشْتَرِي الَّذِي الثَّمَنُ فِي ذِمَّتِهِ إلَى الْأَجَلِ أَنْ يُحِيلَ الْبَائِعَ عَلَى الشَّفِيعِ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ الْحَوَالَةِ حُلُولَ الدِّينِ الْمُحَالِ بِهِ وَالْمُحَالُ بِهِ فِي مَسْأَلَتِنَا - وَهُوَ الثَّمَنُ الَّذِي فِي ذِمَّةِ الْمُشْتَرِي - غَيْرَ حَالٍّ فَيُقَيَّدُ الْمَنْعُ الَّذِي ذُكِرَ فِي الْبَيْتِ الْأَوَّلِ بِصِيغَةِ النَّفْيِ بِمَا إذَا كَانَ الْبَيْعُ لِأَجَلٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ. (قَالَ ابْنُ سَلْمُونٍ) وَإِذَا وَقَعَ الْبَيْعُ بِالنَّقْدِ لَزِمَ الشَّفِيعَ دَفْعُ الثَّمَنِ نَقْدًا أَوْ يُؤَجَّلُ الثَّلَاثَةَ الْأَيَّامَ كَمَا تَقَدَّمَ وَإِنْ كَانَ إلَى أَجَلٍ فَإِنَّهُ يَبْقَى عَلَى الشَّفِيعِ إلَى ذَلِكَ الْأَجَلِ فَإِنْ كَانَ الشَّفِيعُ مُعْدَمًا فَعَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِضَامِنٍ مَلِيٍّ أَوْ يُعَجِّلَهُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُحِيلَ الْبَائِعَ بِهِ عَلَى الشَّفِيعِ لِأَنَّهُ دَيْنٌ بِدَيْنٍ اهـ وَالشَّاهِدُ هُوَ قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُحِيلَ إلَخْ وَفَاعِلُ " يُحِيلَ " فِي كَلَامِ ابْنِ سَلْمُونٍ لِلْمُشْتَرِي وَضَمِيرُ بِهِ لِلثَّمَنِ وَلِقَوْلِهِ لِأَنَّهُ دَيْنٌ بِدَيْنٍ أَشَارَ النَّاظِمُ بِقَوْلِهِ " لِاقْتِضَاءِ مَانِعْ " وَإِلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَشَارَ بِالْبَيْتِ الْأَوَّلِ. (الثَّانِيَةُ) : قَالَ فِيهَا ابْنُ سَلْمُونٍ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي مَسَائِلِهِ لَا يَجُوزُ لِلَّذِي بَاعَ شِقْصًا بِثَمَنٍ إلَى أَجَلٍ أَنْ يَتَحَمَّلَ بِالثَّمَنِ لِلْمُشْتَرِي عَنْ الشَّفِيعِ إلَى الْأَجَلِ لِأَنَّ لَهُ فِي ذَلِكَ مَنْفَعَةً إذْ لَعَلَّ الشِّقْصَ لَا يُسَاوِي الثَّمَنَ فَإِنْ لَمْ يَشْفَعْ الشَّفِيعُ لَمْ يَجِدْ هُوَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَفَاءً بِثَمَنِهِ عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ وَالْحَمَالَةُ مَعْرُوفٌ كَالْقَرْضِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَ عَلَيْهَا عِوَضًا وَلَا يَجُرَّ بِهَا نَفْعًا اهـ. (وَفِي الْمُقَرَّبِ) قُلْت فَلَوْ أَنَّ الْبَائِعَ قَالَ لِلْمُشْتَرِي أَنَا أَرْضَى أَنْ يَكُونَ مَا لِي عَلَى هَذَا الشَّفِيعِ إلَى الْأَجَلِ؛ فَقَالَ: لَا يَجُوزُ عِنْدَ مَالِكٍ لِأَنَّ الْحَقَّ وَجَبَ لِلْبَائِعِ عَلَى الْمُشْتَرِي فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَفْسَخَهُ فِي دَيْنٍ فَيَكُونُ دَيْنًا بِدَيْنٍ اهـ وَإِلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَشَارَ بِالْبَيْتِ الثَّانِي فَالْمَنْعُ مُقَيَّدٌ أَيْضًا بِكَوْنِ الْبَيْعِ إلَى أَجَلٍ وَ " الثَّمَنْ " مَفْعُولُ " يَضْمَنَ " وَ " عَنْ مُسْتَشْفِعٍ وَلِمُشْتَرٍ " يَتَعَلَّقَانِ بِ يَضْمَنَ وَمِنْهُ يَتَعَلَّقُ بِمُشْتَرٍ وَالضَّمِيرُ لِلْبَائِعِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

وَيَلْزَمُ الشَّفِيعَ حَالُ مَا اُشْتُرِيَ ... مِنْ جِنْسٍ أَوْ حُلُولٍ أَوْ تَأَخُّرِ وَحَيْثُمَا الشَّفِيعُ لَيْسَ بِالْمَلِيِّ ... قِيلَ لَهُ سُقْ ضَامِنًا أَوْ عَجِّلْ يَعْنِي أَنَّ الشَّفِيعَ يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الْمُشْتَرِي وَيَلْزَمُهُ مَا لَزِمَهُ مِنْ جِنْسِ الثَّمَنِ يَعْنِي أَوْ مَا يَتَنَزَّلُ مَنْزِلَتَهُ مِنْ الْقِيمَةِ فِي الْمُقَوَّمِ وَمَنْ حُلُولِهِ وَتَأْجِيلِهِ فَإِذَا اشْتَرَى بِعَيْنٍ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً لَزِمَ الشَّفِيعَ مِثْلُهُ ذَلِكَ وَإِذَا اشْتَرَى بِمِثْلِيٍّ لَزِمَهُ مِثْلُهُ أَوْ بِمُقَوَّمٍ كَثِيَابٍ لَزِمَتْهُ قِيمَتُهُ وَإِذَا اشْتَرَى بِثَمَنٍ حَالٍّ لَزِمَ الشَّفِيعَ الثَّمَنُ حَالًّا وَإِذَا اشْتَرَى بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ لَزِمَ الشَّفِيعَ ذَلِكَ الثَّمَنُ إلَى ذَلِكَ الْأَجَلِ الْمَضْرُوبِ وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِالْبَيْتِ الْأَوَّلِ فَقَوْلُهُ " مَا اُشْتُرِيَ ": " مَا " وَاقِعَةٌ عَلَى الثَّمَنِ وَقَوْلُهُ حَالُ أَيْ صِفَةُ الثَّمَنِ الَّذِي اُشْتُرِيَ الشِّقْصُ بِهِ ثُمَّ فَسَّرَ " حَالُ مَا اُشْتُرِيَ " فَقَالَ: مِنْ جِنْسِ إلَخْ، وَهُوَ أَيْ تَأْخِيرُ الثَّمَنِ عَنْ الشَّفِيعِ لِلْأَجَلِ الْمَضْرُوبِ مَحَلُّهُ إذَا كَانَ الشَّفِيعُ مَلِيًّا وَأَمَّا إنْ كَانَ غَيْرَ مَلِيٍّ يَلْزَمُهُ ضَامِنٌ بِالْمَالِ يَعْنِي أَوْ رَهْنٌ يُسَاوِي قِيمَةَ الشِّقْصِ أَوْ أَكْثَرَ وَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِذَلِكَ لَزِمَهُ تَعْجِيلُ الثَّمَنِ وَإِلَّا فَلَا شُفْعَةَ لَهُ. (قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ) مَا اُشْتُرِيَ بِعَيْنٍ أَوْ مِثْلِيٍّ فَالشُّفْعَةُ فِيهِ بِمِثْلِ ثَمَنِهِ وَمَا اُشْتُرِيَ بِمُقَوَّمٍ فَبِقِيمَتِهِ. (وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ أَيْضًا) مَا اُشْتُرِيَ بِعَيْنٍ شُفِعَ فِيهِ بِقِيمَتِهِ وَمَا اُشْتُرِيَ بِعِوَضٍ فَإِنَّمَا يُنْظَرُ إلَى قِيمَتِهِ يَوْمَ الصَّفْقَةِ. (وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ أَيْضًا) قَالَ مَالِكٌ وَمَنْ ابْتَاعَ شِقْصًا بِثَمَنٍ إلَى أَجَلٍ فَلِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَهُ بِالثَّمَنِ إلَى ذَلِكَ الْأَجَلِ إنْ كَانَ مَلِيًّا أَوْ يَأْتِيَ بِضَامِنٍ ثِقَةٍ مَلِيٍّ اهـ وَنَقَلَ الْمَوَّاقُ عَلَى قَوْلِ الشَّيْخِ خَلِيلٍ بِمِثْلِ الثَّمَنِ وَلَوْ دَيْنًا أَوْ قِيمَةً بِرَهْنِهِ وَضَامِنِهِ مَا نَصَّهُ أَشْهَبُ: إذَا اشْتَرَى بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ بِحَمِيلٍ أَوْ رَهْنٍ فَقَامَ الشَّفِيعُ وَهُوَ أَمْلَى مِنْهُ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ حَمِيلًا أَوْ رَهْنًا مِثْلَهُ فَلَا شُفْعَةَ لَهُ وَلَوْ جَاءَ بِرَهْنٍ لَا شَكَّ أَنَّ فِيهِ وَفَاءً لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ إلَّا مِثْلُ الْأَوَّلِ وَلَوْ كَانَ بِرَهْنٍ وَحَمِيلٍ فَجَاءَ بِرَهْنٍ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى حَمِيلٍ فَلَا شُفْعَةَ لَهُ. (فُرُوعٌ الْأَوَّلُ) إذَا كَانَ الثَّمَنُ مُؤَجَّلًا وَنَقَدَ الشَّفِيعُ الثَّمَنَ فَإِنَّهُ يُدْفَعُ لِلْمُشْتَرِي نَقَلَهُ الشَّارِحُ عَنْ الْمُقَرَّبِ. (الثَّانِي) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ قَالَ أَشْهَبُ إذَا اشْتَرَاهُ بِحَمِيلٍ أَوْ رَهْنٍ فَلَيْسَ لِلشَّفِيعِ وَإِنْ كَانَ أَمْلَى مِنْهُ أَخْذُهُ إلَّا بِحَمِيلٍ أَوْ رَهْنٍ مِثْلِهِ وَقَالَ أَشْهَبُ أَيْضًا إذَا كَانَ أَمْلَى مِنْ الْحَمِيلِ وَمِنْ الْمُشْتَرِي أَخَذَهُ بِلَا رَهْنٍ وَبِلَا حَمِيلٍ وَاخْتَارَ مُحَمَّدٌ الْأَوَّلَ. (الثَّالِثُ) إذَا تَرَاخَى قِيَامُ الشَّفِيعِ حَتَّى حَلَّ الْأَجَلُ فَفِي تَأْخِيرِ الشَّفِيعِ إلَى مِثْلِ ذَلِكَ الْأَجَلِ قَوْلَانِ وَالْأَوَّلُ أَصْوَبُ. (الرَّابِعُ) إذَا أَخَذَ الشِّقْصَ عَنْ دَيْنٍ فِي الذِّمَّةِ فَفِي الْمَذْهَبِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ الْأَوَّلُ هُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ يَأْخُذُهُ بِمِثْلِ الدَّيْنِ الثَّانِي بِقِيمَتِهِ قَالَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَسَحْنُونٌ الثَّالِثُ الْفَرْقُ فَإِنْ كَانَ عَيْنًا أَخَذَ بِمِثْلِهِ وَإِنْ كَانَ عَرَضًا أَخَذَ بِقِيمَتِهِ قَالَهُ أَشْهَبُ اهـ مِنْ التَّوْضِيحِ بِاخْتِصَارٍ. وَمَا يَنُوبُ الْمُشْتَرِي فِيمَا اشْتَرَى ... يَدْفَعُهُ لَهُ الشَّفِيعُ مُحْضَرَا يَعْنِي أَنَّ كُلَّ مَا لَزِمَ الْمُشْتَرِيَ فِي الشِّقْصِ مِنْ إجَارَةِ عُدُولٍ وَثَمَنِ رِقٍّ وَأُجْرَةِ دَلَّالٍ إنْ كَانَتْ مِنْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَإِنَّهُ يَلْزَمُ الشَّفِيعَ مِثْلُهُ وَظَاهِرُ عُمُومِ قَوْلِهِ وَمَا يَنُوبُ أَنَّهُ يَلْزَمُ الْعَكْسُ إذَا أَعْطَاهُ الْمُشْتَرِي وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى قَوْلٍ. (قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: فَرْعٌ: وَعَلَى الشَّفِيعِ أُجْرَةُ الدَّلَّالِ إنْ كَانَتْ مِنْ عِنْدِ الْمُشْتَرِي وَثَمَنُ مَا كُتِبَ فِيهِ لِأَنَّ بِذَلِكَ وَصَلَ الْمُبْتَاعُ إلَى الْمَبِيعِ وَإِنْ كَانَ الْمُبْتَاعُ دَفَعَ أَكْثَرَ مِنْ الْمُعْتَادِ لَمْ يَكُنْ عَلَى الشَّفِيعِ إلَّا دَفْعُ الْمُعْتَادِ بِذَلِكَ أَفْتَى ابْنُ عَتَّابٍ وَابْنُ مَالِكٍ وَابْنُ الْقَطَّانِ (الْمُتَيْطِيُّ) وَلَا أَعْلَمُ لَهُمْ مُخَالِفًا ابْنُ يُونُسَ) قَالَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ: اُنْظُرْ لَوْ غَرِمَ عَلَى الشِّقْصِ غُرْمًا هَلْ يَأْخُذُهُ الشَّفِيعُ بِالثَّمَنِ وَبِمَا غَرِمَ عَلَيْهِ وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي مَنْ اشْتَرَى شَيْئًا مِنْ أَيْدِي اللُّصُوصِ هَلْ يَأْخُذُهُ رَبُّهُ بِغُرْمٍ أَوْ بِغَيْرِهِ اهـ وَنَقَلَ الشَّارِحُ عَنْ أَحْكَامِ ابْنِ سَهْلٍ عَنْ ابْنِ عَتَّابٍ أَنَّهُ يَلْزَمُ الشَّفِيعَ الْأُجْرَةُ الَّتِي أَدَّاهَا الْمُشْتَرِي عِنْدَ ابْتِيَاعِهِ.

فصل في القسمة

[فَصْلٌ فِي الْقِسْمَةِ] ِ ثَلَاثٌ الْقِسْمَةُ فِي الْأُصُولِ ... وَغَيْرِهَا تَجُوزُ مَعَ تَفْصِيلِ فَقِسْمَةُ الْقُرْعَةِ بِالتَّقْوِيمِ ... تَسُوغُ فِي تَمَاثُلِ الْمَقْسُومِ وَمَنْ أَبَى الْقَسْمَ بِهَا فَيُجْبَرْ ... وَجَمْعُ حَظَّيْنِ بِهَا مُسْتَنْكَرْ كَذَاكَ فِي اخْتِلَافِ الْأَجْنَاسِ وَفِي ... مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ الْمَنْعُ اُقْتُفِيَ وَلَا يَزِيدُ بَعْضُهُمْ شَيْئًا وَلَا ... يُزَادُ فِي حَظٍّ لِكَيْ يُعَدَّلَا وَبَيْنَ أَهْلِ الْحَجْرِ لَيْسَ يَمْتَنِعْ ... قَسْمٌ بِهَا وَمُدَّعِي الْغَبْنِ سُمِعْ وَهَذِهِ الْقِسْمَةُ حَيْثُ تُسْتَحَقْ ... يَظْهَرُ فِيهَا أَنَّهَا تَمْيِيزُ حَقْ (قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ) : " الْقِسْمَةُ تَصْيِيرُ مُشَاعٍ مِنْ مَمْلُوكِ مَالِكَيْنِ فَأَكْثَرَ مُعَيَّنًا وَلَوْ بِاخْتِصَاصِ تَصَرُّفٍ فِيهِ بِقُرْعَةٍ أَوْ تَرَاضٍ " اهـ. . وَتَصْيِيرُ مُضَافٌ لِلْمَفْعُولِ الْأَوَّلِ، وَالْمَفْعُولُ الثَّانِي هُوَ قَوْلُهُ مُعَيَّنًا يَعْنِي أَنَّ الْقِسْمَةَ هِيَ: أَنْ يُصَيِّرَ الْقَاسِمُ الشَّيْءَ الْمَقْسُومَ الْمُشَاعَ الْمَمْلُوكَ لِاثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ مُعَيَّنًا أَيْ يُصَيِّرَهُ مُعَيَّنًا بَعْدَ أَنْ كَانَ مُشَاعًا ثُمَّ بَالَغَ عَلَى قِسْمَةِ الْمَنَافِعِ دُونَ الرِّقَابِ بِقَوْلِهِ: " وَلَوْ بِاخْتِصَاصِ تَصَرُّفٍ فِيهِ " أَيْ وَلَوْ كَانَ بِالتَّعْيِينِ بِاخْتِصَاصِ التَّصَرُّفِ فَقَطْ مَعَ بَقَاءِ الْأَصْلِ مُشَاعًا وَقَدْ أَفَادَ النَّاظِمُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِالْبَيْتِ الْأَوَّلِ: أَنَّ الْقِسْمَةَ فِي الْأُصُولِ، وَغَيْرِهَا ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ، وَأَنَّهَا جَائِزَةٌ عَلَى تَفْصِيلٍ يَأْتِي. (قَالَ ابْن سَلْمُونٍ) : وَالْقِسْمَةُ جَائِزَةٌ فِي الْأُصُولِ، وَغَيْرِهَا " وَهِيَ بَيْعٌ مِنْ الْبُيُوعِ عِنْدَ مَالِكٍ وَقِيلَ: تَمْيِيزُ حَقٍّ وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ: قِسْمَةُ قُرْعَةٍ بَعْدَ تَقْوِيمٍ، وَتَعْدِيلٍ، وَقِسْمَةُ مُرَاضَاةٍ بَعْدَ التَّقْوِيمِ، وَالتَّعْدِيلِ، وَقِسْمَةُ تَرَاضٍ وَاتِّفَاقٍ مِنْ غَيْرِ تَقْوِيمٍ، وَلَا تَعْدِيلٍ فَأَمَّا النَّوْعُ الْأَوَّلُ، فَهُوَ الَّذِي يُحْكَمُ بِهِ، وَهُوَ الَّذِي يَجْرِي فِيهِ الْقَوْلَانِ الْمَذْكُورَانِ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: " وَالْأَظْهَرُ فِي قِسْمَةِ الْقُرْعَةِ أَنَّهَا تَمْيِيزُ حَقٍّ، وَفِي قِسْمَةِ التَّرَاضِي بَعْدَ التَّقْوِيمِ، وَالتَّعْدِيلِ أَنَّهَا بَيْعٌ مِنْ الْبُيُوعِ، وَأَمَّا قِسْمَةُ التَّرَاضِي دُونَ تَقْوِيمٍ، وَلَا تَعْدِيلٍ، فَلَا اخْتِلَافَ فِي أَنَّهَا بَيْعٌ مِنْ الْبُيُوعِ فَلَهَا حُكْمُهُ فِي الْعُيُوبِ، وَالِاسْتِحْقَاقِ اهـ. ثُمَّ ذَكَرَ النَّاظِمُ مَوْضُوعَ هَذَا الْقَسْمِ، وَبَعْضَ أَحْكَامِهِ فَأَشَارَ لِمَوْضُوعِهِ بِقَوْلِهِ: تَسُوغُ فِي تَمَاثُلِ الْمَقْسُومِ ثُمَّ صَرَّحَ بِمَفْهُومِهِ، وَأَنَّهَا لَا تَجُوزُ فِي الْأَجْنَاسِ الْمُخْتَلِفَةِ فِي قَوْلِهِ: " كَذَاكَ فِي اخْتِلَافِ الْأَجْنَاسِ " لِأَنَّهُ مُشَبَّهٌ فِي الْحُكْمِ بِقَوْلِهِ: وَجَمْعُ حَظَّيْنِ بِهَا مُسْتَنْكَرْ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ سَلْمُونٍ، وَغَيْرِهِ وَلَا تَجُوزُ قِسْمَةُ الْقُرْعَةِ إلَّا فِيمَا اتَّفَقَ جِنْسُهُ، أَوْ تَقَارَبَ ثُمَّ قَالَ: وَلَا تَجُوزُ فِي الْأَشْيَاءِ الْمُخْتَلِفَةِ مِنْ الثِّيَابِ، وَغَيْرِهَا وَإِنْ عُدِّلَتْ بِالْقِيمَةِ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْمُخَاطَرَةِ، فَلَا تُجْمَعُ الدُّورُ مَعَ الْأَرَضِينَ، وَالْجَنَّاتُ فِيهَا، وَلَا أَنْوَاعُ الثِّمَارِ، وَلَا غَيْرُ ذَلِكَ مَعَ سِوَاهُ مِمَّا يُخَالِفُهُ. وَإِنَّمَا يُقْسَمُ كُلُّ نَوْعٍ مِنْهَا عَلَى حِدَةٍ وَالْأَرْضُ إنْ كَانَتْ مُسْتَوِيَةً فِي الطِّيبِ، وَالْكَرْمِ، وَقَرُبَ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ جُمِعَتْ فِي الْقَسْمِ، وَيُخْرَجُ نَصِيبُ كُلِّ وَاحِدٍ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ وَإِنْ كَانَتْ مُخْتَلِفَةَ الْأَنْمَاطِ أَوْ بَعِيدًا بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ، فَإِنَّمَا يُقْسَمُ كُلُّ نَوْعٍ عَلَى حِدَةٍ. وَكَذَلِكَ الدُّورُ مَا كَانَ مِنْهَا مُتَقَارِبَ الْمَكَانِ

مُتَسَاوِيًا فِي الْإِنْفَاقِ، وَالرَّغْبَةِ جُمِعَ فِي الْقِسْمَةِ، فَيَجْمَعُ كُلُّ وَاحِدٍ نَصِيبَهُ فِي دَارٍ وَاحِدَةٍ، أَوْ دَارٍ، وَبَعْضِ أُخْرَى وَإِلَّا قُسِمَتْ كُلُّ دَارٍ عَلَى حِدَةٍ وَأَمَّا الْجَنَّاتُ، وَالثِّمَارُ فَإِنْ اخْتَلَفَتْ مِثْلُ أَنْ تَكُونَ جَنَّةٌ مِنْ تُفَّاحٍ، وَأُخْرَى مِنْ رُمَّانٍ لَمْ يُضَمَّ وَاحِدٌ مِنْهُمَا إلَى الْآخَرِ وَإِنْ كَانَتْ الثِّمَارُ فِيهَا مُخْتَلِطَةً، فَهِيَ كَالْكُرُومِ مَا تَقَارَبَ مِنْهَا وَاتَّفَقَتْ الرَّغْبَةُ فِيهِ، وَالْكَرْمُ جُمِعَ بَعْضُهُ إلَى بَعْضٍ وَإِلَّا فَلَا وَالْجَنَّةُ الْوَاحِدَةُ إذَا قُسِمَتْ وَفِيهَا الثَّمَرُ قُسِمَ قَاعَتُهَا وَشَجَرُهَا بِتَعْدِيلٍ بِالْقِيمَةِ حَتَّى يَكُونَ كُلُّ سَهْمٍ بِمَا فِيهِ مِنْ الشَّجَرِ مُعَادِلًا السَّهْمَ الْآخَرَ، وَإِنْ اخْتَلَفَ التَّكْسِيرُ فِيهَا بِالنُّقْصَانِ وَالزِّيَادَةِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَصِيرَ الشَّجَرَةُ مِنْ أَحَدِ السِّهَامِ فِي سَهْمِ الْآخَرِ وَلَا يُقْسَمُ بِالْقُرْعَةِ إلَّا الصِّنْفُ الْوَاحِدُ، أَوْ الْمُتَشَابِهُ فَالْبَزُّ كُلُّهُ صِنْفٌ وَاحِدٌ. وَيَنْضَافُ إلَيْهِ الصُّوفُ، وَالْأَفْرِيَةُ وَقِيلَ: هُوَ أَصْنَافٌ. وَثِيَابُ الْقُطْنِ، وَالْكَتَّانِ صِنْفٌ، وَالْحَرِيرُ، وَالْخَزُّ صِنْفٌ وَيُقْسَمُ الْمَخِيطُ مِنْ ذَلِكَ مَعَ غَيْرِ الْمَخِيطِ، وَالْخَيْلُ، وَالْبِغَالُ، وَالْحَمِيرُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا صِنْفٌ. اهـ. بِاخْتِصَارٍ ثُمَّ أَشَارَ النَّاظِمُ إلَى بَعْضِ أَحْكَامِ هَذَا النَّوْعِ مِنْ الْقِسْمَةِ فَقَالَ: وَمَنْ أَبَى الْقَسْمَ بِهَا فَيُجْبَرْ يُرِيدُ: أَنَّ مَنْ دَعَا إلَى قَسْمِ الْقُرْعَةِ، فَإِنَّهُ يُجَابُ إلَى ذَلِكَ، وَمَنْ امْتَنَعَ مِنْهُ حُكِمَ عَلَيْهِ بِهِ قَالَ ابْنُ سَلْمُونٍ: " وَهَذِهِ الْقِسْمَةُ هِيَ الَّتِي يُحْكَمُ بِهَا عَلَى مَنْ أَبَاهَا، وَبِهَا يُقْسَمُ عَلَى الْمَحَاجِيرِ " ثُمَّ قَالَ: وَجَمْعُ حَظَّيْنِ بِهَا مُسْتَنْكَرْ الْمَوَّاقُ سَمِعَ ابْنَ الْقَاسِمِ: لَا يُجْمَعُ حَظُّ اثْنَيْنِ فِي الْقَسْمِ ابْنُ رُشْدٍ هُوَ قَوْلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَمَعْنَاهُ أَنْ لَا يَكُونُوا أَهْلَ سَهْمٍ وَاحِدٍ (اللَّخْمِيُّ) يَجُوزُ أَنْ يُجْمَعَ نَصِيبَانِ فِي الْقَسْمِ بِالتَّرَاضِي وَمَنَعَ ذَلِكَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْقُرْعَةِ وَسَمِعَ الْقَرِينَانِ: الْإِخْوَةُ لِلْأُمِّ يَرِثُونَ الثُّلُثَ يَقُولُ: أَحَدُهُمْ أَقْسِمُوا حِصَّتِي عَلَى حِدَةٍ لَيْسَ ذَلِكَ لَهُ وَيُقْسَمُ لَهُ، وَلِإِخْوَتِهِ جَمِيعًا الثُّلُثُ، ثُمَّ يُقَاسِمُهُمْ بَعْدُ إنْ شَاءَ ابْنُ رُشْدٍ لَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ فِي أَهْلِ السَّهْمِ الْوَاحِدِ كَالْبَنَاتِ، أَوْ الزَّوْجَاتِ، وَنَحْوِهِمْ. وَأَمَّا الْعَصَبَةُ فَثَالِثُ الْأَقْوَالِ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: لَهُمْ أَنْ يَجْمَعُوا نَصِيبَهُمْ إنْ أَرَادُوا ابْنُ سَلْمُونٍ: وَلَا يُجْمَعُ فِيهَا بَيْنَ حَظَّيْنِ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَجْمُوعَةِ: " فَإِنْ كَانَتْ زَوْجَةٌ مَعَ عَصَبَةٍ ضُرِبَ لَهَا بِحَظِّهَا فِي أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ " قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: " وَاحِدًا كَانَ الْعَصَبَةُ أَوْ جَمَاعَةً إنَّمَا يُخْرَجُ سَهْمُهُمْ وَاحِدًا، ثُمَّ يَقْتَسِمُونَ بَيْنَهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ إنْ شَاءُوا لِأَنَّ الْعَصَبَةَ كَأَهْلِ سَهْمٍ وَاحِدٍ، وَكَذَلِكَ الْإِخْوَةُ لِأُمٍّ، وَالنِّسْوَةُ الزَّوْجَاتُ إذَا كَثُرُوا إنَّمَا يُضْرَبُ لَهُمْ سَهْمٌ وَاحِدٌ، ثُمَّ يَقْتَسِمُونَ بَيْنَهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ وَفِي كِتَابِ الِاسْتِغْنَاءِ إذَا كَانَتْ دَارٌ بَيْنَ أَخَوَيْنِ بِنِصْفَيْنِ، فَمَاتَ أَحَدُهُمَا عَنْ وَرَثَةٍ، فَإِنَّمَا يُضْرَبُ لَهُمْ بِسَهْمٍ وَاحِدٍ فَتُقْسَمُ الدَّارُ نِصْفَيْنِ، وَيُقْتَرَعُ عَلَيْهَا ثُمَّ يَقْتَسِمُ الْوَرَثَةُ النِّصْفَ الصَّائِرَ لِمُوَرِّثِهِمْ بَعْدَ ذَلِكَ وَفِيهِ قَالَ يَحْيَى بْنُ عُمَرَ: " مَنْ اشْتَرَى نِصْفَ نَصِيبِ وَارِثٍ، فَأَرَادَ أَنْ يُضْرَبَ لَهُ بِسَهْمٍ فَلَيْسَ ذَلِكَ وَإِنَّمَا يُضْرَبُ بِجَمِيعِ أَسْهُمِ الْوَارِثِ، وَيَخْرُجُ هُوَ مَعَهُ، ثُمَّ يَقْتَسِمُ مَعَ الْوَارِثِ بَعْدَ ذَلِكَ قَوْلُهُ: " كَذَاكَ فِي اخْتِلَافِ الْأَجْنَاسِ " تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ وَفِي مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ الْمَنْعُ اُقْتُفِيَ نَقَلَ الشَّارِحُ عَنْ الْمَقْصِدِ الْمَحْمُودِ فِي قِسْمَةِ الْقُرْعَةِ مَا نَصُّهُ: " وَلَا تَجُوزُ فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ " اهـ. وَنَحْوُهُ فِي مَجَالِسِ الْقَاضِي الْمِكْنَاسِيِّ اهـ. قِيلَ وَمَحَلُّ الْمَنْعِ: إذَا تُرِكَ الْكَيْلُ، وَالْوَزْنُ، وَاقْتَرَعُوا وَأَمَّا الْقُرْعَةُ بَعْدَ الْكَيْلِ، أَوْ الْوَزْنِ، فَجَائِزَةٌ، وَفِي ابْنِ سَلْمُونٍ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَقَدْ أَجَازَ مَالِكٌ فِيمَا لَا يُكَالُ مِنْ الطَّعَامِ الَّذِي لَا يَجُوزُ الْفَصْلُ فِيهِ، وَإِنَّمَا يُبَاعُ وَزْنًا كَاللَّحْمِ، وَالْخُبْزِ، وَفِيمَا لَا يُبَاعُ

وَزْنًا، وَلَا كَيْلًا كَالْبَيْضِ أَوْ يُقْسَمُ بِالتَّحَرِّي وَذَلِكَ فِيمَا قَلَّ لِأَنَّ التَّحَرِّيَ يُحِيطُ بِهِ فَإِذَا كَثُرَ لَمْ يَجُزْ اقْتِسَامُهُ بِالتَّحَرِّي قَوْلُهُ: " وَلَا يَزِيدُ بَعْضُهُمْ شَيْئًا " (الْبَيْتَ) أَيْ لَا يَجُوزُ فِي قِسْمِهِ الْقُرْعَةِ أَنْ يُزَادَ فِي قِسْمَةٍ دَنَانِيرُ أَوْ دَرَاهِمُ لِكَوْنِ الْقِسْمَةِ الْأُخْرَى أَحْسَنَ، وَأَكْثَرَ ثَمَنًا مِنْ هَذِهِ قَالَهُ فِي الْمَقْصِدِ الْمَحْمُودِ، وَمِثْلُهُ فِي ابْنِ سَلْمُونٍ (وَفِي الْمَوَّاقِ) عَنْ اللَّخْمِيِّ مَا نَصُّهُ: وَإِنْ اخْتَلَفَتْ قِيمَةُ الدَّارَيْنِ فَكَانَ بَيْنَهُمَا يَسِيرٌ مِثْلُ أَنْ تَكُونَ قِيمَةُ إحْدَاهُمَا مِائَةً، وَالْأُخْرَى تِسْعِينَ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَقْتَرِعَا عَلَى أَنَّ مَنْ صَارَتْ إلَيْهِ الَّتِي قِيمَتُهَا مِائَةٌ أَعْطَى صَاحِبَهُ خَمْسَةَ دَنَانِيرَ لِأَنَّ هَذَا مِمَّا لَا بُدَّ مِنْهُ وَلَا يَتَّفِقُ فِي الْغَالِبِ أَنْ تَكُونَ قِيمَةُ الدَّارَيْنِ سَوَاءً قَوْلُهُ: وَبَيْنَ أَهْلِ الْحَجْرِ لَيْسَ يَمْتَنِعْ قَسْمٌ بِهَا أَشَارَ بِهِ لِقَوْلِ ابْنِ سَلْمُونٍ فِي قِسْمَةِ الْقُرْعَةِ هَذِهِ: " الْقِسْمَةُ هِيَ الَّتِي يُحْكَمُ بِهَا عَلَى مَنْ أَبَاهَا وَبِهَا يُقْسَمُ عَلَى الْمَحَاجِيرِ " وَفِي الْمَقْصِدِ الْمَحْمُودِ وَيَجُوزُ قَسْمُ الْوَصِيِّ، وَمُقَدَّمِ الْقَاضِي بِالْقُرْعَةِ بِاتِّفَاقٍ وَقَوْلُهُ: " وَمُدَّعِي الْغَبْنِ سُمِعْ ". قَالَ فِي الْمَقْصِدِ الْمَحْمُودِ: وَيُرْجَعُ فِيهَا بِالْغَبْنِ إذَا ظَهَرَ وَهُمَا الْمُحْدِثَانِ الْقِسْمَةَ وَفِي مَجَالِسِ الْمِكْنَاسِيِّ وَيَجِبُ الْقِيَامُ فِيهَا بِالْغَبْنِ إذَا ثَبَتَ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى قِيمَةٍ مُقَدَّرَةٍ، وَزَرْعٍ مَعْلُومٍ فَإِذَا وُجِدَ نُقْصَانٌ مِنْ ذَلِكَ وَجَبَ لَهُ الرُّجُوعُ قَوْلُهُ وَهَذِهِ الْقِسْمَةُ حَيْثُ تُسْتَحَقْ الْبَيْتَ الْإِشَارَةُ لِقِسْمَةِ الْقُرْعَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا عَنْ ابْنِ رُشْدٍ وَأَنَّ الْأَظْهَرَ فِي قِسْمَةِ الْقُرْعَةِ أَنَّهَا تَمْيِيزُ حَقٍّ. (فَرْعٌ) أَفْتَى الْإِمَامُ أَبُو إِسْحَاقَ الشَّاطِبِيُّ فِي قِسْمَةِ الطَّعَامِ الْمُشْتَرَكِ مِنْ غَيْرِ حُضُورِ الشَّرِيكِ فَإِنَّ الَّذِي يَظْهَرُ لَهُ الْعَمَلُ عَلَيْهِ أَنْ لَا يُطْلَبَ الشَّرِيكُ بِحُضُورِ شَرِيكِهِ، وَلَا بِإِنْجَازِ قَبْضِهِ وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ عَمَلُ النَّاسِ فَيُتْرَكُونَ وَمَا هُمْ عَلَيْهِ. (فَرْعٌ) أَفْتَى أَبُو سَعِيدِ بْنُ لُبٍّ بِجَبْرِ الْمُمْتَنِعِ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ عَلَى قِسْمَةِ فُنْدُقٍ دَعَا شَرِيكُهُ لِقِسْمَتِهِ إلَّا إنْ كَانَ فِي قِسْمَتِهِ ضَرَرٌ نَقَلَهُمَا الشَّارِحُ. وَقِسْمَةُ الْوِفَاقِ وَالتَّسْلِيمِ ... لَكِنْ مَعَ التَّعْدِيلِ وَالتَّقْوِيمِ جَمْعٌ لِحَظَّيْنِ بِهَا لَا يُتَّقَى ... وَتَشْمَلُ الْمَقْسُومَ كُلًّا مُطْلَقَا فِي غَيْرِ مَا مِنْ الطَّعَامِ مُمْتَنِعْ ... فِيهِ تَفَاضُلٌ فَفِيهِ تَمْتَنِعْ وَأُعْمِلَتْ حَتَّى عَلَى الْمَحْجُورِ ... حَيْثُ بَدَا السَّدَادُ فِي الْمَشْهُورِ وَمَا مَزِيدُ الْعَيْنِ بِالْمَحْظُورِ ... وَلَا سِوَاهُ هَبْهُ بِالتَّأْخِيرِ وَمَنْ أَبَى الْقَسْمَ بِهَا لَا يُجْبَرُ ... وَقَائِمٌ بِالْغَبْنِ فِيهَا يُعْذَرُ هَذَا هُوَ النَّوْعُ الثَّانِي مِنْ أَنْوَاعِ الْقِسْمَةِ وَهُوَ: قِسْمَةُ الْمُرَاضَاةِ بَعْدَ التَّقْوِيمِ، وَالتَّعْدِيلِ. (قَالَ ابْن سَلْمُونٍ) : وَهِيَ مِنْ نَحْوِ الْأُولَى وَفِيهَا الْقَوْلَانِ هَلْ هِيَ بَيْعٌ أَوْ تَمْيِيزُ حَقٍّ قَوْلُهُ: " وَقِسْمَةُ الْوِفَاقِ " أَيْ الَّتِي تَوَافَقَ عَلَيْهَا الشُّرَكَاءُ، وَلَمْ يُجْبَرْ أَحَدٌ مِنْهُمْ عَلَيْهَا وَمَعْنَى التَّسْلِيمِ أَيْ سَلَّمَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لِصَاحِبِهِ مَا أَرَادَ، وَالتَّعْدِيلُ هُوَ التَّقْوِيمُ صَرَّحَ بِهِ الشَّارِحُ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ: " وَأَجْرُ مَنْ يَقْسِمُ أَوْ يَعْدِلُ " وَكَأَنَّ التَّقْوِيمَ طَرِيقٌ لِلتَّعْدِيلِ، وَالتَّسْوِيَةِ. وَقَوْلُهُ: جَمْعٌ لِحَظَّيْنِ بِهَا لَا يُتَّقَى (قَالَ ابْنُ سَلْمُونٍ) : " وَلَا بَأْسَ أَنْ يُجْمَعَ فِي هَذِهِ الْقِسْمَةِ بَيْنَ حَظَّيْنِ " وَنَحْوُهُ فِي الْمَقْصِدِ الْمَحْمُودِ وَتَقَدَّمَ بَعْضُ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ فِي النَّوْعِ الْأَوَّلِ قَوْلُهُ وَتَشْمَلُ الْمَقْسُومَ كُلًّا مُطْلَقَا (قَالَ ابْنُ سَلْمُونٍ) : وَتَجُوزُ فِي الْأَشْيَاءِ الْمُخْتَلِفَةِ، وَالْأَصْنَافِ الْمُتَبَايِنَةِ، وَالْبَعِيدِ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ مِنْ الْأَرَضِينَ، وَغَيْرِهَا قَوْلُهُ: فِي غَيْرِ مَا مِنْ الطَّعَامِ مُمْتَنِعْ الْبَيْتَ هَذَا مُسْتَثْنًى مِنْ قَوْلِهِ: " وَتَشْمَلُ الْمَقْسُومَ كُلًّا " يَعْنِي أَنَّ هَذَا النَّوْعَ مِنْ الْقِسْمَةِ

يَشْمَلُ جَمِيعَ الْأَشْيَاءِ إلَّا الطَّعَامَ الَّذِي يَمْتَنِعُ فِيهِ التَّفَاضُلُ، فَإِنَّهُ تُمْنَعُ قِسْمَتُهُ إذَا أَدَّتْ إلَى التَّفَاضُلِ الْمَمْنُوعِ كَأَنْ يَكُونَ وَسْقُ شَعِيرٍ، وَنِصْفُ وَسْقِ قَمْحٍ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَيُقَوِّمَانِ الْوَسْقَ بِسِتَّةِ دَرَاهِمَ مَثَلًا، وَنِصْفَ الْوَسْقِ بِسِتَّةٍ أَيْضًا عَلَى أَنْ يَخْرُجَ أَحَدُهُمَا بِالْوَسْقِ مِنْ الشَّعِيرِ، وَالْآخَرُ بِنِصْفِ الْوَسْقِ مِنْ الْقَمْحِ فَهَذَا لَا يَجُوزُ لِلتَّفَاضُلِ بَيْنَ الْقَمْحِ، وَالشَّعِيرِ. وَكَذَا لَوْ كَانَا وَسْقَيْنِ فَخَرَجَ أَحَدُهُمَا بِوَسْقِ الْقَمْحِ عَلَى أَنْ يَزِيدَ لِصَاحِبِ الشَّعِيرِ دَرَاهِمَ، أَوْ عَرَضًا فَلَا يَجُوزُ أَيْضًا لِأَنَّ وَسْقَ الْقَمْحِ بِيعَ بِوَسْقِ الشَّعِيرِ، وَبِشَيْءٍ آخَرَ فَحَصَلَ التَّفَاضُلُ بَيْنَهُمَا (قَالَ الشَّارِحُ مَا مَعْنَاهُ) إذَا مُنِعَتْ الْقِسْمَةُ الْمُؤَدِّيَةُ لِلتَّفَاضُلِ فِي الطَّعَامِ فَأَحْرَى الَّتِي تُؤَدِّي إلَيْهِ، أَوْ إلَى النَّسَا فِي بَيْعِ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ بِالْآخَرِ قَالَ فِي الْمَقْصِدِ الْمَحْمُودِ: وَيُجْمَعُ فِيهَا بَيْنَ الْمَكِيلِ، وَالْمَوْزُونِ حَاشَى مَا يُدَّخَرُ مِنْ الطَّعَامِ مِمَّا لَا يَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِيهِ اهـ. قَوْلُهُ: وَأُعْمِلَتْ حَتَّى عَلَى الْمَحْجُورِ الْبَيْتَ (قَالَ ابْنُ سَلْمُونٍ) وَفِي الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ قِسْمَةُ الْوَصِيِّ بِهَا عَلَى الْأَيْتَامِ جَائِزَةٌ وَالْقَوْلُ بِعَدَمِ الْجَوَازِ هِيَ رِوَايَةٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ اهـ. وَقَالَ قَبْلَهُ: " وَلَا يُحْكَمُ بِهَا عَلَى الْمَحَاجِيرِ إلَّا إذَا ثَبَتَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ السَّدَادُ عَلَى خِلَافٍ " اهـ. وَنَقَلَ الشَّارِحُ عَنْ الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ أَيْضًا مَا نَصُّهُ: " - وَلَا تَجُوزُ قِسْمَةُ الْمُرَاضَاةِ إلَّا بَيْنَ الْمَالِكِينَ، وَأَمَّا الْأَيْتَامُ، وَمَنْ لَا يَمْلِكُ نَفْسَهُ فَلَا تَجُوزُ قِسْمَةُ الْمُرَاضَاةِ بَيْنَهُمْ إلَّا أَنْ يَثْبُتَ السَّدَادُ " اهـ. وَإِلَى تَقْيِيدِ إعْمَالِهَا بَيْنَ الْمَحَاجِيرِ بِالسَّدَادِ أَشَارَ النَّاظِمُ بِقَوْلِهِ: " وَأُعْمِلَتْ " (الْبَيْتَ) قَوْلُهُ: " وَمَا مَزِيدُ الْعَيْنِ " الْبَيْتَ، فِي ابْنِ سَلْمُونٍ: لَا بَأْسَ أَنْ يَزِيدَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ دَرَاهِمَ، أَوْ دَنَانِيرَ مَقْبُوضَةً أَوْ مُدَّخَرَةً قَوْلُهُ: وَمَنْ أَبَى الْقَسْمَ بِهَا لَا يُجْبَرُ (قَالَ ابْنُ سَلْمُونٍ) فِي النَّوْعِ الثَّانِي وَلَا يُجْبَرُ عَلَيْهَا أَحَدٌ، وَلَا يُحْكَمُ بِهَا عَلَيْهِ اهـ. قَوْلُهُ: وَقَائِمٌ بِالْغَبْنِ فِيهَا يُعْذَرُ (قَالَ فِي الْمَقْصِدِ الْمَحْمُودِ) : " وَيُقَامُ فِيهَا بِالْغَبْنِ أَيْضًا لِدُخُولِ كُلٍّ مِنْ الْمُتَقَاسِمَيْنِ عَلَى قِيمَةٍ مُقَدَّرَةٍ وَقَدْرٍ مَعْلُومٍ وَالْأَظْهَرُ فِيهَا أَنَّهَا بَيْعٌ مِنْ الْبُيُوعِ " اهـ. وَإِنَّمَا يُقَامُ فِيهَا بِالْغَبْنِ إذَا كَانَ بِالْقُرْبِ أَمَّا بَعْدَ طُولٍ كَالسَّنَةِ أَوْ بَعْدَ الْبِنَاءِ، وَالْغَرْسِ فَلَا قِيَامَ كَمَا يَقُولُ بَعْدُ: وَالْغَبْنُ مَنْ يَقُومُ فِيهِ بُعْدًا ... أَنْ طَالَ وَاسْتَغَلَّ قَدْ تَعَدَّى اُنْظُرْ الْحَطَّابَ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ: " وَنُظِرَ فِي دَعْوَى جَوْرٍ أَوْ غَلَطٍ ". وَقِسْمَةُ الرِّضَا وَالِاتِّفَاقِ ... مِنْ غَيْرِ تَعْدِيلٍ عَلَى الْإِطْلَاقِ كَقِسْمَةِ التَّعْدِيلِ وَالتَّرَاضِي ... فِيمَا عَدَا الْغَبْنَ مِنْ الْأَعْرَاضِ وَمُدَّعٍ غَبْنًا بِهَا أَوْ غَلَطًا ... مُكَلَّفٌ إنْ رَامَ نَقْضًا شَطَطَا هَذَا هُوَ النَّوْعُ الثَّالِثُ مِنْ أَنْوَاعِ الْقِسْمَةِ وَهِيَ قِسْمَةُ الْمُرَاضَاةِ، وَالِاتِّفَاقِ مِنْ غَيْرِ تَعْدِيلٍ، وَلَا تَقْوِيمٍ، وَهِيَ كَالنَّوْعِ الثَّانِي قَبْلَهُ يَلِيهِ فِي جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ عَلَى الْإِطْلَاقِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ آخِرَ الْبَيْتِ الْأَوَّلِ مَا عَدَا الْقِيَامَ بِالْغَبْنِ فَلَا قِيَامَ فِي هَذَا النَّوْعِ بِهِ، وَمَنْ أَرَادَ نَقْضَ هَذِهِ الْقِسْمَةِ لِدَعْوَاهُ أَنَّ فِيهَا غَبْنًا أَوْ غَلَطًا لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ وَلَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ. وَعَنْ عَدَمِ اعْتِبَارِ دَعْوَاهُ عَبَّرَ بِقَوْلِهِ: مُكَلَّفٌ إنْ رَامَ نَقْضًا شَطَطَا (أَيْ ظُلْمًا ابْنُ سَلْمُونٍ) النَّوْعُ الثَّالِثُ: قِسْمَةُ الْمُرَاضَاةِ مِنْ غَيْرِ تَعْدِيلٍ، وَلَا تَقْوِيمٍ وَهِيَ بَيْعٌ مِنْ الْبُيُوعِ بِاتِّفَاقٍ، وَالْحُكْمُ فِيهَا كَالْحُكْمِ فِي الَّتِي قَبْلَهَا إلَّا فِي الْقِيَامِ بِالْغَبْنِ فَلَا قِيَامَ بِهِ فِي هَذِهِ لِأَنَّهَا كَبَيْعِ الْمُسَاوَمَةِ قَالَ ابْنُ مُغِيثٍ: فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَقَدَهَا وَكِيلًا فَلِلْمُوَكِّلِ أَنْ يَقُومَ بِالْغَبْنِ إذَا ظَهَرَ لَهُ قَالَهُ ابْنُ زَرْبٍ، وَغَيْرُهُ وَفِي أَقْضِيَةِ الْمُدَوَّنَةِ وَمَا يَقْتَضِي أَنَّهُ يُقَامُ فِيهَا بِالْغَبْنِ ثُمَّ قَالَ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: إذَا ادَّعَى أَحَدُ الْمُتَقَاسِمَيْنِ

الْغَلَطَ فَإِنْ كَانَتْ الْقِسْمَةُ بِالتَّرَاضِي، فَلَا يُلْتَفَتُ إلَى مُدَّعِي الْغَلَطِ، وَإِنْ ظَهَرَ وَتَبَيَّنَ وَهِيَ كَبَيْعِ الْمُسَاوَمَةِ وَإِذَا بِيعَتْ السِّلْعَةُ مُسَاوَمَةً بِثَمَنٍ يَسِيرٍ فَالْبَيْعُ لَازِمٌ، وَإِنْ تَبَيَّنَ الْغَبْنُ وَالْغَلَطُ، وَإِنْ كَانَتْ الْقِسْمَةُ بِالْمُسَاهَمَةِ أَوْ عَلَى التَّعْدِيلِ فَلَهُ الْقِيَامُ بِالْغَبْنِ إذَا ظَهَرَ لِأَنَّ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ اهـ. وَقَوْلُ ابْنِ مُغِيثٍ مُوَافِقٌ لِلْمَشْهُورِ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ كُلَّ مَنْ نَابَ عَنْ غَيْرِهِ فَلَا يَمْضِي مِنْ فِعْلِهِ إلَّا مَا كَانَ سَدَادًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. فَقَوْلُهُ: " وَقِسْمَةُ الرِّضَا " مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ: " كَقِسْمَةِ التَّعْدِيلِ " وَقَوْلُهُ: " عَلَى الْإِطْلَاقِ " حَالٌ مِنْ الضَّمِيرِ فِي الْخَبَرِ. وَقِسْمَةُ الْوَصِيِّ مُطْلَقًا عَلَى ... مَحْجُورِهِ وَغَيْرِهِ لَنْ تُحْظَلَا يَعْنِي أَنَّ الْمَحْجُورَ إذَا كَانَ مُشَارِكًا لِغَيْرِهِ، فَطَلَبَ أَحَدُهُمَا الْقِسْمَةَ، فَإِنَّ الْمَحْجُورَ يَقْسِمُ عَنْهُ وَلِيُّهُ أَبُوهُ إنْ كَانَ، وَإِلَّا فَوَصِيُّهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا فَإِنَّ الْقَاضِيَ هُوَ الَّذِي يَقْسِمُ عَلَيْهِ كَمَا يَذْكُرُهُ النَّاظِمُ فِي الصَّغِيرِ، وَالْغَائِبِ نَقُولُ: وَكَذَلِكَ يَقْسِمُ عَلَى السَّفِيهِ الْبَالِغِ حَيْثُ لَا أَبَ وَلَا وَصِيَّ. (قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ) : " وَيَجُوزُ أَنْ يُقَاسِمَ عَلَى الصَّغِيرِ أَبُوهُ أَوْ وَصِيُّهُ فِي الدَّارِ، وَالْعَقَارِ، وَغَيْرِهِمَا مَلَكَ ذَلِكَ بِمُورَثٍ عَنْ أُمِّهِ أَوْ بِغَيْرِ ذَلِكَ " (وَفِي مُخْتَصَرِ الشَّيْخِ خَلِيلٍ) وَقَسَمَ عَنْ صَغِيرٍ أَبٌ أَوْ وَصِيٌّ، وَيَقْسِمُ عَنْهُ بِأَيِّ أَنْوَاعِ الْقِسْمَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ شَاءَ وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ النَّاظِمُ بِقَوْلِهِ: " مُطْلَقًا " وَالْحَظْلُ الْمَنْعُ قَالَ النَّاظِمُ. فَإِنْ يَكُنْ مُشَارِكًا لِمَنْ حُجْر ... فِي قِسْمَةٍ، فَمَنْعُهُ مِنْهَا اشْتُهِرْ إلَّا إذَا أَخْرَجَهُ مُشَاعَا ... مَعَ حَظِّهِ قَصْدًا فَلَا امْتِنَاعَا وَبِقَسْمِ الْقَاضِي عَلَى الْمَحْجُورِ مَعْ ... وَصِيِّهِ عِنْدَ اقْتِفَاءِ مَنْ مَنَعْ كَذَا لَهُ الْقَسْمُ عَلَى الصِّغَارِ ... وَغَائِبٍ مُنْقَطِعِ الْأَخْبَارِ قَوْلُهُ: " فَإِنْ يَكُنْ مُشَارِكًا " " الْأَبْيَاتَ الْأَرْبَعَةَ " مَا تَقَدَّمَ فِي الْبَيْتِ قَبْلَ هَذِهِ هُوَ إذَا كَانَ الْمَحْجُورُ مُشَارِكًا مَعَ أَجْنَبِيٍّ وَالْكَلَامُ الْآنَ فِيمَا إذَا كَانَ مُشَارِكًا لِوَصِيِّهِ يَعْنِي أَنَّ الْمَحْجُورَ إذَا كَانَ مُشَارِكًا لِوَصِيِّهِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَقْسِمَ لَهُ وَصِيُّهُ لِأَنَّهُ مِنْ بَيْعِ مَالِ مَحْجُورِهِ مِنْ نَفْسِهِ، وَهُوَ مَمْنُوعٌ لِلتُّهْمَةِ إلَّا إذَا كَانَ مَعَهُمَا ثَالِثٌ، أَوْ رَابِعٌ مَثَلًا فَقَسَمُوا، وَخَرَجَ الْوَصِيُّ لِنَفْسِهِ، وَلِمَحْجُورِهِ بِمَا خَرَجَ بِهِ مُشَاعًا بَيْنَهُ، وَبَيْنَ الْمَحْجُورِ، فَإِنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ. فَإِنْ لَمْ يُرِدْ ذَلِكَ وَأَرَادَ أَنْ يَمْتَازَ كُلٌّ بِمَا خَرَجَ بِهِ فَلَا يَقْسِمُ عَلَى الْمَحْجُورِ إلَّا الْقَاضِي وَكَذَلِكَ يَقْسِمُ الْقَاضِي عَلَى الصِّغَارِ الْأَيْتَامِ الْمُهْمَلِينَ، وَعَلَى الْغَائِبِ فَفِي مُنْتَخَبِ ابْنِ أَبِي زَمَنِينَ قَالَ مُحَمَّدٌ: وَإِذَا كَانَ الْوَصِيُّ شَرِيكًا لِمَنْ هُوَ فِي وِلَايَتِهِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَقْسِمَ عَلَى نَفْسِهِ، وَعَلَى الَّذِي هُوَ فِي وِلَايَتِهِ، وَلَكِنْ يَرْفَعُ الْوَصِيُّ ذَلِكَ إلَى السُّلْطَانِ، فَيُقَدِّمُ لِلْمُوَلَّى عَلَيْهِ مَنْ يُقَاسِمُ الْوَصِيَّ، فَإِذَا عَرَفَ حَظَّ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ رَجَعَ النَّظَرُ فِيهِ إلَى الْوَصِيِّ هَذَا إذَا كَانَتْ الْقِسْمَةُ يُعْرَفُ فِيهَا نَصِيبُ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ عَلَى الِانْفِرَادِ وَلَوْ أَخَذَ الْوَصِيُّ نَصِيبَهُ، وَنَصِيبَ مَنْ يَنْظُرُ لَهُ عَلَى الْإِشَاعَةِ وَيَكُونُ نَصِيبُ مَنْ يُقَاسِمُهُ مِمَّنْ لَيْسَ فِي وِلَايَتِهِ يَأْخُذُهُ عَلَى الِانْفِرَادِ لَجَازَ فِعْلُ الْوَصِيِّ فِي ذَلِكَ إذَا كَانَتْ قِسْمَتُهُمْ عَلَى الْمُرَاضَاةِ بِلَا تُهْمَةٍ هَذَا الَّذِي تَعَلَّمْنَاهُ، وَسَمِعْنَاهُ. (وَفِي الْمُتَيْطِيَّةِ) وَإِذَا كَانَتْ دَارٌ أَوْ ضَيْعَةٌ بَيْنَ شُرَكَاءَ، وَغَابَ أَحَدُهُمَا، وَادَّعَى الْبَاقُونَ الْقِسْمَةَ فَإِنَّ الْقَاضِيَ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ الْحُكَّامِ يَقْسِمُ عَلَيْهِ، وَلَا يَجُوزُ قَسْمُ صَاحِبِ الشُّرْطَةِ عَلَيْهِ قَالَهُ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ، وَغَيْرُهُمَا وَبِهِ الْقَضَاءُ، وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ قَوْلُهُ: " فَإِنْ يَكُنْ " أَيْ الْوَصِيُّ وَقَوْلُهُ: " فِي قِسْمَةٍ " الْمُنَاسِبُ فِي مَقْسُومٍ وَضَمِيرُ " وَمَنْعُهُ " لِلْوَصِيِّ وَضَمِيرُ " مِنْهَا " لِلْقِسْمَةِ وَضَمِيرُ " أَخْرَجَهُ " لِنَصِيبِ الْمَحْجُورِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ السِّيَاقُ وَقَوْلُهُ وَيَقْسِمُ الْقَاضِي الْبَيْتَ أَيْ إذَا بَنَيْنَا عَلَى قَوْلِ مَنْ مَنَعَ قِسْمَةَ

الْوَصِيِّ مَعَ مَحْجُورِهِ الْمُتَقَدِّمِ فِي قَوْلِهِ: " فَمَنْعُهُ مِنْهَا اشْتُهِرْ "، فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَقْسِمُ عَلَى الصَّغِيرِ، أَوْ يُقَدِّمُ مَنْ يَقْسِمُ لَهُ وَضَمِيرُ " لَهُ " لِقَسْمِ الْقَاضِي قَالَ النَّاظِمُ. : وَحَيْثُ كَانَ الْقَسْمُ لِلْقُضَاةِ ... فَبَعْدَ إثْبَاتٍ لِمُوجِبَاتِ وَيُتْرَكُ الْقَسْمُ عَلَى الْأَصَاغِرْ ... لِحَالِ رُشْدٍ أَوْ لِوَجْهٍ ظَاهِرْ (قَالَ الشَّارِحُ) : وَحَيْثُ يَكُونُ الْقَسْمُ كَمَا قِيلَ لِلْقَضَاءِ فَإِنَّ ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ يَثْبُتَ لَدَيْهِمْ مُوجِبَاتُ الْمَوْتِ، وَالْوِرَاثَةِ، وَالْمَالِ، وَالْمِلْكِ لِلْمَوْرُوثِ فِي الْمَقْسُومِ إلَى أَنْ وَرِثَتْهُ وَرَثَتُهُ، وَإِهْمَالِ هَؤُلَاءِ الْيَتَامَى، وَإِثْبَاتِ غَيْبَةِ هَذَا الْغَائِبِ، وَطَلَبٍ مِنْ شَرِيكِ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ تَجِبُ الْقِسْمَةُ عَلَيْهِمْ لِحَقِّهِ فِيهَا، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الْمُوجِبَاتِ الْمُتَقَدِّمَةِ عَلَى الْقِسْمَةِ عَادَةً فِي الطَّرِيقَةِ التَّوْثِيقِيَّةِ وَيُتْرَكُ الْقَسْمُ عَلَى الْأَصَاغِرِ إذَا لَمْ تَدْعُ لَهُ دَاعِيَةٌ لِحَالِ رُشْدِهِمْ، أَوْ لِوَجْهٍ ظَاهِرٍ مِنْ الْمَصْلَحَةِ لَهُمْ فِي الْقَسْمِ، وَإِفْرَادِهِمْ لِحَظِّهِمْ مِنْ الْمَالِ اهـ. وَاللَّامُ فِي " لِحَالِ " " وَ " لِوَجْهٍ " لِلْغَايَةِ أَيْ يُتْرَكُ الْقَسْمُ عَلَى الْأَصَاغِرِ إلَى أَحَدِ أَمْرَيْنِ: إمَّا أَنْ يَتَرَشَّدُوا، وَيُطْلَقُوا مِنْ وَثَاقِ الْحَجْرِ، فَيَقْسِمُوا لِأَنْفُسِهِمْ إنْ شَاءُوا، وَإِمَّا أَنْ تَظْهَرَ مَصْلَحَةٌ لِلْأَصَاغِرِ فِي الْقِسْمَةِ، فَيَقْسِمَ عَنْهُمْ وَلِيُّهُمْ، أَوْ الْقَاضِي قَالَ النَّاظِمُ. وَمَنْ دَعَا لِبَيْعِ مَا لَا يَنْقَسِمْ ... لَمْ يُسْمَعْ إلَّا حَيْثُ إضْرَارٌ حُتِمْ مِثْلُ اشْتِرَاكِ حَائِطٍ أَوْ دَارِ ... لَا كَالرَّحَى وَالْفُرْنِ فِي الْمُخْتَارِ وَكُلُّ مَا قِسْمَتُهُ تَعَذَّرْ ... تُمْنَعُ كَاَلَّتِي بِهَا تَضَرَّرْ الْمُنَاسِبُ لِلتَّرْتِيبِ الطَّبِيعِيِّ تَقْدِيمُ الْبَيْتِ الثَّالِثِ عَلَى اللَّذَيْنِ قَبْلَهُ إلَّا أَنَّ تَأْخِيرَهُ كَمَا فَعَلَ النَّاظِمُ هُوَ الْمُنَاسِبُ لِمَا بَعْدَهُ يَلِيهِ، وَذَلِكَ أَنَّ الشَّيْءَ الْمُشْتَرَكَ إمَّا أَنْ لَا يَقْبَلَ الْقِسْمَةَ رَأْسًا كَالْعَبْدِ، وَالْيَاقُوتَةِ، وَنَحْوِهِمَا أَوْ يَقْبَلَهَا بِضَرَرٍ كَالْخُفَّيْنِ، وَالثَّوْبِ، وَنَحْوِهِمَا وَالْحُكْمُ فِي الْقِسْمَيْنِ مَنْعُ قِسْمَتِهِ وَعَلَى هَذَا نَبَّهَ بِالْبَيْتِ الثَّالِثِ فَقَوْلُهُ: " تَعَذَّرْ " هُوَ عَلَى حَذْفِ إحْدَى التَّاءَيْنِ وَقَوْلُهُ: " تُمْنَعُ " هُوَ خَبَرُ كُلُّ. وَالتَّشْبِيهُ فِي قَوْلِهِ: " كَاَلَّتِي بِهَا تَضَرَّرْ " فِي مَنْعِ الْقِسْمَةِ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: " قَالَ مَالِكٌ فِي الْجِذْعِ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ أَرَادَ أَحَدُهُمَا قِسْمَتَهُ وَأَبَى ذَلِكَ صَاحِبُهُ ": " لَا يُقْسَمُ بَيْنَهُمَا " قَالَ مَالِكٌ: " وَالثَّوْبُ لَا يُقْسَمُ بَيْنَهُمَا إلَّا أَنْ يَجْتَمِعَا عَلَى ذَلِكَ " (قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ) : " وَالْفَصُّ، وَالْيَاقُوتَةُ، وَاللُّؤْلُؤَةُ، وَالْخَاتَمُ هَذَا كُلُّهُ لَا يُقْسَمُ عِنْدَ مَالِكٍ اهـ. ثُمَّ مَا لَا يَنْقَسِمُ تَوْجِيهُهُ إنْ لَمْ يَتَوَافَقْ الشَّرِيكَانِ عَلَى الِانْتِفَاعِ بِهِ مُشْتَرَكًا وَالْفَرْضُ أَنَّهُ لَا يَنْقَسِمُ وَدَعَا أَحَدُهُمَا إلَى الْبَيْعِ، فَإِنْ كَانَ هَذَا الْمُشْتَرَكُ مِمَّا يُقْصَدُ الِانْتِفَاعُ بِعَيْنِهِ، وَفِي الِاشْتِرَاكِ فِيهِ ضَرَرٌ كَالدَّارِ، وَالْحَائِطِ، فَإِنَّهُ يُجَابُ إلَيْهِ، وَتُسْمَعُ دَعْوَاهُ وَإِنْ كَانَ مِمَّا يُقْصَدُ الِانْتِفَاعُ بِخَرَاجِهِ كَالْفُرْنِ، الرَّحَى فَلَا تُسْمَعُ دَعْوَى مَنْ دَعَا إلَى الْبَيْعِ إذْ لَا ضَرَرَ فِي بَقَائِهِ مُشْتَرَكًا وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِالْبَيْتَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ (قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ) : إذَا دَعَا بَعْضُ الشُّرَكَاءِ إلَى بَيْعِ مَا لَا يَنْقَسِمُ أُجْبِرَ عَلَيْهِ مَنْ أَبَاهُ ثُمَّ لِلْآبِي أَخْذُ الْجَمِيعِ بِمَا يُعْطِي فِيهِ وَسَوَاءٌ كَانَتْ

شَرِكَتُهُمْ بِمُورَثٍ أَوْ شِرَاءً أَوْ غَيْرَهُمَا اهـ. وَقَوْلُهُ: ثُمَّ لِلْآبِي أَخْذُ الْجَمِيعِ بِمَا يُعْطِي فِيهِ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: فَأَخَذُوا مِنْهَا أَنْ لَيْسَ لِطَالِبِ الْبَيْعِ أَخْذُهُ إلَّا بِزِيَادَةٍ عَلَى مَا وُقِفَ عَلَيْهِ مِنْ الثَّمَنِ. اهـ وَاَلَّذِي أَفْتَى بِهِ ابْنُ رُشْدٍ: أَنَّ رِبَاعَ الْغَلَّاتِ لَا يُحْكَمُ بِبَيْعِ حَظِّ مَنْ أَبَى الْبَيْعَ اهـ. مِنْ الْمَوَّاقِ (وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ) : وَلَا يُحْكَمُ بِبَيْعِ مَا لَا يَنْقَسِمُ، وَلَا مُقَاوَمَتُهُ إذَا دَعَا إلَى ذَلِكَ بَعْضُ الْأَشْرَاكِ أَوْ مَنْ دَعَاهُ مِنْهُمْ إلَّا فِيمَا فِي الشَّرِكَةِ فِيهِ ضَرَرٌ بَيِّنٌ كَالدَّارِ، وَالْحَائِطِ، وَأَمَّا مِثْلُ الْحَمَّامِ، وَالرَّحَى، وَشِبْهِهِمَا مِمَّا هُوَ لِلْغَلَّةِ، فَلَا سَبِيلَ إلَى إجْبَارِ مَنْ أَبَى مِنْهُمْ عَلَى الْبَيْعِ، أَوْ الْمُقَاوَمَةِ اهـ. وَهَذَا كُلُّهُ فِيمَا لَا يَنْقَسِمُ وَأَمَّا مَا يَنْقَسِمُ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ وَإِذَا دَعَا أَحَدُ الْأَشْرَاكِ إلَى قَسْمِ مَا يَنْقَسِمُ مِنْ رِيعٍ أَوْ حَيَوَانٍ أَوْ عَرَضٍ وَشَرِكَتُهُمْ بِمُورَثٍ أَوْ غَيْرِهِ أُجْبِرَ عَلَى الْقَسْمِ مَنْ أَبَاهُ، فَإِنْ لَمْ يَنْقَسِمْ ذَلِكَ، فَمَنْ دَعَا إلَى الْبَيْعِ أُجْبِرَ عَلَيْهِ مَنْ أَبَاهُ ثُمَّ لِلْآبِي أَخْذُ الْجَمِيعِ بِمَا يُعْطِي فِيهِ اهـ. وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا. وَيَحْكُمُ الْقَاضِي بِتَسْوِيقٍ وَمَنْ ... يُرِيدُ أَخْذَهُ يَزِيدُ فِي الثَّمَنْ وَإِنْ أَبَوْا قَوَّمَهُ أَهْلُ الْبَصَرْ ... وَآخِذٌ لَهُ يُقَضِّي مَنْ يَذَرْ وَإِنْ أَبَوْا بِيعَ عَلَيْهِمْ بِالْقَضَا ... وَاقْتَسَمُوا الثَّمَنَ كَرْهًا أَوْ رِضَا لَمَّا قَدَّمَ فِي الْبَيْتِ قَبْلَ هَذِهِ يَلِيهَا أَنَّ مَا تَتَعَذَّرُ قِسْمَتُهُ، أَوْ مَا فِي قِسْمَتِهِ ضَرَرٌ لَا يُقْسَمُ وَقَدَّمَ فِي الْبَيْتَيْنِ قَبْلَهُ أَنَّ مَنْ دَعَا لِبَيْعِ مَا لَا يَنْقَسِمُ فَإِنَّهُ يُجَابُ إلَى ذَلِكَ إذَا كَانَ مِمَّا فِي الشَّرِكَةِ فِيهِ ضَرَرٌ ذَكَرَ فِي هَذِهِ الْأَبْيَاتِ كَيْفِيَّةَ الْعَمَلِ فِي بَيْعِ مَا يُجَابُ إلَى بَيْعِهِ، فَذَكَرَ أَنَّ الْقَاضِيَ يَحْكُمُ بِتَسْوِيقِهِ بَيْنَهُمَا إنْ كَانَا اثْنَيْنِ أَوْ بَيْنَهُمْ إنْ كَانُوا أَكْثَرَ، وَمَنْ يُرِيدُ أَخْذَهُ يَزِيدُ فِي الثَّمَنِ عَلَى صَاحِبِهِ فَإِنْ أَبَوْا مِنْ الْمُقَاوَاةِ فِيمَا بَيْنَهُمْ قَوَّمَهُ أَهْلُ الْبَصَرِ بَعْدَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ تَسْوِيقِهِ وَيَأْخُذُهُ بِذَلِكَ الثَّمَنِ مَنْ أَبَى الْبَيْعَ مِنْهُمَا وَيَقْضِي هَذَا الْآخِذُ مَنْ أَرَادَ الْبَيْعَ قَالَ الشَّارِحُ وَهُوَ الَّذِي عَبَّرَ عَنْهُ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِمَنْ يَذَرْ يَعْنِي مَنْ يَتْرُكُ حَظَّهُ لِلْبَيْعِ وَيَعْنِي بِالْآخِذِ مَنْ أَبَى الْبَيْعَ، أَوْ كَرِهَ مَنْ أَبَى الْبَيْعَ اهـ. فَإِنْ امْتَنَعُوا مِنْ أَخْذِهِ حِينَ عُرِضَ لِلتَّسْوِيقِ بِالزِّيَادَةِ. وَمِنْ أَخْذِهِ بِالْقِيمَةِ الَّتِي قَوَّمَهُ بِهَا أَهْلُ الْبَصَرِ فَإِنَّهُ يُحْكَمُ عَلَيْهِمْ بِبَيْعِهِ، وَقِسْمَةِ ثَمَنِهِ أَحَبُّوا أَمْ كَرِهُوا وَلَمْ أَقِفْ عَلَى الْفِقْهِ الَّذِي عَقَدَهُ النَّاظِمُ فِي هَذِهِ الْأَبْيَاتِ، وَفِي آخِرِ الْقِسْمَةِ مِنْ شِفَاءِ الْعَلِيلِ بَعْضُ مَا يُنَاسِبُ هَذَا الْمَحَلَّ قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: الْمَذْهَبُ فِي هَذَا أَنَّ الْمَبِيعَ إذَا وُقِفَ عَلَى ثَمَنٍ بَعْدَ أَنْ سُوِّقَ جَمِيعُهُ فَمَنْ أَرَادَ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ أَخْذَهُ بِذَلِكَ الثَّمَنِ أَخَذَهُ بِهِ سَوَاءٌ كَانَ طَالِبَ الْبَيْعِ أَوْ طَالِبَ التَّمَسُّكِ وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ وَعَلَيْهِ حَمْلُ مَسْأَلَةِ الْمُدَوَّنَةِ: " أَنَّهُ لَا يَكُونُ أَحَقَّ بِالْمَبِيعِ مِنْهُمَا إلَّا طَالِبُ التَّمَسُّكِ وَحْدَهُ " وَنَفَى أَنْ يَكُونَ أَحَدٌ قَالَ غَيْرَ هَذَا اهـ. (وَفِي الْمُدَوَّنَةِ) وَإِذَا دَعَا أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ إلَى قِسْمَةِ ثَوْبٍ بَيْنَهُمَا لَمْ يُقْسَمْ وَيُقَالُ: لَهُمَا تَقَاوَيَاهُ فِيمَا بَيْنَكُمَا أَوْ بِيعَاهُ فَإِذَا اسْتَقَرَّا عَلَى ثَمَنٍ فَلِمَنْ أَبَى الْبَيْعَ أَخْذُهُ وَإِلَّا بِيعَ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ: " مَعْنَى تَقَاوَيَاهُ تَزَايَدَا فِيهِ " يُرِيدُ بِرِضَاهُمَا، وَمَعْنَى تَبِعَاهُ عَرَضَاهُ لِلْمُسَاوَمَةِ وَقَالَ الْبَاجِيُّ: إنْ أَرَادُوا الْمُقَاوَاةَ جَازَ وَلَا يُجْبَرُ عَلَيْهَا مَنْ أَبَى وَمَنْ دَعَا إلَى الْبَيْعِ أَجْبَرَ عَلَيْهِ مَنْ أَبَى وَقِيلَ لَهُ خُذْ حَظَّهُ بِمَا أَعْطَى وَإِلَّا بِيعَ مِنْهُ وَقَالَ أَبُو عُمَرَ فِي كَافِيهِ: وَمَا كَانَ مِثْلَ الدَّابَّةِ، وَالْعَبْدِ، وَالسَّفِينَةِ، وَمَا لَا يُمْكِنُ قَسْمُهُ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ أُجْبِرُوا عَلَى التَّقَاوِي أَوْ الْبَيْعِ وَصَاحِبُهُ أَوْلَى بِهِ بِأَقْصَى مَا يَبْلُغُ فِي النِّدَاءِ إنْ أَرَادَهُ اهـ. فَانْظُرْ قَوْلَ أَبِي عُمَرَ: " أُجْبِرُوا عَلَى التَّقَاوِي " مَعَ قَوْلِ أَبِي الْحَسَنِ الصَّغِيرِ: " تَزَايَدَا فِيهِ بِرِضَاهُمَا " وَقَوْلِ الْبَاجِيِّ: " وَلَا يُجْبَرُ عَلَيْهَا مَنْ أَبَى " فَفِي الْإِجْبَارِ عَلَى الْمُقَاوَاةِ إذًا قَوْلَانِ. (وَفِي الْمُتَيْطِيَّةِ) وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يَنْقَسِمُ بِيعَ عَلَيْهِمْ إلَّا أَنْ يُرِيدَ مَنْ كَرِهَ الْبَيْعَ أَنْ يَأْخُذَ ذَلِكَ بِمَا يُعْطِي فِيهِ فَيَكُونَ ذَلِكَ لَهُ ثُمَّ قَالَ قَالَ الْبَاجِيُّ فِي وَثَائِقِهِ: " وَيَكُونُ أَحَقَّ بِهِ ". (قَالَ ابْنُ عَبْدُوسٍ) عَنْ سَحْنُونٍ: " فَإِنْ اخْتَلَفُوا فِي أَخْذِهِ بَعْدَ بُلُوغِهِ فِي النِّدَاءِ ثَمَنًا مَا، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَنَا آخُذُ، وَقَالَ الْآخَرُ: أَنَا آخُذُ فَإِنَّهُمَا يَتَزَايَدَانِ " قَالَ غَيْرُهُ فِي الْمَجْمُوعَةِ: فَإِنْ قَالَ بَعْضُهُمْ: نَتَزَايَدُ فِيهِ، وَقَالَ

بَعْضُهُمْ: يُقَوِّمُهُ بَيْنَنَا أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ، وَالْعَدْلِ، فَمَنْ كَانَ دَعَا إلَى الْمُزَايَدَةِ فَذَلِكَ لَهُ قَالَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ: إذَا طَلَبَ أَحَدُهُمْ الْمُزَايَدَةَ، وَالْآخَرُ الْبَيْعَ نُودِيَ عَلَى السِّلْعَةِ، فَإِذَا بَلَغَتْ ثَمَنًا كَانَ لِصَاحِبِ الْمُزَايَدَةِ أَخْذُهَا بِذَلِكَ إلَّا أَنْ يَزِيدَ عَلَيْهِ الْآخَرُ، فَيَتَزَايَدَ فِيهَا حَتَّى يُسَلِّمَهَا أَحَدُهُمْ لِصَاحِبِهِ بِالزِّيَادَةِ فَتَلْزَمَهُ. انْتَهَى. وَالرَّدُّ لِلْقِسْمَةِ حَيْثُ يُسْتَحَقْ ... مِنْ حِصَّةٍ غَيْرُ يَسِيرٍ مُسْتَحَقَّ يَعْنِي أَنَّ الشُّرَكَاءَ إذَا قَسَمُوا، ثُمَّ اُسْتُحِقَّ مِنْ حِصَّةِ أَحَدِهِمْ غَيْرُ الْيَسِيرِ، فَإِنَّ الْقِسْمَةَ تُفْسَخُ، وَتُرَدُّ قَالَ الشَّارِحُ: " وَغَيْرُ الْيَسِيرِ هُوَ الثُّلُثُ " ثُمَّ قَالَ: لَمْ يُبَيِّنِ الْمُؤَلِّفُ مِقْدَارَ الْيَسِيرِ الَّذِي لَا يُوجِبُ الرَّدَّ مِنْ الْكَثِيرِ الَّذِي يُوجِبُهُ، وَفِي هَذَا الْبَابِ مِنْ التَّهْذِيبِ: وَاسْتِحْقَاقُ النِّصْفِ، وَالثُّلُثِ فِيهِمَا كَثِيرٌ يُوجِبُ لَهُ رَدَّ بَقِيَّتِهَا، أَوْ حَبْسَهُ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ اهـ. وَهُوَ مُوَافِقٌ لِقَوْلِ الشَّيْخِ خَلِيلٍ: " وَإِنْ اُسْتُحِقَّ نِصْفٌ أَوْ ثُلُثٌ خُيِّرَ لَا رُبُعٌ وَفُسِخَتْ فِي الْأَكْثَرِ " قَالَ الْحَطَّابُ: ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَحَقُّ شَائِعًا مِنْ جَمِيعِ الْمَقْسُومِ أَوْ مِنْ حِصَّةِ أَحَدِهِمْ أَوْ مُعَيَّنًا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا هَذَا الْحُكْمُ فِيمَا إذَا اُسْتُحِقَّ مُعَيَّنٌ أَوْ شَائِعٌ مِنْ حِصَّةِ أَحَدِهِمْ فَيُفَصَّلُ فِيهِ عَلَى مَا ذُكِرَ وَفِيهِ مَا نَبَّهَ عَلَيْهِ ابْنُ غَازِيٍّ وَغَيْرُهُ وَأَمَّا إذَا اُسْتُحِقَّ جُزْءٌ شَائِعٌ مِنْ جَمِيعِ الْمَقْسُومِ، فَلَا كَلَامَ لِأَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ عَلَى صَاحِبِهِ لِأَنَّهُ اُسْتُحِقَّ مِنْ نَصِيبِ أَحَدِهِمَا مِثْلُ مَا اُسْتُحِقَّ مِنْ نَصِيبِ الْآخَرِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ وَقَدْ أَشَارَ إلَى ذَلِكَ ابْنُ الْحَاجِبِ بِقَوْلِهِ: " وَإِنْ اُسْتُحِقَّ بَعْضٌ مُعَيَّنٌ ". وَاعْلَمْ أَنَّ مَسْأَلَةَ وُجُودِ الْعَيْبِ، وَالِاسْتِحْقَاقِ بِبَعْضِ الْأَنْصِبَاءِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ قَالَ عِيَاضٌ فِي التَّنْبِيهَاتِ: جَاءَتْ فِيهَا أَلْفَاظٌ مُشْكِلَةٌ، وَأَجْوِبَةٌ مُخْتَلِفَةٌ، وَمَقَالَاتٌ مُطْلَقَةٌ اُضْطُرِرْتُ بِسَبَبِهَا إلَى تَأْوِيلِ كَلَامِ الشُّيُوخِ، وَمَذَاهِبِهِمْ فِي تَحْقِيقِ مَذْهَبِهِ فِي ذَلِكَ اهـ. وَقَدْ لَخَّصَ فِي اللُّبَابِ مِنْ ذَلِكَ كَلَامًا وَمَا نَصُّهُ وَإِذَا وَقَعَ الِاسْتِحْقَاقُ فِي شَائِعٍ لَمْ يُنْقَضْ الْقَسْمُ، وَاتَّبَعَ الْمُسْتَحِقُّ كُلَّ وَارِثٍ بِقَدْرِ مَا صَارَ مِنْ حَقِّهِ، وَلَا يُتَّبَعُ الْمَلِيُّ عَنْ الْمُعْدِمِ، وَإِنْ اُسْتُحِقَّ نَصِيبُ أَحَدِهِمْ بِعَيْنِهِ، فَإِنْ اُسْتُحِقَّ جَمِيعُهُ رَجَعَ فِيمَا بِيَدِ شَرِيكِهِ كَأَنَّ الْمَيِّتَ لَمْ يَتْرُكْ غَيْرَهُ وَإِنْ اُسْتُحِقَّ بَعْضُهُ فَثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ لِابْنِ الْقَاسِمِ قَالَ مَرَّةً: يُنْقَضُ الْقَسْمُ كُلُّهُ إنْ كَانَ الْمُسْتَحَقُّ كَثِيرًا وَإِنْ كَانَ يَسِيرًا رَجَعَ بِقِيمَتِهِ وَقَالَ مَرَّةً: يَرْجِعُ فَيُسَاوِي صَاحِبَهُ فِيمَا بِيَدِهِ بِقَدْرِ نِصْفِ ذَلِكَ كَانَ الْمُسْتَحَقُّ كَثِيرًا أَوْ قَلِيلًا وَقَالَ مَرَّةً يَنْتَقِضُ فِي الْكَثِيرِ، وَيَرْجِعُ فِي الْيَسِيرِ شَرِيكًا انْتَهَى كَلَامُ الْحَطَّابِ، وَرَاجِعْ كَلَامَ الْحَطَّابِ عِنْدَ قَوْلِهِ فِي الْبُيُوعِ: أَوْ اُسْتُحِقَّ شَائِعٌ وَإِنْ قَلَّ. وَانْظُرْ قَوْلَهُ إنَّهُ إذَا اُسْتُحِقَّ شَائِعٌ لَمْ يُنْقَضْ الْقَسْمُ وَاتَّبَعَ الْمُسْتَحِقُّ كُلَّ وَارِثٍ إلَخْ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ وَالْمُسْتَحِقُّ حَيْثُ صَارَ نَصِيبُهُ مُوَزَّعًا بَعْضُهُ فِي نَصِيبِ هَذَا الْوَارِثِ وَبَعْضُهُ فِي نَصِيبِ الْآخَرِ. وَالْغَبْنُ مَنْ يَقُومُ فِيهِ بُعْدَا ... أَنْ طَالَ وَاسْتَغَلَّ قَدْ تَعَدَّى يَعْنِي أَنَّ الشُّرَكَاءَ إذَا قَسَمُوا، وَاسْتَغَلَّ كُلُّ وَاحِدٍ نَصِيبَهُ، وَطَالَ الْأَمَدُ ثُمَّ قَامَ أَحَدُهُمْ بِالْغَبْنِ حَيْثُ يَكُونُ لَهُ الْقِيَامُ لَوْ قَامَ بِقُرْبِ الْقِسْمَةِ وَذَلِكَ فِي الْوَجْهَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ فَقَدْ تَعَدَّى فِي قِيَامٍ وَلَا قِيَامَ لَهُ وَلَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ وَالطُّولُ فِي ذَلِكَ السَّنَةُ، وَكَذَلِكَ يُفِيتُ الْقِيَامَ بِالْغَبْنِ الْبِنَاءُ، وَالْغَرْسُ. (قَالَ فِي طُرَرِ ابْنِ عَاتٍ) : قَالَ أَبُو إبْرَاهِيمَ: " لَا يُقَامُ بِالْغَبْنِ إلَّا بِقُرْبِ الْقِسْمَةِ وَأَمَّا بَعْدَ طُولٍ وَاسْتِغْلَالٍ فَلَا قِيَامَ فِي ذَلِكَ ". وَالْمُدَّعِي لِقِسْمَةِ الْبَتَاتِ ... يُؤْمَرُ فِي الْأَصَحِّ بِالْإِثْبَاتِ

يَعْنِي أَنَّهُ إذَا كَانَ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ يَغْتَلُّ طَرَفًا مِنْ الشَّيْءِ الْمُشْتَرَكِ ثُمَّ اخْتَلَفَا فَتَارَةً يَتَّفِقَانِ عَلَى وُقُوعِ الْقِسْمَةِ، وَيَخْتَلِفَانِ هَلْ كَانَتْ قِسْمَةَ بَتٍّ أَوْ قِسْمَةَ اسْتِغْلَالٍ، وَتَارَةً يَخْتَلِفَانِ فَيَدَّعِي أَحَدُهُمَا الْقَسْمَ وَيَدَّعِي الْآخَرُ عَدَمَ الْقَسْمِ، وَأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ أَخَذَ طَرَفًا يَعْمُرُهُ وَيَنْتَفِعُ بِهِ، وَلَمْ تَقَعْ بَيْنَهُمَا قِسْمَةٌ فَفِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ قَوْلَانِ الْأَصَحُّ مِنْهُمَا: أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ مُدَّعِي قِسْمَةِ الِاسْتِغْلَالِ يَعْنِي مَعَ يَمِينِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ الْأَكْثَرِيَّةَ أَنَّ كُلَّ مَنْ قِيلَ الْقَوْلُ قَوْلُهُ فَهُوَ مَعَ يَمِينِهِ وَمَنْ قِيلَ مُصَدَّقٌ فَبِغَيْرِ يَمِينٍ هَذَا هُوَ الْغَالِبُ، وَقَدْ يَخْتَلِفُ ذَلِكَ. وَمَنْ ادَّعَى قِسْمَةَ الْبَتِّ، فَعَلَيْهِ إثْبَاتُ ذَلِكَ لِكَوْنِهِ مُدَّعِيًا وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ ذَهَبَ النَّاظِمُ وَقِيلَ: الْقَوْلُ قَوْلُ مُدَّعِي الْبَتِّ، وَعَلَى الْآخَرِ إثْبَاتُ كَوْنِ الْقَسْمِ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِغْلَالِ فَقَطْ وَهُوَ مُقَابِلُ الْأَصَحِّ فِي كَلَامِ النَّاظِمِ (قَالَ ابْنُ سَلْمُونٍ) وَإِذَا كَانَ مَالٌ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ، فَادَّعَى أَحَدُهُمَا أَنَّهُمَا اقْتَسَمَاهُ قِسْمَةَ مُتْعَةٍ وَادَّعَى الثَّانِي أَنَّهُمَا اقْتَسَمَاهُ قِسْمَةَ بَتٍّ وَلَا بَيِّنَةَ بَيْنَهُمَا فَقَالَ قَوْمٌ: الْقَوْلُ قَوْلُ مُدَّعِي الْبَتَاتِ مَعَ يَمِينِهِ وَقَالَ آخَرُونَ: الْقَوْلُ قَوْلُ مُدَّعِي الْمُتْعَةِ لِأَنَّهُ يَقُولُ لَمْ أَقْسِمْ ذَكَرَ ذَلِكَ ابْنُ هِشَامٍ فِي كِتَابِهِ قَالَ وَبِذَلِكَ جَرَى الْعَمَلُ وَهُوَ الصَّوَابُ اهـ. وَهَذَا الثَّانِي هُوَ الَّذِي صَحَّحَهُ النَّاظِمُ، وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ هُوَ مُقَابِلُ الْأَصَحِّ عِنْدَهُ وَأَمَّا الْوَجْهُ الثَّانِي حَيْثُ اخْتَلَفَا فِي وُقُوعِ الْقِسْمَةِ فَاقْتَصَرَ ابْنُ سَلْمُونٍ عَلَى أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ مُدَّعِي نَفْيِ الْقِسْمَةِ وَعَلَى مَنْ ادَّعَى الْقَسْمَ الْبَيِّنَةُ، فَإِنْ عَجَزَ حُلِّفَ الْآخَرُ ثُمَّ يَقْتَسِمُونَ إنْ شَاءُوا وَلَفْظُهُ وَإِذَا لَمْ يَتَقَارَرُوا بِالْقَسْمِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ إنَّمَا اقْتَطَعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا أَرْضًا يَعْمُرُهَا مِنْ غَيْرِ قَسْمٍ وَادَّعَى بَعْضُهُمْ الْقَسْمَ فَعَلَى مُدَّعِي الْقَسْمِ الْبَيِّنَةُ، وَإِلَّا فَعَلَى الْآخَرِينَ الْيَمِينُ ثُمَّ يَقْتَسِمُونَ اهـ. وَقَدْ تَلَخَّصَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ مُدَّعِي قِسْمَةِ الِاسْتِغْلَالِ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ عَلَى الْأَصَحِّ وَعَدَمُ الْقِسْمَةِ فِي الْوَجْهِ الثَّانِي وَبَيْتُ النَّاظِمِ يَشْمَلُ الْوَجْهَيْنِ مَعًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لِأَنَّ دَعْوَى قِسْمَةِ الْبَتَاتِ يُقَابِلُهَا أَمْرَانِ دَعْوَى قِسْمَةِ الِاسْتِغْلَالِ وَدَعْوَى عَدَمِ الْقِسْمَةِ رَأْسًا وَلَمْ أَقِفْ الْآنَ عَلَى مُقَابِلِ الْأَصَحِّ فِي الْوَجْهِ الثَّانِي مِنْ كَوْنِ الْقَوْلِ قَوْلَ مُدَّعِي الْقِسْمَةِ حَيْثُ أَنْكَرَهَا الشَّرِيكُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. . وَلَا يَجُوزُ قَسْمُ زَرْعٍ أَوْ ثَمَرْ ... مَعَ الْأُصُولِ وَالتَّنَاهِي يُنْتَظَرْ وَحَيْثُمَا الْإِبَارُ فِيهِمَا عُدِمْ ... فَالْمَنْعُ فِي قِسْمَةِ الْأَصْلِ مُنْحَتِمْ وَمَعَ مَأْبُورٍ يَصِحُّ الْقَسْمُ فِي ... أُصُولِهِ لَا فِيهِ مَعَهَا فَاعْرِفْ وَقَسْمُ غَيْرِ التَّمْرِ خَرْصًا وَالْعِنَبْ ... مِمَّا عَلَى الْأَشْجَارِ مَنْعُهُ وَجَبْ يَعْنِي أَنَّهُ إذَا كَانَ الْمَقْسُومُ أَرْضًا فِيهَا زَرْعٌ، أَوْ أَشْجَارٌ فِيهَا ثِمَارٌ فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ إمَّا أَنْ يُرَادَ قِسْمَةُ الْأُصُولِ، وَالثِّمَارِ مَعًا، وَعَلَيْهِ تَكَلَّمَ فِي الْبَيْتِ الْأَوَّلِ مِنْ هَذِهِ الْأَبْيَاتِ. وَإِمَّا أَنْ يُرَادَ قِسْمَةُ الْأُصُولِ فَقَطْ وَعَلَيْهِ تَكَلَّمَ فِي الْبَيْتِ الثَّانِي، وَالثَّالِثِ وَإِمَّا أَنْ يُرَادَ قِسْمَةُ الثِّمَارِ فَقَطْ، وَعَلَيْهِ تَكَلَّمَ فِي الْبَيْتِ الرَّابِعِ، فَأَمَّا قِسْمَةُ الْأُصُولِ، وَالثِّمَارِ مَعًا فَلَا يَجُوزُ بَلْ تُقْسَمُ الْأُصُولُ عَلَى حِدَتِهَا وَيُنْتَظَرُ بِالثِّمَارِ طِيبُهَا، وَجَوَازُ بَيْعِهَا وَحِينَئِذٍ تُقْسَمُ. (قَالَ فِي التَّهْذِيبِ) وَإِذَا وَرِثَ قَوْمٌ شَجَرًا، أَوْ نَخْلًا وَفِيهَا ثَمَرٌ فَلَا يَقْتَسِمُوا الثَّمَرَ مَعَ الْأُصُولِ وَإِنْ كَانَ الثَّمَرُ بَلَحًا، أَوْ طَلْعًا وَلَا يُقْسَمُ الزَّرْعُ مِنْ الْأَرْضِ وَلَكِنْ تُقْسَمُ الْأَرْضُ، وَالْأُصُولُ، وَتُتْرَكُ الثَّمَرَةُ، وَالزَّرْعُ حَتَّى يَحِلَّ بَيْعُهُمَا فَيَقْسِمُوا ذَلِكَ حِينَئِذٍ كَيْلًا أَوْ يَبِيعُوهُ، وَيَقْسِمُوهُ عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ وَلَا يُقْسَمُ الزَّرْعُ الَّذِي طَابَ فَدَادِينَ لَا مُدَارَعَةً وَلَا قَتًّا وَلَكِنْ كَيْلًا، وَيَدْخُلُ فِي قَسْمِ الزَّرْعِ مَعَ الْأَرْضِ طَعَامٌ، وَأَرْضٌ بِطَعَامٍ وَأَرْضٍ. وَإِنَّمَا يَجُوزُ بَيْعُ الزَّرْعِ مَعَ الْأَرْضِ بِغَبَنٍ أَوْ عَرَضٍ لَا بِطَعَامٍ كَانَ الزَّرْعُ أَقَلَّ مِنْ ثُلُثِ قِيمَةِ الْأَرْضِ أَوْ أَكْثَرَ اهـ. وَمَا ذُكِرَ فِي قِسْمَةِ الثِّمَارِ مِنْ وُجُوبِ التَّأْخِيرِ إلَى الطِّيبِ إنَّمَا ذَلِكَ فِي غَيْرِ الثَّمَرِ، وَالْعِنَبِ أَمَّا هُمَا فَتَجُوزُ قِسْمَتُهُمَا فِي أُصُولِهِمَا بِالتَّحَرِّي. (قَالَ فِي التَّهْذِيبِ) قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَا يُقْسَمُ شَيْءٌ مِمَّا فِي رُءُوسِ الشَّجَرِ مِنْ الْفَوَاكِهِ وَالثِّمَارِ بِالْخَرْصِ

وَإِنْ اخْتَلَفَتْ فِيهِ الْحَاجَةُ إلَّا فِي النَّخْلِ، وَالْعِنَبِ إذَا حَلَّ بَيْعُهُمَا، وَاخْتَلَفَتْ حَاجَةُ أَهْلِهِ كَمَا ذَكَرْنَا لِأَنَّ أَمَرَ النَّاسِ إنَّمَا مَضَى عَلَى الْخَرْصِ فِيهِمَا خَاصَّةً وَسَأَلْت مَالِكًا عَمَّا رُوِيَ عَنْهُ مِنْ إجَازَةِ ذَلِكَ فِي غَيْرِهِمَا مِنْ الْفَوَاكِهِ فَقَالَ: " لَا أَرَى ذَلِكَ ثُمَّ " سَأَلْتُهُ غَيْرَ مَرَّةٍ فَأَبَى أَنْ يُرَخِّصَ لِي اهـ. وَهَذَا الْفِقْهُ كَافٍ فِي حُكْمِ قِسْمَةِ الْأُصُولِ مَعَ الثِّمَارِ، وَفِي قِسْمَةِ الثِّمَارِ وَحْدَهَا فَالْأَوَّلُ مَمْنُوعٌ وَالثَّانِي جَائِزٌ كَمَا تَقَدَّمَ قَرِيبًا. وَأَمَّا قِسْمَةُ الْأُصُولِ وَحْدَهَا الْمُشَارُ لَهَا بِالْبَيْتِ الثَّانِي، وَالثَّالِثِ، فَحَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ النَّاظِمُ فِيهَا أَنَّهُ إنْ كَانَ مَا فِي الْأَرْضِ مِنْ الزَّرْعِ وَمَا فِي الْأَشْجَارِ مِنْ الثِّمَارِ غَيْرَ مَأْبُورٍ فَلَا يَجُوزُ قَسْمُ الْأُصُولِ إذْ ذَاكَ وَإِنْ كَانَ مَأْبُورًا صَحَّتْ الْقِسْمَةُ فِي الْأُصُولِ فَقَطْ كَمَا هُوَ فَرْضُ الْمَسْأَلَةِ فَقَوْلُهُ: وَحَيْثُمَا الْإِبَارُ فِيهِمَا عُدِمْ أَيْ فِي الزَّرْعِ، وَالثِّمَارِ وَضَمِيرُ أُصُولِهِ لِلْمَأْبُورِ وَكَذَلِكَ ضَمِيرُ فِيهِ وَضَمِيرُ مَعَهَا لِلْأُصُولِ. (قَالَ ابْنُ سَلْمُونٍ) : قَالَ ابْنُ فَتْحُونٍ فِي وَثَائِقِهِ فِي الْأَرْضِ الَّتِي يُرَادُ اقْتِسَامُهَا إذَا كَانَ فِيهَا زَرْعٌ مُسْتَكِنٌ أَوْ فِي الْأُصُولِ ثَمَرَةٌ ظَاهِرَةٌ غَيْرُ مَأْبُورَةٍ: فَلَا تَجُوزُ الْقِسْمَةُ فِي الْأَرْضِ وَالْأُصُولِ بِحَالٍ حَتَّى تُؤَبَّرَ الثَّمَرَةُ، وَيَظْهَرَ الزَّرْعُ لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا يَجُوزُ اسْتِثْنَاؤُهُ حَكَى ذَلِكَ سَحْنُونٌ فِي الثَّمَرِ قَالَ ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ: " وَهُوَ بَيِّنٌ صَحِيحٌ عَلَى أُصُولِهِمْ " وَالزَّرْعُ عِنْدِي مِثْلُهُ وَإِنْ كَانَ الزَّرْعُ ظَاهِرًا أَوْ الثَّمَرُ مَأْبُورًا قُسِمَتْ الْأَرْضُ وَالْأُصُولُ خَاصَّةً وَلَا تَجُوزُ قِسْمَةُ الزَّرْعِ، وَالثَّمَرِ مَعَهَا، وَيَبْقَى ذَلِكَ حَتَّى يَصِيرَ الزَّرْعُ حَبًّا، وَتُجَذَّ الثَّمَرَةُ، فَيُقْسَمُ ذَلِكَ بِالْكَيْلِ وَلَا يَجُوزُ اقْتِسَامُ شَيْءٍ مِمَّا فِي رُءُوسِ النَّخِيلِ بِالْخَرْصِ عَلَى الْمَنْصُوصِ عَنْ مَالِكٍ إلَّا الثَّمَرَ، وَالْعِنَبَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ قِسْمَتُهَا بِالْخَرْصِ إذَا دَخَلَ بَيْعُهُ عَلَى وَجْهِ الرُّخْصَةِ إذَا اخْتَلَفَتْ أَغْرَاضُ الشُّرَكَاءِ فِيهِ فَإِنْ لَمْ تَخْتَلِفْ فَلَا يَجُوزُ فَإِنْ تُرِكَ ذَلِكَ حَتَّى أَزْهَى بَطَلَتْ الْقِسْمَةُ فِيهِ. (قَالَ ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ) وَلِابْنِ الْمَاجِشُونِ وَأَشْهَبَ: أَنَّ كُلَّ مُدَّخَرٍ مِنْ الثِّمَارِ لَا بَأْسَ بِاقْتِسَامِهِ بِالْخَرْصِ إذَا اخْتَلَفَتْ الْحَاجَةُ إلَيْهِ اهـ. . وَيُنْقَضُ الْقَسْمُ لِوَارِثٍ ظَهَرْ ... أَوْ دَيْنٍ أَوْ وَصِيَّةٍ فِيمَا اشْتَهَرْ إلَّا إذَا مَا الْوَارِثُونَ بَاءُوا ... بِحَمْلِ دَيْنٍ فَلَهُمْ مَا شَاءُوا إذَا قَسَمَ الشُّرَكَاءُ ثُمَّ ظَهَرَ فِي نَصِيبِ أَحَدِهِمْ مَا يَقْتَضِي نَقْضَ الْقِسْمَةِ وَذَلِكَ خَمْسَةُ أَشْيَاءَ. (قَالَ فِي التَّوْضِيحِ) : الطَّوَارِئُ عَلَى الْقِسْمَةِ خَمْسَةٌ: الْعَيْبُ، وَالِاسْتِحْقَاقُ، وَالدَّيْنُ، وَظُهُورُ وَارِثٍ، وَظُهُورُ مُوصًى لَهُ. وَتَكَلَّمَ - أَيْ ابْنُ الْحَاجِبِ - عَلَيْهَا الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ اهـ. وَقَدَّمَ النَّاظِمُ الْكَلَامَ عَلَى الِاسْتِحْقَاقِ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ عَلَى الْعَيْبِ وَذَكَرَ هُنَا الثَّلَاثَةَ الْبَوَاقِيَ وَهِيَ ظُهُورُ الْوَارِثِ وَالدَّيْنِ وَالْوَصِيَّةِ وَقَدْ نَوَّعَ صَاحِبُ الْمُقَدِّمَاتِ هَذِهِ الثَّلَاثَةَ إلَى أَحَدَ عَشَرَ وَجْهًا ذَكَرَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ مِنْهَا ثَمَانِيَةً؛ أَرْبَعَةً فِي قَوْلِهِ: كَطُرُوِّ غَرِيمٍ، أَوْ مُوصًى لَهُ بِعَدَدٍ عَلَى وَرَثَةٍ أَوْ عَلَى وَارِثٍ وَمُوصًى لَهُ بِالثُّلُثِ. الْأَوَّلُ مِنْهَا: أَنْ يَطْرَأَ غَرِيمٌ عَلَى الْوَرَثَةِ بَعْدَ أَنْ اقْتَسَمُوا التَّرِكَةَ. الثَّانِي: أَنْ يَطْرَأَ مُوصًى لَهُ بِعَدَدٍ عَلَى الْوَرَثَةِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ أَيْضًا. الثَّالِثُ: أَنْ يَطْرَأَ غَرِيمٌ عَلَى الْوَرَثَةِ وَالْمُوصَى لَهُمْ بِالثُّلُثِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ أَيْضًا. الرَّابِعُ أَنْ يَطْرَأَ مُوصًى لَهُ بِعَدَدٍ عَلَى الْوَرَثَةِ وَالْمُوصَى لَهُمْ بِالثُّلُثِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ أَيْضًا، وَذَكَرَ أَنَّ الْحُكْمَ فِي الصُّوَرِ كُلِّهَا نَقْضُ الْقِسْمَةِ لِأَنَّهُ شَبَّهَهَا بِقَوْلِهِ وَفُسِخَتْ فِي الْأَكْثَرِ لَكِنَّهُ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا كَانَ الْمَقْسُومُ دَارًا وَنَحْوَهَا وَأَمَّا إنْ كَانَ عَيْنًا مِثْلِيًّا فَلَا تُنْقَضُ الْقِسْمَةُ بَلْ يَرْجِعُ الطَّارِئُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ بِمَا يَنُوبُهُ مِمَّا فِي يَدِهِ وَلِذَلِكَ قَالَ: " وَالْمَقْسُومُ كَدَارٍ " وَإِنْ كَانَ عَيْنًا أَوْ مِثْلِيًّا رَجَعَ عَلَى كُلِّ حَالٍ. (قَالَ الْحَطَّابُ) : وَيُشْتَرَطُ فِي نَقْضِ الْقِسْمَةِ إذَا كَانَ الْمَقْسُومُ كَدَارٍ أَنْ لَا يَدْفَعَ الْوَرَثَةُ يُرِيدُ أَوْ أَحَدُهُمْ جَمِيعَ الدَّيْنِ فَإِنْ دَفَعُوا الدَّيْنَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ أَوْ دَفَعَهُ بَعْضُهُمْ لَمْ تَنْتَقِضْ الْقِسْمَةُ، وَكَذَلِكَ إذَا دَفَعُوا الْعَدَدَ الْمُوصَى بِهِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ لَمْ تَنْتَقِضْ الْقِسْمَةُ وَهَذَا الشَّرْطُ يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَإِنْ دَفَعَ جَمِيعُ الْوَرَثَةِ مَضَتْ اهـ. حَاصِلُهُ أَنَّ مَا ذَكَرَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ مِنْ نَقْضِ الْقِسْمَةِ مُقَيَّدٌ بِأَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونُ الْمَقْسُومُ دَارًا وَعَبْدًا وَثِيَابًا وَنَحْوَهَا، وَأَمَّا إنْ كَانَ عَيْنًا أَوْ مِثْلِيًّا فَلَا تُنْقَضُ بَلْ يَرْجِعُ الطَّارِئُ عَلَى كُلِّ

وَاحِدٍ بِمَا يَنُوبُهُ الثَّانِي أَنْ لَا يَدْفَعَ الْوَرَثَةُ الدَّيْنَ أَوْ الْعَدَدَ الْمُوصَى بِهِ فَإِنْ دَفَعُوا أَوْ بَعْضُهُمْ ذَلِكَ لَمْ تَنْتَقِضْ الْقِسْمَةُ أَيْضًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ثُمَّ ذَكَرَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ الْأَرْبَعَةَ الْأُخْرَى فِي قَوْلِهِ: وَإِنْ طَرَأَ غَرِيمٌ أَوْ وَارِثٌ أَوْ مُوصًى لَهُ عَلَى مِثْلِهِ أَوْ مُوصًى لَهُ بِجُزْءٍ عَلَى وَارِثٍ اتَّبَعَ كُلًّا بِحِصَّتِهِ. الْأَوَّلُ مِنْهَا: طُرُوُّ غَرِيمٍ عَلَى غَرِيمٍ. الثَّانِي: طُرُوُّ وَارِثٍ عَلَى وَارِثٍ. الثَّالِثُ: أَنْ يَطْرَأَ مُوصًى لَهُ عَلَى مُوصًى لَهُ لِأَنَّ قَوْلَهُ: عَلَى مِثْلِهِ يَتَنَازَعُ فِيهِ الثَّلَاثَةُ قَبْلَهُ. الرَّابِعُ طُرُوُّ مُوصًى لَهُ بِجُزْءٍ عَلَى وَارِثٍ وَحُكْمُ الصُّوَرِ الْأَرْبَعِ أَنَّ الطَّارِئَ يَتَّبِعُ كُلًّا بِحِصَّتِهِ قَالَ الْحَطَّابُ: هَذَا إذَا كَانَ الْمَقْسُومُ عَيْنًا، وَأَمَّا إنْ كَانَ دَارًا فَإِنَّ لِلْوَارِثِ نَقْضَ الْقِسْمَةِ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَابْنُ الْحَاجِبِ قَالَ الْحَطَّابُ: وَبَقِيَ مِنْ الْأَحَدَ عَشَرَ نَوْعًا الَّتِي فِي الْمُقَدِّمَاتِ ثَلَاثَةٌ: الْأَوَّلُ: طُرُوُّ الْغَرِيمِ عَلَى الْغُرَمَاءِ وَالْوَرَثَةِ. الثَّانِي: طُرُوُّ الْمُوصَى لَهُ بِجُزْءٍ عَلَى الْمُوصَى لَهُ بِجُزْءٍ وَعَلَى الْوَرَثَةِ. الثَّالِثُ: طُرُوُّ الْغَرِيمِ عَلَى الْوَرَثَةِ وَعَلَى الْمُوصَى لَهُمْ بِأَقَلَّ مِنْ الثُّلُثِ اُنْظُرْ حُكْمَهَا فِي الْحَطَّابِ وَذَكَرَ النَّاظِمُ فِي الْبَيْتَيْنِ ثَلَاثَ صُوَرٍ: الْأُولَى: أَنْ يَطْرَأَ وَارِثٌ عَلَى الْوَرَثَةِ. الثَّانِيَةُ: أَنْ يَطْرَأَ غَرِيمٌ عَلَى الْوَرَثَةِ. الثَّالِثَةُ: أَنْ يَطْرَأَ مُوصًى لَهُ عَلَى الْوَرَثَةِ. فَالْأُولَى مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ هِيَ الثَّانِيَةُ مِنْ الْأَرْبَعِ الثَّانِيَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ قَرِيبًا، وَالثَّانِيَةُ مِنْهَا فَهِيَ الصُّورَةُ الْأُولَى مِنْ الْأَرْبَعَةِ الْأُوَلِ، وَالثَّالِثَةُ إنْ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ بِجُزْءٍ شَائِعٍ كَالثُّلُثِ، وَالرُّبُعِ، وَنَحْوِهِمَا فَهِيَ الصُّورَةُ الرَّابِعَةُ مِنْ الْأَرْبَعِ الثَّانِيَةِ وَإِنْ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ بِجُزْءٍ شَائِعٍ كَالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ وَنَحْوِهِمَا فَهِيَ الصُّورَةُ الرَّابِعَةُ مِنْ الْأَرْبَعِ الثَّانِيَةِ وَإِنْ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ بِعَدَدٍ فَهِيَ الثَّانِيَةُ مِنْ الْأَرْبَعِ الْأُوَلِ وَذَكَر النَّاظِمُ أَنَّ الْحُكْمَ فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ أَنْ تُنْقَضَ الْقِسْمَةُ لَكِنَّهُ قَيَّدَ النَّقْضَ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ بِمَا إذَا امْتَنَعَ الْوَرَثَةُ مِنْ قَضَاءِ الدَّيْنِ أَمَّا إنْ أَدَّوْا دَيْنَ مُوَرِّثِهِمْ فَلَا تَنْتَقِضُ الْقِسْمَةُ إذْ لَا حَقَّ لِلْغَرِيمِ فِي عَيْنِ التَّرِكَةِ، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ النَّاظِمُ بِقَوْلِهِ إلَّا إذَا مَا الْوَارِثُونَ بَاءُوا ... بِحَمْلِ دَيْنٍ فَلَهُمْ مَا شَاءُوا وَكَذَا يُقَيَّدُ النَّقْضُ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثِ وَفِي الثَّالِثَةِ مِنْهَا إذَا كَانَتْ الْوَصِيَّةُ بِجُزْءٍ شَائِعٍ بِمَا إذَا كَانَ الْمَقْسُومُ كَدَارٍ، وَأَمَّا إنْ كَانَ عَيْنًا أَوْ مِثْلِيًّا فَلَا نَقْضَ وَيَرْجِعُ عَلَى كُلٍّ بِمَا يَنُوبُهُ لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ بِالْجُزْءِ الشَّائِعِ لَهُ حَقٌّ فِي عَيْنِ التَّرِكَةِ فَهُوَ كَالْوَارِثِ إنْ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ بِعَدَدٍ فَكَالدَّيْنِ إذَا دَفَعَ الْوَرَثَةُ فَلَا تُنْقَضُ كَمَا مَرَّ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ثُمَّ نَقَلَ الشَّارِحُ عَنْ التَّهْذِيبِ مَا نَصُّهُ: وَإِذَا طَرَأَ عَلَى الْوَرَثَةِ وَارِثٌ، أَوْ مُوصًى لَهُ بِالثُّلُثِ بَعْدَ الْقَسْمِ، وَالتَّرِكَةُ عَيْنٌ أَوْ عَرَضٌ فَإِنَّمَا يُتَبَّعُ كُلُّ وَارِثٍ بِقَدْرِ مَا صَارَ إلَيْهِ مِنْ حَقِّهِ إنْ قَدَرَ عَلَى قَسْمِ مَا بِيَدِهِ مِنْ ذَلِكَ ثُمَّ قَالَ: وَإِنْ كَانَتْ التَّرِكَةُ دُورًا لَيْسَ مِنْهَا عَيْنٌ فَاقْتَسَمَهَا الْوَرَثَةُ ثُمَّ قَدِمَ وَارِثٌ، أَوْ مُوصًى لَهُ بِالثُّلُثِ نُقِضَ الْقَسْمُ ثُمَّ قَالَ: وَلَوْ قَدِمَ مُوصًى لَهُ بِدَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ فَحَمَلَهَا الثُّلُثُ كَانَ كَلُحُوقِ الدَّيْنِ فَإِمَّا وَدَوْهُ أَوْ نُقِضَ الْقَسْمُ وَلَا يُجْبَرُونَ عَلَى أَدَائِهِ مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَمَالُ الْمَيِّتِ قَائِمٌ اهـ. بِاخْتِصَارٍ. وَالْحَلْيُ لَا يُقْسَمُ بَيْنَ أَهْلِهْ ... إلَّا بِوَزْنٍ أَوْ بِأَخْذِ كُلِّهْ يَعْنِي أَنَّ الْحُلِيَّ الْمُشْتَرَكَ إذَا أُرِيدَ قَسْمُهُ فَفِي كَيْفِيَّةِ ذَلِكَ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يُقْسَمُ بِالْوَزْنِ فَيَأْخُذُ مِنْهُ كُلُّ وَاحِدٍ نَصِيبَهُ إنْ أَمْكَنَهُ ذَلِكَ الثَّانِي: أَنَّهُ يَأْخُذُهُ كُلَّهُ وَاحِدٌ وَيَأْخُذُ غَيْرُهُ مَا عَدَا الْحُلِيَّ مِنْ الْأُصُولِ، وَالْعُرُوضِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمُتَمَوَّلَاتِ إلَّا الْعَيْنَ لِغَيْرِ مَنْ انْفَرَدَ بِالْحُلِيِّ فَلَا يَجُوزُ لِمَنْ لَمْ يَأْخُذْ الْحُلِيَّ أَنْ يَأْخُذَ الْعَيْنَ مَعَ مَا يَجِبُ لَهُ مِنْ الْعُرُوضِ وَالْأُصُولِ لِأَنَّهُ بَيْعُ عَيْنٍ وَهُوَ الْحُلِيُّ بِعَيْنٍ، وَعَرَضٍ وَذَلِكَ مَمْنُوعٌ. وَأَجْرُ مَنْ يَقْسِمُ أَوْ يُعَدِّلُ ... عَلَى الرُّءُوسِ وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ كَذَلِكَ الْكَاتِبُ لِلْوَثِيقَهْ ... لِلْقَاسِمِينَ مُقْتَفٍ طَرِيقَهْ يَعْنِي أَنَّ أُجْرَةَ الْقَاسِمِ لِلتَّرِكَةِ أَوْ لِغَيْرِهَا كَالْقَسْمِ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ وَأُجْرَةَ الْمُقَوِّمِ لِلْأُصُولِ أَوْ السِّلَعِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَهُوَ الْمُعَدِّلُ وَأُجْرَةَ كَاتِبِ الْوَثِيقَةِ إذَا كَانَتْ سِهَامُ الشُّرَكَاءِ فِي ذَلِكَ مُخْتَلِفَةً اُخْتُلِفَ فِيهَا عَلَى قَوْلَيْنِ: هَلْ تَكُونُ عَلَى عِدَّةِ رُءُوسِهِمْ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَنْ حَظُّهُ قَلِيلٌ، أَوْ كَثِيرٌ وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ أَوْ عَلَى قَدْرِ

فصل في المعاوضة

الْأَنْصِبَاءِ، فَمَنْ لَهُ الرُّبُعُ عَلَيْهِ رُبُعُ الْأُجْرَةِ وَمَنْ لَهُ الْخُمُسُ عَلَيْهِ خُمُسُهَا وَهَكَذَا وَلِلْمَسْأَلَةِ نَظَائِرُ قَالَ سَيِّدِي أَحْمَدُ الْوَنْشَرِيسِيُّ فِي آخِرِ الْبَابِ الثَّالِثِ مِنْ الْفَائِقِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْخِلَافَ فِي الْجَمَاعَةِ لَهُمْ حُقُوقٌ وَفِي وَثِيقَةٍ وَاحِدَةٍ وَسِهَامُهُمْ مُخْتَلِفَةٌ هَلْ تَكُونُ أُجْرَةُ كَاتِبِهَا عَلَى الْجَمَاجِمِ بِالسَّوَاءِ، وَالِاعْتِدَالِ أَوْ عَلَى قَدْرِ الْأَنْصِبَاءِ. (فَائِدَةٌ) مِنْ نَظَائِرِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الِاخْتِلَافِ فِي أَجْرِ كَاتِبِ وَثِيقَةِ الْقِسْمَةِ، وَالْقَاسِمِ، وَالدِّيَةِ، وَكَنْسِ الْمَرَاحِيضِ الْمُشْتَرَكَةِ، وَالزُّبُولُ، وَالْبِئْرِ، وَالسَّوَاقِي وَأُجْرَةُ الدَّلَّالِينَ وَحَارِسِ الزَّرْعِ وَالْكُرُومِ وَالْمَقَاثِئِ وَأَعْدَالِ الْمَتَاعِ وَبُيُوتِ الطَّعَامِ وَقِسْمَةُ الشُّرَكَاءِ فِي الِاصْطِيَادِ وَالتَّقْوِيمِ عَلَى الْمُعْتَقِينَ وَحِصَصُهُمْ مُتَفَاوِتَةٌ وَالشُّفْعَةُ إذَا وَجَبَتْ لِلشُّرَكَاءِ، وَزَكَاةُ الْفِطْرِ عَلَى الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ، وَنَفَقَةُ الْأَوْلَادِ عَلَى الْآبَاءِ وَإِذَا أَوْصَى بِمَجَاهِلَ مِنْ أَنْوَاعٍ وَسُكْنَى الْحَاضِنَةِ مَعَ الْمَحْضُونِ اهـ. وَأُجْرَةُ الْكَيَّالِ فِي التَّكْسِيرِ ... مِنْ بَائِعٍ تُؤْخَذُ فِي الْمَشْهُورِ كَذَاكَ فِي الْمَوْزُونِ وَالْمَكِيلِ ... الْحُكْمُ ذَا مِنْ غَيْرِ مَا تَفْصِيلِ يَعْنِي أَنَّ أُجْرَةَ كَيْلِ الْأَرْضِ وَهُوَ الَّذِي عَبَّرَ عَنْهُ بِالتَّكْسِيرِ وَأُجْرَةَ الْوَزْنِ لِمَا يُبَاعُ بِالْوَزْنِ وَالْكَيْلُ لِمَا يُبَاعُ بِالْكَيْلِ كُلُّ ذَلِكَ عَلَى الْبَائِعِ دُونَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْمَشْهُورِ. (قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ) وَأُجْرَةُ التَّكْسِيرِ فِي ذَلِكَ يَعْنِي فِي الْمَبِيعِ عَلَى التَّكْسِيرِ عَلَى الْبَائِعِ وَكَذَلِكَ أُجْرَةُ مَا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ طَعَامًا كَانَ، أَوْ غَيْرَهُ إنَّمَا هِيَ عَلَى الْبَائِعِ دُونَ الْمُبْتَاعِ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى {فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ} [يوسف: 88] وَالْمُخَاطَبُ بِذَلِكَ يُوسُفُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَهُوَ كَانَ الْبَائِعَ لِلطَّعَامِ مِنْ إخْوَتِهِ. [فَصْلٌ فِي الْمُعَاوَضَةِ] ِ يَجُوزُ عَقْدُ الْبَيْعِ بِالتَّعْوِيضِ ... فِي جُمْلَةِ الْأُصُولِ وَالْعُرُوضِ مَا لَمْ يَكُنْ فِي الْأَصْلِ زَرْعٌ أَوْ ثَمَرْ ... لَمْ يُؤْبَرَا فَمَا انْعِقَادُهَا يُقَرْ وَصَحَّ بِالْمَأْبُورِ حَيْثُ يُشْتَرَطْ ... مِنْ جِهَةٍ أَوْ بَقِيَا مَعًا فَقَطْ الْمُعَاوَضَةُ مُفَاعَلَةٌ مِنْ التَّعْوِيضِ وَهِيَ: بَيْعُ الْعَرَضِ بِالْعَرَضِ فَهِيَ مِنْ جُمْلَةِ أَنْوَاعِ الْبَيْعِ إلَّا أَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْعِوَضَانِ فِيهِمَا مُتَسَاوِيَيْنِ فِي كَوْنِهِمَا فِي الْعَادَةِ مَثْمُونَيْنِ لَا ثَمَنَيْنِ لُقِّبَ بَيْعُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ فِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ بِاسْمٍ خَاصٍّ، وَهُوَ الْمُعَاوَضَةُ وَتُسَمِّيهَا الْعَامَّةُ الْمُعَامَلَةَ، وَهِيَ جَائِزَةٌ فِي الْأُصُولِ وَالْعُرُوضِ وَغَيْرِ ذَلِكَ إلَّا مَا اُسْتُثْنِيَ مِنْ ذَلِكَ وَذَلِكَ أَنَّ الْأَصْلَيْنِ اللَّذَيْنِ وَقَعَتْ الْمُعَاوَضَةُ بَيْنَهُمَا إمَّا أَنْ يَكُونَ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا مُنَازِعٌ، أَوْ ثَمَرٌ لَمْ يُؤَبَّرْ، أَوْ أُبِّرَ أَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِمَا شَيْءٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِمَا شَيْءٌ، فَالْمُعَاوَضَةُ جَائِزَةٌ وَذَلِكَ دَاخِلٌ فِي عُمُومِ قَوْلِهِ: " يَجُوزُ عَقْدُ الْبَيْعِ " (الْبَيْتَ) . وَإِنْ كَانَ فِيهِمَا غَيْرُ الْمَأْبُورِ فَلَا تَجُوزُ الْمُعَاوَضَةُ بَيْنَهُمَا وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: مَا لَمْ يَكُنْ فِي الْأَصْلِ زَرْعٌ أَوْ ثَمَرْ ... لَمْ يُؤْبَرَا فَمَا انْعِقَادُهَا يُقَرْ (قَالَ فِي الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ) : فَإِنْ كَانَ فِي كُلِّ أَرْضٍ بَذْرٌ لَمْ يَنْبُتْ لَمْ تَجُزْ الْمُعَاوَضَةُ بَيْنَهُمَا أَصْلًا اهـ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ غَيْرَ الْمَأْبُورِ لَا يَجُوزُ لِلْبَائِعِ اسْتِثْنَاؤُهُ لِنَفْسِهِ، وَلَا لِلْمُشْتَرِي اشْتِرَاطُهُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي بَيْعِ الثِّمَارِ، وَإِنْ كَانَ فِيهِمَا مَأْبُورٌ فَفِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ: إنْ وَقَعَتْ الْمُعَاوَضَةُ فِي الْأَصْلَيْنِ فَقَطْ وَأَبْقَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا زَرْعَهُ أَوْ ثِمَارَهُ لِنَفْسِهِ فَذَلِكَ جَائِزٌ لِأَنَّ الْمَأْبُورَ هُوَ لِلْبَائِعِ عِنْدَ الْمُسَاكَنَةِ، وَأَحْرَى مَعَ

التَّنْصِيصِ عَلَى بَقَائِهِ لَهُ وَإِلَى هَذِهِ الصُّورَةِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: " أَوْ بَقِيَا " وَكَذَلِكَ إنْ بَاعَ أَحَدُهُمَا أَرْضَهُ بِزَرْعِهَا أَوْ أَرْضَهُ وَشَجَرَهُ بِثَمَرِهَا وَبَاعَ الْآخَرُ أَرْضَهُ فَقَطْ، وَأَبْقَى الزَّرْعَ لِنَفْسِهِ أَوْ بَاعَ الْأَرْضَ وَالْأَشْجَارَ، وَأَبْقَى الثِّمَارَ الْمَأْبُورَ لِنَفْسِهِ لِأَنَّ بَيْعَ مَا لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ تَبَعًا لِلْأَصْلِ جَائِزٌ إذْ لَا مَحْذُورَ فِي بَيْعِ أَرْضٍ وَطَعَامٍ بِأَرْضٍ وَإِلَى هَذَا الْوَجْهِ أَشَارَ النَّاظِمُ بِقَوْلِهِ: وَصَحَّ بِالْمَأْبُورِ حَيْثُ يُشْتَرَطْ مِنْ جِهَةٍ " وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ إنْ بَاعَ كُلٌّ مِنْهُمَا أَصْلَهُ بِمَا فِيهِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ فِيهِ بَيْعَ عَرَضٍ وَطَعَامٍ بِعَرَضٍ وَطَعَامٍ مِنْ جِنْسِهِ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ الْمُمَاثَلَةِ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ. وَعَنْ هَذِهِ الصُّورَةِ احْتَرَزَ بِقَوْلِهِ " فَقَطْ " فَهُوَ رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ: " وَصَحَّ " أَيْ صَحَّ هَذَانِ الْوَجْهَانِ دُونَ غَيْرِهِمَا وَانْظُرْ إذَا كَانَا مِنْ جِنْسَيْنِ كَأَرْضٍ فِيهَا زَرْعٌ مَأْبُورٌ وَأَرْضٍ وَأَشْجَارٍ فِيهَا ثِمَارٌ مَأْبُورَةٌ لَعَلَّ ذَلِكَ يَجُوزُ لِأَنَّ الْمُمَاثَلَةَ غَيْرُ مَطْلُوبَةٍ فِي الْجِنْسَيْنِ، وَالْمُنَاجَزَةَ حَاصِلَةٌ لِأَنَّ النَّظَرَ إلَى الْجُزَافِ قَبْضٌ عَلَى الْمَشْهُورِ وَيَدْخُلُ فِي كَلَامِ النَّاظِمِ مَا إذَا كَانَ أَحَدُ الْعِوَضَيْنِ فِيهِ زَرْعٌ أَوْ ثَمَرٌ، وَالْآخَرُ لَا شَيْءَ فِيهِ فَإِنْ كَانَ مَا فِي ذَلِكَ غَيْرَ مَأْبُورٍ لَمْ تَجُزْ الْمُعَاوَضَةُ وَإِنْ كَانَ مَأْبُورًا جَازَتْ سَوَاءٌ بِيعَ مَعَ أَصْلِهِ أَوْ بَقِيَ لِبَائِعِ أَصْلِهِ لِأَنَّ بَيْعَ الْمَأْبُورِ مَعَ أَصْلِهِ جَائِزٌ وَبَقَاؤُهُ هُوَ الْأَصْلُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. . وَسَائِغٌ لِلْمُتَعَاوِضَيْنِ ... مِنْ جِهَةٍ فَقَطْ مَزِيدُ الْعَيْنِ لِأَجْلِ مَا كَانَ مِنْ التَّفْضِيلِ ... بِالنَّقْدِ، وَالْحُلُولِ، وَالتَّأْجِيلِ وَجَائِزٌ فِي الْحَيَوَانِ كُلِّهِ ... تَعَاوُضٌ وَإِنْ يَكُنْ بِمِثْلِهِ يَعْنِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدِ الْمُتَعَاوِضَيْنِ وَهُوَ الَّذِي أَخَذَ أَفْضَلَ مِمَّا أَخَذَ صَاحِبُهُ أَنْ يَزِيدَ لِصَاحِبِهِ مَا يَتَّفِقَانِ عَلَيْهِ مِنْ الْعَيْنِ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ لِيَتَسَاوَى مَعَهُ، وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ لِتَحْصِيلِ الْمُسَاوَاةِ فَلَا تُتَصَوَّرُ الزِّيَادَةُ إلَّا مِنْ أَحَدِهِمَا فَقَطْ وَعَنَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ مِنْ: " جِهَةٍ فَقَطْ " وَعَلَى كَوْنِهِ لِطَلَبِ الْمُسَاوَاةِ نَبَّهَ بِقَوْلِهِ: لِأَجْلِ مَا كَانَ مِنْ التَّفْضِيلِ أَمَّا إنْ كَانَتْ زِيَادَةُ الْعَيْنِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَقَدْ خَرَجَا عَنْ الْمُفَاوَضَةِ الْمَحْضَةِ إلَى بَيْعِ سِلْعَةٍ، وَعَيْنٍ بِسِلْعَةٍ وَعَيْنٍ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْعَيْنَيْنِ إذَا كَانَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ امْتَنَعَ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ الْمُمَاثَلَةِ بَيْنَهُمَا كَمَا قَالُوا فِي بَيْعِ سِلْعَةٍ وَذَهَبٍ بِسِلْعَةٍ وَذَهَبٍ أَوْ سِلْعَةٍ وَفِضَّةٍ بِسِلْعَةٍ وَفِضَّةٍ وَإِنْ كَانَا مِنْ جِنْسَيْنِ كَعَرَضٍ وَذَهَبٍ بِعَرَضٍ وَفِضَّةٍ امْتَنَعَ أَيْضًا لِمَا فِيهِ مِنْ اجْتِمَاعِ الْبَيْعِ وَالصَّرْفِ وَلَا فَرْقَ فِي جَوَازِ زِيَادَةِ الْعَيْنِ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ نَقْدًا فِي حِينِ الْمُعَاوَضَةِ أَوْ غَيْرَ مَنْقُودَةٍ وَلَكِنَّهَا بِالْحُلُولِ مَتَى طُولِبَ بِهَا لَزِمَتْهُ أَوْ مُؤَجَّلَةً بِأَجَلٍ مَعْلُومٍ كُلُّ ذَلِكَ جَائِزٌ. (قَالَ الشَّارِحُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) : وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مَانِعٌ مِنْ كُلِّ حَالَةٍ مِنْهَا عَلَى الِانْفِرَادِ، فَلَا مَانِعَ مِنْ الْمَجْمُوعِ أَوْ مِنْ اثْنَيْنِ مِنْهُ اهـ. وَتَجُوزُ الْمُعَاوَضَةُ فِي سَائِرِ الْعُرُوضِ وَلَا إشْكَالَ وَكَذَلِكَ تَجُوزُ فِي الْحَيَوَانِ كُلِّهِ كَالرَّقِيقِ وَالْأَنْعَامِ وَالدَّوَابِّ وَغَيْرِهَا، سَوَاءٌ كَانَا مِنْ جِنْسَيْنِ وَلَا إشْكَالَ كَعَبْدٍ بِحَمْلٍ أَوْ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ كَعَبْدٍ بِعَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِقَوْلِهِ: " وَإِنْ يَكُنْ بِمِثْلِهِ " أَيْ فِي الْجِنْسِيَّةِ وَالْقَدْرِ وَأَمَّا إنْ اخْتَلَفَ الْقَدْرُ كَجَمَلٍ فِي جَمَلَيْنِ فَفِيهِ تَفْصِيلٌ إنْ تَعَجَّلَ الْجَمِيعَ جَازَ وَإِنْ دَفَعَ جَمَلًا فِي جَمَلَيْنِ وَلَمْ يَنْتَقِدْ الْجَمِيعَ امْتَنَعَ كَمَا لَوْ دَفَعَ وَاحِدًا فِي اثْنَيْنِ أَحَدُهُمَا مُعَجَّلٌ وَالْآخَرُ مُؤَخَّرٌ لِأَنَّ الْمُؤَخَّرَ هُوَ الْعِوَضُ وَالْمُعَجَّلَ زِيَادَةٌ لِأَجْلِ السَّلَفِ الَّذِي هُوَ تَأْخِيرُ الْجَمَلِ الْآخَرِ وَهَذِهِ مَسْأَلَةُ قَوْلِ الشَّيْخِ خَلِيلٍ فِي بَابِ السَّلَمِ: لَا جَمَلَ فِي جَمَلَيْنِ مِثْلُ عَجِّلْ أَحَدَهُمَا، قَالُوا: وَلَوْ أَدْخَلَ الْكَافَ عَلَى جَمَلٍ لَكَانَ أَحْسَنَ لِيَشْمَلَ غَيْرَ الْجَمَلِ إذْ لَيْسَ الْجَمَلُ مَقْصُودًا بِالْخُصُوصِ، وَكَذَا لَوْ دَفَعَ وَاحِدًا فِي اثْنَيْنِ مُؤَخَّرَيْنِ لِأَنَّهُ سَلَفٌ جَرَّ نَفْعًا أَيْضًا وَكَذَا إنْ دَفَعَ اثْنَيْنِ فِي وَاحِدٍ لِأَنَّهُ ضَمَانٌ بِجُعْلٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَلَكِنْ يُرَاجَعُ ذَلِكَ فِي بَابِ السَّلَمِ (قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ) : وَيَجُوزُ ابْتِيَاعُ الرَّقِيقِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ، وَكَذَلِكَ يَجُوزُ ابْتِيَاعُ الْحَيَوَانِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ رَأْسًا بِرَأْسٍ وَأَكْثَرَ كَانَتْ مَعَ أَحَدِهِمَا زِيَادَةُ عَيْنٍ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ سَائِرِ الْأَشْيَاءِ أَوْ لَمْ تَكُنْ (قَالَ الْمُتَيْطِيُّ) : وَالتَّعَامُلُ فِي الرَّقِيقِ، وَالْحَيَوَانِ إنْ كَانَ كَالتَّعَامُلِ فِي الْعَقَارِ وَحَقِيقَتُهُ الْبَيْعُ. (وَفِي الْمُقَرَّبِ) وَقَالَ لِي مَالِكٌ: لَا بَأْسَ بِالْجَمَلِ بِالْجَمَلِ مِثْلِهِ وَبِزِيَادَةِ دِرْهَمٍ يَدًا

فصل في الإقالة

بِيَدٍ وَإِنْ كَانَتْ الدَّرَاهِمُ أَيْضًا إلَى أَجَلٍ فَلَا بَأْسَ بِهِ قَالَ وَلَا خَيْرَ فِي أَنْ يَكُونَ الدِّرْهَمُ نَقْدًا أَوْ أَحَدُ الْجَمَلَيْنِ نَسِيئَةً وَكَذَلِكَ إنْ تَأَخَّرَتْ الدَّرَاهِمُ أَحَدَ الْجَمَلَيْنِ اهـ. وَقَوْلُ الْمُتَيْطِيِّ: رَأْسًا بِرَأْسٍ وَأَكْثَرَ قَوْلُهُ: وَأَكْثَرَ يَعْنِي مَعَ تَعْجِيلِ الْجَمِيعِ كَمَا تَقَدَّمَ وَذَلِكَ كَجَمَلٍ فِي جَمَلَيْنِ وَقَوْلُهُ فِي الْمُقَرَّبِ: وَلَا خَيْرَ فِي أَنْ يَكُونَ إلَخْ هِيَ مَسْأَلَةُ الشَّيْخِ خَلِيلٍ الْمُتَقَدِّمَةُ إلَّا أَنَّ فِيهَا زِيَادَةَ الدِّرْهَمِ مُعَجَّلًا أَوْ مُؤَخَّرًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَوْلُ النَّاظِمِ: " مَزِيدُ الْعَيْنِ " هُوَ فَاعِلٌ بِاسْمِ الْفَاعِلِ الَّذِي هُوَ سَائِغٌ وَمِنْ جِهَةٍ يَتَعَلَّقُ بِ " مَزِيدُ " أَوْ بِ " سَائِغٌ " وَ " لِأَجْلِ " يَتَعَلَّقُ بِ " سَائِغٌ " وَبَاءُ بِالنَّقْدِ لِلْمُصَاحَبَةِ بِمَعْنَى مَعَ تَتَعَلَّقُ بِ مَزِيدُ وَوَاوُ " وَالْحُلُولِ وَالتَّأْجِيلِ " إمَّا أَنَّهَا بِمَعْنَى عَلَى إذْ يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا كَمَا تَقَدَّمَ أَوْ بِمَعْنَى أَوْ الَّتِي لِلْإِبَاحَةِ وَ " تَعَاوُضٌ " فَاعِلُ " جَائِزٌ ". [فَصْلٌ فِي الْإِقَالَةِ] ِ إقَالَةٌ تَجُوزُ فِيمَا حَلَّا ... بِالْمِثْلِ أَوْ أَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّا الْإِقَالَةُ: رُجُوعُ كُلٍّ مِنْ الْعِوَضَيْنِ لِصَاحِبِهِ فَيَرْجِعُ الثَّمَنُ لِلْمُشْتَرِي وَالْمَثْمُونُ لِلْبَائِعِ (ابْنُ عَرَفَةَ) : الْإِقَالَةُ تَرْكُ الْمَبِيعِ لِبَائِعِهِ بِثَمَنِهِ. وَأَكْثَرُ اسْتِعْمَالِهَا قَبْلَ قَبْضِ الْمَبِيعِ وَهِيَ رُخْصَةٌ وَعَزِيمَةٌ الْأَوَّلُ فِيمَا يَمْتَنِعُ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ. اهـ مِنْ الْمَوَّاقِ وَهِيَ جَائِزَةٌ فِي الْأُصُولِ وَغَيْرِهَا وَلَازِمَةٌ لِأَنَّهَا بَيْعٌ مِنْ الْبُيُوعِ تَنْعَقِدُ بِمَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا وَوَقَعَ فِي كَلَامِ بَعْضِهِمْ أَنَّ الْإِقَالَةَ لَا تَكُونُ إلَّا بِلَفْظِ الْإِقَالَةِ قَالَ الْحَطَّابُ: وَمُرَادُهُمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إذَا وَقَعَتْ فِي الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ. وَأَمَّا فِي غَيْرِهِ فَهِيَ بَيْعٌ تَنْعَقِدُ بِمَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا، وَبِمِثْلِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ، وَأَكْثَرَ وَأَقَلَّ إلَّا أَنَّهَا إنْ كَانَتْ بِأَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ فَهِيَ بَيْعٌ اتِّفَاقًا وَإِنْ كَانَتْ بِمِثْلِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهَا هَلْ هِيَ نَقْضٌ لِلْبَيْعِ الْأَوَّلِ، أَوْ ابْتِدَاءُ بَيْعٍ جَدِيدٍ ثَالِثُهَا أَنَّهَا ابْتِدَاءُ بَيْعٍ إلَّا فِي ثَلَاثِ مَسَائِلَ فَنَقْضٌ لِلْبَيْعِ وَذَلِكَ فِي الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَلَوْ كَانَتْ بَيْعًا لَامْتَنَعَتْ لِامْتِنَاعِ بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَفِي الشُّفْعَةِ حَيْثُ حَكَمُوا بِأَنَّ عُهْدَةَ الشَّفِيعِ عَلَى خُصُوصِ الْمُشْتَرِي كَمَا لَوْ لَمْ تَقَعْ إقَالَةٌ وَلَوْ كَانَتْ ابْتِدَاءَ بَيْعٍ لَكَانَ الشَّفِيعُ بِالْخِيَارِ فِي جَعْلِ عُهْدَتِهِ عَلَى مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا لِأَنَّ الْبَائِعَ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا بَيْعٌ صَارَ مُشْتَرِيًا كَمَا إذَا تَعَدَّدَ بَيْعُ الشِّقْصِ فَإِنَّ الشَّفِيعَ يَأْخُذُ بِأَيِّ بَيْعٍ شَاءَ وَعُهْدَتُهُ عَلَى مَنْ أَخَذَ مِنْهُ وَفِي الْمُرَابَحَةِ كَمَنْ بَاعَ ثَوْبًا بِعَشَرَةٍ ثُمَّ تَقَايَلَ مَعَ مُشْتَرِيهِ، فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ مُرَابَحَةً عَلَى أَنَّ رَأْسَ مَالِهِ فِيهِ عَشَرَةٌ إذَا بَيَّنَ لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا تَكْرَهُهُ النُّفُوسُ وَلَوْ جَعَلُوا الْإِقَالَةَ هُنَا ابْتِدَاءَ بَيْعٍ لَجَازَ (التَّوْضِيحُ) : وَالظَّاهِرُ أَنَّ وُجُوبَ التَّعْيِينِ عَامٌّ عَلَى الْقَوْلَيْنِ مِنْ كَوْنِهَا حِلًّا أَوْ بَيْعًا مُسْتَأْنَفًا لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ كَرَاهَةِ النُّفُوسِ اهـ. بِالْمَعْنَى وَإِنَّمَا تَجُوزُ الْإِقَالَةُ فِي الْمَبِيعِ الَّذِي حَلَّ ثَمَنُهُ وَاحْتُرِزَ بِذَلِكَ مِمَّا لَمْ يَحِلَّ ثَمَنُهُ فَإِنَّ الْإِقَالَةَ فِيهِ مِنْهَا مَا يَجُوزُ وَمَا لَا يَجُوزُ وَذَلِكَ مَذْكُورٌ فِي أَوَّلِ بَابِ بُيُوعِ الْآجَالِ وَيَأْتِي لِلنَّاظِمِ بَعْضُ ذَلِكَ قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى

(فَرْعٌ) إذَا تَقَايَلَ الْمُتَبَايِعَانِ فَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ غَيْرَ مُعَيَّنٍ كَالشَّيْءِ الْمُسْلَمِ فِيهِ، فَلَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ رَأْسِ الْمَالِ لِأَنَّهُ فَسْخُ دَيْنٍ فِي دَيْنٍ إذَا كَانَ دَيْنُهُ عَرَضًا فَفَسَخَهُ فِي دَرَاهِمَ لَا يَتَعَجَّلُهَا، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِمْ: الْأَضْيَقُ صَرْفٌ ثُمَّ إقَالَةُ طَعَامٍ وَأَمَّا إنْ كَانَ مُعَيَّنًا كَالْعَبْدِ فَيَجُوزُ تَأْخِيرُهُ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَغَيْرِهَا، وَنَقَلَهُ الْحَطَّابُ قَبْلَ فَصْلِ الْمُرَابَحَةِ. (فَرْعٌ) فِي الْإِقَالَةِ مِنْ بَعْضِ الْمَبِيعِ تَفْصِيلٌ إنْ كَانَ الثَّمَنُ مِمَّا لَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ كَالدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ لَمْ تَجُزْ الْإِقَالَةُ إلَّا فِي الْجَمِيعِ كَيْفَ كَانَ الْمَبِيعُ طَعَامًا، أَوْ عَرَضًا وَإِنْ كَانَ مِمَّا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ جَازَتْ فِي الْبَعْضِ وَلَوْ كَانَ طَعَامًا. (قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ) : مَنْ أَسْلَمَ إلَى رَجُلٍ دَرَاهِمَ فِي طَعَامٍ أَوْ عَرَضٍ فِي جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ فَأَقَالَهُ بَعْدَ الْأَجَلِ أَوْ قَبْلَهُ مِنْ بَعْضٍ وَأَخَذَ بَعْضًا لَمْ يَجُزْ وَدَخَلَهُ فِضَّةٌ نَقْدًا بِفِضَّةٍ وَعَرَضٍ إلَى أَجَلٍ وَبَيْعٌ وَسَلَفٌ مَعَ مَا فِي الطَّعَامِ مِنْ بَيْعِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ. (قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ) : وَإِنْ أَسْلَمْت إلَى رَجُلٍ ثِيَابًا فِي طَعَامٍ فَأَقَلْته مِنْ نِصْفِ الطَّعَامِ قَبْلَ الْأَجَلِ أَوْ بَعْدَهُ عَلَى أَنْ يَرُدَّ عَلَيْك نِصْفَ ثِيَابِك الَّتِي دَفَعْت إلَيْهِ بِعَيْنِهَا، وَقَدْ حَالَ سُوقُهَا أَمْ لَا فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ بِخِلَافِ أَنْ يَكُونَ رَأْسُ الْمَالِ دَرَاهِمَ أَوْ مَالًا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ اهـ. (وَفِي ابْنِ سَلْمُونٍ عَنْ مَسَائِلِ ابْنِ الْحَاجِّ) : لَا تَجُوزُ الْإِقَالَةُ فِي الطَّعَامِ عَلَى رَدِّ مَا قُبِضَ مِنْهُ بَعْدَ أَنْ غِيبَ عَلَيْهِ وَلَا فِيمَا قُبِضَ مِنْهُ دُونَ مَا بَقِيَ وَلَا فِيمَا بَقِيَ مِنْهُ دُونَ مَا قُبِضَ تَقَابَضَا فِي ذَلِكَ كُلِّهِ أَوْ لَمْ يَتَقَابَضَا وَبِهِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ اهـ فَتَأَمَّلْهُ مَعَ مَا قَبْلَهُ. (فَرْعٌ) إذَا تَقَايَلَا فِي الطَّعَامِ بَعْدَ نَقْلِهِ فَأُجْرَةُ رَدِّهِ إلَى مَنْزِلِ الْبَائِعِ عَلَى الْبَائِعِ عَلَى الْأَشْبَهِ، وَيَجْرِي عَلَى الْخِلَافِ فِي الْإِقَالَةِ هَلْ هِيَ بَيْعٌ أَوْ نَقْضٌ لِلْبَيْعِ الْأَوَّلِ مِنْ ابْنِ سَلْمُونٍ. وَلِلْمُقَالِ صِحَّةُ الرُّجُوعِ ... بِحَادِثٍ يَحْدُثُ فِي الْمَبِيعِ وَفِي الْقَدِيمِ مِنْهُ لَا مَحَالَّهْ ... بِزَائِدٍ إنْ كَانَ فِي الْإِقَالَهْ بَعْدَ الْيَمِينِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنِ ... يَعْلَمُهُ فِيمَا مَضَى مِنْ زَمَنِ يَعْنِي أَنَّ مَنْ بَاعَ شَيْئًا، ثُمَّ تَقَايَلَ مَعَ مُشْتَرِيه، وَرَجَّعَ إلَيْهِ شَيْأَهُ فَوَجَدَ بِهِ عَيْبًا حَدَثَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فِيمَا بَيْنَ الْبَيْعِ، وَالْإِقَالَةِ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِهِ عَلَى الْمُشْتَرِي كَمَنْ اشْتَرَى مِنْ أَجْنَبِيٍّ فَوَجَدَ بِهِ عَيْبًا وَعَنْ الْبَائِعِ عَبَّرَ النَّاظِمُ بِالْمُقَالِ الَّذِي هُوَ اسْمُ مَفْعُولٍ بِهِ أَمَّا إنْ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا قَدِيمًا لَا عِلْمَ لِلْبَائِعِ بِهِ فَإِنْ كَانَتْ الْإِقَالَةُ عَلَى مِثْلِ الثَّمَنِ أَوْ عَلَى أَقَلَّ مِنْهُ كَأَنْ يَبِيعَهُ بِعَشَرَةٍ، ثُمَّ تَقَايَلَا عَلَى ثَمَانِيَةٍ وَزَادَ الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ اثْنَيْنِ فَلَا قِيَامَ لَهُ عَلَى الْمُشْتَرِي وَإِنْ كَانَتْ الْإِقَالَةُ عَلَى أَكْثَرَ كَأَنْ يَبِيعَهُ بِعَشَرَةٍ ثُمَّ تَقَايَلَا عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ فَزَادَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي اثْنَيْنِ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ قَدِيمٍ فَإِنَّ لِلْبَائِعِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمُشْتَرِي بِالِاثْنَيْنِ الزَّائِدَيْنِ بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ أَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ بِالْعَيْبِ. وَأَمَّا إنْ عَلِمَ بِالْعَيْبِ فَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى الْمُشْتَرِي بِتِلْكَ الزِّيَادَةِ (قَالَ ابْنُ سَلْمُونٍ) : فَإِنْ أَلْفَى الْبَائِعُ فِي الْمَبِيعِ عَيْبًا حَادِثًا بَعْدَ بَيْعِهِ فَلَهُ الرُّجُوعُ بِهِ وَإِنْ كَانَ قَدِيمًا قَبْلَ الْبَيْعِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ وَاحِدٌ مِنْهُمَا فَلَا قِيَامَ لَهُ بِهِ إلَّا أَنْ تَكُونَ الْإِقَالَةُ بِزِيَادَةٍ فَلَهُ الرُّجُوعُ بِالزِّيَادَةِ بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ أَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ بِالْعَيْبِ اهـ. وَنَحْوُهُ فِي الْمُتَيْطِيِّ، وَنَقَلَهُ الشَّارِحُ. وَالْفَسْخُ فِي إقَالَةٍ مِمَّا انْتَهَجْ ... بِالصَّنْعَةِ التَّغْيِيرَ كَالْعَزْلِ انْتَسَجْ إلَّا إذَا الْمُقَالُ بِالرِّضَا دَفَعْ ... لِمَنْ أَقَالَ أُجْرَةً لِمَا صَنَعْ يَعْنِي أَنَّ مَنْ بَاعَ شَيْئًا فَتَغَيَّرَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي بِسَبَبِ صَنْعَةٍ دَخَلَتْهُ، فَإِنَّ الْإِقَالَةَ فِيهِ لَا تَجُوزُ وَتُفْسَخُ إلَّا إذَا أَعْطَى الْبَائِعُ الْمُشْتَرِيَ أُجْرَةَ ذَلِكَ فَفِي طُرَرِ ابْنِ عَاتٍ عَنْ الْمُشَاوِرِ وَلَا تَجُوزُ الْإِقَالَةُ فِي شَيْءٍ قَدْ دَخَلَتْهُ صَنْعَةٌ كَالْخِيَاطَةِ فِي الثَّوْبِ، وَالدَّبْغِ فِي الْجِلْدِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ وَتُفْسَخُ إلَّا أَنْ يَقُولَ الْمُقِيلُ أُقِيلُك عَلَى أَنْ تُعْطِيَنِي فِي خِيَاطَتِي أَوْ دِبَاغَتِي أَوْ صِنَاعَتِي كَذَا وَكَذَا فَرَضِيَ بِهِ، وَإِلَّا فَلَا مِنْ الِاسْتِغْنَاءِ اهـ. وَنَحْوُهُ فِي ابْنِ سَلْمُونٍ قَالَ الشَّارِحُ: لَمْ يَتَبَيَّنْ لِي وَجْهُ فَسْخِ الْإِقَالَةِ إذَا رَضِيَ الْمُقَالُ بِذَهَابِ عَمَلِهِ مَجَّانًا فَكَمَا يَجُوزُ لَهُ قَبْضُ أُجْرَةِ ذَلِكَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتْرُكَهُ مَجَّانًا، وَالْفَسْخُ مُبْتَدَأٌ وَفِي الْإِقَالَةِ خَبَرُهُ وَمِمَّا يَتَعَلَّقُ " بِإِقَالَةٍ " وَمَا مَوْصُولَةٌ وَ " انْتَهَجْ " صِلَتُهَا وَبِالصَّنْعَةِ يَتَعَلَّقُ بِ " انْتَهَجْ " وَ " التَّغْيِيرَ " مَفْعُولُ " انْتَهَجْ " وَمَا فِي

لِمَا صَنَعْ " مَصْدَرِيَّةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ سَلْمُونٍ: وَفِي كِتَابِ الِاسْتِغْنَاءِ قَالَ ابْنُ عَيْشُونٍ: مَنْ أَقَالَ رَجُلًا فِي بَيْعٍ أَوْ ابْتِيَاعٍ فَوَجَدَ شَيْأَهُ قَدْ زَادَ أَوْ نَقَصَ أَوْ مَاتَ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ لَمْ تَلْزَمْهُ الْإِقَالَةُ إلَّا فِي الطَّعَامِ، وَكُلِّ مَا يُوجَدُ مِثْلُهُ فَتَلْزَمُهُ. . (فَرْعٌ) سُئِلَ ابْنُ رُشْدٍ عَمَّنْ بَاعَ دَارِهِ، أَوْ سِلْعَتَهُ بِمِائَةٍ مَثَلًا نَقْدًا فَلَمَّا قَبَضَ الثَّمَنَ قَالَ لِلْمُشْتَرِي: أَتَبِيعُهَا مِنِّي بِمِائَةِ دِينَارٍ إلَى عَامٍ أَوْ أُقَدِّمُ لَك مِنْ ثَمَنِهَا كَذَا هَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ فَأَجَابَ إنْ كَانَ اشْتَرَاهَا مِنْهُ لِقِصَّةٍ حَدَثَتْ لَهُ فِي شِرَائِهَا بَعْدَ أَنْ بَاعَهَا، وَانْتَقَدَ لَهُ الثَّمَنَ وَهُوَ لَا يُرِيدُ ابْتِيَاعَهَا جَازَ ذَلِكَ وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ اهـ. مِنْ ابْنِ سَلْمُونٍ وَإِنَّمَا لَمْ يَجُزْ لِلتُّهْمَةِ اللَّاحِقَةِ لِلْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ دَفَعَ مِائَةً يَقْبِضُ عَنْهَا مِائَتَيْنِ وَتَقَدَّمَ لِلنَّاظِمِ فِي بَابِ الْيَمِينِ الْكَلَامُ عَلَى دَعْوَى الْإِقَالَةِ هَلْ تُوجِبُ يَمِينًا. وَلَا يُقَالُ حَيْثُ لَمْ يَأْتِ الْأَجَلْ ... بِثَمَنٍ أَدْنَى وَلَا وَقْتٍ أَقَلْ أَوْ ثَمَنٍ أَكْثَرَ مِنْهُ لِأَمَدْ ... أَبْعَدَ مِمَّا كَانَ فِيهِ الْمُعْتَمَدْ وَهِيَ إذَا كَانَتْ بِمِثْلِ الْمَالِ ... جَائِزَةٌ فِي كُلِّ حَالٍ حَالِّ يُقَالُ بِالْبِنَاءِ لِلنَّائِبِ مُضَارِعُ أَقَالَ يُقِيلُ إقَالَةً يَعْنِي أَنَّ مَنْ بَاعَ سِلْعَةً أَوْ ثَوْبًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ، فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَهُ قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَهُ بِهِ إذَا كَانَ الثَّمَنُ الثَّانِي نَقْدًا أَوْ لِدُونِ الْأَجَلِ الْأَوَّلِ وَدَخَلَ هَذَانِ الْوَجْهَانِ فِي قَوْلِهِ: " وَلَا وَقْتَ أَقَلْ " أَيْ أَجَلٌ دُونَ الْأَجَلِ الْأَوَّلِ وَهُوَ صَادِقٌ بِالنَّقْدِ وَبِنِصْفِ الْأَجَلِ مَثَلًا فَلَا فِي قَوْلِهِ: " وَلَا وَقْتَ أَقَلْ " تَأْكِيدٌ لِلْأُولَى أَيْ لَا تَجُوزُ الْإِقَالَةُ قَبْلَ الْأَجَلِ بِثَمَنٍ أَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ وَ " وَقْتَ " أَيْ أَجَلٌ أَقَلُّ مِنْ الْأَجَلِ الْأَوَّلِ وَذَلِكَ كَمَنْ بَاعَ ثَوْبًا بِعَشَرَةٍ إلَى شَهْرٍ ثُمَّ اشْتَرَاهُ بِثَمَانِيَةٍ يَدْفَعُهَا نَقْدًا أَوْ لِنِصْفِ الشَّهْرِ الْأَوَّلِ مَثَلًا وَعَلَى هَذَا نَبَّهَ بِالْبَيْتِ الْأَوَّلِ وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ: " بِثَمَنٍ أَدْنَى " أَنَّهُ إنْ كَانَ الثَّمَنُ الثَّانِي مُسَاوِيًا لِلْأَوَّلِ فَإِنَّهُ لَا يُمْنَعُ وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ فِي الْبَيْتِ الثَّالِثِ. وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ " وَلَا وَقْتَ أَقَلْ " أَنَّهُ إنْ كَانَ الشِّرَاءُ بِأَقَلَّ لِلْأَجَلِ الْأَوَّلِ أَوْ لِأَبْعَدَ مِنْهُ لَمْ يَمْتَنِعْ وَهُوَ كَذَلِكَ، ثُمَّ ذَكَرَ فِي الْبَيْتِ الثَّانِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَيْضًا لِمَنْ بَاعَ ثَوْبًا مَثَلًا بِعَشَرَةٍ إلَى شَهْرٍ أَنْ يَشْتَرِيَهُ بِاثْنَيْ عَشَرَ إلَى شَهْرَيْنِ مَثَلًا فَقَوْلُهُ: " أَوْ ثَمَنٍ " مَعْطُوفٌ عَلَى " بِثَمَنٍ " فِي الْبَيْتِ قَبْلَهُ وَالْمُعْتَمَدْ خَبَرُ كَانَ، وَاسْمُهَا يَعُودُ عَلَى مَا الْمَوْصُولَةِ الْوَاقِعَةِ عَلَى الْأَمَدِ أَيْ لِأَمَدٍ أَبْعَدَ مِمَّا كَانَ مُعْتَمَدًا لَهُمَا أَوَّلًا وَهُوَ الشَّهْرُ مَثَلًا، وَقَدْ اشْتَمَلَ الْبَيْتَانِ الْأَوَّلَانِ عَلَى الثَّلَاثِ صُوَرِ الْمَمْنُوعَةِ مِنْ الِاثْنَيْ عَشَرَ الْمُتَصَوَّرَةِ عَقْلًا، الْمَذْكُورَةِ أَوَّلَ بُيُوعِ الْآجَالِ، وَبَيَانُهَا أَنَّ مَنْ بَاعَ ثَوْبًا مَثَلًا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ إلَى شَهْرٍ مَثَلًا، ثُمَّ اشْتَرَاهُ، فَإِنَّهُ إمَّا أَنْ يَشْتَرِيَهُ بِعَشَرَةٍ أَيْضًا، أَوْ بِثَمَانِيَةٍ، أَوْ بِاثْنَيْ عَشَرَ، وَفِي كُلٍّ مِنْ الصُّوَرِ الثَّلَاثِ إمَّا أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ الثَّانِي نَقْدًا، أَوْ لِدُونِ الشَّهْرِ كَنِصْفِ شَهْرٍ مَثَلًا أَوْ لِلشَّهْرِ نَفْسِهِ أَوْ لِأَبْعَدَ مِنْ الشَّهْرِ فَهَذِهِ اثْنَتَا عَشْرَةَ صُورَةً كُلُّهَا جَائِزَةٌ إلَّا الثَّلَاثَ الَّتِي ذَكَرَ النَّاظِمُ. وَهِيَ إذَا اشْتَرَاهُ بِثَمَانِيَةٍ نَقْدًا أَوْ لِدُونِ الْأَجَلِ أَوْ بِاثْنَيْ عَشَرَ إلَى شَهْرَيْنِ لِأَنَّ الْيَدَ السَّابِقَةَ بِدَفْعِ الْمَالِ رَجَعَ إلَيْهَا أَكْثَرُ مِمَّا دَفَعَتْ فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ فَيُتَّهَمُ عَلَى قَصْدِ سَلَفٍ جَرَّ نَفْعًا فَيُمْنَعُ لِلتُّهْمَةِ، ثُمَّ صَرَّحَ بِجَوَازِ أَرْبَعِ صُوَرٍ مِنْ التِّسْعِ الْبَوَاقِي فَقَالَ: " وَهِيَ إذَا كَانَتْ " (الْبَيْتَ) أَيْ إذَا بَاعَ ثَوْبًا مَثَلًا بِعَشَرَةٍ إلَى أَجَلٍ ثُمَّ اشْتَرَاهُ بِعَشَرَةٍ أَيْضًا، فَذَلِكَ جَائِزٌ كَانَ الشِّرَاءُ بِثَمَنٍ نَقْدًا، أَوْ مُؤَجَّلًا إلَى دُونِ الْأَجَلِ أَوْ إلَى الْأَجَلِ نَفْسِهِ أَوْ إلَى أَبْعَدَ مِنْهُ وَعَلَى شُمُولِهِ عَلَى هَذِهِ الصُّوَرِ الْأَرْبَعِ نَبَّهَ بِقَوْلِهِ: " فِي كُلِّ حَالٍ حَالِّ " فَهُوَ تَصْرِيحٌ بِجَوَازِ أَحَدِ وَجْهَيْنِ شَمِلَهُمَا مَفْهُومُ قَوْلِهِ: " بِثَمَنٍ أَدْنَى " وَهُوَ كَوْنُهُ مُسَاوِيًا وَالْوَجْهُ الْآخَرُ وَهُوَ كَوْنُهُ بِأَكْثَرَ تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ النَّاظِمِ أَنَّهُ إنْ كَانَ لِأَبْعَدَ مَمْنُوعٌ فَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ إنْ كَانَ بِأَكْثَرَ نَقْدًا أَوْ لِدُونِ الْأَجَلِ أَوْ لِلْأَجَلِ نَفْسِهِ، فَلَا يُمْنَعُ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَتَقَدَّمَ أَيْضًا أَنَّهُ يَدْخُلُ فِي مَفْهُومِ قَوْلِهِ: " وَلَا وَقْتَ أَقَلْ " صُورَتَانِ جَائِزَتَانِ وَهُمَا: إذَا اشْتَرَى بِأَقَلَّ لِلْأَجَلِ الْأَوَّلِ، أَوْ لِأَبْعَدَ مِنْهُ. وَقَدْ اشْتَمَلَ كَلَامُ النَّاظِمُ عَلَى الصُّوَرِ الثَّلَاثِ الْمَمْنُوعَةِ بِالْمَنْطُوقِ، وَعَلَى التِّسْعِ الْجَائِزَةِ بِالْمَفْهُومِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَنْصُوصَ لِلْفُقَهَاءِ أَنَّ الْإِقَالَةَ إنْ كَانَتْ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ أَوْ عَلَى أَقَلَّ مِنْهُ فَهِيَ بَيْعٌ مُسْتَأْنَفٌ اتِّفَاقًا، وَإِنْ كَانَتْ بِمِثْلِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ، فَقِيلَ: هِيَ بَيْعٌ ثَانٍ

وَقِيلَ: هِيَ نَقْضٌ لِلْبَيْعِ الْأَوَّلِ وَعِبَارَتُهُمْ فِي بُيُوعِ الْآجَالِ " بَاعَ بِكَذَا، وَاشْتَرَى بِكَذَا " فَتَسْمِيَةُ الْبَيْعَةِ الثَّانِيَةِ إقَالَةً كَمَا عِنْدَ النَّاظِمِ أَوْ بَيْعًا كَمَا عَبَّرُوا بِهِ فِي بُيُوعِ الْآجَالِ كُلٌّ مِنْهُمَا صَحِيحٌ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. . وَمُشْتَرٍ أَقَالَ مَهْمَا اشْتَرَطَا ... أَخْذَ الْمَبِيعِ إنْ يُبَعْ تَغَبُّطَا بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ فَهْوَ جَائِزُ ... وَالْمُشْتَرِي بِهِ الْمَبِيعَ حَائِزُ يَعْنِي أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا أَقَالَ الْبَائِعُ عَلَى أَنَّهُ مَتَى بَاعَ ذَلِكَ فَالْمُشْتَرِي أَحَقُّ بِهِ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ إنَّ الْبَائِعَ الْمُقَالَ بَاعَ ذَلِكَ فَأَرَادَ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ فَسْخَ الْبَيْعِ، وَالْأَخْذَ بِشَرْطِهِ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ لَهُ الْأَخْذُ بِشَرْطِهِ وَإِيَّاهُ تَبِعَ النَّاظِمُ وَالْمَشْهُورُ فَسَادُ الْإِقَالَةِ لِمَا فِيهَا مِنْ التَّحْجِيرِ، فَإِنْ نَزَلَ ذَلِكَ فُسِخَتْ الْإِقَالَةُ وَإِنْ طَالَ ذَلِكَ، وَفَاتَ ذَلِكَ بِالْبَيْعِ كَذَا نَقَلَ الْحَطَّابُ فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُخْتَصَرِ: وَالْإِقَالَةُ بَيْعٌ إلَّا فِي الطَّعَامِ إلَخْ وَقَالَ ابْنُ سَلْمُونٍ: وَإِذَا اشْتَرَطَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ فِي الْإِقَالَةِ أَنَّهُ إنْ بَاعَ الْمَبِيعَ مِنْ غَيْرِهِ بَعْدَ الْإِقَالَةِ، فَهُوَ لَهُ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ فَذَلِكَ جَائِزٌ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ. وَقَدْ نَصَّ ابْنُ فَتْحُونٍ فِي وَثَائِقِهِ فِي ذَلِكَ عَقْدًا قَالَ وَإِذَا بَاعَ مِنْ غَيْرِ نَقْدِ الْبَيْعِ وَكَانَتْ لِلْمُقِيلِ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ إلَّا أَنْ يَبِيعَهَا بَعْدَ طُولٍ مِنْ الزَّمَانِ تَنْدَفِعُ فِيهِ عَنْهُ التُّهْمَةُ اهـ وَفَاعِلُ " اشْتَرَطَ " لِلْمُشْتَرِي " وَيُبَعْ " بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِ الْبَاءِ مَبْنِيٌّ لِلنَّائِبِ وَ " تَغَبُّطَا " مَفْعُولٌ مِنْ أَجْلِهِ مَعْمُولٌ لِ " أَخْذَ " وَبِالثَّمَنِ يَتَعَلَّقُ بِ " أَخْذَ " وَضَمِيرُ " هُوَ " لِلشَّرْطِ الْمَدْلُولِ عَلَيْهِ بِ " اشْتَرَطَا " " وَالْمُشْتَرِي " مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ " حَائِزٌ " بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَ " الْمَبِيعَ " مَفْعُولٌ لِ " حَائِزُ " وَضَمِيرُ " بِهِ " لِلشَّرْطِ أَيْضًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ) مَا شَرَحْنَا بِهِ كَلَامَ النَّاظِمِ مِنْ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ اشْتَرَطَ عَلَى الْبَائِعِ الْمُقَالِ الَّذِي رَجَّعَ إلَيْهِ شَيْأَهُ أَنَّهُ إذَا بَاعَهُ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْهُ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ الَّذِي وَقَعَتْ بِهِ الْإِقَالَةُ هُوَ الْمُوَافِقُ لِلَفْظِهِ وَهُوَ الَّذِي تَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ سَلْمُونٍ وَالْحَطَّابِ وَبِهِ شَرَحَ الشَّارِحُ الْبَيْتَيْنِ، وَأَمَّا مَا نَقَلَهُ عَنْ النَّوَادِرِ مِنْ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ اشْتَرَطَ أَخْذَهُ مِمَّا يُبَاعُ بِهِ، ثُمَّ بَاعَهُ الْبَائِعُ الْمُقَالُ بَعْدَ مُدَّةٍ فَقَالَ الْمُقِيلُ بِشَرْطِهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَهُ وَلِيَرُدَّ الْبَيْعَ وَلَكِنْ يَأْخُذُهُ الْمُشْتَرِي الْمُقِيلُ بِالثَّمَنِ الَّذِي بَاعَهُ هَذَا الْآخَرُ هَذَا لَفْظُهُ، فَإِنْ عَنَى بِالثَّمَنِ مَا يُبَعْ بِهِ أَوَّلًا وَيُرَشِّحُهُ قَوْلُهُ " وَلَكِنْ " إلَخْ فَلَا شَكَّ أَنَّهَا مُخَالِفَةٌ لِمَسْأَلَةِ النَّاظِمِ فِي كَيْفِيَّةِ الشَّرْطِ، وَهُوَ أَخْذُ الْمَبِيعِ بِمَا يُبَاعُ بِهِ ثَانِيًا وَمَسْأَلَةُ النَّاظِمِ مِمَّا يُبَاعُ بِهِ أَوَّلًا وَهِيَ مُوَافِقَةٌ لَهَا فِي الْحُكْمِ بَعْدَ الْوُقُوعِ وَهُوَ أَخْذُهُ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ وَذَلِكَ بَعِيدٌ مِنْ اللَّفْظِ الْمَذْكُورِ وَإِنْ عَنَى بِالثَّمَنِ الثَّمَنَ الَّذِي يُبَاعُ بِهِ ثَانِيًا فَلَيْسَتْ مَسْأَلَةُ النَّاظِمِ لِمُخَالَفَتِهَا لَهَا فِي التَّصَوُّرِ، وَالْحُكْمِ وَفِي جَوَازِ هَذَا الشَّرْطِ نَظَرٌ لِلْجَهْلِ بِمَا يُبَاعُ بِهِ ثَانِيًا وَأَمَّا مَا نَقَلَهُ الشَّارِحُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُخْتَصَرِ الْكَبِيرِ فِيمَنْ بَاعَ دَارِهِ عَلَى أَنَّهُ مَتَى بَاعَهَا الْمُبْتَاعُ، فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا بِالثَّمَنِ، وَأَنَّهُ لَا خَيْرَ فِي ذَلِكَ، فَهِيَ مَسْأَلَةٌ أُخْرَى لَا إقَالَةَ فِيهَا رَأْسًا وَإِنَّمَا الشَّرْطُ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ فَحَمْلُهَا عِنْدَ قَوْلِهِ أَوَّلَ الْبُيُوعِ: وَالْبَيْعُ، وَالشَّرْطُ الْحَلَالُ إنْ وَقَعْ إلَخْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. . وَسُوِّغَتْ إقَالَةٌ فِيمَا اُكْتُرِيَ ... إنْ لَمْ يَكُنْ أَعْطَى الْكِرَاءَ الْمُكْتَرِي

فصل في التولية والتصيير

يَعْنِي أَنَّ مَنْ اكْتَرَى دَارًا أَوْ غَيْرَهَا فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَتَقَايَلَ مَعَ الْمُكْرِي إنْ لَمْ يَكُنْ الْمُكْتَرِي دَفَعَ الْكِرَاءَ سَوَاءٌ سَكَنَ أَوْ لَمْ يَسْكُنْ وَكَذَلِكَ تَجُوزُ الْإِقَالَةُ إذَا نَقَدَ الْكِرَاءَ وَلَمْ يَسْكُنْ وَهَذِهِ الصُّورَةُ تَرِدُ عَلَى النَّاظِمِ لِأَنَّهُ اشْتَرَطَ فِي جَوَازِ الْإِقَالَةِ عَدَمَ دَفْعِ الْكِرَاءِ فَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ إنْ دَفَعَ الْكِرَاءَ لَمْ تَجُزْ الْإِقَالَةُ ظَاهِرُهُ وَلَوْ لَمْ يَسْكُنْ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ إنَّمَا تَمْتَنِعُ إذَا دَفَعَ الْكِرَاءَ وَسَكَنَ بَعْضَ الْمُدَّةِ وَأَمَّا إنْ دَفَعَ وَلَمْ يَسْكُنْ فَالْإِقَالَةُ جَائِزَةٌ كَمَا تَقَدَّمَ فَيُقَيَّدُ مَفْهُومُ قَوْلِهِ: " إنْ لَمْ يَكُنْ. إلَخْ " وَهُوَ مَا إذَا أَعْطَى الْكِرَاءَ بِمَا سَكَنَ بَعْضَ الْمُدَّةِ. (قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ) : وَتَجُوزُ الْإِقَالَةُ فِي الْكِرَاءِ مَا لَمْ يَنْقُدْ فَإِنْ نَقَدَ الْمُكْتَرِي لِلْمُدَّةِ كُلِّهَا، وَسَكَنَ بَعْضَهَا لَمْ تَجُزْ الْإِقَالَةُ عِنْدَ مَالِكٍ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَذَلِكَ كَسِلَعٍ بَاعَهَا فَأَقَالَ مِنْ بَعْضِهَا وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَذَلِكَ كِرَاءٌ وَسَلَفٌ. (قَالَ الشَّارِحُ) : الْكِرَاءُ الَّذِي تَقَعُ الْإِقَالَةُ بَعْدَهُ يُتَصَوَّرُ فِيهِ أَرْبَعُ صُوَرٍ: الْأُولَى: لَمْ يَنْقُدْ، وَلَمْ يَسْكُنْ الثَّانِيَةُ: سَكَنَ وَلَمْ يَنْقُدْ الثَّالِثَةُ: نَقَدَ وَلَمْ يَسْكُنْ فَهَذِهِ ثَلَاثُ صُوَرٍ تَجُوزُ فِيهَا الْإِقَالَةُ الرَّابِعَةُ: نَقَدَ، وَسَكَنَ بَعْضَ الْمُدَّةِ فَتُمْنَعُ الْإِقَالَةُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ اهـ. بِالْمَعْنَى. [فَصْلٌ فِي التَّوْلِيَةِ وَالتَّصْيِيرِ] (فَصْلٌ فِي التَّوْلِيَةِ وَالتَّصْيِيرِ) تَوْلِيَةُ الْمَبِيعِ جَازَتْ مُطْلَقَا ... وَلَيْسَ ذَاكَ فِي الطَّعَامِ مُتَّقَى (ابْنُ عَرَفَةَ) : التَّوْلِيَةُ تَصْيِيرُ مُشْتَرٍ مَا اشْتَرَاهُ لِغَيْرِ بَائِعِهِ بِثَمَنِهِ، وَهِيَ فِي الطَّعَامِ غَيْرَ جُزَافٍ قَبْلَ كَيْلِهِ رُخْصَةٌ لِلْحَدِيثِ اهـ، وَأَخْرَجَ بِقَوْلِهِ: " لِغَيْرِ بَائِعِهِ " الْإِقَالَةَ وَبِقَوْلِهِ: " بِثَمَنِهِ " مَا إذَا صَيَّرَهُ بِأَكْثَرَ مِمَّا اشْتَرَاهُ بِهِ، وَأَقَلَّ فَإِنَّ ذَلِكَ بَيْعٌ مُسْتَأْنَفٌ وَلَيْسَ بِتَوْلِيَةٍ قَوْلُهُ: " تَوْلِيَةُ الْمَبِيعِ ". (الْبَيْتَ) يَعْنِي أَنَّ مَنْ اشْتَرَى شَيْئًا، فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُوَلِّيَهُ لِغَيْرِهِ كَانَ ذَلِكَ الْمُشْتَرَى طَعَامًا، أَوْ غَيْرَهُ قَبْلَ الْقَبْضِ، أَوْ بَعْدَهُ، وَإِلَى هَذَا الْعُمُومِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: " مُطْلَقًا " وَهِيَ وَإِنْ كَانَتْ فِي الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ مِنْ بَابِ بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ فَجَائِزَةٌ لِلْحَدِيثِ. (وَفِي الْمُتَيْطِيَّةِ) وَالتَّوْلِيَةُ فِي الْأُصُولِ، وَغَيْرِهَا جَائِزَةٌ وَفِي النَّوَادِرِ مِنْ الْوَاضِحَةِ قَالَ: الْإِقَالَةُ، وَالشَّرِكَةُ، وَالتَّوْلِيَةُ مُخْرَجَةٌ بِرُخْصَةِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ نَهْيِهِ عَنْ بَيْعِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ كَمَا خَرَجَ بَيْعُ الْعَرِيَّةِ مِنْ بَيْعِ الثَّمَرِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ، وَكَمَا خَرَجَتْ الْحَوَالَةُ مِنْ نَهْيِهِ عَنْ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ. (وَفِي الْمُقَرَّبِ) قَالَ مَالِكٌ: " وَمَنْ أَسْلَمَ فِي حِنْطَةٍ فَوَلَّى بَعْضَهَا قَبْلَ مَحَلِّ الْأَجَلِ مِثْلُ أَنْ يُوَلِّيَ رُبُعَهَا بِرُبُعِ الثَّمَنِ، فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ وَكَذَلِكَ هَذَا فِي جَمِيعِ الْعُرُوضِ كُلِّهَا (قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ) وَكَانَ مَالِكٌ لَا يَرَى بَأْسًا بِالشَّرِكَةِ، وَالتَّوْلِيَةِ، وَالْإِقَالَةِ فِي الطَّعَامِ وَفِي جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ كُلِّهَا إذَا أَسْلَمَ فِيهَا وَانْتَقَدَ الثَّمَنَ اهـ. وَالشَّرْطُ فِي التَّصْيِيرِ أَنْ يُقَدَّرَا ... دَيْنٌ وَانِجَازٌ لِمَا تَصَيَّرَا وَالْعَرَضُ صَيِّرْهُ بِلَا مُنَازَعَهْ ... وَالْحَيَوَانُ حَيْثُ لَا مُوَاضَعَهْ وَجَائِزٌ فِيهِ مَزِيدُ الْعَيْنِ ... حَيْثُ يَقِلُّ عَنْهُ قَدْرُ الدَّيْنِ وَالْخُلْفُ فِي تَصْيِيرِ مَا كَالسُّكْنَى ... أَوْ ثَمَرٍ مُعَيَّنٍ لِيُجْنَى اشْتَمَلَتْ الْأَبْيَاتُ عَلَى خَمْسِ مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِالتَّصْيِيرِ الْأُولَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ قَدْرِ الدَّيْنِ الْمُصَيَّرِ فِيهِ لِأَنَّ التَّصْيِيرَ بَيْعٌ مِنْ الْبُيُوعِ وَمِنْ شَرْطِ الْعِوَضَيْنِ فِي الْبَيْعِ مَعْرِفَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ ذَلِكَ إلَّا مَا صُيِّرَ تَمَخِّيًا كَمَا يَأْتِي، وَإِلَى هَذَا الشَّرْطِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: وَالشَّرْطُ فِي التَّصْيِيرِ أَنْ يُقَدَّرَا دَيْنٌ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَيْضًا قَبْضُ الشَّيْءِ الْمُصَيَّرِ نَاجِزًا (قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ) وَتَصْيِيرُ الْأُصُولِ وَغَيْرِهَا فِي الدُّيُونِ مِنْ نَاحِيَةِ الْبُيُوعِ إلَّا أَنَّ ذَلِكَ مُفْتَقِرٌ إلَى أَنَّ إنْجَازَ التَّقَابُضِ فِي حِينِ الصَّفْقَةِ فَإِنْ تَأَخَّرَ عَنْهَا فَسَدَ، وَدَخَلَهُ الدَّيْنُ بِالدَّيْنِ كَمَنْ صَيَّرَ فِي دَيْنِهِ دَارًا غَائِبَةً أَوْ حَاضِرَةً عَلَى أَنْ يَسْكُنَهَا الْبَائِعُ مُدَّةً قَرِيبَةً، أَوْ بَعِيدَةً أَوْ سِلْعَةً عَلَى الْخِيَارِ أَوْ جَارِيَةً يُتَوَاضَعُ مِثْلُهَا أَوْ عَبْدًا أَوْ أَمَةً مِنْ وَخْشِ الرَّقِيقِ عَلَى الْعُهْدَةِ فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّأْخِيرِ وَيَجُوزُ فِي الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ مِنْ الْوَخْشِ إذَا بِيعَا عَلَى الْبَرَاءَةِ، وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الرَّائِعَةِ لِأَنَّ الْمُوَاضَعَةَ لَا تَسْقُطُ فِيهَا، وَكَذَلِكَ إنْ صَيَّرَ إلَيْهِ فِي دَيْنِهِ

سُكْنَى دَارٍ مُدَّةً مَعْلُومَةً لَمْ يَجُزْ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ الْمَعْمُولُ بِهِ وَرَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ أَجَازَ أَنْ يَأْخُذَ عَنْ دَيْنِهِ دَارًا غَائِبَةً لِأَنَّهَا مُعَيَّنَةٌ، أَوْ عَبْدًا بِخِيَارٍ أَوْ أَمَةً تُتَوَاضَعُ أَوْ سُكْنَى دَارٍ وَجُعِلَ قَبْضُ أَوَائِلِ السُّكْنَى قَبْضًا لِآخِرِهَا كَمَا جَازَ عِنْدَهُ اكْتِرَاؤُهَا بِدَيْنٍ إلَى أَجَلٍ وَجُعِلَ قَبْضُ أَوَائِلِ السُّكْنَى قَبْضًا لِجَمِيعِهِ وَلَمْ يَرَهُ مِنْ الدَّيْنَيْنِ الْمَضْمُونَيْنِ جَمِيعًا قَالَ بَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ هُوَ أَقْيَسُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ شِرَاءُ ذَلِكَ بِاتِّفَاقٍ اهـ. وَإِلَى اشْتِرَاطِ الْقَبْضِ نَاجِزًا أَشَارَ بِقَوْلِهِ.: " وَالْإِنْجَازُ لِمَا تَصَيَّرَا ". (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) أَنَّهُ يَجُوزُ تَصْيِيرُ الْعُرُوضِ عَلَى اخْتِلَافِ أَنْوَاعِهَا، وَكَذَا الْحَيَوَانُ إلَّا الْأَمَةَ الَّتِي تَفْتَقِرُ إلَى الْمُوَاضَعَةِ وَمَا لَا يُقْبَضُ فِي الْحَالِ كَالدَّارِ الْغَائِبَةِ، وَالْمَبِيعِ بِالْخِيَارِ، وَتَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ فِي كَلَامِ الْمُتَيْطِيِّ وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: وَالْعَرَضُ صَيِّرْهُ بِلَا مُنَازَعَهْ الْبَيْتَ وَيَجُوزُ فِي لَفْظِ الْعَرَضِ النَّصْبُ عَلَى الِاشْتِغَالِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ، وَالرَّفْعُ عَلَى الِابْتِدَاءِ وَكَذَا لَفْظُ الْحَيَوَانِ. (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) أَنَّهُ إذَا كَانَتْ قِيمَةُ الْمُصَيَّرِ أَكْثَرَ مِنْ الدَّيْنِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَزِيدَ رَبُّ الدَّيْنِ الْمُصَيَّرُ لَهُ الْعَرَضُ مِنْ الْعَيْنِ مَا يُكْمِلُ بِهِ قَدْرَ قِيمَةِ الْعَرَضِ الْمُصَيَّرِ فِيهِ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ مِائَةً فَيُصَيِّرَ لَهُ عَرَضًا يُسَاوِي مِائَةً وَعِشْرِينَ وَيَزِيدَهُ رَبُّ الدَّيْنِ عِشْرِينَ وَيَشْتَرِطَ أَنْ تَكُونَ مُعَجَّلَةً، وَلَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهَا وَإِلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: وَجَائِزٌ فِيهِ مَزِيدُ الْعَيْنِ الْبَيْتَ فَضَمِيرُ فِيهِ لِلتَّصْيِيرِ وَضَمِيرُ عَنْهُ لِلْعَرَضِ الْمُصَيَّرِ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ عَنْ قِيمَةِ الْعَرَضِ الْمُصَيَّرِ وَ " قَدْرُ الدَّيْنِ " فَاعِلُ يَقِلُّ. (قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ) : وَإِنْ كَانَ الْمَزِيدُ لَهُ زَادَ فِي الدَّارِ زِيَادَةً عَلَى الدَّيْنِ جَازَ ذَلِكَ وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ بُدٌّ مِنْ تَنَاجُزِ الْقَبْضِ كَانَ الدَّيْنُ مُعْظَمَ الثَّمَنِ، أَوْ يَسِيرًا مِنْهُ لِمَا يَدْخُلُهُ فِي التَّأْخِيرِ مِنْ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ اهـ. وَهَذِهِ مَسْأَلَةُ النَّاظِمِ لِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِ الْمُتَيْطِيِّ: وَإِنْ كَانَ الْمُصَيَّرُ لَهُ زَادَ فِي الدَّارِ زِيَادَةً إلَخْ أَنَّ الَّذِي صُيِّرَتْ لَهُ الدَّارُ فِي دَيْنِهِ قَاصٌّ رَبَّهَا بِالدَّيْنِ وَزَادَ زِيَادَةً لِكَوْنِ قِيمَتِهَا أَكْثَرَ مِنْ الدَّيْنِ وَكَذَلِكَ عَكْسُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَهِيَ إذَا كَانَ الدَّيْنُ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ الْعَرَضِ فَإِنَّ لِصَاحِبِ الْعَرَضِ أَنْ يَزِيدَ مِنْ الْعَيْنِ مَا يُكْمِلُ بِهِ خَلَاصَ دَيْنِهِ قَالَ ابْنُ سَلْمُونٍ: " وَكَذَلِكَ إنْ صَيَّرَ لَهُ مِلْكًا فِي دَيْنٍ لَهُ عَلَيْهِ وَزِيَادَةً زَادَهَا لَهُ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّنَاجُزِ " اهـ. وَهَذَا إذَا عَطَفْنَا قَوْلَ ابْنِ سَلْمُونٍ: " وَزِيَادَةً " عَلَى " مِلْكًا " وَأَمَّا إنْ عَطَفْنَاهُ عَلَى دَيْنٍ فَتَكُونُ هِيَ مَسْأَلَةَ النَّاظِمِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْوَثِيقَةِ الَّتِي ذَكَرَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَالْمَعْنَى صَحِيحٌ عَلَى كِلَا الِاحْتِمَالَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ) حِكَايَةُ الْخِلَافِ فِي تَصْيِيرِ السُّكْنَى وَالرُّكُوبِ، وَنَحْوِهِمَا مِمَّا لَا يُقْبَضُ كُلُّهُ دَفْعَةً بَلْ شَيْئًا فَشَيْئًا وَتَقَدَّمَ حِكَايَةُ الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ فِي قَوْلِ الْمُتَيْطِيِّ: وَكَذَلِكَ إنْ صَيَّرَ إلَيْهِ فِي دَيْنِهِ سُكْنَى دَارٍ. . . إلَخْ. وَإِلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: وَالْخُلْفُ فِي تَصْيِيرِ مَا كَالسُّكْنَى الْبَيْتَ فَقَوْلُهُ: " أَوْ ثَمَرٍ " عُطِفَ عَلَى " مَا " وَقَوْلُهُ: " لِيُجْنَى " أَيْ لِكَوْنِهِ يُجْنَى شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ فَلَا يُتَنَجَّزُ قَبْضُ جَمِيعِهِ دَفْعَةً وَاحِدَةً. (فَرْعٌ) وَهَلْ يَفْتَقِرُ التَّصْيِيرُ إلَى حِيَازَةٍ أَمْ لَا وَعَلَى الْحِيَازَةِ فَهَلْ بِالْمُعَايَنَةِ أَوْ يَكْفِي فِيهَا الِاعْتِرَافُ قَالَ الْمِكْنَاسِيُّ فِي مَجَالِسِهِ: قُلْت أَفْتَى فِيهَا الْقَاضِي أَبُو سَالِمٍ إبْرَاهِيمُ الْيَزْنَاسِيُّ أَنَّهُ لَا يَفْتَقِرُ إلَى حِيَازَةٍ وَهُوَ بَيْعٌ مِنْ الْبُيُوعِ وَأَفْتَى الْفَقِيهُ الْعَبْدُوسِيُّ أَنَّهُ يَفْتَقِرُ إلَى حِيَازَةٍ قَالَ الْمُتَيْطِيُّ

وَبِافْتِقَارِهِ إلَى الْحِيَازَةِ جَرَى الْعَمَلُ وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَيُكْتَفَى بِإِقْرَارِهِمَا بِالْحَوْزِ عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ الْمَذْهَبِ ثُمَّ نُقِلَ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ قَالَ: وَالصَّوَابُ الَّذِي لَا يَنْبَغِي أَنْ يُعْدَلَ عَنْهُ أَنَّ التَّصَيُّرَ فِي الْمُعَيَّنِ لَا يَفْتَقِرُ إلَى حَوْزٍ وَلَا يَدْخُلُهُ الدَّيْنُ بِالدَّيْنِ اهـ. (قُلْت) وَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ فِي آخِرِ فَصْلِ اعْتِصَارِ الْهِبَةِ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلًا بِالتَّفْصِيلِ فَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ الْمُصَيَّرُ فِيهِ ثَابِتًا بِالْبَيِّنَةِ فَلَا يَفْتَقِرُ التَّصْيِيرُ إذْ ذَاكَ لِحَوْزٍ لِأَنَّهُ مُعَاوَضَةٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا فَيَفْتَقِرُ لِلْحَوْزِ لِلتُّهْمَةِ إلَى قَصْدِ الْهِبَةِ وَالتَّحَيُّلِ عَلَى إسْقَاطِ الْحِيَازَةِ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَفِي الْمَوَّاقِ قَبْلَ بَابِ الرَّهْنِ مُتَّصِلًا بِهِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: التَّصْيِيرُ كَالْبَيْعِ لَا يَحْتَاجُ إلَى إخْلَاءٍ، وَلَا إلَى حِيَازَةٍ بِهَذَا أَفْتَى ابْنُ عَتَّابٍ وَابْنُ الْقَطَّانِ وَابْنُ مَالِكٍ قَالَ ابْنُ سَهْلٍ وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ لِأَنَّ قَوْلَ مَالِكٍ فِيمَنْ وَهَبَ أَجْنَبِيًّا جُزْءًا مِنْ مَالِهِ مُشَاعًا وَاعْتَمَرَ الْمَوْهُوبُ لَهُ مَعَ الْوَاهِبِ أَنَّهُ جَائِزٌ اهـ. اُنْظُرْ مَا الْمُرَادُ بِالْحَوْزِ هَلْ هُوَ الْقَبْضُ الْمُتَقَدِّمُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي التَّصْيِيرِ السَّلَامَةُ مِنْ فَسْخِ مَا فِي الذِّمَّةِ فِيمَا يَتَأَخَّرُ قَبْضُهُ وَلَوْ كَانَ مُعَيَّنًا عَلَى الْمَشْهُورِ لِقَوْلِهِ فِي الْمُخْتَصَرِ: كَكَالِئٍ بِمِثْلِهِ فَسْخُ مَا فِي الذِّمَّةِ فِي مُؤَخَّرٍ وَلَوْ مُعَيَّنًا يَتَأَخَّرُ قَبْضُهُ، أَوْ الْمُرَادُ مَا هُوَ أَخَصُّ مِنْ الْقَبْضِ وَهُوَ الْحَوْزُ، فَإِنَّ كُلَّ حَوْزٍ قَبْضٌ وَلَيْسَ كُلُّ قَبْضٍ حَوْزًا فَالْقَبْضُ يُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يَتَّصِلَ بِالتَّصْيِيرِ وَلَا كَذَلِكَ الْحَوْزُ وَيُشْتَرَطُ فِي الْحَوْزِ دَوَامُهُ مُدَّةً فِي يَدِ الْحَائِزِ وَلَا كَذَلِكَ فِي الْقَبْضِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ التَّصْيِيرَ يُشْتَرَطُ فِيهِ الْقَبْضُ، وَالْحَوْزُ مَعًا وَالْجَارِي عَلَى الْقَوَاعِدِ أَنَّ تَصْيِيرَ الْمُعَيَّنِ لَا يَفْتَقِرُ إلَى حَوْزٍ أَوْ قَبْضٍ إذْ الْمُعَيَّنُ لَا تَحْمِلُهُ الذِّمَمُ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَيْسَ مِنْ فَسْخِ الدَّيْنِ فِي الدَّيْنِ وَإِنَّ التَّصْيِيرَ الْمُفْتَقِرَ لِلْحَوْزِ هُوَ حَيْثُ يَكُونُ الدَّيْنُ الْمُصَيَّرُ فِيهِ ثَابِتًا بِإِقْرَارِ الْمُصَيِّرِ فَيُتَّهَمُ عَلَى التَّحَيُّلِ عَلَى إسْقَاطِ الْحَوْزِ فِي الْهِبَةِ، وَأَمَّا إنْ كَانَ الدَّيْنُ ثَابِتًا بِبَيِّنَةٍ فَلَا يَفْتَقِرُ إلَى حَوْزٍ لِأَنَّهُ مُعَاوَضَةٌ مُحَقَّقَةٌ. وَامْتَنَعَ التَّصْيِيرُ لِلصَّبِيِّ ... إنْ لَمْ يَكُنْ ذَا أَبٍ أَوْ وَصِيِّ

يَعْنِي أَنَّ مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ لِصَبِيٍّ، فَلَا يَجُوزُ لَهُ التَّصْيِيرُ لِلصَّبِيِّ الَّذِي لَيْسَ لَهُ أَبٌ وَلَا وَصِيٌّ لِأَنَّهُ لَا يَقْبِضُ لِنَفْسِهِ، فَيَدْخُلُ التَّصْيِيرَ عَدَمُ التَّنَاجُزِ فَيَكُونُ دَيْنًا بِدَيْنٍ. (قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ) : وَإِذَا كَانَ الدَّيْنُ لِلصَّغِيرِ أَوْ لِلْيَتِيمِ قِيلَ أَجْنَبِيٌّ أَوْ قَرِيبٌ غَيْرُ الْأَبِ أَوْ الْوَصِيِّ، وَأَرَادَ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ أَنْ يُصَيِّرَ إلَيْهِ فِي ذَلِكَ مِلْكًا، فَإِنْ كَانَ لِلصَّغِيرِ أَبٌ أَوْ وَصِيٌّ جَازَ ذَلِكَ وَكَانَ الْأَبُ أَوْ الْوَصِيُّ الْقَابِضَ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَبٌ وَوَصِيٌّ فَلَا يَصِحُّ التَّصْيِيرُ بِوَجْهٍ لِأَنَّ الْقَبْضَ يَتَعَذَّرُ فِيهِ فَيَدْخُلُهُ الدَّيْنُ بِالدَّيْنِ اهـ. . وَالْأَبُ كَالْوَصِيِّ فِي التَّصْيِيرِ ... تَمَخِّيًا بِالْجَهْلِ لِلْمَحْجُورِ يَعْنِي أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْأَبِ، وَالْوَصِيِّ أَنْ يُصَيِّرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِمَنْ إلَى نَظَرِهِ شَيْئًا يَكُونُ ذَلِكَ الْمُصَيَّرُ فِي مُقَابَلَةِ مَا جَهِلَهُ الْمُصَيِّرُ الْمَذْكُورُ مِمَّا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ قَدْ اسْتَهْلَكَهُ مِنْ مَالِ الْمَحْجُورِ لِتَبْرَأَ ذِمَّتُهُ مِنْ ذَلِكَ، وَيَقْبِضُ ذَلِكَ الشَّيْءَ الْمُصَيَّرَ مِنْ نَفْسِهِ لِمَحْجُورِهِ فَقَوْلُهُ: " لِلْمَحْجُورِ " يَتَعَلَّقُ بِ " التَّصْيِيرِ "، وَ " تَمَخِّيًا " مَفْعُولٌ مِنْ أَجْلِهِ، وَالتَّمَخِّي التَّبَرِّي، وَالِاسْتِسْلَامُ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: " تَمَخَّيْتُ مِنْ الشَّيْءِ وَامَّخَيْتُ مِنْهُ إذَا تَبَرَّأْتُ مِنْهُ وَتَحَرَّجْتُ " اهـ. وَبَاءُ " بِالْجَهْلِ " سَبَبِيَّةٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِ " تَمَخِّيًا ". (قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ) : وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ مَجْهُولًا قَدْرُهُ لَا يَعْرِفُهُ الْأَبُ أَوْ الْوَصِيُّ وَإِنَّمَا اسْتَهْلَكَ لَهُ مَالًا لَمْ يَقِفْ عَلَيْهِ، فَتَمَخَّى مِنْهُ بِأَنْ صَيَّرَ لَهُ فِي ذَلِكَ دَارًا، أَوْ مِلْكًا جَازَ التَّصْيِيرُ، وَصَحَّ الْقَبْضُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِمَّا لَمْ يَسْكُنْ الْمُصَيِّرُ فِيهِ، وَيَسْقُطُ مِنْ نَصِّ الْوَثِيقَةِ مَعْرِفَةُ السَّدَادِ لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ قَدْرُ مَا صُيِّرَتْ الدَّارُ فِيهِ اهـ. وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الدَّيْنَ مُحَقَّقٌ إلَّا أَنَّهُ مَجْهُولُ الْمِقْدَارِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ فِي مَعْرِضِ الِاسْتِثْنَاءِ مِمَّا تَقَدَّمَ أَوَّلَ هَذَا الْبَابِ مِنْ اشْتِرَاطِ مَعْرِفَةِ قَدْرِ الدَّيْنِ الْمُصَيَّرِ فِيهِ، فَإِذَا تَعَذَّرَتْ مَعْرِفَتُهُ كَهَذَا جَازَ التَّصْيِيرُ فِي الْمَجْهُولِ لِبَرَاءَةِ الذِّمَّةِ، وَكَذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إذَا لَمْ يَتَحَقَّقْ الدَّيْنَ وَإِنَّمَا خَافَ أَنْ يَكُونَ فِي ذِمَّتِهِ مِنْ مَالِ الْمَحْجُورِ شَيْءٌ جَهِلَهُ، أَوْ نَسِيَهُ لِكَوْنِهِ كَانَ يَتَصَرَّفُ فِيهِ بِالْقَبْضِ، وَالدَّفْعِ فَيُصَيِّرُ لَهُ فِي ذَلِكَ شَيْئًا احْتِيَاطًا لِبَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ إلَّا أَنَّ هَذَا مُسْتَحَبٌّ وَالْأَوَّلَ وَاجِبٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَهَذَا الثَّانِي هُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ الشَّارِحِ فِي حَلِّ الْبَيْتِ مِمَّا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ قَدْ اسْتَهْلَكَهُ مِنْ مَالِهِ وَفِي فَصْلِ التَّصْيِيرِ مِنْ ابْنِ سَلْمُونٍ مَا نَصُّهُ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَاتَّفَقَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَسَحْنُونٌ عَلَى أَنَّهُ لَا شُفْعَةَ فِي هَذَا التَّمَخِّي، وَاخْتَلَفَا فِي التَّعْلِيلِ فَرَآهُ ابْنُ الْقَاسِمِ بَيْعًا جُهِلَ فِيهِ الثَّمَنُ فَلَا شُفْعَةَ فِيهِ وَلَا يَفْتَقِرُ إلَى حِيَازَةٍ وَرَآهُ سَحْنُونٌ صَدَقَةً فَلَا شُفْعَةَ، وَيَفْتَقِرُ إلَى حِيَازَةٍ قَالَ: وَقَوْلُ سَحْنُونٍ أَظْهَرُ عِنْدِي اهـ. وَقَدْ وَقَعَ فِي هَذَا الْوَقْتِ نَازِلَةٌ وَهِيَ أَنَّ رَجُلًا أَوْصَى بِوَصَايَا وَمِنْ جُمْلَتِهَا مَالٌ عَلَى مِقْدَارِهِ لِمَحْجُورٍ لَهُ تَمَخِّيًا لِمَا عَسَى أَنْ يَكُونَ يَبْقَى فِي ذِمَّتِهِ شَيْءٌ مِنْ مَالِهِ الَّذِي كَانَ يَتَصَرَّفُ فِيهِ ثُمَّ رَجَعَ عَنْ تِلْكَ الْوَصَايَا وَأَبْطَلَهَا فَهَلْ الْجَارِي عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ بَيْعٌ جُهِلَ فِيهِ الثَّمَنُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَجْرِي عَلَى هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. .

فصل في السلم

[فَصْلٌ فِي السَّلَمِ] (فَصْلٌ فِي السَّلَمِ) فِيمَا عَدَا الْأُصُولَ جُوِّزَ السَّلَمْ ... وَلَيْسَ فِي الْمَالِ وَلَكِنْ فِي الذِّمَمْ وَالشَّرْحُ لِلذِّمَّةِ وَصْفٌ قَامَا ... يَقْبَلُ الِالْتِزَامَ وَالْإِلْزَامَا وَشَرْطُ مَا يُسْلَمُ فِيهِ أَنْ يُرَى ... مُتَّصِفًا مُؤَجَّلًا مُقَدَّرَا بِوَزْنٍ أَوْ كَيْلٍ وَذَرْعٍ أَوْ عَدَدْ ... مِمَّا يُصَابُ غَالِبًا عِنْدَ الْأَمَدْ وَشَرْطُ رَأْسِ الْمَالِ أَنْ لَا يُحْظَلَا ... فِي ذَاكَ دَفْعُهُ وَأَنْ يُعَجَّلَا وَجَازَ إنْ أُخِّرَ كَالْيَوْمَيْنِ ... وَالْعَرَضُ فِيهِ بِخِلَافِ الْعَيْنِ (ابْنُ عَرَفَةَ) السَّلَمُ: عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ يُوجِبُ عِمَارَةَ ذِمَّةٍ بِغَيْرِ عَيْنٍ، وَلَا مَنْفَعَةٍ غَيْرُ مُتَمَاثِلِ الْعِوَضَيْنِ اهـ. فَقَوْلُهُ: عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ يَدْخُلُ تَحْتَهُ الْبَيْعُ الْأَعَمُّ الَّذِي يَدْخُلُ فِيهِ السَّلَمُ، وَغَيْرُهُ مِنْ أَنْوَاعِ الْمُعَاوَضَاتِ كَالْإِجَارَةِ، وَالنِّكَاحِ، وَغَيْرِهِمَا " وَيُوجِبُ عِمَارَةَ ذِمَّةٍ " أَخْرَجَ بِهِ الْمُعَاوَضَةَ فِي الْمُعَيَّنَاتِ وَ " بِغَيْرِ عَيْنٍ " أَخْرَجَ بِهِ الْبَيْعَ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ وَ " لَا مَنْفَعَةٍ " أَخْرَجَ بِهِ الْكِرَاءَ الْمَضْمُونَ وَمَا شَابَهَهُ مِنْ الْمَنَافِعِ فِي الذِّمَّةِ وَ " غَيْرُ مُتَمَاثِلِ الْعِوَضَيْنِ " أَخْرَجَ بِهِ السَّلَفَ وَتَعَرَّضَ النَّاظِمُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي هَذِهِ الْأَبْيَاتِ لِبَيَانِ شُرُوطِ السَّلَمِ، وَجُلُّهَا يَتَعَلَّقُ بِالْمُسْلَمِ فِيهِ وَبَعْضُهَا بِرَأْسِ الْمَالِ فَأَخْبَرَ أَنَّ السَّلَمَ جَائِزٌ فِيمَا عَدَا الْأُصُولَ مِنْ السِّلَعِ وَالْعُرُوضِ وَالطَّعَامِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَإِنَّمَا لَمْ يَجُزْ فِي الْأُصُولِ وَإِنْ كَانَتْ مِمَّا تَنْضَبِطُ بِالصِّفَةِ لِتَشَاحِّ النَّاسِ فِي مَوَاضِعِهَا، وَاخْتِلَافِ أَغْرَاضِهِمْ فِيهَا فَلَا بُدَّ مِنْ تَعْيِينِهَا وَإِذَا عُيِّنَ مَوْضِعُهَا خَرَجَتْ عَنْ كَوْنِهَا فِي الذِّمَّةِ، وَصَارَ سَلَمًا فِي مُعَيَّنٍ وَمِنْ شُرُوطِ السَّلَمِ كَوْنُهُ فِي الذِّمَّةِ لَا فِي الْمُعَيَّنِ وَلِذَا قَالَ: " وَلَيْسَ فِي الْمَالِ " أَيْ الْمُعَيَّنِ " وَلَكِنْ فِي الذِّمَمْ " وَهُوَ جَمْعُ ذِمَّةٍ وَإِنَّمَا شَرَطُوا كَوْنَهُ فِي الذِّمَّةِ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الذِّمَّةِ لَكَانَ مُعَيَّنًا وَذَلِكَ مَلْزُومُ الْبَيْعِ مُعَيَّنٌ يَتَأَخَّرُ قَبْضُهُ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي مِلْكِ الْبَائِعِ فَالْغَرَرُ ظَاهِرٌ لِاحْتِمَالِ أَنْ لَا يَبِيعَهُ مَنْ هُوَ فِي مِلْكِهِ وَإِنْ كَانَ فِي مِلْكِ الْبَائِعِ فَالْغَرَرُ أَيْضًا لَازِمٌ لِأَنَّ الْبَقَاءَ عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ غَيْرُ مَعْلُومٍ، وَلِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ الضَّمَانُ بِجُعْلٍ لِأَنَّ السَّلَمَ يَزِيدُ فِي الثَّمَنِ لِيَضْمَنَهُ لَهُ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ. انْتَهَى مِنْ الْحَطَّابِ وَهَذَا - أَعْنِي كَوْنَ الْمُسْلَمِ فِيهِ فِي الذِّمَّةِ لَا فِي مُعَيَّنٍ - هُوَ أَحَدُ شُرُوطِ السَّلَمِ. (قَالَ الْبَاجِيُّ) : لَا خِلَافَ أَنَّ مِنْ شُرُوطِ السَّلَمِ أَنْ يَكُونَ مُتَعَلِّقًا بِالذِّمَّةِ اهـ. وَالذِّمَّةُ قَالَ الْقَرَافِيُّ: مَعْنًى شَرْعِيٌّ مُقَدَّرٌ فِي الْمُكَلَّفِ غَيْرِ الْمَحْجُورِ قَابِلٌ لِلِالْتِزَامِ فَإِذَا الْتَزَمَ شَيْئًا اخْتِيَارًا لَزِمَهُ، وَتَلْزَمُهُ أُرُوشُ الْجِنَايَاتِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ قَالَ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي، وَأَجْزِمُ بِهِ أَنَّ الذِّمَّةَ مِنْ خِطَابِ الْوَضْعِ تَرْجِعُ إلَى الْمَقَادِيرِ الشَّرْعِيَّةِ، وَهُوَ الْمَعْدُومُ وَحُكْمُ الْمَوْجُودِ قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ: وَالْأَوْلَى عِنْدِي أَنَّ الذِّمَّةَ قَبُولُ الْإِنْسَانِ شَرْعًا لِلُزُومِ الْحُقُوقِ دُونَ الْتِزَامِهَا، فَعَلَى هَذَا تَكُونُ لِلصَّبِيِّ ذِمَّةٌ لِأَنَّهُ تَلْزَمُهُ أُرُوشُ الْجِنَايَاتِ وَقِيَمُ الْمُتْلَفَاتِ وَعَلَى أَنَّهُ لَا ذِمَّةَ لِلصَّبِيِّ نَقُولُ الذِّمَّةُ قَبُولُ الْإِنْسَانِ شَرْعًا لِلُزُومِ الْحُقُوقِ، وَالْتِزَامِهَا اهـ. وَإِلَى كَلَامِ ابْنِ الشَّاطِّ هَذَا أَشَارَ النَّاظِمُ بِقَوْلِهِ: وَالشَّرْحُ لِلذِّمَّةِ وَصْفٌ قَامَا ... يَقْبَلُ الِالْتِزَامَ وَالْإِلْزَامَا ( ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ) الذِّمَّةُ أَمْرٌ تَقْدِيرِيُّ يَفْرِضُهُ الذِّهْنُ وَلَيْسَ بِذَاتٍ، وَلَا صِفَةٍ لَهَا (ابْنُ عَرَفَةَ) يُرَدُّ بِلُزُومِ كَوْنِ مَعْنَى قَوْلِنَا إنْ قَامَ زَيْدٌ وَنَحْوَهُ ذِمَّةً الصَّوَابُ فِي تَعْرِيفِهَا أَنَّهَا مُتَمَوَّلٌ كُلِّيٌّ حَاصِلٌ أَوْ مُقَدَّرٌ قَالَ فَخَرَجَ مَا أَمْكَنَ حُصُولُهُ مِنْ نِكَاحٍ أَوْ، وَلَايَةٍ أَوْ وُجُوبِ حَقٍّ فِي قِصَاصٍ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا لَيْسَ مُتَمَوَّلًا إذْ لَا يُسَمَّى ذَلِكَ فِي الْعُرْفِ ذِمَّةً اهـ وَقَالَ الْحَطَّابُ الذِّمَّةُ أَمْرٌ تَقْدِيرِيٌّ يَفْرِضُهُ الذِّهْنُ لَيْسَ ذَاتًا وَلَا صِفَةً لَهَا فَيُقَدَّرُ الْمَبِيعُ وَمَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ الْأَثْمَانِ كَأَنَّهُ فِي وِعَاءٍ عِنْدَ مَنْ هُوَ مَطْلُوبٌ بِهِ، فَالذِّمَّةُ هِيَ الْأَمْرُ التَّقْدِيرِيُّ الَّذِي يَحْوِي ذَلِكَ الْمَبِيعَ أَوْ عِوَضَهُ اهـ وَقَدْ قُلْت فِي تَعْرِيفِ الذِّمَّةِ عَلَى مَا قَالَ الْحَطَّابُ

وَالشَّرْحُ لِلذِّمَّةِ وَصْفٌ قُدِّرَا ... يَفْرِضُهُ الذِّهْنُ وَلَيْسَ أَنْ يُرَى إذْ لَيْسَ ذَاتًا بَلْ وَلَا وَصْفًا لَهَا ... فَقَدِّرْ الدَّيْنَ الَّذِي قَدْ حَلَّهَا كَأَنَّهُ وُضِعَ فِي ظَرْفٍ لَدَى ... مَنْ هُوَ فِي ذِمَّتِهِ قَدْ تُقْتَدَى (قَالَ الْقَرَافِيُّ) : الْفَرْقُ السَّابِعُ وَالثَّمَانُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ، وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَثْبُتُ فِيهَا اعْلَمْ أَنَّ الْمُعَيَّنَاتِ الشَّخْصِيَّةَ فِي الْخَارِجِ الْمَرْئِيَّةَ فِي الْحِسِّ لَا تَثْبُتُ فِي الذِّمَمِ وَلِذَلِكَ مَنْ اشْتَرَى سِلْعَةً مُعَيَّنَةً، فَاسْتُحِقَّتْ انْفَسَخَ الْعَقْدُ وَلَوْ وَرَدَ الْعَقْدُ عَلَى مَا فِي الذِّمَّةِ كَمَا فِي السَّلَمِ، فَأَعْطَاهُ ذَلِكَ، وَعَيَّنَهُ، فَظَهَرَ ذَلِكَ الْمُعَيَّنُ مُسْتَحَقًّا رَجَعَ إلَى غَيْرِهِ لِأَنَّهُ فِي الذِّمَّةِ اهـ. رَاجِعْ شَرْحَ الْمَنْهَجِ الْمُنْتَخَبِ لِلشَّيْخِ الْمَنْجُورِ عِنْدَ قَوْلِهِ: هَلْ يَتَعَيَّنُ الَّذِي فِي الذِّمَّةِ ثُمَّ أَشَارَ إلَى الشَّرْطِ الثَّانِي مِنْ شُرُوطِ السَّلَمِ وَهُوَ كَوْنُهُ مِمَّا يُضْبَطُ بِالصِّفَةِ بِقَوْلِهِ: وَشَرْطُ مَا يُسْلَمُ فِيهِ أَنْ يُرَى مُتَّصِفًا (قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ) : قَالَ بَعْضُ الْمُوَثِّقِينَ: السَّلَمُ فِي كُلِّ شَيْءٍ تَنْضَبِطُ صِفَتُهُ جَائِزٌ بِشُرُوطٍ مَا عَدَا الدُّورَ، وَالْأَرَضِينَ. (وَفِي التَّوْضِيحِ) يُبَيَّنُ فِي السَّلَمِ جَمِيعُ الْأَوْصَافِ الَّتِي تَخْتَلِفُ بِهَا قِيمَةُ الْمُسْلَمِ فِيهِ اخْتِلَافًا لَا يَتَغَابَنُ الْمُتَبَايِعَانِ بِمِثْلِهِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ الصِّفَةَ إذَا كَانَتْ لَا تَخْتَلِفُ الْقِيمَةُ بِسَبَبِهَا أَنَّهُ لَا يَجِبُ بَيَانُهَا فِي السَّلَمِ، وَعِبَارَةُ غَيْرِهِ أَقْرَبُ لِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ: يُبَيَّنُ فِي السَّلَمِ جَمِيعُ الْأَوْصَافِ الَّتِي تَخْتَلِفُ الْأَغْرَاضُ بِسَبَبِهَا، وَاخْتِلَافُ الْأَغْرَاضِ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ اخْتِلَافُ الْقِيمَةِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونُ مَا تَعَلَّقَ لَهُ الْغَرَضُ صِفَةً يَسِيرًا عِنْدَ التُّجَّارِ وَتَخْلُفُهَا صِفَةٌ أُخْرَى ثُمَّ نُقِلَ عَنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّهُ يَشْتَرِطُ أَنْ تَكُونَ الصِّفَاتُ مَعْلُومَةً لِغَيْرِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ لِأَنَّهُ مَتَى اخْتَصَّ الْمُتَعَاقِدَانِ بِعِلْمِهَا دَلَّ ذَلِكَ عَلَى نُدُورِهَا، وَالنُّدُورُ يَقْتَضِي عِزَّةَ الْوُجُودِ وَأَيْضًا، فَاخْتِصَاصُهَا بِهِمَا يُؤَدِّي إلَى التَّنَازُعِ بَيْنَهُمَا ثُمَّ قَالَ: وَيُرْجَعُ فِي تَعْيِينِ تِلْكَ الْأَوْصَافِ الَّتِي تَخْتَلِفُ بِهَا الْقِيمَةُ إلَى الْعَوَائِدِ فَرُبَّ صِفَةٍ تَتَعَيَّنُ فِي نَوْعٍ دُونَ نَوْعٍ وَفِي بَلَدٍ دُونَ أُخْرَى، وَاسْتَغْنَى الْمُصَنِّفُ يَعْنِي ابْنَ الْحَاجِبِ بِهَذَا الضَّابِطِ عَنْ مَسَائِلَ ذَكَرَهَا أَهْلُ الْمَذْهَبِ لَا نُدْرِجُهَا فِيمَا ذَكَرَهُ ثُمَّ أَشَارَ إلَى الشَّرْطِ الثَّالِثِ بِقَوْلِهِ: مُؤَجَّلًا (قَالَ الْمُتَيْطِيُّ) فِي تَعْدَادِ الشُّرُوطِ: وَأَنْ يَكُونَ مُؤَجَّلًا أَوْ فِي مَعْنَى الْمُؤَجَّلِ مِثْلُ أَنْ يَتَعَلَّقَ الْقَضَاءُ بِبَلَدٍ غَيْرِ بَلَدِ السَّلَمِ لِأَنَّ الْمُتَبَقِّيَ فِي ضَرْبِ الْأَجَلِ اخْتِلَافُ الْأَسْوَاقِ، وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي الْبَلَدَيْنِ وَإِنْ قَرُبَتْ مَسَافَةُ مَا بَيْنِهِمَا عَلَى مَا يُذْكَرُ فِي مَوْضِعِهِ اهـ. (وَفِي ابْنِ الْحَاجِبِ) الْخَامِسُ أَنْ يَكُونَ مُؤَجَّلًا لِئَلَّا يَكُونَ بَيْعُ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ إلَى مُدَّةٍ تَخْتَلِفُ فِيهَا الْأَسْوَاقُ عُرْفًا كَخَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَقِيلَ إلَى يَوْمَيْنِ وَقِيلَ إلَى يَوْمٍ (التَّوْضِيحُ) الشَّرْطُ الْخَامِسُ أَنْ يَكُونَ الْمُسْلَمُ فِيهِ إلَى أَجَلٍ فَلَا يَجُوزُ الْحَالُّ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَدِمَ الْمَدِينَةَ، فَوَجَدَهُمْ يُسْلِمُونَ فِي الثِّمَارِ فَقَالَ مَنْ أَسْلَمَ فِي شَيْءٍ فَفِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ، وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ» ثُمَّ قَالَ: وَقَوْلُهُ إلَى مُدَّةٍ بَيَانٌ لِلْأَجَلِ الْمُشْتَرَطِ وَقَوْلُهُ: لِئَلَّا يَكُونَ إلَخْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ» ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ اهـ. (وَفِي الْمُدَوَّنَةِ) قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَبِيعَ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ بِعَيْنٍ وَلَا بِعَرَضٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى وَجْهِ السَّلَفِ مَضْمُونًا عَلَيْهِ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ تَتَغَيَّرُ فِي مِثْلِهِ الْأَسْوَاقُ، وَلَمْ يَحِدَّ مَالِكٌ فِي ذَلِكَ حَدًّا وَرَأَى الْخَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا أَقَلَّ ذَلِكَ فِي الْبَلَدِ الْوَاحِدِ، فَأَمَّا إنْ أَسْلَمَ عَلَى أَنْ يَأْخُذَهُ بِبَلَدٍ آخَرَ فَجَائِزٌ إنْ كَانَتْ مَسَافَتُهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ (ابْنُ حَبِيبٍ) أَوْ يَوْمَيْنِ لِاخْتِلَافِ سِعْرِهِمَا فَصَارَ كَبُعْدِ الْأَجَلِ فِي الْبَلَدِ الْوَاحِدِ اهـ. عَلَى نَقْلِ الْمَوَّاقِ ثُمَّ أَشَارَ إلَى الشَّرْطِ الرَّابِعِ بِقَوْلِهِ: " مُقَدَّرَا بِوَزْنٍ أَوْ كَيْلٍ وَذَرْعٍ أَوْ عَدَدْ قَالَ الْبَاجِيُّ: لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ الْمُسْلَمُ فِيهِ إلَّا مُقَدَّرًا بِكَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ أَوْ عَدَدٍ مِمَّا جَرَتْ بِهِ عَادَتُهُ، أَوْ بِالذِّرَاعِ فِي الثِّيَابِ وَأَمَّا الصُّوفُ، فَيُقَدَّرُ بِالْوَزْنِ دُونَ الْجَزْرِ (قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ) : " وَالْبَيْضُ لَا يَتَقَدَّرُ إلَّا بِالْعَدَدِ " مِنْ الْمَوَّاقِ (التَّوْضِيحُ) فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ: أَنْ يَكُونَ مَعْلُومَ الْمِقْدَارِ بِعَادَتِهِ أَيْ فَمَا كَانَتْ فِيهِ الْعَادَةُ الْكَيْلَ، فَلَا يَنْتَقِلُ إلَى الْوَزْنِ كَالْحِنْطَةِ وَكَذَلِكَ

باب الكراء وما يتصل به

الْعَكْسُ كَالصُّوفِ قَالَ جَمَاعَةٌ: وَيَجِبُ أَنْ يُقَدَّرَ فِي السَّلَمِ بِعُرْفِ بَلَدِهِ، فَإِنَّ غَيْرَهُ مَجْهُولٌ فِيهِ اهـ. . ثُمَّ أَشَارَ إلَى الشَّرْطِ الْخَامِسِ بِقَوْلِهِ: مِمَّا يُصَابُ غَالِبًا عِنْدَ الْأَمَدْ أَيْ يُوجَدُ عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ غَالِبًا قَالَ الْبَاجِيُّ: مِنْ شَرْطِ السَّلَمِ أَنْ يَكُونَ الْمُسْلَمُ فِيهِ يُوجَدُ عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ (الْمُتَيْطِيُّ) وَسَوَاءٌ كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ أَوْ لَمْ يَكُنْ (الْمُدَوَّنَةُ) مَا يَنْقَطِعُ مِنْ أَيْدِي النَّاسِ فِي بَعْضِ السَّنَةِ مِنْ الثِّمَارِ الرَّطْبَةِ، وَغَيْرِهَا لَا يُشْتَرَطُ أَخْذُ سَلَمِهِ إلَّا فِي إبَّانِهِ وَإِنْ شُرِطَ أَخْذُهُ فِي غَيْرِ إبَّانِهِ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ شَرْطُ مَا لَا يُقْدَرُ عَلَيْهِ. (فَرْعٌ) قَالَ بَعْضُ شُيُوخِ عَبْدِ الْحَقِّ لَوْ مَاتَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ قَبْلَ الْإِبَّانِ وُقِفَ قَسْمُ التَّرِكَةِ إلَيْهِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: إلَّا إنْ قَلَّ السَّلَمُ، وَكَثُرَتْ التَّرِكَةُ، فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دُيُونٌ أُخَرُ فَقَالَ: هَهُنَا يُتَحَاصَصُ فِي تَرِكَتِهِ وَيُضْرَبُ لِصَاحِبِ السَّلَمِ بِقِيمَةِ ذَلِكَ الشَّيْءِ لَوْ أَسْلَمَ إلَيْهِ الْآنَ عَلَى أَنْ يَقْبِضَ فِي وَقْتِهِ اُنْظُرْ تَمَامَ كَلَامِهِ فِي الْمَوَّاقِ ثُمَّ أَشَارَ إلَى الشَّرْطِ السَّادِسِ بِقَوْلِهِ: وَشَرْطُ رَأْسِ الْمَالِ أَنْ لَا يُحْظَلَا فِي ذَاكَ دَفْعُهُ " وَهَذَا الشَّرْطُ وَاَلَّذِي بَعْدَهُ مِنْ شُرُوطِ رَأْسِ الْمَالِ يَعْنِي أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ أَنْ لَا يَمْتَنِعَ دَفْعُهُ فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ وَالْحَظْلُ الْمَنْعُ، وَعِبَارَةُ الْمُتَيْطِيِّ: أَنْ يَكُونَ رَأْسُ الْمَالِ مِمَّا يَجُوزُ أَنْ يُسْلَمَ فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ وَاحْتَرَزَ بِذَلِكَ مِنْ أَنْ يُسْلِمَ حَيَوَانًا فِي لَحْمٍ مِنْ جِنْسِهِ، وَبِالْعَكْسِ وَنَحْوُ ذَلِكَ كَسَلَمٍ مَجْهُولٍ فِي مَعْلُومٍ مِنْ جِنْسِهِ وَبِالْعَكْسِ. . (تَنْبِيهٌ) : بَيْنَ تَعْبِيرِ النَّاظِمِ فِي هَذَا الشَّرْطِ بِالدَّفْعِ وَتَعْبِيرِ الْمُتَيْطِيِّ بِجَوَازِ السَّلَمِ فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ فَرْقٌ وَذَلِكَ أَنَّ كُلَّ مَا جَازَ أَنْ يُسْلَمَ فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ جَازَ دَفْعُهُ فِيهِ يَدًا بِيَدٍ وَلَيْسَ كُلُّ مَا جَازَ دَفْعُهُ فِي الْآخَرِ يَدًا بِيَدٍ جَازَ سَلَمُهُ فِيهِ كَرِطْلِ فِضَّةٍ، أَوْ ذَهَبٍ فِي مِثْلِهِ فَيَجُوزُ يَدًا بِيَدٍ وَلَا يُسْلَمُ أَحَدُهُمَا فِي الْآخَرِ لِلنَّسَا فَعِبَارَةُ الْمُتَيْطِيِّ أَخَصُّ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ رَأْسُ الْمَالِ مِمَّا لَا يَجُوزُ دَفْعُهُ فِي الشَّيْءِ الْمُسْلَمِ فِيهِ سَوَاءٌ كَانَ الْمَنْعُ يَدًا بِيَدٍ وَإِلَى أَجَلٍ كَالْحَيَوَانِ فِي اللَّحْمِ مِنْ جِنْسِهِ، أَوْ إلَى أَجَلٍ فَقَطْ كَذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ بِمِثْلِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ثُمَّ أَشَارَ إلَى الشَّرْطِ السَّابِعِ بِقَوْلِهِ: " وَأَنْ يُعَجَّلَا " وَجَازَ أَنْ يُؤَخَّرَ كَالْيَوْمَيْنِ أَيْ وَيُشْتَرَطُ فِي رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ دَفْعُهُ مُعَجَّلًا أَوْ تَأْخِيرُهُ إلَى مَا هُوَ فِي حُكْمِ الْمُعَجَّلِ كَالْيَوْمِ وَالْيَوْمَيْنِ. (قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ) : السَّلَمُ لَهُ شُرُوطٌ؛ الْأَوَّلُ تَسْلِيمُ جَمِيعِ الثَّمَنِ خَوْفَ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ وَجُوِّزَ الْيَوْمُ وَالْيَوْمَانِ بِالشَّرْطِ وَفِيهَا وَثَلَاثَةٌ وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ فَإِنْ أَخَّرَ أَكْثَرَ بِغَيْرِ شَرْطٍ فَقَوْلَانِ اهـ. وَهَذَا إذَا كَانَ رَأْسُ الْمَالِ عَيْنًا (ابْنُ الْحَاجِبِ) وَأَمَّا غَيْرُ النَّقْدَيْنِ فَيَجُوزُ تَأْخِيرُهُ لِتَعْيِينِهِ، فَلَيْسَ دَيْنًا بِدَيْنٍ وَلَكِنَّهُ كُرِهَ فِيمَا يُغَابُ عَلَيْهِ كَالطَّعَامِ، وَالثَّوْبِ (التَّوْضِيحُ) يُرِيدُ إذَا كَانَ التَّأْخِيرُ بِغَيْرِ شَرْطٍ وَأَمَّا إنْ كَانَ بِشَرْطٍ فَإِنَّهُ يَفْسُدُ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَإِلَى جَوَازِ التَّأْخِيرِ فِي غَيْرِ الْعَيْنِ أَشَارَ النَّاظِمُ بِقَوْلِهِ: وَالْعَرَضُ فِيهِ بِخِلَافِ الْعَيْنِ (تَنْبِيهٌ) زَادَ الْمُتَيْطِيُّ فِي الشُّرُوطِ أَنْ يُذْكَرَ مَوْضِعُ الْقَضَاءِ اهـ. فَإِنْ كَانَ مُتَّسِعًا جِدًّا فَلَا بُدَّ مِنْ تَعْيِينِ الْمَحَلِّ. (قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ) : قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَوْ قَالَ عَلَى أَنْ يَقْبِضَهُ بِالْفُسْطَاطِ جَازَ فَإِنْ تَشَاحَّا فِي مَوْضِعٍ يَقْضِيهِ الطَّعَامَ فِيهِ مِنْ الْفُسْطَاطِ قَالَ مَالِكٌ: يَقْضِيهِ ذَلِكَ فِي سُوقِ الطَّعَامِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَكَذَلِكَ جَمِيعُ السِّلَعِ إذَا كَانَ لَهَا سُوقٌ مَعْرُوفٌ فَاخْتَلَفَا فَلْيُوفِهِ ذَلِكَ فِي سُوقِهَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا سُوقٌ فَحَيْثُ مَا أَعْطَاهُ بِالْفُسْطَاطِ لَزِمَ الْمُشْتَرِيَ، وَقَالَ سَحْنُونٌ: يُوفِيهِ ذَلِكَ بِدَارِهِ كَانَ لَهَا سُوقٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ. (قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ) : وَهَذَا هُوَ الْمَحْكُومُ بِهِ الْيَوْمَ لِأَنَّ النَّاسَ اعْتَادُوا ذَلِكَ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: وَلَا يَفْسُدُ السَّلَمُ إذَا لَمْ يَذْكُرَا مَوْضِعَ الْقَضَاءِ وَيَلْزَمُهُ أَنْ يَقْضِيَهُ بِمَوْضِعِ التَّبَايُعِ فِي سُوقِ تِلْكَ السِّلْعَةِ اهـ. مِنْ الْمَوَّاقِ وَأَنْظُرْ قَوْلَ ابْنِ الْمَوَّازِ: وَلَا يَفْسُدُ السَّلَمُ إذَا لَمْ يُذْكَرْ إلَخْ مَعَ قَوْلِ الْمُتَيْطِيِّ: إنَّ مِنْ الشُّرُوطِ ذِكْرُ مَوْضِعِ الْقَضَاءِ. [بَابُ الْكِرَاءِ وَمَا يَتَّصِلُ بِهِ] (بَابُ الْكِرَاءِ وَمَا يَتَّصِلُ بِهِ) قَالَ الشَّارِحُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَقَدَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا الْبَابَ شَامِلًا بِفُصُولِهِ لِكُلِّ مَا كَانَتْ فِيهِ الْمُعَاوَضَةُ عَنْ الْمَنَافِعِ كَكِرَاءِ الدُّورِ، وَالْأَرَاضِي، وَالرَّوَاحِلِ، وَالسُّفُنِ، وَالْإِجَارَةِ، وَالْجُعْلِ وَهُمَا فِي الِاصْطِلَاحِ: الْمُعَاوَضَةُ عَنْ مَنَافِعِ خِدْمَةِ الْآدَمِيِّ ثُمَّ أَتْبَعَ ذَلِكَ بِأَحْكَامِ الْأَبْوَابِ الْمُسْتَثْنَاةِ مِنْ الْأُصُولِ الْمَمْنُوعَةِ

كَالْمُسَاقَاةِ، وَالْمُغَارَسَةِ، وَالْمُزَارَعَةِ، وَالْقِرَاضِ، وَأَدْمَجَ الشَّرِكَةَ بَيْنَهُمَا وَغَرَرُ هَذِهِ الْأَبْوَابِ ظَاهِرٌ لِأَنَّ نَظِيرَ الثَّمَنِ فِيهَا غَيْرُ مَعْلُومٍ وَإِنْ كَانَ قَرِيبًا مِنْ الِانْضِبَاطِ وَلِتَأَكُّدِ حَاجَةِ النَّاسِ فِي تِلْكَ الْأَبْوَابِ أُجِيزَتْ وَاغْتُفِرَ مَا فِيهَا مِنْ الْغَرَرِ وَهِيَ فِي نَظَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ الْحَاجِيَاتِ، وَلَيْسَتْ مِنْ الضَّرُورِيَّاتِ. انْتَهَى بِبَعْضِ اخْتِصَارٍ، وَقَالَ الْغَرْنَاطِيُّ: الْإِجَارَةُ تُطْلَقُ عَلَى مَنَافِعِ مَنْ يَعْقِلُ، وَالْأَكْرِيَةِ عَلَى مَنَافِعِ مَنْ لَا يَعْقِلُ الْبُرْزُلِيُّ يُرِيدُ اصْطِلَاحًا وَقَدْ يُطْلَقُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ وَحَدَّ ابْنُ عَرَفَةَ الْكِرَاءَ بِقَوْلِهِ: عَقْدٌ عَلَى مَنَافِعِ غَيْرِ آدَمِيٍّ أَوْ مَا يُبَانُ بِهِ وَيُنْقَلُ غَيْرِ سَفِينَةٍ. اهـ فَأَخْرَجَ بِغَيْرِ الْآدَمِيِّ مَنْفَعَةَ الْآدَمِيِّ فَإِنَّهَا فِي الِاصْطِلَاحِ إجَارَةٌ وَقَوْلُهُ: " أَوْ مَا يُبَانُ " عَطْفٌ عَلَى لَفْظَةِ غَيْرِ ذَلِكَ كَالدَّابَّةِ وَالثَّوْبِ وَالْفَأْسِ وَالْآلَاتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَأَخْرَجَ بِقَوْلِهِ " غَيْرِ سَفِينَةٍ " السَّفِينَةَ لِأَنَّ شِرَاءَ مَنْفَعَتِهَا مِنْ بَابِ الْجُعْلِ لَا مِنْ بَابِ الْكِرَاءِ وَلَا مِنْ بَابِ الْإِجَارَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. . يَجُوزُ فِي الدُّورِ وَشِبْهِهَا الْكِرَا ... لِمُدَّةٍ حُدَّتْ وَشَيْءٍ قُدِّرَا وَلَا خُرُوجَ عَنْهُ إلَّا بِالرِّضَا ... حَتَّى يُرَى أَمَدُهُ قَدْ انْقَضَى وَجَائِزٌ أَنْ يُكْتَرَى بِقَدْرِ ... مُعَيَّنٍ فِي الْعَامِ أَوْ فِي الشَّهْرِ وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَحُلَّ مَا انْعَقَدْ ... كَانَ لَهُ مَا لَمْ يَحُدَّا بِعَدَدْ وَحَيْثُمَا حَلَّ الْكِرَا يَدْفَعُ مَنْ ... قَدْ اكْتَرَى مِنْهُ بِقَدْرِ مَا سَكَنْ كَذَاكَ إنْ بَعْضُ الْكِرَاءِ قُدِّمَا ... فَقَدْرُهُ مِنْ الزَّمَانِ لَزِمَا تَقَدَّمَ أَوَّلَ الْبُيُوعِ أَنَّ الْبَيْعَ مِلْكُ الرَّقَبَةِ، وَالْكِرَاءَ، وَالْإِجَارَةَ مِلْكُ الْمَنَافِعِ، وَنَقَلَ صَاحِبُ الْمِعْيَارِ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ الرَّقَبَةَ لَا يَمْلِكُهَا إلَّا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَإِنَّمَا يَمْلِكُ الْآدَمِيُّ الْمَنَافِعَ فَقَطْ فَإِنْ مَلَكَهَا عَلَى الدَّوَامِ مِنْ غَيْرِ تَحْدِيدِ مُدَّةٍ فَهُوَ الْبَيْعُ، وَإِنْ مَلَكَهَا الْمُدَّةَ فَقَطْ فَالْإِجَارَةُ أَوْ الْكِرَاءُ وَحَاصِلُ الْأَبْيَاتِ أَنَّ كِرَاءَ الدُّورِ، وَنَحْوِهَا كَالْحَوَانِيتِ، وَالْفَنَادِقِ، وَغَيْرِهَا جَائِزٌ وَأَنَّ ذَلِكَ يَقَعُ عَلَى وَجْهَيْنِ الْأَوَّلُ أَنْ يَكُونُ ذَلِكَ لِمُدَّةٍ مُعَيَّنَةٍ كَشَهْرٍ أَوْ سَنَةٍ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ، فَإِنْ عَيَّنَا ذَلِكَ الشَّهْرَ أَوْ السَّنَةَ، فَلَا إشْكَالَ وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنَا حُمِلَ عَلَى أَنَّهُ مِنْ حِينِ الْعَقْدِ. وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ بِقَوْلِهِ: وَعَدَمُ بَيَانِ الِابْتِدَاءِ فَمِنْ حِينِ الْعَقْدِ وَأَجْرٍ مَعْلُومٍ كَدِينَارٍ أَوْ دِينَارَيْنِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَإِذَا وَقَعَ الْكِرَاءُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَلَازِمٌ لِلْمُتَعَاقِدَيْنِ إلَى انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ الْمَضْرُوبَةِ، وَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا الْخُرُوجُ عَنْ ذَلِكَ قَبْلَهُ إلَّا بِرِضَا صَاحِبِهِ مَا لَمْ يَعْرِضْ فِي ذَلِكَ مَانِعٌ مِنْ الْإِقَالَةِ كَمَا إذَا قَدَّمَ الْكِرَاءَ، وَسَكَنَ بَعْضَ الْمُدَّةِ لِمَا يَئُولُ إلَيْهِ مِنْ سَلَفٍ وَهُوَ الْمَرْدُودُ مِنْ الْكِرَاءِ وَكِرَاءٍ وَهُوَ الْمُقَابِلُ لِمَا سَكَنَ وَالسَّلَفُ لَا يَجْتَمِعُ مَعَ عَقْدٍ مِنْ الْعُقُودِ وَهُمَا وَإِنْ لَمْ يَدْخُلَا عَلَى ذَلِكَ ابْتِدَاءً فَيَمْتَنِعُ لِلتُّهْمَةِ وَتَقَدَّمَ هَذَا لِلنَّاظِمِ فِي الْإِقَالَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ قَالَ: وَسُوِّغَتْ إقَالَةٌ فِيمَا اُكْتُرِيَ (الْبَيْتَ) إلَى هَذَا الْوَجْهِ أَشَارَ النَّاظِمُ بِالْبَيْتَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ وَذَلِكَ كَقَوْلِهِ: أُكْرِيَ مِنْك هَذِهِ الدَّارَ وَهَذَا الْحَانُوتَ بِكَذَا شَهْرَ كَذَا أَوْ سَنَةَ كَذَا أَوْ هَذَا الشَّهْرَ أَوْ هَذِهِ السَّنَةَ الْوَجْهُ الثَّانِي أَنْ يُسَمِّيَا الْكِرَاءَ لِكُلِّ شَهْرٍ أَوْ لِكُلِّ سَنَةٍ مَعَ إبْهَامِ الْمُدَّةِ كَقَوْلِهِ: أُكْرِيَ مِنْك كُلَّ شَهْرٍ أَوْ سَنَةٍ بِكَذَا أَوْ الشَّهْرَ أَوْ السَّنَةَ بِكَذَا فَإِذَا وَقَعَ هَذَا الْوَجْهُ ثُمَّ أَرَادَ أَحَدُهُمَا أَنْ يَخْرُجَ عَنْ ذَلِكَ فَثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا أَنَّهَا لَا تَلْزَمُ وَاحِدًا مِنْهُمَا لَا فِي الشَّهْرِ الْأَوَّلِ وَلَا فِي السَّنَةِ الْأُولَى وَلَا فِي غَيْرِهَا وَسَوَاءٌ سَكَنَ بَعْضَ الشَّهْرِ أَوْ السَّنَةِ أَوْ لَمْ يَسْكُنْ وَلِلْمُكْتَرِي أَنْ يَخْرُجَ مَتَى شَاءَ وَيُؤَدِّيَ مِنْ الْكِرَاءِ بِحَسَبِ مَا سَكَنَ. وَهَذَا مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَرِوَايَتُهُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَغَيْرِهَا وَهَذَا فِي غَيْرِ الْأَرْضِ وَأَمَّا هِيَ فَتَلْزَمُهَا السَّنَةُ بِحِرَاثَتِهَا انْتَهَى مِنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَنَحْوُهُ فِي التَّوْضِيحِ وَهَذَا مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَدْفَعْ الْمُشْتَرِي

شَيْئًا مِنْ الْكِرَاءِ فَإِنْ دَفَعَ شَيْئًا لَزِمَهُمَا مَا يُقَابِلُهُ مِنْ الْمُدَّةِ، وَتَقَدَّمَ قَرِيبًا عَنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ تَقْيِيدُ ذَلِكَ بِغَيْرِ الْأَرْضِ وَإِلَى جَوَازِ هَذَا الْوَجْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: وَجَائِزٌ أَنْ يُكْتَرَى بِقَدْرِ ... مُعَيَّنٍ فِي الْعَامِ أَوْ فِي الشَّهْرِ وَإِلَى عَدَمِ اللُّزُومِ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ: " وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَحُلَّ مَا انْعَقَدْ كَانَ لَهُ " وَأَمَّا قَوْلُهُ: " مَا لَمْ يَحُدَّا بِعَدَدْ " فَمُسْتَغْنًى عَنْهُ لِأَنَّهُمَا إذَا حَدَّا الْمُدَّةَ بِعَدَدٍ شُهُورٍ أَوْ سِنِينَ فَهُوَ رَاجِعٌ لِلْوَجْهِ الْأَوَّلِ، وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ وَإِلَى لُزُومِ الْكِرَاءِ بِقَدْرِ مَا سَكَنَ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: وَحَيْثُمَا حَلَّ الْكِرَا يَدْفَعُ مَنْ ... قَدْ اكْتَرَى مِنْهُ بِقَدْرِ مَا سَكَنْ وَإِلَى لُزُومِ مُدَّةِ قَدْرِ مَا نَقَدَ مِنْ الْكِرَاءِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ كَذَاكَ إنْ بَعْضُ الْكِرَاءِ قُدِّمَا ... فَقَدْرُهُ مِنْ الزَّمَانِ لَزِمَا (الْقَوْلُ الثَّانِي) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَرَوَى مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ: أَنَّهُ يَلْزَمُهُ أَقَلُّ مَا سَمَّيَا فَإِنْ قَالَا كُلَّ شَهْرٍ بِكَذَا لَزِمَ فِي شَهْرٍ وَإِنْ قَالَا لِكُلِّ سَنَةٍ كَذَا لَزِمَ فِي سَنَةٍ وَبِهِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَاخْتَارَهُ اللَّخْمِيُّ قَالَ: لِأَنَّهُمَا أَوْجَبَا بَيْنَهُمَا عَقْدًا وَلَمْ يَجْعَلَا فِيهِ خِيَارًا فَوَاجِبٌ أَنْ يَحْمِلَا عَلَى أَقَلِّ مَا تَقْتَضِيهِ تِلْكَ التَّسْمِيَةُ وَفِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلٌ ثَالِثٌ: لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ كَالْقَوْلِ الْأَوَّلِ حَتَّى يَشْرَعَ فِي السُّكْنَى فَيَلْزَمَهُ أَقَلُّ مَا سَمَّى كَالْقَوْلِ الثَّانِي وَهُوَ مَرْوِيٌّ أَيْضًا عَنْ مَالِكٍ انْتَهَى لَفْظُ التَّوْضِيحِ قَالَ مُقَيِّدُ هَذَا الشَّرْحِ - سَمَحَ اللَّهُ لَهُ بِمَنِّهِ -: وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ الثَّالِثِ الْعَمَلُ عِنْدَنَا وَإِنَّ مَنْ اكْتَرَى مُشَاهَرَةً كُلَّ شَهْرٍ بِكَذَا إذَا سَكَنَ بَعْضَ الشَّهْرِ كَأَرْبَعَةِ أَيَّامٍ، وَنَحْوِهَا لَزِمَ كُلًّا مِنْهُمَا بَقِيَّةُ الشَّهْرِ وَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا خُرُوجٌ عَنْ ذَلِكَ إلَّا بِرِضَا صَاحِبِهِ وَمَنْ قَامَ مِنْهُمَا عِنْدَ رَأْسِ الشَّهْرِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ. (قَالَ فِي الْمُفِيدِ مِنْ الْكَافِي) : وَكُلُّ مَا جَازَ فِيهِ جَازَ فِيهِ الْكِرَاءُ مِنْ الدُّورِ، وَالْحَوَانِيتِ، وَسَائِرِ الرِّبَاعِ، وَالْأَرَضِينَ، وَالرَّقِيقِ، وَالدَّوَابِّ، وَسَائِرِ الْعُرُوضِ كُلِّهَا لَا يَجُوزُ اكْتِرَاءُ الدَّنَانِيرِ، وَالدَّرَاهِمِ فَإِنْ نَزَلَتْ فِيهَا الْإِجَارَةُ إلَى مُدَّةٍ كَانَتْ قَرْضًا إلَى تِلْكَ الْمُدَّةِ وَسَقَطَتْ فِيهَا عَنْ مُسْتَأْجِرِهَا الْأُجْرَةُ وَمَعْنَى الْكِرَاءِ: بَيْعُ الْمَنَافِعِ الطَّارِئَةِ عَنْ الرِّقَابِ مَعَ السَّاعَاتِ، وَالْأَيَّامِ، وَالشُّهُورِ، وَالْأَعْوَامِ دُونَ الرِّقَابِ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِيمَا كَانَ مَأْمُونًا فِي الْأَغْلَبِ، وَالْكِرَاءُ عِنْدَ مَالِكٍ مِنْ الْعُقُودِ الثَّابِتَةِ لَا يَنْقُضُهَا مَوْتُ أَحَدِ الْمُتَكَارِيَيْنِ وَوَرَثَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تَقُومُ مَقَامَهُ، وَكَذَلِكَ لَا يَنْقُضُ عَقْدُ الْبَيْعِ الْكِرَاءَ اهـ. (وَفِي الْمَقْصِدِ الْمَحْمُودِ) عَقْدُ الْكِرَاءِ فِي الدُّورِ، وَالْحَوَانِيتِ وَالرِّبَاعِ يَقَعُ عَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا تَعْيِينُ الْمُدَّةِ، وَتَسْمِيَةُ الْكِرَاءِ، وَالثَّانِي تَسْمِيَةُ الْكِرَاءِ لِكُلِّ شَهْرٍ أَوْ سَنَةٍ، وَإِبْهَامُ الْمُدَّةِ ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَ مَا تَقَدَّمَ. (تَنْبِيهٌ) تَقَدَّمَ أَنَّ الْكِرَاءَ عَلَى وَجْهَيْنِ: فَالْوَجْهُ الْأَوَّلُ يُسَمَّى كِرَاءَ الْوَجِيبَةِ، وَالْوَجِيبَةُ الْمُدَّةُ الْمُعَيَّنَةُ هَذَا اصْطِلَاحُ الْقُدَمَاءِ وَأَهْلُ زَمَانِنَا الْيَوْمَ يُطْلِقُونَ الْوَجِيبَةَ عَلَى الْأُجْرَةِ الْمَدْفُوعَةِ فِي الْمَنَافِعِ فَيَقُولُ الْمُوَثِّقُ اكْتَرَى فُلَانٌ مِنْ فُلَانٍ جَمِيعَ الدَّارِ مَثَلًا بِوَجِيبَةٍ قَدْرُهَا لِكُلِّ شَهْرٍ مِنْ شُهُورِ الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ كَذَا دَرَاهِمَ تَارِيخَهُ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي يُسَمَّى كِرَاءَ الْمُشَاهَرَةِ، وَالْمُسَانَهَةِ. وَشَرْطُ مَا فِي الدَّارِ مِنْ نَوْعِ الثَّمَرْ ... إذَا بَدَا الصَّلَاحُ فِيهِ مُعْتَبَرْ وَغَيْرُ بَادِي الطِّيبِ إنْ قَلَّ اشْتُرِطْ ... حَيْثُ يَطِيبُ قَبْلَ مَا لَهُ ارْتُبِطْ وَمَا كَنَحْلٍ أَوْ حَمَامٍ مُطْلَقًا ... دُخُولُهُ فِي الِاكْتِرَاءِ مُتَّقَى تَكَلَّمَ فِي الْأَبْيَاتِ عَلَى مَنْ اكْتَرَى دَارًا أَوْ أَرْضًا وَفِيهَا أَشْجَارٌ أَوْ فِي كَوَى الدَّارِ نَحْلٌ أَوْ حَمَامٌ هَلْ يَجُوزُ لِلْمُكْتَرِي أَنْ يَشْتَرِطَ ثِمَارَ الْأَشْجَارِ، أَوْ النَّحْلِ، أَوْ الْحَمَامِ لِنَفْسِهِ أَمْ لَا فَأَخْبَرَ أَنَّ فِي اشْتِرَاطِ الثِّمَارِ تَفْصِيلًا وَهُوَ: أَنَّهَا إنْ كَانَتْ فِي وَقْتِ عَقْدِ الْكِرَاءِ قَدْ بَدَا صَلَاحُهَا، وَجَازَ بَيْعُهَا، فَيَجُوزُ لِلْمُكْتَرِي اشْتِرَاطُهَا كَثِيرَةً كَانَتْ أَوْ قَلِيلَةً لِأَنَّ غَايَةَ ذَلِكَ أَنَّهُ بَيْعٌ لِلثِّمَارِ بَعْدَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا وَهُوَ جَائِزٌ وَاجْتَمَعَ فِي الْعَقْدِ الْوَاحِدِ بَيْعٌ وَكِرَاءٌ وَاجْتِمَاعُهُمَا جَائِزٌ وَإِلَى هَذَا الطَّرَفِ أَشَارَ بِالْبَيْتِ الْأَوَّلِ وَأَمَّا إنْ كَانَتْ فِيهَا ثِمَارٌ لَمْ تَطِبْ أَوْ لَيْسَ فِيهَا ثِمَارٌ أَصْلًا فَيَجُوزُ لِلْمُكْتَرِي اشْتِرَاطُهَا لِنَفْسِهِ لَكِنْ بِثَلَاثَةِ شُرُوطٍ ذَكَر

النَّاظِمُ مِنْهَا شَرْطَيْنِ. (أَحَدُهُمَا) أَنْ تَكُونَ قَلِيلَةً بِحَيْثُ كَانَتْ قِيمَةُ الثَّمَرَةِ الثُّلُثَ، فَأَقَلَّ مِنْ مَجْمُوعِ الْكِرَاءِ مَعَ قِيمَةِ الثَّمَرَةِ، وَيُعْرَفُ ذَلِكَ بِأَنْ يُقَالَ مَا قَدْرُ قِيمَةِ ثَمَرَةِ هَذِهِ الشَّجَرَةِ عَلَى مَا عُرِفَ مِنْهَا فِي كُلِّ عَامٍ بَعْدَ عَمَلِهَا وَمُؤْنَتِهَا إنْ كَانَ فِيهَا عَمَلٌ وَمَا كِرَاءُ هَذِهِ الدَّارِ لِهَذِهِ الْمُدَّةِ بِغَيْرِ اشْتِرَاطِ ثَمَرَةِ هَذِهِ الشَّجَرَةِ فَإِنْ قِيلَ: قِيمَةُ الثَّمَرَةِ ثَلَاثُونَ فَأَقَلُّ، وَكِرَاءُ الْمُدَّةِ سِتُّونَ فَأَكْثَرُ جَازَ اشْتِرَاطُهَا فَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الثَّمَرَةِ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِينَ امْتَنَعَ الِاشْتِرَاطُ الْمَذْكُورُ. (فَرْعٌ) فَإِنْ اشْتَرَطَهَا وَكَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ وُزِّعَ فَالثَّمَرَةُ لِصَاحِبِهَا، وَيُقَوَّمُ عَلَى الْمُتَكَارِي كِرَاءُ الْأَرْضِ بِغَيْرِ ثَمَرَةٍ، وَيُعْطَى أَجْرَ مَا سَقَى بِهِ الثَّمَرَةَ إنْ كَانَ سَقَاهَا أَوْ كَانَ لَهُ فِيهَا عَمَلٌ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ نَقَلَهُ الشَّارِحُ عَنْ الْمُقَرَّبِ فِيمَا يَأْتِي (الشَّرْطُ الثَّانِي) أَنْ تَطِيبَ الثَّمَرَةُ قَبْلَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْكِرَاءِ وَإِلَى هَذَيْنِ الشَّرْطَيْنِ أَشَارَ النَّاظِمُ بِالْبَيْتِ الثَّانِي وَهُوَ قَوْلُهُ: وَغَيْرُ بَادِي الطِّيبِ إنْ قَلَّ اشْتُرِطْ الْبَيْتَ (الشَّرْطُ الثَّالِثُ) وَلَمْ يَذْكُرْهُ النَّاظِمُ أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُكْتَرِي جَمِيعَهَا فَلَوْ اشْتَرَطَ بَعْضَهَا وَأَبْقَى الْبَعْضَ الْآخَرَ لِرَبِّهَا لَمْ يَجُزْ وَفِيهِ خِلَافٌ، وَلَعَلَّ النَّاظِمَ لِذَلِكَ تَرَكَهُ. (قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ) : قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَمَنْ اكْتَرَى دَارًا أَوْ أَرْضًا وَفِيهَا سِدْرَةٌ أَوْ دَالِيَةٌ أَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ ثَبْتٌ مِنْ نَخْلٍ أَوْ شَجَرٍ وَلَا ثَمَرَةَ فِيهَا حِينَئِذٍ، أَوْ فِيهَا ثَمَرَةٌ لَمْ تُزْهِ فَالثَّمَرَةُ لِلْمُكْتَرِي إلَّا أَنَّهُ إنْ اشْتَرَطَ الْمُكْتَرِي ثَمَرَةَ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَتْ تَبَعًا مِثْلَ الثُّلُثِ فَأَقَلَّ فَذَلِكَ جَائِزٌ وَمَعْرِفَةُ ذَلِكَ أَنْ يُقَوَّمَ كِرَاءُ الْأَرْضِ، أَوْ الدَّارِ بِغَيْرِ شَرْطِ الثَّمَرَةِ فَإِنْ قِيلَ: عَشَرَةٌ قِيلَ: مَا قِيمَةُ الثَّمَرَةِ فِيمَا عُرِفَ مِمَّا تُطْعِمُ كُلَّ عَامٍ بَعْدَ طَرْحِ قِيمَةِ الْمُؤْنَةِ، وَالْعَمَلِ، فَيُعْمَلُ الْوَسَطُ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنْ قِيلَ: خَمْسَةٌ فَأَقَلُّ جَازَ قَالَ أَصْبَغُ وَهَذَا إذَا عُلِمَ أَنَّ الثَّمَرَةَ تَطِيبُ قَبْلَ مُدَّةِ الْكِرَاءِ وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَعْقِدَاهُ. (ابْنُ يُونُسَ) إنَّمَا أُجِيزَ لِلضَّرَرِ الَّذِي يَقَعُ عَلَى الْمُكْتَرِي فِي دُخُولِ رَبِّ الدَّارِ لِإِصْلَاحِ الثَّمَرَةِ، وَجِذَاذِهَا كَمَا أُجِيزَ شِرَاؤُهُ الْعَارِيَّةَ بِخَرْصِهَا ثَمَرًا. اهـ (الْمَوَّاقُ) اُنْظُرْ قَوْلَ ابْنِ يُونُسَ لِلضَّرَرِ بِالدُّخُولِ عَلَى الْمُكْتَرِي هَلْ يَجُوزُ أَنْ يُسْتَثْنَى بَعْضُ الشَّجَرِ أَجَازَهُ ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ وَمَنَعَهُ ابْنُ الْعَطَّارِ وَقَالَ الْمُتَيْطِيُّ أَجَازَ ذَلِكَ أَشْهَبُ، وَمَنَعَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ اهـ. (قَالَ مُقَيِّدٌ: هَذَا الشَّرْحُ عَفَا اللَّهُ عَنْهُ) : وَقَدْ كُنْت قُلْت فِي مَسْأَلَةِ اشْتِرَاطِ غَلَّةِ الشَّجَرَةِ فِي الدَّارِ الْمُكْتَرَاةِ وَيَجْرِي مَجْرَاهَا الْمُرْتَهَنَةُ وَمَا فِي ذَلِكَ مِنْ التَّفْصِيلِ أَبْيَاتًا وَهِيَ هَذِهِ: وَمَا بِدَارٍ أَوْ بِأَرْضٍ مِنْ شَجَرْ ... فَاكْتُرِيَتْ وَلَيْسَ فِيهَا مِنْ ثَمَرْ أَوْ ثَمَّ مَا لَمْ يُزْهِ فَالْجَمِيعُ ... لِلْمَالِكِ احْفَظْنَهُ يَا رَفِيعُ وَشَرْطُهَا لِمُكْتَرٍ يَجُوزُ إنْ ... شَرَطَ كُلَّهَا وَهِيَ ثُلْثٌ قَمِنْ وَالطِّيبُ قَبْلَ الِانْقِضَاءِ تَحَقَّقَا ... وَشَرْطُ مَا أَزْهَى يَجُوزُ مُطْلَقَا وَإِنَّمَا جَازَ اشْتِرَاطُ الثَّمَرَةِ مَعَ الشُّرُوطِ الْمَذْكُورَةِ مَعَ أَنَّهُ مِنْ بَيْعِ الثِّمَارِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ وَقَدْ تَكُونُ لَمْ تُخْلَقْ رَأْسًا لِأَنَّهُ مَحَلُّ ضَرُورَةٍ فَهُوَ جَارٍ مَجْرَى الرُّخْصَةِ فَاسْتَخَفَّهُ الْفُقَهَاءُ إذَا كَانَ تَافِهًا لِمَا يَلْحَقُ الْمُكْتَرِيَ فِي ذَلِكَ كَمَا مَرَّ عَنْ ابْنِ يُونُسَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) لَا يَجُوزُ لِبَائِعِ السَّيْفِ الْمُحَلَّى اشْتِرَاطُ نِصْفِ مَا فِيهِ مِنْ الْحِلْيَةِ قَالَ مُحَمَّدٌ وَأَشْهَبُ يُجِيزُهُ أَيْ اشْتِرَاطَ النِّصْفِ فِي الثَّمَرَةِ وَالسَّيْفِ، وَمَسْأَلَةُ السَّيْفِ مَذْكُورَةٌ فِي كِتَابِ الصَّرْفِ بِجَمِيعِ وُجُوهِهَا مِنْ الشَّارِحِ وَمَا اشْتَرَطَ الْمُكْتَرِي الْحَمَامَ الَّذِي فِي الدَّارِ الْمُكْتَرَاةِ، أَوْ النَّحْلَ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ فَلَا يَجُوزُ لِعِظَمِ الْغَرَرِ فِيهِ وَعَدَمِ الضَّرُورَةِ لَهُ. (قَالَ فِي طُرَرِ ابْنِ عَاتٍ) : إنْ كَانَ فِي الدَّارِ بُرْجُ حَمَامٍ أَوْ نَحْلٌ فَأَرَادَ الْمُكْتَرِي أَنْ يَشْتَرِطَ ذَلِكَ كَالشَّجَرَةِ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ نَفْسِ الدَّارِ كَالشَّجَرِ وَهُمَا غَيْرُ الدَّارِ، فَلِذَلِكَ لَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُهُمَا، وَالْحَاصِلُ مِنْهُمَا غَيْرُ مَعْلُومٍ مِنْ الِاسْتِغْنَاءِ يُرِيدُ: وَذَلِكَ مُخَالِفٌ لِابْتِيَاعِ الدَّارِ لِأَنَّهُ اشْتَرَى هُنَاكَ رِقَابَ الْحَمَامِ وَالنَّحْلِ، وَهُنَا غَلَّتَهُمَا فَانْظُرْ ذَلِكَ اهـ. .

فصل في كراء الأرض وفي الجائحة فيها

وَجَازَ شَرْطُ النَّقْدِ فِي الْأَرْجَاءِ ... بِحَيْثُ لَا يُخْشَى انْقِطَاعُ الْمَاءِ وَبِالدَّقِيقِ وَالطَّعَامِ تُكْتَرَى ... وَالْبَدُّ بِالزَّيْتِ وَيُنْقَدُ الْكِرَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ يَجُوزُ كِرَاءُ الدُّورِ، وَغَيْرِهَا مِنْ رَبْعٍ وَعَقَارٍ وَمِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ كِرَاءُ الْأَرْحَى وَمَعْصَرَةِ الزَّيْتِ وَنَحْوِهِمَا الْكَلَامُ الْآنَ إنَّمَا هُوَ هَلْ يَجُوزُ لِمَالِكِ الرَّحَا أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَى مُكْتَرِيهَا تَقْدِيمَ الْكِرَاءِ أَوْ لَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ؟ لِأَنَّهُ قَدْ يَنْقَطِعُ مَاؤُهَا فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ وَهَلْ يَجُوزُ كِرَاءُ الرَّحَا بِطَعَامٍ مِنْ دَقِيقٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ لَا يَجُوزُ؟ وَهَلْ يَجُوزُ كِرَاءُ الْمَعْصَرَةِ بِالزَّيْتِ أَوْ لَا؟ لِأَنَّهُ يُتَوَهَّمُ مَنْعُ ذَلِكَ لَا سِيَّمَا إنْ كَانَ يَكْتَرِي مِنْ رَبِّهَا بِالطَّعَامِ وَيَأْخُذُ الْمُكْتَرِي مِنْ صَاحِبِ الْقَمْحِ الدَّقِيقَ وَمِنْ صَاحِبِ الزَّيْتُونِ الزَّيْتَ فَهُوَ كَبَيْعِ طَعَامٍ بِطَعَامٍ غَيْرِ مُتَمَاثِلٍ وَلَا يَدًا بِيَدٍ وَكَأَنَّ رَبَّ الرَّحَا أَوْ الْمَعْصَرَةِ بَاعَ لِلْمُكْتَرِي مَا يَقْبِضُ مِنْ النَّاسِ بِمَا أَخَذَهُ مِنْهُ فَأَجَابَ عَنْ الْمَطْلَبِ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الرَّحَا إنْ أُمِنَ انْقِطَاعُ مَائِهَا جَازَ اشْتِرَاطُ ذَلِكَ فِيهِ وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ إنْ لَمْ يُؤْمَنْ لَمْ يَجُزْ أَيْ اشْتِرَاطُ النَّقْدِ. وَأَمَّا إنْ نَقَدَ تَطَوُّعًا فَجَائِزٌ أُمِنَ انْقِطَاعُ مَائِهَا أَوْ لَمْ يُؤْمَنْ وَعَنْ الْمَطْلَبِ الثَّانِي بِأَنَّ كِرَاءَ الرَّحَا بِالطَّعَامِ جَائِزٌ، وَكِرَاءَ الْبَدِّ أَيْ الْمَعْصَرَةِ بِالزَّيْتِ جَائِزٌ أَيْضًا وَأَنَّهُ يَجُوزُ اشْتِرَاطُ نَقْدِ الْكِرَاءِ فِي الْمَعْصَرَةِ، وَأَحْرَى فِي الْجَوَازِ إذَا نَقَدَ الْمُكْتَرِي تَطَوُّعًا وَإِنَّمَا لَمْ يَجُرْ اشْتِرَاطُ النَّقْدِ فِي كِرَاءِ الرَّحَا إذَا لَمْ يُؤْمَنْ انْقِطَاعُ مَائِهَا لِأَنَّ الْمَنْقُودَ إذْ ذَاكَ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ كَوْنِهِ كِرَاءً إنْ لَمْ يَنْقَطِعْ الْمَاءُ وَكَوْنِهِ سَلَفًا إنْ انْقَطَعَ، فَمُنِعَ ذَلِكَ كَمَا مُنِعَ بِشَرْطِ النَّقْدِ فِي الْجَارِيَةِ الَّتِي تَتَوَاضَعُ، وَلِلْمَسْأَلَةِ نَظَائِرُ أَشَارَ لَهَا الشَّيْخُ خَلِيلٌ بِقَوْلِهِ أَوَّلَ فَصْلِ الْخِيَارِ: وَبِشَرْطِ نَقْدٍ كَغَائِبٍ وَعُهْدَةِ ثَلَاثٍ وَمُوَاضَعَةٍ وَأَرْضٍ لَمْ يُؤْمَنْ رَيُّهَا وَجُعْلٍ، وَإِجَارَةٍ لِحَرْزِ زَرْعٍ، وَأَجِيرٍ تَأَخَّرَ شَهْرًا (قَالَ الْمُتَيْطِيُّ) : وَمِنْ الْأَرْحَاءِ مَا هِيَ مَأْمُونَةٌ لَا يَنْقَطِعُ مَاؤُهَا، وَلَا يَنْخَرِقُ سَدُّهَا فَهَذِهِ يَجُوزُ كِرَاؤُهَا وَتَقْدِيمُ النَّقْدِ فِيهَا قَالَ الشَّارِحُ: كَالْأَرْحَاءِ الْمُتَّخَذَةِ عَلَى الْأَنْهَارِ الْجَارِيَةِ مِنْ الْعُيُونِ الَّتِي لَا يَطْرُقُ مَحَلَّ جَرْيَتِهَا السَّيْلُ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ (وَقَالَ الْمُتَيْطِيُّ أَيْضًا) : وَإِنْ كَانَ الْمُكْتَرَى رَحًى جَازَ اكْتِرَاؤُهَا بِالْعَيْنِ وَالطَّعَامِ الْمَوْصُوفِ إلَى أَجَلٍ، وَغَيْرِ ذَلِكَ. (وَفِي مُفِيدِ ابْنِ هِشَامٍ) وَمِنْ وَثَائِقِ الْبَاجِيِّ، وَتَجُوزُ قَبَالَةُ مَعْصَرَةِ الزَّيْتِ بِالزَّيْتِ الْمَوْصُوفِ إلَى أَجَلٍ كَمَا تَجُوزُ قَبَالَةُ الْمَلَّاحَةِ بِالْمِلْحِ، وَلَا يَجُوزُ لِصَاحِبِ الْبَدِّ اشْتِرَاطُ النَّوَى لِأَنَّ بَعْضَهُ أَرْطَبُ مِنْ بَعْضٍ وَلَا يُحَاطُ بِصِفَتِهِ. انْتَهَى مِنْ الشَّارِحِ. [فَصْلٌ فِي كِرَاءِ الْأَرْضِ وَفِي الْجَائِحَةِ فِيهَا] (فَصْلٌ فِي كِرَاءِ الْأَرْضِ وَفِي الْجَائِحَةِ فِيهَا) وَالْأَرْضُ لَا تُكْرَى بِجُزْءٍ تُخْرِجُهْ ... وَالْفَسْخُ مَعَ الْكِرَاءِ مِثْلِ مُخْرِجُهْ وَلَا بِمَا تُنْبِتُهُ غَيْرَ الْخَشَبْ ... مِنْ غَيْرِ مَزْرُوعٍ بِهَا أَوْ الْقَصَبْ وَلَا بِمَا كَانَ مِنْ الْمَطْعُومِ ... كَالشَّهْدِ وَاللَّبَنِ وَاللُّحُومِ تَرْجَمَ لِشَيْئَيْنِ: كِرَاءِ الْأَرْضِ، وَالْجَائِحَةِ فِيهِ أَيْ فِي كِرَاءِ الْأَرْضِ، فَأَمَّا كِرَاءُ الْأَرْضِ فَيَجُوزُ بِالدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ وَالْعُرُوضِ وَالثِّيَابِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مَا عَدَا شَيْئَيْنِ: أَحَدُهُمَا الطَّعَامُ كَانَ مِمَّا تُنْبِتُهُ كَالْحُبُوبِ، أَوْ مِمَّا لَا تُنْبِتُهُ كَالسَّمْنِ، وَاللَّبَنِ، وَالشَّهْدِ، وَاللَّحْمِ وَنَحْوِهَا. (وَالثَّانِي) مَا تُنْبِتُهُ مِنْ غَيْرِ طَعَامٍ كَالْقُطْنِ، وَالْكَتَّانِ وَاسْتَثْنَوْا مِنْ مَنْعِ كِرَائِهَا بِمَا تُنْبِتُهُ الْخَشَبَ أَوْ الْقَصَبَ بِالْقَصَبِ، فَيَجُوزُ كِرَاؤُهَا بِهِمَا وَإِنْ كَانَ مِمَّا تُنْبِتُهُ الْأَرْضُ وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: " غَيْرَ الْخَشَبْ " أَوْ الْقَصَبْ مَعْطُوفٌ عَلَى الْخَشَبِ فَإِذَا وَقَعَ كِرَاؤُهَا بِمَا يَمْتَنِعُ أَنْ تُكْتَرَى بِهِ فَإِنَّهُ يُفْسَخُ وَيُرْجَعُ لِكِرَاءِ الْمِثْلِ فَقَوْلُهُ: وَالْأَرْضُ لَا تُكْرَى بِجُزْءٍ تُخْرِجُهْ وَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ مَا يَدْخُلُ فِي قَوْلِهِ: " وَلَا بِمَا تُنْبِتُهُ " وَصُورَتُهَا أَنْ يُكْرِيَ الْأَرْضَ لِمَنْ يَحْرُثُ فِيهَا زَرْعًا أَوْ غَيْرَهُ وَأَفَاءَ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ يَكُونُ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ نِصْفُهُ أَوْ رُبُعُهُ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا يَتَّفِقَانِ عَلَيْهِ فَإِنْ وَقَعَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لِرَبِّ الْأَرْضِ إلَّا كِرَاءُ مِثْلِ أَرْضِهِ وَبِذَلِكَ يَكُونُ الْمَخْرَجُ مِنْ هَذِهِ الْوَرْطَةِ وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِالْبَيْتِ الْأَوَّلِ وَقَوْلُهُ: " وَلَا بِمَا تُنْبِتُهُ " هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى بِجُزْءٍ مِنْ عَطْفِ عَامٍّ عَلَى خَاصٍّ وَمَعْنَى " بِجُزْءٍ تُخْرِجُهْ " أَيْ بِجُزْءٍ مِنْ عَيْنِ مَا تُخْرِجُهُ كَمَا مَثَّلْنَا وَالتَّعْبِيرُ بِالْجُزْءِ يَدُلُّ أَنَّ هَذَا هُوَ الْمُرَادُ

وَيَكُونُ مَعْنَى إلَّا بِمَا تُنْبِتُهُ أَيْ بِمَا شَأْنُهَا أَنْ تُنْبِتَهُ سَوَاءٌ كَانَ جُزْءًا مِمَّا أَكْرَاهَا بِهِ كَالصُّورَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ أَوْ طَعَامًا مِنْ غَيْرِهِ كَأَنْ يُكْرِيَهَا لِزِرَاعَةِ قَمْحٍ وَيَقْبِضَ فِي كِرَائِهَا فُولًا وَإِنْ كَانَ الْمَأْخُوذُ فِي الْكِرَاءِ غَيْرَ طَعَامٍ مِمَّا تُنْبِتُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِمَّا يُزْرَعُ فِي هَذِهِ الْأَرْضِ الْمُعَيَّنَةِ كَالْقُطْنِ فِي الْأَرْضِ الَّتِي لَا تُنْبِتُهُ، وَالْكَتَّانِ فِي الْأَرْضِ الَّتِي لَا يَصْلُحُ فِيهَا وَهَذَا ظَاهِرُ قَوْلِهِ: " مِنْ غَيْرِ مَزْرُوعٍ بِهَا " وَقَوْلُهُ: " وَلَا بِمَا كَانَ " مَعْطُوفٌ عَلَى بِجُزْءٍ أَيْضًا أَيْ وَلَا يَجُوزُ كِرَاؤُهَا بِالْمَطْعُومِ وَلَوْ كَانَ مِمَّا لَا تُنْبِتُهُ كَمَا مَثَّلَ. (قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ) : الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ كِرَاءُ الْأَرْضِ بِشَيْءٍ مِنْ الطَّعَامِ مِمَّا تُنْبِتُهُ الْأَرْضُ أَوْ مِمَّا لَا تُنْبِتُهُ وَلَا بِبَعْضٍ مِمَّا لَا تُنْبِتُهُ مِنْ غَيْرِ الطَّعَامِ كَالْقُطْنِ وَالْكَتَّانِ وَالْعُصْفُرِ وَالزَّعْفَرَانِ وَيَجُوزُ بِالْقَصَبِ وَالْخَشَبِ. (وَفِي الْجَوَاهِرِ أَيْضًا) عَنْ عِيسَى بْنِ دِينَارٍ أَنَّهُ قَالَ: وَأَمَّا مَذْهَبُ اللَّيْثِ فِي تَجْوِيزِهِ كِرَاءَهَا بِالثُّلُثِ أَوْ بِالرُّبُعِ مِمَّا تُنْبِتُهُ فَإِنْ وَقَعَ فَسَخْته، وَإِنْ فَاتَ أَوْجَبْت عَلَيْهِ كِرَاءَ مِثْلِهَا بِالدَّرَاهِمِ. اهـ وَعَلَى مُخَالَفَةِ مَذْهَبِ اللَّيْثِ نَبَّهَ النَّاظِمُ بِقَوْلِهِ " بِجُزْءٍ تُخْرِجُهْ " فَنَصَّ عَلَى مَنْعِهِ بِالْخُصُوصِ وَلَمْ يَكْتَفِ بِقَوْلِهِ: " وَلَا بِمَا تُنْبِتُهُ " وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ مَذْهَبَ الْأَنْدَلُسِيِّ جَوَازُ كِرَاءِ الْأَرْضِ بِجُزْءٍ مِمَّا يَخْرُجُ مِنْهَا. وَتُكْتَرَى الْأَرْضُ لِمُدَّةٍ تُحَدْ ... مِنْ سَنَةٍ وَالْعَشْرُ مُنْتَهَى الْأَمَدْ يَعْنِي أَنَّهُ يَجُوزُ كِرَاءُ الْأَرْضِ لِمُدَّةٍ مَحْدُودَةٍ أَقَلُّهَا مَا يَتَأَتَّى فِيهِ الِانْتِفَاعُ بِهَا كَالسَّنَةِ وَنَحْوِهَا، وَيَنْتَهِي الْأَمَدُ فِي ذَلِكَ إلَى عَشْرِ سِنِينَ وَيَشْمَلُ كَلَامُهُ أَرْضَ الْبَعْلِ وَأَرْضَ السَّقْيِ. (قَالَ الشَّارِحُ) : إلَّا أَنَّهُمْ أَجَازُوا فِي الْأَرْضِ الْبَعْلِ الِاكْتِرَاءَ لِأَكْثَرَ مِنْ عَشْرٍ وَالنَّاظِمُ اقْتَصَرَ عَلَى الْعَشْرِ فَتَرَجَّحَ لِذَلِكَ احْتِمَالُ تَخْصِيصِ كَلَامِهِ بِأَرْضِ السَّقْيِ. (قَالَ فِي الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ) : قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَيَجُوزُ اكْتِرَاءُ أَرْضِ الْمَطَرِ لِعَشْرِ سِنِينَ أَوْ أَكْثَرَ إذَا لَمْ يَنْقُدْ وَلَا شَرَطَ ذَلِكَ عَلَيْهِ الْمُكْتَرِي عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَإِذَا كَانَتْ غَيْرَ مَأْمُونَةٍ. (وَقَالَ فِي الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ أَيْضًا) : رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّهُ قَالَ: مَا كَانَ مِنْ الْأَرْضِ يُسْقَى بِالْأَنْهَارِ، وَالْآبَارِ فَلَا بَأْسَ بِوَجِيبَةِ الْكِرَاءِ فِيهَا لِعَشْرِ سِنِينَ، وَنَحْوِهَا وَيُكْرَهُ الطُّولُ فِيهَا لِمَا يُخْشَى مِنْ ذَهَابِ الْمَاءِ وَغَوْرِهِ وَإِنْ كَانَ إلَى الْأَمَدِ أَقْرَبُ وَأَمَّا مَا يُسْقَى بِالْعُيُونِ فَلَا تَجُوزُ وَجِيبَةُ الْكِرَاءِ فِيهَا إلَّا الْأَعْوَامَ الْيَسِيرَةَ الثَّلَاثَةَ وَالْأَرْبَعَةَ. (وَفِي الْمُتَيْطِيَّةِ) وَأَجَازَ ابْنُ الْقَاسِمِ كِرَاءَ أَرْضِ الْمَطَرِ لِعَشْرِ سِنِينَ اهـ. وَقَدْ تَلَخَّصَ مِنْ هَذَا أَنَّ أَرْضَ الْبَعْلِ وَهِيَ أَرْضُ الْمَطَرِ يَجُوزُ كِرَاؤُهَا عَشْرًا وَأَكْثَرَ وَأَنَّ أَرْضَ السَّقْيِ عَلَى وَجْهَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ قَرِيبًا مِنْهَا مَا يَجُوزُ لِعَشْرٍ وَنَحْوِهَا وَيُكْرَهُ الطُّولُ وَهَذَا مُرَادُ النَّاظِمِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَمِنْهَا مَا يُكْرَى لِلْأَعْوَامِ الْيَسِيرَةِ كَالثَّلَاثَةِ، وَالْأَرْبَعَةِ وَنَقَلَ الْمَوَّاقُ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّ عَقْدَ الْكِرَاءِ جَائِزٌ فِي الْأَرَضِينَ كُلِّهَا مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلِ السِّنِينَ الْكَثِيرَةِ، وَسَوَاءٌ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ كَانَتْ مَأْمُونَةً أَوْ غَيْرَ مَأْمُونَةٍ اهـ. وَظَاهِرُهُ مُخَالَفَةُ مَا تَقَدَّمَ. (تَنْبِيهٌ) هَذَا كُلُّهُ بِاعْتِبَارِ مُدَّةِ كِرَائِهَا وَأَمَّا بِاعْتِبَارِ نَقْدِ الْكِرَاءِ فَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ - إثْرَ مَا تَقَدَّمَ عَنْهُ -: وَتَنْقَسِمُ فِي جَوَازِ النَّقْدِ فِيهَا عَلَى قِسْمَيْنِ فَمَا كَانَ مِنْهَا مَأْمُونًا كَأَرْضِ النِّيلِ، وَأَرْضِ الْمَطَرِ الْمَأْمُونَةِ، وَأَرْضِ السَّقْيِ بِالْأَنْهَارِ وَالْعُيُونِ الثَّابِتَةِ وَالْآبَارِ الْمُعَيَّنَةِ فَالنَّقْدُ فِيهَا لِلْأَعْوَامِ الْكَثِيرِ جَائِزٌ أَيْ قَبْلَ أَيِّ تَرَوٍّ قَالَ مَالِكٌ: وَمَا كَانَ مِنْهَا غَيْرَ مَأْمُونٍ فَلَا يَجُوزُ النَّقْدُ فِيهِ إلَّا بَعْدَ أَنْ تُرْوَى وَيَتَمَكَّنَ مِنْ الْحَرْثِ كَانَتْ مِنْ أَرْضِ النِّيلِ أَوْ مِنْ أَرْضِ الْمَطَرِ أَوْ السَّقْيِ بِالْعُيُونِ، وَالْآبَارِ اهـ. وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالرَّيِّ أَنَّهَا لَا تَحْتَاجُ لِلْمَاءِ بَعْدَ ذَلِكَ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بِهِ أَنَّهُ حَصَّلَ مِنْ الْمَاءِ مَا يَكْفِي لِحَرْثِهَا فِي الْوَقْتِ سَوَاءٌ كَانَتْ تَحْتَاجُ لِلْمَاءِ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ لَا وَهَذَا التَّقْسِيمُ إنَّمَا هُوَ فِي جَوَازِ النَّقْدِ قَبْلَ الرَّيِّ وَمَنْعِهِ فَيَجُوزُ فِي الْمَأْمُونَةِ بِشَرْطٍ، وَغَيْرِهِ، وَيَمْتَنِعُ فِي غَيْرِ الْمَأْمُونَةِ بِشَرْطٍ وَيَجُوزُ تَطَوُّعًا وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى وُجُوبِهِ وَالْحُكْمِ بِهِ عَلَى الْمُكْتَرِي فَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ أَيْضًا: وَتَنْقَسِمُ فِي وُجُوبِ النَّقْدِ عَلَى قِسْمَيْنِ: أَرْضِ النِّيلِ وَأَرْضِ السَّقْيِ وَالْمَطَرِ فَأَمَّا أَرْضُ النِّيلِ فَيَجِبُ النَّقْدُ فِيهَا إذَا رُوِيَتْ لِأَنَّهَا لَا تَحْتَاجُ إلَى السَّقْيِ فِيمَا يُسْتَقْبَلُ فَبِالرَّيِّ يَكُونُ الْمُكْتَرِي قَابِضًا لِمَا اكْتَرَاهُ وَأَمَّا أَرْضُ السَّقْيِ، وَالْمَطَرِ فَلَا يَجِبُ عَلَى الْمُكْتَرِي فِيهَا دَفْعُ الْكِرَاءِ حَتَّى يُتِمَّ الزَّرْعَ وَيَسْتَغْنِيَ عَنْ الْمَاءِ وَقَدْ تَلَخَّصَ مِنْ هَذَا أَنَّ كُلًّا مِنْ أَرْضِ النِّيلِ، وَأَرْضِ الْمَطَرِ وَأَرْضِ السَّقْيِ مِنْهَا

مَأْمُونٌ وَغَيْرُ مَأْمُونٍ. (قُلْت) : وَالْمُرَادُ بِالْأَمَانِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ غَلَبَةُ الظَّنِّ بِتَكَرُّرِ الْعَادَةِ فَالْمَأْمُونَةُ مِنْ أَرْضِ النِّيلِ الْقَرِيبَةُ لِمَوْضِعِ فَيْضِهِ، وَالْمَأْمُونَةُ مِنْ أَرْضِ الْمَطَرِ الْكَثِيرَةُ الْأَمْطَارِ عَادَةً غَالِبَةً، وَالْمَأْمُونَةُ مِنْ أَرْضِ السَّقْيِ الَّتِي تُسْقَى بِالْأَنْهَارِ، وَالْعُيُونِ الْكَثِيرَةِ الْمَاءِ، وَغَيْرُ الْمَأْمُونَةِ الَّتِي لَيْسَتْ كَذَلِكَ وَقَدْ اخْتَصَرَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْمَسْأَلَةَ بِرُمَّتِهَا فَقَالَ عَاطِفًا عَلَى مَا هُوَ جَائِزٌ: وَأَرْضُ مَطَرٍ عَشْرٌ إنْ لَمْ يَنْقُدْ وَإِنْ سَنَةً إلَّا الْمَأْمُونَةَ كَالنِّيلِ إلَّا الْمُعَيَّنَةَ، فَيَجُوزُ. وَيَجِبُ فِي مَأْمُونَةِ النِّيلِ إذَا رُوِيَتْ. وَإِنْ تَكُنْ شَجَرَةٌ بِمَوْضِعِ ... جَازَ اكْتِرَاؤُهَا بِحُكْمِ التَّبَعِ يَعْنِي أَنَّ مَنْ اكْتَرَى أَرْضًا فِيهَا شَجَرَةٌ أَوْ أَشْجَارٌ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِلْمُكْتَرِي اشْتِرَاطُ ثَمَرَتِهَا لِنَفْسِهِ بِحُكْمِ التَّبَعِ لِلْأَرْضِ هَذَا مَعْنَى اكْتِرَاءِ الشَّجَرَةِ الَّتِي فِي بَيْتِ النَّاظِمِ وَهُوَ كَمَا تَقَدَّمَ أَيْضًا مِنْ جَوَازِ اشْتِرَاطِ الثَّمَرَةِ إذَا كَانَتْ تَبَعًا لِلدَّارِ حَيْثُ قَالَ: وَشَرْطُ مَا فِي الدَّارِ مِنْ نَوْعِ الثَّمَرْ الْبَيْتَيْنِ وَيُشْتَرَطُ فِي الْجَوَازِ مَا ذُكِرَ هُنَالِكَ حَرْفًا بِحَرْفِ، وَلَوْ اسْتَغْنَى بِمَا تَقَدَّمَ عَنْ هَذَا الْبَيْتِ مَا ضَرَّهُ ذَلِكَ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَمَا أَشْبَهَهَا مِمَّا يَدْخُلُ فِي قَوْلِ أَصْحَابِ الْقَوَاعِدِ: اُخْتُلِفَ فِي التَّابِعِ هَلْ يُعْطَى حُكْمَ نَفْسِهِ أَوْ حُكْمَ مَتْبُوعِهِ، فَإِنْ قُلْنَا يُعْطَى حُكْمَ مَتْبُوعِهِ، فَهَلْ لَهُ قِسْطٌ مِنْ الثَّمَنِ أَوْ لَا، وَأَمَّا إنْ قُلْنَا يُعْطَى حُكْمَ نَفْسِهِ فَلَا إشْكَالَ أَنَّ لَهُ قِسْطًا مِنْ الثَّمَنِ فَجَوَازُ اشْتِرَاطِهِ ثَمَرَةَ الشَّجَرِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ التَّابِعَ يُعْطَى حُكْمَ مَتْبُوعِهِ وَأَنَّهُ لَا قِسْطَ لَهُ مِنْ الثَّمَنِ وَإِلَّا كَانَ اشْتِرَاءً لِلثَّمَرَةِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا أَوْ قَبْلَ خَلْقِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَمُكْتِرٍ أَرْضًا وَبَعْدَ أَنْ حَصَدْ ... أَصَابَ زَرْعَهُ انْتِثَارٌ بِالْبَرَدْ فَنَابِتٌ بَعْدُ مِنْ الْمُنْتَثَرِ ... هُوَ لِرَبِّ الْأَرْضِ لَا لِلْمُكْتَرِي يَعْنِي أَنَّ مَنْ اكْتَرَى أَرْضًا، فَزَرَعَهَا فَأَصَابَ زَرْعَهُ الْبَرَدُ وَقَدْ اسْتَحْصَدَ، فَانْتَثَرَ فِيهَا فَنَبَتَ إلَى قَابِلٍ فَإِنَّ الزَّرْعَ النَّابِتَ لِرَبِّ الْأَرْضِ لَا لِلْمُكْتَرِي وَكَذَا فِي النَّوَادِرِ وَالْمُتَيْطِيَّةِ وَمُفِيدِ ابْنِ هِشَامٍ وَلَا يَخْتَصُّ هَذَا الْحُكْمُ بِالْكِرَاءِ بَلْ هُوَ عَامٌّ فِي كُلّ مَنْ انْتَثَرَ حَبُّهُ فِي أَرْضِ غَيْرِهِ سَوَاءٌ أَعْمَرَهَا بِكِرَاءٍ أَوْ إعْمَارٍ أَوْ شَرِكَةٍ أَوْ بِغَيْرِ ذَلِكَ. (فَرْعٌ) مَنْ زَرَعَ زَرْعًا فَحَمَلَ السَّيْلُ زَرْعَهُ قَبْلَ أَنْ يَنْبُتَ إلَى أَرْضِ غَيْرِهِ فَنَبَتَ فِيهَا فَقَالَ مَالِكٌ: الزَّرْعُ لِمَنْ جَرَّهُ السَّيْلُ إلَى أَرْضِهِ وَلَا شَيْءَ لِلزَّارِعِ اهـ. . وَأَمَّا الْأَشْجَارُ فَبِخِلَافِ هَذَا وَفِيهَا تَفْصِيلٌ وَبَيْنَ أَنْ تَنْبُتَ إنْ رُدَّتْ لِمَحَلِّهَا أَوْ لَا وَلَوْ نَقَلَ السَّيْلُ تُرَابَ أَرْضٍ إلَى أَرْضٍ أُخْرَى، فَأَرَادَ بِهِ نَقْلَهُ إلَى أَرْضِهِ وَكَانَ مَعْرُوفًا فَلَهُ ذَلِكَ وَإِنْ أَبَى أَنْ يَنْقُلَهُ فَطَلَبَهُ مَنْ صَارَ فِي أَرْضِهِ بِتَنْحِيَتِهِ عَنْهُ لَمْ يَلْزَمْهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَجُرَّ شَيْئًا. وَجَائِزٌ كِرَاءُ الْأَرْضِ بِالسَّنَهْ ... وَالشَّهْرِ فِي زِرَاعَةٍ مُعَيَّنَهْ يَعْنِي أَنَّهُ يَجُوزُ كِرَاءُ الْأَرْضِ لِمُدَّةٍ مُعَيَّنَةٍ كَشَهْرٍ أَوْ سَنَةٍ لِيَزْرَعَ فِيهَا شَيْئًا مُعَيَّنًا كَالْمَقَاثِئِ وَالْخُضَرِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ. (قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ) : وَيَجُوزُ أَنْ تُكْرَى الْأَرْضُ مُشَاهَرَةً فِي الَّتِي تُزْرَعُ بُطُونًا، وَمُسَانَاةً أَيَّ أَرْضٍ كَانَتْ كُلَّ شَهْرٍ أَوْ كُلَّ سَنَةٍ بِكَذَا أَوْ لِمُدَّةٍ مُعَيَّنَةٍ. (قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ) : قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ اكْتَرَى أَرْضًا فَحَصَدَ زَرْعَهُ قَبْلَ تَمَامِ السَّنَةِ فَأَمَّا أَرْضُ الْمَطَرِ فَحَدُّ السَّنَةِ فِيهَا الْحَصَادُ، وَيُقْضَى بِذَلِكَ فِيهَا. (قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ) وَأَمَّا ذَاتُ السَّقْيِ الَّتِي تُكْرَى عَلَى أَمَدِ الشُّهُورِ، وَالسِّنِينَ فَلِلْمُكْتَرِي الْعَمَلُ إلَى تَمَامِ سَنَتِهِ فَإِنْ تَمَّتْ، وَلَهُ فِيهَا زَرْعٌ أَخْضَرُ أَوْ بَقْلٌ؛ فَلَيْسَ لِرَبِّ الْأَرْضِ قَلْعُهُ، وَعَلَيْهِ تَرْكُهُ إلَى تَمَامِهِ وَلَهُ فِيمَا بَقِيَ كِرَاءُ مِثْلِهَا عَلَى حِسَابِ مَا أَكْرَى مِنْهُ وَصَرَّحَ سَحْنُونٌ عَلَى حِسَابِ مَا أَكْرَى وَأَبْقَى

كِرَاءَ الْمِثْلِ وَنَقَلَهَا أَبُو مُحَمَّدٍ فِي مُخْتَصَرِهِ وَلَهُ فِيمَا بَقِيَ كِرَاءُ مِثْلِهِ لَا عَلَى مَا أَكْرَاهُ (قُلْت:) : وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ كَثِيرَةُ الْوُقُوعِ وَذَلِكَ أَنَّ الْإِنْسَانَ يَكْتَرِي دَارًا أَوْ حَانُوتًا أَوْ غَيْرَهُمَا لِمُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ، فَتُقْضَى تِلْكَ الْمُدَّةُ وَيَبْقَى الْمُكْتَرِي سَاكِتًا عَلَى الْمُسَاكَنَةِ، فَهَلْ يَلْزَمُهُ فِيهَا بَعْدَ مُدَّةِ الْكِرَاءِ الْمِثْلُ؟ أَوْ مِنْ حِسَابِ الْكِرَاءِ الْأَوَّلِ يَجْرِي عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ وَعَلَى كِرَاءِ الْمِثْلِ اقْتَصَرَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ حَيْثُ قَالَ فَإِنْ تَمَّتْ وَلَهُ زَرْعٌ أَخْضَرُ فَكِرَاءُ مِثْلِ الزَّائِدِ. (فَرْعٌ) إذَا كَانَتْ السَّنَةُ أَوْ الشَّهْرُ مُعَيَّنًا فَلَا إشْكَالَ فِي لُزُومِ الْكِرَاءِ، وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنَا شَهْرًا وَلَا سَنَةً كَكُلِّ شَهْرٍ أَوْ كُلِّ سَنَةٍ بِكَذَا فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الِانْحِلَالُ مَتَى شَاءَ مَا لَمْ يَزْرَعْ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ فِي أَكْرِيَةِ الدُّورِ فَإِنْ زَرَعَ لَزِمَهُمَا الْكِرَاءُ لِمَا سَمَّيَاهُ مِنْ الْمُدَّةِ ثُمَّ لَهُمَا الِانْحِلَالُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَإِنْ أَرَادَ الْمُكْتَرِي بَعْدَ مَا زَرَعَ أَنْ يَقْلَعَ زَرْعَهُ، وَبَقْلَهُ، وَيُعْطِيَهُ كِرَاءَ الْمُدَّةِ الَّتِي شَغَلَ فِيهَا أَرْضَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ وَقَدْ لَزِمَهُ كِرَاءُ الْمُدَّةِ. (فَرْعٌ) إذَا كَانَتْ السَّنَةُ غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ فَإِنْ كَانَتْ الْأَرْضُ مِمَّا يُزْرَعُ الْعَامَ كُلَّهُ، فَأَوَّلُ السَّنَةِ فِيهَا عِنْدَ عَدَمِ التَّعْيِينِ وَقْتُ الْعَقْدِ إنْ كَانَتْ خَالِيَةً مِنْ مَزْرُوعٍ وَإِلَّا فَيَوْمَ تَخْلُو مِنْهُ إلَى تَمَامِ سَنَةٍ قَمَرِيَّةٍ أَوْ شَمْسِيَّةٍ إنْ كَانَ ذَلِكَ عُرْفَ الْبَلَدِ فِي الْكِرَاءِ وَإِنْ كَانَتْ مِمَّا يُزْرَعُ مَرَّةً فِي الْعَامِ فَأَوَّلُهُ وَقْتُ الزِّرَاعَةِ إنْ كَانَتْ مِمَّا لَا يُتَقَدَّمُ فِيهَا قَبْلَ ذَلِكَ بِحَرْثٍ أَوْ وَقَعَتْ الْحَرْثُ لَهَا إنْ كَانَتْ مِمَّا عُهِدَ ذَلِكَ فِيهَا وَآخِرُهُ رَفْعُ الزَّرْعِ وَلَا شَيْءَ لِلْمُكْتَرِي فِيهَا بَقِيَّةَ السَّنَةِ وَلَا يُحَطُّ لِذَلِكَ شَيْءٌ، وَلِرَبِّهَا أَنْ يَحْرُثَ إنْ شَاءَ وَلَيْسَ لِلْمُكْتَرِي مَنْعُهُ لِأَنَّهُ مُضَارٌّ. وَبِتَوَالِي الْقَحْطِ، وَالْأَمْطَارِ ... جَائِحَةُ الْكِرَاءِ مِثْلُ الْفَارِ وَيَسْقُطُ الْكِرَاءُ إمَّا جُمْلَهُ ... أَوْ بِحِسَابِ مَا الْفَسَادُ حَلَّهُ وَلَيْسَ يَسْقُطُ الْكِرَا فِي مُوجَدٍ ... بِمِثْلِ صِرٍّ أَوْ بِمِثْلِ بَرَدِ يَعْنِي أَنَّ مَنْ اكْتَرَى أَرْضًا لِزِرَاعَةٍ، فَتَوَالَى عَلَيْهَا الْقَحْطُ أَوْ الْمَطَرُ الَّذِي لَا يَقْدِرُ الْمُكْتَرِي مَعَهُ عَلَى الِازْدِرَاعِ فِيهَا، أَوْ هَلَكَ الزَّرْعُ بِفَأْرٍ أَوْ مِثْلِ الْفَأْرِ كَالدُّودِ فَإِنَّ الْكِرَاءَ يَسْقُطُ عَنْ الْمُكْتَرِي عَلَى تَفْصِيلٍ فِيهِ وَهُوَ إنْ فَسَدَ الْجَمِيعُ أَوْ بَقِيَ مَا لَا قَدْرَ لَهُ وَلَا بَالَ سَقَطَ عَنْ الْمُكْتَرِي جَمِيعُ الْكِرَاءِ وَإِنْ سَلِمَ مَا لَهُ قَدْرٌ وَبَالٌ لَزِمَ مِنْ الْكِرَاءِ بِحِسَابِ ذَلِكَ وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِالْبَيْتَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ وَ " الْقَحْطُ " بِقَافٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ حَاءٍ مُهْمَلَةٍ سَاكِنَةٍ عَدَمُ الْمَطَرِ. (قَالَ فِي الْمَشَارِقِ) : قَحَطَ الْقَوْمُ الْأَرْضَ إذْ لَمْ يَنْزِلْ مَطَرٌ ثُمَّ أَخْبَرَ فِي الْبَيْتِ الثَّالِثِ أَنَّ الْجَائِحَةَ إذَا لَمْ تَكُنْ بِسَبَبِ الْأَرْضِ وَمَا لَا يَرْجِعُ إلَيْهَا فَإِنَّ الْكِرَاءَ لَازِمٌ لِلْمُكْتَرِي وَذَلِكَ كَمَا إذَا هَلَكَ الزَّرْعُ بِبَرَدٍ بِفَتْحِ الرَّاءِ مَعْرُوفٌ حَجَرٌ صَغِيرٌ يَنْزِلُ مِنْ السَّمَاءِ يَذُوبُ بِسُرْعَةٍ أَوْ هَلَكَ بِصِرٍّ بِصَادٍ مُهْمَلَةٍ مَكْسُورَةٍ، وَرَاءٍ مُشَدَّدَةٍ وَهُوَ الْبَرْدُ الشَّدِيدُ أَوْ الْحَرُّ الشَّدِيدُ قَالَ نَاظِمُ غَرِيبِ الْقُرْآنِ: وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ صِرُّ ... حَرٌّ شَدِيدٌ وَكَذَاك الْقُرُّ وَالْقُرُّ بِالضَّمِّ الْمَاءُ الْبَارِدُ وَمَعْنَى قَوْلِهِمْ " أَقَرَّ اللَّهُ عَيْنَكَ " أَيْ أَبْرَدَ اللَّهُ دَمْعَتَك لِأَنَّ دَمْعَةَ السُّرُورِ بَارِدَةٌ وَدَمْعَةَ الْحُزْنِ حَارَّةٌ. (قَالَ اللَّخْمِيُّ) هَلَاكُ الزَّرْعِ إنْ كَانَ بِقَحْطِ الْمَطَرِ أَوْ تَعَذُّرِ مَاءِ الْبِئْرِ أَوْ الْعَيْنِ أَوْ لِكَثْرَةِ نُبُوعِ مَاءِ الْأَرْضِ أَوْ الدُّودِ أَوْ فَأْرٍ؛ سَقَطَ كِرَاءُ الْأَرْضِ كَانَ هَلَاكُهُ فِي الْإِبَّانِ أَوْ بَعْدَهُ، وَإِنْ هَلَكَ لِطَيْرٍ أَوْ جَرَادٍ أَوْ جَلِيدٍ أَوْ بَرَدٍ أَوْ جَيْشٍ أَوْ لِأَنَّ الزَّرِيعَةَ لَمْ تَنْبُتْ لَزِمَ الْكِرَاءُ هَلَكَ فِي الْإِبَّانِ أَوْ بَعْدَهُ الْمُتَيْطِيُّ. وَمِثْلُ قَحْطِ الْمَطَرِ تَوَالِي الْمَطَرِ، وَكَذَلِكَ إذَا مَنَعَهُ مِنْ الِازْدِرَاعِ فِتْنَةٌ

فصل في أحكام من الكراء

الْمَوَّاقُ) اُنْظُرْ إذَا أَذْهَبَ السَّيْلُ وَجْهَ الْأَرْضِ، الرَّاوِيَةُ: وَجَبَ الْكِرَاءُ. وَقَالَ اللَّخْمِيُّ لَا كِرَاءَ، وَعُدَّ قَوْلُهُ قَوْلًا اهـ. وَالضَّابِطُ فِي هَذَا: أَنَّ الْكِرَاءَ يَلْزَمُ بِالتَّمَكُّنِ مِنْ الِانْتِفَاعِ، فَمَنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ لِقَحْطٍ أَوْ غَرَقٍ وَنَحْوِهِمَا حَتَّى فَاتَ الْإِبَّانُ؛ فَلَا كِرَاءَ عَلَيْهِ، وَمَنْ تَمَكَّنَ مِنْ الِانْتِفَاعِ ثُمَّ هَلَكَتْ الْغَلَّةُ، فَإِنْ أَتَى مِنْ قِبَلِ الْأَرْضِ شَيْءٌ يُوجِبُ مَنْعَ غَلَّتِهَا كَمَا: إذَا فُقِدَ رَيُّهَا، أَوْ أَعْدَمَ الْغَلَّةَ فَأْرُهَا سَقَطَ الْكِرَاءُ، وَإِنْ أَتَى أَمْرٌ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْمُكْتَرِي فَأَهْلَكَ الْغَلَّةَ؛ لَزِمَهُ الْكِرَاءُ. وَفِي (الْمُدَوَّنَةِ) إنْ جَاءَهُ مِنْ الْمَاءِ مَا كَفَى بَعْضَهُ، وَهَلَكَ بَعْضُهُ فَإِنْ حَصَدَ مَا لَهُ بَالٌ، وَلَهُ فِيهِ نَفْعٌ؛ فَعَلَيْهِ مِنْ الْكِرَاءِ بِقَدْرِهِ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إنْ حَصَدَ مَا لَا بَالَ لَهُ، وَلَا نَفْعَ لَهُ فِيهِ. (قَالَ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ) : مِثْلُ الْخَمْسَةِ فَدَادِينَ أَوْ السِّتَّةِ مِنْ الْمِائَةِ، وَفِي (الْمُدَوَّنَةِ أَيْضًا) مَنْ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا لِيَزْرَعَهَا، فَغَرَقَ بَعْضُهَا قَبْلَ الزِّرَاعَةِ، أَوْ عَطِشَ فَإِنْ كَانَ أَكْثَرُهَا رُدَّ جَمِيعًا وَإِنْ كَانَ تَافِهًا حَطَّ عَنْهُ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ مِنْ الْكِرَاءِ اهـ وَنَحْوَهُ نَقَلَ الشَّارِحُ عَنْ (الْمُقَرَّبِ) وَزَادَ: وَيُفَضُّ الْكِرَاءُ عَلَى كَرِيمِهَا، وَغَيْرِ كَرِيمِهَا وَعَلَى قَدْرِ رَغْبَةِ النَّاسِ فِيهَا. بِمَنْزِلَةِ إذَا اُسْتُحِقَّ بَعْضُهَا وَبَقِيَ بَعْضُهَا وَلَا يُنْظَرُ إلَى مَتْنِ الْأَرْضِ إذَا كَانَتْ مُخْتَلِفَةً. (وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ) إذَا أَتَى مَطَرٌ؛ فَغَرَقَ زَرْعُهُ فِي إبَّانٍ لَوْ انْكَشَفَ الْمَاءُ عَنْ الْأَرْضِ أَدْرَكَ زَرْعُهَا ثَانِيَةً فَلَمْ يَنْكَشِفْ حَتَّى فَاتَ الْإِبَّانُ؛ فَذَلِكَ كَغَرَقِهَا فِي الْإِبَّانِ قَبْلَ أَنْ تُزْرَعَ حَتَّى فَاتَ الْحَرْثُ فَلَا كِرَاءَ عَلَيْهِ وَلَوْ انْكَشَفَ الْمَاءُ فِي إبَّانٍ يُدْرَكُ فِيهِ لَزِمَهُ الْكِرَاءُ، وَإِنْ لَمْ يَحْرُثْ. وَمِنْ (الْمُدَوَّنَةِ) أَيْضًا إذَا أَتَى مَطَرٌ بَعْدَ مَا زَرَعَ، وَفَاتَ إبَّانُ الزَّرْعِ، فَغَرَقَ زَرْعُهُ حَتَّى هَلَكَ بِذَلِكَ؛ فَهِيَ جَائِحَةٌ عَلَى الزَّارِعِ، وَعَلَيْهِ جَمِيعُ الْكِرَاءِ بِخِلَافِ هَلَاكِهِ مِنْ الْقَحْطِ فَلَا كِرَاءَ عَلَيْهِ (وَمِنْ الْمُقَرَّبِ) قُلْت: فَإِنْ زَرَعَهَا فَأَصَابَهَا مَطَرٌ شَدِيدٌ؛ فَاسْتَغْدَرَتْ، وَأَقَامَ الْمَاءُ فِيهَا حَتَّى هَلَكَ الزَّرْعُ كَيْفَ يَعْمَلُ فِي ذَلِكَ؟ فَقَالَ: " إنْ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ مُضِيِّ أَيَّامِ الْحَرْثِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْبَرَدِ، وَالْجَرَادِ، وَالْجَلِيدِ مُصِيبَةُ ذَلِكَ مِنْ الزَّارِعِ، وَإِنْ كَانَتْ إنَّمَا اسْتَغْدَرَتْ فِي أَيَّامِ الْحَرْثِ، وَلَوْ انْكَشَفَ عَنْهَا الْغَدِيرُ عَلَى أَنْ يَزْرَعَهَا ثَانِيَةً، فَلَمْ يَنْكَشِفْ عَنْهَا الْمَاءُ حَتَّى مَضَتْ أَيَّامُ الْحَرْثِ؛ فَهُوَ بِمَنْزِلَتِهَا إذَا غَرِقَتْ فِي أَيَّامِ الْحَرْثِ، وَجَاءَ مِنْ الْمَاءِ مَا يَمْنَعُ مِنْ زَرْعِهَا فَالْكِرَاءُ عَنْ الْمُتَكَارِي مَوْضُوعٌ. (قَالَ الشَّارِحُ) : وَسُئِلَ شَيْخُنَا قَاضِي الْجَمَاعَةِ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ سِرَاجٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَمَّنْ اكْتَرَى فَدَّانًا زَرَعَهُ كَتَّانًا، فَأَصَابَهُ الْبَرَدُ حَتَّى عَدِمَ الْكَتَّانُ، وَالْمُكْتَرِي يَطْلُبُ بِالْكِرَاءِ: فَأَجَابَ " يَغْرَمُ الْمُكْتَرِي الْكِرَاءَ كُلَّهُ، وَلَا يُحَطُّ عَنْهُ شَيْءٌ بِسَبَبِ جَائِحَةِ الْبَرَدِ لِأَنَّهُ لَا يُقَامُ فِي الْكِرَاءِ بِالْجَائِحَةِ إلَّا إنْ كَانَتْ مِنْ الْأَرْضِ، أَوْ مَا يَرْجِعُ إلَيْهَا " قَالَهُ ابْنُ سِرَاجٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اهـ. . [فَصْلٌ فِي أَحْكَامٍ مِنْ الْكِرَاءِ] ِ وَالْعَرَضُ إنْ عُرِفَ عَيْنًا فَالْكِرَا ... يَجُوزُ فِيهِ كَالسُّرُوجِ وَالْفِرَا وَمُكْتَرٍ لِذَاكَ لَا يَضْمَنُ مَا ... يَتْلَفُ عِنْدَهُ سِوَى إنْ ظَلَمَا وَهُوَ مُصَدَّقٌ مَعَ الْيَمِينِ ... وَإِنْ يَكُنْ مَنْ لَيْسَ بِالْمَأْمُونِ يَعْنِي: أَنَّهُ يَجُوزُ كِرَاءُ الْعُرُوضِ كَالْأَوَانِي، وَالْقُدُورِ وَالصَّحَائِفِ، وَالسُّرُوجِ، وَاللِّجَامِ وَالْفَرْوَةِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ إذَا كَانَ مِمَّا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ، وَلَا يَلْتَبِسُ بِغَيْرِهِ، وَاحْتَرَزَ بِذَلِكَ مِمَّا لَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ كَالدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، فَلَا يَجُوزُ كِرَاؤُهَا، وَالْفِرَاءُ بِكَسْرِ أَوَّلِهِ، وَالْمَدِّ، - وَقَصْرُهُ ضَرُورَةٌ - جَمْعُ فَرْوٍ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ الرَّاءِ قَالَ فِي جَمْعِ التَّكْسِيرِ: فَعْلٌ وَفَعْلَةٌ فِعَالٌ لَهُمَا (قَالَ الْجَوْهَرِيُّ) : " الْفَرْوُ الَّذِي يُلْبَسُ، وَالْجَمْعُ الْفِرَاءُ، وَافْتَرَيْت الْفَرْوَ، وَلَبِسْته " اهـ. . وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِالْبَيْتِ الْأَوَّلِ، " وَعَيْنًا " تَمْيِيزٌ مَنْقُولٌ مِنْ نَائِبِ " عُرِفَ "

وَكَالسُّرُوجِ " جَمْعُ سَرْجٍ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ: وَذَلِكَ كَسَرْجِ الدَّابَّةِ وَنَحْوِهِ. ثُمَّ أَشَارَ بِالْبَيْتِ الثَّانِي، وَالثَّالِثِ إلَى أَنَّ مَنْ اكْتَرَى شَيْئًا مِمَّا ذُكِرَ ثُمَّ ادَّعَى ضَيَاعَهُ؛ فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ فِي ذَلِكَ مَعَ يَمِينِهِ، وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ مَأْمُونًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مَأْمُونٍ إلَّا إذَا ظَلَمَ وَتَعَدَّى، فَيَضْمَنُ إذَا تَبَيَّنَ تَعَدِّيهِ، وَظُلْمُهُ إمَّا بِاعْتِرَافِهِ، أَوْ بِثُبُوتِ ذَلِكَ عَلَيْهِ إنْ لَمْ يَعْتَرِفْ. فَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ، وَلَا اعْتَرَفَ بِهِ؛ فَهُوَ مُصَدَّقٌ فِي عَدَمِ تَعَدِّيه، وَظُلْمِهِ. وَهَلَاكُ الشَّيْءِ الْمُكْتَرَى مِنْ غَيْرِ سَبَبِهِ مَعَ يَمِينِهِ أَيْضًا عَلَى ذَلِكَ، فَيَحْلِفُ يَمِينًا وَاحِدَةً لَقَدْ ضَاعَ، وَمَا أَخْفَاهُ وَأَنَّ ضَيَاعَهُ لَيْسَ بِسَبَبِهِ، وَلَا بِتَعَدِّيهِ. وَقِيلَ: إنَّ غَيْرَ الْمُتَّهَمِ يَحْلِفُ مَا فَرَّطَ فَقَطْ (قَالَ فِي الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ) : وَيَجُوزُ كِرَاءُ الثِّيَابِ وَالْقِبَابِ وَالسُّرُوجِ وَاللَّحْمِ وَكُلِّ شَيْءٍ يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ إذَا غُيِّبَ عَلَيْهِ مِنْ هَذَا وَشِبْهِهِ إذَا حَدَّدَ لِلْكِرَاءِ مُدَّةً، وَلِلْأُجْرَةِ أَمَدًا، وَكَانَتْ حَالَّةً فَإِنْ ادَّعَى مُكْتَرِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ تَلَفَهَا، أَوْ أَنَّهَا سُرِقَتْ؛ حَلَفَ وَبَرِئَ، وَلَا يَبْرَأُ إلَّا بِيَمِينِهِ مَأْمُونًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مَأْمُونٍ. اهـ (فَرْعٌ) ثُمَّ قَالَ فِي الْوَثَائِقِ: إثْرَ مَا تَقَدَّمَ وَيَغْرَمُ الْكِرَاءَ كُلَّهُ إلَّا أَنْ تَقُومَ لَهُ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةٌ، فَإِنْ ادَّعَى تَلَفَهَا قَبْلَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْكِرَاءِ وَعُرِفَ أَنَّهُ نَشَدَهَا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ؛ حَلَفَ عَلَى مَا ذَكَرَ مِنْ ذَلِكَ، وَسَقَطَ عَنْهُ الضَّمَانُ، وَيَغْرَمُ مِنْ الْكِرَاءِ مِقْدَارَ مَا انْتَفَعَ إلَى أَنْ تَلِفَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي ذَكَرَ أَنَّهَا تَلِفَتْ فِيهِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ فِي ذَلِكَ لَزِمَهُ الْكِرَاءُ كُلُّهُ اهـ. وَفِي كِتَابِ ابْنِ يُونُسَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: " وَيَلْزَمُهُ الْكِرَاءُ كُلُّهُ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ بِبَيِّنَةٍ عَلَى وَقْتِ الضَّيَاعِ " وَقَالَ غَيْرُهُ: " وَهُوَ مُصَدَّقٌ فِي الضَّيَاعِ، وَلَا يَلْزَمُهُ مِنْ الْأَجْرِ إلَّا مَا قَالَ إنَّهُ انْتَفَعَ بِهِ " وَبِهِ أَخَذَ سَحْنُونٌ قَالَ ابْنُ يُونُسَ: وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ: " أَنَّ الْأَشْيَاءَ الْمُسْتَأْجَرَةَ يُصَدَّقُ مُكْتَرِيهَا فِي ضَيَاعِهَا، وَلَا يُصَدَّقُ فِي دَفْعِ كِرَائِهَا، وَزَوَالِهِ مِنْ ذِمَّتِهِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ فَلَمَّا اجْتَمَعَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَجْرَى كُلَّ أَصْلٍ عَلَى بَابِهِ فَرَفَعَ عَنْهُ الضَّمَانَ، وَأَغْرَمَهُ الْكِرَاءَ إلَّا أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً مِمَّا يُوجِبُ دَفْعَ الْكِرَاءِ عَنْهُ وَوَجْهُ قَوْلِ سَحْنُونٍ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ لَمَّا صَدَّقَهُ فِي الضَّيَاعِ كَانَ ذَلِكَ كَقِيَامِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ فَوَجَبَ أَنْ يَسْقُطَ عَنْهُ الْكِرَاءُ لِأَنَّ مَا يَجِبُ لَهُ الْكِرَاءُ قَدْ ذَهَبَ فَبِأَيِّ شَيْءٍ يَكُونُ لَهُ الْكِرَاءُ، وَهُوَ الصَّوَابُ إنْ شَاءَ اللَّهُ. اهـ. وَالْمُكْتَرِي إنْ مَاتَ لَمْ يَحِنْ كِرَا ... وَاسْتُؤْنِفَ الْكِرَاءُ كَيْفَ قُدِّرَا حَيْثُ أَبَى الْوُرَّاثُ إتْمَامَ الْأَمَدْ ... وَاسْتَوْجَبُوا أَخْذَ الْمَزِيدِ فِي الْعَدَدْ وَالنَّقْصُ بَيْنَ الْعَدَدَيْنِ إنْ وُجِدْ ... لَهُ وَفَاءٌ مِنْ تُرَاثِ مَنْ فُقِدْ يَعْنِي: أَنَّ مَنْ يَكْتَرِي دَارًا أَوْ غَيْرَهَا لِمُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ بِأُجْرَةٍ مُنَجَّمَةٍ، فَسَكَنَ بَعْضَ الْمُدَّةِ ثُمَّ مَاتَ يَعْنِي أَوْ أَفْلَسَ؛ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ عَلَيْهِ كِرَاءُ مَا لَمْ يَسْكُنْ، وَلَا يَحِلُّ عَلَيْهِ إلَّا كِرَاءُ مَا سَكَنَ، وَمَا بَقِيَ مِنْ الْمُدَّةِ إنْ أَرَادَ الْوَرَثَةُ فِي الْمَوْتِ أَنْ يَلْتَزِمُوا كِرَاءً فِي أَمْوَالِهِمْ؛ فَلَهُمْ ذَلِكَ، وَهَذَا يُؤْخَذُ مِنْ مَفْهُومِ قَوْلِهِ: حَيْثُ أَبَى الْوُرَّاثُ إتْمَامَ الْأَمَدْ إذْ مَفْهُومُهُ أَنَّهُمْ إنْ أَرَادُوا إتْمَامَ الْمُدَّةِ فَلَهُمْ ذَلِكَ، وَيَنْزِلُ الْوَرَثَةُ مَنْزِلَتَهُ لِأَنَّ مَنْ مَاتَ عَنْ حَقٍّ فَلِوَرَثَتِهِ وَإِنْ لَمْ يُرِيدُوا ذَلِكَ فَلِرَبِّ الدَّارِ كِرَاؤُهَا لِمَا بَقِيَ مِنْ الْمُدَّةِ الْمَضْرُوبَةِ مَعَ الْمَيِّتِ بِمَا قَدَرَ عَلَيْهِ مِنْ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: وَاسْتُؤْنِفَ الْكِرَاءُ كَيْفَ قُدِّرَا فَإِنْ كَانَتْ فِيهِ زِيَادَةٌ فَلِلْوَرَثَةِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: وَاسْتَوْجَبُوا أَخْذَ الْمَزِيدِ فِي الْعَدَدْ وَإِنْ نَقَصَ ذَلِكَ عَنْ الْكِرَاءِ الَّذِي أَكْرَاهَا بِهِ الْمَيِّتُ وُقِفَ مِنْ تَرِكَتِهِ قَدْرُ النُّقْصَانِ، وَدُفِعَ لِلْمُكْرِي الْكِرَاءُ عِنْدَ وُجُوبِهِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: " وَالنَّقْصُ بَيْنَ الْعَدَدَيْنِ " (الْبَيْتَ) . وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ " إنْ وُجِدَ لَهُ وَفَاءٌ ": أَنَّهُ إنْ لَمْ يُوجَدْ

لَهُ فِي التَّرِكَةِ وَفَاءٌ فَإِنَّ مُصِيبَتَهُ مِنْ الْمُكْرِي لِعَدَمِ مَنْ يَرْجِعُ بِهِ عَلَيْهِ، وَخَرَابِ ذِمَّةِ الْهَالِكِ فَقَوْلُهُ: " لَمْ يَحِنْ " بِالنُّونِ بِمَعْنَى: لَمْ يَحِلَّ بِاللَّامِ، وَعُدِلَ لِلنُّونِ لِلْوَزْنِ لِأَنَّ لَامَ لَمْ يَحِلَّ مُشَدَّدَةٌ فَيَنْكَسِرُ الْوَزْنُ بِشَدِّهَا، وَهُوَ جَوَابُ الشَّرْطِ قَبْلَهُ " وَحَيْثُ " يَتَعَلَّقُ " بِاسْتُؤْنِفَ " " وَوَفَاءٌ " نَائِبُ فَاعِلِ " وُجِدْ " " وَمِنْ تُرَاثِ " أَيْ مَالِ خَبَرُ " النَّقْصُ ". وَمَعْنَى " فُقِدْ " مَاتَ، وَنَقَلَ الشَّارِحُ الْمَسْأَلَةَ عَنْ نَوَازِلِ ابْنِ رُشْدٍ وَاخْتَصَرَهَا الْمَوَّاقُ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ فِي التَّفْلِيسِ: " وَأَخَذَ الْمُكْرِي دَابَّتَهُ وَأَرْضَهُ " بِلَفْظِ الَّذِي أَفْتَى بِهِ ابْنُ رُشْدٍ فِي نَوَازِلِهِ أَنَّ مَنْ اكْتَرَى دَارًا لِسِنِينَ مَعْلُومَةٍ بِنُجُومٍ، فَمَاتَ أَوْ فُلِّسَ فَالْأَصَحُّ فِي النَّظَرِ أَنَّهَا لَا تَحِلُّ بِمَوْتِهِ وَلَا بِتَفْلِيسِهِ إذْ لَا يَحِلُّ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَقْبِضْ بَعْدُ عِوَضَهُ، وَهَذَا أَصْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ لِأَنَّهُ لَا يَرَى قَبْضَ الدَّارِ لِلسُّكْنَى قَبْضًا لِلسُّكْنَى فَيَأْتِي عَلَى مَذْهَبِهِ أَنَّ الْكِرَاءَ لَا يَحِلُّ بِمَوْتِهِ وَيُتَنَزَّلُ الْوَرَثَةُ مَنْزِلَتَهُ. اهـ وَنَقَلَ الشَّارِحُ عَنْ نَوَازِلِ ابْنِ رُشْدٍ أَيْضًا " وَاَلَّذِي يُوجِبُهُ الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ إنْ لَمْ يُرِدْ الْوَرَثَةُ أَنْ يَلْتَزِمُوا الْكِرَاءَ فِي أَمْوَالِهِمْ أَنْ يُكْرِيَ ذَلِكَ لِمَا بَقِيَ فِي الْمُدَّةِ فَإِنْ نَقَصَ ذَلِكَ عَنْ الْكِرَاءِ الَّذِي اكْتَرَاهَا بِهِ الْمَيِّتُ وُقِفَ مِنْ تَرِكَتِهِ قَدْرُ النُّقْصَانِ وَأَدَّى إلَى الْمُكْرِي الْكِرَاءَ عِنْدَ وُجُوبِهِ عَامًا بَعْدَ عَامٍ " اهـ. وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِ ابْنِ رُشْدٍ إذْ لَا يَحِلُّ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَقْبِضْ بَعْدُ عِوَضَهُ أَنْ كَيْفِيَّةَ صُورَةِ الْمَسْأَلَةِ مَنْ اكْتَرَى دَارًا مَثَلًا لِعَامٍ فَسَكَنَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ مَثَلًا، ثُمَّ مَاتَ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَحِلُّ عَلَيْهِ كِرَاءُ السِّتَّةِ الْأَشْهُرِ الَّتِي سَكَنَ دُونَ كِرَاءِ مَا لَمْ يَسْكُنْ، وَإِذَا اكْتَرَى وَمَاتَ قَبْلَ السُّكْنَى لَمْ يَحِلَّ عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَهَذَا عَلَى أَنَّ قَبْضَ الْأَوَائِلِ لَيْسَ قَبْضًا لِلْأَوَاخِرِ، وَعَلَى هَذَا إذَا كَانَ عَلَى الْمُكْتَرِي دُيُونٌ فَإِنَّ رَبَّ الدَّارِ إنَّمَا يُحَاصِصُ الْغُرَمَاءَ بِكِرَاءِ مَا سَكَنَ الْمُكْتَرِي فَقَطْ وَيَأْخُذُ دَارِهِ، وَأَمَّا عَلَى أَنَّ قَبْضَ الْأَوَائِلِ قَبْضٌ لِلْأَوَاخِرِ فَإِنَّ رَبَّ الدَّارِ يُحَاصِصُ غُرَمَاءَ الْمُكْتَرِي بِمَا سَكَنَ، وَمَا لَمْ يَسْكُنْ أَيْ بِكِرَاءِ جَمِيعِ السَّنَةِ فِي الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ فَالْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ فِي كِرَاءِ مَا لَمْ يَسْكُنْهُ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ فِي الْمُخْتَصَرِ " بِلَوْ " فِي قَوْلِهِ: " وَحَلَّ بِهِ وَبِالْمَوْتِ مَا أُجِّلَ " وَلَوْ دَيْنَ كِرَاءٍ وَأَمَّا كِرَاءُ مَا سَكَنَهُ فَيَحِلُّ قَوْلًا وَاحِدًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَعَلَى هَذَا فَلَا يَصِلُ حَمْلُ كَلَامِ الْمُخْتَصَرِ عَلَى مَنْ اكْتَرَى دَارًا شَهْرًا مَثَلًا عَلَى أَنْ يَدْفَعَ كِرَاءَهُ بَعْدَ شَهْرَيْنِ فَمَاتَ فِي الشَّهْرِ الثَّانِي فَإِنَّ كِرَاءَ الشَّهْرِ الْمَاضِي يَحِلُّ اتِّفَاقًا. وَانْظُرْ لَفْظَ الْمُقَدِّمَاتِ الَّذِي نَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ أَوْ بَابِ التَّفْلِيسِ " وَالْمَوْتُ كَالْفَلَسِ ". (فَرْعٌ) مَنْ أَكْرَى دَارِهِ لِمُدَّةٍ، ثُمَّ بَاعَهَا قَبْلَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْكِرَاءِ بِثَمَنٍ لِأَجَلٍ، وَاشْتَرَطَ الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي ذَلِكَ، أَوْ بَاعَ دَارِهِ، وَاسْتَثْنَى سُكْنَاهَا مُدَّةً يَجُوزُ لَهُ اسْتِثْنَاؤُهَا فَمَاتَ الْمُشْتَرِي قَبْلَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْكِرَاءِ أَوْ الِاسْتِثْنَاءِ (قَالَ الشَّارِحُ) : " فَمُقْتَضَى قَوْلِ ابْنِ رُشْدٍ السَّابِقِ أَنَّ الْمُفْلِسَ أَوْ الْمَيِّتَ لَا يَحِلُّ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَقْبِضْ عِوَضَهُ وَأَنَّ الْمُشْتَرِيَ هُنَا لَا يَحِلُّ عَلَيْهِ ثَمَنُ الدَّارِ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْهَا بَعْدُ ". (فَرْعٌ) اُنْظُرْ إذَا نَقَدَ الْمُكْتَرِي كِرَاءَ الدَّارِ لِلْمُدَّةِ الَّتِي اكْتَرَاهَا لَهَا، ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ انْقِضَائِهَا فَهَلْ يَكُونُ لِلْوَرَثَةِ أَنْ يَسْتَرْجِعُوا مَا نَقَدَ وَيُسَلِّمُوا الدَّارَ لِلْكِرَاءِ عَلَى نَحْوِ مَا تَقَدَّمَ لِابْنِ رُشْدٍ لِأَنَّ مُوَرِّثَهُمْ لَمْ يَقْبِضْ بَعْدُ عِوَضَهُ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَيْ

فَلَا يَحِلُّ بِمَوْتِهِ مِنْ الْكِرَاءِ إلَّا قَدْرُ مَا سَكَنَ، وَإِذَا لَمْ يَحِلَّ فَلَهُمْ اسْتِرْجَاعُهُ. وَفِي امْرِئٍ مُمَتَّعٍ فِي الْمَالِ ... يَمُوتُ قَبْلَ وَقْتِ الِاسْتِغْلَالِ وَقَامَتْ الزَّوْجَةُ تَطْلُبُ الْكِرَا ... قَوْلَانِ وَالْفَرْقُ لِمَنْ تَأَخَّرَا وَحَالَةُ الْمَنْعِ هِيَ الْمُسْتَوْضَحَهْ ... وَشَيْخُنَا أَبُو سَعِيدٍ رَجَّحَهْ وَشَيْخُهُ مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرِ ... إلَى الْوَفَاةِ مَالَ عِنْدَ النَّظَرِ فَإِنْ تَكُنْ وَالِازْدِرَاعُ قَدْ مَضَى ... إبَّانُهُ فَلَا كِرَاءَ يُقْتَضَى وَإِنْ تَكُنْ وَوَقْتُ الِازْدِرَاعِ ... بَاقٍ فَمَا الْكِرَاءُ ذُو امْتِنَاعِ وَفِي الطَّلَاقِ زَرْعُهُ لِلزَّارِعِ ... ثُمَّ الْكِرَاءُ مَا لَهُ مِنْ مَانِعِ وَخُيِّرَتْ فِي الْحَرْثِ فِي إعْطَاءِ ... قِيمَتِهِ وَالْأَخْذِ لِلْكِرَاءِ وَحَيْثُمَا الزَّوْجَةُ مَاتَتْ فَالْكِرَا ... عَلَى الْأَصَحِّ لَازِمٌ مَنْ عَمَّرَا بِقَدْرِ مَا بَقِيَ لِلْحَصَادِ ... مِنْ بَعْدِ رَعْيِ حَظِّهِ الْمُعْتَادِ وَإِنْ تَقَعْ وَقَدْ تَنَاهَى الْفُرْقَهْ ... فَالزَّوْجُ دُونَ شَيْءٍ اسْتَحَقَّهْ وَنُزِّلَ الْوَارِثُ فِي التَّأْنِيثِ ... وَعَكْسِهِ مَنْزِلَةَ الْمَوْرُوثِ الْإِمْتَاعُ هُوَ هِبَةُ الزَّوْجَةِ أَوْ أَبِيهَا لِلزَّوْجِ سُكْنَى دَارِهَا، أَوْ اسْتِغْلَالَ أَرْضِهَا مُدَّةَ الزَّوْجِيَّةِ بَيْنَهَا وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ إنْ كَانَ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ فَالنِّكَاحُ فَاسِدٌ، وَإِنْ كَانَ تَطَوُّعًا بَعْدَ الْعَقْدِ لَمْ يُمْنَعْ، وَكَأَنَّ الْمَرْأَةَ أَعْطَتْ زَوْجَهَا شَيْئًا مِنْ مَالِهَا وَذَلِكَ جَائِزٌ بِشَرْطِ أَنْ لَا تَنْعَقِدَ عَلَيْهِ الْقُلُوبُ حِينَ الْعَقْدِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْإِمْتَاعَ، وَالْعُمْرَى بِالنِّسْبَةِ لِلْمَوْتِ، وَالطَّلَاقِ مُتَسَاوِيَانِ لِأَنَّهُمَا بَابٌ وَاحِدٌ وَهُوَ: هِبَةُ الْمَنْفَعَةِ مُدَّةً مَجْهُولَةً تَنْتَهِي بِوُقُوعِ أَمْرٍ مَجْهُولِ الْوَقْتِ، وَالْأَصْلُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ صَاحِبِهِ وَإِلَيْهِ تَرْجِعُ الْمَنْفَعَةُ وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ فِي مُخْتَصَرِ الْمُدَوَّنَةِ فِي الْعُمْرَى أَنْ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَسْكُنَهُ عُمْرَهُ، أَوْ يَسْكُنَهُ حَيَاةَ فُلَانٍ، أَوْ إلَى قُدُومِ فُلَانٍ لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ مَجْهُولٌ فَمَا وَجَبَ فِي أَحَدِ هَذِهِ الْوُجُوهِ وَجَبَ فِي بَقِيَّتِهَا، (وَقَالَ ابْنُ عَتَّابٍ) فِي الْعُمْرَى: " قَدْ تَكُونُ بِغَيْرِ لَفْظِهَا مِنْ الْإِسْكَانِ أَوْ الْإِمْتَاعِ " اهـ. وَتَكَلَّمَ النَّاظِمُ هُنَا عَلَى مَا إذَا أَمْتَعَتْهُ اسْتِغْلَالَ أَرْضِهَا، ثُمَّ مَاتَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ، أَوْ طَلُقَتْ الْمَرْأَةُ بَعْدَ الْحَرْثِ، وَقَبْلَ رَفْعِ الْغَلَّةِ هَلْ يَلْزَمُ كِرَاءُ الْأَيَّامِ الَّتِي بَيْنَ الْمَوْتِ أَوْ الطَّلَاقِ وَنَضُوضِ الْغَلَّةِ؟ لِأَنَّهُ إنْ مَاتَ الزَّوْجُ انْتَقَلَتْ الْغَلَّةُ لِوَرَثَتِهِ، وَهِيَ لَمْ تُمْتِعْهُمْ، وَإِنْ مَاتَتْ هِيَ فَقَدْ انْتَقَلَتْ الْأَرْضُ لِوَرَثَتِهَا، وَهُمْ لَمْ يُمْتِعُوهُ وَإِنْ طَلُقَتْ فَقَدْ زَالَ وَجْهُ الْإِمْتَاعِ الَّذِي هُوَ تَحْسِينُ الْعِشْرَةِ فَإِذَا مَاتَ الزَّوْجُ وَقَدْ كَانَ حَرَثَ الْأَرْضَ فَطَلَبَتْ الزَّوْجَةُ كِرَاءَ أَرْضِهَا مِنْ مَوْتِهِ لِنَضُوضِ الْغَلَّةِ فَثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ. (أَحَدُهَا) لَا كِرَاءَ لَهَا وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ فِي الْعُمْرَى وَرَجَّحَهُ الْأُسْتَاذُ أَبُو سَعِيدِ بْنُ لُبٍّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُنَا وَاسْتَظْهَرَهُ النَّاظِمُ وَإِلَى تَرْجِيحِ هَذَا الْقَوْلِ، وَاسْتِظْهَارِهِ أَشَارَ النَّاظِمُ بِقَوْلِهِ: وَحَالَةُ الْمَنْعِ هِيَ الْمُسْتَوْضِحَهْ ... وَشَيْخُنَا أَبُو سَعِيدٍ رَجَّحَهْ (الْقَوْلُ الثَّانِي) : أَنَّ لَهَا كِرَاءَ تِلْكَ الْمُدَّةِ، وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ حَكَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْهُ قَالَ الشَّارِحُ وَوَجْهُهُ ظَاهِرٌ، وَإِلَى هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ أَشَارَ النَّاظِمُ بِقَوْلِهِ: وَفِي امْرِئٍ مُمَتَّعٍ فِي الْمَالِ إلَى قَوْلِهِ قَوْلَانِ (الْقَوْلُ الثَّالِثُ) لِبَعْضِ مَنْ تَأَخَّرَ بِالْفَرْقِ بَيْنَ أَنْ يَمُوتَ وَقَدْ مَضَى إبَّانُ الزِّرَاعَةِ فَلَا كِرَاءَ لَهَا، وَإِنْ كَانَ بَاقِيًا فَلَهَا الْكِرَاءُ وَبِهِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَإِلَى هَذَا الْقَوْلِ، وَنِسْبَتِهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ وَالْفَرْقُ لِمَنْ تَأَخَّرَا، ثُمَّ فَسَّرَ هَذَا الْفَرْقَ بِقَوْلِهِ فَإِنْ تَكُنْ وَالِازْدِرَاعُ قَدْ مَضَى الْبَيْتَيْنِ، وَذَكَرَ قَبْلَهُمَا: أَنَّ شَيْخَ ابْنَ لُبٍّ مُحَمَّدَ بْنَ بَكْرٍ بِفَتْحِ الْبَاءِ، وَالْكَافُ مُشَدَّدَةٌ اخْتَارَ هَذَا الْقَوْلَ وَاسْتَمَرَّ عَلَى اخْتِيَارِهِ إلَى الْمَوْتِ وَلَمْ يَتَغَيَّرْ اجْتِهَادُهُ فِيهِ وَأَمَّا إذَا طَلَّقَ الزَّوْجَةَ فَإِنَّ الزَّرْعَ لِزُرَّاعِهِ وَالْكِرَاءَ يَجِبُ عَلَيْهِ إلَى تَمَامِ غَلَّتِهِ الَّتِي تَكُونُ فِي أَرْضِهَا لِأَنَّ الْمُتْعَةَ فِي مُقَابَلَةِ تَحْسِينِ الْعِشْرَةِ، وَلَيْسَ بَعْدَ الطَّلَاقِ

عِشْرَةٌ يُصَانَعُ عَلَى تَحْسِينِهَا، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ: وَفِي الطَّلَاقِ زَرْعُهُ لِلزَّارِعِ ... ثُمَّ الْكِرَاءُ مَا لَهُ مِنْ مَانِعِ (قَالَ ابْنُ سَلْمُونٍ) : وَإِنْ طَلَّقَهَا بَعْدَ زَرْعِ أَرْضٍ فَالزَّرْعُ لَهُ وَيَلْزَمُهُ مِنْ كِرَاءِ الْعَامِ بِقَدْرِ مَا بَيْنَ وَقْتِ الطَّلَاقِ وَبَيْنَ وَقْتِ الْحَصَادِ تُنْسَبُ تِلْكَ الْمُدَّةُ مِنْ الْعَامِ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ الْكِرَاءُ عَلَى قَدْرِ تِلْكَ النِّسْبَةِ اهـ. وَفِيهِ تَحْرِيرٌ لِبَيَانِ الْقَدْرِ اللَّازِمِ لِلزَّوْجِ مِنْ الْكِرَاءِ، وَلَيْسَ هُوَ فِي كَلَامِ النَّاظِمِ وَأَمَّا إذَا حَرَثَ الْأَرْضَ أَيْ قَلَّبَهَا وَلَمْ يَزْرَعْهَا فَالزَّوْجَةُ مُخَيَّرَةٌ فِي إعْطَاءِ قِيمَةِ الْحَرْثِ، وَالِاسْتِمْسَاكِ بِمَنْفَعَةِ أَرْضِهَا، أَوْ تَسْلِيمِهَا بِحَرْثِهَا، وَأَخْذِ الْكِرَاءِ مِنْهُ. وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ: وَخُيِّرَتْ فِي الْحَرْثِ فِي إعْطَاءِ ... قِيمَتِهِ وَالْأَخْذِ لِلْكِرَاءِ فَهُوَ كَقَوْلِ ابْنِ سَلْمُونٍ: فَإِنْ كَانَ الْإِمْتَاعُ فِي أَرْضٍ فَطَلَّقَ الزَّوْجَةَ بَعْدَ الْحَرْثِ وَقَبْلَ الزِّرَاعَةِ فَالزَّوْجَةُ مُخَيَّرَةٌ بَيْنَ إعْطَائِهِ قِيمَةَ حَرْثِهِ وَأَخْذِ أَرْضِهَا، وَبَيْنَ تَرْكِهَا بِيَدِهِ وَأَخْذِ كِرَائِهَا اهـ. هَذَا حُكْمُ مَوْتِ الزَّوْجِ أَوْ طَلَاقِهِ، وَأَمَّا إذَا مَاتَتْ الزَّوْجَةُ الَّتِي أَمْتَعَتْ فِي مَالِهَا، وَقَدْ بَقِيَ لِنَضُوضِ الْغَلَّةِ أَمَدٌ فَإِنَّ الْكِرَاءَ يَجِبُ فِي ذَلِكَ الْأَمَدِ الْبَاقِي لِتَنَاهِي غَلَّتِهِ عَلَى الزَّوْجِ الْمُعْمِرِ لِلْأَرْضِ بَعْدَ أَنْ يَقْتَطِعَ لَهُمْ مَا يَنُوبُهُ فِي مِيرَاثِهِ مِنْ ذَلِكَ مِنْ رُبُعٍ أَوْ نِصْفٍ، وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: وَحَيْثُمَا الزَّوْجَةُ مَاتَتْ فَالْكِرَا الْبَيْتَيْنِ وَإِلَى مُحَاسَبَةِ الزَّوْجِ وَرَثَةَ الْمَرْأَةِ بِمَا يَرِثُ مِنْ الْكِرَاءِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ مِنْ بَعْدِ رَعْيِ حَظِّهِ الْمُعْتَادِ (قَالَ الشَّارِحُ) : " وَهَذِهِ عَكْسُ الصُّورَةِ الَّتِي سَبَقَتْ فِي مَوْتِ الزَّوْجِ الْمُمْتَعِ " وَمِنْ هُنَا يَظْهَرُ أَنَّ مَنْ أَوْجَبَ الْكِرَاءَ هُنَالِكَ يُطَّرَدُ قَوْلُهُ هُنَا لِأَنَّ الْمَالَ قَدْ انْتَقَلَ مِلْكُهُ هُنَا لِوَرَثَةِ الْمَرْأَةِ كَمَا انْتَقَلَ هُنَالِكَ لِوَرَثَةِ الرَّجُلِ، وَأَنَّ مَا رَجَّحَهُ الْأُسْتَاذُ أَبُو سَعِيدِ بْنُ لُبٍّ هُنَالِكَ لَا يَخْلُو مِنْ بَحْثٍ. اهـ وَقَدْ صَرَّحَ ابْنُ سَلْمُونٍ كَمَا نَقَلَهُ الشَّارِحُ: أَنَّ الْأَقْوَالَ الثَّلَاثَةَ الَّتِي فِي مَوْتِ الزَّوْجِ جَارِيَةٌ فِي مَسْأَلَةِ مَوْتِ الزَّوْجَةِ وَلَفْظُهُ: وَإِنْ كَانَ انْقِضَاءُ الزَّوْجِيَّةِ بِمَوْتِ الزَّوْجَةِ فَيَلْزَمُهُ مِنْ الْكِرَاءِ عَلَى قَدْرِ تِلْكَ النِّسْبَةِ لَكِنْ يَسْقُطُ عَنْهُ مِقْدَارُ حَظِّهِ إذْ هُوَ مِنْ الْوَرَثَةِ، وَيُؤْخَذُ بِالْكِرَاءِ عَلَى النِّسْبَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي حُظُوظِ الْوَرَثَةِ لَا غَيْرُ هَذَا الْقَوْلُ الْجَارِي عَلَى الْقِيَاسِ، وَقَدْ قِيلَ: إنَّ الزَّرْعَ لِلزَّوْجِ وَلَا كِرَاءَ عَلَيْهِ حَمْلًا عَلَى مَا قِيلَ فِي الْحَبْسِ وَالْعُمْرَى، وَقَدْ قِيلَ: إنْ كَانَ إبَّانُ الزِّرَاعَةِ بَاقِيًا فَعَلَيْهِ كِرَاءُ الْأَرْضِ كَامِلًا، وَإِنْ كَانَ قَدْ فَاتَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ حَمْلًا عَلَى الِاسْتِحْقَاقِ. اهـ وَلَعَلَّ النَّاظِمَ لَمَّا رَأَى الْأَقْوَالَ الثَّلَاثَةَ فِي مَوْتِ الزَّوْجِ، وَطَلَاقِهِ مَعًا حَكَاهَا فِي مَوْتِ الزَّوْجِ وَأَشَارَ لَهَا فِي مَوْتِ الزَّوْجَةِ بِالْأَصَحِّ، وَمُقَابِلُهُ قَوْلَانِ: عَدَمُ لُزُومِ الْكِرَاءِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ أَنْ يَمُرَّ زَمَنُ الْحَدَثِ أَوْ لَا كَمَا تَقَدَّمَ ثُمَّ صَرَّحَ بِمَفْهُومِ قَوْلِهِ فِي الطَّلَاقِ: " ثُمَّ الْكِرَاءُ مَا لَهُ مِنْ مَانِعِ " إذْ مَفْهُومُهُ أَنَّهُ بَقِيَ لِلْحَصَادِ مُدَّةٌ تَسْتَحِقُّ كِرَاءً بِمَفْهُومِ قَوْلِهِ فِي مَوْتِ الزَّوْجَةِ: " بِقَدْرِ مَا بَقِيَ لِلْحَصَادِ " أَنَّهُ إذَا طَلَّقَهَا، أَوْ مَاتَتْ بَعْدَ تَنَاهِي الطِّيبِ فَالزَّرْعُ لِلزَّوْجِ، وَلَا كِرَاءَ عَلَيْهِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: وَإِنْ تَقَعْ وَقَدْ تَنَاهَى الْفُرْقَهْ (الْبَيْتَ) . وَالْفُرْقَةُ أَيْ بِالطَّلَاقِ أَوْ مَوْتِ الزَّوْجَةِ فَاعِلُ " تَقَعْ "، وَجُمْلَةُ " وَقَدْ تَنَاهَى " حَالِيَّةٌ وَقَوْلُهُ فَالزَّوْجُ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرُهُ جُمْلَةُ اسْتَحَقَّهُ أَيْ الزَّرْعَ وَدُونَ شَيْءٍ أَيْ مِنْ غَيْرِ كِرَاءٍ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَرْجِعَ قَوْلُهُ: " وَإِنْ تَقَعْ الْفِرْقَة إلَخْ. " حَتَّى لِمَفْهُومِ قَوْلِهِ فِي مَوْتِ الزَّوْجِ: " يَمُوتُ قَبْلَ وَقْتِ الِاسْتِغْلَالِ " وَيَكُونُ مَعْنَى قَوْلِهِ فَالزَّوْجُ دُونَ شَيْءٍ اسْتَحَقَّهْ يَعْنِي إنْ كَانَ حَيًّا، وَذَلِكَ حَيْثُ يُطَلِّقُ، أَوْ تَمُوتُ الزَّوْجَةُ. وَلِوَرَثَتِهِ إنْ مَاتَ قَبْلَ وَقْتِ الِاسْتِغْلَالِ. وَهَذَا الِاحْتِمَالُ هُوَ الظَّاهِرُ أَوْ الْمُتَعَيَّنُ فَهُوَ كَقَوْلِ ابْنِ سَلْمُونٍ: " وَإِنْ انْقَضَتْ الزَّوْجِيَّةُ بَعْدَ الْحَصَادِ فَلَا خَفَاءَ أَنَّ ذَلِكَ لِلزَّوْجِ أَوْ لِوَرَثَتِهِ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ يَلْزَمُهُ. اهـ وَالْمُرَادُ بِالتَّنَاهِي الْيُبْسُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فَيَكُونُ الْحَصَادُ أَحْرَوِيًّا فِي عَدَمِ لُزُومِ الْكِرَاءِ وَقَوْلُهُ: وَنُزِّلَ الْوَارِثُ فِي التَّأْنِيثِ ... وَعَكْسِهِ مَنْزِلَةَ الْمَوْرُوثِ هُوَ كَقَوْلِ ابْنِ سَلْمُونٍ: وَحُكْمُ وَرَثَةِ مَنْ مَاتَ مِنْهُمَا حُكْمُ مَوْرُوثِهِ إنْ كَانَ انْقِضَاءُ الزَّوْجِيَّةِ بَيْنَهُمَا بِالْمَوْتِ. اهـ يَعْنِي: إذَا مَاتَ الزَّوْجُ فَوَرَثَتُهُ هُمْ الْمُطَالَبُونَ بِدَفْعِ الْكِرَاءِ لِلزَّوْجَةِ، وَإِنْ مَاتَتْ الزَّوْجَةُ فَوَرَثَتُهَا هُمْ الطَّالِبُونَ لِقَبْضِ الْكِرَاءِ مِنْ الزَّوْجِ، وَيَعْنِي بِالتَّأْنِيثِ " مَوْتَ الزَّوْجَةِ وَبِعَكْسِهِ مَوْتَ

فصل في اختلاف المكري والمكتري

الزَّوْجِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. فَإِنْ كَانَ هَذَا مُرَادَهُ فَالْبَيْتُ قَلِيلُ الْجَدْوَى لِأَنَّ هَذَا الْحُكْمَ لَا يَخْتَصُّ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ: إذَا مَاتَ الزَّوْجُ، ثُمَّ مَاتَتْ الزَّوْجَةُ، أَوْ مَاتَتْ الزَّوْجَةُ أَوَّلًا ثُمَّ مَاتَ الزَّوْجُ فَإِنَّ لِوَرَثَتِهَا فِي الْوَجْهَيْنِ مُطَالَبَةَ وَرَثَةِ الزَّوْجِ بِالْكِرَاءِ، وَكَذَا إنْ طَلَّقَهَا ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمَا؛ فَإِنَّ وَرَثَةَ الْمَيِّتِ مِنْهُمَا يَتَنَزَّلُونَ مَنْزِلَةَ مَوْرُوثِهِمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَقَدْ تَلَخَّصَ مِنْ كَلَامِ النَّاظِمِ أَنَّهُ اشْتَمَلَ عَلَى خَمْسِ مَسَائِلَ. (الْأُولَى) : إذَا مَاتَ الزَّوْجُ فَطَلَبَتْ الْمَرْأَةُ كِرَاءَ الْمُدَّةِ الْبَاقِيَةِ لِلْحَصَادِ، وَحَكَى فِيهَا ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ. (الثَّانِيَةُ:) إذَا طَلَّقَ فَطَالَبَتْهُ الزَّوْجَةُ بِذَلِكَ وَذَكَرَ أَنَّهُ يُقْضَى لَهَا بِهِ. (الثَّالِثَةُ) : إذَا حَرَثَ الْأَرْضَ أَيْ قَلَّبَهَا، وَلَمْ يَزْرَعْهَا ثُمَّ طَلَّقَ، وَذَكَرَ أَنَّهَا مُخَيَّرَةٌ. (الرَّابِعَةُ) : إذَا مَاتَتْ الزَّوْجَةُ، فَطَلَبَ وَرَثَتُهَا الْكِرَاءَ وَفِيهَا الْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ الَّتِي فِي مَوْتِ الزَّوْجِ حَكَى النَّاظِمُ مِنْهَا قَوْلَيْنِ الْأَصَحَّ وَمُقَابِلَهُ. هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَتْ الْفُرْقَةُ قَبْلَ الطَّلَبِ فَإِنْ كَانَتْ بَعْدَهُ فَلَا كِرَاءَ. (الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ) : أَنَّ وَرَثَةَ كُلٍّ مِنْ الزَّوْجَيْنِ يَتَنَزَّلُونَ مَنْزِلَتَهُ. (تَنْبِيهٌ) تَكَلَّمَ النَّاظِمُ عَلَى مَا إذَا كَانَ الْإِمْتَاعُ فِي أَرْضٍ، وَقَدْ اسْتَطْرَدَ الشَّارِحُ هُنَا نَاقِلًا مِنْ ابْنِ سَلْمُونٍ الْكَلَامَ عَلَى الْإِمْتَاعِ فِي كَرْمٍ، أَوْ ثَمَرَةٍ، فَانْقَضَتْ الزَّوْجِيَّةُ بِمَوْتٍ، أَوْ طَلَاقٍ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ، أَوْ بَعْدَهُ فَرَاجِعْهُ إنْ شِئْت، وَكَذَا اسْتَطْرَدَ الْكَلَامَ عَلَى حُكْمِ الْعُمْرَى فِي الْأَرْضِ إذَا مَاتَ الْمُعْمَرُ بِالْفَتْحِ، وَقَدْ حَرَثَ الْأَرْضَ الَّتِي أُعْمِرَهَا أَوْ زَرَعَهَا، وَعَلَى حُكْمِ الْعُمْرَى فِي الْأَشْجَارِ إذَا مَاتَ الْمُعْمَرُ فَانْظُرْ إنْ شِئْت. [فَصْلٌ فِي اخْتِلَافِ الْمُكْرِي وَالْمُكْتَرِي] الْقَوْلُ لِلْمُكْرِي مَعَ الْحَلْفِ اُعْتُمِدْ ... فِي مُدَّةِ الْكِرَاءِ حَيْثُ يَنْتَقِدْ وَمَعَ سُكْنَى مُكْتَرٍ وَمَا نَقَدْ ... تَحَالَفَا، وَالْفَسْخُ فِي بَاقِي الْأَمَدْ ثُمَّ يُؤَدِّي مَا عَلَيْهِ حَلَفَا ... فِي أَمَدِ السُّكْنَى الَّذِي قَدْ سَلَفَا وَإِنْ يَكُونَا قَبْلَ سُكْنَى اخْتَلَفَا ... فَالْفَسْخُ مَهْمَا نَكَلَا أَوْ حَلَفَا وَالْقَوْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُ الْحَالِفِ ... فِي لَاحِقِ الزَّمَانِ أَوْ فِي السَّالِفِ ذَكَرَ فِي هَذَا الْفَصْلِ اخْتِلَافَ الْمُكْرِي وَالْمُكْتَرِي فِي أَحَدِ أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ: إمَّا فِي قَدْرِ الْمُدَّةِ، وَعَلَيْهِ تَكَلَّمَ فِي هَذِهِ الْأَبْيَاتِ الْخَمْسَةِ، أَوْ فِي قَبْضِهِ، أَوْ فِي جِنْسِهِ فَأَخْبَرَ هُنَا أَنَّ اخْتِلَافَهُمَا فِي مُدَّةِ الْكِرَاءِ لَا يَخْلُو مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ الْمُكْرِي انْتَقَدَ الْكِرَاءَ أَيْ قَبَضَهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ سَكَنَ الْمُكْتَرِي أَوْ لَمْ يَسْكُنْ، وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِالْبَيْتِ الْأَوَّلِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنْ يَكُونَ لَمْ يَنْتَقِدْ الْكِرَاءَ وَفِيهِ وَجْهَانِ: لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَقَعَ اخْتِلَافُهُمَا بَعْدَ السُّكْنَى أَيْ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِيهَا وَالْحُكْمُ أَنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ، وَيُفْسَخُ الْكِرَاءُ فِي بَاقِي الْمُدَّةِ. وَيُؤَدِّي الْمُكْتَرِي كِرَاءَ مَا سَكَنَ مِنْ حِسَابِ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ، وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: وَمَعَ سُكْنَى مُكْتَرٍ وَمَا نَقَدْ الْبَيْتَيْنِ وَكَذَلِكَ يُفْسَخُ إذَا نَكَلَا مَعًا، وَلَمْ يَذْكُرْهُ النَّاظِمُ فِي الِاخْتِلَافِ بَعْدَ السُّكْنَى بَلْ فِي الِاخْتِلَافِ قَبْلَهَا فَإِنْ حَلَفَ أَحَدُهُمَا، وَنَكَلَ الْآخَرُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْحَالِفِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: وَالْقَوْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُ الْحَالِفِ ... فِي لَاحِقِ الزَّمَانِ أَوْ فِي السَّالِفِ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ اخْتِلَافُهُمَا قَبْلَ السُّكْنَى. وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا مِنْ كَوْنِ الْمُكْتَرِي لَمْ يَنْقُدْ الْكِرَاءَ، فَإِنَّ

الْكِرَاءَ يُفْسَخُ إذَا نَكَلَا، أَوْ حَلَفَا فَإِنْ حَلَفَ أَحَدُهُمَا، وَنَكَلَ الْآخَرُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْحَالِفِ مِنْهُمَا، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: وَإِنْ يَكُونَا قَبْلَ سُكْنَى اخْتَلَفَا ... فَالْفَسْخُ مَهْمَا نَكَلَا أَوْ حَلَفَا وَالْقَوْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُ الْحَالِفِ ... فَقَوْلُهُ فِي الْبَيْتِ الْأَخِيرِ: وَالْقَوْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُ الْحَالِفِ يَرْجِعُ لِمَسْأَلَةِ الِاخْتِلَافِ بَعْدَ السُّكْنَى لَا غَيْرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ) : وَإِذَا اخْتَلَفَا فِي مُدَّةِ الْكِرَاءِ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُكْرِي قَدْ انْتَقَدَ أَوْ لَمْ يَنْتَقِدْ فَإِنْ كَانَ انْتَقَدَ صُدِّقَ مَعَ يَمِينِهِ سَكَنَ الْمُكْتَرِي أَوْ لَمْ يَسْكُنْ، وَإِنْ لَمْ يَنْتَقِدَا فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ بِحَضْرَةِ الْكِرَاءِ وَقَبْلَ أَنْ يَسْكُنَ أَوْ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ بِحَضْرَةِ الْكِرَاءِ وَقَبْلَ السُّكْنَى تَحَالَفَا فَإِنْ حَلَفَا أَوْ نَكَلَا فُسِخَ الْكِرَاءُ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ نَكَلَ أَحَدُهُمَا وَحَلَفَ الْآخَرُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ حَلَفَ مِنْهُمَا، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ السُّكْنَى نِصْفَ السَّنَةِ تَحَالَفَا، وَفُسِخَ بَاقِي الْمُدَّةِ، وَعَلَيْهِ فِيمَا سَكَنَ بِحِسَابِ مَا أَقَرَّ بِهِ إنْ تَسَاوَتْ الشُّهُورُ فِي الْقِيمَةِ اهـ. وَفِي النَّوَادِرِ مِنْ الْوَاضِحَةِ وَيُحْمَلَانِ فِي نَقْدِ الْكِرَاءِ عَلَى عُرْفِ النَّاسِ، وَإِذَا اخْتَلَفَا فِي الْمُدَّةِ فَإِنْ انْتَقَدَ الْمُكْرِي فَهُوَ مُصَدَّقٌ مَعَ يَمِينِهِ سَكَنَ الْمُكْتَرِي أَوْ لَمْ يَسْكُنْ، وَإِنْ لَمْ يَنْتَقِدْ، وَكَانَ بِحَضْرَةِ الْكِرَاءِ، وَقَبْلَ السُّكْنَى تَحَالَفَا، وَفُسِخَ الْكِرَاءُ إذَا حَلَفَا أَوْ نَكَلَا، وَمَنْ نَكَلَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ حَلَفَ وَإِنْ اخْتَلَفَا بَعْدَ أَنْ سَكَنَ سَنَةً أَوْ بَعْضَهَا تَحَالَفَا وَفُسِخَ بَاقِي الْمُدَّةِ فِيمَا سَكَنَ بِحِسَابِ مَا أَقَرَّ بِهِ اهـ مَحَلُّ الْحَاجَةِ الْآنَ مِنْهُ. (تَنْبِيهٌ) يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِمْ فِيمَا إذَا سَكَنَ بَعْضَ الْمُدَّةِ عَلَيْهِ مِنْ الْكِرَاءِ بِحِسَابِ مَا أَقَرَّ بِهِ الَّذِي أَشَارَ لَهُ النَّاظِمُ بِقَوْلِهِ: ثُمَّ يُؤَدِّي مَا عَلَيْهِ حَلَفَا أَنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ مَثَلًا أَنَّهُ اكْتَرَى، وَدَفَعَ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا وَهَذَا لَا نِزَاعَ فِيهِ، وَالنِّزَاعُ فِي قَدْرِ الْمُدَّةِ فَقَالَ الْمُكْرِي: الْأَرْبَعُونَ لِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ لِكُلِّ شَهْرٍ وَقَالَ الْمُكْتَرِي: الْأَرْبَعُونَ لِخَمْسَةِ أَشْهُرٍ ثَمَانِيَةُ دَرَاهِمَ لِكُلِّ شَهْرٍ كَذَا هِيَ صُورَةُ مَسْأَلَةِ النَّاظِمِ وَفِيهَا: هُوَ التَّفْصِيلُ بَيْنَ أَنْ يَنْقُدَ الْمُكْتَرِي الْكِرَاءَ أَوْ لَا وَإِذَا تَحَالَفَا وَتَفَاسَخَا فَإِنَّ الْمُكْتَرِيَ يُؤَدِّي لِمَا سَكَنَ بِحِسَابِ ثَمَانِيَةِ دَرَاهِمَ لِكُلِّ شَهْرٍ فَالِاخْتِلَافُ فِي مُدَّةِ الْكِرَاءِ، وَلَكِنْ لَزِمَ مِنْهُ الِاخْتِلَافُ فِي قَدْرِ الْكِرَاءِ فَلِذَلِكَ قَالُوا يَلْزَمُهُ بِحِسَابِ مَا أَقَرَّ بِهِ، وَحَلَفَ عَلَيْهِ وَهُوَ ثَمَانِيَةٌ لِكُلِّ شَهْرٍ أَيْ لَا بِحَسَبِ دَعْوَى الْمُكْرِي، وَهُوَ عَشَرَةٌ لِكُلِّ شَهْرٍ وَلَوْ كَانَ فَرْضُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى أَنَّ لِكُلِّ شَهْرٍ كَذَا، وَاخْتَلَفَا هَلْ اكْتَرَى لِخَمْسَةِ أَشْهُرٍ أَوْ لِأَرْبَعَةٍ فَسَكَنَ شَهْرَيْنِ مَثَلًا لَقَالُوا: لَزِمَهُ لِلشَّهْرَيْنِ مَا دَخَلَا عَلَيْهِ، وَاتَّفَقَا عَلَيْهِ، وَلَمْ يَقُولُوا بِحِسَابِ مَا أَقَرَّ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. . وَإِنْ يَكُنْ فِي الْقَدْرِ قَبْلَ السُّكْنَى ... تَحَالَفَا وَالْفَسْخُ بَعْدُ سُنَّا وَإِنْ يَكُنْ مِنْ بَعْدِ سُكْنَى أَقْسَمَا ... وَفَسْخُ بَاقِي مُدَّةٍ قَدْ لَزِمَا وَحِصَّةَ السُّكْنَى يُؤَدِّي الْمُكْتَرِي ... إنْ كَانَ لَمْ يَنْقُدْ لِمَاضِي الْأَشْهُرِ وَالْقَوْلُ مِنْ بَعْدِ انْقِضَاءِ الْأَمَدِ ... لِلْمُكْتَرِي وَالْحَلْفُ إنْ لَمْ يَنْقُدْ تَكَلَّمَ هُنَا عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي قَدْرِ الْكِرَاءِ كَأَنْ يَقُولَ الْمُكْرِي: بِعَشَرَةٍ وَيَقُولَ الْمُكْتَرِي: بِثَمَانِيَةٍ وَذَكَرَ أَنَّ ذَلِكَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا أَنْ يَخْتَلِفَا قَبْلَ أَنْ يَسْكُنَ الْمُكْتَرِي وَذَكَرَ: أَنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ وَيَتَفَاسَخَانِ وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِالْبَيْتِ الْأَوَّلِ فَقَوْلُهُ آخِرَ الْبَيْتِ: " سُنَّا " أَيْ شُرِعَ الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ يَخْتَلِفَا بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي السُّكْنَى وَذَكَرَ: أَنَّهُمَا أَيْضًا يَتَحَالَفَانِ، وَيُفْسَخُ الْكِرَاءُ فِيمَا بَقِيَ مِنْ الْمُدَّةِ، وَيُؤَدِّي الْمُكْتَرِي كِرَاءَ مَا سَكَنَ مِنْ حِسَابِ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ إذَا كَانَ لَمْ يَنْقُدْ لِمَاضِي الْمُدَّةِ وَأَمَّا إنْ كَانَ قَدْ نَقَدَ لَهَا قَدْرًا مَعْلُومًا فَالْقَوْلُ: قَوْلُ الْمُكْرِي إذَا ادَّعَاهُ وَإِلَى حُكْمِ هَذَا الْوَجْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: وَإِنْ يَكُنْ مِنْ بَعْدِ سُكْنَى أَقْسَمَا الْبَيْتَيْنِ، الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنْ يَخْتَلِفَا بَعْدَ انْقِضَاءِ أَمَدِ السُّكْنَى، وَذَكَرَ أَنَّ الْقَوْلَ فِي ذَلِكَ قَوْلُ الْمُكْتَرِي مَعَ يَمِينِهِ، وَإِلَى حُكْمِ هَذَا الْوَجْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: " وَالْقَوْلُ مِنْ بَعْدِ انْقِضَاءِ الْأَمَدِ لِلْمُكْتَرِي وَالْحَلْفِ " أَيْ مَعَ الْحَلْفِ وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ نَقَدَ الْكِرَاءَ فَإِنْ

نَقَدَهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُكْرِي وَإِلَى هَذَا التَّقَيُّدِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: " إنْ لَمْ يَنْقُدْ ". قَالَ اللَّخْمِيُّ فِي تَبْصِرَتِهِ: " وَلَوْ اتَّفَقَا أَنَّ الْكِرَاءَ بِعَيْنٍ وَاخْتَلَفَا فِي قَدْرِهِ فَقَالَ السَّاكِنُ خَمْسُونَ وَقَالَ الْآخَرُ مِائَةٌ فَإِنْ اخْتَلَفَا قَبْلَ السُّكْنَى تَحَالَفَا وَتَفَاسَخَا وَإِنْ كَانَ بَعْدَ مُضِيِّ السَّنَةِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ السَّاكِنِ مَعَ يَمِينِهِ إذَا أَتَى بِمَا يُشْبِهُ وَإِنْ اخْتَلَفَا بَعْدَ مُضِيِّ سِتَّةِ أَشْهُرٍ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ السَّاكِنِ مَعَ يَمِينِهِ فِي الْمَاضِي وَتَحَالَفَا وَتَفَاسَخَا فِي الْبَاقِي وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ نَقَدَ " وَفِي الْمُتَيْطِيَّةِ وَإِنْ كَانَ قَدْ سَكَنَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ، وَقَالَ الْمُكْرِي وَقَدْ قَبَضَ خَمْسِينَ بَقِيَ لِي مِنْ كِرَاءِ السَّنَةِ خَمْسُونَ، وَقَالَ الْمُكْتَرِي: الْخَمْسُونَ الَّتِي نَقَدْت هِيَ عَنْ السَّنَةِ كُلِّهَا فَإِنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ، وَتُقْسَمُ الْخَمْسُونَ الَّتِي نَقَدَ عَلَى السَّنَةِ فَيَكُونُ عَلَيْهِ فِيمَا سَكَنَ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ عَلَى مَا أَقَرَّ بِهِ، ثُمَّ يُنْظَرُ فَإِنْ احْتَمَلَتْ الدَّارُ الْقَسْمَ، وَلَا ضَرَرَ عَلَى الْمُكْتَرِي فِي سُكْنَى نِصْفِهَا سَكَنَهُ فِي الْخَمْسَةِ وَالْعِشْرِينَ الْبَاقِيَةِ لِأَنَّ الْمُكْرِيَ مُقِرٌّ أَنَّهُ لَمْ يَدْفَعْ إلَيْهِ بَقِيَّةَ السُّكْنَى، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ ضَرَرٌ فُسِخَتْ بَقِيَّةُ الْمُدَّةِ اهـ. (تَنْبِيهٌ) أَطْلَقَ النَّاظِمُ فِي قَوْلِهِ: " وَالْقَوْلُ مِنْ بَعْدِ انْقِضَاءِ الْأَمَدِ لِلْمُكْتَرِي " وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا أَشْبَهَ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ اللَّخْمِيِّ. كَذَاكَ حُكْمُهُ مَعَ ادِّعَائِهِ ... لِقَدْرِ بَاقِي مُدَّةِ اكْتِرَائِهِ هَذَا الْبَيْتُ مِنْ تَمَامِ مَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ الْأَبْيَاتُ قَبْلَ هَذِهِ فِي الْكَلَامِ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي مُدَّةِ الْكِرَاءِ فَحَقُّهُ أَنْ يَتَّصِلَ بِهَا. (قَالَ فِي الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ) : وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي أَمَدِ الْكِرَاءِ: فَقَالَ صَاحِبُ الدَّارِ: قَدْ انْصَرَمَ وَقَالَ الْمُكْتَرِي: لَمْ يَنْصَرِمْ بَعْدُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ السَّاكِنِ مَعَ يَمِينِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَهُ، وَلَهُ رَدُّ الْيَمِينِ عَلَى رَبِّ الدَّارِ اهـ فَالتَّشْبِيهُ فِي قَوْلِ كَذَاكَ رَاجِعٌ لِكَوْنِ الْقَوْلِ قَوْلَ الْمُكْتَرِي مَعَ يَمِينِهِ، وَعَلَيْهِ تَعُودُ الضَّمَائِرُ الثَّلَاثَةُ وَالْقَوْلُ فِي الْقَبْضِ وَفِي الْجِنْسِ لِمَنْ ... شَاهِدُهُ مَعَ حَلْفِهِ حَالُ الزَّمَنْ يَعْنِي إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَكَارِيَانِ إمَّا فِي قَبْضِ الْكِرَاءِ أَوْ فِي جِنْسِهِ، فَإِنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ مَنْ شَهِدَ لَهُ حَالُ الزَّمَانِ مَعَ يَمِينِهِ وَيَعْنِي بِحَالِ الزَّمَانِ كُلًّا مِمَّا يَلِيقُ بِهِ فَفِي الِاخْتِلَافِ فِي قَبْضِ الْكِرَاءِ يُعْتَبَرُ الْقُرْبُ وَالْبَعْدُ فِي الزَّمَانِ، وَفِي الِاخْتِلَافِ فِي الْجِنْسِ يُعْتَبَرُ عُرْفُ الْمَكَانِ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ أَيْضًا أَمَّا مَسْأَلَةُ الِاخْتِلَافِ فِي الْقَبْضِ فَقَالَ فِي الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ فَإِنْ قَامَ رَبُّ الدَّارِ عَلَى الْمُكْتَرِي يَدَّعِي أَنَّهُ

فصل في كراء الرواحل والسفن

لَمْ يَقْبِضْ الْكِرَاءَ بَعْدَ انْقِضَاءِ أَشْهُرِ السَّنَةِ فَإِنْ قَامَ بِقُرْبِ ذَلِكَ كَانَ عَلَى السَّاكِنِ أَنْ يُثْبِتَ دَفْعَ ذَلِكَ وَإِلَّا حَلَفَ رَبُّ الدَّارِ، وَقَبَضَ مِنْهُ أَوْ رَدَّ عَلَيْهِ الْيَمِينَ فَحَلَفَ وَبَرِئَ فَإِنْ قَامَ عَلَى بُعْدٍ حَلَفَ السَّاكِنُ وَبَرِئَ مِنْ الْكِرَاءِ، وَكَذَلِكَ الصُّنَّاعُ بِهَذِهِ الْمَنْزِلَةِ إذَا قَامُوا يَطْلُبُونَ الْأُجْرَةَ فِيمَا اُسْتُصْنِعَ مِنْهُمْ وَأَمَّا الِاخْتِلَافُ فِي الْجِنْسِ فَقَالَ فِي الْمُقَرَّبِ: قُلْت: فَمَنْ اكْتَرَى دَارًا بِدَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ، وَلَمْ يُسَمِّ أَيَّ الدَّنَانِيرِ، وَلَا أَيَّ الدَّرَاهِمِ قَالَ: يُنْظَرُ إلَى النَّقْدِ فِي الْكِرَاءِ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ فَيُحْمَلَانِ عَلَيْهِ اهـ. وَشَاهِدُهُ مُبْتَدَأٌ، (وَحَالُ الزَّمَنْ) خَبَرُهُ، وَالْجُمْلَةُ صِلَةُ مَنْ (وَمَعْ حَلْفِهِ) حَالُ الْقَوْلِ [فَصْلٌ فِي كِرَاءِ الرَّوَاحِلِ وَالسُّفُنِ] ِ وَفِي الرَّوَاحِلِ الْكِرَاءُ وَالسُّفُنْ ... عَلَى الضَّمَانِ أَوْ بِتَعْيِينٍ حَسَنْ وَيُمْنَعُ التَّأْجِيلُ فِي الْمَضْمُونِ ... وَمُطْلَقًا جَازَ بِذِي التَّعْيِينِ الرَّوَاحِلُ جَمْعُ رَاحِلَةٍ قَالَ فِي الْأَلْفِيَّةِ: فَوَاعِلُ لِفَوْعَلٍ إلَى أَنْ قَالَ: وَفَاعِلَةٌ وَهِيَ النَّاقَةُ النَّجِيبَةُ الْكَامِلَةُ الْخَلْقِ الْحَسَنَةُ الْمَنْظَرِ الْمُدَرَّبَةُ عَلَى الرُّكُوبِ، وَالسَّيْرِ، وَالْحَمْلِ بِهَذَا فُسِّرَ فِي الْمَشَارِقِ وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «النَّاسُ كَإِبِلٍ مِائَةٍ لَا تَكَادُ تَجِدُ فِيهَا رَاحِلَةً» (عِيَاضٌ) الرَّاحِلَةُ هِيَ: النَّاقَةُ الْمُعَدَّةُ لِلرُّكُوبِ، الْمُذَلَّلَةُ، وَتُسْتَعْمَلُ فِي ذُكُورِ الْإِبِلِ، وَإِنَاثِهَا، وَأَصْلُهَا مِنْ الرَّحْلِ الْمَوْضُوعِ عَلَيْهَا اهـ. وَالْمُرَادُ هُنَا الدَّابَّةُ مِنْ حَيْثُ هِيَ مِنْ فَرَسٍ، وَبَغْلٍ، وَحِمَارٍ، وَجَمَلٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَالسُّفُنُ جَمْعُ سَفِينَةٍ قَالَ فِي: الْأَلْفِيَّةِ وَفُعُلٌ لِاسْمٍ رُبَاعِيٍّ بِمَدِّ إلَخْ وَقَدْ اشْتَمَلَ الْبَيْتَانِ عَلَى مَسْأَلَتَيْنِ. (الْأُولَى) : فِي تَقْسِيمِ كِرَاءِ الدَّوَابِّ وَالسُّفُنِ إلَى مُعَيَّنٍ، وَمَضْمُونٍ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: " وَفِي الرَّوَاحِلِ " (الْبَيْتَ) يَعْنِي أَنَّ كِرَاءَ الدَّوَابِّ وَالسُّفُنِ عَلَى وَجْهَيْنِ يَكُونُ عَلَى الضَّمَانِ وَعَلَى التَّعْيِينِ قَالَ ابْنُ يُونُسَ: فَالْمُتَكَارَيَانِ كَالْمُتَبَايِعِينَ فِيمَا يَحِلُّ، وَيَحْرُمُ لِأَنَّ الْكِرَاءَ بَيْعُ مَنَافِعَ فَهُوَ كَبَيْعِ الْأَعْيَانِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَكِرَاءُ الدَّوَابِّ عَلَى

وَجْهَيْنِ مَضْمُونٍ فِي الذِّمَّةِ، أَوْ دَابَّةٍ بِعَيْنِهَا وَقَدْ قَضَى عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ الدَّابَّةَ الْمُعَيَّنَةَ إذَا هَلَكَتْ انْفَسَخَ الْكِرَاءُ وَلَا يَأْتِي بِغَيْرِهَا إلَّا أَنْ يُشْتَرَطَ الْبَلَاغُ، وَهُوَ الْمَضْمُونُ قَالَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ ابْنُ يُونُسَ: كِرَاءُ الدَّابَّةِ الْمُعَيَّنَةِ كَشِرَاءِ السِّلَعِ الْمُعَيَّنَةِ مِنْ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ لِأَنَّ عَلَى الْبَائِعِ أَنْ يُوَفِّيَهُ كَيْلَهُ أَوْ وَزْنَهُ كَمَا عَلَى الْمُكْتَرِي أَنْ يُوَفِّيَهُ رُكُوبَهُ أَوْ حَمْلَهُ، وَكِرَاءُ الْمَضْمُونِ كَشِرَاءِ السِّلَعِ الْمَضْمُونَةِ فَكَمَا كَانَ هَلَاكُ هَذِهِ السِّلْعَةِ الْمُعَيَّنَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ يُوجِبُ فَسْخَ الشِّرَاءِ، وَلَا يُقَالُ لِلْبَائِعِ ائْتِ بِمِثْلِهَا فَكَذَلِكَ كِرَاءُ الدَّابَّةِ الْمُعَيَّنَةِ إذَا هَلَكَتْ قَبْلَ الرُّكُوبِ، أَوْ قَبْلَ تَمَامِ الْغَايَةِ الْمُكْتَرَاةِ انْفَسَخَ الْكِرَاءُ أَوْ بَقِيَّتُهُ وَكَمَا كَانَ هَلَاكُ السِّلْعَةِ الْمَضْمُونَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ اسْتِحْقَاقُهَا بَعْدَ الْقَبْضِ لَا يُوجِبُ فَسْخَ الشِّرَاءِ وَيُقَالُ لِلْبَائِعِ ائْتِ بِمِثْلِهَا فَكَذَلِكَ الْكِرَاءُ الْمَضْمُونُ الْأَمْرُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ مُتَّفَقٌ فَاعْلَمْهُ وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ " كِرَاءُ الدَّوَابِّ عَلَى وَجْهَيْنِ: دَابَّةٍ بِعَيْنِهَا أَوْ مَضْمُونَةٍ " وَفِي الْمَعُونَةِ: " الْمَرْكُوبُ الْمُعَيَّنُ لَا بُدَّ أَنْ يُعْرَفَ بِتَعْيِينٍ بِإِشَارَةٍ إلَيْهِ كَهَذِهِ الدَّابَّةِ وَالنَّاقَةِ " ابْنُ عَرَفَةَ لِيُحِيطَ بِهَا الْمُكْتَرِي كَالْمُشْتَرِي قَالَ: " وَالْمَضْمُونَةُ يُذْكَرُ جِنْسُهَا وَالذُّكُورَةُ وَالْأُنُوثَةُ "، وَتَبِعَهُ ابْنُ شَاسٍ وَالْمُتَيْطِيُّ زَادَ ابْنُ الْحَاجِبِ: لَا يَتَعَيَّنُ الرَّاكِبُ، وَإِنْ عُيِّنَ لَمْ يَلْزَمْهُ تَعْيِينُهُ مِنْ الْمَوَّاقِ. (تَنْبِيهٌ) لَا يَتَعَيَّنُ الْمَرْكُوبُ مِنْ دَابَّةٍ، أَوْ سَفِينَةٍ إلَّا بِتَعْيِينِهِ كَقَوْلِهِ أُكْرِيكَ هَذِهِ الدَّابَّةَ، أَوْ هَذِهِ السَّفِينَةَ مُشِيرًا إلَيْهَا، وَلَا يَتَعَيَّنُ بِحُضُورِهِ وَقْتَ الْعَقْدِ مَعَ كَوْنِ الْمُكْرِي لَيْسَ لَهُ غَيْرُهُ بَلْ هُوَ كِرَاءٌ مَضْمُونٌ حَتَّى يُعَيَّنَ قَالَهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْمَوَّازِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ: أَوْ يُكْرِي مِنْهُ نِصْفَ الْمَرْكَبِ أَوْ رُبُعَهُ فَيَكُونُ كَشَرِيكِ التَّعْيِينِ نَقَلَهُ الشَّارِحُ فَانْظُرْهُ (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَلَا يَنْفَسِخُ الْكِرَاءُ بِمَوْتِ الدَّابَّةِ فِي الْكِرَاءِ الْمَضْمُونِ إلَّا أَنَّ الْمُكْرِيَ إذَا قَدَّمَ لِلْمُكْتَرِي دَابَّةً فَرَكِبَهَا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُزِيلَهَا تَحْتَهُ إلَّا بِرِضَاهُ. (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) مِمَّا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ الْبَيْتَانِ فِي حُكْمِ تَعْجِيلِ الْكِرَاءِ، وَتَأْخِيرِهِ، وَإِلَيْهَا أَشَارَ بِالْبَيْتِ الثَّانِي يَعْنِي أَنَّ الْكِرَاءَ إذَا كَانَ مَضْمُونًا يَجِبُ تَعْجِيلُ الْكِرَاءِ وَيُمْنَعُ تَأْجِيلُهُ لِأَنَّ فِيهِ تَعْمِيرَ الذِّمَّتَيْنِ وَهُوَ مِنْ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ وَيُسَمَّى ابْتِدَاءَ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ وَمَنْعَ التَّأْجِيلِ مُقَيَّدًا بِمَا إذَا لَمْ يَشْرَعْ فِي الرُّكُوبِ فَإِنْ شَرَعَ جَازَ التَّأْخِيرُ وَالنَّقْدُ وَأَمَّا الْكِرَاءُ الْمُعَيَّنُ فَيَجُوزُ بِالنَّقْدِ وَإِلَى أَجَلٍ وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِالْإِطْلَاقِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: كِرَاءُ الرَّوَاحِلِ وَالدَّوَابِّ عَلَى وَجْهَيْنِ: مُعَيَّنٍ، وَمَضْمُونٍ فَأَمَّا الْمُعَيَّنُ فَيَجُوزُ بِالنَّقْدِ، وَإِلَى أَجَلٍ إذَا شَرِكَهُ فِي الرُّكُوبِ، أَوْ كَانَ إنَّمَا يَرْكَبُ إلَى الْأَيَّامِ الْقَلَائِلِ الْعَشَرَةِ وَنَحْوِهَا قَالَهُ مَالِكٌ وَأَمَّا عَلَى أَنْ لَا يَرْكَبَهَا إلَى ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَنَحْوِهَا فَلَا يَجُوزُ الْكِرَاءُ بِالنَّقْدِ، وَيَجُوزُ بِغَيْرِ النَّقْدِ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ اهـ. فَقَوْلُهُ: إذَا شَرَعَ فِي الرُّكُوبِ إلَخْ هُوَ شَرْطٌ فِي جَوَازِ النَّقْدِ لِأَنَّهُ مَعَ الطُّولِ يَكْثُرُ الْغَرَرُ، وَالتَّرَدُّدُ بَيْنَ كَوْنِهِ ثَمَنًا أَوْ سَلَفًا أَمَّا التَّأْخِيرُ فَيَجُوزُ شَرَعَ أَوْ لَا لِأَنَّ الْكِرَاءَ مُعَيَّنٌ فَلَيْسَ مِنْ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ (ابْنُ رُشْدٍ) ، وَأَمَّا كِرَاءُ الدَّابَّةِ الْمَضْمُونَةِ أَوْ الرَّاحِلَةِ الْمَضْمُونَةِ فَهُوَ أَنْ يَقُولَ: أُكْرِيَ مِنْك دَابَّةً أَوْ رَاحِلَةً فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَيْضًا بِالنَّقْدِ وَإِلَى أَجَلٍ إذَا شَرَعَ فِي الرُّكُوبِ، وَأَمَّا إنْ لَمْ يَشْرَعْ فِي الرُّكُوبِ وَإِنَّمَا تَكَارَى كِرَاءً مَضْمُونًا إلَى أَجَلٍ كَالْمُتَكَارِي إلَى الْحَجِّ فِي غَيْرِ إبَّانِهِ فَلَا يَجُوزُ إلَّا بِتَعْجِيلِ رَأْسِ الْمَالِ لِأَنَّهُ كَالسَّلَمِ إلَّا أَنَّ مَالِكًا خَفَّفَ أَنْ يُقَدَّمَ الدِّينَارُ لِأَنَّ الْأَكْرِيَاءَ قَطَعُوا بِالنَّاسِ اهـ. (فَرْعٌ) إذَا مَاتَتْ الرَّاحِلَةُ أَوْ الدَّابَّةُ فِي الْكِرَاءِ الْمُعَيَّنِ فَإِنَّ الْكِرَاءَ يَنْفَسِخُ فَإِنْ مَاتَتْ فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ، فَأَرَادَ أَنْ يُعْطِيَهُ دَابَّةً أُخْرَى بِعَيْنِهَا يَبْلُغُ عَلَيْهَا إلَى مُنْتَهَى غَايَتِهِ فَإِنْ كَانَ لَمْ يَنْقُدْ جَازَ لِأَنَّهُ كِرَاءٌ مُبْتَدَأٌ، وَإِنْ كَانَ قَدْ نَقَدَ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ فَسْخُ دَيْنٍ فِي دَيْنٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي مَفَازَةٍ فَيَجُوزَ مُطْلَقًا لِأَنَّ قَبْضَ الْأَوَائِلِ عِنْدَهُ كَقَبْضِ الْأَوَاخِرِ. وَحَيْثُ مُكْتَرٍ لِعُذْرٍ يَرْجِعُ ... فَلَازِمٌ لَهُ الْكِرَاءُ أَجْمَعُ يَعْنِي: أَنَّ مَنْ اكْتَرَى دَابَّةً لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا أَوْ يَزُفَّ عَلَيْهَا عَرُوسًا أَوْ لِيُشَيِّعَ عَلَيْهَا رَجُلًا إلَى مَوْضِعٍ مَعْلُومٍ أَوْ لِيَرْكَبَهَا إلَى مَوْضِعٍ سَمَّاهُ فَبَدَا لَهُ لِعُذْرٍ حَصَلَ لَهُ مِنْ مَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْأَعْذَارِ فَإِنَّ

الْكِرَاءَ لَازِمٌ لَهُ جَمِيعَهُ، وَلَا يَنْقُصُ مِنْهُ شَيْءٌ وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ لِعُذْرٍ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ جَمِيعُ الْكِرَاءِ إذَا رَجَعَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ مِنْ بَابِ أَوْلَى. (قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ) قَالَ مَالِكٌ إذَا تَكَارَى قَوْمٌ دَابَّةً لِيَزِفُّوا عَلَيْهَا عَرُوسًا لَيْلَتَهُمْ فَلَمْ يَزُفُّوهَا تِلْكَ اللَّيْلَةِ فَعَلَيْهِمْ الْكِرَاءُ، وَإِنْ أَكْرَى دَابَّةً لِيُشَيِّعَ عَلَيْهَا رَجُلًا إلَى مَوْضِعٍ مَعْلُومٍ، أَوْ لِيَرْكَبَهَا إلَى مَوْضِعٍ سَمَّاهُ فَبَدَا لَهُ أَوْ لِلرَّجُلِ لَزِمَهُ الْكِرَاءُ، وَلْيُكْرِ الدَّابَّةَ إلَى مَوْضِعٍ فِي مِثْلِ مَا اكْتَرَى، وَإِنْ اكْتَرَاهَا لِيَرْكَبَ يَوْمَهُ بِدِرْهَمٍ فَأُمْكِنَ مِنْهَا فَتَرَكَهَا حَتَّى مَضَى الْيَوْمُ لَزِمَهُ الْكِرَاءُ، وَإِنْ اكْتَرَاهَا إلَى الْحَجِّ، أَوْ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، أَوْ إلَى مَسْجِدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَاقَهُ مَرَضٌ أَوْ سَقَطَ أَوْ مَاتَ أَوْ عَرَضَ لَهُ غَرِيمٌ حَبَسَهُ فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ فَالْكِرَاءُ لَهُ لَازِمٌ، وَلَهُ أَوْ لِوَرَثَتِهِ كِرَاءُ الدَّابَّةِ فِي مِثْلِ مَا اكْتَرَى مِثْلَهُ، وَيَكُونُ صَاحِبُ الْإِبِلِ أَوْلَى بِمَا عَلَى إبِلِهِ مِنْ الْغُرَمَاءِ. اهـ نَقَلَهُ الْمَوَّاقُ عِنْدَ قَوْلِهِ وَإِلَّا فَلَهُ الْخَلْفُ عَلَى آجِرِهِ كَرَاكِبٍ وَنَقَلَ قَبْلَ قَوْلِهِ: وَسُنَّ لِقَلْعٍ فَسَكَنَتْ عَنْ الْمُتَيْطِيِّ مَا نَصُّهُ: إنْ اكْتَرَى دَابَّةً لِيَزُفَّ عَلَيْهَا عَرُوسًا لَيْلَةً مُعَيَّنَةً فَتَأَخَّرَ الزِّفَافُ لِمَرَضٍ، أَوْ عُذْرٍ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ كِرَاءٌ فِيهَا، وَإِنْ كَانَ التَّأْخِيرُ اخْتِيَارًا لَزِمَهُ الْكِرَاءُ، وَلَهُ أَنْ يُكْرِيَهَا فِي مِثْلِهِ اهـ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا قَالَهُ النَّاظِمُ، وَلِمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ هَذَا كُلُّهُ إنْ كَانَ الْخُلْفُ مِنْ الْمُكْتَرِي، وَأَمَّا إنْ خَالَفَ الْمُكْرِي وَهُوَ رَبُّ الدَّابَّةِ، فَإِنْ كَانَ الْيَوْمُ مُعَيَّنًا انْفَسَخَ الْكِرَاءُ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُعَيَّنٍ لَمْ يَنْفَسِخْ (قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ) : " وَإِذَا تَغَيَّبَ الْجَمَّالُ يَوْمَ خُرُوجِك فَلَيْسَ لَك عَلَيْهِ إنْ لَقِيتَهُ بَعْدَ ذَلِكَ إلَّا الرُّكُوبُ أَوْ الْحَمْلُ وَلَهُ كِرَاؤُهُ " ابْنُ يُونُسَ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ الْيَوْمَ، وَإِنَّمَا قَصَدَ الرُّكُوبَ اهـ. وَهَذَا فِي كُلِّ سَفَرٍ فِي كِرَاءٍ مَضْمُونٍ إلَّا الْحَاجَّ فَإِنَّهُ يَفْسَخُ، وَإِنْ قَبَضَ الْكِرَاءَ رَدَّهُ لِزَوَالِ إبَّانِهِ (ابْنُ الْمَوَّازِ) أَيَّامُ الْحَجِّ مُعَيَّنَةٌ فَإِذَا فَاتَتْ انْفَسَخَ الْكِرَاءُ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مُكْتَرٍ أَيَّامًا بِأَعْيُنِهَا وَلَا يَتَمَادَى وَإِنْ رَضَا ابْنُ يُونُسَ وَهَذَا إذَا نَقَدَهُ الْكِرَاءَ لِأَنَّ بِذَهَابِ الْأَيَّامِ الْمُعَيَّنَةِ يَجِبُ فَسْخُ الْكِرَاءِ، وَرَدُّ مَا انْتَقَدَهُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَ فِي ذَلِكَ رُكُوبًا لِأَنَّهُ فَسْخُ دَيْنٍ فِي دَيْنٍ. (تَنْبِيهٌ) مَا تَقَدَّمَ مِنْ لُزُومِ الْكِرَاءِ إذَا رَجَعَ لِعُذْرٍ، أَوْ لِغَيْرِ عُذْرٍ إنَّمَا هُوَ إذَا كَانَ الْعُذْرُ خَاصًّا بِالْمُكْتَرِي أَوْ بِالْمُكْتَرِي وَغَيْرِهِ وَلَمْ يَكُنْ عَامًّا بِحَيْثُ لَمْ يَتَعَذَّرْ عَلَى الْمُكْتَرِي الِانْتِفَاعُ بِالشَّيْءِ الْمُكْتَرَى لِأَنَّهُ إذْ ذَاكَ إنْ اسْتَغْنَى عَنْ تِلْكَ الدَّابَّةِ أَكْرَاهَا لِغَيْرِهِ، أَوْ عَنْ سُكْنَى الدَّارِ أَكْرَاهَا مِنْ غَيْرِهِ أَمَّا إذَا تَعَذَّرَ الِانْتِفَاعُ بِذَلِكَ بِأَمْرٍ لَا يَسْتَطِيعُ دَفْعَهُ مِنْ غَصْبٍ، أَوْ خَوْفٍ فِي طَرِيقٍ، أَوْ لِمَنْعِ السُّلْطَانِ النَّاسَ مِنْ سَفَرٍ مَثَلًا فَإِنَّ الْكِرَاءَ لَا يَلْزَمُ، وَيَسْقُطُ عَنْ الْمُكْتَرِي (قَالَ فِي الْوَاضِحَةِ) مَنْ اكْتَرَى دَارًا سَنَةً، أَوْ شَهْرًا فَقَبَضَهَا ثُمَّ غَصَبَهَا إيَّاهُ السُّلْطَانُ فَمُصِيبَةُ ذَلِكَ مِنْ رَبِّهَا، وَلَا كِرَاءَ لَهُ فِيمَا بَقِيَ (ابْنُ حَبِيبٍ) سَوَاءٌ غَصَبُوا الدَّارَ مِنْ أَصْلِهَا، أَوْ أَخْرَجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا، وَسَكَنُوهَا لَا يُرِيدُونَ إلَّا السُّكْنَى حَتَّى يَرْتَحِلُوا (ابْنُ حَبِيبٍ) ، وَكَذَلِكَ الْحَوَانِيتُ يَأْمُرُ السُّلْطَانُ بِغَلْقِهَا لَا كِرَاءَ عَلَى مُكْتَرِيهَا مِنْ رَبِّهَا، وَقَالَ سَحْنُونٌ: " الْجَائِحَةُ مِنْ الْمُكْتَرِي " وَلِابْنِ حَبِيبٍ فِي ذَلِكَ تَفْرِيقٌ (ابْنُ يُونُسَ) لَيْسَ هَذَا كُلُّهُ بِشَيْءٍ لِأَنَّ كُلَّ مَا مَنَعَ الْمُكْتَرِيَ السُّكْنَى مِنْ أَمْرٍ غَالِبٍ لَا يَسْتَطِيعُ دَفْعَهُ مِنْ سُلْطَانٍ، أَوْ غَاصِبٍ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ مَنَعَهُ أَمْرٌ مِنْ اللَّهِ سُبْحَانَهُ كَانْهِدَامِ الدَّارِ، وَامْتِنَاعِ مَاءِ السَّمَاءِ حَتَّى مَنَعَهُ حَرْثَ الْأَرْضِ فَلَا كِرَاءَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِلْ إلَى مَا اكْتَرَى نَقَلَهُ الْمَوَّاقُ. (تَنْبِيهٌ ثَانٍ) مِنْ هَذَا الْمَعْنَى الَّذِي الْكَلَامُ فِيهِ مَا يَقَعُ كَثِيرًا فِي كِرَاءِ حُلِيِّ الْأَعْرَاسِ عَلَى الْمُتَعَارَفِ عِنْدَ أَهْلِ فَاسَ وَذَلِكَ أَنْ يَكْتَرِيَ الْمُكْتَرِي الْحُلِيَّ لِيَوْمِ الْبِنَاءِ، وَغَدِهِ، وَسَابِعِهِ، وَيُعَيِّنُ عَاشِرَ الشَّهْرِ الْفُلَانِيِّ مَثَلًا ثُمَّ يَنْتَقِلُونَ إلَى الثَّانِيَ عَشَرَ، أَوْ الْخَامِسَ عَشَرَ مَثَلًا، وَالْجَارِي عَلَى مَا تَقَدَّمَ عَنْ الْمُتَيْطِيِّ، وَهُوَ الظَّاهِرُ أَنَّهُمْ إنْ رَجَعُوا لِعُذْرٍ فَلَا يَلْزَمُهُمْ كِرَاءٌ، وَلِغَيْرِ عُذْرٍ فَالْكِرَاءُ لَازِمٌ لَهُمْ وَأَمَّا عُقْدَةُ الْكِرَاءِ فَتَنْفَسِخُ عَلَى كُلِّ حَالٍ ثُمَّ إنْ اتَّفَقُوا عَلَى الْكِرَاءِ لِلْيَوْمِ الْمُنْتَقَلِ إلَيْهِ، وَكَانَ الْمُكْرِي لَمْ يَقْبِضْ الْكِرَاءَ جَازَ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ قَبَضَهُ رَدَّهُ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتْرُكَهُ فِي الْكِرَاءِ الثَّانِي لِأَنَّهُ مِنْ فَسْخِ الدَّيْنِ فِي الدَّيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ قَرِيبًا وَأَمَّا

إنْ وَقَعَ الْخُلْفُ مِنْ مُكْرِي الْحُلِيِّ فَإِنَّ الْكِرَاءَ يَنْفَسِخُ لِأَنَّ الْيَوْمَ مُعَيَّنٌ، فَإِنْ كَانَ قَدْ قَبَضَ الْكِرَاءَ رَدَّهُ. (وَاعْلَمْ) أَنَّ كِرَاءَ الْحُلِيِّ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ تَعْرِضُ فِيهِ أُمُورٌ (مِنْهَا) : أَنَّ الْمُكْتَرَى نَوْعَانِ ثِيَابٌ وَغَيْرُهَا وَذَلِكَ الْغَيْرُ عُقُودُ جَوْهَرٍ وَهِيَ أَيْضًا نَوْعَانِ (مِنْهَا) : مَا جَوْهَرُهُ جَيِّدٌ مَفْصُولٌ بَيْنَ جَوَاهِرِهِ بِقِطَعِ الذَّهَبِ، وَحَجَرِ الْيَاقُوتِ، أَوْ مَا يَقْرُبُ مِنْهُ. (وَمِنْهَا) : عُقُودٌ بِكَرَاسِيِّ فِضَّةٍ مُمَوَّهَةٍ، وَجَوْهَرٍ دَقِيقٍ جِدًّا، وَأُمُورٍ أُخْرَى بَعْضُهَا فِضَّةٌ مُمَوَّهَةٌ، وَبَعْضُهَا جَوْهَرٌ خَالِصٌ، وَعَدَدُ الْعُقُودِ بِنَوْعَيْهَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ كَثْرَةِ الْكِرَاءِ، وَقِلَّتِهِ، وَلَا يَنْظُرُ الْمُكْتَرِي مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ إلَّا الثِّيَابَ، وَالْبَاقِي يَعْتَمِدُ فِيهِ عَلَى الْعُرْفِ الْجَارِي فِي ذَلِكَ فَانْظُرْ هَلْ يَجُوزُ عَقْدُ الْكِرَاءِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ أَمْ لَا. (وَمِنْهَا) : أَنَّ الْكِرَاءَ يَقَعُ قَبْلَ وَقْتِ الْبِنَاءِ فَإِنْ كَانَ بِمُدَّةٍ قَرِيبَةٍ فَالْأَمْرُ خَفِيفٌ، وَإِنْ كَانَ بِمُدَّةٍ تَبْلُغُ الشَّهْرَيْنِ، وَمَا يَقْرُبُ مِنْهُمَا فَإِنَّ الثِّيَابَ لَا تَبْقَى عَلَى صِفَتِهَا إنْ كَانَ وَقْتُ كَثْرَةِ خِدْمَتِهَا، (وَمِنْهُمَا) : أَنَّ رَبَّ الْحُلِيِّ قَدْ يُعْطِي خِلَافَ مَا رَأَى الْمُكْتَرِي مِمَّا هُوَ مِثْلُهُ، أَوْ أَفْضَلُ هَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ أَمْ لَا؟ ، (وَمِنْهَا) كَوْنُ الْكِرَاءِ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً، وَبَعْضُ الْمُكْرَى كَذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ. (وَمِنْهَا) كَوْنُ أُجْرَةِ الْمَاشِطَةِ ثَمَنَ الْكِرَاءِ مَثَلًا، وَالْكِرَاءُ يَقِلُّ وَيَكْثُرُ فَهِيَ إجَارَةٌ مَجْهُولَةٌ وَفِيهَا خِلَافٌ. (وَمِنْهَا) : أَنَّ يَوْمَ السَّابِعِ كَثِيرًا مَا يُزَادُ عَلَيْهِ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ هَلْ يُغْتَفَرُ ذَلِكَ؟ إذْ فِيهِ جَهْلٌ مَا، (وَمِنْهَا) تَضْمِينُ الْمَاشِطَةِ مَا هَلَكَ بِيَدِهَا مِمَّا لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ عَلَى هَلَاكِهِ هَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ أَوْ لَا وَهُوَ الظَّاهِرُ، (وَمِنْهَا) : أَنَّهُ قَدْ يُتَّفَقُ أَنْ يُكْرِيَ وَالِدُ الزَّوْجَةِ الْحُلِيَّ مِنْ رَجُلٍ، وَتُكْرِيَ أُمُّهَا مِنْ رَجُلٍ آخَرَ، وَالْغَالِبُ أَنَّ النِّسَاءَ يَتَوَلَّوْنَ ذَلِكَ دُونَ الرِّجَالِ، كِرَاءُ مَنْ يَثْبُتُ مِنْهُمَا؟ ، (وَمِنْهَا) : إذَا تَرَكَ الْمُكْتَرِي لُبْسَهُ يَوْمَ السَّابِعِ لِعُذْرٍ أَوْ لِغَيْرِ عُذْرٍ هَلْ لَهُ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ الْكِرَاءِ أَوْ لَا لِأَنَّهُ إذَا تَرَكَ لُبْسَهُ رَأْسًا يَلْزَمُهُ الْكِرَاءُ كَامِلًا، وَإِذَا جَاءَ ذَلِكَ مِنْ رَبِّ الْحُلِيِّ كَمْ يَنْقُصُ مِنْ الْأُجْرَةِ؟ وَالْعَمَلُ عَلَى نَقْصِ الثُّلُثِ، (وَمِنْهَا) : أَنَّ بَعْضَ مَنْ يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّ الْحُلِيِّ مَحَبَّةٌ وَصَدَاقَةٌ لَا يَنْظُرُ الثِّيَابَ بَلْ يَقُولُ لِرَبِّهِ: أَعْطِنِي بِنَظَرِك، وَمَا تَرَاهُ يَصْلُحُ بِي. (وَمِنْهَا) : ضَمَانُ مَا يَضِيعُ مِنْ الْجَوْهَرِ أَوْ يَعِيبُ مِنْ الثِّيَابِ عَلَى الْعِمَارِيَّةِ بِسَبَبِ حَكٍّ فِي حَائِطٍ أَوْ تَلَفِ دُخُولِ زَنْقَةٍ ضَيِّقَةٍ هَلْ عَلَى الصَّحَّافِينَ أَوْ مِنْ رَبِّهِ أَنْ يُفْصَلَ بَيْنَ مَا يَلْجَئُونَ إلَيْهِ فَمِنْ رَبِّهِ وَمَا لَا فَمِنْهُمْ. (وَمِنْهَا) : هَلْ يَجُوزُ الدُّخُولُ عَلَى عَدَمِ الْبَيَانِ فِي الْإِجَارَةِ هَلْ هِيَ نَقْدٌ أَوْ لِأَجَلٍ؟ ، وَالظَّاهِرُ الْجَوَازُ، وَيُحْمَلُ عَلَى النَّقْدِ وَالنَّاسُ يَخْتَلِفُونَ فِي ذَلِكَ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَنْقُدُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤَخِّرُ عَلَى رَهْنٍ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ أَجَلٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَبْقَى السِّنِينَ الْكَثِيرَةَ، (وَمِنْهَا) : أَنَّ الْمُكْتَرِيَ إذَا وَضَعَ رَهْنًا فِي الْإِجَارَةِ ثُمَّ يَحْتَاجُ لِذَلِكَ الرَّهْنِ فَيُرِيدُ إبْدَالَهُ بِرَهْنٍ آخَرَ، وَالْغَالِبُ أَنَّهُ لَا يَأْتِي ثَانِيًا إلَّا بِمَا لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَمَا يَقْرُبُ مِنْهُ فَيَمْتَنِعُ رَبُّ الْحُلِيِّ مِنْ إبْدَالِهِ خَوْفَ الْمَطْلِ بِالْأُجْرَةِ هَلْ لَهُ ذَلِكَ؟ وَهُوَ الظَّاهِرُ إذْ لَهُ قَبْضُ أُجْرَتِهِ الْآنَ، (وَمِنْهَا) : إنْ أَرَادَ الْمُكْتَرِي دَفْعَ الْأُجْرَةِ تَقَاضَيَا شَيْئًا فَشَيْئًا وَامْتَنَعَ رَبُّ الْحُلِيِّ إلَّا مِنْ قَبْضِهِ مُجْمَلًا دَفْعَةً وَاحِدَةً هَلْ لَهُ ذَلِكَ أَمْ لَا؟ وَالْمَسْأَلَةُ مَنْصُوصَةٌ فِي الدَّيْنِ مِنْ حَيْثُ هُوَ، (وَمِنْهَا) : أَنَّ لَبْسَةَ الْحُلِيِّ قَدْ تَشْتَمِلُ عَلَى بَعْضِ مَا لَيْسَ عِنْدَ مُكْرِيهِ، وَلَكِنَّ وُجُودَهُ بِعَارِيَّةٍ أَوْ كِرَاءٍ هَلْ يَجُوزُ لَهُ كِرَاءُ مَا عِنْدَهُ مَعَ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ؟ ، (وَمِنْهَا) : إذَا اتَّفَقَا عَلَى يَوْمٍ مُعَيَّنٍ مِنْ شَهْرٍ مُعَيَّنٍ فَاتَّفَقَ أَنْ كَانَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مَثَلًا فَقَالَ الْمُكْتَرِي: اصْبِرْ لِيَوْمِ السَّبْتِ هَلْ يُقْضَى عَلَى رَبِّ الْحُلِيِّ بِذَلِكَ؟ لِأَنَّ الْعَادَةَ عِنْدَ بَعْضِ النَّاسِ إيثَارُ السَّبْتِ عَلَى الْجُمُعَةِ أَوْ يَنْفَسِخُ الْكِرَاءُ؟ . (وَمِنْهَا) : هَلْ يَجُوزُ لِرَبِّ الْحُلِيِّ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَى الْمَاشِطَةِ أَنْ لَا أُجْرَةَ لَهَا عَلَى حَمْلٍ لِمُكْتَرِيهِ وَرَدِّهِ إلَى رَبِّهِ فَقَدْ تَغْتَفِرُ هِيَ ذَلِكَ لِمَا يَحْصُلُ لَهَا مِنْ النَّفْعِ بِهِ عِنْدَ مُكْتَرِيهِ، وَالظَّاهِرُ الْجَوَازُ إذَا دَخَلَتْ عَلَى ذَلِكَ إذَا كَانَتْ لَهَا أُجْرَةٌ هَلْ يَلْزَمُهَا التَّرَدُّدُ إلَى الْمُكْتَرِي لِقَبْضِ الْكِرَاءِ أَوْ لَا؟ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُجْرَى عَلَى الْعُرْفِ (وَمِنْهَا) عَلَى مَنْ تَكُونُ مُؤْنَةُ حَمْلِهِ لِمُكْتَرِيهِ، وَسَوْقِهِ إلَى رَبِّهِ إذَا لَمْ يَكُنْ لِذَلِكَ قِيَمٌ هَلْ عَلَى رَبِّهِ أَوْ عَلَى مُكْتَرِيهِ؟ فَإِنْ كَانَ شَرْطٌ عُمِلَ عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَعَلَى الْعُرْفِ، (وَمِنْهَا) : لِمَنْ يَكُونُ الْقَوْلُ إذَا تَنَازَعَا فِي الْحُلِيِّ هَلْ هُوَ الْمُكْتَرِي، أَوْ غَيْرُهُ، أَوْ فِي قَدْرِ الْأُجْرَةِ، أَوْ قَبْضِهَا إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَعْرِضُ مِنْ الْأُمُورِ؟ وَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ الْعُرْفُ، وَالْعَادَةُ مَا لَمْ يُؤَدِّ لِمَمْنُوعٍ شَرْعًا

فصل في الإجارة

فَلَا عِبْرَةَ بِالْعُرْفِ حِينَئِذٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَوَاجِبٌ تَعْيِينُ وَقْتِ السَّفَرِ ... فِي السُّفُنِ وَالْمَقَرِّ لِلَّذِي اُكْتُرِيَ وَهُوَ عَلَى الْبَلَاغِ إنْ شَيْءٌ جَرَى ... فِيهَا فَلَا شَيْءَ لَهُ مِنْ الْكِرَا يَعْنِي أَنَّهُ يَجِبُ فِي كِرَاءِ السُّفُنِ أَمْرَانِ (أَحَدُهُمَا) : تَعْيِينُ وَقْتِ السَّفَرِ لِاخْتِلَافِ الْأَزْمِنَةِ بِالنِّسْبَةِ لِوَقْتِ السَّفَرِ وَعِظَمِ الْغَرَرِ فِي بَعْضِهَا دُونَ بَعْضٍ فَلَا بُدَّ مِنْ تَوْقِيتِهِ حَتَّى يَعْلَمَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُكْرِي وَالْمُكْتَرِي الْوَقْتَ الَّذِي يُسَافِرُ فِيهِ فَيَأْخُذَ لَهُ أُهْبَتَهُ فَقَدْ يَنْقُصُ الْكِرَاءُ فِي وَقْتٍ لِخَطَرِهِ وَيُزَادُ فِي وَقْتٍ لِغَلَبَةِ الْأَمْنِ فِيهِ فَلَوْ فُرِضَ عَدَمُ تَعْيِينِهِ لَكَانَ الْغَرَرُ يَلْقَى الْمُكْرِي فِي صُورَةٍ، وَالْمُكْتَرِي فِي أُخْرَى، أَوْ كِلَيْهِمَا، وَالْعُدُولُ عَنْ ارْتِكَابِ الْغَرَرِ مَتَى أَمْكَنَ وَاجِبٌ (الثَّانِي) تَعْيِينُ الْمَحَلِّ الَّذِي قُصِدَ السَّفَرُ إلَيْهِ، وَالِاسْتِقْرَارُ فِيهِ، وَهُوَ الَّذِي عَبَّرَ عَنْهُ بِالْمَقَرِّ، وَذَلِكَ لِاخْتِلَافِ الْأَمْكِنَةِ بِالْقُرْبِ، وَالْبُعْدِ، وَالْأَمْنِ، وَالْخَوْفِ، وَذَلِكَ ظَاهِرٌ، وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِالْبَيْتِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ أَخْبَرَ فِي الْبَيْتِ الثَّانِي: أَنَّ كِرَاءَ السُّفُنِ عَلَى الْبَلَاغِ كَالْجُعْلِ الَّذِي لَا أُجْرَةَ فِيهِ إلَّا بِتَمَامِ الْعَمَلِ فَإِنْ غَرِقَتْ أَوْ انْكَسَرَتْ فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ فَلَا كِرَاءَ لِصَاحِبِهَا، وَضَمِيرُ فِيهَا لِلسُّفُنِ، وَضَمِيرُ لَهُ لِلْمُكْرِي (ابْنُ عَرَفَةَ) فِي حُكْمِ كِرَاءِ السُّفُنِ اضْطِرَابٌ قَالَ ابْن رُشْدٍ: قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرِوَايَتُهُ أَنَّهُ عَلَى الْبَلَاغِ كَالْجُعْلِ الَّذِي لَا يَجِبُ إلَّا بِتَمَامِ الْعَمَلِ كَانَ عَلَى قَطْعِ الْمُوَسَّطَةِ أَوْ الرِّيفِ وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ اكْتَرَى سَفِينَةً فَغَرِقَتْ فِي ثُلُثَيْ الطَّرِيقِ وَغَرِقَ مَا فِيهَا مِنْ طَعَامٍ وَغَيْرِهِ فَلَا كِرَاءَ لِرَبِّهَا وَأَرَى ذَلِكَ عَلَى الْبَلَاغِ زَادَ فِي الْمُنْتَخَبِ: وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ (فِي الْمُتَيْطِيَّةِ) كِرَاءُ السُّفُنِ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ جَائِزٌ إذَا عَيَّنُوا وَقْتَ الْخُرُوجِ فِيهَا سَوَاءٌ كَانَ جَرْيُهَا مَعَ الرِّيحِ، أَوْ مُلَجِّجَةً فِي الْبَحْرِ، وَلَا يُحْتَاجُ فِيهَا إلَى اشْتِرَاطِ مُدَّةٍ لِأَنَّ الرِّيَاحَ تُسْرِعُ وَتُبْطِئُ. (تَنْبِيهٌ) قَالَ الشَّارِحُ مَا مَعْنَاهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ كِرَاءُ السُّفُنِ عَلَى الْبَلَاغِ، وَلَا شَيْءَ لَهُ قَبْلَهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنَّهُ إذَا تَكَسَّرَ قَبْلَ الْبَلَاغِ وَبَعْدَ قُرْبِهِ مِنْ مَحَلِّهِ إشْكَالٌ لِأَنَّ رَبَّ الْمَتَاعِ قَدْ انْتَفَعَ وَلِذَلِكَ رَأَى أَصْبَغُ أَنَّ عَلَيْهِ مِنْ الْكِرَاءِ فِي مِثْلِ هَذِهِ بِقَدْرِ مَا انْتَفَعَ حَسْبَمَا حَكَاهُ عَنْهُ فِي النَّوَادِرِ قَوْلُهُ ظَاهِرٌ جِدًّا وَمِمَّا يَلْحَقُ بِالتَّقْصِيرِ عَنْ الْبَلَاغِ مُجَاوَزَتُهُ إيَّاهُ مَحَلَّ اشْتِرَاطِ النُّزُولِ فَفِي النَّوَادِرِ مِنْ مَسَائِلِ ابْنِ عَبْدُوسٍ فِي قَوْمٍ اكْتَرَوْا مَرْكَبًا مِنْ الْإِسْكَنْدَرِيَّة إلَى طَرَابُلُسَ فَزَادَتْ بِهِمْ الرِّيحُ إلَى سُوسَةَ وَمِنْ الْمَتَاعِ رَبُّهُ أَوْ وَكِيلُهُ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ طَرَابُلُسَ أَوْ غَيْرِهَا فَذَلِكَ سَوَاءٌ فَإِنْ شَاءَ أَخْرَجَ مَتَاعَهُ بِسُوسَةَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِزِيَادَةِ الْمَسَافَةِ وَإِنْ شَاءَ الرُّجُوعَ إلَى طَرَابُلُسَ بِالْمَتَاعِ خَاصَّةً أَوْ بِنَفْسِهِ خَاصَّةً أَوْ بِالْأَمْرَيْنِ فَذَلِكَ لَهُ لِأَنَّهُ شَرَطَهُ، وَلَا يُنْظَرُ إلَى غَلَاءِ الْمَتَاعِ، وَلَا إلَى رُخْصِهِ بَسُوسَةَ اُنْظُرْ تَمَامَ كَلَامِهِ فِي الْمَسْأَلَةِ ثُمَّ اسْتَطْرَدَ الْكَلَامَ عَلَى اخْتِلَافِ الْمُتَكَارِيَيْنِ فِي الْمَحَلِّ الْمُشْتَرَطِ فَقَالَ الْمُكْرِي: إلَى بَرْقَةَ بِمِائَةٍ وَقَالَ الْمُكْتَرِي: بَلْ لِإِفْرِيقِيَّةَ بِمِائَةٍ، وَعَلَى اخْتِلَافِهِمَا فِي قَبْضِ الْكِرَاءِ فَانْظُرْهُ إنْ شِئْت [فَصْلٌ فِي الْإِجَارَةِ] ِ تَقَدَّمَ أَوَّلَ بَابِ الْكِرَاءِ أَنَّ الِاصْطِلَاحَ تَسْمِيَةُ شِرَاءِ مَنْفَعَةِ غَيْرِ الْآدَمِيِّ كِرَاءً، وَمَنْفَعَةُ الْآدَمِيِّ إجَارَةً، وَقَدْ حَدَّ ابْنُ عَرَفَةَ الْإِجَارَةَ بِقَوْلِهِ: " بَيْعُ مَنْفَعَةِ مَا أَمْكَنَ نَقْلُهُ غَيْرَ سَفِينَةٍ وَلَا حَيَوَانٍ لَا يَعْقِلُ بِعِوَضٍ غَيْرِ نَاشِئٍ عَنْهَا بَعْضُهُ يَتَبَعَّضُ بِتَبْعِيضِهَا " اهـ. وَكَأَنَّهُ أَطْلَقَ الْبَيْعَ عَلَى الْعَقْدِ وَلَوْ قَالَ: عَقْدٌ عَلَى مَنْفَعَةٍ إلَخْ لَكَانَ أَوْلَى لِأَنَّ الْإِجَارَةَ خَارِجَةٌ عَنْ الْبَيْعِ الْأَعَمِّ وَالْأَخَصِّ وَأَخْرَجَ بِقَوْلِهِ: " مَا أَمْكَنَ نَقْلُهُ " كِرَاءَ الدُّورِ وَالْأَرَضِينَ وَقَوْلُهُ: " غَيْرَ سَفِينَةٍ " مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ أَخْرَجَ بِهِ كِرَاءَ السُّفُنِ وَقَوْلُهُ

وَلَا حَيَوَانٍ لَا يَعْقِلُ " أَخْرَجَ بِهِ كِرَاءَ الرَّوَاحِلِ فَإِنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ مِنْ بَابِ الْكِرَاءِ لَا مِنْ بَابِ الْإِجَارَةِ، وَأَمَّا مَنْفَعَةُ الْحَيَوَانِ الْعَاقِلِ فَهِيَ الْإِجَارَةُ الْمُرَادَةُ هُنَا، وَذَكَرَ الْعِوَضَ لِأَنَّهُ أَحَدُ أَرْكَانِ الْإِجَارَةِ، ثُمَّ وَصَفَهُ بِكَوْنِهِ غَيْرَ نَاشِئٍ عَنْهَا لِيُخْرِجَ الْقِرَاضَ، وَالْمُسَاقَاةَ وَالْمُغَارَسَةَ، وَأَخْرَجَ الْجُعْلَ بِقَوْلِهِ: " يَتَبَعَّضُ بِتَبْعِيضِهَا ". وَقَوْلُهُ: " بَعْضُهُ يَتَبَعَّضُ " ضَمِيرُ " بَعْضُهُ " لِلْعِوَضِ، وَضَمِيرُ بِتَبْعِيضِهَا لِلْإِجَارَةِ وَكَأَنَّهُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ بِتَبْعِيضِ عَمَلِهَا، وَلَوْ قَالَ جُلُّهُ يَتَبَعَّضُ إلَخْ لَكَانَ أَنْسَبَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (قَالَهُ الْإِمَامُ ابْنُ عَرَفَةَ) إنَّمَا ذَكَرْته خَوْفًا مِنْ نَقْضِ عَكْسِ الْحَدِّ لِأَجْلِ قَوْله تَعَالَى {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ} [القصص: 27] لِأَنَّ هَذِهِ الصُّورَةَ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهَا إجَارَةٌ عِوَضُهَا الْبُضْعُ وَهُوَ لَا يَتَبَعَّضُ فَلَوْ أَسْقَطْت قَوْلِي بَعْضُهُ وَقُلْت يَتَبَعَّضُ بِتَبْعِيضِهَا لَخَرَجَتْ هَذِهِ الصُّورَةُ مِنْ الْحَدِّ فَكَانَ غَيْرَ مُنْعَكِسٍ مِنْ الرَّصَّاعِ الْعَمَلُ الْمَعْلُومُ مِنْ تَعْيِينِهِ ... يَجُوزُ فِيهِ الْأَجْرُ مَعَ تَبْيِينِهِ وَلِلْأَجِيرِ أُجْرَةٌ مُكَمِّلَهْ ... إنْ تَمَّ أَوْ بِقَدْرِ مَا قَدْ عَمِلَهْ يَعْنِي أَنَّ الْعَمَلَ الْمَعْلُومَ أَيْ لِلْعَامِلِ وَالْمَعْمُولِ لَهُ الَّذِي عَمِلَهُ حَاصِلٌ مِنْ تَعْيِينِهِ أَيْ مِنْ تَعْيِينِ قَدْرِهِ وَجِنْسِهِ وَصِفَتِهِ وَالتَّعْيِينُ إمَّا بِالْعَادَةِ أَوْ بِالِاتِّفَاقِ عَلَيْهِ فَإِنَّ الْإِجَارَةَ عَلَيْهِ جَائِزَةٌ إذَا وَقَعَ مَعَ الْبَيَانِ الْمَذْكُورِ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّعْيِينِ الْبَيَانُ فَهُوَ أَيْ قَوْلُهُ مَعَ تَبْيِينِهِ كَالْمُسْتَغْنَى عَنْهُ مِمَّا قَبْلَهُ ثُمَّ إنْ أَكْمَلَ ذَلِكَ الْعَمَلَ فَلِلْأَجِيرِ أُجْرَتُهُ كَامِلَةً، وَإِنْ لَمْ يُكْمِلْ فَلَهُ بِقَدْرِ مَا عَمِلَ مِنْهُ وَهَذَا مَعْنَى الْبَيْتَيْنِ (قَالَ اللَّخْمِيُّ) : " الْإِجَارَةُ مُنْعَقِدَةٌ كَالْبِيَاعَاتِ ". (وَفِي الْمُتَيْطِيَّةِ) وَالْإِجَارَةُ عَلَى جَمِيعِ الْأَعْمَالِ مِنْ خِيَاطَةٍ، وَصَبْغٍ، وَدَبْغٍ، وَصِيَاغَةٍ، وَقِصَارَةٍ، وَغَيْرِ ذَلِكَ جَائِزَةٌ إذَا سَمَّى الثَّمَنَ، وَوَصَفَ الْعَمَلَ. وَفِي الْمُنْتَخَبِ وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ اُسْتُؤْجِرَ عَلَى عَمَلٍ يَعْمَلُهُ، فَعَمِلَ بَعْضَهُ ثُمَّ مَاتَ الْعَامِلُ فَقَالَ: " أَمَّا مَا كَانَ مِنْ عَمَلٍ يَعْمَلُهُ بِيَدِهِ فَإِنَّهُ يُحْتَسَبُ مَا قَدْ عَمِلَ ثُمَّ يُرَدُّ مَا بَقِيَ، وَأَمَّا مَا كَانَ مَضْمُونًا فَهُوَ فِي مَالِهِ، وَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ الْعَامِلُ وَفَاءً حَاصَّ الْمُسْتَعْمَلُ الْغُرَمَاءَ بِقَدْرِ مَا بَقِيَ مِنْ الْعَمَلِ يَوْمَ يُحَاصُّ بِهِ، وَلَيْسَ عَلَى قَدْرِ مَا بَقِيَ مِنْ إجَارَتِهِ اهـ. وَإِلَى الْقِسْمِ الْأَوَّلِ وَهُوَ مَا يَعْمَلُهُ بِيَدِهِ أَشَارَ النَّاظِمُ بِقَوْلِهِ: " وَلِلْأَجِيرِ أُجْرَةٌ مُكَمِّلَهْ " (الْبَيْتَ) وَلَمْ يَتَكَلَّمْ عَلَى الْقِسْمِ الثَّانِي، وَهُوَ الْمَضْمُونُ، وَمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ مِنْ تَبْيِينِ الْأَجْرِ هُوَ الْمَشْهُورُ، وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ: " أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِاسْتِعْمَالِ الْخَيَّاطِ الْمُخَالِطِ الَّذِي لَا يَكَادُ يُخَالِفُ مُسْتَعْمِلَهُ دُونَ تَسْمِيَةِ أَجْرٍ إذَا فَرَغَ أَرْضَاهُ بِشَيْءٍ يُعْطِيهِ، وَمِنْ هَذَا: اعْمَلْ عَلَى دَابَّتِي فَمَا حَصَلَ فَلَكَ نِصْفُهُ وَأَخَذَ عَطِيَّةُ بْنُ قَيْسٍ فَرَسًا عَلَى النِّصْفِ وَأَجَازَ ذَلِكَ الْأَوْزَاعِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ اهـ. (الْمَوَّاقُ) وَكَانَ سَيِّدِي ابْنُ سِرَاجٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيمَا هُوَ جَارٍ عَلَى هَذَا لَا يُفْتِي بِفِعْلِهِ ابْتِدَاءً، وَلَا يُشَنِّعُ عَلَى مَنْ ارْتَكَبَهُ قُصَارَى أَمْرِ مُرْتَكِبِهِ أَنَّهُ تَارِكٌ لِلْوَرَعِ، وَمَا الْخِلَافُ فِيهِ شَهِيرٌ لَا حِسْبَةَ فِيهِ وَلَا سِيَّمَا إنْ دَعَتْ لِذَلِكَ حَاجَةٌ وَمِنْ أُصُولِ مَالِكٍ: أَنَّهُ يُرَاعِي الْحَاجَاتِ كَمَا يُرَاعِي الضَّرُورَاتِ. (وَمِنْ نَوَازِلِ الشَّعْبِيِّ) وَسُئِلَ أَصْبَغُ عَنْ رَجُلٍ اسْتَأْجَرَ مَنْ يَعْمَلُ لَهُ فِي كَرْمٍ عَلَى جُزْءٍ مِمَّا يَخْرُجُ مِنْ الْكَرْمِ قَالَ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ قِيلَ لَهُ: وَكَذَلِكَ جَمِيعُ مَا يُضْطَرُّ إلَيْهِ مِثْلُ مَنْ يَسْتَأْجِرُ الْأَجِيرَ يَحْرُسُ لَهُ الزَّرْعَ، وَلَهُ بَعْضُهُ قَالَ: يُنْظَرُ إلَى أَمْرِ النَّاسِ إذَا اُضْطُرُّوا إلَيْهِ فِيمَا لَا بُدَّ لَهُمْ مِنْهُ وَلَا يَجِدُونَ الْعَمَلَ إلَّا بِهِ، فَأَرْجُو أَنْ لَا يَكُونَ بِهِ بَأْسٌ إذَا عَمَّ وَمِثْلُ ذَلِكَ كِرَاءُ السُّفُنِ فِي حَمْلِ الطَّعَامِ وَسُئِلَ سَيِّدِي ابْنُ سِرَاجٍ عَنْ إعْطَاءِ الْجِبَاحِ لِمَنْ يَخْدُمُهَا بِجُزْءٍ مِنْ غَلَّتِهَا فَقَالَ: " هِيَ إجَارَةٌ مَجْهُولَةٌ "، وَكَذَلِكَ الْأَفْرَانُ، وَالْأَرْحَاءُ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ ذَلِكَ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَسْتَبِيحُ الْقِيَاسَ عَلَى الْمُسَاقَاةِ، وَالْقِرَاضِ، وَحُكِيَ هَذَا عَنْ ابْنِ سِيرِينَ، وَجَمَاعَةٍ، وَعَلَيْهِ يَخْرُجُ الْيَوْمَ عَمَلُ النَّاسِ فِي أُجْرَةِ الدَّلَّالِ لِحَاجَةِ النَّاسِ إلَيْهَا لِقِلَّةِ الْأَمَانَةِ، وَكَثْرَةِ الْخِيَانَةِ كَمَا اعْتَذَرَ مَالِكٌ بِمِثْلِ هَذَا فِي إبَاحَةِ تَأْخِيرِ الْأُجْرَةِ فِي الْكِرَاءِ الْمَضْمُونِ فِي طَرِيقِ الْحَجِّ لِأَنَّ الْأَكْرِيَاءَ رُبَّمَا لَا يُوفُونَ فَعَدَّ مَالِكٌ هَذَا ضَرُورَةَ إبَاحَةِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ فَالنَّاسُ مُضْطَرُّونَ لِهَذَا وَاَللَّهُ الْمُخَلِّصُ. انْتَهَى بِاخْتِصَارٍ

وَنُقِلَ عَلَى قَوْلِهِ فِي فَصْلِ الْجُعْلِ: جُعْلًا عُلِمَ أَنَّ الْجَعَالَةَ عَلَى اقْتِضَاءِ الدَّيْنِ بِجُزْءٍ مِمَّا يُقْتَضَى (أَشْهَبُ) لَا يُجِيزُهُ قَالَ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ جَائِزٌ، وَنَقَلَ الشَّارِحُ مَسْأَلَةَ إعْطَاءِ السَّفِينَةِ بِجُزْءٍ عَنْ ابْنِ سِرَاجٍ سُؤَالًا وَجَوَابًا، وَقَالَ فِي أَثْنَاءِ جَوَابِهِ بِجَوَازِ ذَلِكَ إذَا اُضْطُرَّ إلَيْهِ لِأَنَّهُ عُلِمَ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ مُرَاعَاةُ الْمَصْلَحَةِ إذَا كَانَتْ كُلِّيَّةً حَاجِيَّةً، وَهَذَا مِنْهَا، وَأَيْضًا فَإِنَّ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ، وَجَمَاعَةً مِنْ عُلَمَاءِ السَّلَفِ أَجَازُوا الْإِجَارَةَ بِالْجُزْءِ فِي جَمِيعِ الْإِجَارَاتِ قِيَاسًا عَلَى الْقِرَاضِ، وَالْمُسَاقَاةِ، وَالشَّرِكَةِ، وَغَيْرِهَا مِمَّا اُسْتُثْنِيَ جَوَازُهُ فِي الشَّرْعِ، وَقَدْ اخْتَلَفَ الْأُصُولِيُّونَ فِي جَوَازِ الِانْتِقَالِ مِنْ مَذْهَبٍ إلَى آخَرَ فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ وَالصَّحِيحُ مِنْ جِهَةِ النَّظَرِ جَوَازُهُ ثُمَّ قَالَ الشَّارِحُ بَعْدَ جَوَابِ ابْنِ سِرَاجٍ مَا نَصُّهُ " أَقُولُ إنْ عُمِلَ بِمُقْتَضَى هَذِهِ الْفُتْيَا فُتِحَتْ مَسَائِلُ كَثِيرَةٌ ظَاهِرُهَا الْمَنْعُ عَلَى أَصْلِ الْمَذْهَبِ، وَنَظَرُ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي هَذِهِ الْفُتْيَا سَدِيدٌ، وَاحْتِجَاجُهُ فِيهَا ظَاهِرٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَنَفَعَ بِهِ اهـ. وَالْقَوْلُ لِلْعَامِلِ حَيْثُ يُخْتَلَفْ ... فِي شَأْنِهَا بَعْدَ الْفَرَاغِ إنْ حَلَفْ وَإِنْ جَرَى النِّزَاعُ قَبْلَ الْعَمَلِ ... تَحَالَفَا، وَالْفَسْخُ بَيِّنٌ جَلِيِّ يَعْنِي أَنَّهُ إذَا اخْتَلَفَ الْعَامِلُ، وَالْمَعْمُولُ لَهُ فِي شَأْنِ الْأُجْرَةِ فَإِنْ كَانَ اخْتِلَافُهُمَا بَعْدَ فَرَاغِ الْعَامِلِ مِنْ عَمَلِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ يَعْنِي إذَا ادَّعَى مَا يُشْبِهُ، وَهَذَا الْقَيْدُ وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِهِ النَّاظِمُ فَقَدْ اُعْتُمِدَ عَلَى مَا هُوَ عَامٌّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَغَيْرِهَا مِنْ تَقْيِيدِ مَنْ يَجْعَلُ الْقَوْلَ قَوْلَهُ بِذَلِكَ فَإِنْ ادَّعَى مَا لَا يُشْبِهُ رُدَّ إلَى أُجْرَةِ مِثْلِهِ، وَإِنْ اخْتَلَفَا قَبْلَ الْعَمَلِ فَإِنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ، وَيَتَفَاسَخَانِ عَلَى حُكْمِ الْقَاعِدَةِ الْعَامَّةِ فِي هَذِهِ الْأَبْوَابِ كُلِّهَا، وَعَبَّرَ النَّاظِمُ بِالشَّأْنِ لِيَشْمَلَ الِاخْتِلَافَ فِي وُقُوعِ عَقْدِ الْإِجَارَةِ، وَعَدَمِ وُقُوعِهِ كَمَا لَوْ قَالَ رَبُّ الشَّيْءِ: لَمْ أَسْتَعْمِلْك فِيهِ وَإِنَّمَا جَعَلْته عِنْدَك وَدِيعَةً، وَيَشْمَلَ أَيْضًا الِاخْتِلَافَ فِي كَوْنِ الْعَمَلِ بِأُجْرَةٍ أَوْ بَاطِلًا بِلَا أَجْرٍ، وَيَشْمَلَ أَيْضًا الِاخْتِلَافَ فِي قَدْرِ الْأُجْرَةِ، وَفِي صِفَةِ الْمَصْنُوعِ، وَنَوْعِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَأْتِي وَكَأَنَّ هَذَا تَرْجَمَةٌ لِمَا بَعْدَهُ. (قَالَ فِي الْمُقَرَّبِ) قُلْت لَهُ: فَلَوْ أَنَّ صَانِعًا عَمِلَ لِي عَمَلًا فَقُلْت لَهُ إنَّمَا عَمِلْته بَاطِلًا وَقَالَ: إنَّمَا عَمِلْته بِأَجْرٍ كَذَا قَالَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْعَامِلِ إذَا أَتَى بِمَا يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ أَجْرَ ذَلِكَ الْعَمَلِ وَإِلَّا رُدَّ إلَى إجَارَةِ مِثْلِهِ، وَقَالَ غَيْرُهُ لِأَنَّ رَبَّ الثَّوْبِ قَدْ أَقَرَّ لَهُ بِالْعَمَلِ، وَادَّعَى: أَنَّهُ وَهَبَهُ إيَّاهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ وَإِلَّا حَلَفَ الصَّانِعُ كَانَ لَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَكْثَرَ مِمَّا ادَّعَى فَلَا يُزَادُ عَلَيْهِ. (قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ) ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ رَبُّ الْعَمَلِ لَمْ أَسْتَعْمِلْك فِيهِ وَإِنَّمَا جَعَلْتُهُ عِنْدَك وَدِيعَةً فَالْقَوْلُ أَيْضًا قَوْلُ الْعَامِلِ لِأَنَّ الصُّنَّاعَ الْأَمْرُ فِيمَا بَيْنَهُمْ، وَبَيْنَ النَّاسِ أَنَّهُمْ لَا يَشْهَدُونَ وَلَوْ جَازَ قَوْلُ النَّاسِ عَلَيْهِمْ لَذَهَبُوا بِأَعْمَالِهِمْ بَاطِلًا. (وَفِي الْمُتَيْطِيَّةِ) فَإِنْ اخْتَلَفَا بَعْدَ الْعَمَلِ فَقَالَ رَبُّ الْمُبْتَاعِ: آجَرْتُك بِكَذَا، وَقَالَ الصَّانِعُ: بَلْ بِكَذَا وَكِلَاهُمَا يُشْبِهُ فَقَالَ فِي الْعُتْبِيَّةِ: الْقَوْلُ قَوْلُ الْخَيَّاطِ، وَلَهُ الْمُسَمَّى مِنْ الْأُجْرَةِ يُرِيدُ مَعَ يَمِينِهِ ثُمَّ قَالَ، وَفِي الْمُدَوَّنَةِ: الْقَوْلُ قَوْلُ الصَّانِعِ قَالَ الْمُتَيْطِيُّ وَإِنْ تَخَالَفَا فِي الثَّمَنِ قَبْلَ الْعَمَلِ غَالِبًا. وَإِنْ يَكُنْ فِي صِفَةِ الْمَصْنُوعِ ... أَوْ نَوْعِهِ النِّزَاعُ ذَا وُقُوعِ فَالْقَوْلُ لِلصَّانِعِ مِنْ بَعْدِ الْحَلِفْ ... وَذَاكَ فِي مِقْدَارِ أُجْرَةٍ عُرِفْ فَإِنْ يَكُنْ مِنْهُ نُكُولٌ حَلَفَا ... رَبُّ الْمَتَاعِ وَلَهُ مَا وَصَفَا يَعْنِي إذَا تَنَازَعَ الصَّانِعُ وَالْمَصْنُوعُ لَهُ إمَّا فِي صِفَةِ الْمَصْنُوعِ، أَوْ فِي نَوْعِهِ، أَوْ فِي مِقْدَارِ الْأُجْرَةِ فَإِنَّ الْقَوْلَ فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ قَوْلُ الصَّانِعِ مَعَ يَمِينِهِ وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِالْبَيْتَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ فَإِنْ نَكَلَ الصَّانِعُ عَنْ الْيَمِينِ حَلَفَ رَبُّ الشَّيْءِ الْمَصْنُوعِ وَيَكُونُ لَهُ مَا قَالَ فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِالْبَيْتِ الثَّالِثِ (قَالَ فِي الْمُنْتَخَبِ) فَإِنْ قَالَ الْحَائِكُ: أَمَرْتَنِي أَنْ أَنْسِجَ ثَوْبَك ثَلَاثًا فِي سِتَّةٍ، وَقَالَ رَبُّهُ: بَلْ سَبْعًا

فِي أَرْبَعٍ فَالْحَائِكُ مُصَدَّقٌ مَعَ يَمِينِهِ كَذَلِكَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي سَمَاعِ عِيسَى قَالَ مُحَمَّدٌ: " وَإِنْ اخْتَلَفَ الْحَائِكُ، وَصَاحِبُ الثَّوْبِ قَبْلَ الْعَمَلِ تَحَالَفَا وَتَفَاسَخَا "، وَكَذَلِكَ جَمِيعُ الصُّنَّاعِ قَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ قَالَ مُحَمَّدٌ: فَإِنْ اخْتَلَفَ الصَّانِعُ وَرَبُّ الثَّوْبِ فَقَالَ الصَّانِعُ عَمِلْته بِأَرْبَعَةِ دَرَاهِمَ، وَقَالَ رَبُّ الثَّوْبِ بِدِرْهَمَيْنِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الصَّانِعِ " كَذَلِكَ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ فِي مُخْتَصَرِهِ، (وَفِي الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ) فَلَوْ اخْتَلَفَا فِي الْأُجْرَةِ فِي الْقَلِيلِ مِنْهَا وَالْكَثِيرِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الصَّانِعِ مَعَ يَمِينِهِ إذَا فَاتَ الثَّوْبُ وَأَتَى بِمَا يُشْبِهُ فَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِمَا يُشْبِهُ وَأَشْبَهَ مَا قَالَهُ رَبُّ الْمَتَاعِ حَلَفَ، وَغَرِمَ فِي أُجْرَةِ الصَّانِعِ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ اهـ. (وَفِي تَبْصِرَةِ اللَّخْمِيِّ) إنْ كَانَ اخْتِلَافُهُمَا فِي خِيَاطَةٍ، فَقَالَ: أَحَدُهُمَا عَرَبِيَّةٌ، وَقَالَ الْآخِرُ: رُومِيَّةٌ، وَأَتَيَا جَمِيعًا بِمَا يُشْبِهُ فِي الْخِيَاطَةِ، أَوْ اخْتَلَفَا فِي صُنْعٍ فَقَالَ: أَحَدُهُمَا أَحْمَرُ، وَقَالَ الْآخَرُ: أَخْضَرُ، وَأَشْبَهَ مَا قَالَا لِكَوْنِ الصَّبَّاغِ يَصْبِغُ الصِّبْغَيْنِ وَالثَّوْبُ مِمَّا يَحْسُنُ أَنْ يُصْبَغَ بِهِمَا كَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ: فَأَصْلُ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الصَّانِعِ أَنَّهُ لَمْ يَتَعَدَّ، وَيَسْتَحِقُّ الْمُسَمَّى مِنْ الْإِجَارَةِ اهـ. وَالنِّزَاعُ اسْمُ يَكُنْ، وَذَا وُقُوعِ خَبَرُهَا فِي صِفَةٍ يَتَعَلَّقُ بِوُقُوعِ، وَنَوْعُهُ عَطْفٌ عَلَى صِفَةٍ، وَقَوْلُهُ: " فَالْقَوْلُ لِلصَّانِعِ " مُبْتَدَأٌ، وَخَبَرٌ، وَالْجُمْلَةُ جَوَابُ الشَّرْطِ وَهُوَ " وَإِنْ يَكُنْ " وَالْإِشَارَةُ بِذَاكَ لِلْحُكْمِ الْمُتَقَدِّمِ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الصَّانِعِ وَضَمِيرُ مِنْهُ لِلصَّانِعِ وَضَمِيرُ لَهُ لِرَبِّ الْمَتَاعِ وَالْقَوْلُ قَوْلُ صَانِعِ الْمَتَاعِ فِي ... تَنَازُعٍ فِي الرَّدِّ مَعَ حَلْفٍ قُفِيّ يَعْنِي إذَا اخْتَلَفَ الصَّانِعُ، وَرَبُّ الْمَتَاعِ الْمَصْنُوعِ فِي الرَّدِّ فَقَالَ الصَّانِعُ: رَدَدْت إلَيْك شَيْئَك، وَقَالَ صَاحِبُ الْمَتَاعِ مَازَالَ عِنْدَك، وَلَمْ تَرُدَّهُ إلَيَّ فَإِنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ صَاحِبِ الْمَتَاعِ مَعَ يَمِينِهِ، وَظَاهِرُ إطْلَاقِهِ قَبَضَهُ بِبَيِّنَةٍ أَوْ لَا عَمِلَهُ بِأَجْرٍ أَوْ لَا وَهُوَ كَذَلِكَ. (قَالَ فِي الْمُنْتَخَبِ) : قَالَ سَحْنُونٌ قُلْت لَهُ: فَإِنْ قَالَ الصُّنَّاعُ لِأَرْبَابِ السِّلَعِ قَدْ رَدَدْنَاهَا عَلَيْكُمْ وَكَانُوا قَدْ اُسْتُعْمِلُوا بِأَجْرٍ، أَوْ بِغَيْرِ أَجْرٍ، وَقَدْ دُفِعَتْ الْأَعْمَالُ إلَيْهِمْ بِبَيِّنَةٍ، أَوْ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ فَقَالَ: قَالَ مَالِكٌ: " عَلَيْهِمْ أَنْ يُقِيمُوا الْبَيِّنَةَ أَنَّهُمْ دَفَعُوا السِّلَعَ إلَى أَهْلِهَا وَإِلَّا غُرِّمُوا سَوَاءٌ دَفَعُوا إلَيْهِمْ بِبَيِّنَةٍ، أَوْ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ، عَمِلُوا بِأَجْرٍ أَوْ بِغَيْرِ أَجْرٍ، وَمِثْلُهُ فِي النَّوَادِرِ مِنْ كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ مِنْ الشَّارِحِ وَجُمْلَةُ قُفِيّ أَيْ تُبِعَ بِالْبِنَاءِ لِلنَّائِبِ صِفَةُ الْحَلِفِ فَالْحَلِفُ مَتْبُوعٌ، وَالتَّابِعُ لَهُ الْحُكْمُ بِكَوْنِ الْقَوْلِ قَوْلَ صَاحِبِ الْمَتَاعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَلَوْ قُرِئَ قَفَى بِفَتْحِ الْقَافِ مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ الَّذِي هُوَ الْحَلِفُ فَيَكُونُ الْحَلِفُ تَبَعًا لِلْحُكْمِ الْمُتَقَدِّمِ الَّذِي هُوَ كَوْنُ الْقَوْلِ قَوْلَ صَاحِبِ الْمَتَاعِ لَكَانَ أَظْهَرَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَالْقَوْلُ لِلْأَجِيرِ إنْ كَانَ سَأَلْ ... بِالْقُرْبِ مِنْ فَرَاغِهِ أَجْرَ الْعَمَلْ بَعْدَ يَمِينِهِ لِمَنْ يُنَاكِرُ ... وَبَعْدَ طُولٍ يَحْلِفُ الْمُسْتَأْجِرُ يَعْنِي إذَا اخْتَلَفَ الصَّانِعُ، وَالْمَصْنُوعُ لَهُ فِي دَفْعِ الْأُجْرَةِ فَقَالَ صَاحِبُ الْمَتَاعِ: دَفَعَتْ الْأُجْرَةَ وَقَالَ الصَّانِعُ لَمْ تَدْفَعْ إلَيَّ شَيْئًا فَفِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ فَإِنْ كَانَ قِيَامُ الصَّانِعِ بِالْقُرْبِ مِنْ فَرَاغِهِ مِنْ الْعَمَلِ، فَالْقَوْلُ لِلصَّانِعِ مَعَ يَمِينِهِ أَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْ الْأُجْرَةَ، وَإِنْ كَانَ قِيَامُهُ بَعْدَ طُولٍ، فَالْقَوْلُ لِرَبِّ الْمَتَاعِ مَعَ يَمِينِهِ أَنَّهُ دَفَعَ الْأُجْرَةَ، وَالْقُرْبُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمَانِ، وَنَحْوُهُمَا، وَالطُّولُ مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ (قَالَ فِي الْمُنْتَخَبِ) : قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ قِيلَ لِمَالِكٍ: فَالصُّنَّاعُ إذَا دَفَعُوا مَا اُسْتُعْمِلُوا فِيهِ إلَى مَنْ اسْتَعْمَلَهُمْ، ثُمَّ أَتَوْا يَطْلُبُونَ حُقُوقَهُمْ قَالَ: الْقَوْلُ قَوْلُهُمْ إذَا قَامُوا بِحِدْثَانِ مَا دَفَعُوا الْمَتَاعَ، وَإِنْ تَطَاوَلَ ذَلِكَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الْمَتَاعِ اهـ. وَمَحَلُّ هَذَا التَّفْصِيلِ بَعْدَ دَفْعِ الْمَتَاعِ لِرَبِّهِ، وَأَمَّا قَبْلَهُ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الصَّانِعِ وَلَوْ بَعْدَ طُولٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. . وَالْوَصْفُ مِنْ مُسْتَهْلِكٍ لِمَا تَلَفْ ... فِي يَدِهِ يُقْضَى بِهِ بَعْدَ الْحَلِفْ وَشَرْطُهُ إتْيَانُهُ بِمُشْبِهِ ... وَإِنْ لِجَهْلٍ أَوْ نُكُولٍ يَنْتَهِي فَالْقَوْلُ قَوْلُ خَصْمِهِ فِي وَصْفِهِ ... مُسْتَهْلَكًا بِمُشْبِهٍ مَعَ حَلْفِهِ يَعْنِي أَنَّ مَنْ اسْتَهْلَكَ شَيْئًا سَوَاءٌ كَانَ مِنْ هَؤُلَاءِ الصُّنَّاعِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِمْ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ، وَلَزِمَهُ غُرْمُهُ، فَإِنَّهُ يُغَرَّمُ قِيمَتَهُ إنْ كَانَ مُقَوَّمًا، أَوْ مِثْلَهُ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا، وَهَذَا يَأْتِي فِي الْبَيْتَيْنِ بَعْدَ هَذِهِ ثُمَّ اتَّفَقَ الْمَالِكُ

فصل في الجعل

لِذَلِكَ الشَّيْءِ، وَالْمُسْتَهْلِكُ لَهُ عَلَى صِفَةِ ذَلِكَ الْمُسْتَهْلَكِ فَلَا إشْكَالَ أَنَّ الْمُسْتَهْلِكَ يُغَرَّمُ مِثْلَهُ فِي الْوَصْفِ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا، أَوْ قِيمَتَهُ عَلَى ذَلِكَ الْوَصْفِ إنْ كَانَ مُقَوَّمًا، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي وَصْفِهِ فَوَصَفَهُ مَالِكُهُ بِأَحْسَنَ مِمَّا وَصَفَهُ بِهِ مُسْتَهْلِكُهُ فَإِنَّ الْعَمَلَ عَلَى مَا وَصَفَهُ بِهِ الْمُسْتَهْلِكُ، وَيَحْلِفُ أَنَّهُ كَانَ عَلَى وَصْفِهِ بِهِ، وَهَذَا إذَا أَتَى بِمَا يُشْبِهُ، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ النَّاظِمُ بِقَوْلِهِ: " وَالْوَصْفُ مِنْ مُسْتَهْلِكٍ " إلَى قَوْلِهِ " إتْيَانُهُ بِمُشْبِهٍ "، وَفُهِمَ مِنْهُ أَنَّهُ إذَا ادَّعَى فِي صِفَةِ ذَلِكَ الشَّيْءِ مَا لَا يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ فَلَا يُمَكَّنُ مِنْ الْوَصْفِ وَالْيَمِينِ وَعَلَيْهِ بَلْ يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الشَّيْءِ الْمُسْتَهْلَكِ مَعَ يَمِينِهِ إذَا أَتَى بِمَا يُشْبِهُ أَيْضًا، وَحُكْمُهُ كَمَا يَذْكُرُهُ النَّاظِمُ فِيمَا إذَا جَهِلَ الْمُسْتَهْلِكُ أَوْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ. (قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ) : مَنْ غَصَبَ أَمَةً، وَادَّعَى هَلَاكَهَا، وَاخْتَلَفَا فِي صِفَتِهَا صُدِّقَ الْغَاصِبُ فِي الصِّفَةِ مَعَ يَمِينِهِ إذَا أَتَى بِمَا يُشْبِهُ وَإِلَّا صُدِّقَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ فِي الصِّفَةِ مَعَ يَمِينِهِ اهـ نَقَلَهُ الْمَوَّاقُ عَلَى قَوْلِهِ فِي بَابِ الْغَصْبِ، وَالْقَوْلُ لَهُ فِي تَلَفِهِ، وَنَعْتِهِ، وَقَدْرِهِ وَقَوْلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ: " صُدِّقَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ " يَعْنِي إذَا أَتَى بِمَا يُشْبِهُ أَيْضًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ النَّاظِمُ فِي مَسْأَلَةِ الْجَهْلِ وَالنُّكُولِ قَوْلُهُ: " وَإِنْ لِجَهْلٍ أَوْ نُكُولٍ إلَخْ. . . " لَمَّا ذَكَرَ: أَنَّ الْمُسْتَهْلِكَ هُوَ الَّذِي يَصِفُ الشَّيْءَ الْمُسْتَهْلَكَ مَعَ يَمِينِهِ ذَكَرَ هُنَا: أَنَّهُ إذَا ادَّعَى جَهْلَ صِفَتِهِ، أَوْ عِلْمَهَا، وَوَصَفَهُ وَنَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ فَإِنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ رَبِّ الشَّيْءِ الْمُسْتَهْلَكِ مَعَ يَمِينِهِ إذَا أَتَى أَيْضًا بِمَا يُشْبِهُ، فَقَوْلُهُ: " وَالْوَصْفُ " مُبْتَدَأٌ، أَوْ " لِمَا تَلِفْ " يَتَعَلَّقُ بِهِ " فِي يَدِهِ " يَتَعَلَّقُ بِ " تَلِفْ "، وَالضَّمِيرُ لِلْأَجِيرِ لِتَقَدُّمِهِ فِي أَوَّلِ الْبَيْتَيْنِ قَبْلَهُ، وَإِنْ كَانَ غَيْرُ الْأَجِيرِ قَدْ يَصِفُ أَيْضًا مَا اسْتَهْلَكَهُ كَمَا نَبَّهْنَا عَلَيْهِ أَوَّلَ شَرْحِ الْأَبْيَاتِ فَمَفْهُومُهُ مَفْهُومُ مُوَافَقَةٍ " وَمِنْ مُسْتَهْلِكٍ " خَبَرُ الْوَصْفِ وَكَأَنَّهُ أَوْقَعَ الظَّاهِرَ مَوْقِعَ الضَّمِيرِ لِأَنَّ الْمُسْتَهْلِكَ هُوَ الْأَجِيرُ أَيْ وَالْوَصْفُ لِمَا تَلِفَ فِي يَدِ الْأَجِيرِ يَكُونُ مِنْهُ، وَجُمْلَةُ " يُقْضَى بِهِ " خَبَرٌ بَعْدَ خَبَرٍ، وَبَعْدَ الْحَلِفِ يَتَعَلَّقُ بِيَقْضِي، وَضَمِيرُ شَرْطِهِ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ كَوْنِ الْوَصْفِ مِنْ الْمُسْتَهْلِكِ، وَ " لِجَهْلٍ " يَتَعَلَّقُ بِيَنْتَهِي، وَفَاعِلُ يَنْتَهِي يَعُودُ عَلَى الْمُسْتَهْلِكِ بِالْكَسْرِ، وَمَعْنَى " يَنْتَهِي " لِجَهْلٍ أَوْ نُكُولٍ أَيْ ادَّعَى أَحَدُهُمَا، وَالْمُرَادُ بِخَصْمِهِ رَبُّ الشَّيْءِ الْمُسْتَهْلَكِ وَ " فِي وَصْفِهِ " يَتَعَلَّقُ بِ " قَوْلُ " الثَّانِي وَ " مُسْتَهْلَكًا " بِفَتْحِ اللَّامِ مَفْعُولُ " وَصْفِ " وَ " بِمُشْبِهٍ " يَتَعَلَّقُ بِوَصْفِهِ وَمَعَ حَلِفِهِ حَالُ " قَوْلُ " الثَّانِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَكُلُّ مَنْ ضُمِّنَ شَيْئًا أَتْلَفَهْ ... فَهْوَ مُطَالَبٌ بِهِ أَنْ يُخْلِفَهْ وَفِي ذَوَاتِ الْمِثْلِ مِثْلٌ يَجِبُ ... وَقِيمَةٌ فِي غَيْرِهِ تُسْتَوْجَبُ لَمَّا عَيَّنَ الْوَاصِفَ لِلشَّيْءِ الْمُسْتَهْلَكِ ذَكَرَ هُنَا مَا يَضْمَنُهُ الْمُسْتَهْلِكُ بَعْدَ الْوَصْفِ وَالْيَمِينِ فَأَخْبَرَ هُنَا أَنَّ كُلَّ مَنْ أَتْلَفَ شَيْئًا فَوَجَبَ عَلَيْهِ ضَمَانُهُ بِإِتْلَافِهِ فَإِنَّهُ مُطَالَبٌ بِإِخْلَافِهِ فَإِنْ كَانَ الْمُتْلَفُ بِالْفَتْحِ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ فَيَضْمَنُ مِثْلَهُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ ذَوَاتِ الْقِيَمِ ضَمِنَ قِيمَتَهُ قَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ (فِي الْمَعُونَةِ) إذَا أَتْلَفَ عَلَى غَيْرِهِ شَيْئًا لَزِمَهُ بَدَلُ الْمُتْلَفِ إلَى صَاحِبِهِ وَالْبَدَلُ نَوْعَانِ مِثْلٌ مِنْ طَرِيقِ الْخِلْقَةِ وَالصُّورَةِ، وَمِثْلٌ مِنْ طَرِيقِ الْقِيمَةِ، فَاَلَّذِي مِنْ طَرِيقِ الْخِلْقَةِ وَالصُّورَةِ وَهُوَ كُلُّ مَا يُكَالُ، أَوْ يُوزَنُ لَزِمَهُ رَدُّ مِثْلِهِ لَا قِيمَتِهِ وَذَلِكَ كَالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ، وَالْحَدِيدِ، وَالصُّفْرِ، وَالنُّحَاسِ، وَالْحِنْطَةِ، وَالشَّعِيرِ، وَسَائِرِ الْمَأْكُولَاتِ، وَلَا تَلْزَمُهُ الْقِيمَةُ لِأَنَّ الْقِيمَةَ إنَّمَا يُصَارُ إلَيْهَا عِنْدَ تَعَذُّرِ الْمِثْلِ مِنْ طَرِيقِ الْخِلْقَةِ لِأَنَّهَا ضَرْبٌ مِنْ الْحُكْمِ وَالِاجْتِهَادُ فِي تَعْدِيلِهَا بِالْمُتْلَفِ وَالْمِثْلُ مِنْ طَرِيقِ الْخِلْقَةِ لَا اجْتِهَادَ فِيهِ فَكَانَ ذَلِكَ كَالِاجْتِهَادِ مَعَ وُجُودِ النَّصِّ أَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِيهِ ثُمَّ قَالَ فَأَمَّا مَا لَا يُكَالُ، وَلَا يُوزَنُ كَالثِّيَابِ، وَسَائِرِ الْعُرُوضِ، وَالرَّقِيقِ، وَالْحَيَوَانِ فَيَلْزَمُهُ بِإِتْلَافِهِ قِيمَتَهُ دُونَ مِثْلِهِ مِنْ جِنْسِهِ خِلَافًا لِمَنْ حُكِيَ عَنْهُ أَنَّهُ يَلْزَمُ مِثْلُهُ مِنْ جِنْسِهِ لِأَنَّ كُلَّ مَا لَا يُكَالُ، وَلَا يُوزَنُ فَالْغَرَضُ مِنْهُ عَيْنُهُ دُونَ مِثْلِهِ، فَوَجَبَ فِيهِ قِيمَةُ الْعَيْنِ، وَمَا يُكَالُ، أَوْ يُوزَنُ الْغَرَضُ مَبْلَغُهُ فِيهِ مِثْلُهُ لَا قِيمَتُهُ [فَصْلٌ فِي الْجُعْلِ] (فَصْلٌ فِي الْجُعْلِ) (ابْنُ عَرَفَةَ) الْجُعْلُ: عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ عَلَى

عَمَلِ آدَمِيٍّ يَجِبُ عِوَضُهُ بِتَمَامِهِ لَا بَعْضُهُ بِبَعْضِهِ فَقَوْلُهُ عَلَى عَمَلِ آدَمِيٍّ أَخْرَجَ بِهِ كِرَاءَ الرَّوَاحِلِ وَالسُّفُنِ وَكِرَاءَ الْأَرَضِينَ وَقَوْلُهُ يَجِبُ عِوَضُهُ بِتَمَامِهِ أَخْرَجَ بِهِ الْقِرَاضَ لِعَدَمِ وُجُوبِ عِوَضِهِ لِجَوَازِ تَجْرِهِ وَلَا رِبْحَ، وَكَذَلِكَ يَخْرُجُ بِهِ الْمُسَاقَاةُ، وَالشَّرِكَةُ فِي الْحَرْثِ لِجَوَازِ عَدَمِ الْغَلَّةِ، وَعَدَمِ الزَّرْعِ، وَقَوْلُهُ لَا بَعْضُهُ بِبَعْضِهِ أَخْرَجَ بِهِ الْإِجَارَةَ، وَالْمُسَاقَاةَ فَإِنَّهُ إنْ تُرِكَ لَهُ بِحِسَابِ مَا عَمِلَ وَفِي الْجُعْلِ لَا شَيْءَ لَهُ إلَّا بِالتَّمَامِ. الْجُعْلُ عَقْدٌ جَائِزٌ لَا يَلْزَمُ ... لَكِنْ بِهِ بَعْدَ الشُّرُوعِ يُحْكَمُ وَلَيْسَ يَسْتَحِقُّ مِمَّا يُجْعَلُ ... شَيْئًا سِوَى إذَا يَتِمُّ الْعَمَلُ كَالْحَفْرِ لِلْبِئْرِ وَرَدِّ الْآبِقِ ... وَلَا يُحَدُّ بِزَمَانٍ لَاحِقِ يَعْنِي أَنَّ الْجُعْلَ عَقْدٌ جَائِزٌ، أَيْ غَيْرُ لَازِمٍ، فَمَنْ شَاءَ مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ الرُّجُوعَ عَنْهُ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الْعَمَلِ فَقَوْلُهُ: " لَا يَلْزَمُ " هُوَ تَفْسِيرٌ لِجَائِزٍ قَالَ الْقَرَافِيُّ: وَذَلِكَ لِأَنَّهُ مِنْ الْعُقُودِ الَّتِي لَا تَسْتَلْزِمُ مَصْلَحَةً مَعَ اللُّزُومِ بَلْ مَعَ الْجَوَازِ عَدَمُ اللُّزُومِ وَهِيَ خَمْسَةٌ: الْجِعَالَةُ، وَالْقِرَاضُ، وَالْمُغَارَسَةُ، وَالْوِكَالَةُ، وَتَحْكِيمُ الْحَاكِمِ مَا لَمْ يَشْرَعَا فِي الْخُصُومَةِ فَإِنَّ الْجِعَالَةَ لَوْ شُرِعَتْ لَازِمَةً مَعَ أَنَّهُ قَدْ يَطَّلِعُ عَلَى فَرْطِ بُعْدِ مَكَانِ الْآبِقِ أَوْ عَدَمِهِ مَعَ دُخُولِهِ عَلَى الْجِعَالَةِ بِمَكَانَةٍ، فَيُؤَدِّي ذَلِكَ لِضَرُورَةٍ فَجُعِلَتْ جَائِزَةً لِئَلَّا تَجْتَمِعَ الْجَهَالَةُ بِالْمَكَانِ وَاللُّزُومُ وَهُمَا مُتَنَافِيَانِ، ثُمَّ عَلَّلَ عَدَمَ اللُّزُومِ فِي بَقِيَّةِ الْعُقُودِ الْمَذْكُورَةِ بِمَا يُوقَفُ عَلَيْهِ فِي الْفَرْقِ التَّاسِعِ وَالْمِائَتَيْنِ وَقَسَّمَ هُنَالِكَ الْعُقُودَ إلَى قِسْمَيْنِ: مُسْتَلْزِمٌ لِمَصْلَحَةٍ عِنْدَ الْعَقْدِ فَشَرَعَهُ عَلَى اللُّزُومِ تَحْصِيلًا لِلْمَصْلَحَةِ، وَتَرْتِيبًا لِلْمُسَبَّبِ عَلَى السَّبَبِ، وَهُوَ الْأَصْلُ كَالْبَيْعِ، وَالْإِجَارَةِ، وَالْهِبَةِ، وَغَيْرُ مُسْتَلْزِمٍ، فَشَرَعَهُ عَلَى الْجَوَازِ نَفْيًا لِلضَّرَرِ عَنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ لِأَنَّهُ قَدْ تَظْهَرُ أَمَارَةٌ فَلَا يُكَلَّفُ مَا يَضُرُّهُ، وَلَا يَجْرِي لَهُ. اُنْظُرْ تَمَامَ كَلَامِهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَنَقَلَهُ الشَّيْخُ الْمَنْجُورُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ قَوْلِهِ الْمَنْهَجُ كَذَا اللُّزُومُ فِي الْعُقُودِ أَصْلٌ إلَخْ، فَرَاجِعْ أَيَّهُمَا يَتَيَسَّرُ لَك، وَقَدْ قَسَّمَ الشَّيْخُ ابْنُ غَازِيٍّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَابِعًا لِغَيْرِهِ الْعُقُودَ إلَى: مَا يَلْزَمُ بِالْعَقْدِ، وَمَا لَا يَلْزَمُ وَمَا فِيهِ خِلَافٌ وَنَظَمَ ذَلِكَ فِي ثَلَاثَةِ أَبْيَاتٍ فَقَالَ: أَرْبَعَةٌ بِالْقَوْلِ عَقْدُهَا فِرَا ... بَيْعٌ نِكَاحٌ وَسِقَاءٌ وَكِرَا لَا الْجُعْلُ، وَالْقِرَاضُ، وَالتَّوْكِيلُ ... وَالْحُكْمُ فَالْفِعْلُ بِهَا كَفِيلُ لَكِنَّ فِي الْغِرَاسِ وَالْمُزَارَعَهْ ... وَالشَّرِكَاتِ بَيْنَهُمْ مُنَازَعَهْ وَفِرَا آخِرَ الشَّطْرِ الْأَوَّلِ مِنْ الْبَيْتِ الْأَوَّلِ مَعْنَاهُ: قَطْعٌ، وَالْمُرَادُ بِهِ اللُّزُومُ، وَانْقِطَاعُ التَّشَوُّفِ لِلْحِلِّ وَمِنْهُ فَرَى الْأَوْدَاجَ أَيْ قَطَعَهَا. وَقَوْلُهُ: لَكِنْ بِهِ بَعْدَ الشُّرُوعِ يُحْكَمُ يَعْنِي أَنَّ عَدَمَ لُزُومِهِ إنَّمَا هُوَ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الْعَمَلِ، أَمَّا بَعْدَهُ، فَيُحْكَمُ بِلُزُومِهِ وَلَكِنَّ لُزُومَهُ بَعْدَ الشُّرُوعِ إنَّمَا هُوَ لِلْجَاعِلِ، أَمَّا الْمَجْعُولُ لَهُ فَلَا يَلْزَمُهُ وَلَوْ شَرَعَ فَلَهُ التَّرْكُ مَتَى شَاءَ فَإِذَا تَرَكَ، فَلَا شَيْءَ لَهُ مِنْ الْجُعْلِ قَالَ الشَّيْخُ خَلِيلُ: " وَلَزِمَتْ الْجَاعِلَ بِالشُّرُوعِ ". (قَالَ ابْنُ يُونُسَ) : " لِلْجَاعِلِ أَنْ يَفْسَخَ الْجِعَالَةَ إذَا لَمْ يَشْرَعْ الْمَجْعُولُ لَهُ فِي الْعَمَلِ، وَأَمَّا بَعْدَ الشُّرُوعِ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ. " وَأَمَّا الْعَامِلُ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ لَهُ أَنْ يَدَعَ الْجِعَالَةَ مَتَى شَاءَ، وَلَا شَيْءَ لَهُ وَقَوْلُهُ: وَلَيْسَ يَسْتَحِقُّ مِمَّا يُجْعَلُ ... شَيْئًا سِوَى إذَا يَتِمُّ الْعَمَلُ يَعْنِي أَنَّ الْمَجْعُولَ لَهُ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا مِنْ الْجُعْلِ إلَّا بِتَمَامِ الْعَمَلِ، فَإِنْ لَمْ يُتِمَّهُ، فَلَا شَيْءَ لَهُ، وَلَيْسَ كَالْإِجَارَةِ الَّتِي لَهُ فِيهَا بِحِسَابِ مَا عَمِلَ وَكَوْنُهُ لَا شَيْءَ لَهُ إلَّا بِالتَّمَامِ هُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا كَانَ مَا عَمِلَهُ لَا انْتِفَاعَ بِهِ لِلْجَاعِلِ أَمَّا مَا لَهُ بِهِ انْتِفَاعٌ فَلَهُ أُجْرَتُهُ عَلَيْهِ. (قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ) : قَالَ مَالِكٌ: " وَالْجُعَلُ يَدَعُهُ الْعَامِلُ مَتَى شَاءَ وَلَا شَيْءَ

لَهُ يُرِيدُ: إلَّا أَنْ يَنْتَفِعَ الْجَاعِلُ بِمَا عَمِلَ مِثْلَ: أَنْ يَحْمِلَ خَشَبَةً إلَى مَوْضِعِ كَذَا، فَتَرَكَهَا فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ، فَيَسْتَأْجِرُ رَبُّهَا مَنْ يَأْتِيه بِهَا، أَوْ يَعْجَزُ عَنْ حَفْرِ الْبِئْرِ بَعْدَ أَنْ ابْتَدَأَ فِيهَا، ثُمَّ جَاعَلَ صَاحِبُهُ آخَرَ، فَأَتَمَّهَا فَهَذَا يَكُونُ لِلثَّانِي جَمِيعُ إجَارَتِهِ الَّتِي عَاقَدَهُ عَلَيْهَا، وَيَكُونُ لِلْأَوَّلِ بِقَدْرِ مَا انْتَفَعَ بِهِ الْجَاعِلُ مِمَّا حَطَّ عَنْهُ مِنْ جُعْلِ الثَّانِي اُنْظُرْ الْمَوَّاقَ قَوْلُهُ: كَالْحَفْرِ لِلْبِئْرِ وَرَدِّ الْآبِقِ هُوَ تَمْثِيلٌ لِلْجُعْلِ وَقَوْلُهُ: وَلَا يُحَدُّ بِزَمَانٍ لَاحِقٍ " يَعْنِي كَمَا قَالَ فِي الرِّسَالَةِ: " وَلَا يُضْرَبُ فِي الْجُعْلِ أَجَلٌ فِي رَدِّ آبِقٍ أَوْ حَفْرِ بِئْرٍ " قَالَ مَالِكٌ: " الْجُعْلُ يَدْعُهُ الْعَامِلُ مَتَى شَاءَ، وَلَا يَكُونُ مُؤَجَّلًا " اهـ. وَعَلَّلَ ذَلِكَ بِكَوْنِ الْمَجْعُولِ لَهُ لَهُ التَّرْكُ مَتَى شَاءَ، فَلَا وَجْهَ لِتَحْدِيدِهِ بِزَمَنٍ. (تَنْبِيهٌ) قَالَ ابْنُ شَاسٍ: لَا يُشْتَرَطُ فِي مُتَعَاقِدِي الْجُعْلِ إلَّا أَهْلِيَّةُ الِاسْتِئْجَارِ، وَالْعَمَلِ وَشَرْطُ الْجُعْلِ أَنْ يَكُونَ، مَعْلُومًا، مُقَدَّرًا كَالْأُجْرَةِ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ مَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ثَمَنًا فِي الْإِجَارَةِ أَوْ جُعْلًا. اهـ فَلِذَلِكَ لَوْ جَعَلَ رَبُّ الْآبِقِ نِصْفَ الْعَبْدِ لِمَنْ جَاءَ بِهِ لَمْ يَجُزْ، وَكَانَ لَهُ إذَا جَاءَ بِهِ جُعْلُ مِثْلِهِ (الْمَوَّاقُ) وَظَاهِرُ سِيَاقِهِ أَنَّهُ لِابْنِ رُشْدٍ، وَالْأَظْهَرُ مِنْ الْقَوْلَيْنِ: أَنْ لَا تَجُوزَ الْمُجَاعَلَةُ عَلَى لَقْطِ الزَّيْتُونِ بِالْجُزْءِ مِنْهُ لِأَنَّ أَوَّلَهُ أَهْوَنُ مِنْ آخِرِهِ، وَالْمُجَاعَلَةُ عَلَى اقْتِضَاءِ الدَّيْنِ بِالْجُزْءِ مِمَّا

فصل في المساقاة

يُقْتَضَى فَأَشْهَبُ لَا يُجِيزُهُ، وَإِلَّا ظَهَرَ أَنَّهُ جَائِزٌ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَوَّلِهِ، وَآخِرِهِ فِي الْعَنَاءِ فِي اقْتِضَائِهِ، وَأَمَّا الْحَصَادُ، وَالْجِذَاذُ فَلَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ فِي جَوَازِ الْمُجَاعَلَةِ فِيهِ عَلَى الْجُزْءِ مِنْهُ بِأَنْ يَقُولَ لَهُ: جُذَّ مِنْ نَخْلِي مَا شِئْت، أَوْ: اُحْصُدْ مِنْ زَرْعِي مَا شِئْت عَلَى أَنَّ لَك مِنْ كُلِّ مَا تَحْصُدُ، أَوْ تَجُذُّ جُزْءًا اهـ. (قَالَ الشَّارِحُ) : " مُشَارَطَةُ الطَّبِيبِ وَالْمُعَلِّمِ عَلَى وَجْهَيْنِ فَإِنْ ضَرَبَا أَجَلًا، فَهِيَ إجَارَةٌ، وَإِنْ عَلَّقَاهُ بِالْبُرْءِ أَوْ الْحِفْظِ لِلْقُرْآنِ، أَوْ لِبَعْضِهِ، فَهُوَ جُعْلٌ. وَاسْتَشْكَلَهُ الشَّارِحُ لِأَنَّهُمْ اشْتَرَطُوا أَنْ لَا يَكُونَ لِلْجَاعِلِ فِيمَا لَمْ يَتِمَّ مِنْهُ فَائِدَةٌ حَتَّى مَنَعُوا حَفْرَ الْبِئْرِ فِي الدَّارِ مُجَاعَلَةً لِئَلَّا يَتْرُكَ الْمَجْعُولُ لَهُ الْعَمَلَ، فَيَبْقَى الْبِئْرُ لِصَاحِبِ الدَّارِ مِرْحَاضًا وَالطَّبِيبُ قَدْ يَتْرُكُ فِي نِصْفِ الْبُرْءِ، أَوْ بَعْدَ أَنْ يُشْرِفَ عَلَى الْبُرْءِ، فَيَكُونُ قَدْ انْتَفَعَ الْعَلِيلُ بِذَلِكَ الْقَدْرِ مِنْ ذَهَابِ عِلَّتِهِ، وَلَا يَدْفَعُ شَيْئًا، وَالصَّبِيُّ قَدْ يَحْفَظُ بَعْضَ الْقُرْآنِ، فَيَنْتَفِعُ بِذَلِكَ إنْ تَرَكَ الْمَجْعُولُ لَهُ الْعَمَلَ، فَيَذْهَبُ عَمَلُهُ مَجَّانًا، وَيَنْتَفِعُ الْجَاعِلُ وَانْفَصَلَ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ فِي اشْتِرَاطِ عَدَمِ الْمَنْفَعَةِ لِلْجَاعِلِ خِلَافًا فَمَنْ اشْتَرَطَ ذَلِكَ مَنَعَ مُشَارَطَتَهُمَا عَلَى وَجْهِ الْجُعْلِ، وَمَنْ لَمْ يَشْتَرِطْ أَجَازَهَا هَذَا حَاصِلُ مَا قَالَ هُنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَصْلٌ فِي الْمُسَاقَاةِ] ِ الْمُسَاقَاةُ مُفَاعَلَةٌ مَنْ السَّقْيِ فَتُكْتَبُ بِالْهَاءِ وَمَا قَبْلَهَا مُحَرَّكٌ فِي الْأَصْلِ وَيُنْصَبُ بِالْفَتْحَةِ لِأَنَّهُ مُفْرَدٌ (نَقَلَ الرَّصَّاعِ) فِي شَرْحِ الْحُدُودِ عَنْ الْجَوْهَرِيِّ أَنَّ الْمُسَاقَاةَ اسْتِعْمَالُ رَجُلٍ رَجُلًا فِي نَحْلٍ أَوْ كَرْمٍ يَقُومُ بِإِصْلَاحِهِمَا لِيَكُونَ لَهُ سَهْمٌ مَعْلُومٌ مَنْ غَلَّتِهِمَا قَالَ وَهَذَا قَرِيبٌ مَنْ الْحَقِيقَةِ الشَّرْعِيَّةِ إلَّا أَنَّ فِيهِ قُصُورًا عَنْهَا فَإِنَّهَا أَعَمُّ أَيْ لِأَنَّهَا لَا تَخْتَصُّ بِالنَّخْلِ وَالْكَرْمِ فَيَكُونُ فِي الشَّرْحِ تَعْمِيمٌ لِمَا خَصَّصَهُ فِي اللُّغَةِ قَالَ وَوَقَعَ فِي لَفْظِ عِيَاضٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهَا مَشَقَّةٌ مَنْ السَّقْيِ لِلثَّمَرَةِ لِأَنَّهُ مُعْظَمُ عَمَلِهَا وَأَصْلُ مَنْفَعَتِهَا. وَقَالَ الشَّيْخُ عَقْدٌ عَلَى عَمَلِ مُؤْنَةِ النَّبَاتِ بِقَدْرٍ لَا مِنْ غَيْرِ غَلَّتِهِ لَا بِلَفْظِ بَيْعٍ أَوْ أَجَارَةٍ أَوْ جَعْلٍ فَيَدْخُلُ فِيهِ قَوْلُهَا لَا بَأْسَ بِالْمُسَاقَاةِ عَلَى أَنَّ كُلَّ الثَّمَرَةِ لِلْعَامِلِ وَمُسَاقَاةُ الْبَعْلِ قَوْلُهُ عَلَى عَمَلِ مُؤْنَةٍ أَخْرَجَ بِهِ الْعَقْدَ عَلَى حِفْظِ مَالٍ أَوْ التَّجْرِبَةِ وَقَوْلُهُ مُؤْنَةُ النَّبَاتِ أَخْرَجَ بِهِ مُؤْنَةَ الْمَالِ وَعَمَّ النَّبَاتَ لِيَشْمَلَ مَا كَانَ سَقْيًا أَوْ بَعْلًا وَقَوْلُهُ بِقَدْرِ مَعْنَاهُ بِعِوَضٍ وَقَوْلُهُ لَا مَنْ غَيْرِ غَلَّتِهِ عَطْفٌ عَلَى مُقَدَّرٍ رَأْي بِعِوَضٍ مَنْ غَلَّتِهِ لَا مَنْ غَيْرِ غَلَّتِهِ (عِيَاضٌ) لَا تَنْعَقِدُ إلَّا بِلَفْظِ الْمُسَاقَاةِ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ فَلَوْ قَالَ اسْتَأْجَرْتُك عَلَى عَمَلِ حَائِطِي أَوْ سَقْيِهِ بِنِصْفِ ثَمَرَتِهِ أَوْ رُبْعِهَا لَمْ يَجُزْ حَتَّى يُسَمِّيَهَا مُسَاقَاةً (ابْنُ شَاسٍ) الْمُسَاقَاةُ سُنَّةٌ عَلَى حِيَالِهَا مُسْتَثْنَاهُ مَنْ الْمُخَابَرَةِ وَكِرَاءِ الْأَرْضِ بِمَا يَخْرُجُ مِنْهَا أَوْ بِالْجُزْءِ وَمِنْ بَيْعِ الثَّمَرَةِ وَالْإِجَارَةِ بِهَا قَبْلَ طِيبِهَا وَقَبْلَ وُجُودِهَا وَمِنْ الْإِجَارَةِ بِالْمَجْهُولِ وَبِالْغَرَرِ إنَّ الْمُسَاقَاةَ عَلَى الْمُخْتَارِ ... لَازِمَةٌ بِالْعَقْدِ فِي الْأَشْجَارِ وَالزَّرْعِ لَمْ يَيْبَسْ وَقَدْ تَحَقَّقَا ... قِيلَ مَعَ الْعَجْزِ وَقِيلَ مُطْلَقَا وَأَلْحَقُوا الْمَقَاثِي بِالزَّرْعِ وَمَا ... كَالْوَرْدِ وَالْقُطْنِ عَلَى مَا قُدِّمَا أَخْبَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْمُسَاقَاةَ الَّتِي هِيَ الْعَقْدُ عَلَى عَمَلِ النَّبَاتِ مِنْ سَقْيٍ وَغَيْرِهِ عَقْدٌ لَازِمٌ لِكُلٍّ مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ بِنَفْسِ الْعَقْدِ وَإِنْ لَمْ يَشْرَعْ فِي الْعَمَلِ عَلَى الْقَوْلِ الْمُخْتَارِ فِي ذَلِكَ وَمُقَابِلُ الْمُخْتَارِ أَنَّهَا مُنْحَلَّةٌ غَيْرُ لَازِمَةٍ إلَّا بِالشُّرُوعِ وَتَقَدَّمَ فِي نَظْمِ ابْنِ غَازِيٍّ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْقَوْلِ الَّذِي ذَكَرَ النَّاظِمُ أَنَّهُ الْمُخْتَارُ مِنْ اللُّزُومُ وَتَجُوزُ فِي الْأَشْجَارِ سَوَاءٌ عَجَزَ رَبُّهَا عَنْ سَقْيِهَا أَوْ عِلَاجِهَا أَوْ لَا فَقَوْلُهُ فِي

الْأَشْجَارِ لَا يَتَعَلَّقُ بِلَازِمَةٍ كَمَا قَدْ يَتَبَادَرُ بَلْ بِتَجَوُّزِ مِقْدَارٍ كَمَا قَرَّرْنَاهُ. وَإِلَى هَذَا أَشَارَ النَّاظِمُ بِالْبَيْتِ الْأَوَّلِ ثُمَّ أَخْبَرَ فِي الْبَيْتِ الثَّانِي أَنَّهَا تَجُوزُ فِي الزَّرْعِ قَبْلَ يُبْسِهِ بَعْدَ تَحَقُّقِ كَوْنِهِ زَرْعًا بِشَرْطِ عَجْزِ رَبِّهِ عَنْ عَمَلِهِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ وَمُطْلَقًا عَجَزَ عَنْ عَمَلِهِ أَوْ لَمْ يَعْجِزْ فَيَكُونُ كَالْأَشْجَارِ فِي قَوْلِهِ ابْنُ نَافِعٍ (ابْنُ رُشْدٍ) مَا كَانَ غَيْرَ ثَابِتٍ فِي الْأَصْلِ كَالْقِثَّاءِ وَالْبَاذِنْجَانِ وَالزَّرْعِ وَالْكَمُّونِ وَقَصَبِ السُّكَّرِ لَا تَجُوزُ فِيهِ الْمُسَاقَاةُ حَتَّى يَعْجِزَ عَنْهُ صَاحِبُهُ هَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ (ابْنُ يُونُسَ) رَأَى مَالِكٌ أَنَّ السُّنَّةَ إنَّمَا وَرَدَتْ فِي الثِّمَارِ فَجُعِلَ الزَّرْعُ وَمَا أَشْبَهَهُ أَخْفَضَ رُتْبَةً مِنْ الثِّمَارِ فَلَمْ يُجِزْهَا إلَّا عِنْدَ شِدَّةِ الضَّرُورَةِ الَّتِي هِيَ سَبَبُ إجَازَةِ الْمُسَاقَاةِ وَهُوَ أَنْ يَعْجِزَ عَنْ الْقِيَامِ بِهِ وَبَعْدَ خُرُوجِهِ مِنْ الْأَرْضِ فَيَصِيرَ نَبْتًا كَالشَّجَرِ اهـ. فَقَوْلُهُ وَالزَّرْعِ هُوَ بِالْخَفْضِ عَطْفٌ عَلَى الْأَشْجَارِ وَجُمْلَةُ لَمْ يَيْبَسْ صِفَةٌ لِلزَّرْعِ وَأَشَارَ بِذَلِكَ إلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي جَوَازِ مُسَاقَاةِ الزَّرْعِ أَنْ يَكُونَ لَمْ يَيْبَسْ أَمَّا أَنْ يَبِسَ وَبَدَا صَلَاحُهُ وَحَلَّ بَيْعُهُ فَلَا يَجُوزُ مُسَاقَاتُهُ وَيَأْتِي لِلنَّاظِمِ التَّصْرِيحُ بِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي جَوَازِ الْمُسَاقَاةِ فِي الزَّرْعِ وَغَيْرِهِ أَنْ لَا يَحِلَّ بَيْعُهُ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ وَقَدْ تَحَقَّقَا إلَى اشْتِرَاطِ خُرُوجِهِ مِنْ الْأَرْضِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي آخِرِ كَلَامِ ابْنِ يُونُسَ وَبَقِيَ عَلَى النَّاظِمِ مِنْ الشُّرُوطِ الَّتِي ذَكَرَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ فِي قَوْلِهِ كَزَرْعٍ وَقَصَبٍ وَبَصَلٍ وَمَقْثَاةٍ إنْ عَجَزَ رَبُّهُ وَخِيفَ مَوْتُهُ وَبَرَزَ وَلَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ خَوْفُهُ عَلَى مَوْتِهِ وَرُبَّمَا اسْتَرْوَحَ مِنْ شَرْطِ عَجَزَ رَبُّهُ لِأَنَّهُ إذًا لَمْ يَخَفْ عَلَيْهِ الْمَوْتَ فَلَيْسَ بِعَاجِزٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَقَوْلُهُ قِيلَ مَعَ الْعَجْزِ وَقِيلَ مُطْلَقَا يَرْجِعُ لِلزَّرْعِ فَقَطْ لَا لَهُ وَلِلْأَشْجَارِ ثُمَّ أَشَارَ النَّاظِمُ بِالْبَيْتِ الثَّالِثِ إلَى أَنَّ الْفُقَهَاءَ أَلْحَقُوا الْمَقَاثِئَ وَمَا أَشْبَهَهُمَا كَالْكَتَّانِ وَالْبَصَلِ بِالزَّرْعِ أَيْ فِي جَوَازِ مُسَاقَاتِهِ بِالشُّرُوطِ الْمَذْكُورَةِ وَقَالَ الشَّارِحُ فِي اشْتِرَاطِ الْعَجْزِ وَعَدَمِهِ وَقَوْلُهُ وَمَا كَالْوَرْدِ قَالَ الشَّارِحُ لَيْسَ هُوَ مَعْطُوفًا عَلَى الْمَقَاثِئِ الْمُلْحَقَةِ بِالزَّرْعِ لِإِيهَامِهِ كَوْنَ الْوَرْدِ لَا تَجُوزُ مُسَاقَاتُهُ إلَّا مَعَ الْعَجْزِ وَإِنَّمَا هُوَ الْمَعْطُوفُ عَلَى الْأَشْجَارِ وَيَكُونُ قَدْ ذَهَبَ فِي الْقُطْنِ عَلَى مَا حَكَى ابْنُ الْمَوَّازِ مِنْ جَوَازِ مُسَاقَاتِهِ وَإِنْ يَعْجِزَ عَنْهُ لَا عَلَى مَا حَكَى ابْنُ يُونُسَ عَنْ بَلَدِهِ وَأَمَّا الْوَرْدُ فَتَجُوزُ مُسَاقَاتُهُ وَإِنْ لَمْ يَعْجِزْ عَنْهُ اتِّفَاقًا (قُلْت) وَالْأَوْلَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنْ يَكُونَ مَا مِنْ قَوْلِهِ وَمَا كَالْوَرْدِ مَوْصُولًا مُبْتَدَأٌ وَكَالْوَرْدِ يَتَعَلَّقُ بِفِعْلٍ وَاجِبِ الْإِضْمَارِ صِلَةُ مَا وَالْقُطْنِ مَعْطُوفٌ عَلَى كَالْوَرْدِ عَلَى مَا قَدِّمَا خَبَرٌ مَا وَمَعْنَاهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْخِلَافِ فِي اشْتِرَاطِ عَجْزِ رَبِّهِ عَنْهُ وَعَدَمِ اشْتِرَاطِهِ فَفِي كِتَابِ ابْنِ يُونُسَ وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ وَلَا بَأْسَ بِمُسَاقَاةِ الْوَرْدِ وَالْيَاسَمِينِ وَالْقُطْنِ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ وَإِنْ لَمْ يَعْجِزْ عَنْ ذَلِكَ رَبُّهُ قَالَ ابْنُ يُونُسَ لِأَنَّ الْقُطْنَ عِنْدَهُمْ شَجَرٌ يُجْنِي سِنِينَ فَهُوَ كَالْأُصُولِ الثَّابِتَةِ وَأَمَّا بِبَلَدِنَا فَلَا تَجُوزُ مُسَاقَاتُهُ إلَّا أَنْ يَعْجِزَ عَنْهُ رَبُّهُ لِأَنَّ أَصْلَهُ غَيْرُ ثَابِتٍ اهـ. وَفِي الْمَوَّاق عَلَى قَوْلِهِ وَهَلْ كَذَلِكَ الْوَرْدُ وَنَحْوَهُ وَالْقُطْنُ مَا نَصُّهُ تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّ الْوَرْدَ وَالْيَاسَمِينَ لَا يُعْتَبَرُ فِيهِمَا الْعَجْزُ بِاتِّفَاقٍ وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْقُطْنِ وَالزَّرْعِ أَيْ فَيُشْتَرَطُ الْعَجْزُ فِي الْقُطْنِ خِلَافًا لِمَنْ تَأَوَّلَ الْمُدَوَّنَةَ عَلَى أَنَّ الْقُطْنَ كَالْوَرْدِ أَيْ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَجْزُ وَقَوْلُ ابْنِ يُونُسَ اُخْتُلِفَ فِي الْوَرْدِ وَقَصَبِ الْحُلْوِ اهـ. فَقَوْلُهُ وَقَوْلُ ابْنِ يُونُسَ هُوَ مَخْفُوضٌ عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ لِمَنْ تَأَوَّلَ فَتَحَصَّلَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْوَرْدَ لَا يُشْتَرَطُ عَجْزُ رَبِّهِ اتِّفَاقًا عِنْدَ ابْنِ رُشْدٍ وَهُوَ كَالشَّجَرِ وَإِنَّ الزَّرْعَ يُشْتَرَطُ فِيهِ عَجْزُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ وَالْقُطْنُ لَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ فِيهِ عَلَى مَا تَأَوَّلَهُ أَكْثَرُ الشُّيُوخِ وَقَوْلُهُ عَلَى مَا قَدِمَا قَالَ الشَّارِحُ أَيْ عَلَى مَا سَبَقَ لَهُ مَنْ الشَّارِحِ الْعَجْزُ فِي قَوْلِ مِنْ اعْتَبَرَهُ وَعَدَمِهِ فِي قَوْلِ مَنْ لَمْ يَعْتَبِرْهُ وَأَشَارَ الشَّيْخُ بِكَافِ التَّشْبِيهُ إلَى أَمْثَالِ الْوَرْدِ وَالْيَاسَمِينِ، وَشِبْهِ ذَلِكَ اهـ.

وَامْتَنَعَتْ فِي مَخْلِفِ الْإِطْعَامِ ... كَشَجَرِ الْمَوْزِ عَلَى الدَّوَامِ وَمَا يَحِلُّ بَيْعُهُ مَنْ الثَّمَرِ ... وَغَيْرِ مَا يُطْعَمُ مِنْ أَجْلِ الصِّغَرِ وَفِي مُغَيَّبٍ فِي الْأَرْضِ كَالْجَزَرْ ... وَقَصَبِ السُّكَّرِ خُلْفٌ مُعْتَبَرْ يَعْنِي أَنَّ الْمُسَاقَاةَ تَمْتَنِعُ فِيمَا يَكُونُ إطْعَامُهُ مُخَلَّفًا عَلَى الدَّوَامِ كَالْمَوْزِ فَعَلَى الدَّوَامِ يَتَعَلَّقُ بِمُخْلِفٍ وَدَخَلَ تَحْتَ الْكَافِ الدَّاخِلَةِ عَلَى الْمَوْزِ الْقُرْطُ وَالْقَصَبُ وَشِبْهُ ذَلِكَ مِمَّا يُجْنَى وَيُخَلَّفُ مِرَارًا وَتَمْتَنِعُ أَيْضًا فِيمَا حَلَّ بَيْعُهُ مِنْ الثِّمَارِ لِبُدُوِّ صَلَاحِهِ وَفِيمَا لَا يُطْعَمُ مَنْ الشَّجَرِ مِنْ أَجْلِ صِغَرِهِ. وَاخْتُلِفَ فِي جَوَازِهَا فِي مُغَيَّبِ الْأَصْل كَالْجَزَرِ وَهُوَ الْإسْفرَايِينيَّة وَاللِّفْتُ وَالْفُجْلُ وَنَحْوُهَا وَكَذَلِكَ اُخْتُلِفَ فِي جَوَازِهَا فِي قَصَبِ السُّكَّرِ أَمَّا مَنْعُهَا فِيمَا يُخَلَّفُ عَلَى الدَّوَامِ فَقَالَ ابْنُ شَاسٍ لِلْأُصُولِ الَّتِي تَجُوزُ مُسَاقَاتُهَا شُرُوطٌ الْأَوَّلُ أَنْ يَكُونَ مِمَّا تَجْنِي ثَمَرَتُهُ وَلَا تُخَلَّفُ وَاحْتَرَزْنَا بِقَوْلِنَا وَلَا تُخَلَّفُ مِنْ الْمَوْزِ وَالْقَصَبِ وَالْقُرْطِ وَالْبَقْلِ لِأَنَّهُ بَطْنٌ بَعْدَ بَطْنٍ وَجِزَّةٌ بَعْدَ جِزَّةٍ اهـ. وَفِي الشَّارِحِ وَظَاهِرُ سِيَاقِهِ أَنَّهُ لِابْنِ يُونُسَ وَلَا تَجُوزُ مُسَاقَاةُ الْمَوْزِ وَإِنْ عَجَزَ عَنْهَا رَبُّهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا ثَمَرٌ لِأَنَّ الْمَوْزَ يُجَزُّ ثُمَّ يُخَلِّفُ فَهُوَ كَالْقَصَبِ وَالْبَقْلِ وَلَا بَأْسَ بِشِرَاءِ الْمَوْزِ فِي شَجَرَةٍ إذَا حَلَّ بَيْعُهُ وَيُسْتَثْنَى مِنْ بُطُونِهِ عَشَرَةُ أَوْ خَمْسَةُ بُطُونٍ أَوْ مَا تُطْعِمُ هَذِهِ السَّنَةُ أَوْ سَنَةٌ وَنِصْفَانِ وَذَلِكَ مَعْرُوفٌ وَالْقَضْبُ مِثْلُهُ اهـ. وَمَعْنَى يُسْتَثْنَى مِنْ بُطُونِهِ أَيْ يُشْتَرَطُ وَأَمَّا مَنْعُهَا فِيمَا يَحِلُّ بَيْعُهُ فَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ الْمُسَاقَاةُ فِي كُلِّ ذِي أَصْلٍ مِنْ الشَّجَرِ جَائِزٌ مَا لَمْ يَحِلَّ بَيْعُ ثَمَرِهَا عَلَى مَا يُشْتَرَطُ مِنْ ثُلُثٍ أَوْ رُبْعٍ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ وَيَجُوزُ عَلَى أَنَّ لِلْعَامِلِ جَمِيعَ الثَّمَرَةِ كَالرِّبْحِ فِي الْقِرَاضِ اهـ (الْمَوَّاقُ) . وَانْظُرْ هَذَا فَإِنَّ مَا حَلَّ بَيْعُهُ يَجُوزُ إعْطَاؤُهُ بِجُزْءٍ لَكِنْ عَلَى وَجْهِ الْإِجَارَةِ (وَفِي الْمُوَطَّأِ) مُسَاقَاةٌ مَا حَلَّ بَيْعُهُ كَالْإِجَارَةِ قَالَ سَحْنُونٌ مُسَاقَاةُ مَا حَلَّ بَيْعُهُ هِيَ إجَارَةٌ جَائِزَةٌ ابْنُ يُونُسَ كَجَوَازِ بَيْعِ نِصْفِهِ وَلِأَنَّ مَا جَازَ بَيْعُهُ حَازَتْ الْإِجَارَةُ بِهِ وَأَمَّا مَنْعُهَا فِيمَا لَا يُطْعَمُ مِنْ الشَّجَرِ لِصِغَرِهِ فَقَالَ عِيَاضٌ مِنْ شُرُوطِ الْمُسَاقَاةِ أَنَّهَا لَا تَصِحُّ إلَّا فِي أَصْلٍ بِثَمَرٍ أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ ذَوَاتِ الْأَزْهَارِ وَالْأَوْرَاقِ الْمُنْتَفَعِ بِهَا كَالْوَرْدِ وَالْآسِ وَأَمَّا الْخِلَافُ فِي الْمُغَيَّبِ فِي الْأَرْضِ فَفِي ابْنِ يُونُسَ قَالَ ابْنُ نَافِعٍ فِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ الْمُسَاقَاةُ فِي الزَّرْعِ وَالْجَزِّ وَالْبِطِّيخِ وَالْأُصُولِ الْمُغَيَّبَةِ جَائِزَةٌ عَجَزَ عَنْهُ صَاحِبُهُ أَوْ لَمْ يَعْجِزْ وَفِيهِ أَيْضًا قَالَ مَالِكٌ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ لَا يُسَاقَى شَيْءٌ مِنْ الْبَقْلِ، وَإِنْ عَجَزَ عَنْهُ رَبُّهُ ابْنُ الْمَوَّازِ وَكَذَلِكَ اللِّفْتُ وَالْأُصُولُ الْمُغْنِيَةُ الَّتِي لَا تُدَّخَرُ فَهِيَ كَالْبَقْلِ اهـ. وَأَمَّا الْخِلَافُ فِي قَصَبِ السُّكَّرِ فَفِي ابْنِ يُونُسَ أَيْضًا وَاخْتُلِفَ فِي قَصَبِ الْحُلْوَةِ فَقِيلَ تَجُوزُ أَيْ مُسَاقَاتُهُ وَقِيلَ لَا تَجُوزُ اهـ. قَوْلُهُ وَمَا يَحِلُّ مَعْطُوفٌ عَلَى مُخَلَّفِ وَكَذَا لَفْظُ غَيْرِ وَقَوْلُهُ وَفِي مُغَيَّبٍ خَبَرٌ مُقَدَّمٌ وَفِي الْأَرْضِ يَتَعَلَّقُ بِهِ خُلْفٌ مُبْتَدَأٌ مُؤَخَّرٌ وَمُعْتَبَرٌ صِفَةُ خُلْفٌ

وَإِنْ بَيَاضٌ قَلَّ مَا بَيْنَ الشَّجَرْ ... وَرَبُّهُ يُلْغِيه فَهْوَ مُغْتَفَرْ وَجَازَ أَنْ يَعْمَلَ ذَاكَ الْعَامِلُ ... لَكِنْ بِجُزْءٍ جُزْؤُهَا يُمَاثِلُ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ مَا يُزْدَرَعُ ... مِنْ عِنْدِهِ وَجُزْءُ الْأَرْضِ تَبَعُ وَحَيْثُمَا اشْتَرَطَ رَبُّ الْأَرْضِ ... فَائِدَةً فَالْفَسْخُ أَمْرٌ مَقْضِيّ إذَا كَانَ فِي الْحَائِطِ الْمُسَاقَى بَيَاضٌ بَيْنَ أَشْجَارِهِ بِحَيْثُ يَصِلُهُ سَقْيُ الْعَامِلِ فَلَا يَخْلُو مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ يَكُونَ ثُلُثًا فَأَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ وَيَأْتِي كَيْفِيَّةُ التَّوَصُّلِ إلَى كَوْنِهِ ثُلُثًا أَوْ أَكْثَرَ فَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ فَلَا يَجُوزُ إدْخَالُهُ فِي الْمُسَاقَاةِ فَإِنْ عَقَدَ الْمُسَاقَاةَ وَلَمْ يَذْكُرَاهُ كَانَ الْعَقْدُ صَحِيحًا وَكَانَ الْبَيَاضُ بَاقِيًا لِرَبِّهِ وَلَمْ يَدْخُلْ فِي الْمُسَاقَاةِ وَإِنْ كَانَ الثُّلُثَ فَأَدْنَى جَازَ إدْخَالُهُ فِي الْمُسَاقَاةِ وَجَازَ إلْغَاؤُهُ لِلْعَامِلِ. (وَفِي الْمُدَوَّنَةِ وَالرِّسَالَةِ) وَهُوَ أَحَلُّهُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِطَ رَبُّ الْحَائِطِ لِنَفْسِهِ إنْ كَانَ الْعَامِلُ بِسَقْيِهِ فَإِنْ كَانَ بَعْلًا وَكَانَ لَا يُسْقَى بِمَاءِ الْحَائِطِ فَجَائِزٌ وَاخْتُلِفَ إذَا عَقَدَ الْمُسَاقَاةَ وَلَمْ يَذْكُرْهُ فَقَالَ مَالِكٌ فِي كِتَابِ سَحْنُونٍ هُوَ لِرَبِّهِ وَإِنْ زَرَعَهُ الْعَامِلُ بِغَيْرِ عِلْمِ صَاحِبِ الْحَائِطِ كَانَ عَلَيْهِ كِرَاءُ الْمِثْلِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ هُوَ الْعَامِلُ وَحْدَهُ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِذَا أَدْخَلَاهُ فِي الْمُسَاقَاةِ فَيُشْتَرَطُ أَنْ يَتَسَاوَى مَا يَأْخُذُهُ الْعَامِلُ مِنْ جُزْءِ الثَّمَرَةِ مَعَ جُزْءِ الْبَيَاضِ وَأَنْ يَكُونَ الْبَذْرُ وَالْمُؤْنَةُ عَلَى الْعَامِلِ فَلَوْ سَاقَاهُ الشَّجَرَ عَلَى الثُّلُثِ وَالْأَرْضَ عَلَى النِّصْفِ وَهُوَ أَكْثَرُ عَمَلِ النَّاسِ عِنْدَنَا الْيَوْمَ فَثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ الْأَوَّلُ لِابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ مَمْنُوعٌ الثَّانِي لِأَصْبَغَ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ الثَّالِثُ أَنَّهُ جَائِزٌ رَجَعَ إلَيْهِ أَصْبَغَ. وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْبَذْرُ مِنْ عِنْدِ صَاحِبِ الْحَائِطِ وَلَا مِنْ عِنْدِهِمَا وَكَيْفِيَّةُ التَّوَصُّلِ إلَى كَوْنِهِ ثُلُثًا أَوْ أَكْثَرَ قَالَ ابْنُ عَبْدُوسٍ صِفَةُ اعْتِبَارِ التَّبَعِيَّةِ أَنْ يُنْظَرَ إلَى كِرَاءِ الْأَرْضِ كَأَنَّهُ خَمْسَةٌ وَإِلَى غَلَّةِ النَّخْلِ عَلَى الْمُعْتَادِ مِنْهَا بَعْدَ إسْقَاطِ قَدْرِ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا فَإِنْ بَقِيَ عَشَرَةٌ كَانَ كِرَاءُ الْأَرْضِ الثُّلُثَ فَجَائِزٌ لِأَنَّهُ تَبَعٌ وَلَوْ بَقِيَ مِنْ قِيمَةِ الثَّمَرِ ثَمَانِيَةٌ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ الْخَمْسَةَ أَكْثَرُ مِنْ ثُلُثِ الْجُمْلَةِ مِنْ الْمَوَّاق وَمِثْلُهُ فِي الْقَلْشَانِيِّ عَنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَزَادَ أَنَّ بَعْضَ الشُّيُوخِ أَنْكَرَ طَرْحَ قَدْرِ النَّفَقَةِ مِنْ قِيمَةِ الثَّمَرَةِ قَالَ لِأَنَّ بِالْخِدْمَةِ

وَالنَّفَقَةِ يَسْتَحِقُّ الْعَامِلُ جُزْءَ الثَّمَرَةِ فَكَيْفَ يُطْرَحُ مِنْ قِيمَةِ الثَّمَرَةِ؟ اهـ. وَالْمُعْتَبَرُ فِي كَوْنِ الْبَيَاضِ ثُلُثًا أَوْ أَكْثَرَ جَمِيعُ الثَّمَرَةِ لَا نَصِيبُ الْعَامِلِ فَقَطْ قَالَ الْبَاجِيُّ ظَاهِرُ أَقْوَالِ أَصْحَابِ مَالِكٍ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ تَبَعِيَّةُ الْبَيَاضِ لِجَمِيعِ ثَمَرَةِ الْحَائِطِ فِي لَغْوِهِ وَفِي إدْخَالِهِ فِي الْمُسَاقَاةِ وَقَالَ ابْنُ عَبْدُوسٍ وَإِنَّمَا ذَلِكَ فِي إدْخَالِهِ فِيهَا وَالْمُعْتَبَرُ فِي لَغْوِهِ لِلْعَامِلِ تَبَعِيَّتُهُ لَحْظَةً فَقَطْ اهـ. مِنْ الْقَلْشَانِيِّ وَبَعْضُهُ مِنْ الْمَوَّاق إذَا فَرَغْنَا مِنْ فِقْهِ الْمَسْأَلَةِ بِتَقْرِيبٍ وَاخْتِصَارٍ فَلْنَرْجِعْ إلَى أَلْفَاظِ النَّظْمِ فَقَوْلُهُ وَإِنْ بَيَاضٌ قَلَّ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ الْبَيَاضِ الْقَلِيلِ وَهُوَ مَا كَانَ كِرَاؤُهُ ثُلُثًا فَأَقَلَّ مِنْ مَجْمُوعِ قِيمَةِ الثَّمَرَةِ وَكِرَاءِ ذَلِكَ الْبَيَاضِ وَقَوْلُهُ وَرَبُّهُ يُلْغِيه أَيْ لِلْعَامِلِ وَتَقَدَّمَ أَنَّ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَالرِّسَالَةِ وَهُوَ أَحَلُّهُ قَالَ الشَّيْخُ ابْنُ عُمَرَ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ أَيْ أَحَلُّ لَهُ فَيُتَحَمَّلُ أَنْ يَعُودَ الضَّمِيرُ عَلَى رَبِّ الْحَائِطِ لِيَخْرُجَ مِنْ كِرَاءِ الْأَرْضِ بِمَا تُنْبِتُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَعُودَ عَلَى عَقْدِ الْبَيَاضِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَعُودَ عَلَى الْعَامِلِ وَلَا بَأْسَ هُنَا لِمَا هُوَ خَيْرٌ مِنْ غَيْرِهِ وَقَالَ الْإِمَامُ الْغُبْرِينِيُّ وَاعْلَمْ أَنَّ الْحَلَالَ مُتَفَاوِتٌ فَمَا كَانَ دَلِيلُهُ أَجْلَى أَوْ لَهُ أَدِلَّةٌ كَثِيرَةٌ يُؤْتَى بِهِ بِصِيغَةِ أَفْعَلَ وَمَا كَانَ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَلَا فَيُقَالُ حَلَالٌ وَأَحَلُّ وَحَرَامٌ وَأَحْرَمُ قَالَ وَنَصَّ عَلَى ذَلِكَ الْمَازِرِيُّ فِي تَعْلِيقِهِ عَلَى الْمُدَوَّنَةِ اهـ. وَقَالَ الْقَلْشَانِيّ فِي شَرْحِهِ رَأَيْت لِلْإِمَامِ الْمَازِرِيِّ فِي تَعْلِيقِهِ الْجَوْرَ فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ وَهُوَ أَحَلُّهُ وَأَنَّهُ أَفْعَلُ تَفْضِيلٍ وَكَيْفَ يَكُونُ بَعْضُ الْحَلَالِ أَحَلَّ مِنْ بَعْضٍ وَاَلَّذِي عَلِقَ الْآنَ بِحِفْظِي مِنْهُ إنْ ذَلِكَ يَرْجِعُ لِوُضُوحِ دَلِيلِ أَحَدِهِمَا وَقُوَّتِهِ فَهُمَا وَإِنْ اشْتَرَكَا فِي الْحِلْيَةِ إلَّا أَنَّ أَحَدَهُمَا أَبْلَغُ فِيهَا بِقُوَّةِ الدَّلِيلِ اهـ. وَقَوْلُهُ وَجَازَ أَنْ يَعْمَلَ ذَاكَ الْعَامِلُ الْبَيْتَيْنِ يَعْنِي أَنَّهُ يَجُوزُ إدْخَالُهُ الْبَيَاضَ الْيَسِيرَ فِي الْمُسَاقَاةِ بِشَرْطَيْنِ الْأَوَّلُ أَنْ يَتَسَاوَى الْجُزْءُ الَّذِي يَأْخُذُهُ الْعَامِلُ مِنْ الشَّجَرِ وَالْبَيَاضُ فَلَا يَأْخُذُ أَحَدَهُمَا عَلَى الثُّلُثِ وَالْآخَرَ عَلَى النِّصْفِ مَثَلًا وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِقَوْلِهِ لَكِنْ بِجُزْءٍ جُزْؤُهَا يُمَاثِلُ وَتَقَدَّمَ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ الثَّانِي أَنْ تَكُونَ الزَّرِيعَةُ عَلَى الْعَامِلِ وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِقَوْلِهِ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ مَا يُزْدَرَعُ مِنْ عِنْدِهِ وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ وَقَوْلُهُ وَجُزْءُ الْأَرْضِ تَبَعٌ أَيْ لِلْمُسَاقَاةِ لِقِلَّتِهِ وَهُوَ كَالْمُسْتَغْنَى عَنْهُ لِأَنَّ قَرْضَ الْمَسْأَلَةِ فِي الْبَيَاضِ الْقَلِيلِ وَقَوْلُهُ وَحَيْثُمَا اشْتَرَطَ رَبُّ الْأَرْضِ الْبَيْتَ تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِطَهُ رَبُّ الْحَائِطِ لِنَفْسِهِ إنْ كَانَ الْعَامِلُ يَسْقِيه وَزَادَ هُنَا أَنَّ الْمُسَاقَاةَ تُفْسَخُ إذَا اشْتَرَطَهُ وَظَاهِرُهُ قَبْلَ الْعَمَلِ وَلَا إشْكَالَ وَكَذَا بَعْدَهُ وَيُرَدُّ الْعَامِلُ إمَّا إلَى مُسَاقَاةِ الْمِثْلِ وَإِمَّا إلَى إجَارَةِ الْمِثْلِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِيمَا فَسَدَ مِنْ الْعُقُودِ الْمُسْتَثْنَاةِ مِنْ أُصُولٍ مَمْنُوعَةٍ هَلْ يُرَدُّ إلَى صَحِيحِ نَفْسِهِ أَوْ إلَى صَحِيحِ أَصْلِهِ وَلَا تَصِحُّ مَعَ كِرَاءٍ لَا وَلَا ... شَرْطِ الْبَيَاضِ لِسِوَى مَنْ عَمِلَا وَلَا اشْتِرَاطِ عَمَلٍ كَثِيرِ ... يَبْقَى لَهُ كَمِثْلِ حَفْرِ الْبِئْرِ وَلَا اخْتِصَاصُهُ بِكَيْلٍ أَوْ عَدَدْ ... أَوْ نِحْلَةٍ مِمَّا عَلَيْهِ قَدْ عَقَدْ ذَكَرَ هُنَا مَوَانِعَ لِصِحَّةِ الْمُسَاقَاةِ فَذَكَرَ أَنَّهَا لَا تَصِحُّ مَعَ الْكِرَاءِ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ لِأَنَّهُمَا مِنْ الْعُقُودِ الَّتِي لَا يَجْتَمِعُ اثْنَانِ مِنْهَا فِي عَقْدٍ وَاحِدَةٍ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ فِي قَوْلِ النَّاظِمِ أَوَّلَ الْبُيُوعِ وَجَمْعٌ بَيْعٍ مَعَ شِرْكَةٍ وَمَعْ الْبَيْتَيْنِ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْكِرَاءَ لَمْ يُذْكَرْ مَعَ تِلْكَ الْعُقُودِ وَلَكِنَّهُ مُنْدَرِجٌ فِي الْبَيْعِ لِأَنَّهُ بَيْعُ مَنْفَعَةٍ وَعَلَّلَ الشَّارِحُ ذَلِكَ بِمَا يَحْصُلُ بِاجْتِمَاعِهِمَا مِنْ كَثْرَةِ الْغَرَرِ وَلَا تَصِحُّ أَيْضًا بِشَرْطِ الْبَيَاضِ مِنْ غَيْرِ الْعَامِلِ مِنْ رَبِّ الْحَائِطِ أَوْ أَجْنَبِيٍّ وَالْمَرَادُ بِالْبَيَاضِ الْبَيَاضُ الْمُتَقَدِّمُ فِي قَوْلِهِ وَإِنْ بَيَاضٌ قَلَّ مَا بَيْنَ الشَّجَرْ وَهُوَ الْقَلِيلُ الْكَائِنُ بَيْنَ الشَّجَرِ الَّذِي يَصِلُهُ سَقْيُ الْعَامِلِ فَالْأَلِفُ وَاللَّامُ فِيهِ لِلْعَهْدِ وَلَا تَصِحُّ أَيْضًا مَعَ اشْتِرَاطِ عَمَلٍ كَثِيرٍ يَبْقَى لِرَبِّ الْحَائِطِ كَحَفْرِ بِئْرٍ وَبِنَاءِ حَائِطٍ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ. وَمَفْهُومُهُ أَنَّ الْعَمَلَ الْقَلِيلَ جَائِزٌ وَهُوَ عَلَيْهِ اشْتَرَطَ أَوْ لَمْ يَشْتَرِطْ مِثْلُ سَدِّ الْحَظِيرَةِ وَإِصْلَاحِ الضَّفِيرَةِ الْحَظِيرَةُ مَا يُحْظَرُ بِهِ الْحَائِطُ أَيْ يَمْنَعُ الدُّخُولَ إلَيْهِ كَالزَّرْبِ وَالْحَائِطِ وَالْحَفْرِ وَنَحْوِهَا مَأْخُوذٌ مِنْ الْحَظْرِ بِالْمُشَالَةِ الَّذِي هُوَ الْمَنْعُ فَإِذَا انْفَتَحَتْ ثُقْبَةٌ فِي الزَّرْبِ أَوْ فِي الْحَائِطِ فَعَلَى الْعَامِلِ سَدُّهَا وَغَلْقُهَا وَالسَّدُّ قَالَ الْفَاكِهَانِيُّ رَوَيْنَاهُ بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَقَالَ بَعْضُ شَارِحِي الرِّسَالَةِ بِالْمُعْجَمَةِ وَنُقِلَ عَنْ يَحْيَى مَا حُظِرَ بِزَرْبٍ

فَبِالْمُعْجَمَةِ وَمَا كَانَ بِجِدَارٍ فَبِالْمُهْمَلَةِ وَنَحْوَهُ فِي الْقَلْشَانِيّ وَإِصْلَاحُ الضَّفِيرَةِ قَالَ الْقَلْشَانِيّ هُوَ عِيدَانٌ تُنْسَجُ وَتُضَفَّرُ وَتُطَيَّنُ يَجْتَمِعُ فِيهَا الْمَاءُ كَالصِّهْرِيجِ وَكَذَا لَا تَصِحُّ الْمُسَاقَاةُ أَيْضًا عَلَى اشْتِرَاطِ اخْتِصَاصِ أَحَدِهِمَا بِكَيْلٍ كَوَسْقٍ وَالْبَاقِي بَيْنَهُمَا عَلَى الْجُزْءِ الَّذِي اتَّفَقَا عَلَيْهِ أَوْ اخْتِصَاصِهِ بِعَدَدٍ مَنْ الرُّمَّانِ مَثَلًا كَمِائَةٍ أَوْ أَلْفٍ وَالْبَاقِي بَيْنَهُمَا عَلَى مَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ أَوْ اخْتِصَاصِهِ بِثَمَرِ نَخْلَةٍ أَوْ أَكْثَرَ وَالْبَاقِي بَيْنَهُمَا أَيْضًا إذَا كَانَ ذَلِكَ الْمُخْتَصُّ بِهِ مِنْ الْأَشْجَارِ الَّتِي وَقَعَ عَلَيْهَا عَقْدُ الْمُسَاقَاةِ كَمَا نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ مِمَّا عَلَيْهِ قَدْ عَقَدَ وَأَحْرَى فِي الْمَنْعِ اخْتِصَاصُ الْعَامِلِ بِكَيْلٍ أَوْ عَدَدٍ أَوْ ثَمَرَةِ نَخْلَةٍ مِنْ غَيْرِ مَا وَقَعَتْ عَلَيْهِ الْمُسَاقَاةُ لِأَنَّهَا إجَارَةٌ وَمُسَاقَاةٌ. وَتَقَدَّمَ مَنْعُ اجْتِمَاعِهَا وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ بِكَيْلٍ أَوْ عَدَدٍ أَوْ نَخْلَةٍ أَنَّ اخْتِصَاصَ أَحَدِهِمَا بِجُزْءٍ شَائِعٍ لَا يَمْتَنِعُ وَهُوَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ يُؤَوَّلُ إلَى الْجُزْءِ فَقَوْلُهُ وَلَا شَرْطٍ وَقَوْلُهُ وَلَا اشْتِرَاطٍ كُلٌّ مِنْهُمَا بِالْخَفْضِ عَطْفٌ عَلَى كِرَاءٍ وَكَذَا لَفْظُ اخْتِصَاصِهِ وَضَمِيرٌ لَهُ لِرَبِّ الْحَائِطِ وَضَمِيرُ اخْتِصَاصُهُ لِمَنْ ذَكَرَ وَهُوَ الْعَامِلُ لِتَقَدُّمِهِ فِي قَوْلِهِ لِسِوَى مَنْ عَمِلَا وَرَبُّ الْحَائِطِ لِتَقَدُّمِهِ فِي قَوْلِهِ يَبْقَى لَهُ قَالَ ابْنُ يُونُسَ. وَلَا تَجُوزُ مُسَاقَاةٌ وَبَيْعٌ فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ، لَا مُسَاقَاةٌ وَكِرَاءٌ فَإِذَا كَانَ فِي الْحَائِطِ بَيَاضٌ تَبَعٌ لَمْ يَجُزْ كِرَاؤُهُ وَمُسَاقَاةَ الْحَائِطِ وَإِذَا كَانَ فِي الْأَرْضِ الْمُكْتَرَاةِ سَوَادٌ تَبَعٌ لَهَا تَجُزْ مُسَاقَاةٌ مَعَ كِرَاءِ الْأَرْضِ فِي صَفْقَةٍ (وَفِي ابْنِ يُونُسَ أَيْضًا) قَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ جُمْلَةُ مَا يُشْتَرَطُ عَلَى الْعَامِلِ عَلَى ضَرْبَيْنِ مِنْهُ مَا لَا يَتَعَلَّقُ بِالثَّمَرَةِ وَمِنْهُ مَا يَتَعَلَّقُ بِهَا فَمَا لَا يَتَعَلَّقُ بِالثَّمَرَةِ فَلَا يَلْزَمُ الْعَامِلَ وَلَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُهُ لِأَنَّ الْمُسَاقَاةَ عَقْدٌ مُسْتَثْنًى مِنْ الْأُصُولِ الْمَمْنُوعَةِ جُوِّزَ لِلضَّرُورَةِ فَلَا يَجُوزُ فِيهِ إلَّا مَا جَوَّزَهُ الشَّرْعُ وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ كَانَ إجَارَةً مَجْهُولَةً وَبَيْعُ الثَّمَرَةِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا وَمَا يَتَعَلَّقُ بِالثَّمَرَةِ فَعَلَى وَجْهَيْنِ مِنْهُ مَا يَنْقَطِعُ بِانْقِطَاعِهَا وَيَبْقَى بَعْدَهَا الشَّيْءُ الْيَسِيرُ فَهُوَ جَائِزٌ مَثَلُ التَّذْكِيرِ وَالتَّلْقِيحِ وَالسَّقْيِ وَإِصْلَاحِ مُوَاضَعَةٍ وَجَلْبِ الْمَاءِ وَالْجِذَاذِ وَمَا يَتَّصِلُ بِذَلِكَ. فَهَذَا وَشَبَهُهُ لَازِمٌ وَعَلَيْهِ أَخْذُ الْعِوَضِ وَمِنْهُ مَا يَبْقَى بَعْدَ انْقِطَاعِهَا وَيَنْتَفِعُ بِهِ رَبُّهَا مِثْلَ حَفْرِ بِئْرٍ لَهَا أَوْ بِنَاءِ بَيْتٍ يُجْنَى فِيهِ كَالْحَزْرِ أَوْ إنْشَاءِ غِرَاسٍ فَهَذَا لَا يَلْزَمُ الْعَامِلَ وَلَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُهُ عَلَيْهِ لِأَنَّهَا زِيَادَةٌ يَنْفَرِدُ بِهَا رَبُّ الْحَائِطِ فَهِيَ كَالْوَجْهِ الْأَوَّلِ الَّذِي لَا يَتَعَلَّقُ بِالثَّمَرَةِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ (وَابْنُ يُونُسَ أَيْضًا) قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَمَنْ سَاقَى حَائِطَهُ عَلَى أَنَّ لِأَحَدِهِمَا مِنْ الثَّمَرَةِ مَكِيلَةً مَعْلُومَةً مَا يَبْقَى بَيْنَهُمَا لَمْ يَجُزْ وَيَكُونُ لِلْعَامِلِ أَجْرُ مِثْلِهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَإِنْ شُرِطَ أَنَّ لِرَبِّ الْحَائِطِ نِصْفَ ثَمَرَةِ الْبَرْنِيِّ الَّذِي فِي الْحَائِطِ وَبَاقِي ثَمَرَةِ الْحَائِطِ لِلْعَامِلِ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ خَطَرٌ (وَفِي تَبْصِرَةِ اللَّخْمِيِّ) وَلَا تَجُوزُ الْمُسَاقَاةُ عَلَى أَنْ يَبْدَأَ أَحَدُهُمَا بِمَكِيلَةِ ثُمَّ الْبَاقِي بَيْنَهُمَا أَنْصَافًا أَوْ أَثْلَاثًا وَلَا بَأْسَ أَنْ يُسَاقَى عَلَى أَنَّ لِأَحَدِهِمَا جُزْءًا مِنْ عَشَرَةٍ أَوْ مِنْ خَمْسَةٍ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ وَالْبَاقِي بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ لِأَنَّ ذَلِكَ يَرْجِعُ إلَى جُزْءٍ مَعْلُومٍ لِأَحَدِهِمَا خَمْسَةٌ وَنِصْفٌ وَلِلْآخَرِ أَرْبَعَةٌ وَنِصْفٌ. وَفِي الْعُتْبِيَّةِ قَالَ مَالِكٌ لَا يَنْبَغِي لِلسَّاقِي أَنْ يَشْتَرِطَ ثَمَرَةَ نَخْلَةٍ وَاحِدَةٍ (قَالَ ابْنُ رُشْدٍ) لِأَنَّ الْمُسَاقَاةَ اُسْتُثْنِيَتْ بِالْجَوَازِ لِلضَّرُورَةِ أَيْ فَلَا يُتَجَاوَزُ فِيهَا مَا لَمْ يَرِدْ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

وَهِيَ بِشَطْرٍ أَوْ بِمَا قَدْ اتُّفِقْ ... بِهِ وَحَدُّ أَمَدٍ لَهَا يَحِقّ يَعْنِي أَنَّ الْمُسَاقَاةَ تَجُوزُ عَلَى أَنَّ لِلْعَامِلِ شَطْرَ الثَّمَرَةِ أَيْ نِصْفَهَا أَوْ غَيْرُ النِّصْفِ مِنْ ثُلُثٍ أَوْ رُبْعٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا اتَّفَقَا عَلَيْهِ مِنْ الْأَجْزَاءِ الشَّائِعَةِ فِي جَمِيعِ ثَمَرَةِ الْحَائِطِ وَخَصَّ الشَّطْرَ بِالتَّنْصِيصِ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ الْوَارِدُ فِي الْحَدِيثِ وَيَشْمَلُ قَوْلَهُ أَوْ بِمَا قَدْ اُتُّفِقَ عَلَيْهِ اشْتِرَاطَ كَوْنِ الثَّمَرَةِ كُلِّهَا لِلْعَامِلِ وَلَا بُدَّ فِيهَا مِنْ ضَرْبِ الْأَجَلِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ وَحَدُّ أَمَدٍ لَهَا يَحِقّ (قَالَ اللَّخْمِيُّ) وَالْمُسَاقَاةُ تَجُوزُ عَلَى النِّصْفِ حَسْبَمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ وَعَلَى الثُّلُثِ وَالرُّبْعِ وَأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَأَقَلَّ لِأَنَّهَا مُبَايَعَةٌ فَجَائِزٌ أَنْ تَكُونَ مِنْ الرُّخْصِ وَالْغَلَاءِ عَلَى مَا يَتَرَاضَيَانِ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْحَوَائِطَ تَخْتَلِفُ فَمِنْهَا مَا يَقِلُّ تَكَلُّفُهُ فِيهِ فَيَقِلُّ جُزْؤُهُ وَمِنْهَا مَا يَكْثُرُ تَبَعُهُ فَيَكْثُرُ جُزْؤُهُ قَالَ مَالِكٌ وَلَا بَأْسَ أَنْ تَكُونَ الْمُسَاقَاةُ عَلَى أَنَّ جَمِيعَ الثَّمَرَةِ لِلْعَامِلِ وَفِي الْمَنْهَجِ السَّالِكِ وَلَا يَجُوزُ فِيهَا الْأَجَلُ الْمَجْهُولُ وَفِي الْجَوَاهِرِ وَالشَّأْنُ فِي الْمُسَاقَاةِ إلَى الْجِذَاذِ لَا تَجُوزُ شَهْرًا وَلَا سَنَةً مَحْدُودَةً وَهِيَ إلَى الْجِذَاذِ إذَا لَمْ يُؤَجَّلَا فَإِنْ أُجِّلَتْ بِسِنِينَ فَيَلْزَمُهُ الْعَمَلُ إلَى آخِرِهَا وَيُعْتَبَرُ فِي السَّنَةِ الْأَخِيرَةِ إلَى الْجِذَاذِ وَكَذَلِكَ لَوْ سَاقَاهُ سَنَةً وَاحِدَةً لَكَانَ مُنْتَهَاهَا الْجِذَاذَ اهـ. وَبَاءُ بِهِ فِي الْبَيْتِ بِمَعْنَى عَلَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَالدَّفْعُ لِلزَّكَاةِ إنْ لَمْ يُشْتَرَطْ ... بَيْنَهُمَا بِنِسْبَةِ الْجُزْءِ فَقَطْ يَعْنِي أَنَّ الْمُتَسَاقِيَيْنِ إذَا عَقَدَا الْمُسَاقَاةَ وَلَمْ يَشْتَرِطْ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ إخْرَاج الزَّكَاةِ مِنْ نَصِيبِهِ فَإِنَّهَا تُخْرَجُ ابْتِدَاءً ثُمَّ يَكُونُ الْبَاقِي مِنْهُمَا عَلَى مَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ أَعْطَى كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ الزَّكَاةِ بِقَدْرِ نَصِيبِهِ مِنْ الثَّمَرَةِ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ بِنِسْبَةِ الْجُزْءِ أَيْ جُزْءِ الْغَلَّةِ فَمَنْ لَهُ مِنْهَا رَبْعٌ فَقَدْ أَعْطَى عُشْرَ الرُّبْعِ وَمَنْ لَهُ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهَا فَقَدْ أَعْطَى عُشْرَ ثَلَاثَةِ أَرْبَاعٍ وَقِسْ عَلَى ذَلِكَ وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ إنْ لَمْ يُشْتَرَطْ أَنَّهُ إنْ اشْتَرَطَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَانَ عَلَيْهِ وَحْدَهُ وَهُوَ كَذَلِكَ (قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ) وَلَا بَأْسَ أَنْ تُشْتَرَطَ الزَّكَاةُ فِي حِفْظِ أَحَدِهِمَا لِأَنَّهُ يَرْجِع إلَى جُزْءٍ مَعْلُومٍ سَاقَى عَلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ شَيْئًا فَشَأْنُ الزَّكَاةِ أَنْ يُبْدَأَ بِهَا ثُمَّ يَقْتَسِمَانِ مَا بَقِيَ اللَّخْمِيُّ وَقَوْلُ مَالِكٍ إنَّ الْمُسَاقَاةَ مُزَكَّاةٌ عَلَى رَبِّ الْحَائِطِ يَجِبُ ضَمُّهَا لِمَا لَهُ مِنْ ثَمَرٍ غَيْرِهَا وَيُزَكَّى جَمِيعُهَا. وَلَوْ كَانَ الْعَامِلُ مِمَّنْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ وَتَسْقُطُ إنْ كَانَ رَبُّ الْحَائِطِ مِمَّنْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ وَالْعَامِلُ مِمَّنْ تَجِبُ عَلَيْهِ اهـ. (وَقَالَ فِي الْمُقَرِّبِ) قُلْت لَهُ أَيَجُوزُ لِرَبِّ النَّخْلِ أَنْ يَشْتَرِطَ الزَّكَاةَ عَلَى الْعَامِلِ أَوْ يَشْتَرِطَهَا الْعَامِلُ عَلَى رَبِّ الْحَائِطِ قَالَ إنْ اشْتَرَطَهَا رَبُّ الْحَائِطِ عَلَى الْعَامِلِ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ إنَّمَا سَاقَاهُ عَلَى جُزْءٍ مَعْلُومٍ كَأَنَّهُ قَالَ لَهُ لَك أَرْبَعَةُ أَجْزَاءٍ وَلِي سِتَّةٌ وَإِنْ اشْتَرَطَهَا الْعَامِلُ عَلَى رَبِّ الْحَائِطِ قَالَ إنْ اشْتَرَطَهَا فِي نَصِيبِهِ عَلَى أَنْ تَكُونَ لِلْعَامِلِ خَمْسَةُ أَجْزَاءِ وَلِرَبِّ الْحَائِطِ خَمْسَةُ أَجْزَاءٍ عَلَى أَنْ يُخْرِجَ رَبُّ الْحَائِطِ جُزْءًا مِنْهَا فِي الزَّكَاةِ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ إذَا كَانَ يُخْرِجُهَا مَنْ الثَّمَرَةِ بِعَيْنِهَا وَإِنْ كَانَ اشْتِرَاطُ إخْرَاجِهَا مِنْ عُرُوضٍ أَوْ دَرَاهِمَ فَلَا يَحِلُّ ذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ قُلْت لَهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا فِي الزَّكَاةِ شَرْطٌ كَيْفَ يَصْنَعَانِ فِي الزَّكَاةِ قَالَ يَبْدَأُ بِالزَّكَاةِ فَتُخْرَجُ ثُمَّ يَكُونُ مَا بَقِيَ بَيْنَهُمَا عَلَى شَرْطِهِمَا وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ اهـ. وَقَوْلُهُ فِي الْمُقَرَّبِ كَأَنَّهُ قَالَ لَهُ لَك أَرْبَعَةُ أَجْزَاءٍ لِي سِتَّةٌ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَدْخُلَانِ عَلَى أَنَّ الثَّمَرَةَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ فَتُقْسَمُ الْغَلَّةُ عَلَى عَشَرَةِ أَجْزَاءَ وَيَكُونُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَمَا ذَكَرَ فِي الْمُقَرَّبِ إمَّا عَلَى التَّفَاضُل كَالرُّبْعِ وَالَثْلَاثَةِ الْأَرْبَاعِ مَثَلًا فَإِنَّ الثَّمَرَةَ تُقْسَمُ عَلَى أَرْبَعِينَ جُزْءًا لِلِاحْتِيَاجِ إلَى الرُّبْعِ لِمَنْ لَهُ الرُّبْعُ وَالْعُشْرُ الْوَاجِبُ فِي الزَّكَاةِ فَيَكُونُ لِصَاحِبِ الرُّبْعِ رُبْعُهَا عَشَرَةُ أَجْزَاءٍ يُعْطَى مِنْهَا إنْ اُشْتُرِطَتْ الزَّكَاةُ عَلَيْهِ عُشْرُ الْأَرْبَعِينَ وَذَلِكَ أَرْبَعَةٌ وَتُسْقَى لَهُ سِتَّةُ أَعْشَارِ الرُّبْعِ وَإِنْ اُشْتُرِطَتْ عَلَى صَاحِبِ الثَّلَاثَةِ الْأَرْبَاعِ كَانَ لَهُ ثَلَاثُونَ جُزْءًا يُعْطَى فِي الزَّكَاةِ أَرْبَعَةٌ تَبْقَى لَهُ سِتَّةٌ وَعِشْرُونَ وَهِيَ رُبْعَانِ وَسِتَّةُ أَعْشَارِ الرَّابِعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (فَرْعٌ) وَانْظُرْ إنْ شَرَطَ أَحَدُهُمَا الزَّكَاةَ وَلَمْ يَكُنْ فِي الْحَائِطِ نِصَابٌ ذَكَرَ ابْنُ يُونُسَ فِي ذَلِكَ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ لَمْ يَعْزُهَا وَلَمْ يَشْتَهِرْ مِنْهَا قَوْلَانِ مَنْ الْمَوَّاق

فصل في الاغتراس

وَعَاجِزٌ مِنْ حَظِّهِ يُكَمَّلُ ... بِالْبَيْعِ مَعْ بُدُوِّ الصَّلَاحِ الْعَمَلُ وَحَيْثُ لَمْ يَبْدُ وَلَا يُوجَدُ مَنْ ... يَنُوبُ فِي ذَاكَ مَنَابَ مُؤْتَمَنْ فَعَامِلٌ يُلْغَى لَهُ مَا أَنْفَقَا ... وَقَوْلُ خُذْ مَا نَابَ وَأَخْرِجْ مُتَّقَى يَعْنِي أَنَّهُ إذَا عَجَزَ الْعَامِلُ فِي الْمُسَاقَاةِ مِنْ عَمَلِهَا فَلَا يَخْلُو عَجْزُهُ إمَّا أَنْ يَكُونَ بَعْدَ بُدُوِّ صَلَاحِ الثَّمَرَةِ وَجَوَازِ بَيْعِهَا أَوْ قَبْلَ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ عَجْزُهُ بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ فَإِنَّهُ يُبَاعُ حَظُّهُ مِنْ الثَّمَرَةِ وَيُسْتَأْجَرُ بِثَمَنِهِ مَنْ يُكْمِلُ الْعَمَلَ وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِالْبَيْتِ الْأَوَّلِ فَقَوْلُهُ آخِرَهُ الْعَمَلُ هُوَ نَائِبٌ يُكَمَّلُ وَالْجُمْلَةُ خَبَرُهَا عَاجِزٌ وَالرَّابِطُ ضَمِيرُ حَظِّهِ وَمِنْ حَظِّهِ يَتَعَلَّقُ بِيَكْمُلُ وَأَلْ فِي الْبَيْعِ نَائِبٌ عَنْ الضَّمِيرِ أَيْ بِبَيْعِهِ أَوْ التَّقْدِيرِ لَهُ بِالْبَيْعِ أَيْ لِحَظِّهِ وَمَعَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ حَالَ الْبَيْعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَإِنْ كَانَ عَجَزَ الْعَامِلُ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ فَإِنْ وُجِدَ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ فَلَا إشْكَالَ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فَلَا شَيْءَ لِلْعَامِلِ وَنَفَقَتُهُ وَخِدْمَتُهُ مُلْغَاةٌ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعْطَى لَهُ ثَمَنٌ فِي نَصِيبِهِ مِنْ الثَّمَرَةِ لِأَنَّهُ مِنْ بَيْعِ الثَّمَرَةِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِالْبَيْتِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ فَقَوْلُهُ وَقَوْلُ خُذْ مَا نَابَ وَأَخْرِجْ مُتَّقَى كَأَنَّهُ تَصْرِيحٌ بِمَفْهُومِ قَوْلِهِ يُلْغِي مَا أَنْفَقَا أَيْ وَلَا يَجُوزُ عَدَمُ الْإِلْغَاءِ بِحَيْثُ يَأْخُذُ لِذَلِكَ ثَمَنًا وَيَنْصَرِفُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَالَ اللَّخْمِيُّ فِي تَبْصِرَتِهِ) قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَسَاقِي يَعْجِزُ بَعْدَ صَلَاحِ الثَّمَرَةِ فَإِنَّهُ يُبَاعُ نَصِيبُهُ وَيُسْتَأْجَرُ عَلَيْهِ مِنْهُ فَإِنْ كَانَ فَضْلٌ كَانَ لَهُ وَإِنْ كَانَ نُقْصَانٌ اُتُّبِعَ بِهِ زَادَ ابْنُ يُونُسَ إلَّا أَنْ يَرْضَى رَبُّ الْحَائِطِ أَخْذَهُ وَيُعْفِيه مِنْ الْعَمَلِ فَذَلِكَ لَهُ وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَا يَجُوزُ أَنْ يُسَاقِيَ غَيْرَهُ وَيَسْتَأْجِرَ مَنْ يَعْمَلُ فَإِنَّهُ لَمْ يَجِدْ بَيْعَ نَصِيبِهِ إلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ عَنْ التَّبْصِرَةِ وَقَالَ فِيهَا أَيْضًا. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إذَا عَجَزَ قَبْلَ صَلَاحِ الثَّمَرَةِ سَاقَى مَنْ أَحَبَّ أَمِينًا فَإِنْ لَمْ يَجِدْ أَسْلَمَ الْحَائِطَ إلَى صَاحِبِهِ زَادَ ابْنُ يُونُسَ ثُمَّ لَا شَيْءَ لَهُ وَلَا عَلَيْهِ (ابْنُ الْمَوَّازِ) وَلَا خَيْرَ فِي أَنْ تَقُولَ لَهُ خُذْ مَا أَنْفَقْته وَعَلَى كَلَامِ ابْنِ الْمَوَّازِ هَذَا نَبَّهَ النَّاظِمُ بِقَوْلِهِ وَقَوْلُ خُذْ مَا نَابَ وَاخْرُجْ مُتَّقَى (فَرْعٌ) : قَالَ اللَّخْمِيّ لِلْمُسَاقِي أَنْ يُسَاقِيَ غَيْرَهُ عَجَزَ أَوْ لَمْ يَعْجِزْ لِأَنَّ الْعَمَلَ فِي الذِّمَّةِ وَيَجُوزُ أَنْ يَدْفَعَهُ لِأَمِينٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِثْلَهُ فِي الْأَمَانَةِ فَإِنْ عَجَزَ وَلَمْ يَجِدْ مَنْ يَأْخُذُ إلَّا بِمِثْلِ الْجُزْءِ الْأَوَّلِ كَانَ صَاحِبُ الْمَالِ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يُسَاقَى عَلَى ذَلِكَ أَوْ يَرُدَّ إلَيْهِ وَيَكُونُ أَحَقَّ بِمَا يُسَاقَى غَيْرُهُ انْتَهَى مَحَلُّ الْحَاجَةِ مِنْهُ. (فَرْعٌ) إذَا عَجَزَ الْعَامِلُ قَبْلَ الطِّيبِ وَلَمْ يَجِدْ أَمِينًا فَقَالَ رَبُّ الْحَائِطِ أَنَا أَسْتَأْجِرُهُ مَنْ يَعْمَلُ تَمَامَ الْعَمَلِ وَيَبِيعُ مَا صَارَ لَهُ مِنْ الثَّمَرَةِ وَأَسْتَوْفِي مَا أَدَّيْت فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ فَلَهُ وَإِنْ نَقَصَ اتَّبَعَهُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لَهُ ذَلِكَ كَقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُتَزَارِعِينَ يَعْجِزُ أَحَدُهُمَا بَعْدَ الْعَمَلِ وَقَبْلَ طِيبِ الزَّرْعِ قَالَ يُقَالُ لِصَاحِبِهِ اعْمَلْ فَإِذَا يَبِسَ الزَّرْعُ وَاسْتَوْفَيْت حَقَّك فَمَا فَضَلَ فَلَهُ وَمَا عَجَزَ اتَّبَعْتَهُ بِهِ لِأَنَّ الْعَمَلَ كَانَ لَهُ لَازِمًا فَكَذَلِكَ هَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (فَرْعٌ) فِي الْمُنْتَخَبِ قُلْت لَهُ فَمَنْ أَخَذَ نَخْلًا مُسَاقَاةً ثَلَاثَ سِنِينَ فَعَمِلَ فِي النَّخْلِ سَنَةً ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَتْرُكَ النَّخْلَ وَلَا يَعْمَلُ قَالَ لَيْسَ ذَلِكَ لَهُ كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ لِرَبِّ النَّخْلِ أَنْ يُخْرِجَهُ حَتَّى يَنْقَضِيَ أَجَلُ الْمُسَاقَاةِ قُلْت فَإِنْ رَضِيَا أَنْ يَتَتَارَكَا قَبْلَ مُضِيِّ الْأَجَلِ قَالَ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ إذَا لَمْ يَأْخُذْ أَحَدُهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ شَيْئًا عَلَى الْمُتَارَكَةِ [فَصْلٌ فِي الِاغْتِرَاسِ] (فَصْلٌ فِي الِاغْتِرَاسِ) الِاغْتِرَاسُ جَائِزٌ لِمَنْ فَعَلٌ ... مِمَّنْ لَهُ الْبُقْعَةُ أَوْ لَهُ الْعَمَلْ وَالْحَدُّ فِي خِدْمَتِهِ أَنْ يَطْعَمَا ... وَيَقَعُ الْقَسْمُ بِجُزْءٍ عُلِمَا وَلَيْسَ لِلْعَامِلِ مِمَّا عَمِلَا ... شَيْءٌ إلَى مَا جَعَلَاهُ أَجَلَا (قَالَ الرَّصَّاعُ فِي شَرْحِ الْحُدُودِ) الْمُغَارَسَةُ عَقْدٌ عَلَى تَعْمِيرِ أَرْضٍ بِشَجَرٍ بِقَدْرٍ مَعْلُومٍ كَالْإِجَارَةِ أَوْ كَالْجَعَالَةِ أَوْ بِجُزْءٍ مِنْ الْأَصْلِ وَهَذَا الْحَدُّ يَجْمَعُ أَصْنَافَهَا الصَّحِيحَةَ وَالْفَاسِدَةَ قَالَ وَلَمْ يَحُدَّهَا ابْنُ عَرَفَةَ وَمَا زِلْتُ أَسْتَشْكِلُ عَدَمَ وَسْمِهِ لَهَا وَلَمْ يَظْهَرْ قُوَّةُ جَوَابٍ عَنْهُ انْتَهَى بِالْمَعْنَى وَأَخْبَرَ النَّاظِمُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ

الْمُغَارَسَةَ جَائِزَةٌ لِمَنْ فَعَلَهَا مِنْ مَالِكِ الْبُقْعَةِ مِنْ الْأَرْضِ أَوْ مِنْ الْعَامِلِ وَهُوَ الْغَارِسُ فِيهَا وَلَا بُدَّ فِيهَا مِنْ ضَرْبِ الْأَجَلِ كَالْإِطْعَامِ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا يُذْكَرُ بَعْدُ فَإِذَا أَطْعَمَتْ الْأَشْجَارُ وَكَانَ الْجُعْلُ جُزْءًا مِنْ الْأَرْضِ فَلَهُمَا أَنْ يَقْسِمَا الْبُقْعَةَ مِنْ الْأَرْضِ إنْ شَاءَا وَلَهُمَا الْبَقَاءُ عَلَى الشَّرِكَةِ مُشَاعَةً. وَقَوْلُهُ بِجُزْءٍ عُلِمَا يَتَعَلَّقُ بِجَائِزٍ أَيْ تَجُوزُ الْمُغَارَسَةُ بِجُزْءٍ مِنْ الْأَرْضِ مَعْلُومٍ كَالرُّبْعِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْأَجْزَاءِ وَإِلَى ذَلِكَ كُلِّهِ أَشَارَ بِالْبَيْتَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ ثُمَّ أَخْبَرَ فِي الثَّالِثِ أَنَّ الْعَامِلَ أَيْ الْغَارِسَ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا مِنْ الْعِوَضِ مِنْ أَجْلِ عَمَلِهِ كَانَ الْعِوَضُ جُزْءًا مِنْ الْأَرْضِ أَوْ نَقْدًا أَوْ عَرْضًا حَتَّى يَنْقَضِيَ الْأَجَلُ الَّذِي ضَرَبَاهُ فَمَا مِنْ قَوْلِهِ مِمَّا عَمِلَ مَصْدَرِيَّةٌ (قَالَ الْمُتَيْطِيّ) اعْلَمْ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَدْفَعَ أَرْضَهُ إلَى مَنْ يَغْرِسُهَا نَخْلًا أَوْ شَجَرًا يُسَمِّي أَصْنَافَهَا لَهُ فَإِذَا بَلَغَتْ النَّخْلَ كَذَا وَكَذَا سَنَةً أَرْبَعًا أَوْ خَمْسَةً أَوْ الشَّجَرَةَ قَدْرَ كَذَا وَارْتِفَاعُهَا وَانْبِسَاطُهَا مِمَّا لَا يُثْمِرُ النَّخْلُ وَلَا الشَّجَرُ قَبْلَ ذَلِكَ. فَالْأَرْضُ وَالشَّجَرُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ أَوْ عَلَى مَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ مِنْ الْأَجْزَاءِ وَإِنْ جَعَلَا ذَلِكَ إلَى الْأَثْمَارِ كَانَ حَسَنًا لِأَنَّهُ مَعْرُوفٌ وَإِنْ جَعَلَاهُ إلَى قَدْرٍ سَمَّيَاهُ يُثْمِرُ الشَّجَرُ قَبْلَهُ لَمْ يَجُزْ وَلَيْسَ لِلْعَامِلِ شَيْءٌ مِنْ أَرْضٍ وَلَا شَجَرٍ حَتَّى يَبْلُغَ غَرْسُهُ إلَى مَا اشْتَرَطَاهُ مِمَّا ذَكَرْنَا جَوَازَهُ فَيَكُونُ لَهُ مِنْ ذَلِكَ الْجُزْءِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ وَلَمْ تَزَلْ الْمُغَارَسَةُ مِنْ عَمَلِ النَّاسِ قَدِيمًا وَهِيَ مِنْ نَاحِيَةِ الْجُعْلِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَمَذْهَبُهُ اهـ. (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ سَلْمُونٍ وَلَا شَيْءَ لِلْعَامِلِ حَتَّى يَبْلُغَ الْحَدَّ الْمُشْتَرَطَ فَإِنْ أَثْمَرَ الْبَعْضُ دُونَ الْبَعْضِ فَإِنْ كَانَ الَّذِي أَثْمَرَ أَكْثَرَهَا كَانَ الْغَيْرُ تَبَعًا وَاقْتَسَمَا الْجَمِيعَ وَإِنْ كَانَ الْأَقَلَّ فَإِنْ كَانَ إلَى نَاحِيَةٍ بِعَيْنِهَا كَانَتْ بَيْنَهُمَا وَسَقَطَ عَنْ الْعَامِلِ الْعَمَلُ فِيهَا وَيَعْمَلُ الْبَاقِي حَتَّى يُثْمِرَ وَإِنْ كَانَ مُخْتَلَطًا لَزِمَهُ الْعَمَلُ فِي الْجَمِيعِ حَتَّى يَتِمَّ مَطْمَعُهُ وَهَلْ يَكُونُ مَا أَثْمَرَ مِنْ ذَلِكَ بَيْنَهُمَا أَمْ لَا؟ فِي ذَلِكَ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَا شَيْءَ لِلْعَامِلِ فِيمَا نَبَتَ حَتَّى يَكُونَ الْجُلُّ فَيَسْتَحِقُّ حَظَّهُ مِنْ الْجَمِيعِ وَالثَّانِي وَهُوَ قَوْلُ أَشْهَبَ أَنَّهُ إذَا مَاتَتْ النَّخْلُ كُلُّهَا إلَّا ثَلَاثَ نَخَلَاتٍ فَهِيَ بَيْنَهُمَا اهـ. (فَرْعٌ) فَإِنْ كَانَتْ فِي الْأَرْضِ ثَمَرَةٌ فَهِيَ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ وَلَا يَكُونُ لِلْعَامِلِ فِيهَا حَقٌّ وَلَا يَسُوغُ لَهُ أَنْ يَشْتَرِطَ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا مَعَ الْغَرْسِ لِلْعَامِلِ أُجْرَةُ سَقْيِهَا وَعِلَاجُهَا وَمَا نَبَتَ فِيهَا فِي أَثْنَاءِ الْمُغَارَسَةِ مِمَّا لَمْ يَعْلَمَا بِهِ وَإِنْ كَانَ الْعَامِلُ لَمْ يَغْرِسْهَا فَإِنَّهَا تَكُونُ بَيْنَهُمَا مَعَ الْغَرْسِ. (فَرْعٌ) وَإِنْ كَانَتْ الْمُغَارَسَةُ فِي أَنْوَاعٍ مِنْ الثَّمَرِ فَلَا تَجُوزُ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَمَدُ إطْعَامِهَا وَاحِدًا، أَوْ مُتَقَارِبًا، فَإِنْ كَانَتْ بَيْنَ ذَلِكَ بَعْدُ فَالْمُغَارَسَةُ فَاسِدَةٌ وَلَا تَجُوزُ الْمُغَارَسَةُ إلَّا فِي الْأُصُولِ خَاصَّةً. (فَرْعٌ) وَإِذَا بَلَغَ الْغَرْسُ الْحَدَّ الْمُشْتَرَطَ وَجَبَ لِلْعَامِلِ حَظُّهُ فَإِنْ بَقِيَ لَمْ يَقْتَسِمَاهُ وَاحْتَرَقَ الْغَرْسُ أَوْ طَرَأَتْ عَلَيْهِ آفَةٌ فَإِنَّ الْأَرْضَ تَكُونُ بَيْنَهُمَا إذْ قَدْ اسْتَحَقَّ الْعَامِلُ حَظَّهُ مِنْهَا بِتَمَامِ الْغَرْسِ قَالَ جَمِيعَ ذَلِكَ ابْنُ سَلْمُونٍ وَشَرْطُ بُقْيَا غَيْرِ مَوْضِعِ الشَّجَرْ ... لِرَبِّ الْأَرْضِ سَائِغٌ إذَا صَدَرْ وَشَرْطُ مَا يَثْقُلُ كَالْجِدَارِ ... مُمْتَنِعٌ وَالْعَكْسُ أَمْرٌ جَارِ وَجَازَ أَنْ يُعْطَى بِكُلِّ شَجَرَهْ ... تَنْبُتُ مِنْهُ حِصَّةً مُقَدَّرَهْ بُقْيَا اسْمُ مَصْدَرٍ بِمَعْنَى بَقَاءٌ يَعْنِي أَنَّهُ يَسُوغُ أَنْ يَشْتَرِطَ رَبُّ الْأَرْضِ عَلَى الْعَامِلِ أَنْ يَبْقَى لِرَبِّ الْأَرْضِ مَا عَدَا مَوَاضِعَ الشَّجَرِ مِنْ الْأَرْضِ وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِالْبَيْتِ الْأَوَّلِ ثُمَّ أَخْبَرَ فِي الْبَيْتِ الثَّانِي أَنَّ اشْتِرَاط رَبِّ الْأَرْضِ عَلَى الْعَامِلِ مَا يُثْقِلُ عَمَلَهُ وَيَحْتَاجُ إلَى كَثِيرِ الْعَمَلِ لَا يَجُوزُ وَعَكْسُهُ وَهُوَ اشْتِرَاطُ مَا لَا يُثْقِلُ وَلَا كَبِيرُ عَمَلٍ فِيهِ جَائِزٌ (وَقَالَ الْمُتَيْطِيّ) وَإِنْ تَغَارَسَا عَلَى أَنْ يَكُونَ الشَّجَرُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَلَهُمَا أُصُولُهُمَا مِنْ الْأَرْضِ وَبَقِيَّةُ الْأَرْضِ لِرَبِّهَا جَازَ اهـ وَالشَّاهِدُ لِفِقْهِ الْبَيْتِ الْأَوَّلِ قَوْلُهُ وَبَقِيَّةُ الْأَرْضِ لِرَبِّهَا جَازَ وَمِثْلُهُ فِي ابْنِ سَلْمُونٍ وَزَادَ وَإِنْ كَانَتْ عَلَى الشَّجَرِ خَاصَّةً دُونَ مَوَاضِعِهَا مِنْ الْأَرْضِ أَوْ عَلَى الْأَرْضِ دُونَ الشَّجَرِ لَمْ تَجُزْ فَإِنْ نَزَلَ كَانَ لِلْعَامِلِ أَجْرُ عَمَلِهِ اهـ. (وَفِي الْمُتَيْطِيَّةِ) أَيْضًا وَكَذَلِكَ إنْ شَرَطَ عَلَيْهِ بُنْيَانَ جِدَارِ الْأَرْضِ مِمَّا تَكْثُرُ النَّفَقَةُ فِيهَا لَمْ تَجُزْ وَهُوَ غَرَرٌ لِأَنَّ الْغَرْسَ رُبَّمَا لَمْ يَتِمَّ وَيَهْلِكُ قَبْلَ بُلُوغِ الْحَدِّ الْمُشْتَرَطِ فِيهِ فَتَرْجِعُ الْأَرْضُ إلَى رَبِّهَا وَقَدْ انْتَفَعَ

فصل في المزارعة

بِتَنْقِيَتِهَا وَالْبُنْيَانِ حَوْلَهَا وَيَذْهَبُ عَمَلُ الْعَامِلِ بَاطِلًا أَمَّا إنْ كَانَ فِيهَا لُمَعٌ يَسِيرَةٌ مِنْ الشَّعْرَاءِ تَخِفُّ إزَالَتُهَا فَلَا بَأْسَ بِاشْتِرَاطِ ذَلِكَ عَلَيْهِ كَاشْتِرَاطِ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ إقَامَةِ زَرْبٍ أَوْ حَفْرِ شِرْبٍ اهـ. وَالشَّعْرَاءُ الشَّجَرُ الْكَثِيرُ نَقَلَهُ الْجَوْهَرِيُّ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ ثُمَّ أَشَارَ فِي الْبَيْتِ الثَّالِثِ إلَى قَوْلِ الْمُتَيْطِيّ وَابْنِ سَلْمُونٍ وَاللَّفْظُ لِلْأَوَّلِ، الْوَجْهُ الثَّانِي أَنْ تَكُونَ الْمُغَارَسَةُ عَلَى وَجْهِ الْجُعْلِ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ لَهُ اغْرِسْ لِي شَجَرَةً فِي هَذِهِ الْأَرْضِ أُصُولًا تِينًا أَوْ كَرْمًا أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَلَك فِي كُلِّ ثَمَرَةٍ تَنْبُتُ كَذَا وَكَذَا فَهُوَ جَائِزٌ عَلَى حُكْمِ الْجُعْلِ الْمَحْضِ اهـ. وَنَائِبُ يُعْطَى لِلْعَامِلِ وَضَمِيرُ مِنْهُ لِلْغَرْسِ وَحِصَّةً مَفْعُولٌ ثَانٍ لِيُعْطَى، وَبَاءُ بِكُلٍّ لِلْعِوَضِ كَمَا فِي اشْتَرَيْت الْفَرَسَ بِأَلْفٍ وَفِي {اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى} [البقرة: 16] وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) إذَا أَرَادَ الْعَامِلُ بَيْعَ نَصِيبِهِ قَبْلَ بُلُوغِ الشَّبَابِ مِنْ رَبِّ الْأَرْضِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ مِمَّنْ يَقُومُ عَلَى الْغَرْسِ إلَى تَمَامِهِ بِذَلِكَ الْجُزْءِ الَّذِي أَخَذَهَا هُوَ بِهِ فَنَقَلَ ابْنُ سَلْمُونٍ عَنْ مَسَائِلِ ابْنِ الْحَاجِّ أَنَّ الْبَيْعَ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ لَمْ يَجِبْ لَهُ نَصِيبٌ إلَّا أَنْ يَبْلُغَ الشَّبَابَ الْمُتَّفَقَ عَلَيْهِ قَالَ وَلَوْ مَاتَ عَنْ وَرَثَةٍ كَانُوا أَحَقَّ بِعَمَلِهِ أَوْ يَتْرُكُهُ ثُمَّ نَقَلَ عَنْ مَسَائِلِ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ وَلَا كَلَامَ لِرَبِّ الْأَرْضِ فِي ذَلِكَ إنْ أَدْخَلَ فِي الْمُغَارَسَةِ غَيْرَهُ عَلَى شَيْءٍ يَأْخُذُ مِنْهُ اهـ بِاخْتِصَارٍ فَرَاجِعْ ذَلِكَ فَإِنَّ ظَاهِرَهُ الْخِلَافُ. (فَرْعٌ) إذَا ادَّعَى أَحَدُ الْمُتَغَارِسَيْنِ الصِّحَّةَ وَادَّعَى الْآخَرُ الْفَسَادَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ مُدَّعِي الصِّحَّةِ وَقِيلَ لِمُدَّعِي الْفَسَادِ لِغَلَبَتِهِ فِي الْمُغَارَسَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ [فَصْلٌ فِي الْمُزَارَعَةِ] (فَصْلٌ فِي الْمُزَارَعَةِ) إنْ عَمِلَ الْعَامِلُ فِي الْمُزَارَعَهْ ... وَالْأَرْضُ مِنْ ثَانٍ فَلَا مُمَانَعَهْ إنْ أَخْرَجَا الْبَذْرَ عَلَى نِسْبَةِ مَا ... قَدْ جَعَلَاهُ جُزْءًا بَيْنَهُمَا كَالنِّصْفِ أَوْ كَنِصْفِهِ أَوْ السُّدُسْ ... وَالْعَمَلُ الْيَوْمَ بِهِ فِي الْأَنْدَلُسْ وَالْتَزَمْت بِالْعَقْدِ كَالْإِجَارَةِ ... وَقِيلَ بَلْ بِالْبَدْءِ لِلْعِمَارَةِ تَكَلَّمَ فِي هَذِهِ الْأَبْيَاتِ وَمَا بَعْدَهَا عَلَى الْمُزَارَعَةِ وَهِيَ كَمَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ الشَّرِكَةُ فِي الْحَرْثِ. وَأَفَادَ النَّاظِمُ فِي الْأَبْيَاتِ مَسْأَلَتَيْنِ (إحْدَاهُمَا) أَحَدُ صُوَرِ الْمُزَارَعَةِ الْجَائِزَةِ وَهِيَ أَنْ تَكُونَ الْأَرْضُ مِنْ وَاحِدٍ وَالْعَمَلُ عَلَى الْآخَرِ وَالزَّرِيعَةُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ مَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ فِي الزَّرْعِ الَّذِي يَطْلُعُ فِي الصَّيْفِ فَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّهُ بَيْنَهُمَا أَنْصَافًا فَالزَّرِيعَةُ كَذَلِكَ أَوْ عَلَى أَنَّ الثُّلُثَ لِوَاحِدٍ وَالثُّلُثَانِ لِآخَرَ فَعَلَى صَاحِبِ الثُّلُثِ الزَّرِيعَةُ وَعَلَى صَاحِب الثُّلُثَيْنِ ثُلُثَاهَا. وَهَكَذَا عَلَى هَذِهِ النِّسْبَةِ وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِالْبَيْتَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ ثُمَّ مَثَّلَ الْجُزْءَ الَّذِي اتَّفَقَا عَلَيْهِ بِالنِّصْفِ وَنِصْفِهِ وَهُوَ الرُّبْعُ وَبِالسُّدُسِ وَنَحْوِهَا وَقَالَ النَّاظِمُ وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ الْعَمَلُ فِي زَمَانِهِ وَالْأَنْدَلُسُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ النُّونِ وَفَتْحِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَضَمِّ اللَّامِ وَآخِرُهُ سِينٌ مُهْمَلَةٌ وَهِيَ جَزِيرَةٌ مُتَّصِلَةٌ بِالْبَرِّ الطَّوِيلِ وَالْبَرُّ الطَّوِيلِ مُتَّصِلٌ بِالْقُسْطَنْطِينِيَّةِ الْعُظْمَى وَإِنَّمَا قِيلَ لِلْأَنْدَلُسِ جَزِيرَةٌ لِأَنَّ الْبَحْرَ مُحِيطٌ بِهَا مِنْ جِهَاتِهَا إلَّا الْجِهَةَ الشَّمَالِيَّةَ وَهِيَ مُثَلَّثَةُ الشَّكْلِ وَالرُّكْنُ الشَّرْقِيُّ مِنْهَا مُتَّصِلُ بِجَبَلٍ يَسْلُكُ مِنْهُ إفْرِنْجَةُ وَلَوْلَاهُ لَاخْتَلَطَ الْبَحْرَانِ. وَحُكِيَ أَنَّ أَوَّلَ مَنْ عَمَرَهَا بَعْدَ الطُّوفَانِ أَنْدَلُسُ بْنُ يَافِثَ بْنِ نُوحٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَسُمِّيَتْ بِاسْمِهِ اهـ. مِنْ مُخْتَصَرِ ابْنِ خِلِّكَانَ وَنَقَلَ صَاحِبُ الْمِعْيَارِ بَعْدَ نَحْوِ سِتَّةَ عَشَرَ وَرَقَةً مِنْ نَوَازِلِ الْأَحْبَاسِ عَنْ الْقَاضِي أَبِي الْفَضْلِ عِيَاضٍ فِي بَعْضِ أَجْوِبَتِهِ أَنَّ الْأَنْدَلُسَ كَانَتْ لِلنَّصَارَى دَمَّرَهُمْ اللَّهُ ثُمَّ أَخَذَهَا الْمُسْلِمُونَ فَمِنْهَا مَا أُخِذَ عَنْوَةً وَمِنْهَا مَا أُخِذَ صُلْحًا ثُمَّ أَسْلَمَ بَعْضُ أُولَئِكَ النَّصَارَى وَسَكَنُوهَا مَعَ الْمُسْلِمِينَ اهـ. وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ إنْ أَخْرَجَا الْبَذْرَ عَلَى نِسْبَةِ إلَخْ مِمَّا لَمْ يَكُنْ عَلَى تِلْكَ النِّسْبَةِ، وَفِي ذَلِكَ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا جَائِزٌ أَيْضًا كَمَا إذَا أَعْطَى وَاحِدٌ ثُلُثَ الزَّرِيعَةِ وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عَلَى أَنَّ لَهُ فِي الزَّرْعِ النِّصْفَ وَأَعْطَى الْآخَرَ ثُلُثَيْ الزَّرِيعَةِ مَعَ الْأَرْضِ وَلَهُ فِي الزَّرْعِ النِّصْفُ أَيْضًا فَالسُّدُسُ مِنْ الزَّرِيعَةِ الَّذِي فَضَلَ بِهِ هَذَا شَرِيكَهُ فِي مُقَابَلَةِ الْعَمَلِ فَلَا مَحْذُورَ فِيهِ فَمَفْهُومُ الشَّرْطِ

بِالنِّسْبَةِ لِهَذَا الْوَجْهِ مَفْهُومُ مُوَافَقَةٍ الْوَجْهُ الثَّانِي أَنْ يَزْرَعَ الْعَامِلُ ثُلُثَيْ الزَّرِيعَةِ وَعَلَى صَاحِبِ الْأَرْضِ الثُّلُثُ وَالزَّرْعُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ فَهَذَا الْوَجْهُ مَمْنُوعٌ لِأَنَّ السُّدُسَ مِنْ الزَّرِيعَةِ الَّذِي فَضَلَ بِهِ صَاحِبُ الْعَمَلِ صَاحِبَ الْأَرْضِ هُوَ فِي مُقَابَلَةِ الْأَرْضِ فَيُمْنَعُ لِمَنْعِ كِرَاءِ الْأَرْضِ بِمَا تُنْبِتُ وَمَفْهُومُ الشَّرْطِ بِالنِّسْبَةِ لِهَذَا الْوَجْهِ مَفْهُومُ مُخَالَفَةٍ، وَهَذِهِ الْأَوْجُهُ الثَّلَاثَةُ أَعْنِي الْوَجْهَ الْمَنْطُوقَ وَوَجْهَيْ الْمَفْهُومِ يَشْمَلُهُمَا قَوْلُ الشَّيْخِ خَلِيلٍ مَنْطُوقًا وَمَفْهُومًا إنْ لَمْ يَنْقُصْ مَا لِلْعَامِلِ عَنْ نِسْبَةِ بَذْرِهِ لِأَنَّهُ صَادِقٌ بِالْمُسَاوَاةِ بَيْنَ مَا بَذَرَ وَبَيْنَ مَا يَأْخُذُ وَهَذِهِ صُورَةُ الْمَنْطُوقِ فِي النَّظْمِ وَبِمَا إذَا زَادَ مَا يَأْخُذُهُ الْعَامِلُ مِنْ الزَّرْعِ عَلَى نِسْبَةِ بَذْرِهِ وَهُوَ الْوَجْهُ الْأَوَّلُ مِنْ وَجْهَيْ الْمَفْهُومِ وَمَفْهُومُهُ أَنَّ نَقْصَ مَا لِلْعَامِلِ مِنْ الزَّرْعِ كَالنِّصْفِ وَقَدْ أَعْطَى ثُلُثَيْ الزَّرِيعَةِ لَمْ يَجُزْ وَهَذِهِ صُورَةُ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ. (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) مِمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ الْأَبْيَاتُ الْخِلَافُ فِي لُزُومِ الْمُزَارَعَةِ بِالْعَقْدِ كَالْإِجَارَةِ أَوْ بِالشُّرُوعِ فِي الْعَمَلِ أَمَّا الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى فَقَالَ فِي الرِّسَالَةِ وَالشَّرِكَةُ فِي الزَّرْعِ جَائِزَةٌ إذَا كَانَتْ الزَّرِيعَةُ مِنْهُمَا جَمِيعًا وَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا كَانَتْ الْأَرْضُ لِأَحَدِهِمَا وَالْعَمَلُ عَلَى الْآخَرِ أَوْ الْعَمَلُ بَيْنَهُمَا وَاكْتَرَيَا الْأَرْضَ أَوْ كَانَتْ بَيْنهمَا اهـ. فَقَوْلُهُ كَانَتْ الْأَرْضُ لِأَحَدِهِمَا وَالْعَمَلُ عَلَى الْآخَرِ هَذِهِ مَسْأَلَةُ الْمُؤَلِّفِ وَتَقَدَّمَ أَنَّ جَوَازَهَا مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَنْقُصْ مَا لِلْعَامِلِ مِنْ الزَّرْعِ عَنْ نِسْبَةِ بَذْرِهِ وَالثَّانِيَةُ فِي الرِّسَالَةِ هِيَ الِاشْتِرَاكُ فِي الزَّرِيعَةِ وَفِي الْأَرْضِ وَفِي الْعَمَلِ وَهِيَ جَائِزَةٌ أَيْضًا اتِّفَاقًا نَقَلَهُ الْقَلْشَانِيّ عَنْ عِيَاضٍ وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ فَقَالَ الْمُتَيْطِيّ الشَّرِكَةُ فِي الزَّرْعِ جَائِزَةٌ وَهِيَ لَازِمَةٌ بِالْعَقْدِ كَالْكِرَاءِ وَالْبَيْعِ بِخِلَافِ الْقِرَاضِ وَالْجَعْلِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَسَحْنُونٍ وَابْنِ كِنَانَةَ وَابْنِ الْقَاسِمِ فِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ وَقِيلَ إنَّ الْمُزَارَعَةَ لَا تَلْزَمُ بِالْعَقْدِ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَنْفَصِلَ

عَنْ صَاحِبِهِ مَا لَمْ يَبْذُرْ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَرِوَايَةُ أَصْبَغَ عَنْهُ وَقِيلَ أَنَّهَا لَا تَلْزَمُ إلَّا بِالْعَمَلِ كَالشَّرِكَةِ وَبِهِ جَرَتْ الْفُتْيَا بِالْأَنْدَلُسِ اهـ. وَعَلَى لُزُومِهَا بِالْبَذْرِ ذَهَبَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ حَيْثُ قَالَ لِكُلٍّ فَسْخُ الْمُزَارَعَةِ إنْ لَمْ يَبْذُرْ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَوَّلَ فَصْلِ الْجَعْلِ الْخِلَافُ فِي لُزُومِهَا بِالْعَقْدِ وَقَوْلُ الشَّيْخِ ابْنِ غَازِيٍّ لَكِنْ فِي الْغِرَاسِ وَالْمُزَارَعَهْ ... وَالشَّرِكَاتِ بَيْنَهُمْ مُنَازَعَهْ وَقَوْلُ النَّاظِمِ وَقِيلَ بَلْ بِالْبَدْءِ لِلْعِمَارَةِ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ الْقَوْلَ الثَّانِي فِي نَقْلِهِ الْمُتَيْطِيّ وَهُوَ لُزُومُهَا بِالْبَذْرِ وَهُوَ الظَّاهِرُ لِأَنَّهُ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ الْقَوْلَ الثَّالِثَ عِنْدَهُ وَهُوَ الْعَمَلُ وَكَأَنَّهُ أَعَمُّ مِنْ الْبَذْرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَالدَّرْسُ وَالنُّقْلَةُ مَهْمَا اُشْتُرِطَا ... مَعْ عَمَلٍ كَانَا عَلَى مَا شُرِطَا يَعْنِي أَنَّ الْعَمَلَ الْمَذْكُورَ فِي الْمُزَارَعَةِ هُوَ الْحَرْثُ فَقَطْ وَأَمَّا الْحَصَادُ وَالنَّقْلَةُ وَالدَّرْسُ وَالتَّصْفِيَةُ فَلَا تَنْدَرِجُ فِي الْعَمَلِ عِنْدَ السُّكُوتِ عَنْهَا بَلْ إنْ اُشْتُرِطَتْ عَلَى الْعَامِلِ كَانَتْ عَلَيْهِ وَإِلَّا كَانَتْ عَلَيْهِمَا عَلَى أَنَّ فِي اشْتِرَاطِ ذَلِكَ عَلَى الْعَامِلِ خِلَافًا أَجَازَهُ فِي رِوَايَةِ حُسَيْنِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَلَمْ يُجِزْهُ سَحْنُونٌ قَالَ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي هَلْ يَتِمُّ وَلَا كَيْفَ يَكُونُ قَالَ وَالْعَمَلُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْمُزَارَعَةِ إنَّمَا هُوَ الْحَرْثُ فَقَطْ نَقَلَهُ الشَّارِحُ عَنْ الْمُتَيْطِيّ وَعَلَى الْجَوَازِ ذَهَبَ النَّاظِمُ وَقَوْلُهُ مَهْمَا اشْتَرَطَا يَعْنِي أَوْ كَانَ ذَلِكَ الْعُرْفَ بَيْنَ النَّاسِ. فَإِنَّهُ كَالشَّرْطِ وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ مَهْمَا اشْتَرِطَا أَنَّهُمَا إذَا لَمْ يَشْتَرِطَا كَانَ عَلَيْهِمَا مَعَا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَالشَّرْطُ أَنْ يَخْرُجَ عَنْ مَعْمُورِ ... مِثْلِ الَّذِي أَلْفَى مِنْ الْمَحْظُورِ وَلَيْسَ لِلشِّرْكَةِ مَعَهُ مِنْ بَقَا ... وَبَيْعُهُ مِنْهُ يَسُوغُ مُطْلَقَا وَحَيْثُ لَا بَيْعَ وَعَامِلٌ زَرَعْ ... فَغُرْمُهُ الْقِيمَةَ فِيهِ مَا امْتَنَعْ الْمُرَاد بِالْعِمَارَةِ قَلْبُ الْأَرْضِ وَحَرْثُهَا يَعْنِي إذَا قَلَّبَ رَبُّ الْأَرْضِ أَرْضَهُ ثُمَّ عَقَدَ الْمُزَارَعَةَ فِيهَا وَاشْتَرَطَ عَلَى الشَّرِيكِ أَنْ يُقَلِّبَ الْأَرْضَ عِنْدَ خُرُوجِهِ وَبِتَرْكِهَا مَقْلُوبَةً كَمَا وَجَدَهَا فَإِنَّ ذَلِكَ مَحْظُورٌ أَيْ مَمْنُوعٌ شَرْعًا وَتُفْسَخُ الشَّرِكَةُ بِسَبَبِهِ. وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِالْبَيْتِ الْأَوَّلِ وَشَطْرِ الثَّانِي بِقَوْلِهِ الشَّرْطُ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ مِنْ الْمَحْظُورِ بِالطَّاءِ الْمُشَالَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا} [الإسراء: 20] وَمِثْلِ بِالْخَفْضِ صِفَةٌ لِمَعْمُورٍ وَضَمِيرُ مَعَهُ بِسُكُونِ الْعَيْنِ لِلشَّرْطِ وَكَنَّى عَنْ فَسْخِ الشَّرِكَةِ بِنَفْيِ بَقَائِهَا مَعَ الشَّرْطِ الْمَذْكُورِ وَمَعْنَى قَوْلِهِ وَبَيْعُهُ مِنْهُ يَسُوغُ مُطْلَقَا أَنَّهُ يَجُوزُ لِرَبِّ الْأَرْضِ أَنْ يَبِيعَ الْمَعْمُورَ أَيْ الْعِمَارَةَ مِنْ الشَّرِيكِ فِي نَفْسِ الْعَقْدِ بِثَمَنٍ مُعَجَّلٍ أَوْ مُؤَجَّلٍ وَهُوَ مُرَادُهُ بِالْإِطْلَاقِ فَإِذَا لَمْ يَبِعْهُ مِنْهُ وَزَرَعَ الْعَامِلِ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا مِنْ كَوْنِ الْأَرْضِ مَقْلُوبَةً فَلَا يَمْنَعُ أَنْ يُغَرَّمَ الْعَامِلُ قِيمَةَ الْعِمَارَةِ فَمَا مِنْ قَوْلِهِ مَا امْتَنَعَ نَافِيَةٌ وَأَشَارَ بِهَذِهِ الْأَبْيَاتِ إلَى قَوْلِ ابْنِ سَلْمُونٍ فَإِنْ كَانَتْ فِي الْأَرْضِ عِمَارَةٌ لِصَاحِبِهَا فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُشْتَرَطَ عَلَى الْعَامِلِ أَنْ يُخْرِجَ عَنْ مِثْلِهَا فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ فُسِخَتْ الشَّرِكَةُ. وَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَبِيعَهَا مِنْهُ فِي نَفْسِ الْعَقْدِ بِثَمَنٍ مُعَجَّلٍ أَوْ مُؤَخَّرٍ فَإِنْ لَمْ يَبِعْهَا وَزَرَعَهَا الْعَامِلُ عَلَى أَنْ يُخْرِجَ عَنْ مِثْلِهَا حِينَ انْفِصَالِ الشَّرِكَةِ فَإِنَّهُ تُقَوَّمُ الْأَرْضُ بِتِلْكَ الْعِمَارَةِ وَعَمَلِ الْعَامِلِ

فَمَا فَضَلَ مِنْ قِيمَةِ كِرَاءِ الْأَرْضِ بِتِلْكَ الْعِمَارَةِ عَلَى قِيمَةِ عَمَلِ الْعَامِلِ أَوْ مِنْ قِيمَةِ عَمَلِ الْعَامِلِ عَلَى كِرَاءِ الْأَرْضِ أَخَذَهُ مِنْهُ صَاحِبُ الزِّيَادَةِ اهـ. وَنَحْوَهُ نَقَلَ الشَّارِحُ عَنْ الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ وَزَادَ أَنَّهُمَا إذَا جَهِلَا ذَلِكَ وَلَمْ يَدْخُلْ عَلَى قِيمَةٍ وَذَهَبَ الْعَامِلُ إلَى أَنْ يَخْرُجَ بِلَا عِمَارَةٍ يَعْمُرُهَا كَانَ ذَلِكَ لَهُ وَكَانَ لِصَاحِبِ الْعِمَارَةِ عَلَيْهِ قِيمَةُ الْعِمَارَةِ الَّتِي دَخَلَ عَلَيْهَا يَصِفُهَا الْعَامِلُ لِأَهْلِ الْبَصَرِ بِعِمَارَةِ الْأَرْضَيْنِ وَيَحْلِفُ عَلَى مَا يَصِفُ مِنْهَا إنْ لَمْ يُوَافِقْهُ رَبُّ الْأَرْضِ عَلَى مَا يَصِفُ ثُمَّ يُغَرَّمُ مَا يُقَوِّمُهَا بِهِ أَهْلُ الْبَصَرِ. وَإِنْ ذَهَبَ الْعَامِلُ إلَى أَنْ يَصِفَهَا رَبُّ الْأَرْضِ كَانَ ذَلِكَ لَهُ فَإِنْ وَصَفَ صَاحِبُ الْأَرْضِ مَا يُوَافِقهُ عَلَيْهِ الْعَامِلُ كَانَ عَلَى الْعَامِلِ قِيمَةُ ذَلِكَ فَإِنْ خَالَفَهُ حَلَفَ رَبُّ الْأَرْضِ عَلَى مَا يَصِفُهُ ثُمَّ يُغَرَّمُ الْعَامِلُ قِيمَةَ ذَلِكَ إلَّا أَنَّ الْمَبْدَأَ بِالصِّفَةِ وَالْيَمِينِ لِلْعَامِلِ فَإِنْ تَجَاهَلَا مَعًا الصِّفَةَ قِيلَ لَهُمَا اصْطَلِحَا بَيْنَكُمَا فَإِنْ دَخَلَ عَلَى عِمَارَةٍ بِغَيْرِ قِيمَةٍ ثُمَّ عَمَرَ الْعَامِلُ الْأَرْضَ كَانَ عَلَيْهِ قِيمَةُ مَا دَخَلَ عَلَيْهِ اهـ وَفِي هَذَا الْكَلَامِ زِيَادَةٌ عَلَى مَا نَحْنُ بِصَدَدِهِ. (فَائِدَتَانِ) : (الْأُولَى) إنْ وَصَفَ التَّالِفَ عَلَى الَّذِي يُغَرَّمُ قِيمَتُهُ وَإِنْ شَاءَ الْغَارِمُ رُدَّ ذَلِكَ إلَى رَبِّ الشَّيْءِ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ. (الثَّانِيَةُ) إنَّ مَا جَهِلَهُ الْخَصْمَانِ يُؤْمَرَانِ فِيهِ بِالصُّلْحِ وَرَاجِعْ الشَّارِحَ عَلَى أَنَّ فِي بَيْعِ الْعِمَارَةِ مِنْ الْعَامِلِ فِي نَفْسِ الْعَقْدِ اجْتِمَاعَ الْبَيْعِ وَالشَّرِكَةِ وَتَقَدَّمَ أَنَّ ذَلِكَ مَمْنُوعٌ وَحَقُّ رَبِّ الْأَرْضِ فِيمَا قَدْ عَمَرْ ... بَاقٍ إذَا لَمْ يَنْبُتْ الَّذِي بَذَرْ بِعَكْسِ مَا كَانَ لَهُ نَبَاتُ ... وَلَمْ يَكُنْ بَعْدُ لَهُ ثَبَاتُ تَقَدَّمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعِمَارَةِ قَلْبُ الْأَرْضِ يَعْنِي أَنَّ الْعَامِلَ إذَا قَلَّبَ الْأَرْضَ وَزَرَعَهَا فَلَمْ يَنْبُتْ زَرْعُهُ فَحَقُّهُ بَاقٍ فِي الْعِمَارَةِ وَلَهُ أَنْ يَزْرَعَهَا مَرَّةً أُخْرَى أَوْ يَبِيعَهَا مِمَّنْ شَاءَ وَإِذَا نَبَتَ زَرْعُهَا ثُمَّ أَصَابَهُ آفَةٌ وَهَلَكَ فَلَا يَبْقَى لَهُ حَقٌّ فِي الْعِمَارَةِ، وَأَشَارَ بِذَلِكَ لِقَوْلِ ابْنِ فَتْحُونٍ فِي تَمْهِيدِهِ: إذَا كَانَتْ لِلْعَامِلِ عِمَارَةٌ فِي الْأَرْضِ فَزَرَعَهَا وَنَبَتَ زَرْعُهَا ثُمَّ بَطَلَ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَا يَبْقَى لَهُ حَقٌّ فِي الْعِمَارَةِ وَإِنْ لَمْ يَنْبُتْ فَحَقُّهُ بَاقٍ فِي الْعِمَارَةِ وَلَهُ أَنْ يَزْرَعَهَا مَرَّةً أُخْرَى أَوْ يَبِيعَهَا مِمَّنْ شَاءَ اهـ. وَنَقَلَهُ ابْن سَلْمُونٍ. وَنَحْوُهُ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ إلَّا أَنَّهُ مِنْ حَقِّ النَّاظِمِ أَنْ يَقُولَ: وَحَقُّ ذَا الْعَامِلِ فِيمَا قَدْ عَمَرْ كَمَا تَقَدَّمَ فِي النَّقْلِ لِإِرْثِ الْأَرْضِ، كَمَا قَالَ: وَقَدْ جَوَّزَ الشَّارِحُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ النَّاظِمِ سَبْقُ قَلَمٍ أَوْ مَقْصُودًا يَعْنِي أَنَّهُ قَصَدَ أَنْ يَنُصَّ عَلَى ثُبُوتِ حَقِّ رَبِّ الْأَرْضِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الصُّورَةِ إذَا أَدْخَلَ مُزَارِعًا آخَرَ وَكَانَ زَرْعُ الْأَوَّلِ لَمْ يَنْبُتْ فَيَكُونُ لَهُ مِنْ الْبَيْعِ وَأَخْذِ الْقِيمَةِ مِثْلُ مَا مَضَى فِي الْأَبْيَاتِ قَبْلَ هَذِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَجَازَ فِي الْبَذْرِ اشْتِرَاكٌ وَالْبَقَرْ ... إنْ كَانَ مِنْ نَاحِيَةِ مَا يُعْتَمَرْ يَعْنِي أَنَّ مِنْ أَوْجُهِ الْمُزَارَعَةِ الْجَائِزَةِ أَنْ تَكُونَ الْأَرْضُ مِنْ وَاحِدٍ وَالزَّرِيعَةُ وَالْبَقَرُ عَلَيْهِمَا مَعًا فَقَوْلُهُ اشْتِرَاكٌ هُوَ فَاعِلُ جَازَ وَالْبَقَرُ مَعْطُوفٌ عَلَى الْبَذْرِ أَيْ جَازَ الِاشْتِرَاكُ فِي الْبَذْرِ وَفِي الْبَقَرِ إنْ كَانَ مَا يُعْتَمَرُ وَهُوَ الْأَرْضُ مِنْ عِنْدِ أَحَدِهِمَا وَلَعَلَّ هَذَا فِي الْأَرْضِ الَّتِي لَا خَطْبَ لِكِرَائِهَا قَالَ ابْنُ عَبْدُوسٍ إنَّمَا أَجَازَ مَالِكٌ أَنْ تُلْغَى الْأَرْضُ الَّتِي لَا خَطْبَ لَهَا إذَا تَسَاوَيَا فِي إخْرَاجِ الزَّرِيعَةِ وَالْعَمَلُ اهـ. عَلَى نَقْلِ الْمَوَّاق وَالزَّرْعُ لِلزَّارِعِ فِي أَشْيَاءَ ... وَرَبُّ الْأَرْضِ يَأْخُذُ الْكِرَاءَ كَمِثْلِ مَا فِي الْغَصْبِ وَالطَّلَاقِ ... وَمَوْتِ زَوْجَيْنِ وَالِاسْتِحْقَاقِ يَعْنِي أَنَّ مَنْ زَرَعَ فِي أَرْضِ غَيْرِهِ فَإِنَّ الزَّرْعَ الَّذِي يَحْصُلُ يَكُونُ لِلْمَزَارِعِ وَلَيْسَ لِرَبِّ الْأَرْضِ إلَّا كِرَاء أَرْضِهِ وَذَلِكَ فِي أَشْيَاءَ مِنْهَا مَنْ غَصَبَ أَرْضًا وَزَرَعَهَا وَلَمْ يَقُمْ رَبُّهَا حَتَّى فَاتَ وَقْتُ الزِّرَاعَةِ وَكَمَنْ أَمْتَعَتْهُ زَوْجَتُهُ أَرْضًا فَزَرَعَهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا أَوْ مَاتَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ وَكَمَنْ اشْتَرَى أَرْضًا أَوْ وَرِثَهَا فَزَرَعَهَا ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ مِنْ يَدِهِ فَالزَّرْعُ الَّذِي يَحْصُلُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ هُوَ لِلزَّارِعِ وَلَيْسَ لِرَبِّ الْأَرْضِ إلَّا كِرَاؤُهَا. (قَالَ ابْنُ يُونُسَ) قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ مَنْ تَعَدَّى عَلَى أَرْضِ رَجُلٍ فَزَرَعَهَا فَقَامَ رَبُّهَا

وَقَدْ نَبَتَ الزَّرْعُ فَإِنْ قَامَ فِي إبَّانٍ يُدْرَكُ فِيهِ الْحَرْثُ فَلَهُ قَلْعُهُ يُرِيدُ يَلِي قَلْعَهُ الْمُتَعَدِّي وَإِنْ فَاتَ الْإِبَّانُ فَلَهُ كِرَاءُ أَرْضِهِ. (وَقَالَ فِي الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ) فَإِنْ غَفَلَ رَبُّ الْأَرْضِ وَلَمْ يَأْمُرْ الْغَاصِبَ بِتَحْوِيلِ الْأَرْضِ حَتَّى خَرَجَ أَوَانُ الزِّرَاعَةِ كَانَ الزَّرْعُ لِلْغَاصِبِ وَكَانَ عَلَيْهِ كِرَاءُ الْأَرْضِ اهـ. وَتَقَدَّمَ فَصْلٌ فِي أَحْكَامٍ مِنْ الْكِرَاءِ وَالِاسْتِظْهَارِ بِالنُّقُولِ عَلَى حُكْمِ الزَّوْجِ الْمُمْتَنِعِ بَعْدَ الطَّلَاقِ وَالْمَوْتِ الطَّارِئِ لِأَحَدِ الزَّوْجَيْنِ بَعْدَ أَنْ حَرَثَ أَرْضَ الزَّوْجَةِ وَإِنَّ الزَّرْعَ لَهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَيَلْزَمُهُ كِرَاءُ الْأَرْضِ عَلَى تَفَصُّلٍ فِيهِ فَرَاجِعْهُ إنْ شِئْت (وَفِي الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ أَيْضًا) وَإِنْ اسْتَحَقَّ الْأَرْضَ فِي إبَّانِ الزِّرَاعَةِ وَقَدْ زَرَعَهَا الَّذِي هِيَ فِي يَدِهِ لَمْ يَكُنْ لِلْمُسْتَحِقِّ قَلْعُ زَرْعِهِ وَكَانَ عَلَى الزَّارِعِ كِرَاءُ الْأَرْضِ لِذَلِكَ الْعَامِ خَاصَّةً وَالْخُلْفُ فِيهِ هَهُنَا إنْ وَقَعَا ... مَا الشَّرْعُ مُقْتَضٍ لَهُ أَنْ يُمْنَعَا قِيلَ لِذَا الْبَذْرِ أَوْ الْحِرَاثَةِ ... أَوْ مُحْرِزٍ لِاثْنَيْنِ مِنْ ثَلَاثَةِ الْأَرْضِ وَالْبَذْرِ وَالِاعْتِمَارِ ... وَفِيهِ أَيْضًا غَيْرُ ذَاكَ جَارِ يَعْنِي أَنَّهُ اخْتَلَفَ فِي الزَّرْعِ فِي بَابِ الْمُزَارَعَةِ لِمَنْ يَكُونُ إذَا وَقَعَ عَقْدُ الْمُزَارَعَةِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي مُقْتَضَى الشَّرْعِ مَنَعَهُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ قِيلَ يَكُونُ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ أَيْ الزَّرِيعَةِ وَهِيَ رِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ يَعْنِي وَيُؤَدَّى لِأَصْحَابِهِ كِرَاءُ مَا أَخْرَجُوهُ قَالَهُ فِي الْجَوَاهِرِ وَقِيلَ لِلَّذِي حَرَثَ الْأَرْضَ وَقَلَّبَهَا أَيْ لِصَاحِبِ الْعَمَلِ لِأَنَّهُ تَقَدَّمَ أَنَّ الْعَمَلَ الْمَذْكُورَ فِي بَابِ الْمُزَارَعَةِ إنَّمَا هُوَ الْحَرْثُ فَقَطْ وَهُوَ قَوْلُ أَشْهَب. وَقِيلَ لِمَنْ لَهُ اثْنَانِ مَنْ ثَلَاثَةٍ وَهِيَ الْأَرْضُ وَالْبُذُورُ وَالِاعْتِمَارُ وَهُوَ الْحَرْثُ وَالْقَلْبُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ فَيَكُونُ لِمَنْ لَهُ الْأَرْضُ مَعَ الْبَذْرِ أَوْ الْأَرْضُ مَعَ الِاعْتِمَارِ أَوْ الْبَذْرُ مَعَ الِاعْتِمَارِ زَادَ فِي الْجَوَاهِرِ مَا نَصُّهُ فَإِنْ كَانُوا ثَلَاثَةً وَاجْتَمَعَ لِكُلِّ وَاحِدٍ شَيْئَانِ مِنْهَا وَانْفَرَدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِشَيْءٍ كَانَ الزَّرْعُ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا وَإِنَّ اجْتَمَعَ لِأَحَدِهِمْ شَيْئَانِ مِنْهَا دُونَ صَاحِبَيْهِ كَانَ لَهُ الزَّرْعُ دُونَهُمَا وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَاخْتَارَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَلَى مَا تَأَوَّلَ أَبُو إِسْحَاقَ التُّونُسِيُّ اهـ. وَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ الَّتِي فِي الْمُزَارَعَةِ بَيْنَ اثْنَيْنِ هِيَ الَّتِي حَكَى النَّاظِمُ. ثُمَّ قَالَ وَفِيهِ أَيْضًا غَيْرُ ذَلِكَ جَارٍ أَيْ وَفِيمَنْ يَكُونُ لَهُ الزَّرْعُ غَيْرُ مَا تَقَدَّمَ وَذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ أُخَرُ عَلَى مَا حَكَى فِي الْجَوَاهِرِ أَحَدُهَا أَنَّ الزَّرْعَ لَمَّا اجْتَمَعَ لَهُ شَيْئَانِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ وَهِيَ الْأَرْضُ وَالْبَقَرُ وَالْعَمَلُ، الثَّانِي أَنَّهُ لِمَنْ اجْتَمَعَ لَهُ شَيْئَانِ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ أَيْضًا وَهِيَ الْأَرْضُ وَالْبَذْرُ وَالْبَقَرُ. وَالْعَمَلُ، الثَّالِثُ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَإِنْ سَلِمَتْ الْمُزَارَعَةُ مِنْ كِرَاءِ الْأَرْضِ بِمَا يَخْرُجُ مِنْهَا كَانَ الزَّرْعُ بَيْنَهُمْ عَلَى مَا اشْتَرَطُوهُ وَتَعَادَلُوا فِيمَا أَخْرَجُوهُ فَإِنْ دَخَلَهُ كِرَاءُ الْأَرْضِ بِمَا يَخْرُجُ مِنْهَا كَانَ الزَّرْعُ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ انْتَهَى عَلَى نَقْلِ الشَّارِحِ، وَمِمَّا يُنْسَبُ لِلشَّيْخِ ابْنِ غَازِيٍّ فِي نَظْمُ هَذِهِ الْأَقْوَالِ السِّتِّ الزَّرْعُ لِلْعَامِلِ أَوْ لِلْبَاذِرِ ... فِي فَاسِدٍ أَوْ لِسِوَى الْمُخَابِرِ أَوْ مَنْ لَهُ حَرْفَانِ مِنْ إحْدَى الْكَلِم ... (عَابَ) وَ (عَاثَ ثَاعِبٌ) لِمَنْ فَهِمْ فَقَوْلُهُ الزَّرْعُ لِلْعَامِلِ هُوَ الْقَوْلِ الثَّانِي مِمَّا تَقَدَّمَ وَقَوْلُهُ أَوْ لِلْبَاذِرِ هُوَ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ وَقَوْلُهُ فِي فَاسِدِ أَيْ مَوْضُوعُ هَذِهِ الْأَقْوَالِ مَا فَسَدَ مِنْ الْمُزَارَعَةِ وَقَوْلُهُ أَوْ لِسِوَى الْمُخَابِرِ وَهُوَ الْقَوْلُ السَّادِسُ وَالْمُخَابِرُ هُوَ مُكْرِي الْأَرْضِ بِمَا يَخْرُجُ مِنْهَا. وَقَوْلُهُ أَوْ مَنْ لَهُ حَرْفَانِ مِنْ إحْدَى الْكَلِمِ عَابَ؛ الْعَيْنُ رَمْزٌ لِلْعَمَلِ وَالْأَلِفُ لِلْأَرْضِ وَالْبَاءُ لِلْبَذْرِ وَهُوَ الْقَوْلُ الثَّالِثُ وَعَاثَ هُوَ إشَارَةٌ لِلْقَوْلِ الرَّابِعِ فَالْعَيْنُ لِلْعَمَلِ وَالْأَلِفُ لِلْأَرْضِ وَالثَّاءُ لِلثَّوْرِ رَمَزَ لَهُ بِالثَّاءِ دُونَ الْبَاءِ الَّتِي فِي أَوَّلِ الْبَقَرِ لِئَلَّا يَلْتَبِسَ بِالْبَذْرِ وَثَاعِبٌ الثَّاءُ لِلثَّوْرِ وَالْأَلِفُ لِلْأَرْضِ وَالْعَيْنُ لِلْعَمَلِ وَالْبَاءُ لِلْبَذْرِ وَهُوَ الْقَوْلُ الْخَامِسُ وَقَوْلُ مُدَّعٍ لِعَقْدِ الِاكْتِرَا ... لَا الِازْدِرَاعِ مَعَ يَمِينٍ أُوثِرَا وَحَيْثُ زَارِعٌ وَرَبُّ الْأَرْضِ قَدْ ... تَدَاعَيَا فِي وَصْفِ حَرْثٍ يُعْتَمَد

فصل في الشركة

فَالْقَوْلُ لِلْعَامِلِ وَالْيَمِينُ ... وَقَلْبُهَا إنْ شَاءَ مُسْتَبِينُ اشْتَمَلَتْ الْأَبْيَاتُ عَلَى مَسْأَلَتَيْنِ (الْأُولَى) إذَا اخْتَلَفَ الزَّارِعُ وَرَبُّ الْأَرْضِ فَادَّعَى أَحَدُهُمَا الِاكْتِرَاءَ وَادَّعَى الْآخَرُ الِازْدِرَاعَ فَالْقَوْلُ لِمُدَّعِي الِاكْتِرَاء مِنْهُمَا مَعَ يَمِينِهِ. (قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ) وَإِنْ ادَّعَى رَبُّ الْأَرْضِ الْمُزَارَعَةَ وَالْعَامِلُ الْكِرَاءَ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ فَالْعَامِلُ مُصَدَّقٌ مَعَ يَمِينِهِ وَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ إنْ قَالَ دَفَعْت الْكِرَاءَ وَلَوْ ادَّعَى الْعَامِلُ الْمُزَارَعَةَ وَرَبُّ الْأَرْضِ الْكِرَاءَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبُّ الْأَرْضِ مَعَ يَمِينِهِ وَرَوَى حُسَيْنُ بْنُ عَاصِمٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ مِثْلَهُ اهـ. وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِالْبَيْتِ الْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ فِيهِ وَقَوْلُ مُدَّعٍ لِعَقْدِ الِاكْتِرَاءِ يَعْنِي سَوَاءٌ كَانَ مُدَّعِي الِاكْتِرَاءِ هُوَ رَبُّ الْأَرْضِ أَوْ الزَّارِعِ وَقَوْلُهُ لَا الِازْدِرَاعِ بِالْخَفْضِ عَطْفٌ عَلَى الِاكْتِرَاءِ وَقَوْلُهُ مَعَ يَمِينٍ أَيْ عَلَى مُدَّعِي الِاكْتِرَاءِ أُوثِرَا أَيْ فَضُلَ خَبَرُ قَوْلٍ إلَّا أَنَّهُ يَظْهَرُ مِنْهُ أَنَّ ثَمَّ قَوْلًا آخَرَ مَفْضُولًا فَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) إذَا اخْتَلَفَ الزَّارِعُ وَرَبُّ الْأَرْضِ فِي صِفَةِ الْحَرْثِ الَّذِي دَخَلَ عَلَيْهِ الْعَامِلُ فَقَالَ رَبُّ الْأَرْضِ دَخَلْت عَلَى أَنْ تَحْرُثَ الْأَرْضَ مَرَّتَيْنِ مَثَلًا وَقَالَ الزَّارِعُ إنَّمَا دَخَلْت عَلَى حَرْثِهَا مَرَّةً وَاحِدَةً أَوْ قَالَ رَبُّ الْأَرْضِ ثَلَاثَةَ مَرَّاتٍ وَقَالَ الزَّارِعُ مَرَّتَيْنِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْعَامِلِ وَهُوَ الزَّارِعُ مَعَ يَمِينِهِ وَلَهُ أَنْ يَقْلِبَ هَذِهِ الْيَمِينَ الْوَاجِبَةَ عَلَيْهِ (قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ) . وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْعِمَارَةِ فَقَالَ رَبُّ الْأَرْضِ دَخَلْت عَلَى عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ فَيَحْلِفُهَا وَيَكُونُ مُقْتَضَى دَعْوَاهُ بِيَمِينِهِ وَنُكُولُ الزَّارِعِ عَنْ الْيَمِينِ الْوَاجِبَةِ عَلَيْهِ عِمَارَةٌ صِفَتُهَا كَذَا وَقَالَ الْعَامِلُ بَلْ عَلَى أَرْضٍ مُبَوَّرَةٍ أَوْ عَلَى عِمَارَةٍ صِفَتُهَا دُونَ تِلْكَ الصِّفَةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْعَامِلِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ مَعَ يَمِينِهِ وَلْيَصْرِفْهَا إنْ شَاءَ اهـ. وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِالْبَيْتِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ فَقَوْلُهُ وَالْيَمِينُ أَيْ عَلَيْهِ وَضَمِيرُ قَلْبِهَا لِلْيَمِينِ أَيْ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ وَفَاعِلُ شَاءَ الْعَامِلُ [فَصْلٌ فِي الشَّرِكَةِ] (فَصْلٌ فِي الشَّرِكَةِ) اقْتَصَرَ صَاحِبُ التَّوْضِيحِ فِي ضَبْطِ لَفْظِهَا عَلَى أَنَّهُ بِكَسْرِ الشِّينِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَحَكَى غَيْرُهُ فَتْحِ الشِّينِ وَكَسْرِ الرَّاءِ كَمَا لَفَظَ بِهِ النَّاظِمُ أَوَّلَ الْبَيْتِ الْأَوَّلِ وَالشَّرِكَةُ عَلَى وَجْهَيْنِ أَعَمِّيَّةٌ وَأَخَصِّيَّةٌ (قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ) الْأَعَمِّيَّةُ تَقَرُّرُ مُتَمَوَّلٍ بَيْنَ مَالِكَيْنِ فَأَكْثَرُ مِلْكًا فَقَطْ وَالْأَخَصِّيَّةُ بَيْعُ مَالِكٍ كُلَّ بَعْضِهِ بِبَعْضِ كُلِّ الْآخَرِ مُوجِبٌ صِحَّةَ تَصَرُّفِهِمَا فِي الْجَمِيعِ فَيَدْخُلُ فِي الْأَوَّلِ شَرِكَةُ الْإِرْثِ وَالْغَنِيمَةِ لَا شَرِكَةُ التَّجْرِ وَهُمَا فِي الثَّانِيَةِ عَلَى الْعَكْسِ وَشَرِكَةُ الْأَبْدَانِ وَالْحَرْثِ بِاعْتِبَارِ الْعَمَلِ فِي الثَّانِيَةِ، وَفِي عِوَضِهِ فِي الْأُولَى يَتَبَايَنَانِ فِي الْحُكْمِ شَرِكَةُ الشَّرِيكِ بِالْأُولَى جَائِزَةٌ وَبِالثَّانِيَةِ مَمْنُوعَةٌ (قَالَ الرَّصَّاع) ذَكَرَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الشَّرِكَةَ تَصْدُقُ بِالْمَعْنَى الْأَعَمِّ وَبِالْمَعْنَى الْأَخَصِّ وَحَدَّ كُلًّا مِنْهُمَا بِمَا يَخُصُّهُ فَقَالَ فِي الْأَعَمِّيَّةِ تَقَرُّرُ مُتَمَوَّلٍ إلَخْ فَذَكَرَ جِنْسًا لِلشَّرِكَةِ وَهُوَ التَّقَرُّرُ وَهُوَ الثُّبُوتُ. وَقَوْلُهُ مُتَمَوَّلٍ أَخْرَجَ بِهِ مَا لَيْسَ بِمُتَمَوِّلٍ كَثُبُوتِ النَّسَبِ بَيْنَ إخْوَةٍ وَغَيْرِهِمْ وَقَوْلُهُ بَيْنَ مَالِكَيْنِ مَعْمُولٌ لِتَقَرُّرِ وَأَخْرَجَ بِهِ غَيْرَ الْمَالِكَيْنِ وَقَوْلُهُ فَأَكْثَرُ أَدْخَلَ بِهِ مَا إذَا كَانَتْ الشَّرِكَةُ بَيْنَ جَمَاعَةٍ وَقَوْلُهُ مِلْكًا أَخْرَجَ بِهِ مِلْكَ الِانْتِفَاعِ كَمَا إذَا كَانَا يَنْتَفِعَانِ مِنْ حَبْسِ الْمَدَارِسِ فَإِنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ تَقَرُّرُ مُتَمَوَّلٍ إلَخْ لَكِنَّهُ لَيْسَ بِمِلْكٍ عَلَى أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ مِلْكَ الِانْتِفَاعِ حَتَّى يُحْتَاجَ إلَى إخْرَاجِهِ لِأَنَّ ذِكْرَ الْمَالِكَيْنِ يُخْرِجُهُ وَقَوْلُهُ فَقَطْ مَعْنَاهُ انْتَهِ مِنْ الزِّيَادَةِ عَلَى مَا ذَكَرَ وَاحْتَرَزَ بِهِ مِنْ الشَّرِكَةِ الْأَخَصِّيَّةِ فَإِنَّ فِيهَا زِيَادَةَ التَّصَرُّفِ وَهَذِهِ لَا تَصَرُّفَ فِيهَا لِلشَّرِيكَيْنِ. وَأَمَّا الْأَخَصِّيَّةُ فَقَالَ بَيْعُ مَالِكٍ جَعَلَ الْجِنْسَ بَيْعًا وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الشَّرِكَةَ الْأَخَصِّيَّةَ مِنْ الْبَيْعِ وَإِنَّ فِيهَا مُعَاوَضَةً وَالْحَدُّ يَشْمَلُ الشَّرِكَةَ الصَّحِيحَةَ وَالْفَاسِدَةَ وَقَوْلُ مَالِكٍ كُلْ بَعْضَهُ أَخْرَجَ بِهِ مَا إذَا بَاعَ الْكُلَّ بِالْكُلِّ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِشَرِكَةٍ وَيَدْخُلُ فِيهِ الشَّرِكَةَ بِالنِّصْفِ وَالثُّلُثِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَجْزَاءِ وَقَوْلُهُ بِبَعْضِ كُلّ الْآخَرِ، الْآخَرِ صِفَةٌ لِمَوْصُوفٍ مُقَدَّرٍ أَيْ الْبَعْضُ الْآخَرُ أَخْرَجَ بِهِ مَا إذَا بَاعَ بَعْضًا بِكُلٍّ وَقَوْلُهُ مُوجِبٌ صِفَةٌ لِبَيْعٍ وَقَوْلُهُ صِحَّةُ

تَصَرُّفِهِمَا فِي الْجَمِيعِ مَفْعُولٌ بِاسْمِ الْفَاعِلِ وَذَلِكَ خَاصٌّ بِشَرِكَةِ التَّجْرِ وَأَخْرَجَ بِذَلِكَ شَرِكَةَ غَيْرِ التَّجْرِ كَمَا إذَا خَلَطَا طَعَامًا لِلْأَكْلِ فِي الرُّفْقَةِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يُوجِبُ التَّصَرُّفَ الْمُطْلَقَ لِلْجَمِيعِ وَضَمِيرُ تَصَرُّفِهِمَا يَعُودُ عَلَى الْمَالِكَيْنِ وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ وَكِيلٌ لِصَاحِبِهِ فِي تَصَرُّفِهِ فِي مِلْكِهِ فَشَرِكَةُ الْإِرْثِ تَدْخُلُ فِي الْحَدِّ الْأَوَّلِ كَمَا ذَكَرَ وَكَذَلِكَ الْغَنِيمَةُ وَأَمَّا شَرِكَةُ التَّجْرِ فَتَدْخُلُ فِي الثَّانِي لِصِدْقِ الْحَدِّ الثَّانِي عَلَيْهَا. وَشَرِكَةُ الْإِرْثِ وَالْغَنِيمَةِ لَا يَدْخُلَانِ فِي الْحَدِّ الثَّانِي هَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ عَلَى الْعَكْسِ وَفِي عَدَمِ دُخُولِ شَرِكَةِ التَّجْرِ فِي الْحَدِّ الْأَوَّلِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ إذَا سَلِمَ أَنَّهُ أَعَمُّ فَيَصْدُقُ عَلَى مَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ الْأَخَصُّ ثُمَّ قَالَ وَأَمَّا شَرِكَةُ الْأَبْدَانِ وَالْحَرْثِ فَبِاعْتِبَارِ الْعَمَلِ يَدْخُلَانِ وَالْأَخَصِّيَّةُ وَفِي عِوَضِهِ يَدْخُلَانِ فِي الْأَعَمِّيَّةِ وَذَلِكَ لِأَنَّ شَرِكَةَ الْأَبْدَانِ وَمَا شَابَهَهَا يَصْدُقُ فِيهَا بَيْعُ مَالِكٍ إلَخْ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ قَدْ بَاعَ بَعْضَ مَنَافِعِهِ بِبَعْضِ مَنَافِعِ غَيْرِهِ مَعَ كَمَالِ التَّصَرُّفِ وَأَمَّا عِوَضُ ذَلِكَ فَيَدْخُلُ تَحْتَ أَعَمِّهَا وَلَيْسَ فِيهِ تَصَرُّفٌ ثُمَّ قَالَ وَقَدْ يَتَبَايَنَانِ فِي الْحُكْمِ أَشَارَ إلَى أَنَّ الْأَعَمِّيَّةَ وَالْأَخَصِّيَّةَ وَإِنْ صَدَقَ فِيهِمَا الْأَعَمُّ عَلَى أَخَصِّهِ فَإِنَّ الْحُكْمَ يَخْتَلِفُ فِيهِمَا شَرْعًا كَمَا ذَكَرَ شَرِكَةٌ فِي مَالٍ أَوْ فِي عَمَلِ ... أَوْ فِيهِمَا تَجُوزُ لَا لِأَجَلِ وَفَسْخُهَا إنْ وَقَعَتْ عَلَى الذِّمَمْ ... وَيَقْسِمَانِ الرِّبْحَ حُكْمٌ مُلْتَزَمْ يَعْنِي أَنَّ الشَّرِكَةَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ إمَّا فِي الْمَالِ أَوْ فِي الْعَمَلِ أَوْ فِي الْمَالِ وَالْعَمَلِ مَعًا وَالثَّلَاثَةُ الْأَوْجُهِ جَائِزَةٌ وَلَا تُحَدُّ بِأَجَلٍ بَلْ لِكُلِّ وَاحِدٍ أَنْ يَنْحَلَّ عَنْ صَاحِبِهِ مَتَى شَاءَ وَالْوَجْهُ الرَّابِعُ مَمْنُوعٌ وَهِيَ شَرِكَةُ الذِّمَمِ أَنْ يَشْتَرِيَا بِلَا مَالٍ وَالْمُشْتَرَى بَيْنَهُمَا فَإِنْ وَقَعَ فُسِخَتْ وَكَانَ مَا اشْتَرَوْهُ بَيْنَهُمَا فَإِنْ حَصَلَ فِيهِ رِبْحٌ كَانَ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا تَعَاقَدَا عَلَيْهِ. (قَالَ فِي التَّوْضِيحِ) الشَّرِكَةُ ثَلَاثَةُ أَضْرُبٍ شَرِكَةُ أَمْوَالٍ وَشَرِكَةُ أَبْدَانٍ وَشَرِكَةُ أَوْجُهٍ وَشَرِكَةُ الْأَمْوَالِ تَنْقَسِمُ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ الْأَوَّلُ شَرِكَةُ مُضَارَبَةٍ وَهِيَ الْقِرَاضُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الضَّرْبِ فِي الْأَرْضِ وَالثَّانِيَةُ شَرِكَةُ مُفَاوَضَةٍ وَهِيَ أَنْ يَجُوزَ فِعْلُ كُلِّ وَاحِدٍ عَلَى صَاحِبِهِ وَيَشْتَرِكَانِ فِي جَمِيعِ مَا يَسْتَفِيدَانِ وَاتُّفِقَ عَلَى جَوَازِهَا. سُمِّيَتْ مُفَاوَضَةً لِتَفْوِيضِ كُلٍّ مِنْهُمَا الْمَالَ لِصَاحِبِهِ وَقِيلَ مِنْ الْمُفَاوَضَةِ وَالْمُشَاوَرَةُ كَأَنَّهُمَا يَتَشَاوَرَانِ فِي جَمِيعِ أُمُورِهِمَا الثَّالِثَةُ شَرِكَةُ الْعَنَانِ. وَفَسَّرَهَا ابْنُ الْحَاجِبِ وَابْنُ شَاسٍ بِأَنْ يَشْتَرِطَ كُلٌّ مِنْهُمَا نَفْيَ الِاسْتِبْدَادِ أَنْ لَا يَفْعَلَ أَحَدُهُمَا شَيْئًا حَتَّى يُشَارِكَهُ فِيهَا الْآخَرُ انْتَهَى بِاخْتِصَارٍ وَشَرِكَةُ الْأَبْدَانِ هِيَ الشَّرِكَةُ فِي الْعَمَلِ وَيَأْتِي لِلنَّاظِمِ الْكَلَامُ عَلَيْهَا وَشَرِكَةُ الْوُجُوهِ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَلَا تَصِحُّ شَرِكَةُ الْوُجُوهِ وَفُسِّرَتْ بِأَنْ يَبِيعَ الْوَجِيهُ مَالَ الْخَامِلِ بِبَعْضِ رِبْحِهِ وَقِيلَ هِيَ شَرِكَةُ الذِّمَمِ يَشْتَرِيَانِ وَيَبِيعَانِ وَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا مِنْ غَيْرِ مَالٍ وَكِلْتَاهُمَا فَاسِدَةٌ وَتُفْسَخُ وَمَا اشْتَرَيَاهُ بَيْنَهُمَا عَلَى الْأَشْهَرِ اهـ. وَكَذَا قَسَمَ الْمُتَيْطِيّ الشَّرِكَةَ إلَى شَرِكَةِ أَمْوَالٍ وَشَرِكَةِ أَبْدَانٍ وَشَرِكَةِ وُجُوهٍ وَهِيَ شَرِكَةُ الذِّمَمِ وَزَادَ النَّاظِمُ قِسْمًا رَابِعًا وَهِيَ الشَّرِكَةُ بِالْمَالِ وَالْعَمَلِ مَعًا فُتِيَا وَذَلِكَ كَأَنْ يَشْتَرِيَا جُلُودًا فَيُفَصِّلَانِهَا نِعَالًا وَيَخِيطَانِهَا وَيَبِيعَانِهَا مَخِيطَةً وَمِثْلُ ذَلِكَ كَثِيرٌ (قَالَ فِي التَّوْضِيحِ) فِي تَوْجِيهِ فَسَادِ شَرِكَةِ الْوُجُوهِ وَفَسَدَتْ عَلَى التَّفْسِيرِ الْأَوَّلِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْإِجَارَةِ الْمَجْهُولَةِ وَالتَّدْلِيسِ عَلَى الْغَيْرِ لِأَنَّ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ مَنْ يَرْغَبُ فِي الشِّرَاءِ مَنْ أَمْلِيَاءِ السُّوقِ لِاعْتِقَادِهِمْ أَنَّهُمْ إنَّمَا يَتَّجِرُونَ فِي جَيِّدِ السِّلَعِ وَأَنَّ فُقَرَاءَهُمْ عَلَى الْعَكْسِ ثُمَّ قَالَ وَفَسَدَتْ عَلَى التَّفْسِيرِ الثَّانِي لِأَنَّ مِنْ بَابِ: تَحَمَّلْ عَنَى وَأَتَحَمَّلُ عَنْك وَأَسْلِفْنِي وَأُسْلِفُك فَيَكُونُ مِنْ بَابِ الضَّمَانِ بِجُعْلٍ وَالسَّلَفِ بِزِيَادَةٍ اهـ. وَيَعْنِي بِالتَّفْسِيرِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي مَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَكَمَا تَفْسُدُ وَتُفْسَخُ عَلَى التَّفْسِيرِ الثَّانِي إذَا اشْتَرَيَا بِلَا مَالٍ رَأْسًا كَذَلِكَ تَفْسُدُ وَتُفْسَخُ أَيْضًا إذَا كَانَتْ بِمَالٍ قَلِيلٍ (قَالَ الْمُتَيْطِيّ) بَعْدَ أَنْ قَرَّرَ فِيهَا الْمَنْعَ وَكَذَلِكَ إنْ اشْتَرَكَا بِمَالٍ قَلِيلٍ عَلَى أَنْ يَتَدَايَنَا لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَقُولُ لِصَاحِبِهِ تَحَمَّلْ عَنَى نِصْفَ مَا اشْتَرَيْت عَلَى أَنْ أَتَحَمَّلَ عَنْك نِصْفَ مَا اشْتَرَيْت (وَفِي الْمُتَيْطِيَّةِ أَيْضًا) وَالشَّرِكَةُ لَا تَكُونُ إلَى أَجَلٍ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ

مِنْهُمَا أَنْ يَنْحَلَّ عَنْ صَاحِبِهِ وَيُقَاسِمَهُ فِيمَا بَيْنَ أَيْدِيهِمَا مِنْ نَاضٍّ وَعُرُوضٍ مَتَى شَاءَ اهـ. فَقَوْلُهُ شَرِكَةُ مُبْتَدَأٌ سَوَّغَ الِابْتِدَاءَ بِهِ التَّقْسِيمُ وَتَجُوزُ خَبَرُهُ وَلَا لِأَجَلٍ مَعْطُوفٌ عَلَى مُقَدَّرٍ أَيْ تَجُوزُ لِغَيْرِ أَجَلٍ لَا لِأَجَلٍ وَفَسْخُهَا مُبْتَدَأٌ وَالضَّمِيرُ لِلشَّرِكَةِ وَخَبَرُهُ وَمُلْتَزَمٌ صِفَةُ حُكْمٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَإِنْ يَكُنْ فِي الْعَيْنِ ذَاكَ اُعْتُمِدَا ... تَجُزْ إنْ الْجِنْسُ هُنَاكَ اتَّحَدَا وَبِالطَّعَامِ جَازَ حَيْثُ اتَّفَقَا ... وَهُوَ لِمَالِكٍ بِذَاكَ مُتَّقِي وَجَازَ بِالْعَرْضِ إذَا مَا قُوِّمَا ... مِنْ جِهَةٍ أَوْ جِهَتَيْنِ فَاعْلَمَا كَذَا طَعَامُ جِهَةٍ لَا يَمْتَنِعْ ... وَعَيْنٌ أَوْ عَرْضٌ لَدَى الْأُخْرَى وُضِعْ تَكَلَّمَ فِي الْأَبْيَاتِ عَلَى مَا تَجُوزُ بِهِ الشَّرِكَةُ أَوْ تَمْتَنِعُ فَأَخْبَرَ فِي الْبَيْتِ الْأَوَّلِ أَنَّهَا تَجُوزُ بِالْعَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ إنْ اتَّحَدَ الْجِنْسُ وَذَلِكَ كَأَنْ يُخْرِجَ هَذَا ذَهَبًا وَالْآخَرَ ذَهَبًا أَوْ هَذَا فِضَّةً وَهَذَا فِضَّةً وَفُهِمَ مِنْ اشْتِرَاطِ اتِّحَادِ الْجِنْسِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُخْرِجَ هَذَا ذَهَبًا وَالْآخَرُ فِضَّةً (ابْنُ الْحَاجِبِ) وَالْإِجْمَاعُ عَلَى إجَازَتِهَا بِالدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ عَلَى كِلَا الْجَانِبَيْنِ. (قَالَ فِي التَّوْضِيحِ) كِلَا الْجَانِبَيْنِ أَنْ يُخْرِجَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ذَهَبًا أَوْ كُلُّ وَاحِدٍ وَرِقًا وَاحْتَرَزَ بِهِ عَمَّا لَوْ أَخْرَجَ أَحَدُهُمَا ذَهَبًا وَالْآخَرُ وَرِقًا فَإِنَّهُ مَمْنُوعٌ كَمَا سَيَأْتِي ثُمَّ قَالَ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَتَمْتَنِعُ بِالدَّرَاهِمِ مَعَ الدَّنَانِيرِ عَلَى الْمَشْهُورِ

وَعَلَّلَ ذَلِكَ فِي الْمُدَوَّنَةِ بِأَنَّهُ صَرْفٌ وَشَرِكَةٌ وَالصَّرْفُ لَا يَجُوزُ مَعَ الشَّرِكَةِ وَإِذَا لَمْ يَجُزْ الْبَيْعُ مَعَ الشَّرِكَةِ فَالصَّرْفُ أَوْلَى وَأَجَازَ ذَلِكَ أَشْهَبُ وَسَحْنُونٌ وَقَالَا إنَّمَا يُمْنَعُ الصَّرْفُ وَالشَّرِكَةُ إذَا كَانَ الصَّرْفُ خَارِجًا عَنْ الشَّرِكَةِ وَأَمَّا الدَّاخِلُ فِيهَا فَيَجُوزُ ثُمَّ قَالَ. (فَرْعٌ) وَأَمَّا لَوْ أَخْرَجَ هَذَا ذَهَبًا وَوَرِقًا وَالْآخَرَ مِثْلَهُ ذَهَبًا وَوَرِقًا فَإِنَّهُ جَائِزٌ (ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ) وَلَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا وَلِهَذَا رَجَّحَ جَمَاعَةٌ قَوْل سَحْنُونٍ لِأَنَّ التَّعْلِيلَ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ جَارٍ فِي هَذِهِ وَهِيَ جَائِزَةٌ اهـ. وَيُشْتَرَطُ فِي جَوَازِ هَذَا الْوَجْهِ اتِّفَاقُ عَوْدِ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَإِلَّا كَانَ صَرْفًا وَشَرِكَةً كَمَا تَقَدَّمَ، وَاسْمُ تَكُنْ بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقُ لِلشَّرِكَةِ وَبِالتَّحْتَانِيَّةِ لِلِاشْتِرَاكِ وَلَعَلَّ هَذَا أَوْلَى لِكَوْنِهِ أَتَى بِالْإِشَارَةِ بِصِيغَةِ الْمُذَكَّرِ، وَ " فِي " مِنْ قَوْلِهِ " فِي الْعَيْنِ " بِمَعْنَى الْبَاءِ أَنْشَدَ عَلَيْهِ فِي الْمُغْنِي وَيَرْكَبُ يَوْمَ الرَّوْعِ مِنَّا فَوَارِسُ ... يَصِيرُونَ فِي طَعْنِ الْأَبَاهِرِ وَالْكُلَى أَيْ يَصِيرُونَ بِطَعْنِ الْأَبَاهِرِ جَمْعُ أَبْهَرَ وَهُوَ عِرْقٌ فِي الظَّهْرِ وَقِيلَ فِي مُسْتَبْطَنِ الْقَلْب إذَا انْقَطَعَ مَاتَ صَاحِبُهُ وَالْكُلَى مَعْرُوفٌ ثُمَّ أَخْبَرَ النَّاظِمُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْبَيْتِ الثَّانِي أَنَّ الشَّرِكَةَ تَجُوزُ عِنْدَ غَيْرِ مَالِكٍ بِالطَّعَامِ الْمُتَّفِقِ أَيْ فِي النَّوْعِ وَالصِّفَةِ وَمَنَعَ ذَلِكَ مَالِكٌ (قَالَ فِي التَّوْضِيحِ) قَاسَ ابْنُ الْقَاسِمِ الطَّعَامَيْنِ الْمُتَّفِقَيْنِ فِي الصِّفَةِ عَلَى الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ وَالْجَامِعُ حُصُولُ الْمُنَاجَزَةِ حُكْمًا لَا حِسًّا فَكَمَا اُغْتُفِرَ فِي الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ فَكَذَلِكَ يُغْتَفَرُ فِي الطَّعَامَيْنِ وَمَنَعَ ذَلِكَ مَالِكٌ وَلِلْأَصْحَابِ فِي الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا أَوْجُهٌ أَوَّلُهَا مَا ذَكَرَهُ عَبْدُ الْحَقِّ عَنْ شُيُوخِهِ أَنَّ الطَّعَامَيْنِ يَدْخُلُهُ بَيْعُ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ بَاعَ نِصْفَ طَعَامِهِ بِنِصْفِ طَعَامِ صَاحِبِهِ وَلَمْ يَحْصُلْ قَبْضٌ لِبَقَاءِ يَدِ كُلِّ وَاحِدٍ عَلَى مَا بَاعَ فَإِذَا بَاعَا يَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ بَائِعًا لِلطَّعَامِ قَبْلَ اسْتِيفَائِهِ اهـ. مَفْهُومٌ قَوْلُهُ حَيْثُ اتَّفَقَا أَنَّهُ إذَا اخْتَلَفَ الطَّعَامَانِ لَمْ تَجُزْ وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ (قَالَ فِي التَّوْضِيحِ) وَأَمَّا الشَّرِكَةُ بِالطَّعَامَيْنِ الْمُخْتَلِفَيْنِ فَالْمَشْهُورُ وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ الشَّرِكَةُ فِيهِمَا مَمْنُوعَةٌ فَفِيهَا وَإِنْ أَخْرَجَ أَحَدُهُمَا مَحْمُولَةً وَالْآخَرُ سَمْرَاءَ أَوْ أَخْرَجَ هَذَا قَمْحًا وَالْآخَرُ شَعِيرًا وَقِيمَةُ ذَلِكَ مُتَّفِقَةٌ وَبَاعَ هَذَا نِصْفَ طَعَامِهِ بِنِصْفِ طَعَامِ الْآخَرِ لَمْ يَجُزْ عَلَى حَالٍ كَمَا لَا أُجِيزَ الشَّرِكَةَ بِدَنَانِيرَ وَدَرَاهِمَ اتَّفَقَتْ قِيمَتُهَا أَوْ اخْتَلَفَ وَالْقَوْلُ بِالْجَوَازِ لِسَحْنُونٍ بِشَرْطِ أَنْ تَتَّفِقَ الْقِيمَةُ اللَّخْمِيّ يُرِيدُ وَالْكَيْلُ فِي الْمُقَدِّمَاتِ وَالْبَيَانِ عَنْ مَالِكٍ قَوْلٌ بِالْجَوَازِ فِي الْمَسْأَلَةِ الطَّعَامَيْنِ الْمُخْتَلِفَيْنِ كَقَوْلِ سَحْنُونٍ اهـ. وَفَاعِلُ جَازَ فِي الْبَيْتِ الثَّانِي لِلِاشْتِرَاكِ وَبِالطَّعَامِ يَتَعَلَّقُ بِجَازٍ وَأَلِفُ اتَّفَقَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِلْإِطْلَاقِ أَوْ لِلتَّثْنِيَةِ وَضَمِيرُ هُوَ لِلِاشْتِرَاكِ وَالْإِشَارَةِ مِنْ قَوْلِهِ بِذَاكَ تَعُودُ إلَى الطَّعَامِ الْمُتَّفِقِ ثُمَّ أَخْبَرَ فِي الْبَيْتِ الثَّالِثِ أَنَّ الِاشْتِرَاكَ جَائِزٌ بِالْعَرْضِ مِنْ جِهَةٍ يَعْنِي وَيُقَابِلُهُ مَنْ الْجِهَةِ الْأُخْرَى عَيْنٌ أَوْ طَعَامٌ وَيَجُوزُ أَيْضًا بِالْعَرْضِ مَنْ جِهَتَيْنِ سَوَاءٌ كَانَا مُتَّفِقَيْنِ أَوْ مُخْتَلِفَيْنِ مِنْ جِنْسٍ أَوْ جِنْسَيْنِ إذَا قُوِّمَ الْعَرْضُ فِي جَمِيعِ الْوُجُوهِ فَقَوْلُهُ مِنْ جِهَةٍ صِفَةٌ لِلْعَرْضِ أَوْ جِهَتَيْنِ عَطْفٌ عَلَى جِهَةٍ (قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ) وَتَجُوزُ الْعَرْضَيْنِ مُطْلَقًا وَرَأْسُ مَالِ كُلِّ وَاحِدٍ مَا قُوِّمَ بِهِ عَرْضُهُ (التَّوْضِيحُ) تَجُوزُ الشَّرِكَةُ بِالْعَرْضَيْنِ مُطْلَقًا وَسَوَاءٌ كَانَا مِنْ جِنْسٍ أَوْ جِنْسَيْنِ (قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ) وَلَا بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِكَا بِعَرْضَيْنِ مُتَّفِقَيْنِ أَوْ مُخْتَلِفَيْنِ أَوْ طَعَامٍ وَعَرْضٍ عَلَى قِيمَةِ مَا أَخْرَجَ كُلُّ وَاحِدٍ اهـ. ثُمَّ أَخْبَرَ فِي الْبَيْتِ الرَّابِعِ أَنَّ الِاشْتِرَاكَ يَجُوزُ بِالطَّعَامِ مِنْ جِهَةٍ وَبِالْعَيْنِ أَوْ الْعَرْضِ مِنْ الْجِهَةِ الْأُخْرَى (ابْنُ الْحَاجِبِ) وَتَصِحُّ بِالْعَرْضِ مِنْ جَانِبٍ وَالنَّقْدِ مِنْ جَانِبٍ عَلَى الْمَشْهُورِ (التَّوْضِيحُ) الْمَشْهُورُ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ وَلَمْ أَقِف عَلَى الشَّاذِّ وَلَعَلَّهُ مُنِعَ لِاجْتِمَاعِ الْبَيْعِ وَالشَّرِكَةِ وَإِنَّمَا جَازَ فِي الْمَشْهُورِ هُنَا وَمُنِعَ مِنْ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْعَيْنِ وَالْعَرْضِ إلَّا مَانِعٌ وَاحِدٌ وَهُوَ الْبَيْعُ وَالشَّرِكَةُ وَهُوَ مُغْتَفَرٌ فِي أَصْلِ الشَّرِكَةِ بِخِلَافِ الدَّرَاهِمِ مَعَ الدَّنَانِيرِ فَإِنَّ فِي ذَلِكَ عِلَّتَيْنِ الْبَيْعُ وَالشَّرِكَةُ وَالصَّرْفُ مِنْ غَيْرِ مُنَاجَزَةٍ اهـ. وَنَقَلَ الشَّارِحُ عَنْ الْمُقَرَّبِ مَا نَصُّهُ قَالَ مَالِكٌ وَلَا بَأْسَ بِالشَّرِكَةِ عَلَى أَنْ يُخْرِجَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ حِنْطَةً وَيُخْرِجَ صَاحِبُهُ دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ إذَا كَانَتْ قِيمَةُ الْحِنْطَةِ وَالدَّنَانِيرِ أَوْ الدَّرَاهِمِ سَوَاءً وَيَكُونُ الْعَمَلُ بَيْنَهُمَا

بِالسَّوَاءِ وَالرِّبْحُ وَالْوَضِيعَةُ كَذَلِكَ وَإِنْ كَانَتْ الدَّرَاهِمُ الثُّلُثَيْنِ وَكَانَتْ الْحِنْطَةُ الثُّلُثُ فَاشْتَرَكَا عَلَى أَنَّ عَلَى صَاحِبِ الدَّرَاهِمِ ثُلُثَيْ الْعَمَلِ وَعَلَى صَاحِبِ الْحِنْطَةِ ثُلُثَ الْعَمَلِ وَالرِّبْحِ عَلَى قَدْرِ رُءُوسِ أَمْوَالِهِمَا كَانَ ذَلِكَ جَائِزًا أَيْضًا وَكَذَلِكَ إنْ أَخْرَجَ أَحَدُهُمَا دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ وَأَخْرَجَ صَاحِبُهُ عُرُوضًا قِيمَتُهَا سَوَاءٌ أَوْ مُخْتَلِفَةٌ فَهُوَ عَلَى مَا وَصَفْت لَك إذَا اشْتَرَكَا بِالْعَيْنِ وَالْحِنْطَةِ اهـ. وَالْمَالُ خِلْطَةٌ وَوَضْعُهُ بِيَدِ ... وَاحِدٍ أَوْ فِي الِاشْتِرَاكِ مُعْتَمَد يَعْنِي أَنَّ الْمَالَ الَّذِي أَخْرَجَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ يُطْلَبُ خَلْطُهُ ثُمَّ يُوضَعُ كُلُّهُ بِيَدِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَوْ بِأَيْدِيهِمَا مَعًا وَهُوَ الَّذِي عَنَى بِقَوْلِهِ أَوْ فِي الِاشْتِرَاكِ مُعْتَمَدٌ وَلَا يَبْقَى مَالُ كُلِّ وَاحِدٍ بِيَدِ صَاحِبِهِ وَسَوَاءٌ كَانَ الْخَلْطُ حِسًّا كَخَلْطِ دَنَانِيرَ بِدَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ بِدَرَاهِمَ حَيْثُ لَا يَتَمَيَّزُ مَا لِكُلِّ وَاحِدٍ أَوْ حُكْمًا وَهُوَ كَوْنُ الْمَالِ فِي حَوْزِ وَاحِدٍ (ابْنُ عَرَفَةَ) الْخَلْطُ الْحُكْمِيُّ كَوْنُ الْمَالِ فِي حَوْزِ وَاحِدٍ وَلَوْ عِنْدَ أَحَدِهِمَا (قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ) إنْ اشْتَرَكَا بِمَالَيْنِ سَوَاءٌ فَأَخْرَجَ كُلُّ وَاحِدٍ ذَهَبَهُ فَصَرَّهُ عَلَى حِدَةٍ وَجَعَلَا الصُّرَّتَيْنِ بِيَدِ أَحَدِهِمَا أَوْ فِي تَابُوتِهِ أَوْ خُرْجِهِ فَضَاعَتْ وَاحِدَةٌ فَالذَّاهِبَةُ بَيْنَهُمَا (الْمُدَوَّنَةُ) . وَإِنْ بَقِيَتْ صُرَّةُ كُلِّ وَاحِدٍ بِيَدِهِ فَضَيَاعُهَا مِنْهُ حَتَّى يُخْلَطَ أَوْ يَجْعَلَا الصُّرَّتَيْنِ عِنْدَ أَحَدِهِمَا اهـ وَعَطْفُ النَّاظِمِ الْوَضْعَ عَلَى الْخَلْطِ هُوَ بِالنِّسْبَةِ لِلْخَلْطِ هُوَ الْحِسِّيِّ بَيَانٌ لِمَحَلِّ وَضْعِ الْمَالَيْنِ بَعْدَ حُصُولِ خَلْطِهِمَا وَبِالنِّسْبَةِ لِلْخَلْطِ الْحُكْمِيِّ بَيَانٌ وَتَفْسِيرٌ لَهُ، وَقَوْلُ النَّاظِمِ إنَّ الْخَلْطَ مُعْتَمَدٌ أَيْ فِي الشَّرِكَةِ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّهُ شَرْطٌ فِي صِحَّتِهَا قَالَ الشَّارِحُ. وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ أَوْ شَرْطٌ فِي لُزُومِهَا فَتَنْعَقِدُ بِالْقَوْلِ وَلَا تَلْزَمُ إلَّا بِالْفِعْلِ وَهُوَ الْخَلْطُ كَالْبَيْعِ مِنْ السَّفِيه قَبْلَ إجَازَةِ وَلِيِّهِ فِي كَوْنِهِ مُنْعَقِدًا غَيْرَ لَازِمٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الشَّرِكَةَ مِنْ الْعُقُودِ الَّتِي اُخْتُلِفَ فِيهَا هَلْ تَلْزَمُ بِالْقَوْلِ أَوْ بِالْفِعْلِ أَوْ شَرْطٍ فِي انْعِقَادِهَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ (ابْنُ الْحَاجِبِ) وَلَا بُدَّ مِنْ خَلْطِ الْمَالِ تَحْتَ أَيْدِيهِمَا أَوْ أَحَدِهِمَا أَوْ يَشْتَرِيَا بِهِمَا (ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ) قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا بُدَّ مِنْ خَلْطِ الْمَالَيْنِ حَقِيقَةً أَوْ كَوْنِهِمَا فِي حُكْمِ الْمَخْلُوطَيْنِ بِأَنْ يَكُونَا تَحْتَ أَيْدِيهِمَا كَجَعْلِهِمَا مَجْمُوعَ الْمَالَيْنِ فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ وَيَجْعَلَا عَلَيْهِ قُفْلَيْنِ بِيَدِ أَحَدِهِمَا مِفْتَاحُ أَحَدِهِمَا وَبِيَدِ الْآخَرِ مِفْتَاحُ الْآخَرِ وَيَكُون الْمَالَانِ تَحْت يَد أَحَدهمَا بِرِضَا الْآخَر مِنْ غَيْرِ

شَرْطٍ ذَلِكَ فِي الْعَقْدِ أَيَشْتَرِيَا بِمَجْمُوعِ الْمَالَيْنِ سِلَعًا أَوْ سِلْعَةٍ، وَلِغَيْرِ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا تَنْعَقِدُ بَيْنَهُمَا شَرِكَةٌ حَتَّى يُخْلَطَا اهـ. فَأَوَّلُ هَذَا النَّقْلِ يُسْتَرْوَحُ مِنْهُ أَنَّ الْخَلْطَ شَرْطُ صِحَّةٍ وَآخِرُهُ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ شَرْطٌ فِي انْعِقَادِهَا وَأَمَّا كَوْنُهُ شَرْطًا فِي اللُّزُومِ فَقَدْ تَقَدَّمَ الْخِلَافُ فِي لُزُومِهَا بِالْعَقْدِ أَوْ بِالْفِعْلِ وَهُوَ هُنَا الْخَلْطُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فَقَوْلُ النَّاظِمِ خَلْطٌ مُبْتَدَأٌ ثَانٍ خَبَرُهُ مُعْتَمَدٌ وَالْمَبْدَأُ الثَّانِي وَخَبَرُهُ خَبَرُ الْمَالِ وَالرَّابِطُ ضَمِيرُ خَلْطِهِ وَحَيْثُمَا يَشْتَرِكَانِ فِي الْعَمَلْ ... فَشَرْطُهُ اتِّحَادُ شُغْلٍ وَمَحَلْ يَعْنِي أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي جَوَازِ شَرِكَةِ الْعَمَلِ أَنْ تَتَحَدَّ الصَّنْعَةُ وَهُوَ مُرَادُهُ بِالشَّغْلِ وَأَنْ يَتَّحِدَ مَحَلُّ الشَّرِيكَيْنِ (ابْنُ الْحَاجِبِ) وَشَرْطُ شَرِكَةِ الْعَمَلِ الِاتِّحَادُ فِيهِ وَفِي الْمَكَانِ (قَالَ فِي التَّوْضِيحِ) لِجَوَازِهَا شُرُوطٌ. (أَوَّلُهَا) أَنْ يَتَّحِدَ الْعَمَلُ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِطَ مُخْتَلِفًا الصَّنْعَةَ كَصَبَّاغٍ وَنَجَّارٍ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْغَرَرِ إذْ قَدْ تَنْفُقُ صَنْعَةُ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ فَيَأْخُذُ مَنْ لَمْ تَنْفَقْ صَنْعَتُهُ مِنْ غَيْرِ عَمَلٍ (أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الذَّكِيُّ) وَلَوْ كَانَ الْمُعَلِّمَانِ أَحَدُهُمَا قَارِئٌ وَالْآخَرُ حَاسِبٌ وَاشْتَرَكَا عَلَى أَنْ يَقْتَسِمَا عَلَى قَدْرِ عَمَلِهِمَا فَيَجْرِي ذَلِكَ مَجْرَى جَمْعِ الرَّجُلَيْنِ سِلْعَتَيْهِمَا فِي الْبَيْعِ، وَعَلَى هَذَا تَجُوزُ الشَّرِكَةُ بَيْنَ مُخْتَلَفَيْ الصَّنْعَةِ إذَا كَانَتْ الصَّنْعَتَانِ مُتَلَازِمَتَيْنِ وَنَصَّ اللَّخْمِيّ عَلَى الْجَوَازِ فِيمَا إذَا تَشَارَكَا وَأَحَدُهُمَا يَحِيكُ وَالْآخَرُ يَخْدُمُ وَيَتَوَلَّى مَا سِوَى النَّسْجِ إذَا تَقَارَبَتْ قِيمَةُ ذَلِكَ قَالَ وَلَيْسَ كَالسِّلْعَتَيْنِ وَالْمُخْتَلِفَتَيْنِ لِأَنَّهُمَا هُنَا إمَّا أَنْ يَعْمَلَا جَمِيعًا أَوْ يَتَعَطَّلَا جَمِيعًا فَلَمْ يَكُنْ هَذَا غَرَرًا وَعَلَى مِثْلِ هَذَا أُجِيزَتْ الشَّرِكَةُ فِي طَلَبِ اللُّؤْلُؤِ أَحَدُهُمَا يَتَكَلَّفُ الْغَوْصَ وَالْآخَرُ يَقْذِفُ أَوْ يُمْسِكُ عَلَيْهِ إذَا كَانَتْ الْأُجْرَةُ سَوَاءً. (ثَانِيهِمَا) أَنْ يَتَّحِدَ الْمَكَانُ وَالْعِلَّةُ فِيهِ كَالْأَوَّلِ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَنْفُذَ أَحَدُ الْمَكَانَيْنِ دُونَ الْآخَرِ وَأَجَازَ فِي الْعُتْبِيَّةِ كَوْنَهُمَا فِي مَكَانَيْنِ إذَا اتَّحَدَتْ الصَّنْعَةُ. (ثَالِثُهَا) أَنْ يَتَسَاوَيَا فِي الصَّنْعَةِ أَوْ يَتَقَارَبَا وَإِلَّا فَلَا تَجُوزُ الشَّرِكَةُ إلَّا عَلَى قَدْرِ الْعَمَلِ كَمَا لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا يَعْمَلُ قَدْرَ الْآخَرِ مَرَّتَيْنِ وَيَكُونُ بَيْنَهُمَا عَلَى الثُّلُثَيْنِ وَالثُّلُثِ (رَابِعُهَا) أَنْ يَكُونَ فِي اشْتِرَاكِهِمَا تَعَاوُنٌ فَإِنْ اشْتَرَكُوا عَلَى أَنْ يَعْمَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَى حِدَةٍ فَهُوَ مَنْ الْغَرَرِ الْبَيِّنِ (خَامِسُهَا) أَنْ تَكُونَ قِسْمَتُهَا عَلَى قَدْرِ عَمَلِهِمَا انْتَهَى بِبَعْضِ اخْتِصَارٍ وَلَمْ يَذْكُرْ النَّاظِمُ مِنْ هَذِهِ الشُّرُوطِ إلَّا اتِّحَادَ الصَّنْعَةِ وَالْمَحَلِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) قَالَ الْبُرْزُلِيُّ سُئِلَ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ حَمَّالَيْنِ اشْتَرَكَا فِي أُجْرَةِ مَا يَحْمِلَانِهِ فَحَلَفَ أَحَدُهُمَا لَا يَحْمِلُ لِفُلَانٍ شَيْئًا فَحَمَلَ لَهُ صَاحِبُهُ وَحَمَلَ هُوَ لِغَيْرِهِ وَاقْتَسَمَا الْأُجْرَةَ (فَأَجَابَ) الشَّرِكَةُ فَاسِدَةٌ وَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ اهـ. (تَنْبِيهٌ) تَقَدَّمَ فِي الشَّرْطِ الْأَوَّلِ مِنْ كَلَامِ التَّوْضِيحِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الذَّكِيِّ أَنَّ اشْتِرَاكَ قَارِئٍ وَحَاسِبٍ مِنْ الِاشْتِرَاكِ فِي الصَّنْعَتَيْنِ الْمُتَلَازِمَتَيْنِ وَإِنَّمَا يَظْهَرُ ذَلِكَ لَهُ إذَا عَنَى اشْتِرَاكَ فَقِيهٍ وَفَرْضِيٍّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (قَالَ مُقَيِّدٌ هَذَا الشَّرْحُ عَفَا اللَّهُ عَنْهُ وَأَعَانَهُ عَلَى تَمَامِهِ وَتَلْخِيصِهِ) وَجَدْت بِخَطِّ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ فِي الطُّرَّةِ مَا نَصُّهُ وَجَدْت بِخَطِّ الْإِمَامِ الْقَوِيِّ مَنْ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الذَّكِيُّ؟ اهـ ثُمَّ وَجَدْت لِبَعْضِهِمْ مَا نَصُّهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الذَّكِيُّ هُوَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بْنِ فَرَجٍ الْمُشَاوِرُ عُرِفَ بِالذَّكِيِّ؛ صَقَلِّيُّ الْأَصْلِ وَسَكَنَ قَلْعَةَ بَنِي حَمَّادٍ ثُمَّ خَرَجَ إلَى الْمَشْرِقِ فَدَخَلَ الْعِرَاقَ وَسَكَنَ أَصْبَهَانَ إلَى أَنْ مَاتَ بِهَا وَعَدُّوهُ فِيهِمْ وَكَانَ فَقِيهًا مُتَقَدِّمًا فِي عِلْمِ الْمَذْهَبِ وَاللِّسَانِ مُفْتِيًا فِي عُلُومِ الْقُرْآنِ حَافِظًا مُدْرِكًا نَبِيلًا وَسَائِرِ الْمَعَارِفِ

فصل في القراض

أَخَذَ عَنْ شُيُوخِ بَلَدِهِ وَصَحِبَ السُّيُورِيَّ وَغَيْرَهُ وَكَانَ الْبِيرِيُّ يَقُولُ هُوَ أَحْفَظُ مَنْ لَقِيتُ قِيلَ لَهُ تَقُولُ هَذَا وَقَدْ لَقِيتَ أَبَا بَكْرِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَأَبَا عِمْرَانَ الْفَاسِيَّ فَقَالَ هُوَ أَحْفَظُ مَنْ رَأَيْت اهـ. وَحَاضِرٌ يَأْخُذُ فَائِدًا عَرَضْ ... فِي غَيْبَةٍ فَوْقَ ثَلَاثٍ أَوْ مَرَضْ يَعْنِي أَنَّهُ إذَا غَابَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ فِي شَرِكَةِ الْعَمَلِ أَوْ مَرِضَ فَإِنْ كَانَتْ غَيْبَتُهُ أَوْ مَرَضُهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَمَا دُونَ فَإِنَّ ذَلِكَ الَّذِي يَحْصُلُ لِلْحَاضِرِ الصَّحِيحِ فِي غَيْبَةِ شَرِيكِهِ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ لِخِفَّةِ الْأَمْرِ فِي ذَلِكَ وَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ اخْتَصَّ بِهِ عَامِلُهُ الْحَاضِرُ الصَّحِيحُ (قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ) إذَا مَرِضَ أَحَدُ شَرِيكَيْ الصَّنْعَةِ أَوْ غَابَ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ فَعَمِلَ صَاحِبُهُ فَالْكَسْبُ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ هَذَا أَمْرٌ جَائِزٌ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ إلَّا مَا تَفَاحَشَ مِنْ ذَلِكَ وَطَالَ فَإِنَّ الْعَامِلَ إنْ أَحَبَّ أَنْ يُعْطِيَ لِصَاحِبِهِ نِصْفَ مَا عَمِلَ جَازَ إذَا لَمْ يَعْقِدَا فِي أَصْلِ الشَّرِكَةِ أَنَّ مَنْ مَرِضَ مِنْهُمَا أَوْ غَابَ غَيْبَةً بَعِيدَةً فَمَا عَمَلُ الْآخَرِ بَيْنَهُمَا فَإِنْ عَقَدَا عَلَى هَذَا لَمْ تَجُزْ الشَّرِكَةُ فَإِنْ يَزُلْ كَانَ مَا اجْتَمَعَ فِيهِ مَنْ الْعَمَلِ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ عَمَلِهِمَا وَمَا انْفَرَدَ بِهِ أَحَدُهُمَا لَهُ خَاصَّةً ابْنُ يُونُسَ يُرِيدُ قَلَّ أَوْ كَثُرَ اهـ. (فَرْعٌ) وَأَمَّا شَرِيكُ الْمَالِ إذَا غَابَ فَلِشَرِيكِهِ الْحَاضِرِ نِصْفُ أَجْرِهِ عَلَى صَاحِبِهِ الَّذِي غَابَ لِأَنَّ الرِّبْحَ إنَّمَا جَرَّهُ الْمَالُ وَمَنْ لَهُ تَحَرُّفٌ إنْ عَمِلَهُ ... فِي غَيْرِ وَقْتِ تَجْرِهِ الْفَائِدُ لَهْ يَعْنِي أَنَّ أَحَد الشَّرِيكَيْنِ إذَا كَانَتْ لَهُ حِرْفَةٌ وَصَنْعَةٌ فَعَمِلَهَا فِي غَيْرِ وَقْتِ التِّجَارَةِ فَإِنَّ مَا يَسْتَفِيدُ مِنْ ذَلِكَ لَهُ وَحْدَهُ دُونَ شَرِيكِهِ فَفِي نَوَازِلِ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الشَّرِيكَيْنِ فِي التِّجَارَةِ إذَا أَرَادَ أَحَدُهُمَا أَنْ يَصْنَعَ لِنَفْسِهِ صَنْعَةً أُخْرَى فِي الْأَوْقَاتِ الَّتِي لَا يَعْمَلُ فِيهَا شَيْئًا فَأَجَابَ بِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ أَنْ يَعْمَلَ لِنَفْسِهِ مَا شَاءَ فِي الْأَوْقَاتِ الَّتِي لَا يَشْتَغِلُ فِيهَا بِالتِّجَارَةِ وَلَا كَلَامَ لِشَرِيكِهِ فِي ذَلِكَ اهـ [فَصْلٌ فِي الْقِرَاضِ] ِ (ابْنُ الْحَاجِبِ) الْقِرَاضُ إجَارَةٌ عَلَى التَّجْرِ فِي مَالٍ بِجُزْءٍ مَنْ رِبْحِهِ (التَّوْضِيحُ) الِاخْتِلَافُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فِي جَوَازِهِ وَهُوَ مُسْتَثْنًى مِنْ الْإِجَارَةِ الْمَجْهُولَةِ وَمِنْ سَلَفٍ جَرَّ مَنْفَعَةً وَلَهُ اسْمَانِ الْقِرَاضُ وَالْمُضَارَبَةُ فَالْإِجَارَةُ جِنْسٌ وَأَخْرَجَ بِالتَّجْرِ الْإِجَارَةَ عَلَى غَيْرِهِ وَقَوْلُهُ بِجُزْءٍ أَيْ مُشَاعٍ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ لَك مِنْ الرِّبْحِ دِرْهَمٌ أَوْ نَحْوَهُ (وَأَوْرَدَ) عَلَيْهِ أَنَّهُ غَيْرُ مَانِعٍ وَغَيْرُ جَامِعٍ أَمَّا عَدَمُ مَنْعِهِ فَإِنَّ الْقِرَاضَ لَا يَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْإِجَارَةِ فَلَوْ قَالَ آجَرْتُك عَلَى التَّجْرِ فِي هَذَا الْمَالِ بِجُزْءٍ مِنْ رِبْحِهِ صَدَقَ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَلَيْسَ

بِقِرَاضٍ وَأَيْضًا لَوْ آجَرَهُ عَلَى التَّجْرِ إلَى أَجَلٍ أَوْ قَارَضَهُ بِعُرُوضٍ لَمْ يَكُنْ قِرَاضًا صَحِيحًا وَأَمَّا عَدَمُ جَمْعِهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ الْقِرَاضُ عَلَى أَنَّ الرِّبْحَ كُلُّهُ لِغَيْرِهِمَا أَوْ لِأَحَدِهِمَا وَهُوَ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي تَعْرِيفِهِ. (وَأُجِيبَ) عَنْ عَدَمِهِ مَنْعِهِ بِأَنَّ حَقِيقَةَ الْقِرَاضِ مَا ذَكَرَهُ وَكَوْنُهُ لَا يَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْإِجَارَةِ شَرْطٌ فِي الصِّيغَةِ وَكَذَا كَوْنُهُ لَا يَكُونُ إلَى أَجَلٍ شَرْطٌ فِي الْعَمَلِ وَكَذَا كَوْنُهُ لَا يَكُونُ بِعَرْضِ شَرْطٍ فِي الْمَالِ وَالشَّرْطُ لَا يَتَوَقَّفُ تَصَوُّرُ الْمَاهِيَّةِ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ خَارِجٌ عَنْهَا وَعَنْ عَدَمِ جَمْعِهِ بِأَنَّ الصُّورَةَ الْمُعْتَرَضَ بِهَا إنَّمَا هِيَ مِنْ بَابِ التَّبَرُّعَاتِ وَإِطْلَاقُ الْقِرَاضِ عَلَيْهَا مَجَازٌ اهـ. وَعَرَّفَهُ ابْنُ عَرَفَةَ بِقَوْلِهِ تَمْكِينُ مَالٍ لِمَنْ يَتَّجِرُ بِهِ بِجُزْءٍ مِنْ رِبْحِهِ لَا بِلَفْظِ إجَارَةٍ إعْطَاءُ مَالٍ مَنْ بِهِ يُتَاجِرُ ... لِيَسْتَفِيدَ دَافِعٌ وَتَاجِرُ مِمَّا يُفَادُ فِيهِ جُزْءًا يُعْلَمُ ... هُوَ الْقِرَاضُ وَبِفِعْلٍ يَلْزَمُ يَعْنِي أَنَّ الْقِرَاضَ هُوَ إعْطَاءُ مَالٍ لِمَنْ يَتَّجِرُ بِهِ لِيَسْتَفِيدَ كُلٌّ مِنْ دَافِعِهِ وَهُوَ رَبُّهُ وَالْعَامِلُ الَّذِي يَتَّجِرُ بِهِ مِمَّا يُسْتَفَادُ مِنْ ذَلِكَ الْمَالِ وَيَرْبَحُ فِيهِ جُزْءًا مَعْلُومًا كَنِصْفِ الرِّبْحِ لِكُلِّ وَاحِدٍ أَوْ الثُّلُثَانِ لِرَبِّ الْمَالِ وَالثُّلُثُ لِلْعَامِلِ أَوْ بِالْعَكْسِ فَإِعْطَاءُ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ جُمْلَةُ هُوَ الْقِرَاضُ وَإِعْطَاءُ مَصْدَرٌ أُضِيفَ إلَى الْمَفْعُولِ الْأَوَّلِ وَهُوَ مَالُ وَكَمُلَ بِالثَّانِي وَهُوَ مَنْ، وَمِمَّا يُفَادُ يَتَعَلَّقُ بِيَسْتَفِيدُ وَيُفَادُ بِمَعْنَى يَرْبَحُ أَوْ فِي بِمَعْنَى مِنْ أَيْ يُفَادَ مِنْهُ وَجُزْءًا مَفْعُولٌ بِيَسْتَفِيدُ وَجُمْلَةُ يُعْلَمُ صِفَةٌ لِجُزْءًا. (قَالَ فِي الْمَعُونَةِ) وَصِفَةُ الْقِرَاضِ أَنْ يَدْفَعَ الرَّجُلُ مَالًا إلَى غَيْرِهِ لِيَتَّجِرَ فِيهِ وَيُشْتَرَى وَيَبِيعُ وَيُسْتَغْنَى مِنْ فَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَيَكُونُ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا عَلَى جُزْءٍ يَتَّفِقَانِ عَلَيْهِ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ (قَالَ اللَّخْمِيّ) الْقِرَاضُ جَعَالَةٌ فَلَا يَلْزَمُ بِالْقَبْضِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَبِلَ الْعَمَلَ بِالْخِيَارِ فَإِذَا عَمِلَ وَشَغَلَ الْمَالَ ارْتَفَعَ الْخِيَارُ وَلَمْ يَكُنْ لِصَاحِبِ الْمَالِ أَنْ يَأْخُذَهُ وَلَا لِلْعَامِلِ أَنْ يَرُدَّهُ حَتَّى يَنِضّ. (وَفِي الْمُقَرِّبِ) قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَسَأَلْت مَالِكًا عَنْ رَبِّ الْمَالِ يُرِيدُ أَنْ يَسْتَرْجِعَهُ مِنْ الْعَامِلِ فَقَالَ إنْ كَانَ الْمَالُ عَلَى حَالِهِ كَانَ لَهُ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ قَدْ اشْتَرَى بِهِ أَوْ خَرَجَ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُ (قَالَ الشَّارِحُ) وَقَوْلُ النَّاظِمِ وَبِفِعْلٍ يَلْزَمُ يَشْمَلُ هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهِمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ مِنْ الِاشْتِرَاءِ بِمَالِ الْقِرَاضِ وَالْخُرُوجِ بِهِ لِأَنَّ الِاشْتِرَاءَ وَالْخُرُوجَ كِلَيْهِمَا فِعْلٌ اهـ. وَفِي ابْنِ سَلْمُونٍ وَلَا يَلْزَمُ الْقِرَاضُ إلَّا بِالْعَمَلِ اهـ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْجَعْلِ أَنَّ الْقِرَاضَ مِنْ الْعُقُودِ الَّتِي لَا تَلْزَمُ بِالْقَوْلِ بَلْ بِالْفِعْلِ وَالنَّقْدُ وَالْحُضُورُ وَالتَّعْيِينُ ... مِنْ شَرْطِهِ وَيُمْنَعُ التَّضْمِينُ وَلَا يَسُوغُ جَعْلُهُ إلَى أَجَلْ ... وَفَسْخُهُ مُسْتَوْجِبٌ إذَا نَزَلْ وَلَا يَجُوزُ شَرْطُ شَيْءٍ يَنْفَرِدْ ... بِهِ مِنْ الرِّبْحِ وَإِنْ يَقَعْ يُرَدُّ (قَالَ الشَّارِحُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) تَضَمَّنَتْ الْأَبْيَاتُ شُرُوطَ الْقِرَاضِ وَمَوَانِعِهِ فَمِنْ شُرُوطِهِ النَّقْدُ الَّذِي هُوَ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ وَيُتَحَرَّزُ بِالنَّقْدِ مِنْ الْقِرَاضِ بِالْعُرُوضِ وَالطَّعَامِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ. (التَّوْضِيحُ) وَانْظُرْ هَلْ أَرَادَ بِالنَّقْدِ الدَّنَانِيرَ وَالدَّرَاهِمَ أَوْ مُطْلَقَ الْعَيْنِ وَهُوَ الْأَقْرَبُ اهـ. وَعَلَى الْمُرَادِ الدَّنَانِيرَ

وَالدَّرَاهِمَ اُقْتُصِرَ فِي الْمُخْتَصَرِ لِقَوْلِهِ فِي نَقْدٍ مَضْرُوبٍ أَيْ مَسْكُوكٍ وَمِنْ شَرْطِهِ الْحُضُورُ وَيُتَحَرَّزُ بِهِ مِنْ الدَّيْنِ فِي الذِّمَّةِ فَإِنَّ الْقِرَاضَ بِهِ لَا يَجُوزُ وَمِنْ شَرْطِهِ التَّعْيِينُ وَيُتَحَرَّزُ بِهِ مِنْ مِثْلِ الْجُزَافِ فِي صُرَّةٍ مِنْ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ لَا يُعْلَمُ قَدْرُهَا لِأَنَّ جَهْلَ رَأْسِ الْمَالِ يُؤَدِّي إلَى جَهْلِ الرِّبْحِ وَمِنْ مَوَانِعِهِ التَّضْمِينُ لِأَنَّهُ عَلَى الْأَمَانَةِ وَأَنْ يُضْرَبَ فِيهِ أَجَلٌ لِمُنَافَاةِ الْأَجَلِ لِوَصْفِهِ فَإِنْ ضُرِبَ فِيهِ أَجَلٌ فَإِنَّهُ يُفْسَخُ وَأَنْ يُشْتَرَطَ فِيهِ شَيْءٌ يَنْفَرِدُ بِهِ الْعَامِلُ أَوْ رَبُّ الْمَالِ مِنْ الرِّبْحِ فَإِنْ وَقَعَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُرَدُّ. وَقَدْ سَبَقَ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْمُسَاقَاةِ فَفِي النَّوَادِرِ مِنْ كِتَابِ مُحَمَّد قَالَ مَالِكٌ لَا يَصْلُحُ الْقِرَاضُ بِغَيْرِ الْعَيْنِ وَإِنْ كَانَ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا لِمَا يُخَافُ مَنْ تَغَيُّرِ سِعْرِهِ عِنْدَ الْمُفَاصَلَةِ وَفِيهَا أَيْضًا مِنْ كِتَابِ ابْنِ حَبِيبٍ وَمُحَمَّدٍ

وَإِذَا قَالَ فِي الْعُرُوضِ خُذْهُ قِرَاضًا أَوْ بِعْهُ وَاعْمَلْ بِهِ قِرَاضًا فَهُوَ سَوَاءٌ وَلَهُ أَجْرُهُ فِي الْبَيْعِ وَالتَّقَاضِي وَعَلَى قِرَاضٍ مِثْلِهِ فِي الثَّمَنِ وَفِيهَا مِنْ كِتَابِ مُحَمَّد قَالَ مَالِكٌ لَا يَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَهُ دَيْنًا لَهُ فِي ذِمَّتِهِ قِرَاضًا وَكَذَلِكَ لَوْ أَحْضَرَهُ فَقَالَ خُذْهُ قِرَاضًا لَمْ يَجُزْ حَتَّى يَقْبِضَهُ فَإِنْ نَزَلَ فَلَيْسَ لَهُ إلَّا رَأْسُ مَالِهِ. وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّة مِنْ رِوَايَةِ سَحْنُونٍ وَفِي الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ وَلَا يَجُوزُ الْقِرَاضُ الْمُبْهَمُ إذَا لَمْ يُسَمِّ حِصَّةَ الْعَامِلِ مِنْ الرِّبْحِ وَلَا يَجُوزُ الْقِرَاضُ إلَى أَجَلٍ. وَلَا يَجُوزُ الْقِرَاضُ بِالضَّمَانِ (قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ) وَمَنْ أَخَذَ مَالًا قِرَاضًا عَلَى أَنَّ لِرَبِّ الْمَالِ دِرْهَمًا مِنْ الرِّبْحِ وَمَا بَقِيَ بَعْدَهُ فَهُوَ بَيْنَهُمَا وَعَمِلَ عَلَى ذَلِكَ فَرَبِحَ أَوْ وَضَعَ فَإِنَّ الرِّبْحَ لِرَبِّ الْمَالِ وَالنُّقْصَانَ عَلَيْهِ وَيَكُونُ لِعَامِلٍ أَجْرٌ مِثْلُهُ اهـ كَلَامُ الشَّارِحِ. وَإِنَّمَا مُنِعَ اشْتِرَاطُ دِرْهَمٍ مَثَلًا مِنْ الرِّبْحِ لِرَبِّ الْمَالِ لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ أَنَّ الْجُزْءَ مِنْ الرِّبْحِ الَّذِي يَكُونُ لِلْعَامِلِ يَكُونُ مَعْلُومَ النِّسْبَةِ مَنْ الرِّبْحِ كَنِصْفِهِ أَوْ ثُمُنِهِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَإِذَا عُيِّنَ كَدِرْهَمٍ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ فَقَدْ لَا يَحْصُلُ مِنْ الرِّبْحِ إلَّا قَدْرُ ذَلِكَ فَيَذْهَبُ عَمَلُ الْعَامِلِ مَجَّانًا وَقَدْ تَلَخَّصَ مِنْ الْأَبْيَاتِ أَنَّ الشُّرُوطَ ثَلَاثَةٌ النَّقْدُ وَالْحُضُورُ وَالتَّعْيِينُ وَأَنَّ الْمَوَانِعَ ثَلَاثَةٌ الضَّمَانُ وَالْأَجَلُ وَاشْتِرَاطُ شَيْءٍ يَنْفَرِدُ بِهِ الْعَامِلُ مِنْ الرِّبْحِ وَالضَّابِطُ فِي مِثْلِ هَذَا أَنَّ مَا يُطْلَبُ وُجُودُهُ هُوَ شُرُوطٌ وَمَا يُطْلَبُ نَفْيُهُ وَعَدَمُهُ هُوَ مَانِعٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ) تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْقِرَاضُ بِالضَّمَانِ أَيْ بِاشْتِرَاطِهِ عَلَى الْعَامِلِ وَأَمَّا إنْ تَطَوَّعَ بِهِ بَعْدَ الْعَقْدِ فَفِي لُزُومِهِ رَأْيَانِ لِلشُّيُوخِ بِاللُّزُومِ وَعَدَمِهِ اُنْظُرْ إيضَاحَ الْمَسَالِكِ لِسَيِّدِي أَحْمَدَ الْوَنْشَرِيسِيِّ فِي التَّنْبِيهِ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي قَاعِدَةِ اشْتِرَاطِ مَا يُوجِبُ الْحُكْمَ خِلَافُهُ مِمَّا لَا يَقْتَضِي فَسَادًا هَلْ يُعْتَبَرُ أَوْ لَا يُعْتَبَرُ وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ صَاحِبُ الْمَنْهَجِ الْمُنْتَخَبِ بِقَوْلِهِ فِي الْقَاعِدَةِ الْمَذْكُورَةِ خَلَا تَبَرُّعٍ بُعَيْدَ الْعَقْدِ ... وَأُلْزِمَ الْقِرَاضَ بَعْدَ الْقَيْدِ. وَالْقَوْلُ قَوْلُ عَامِلٍ أَنْ يُخْتَلَف ... فِي جُزْءِ الْقِرَاضِ أَوْ حَالِ التَّلَف كَذَاك فِي ادِّعَائِهِ الْخَسَارَهْ ... وَكَوْنِهِ قِرَاضًا أَوْ إجَارَهْ اشْتَمَلَ الْبَيْتَانِ عَلَى ثَلَاثِ مَسَائِلَ الْقَوْلُ فِيهَا قَوْلُ الْعَامِلِ عَلَى خِلَافٍ فِي يَمِينِهِ. (الْأُولَى) إذَا اخْتَلَفَ رَبُّ الْمَالِ وَالْعَامِلِ فِي قِسْمَةِ جُزْءِ الرِّبْحِ فَقَالَ الْعَامِلُ أَنْصَافًا بَيْنَهُمَا وَقَالَ رَبُّ الْمَالِ لِلْعَامِلِ الثُّلُثُ وَلَهُ الثُّلُثَانِ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ. (الثَّانِيَةُ) إذَا اخْتَلَفَا فِي التَّلَفِ وَالْخَسَارَةِ فَادَّعَاهُ الْعَامِلُ وَنَفَاهُ رَبُّ الْمَالِ. (الثَّالِثَةُ) إذَا قَالَ أَحَدُهُمَا قِرَاضٌ وَقَالَ الْآخَرُ بِضَاعَةٌ بِأَجْرٍ وَتُتَصَوَّرُ دَعْوَى الْقِرَاضِ وَالْإِجَارَةِ مِنْ كُلٍّ مِنْ رَبِّ الْمَالِ وَالْعَامِلِ بِحَسَبِ مَا يَلِيقُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا (أَمَّا الْأُولَى) فَقَالَ اللَّخْمِيّ إنْ اخْتَلَفَا فِي الْجُزْءِ أَيْ قَبْلَ الْعَمَلِ فَقَالَ الْعَامِلُ أَخَذْته عَلَى النِّصْفِ وَقَالَ الْآخَرُ عَلَى الثُّلُثِ فَإِمَّا عَمِلَ أَوْ رَدَّهُ

فَإِنْ اخْتَلَفَا بَعْدَ الْعَمَلِ وَفِي الْمَالِ رِبْحٌ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْعَامِلِ إذَا كَانَ الْمَالُ فِي يَدِهِ أَوْ سَلَّمَهُ عَلَى وَجْهِ الْإِيدَاعِ حَتَّى يَتَفَاصَلَا فِيهِ لِأَنَّ تَسْلِيمَهُ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ لَيْسَ بِتَسْلِيمٍ وَإِنْ سَلَّمَهُ لِيَتَصَرَّفَ فِيهِ رَبُّ الْمَالِ وَيَكُونُ جُزْءُ الْعَامِلِ سَلَفًا عِنْدَهُ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ رَبِّ الْمَالِ أَنَّهُ عَلَى الثُّلُثِ هُوَ عَلَى هَذَا فَيُقَيَّدُ كَلَامُ النَّاظِمِ بِمَا إذَا كَانَ الِاخْتِلَافُ بَعْدَ الْعَمَلِ وَالْمَالِ بِيَدِ الْعَامِل أَوْ عِنْدَ أَمِينٍ وَزَادَ ابْنُ الْحَاجِبِ كَوْنَ الْعَامِلِ ادَّعَى مَا يُشْبِهُ. وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ بِقَوْلِهِ عَاطِفًا وَالْقَوْلُ لِلْعَامِلِ فِي تَلَفِهِ وَفِي جُزْء الرِّبْح إنْ ادَّعَى مُشَبِّهًا وَالْمَالُ بِيَدِهِ أَوْ وَدِيعَة وَإِنْ لِرَبِّهِ. (وَأَمَّا الثَّانِيَةُ) فَقَالَ ابْنُ هِشَامٍ فِي الْمُفِيدِ وَالْعَامِلُ مَقْبُولُ الْقَوْلِ فِيمَا يَدَّعِيه مِنْ ضَيَاعِ الْمَالِ وَذَهَابِهِ وَالْخَسَارَةِ فِيهِ إلَّا أَنْ يَتَبَيَّنَ كَذِبُهُ وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَالْعَامِلُ أَمِينٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي ضَيَاعِهِ وَخُسْرَانِهِ (التَّوْضِيحُ) قَوْلُهُ فِي ضَيَاعِهِ أَيْ بِسَرِقَةٍ وَنَحْوِهَا وَالضَّيَاعُ بِفَتْحِ الضَّادِ قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ قَوْلُهُ وَخَسَارَتُهُ قَيَّدَهُ اللَّخْمِيُّ بِأَنْ يَأْتِيَ بِمَا يُشْبِهُ وَيُعْرَفُ ذَلِكَ بِسُؤَالِ التُّجَّارِ فِي بَلَدِ السِّلَعِ هَلْ يَخْسَرُ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَالِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمُدَّةِ مَا ذَكَرَ اهـ. (اللَّخْمِيّ) إنْ اخْتَلَفَا فِي تَلَفِهِ فَقَالَ الْعَامِلُ ضَاعَ أَوْ سَقَطَ مِنِّي أَوْ سُرِقَ أَوْ غَرِقَ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلُ الْعَامِلِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ أَمِينٌ وَالْأَمِينُ مُصَدَّقٌ فِي أَمَانَتِهِ مَأْمُونًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مَأْمُونٍ لِأَنَّ رَبّ الْمَالِ رَضِيَهُ أَمِينًا وَاخْتُلِفَ فِي يَمِينِهِ اهـ. (ابْنُ الْحَاجِبِ) اسْتِحْلَافُهُ عَلَى الْخِلَافِ فِي أَيْمَانِ التُّهَمِ (وَأَمَّا الثَّانِيَةُ) فَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَلَوْ قَالَ الْعَامِلُ قِرَاضٌ وَقَالَ رَبُّ الْمَالِ بِضَاعَةٌ بِأَجْرٍ أَوْ بِالْعَكْسِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْعَامِلِ اُنْظُرْ التَّوْضِيحَ فَفِي الْمَسْأَلَةِ تَفْصِيلٌ وَتَقْيِيدٌ يَنْبَغِي الْوُقُوفُ عَلَيْهِ (الْمَوَّاق) وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ إنْ قَالَ الْعَامِلُ قِرَاضٌ وَقَالَ رَبُّهُ بَلْ أَبْضَعْتُكَ لِتَعْمَلَ بِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الْمَالِ مَعَ يَمِينِهِ قَالَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ الْقَرَوِيِّينَ إنْ كَانَ أَمْرُهُمْ أَنَّ لِلْبِضَاعَةِ أَجْرًا فَالْأَشْبَهُ أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْعَامِلِ مَعَ يَمِينِهِ اهـ. قَوْلُهُ فِي جُزْءِ الْقِرَاضِ يُقْرَأُ بِضَمِّ الزَّايِ لِلْوَزْنِ وَهُوَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ فِي جُزْءِ رِبْحِ الْقِرَاضِ. (تَنْبِيهٌ) لَمْ يَذْكُرْ النَّاظِمُ حُكْمَ مَا إذَا اخْتَلَفَا فِي الرَّدِّ فَقَالَ الْعَامِلُ رَدَدْته لِرَبِّهِ وَقَالَ رَبُّهُ لَمْ يَرُدَّهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي رَدِّهِ إنْ كَانَ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ وَقِيلَ مُطْلَقًا (التَّوْضِيحُ) حَاصِلُهُ أَنَّهُ اُتُّفِقَ عَلَى أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ فِي الرَّدِّ إذَا قَبَضَهُ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ وَاخْتُلِفَ إذْ قَبَضَهُ بِهَا عَلَى قَوْلَيْنِ الْمَشْهُورُ مِنْهُمَا أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ وَقِيلَ يُقْبَلُ اهـ. وَقَالَ فِي مُخْتَصَرِهِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ وَالْقَوْلُ لِلْعَامِلِ فِي تَلَفِهِ وَخُسْرِهِ وَرَدِّهِ إنْ قَبَضَ بِلَا بَيِّنَةٍ أَوْ قَالَ قِرَاضٌ وَرَبُّهُ بِضَاعَةٌ بِأَجْرٍ وَعَكْسُهُ وَلَيْسَ لِلْعَامِلِ فِي غَيْرِ السَّفَرْ ... نَفَقَةٌ وَالتَّرْكُ شَرْطٌ لَا يُقَرْ يَعْنِي أَنَّ عَامِلَ الْقِرَاضِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُنْفِقَ مِنْهُ مَا دَامَ مُقِيمًا فِي أَهْلِهِ غَيْرَ مُسَافِرٍ وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ إنْ سَافَرَ فَلَهُ أَنْ يُنْفِقَ مِنْهُ فِي طَعَامِهِ وَكِسْوَتِهِ لَكِنْ بِالْمَعْرُوفِ مَعَ كَوْنِ الْمَالِ يَحْمِلُ ذَلِكَ فَإِنْ شَرَطَ رَبُّ الْمَالِ عَلَى الْعَامِلِ أَنْ لَا يُنْفِقَ مِنْهُ فِي حَالِ السَّفَرِ فَإِنَّ هَذَا الشَّرْطَ لَا يَجُوزُ وَلَا يُقَرُّ الْقِرَاضَ عَلَيْهِ فَقَوْلُهُ وَالتَّرْكُ شَرْطٌ هُوَ رَاجِعٌ لِمَفْهُومِ قَوْلِهِ فِي غَيْرِ السَّفَرِ أَيْ وَأَمَّا السَّفَرُ فَلَهُ أَنْ يُنْفِقَ مِنْهُ فَإِنْ

شَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يُنْفِقَ لَمْ يُقَرَّ. (قَالَ فِي الْمُقَرَّبِ) وَنَفَقَتُهُ فِي سَفَرِهِ فِي طَعَامِهِ وَكِسْوَتِهِ فِي الْمَالِ بِالْمَعْرُوفِ إذَا كَانَ الْمَالُ يَحْمِلُ ذَلِكَ وَلَا نَفَقَةَ مَا دَامَ مُقِيمًا فِي أَهْلِهِ (وَفِي النَّوَادِرِ مِنْ كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ) قَالَ مَالِكٌ وَإِنْ شَرَطَ عَلَى الْعَامِلِ أَنْ لَا يُنْفِقَ فِي سَفَرِهِ لَمْ يَجُزْ (قَالَ الشَّارِحُ) لَمْ يَفْتَقِرْ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَى تَقْيِيدِ كَوْنِ الْمَالِ مِمَّا يَحْمِلُ النَّفَقَةَ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ لِجَرَيَانِ عَادَةِ الْعُقَلَاءِ أَنَّ الْمَالَ الْقَلِيلَ لَا يُسَافَرُ بِهِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْقِرَاضُ عَلَى هَذَا إمَّا كَثِيرًا يَتَأَتَّى بِهِ السَّفَرُ وَإِمَّا قَلِيلًا وَمَعَهُ غَيْرُهُ وَحَتَّى يَتَأَتَّى السَّفَرُ بِالْمَالَيْنِ وَفِي كِلْتَا الصُّورَتَيْنِ يَجِبُ النَّفَقَةُ لِلْعَامِلِ فِي مَالِ الْقِرَاضِ إمَّا خَالِصَةً مِنْ الْكَثِيرِ وَإِمَّا مَفْضُوضَةً عَلَى الْقَلِيلِ مَعَ غَيْرِهِ اهـ. (ابْنُ الْحَاجِبِ) وَلِلْعَامِلِ نَفَقَتُهُ فِي السَّفَرِ وَفِي إقَامَتِهِ بِغَيْرِ وَطَنِهِ لِلْمَالِ فِي الْمَالِ بِالْمَعْرُوفِ. (التَّوْضِيحُ) وَاحْتُرِزَ بِغَيْرِ وَطَنِهِ مِمَّا لَوْ أَقَامَ بِوَطَنِهِ فَإِنَّهُ لَا نَفَقَةَ لَهُ وَهَكَذَا فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا قَوْلُهُ فِي الْمَالِ أَيْ لَا فِي ذِمَّةِ رَبِّ الْمَالِ فَلِهَذَا لَوْ أَنْفَقَ الْعَامِلُ فِي سَفَرِهِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ ثُمَّ هَلَكَ مَالُ الْقِرَاضِ لَمْ يَلْزَمْ رَبَّ الْمَالِ شَيْءٌ وَكَذَا إذَا زَادَ مَا أَنْفَقَهُ عَلَى مَجْمُوعِ الْمَالِ لَمْ يَرْجِعْ بِالزَّائِدِ وَهَكَذَا فِي الْمُدَوَّنَةِ وَقَوْلُهُ بِالْمَعْرُوفِ أَيْ مِنْ غَيْرِ سَرَفٍ فِي طَعَامِهِ وَشَرَابِهِ وَرُكُوبِهِ وَمَسْكَنِهِ أَشْهَب عَنْ مَالِكٍ وَحِجَامَتِهِ وَحَمَّامِهِ قَالُوا وَلَيْسَ لَهُ دَوَاءٌ وَقَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ لِلْمَالِ يَتَعَلَّقُ بِإِقَامَتِهِ أَيْ إنَّمَا لَهُ النَّفَقَةُ فِي إقَامَتِهِ بِغَيْرِ وَطَنِهِ إنْ كَانَتْ إقَامَتُهُ لِأَجْلِ الْمَالِ إمَّا لِحَاجَةٍ لَهُ فَلَا نَفَقَةَ لَهُ وَقَوْلُهُ فِي الْمَالِ يَتَعَلَّقُ بِنَفَقَتِهِ. ثُمَّ قَالَ مِقْدَارُ النَّفَقَةِ إذَا أَشْبَهَ ذَلِكَ نَفَقَةً مِثْلَهُ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ ابْنُ الْحَاجِبِ وَلَهُ الْكِسْوَةُ فِي بَعِيدِهِ لَا فِي قَرِيبٍ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إلَّا أَنْ يَطُولَ وَأَمَّا الْمَالُ الْقَلِيلُ فَلَا نَفَقَةَ فِيهِ وَلَا كِسْوَةَ اهـ. وَعِنْدَمَا مَاتَ وَلَا أَمِينَ فِي ... وُرَّاثِهِ وَلَا أَتَوْا بِالْخَلَفِ رُدَّ إلَى صَاحِبِهِ الْمَالُ وَلَا ... شَيْءَ مِنْ الرِّبْحِ لِمَنْ قَدْ عَمِلَا وَهُوَ إذَا أَوْصَى بِهِ مُصَدَّقُ ... فِي صِحَّةٍ أَوْ مَرَضٍ يُسْتَوْثَقُ يَعْنِي إذَا مَاتَ عَامِلُ الْقِرَاضِ وَلَيْسَ فِي وَرَثَتِهِ أَمِينٌ يُكْمِلُ عَمَلَهُ وَلَا أَتَى وَرَثَتُهُ بِخُلْفٍ مِنْهُ لِذَلِكَ أَمِينٍ فَإِنَّ الْمَالَ يُرَدُّ إلَى رَبِّهِ وَلَا شَيْءَ لِوَرَثَتِهِ مِنْ الرِّبْحِ وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِالْبَيْتَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ ثُمَّ أَخْبَرَ فِي الثَّالِثِ أَنَّ الْعَامِلَ إذَا أَوْصَى أَنَّ بِيَدِهِ قِرَاضًا لِفُلَانٍ ثُمَّ مَاتَ فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ فِي ذَلِكَ وَيُخْرَجُ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ سَوَاءٌ أَوْصَى بِهِ فِي حَالِ الصِّحَّةِ أَوْ الْمَرَضِ. (قَالَ فِي الْمُقَرَّبِ) قُلْت فَإِنْ دَفَعْت إلَى رَجُلَيْنِ مَالًا قِرَاضًا فَهَلَكَ الرَّجُلَانِ وَقَدْ عَمِلَا فَقَالَ قَالَ مَالِكٌ فِي الْعَامِلِ يَمُوتُ أَنَّ وَرَثَتَهُ إنْ كَانُوا مَأْمُونِينَ قِيلَ لَهُمْ تَقَاضَوْا هَذَا الْمَالَ وَبِيعُوا مَا تَرَكَ صَاحِبُكُمْ وَأَنْتُمْ عَلَى الرِّبْحِ الَّذِي كَانَ لَهُ فَإِنْ كَانُوا غَيْرَ مَأْمُونِينَ فَأَتَوْا بِأَمِينٍ ثِقَةٍ كَانَ لَهُمْ ذَلِكَ. وَإِنْ لَمْ يَأْتُوا بِأَمِينٍ ثِقَةٍ أُسْلِمَ الْمَالُ دَيْنُهُ وَعَرْضُهُ إلَى رَبِّ الْمَالِ وَلَمْ يَكُنْ لِلْوَرَثَةِ مِنْ الرِّبْحِ قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ فَاَلَّذِي سَأَلْت عَنْهُ يُقَالُ لِوَرَثَةِ الْمَيِّتِ مِنْهُمَا مَا قِيلَ لِوَرَثَةِ هَذَا وَزَادَ اللَّخْمِيّ بَعْدَ قَوْلِهِ إنَّ وَرَثَتَهُ إنْ كَانُوا مَأْمُونِينَ وَمِمَّنْ يَقْدِرُ عَلَى الْعَمَلِ وَلَمْ يُلْزِمْ الْوَرَثَةَ أَنْ يَسْتَأْجِرُوا مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ مَنْ يُتِمُّ الْعَمَلَ لِأَنَّ الْعَمَلَ فِي الْقِرَاضِ مُتَعَلِّقٌ بِعَيْنِ الْعَامِلِ وَلَيْسَ فِي الذِّمَّةِ. وَإِنْ كَانَ فِيهِ رِبْحٌ حِينَ سُلِّمَ جَرَى عَلَى قَوْلَيْنِ فَقَالَ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ لَا شَيْءَ لِوَرَثَتِهِ فِيهِ وَقَالَ فِي الْجُعْلِ عَلَى حَفْرِ بِئْرٍ يَكُونُ لِلْأَوَّلِ بِقَدْرِ مَا انْتَفَعَ بِهِ مِنْ عَمَلِهِ وَهَذَا اخْتِلَافُ قَوْلٍ انْتَهَى بِبَعْضِ اخْتِصَارٍ. وَقَدْ اسْتَطْرَدَ الشَّارِحُ هُنَا حُكْم مَا إذَا ادَّعَى الْوَرَثَةُ أَنَّهُمْ أُمَنَاءُ وَأَنْكَرَ ذَلِكَ رَبُّ الْمَالِ أَوْ جَهِلَهُ وَهَلْ يُحْمَلُ النَّاسُ عَلَى الْأَمَانَةِ حَتَّى تَثْبُتَ الْخِيَانَةُ أَوْ عَلَى عَدَمِهَا حَتَّى تَثْبُتَ الْأَمَانَةُ فَرَاجِعْهُ إنْ شِئْت. (فَرْعٌ) ابْنُ الْحَاجِبِ وَلَوْ مَاتَ رَبُّ الْمَالِ وَهُوَ عَيْنٌ فَالْأَوْلَى أَنْ لَا يُحَرِّكَهُ فَإِنْ حَرَّكَهُ فَعَلَى قِرَاضِهِ التَّوْضِيحُ اُحْتُرِزَ بِالْعَيْنِ مِمَّا لَوْ شَغَلَهُ فَإِنَّهُ يَتَمَادَى عَلَى الْعَمَلِ وَقَيَّدَ ابْنُ يُونُسَ الْمَسْأَلَةَ بِمَا إذَا كَانَ الْمَوْتُ وَالْعَامِلُ بِبَلَدِ رَبِّ الْمَالِ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ بِغَيْرِهِ أَوْ ظَعَنَ مِنْهُ فَلَهُ الْعَمَلُ كَمَا لَوْ شَغَلَهُ فَقَوْلُهُ فَالْأَوْلَى نَحْوَهُ فِي الْجَوَاهِرِ وَإِنَّمَا فِي

الْمُدَوَّنَةِ فَلَا يُعْمَلُ بِصِيغَةِ النَّهْيِ. وَظَاهِرُهُ الْمَنْعُ وَعَلَى ذَلِكَ حَمَلَهَا اللَّخْمِيّ وَغَيْرُهُ (اللَّخْمِيّ) فَإِنْ فَعَلَ بَعْدَ عِلْمِهِ ضُمِنَ تَجْرٌ لِنَفْسِهِ أَوْ لِلْقِرَاضِ وَالرِّبْحُ لَهُ إنْ تَجَرَ لِنَفْسِهِ وَإِلَّا فَلَهُمْ وَيَخْتَلِفُ إذَا تَجَرَ بَعْدَ الْمَوْتِ وَقَبْلَ الْعِلْمِ فَخَسِرَ فَهَلْ يُضْمَنُ لِخَطَئِهِ عَلَى مَالِ الْوَارِثِ أَمْ لَا لِأَنَّ لَهُ شُبْهَةَ الْأُذُن اهـ. وَقَوْلُهُ فِي التَّوْضِيحِ وَقَيَّدَ ابْنُ يُونُسَ الْمَسْأَلَةَ يَعْنِي مَسْأَلَةَ مَوْتِ رَبِّ الْمَالِ وَالْمَالُ عَيْنٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَمَّا قَوْلُ النَّاظِمِ وَهُوَ إذَا أَوْصَى بِهِ مُصَدَّقٌ فَقَالَ فِي النَّوَادِرِ عَنْ الْوَاضِحَةِ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ فِي الرَّجُلِ إذَا أَقَرَّ عِنْدَ الْمَوْتِ بِقِرَاضٍ أَوْ وَدِيعَةٍ فَهُوَ مُصَدَّقٌ وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ أَصْلَهَا فِي حَيَاتِهِ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ فَإِنْ عَيَّنَهَا فَرَبُّهَا أَحَقُّ بِهَا وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْهَا فَإِنَّهُ يُحَاصُّ بِهِ الْغُرَمَاءُ وَأَمَّا إنْ عَيَّنَهَا فِي التَّفْلِيس فَرَبُّهَا أَوْلَى بِهَا أَيْضًا. وَإِنْ لَمْ تُعْرَفْ قَبْلَ ذَلِكَ بِبَيِّنَةٍ فِي قِرَاضٍ أَوْ وَدِيعَةٍ وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْهَا فِي التَّفْلِيسِ فَلَا يُحَاصُّ بِهِ الْغُرَمَاءُ فِي قِرَاضٍ وَلَا وَدِيعَةٍ اهـ. عَلَى نَقْلِ الشَّارِحِ وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ وَمَنْ هَلَكَ وَقِبَلُهُ وَدَائِعُ وَقِرَاضٌ لَمْ تُوجَدْ وَلَمْ يُوصِ بِشَيْءٍ فَذَلِكَ فِي مَالِهِ وَيُحَاصُّ بِهِ غُرَمَاؤُهُ الْمَوَّاق وَانْظُرْ حَكَمُوا فِي مَالِ الْمَيِّتِ بِرَأْسِ مَالِ الْقِرَاضِ مَعَ احْتِمَالِ الضَّيَاعِ أَوْ الْخَسَارَةِ قَالَ الْبُرْزُلِيُّ وَلَا يَقْضِي عَلَى التَّرِكَةِ بِالرِّبْحِ إلَّا أَنْ يَتَحَقَّقَ وَأَجْرُ مِثْلٍ أَوْ قِرَاضُ مِثْلِ ... لِعَامِلٍ عِنْدَ فَسَادِ الْأَصْلِ يَعْنِي أَنَّ الْقِرَاضَ إذَا وَقَعَ فَاسِدًا يُرِيدُ وَفَاتَ بِالْعَمَلِ فَإِنَّ الْوَاجِبَ فِيهِ حِينَئِذٍ الرُّجُوعُ إلَى أُجْرَةِ الْمِثْلِ أَوْ قِرَاضِ الْمِثْلِ وَإِتْيَانِ النَّاظِمِ بِأَوْ الَّتِي لِلتَّخْيِيرِ مِمَّا يُؤَيِّدُ أَنَّهُ قَصَدَ قَوْلَ الْقَاضِي عَبْدِ الْوَهَّابِ وَنَصُّهُ النَّظَرُ يَقْتَضِي أَنْ يُرَدَّ الْقِرَاضُ الْفَاسِدُ إلَى أُجْرَةِ الْمِثْلِ أَوْ إلَى قِرَاضِ الْمِثْلِ جُمْلَةً مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ وَالتَّفْصِيلُ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ اسْتِحْسَانٌ وَلَيْسَ بِقِيَاسٍ قَالَ وَالْفَرْقُ بَيْنَ إجَارَةِ الْمِثْلِ وَقِرَاضِ الْمِثْلِ أَنَّ أُجْرَةَ الْمِثْلِ تَتَعَلَّقُ بِذِمَّةِ رَبِّ الْمَالِ سَوَاءٌ كَانَ فِي الْمَالِ رِبْحٌ أَوْ لَا. وَقِرَاضُ الْمِثْلِ يَتَعَلَّقُ بِالرِّبْحِ إنْ كَانَ فِي الْمَالِ فَيُنْظَرُ كَمْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ حَظُّ هَذَا الْعَامِلِ مِنْهُ إذَا نَزَعَ هَذَا الشَّرْطُ فَمَا قِيلَ دُفِعَ إلَيْهِ مِنْ الرِّبْحِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْمَالِ رِبْحٌ أَوْ كَانَ وَضِيعَةً فَلَا شَيْءَ لَهُ اهـ عَلَى نَقْلِ الْمَوَّاق وَاَلَّذِي فِي ابْنِ الْحَاجِبِ أَنَّ الرُّجُوعَ لِأُجْرَةِ الْمِثْلِ قَوْلٌ وَلِقِرَاضِ الْمِثْلِ قَوْلٌ آخَرُ وَكَانَ النَّاظِمُ عَلَى هَذَا اسْتَعْمَلَ أَوْ مَكَان قِيلَ وَهُوَ كَثِيرٌ فِي كَلَامِ الْفُقَهَاءِ سِيَّمَا الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي الرِّسَالَةِ حَتَّى عُدَّتْ مَوَاضِعُهُ وَنُظِمَتْ وَجُعِلَتْ إحْدَى تَرَاجِمِ نَظَائِرِ الرِّسَالَةِ وَكَذَا وَقَعَ فِي كَلَامِ الشَّيْخِ خَلِيلٍ إلَّا أَنَّهُ قَلِيلٌ فِي كَلَامِهِ كَقَوْلِهِ وَلِمَنْ كَمُلَ عِتْقُهَا فِرَاقُ الْعَبْدِ فَقَطْ بِطَلْقَةٍ بَائِنَةٍ أَوْ اثْنَتَيْنِ. وَفِي مَوَاضِعَ أُخَرَ (قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ) وَإِذَا فَاتَ الْقِرَاضُ الْفَاسِدَ فَثَلَاثُ رِوَايَاتٍ قِرَاضُ الْمِثْلِ وَأُجْرَةُ الْمِثْلِ ابْنُ الْقَاسِمِ مَا فَسَدَ لِزِيَادَةِ أَحَدِهِمَا أَوْ لِشَرْطِ رَبِّ الْمَالِ مَا يُحْوِجُ إلَى نَظَرِهِ فَأُجْرَةُ الْمِثْلِ وَمَا عَدَاهُ كَضَمَانِ الْمَالِ وَتَأْجِيلِهِ فَقِرَاضٍ الْمِثْلِ وَرَوَى فِي الْفَاسِدِ بِالضَّمَانِ لَهُ الْأَقَلُّ مِنْ قِرَاضِ الْمِثْلِ أَوْ الْمُسَمَّى (التَّوْضِيحُ) قَوْلُهُ قِرَاضُ الْمِثْلِ هُوَ تَفْسِيرٌ لِلرِّوَايَةِ الْأُولَى وَهِيَ رِوَايَةُ أَشْهَب وَبِهِ أُخِذَ هُوَ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ. وَقَوْلُهُ وَأُجْرَةُ الْمِثْلِ تَفْسِيرٌ لِلرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ فِيمَا فَسَدَ مِنْ الْعُقُودِ الْمُسْتَثْنَاةِ هَلْ تُرَدُّ إلَى صَحِيحِهَا فَيَجِبُ قِرَاضُ الْمِثْلِ أَوْ صَحِيحٌ أَصْلُهَا فَتَجِبُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ لِأَنَّ الْقِرَاضَ مُسْتَثْنًى مِنْ الْإِجَارَة اهـ. وَفِي قَوْلِهِمْ هَلْ تُرَدُّ إلَى صَحِيحِهَا إلَخْ بَحْثٌ وَجَوَابٌ اُنْظُرْ التَّوْضِيحَ فِي بَابِ الْقِرَاضِ قَالَ وَالصَّوَابُ لَوْ قَالَ إلَى فَاسِدٍ أَصْلُهُ أَوْ إلَى صَحِيحِ نَفْسِهِ ثُمَّ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ الْمُتَقَدِّمِ قَرِيبًا ابْنُ الْقَاسِمِ مَا فَسَدَ لِزِيَادَةِ أَحَدِهِمَا إلَخْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هُوَ الرِّوَايَةُ الثَّالِثَةُ وَقَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَرَوَى إلَخْ رِوَايَةً رَابِعَةً وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ مُعْتَرِضًا وَقَوْلُهُ وَرَوَى هُوَ الرِّوَايَةَ الثَّالِثَةَ ثُمَّ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ مَا مَعْنَاهُ أَنَّ عِبَارَةَ ابْنِ شَاسٍ فِي الْقَوْلِ الثَّالِثِ أَنَّ مِنْهُ مَا يُرَدُّ إلَى قِرَاضِ الْمِثْلِ وَمِنْهُ مَا يُرَدُّ إلَى أُجْرَةِ الْمِثْلِ ثُمَّ اُخْتُلِفَ فِي تَفْصِيلِ ذَلِكَ وَتَعْيِينِهِ عَلَى طُرُقٍ الطَّرِيقَةِ الْأُولَى اُنْظُرْ تَمَامَ كَلَامِهِ. وَنَقَلَ الشَّارِحُ عَنْ الْمُقَرَّبِ أَنَّ الضَّابِطَ فِي ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ زِيَادَةٍ أَوْ مَنْفَعَةٍ اشْتَرَطَهَا أَحَدُ الْمُتَقَارِضَيْنِ هِيَ لِلْمَالِ أَوْ دَاخِلَةٌ فِيهِ لَيْسَتْ خَارِجَةً عَنْهُ وَلَا خَالِصَةً لِمُشْتَرِطِهَا فَيُرَدُّ فِيهِ إلَى قِرَاضِ مِثْلِهِ وَكُلُّ زِيَادَةٍ أَوْ مَنْفَعَةٍ اشْتَرَطَهَا أَحَدُهُمَا لِنَفْسِهِ خَارِجَةٌ عَنْ الْمَالِ أَوْ خَالِصَةٌ اشْتَرَطَهَا فَيُرَدُّ فِيهِ إلَى أَجْرِ مِثْلِهِ وَكُلُّ

باب الحبس والهبة والصدقة وما يتصل بها

خَطَرٍ أَوْ غَرَرٍ وَتَعَامَلَا عَلَيْهِ خَرَجَا بِهِ عَنْ سُنَّةِ الْقِرَاضِ الْجَائِزِ فَيُرَدُّ فِيهِ إلَى أُجْرَةِ مِثْلِهِ فَعَلَى هَذِهِ الْمَعَانِي الثَّلَاثَةِ يُجْرَى الْقِرَاضُ الْفَاسِدُ كُلُّهُ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْهُ وَفِي هَذَا الْأَصْلِ تَنَازُعٌ اهـ. وَحَاصِلُ هَذَا الْقَوْلِ الثَّالِثِ أَنَّ مَا يَرْجِعُ فِيهِ لِأُجْرَةِ الْمِثْلِ أَوْ قِرَاضِ الْمِثْلِ مَحْصُورٌ بِالْحَدِّ وَمِنْ الشُّيُوخِ مَنْ حَصَرَ ذَلِكَ بِالْعَدِّ. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ ضَبَطَ عِيَاضٌ الصُّوَرَ الَّتِي فِيهَا قِرَاضُ الْمِثْلِ عَلَى مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ وَعَدَّهَا تِسْعَةً وَمَا سِوَاهَا فَفِيهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ وَالتِّسْعَةُ الْقِرَاضُ بِالْعِوَضِ وَالْقَرْضِ إلَى أَجَلٍ وَالْقِرَاضُ عَلَى الضَّمَانِ وَالْقِرَاضُ بِجُزْءٍ مُبْهَمٍ وَالْقِرَاضُ بِدَيْنٍ يَقْبِضُهُ الْمُقَارَضُ مِنْ أَجْنَبِيٍّ وَالْقِرَاضُ عَلَى شِرْكٍ فِي الْمَالِ وَالْقِرَاض عَلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَى إلَّا سِلْعَةُ كَذَا لِمَا لَا يَكْثُرُ وُجُودُهُ فَاشْتَرَى غَيْرَ مَا أَمَرَ بِهِ وَالْقِرَاضُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَشْتَرِي إلَّا بِدَيْنٍ فَيُشْتَرَى بِنَقْدٍ وَالْقِرَاضُ عَلَى أَنْ يَشْتَرِيَ عَبْدَ فُلَانٍ ثُمَّ يَبِيعَهُ وَيَتَّجِرَ بِثَمَنِهِ قَالَ وَمِمَّا جُعِلَ فِيهِ قِرَاضُ الْمِثْلِ فِي الْكِتَابِ مَسْأَلَةٌ عَاشِرَةٌ لَيْسَتْ مِنْ الْقِرَاضِ الْفَاسِدِ وَهِيَ إذَا اخْتَلَفَا وَأَتَيَا بِمَا لَا يُشْبِهُ وَحَلَفَا وَقَدْ نَظَمَ بَعْضُهُمْ فِيهَا هَذِهِ الْأَبْيَاتِ فَقَالَ لِكُلِّ قِرَاضٍ فَاسِدٍ أَجْرُ مِثْلِهِ ... سِوَى تِسْعَةٍ قَدْ فُصِّلَتْ بِبَيَانِ قِرَاضٌ بِدَيْنٍ أَوْ بِعَرْضٍ وَمُبْهَمٍ ... وَبِالشِّرْكِ وَالتَّأْجِيلِ أَوْ بِضَمَانِ وَلَا تَشْتَرِي إلَّا بِدَيْنٍ فَيَشْتَرِي ... بِنَقْدٍ وَأَنْ يَبْتَاعَ عَبْدَ فُلَانِ وَيَتَّجِرْ فِي أَثْمَانِهِ بَعْدَ بَيْعِهِ ... فَهَذِي إذَا عُدَّتْ تَمَامُ ثَمَانِ وَلَا تَشْتَرِي مَا لَا يَقِلُّ وُجُودُهُ ... فَيَشْرِي سِوَاهُ اسْمَعْ بِحُسْنِ بَيَانِ كَذَا ذَكَرَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَإِنَّهُ ... خَبِيرٌ بِمَا يُرْوَى فَصِيحُ لِسَانِ وَزَادَ ابْنُ رُشْدٍ حَادِيَةَ عَشْرَةَ وَهِيَ أَنْ يُعْطِيَهُ دَنَانِيرَ يَصْرِفُهَا ثُمَّ يَتَّجِرُ بِثَمَنِهَا اهـ. وَإِلَى هَذِهِ النَّظَائِرِ أَشَارَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ بِقَوْلِهِ وَعُرُوض إنْ تُوَلِّي بَيْعَهُ كَأَنْ وَكَّلَهُ عَلَى دَيْنٍ أَوْ لِيَصْرِفَ ثُمَّ يَعْمَلَ فَأَجْر مِثْله فِي تَوَلِّيه ثُمَّ قِرَاض مِثْله فِي رِبْحِهِ كَلَكَ شِرْكٌ وَلَا عَادَةٌ أَوْ مُبْهَمٌ، أَوْ أَجَلٌ، أَوْ ضِمْنٌ، أَوْ اشْتَرِ سِلْعَةَ فُلَانٍ ثُمَّ اتَّجِرْ فِي ثَمَنِهَا أَوْ بِدَيْنٍ أَوْ مَا يَقِلُّ وُجُودُهُ كَاخْتِلَافِهِمَا فِي الرِّبْحِ وَادَّعَيَا مَا لَا يُشْبِهُ وَفِيمَا فَسَدَ غَيْرُهُ أُجْرَةَ مِثْلِهِ فِي الذِّمَّةِ اهـ. إلَّا أَنَّ قَوْلَهُ كَلَكَ شِرْكٌ وَلَا عَادَةٌ مَعَ قَوْلِهِ أَوْ مُبْهَمٍ تَكْرَارٌ عَلَى مَا عِنْدَ الْمَوَّاق [بَابُ الْحَبْسِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَمَا يَتَّصِلُ بِهَا] (بَابُ الْحَبْسِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَمَا يَتَّصِلُ بِهَا) عَقَدَ الشَّيْخُ هَذَا الْبَابَ مَعَ مَا انْدَرَجَ تَحْتَهُ مِنْ الْفُصُولِ لِلْكَلَامِ عَلَى التَّبَرُّعَاتِ وَمَا قَارَبَ مَعْنَاهَا وَقَدْ ذَكَرَ الشَّارِحُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُنَا مُنَاسَبَةَ هَذَا الْبَابِ لِمَا بَعْدَهُ وَمَا بَعْدَهُ أَيْضًا وَهَكَذَا إلَى بَابِ الْعِتْقِ فَرَاجِعْهُ فِيهِ إنْ شِئْت (قَالَ الرَّصَّاع فِي شَرْحِ الْحُدُودِ) بَعْضُ الْفُقَهَاءِ يُعَبِّرُ بِالْحَبْسِ وَبَعْضُهُمْ يُعَبِّرُ بِالْوَقْفِ مُتَرَادِفَانِ. وَهُمَا لَفْظَانِ وَالتَّعْبِيرُ بِالْوَقْفِ عِنْدَهُمْ أَقْوَى فِي التَّحْبِيسِ يُقَالُ وَقَفَهُ وَأَوْقَفَهُ وَيُقَالُ حَبَسْته وَالْحَبْسُ يُطْلَقُ عَلَى مَا وُقِفَ يَعْنِي الشَّيْءَ الْمَوْقُوفَ وَيُطْلَقُ عَلَى الْمَصْدَرِ وَهُوَ الْإِعْطَاءُ وَكَذَا الْعُرْفُ الشَّرْعِيُّ فَذَكَرَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى عَادَتِهِ الْحَدَّيْنِ فَقَالَ فِي الْمَعْنَى الْمَصْدَرِيِّ إعْطَاءُ مَنْفَعَةٍ شَيْءٌ مُدَّةَ وُجُودِهِ لَازِمٌ بَقَاؤُهُ فِي مِلْكِ مُعْطِيه وَلَوْ تَقْدِيرًا قَوْلُهُ مَنْفَعَةٌ أَخْرَجَ بِهِ إعْطَاءَ الذَّاتِ كَالْهِبَةِ. قَوْلُهُ: شَيْءٌ يُرِيدُ مُتَمَوَّلٌ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: فِي مِلْكِ مُعْطِيهِ. وَقَوْلُهُ: مُدَّةَ وُجُودِهِ أَخْرَجَ بِهِ الْعَارِيَّةَ وَالْعُمْرَى وَالْعَبْدَ الْمُخَدَّمَ حَيَاتَهُ يَمُوتُ قَبْلَ مَوْتِ سَيِّدِهِ كَذَا قَالَ الشَّيْخُ وَخُرُوجُ الْعَارِيَّةِ وَالْعُمْرَى ظَاهِرٌ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ لَيْسَتْ مُدَّةَ وُجُودِ ذَلِكَ. وَأَمَّا الْعَبْدُ فَهُوَ خَرَجَ أَيْضًا لِأَنَّ اللُّزُومَ فِي بَقَاءِ الْمِلْكِ يُخْرِجُهُ وَلِذَا قَالَ الشَّيْخُ لِعَدَمِ لُزُومِهِ فِي بَقَاءِ مِلْكِ مُعْطِيهِ لِجَوَازِ الْبَيْعِ بِالرِّضَا فَخَاصِّيَّةُ الْحَبْسِ عَدَمُ جَوَازِ بَيْعِهِ مُطْلَقًا تَحْقِيقًا أَوْ تَقْدِيرًا وَقَوْلُهُ وَلَوْ تَقْدِيرًا أَيْ وَلَوْ كَانَ اللُّزُومُ أَوْ الْمِلْكُ تَقْدِيرًا فَلُزُومُ بَقَاءِ الْمِلْكِ مِنْ خَاصِّيَّةِ الْحَبْسِ وَإِنْ كَانَ عَدَمُ اللُّزُومِ فِي الْمِلْكِ تَقْدِيرًا فَلَيْسَ مِنْ خَاصِّيَّةِ الْحَبْسِ وَأَمَّا حَدُّهُ الْأَسْمَى فَهُوَ مَا أُعْطِيت مَنْفَعَتُهُ إلَخْ. وَبَيَانُهُ مَا تَقَدَّمَ فِي الْمَصْدَرِيِّ وَكَلَامُ الشَّيْخِ صَرِيحٌ

فِي أَنَّ الْحَبْسَ عَلَى مِلْكِ الْمُحَبِّسِ وَبِذَلِكَ صَرَّحَ الْبَاجِيُّ وَهُوَ الْمَأْخُوذُ مِنْ كِتَابِ الزَّكَاةِ خِلَافَ قَوْلِ اللَّخْمِيّ الْحَبْسُ يُسْقِطُ الْمِلْكَ وَهُوَ غَلَطٌ اُنْظُرْ تَمَامَ كَلَامِهِ إنْ شِئْت الْحَبْسُ فِي الْأُصُولِ جَائِزٌ وَفِي ... مُنَوَّعِ الْعَيْنِ بِقَصْدِ السَّلَفِ وَلَا يَصِحُّ فِي الطَّعَامِ وَاخْتَلَفْ ... فِي الْحَيَوَانِ وَالْعُرُوضِ مَنْ سَلَفْ يَعْنِي أَنَّ تَحْبِيسَ الْأُصُولِ كَالدُّورِ وَالْجَنَّاتِ وَالْحَوَانِيتِ وَالْأَرْضِ وَنَحْوِ ذَلِكَ جَائِزٌ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَكَذَلِكَ يَجُوزُ تَحْبِيسُ مُنَوَّعِ الْعَيْنِ مِنْ إضَافَةِ الصِّفَةِ إلَى الْمَوْصُوفِ أَيْ الْعَيْنِ الْمُنَوَّعِ إلَى ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ لِقَصْدِ السَّلَفِ بِحَيْثُ تُوضَعُ تَحْتَ يَدِ أَمِينٍ بِإِشْهَادٍ عَلَى أَنْ يُسَلِّفَهَا لِمَنْ احْتَاجَ إلَيْهَا مِمَّنْ هُوَ مَلِيُّ الذِّمَّةِ إمَّا بِرَهْنٍ أَوْ جَمِيلٍ وَهُوَ الْأَوْلَى أَوْ بِلَا شَيْءٍ حَسْبَمَا يُرَى ذَلِكَ مَنْ جُعِلَتْ تَحْتَ يَدِهِ وَقَدْ ذَكَرَ لَنَا أَنَّهُ كَانَ بِقِيسَارِيَّةِ فَاسَ دَرَاهِمُ نَحْوُ أَلْفِ أُوقِيَّةٍ مُحَبَّسَةٍ بِقَصْدِ السَّلَفِ فَكَانَ مَنْ يَتَسَلَّفُهَا يَرُدُّ بَعْضَهَا نُحَاسًا وَيَمْتَنِعُ مِنْ تَبْدِيلِهِ فَمَا زَالَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ حَتَّى انْدَرَسَتْ. ثُمَّ أَخْبَرَ النَّاظِمُ فِي الْبَيْتِ الثَّانِي أَنَّهُ لَا يَصِحُّ تَحْبِيسُ الطَّعَامِ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ فِيهِ هِيَ إتْلَافُ عَيْنِهِ وَاسْتِهْلَاكُهُ وَأَنَّ مَنْ سَلَفَ وَتَقَدَّمَ مِنْ الْفُقَهَاءِ اخْتَلَفُوا فِي تَحْبِيسِ الْحَيَوَانِ وَالْعُرُوضِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَجَازَ تَحْبِيسَهَا وَرَآهَا كَالْأُصُولِ وَالْعَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ مَنَعَهُ وَرَآهَا كَالطَّعَامِ فَمَنْ سَلَفْ هُوَ فَاعِلُ اخْتَلَفْ بِفَتْحِ الثَّاءِ وَاللَّامِ مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ وَلَفْظُ الْحَبْسِ أَوَّلَ الْبَيْتِ الْأَوَّلِ بِسُكُونِ الْبَاءِ لِلْوَزْنِ أَمَّا وَقْفُ الْأُصُولِ فَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَيَصِحُّ فِي الْعَقَارِ الْمَمْلُوكِ مِنْ الْأَرَاضِي وَالدِّيَارِ وَالْحَوَانِيتِ وَالْحَوَائِطِ وَالْمَسَاجِدِ وَالْمَصَانِعِ وَالْآبَارِ وَالْقَنَاطِرِ وَالْمَقَابِرِ وَالطُّرُقِ شَائِعًا أَوْ غَيْرَهُ اهـ وَالْمَصَانِعُ جَمْعُ مَصْنَعٍ وَهُوَ الْحَوْضُ الَّذِي يُجْمَعُ فِيهِ مَاءُ الْمَطَرِ وَمِنْهُ {وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ} [الشعراء: 129] (التَّوْضِيحُ) قَوْلُهُ شَائِعًا كَمَا لَوْ وُقِفَ نِصْفُ دَارٍ أَوْ غَيْرُ شَائِعٍ وَلَا يُرِيدُ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ يَجُوزُ وَقْفُ الْمَشَاعِ مِنْ غَيْرِ إذْنِ الشَّرِيكِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ ابْتِدَاءً أَعْنِي فِيمَا لَا يَقْبَلُ الْقِسْمَةَ وَاخْتُلِفَ إنْ فَعَلَ هَلْ يَنْفُذُ تَحْبِيسُهُ أَوَّلَا وَعَلَى الثَّانِي اقْتَصَرَ اللَّخْمِيّ آخِرَ الشُّفْعَةِ فَقَالَ لِأَنَّ الشَّرِيكَ لَا يَقْدِرُ حِينَئِذٍ عَلَى بَيْعِ جَمِيعِهَا وَإِنْ فَسَدَ شَيْءٌ لَمْ يَجِدْ مَنْ يُصْلِحُ مَعَهُ وَاخْتَارَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ الْأَوَّلَ اللَّخْمِيّ وَإِنْ كَانَتْ الدَّارُ مِمَّا يُقْسَمُ جَازَ الْحَبْسُ إذْ لَا ضَرَر عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ ثُمَّ قَالَ فَمَا أَصَابَ الْمُتَصَدِّقَ مِنْهُ فَهُوَ عَلَى التَّحْبِيسِ وَمَا لَا يَنْقَسِمُ بِيعَ فَمَا أَصَابَ الْمُتَصَدِّقَ مِنْ الثَّمَنِ مِنْ حِصَّتِهِ اشْتَرَى بِهِ مَا يَكُونُ صَدَقَةً مُحَبَّسَةً فِي مِثْلِ مَا سَبَلهَا فِيهِ الْمُتَصَدِّقُ وَاخْتُلِفَ هَلْ يُقْضَى عَلَيْهِ بِذَلِكَ. اهـ. وَفِي ابْنِ عَرَفَةَ إنْ كَانَ عُلْوٌ وَسُفْلٌ لِرَجُلَيْنِ فَلِرَبِّ الْعُلْوِ رَدُّ تَحْبِيسِ ذِي السُّفْلِ أَسْفَلَهُ لِأَنَّهُ إنْ فَسَدَ مِنْهُ شَيْءٌ لَمْ يَجِدْ مَنْ يَصْلُحُهُ لَهُ وَكَذَلِكَ الْعَكْسُ وَقَوْلُهُ فِي التَّوْضِيحِ وَمَا لَا يَنْقَسِمُ بِيعَ يُرِيدُ إذَا دَعَا بَعْضُ الشُّرَكَاءِ إلَى بَيْعٍ صَرَّحَ بِذَلِكَ الْإِمَامُ أَبُو الْفَضْلِ قَاسِمُ بْنُ سَعِيدٍ الْعُقْبَانِيُّ فِي جَوَابٍ لَهُ عَنْ مِثْلِ النَّازِلَةِ وَلَفْظُهُ وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ الْقِسْمَةَ بَطَلَ التَّحْبِيسُ بِبَيْعِ الْمُشْتَرَكِ إنْ دَعَا بَعْضُ الشُّرَكَاءِ إلَى الْبَيْعِ ثُمَّ بَعْدَ بُطْلَانِ التَّحْبِيسِ يَكُونُ الثَّمَنُ مِلْكًا لِلْمُحَبِّسِ هَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَهُوَ الْأَصَحُّ اهـ وَقَدْ تَلَخَّصَ مِنْ هَذَا أَنَّ بَيْعَ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ إذَا دَعَا إلَيْهِ أَحَدُ الشُّرَكَاءِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى الْبَيْعِ وَأَنَّ الثَّمَنَ الْمَقْبُوضَ فِي الشِّقْصِ الْمُحَبَّسِ يَكُونُ مِلْكًا لِلْبَائِعِ يَفْعَلُ بِهِ مَا شَاءَ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَفِي آخِرِ جَوَابٍ لِلْإِمَامِ أَبِي عِمْرَانَ مُوسَى بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مُعْطِي الْعَبْدُوسِيِّ مَا نَصُّهُ وَمَا يَحْمِلُ الْقَسْمَ بِيعَ وَنُدِبَ لِأَهْلِ الْحَبْسِ أَنْ يُعَوِّضُوا الْحَبْسَ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَلَا يُجْبَرُونَ وَيُفْسَخُ الْحَبْسُ وَيُجْبَرُونَ عِنْدَ عَبْدِ الْمَلِكِ اهـ. نَقَلَهُ صَاحِبُ

الْمِعْيَارِ بَعْدَ نَحْوِ كَرَاسَّيْنِ مِنْ نَوَازِلِ الْأَحْبَاسِ وَإِلَى الْخِلَافِ فِي الْقَضَاءِ بِذَلِكَ وَعَدَمِهِ أَشَارَ فِي التَّوْضِيحِ بِقَوْلِهِ آخِرَ الْكَلَامِ الْمَنْقُولِ عَنْهُ وَاخْتُلِفَ هَلْ يُقْضَى عَلَيْهِ بِذَلِكَ وَقَوْلُهُمْ كَمَا تَقَدَّمَ وَمَا لَا يَنْقَسِمُ بِيعَ أَيْ يُبَاعُ جَمِيعُ الْأَصْلِ لَا الْحِصَّةُ الْمُحْبَسَةُ فَقَطْ كَذَا نَقَلَهُ فِي الْمِعْيَارِ قَبْلَ الْمَحَلِّ الْمُتَقَدِّمِ بِوَرَقَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ وَهُوَ ظَاهِرٌ مِنْ قَوْلِهِمْ فَمَا أَصَابَ الْمُتَصَدِّقَ مِنْ الثَّمَنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ عَلَى أَنَّ الْمَسْأَلَةَ تَأْتِي صَرِيحًا بَعْدَ أَبْيَاتٍ فِي قَوْلِهِ وَفِي جُزْءٍ مُشَاعٍ حُكْمُ تَحْبِيسٍ قُفِيّ وَهُنَاكَ كَانَ الْكَلَامُ عَلَيْهَا أَنْسَبَ وَيَأْتِي بَقِيَّةُ الْكَلَامِ عَلَى الْمَسْأَلَةِ هُنَاكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَهَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَرْضَ الشَّرِيكُ بِشَرِكَةِ الْحَبْسِ أَمَّا إنْ رَضِيَ وَحَازَ الْمُحَبَّسُ عَلَيْهِ فَلَا إشْكَالَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَمَّا وَقْفُ الْعَيْنِ بِقَصْدِ السَّلَفِ فَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ مِنْ كِتَابِ الزَّكَاةِ وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَإِنَّهُ يَجُوزُ وَقْفُ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ لِتُسَلَّفَ وَأَمَّا عَدَمُ صِحَّةِ وَقْفِ الطَّعَامِ فَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَلَا يَصِحُّ وَقْفُ الطَّعَامِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ نَحْوَهُ فِي الْجَوَاهِرِ وَعَلَّلَهُ بِأَنَّ مَنْفَعَتَهُ فِي اسْتِهْلَاكِهِ وَإِنَّمَا يَكُونُ الْوَقْفُ مَعَ بَقَاءِ الذَّوَاتِ لِيَنْتَفِعَ بِهَا مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهَا ثُمَّ قَالَ فِي وَقْفِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ لِلسَّلَفِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الطَّعَامُ كَذَلِكَ أَيْ يَجُوزُ وَقْفُهُ لِلسَّلَفِ (قَالَ الشَّارِحُ) الطَّعَامُ فِي مَعْنَى الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ الْمَوْقُوفَةِ لِلسَّلَفِ إذَا وُقِفَ لِذَلِكَ لِأَنَّهُ مِثْلِيٌّ مِثْلُهُمَا وَالْمَنْفَعَةُ فِي كِلَيْهِمَا فِي اسْتِهْلَاكِهِ فَمَا الْمَانِعُ مِنْ أَنْ يُوقَفَ الطَّعَامُ لِلسَّلَفِ كَالْعَيْنِ تَخْرِيجًا عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ اهـ. وَأَمَّا الْخِلَافُ فِي وَقْفِ الْحَيَوَانِ وَالْعُرُوضِ فَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَفِي الْحَيَوَانِ وَالْعُرُوضِ رِوَايَتَانِ التَّوْضِيحُ أَيْ فِي جَوَازِ وَقْفِ الْحَيَوَانِ وَمَنْعِهِ فَحَذَفَ مُضَافَيْنِ وَالصَّحِيحُ وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ الْجَوَازُ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ خَالِدًا أَحَبَسَ أَدْرُعَهُ وَأَعْبُدَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ مِنْ أَسْفَلَ وَفِي رِوَايَةِ أَعْتُدَهُ بِالْمُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقُ ابْنُ حَجَرٍ جَمْعُ عَتِيدٍ وَهُوَ الْفَرَسُ الصُّلْبُ الْمُعَدُّ لِلرُّكُوبِ وَقِيلَ السَّرِيعُ الْوَثْبِ ثُمَّ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَلِمَا فِي الْبُخَارِيِّ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ حَبَسَ فَرَسًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا وَتَصْدِيقًا بِوَعْدِهِ كَانَ شِبَعُهُ وَرَيُّهُ فِي مِيزَانِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» وَفِي الْبَيَانِ ثَالِثٌ بِالْكَرَاهَةِ فِي الْحَيَوَانِ وَالْعُرُوضِ اهـ. فَمُقَابِلُ الْجَوَازِ فِي كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ يَحْتَمِلُ الْمَنْعُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي التَّوْضِيحِ أَوَّلَ كَلَامِهِ وَيَحْتَمِلُ الْكَرَاهَةَ وَهُوَ الْقَوْلُ الثَّالِثُ فِي الْبَيَانِ. (تَنْبِيهٌ) لَا يُحْكَمُ بِالْحَبْسِ إلَّا بَعْدَ ثُبُوتِ التَّحْبِيسِ وَثُبُوتِ مِلْكِ الْمُحَبِّسِ لِمَا حَبَسَهُ يَوْمَ التَّحْبِيسِ وَبَعْدَ أَنْ تَتَعَيَّنَ الْأَمْلَاكُ الْمُحَبَّسَةُ بِالْحِيَازَةِ لَهَا عَلَى مَا تَصِحُّ فِيهِ وَبَعْدَ الْأَعْذَارِ إلَى الْمُقَوَّمِ عَلَيْهِمْ فَلَمْ تَكُنْ لَهُمْ حُجَّةٌ قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ قَالَ الْحَطَّابُ فِي شَرْحِ قَوْلِ الشَّيْخِ خَلِيلٍ لَمْ تُسْمَعْ وَلَا بَيِّنَتُهُ إلَّا بِإِسْكَانٍ وَنَحْوِهِ لَا تَسْقُطُ الْحِيَازَةُ وَلَوْ طَالَتْ الدَّعْوَى فِي الْحَبْسِ بِذَلِكَ أَفْتَى ابْنُ رُشْدٍ فِي نَوَازِلِهِ فِي جَمَاعَةٍ حَائِزِينَ لِأَمْلَاكٍ يَتَصَرَّفُونَ فِيهَا بِأَنْوَاعِ التَّصَرُّفَاتِ نَحْوًا مِنْ سَبْعِينَ سَنَةً فَادَّعَى شَخْصٌ وَقْفَهَا وَهُوَ حَاضِرٌ سَاكِتٌ عَالِمٌ بِالتَّصَرُّفِ فَقَالَ لَا يَجِبُ الْقَضَاءُ بِالْحَبْسِ إلَّا بَعْدَ أَنْ يَثْبُتَ التَّحْبِيسُ إلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ ثُمَّ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ وَيَثْبُتُ عَقْدُ التَّحْبِيسِ بِالشَّهَادَةِ عَلَى خُطُوطِ شُهَدَائِهِ (وَفِي التَّوْضِيحِ) فِي شَهَادَةِ السَّمَاعِ مَا نَصُّهُ قَالَ بَعْضُ الْأَنْدَلُسِيِّينَ مَا نَصُّهُ لَوْ شَهِدُوا عَلَى أَصْلِ الْحَبْسِ لَمْ يَكُنْ حَبْسًا حَتَّى يَشْهَدُوا بِالْمِلْكِ لِلْمُحَبِّسِ يَوْمَ حَبَّسَ وَتَجُوزُ شَهَادَتُهُمْ عَلَى السَّمَاعِ وَلَا يُسَمُّونَ الْمُحَبَّسَ وَلَا يُحْتَاجُ إلَى إثْبَاتِ مِلْكٍ قَالَ وَلَا تُفِيدُ أَيْ شَهَادَةُ السَّمَاعِ فِي الْحَبْسِ إلَّا مَعَ الْقَطْعِ عَلَى الْمَعْرِفَةِ أَنَّهُ يُحْتَرَمُ بِحُرْمَةِ الْأَحْبَاسِ اهـ. وَقَدْ تَلَخَّصَ مِنْ كَلَامِ التَّوْضِيحِ هَذَا أَنَّ الشَّهَادَةَ بِالْحَبْسِ إنْ كَانَتْ عَلَى الْقَطْعِ فَلَا بُدَّ مِنْ الشَّهَادَةِ بِالْمِلْكِ لِلْمُحَبِّسِ لِمَا حُبِسَ يَوْمَ حُبِسَ وَإِنْ كَانَتْ عَلَى السَّمَاعِ فَلَا يُحْتَاجُ لِذَلِكَ بَلْ يَكْفِي الْقَطْعُ عَلَى الْمَعْرِفَةِ بِأَنَّهُ يُحْتَرَمُ بِحُرْمَةِ الْأَحْبَاسِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَفِي نَوَازِلِ الْهِبَاتِ مِنْ الْمِعْيَارِ عَنْ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ قَالَ شَاهَدْت عَقْدَ حَبْسٍ كَانَ أَبُو عَمْرٍو الشَّاطِبِيُّ كَتَبَهُ وَفِيهِ يُعَرِّفُونَ الدَّارَ الَّتِي بِمَوْضِعِ كَذَا حَبْسًا مِنْ تَحْبِيسِ فُلَانٍ وَأَنَّهَا تُحْتَرَمُ بِاحْتِرَامِ الْأَحْبَاسِ وَتُحَازُ بِمَا تُحَازُ بِهِ الْأَحْبَاسُ فَقَالَ ابْنُ عَتَّابٍ وَابْنُ ذَكْوَانَ لَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ وَلَا يَجُوزُ لَهُ حُكْمٌ إلَّا بَعْدَ ثُبُوتِ مِلْكِ الْمُحْبِسِ وَمَوْتِهِ وَوِرَاثَتِهِ وَالْأَعْذَارِ فِي ذَلِكَ اهـ.

وَلِلْكِبَارِ وَالصِّغَارِ يُعْقَدُ ... وَلِلْجَنِينِ وَلِمَنْ سَيُوجَدُ يَعْنِي أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْمُحَبَّسِ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا وَقْتَ التَّحْبِيسِ وَلَا بَالِغًا بَلْ يَجُوزُ التَّحْبِيسُ عَلَى الْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ وَعَلَى الْمَوْجُودِ مَوْلُودًا أَوْ جَنِينًا فِي بَطْنِ أُمِّهِ وَعَلَى مَنْ لَيْسَ بِمَوْجُودٍ رَأْسًا كَمَنْ يُولَدُ لِزَيْدٍ وَزَيْدٌ صَبِيٌّ صَغِيرٌ (ابْنُ سَلْمُونٍ) وَيَجُوزُ عَلَى الْكِبَارِ وَالصِّغَارِ وَعَلَى الْجَنِينِ وَمَنْ يُولَدُ (وَقَالَ الْمُتَيْطِيّ) وَيَجُوزُ الْحَبْسُ عَلَى الْحَمْلِ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مَا وَقَعَ لِمَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ إجَازَتِهِ الْحَبْسَ عَلَى الْأَعْقَابِ الَّذِينَ لَمْ يُولَدُوا وَلَا كَانُوا فِي حِينِ التَّحْبِيسِ وَأَعْقَابِ الْأَعْقَابِ الَّذِينَ يَأْتُونَ وَهْم فِي حِينِ التَّحْبِيسِ غَيْرَ مَخْلُوقِينَ لَا بِحَمْلٍ وَلَا بِغَيْرِهِ فَكَيْفَ بِمَا فِي الْبَطْنِ وَقَدْ خُلِقَ قَالَ ابْنُ الْهِنْدِيِّ وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْحَبْسَ عَلَى الْحَمْلِ لَا يَجُوزُ وَذَلِكَ جَائِزٌ لِجَوَازِهِ عَلَى الْأَعْقَابِ (قَالَ الشَّارِحُ) وَفِي مَعْنَى الْحَبْسِ الصَّدَقَةُ وَالْهِبَةُ مِنْ حَيْثُ جَوَازُهُمَا لِلْحَمْلِ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الْمُتَيْطِيّ وَغَيْرُهُ وَنَائِبٌ يُعْقَدُ لِلْحَبْسِ وَيَجِبُ النَّصُّ عَلَى الثِّمَارِ ... وَالزَّرْعِ حَيْثُ الْحَبْسُ لِلصِّغَارِ يَعْنِي أَنَّ مَنْ حَبَّسَ حَائِطًا وَفِيهِ وَقْتَ التَّحْبِيسِ ثِمَارٌ أَوْ أَرْضًا وَفِيهَا إذْ ذَاكَ زَرْعٌ وَكَانَ التَّحْبِيسُ عَلَى الصِّغَارِ مِنْ أَوْلَادِهِ بِحَيْثُ يَكُونُ هُوَ الْحَائِزُ لَهُمْ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ الْمُوَثِّقَ مِنْ جِهَةِ النُّصْحِ وَرَفْعِ الشَّغَبِ أَنْ يَنُصَّ فِي الْوَثِيقَةِ عَلَى شُمُولِ التَّحْبِيسِ لِلثِّمَارِ وَالزَّرْعِ لِتَتَمَحَّضَ الْحِيَازَةُ لِلصِّغَارِ الْمُحَبَّسِ عَلَيْهِمْ مَخَافَةَ أَنْ يَمُوتَ الْأَبُ قَبْلَ جَذِّ الثَّمَرَةِ وَحَصَادِ الزَّرْعِ (قَالَ الْمُتَيْطِيّ) وَقَوْلُنَا فِي النَّصِّ الْمُتَقَدِّمِ إذَا كَانَ فِي الْمِلْكِ زَرْعٌ وَفِي الْأُصُولِ ثَمَرَةٌ وَأَتْبَعَ الْمُحَبِّسُ فُلَانٌ بَنِيهِ الْمَذْكُورِينَ نَصِيبَهُ فِي جَمِيعِ زَرْعِ هَذِهِ الْأَمْلَاكِ وَثَمَرَتِهَا إلَى تَمَامِ هَذَا الْفَصْلِ هُوَ الصَّوَابُ فَإِنْ أَبْقَى الْمُحَبِّسُ ذَلِكَ لِنَفْسِهِ وَلَمْ يُحَبِّسْهُ مَعَ الْأَصْلِ وَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُحْصَدَ الزَّرْعُ أَوْ تُجَذَّ الثَّمَرَةُ وَالْحَبْسُ عَلَى الصِّغَارِ بَطَلَ الْحَبْسُ وَرَجَعَ مِيرَاثًا إذَا كَانَ الزَّرْعُ وَالثَّمَرَةُ فِي أَكْثَرِ الْحُبَاسَةِ لِأَنَّهُ شَغَلَ الْحُبَاسَةَ بِزَرْعِهِ وَثَمَرَتِهِ فَلَمْ تَتِمَّ الْحِيَازَةُ فِيهَا فَإِذَا ذَكَرْت أَنَّهُ حَبَّسَ الزَّرْعَ وَالثَّمَرَةَ مَعَ الْأُصُولِ أَوْ أَتْبَعَتْهَا بِهِ صَحَّتْ الْحِيَازَةُ اهـ. وَمَنْ يُحَبِّسُ دَارَ سُكْنَاهُ فَلَا ... يَصِحُّ إلَّا أَنْ يُعَايِنَ الْخَلَا وَنَافِذٌ تَحْبِيسُ مَا قَدْ سَكَّنَهْ ... بِمَا كَالِاكْتِرَاءِ مِنْ بَعْدِ السَّنَهْ إنْ كَانَ مَا حُبِسَ لِلْكِبَارِ ... وَمِثْلُ ذَاكَ فِي الْهِبَاتِ جَارِ يَعْنِي أَنَّ مَنْ حَبَّسَ دَارَ سُكْنَاهُ عَلَى بَنِيهِ أَوْ غَيْرِهِمْ فَلَا بُدَّ مِنْ خُرُوجِهِ مِنْهَا وَمُعَايَنَةِ الشُّهُودِ خَلَاءَهَا مِنْهُ وَمِنْ أَثَاثِهِ وَأَسْبَابِهِ سَنَةً كَامِلَةً فَإِنْ رَجَعَ إلَيْهَا قَبْلَ كَمَالِ السَّنَةِ وَاسْتَمَرَّ فِيهَا إلَى أَنْ مَاتَ بَطَلَ التَّحْبِيسُ وَإِنْ رَجَعَ إلَيْهَا بَعْدَ السَّنَةِ فَإِنْ كَانَ التَّحْبِيسُ عَلَى الْكِبَارِ نَفَذَ التَّحْبِيسُ وَصَحَّ. وَإِنْ كَانَ عَلَى الصِّغَارِ بَطَلَ أَيْضًا وَهَذَا التَّفْصِيلُ بِعَيْنِهِ يَجْرِي فِي الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ هَذَا فِي تَحْبِيسِ دَار سُكْنَى الْمُحَبَّسِ وَأَمَّا غَيْرُهَا فَقَالَ الْمُتَيْطِيّ فَإِنْ كَانَ التَّحْبِيسُ فِي دَارٍ لَا يَسْكُنُهَا الْأَبُ عُقِدَ الْإِشْهَادُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَكَانَتْ حِيَازَتُهُ عَلَى بَنِيهِ بِالْإِشْهَادِ وَالْإِعْلَانِ نَافِذَةً جَائِزَةً وَكَذَلِكَ فِي الْأَمْلَاكِ وَإِنْ كَانَتْ الدَّارُ فِي سُكْنَاهُ لَمْ تَكُنْ الْحِيَازَةُ فِيهَا إلَّا بِأَنْ يُخَلِّيَهَا وَيَنْتَقِلَ عَنْهَا وَيُعَايِنَهَا الشُّهُودُ خَالِيَةً وَيَحُوزُوهَا (فِي الْمُتَيْطِيَّةِ أَيْضًا) وَلَا يَسْكُنُ الدُّورَ الْمُحَبَّسَةَ حَتَّى يُخْلِيَهَا مِنْ نَفْسِهِ عَامًا أَوْ أَكْثَرَ وَقِيلَ عَامَيْنِ وَيُكْرِيهَا فِي الْعَامِ وَالْعَامَيْنِ مِنْ غَيْرِهِ بِاسْمِ بَنِيهِ وَيَعْقِدُهَا فِي ذَلِكَ عَقْدًا فَإِنْ عَادَ إلَى سُكْنَاهَا قَبْلَ مُرُورِ الْعَامِ أَوْ شَغَلَهَا بِمَتَاعِهِ وَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يَنْتَقِلَ عَنْهَا وَتُصَحَّحَ حِيَازَتُهَا بَطَلَتْ الْحُبَاسَةُ فِيهَا وَرَجَعَتْ مِيرَاثًا وَإِنْ عَادَ إلَى سُكْنَاهَا وَالِانْتِفَاعِ بِهَا بَعْدَ مُرُورِ الْعَامِ نَفَذَ الْحَبْسُ وَإِنْ مَاتَ فِيهَا لَمْ يُوهَنْ ذَلِكَ الْمُحَبِّسَ إذَا كَانَ رُجُوعُهُ إلَيْهَا بِالْكِرَاءِ وَأَشْهَدَ عَلَى ذَلِكَ هَذَا هُوَ الْقَوْلُ الْمَشْهُورُ الْمَعْمُولُ بِهِ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَعَبْدُ الْمَلِكِ وَنَحْوُهُ فِي وَثَائِقِ ابْنِ الْعَطَّارِ وَسَوَّى فِي هَذَا الْقَوْلِ بَيْنَ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ فِي رُجُوعِهِ إلَيْهَا بَعْدَ الْعَامِ أَوْ الْعَامَيْنِ عَلَى الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ وَفِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ أَنَّ الْوَلَدَ الصَّغِيرَ بِخِلَافِ الْكَبِيرِ وَأَنَّهَا

تَبْطُلُ بِرُجُوعِهِ إلَيْهَا بَعْدَ الْعَامِ أَوْ الْعَامَيْنِ إلَّا أَنْ يَكُونَ كَبِيرًا فَتَجُوزُ اهـ. وَعَلَى مَا فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ ذَهَبَ النَّاظِمُ وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ إنَّمَا يَصِحُّ الْقَوْلُ بِحِيَازَةِ الْعَامِ فِي الْمَالِكِينَ أُمُورَهُمْ فَقَوْلُ مَالِكٍ. وَالْمَعْلُومُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ إنْ رَجَعَ بِعُمْرَى أَوْ كِرَاءٍ أَوْ إرْفَاقٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ حَازَهَا الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ سَنَةً فَإِنَّ الْوَقْفَ نَافِذٌ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ وَأَمَّا الصِّغَارُ فَمَتَى سَكَنَ أَوْ عَمَرَ وَلَوْ بَعْدَ عَامٍ بَطَلَ انْتَهَى مَا لِابْنِ رُشْدٍ قَالَ الْمَوَّاق وَلَمْ يَنْقُلْ ابْنُ عَاتٍ وَلَا ابْنُ سَلْمُونٍ إلَّا هَذَا خَاصَّةً وَرَأَيْت فَتْوَى لِابْنِ لُبٍّ إنْ خَلَّى مَا حَبَسَهُ عَلَى صِغَارِ وَلَدِهِ عَامًا كَامِلًا فَلَا يَضُرُّ رُجُوعُهُ إلَيْهِ اهـ. وَفِي نَوَازِلِ ابْنِ الْحَاجِّ أَنَّ بِهَذَا جَرَى الْعَمَلُ يَعْنِي إذَا أَخْلَاهَا مِنْهُ أَنَّهَا حِيَازَةٌ فِي الْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ وَعَلَى هَذَا عَوَّلَ الْمُتَيْطِيّ انْتَهَى كَلَامُ الْمَوَّاق (فَرْعٌ) وَأَمَّا لَوْ سَكَنَ بَعْضُهَا فَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ مَنْ حَبَسَ عَلَى صِغَارِ وَلَدِهِ دَارًا أَوْ وَهَبَهَا لَهُمْ أَوْ تَصَدَّقَ بِهَا عَلَيْهِمْ فَحَوْزُهُ لَهُمْ حَوْزٌ إلَّا أَنْ يَسْكُنَهَا أَوْ جُلَّهَا حَتَّى مَاتَ فَيَبْطُلَ جَمِيعُهَا فَإِنْ سَكَنَ مِنْ الدَّارِ الْكَبِيرَةِ ذَاتِ الْمَسَاكِنِ أَقَلَّهَا وَأَكْرَى لَهُمْ بَاقِيَهَا نَفَذَ لَهُمْ ذَلِكَ فِيمَا سَكَنَ وَمَا لَمْ يَسْكُنْ وَلَوْ سَكَنَ الْجُلَّ وَأَكْرَى لَهُمْ الْأَقَلَّ بَطَلَ الْجَمِيعُ. وَفِي النُّكَتِ إذَا سَكَنَ الْقَلِيلَ وَأَبْقَى الْكَثِيرَ خَالِيًا لَمْ يَجُزْ لَهُمْ ذَلِكَ حَتَّى يُكْرِيَهُ لِلْأَصَاغِرِ لِأَنَّ تَرْكَهُ لِكِرَائِهِ مَنْعٌ لَهُ فَكَأَنَّهُ إبْقَاءٌ لِنَفْسِهِ فَذَلِكَ كَانْتِقَالِهِ إيَّاهُ لِسُكْنَاهُ عِيَاضٌ وَهَذَا صَحِيحٌ مِنْ النَّظَرِ ظَاهِرٌ مِنْ لَفْظِ الْكِتَابِ وَكُلُّ مَا يَشْتَرِطُ الْمُحَبِّسُ ... مِنْ سَائِغٍ شَرْعًا عَلَيْهِ الْحَبْسُ مِثْلَ التَّسَاوِي وَدُخُولِ الْأَسْفَلِ ... وَبَيْعُ حَظِّ مَنْ بِفَقْرٍ اُبْتُلِيَ يَعْنِي أَنَّ كُلَّ مَا يَشْتَرِطُهُ الْمُحَبِّسُ مِمَّا يَسُوغُ لَهُ فِي الشَّرْعِ أَنْ يَكُونَ الْمُحَبَّسُ عَلَيْهِ كَمَا يُمَثِّلُ لَهُ فِي الْبَيْتِ فَإِنَّ ذَلِكَ الشَّرْطَ نَافِذٌ مَاضٍ أَيْ مَعْمُولٌ بِهِ فَقَوْلُهُ. وَكُلُّ مَعْطُوفٌ عَلَى تَحْبِيسُ مِنْ قَوْلِهِ قَبْلُ وَنَافِذٌ تَحْبِيسُ مَا قَدْ سَكَنَهُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُبْتَدَأً خَبَرُهُ جُمْلَةُ عَلَيْهِ الْحَبْسُ أَيْ وَكُلُّ مَا يَشْتَرِطُهُ الْمُحَبِّسُ مِمَّا هُوَ جَائِزٌ فِي الشَّرْعِ فَإِنَّ الْحَبْسَ جَارٍ عَلَى ذَلِكَ الشَّرْطِ ثُمَّ مَثَّلَ ذَلِكَ بِاشْتِرَاطِ التَّسَاوِي بَيْنَ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ فِي الْغَلَّةِ وَاشْتِرَاطِ دُخُولِ الطَّبَقَةِ السُّفْلَى مَعَ الْعُلْيَا وَاشْتِرَاطِ أَنَّ مَنْ احْتَاجَ مِنْ الْمُحْبِسِ عَلَيْهِمْ بَاعَ نَصِيبَهُ (ابْنُ الْحَاجِبِ) وَمَهْمَا شَرَطَ الْوَاقِفُ مَا يَجُوزُ لَهُ جَازَ وَاتُّبِعَ قَوْلُهُ كَتَخْصِيصِ مَدْرَسَةٍ أَوْ رِبَاطٍ أَوْ أَصْحَابِ مَذْهَبٍ بِعَيْنِهِ (التَّوْضِيحُ) لِأَنَّ أَلْفَاظَ الْوَاقِفِ تُتَّبَعُ كَأَلْفَاظِ الشَّارِعِ وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ مِمَّا يَجُوزُ لَهُ مِمَّا لَوْ شَرَطَ مَعْصِيَةً وَلَا يُعَارَضُ هَذَا بِأَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فِي نَقْلِ أَنْقَاضِ الْمَسْجِدِ إذَا دَثَرَ وَأُيِسَ مِنْ عِمَارَتِهِ لِخَرَابِ الْبَلَدِ وَنَحْوِهِ إلَى مَسْجِدٍ آخَرَ لِأَنَّ شَرْطَهُ إنَّمَا يُتَّبَعُ مَعَ الْإِمْكَانِ وَلِأَنَّ هَذَا أَوْفَى لِقَصْدِهِ لِدَوَامِ الِانْتِفَاعِ بِوَقْفِهِ. وَكَذَلِكَ رَوَى أَصْبَغُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي مَقْبَرَةٍ عَفَتْ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُبْنَى فِيهَا مَسْجِدٌ وَكُلُّ مَا كَانَ لِلَّهِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُسْتَعَانَ بِبَعْضِهِ عَلَى بَعْضٍ وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ فِي أَرْضٍ مُحَبَّسَةٍ لِدَفْنِ الْمَوْتَى فَضَاقَتْ بِأَهْلِهَا وَأَرَادُوا أَنْ يَتَوَسَّعُوا وَيَدْفِنُوا بِمَسْجِدٍ بِجَانِبِهَا فَلَا بَأْسَ بِهِ وَذَلِكَ حَبْسٌ كُلُّهُ (الْحَطَّابُ) مَفْهُومُ قَوْلِ خَلِيلٍ وَاتُّبِعَ شَرْطُهُ إنْ جَازَ أَنَّ شَرْطَ

مَا لَا يَجُوزُ لَا يُتَّبَعُ وَهَذَا إذَا شَرَطَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. شَيْئًا مُتَّفَقًا عَلَى مَنْعِهِ وَإِلَّا فَقَدْ نَصَّ فِي النَّوَادِرِ وَالْمُتَيْطِيَّةِ وَغَيْرِهِمَا أَنَّهُ إذَا شَرَطَ فِي وَقْفِهِ إنْ وُجِدَ ثَمَنُ رَغْبَةِ بَيْعٍ اُشْتُرِيَ غَيْرُهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ فَإِنْ وَقَعَ وَنَزَلَ مَضَى وَعَمِلَ بِشَرْطِهِ وَمِنْ ذَلِكَ مَسْأَلَةُ اشْتِرَاطِ إخْرَاجِ الْبَنَاتِ مِنْ الْوَقْفِ إذَا تَزَوَّجْنَ وَحَصَّلَ فِيهَا ابْنُ رُشْدٍ بَعْدَ الْوُقُوعِ وَالنُّزُولِ أَرْبَعَةَ أَقْوَالٍ وَقَالَ اللَّخْمِيّ اُخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ إلَى أَنْ قَالَ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إنْ كَانَ الْمُحَبِّسُ حَيًّا فَأَرَى أَنْ يَفْسَخَهُ وَيُدْخِلَ فِيهِ الْبَنَاتَ وَإِنْ حِيزَ أَوْ مَاتَ الْمُحَبِّسُ فَاتَ وَكَانَ عَلَى مَا حَبَسَهُ اهـ. فَانْظُرْ كَيْفَ مَضَى بَعْدَ الْفَوَاتِ لِلْخِلَافِ الَّذِي فِيهِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ ابْتِدَاءً وَمِنْ ذَلِكَ مَا نَقَلَهُ اللَّخْمِيّ وَغَيْرُهُ فِيمَنْ حَبَسَ دَارًا وَشَرَطَ عَلَى الْمُحَبَّسِ عَلَيْهِ أَنْ يَرُمَّهَا إنْ احْتَاجَتْ قَالَ لَا يَصْلُحُ ذَلِكَ ابْتِدَاءً وَذَلِكَ كِرَاءٌ وَلَيْسَ بِحَبْسٍ فَإِذَا نَزَلَ فَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ مَرَّ مِنْهَا مِنْ غَلَّتِهَا فَأَجَازَ الْحَبْسَ وَأَسْقَطَ الشَّرْطَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَرُدُّ الْحَبْسَ مَا لَمْ يُقْبَضْ وَانْظُرْ الْحَطَّابَ فِيمَنْ حَبَسَ كُتُبًا وَاشْتَرَطَ أَنَّهُ لَا يُعْطِي إلَّا كِتَابٌ بَعْدَ كِتَابٍ أَوْ اشْتِرَاطُ عَدَمِ خُرُوجِهَا مِنْ الْمَدْرَسَةِ وَهَلْ يُرَاعَى فِي ذَلِكَ لَفْظُ الْمُحَبِّسِ أَوْ قَصْدُهُ وَقَدْ نَصَّ الْإِمَامُ أَبُو مُحَمَّدٍ سَيِّدِي عَبْدُ اللَّهِ الْعَبْدُوسِيُّ فِي أَثْنَاءِ جَوَابٍ لَهُ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَحْدُثَ فِي الْحَبْسِ مَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنْ لَوْ كَانَ الْمُحْبِسُ حَيًّا وَعَرَضَ عَلَيْهِ ذَلِكَ لَرَضِيَهُ وَاسْتَحْسَنَهُ نَقَلَهُ صَاحِبُ الْمِعْيَارِ أَوَائِلَ السِّفْرِ الرَّابِعِ وَانْظُرْ الْحَطَّابَ أَيْضًا عَلَى مَنْ بَنَى مَدْرَسَةً وَاشْتَرَطَ أَنْ لَا يَسْكُنَهَا إلَّا مَنْ يُصَلِّي الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ فِي مَسْجِدِهَا إنْ لَمْ يَكُنْ إمَامًا فِي غَيْرِهَا وَأَنْ يَحْضُرَ حِزْبَ الْقُرْآنِ الْمُرَتَّبَ إنْ كَانَ قَارِئًا وَيَحْضُرُ الْمِيعَادَ فِي وَقْتِهِ. وَمَنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ لَهُ سُكْنَى وَقَالَ إنَّهُ يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهَذِهِ الشُّرُوطِ الْمَذْكُورَةِ وَلَا تَجُوزُ مُخَالَفَتُهَا وَانْظُرْهُ أَيْضًا عَلَى مَنْ وَقَفَ كِتَابًا عَلَى عَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَشَرَطَ أَنْ لَا يُعَارَ إلَّا بِرَهْنٍ هَلْ يَصِحُّ هَذَا الرَّهْنُ أَوْ لَا وَعَلَى مَا إذَا خُصَّ مَسْجِدٌ بِمُعَيَّنِينَ كَأَنْ يَبْنِيَ مَسْجِدًا وَيَشْتَرِطَ فِي وَقْفِهِ أَنْ لَا يَتَوَلَّاهُ إلَّا مَالِكِيُّ الْمَذْهَبِ مَثَلًا اهـ. وَفِي جَوَابِ ثَانِي نَازِلَةٍ مِنْ نَوَازِلِ الْأَحْبَاسِ مِنْ الْمِعْيَارِ مَا نَصُّهُ وَإِنَّمَا يَسْكُنُ الْمَدْرَسَةَ مَنْ بَلَغَ عِشْرِينَ سَنَةً فَمَا فَوْقَهَا وَأَخَذَ فِي قِرَاءَةِ الْعِلْمِ وَدَرْسِهِ بِقَدْرِ وُسْعِهِ وَيَحْضُرُ قِرَاءَةَ الْحِزْبِ صُبْحًا وَمَغْرِبًا وَيَحْضُرُ مَجْلِسَ مُقِرِّيهَا

مُلَازِمًا لِذَلِكَ إلَّا لِضَرُورَةٍ مِنْ مَرَضٍ وَشَبَهِهِ مِنْ الْأَعْذَارِ الْمُبِيحَةِ لِتَخَلُّفِهِ فَإِذَا سَكَنَ فِيهَا عَشَرَةَ أَعْوَامٍ وَلَمْ تَظْهَرْ نَجَابَتُهُ أُخْرِجَ مِنْهَا جَبْرًا لِأَنَّهُ يُعَطِّلُ الْحَبْسَ وَلَا يُخَزَّنُ فِي الْمَدْرَسَةِ مَنْ سَكَنَهَا بِاسْتِحْقَاقٍ إلَّا قَدْرَ عَوْلِهِ عَلَى مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ فِي الْأَحْبَاسِ وَهَذَا كُلُّهُ مَنْصُوصٌ لِأَئِمَّتِنَا الْمُتَأَخِّرِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَجْمَعِينَ اهـ. وَكَانَ هَذِهِ شُرُوطٌ مِنْ الْمُحَبِّسِ فَلِذَلِكَ وَجَبَ اتِّبَاعُهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَحَيْثُ جَاءَ مُطْلَقًا لَفْظُ الْوَلَدْ ... فَوَلَدُ الذُّكُورِ دَاخِلٌ فُقِدْ لَا وَلَدُ الْإِنَاثِ إلَّا حَيْثُمَا ... بِنْتٌ لِصُلْبٍ ذِكْرُهَا تَقَدَّمَا وَمِثْلُهُ فِي ذَا بَنِيَّ وَالْعَقِبْ ... وَشَامِلٌ ذُرِّيَّتِي فَمُنْسَحِبْ عَبَّرَ ابْنُ الْحَاجِبِ عَمَّا أَرَادَ النَّاظِمُ الْكَلَامَ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الْأَبْيَاتِ بِبَيَانِ مُقْتَضَى الْأَلْفَاظِ أَيْ بَابُ بَيَانِ الْأَلْفَاظِ الْوَاقِعَةِ فِي لَفْظِ الْمُحَبِّسِ أَيْ مَا تَدُلُّ عَلَيْهِ وَهُوَ بَابٌ عَظِيمٌ عَلَيْهِ تُبْنَى مَسَائِلُ الْحَبْسِ بِاعْتِبَارِ مَنْ يَسْتَحِقُّهُ وَمَنْ لَا يَسْتَحِقُّهُ لِكَوْنِ لَفْظِ الْمُحَبِّسِ مُحْتَمَلًا غَيْرَ صَرِيحٍ فِي الْمُرَادِ وَقَدْ أَلَّفَ فِيهِ الْحَطَّابُ تَأْلِيفًا حَسَنًا أَبْدَى فِيهِ وَأَعَادَ عَلَى عَادَتِهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَعَلَيْك بِهِ يَعْنِي أَنَّ لَفْظَ الْوَلَدِ لَا يَشْمَلُ إلَّا وَلَدَ الِابْنِ وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ وَلَدُ الْبِنْتِ فَإِذَا قَالَ الْمُحَبِّسُ هَذِهِ الدَّارُ مَثَلًا حَبْسٌ عَلَى وَلَدِي دَخَلَ وَلَدُ الصُّلْبِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى وَاحِدًا أَوْ مُتَعَدِّدًا لِأَنَّ الْمُرَادَ جِنْسُ الْوَلَدِ. وَلَا إشْكَالَ وَدَخَلَ أَوْلَادُ الِابْنِ ذُكُورُهُمْ وَإِنَاثُهُمْ وَأَوْلَادُ ابْنِ الِابْنِ ذُكُورُهُمْ وَإِنَاثُهُمْ وَهَكَذَا وَلَا يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ وَلَدُ الْبِنْتِ وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ حَبْسٌ عَلَى أَوْلَادِي بِصِيغَةِ الْجَمِيعِ فَإِنَّهُ يَتَنَاوَلُ وَلَدَ الصُّلْبِ مُطْلَقًا كَمَا تَقَدَّمَ وَوَلَدَ الذُّكُورِ مِنْهُمْ

وَلَا يَشْمَلُ وَلَدَ الْبِنْتِ. وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِقَوْلِهِ وَحَيْثُ جَاءَ مُطْلَقًا لَفْظُ الْوَلَد ... فَوَلَدُ الذُّكُورِ دَاخِلٌ فُقِدْ لَا وَلَدُ الْإِنَاثِ إلَّا حَيْثُمَا ... وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ وَحَيْثُ جَاءَ لَفْظُ الْوَلَدِ مُطْلَقًا مِمَّا لَوْ جَاءَ مُقَيَّدًا كَمَا لَوْ قَالَ حَبْسٌ عَلَى وَلَدَيَّ فُلَانٍ وَفُلَانَةَ وَأَوْلَادِهِمَا فَإِنَّ وَلَدَ الْبِنْتِ دَاخِلٌ. وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ الْمُسْتَثْنَاةُ فِي قَوْلِهِ إلَّا حَيْثُمَا بِنْتٌ لِصُلْبٍ ذِكْرُهَا تَقَدَّمَا أَيْ فَلَا يَخْرُجُ وَلَدُ الْبِنْتِ مِنْ لَفْظِ الْمُحَبِّسِ حِينَئِذٍ بَلْ هُوَ دَاخِلٌ فِيهِ لِلتَّصْرِيحِ بِالْبِنْتِ ثُمَّ بِلَفْظِ الْوَلَدِ الْمُتَّصِلِ بِضَمِيرِ مَنْ ذُكِرَ قَبْلَهُ مِنْ وَلَدٍ وَبِنْتٍ وَهُوَ مَعْنَى ذِكْرُهَا تَقَدَّمَا. وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ حَبْسٌ عَلَى بَنِيَّ أَوْ عَلَى عَقِبِي فَإِنَّهُ يَشْمَلُ وَلَدَ الِابْنِ دُونَ وَلَدِ الْبِنْتِ وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِقَوْلِهِ وَمِثْلُهُ فِي ذَا بَنِيَّ وَالْعَقِبْ أَيْ مِثْلُ الْوَلَدِ فَبَنِيَّ مُبْتَدَأٌ وَالْعَقِبُ عَطْفٌ عَلَيْهِ وَمِثْلُهُ خَبَرُ الْمُبْتَدَأِ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ أَيْ أَنَّ لَفْظَ بَنِيَّ وَالْعَقِبُ مِثْلُ لَفْظِ الْوَلَدِ فِي هَذَا الْحُكْمِ الْمُتَقَدِّمِ وَهُوَ شُمُولُ وَلَدِ الِابْنِ دُونَ وَلَدِ الْبِنْتِ وَأَمَّا إذَا قَالَ حَبْسٌ عَلَى ذُرِّيَّتِي فَإِنَّ وَلَدَ الْبِنْتِ دَاخِلٌ وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِقَوْلِهِ وَشَامِلٌ ذُرِّيَّتِي فَمُنْسَحِبْ فَذُرِّيَّتِي مُبْتَدَأٌ وَشَامِلٌ خَبَرُهَا وَمُنْسَحِبْ عَطْفٌ عَلَيْهِ أَيْ عَلَى وَشَامِلٌ وَالْأَوْلَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالْوَاوِ لَا بِالْفَاءِ أَيْ لَفْظُ الذُّرِّيَّةِ شَامِلٌ لِوَلَدِ الْبِنْتِ وَمُنْسَحِبٌ عَلَيْهِ (ابْنُ الْحَاجِبِ) وَلَدِي. وَأَوْلَادِي يَتَنَاوَلُ وَلَدَ الصُّلْبِ مُطْلَقًا وَوَلَدَ ذُكُورِهِمْ (التَّوْضِيحُ) مُطْلَقًا ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى وَوَلَدَ ذُكُورِهِمْ دُونَ وَلَدِ الْإِنَاثِ هَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ خِلَافًا لِابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرِهِ فِي إدْخَالِهِمْ أَيْ إدْخَالِ وَلَدِ الْإِنَاثِ فِي لَفْظِ الْوَلَدِ ثُمَّ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَوَلَدِي وَوَلَدُ وَلَدِي الْمَنْصُوصُ أَيْضًا لَا يَدْخُلُ وَلَدُ الْبَنَاتِ وَأَوْلَادِي فُلَانٌ وَفُلَانٌ وَفُلَانَةُ وَأَوْلَادُهُمْ يَدْخُلُونَ اتِّفَاقًا. (قَالَ الْبَاجِيُّ) وَأَخْطَأَ ابْنُ زَرْبٍ وَعَقِبِي كَوَلَدِي فَإِنْ حَالَتْ دُونَهُ ابْنِي فَلَيْسَ بِعَقِبٍ وَنَسْلِي كَذَا وَذُرِّيَّتِي يَدْخُلُ وَلَدُ الْبَنَاتِ اتِّفَاقًا لِأَنَّ عِيسَى مِنْ ذُرِّيَّةِ إبْرَاهِيمَ انْتَهَى لَفْظُ ابْنِ الْحَاجِبِ وَهُوَ كَافٍ فِي الِاسْتِدْلَالِ عَلَى مَا ذَكَرَ الشَّيْخُ وَنَقَلَ الشَّارِحُ عَنْ الْمُقَرَّبِ مَا نَصُّهُ قَالَ مَالِكٌ وَإِذَا قَالَ الرَّجُلُ هَذِهِ الدَّارُ حَبْسٌ عَلَى وَلَدِي فَهِيَ لِوَلَدِهِ وَوَلَدِ وَلَدِهِ وَلَيْسَ لِوَلَدِ الْبَنَاتِ شَيْءٌ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] فَأَجْمَعَ النَّاسُ أَنَّهُ لَا يُقَسَّمُ لِوَلَدِ الْبَنَاتِ فِي الْمِيرَاثِ شَيْءٌ اهـ. وَقَدْ خَرَجَ مِنْ هَذَا أَنَّ لَفْظَ الْوَلَدِ لَا يَدْخُلُ فِيهِ وَلَدُ الْبِنْتِ مُفْرَدًا كَانَ كَوَلَدِي أَوْ جَمْعًا كَأَوْلَادِي سَوَاءٌ عَطَفَ عَلَيْهِ كَقَوْلِهِ وَلَدِي وَوَلَدِ وَلَدِي أَوْ لَمْ يَعْطِفْ فَإِنَّهُ يَشْمَلُ مِمَّنْ تَحْتَ وَلَدِ الصُّلْبِ لِإِرَادَةِ الْجِنْسِ دُونَ وَلَدِ الْبِنْتِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَالْحَوْزُ شَرْطُ صِحَّةِ التَّحْبِيسِ ... قَبْلَ حُدُوثِ مَوْتٍ أَوْ تَفْلِيسِ لِحَائِزِ الْقَبْضِ وَفِي الْمَشْهُورِ ... إلَى الْوَصِيِّ الْقَبْضُ لِلْمَحْجُورِ اشْتَمَلَ الْبَيْتَانِ عَلَى مَسْأَلَتَيْنِ (الْأُولَى) أَنَّ الْحَوْزَ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ التَّحْبِيسِ وَيُشْتَرَط كَوْنه قَبْلَ فَلَسِ الْمُحَبِّسِ أَوْ مَوْته وَقَاعِدَة الشَّرْط أَنَّهُ يَلْزَم مَنْ عَدِمَهُ الْعَدَم فَإِذَا لَمْ يُحَزْ أَصْلًا أَوْ حِيزَ بَعْدَ مَوْت الْمُحَبِّسِ أَوْ فَلَسِهِ فَلَا يَصِحُّ وَكَذَا لَا يَصِحّ إذَا حِيزَ بَعْدَ وُقُوعِ الْمَرَضِ الْمُتَّصِلِ بِالْمَوْتِ وَيَأْتِي لِلنَّاظِمِ التَّصْرِيحُ بِحُكْمِ إخْلَالِ هَذَا الشَّرْطِ فِي قَوْلِهِ وَبِانْسِحَابِ نَظَرِ الْمُحَبِّسِ ... لِلْمَوْتِ لَا يَثْبُتُ حُكْمُ الْحَبْسِ وَلَيْسَ اشْتِرَاطُ الْحَوْزِ خَاصًّا بِالتَّحْبِيسِ بَلْ هُوَ شَرْطٌ فِي كُلِّ مَا يَنْتَقِلُ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَهُوَ التَّبَرُّعُ مُطْلَقًا كَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالنِّحْلَةِ عَلَى قَوْلِ وَجَمِيعِ الْعَطَايَا وَالْبُطْلَانُ الْمَذْكُورُ لِعَدَمِ الْحَوْزِ إنَّمَا هُوَ إذَا حَبَّسَ فِي الصِّحَّةِ وَلَمْ يُوصِ بِتَنْفِيذِهِ فِي مَرَضِهِ أَمَّا إذَا حَبَّسَ فِي الْمَرَضِ وَمَاتَ مِنْهُ أَوْ فِي صِحَّتِهِ وَأَوْصَى فِي مَرَضِ مَوْتِهِ بِإِنْفَاذِهِ فَإِنَّهُ يُنْفَذُ عَلَى وَجْهِ الْوَصِيَّةِ مَا حَمَلَهُ الثُّلُثَ مَضَى وَمَا لَمْ يَحْمِلْهُ تَوَقَّفَ عَلَى إجَازَةِ الْوَرَثَةِ. (قَالَ فِي الْمُقَرَّبِ) قَالَ سَحْنُونٌ لِابْنِ الْقَاسِمِ أَرَأَيْت مَنْ حَبَّسَ نَخْلَ حَائِطِهِ عَلَى الْمَسَاكِينِ فِي صِحَّتِهِ أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَيْهِمْ وَلَمْ يَخْرُجْ ذَلِكَ مِنْ يَدِهِ حَتَّى مَاتَ قَالَ يَبْطُلُ حَبْسُهُ وَيَكُونُ مِيرَاثًا إلَّا أَنْ يُوصِيَ فِي مَرَضِهِ بِإِنْفَاذِ ذَلِكَ فَيَكُونُ مِنْ الثُّلُثِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَكَذَلِكَ هَذَا فِيمَنْ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ أَوْ وَهَبَ هِبَةً لِمَنْ يَقْبِضُ لِنَفْسِهِ فَلَمْ يَقْبِضْ مَا تَصَدَّقَ بِهِ عَلَيْهِ أَوْ وَهَبَهُ حَتَّى مَاتَ الْمُتَصَدِّقُ أَوْ الْوَاهِبُ لَمْ يَنْفُذْ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ كَانَ الْمُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ أَوْ الْمَوْهُوبُ لَهُ وَارِثًا أَوْ غَيْرَ وَارِثٍ وَالْعَطَايَا وَالنِّحَلُ فِي هَذَا عَلَى مَا فَسَّرْت لَك قُلْت لَهُ فَإِنْ حَبَّسَ نَخْلَ حَائِطِهِ عَلَى الْمَسَاكِينِ فِي مَرَضٍ. وَلَمْ يَخْرُجْ الْحَائِطُ مِنْ يَدِهِ

حَتَّى مَاتَ فَقَالَ هَذِهِ وَصِيَّةٌ جَائِزَةٌ إذَا حَمَلَهَا الثُّلُثُ وَكَذَا مَا فَعَلَهُ الْمَرِيضُ مِنْ بَتِّ صَدَقَةٍ أَوْ بَتِّ عِتْقٍ لَيْسَ يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى قَبْضٍ وَيُتْرَكُ فِي يَدِهِ حَتَّى يَمُوتَ فَيَكُونَ فِي الثُّلُثِ أَوْ يَصِحُّ فَيُنَفَّذُ الْبَتْلُ كُلُّهُ وَسَوَاءٌ فِي هَذَا كَانَ بَتْلُهُ لِرَجُلٍ بِعَيْنِهِ أَوْ لِلْمَسَاكِينِ أَوْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِخِلَافِ مَا أَعْلَمْتُك فِي الصَّحِيحِ لَا يَجُوزُ مِنْ فِعْلِ الصَّحِيحِ شَيْءٌ مِمَّا ذَكَرْت لَك إلَّا مَا قُبِضَ وَحِيزَ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ أَوْ يُفْلِسَ اهـ. (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْبَيْتِ الثَّانِي) فِي أَنَّ الْحَائِزَ لِلْحَبْسِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ التَّبَرُّعَاتِ هُوَ الْمُعْطِي لَهُ مِنْ الْمُحَبَّسِ عَلَيْهِ أَوْ الْمَوْهُوبِ لَهُ وَغَيْرِهِمَا إنْ كَانَ رَشِيدًا غَيْرَ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ وَهُوَ مُرَادُهُ بِجَائِزِ الْقَبْضِ وَإِنْ كَانَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ وَلَوْ بَالِغًا فِي الْمَشْهُورِ أَنَّ الْحَائِزَ لَهُ هُوَ حَاجِزُهُ مِنْ أَبٍ أَوْ وَصِيٍّ أَوْ وَصِيٍّ وَصِيِّهِ وَمُقَابِلُهُ أَنَّهُ يَحُوزُ لِنَفْسِهِ. (قَالَ الْمُتَيْطِيّ) وَإِذَا حَبَّسَ الرَّجُلُ عَلَى مُوَلًّى عَلَيْهِ فَالْأَحْسَنُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَقْبِضَ لَهُ وَصِيُّهُ أَوْ غَيْرُهُ مِمَّنْ هُوَ مَالِكٌ أَمْرَهُ لِيَخْرُجَ بِذَلِكَ مِنْ الْخِلَافِ الْوَاقِعِ فِي قَبْضِ الْمُوَلَّى مَا حُبِسَ عَلَيْهِ (وَفِي الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ) إنْ فَوَّضَتْ الْأُمُّ قَبْضَ هِبَتِهَا لِابْنِهَا أَوْ إلَى غَيْرِ الْأَبِ حَتَّى يَبْلُغَ الِابْنُ الْمَوْهُوبُ لَهُ ذَكَرْت ذَلِكَ ثُمَّ قَالَ وَلَوْ أَنَّ يَتِيمًا أَلْزَمَتْهُ وِلَايَةٌ فَتَصَدَّقَ عَلَيْهِ رَجُلٌ بِصَدَقَةٍ وَشَرَطَ فِي صَدَقَتِهِ أَنْ تَكُونَ يَدُ الْيَتِيمِ مُنْطَلِقَةً عَلَيْهَا أَوْ لَا يَنْظُرُ الْوَصِيُّ فِيهَا بِشَيْءٍ وَلَا يَأْخُذُهَا ثِقَافُ الْوِلَايَةِ فَإِنَّ لَهُ شَرْطَهُ وَإِنَّمَا تَكُونُ الْوِلَايَةُ فِيمَا وَرِثَ الْيَتِيمُ أَوْ اسْتَفَادَ أَوْ أُعْطِيَ بِغَيْرِ هَذَا الشَّرْطِ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ الْمَسْأَلَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ فِي الْأُمِّ تَفْوِيضُ قَبْضِ مَا وَهَبَتْهُ لِابْنِهَا الصَّغِيرِ الَّذِي فِي حِجْرِ أَبِيهِ إلَى غَيْرِهِ لِمَا يُخَافُ مِنْ تَحَامُلِ الْآبَاءِ فِي أَمْوَالِ الْبَنِينَ وَنَظَرُ الْأَبِ أَقْوَى مِنْ نَظَرِ الْوَصِيِّ فَقَدْ أُزِيحَ نَظَرُهُ لِابْنِهِ فِي صَدَقَةِ الْأُمِّ عَلَيْهِ وَتَفْوِيضِهَا النَّظَرَ فِي صَدَقَتِهَا عَلَيْهِ إلَى غَيْرِ الْأَبِ. وَقَدْ نَزَلَتْ فَأُفْتِيَ فِيهَا بِهَذَا ثُمَّ قَالَ الشَّارِحُ مَا حَاصِلُهُ أَنَّهُ قُيِّدَ هَذَا الْقَوْلُ بِكَوْنِ الْيَتِيمِ عَلَى الْحَالَةِ الَّتِي يَرَى ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّ أَفْعَالَهُ جَائِزَةٌ وَإِنْ كَانَ تَحْتَ الْوِلَايَةِ كَانَ أَوْجَهَ وَكَانَ عَلَى مُقْتَضَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَأَمَّا أَخْذُهُ عَلَى الْإِطْلَاقِ فَلَا يَخْلُو مِنْ بَحْثٍ اهـ. وَيَأْتِي لِلنَّاظِمِ قَرِيبًا: وَنَافِذٌ مَا حَازَهُ الصَّغِيرُ ... لِنَفْسِهِ أَوْ بَالِغٌ مَحْجُورُ (وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ) وَشَرْطُ الْوَقْفِ حَوْزُهُ عَنْهُ قَبْلَ فَلَسِهِ وَمَوْتِهِ وَمَرَضِ مَوْتِهِ وَإِلَّا بَطَلَ مَا نَصَّهُ (فَرْعٌ) وَمَنْ هُوَ الْحَائِزُ فَنَقُولُ التَّحْبِيسُ إنْ كَانَ عَلَى الْمَسَاجِدِ وَنَحْوِهَا فَلَا يَفْتَقِرُ إلَى حَائِزٍ مُعَيَّنٍ بَلْ إذَا خَلَّى بَيْنَ النَّاسِ وَبَيْنَهُ صَحَّ وَإِنْ كَانَ عَلَى مُعَيَّنٍ لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ حِيَازَتِهِ ثُمَّ إنْ كَانَ رَشِيدًا وَحَازَ لِنَفْسِهِ فَلَا إشْكَالَ وَإِنْ كَانَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ فَقَالَ ابْنُ الْهِنْدِيِّ تَصِحُّ حِيَازَتُهُ لِأَنَّ الْقَصْدَ خُرُوجُ ذَلِكَ مِنْ يَدِ الْمُحْبِسِ. وَوَقَعَتْ أَيَّامَ الْقَاضِي مُنْذِرِ بْنِ سَعِيدٍ فَشَاوَرَ فُقَهَاءَ بَلَدِهِ فَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ ذَلِكَ حِيَازَةٌ حَاشَا إِسْحَاقَ بْنَ إبْرَاهِيمَ وَالْبَاجِيّ فِي وَثَائِقِهِ كَقَوْلِ إِسْحَاقَ وَهَذَا الْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ إذَا كَانَ لَهُ وَلِيٌّ (ابْنُ رُشْدٍ) وَيَنْبَغِي أَنْ يُتَّفَقَ عَلَى أَنَّهُ حِيَازَةٌ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ وَإِنْ حَازَ غَيْرَ الْمُحَبَّسِ عَلَيْهِ بِوَكَالَةٍ فَذَلِكَ نَافِذٌ لِأَنَّ قَبْضَ الْوَكِيلِ قَبْضٌ لِمُوَكَّلِهِ سَوَاءٌ كَانَ غَائِبًا أَوْ حَاضِرًا أَوْ بِغَيْرِ وَكَالَةٍ لَا يَخْلُو الْمُحَبَّسُ عَلَيْهِ إمَّا أَنْ يَكُونَ حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا وَجَعَلَ الْمُحَبِّسُ أَوْ الْوَاهِبُ أَوْ الْمُتَصَدِّقُ ذَلِكَ بِيَدِ مَنْ يَحُوزُ لَهُ حَتَّى يَقْدَمَ جَازَ وَإِنْ كَانَ حَاضِرًا افْتَرَقَ الْحَالُ بَيْنَ الْحَبْسِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ فَفِي الْحَبْسِ يَجُوزُ أَنْ يُقَدِّمَ الْمُحَبِّسُ مَنْ يَحُوزُ لَهُ وَيُجْرِي الْغَلَّةَ عَلَيْهِ وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ اهـ. وَهُوَ كَلَامٌ مُلَخَّصٌ إلَّا أَنَّ فِي بَعْضِ نُسَخِ التَّوْضِيحِ وَبِغَيْرِ وَكَالَةٍ لَا يَخْلُو الْمُحَبَّسُ عَلَيْهِ إمَّا أَنْ يَكُونَ رَشِيدًا أَوْ غَيْرَهُ فَإِنْ كَانَ رَشِيدًا فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ حَاضِرًا إلَخْ وَهُوَ أَوْلَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَقَوْلُهُ فِي التَّوْضِيحِ أَوَّلَ كَلَامِهِ فَلَا يَفْتَقِرُ إلَى حَائِزٍ مُعَيَّنٍ يَلِي إذَا خَلَّى إلَخْ إنَّمَا هُوَ ظَاهِرٌ فِي تَحْبِيسِ الْمَسْجِدِ نَفْسِهِ وَأَمَّا فِي التَّحْبِيسِ عَلَى الْمَسْجِدِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ أَوَّلًا التَّحْبِيسُ إنْ كَانَ عَلَى الْمَسَاجِدِ إلَخْ فَلَيْسَ بِظَاهِرٍ بَلْ يَحُوزُهُ إمَامُ الْمَسْجِدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَقَوْلُهُ بِوَكَالَةٍ يَعْنِي مِنْ الْمُحَبَّسِ عَلَيْهِ وَيَأْتِي لِلنَّاظِمِ أَنَّ مَنْ وَهَبَ لِرَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا غَائِبٌ فَحَازَ الْحَاضِرُ الْجَمِيعَ لِنَفْسِهِ وَلِلْغَائِبِ فَذَلِكَ حَوْزٌ لَهُمَا وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الْغَائِبُ بِالْهِبَةِ وَقَوْلُ النَّاظِمِ لِجَائِزِ الْقَبْضِ يَتَعَلَّقُ بِالْحَوْزِ وَلَامُهُ لِلِاسْتِحْقَاقِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ) تَكَلَّمَ النَّاظِمُ عَلَى اشْتِرَاطِ الْحَوْزِ فِي صِحَّةِ التَّحْبِيسِ وَعَلَى مَنْ هُوَ الْحَائِزُ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ عَلَى

كَيْفِيَّةِ الْحَوْزِ كَيْفَ هِيَ (قَالَ ابْنُ سَلْمُونٍ) وَلَا بُدَّ مِنْ حَوْزِهِ فِي حَيَاةِ الْمُحَبِّسِ وَقَبْلَ فَلَسِهِ وَمَرَضِ مَوْتِهِ وَإِلَّا بَطَلَ وَذَلِكَ بِالشَّهَادَةِ عَلَى الْمُعَايَنَةِ وَلَا يُجْزِي فِيهِ الْإِقْرَارُ (قَالَ ابْنُ الْعَطَّارِ) وَجَرَتْ الْفُتْيَا بِأَنَّ التَّطَوُّفَ مَعَ الشُّهُودِ وَتَخَلِّيَ الْمُحَبِّسِ عَنْ الْمُحَبَّسِ عَلَيْهِمْ بِمَحْضَرِهِمْ حِيَازَةٌ لَهُ تَامَّةٌ وَإِنْ لَمْ يُعَايِنْ الشُّهُودُ عَمَلَهُ فِي الْحَبْسِ قَالَ غَيْرُهُ وَإِنْ لَمْ يَحْرُثْ ذَلِكَ أَوْ يَعْمُرْهُ حَتَّى مَاتَ الْمُحَبِّسُ فَلَا يَضُرُّهُ ذَلِكَ، وَالصَّدَقَةُ كَذَلِكَ، وَقَدْ قِيلَ إنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَحْرُثَ ذَلِكَ أَوْ يَعْمُرَهُ بَعْدَ الْمُعَايَنَةِ وَإِلَّا فَلَا تَتِمُّ الْحِيَازَةُ قَالَ وَالْفُتْيَا بِخِلَافِ ذَلِكَ وَإِنْ عَقَدَ الْمُحَبِّسُ كِرَاءً أَوْ مُزَارَعَةً أَوْ مُسَاقَاةً فَذَلِكَ يُغْنِي عَنْ الْوُقُوفِ إلَيْهَا وَمُعَايَنَةِ نُزُولِ الْمُحَبَّسِ عَلَيْهِ فِيهَا وَكَذَلِكَ الصَّدَقَةُ قَالَ ابْن أَبِي زَمَنِينَ وَقَدْ قِيلَ إنَّ ذَلِكَ لَا يُغْنِي عَنْ الْحِيَازَةِ إلَّا أَنْ يُعَيِّنَ الشُّهُودُ نُزُولَ الْمُكْتَرِي أَوْ الْمُزَارِعِ أَوْ الْمُسَاقِي فِيهَا وَإِلَّا فَلَا، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ الْمَوْضِعُ بِقَفْرٍ مِنْ الْأَرْضِ وَلَيْسَ فِيهِ حِيَازَةٌ مَعْلُومَةٌ فَالْإِشْهَادُ كَافٍ فِي حِيَازَتِهِ وَقِيلَ لَا بُدَّ مِنْ مُعَايَنَةِ الْبَيِّنَةِ التَّخَلِّيَ فِيهِ وَالْقَبْضَ اهـ وَحَدَّ ابْنُ عَرَفَةَ الْحَوْزَ الْمُطْلَقَ الَّذِي يَعُمُّ حَوْزَ الْحَبْسِ وَغَيْرِهِ بِقَوْلِهِ رَفْعُ خَاصِّيَّةِ تَصَرُّفِ الْمِلْكِ فِيهِ عَنْهُ بِصَرْفِ التَّمَكُّنِ مِنْهُ لِلْمُعْطِي أَوْ نَائِبِهِ فَقَوْلُهُ خَاصِّيَّةُ تَصَرُّفِ الْمِلْكِ هِيَ التَّمَكُّنُ مِنْ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْبَيْعِ وَالِاسْتِغْلَالِ وَوَضْعِ الْيَدِ بِكِرَاءٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَقَوْلُهُ فِيهِ يَتَعَلَّقُ بِتَصَرُّفٍ وَعَنْهُ يَتَعَلَّقُ بِرَفْعٍ وَالضَّمِيرُ فِيهِمَا لِلْمِلْكِ، قَوْلُهُ بِصَرْفِ التَّمَكُّنِ يَتَعَلَّقُ بِرَفْعٍ وَقَوْلُهُ مِنْهُ مُتَعَلِّقٌ بِالتَّمَكُّنِ وَضَمِيرُهُ لِلْمِلْكِ وَقَالَ الرَّصَّاعُ لِلْمُعْطِي أَيْ بِالْكَسْرِ وَعَلَيْهِ فَمِنْ بِمَعْنَى عَنْ وَلِلْمُعْطَى يَتَعَلَّقُ بِالصَّرْفِ وَضَمِيرُ نَائِبِهِ لِلْمُعْطَى بِفَتْحِ الطَّاءِ وَأَخْرَجَ بِقَوْلِهِ لِلْمُعْطِي حَوْزَ الرَّهْنِ فَإِنَّ الصَّرْفَ فِيهِ لِلْمُرْتَهِنِ، وَمَعْنَاهُ رَفْعُ يَدِ الْمُعْطِي بِالْكَسْرِ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي الْمِلْكِ. وَرَدُّ ذَلِكَ إلَى يَدِ الْمُعْطِي أَوْ نَائِبِهِ إمَّا وَكِيلُهُ أَوْ وَصِيُّهُ أَوْ مُقَدَّمُ الْقَاضِي وَيَكْتَفِي بِصِحَّةِ الْإِشْهَادِ ... إنْ أَعْوَزَ الْحَوْزُ لِعُذْرٍ بَادِ تَقَدَّمَ أَنَّ الْحَوْزَ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ التَّحْبِيسِ فَإِنْ تَعَذَّرَ بِأَمْرٍ ظَاهِرٍ مِنْ خَوْفِ عَدُوٍّ وَمَا أَشْبَهَهُ سَقَطَ هَذَا الشَّرْطُ وَاكْتَفَى عَنْهُ بِالْإِشْهَادِ بِالْحَبْسِ وَيَصِحُّ الْحَبْسُ وَيَنْفُذُ وَأَشَارَ بِذَلِكَ لِقَوْلِ ابْنِ سَلْمُونٍ وَسُئِلَ ابْنُ رُشْدٍ فِيمَنْ تَصَدَّقَ عَلَى ابْنٍ لَهُ كَبِيرٍ بِأَمْلَاكٍ وَأَشْهَدَ الْأَبُ بِتَبْتِيلِ الصَّدَقَةِ وَالِابْن بِقَبُولِهَا وَوَقَعَ الْقَبْضُ فِي بَعْضِهَا بِالْمُعَايَنَةِ وَبَقِيَ سَائِرُهَا لَمْ يَتَطَوَّفْ عَلَيْهِ وَلَا خَرَجَ إلَيْهِ لِكَوْنِهِ فِي قُطْرٍ مَخُوفٍ مِنْ الْعَدُوِّ وَلَا يَدْخُلُهُ أَحَدٌ إلَّا عَلَى غَرَرٍ وَلَمْ يَعْتَمِرْ ذَلِكَ أَحَدٌ إلَى أَنْ مَاتَ الْأَبُ فَقَالَ إذَا حَالَ الْخَوْفُ بَيْنَ الْوُصُولِ إلَى مَوْضِعِ الْأَمْلَاكِ الْمُتَصَدَّقِ بِهَا لِحِيَازَتِهَا بِالتَّطَوُّفِ عَلَيْهَا اُكْتُفِيَ بِالْإِشْهَادِ وَلَمْ تَبْطُلْ الصَّدَقَةُ إنْ مَاتَ الْمُتَصَدِّقُ بِهَا قَبْلَ إمْكَانِ الْوُصُولِ إلَيْهَا هَذَا مَعْنَى مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا اهـ. وَيَنْفُذُ التَّحْبِيسُ فِي جَمِيعِ مَا ... مُحَبِّسٌ لِقَبْضِهِ قَدْ قَدَّمَا يَعْنِي أَنَّ مَنْ حَبَّسَ شَيْئًا عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنٍ كَسَبِيلِ اللَّهِ فَقَدَّمَ الْمُحَبِّسُ شَخْصًا عَلَى قَبْضِ ذَلِكَ وَأَسْلَمَهُ إلَيْهِ وَتَخَلَّى عَنْهُ فَإِنَّ ذَلِكَ كَافٍ وَالْحَبْسُ صَحِيحٌ فِي جَمِيعِ مَا حِيزَ عَنْ الْمُحَبِّسِ (قَالَ فِي الْمُقَرَّبِ) قُلْت لَهُ فَلَوْ حَبَّسَ عَرْضًا أَوْ حَيَوَانًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ وَلِيَهُ حَتَّى مَاتَ وَهُوَ فِي يَدِهِ قَالَ هَذَا مَرْدُودٌ إلَى الْوَرَثَةِ وَكَذَلِكَ كُلُّ حَبْسٍ لَهُ غَلَّةٌ فَإِنَّهُ إنْ وَلِيَهُ فَكَانَ يُفَرِّقُهُ حَتَّى مَاتَ فَهُوَ مِيرَاثٌ وَلَا تَكُونُ الْحِيَازَةُ فِي مِثْلِ هَذَا حَتَّى يَسْتَخْلِفَ الْمُحَبِّسُ رَجُلًا غَيْرَهُ عَلَى حِيَازَتِهِ وَيَبْرَأُ إلَيْهِ بِهِ وَالْأَخُ لِلصَّغِيرِ قَبْضُهُ وَجَبْ ... مَعَ اشْتِرَاكٍ وَبِتَقْدِيمٍ مِنْ أَبْ وَالْأَبُ لَا يَقْبِضُ لِلصَّغِيرِ مَعْ ... كَبِيرِهِ وَالْحَبْسُ إرْثٌ إنْ وَقَعْ إلَّا إذَا مَا أَمْكَنَ التَّلَافِي ... وَصُحِّحَ الْحَوْزُ بِوَجْهٍ كَافِ وَإِنْ يُقَدِّمْ غَيْرَهُ جَازَ وَفِي ... جُزْءٍ مُشَاعٍ حُكْمُ تَحْبِيسٍ قُفِيّ اشْتَمَلَتْ الْأَبْيَاتُ عَلَى مَسْأَلَتَيْنِ (الْأُولَى) إذَا حَبَّسَ الْأَبُ عَلَى وَلَدَيْهِ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ حَبْسًا مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا عَلَى الْإِشَاعَةِ وَنَوَّعَ النَّاظِمُ الْحَوْزَ لِلصَّغِيرِ إلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ إنْ قَدَّمَ الْأَبُ الِابْنَ الْكَبِيرَ عَلَى الْحَوْزِ لِأَخِيهِ الصَّغِيرِ فَالْحَبْسُ صَحِيحٌ لَهُمَا مَعًا وَإِلَى هَذَا الْوَجْهِ أَشَارَ بِالْبَيْتِ الْأَوَّلِ وَمَعْنَى وَجَبْ جَازَ وَصَحَّ

وَلَا يَعْنِي بِهِ مُقَابِلَ التَّحْرِيمِ وَإِنْ قَبَضَ الْأَبُ لِلصَّغِيرِ وَقَبَضَ الْكَبِيرُ لِنَفْسِهِ بَطَلَ الْحَبْسُ وَرَجَعَ مِلْكًا لِلْمُحَبِّسِ يُورَثُ عَنْهُ إنْ مَاتَ إلَّا إذَا تَلَافَى ذَلِكَ قَبْلَ فَلَسِ الْمُحَبِّسِ وَمَرَضِ مَوْتِهِ بِوَجْهٍ صَحِيحٍ كَافٍ فِي الْحَوْزِ كَأَنْ يُقَدِّمَ الْأَبُ الْكَبِيرَ عَلَى الْحَوْزِ لِلصَّغِيرِ كَمَا فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ أَوْ يُقَدِّمُ أَجْنَبِيًّا عَلَى الْحَوْزِ لَهُ كَمَا فِي الْوَجْهِ الثَّالِثِ وَإِلَى هَذَا الْوَجْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ وَالْأَبُ لَا يَقْبِضُ لِلصَّغِيرِ مَعْ الْبَيْتَيْنِ وَإِنْ قَدَّمَ الْأَبُ أَجْنَبِيًّا يَحُوزُ لِلصَّغِيرِ جَازَ أَيْضًا وَصَحَّ الْحَبْسُ، وَإِلَى هَذَا الْوَجْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ وَإِنْ يُقَدِّمْ غَيْرَهُ جَازَ أَيْ غَيْرَ الِابْنِ الْكَبِيرِ فَيَشْمَلُ الْأَجْنَبِيَّ وَابْنًا ثَالِثًا لِلْمُحَبِّسِ إذَا لَمْ يُشْرِكْهُ مَعَ الْمُحَبَّسِ عَلَيْهِمَا فِي الْحَبْسِ الْمَذْكُورِ (قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ) وَيَجُوزُ لِلْأَبِ أَنْ يُحَبِّسَ عَلَى بَنِيهِ الْكِبَارِ وَالصِّغَارِ حَبْسًا وَاحِدًا وَيَقْبِضَ الْكَبِيرُ لِنَفْسِهِ وَلِإِخْوَتِهِ الصِّغَارِ بِتَقْدِيمِ الْأَبِ لَهُ عَلَى ذَلِكَ ثُمَّ قَالَ الْمُتَيْطِيّ قَالَ الْبَاجِيُّ فِي وَثَائِقِهِ وَقَدْ رَأَيْت بَعْضَ الْمُوَثَّقِينَ عَقَدَ أَنَّ الِابْنَ الْكَبِيرَ قَبَضَ لِنَفْسِهِ وَقَبَضَ الْأَبُ نَصِيبَ الصِّغَارِ وَأَجَازَ مِثْلَ هَذَا وَخَالَفَهُ فِي ذَلِكَ غَيْرُهُ وَقَالَ لَا يَجُوزُ حَتَّى يَقْبِضَ الْكَبِيرُ لِنَفْسِهِ وَلِإِخْوَتِهِ الصِّغَارِ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ قَالَ ابْن الْعَطَّار فَإِنْ وَقَعَ هَذَا وَقَبَضَ الْكَبِيرُ لِنَفْسِهِ وَالْأَبُ لِلصِّغَارِ بَطَلَ الْحَبْسُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ (قَالَ الْمُتَيْطِيّ) وَيَجُوزُ أَنْ يُقَدِّمَ الْأَبُ رَجُلًا يَقْبِضُ مَعَ الْكَبِيرِ نَصِيبَ الصِّغَارِ اهـ. وَعَلَى قَوْلِ الْبَاجِيِّ وَخَالَفَهُ فِي ذَلِكَ غَيْرُهُ إلَخْ وَقَوْلِ ابْنِ الْعَطَّارِ فَإِنْ وَقَعَ هَذَا إلَخْ ذَهَبَ النَّاظِمُ وَزَادَ أَنَّهُ إذَا تَلَافَى ذَلِكَ بِحَوْزٍ صَحِيحٍ صَحَّ الْحَبْسُ وَلَمْ يَبْطُلْ وَزِيَادَتُهُ ظَاهِرَةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ) هَذَا الْحُكْمُ جَارٍ فِي الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ أَيْضًا وَإِنَّ مَنْ وَهَبَ أَوْ تَصَدَّقَ عَلَى أَوْلَادِهِ الصِّغَارِ وَالْكِبَارِ وَقَدَّمَ ابْنًا كَبِيرًا لِلْحَوْزِ لِلصِّغَارِ فَإِنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ وَهَذَا يَأْتِي لِلنَّاظِمِ صَرِيحًا فِي فَصْلِ الصَّدَقَةِ وَالْهِبَةِ حَيْثُ قَالَ وَلِلْأَبِ التَّقْدِيمُ لِلْكَبِيرِ ... لِقَبْضِ مَا يَخْتَصُّ بِالصَّغِيرِ فَإِنْ لَمْ يَقْبِضْ الْكَبِيرُ حَتَّى مَاتَ الْأَبُ بَطَلَ الْحَبْسُ لَهُمَا كَمَا يَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) مِمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ الْأَبْيَاتُ تَحْبِيسُ الْجُزْءِ الْمُشَاعِ كَدَارٍ بَيْنَ رَجُلَيْنِ أَنْصَافًا مَثَلًا حَبَّسَ أَحَدُهُمَا نِصْفَهُ هَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ وَيَصِحُّ الْحَبْسُ أَوْ لَا. فِيهِ خِلَافٌ وَظَاهِرُ إطْلَاقِهِمْ وَمَا نَقَلُوا مِنْ كَلَامِ الْفُقَهَاءِ هُنَا أَنَّ الْخِلَافَ وَلَوْ رَضِيَ الشَّرِيكُ بِشَرِكَةِ الْحَبْسِ لِأَنَّ شَرِكَتَهُ ضَرَرٌ وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَرْضَ الشَّرِيكُ أَوَّلَ بَابِ الْحَبْسِ بِمَا فِيهِ كِفَايَةٌ وَلَكِنَّ نَقْلَهُ هُنَا أَنْسَبُ وَتَقَدَّمَ هُنَالِكَ عَنْ الْعَبْدُوسِيِّ أَنَّ التَّحْبِيسَ مَاضٍ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَمَا لَا يَحْمِلُ الْقِسْمُ يُبَاعُ وَيُنْدَبُ أَنْ يُعَوَّضَ بِثَمَنِهِ حَبْسٌ وَلَا يُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ يُفْسَخُ التَّحْبِيسُ وَيُجْبَرُ عَلَى تَعْوِيضِهِ بِغَيْرِهِ وَفِي ابْنِ سَلْمُونٍ وَيَجُوزُ تَحْبِيسُ الْجُزْءِ الْمُشَاعِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ فَإِنْ كَانَ مِمَّا يَنْقَسِمُ قُسِمَ فَمَا أَصَابَ الْحَبْسَ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ عَلَى التَّحْبِيسِ وَمَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ لَا يَنْقَسِمُ بِيعَ فَمَا أَصَابَ الْحَبْسَ مِنْ الثَّمَنِ اشْتَرَى بِهِ مَا يَكُونُ حَبْسًا فِيمَا سَبِيلُهُ فِيهِ اهـ. (قَالَ الشَّارِحُ) وَفِي نَوَازِلِ ابْنِ الْحَاجِّ إذَا حَبَّسَ رَجُلٌ حِصَّتَهُ مِنْ دَارٍ فَإِنْ كَانَتْ تَنْقَسِمُ قُسِمَتْ وَإِنْ كَانَتْ لَا تَنْقَسِمُ فَفِي الْوَاضِحَةِ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّ جَمِيعَ الرَّبْعِ يُبَاعُ وَيُبْتَاعُ بِثَمَنِ نَصِيبِ الْحَبْسِ حَبْسٌ وَنَزَلَتْ فِي أَيَّامِ مُحَمَّد بْنِ عَلِيٍّ الْقَاضِي فِي فُرْنٍ حُبِّسَ مِنْهُ جُزْءٌ مِنْ خَمْسِينَ جُزْءًا عَلَى وَلَدٍ فَأَفْتَى الْفُقَهَاءُ بِأَعْمَالِهِ وَقَضَى بِذَلِكَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ وَكَانَ رَأْيُ ابْنِ الطَّلَّاعِ مَا فِي الْوَاضِحَةِ فَلَمْ يُعْمَلْ بِهِ وَنَفَذَ الْحَبْسُ وَمِنْ أَحْكَامِ ابْنِ سَهْلٍ فِي مَسَائِلِ ابْنِ زَرْبٍ قَالَ اخْتَلَفَ أَهْل الْعِلْمِ فِيمَنْ لَهُ حِصَّةٌ فِي دَارٍ لَا تَنْقَسِمُ فَحَبَّسَهَا فَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يُنَفَّذُ تَحْبِيسُهُ فِيهَا وَأَجَازَهُ بَعْضُهُمْ وَبِإِجَازَتِهِ أَقُولُ اهـ. فَانْظُرْ كَيْفَ أَطْلَقُوا الْخِلَافَ وَلَمْ يُقَيِّدُوهُ بِعَدَمِ رِضَا الشَّرِيكِ بِشَرِكَةِ الْحَبْسِ. (تَنْبِيهٌ) هَذَا حُكْمُ مَا إذَا حَبَّسَ الْبَعْضَ وَالْبَعْضُ الْآخَرُ لِغَيْرِهِ أَمَّا إنْ كَانَ الْبَاقِي لَهُ وَسَكَنَ مَعَهُ الْمُحَبَّسُ عَلَيْهِ مَثَلًا أَوْ حَازَ بِغَيْرِ السُّكْنَى فَذَلِكَ نَافِذٌ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الشُّيُوعَ لَا يُنَافِي الْإِقْبَاضَ وَفِيهِ قَوْلَانِ (قَالَ الْقَاضِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمُقْرِي) قَاعِدَةُ الشِّيَاعِ عِنْدَ مَالِكٍ وَمُحَمَّدٍ لَا يُنَافِي الْإِقْبَاضَ فَلَا يُشْتَرَطُ فِي

الرَّهْنِ الْإِفْرَازُ بَلْ يَصِحُّ رَهْنُ الْمُشَاعِ وَقَالَ النُّعْمَانُ يُنَافِيه فَيُشْتَرَطُ الْإِفْرَازُ فَلَا يَصِحُّ رَهْنُ الْمُشَاعِ اهـ. وَهَذَا وَإِنْ ذَكَرَهُ فِي الرَّهْنِ فَقَطْ فَهُوَ جَارٍ فِي الْحَبْسِ وَالصَّدَقَةِ وَالْهِبَةِ لِاشْتِرَاكِهَا فِي شَرْطِيَّةِ الْقَبْضِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَعَلَى عَدَمِ الْمُنَافَاةِ مَا نُقِلَ فِي الْمِعْيَارِ فِي نَوَازِلِ الْهِبَاتِ وَنَصُّهُ وَسُئِلَ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ اللُّؤْلُؤِيُّ عَنْ رَجُلٍ وَهَبَ نِصْفَ دَارِهِ وَهُوَ سَاكِنٌ فِيهَا فَدَخَلَ الْمَوْهُوبُ لَهُ فَسَاكَنَهُ فِيهَا وَصَارَ حَائِزًا بِالسُّكْنَى وَالِارْتِفَاقِ بِمَنَافِعِ الدَّارِ وَالْوَاهِبُ مَعَهُ عَلَى حَسْبِ مَا يَفْعَلُهُ الشَّرِيكَانِ فِي السُّكْنَى (فَأَجَابَ) ذَلِكَ حَوْزٌ تَامٌّ وَالْهِبَةُ نَافِذَةٌ لَهُ وَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ وَهَبَ جُزْءًا مِنْ مَالٍ أَوْ دَارٍ وَتَوَلَّى احْتِيَازَ ذَلِكَ مَعَ وَاهِبِهِ وَشَارَكَهُ فِي الِاغْتِلَالِ وَالِارْتِفَاقِ فَهُوَ حَوْزٌ وَقَبْضٌ قِيلَ لَهُ فَإِنْ كَانَ إنَّمَا وَهَبَ نِصْفَ ذَلِكَ لِصَغِيرٍ لَا يَحُوزُ لِنَفْسِهِ أَوْ لِبِكْرٍ فَسَكَنَا مَعَ الْوَاهِبِ عَلَى حَسَبِ سُكْنَى الْحَائِزِ الْفِعْلِيِّ فَقَالَ هُوَ حَوْزٌ تَامٌّ أَيْضًا نَافِذٌ أَرَأَيْت لَوْ أَنَّ رَجُلًا وَهَبَ لِصَغِيرٍ دَنَانِيرَ وَدَفَعَهَا إلَيْهِ ثُمَّ مَاتَ الْوَاهِبُ وَهِيَ بِيَدِهِ أَلَيْسَ حِيَازَةٌ تَامَّةٌ وَقَبْضُهَا جَائِزٌ اهـ (قَالَ مُقَيِّدُ هَذَا الشَّرْحِ سَمَحَ اللَّهُ لَهُ) وَهَذِهِ الْقَاعِدَةُ مِنْ الْبَوَاقِي عَلَى الْمَنْهَجِ الْمُنْتَخَبِ لِسَيِّدِي عَلِيٍّ الزَّقَّاقِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَدْ قُلْت فِي تَذْيِيلِهِ هَلْ الشُّيُوعُ قَدْ يُنَافِي الْقَبْضَ لَا ... نَعَمْ يُنَافِيه خِلَافٌ نُقِلَا عَلَيْهِمَا تَحْبِيسُ ... إنْ سَكَنْ مَعَهُ مُحَبَّسٌ عَلَيْهِ لَا وَهَنْ وَهِبَةٌ صَدَقَةٌ رَهْنٌ فَلَا ... فَرْقَ لِأَجَلِ الْحَوْزِ خُذْهُ مُسْجَلَا وَالْقَبْضُ فِي غَيْرِ الرِّهَانِ كَافِ ... وَفِيهِ الْإِقْبَاضُ عَلَى خِلَافِ وَقَوْلُ النَّاظِمِ وَفِي جُزْءٍ مُشَاعٍ حُكْمُ تَحْبِيسٍ قُفِيّ حُكْمُ تَحْبِيسٍ مُبْتَدَأٌ وَمُضَافٌ إلَيْهِ وَجُمْلَةُ قُفِيّ أَيْ تُبِعَ خَبَرُهُ وَفِي جُزْءٍ يَتَعَلَّقُ بِقُفِيِّ أَيْ حُكْمُ تَحْبِيسِ غَيْرِ الْجُزْءِ الْمُشَاعِ اُتُّبِعَ وَارْتُكِبَ فِي تَحْبِيسِ الْجُزْءِ الْمُشَاعِ وَنَافِذٌ مَا حَازَهُ الصَّغِيرُ ... لِنَفْسِهِ وَبَالِغٌ مَحْجُورُ يَعْنِي أَنَّ مَنْ حَبَسَ أَوْ وَهَبَ أَوْ تَصَدَّقَ عَلَى صَغِيرٍ غَيْرِ بَالِغٍ مَحْجُورٍ وَقَبَضَ ذَلِكَ الصَّغِيرُ أَوْ الْمَحْجُورُ الْبَالِغُ مَا حُبِسَ عَلَيْهِ أَوْ تُصُدِّقَ بِهِ عَلَيْهِ أَوْ وُهِبَ لَهُ فَإِنَّ قَبْضَهُ كَافٍ وَالْحَوْزُ تَامٌّ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْحَوْزِ خُرُوجُ ذَلِكَ الشَّيْءِ مِنْ يَدِ مَالِكِهِ وَقَدْ حَصَلَ وَأَيْضًا فَإِنَّ الْحَوْزَ شَرْطٌ وَالشَّرْطُ مِنْ خِطَابِ الْوَضْعِ فَلَا يُعْتَبَرُ فِيهَا إلَّا حُصُولُهَا وَلَيْسَتْ مِنْ خِطَابِ التَّكْلِيفِ فَيُعْتَبَرُ فِيهَا الْبُلُوغُ أَوْ عَدَمُ الْحَجْرِ فَفِي طُرَر ابْنِ عَاتٍ قَالَ ابْنُ زَرْبٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَمَنْ تَصَدَّقَ عَلَى صَغِيرٍ مِنْ أَبٍ أَوْ غَيْرِهِ ثُمَّ أَسْلَمَ الصَّدَقَةَ إلَى ذَلِكَ الصَّغِيرِ وَحَازَهَا فِي صِحَّةِ الْمُتَصَدِّقِ بِهَا فَإِنَّهَا حِيَازَةٌ تَامَّةٌ. وَإِنْ كَانَ الْحَائِزُ صَغِيرًا وَتُنَفَّذُ الْوَصِيَّةُ إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ ذَلِكَ ابْتِدَاءً أَنْ يَحُوزَ الصَّغِيرُ فَإِنْ وَقَعَ نَفَذَ وَفِي الْمُتَيْطِيَّةِ وَفِي مَسَائِلِ أَبِي الْقَاسِمِ بْنِ الْكَلْبِ الْقَرَوِيِّ أَنَّهُ إذَا حَازَ الصَّغِيرُ الَّذِي لَا أَب لَهُ وَلَا وَصِيَّ مَا وُهِبَ لَهُ وَكَانَ يَعْقِلُ أَمْرَهُ صَحَّ حَوْزُهُ وَجَازَ ذَلِكَ لَهُ وَفِي الْمُتَيْطِيَّةِ أَيْضًا قَالَ أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الْهِنْدِيُّ وَإِنْ قَبَضَ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ لِنَفْسِهِ مَا حُبِّسَ عَلَيْهِ أَوْ تُصُدِّقَ بِهِ عَلَيْهِ أَوْ وُهِبَ لَهُ ثُمَّ مَاتَ الْمُحَبِّسُ أَوْ الْمُتَصَدِّقُ أَوْ الْوَاهِبُ نَفَذَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ إنَّمَا تَصِحُّ هَذِهِ الْوُجُوهُ بِخُرُوجِهَا عَنْ يَدِ الْمُعْطِي لَهَا وَقَدْ خَرَجَ ذَلِكَ عَنْ يَدِهِ يَقْبِض الْمُوَلَّى عَلَيْهِ اهـ. وَقَدْ بَحَثَ الشَّارِحُ فِي صِحَّةِ حَوْزِ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ وَقَدْ نَزَلَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي أَيَّامِ الْقَاضِي مُنْذِرِ بْنِ سَعِيدٍ وَشَاوَرَ فِيهَا فَاجْتَمَعَ لَهُ الْجَمِيعُ مِنْ فُقَهَاءِ بَلَدِهِ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ قَبْضٌ وَحِيَازَةٌ حَاشَا إِسْحَاقَ بْنَ إبْرَاهِيمَ التُّجِيبِيَّ فَإِنَّهُ خَالَفَهُمْ فِي ذَلِكَ وَقَالَ إنَّ قَبْضَ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ لَيْسَ بِقَبْضٍ وَإِنَّ ذَلِكَ يَرْجِعُ مِيرَاثًا عَنْ الْمُعْطِي فَنَفَذَ الْقَضَاءُ يَوْمئِذٍ بِمَا قَالَهُ الْجَمِيعُ وَبِإِمْضَاءِ قَبْضَتِهِ وَحِيَازَتِهِ قَالَ الْمُتَيْطِيّ وَهُوَ الصَّوَابُ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مِنْ تَمَامِ قَوْلِهِ لِحَائِزِ الْقَبْضِ وَفِي الْمَشْهُورِ ... إلَى الْوَصِيِّ الْقَبْضُ لِلْمَحْجُورِ

وَبِانْسِحَابِ نَظَرِ الْمُحَبِّسِ ... لِلْمَوْتِ لَا يَثْبُتُ حُكْمُ الْحَبْسِ يَعْنِي أَنَّ مَنْ حَبَّسَ شَيْئًا فِي صِحَّتِهِ يُرِيدُ أَوْ وَهَبَهُ أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ وَبَقِيَ ذَلِكَ تَحْتَ يَدِهِ إلَى أَنْ مَاتَ يُرِيدُ أَوْ فَلِسَ أَوْ مَرِضَ مَرَضَ الْمَوْتِ فَإِنَّ ذَلِكَ يَبْطُلُ وَيَصِيرُ مِيرَاثًا (قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ) فَإِنْ حَبَّسَ فِي صِحَّتِهِ ثُمَّ أَبْقَاهُ فِي يَدِهِ مُدَّةَ حَيَاتِهِ إلَى أَنْ أَفْلَسَ أَوْ إلَى مَرَضِ مَوْتِهِ بَطَلَ الْوَقْفُ وَعَادَ الْمَوْقُوفُ مِيرَاثًا إذَا لَمْ تَكُنْ مَنْفَعَتُهُ تُصْرَفُ فِي مَصْرِفِهِ (وَفِيهَا أَيْضًا) وَفِي كِتَاب مُحَمَّد فِيمَنْ حَبَّسَ نَخْلَةَ دَارِهِ فِي صِحَّتِهِ عَلَى الْمَسَاكِينِ فَكَانَ يَلِي عَلَيْهَا حَتَّى مَاتَ وَهِيَ بِيَدِهِ إنَّهَا مِيرَاثٌ قَالَ وَكَذَلِكَ لَوْ شَرَطَ فِي حَبْسِهِ أَنَّهُ يَلِي ذَلِكَ لَمْ يُجِزْهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَب اهـ وَهَذَا الْبَيْتُ هُوَ تَصْرِيحٌ بِمَفْهُومِ قَوْلِهِ قَبْلُ وَالْحَوْزُ شَرْطُ صِحَّةِ التَّحْبِيسِ ... قَبْلَ حُدُوثِ مَوْتٍ أَوْ تَفْلِيسِ فَإِنَّ مَا انْسَحَبَ عَلَيْهِ نَظَرُ الْمُحَبِّسِ لَمْ يُحَزْ وَبِانْسِحَابٍ يَتَعَلَّقُ بِلَا يَثْبُتُ وَلَامُ لِلْمَوْتِ بِمَعْنَى إلَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَالِانْسِحَابُ الِاسْتِمْرَارُ وَالْبَقَاءُ. وَمَنْ لِسُكْنَى دَارِ تَحْبِيسٍ سَبَقْ ... تَضِيقُ عَمَّنْ دُونَهُ بِهَا أَحَقْ يَعْنِي أَنَّ الدَّارَ الْمُحَبَّسَةَ عَلَى مُعَيَّنِينَ إذَا بَادَرَ أَحَدُهُمْ وَسَبَقَ لِسُكْنَاهَا وَلَيْسَ فِيهَا فَضْلٌ لِسُكْنَى غَيْرِهِ

مِنْ الْمُحَبَّسِ عَلَيْهِمْ فَاَلَّذِي سَبَقَ لِسُكْنَاهَا أَحَقُّ بِهَا مِنْ غَيْرِهِ (قَالَ فِي الْمُقَرَّبِ) قَالَ مَالِكٌ وَمَنْ حَبَّسَ عَلَى وَلَدِهِ دَارًا فَسَكَنَهَا بَعْضُهُمْ وَلَمْ يَجِدْ بَعْضُهُمْ فِيهَا مَسْكَنًا فَقَالَ الَّذِي لَمْ يَجِدْ مَسْكَنًا أَعْطُونِي مِنْ الْكِرَاءِ بِحِسَابِ حَقِّي فَإِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ لَهُ وَلَا يَخْرُجُ أَيْضًا أَحَدٌ لِأَحَدٍ وَلَكِنْ إنْ غَابَ أَحَدٌ أَوْ مَاتَ سَكَنَ فِيهِ غَيْرُهُ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ مَعْنَى قَوْلِهِ غَابَ أَيْ إنْ كَانَ يُرِيدُ الْمُقَامَ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي غَابَ إلَيْهِ وَأَمَّا إنْ كَانَ يُرِيدُ أَنْ يُسَافِرَ لِمَوْضِعٍ وَيَرْجِعَ فَهُوَ عَلَى حَقِّهِ اهـ قَالَ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ وَلَهُ أَنْ يُكْرِيَ مَنْزِلَهُ إلَى أَنْ يَرْجِعَ وَسَمِعَ عِيسَى مَنْ حَبَّسَ عَلَى قَوْمٍ وَهْم يَتَكَافَئُونَ فِي الْغِنَى وَالْفَقْرِ اجْتَهَدَ فِي ذَلِكَ لِيَسْكُن فِيهَا مَنْ رَأَى أَوْ يُكْرِيَهَا فَيُقَسِّمَ كِرَاءَهَا عَلَيْهِمْ وَمَنْ سَبَقَ وَسَكَنَ فَهُوَ أَوْلَى وَلَا يَخْرُجُ مِنْهَا ابْنُ رُشْدٍ مَعْنَاهُ فِي غَيْرِ الْمُعَيَّنِ كَتَحْبِيسِهِ عَلَى أَوْلَادِهِ أَوْ أَوْلَادِ فُلَانٍ. وَلَوْ كَانَ عَلَى مُعَيَّنِينَ مُسَمَّيْنَ لَمْ يَسْتَحِقَّ السُّكْنَى مَنْ سَبَقَ إلَيْهِ وَهُمْ فِيهِ بِالسَّوِيَّةِ حَاضِرُهُمْ وَغَائِبُهُمْ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ مُحَمَّد وَغَنِيُّهُمْ وَفَقِيرُهُمْ سَوَاءٌ اهـ. (قَالَ الشَّارِحُ) أَقُولُ مُقْتَضَى الْقِيَاسِ هُوَ الْإِسْهَامُ لِطَالِبِ الْكِرَاءِ بِحَقِّهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَ مَالِكٍ اسْتِحْسَانٌ أَوْ لَعَلَّ الْعَمَلَ بِالْمَدِينَةِ جَرَى بِذَلِكَ اهـ. وَمَفْهُومُ قَوْلِ النَّاظِمِ تَضِيقُ عَمَّنْ دُونَهُ أَيْ عَنْ غَيْرِهِ وَقَوْلُ مَالِكٍ وَلَمْ يَجِدْ بَعْضُهُمْ فِيهَا مَسْكَنًا أَنَّهَا إنْ لَمْ تَضِقْ فَلِغَيْرِ السَّاكِنِ مِنْ الْمُحَبَّسِ عَلَيْهِمْ أَنْ يَسْكُنُوا مَعَهُ أَحَبَّ أَمْ كَرِهَ وَهُوَ كَذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَمَنْ مُبْتَدَأٌ وَهِيَ مَوْصُولَةٌ صِلَتُهَا سَبَقْ وَلِسُكْنَى يَتَعَلَّقُ بِسَبَقْ وَجُمْلَةُ تَضِيقُ عَمَّنْ دُونَهُ صِفَةٌ لِدَارِ وَأَحَقُّ خَبَرٌ لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ فَهُوَ أَحَقُّ وَالْجُمْلَةُ خَبَرٌ مَنْ الْمَوْصُولَةِ وَبِهَا يَتَعَلَّقُ بِأَحَقْ وَلَوْ قَالَ فَهُوَ أَحَقْ لَمْ يَحْتَجْ لِتَقْدِيرِ مَحْذُوفٍ وَمَنْ يَبِيعُ مَا عَلَيْهِ حُبِّسَا ... يُرَدُّ مُطْلَقًا وَمَعْ عِلْمٍ أَسَا وَالْخُلْفُ فِي الْمُبْتَاعِ هَلْ يُعْطِي الْكِرَا ... وَاتَّفَقُوا مَعْ عِلْمِهِ قَبْلَ الشِّرَا وَيَقْتَضِي الثَّمَنَ إنْ كَانَ تَلِفْ ... مِنْ فَائِدِ الْمَبِيعِ حَتَّى يَنْتَصِفْ وَإِنْ يَمُتْ مِنْ قَبْلُ لَا شَيْءَ لَهُ ... وَلَيْسَ يَعْدُو حَبْسٌ مَحَلَّهُ حَاصِلُ الْأَبْيَاتِ الْأَرْبَعَةِ الْكَلَامُ عَلَى مَا إذَا بَاعَ الْمُحَبَّسُ عَلَيْهِ الْحَبْسَ وَيَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ ثَلَاثُ مَسَائِلَ: (الْأُولَى) أَنَّ الْبَيْعَ يُرَدُّ وَيُفْسَخُ مُطْلَقًا عَلِمَ الْبَائِعُ بِكَوْنِهِ حَبْسًا أَوْ لَمْ يَعْلَمْ كَانَ بَائِعُهُ مُحْتَاجًا أَوْ غَيْرَ مُحْتَاجٍ إلَّا إذَا جُعِلَ لَهُ ذَلِكَ فِي أَصْلِ التَّحْبِيسِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي وُجُوبِ اتِّبَاعِ شَرْطِ الْمُحَبِّسِ إنْ كَانَ شَرْطُهُ جَائِزًا ثُمَّ إنْ كَانَ بَائِعُهُ غَيْرَ عَالِمٍ بِتَحْبِيسِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ ثَبَتَ عَلَيْهِ أَنَّهُ عَالِمٌ بِالتَّحْبِيسِ قَبْلَ أَنْ يَبِيعَهُ فَقَدْ أَسَاءَ فِي بَيْعِهِ وَمَنْ أَسَاءَ يَفْعَلُ مَا لَا يَنْبَغِي لَهُ فِعْلُهُ فَإِنَّهُ يُزْجَرُ عَنْ ذَلِكَ بِمُنَاسِبِهِ وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِالْبَيْتِ الْأَوَّلِ. (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) إذَا اغْتَلَّ الْمُشْتَرِي هَذَا الْحَبْسَ ثُمَّ فُسِخَ الْبَيْعُ هَلْ يَرُدُّ غَلَّتَهُ مِنْ كِرَاءِ دَارٍ أَوْ حَانُوتٍ سَكَنَهَا أَوْ قِيمَةِ ثَمَرَةِ حَائِطٍ اسْتَغَلَّهَا أَوْ كِرَاءِ أَرْضٍ حَرَثَهَا أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ أَوْ لَا يَرُدُّهَا وَالْحُكْمُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِالتَّحْبِيسِ فَفِي رَدِّهِ لِلْغَلَّةِ خِلَافٌ وَإِنْ عَلِمَ بِهِ قَبْلَ الشِّرَاءِ يُرِيدُ أَوْ بَعْدَهُ وَتَمَادَى عَلَى اسْتِغْلَالِهِ فَالِاتِّفَاقُ عَلَى أَنَّهُ يَرُدُّهَا وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِالْبَيْتِ الثَّانِي. (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) إذَا فُسِخَ الْبَيْعُ فَإِنَّ الْبَائِعَ يَرُدُّ الثَّمَنَ الَّذِي قَبَضَ فَإِنْ كَانَ مَلِيًّا فَلَا إشْكَالَ وَإِنْ كَانَ مُعْدِمًا فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ يُمَكَّنُ مِنْ قَبْضِ غَلَّةِ ذَلِكَ الْحَبْسِ فِي مُقَابَلَةِ مَا دَفَعَ مِنْ الثَّمَنِ فَإِنْ طَالَتْ حَيَاةُ الْمُحَبَّسِ عَلَيْهِ الْبَائِعِ حَتَّى اقْتَضَى الْمُشْتَرِي جَمِيعَ مَا دَفَعَ فَإِنَّ الْغَلَّةَ تَرْجِعُ لِلْمُحْبَسِ عَلَيْهِ وَإِنْ مَاتَ الْمُحَبَّسُ عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَسْتَكْمِلَ الْمُشْتَرِي مَا دَفَعَ فَإِنَّهُ لَا شَيْءَ لِلْمُشْتَرِي لِأَنَّ الْحَبْسَ اسْتَحَقَّهُ غَيْرُ بَائِعِهِ بَعْدَ مَوْتِ بَائِعِهِ فَلَا تُصْرَفُ غَلَّتُهُ لِغَيْرِ مُسْتَحَقِّهِ وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: وَيَقْتَضِي الثَّمَنَ إنْ كَانَ تَلِفْ الْبَيْتَيْنِ

أَمَّا الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى فَفِي الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ وَإِذَا كَانَ الْبَائِعُ هُوَ الْمُحَبَّسُ عَلَيْهِ وَبَاعَ الْحَبْسَ عَالِمًا بِهِ وَهُوَ كَبِيرٌ فِي حِينِ التَّحْبِيسِ وَقَبْضِهِ فَإِنَّهُ يُعَاقَبُ بِالْأَدَبِ وَالسَّجْنِ عِنْدَ ثُبُوتِ الْبَيْعِ وَالْحَبْسِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي بَيْعِهِ عُذْرٌ يُعْذَرُ بِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى اهـ. وَلَمْ يَذْكُرْ فَسْخَ الْبَيْعِ لِلْعِلْمِ بِهِ وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ فَفِي طُرَرِ ابْنِ عَاتٍ وَلَا يَرْجِعُ بِالْغَلَّةِ عَلَى الْمُشْتَرِي فِي قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ لِأَنَّهَا بِالضَّمَانِ (وَفِي الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ أَيْضًا) وَالْغَلَّةُ لِمُبْتَاعِ الْحَبْسِ قَبْلَ ثُبُوتِ التَّحْبِيسِ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ مِنْهَا بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ أَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ (وَفِي طُرَر ابْنِ عَاتٍ) وَالْكِرَاءُ لِلْمُبْتَاعِ وَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِالْحَبْسِ وَمَا اخْتَارَهُ الشُّيُوخُ وَتَقَلَّدُوهُ مِنْ الِاخْتِلَافِ فِي ذَلِكَ (وَفِي الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ أَيْضًا) وَمَا كَانَ فِي رُءُوسِ النَّخْلِ مَنْ التَّمْرِ وَقْتَ الِاسْتِحْقَاقِ نَفَذَ لِمَنْ ثَبَتَ لَهُمْ الْحَبْسُ وَأَمَّا الزَّرْعُ فَهُوَ لِزَارِعِهِ ثَبَتَ التَّحْبِيسُ قَبْلَ حَصَادِهِ أَوْ بَعْدَهُ أَوْ حِينَ نَبَاتِهِ إلَّا أَنَّ عَلَيْهِ كِرَاءَ الْأَرْضِ إنْ اُسْتُحِقَّتْ فِي أَوَانِ الزِّرَاعَةِ وَإِنْ خَرَجَ أَوَانُهَا فَلَا كِرَاءَ عَلَيْهِ وَالزَّرْعُ لَهُ فِي الْوَجْهَيْنِ اهـ. (وَفِي طُرَرِ ابْنِ عَاتٍ) وَقَالَ ابْنُ سَهْلٍ فِي مَسْأَلَةِ الْحَبْسِ إنْ كَانَ الْمُحَبَّسُ عَلَيْهِ هُوَ الْبَائِعُ وَكَانَ مَالِكٌ أَمْرَهُ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ طَلَبُ الْمُبْتَاعِ بِشَيْءٍ مِنْ الْغَلَّةِ وَإِنْ عَلِمَ الْمُبْتَاعُ حِينَ ابْتِيَاعِهِ أَنَّهُ حَبْسٌ وَقَدْ نَزَلْت بِقُرْطُبَةَ وَأَفْتَيْتُ فِيهَا بِذَلِكَ وَكَانَ غَيْرِي قَدْ خَالَفَنِي فِيهَا وَخِلَافُهُ خَطَأٌ (قَالَ الشَّارِحُ) مَا أَفْتَى بِهِ ابْنُ سَهْلٍ مُعَارَضٌ لِمَا نَقَلَ الشَّيْخُ مِنْ الِاتِّفَاقِ عَلَى رَدِّ الْغَلَّةِ إذَا عَلِمَ قَبْلَ الشِّرَاءِ وَمَا قَالَهُ ابْنُ سَهْلٍ لَا يَخْلُو مِنْ نَظَرٍ وَالْأَظْهَرُ رُجْحَانُ قَوْلِ مَنْ خَالَفَهُ لِمَا فِي تَسْوِيغِ الْغَلَّةِ لِلْعَالِمِ بِالتَّحْبِيسِ قَبْلَ ابْتِيَاعِهِ مِنْ تَمْكِينِهِ مِنْ ثَمَرَةِ عَقْدٍ بَاطِلٍ لَا شُبْهَةَ لَهُ فِيهَا فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ. وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ فَقَالَ فِي الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ فَإِنْ كَانَ بَائِعُ الْحَبْسِ هُوَ الْمُحَبَّسُ عَلَيْهِ وَلَمْ يَجِدْ لَهُ الْمُبْتَاعُ مَا يَسْتَوْفِي الثَّمَنَ مِنْهُ وَثَبَتَ عَدَمُهُ وَحَلَفَ بِمَا يَجِبُ بِهِ الْحَلِفُ عَلَيْهِ فَلِلْمُبْتَاعِ اسْتِغْلَالُ الْحَبْسِ حَيَاةَ الْمُحَبَّسِ عَلَيْهِ يَدْفَعُ إلَيْهِ غَلَّتَهُ عَامًا بِعَامٍ فَإِنْ اسْتَوْفَى مِنْهُ رَجَعَتْ الْغَلَّةُ إلَى الْبَائِعِ وَإِنْ مَاتَ الْبَائِعُ قَبْلَ أَنْ يَسْتَوْفِيَ ثَمَنَهُ رَجَعَ الْحَبْسُ إلَى الْمَرْجِعِ الْمَذْكُورِ فِيهِ وَلَمْ يَكُنْ لِلْمُبْتَاعِ مِنْ الْغَلَّةِ بَعْدَ مَوْتِ الْبَائِع مِنْهُ شَيْءٌ اهـ. وَغَيْرُ أَصْلٍ عَادِمُ النَّفْعِ صُرِفْ ... ثَمَنُهُ فِي مِثْلِهِ ثُمَّ وُقِفْ يَعْنِي أَنَّ الشَّيْءَ الْمُحَبَّسَ إذَا كَانَ غَيْرَ أَصْلٍ كَالْعُرُوضِ وَالْحَيَوَانِ وَالثِّيَابِ وَالسِّلَاحِ وَنَحْوِهَا وَعُدِمَتْ مَنْفَعَتُهُ فِيمَا حُبِّسَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يُبَاعُ وَيُشْتَرَى بِثَمَنِهِ غَيْرُهُ مِنْ جِنْسِهِ مِمَّا يُنْتَفَعُ بِهِ فِيمَا حُبِّسَ عَلَيْهِ ذَلِكَ الْمَبِيعُ وَيَكُونُ ذَلِكَ الْمُشْتَرِي حَبْسًا كَالْمُعَوَّضِ عَنْهُ وَعَلَيْهِ نَبَّهَ بِقَوْلِهِ ثُمَّ وُقِفْ. فَإِنْ نَقَصَ ثَمَنُهُ وَهُوَ الْغَالِبُ عَنْ مِثْلِهِ فَإِنَّهُ يُعَانُ بِهِ فِي مِثْلِهِ فَإِنْ نَقَضَ الثَّمَنُ عَنْ مِثْلِ الْبَيْعِ كَامِلًا أَوْ مُبَعَّضًا تُصُدِّقَ بِهِ وَلَمْ يُنَبِّهْ النَّاظِمُ عَلَى هَذَا وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ غَيْرُ أَصْلٍ أَنَّ الْمُحَبَّسَ إذَا كَانَ أَصْلًا لَا يُبَاعُ وَلَوْ عُدِمَ

فصل في الصدقة والهبة وما يتعلق بهما

الِانْتِفَاعُ بِهِ لِخَرَابِهِ أَوْ خَرَابِ مَوْضِعِهِ. وَفِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ أَمَّا بَيْعُ غَيْرِ الْأُصُولِ فَقَالَ الْمُقْرِي فِي كُلِّيَّاتِهِ الْفِقْهِيَّةِ كُلُّ مَا سِوَى الْعَقَارِ إذَا ذَهَبَتْ مَنْفَعَتُهُ الَّتِي وُقِفَ لَهَا فَإِنَّهُ يُبَاعُ فِي مِثْلِهِ أَوْ يُعَانُ بِهِ فِيهِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ اهـ. وَنَحْوَهُ فِي الْمُقَرَّبِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَا ضَعُفَ مِنْ الدَّوَابِّ الْمُحَبَّسَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْلَى مِنْ ثِيَابٍ وَأَمَّا مَنْعُ بَيْعِ الْأَصْلِ الْمُحَبَّسِ فَهُوَ الْمَشْهُورُ (ابْنُ عَرَفَةَ) عَنْ الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا يُمْنَعُ بَيْعُ مَا خَرِبَ مِنْ رَبْعٍ حُبِّسَ مُطْلَقًا قَالَ ابْنُ الْجَهْمِ إنَّمَا لَمْ يُبَعْ الرَّبْعُ الْمُحَبَّسُ إذَا خَرِبَ لِأَنَّهُ يَجِدُ مَنْ يُصْلِحُهُ بِإِجَارَتِهِ سِنِينَ فَيَعُودُ كَمَا كَانَ (ابْنُ رُشْدٍ) وَفِيهَا الرَّبِيعَةُ أَنَّ الْإِمَامَ يَبِيعُ الرَّبْعَ إذَا رَأَى ذَلِكَ لِخَرَابِهِ وَهُوَ إحْدَى رِوَايَتَيْ ابْنِ الْفَرَجِ عَنْ مَالِكٍ اهـ. (قَالَ الشَّارِحُ) وَقَدْ قِيلَ بِبَيْعِ مَا عُدِمَتْ مَنْفَعَتُهُ مِنْ ذَلِكَ فَأَفْتَى الْأُسْتَاذُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدٌ الْحَفَّارُ بِبَيْعِ فَدَّانٍ مُحَبَّسٍ عَلَى مَصْرِفٍ مِنْ مَصَارِفِ الْبِرِّ لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ وَيُشْتَرَى بِثَمَنِهِ فَدَّانٌ آخَرُ يُحَبَّسُ وَتُصْرَفُ غَلَّتُهُ فِي الْمَصْرِفِ الَّذِي حُبِّسَ عَلَيْهِ الْأَوَّلُ عَلَى مَا أَفْتَى بِهِ الْكَثِيرُ مِنْ الْعُلَمَاءِ فِي هَذَا النَّحْوِ. وَأَفْتَى ابْنُ رُشْدٍ فِي أَرْضٍ مُحَبَّسَةٍ عُدِمَتْ مَنْفَعَتُهَا بِسَبَبِ ضَرَرِ جِيرَانٍ أَنْ تُبَاعَ وَيُعَوَّضُ بِثَمَنِهَا مَا فِيهِ مَنْفَعَةٌ عَلَى مَا قَالَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ فِي الرَّبْعِ الْمُحَبَّسِ إذَا خَرِبَ وَبِكَوْنِ ذَلِكَ بِحُكْمِ الْقَاضِي بَعْدَ أَنْ يَثْبُتَ فِيهِ لُغَةً لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ قَالَهُ مُحَمَّدٌ الْحَفَّارُ وَبِمِثْلِ ذَلِكَ أَفْتَى الْأُسْتَاذُ أَبُو سَعِيدِ بْنُ لُبٍّ اهـ. (ابْنُ عَرَفَةَ) وَفِي جَوَازِ الْمُنَاقَلَةِ بِرَبْعٍ غَيْرِ خَرِبٍ قَوْلُ الشَّيْخِ فِي رِسَالَتِهِ وَابْنُ شَعْبَانَ وَعِبَارَةُ الرِّسَالَةِ وَلَا يُبَاعُ فِي الْحَبْسِ وَإِنْ خَرِبَ ثُمَّ قَالَ وَاخْتُلِفَ فِي الْمُعَاوَضَةِ بِالرَّبْعِ الْخَرِبِ بِرَبْعٍ غَيْرِ خَرِبٍ. (وَفِي الطُّرَرِ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْغَفُورِ) لَا يَجُوزُ بَيْعُ مَوَاضِعِ الْمَسَاجِدِ الْخَرِبَةِ لِأَنَّهَا وَقْفٌ وَلَا بَأْسَ بِبَيْعِ نَقْضِهَا إذَا خِيفَ عَلَيْهِ الْفَسَادُ لِلضَّرُورَةِ إلَى ذَلِكَ وَأَفْتَى ابْنُ عَرَفَةَ فِي جَوَامِعَ خَرِبَتْ وَأَيِسَ مِنْ عِمَارَتِهَا بِدَفْعِ أَنْقَاضِهَا إلَى مَسَاجِدَ عَامِرَةٍ احْتَاجَتْ إلَيْهَا اهـ وَلَا تُبَتُّ قِسْمَةٌ فِي حَبْسِ ... وَطَالِبُ قِسْمَةِ نَفْعٍ لَمْ يُسِي يَعْنِي أَنَّ الْحَبْسَ عَلَى قَوْمٍ مُعَيَّنِينَ إذَا طَلَبَ أَحَدُهُمْ قِسْمَتَهُ فَأَنَّهُ يَجُوزُ قَسْمُهُ قِسْمَةَ اغْتِلَالٍ وَلَا يَجُوزُ قَسْمَهُ قِسْمَةَ بَتٍّ اهـ. (قَالَ فِي الْمُقَرَّبِ) قَالَ مُحَمَّد وَإِذَا دَعَا بَعْضُ أَهْلِ الْحَبْسِ إلَى قِسْمَتِهِ قِسْمَةَ اغْتِلَالٍ وَاعْتِمَارٍ وَأَبَى مِنْ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ فَذَلِكَ لِمَنْ دَعَا إلَى الْقِسْمَةِ إذَا كَانَ مَا حُبِّسَ أَرْضًا بَيْضَاءَ وَإِنْ كَانَتْ أُصُولَ شَجَرٍ لَمْ تَجُزْ أَنْ تُقْسَمَ الْأُصُولُ وَإِنَّمَا يَقْتَسِمُونَ الْغَلَّةَ فِي أَوَانِهَا قَالَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ (وَفِي الْمُتَيْطِيَّةِ) وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي اقْتِسَامِ الْحَبْسِ اقْتِسَامَ اغْتِلَالٍ وَانْتِفَاعٍ فَكَرِهَهُ قَوْمٌ وَأَجَازَهُ آخَرُونَ وَقَدْ جَرَى الْعَمَلُ بِاقْتِسَامِهِ لِمَا فِي الْإِشَاعَةِ مِنْ التَّعْطِيلِ وَالتَّضْيِيعِ قَالَ الْقَاضِي فِي وَثَائِقِهِ يُرِيدُ قِسْمَةَ الْغَلَّةِ وَالْمَنْفَعَةِ لَا قِسْمَةَ الْأُصُولِ قَالَ وَبِذَلِكَ جَاوَبَنِي عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ إذْ خَاطَبْته فِي قِسْمَةِ دَارٍ مُحَبَّسَةٍ عَلَى قَوْمٍ مُعَيَّنِينَ فَقَالَ تُقْسَمُ قِسْمَةَ انْتِفَاعٍ وَلَا يُقْسَمُ الْبُنْيَانُ اهـ. هَذَا كُلُّهُ فِيمَا كَانَ حَبْسًا كُلَّهُ، أَمَّا مَا كَانَ بَعْضُهُ حَبْسًا وَبَعْضُهُ مَمْلُوكًا فَإِنَّهُ يَجُوزُ قِسْمَتُهُ قِسْمَةَ بَتٍّ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ مَنْ حَبَّسَ جُزْءًا شَائِعًا وَلَمْ يَرْضَ بِشَرِيكِهِ شَرِكَةَ الْحَبْسِ وَكَانَ يَقْبَلُ الْقِسْمَةَ فَإِنَّهُ يُقْسَمُ وَهُوَ صَرِيحٌ فِي جَوَازِ قِسْمَةِ مَا بَعْضُهُ مَمْلُوكٌ وَبَعْضُهُ حُبِّسَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ [فَصْلٌ فِي الصَّدَقَةِ وَالْهِبَةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِمَا]

تَرْجَمَ ابْنُ عَرَفَةَ هُنَا بِكِتَابِ الْعَطِيَّةِ وَحَدَّهَا بِقَوْلِهِ: " تَمْلِيكٌ مُتَمَوَّلٍ بِغَيْرِ عِوَضٍ إنْشَاءً " فَقَوْلُهُ: " مُتَمَوَّلٍ " أَخْرَجَ بِهِ تَمْلِيكَ غَيْرِ الْمُتَمَوَّلِ كَتَمْلِيكِ الْإِنْكَاحِ لِلْمَرْأَةِ أَوْ تَمْلِيكِ الطَّلَاقِ " وَبِغَيْرِ عِوَضٍ " أَخْرَجَ بِهِ غَيْرَهُ مِنْ الْمُعَاوَضَاتِ وَقَوْلُهُ: " إنْشَاءً " أَخْرَجَ بِهِ الْحُكْمَ بِاسْتِحْقَاقِ وَارِثٍ فَإِنَّهُ تَمْلِيكٌ مُتَمَوَّلٍ بِغَيْرِ عِوَضٍ لَكِنَّهُ تَقْرِيرٌ لِمَا ثَبَتَ إرْثُهُ، وَالْعَطِيَّةُ أَنْشَأَتْ التَّمْلِيكَ؛ لِأَنَّهَا قُرِّرَتْ، وَيَدْخُلُ فِي الْعَطِيَّةِ الْعَارِيَّةُ وَالْحَبْسُ وَالْعُمْرَى وَالْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ، وَإِنَّمَا تَدْخُلُ الْعَارِيَّةُ وَالْحَبْسُ وَالْعُمْرَى فِي الْعَطِيَّةِ، وَإِنْ قُلْنَا إنَّ التَّمْلِيكَ أَعَمُّ مِنْ تَمْلِيكِ الذَّاتِ أَوْ الْمَنْفَعَةِ أَوْ انْتِفَاعٍ كَمَا فِي بَعْضِ أَنْوَاعِ الْحَبْسِ وَأَمَّا إنْ خُصِّصَ بِتَمْلِيكِ الذَّاتِ فَلَا تَدْخُلُ ثُمَّ حَدَّ ابْنُ عَرَفَةَ الْهِبَةَ لِغَيْرِ ثَوَابٍ وَالصَّدَقَةَ بِقَوْلِهِ: تَمْلِيكُ ذِي مَنْفَعَةٍ لِوَجْهِ الْمُعْطَى بِغَيْرِ عِوَضٍ وَالصَّدَقَةُ كَذَلِكَ لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى فَأَخْرَجَ بِالتَّمْلِيكِ الْعَارِيَّةَ وَنَحْوَهَا إنْ أُرِيدَ تَمْلِيكُ الذَّاتِ كَمَا مَرَّ وَتَمْلِيكٌ مَصْدَرٌ مُضَافٌ لِلْمَفْعُولِ أَيْ أَنْ يَمْلِكَ مَا فِيهِ مَنْفَعَةٌ وَلِوَجْهِ الْمُعْطَى أَخْرَجَ بِهِ الصَّدَقَةَ؛ لِأَنَّهَا لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى وَبِغَيْرِ عِوَضٍ أَخْرَجَ بِهِ هِبَةَ الثَّوَابِ ثُمَّ حَدَّ هِبَةَ الثَّوَابِ بِقَوْلِهِ: عَطِيَّةٌ قُصِدَ بِهَا عِوَضٌ مَالِيٌّ صَدَقَةٌ تَجُوزُ إلَّا مَعْ مَرَضْ ... مَوْتٍ وَبِالدَّيْنِ الْمُحِيطِ تُعْتَرَضْ وَلَا رُجُوعَ بَعْدُ لِلْمُصَّدِّقِ ... وَمِلْكُهَا بِغَيْرِ ذَلِكَ اُتُّقِيَ كَذَاكَ مَا وُهِبَ لِلْأَيْتَامْ ... وَالْفُقَرَاءِ وَأُولِي الْأَرْحَامْ يَعْنِي أَنَّ الصَّدَقَةَ وَهِيَ الَّتِي يُقْصَدُ بِهَا وَجْهُ اللَّهِ تَعَالَى وَثَوَابُ الدَّارِ الْآخِرَةِ تَجُوزُ أَيْ تَصِحُّ، وَتَلْزَمُ إلَّا إنْ وُجِدَ مَانِعٌ، وَهُوَ إمَّا مَرَضُ الْمَوْتِ أَوْ الدَّيْنُ الْمُحِيطُ بِمَالِهِ، فَإِذَا تَصَدَّقَ وَهُوَ مَرِيضٌ مَرَضًا مَخُوفًا وَاسْتَمَرَّ مَرِيضًا إلَى أَنْ مَاتَ، فَإِنَّ الصَّدَقَةَ تَبْطُلُ لِحَقِّ الْوَرَثَةِ فِي الْمَالِ وَتَصِيرُ وَصِيَّةً تَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ بَعْدَ أَنْ كَانَتْ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، وَتَجْرِي عَلَيْهَا أَحْكَامُ الْوَصِيَّةِ فَإِنْ كَانَتْ بِالثُّلُثِ فَأَقَلَّ لِغَيْرِ وَارِثٍ نُفِّذَتْ، وَلَا تَفْتَقِرُ لِحَوْزٍ. وَإِنْ كَانَتْ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ أَوْ لِوَارِثٍ تَوَقَّفَتْ عَلَى إجَازَةِ الْوَرَثَةِ، فَإِنْ صَحَّ مِنْ مَرَضِهِ ذَلِكَ صِحَّةً بَيِّنَةً صَحَّتْ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ لِوَارِثٍ أَوْ غَيْرِهِ إذَا حِيزَتْ، وَجَرَتْ عَلَيْهَا أَحْكَامُ الْهِبَةِ، وَكَذَا تَبْطُلُ إنْ بِصَدَقَةٍ تَصَدَّقَ وَعَلَيْهِ إذْ ذَاكَ دَيْنٌ مُحِيطٌ بِمَالِهِ فَإِنَّهَا تَبْطُلُ لِحَقِّ الْغُرَمَاءِ فِيهِ وَيَأْخُذُهَا الْغُرَمَاءُ مِنْ جُمْلَةِ مَالِهِ إلَّا إذَا لَمْ تُؤْخَذْ وَبَقِيَتْ إلَى أَنْ تَخَلَّصَ الْغُرَمَاءُ فَإِنَّهَا تَنْفُذُ وَتَلْزَمُ (قَالَ ابْنُ سَلْمُونٍ) وَالصَّدَقَةُ إذَا لَمْ تَكُنْ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ وَلَمْ تَكُنْ مِمَّنْ أَحَاطَ الدَّيْنُ بِمَالِهِ جَائِزَةٌ وَلَا رُجُوعَ فِيهَا لِلْمُتَصَدِّقِ وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِالْبَيْتِ الْأَوَّلِ وَقَوْلُهُ: وَلَا رُجُوعَ بَعْدُ لِلْمُصَّدِّقِ يَعْنِي أَنَّ الصَّدَقَةَ إذَا وَقَعَتْ مِنْ الْمُتَصَدِّقِ، فَإِنَّهَا لَازِمَةٌ لَهُ، وَلَا رُجُوعَ لَهُ عَنْهَا بَعْدَ وُقُوعِهَا لِنَدَمٍ وَنَحْوِهِ، وَسَوَاءٌ حِيزَتْ أَوْ لَمْ تُحَزْ إذْ لَا يَلْزَمُ فِيهَا وَلَا فِي الْهِبَةِ التَّحْوِيزُ عَلَى الْمَذْهَبِ قَالَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَالتَّحْوِيزُ: تَسْلِيمُ الْعَطِيَّةِ أَوْ الرَّهْنِ مِنْ الْمُعْطِي أَوْ الرَّاهِنِ لِمَنْ أَثْبَتَ ذَلِكَ (التَّوْضِيحَ) الْمَعْرُوفَ أَنَّ الْهِبَةَ وَالصَّدَقَةَ يَلْزَمَانِ بِالْقَوْلِ وَلَا يَتِمَّانِ إلَّا بِالْقَبْضِ، ثُمَّ قَالَ وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهَا لَا تَلْزَمُ بِالْقَوْلِ. وَلِلْوَاهِبِ الرُّجُوعُ فِيهَا وَإِنَّمَا تَلْزَمُ بِالْقَبْضِ وَحَكَى أَبُو تَمَّامٍ عَنْ الْمَذْهَبَ أَنَّ الصَّدَقَةَ وَالْحَبْسَ يَتِمَّانِ بِالْقَوْلِ وَلَا يَفْتَقِرَانِ إلَى حِيَازَةٍ، وَالْهِبَةُ تَفْتَقِرُ إلَى الْحِيَازَةِ اهـ. وَفِي أُصُولِ الْفُتْيَا لِابْنِ حَارِثٍ قَالَ مُحَمَّدٌ أَصْلُ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَجَمِيعِ الرُّوَاةِ مِنْ الصَّحَابَةِ أَنَّ مَنْ وَهَبَ هِبَةً أَوْ أَعْطَى عَطِيَّةً فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهَا مِنْ الْمَوْهُوبِ

لَهُ وَلَا الْمُعْطَى، وَلَهُمْ أَنْ يَقُومُوا عَلَيْهِ فِي قَبْضِهَا فَيُجِيزَهُ السُّلْطَانُ عَلَى دَفْعِهَا اهـ. وَهَذَا الْحُكْمُ جَارٍ فِي الْحَبْسِ أَيْضًا فَفِي مَجَالِسِ الْمِكْنَاسِيِّ أَوَّلَ بَابِ الْحَبْسِ: وَلَيْسَ لِلْمُحَبِّسِ الرُّجُوعُ فِي حُبُسِهِ وَيَلْزَمُ إقْبَاضُهُ لِلْمُحَبَّسِ عَلَيْهِ فَإِنْ امْتَنَعَ مِنْ ذَلِكَ حِيزَ عَلَيْهِ وَلَا يَبْطُلُ الْعَقْدُ بِتَأْخِيرِ الْقَبْضِ مَا لَمْ يَمُتْ الْمُحَبِّسُ أَوْ بِتَرَاخِي الْمُحَبَّسِ عَلَيْهِ فِي الْقَبْضِ حَتَّى فَوَّتَهُ الْمُحَبِّسُ انْتَهَى قَوْلُهُ. وَمِلْكُهَا بِغَيْرِ إرْثٍ اُتُّقِيَ يَعْنِي أَنَّ الصَّدَقَةَ لَا يَجُوزُ تَمَلُّكُهَا لِلْمُتَصَدِّقِ بِهَا فَلَا يَجُوزُ لَهُ شِرَاؤُهَا وَلَا قَبُولُ هِبَتِهَا إنْ وُهِبَتْ لَهُ إلَّا إذَا دَخَلَتْ فِي مِلْكِهِ جَبْرًا كَأَنْ يُتَصَدَّقَ عَلَى قَرِيبٍ لَهُ فَيَمُوتَ ذَلِكَ الْقَرِيبُ فَيَكُونَ ذَلِكَ الْمُتَصَدِّقُ وَارِثَهُ فَيَجُوزُ لَهُ حِينَئِذٍ تَمَلُّكُهَا، وَلَيْسَ ذَلِكَ رُجُوعًا فِي الصَّدَقَةِ وَقَوْلُهُ: كَذَاكَ مَا وُهِبَ لِلْأَيْتَامِ الْبَيْتَ يَعْنِي أَنَّ مَا وُهِبَ لِنَحْوِ الْأَيْتَامِ وَالْفُقَرَاءِ وَأُولِي الْأَرْحَامِ لَا رُجُوعَ فِيهِ؛ لِأَنَّ إرَادَةَ الصَّدَقَةِ وَعَدَمَ قَصْدِ الْمُعَاوَضَةِ فِيهَا ظَاهِرٌ مُتَمَحِّضٌ (قَالَ فِي التَّوْضِيحِ) : مَا قُصِدَ بِهِ التَّقَرُّبُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ صِلَةِ رَحِمٍ أَوْ صِلَةٍ لِفَقِيرٍ أَوْ يَتِيمٍ وَنَحْوِهِ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى قَصْدِ التَّقَرُّبِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِهِ، فَلَا يَجُوزُ رُجُوعٌ فِي ذَلِكَ لِأَبٍ وَلَا لِأُمٍّ لِأَنَّهُ صَدَقَةٌ، وَقَدْ وَرَدَ النَّهْيُ عَنْ الْعَوْدِ فِي الصَّدَقَةِ. وَاخْتُلِفَ إذَا اشْتَرَطَ الرُّجُوعَ فِي الصَّدَقَةِ فَقِيلَ: لَا رُجُوعَ لِأَنَّ سُنَّتَهَا عَدَمُ الرُّجُوعِ وَاَلَّذِي قَالَهُ الْبَاجِيُّ فِي وَثَائِقِهِ وَابْنُ الْهِنْدِيِّ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ ثُمَّ قَالَ وَيَلْحَقُ بِالصَّدَقَةِ فِي عَدَمِ الِارْتِجَاعِ لَوْ وَهَبَ هِبَةً لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى قَالَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَسَحْنُونٌ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَبٌ أَوْ ابْنٌ أَوْ ابْنَةٌ مُحْتَاجًا أَوْ صَغِيرًا فِي حَجْرِهِ أَوْ كَبِيرًا نَائِيًا عَنْهُ (ابْنُ الْحَاجِبِ) وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَمَلَّكَهَا بِوَجْهٍ إلَّا بِمِيرَاثٍ (التَّوْضِيحُ) الضَّمِيرُ فِي يَتَمَلَّكُهَا عَائِدٌ عَلَى الصَّدَقَةِ وَظَاهِرُ قَوْلِهِ: وَلَا يَنْبَغِي الْكَرَاهَةُ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ وَالْأَصْلُ فِي «قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعُمَرَ فِي الْفَرَسِ تَصَدَّقْ بِهِ: وَلَا تَشْتَرِهِ وَلَوْ أَعْطَاكَهُ بِدِرْهَمٍ» (اللَّخْمِيُّ) وَمَشْهُورُ الْمَذْهَبِ حَمْلُ النَّهْيِ عَلَى النَّدْبِ وَحَمَلَهُ الدَّاوُدِيُّ عَلَى التَّحْرِيمِ وَتَخْصِيصُهُ الصَّدَقَةَ يَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ فِي الْهِبَةِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْمَوَّازِيَّةِ، وَكَرِهَ ذَلِكَ عَبْدُ الْوَهَّابِ كَالصَّدَقَةِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ. وَالْأَوَّلُ الْمَشْهُورُ وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ فِي الصَّدَقَةِ أَنَّهُ لَا يَشْتَرِيهَا مِمَّنْ حَصَلَتْ لَهُ مِنْ الْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ اهـ ثُمَّ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَمَنْ تَصَدَّقَ عَلَى أَجْنَبِيٍّ بِصَدَقَةٍ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ ثَمَرِهَا وَلَا يُكْرِيَهَا وَلَا يَنْتَفِعَ بِشَيْءٍ مِنْهَا، وَأَمَّا الْأَبُ وَالْأُمُّ إذَا احْتَاجَا فَيُنْفِقُ عَلَيْهِمَا مِمَّا تَصَدَّقَا بِهِ عَلَى الْوَلَدِ ا. هـ. وَنَقَلَ الشَّارِحُ عَنْ الْجَوَاهِرِ فِي تَعْلِيلِ النَّهْيِ عَنْ ارْتِجَاعِهَا بِعِوَضٍ قَالَ: لِأَنَّهُ ضَرْبٌ مِنْ الرُّجُوعِ فِيهَا لِأَنَّ الْمُعْطَى يَسْتَحْيِي مِنْهُ فَيَحُطُّ عَنْهُ مِنْ ثَمَنِهَا مَا لَا يَحُطُّ لِغَيْرِهِ فَيَكُونُ رُجُوعًا فِي ذَلِكَ (قَالَ الشَّارِحُ) : ظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ يُنْهَى مُطْلَقًا وَلَوْ وَفَّاهُ الثَّمَنَ اهـ وَهُوَ ظَاهِرٌ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ الْحُكْمَ إذَا عُلِّلَ بِالْمَظِنَّةِ فَلَا يَتَخَلَّفُ الْحُكْمُ بِتَخَلُّفِهَا. (فَرْعٌ) سُئِلَ الْإِمَامُ أَبُو سَعِيدِ بْنُ لُبٍّ عَمَّنْ وَهَبَ فِي مَرَضِهِ وَضَمِنَ كَاتِبُ الْوَثِيقَةِ أَوْ الْوَاهِبُ بِحَالِ مَرَضٍ مُزْمِنٍ وَهُوَ مَعَهُ صَحِيحُ الْعَقْلِ ثُمَّ تُوُفِّيَ الْوَاهِبُ الْمَذْكُورُ فَأَثْبَتَ وَرَثَتُهُ أَنَّهُ كَانَ مَرِيضًا فِي تَارِيخِ الْهِبَةِ وَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ إلَى أَنْ تُوُفِّيَ، فَأَثْبَتَ الْمَوْهُوبُ لَهُ أَنَّ الْوَاهِبَ أَصَابَهُ مَرَضٌ مُزْمِنٌ وَاتَّصَلَ بِهِ مُدَّةً مِنْ عَامٍ وَسَبْعَةِ أَشْهُرٍ وَلَمْ يَزَلْ مَرِيضًا بِطُولِ الْمُدَّةِ إلَى أَنْ وَهَبَ؟ فَأَجَابَ مُنْذُ كَانَ الْوَاهِبُ وَقْتَ الْهِبَةِ مُلْتَزِمًا وَاتَّصَلَ لِلْفِرَاشِ، وَاتَّصَلَ حَالُهُ كَذَلِكَ وَلَمْ تَظْهَرْ لَهُ إفَاقَةٌ إلَى أَنْ تُوُفِّيَ بَعْدَ ذَلِكَ بِالْأَشْهُرِ الْيَسِيرَةِ؛ فَهِبَتُهُ لِوَرَثَتِهِ بَاطِلَةٌ إلَّا أَنْ يَشْهَدَ شُهُودٌ مِنْ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِالْأَمْرَاضِ أَنَّ مَرَضَهُ كَانَ وَقْتَ أَنْ وَهَبَ مَرَضًا غَيْرَ مَخُوفٍ وَحَدَثَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ مَرَضٌ آخَرُ تُوُفِّيَ مِنْهُ قَالَهُ فَرَجٌ انْتَهَى مِنْ الشَّارِحِ بِاخْتِصَارٍ. وَالْأَبُ حَوْزُهُ لِمَا تَصَدَّقَا ... بِهِ عَلَى مَحْجُورِهِ لَنْ يُتَّقَى

يَعْنِي أَنَّ الْأَبَ إذَا تَصَدَّقَ عَلَى مَنْ فِي حِجْرِهِ مِنْ أَوْلَادِهِ، فَإِنَّهُ هُوَ الَّذِي يَحُوزُ لَهُ، وَلَيْسَ فِي حَوْزِهِ لَهُ مَا يُتَّقَى، وَيُحْذَرُ وَسَوَاءٌ كَانَ الْوَلَدُ الْمَوْهُوبُ لَهُ كَبِيرًا مُوَلًّى عَلَيْهِ أَوْ صَغِيرًا ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى (قَالَ فِي الْمُقَرَّبِ) قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ أَرَأَيْتَ مَا وَهَبَ الْأَبُ لِوَلَدِهِ الصِّغَارِ وَأَشْهَدَ عَلَيْهِ أَيَجُوزُ أَنْ يَحُوزَ ذَلِكَ لَهُمْ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ قَالَ: مَالِكٌ فَإِذَا بَلَغُوا وَآنَسَ مِنْهُمْ الرُّشْدَ فَلَمْ يَقْبِضُوا حَتَّى مَاتَ الْأَبُ فَلَا شَيْءَ لَهُمَا وَإِنْ مَاتَ وَهُمْ فِي حَالَةِ السَّفَهِ، فَحَوْزُ أَبِيهِمْ لَهُمْ حَوْزٌ، وَإِنْ كَانُوا قَدْ بَلَغُوا وَمَنْ تَصَدَّقَ عَلَى ابْنَتِهِ الْبِكْرِ فَهُوَ الْحَائِزُ لَهَا وَإِنْ كَانَتْ قَدْ بَلَغَتْ وَهِيَ مَرْضِيَّةُ الْحَالِ، وَكَذَلِكَ إنْ تَزَوَّجَتْ وَدَخَلَ بِهَا زَوْجُهَا مَا دَامَتْ بِحَالِ السَّفَهِ، وَلَا يَقْطَعُ الزَّوَاجَ حِيَازَةُ الْأَبِ فَإِذَا صَارَتْ فِي حَالٍ تَحُوزُ لِنَفْسِهَا فَلَا تَجُوزُ حِيَازَةُ الْأَبِ عَلَيْهَا اهـ. وَكَلَامُ النَّاظِمِ يَشْمَلُ هَذِهِ الصُّورَةَ، أَعْنِي صُورَةَ حَوْزِ الْأَبِ لِابْنَتِهِ مَا لَمْ تَرْشُدْ وَلِلْمُعَيَّنِينَ بِالْحَوْزِ تَصِحّْ ... وَجَبْرُهُ مَهْمَا أَبَاهُ مُتَّضِحْ وَفِي سِوَى الْمُعَيَّنِينَ يُؤْمَرُ ... بِالْحَوْزِ وَالْخُلْفُ أَتَى هَلْ يُجْبَرُ وَالْجَبْرُ مَحْتُومٌ بِذِي تَعَيُّنِ ... لِصِنْفِهِمْ مِنْ جِهَةِ الْمُعَيَّنِ نَوَّعَ النَّاظِمُ الْمُتَصَدَّقَ عَلَيْهِ بِاعْتِبَارِ جَبْرِ الْمُتَصَدِّقِ عَلَى الْحَوْزِ وَعَدَمِ جَبْرِهِ عَلَيْهِ إلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ فَإِنْ كَانَ الْمُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ كَزَيْدٍ وَعَمْرٍو، فَيُجْبَرُ الْمُتَصَدِّقُ عَلَى الْحَوْزِ. وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِالْبَيْتِ الْأَوَّلِ. وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُعَيَّنٍ كَالْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ فَإِنَّهُ يُؤْمَرُ بِالْحَوْزِ، وَهَلْ يُجْبَرُ عَلَيْهِ؟ قَوْلَانِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِالْبَيْتِ الثَّانِي. وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُعَيَّنٍ وَلَكِنْ انْتَقَلَتْ إلَيْهِ مِنْ الْمُعَيَّنِ، فَإِنَّهُ يُجْبَرُ نَظَرًا لِلْمَنْقُولِ عَنْهُ. فَقَوْلُهُ: وَلِلْمُعَيَّنِينَ الْبَيْتَ يَعْنِي أَنَّ الصَّدَقَةَ تَصِحُّ عَلَى الْمُعَيَّنِينَ كَزَيْدٍ وَعَمْرٍو بِشَرْطِهَا الَّذِي هُوَ الْحَوْزُ، فَلَامُ لِلْمُعَيَّنِينَ بِمَعْنَى عَلَى وَجَبْرُ الْمُتَصَدِّقِ عَلَيْهَا إنْ امْتَنَعَ مُتَّضِحٌ جَلِيٌّ؛ لِأَنَّهَا لَازِمَةٌ بِالْقَوْلِ. وَقَوْلُهُ: " وَفِي سِوَى الْمُعَيَّنِينَ: الْبَيْتَ يَعْنِي أَنَّ الصَّدَقَةَ إذَا كَانَتْ عَلَى غَيْرِ الْمُعَيَّنِينَ كَالْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ، فَإِنَّ الْمُتَصَدِّقَ يُؤْمَرُ بِالْحَوْزِ وَفِي جَبْرِهِ عَلَيْهِ خِلَافٌ وَقَوْلُهُ؛ " وَالْجَبْرُ مَحْتُومٌ " الْبَيْتَ بَاءُ (بِذِي) : ظَرْفِيَّةٌ، وَذِي التَّعَيُّنِ: صِفَةٌ لِمَحْذُوفٍ أَيْ مُتَصَدَّقٌ عَلَيْهِ الْمُعَيَّنُ وَلِصِنْفِهِمْ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْتُومٍ وَضَمِيرُ الْجَمَاعَةِ لِغَيْرِ الْمُعَيَّنِينَ يَعْنِي أَنَّ جَبْرَ الْمُتَصَدِّقِ عَلَى الْحَوْزِ مُتَحَتِّمٌ لِصِنْفِ غَيْرِ الْمُعَيَّنِينَ، أَيْ أَنَّهُ حَقٌّ لَهُمْ لِانْتِقَالِ الصَّدَقَةِ لَهُمْ عَنْ

الْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ ذِي التَّعَيُّنِ أَوْ الْمُتَعَيَّنِ وَقَوْلُهُ مِنْ جِهَةِ الْمُعَيَّنِ تَعْلِيلٌ لِيَكُونَ الْجَبْرُ حَقًّا لِغَيْرِ الْمُعَيَّنِينَ أَمَّا الْوَجْهُ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي فَفِي نَوَازِلِ ابْنِ الْحَاجِّ وَإِذَا كَانَتْ الصَّدَقَةُ فِي غَيْرِ يَمِينٍ فَإِنْ كَانَتْ لِمُعَيَّنِينَ فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَيْهَا وَإِنْ كَانُوا غَيْرَ مُعَيَّنِينَ كَالْمَرْضَى وَنَحْوِهِمْ فَفِيهَا قَوْلَانِ فِي حُبْسِ الْمُدَوَّنَةِ وَفِي الْهِبَةِ مِنْهَا اهـ. وَأَمَّا الْوَجْهُ الثَّالِثُ فَنَقَلَ الشَّارِحُ مَا نَصُّهُ وَسُئِلَ ابْنُ الْحَاجِّ أَيْضًا فِي رَجُلٍ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ عَلَى ابْنِهِ ثُمَّ بَعْدَهُ لِلْمَرْضَى وَمَاتَ الِابْنُ فَطَلَبَهُ الْمَرْضَى فَقَالَ إنَّهُ يُجْبَرُ عَلَيْهَا لِأَنَّهَا انْتَقَلَتْ إلَيْهِمْ مِنْ مُعَيَّنٍ اهـ وَأَشَارَ النَّاظِمُ بِقَوْلِهِ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى لِقَوْلِ ابْنِ الْحَاجِّ لِأَنَّهَا انْتَقَلَتْ إلَيْهِمْ مِنْ مُعَيَّنٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَلِلْأَبِ التَّقْدِيمُ لِلْكَبِيرِ ... لِقَبْضِ مَا يَخْتَصُّ بِالصَّغِيرِ يَعْنِي أَنَّ الْأَبَ إذَا تَصَدَّقَ عَلَى وَلَدَيْهِ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ فَإِنَّ لِلْأَبِ أَنْ يُقَدِّمَ الْكَبِيرَ لِقَبْضِ نَصِيبِ الصَّغِيرِ يَعْنِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَلَهُ أَنْ يُقَدِّمَ عَلَى ذَلِكَ أَجْنَبِيًّا كَمَا فِي الْحَبْسِ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ نَظِيرُ قَوْلِهِ فِي الْحَبْسِ وَالْأَخُ لِلصَّغِيرِ قَبْضُهُ وَجَبْ مَعَ اشْتِرَاكٍ وَبِتَقْدِيمٍ مِنْ أَبْ الْأَبْيَاتَ الْأَرْبَعَ (قَالَ فِي الْمُفِيدِ) وَإِنْ تَصَدَّقَ رَجُلٌ بِصَدَقَةٍ عَلَى ابْنَيْنِ لَهُ كَبِيرٍ وَصَغِيرٍ فَإِنَّ الْكَبِيرَ يَقْبِضُ لِنَفْسِهِ وَلِأَخِيهِ بِتَوْكِيلِ الْأَبِ لَهُ عَلَى ذَلِكَ وَتَصِحُّ الصَّدَقَةُ وَالْهِبَةُ لَهُمَا وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْ حَتَّى مَاتَ الِابْنُ فَإِنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ قَالَ لَا تَجُوزُ جَمِيعُ الصَّدَقَةِ وَالْهِبَةِ وَتَبْطُلُ وَكَذَلِكَ الْحَبْسُ أَيْضًا ذَلِكَ كُلُّهُ إلَى وَرَثَةِ الْمُتَوَفَّى وَوَافَقَهُ جَمِيعُ الرُّوَاةِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْحُبُس لِأَنَّ الْحَبْسَ لَا يَنْقَسِمُ وَخَالَفُوهُ فِي الصَّدَقَةِ وَالْهِبَةِ وَأَجَازَ لِلصَّغِيرِ نَصِيبَهُ لِأَنَّ الْأَبَ يَجُوزُ لَهُ وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ الْعَمَلُ وَبِهِ الْقَضَاءُ اهـ وَحَوْزُ حَاضِرٍ لِغَائِبٍ إذَا ... كَانَا شَرِيكَيْنِ بِهَا قَدْ أُنْفِذَا يَعْنِي أَنَّ مَنْ وَهَبَ أَوْ تَصَدَّقَ عَلَى رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا حَاضِرٌ وَالْآخَرُ غَائِبٌ فَحَازَ الْحَاضِرُ الْجَمِيعَ لِنَفْسِهِ وَلِلْغَائِبِ فَذَلِكَ حَوْزٌ لَهُمَا فِيهَا وَكَافٍ لِلْغَائِبِ (قَالَ فِي الْمُقَرَّبِ:) قُلْت: فَإِنْ وُهِبَتْ أَرْضٌ لِرَجُلَيْنِ أَجْنَبِيَّيْنِ أَحَدُهُمَا حَاضِرٌ، وَالْآخَرُ غَائِبٌ فَقَبَضَ الْحَاضِرُ جَمِيعَ الْأَرْضِ أَيَكُونُ قَبْضُهُ قَبْضًا لِلْغَائِبِ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِالْهِبَةِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ اهـ. وَبَاءُ (بِهَا) ظَرْفِيَّةٌ تَتَعَلَّقُ بِشَرِيكَيْنِ وَالضَّمِيرُ لِلْهِبَةِ أَوْ الصَّدَقَةِ عَلَى الْبَدَلِ، وَأَطْلَقَ وَلَمْ يُعَيِّنْ هَلْ ذَلِكَ فِي الْهِبَةِ أَوْ الصَّدَقَةِ؛ لِيَكُونَ الْحُكْمُ شَامِلًا لَهُمَا؛ لِأَنَّ التَّرْجَمَةَ لَهُمَا مَعًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَمَا عَلَى الْبَتِّ لِشَخْصٍ عُيِّنَا ... فَهُوَ لَهُ وَمَنْ تَعَدَّى ضُمِّنَا وَغَيْرُ مَا يُبَتُّ إذْ يُعَيَّنُ ... رُجُوعُهُ لِلْمِلْكِ لَيْسَ يَحْسُنُ يَعْنِي أَنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخَذَ شَيْئًا وَنَوَى أَنْ يُعْطِيَهُ لِمِسْكِينٍ مُعَيَّنٍ سَمَّاهُ بِلِسَانِهِ أَوْ نَوَاهُ بِقَلْبِهِ، فَإِنْ بَتَّهُ لَهُ أَوْ أَمْضَاهُ لَهُ بِقَوْلِهِ: أَوْ نِيَّةٍ جَازِمًا بِذَلِكَ غَيْرَ مُتَرَوٍّ فِيهِ، فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ لِغَيْرِهِ، فَإِنْ أَعْطَاهُ لِغَيْرِهِ فَعَلَيْهِ ضَمَانُهُ، وَيَغْرَمُهُ لِذَلِكَ الْمِسْكِينِ الْمُعَيَّنِ، وَعَلَى هَذَا نَبَّهَ بِالْبَيْتِ الْأَوَّلِ، وَإِنْ سَمَّى الْمِسْكِينَ وَنَوَى أَنْ يُعْطِيَهُ ذَلِكَ وَلَمْ يَبُتَّ لَهُ وَلَا نِيَّةَ، فَيُكْرَهُ لَهُ أَنْ يَصْرِفَهُ إلَى مَالِهِ، وَلَا يُعْطِيهِ لِمَنْ عَيَّنَهُ، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِالْبَيْتِ الثَّانِي (قَالَ ابْنُ رُشْدٍ) فِي نَوَازِلِهِ: إنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ أَخْرَجَ مَالًا لِلصَّدَقَةِ فَعَزَلَ عَنْهُ شَيْئًا أَسْمَاهُ بِلِسَانِهِ لِمِسْكِينٍ بِعَيْنِهِ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ بَدَا لَهُ فَصَرَفَهُ لِمِسْكِينٍ آخَرَ هَلْ يُبَاحُ لَهُ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: إنْ كَانَ هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي عَزَلَ مِنْ الْمَالِ الَّذِي أَخْرَجَهُ لِلصَّدَقَةِ شَيْئًا مِنْهُ لِمِسْكِينٍ بِعَيْنِهِ سَمَّاهُ لَهُ وَنَوَى أَنْ يُعْطِيَهُ وَلَمْ يُبَتَّ لَهُ بِقَوْلٍ وَلَا نِيَّةٍ، فَيُكْرَهُ لَهُ أَنْ يَصْرِفَهُ لِغَيْرِهِ وَإِنْ كَانَ بَتَّ لَهُ بِقَوْلٍ أَوْ نِيَّةٍ فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَصْرِفَهُ إلَى غَيْرِهِ، وَهُوَ ضَامِنٌ لَهُ إنْ فَعَلَ وَكَذَلِكَ مَا جُعِلَ إلَيْهِ تَنْفِيذُهُ مِمَّا أَخْرَجَهُ غَيْرُهُ لِلصَّدَقَةِ سَوَاءٌ وَمِثْلُهُ فِي الْمَعْنَى الَّذِي يَأْمُرُ لِلسَّائِلِ بِشَيْءٍ أَوْ يَخْرُجُ إلَيْهِ بِشَيْءٍ فَلَا يَجِدُهُ، يُكْرَهُ لَهُ أَنْ يَصْرِفَهُ إلَى مَالِهِ، وَلَا يَحْرُمُ ذَلِكَ عَلَيْهِ، إنْ كَانَ إنَّمَا نَوَى أَنْ يُعْطِيَهُ إيَّاهُ، وَلَمْ يُبَتَّ لَهُ بِقَوْلٍ وَلَا نِيَّةٍ اهـ. وَقَدْ تَلَخَّصَ مِنْ قَوْلِ ابْنِ رُشْدٍ أَوَّلًا يُكْرَهُ لَهُ أَنْ يَصْرِفَهُ لِغَيْرِهِ وَقَوْلُهُ: ثَانِيًا: يُكْرَهُ لَهُ أَنْ يَصْرِفَهُ إلَى مَالِهِ كَرَاهَةَ

الْوَجْهَيْنِ مَعًا، أَعْنِي دَفْعَهُ لِغَيْرِ مَنْ نَوَى أَوْ حَبْسَهُ لِنَفْسِهِ، وَإِنَّمَا يُعْطِيهِ لِمَنْ نَوَاهُ لَهُ وَالنَّاظِمُ إنَّمَا قَبَّحَ رُجُوعَهُ لِلْمِلْكِ فَقَطْ دُونَ إعْطَائِهِ لِلْغَيْرِ فَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَمَا: مُبْتَدَأٌ وَاقِعَةٌ عَلَى الصَّدَقَةِ وَهِيَ مَوْصُولٌ صِلَتُهُ (عُيِّنَ) وَعَلَى الْبَتِّ يَتَعَلَّقُ بِ (عُيِّنَ) وَكَذَا الشَّخْصُ، وَجُمْلَةُ (فَهُوَ لَهُ) خَبَرُ مَا، وَمَا مِنْ قَوْلِهِ: (وَغَيْرُ مَا يُبَتُّ) وَاقِعَةٌ عَلَى الصَّدَقَةِ أَيْضًا وَهُوَ مُقَابِلُ قَوْلِهِ: (وَمَا عَلَى الْبَتِّ) وَنَائِبُ يُعَيَّنُ لِلشَّخْصِ لِأَنَّهُ مُقَابِلُ قَوْلِهِ: وَمَا عَلَى الْبَتِّ لِشَخْصٍ عُيِّنَا فَالشَّخْصُ الْمُرَادُ بِهِ الْمِسْكِينُ وَالْمُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ مُعَيَّنٌ فِي الْوَجْهَيْنِ إلَّا أَنَّهُ بَطَلَتْ لَهُ الصَّدَقَةُ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي وَلِلْأَبِ الْقَبْضُ لِمَا قَدْ وَهَبَا ... وَلَدَهُ الصَّغِيرَ شَرْعًا وَجَبَا إلَّا الَّذِي يَهَبُ مِنْ نَقْدَيْهِ ... فَشَرْطُهُ الْخُرُوجُ مِنْ يَدَيْهِ إلَى أَمِينٍ وَعَنْ الْأَمِينِ ... يُغْنِي اشْتِرَاءٌ هَبْهُ بَعْدَ حِينِ وَإِنْ يَكُنْ مَوْضِعَ سُكْنَاهُ يَهَبْ ... فَإِنَّ الْإِخْلَاءَ لَهُ حُكْمٌ وَجَبْ يَعْنِي أَنَّ الْأَبَ إذَا وَهَبَ شَيْئًا لِوَلَدِهِ الصَّغِيرِ، فَإِنَّهُ هُوَ الَّذِي يَحُوزُهُ لَهُ وَلَا يَضُرُّ بَقَاؤُهُ تَحْتَ يَدِ الْأَبِ الْوَاهِبِ الْمَذْكُورِ، وَهَذَا الْمَعْنَى تَقَدَّمَ لِلنَّاظِمِ حَيْثُ قَالَ: وَالْأَبُ حَوْزُهُ لِمَا تَصَدَّقَا ... بِهِ عَلَى مَحْجُورِهِ لَنْ يُتَّقَى إلَّا أَنَّهُ عَبَّرَ هُنَاكَ بِالْمَحْجُورِ الشَّامِلِ لِلصَّغِيرِ وَالْبَالِغِ فَلَا مَفْهُومَ لِقَوْلِهِ هُنَا: لِلصَّغِيرِ وَعَبَّرَ هُنَاكَ أَيْضًا بِالصَّدَقَةِ وَهُنَا بِالْهِبَةِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا، يَحُوزُ مَا أَعْطَى لِوَلَدِهِ الَّذِي فِي حِجْرِهِ وَتَحْتَ وِلَايَتِهِ صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا فِي الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ مَعًا (التَّوْضِيحُ) فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ إلَّا فِي صَدَقَةِ أَبٍ عَلَى صَغِيرٍ وَتَخْصِيصُهُ الصَّغِيرَ وَالْأَبَ لَيْسَ بِظَاهِرٍ؛ لِأَنَّ السَّفِيهَ فِي هَذَا كَالصَّغِيرِ. وَالْوَصِيُّ وَمُقَدَّمُ الْقَاضِي مُشَارِكَانِ لِلْأَبِ فِي ذَلِكَ وَلَوْ قَالَ إلَّا فِي عَطِيَّةِ أَبٍ لِيَشْمَلَ الْهِبَةَ وَغَيْرَهَا لَكَانَ أَحْسَنَ ا. هـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إنَّمَا أَعَادَ الْمَسْأَلَةَ مَعَ تَقَدُّمِهَا كَمَا ذَكَرْنَا؛ لِيَسْتَثْنِيَ مِنْهَا مَا خَرَجَ عَنْ ذَلِكَ الْحُكْمِ وَهُوَ شَيْئَانِ. (أَحَدُهُمَا) أَنْ يَهَبَ لِوَلَدِهِ الْمَحْجُورِ مَا لَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ كَالنَّقْدَيْنِ وَالْمِثْلِيَّاتِ مِنْ الْمَكِيلَاتِ وَالْمَوْزُونَاتِ وَالْمَعْدُودَاتِ فَلَا يَكْفِي أَنْ يَحُوزَ هُوَ ذَلِكَ لِوَلَدِهِ بَلْ يُخْرِجَهُ مِنْ يَدِهِ إلَى أَمِينٍ، أَوْ يَشْتَرِيَ لِوَلَدِهِ بِذَلِكَ الشَّيْءِ، أَوْ بِثَمَنِهِ شَيْئًا بِاسْمِ الْوَلَدِ الْمَذْكُورِ كَانَ الشِّرَاءُ حِينَئِذٍ أَوْ بَعْدَ زَمَانٍ وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: إلَّا الَّذِي يَهَبُ مِنْ نَقْدَيْهِ الْبَيْتَيْنِ إلَّا أَنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَسْتَثْنِ إلَّا النَّقْدَيْنِ، فَإِنَّ الْمِثْلِيَّاتِ كُلَّهَا كَذَلِكَ لِاشْتِرَاكِ الْجَمِيعِ فِي كَوْنِهِ لَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّانِي) : أَنْ يَهَبَ لِوَلَدِهِ دَارَ سُكْنَاهُ، فَلَا يَحُوزُهَا لَهُ بِسُكْنَاهُ فِيهَا بَلْ لَا بُدَّ مِنْ خُرُوجِهِ مِنْهَا وَإِخْلَائِهَا مِنْ أَثَاثِهِ وَأَسْبَابِهِ ثُمَّ يُكْرِيهَا لِلْغَيْرِ وَيَصْرِفُ الْكِرَاءَ فِي مَنَافِعِ الْوَلَدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ، فَإِنْ سَكَنَهَا الْأَبُ الْمَذْكُورُ فَفِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ يَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ. أَمَّا حَوْزُ الْأَبِ لِمَا وَهَبَ أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَى وَلَدِهِ الصَّغِيرِ فَفِي الْجَوَاهِرِ، رَوَى ابْنُ وَهْبٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَابْنَ عُمَرَ وَابْنَ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - قَالُوا: لَا تَجُوزُ صَدَقَةٌ وَلَا عَطِيَّةٌ إلَّا بِحَوْزٍ إلَّا الصَّغِيرَ مِنْ وَلَدِ الْمُتَصَدِّقِ فَإِنَّ أَبَاهُ يَحُوزُ لَهُ (وَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ سَمَاعِ أَصْبَغَ) ، وَسَمِعْتُ ابْنَ الْقَاسِمِ يَقُولُ: فِي الَّذِي يَتَصَدَّقُ عَلَى وَلَدِهِ الصَّغِيرِ بِصَدَقَةٍ لَهَا غَلَّةٌ وَكِرَاءٌ وَيُكْرِي ذَلِكَ بِاسْمِهِ، إنَّ ذَلِكَ لَا يُبْطِلُ صَدَقَتَهُ إذَا كَانَ قَدْ كَانَ أَشْهَدَ عَلَى أَصْلِ الصَّدَقَةِ وَأَنْكَرَ قَوْلَ مَنْ يَقُولُ: لَا تَجُوزُ الصَّدَقَةُ إذَا كَتَبَ الْأَبُ الْكِرَاءَ بِاسْمِ نَفْسِهِ، وَقَالَ: مَنْ يُكْرِي لِلصَّغِيرِ وَيَشْتَرِي لَهُ وَيَبِيعُ إلَّا أَبَوَاهُ ا. هـ. وَأَمَّا هِبَةُ الْأَبِ لِوَلَدِهِ الصَّغِيرِ أَوْ الْمَحْجُورِ مَالًا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ، فَقَالَ: فِي التَّوْضِيحِ وَاخْتُلِفَ فِي هِبَةِ مَا لَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ كَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَاللُّؤْلُؤِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْمَكِيلَاتِ وَالْمَوْزُونَاتِ، فَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ وَبِهِ أَخَذَ الْمِصْرِيُّونَ وَغَيْرُهُمْ أَنَّهُ لَا يَتِمُّ الْحَوْزُ وَلَوْ خَتَمَ عَلَيْهِ بِحَضْرَةِ الشُّهُودِ إلَّا بِأَنْ يُجْعَلَ عَلَى يَدِ غَيْرِهِ وَذَهَبَ الْمَدَنِيُّونَ إلَى أَنَّهُ يَتِمُّ الْحَوْزُ فِيهَا بِوَضْعِهَا عَلَى يَدِهِ إذَا أَحْضَرَهَا بِحَضْرَةِ الشُّهُودِ وَخَتَمَ عَلَيْهَا بِخَاتِمِهِ، قَالُوا: وَتَصِحُّ أَيْضًا وَإِنْ لَمْ يَخْتِمْهَا الشُّهُودُ، وَلَوْ خَتَمُوا عَلَيْهَا لَكَانَ خَيْرًا وَأَحْسَنَ، وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ مَالِكٍ وَقَرِيبٌ مِنْهُ فِي الْمُوَطَّأِ، أَنَّهُ يَحُوزُ إذَا أَبْرَزَهُ وَإِنْ لَمْ يُخْرِجْهُ مِنْ يَدِهِ قِيلَ وَبِالْأَوَّلِ جَرَى الْعَمَلُ وَهُوَ مَذْهَبُ الرِّسَالَةِ لِقَوْلِهِ: وَإِنَّمَا يَجُوزُ لَهُ مَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ اهـ. (وَفِي الْعُتْبِيَّة مِنْ سَمَاعِ عِيسَى) قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ قُلْتُ لِمَالِكٍ أَرَأَيْتَ

الدَّنَانِيرَ يَتَصَدَّقُ بِهَا الرَّجُلُ عَلَى ابْنِهِ الصَّغِيرِ كَيْفَ تُحَازُ؟ قَالَ: يَضَعُهَا عَلَى يَدَيْ غَيْرِهِ لَا يَجُوزُ فِيهَا غَيْرُ ذَلِكَ وَلَمْ يَرَهَا مِثْلَ الْعُرُوضِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَسَأَلْنَا مَالِكًا عَنْ الرَّجُلِ يَشْتَرِي الْعَبْدَ وَيُشْهِدُ أَنَّهُ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ ثُمَّ مَاتَ بَعْدَ ذَلِكَ بِسَنَةٍ؟ فَقَالَ: هُوَ لِلِابْنِ وَلَا يَدْخُلُ الْوَرَثَةُ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ اهـ. وَجْهُ ذَلِكَ، كَأَنَّهُ وَهَبَهُ الثَّمَنَ، ثُمَّ اشْتَرَى لَهُ بِهِ الْعَبْدَ كَالْمَسْأَلَةِ الَّتِي بَعْدَهَا وَفِي أَحْكَامِ ابْنِ سَهْلٍ: أَنَّ ابْنَ دَحُونَ سَأَلَ ابْنَ زَرْبٍ عَمَّنْ ابْتَاعَ لِابْنٍ لَهُ صَغِيرٍ دَارًا بِمَالٍ وَهَبَهُ لَهُ ثُمَّ بَلَغَ الِابْنُ وَمَاتَ الْأَبُ وَلَمْ يَقْبِضْ الِابْنُ الدَّارَ هَلْ تَنْفُذُ لَهُ أَمْ يَبْطُلُ أَمْرُهَا؟ قَالَ: لَا تَبْطُلُ، وَقَدْ تَمَّتْ الْحِيَازَةُ لِلْهِبَةِ بِالِابْتِيَاعِ لِلدَّارِ اهـ. وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا تَلِيهَا مِنْ بَابِ الِاشْتِرَاءِ لِلْوَلَدِ بِالشَّيْءِ الْمَوْهُوبِ الَّذِي لَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ وَأَمَّا هِبَةُ دَارِ السُّكْنَى لِلْوَلَدِ الصَّغِيرِ، فَفِي وَثَائِقِ الْبَاجِيِّ إذَا كَانَتْ الصَّدَقَةُ فِي دَارٍ يَسْكُنُهَا الْأَبُ فَلَا تَجُوزُ حَتَّى يُخْلِيَهَا الْأَبُ مِنْ أَهْلِهِ وَثِقْلِهِ وَتَكُونُ فَارِغَةً، وَيُكْرِيهَا لِلِابْنِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى هَذَا لَمْ تَجُزْ الصَّدَقَةُ، فَإِنْ خَرَجَ مِنْهَا فَقَدْ قِيلَ إذَا بَقِيَ خَارِجًا عَنْهَا سَنَةً ثُمَّ رَجَعَ إلَيْهَا أَوْ أَكْرَاهَا مِنْ نَفْسِهِ، فَذَلِكَ جَائِزٌ عَلَى رِوَايَةِ عِيسَى (وَفِي الْمُتَيْطِيَّةِ) إذَا تَصَدَّقَ الرَّجُلُ عَلَى ابْنِهِ الَّذِي فِي حِجْرِهِ بِدَارٍ يَسْكُنُهَا الْأَبُ، فَلَا بُدَّ مِنْ إخْلَائِهَا مِنْ نَفْسِهِ وَثِقْلِهِ وَأَهْلِهِ وَتُعَايِنُهَا الْبَيِّنَةُ خَالِيَةً فَارِغَةً مِنْ أَثْقَالِهَا، وَيُكْرِيهَا الْأَبُ لِلِابْنِ مِنْ غَيْرِهِ، فَإِنْ مَضَتْ سَنَةٌ، فَلَا بَأْسَ بِعَوْدَةِ الْأَبِ إلَى سُكْنَاهَا، وَيُكْرِيهَا الْأَبُ مِنْ نَفْسِهِ وَيُشْهِدُ عَلَى ذَلِكَ. قَالَ الشَّارِحُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: وَقَعَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ الَّتِي نَصَّ عَلَيْهَا الْمُتَيْطِيّ فِي قَوْلِهِ: وَيُكْرِيهَا الْأَبُ مِنْ نَفْسِهِ وَيُشْهِدُ عَلَى ذَلِكَ قَدِيمًا، وَاخْتَلَفَ فِيهَا الْفُقَهَاءُ بِغَرْنَاطَةَ فَمِنْ مَانِعٍ وَمِنْ مُجِيزٍ. وَسُئِلَ عَنْهَا الْإِمَامُ أَبُو الْقَاسِمِ الْعَبْدُوسِيُّ فِي رَجُلٍ وَهَبَ ابْنَهُ الصَّغِيرَ فَدَّانًا وَحَازَهُ لَهُ نَفْسه كَمَا يَجِبُ ثُمَّ بَعْدَ أَيَّامٍ أَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ أَنَّهُ أَكْرَى لِنَفْسِهِ عَلَى ابْنِهِ الْفَدَّانَ الْمَذْكُورَ قَبْلَهُ بِكَذَا وَكَذَا فِي الْعَامِ بِتَقْوِيمِ أَرْبَابِ الْبَصَرِ أَنَّ الْكِرَاءَ الَّذِي ذَكَرَ هُوَ كِرَاءُ مِثْلِ الْفَدَّانِ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ مَاتَ الْوَاهِبُ، فَهَلْ تَصِحُّ الْهِبَةُ أَمْ تَبْطُلُ؟ فَأَجَابَ مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَحَكَاهُ مُطَرِّفٌ عَنْ مَالِكٍ وَقَالَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَأَصْبَغُ أَنَّ الْأَبَ لَوْ تَمَادَى عَلَى الِانْتِفَاعِ بِهِ بِغَيْرِ حِيَازَةٍ لَا تَعْيِينِ كِرَاءٍ مَا ضَرَّ ذَلِكَ فِي الْحِيَازَةِ فَأُجْرِيَ مَعَ الْحِيَازَةِ وَتَعْيِينِ الْكِرَاءِ، فَإِنَّ حِيَازَةَ هَذَا يَكْفِي فِيهَا الْإِشْهَادُ خَاصَّةً خِلَافَ حِيَازَةِ الْمَسْكُونِ وَالْمَلْبُوسِ فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ لَا يُحْتَاجُ إلَى شَيْءٍ وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ وَأَشْهَبُ: هُوَ كَحِيَازَةِ الْمَسْكُونِ وَالْمَلْبُوسِ فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ إذَا أَكْرَاهُ مِنْ نَفْسِهِ لَمْ يَبْطُلْ بِخِلَافِ الرَّهْنِ، فَعَلَى كُلِّ حَالٍ لَا تَبْطُلُ الْهِبَةُ عَلَى كُلِّ قَوْلٍ. حَكَى هَذَا الْكَلَامَ ابْنُ رُشْدٍ فِي آخِرِ سَمَاعِ عَبْدِ الْمَلِكِ زُونَانَ مِنْ كِتَابِ الشُّفْعَةِ وَفِي غَيْرِهِ وَكَتَبَ مُسَلِّمًا عَلَيْكُمْ أَبُو الْقَاسِمِ الْعَبْدُوسِيُّ لَطَفَ اللَّهُ بِهِ. وَمَنْ يَصِحُّ قَبْضُهُ وَمَا قَبَضْ ... مُعْطَاهُ مُطْلَقًا لِتَفْرِيطٍ عَرَضْ يَبْطُلُ حَقُّهُ بِلَا خِلَافِ ... إنْ فَاتَهُ فِي ذَلِكَ التَّلَافِي يَعْنِي أَنَّ الْمَوْهُوبَ لَهُ أَوْ الْمُتَصَدَّقَ عَلَيْهِ إذَا كَانَ مِمَّنْ يَصِحُّ قَبْضُهُ وَحِيَازَتُهُ لِمَا أُعْطِيَهُ، وَلَمْ يَقْبِضْ ذَلِكَ؛ لِتَفْرِيطِهِ فِي قَبْضِهِ وَتَرْكِهِ اخْتِيَارًا مِنْهُ، وَلَوْ شَاءَ أَنْ يَقْبِضَهُ لَقَبَضَهُ فَإِنَّهُ يُنْظَرُ فَإِنْ فَاتَهُ تَلَافِي الْقَبْضِ، وَاسْتَدْرَكَهُ لِمَوْتِ الْمُعْطِي أَوْ تَفْلِيسِهِ أَوْ فَوْتِ الشَّيْءِ الْمَوْهُوبِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ الْمُفِيتَةِ لَهُ، كَأَنْ يَهَبَهُ الْوَاهِبُ لِرَجُلٍ آخَرَ وَقَبَضَهُ هَذَا الثَّانِي فَإِنَّ حَقَّ الْأَوَّلِ يَبْطُلُ بِلَا خِلَافٍ، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِالْبَيْتَيْنِ، وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ: إنْ فَاتَهُ فِي ذَلِكَ التَّلَافِي أَنَّهُ إنْ لَمْ يَفُتْهُ التَّلَافِي؛ لِكَوْنِهِ وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْ

فصل في الاعتصار

لَمْ يَحْدُثْ مَانِعٌ مِنْهُ مِنْ مَوْتٍ وَلَا تَفْلِيسٍ وَلَا دَيْنٍ مُحِيطٍ وَلَا غَيْرِ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ يَتَلَافَى الْقَبْضَ. وَتَصِحُّ الْعَطِيَّةُ وَلَا يَضُرُّ تَرَاخِي الْقَبْضِ عَنْ الْعَطِيَّةِ حَيْثُ لَمْ يَحْصُلْ مَانِعٌ مِنْهُ، هَذَا كُلُّهُ إنْ كَانَ تَرْكُهُ لِقَبْضِ ذَلِكَ اخْتِيَارًا مِنْهُ وَتَفْرِيطًا أَمَّا إنْ جَدَّ فِي طَلَبِهِ، فَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْهُ حَتَّى فَاتَ ذَلِكَ بِمَا ذُكِرَ، فَإِنَّ حَقَّهُ لَا يَبْطُلُ وَمَعْنَى قَوْلِهِ: أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الْمَقْبُوضِ بَيْنَ كَوْنِهِ أَصْلًا أَوْ عَرْضًا أَوْ عَيْنًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ (قَالَ ابْنُ شَاسٍ) : إذَا مَاتَ الْوَاهِبُ قَبْلَ الْحَوْزِ بَطَلَتْ الْهِبَةُ، إلَّا أَنْ يَكُونَ الطَّالِبُ جَادًّا فِي الطَّلَبِ غَيْرَ تَارِكٍ لَهُ كَمَا إذَا وَقَعَتْ الْهِبَةُ بِشَاهِدٍ أَوْ شَاهِدَيْنِ حَتَّى يُزَكَّيَا، فَمَاتَ الْوَاهِبُ، فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَمُطَرِّفٌ وَأَصْبَغُ: هُوَ حَوْزٌ، وَقَدْ صَحَّتْ الْهِبَةُ (وَفِي مُخْتَصَرِ الشَّيْخِ خَلِيلٍ) وَصَحَّ إنْ قَبَضَ لِيَتَرَوَّى أَوْ جَدَّ فِيهِ أَوْ فِي تَزْكِيَةِ شَاهِدِهِ (وَفِي طُرُرِ ابْنِ عَاتٍ عَنْ الْمُشَاوِرِ) وَمَنْ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ عَلَى رَجُلٍ وَعَرَّفَهُ بِهَا فَسَكَتَ، وَلَمْ يَقُلْ قَبِلْت وَلَا أَقْبَلُ وَتَرَكَهَا زَمَانًا ثُمَّ قَامَ عَلَيْهِ فِيهَا كَانَ لَهُ ذَلِكَ، فَإِنْ طَلَبَ غَلَّتَهَا حَلَفَ أَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْهَا عَلَى وَجْهِ التَّرْكِ وَرَجَعَ اهـ. وَتَقَدَّمَ أَوَّلَ الْبَابِ قَوْلُ الْمِكْنَاسِيِّ فِي الْحَبْسِ وَلَا يَبْطُلُ الْعَقْدُ بِتَأْخِيرِ الْقَبْضِ مَا لَمْ يَمُتْ الْمُحَبِّسُ (ابْنُ عَرَفَةَ) إحَاطَةُ الدَّيْنِ بِمَالِهِ قَبْلَ الْعَطِيَّةِ يُبْطِلُهَا اتِّفَاقًا، وَفِي كَوْنِ إحَاطَتِهِ بَعْدَهَا قَبْلَ حَوْزِهَا كَذَلِكَ قَوْلَانِ. [فَصْلٌ فِي الِاعْتِصَارِ] (فَصْلٌ فِي الِاعْتِصَارِ) (ابْنُ عَرَفَةَ) الِاعْتِصَارُ ارْتِجَاعُ الْمُعْطِي عَطِيَّتَهُ دُونَ عِوَضٍ لَا بِطَوْعِ الْمُعْطَى فَقَوْلُهُ: دُونَ عِوَضٍ أَخْرَجَ بِهِ شِرَاءَ الْهِبَةِ وَقَوْلُهُ وَلَا بِطَوْعِ الْمُعْطَى أَخْرَجَ بِهِ هِبَةَ الْمُعْطَى بِالْفَتْحِ لِلْمُعْطِي بِالْكَسْرِ. وَالِاعْتِصَارُ جَازَ فِيمَا يَهَبُ ... أَوْلَادَهُ قَصْدَ الْمَحَبَّةِ الْأَبُ وَالْأُمُّ مَا حَيٌّ أَبٌ تَعْتَصِرُ ... وَحَيْثُ جَازَ الِاعْتِصَارُ يُذْكَرُ الِاعْتِصَارُ رُجُوعُ الْوَاهِبِ فِي هِبَتِهِ كَمَا تَقَدَّمَ. وَلَا يَعْتَصِرُ إلَّا الْأَبُ وَالْأُمُّ فَلِذَلِكَ خَصَّهُمَا الشَّيْخُ فَقَالَ فِيمَا يَهَبُ الْأَبُ وَالْأُمُّ، فَفُهِمَ مِنْهُ أَنَّ غَيْرَهُمَا لَا يَعْتَصِرُ، فَلَا يَعْتَصِرُ جَدٌّ وَلَا جَدَّةٌ وَلَا عَمٌّ وَلَا عَمَّةٌ وَلَا الْوَلَدُ مِنْ أَبِيهِ فَالْأَبُ يَعْتَصِرُ مَا وَهَبَ لِوَلَدِهِ الصَّغِيرِ أَوْ الْكَبِيرِ كَانَ لِلْوَلَدِ أُمٌّ أَوْ لَمْ تَكُنْ مَا لَمْ يَمْنَعْ مِنْ ذَلِكَ مَانِعٌ، كَمَا يَذْكُرُ فِي الْبَيْتَيْنِ بَعْدَ هَذَيْنِ وَكَذَلِكَ يُعْتَبَرُ الْمَانِعُ فِي اعْتِصَارِ الْأُمِّ عَلَى تَفْصِيلِهِ الْآتِي. وَأَمَّا الْأُمُّ تَهَبُ لِوَلَدِهَا فِي حَيَاةِ أَبِيهِ فَلَهَا أَنْ تَعْتَصِرَ مَا دَامَ الْأَبُ حَيًّا وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: وَالْأُمُّ مَا حَيٌّ أَبٌ تَعْتَصِرُ فَإِنْ مَاتَ الْأَبُ وَقَدْ كَانَتْ وَهَبَتْ فِي حَيَاتِهِ فَقَوْلَانِ: الْمَشْهُورُ تَعْتَصِرُ، فَإِنْ وَهَبَتْهُ بَعْدَ مَوْتِ أَبِيهِ وَهُوَ صَغِيرٌ فَلَا اعْتِصَارَ لَهَا لِأَنَّهُ يَتِيمٌ، وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ فِيمَا يَهَبُ أَنَّ مَحَلَّ الِاعْتِصَارِ الْهِبَةُ لَا الصَّدَقَةُ، وَهُوَ كَذَلِكَ. (ابْنُ يُونُسَ) رُوِيَ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَهَبَ هِبَةً ثُمَّ يَعُودُ فِيهَا إلَّا لِلْوَلَدِ

قَالَ مَالِكٌ) : فَكُلُّ صَدَقَةٍ فَلَا اعْتِبَارَ فِيهَا لِلْأَبَوَيْنِ، وَأَمَّا الْهِبَةُ وَالْعَطِيَّةُ وَالنِّحْلَةُ وَالْعُمْرَى فَلَهُمَا الِاعْتِصَارُ فِي ذَلِكَ (وَفِي نَوَازِلِ سَحْنُونٍ) هِبَتُهُ لِابْنِهِ لِلصِّلَةِ لَا يَجُوزُ اعْتِصَارُهَا وَكَذَا هِبَتُهُ لِضَعْفِهِ وَخَوْفِ الْخَصَاصَةِ عَلَيْهِ (وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ) كُلُّ هِبَةٍ لِوَلَدِهِ لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ لِطَلَبِ الْأَجْرِ أَوْ لِصِلَةِ الرَّحِمِ لَا تُعْتَصَرُ. (ابْنُ عَرَفَةَ) الْمَذْهَبُ صِحَّةُ اعْتِصَارِ الْأَبِ مَا وَهَبَهُ لِابْنِهِ صَغِيرًا كَانَ الِابْنُ أَوْ كَبِيرًا، وَمَعْرُوفٌ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّ الْأُمَّ مِثْلُهُ (وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ) لَا يَجُوزُ الِاعْتِصَارُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ إلَّا لِلْوَالِدِ وَالْوَالِدَةِ، وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ غَيْرِهِمَا (اللَّخْمِيُّ) وَإِنْ كَانَ لَهُ أَبٌ يَوْمَ الْعَطِيَّةِ فَلَمْ تَعْتَصِرْ حَتَّى مَاتَ الْأَبُ كَانَ لَهَا أَنْ تَعْتَصِرَ لِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ عَلَى وَجْهِ الصَّدَقَةِ. وَفِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ لَا تَعْتَصِرُ وَالْأَوَّلُ أَحْسَنُ؛ لِأَنَّ الْمُرَاعَى وَقْتَ الْعَطِيَّةِ، هَلْ كَانَتْ هِبَةً أَوْ صَدَقَةً وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ مَا وَهَبَتْ الْأُمُّ أَوْ نَحَلَتْ لِوَلَدِهَا الصِّغَارِ وَلَا أَبَ لَهُمْ فَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَعْتَصِرَ؛ لِأَنَّهُ يَتِيمٌ وَلَا يُعْتَصَرُ مِنْ يَتِيمٍ وَيُعَدُّ ذَلِكَ كَالصَّدَقَةِ عَلَيْهِ ا. هـ. وَانْظُرْ مَا وَهَبَتْهُ لِوَلَدِهَا الْكَبِيرِ الَّذِي لَا أَبَ لَهُ هَلْ لَهَا أَنْ تَعْتَصِرَهُ أَوْ لَا، ظَاهِرُ مَا نَقَلَ الشَّارِحُ عَنْ أُصُولِ الْفُتْيَا أَنَّهَا تَعْتَصِرُ وَلَفْظُهُ فِي أُصُولِ الْفُتْيَا، وَالْأُمُّ تَعْتَصِرُ مَا وَهَبَتْ لِوَلَدِهَا، كَانَ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إذَا كَانَ الْأَبُ حَيًّا، فَإِنْ كَانَ مَيِّتًا لَمْ تَعْتَصِرْ شَيْئًا مِنْ هِبَتِهَا لِلصِّغَارِ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ لِلْأَيْتَامِ إنَّمَا هِيَ عَلَى مَعْنَى الصَّدَقَةِ وَالصَّدَقَةُ لَا تُعْتَصَرُ اهـ. فَظَاهِرُ قَوْلِهِ: فَإِنْ كَانَ مَيِّتًا لَمْ تَعْتَصِرْ شَيْئًا مِنْ هِبَتِهَا لِلصِّغَارِ إلَخْ أَنَّهَا تَعْتَصِرُ هِبَتَهَا لِلْكِبَارِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ صَرَّحَ الْحَطَّابُ بِذَلِكَ فَقَالَ فِي قَوْلِ الْمُخْتَصَرِ كَأُمٍّ فَقَطْ وَهَبَتْ ذَا أَبٍ، هَذَا إذَا كَانَ الْوَلَدُ صَغِيرًا، وَأَمَّا إنْ كَانَ كَبِيرًا فَتَعْتَصِرُ كَانَ لَهُ أَبٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ اهـ. وَأَمَّا قَوْلُ النَّاظِمِ: وَحَيْثُ جَازَ الِاعْتِصَارُ يُذْكَرُ فَمَعْنَاهُ أَنَّهُ يَنْبَغِي لِلْمُوَثِّقِ أَنْ يَذْكُرَ فِي وَثِيقَةِ الْهِبَةِ وَنَحْوِهَا مِمَّا يُعْتَصَرُ أَنَّ الْوَاهِبَ سَلَّطَ عَلَيْهَا حُكْمَ الِاعْتِصَارِ؛ لِئَلَّا يُنَازَعَ الْوَاهِبُ إذَا اعْتَصَرَ؛ لِأَنَّ شَأْنَ الْمُوَثِّقِينَ حَسْمُ مَوَادِّ الْخِلَافِ، وَارْتِكَابُ الْوَجْهِ الَّذِي لَا نِزَاعَ فِيهِ؛ فَلِذَلِكَ يَكْتُبُونَ إذْنَ الْمَضْمُونِ لِلضَّامِنِ فِي الضَّمَانِ مَعَ أَنَّ الْمَشْهُورَ عَدَمُ اعْتِبَارِ إذْنِهِ وَمَعَ إذْنِهِ لَا خِلَافَ فِي اللُّزُومِ، وَكَذَلِكَ يَكْتُبُونَ فِي وَثَائِقِ بَيْعِ الْأُصُولِ وَنَزَلَ الْمُبْتَاعُ فِيمَا ابْتَاعَ، وَأَبْرَأَ الْبَائِعَ مِنْ دَرْكِ الْإِنْزَالِ؛ لِأَنَّهُ بِنُزُولِهِ فِيمَا ابْتَاعَ يَسْقُطُ الضَّمَانُ عَنْ الْبَائِعِ اتِّفَاقًا وَقَبْلَ نُزُولِهِ لَا يَسْقُطُ عَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ: الْبَيْعُ الْعَقْدُ مَعَ الْقَبْضِ لَا الْعَقْدُ فَقَطْ، فَلَا يَنْتَقِلُ ضَمَانُ الْمَبِيعِ لِلْمُشْتَرِي عَلَى قَوْلِهِ إلَّا بِالْقَبْضِ فَعَمِلُوا عَلَى الْإِنْزَالِ لِلْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ وَفِي ذَلِكَ يَقُولُ الْإِمَامُ أَبُو مُحَمَّدٍ سَيِّدِي عَبْدُ الْوَاحِدِ الْوَنْشَرِيسِيُّ فِي نَظْمِ إيضَاحِ الْمَسَالِكِ: لِوَالِدِهِ سَيِّدِي أَحْمَدَ مَا نَصُّهُ: وَلِلْخُرُوجِ مِنْ خِلَافِ أَشْهَبَا ... أَوْرَدَهُ الْمُوَثِّقُونَ الْكُتُبَا وَنَظَائِرُ ذَلِكَ عِنْدَ الْمُوَثِّقِينَ كَثِيرَةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَضُمِّنَ الْوِفَاقُ فِي الْحُضُورِ ... إنْ كَانَ الِاعْتِصَارُ مِنْ كَبِيرِ وَكُلُّ مَا يَجْرِي بِلَفْظِ الصَّدَقَهْ ... فَالِاعْتِصَارُ أَبَدًا لَنْ يَلْحَقَهْ يَعْنِي أَنَّ مَنْ اعْتَصَرَ مَا وَهَبَ لِوَلَدِهِ الْكَبِيرِ فَإِنَّهُ يَنُصُّ فِي وَثِيقَةِ الِاعْتِصَارِ عَلَى حُضُورِ الِابْنِ الْمَذْكُورِ وَمُوَافَقَتِهِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَقْطَعُ لِلنِّزَاعِ إذْ يَدَّعِي الصَّدَقَةَ أَوْ غَيْرَهَا مِمَّا يَمْنَعُ الِاعْتِصَارَ، فَحُضُورُهُ يَرْفَعُ ذَلِكَ وَهَذَا مِنْ مَعْنَى مَا قَبْلَهُ يَلِيه مِنْ ذِكْرِ الِاعْتِصَارِ وَمُوَافَقَةِ الْمَضْمُونِ عَنْهُ وَنَحْوِ ذَلِكَ (قَالَ ابْنُ سَلْمُونٍ) فِي آخِرِ وَثِيقَةِ الِاعْتِصَارِ: مَا نَصُّهُ " وَإِنْ كَانَ الِابْنُ كَبِيرًا قُلْتُ: وَبِمَحْضَرِ الِابْنِ وَمُوَافَقَتِهِ عَلَى ذَلِكَ " اهـ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَكُلُّ مَا يَجْرِي بِلَفْظِ الصَّدَقَةِ الْبَيْتَ فَأَشَارَ بِهِ لِقَوْلِ الْإِمَامِ مَالِكٍ: وَكُلُّ صَدَقَةٍ فَلَا اعْتِصَارَ فِيهَا لِلْأَبَوَيْنِ، وَأَمَّا الْهِبَةُ وَالْعَطِيَّةُ وَالْعُمْرَى فَلَهُمَا الِاعْتِصَارُ فِي ذَلِكَ مِنْ الْمَوَّاق

وَلَا اعْتِصَارَ مَعَ مَوْتٍ أَوْ مَرَضْ ... لَهُ أَوْ النِّكَاحِ أَوْ دَيْنٍ عَرَضْ وَفَقْرُ مَوْهُوبٍ لَهُ مَا كَانَا ... لِمَنْعِ الِاعْتِصَارِ قَدْ أَبَانَا ذَكَرَ فِي الْبَيْتَيْنِ مَوَانِعَ الِاعْتِصَارِ يَمْنَعُ مِنْهُ مَوْتُ الْمَوْهُوبِ لَهُ أَوْ مَرَضُهُ الْمُسْتَمِرُّ لِلْمَوْتِ وَنِكَاحُهُ وَأَخْذُهُ لِلدَّيْنِ إذَا كَانَ الْمَرَضُ الْمَذْكُورُ وَمَا بَعْدَهُ حَادِثًا عَارِضًا بَعْدَ الْهِبَةِ، وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِقَوْلِهِ: عَرَضْ، أَمَّا إنْ كَانَ الْمَوْهُوبُ لَهُ وَقْتَهَا مَرِيضًا أَوْ مُتَزَوِّجًا أَوْ مَدِينًا، فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَمْنَعُ الِاعْتِصَارَ وَكَذَلِكَ يَمْنَعُ مِنْهُ فَقْرُ الْوَلَدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ مَا كَانَ كَبِيرًا أَوْ صَغِيرًا لِأَنَّ فَقْرَهُ قَرِينَةُ إرَادَةِ الصَّدَقَةِ (قَالَ فِي أُصُولِ الْفُتْيَا) قَالَ مُحَمَّدٌ: مِنْ أَصْلِ قَوْلِهِمْ: أَنَّ كُلَّ وَاهِبٍ هِبَةً، فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَعْتَصِرَهَا، وَلَا يَرْجِعَ فِيهَا حَاشَا الْأَبِ وَالْأُمِّ فِيمَا وَهَبَا لِأَوْلَادِهِمْ، فَإِنَّ الِاعْتِصَارَ لَهُمَا فِي ذَلِكَ جَائِزٌ، عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ مِنْ التَّفْسِيرِ. أَمَّا الْوَالِدُ فَيَجُوزُ لَهُ اعْتِصَارُ مَا وَهَبَ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ أَوْ الْكَبِيرِ، كَانَ لِلْوَلَدِ أُمٌّ أَوْ لَمْ تَكُنْ، وَذَلِكَ مَا لَمْ يَسْتَحْدِثْ الْوَلَدُ دَيْنًا أَوْ يَنْكِحْ أَوْ يَطَأْ، إنْ كَانَتْ الْهِبَةُ جَارِيَةً أَوْ يَبِيعُ الْهِبَةَ أَوْ يَمْرَضُ، فَإِنْ كَانَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ لِلْأَبِ الِاعْتِصَارُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ فَوْتٌ لِلْهِبَةِ، وَإِنَّمَا يَعْتَصِرُ مَا لَمْ يَفُتْ إلَّا أَنْ يَكُونَ وَهَبَ لَهُ وَقَدْ اسْتَدَانَ أَوْ نَكَحَ أَوْ مَرِضَ، فَيَجُوزُ لَهُ الِاعْتِصَارُ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَمْ يُدَايَنْ وَلَمْ يَنْكِحْ عَلَى تِلْكَ الْهِبَةِ (وَفِي الْمُقَرِّبِ) قُلْتُ: فَمَنْ وَهَبَ لِأَوْلَادٍ لَهُ صِغَارٍ هِبَةً وَقَدْ مَاتَتْ أُمُّهُمْ فَبَلَغُوا وَلَمْ يُحْدِثُوا دَيْنًا وَلَا نَكَحُوا، فَأَرَادَ الْأَبُ أَنْ يَعْتَصِرَ هِبَتَهُ قَالَ: ذَلِكَ لَهُ عِنْدَ مَالِكٍ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ وَهَبَ لَهُمْ وَهُمْ كِبَارٌ فَلَهُ أَنْ يَعْتَصِرَ هِبَتَهُ، مَا لَمْ يَسْتَحْدِثُوا دَيْنًا أَوْ يَنْكِحُوا، وَالْعَطِيَّةُ وَالنَّحْلُ فِي الِاعْتِصَارِ بِمَنْزِلَةِ الْهِبَةِ (وَفِي الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ) وَإِذَا كَانَتْ هِبَةُ الْأَبَوَيْنِ عَلَى فَقِيرٍ بَيْنَهُمَا، فَلَيْسَ يَعْتَصِرَانِهَا؛ لِأَنَّ مَنْ وَهَبَ عَلَى فَقِيرٍ قَدْ عَلِمَ أَنَّهُ أَرَادَ صِلَتَهُ وَالْأَجْرَ. انْتَهَى. (فَرْعٌ) وَكَمَا يَمْنَعُ الِاعْتِصَارَ مَرَضُ الْوَلَدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ، كَذَلِكَ يَمْنَعُهُ مَرَضُ الْوَاهِبِ خِلَافًا لِأَشْهَبَ (ابْنُ الْحَاجِبِ) ، وَلَوْ مَرِضَ أَحَدُهُمَا فَكَذَلِكَ، وَرَوَى أَشْهَبُ إنْ مَرِضَ الْأَبُ فَلَهُ، وَقَالَ أَيْضًا فَلَيْسَ لَهُ (التَّوْضِيحُ) قَوْلُهُ: أَحَدُهُمَا: أَيْ الْوَاهِبُ أَوْ الْمَوْهُوبُ لَهُ قَوْلُهُ: فَكَذَلِكَ، أَيْ بِفَوْتِ الِاعْتِصَارِ وَعِنْدَ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ قَالَ: فِي الْبَيَانِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ؛ لِأَنَّهُ إنْ مَرِضَ الْوَاهِبُ فَاعْتِصَارُهُ لِغَيْرِهِ وَهُوَ الْوَارِثُ وَإِنْ مَرِضَ الْمَوْهُوبُ لَهُ فَقَدْ تَعَلَّقَ حَقُّ الْوَرَثَةِ بِهِ وَرَوَى أَشْهَبُ إنْ مَرِضَ الْأَبُ فَلَهُ الِاعْتِصَارُ دُونَ الْعَكْسِ اُنْظُرْ تَمَامَ كَلَامِهِ إنْ شِئْت وَإِنَّمَا شَرَحْنَا قَوْلَ النَّاظِمِ أَوْ مَرِضَ بِمَرَضِ الْمَوْهُوبِ لَهُ وَإِنْ كَانَ مَرَضُ الْوَاهِبِ مَانِعًا مِنْ الِاعْتِصَارِ أَيْضًا لِقِرَانِهِ بِالنِّكَاحِ وَالدَّيْنِ، وَلَا يَمْنَعَانِ إلَّا مِنْ الْمَوْهُوبِ لَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) رَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ نَحَلَ ابْنَتَهُ نِحْلَةً فَتَزَوَّجَهَا رَجُلٌ عَلَى ذَلِكَ ثُمَّ مَاتَ أَوْ طَلَّقَ فَقَدْ انْقَطَعَ الِاعْتِصَارُ بِالنِّكَاحِ فَلَا يَعُودُ، بَنَى بِهَا أَمْ لَا وَكَذَلِكَ مَنْ نَكَحَ مِنْ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ أَوْ دَايَنَ ثُمَّ زَالَ الدَّيْنُ أَوْ زَالَتْ الْعِصْمَةُ، فَلَا اعْتِصَارَ لَهَا نَقَلَهُ الْمَوَّاق ثُمَّ قَالَ أَصْبَغُ: إذَا امْتَنَعَ الِاعْتِصَارُ بِمَرَضِ أَحَدِهِمَا أَوْ بِنِكَاحِ الْوَلَدِ أَوْ بِدَيْنٍ، ثُمَّ زَالَ الْمَرَضُ وَالدَّيْنُ وَالنِّكَاحُ فَلَا اعْتِصَارَ وَإِذَا زَالَتْ الْعُصْرَةُ يَوْمًا فَلَا تَعُودُ وَقَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ وَقَالَ الْمُغِيرَةُ وَابْنُ دِينَارٍ إذَا صَحَّ الْمُعْطِي وَالْمُعْطَى رَجَعَتْ الْعُصْرَةُ، كَمَا تَنْطَلِقُ يَدُهُ فِي مَالِهِ فِيمَا كَانَ مَمْنُوعًا اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْخِلَافَ جَارٍ عَلَى قَاعِدَةِ الْعِلَّةُ إذَا زَالَتْ هَلْ يَزُولُ الْحُكْمُ بِزَوَالِهَا أَمْ لَا وَمَا اعْتِصَارُ بَيْعُ شَيْءٍ قَدْ وُهِبْ ... مِنْ غَيْرِ إشْهَادٍ بِهِ كَمَا يَجِبْ لَكِنَّهُ يُعَدُّ مَهْمَا صَيَّرَا ... ذَاكَ لِمَوْهُوبٍ لَهُ مُعْتَصَرَا وَقِيلَ بَلْ يَصِحُّ إنْ مَالٌ شُهِرْ ... لَهُ وَإِلَّا فَلِحَوْزٍ يَفْتَقِرْ يَعْنِي أَنَّ مَنْ وَهَبَ هِبَةً لِابْنِهِ أَوْ ابْنَتِهِ، ثُمَّ إنَّهُ بَاعَ الْهِبَةَ بِاسْمِ نَفْسِهِ، وَلَمْ يُشْهَدْ بِأَنَّ ذَلِكَ اعْتِصَارٌ، فَإِنَّ بَيْعَهُ لَا يُعَدُّ اعْتِصَارًا، بَلْ يُحْمَلُ أَنَّهُ رَأَى الْبَيْعَ أَوْلَى لِغِبْطَةٍ فِي الثَّمَنِ، أَوْ لِخَوْفِ فَسَادٍ يَلْحَقُ تِلْكَ الْهِبَةَ وَنَحْو ذَلِكَ، وَيَكُونُ ثَمَنُ الْهِبَةِ دَيْنًا فِي ذِمَّةِ الْأَبِ لَا يَبْرَأُ مِنْهُ إلَّا بِمُوجِبٍ وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ: وَمَا اعْتِصَارٌ الْبَيْتَ وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ: مِنْ غَيْرِ إشْهَادٍ بِهِ أَيْ بِالِاعْتِصَارِ أَنَّهُ إذَا أَشْهَدَ عِنْدَ الْبَيْعِ أَوْ قَبْلَهُ أَنَّهُ اعْتَصَرَ ذَلِكَ، فَذَلِكَ اعْتِصَارٌ وَلَا إشْكَالَ فَقَوْلُهُ وَمَا اعْتِصَارٌ مَا نَافِيَةٌ وَاعْتِصَارٌ: مُبْتَدَأٌ سَوَّغَهُ تَقَدُّمُ النَّفْيِ وَبَيْعٌ: خَبَرُهُ وَجُمْلَةُ قَدْ وُهِبَ: بِالْبِنَاءِ لِلنَّائِبِ صِفَةٌ لِشَيْءٍ وَضَمِيرُ بِهِ لِلِاعْتِصَارِ. (قَالَ ابْنُ عَاتٍ فِي طُرُرِهِ عَنْ بَعْضِ فُقَهَاءِ الشُّورَى) مَنْ وَهَبَ ابْنَهُ الصَّغِيرَ هِبَةً وَسَلَّطَ عَلَيْهَا شَرْطَ الِاعْتِصَارِ ثُمَّ بَاعَهَا

فصل في العمرى وما يلحق بها

بَعْدَ ذَلِكَ بِاسْمِ نَفْسِهِ وَمَاتَ، فَإِنَّ الثَّمَنَ لِلِابْنِ فِي مَالِ الْأَبِ وَلَيْسَ بَيْعُهُ بِاسْمِ نَفْسِهِ عُصْرَةً مِنْهُ إلَّا أَنْ يُشْهِدَ عِنْدَ الْبَيْعِ أَوْ قَبْلَهُ أَنَّ بَيْعَهُ ذَلِكَ اعْتِصَارٌ مِنْهُ لِلْهِبَةِ وَإِلَّا فَلَا، وَلَا يَجُوزُ اعْتِصَارُهَا بَعْدَ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهَا قَدْ تَغَيَّرَتْ عَنْ حَالِهَا قَالَ الشَّارِحُ أَقُولُ هَذَا الْقَوْلُ هَكَذَا نُقِلَ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَفِيهِ إذَا كَانَ الْبَيْعُ عَلَى كَبِيرٍ إشْكَالُ مَا مِنْ كَوْنِهِ لَا يُعَدُّ عُصْرَةً فَتَأَمَّلْهُ ا. هـ يَعْنِي أَنَّ كَوْنَ الْبَيْعِ عَلَى الصَّغِيرِ لَا يُعَدُّ عُصْرَةً ظَاهِرٌ لِكَوْنِ الْأَبِ هُوَ الَّذِي يَتَصَرَّفُ لَهُ فِي أُمُورِهِ بِخِلَافِ الْكَبِيرِ، فَإِنَّهُ هُوَ الَّذِي يَتَوَلَّى أُمُورَ نَفْسِهِ، فَالْبَيْعُ عَلَيْهِ اعْتِصَارٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَوْلُهُ: لَكِنَّهُ يُعَدُّ مَهْمَا مَهْمَا صَيَّرَا الْبَيْتَيْنِ لَمَّا ذَكَرَ أَنَّ تَصَرُّفَ الْوَاهِبِ فِي الْهِبَةِ بِالْبَيْعِ لَا يُعَدُّ اعْتِصَارًا اسْتَدْرَكَ هَذِهِ الصُّورَةَ، فَإِنَّ تَصَرُّفَ الْوَاهِبِ فِيهَا اعْتِصَارٌ. وَهِيَ إذَا وَهَبَ هِبَةً لِابْنِهِ أَوْ بِنْتِهِ ثُمَّ إنَّهُ صَيَّرَ تِلْكَ الْهِبَةَ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ فِي دَيْنٍ لِلِابْنِ أَوْ الِابْنَةِ عَلَى أَبِيهِ الْوَاهِبِ الْمَذْكُورِ فَتَصِيرُ تِلْكَ الْهِبَةُ مِلْكًا لِلْوَلَدِ عِوَضًا عَنْ الدَّيْنِ الَّذِي كَانَ لَهُ عَلَى أَبِيهِ وَلَا إشْكَالَ فِي كَوْنِ ذَلِكَ اعْتِصَارًا؛ لِأَنَّ كَوْنَ الْأَبِ قَضَى بِهَا دَيْنًا عَلَيْهِ لَازِمٌ لِكَوْنِهِ رَدَّهَا لِمِلْكِهِ وَحِينَئِذٍ دَفَعَهَا فِي دَيْنِهِ، ثُمَّ إنَّ بَعْضَ الْفُقَهَاءِ أَطْلَقَ فِي ذَلِكَ أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الدَّيْنُ الَّذِي عَلَى الْأَبِ ثَابِتًا بِبَيِّنَةٍ أَوْ قَرِينَةِ حَالٍ تَدُلُّ عَلَى ثُبُوتِهِ كَمَا يَأْتِي وَلَا إشْكَالَ أَوْ غَيْرَ ثَابِتٍ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَأَنَّ الْهِبَةَ يَمْلِكُهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ فِي الْوَجْهَيْنِ عِوَضًا عَنْ الدَّيْنِ فَلَا تَفْتَقِرُ لِحِيَازَةٍ؛ لِكَوْنِهَا مُعَاوَضَةً، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ: لَكِنَّهُ يُعَدُّ الْبَيْتَ، وَبَعْضُ الْفُقَهَاءِ فَصَّلَ فِي ذَلِكَ فَقَالَ: إنْ كَانَ الدَّيْنُ الَّذِي صَيَّرَ فِيهِ الْهِبَةَ ثَابِتًا بِبَيِّنَةٍ أَوْ قَرِينَةِ صِدْقٍ فَالْحُكْمُ مَا تَقَدَّمَ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ثَابِتٍ، فَعَهْدُ التَّصْيِيرِ هِبَةٌ أُخْرَى مُسْتَأْنَفَةٌ، فَتَفْتَقِرُ لِلْحَوْزِ وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: وَقِيلَ: بَلْ تَصِحُّ إنْ مَالٌ شُهِرْ الْبَيْتَ، فَقَوْلُهُ: لَكِنَّهُ أَيْ الْأَبَ، وَذَاكَ أَيْ الشَّيْءُ الْمَوْهُوبُ: يَتَعَلَّقُ بِ صَيَّرَا وَمُعْتَصِرًا: مَفْعُولٌ ثَانٍ لِيُعَدَّ وَفَاعِلُ يَصِحُّ لِلتَّصْيِيرِ وَضَمِيرُ لَهُ لِلْوَلَدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ. وَأَشَارَ بِالْبَيْتَيْنِ لِقَوْلِ ابْنِ الْحَاجِّ فِي مَسْأَلَةٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ وَهَبَ لِابْنَتِهِ الصَّغِيرَةِ دَارًا أَوْ احْتَازَهَا ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ أَشْهَدَ أَنَّهُ صَيَّرَهَا لَهَا فِي مِائَةِ مِثْقَالٍ تَأَلَّفَتْ عِنْدَهُ مِنْ غَزْلٍ غَزَلَتْهُ وَمِنْ غَيْرِ ذَلِكَ؟ فَأَجَابَ التَّصْيِيرُ اعْتِصَارٌ لِلْهِبَةِ وَتَكُونُ الدَّارُ لِلْمَوْهُوبِ لَهَا بِالتَّصْيِيرِ أَيْ فِي الدَّيْنِ لَا بِالْهِبَةِ الْأُولَى وَقَالَ غَيْرُهُ: إنَّ التَّصْيِيرَ لِلْهِبَةِ اعْتِصَارٌ، أَوْ يُنْظَرُ فَإِنْ كَانَ مَا اعْتَرَفَ بِهِ مِنْ الذَّهَبِ نِسْبَةً صَحِيحَةً مِثْلَ أَنْ يُعْرَفَ أَنَّ الِابْنَةَ كَانَتْ تَغْزِلُ الْغَزْلَ الْكَثِيرَ كَقَدْرِ الذَّهَبِ وَمَا أَشْبَهَهُ مِمَّا يَجْتَمِعُ فِيهِ مِثْلُ ذَلِكَ، أَوْ أَنَّهَا وَرِثَتْ مِنْ أُمِّهَا مَالًا، فَيَكُونُ ذَلِكَ لَهَا وَإِلَّا فَيَكُونُ هَذَا التَّصْيِيرُ كَهِبَةٍ أُخْرَى إنْ ثَبَتَتْ فِيهَا الْحِيَازَةُ صَحَّتْ وَإِلَّا سَقَطَتْ اهـ. وَتَقَدَّمَ الْخِلَافُ فِي افْتِقَارِ التَّصْيِيرِ لِلْحَوْزِ وَعَدَمِ افْتِقَارِهِ لَهُ [فَصْلٌ فِي الْعُمْرَى وَمَا يَلْحَقُ بِهَا] (فَصْلٌ فِي الْعُمْرَى وَمَا يَلْحَقُ بِهَا) هِبَةُ غَلَّةِ الْأُصُولِ الْعُمْرَى ... بِحَوْزِ الْأَصْلِ حَوْزُهَا اسْتَقَرَّا طُولَ حَيَاةِ مُعَمِّرٍ أَوْ مُدَّهْ ... مَعْلُومَةً كَالْعَامِ أَوْ مَا بَعْدَهْ (ابْنُ عَرَفَةَ) الْعُمْرَى: تَمْلِيكُ مَنْفَعَةِ حَيَاةِ الْمُعْطَيْ بِغَيْرِ عِوَضٍ إنْشَاء (قَالَ الرَّصَّاع) قَوْلُهُ: تَمْلِيكُ مَنْفَعَةٍ أَخْرَجَ بِهِ عَطَاءَ الذَّاتِ وَأَخْرَجَ بِحَيَاةِ الْمُعْطَيْ الْحُبُسَ وَالْعَارِيَّةَ وَالْمُعْطَى بِفَتْحِ الطَّاءِ وَظَاهِرُهُ أَنَّ تَمْلِيكَ الْمَنْفَعَةِ مُدَّةَ حَيَاةِ الْمُعْطِي بِكَسْرِهَا لَيْسَ بِعُمْرَى وَانْظُرْ تَقْسِيمَ الْعُمْرَى فِي كَلَامِ اللَّخْمِيِّ وَغَيْرِهِ وَقَوْلُهُ: بِغَيْرِ عِوَضٍ أَخْرَجَ بِهِ إذَا كَانَ بِعِوَضٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إجَارَةٌ فَاسِدَةٌ وَقَوْلُهُ: إنْشَاءً أَخْرَجَ بِهِ الْحُكْمَ بِاسْتِحْقَاقِ الْعُمْرَى، كَمَا تَقَدَّمَ نَظِيرُهُ، ثُمَّ قَالَ مَا حَاصِلُهُ إنَّ الْعُمْرَى الْمُعَقَّبَةَ إنْ قُلْنَا تَرْجِعُ مِلْكًا فَهِيَ عُمْرَى، وَلَا إشْكَالَ. وَإِنْ قُلْنَا تَرْجِعُ حَبْسًا، فَهِيَ عُمْرَى أَيْضًا حُكْمُهَا أَيْضًا حُكْمُ الْحَبْسِ؛ لِأَنَّهَا حَبْسٌ

حَقِيقَةً، فَهِيَ دَاخِلَةٌ فِي الْحَدِّ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَظَاهِرُ قَوْلِهِ: تَمْلِيكُ مَنْفَعَةٍ أَنَّهَا تَكُونُ فِي كُلِّ مَا لَهُ مَنْفَعَةٌ، فَتَكُونُ فِي الثِّيَابِ وَالْحُلِيِّ (قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ:) فَإِنْ أَعْرَى حُلِيًّا وَثِيَابًا قَالَ: أَمَّا الْحُلِيُّ فَهُوَ كَالدُّورِ وَأَمَّا الثِّيَابُ فَلَمْ أَسْمَعْ فِيهَا مِنْ مَالِكٍ شَيْئًا اهـ وَآخِرُهُ بِالْمَعْنَى مَعَ اخْتِصَارٍ. قَوْلُهُ: هِبَةُ غَلَّةِ الْأُصُولِ. . . إلَخْ يَعْنِي أَنَّ الْعُمْرَى: هِيَ هِبَةُ غَلَّةِ الْأُصُولِ طُولَ حَيَاةِ الْمُعْمِرِ أَوْ مُدَّةً مَعْلُومَةً كَالْعَامِ، أَوْ مَا بَعْدَهُ، وَهِيَ مِنْ جُمْلَةِ أَنْوَاعِ الْعَطِيَّةِ، فَتَفْتَقِرُ إلَى الْحَوْزِ، وَعَلَيْهِ نَبَّهَ بِقَوْلِهِ: بِحَوْزِ الْأَصْلِ حَوْزُهَا اسْتَقَرَّا وَحَوْزُهَا هُوَ بِحَوْزِ أَصْلِهَا، وَلَا مَحْذُورَ فِي كَوْنِهَا لِأَجَلٍ مَجْهُولٍ وَهُوَ حَيَاةُ الْمُعْمِرِ؛ لِأَنَّهَا تَبَرُّعٌ، فَلَا يَدْخُلُهَا الْغَرَرُ الْمَحْظُورُ فِي الْبُيُوعِ فِي جَهْلِ الْأَجَلِ؛ لِأَنَّهُمْ قَالُوا أَرْسِلْ مِنْ يَدِك بِالْغَرَرِ، وَلَا تَأْخُذْ بِهِ، فَإِنَّ فِي الْمُقَرَّبِ قُلْت: لَهُ أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ رَجُلٌ: لِرَجُلٍ قَدْ أَعْمَرْتُكَ هَذِهِ الدَّارَ حَيَاتَك أَوْ هَذَا الْعَبْدَ أَوْ هَذِهِ الدَّابَّةَ أَوْ هَذَا الثَّوْبَ أَوْ هَذَا الْحُلِيَّ، أَيَجُوزُ هَذَا قَالَ: نَعَمْ وَيَرْجِعُ بَعْدَ مَوْتِ مَنْ جُعِلَ ذَلِكَ لَهُ إلَى الَّذِي أَعْمَرَهَا أَوْ إلَى وَرَثَتِهِ (وَفِي الْمَنْهَجِ السَّالِكِ) : وَأَمَّا هِبَةُ الْمَنَافِعِ كَالْعُمْرَى وَالْإِخْدَامِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ أَنَّهَا كَهِبَةِ الْأَعْيَانِ إلَّا فِي تَمْلِيكِ الرِّقَابِ. قَالَ: أَعْمَرَهُ دَارًا أَوْ جَنَّةً مُدَّةً مَعْلُومَةً أَوْ حَيَاةَ الْمَوْهُوبِ لَهُ رَجَعَتْ بَعْدَ انْصِرَامِ الْمُدَّةِ مِلْكًا لِرَبِّهَا أَوْ لِوَرَثَتِهِ وَكَذَلِكَ إنْ أَعْمَرَ عَقِبَهُ (وَفِي الْمُتَيْطِيَّةِ) . وَلَا يَجُوزُ الْعُمْرَى إلَّا بِحِيَازَةٍ وَقَبْضٍ إلَّا أَنْ تَكُونَ لِمَنْ يَجُوزُ لِلْمُعَمَّرِ الْقَبْضُ لَهُ كَالِابْنِ الصَّغِيرِ أَوْ السَّفِيهِ فَقَوْلُهُ: (هِبَةُ) خَبَرٌ مُقَدَّمٌ وَالْعُمْرَى: مُبْتَدَأٌ وَطُولَ: ظَرْفٌ يَتَعَلَّقُ بِهِبَةٍ وَمُدَّةً: بِالنَّصْبِ عَطْفٌ عَلَى طُولَ أَيْ الْعُمْرَى هِبَةُ غَلَّةِ الْأُصُولِ حَيَاةَ مُعْمِرٍ أَوْ مُدَّةً مَعْلُومَةً كَالْعَامِ أَوْ مَا هُوَ أَكْثَرُ مِنْ الْعَامِ، وَهُوَ الْمُرَادُ أَوْ مَا بَعْدَهُ، وَحَوْزُهَا: مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ جُمْلَةُ اسْتَقَرَّا وَبِحَوْزٍ: يَتَعَلَّقُ بِاسْتَقَرَّا، وَخَصَّ الْأُصُولَ، وَإِنْ كَانَتْ تَصِحُّ فِي غَيْرِهَا كَمَا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّ الْعُمْرَى فِيهَا أَكْثَرُ وَبَيْعُهَا مُسَوَّغٌ لِلْمُعْمَرِ ... مِنْ مُعْمِرٍ وَوَارِثٍ لِلْمُعْمِرِ يَعْنِي أَنَّهُ يَجُوزُ وَيَسُوغُ لِلْمُعْمَرِ بِالْفَتْحِ بَيْعُ الْعُمْرَى لِلْمُعْمِرِ بِالْكَسْرِ أَوْ لِوَرَثَتِهِ وَإِنْ شِئْت قُلْتَ يَجُوزُ لِلْمُعْمِرِ بِالْكَسْرِ وَلِوَرَثَتِهِ شِرَاءُ عُمْرَتِهِ مِنْ الْمُعْمَرِ بِالْفَتْحِ الْمَعْنَى وَاحِدٌ، فَالْمُعْمَرُ بِالْفَتْحِ بَائِعٌ وَبِالْكَسْرِ مُشْتَرٍ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ (قَالَ فِي الْمَقْصِدِ الْمَحْمُودِ:) وَيَجُوزُ لِلْمُعْمِرِ شِرَاءُ عُمْرَاهُ قِيَاسًا عَلَى الْعَرِيَّةِ، وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِغَيْرِهِ، وَلِلْمُعْمِرِ كِرَاؤُهَا سَنَةً أَوْ سَنَتَيْنِ لَا غَيْرُ، وَقِيلَ: لِأَرْبَعَةِ أَعْوَامٍ كَالْأَحْبَاسِ، وَلَوْ كَانَتْ لِمُدَّةٍ مَحْصُورَةٍ لَجَازَ كِرَاؤُهَا إلَيْهَا، وَيَجُوزُ لِوَرَثَةِ الْمُعْمِرِ شِرَاؤُهَا مِنْ الْمُعْمَرِ كَمَا كَانَ ذَلِكَ لِأَبِيهِمْ، وَهَذَا إذَا كَانَتْ مُعَقَّبَةً، وَفِيهِ أَيْضًا يَجُوزُ ابْتِيَاعُ الْمُعْمِرِ لِلْعُمْرَى بِالنَّقْدِ وَالنَّسِيئَةِ بِالْعَيْنِ وَالْعَرْضِ وَالطَّعَامِ، وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ بِالنَّسِيئَةِ، وَلَا تَأْثِيرَ لِلْجَهْلِ بِقَدْرِ الْمَبِيعِ إذْ لَيْسَ بِبَيْعٍ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَإِنَّمَا هُوَ مَعْرُوفٌ

ظَاهِرُهُ الْمُكَايَسَةُ مُسْتَثْنًى مِنْ كَرَاهَةِ ابْتِيَاعِ الصَّدَقَةِ اهـ. فَضَمِيرُ " بَيْعُهَا " لِلْعُمْرَى " وَمُسَوَّغٌ " بِفَتْحِ الْوَاوِ اسْمُ مَفْعُولٍ أَيْ سَوَّغَهُ الشَّارِعُ وَجَوَّزَهُ " وَالْمُعْمَرُ " بِالْفَتْحِ يَتَعَلَّقُ بِمُسَوَّغٍ أَيْ يَسُوغُ لِلْمُعْمَرِ بَيْعُ الْعُمْرَى وَالْمُشْتَرِي لَهَا هُوَ الْمُعْمِرُ بِالْكَسْرِ أَوْ وَارِثُهُ وَغَلَّةٌ لِلْحَيَوَانِ إنْ تُهَبْ ... فَمِنْحَةٌ تُدْعَى وَلَيْسَتْ تُجْتَنَبْ وَخِدْمَةُ الْعَبْدِ هِيَ الْإِخْدَامُ ... وَالْحَوْزُ فِيهِمَا لَهُ الْتِزَامُ حَيَاةَ مُخْدَمٍ أَوْ الْمَمْنُوحِ ... أَوْ أَمَدًا عُيِّنَ بِالتَّصْرِيحِ قَالَ الْإِمَامُ الْحَطَّابُ فِي تَأْلِيفِهِ الْمُسَمَّى بِتَحْرِيرِ الْكَلَامِ فِي مَسَائِلِ الِالْتِزَامِ: مَا نَصُّهُ الْبَابُ الْأَوَّلُ: وَفِي الِالْتِزَامِ الَّذِي لَيْسَ بِمُعَلَّقٍ وَهُوَ إلْزَامُ الشَّخْصِ نَفْسَهُ شَيْئًا مِنْ الْمَعْرُوفِ مِنْ غَيْرِ تَعْلِيقٍ عَلَى شَيْءٍ، فَدَخَلَ فِي ذَلِكَ الصَّدَقَةُ وَالْهِبَةُ وَالْحَبْسُ وَالْعَارِيَّةُ وَالْعُمْرَى وَالْعَرِيَّةُ وَالْمِنْحَةُ وَالْإِرْفَاقُ وَالْإِخْدَامُ وَالْإِسْكَانُ وَالنَّذْرُ إذَا كَانَ غَيْرَ مُعَلَّقٍ وَالضَّمَانُ وَالِالْتِزَامُ بِالْمَعْنَى الْأَخَصِّ أَعْنِي بِلَفْظِ الِالْتِزَامِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الْحَقَائِقِ وَإِنَّمَا هُوَ بِأُمُورٍ اعْتِبَارِيَّةٍ اعْتَبَرَهَا الْفُقَهَاءُ فِي كُلِّ بَابٍ فَخَصُّوا الصَّدَقَةَ وَالْهِبَةَ بِتَمْلِيكِ الرِّقَابِ، وَجَعَلُوا الْأُولَى: فِيمَا كَانَ لِقَصْدِ الثَّوَابِ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى خَاصَّةً، وَالثَّانِيَةَ: فِيمَا كَانَ لِقَصْدِ ثَوَابٍ مِنْ الْمُعْطِي أَوْ لِوَجْهِ الْمُعْطَى لِصَدَاقَةٍ أَوْ قَرَابَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَخَصَّ الْحَبْسَ وَمَا بَعْدَهُ إلَى الْإِسْكَانِ بِإِعْطَاءِ الْمَنْفَعَةِ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ عَلَى التَّأْبِيدِ، فَهُوَ الْحَبْسُ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مُدَّةَ حَيَاةِ الْمُعْطَى، فَهُوَ الْعُمْرَى، وَإِنْ كَانَ مُحَدَّدًا بِمُدَّةٍ أَوْ غَيْرَ مُحَدَّدٍ فَهُوَ الْعَارِيَّةُ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي عَقَارٍ أُطْلِقَ عَلَيْهِ الْإِسْكَانُ. وَإِنْ كَانَ فِي ثَمَرَةٍ أُطْلِقَ عَلَيْهِ الْعَرِيَّةُ، وَإِنْ كَانَ فِي غَلَّةِ حَيَوَانٍ أُطْلِقَ عَلَيْهِ الْمِنْحَةُ، وَإِنْ كَانَ فِي خِدْمَةِ عَبْدٍ أُطْلِقَ عَلَيْهِ الْإِخْدَامُ، وَإِنْ كَانَ فِي مَنَافِعَ تَتَعَلَّقُ بِالْعَقَارِ أُطْلِقَ عَلَيْهِ الْإِرْفَاقُ، وَخَصُّوا الضَّمَانَ بِالْتِزَامِ الدَّيْنِ لِمَنْ هُوَ لَهُ، أَوْ الْتِزَامِ إحْضَارِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ لِمَنْ هُوَ لَهُ، وَخَصُّوا النَّذْرَ الْمُطْلَقَ بِالْتِزَامِ طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى بِنِيَّةِ الْقُرْبَةِ، وَالِالْتِزَامَ الْأَخَصَّ بِمَا كَانَ بِلَفْظِ الِالْتِزَامِ، كَمَا تَقَدَّمَ، وَيُخْرِجُ الْعِدَةَ بِتَخْفِيفِ الدَّالِ لِأَنَّهَا الْتِزَامٌ فِيهَا اهـ. وَفِيهِ بَيَانُ الِاصْطِلَاحِ فِي مُسَمَّى هَذِهِ الْأَلْفَاظِ وَأَخْبَرَ النَّاظِمُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ هِبَةَ غَلَّةِ الْحَيَوَانِ كَالرُّكُوبِ وَاللَّبَنِ وَغَيْرِ ذَلِكَ تُسَمَّى مِنْحَةً، وَهِيَ جَائِزَةٌ أَوْ مَنْدُوبَةٌ لَيْسَ فِيهَا مَا يُجْتَنَبُ، وَأَنَّ هِبَةَ خِدْمَةِ الْعَبْدِ تُسَمَّى الْإِخْدَامَ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ كَوْنِهِ طُولَ حَيَاةِ الْمَمْنُوحِ أَوْ الْمُخْدَمِ أَوْ تَوْفِيَتِهِ بِأَجَلٍ مَحْدُودٍ مِنْ الْمُعْطِي، وَلَا بُدَّ فِيهِمَا مِنْ الْحَوْزِ عَلَى قَاعِدَةِ كُلُّ مَا يُعْطَى بِغَيْرِ عِوَضٍ، فَحَوْزُهُمَا بِحَوْزِ الْحَيَوَانِ الْمَمْنُوحِ غَلَّتُهُ، وَحَوْزِ الْعَبْدِ الْمَبْذُولِ خِدْمَتُهُ (قَالَ ابْنُ سَلْمُونٍ) : وَالْمِنْحَةُ هِيَ هِبَةُ غَلَّةِ الْحَيَوَانِ، وَالْإِخْدَامُ. هِبَةُ خِدْمَةِ الْعَبْدِ قَالَ: وَلَا بُدَّ مِنْ الْحِيَازَةِ فِي الْمِنْحَةِ وَالْإِخْدَامِ، وَإِلَّا بَطَلَا، وَفِي (الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ) ، فَإِنْ مَاتَ الْمُخْدَمُ وَالْخِدْمَةُ لِأَمَدٍ مَعْلُومٍ وَرِثَ وَرَثَةُ الَّذِي لَهُ الْخِدْمَةُ بَقِيَّةَ الْأَمَدِ عَنْهُ، فَإِنْ كَانَتْ الْخِدْمَةُ حَيَاةَ الْمُخْدَمِ لَمْ يَرِثْ وَرَثَتُهُ ذَلِكَ عَنْهُ، وَرَجَعَ الْعَبْدُ إلَى رَبِّهِ أَوْ إلَى وَرَثَتِهِ بَعْدَهُ عَلَى قَدْرِ مَوَارِيثِهِمْ فِيهِ اهـ. وَقَوْلُهُ: حَيَاةَ مُخْدَمٍ بِالنَّصْبِ ظَرْفٌ لِلْإِخْدَامِ وَقَوْلُهُ: أَوْ الْمَمْنُوحِ: عَطْفٌ عَلَى مُخْدَمٍ مَدْخُولٍ لِحَيَاةٍ أَيْ حَيَاةِ الْمَمْنُوحِ: ظَرْفٌ لِمِنْحَةٍ وَقَوْلُهُ: وَأَمَدًا: بِالنَّصْبِ عَطْفٌ عَلَى " حَيَاةَ " وَأُجْرَةُ الرَّاعِي لِمَا قَدْ مَنَحَا ... عَلَى الَّذِي بِمَنْحِهِ قَدْ سَمَحَا وَجَائِزٌ لِمَانِحٍ فِيهَا الشِّرَا ... بِمَا يَرَى نَاجِزًا أَوْ مُؤَخَّرًا يَعْنِي أَنَّ أُجْرَةَ الرَّاعِي الَّذِي يَرْعَى الْحَيَوَانَ الْمَمْنُوحَ غَلَّتُهُ تَكُونُ عَلَى الْمَانِحِ الَّذِي سَمَحَ بِهِبَتِهَا لَا عَلَى الْمَمْنُوحِ، وَيَجُوزُ لِلْمَانِحِ شِرَاءُ مِنْحَتِهِ مِنْ الْمَمْنُوحِ بِمَا يَتَّفِقَانِ عَلَيْهِ مِنْ نَاجِزٍ، أَوْ مُؤَخَّرٍ كَمَا سَبَقَ فِي الْعُمْرَى (قَالَ فِي الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ) وَالرِّعَايَةُ: عَلَى رَبِّ الْمِنْحَةِ وَلِصَاحِبِ الْمِنْحَةِ أَنْ يَبْتَاعَهَا مِنْ الْمَمْنُوحِ إذَا اتَّفَقَا عَلَى ذَلِكَ يَدْفَعُهُ إلَيْهِ حَالًا، وَيَجُوزُ لَهُ شِرَاءُ مِنْحَتِهِ بِمَا شَاءَ مِنْ الدَّنَانِيرِ

فصل في الإرفاق

وَالدَّرَاهِمِ وَالْعُرُوضِ وَالطَّعَامِ حَالًا أَوْ إلَى أَجَلٍ، وَيَسْتَرْجِعُ مِنْحَتَهُ، وَلَا يَدْخُلُهُ بَيْعُ اللَّبَنِ الْمَجْهُولِ بِالطَّعَامِ أَوْ الطَّعَامِ بِالطَّعَامِ لَيْسَ يَدًا بِيَدٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ مَعْرُوفٌ يَصْنَعُهُ الْمُعْطِي إلَى الْمُعْطَى، فَأُرْخِصَ لَهُ فِيهِ، وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِغَيْرِهِ، وَيُجَانِسُ ذَلِكَ الْعَرِيَّةَ اهـ. وَهَذَا الْحُكْمُ يَجْرِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فِي الْإِخْدَامِ، فَتَكُونُ نَفَقَةُ الْمُخْدِمِ عَلَى سَيِّدِهِ، وَيَجُوزُ لِسَيِّدِهِ شِرَاءُ خِدْمَتِهِ مِنْ الْمُخْدَمِ [فَصْلٌ فِي الْإِرْفَاقِ] (فَصْلٌ فِي الْإِرْفَاقِ) إرْفَاقُ جَارٍ حَسَنٌ لِلْجَارِ ... بِمَسْقًى أَوْ طَرِيقٍ أَوْ جِدَارِ وَالْحَدُّ فِي ذَلِكَ إنْ حُدَّ اُقْتُفِيَ ... وَعُدَّ فِي إطْلَاقِهِ كَالسَّلَفِ تَقَدَّمَ أَنَّ الْإِرْفَاقَ هُوَ مَنَافِعُ تَتَعَلَّقُ بِالْعَقَارِ وَأَخْبَرَ النَّاظِمُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ إرْفَاقَ الْجَارِ لِجَارِهِ حَسَنٌ أَوْ مُسْتَحَبٌّ بِمَا جَرَتْ الْعَادَةُ مِنْ التَّسَامُحِ بِهِ وَهُوَ مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ الَّذِي بُعِثَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِتَتْمِيمِهَا، وَذَلِكَ كَأَنْ يُعْطِيَهُ مَسْقًى أَيْ مَوْضِعًا لِلسَّقْيِ يُوصَلُ مِنْهُ الْمَاءُ لِسَقْيِ حَائِطِهِ أَوْ شُرْبِ دَارِهِ مَثَلًا، أَوْ يُعْطِيهِ طَرِيقًا فِي أَرْضِهِ لِيَتَوَصَّلَ مِنْهَا إلَى مِثْلِ ذَلِكَ، أَوْ يُعْطِيهِ جِدَارًا يَغْرِزُ فِيهِ خَشَبَةً، وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنْ الْمَرَافِقِ، فَإِنْ حُدَّتْ تِلْكَ الْمَنْفَعَةُ بِزَمَانٍ، عَمِلَ عَلَى ذَلِكَ وَوَقَفَ عِنْدَهُ، وَإِنْ لَمْ تُحَدَّ، فَإِنَّهُ كَالسَّلَفِ، فَلَا بُدَّ مِنْ تَرْكِ الْمِرْفَقِ مِقْدَارَ مَا يَرَى أَنَّ ذَلِكَ يَحْسُنُ بَيْنَ الْجِيرَانِ أَنْ يَرْفُقَ إلَيْهِ. (قَالَ فِي الْمَنْهَجِ السَّالِكِ) : وَالْمَرَافِقُ مَنْدُوبٌ إلَى بَذْلِهَا وَالْمُسَامَحَةُ فِيهَا، فَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ سَأَلَهُ جَارُهُ أَنْ يَغْرِزَ خَشَبَةً فِي جِدَارِهِ، أَنْ يُجِيبَهُ إلَى ذَلِكَ، فَإِنْ أَبَى وَشَحَّ لَمْ يُقْضَ عَلَيْهِ بِهِ فِي مَشْهُورِ الْمَذْهَبِ (وَفِي الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ) قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ فَإِنْ كَانَ الْمُرْفِقُ احْتَاجَ إلَى حَائِطِهِ حَاجَةً مُؤَكَّدَةً كَانَ ذَلِكَ لَهُ، إذَا كَانَ قَدْ مَضَى مِنْ الزَّمَانِ قَدْرُ مَا يَرَى أَنَّهُ انْتَفَعَ الْمُرْتَفِقُ بِالتَّعْلِيقِ (تَنْبِيهٌ) لَفْظُ " مَسْقَى " فِي النَّظْمِ هُوَ عَلَى وَزْنِ مَفْعَلٍ مُعْتَلِّ اللَّامِ وَهُوَ يَصْلُحُ لِلْمَصْدَرِ وَالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ، وَإِنْ كَانَ فِيهَا تَدَاخُلٌ، فَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْمَصْدَرُ أَيْ أَرْفَقَهُ بِالسَّقْيِ بِمَا يَفْضُلُ عَنْهُ مِنْ الْمَاءِ الْمَمْلُوكِ لَهُ، وَأَنْ يُرَادَ بِهِ الْمَكَانُ أَيْ بِمَكَانٍ وَمَوْضِعٍ يُوصِلُ مِنْهُ الْمَاءَ لِدَارِهِ أَوْ حَائِطِهِ كَمَا قُلْنَا أَوَّلًا، وَأَنْ يُرَادَ بِهِ الزَّمَانُ كَأَنْ يَكُونَ حَقُّهُ أَنَّهُ يَسْقِي مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ إلَى الزَّوَالِ فَأَرْفَقَهُ بِالسَّقْيِ إلَى الْعَصْرِ

فصل في حكم الحوز

[فَصْلٌ فِي حُكْمِ الْحَوْزِ] (فَصْلٌ فِي حُكْمِ الْحَوْزِ) وَالْأَجْنَبِيُّ إنْ يَحُزْ أَصْلًا بِحَقْ ... عَشْرَ سِنِينَ فَالتَّمَلُّكُ اُسْتُحِقَّ وَانْقَطَعَتْ حُجَّةُ مُدَّعِيهِ ... مَعَ الْحُضُورِ عَنْ خِصَامٍ فِيهِ إلَّا إذَا أَثْبَتَ حَوْزًا بِالْكِرَا ... أَوْ مَا يُضَاهِيهِ فَلَنْ يُعْتَبَرَا أَوْ يَدَّعِي حُصُولَهُ تَبَرُّعًا ... مِنْ قَائِمٍ فَلْيُثْبِتَنَّ مَا ادَّعَى أَوْ يَحْلِفُ الْقَائِمُ وَالْيَمِينُ لَهْ ... إنْ ادَّعَى الشِّرَاءَ مِنْهُ مُعْمَلَهْ وَيُثْبِتُ الدَّفْعَ وَإِلَّا الطَّالِبُ ... لَهُ الْيَمِينُ وَالتَّقَضِّي لَازِبُ وَإِنْ يَكُنْ مُدَّعِيًا إقَالَهْ ... فَمَعْ يَمِينِهِ لَهُ الْمَقَالَهْ وَالتِّسْعُ كَالْعَشْرِ لَدَى ابْنِ الْقَاسِمِ ... أَوْ الثَّمَانِ فِي انْقِطَاعِ الْقَائِمِ قَسَّمَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ الدَّعْوَى إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ مُشْبِهَةٍ عُرْفًا وَهِيَ اللَّائِقَةُ بِالْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَتَتَوَجَّهُ فِيهَا الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى مِنْ غَيْرِ إثْبَاتِ خِلْطَةٍ اتِّفَاقًا عَلَى ظَاهِرِ كَلَامِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَذَلِكَ إذَا عَجَزَ الْمُدَّعِي عَنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ، وَلَا إشْكَالَ. وَذَلِكَ كَالدَّعَاوَى عَلَى الصُّنَّاعِ وَالْمُنْتَصِبِينَ لِلتِّجَارَةِ فِي الْأَسْوَاقِ وَالْوَدَائِعِ عَلَى أَهْلِهَا وَالْمُسَافِرِ فِي رُفْقَتِهِ وَالْمُدَّعِي لِسِلْعَةٍ بِعَيْنِهَا أَوْ بَعِيدَةٍ لَا تُشْبِهُ حَالَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، فَلَا تُسْمَعُ، وَلَا يُلْتَفَتُ إلَيْهَا كَدَعْوَى دَارٍ بِيَدِ حَائِزٍ يَتَصَرَّفُ بِالْهَدْمِ وَالْبِنَاءِ وَالْعِمَارَةِ مُدَّةً طَوِيلَةً، وَالْمُدَّعِي شَاهِدٌ سَاكِتٌ، وَلَا مَانِعَ مِنْ خَوْفٍ وَلَا قَرَابَةٍ وَلَا صِهْرٍ وَشُبْهَةٍ، وَمُتَوَسَّطَةٍ بَيْنَ الْمُشْبِهَةِ وَالْبَعِيدَةِ فَتُسْمَعُ مِنْ مُدَّعِيهَا، وَيُمَكَّنُ مِنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى دَعْوَاهُ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْهَا حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَهَلْ بَعْدَ ثُبُوتِ الْخِلْطَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُدَّعِي، (قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ) : وَعَلَيْهِ عَمَلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ أَوْ تَتَوَجَّهُ الْيَمِينُ، وَإِنْ لَمْ يُثْبِتْ خِلْطَةً، وَبِهِ الْعَمَلُ وَعَلَى الثَّانِي: فَحُكْمُهُمَا حُكْمُ الْمُشْبَهَةِ وَمَثَّلَ لَهَا ابْنُ الْحَاجِبِ بِدَعْوَى الدَّيْنِ فَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: احْتَرَزَ بِالدَّيْنِ مِنْ دَعْوَى الْمُعَيَّنَاتِ فَإِنَّهَا لَا تَحْتَاجُ إلَى إثْبَاتِ خِلْطَةٍ كَمَا تَقَدَّمَ أَيْ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ ا. هـ. وَإِنَّمَا ذَكَرْتُ هَذَا لِيَكُونَ النَّاظِرُ فِي كَلَامِ النَّاظِمِ عَلَى بَصِيرَةٍ فِي تَقْسِيمِ الدَّعْوَى وَأَنَّ مَسْأَلَةَ النَّاظِمِ هِيَ جُزْئِيَّةٌ وَفَرْدٌ مِنْ أَفْرَادِ الدَّعْوَى الْبَعِيدَةِ وَمِثَالُ مَنْ مَثَّلَهَا؛ لِأَنَّهَا قَاعِدَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ. وَاعْلَمْ أَنْ النَّاظِمَ قَدَّمَ أَوَّلًا الْكَلَامَ عَلَى الْمَسْأَلَةِ الْمَشْهُورَةِ وَهِيَ مَنْ حَازَ دَارًا مَثَلًا عَلَى حَاضِرٍ عَشْرَ سِنِينَ إلَى آخِرِهَا كَمَا يَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ فَرَّعَ عَلَيْهَا أَرْبَعَ مَسَائِلَ. (الْأُولَى) أَنْ يُثْبِتَ الْقَائِمُ أَنَّ حَوْزَ الْحَائِزِ إنَّمَا هُوَ مِنْ جِهَتِهِ بِكِرَاءٍ أَوْ عُمْرَى أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ (الثَّانِيَةُ) أَنْ يُثْبِتَ الْقَائِمُ الْمِلْكِيَّةَ، فَيَدَّعِي الْحَائِزُ أَنَّ الْقَائِمَ تَبَرَّعَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ بِهِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ وَنَحْوِهِمَا (الثَّالِثَةُ) : كَذَلِكَ، وَيَدَّعِي الْحَائِزُ الشِّرَاءَ مِنْ الْقَائِمِ. (الرَّابِعَةُ) : أَنْ يُثْبِتَ الْقَائِمُ الشِّرَاءَ مِنْ الْحَائِزِ فَادَّعَى الْحَائِزُ الْإِقَالَةَ. قَوْلُهُ: وَالْأَجْنَبِيُّ إنْ يَحُزْ أَصْلًا بِحَقْ إلَخْ (اعْلَمْ) أَنَّ الْحَائِزَ يَتَنَوَّعُ إلَى ثَمَانِيَةِ أَنْوَاعٍ إلَى قَرِيبٍ جِدًّا كَالْأَبِ مَعَ ابْنِهِ وَإِلَى قَرِيبٍ دُونَ ذَلِكَ كَسَائِرِ الْأَقْرِبَاءِ وَرَثَةً أَوْ غَيْرَ وَرَثَةٍ، وَإِلَى كَوْنِهِ مِنْ الْأَصْهَارِ وَالْمَوْلَى وَإِلَى كَوْنِهِ أَجْنَبِيًّا وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَرْبَعَةِ: إمَّا أَنْ يَكُونَ شَرِيكًا أَوْ لَا فَهَذِهِ ثَمَانِيَةُ أَنْوَاعٍ ثُمَّ الْحَوْزُ فِي كُلِّ نَوْعٍ مِنْهَا يَتَنَوَّعُ إلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: إمَّا أَنْ يَكُونَ بِأَقْوَى أَوْجُهِ الْحِيَازَةِ كَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالْعِتْقِ وَالْوَطْءِ لِلْأَمَةِ وَإِمَّا بِمَا دُونَ ذَلِكَ كَالْهَدْمِ وَالْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ وَإِمَّا بِمَا دُونَ ذَلِكَ كَزِرَاعَةِ الْأَرْضِ وَسُكْنَى الدَّارِ وَاعْتِمَارِ الْحَانُوتِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَإِذَا ضَرَبْت ثَمَانِيَةَ عِدَّةِ أَنْوَاعِ الْحَائِزِ فِي ثَلَاثَةٍ عِدَّةِ أَوْجُهِ الْحَوْزِ خَرَجَ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ وَجْهًا ثُمَّ الْمَحُوزُ عَنْهُ يَتَنَوَّعُ إلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ أَيْضًا إلَى كَوْنِهِ حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا غَيْبَةً قَرِيبَةً أَوْ بَعِيدَةً، فَإِذَا ضَرَبْت الْأَرْبَعَةَ وَالْعِشْرِينَ فِي هَذِهِ الْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ خَرَجَ اثْنَانِ وَسَبْعُونَ وَجْهًا تُنْظَرُ فِي الْمُطَوَّلَاتِ. قَوْلُهُ: وَالْأَجْنَبِيّ إلَخْ يَعْنِي أَنَّ مَنْ حَازَ دَارًا أَوْ حَانُوتًا أَوْ أَرْضًا أَوْ غَيْرَهَا مِنْ الْأُصُولِ بِوَجْهٍ شَرْعِيٍّ كَالشِّرَاءِ وَالْإِرْثِ وَعَلَى كَوْنِ الْحَوْزِ شَرْعِيًّا نَبَّهَ بِقَوْلِهِ: بِحَقٍّ، وَاحْتَرَزَ بِهِ مِنْ الْحَوْزِ بِغَصْبٍ أَوْ تَعَدٍّ، فَلَا عِبْرَةَ بِهِ، وَيَجْرِي مَجْرَى الْحَوْزِ الشَّرْعِيِّ، الْجَهْلُ بِوَجْهِ الْحَوْزِ وَبِسَبَبِهِ وَطُولِ حَوْزِهِ لِذَلِكَ كَالْعَشْرِ سِنِينَ وَمَا قَارَبَهَا كَالتِّسْعِ وَالثَّمَانِ، وَالْحَائِزُ أَجْنَبِيٌّ عَنْ الْقَائِمِ عَلَيْهِ لَيْسَ قَرِيبًا لَهُ، وَلَا شَرِيكًا مَعَهُ وَهُوَ فِي مِلْكِ الْمُدَّةِ

يَتَصَرَّفُ فِي الشَّيْءِ الْمَحُوزِ بِأَوْجُهِ التَّصَرُّفَاتِ كَتَصَرُّفِ الْمَالِكِ فِي مِلْكِهِ وَيُنْسَبُ إلَيْهِ ذَلِكَ، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ يَدَّعِي مِلْكِيَّتِهِ، ثُمَّ قَامَ إنْسَانٌ يَدَّعِي مِلْكِيَّةَ ذَلِكَ الْمَحُوزِ. وَالْقَائِمُ الْمَذْكُورُ حَاضِرٌ عَالِمٌ بِحَوْزِ الْحَائِزِ وَتَصَرُّفِهِ وَادِّعَاءِ مِلْكِيَّتِهِ، عَالِمٌ بِأَنَّ ذَلِكَ لَهُ، وَلَمْ يَدَّعِ شَيْئًا طِوَالَ الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ، وَلَا مَانِعَ لَهُ مِنْ الْكَلَامِ مِنْ خَوْفٍ وَلَا غَيْرِهِ مِنْ قَرَابَةٍ أَوْ صِهْرٍ أَوْ صِغَرٍ أَوْ حَجْرٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، فَإِنَّ دَعْوَى هَذَا الْقَائِمِ لَا تُسْمَعُ، وَلَا يُلْتَفَتُ إلَيْهَا لِبُعْدِهَا، كَمَا تَقَدَّمَ فِي تَقْسِيمِ الدَّعْوَى، وَيَبْقَى الْأَصْلُ لِمَنْ هُوَ فِي يَدِهِ، وَحَائِزٌ لَهُ بَعْدَ يَمِينِهِ كَمَا سَيَأْتِي، وَإِلَى بَقَائِهِ بِيَدِهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: فَالتَّمَلُّكُ اُسْتُحِقَّ فِي الْقَلْشَانِيّ عَنْ الْمَازِرِيِّ: تَصِحُّ الْحِيَازَةُ بِسَبْعَةِ شُرُوطٍ هِيَ: الْحَوْزُ، وَهُوَ وَضْعُ الْيَدِ عَلَى الشَّيْءِ الْمُحَازِ أَنْ يُنْسَبَ إلَيْهِ، وَأَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ تَصَرُّفَ الْمَالِكِ فِي مِلْكِهِ، وَأَنْ تَطُولَ الْمُدَّةُ، وَأَنْ لَا يُنَازَعَ الْمُحَازُ عَنْهُ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ، وَأَنْ يَكُونَ حَاضِرًا عَالِمًا بَالِغًا رَشِيدًا لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ الْقِيَامِ مَانِعٌ اهـ. إلَّا أَنَّهُ جَعَلَ مَوْضُوعَ الْمَسْأَلَةِ الَّذِي هُوَ الْحَوْزُ شَرْطًا وَالشَّرْطُ خَارِجٌ عَنْ الْمَاهِيَّةِ، وَالصَّوَابُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ الشُّرُوطَ مَا عَدَاهُ (قَالَ ابْنُ رُشْدٍ) : مُجَرَّدُ الْحِيَازَةِ لَا تَنْقُلُ الْمِلْكَ مِنْ الْمَحُوزِ عَلَيْهِ إلَى الْحَائِزِ بِاتِّفَاقٍ، وَلَكِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الْمِلْكِ، كَإِرْخَاءِ السِّتْرِ وَمَعْرِفَةِ الْعِفَاصِ وَالْوِكَاءِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، فَيَكُونُ بِسَبَبِهَا الْقَوْلُ قَوْلُ الْحَائِزِ مَعَ يَمِينِهِ اهـ. فَقَوْلُهُ وَالْأَجْنَبِيُّ إنْ يَحُزْ احْتَرَزَ بِالْأَجْنَبِيِّ مِنْ حَوْزِ الْقَرِيبِ، وَيَأْتِي لِلنَّاظِمِ بَعْضُ الْكَلَامِ عَلَيْهِ فِي قَوْلِهِ: وَالْأَقْرَبُونَ حَوْزُهُمْ مُخْتَلِفٌ الْأَبْيَاتَ الْخَمْسَةَ، وَقَوْلُهُ: أَصْلًا احْتَرَزَ مِنْ غَيْرِ الْأُصُولِ، وَيَأْتِي لَهُ الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي قَوْلِهِ: وَفِي سِوَى الْأُصُولِ حَوْزُ النَّاسِ الْأَبْيَاتَ الْأَرْبَعَةَ، وَقَوْلُهُ: " بِحَقٍ " يَتَعَلَّقُ بِيَحُزْ أَيْ بِوَجْهٍ شَرْعِيٍّ، وَاحْتَرَزَ بِهِ مِمَّنْ حَازَهُ بِغَصْبٍ أَوْ تَعَدٍّ، فَإِنَّ حَوْزَهُ كَلَا حَوْزٍ، وَقَوْلُهُ: " عَشْرَ سِنِينَ " يُرِيدُ وَمَا يُقَارِبُهَا كَالتِّسْعِ سِنِينَ وَالثَّمَانِ، وَاحْتَرَزَ مِمَّا هُوَ أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ، فَلَا تَنْقَطِعُ بِهِ دَعْوَى الْمُدَّعِي، وَقَوْلُهُ: مَعَ الْحُضُورِ احْتَرَزَ بِهِ مِمَّا إذَا كَانَ الْقَائِمُ الْمُدَّعِي غَائِبًا عَلَى حُجَّتِهِ وَفِيهِ تَفْصِيلٌ، يَأْتِي فِي قَوْلِهِ: وَقَائِمٌ ذُو غَيْبَةٍ بَعِيدَهْ الْأَبْيَاتَ الثَّلَاثَةَ، وَقَوْلُهُ: عَنْ خِصَامٍ فِيهِ يَتَعَلَّقُ بِمَحْذُوفٍ أَيْ سَاكِتًا عَنْ خِصَامٍ فِيهِ، وَاحْتَرَزَ بِذَلِكَ مِمَّا إذَا كَانَ يُخَاصِمُ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ، فَإِنَّ حُجَّتَهُ لَا تَنْقَطِعُ، كَمَا يَأْتِي فِي قَوْلِهِ: وَالْمُدَّعِي إنْ أَثْبَتَ النِّزَاعَ مَعْ ... خَصِيمِهِ فِي مُدَّةِ الْحَوْزِ انْتَفَعْ (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) : بَقِيَ عَلَى النَّاظِمِ اشْتِرَاطُ تَصَرُّفِ الْحَائِزِ بِالْهَدْمِ وَالْبِنَاءِ وَنَحْوِهِمَا كَمَا فِي ابْنِ الْحَاجِبِ: وَادِّعَاءُ الْحَائِزِ الْمِلْكِيَّةَ؛ لِأَنَّ الْحَوْزَ لَا يَنْفَعُ إلَّا لِمُدَّعِيهَا وَجُهِلَ الْأَصْلُ، أَمَّا مَا عُلِمَ أَصْلُهُ فَلَا تَنْفَعُ فِيهِ الْحِيَازَةُ، وَكَذَا يُشْتَرَطُ عِلْمُ الْقَائِمِ أَنَّ الْمَحُوزَ مِلْكٌ لَهُ كُلِّهِ أَوْ بَعْضِهِ (ابْنُ الْحَاجِبِ) فِي تَقْسِيمِ الدَّعْوَى وَغَيْرُ مُشْبِهَةٍ عُرْفًا، كَدَعْوَى دَارٍ بِيَدِ حَائِزٍ يَتَصَرَّفُ بِالْهَدْمِ وَالْبِنَاءِ وَالْعِمَارَةِ مُدَّةً طَوِيلَةً، وَالْمُدَّعِي شَاهِدٌ سَاكِتٌ، وَلَا مَانِعَ مِنْ خَوْفٍ وَلَا قَرَابَةٍ وَلَا صِهْرٍ وَشُبْهَةٍ فَغَيْرُ مَسْمُوعَةٍ (التَّوْضِيحُ) إنَّمَا لَمْ تَكُنْ مُشْبِهَةً عُرْفًا؛ لِأَنَّ الْعُرْفَ يُكَذِّبُ مُدَّعِيهَا ثُمَّ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَفِي الْبَيَانِ فِي بَابِ الِاسْتِحْقَاقِ: الْمَشْهُورُ أَنَّ الْحِيَازَةَ تَكُونُ بَيْنَهُمْ فِي عَشَرَةِ أَعْوَامٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هَدْمٌ وَلَا بُنْيَانٌ وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا تَكُونُ حِيَازَةٌ إلَّا مَعَ الْهَدْمِ وَالْبُنْيَانِ ثُمَّ تَكَلَّمَ عَلَى صِفَةِ الْحَوْزِ بِقَوْلِهِ: يَتَصَرَّفُ بِالْهَدْمِ وَالْبِنَاءِ وَالْعِمَارَةِ، وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يُهْدَمْ مَا يُخْشَى سُقُوطُهُ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يُسْقِطُ الْمِلْكَ. قِيلَ: وَكَذَلِكَ الْإِصْلَاحُ الْيَسِيرُ؛ لِأَنَّ رَبَّ الدَّارِ يَأْمُرُ الْمُكْتَرِي بِهِ، وَفِي نَوَازِلِ الْبُيُوعِ مِنْ الْمِعْيَارِ وَفِي أَثْنَاءِ جَوَابٍ لِمُؤَلِّفِهِ سَيِّدِي أَحْمَدَ الْوَنْشَرِيسِيِّ مَا نَصُّهُ: وَأَمَّا الْحِيَازَةُ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِضَمِيمَةِ دَعْوَى الْمِلْكِ

مَعَهَا، فَلَا تَنْقُلُ الْمِلْكَ عَنْ الْمَحُوزِ عَنْهُ إلَى الْحَائِزِ اتِّفَاقًا فِي الْمَذْهَبِ الْمَالِكِيِّ، حَسْبَمَا صَرَّحَ بِهِ زَعِيمُ الْفُقَهَاءِ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ بْنُ رُشْدٍ وَهُوَ مِمَّا لَا نِزَاعَ فِيهِ وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى قَوْلُ الْقَرَافِيِّ لَا يَكْتَفِي مِنْ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ فِي الِاخْتِلَافِ فِي مَتَاعِ الْبَيْتِ أَنْ يَقُولَ هِيَ لِي؛ لِأَنَّهُ مِنْ مَتَاعِ الْبَيْتِ حَتَّى يَقُولَ مَالِي وَمِلْكِي اهـ. ثُمَّ نَقَلَ فِي جَوَابٍ آخَرَ لِلْأُسْتَاذِ أَبِي سَعِيدِ بْنِ لُبٍّ مَا نَصُّهُ وَشَرْطُ اعْتِبَارِ الْحِيَازَةِ الطَّوِيلَةِ الَّتِي يَثْبُتُ الِاسْتِحْقَاقُ بِهَا فِي مِثْلِ هَذِهِ، اقْتِرَانُ دَعْوَى الْمَالِ وَالْمِلْكِ جَزْمًا، أَمَّا إذَا قَالَ الْوَارِثُ لَا أَعْرِفُهُ إلَّا فِي حِيَازَةِ مُوَرِّثِي، وَقَدْ ثَبَتَ الْمَالُ وَالْمِلْكُ لِغَيْرِهِ فَالْحِيَازَةُ سَاقِطَةُ الِاعْتِبَارِ إذَا ثَبَتَ الْمَالُ وَالْمِلْكُ، وَكَمَلَ ذَلِكَ بِمَا يَجِبُ مِنْ الْحِيَازَةِ وَالْإِعْذَارِ، وَالْوَجْهُ الْآخَرُ أَنَّ الِاعْتِمَادَ هُنَا مَعْلُومٌ أَصْلُهُ وَسَبَبُهُ بِالْأَمْرِ الْمُعْتَادِ مِنْ الزَّوْجِيَّةِ وَالْمُصَاهَرَةِ وَإِنَّمَا تَنْفَعُ الْحِيَازَةُ اتِّفَاقًا فِيمَا جُهِلَ أَصْلُهُ جُمْلَةً انْتَهَى مَحَلُّ الْحَاجَةِ مِنْهُ. وَفِي جَوَابٍ نَقَلَهُ صَاحِبُ الْمِعْيَارِ مَا نَصُّهُ: لَا تَنْفَعُ الْحِيَازَةُ فِيمَا عُلِمَ أَصْلُهُ وَتَحَقَّقَ مَدْخَلُهُ، وَتَحَقَّقَ بِوَجْهٍ لَا يَقْضِي نَقْلَ الْمِلْكِ مِنْ رِعَايَةٍ أَوْ إعْمَارٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، إنْ جَهِلَ أَصْلَ مَا وَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ، هَلْ كَانَ مُشْتَرَكًا أَمْ لَا؟ وَلَا يَعْلَمُ بِمَا وَصَلَ إلَيْهِ الْمُوَرِّثُ بِتِلْكَ حِيَازَةً نَافِعَةً اهـ. ثُمَّ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ، وَيُشْتَرَطُ فِي الْحَاضِرِ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهَا مِلْكُهُ (قَالَ فِي الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ) : وَإِذَا كَانَ وَارِثٌ، وَادَّعَى أَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ قُضِيَ لَهُ اهـ. (الثَّانِي) : طُولُ الْحَوْزِ الْعَشْرَ سِنِينَ وَنَحْوَهَا، إنَّمَا هُوَ فِي الْحَوْزِ الَّذِي لَا يُؤَثِّرُ فِي تَغْيِيرِ الْمِلْكِ، أَمَّا مَا يُؤَثِّرُ فِي تَغْيِيرِهِ، فَإِنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى مُدَّةٍ طَوِيلَةٍ، كَإِتْلَافِ الشَّيْءِ وَوَطْءِ الْأَمَةِ، فَإِنَّهُ إذَا عَلِمَ الْمُدَّعِي بِذَلِكَ وَلَمْ يُنْكِرْ بِحِدْثَانِ وُقُوعِهِ، فَإِنَّهُ تَبْطُلُ دَعْوَاهُ لِمَا جُبِلَتْ عَلَيْهِ طِبَاعُ الْبَشَرِ مِنْ أَنَّهُمْ لَا يَسْكُتُونَ عَنْ الْإِنْكَارِ عَلَى مُتْلِفِ أَمْوَالِهِمْ، قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ أَثَرُ مَا تَقَدَّمَ عَنْهُ (الثَّالِثُ) : قَالَ فِي التَّوْضِيحِ ظَاهِرُ قَوْلِهِ: أَيْ ابْنِ الْحَاجِبِ: فَغَيْرُ مَسْمُوعَةٍ، أَنَّهُ لَا يَمِينَ عَلَى الْحَائِزِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا نَقَلَهُ ابْنُ يُونُسَ وَغَيْرُهُ، ثُمَّ قَالَ: وَلَكِنْ صَرَّحَ ابْنُ رُشْدٍ بِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْيَمِينِ اهـ. (فَرْعٌ) وَهَلْ يُطَالَبُ الْحَائِزُ بِبَيَانِ وَجْهِ مِلْكِهِ قَالَ ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ لَا يُطَالَبُ بِهِ، وَقَالَ غَيْرُهُ: يُطَالَبُ وَقِيلَ: إنْ لَمْ يَثْبُتْ أَصْلُ الْمِلْكِ لِلْمُدَّعِي لَمْ تُسْمَعْ دَعْوَاهُ، وَلَا يُسْأَلُ الْحَائِزُ عَنْ أَصْلِ مِلْكِهِ، وَإِنْ ثَبَتَ الْأَصْلُ لِلْمُدَّعِي بِبَيِّنَةٍ وَإِقْرَارِ الْحَائِزِ سُئِلَ عَنْ سَبَبِ ذَلِكَ وَقَالَ ابْنُ عَتَّابٍ وَابْنُ الْقَطَّانِ: وَلَا يُطَالَبُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْحَائِزُ مَعْرُوفًا بِالْغَصْبِ وَالِاسْتِطَالَةِ وَالْقُدْرَةِ عَلَى ذَلِكَ. اهـ. وَإِلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِرُمَّتِهَا أَشَارَ النَّاظِمُ بِقَوْلِهِ: وَالْأَجْنَبِيُّ إنْ يَحُزْ أَصْلًا الْأَبْيَاتَ الثَّلَاثَةَ، وَإِلَيْهَا أَشَارَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ بِقَوْلِهِ: وَإِنْ حَازَ أَجْنَبِيٌّ غَيْرُ شَرِيكٍ وَتَصَرَّفَ ثُمَّ ادَّعَى حَاضِرٌ سَاكِتٌ، بِلَا مَانِعٍ عَشْرَ سِنِينَ لَمْ يُسْمَعْ، وَلَا بَيِّنَتُهُ إلَّا بِإِسْكَانٍ وَنَحْوِهِ، وَفِي الرِّسَالَةِ: مَنْ حَازَ دَارًا عَلَى حَاضِرٍ عَشْرَ سِنِينَ تُنْسَبُ إلَيْهِ وَصَاحِبُهَا حَاضِرٌ عَالِمٌ لَا يَدَّعِي شَيْئًا، فَلَا قِيَامَ لَهُ، وَتَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ الْحَاجِبِ فِيهَا، ثُمَّ أَشَارَ النَّاظِمُ إلَى الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى مِنْ الْمَسَائِلِ الْأَرْبَعِ الَّتِي فَرَّعَ عَلَى الْأُولَى بِقَوْلِهِ: إلَّا إذَا أَثْبَتَ حَوْزًا بِالْكِرَا ... أَوْ مَا يُضَاهِيهِ فَلَنْ يُعْتَبَرَا يَعْنِي أَنَّ عَدَمَ سَمَاعِ دَعْوَى الْقَائِمِ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَثْبُتْ أَنَّهُ أَكْرَى لِلْحَائِزِ وَأَعْمَرَهُ، وَنَحْوُ ذَلِكَ، فَإِنْ أَثْبَتَ الْقَائِمُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، فَإِنَّ دَعْوَاهُ مَقْبُولَةٌ مَسْمُوعَةٌ، وَيُحْكَمُ بِالدَّارِ لِلْقَائِمِ الْمَذْكُورِ، وَلَا يُعْتَبَرُ الْحَوْزُ حِينَئِذٍ، وَيَحْلِفُ كَمَا يَأْتِي عَنْ ابْنِ الْحَاجِب فَفَاعِلُ أَثْبَتَ لِلْمُدَّعِي الْقَائِمِ وَنَائِبُ يُعْتَبَرُ لِلْحَوْزِ (قَالَ فِي الْمُقَرَّبِ) عَنْ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ عُمَرَ عَنْ رَبِيعَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ يَرْفَعُ الْحَدِيثَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ حَازَ شَيْئًا عَشْرَ سِنِينَ فَهُوَ لَهُ» . قَالَ عَبْدُ الْجَبَّارِ وَقَالَ رَبِيعَةُ إذَا كَانَ الرَّجُلُ حَاضِرًا وَمَالُهُ فِي يَدِ غَيْرِهِ فَمَضَتْ عَلَيْهِ عَشْرُ سِنِينَ، وَهُوَ عَلَى ذَلِكَ، فَالْمَالُ لِلَّذِي هُوَ فِي يَدِهِ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ الْآخَرُ بِبَيِّنَةٍ عَلَى أَنَّهُ أَكْرَى أَوْ أَسْكَنَ أَوْ أَعَارَ عَارِيَّةً، وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ لَهُ، وَتَقَدَّمَ قَوْلُ الشَّيْخِ خَلِيلٍ إلَّا بِإِسْكَانٍ وَنَحْوِهِ، وَفِي ابْنِ الْحَاجِبِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ أَنَّ دَعْوَى الْقَائِمِ لَا تُسْمَعُ مَا نَصُّهُ: وَلَا تُسْمَعُ الْبَيِّنَةُ إلَّا بِإِسْكَانٍ أَوْ إعْمَارٍ أَوْ مُسَاقَاةٍ وَشِبْهِهِ ا. هـ. وَالْمَعْنَى أَنَّ مُجَرَّدَ دَعْوَى الْقَائِمِ لَا تُسْمَعُ وَأَمَّا بَيِّنَتُهُ، فَإِنْ شَهِدَتْ لَهُ بِمِلْكِيَّةِ الْمَحُوزِ عَنْهُ لَمْ تُسْمَعْ أَيْضًا وَإِنْ شَهِدَتْ لَهُ، بِأَنَّهُ أَسْكَنَهُ أَوْ أَكْرَاهُ أَوْ نَحْوِهِ، فَتُقْبَلُ، ثُمَّ أَشَارَ لِلْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ بِقَوْلِهِ: أَوْ يَدَّعِي حُصُولَهُ تَبَرُّعًا ... مِنْ قَائِمٍ فَلْيُثْبِتَنَّ مَا ادَّعَى أَوْ يَحْلِفُ الْقَائِمُ يَعْنِي أَنَّ الدَّارَ تَكُونُ لِلْحَائِزِ إلَّا إذَا ادَّعَى أَنَّ الْقَائِمَ وَهَبَهَا لَهُ أَوْ تَصَدَّقَ بِهَا عَلَيْهَا

وَهَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إذَا ثَبَتَ مِلْكِيَّةُ الْقَائِمِ وَأَقَرَّ لَهُ بِهَا الْحَائِزُ الْمَذْكُورُ، وَادَّعَى أَنَّهُ وَهَبَهَا لَهُ، فَإِنَّهُ إنْ أَثْبَتَ الْحَائِزُ الْهِبَةَ الْمَذْكُورَةَ صَحَّتْ لَهُ الدَّارُ، وَإِلَّا حَلَفَ الْقَائِمُ أَنَّهُ مَا وَهَبَ، وَلَا تَصَدَّقَ وَأَخَذَ الدَّارَ، فَقَوْلُهُ: أَوْ يَدَّعِي هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: أَثْبَتَ، وَفَاعِلُ يَدَّعِي الْحَائِزُ، وَضَمِيرُ (حُصُولُ) لِلشَّيْءِ الْمَحُوزِ، وَتَبَرُّعًا مَنْصُوبٌ عَلَى إسْقَاطِ الْخَافِضِ، وَمِنْ (قَائِمٍ) يَتَعَلَّقُ بِتَبَرُّعًا وَفَاعِلُ فَلْيُثْبِتَنَّ ضَمِيرُ الْحَائِزِ، وَمَا مِنْ قَوْلِهِ مَا ادَّعَى وَاقِعَةٌ عَلَى التَّبَرُّعِ، وَقَوْلُهُ: وَيَحْلِفُ الْقَائِمُ، أَيْ إذَا لَمْ يُثْبِتْ الْحَائِزُ التَّبَرُّعَ الَّذِي ادَّعَى حَلَفَ الْقَائِمُ أَنَّهُ مَا تَبَرَّعَ، وَأَخَذَ الدَّارَ. (قَالَ ابْنُ سَلْمُونٍ) وَإِنْ قَالَ إنَّهُ وَهَبَهَا لَهُ أَوْ تَصَدَّقَ بِهَا عَلَيْهِ كُلِّفَ إثْبَاتَ ذَلِكَ، وَلَمْ يَنْتَفِعْ بِمَا ثَبَتَ لَهُ مِنْ الِاعْتِمَارِ، وَعَلَى الْقَائِمِ الْيَمِينُ اهـ. يَعْنِي إذَا عَجَزَ عَنْ إثْبَاتِ الْهِبَةِ، وَهَذِهِ الْيَمِينُ هِيَ مِنْ بَابِ قَوْلِهِ: فِي بَابِ الْيَمِينِ: إلَّا بِمَا عُدَّ مِنْ التَّبَرُّعِ ... مَا لَمْ يَكُنْ فِي الْحَالِ عِنْدَ الْمُدَّعِي فَالدَّارُ بِيَدِ الْمُدَّعِي ثُمَّ أَشَارَ لِلْمَسْأَلَةِ الثَّالِثَةِ بِقَوْلِهِ: فَيَحْلِفُ الْقَائِمُ وَالْيَمِينُ لَهْ ... إنْ ادَّعَى الشِّرَاءَ مِنْهُ مُعْمَلَهْ وَيُثْبِتُ الدَّفْعَ وَإِلَّا الطَّالِبُ ... لَهُ الْيَمِينُ وَالتَّقَضِّي لَازِبُ يَعْنِي، أَنَّ الْحَائِزَ إذَا ادَّعَى شِرَاءَ الدَّارِ مِنْ الْقَائِمِ الَّذِي ثَبَتَتْ مِلْكِيَّتُهُ وَأَقَرَّ لَهُ بِهَا الْحَائِزُ الْمَذْكُورُ، وَادَّعَى أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْهُ، فَإِنَّهُ يَحْلِفُ عَلَى ذَلِكَ، وَتَكُونُ الدَّارُ لِلْحَائِزِ الْمَذْكُورِ، وَلَكِنْ عَلَيْهِ إثْبَاتُ دَفْعِ الثَّمَنِ، فَإِنْ أَثْبَتَهُ، فَلَا إشْكَالَ وَإِلَّا حَلَفَ أَنَّهُ مَا قَبَضَهُ، وَحُكِمَ عَلَى الْحَائِزِ بِدَفْعِهِ، فَقَوْلُهُ: وَالْيَمِينُ لَهُ، هُوَ ابْتِدَاءُ الْكَلَامِ عَلَى الْمَسْأَلَةِ الثَّالِثَةِ، وَضَمِيرُ لَهُ، وَفَاعِلُ ادَّعَى كِلَاهُمَا يَعُودُ عَلَى الْحَائِزِ، وَلَامُ لَهُ بِمَعْنَى عَلَى، وَضَمِيرُ مِنْهُ لِلْقَائِمِ، وَمُعْمَلَهْ: خَبَرٌ ثَانٍ عَنْ الْيَمِينِ مَعْمُولُ بِهَا، وَإِذَا حَلَفَ، وَاسْتَحَقَّ الدَّارَ، يَبْقَى الْكَلَامُ فِي الثَّمَنِ، أَشَارَ لَهُ بِقَوْلِهِ، وَيُثْبِتُ الدَّفْعَ الْبَيْتَ فَفَاعِلُ يُثْبِتُ لِلْحَائِزِ، وَإِنْ لَمْ يُثْبِتْهُ، فَعَلَى الطَّالِبِ الْيَمِينُ، أَنَّهُ مَا قَبَضَهُ، فَلَامُ لَهُ بِمَعْنَى عَلَى، وَالضَّمِيرُ لِلطَّالِبِ، فَإِذَا حَلَفَ أَنَّهُ مَا قَبَضَهُ حُكِمَ عَلَى الْحَائِزِ بِدَفْعِهِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: وَالتَّقَضِّي لَازِبُ، أَيْ لَازِمٌ بِالْمِيمِ. (قَالَ ابْنُ سَلْمُونٍ) قَالَ فِي الْمَجْمُوعَةِ: فَإِنْ ادَّعَى أَنَّهُ ابْتَاعَهَا مِنْ الَّذِي يَثْبُتُ لَهُ الْمِلْكُ حَلَفَ عَلَى ذَلِكَ، وَكَانَتْ لَهُ، وَفِي كِتَابِ الِاسْتِغْنَاءِ قَالَ الْمُشَاوِرُ: وَيَكُونُ عَلَيْهِ فِي دَعْوَى الْبَيْعِ أَنْ يُبَيِّنَ أَنَّهُ دَفَعَ الثَّمَنَ، وَإِلَّا فَيَحْلِفُ الْقَائِمُ أَنَّهُ مَا دَفَعَ لَهُ ثَمَنًا عَنْهُ، وَيُرْجَعُ عَلَيْهِ الثَّمَنُ، إنْ كَانَ مَا يَدَّعِيه مِنْ الثَّمَنِ يُشْبِهُ ثَمَنَ ذَلِكَ، وَإِلَّا فَلَزِمَهُ الْقِيمَةُ، وَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ الثَّمَنُ، إلَّا إلَى الْأَمَدِ الَّذِي لَا يَبْتَاعُ النَّاسُ إلَى مِثْلِهِ قَالَ: وَهُوَ قَوْلُ شُيُوخِنَا فِي ذَلِكَ اهـ. وَعَلَى هَذَا فَلَوْ زَادَ النَّاظِمُ بَيْتًا بَعْدَ قَوْلِهِ: وَالتَّقَضِّي لَازِبُ، كَأَنْ يَقُولَ إلَّا إذَا طَالَ الزَّمَانُ أَكْثَرَا ... مِنْ الَّذِي لَهُ التَّبَايُعُ يُرَى لَأَفَادَ هَذَا الْقَيْدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُمَا يَحْلِفَانِ مَعًا، الْحَائِزُ لَقَدْ اشْتَرَى، وَالْقَائِمُ أَنَّهُ مَا قَبَضَ الثَّمَنَ، ثُمَّ أَشَارَ إلَى الْمَسْأَلَةِ الرَّابِعَةِ بِقَوْلِهِ: وَإِنْ يَكُنْ مُدَّعِيًا إقَالَهْ ... فَمَعْ يَمِينِهِ لَهُ الْمَقَالَهْ يَعْنِي إذَا ادَّعَى الْقَائِمُ أَنَّهُ اشْتَرَى الدَّارَ الْمَذْكُورَةَ مِنْ الْمُقَوَّمِ عَلَيْهِ الْحَائِزِ لَهَا، وَأَثْبَتَ الْقَائِمُ ذَلِكَ بِبَيِّنَةٍ، فَادَّعَى الْمُقَوَّمُ عَلَيْهِ الْحَائِزُ لَهَا الْإِقَالَةَ مِنْ ذَلِكَ الْبَيْعِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ: مَعَ يَمِينِهِ، فَاسْمُ يَكُنْ يَعُودُ عَلَى الْحَائِزِ الْمُتَقَدِّمِ، وَيَثْبُتُ الدَّفْعُ، وَالْفَاءُ فِي قَوْلِهِ فَمَعْ، بِسُكُونِ الْعَيْنِ دَاخِلَةٌ فِي التَّقْدِيرِ، عَلَى لَهُ الْمَقَالَهْ، أَيْ فَلَهُ الْمَقَالَةُ أَيْ الْقَوْلُ، وَأَشَارَ بِذَلِكَ لِمَا نَقَلَهُ الشَّارِحُ عَنْ ابْنِ الْحَاجِّ وَنَصُّهُ: وَلَوْ قَالَ: الْمُقَوَّمُ عَلَيْهِ، أَقَلْتُك فِيهَا بَعْدَ أَنْ بِعْتُهَا مِنْك، لَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ، مَعَ يَمِينِهِ، وَتَبْقَى الْأَمْلَاكُ بِيَدِهِ ا. هـ. وَهَذِهِ الْيَمِينُ مِنْ بَابِ قَوْلِهِ: أَيْضًا فِي بَابِ الْيَمِينِ: وَفِي الْإِقَالَةِ ابْنُ عَتَّابٍ يَرَى ... وُجُوبَهَا لِشُبْهَةٍ مُعْتَبَرًا قَوْلَهُ: وَالتِّسْعُ كَالْعَشْرِ لَدَى ابْنِ الْقَاسِمِ ... أَوْ الثَّمَانِ فِي انْقِطَاعِ الْقَائِمِ أَشَارَ بِهِ لِقَوْلِهِ فِي الْمُقَرِّبِ قَالَ مُحَمَّدٌ: قَالَ: يَحْيَى قُلْت: لِابْنِ الْقَاسِمِ كَمْ تَرَى طُولَ حَوْزِ الْأَجْنَبِيِّ مَالَ الرَّجُلِ الَّذِي يَسْتَحِقُّهُ بِهِ وَلَا يَسْأَلُهُ الْبَيِّنَةَ، عَمَّا فِي يَدَيْهِ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ تُبْنَ وَلَمْ يَغْرِسْ غَيْرَ أَنَّهُ سَكَنَ الدَّارَ وَازْدَرَعَ

الْأَرْضَ فَقَالَ: عَشْرُ سِنِينَ وَنَحْوُهَا، إذَا كَانَ حَاضِرًا لَا يُنْكِرُ قَالَ مُحَمَّدٌ: وَلِابْنِ الْقَاسِمِ فِي كِتَابِ ابْنِ حَبِيبٍ أَنَّهُ قَالَ: وَأَرَى تِسْعَ سِنِينَ وَثَمَانٍ وَمَا قَارَبَهَا بِمَنْزِلَةِ عَشْرِ سِنِينَ اهـ. وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ هُنَا قَوْلُهُ: قَالَ: مُحَمَّدٌ: وَلِابْنِ الْقَاسِمِ إلَخْ وَقَوْلُهُ: فِي انْقِطَاعِ الْقَائِمِ، هُوَ بَيَانٌ لِوَجْهِ الشَّبَهِ. (فَرْعٌ) فِي نَوَازِلِ ابْنِ الْحَاجِّ إذَا قَامَ الرَّجُلُ بِعَقْدِ ابْتِيَاعٍ مِنْ الْمُقَوَّمِ عَلَيْهِ أَوْ مِنْ أَبِيهِ قَبْلَهُ، وَتَارِيخُ الِابْتِيَاعِ قَبْلَ الْقِيَامِ بِعِشْرِينَ عَامًا فِي أَمْلَاكٍ بِيَدِ رَجُلٍ أَوْ تَصَيَّرَتْ إلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ، فَقَالَ الْمُقَوَّمُ عَلَيْهِ: لِي عِشْرُونَ سَنَةً أَمْلِكُ هَذِهِ الْأَمْلَاكَ وَأَنْتَ حَاضِرٌ، فَلَمْ تَقُمْ فَقَالَ: لَمْ أَجِدْ وَثِيقَةَ ابْتِيَاعِي إلَّا الْآنَ، فَالْوَاجِبُ أَنْ لَيْسَ هَذَا مِنْ بَابِ الْحِيَازَةِ، فَيَنْقَطِعُ حَقُّ الْقَائِمِ بِذَلِكَ، وَلَكِنْ يَحْلِفُ الْقَائِمُ بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ مَا تَرَكْتُ الْقِيَامَ فِي الْأَمْلَاكِ تَسْلِيمًا مِنِّي لَهَا، وَلَا رِضًا بِتَرْكِ حَقِّي فِيهَا إلَّا أَنِّي أَعْلَمُ بِالْعَقْدِ، وَلَمْ أَجِدْهُ، وَيَأْخُذُهَا مِنْ يَدِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ أَبُو الْقَائِمِ هُوَ الَّذِي اشْتَرَاهَا مِنْ الْمُقَوَّمِ عَلَيْهِ، فَيَحْلِفُ الْقَائِمُ مَا عَلِمْت بِشِرَائِي لَهَا إلَّا وَقْتَ قِيَامِي بِعَقْدِي، ثُمَّ يَأْخُذُهَا، وَلَوْ قَالَ الْقَائِمُ: إنِّي اشْتَرَيْتُهَا، ثُمَّ أَعْمَرْتُكَ إيَّاهَا أَوْ أَكْرَيْتُهَا مِنْك أَوْ أَرْفَقْتُكَ بِهَا، وَلِذَلِكَ لَمْ أَقُمْ بِهَا، لَكَانَ أَبْيَنَ فِي أَنْ يَحْلِفَ، إذَا اسْتَظْهَرَ بِوَثِيقَتِهِ، وَيَأْخُذُهَا اهـ. وَقَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ: الْقَائِمُ إنِّي اشْتَرَيْتُهَا إلَخْ، هِيَ الْمَسْأَلَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ فِي قَوْلِهِ إلَّا إذَا أَثْبَتَ حَوْزًا بِالْكِرَا ... أَوْ مَا يُضَاهِيهِ، فَلَنْ يُعْتَبَرَا إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَتَقَدَّمْ فِي النَّقْلِ الْمُتَقَدِّمِ أَنَّ الْقَائِمَ، إذَا أَثْبَتَ الْكِرَاءَ أَوْ الْعُمْرَى، أَنَّهُ يَحْلِفُ مَعَ بَيِّنَتِهِ، كَمَا قَالَ ابْنُ الْحَاجِّ هُنَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَقَدْ بَحَثَ صَاحِبُ الْمِعْيَارِ مَعَ ابْنِ الْحَاجِّ فِي هَذَا الْكَلَامِ، حَيْثُ قَدَّمَ بَيِّنَةَ الشِّرَاءِ الْمُجَرَّدِ عَنْ الشَّهَادَةِ بِالْمِلْكِ عَلَى بَيِّنَةِ الْحَوْزِ وَادِّعَاءِ الْمِلْكِيَّةِ مَعَ أَنَّ عَقْدَ الشِّرَاءِ لَا يَنْفَعُ إلَّا مَعَ الْحَوْزِ وَلَفْظُهُ فِي جَوَابٍ لَهُ الِاسْتِظْهَارُ بِأُصُولِ الْأَشْرِبَةِ وَرُسُومِهَا لَا تُعَارِضُ الْحَوْزَ. وَلَا يُفِيدُ الْمُسْتَظْهِرُ بِهَا فَائِدَةً مُعْتَبَرَةً فِي نَظَرِ الشَّرْعِ إلَّا مَعَ اتِّصَالِ الْحَوْزِ بِهَا وَالْيَدِ الشَّاهِدَةِ لَهَا كَالْمَعْرُوفِ فِي شَهَادَةِ السَّمَاعِ غَيْرِ الْمُفِيدِ لِلْعِلْمِ، فَكَمَا تَسْتَقِلُّ بِالْإِخْرَاجِ مِنْ يَدِ حَائِزٍ، فَكَذَا لَا تَسْتَقِلُّ رُسُومُ الْأَشْرِبَةِ وَعُقُودُهَا بِالِاسْتِخْرَاجِ مِنْ يَدِ حَائِزٍ، وَلَا نُوهِنُ مَا تَحْتَ يَدٍ، إذَا كَانَ مَعَ الْيَدِ ضَمِيمَةُ دَعْوَى الْمِلْكِ فِي الْمَحُوزِ وَجْهٌ مِنْ وُجُوهِ النَّقْلِ مِنْ شِرَاءٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ وَصِيَّةٍ أَوْ مِيرَاثٍ هَذَا الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ النُّصُوصُ، وَشَهِدَ لِاعْتِبَارِهِ الْمَنْصُوصُ، وَتَضَافَرَتْ عَلَيْهِ أَجْوِبَةُ الْمَشَايِخِ الْأَعْلَامِ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَأَصْحَابِ النَّوَازِلِ وَالْأَقْوَالِ وَالْأَحْكَامِ، ثُمَّ قَالَ: وَأَمَّا مُجَرَّدُ الْحِيَازَةِ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِضَمِيمَةِ دَعْوَى الْمِلْك مَعَهَا، فَلَا تَنْقُلُ الْمِلْكَ عَنْ الْمَحُوزِ عَنْهُ إلَى الْحَائِزِ اتِّفَاقًا فِي الْمَذْهَبِ الْمَالِكِيِّ، ثُمَّ قَالَ: وَإِنَّ مَا وَقَعَ فِي نَوَازِلِ الْقَاضِي الشَّهِيرِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَاجِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - غَيْرُ سَالِمٍ مِنْ الِاعْتِرَاضِ وَخَارِجٌ عَنْ الْأُصُولِ وَالنُّقُولِ وَلَفْظُهُ إذَا قَامَ الرَّجُلُ بِعَقْدٍ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَ فِي الْفَرْعِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَالْمُدَّعِي إنْ أَثْبَتَ النِّزَاعَ مَعْ ... خَصِيمِهِ فِي مُدَّةِ الْحَوْزِ انْتَفَعْ تَقَدَّمَ أَنَّ مِنْ شُرُوطِ الدَّعْوَى الْمُشْبِهَةِ، أَنَّ الْقَائِمَ لَمْ يُنَازِعْ الْحَائِزَ طُولَ الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ لِلْحَوْزِ، فَصَرَّحَ النَّاظِمُ هُنَا إذَا نَازَعَ فِيهَا انْتَفَعَ بِذَلِكَ، وَلَمْ تَنْقَطِعْ حُجَّتُهُ فَفِي مُدَّةِ الْحَوْزِ يَتَعَلَّقُ بِالنِّزَاعِ

وَكَذَا مَعَ خَصِيمِهِ، وَجُمْلَةُ " انْتَفَعْ " خَبَرُ الْمُدَّعِي ابْنُ عَتَّابٍ قَالَ ابْنُ سَحْنُونٍ عَنْ أَبِيهِ: فِيمَنْ أَثْبَتَ بَيِّنَةً فِي أَرْضٍ أَنَّهَا لَهُ، وَأَثْبَتَ الَّذِي بِيَدِهِ أَنَّهُ يَحُوزُهَا عَشْرَ سِنِينَ بِمَحْضَرِ الطَّالِبِ، فَأَقَامَ الطَّالِبُ بَيِّنَةً، أَنَّهُ خَاصَمَهُ فِيهَا، وَطَلَبَهَا مِنْهُ، وَأَنَّهُ لَمْ يَزَلْ يُخَاصِمُ وَيُطَالِبُ لَيْسَ أَنْ يُخَاصِمَ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ وَيَتْرُكَ، نَفَعَهُ ذَلِكَ، وَإِلَّا لَمْ يَنْفَعْهُ. الْمُشَاوِرُ إذَا لَمْ يَزَلْ مُتَرَدِّدًا عَلَيْهِ بِالْقِيَامِ فِي الْأَشْهُرِ وَالْأَعْوَامِ، فَلَهُ الْقِيَامُ بِحُجَّتِهِ مِنْ الِاسْتِغْنَاءِ وَقَائِمٌ ذُو غَيْبَةٍ بَعِيدَهْ ... حُجَّتُهُ بَاقِيَةٌ مُفِيدَهْ وَالْبُعْدُ كَالسَّبْعِ وَكَالثَّمَانِ ... وَفِي الَّتِي تَوَسَّطَتْ قَوْلَانِ وَكَالْحُضُورِ الْيَوْمُ وَالْيَوْمَانِ ... بِنِسْبَةِ الرِّجَالِ لَا النِّسْوَانِ تَقَدَّمَ أَنَّ مِنْ شُرُوطِ كَوْنِ الدَّعْوَى غَيْرَ مُشْبِهَةٍ، أَنْ يَكُونَ الْقَائِمُ حَاضِرًا، فَتَكَلَّم هُنَا عَلَى مَا إذَا اخْتَلَّ هَذَا الشَّرْطُ، وَكَانَ وَقْتُ الْحَوْزِ عَلَيْهِ غَائِبًا، وَأَخْبَرَ أَنَّ غَيْبَتَهُ إنْ كَانَتْ بَعِيدَةً، فَهُوَ عَلَى حُجَّتِهِ، فَلَهُ الْقِيَامُ وَلَا أَثَرَ لِلْحَوْزِ، ثُمَّ فَسَّرَ الْبُعْدَ بِكَوْنِهِ عَلَى سَبْعَةِ مَرَاحِلَ أَوْ ثَمَانِيَةٍ، وَالْمَرْحَلَةُ مَسِيرَةُ الْيَوْمِ وَظَاهِرُهُ وَبَلَغَهُ ذَلِكَ فِي مَغِيبِهِ أَوْ لَمْ يَبْلُغْهُ، لَهُ الْقِيَامُ فِي الْوَجْهَيْنِ، وَهُوَ كَذَلِكَ، وَإِنْ كَانَتْ غَيْبَتُهُ قَرِيبَةً وَهِيَ الَّتِي عَلَى مَسِيرَةِ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ، فَيُفَصَّلُ: فَإِنْ كَانَ الْمَحُوزُ عَنْهُ رَجُلًا، فَهُوَ كَالْحَاضِرِ لَا قِيَامَ لَهُ، وَإِنْ كَانَ امْرَأَةً، فَهِيَ عَلَى حُجَّتِهَا، وَلَهَا الْقِيَامُ، وَإِنَّمَا يَكُونُ الْيَوْمُ وَالْيَوْمَانِ كَالْحُضُورِ مَعَ الْأَمْنِ، وَأَمَّا مَعَ الْخَوْفِ فَكَالْعَبِيدِ، وَتَقَدَّمَ نَحْوُ هَذَا فِي الْحُكْمِ عَلَى الْغَائِبِ، وَإِنْ كَانَتْ الْغَيْبَةُ مُتَوَسِّطَةً بَيْنَ الْقُرْبِ وَالْبُعْدِ، فَقَوْلَانِ، قِيلَ: هِيَ كَالْبَعِيدَةِ فَهُوَ عَلَى حُجَّتِهِ، وَلَهُ الْقِيَامُ، وَقِيلَ: كَالْقَرِيبَةِ، فَلَا قِيَامَ لَهُ، وَإِنْ كَانَ رَجُلًا، وَذَلِكَ كَأَرْبَعَةِ مَرَاحِلَ أَوْ خَمْسٍ أَوْ سِتٍّ، وَتَأَمَّلْتُ مَا نَقَلَهُ الشَّارِحُ هُنَا، فَلَمْ يَتَحَصَّلْ لِي مِنْهُ الْآنَ مُوَافَقَةً لِكَلَامِ النَّاظِمِ فَلِذَلِكَ تَرَكْتُهُ وَالْأَقْرَبُونَ حَوْزُهُمْ مُخْتَلِفُ ... بِحَسَبِ اعْتِمَارِهِمْ يَخْتَلِفُ فَإِنْ يَكُنْ بِمِثْلِ سُكْنَى الدَّارِ ... وَالزَّرْعِ لِلْأَرْضِ وَالِاعْتِمَارِ فَهُوَ بِمَا يَجُوزُ الْأَرْبَعِينَا ... وَذُو تَشَاجُرٍ كَالْأَبْعَدِينَا وَمِثْلُهُ مَا حِيزَ بِالْعَتَاقِ ... مَا كَانَ أَوْ بِالْبَيْعِ بِاتِّفَاقِ وَفِيهِ بِالْهَدْمِ وَبِالْبُنْيَانِ ... وَالْغَرْسِ أَوْ عَقْدِ الْكِرَا قَوْلَانِ تَقَدَّمَ أَنَّ مِنْ شُرُوطِ كَوْنِ الدَّعْوَى غَيْرَ مُشْبِهَةٍ، كَوْنُ الْحَائِزِ أَجْنَبِيًّا، فَتَكَلَّمَ هُنَا عَلَى مَا إذَا اخْتَلَّ ذَلِكَ الشَّرْطُ، وَكَانَ الْحَائِزُ قَرِيبًا غَيْرَ أَجْنَبِيٍّ، وَقَسَّمَ الْقَرِيبَ بِاعْتِبَارِ كَيْفِيَّةِ حَوْزِهِ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: فَإِنْ كَانَ بِأَضْعَفِ أَوْجُهِ الْحِيَازَةِ كَسُكْنَى الدَّارِ وَزِرَاعَةِ الْأَرْضِ وَاعْتِمَارِ الْحَانُوتِ، فَلَا تُقْبَلُ

دَعْوَى الْحَائِزِ الْمِلْكِيَّةِ لِمَا حَازَ، إلَّا مَعَ طُولِ الْمُدَّةِ جِدًّا، وَهُوَ مَا زَادَ عَلَى الْأَرْبَعِينَ سَنَةً وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: وَالْأَقْرَبُونَ حَوْزُهُمْ مُخْتَلِف إلَى قَوْلِهِ فَهُوَ بِمَا يَحُوزُ الْأَرْبَعِينَا، هَذَا، إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمْ تَشَاجُرٌ، وَلَا عَدَاوَةٌ. فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ، فَهُمْ كَالْأَبْعَدِينَ، تَكْفِي فِي حِيَازَتِهِمْ عَشْرُ سِنِينَ، وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: وَذُو تَشَاجُرٍ كَالْأَبْعَدِينَا، وَإِنْ كَانَ الْحَوْزُ بِأَقْوَى أَوْجُهِ الْحِيَازَةِ كَالْعِتْقِ كَيْفَ كَانَ، نَاجِزًا أَوْ مُؤَجَّلًا، وَالْبَيْعِ، فَهُوَ كَالْأَجْنَبِيِّ حَوْزُهُ الْعَشْرَ وَنَحْوَهَا بِاتِّفَاقٍ، وَإِنْ كَانَ بِوَجْهٍ مُتَوَسِّطٍ كَالْهَدْمِ وَالْبُنْيَانِ وَالْغَرْسِ وَعَقْدِ الْكِرَاءِ، فَقَوْلَانِ: قِيلَ: كَالْأَجَانِبِ، وَقِيلَ: كَالْأَقَارِبِ (قَالَ فِي مُنْتَقَى الْأَحْكَامِ:) إذَا حَازَ الْوَارِثُ عَلَى الْوَارِثِ، فَعَلَى ثَلَاثَةِ: أَقْسَامٍ: إنْ كَانَتْ حِيَازَتُهُ لَهَا بِسُكْنَى الدَّارِ وَازْدِرَاعِ الْأَرْضِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَلَا يَكُونُ حِيَازَةً، حَتَّى يَزِيدَ عَلَى الْأَرْبَعِينَ سَنَةً، وَإِنْ كَانَتْ بِالْهَدْمِ وَالْبُنْيَانِ وَالْغَرْسِ وَعَقْدِ الْكِرَاءِ، وَقَبَضَهُ لِنَفْسِهِ بِاسْمِهِ بِحَضْرَةِ سَائِرِ الْوَرَثَةِ وَعِلْمِهِمْ، فَهُوَ هُنَا بِمَنْزِلَةِ الْأَجَانِبِ وَالْحِيَازَةُ فِي ذَلِكَ عَشْرُ سِنِينَ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْأَجَانِبِ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ، ثُمَّ رَجَعَ، فَقَالَ: بِمَنْزِلَةِ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ وَالْقَوْلَانِ فِي سَمَاعِ يَحْيَى وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ مَا حَوْزُهُ بِالْبَيْعِ وَالْعِتْقِ وَالْكِتَابَةِ وَالتَّدْبِيرِ، فَلَمْ يَخْتَلِفْ قَوْلُهُ فِي أَنَّهُمْ فِي ذَلِكَ كَالْأَجَانِبِ اهـ. فَقَوْلُهُ حَوْزُهُمْ، أَيْ مُدَّةَ حَوْزِهِمْ وَقَوْلُهُ: بِحَسَبِ اعْتِمَارِهِمْ، أَيْ تَصَرُّفِهِمْ فِي الْمَحُوزِ، هَلْ هُوَ قَوِيٌّ أَوْ ضَعِيفٌ أَوْ مُتَوَسِّطٌ، وَاسْمُ يَكُنْ لِلِاعْتِمَارِ وَقَوْلُهُ: فَهُوَ الِاعْتِمَارُ الْمُعْتَبَرْ بِمَا ذَكَرَ بَيْنَ الْأَقَارِبِ بِمَا يَجُوزُ أَرْبَعِينَ، وَقَوْلُهُ: وَذُو، لَوْ قَالَ: ذَوُو، لَكَانَ أَنْسَبَ، وَقَوْلُهُ: وَمِثْلُهُ، أَيْ مِثْلُ الِاعْتِمَارِ وَذَوِي التَّشَاجُرِ فِي الِاكْتِفَاءِ بِالْعَشْرِ وَنَحْوِهَا مَا حَازَهُ الْقَرِيبُ بِالْعِتْقِ وَنَحْوِهِ، وَضَمِيرُ فِيهِ لِلِاعْتِمَارِ أَيْضًا، وَهُوَ خَبَرُ، قَوْلَانِ، وَبِالْهَدْمِ يَتَعَلَّقُ بِضَمِيرِ فِيهِ عَلَى الْقَوْلِ بِهِ وَالْقَوْلَانِ هَلْ هُوَ كَحَوْزِ الْأَقْرِبَاءِ بِالسُّكْنَى وَنَحْوِهِ؟ أَوْ كَحَوْزِهِمْ بِالْعِتْقِ وَالْبَيْعِ؟ وَفِي سِوَى الْأُصُولِ حَوْزُ النَّاسِ ... بِالْعَامِ وَالْعَامَيْنِ فِي اللِّبَاسِ وَمَا كَمَرْكُوبٍ فَفِيهِ لَزِمَا ... حَوْزٌ بِعَامَيْنِ فَمَا فَوْقَهُمَا وَفِي الْعَبِيدِ بِثَلَاثَةٍ فَمَا ... زَادَ حُصُولُ الْحَوْزِ فِيمَا اُسْتُخْدِمَا وَالْوَطْءُ لِلْإِمَاءِ بِاتِّفَاقِ ... مَعْ عِلْمِهِ حَوْزٌ عَلَى الْإِطْلَاقِ

قَوْلُهُ: وَفِي سِوَى الْأُصُولِ، هُوَ تَصْرِيحٌ بِمَفْهُومِ قَوْلِهِ: " وَالْأَجْنَبِيُّ "، إنْ يَحُزْ أَصْلًا، وَمُرَادُهُ أَنَّ حَوْزَ غَيْرِ الْأُصُولِ يَخْتَلِفُ، أَيْ الْمُدَّةُ الَّتِي يَصْدُقُ مَعَهَا الْحَائِزُ، وَتَصِيرُ دَعْوَى الْمُدَّعِي غَيْرَ مُشْبِهَةٍ، فَلَا تُسْمَعُ مِنْهُ، تَخْتَلِفُ بِحَسَبِ الشَّيْءِ الْمَحُوزِ، فَالْمَحُوزِ فِي اللِّبَاسِ بِالْعَامِ وَالْعَامَيْنِ، وَفِي الْمَرْكُوبِ بِالْعَامَيْنِ، فَأَكْثَرَ، وَفِي الْعَبِيدِ بِثَلَاثِ سِنِينَ فَأَكْثَرَ، وَالْأَمَةُ لِلْخِدْمَةِ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنْ وَطِئَهَا الْحَائِزُ، وَعَلِمَ رَبُّهَا، وَلَمْ يَتَكَلَّمْ عِنْدَ ذَلِكَ، فَلَا كَلَامَ لَهُ، وَإِنْ لَمْ بَطَلَ، وَذَلِكَ حَوْزٌ. (قَالَ فِي الْمُقَرَّبِ) : قَالَ: أَصْبَغُ وَنَرَاهُ، أَيْ الْحَوْزَ فِي غَيْرِ الدُّورِ وَالْأَرْضِينَ وَالْأُصُولِ مِنْ الْأَمْوَالِ وَالثِّيَابِ وَالْحَيَوَانِ وَالْعَبِيدِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ أَقْصَرُ مُدَّةٍ، وَكُلُّ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ عَلَى قَدْرِهِ، فَنَرَى فِي الثِّيَابِ، أَنَّ حِيَازَتَهَا السَّنَةُ وَالسَّنَتَانِ إذَا كَانَتْ تُحَازُ عَلَى وَجْهِ الْمِلْكِ بِعِلْمِ صَاحِبِهَا وَنَرَى الْأَمَةَ شِبْهَ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَطَأَ بِعِلْمِ صَاحِبِهَا فَلَا يَتَكَلَّمُ عِنْدَ عِلْمِهِ بِوَطْئِهَا، فَلَا كَلَامَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ تَطُلْ حِيَازَتُهُ لَهَا قَبْلَ الْوَطْءِ، وَنَرَى الْعَبِيدَ وَالْعُرُوضَ فَوْقَ ذَلِكَ شَيْئًا إذَا حَازَ بِالْمِلْكِ وَأَسْبَابِهِ (وَفِي الْمُفِيدِ) قَالَ: أَصْبَغُ، وَأَمَّا الثِّيَابُ، فَالْحِيَازَةُ فِيهَا بِوَجْهِ الْمِلْكِ عَلَى أَجْنَبِيٍّ حَاضِرٍ عَالِمٍ بِذَلِكَ، الْعَامَ وَالْعَامَيْنِ، وَفِي الدَّابَّةِ الْعَامَانِ وَالثَّلَاثَةُ بِالرُّكُوبِ وَالِاسْتِعْمَالِ لَهَا بِوَجْهِ الْمِلْكِ وَعِلْمِ الْمَحُوزِ عَلَيْهِ وَالْأَمَةُ مِثْلُ ذَلِكَ، إلَّا أَنْ يَعْلَمَ رَبُّهَا وَطْأَهَا وَلَا يَتَكَلَّمُ عِنْدَ ذَلِكَ، فَلَا كَلَامَ لَهُ بَعْدَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ طُولَ حِيَازَةٍ، ثُمَّ قَالَ: وَالْعَبِيدُ وَالْعُرُوضُ فَوْقَ ذَلِكَ بِشَيْءٍ اهـ. وَحَوْزُ النَّاسِ: مُبْتَدَأٌ وَمُضَافٌ إلَيْهِ، وَبِالْعَامِ خَبَرُهُ، وَفِي اللِّبَاسِ يَتَعَلَّقُ بِحَوْزٍ، وَحُصُولُ الْحَوْزِ: مُبْتَدَأٌ وَمُضَافٌ إلَيْهِ وَفِي الْعَبِيدِ: يَتَعَلَّقُ بِحَوْزٍ وَبِثَلَاثَةٍ: خَبَرُ حُصُولٍ، وَفِيمَا اُسْتُخْدِمَ: بَدَلٌ مِنْ الْعَبِيدِ بَدَلَ بَعْضٍ مِنْ كُلٍّ، أَيْ فِيمَا اُسْتُخْدِمَ مِنْهُمْ لَا فِيمَا هُوَ لِلْوَطْءِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: وَالْوَطْءُ لِلْإِمَاءِ إلَخْ، وَمَعْنَى الْإِطْلَاقِ قَامَ رَبُّهَا بِالْقُرْبِ أَوْ بَعْدَ طُولٍ وَالْمَاءُ لِلْأَعْلَيْنَ فِيمَا قَدُمَا ... وَالْأَسْفَلُ الْأَقْدَمُ فِيمَا قُدِّمَا يَعْنِي أَنَّ الْمَاءَ غَيْرَ الْمَمْلُوكِ، إذَا كَانَ يَجْرِي فِي أَرْضِ قَوْمٍ إلَى قَوْمٍ دُونَهُمْ، فَإِنَّ الْأَعْلَى، وَهُوَ مَنْ يَدْخُلُ الْمَاءُ أَرْضَهُ أَوَّلًا، مُقَدَّمٌ فِي السَّقْيِ عَلَى الْأَسْفَلِ، وَهَذَا إذَا كَانَ الْأَعْلَى أَقْدَمَ مِنْ الْأَسْفَلِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِالشَّطْرِ الْأَوَّلِ وَكَذَا إنْ كَانَا مُتَسَاوِيَيْنِ، فَيُقَدَّمُ الْأَعْلَى فِي الْوَجْهَيْنِ، وَأَمَّا إنْ كَانَ الْأَسْفَلُ أَقْدَمَ، فَهُوَ مُقَدَّمٌ فِي السَّقْيِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِالشَّطْرِ الثَّانِي (قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ) : فَأَمَّا مَهْزُورٌ وَمُذَيْنِيبٌ، فَوَادِيَانِ مَعْرُوفَانِ مِنْ أَوْدِيَةِ الْمَدِينَةِ يَسِيلَانِ بِالْمَطَرِ تَنَافَسَ فِيهِمَا أَهْلُ الْمَدِينَةِ «، فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُمْسِكَ الْأَعْلَى لِلْكَعْبَيْنِ، ثُمَّ يُرْسِلَ عَلَى الْأَسْفَلِ» . وَهَذَا الْحُكْمُ فِي كُلِّ مَاءٍ غَيْرِ مُتَمَلَّكٍ يَجْرِي مِنْ قَوْمٍ إلَى قَوْمٍ دُونَهُمْ، أَنَّ مَنْ دَخَلَ الْمَاءُ أَرْضَهُ أَوَّلًا، فَهُوَ أَحَقُّ بِالسَّقْيِ، حَتَّى يَبْلُغَ الْمَاءُ فِي أَرْضِهِ إلَى الْكَعْبَيْنِ، ثُمَّ اُخْتُلِفَ إذَا بَلَغَ الْمَاءُ إلَى الْكَعْبَيْنِ، هَلْ يُرْسِلُ جَمِيعَ الْمَاءِ إلَى أَسْفَلَ، أَوْ لَا يُرْسِلُ عَلَيْهِ إلَّا مَا زَادَ عَلَى الْكَعْبَيْنِ؟ فَقَالَ: مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ وَابْنُ وَهْبٍ يُرْسِلُ عَلَى الْأَسْفَلِ مَا زَادَ عَلَى الْكَعْبَيْنِ وَقَالَ: ابْنُ الْقَاسِمِ يُرْسِلُ جَمِيعَ الْمَاءِ وَلَا يَحْبِسُ مِنْهُ شَيْئًا، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ، وَقَالَ الْبَاجِيُّ يُسْقَى الْأَعْلَى فَالْأَعْلَى، وَهَذَا إذَا كَانَ إحْيَاؤُهُمْ مَعًا أَوْ إحْيَاءُ الْأَعْلَى قَبْلُ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ، فَإِنْ أَحْيَا رَجُلٌ بِمَاءِ سَيْلٍ، ثُمَّ أَتَى غَيْرُهُ، فَأَحْيَا فَوْقَهُ، وَأَرَادَ أَنْ يَنْفَرِدَ بِالْمَاءِ، وَيَسْقِيَ قَبْلَ الْأَسْفَلِ الَّذِي أَحْيَا قَبْلَهُ، وَذَلِكَ يُبْطِلُ عَمَلَ الثَّانِي، وَيُتْلِفُ زَرْعَهُ فَقَالَ سَحْنُونٌ الْقَدِيمُ أَوْلَى بِالْمَاءِ اهـ. عَلَى نَقْلِ الْمَوَّاق، وَقَدُمَ آخِرُ الشَّطْرِ الْأَوَّلِ، بِفَتْحِ الْقَافِ وَضَمِّ الدَّالِ مِنْ الْقِدَمِ، ضِدُّ الْحُدُوثِ وَفِي آخِرِ الشَّطْرِ الثَّانِي، بِضَمِّ الْقَافِ وَكَسْرِ الدَّالِ الْمُشَدَّدَةِ مِنْ التَّقْدِيمِ ضِدٌّ لِلتَّأْخِيرِ وَمَا رَمَى الْبَحْرُ بِهِ مِنْ عَنْبَرِ ... وَلُؤْلُؤٍ وَاجِدُهُ بِهِ حَرِيّ يَعْنِي، أَنَّ مَنْ وَجَدَ شَيْئًا، لَمْ يَتَقَدَّمْ عَلَيْهِ مِلْكٌ لِأَحَدٍ كَمَنْ وَجَدَ عَنْبَرًا لَفَظَهُ الْبَحْرُ أَوْ لُؤْلُؤًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ

فصل في الاستحقاق

يَكُونُ لِوَاجِدِهِ (قَالَ ابْنُ سَلْمُونٍ) : وَمَا يَخْرُجُ مِنْ الْبَحْرِ مِنْ عَنْبَرٍ أَوْ لُؤْلُؤٍ، فَهُوَ لِمَنْ وَجَدَهُ، وَلَا نَظَرَ فِيهِ لِلْإِمَامِ، وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: لَيْسَ فِي الْعَنْبَرِ زَكَاةٌ إنَّمَا هُوَ شَيْءٌ دَسَرَهُ الْبَحْرُ. ابْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ زَيْدٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ قَالَ فِي اللُّؤْلُؤِ وَالْيَاقُوتِ وَالْخَرَزِ مِثْلَ ذَلِكَ وَقَالَ مِثْلَ قَوْلِ ابْنِ شِهَابٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ اهـ. [فَصْلٌ فِي الِاسْتِحْقَاقِ] ِ (ابْنُ عَرَفَةَ) الِاسْتِحْقَاقُ رَفْعُ مِلْكِ شَيْءٍ بِثُبُوتِ مِلْكٍ قَبْلَهُ أَوْ حُرِّيَّةٍ، كَذَلِكَ بِغَيْرِ عِوَضٍ قَوْلُهُ: قَبْلَهُ أَخْرَجَ بِهِ رَفْعَ الْمِلْكِ بِمِلْكٍ بَعْدَهُ كَالْبَيْعِ أَوْ مَعَهُ كَطُرُوِّ وَارِثٍ عَلَى وَارِثٍ وَقَوْلُهُ: أَوْ حُرِّيَّةٍ عَطْفٌ عَلَى مِلْكٍ يَعْنِي أَوْ رَفْعُ مِلْكٍ بِحُرِّيَّةٍ وَقَوْلُهُ كَذَلِكَ، يَعْنِي بِثُبُوتِ حُرِّيَّةٍ قَبْلَهُ وَأَشَارَ بِهِ إلَى حُصُولِ الِاسْتِحْقَاقِ بِالْحُرِّيَّةِ وَقَوْلُهُ: بِغَيْرِ عِوَضٍ أَخْرَجَ بِهِ مَا وُجِدَ فِي الْمَغَانِمِ بَعْدَ بَيْعِهِ أَوْ قَسْمِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤَاخَذُ إلَّا بِالثَّمَنِ، فَلَوْلَا زِيَادَةُ هَذَا الْقَيْدِ، لَكَانَ الْحَدُّ غَيْرَ مُطَّرِدٍ، ثُمَّ قَالَ: فَيُخْرِجُ الْعِتْقَ؛ لِأَنَّهُ رَفْعُ مِلْكِ شَيْءٍ لَكِنْ لَا بِثُبُوتِ مِلْكٍ قَبْلَهُ ثُمَّ قَالَ وَقَدْ يُقَالُ إنَّ الْحَدَّ غَيْرُ مُنْعَكِسٍ؛ لِأَنَّهُ يَخْرُجُ عَنْهُ إذَا اُسْتُحِقَّ مِلْكٌ بِحَبْسٍ، فَإِنَّ الْمِلْكَ يَرْتَفِعُ بِالْحَبْسِ. (قُلْت) : يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ الْحَبْسَ إذَا ثَبَتَ، فَإِنَّ الْمِلْكَ فِيهِ إمَّا لِلْمُحَبِّسِ أَوْ لِلْمُحَبَّسِ عَلَيْهِ وَتَأَمَّلْ إذَا اسْتَحَقَّ حُرٌّ بِمِلْكٍ، كَيْفَ تَدْخُلُ هَذِهِ الصُّورَةُ فِي كَلَامِهِ؟ مِنْ الرَّصَّاعِ بِبَعْضِ اخْتِصَارٍ وَقَوْلُهُ: وَتَأَمَّلْ إذَا اسْتَحَقَّ إلَخْ هِيَ عَكْسُ صُورَةِ قَوْلِهِ: فِي الْحَدِّ أَوْ حُرِّيَّةٍ، كَذَلِكَ. الْمُدَّعِي اسْتِحْقَاقَ شَيْءٍ يُلْزَمُ ... بَيِّنَةً مُثْبِتَةً مَا يَزْعُمُ مِنْ غَيْرِ تَكْلِيفٍ لِمَنْ تَمَلَّكَهْ ... مِنْ قَبْلِ ذَا بِأَيِّ وَجْهٍ مَلَّكَهْ يَعْنِي أَنَّ مَنْ ادَّعَى اسْتِحْقَاقَ شَيْءٍ بِيَدِ غَيْرِهِ أَيْ مِلْكِيَّته، فَإِنَّهُ يُلْزَمُ بِإِقَامَةِ بَيِّنَةٍ تُثْبِتُ لَهُ مَا ادَّعَى، وَلَا يُكَلَّفُ مَنْ الشَّيْءُ بِيَدِهِ مُدَّعِيًا مِلْكِيَّتَهُ بِأَيِّ وَجْهٍ مُلِّكَهُ، وَعَبَّرَ بِشَيْءٍ لِيَشْمَلَ الْأُصُولَ وَالْعُرُوضَ وَالْحَيَوَانَ وَغَيْرَ ذَلِكَ. (قَالَ ابْنُ سَلْمُونٍ) : وَمَنْ ادَّعَى فِي شَيْءٍ بِيَدِ غَيْرِهِ أَنَّهُ مِلْكُهُ فَأَنْكَرَ ذَلِكَ الَّذِي هُوَ بِيَدِهِ، فَلَا يُكَلَّفُ أَنْ يَذْكُرَ مِنْ أَيْنَ صَارَ لَهُ بِأَيِّ وَجْهٍ تَمَلَّكَهُ وَعَلَى الْمُدَّعِي إثْبَاتُ تَمَلُّكِهِ لَهُ اهـ. وَالْإِشَارَةُ فِي الْبَيْتِ الثَّانِي بِذَا لِلِاسْتِحْقَاقِ، وَبِأَيِّ يَتَعَلَّقُ بِتَكْلِيفٍ (قَالَ ابْنُ رُشْدٍ) : الَّذِي مَضَى بِهِ الْعَمَلُ، وَأَفْتَى بِهِ شُيُوخُنَا أَنَّ مَنْ ادَّعَى عَقَارًا بِيَدِ غَيْرِهِ زَعَمَ أَنَّهُ صَارَ عَمَّنْ وَرِثَهُ عَنْهُ أَنَّ الْمَطْلُوبَ لَا يُسْأَلُ عَنْ شَيْءٍ، حَتَّى يُثْبِتَ الطَّالِبُ مَوْتَ مُوَرِّثِهِ الَّذِي ادَّعَى أَنَّهُ وَرِثَ ذَلِكَ عَنْهُ وَوِرَاثَتُهُ لَهُ، فَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ وَقَفَ الْمَطْلُوبُ حِينَئِذٍ عَلَى الْإِقْرَارِ وَالْإِنْكَارِ خَاصَّةً، وَلَمْ يُسْأَلْ مِنْ أَيْنَ صَارَ لَهُ فَإِنْ أَنْكَرَ. وَقَالَ الْمَالِكُ: مَالِي وَالْمِلْكُ مِلْكِي وَدَعْوَاكَ فِيهِ بَاطِلَةٌ اُكْتُفِيَ بِذَلِكَ، وَلَمْ يُلْزِمْهُ أَكْثَرَ مِنْهُ، وَكُلِّفَ الطَّالِبُ إثْبَاتَ الْمِلْكِ لِلَّذِي زَعَمَ أَنَّهُ وَرِثَهُ عَنْهُ، وَمَوْتَهُ وَوِرَاثَتَهُ لَهُ، فَإِنْ أَثْبَتَ ذَلِكَ عَلَى مَا يَجِبُ سُئِلَ الْمَطْلُوبُ حِينَئِذٍ مِنْ أَيْنَ صَارَ لَهُ، وَكُلِّفَ الْجَوَابَ عَنْ ذَلِكَ، فَإِنْ ادَّعَى أَنَّهُ صَارَ لَهُ مِنْ غَيْرِ مَوْرُوثِ الطَّالِبِ الَّذِي ثَبَتَ الْمِلْكُ لَهُ، لَمْ يُلْتَفَتْ إلَيْهِ، وَلَا يَنْفَعُهُ إثْبَاتُهُ، وَإِنْ أَثْبَتَهُ، وَإِنْ ادَّعَى أَنَّهُ صَارَ مِنْ قِبَلِ مَوْرُوثِ الطَّالِبِ بِوَجْهٍ يَذْكُرُهُ كُلِّفَ إثْبَاتَ ذَلِكَ، فَإِنْ أَثْبَتَهُ وَعَجَزَ الطَّالِبُ عَنْ الدَّفْعِ فِي ذَلِكَ بَطَلَتْ دَعْوَاهُ، وَإِنْ عَجَزَ عَنْ إثْبَاتِ ذَلِكَ قُضِيَ لِلطَّالِبِ، هَذَا مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرِوَايَتُهُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَلَا اخْتِلَافَ فِي ذَلِكَ أَحْفَظُهُ، وَمَا ذَكَرَ ابْنُ الْعَطَّارِ مِنْ أَنَّ الْفَتْوَى مَضَتْ بِأَنَّ الْمَطْلُوبَ يَلْزَمُهُ ابْتِدَاءً قَبْلَ إثْبَاتِ الْمُدَّعِي الْمِلْكَ لِمَوْرُوثِهِ الْجَوَابُ، هَلْ صَارَ إلَيْهِ بِسَبَبِهِ أَوْ بِسَبَبِ مَوْرُوثِهِ الَّذِي أَثْبَتَ مَوْتَهُ وَوِرَاثَتَهُ لَهُ؟ بَعِيدٌ لَا يَصِحُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ. وَهَذَا الْكَلَامُ يَثْبُتُ فِي بَعْضِ نُسَخِ ابْنِ سَلْمُونٍ دُونَ بَعْضٍ، وَهَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَم إنْ لَمْ يَكُنْ بِيَدِ الْحَائِزِ لِلشَّيْءِ الْمُسْتَحِقِّ أُصُولٌ، أَمَّا إنْ كَانَتْ بِيَدِهِ الْأُصُولُ الْمُشْتَمِلَةُ عَلَى الْمِلْكِيَّةِ وَانْتِقَالِهَا، وَحِكَايَاتِهَا، فَإِنَّ مَا بِيَدِ الْحَائِزِ مُقَدَّمٌ، لِمَا تَقَدَّمَ فِي التَّرَاجِيحِ عِنْدَ تَعَارُضِ الْبَيِّنَاتِ: أَنَّ الْحَوْزَ مِمَّا يَقَعُ بِهِ التَّرَاجِيحُ لِثُبُوتِ الْمِلْكِيَّةِ لِكُلٍّ مِنْهُمَا، فَيُفَضَّلُ لِلْحَائِزِ الْحَوْزُ. قَالَ الْحَطَّابُ أَوَّلَ بَابِ الِاسْتِحْقَاقِ:

لَمْ يُبَيِّنْ الْمُؤَلِّفُ يَعْنِي الشَّيْخَ خَلِيلًا حَقِيقَتَهُ وَلَا حُكْمَهُ وَسَبَبَهُ وَشُرُوطَهُ وَمَوَانِعَهُ، وَلَا يُتَصَوَّرُ إلَّا بِمَعْرِفَةِ ذَلِكَ ابْنُ عَرَفَةَ، وَهُوَ مِنْ تَرَاجِمَ كَتَبَهَا، أَمَّا حَقِيقَتُهُ، فَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ، هُوَ رَفْعُ مِلْكِ شَيْءٍ إلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ أَوَّلَ التَّرْجَمَةِ، وَأَمَّا حُكْمُهُ فَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: حُكْمُهُ الْوُجُوبُ عِنْدَ تَيَسُّرِ أَسْبَابِهِ فِي الرَّفْعِ عَلَى الْقَوْلِ بَعْدَ يَمِينٍ مُسْتَحَقَّةٍ، وَعَلَى الْيَمِينِ هُوَ مُبَاحٌ كَغَيْرِ الرَّفْعِ؛ لِأَنَّ الْحَلِفَ مَشَقَّةٌ، وَأَمَّا سَبَبُهُ، فَهُوَ قِيَامُ الْبَيِّنَةِ عَلَى عَيْنِ الشَّيْءِ الْمُسْتَحَقِّ أَنَّهُ مِلْكٌ لِلْمُدَّعِي، لَا يَعْلَمُونَ خُرُوجَهُ، وَلَا خُرُوجَ شَيْءٍ مِنْهُ عَنْ مِلْكِهِ حَتَّى الْآنَ، وَالشَّهَادَةُ بِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ إنَّمَا تَكُونُ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ فِي قَوْلِ، ابْنِ الْقَاسِمِ الْمَعْمُولِ بِهِ، قَالَهُ فِي اللُّبَابِ. وَأَمَّا شُرُوطُهُ فَثَلَاثَةٌ: الْأَوَّلُ: الشَّهَادَةُ عَلَى عَيْنِهِ إنْ أَمْكَنَ، وَإِلَّا فَبِحِيَازَتِهِ، وَهِيَ أَنْ يَبْعَثَ الْقَاضِي عَدْلَيْنِ وَقِيلَ أَوْ عَدْلًا مَعَ الشُّهُودِ الَّذِينَ شَهِدُوا بِالْمِلْكِيَّةِ فَإِذَا كَانَتْ دَارًا مَثَلًا، قَالُوا: لَهُمَا هَذِهِ الدَّارُ هِيَ الَّتِي شَهِدْنَا بِهَا عِنْدَ الْقَاضِي فُلَانٍ، الشَّهَادَةَ الْمُقَيَّدَةَ أَعْلَاهُ اُنْظُرْ تَمَامَ كَلَامِهِ، وَإِنَّ الشَّهَادَةَ تَجُوزُ عَلَى النَّعْتِ وَالِاسْمِ وَقَالَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ آخِرَ بَابِ الْقَضَاءِ، وَحَكَمَ بِمَا يَتَمَيَّزُ غَائِبًا بِالصِّفَةِ. الثَّانِي: الْإِعْذَارُ فِي ذَلِكَ لِلْحَائِزِ، فَإِنْ ادَّعَى مَدْفَعًا أَجَّلَهُ فِيهِ بِحَسَبِ، مَا يَرَاهُ. الثَّالِثُ: يَمِينُ الِاسْتِبْرَاءِ، وَاخْتُلِفَ فِي لُزُومِهَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ: ثَالِثُهَا: لَا يَحْلِفُ فِي الْعَقَارِ، وَيَحْلِفُ فِي غَيْرِهِ، وَهُوَ الْمَعْمُولُ بِهِ عِنْدَ الْأَنْدَلُسِيِّينَ، وَفِي سِجِلَّاتِ الْبَاجِيِّ لَوْ اسْتَحَقَّ ذَلِكَ مِنْ يَدِ غَاصِبٍ لَمْ يَحْلِفْ (قَالَ ابْنُ سَلْمُونٍ) : وَلَا يَمِينَ عَلَى مُسْتَحِقِّ الْأَصْلِ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ عَلَيْهِ خَصْمُهُ مَا يُوجِبُهَا، وَقِيلَ: لَا بُدَّ مِنْ الْيَمِينِ كَالْعُرُوضِ وَالْحَيَوَانِ اهـ. وَأَمَّا مَوَانِعُهُ فَفِعْلٌ وَسُكُوتٌ، فَالْفِعْلُ أَنْ يَشْتَرِيَ مَا ادَّعَاهُ مِنْ يَدِ حَائِزِهِ، فَلَوْ قَالَ: إنَّمَا اشْتَرَيْتُهُ خَوْفَ أَنْ يَغِيبَ عَلَيْهِ، فَإِذَا أَثْبَتَهُ رَجَعَتْ عَلَيْهِ بِالثَّمَنِ، لَمْ يَكُنْ لَهُ مَقَالٌ وَقَالَ أَصْبَغُ إلَّا أَنْ تَكُونَ بَيِّنَتُهُ بَعِيدَةً جِدًّا أَوْ يُشْهِدَ قَبْلَ الشِّرَاءِ أَنَّهُ إنَّمَا اشْتَرَاهُ لِذَلِكَ، فَذَلِكَ يَنْفَعُهُ، وَلَوْ اشْتَرَاهُ، وَهُوَ يَرَى أَنْ لَا بَيِّنَةَ لَهُ، ثُمَّ وَجَدَ بَيِّنَةً، فَلَهُ الْقِيَامُ وَأَخْذُ الثَّمَنِ مِنْهُ، قَالَ أَصْبَغُ وَالْقَوْلُ: قَوْلُهُ، وَأَمَّا السُّكُوتُ فَمِثْلُ أَنْ يَتْرُكَ الْقِيَامَ مِنْ غَيْرِ مَانِعٍ أَمَدَ الْحِيَازَةِ. قَالَهُ فِي اللُّبَابِ اهـ وَلَا يَمِينَ فِي أُصُولِ مَا اُسْتُحِقَّ ... وَفِي سِوَاهَا قَبْلَ الْإِعْذَارِ يَحِقْ وَحَيْثُمَا يَقُولُ مَا لِي مَدْفَعُ ... فَهْوَ عَلَى مَنْ بَاعَ مِنْهُ يَرْجِعُ وَإِنْ يَكُنْ لَهُ مَقَالٌ أُجِّلَا ... فَإِنْ أَتَى بِمَا يُفِيدُ أُعْمِلَا وَمَا لَهُ فِي عَجْزِهِ رُجُوعُ ... عَلَى الَّذِي كَانَ لَهُ الْمَبِيعُ يَعْنِي أَنَّ مَنْ اسْتَحَقَّ شَيْئًا، وَشَهِدَتْ لَهُ بِاسْتِحْقَاقِهِ بَيِّنَةٌ، فَإِنَّهُ، إنْ كَانَ ذَلِكَ الْمُسْتَحَقُّ أَصْلًا مِنْ الْأُصُولِ كَالدَّارِ وَالْحَانُوتِ وَالْأَرْضِ وَنَحْوِهِمَا، فَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ أَصْلٍ مِنْ الْعُرُوضِ وَالْحَيَوَانِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْيَمِينُ أَنَّ ذَلِكَ الشَّيْءَ لَهُ، وَأَنَّهُ مَا بَاعَهُ وَلَا وَهَبَهُ وَلَا فَوَّتَهُ وَلَا فُوِّتَ عَلَيْهِ، وَمَا زَالَ عَلَى مِلْكِهِ إلَى الْآنَ؛ لَأَنْ الْبَيِّنَةَ إنَّمَا شَهِدَتْ عَلَى الْعِلْمِ، فَيَحْلِفُ هُوَ عَلَى الْبَيْتِ، وَهَكَذَا كُلُّ مَنْ شَهِدَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ بِظَاهِرِ الْحَالِ، فَلَا بُدَّ مِنْ يَمِينِهِ قَبْلَ الْإِعْذَارِ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ الْمُسْتَحَقِّ مِنْ يَدِهِ، لِأَنَّ الْإِعْذَارَ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ الثُّبُوتِ، وَكَمَالُ الثُّبُوتِ هُوَ بِحَلِفِهِ قَالَ فِي الْمَنْهَجِ السَّالِكِ:. وَلَا يَكُونُ الْحُكْمُ بِالِاسْتِحْقَاقِ إلَّا بَعْدَ الْإِعْذَارِ لِلْمُقَوَّمِ عَلَيْهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ قَرِيبًا عَنْ الْحَطَّابِ أَنَّ فِي يَمِينِ الِاسْتِحْقَاقِ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ: ثَالِثُهَا: تَجِبُ فِي غَيْرِ الْأُصُولِ، وَلَا تَجِبُ فِي الْأُصُولِ وَإِنَّ بِهَذَا الْقَوْلِ الْعَمَلَ (وَفِي الْمُتَيْطِيَّةِ)

مَذْهَبُ مَالِكٍ، وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْعَمَلُ، وَانْعَقَدَتْ بِهِ الْأَحْكَامُ، وَأَخَذَ بِهِ الشُّيُوخُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنْ لَا يَمِينَ عَلَى مَنْ اسْتَحَقَّ شَيْئًا مِنْ الرَّيْعِ وَالْأُصُولِ، ثُمَّ قَالَ: وَاتَّفَقُوا فِي غَيْرِ الْأُصُولِ بِأَنَّهُ لَا يُقْضَى لِمُسْتَحِقٍّ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ حَتَّى يَحْلِفَ، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِالْبَيْتِ الْأَوَّلِ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ: وَحَيْثُمَا يَقُولُ: مَا لِي مَدْفَعٌ الْأَبْيَاتِ الثَّلَاثَةَ إلَى أَنَّ الْمُسْتَحَقَّ مِنْ يَدِهِ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يُسَلِّمَ ذَلِكَ وَلَا يُنَازِعَ فِيهِ، وَلَا يَدَّعِي فِيهِ مَدْفَعًا، وَحِينَئِذٍ فَلَهُ الرُّجُوعُ عَلَى الَّذِي بَاعَ لَهُ بِمَا دَفَعَ لَهُ مِنْ الثَّمَنِ، وَإِمَّا أَنْ يُسَلِّمَ ذَلِكَ، وَيَدَّعِي أَنَّ لَهُ مَدْفَعًا فِي الِاسْتِحْقَاقِ الْمَذْكُورِ. وَالْحُكْمُ حِينَئِذٍ أَنَّ الْقَاضِيَ يَضْرِبُ لَهُ أَجَلَهُ لِثُبُوتِ مَا ادَّعَى مِنْ الْمَدْفَعِ، فَإِنْ انْقَضَى الْأَجَلُ، وَأَتَى بِالْمَدْفَعِ الَّذِي يُبْطِلُ الِاسْتِحْقَاقَ بَقِيَ شَيْؤُهُ بِيَدِهِ، وَلَا إشْكَالَ إنْ عَجَزَ عَنْهُ، أَخَذَ الْمُسْتَحِقُّ شَيْأَهُ، وَلَا رُجُوعَ لِلْمُسْتَحَقِّ مِنْ يَدِهِ عَلَى الْبَائِعِ لَهُ عَلَى الْمَشْهُورِ؛ لِأَنَّ سَبَبَ رُجُوعِهِ عَلَيْهِ هُوَ الِاسْتِحْقَاقُ، وَهُوَ قَدْ كَذَّبَ شُهُودَهُ بِدَعْوَاهُ الدَّفْعَ فِي شَهَادَتِهِمْ، وَمُقِرٌّ بِصِحَّةِ مِلْكِ الْبَائِعِ لَهُ، وَأَنَّ الْقَائِمَ عَلَيْهِ ظَالِمٌ لَهُ، فَكَيْفَ يَرْجِعُ بِمَا يَعْتَقِدُ بُطْلَانَهُ؟ ، وَكَذِبَ شُهُودِهِ (قَالَ فِي الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ) : فَإِنْ ادَّعَى مَدْفَعًا، أَجَّلَهُ فِي ذَلِكَ مَا جَرَى بِهِ الْعَمَلُ فِي التَّأْجِيلِ، فَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِمَدْفَعٍ حَكَمَ بَعْدَ يَمِينِ الَّذِي ثَبَتَ لَهُ الْمِلْكُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَلَمْ يَكُنْ لِلْمَحْكُومِ عَلَيْهِ قِيَامٌ بَعْدَ ادِّعَائِهِ عَلَى مَنْ بَاعَ مِنْهُ إذْ قِيَامُهُ عَلَيْهِ إنَّمَا هُوَ بِالْبَيِّنَةِ الَّتِي شَهِدَتْ، فَإِذَا كَذَّبَ الْبَيِّنَةَ لَمْ يَجِبْ لَهُ بِهَا قِيَامٌ، وَإِنْ قَالَ لَا مَدْفَعَ عِنْدِي إلَّا أَنِّي أُرِيدُ الرُّجُوعَ عَلَى مَنْ بَاعَ مِنِّي، عُقِدَ ذَلِكَ مِنْ مَقَالِهِ، وَاسْتُحْلِفَ الْمُسْتَحِقُّ لَهَا عَلَى مَا وَيُقْضَى لَهُ بِهَا اهـ. وَالْأَصْلُ لَا تَوْقِيفَ فِيهِ إلَّا ... مَعْ شُبْهَةٍ قَوِيَّةٍ تَجَلَّى وَفِي سِوَى الْأَصْلِ بِدَعْوَى الْمُدَّعِي ... بَيِّنَةً حَاضِرَةً فِي الْمَوْضِعِ يَعْنِي أَنَّ مَنْ ادَّعَى مِلْكِيَّةَ شَيْءٍ بِيَدِ غَيْرِهِ، وَطَلَبَ أَنْ يُوقَفَ لَهُ، وَأَنْ تُرْفَعَ يَدُ مَنْ هُوَ بِيَدِهِ عَنْهُ إلَى أَنْ يُقِيمَ هُوَ بَيِّنَةً، وَيُسَمَّى ذَلِكَ تَوْقِيفًا، وَحَيْلُولَةً، فَإِنَّهُ لَا يُجَابُ لِذَلِكَ بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُ، بَلْ لَا يُوقَفُ لَهُ إلَّا أَنْ تَكُونَ لَهُ شُبْهَةٌ قَوِيَّةٌ، وَأَجْمَلَ فِي الشُّبْهَةِ الْقَوِيَّةِ اعْتِمَادًا مِنْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ عَلَى مَا قَدَّمَ فِي الْفَصْلِ الثَّانِي مِنْ أَقْسَامِ الشَّهَادَةِ، وَهِيَ الَّتِي تُوجِبُ التَّوْقِيفَ، أَنَّ التَّوْقِيفَ فِي الْأُصُولِ يَكُونُ بِأَحَدِ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ: أَحَدُهَا أَنْ يَشْهَدَ بِمِلْكِيَّةِ الشَّيْءِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ عَدْلَانِ، وَبَقِيَ لِتَنْفِيذِ الْحُكْمِ الْإِعْذَارُ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ. الثَّانِي: أَنْ يَشْهَدَ بِذَلِكَ عَدْلٌ وَاحِدٌ. الثَّالِثُ: أَنْ يَشْهَدَ بِذَلِكَ رَجُلَانِ يُنْظَرُ فِي تَزْكِيَتِهِمَا، وَإِنَّمَا يُوقَفُ فِي هَذَا الْوَجْهِ فَائِدَةُ الْأَصْلِ، لَا الْأَصْلُ نَفْسُهُ، فَلَا يُوقَفُ بِهِ بِخِلَافِ الْوَجْهَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ، فَإِنَّهُ يُوقَفُ بِهِمَا الْأَصْلُ نَفْسُهُ عَلَى تَفْصِيلٍ فِي كَيْفِيَّةِ الْوَقْفِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَيَصْدُقُ كَلَامُ النَّاظِمِ هُنَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ الثَّالِثِ؛ لِأَنَّ التَّوْقِيفَ حَاصِلٌ فِيهِ فِي الْجُمْلَةِ، وَالتَّوْقِيفُ فِي غَيْرِ الْأُصُولِ يَكُونُ بِدَعْوَى بَيِّنَةٍ حَاضِرَةٍ، وَقَدْ أَشَارَ لَهُ فِيمَا تَقَدَّمَ بِقَوْلِهِ: وَمُدَّعِي كَالْعَبْدِ وَالنِّشْدَانِ إلَى أَنْ قَالَ: حَيْثُ ادَّعَى بَيِّنَةً حُضُورَا وَأَشَارَ لَهُ هُنَا بِالْبَيْتِ الثَّانِي، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى الْمَسْأَلَةِ فَرَاجِعْهُ، ثَمَّةَ. وَقَوْلُهُ تَجَلَّى: هُوَ عَلَى حَذْفِ إحْدَى التَّاءَيْنِ أَصْلُهُ تَتَجَلَّى وَجُمْلَةُ تَجَلَّى: أَيْ تَظْهَرُ صِفَةٌ ثَانِيَةٌ لِشُبْهَةٍ، وَقَوْلُهُ: بِدَعْوَى الْمُدَّعِي: يَتَعَلَّقُ بِمُقَدَّرٍ تَقْدِيرُهُ تُوقَفَ بِدَعْوَى الْمُدَّعِي. وَمَا لَهُ عَيْنٌ عَلَيْهَا يُشْهَدُ ... مِنْ حَيَوَانٍ أَوْ عُرُوضٍ تُوجَدُ يَعْنِي أَنَّ الشَّيْءَ الْمُسْتَحَقَّ إذَا لَمْ يَكُنْ أَصْلًا، بَلْ مِمَّا يُنْقَلُ مِنْ مَوْضِعٍ لِآخَرَ كَالْعُرُوضِ وَالْحَيَوَانِ، فَإِنَّ الشَّهَادَةَ تَكُونُ عَلَى عَيْنِهِ عِنْدَ الْحَاكِمِ لِسُهُولَةِ إحْضَارِهِ عِنْدَهُ، وَأَمَّا الْأُصُولُ، فَيُكْتَفَى فِيهَا بِالْحِيَازَةِ

عَنْ إحْضَارِهَا لِتَعَذُّرِهِ، كَمَا يَقُولُهُ قَرِيبًا فَقَوْلُهُ: عَيْنٌ: أَيْ ذَاتٌ، وَكَأَنَّهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ عَلَى حَذْفِ الصِّفَةِ وَهِيَ الْمَقْصُودُ بِالذَّاتِ أَيْ ذَاتٍ تُنْقَلُ بِدَلِيلِ تَمْثِيلِهِ بِالْحَيَوَانِ وَالْعُرُوضِ وَمُقَابَلَتِهِ بِالْأَصْلِ الَّذِي لَا يَقْبَلُ النَّقْلَ قَالَ: ابْنُ الْحَاجِّ فِي نَوَازِلِهِ: أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ ابْتَاعَ كِتَابًا مِنْ كُتُبِ الْعِلْمِ، ثُمَّ جَاءَهُ رَجُلٌ آخَرُ، فَادَّعَاهُ، وَأَتَى بِكِتَابٍ بَدَلِهِ، وَقَدْ فَاتَ الْكِتَابُ فَقَالَ: لَا يُتَوَجَّهُ الْحُكْمُ لِمُسْتَحِقِّ الشَّيْءِ إلَّا بَعْدَ شَهَادَةِ الْعُدُولِ، عَلَى عَيْنِهِ، وَالْإِعْذَارِ إلَى الَّذِي هُوَ فِي يَدِهِ، وَلَا يَصِحُّ الْحُكْمُ دُونَ تَعْيِينِ الْمَشْهُودِ فِيهِ عِنْدَ الْحَاكِمِ، فَإِذَا ثَبَتَ الِاسْتِرْعَاءُ، وَالْيَمِينُ أَعْذَرَ إلَى الَّذِي أُلْفِيَ ذَلِكَ بِيَدِهِ، فَإِنْ ادَّعَى مَدْفَعًا أَجَّلَهُ، ثُمَّ لَا رُجُوعَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى مَنْ بَاعَ مِنْهُ، إنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى حَلِّ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَكْذَبَ مَا ثَبَتَ، وَإِنْ لَمْ يَدَّعِ مَدْفَعًا، وَذَهَبَ إلَى الرُّجُوعِ عَلَى مَنْ بَاعَ مِنْهُ كَانَ لَهُ ذَلِكَ. وَيُكْتَفَى فِي حَوْزِ الْأَصْلِ الْمُسْتَحَقّْ ... بِوَاحِدٍ عَدْلٍ وَالِاثْنَانِ أَحَقْ يَعْنِي أَنَّ الشَّيْءَ الْمُسْتَحَقَّ إنْ كَانَ مِمَّا يَقْبَلُ النَّقْلَ مِنْ مَوْضِعٍ إلَى آخَرَ كَالْعُرُوضِ وَالْحَيَوَانِ، فَإِنَّ الشُّهُودَ يَشْهَدُونَ عَلَى عَيْنِهِ عِنْدَ الْقَاضِي كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْبَيْتِ قَبْلَ هَذَا، وَإِنْ كَانَ لَا يُنْقَلُ، وَهُوَ الْأُصُولُ كَالدَّارِ، وَنَحْوِهَا، فَإِنَّ حَوْزَهَا بَعْدَ ثُبُوتِ مِلْكِيَّةِ الْمُسْتَحِقِّ كَافٍ عَنْ حُضُورِهَا عِنْدَ الْحَاكِمِ لِتَعَذُّرِهِ عَقْلًا، وَذَهَابُ الْقَاضِي إلَيْهَا؛ لِيَشْهَدَ عَلَى عَيْنِهَا بِمَحْضَرِهِ مُتَعَذِّرٌ أَيْضًا عَادَةً؛ لِشُغْلِ الْقَاضِي عَنْ ذَلِكَ، وَبُعْدِ مَوَاضِعِهَا غَالِبًا فَعَلَيْهِ فِي ذَلِكَ مَشَقَّةٌ، فَجُعِلَ لَهُ أَنْ يَسْتَنِيبَ عَدْلَيْنِ، تُحَازُ بِمَحْضَرِهِمَا، وَيَكْفِي فِي ذَلِكَ وَاحِدٌ وَالِاثْنَانِ أَوْلَى، يَتَنَزَّلُ ذَلِكَ النَّائِبُ الْوَاحِدُ أَوْ الِاثْنَانِ مَنْزِلَةَ الْقَاضِي، وَكَأَنَّ هَذَا الْأَصْلُ شُهِدَ عَلَى عَيْنِهِ بِمَحْضَرِ الْقَاضِي، وَإِلَى اسْتِنَابَةِ الْقَاضِي مَنْ يَنُوبُ عَنْهُ فِي الشَّهَادَةِ بِمَحْضَرِهِ عَلَى عَيْنِ الشَّيْءِ الْمُسْتَحَقِّ، أَشَارَ النَّاظِمُ بِالْبَيْتِ، إلَّا أَنَّ فِي الْكَلَامِ حَذْفًا، يَدُلُّ عَلَيْهِ السِّيَاقُ أَيْ لِلْقَاضِي أَنْ يَسْتَنِيبَ مَنْ يَحُوزُ عَنْهُ، وَيَكْفِي الْوَاحِدُ وَالِاثْنَانِ أَوْلَى. وَكَيْفِيَّةُ ذَلِكَ إذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ بِمِلْكِيَّةِ الْمُسْتَحِقِّ لِلدَّارِ الْفُلَانِيَّةِ مَثَلًا، وَاسْتِمْرَارِهَا أَنَّ الْقَاضِي يُوَجِّهُ عَدْلَيْنِ يَحُوزَانِ الدَّارَ الْمَذْكُورَةَ، إمَّا اللَّذَيْنِ شَهِدَا بِمِلْكِيَّتِهَا أَوْ غَيْرُهُمَا، وَعَدْلَيْنِ آخَرَيْنِ يَشْهَدَانِ بِثَلَاثَةِ أُمُورٍ عَلَى الْقَاضِي بِأَمْرَيْنِ: بِصِحَّةِ رَسْمِ ثُبُوتِ الْمَكْلِيَّةِ، وَبِتَوْجِيهِ الْعَدْلَيْنِ لِلْحِيَازَةِ، وَعَلَى عَدْلَيْ الْحِيَازَةِ بِالْحِيَازَةِ إذْ لَا يَشْهَدَانِ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِمَا، فَإِنْ كَانَ الْمُوَجَّهَانِ لِلْحِيَازَةِ هُمَا اللَّذَانِ شَهِدَا بِالْمِلْكِيَّةِ لِلْمُسْتَحِقِّ، فَالْمَجْمُوعُ أَرْبَعَةُ عُدُولٍ، اثْنَانِ شَهِدَا بِالْمِلْكِ وَحَازَا، وَاثْنَانِ شَهِدَا عَلَيْهِمَا بِالْحَوْزِ، وَعَلَى الْقَاضِي بِصِحَّةِ رَسْمِ الْمِلْكِيَّةِ، وَتَوْجِيهِ الْحَائِزَيْنِ لِلْحِيَازَةِ، وَإِنْ كَانَ الْمُوَجَّهَانِ لِلْحِيَازَةِ غَيْرَ اللَّذَيْنِ شَهِدَا بِالْمِلْكِيَّةِ، فَالْمَجْمُوعُ سِتَّةٌ: اثْنَانِ شَهِدَا بِالْمِلْكِيَّةِ وَاثْنَانِ وُجِّهَا لِلْحِيَازَةِ فَحَازَا وَاثْنَانِ شَهِدَا عَلَى الْحَائِزَيْنِ بِالْحِيَازَةِ، فَإِذَا حَازَ الشَّاهِدَانِ الدَّارَ الْمَذْكُورَةَ، وَتَطَوَّفَا عَلَيْهِمَا، فَيَقُولَانِ لِلْعَدْلَيْنِ الْمُوَجَّهَيْنِ لِلشَّهَادَةِ عَلَيْهِمَا: بِالْحَوْزِ هَذِهِ الدَّارُ الَّتِي حُزْنَاهَا، هِيَ الَّتِي شَهِدْنَا بِمِلْكِهَا لِفُلَانٍ عِنْدَ الْقَاضِي فُلَانٍ، هَذَا إنْ كَانَ الْحَائِرَانِ، هُمَا اللَّذَانِ شَهِدَا بِالْمِلْكِ. وَإِنْ كَانَ غَيْرَهُمَا، فَيَقُولُ الْحَائِزَانِ لِلْمُوَجَّهَيْنِ لِلشَّهَادَةِ بِالْحِيَازَةِ: هَذِهِ الدَّارُ الَّتِي حُزْنَاهَا هِيَ الَّتِي شَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ الْأُولَى بِمِلْكِهَا لِفُلَانٍ عِنْدَ الْقَاضِي فُلَانٍ، (قَالَ فِي أَقْضِيَةِ الْمُتَيْطِيَّةِ) : إذَا ثَبَتَتْ الْحِيَازَةُ عِنْدَ الْقَاضِي بِشَهَادَةِ الشَّاهِدَيْنِ الْمُوَجَّهَيْنِ لِحُضُورِهَا، أَعْذَرَ لِلْمَطْلُوبِ فِي مِثْلِ هَذَا الْفَصْلِ، وَاخْتُلِفَ هَلْ يُعْذِرُ إلَيْهِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْحِيَازَةِ أَمْ لَا، وَبِتَرْكِ الْإِعْذَارِ فِيهَا جَرَى الْعَمَلُ؛ لِأَنَّ حِيَازَةَ الشُّهُودِ لِلْمِلْكِ وَتَعْيِينَهُمْ إيَّاهُ إنَّمَا وَجْهُهُ أَنْ يَكُونَ الْقَاضِي نَفْسُهُ حَسْبَمَا يَلْزَمُ فِي كُلِّ شَيْءٍ يُعَيِّنُهُ الشُّهُودُ مِنْ الْحَيَوَانِ وَالْعُرُوضِ كُلِّهَا إنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ عِنْدَ الْقَاضِي فَلَمَّا تَعَذَّرَ حُضُورُهُ حِيَازَةَ الْأَمْلَاكِ لِشُغْلِهِ عَنْهُ، وَبُعْدِ أَكْثَرِهَا مِنْهُ، وَمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْمَشَقَّةِ عَلَيْهِ اسْتَنَابَ مَكَانَ نَفْسِهِ عَدْلَيْنِ؛ لِيُعَيِّنَ ذَلِكَ لَهُمَا حَسْبَمَا كَانَ يُعَيِّنُ لَهُ، وَإِنْ اجْتَزَأَ بِوَاحِدٍ أَجْزَأَهُ وَالِاثْنَانِ أَفْضَلُ وَالْوَاحِدُ

وَالِاثْنَانِ إنَّمَا يَقُومَانِ مَقَامَهُ، فَتَرْكُ الْإِعْذَار فِيهِمَا أَوْلَى، كَمَا لَا يُعْذِرُ فِي نَفْسِهِ اهـ. وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ حِيَازَةَ الشُّهُودِ إلَخْ. وَرَاجِعْ شِفَاءَ الْغَلِيلِ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ آخِرَ النَّفَقَاتِ، ثُمَّ بَيِّنَةٌ بِالْحِيَازَةِ قَائِلَةٌ هَذَا الَّذِي حُزْنَاهُ إلَخْ. وَرَاجِعْ مَجَالِسَ الْقَاضِي الْمِكْنَاسِيِّ فِي الْمَسَائِلِ الَّتِي خَتَمَ بِهَا كِتَابَهُ. (وَفِي نَوَازِلِ ابْنِ رُشْدٍ) لَا إعْذَارَ فِي شُهُودِ الْحِيَازَةِ؛ لِأَنَّهُمَا نَائِبَانِ عَنْ الْقَاضِي وَإِنْ وَجَّهَ شَاهِدًا وَاحِدًا لِذَلِكَ أَجْزَأَهُ وَالِاثْنَانِ أَوْلَى. اهـ. وَتَقَدَّمَ لِلنَّاظِمِ فِي فَصْلِ الْإِعْذَارِ فِيمَنْ لَا يُعْذَرُ فِيهِ وَلَا الَّذِي وَجَّهَهُ الْقَاضِي إلَى ... مَا كَانَ كَالتَّحْلِيفِ مِنْهُ بَدَلَا. وَنَابَ عَنْ حِيَازَةِ الشُّهُودِ ... تَوَافُقُ الْخَصْمَيْنِ فِي الْحُدُودِ يَعْنِي أَنَّ مَا تَقَدَّمَ مِنْ تَوْجِيهِ الْقَاضِي لِعَدْلَيْنِ يَحُوزَانِ الْأَصْلَ الْمُسْتَحَقَّ إنَّمَا مَحَلُّهُ مَا اخْتَلَفَ الْخَصْمَانِ فِي حُدُودِهِ، أَمَّا مَا اتَّفَقَا عَلَى حُدُودِهِ كَدُورِ الْحَاضِرَةِ الَّتِي الدَّارُ بِهَا مُلَاصِقَةٌ لِلْأُخْرَى، فَلَا يَقَعُ غَالِبًا اخْتِلَافٌ فِي حُدُودِهَا، فَلَا يُحْتَاجُ فِي اسْتِحْقَاقِهَا إلَى حِيَازَةٍ. (قَالَ فِي الْمُقَرَّبِ) : قَالَ مُحَمَّدٌ: الَّذِي تَجْرِي عَلَيْهِ الْأَحْكَامُ بِفُتْيَا مَنْ أَدْرَكْنَا مِنْ أَشْيَاخِنَا، أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَحْكُمُ بِشَهَادَةِ الشَّاهِدَيْنِ حَتَّى يَحُوزَا مَا شَهِدَا فِيهِ مِنْ دَارٍ أَوْ أَرْضٍ أَوْ غَيْرِهِمَا، إلَّا أَنْ يَتَّفِقَ الْخَصْمَانِ عَلَى صِفَةِ الْأَرْضِ وَحُدُودِهَا أَوْ الدَّارِ، وَيُقِرُّ الْمُقَوَّمُ عَلَيْهِ أَنَّ ذَلِكَ بِيَدِهِ، فَتَسْقُطُ حِينَئِذٍ الْحِيَازَةُ، وَلَا يُكَلَّفُ الْقَائِمُ إثْبَاتَ الْحِيَازَةِ فِيمَا شَهِدَ لَهُ بِهِ الشُّهُودُ. . وَوَاجِبٌ إعْمَالُهَا، إنْ الْحَكَمْ ... بِقِسْمَةٍ عَلَى الْمَحَاجِيرِ حَكَمْ يَعْنِي أَنَّهُ يَجِبُ إعْمَالُ الْحِيَازَةِ إنْ أَرَادَ الْقَاضِي أَنْ يَحْكُمَ بِالْقِسْمَةِ عَلَى الْمَحَاجِيرِ، فَلَا يُقَسَّمُ بَيْنَهُمْ حَتَّى يَثْبُتَ عِنْدَهُ حِيَازَةُ مَوْرُوثِهِمْ، لِمَا يُرَادُ قَسْمُهُ. (قَالَ فِي الْمُقَرَّبِ) : وَفِي كِتَابِ ابْنِ حَبِيبٍ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ وَلَا يَجُوزُ لِلْقَاضِي إذَا سَأَلَهُ الْوَرَثَةُ أَوْ بَعْضُهُمْ، أَنْ يَقْسِمَ بَيْنَهُمْ دَارًا وَرِثُوهَا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ أَنْ يَأْمُرَ بِقَسْمِ ذَلِكَ بَيْنَهُمْ، حَتَّى يَثْبُتَ عِنْدَهُ أَنَّ ذَلِكَ الشَّيْءَ كَانَ لِلْمَالِكِ مِلْكًا لَهُ وَمَالًا، حَتَّى هَلَكَ عَنْهُ، وَأَنَّ الْهَالِكَ كَانَ سَاكِنًا فِي تِلْكَ الدَّارِ إنْ كَانَتْ دَارًا، كَمَا يَسْكُنُ الرَّجُلُ فِي دَارِ نَفْسِهِ، حَتَّى هَلَكَ فِيهَا، وَإِنْ كَانَتْ قَرْيَةً، فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَأْمُرَ بِقَسْمِهَا بَيْنَهُمْ، حَتَّى يَأْتُوهُ بِحَوْزِ مَا كَانَ لِلْهَالِكِ مِنْهَا وَصِفَتِهِ بِكِتَابٍ وَشُهُودٍ يَعْرِفُونَهُ مِلْكًا لِلْهَالِكِ أَوْ فِي يَدَيْهِ وَعِمَارَتِهِ، حَتَّى هَلَكَ خِيفَةَ أَنْ يُدْخِلُوا فِي قِسْمَتِهِمْ مَا لَيْسَ لَهُمْ بِحَقٍّ. اهـ. وَجَازَ أَنْ يُثْبِتَ مِلْكًا شُهِدَا ... وَبِالْحِيَازَةِ سِوَاهُمْ شَهِدَا إنْ كَانَ ذَا تَسْمِيَةٍ مَعْرُوفَهْ ... وَنِسْبَةٍ مَشْهُورَةٍ مَأْلُوفَهْ يَعْنِي أَنَّ مَنْ ادَّعَى مِلْكًا بِيَدِ غَيْرِهِ وَأَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهُ لَهُ أَوْ لِمَوْرُوثِهِ إلَّا أَنَّ الْبَيِّنَةَ، لَمْ تُعَرِّفْ حُدُودَ ذَلِكَ الْمِلْكِ وَلَمْ تَشْهَدْ بِهَا، وَشَهِدَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ أُخْرَى بِحُدُودِ ذَلِكَ الْمِلْكِ، فَحَازَتْهُ وَتَطَوَّفَتْ عَلَيْهِ وَعَرَّفَتْ حُدُودَهُ وَمُنْتَهَاهُ، وَلَمْ تَعْرِفْ لِمَنْ هُوَ، فَإِنَّ الشَّهَادَتَيْنِ تُلَفَّقُ وَيَثْبُتُ الْمِلْكُ لِلْمُدَّعِي الْمَذْكُورِ، لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ تَكُونَ لَهُ تَسْمِيَةٌ مَعْرُوفَةٌ عِنْدَ أَهْلِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ أَوْ تَسْمِيَةٌ مَشْهُورَةٌ عِنْدَهُمْ فَالتَّسْمِيَةُ، مِثْلُ بَعْضِ الْأَجِنَّةِ عِنْدَنَا اُشْتُهِرَتْ بِأَسْمَاءٍ صَارَتْ عَلَمًا عَلَيْهَا، كَابْنِ الصَّفَّارِ وَابْنِ قَضِيبٍ وَحَجَّاجَةٍ وَاللَّهَبِ وَجِنَانِ الْخَادِمِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَالنِّسْبَةُ، مِثْلُ الْجِنَانِ الَّذِي بَابُهُ أَوَّلًا عَلَى يَمِينِ الدَّاخِلِ لِلزَّنْقَةِ الْفُلَانِيَّةِ أَوْ الْحَانُوتِ

الْخَامِسَةِ عَنْ يَسَارِ الْخَارِجِ مِنْ سُوقٍ كَذِمَارِ الْكَذَا، وَنَحْوِ ذَلِكَ. فَإِنْ أَشْهَدَ بَعْضَ أَهْلِ الْمَوْضِعِ بِأَنَّ الْجِنَانَ الْمَعْرُوفَ بِاسْمٍ مِثْلِ مَا ذَكَرْنَا؛ هُوَ لِذَوِي فُلَانٍ يَتَحَقَّقَ ذَلِكَ بِالتَّوَاتُرِ الْمُحَصِّلِ لِلْعِلْمِ وَرُبَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ الشَّاهِدُ جَارًا لِمَالِكِهِ أَوْ صَدِيقًا لَهُ، وَيُهْدِي لَهُ مِنْ غَلَّتِهِ وَفَاكِهَتِهِ، إلَّا أَنَّهُ لَا يَعْرِفُ حُدُودَهُ وَمُنْتَهَاهُ؛ لِكَوْنِهِ إنَّمَا رَآهُ وَدَخَلَهُ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَرُبَّمَا يَكُونُ لَمْ يَدْخُلْهُ قَطُّ، وَلَكِنْ يَتَحَقَّقُ، وَيَعْلَمُ أَنَّ الْجِنَانَ الْمَعْرُوفَ بِكَذَا هُوَ لِفُلَانٍ، وَشَهِدَ آخَرُونَ بِمَعْرِفَةِ حُدُودِهِ وَمُنْتَهَاهُ، وَمَا هُوَ مِنْ حَقِّهِ وَمَرَافِقِهِ، وَلَا يَعْلَمُونَ لِمَنْ هُوَ كَالْخَدَمِ الَّذِينَ يَسْتَأْجِرُهُمْ الْمُسَاقِي فِي الْجِنَانِ، وَيَخْدُمُونَ مَعَهُ الْمَرَّةَ بَعْدَ الْمَرَّةِ، وَلَمْ تَدْعُهُمْ حَاجَةٌ لِمَعْرِفَةِ رَبِّهِ، وَلَا يَتَعَلَّقُ لَهُمْ غَرَضٌ بِهِمَا، فَتُلَفَّقُ الشَّهَادَتَانِ، وَيَثْبُتُ الِاسْتِحْقَاقُ، وَيَظْهَرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ الْوَاوَ فِي قَوْلِهِ وَنِسْبَةٍ: بِمَعْنَى أَوْ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ التَّسْمِيَةِ وَالنَّسَبِ كَافٍ وَحْدَهُ فِي اعْتِمَادِ الشَّاهِدِ عَلَيْهِ فِي شَهَادَتِهِ (قَالَ فِي الْعُتْبِيَّةِ) : وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ هَلَكَ وَلَهُ وَرَثَةٌ وَوَلَدٌ وَتَرَكَ أَرْضًا فَخَاصَمَ وَلَدَهُ قَوْمٌ، فَأَقَامُوا الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا أَرْضُهُمْ، وَلَمْ يُشْهِدُوا عَلَى الْحُدُودِ وَشَهِدَ قَوْمٌ عَلَى حُدُودِ تِلْكَ الْأَرْضِ، وَلَمْ يَشْهَدُوا أَنَّهَا لَهُمْ. وَقَالُوا: لَا عِلْمَ لَنَا، لِمَنْ هِيَ؟ قَالَ: مَالِكٌ إذَا شَهِدُوا عَلَى الْحُدُودِ وَثَبَتَتْ شَهَادَةُ الَّذِينَ شَهِدُوا أَنَّهَا لَهُمْ رَأَيْتُهَا لَهُمْ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ هَذَا كَمَا قَالَ: مِنْ أَنَّ الشَّهَادَةَ فِي الْأَرْضِ عَلَى الْمَالِكِ تُلَفَّقُ إلَى الشَّهَادَةِ فِيهَا عَلَى الْحَوْزِ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى فِي ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ الْأَرْضُ الْمَشْهُورَةُ الْمَعْلُومَةُ الْمُسَمَّاةُ الَّتِي تَتَمَيَّزُ بِالنِّسْبَةِ أَوْ التَّسْمِيَةِ عَنْ سِوَاهَا عِنْدَ مَنْ عَرَفَ حُدُودَهَا فَإِذَا قَالَ الشُّهُودُ: نَعْلَمُ أَنَّ الْأَرْضَ الْفُلَانِيَّةَ لِفُلَانٍ، وَلَا نَحُوزُهَا، وَقَالَ غَيْرُهُمْ: نَحْنُ نَعْلَمُ حُدُودَهَا، وَلَا نَدْرِي لِمَنْ هِيَ وَجَبَ أَنْ تُلَفَّقَ الشَّهَادَةُ فِي ذَلِكَ إذْ لَا يَقْدَحُ فِي عِلْمِ مَنْ شَهِدَ أَنَّهَا لِفُلَانٍ جَهْلُهُ بِحُدُودِهَا، وَلَا يَقْدَحُ فِي عِلْمِ مِنْ شَهِدَ بِمَعْرِفَةِ حُدُودِهَا جَهْلُهُ بِمُلَّاكِهَا اهـ. (قَالَ الشَّارِحُ) : أَقُولُ: تَعْيِينُ الْعُرُوضِ وَالْأَمْتِعَةِ وَالسِّلَاحِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَالْحَيَوَانُ كُلُّهُ، الدَّوَابُّ وَالْأَنْعَامُ وَالرَّقِيقُ وَغَيْرُهَا، هُوَ نَظِيرُ الْحِيَازَةِ فِي الْأُصُولِ، وَهَلْ يُمْكِنُ تَلْفِيقُ التَّعْيِينِ فِيهَا بِشَهَادَةِ عَدْلَيْنِ بِهِ مَعَ شَهَادَةِ مِثْلِهَا بِالْمِلْكِ؟ هَذَا مِمَّا يُنْظَرُ فِيهِ، وَهُوَ فِي الْعُرُوضِ مُسْتَبْعَدُ الْوُقُوعِ وَلَكِنَّهُ مُمْكِنٌ، ثُمَّ قَالَ: وَهُوَ فِي الدَّوَابِّ أَقْرَبُ كَمَا إذَا فَرَضْنَا فَرَسًا لَهُ اسْمُ عَلَمٍ يَتَمَيَّزُ بِهِ، ثُمَّ قَالَ: وَهُوَ فِي الرَّقِيقِ أَقْرَبُ مِنْ هَذَا التَّمْيِيزِ الدَّقِيقِ بِالْعَلَمِيَّةِ وَالصِّفَةِ أَكْثَرَ مِنْ الْحَيَوَانِ الْبَهِيمِيِّ وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ إثْبَاتُ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ عَلَى الصِّفَةِ. (قَالَ فِي الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ) : وَإِنْ كَانَتْ يَعْنِي الْجَارِيَةَ غَائِبَةً، فَالشَّهَادَةُ فَبِهَا عَلَى النَّعْتِ وَالصِّفَةِ وَالِاسْمِ جَائِزَةٌ، وَيَكْتُبُ الْحَكَمُ الَّذِي شُهِدَ عَلَى الصِّفَةِ فِيهَا عِنْدَهُ عَلَى الصِّفَةِ إلَى الْحَكَمِ فِي الْبَلْدَةِ الَّتِي فِيهَا الْجَارِيَةُ بِمَا ثَبَتَ عِنْدَهُ مِنْ الْمِلْكِ فِيهَا عَلَى الصِّفَةِ، وَيُرْسِلُ كِتَابَهُ مَعَ شَاهِدَيْنِ يُشْهِدُهُمَا عَلَى كِتَابِهِ الَّذِي يَكْتُبُ فِيهِ الْحُكْمَ بِالثُّبُوتِ الْمَذْكُورَةِ، فَإِنْ وُجِدَ فِي تِلْكَ الْبَلْدَةِ جَوَارٍ كَبِيرَةٌ عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ، كَلَّفَهُ الْحَاكِمُ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ أَنْ يُثْبِتَ أَيَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهَا فِي الْبَلْدَةِ لَمْ يُكَلِّفْهُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ. (قَالَ الشَّارِحُ) أَقُولُ حَيْثُ لَمْ تُوجَدْ إلَّا وَاحِدَةٌ، فَهِيَ الَّتِي عَيَّنَهَا الِاسْمُ وَالصِّفَةُ. وَمُشْتَرِي الْمِثْلِيِّ مَهْمَا يُسْتَحَقْ ... مُعْظَمُ مَا اشْتَرَى لَهُ التَّخْيِيرُ حَقْ فِي الْأَخْذِ لِلْبَاقِي مِنْ الْمَبِيعِ ... بِقِسْطِهِ وَالرَّدِّ لِلْجَمِيعِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْهُ الْيَسِيرُ مَا اُسْتُحِقَّ ... يَلْزَمُهُ الْبَاقِي بِمَا لَهُ يَحِقْ يَعْنِي أَنَّ مَنْ اشْتَرَى مِثْلِيًّا مِنْ مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ أَوْ مَعْدُودٍ كَالْقَمْحِ وَالزَّيْتِ وَالْجَوْزِ ثُمَّ اُسْتُحِقَّ مِنْهُ شَيْءٌ، فَإِنَّهُ إنْ اُسْتُحِقَّ مُعْظَمُهُ خُيِّرَ الْمُشْتَرِي بَيْنَ التَّمَسُّكِ بِمَا بَقِيَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ وَبَيْنَ رَدِّ الْجَمِيعِ، وَإِنْ اُسْتُحِقَّ الْقَلِيلُ مِنْهُ فَقَطْ، فَيَلْزَمُهُ التَّمَسُّكُ بِالْبَاقِي بِحِصَّتِهِ، أَيْضًا قَالَ: الشَّارِحُ وَالْيَسِيرُ هُنَا الثُّلُثُ فَأَدْنَى قَالَ ابْنُ يُونُسَ وَلَوْ كَانَ مَا ابْتَاعَ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا، فَإِنْ اُسْتُحِقَّ الْقَلِيلُ مِنْهُ رَجَعَ بِحِصَّتِهِ مِنْ

الثَّمَنِ وَلَزِمَهُ مَا بَقِيَ وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا فَهُوَ مُخَيَّرٌ فِي أَنْ يَحْبِسَ مَا بَقِيَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ أَوْ يَرُدَّهُ وَكَذَلِكَ فِي جُزْءٍ شَائِعٍ مِمَّا لَا يَنْقَسِمُ؛ لِأَنَّ حِصَّتَهُ مِنْ الثَّمَنِ مَعْلُومَةٌ قَبْلَ الرِّضَا بِهِ. اهـ. وَمَسْأَلَةُ اسْتِحْقَاقِ الْجُزْءِ الشَّائِعِ مِمَّا لَا يَنْقَسِمُ تَأْتِي فِي قَوْلِ النَّاظِمِ: وَالْخَلَفُ فِي تَمَسُّكٍ بِمَا بِقِي ... بِقِسْطِهِ مِمَّا انْقِسَامُهُ اُتُّقِيَ وَتَأَمَّلْ عِبَارَةَ ابْنِ يُونُسَ حَيْثُ قَالَ فِي اسْتِحْقَاقِ الْكَبِيرِ: فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَحْبِسَ مَا بَقِيَ أَوْ يَرُدَّهُ فَهِيَ أَحْسَنُ مِنْ قَوْلِ النَّاظِمِ وَالرَّدُّ لِلْجَمِيعِ، فَإِنَّ الْمُسْتَحِقَّ أَخَذَ جُزْأَهُ، وَانْصَرَفَ، وَلَمْ يَبْقَ الْكَلَامُ إلَّا فِي الْبَاقِي، وَقَدْ تَكَلَّمَ النَّاظِمُ فِي هَذِهِ الْأَبْيَاتِ عَلَى اسْتِحْقَاقِ بَعْضِ الْمِثْلِيِّ، وَفِي الْأَبْيَاتِ الثَّلَاثَةِ بَعْدَهَا عَلَى اسْتِحْقَاقِ بَعْضِ الْمُقَوَّمِ مَعَ كَوْنِ الْمُسْتَحَقِّ مُعَيَّنًا، وَفِي الْبَيْتَيْنِ بَعْدَهَا عَلَى اسْتِحْقَاقِ الْجُزْءِ الشَّائِعِ مِمَّا يَقْبَلُ الْقِسْمَةَ، وَمَا لَا يَقْبَلُهَا. وَمَا لَهُ التَّقْوِيمُ بِاسْتِحْقَاقِ ... أَنْفَسِهِ يُرَدُّ بِالْإِطْلَاقِ إنْ كَانَ فِي مُعَيَّنٍ وَلَا يَحِلْ ... إمْسَاكُ بَاقِيهِ لِمَا فِيهِ جُهِلْ وَإِنْ يَكُنْ أَقَلَّهُ فَالْحُكْمُ أَنْ ... يَرْجِعَ فِي حِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنْ

لَمَّا قَدَّمَ الْكَلَامَ عَلَى اسْتِحْقَاقِ بَعْضِ الْمِثْلِيِّ تَكَلَّمَ هُنَا عَنْ اسْتِحْقَاقِ بَعْضِ الْمُقَوَّمِ يَعْنِي أَنَّ مَنْ اشْتَرَى مُقَوَّمًا فَاسْتُحِقَّ بَعْضُهُ فَإِنْ كَانَ الْمُسْتَحَقُّ جُزْءًا شَائِعًا كَثُلْثٍ أَوْ رَبْعٍ مَثَلًا، فَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي الْبَيْتَيْنِ بَعْدَ هَذِهِ، وَإِنْ كَانَ مُعَيَّنًا كَثَوْبٍ بِعَيْنِهِ مِنْ أَثْوَابٍ، فَيُنْظَرُ فِي ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ وَجْهَ الصَّفْقَةِ، وَأَفْضَلَ مَا فِيهَا، فَإِنَّهُ يَرُدُّ الْجَمِيعَ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ التَّمَسُّكُ بِالْبَاقِي بَعْدَ اسْتِحْقَاقِ وَجْهِ الصَّفْقَةِ؛ لِأَنَّ وَجْهَ الصَّفْقَةِ، وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا فِي الْحِسِّ، فَهُوَ كَثِيرٌ فِي الْمَعْنَى وَغَيْرُهُ قَلِيلٌ. وَالْأَقَلُّ يَتْبَعُ الْأَكْثَرَ، فَيُفْسَخُ الْجَمِيعُ فَإِذَا تَمَسَّكَ بِالْأَقَلِّ فَكَأَنَّهُ ابْتَدَأَ شِرَاءَهُ بِثَمَنٍ مَجْهُولٍ وَإِنْ كَانَ الْمُسْتَحَقُّ غَيْرَ وَجْهِ الصَّفْقَةِ، فَيَرْجِعُ بِقِيمَةِ مَا اسْتَحَقَّ، يَتَمَسَّكُ بِالْبَاقِي؛ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ لَمْ تَنْفَسِخْ، كَمَا فِي اسْتِحْقَاقِ الْجُلِّ. (قَالَ ابْنُ يُونُسَ) : قَالَ مَالِكٌ: وَمَنْ اشْتَرَى ثِيَابًا كَثِيرَةً أَوْ صَالَحَ بِهَا عَنْ دَعْوَاهُ، فَاسْتَحَقَّ بَعْضَهَا أَوْ وُجِدَ بِهِ عَيْبٌ قَبْلَ قَبْضِهَا أَوْ بَعْدَهُ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ تَافِهًا رَجَعَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ فَقَطْ، وَإِنْ كَانَ وَجُهَ الصَّفْقَةَ، مِثْل أَنْ يَقَعَ لَهُ أَكْثَرُ مِنْ نِصْفِ الثَّمَنِ انْتَقَصَ ذَلِكَ كُلُّهُ، وَيَرُدُّ مَا بَقِيَ، ثُمَّ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَمَاسَكَ بِمَا بَقِيَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ، وَإِنْ رَضِيَ الْبَائِعُ إذْ لَا يُعْرَفُ، حَتَّى يُقَوَّمَ، وَقَدْ وَجَبَ الرَّدُّ فَصَارَ بَيْعًا مُؤَقَّتًا. اهـ. فَقَوْلُهُ: بِاسْتِحْقَاقٍ يَتَعَلَّقُ بِيَرُدُّ، وَمَعْنَى الْإِطْلَاقِ أَنَّهُ اسْتَحَقَّ الْأَنْفَسَ، فَيُرَدُّ الْبَاقِي، وَلَوْ رَدِّ رَضِيَ الْمُتَبَايِعَانِ بِعَدَمِ الرَّدِّ، وَأَحْرَى فِي الْجَمِيعِ إذَا أَرَادَهُ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ، فَالْقَوْلُ لِمَنْ أَرَادَ الرَّدَّ، وَاسْمُ كَانَ يَعُودُ عَلَى اسْتِحْقَاقٍ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ: إنْ كَانَ فِي مُعَيَّنٍ مِنْ اسْتِحْقَاقِ الْجُزْءِ الشَّائِعِ وَيَأْتِي حُكْمُهُ قَرِيبًا وَمَا مِنْ قَوْلِهِ لِمَا فِيهِ جُهِلْ مَصْدَرِيَّةٌ أَيْ لِلْجُلِّ الْحَاصِلِ فِيهِ لِمَا يَنُوبُ الْبَاقِي مِنْ الثَّمَنِ وَاسْمُ يَكُنْ: ضَمِيرُ الْمُسْتَحَقِّ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَضَمِيرُ أَقَلِّهِ لِلْمَبِيعِ الْمُقَوَّمِ، وَفَاعِلُ يَرْجِعُ ضَمِيرُ الْمُشْتَرِي، وَضَمِيرُ حِصَّتِهِ لِلْمُسْتَحَقِّ أَيْضًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَإِنْ يَكُنْ عَلَى الشِّيَاعِ الْمُسْتَحَقّْ ... وَقَبْلَ الْقِسْمَةِ فَالْقَسْمُ أَحَقْ وَالْخُلْفُ فِي تَمَسُّكٍ بِمَا بَقِيَ ... بِقِسْطِهِ مِمَّا انْقِسَامُهُ اُتُّقِيَ يَعْنِي أَنَّهُ، إذَا كَانَ الْمُسْتَحَقُّ جُزْءًا شَائِعًا كَالثُّلُثِ وَالرُّبْعِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ الْمُسْتَحَقُّ بَعْضُهُ يَقْبَلُ الْقِسْمَةَ بِلَا ضَرَرٍ، فَإِنَّهُ يُقَسَّمُ هَذَا حَاصِلُ مَا ذَكَرَ فِي الْبَيْتِ الْأَوَّلِ، وَلَمْ يُفِدْ الْحُكْمَ بَعْدَ الْقِسْمَةِ، وَهُوَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي اسْتِحْقَاقِ بَعْضِ الْمِثْلِيِّ إنْ اُسْتُحِقَّ الْقَلِيلُ، فَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي إلَّا الرُّجُوعُ بِقِيمَةِ مَا اُسْتُحِقَّ وَإِنْ اُسْتُحِقَّ الْكَثِيرُ خُيِّرَ فِي التَّمَاسُكِ بِمَا بَقِيَ، أَوْ رَدِّهِ قَالَ: الْحَطَّابُ فِي شَرْحِ قَوْلِ الشَّيْخِ خَلِيلٍ: أَوْ اسْتَحَقَّ الْيَسِيرَ مِنْ الْأَجْزَاءِ فِيمَا يَنْقَسِمُ فَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي إلَّا الرُّجُوعُ بِقِيمَةِ مَا اُسْتُحِقَّ اهـ يَعْنِي، وَإِنْ اسْتَحَقَّ الْجُزْءَ الْكَثِيرَ خُيِّرَ الْمُشْتَرِي بَيْنَ التَّمَاسُكِ بِمَا بَقِيَ أَوْ رَدِّهِ. وَنَقَلَ الشَّارِحُ عَلَى فِقْهِ هَذَا الْبَيْتِ قَوْلَ الْمُقَرَّبِ إنْ أَرَادَ أَنْ يَحْبِسَ مَا سُلِّمَ فِي يَدَيْهِ، وَيَرْجِعَ بِثَمَنِ مَا اُسْتُحِقَّ، فَإِنْ كَانَ مَا اشْتَرَى مِمَّا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ، فَذَلِكَ لَهُ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا يُبَاعُ عَلَى الْعَدَدِ، وَكَانَ الِاسْتِحْقَاقُ عَلَى الْأَجْزَاءِ، نِصْفَ مَا اشْتَرَى أَوْ ثُلُثَهُ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ، فَذَلِكَ لَهُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ مَا رَضِيَ بِهِ يَصِيرُ لَهُ بِثَمَنٍ مَعْرُوفٍ اهـ. وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ مُخَيَّرٌ فِي رَدِّ الْبَاقِي بِهِ سَوَاءٌ كَانَ الْبَاقِي قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا مَعَ أَنَّهُ فَرَضَ الْمَسْأَلَةَ فِي الْمِثْلِيِّ، فَتَأَمَّلْهُ مَعَ نَقْلِ الْحَطَّابِ الْمُتَقَدِّمِ، وَمَعَ مَا قَدَّمَ النَّاظِمُ فِي الْمِثْلِيِّ فَاَللَّهُ أَعْلَمُ. فَقَوْلُهُ وَالْخَلَفُ فِي تَمَسُّكٍ بِمَا بَقِيَ الْبَيْتَ يَعْنِي أَنَّهُ اُخْتُلِفَ فِيمَا إذَا اُسْتُحِقَّ جُزْءٌ شَائِعٌ مِمَّا لَا يَقْبَلُ الْقِسْمَةَ هَلْ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَتَمَاسَكَ بِمَا بَقِيَ أَوْ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ؟ وَيَتَعَيَّنُ الرَّدُّ لِلْبَاقِي هَذَا ظَاهِرُ لَفْظِ الْبَيْتِ وَنَقَلَ عَلَيْهِ الشَّارِحُ مَا هُوَ صَرِيحٌ فِي الطَّرَفِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ أَنَّ الْمُشْتَرِي مُخَيَّرٌ فِي التَّمَسُّكِ بِالْبَاقِي أَوْ رَدِّهِ دُونَ تَحَتُّمِ الرَّدِّ فَلَمْ يُنْقَلْ عَلَيْهِ نَصًّا وَلَفْظُهُ، وَفِي الْمُقَرَّبِ، وَسُئِلَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَمَّنْ اشْتَرَى شَيْئًا مِمَّا لَا يَنْقَسِمُ، مِثْلُ الشَّجَرَةِ أَوْ الثَّوْبِ، فَاسْتَحَقَّ بَعْضَ ذَلِكَ فَقَالَ: لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَرُدَّ ذَلِكَ إنْ شَاءَ، كَانَ الِاسْتِحْقَاقُ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا، وَهَذَا مِثْلُ الرَّقِيقِ وَالْحَيَوَانِ اهـ. وَتَقَدَّمَ نَحْوُ هَذَا عَنْ ابْنِ يُونُسَ فِي اسْتِحْقَاقِ بَعْضِ الْمِثْلِيِّ، وَفِي الْحَطَّابِ فِي الْمَحَلِّ الْمَذْكُورِ إثْرَ مَا تَقَدَّمَ عَنْهُ مَا نَصُّهُ بِخِلَافِ اسْتِحْقَاقِ الْيَسِيرِ مِنْ الْأَجْزَاءِ فِيمَا لَا يَنْقَسِمُ هَذَا يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي رَدُّ الْجَمِيعِ لِضَرَرِ الشَّرِكَةِ وَالْيَسِيرُ النِّصْفُ فَأَقَلُّ. اهـ. وَقَالَ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ فِي بَابِ الْقِسْمَةِ، وَإِنْ اُسْتُحِقَّ بَعْضٌ فَكَالْعَيْبِ، مَا نَصُّهُ: وَلَا بَأْسَ بِذِكْرِ حُكْمِ اسْتِحْقَاقِ الْبَعْضِ عَلَى سَبِيلِ الِاخْتِصَارِ، فَنَقُولُ: إذَا اُسْتُحِقَّ بَعْضُ الْمَبِيعِ فَلَا يَخْلُو

إمَّا أَنْ يَكُونَ شَائِعًا أَوْ مُعَيَّنًا فَإِنْ كَانَ شَائِعًا فَإِنَّهُ يُخَيَّرُ الْمُشْتَرِي فِي التَّمَسُّكِ، وَيَرْجِعُ بِحِصَّةِ الْجُزْءِ الْمُسْتَحَقِّ مِنْ الثَّمَنِ وَفِي رَدِّهِ لِضَرَرِ الشَّرِكَةِ، سَوَاءٌ اسْتَحَقَّ الْأَقَلَّ أَوْ الْأَكْثَرَ وَإِنْ اُسْتُحِقَّ جُزْءٌ مُعَيَّنٌ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ مُقَوَّمًا أَوْ مِثْلِيًّا فَإِنْ كَانَ مُقَوَّمًا كَالْعَرْضِ وَالرَّقِيقِ وَالْحَيَوَانِ، فَإِنْ اُسْتُحِقَّ الْبَعْضُ رَجَعَ بِحِصَّتِهِ بِالْقِيمَةِ لَا بِالتَّسْمِيَةِ، وَإِنْ اُسْتُحِقَّ وَجْهُ الصَّفْقَةِ تَعَيَّنَ رَدُّ الْبَاقِي، وَلَا يَجُوزُ التَّمَسُّكُ بِالْأَقَلِّ، وَإِنْ كَانَ مِثْلِيًّا، فَإِنْ اسْتَحَقَّ الْأَقَلَّ رَجَعَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ وَإِنْ اسْتَحَقَّ الْأَكْثَرَ خُيِّرَ فِي التَّمَاسُكِ وَالرُّجُوعِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ وَفِي الرَّدِّ زَادَ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَثَرَ هَذَا الْقِسْمِ الْأَخِيرِ وَكَذَلِكَ فِي جُزْءٍ شَائِعٍ مِمَّا لَا يَنْقَسِمُ؛ لِأَنَّ حِصَّتَهُ مِنْ الثَّمَنِ مَعْلُومَةٌ قَبْلَ الرِّضَا بِهِ. اهـ. أَيْ فَيَتَخَيَّرُ فِي التَّمَاسُكِ وَالرَّدِّ. اهـ. وَفِي شَرْحِ الْمَوَّاقِ لِقَوْلِ الشَّيْخ خَلِيلٍ أَوْ اُسْتُحِقَّ شَائِعٌ، وَإِنْ قَلَّ مَا نَصُّهُ اُنْظُرْ هَذَا مَعَ مَا يَتَقَرَّرُ قَالَ عِيسَى قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ إذَا اُسْتُحِقَّ عَبْدٌ مِنْ الرَّقِيقَ أَوْ عَبْدَانِ أَوْ شَيْءٌ يَكُونُ مِنْ الرَّقِيقِ يَسِيرًا فِي عَدَدِهِمْ، أَيَلْزَمُ الْمَبِيعُ إذَا كَانَ الِاسْتِحْقَاقُ مِنْ عَبِيدٍ بِأَعْيَانِهِمْ؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْت: أَرَأَيْت إنْ كَانَ الِاسْتِحْقَاقُ الْيَسِيرُ سَهْمًا اسْتَحَقَّهُ رَجُلٌ فِي جَمِيعِ الرَّقِيقِ بَعْدَ مَنْعِ الْوَطْءِ إنْ كَانَ فِيهَا جَارِيَةٌ قَالَ: سَوَاءٌ اسْتَحَقَّ فِي جَمِيعِهَا سَهْمًا أَوْ عَبِيدًا بِأَعْيُنِهِمْ إنْ كَانَ يَسِيرًا لَزِمَهُ الْبَيْعُ، وَقِيلَ: لَهُ قَاسِمْ شَرِيكَكَ أَنْظِرْهُ أَبَدًا، كُلُّ شَيْءٍ يُسْتَحَقُّ، وَهُوَ يُقَسِّمُ رَقِيقًا كَانَ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ الَّذِي اسْتَحَقَّ مِنْهُ يَسِيرًا لَزِمَهُ الْبَيْعُ، وَإِذَا كَانَ مِمَّا لَا يَنْقَسِمُ فِي الرَّقِيقِ وَالْحَيَوَانِ رَدَّهُ إنْ شَاءَ كَانَ الَّذِي اسْتَحَقَّ مِنْهُ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا، قِيلَ: أَرَأَيْت إنْ كَانَ فِي غَيْرِ الْحَيَوَانِ الَّذِي لَا يَنْقَسِمُ، مِثْلُ الشَّجَرَةِ قَالَ: هُوَ كَاسْتِحْقَاقِ الْيَسِيرِ مِنْ الْعَدَدِ لَا يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي إلَّا الرُّجُوعُ بِقِيمَةِ مَا اُسْتُحِقَّ بِخِلَافِ اسْتِحْقَاقِ الْيَسِيرِ مِنْ الْأَجْزَاءِ فِيمَا لَا يَنْقَسِمُ هَذَا يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي رَدُّ الْجَمِيعِ لِضَرَرِ الشَّرِكَةِ، فَهُوَ تَفْسِيرٌ لِسَائِرِ الرِّوَايَاتِ، وَالْيَسِيرُ النِّصْفُ فَأَقَلُّ، وَالْكَثِيرُ الْجُلُّ، وَمَا زَادَ عَلَى النِّصْفِ، وَهَذَا فِي الْعُرُوضِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ بِخِلَافِ الطَّعَامِ، وَمَا كَانَ فِي مَعْنَاهُ مِنْ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ، فَإِنَّهُ يَرَى فِيهِ اسْتِحْقَاقَ الثُّلُثِ فَمَا زَادَ كَثِيرًا. اهـ. وَفِي شَرْحِ شَيْخِ شُيُوخِنَا الْعَالِمِ الْمُتَفَنِّنِ أَبِي الْعَبَّاسِ سَيِّدِي أَحْمَدَ الْمَنْجُور لِلنَّظْمِ الْمُسَمَّى بِالْمَنْهَجِ الْمُنْتَخَبِ فِي قَوَاعِدِ الْمَذْهَبِ لِلْإِمَامِ سَيِّدِي عَلِيِّ بْنِ قَاسِمٍ الزَّقَّاقِ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ هَلْ الْيَسَارَةُ بِنَفْسٍ تُعْتَبَرْ إلَى آخِرِ مَا نَصَّهُ ابْنُ رُشْدٍ وَالدَّارُ إنْ اُسْتُحِقَّ عُشْرُهَا أَوْ أَقَلُّ مِنْهُ، وَكَانَتْ لَا تَنْقَسِمُ أَعْشَارًا، فَلَهُ رَدُّ جَمِيعِهَا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ تَنْقَسِمُ، وَفِي التَّقْيِيدِ ابْنُ رُشْدٍ فِي كِتَابِ الِاسْتِحْقَاقِ مِنْ الْبَيَانِ وَالرَّدُّ يَجِبُ إذَا اُسْتُحِقَّ مَا هُوَ كَثِيرُ كَثُلُثِ الدَّارِ أَوْ مَا فِيهِ ضَرَرٌ وَلَوْ كَانَ يَسِيرًا كَالْعُشْرِ، فَإِنْ اشْتَرَى دَارًا وَاسْتُحِقَّ عُشُرُهَا، فَإِنْ كَانَتْ الدَّارُ لَا تَتَجَزَّأُ أَعْشَارًا أَوْ كَانَتْ تَتَجَزَّأُ، وَلَمْ يَكُنْ لِكُلِّ جُزْءٍ مَدْخَلٌ وَمَخْرَجٌ عَلَى حِدَةٍ أَوْ كَانَ لِكُلِّ جُزْءٍ مَدْخَلٌ وَمَخْرَجٌ عَلَى حِدَةٍ إلَّا أَنَّ التَّجَزِّيَ يُنْقِصُ مِنْ الثَّمَنِ، فَإِنَّ لَهُ الرَّدَّ فِي هَذِهِ الْوُجُوهِ كُلِّهَا، فَإِنْ كَانَتْ تَتَجَزَّأُ أَعْشَارًا لِكُلِّ جُزْءٍ مَدْخَلٌ، وَمَخْرَجٌ عَلَى حِدَةٍ، وَلَمْ يُنْقِصْ ذَلِكَ مِنْ ثَمَنِهَا، فَلَا رَدَّ لَهُ، وَهَذَا فِي دَارِ السُّكْنَى، وَأَمَّا دَارُ الْغَلَّةِ فَلَا تُرَدُّ إلَّا بِاسْتِحْقَاقِ الثُّلُثِ. وَأَمَّا إنْ كَانَتْ دُورًا عَدَدًا، فَاسْتُحِقَّ بَعْضُ أَعْيَانِهَا، فَإِنَّهَا إذْ ذَاكَ بِمَنْزِلَةِ الْعُرُوضِ إنْ اُسْتُحِقَّ الْجُلُّ، فَأَكْثَرُ كَانَ لَهُ الرَّدُّ، ثُمَّ قَالَ: فِي تَعْدَادِ الْمَسَائِلِ الَّتِي النِّصْفُ فِيهَا يَسِيرٌ وَالْكَثِيرُ مَا فَوْقَهُ مِنْهَا مَا إذَا تَعَدَّدَ الْمَبِيعُ فَاسْتُحِقَّ أَوْ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبِهِ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ وَجُهَ الصَّفْقَةِ، وَهُوَ مَا فَوْقَ النِّصْفِ كَخَمْسَةِ أَثْوَابٍ مُتَسَاوِيَةِ الْقِيمَةِ يُسْتَحَقُّ مِنْهَا ثَلَاثَةٌ أَوْ يَثْبُتُ عَيْبُهَا، فَفِي الْعَيْبِ يُخَيَّرُ الْمُشْتَرِي بَيْنَ أَنْ يَتَمَسَّكَ بِالْجَمِيعِ أَوْ يَرُدَّ الْجَمِيعَ، وَفِي الِاسْتِحْقَاقِ يَتَعَيَّنُ رَدُّ الْبَاقِي عَلَى الْمَشْهُورِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي النِّصْفِ فَأَقَلَّ، فَفِي الْعَيْبِ لَيْسَ لَهُ إلَّا رَدُّ الْمَعِيبِ بِحِصَّتِهِ يَوْمَ عَقْدِهِ، وَفِي الِاسْتِحْقَاقِ يَرْجِعُ بِمَا يَنُوبُ الْمُسْتَحَقّ وَلَيْسَ لَهُ رَدُّ الْبَاقِي. اهـ. ثُمَّ قَالَ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ فِي النَّظْمِ الْمَذْكُورِ كَذَاكَ جُزْءُ عُرُوضٍ يُسْتَحَقُّ فَخُذْ ... إنْ أَمْكَنَ الْقَسْمُ وَخُيِّرَ إنْ عُدِمْ مَا نَصُّهُ يَعْنِي بِالْجُزْءِ الشَّائِعِ وَبِالْعُرُوضِ مَا عَدَا الدُّورَ وَالطَّعَامَ وَمَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ، وَالْمَعْنَى أَنَّ الْعَرْضَ إذَا اُسْتُحِقَّ مِنْهُ جُزْءٌ شَائِعٌ وَالْعَرَضُ مِمَّا يَنْقَسِمُ، فَإِنْ كَانَ الْمُسْتَحَقُّ النِّصْفَ فَأَقَلَّ، فَلَا يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي إلَّا الرُّجُوعُ بِقِيمَةِ مَا اُسْتُحِقَّ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ النِّصْفِ فَهُوَ مُخَيَّرٌ

فِي التَّمَسُّكِ بِالْبَاقِي أَوْ الرَّدِّ بِخِلَافِ مَا لَا يَنْقَسِمُ فَلَهُ الرَّدُّ مُطْلَقًا، كَانَ السَّهْمُ الْمُسْتَحَقُّ يَسِيرًا أَوْ كَثِيرًا، وَتَقَدَّمَ هَذَا مِنْ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ. اهـ. وَإِنْ يَكُنْ فِي الْفَيْءِ مَالُ الْمُسْلِمِ ... فَهْوَ لَهُ مِنْ قَبْلِ قَسْمِ الْمُغْنَمِ وَإِنْ يَقُمْ مِنْ بَعْدِ مَا قَدْ قُسِّمَا ... فَهُوَ بِهِ أَوْلَى بِمَا تَقَوَّمَا يَعْنِي أَنَّ الْمُسْلِمِينَ إذَا غَنِمُوا غَنِيمَةً فَوَجَدُوا فِيهَا مَالَ مُسْلِمٍ مُعَيَّنٍ كَزَيْدٍ أَوْ عَمْرٍو، فَإِنْ عُرِفَ ذَلِكَ قَبْلَ قَسْمِ الْغَنِيمَةِ، فَهُوَ لِرَبِّهِ مِنْ غَيْرِ ثَمَنٍ، وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ إلَّا بَعْدَ الْقِسْمَةِ، فَلَا يَأْخُذْهُ رَبُّهُ إنْ شَاءَهُ إلَّا بِالثَّمَنِ الَّذِي قُوِّمَ بِهِ حِينَ الْقَسْمِ، وَكَذَلِكَ مَا عُرِفَ أَنَّهُ لِذِمِّيٍّ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ (ابْنُ الْحَاجِبِ) ، وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ فِي الْغَنِيمَةِ مَالَ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ قَبْلَ الْقَسْمِ، فَإِنْ عُلِمَ رَبُّهُ بِعَيْنِهِ حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا رُدَّ مَجَّانًا، وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ بِعَيْنِهِ قُسِّمَ، وَلَمْ يُوقَفْ. (التَّوْضِيحُ) إذَا عُرِفَ رَبُّهُ، وَكَانَ حَاضِرًا، وَلَمْ يُقْسَمْ، فَإِنَّهُ يُدْفَعُ إلَيْهِ مَجَّانًا أَيْ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَإِنْ كَانَ غَائِبًا فَقَالَ مُحَمَّدٌ إنْ كَانَ حَمْلُهُ خَيْرًا لِرَبِّهِ فَعَلَ ذَلِكَ وَأَخَذَ مِنْهُ الْكِرَاءَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَمْلُهُ أَرْفَقَ بِيعَ وَيُنْفِذُ فِيهِ الْإِمَامُ الْبَيْعَ وَلَا يَكُونُ لِرَبِّهِ غَيْرُ الثَّمَنِ، وَإِنْ عُرِفَ أَنَّهُ لِمُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ، وَلَكِنْ لَمْ يُعْرَفْ بِعَيْنِهِ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ يُقْسَمُ تَغْلِيبًا لِحَقِّ الْمُجَاهِدِينَ، وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ وَعَبْدُ الْوَهَّابِ: يُوقَفُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ لَكِنْ مَذْهَبُ ابْنِ الْمَوَّازِ: يُوقَفُ مَا رُجِيَ الْعِلْمُ بِصَاحِبِهِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي وَقْفُهُ مُطْلَقًا، ثُمَّ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَإِنْ ثَبَتَ بَعْدَ الْقَسْمِ إنْ شَاءَ أَخَذَهُ بِثَمَنِهِ إنْ عُلِمَ، وَإِلَّا فَبِقِيمَتِهِ (التَّوْضِيحُ) هَذَا قَسِيمُ قَوْلِهِ قَبْلَ الْقَسْمِ يَعْنِي إنْ ثَبَتَ أَنَّهُ مَالُ مُسْلِمٍ مُعَيَّنٍ بَعْدَ الْقَسْمِ فَلِمَالِكِهِ أَخْذُهُ إنْ شَاءَ بِالثَّمَنِ أَيْ بِالْقَدْرِ الَّذِي قُوِّمَ بِهِ فِي الْغَنِيمَةِ قَالَ فِي الْبَيَانِ: وَلَا خِلَافَ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّ لِرَبِّ السِّلْعَةِ أَنْ يَأْخُذَهَا إنْ شَاءَ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ ذَلِكَ الْقَدْرَ، أَوْ لَمْ يَشْتَرِهِ أَخَذَهُ بِالْقِيمَةِ ابْنُ رُشْدٍ، وَتَكُونُ الْقِيمَةُ يَوْمَ الْقِسْمَةِ. اهـ. بِبَعْضِ اخْتِصَارٍ. وَفِي الشَّارِحِ عَنْ الْمُقَرَّبِ وَسَوَاءٌ فِي هَذَا إنْ كَانُوا عَبِيدًا أَوْ أَحْرَزَهُمْ أَهْلُ الشِّرْكِ وَأَبَقَ الْعَبِيدُ إلَيْهِمْ، فَإِذَا لَمْ يَعْرِفُوا أَصْحَابَهُ اقْتَسَمُوا، وَأَهْلُ الذِّمَّةِ فِي هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَإِذَا أَحْرَزَ أَهْلُ الشِّرْكِ جَارِيَةً لِمُسْلِمٍ، ثُمَّ غَنِمَهَا الْمُسْلِمُونَ، فَلَا يَحِلُّ لِمَنْ صَارَتْ إلَيْهِ سِهَامُهُ أَنْ يَطَأَهَا إذَا عَلِمَ أَنَّهَا لِمُسْلِمٍ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَكَذَلِكَ لَوْ اشْتَرَاهَا مِنْ الْعَدُوِّ لَا أُحِبُّ أَنْ يَطَأَهَا، اشْتَرَاهَا فِي بِلَادِ الْحَرْبِ أَوْ فِي بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ وَطِئَهَا فَحَمَلَتْ كَانَتْ أُمَّ وَلَدٍ، وَلَا تُرَدُّ عَلَى صَاحِبِهَا، وَكَذَلِكَ إنْ أَعْتَقَهَا مَضَى عِتْقُهُ. اهـ. (تَنْبِيهٌ) أَطْلَقَ النَّاظِمُ الْفَيْءَ عَلَى الْغَنِيمَةِ، وَالِاصْطِلَاحُ أَنَّ مَنْ مَلَكَ مَالَ الْحَرْبِيِّ إمَّا غَنِيمَةٌ أَوْ مُخْتَصٌّ بِآخِذِهِ أَوْ فَيْءٌ فَالْغَنِيمَةُ مَا كَانَ بِقِتَالٍ أَوْ بِحَيْثُ يُقَاتِلُ عَلَيْهِ فَقَوْلُهُ مَا كَانَ بِقِتَالٍ أَيْ مَا مُلِكَ بِقِتَالٍ احْتَرَزَ بِهِ مِمَّا مُلِكَ بِشِرَاءٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَزَادَ قَوْلَهُ: أَوْ بِحَيْثُ يُقَاتِلُ عَلَيْهِ لِيُدْخِلَ فِيهِ مَا انْجَلَى عَنْهُ أَهْلُهُ بَعْدَ نُزُولِ الْجَيْشِ، وَأَمَّا مَا انْجَلَى عَنْهُ أَهْلُهُ قَبْلَ خُرُوجِ الْجَيْشِ، فَهُوَ فَيْءٌ وَالْمُخْتَصُّ بِآخِذِهِ مَا أُخِذَ مِنْ مَالِ حَرْبِيٍّ غَيْرِ مُؤْمِنٍ عَلِمَهُ أَوْ كُرْهًا دُونَ صُلْحٍ وَلَا قِتَالِ مُسْلِمٍ وَلَا قَصَدَهُ بِخُرُوجِهِ إلَيْهِ مِثَالُهُ مَا هَرَبَ بِهِ أَسِيرٌ أَوْ تَاجِرٌ أَوْ مَنْ أَسْلَمَ بِدَارِ الْحَرْبِ، وَخَرَجَ بِمَالِهِ أَوْ مَا غَنِمَهُ الذِّمِّيُّونَ. وَالْفَيْءُ مَا سِوَاهُمَا أَيْ مَا سِوَى الْغَنِيمَةِ، وَسِوَى الْمُخْتَصِّ بِآخِذِهِ الْمَذْكُورَيْنِ، فَإِنْ كَانَ الْفِقْهُ الْمَذْكُورُ فِي مَالِ الْمُسْلِمِ أَوْ الذِّمِّيِّ يُوجَدُ فِي الْغَنِيمَةِ يَجْرِي فِيهِ إذَا وُجِدَ فِي الْفَيْءِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّهُ إذَا أُخِذَ مَالُ الْمُسْلِمِ مِنْ الْغَنِيمَةِ وَأَهْلُهَا مَحْصُورُونَ، وَهُمْ الْغَانِمُونَ، فَأَحْرَى أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ الْفَيْءِ الَّذِي هُوَ لِلْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ، فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ، فَتَعْبِيرُ النَّاظِمِ بِالْفَيْءِ صَحِيحٌ، وَيُقَالُ: وَكَذَا إنْ وُجِدَ فِي الْغَنِيمَةِ أَوْ أَنَّهُ تَوَسُّعٌ، وَأَطْلَقَ الْفَيْءَ وَالْغَنِيمَةَ مَعًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْحُكْمُ مُوَافِقًا، فَلَا يَخْفَى مَا فِي تَعْبِيرِهِ بِالْفَيْءِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَإِنَّمَا قُلْنَا: إنَّ النَّاظِمَ أَطْلَقَ الْفَيْءَ عَلَى الْغَنِيمَةِ؛ لِأَنَّ الْفُقَهَاءَ إنَّمَا يُعَبِّرُونَ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْمَسْأَلَةِ بِالْغَنِيمَةِ لَا بِالْفَيْءِ، وَتَفْصِيلُهُمْ بَيْنَ أَنْ يَعْرِفَ الْمَالَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ أَوْ بَعْدَهُ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْمُرَادَ الْغَنِيمَةُ إذْ هِيَ الَّتِي تُقْسَمُ لَا الْفَيْءُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ

وَمُشْتَرٍ وَحَائِزٌ مَا سَاقَ مَنْ ... أُمِّنَ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ بِالثَّمَنْ يَعْنِي أَنَّ الْحَرْبِيَّ إذَا قَدِمَ إلَيْنَا بِأَمَانٍ، وَفِي يَدِهِ شَيْءٌ مِنْ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ فَبَاعَهُ أَوْ وَهَبَهُ لِمُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ، فَلَيْسَ لِمَالِكِهِ الْمُسْلِمِ نَزْعُهُ مِنْ يَدِ مُشْتَرِيهِ أَوْ الْمَوْهُوبِ لَهُ بِالثَّمَنِ، وَلَا بِغَيْرِ ثَمَنٍ، وَلَكِنْ يُكْرَهُ لِغَيْرِ مَالِكِهِ شِرَاءُ ذَلِكَ مِنْهُمْ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ هِيَ مَسْأَلَةُ النَّاظِمِ وَهِيَ مَا قَدِمُوا بِهِ لِبَلَدِنَا، وَأَمَّا مَنْ ذَهَبَ لِبَلَدِهِمْ، وَاشْتَرَى ذَلِكَ مِنْهُمْ أَوْ وَهَبُوهُ لَهُ، وَقَدِمَ بِهِ، فَإِنَّ لِرَبِّهِ أَنْ يَأْخُذَهُ مِمَّنْ اشْتَرَاهُ بِالثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَاهُ بِهِ، وَمِمَّنْ وُهِبَ لَهُ بِلَا ثَمَنٍ. (قَالَ فِي التَّوْضِيحِ) : نَصَّ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: عَلَى أَنَّهُ إنْ اشْتَرَى مِنْ الْمُسْتَأْمَنِ أَحَدٌ، أَنَّهُ لَا يَكُونُ لِرَبِّهِ أَخْذُهُ، وَلَوْ بِالثَّمَنِ بِخِلَافِ مَا يَشْتَرِيه مِنْ الْحَرْبِيِّ بِبَلَدِ الْحَرْبِ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ؛ لِأَنَّ الْحَرْبِيَّ لَوْ وُهِبَ عَبِيدَ الْمُسْلِمِينَ فِي بِلَادِ الْحَرْبِ، فَقَدِمَ بِهِمْ كَانَ لِرَبِّهِمْ أَخْذُهُمْ بِغَيْرِ ثَمَنٍ، وَاَلَّذِي قَدِمَ إلَيْنَا بِأَمَانٍ لَوْ وَهَبَهُمْ لِأَحَدٍ لَمْ يَأْخُذْهُمْ سَيِّدُهُمْ. اهـ. فَقَوْلُهُ: إذَا اشْتَرَى مِنْ الْمُسْتَأْمَنِ أَيْ اشْتَرَى مِنْهُ فِي بَلَدِنَا، وَلِذَلِكَ سَمَّاهُ مُسْتَأْمَنًا، وَقَابَلَهُ بِالْمُشْتَرِي مِنْ الْحَرْبِيِّ بِبَلَدِ الْحَرْبِ وَقَوْلُهُ: عَبِيدًا لَا خُصُوصِيَّةَ لِلْعَبِيدِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَإِنَّمَا هُوَ فَرْضُ مِثَالٍ، وَفِي الشَّارِحِ عَنْ الْمُقَرَّبِ مَا نَصُّهُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ مَنْ دَخَلَ إلَيْنَا مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ وَمَعَهُ عَبِيدٌ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ، كَانَ الْعَدُوُّ قَدْ أَسَرَهُمْ، لَمْ يُؤْخَذُوا مِنْهُ لَا بِالثَّمَنِ وَلَا بِالْقِيمَةِ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَسْلَمَ بَعْدَمَا دَخَلَ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ أَسْلَمَ عَلَى مَالٍ بِيَدِهِ لِمُسْلِمٍ، وَإِنْ بَاعَ مَا بِيَدِهِ مِنْ ذَلِكَ مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ نَفَذَ بَيْعُهُ وَلَمْ يَكُنْ لِأَصْحَابِهِ أَنْ يَأْخُذُوهُ مِنْ الْمُشْتَرِي، وَكَذَلِكَ لَوْ أَسْلَمُوا عَلَى رَأْسٍ مِنْ أَهْلِ ذِمَّتِنَا كَانُوا رَقِيقًا لَهُمْ، وَأَهْلُ ذِمَّتِنَا فِي هَذَا كَعَبِيدِنَا. اهـ. فَقَوْلُهُ: وَإِنْ بَاعَ مَا بِيَدِهِ مِنْ ذَلِكَ، هِيَ مَسْأَلَةُ النَّاظِمِ، وَتَقَدَّمَتْ مَسْأَلَةُ الْهِبَةِ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ آخِرَ كَلَامِ التَّوْضِيحِ الْمَنْقُولِ آنِفًا وَأَمَّا مَسْأَلَةُ مَنْ اشْتَرَى مِنْهُمْ أَوْ وَهَبُوهُ بِبَلَدِهِمْ، فَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ دَخَلْت إلَى بَلَدِ الْحَرْبِ فَابْتَعْتَ عَبْدَ الْمُسْلِمِ مِنْ حَرْبِيٍّ أَسَرَهُ وَأَبَقَ إلَيْهِ أَوْ وَهَبَهُ لَك الْحَرْبِيُّ وَكَافَأْتَهُ عَلَيْهِ فَلِسَيِّدِهِ أَخْذُهُ بَعْدَ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْكَ مَا أَدَّيْتَ فِيهِ مِنْ ثَمَنٍ أَوْ عِوَضٍ، وَإِنْ لَمْ تُثِبْ وَاهِبَكَ أَخَذَهُ رَبُّهُ بِغَيْرِ شَيْءٍ. اهـ. عَلَى نَقْلِ الْمَوَّاقِ فَقَوْلُ النَّاظِمِ: مَا سَاقَ، مَا: اسْمُ مَوْصُولٌ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ يَتَنَازَعُ فِيهِ مُشْتَرٍ وَحَائِزٌ وَقَوْلُهُ: وَحَائِزٌ: أَيْ بِغَيْرِ شِرَاءٍ وَهُوَ الْمَوْهُوبُ لَهُ، وَالْعَائِدُ مَحْذُوفٌ أَيْ سَاقَهُ مِنْ فَاعِلِ سَاقَ وَأُمِّنَ: بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَشَدِّ الْمِيمِ مَكْسُورَةً صِلَةُ مَنْ وَجُمْلَةُ لَا يُؤْخَذُ: خَبَرُ مُشْتَرٍ وَبِالثَّمَنِ: يَتَعَلَّقُ بِيُؤْخَذْ الْمَنْفِيِّ وَيُؤْخَذُ الْمَأْخُوذُ مِنْ لِصٍّ بِلَا ... شَيْءٍ وَمَا يُفْدَى بِمَا قَدْ بَذَلَا يَعْنِي أَنَّ مَنْ وَجَدَ مَالَ غَيْرِهِ بِيَدِ لِصٍّ، فَأَخَذَهُ مِنْهُ بِغَيْرِ عِوَضٍ لِيَرُدَّهُ لِرَبِّهِ، فَإِنَّ لِرَبِّهِ أَخْذَهُ مِمَّنْ أَخَذَهُ مِنْ اللِّصِّ بِغَيْرِ عِوَضٍ أَيْضًا، وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: وَيُؤْخَذُ الْمَأْخُوذُ مِنْ لِصٍّ بِلَا شَيْءٍ، وَأَمَّا إنْ أَخَذَهُ مِنْ اللِّصِّ بِفِدَاءٍ وَعِوَضٍ، فَلَا يَأْخُذُهُ رَبُّهُ حَتَّى يَدْفَعَ إلَيْهِ ذَلِكَ الْعِوَضَ الَّذِي فَدَاهُ بِهِ، وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِقَوْلِهِ: وَمَا يُفْدَى بِمَا قَدْ بَذَلَا (قَالَ ابْنُ سَلْمُونٍ) : وَكَذَلِكَ مَا أَخَذَهُ مِنْ أَيْدِي اللُّصُوصِ، فَلَهُ أَخْذُهُ بِلَا ثَمَنٍ فَإِنْ فُدِيَ مِنْهُمْ بِشَيْءٍ فَعَلَيْهِ أَدَاءُ مَا فُدِيَ بِهِ. اهـ. (الْمَوَّاقُ) عَنْ ابْنِ بَشِيرٍ فِي رُجُوعِ مَنْ فَدَى مَا بِيَدِ لِصٍّ بِفِدَائِهِ عَلَى رَبِّهِ خِلَافٌ مَعْرُوفٌ (ابْنُ عَرَفَةَ) كَثِيرٌ عُرُوضُ هَذِهِ النَّازِلَةِ بِإِقْلِيمِنَا، وَالْأَظْهَرُ أَنَّ فِدَاهُ بِحَيْثُ يُرْجَى لِرَبِّهِ خَلَاصُهُ مِنْ اللِّصِّ بِأَمْرٍ حِرْمَانُ فَادِيهِ، وَمَا ذَكَرَ ابْنُ يُونُسَ إلَّا أَخْذَهُ بِالْفِدَاءِ. اهـ. وَفِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ لِابْنِ نَاجِي وَاخْتَلَفَ الْمَذْهَبُ فِيمَا فُدِيَ مِنْ أَيْدِي اللُّصُوصِ هَلْ يَأْخُذُهُ رَبُّهُ مَجَّانًا أَوْ بِالثَّمَنِ الَّذِي فَدَاهُ؟ قَالَ: وَهَذَا هُوَ الَّذِي يَمِيلُ إلَيْهِ بَعْضُ مَنْ يُرْتَضَى مِنْ شُيُوخِنَا لِكَثْرَةِ النَّهْبِ فِي بِلَادِنَا، فَيَحِلُّ مَنْ لَهُ وَجَاهَةٌ عِنْدَ الْأَعْرَابِ أَوْ مَنْ يَعْتَقِدُونَ فِيهِ إجَابَةَ الدَّعْوَةِ، فَيَفْتَدِي مِنْ أَيْدِيهمْ مِنْ بَعْضِ مَا يَنْتَهِبُونَهُ بِأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ، فَلَوْ أَخَذَهُ مَالِكُهُ مِنْ يَدِ مَنْ فَدَاهُ بِغَيْرِ شَيْءٍ كَانَ سَدًّا لِهَذَا الْبَابِ مَعَ شِدَّةِ حَاجَةِ النَّاسِ إلَيْهِ. (قُلْت) : وَبِهِ كَانَ شَيْخُنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الشَّبِينِيُّ يُفْتِي، وَيُوَجِّهُهُ بِمَا تَقَدَّمَ قَائِلًا إلَّا أَنْ يَكُونَ رَبُّهَا يَقْدِرُ عَلَى تَخْلِيصِهَا بِغَيْرِ شَيْءٍ، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ هَذَا مُرَادَ مَنْ ذَهَبَ إلَى الْقَوْلِ الثَّانِي (قَالَ ابْنُ هَارُونَ) : وَالْقَوْلَانِ إذَا قَصَدَ بِهِ الْفِدَاءَ لِرَبِّهِ وَأَمَّا إنْ قَصَدَ بِهِ

الْفِدَاءَ لِنَفْسِهِ، وَقَصَدَ بِذَلِكَ تَمَلُّكَهُ، فَلَا يُخْتَلَفُ أَنَّ لِرَبِّهِ أَخْذَهُ مَجَّانًا كَالِاسْتِحْقَاقِ (قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ) : وَكَثِيرٌ مَا يَسْأَلُ عَنْهُ بَعْضُ مَنْ هُوَ مُنْتَصِبٌ لِتَخْلِيصِ مَا بِأَيْدِي الْمُنْتَهَبِينَ، هَلْ يَكُونُ لِلْآخِذِ الْأُجْرَةُ عَلَى ذَلِكَ أَمْ لَا، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ إنْ دَفَعَ الْفِدَاءَ مِنْ عِنْدِهِ، فَلَا تَجُوزُ لَهُ الْأُجْرَةُ؛ لِأَنَّهُ سَلَفٌ، وَإِجَارَةٌ، وَإِنْ كَانَ الدَّافِعُ غَيْرَهُ، فَفِي إجَازَةِ ذَلِكَ مَجَالٌ لِلنَّظَرِ. اهـ. فَقَوْلُهُ: بِلَا شَيْءٍ يُحْتَمَلُ أَنْ يَتَعَلَّقُ بِ " يُؤْخَذُ " أَيْ يَأْخُذُ رَبُّ الشَّيْءِ بِلَا شَيْءٍ أَيْ ثَمَنٍ، وَلَا عِوَضِ الشَّيْءَ الْمَأْخُوذِ مِنْ اللِّصِّ يَعْنِي إذَا لَمْ يَدْفَعْ آخِذُهُ لِلِّصِّ شَيْئًا بِدَلِيلِ مُقَابَلَتِهِ بِقَوْلِهِ: وَمَا يُفْدَى بِمَا قَدْ بَذَلَا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِالْمَأْخُوذِ أَيْ أَنَّ الْمَأْخُوذَ بِلَا ثَمَنٍ مِنْ اللِّصِّ لِرَبِّهِ أَخْذُهُ أَيْ كَذَلِكَ بِلَا ثَمَنٍ وَهُوَ مُقَيَّدٌ أَيْضًا بِمَا إذَا لَمْ يُعْطِ آخِذُهُ لِلِّصِّ شَيْئًا بِدَلِيلِ مُقَابَلَتِهِ كَمَا مَرَّ، وَالْبَذْلُ: الْعَطَاءُ، أَيْ بِمَا قَدْ أَعْطَى وَدَفَعَ فِيهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

فصل في العارية الوديعة والأمناء

[فَصْلٌ فِي الْعَارِيَّةِ الْوَدِيعَةِ وَالْأُمَنَاءِ] ِ (قَالَ فِي التَّوْضِيحِ) هِيَ مُشَدَّدَةُ الْيَاءِ الْجَوْهَرِيُّ، وَكَأَنَّهَا مَنْسُوبَةٌ إلَى الْعَارِ؛ لِأَنَّ طَلَبَهَا عَارٌ وَعَيْبٌ وَأُنْكِرَ عَلَى الْجَوْهَرِيِّ كَوْنُهَا مَنْسُوبَةً إلَى الْعَارِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ؛ لَقَالُوا يَتَعَيَّرُونَ؛ لِأَنَّ الْعَارَ عَيْنُهُ يَاءٌ وَالْعَارِيَّةُ عِنْدَ غَيْرِهِ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْمُعَاوَرَةِ وَهِيَ الْأَخْذُ وَالْإِعْطَاءُ يُقَالُ: هُمْ يَتَعَاوَرُونَ مِنْ جِيرَانِهِمْ، أَيْ يَأْخُذُونَ، وَيُعْطُونَ. اهـ. وَانْظُرْ الرَّصَّاعَ فَقَدْ تَكَلَّمَ مَعَ الْجَوْهَرِيِّ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا، وَحَدَّهَا ابْنُ عَرَفَةَ بِقَوْلِهِ: مَصْدَرًا أَوْ اسْمًا عَلَى عَادَتِهِ: إذَا كَانَ لِلْحَقِيقَةِ الْعُرْفِيَّةِ مَعْنَيَانِ، فَالْمَعْنَى الْمَصْدَرِيُّ تَمْلِيكُ مَنْفَعَةٍ مُؤَقَّتَةٍ لَا بِعِوَضٍ، فَخَرَجَ بِقَوْلِهِ: مَنْفَعَةٍ تَمْلِيكُ الذَّوَاتِ، مَعَ أَنَّ الْمِلْكَ الْحَقِيقِيَّ فِي الذَّوَاتِ لَيْسَ إلَّا لِخَالِقِهَا، وَلَكِنْ الْقَصْدُ كَمَالُ التَّصَرُّفِ الْمُطْلَقِ، وَيَخْرُجُ بِالْمَنْفَعَةِ تَمْلِيكُ الِانْتِفَاعِ؛ لِأَنَّ الْعَارِيَّةَ فِيهَا مِلْكُ الْمَنْفَعَةِ، وَهُوَ أَخَصُّ مِنْ الِانْتِفَاعِ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يُعِيرَ لِمِثْلِهِ بِخِلَافِ الِانْتِفَاعِ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ مُؤَقَّتَةٍ تَمْلِيكُ الْمَنْفَعَةِ الْمُطْلَقَةِ، كَمَا إذَا مَلَكَ الْعَبْدُ مَنْفَعَةَ نَفْسِهِ وَوَهَبَهَا إيَّاهُ، فَإِنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ ذَلِكَ، وَلَيْسَ بِعَارِيَّةٍ، وَلَا يَدْخُلُ الْحَبْسُ بِذَلِكَ لِمَا قُلْنَا مِنْ أَنَّ الْحَبْسَ فِيهِ مِلْكُ الِانْتِفَاعِ لَا الْمَنْفَعَةُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُقَالُ ذَلِكَ فِيهِ بِالْإِطْلَاقِ؛ وَلِأَنَّهُ غَيْرُ مُؤَقَّتٍ أَيْضًا. وَقَوْلُهُ: لَا بِعِوَضٍ أَخْرَجَ بِهِ الْإِجَارَةَ لِأَنَّهَا بِعِوَضٍ وَيَعْنِي بِالتَّوْقِيتِ، إمَّا لَفْظًا أَوْ عَادَةً وَلَا تَدْخُلُ الْعُمْرَى وَالْإِخْدَامُ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ الْعَارِيَّةُ بِالْمَعْنَى الْأَخَصِّ وَأَمَّا بِالْمَعْنَى الْأَعَمِّ فَتَدْخُلَانِ اُنْظُرْ الرَّصَّاعَ، وَأَمَّا حَدُّهَا اسْمًا، فَهِيَ مَالٌ ذُو مَنْفَعَةٍ مُؤَقَّتَةٍ مُلِكَتْ بِغَيْرِ عِوَضٍ، وَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى الْوَدِيعَةِ وَالْأُمَنَاءِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَمَا اُسْتُعِيرَ رَدُّهُ مُسْتَوْجِبُ ... وَمَا ضَمَانُ الْمُسْتَعِيرِ يَجِبُ إلَّا بِقَابِلِ الْمَغِيبِ لَمْ يُقِمْ ... بَيِّنَةً عَلَيْهِ أَنَّهُ عُدِمْ أَوْ مَا الْمُعَارُ فِيهِ قَدْ تَحَقَّقَا ... تَعَدٍّ أَوْ فَرَّطَ فِيهِ مُطْلَقَا يَعْنِي أَنَّ مَنْ اسْتَعَارَ شَيْئًا، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّهُ لِرَبِّهِ يَعْنِي بَعْدَ مُضِيِّ مَا يُعَارُ ذَلِكَ الشَّيْءِ لِمِثْلِهِ مِنْ الزَّمَانِ وَأَشَارَ بِذَلِكَ لِحَدِيثِ: «الْعَارِيَّةُ مُؤَدَّاةٌ» أَيْ يَجِبُ رَدُّهَا وَتَأْدِيَتُهَا لِصَاحِبِهَا بِحَيْثُ لَا يَتْرُكُهَا الْمُسْتَعِيرُ عِنْدَهُ بَعْدَ أَنْ قَضَى إرْبَهُ مِنْهَا، حَتَّى يَأْتِيَ رَبُّهَا إلَيْهَا، بَلْ تَكُونُ مُؤْنَةُ رَدِّهَا عَلَى الْمُسْتَعِيرِ، وَهُوَ الَّذِي

اسْتَظْهَرَ ابْنُ رُشْدٍ. (قَالَ فِي التَّوْضِيحِ) : فَرْعٌ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: وَأُجْرَةُ حَمْلِ الْعَارِيَّةِ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ، وَاخْتُلِفَ فِي أُجْرَةِ رَدِّهَا فَقِيلَ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ وَقِيلَ عَلَى الْمُعِيرِ أَبُو الْحَسَنِ، وَاخْتُلِفَ فِي عَلَفِ الدَّابَّةِ الْمُعَارَةِ، فَقِيلَ عَلَى الْمُعِيرِ، وَقِيلَ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ. اهـ. وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِالشَّرْطِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ تَكَلَّمَ عَلَى ضَمَانِ الشَّيْءِ الْمُعَارِ، وَأَخْبَرَ أَنَّ الْمُسْتَعِيرَ، لَا يَضْمَنُ الْعَارِيَّةَ إلَّا فِي وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ تَكُونَ الْعَارِيَّةُ بِمَا يُغَابُ عَلَيْهِ، وَلَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ عَلَى هَلَاكِهَا. الثَّانِي: أَنْ يَثْبُتَ تَعَدِّي الْمُعِيرِ أَوْ تَفْرِيطُهُ فِي الْعَارِيَّةِ، حَتَّى هَلَكَتْ كَانَتْ مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ أَمْ لَا وَهُوَ الَّذِي يَعْنِي بِالْإِطْلَاقِ، فَإِنْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ عَلَى هَلَاكِهَا، فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ كَانَتْ مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ، أَمْ لَا، وَكَذَا لَا يَضْمَنُهَا مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَثْبُتْ تَفْرِيطُهُ، وَلَا تَعَدِّيهِ (قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ،) ، وَالْعَارِيَّة فِي ضَمَانِ صَاحِبِهَا إنْ تَحَقَّقَ هَلَاكُهَا مِنْ غَيْرِ تَعَدٍّ وَلَا تَفْرِيطٍ مِنْ جَانِبِ الْمُسْتَعِيرِ إلَّا أَنَّهَا نَوْعَانِ يَظْهَرُ هَلَاكُهُ، وَلَا يَكَادُ يَخْفَى كَالرِّبَاعِ وَالْحَيَوَانِ، فَهَذَا النَّوْعُ يُقْبَلُ قَوْلُ الْمُسْتَعِيرِ فِي هَلَاكِهِ، وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ ذَلِكَ إلَّا بِقَوْلِهِ مَا لَمْ يَظْهَرْ كَذِبُهُ، وَالنَّوْعُ الثَّانِي يَخْفَى هَلَاكُهُ، وَيُغَابُ عَلَيْهِ، وَهَذَا النَّوْعُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْمُسْتَعِيرِ فِي هَلَاكِهِ مَا لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ بِهِ، فَإِنْ قَامَتْ، فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ مَا عُلِمَ أَنَّهُ بِغَيْرِ سَبَبِهِ كَالسُّوسِ فِي الثَّوْبِ صَدَّقَهُ فِيهِ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ مَعَ يَمِينِهِ أَنَّهُ مَا أَضَاعَهُ، وَلَا أَرَادَ إفْسَادًا. (وَفِي الْمُقَرَّبِ) قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ: أَرَأَيْت مَنْ اسْتَعَارَ شَيْئًا مِنْ الْحَيَوَانِ فَتَلِفَ عِنْدَهُ أَيَضْمَنُهُ فَقَالَ: قَالَ مَالِكٌ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَتَعَدَّى أَوْ يُخَالِفُ إلَى غَيْرِ مَا اسْتَعَارَهُ، وَفِيهِ أَيْضًا قُلْت لَهُ: فَمَنْ اسْتَعَارَ ثَوْبًا فَضَاعَ عِنْدَهُ أَيَضْمَنُهُ قَالَ: نَعَمْ، وَكَذَلِكَ الْعُرُوض كُلُّهَا وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ قَالَ مَالِكٌ وَمَنْ اسْتَعَارَ شَيْئًا مِنْ الْعُرُوضِ فَكَسَرَهُ أَوْ أَحْرَقَهُ أَوْ ادَّعَى أَنَّهُ سُرِقَ مِنْهُ أَوْ احْتَرَقَ، فَهُوَ ضَامِنٌ لَهُ، وَإِنْ أَصَابَهُ أَمْرٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى يُعْذَرُ بِهِ وَتَقُومُ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةٌ، فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ ضَيَّعَ أَوْ فَرَّطَ، ثُمَّ قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ الرَّجُلُ يَسْتَعِيرُ مَا يُغَابُ عَلَيْهِ، مِثْلُ الْفَأْسِ وَالْمِنْشَارِ فَيَأْتِي بِهِ مَكْسُورًا، وَيَقُولُ الْكَسْرُ فِي الشَّيْءِ الَّذِي أَعَرْتَنِيهِ فِيهِ قَالَ: لَا يُصَدَّقُ وَهُوَ ضَامِنٌ. اهـ. بِبَعْضِ اخْتِصَارٍ. (فَرْعٌ) مَا عُلِمَ أَنَّهُ بِغَيْرِ سَبَبِ الْمُسْتَعِيرِ كَالسُّوسِ فِي الثَّوْبِ يَحْلِفُ مَا أَرَادَ فَسَادًا وَلَا ضَيَّعَ وَيَبْرَأُ وَأَلْحَقَ التُّونُسِيُّ النَّارَ بِالسُّوسِ، وَقَالَ: اللَّخْمِيُّ يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ النَّارَ لَا تَحْدُثُ إلَّا مِنْ فِعْلِهِ إلَّا أَنْ يُثْبِتَ أَنَّهُ مِنْ غَيْرِ فِعْلِهِ، وَالسُّوسُ إنَّمَا يَحْدُثُ مِنْ الْغَفْلَةِ عَنْ اللِّبَاسِ وَقَرْضُ الْفَأْرِ لَا يَحْدُثُ

إلَّا لِأَمْرٍ كَانَ مِنْ اللِّبَاسِ مِنْ رَائِحَةِ الطَّعَامِ وَنَحْوِهِ وَانْظُرْ التَّوْضِيحَ، وَمَا قَالَهُ اللَّخْمِيُّ ظَاهِرٌ إلَّا فِي قَرْضِ الْفَأْرِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. فَرْعٌ ابْنُ الْحَاجِبِ وَإِذَا اشْتَرَطَ إسْقَاطَ الضَّمَانِ فِيمَا يُضْمَنُ أَوْ إثْبَاتَهُ فِيمَا لَا يُضْمَنُ فَفِي إفَادَتِهِ قَوْلَانِ. وَالْقَوْلُ قَوْلُ مُسْتَعِيرٍ حَلَفَا ... فِي رَدِّ مَا اسْتَعَارَ حَيْثُ اخْتَلَفَا مَا لَمْ يَكُنْ مِمَّا يُغَابُ عَادَهْ ... عَلَيْهِ أَوْ أُخِذَ بِالشَّهَادَهْ فَالْقَوْلُ لِلْمُعِيرِ فِيمَا بَيَّنَهْ ... وَمُدَّعِي الرَّدِّ عَلَيْهِ الْبَيِّنَهْ يَعْنِي أَنَّهُ إذَا اخْتَلَفَ الْمُعِيرُ وَالْمُسْتَعِيرُ فِي رَدِّ الْعَارِيَّةِ، فَقَالَ الْمُعِيرُ لَمْ تَرُدَّهَا. وَقَالَ الْمُسْتَعِيرُ: رَدَدْتُهَا فَفِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ، وَهُوَ أَنَّهُ يُنْظَرُ، فَإِنْ كَانَتْ عَارِيَّةً مِمَّا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَكُنْ قَبْضُهَا بِإِشْهَادٍ، فَالْقَوْلُ: قَوْلُ الْمُسْتَعِيرِ: أَنَّهُ رَدَّهَا مَعَ يَمِينِهِ، وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِالْبَيْتِ الْأَوَّلِ، وَإِنْ كَانَتْ مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ، فَالْقَوْلُ: قَوْلُ الْمُعِيرِ: أَنَّهَا لَمْ تُرَدَّ سَوَاءٌ قَبَضَهَا الْمُسْتَعِيرُ بِإِشْهَادٍ أَوْ بِغَيْرِهِ، وَكَذَلِكَ مَا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ إذَا قَبَضَهُ بِإِشْهَادٍ، فَإِنَّ الْقَوْلَ: قَوْلُ الْمُعِيرِ: أَنَّهَا لَمْ تُرَدَّ، وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِالْبَيْتَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ، فَقَوْلُهُ: حَلَفَا: صِفَةٌ لِمُسْتَعِيرٍ وَأَلِفُهُ لِلْإِطْلَاقِ وَفِي رَدٍّ أَيْ عَلَى نَحْوِ {وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} [طه: 71] وَأَلِفُ اخْتَلَفَا لِلتَّثْنِيَةِ أَيْ الْمُعِيرُ وَالْمُسْتَعِيرُ وَعَادَةً: مَنْصُوبٌ عَلَى إسْقَاطِ الْخَافِضِ، وَعَلَيْهِ: يَتَعَلَّقُ بِ يُغَابُ وَقَوْلُهُ: أَوْ أَخَذَ بِالْبِنَاءِ لِلنَّائِبِ: عَطْفٌ عَلَى يُغَابُ وَمَعْنَى فِيمَا بَيَّنَهْ: أَيْ ادَّعَاهُ مِنْ عَدَمِ الرَّدِّ وَمُدَّعِي الرَّدِّ: هُوَ الْمُسْتَعِيرُ. (قَالَ الْمَوَّاقُ) فِي شَرْحِ قَوْلِهِ كَدَعْوَاهُ رَدِّ مَا لَمْ يَضْمَنْ مَا نَصُّهُ: قَالَ مُطَرِّفٌ يُصَدَّقُ الْمُسْتَعِيرُ مَعَ يَمِينِهِ إذَا ادَّعَى رَدَّ مَا يُغَابُ عَلَيْهِ إلَّا إنْ كَانَ قَبَضَهُ بِبَيِّنَةٍ، فَلَا يُصَدَّقُ اهـ. وَانْظُرْ إذَا ادَّعَى رَدَّ مَا يُغَابُ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ لَا يُصَدَّقُ، وَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُعِيرِ مَعَ يَمِينِهِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ قَالَ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ: وَسَوَاءٌ أَخَذَ ذَلِكَ بِبَيِّنَةٍ أَوْ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ. (قَالَ ابْنُ رُشْدٍ) فَمِنْ حَقِّ: الْمُسْتَعِيرِ أَنْ يُشْهِدَ عَلَى الْمُعِيرِ فِي رَدِّ الْعَارِيَّةِ، وَإِنْ كَانَ دَفْعُهَا إلَيْهِ بِلَا إشْهَادٍ بِخِلَافِ الْوَدِيعَةِ؛ لِأَنَّ الْعَارِيَّةَ مَضْمُونَةٌ بِخِلَافِ الْوَدِيعَةِ. انْتَهَى كَلَامُ الْمَوَّاقِ وَهُوَ كَكَلَامِ النَّاظِمِ فِقْهًا وَتَرْتِيبًا. وَالْقَوْلُ فِي الْمُدَّةِ لِلْمُعِيرِ ... مَعْ حَلِفِهِ وَعَجْزِ مُسْتَعِيرِ كَذَاكَ فِي مَسَافَةٍ لِمَا رُكِبْ ... قَبْلَ الرُّكُوبِ ذَا لَهُ فِيهِ يَجِبْ وَالْمُدَّعِي مُخَيَّرٌ أَنْ يَرْكَبَا ... مِقْدَارَ مَا حُدَّ لَهُ أَوْ يَذْهَبَا وَالْقَوْلُ مِنْ بَعْدِ الرُّكُوبِ ثَبَتَا ... لِلْمُسْتَعِيرِ إنْ بِمُشْبِهٍ أَتَى وَإِنْ أَتَى فِيهِ بِمَا لَا يُشْبِهُ ... فَالْقَوْلُ لِلْمُعِيرِ لَا يَشْتَبِهُ تَعَرَّضَ فِي الْأَبْيَاتِ لِاخْتِلَافِ الْمُعِيرِ وَالْمُسْتَعِيرِ، إمَّا فِي قَدْرِ الْمُدَّةِ الَّتِي وَقَعَتْ الْعَارِيَّةُ إلَيْهَا أَوْ فِي قَدْرِ الْمَسَافَةِ الَّتِي أَعَارَهُ دَابَّتَهُ لِيَرْكَبَهَا إلَيْهَا، فَأَخْبَرَ فِي الْبَيْتِ الْأَوَّلِ أَنَّهُمَا إذَا اخْتَلَفَا فِي مُدَّةِ الْعَارِيَّةِ، فَإِنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُعِيرِ مَعَ يَمِينِهِ لَكِنْ إنْ عَجَزَ الْمُسْتَعِيرُ عَنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى مَا ادَّعَى، فَإِنْ أَقَامَهَا عَلَيْهِ

فَلَا إشْكَالَ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ حِينَئِذٍ، ثُمَّ أَخْبَرَ أَنَّهُمَا إذَا اخْتَلَفَا فِي الْمَسَافَةِ فَإِنْ كَانَ اخْتِلَافُهُمَا قَبْلَ الرُّكُوبِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُعِيرِ أَيْضًا مَعَ يَمِينِهِ. فَإِذَا حَلَفَ، فَيُقَالُ لِلْمُسْتَعِيرِ، إمَّا أَنْ تَقْتَصِرَ عَلَى الْمَسَافَةِ الَّتِي ادَّعَى أَوْ اذْهَبْ، وَلَا شَيْءَ لَك، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِالْبَيْتِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ، وَإِنْ كَانَ اخْتِلَافُهُمَا بَعْدَ الرُّكُوبِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُسْتَعِيرِ مَعَ يَمِينِهِ أَيْضًا إنْ ادَّعَى مَا يُشْبِهُ، فَإِنْ ادَّعَى مَا لَا يُشْبِهُ فَالْقَوْلُ لِلْمُعِيرِ أَيْضًا مَعَ يَمِينِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ) : قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَجَدْت فِي مَسَائِلِ ابْنِ عَبْدِ الرَّحِيمِ أَنَّ مَالِكًا قَالَ فِيمَنْ اسْتَعَارَ دَابَّةً فَرَكِبَهَا إلَى مَوْضِعٍ، فَلَمَّا رَجَعَ زَعَمَ رَبُّهَا أَنَّهُ أَعَارَهَا إيَّاهُ إلَى دُونِ مَا رَكِبَهَا إلَيْهِ أَوْ إلَى بَلَدٍ آخَرَ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُسْتَعِيرِ، إنْ ادَّعَى مَعَ يَمِينِهِ، وَكَذَلِكَ فِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ نَصًّا سَوَاءٌ قَالَ فِيهِ ابْنُ الْقَاسِمِ وَذَلِكَ إذَا رَكِبَ وَرَجَعَ، فَالْمُعِيرُ مُصَدَّقٌ عَلَيْك مَعَ يَمِينِهِ إلَّا أَنْ يَدَّعِي عَلَيْك مَا لَا يُشْبِهُ. اهـ. وَتَبَيَّنَ بِهَذَا النَّقْلِ أَنَّ قَوْلَ النَّاظِمِ كَذَاك فِي مَسَافَةٍ إلَخْ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا ادَّعَى مَا يُشْبِهُ، كَمَا فِي النَّظْمِ. وَالْقَوْلُ قَوْلُ مُدَّعِي الْكِرَاءِ فِي ... مَا يُسْتَعَارُ مَعْ يَمِينٍ اُقْتُفِيَ مَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَا يَلِيقُ ... بِهِ فَقَلْبُ الْقَسَمِ التَّحْقِيقُ يَعْنِي أَنَّهُ إذَا اخْتَلَفَا فَقَالَ رَبُّ الشَّيْءِ: هُوَ عِنْدَك عَلَى وَجْهِ الْكِرَاءِ، وَقَالَ مَنْ هُوَ بِيَدِهِ عَلَى وَجْهِ الْعَارِيَّةِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الشَّيْءِ مَعَ يَمِينِهِ أَنَّهُ أَكْرَاهُ مِنْهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِثْلُهُ يَأْنَفُ عَنْ الْكِرَاءِ وَلَا يَلِيقُ بِهِ ذَلِكَ لِمَنْصِبِهِ وَشَرَفِهِ وَغِنَاهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ مُدَّعِي الْعَارِيَّةِ مَعَ يَمِينِهِ أَيْضًا. (قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ) : قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ مَنْ رَكِبَ دَابَّةَ رَجُلٍ إلَى بَلَدٍ، وَادَّعَى أَنَّهُ أَعَارَهُ إيَّاهَا وَقَالَ: رَبُّهَا أَكْرَيْتُهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّهَا زَادَ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ ابْنِ رَاشِدٍ مَعَ يَمِينِهِ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ يُونُسَ؛ لِأَنَّهُ ادَّعَى عَلَيْهِ مَعْرُوفًا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِثْلُهُ لَيْسَ يُكْرِي الدَّوَابَّ لِشَرَفِهِ وَقَدْرِهِ اهـ. زَادَ فِي التَّوْضِيحِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُسْتَعِيرِ مَعَ يَمِينِهِ.

وَيَضْمَنُ الْمُودَعُ مَعْ ظُهُورِ ... مَخَايِلِ التَّضْيِيعِ وَالتَّقْصِيرِ وَلَا ضَمَانَ فِيهِ لِلسَّفِيهِ ... وَلَا الصَّغِيرِ مَعْ ضَيَاعٍ فِيهِ تَكَلَّمَ هُنَا فِي الْوَدِيعَةِ، وَتُسْتَعْمَلُ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ اسْمًا وَمَصْدَرًا، فَالِاسْمُ الْوَدِيعَةُ، وَالْمَصْدَرُ الْإِيدَاعُ أَيْ تُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَاهُمَا فَحَدُّهَا مَصْدَرًا (قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ) : نَقْلُ مُجَرَّدِ حِفْظِ مِلْكٍ يُنْقَلُ (قَالَ الرَّصَّاعُ) : وَإِنَّمَا قَالَ مُجَرَّدُ حِفْظٍ وَلَمْ يَقُلْ حِفْظٌ لِيَخْرُجَ مَا فِيهِ نَقْلُ الْحِفْظِ مَعَ التَّصَرُّفِ كَالْوَكَالَةِ، وَأَمَّا الْوَدِيعَةُ، فَلَيْسَ فِيهَا إلَّا مُجَرَّدُ الْحِفْظِ فَقَطْ، وَيُخْرِجُ الْإِيصَاءَ وَأَخْرَجَ بِقَوْلِهِ مِلْكٍ إذَا أَوْدَعَ وَلَدَهُ الصَّغِيرَ لِحِفْظِهِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ وَدِيعَةً، وَقَوْلُهُ: يُنْقَلُ صِفَةٌ لِلْمِلْكِ، وَأَخْرَجَ بِهِ مَا لَا يُنْقَلُ مِنْ الْأُصُولِ كَالرَّبْعِ. اهـ. ثُمَّ بَحَثَ فِي اشْتِرَاطِ النَّقْلِ بِمَسْأَلَةٍ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ ظَاهِرُهَا صِحَّةُ إيدَاعِ الرَّبْعِ، فَرَاجِعْهُ إنْ شِئْت، قَالَ: الرَّصَّاعُ قَالَ الشَّيْخُ: وَيَدْخُلُ فِي الْحَدِّ إيدَاعُ الْوَثَائِق، فَذِكْرُ الْحُقُوقِ يُخْرِجُ حِفْظَ الْإِيصَاءِ وَالْوَكَالَةِ؛ لِأَنَّهُمَا لَأَزْيَدَ مِنْ الْحِفْظِ وَقَدْ قَالَ فِي الْوَدِيعَةِ: إنَّ خَاصِّيَّتَهَا مُجَرَّدُ الْحِفْظِ، وَحَدُّهَا اسْمًا: مُتَمَلَّكٌ نُقِلَ مُجَرَّدُ حِفْظِهِ يَنْتَقِلُ. اهـ. وَيُفْهَمُ مَعْنَى هَذَا الْحَدِّ مِنْ مَعْنَى الْحَدِّ الْمَصْدَرِيِّ، وَقَوْلُهُ يَنْتَقِلُ صِفَةٌ لِمُتَمَلَّكٍ، ثُمَّ قَالَ الرَّصَّاعُ مَا مَعْنَاهُ إنَّ الْفُقَهَاءَ يُطْلِقُونَ الِاسْمَ عَلَى الْمَصْدَرِ كَثِيرًا كَقَوْلِهِمْ: الْوَدِيعَةُ قَدْ تَكُونُ وَاجِبَةً وَمَنْدُوبَةً وَمُحَرَّمَةً؛ لِأَنَّ مُتَعَلِّقَ الْحُكْمِ إنَّمَا هُوَ الْمَعْنَى الْمَصْدَرِيُّ لَا الِاسْمِيُّ قَالَ: وَإِنَّمَا لَمْ يَقُلْ ابْنُ عَرَفَةُ هُنَا حَدُّهَا اسْمًا كَذَا وَمَصْدَرًا كَذَا كَمَا هِيَ عَادَتُهُ؛ لِأَنَّ الْوَدِيعَةَ أَصْلُهَا فَعِيلَةٌ بِمَعْنَى مَفْعُولَةٌ، وَلَيْسَتْ مَصْدَرًا وَلَا اسْمَ مَصْدَرٍ، وَلَكِنْ الْمُرَادُ أَنَّهُ إذَا أُرِيدَ بِهَا قَصْدُ الْمَصْدَرِ كَانَ حَدُّهَا كَذَا، وَإِنْ أُرِيدَ مَعْنَاهَا الْأَصْلِيُّ كَانَ حَدُّهَا كَذَا، فَإِنْ كَانَ اللَّفْظُ مَصْدَرًا أَوْ اسْمَ مَصْدَرٍ قَالَ: حَدُّهَا اسْمًا كَذَا، وَحَدُّهَا مَصْدَرًا كَذَا قَوْلُهُ: وَيَضْمَنُ الْمُودَعُ مَعَ ظُهُورِ الْبَيْتَيْنِ يَعْنِي أَنَّ الْمُودَعَ عِنْدَهُ لَا يَضْمَنُ الْوَدِيعَةَ إذَا هَلَكَتْ إلَّا إذَا ظَهَرَتْ عَلَيْهِ أَمَارَاتُ التَّضْيِيعِ لَهَا وَالتَّقْصِيرِ فِي حِفْظِهَا، فَيَضْمَنُهَا حِينَئِذٍ، وَعَطَفَ النَّاظِمُ التَّقْصِيرَ عَلَى التَّضْيِيعِ كَأَنَّهُ مِنْ عَطْفِ الْمُتَلَازِمَيْنِ، وَمَثَّلُوا التَّقْصِيرَ بِإِيدَاعِهَا عِنْدَ الْغَيْرِ لِغَيْرِ عُذْرٍ، وَنَقْلِهَا مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ وَخَلْطِهَا بِمَا لَا تَتَمَيَّزُ مِنْهُ كَقَمْحٍ بِشَعِيرٍ، وَالِانْتِفَاعُ بِهَا كَلُبْسِ الثَّوْبِ وَرُكُوبِ الدَّابَّةِ، فَهَلَكَتْ فِي حَالِ تَصَرُّفِهِ فِيهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ هَذَا فِي حَقِّ الرَّشِيدِ، وَأَمَّا الصَّغِيرُ

وَالسَّفِيهُ الْبَالِغُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمَا إنْ قَصَّرَا وَضَيَّعَا وَضَمِيرُ فِيهِ: الْأَوَّلُ لِلتَّقْصِيرِ وَيَدْخُلُ فِيهِ التَّضْيِيعُ لِتَلَازُمِهِمَا وَلَامُ لِلسَّفِيهِ أَيْ الْبَالِغِ بِمَعْنَى عَلَى نَحْوِ {وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} [الإسراء: 7] . وَضَمِيرُ فِيهِ: الثَّانِي لِلْمُودَعِ بِالْفَتْحِ وَالْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ فِي مَحَلِّ جَرِّ صِفَةِ ضَيَاعٍ، وَهُوَ بِمَعْنَى التَّضْيِيعِ (ابْنُ الْحَاجِبِ) ، وَشَرْطُهَا كَالْوَكِيلِ وَالْمُوَكِّلِ (التَّوْضِيحُ) أَيْ مَنْ جَازَ أَنْ يَتَصَرَّفَ لِنَفْسِهِ وَلِغَيْرِهِ، فَلَهُ أَنْ يُودِعَ، وَيُودَعَ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ الْمُودِعَ بِالْكَسْرِ كَالْمُوَكِّلِ وَالْمُودَعِ أَيْ بِالْفَتْحِ كَالْوَكِيلِ (ابْنُ الْحَاجِبِ) . فَمَنْ أَوْدَعَ صَبِيًّا أَوْ سَفِيهًا أَوْ أَقْرَضَهُ أَوْ بَاعَهُ، فَأَتْلَفَهَا لَمْ يَضْمَنْ، وَلَوْ أَذِنَ أَهْلُهُ (التَّوْضِيحُ) ، وَإِنَّمَا لَمْ يَضْمَنْهَا؛ لِأَنَّ صَاحِبَ السِّلْعَةِ قَدْ سَلَّطَ عَلَيْهَا مَنْ هُوَ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ، وَلَوْ ضَمِنَ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ لَبَطَلَتْ فَائِدَةُ الْحَجْرِ (اللَّخْمِيُّ وَغَيْرُهُ) إلَّا أَنْ يَصْرِفَا ذَلِكَ فِيمَا لَا بُدَّ لَهُمَا مِنْهُ، وَلَهُمَا مَالٌ، فَيَرْجِعُ عَلَيْهِمَا بِالْأَقَلِّ مِمَّا أَتْلَفَاهُ أَوْ مِمَّا صَوَّنَا مِنْ مَالِهِمَا (اللَّخْمِيُّ) ، فَإِنْ ذَهَبَ ذَلِكَ الْمَالُ، ثُمَّ أَفَادَ غَيْرُهُ لَمْ يَتْبَعْهُمَا فِيهِ، وَهَذَا الْحُكْمُ، هُوَ بَعْدَ الْوُقُوعِ، وَأَمَّا ابْتِدَاءً فَلَا يَنْبَغِي لِأَهْلِهِ أَنْ يَأْذَنُوا لَهُ فِي ذَلِكَ اهـ. وَآخِرُهُ بِالْمَعْنَى (تَنْبِيهٌ) ، لَا إشْكَالَ أَنَّهُ يَظْهَرُ مِنْ قَوْلِهِ فِي التَّوْضِيحِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَضْمَنْهَا؛ لِأَنَّ صَاحِبَ السِّلْعَةِ إلَخْ، أَنَّ الْمَحْجُورَ لَا يَضْمَنُ مَا اسْتَعَارَ، وَادَّعَى ضَيَاعَهُ، وَكَذَلِكَ يَظْهَرُ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ النَّاظِمِ فِي الْحَجْرِ وَكُلُّ مَا أَتْلَفَهُ الْمَحْجُورُ ... فَغُرْمُهُ مِنْ مَالِهِ الْمَشْهُورُ إلَّا لِمَنْ طَوْعًا إلَيْهِ صَرَفَهْ ... وَفِي سِوَى مَصْلَحَةٍ قَدْ أَتْلَفَهْ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. وَالتَّجْرُ بِالْمُودَعِ مَنْ أَعْمَلَهُ ... يَضْمَنُهُ وَالرِّبْحُ كُلُّهُ لَهُ يَعْنِي، أَنَّ مَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ وَدِيعَةٌ يَتَّجِرُ بِهَا، فَإِنَّهُ يَضْمَنُهَا إنْ هَلَكَتْ، وَيَكُونُ الرِّبْحُ لَهُ إنْ حَصَلَ فِيهَا لَا لِرَبِّهَا؛ لِأَنَّ ضَمَانَهَا وَقْتَ التَّجْرِ بِهَا مِنْهُ وَالْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ (قَالَ فِي الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ) : وَإِنْ تَجِرَ بِهَا يَعْنِي الْوَدِيعَةِ كَانَ لَهُ الرِّبْحُ يَعْنِي بِضَمَانِهِ. اهـ. (وَقَالَ فِي الرِّسَالَةِ) : وَمَنْ تَجِرَ بِوَدِيعَةٍ، فَذَلِكَ مَكْرُوهٌ، وَالرِّبْحُ لَهُ، إنْ كَانَتْ عَيْنًا قَالَ بَعْضُ شُرَّاحِهَا: قَوْلُهُ: إنْ كَانَتْ عَيْنًا رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ: فَذَلِكَ مَكْرُوهٌ؛ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ عَرْضًا مُقَوَّمًا كَانَ التَّجْرُ بِهَا حَرَامًا قَالَ شَيْخُ شُيُوخِنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ الْمَنْجُورُ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ فِي الْمَنْهَجِ: وَالرِّبْحُ تَابِعٌ لِمَالٍ مَا عَدَا ... غَصْبًا وَدِيعَةً وَتَفْلِيسًا بَدَا قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: إنَّمَا يَطِيبُ لَهُ الرِّبْحُ إذَا رَدَّ رَأْسَ الْمَالِ، كَمَا هُوَ، وَأَمَّا إنْ لَمْ يَرُدَّهُ، فَلَا يَحِلُّ لَهُ مِنْ الرِّبْحِ قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ، هَكَذَا ذَكَرَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي زَيْدٍ فِي النَّوَادِرِ فَاعْرِفْهُ. اهـ. (وَفِي الْمُقَرَّبِ) إنْ رَدَّ الْمَالَ بَعْدَمَا رَبِحَ فِيهِ بَرِئَ.

وَالْقَوْلُ قَوْلُ مُودَعٍ فِيمَا تَلِفْ ... وَفِي ادِّعَاءِ رَدِّهَا مَعَ الْحَلِفْ مَا لَمْ يَكُنْ يَقْبِضُهُ بِبَيِّنَهْ ... فَلَا غِنًى فِي الرَّدِّ أَنْ يُبَيِّنَهْ يَعْنِي أَنَّ مَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ وَدِيعَةٌ فَادَّعَى تَلَفَهَا، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ سَوَاءٌ قَبَضَهَا بِإِشْهَادٍ أَوْ بِغَيْرِ إشْهَادٍ، وَأَمَّا إنْ ادَّعَى أَنَّهُ رَدَّهَا لِرَبِّهَا، فَإِنْ كَانَ قَبَضَهَا بِغَيْرِ إشْهَادٍ فَكَذَلِكَ أَيْضًا الْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ، وَإِنْ كَانَ قَبَضَهَا بِإِشْهَادٍ، وَهُوَ مُرَادُ النَّاظِمِ بِالْبَيِّنَةِ، فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ، وَعَلَيْهِ ضَمَانُهَا إلَّا أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً عَلَى رَدِّهَا (قَالَ فِي الرِّسَالَةِ:) ، وَالْمُودَعُ إنْ قَالَ: رَدَدْتُ الْوَدِيعَةَ إلَيْك صُدِّقَ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَبَضَهَا بِإِشْهَادٍ، وَإِنْ قَالَ: ذَهَبَتْ، فَهُوَ مُصَدَّقٌ بِكُلِّ حَالٍ وَنَحْوُهُ فِي الْجَوَاهِرِ، وَزَادَ التَّصْرِيحَ بِالْيَمِينِ حَيْثُ يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ، وَلَفْظُهُ إذَا طُولِبَ الْمُودَعُ بِالرَّدِّ، فَادَّعَى التَّلَفَ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ، وَكَذَلِكَ إنْ ادَّعَى الرَّدَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ تَسْلِيمُهَا بِبَيِّنَةٍ، فَلَا يُقْبَلُ دَعْوَاهُ الرَّدَّ إلَّا بِبَيِّنَةٍ. اهـ. فَقَوْلُهُ قَوْلُ مُودَعٍ بِفَتْحِ الدَّالِ أَيْ عِنْدَهُ وَ " مَا " مِنْ قَوْلِهِ فِيمَا تَلِفْ مَصْدَرِيَّةٌ وَضَمِيرُ رَدَّهَا لِلْوَدِيعَةِ، وَمَعَ الْحَلِفْ رَاجِعٌ لِدَعْوَى التَّلَفِ، وَالرَّدِّ، وَضَمِيرُ يَقْبِضُهُ لِلشَّيْءِ الْمُودَعِ بِبَيِّنَةٍ لِلرَّدِّ أَيْ يُثْبِتُهُ. وَالْأُمَنَاءُ فِي الَّذِي يَلُونَا ... لَيْسُوا لِشَيْءٍ مِنْهُ يَضْمَنُونَا كَالْأَبِ وَالْوَصِيِّ وَالدَّلَّالِ ... وَمُرْسَلٍ صُحْبَتَهُ بِالْمَالِ وَعَامِلِ الْقِرَاضِ وَالْمُوَكَّلِ ... وَصَانِعٍ لَمْ يَنْتَصِبْ لِلْعَمَلِ وَذُو انْتِصَابٍ مِثْلُهُ فِي عَمَلِهْ ... بِحَضْرَةِ الطَّالِبِ أَوْ فِي مَنْزِلِهْ وَالْمُسْتَعِيرُ مِثْلُهُمْ وَالْمُرْتَهِنْ ... فِي غَيْرِ قَابِلِ الْمَغِيبِ فَاسْتَبِنْ وَمُودَعٌ لَدَيْهِ وَالْأَجِيرُ ... فِيمَا عَلَيْهِ الْأَجْرُ وَالْمَأْمُورُ وَمِثْلُهُ الرَّاعِي كَذَا ذُو الشَّرِكَهْ ... فِي حَالَةِ الْبِضَاعَةِ الْمُشْتَرَكَهْ وَحَامِلٌ لِلثِّقْلِ بِالْإِطْلَاقِ ... وَضَمِنَ الطَّعَامَ بِالْإِنْفَاقِ وَالْقَوْلُ قَوْلُهُمْ بِلَا يَمِينِ ... وَالِاتِّهَامُ غَيْرُ مُسْتَبِينِ وَقِيلَ مِنْ بَعْدِ الْيَمِينِ مُطْلَقَا ... وَالْأَوَّلُ الْأَوْلَى لَدَى مَنْ حَقَّقَا عَدَّدَ النَّاظِمُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي هَذِهِ الْأَبْيَاتِ الْأُمَنَاءَ وَذَكَرَ أَنَّ حُكْمَهُمْ عَدَمُ ضَمَانِ شَيْءٍ مِمَّا يَلُونَهُ لِأَمَانَتِهِمْ، إمَّا بِالْأَصَالَةِ أَوْ يَجْعَلُ الْخَصْمُ لَهُمْ ذَلِكَ. (فَأَوَّلُهُمْ) : وَلِيُّ الْمَحْجُورِ كَالْأَبِ وَالْوَصِيِّ وَوَصِيِّهِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ فِيمَا يَدَّعُونَ مِنْ تَلَفِ مَالِ مَحْجُورِهِمْ، أَمَّا دَعْوَى الدَّفْعِ بَعْدَ الرُّشْدِ فَلَا يُصَدَّقُونَ فِيهِ. (الثَّانِي) : الدَّلَّالُ وَيُقَالُ لَهُ السِّمْسَارُ فِيمَا وَلِيَ بَيْعَهُ وَتَسْوِيقَهُ، وَقَدْ اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ: فِي تَضْمِينِهِمْ ابْنُ رُشْدٍ، وَاَلَّذِي أُفْتِي بِهِ عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِحْسَانِ مُرَاعَاةً لِلْخِلَافِ تَضْمِينُهُمْ إلَّا أَنْ يَكُونُوا مَشْهُورِينَ بِالْخَيْرِ (ابْنُ رَاشِدٍ) ، وَرَأَيْت بَعْضَ قُضَاةِ الْإِسْكَنْدَرِيَّة ضَمَّنَ السِّمْسَارَ، وَكَأَنَّهُ ذَهَبَ إلَى ذَلِكَ مِنْ مَصَالِحِ النَّاسِ الْعَامَّةِ لِفَسَادِ الزَّمَانِ. (الثَّالِثُ) : الْمُرْسَلُ مَعَهُ مَالٌ يَشْتَرِي بِهِ مَا أُمِرَ بِهِ وَيُقَال: فِيهِ الْمُبْضَعُ مَعَهُ مَالٌ أَيْ الَّذِي أُرْسِلَتْ مَعَهُ الْبِضَاعَةُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيهَا، وَإِنْ كَانَتْ مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ. (الرَّابِعُ) : عَامِلُ الْقِرَاضِ لَا يَضْمَنُ مَالَ الْقَرْضِ إنْ ادَّعَى التَّلَفَ أَيْ الضَّيَاعَ بِسَرِقَةٍ وَنَحْوِهَا

قَالَ فِي التَّوْضِيحِ) قَيَّدَهُ اللَّخْمِيُّ بِأَنْ يَأْتِيَ بِمَا يُشْبِهُ، وَيُعْرَفُ ذَلِكَ بِسُؤَالٍ فِي بَلَدِ السِّلَعِ هَلْ يَخْسَرُ فِي مِثْلِ هَذَا الْمِثْلِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمُدَّةِ مَا ذَكَرَ (وَفِي التَّوْضِيحِ أَيْضًا بَابُ الشَّرِكَةِ) وَنَقَلَ الْبَاجِيُّ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا فِي الْعَامِلِ فِي الْقِرَاضِ يَدَّعِي الْخَسَارَةَ، وَلَمْ يُبَيِّنْ وَجْهَهَا أَنَّهُ يَضْمَنُ. (الْخَامِسُ) : الْوَكِيلُ كَانَ بِأُجْرَةٍ أَوْ بِغَيْرِ أُجْرَةٍ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ مُفَوَّضًا أَوْ مَخْصُوصًا سَوَاءٌ ادَّعَى تَلَفَ السِّلْعَةِ الَّتِي وُكِّلَ عَلَى بَيْعِهَا أَوْ تَلَفَ ثَمَنِهَا إنْ بَاعَ، وَكَذَا لَا يَضْمَنُ فِي الْوَكَالَةِ عَلَى الشِّرَاءِ أَوْ الِاقْتِضَاءِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ. (السَّادِسُ) : الصَّانِعُ الَّذِي لَمْ يُنَصِّبْ نَفْسَهُ لِلْعَمَلِ أَوْ نَصَّبَ نَفْسَهُ إذَا كَانَ بِحَضْرَةِ رَبِّ الشَّيْءِ الْمَصْنُوعِ أَوْ فِي مَنْزِلِهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَيَأْتِي بَعْضُ الْكَلَامِ فِي الصَّانِعِ. (السَّابِعُ) : الْمُسْتَعِيرُ لَا يَضْمَنُ الْعَارِيَّةَ فِي وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا: إنْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ عَلَى هَلَاكِهَا كَانَتْ مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ أَوْ لَا الثَّانِي: مَا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ إذَا لَمْ يَثْبُتْ تَفْرِيطُهُ وَلَا تَعَدِّيهِ. (الثَّامِنُ) : الْمُرْتَهِنُ بِكَسْرِ الْهَاءِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي الرَّهْنِ الَّذِي لَا يُغَابُ عَلَيْهِ أَوْ الَّذِي يُغَابُ عَلَيْهِ إذَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى هَلَاكِهِ. (التَّاسِعُ) : الْمُودَعُ عِنْدَهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي الْوَدِيعَةِ إذَا ادَّعَى تَلَفَهَا قَبَضَهَا بِإِشْهَادٍ أَوْ بِغَيْرِ إشْهَادٍ. (الْعَاشِرُ) : الْأَجِيرُ فِيمَا اُسْتُؤْجِرَ عَلَيْهِ، كَذَا فَسَّرَهُ النَّاظِمُ، وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ، وَلَمْ يَزِدْ، وَلَعَلَّهُ يَعْنِي الْأَجِيرَ الَّذِي تَحْتَ يَدِ الصَّانِعِ، فَإِنْ كَانَ لِلصَّانِعِ أُجَرَاءُ أَوْ صُنَّاعٌ تَحْتَ يَدِهِ فَتَلِفَ بِأَيْدِيهِمْ شَيْءٌ بِغَيْرِ تَعَدٍّ، فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ صُنَّاعٌ لَهُ خَاصَّةً، وَالصَّانِعُ الْخَاصُّ لَا يَضْمَنُ، كَمَا يَأْتِي، وَأَمَّا لَوْ غَابَ عَلَى السِّلَعِ، فَإِنَّهُمْ يَضْمَنُونَ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ: وَيَأْتِي لِلنَّاظِمِ الْخِلَافُ فِي ضَمَانِ حَارِسِ ثِيَابِ دَاخِلِ الْحَمَّامِ (الْحَادِي

عَشَرَ) : الْمَأْمُورُ فِيمَا أُمِرَ بِهِ فَإِذَا فَعَلَ مَا أُمِرَ بِهِ وَلَمْ يَتَعَدَّ فَحَصَلَ هَلَاكٌ أَوْ تَلَفٌ، فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ. (الثَّانِي عَشَرَ) : الرَّاعِي فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيمَا تَلِفَ مِنْ الْغَنَمِ وَغَيْرِهَا إذَا لَمْ يَتَعَدَّ وَلَا فَرَّطَ، وَعَلَيْهِ فِيمَا ضَلَّ أَوْ هَلَكَ الْيَمِينُ أَنَّهُ مَا فَرَّطَ وَلَا تَعَدَّى، وَرُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ فِي الرَّاعِي الْمُشْتَرَكِ الَّذِي يُلْقِي النَّاسُ إلَيْهِ غَنَمَهُمْ، أَنَّهُ ضَامِنٌ لِمَا تَلِفَ مِنْهَا، وَرَآهُ كَالصَّانِعِ، وَلَيْسَ الْعَمَلُ عَلَى ذَلِكَ. (الثَّالِثَ عَشَرَ) : الشَّرِيكُ فِيمَا هَلَكَ بِيَدِهِ مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ أَوْ خَسِرَ فِيهِ كَمَا بَيَّنَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ فِي حَالَةِ الْبِضَاعَةِ الْمشُتَرَكَةِ، وَهُوَ مُصَدَّقٌ فِي ذَلِكَ مُفَوَّضًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مُفَوَّضٍ. (الرَّابِعَ عَشَرَ) : حَامِلُ الشَّيْءِ الثَّقِيلِ غَيْرِ الطَّعَامِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيهِ سَوَاءٌ حَمَلَهُ عَلَى رَأْسِهِ أَوْ عَلَى دَابَّةٍ أَوْ سَفِينَةٍ. وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِالْإِطْلَاقِ وَلَا يَدْخُلُ فِي الْإِطْلَاقِ حَامِلُ الطَّعَامِ لِنَصِّهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَضْمَنُ (ابْنُ الْحَاجِبِ) . وَأَمَّا أَجِيرٌ حَمَلَ غَيْرَ الطَّعَامِ، فَإِنْ غَرَّ أَوْ فَرَّطَ ضَمِنَ وَإِلَّا فَلَا (التَّوْضِيحُ) إنْ غَرَّ بِفِعْلٍ ضَمِنَ، وَإِنْ غَرَّ بِقَوْلٍ، فَفِي ضَمَانِهِ قَوْلَانِ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَفِي حَمْلِ الطَّعَامِ يَضْمَنُ مُطْلَقًا إلَّا بِبَيِّنَةٍ أَوْ بِصُحْبَةِ رَبِّهِ وَقَالَ بِهِ

الْفُقَهَاءُ السَّبْعَةُ (التَّوْضِيحُ) أَيْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْأَقْوَاتِ وَالْإِدَامِ بَلْ يَضْمَنُ جَمِيعَهَا عَلَى الْمَشْهُورِ لِسُرْعَةِ مَدِّ الْأَيْدِي إلَيْهِ خِلَافًا لِابْنِ حَبِيبٍ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِالْإِطْلَاقِ سَوَاءٌ فَرَّطَ أَمْ لَا يَعْنِي، وَلَا يُفَصَّلُ فِيهِ، كَمَا يُفَصَّلُ فِي غَيْرِ الطَّعَامِ، وَظَاهِرُ قَوْلِهِ مُطْلَقًا أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ السَّفَرِ وَالْحَضَرِ اللَّخْمِيُّ، وَهُوَ الْمَعْرُوفُ، وَقَالَ ابْنُ كِنَانَةَ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي الْمَدِينَةِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ فَيَسْقُطُ الضَّمَانُ. اهـ. وَإِلَى ضَمَانِ حَامِلِ الطَّعَامِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ. وَضَمِنَ الطَّعَامَ بِاتِّفَاقٍ وَالْفُقَهَاءُ السَّبْعَةُ، قَالَ الْعِرَاقِيُّ: فِي شَرْحِ قَوْلِهِ فِي الْأَلْفِيَّةِ: وَفِي الْكِبَارِ الْفُقَهَاءُ السَّبْعَةُ ... خَارِجَةُ الْقَاسِمُ، ثُمَّ عُرْوَةُ ثُمَّ سُلَيْمَانُ عُبَيْدُ اللَّهِ ... سَعِيدُ وَالسَّابِعُ ذُو اشْتِبَاهِ إمَّا أَبُو سَلَمَةٍ أَوْ سَالِمٌ ... أَوْ فَأَبُو بَكْرٍ خِلَافٌ قَائِمٌ

مَا نَصُّهُ مِنْ الْمَعْدُودِينَ فِي أَكَابِرِ التَّابِعِينَ الْفُقَهَاءُ السَّبْعَةُ، وَهُمْ خَارِجَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، فَهَؤُلَاءِ الْفُقَهَاءُ السَّبْعَةُ عِنْدَ أَكْثَرِ عُلَمَاءِ الْحِجَازِ، كَمَا قَالَ الْحَاكِمُ: وَجَعَلَ ابْنُ الْمُبَارَكِ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ مَكَانَ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، ذَكَرَهُمْ أَبُو الزِّنَادِ، فَجَعَلَ أَبَا بَكْرِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ مَكَانَ أَبِي سَلَمَةَ أَوْ سَالِمٍ اهـ. وَقَدْ نَظَمَهُمْ بَعْضُ النَّاسِ عَلَى جَعْلِ أَبِي بَكْرٍ مَكَانَ السَّابِعِ، وَهُوَ أَبُو سَلَمَةَ فَقَالَ: أَلَا كُلُّ مَنْ لَا يَقْتَدِي بِأَئِمَّةٍ ... فَقِسْمَتُهُ ضِيزَى عَنْ الْحَقِّ يُحِدَّهُمْ فَخُذْهُمْ عُبَيْدُ اللَّهِ عُرْوَةُ قَاسِمٌ ... سَعِيدٌ أَبُو بَكْرٍ سُلَيْمَانُ يُحِدَّهُمْ وَمَعْنَى ضِيزَى أَنَّهَا جَائِرَةٌ. فَقَوْلُهُ عَنْ الْحَقِّ يُحِدَّهُمْ تَفْسِيرٌ لِضِيزَى قَوْلُهُ: وَالْقَوْلُ قَوْلُهُمْ بِلَا يَمِينِ الْبَيْتَيْنِ لَمَّا عَدَّ الْأُمَنَاءَ الَّذِينَ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ اسْتَطْرَدَ فِي ذِكْرِ الْخِلَافِ، هَلْ يُصَدَّقُونَ فِي دَعْوَى التَّلَفِ وَنَحْوِهِ وَيَسْقُطُ عَنْهُمْ الضَّمَانُ بِغَيْرِ يَمِينٍ أَوْ بِيَمِينٍ؟ ، وَأَخْبَرَ آخِرَ الْبَيْتَيْنِ أَنَّ الْقَوْلَ بِعَدَمِ الْيَمِينِ، هُوَ الْأَوْلَى عِنْدَ مَنْ حَقَّقَ النَّظَرَ، وَأَمْعَنَ الْفِكْرَ، وَاقْتَصَرَ صَاحِبُ الْمَنْهَجِ عَلَى الْقَوْلِ بِلُزُومِ الْيَمِينِ، وَقَوْلُهُ: وَالِاتِّهَامُ غَيْرُ مُسْتَبِينِ شَرَحَهُ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ: الْقَوْلُ قَوْلُهُمْ بِلَا يَمِينِ وَإِنَّ اتِّهَامَهُمْ عَلَى مَا سَبَقَ لَهُمْ مِنْ حُكْمِ الْأَمَانَةِ غَيْرُ مُسْتَبِينٍ. اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ جُمْلَةَ: وَالِاتِّهَامُ غَيْرُ مُسْتَبِينِ: حَالِيَّةٌ، وَالْمَعْنَى أَنَّ سُقُوطَ الْيَمِينِ عَنْهُمْ هُوَ، وَالْحَالَةُ هَذِهِ، وَهِيَ حَيْثُ لَمْ تَتَبَيَّنْ تُهْمَةٌ يَعْنِي، وَأَمَّا إنْ تَبَيَّنَتْ فَالْيَمِينُ. وَيُؤَيِّدُهُ مَا نَقَلَهُ الشَّارِحُ عَنْ أُصُولِ الْفُتْيَا أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُمْ بِلَا يَمِينٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِمَّنْ يُتَّهَمُ، فَتَجِبُ عَلَيْهِ. اهـ. وَمَعْنَى الْإِطْلَاقِ فِي الْبَيْتِ الثَّانِي أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْيَمِينِ بَانَتْ تُهْمَةٌ أَمْ لَا، فَهُوَ مُقَابِلٌ لِلْقَوْلِ بِلُزُومِ الْيَمِينِ حَيْثُ تَتَبَيَّنُ هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ اللَّفْظِ، وَالْمَعْنَى وَاَللَّهُ

فصل في القرض

أَعْلَمُ. (تَتْمِيمٌ) ذَكَرَ النَّاظِمُ الْأُمَنَاءَ الَّذِينَ لَا يَضْمَنُونَ، وَسَكَتَ عَنْ مُقَابِلِيهِمْ الَّذِينَ عَلَيْهِمْ الضَّمَانُ، وَقَدْ عَدَّ مِنْهُمْ صَاحِبُ الْمَنْهَجِ نَحْوَ التِّسْعَةِ، فَقَالَ: يَضْمَنُ ذُو إرْثٍ وَرَهْنٍ وَخِيَارْ ... وَصَانِعُ عِرْسٍ وَحَاضِنُ مُعَارْ وَحَامِلُ الطَّعَامِ كَاَلَّذِي حُبِسْ ... لِثَمَنِ ذَا غَيْبَةٍ إنْ اُلْتُبِسْ تَلَفُهُ إلَخْ (فَالْأَوَّلُ) : الْوَارِثُ فِيمَا إذَا ظَهَرَ دَيْنٌ أَوْ طَرَأَ وَارِثٌ أَوْ نَحْوُهُ بَعْدَ الْقِسْمَةِ، وَادَّعَى أَحَدُ الْوَرَثَةِ تَلَفَ مَا أَخَذَهُ مِنْ الْعَيْنِ وَالطَّعَامِ وَالْإِدَامِ، وَلَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ فَإِنَّهُمْ لَا يُصَدَّقُونَ، وَاخْتُلِفَ إذَا قَامَتْ لَهُمْ بَيِّنَةٌ عَلَى الضَّيَاعِ، فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ، وَقَالَ أَشْهَبُ: يَضْمَنُونَ. (وَالثَّانِي) : الْمُرْتَهِنُ يَضْمَنُ الرَّهْنَ الَّذِي يُغَابُ عَلَيْهِ إلَّا إذَا قَامَتْ بَيِّنَةٌ عَلَى هَلَاكِهِ، فَلَا يَضْمَنُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ. (وَالثَّالِثُ) : الْبَائِعُ، فَإِنَّ ضَمَانَ الْمَبِيعِ مِنْهُ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ. (وَالرَّابِعُ) : الصَّانِعُ يَضْمَنُ مَصْنُوعَهُ إنْ ادَّعَى ضَيَاعَهُ بِثَلَاثَةِ شُرُوطٍ: الْأَوَّلُ أَنْ يُنَصِّبَ نَفْسَهُ لِلصَّنْعَةِ عِيَاضٌ بِخِلَافِ الْأَجِيرِ الْخَاصِّ لِلرَّجُلِ أَوْ الْجَمَاعَةِ دُونَ غَيْرِهِمْ، وَالصَّانِعُ الْخَاصُّ الَّذِي لَمْ يُنَصِّبْ نَفْسَهُ لِلصَّنْعَةِ، فَلَا ضَمَانَ عَلَى هَؤُلَاءِ؛ لِأَنَّ التَّضْمِينَ إنَّمَا كَانَ لِلْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ الشَّرْطُ الثَّانِي: أَنْ لَا يَكُونَ فِي بَيْتِ رَبِّ السِّلْعَةِ، وَإِلَّا فَلَا ضَمَانَ جَلَسَ مَعَهُ أَمْ لَا ابْنُ حَبِيبٍ؛ لِأَنَّهُ هُنَا أَجِيرٌ خَاصٌّ الشَّرْطُ الثَّالِثُ: أَنْ لَا يَكُونَ رَبُّهُ مُلَازِمًا لَهُ وَإِلَّا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ بِحُضُورِهِ مَعَهُ يُشْبِهُ الصَّانِعَ الْخَاصَّ. (وَالْخَامِسُ) : الزَّوْجَةُ إذَا قَبَضَتْ مَا يُغَابُ عَلَيْهِ مِنْ مَهْرٍ، ثُمَّ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا قَبْلَ الْبِنَاءِ، فَادَّعَتْ تَلَفَهُ، فَتَضْمَنُ لَهُ نِصْفَهُ. (وَالسَّادِسُ) : الْحَاضِنُ يَضْمَنُ مَا قَبَّضَ الْمَحْضُونَةَ مِنْ النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ وَنَحْوِهِمَا مِنْ مُؤَنِ الْمَحْضُونِ فَيَدَّعِي تَلَفَهُ، فَيَضْمَنُ ذَلِكَ إلَّا أَنْ تَقُومَ بَيِّنَةٌ عَلَى هَلَاكِهِ. (وَالسَّابِعُ) : الْمُعَارُ، فَيَضْمَنُ مَا يُغَابُ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ تَقُومَ بَيِّنَةٌ عَلَى هَلَاكِهِ، وَيَضْمَنُ أَيْضًا مَا ثَبَتَ تَعَدِّيهِ فِيهِ أَوْ تَفْرِيطُهُ كَانَ مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ، أَمْ لَا (الثَّامِنُ) : حَامِلُ الطَّعَامِ يَضْمَنُهُ مُطْلَقًا كَمَا تَقَدَّمَ فِي الرَّابِعَ عَشَرَ مِنْ الَّذِينَ لَا يَضْمَنُوا. (التَّاسِعُ) : الْبَائِعُ الَّذِي يَحْبِسُ سِلْعَتَهُ، حَتَّى يَقْبِضَ الثَّمَنَ أَوْ لِلْإِشْهَادِ، فَيَضْمَنُ تِلْكَ السِّلْعَةَ، كَمَا يَضْمَنُ الرَّهْنَ. وَحَارِسُ الْحَمَّامِ لَيْسَ يَضْمَنُ ... وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ بَلْ يَضْمَنُ يَعْنِي أَنَّهُ اُخْتُلِفَ فِي حَارِسِ ثِيَابِ دَاخِلِ الْحَمَّامِ، هَلْ يَضْمَنُهَا أَوْ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيهَا؟ عَلَى قَوْلَيْنِ (قَالَ فِي التَّوْضِيحِ) وَأَمَّا حَارِسُ الثِّيَابِ إنْ أَكْرَاهُ صَاحِبُ الْحَمَّامِ لِحِفْظِ الثِّيَابِ بِأُجْرَةٍ فِي ذِمَّتِهِ، فَلَا خِلَافَ فِي نَفْيِ الضَّمَانِ إلَّا أَنْ يُضَيِّعَ أَوْ يُفَرِّطَ، وَإِنْ كَانَ بِأُجْرَةٍ يَأْخُذُهَا مِنْ النَّاسِ الدَّاخِلِينَ لِلْحَمَّامِ، فَقَالَ مَالِكٌ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ (ابْنُ لُبَابَةَ) ، وَمَا سِوَاهُ خَطَأٌ وَضَمَّنَهُ ابْنُ حَبِيبٍ، وَاخْتَارَ اللَّخْمِيُّ نَفْيَ الضَّمَانِ عَلَى الْحَمَّامِيِّ وَالْحَارِسِ، وَلَوْ دُفِعَ لَهُ أُجْرَةٌ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ كَالْمُودَعِ يُدْفَعُ لَهُ أُجْرَةٌ عَلَى أَمَانَتِهِ (ابْنُ الْقَاسِمِ) ، وَلَوْ قَالَ الْحَارِسُ: جَاءَنِي إنْسَانٌ فَشَبَّهْتُهُ بِك فَدَفَعْت إلَيْهِ الثِّيَابَ، ضَمِنَ (اللَّخْمِيُّ) ، وَكَذَلِكَ يَضْمَنُ إنْ رَأَى إنْسَانًا يَأْخُذُ ثِيَابَكَ، فَتَرَكَهُ ظَنًّا مِنْهُ أَنَّهُ أَنْتَ. اهـ. [فَصْلٌ فِي الْقَرْضِ] ِ وَهُوَ السَّلَفُ الْقَرْضِ وَهُوَ السَّلَفُ حَدَّهُ ابْنُ عَرَفَةَ بِقَوْلِهِ: دَفْعُ مُتَمَوَّلٍ فِي عِوَضٍ غَيْرِ مُخَالِفٍ لَهُ لَا عَاجِلًا تَفَضُّلًا فَقَوْلُهُ: مُتَمَوَّلٍ أَخْرَجَ بِهِ مَا لَيْسَ بِمُتَمَوَّلٍ إذَا دَفَعَهُ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بِقَرْضٍ وَلَا يُقْرَضُ، مِثْلُ ذَلِكَ قَوْلُهُ فِي عِوَضٍ أَخْرَجَ بِهِ الْهِبَةَ قَوْلُهُ: غَيْرُ مُخَالِفٍ لَهُ أَخْرَجَ بِهِ دَفْعَهُ فِي الْمُخَالِفِ، فَإِنَّهُ بَيْعٌ قَوْلُهُ: لَا عَاجِلًا عَطْفٌ بِلَا عَلَى حَالٍ مُقَدَّرَةٍ، أَيْ

الْمُتَمَوَّلُ الْمَدْفُوعُ فِي عِوَضٍ غَيْرِ مُخَالِفٍ حَالَةَ كَوْنِهِ حَالًّا أَوْ مُؤَجَّلًا لَا عَاجِلًا، أَخْرَجَ بِهِ الْمُبَادَلَةَ الْمِثْلِيَّةَ، فَإِنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهَا الْحَدُّ لَوْلَا الزِّيَادَةُ، وَقَوْلُهُ تَفَضُّلًا مَفْعُولٌ مِنْ أَجْلِهِ، أَيْ دُفِعَ لِأَجْلِ تَفَضُّلِ الْمُقْرِضِ عَلَى الْمُقْتَرِضِ وَاحْتَرَزَ بِذَلِكَ مِمَّا قُصِدَ بِدَفْعِهِ نَفْعُهُمَا مَعًا أَوْ نَفْعُ الْمُقْرِضِ أَوْ نَفْعُ أَجْنَبِيٍّ، وَلَا يَجُوزُ إلَّا إذَا قُصِدَ نَفْعُ الْمُقْتَرِضِ فَقَطْ الْقَرْضُ جَائِزٌ وَفِعْلٌ جَارِ ... فِي كُلِّ شَيْءٍ غَيْرَ فِي الْجَوَارِي وَشَرْطُهُ أَنْ لَا يَجُرَّ مَنْفَعَهْ ... وَحَاكِمٌ بِذَاكَ كُلٌّ مَنَعَهْ وَلَيْسَ بِاللَّازِمِ أَنْ يُرَدَّا ... قَبْلَ انْقِضَاءِ أَجَلٍ قَدْ حُدَّا وَإِنْ رَأَى مُسَلِّفٌ تَعْجِيلَهُ ... أُلْزِمَ مَنْ سَلَّفَهُ قَبُولَهُ. اشْتَمَلَتْ الْأَبْيَاتُ الْأَرْبَعَةُ عَلَى ثَلَاثِ مَسَائِلَ (الْأُولَى) : أَنَّ الْقَرْضَ أَيْ السَّلَفَ جَائِزٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ إلَّا فِي الْجَوَارِي، فَلَا يَجُوزُ، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِالْبَيْتِ الْأَوَّلِ، وَغَيْرَ بِمَعْنَى إلَّا وَإِنَّمَا لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ مَنْ تَسَلَّفَ جَارِيَةً جَازَ لَهُ رَدُّهَا بِعَيْنِهَا إنْ لَمْ تَتَغَيَّرْ، فَإِنْ رَدَّهَا فَقَدْ آلَ أَمْرُهُمَا إلَى أَنَّهُ أَعْطَاهُ جَارِيَةً اسْتَمْتَعَ بِهَا مُدَّةً، ثُمَّ رَدَّهَا لَهُ، وَهُوَ مِنْ إعَارَةِ الْفُرُوجِ. (قَالَ الشَّارِحُ فِي تَمْهِيدِ ابْنِ فَتْحُونٍ) الْقَرْضُ فِعْلُ خَيْرٍ وَبِرٍّ، وَهُوَ جَائِزٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ تَحْصُرُهُ صِفَتُهُ سِوَى الْإِمَاءِ؛ لِأَنَّ لِلْمُقْرِضِ فِي كُلِّ شَيْءٍ اقْتَرَضَهُ أَنْ يَرُدَّهُ بِعَيْنِهِ بَعْدَ الْمَغِيبِ عَلَيْهِ، وَالِانْتِفَاعِ بِهِ مَا لَمْ تَتَغَيَّرْ صِفَتُهُ عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ. وَيَلْزَمُ الْمُقْرِضَ أَخْذُهُ مِنْهُ، فَلَوْ أُجِيزَ الْقَرْضُ فِي الْإِمَاءِ، لَكَانَ لِكُلِّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَسْتَمْتِعَ بِجَارِيَةِ غَيْرِهِ أَنْ يَقْتَرِضَهَا مِنْهُ، فَيَطَأَهَا مَا شَاءَ، ثُمَّ يَرُدُّهَا عَلَيْهِ، فَكَانَ ذَلِكَ مُؤَدِّيًا إلَى عَارِيَّةِ الْفُرُوجِ، وَإِبَاحَةِ وَطْئِهَا بِغَيْرِ نِكَاحٍ وَلَا مِلْكِ يَمِينٍ، فَسُدَّ هَذَا الْبَابُ جُمْلَةً وَاحِدَةً إلَّا أَنْ يَقْتَرِضَهَا ذُو مَحْرَمٍ أَوْ امْرَأَةٌ، فَيَجُوزُ ذَلِكَ فِيهَا لِسَلَامَةِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ عَارِيَّةِ الْفُرُوجِ الْمَحْظُورَةِ ا. هـ. فَإِذَا اقْتَرَضَ أَمَةً رَدَّهَا مَا بَطَّأَهَا ابْنُ يُونُسَ، فَإِنْ فَاتَتْ بِالْوَطْءِ، فَالْأَصْوَبُ مِنْ الْقَوْلَيْنِ أَنَّ عَلَيْهِ قِيمَتَهَا لَا رَدَّ مِثْلِهَا. اهـ. (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) : أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي جَوَازِ الْقَرْضِ أَنْ لَا يَجُرَّ مَنْفَعَةً لِلْمُقْرِضِ بِالْكَسْرِ، فَإِنْ جَرَّ لَهُ مَنْفَعَةً لَمْ يَجُزْ كَسَلَفِهِ قَمْحًا قَدِيمًا لِيَرُدَّ لَهُ جَدِيدًا أَوْ سَائِسًا أَوْ عَفِنًا لِيَرُدَّ لَهُ جَيِّدًا (قَالَ فِي الْوَاضِحَةِ) : لَا يَجُوزُ سَلَفُ الطَّعَامِ السَّائِسِ، وَلَا الْعَفِنِ، وَلَا الْقَدِيمِ، لِيَأْخُذَ جَدِيدًا إلَّا إنْ نَزَلَتْ بِالنَّاسِ حَاجَةٌ، فَسَأَلُوا رَبَّ الطَّعَامِ الْمَذْكُورِ إذْ الْمَنْفَعَةُ لَهُمْ دُونَهُ يُرِيدُ أَنَّهُ لَوْ بَاعَهُ حِينَئِذٍ بَاعَهُ بِثَمَنٍ غَالٍ، وَفِي الْغَالِبِ أَنَّ الطَّعَامَ الَّذِي يُؤَدُّونَهُ يَكُونُ وَقْتَ الْأَدَاءِ أَرْخَصَ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ سَائِسٍ، وَلَا مَعْفُونٍ. اهـ. وَإِلَى هَذِهِ أَشَارَ بِالْبَيْتِ الثَّانِي فَقَوْلُهُ: أَنْ لَا يَجُرَّ مَنْفَعَهْ أَيْ لِلْمُقْرِضِ، وَقَوْلُهُ: وَحَاكِمٌ بِذَاكَ كُلٌّ مَنَعَهْ شَرَحَهُ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ: وَالْحَاكِمُ بِإِجَازَةِ ذَلِكَ كُلُّ الْمَذْهَبِ عَلَى مَنْعِهِ اهـ. ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ لَفْظَ حَاكِمٍ صِفَةٌ لِمَحْذُوفٍ، وَمَعْنَاهُ الْمُؤَدِّي، وَالْمُوَصِّلُ، وَبَاءُ بِذَاكَ لِلْغَايَةِ عَلَى حَدٍّ " وَقَدْ أَحْسَنَ بِي " أَيْ إلَيَّ وَالْإِشَارَةُ لِجَرِّ الْمَنْفَعَةِ، وَالتَّقْدِيرُ، وَالْقَرْضُ الْمُؤَدِّي وَالْمُوَصِّلُ إلَى جَرِّ الْمَنْفَعَةِ كُلُّ الْفُقَهَاءِ مَنَعَهُ، وَلَمْ يُجِزْهُ. (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) : أَنَّ الْقَرْضَ إذَا كَانَ لِأَجَلٍ مَحْدُودٍ لَمْ يَلْزَمْ الْمُقْتَرِضَ رَدُّهُ قَبْلَ الْأَجَلِ الْمُعَيَّنِ، وَإِنْ أَرَادَ الْمُقْتَرِضُ، وَهُوَ الْمِدْيَانُ تَعْجِيلَهُ قَبْلَ أَجَلِهِ، فَذَلِكَ لَهُ، وَلَيْسَ لِلْمُقْرِضِ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ ذَلِكَ إلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِقَوْلِهِ، وَلَيْسَ بِاللَّازِمِ أَنْ يَرُدَّ الْبَيْتَيْنِ (قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ) : لَوْ أَرَادَ الرُّجُوعَ فِي قَرْضِهِ مُنِعَ إلَّا بَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةِ الِانْتِفَاعِ بِالشَّرْطِ أَوْ بِالْعَادَةِ. (وَفِي الْمُدَوَّنَةِ) إذَا كَانَ لَك دَيْنٌ عَلَى رَجُلٍ دَنَانِيرُ أَوْ دَرَاهِمُ إلَى أَجَلٍ، فَعَجَّلَهَا لَك قَبْلَ الْأَجَلِ جُبِرَتْ عَلَى أَخْذِهَا كَانَتْ مِنْ بَيْعٍ أَوْ قَرْضٍ انْتَهَى. وَفِي الرِّسَالَةِ وَمَنْ عَلَيْهِ دَرَاهِمُ أَوْ دَنَانِيرُ مِنْ بَيْعٍ أَوْ قَرْضٍ مُؤَجَّلٍ، فَلَهُ أَنْ يُعَجِّلَهُ قَبْلَ

باب العتق وما يتصل به

أَجَلِهِ، وَكَذَلِكَ لَهُ أَنْ يُعَجِّلَ الْعُرُوضَ، وَالطَّعَامَ مِنْ قَرْضٍ لَا مِنْ بَيْعٍ. اهـ. فَقَوْلُ النَّاظِمِ: وَإِنْ رَأَى مُسَلِّفٌ تَعْجِيلَهُ يَشْمَلُ الْعَيْنَ وَالْعَرْضَ وَالطَّعَامَ الْحُكْمُ فِي الْقَرْضِ وَاحِدٌ، وَإِنَّمَا تَفْتَرِقُ الْعَيْنُ مِنْ غَيْرِهَا فِي الْبَيْعِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [بَابُ الْعِتْقِ وَمَا يَتَّصِلُ بِهِ] بَابُ الْعِتْقِ (تَعْرِيفُهُ) وَمَا يَتَّصِلُ بِهِ الْعِتْقِ وَمَا يَتَّصِلُ بِهِ ابْنُ عَرَفَةَ هُوَ رَفْعُ مِلْكٍ حَقِيقِيٍّ لَا بِسِبَاءٍ مُحَرَّمٍ عَنْ آدَمِيٍّ حَيٍّ، فَقَوْلُهُ رَفْعُ مِلْكٍ الرَّفْعُ هُوَ إزَالَةُ أَمْرٍ مُتَقَرِّرٍ ثُبُوتُهُ، وَأَخْرَجَ بِالْمِلْكِ رَفْعَ غَيْرِ الْمِلْكِ كَرَفْعِ الْحُكْمِ بِالنَّسْخِ، وَأَخْرَجَ بِقَوْلِهِ حَقِيقِيٍّ اسْتِحْقَاقَ عَبْدٍ بِحُرِّيَّةٍ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ مِنْ يَدِهِ بِحُرِّيَّةٍ لَمْ يَكُنْ مَالِكًا حَقِيقَةً ظَاهِرًا أَوْ بَاطِنًا، وَقَوْلُهُ لَا بِسِبَاءٍ مُحَرَّمٍ عَطْفٌ عَلَى مُقَدَّرٍ، أَيْ بِغَيْرِ سِبَاءٍ لَا بِسِبَاءٍ، وَأَخْرَجَ بِهِ فِدَاءَ الْمُسْلِمِ مِنْ حَرْبِيٍّ سَبَاهُ، وَكَذَلِكَ مِمَّنْ صَارَ لَهُ مِنْ حَرْبِيٍّ، وَقَوْلُهُ عَنْ آدَمِيٍّ مُتَعَلِّقٌ بِرَفْعُ (قَالَ الرَّصَّاعُ) قَالَ الشَّيْخُ الْأَبِيُّ تِلْمِيذُ الشَّيْخِ: لَا يُقَالُ: الْحَدُّ غَيْرُ مَانِعٍ لِصِدْقِهِ عَلَى بَيْعِ الْعَبْدِ وَهِبَتِهِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ إنَّمَا هِيَ نَقْلُ مِلْكٍ لَا رَفْعُهُ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ بَاقٍ؛ لِأَنَّ رَفْعَ الشَّيْءِ يَسْتَلْزِمُ ذَهَابَهُ وَنَقْلُهُ يَقْتَضِي وُجُودَهُ فِي مَحَلٍّ غَيْرِ مَحَلِّهِ وَالْبَيْعُ وَمَا شَابَهَهُ مِنْ الثَّانِي لَا مِنْ الْأَوَّلِ، وَالْمُرَادُ بِالْآدَمِيِّ: الْجِنْسُ فَيَصْدُقُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، وَوَصَفَهُ بِحَيٍّ؛ لِيُخْرِجَ بِهِ مَنْ ارْتَفَعَ الْمِلْكُ عَنْهُ بِالْمَوْتِ. انْتَهَى بِبَعْضِ اخْتِصَارٍ. وَلَعَلَّهُ يَعْنِي بِمَا يَتَّصِلُ بِالْعِتْقِ اخْتِلَافُ الْعَبْدِ وَالسَّيِّدِ فِي قَدْرِ مَالِ الْكِتَابَةِ أَوْ فِي الْمَقْبُوضِ مِنْهُ، وَنَحْوِ ذَلِكَ كَجِنْسِهِ وَأَجَلِهِ وَعَدَمِ لُزُومِ رَهْنٍ أَوْ حَمِيلٍ فِي ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. الْعِتْقُ بِالتَّدْبِيرِ وَالْوَصَاةِ ... وَبِالْكِتَابَةِ وَبِالْبَتَاتِ وَلَيْسَ فِي التَّدْبِيرِ وَالتَّبْتِيلِ ... إلَى الرُّجُوعِ بُعْدٌ مِنْ سَبِيلِ وَالْعِتْقُ بِالْمَالِ هُوَ الْمُكَاتَبَهْ ... وَمَالَهُ بِالْجَبْرِ مِنْ مُطَالَبَهْ أَخْبَرَ فِي الْبَيْتِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْعِتْقَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ الْأَوَّلُ التَّدْبِيرُ، وَهُوَ تَعْلِيقُ الْعِتْقِ بِمَوْتِهِ لَا عَلَى وَجْهِ الْوَصِيَّةِ كَقَوْلِ السَّيِّدِ لِعَبْدِهِ أَوْ أَمَتِهِ أَنْتَ حُرٌّ عَنْ دُبُرٍ مِنِّي أَوْ دَبَّرْتُكَ أَوْ أَنْتَ مُدَبَّرٌ أَوْ أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي بِالتَّدْبِيرِ، أَوْ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي لَا يُغَيِّرُ عَنْ حَالَةٍ. (قَالَ فِي الْمُقَرَّبِ) قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ وَأَيُّ التَّدْبِيرِ عِنْدَ مَالِكٍ فَقَالَ: إيجَابٌ يُوجِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ فَيَلْزَمُهُ، وَفِيهِ قُلْت: لَهُ أَرَأَيْت إنْ قَالَ رَجُلٌ فِي صِحَّتِهِ لِعَبْدِهِ: أَنْتَ حُرٌّ يَوْمَ أَمُوتُ، فَقَالَ: سُئِلَ مَالِكٌ عَمَّنْ قَالَ لِعَبْدِهِ وَهُوَ صَحِيحٌ: أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي، ثُمَّ أَرَادَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يَبِيعَهُ؟ فَقَالَ: يُسْأَلُ، فَإِنْ كَانَ أَرَادَ وَجْهَ الْوَصِيَّةِ، فَلَهُ أَنْ يَفْعَلَ، وَإِنْ كَانَ أَرَادَ التَّدْبِيرَ مُنِعَ

مِنْ بَيْعِهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَهِيَ وَصِيَّةٌ أَبَدًا حَتَّى يُرِيدَ التَّدْبِيرَ. (قَالَ سَحْنُونٌ) : وَكَانَ أَشْهَبُ يَقُولُ: إذَا قَالَ: مِثْلَ هَذَا فِي صِحَّتِهِ فِي غَيْرِ إحْدَاثِ وَصِيَّةٍ بِسَفَرٍ، فَهُوَ تَدْبِيرٌ (ابْنُ الْحَاجِبِ) ، وَأَمَّا إنْ مِتُّ مِنْ مَرَضِي هَذَا أَوْ مِنْ سَفَرِي هَذَا، فَوَصِيَّةٌ لَا تَدْبِيرٌ (التَّوْضِيحُ) ، وَإِنَّمَا كَانَتْ وَصِيَّةً؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ يَقْتَضِي أَنَّ لَهُ الرُّجُوعَ إنْ لَمْ يَمُتْ فِي ذَلِكَ الْمَرَضِ أَوْ السَّفَرِ، فَكَانَ ذَلِكَ قَرِينَةً صَارِفَةً عَنْ التَّدْبِيرِ إذْ التَّدْبِيرُ لَا رُجُوعَ فِيهِ، وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ، لَهُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ: أَنَّ ذَلِكَ تَدْبِيرًا. اهـ. نَقَلَ مَا قَبْلَهُ مَا نَصُّهُ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ قَالَ: أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي لِيَوْمٍ أَوْ لِشَهْرٍ أَوْ أَكْثَرَ، فَهُوَ مِنْ الثُّلُثِ، وَيَلْحَقُهُ الدَّيْنُ قَالُوا: وَهَذَا وَصِيَّةٌ؛ لِأَنَّ مُخَالَفَتَهُ التَّدْبِيرَ بِكَوْنِهِ لَيْسَ مُعَلَّقًا عَلَى الْمَوْتِ قَرِينَةٌ فِي إرَادَةِ الْوَصِيَّةِ. اهـ. وَقَالَ قَبْلَهُ أَيْضًا: لَمَّا ذَكَرَ صِيَغَ التَّدْبِيرِ الْمُتَقَدِّمَةِ عَنْ ابْنِ الْحَاجِبِ مَا نَصُّهُ نَعَمْ قَدْ يَخْرُجُ عَنْ الصِّيَغِ إلَى الْوَصِيَّةِ بِالْقَرِينَةِ كَقَوْلِهِ: أَنْتَ حُرٌّ عَنْ دُبُرٍ مِنِّي مَا لَمْ أُغَيِّرْ ذَلِكَ وَأَرْجِعْ عَنْهُ، أَوْ أَفْسَخْهُ، كَمَا أَنَّ صَرِيحَ الْوَصِيَّةِ قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَى إرَادَةِ التَّدْبِيرِ انْتَقَلَ إلَى حُكْمِهِ، كَقَوْلِهِ إذَا مِتُّ فَعَبْدِي فُلَانٌ حُرٌّ، لَا يُغَيَّرُ عَنْ حَالِهِ أَوْ لَا مَرْجِعَ لِي فِيهِ، فَهَذَا لَهُ حُكْمُ التَّدْبِيرِ حَكَاهُ عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ. الْوَجْهُ الثَّانِي مِنْ أَوْجُهِ الْعِتْقِ الْعِتْقُ بِالْوَصِيَّةِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ وَالْوَصَاةُ، وَهُوَ بِفَتْحِ الْوَاوِ الْوَصِيَّةُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الْبُخَارِيِّ: وَذَلِكَ كَقَوْلِهِ: إنْ قَدَّرَ اللَّهُ بِمَوْتِي فَعَبْدِي فُلَانٌ حُرٌّ أَوْ أَعْتِقُوهُ أَوْ إنْ مِتّ مِنْ مَرَضِي أَوْ سَفَرِي هَذَا، أَوْ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي بِشَهْرٍ، كَمَا تَقَدَّمَ قَرِيبًا، وَنَحْوُهُ الْوَجْهُ الثَّالِثُ: الْعِتْقُ بِالْكِتَابَةِ وَهُوَ الْعِتْقُ عَلَى مَالٍ مُؤَجَّلٍ يُعْطِيهِ الْعَبْدُ مَوْقُوفًا عِتْقُهُ عَلَى أَدَائِهِ، وَقَدْ فَسَّرَهُ النَّاظِمُ فِي الْبَيْتِ الثَّالِثِ: وَالْعِتْقُ بِالْمَالِ هُوَ الْمُكَاتَبَةُ. (قَالَ فِي التَّوْضِيحِ) : سُمِّيَتْ كِتَابَةً مَصْدَرُ كَتَبَ؛ لِأَنَّهُ يَكْتُبُ عَلَى نَفْسِهِ لِمَوْلَاهُ ثَمَنُهُ، وَيَكْتُبُ مَوْلَاهُ عَلَيْهِ الْعِتْقَ، ثُمَّ قَالَ: وَخُصَّ الْعَبْدُ بِاسْمِ الْمَفْعُولِ؛ لِأَنَّ أَصْلَ الْمُكَاتَبَةِ مِنْ السَّيِّدِ، وَهُوَ الَّذِي يُكَاتِبُ عَبْدَهُ. الْوَجْهُ الرَّابِعُ: الْعِتْقُ النَّاجِزُ وَهُوَ الَّذِي عَبَّرَ عَنْهُ بِالْبَتَاتِ كَقَوْلِهِ لِعَبْدِهِ أَوْ أَمَتِهِ أَنْتَ حُرٌّ أَوْ مُعْتَقٌ (ابْنُ الْحَاجِبِ) الصِّيغَةُ الصَّرِيحُ كَالتَّحْرِيرِ وَالْإِعْتَاقِ وَفَكِّ الرَّقَبَةِ، (قَالَ فِي التَّوْضِيحِ) : مَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ قَرِينَةٌ تَصْرِفُ اللَّفْظَ عَنْ إرَادَةِ الْعِتْقِ، فَفِي الْمُدَوَّنَةِ، وَمَنْ عَجِبَ مِنْ عَمَلِ عَبْدِهِ أَوْ مِنْ شَيْءٍ رَآهُ مِنْهُ فَقَالَ لَهُ: مَا أَنْتَ إلَّا حُرٌّ أَوْ قَالَ لَهُ: تَعَالَ يَا حُرُّ وَلَمْ يُرِدْ الْحُرِّيَّةَ، وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنَّك تَعْصِينِي، فَأَنْتَ فِي مَعْصِيَتِك إيَّايَ كَالْحُرِّ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي الْفُتْيَا، وَلَا فِي الْقَضَاءِ. اهـ. ثُمَّ أَخْبَرَ الْبَيْتُ الثَّانِي أَنَّ مَنْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ عَلَى وَجْهِ التَّدْبِيرِ أَوْ التَّبْتِيلِ، وَهُوَ الْوَجْهُ الرَّابِعُ الْمُعَبِّرُ عَنْهُ الْبَيْتُ الْأَوَّلُ بِالْبَتَاتِ، ثُمَّ نَدِمَ وَأَرَادَ الرُّجُوعَ

فِي ذَلِكَ، فَلَا سَبِيلَ لَهُ إلَيْهِ، وَمَا عَقَدَهُ فِيهِ لَازِمٌ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْعِتْقِ عَلَى وَجْهِ الْوَصِيَّةِ، فَإِنَّ لَهُ الرُّجُوعَ فِي ذَلِكَ إنْ شَاءَ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ التَّدْبِيرِ حَتَّى لَا رُجُوعَ لَهُ فِيهِ، وَبَيْنَ الْوَصِيَّةِ، فَلَهُ الرُّجُوعُ فِيهَا مَا نَقَلَهُ السَّبْتَانِيُّ فِي شَرْحِ التِّلْمِسَانِيَّة وَنَصُّهُ: قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي وَصَايَا الْمُقَدِّمَاتِ الْوَصِيَّةُ بِالْعِتْقِ وَغَيْرِهِ عِدَةٌ وَلِلْمُوصِي أَنْ يَرْجِعَ عَنْهَا إنْ شَاءَ فِي صِحَّتِهِ أَوْ مَرَضِهِ، وَقَالَ فِي الْمُدَبَّرِ: مِنْهَا الْفَرْقُ بَيْنَ التَّدْبِيرِ وَالْوَصِيَّةِ أَنَّ التَّدْبِيرَ عِتْقٌ أَوَجَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ لِعَبْدِهِ إلَى أَجَلٍ آتٍ لَا مَحَالَةَ، فَوَجَبَ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ الرُّجُوعُ بِقَوْلٍ وَلَا بِفِعْلٍ كَالْعِتْقِ إلَى أَجَلٍ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ يَقَعُ عَلَيْهِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَاحْتِمَالُ الثُّلُثِ لَهُ بِعَقْدِ السَّيِّدِ الْعِتْقُ لَهُ، كَمَا يَقَعُ عَلَى الْمُعْتَقِ إلَى أَجَلٍ وَالْمُوصَى بِعِتْقِهِ لَمْ يَعْقِدْ السَّيِّدُ لَهُ عَقْدَ عِتْقٍ فِي حَيَاتِهِ، وَإِنَّمَا أَمَرَ أَنْ يُعْتَقَ عَنْهُ بَعْدَ وَفَاتِهِ، فَالْعِتْقُ إنَّمَا يَقَعُ عَلَيْهِ بَعْدَ الْمَوْتِ مِنْ الْمُوصَى إلَيْهِ، فَهُوَ كَمَنْ وَكَّلَ رَجُلًا أَنْ يَبِيعَ عَبْدَهُ فُلَانًا أَوْ يَهَبُهُ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَنْ ذَلِكَ بِمَا شَاءَ مِنْ فِعْلٍ أَوْ قَوْلٍ مَا لَمْ يَعْقِدْ الْوَكِيلُ مَا أَمَرَ بِهِ. اهـ. وَقَوْلُهُ: وَالْعِتْقُ بِالْمَالِ هُوَ الْمُكَاتَبَةُ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي الْوَجْهِ الثَّالِثِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ وَمَالَهُ بِالْجَبْرِ مِنْ مُطَالَبَهْ، فَأَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّهُ لِلسَّيِّدِ أَنْ يُجْبَرَ عَلَى الْكِتَابَةِ، وَلَا لِلْعَبْدِ أَنْ يُجْبِرَ سَيِّدَهُ عَلَيْهَا، وَإِنَّمَا تَصِحُّ بِرِضَاهُمَا مَعًا فَمَا نَافِيَةٌ، وَضَمِيرُ لَهُ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا لِتَقَدُّمِ ذِكْرِهِمَا بِاللُّزُومِ، وَإِذًا الْعِتْقُ يَسْتَلْزِمُ مُعْتَقًا وَمُعْتِقًا، وَمِنْ: زَائِدَةٌ بَعْدَ النَّفْيِ لَا تَتَعَلَّقُ بِشَيْءٍ وَمُطَالَبَهْ: مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ لَهُ وَبِالْجَبْرِ يَتَعَلَّقُ بِمُطَالَبَهْ أَيْ لَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْ السَّيِّدِ وَالْعَبْدِ مُطَالَبَةُ الْآخَرِ بِالْجَبْرِ عَلَى الْكِتَابَةِ (ابْنُ الْحَاجِبِ) ، وَهِيَ غَيْرُ وَاجِبَةٍ عَلَى السَّيِّدِ، فَلَا يُجْبَرُ الْعَبْدُ أَيْضًا عَلَى الْأَصَحِّ. اهـ. وَبَعَّدَ كَوْنَهَا غَيْرَ وَاجِبَةٍ عَلَى السَّيِّدِ فَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: هِيَ مُسْتَحَبَّةٌ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ، وَقِيلَ: مُبَاحَةٌ حَكَاهُ ابْنُ الْجَلَّابِ عَنْ مَالِكٍ، وَنَبَّهَ بِقَوْلِهِ: غَيْرَ وَاجِبَةٍ عَلَى قَوْلِ الظَّاهِرِيَّةِ بِإِيجَابِهَا لِلْأَمْرِ فِي قَوْله تَعَالَى: {فَكَاتِبُوهُمْ} [النور: 33] وَقَوْلُهُ: وَلَا يُجْبَرُ الْعَبْدُ عَلَيْهَا عَلَى الْأَصَحِّ هُوَ الْمَشْهُورُ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ وَعَبْدِ الْمَلِكِ، وَمُقَابِلُهُ مَرْوِيٌّ عَنْ مَالِكٍ وَأَصْبَغَ انْتَهَى بِاخْتِصَارٍ وَتَقْدِيمٍ وَتَأْخِيرٍ. وَمُعْتِقٌ لِلْجُزْءِ مِنْ عَبْدٍ لَهُ ... مُطَالَبٌ بِالْحُكْمِ أَنْ يُكَمِّلَهُ وَحَظُّ مَنْ شَارَكَهُ يُقَوَّمُ ... عَلَيْهِ فِي الْيُسْرِ وَعِتْقًا يَلْزَمُ اشْتَمَلَ الْبَيْتُ الْأَوَّلُ: عَلَى مَنْ لَهُ عَبْدٌ يَمْلِكُ جَمِيعَهُ فَأَعْتَقَ جُزْءًا مِنْهُ كَثُلُثِهِ أَوْ رُبُعِهِ، وَكَذَا إنْ أَعْتَقَ عُضْوًا مِنْهُ كَيَدِهِ أَوْ رِجْلِهِ، فَإِنَّ الْعِتْقَ يَسْرِي لِبَاقِيهِ، وَيُعْتَقُ عَلَيْهِ جَمِيعُهُ، فَالْجُزْءُ فِي كَلَامِ النَّاظِمِ ظَاهِرٌ فِي الْجُزْءِ الْمُشَاعِ كَالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ، وَلَا يَبْعُدُ شُمُولُهُ لِجُزْءٍ مُعَيَّنٍ كَيَدٍ أَوْ رِجْلٍ، وَهَلْ تَتَوَقَّفُ السِّرَايَةُ عَلَى حُكْمِ الْحَاكِمِ؟ وَهُوَ صَرِيحُ كَلَامِ النَّاظِمِ أَوْ لَا تَتَوَقَّفُ، وَيَكُونُ جَمِيعُهُ حُرًّا بِنَفْسِ عِتْقِ الْجُزْءِ قَوْلَانِ (ابْنُ الْحَاجِبِ) وَمَنْ أَعْتَقَ جُزْءًا أَوْ عُضْوًا مِنْ عَبْدِهِ سَرَى وَفِي وُقُوفِ الْعِتْقِ عَلَى الْحُكْمِ رِوَايَتَانِ (التَّوْضِيحُ) ، قَوْلُهُ: سَرَى عِتْقٌ عَلَيْهِ جَمِيعِهِ، وَالرِّوَايَةُ بِوُقُوفِ السِّرَايَةِ عَلَى الْحُكْمِ. قَالَ: اللَّخْمِيُّ هُوَ الْمَعْرُوفُ عَنْ الْمَذْهَبِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ، وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى نَقَلَهَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، ثُمَّ بَحَثَ فِي التَّوْضِيحِ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّهُ عَلَى الْقَوْلِ بِتَوَقُّفِ السِّرَايَةِ عَلَى الْحُكْمِ لَا سِرَايَةَ، وَأَجَابَ بِأَنَّ السِّرَايَةَ حَاصِلَةٌ عَلَى قَوْلٍ، وَهُوَ عَدَمُ افْتِقَارِهَا لِلْحُكْمِ اُنْظُرْهُ إنْ شِئْت، وَاشْتَمَلَ الْبَيْتُ الثَّانِي عَلَى مَسْأَلَةِ مَنْ يَمْلِكُ جُزْءًا مِنْ عَبْدٍ كَنِصْفٍ أَوْ نَحْوِهِمَا، فَأَعْتَقَ جُزْأَهُ الَّذِي يَمْلِكُ، فَإِنَّهُ يُقَوَّمُ عَلَيْهِ

نَصِيبُ شَرِيكِهِ يَدْفَعُ قِيمَةَ ذَلِكَ النَّصِيبِ لِلشَّرِيكِ، وَيُعْتَقُ جَمِيعُهُ وَلِتَقْوِيمِ نَصِيبِ الشَّرِيكِ شُرُوطٌ: الْأَوَّلُ: أَنْ يَكُونَ مُوسِرًا، وَعَلَيْهِ نَبَّهَ النَّاظِمُ بِقَوْلِهِ: فِي الْيُسْرِ، وَلَمْ يَذْكُرْ سِوَاهُ مِنْ الشُّرُوطِ الْآتِيَةِ وَيُسْرُهُ بِأَنْ تَفْضُلَ لَهُ الْقِيمَةُ عَنْ قُوتِهِ الْأَيَّامَ وَكِسْوَةِ ظَهْرٍ كَالْمَدِينِ، وَيُبَاعُ فِي ذَلِكَ مَنْزِلُهُ وَشَوَارِبِيَّتُهُ، وَالْمَرِيضُ فَقِيرٌ إلَّا فِي الثُّلُثِ، فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا بِالْبَعْضِ سَرَى الْعِتْقُ فِي ذَلِكَ، وَيُشْتَرَطُ مَعَ كَوْنِهِ مُوسِرًا أَنْ يَدْفَعَ الْقِيمَةَ ابْنُ الْحَاجِبِ، وَلَا يُعْتَقُ إلَّا بَعْدَ التَّقْوِيمِ وَدَفْعِ الْقِيمَةِ عَلَى أَظْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ. الثَّانِي: أَنْ يَحْصُلَ عِتْقُ الْجُزْءِ بِاخْتِيَارِهِ أَوْ بِسَبَبِهِ فَلَوْ وَرِثَ جُزْءًا مِنْ قَرِيبِهِ لَمْ يَسْرِ، وَلَوْ وُهِبَ لَهُ أَوْ اشْتَرَاهُ سَرَى. الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمُبْتَدِي لِتَبْعِيضِ الْعِتْقِ، فَإِنْ كَانَ بَعْضُهُ حُرًّا لَمْ يُقَوَّمْ، وَلِذَلِكَ لَوْ كَانُوا جَمَاعَةً، فَالتَّقْوِيمُ عَلَى الْأَوَّلِ، الرَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ الْمُعْتَقُ مُسْلِمًا أَوْ الْعَبْدُ مُسْلِمًا، فَإِنْ كَانَا كَافِرَيْنِ، فَلَا تَقْوِيمَ، وَهَذِهِ الشُّرُوطُ ذَكَرهَا ابْنُ الْحَاجِبِ، وَتَبِعَهُ الشَّيْخُ خَلِيلٌ فِي مُخْتَصَرِهِ، فَرَاجِعْهَا فِي التَّوْضِيحِ إنْ شِئْتَ. (فَرْعٌ) قَدْ يَجْتَمِعُ الْمَسْأَلَتَانِ الْمَذْكُورَتَانِ فِي الْبَيْتَيْنِ فِي مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ، كَمَنْ لَهُ نِصْفُ عَبْدٍ، فَأَعْتَقَ رُبْعَهُ، فَيُكَمَّلُ عَلَيْهِ الرُّبْعُ الْآخَرُ، وَيُقَوَّمُ عَلَيْهِ النِّصْفُ الَّذِي لِشَرِيكِهِ. وَعِتْقُ مَنْ سَيِّدُهُ يُمَثِّلُ ... بِهِ إذَا مَا شَانَهُ يُبَتِّلُ أَشَارَ بِالْبَيْتِ لِمَسْأَلَةِ قَوْلِهِ فِي الرِّسَالَةِ: وَمَنْ مَثَّلَ بِعَبْدِهِ مُثْلَةً بَيِّنَةً مِنْ قَطْعِ جَارِحَةٍ وَنَحْوِهِ عَتَقَ عَلَيْهِ، وَلِقَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَمَنْ مَثَّلَ بِرَقِيقَةٍ عَمْدًا مُثْلَةَ شَيْنٍ عَتَقَ عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: وَقَطْعُ الْأُنْمُلَةِ وَالظُّفْرِ، وَشَقُّ الْأُذُنِ شَيْنٌ، وَوَسْمُ وَجْهِهِ بِالنَّارِ شَيْنٌ، وَفِي ذِرَاعِهِ وَشِبْهِهِ لَيْسَ بِشَيْنٍ، وَفِي وَشْمِ وَجْهِهِ بِغَيْرِ النَّارِ قَوْلَانِ، وَقَلْعُ الْأَسْنَانِ، وَسَحْلُهَا أَيْ بَرْدُهَا شَيْنٌ، وَفِي السِّنِّ الْوَاحِدَةِ قَوْلَانِ، وَحَلْقُ رَأْسِ الْأَمَةِ، وَلِحْيَةِ الْعَبْدِ لَيْسَ بِشَيْنٍ إلَّا فِي التَّاجِرِ الْمُحْتَرَمِ وَالْأَمَةِ الرَّفِيعَةِ، اُنْظُرْ التَّوْضِيحَ. (وَفِي الْمُقَرَّبِ) قَالَ سَحْنُونٌ قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ أَرَأَيْت إنْ أَحْرَقَ رَجُلٌ جَسَدَ عَبْدِهِ بِالنَّارِ فَقَالَ: هَذِهِ مُثْلَةٌ إذَا كَانَ عَلَى وَجْهِ التَّعْذِيبِ لَهُ، وَإِنْ كَانَ كَوَاهُ عَلَى وَجْهِ الْعِلَاجِ لِلْعَبْدِ، فَلَا عِتْقَ لَهُ. وَقَدْ سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ امْرَأَةٍ كَوَتْ فَرْجَ جَارِيَتِهَا بِالنَّارِ؟ فَقَالَ إذَا كَانَ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ التَّعْذِيبِ لَهَا، فَانْتَشَرَ وَسَاءَ مَنْظَرُهُ أُعْتِقَتْ عَلَيْهَا، وَإِنْ لَمْ يَيْبَسْ، وَيَقْبُحْ مَنْظَرُهُ فَلَا عِتْقَ لَهَا. (قَالَ سَحْنُونٌ) : وَمَنْ مَثَّلَ بِأُمِّ وَلَدِهِ أُعْتِقَتْ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ إنْ مَثَّلَ بِعَبْدٍ لِأُمِّ وَلَدِهِ أَوْ مَثَّلَ بِعَبْدِ عَبْدِهِ أُعْتِقَا عَلَيْهِ. قُلْت لَهُ: فَإِنْ مَثَّلَ بِمُكَاتَبِهِ، مِثْلُ أَنْ يَجْرَحَهُ أَوْ يَقْطَعَ يَدَهُ قَالَ: يُنْظَرُ إلَى جُرْحِهِ أَنْ لَوْ جَرَحَهُ أَجْنَبِيٌّ، فَيَكُونُ ذَلِكَ عَلَى السَّيِّدِ، فَإِنْ كَانَ قِيمَةُ الْجُرْحِ وَالْكِتَابَةِ سَوَاءً أُعْتِقَ الْعَبْدُ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ الْكِتَابَةِ كَانَ عَلَى السَّيِّدِ الْفَضْلُ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ الْكِتَابَةِ أُعْتِقَ الْعَبْدُ. (قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ) : وَمَنْ مَثَّلَ بِعَبْدِ مُكَاتَبِهِ كَانَ عَلَيْهِ مَا نَقَصَهُ إلَّا أَنْ تَكُونَ مُثْلَةً فَاسِدَةً يَضْمَنُهُ، وَيُعْتَقُ عَلَيْهِ. (قَالَ مَالِكٌ) : وَمَنْ خَصَى عَبْدَهُ أُعْتِقَ عَلَيْهِ (قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ) : وَمَنْ مَثَّلَ بِعَبْدِ ابْنٍ لَهُ صَغِيرٍ أُعْتِقَ وَلَزِمَتْهُ الْقِيمَةُ لِوَلَدِهِ إنْ كَانَ مَلِيًّا؛ لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ: إذَا أَعْتَقَ الرَّجُلُ عَبْدَ أَوْلَادِهِ الصِّغَارِ، وَهُوَ مَلِيٌّ جَازَ عِتْقُهُ فِيهِمْ، وَيَضْمَنُ قِيمَتَهُمْ، وَمَنْ مَثَّلَ بِعَبْدِ امْرَأَتِهِ عُوقِبَ وَضَمِنَ مَا نَقَصَ إلَّا أَنْ تَكُونَ مُثْلَةً فَاسِدَةً، فَيَضْمَنُ قِيمَتَهُمْ، وَيُعْتَقُونَ عَلَيْهِ. اهـ. وَهَذَا كُلُّهُ فِي الْعَمْدِ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ، وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْعِقَابِ، وَأَمَّا الْخَطَأُ، وَمَا قُصِدَ بِهِ الْمُدَاوَاةُ وَالْعِلَاجُ أَوْ شِبْهُ الْعَمْدِ، وَلَيْسَ بِصَرِيحِهِ مِثْلُ أَنْ يَحْذِفَ بِسَيْفٍ أَوْ سِكِّينٍ، فَيَبِينَ مِنْهُ عِنْدَ ذَلِكَ عُضْوٌ، فَلَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ نَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ اللَّخْمِيِّ. (وَفِي الْمُقَرَّبِ) قَالَ مَالِكٌ وَمَا أَصَابَ بِهِ الْمَرْءَ عَبْدَهُ عَلَى غَيْرِ تَعَمُّدٍ مِثْلُ أَنْ يَضْرِبَهُ عَلَى وَجْهِ الْأَدَبِ فَيَفْقَأُ عَيْنَهُ أَوْ يَكْسِرَ يَدَهُ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الْقَطْعِ وَالشَّلَلِ لَمْ يُعْتَقْ عَلَيْهِ. اهـ. وَهَذَا أَيْضًا إذَا كَانَ الَّذِي مَثَّلَ بِعَبْدِهِ رَشِيدًا لَا حَجْرَ عَلَيْهِ، أَمَّا إنْ كَانَ سَفِيهًا، فَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَفِي مُثْلَةِ السَّفِيهِ قَوْلَانِ (قَالَ فِي التَّوْضِيحِ) : قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ: عَلَيْهِ عِتْقٌ عِنْدَ ابْنِ وَهْبٍ وَأَشْهَبَ وَأَصْبَغَ، وَلَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَانْظُرْ ابْنَ الْحَاجِبِ وَالتَّوْضِيحَ عَلَى مُثْلَةِ الزَّوْجَةِ لِعَبْدِهَا وَالْعَبْدِ وَالْمِدْيَانِ بِعَبْدَيْهِمَا وَقَوْلُ النَّاظِمِ عِتْقُ هُوَ مَصْدَرٌ مُضَافٌ لِلْمَفْعُولِ وَمَنْ: وَاقِعَةٌ

عَلَى الْعَبْدِ، وَيُمَثِّلُ بِتَشْدِيدِ الثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ مِنْ الْمُثْلَةِ، وَهِيَ الْعُقُوبَةُ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَمَا بَعْدَ إذَا زَائِدَةٌ وَيُبَتِّلُ: خَبَرُ عِتْقُ. (تَنْبِيهَانِ الْأَوَّلُ) : لَمْ يُقَيِّدْ النَّاظِمُ الْمُمَثِّلَ بِعَبْدِهِ بِكَوْنِهِ رَشِيدًا مُتَعَمِّدًا، وَلَا بُدَّ مِنْ التَّقْيِيدِ بِذَلِكَ كَمَا مَرَّ. (الثَّانِي) : قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ خَوَاصُّ الْعِتْقِ السِّرَايَةُ وَالْعِتْقُ بِالْقَرَابَةِ وَالْمُثْلَةُ، وَالْحَجْرُ عَلَى الْمَرِيضِ فِي الزَّائِدِ عَلَى الثُّلُثِ وَالْقُرْعَةُ وَالْوَلَاءُ (التَّوْضِيحُ) الْخَاصَّةُ الْوَصْفُ الْمُخْتَصُّ بِالْمَاهِيَّةِ. اهـ. فَالسِّرَايَةُ فِيمَنْ أَعْتَقَ بَعْضَ عَبْدِهِ أَوْ أَعْتَقَ جُزْءًا لَا يَمْلِكُ مِنْ الْعَبْدِ سَوَاءٌ، وَتَقَدَّمَ هَذَانِ فِي الْبَيْتَيْنِ قَبْل هَذَا الْعِتْقُ بِالْقَرَابَةِ لَمْ يَذْكُرْهُ النَّاظِمُ، وَقَالَ فِي الرِّسَالَةِ، وَمَنْ مَلَكَ أَبَوَيْهِ أَوْ أَحَدَ وَلَدِهِ أَوْ إحْدَى بَنَاتِهِ أَوْ جَدِّهِ أَوْ جَدَّتِهِ أَوْ أَخَاهُ لِأَبٍ أَوْ لِأُمٍّ أَوْ لَهُمَا: عَتَقَ عَلَيْهِ وَالْمُثْلَةُ هِيَ الْمَذْكُورَةُ فِي هَذَا الْبَيْتِ، وَأَمَّا الْحَجْرُ عَلَى الْمَرِيضِ وَالْقُرْعَةُ، فَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ، وَلَيْسَ الْحَجْرُ عَلَى الْمَرِيضِ فِي الزَّائِدِ عَلَى الثُّلُثِ خَاصَّةً بِالْعِتْقِ، بَلْ فِيهِ وَفِي غَيْرِهِ، وَكَذَلِكَ الْقُرْعَةُ تَأْتِي فِي قِسْمَةِ الْمُشْتَرَكِ، وَالْقِسْمَةِ بَيْنَ الزَّوْجَاتِ. اهـ. وَالْقُرْعَةُ فِي الْعِتْقِ هِيَ فِيمَنْ أَعْتَقَ عَبِيدًا دَفْعَةً فِي مَرَضِهِ أَوْ أَوْصَى بِعِتْقِهِمْ، وَلَمْ يَحْمِلْهُمْ الثُّلُثُ أَوْ أَوْصَى بِعِتْقِ ثُلُثِهِمْ أَوْ أَوْصَى بِعَدَدٍ سَمَّاهُ وَعَبِيدُهُ أَكْثَرُ وَالْوَلَاءُ لَا إشْكَالَ إنَّهُ مِنْ خَوَاصِّ الْعِتْقِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) رَوَى سَحْنُونٌ أَنَّ الْمَرْأَةَ تَطْلُقُ بِمُثْلَةِ الْعِتْقِ طَلْقَةً بَائِنَةً مَخَافَةَ أَنْ يَعُودَ، وَقِيلَ ثَلَاثًا، وَقِيلَ: لَا تَطْلُقُ اُنْظُرْ التَّوْضِيحَ. وَمَنْ بِمَالٍ عِتْقُهُ مُنَجَّمِ ... يَكُونُ عَبْدًا مَعْ بَقَاءِ دِرْهَمِ يَعْنِي أَنَّ الْعَبْدَ إذَا أَعْتَقَهُ سَيِّدُهُ عَلَى مَالٍ مُنَجَّمٍ أَيْ يَدْفَعُ شَيْئًا فَشَيْئًا، وَهُوَ الْمُكَاتَبُ، فَإِنَّهُ لَا يَخْرُجُ حُرًّا حَتَّى يَدْفَعَ جَمِيعَ مَا عَلَيْهِ، وَلَا يَزَالُ قِنًّا، وَلَوْ لَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ إلَّا دِرْهَمٌ وَاحِدٌ حَتَّى يَدْفَعَهُ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ فِي الرِّسَالَةِ وَغَيْرِهَا، وَالْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ (، وَقَالَ فِي الْمُقَرَّبِ) : عَنْ ابْنِ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَأُمِّ سَلَمَةَ: أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ: الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ كِتَابَتِهِ دِرْهَمٌ. اهـ. وَمَنْ: مَوْصُولٌ مُبْتَدَأٌ وَصِلَتُهُ عِتْقُهُ بِمَالٍ، وَمُنَجَّمِ: صِفَةُ مَالٍ، وَجُمْلَةُ يَكُونُ عَبْدًا خَبَرُ مَنْ. وَالْقَوْلُ لِلسَّيِّدِ فِي مَالٍ حَصَلْ ... الْخُلْفُ فِي جِنْسٍ وَقَدْرٍ وَأَجَلْ يَعْنِي أَنَّهُ إذَا اخْتَلَفَ الْمُكَاتَبُ وَسَيِّدُهُ، فَادَّعَى الْمُكَاتَبُ أَنَّهُ دَفَعَ لِلسَّيِّدِ الْكِتَابَةَ، وَأَنْكَرَ السَّيِّدُ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ السَّيِّدِ مَعَ يَمِينِهِ، وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ قَوْلُهُ إذَا اخْتَلَفَا فِي الْكِتَابَةِ وَعَدَمِهَا، وَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ، كَمَا يَأْتِي، وَلَيْسَ هَذَا الْفَرْعُ الثَّانِي فِي كَلَامِ النَّاظِمِ، وَاخْتُلِفَ فِيمَا اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الْمَالِ الْمُكَاتَبِ بِهِ أَوْ فِي جِنْسِهِ أَوْ فِي الْأَجَلِ، وَهُوَ مُحْتَمِلٌ الثَّلَاثَةَ أَوْجُهٍ فِي وُجُودِهِ وَعَدَمِهِ، وَفِي قَدْرِهِ، وَفِي حُلُولِهِ، وَفِي عَدَمِ حُلُولِهِ، هَلْ الْقَوْلُ قَوْلُ السَّيِّدِ أَيْضًا مَعَ يَمِينِهِ أَوْ قَوْلُ الْعَبْدِ؟ (ابْنُ الْحَاجِبِ) ، وَإِذَا تَنَازَعَا فِي الْكِتَابَةِ وَالْأَدَاءِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ السَّيِّدِ (التَّوْضِيحُ) يَعْنِي إذَا ادَّعَى الْعَبْدُ أَنَّ السَّيِّدَ كَاتَبَهُ، وَأَنْكَرَ السَّيِّدُ أَوْ ادَّعَى الْمُكَاتَبُ دَفْعَ الْكِتَابَةِ، وَأَنْكَرَ السَّيِّدُ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ السَّيِّدِ فِيهِمَا؛ لِأَنَّهُ مُدَّعًى عَلَيْهِ إذْ الْأَصْلُ عَدَمُ الْكِتَابَةِ وَالْأَدَاءِ

باب في الرشد والأوصياء والحجر والوصية والإقرار والدين والفلس

وَلَا يَمِينَ عَلَى السَّيِّد فِي الْأُولَى، وَيَنْبَغِي أَنْ يَحْلِفَ فِي الثَّانِيَةِ، فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْمُكَاتَبُ، وَعَتَقَ. اهـ. وَإِنَّمَا لَمْ يَحْلِفْ السَّيِّدُ فِي إنْكَارِهِ الْكِتَابَةَ؛ لِأَنَّهَا مِمَّا لَا يَثْبُتُ إلَّا بِعَدْلَيْنِ، فَلَا يَمِينَ بِمُجَرَّدِهَا (ابْنُ الْحَاجِبِ) ، وَيَثْبُتُ الْأَدَاءُ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ، وَإِنْ عَتَقَ بِهِ بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَإِذَا تَنَازَعَا فِي قَدْرِهَا أَوْ جِنْسِهَا أَوْ أَجَلِهَا، فَفِي قَبُولِ قَوْلِ الْمُكَاتَبِ أَوْ السَّيِّدِ قَوْلَانِ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ. (التَّوْضِيحُ) ، أَمَّا اخْتِلَافُهُمَا فِي الْقَدْرِ، فَكَمَا إذَا قَالَ السَّيِّدُ: بِأَلْفٍ وَقَالَ الْمُكَاتَبُ: بِتِسْعِمِائَةٍ، ثُمَّ قَالَ: وَأَمَّا اخْتِلَافُهُمَا فِي الْجِنْسِ، فَكَمَا لَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا: بِثِيَابٍ وَقَالَ الْآخَرُ: بِخِلَافِهَا، ثُمَّ قَالَ: وَأَمَّا اخْتِلَافُهُمَا فِي الْأَجَلِ فَكَلَامُهُ مُحْتَمَلٌ؛ لَأَنْ يَكُونَ اخْتِلَافُهُمَا فِي وُجُودِهِ وَعَدَمِهِ أَوْ فِي قَدْرِهِ أَوْ فِي حُلُولِهِ. اهـ. بِاخْتِصَارٍ، وَإِلَى هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَشَارَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ فِي مُخْتَصَرِهِ بِقَوْلِهِ: وَالْقَوْلُ لِلسَّيِّدِ فِي الْكِتَابَةِ وَالْأَدَاءِ لَا الْقَدْرِ وَالْأَجَلِ وَالْجِنْسِ، وَقَوْلُ النَّاظِمِ فِي مَالٍ حَصَلْ، حَصَلْ صِفَةُ مَالٍ أَيْ حَصَلَ بِيَدِ السَّيِّدِ لِقَبْضِهِ إيَّاهُ بِزَعْمِ الْعَبْدِ. وَحُكْمُهُ كَالْحُرِّ فِي التَّصَرُّفِ ... وَمَنْعُ رَهْنٍ وَضَمَانٍ اُقْتُفِيَ اشْتَمَلَ الْبَيْتُ عَلَى مَسْأَلَتَيْنِ: (الْأُولَى) : أَنَّ حُكْمَ الْمُكَاتَبِ فِي تَصَرُّفَاتِهِ كَالْحُرِّ قَالَ الشَّارِحُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَقُولُ: وَالْمُكَاتَبُ، وَإِنْ كَانَتْ تَصَرُّفَاتُهُ كَالْحُرِّ، فَهُوَ فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهِ كَالْعَبْدِ، فَفِي الْمُقَرَّبِ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ عَنْ زَيْدٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: الْمُكَاتَبُ بِمَنْزِلَةِ الْعَبْدِ فِي شَهَادَتِهِ، وَفِي حَدٍّ إنْ أَصَابَهُ، وَلَا يَرِثُ الْمُكَاتَبُ وَلَدَهُ الْحُرَّ إنْ كَانَ لَهُ، وَلَا غَيْرَهُ مِنْ ذَوِي رَحِمِهِ، وَلَا تَجُوزُ وَصِيَّتُهُ فِي ثُلُثِهِ وَسَيِّدُهُ أَوْلَى بِمِيرَاثِهِ. اهـ. (ابْنُ عَرَفَةَ) تَصَرُّفُ الْمُكَاتَبِ كَالْحُرِّ إلَّا فِي إخْرَاجِ مَالٍ لَا عَنْ عِوَضٍ (وَفِي مُخْتَصَرِ الشَّيْخِ خَلِيلٍ) ، وَلِلْمُكَاتَبِ بِلَا إذْنٍ بَيْعٌ وَشِرَاءٌ وَمُشَارَكَةٌ وَمُقَارَضَةٌ وَمُكَاتَبَةٌ وَاسْتِخْلَافُ عَاقِدٍ لِأَمَتِهِ وَإِسْلَامِهَا أَوْ فِدَائِهَا، إنْ جُنَّتْ بِالنَّظَرِ، وَسَفَرٌ لَا يَحِلُّ فِيهِ نَجْمٌ، وَإِقْرَارٌ فِي رَقَبَتِهِ وَإِسْقَاطُ شُفْعَتِهِ لَا عِتْقَ، وَإِنْ قَرِيبًا وَهِبَةٌ وَصَدَقَةٌ وَتَزْوِيجٌ وَإِقْرَارٌ بِجِنَايَةِ خَطَأٍ وَسَفَرٌ بَعِيدٍ، إلَّا بِإِذْنٍ. (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) فِي الْبَيْتِ أَنَّ الْمُكَاتَبَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ رَهْنٌ أَوْ ضَمَانٌ فِي دَيْنِ الْكِتَابَةِ (قَالَ فِي الْمُقَرَّبِ) : وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُكَاتِبَهُ، وَيَرْتَهِنَ الرَّهْنَ مِنْ غَيْرِ مُكَاتَبَةٍ، فَيَكُونَ كَالْحَمَالَةِ وَالْحَمَالَةُ لَا تَجُوزُ فِي الْكِتَابَةِ (ابْنُ وَهْبٍ) قَالَ مَالِكٌ وَمَنْ كَاتَبَ عَبْدَهُ عَلَى أَنْ تَحَمَّلَ لَهُ رَجُلٌ بِالْكِتَابَةِ إنْ مَاتَ الْعَبْدُ أَوْ عَجَزَ فَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ سُنَّةِ الْكِتَابَةِ؛ وَلِأَنَّ الْكِتَابَةَ لَيْسَتْ بِدَيْنٍ ثَابِتٍ فَيَتَحَمَّلُ السَّيِّدُ بِهَا أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُكَاتَبَ إنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ لَمْ يُخَلِّصْ السَّيِّدُ الْغُرَمَاءَ بِالْكِتَابَةِ. وَإِنْ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ، كَانَتْ دُيُونُ النَّاسِ فِي ذِمَّتِهِ، وَلَا يَدْخُلُونَ مَعَ سَيِّدِهِ فِي رَقَبَتِهِ انْتَهَى. ابْنُ شَاسٍ مِنْ شُرُوطِ الْمَضْمُونِ أَنْ يَكُونَ حَقًّا ثَابِتًا مُسْتَقِرًّا أَوْ مَآلُهُ إلَى ذَلِكَ، فَلَا تَصِحُّ الْحَمَالَةُ بِالْكِتَابَةِ إذْ لَيْسَتْ بِدَيْنٍ ثَابِتٍ مُسْتَقِرٍّ، وَلَا تَئُولُ إلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ إذَا عَجَزَ رُقَّ؛ وَانْفَسَخَتْ الْكِتَابَةُ ا. هـ. (الْمَوَّاقُ) قِيلَ: ثَمَانِيَةٌ لَا يَجُوزُ التَّحَمُّلُ بِهَا الْكِتَابَةُ وَالصَّرْفُ وَالْقِصَاصُ وَالْحُدُودُ وَالتَّعْزِيرُ وَالْبَيْعُ بِعَيْنِهِ وَعَمَلُ أَجِيرٍ يَعْمَلُ بِنَفَقَتِهِ وَحَمُولَةُ دَابَّةٍ بِعَيْنِهَا. اهـ. (قَالَ مُقَيِّدُهُ عَفَا اللَّهُ عَنْهُ) : وَقَدْ كُنْت قُلْت فِي هَذِهِ النَّظَائِرِ: وَامْنَعْ ضَمَانًا فِي ثَمَانٍ فَاعْلَمْ ... حَدٌّ وَتَعْزِيرٌ قِصَاصٌ فِي دَمِ صَرْفٌ كِتَابَةٌ وَفِيمَا عَيَّنَا ... مَبِيعًا أَوْ حَمْلًا وَصُنْعًا فَافْطِنَا. [بَابُ فِي الرُّشْدِ وَالْأَوْصِيَاءِ وَالْحَجْرِ وَالْوَصِيَّةِ وَالْإِقْرَارِ وَالدَّيْنِ وَالْفَلَسِ] ِ جَمَعَ فِي هَذِهِ التَّرْجَمَةِ بَيْنَ سَبْعَةِ أَبْوَابٍ ثُمَّ فَصَلَ بَعْضَهَا مِنْ بَعْضٍ بِالْفُصُولِ وَبَدَأَ بِبَيَانِ الرُّشْدِ فَقَالَ الرُّشْدُ حِفْظُ الْمَالِ مَعَ حُسْنِ النَّظَرْ ... وَبَعْضُهُمْ لَهُ الصَّلَاحُ مُعْتَبَرْ يَعْنِي أَنَّ حَقِيقَةَ الرُّشْدِ هِيَ حِفْظُ الْمَالِ مَعَ حُسْنِ النَّظَرِ فِيهِ وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ فِي الْمَذْهَبِ وَهُوَ قَوْلُ

ابْنِ الْقَاسِمِ وَعَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ زَادَ فِيهَا صَلَاحَ الْحَالِ أَيْضًا فَهِيَ عِنْدَهُ حِفْظُ الْمَالِ وَحُسْنُ النَّظَرِ فِيهِ وَصَلَاحُ الْحَالِ وَهُوَ قَوْلُ أَشْهَبَ قَالَ (ابْنُ سَلْمُونٍ) الرُّشْدُ هُوَ حِفْظُ الْمَالِ وَحُسْنُ النَّظَرِ فِيهِ وَاخْتُلِفَ هَلْ مِنْ شَرْطِهِ الصَّلَاحُ فِي الدِّينِ أَمْ لَا عَلَى قَوْلَيْنِ قَالَ الْمَدَنِيُّونَ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ الرُّشْدُ هُوَ صِحَّةُ الْعَقْلِ وَصَلَاحُ الدِّينِ وَتَثْمِيرُ الْمَالِ وَحِفْظُهُ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إذَا أَثْمَرَ مَالَهُ وَحَاطَهُ اسْتَوْجَبَ اسْمَ الرُّشْدِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَرْضِيِّ الْحَالِ وَبِذَلِكَ الْحُكْمُ. اهـ. مِنْ الشَّارِحِ وَيَأْتِي لِلنَّاظِمِ آخِرَ الْبَابِ مَا يُوَافِقُ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ حَيْثُ قَالَ: وَصَالِحٌ لَيْسَ يُجِيدُ النَّظَرَا ... فِي الْمَالِ إنْ خِيفَ الضَّيَاعُ حُجِرَا وَشَارِبُ الْخَمْرِ إذَا مَا ثَمَّرَا ... لِمَا يَلِي مِنْ مَالِهِ لَنْ يُحْجَرَا وَلَازِمٌ لَهُ مِنْ قَوْلِ النَّاظِمِ لَهُ الصَّلَاحُ بِمَعْنَى مَعَ وَقَدْ حَكَاهُ فِي الْمُغْنِي عَنْ بَعْضِهِمْ وَالضَّمِيرُ الْمَجْرُورُ بِاللَّامِ يَعُودُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ مِنْ حِفْظِ الْمَالِ وَحُسْنِ النَّظَرِ فِيهِ. وَالِابْنُ مَا دَامَ صَغِيرًا لِلْأَبِ ... إلَى الْبُلُوغِ حَجْرُهُ فِيمَا اُجْتُبِيَ إنْ ظَهَرَ الرُّشْدُ وَلَا قَوْلَ لِأَبْ ... وَبَالِغٌ بِالْعَكْسِ حَجْرَهُ وَجَبْ كَذَاك مَنْ أَبُوهُ حَجْرًا جَدَّدَا ... عَلَيْهِ فِي فَوْرِ الْبُلُوغِ مُشْهِدَا وَبَالِغٌ وَحَالُهُ قَدْ جُهِلَا ... عَلَى الرَّشَادِ حَمْلُهُ وَقِيلَ لَا وَإِنْ يَمُتْ أَبٌ وَقَدْ وَصَّى عَلَى ... مُسْتَوْجِبٍ حَجْرًا مَضَى مَا فَعَلَا تَكَلَّمَ فِي هَذِهِ الْأَبْيَاتِ وَفِيمَا بَعْدَهَا عَلَى مَا يَخْرُجُ بِهِ الْوَلَدُ مِنْ الْوِلَايَةِ وَيَصِيرُ رَشِيدًا لَا حَجْرَ عَلَيْهِ لِأَحَدٍ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى فِي حَيَاةِ أَبِيهِ أَوْ بَعْدَ مَوْتِهِ. وَقَدْ وَصَّى عَلَيْهِ أَوْ تَرَكَهُ مُهْمَلًا فَأَخْبَرَ أَنَّ الِابْنَ مَا دَامَ صَغِيرًا غَيْرَ بَالِغٍ وَأَبُوهُ حَيٌّ فَإِنَّهُ مَحْجُورٌ لِأَبِيهِ وَتَحْتَ وِلَايَتِهِ فَإِذَا بَلَغَ نُظِرَ فِيهِ فَإِنْ ظَهَرَ رُشْدُهُ خَرَجَ مِنْ الْوِلَايَةِ وَلَا قَوْلَ لِأَبِيهِ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ ظَهَرَ سَفَهُهُ وَجَبَ اسْتِمْرَارُ الْحَجْرِ عَلَيْهِ، وَكَذَا يَسْتَمِرُّ عَلَيْهِ الْحَجْرُ إذَا جَدَّدَ أَبُوهُ عَلَيْهِ الْحَجْرَ فِي فَوْرِ الْبُلُوغِ وَأَشْهَدَ عَلَى ذَلِكَ وَأَمَّا إنْ بَلَغَ مَجْهُولَ الْحَالِ بِحَيْثُ لَمْ يُتَبَيَّنْ رُشْدُهُ وَلَا سَفَهُهُ فَهَلْ يُحْمَلُ عَلَى الرَّشَادِ أَوْ عَلَى السَّفَهِ قَوْلَانِ وَكَذَا يَسْتَمِرُّ الْحَجْرُ عَلَيْهِ إذَا مَاتَ أَبُوهُ وَكَانَ قَدْ أَوْصَى عَلَيْهِ فِي وَقْتٍ يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي مُقَدِّمَاتِهِ أَمَّا الِابْنُ فَهُوَ فِي وِلَايَةِ أَبِيهِ مَا دَامَ صَغِيرًا لَا يَجُوزُ لَهُ فِعْلٌ إلَّا بِإِذْنِهِ وَلَا هِبَةٌ وَلَا صَدَقَةٌ. وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بِإِذْنِهِ فَإِذَا بَلَغَ فَلَا يَخْلُو أَمْرُهُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ: أَحَدُهَا أَنْ يَكُونَ مَعْلُومَ الرُّشْدِ. وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مَعْلُومَ السَّفَهِ. وَالثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ مَجْهُولَ الْحَالِ لَا يُعْلَمُ رُشْدُهُ مِنْ سَفَهِهِ فَأَمَّا إذَا كَانَ مَعْلُومَ الرُّشْدِ فَأَفْعَالُهُ كُلُّهَا جَائِزَةٌ لَيْسَ لِلْأَبِ أَنْ يَرُدَّ شَيْئًا مِنْهَا وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ عَلَى إطْلَاقِهِ مِنْ الْوِلَايَةِ فَقَدْ خَرَجَ مِنْهَا بِبُلُوغِهِ مَعَ مَا ظَهَرَ مِنْ رُشْدِهِ وَأَمَّا إنْ كَانَ مَعْلُومًا بِالسَّفَهِ فَلَا يُخْرِجُهُ الِاحْتِلَامُ مِنْ وِلَايَةِ أَبِيهِ وَأَفْعَالُهُ كُلُّهَا مَرْدُودَةٌ غَيْرُ جَائِزَةٍ

وَأَمَّا إنْ كَانَ مَجْهُولَ الْحَالِ لَا يُعْلَمُ رُشْدُهُ مِنْ سَفَهِهِ فَاخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى السَّفَهِ حَتَّى يَثْبُتَ رُشْدُهُ، وَهُوَ نَصُّ رِوَايَةِ يَحْيَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي كِتَابِ الصَّدَقَاتِ وَالْهِبَاتِ قَالَ فِيهَا: وَلَيْسَ الِاحْتِلَامُ بِاَلَّذِي يُخْرِجُهُ مِنْ وِلَايَةِ أَبِيهِ حَتَّى يُعْرَفَ حَالُهُ وَيَشْهَدَ الْعُدُولُ عَلَى صَلَاحِ أَمْرِهِ وَهُوَ ظَاهِرُ سَائِرِ الرِّوَايَاتِ عَنْهُ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الرُّشْدِ حَتَّى يَثْبُتَ سَفَهُهُ وَيَخْرُجُ بِالِاحْتِلَامِ مِنْ وِلَايَةِ أَبِيهِ إذَا لَمْ يُعْرَفْ سَفَهُهُ وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ رُشْدُهُ. رَوَى ذَلِكَ زِيَادٌ عَنْ مَالِكٍ وَهُوَ ظَاهِرُ مَا وَقَعَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ النِّكَاحِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ مِنْ قَوْلِهِ إذَا احْتَلَمَ الْغُلَامُ فَلَهُ أَنْ يَذْهَبَ حَيْثُ شَاءَ إلَّا أَنْ يَتَأَوَّلَ أَنَّهُ أَرَادَ بِنَفْسِهِ لَا بِمَالِهِ كَمَا تَأَوَّلَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ. (وَفِي الْمُتَيْطِيَّةِ) وَأَمَّا إذَا ذَهَبَ الْأَبُ إلَى تَسْفِيهِ ابْنِهِ الْبَالِغِ عِنْدَ حَدَاثَةِ بُلُوغِهِ جَازَ ذَلِكَ. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي مُقَدِّمَاتِهِ فَإِنْ مَاتَ الْأَبُ وَهُوَ صَغِيرٌ وَأَوْصَى بِهِ إلَى أَحَدٍ أَوْ قَدَّمَ عَلَيْهِ السُّلْطَانُ فَلَا يَخْرُجُ مِنْ وِلَايَةِ مَنْ هُوَ وَصِيُّ أَبِيهِ أَوْ مُقَدَّمُ السُّلْطَانِ حَتَّى يُخْرِجَهُ مِنْهَا الْوَصِيُّ أَوْ السُّلْطَانُ إنْ كَانَ الْوَصِيُّ هُوَ مُقَدَّمًا مِنْ قِبَلِهِ وَأَفْعَالُهُ كُلُّهَا مَرْدُودَةٌ، وَإِنْ عُلِمَ رُشْدُهُ مَا لَمْ يُطْلَقْ مِنْ الْحَجْرِ. اهـ وَقِيلَ: إنَّ مَعَ الْوَصِيِّ كَحَالِهِ مَعَ الْأَبِ، وَإِنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ وِلَايَتِهِ إذَا عُرِفَ رُشْدُهُ أَوْ جُهِلَ حَالُهُ عَلَى الِاخْتِلَافِ الْمُتَقَدِّمِ وَإِنَّمَا الْأَوْصِيَاءُ بِسَبَبِ الْآبَاءِ فَلَا يَكُونُونَ أَشَدَّ حَالًا مِنْهُمْ وَأَمَّا ابْنُ الْقَاسِمِ فَمَذْهَبُهُ أَنَّ الْوِلَايَةَ عَلَيْهِ لَا يُعْتَبَرُ ثُبُوتُهَا إذَا عُلِمَ الرُّشْدُ وَلَا بِسُقُوطِهَا إذَا عُلِمَ السَّفَهُ وَقَدْ رَوَى أَيْضًا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ وَرَوَى زُونَانُ أَيْضًا عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ: إنْ تَثْبُتْ عَلَيْهِ وِلَايَةٌ فَلَا تَجُوزُ أَفْعَالُهُ حَتَّى يُطْلَقَ مِنْهَا، وَإِنْ ظَهَرَ رُشْدُهُ مِثْلُ قَوْلِ مَالِكٍ وَكِبَارِ أَصْحَابِهِ مِنْ ابْنِ سَلْمُونٍ وَظَاهِرُ سِيَاقِهِ أَنَّهُ لِابْنِ رُشْدٍ وَقَدْ اشْتَمَلَتْ أَبْيَاتُ النَّاظِمِ الْخَمْسَةُ عَلَى حَالِ الِابْنِ فِي حَيَاةِ أَبِيهِ أَوْ بَعْدَ مَوْتِهِ إذَا أَوْصَى عَلَيْهِ يَأْتِي لِلنَّاظِمِ الْكَلَامُ عَلَيْهِ إذَا تَرَكَهُ مُهْمَلًا. وَقَوْلُهُ آخِرَ الْبَيْتِ الْأَوَّلِ فِيمَا اُجْتُبِيَ أَيْ اُخْتِيرَ وَانْظُرْ هَلْ ثَمَّ قَوْلٌ آخَرُ غَيْرُ مُجْتَبًى أَوْ لَا وَقَوْلُهُ وَلَا قَوْلَ لِأَبٍ أَيْ إذَا أَرَادَ رَدَّ أَفْعَالِهِ وَقَدْ ظَهَرَ رُشْدُهُ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ أَوَّلَ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ فَتَقَدَّمَ قَرِيبًا وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ مُشْهِدًا أَنَّهُ إذَا ادَّعَى تَجْدِيدَ الْحَجْرِ عَلَى وَلَدِهِ وَلَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ بِإِشْهَادٍ فَلَا تُقْبَلُ دَعْوَاهُ وَهُوَ كَذَلِكَ وَفُهِمَ أَيْضًا مِنْ قَوْلِهِ وَقَدْ وَصَّى عَلَى مُسْتَوْجِبٍ حَجْرًا أَيْ عَلَى مَنْ كَانَ وَقْتَ الْإِيصَاءِ عَلَيْهِ فِي حَجْرِ أَبِيهِ أَنَّهُ لَوْ أَوْصَى عَلَيْهِ بَعْدَ بُلُوغِهِ وَظُهُورِ رُشْدِهِ فَلَا عِبْرَةَ بِذَلِكَ الْإِيصَاءِ وَلَا يَلْزَمُهُ حُكْمُهُ لِخُرُوجِهِ مِنْ وِلَايَةِ أَبِيهِ إذْ ذَاكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَيَكْتَفِي الْوَصِيُّ بِالْإِشْهَادِ ... إذَا رَأَى مَخَايِلَ الرَّشَادِ يَعْنِي: أَنَّ الْوَصِيَّ أَيْ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ إذَا رَأَى مِنْ الْمَحْجُورِ مَخَايِلَ الرَّشَادِ مِنْ صَلَاحِ الْحَالِ وَحُسْنِ التَّصَرُّفِ وَأَرَادَ تَرْشِيدَهُ فَإِنَّهُ يَكْتَفِي فِي ذَلِكَ بِأَنْ يُشْهِدَ عَلَى نَفْسِهِ أَنَّهُ رَشَّدَهُ وَأَطْلَقَهُ مِنْ ثِقَافِ الْحَجْرِ وَلَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ وِلَايَةٌ لِأَحَدٍ يَعْنِي وَلَا يَحْتَاجُ إلَى إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى رَشَادِهِ وَحُسْنِ تَصَرُّفِهِ قَالَ فِي (الْمُقَدِّمَاتِ) وَأَمَّا وَصِيُّ الْأَبِ فَإِطْلَاقُهُ جَائِزٌ وَهُوَ مُصَدَّقٌ فِيمَا يَذْكُرُ مِنْ حَالِهِ وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ ذَلِكَ إلَّا مِنْ

قَوْلِهِ (ابْنُ سَلْمُونٍ) وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ إطْلَاقُهُ إلَّا أَنْ يُعْرَفَ رُشْدُهُ. رَوَى ذَلِكَ أَصْبَغُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ. اهـ. (قَالَ الشَّارِحُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) مَا حَاصِلُهُ إنَّمَا حَمَلْنَا كَلَامَ النَّاظِمِ عَلَى وَصِيِّ الْأَبِ؛ لِأَنَّ كَلَامَ النَّاظِمِ قَبْلَ هَذَا الْبَيْتِ يَلِيهِ فِي وَصِيِّ الْأَبِ وَكَلَامَهُ فِي الْبَيْتِ بَعْدَ هَذَا فِي مُقَدَّمِ الْقَاضِي أَوْ فِي وَصِيِّ الْأَبِ إذَا لَمْ يَرَ مَخَايِلَ الرَّشَادِ وَنَازَعَ فِي التَّرْشِيدِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ عَلَّقَ تَرْشِيدَهُ عَلَى إثْبَاتِ مُوجِبِ التَّرْشِيدِ فَلَوْ حُمِلَ كَلَامُهُ فِي هَذَا الْبَيْتِ عَلَى شُمُولِ الْوَصِيِّ الْأَبَ حَيْثُ يَرَى مَخَايِلَ الرَّشَادِ وَلِمُقَدَّمِ الْقَاضِي كَذَلِكَ لَنَاقَضَ كَلَامُهُ هُنَا مَا بَعْدَهُ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ هُنَا أَنَّهُ يُكْتَفَى بِالْإِشْهَادِ، وَفِي الْبَيْتِ بَعْدَهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ إثْبَاتِ مُوجِبِ التَّرْشِيدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَفِي ارْتِفَاعِ الْحَجْرِ مُطْلَقًا يَجِبْ ... إثْبَاتُ مُوجِبٍ لِتَرْشِيدٍ طُلِبْ وَيَسْقُطُ الْإِعْذَارُ فِي التَّرْشِيدِ ... حَيْثُ وَصِيُّهُ مِنْ الشُّهُودِ يَعْنِي أَنَّهُ يَجِبُ فِي ارْتِفَاعِ الْحَجْرِ عَنْ الْمَحْجُورِ وَهُوَ التَّرْشِيدُ إثْبَاتُ مُوجِبِ التَّرْشِيدِ وَهُوَ شَهَادَةُ الْبَيِّنَةِ بِرُشْدِهِ وَحُسْنِ حَالِهِ وَأَنَّهُ مِمَّنْ لَا يُخْدَعُ فِي بَيْعٍ وَلَا ابْتِيَاعٍ وَمِمَّنْ يَجِبُ أَنْ يُرَشَّدَ وَيُطْلَقَ مِنْ ثِقَافِ الْحَجْرِ وَهَذَا فِي وَصِيِّ الْأَبِ إذَا لَمْ يَرَ مَخَايِلَ الرَّشَادِ فِي التَّرْشِيدِ وَفِي مُقَدَّمِ الْقَاضِي وَبِهَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ فَسَّرَ الشَّارِحُ الْإِطْلَاقَ فِي كَلَامِ النَّاظِمِ وَأَمَّا وَصِيُّ الْأَبِ إذَا رَأَى مَخَايِلَ الرَّشَادِ فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْبَيْتَيْنِ قَبْلَ هَذَيْنِ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ لِإِثْبَاتِ مُوجِبِ التَّرْشِيدِ، وَأَنَّهُ مُصَدَّقٌ فِي ذَلِكَ. وَحَيْثُ اُحْتِيجَ إلَى إثْبَاتِ الرُّشْدِ فَيَسْتَكْثِرُ مِنْ الشُّهُودِ كَمَا يَأْتِي لِلنَّاظِمِ حَيْثُ قَالَ: وَالشَّأْنُ الْإِكْثَارُ مِنْ الشُّهُودِ ... فِي عَقْدَيْ التَّسْفِيهِ وَالتَّرْشِيدِ (قَالَ فِي طُرَرِ ابْنِ عَاتٍ) وَفِي الْكَافِي لِابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ إذَا بَلَغَ الْمَحْجُورُ مَبْلَغَ الرِّجَالِ وَأُونِسَ مِنْهُ الرُّشْدُ دُفِعَ إلَيْهِ مَالُهُ، وَإِنْ طَلَبَ تَرْشِيدَ نَفْسِهِ سُمِعَ مِنْ بَيِّنَتِهِ فَإِذَا شُهِدَ لَهُ شَهَادَةً فِيهَا بَعْضُ الِاسْتِفَاضَةِ بِالرُّشْدِ وَحُسْنِ النَّظَرِ وَالضَّبْطِ لِمَالِهِ أُطْلِقَ مِنْ الْوِلَايَةِ وَجَازَ أَمْرُهُ وَفِعْلُهُ فَانْظُرْهُ وَفِي (الْمُتَيْطِيَّةِ) فَإِنْ كَانَ الْوَصِيُّ مِمَّنْ يُقِرُّ لِلْيَتِيمِ بِالرَّشَادِ كَانَ أَقْرَبَ لَهُ وَأَسْهَلَ عَلَيْهِ وَأَقْرَبَ لِأَمْرِهِ فَإِنْ شَهِدَ لَهُ بِالرُّشْدِ اسْتَغْنَيْتَ عَنْ الْإِعْذَارِ إلَيْهِ لِشَهَادَتِهِ بِرُشْدِهِ. قَالَ (الشَّارِحُ) وَقَدْ دَلَّ هَذَا الْكَلَامُ بِقُوَّتِهِ أَنَّ الْوَصِيَّ إذَا لَمْ يَكُنْ شَاهِدًا فَلَا بُدَّ أَنْ يُعْذَرَ لَهُ فِيمَا ثَبَتَ لِمَحْجُورِهِ مِنْ حُكْمِ الِاسْتِرْعَاءِ، وَذَلِكَ صَحِيحٌ ثُمَّ قَالَ وَلَوْ قِيلَ إنَّ الْأَحْوَطَ فِي وَقْتِنَا هَذَا أَنْ يُعْذَرَ إلَى الْوَصِيِّ حَتَّى تَحْصُلَ مِنْ التَّرْشِيدِ بِشَهَادَةِ عَدْلَيْنِ عَلَيْهِ لَمَا بَعُدَ لِمَا حَدَثَ مِنْ رُجُوعِ كَثِيرٍ مِنْ شُهُودِ التَّرْشِيدِ إذَا ظَهَرَ فِي الْخَارِجِ مَا يُنَاقِضُهَا فَإِذَا حَضَرَ الْوَصِيُّ وَوَافَقَ ارْتَفَعَ مَا يُتَوَقَّعُ مِنْهُ. اهـ. وَأَشَارَ النَّاظِمُ بِالْبَيْتِ الثَّانِي إلَى قَوْلِ الْمُتَيْطِيِّ فَإِنْ شُهِدَ لَهُ بِالرَّشَادِ اسْتَغْنَيْت عَنْ الْإِعْذَارِ إلَيْهِ إلَخْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَالْبَالِغُ الْمَوْصُوفُ بِالْإِهْمَالِ ... مُعْتَبَرٌ بِوَصْفِهِ فِي الْحَالِ فَظَاهِرُ الرُّشْدِ يَجُوزُ فِعْلُهُ ... وَفِعْلُ ذِي السَّفَهِ رَدٌّ كُلُّهُ وَذَاكَ مَرْوِيٌّ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ ... مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ لَهُ مُلَائِمِ وَمَالِكٌ يُجِيزُ كُلَّ مَا صَدَرْ ... بَعْدَ الْبُلُوغِ عَنْهُ مِنْ غَيْرِ نَظَرْ وَعَنْ مُطَرِّفٍ أَتَى مَنْ اتَّصَلْ ... سَفَهُهُ فَلَا يَجُوزُ مَا فَعَلٌ وَإِنْ يَكُنْ سُفِّهَ بَعْدَ الرُّشْدِ ... فَفِعْلُهُ لَيْسَ لَهُ مِنْ رَدِّ مَا لَمْ يَبِعْ مِنْ خَادِعٍ فَيُمْنَعُ ... وَبِاَلَّذِي أَفَاتَهُ لَا يُتْبَعُ وَمُعْلِنُ السَّفَهِ رَدَّ ابْنُ الْفَرَجْ ... أَفْعَالَهُ وَالْعَكْسُ فِي الْعَكْسِ انْدَرَجْ وَفِعْلُ مَنْ يُجْهَلُ بِالْإِطْلَاقِ ... حَالَتُهُ يَجُوزُ بِاتِّفَاقِ وَيَجْعَلُ الْقَاضِي بِكُلِّ حَالِ ... عَلَى السَّفِيهِ حَاجِرًا فِي الْمَالِ. ذَكَرَ فِي هَذِهِ الْأَبْيَاتِ الْأَقْوَالَ الْأَرْبَعَةَ الَّتِي ذَكَرَهَا أَهْلُ الْمَذْهَبِ فِي حُكْمِ الْبَالِغِ الْمُهْمَلِ مَعَ التَّنْصِيصِ عَلَى فَرْعٍ آخَرَ، وَهُوَ أَنَّ عَلَى الْقَاضِي أَنْ يَجْعَلَ عَلَى الْمَحْجُورِ وَالسَّفِيهِ حَاجِرًا يَحْجُرُهُ خَوْفَ ذَهَابِ مَالِهِ وَاعْتُمِدَ فِي ذَلِكَ قَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ فِي مُقَدِّمَاتِهِ فَإِنْ مَاتَ الْأَبُ وَلَمْ يُوصِ بِهِ إلَى أَحَدٍ وَلَا قَدَّمَ عَلَيْهِ السُّلْطَانُ وَصِيًّا وَلَا نَاظِرًا فَفِي ذَلِكَ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ أَحَدُهَا: إلَخْ. إلَّا أَنَّ النَّاظِمَ قَدَّمَ وَأَخَّرَ فِي تَرْتِيبِهَا مَا سَمَحَ لَهُ بِهِ النَّظْمُ. (الْقَوْلُ الْأَوَّلُ) : عَلَى تَرْتِيبِ النَّظْمِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ ذَهَبَ ابْنُ الْقَاسِمِ إلَى أَنَّهُ يُنْظَرُ إلَى حَالِهِ يَوْمَ بَيْعِهِ وَابْتِيَاعِهِ فَإِنْ كَانَ رَشِيدًا جَازَتْ أَفْعَالُهُ وَإِنْ كَانَ سَفِيهًا لَمْ يَجُزْ مِنْهَا شَيْءٌ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ بَيْنَ أَنْ يَتَّصِلَ سَفَهُهُ أَوْ لَا يَتَّصِلَ. اهـ. وَبَيَانُ هَذَا التَّفْصِيلِ يَأْتِي فِي الْقَوْلِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ وَإِلَى قَوْلِ ابْنِ رُشْدٍ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ إلَخْ أَشَارَ النَّاظِمُ بِقَوْلِهِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ لَهُ مُلَائِمٍ وَمَعْنَى قَوْلِهِ مُعْتَبَرٌ فِي الْحَالِ أَيْ فِي حَالِ بَيْعِهِ وَشِرَائِهِ وَتَصَرُّفِهِ ثُمَّ فَسَّرَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ فَظَاهِرُ الرُّشْدِ إلَخْ. (الْقَوْلُ الثَّانِي) قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: قَوْلُ مَالِكٍ وَكِبَارِ أَصْحَابِهِ إنَّ أَفْعَالَهُ كُلَّهَا بَعْدَ الْبُلُوغِ جَائِزَةٌ نَافِذَةٌ رَشِيدًا كَانَ أَوْ سَفِيهًا مُعْلِنًا بِالسَّفَهِ أَوْ غَيْرَ مُعْلِنٍ اتَّصَلَ سَفَهُهُ مِنْ حِينِ بُلُوغِهِ أَوْ سَفِهَ بَعْدَ أَنْ أُونِسَ مِنْهُ الرُّشْدُ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ. وَإِلَى هَذَا الْقَوْلِ أَشَارَ النَّاظِمُ بِقَوْلِهِ وَمَالِكٌ يُجِيزُ كُلَّ مَا صَدَرْ ... بَعْدَ الْبُلُوغِ عَنْهُ مِنْ غَيْرِ نَظَرْ (الْقَوْلُ الثَّالِثُ) قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: قَوْلُ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ إنَّهُ إنْ كَانَ مُتَّصِلَ السَّفَهِ مِنْ حِينِ بُلُوغِهِ فَلَا يَجُوزُ شَيْءٌ مِنْ أَفْعَالِهِ. وَأَمَّا إنْ سَفِهَ بَعْدَ أَنْ أُونِسَ مِنْهُ الرُّشْدُ فَأَفْعَالُهُ جَائِزَةٌ عَلَيْهِ وَلَازِمَةٌ لَهُ مَا لَمْ يَكُنْ بَيْعُهُ بَيْعَ سَفَهٍ وَخَدِيعَةً بَيِّنَةً مِثْل أَنْ يَبِيعَ ثَمَنَ أَلْفِ دِينَارٍ بِمِائَةِ دِينَارٍ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَلَا يُتْبَعُ بِالثَّمَنِ إنْ أَفْسَدَهُ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مُعْلِنًا بِالسَّفَهِ أَوْ غَيْرَ مُعْلِنٍ وَإِلَى هَذَا أَشَارَ النَّاظِمُ بِقَوْلِهِ وَعَنْ مُطَرِّفٍ الْأَبْيَاتِ الثَّلَاثَةَ. قَالَ (الشَّارِحُ) اقْتَصَرَ الشَّيْخُ عَلَى النِّسْبَةِ لِمُطَرِّفٍ دُونَ ابْنِ الْمَاجِشُونِ اخْتِصَارًا وَكَثِيرًا مَا يَتَّفِقُ قَوْلُهُمَا حَتَّى عَبَّرَ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْهُمَا بِالْأَخَوَيْنِ. اهـ. (قُلْتُ) وَفِي ذَلِكَ يَقُولُ الْقَائِلُ فِي جُمْلَةِ أَبْيَاتٍ كَذَا مُطَرِّفٌ وَنَجْلُ الْمَاجِشُونْ ... حَلَّاهُمَا بِالْأَخَوَيْنِ النَّاقِلُونْ (الْقَوْلُ الرَّابِعُ) قَالَ ابْنُ رُشْدٍ قَالَ أَصْبَغُ إنَّهُ إنْ كَانَ مُعْلِنًا بِالسَّفَهِ فَأَفْعَالُهُ غَيْرُ جَائِزَةٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُعْلِنًا بِالسَّفَهِ فَأَفْعَالُهُ جَائِزَةٌ. اهـ. وَإِلَى هَذَا الْقَوْلِ أَشَارَ النَّاظِمُ بِقَوْلِهِ وَمُعْلِنُ السَّفَهِ رَدَّ ابْنُ الْفَرَجْ ... أَفْعَالَهُ وَالْعَكْسُ فِي الْعَكْسِ انْدَرَجْ وَمُرَادُهُ بِالْعَكْسِ أَنَّ مُعْلِنَ الرُّشْدِ أَفْعَالُهُ مَاضِيَةٌ لَا تُرَدُّ وَأَشَارَ النَّاظِمُ بِقَوْلِهِ: وَفِعْلُ مَنْ يَجْهَلُ بِالْإِطْلَاقِ الْبَيْتَيْنِ إلَى قَوْلِ ابْنِ رُشْدٍ وَاتَّفَقَ جَمِيعُهُمْ أَنَّ أَفْعَالَهُ جَائِزَةٌ لَا يُرَدُّ مِنْهَا شَيْءٌ وَإِنْ جُهِلَتْ حَالُهُ وَلَمْ يُعْلَمْ بِسَفَهٍ وَلَا بِرُشْدٍ وَكَذَلِكَ اتَّفَقُوا أَنَّ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يُوَلِّيَ عَلَيْهِ إذَا ثَبَتَ عِنْدَهُ سَفَهُهُ وَخُشِيَ ذَهَابُ مَالِهِ. اهـ. وَمَعْنَى الْإِطْلَاقِ فِي جَوَازِ أَفْعَالِ مَجْهُولِ الْحَالِ سَوَاءٌ كَانَتْ بِعِوَضٍ أَوْ تَبَرُّعًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَإِنْ تَكُنْ بِنْتٌ وَحَاضَتْ وَالْأَبُ ... حَيٌّ فَلَيْسَ الْحَجَرُ عَنْهَا يَذْهَبُ إلَّا إذَا مَا نُكِحَتْ ثُمَّ مَضَى ... سَبْعَةُ أَعْوَامٍ وَذَا بِهِ الْقَضَا مَا لَمْ يُجَدَّدْ حَجْرُهَا إثْرَ الْبِنَا ... أَوْ سَلِمَ الرُّشْدُ إذَا تُبُيِّنَا وَحَجْرُ مَنْ وَصَّى عَلَيْهَا يَنْسَحِبْ ... حَتَّى يَزُولَ حُكْمُهُ بِمَا يَجِبْ وَالْعَمَلُ الْيَوْمَ عَلَيْهِ مَاضِي ... وَمِثْلُهُ حَجْرُ وَصِيِّ الْقَاضِي وَإِنْ تَكُنْ ظَاهِرَةَ الْإِهْمَالِ ... فَإِنَّهَا مَرْدُودَةُ الْأَفْعَالِ إلَّا مَعَ الْوُصُولِ لِلتَّعْنِيسِ ... أَوْ مُكْثِ عَامٍ إثْرَ التَّعْرِيسِ وَقِيلَ بَلْ أَفْعَالُهَا تُسَوَّغُ ... إنْ هِيَ حَالَةَ الْمَحِيضِ تَبْلُغُ وَالسِّنُّ فِي التَّعْنِيسِ مِنْ خَمْسِينَا ... فِيمَا بِهِ الْحُكْمُ إلَى السِّتِّينَا لَمَّا قَدَّمَ الْكَلَامَ عَلَى مَا يَخْرُجُ بِهِ الذَّكَرُ مِنْ الْحَجْرِ أَتْبَعَهُ بِالْكَلَامِ بِمَا تَخْرُجُ بِهِ الْأُنْثَى إذَا بَلَغَتْ فِي حَيَاةِ أَبِيهَا أَوْ بَعْدَ مَوْتِهِ وَقَدْ أَوْصَى عَلَيْهَا أَوْ تَرَكَهَا مُهْمَلَةً وَلَمْ يُقَدِّمْ الْقَاضِي عَلَيْهَا أَحَدًا أَوْ قَدَّمَ، فَأُخْبِرَ أَنَّ الْبِنْتَ إذَا كَانَ أَبُوهَا حَيًّا فَإِنَّهَا لَا تَزَالُ فِي حِجْرِهِ وَتَحْتَ وِلَايَةِ نَظَرِهِ وَلَا يَزُولُ عَنْهَا الْحَجْرُ إلَّا بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ. (الْأَوَّلُ) أَنْ تَتَزَوَّجَ وَيَدْخُلَ بِهَا زَوْجُهَا وَتَمْكُثَ سَبْعَةَ أَعْوَامٍ فَحِينَئِذٍ تَخْرُجُ مِنْ الْوِلَايَةِ وَبِهَذَا الْقَوْلِ الْقَضَاءُ وَهُوَ أَحَدُ أَقْوَالٍ ثَمَانِيَةٍ قَالَ (ابْنُ سَلْمُونٍ) عَنْ ابْنِ رُشْدٍ وَهَذَا الْقَوْلُ يُعْزَى إلَى ابْنِ الْقَاسِمِ وَبِهِ جَرَى الْعَمَلُ عِنْدَنَا ثُمَّ قَالَ: الْقَوْلُ الثَّانِي قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْمُوَطَّأِ أَوْ الْمُدَوَّنَةِ وَفِي الْوَاضِحَةِ مِنْ رِوَايَةِ مُطَرِّفٍ إنَّهَا لَا تَخْرُجُ مِنْ وِلَايَةِ أَبِيهَا حَتَّى تَتَزَوَّجَ وَيَدْخُلَ بِهَا زَوْجُهَا وَيَعْرِفَ حَالَهَا وَيَشْهَدَ الْعُدُولُ عَلَى صَلَاحِ أَمْرِهَا فَعَلَى قَوْلِ مَالِكٍ هَذَا إذَا عُلِمَ رُشْدُهَا وَظَهَرَ حَالُهَا جَازَتْ أَفْعَالُهَا وَخَرَجَتْ مِنْ وِلَايَةِ أَبِيهَا وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بِقُرْبِ بِنَاءِ زَوْجِهَا عَلَيْهَا اهـ وَعَلَى هَذَا ذَهَبَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ حَيْثُ قَالَ وَزِيدَ فِي الْأُنْثَى دُخُولُ زَوْجٍ وَشَهَادَةُ الْعُدُولِ عَلَى صَلَاحِ حَالِهَا وَإِلَى اسْتِمْرَارِ الْحَجْرِ عَلَى ذَاتِ الْأَبِ إلَى مُضِيِّ سَبْعَةِ أَعْوَامٍ بَعْدَ دُخُولِ الزَّوْجِ أَشَارَ النَّاظِمُ بِالْبَيْتَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ: وَخُرُوجُهَا مِنْ الْحَجْرِ بِمُضِيِّ مَا ذُكِرَ، مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يُجَدَّدْ عَلَيْهَا الْحَجْرُ إثْرَ الْبِنَاءِ عَلَيْهَا يَعْنِي وَأُخْرَى قَبْلَهُ فَإِنْ جَدَّدَهُ عَلَيْهَا فَلَا تَخْرُجُ إلَّا بِالتَّرْشِيدِ. وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: مَا لَمْ يُجَدَّدْ حَجْرُهَا إثْرَ الْبِنَا (الْأَمْرُ الثَّانِي) مِمَّا تَخْرُجُ بِهِ مِنْ الْوِلَايَةِ التَّرْشِيدُ فَإِذَا ظَهَرَ صَلَاحُ حَالِهَا وَتَبَيَّنَ وَسَلَّمَهُ الْأَبُ وَوَافَقَ عَلَيْهِ وَرَشَّدَهَا فَإِنَّهَا تَخْرُجُ مِنْ الْحَجْرِ وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِقَوْلِهِ أَوْ سَلَّمَ الرُّشْدَ إذَا تَبَيَّنَّا فَقَوْلُهُ أَوْ سَلِمَ الرُّشْدُ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ نُكِحَتْ ثُمَّ انْتَقَلَ لِلْكَلَامِ عَلَى الَّتِي مَاتَ أَبُوهَا وَأَوْصَى عَلَيْهَا أَوْ تَرَكَهَا مُهْمَلَةً وَقَدَّمَ عَلَيْهَا الْقَاضِي مُقَدَّمًا فَقَالَ وَحَجْرُ مَنْ وَصَّى عَلَيْهَا يَنْسَحِبْ الْبَيْتَيْنِ فَأَخْبَرَ أَنَّ الْبِنْتَ إذَا مَاتَ أَبُوهَا وَكَانَ قَدْ أَوْصَى عَلَيْهَا فِي وَقْتٍ يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يُوصِ وَلَكِنْ قَدَّمَ الْقَاضِي عَلَيْهَا مُقَدَّمًا فَإِنَّ الْحَجْرَ يَنْسَحِبُ عَلَيْهَا وَلَا تَخْرُجُ مِنْهُ إلَّا بِالتَّرْشِيدِ وَهُوَ الَّذِي يَعْنِي بِقَوْلِهِ بِمَا يَجِبُ. وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ الْعَمَلُ قَالَ (ابْنُ سَلْمُونٍ) وَأَمَّا الْبِكْرُ الْيَتِيمَةُ ذَاتُ الْوَصِيِّ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ أَوْ السُّلْطَانِ فَلَا تَخْرُجُ مِنْ الْوِلَايَةِ إنْ تَزَوَّجَتْ أَوْ عَنَسَتْ أَوْ ظَهَرَ رُشْدُهَا إلَّا بِالطَّلَاقِ مِنْ الْوِلَايَةِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْمَشْهُورِ الْمَعْمُولِ بِهِ فِي الْيَتِيمِ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ وَالِاخْتِلَافُ فِي ذَلِكَ وَحُكْمُهَا فِي ذَلِكَ وَاحِدٌ اهـ ثُمَّ تَكَلَّمَ عَلَى الْمُهْمَلَةِ الَّتِي لَمْ يُقَدِّمْ عَلَيْهَا الْقَاضِي فَقَالَ وَإِنْ تَكُنْ ظَاهِرَةَ الْإِهْمَالِ

الْأَبْيَاتُ الثَّلَاثَةُ فَأَخْبَرَ أَنَّ فِي الْمُهْمَلَةِ الَّتِي لَمْ يُقَدِّمْ عَلَيْهَا الْقَاضِي مُقَدِّمًا قَوْلَيْنِ: (الْأَوَّلُ) أَنَّ أَفْعَالَهَا مَرْدُودَةٌ إلَّا إذَا بَلَغَتْ سِنَّ التَّعْنِيسِ أَوْ مَرَّ لَهَا عَامٌ إثْرَ دُخُولِ الزَّوْجِ بِهَا فَإِنْ وُجِدَ هَذَيْنِ فَإِنَّهَا تَخْرُجُ مِنْ الْوِلَايَةِ وَتَمْضِي أَفْعَالُهَا (الْقَوْلُ الثَّانِي) أَنَّهَا إنْ بَلَغَتْ مَضَتْ أَفْعَالُهَا وَخَرَجَتْ مِنْ الْوِلَايَةِ بِالْبُلُوغِ قَالَ (ابْنُ سَلْمُونٍ) وَأَمَّا الْبِكْرُ الْيَتِيمَةِ الَّتِي لَا وَصِيَّ عَلَيْهَا مِنْ أَبٍ وَلَا سُلْطَانٍ فَاخْتُلِفَ فِيهَا عَلَى قَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ أَفْعَالَهَا جَائِزَةٌ إذَا بَلَغَتْ الْمَحِيضَ وَهُوَ قَوْلُ سَحْنُونٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَقَوْلُ غَيْرِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَرِوَايَةُ زِيَادٍ عَنْ مَالِكٍ وَالثَّانِي أَنَّ أَفْعَالَهَا مَرْدُودَةٌ مَا لَمْ تَعْنِسْ اهـ. ثُمَّ بَيَّنَ سِنَّ التَّعْنِيسِ بِقَوْلِهِ وَالسِّنُّ فِي التَّعْنِيسِ الْبَيْتَ قَالَ (ابْنُ سَلْمُونٍ) وَاخْتُلِفَ فِي حَدِّ التَّعْنِيسِ فِي هَذِهِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ: قِيلَ: ثَلَاثُونَ. وَقِيلَ: أَقَلُّ. وَقِيلَ: أَرْبَعُونَ. وَقِيلَ: مِنْ الْخَمْسِينَ إلَى السِّتِّينَ انْتَهَى بِاخْتِصَارٍ وَحَيْثُ رَشَّدَ الْوَصِيُّ مَنْ حُجْر ... وِلَايَةُ النِّكَاحِ تَبْقَى بِالنَّظَرْ يَعْنِي: أَنَّ الْوَصِيَّ إذَا رَشَّدَ مَحْجُورَتَهُ فَإِنَّهُ يَبْقَى لَهُ عَلَيْهَا وِلَايَةُ النِّكَاحِ عَلَى مُقْتَضَى نَظَرِ مَنْ رَأَى ذَلِكَ مِنْ الْفُقَهَاءِ كَابْنِ رُشْدٍ وَغَيْرِهِ كَمَا يَأْتِي (قَالَ الشَّارِحُ) فَكَمَا أَنَّ خُرُوجَهَا مِنْ حَجْرِ الْأَبِ لَا يَقْطَعُ عَنْهَا نَظَرَهُ فِي الْوِلَايَةِ فَكَذَلِكَ خُرُوجُهَا مِنْ حَجْرِ الْوَصِيِّ الَّذِي هُوَ بِسَبَبِهِ لَا يَقْطَعُ عَنْهَا نَظَرَهُ فِي الْوِلَايَةِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ هُنَالِكَ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ مَنْ يَتَقَدَّمُ عَلَى الْأَبِ فَكَذَلِكَ يَتَقَدَّمُ عَلَى وَصِيِّهِ وَفِي طُرَرِ (ابْنِ عَاتٍ) اُنْظُرْ إذَا رَشَّدَ الْوَصِيُّ مَحْجُورَتَهُ هَلْ تَسْقُطُ الْوِلَايَةُ عَنْهَا أَمْ لَا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا أَذْكُرُ فِي ذَلِكَ نَصَّ رِوَايَةٍ وَاَلَّذِي يُوجِبُهُ النَّظَرُ أَنَّ وِلَايَتَهُ عَلَيْهَا فِي النِّكَاحِ لَا تَسْقُطُ بِتَمْلِيكِهَا إيَّاهَا مِنْ نَفْسِهَا لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ وَلِيًّا مِنْ أَوْلِيَائِهَا بِإِقَامَةِ الْأَبِ إيَّاهُ لَهَا مَقَامَ نَفْسِهِ فَوَجَبَ أَنْ لَا تَسْقُطَ وِلَايَتُهُ عَنْهَا إلَّا بِمَا كَانَتْ تَسْقُطُ بِهِ وِلَايَةُ الْأَبِ عَنْهَا وَالْأَبُ لَوْ رَشَّدَهَا لَمْ تَسْقُطْ بِذَلِكَ وِلَايَتُهُ عَنْهَا فَكَذَلِكَ هُوَ فَتَدَبَّرْ ذَلِكَ اهـ ثُمَّ بَحَثَ الشَّارِحُ مَعَ ابْنِ رُشْدٍ فِي قَوْلِهِ لَا أَذْكُرُ فِي ذَلِكَ نَصَّ رِوَايَةٍ اُنْظُرْ تَمَامَ كَلَامِهِ وَذَلِكَ فِي شَرْحِ قَوْلِ النَّاظِمِ فِي النِّكَاحِ وَإِنْ يُرَشِّدْهَا الْوَصِيُّ مَا أَبِي ... فِيهَا وِلَايَةُ النِّكَاحِ كَالْأَبِ. وَلَيْسَ لِلْمَحْجُورِ مِنْ تَخَلُّصِ ... إلَّا بِتَرْشِيدٍ إذَا مَاتَ الْوَصِيّ وَبَعْضُهُمْ قَدْ قَالَ بِالسَّرَاحِ ... فِي حَقِّ مَنْ يُعْرَفُ بِالصَّلَاحِ يَعْنِي: أَنَّهُ إذَا مَاتَ الْوَصِيُّ وَبَقِيَ مَنْ كَانَ فِي حَجْرِهِ مُهْمَلًا وَلَمْ يُوصِ بِهِ إلَى أَحَدٍ وَلَا قَدَّمَ عَلَيْهِ الْقَاضِي أَحَدًا ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ مِنْ الْوِلَايَةِ إلَّا بِالتَّرْشِيدِ وَقِيلَ يَخْرُجُ مِنْهَا بِمَوْتِ وَصِيِّهِ إذَا كَانَ حَسَنَ النَّظَرِ صَالِحَ الْأَحْوَالِ قَالَ (ابْنُ سَلْمُونٍ) : وَاخْتُلِفَ فِي الَّذِي يَمُوتُ وَصِيُّهُ وَلَمْ يُوصِ بِهِ إلَى أَحَدٍ وَلَا قَدَّمَ عَلَيْهِ السُّلْطَانُ وَصِيًّا، فَقِيلَ: إنَّهُ إنْ كَانَ حَسَنَ النَّظَرِ لِنَفْسِهِ مَعْرُوفًا بِالرُّشْدِ

فَأَفْعَالُهُ كُلُّهَا جَائِزَةٌ. وَإِنْ كَانَ مَعْرُوفًا بِالسَّفَهِ فَأَفْعَالُهُ كُلُّهَا مَرْدُودَةٌ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَاَلَّذِي جَرَتْ بِهِ الْفَتْوَى وَعَلَيْهِ الشُّيُوخُ أَنَّ أَفْعَالَهُ كُلَّهَا حُكْمُ مَنْ كَانَ وَصِيُّهُ بَاقِيًا حَتَّى يَظْهَرَ رُشْدُهُ وَيُحْكَمَ بِتَرْشِيدِهِ اهـ وَهَذَانِ الْقَوْلَانِ جَارِيَانِ عَلَى قَوْلَيْ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ فَمَالِكٌ يُرَاعِي الْوِلَايَةَ وَالْأَصْلُ انْسِحَابُهَا حَتَّى يَرْشُدَ وَهُوَ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ فِي النَّظْمِ وَابْنُ الْقَاسِمِ يُرَاعِي حَالَ الْمَحْجُورِ مِنْ صَلَاحٍ أَوْ سَفَهٍ وَلَا عِبْرَةَ عِنْدَهُ بِالْوِلَايَةِ وَهُوَ الْقَوْلُ الثَّانِي وَقَدْ قُلْتُ فِي ذَلِكَ لِيُحْفَظَ وَمَالِكٌ يَعْتَبِرُ الْحَجْرَ فَقَطْ ... وَنَجْلُ قَاسِمٍ لِحَالٍ قَدْ فَرَطْ قُلْتُ: إلَّا أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْقَوْلَ بِاعْتِبَارِ الْحَالِ أَوْ الْوِلَايَةِ غَيْرُ مُقَيَّدٍ بِمَوْتِ الْوَصِيِّ كَمَا فَرَضَهُ النَّاظِمُ، بَلْ الْقَوْلَانِ فِي حَيَاةِ الْوَصِيِّ أَوْ مَوْتِهِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَنَقَلَ الشَّارِحُ عَنْ ابْنِ لُبٍّ أَنَّ الْمُهْمَلَةَ بِمَوْتِ وَصِيِّهَا إذْ طَالَتْ الْمُدَّةُ وَتَصَرَّفَتْ تَصَرُّفَ الرَّشِيدِ بِطُولِ الْمُدَّةِ فَهِيَ عَلَى حُكْمِ الرُّشْدِ فِي أَفْعَالِهَا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْأَقْوَالِ فِي أَفْعَالِ الْمُهْمَلِ فِي هَذِهِ النَّازِلَةِ: وَالشَّأْنُ الْإِكْثَارُ مِنْ الشُّهُودِ ... فِي عَقْدَيْ التَّسْفِيهِ وَالتَّرْشِيدِ وَلَيْسَ يَكْفِي فِيهِمَا الْعَدْلَانِ ... وَفِي مَرَدِّ الرُّشْدِ يَكْفِيَانِ يَعْنِي: أَنَّ الَّذِي جَرَى بِهِ الْعَمَلُ عِنْدَ الْمُوَثَّقِينَ الْإِكْثَارُ مِنْ الشُّهُودِ فِي الشَّهَادَةِ بِالتَّسْفِيهِ أَوْ التَّرْشِيدِ وَأَنَّهُ لَا يُكْتَفَى فِي ذَلِكَ بِالْعَدْلَيْنِ وَإِنْ كَانَ يُكْتَفَى بِهِمَا فِي الْحَجْرِ وَهُوَ الَّذِي عَبَّرَ عَنْهُ النَّاظِمُ بِمَرَدِّ الرُّشْدِ أَيْ بِرَدِّهِ وَدَفْعِهِ. وَالتَّسْفِيهُ: الشَّهَادَةُ بِأَنَّهُ سَفِيهٌ مُبَذِّرٌ غَيْرُ حَافِظٍ لِمَالِهِ. وَيَنْبَنِي عَلَى الشَّهَادَةِ أَنْ يُضْرَبَ عَلَى يَدِهِ وَيُمْنَعَ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لِأَنَّ سَفَهَهُ إنَّمَا ثَبَتَ الْآنَ وَالشَّهَادَةُ بِالْحَجْرِ الَّتِي يَكْفِي فِيهَا عَدْلَانِ لِلشَّهَادَةِ بِأَنَّهُ فِي وِلَايَةِ مَضْرُوبٍ عَلَى يَدِهِ وَقْتَ الشَّهَادَةِ وَفِيمَا قَبْلَهَا وَيَنْبَنِي عَلَيْهَا رَدُّ أَفْعَالِهِ الْمُقَدَّمَةِ عَلَى هَذِهِ الشَّهَادَةِ وَالْمُتَأَخِّرَةِ عَنْهَا هَذَا هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا الشَّهَادَةُ

بِالتَّرْشِيدِ فَهِيَ الشَّهَادَةُ بِأَنَّهُ حَافِظٌ لِمَالِهِ حَسَنُ النَّظَرِ صَالِحُ الْحَالِ وَيَنْبَنِي عَلَيْهَا إطْلَاقُهُ مِنْ ثِقَافِ الْحَجْرِ إنْ كَانَ عَلَيْهِ حَجْرٌ وَمُضِيُّ أَفْعَالِهِ وَتَصَرُّفَاتِهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لِأَنَّ رُشْدَهُ إنَّمَا ثَبَتَ الْآنَ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَلَسْت عَلَى يَقِينٍ فِيهِ فَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (قَالَ الشَّارِحُ) : وَجْهُ عَدَمِ الِاكْتِفَاءِ بِالْعَدْلَيْنِ فِيمَا ذُكِرَ أَنَّ الشَّهَادَةَ بِالتَّسْفِيهِ أَوْ بِالتَّرْشِيدِ لَيْسَتْ مِنْ الْأُمُورِ الْمَحْسُوسَةِ الَّتِي يُدْرِكُهَا الشَّاهِدُ بِهَا بَدِيهَةً وَإِنَّمَا تَحْصُلُ لَهُ مِنْ جُزْئِيَّاتٍ تَدُلُّ عَلَى الْمَعْنَى الْمَشْهُودِ بِهِ ضِمْنًا فَلِذَلِكَ اُسْتُكْثِرَ فِيهَا مِنْ الشُّهُودِ لِيَحْصُلَ نَوْعُ اسْتِفَاضَةٍ بِتِلْكَ الْجُزْئِيَّاتِ الَّتِي تَتَعَدَّدُ بِهَا الشَّهَادَةُ، فَفِي الْمُتَيْطِيَّةِ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَسْتَكْثِرَ مِنْ الشُّهُودِ فِي عَقْدِ التَّرْشِيدِ الْعُدُولِ وَغَيْرِهِمْ لِتَظْهَرَ اسْتِفَاضَةُ رُشْدِهِ وَلَا يُجْزِئُ فِي ذَلِكَ شَاهِدَانِ كَمَا يُجْزِئُ فِي الْحُقُوقِ عَلَى هَذَا الْعَمَلِ وَكَذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يَسْتَكْثِرَ مِنْ الشُّهُودِ فِي وَثِيقَةِ التَّسْفِيهِ اهـ. وَلَفْظُ الْإِكْثَارِ فِي الْبَيْتِ الْأَوَّلِ يُقْرَأُ بِنَقْلِ حَرَكَةِ الْهَمْزَةِ لِلسَّاكِنِ قَبْلَهَا وَهِيَ لَامُ أَلْ لِلْوَزْنِ. (تَنْبِيهٌ) قَوْلُهُ: وَالشَّأْنُ، قَالَ ابْنُ فَرْحُونَ فِي بَيَانِ اصْطِلَاحِ ابْنِ الْحَاجِبِ: قَوْلُهُ وَالشَّأْنُ وَقَعَتْ فِي الْجِهَادِ فِي قَوْلِهِ: وَالشَّأْنُ قَسْمُ الْغَنَائِمِ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَمُرَادُهُ عَمَلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَمَلُ الْخُلَفَاءِ بَعْدَهُ وَقِيلَ مُرَادُهُ عَمَلُ الصَّحَابَةِ وَقَالَ ابْنُ بَشِيرٍ الْأَمْرُ وَالشَّأْنُ مَعْنَاهُمَا الْعَمَلُ. اهـ. وَالْمُرَادُ فِي النَّظْمِ مَا قَالَهُ ابْنُ بَشِيرٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَجَازَ لِلْوَصِيِّ فِيمَنْ حَجَرَا ... إعْطَاءُ بَعْضِ مَالِهِ مُخْتَبِرَا يَعْنِي: أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْوَصِيِّ أَنْ يُعْطِيَ لِمَحْجُورِهِ بَعْضَ مَالِهِ لِيَخْتَبِرَ بِذَلِكَ تَصَرُّفَهُ وَلَكِنْ إنَّمَا يَجُوزُ ذَلِكَ إذَا رَأَى عَلَيْهِ مَخَايِلَ الصَّلَاحِ وَالرَّشَادِ الَّتِي تُوجِبُ عِنْدَهُ إطْلَاقَهُ مِنْ الْحَجْرِ فَيَخْتَبِرُهُ لِتَحْصُلَ لَهُ الثِّقَةُ بِمَا يَبْدُو لَهُ مِنْ السَّدَادِ فِي تَصَرُّفِهِ فَفِي الْمُتَيْطِيَّةِ: لَا بَأْسَ أَنْ يَدْفَعَ الْوَصِيُّ إلَى يَتِيمِهِ بَعْضَ مَالِهِ لِيَخْتَبِرَهُ إذَا رَأَى مِنْهُ اسْتِقَامَةً وَلَمْ يَعْلَمْ مِنْهُ إلَّا خَيْرًا، فَإِنْ تَلِفَ لَمْ يَضْمَنْ الْوَصِيُّ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ. اهـ. زَادَ ابْنُ سَلْمُونٍ بَعْدَ قَوْلِهِ لَمْ يَضْمَنْ إلَّا أَنْ يَرَى أَنَّهُ مِمَّنْ لَا يَصْلُحُ مِثْلُهُ لِلِاخْتِبَارِ لِشِدَّةِ سَفَهِهِ فَيَضْمَنُ، فَلِذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ فِي وَثِيقَةِ الدَّفْعِ لِلْمَحْجُورِ مِمَّنْ يَعْرِفُ أَنَّ الْيَتِيمَ مِمَّنْ يَصْلُحُ اخْتِبَارُهُ (الْمَوَّاقُ) اُنْظُرْ بَقِيَ لَهُ مِنْ هَذَا الْفَصْلِ {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى} [النساء: 6] قَالَ (ابْنُ شَاسٍ) : الِابْتِلَاءُ لِلرُّشْدِ مَطْلُوبٌ، وَفِي كَوْنِهِ قَبْلَ الْبُلُوغِ قَالَهُ الْأَبْهَرِيُّ وَالْبَغْدَادِيُّونَ. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَهُوَ أَبْيَنُ لِلْآيَةِ الشَّرِيفَةِ وَقَالَ الْمَازِرِيُّ الْأَشْهَرُ أَنَّهُ بَعْدَ الْبُلُوغِ (الْمُتَيْطِيُّ) لِلْوَصِيِّ أَنْ يَدْفَعَ لِلْيَتِيمِ بَعْضَ مَالِهِ يَخْتَبِرُهُ بِهِ كَالسِّتِّينَ دِينَارًا وَلَا يُكْثِرُ جِدًّا إنْ رَأَى اسْتِقَامَتَهُ فَإِنْ تَلِفَ لَمْ يَضْمَنْهُ (ابْنُ حَبِيبٍ) وَالْوَصِيُّ مُصَدَّقٌ فِيمَا دَفَعَ لَهُ مِنْ ذَلِكَ. وَكُلُّ مَا أَتْلَفَهُ الْمَحْجُورُ ... فَغُرْمُهُ فِي مَالِهِ الْمَشْهُورُ إلَّا لِمَنْ طَوْعًا إلَيْهِ صَرَفَهْ ... وَفِي سِوَى مَصْلَحَةٍ قَدْ أَتْلَفَهْ وَفِعْلُهُ بِعِوَضٍ لَا يُرْتَضَى ... وَإِنْ أَجَازَهُ وَصِيُّهُ مَضَى وَفِي التَّبَرُّعَاتِ قَدْ جَرَى الْعَمَلْ ... بِمَنْعِهِ وَلَا يُجَازُ إنْ فَعَلٌ تَكَلَّمَ فِي هَذِهِ الْأَبْيَاتِ عَلَى الْمَحْجُورِ إذَا فَوَّتَ شَيْئًا مِنْ مَالِ غَيْرِهِ هَلْ يَضْمَنُهُ أَمْ لَا كَانَ التَّفْوِيتُ بِإِفْسَادٍ أَوْ إتْلَافٍ أَوْ كَانَ بِعِوَضٍ كَالْبَيْعِ أَوْ بِغَيْرِهِ مِنْ التَّبَرُّعَاتِ كَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ فَأَخْبَرَ أَنَّ مَا فَوَّتَهُ بِإِتْلَافِهِ وَإِفْسَادِهِ كَالْحَرْقِ وَالْكَسْرِ وَالْأَكْلِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ غُرْمُهُ فِي مَالِهِ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ، وَإِلَّا أُتْبِعَ بِهِ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ إلَّا فِي صُورَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ إذَا سَلَّطَهُ عَلَيْهِ رَبُّهُ بِاخْتِيَارِهِ وَصَيَّرَهُ فِيمَا لَا مَصْلَحَةَ لَهُ فِيهِ أَمَّا إنْ عَدَا عَلَيْهِ بِنَفْسِهِ فَإِنَّهُ يَغْرَمُهُ صَرَفَهُ فِي مَصْلَحَةٍ أَوْ غَيْرِهَا أَوْ سَلَّطَهُ عَلَيْهِ رَبُّهُ وَصَرَفَهُ فِيمَا لَا بُدَّ مِنْهُ فَإِنَّهُ يَغْرَمُهُ أَيْضًا وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِالْبَيْتَيْنِ الْأَوَّلِينَ. وَأَمَّا مَا أَتْلَفَهُ بِعِوَضٍ كَالْبَيْعِ فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي ابْتِدَاءً فَإِذَا وَقَعَ وَنَزَلَ تَوَقَّفَ إمْضَاؤُهُ عَلَى إجَازَةِ الْوَصِيِّ فَإِنْ أَمْضَاهُ مَضَى وَإِنْ رَدَّهُ رُدَّ، وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِالْبَيْتِ الثَّالِثِ وَأَمَّا مَا أَتْلَفَهُ بِغَيْرِ عِوَضٍ مِنْ هِبَةٍ وَنَحْوِهَا فَإِنَّهُ يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ وَيُضْرَبُ عَلَى يَدَيْهِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا حُجِرَ عَلَيْهِ خَوْفَ إتْلَافِ مَالِهِ، وَلَيْسَ لِوَلِيِّهِ إجَازَةُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ سُوءُ نَظَرٍ فَإِنْ أَجَازَهُ لَمْ يَجُزْ، وَيَغْرَمُهُ إنْ فَاتَ

وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِالْبَيْتِ الرَّابِعِ قَالَ فِي سَمَاعِ عِيسَى قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَالْمُوَلَّى عَلَيْهِ حَالُهُ كَحَالِ الصَّبِيِّ إنْ كَسَرَ جَرَّةً أَوْ أَحْرَقَ شَيْئًا أَوْ أَفْسَدَ فَهُوَ فِي مَالِهِ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ وَإِلَّا أُتْبِعَ بِهِ دَيْنًا. (وَفِي الْمُقَرَّبِ) قَالَ سَحْنُونٌ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ بَعَثَ يَتِيمًا لَهُ فِي طَلَبِ عَبْدٍ آبِقٍ فَأَدْرَكَهُ وَبَاعَهُ وَأَتْلَفَ ثَمَنَهُ فَقَامَ صَاحِبُهُ فِيهِ فَقَالَ يَأْخُذُهُ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْغُلَامِ مِنْ الْمَالِ الَّذِي أَتْلَفَ وَلَا يَكُونُ دَيْنًا عَلَيْهِ. فَقِيلَ لِمَالِكٍ: أَفَلَا يَكُونُ هَذَا مِثْلَ مَا فَسَدَ أَوْ كَسَرَ قَالَ: لَا. وَفِي أُصُولِ الْفُتْيَا: وَكُلُّ مَا فَعَلَهُ الصَّبِيُّ مِمَّا يَرَى الْوَلِيُّ إجَازَتَهُ فِي أُصُولٍ نَظَرٌ، فَإِنَّهُ جَائِزٌ مِنْ فِعْلِهِ وَلَا يَكُونُ لِمَنْ عَاقَدَ الصَّبِيَّ فِي ذَلِكَ كَلَامٌ إذَا أَجَازَهُ الْوَلِيُّ وَمَا بَاعَهُ الصَّبِيُّ مِنْ مَالِهِ فَإِنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ الْمُشْتَرِي، وَمَرْدُودٌ إلَى مَالِ الصَّبِيِّ وَلَا شَيْءَ لِلْمُشْتَرِي فِيمَا دُفِعَ مِنْ الثَّمَنِ إلَى الصَّبِيِّ لَا فِي ذِمَّةِ الصَّبِيِّ وَلَا فِي مَالِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الصَّبِيُّ إنَّمَا أَنْفَقَ ذَلِكَ الثَّمَنَ فِي مَصَالِحِهِ الَّتِي لَا بُدَّ لَهُ مِنْهَا فَيَلْزَمُ الْوَلَدَ رَدُّ ذَلِكَ الثَّمَنِ (وَفِي الْمُقَدِّمَاتِ) : لَا اخْتِلَافَ بَيْنَ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ أَنَّ الصَّغِيرَ الَّذِي لَمْ يَبْلُغْ الْحُلُمَ مِنْ الرِّجَالِ وَالْمَحِيضَ مِنْ النِّسَاءِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي مَالِهِ مَعْرُوفٌ مِنْ هِبَةٍ وَلَا صَدَقَةٍ وَلَا عَطِيَّةٍ وَلَا عِتْقٍ وَإِنْ أَذِنَ لَهُ فِي ذَلِكَ الْأَبُ أَوْ الْوَصِيُّ إنْ كَانَ ذَا أَبٍ أَوْ وَصِيٍّ. وَإِنْ بَاعَ أَوْ اشْتَرَى أَوْ فَعَلَ مَا يُشْبِهُ الْبَيْعَ أَوْ الشِّرَاءَ مِمَّا يَخْرُجُ عَلَى عِوَضٍ وَلَا يَقْتَصِرُ فِي مَعْرُوفٍ كَانَ مَوْقُوفًا عَلَى نَظَرِ وَلِيِّهِ إنْ كَانَ لَهُ وَلِيٌّ فَإِنْ رَآهُ سَدَادًا أَوْ غِبْطَةً أَجَازَهُ وَأَنْفَذَهُ، وَإِنْ رَآهُ بِخِلَافِ ذَلِكَ رَدَّهُ وَأَبْطَلَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَصِيٌّ قَدَّمَ السُّلْطَانُ مَنْ يَنْظُرُ لَهُ فِي ذَلِكَ بِوَجْهِ النَّظَرِ وَالِاجْتِهَادِ، وَإِنْ غَفَلَ عَنْ ذَلِكَ حَتَّى يَلِيَ أَمْرَهُ كَانَ النَّظَرُ إلَيْهِ فِي إجَازَةِ إنْفَاذِ ذَلِكَ وَرَدِّهِ، (قَالَ ابْنُ رُشْدٍ) وَيَلْزَمُهُ مَا أَفْسَدَهُ أَوْ كَسَرَ فِي مَالِهِ مِمَّا لَمْ يُؤْتَمَنْ عَلَيْهِ وَاخْتُلِفَ فِيمَا أَفْسَدَ أَوْ كَسَرَ مِمَّا اُؤْتُمِنَ عَلَيْهِ. (تَنْبِيهٌ) ظَاهِرُ عُمُومِ قَوْلِهِ: إلَّا لِمَنْ إلَيْهِ طَوْعًا صَرَفَهْ ... وَفِي سِوَى مَصْلَحَةٍ قَدْ أَتْلَفَهْ أَنَّ الْمَحْجُورَ لَا يَغْرَمُ مَا اسْتَعَارَ إذَا ادَّعَى تَلَفَهُ لِأَنَّ رَبَّهُ مَكَّنَهُ مِنْهُ طَوْعًا وَلَمْ يَصْرِفْهُ فِي مَصْلَحَةٍ لَهُ وَلَمْ أَقِفْ الْآنَ فِيهِ عَلَى نَصٍّ. وَظَاهِرُ السَّفَهِ جَازَ الْحُلُمَا ... مِنْ غَيْرِ حَجْرٍ فِيهِ خُلْفٌ عُلِمَا جَوَازُ فِعْلِهِ بِأَمْرٍ لَازِمِ ... لِمَالِكٍ وَالْمَنْعُ لِابْنِ الْقَاسِمِ الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَيْنِ الْبَيْتَيْنِ مَحْضُ تَكْرَارٍ مَعَ قَوْلِهِ قَبْلُ: وَالْبَالِغُ الْمَوْصُوفُ بِالْإِهْمَالِ ... مُعْتَبَرٌ بِوَصْفِهِ فِي الْحَالِ فَظَاهِرُ الرُّشْدِ يَجُوزُ فِعْلُهُ ... وَفِعْلُ ذِي السَّفَهِ رَدٌّ كُلُّهُ وَذَاكَ مَرْوِيٌّ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ ... مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ لَهُ مُلَائِمِ وَمَالِكٌ يُجِيزُ كُلَّ مَا صَدَرْ ... بَعْدَ الْبُلُوغِ عَنْهُ مِنْ غَيْرِ نَظَرْ وَإِلَى هَذَا الْخِلَافِ أَشَارَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ بِقَوْلِهِ: وَتَصَرُّفُهُ قَبْلَ الْحَجَرِ مَحْمُولٌ إلَخْ. وَقَوْلُهُ هُنَا جَوَازُ فِعْلِهِ. الْبَيْتَ هُوَ بَيَانٌ لِلْخِلَافِ الْمَذْكُورِ فِي الْبَيْتِ قَبْلَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَفِي قَوْلِهِ فِيمَا تَقَدَّمَ. فَظَاهِرُ الرُّشْدِ يَجُوزُ فِعْلُهُ تَصْرِيحٌ بِمَفْهُومِ قَوْلِهِ هُنَا وَظَاهِرُ السَّفَهِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ الْبَالِغُ الْمُهْمَلُ فَابْنُ الْقَاسِمِ يُرَاعِي حَالَتَهُ فَلِذَلِكَ فَرَّقَ بَيْنَ ظَاهِرِ الرُّشْدِ وَظَاهِرِ السَّفَهِ وَمَالِكٌ يَعْتَبِرُ الْحَجْرَ. وَالْفَرْضُ أَنْ لَا حَجْرَ فَأَجَازَ فِعْلَهُ. وَبِاَلَّذِي عَلَى صَغِيرٍ مُهْمَلِ ... يُقْضَى إذَا صَحَّ بِمُوجِبٍ جَلِيّ وَهُوَ عَلَى حُجَّتِهِ كَالْغَائِبِ ... إلَى بُلُوغِهِ بِحُكْمٍ وَاجِبِ وَيَدْفَعُ الْوَصِيُّ كُلَّ مَا يَجِبْ ... مِنْ مَالِ مَنْ فِي حَجْرِهِ مَهْمَا طُلِبْ يَعْنِي: أَنَّ الصَّغِيرَ الْمُهْمَلَ يُقْضَى عَلَيْهِ وَيُحْكَمُ بِمَا ثَبَتَ عَلَيْهِ مِنْ الْحَقِّ إذَا كَانَ مُوجِبُ ذَلِكَ صَحِيحًا جَلِيًّا ظَاهِرًا، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ عَلَى حُجَّتِهِ إذَا بَلَغَ كَالْغَائِبِ يُحْكَمُ عَلَيْهِ فِي غَيْبَتِهِ ثُمَّ يَقْدُمُ فَيَكُونُ عَلَى حُجَّتِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا فِي الْبَيْعِ عَلَى الْغَائِبِ فَإِنْ كَانَ لِلْمَحْجُورِ وَصِيٌّ فَهُوَ الَّذِي يَدْفَعُ مَا وَجَبَ عَلَى مَحْجُورِهِ مِنْ مَالِ الْمَحْجُورِ الْمَذْكُورِ إذَا طَلَبَ ذَلِكَ. وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِالْبَيْتِ الثَّالِثِ وَبِاَلَّذِي يَتَعَلَّقُ بِيُقْضَى

وَعَلَى صَغِيرٍ يَتَعَلَّقُ بِفِعْلٍ مُقَدَّرٍ صِلَةُ الَّذِي أَيْ ثَبَتَ أَوْ وَجَبَ عَلَى صَغِيرٍ ثُمَّ وَصَفَهُ بِالْإِهْمَالِ، وَفَاعِلُ صَحَّ يَعُودُ عَلَى مَا وَجَبَ عَلَى الصَّغِيرِ وَبِمُوجِبٍ يَتَعَلَّقُ بِصَحَّ، وَالْمُرَادُ بِالْمُوجِبِ الْبَيِّنَةُ (قَالَ فِي الْمُقَرَّبِ) وَلَوْ كَانَتْ الدَّارُ الْمُدَّعَى فِيهَا بَيْنَ صَغِيرٍ لَمْ يَسْتَخْلِفْ الْقَاضِي لِهَذَا الصَّغِيرِ مَنْ يَقُومُ بِحُجَّتِهِ (قَالَ الشَّارِحُ) لَازِمُ قَوْلِهِ فِي الْمُقَرَّبِ لَمْ يَسْتَخْلِفْ الْقَاضِي إلَخْ كَوْنُهُ تُرْجَى لَهُ الْحُجَّةُ إذَا مَلَكَ أَمْرَ نَفْسِهِ وَعَنْ هَذَا الْمَعْنَى عَبَّرَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِقَوْلِهِ: وَهُوَ عَلَى حُجَّتِهِ كَالْغَائِبِ الْبَيْتَ. وفِي الْمَشْهُورِ ... مُنْسَحِبٌ عَلَى بَنِي الْمَحْجُورِ وَيَعْقِدُ النِّكَاحَ لِلْإِمَاءِ ... وَالنَّصُّ فِي عَقْدِ الْبَنَاتِ جَائِي وَعَقْدُهُ قَبْلَ الْبُلُوغِ جَارِ ... بِجَعْلِهِ فِي الْبِكْرِ كَالْإِجْبَارِ يَعْنِي: أَنَّ الْوَصِيَّ عَلَى الْمَحْجُورِ يَكُونُ وَصِيًّا أَيْضًا عَلَى أَوْلَادِ ذَلِكَ الْمَحْجُورِ وَيَنْسَحِبُ نَظَرُهُ عَلَيْهِمْ عَلَى الْقَوْلِ الْمَشْهُورِ وَمُقَابِلُهُ أَنَّهُ لَا يَنْسَحِبُ وَلَا يَكُونُ لِوَصِيِّ أَبِيهِمْ عَلَيْهِمْ نَظَرٌ، وَعَلَى الِانْسِحَابِ فَلَهُ أَنْ يَعْقِدَ النِّكَاحَ عَلَى إمَاءِ مَحْجُورِهِ وَبَنَاتِهِ بَعْدَ الْبُلُوغِ وَلَا إشْكَالَ وَأَمَّا قَبْلَهُ فَكَذَلِكَ إذَا جَعَلَ الْمُوصِي لَهُ الْإِجْبَارَ فَقَوْلُهُ جَارٍ بِجَعْلِهِ فِي الْبِكْرِ كَالْإِجْبَارِ يَعْنِي إنْ عَقَدَ الْوَصِيُّ نِكَاحَ الْأَبْكَارِ مِنْ بَنَاتِ مَحْجُورِهِ جَبْرًا قَبْلَ بُلُوغِهِنَّ يَجْرِي مَجْرَى الْإِجْبَارِ الْحَاصِلِ بِجَعْلِ الْمُوصِي ذَلِكَ لِلْوَصِيِّ فِي أَبْكَارِ بَنَاتِهِ فَإِذَا جَعَلَ ذَلِكَ لِلْوَصِيِّ كَانَ لَهُ جَبْرُ بَنَاتِ الْمَحْجُورِ كَمَا يُجْبِرُ بَنَاتِ الْوَصِيِّ هَذَا مُرَادُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. فَالْأَلِفُ وَاللَّامُ فِي لَفْظِ الْإِمَاءِ وَالْبَنَاتِ بَدَلٌ مِنْ ضَمِيرٍ يَعُودُ عَلَى الْمُضَافِ إلَيْهِ وَهُوَ الْمَحْجُورُ لَا عَلَى الْمُضَافِ الَّذِي هُوَ بَنِي، أَيْ: وَيَعْقِدُ الْوَصِيُّ نِكَاحَ إمَائِهِ وَنِكَاحَ بَنَاتِهِ. فَفِي نَوَازِلِ ابْنِ الْحَاجِّ: اخْتَلَفَ الشُّيُوخُ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - فِي الرَّجُلِ إذَا كَانَ وَصِيًّا عَلَى سَفِيهٍ فَوُلِدَ لِلسَّفِيهِ وَلَدٌ فَهَلْ لِلْمُوصِي أَنْ يَنْظُرَ عَلَى ابْنِ السَّفِيهِ كَمَا يَنْظُرُ عَلَى الْوَلَدِ أَمْ لَا، فَذَهَبَ الْقَاضِي مُحَمَّدُ بْنُ بَقِيِّ بْنِ زَرْبٍ إلَى أَنَّهُ لَا يَنْظُرُ إلَيْهِ وَخَالَفَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَابْنُ عَتَّابٍ وَابْنُ الْقَطَّانِ فِي ذَلِكَ وَقَالَا: إنَّهُ يَنْظُرُ عَلَيْهِ كَمَا عَلَى أَبِيهِ، قَالَا: وَالْقَضَاءُ عِنْدَنَا بِذَلِكَ. اهـ. وَفِي مُفِيدِ (ابْنِ هِشَامٍ) قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ بْنُ رُشْدٍ: وَقَدْ جَاءَتْ الرِّوَايَةُ مَنْصُوصَةٌ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الْوَصِيَّ يُنْكِحُ بَنَاتَ مَحْجُورِهِ يُرِيدُهُ فِي الْبَنَاتِ الْأَبْكَارِ الْبَالِغَاتِ وَالثَّيِّبَاتِ اللَّائِي لَمْ يَمْلِكْنَ أُمُورَ أَنْفُسِهِنَّ. وَالْوَجْهُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ رَآهُ وَصِيًّا عَلَيْهِنَّ بِكَوْنِهِ وَصِيًّا عَلَى آبَائِهِنَّ وَهُوَ دَلِيلُ مَا فِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ النُّذُورِ مِنْ الْعُتْبِيَّةِ وَقَدْ كَانَ بَعْضُ الشُّيُوخِ يَقُولُ: إنَّ الْوَصِيَّ لَا يَكُونُ وَصِيًّا عَلَى بَنَاتِ مَحْجُورِهِ إلَّا بِتَقْدِيمِ السُّلْطَانِ فَعَلَى هَذَا لَا يُزَوِّجُ أَحَدًا مِنْ بَنَاتِهِ وَأَمَّا أُمُّهُ فَلَيْسَ لَهَا بِوَلِيٍّ وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يَصْلُحُ أَنْ يُزَوِّجَهَا فَالْوَصِيُّ يُزَوِّجُ إمَاءَ مَحْجُورِهِ بِلَا خِلَافٍ وَيُزَوِّجُ بَنَاتِهِ اللَّائِي لَمْ يَمْلِكْنَ أَمْرَ أَنْفُسِهِنَّ عَلَى اخْتِلَافٍ فِيهِ وَلَا يُزَوِّجُ بَنَاتِهِ اللَّائِي قَدْ مَلَكْنَ أَنْفُسَهُنَّ وَلَا أَخَوَاتِهِ وَلَا قَرَابَاتِهِ فَإِنْ فَعَلَ مَضَى عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ ابْنُ الْهِنْدِيِّ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. (أَقُولُ) النَّصُّ الَّذِي ذَكَرَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ جَاءَ فِي عَقْدِ الْبَنَاتِ هُوَ الرِّوَايَةُ الَّتِي ذَكَرَ ابْنُ رُشْدٍ أَنَّهَا جَاءَتْ مَنْصُوصَةً عَنْ مَالِكٍ وَفِي وَثَائِقِ (ابْنِ فَتْحُونٍ) أَنَّ لِلْوَصِيِّ أَنْ يُزَوِّجَ مَوْلَيَاتِ الْمُوصِي وَأَخَوَاتِهِ وَسَائِرَ بَنَاتِهِ وَذِي قَرَابَتِهِ مِنْ كُلِّ مَنْ كَانَتْ وِلَايَةُ تَزْوِيجِهَا إلَى الْمُوصِي ثَيِّبَاتٍ كُنَّ أَوْ أَبْكَارًا وَيَنْزِلُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ مَنْزِلَتَهُ رَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ مِنْ الْمَدَنِيِّينَ وَالْمِصْرِيِّينَ ثُمَّ قَالَ: إنَّمَا لَهُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ إذَا كَانَ يَلِي الذُّكُورَ مِنْ أَوْلَادِ الْمُوصِي لِأَنَّهُ يَنْظُرُ لَهُمْ وَيُنْفِذُ عَلَيْهِمْ مَا يُنْظَرُونَ فِيهِ وَيُنْفِذُونَهُ بَعْدَ رُشْدِهِمْ وَإِنْكَاحُ وَلِيَّتِهِمْ أَحَقُّ مَا يَنْظُرُ لَهُمْ فِيهِ وَأَمَّا إنْ كَانَتْ وِلَايَتُهُ عَلَى الْإِنَاثِ مِنْهُمْ فَلَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّ الْإِنَاثَ لَيْسَ إلَيْهِنَّ الْإِنْكَاحُ بَعْدَ الرُّشْدِ فَافْتَرَقَا لِذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَمِثْلُ هَذَا ذَكَرَ ابْنُ سَهْلٍ

فِي أَحْكَامِهِ. اهـ. (قَالَ مُقَيِّدُ هَذَا الشَّرْحِ سَمَحَ اللَّهُ لَهُ بِفَضْلِهِ) سَمِعْتُ مِنْ شَيْخِنَا الْإِمَامِ الْعَالِمِ الْعَلَامَةِ الْحَافِظِ الْمُتَفَنِّنِ الْخَطِيبِ الْبَلِيغِ أَبِي الْعَبَّاسِ سَيِّدِي أَحْمَدَ الْمُقْرِي التِّلْمِسَانِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَبْرَ مَا مَرَّ فِي حَالِ قِرَاءَةِ مُخْتَصَرِ الشَّيْخِ خَلِيلٍ قَالَ يَظْهَرُ لِي أَنَّ الْقَوْلَيْنِ فِي انْسِحَابِ نَظَرِ الْوَصِيِّ عَلَى أَوْلَادِ مَحْجُورِهِ مَحِلُّهَا فِي حَيَاةِ الْمَحْجُورِ وَأَمَّا بَعْدَ مَوْتِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَتَّفِقَ أَنَّهُ لَا يَبْقَى لَهُ نَظَرٌ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ النَّظَرَ عَلَيْهِمْ إنَّمَا كَانَ بِحَسَبِ التَّبَعِ لِأَبِيهِمْ، وَالْقَاعِدَةُ أَنَّهُ إذَا عُدِمَ الْمَتْبُوعُ عُدِمَ التَّابِعُ وَلَهُ نَظَائِرُ فِي الْفِقْهِ مِنْهَا مَنْ اشْتَرَى عَبْدًا فَمَاتَ أَوْ أَعْتَقَهُ أَوْ بَاعَهُ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَ مَالَهُ فَلَا يَجُوزُ بِاتِّفَاقٍ أَيْ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِكُلِّ شَيْءٍ كَمَا يَجُوزُ لَوْ كَانَ الْعَبْدُ مَازَالَ بِيَدِهِ، فَأَمَّا الْآنَ فَلَا يُبَاعُ إلَّا بِمَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِهِ مُنْفَرِدًا وَكَذَلِكَ النَّخْلُ وَالْأَرْضُ إذَا بَاعَهُمَا ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَ زَرْعَ الْأَرْضِ أَوْ ثَمَرَ النَّخْلِ فَاعْلَمْهُ. وَلِذَلِكَ نَظَائِرُ أُخَرُ ذُكِرَتْ فِي مَحَلِّهَا وَقَدْ قُلْتُ فِي ذَلِكَ فِي تَكْمِيلِ الْمَنْهَجِ الْمُسَمَّى بِبُسْتَانِ فِكْرِ الْمَنْهَجِ فِي تَكْمِيلِ الْمَنْهَجِ: وَمَا يَجُوزُ فِعْلُهُ بِالتَّبَعِ ... فَشَرْطُهُ بَقَاءُ مَتْبُوعٍ فَعِ كَبَيْعِ خِلْفَةٍ وَمَالُ الْقِنِّ ... وَالزَّرْعُ وَالثِّمَارُ مِنْ ذَا الْفَنِّ خِدْمَةُ أُمِّ وَلَدٍ إذَا حَرُمْ ... عَلَيْهِ وَطْؤُهَا لِذِي الْأَصْلِ تُضَمْ وَشَيْخُنَا الْمُقْرِي قَاسَ نَظَرَا ... أَوْلَادَ مَحْجُورٍ لَهُ مَوْتٌ عَرَى لَمْ يَبْقَ لِلْوَصِيِّ عَلَيْهِمْ مِنْ نَظَرْ ... لِفَقْدِ مَتْبُوعٍ كَمَا قَبْلُ غَبَرْ. قَالَ النَّاظِمُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَالنَّقْلُ لِلْإِيصَاءِ غَيْرُ مُعْمَلٍ ... إلَّا لِعُذْرٍ أَوْ حُلُولِ أَجَلٍ وَلَا يُرَدُّ الْعَقْدُ بَعْدَ أَنْ قَبِلْ ... إنْ مَاتَ مُوصٍ وَلِعُذْرٍ يَنْعَزِلْ وَلَا رُجُوعَ إنْ أَبَى تَقَدُّمَهْ ... مِنْ بَعْدِ أَنْ مَاتَ الَّذِي قَدْ قَدَّمَهْ اشْتَمَلَتْ الْأَبْيَاتُ الثَّلَاثَةُ عَلَى مَسَائِلَ، كُلُّ بَيْتٍ عَلَى مَسْأَلَةٍ، وَالْمُنَاسِبُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ تَأْخِيرُ الْبَيْتِ الْأَوَّلِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى نَقْلِ الْإِيصَاءِ الْكَائِنِ بَعْدَ ثُبُوتِهِ وَلُزُومِهِ فَيُؤَخَّرُ عَنْ الْبَيْتَيْنِ بَعْدَهُ الْمُشْتَمِلَيْنِ عَلَى مَا يَلْزَمُ بِهِ الْإِيصَاءُ، وَمَا لَا يَلْزَمُ. (فَالْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) أَنَّ الْوَصِيَّ الَّذِي لَزِمَهُ حُكْمُ الْإِيصَاءِ لِقَبُولِهِ لَهُ بَعْدَ الْمَوْتِ لَا سِيَّمَا بَعْدَ التَّصَرُّفِ فِي تَرِكَةِ الْمُوصِي إذَا أَرَادَ عَزْلَ نَفْسِهِ عَنْ الْإِيصَاءِ وَجَعْلِهِ لِغَيْرِهِ فِي حَيَاتِهِ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إلَّا لِعُذْرٍ حَصَلَ لَهُ يَتَعَذَّرُ مَعَهُ النَّظَرُ فِي الْإِيصَاءِ الْمَذْكُورِ كَاخْتِلَالِ عَقْلٍ وَنَحْوِهِ فَلِلْقَاضِي أَنْ يُقَدِّمَ مَنْ يَرَاهُ أَهْلًا لِذَلِكَ وَكَذَا لَهُ هُوَ أَنْ يُسْنِدَ الْإِيصَاءَ بَعْدَ مَوْتِهِ إلَى غَيْرِهِ قَالَ فِي (الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ) فَإِنْ ذَهَبَ الْوَصِيُّ فِي حَيَاتِهِ أَنْ يُفَوِّضَ الْإِيصَاءَ إلَى غَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُ وَإِنَّمَا لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ مَنْ يَنْظُرُ بِأَمْرِهِ. وَفِي (الْمُتَيْطِيَّةِ) وَلِلْوَصِيِّ إذَا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ أَنْ يُوصِيَ بِمَا جَعَلَ الْمُوصِي إلَيْهِ إلَى مَنْ شَاءَ إنْ كَانَ مُنْفَرِدًا بِالنَّظَرِ وَيَكُونُ وَصِيُّ الْوَصِيِّ كَالْوَصِيِّ. اهـ. (وَفِي مَجَالِسِ الْقَاضِي الْمِكْنَاسِيِّ مَا نَصُّهُ) فَإِنْ أَرَادَ الْوَصِيُّ أَنْ يَنْحَلَّ عَنْ الْوَصِيَّةِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي لِغَيْرِ عُذْرٍ ثَبَتَ هَلْ لَهُ ذَلِكَ أَمْ لَا؟ . قُلْت: فَرَّقَ ابْنُ عَاتٍ بَيْنَ قَبُولِ الْوَصِيِّ فِي حَيَاةِ الْمُوصِي أَوْ بَعْدَ مَوْتِهِ فَإِنْ كَانَ قَبُولُهُ فِي حَيَاةِ الْمُوصِي فَلَا يُحِلُّهُ الْقَاضِي إلَّا بَعْدَ ثُبُوتِ عُذْرٍ يُوجِبُ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ قَبُولُهُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي فَلِلْقَاضِي أَنْ يُعْفِيَهُ لِغَيْرِ عُذْرٍ. اهـ. (وَالْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) إذَا قَبِلَ الْوَصِيُّ الْإِيصَاءَ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي أَوْ قَبْلَهُ وَاسْتَمَرَّ عَلَى قَبُولِهِ إلَى مَوْتِ الْمُوصِي فَلَا رُجُوعَ لَهُ بَعْدُ فَإِنْ حَصَلَ لَهُ عُذْرٌ انْعَزَلَ. (وَالْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) إذَا امْتَنَعَ الْوَصِيُّ مِنْ قَبُولِ الْإِيصَاءِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي ثُمَّ بَدَا لَهُ وَأَرَادَ أَنْ يَقْبَلَ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَإِلَى هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ أَشَارَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ بِقَوْلِهِ: لَا بَعْدَهُمَا، أَيْ لَيْسَ لِلْوَصِيِّ عَزْلُ نَفْسِهِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي وَقَبُولِ الْوَصِيَّةِ سَوَاءٌ كَانَ قَبُولُهُ قَبْلَ الْمَوْتِ وَاسْتَمَرَّ عَلَيْهِ إلَى مَوْتِ الْمُوصِي أَوْ كَانَ قَبُولُهُ بَعْدَهُ ثُمَّ قَالَ، وَإِنْ أَبَى الْقَبُولَ بَعْدَ الْمَوْتِ فَلَا قَبُولَ لَهُ بَعْدُ قَالَ فِي (الْمُقَرَّبِ) قَالَ

ابْنُ الْقَاسِمِ وَإِذَا قَبِلَ الْوَصِيُّ وَصِيَّةَ مَنْ أَوْصَى إلَيْهِ ثُمَّ بَدَا لَهُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي وَأَرَادَ أَنْ يَتْرُكَهَا فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَقَدْ لَزِمَتْهُ وَفِي كِتَابِ (ابْنِ يُونُسَ) قَالَ مُحَمَّدٌ وَإِذَا قَبِلَ الْوَصِيُّ الْوَصِيَّةَ فِي حَيَاةِ الْمُوصِي فَلَا رُجُوعَ لَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ. (وَفِي مُفِيدِ ابْنِ هِشَامٍ) وَإِذَا أَوْصَى رَجُلٌ إلَى رَجُلٍ وَقَبِلَ الْمُوصَى إلَيْهِ ذَلِكَ ثُمَّ نَدِمَ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي، فَإِنْ أَقَالَهُ الْمُوصِي جَازَتْ إقَالَتُهُ وَإِنْ لَمْ يُقِلْهُ أُلْزِمَ النَّظَرَ فِي الْوَصِيَّةِ عَلَى مَا أَحَبَّ أَوْ كَرِهَ إنْ كَانَ قَدْ أَشْهَدَ بِالْقَبُولِ عَلَى نَفْسِهِ يُجْبِرُهُ الْحَاكِمُ عَلَى ذَلِكَ إنْ كَانَ ثِقَةً مَأْمُونًا إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ عُذْرٌ مَقْبُولٌ، (وَفِي كِتَابِ ابْنِ يُونُسَ عَنْ أَشْهَبَ) وَإِذَا أَبَى مِنْ قَبُولِهَا فِي حَيَاتِهِ وَأَبَى مِنْهَا أَيْضًا بَعْدَ مَمَاتِهِ ثُمَّ أَرَادَ قَبُولَهَا فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَجْعَلَهُ السُّلْطَانُ لِحُسْنِ نَظَرِهِ. اهـ. (ابْنُ رُشْدٍ) وَلِلْوَصِيِّ عَزْلُ نَفْسِهِ بَعْدَ الْقَبُولِ فِي حَيَاةِ الْمُوصِي (ابْنُ عَرَفَةَ) ظَاهِرُ الْمَعُونَةِ خِلَافُ هَذَا وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ إذَا قَبِلَ الْوَصِيُّ الْوَصِيَّةَ فِي حَيَاةِ الْمُوصِي فَلَا رُجُوعَ لَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ (أَشْهَبُ) لَوْ قَبِلَ الْوَصِيُّ الْوَصِيَّةَ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي أَوْ جَاءَ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى الْقَبُولِ مِنْ بَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ لَهُمْ لَزِمَتْهُ الْوَصِيَّةُ. انْتَهَى عَلَى نَقْلِ الْمَوَّاقِ. (فَرْعٌ) الْوَصِيَّانِ الْمُشْتَرِكَانِ فِي الْإِيصَاءِ هَلْ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يُوصِيَ بِمَا جُعِلَ إلَيْهِ مِنْ الْوَصِيَّةِ أَوْ لَا ثَالِثُهَا لِشَرِيكِهِ فِي الْإِيصَاءِ لَا لِغَيْرِهِ وَعَلَى الثَّانِي ذَهَبَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ حَيْثُ قَالَ وَلَا لِأَحَدِهِمَا إيصَاءٌ اُنْظُرْ الشَّارِحَ وَالْمَوَّاقَ. وَكُلُّ مَنْ قُدِّمَ مِنْ قَاضٍ فَلَا ... يَجُوزُ أَنْ يَجْعَلَ مِنْهُ بَدَلَا كَذَاك لَا يَجُوزُ أَنْ يَنْعَزِلَا ... إلَّا لِعُذْرٍ بَيِّنٍ إنْ قَبِلَا أَشَارَ بِالْبَيْتِ الْأَوَّلِ لِقَوْلِهِ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ وَغَيْرِهَا وَلَا يَجُوزُ لِمُقَدَّمِ الْقَاضِي عَلَى النَّظَرِ لِلْيَتِيمِ أَنْ يُوَكِّلَ بِمَا جُعِلَ إلَيْهِ أَحَدًا غَيْرَ حَيٍّ أَوْ مَاتَ وَلَا أَنْ يُوصِيَ إلَى أَحَدٍ وَهُوَ خِلَافُ وَصِيِّ الْأَبِ قَالَهُ ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ وَابْنُ الْهِنْدِيِّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ الْمُوَثَّقِينَ (قَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ) وَإِنَّمَا لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ غَيْرَهُ فِي حَيَاتِهِ أَوْ بَعْدَ وَفَاتِهِ لِحُضُورِ أَعْيَانِ الْقُضَاةِ الْمُقَدَّمِينَ لَهُمْ، وَأَمَّا الْأَبُ فَقَدْ فَاتَتْ عَيْنُهُ فَوَصِيُّهُ بِمَنْزِلَتِهِ وَفِيهَا أَيْضًا وَإِذَا قَبِلَ الْوَصِيُّ التَّقْدِيمَ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْحَلَّ عَنْ ذَلِكَ إلَّا لِعُذْرٍ يَتَبَيَّنُ لِلْقَاضِي يُوجِبُ حِلَّهُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ فِي حَيَاتِهِ وَلَا بَعْدَ مَمَاتِهِ وَلَيْسَ هُوَ فِي هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْوَصِيِّ لِلْأَبِ. اهـ. فَقَوْلُهُ: فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَجْعَلَ مِنْهُ بَدَلًا يَشْتَمِلُ التَّوْكِيلَ فِي الْحَيَاةِ وَالْإِيصَاءَ بَعْدَ الْمَمَاتِ وَقُدِّمَ بِالْبِنَاءِ لِلنَّائِبِ وَيَجْعَلَ بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ، وَفَاعِلُهُ يَعُودُ عَلَى مَنْ قَدَّمَ، وَبَدَلَا: مَفْعُولٌ بِيَجْعَلَ، وَضَمِيرٌ مِنْهُ يَعُودُ عَلَى قَدَّمَ أَيْضًا. أَشَارَ بِالْبَيْتِ الثَّانِي إلَى قَوْلِ الْمُتَيْطِيِّ أَيْضًا وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ أَصْبَغَ فِي الرَّجُلِ يُوَكِّلُهُ السُّلْطَانُ عَلَى النَّظَرِ لِلْيَتِيمِ فَيُقْبَلُ ذَلِكَ مِنْهُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْعَزِلَ عَنْ ذَلِكَ عُزِلَ ذَلِكَ السُّلْطَانُ أَوْ لَمْ يُعْزَلْ إلَّا أَنْ يُلْزِمَهُ السُّلْطَانُ عَلَى وَجْهِ النَّظَرِ وَيُوَلِّي غَيْرَهُ لِحُسْنِ نَظَرِهِ. اهـ. وَصَالِحٌ لَيْسَ يُجِيدُ النَّظَرَا ... فِي الْمَالِ إنْ خِيفَ الضَّيَاعُ حُجِرَا وَشَارِبُ الْخَمْرِ إذَا مَا ثَمَّرَا ... لِمَا يَلِي مِنْ مَالِهِ لَنْ يُحْجَرَا يَعْنِي أَنَّ الصَّالِحَ الَّذِي لَا يُحْسِنُ النَّظَرَ فِي مَالِهِ يُحْجَرُ عَلَيْهِ إنْ خِيفَ عَلَى مَالِهِ الضَّيَاعُ وَشَارِبُ الْخَمْرِ إذَا كَانَ يَشْمَلُ مَا يَلِي مِنْ مَالِهِ وَيُنَمِّيه فَلَا يُحْجَرُ عَلَيْهِ لِعَدَمِ تَعَلُّقِ مَعْصِيَتِهِ بِمَا يُوجِبُ الْحَجْرَ عَلَيْهِ فَكَلَامُ

النَّاظِمِ فِيمَنْ لَا حَجْرَ عَلَيْهِ، فَالْأَوَّلُ يَسْتَأْنِفُ حَجْرَهُ، وَالثَّانِي يَبْقَى عَلَى إطْلَاقِهِ وَلَا يُحْجَرُ عَلَيْهِ (قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّة) وَإِذَا كَانَ الْيَتِيمُ فَاسِقًا وَكَانَ مَعَ ذَلِكَ نَاظِرًا لِنَفْسِهِ ضَابِطًا لِمَالِهِ وَجَبَ إطْلَاقُهُ مِنْ الْوِلَايَةِ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاحِ فِي دِينِهِ وَالِاسْتِقَامَةِ فِي أَحْوَالِهِ وَلَمْ يَكُنْ نَاظِرًا فِي مَالِهِ لَمْ يَجِبْ إطْلَاقُهُ مِنْ الْوِلَايَةِ. وَمَنْ كَانَ بِحَالِ تَبْذِيرٍ وَضَعْفِ نَظَرٍ فِي مَالِهِ مِمَّنْ لَمْ يُوَلَّ عَلَيْهِ وَكَانَ صَالِحًا فِي دِينِهِ وَجَبَ أَنْ يُوَلَّى عَلَيْهِ كَمَا تَقَدَّمَ وَمَنْ كَانَ فَاسِقًا فِي دِينِهِ حَسَنَ النَّظَرِ فِي مَالِهِ لَمْ يُتَعَرَّضْ لَهُ بِالتَّقْدِيمِ لِأَنَّ التَّقْدِيمَ إنَّمَا هُوَ لِضَبْطِ الْمَالِ لَا لِفَسَادِ الْأَحْوَالِ لِأَنَّ فَسَادَ أَحْوَالِ الرَّجُلِ لَا تَعْدُوهُ إلَى غَيْرِهِ وَإِذَا بَذَّرَ مَالَهُ وَأَتْلَفَهُ صَارَ عَالَةً عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَرَجَعَتْ نَفَقَتُهُ إلَى بَيْتِ مَالِهِمْ فَوَصَلَ بِتَبْذِيرِهِ إلَى جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ ضَرَرٌ فَلِهَذَا ضُرِبَ عَلَى يَدَيْهِ وَبِهَذَا الْفُتْيَا وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ. اهـ. وَأَشَارَ النَّاظِمُ بِالْبَيْتِ الْأَوَّلِ لِقَوْلِ الْمُتَيْطِيِّ وَمَنْ كَانَ بِحَالِ تَبْذِيرٍ وَضَعْفِ نَظَرٍ إلَخْ، وَبِالْبَيْتِ الثَّانِي لِقَوْلِهِ: وَمَنْ كَانَ فَاسِقًا فِي دِينِهِ إلَخْ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ فِي الْأَوَّلِ: حُجِرَا، وَقَوْلِهِ فِي الثَّانِي: لَنْ يُحْجَرَا إذْ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنْ لَا حَجْرَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَبْلَ ذَلِكَ. وَاسْتَغْنَى النَّاظِمُ بِهَذَيْنِ الْفَرْعَيْنِ عَنْ اللَّذَيْنِ قَبْلَهُمَا فِي كَلَامِ الْمُتَيْطِيِّ وَهُمَا إطْلَاقُ مَنْ يُجِيدُ النَّظَرَ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَرْضِيِّ الْحَالِ وَاسْتِصْحَابُ الْحَجْرِ عَلَى مَنْ لَا يُجِيدُ النَّظَرَ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ عَدَمُ إجَادَةِ النَّظَرِ فِي الْمَالِ مِنْ الصَّالِحِ مُوجِبًا لِاسْتِئْنَافِ حَجْرِهِ فَأَحْرَى أَنْ يَكُونَ مُوجِبًا لِاسْتِدَامَتِهِ وَإِذَا كَانَ تَثْمِيرُ الْمَالِ حَتَّى مِنْ غَيْرِ مَرْضِيِّ الْحَالِ مَانِعًا مِنْ ابْتِدَاءِ الْحَجْرِ فَكَذَلِكَ يُمْنَعُ مِنْ اسْتِصْحَابِهِ مِنْ بَابِ لَا فَارِقَ قَالَهُ الشَّارِحُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهُوَ ظَاهِرٌ. وَلِلْوَصِيِّ جَائِزٌ أَنْ يَتَّجِرَا ... لَكِنَّهُ يَضْمَنُ مَهْمَا غَرَّرَا يَعْنِي: أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْوَصِيِّ أَنْ يَتَّجِرَ بِمَالِ الْيَتِيمِ وَلَا يُغَرِّرَ بِهِ فَإِنْ فَعَلَ وَهَلَكَ ضَمِنَهُ قَالَ الْقَلْشَانِيُّ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ فِي الرِّسَالَةِ وَلِلْوَصِيِّ أَنْ يَتَّجِرَ بِمَالِ الْيَتَامَى وَيُزَوِّجَ إمَاءَهُمْ يَعْنِي أَنَّ لِلْوَصِيِّ أَنْ يَتَّجِرَ بِمَالِ الْيَتَامَى لَهُمْ عَلَى أَنَّ الرِّبْحَ لَهُمْ وَالْوَضِيعَةَ عَلَيْهِمْ وَلَهُ أَنْ يَدْفَعَهُ قِرَاضًا لِغَيْرِهِ عَلَى وَجْهِ النَّظَرِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَّجِرَ بِهِ لِنَفْسِهِ فَإِنْ فَعَلَ فَقِيلَ: الرِّبْحُ لَهُمْ وَالْوَضِيعَةُ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: الرِّبْحُ لَهُ وَعَلَيْهِ الْخَسَارَةُ، وَقِيلَ: إنْ كَانَ مَلِيًّا فَالرِّبْحُ لَهُ، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا فَالرِّبْحُ لِلْأَيْتَامِ. اهـ. وَفِي طُرَرِ (ابْنِ عَاتٍ) رَأَيْتُ لِبَعْضِ الْمُفْتِينَ أَنَّ الْوَصِيَّ إذَا كَانَ أَخًا لِلْيَتَامَى وَكَانَ الْمَالُ مُشْتَرَكًا فَتَجَرَ بِهِ فَالرِّبْحُ لَهُ، قَالَ حَسَنٌ أَنْ يُوَاسِيَ مِنْهُ الْيَتَامَى وَفِي (الْمُقَرَّبِ) فِي تَفْسِيرِ ابْنِ مُزَيْنٍ قَالَ وَسَأَلْتُ عِيسَى عَنْ تَفْسِيرِ قَوْلِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: اتَّجِرُوا فِي أَمْوَالِ الْيَتَامَى لَا تَأْكُلْهَا الزَّكَاةُ، يَعْنِي: أَنْ يُقَارِضَ بِمَالِ الْيَتَامَى أَهْلَ الثِّقَةِ وَالْأَمَانَةِ أَوْ يَبْضَعَ مَعَهُمْ فَتَكُونُ زَكَاةُ الْمَالِ مِنْ رِبْحِهِ قَالَ وَيُكْرَهُ لِوَلِيِّ الْيَتِيمِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ مَالِهِ قِرَاضًا لِنَفْسِهِ قَالَ يَحْيَى: قُلْتُ: لَهُ، فَإِنْ فَعَلَ قَالَ: إنْ أَخَذَهُ عَلَى قِرَاضِ مِثْلِهِ وَلَمْ يَغُشَّ الْيَتِيمَ فَذَلِكَ جَائِزٌ وَإِنْ ذَهَبَ الْمَالُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ. اهـ. وَجَائِزٌ مُبْتَدَأٌ، وَلِلْوَصِيِّ يَتَعَلَّقُ بِهِ، وَأَنْ يَتَّجِرَ فِي مَحَلِّ رَفْعِ فَاعِلٍ بِجَائِزٍ، وَمُتَعَلِّقُ يَتَّجِرُ مَحْذُوفٌ دَلَّ عَلَيْهِ السِّيَاقُ أَيْ بِمَالِ الْيَتِيمِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) فِي نَوَازِلِ ابْنِ الْحَاجِّ: لِلْقَاضِي أَنْ يَعْرِضَ لِلْوَصِيِّ أُجْرَةً عَلَى نَظَرِهِ اهـ. وَعِنْدَمَا يَأْنُسُ رُشْدَ مَنْ حُجْر ... يُطْلِقُهُ وَمَالَهُ لَهُ يَذَرْ وَحَيْثُ لَمْ يَفْعَلْ فَقَدْ تَصَدَّى ... أَنْ يَضْمَنَ الْمَالَ لَأَنْ تَعَدَّى يَعْنِي: أَنَّ الْوَصِيَّ إذَا آنَسَ وَأَبْصَرَ وَرَأَى مِنْ مَحْجُورِهِ الرُّشْدَ وَحُسْنَ الْحَالِ فَإِنَّ الْمَطْلُوبَ فِي حَقِّهِ أَنْ يُرْشِدَهُ وَيُطْلِقَهُ مِنْ ثِقَافِ الْحَجْرِ وَيُعْطِيَهُ مَالَهُ وَيَخْرُجَ عَنْ عُهْدَتِهِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ وَضَاعَ الْمَالُ ضَمِنَهُ لِأَنَّهُ عَرَّضَ نَفْسَهُ لِذَلِكَ لِتَعَدِّيهِ بِعَدَمِ تَرْشِيدِ الْمَحْجُورِ الْمَذْكُورِ، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى

فصل في الوصية ما يجري مجراها

{فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء: 6] (وَفِي طُرَرِ ابْنِ عَاتٍ) الْمُشَاوِرُ فَإِنْ عَلِمَ الْوَصِيُّ بِرُشْدِهِ وَلَمْ يَدْفَعْ إلَيْهِ مَالَهُ وَتَلِفَ عِنْدَهُ ضَمِنَهُ سَوَاءٌ تَلِفَ بِبَيِّنَةٍ أَوْ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِي حَبْسِ مَالِهِ ظَالِمٌ لَهُ وَغَاصِبٌ لِمَالِ مَنْ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ فِي الْأَصْلِ وَكَذَلِكَ إنْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِتَرْشِيدِهِ وَقْتَ تَلَفِ مَالِهِ ضَمِنَهُ الْوَصِيُّ. اهـ. وَفَاعِلُ يَأْنَسُ الْوَصِيُّ أَيْ يُبْصِرَ، وَمَالَهُ مَفْعُولُ يَذَرَ أَيْ: يَتْرُكُ لَهُ مَالَهُ [فَصْلٌ فِي الْوَصِيَّةِ مَا يَجْرِي مَجْرَاهَا] (ابْنُ عَرَفَةَ) الْوَصِيَّةُ: عَقْدٌ يُوجِبُ حَقًّا فِي ثُلُثِ عَاقِدِهِ لَزِمَ بِمَوْتِهِ أَوْ نِيَابَةً عَنْهُ بَعْدَهُ فَقَوْلُهُ: الْوَصِيَّةُ أَيْ: فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ لَا الْفُرَّاضِ؛ لِأَنَّهَا عِنْدَهُمْ خَاصَّةٌ بِمَا يُوجِبُ الْحَقَّ فِي الثُّلُثِ، وَعِنْدَ الْفُقَهَاءِ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ فَالْعَقْدُ جِنْسٌ لِلْوَصِيَّةِ وَيَدْخُلُ تَحْتَهُ عُقُودٌ كَثِيرَةٌ، وَقَوْلُهُ: يُوجِبُ حَقًّا فِي ثُلُثِ عَاقِدِهِ أَخْرَجَ بِهِ مَا يُوجِبُ حَقًّا فِي رَأْسِ مَالِهِ مِمَّا عَقَدَهُ عَلَى نَفْسِهِ فِي صِحَّتِهِ قَوْلُهُ يَلْزَمُ بِمَوْتِهِ هُوَ صِفَةٌ لِعَقْدٍ أَخْرَجَ بِهِ الْمَرْأَةَ إذَا وَهَبَتْ أَوْ الْتَزَمَتْ ثُلُثَ مَالِهَا وَلَهَا زَوْجٌ أَوْ مَنْ الْتَزَمَ ثُلُثَ مَالِهِ لِشَخْصٍ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ غَيْرِ مَوْتٍ وَالْوَصِيَّةُ لَا تَلْزَمُ إلَّا بِالْمَوْتِ قَوْلُهُ: أَوْ نِيَابَةً عَنْهُ بَعْدَهُ، نِيَابَةً: عَطْفٌ عَلَى حَقًّا، وَالْمَعْنَى أَوْ يُوجِبُ نِيَابَةً عَنْ عَاقِدِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ فَيَدْخُلُ الْإِيصَاءُ بِالنِّيَابَةِ عَنْ الْمَيِّتِ (الرَّصَّاع) فَإِنْ قُلْتَ: إذَا أَوْصَى أَوْ الْتَزَمَ عَدَمَ الرُّجُوعِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَازِمٌ لَهُ مِنْ غَيْرِ مَوْتٍ قُلْتُ فِيهِ خِلَافٌ وَالْحَدُّ لِلْأَعَمِّ مِنْ مَحَلِّ الْخِلَافِ وَالِاتِّفَاقِ، وَالْحَقُّ الْمَذْكُورُ فِي الْحَدِّ أَعَمُّ مِنْ الْمَنْفَعَةِ أَوْ الذَّاتِ أَوْ الْعِتْقِ. فِي ثُلُثِ الْمَالِ فَأَدْنَى فِي الْمَرَضْ ... أَوْ صِحَّةٍ وَصِيَّةٌ لَا تُعْتَرَضْ حَتَّى مِنْ السَّفِيهِ وَالصَّغِيرِ ... إنْ عَقَلَ الْقُرْبَةَ فِي الْأُمُورِ وَالْعَبْدُ لَا تَصِحُّ مِنْهُ مُطْلَقَا ... وَهْيَ مِنْ الْكَافِرِ لَيْسَتْ تُتَّقَى يَعْنِي: أَنَّ الْوَصِيَّةَ تَصِحُّ وَلَا يَعْتَرِضُهَا مُعْتَرِضٌ أَيْ لَا يَرُدُّهَا زَادَ إذَا كَانَتْ فِي ثُلُثِ الْمَالِ فَأَدْنَى كَانَ الْمُوصِي صَحِيحًا أَوْ مَرِيضًا رَشِيدًا كَانَ أَوْ سَفِيهًا بَالِغًا كَانَ أَوْ صَغِيرًا إذَا عَقَلَ الْقُرْبَةَ وَالطَّاعَةَ مُسْلِمًا كَانَ أَوْ كَافِرًا لَكِنْ بِشَرْطِ الْحُرِّيَّةِ فَلَا تَصِحُّ مِنْ الْعَبْدِ قِنًّا كَانَ أَوْ فِيهِ شَائِبَةُ رِقٍّ وَهُوَ الَّذِي عُنِيَ بِالْإِطْلَاقِ فِي عَدَمِ الصِّحَّةِ مِنْ الْعَبْدِ قَالَ فِي (الْمُقَرَّبِ) :. قَالَ مَالِكٌ: وَمَنْ أَوْصَى بِأَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ جَازَ مِنْ ذَلِكَ الثُّلُثُ، وَفِيهِ أَيْضًا وَصِيَّةُ الْأَحْمَقِ وَالسَّفِيهِ وَالْمُصَابِ الَّذِي يُفِيقُ أَحْيَانًا جَائِزَةٌ إذَا كَانَ مَعَهُمْ مِنْ عُقُولِهِمْ مَا يَعْرِفُونَ بِهِ الْوَصِيَّةَ قَالَ (مَالِكٌ) وَالصَّبِيُّ إذَا أَوْصَى وَهُوَ ابْنُ عَشْرِ سِنِينَ بِالشَّيْءِ الْخَفِيفِ فَوَصِيَّتُهُ أَيْضًا جَائِزَةٌ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا اخْتِلَاطٌ وَفِي (الْمَنْهَجِ السَّالِكِ) الْوَصِيَّةُ مَقْصُورَةٌ عَلَى الثُّلُثِ وَلَا تَجُوزُ بِأَكْثَرَ مِنْهُ (وَفِيهِ أَيْضًا) وَتَصِحُّ وَصِيَّةُ السَّفِيهِ وَالصَّغِيرِ الْمُمَيِّزِ الَّذِي يَعْقِلُ وُجُوهَ الْقُرَبِ وَفِي (الْجَوَاهِرِ) وَتَصِحُّ الْوَصِيَّةُ مِنْ كُلِّ حُرٍّ مُمَيِّزٍ مَالِكٍ، وَلَا تَصِحُّ مِنْ الْعَبْدِ وَلَا مِنْ الْمَجْنُونِ وَالصَّبِيِّ الَّذِي لَا يُمَيِّزُ وَتَصِحُّ مِنْ السَّفِيهِ الْمُبَذِّرِ إذْ لَا يَخَافُ الْفَقْرَ بَعْدَ مَوْتِهِ وَتَصِحُّ وَصِيَّةُ الْمُمَيِّزِ إذَا كَانَ يَعْقِلُ وَجْهَ الْقُرَبِ وَأَصَابَ وَجْهَ الْوَصِيَّةِ وَذَلِكَ بِأَنْ لَا يَكُونَ فِيهَا اخْتِلَاطٌ، وَالْكَافِرُ تُنَفَّذُ وَصِيَّتُهُ إلَّا أَنْ يُوصِيَ بِخَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ لِمُسْلِمٍ

وَهْيَ لِمَنْ تُمْلَكُ مِنْهُ يَصِحْ ... حَتَّى لِحَمْلٍ وَاضِحٍ أَوْ لَمْ يَضِحْ لَكِنَّهَا تَبْطُلُ إنْ لَمْ يَسْتَهِلْ ... وَلِلْعَبِيدِ دُونَ إذْنٍ تَسْتَقِلْ لَمَّا ذَكَرَ فِي الْبَيْتَيْنِ قَبْلَ هَذَيْنِ وَصْفَ الْمُوصِي تَكَلَّمَ هُنَا عَلَى الْمُوصَى لَهُ، وَذَكَرَ أَنَّهُ مَنْ يَصِحُّ تَمَلُّكُهُ حَتَّى لِلْحَمْلِ الْوَاضِحِ الْبَيِّنِ، أَوْ لِحَمْلٍ يَظْهَرُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْآنَ ظَاهِرًا فَإِنْ وُلِدَ وَاسْتَهَلَّ صَارِخًا صَحَّتْ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَسْتَهِلَّ بَطَلَتْ وَرَجَعَتْ مِيرَاثًا، وَكَذَلِكَ تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لِلْعَبِيدِ دُونَ إذْنِ سَادَتِهِمْ (وَقَالَ فِي الْجَوَاهِرِ) وَتَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لِكُلِّ مَنْ يُتَصَوَّرُ مِنْهُ الْمِلْكُ فَلَوْ أَوْصَى لِحَمْلِ امْرَأَةٍ فَانْفَصَلَ حَيًّا صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ، وَلَوْ أَسْقَطَتْهُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ وَلَوْ أَوْصَى لِحَمْلٍ سَيَكُونُ صَحَّ وَهُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِ الْقَاضِي أَبِي مُحَمَّدٍ وَتَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لِلْعَبْدِ قَالَ: ثُلُثُ مَالِي لِوَلَدِ فُلَانٍ وَلَيْسَ لِفُلَانٍ يَوْمَئِذٍ وَلَدٌ وَهُوَ يَعْلَمُ بِذَلِكَ أَوْ لَا يَعْلَمُ قَالَ: إنَّ الْوَصِيَّةَ جَائِزَةٌ وَيَكُونُ ثَمَّ الْمُوصَى بِهِ لَهُ دُونَ سَيِّدِهِ إلَى أَنْ يَنْتَزِعَهُ مِنْهُ وَلَا يَفْتَقِرُ فِي الْقَبُولِ إلَى إذْنِ سَيِّدِهِ وَفِي (الْمُقَرَّبِ) إذْ الْإِنَاثُ وَالذُّكُورُ فِيهَا سَوَاءٌ وَإِنْ أَوْصَى وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يُولَدُ لَهُ فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ. (فَرْعٌ) وَإِذَا مَاتَ الْمُوصَى لَهُ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ صَرَّحَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ. وَهْيَ بِمَا يُمْلَكُ حَتَّى الثَّمَرِ ... وَالدَّيْنِ وَالْحَمْلِ وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ تَكَلَّمَ فِي الْبَيْتِ عَلَى الْمُوصَى بِهِ وَهُوَ الرُّكْنُ الثَّالِثُ لِتَقَدُّمِ الْكَلَامِ عَلَى الْمُوصِي وَالْمُوصَى لَهُ فَذَكَرَ أَنَّ الْوَصِيَّةَ تَصِحُّ بِكُلِّ مَمْلُوكٍ حَتَّى الثَّمَرِ فِي رُءُوسِ الشَّجَرِ وَالدَّيْنِ فِي الذِّمَّةِ وَالْحَمْلِ ظَاهِرًا كَانَ أَوْ لَمْ يَظْهَرْ وَإِنْ كَانَ فِي ذَلِكَ غَرَرٌ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ وَالْغَرَرُ فِيهِ جَائِزٌ قَالَ فِي (الْجَوَاهِرِ) وَتَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِكُلِّ مَمْلُوكٍ يَقْبَلُ النَّقْلَ وَلَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ مَوْجُودًا أَوْ عَيْنًا بَلْ تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِالْحَمْلِ وَثَمَرَةِ الشَّجَرِ وَالْمَنْفَعَةِ وَلَا كَوْنُهُ مَعْلُومًا وَلَا مَقْدُورًا عَلَيْهِ بَلْ تَصِحُّ بِالْحَمْلِ كَمَا تَقَدَّمَ وَتَصِحُّ بِالْمَغْصُوبِ وَالْمَجَاهِيلِ وَلَا كَوْنُهُ مُعَيَّنًا إذْ تَصِحُّ بِأَحَدِ الْعَبِيدِ وَلَا تَصِحُّ بِمَا لَا تَمْلِكُهُ كَالْخَمْرِ.

وَامْتَنَعَتْ لِوَارِثٍ إلَّا مَتَى ... إنْفَاذُ بَاقِي الْوَارِثِينَ ثَبَتَا يَعْنِي أَنَّ الْوَصِيَّةَ لِلْوَارِثِ مَمْنُوعَةٌ إلَّا إذَا أَجَازَهَا بَاقِي الْوَرَثَةِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ اللَّهَ قَدْ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ فَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ» قَالَ فِي (الْمَنْهَجِ السَّالِكِ) وَلَا تَجُوزُ الْوَصِيَّةُ لِلْوَارِثِ وَهِيَ لِغَيْرِ الْوَارِثِ جَائِزَةٌ (وَفِي الْجَوَاهِرِ) وَتَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لِلْوَارِثِ وَتَقِفُ عَلَى إجَازَةِ بَاقِي الْوَرَثَةِ وَرَدِّهِمْ فَإِنْ رَدُّوهَا رَجَعَتْ مِيرَاثًا وَإِنْ أَجَازَهَا نَفَذَتْ ثُمَّ اُخْتُلِفَ بَعْدَ تَنْفِيذِهَا بِإِجَازَتِهَا هَلْ ذَلِكَ تَنْفِيذٌ بِفِعْلِ الْمُوصِي أَوْ ابْتِدَاءُ عَطِيَّةٍ مِنْهُمْ وَالْأَوَّلُ هُوَ الَّذِي نَقَلَهُ الْقُضَاةُ الثَّلَاثَةُ أَبُو الْحَسَنِ وَأَبُو مُحَمَّدٍ وَأَبُو الْوَلِيدِ وَرَأَى الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ اللَّخْمِيُّ: أَنَّ الثَّانِيَ هُوَ مُقْتَضَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ. اهـ. وَتَعْبِيرُ النَّاظِمِ بِامْتَنَعَتْ كَعِبَارَةِ الْمَنْهَجِ السَّالِكِ فَلَا تَجُوزُ بِخِلَافِ عِبَارَةِ صَاحِبِ الْجَوَاهِرِ بِتَصِحُّ وَعَلَى أَنَّ إجَازَةَ الْوَرَثَةِ تُنَفَّذُ لَا تَفْتَقِرُ لِحَوْزٍ وَتَفْتَقِرُ عَلَى أَنَّهَا ابْتِدَاءُ عَطِيَّةٍ. (فَرْعٌ) مَنْ أَوْصَى لِأَجْنَبِيٍّ وَاتُّهِمَ أَنْ يَكُونَ اتَّفَقَ مَعَ ذَلِكَ الْأَجْنَبِيِّ أَنْ يَأْخُذَ الْوَصِيَّةَ وَيَدْفَعَهَا لِبَعْضِ وَرَثَةِ الْمُوصِي وَأَنَّ ذَلِكَ تَحَيُّلٌ عَلَى الْوَصِيَّةِ لِلْوَارِثِ فَإِنَّ الْمُوصَى لَهُ يَحْلِفُ وَيَبْرَأُ مِنْ التُّهْمَةِ الْمَذْكُورَةِ فَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ لَمْ تُعْطَ لَهُ الْوَصِيَّةُ الْمَذْكُورَةُ اُنْظُرْ أَوَائِلَ نَوَازِلِ الْوَصِيَّةِ مِنْ الْمِعْيَارِ. وَلِلَّذِي أَوْصَى ارْتِجَاعُ مَا يَرَى ... مِنْ غَيْرِ مَا بَتَّلَ أَوْ مَا دُبِّرَا يَعْنِي أَنَّ لِلْمُوصِي الرُّجُوعَ عَنْ وَصِيَّتِهِ بِأَيِّ شَيْءٍ كَانَتْ إلَّا مَا بَتَّلَ عِتْقُهُ أَوْ عَطِيَّتُهُ فَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ فِيهِ لِخَبَرِ «إنَّ الْعَائِدَ فِي هِبَتِهِ كَالْكَلْبِ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ» وَإِلَّا مَا دَبَّرَهُ مِنْ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ سَوَاءٌ كَانَ فِي الصِّحَّةِ أَوْ فِي الْمَرَضِ فَلَيْسَ لَهُ فِيهِ رُجُوعٌ. قَالَ فِي (الرِّسَالَةِ) وَلِلرَّجُلِ الرُّجُوعُ فِي وَصِيَّتِهِ مِنْ عِتْقٍ وَغَيْرِهِ قَالَ فِي كِتَابِ ابْنِ يُونُسَ وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا أَنَّ مَنْ أَوْصَى فِي صِحَّةٍ أَوْ مَرَضٍ بِعِتْقٍ أَوْ غَيْرِهِ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يُغَيِّرَ مِنْ ذَلِكَ مَا بَدَا لَهُ وَيَصْنَعَ فِيهِ مَا شَاءَ حَتَّى يَمُوتَ وَلَهُ أَنْ يَطْرَحَ تِلْكَ الْوَصِيَّةَ وَيُبَدِّلَ غَيْرَهَا قَالَ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ وَلَا يَرْجِعُ فِيمَا بَتَّلَ وَمِنْ الْمَجْمُوعَةِ قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَمَنْ صَدَّرَ وَصِيَّتَهُ وَكَتَبَ فِيهَا: إنَّ فُلَانًا حُرٌّ وَفُلَانٌ حُرٌّ قَالَ إذَا أَجْرَاهَا مَجْرَى الْوَصِيَّةِ فَلَهُ الرُّجُوعُ فِيهَا. قَالَ (ابْنُ الْقَاسِمِ) وَإِنْ كَتَبَ فِي أَمَتِهِ إنَّهَا مُدَبَّرَةٌ إنْ لَمْ أُحْدِثْ فِيهَا حَدَثًا فَهَذِهِ وَصِيَّةٌ وَإِنْ قَالَ عَبْدِي مُدَبَّرٌ بَعْد مَوْتِي فَهُوَ كَالْوَصِيَّةِ وَقَالَ عَنْهُ مُحَمَّدٌ إنْ قَالَ إنْ مِتُّ مِنْ مَرَضِي هَذَا فَعَبْدِي مُدَبَّرٌ فَلَا يَرْجِعُ فِيهِ. وَفِي الْمَعُونَةِ: الْوَصِيَّةُ فِي الصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ سَوَاءٌ لِأَنَّهَا تُنَفَّذُ بَعْدَ الْمَوْتِ وَلَيْسَتْ بِلَازِمَةٍ وَلَهُ

الرُّجُوعُ فِيمَا شَاءَ مِنْهَا إلَّا التَّدْبِيرَ وَلِأَنَّهُ إيجَابٌ فِي الْحَيَاةِ وَإِنْ كَانَ لَهُ حُكْمُ الْوَصِيَّةِ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ وَهُوَ خُرُوجُهُ مِنْ الثُّلُثِ وَكَذَلِكَ الْعِتْقُ الْمُبَتَّلُ فِي الْمَرَضِ. اهـ وَرَاجِعْ أَوَّلَ التَّدْبِيرِ فَفِيهِ أَلْفَاظٌ مِنْ التَّدْبِيرِ وَالْوَصِيَّةِ وَقَدْ أَطَالَ الشَّارِحُ هُنَا بِالْكَلَامِ عَلَى تَبْدِئَةِ بَعْضِ الْوَصَايَا عَلَى بَعْضٍ فَرَاجِعْهُ إنْ شِئْتَ. (تَنْبِيهٌ) فِي اسْتِثْنَاءِ النَّاظِمِ مَا أَبْتَلَهُ أَوْ دَبَّرَهُ مَا لَا يَخْفَى إذْ لَيْسَا مِنْ الْوَصِيَّةِ وَفِي الَّذِي عَلِمَ مُوصٍ تُجْعَلُ ... وَدَيْنُ مَنْ عَنْ الْيَمِينِ يَنْكُلُ يَعْنِي: أَنَّ الْوَصِيَّةَ إنَّمَا تُؤْخَذُ وَتَخْرُجُ مِنْ الْمَالِ الَّذِي عَلِمَ بِهِ الْمُوصِي سَوَاءٌ عَلِمَ بِهِ فِي صِحَّتِهِ أَوْ مَرَضِهِ وَلَا تَخْرُجُ مِمَّا لَمْ يَعْلَمْ بِهِ وَكَذَلِكَ تَخْرُجُ مِنْ الدَّيْنِ الَّذِي فِي ذِمَّةِ الْمُوصِي إذَا نَكَلَ طَالِبُهُ عَنْ يَمِينِ الْقَضَاءِ أَوْ عَنْهَا وَعَنْ يَمِينِ النِّصَابِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا شَاهِدٌ وَاحِدٌ فَإِذَا بَطَل وَرَجَعَ لِلْوَرَثَةِ فَيُجْمَعُ لِبَقِيَّةِ مَالِهِ وَتَخْرُجُ الْوَصَايَا مِنْ الْمَجْمُوعِ قَالَ (الشَّارِحُ) لِأَنَّ مَحْمَلَ ذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ بِحَقٍّ وَقَدْ كَانَ الْمُوصِي يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ فَفِي الْمُقَرَّبِ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَمَنْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِثُلُثِ مَالِهِ وَلَا مَالَ لَهُ يَوْمَ أَوْصَى ثُمَّ أَفَادَ مَالًا فَمَاتَ فَإِنْ عَلِمَ الْمَيِّتُ بِمَا أَفَادَ فَلِلْمُوصَى لَهُ ثُلُثُهُ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ فَلَا شَيْءَ لَهُ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَمَنْ أَوْصَى وَلَهُ مَالٌ ثُمَّ نَفَذَ مَالُهُ ثُمَّ أَفَادَ مَالًا بَعْدَهُ وَمَاتَ فَوَصِيَّتُهُ تَدْخُلُ فِيمَا أَفَادَ إذَا عَلِمَ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَأَقَرَّ وَصِيَّتَهُ وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي كُلِّ مَنْ أَوْصَى بِعِتْقٍ أَوْ غَيْرِهِ وَلَهُ مَالٌ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ مِثْلُ الْمِيرَاثِ يَكُونُ لَهُ بِأَرْضٍ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ وَمَاتَ فَإِنَّ ذَلِكَ الْمَالَ لَا تَدْخُلُ فِيهِ الْوَصَايَا لَا عِتْقٌ وَلَا غَيْرُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَلِمَ بِهِ بَعْدَ مَا أَوْصَى وَسَوَاءٌ فِي هَذَا عَلِمَ بِهِ فِي مَرَضِهِ أَوْ فِي غَيْرِ مَرَضِهِ فَإِنَّ الْوَصَايَا تَدْخُلُ فِيهِ إذَا عَلِمَ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ. وَمِنْ (طُرَرِ ابْنِ عَاتٍ) فِي أَحْكَامِ ابْنِ سَهْلٍ قَالَ ابْنُ زَرْبٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَمَنْ أَقَرَّ بِدَيْنٍ لِوَارِثٍ وَأَوْصَى بِوَصَايَا فَلَمْ يُجِزْ الْوَرَثَةُ إقْرَارَهُ بِالدَّيْنِ بَطَلَ وَكَانَتْ الْوَصَايَا فِيمَا بَعْدَهُ مِنْ مَالِهِ وَرَجَعَ الدَّيْنُ مِيرَاثًا وَلَمْ تَدْخُلْ وَصَايَا فِيهِ وَمَنْ أَقَرَّ بِدَيْنٍ لِمَنْ يَجِبُ إقْرَارُهُ لَهُ بِهِ فَكُلِّفَ الْمُقَرُّ لَهُ أَنْ يَحْلِفَ يَمِينَ الْقَضَاءِ فَنَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ فَإِنَّ الْوَصَايَا تَدْخُلُ فِيهِ إذْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ قَبَضَهُ ذَكَرَهُ عَنْهُ ابْنُ مُغِيثٍ. اهـ. وَإِلَى قَوْلِهِ فِي الطُّرَرِ وَمَنْ أَقَرَّ بِدَيْنٍ لِمَنْ يَجِبُ إلَخْ أَشَارَ النَّاظِمُ بِقَوْلِهِ: وَدَيْنُ مَنْ عَنْ الْيَمِينِ يَنْكُلُ (وَفِي ابْنِ الْحَاجِبِ) وَلَا مَدْخَلَ لِلْوَصِيَّةِ فِيمَا لَمْ يَعْلَمْ بِهِ مِنْ إرْثٍ وَلَا فِيمَا أَقَرَّ بِهِ وَلَوْ فِي مَرَضِهِ مِنْ عِتْقٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ أَوْصَى بِهِ لِوَارِثٍ وَلَوْ رُدَّ بِخِلَافِ الْمُدَبَّرِ فِي الْمَرَضِ وَمَا يَرْجِعُ إلَيْهِ مِنْ تَعْمِيرٍ وَحَبْسٍ أَيْ فَالْوَصَايَا تَدْخُلُ فِيهِ. وَفِي الْعَبْدِ الْآبِقِ وَالْبَعِيرِ الشَّارِدِ إنْ اشْتَهَرَ مَوْتُهُمَا ثُمَّ ظَهَرَتْ السَّلَامَةُ قَوْلَانِ كَغَرَقِ السَّفِينَةِ، وَنَحْوُهُ قَوْلُ الشَّيْخِ خَلِيلٍ وَفِي سَفِينَةٍ أَوْ عَبْدٍ شُهِرَ تَلَفُهُمَا ثُمَّ ظَهَرَتْ السَّلَامَةُ قَوْلَانِ فِيمَا أَقَرَّ بِهِ فِي مَرَضِهِ أَوْ أَوْصَى بِهِ لِوَارِثٍ. (قَالَ مُقَيِّدُ هَذَا الشَّرْحِ عَفَا اللَّهُ عَنْهُ وَسَمَحَ لَهُ) وَقَدْ سُئِلْتُ عَنْ مَسْأَلَتَيْنِ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى: الْأُولَى: رَجُلٌ لَهُ ثَلَاثَةُ أَوْلَادٍ أَوْصَى بِثُلُثِهِ يُقْسَمُ أَثْلَاثًا لِأَوْلَادِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ أَوْلَادِهِ الثَّلَاثَةِ ثُلُثُ الثُّلُثِ الْمَذْكُورِ فَمَاتَ الْمُوصِي ثُمَّ مَاتَ أَحَدُ الْأَوْلَادِ الثَّلَاثَةِ قَبْلَ أَنْ يُولَد لَهُ فَرَجَعَ نَصِيبُهُ وَهُوَ ثُلُثُ الثُّلُثِ لِلْوَرَثَةِ وَتَزَايَدَ لِلْوَلَدَيْنِ الْبَاقِيَيْنِ أَوْلَادٌ فَهَلْ يَدْخُلُونَ فِيمَا رَجَعَ لِلْوَرَثَةِ أَمْ لَا. (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) رَجُلٌ مَاتَ لَهُ وَلَدٌ وَتَرَكَ الْوَلَدُ أَوْلَادًا فَأَنْزَلَهُمْ جَدُّهُمْ مَنْزِلَةَ أَبِيهِمْ يَرِثُونَ مِنْهُ مَا يَرِثُهُ أَبُوهُمْ

وَلِلرَّجُلِ الْمَذْكُورِ حِينَئِذٍ عَرْصَةٌ تُسَاوِي ثَمَنًا مُعْتَبَرًا ثُمَّ بَعْدَ سِنِينَ عَدِيدَةٍ حَبَسَ الرَّجُلُ الْمَذْكُورُ الْعَرْصَةَ الْمَذْكُورَةَ عَلَى بَنِيهِ الذُّكُورِ وَعَقِبِهِمْ وَهُوَ إذْ ذَاكَ سَاكِنٌ بِمِصْرِيَّةٍ خَارِجَةٍ عَنْ الْعَرْصَةِ الْمَذْكُورَةِ ثُمَّ مَاتَ الْمُحْبِسُ الْمَذْكُورُ فَاسْتَظْهَرَ بَاقِي وَرَثَتِهِ مِمَّنْ لَمْ يَدْخُلْ فِي التَّحْبِيسِ الْمَذْكُورِ سَاكِنًا فِيهَا إلَى أَنْ مَاتَ عَفَا اللَّهُ عَنَّا وَعَنْهُ وَحَكَمَ الْقَاضِي بِمُقْتَضَى الْبَيِّنَةِ الْمَذْكُورَةِ وَفَسَخَ الْحَبْسَ الْمَذْكُورَ وَصَارَتْ الْعَرْصَةُ مِلْكًا تُبَاعُ وَتُشْتَرَى فَهَلْ يَدْخُلُ الْأَحْفَادُ الْمُنَزَّلُونَ مَنْزِلَةَ أَبِيهِمْ فِي الْعَرْصَةِ الْمَذْكُورَةِ أَمْ لَا لِكَوْنِ التَّنْزِيلِ وَصِيَّةً وَالْوَصِيَّةُ إنَّمَا هِيَ فِيمَا عَلِمَهُ الْمُوصِي وَرُجُوعُ الْعَرْصَةِ مِلْكًا كَمَالٍ حَدَثَ لِلْمُوصِي لَمْ يَعْلَمْ بِهِ فَلَا يَدْخُلُ فِيهِ الْوَصَايَا. وَالْجَوَابُ عَنْ الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ هُوَ مَا نَقَلَهُ صَاحِبُ الْمِعْيَارِ أَوَّلَ نَوَازِلِ الْوَصَايَا وَأَحْكَامِ الْمَحَاجِيرِ عَنْ الْفَقِيهِ أَبِي سَعِيدٍ عُثْمَانَ بْنِ مَنْظُورٍ وَنَصُّهُ وَسُئِلَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَلْ يَدْخُلُ الْمُوصَى لَهُمْ فِيمَا بَطَلَ وَفَسَدَ مِنْ الْهِبَاتِ أَمْ لَا؟ . فَأَجَابَ: تَأَمَّلْتُ - حَفِظَ اللَّهُ أُخُوَّتَكُمْ - السُّؤَالَ الْوَاقِعَ فِي قَضِيَّةِ بَنِي رِزْقٍ وَأَحْضَرْتُ أَهْلَ الشُّورَى فَانْفَصَلَ الْمَجْلِسُ عَلَى أَنَّ دُخُولَ الْمُوصَى لَهُمْ بِالثُّلُثِ فِيمَا فَسَدَ مِنْ الْهِبَةِ يَجْرِي فِيهِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ لَهُمْ الدُّخُولَ لِأَنَّ بَقَاءَ الْمَوْهُوبِ تَحْتَ يَدِ الْوَاهِبِ حَتَّى مَاتَ يَمْنَعُ مِنْ اسْتِقْرَارِ مِلْكِ الْمَوْهُوبِ لَهُمْ وَتَبَيَّنَ بِذَلِكَ أَنَّهُ مَالٌ مِنْ أَمْوَالِ الْوَاهِبِ لَمْ يَنْتَقِلْ عَنْ مِلْكِهِ بَعْدُ حَتَّى مَاتَ فَدَخَلَتْ فِيهِ الْوَصِيَّةُ كَمَا دَخَلَتْ فِي سَائِرِ مُمْتَلَكَاتِهِ. وَالْقَوْلُ الثَّانِي: عَدَمُ الدُّخُولِ؛ لِأَنَّ فَسَادَ الْهِبَةِ إنَّمَا حَصَلَ بِالْمَوْتِ فَكَانَ الْمَوْهُوبُ بِمَنْزِلَةِ مَالٍ حَدَثَ لِلْمُوصِي بَعْدَ وَفَاتِهِ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ فَلَمْ يَقْصِدْهُ بِالْوَصِيَّةِ إذْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ، وَهَذَانِ الْقَوْلَانِ نَقَلَهُمَا صَاحِبُ الْبَيَانِ فِيمَنْ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَلَمْ تُحَزْ عَنْهُ حَتَّى تُوُفِّيَ وَكَانَ قَدْ عَهِدَ بِالثُّلُثِ وَعَلَّلَ الدُّخُولَ بِعَدَمِ الْحَوْزِ لِلْمُتَصَدِّقِ بِهِ وَعَدَمُهُ بِأَنَّ الْإِبْطَالَ إنَّمَا حَدَثَ بَعْدَ الْمَوْتِ فَالْمُتَصَدَّقُ بِهِ بَعْدَ إبْطَالِ الصَّدَقَةِ بِالْمَوْتِ كَمَالٍ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ الْمُوصِي. وَكَذَلِكَ نَقَلَ ابْنُ حَارِثٍ وَغَيْرُهُ فِيهَا الْخِلَافَ وَزَادَ اللَّخْمِيُّ فَنَقَلَ اخْتِلَافًا فِي دُخُولِ مَا لَمْ يَعْلَمْ بِهِ الْمُوصِي مِنْ مَالِهِ فِي وَصِيَّتِهِ وَلِمَا اتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى وُجُودِ الْقَوْلَيْنِ فِي الصَّدَقَةِ الَّتِي لَمْ تُحَزْ حَسْبَمَا تَقَدَّمَ نَقْلُهَا عَنْ صَاحِبِ الْبَيَانِ افْتَرَقُوا فِي الِاخْتِيَارِ فَمِنْهُمْ مِنْ اخْتَارَ الدُّخُولَ وَمِنْهُمْ مِنْ اخْتَارَ عَدَمَهُ وَتَأَكَّدَ عِنْدِي الْقَوْلُ بِالدُّخُولِ فِي هَذِهِ الْقَضِيَّةِ بِمَا أَشَرْتُمْ إلَيْهِ مِنْ كَوْنِ الْوَاهِبِ كَانَ مُسْتَوْلِيًا عَلَى تِلْكَ الْأَمْلَاكِ الْمَوْهُوبَةِ يَسْتَغِلُّهَا وَيَمْنَعُ الْمَوْهُوبَ لَهُمْ مِنْهَا حَتَّى تُوُفِّيَ وَهَذَا الْفِعْلُ مِمَّا يُوهِنُ الْهِبَةَ وَيُصَيِّرُهَا كَأَنْ لَمْ تَكُنْ. انْتَهَى مَحَلُّ الْحَاجَةِ مِنْهُ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا الْخِلَافَ الَّذِي ذَكَرُوهُ فِي دُخُولِ الْمُوصَى لَهُمْ فِيمَا بَطَلَ مِنْ الْهِبَاتِ يَجْرِي فِيمَا بَطَلَ مِنْ الْمُحْبَسَاتِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِجَامِعِ اخْتِلَالِ شَرْطِهِمَا وَهُوَ الْحَوْزُ وَاخْتِلَالُهُ إمَّا حِسًّا وَحُكْمًا كَمَا إذَا بَقِيَ الشَّيْءُ بِيَدِ وَاهِبِهِ أَوْ مُحْبِسِهِ حَتَّى مَاتَ وَإِمَّا حُكْمًا فَقَطْ كَمَا إذَا حِيزَ مُدَّةً لَا تَكْفِي فِي الْحَوْزِ فَهُوَ كَالْعَدَمِ لِأَنَّ الْمَعْدُومَ شَرْعًا كَالْمَعْدُومِ حِسًّا. وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى فَلَمْ أَقِفْ فِيهَا الْآنَ عَلَى نَصٍّ، وَالظَّاهِرُ عَدَمُ الدُّخُولِ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْإِبْطَالَ إنَّمَا حَدَثَ بَعْدَ الْمَوْتِ، فَهُوَ كَمَالٍ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ وَلَا يُجْرَى فِي هَذِهِ مَا عَلَّلُوا بِهِ الدُّخُولَ مِنْ عَدَمِ الْحَوْزِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ وَصِيَّةٌ لَا تَفْتَقِرُ لِحَوْزٍ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. وَصُحِّحَتْ لِوَلَدِ الْأَوْلَادِ ... وَالْأَبُ لِلْمِيرَاثِ بِالْمِرْصَادِ يَعْنِي أَنَّهَا تَصِحُّ لِوَلَدِ الْوَلَدِ مَعَ وُجُودِ الْوَلَدِ وَعَنْ وُجُودِ الْوَلَدِ عَبَّرَ بِقَوْلِهِ: وَالْأَبُ لِلْمِيرَاثِ بِالْمِرْصَادِ أَيْ: يَرْصُدُ مِيرَاثَ أَبِيهِ الْمُوصِي وَيَرْتَقِبُهُ (ابْنُ يُونُسَ) قَالَ مَالِكٌ: وَمَنْ أَوْصَى بِثُلُثِهِ لِوَلَدِ وَلَدِهِ فَذَلِكَ جَائِزٌ إذَا كَانُوا غَيْرَ وَرَثَةٍ اهـ. (وَاعْلَمْ) أَنَّ الْوَصِيَّةَ لِوَلَدِ الْوَلَدِ اتَّسَعَ فِيهَا الْكَلَامُ وَاخْتَلَفَتْ فِيهَا الْأَفْهَامُ وَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهَا مَجْمُوعَةً فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ مِنْ كُتُبِ الْأَحْكَامِ، فَجَمَعْت مِنْهَا مَا حَضَرَنِي وَالْتَقَطْت مِنْهَا مَا وَسِعَنِي وَهَذَّبْته وَرَتَّبْته فَسَرَّنِي فَأَقُولُ وَاَللَّهُ الْمُسْتَعَانُ، وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ وَالتُّكْلَانُ

لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ مَا حَضَرَنِي مِنْ فُرُوعِ الْمَسْأَلَةِ. (الْأَوَّلُ) : إذَا قَالَ الْمُوصِي: أَوْصَيْتُ لِوَلَدِ وَلَدِي لِمَنْ يُزَادُ أَوْ يُولَدُ لِوَلَدِي فَإِنَّ وَصِيَّتَهُ تَشْمَلُ مَنْ كَانَ مَوْجُودًا يَوْمَ مَوْتِ الْمُوصِي مِنْ الْأَحْفَادِ وَمَنْ عَسَى أَنْ يُوجَدَ مِنْهُمْ وَإِنْ قَالَ: لِوَلَدِ وَلَدِهِ وَلَمْ يَقُلْ وَلِمَنْ يُزَادُ أَوْ يُولَدُ لِوَلَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِوَلَدِهِ وَلَدٌ يَوْمَ الْوَصِيَّةِ فَكَذَلِكَ أَيْضًا يَشْمَلُ الْإِيصَاءُ كُلَّ مَنْ يُولَدُ لِوَلَدِهِ، وَإِنْ كَانَ لَهُ حَفِيدٌ وَاحِدٌ يَوْمَ الْوَصِيَّةِ أَوْ أَكْثَرُ فَهَلْ تَكُونُ الْوَصِيَّةُ لِلْمَوْجُودِ مِنْهُمْ إذْ ذَاكَ أَوْ لِمَنْ كَانَ مَوْجُودًا وَلِمَنْ سَيُوجَدُ قَوْلَانِ حَكَاهُمَا الْفَقِيهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدٌ الْمِزْجَادِيُّ اُنْظُرْ الْمِعْيَارَ. (الثَّانِي) إذَا لَمْ يُذْكَرْ فِي الْوَصِيَّةِ لَفْظُ تَحْبِيسٍ وَلَا صَدَقَةٍ فَتُحْمَلُ عَلَى التَّمَالُكِ لِلْمُوصَى لَهُمْ وَتُقْسَمُ بَيْنَهُمْ قِسْمَةَ مِلْكٍ عَلَى السَّوَاءِ لَا يُؤْثَرُ فِيهِ فَقِيرٌ عَلَى غَنِيٍّ، نَقَلَهُ فِي الْمِعْيَارِ أَيْضًا عَنْ الْفَقِيهِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ النُّورِ الْعِمْرَانِيِّ. (الثَّالِثُ) إنْ كَانَ الْمُوصَى بِهِ أَصْلًا فَذَلِكَ الْمُرَادُ لِيَبْقَى أَصْلُهُ وَيَنْتَفِعَ بِغَلَّتِهِ الْمُوصَى لَهُمْ بِهِ وَإِنْ كَانَ عَيْنًا اُشْتُرِيَ بِهِ أَصْلٌ وَكَذَا إنْ كَانَ عَرَضًا بِيعَ وَاشْتُرِيَ بِهِ الْأَصْلُ؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْأَصْلِ مُعَرَّضٌ لِلضَّيَاعِ. وَقِيلَ: يُتَّجَرُ بِهِ لِمَنْ وُلِدَ مِنْهُمْ، وَجَمَعَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ فَقَالَ: إنْ كَانَ كَثِيرًا يَكْفِي لِشِرَاءِ أَصْلٍ يُنْتَفَعُ بِهِ اُشْتُرِيَ وَإِلَّا اُتُّجِرَ بِهِ، وَإِذَا وُجِدَتْ غَلَّةٌ فَهَلْ تُقْسَمُ عَلَى الْمَوْجُودِ مِنْ الْأَحْفَادِ فَإِنْ ازْدَادَ غَيْرُهُمْ دَخَلَ مَعَهُمْ أَوْ تُوُقِّفَ إلَى أَنْ تَنْقَطِعَ وِلَادَةُ أَوْلَادِ الصُّلْبِ فِي ذَلِكَ رَأْيَانِ لِلشُّيُوخِ اُنْظُرْ أَوَائِلَ نَوَازِلِ الْأَحْبَاسِ مِنْ الْمِعْيَارِ أَيْضًا. (الرَّابِعُ) مَا يُوجَدُ مِنْ الْغَلَّةِ قَبْلَ أَنْ يُولَدَ لِوَلَدِ الصُّلْبِ أَفْتَى ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا بِأَنَّ الْغَلَّةَ إذْ ذَاكَ لِلْوَرَثَةِ إلَى أَنْ يُوجَدَ أَحَدُ الْأَحْفَادِ، وَأَفْتَى ابْنُ عَلْوَانَ بِأَنَّهَا تُوقَفُ لِلْمُوصَى لَهُ إلَى أَنْ يُوجَدَ. (الْخَامِسُ) إذَا قَالَ فِي وَصِيَّتِهِ: نِصْفُهَا لِأَوْلَادِ زَيْدٍ وَنِصْفُهَا لِأَوْلَادِ عَمْرٍو أَوْ: ثُلُثُهَا لِأَوْلَادِ زَيْدٍ وَثُلُثُهَا لِأَوْلَادِ عَمْرٍو وَثُلُثُهَا لِأَوْلَادِ بَكْرٍ قُسِمَتْ الْغَلَّةُ فِي الْمِثَالِ الْأَوَّلِ نِصْفَيْنِ: نِصْفُهَا لِأَوْلَادِ زَيْدٍ وَاحِدًا كَانَ أَوْ أَكْثَرَ وَنِصْفُهَا لِوَلَدِ عَمْرٍو كَذَلِكَ، وَتُقْسَمُ أَثْلَاثًا فِي الْمِثَالِ الثَّانِي: ثُلُثٌ لِأَوْلَادِ كُلِّ وَاحِدٍ، وَعَلَى هَذَا فَقِسْ، وَمَنْ مَاتَ مِنْهُمْ فَحَظُّهُ لِمَنْ بَقِيَ لَا لِوَارِثِهِ فَإِنْ كَانَ لِفَرِيقٍ أَوْ أَكْثَرَ أَرْبَعَةٌ مَثَلًا مِنْ الْوَلَدِ فَمَاتَ وَاحِدٌ قَسَمُوا عَلَى ثَلَاثَةٍ، وَإِنْ ازْدَادَ وَاحِدٌ قَسَمُوا عَلَى خَمْسٍ وَهَكَذَا فَإِنْ ازْدَادَ وَلَدٌ عِنْدَ فَرِيقٍ أُعْطِيَ مِنْ غَلَّةٍ تُسْتَقْبَلُ لَا مِمَّا قُسِمَ قَبْلَ وِلَادَتِهِ. وَيُقْسَمُ نَصِيبُ كُلِّ فَرِيقٍ عَلَى أَوْلَادِ ذَلِكَ الْفَرِيقِ الْغَنِيُّ كَالْفَقِيرِ وَالذَّكَرُ كَالْأُنْثَى إلَّا بِنَصٍّ مِنْ الْمُوصِي وَهَذَا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْغَلَّةَ لِمَنْ وُجِدَ وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ فَإِنَّ الْغَلَّةَ كُلَّهَا تُوقَفُ إلَى أَنْ تَنْقَطِعَ وِلَادَةُ أَبِي ذَلِكَ الْفَرِيقِ فَتُقْسَمُ عَلَى الْحَيِّ مِنْهُمْ وَالْمَيِّتِ وَيَحْيَا الْمَيِّتُ بِالذِّكْرِ وَيُقْسَمُ مَنَابُهُ عَلَى وَرَثَتِهِ وَاخْتَارَ الْإِمَامُ الْقَاضِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمُقْرِئُ الْقَوْلَ بِقَسْمِ الْغَلَّةِ عَلَى مَنْ حَضَرَ قَائِلًا إنَّهُ ظَاهِرُ قَصْدِ الْمُوصِي وَأَمَّا إنْ أَجَّلَ فِي وَصِيَّتِهِ وَقَالَ ثُلُثِي لِأَوْلَادِ وَلَدِي فُلَانٍ وَوَلَدِي فُلَانٍ وَوَلَدِي فُلَانٍ فَإِنَّ الْغَلَّةَ تُقْسَمُ عَلَى عَدَدِ الْأَحْفَادِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ لِمَا عِنْدَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَوْلَادِ وَيُجْرَى فِي قِسْمَتِهَا عَلَى مَنْ وُجِدَ أَوْ إيقَافُهَا إلَى انْقِطَاعِ وِلَادَةِ أَوْلَادِ الصُّلْبِ، الْقَوْلَانِ الْمُتَقَدِّمَانِ، وَيُجْرَى أَيْضًا مَا تَقَدَّمَ مِنْ انْتِقَاضِ الْقِسْمَةِ بِمَوْتِ وَاحِدٍ أَوْ وِلَادَتِهِ لَكِنْ لَا بِاعْتِبَارِ ذَلِكَ الْفَرِيقِ الَّذِي مَاتَ مِنْهُ أَوْ ازْدَادَ لَهُ فَقَطْ كَمَا فِي الْوَجْهِ الْمُتَقَدِّمِ بَلْ يُعْتَبَرُ فِي هَذَا الْوَجْهُ الْمَجْمُوعُ مِنْ الْأَحْفَادِ. (السَّادِسُ) لَا يُبَاعُ الْأَصْلُ الْمُوصَى بِهِ أَوْ الْمُشْتَرَى بِالْعَيْنِ أَوْ بِقِيمَةِ الْعَرَضِ الْمُوصَى بِهِمَا حَتَّى تَنْقَطِعَ وِلَادَةُ أَوْلَادِ الصُّلْبِ اتِّفَاقًا فَإِذَا بِيعَ بَعْدَ انْقِطَاعِهَا أَوْ لَمْ يُبَعْ فَهَلْ يَكُونُ ذَلِكَ الْأَصْلُ مِلْكًا لِلْأَخِيرِ مِنْ الْأَحْفَادِ وَمَنْ مَاتَ قَبْلَ انْقِطَاعِ وِلَادَةِ أَوْلَادِ الصُّلْبِ إنَّمَا لَهُ الِانْتِفَاعُ بِالْغَلَّةِ فَقَطْ أَوْ هُوَ مِلْكٌ لِجَمِيعِ الْأَحْفَادِ فَيُقْسَمُ ثَمَنُهُ كَالْغَلَّةِ عَلَى الْقَوْلِ بِإِيقَافِهَا قَوْلَانِ، وَقَدْ بَقِيَ مِنْ الْمَسْأَلَةِ فُرُوعٌ أُخَرُ يَطُولُ بِنَا ذِكْرُهَا فِي هَذَا الْمَحَلِّ. وَقَدْ جَمَعْتُ مِنْ أَطْرَافِ الْمَسْأَلَةِ مَا وَقَفْتُ عَلَيْهِ آخِرَ نَظْمِنَا الْمُسَمَّى بُسْتَانُ فِكْرِ الْمُهَجِ فِي تَذْيِيلِ الْمَنْهَجِ فِيمَا يَقْرَبُ مِنْ خَمْسِينَ بَيْتًا، وَرَاجِعْ ذَلِكَ أَيْضًا فِي شَرْحِ النَّظْمِ الْمَذْكُورِ الْمُسَمَّى بِالرَّوْضِ الْمُبْهِجِ فِي شَرْحِ تَكْمِيلِ الْمَنْهَجِ نَفَعَ اللَّهُ بِذَلِكَ الْجَمِيعَ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ. وَإِنْ أَبٌ مِنْ مَالِهِ قَدْ أَنْفَقَا ... عَلَى ابْنِهِ فِي حَجْرِهِ تَرَفَّقَا فَجَائِزٌ رُجُوعُهُ فِي الْحَالِ ... عَلَيْهِ مِنْ حِينِ اكْتِسَابِ الْمَالِ

تَكَلَّمَ فِي الْبَيْتَيْنِ عَلَى مَا إذَا أَنْفَقَ الْأَبُ عَلَى ابْنِهِ ثُمَّ أَرَادَ الرُّجُوعَ عَلَيْهِ، وَفِي الْأَبْيَاتِ بَعْدَهُمَا عَلَى مَا إذَا أَنْفَقَ الْأَبُ عَلَى ابْنِهِ ثُمَّ مَاتَ الْأَبُ فَطَالَبَ بَقِيَّةُ وَرَثَةِ الْأَبِ فِيمَا أَنْفَقَ عَلَيْهِ أَبُوهُ. قَوْلُهُ: وَإِنْ أَبٌ إلَخْ، يَعْنِي: الْأَبُ إذَا أَنْفَقَ مِنْ مَالِهِ عَلَى ابْنِهِ الصَّغِيرِ الَّذِي فِي حَجْرِهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِلْأَبِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِالنَّفَقَةِ مِنْ وَقْتِ كَسْبِهِ وَمِلْكِهِ الْمَالَ فَمَا بَعْدَهُ، وَأَمَّا مَا أَنْفَقَ عَلَيْهِ وَالِابْنُ مُعْدِمٌ لَا مَالَ عِنْدَهُ فَلَيْسَ لَهُ عَلَيْهِ فِيهِ رُجُوعٌ أَمَّا عَدَمُ رُجُوعِهِ بِمَا أَنْفَقَ عَلَيْهِ قَبْلَ كَسْبِهِ لِلْمَالِ فَظَاهِرُهُ؛ لِأَنَّ نَفَقَتَهُ حِينَئِذٍ وَاجِبَةٌ عَلَى أَبِيهِ. وَقَالَ فِي (الْمُدَوَّنَةِ) يَلْزَمُ الْأَبَ نَفَقَةُ وَلَدِهِ الذُّكُورِ حَتَّى يَحْتَلِمُوا وَالْإِنَاثِ حَتَّى يَدْخُلَ بِهِنَّ أَزْوَاجُهُنَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ لِلصَّبِيِّ كَسْبٌ يَسْتَغْنِي بِهِ أَوْ مَالٌ يُنْفِقُ عَلَيْهِ مِنْهُ. اهـ. (وَفِي الْقَلْشَانِيِّ مَا نَصُّهُ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: الرِّوَايَاتُ وَاضِحَةٌ بِعَدَمِ اتِّبَاعِ الْأَبِ وَلَدَهُ بِمَا أَنْفَقَ عَلَيْهِ، وَنَحْوُهُ فِي ابْنِ الْحَاجِبِ وَالْمُخْتَصَرِ وَغَيْرِهِمَا وَقَيَّدَ ابْنُ الْحَاجِبِ وُجُوبَ النَّفَقَةِ عَلَى الْأَبِ بِمَا إذَا كَانَ الْأَبُ حُرًّا أَمَّا الْعَبْدُ وَمَنْ فِيهِ شَائِبَةُ رِقٍّ فَلَا نَفَقَةَ لِوَلَدِهِ عَلَيْهِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَكَذَلِكَ لَا نَفَقَةَ أَيْضًا لِلْوَلَدِ الرَّقِيقِ عَلَى أَبِيهِ. اهـ. يَعْنِي وَإِنَّمَا نَفَقَتُهُ عَلَى سَيِّدِهِ، وَأَمَّا رُجُوعُ الْأَبِ بِمَا أَنْفَقَ عَلَى الْوَلَدِ بَعْدَ اكْتِسَابِهِ الْمَالَ فَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَأَمَّا الْأَبُ إذَا أَنْفَقَ عَلَى وَلَدِهِ وَلَهُ مَالُ عَيْنٍ أَوْ عَرَضٍ ثُمَّ قَالَ حَاسِبُوهُ حُوسِبَ بِذَلِكَ. اهـ. نَقَلَهُ الْمَوَّاقُ فِي بَابِ اللُّقَطَةِ (وَفِي شَرْحِ الْقَلْشَانِيِّ مَا نَصُّهُ) : وَفِي الْمُدَوَّنَةِ مَنْ أَنْفَقَ عَلَى صَغِيرٍ لَمْ يُرْجَعْ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ لِلصَّبِيِّ مَالٌ حِينَ أَنْفَقَ عَلَيْهِ فَيُرْجَعُ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ. اهـ. قَوْلُهُ: وَإِنْ أَبٌ فَاعِلٌ بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ يُفَسِّرُهُ أَنْفَقَ وَقَيَّدْنَا الِابْنَ بِالصَّغِيرِ كَمَا قَدْ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: فِي حَجْرِهِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ بَالِغًا لَرَجَعَ عَلَيْهِ، مَلِيًّا كَانَ الِابْنُ أَوْ مُعْدَمًا، وَتَرَفُّقًا أَيْ: رِفْقًا بِهِ كَأَنَّهُ مَفْعُولٌ مِنْ أَجْلِهِ وَلَعَلَّ التَّرَفُّقَ رَاجِعٌ لِكَوْنِهِ فِي حَجْرِهِ إذْ لَوْ رَدَدْنَاهُ إلَى الْإِنْفَاقِ لَكَانَ نَصًّا فِي عَدَمِ قَصْدِ الرُّجُوعِ. وَإِنْ يَمُتْ وَالْمَالُ عَيْنٌ بَاقِ ... وَطَالَبَ الْوَارِثُ بِالْإِنْفَاقِ فَمَا لَهُمْ إلَيْهِ مِنْ سَبِيلِ ... وَهُوَ لِلِابْنِ دُونَ مَا تَعْلِيلِ إلَّا إذَا أَوْصَى عَلَى الْحِسَابِ ... وَقَيَّدَ الْإِنْفَاقَ بِالْكِتَابِ وَإِنْ يَكُنْ عَرْضًا وَكَانَ عِنْدَهُ ... فَلَهُمْ الرُّجُوعُ فِيهِ بَعْدَهُ إلَّا إذَا مَا قَالَ لَا تُحَاسِبُوا ... وَتَرَكَ الْكَتْبَ فَلَنْ يُطَالِبُوا وَكَالْعُرُوضِ الْحَيَوَانُ مُطْلَقَا ... فِيهِ الرُّجُوعُ بِاَلَّذِي قَدْ أَنْفَقَا وَإِنْ يَكُنْ عَيْنًا وَرَسْمًا أَصْدَرَا ... بِأَنَّهُ ذِمَّتَهُ قَدْ عَمَّرَا فَمَا تَحَاسُبٌ بِمُسْتَحَقِّ ... وَهُوَ كَالْحَاضِرِ دُونَ فَرْقِ وَإِنْ يَكُنْ فِي مَالِهِ قَدْ أَدْخَلَهْ ... مِنْ غَيْرِ إشْهَادٍ بِذَاكَ أَعْمَلَهْ مَعْ عِلْمِ أَصْلِهِ فَهَهُنَا يَجِبْ ... رُجُوعُ وَارِثٍ بِإِنْفَاقٍ طُلِبْ

يَعْنِي إذَا أَنَفَقَ الْأَبُ عَلَى ابْنِهِ وَلِلِابْنِ وَقْتَ إنْفَاقِ أَبِيهِ عَلَيْهِ مَالٌ ثُمَّ مَاتَ الْأَبُ الْمُنْفِقُ فَطَالَبَ بَقِيَّةُ وَرَثَةِ الْأَبِ الِابْنَ الْمُنْفَقَ عَلَيْهِ بِالنَّفَقَةِ فَلَا يَخْلُو مَالُ الِابْنِ إمَّا أَنْ يَكُونَ عَيْنًا أَوْ عَرَضًا وَفِي كُلٍّ مِنْ الْوَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ يُوجَدَ مَالُ الِابْنِ فِي تَرِكَةِ أَبِيهِ أَمْ لَا فَالْأَقْسَامُ أَرْبَعَةٌ فَإِنْ كَانَ مَالُ الِابْنِ عَيْنًا وَوُجِدَ فِي تَرِكَةِ الْأَبِ فَلَا يُحَاسَبُ الِابْنُ بِمَا أَنْفَقَ عَلَيْهِ أَبُوهُ لِأَنَّ إبْقَاءَ الْوَالِدِ مَالَ وَلَدِهِ الْعَيْنَ مَعَ عَدَمِ كَتْبِ النَّفَقَةِ دَلِيلٌ عَلَى تَبَرُّعِهِ عَلَيْهِ بِهَا لِسُهُولَةِ الْأَخْذِ مِنْ الْعَيْنِ لَوْ كَانَ قَصَدَ الْمُحَاسَبَةَ فَإِنْ أَوْصَى الْأَبُ بِمُحَاسَبَةِ الِابْنِ بِمَا أَنْفَقَ عَلَيْهِ. وَقَيَّدَ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ فَلَا إشْكَالَ فِي مُحَاسَبَتِهِ بِهَا لِأَنَّ كَتْبَ النَّفَقَةِ عَلَى الِابْنِ تَصْرِيحٌ بِعِمَارَةِ ذِمَّتِهِ فَهُوَ أَقْوَى مِنْ قَرِينَةِ الْحَالِ وَهِيَ وُجُودُ الْمَالِ الْعَيْنِ فِي تَرِكَةِ الْأَبِ وَعَلَى هَذَا الْمَعْنَى نَبَّهَ بِقَوْلِهِ: وَإِنْ يَمُتْ وَالْمَالُ عَيْنٌ بَاقِ الْأَبْيَاتَ الثَّلَاثَةَ، فَفَاعِلُ يَمُتْ يَعُودُ عَلَى الْأَبِ، وَجُمْلَةُ وَالْمَالُ عَيْنٌ بَاقِ: حَالِيَّةٌ، وَبَاقٍ: صِفَةُ عَيْنٍ أَيْ مَوْجُودٌ فِي تَرِكَةِ الْأَبِ وَالْوَارِثُ فَاعِلُ طَالَبَ، وَالْمَفْعُولُ مَحْذُوفٌ لِدَلَالَةِ سِيَاقِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ أَيْ: الِابْنُ الْمُنْفَقُ عَلَيْهِ وَجَمَعَ ضَمِيرَ لَهُمْ الْعَائِدَ عَلَى الْوَارِثِ بِاعْتِبَارِ مَصْدُوقِهِ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ جِنْسُ الْوَارِثِ وَاحِدٌ أَوْ مُتَعَدِّدٌ، وَضَمِيرُ إلَيْهِ وَضَمِيرُ هُوَ لِلِابْنِ يَعُودَانِ عَلَى الْإِنْفَاقِ، وَالْمُرَادُ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اسْمُ الْمَفْعُولِ أَيْ: الْمَالُ الْمُنْفَقُ فَإِنْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا مِنْ كَوْنِ مَالِ الِابْنِ عَيْنًا إلَّا أَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ فِي تَرِكَةِ أَبِيهِ فَلَا يَخْلُو الْحَالُ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَشْهَدَ الْأَبُ بِعِمَارَةِ ذِمَّةِ نَفْسِهِ بِمَالِ وَلَدِهِ فَلَا يُحَاسَبُ الِابْنُ بِالنَّفَقَةِ أَيْضًا لِأَنَّ مَا فِي الذِّمَّةِ كَالْحَاضِرِ الْمَوْجُودِ حِسًّا وَقَدْ قَدَّمَ أَنَّهُ إنْ وُجِدَ فِي التَّرِكَةِ لَمْ يُحَاسَبْ الِابْنُ إلَّا إذَا أَوْصَى بِالْمُحَاسَبَةِ فَكَذَلِكَ هُنَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَإِلَى هَذَا الْوَجْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: وَإِنْ يَكُنْ عَيْنًا وَرَسْمًا أَصْدَرَا الْبَيْتَيْنِ الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ لَا يُوجَدَ مَالُ الِابْنِ فِي تَرِكَةِ الْأَبِ وَلَا أَشْهَدَ بِعِمَارَةِ ذِمَّتِهِ وَلَكِنْ عُلِمَ أَصْلُ ذَلِكَ الْمَالِ الَّذِي تَقَرَّرَ فِي ذِمَّةِ الْأَبِ مِنْ غَيْرِ إشْهَادِ الْأَبِ بِذَلِكَ بِلَا بَيِّنَةٍ مَثَلًا فَإِنَّ الِابْنَ يُحَاسَبُ بِالنَّفَقَةِ وَيَرْجِعُ عَلَيْهِ الْوَارِثُ بِهَا وَإِلَى هَذَا الْوَجْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: وَإِنْ يَكُنْ فِي مَالِهِ قَدْ أَدْخَلَهْ الْبَيْتَيْنِ، فَاسْمُ يَكُنْ يَعُودُ عَلَى الْأَبِ وَمَفْعُولُ أَدْخَلَهُ يَعُودُ عَلَى مَالِ الِابْنِ الْعَيْنِ وَجُمْلَةُ أَعْمَلَهُ صِفَةُ إشْهَادٍ، وَجُمْلَةُ طُلِبَ صِفَةُ إنْفَاقٍ أَيْ: طُلِبَ مِنْ الِابْنِ فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ فِيمَا إذَا كَانَ مَالُ الِابْنِ عَيْنًا إنْ وُجِدَ فِي التَّرِكَةِ لَمْ يُحَاسَبْ إلَّا إذَا أَوْصَى بِالْحِسَابِ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فَإِنْ عَمَّرَ بِهِ الْأَبُ ذِمَّتَهُ لَمْ يُحَاسَبْ الِابْنُ وَإِنْ لَمْ يُعَمِّرْهَا حُوسِبَ. وَأَمَّا إنْ كَانَ مَالُ الِابْنِ عَرَضًا كَأَنْ تَتْرُكَ أُمُّهُ أَثَاثًا وَلِبَاسًا وَفِرَاشًا فَيُوجَدُ ذَلِكَ بِعَيْنِهِ فِي تَرِكَةِ الْأَبِ فَلِلْوَرَثَةِ الرُّجُوعُ عَلَى الْوَلَدِ بِالنَّفَقَةِ إلَّا إذَا أَوْصَى وَقَالَ لَا تُحَاسِبُوهُ وَلَمْ يَكْتُبْ نَفَقَتَهُ فَلَا إشْكَالَ فِي عَدَمِ مُحَاسَبَتِهِ وَأَمَّا إنْ لَمْ يُوصِ فَيُحَاسَبُ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْعَيْنِ إذَا وُجِدَتْ لَا يُحَاسَبُ وَبَيْنَ الْعَرَضِ فَيُحَاسَبُ أَنَّ النَّفَقَةَ مِنْ الْعَيْنِ سَهْلَةٌ لَا كُلْفَةَ فِيهَا فَتَرْكُ الْأَخْذِ مِنْهَا دَلِيلُ إرَادَةِ التَّبَرُّعِ وَلَا كَذَلِكَ الْعَرَضُ إذْ فِي بَيْعِهِ كُلْفَةٌ وَلَا سِيَّمَا بَعْضُ النَّاسِ يَأْنَفُونَ مِنْ الْبَيْعِ. وَإِنْ لَمْ تَكُنْ فِيهِ كُلْفَةٌ فَلَا دَلِيلَ فِي بَقَائِهِ عَلَى إرَادَةِ التَّبَرُّعِ وَإِلَى هَذَا الْوَجْهِ أَشَارَ النَّاظِمُ بِقَوْلِهِ: وَإِنْ يَكُنْ عَرْضًا وَكَانَ عِنْدَهُ الْبَيْتَيْنِ وَكَذَا إنْ كَانَ مَالُ الِابْنِ حَيَوَانًا سَوَاءٌ كَانَ عَاقِلًا كَالرَّقِيقِ أَوْ غَيْرَ عَاقِلٍ كَالْأَنْعَامِ وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِالْإِطْلَاقِ فَإِنَّ الِابْنَ يُحَاسَبُ بِالنَّفَقَةِ أَيْضًا إلَّا إذَا أَوْصَى بِعَدَمِ مُحَاسَبَتِهِ وَلَمْ يَكْتُبْ عَلَيْهِ نَفَقَةً فَلَا يُحَاسَبُ إذْ ذَاكَ وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: وَكَالْعُرُوضِ الْحَيَوَانُ مُطْلَقَا ... فِيهِ الرُّجُوعُ بِاَلَّذِي قَدْ أَنْفَقَا (تَنْبِيهٌ) لَمْ يَذْكُرْ النَّاظِمُ حُكْمَ مَا إذَا لَمْ يُوجَدْ الْعَرَضُ فِي تَرِكَةِ الْأَبِ وَلَمْ يَشْهَدْ بِعِمَارَةِ ذِمَّتِهِ بِثَمَنِهِ، وَالْحُكْمُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّ الِابْنَ يُحَاسَبُ بِالنَّفَقَةِ مِنْ بَابِ أَوْلَى مِمَّا إذَا وُجِدَ، وَانْظُرْ هَلْ يَصْلُحُ أَنْ يُحْمَلَ. قَوْلُهُ: وَإِنْ يَكُنْ فِي مَالِهِ قَدْ أَدْخَلَهْ عَلَى الْعَيْنِ وَالْعَرَضِ مَعًا فَيَكُونُ النَّاظِمُ اسْتَوْفَى الْأَقْسَامَ الْأَرْبَعَةَ الْمَذْكُورَةَ أَوَّلَ الْكَلَامِ فِي تَقْسِيمِ الْمَسْأَلَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، هَذَا كُلُّهُ فِيمَا قَبَضَهُ الْأَبُ مِنْ مَالِ ابْنِهِ وَدَخَلَ بِيَدِهِ. وَأَمَّا مَا كَانَ لِلِابْنِ مِنْ مَالٍ وَلَمْ يَقْبِضْهُ الْأَبُ وَلَا دَخَلَ بِيَدِهِ فَأَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ وَغَيْرُ مَقْبُوضٍ عَلَى الْإِطْلَاقِ ... كَالْعَرْضِ فِي الرُّجُوعِ بِالْإِنْفَاقِ يَعْنِي أَنَّ الْأَبَ إذَا أَنْفَقَ عَلَى ابْنِهِ وَكَانَ لِلِابْنِ إذْ ذَاكَ مَالٌ وَلَكِنَّهُ لَمْ يَقْبِضْهُ الْأَبُ وَلَا دَخَلَ يَدَهُ حَتَّى

مَاتَ الْأَبُ فَإِنَّ الِابْنَ يُحَاسَبُ بِالنَّفَقَةِ كَمَا إذَا كَانَ مَالُهُ عَرَضًا وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ يُحَاسَبُ إلَّا إذَا أَوْصَى بِعَدَمِ مُحَاسَبَتِهِ وَسَوَاءٌ كَانَ هَذَا الْمَالُ الَّذِي لَمْ يَقْبِضْهُ الْأَبُ عَيْنًا أَوْ عَرَضًا وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِالْإِطْلَاقِ. وَمَوْتُ الِابْنِ حُكْمُهُ كَمَوْتِ لَابْ ... وَقِيلَ فِي يُسْرِ أَبٍ حَلِفٌ وَجَبْ لَمَّا قَدَّمَ الْكَلَامَ عَلَى مَوْتِ الْأَبِ تَكَلَّمَ هُنَا عَلَى مَوْتِ الِابْنِ فَأَخْبَرَ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَيْنِ، أَحَدُهُمَا: أَنَّ التَّفْصِيلَ الْمُتَقَدِّمَ فِي مُحَاسَبَةِ الِابْنِ وَعَدَمِ مُحَاسَبَتِهِ يَجْرِي هُنَا أَيْضًا وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: كَمَوْتِ الْأَبِ، أَيْ: يَنْظُرُ إلَى مَالِ الِابْنِ فَإِمَّا عَيْنٌ أَوْ عَرَضٌ وَإِمَّا أَنْ يُوجَدَ فِي تَرِكَةِ الْأَبِ أَوْ لَا، أَجْرِهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. الْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ الْأَبَ إذَا كَانَ مُوسِرًا فَلَا نَفَقَةَ لَهُ مِنْ مَالِ ابْنِهِ إلَّا إذَا حَلَفَ أَنَّهُ أَنْفَقَ لِيَرْجِعَ لِأَنَّ مِنْ شَأْنِ الْآبَاءِ أَنْ يُنْفِقُوا عَلَى بُنَيِّهِمْ وَإِنْ كَانَ لَهُمْ مَالٌ. قَالَ فِي (الْمُقَرَّبِ) قَالَ مُحَمَّدٌ وَلِمَالِكٍ فِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الرَّجُلِ يَمُوتُ وَلَدُهُ وَقَدْ كَانَ لِلْوَلَدِ مَالٌ فَتَقُومُ جَدَّتُهُ أَوْ أُمُّهُ تَطْلُبُ مِيرَاثَهَا فِي ذَلِكَ فَيَقُولُ الْأَبُ قَدْ أَنْفَقْتُ عَلَيْهِ فِي كَذَا وَكَذَا أَيَرَى عَلَيْهِ يَمِينًا فَقَالَ إنْ كَانَ رَجُلًا مُقِلًّا مَأْمُونًا فَلَا أَرَى ذَلِكَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ مُوسِرًا غَيْرَ مَأْمُونٍ أَرَى أَنْ يَحْلِفَ لِأَنَّ جُلَّ الْآبَاءِ يُنْفِقُونَ عَلَى أَبْنَائِهِمْ وَإِنْ كَانَتْ لَهُمْ أَمْوَالٌ اهـ. وَيُقْرَأُ لَفْظُ الْأَبِ بِنَقْلِ حَرَكَةِ الْهَمْزَةِ (قَالَ مُقَيِّدُ هَذَا الشَّرْحِ سَمَحَ اللَّهُ لَهُ) وَإِذْ فَرَغْنَا مِنْ حَلِّ أَلْفَاظِ النَّظْمِ فَلْنَرْجِعْ إلَى نَقْلِ مَا وَقَفْت عَلَيْهِ الْآنَ فِي الْمَسْأَلَةِ فَإِنَّ الشَّارِحَ لَمْ يَنْقُلْ مِنْ ذَلِكَ مَا فِيهِ كِفَايَةٌ وَاَلَّذِي وَقَفْتُ عَلَيْهِ الْآنَ مَا فِي طُرَرِ ابْنِ عَاتٍ وَنَصُّهُ فِيمَا إذَا أَنْفَقَ الْأَبُ عَلَى ابْنِهِ الصَّغِيرِ وَلَهُ مَالٌ ثُمَّ مَاتَ الْأَبُ هَلْ يُحَاسَبُ الِابْنُ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: مَالُ الِابْنِ لَا يَخْلُو مِنْ أَرْبَعَةِ أَحْوَالٍ، أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ عَيْنًا بِيَدِ الْأَبِ، وَالثَّانِيَ: أَنْ يَكُونَ عَرَضًا قَائِمًا فِي يَدِهِ، وَالثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ قَدْ اسْتَهْلَكَهُ. وَالرَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ لَمْ يَصِلْ بَعْدُ إلَى يَدِهِ، فَأَمَّا إنْ كَانَ عَيْنًا وَأُلْفِيَ عَلَى حَالِهِ فِي تَرِكَتِهِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ كَتَبَ النَّفَقَةَ عَلَيْهِ أَوْ لَمْ يَكْتُبْهَا فَإِنْ كَانَ كَتَبَهَا عَلَيْهِ لَمْ تُؤْخَذْ مِنْ مَالِهِ إلَّا أَنْ يُوصِيَ بِذَلِكَ وَإِنْ كَانَ لَمْ يَكْتُبْهَا عَلَيْهِ لَمْ تُؤْخَذْ مِنْ مَالِهِ وَإِنْ أَوْصَى وَأَمَّا إنْ كَانَ الْمَالُ عَرَضًا بِعَيْنِهِ أُلْفِيَ فِي تَرِكَتِهِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ كَتَبَ النَّفَقَةَ عَلَيْهِ أَوْ لَمْ يَكْتُبْهَا فَإِنْ كَتَبَهَا حُوسِبَ بِهَا الِابْنُ وَإِنْ أَوْصَى أَنْ لَا يُحَاسَبَ بِهَا؛ لِأَنَّ وَصِيَّتَهُ أَنْ لَا يُحَاسَبَ وَصِيَّةٌ لِوَارِثٍ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَكْتُبْهَا عَلَيْهِ حُوسِبَ بِهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْأَبُ أَوْصَى أَنْ لَا يُحَاسَبَ بِهَا. وَأَمَّا الْحَالُ الثَّالِثَةُ وَهِيَ أَنْ يَكُونَ الْأَبُ قَدْ اسْتَهْلَكَ الْمَالَ وَحَصَلَ فِي ذِمَّتِهِ فَإِنَّ الِابْنَ يُحَاسَبُ كَتَبَ عَلَيْهِ النَّفَقَةَ أَوْ لَمْ يَكْتُبْهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ كَتَبَ لِابْنِهِ بِذَلِكَ ذِكْرَ حَقٍّ وَأَشْهَدَ لَهُ بِهِ فَلَا يُحَاسَبُ بِمَا أَنْفَقَ عَلَيْهِ. وَأَمَّا الْحَالُ الرَّابِعَةُ وَهِيَ أَنْ لَا يَكُونَ قَبَضَ الْمَالَ وَلَا صَارَ بِيَدِهِ بَعْدُ فَسَوَاءٌ كَانَ عَيْنًا أَوْ عَرَضًا هِيَ بِمَنْزِلَةِ إذَا كَانَ عَرَضًا بِيَدِهِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَوْتِ الْأَبِ وَمَوْتِ الِابْنِ فِيمَا يَجِبُ مِنْ مُحَاسَبَتِهِ إذَا أَنْفَقَ عَلَيْهِ أَبُوهُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ اُنْظُرْهُ فِي ع. ع مِنْ طَلَاقِ السُّنَّةِ. وَذَكَرَ ابْنُ فَتْحُونٍ فِي وَثَائِقِهِ: إنَّهُ إذَا كَانَ لِلِابْنِ مَالٌ وَأَنْفَقَ الْأَبُ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ وَأَبْقَى مَالَ ابْنِهِ عَلَى حَالِهِ ثُمَّ مَاتَ الْأَبُ، وَأَرَادَ سَائِرُ الْوَرَثَةِ مُحَاسَبَتَهُ بِمَا أَنْفَقَ عَلَيْهِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَقُولَ الْأَبُ عِنْدَ مَوْتِهِ حَاسِبُوهُ أَوْ يَقُولَ لَا تُحَاسِبُوهُ أَوْ يَسْكُتَ فَأَمَّا إنْ قَالَ حَاسِبُوهُ أَوْ قَالَ لَا تُحَاسِبُوهُ فَيَكُونُ عَلَى مَا قَالَ وَأَمَّا إنْ سَكَتَ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ كَتَبَ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَكْتُبْهُ فَإِنْ لَمْ يَكْتُبْ شَيْئًا فَلَا يُحَاسَبُ الِابْنُ وَإِنْ كَتَبَ فَإِنْ كَانَ مَالُ الِابْنِ عَيْنًا لَمْ يُحَاسَبْ بِذَلِكَ وَإِنْ كَانَ عَرَضًا حَاسَبُوهُ بِذَلِكَ قَالَ ذَلِكَ كُلُّهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَرَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ. اهـ. وَنَقَلَ الْحَطَّابُ كَلَامَ ابْنِ فَتْحُونٍ هَذَا وَزَادَ فِيهِ إثْرَ قَوْلِهِ: وَإِنْ قَالَ لَا تُحَاسِبُوهُ فَكَذَلِكَ مَا نَصُّهُ وَلَا يُشْبِهُ الْوَصِيَّةَ لِأَنَّ الْآبَاءَ يُنْفِقُونَ عَلَى أَوْلَادِهِمْ وَإِنْ كَانَ لَهُمْ مَالٌ. اهـ. وَزَادَ أَيْضًا إثْرَ قَوْلِهِ: وَإِنْ كَتَبَ فَإِنْ كَانَ الْمَالُ عَيْنًا فَلَا يُحَاسَبُ أَيْضًا مَا نَصُّهُ لِأَنَّهُ لَوْ شَاءَ أَنْفَقَ مِنْهُ وَيُحْمَلُ كَتْبُهُ عَلَى الِارْتِيَاءِ وَالنَّظَرِ ثُمَّ قَالَ قَالَ ذَلِكَ كُلُّهُ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ هِيَ أَوَّلُ مَسْأَلَةٍ مِنْ طَلَاقِ السُّنَّةِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ. اهـ. فَانْظُرْهَا فِي الْحَطَّابِ أَوْ فِي مَحَلِّهَا الْمَذْكُورِ مِنْ الْبَيَانِ وَالتَّحْصِيلِ وَتَأَمَّلْ هَذَا النَّقْلَ مَعَ نَقْلِ النَّاظِمِ هَلْ بَيْنَهُمَا مُخَالَفَةٌ أَمْ لَا إنْ كَانَ مَعَك سَعَةٌ فِي الْوَقْتِ وَنَقَلَ الْحَطَّابُ أَيْضًا عَنْ نَوَازِلِ ابْنِ رُشْدٍ فِي وَصِيٍّ عَلَى يَتِيمَةٍ أَشْهَدَ عِنْدَ مَوْتِهِ

فصل في الإقرار

أَنَّ لَهَا عِنْدَهُ عِشْرِينَ مِثْقَالًا وَلَمْ يُوصِ هُوَ أَنَّ عَلَيْهَا شَيْئًا فَمَاتَ فَطَلَبَتْ الْيَتِيمَةُ الْمَثَاقِيلَ فَادَّعَى الْوَرَثَةُ أَنَّ لَهُ عَلَيْهَا نَفَقَةً وَأَثْبَتُوا أَنَّهَا كَانَتْ فِي حَضَانَتِهِ مُدَّةَ نَظَرِهِ فَهَلْ لَهُ مُحَاسَبَتُهَا أَمْ لَا. (فَأَجَابَ) إشْهَادُ الْوَصِيِّ لَهَا عِنْدَ مَوْتِهِ بِالْعِشْرِينِ مِثْقَالًا يُوجِبُهَا لَهَا وَيُبْطِلُ دَعْوَى الْوَرَثَةِ عَلَيْهَا وَلَا يَلْتَفِتُ إلَى مَا أَثْبَتُوهُ وَلَا يُحَاسِبُونَهَا بِشَيْءٍ. اهـ [فَصْلٌ فِي الْإِقْرَارِ] ِ الْإِقْرَارُ فِي اللُّغَةِ: الِاعْتِرَافُ وَاخْتُلِفَ هَلْ هُوَ بَدِيهِيٌّ وَأَنَّهُ قَوْلٌ يُوجِبُ حَقًّا عَلَى قَائِلِهِ ابْنُ عَرَفَةَ وَالْحَقُّ أَنَّهُ نَظَرِيٌّ، فَإِنَّ تَصَوُّرَ مَاهِيَّتِهِ الْعُرْفِيَّةِ لَيْسَ ضَرُورِيًّا لِأَنَّ كَثِيرًا مِنْ مَسَائِلِهِ يُتَرَدَّدُ فِيهَا هَلْ هِيَ مِنْ بَابِ الْإِقْرَارِ أَمْ لَا؟ كَمَا إذَا قَالَ أَقِرَّ عَنِّي بِمِائَةٍ هَلْ هُوَ إقْرَارٌ أَوْ وَكَالَةٌ فَلَوْ كَانَ الْإِقْرَارُ ضَرُورِيَّ التَّصَوُّرِ لَمَا وَقْعَ الشَّكِّ فِي تَصَوُّرِ فَرْدٍ مِنْ مَصْدُوقَاتِهِ وَعَلَى أَنَّهُ نَظَرِيٌّ فَيُعَرَّفُ بِأَنَّهُ خَبَرٌ يُوجِبُ حُكْمَ صِدْقِهِ عَلَى قَائِلِهِ فَقَطْ بِلَفْظِهِ أَوْ لَفْظِ نَائِبِهِ فَقَوْلُهُ: خَبَرُ جِنْسٌ يُخْرِجُ الْإِنْشَاءَاتِ كَبِعْت وَاشْتَرَيْت وَنُطْقَ الْكَافِرِ بِالشَّهَادَتَيْنِ، وَقَوْلُهُ: يُوجِبُ حُكْمَ صِدْقِهِ عَلَى قَائِلِهِ فَقَطْ أَخْرَجَ بِهِ الرِّوَايَةَ وَالشَّهَادَةَ لِأَنَّهُ إذَا قَالَ: الصَّلَاةُ وَاجِبَهُ فَذَلِكَ خَبَرٌ أَوْجَبَ حُكْمَ صِدْقِهِ عَلَى مُخْبِرِهِ وَغَيْرِهِ وَإِذَا شَهِدَ عَلَى رَجُلٍ بِحَقٍّ فَإِنَّهُ أَوْجَبَ حُكْمَ صِدْقِهِ عَلَى غَيْرِهِ فَقَطْ وَإِذَا قَالَ فِي ذِمَّتِي دِينَارٌ فَهُوَ خَبَرٌ أَوْجَبَ حُكْمَ صِدْقِهِ عَلَى الْمُخْبِرِ وَحْدَهُ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ فَقَطْ، وَقَوْلُ الْقَائِلِ زَيْدٌ زَانٍ لَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَإِنْ كَانَ أَوْجَبَ حُكْمًا عَلَى قَائِلِهِ فَقَطْ وَهُوَ حَدُّ الْقَذْفِ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ حُكْمَ مَا اقْتَضَاهُ الصِّدْقُ لِأَنَّ الَّذِي اقْتَضَاهُ الصِّدْقُ جَلْدُ مِائَةٍ عَلَى غَيْرِهِ انْتَهَى مِنْ الرَّصَّاع بِبَعْضِ اخْتِصَارٍ وَلَمْ يُشْرَحْ قَوْلُهُ بِلَفْظِهِ أَوْ لَفْظِ نَائِبِهِ وَلَعَلَّهُ زَادَ لَفْظَ نَائِبِهِ لِيَدْخُلَ أَقَرَّ عَنِّي بِمِائَةٍ فَإِنَّهُ إقْرَارٌ لَا وَكَالَةٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَمَالِكٌ لِأَمْرِهِ أَقَرَّ فِي ... صِحَّتِهِ لِأَجْنَبِيٍّ اُقْتُفِيَ وَمَا لِوَارِثٍ فَفِيهِ اُخْتُلِفَا ... وَمُنْفِذٌ لَهُ لِتُهْمَةٍ نَفَى وَرَأْسَ مَتْرُوكِ الْمُقِرِّ أَلْزَمَا ... وَهُوَ بِهِ فِي فَلَسٍ كَالْغُرَمَا اعْلَمْ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْمُقِرِّ أَنْ يَكُونَ رَشِيدًا غَيْرَ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ وَعَنْ ذَلِكَ عَبَّرَ النَّاظِمُ بِقَوْلِهِ وَمَالِكٍ لِأَمْرِهِ فَلَفْظُ مَالِكٍ هُنَا اسْمُ فَاعِلٍ لَا عَلَمٌ عَلَى إمَامِ الْمَذْهَبِ وَأُخْرِجَ بِذَلِكَ إقْرَارُ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَالْمُبَذِّرِ وَالْمُفْلِسِ وَالْعَبْدِ فَلَا عَمَلَ عَلَيْهِ. وَلَا يُؤَاخَذُ بِهِ لِأَنَّ فَائِدَةَ الْحَجْرِ عَلَيْهِمْ رَدُّ تَصَرُّفَاتِهِمْ الْمَالِيَّةِ الَّتِي مِنْ جُمْلَتِهَا الْإِقْرَارُ بِالدَّيْنِ قَالَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْإِقْرَارَ تَارَةً يَكُونُ فِي صِحَّةِ الْمُقِرِّ وَتَارَةً فِي مَرَضِهِ وَفِي كُلٍّ مِنْهُمَا إمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُقَرُّ لَهُ وَارِثًا أَوْ أَجْنَبِيًّا فَالْأَقْسَامُ أَرْبَعَةٌ وَالْمُقَرُّ لَهُ أَجْنَبِيٌّ غَيْرُ وَارِثٍ فَإِنَّهُ مَعْمُولٌ بِهِ نَافِذٌ لِلْمُقَرِّ لَهُ وَعَنْ إعْمَالِهِ عَبَّرَ النَّاظِمُ بِقَوْلِهِ: اُقْتُفِيَ أَيْ اُتُّبِعَ إقْرَارُهُ وَعَمِلَ بِمُقْتَضَاهُ وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِالْبَيْتِ الْأَوَّلِ وَإِنْ كَانَ لِوَارِثٍ فَفِيهِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ نَافِذٌ مَعْمُولٌ بِهِ أَيْضًا وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ نَبَّهَ بِقَوْلِهِ وَمَا لِوَارِثٍ فَفِيهِ اُخْتُلِفَا ثُمَّ أَشَارَ بِقَوْلِهِ وَمُنْفِذٌ لَهُ لِتُهْمَةٍ نَفَى وَرَأْسَ مَتْرُوكِ الْبَيْتَ إلَّا أَنَّ مَنْ قَالَ بِإِعْمَالِ الْإِقْرَارِ فِي الصِّحَّةِ لِلْوَارِثِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ لَمْ يَرَ فِي إقْرَارِهِ لِلْوَارِثِ تُهْمَةً بَلْ نَفَى التُّهْمَةَ فِي ذَلِكَ وَأَلْزَمَ الْمُقِرَّ مَا أَقَرَّ بِهِ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ وَجَعَلَهُ كَالدَّيْنِ الثَّابِتِ يُحَاصَصُ بِهِ الْغُرَمَاءُ فِي الْفَلَسِ قَالَ الشَّارِحُ وَبِهَذَا الْقَوْلِ الْعَمَلُ. اهـ. وَقَالَ قَبْلَهُ ابْنُ رُشْدٍ لَا يُحَاصَصُ بِهِ

الْغُرَمَاءُ عَلَى قَوْلِ ابْن الْقَاسِمِ إلَّا مَعَ الدُّيُونِ الَّتِي اسْتَدَانَهَا بَعْدَ الْإِقْرَارِ وَأَمَّا الْقَدِيمَةُ قَبْلَ الْإِقْرَارِ فَلَا اهـ. وَمِنْ قَوْلِهِ: وَمُنْفِذٌ لَهُ لِتُهْمَةٍ نَفَى يُفْهَمُ أَنَّ مَنْ لَمْ يُنَفِّذْهُ وَلَمْ يَعْمَلْ بِمُقْتَضَاهُ رَأَى أَنَّ فِي الْإِقْرَارِ الْوَارِثِ تُهْمَةً وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ (قَالَ فِي الْكَافِي) كُلُّ بَالِغٍ حُرٍّ جَائِزِ الْفِعْلِ رَشِيدٍ فَإِقْرَارُهُ جَائِزٌ عَلَى نَفْسِهِ فِي كُلِّ مَا يُقِرُّ بِهِ فِي صِحَّتِهِ وَالْأَجْنَبِيُّ وَالْوَارِثُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ وَكَذَلِكَ الْقَرِيبُ وَالْبَعِيدُ وَالْعَدُوُّ وَالصَّدِيقُ فِي الْإِقْرَارِ فِي الصِّحَّةِ سَوَاءٌ وَفِي ابْنِ سَلْمُونٍ قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَالْإِقْرَارُ لِلْوَارِثِ إمَّا أَنْ يَكُونَ فِي الصِّحَّةِ أَوْ فِي الْمَرَضِ فَإِنْ كَانَ فِي الصِّحَّةِ فَفِي ذَلِكَ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ نَافِذٌ يَأْخُذُهُ مِنْ تَرِكَتِهِ فِي الْمَوْتِ. وَيُحَاصُّ بِهِ الْغُرَمَاءُ فِي الْفَلَسِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَالْعُتْبِيَّةِ، وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَا يُحَاصُّ بِهِ الْغُرَمَاءُ فِي الْفَلَسِ وَلَا يَأْخُذُهُ مِنْ التَّرِكَةِ فِي الْمَوْتِ وَهُوَ قَوْلُ الْمُدَوَّنَةِ وَالْعُتْبِيَّةِ وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَا يُحَاصُّ بِهِ الْغُرَمَاءُ فِي الْفَلَسِ وَلَا يَأْخُذُهُ مِنْ التَّرِكَةِ فِي الْمَوْتِ وَهُوَ قَوْلُ الْمَدَنِيِّينَ لِلتُّهْمَةِ عِنْدَهُمْ. اهـ. فَقَوْلُهُ: أَقَرَّ: صِفَةٌ لِمَالِكٍ، وَلِأَجْنَبِيٍّ يَتَعَلَّقُ بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ أَيْ وَمَا أَقَرَّ بِهِ لِوَارِثٍ وَمُنْفِذٌ: اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ أَنْفَذَ مُبْتَدَأٌ، وَجُمْلَةُ نَفَى لِتُهْمَةٍ: خَبَرُهُ وَضَمِيرُ فِيهِ يَعُودُ عَلَى مَا وَضَمِيرُ لَهُ لِلْإِقْرَارِ لِلْوَارِثِ وَأَلْزَمَ بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ وَهُوَ ضَمِيرُ الْمُنْفِذِ عُطِفَ عَلَى نَفَى، وَرَأْسَ: مَفْعُولُ أَلْزَمَ الثَّانِي، وَالْأَوَّلُ مَحْذُوفٌ أَيْ أَلْزَمَ الْمُنْفِذُ لِلْإِقْرَارِ الدَّيْنَ الْمُقَرَّ بِهِ رَأْسَ مَالِ الْمُقِرِّ وَضَمِيرُ وَهُوَ لِلْمُقَرِّ لَهُ وَبِهِ لِلْإِقْرَارِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ) لَمْ يَذْكُرْ النَّاظِمُ الْمُقَرَّ بِهِ وَهُوَ إمَّا دَيْنٌ فِي الذِّمَّةِ وَهُوَ الْمُرَادُ غَالِبًا فِي هَذَا الْبَابِ وَإِمَّا قِرَاضٌ أَوْ وَدِيعَةٌ أَوْ شَيْءٌ مُعَيَّنٌ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الْحُقُوقِ الْمَالِيَّةِ. وَإِنْ يَكُنْ لِأَجْنَبِيٍّ فِي الْمَرَضْ ... غَيْرُ صَدِيقٍ فَهُوَ نَافِذُ الْغَرَضْ وَلِصَدِيقٍ أَوْ قَرِيبٍ لَا يَرِثْ ... يَبْطُلُ مِمَّنْ بِكَلَالَةٍ وُرِثْ وَقِيلَ بَلْ يَمْضِي بِكُلِّ حَالِ ... وَعِنْدَ مَا يُؤْخَذُ بِالْإِبْطَالِ قِيلَ بِإِطْلَاقٍ وَلِابْنِ الْقَاسِمِ ... يَمْضِي مِنْ الثُّلْثِ بِحُكْمٍ جَازِمِ لَمَّا قَدَّمَ الْكَلَامَ عَلَى الْإِقْرَارِ فِي الصِّحَّةِ بِقِسْمَيْهِ أَعْنِي لِلْأَجْنَبِيِّ وَالْوَارِثِ شَرَعَ الْآنَ فِي الْكَلَامِ فِي الْإِقْرَارِ فِي الْمَرَضِ فَتَكَلَّمَ فِي هَذِهِ الْأَبْيَاتِ عَلَى الْقَرَارِ فِي الْمَرَضِ إمَّا لِأَجْنَبِيٍّ غَيْرِ صَدِيقٍ أَوْ لِصَدِيقٍ مُلَاطِفٍ أَوْ لِقَرِيبٍ غَيْرِ وَارِثٍ وَتَكَلَّمَ فِيمَا بَعْدَهَا عَلَى الْإِقْرَارِ لِلْوَارِثِ فَأَخْبَرَ أَنَّ الْإِقْرَارَ فِي الْمَرَضِ إنْ كَانَ لِأَجْنَبِيٍّ غَيْرِ صَدِيقٍ فَإِنَّهُ نَافِذٌ مَعْمُولٌ بِهِ عَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِالْبَيْتِ الْأَوَّلِ وَظَاهِرُهُ وُرِثَ الْمُقِرُّ كَلَالَةً أَوْ لَا وَهُوَ كَذَلِكَ بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ. وَإِنْ كَانَ الْإِقْرَارُ لِصَدِيقٍ أَوْ قَرِيبٍ لَا يَرِثُ فَقَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ إنْ وُرِثَ الْمُقِرُّ كَلَالَةً لَمْ يَتْرُكْ وَلَدًا وَلَا وَلَدَ ابْنٍ وَإِنْ سَفَلَ وَلَا أَبًا وَلَا جَدًّا وَإِنْ عَلَا فَالْإِقْرَارُ بَاطِلٌ غَيْرُ مَعْمُولٍ بِهِ وَإِنْ وُرِثَ غَيْرَ كَلَالَةٍ فَالْإِقْرَارُ صَحِيحٌ مَعْمُولٌ بِهِ الْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ يُعْمَلُ بِهِ وُرِثَ كَلَالَةً أَوْ لَا هُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ بِكُلِّ حَالٍ وَإِذَا قُلْنَا بِإِبْطَالِهِ إنْ وُرِثَ كَلَالَةً فَقِيلَ يَبْطُلُ مُطْلَقًا فَلَا يُؤْخَذُ لَهُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَلَا مِنْ الثُّلُثِ وَقِيلَ يَمْضِي مِنْ الثُّلُثِ لَا مِنْ رَأْسِ الْمَالِ (ابْنُ رُشْدٍ) وَإِنْ أَقَرَّ الْمَرِيضُ لِصَدِيقٍ مُلَاطِفٍ أَوْ لِقَرِيبٍ غَيْرِ وَارِثٍ فَقِيلَ: يَجُوزُ إقْرَارُهُ إلَّا إنْ وَرِثَهُ وَلَدٌ وَالْقَوْلَانِ قَائِمَانِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ. اهـ. مِنْ الْمَوَّاقِ وَمِثْلُهُ فِي التَّوْضِيحِ وَزَادَ قَوْلًا ثَالِثًا إنْ وُرِثَ بِوَلَدٍ جَازَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَإِنْ وُرِثَ بِكَلَالَةٍ فَمِنْ الثُّلُثِ وَفِي مُفِيدِ ابْنِ هِشَامٍ وَإِقْرَارُ الْمَرِيضِ لِغَيْرِ وَارِثٍ كَإِقْرَارِ الصَّحِيحِ وَانْظُرْ إذَا أَقَرَّ الْمَرِيضُ فِي مَرَضِهِ لِصَدِيقٍ مُلَاطِفٍ وَكَانَ يُورَثُ كَلَالَةً فَإِنَّ التُّهْمَةَ حَاصِلَةٌ وَعَلَى أَصْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ يَعُودُ إقْرَارُهُ وَصِيَّةً فَيَكُونُ مِنْ الثُّلُثِ وَعَلَى قَوْلِ غَيْرِهِ يَبْطُلُ

جُمْلَةً فَلَا يَكُونُ مِنْ الثُّلُثِ وَلَا غَيْرِهِ. اهـ. (قَالَ الشَّارِحُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) سُئِلَ شَيْخُنَا قَاضِي الْجَمَاعَةِ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ سِرَاجٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَنْ رَجُلٍ كَفَلَ يَتِيمًا فَأَشْهَدَ لَهُ فِي صِحَّتِهِ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ وَفِي مَرَضِهِ بِخَمْسِينَ دِينَارًا فِضِّيَّةً عَلَى أُجْرَةٍ لَهُ ثُمَّ تُوُفِّيَ فَنَازَعَ وَرَثَتُهُ فِي ذَلِكَ فَأَجَابَ أَمَّا الْعَشَرَةُ فَتَجِبُ لَهُ وَأَمَّا الْخَمْسُونَ مِثْقَالًا فَإِنْ كَانَتْ قَدْرَ أُجْرَتِهِ الْوَاجِبَةِ لَهُ فَتَجِبُ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ وَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ مِمَّا يَجِبُ فِي إجَارَتِهِ كَانَ قَدْرُ الْإِجَارَةِ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ وَالزَّائِدُ فِي ثُلُثِهِ قَالَهُ ابْنُ سِرَاجٍ. قَالَ الشَّارِحُ اعْتَمَدَ شَيْخُنَا - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الزَّائِدِ عَلَى مَا يَجِبُ لَهُ مِنْ أُجْرَةٍ مُقْتَضَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَيْ فِي أَنَّ الْإِقْرَارَ لَا يَبْطُلُ جُمْلَةً بَلْ يَمْضِي مِنْ الثُّلُثِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. فَقَوْلُهُ: وَإِنْ يَكُنْ أَيْ الْإِقْرَارُ وَغَيْرُ صَدِيقٍ صِفَةٌ لِأَجْنَبِيٍّ وَلِصَدِيقٍ عَطْفٌ عَلَى لِأَجْنَبِيٍّ، وَقَوْلُهُ: وَعِنْدَمَا يُؤْخَذُ بِالْإِبْطَالِ أَيْ إذَا فَرَّعْنَا عَلَى الْقَوْلِ بِإِبْطَالِ الْإِقْرَارِ لِلصَّدِيقِ فِي حَقِّ مَنْ وُرِثَ كَلَالَةً فَقِيلَ يَبْطُلُ مُطْلَقًا مِنْ ثُلُثٍ وَرَأْسٍ وَقِيلَ يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ. وَحَيْثُمَا الْإِقْرَارُ فِيهِ لِلْوَلَدْ ... مَعْ غَيْرِهِ فَلَيْسَ فِيهِ مِنْ مَرَدْ مَعَ ظُهُورِ سَبَبِ الْإِقْرَارِ ... فَإِنْ يَكُنْ ذَاكَ عَنْ اخْتِيَارِ فَذُو عُقُوقٍ وَانْحِرَافٍ يُحْكَمُ ... لَهُ بِهِ وَذُو الْبُرُورِ يُحْرَمُ تَكَلَّمَ مِنْ هُنَا لِمَا بَعْدُ عَلَى الْإِقْرَارِ فِي الْمَرَضِ لِلْوَارِثِ وَبَدَأَ بِالْإِقْرَارِ لِلْوَلَدِ مَعَ غَيْرِهِ ثُمَّ ثَنَّى بِالْإِقْرَارِ لِلزَّوْجَةِ وَثَلَّثَ بِالْإِقْرَارِ لِوَارِثٍ غَيْرِهِمَا فَأَخْبَرَ هُنَا أَنَّ مَنْ أَقَرَّ لِوَلَدِهِ مَعَ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ يَنْظُرُ فَإِنْ كَانَ لِلْإِقْرَارِ سَبَبٌ كَأَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ مَاتَتْ أُمُّهُ أَوْ لَهُ أَصْلٌ فَيَشْهَدُ لَهُ بِمَالٍ مِنْ مِيرَاثِ أُمِّهِ أَوْ غَلَّةِ أَصْلِهِ وَيَشْهَدُ مَعَ ذَلِكَ بِدَيْنٍ لِأَجْنَبِيٍّ فَالْإِقْرَارُ نَافِذٌ عَامِلٌ لَهُمَا مَعًا وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ لِلْإِقْرَارِ سَبَبٌ، وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ النَّاظِمُ بِقَوْلِهِ فَإِنْ يَكُنْ ذَاكَ عَنْ اخْتِيَارٍ نُظِرَ أَيْضًا فَإِنْ كَانَ الْوَلَدُ الْمُقَرُّ لَهُ عَاقًّا لِوَالِدِهِ فَالْإِقْرَارُ صَحِيحٌ ثَابِتٌ وَإِنْ كَانَ بَارًّا لِوَالِدِهِ فَلَا يَصِحُّ الْإِقْرَارُ لَهُ لِلتُّهْمَةِ أَنْ يَكُونَ قَصَدَ التَّوْلِيجَ لِهَذَا الْبَارِّ وَالْحِرْمَانَ لِذَلِكَ الْعَاقِّ قَالَ فِي (الْمُقَرَّبِ) . قُلْتُ فَإِنْ أَقَرَّ بِدَيْنٍ لِابْنِهِ وَلِأَجْنَبِيٍّ فِي مَرَضِهِ وَلَهُ بَنُونَ سِوَى الَّذِي أَقَرَّ لَهُ وَمَالُهُ يَضِيقُ عَمَّا أَقَرَّ بِهِ قَالَ يَتَحَاصَصُ ابْنُهُ وَالْأَجْنَبِيُّ فِيمَا تَرَكَ فَمَا صَارَ لِلِابْنِ دَخَلَ مَعَهُ فِيهِ الْوَرَثَةُ إنْ شَاءُوا وَلَيْسَ هَذَا بِمَنْزِلَةِ مَنْ أَقَرَّ بِدَيْنٍ لِابْنِهِ وَعَلَيْهِ دُيُونُ بَنِيهِ. اهـ. وَحَاصِلُهُ بُطْلَانُ الْإِقْرَارِ لِلْوَلَدِ وَلَعَلَّهُ حَيْثُ لَمْ يَظْهَرْ لِلْإِقْرَارِ سَبَبٌ وَفِي الْمُفِيدِ فَإِنْ أَقَرَّ لِأَحَدِ بَنِيهِ دُونَ غَيْرِهِ اُعْتُبِرَ فِي ذَلِكَ مَا ذَكَرْنَا مِثْلَ أَنْ يُقِرَّ لِلْعَاقِّ دُونَ الْبَارِّ فَيَجُوزُ إقْرَارُهُ وَلَوْ أَقَرَّ لِلْبَارِّ لَمْ يَجُزْ. اهـ. وَلَمْ يَنْقُلْ الشَّارِحُ فِقْهًا لِقَوْلِهِ فَلَيْسَ فِيهِ مِنْ مَرَدٍّ مَعَ ظُهُورِ سَبَبِ الْإِقْرَارِ وَوَجْهُ مَا فِي النَّظْمِ ظَاهِرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَإِنْ يَكُنْ لِزَوْجَةٍ بِهَا شُغِفْ ... فَالْمَنْعُ وَالْعَكْسُ بِعَكْسٍ يَتَّصِفْ وَإِنْ جَهِلْنَا عِنْدَ ذَاكَ حَالَهْ ... فَالْمَنْعُ مِمَّنْ إرْثُهُ كَلَالَهْ وَمَعَ وَاحِدٍ مِنْ الذُّكُورِ ... فِي كُلِّ حَالٍ لَيْسَ بِالْمَحْظُورِ كَذَاكَ مَعْ تَعَدُّدٍ فِيهِمْ ذَكَرْ ... مَا مِنْهُمْ ذُو كِبَرٍ وَذُو صِغَرْ وَإِنْ يَكُنْ بِغَيْرِ ذَاكَ مُطْلَقَا ... قِيلَ مُسَوَّغٌ وَقِيلَ مُتَّقَى يَعْنِي: أَنَّ الْمَرِيضَ إذَا أَقَرَّ لِلزَّوْجَةِ فَلَا يَخْلُو حَالُهُ مَعَهَا مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ إمَّا أَنْ يَكُونَ مُحِبًّا لَهَا وَمَشْغُوفًا بِحُبِّهَا فَلَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ لَهَا وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ يَبْغَضُهَا فَيَصِحُّ الْإِقْرَارُ لَهَا وَإِمَّا أَنْ يُجْهَلَ حَالُهُ مَعَهَا وَفِيهِ حِينَئِذٍ تَفْصِيلٌ إنْ وُرِثَ كَلَالَةً لَمْ يَصِحَّ الْإِقْرَارُ لَهَا. وَإِنْ تَرَكَ ذَكَرًا وَاحِدًا صَحَّ الْإِقْرَارُ لَهَا صَغِيرًا كَانَ الْوَلَدُ أَمْ كَبِيرًا مِنْهَا أَوْ مِنْ غَيْرِهَا وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِقَوْلِهِ فِي كُلِّ حَالٍ، وَكَذَلِكَ يَصِحُّ إنْ كَانَ الْأَوْلَادُ مُتَعَدِّدِينَ، وَفِيهِمْ ذَكَرٌ سَوَاءٌ كَانُوا كِبَارًا أَوْ صِغَارًا وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِقَوْلِهِ مَا مِنْهُمْ ذُو كِبَرٍ وَذُو صِغَرْ فَمَا نَافِيَةٌ أَيْ مَا مِنْهُمْ كَبِيرٌ يَخْتَصُّ بِهَذَا الْحُكْمِ وَلَا صَغِيرٌ يُخْتَصُّ بِهِ بَلْ كَبِيرُهُمْ وَصَغِيرُهُمْ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ وَإِنْ كَانَ الْوَلَدُ غَيْرَ مَا ذُكِرَ بِأَنْ لَمْ يَتْرُكْ ذَكَرًا بَلْ تَرَكَ بِنْتًا أَوْ بَنَاتٍ سَوَاءٌ كُنَّ صِغَارًا كُلُّهُنَّ أَوْ كِبَارًا كُلُّهُنَّ أَوْ بَعْضُهُنَّ صِغَارًا وَبَعْضُهُنَّ كِبَارًا مِنْهَا أَوْ مِنْ غَيْرِهَا فَفِي صِحَّةِ الْإِقْرَارِ لَهَا قَوْلَانِ وَإِلَى هَذَا الْوَجْهِ الْأَخِيرِ أَشَارَ النَّاظِمُ بِقَوْلِهِ: وَإِنْ يَكُنْ بِغَيْرِ ذَاكَ الْبَيْتِ (قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ) وَفِي إقْرَارِ الزَّوْجِ لِزَوْجَتِهِ بِدَيْنٍ فِي الْمَرَضِ تَفْصِيلٌ. وَاَلَّذِي يَتَحَصَّلُ فِيهِ عِنْدِي عَلَى مِنْهَاجِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ أَنَّ أَمْرَهُ لَا يَخْلُو مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ إنْ عُلِمَ مِنْهُ مَيْلٌ إلَيْهَا وَصَبَابَةٌ بِهَا فَلَا يَجُوزُ إقْرَارُهُ لَهَا إلَّا أَنْ تُجِيزَ ذَلِكَ الْوَرَثَةُ وَإِنْ عُلِمَ مِنْهُ الْبُغْضُ فِيهَا وَالشَّنَآنُ لَهَا فَإِقْرَارُهُ لَهَا جَائِزٌ عَلَى الْوَرَثَةِ وَإِنْ جُهِلَ حَالُهُ مَعَهَا فِي الْمَيْلِ إلَيْهَا أَوْ الْبُغْضِ لَهَا فَلَا يَخْلُو أَمْرُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ يُورَثَ بِكَلَالَةٍ أَوْ يُورَثَ بِوَلَدٍ فَإِنْ وُرِثَ بِكَلَالَةٍ فَلَا يَجُوزُ إقْرَارُهُ لَهَا وَإِنْ وُرِثَ بِوَلَدٍ فَإِنَّ الْوَلَدَ لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونُوا إنَاثًا أَوْ ذُكُورًا صِغَارًا أَوْ كِبَارًا وَاحِدًا أَوْ عَدَدًا مِنْهَا أَوْ مِنْ غَيْرِهَا فَيَخْرُجُ ذَلِكَ عِنْدِي عَلَى قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ إقْرَارَهُ جَائِزٌ، وَالثَّانِي لَا يَجُوزُ مِنْ اخْتِلَافِهِمْ فِي إقْرَارِهِ لِبَعْضِ الْعَصَبَةِ إذَا تَرَكَ ابْنَهُ وَعَصَبَةً فَإِنْ كُنَّ صِغَارًا مِنْهَا لَمْ يَجُزْ إقْرَارُهُ لَهَا قَوْلًا وَاحِدًا وَأَمَّا أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ ذَكَرًا وَكَانَ وَاحِدًا فَإِقْرَارُهُ لَهَا جَائِزٌ صَغِيرًا كَانَ الْوَلَدُ أَوْ كَبِيرًا مِنْهَا أَوْ مِنْ غَيْرِهَا. وَأَمَّا إنْ كَانَ الْوَلَدُ عَدَدًا وَفِيهِمْ ذَكَرٌ فَإِقْرَارُهُ لَهَا جَائِزٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ بَعْضُهُمْ صَغِيرًا مِنْهَا وَبَعْضُهُمْ كَبِيرًا مِنْهَا أَوْ مِنْ غَيْرِهَا وَإِنْ كَانَ الْوَلَدُ عَدَدًا فِيهِمْ ذُكُورٌ فَلَا يَجُوزُ إقْرَارُهُ لَهَا. اهـ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إنْ تَرَكَ وَلَدًا فَفِي صِحَّةِ إقْرَارِهِ لِلزَّوْجَةِ الَّتِي جُهِلَ حَالُهُ مَعَهَا قَوْلَانِ: إلَّا فِي أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ اثْنَانِ يَصِحُّ إقْرَارُهُ لَهَا فِيهِمَا وَهُمَا إذَا تَرَكَ ذَكَرًا وَاحِدًا أَوْ تَرَكَ أَوْلَادًا وَفِيهِمْ ذَكَرٌ أَيْ الْجِنْسُ وَاحِدًا أَوْ أَكْثَرَ وَإِلَى هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ أَشَارَ النَّاظِمَ بِقَوْلِهِ وَمَعَ وَاحِدٍ مِنْ الذُّكُورِ الْبَيْتَيْنِ وَاثْنَانِ لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ لَهَا فِيهِمَا وَهُمَا إذَا تَرَكَ إنَاثًا صِغَارًا مِنْهَا أَوْ تَرَكَ ذُكُورًا وَبَعْضُهُمْ صَغِيرًا مِنْهَا وَبَعْضُهُمْ كَبِيرًا مِنْهَا أَوْ مِنْ غَيْرِهَا وَلَمْ يَسْتَثْنِ النَّاظِمُ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ فَلِذَلِكَ قَالَ الشَّارِحُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَوْ زَادَ النَّاظِمُ إثْرَ قَوْلِهِ مَا مِنْهُمْ ذُو صِغَرٍ وَذُو كِبَرْ بَيْتًا وَهُوَ إلَّا إذَا مَا كَانَ مِنْهَا الْأَصْغَرُ ... وَكَانَ مِنْ أُمٍّ سِوَاهَا الْأَكْبَرُ وَزَادَ أَيْضًا إثْرَ قَوْلِهِ: قِيلَ مُسَوَّغٌ. وَقِيلَ مُتَّقًى بَيْتًا وَهُوَ: إلَّا إذَا كُنَّ صِغَارًا جَمْعَا ... مِنْهَا فَحُكْمُ ذَاكَ أَنْ يَمْتَنِعَا لَكَانَ قَدْ وَفَّى بِكَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ وَمَا عَدَا هَذِهِ الْوُجُوهَ الْأَرْبَعَةَ وَهُوَ انْفِرَادُ الْإِنَاثِ وَاحِدَةً أَوْ مُتَعَدِّدَةً أَدْرَجَهُ النَّاظِمُ فِي قَوْلِهِ: وَإِنْ يَكُنْ بِغَيْرِ ذَاكَ، الْبَيْتِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الصَّوَابَ فِي الْبَيْتِ الْأَوَّلِ مِنْ هَذَيْنِ أَنْ يَقُولَ بَدَلَ الشَّطْرِ الثَّانِي مِنْهُ وَكَانَ مِنْهَا أَوْ سِوَاهَا الْأَكْبَرُ وَنَقَلَ الْمَوَّاقُ كَلَامَ ابْنِ رُشْدٍ كَمَا

نَقَلَهُ الشَّارِحُ وَلَفْظُهُ وَإِنْ جُهِلَ حَالُهُ مَعَهَا سَقَطَ إقْرَارُهُ لَهَا إنْ وُرِثَ بِكَلَالَةٍ. وَإِنْ وُرِثَ بِوَلَدٍ غَيْرِ ذَكَرٍ مَعَ عَصَبَةٍ فَسَوَاءٌ كُنَّ وَاحِدَةً أَوْ عَدَدًا صِغَارًا أَوْ كِبَارًا مِنْ غَيْرِهَا أَوْ كِبَارًا مِنْهَا يَتَخَرَّجُ ذَلِكَ عَلَى قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا: إنَّ إقْرَارَهُ لِزَوْجَتِهِ جَائِزٌ. وَالثَّانِي: إنَّهُ لَا يَجُوزُ مِنْ اخْتِلَافِهِمْ فِي إقْرَارِهِ لِبَعْضِ الْعَصَبَةِ إذَا تَرَكَ ابْنَةً وَعَصَبَةً وَإِنْ كَانَ الْوَلَدُ ذَكَرًا وَاحِدًا جَازَ إقْرَارُهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا مِنْهَا أَوْ مِنْ غَيْرِهَا وَإِنْ كَانَ الْوَلَدُ ذُكُورًا عَدَدًا جَازَ إقْرَارُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ بَعْضُهُمْ صَغِيرًا مِنْهَا وَبَعْضُهُمْ كَبِيرًا مِنْهَا أَوْ مِنْ غَيْرِهَا فَيَجُوزُ. انْتَهَى مَحَلُّ الْحَاجَةِ مِنْهُ. وَإِنْ يَكُنْ لِوَارِثٍ غَيْرِهِمَا ... مَعْ وَلَدٍ فَفِي الْأَصَحِّ لَزِمَا وَدُونَهُ لِمَالِكٍ قَوْلَانِ ... بِالْمَنْعِ وَالْجَوَازِ مَرْوِيَّانِ يَعْنِي إذَا أَقَرَّ الْمَرِيضُ بِدَيْنٍ لِوَارِثٍ غَيْرِ الْوَلَدِ وَالزَّوْجَةِ لِتَقَدُّمِ الْكَلَامِ عَلَيْهِمَا فَإِنْ كَانَ لِلْمَرِيضِ وَلَدٌ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى فَقَوْلَانِ الْأَصَحُّ مِنْهُمَا أَنَّ إقْرَارَهُ صَحِيحٌ لَازِمٌ قَالَ الشَّارِحُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ كَإِقْرَارِهِ لِأُمِّهِ مَعَ وُجُودِ وَلَدٍ أَوْ لِأُخْتِهِ مَعَ وُجُودِ بِنْتٍ أَوْ بَنَاتٍ وَمُقَابِلُهُ لَا يَصِحُّ وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِالْبَيْتِ الْأَوَّلِ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَرِيضِ وَلَدٌ فَقَوْلَانِ بِصِحَّةِ الْإِقْرَارِ وَبُطْلَانِهِ وَكَأَنَّهُمَا عِنْدَهُ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ، وَشَمَلَ قَوْلُهُ وَدُونَهُ ثَلَاثَ صُوَرٍ الْإِقْرَارُ لِلْوَارِثِ الْمُسَاوِي لِغَيْرِ الْمُقَرِّ لَهُ كَإِقْرَارِهِ لِأَحَدِ إخْوَتِهِ أَوْ بَنِي عَمِّهِ وَالْإِقْرَارُ لِلْأَقْرَبِ كَإِقْرَارِهِ لِلْأُمِّ مَعَ وُجُودِ الْإِخْوَةِ وَالْإِقْرَارُ لِلْأَبْعَدِ كَالْإِخْوَةِ أَوْ الْعَصَبَةِ مَعَ وُجُودِ الْأُمِّ أَمَّا الْإِقْرَارُ لِوَارِثٍ مَعَ وُجُودِ الْوَلَدِ فَفِي أَحْكَامِ ابْنِ سَهْلٍ قَالَ الْقَاضِي يَعْنِي ابْنَ زَرْبٍ مَنْ أَقَرَّ فِي مَرَضِهِ بِدَيْنٍ لِوَارِثٍ أَوْ صَدِيقٍ مُلَاطِفٍ وَلَهُ ابْنَةٌ لَمْ يُنَفَّذْ إقْرَارُهُ وَالِابْنَةُ كَالْعَصَبَةِ وَإِنْ كَانَ مَعَهَا أَوْ مَكَانَهَا ابْنٌ نُفِّذَ إقْرَارُهُ لِأَنَّهُ لَا يُورَثُ كَلَالَةً فَقَالَ لَهُ ابْنُ مُحْسِنٍ وَغَيْرُهُ رَوَى ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الِابْنَةَ كَالِابْنِ فَقَالَ نَعَمْ وَلَكِنْ مَذْهَبِي أَنَّ الِابْنَةَ كَالْعَصَبَةِ وَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّ فِيهَا اخْتِلَافًا. اهـ. وَأَمَّا الْإِقْرَارُ لِوَارِثٍ حَيْثُ لَا وَلَدَ فَلَمْ يَنْقُلْ الشَّارِحُ عَلَيْهِ فِقْهًا. وَاقْتَصَرَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ الْإِقْرَارِ إنْ أَقَرَّ لِلْأَبْعَدِ مَعَ وُجُودِ أَقْرَبَ فَقَالَ عَاطِفًا عَلَى مَا يَصِحُّ فِيهِ الْإِقْرَارُ وَمَرِيضٍ إنْ وَرِثَهُ وَلَدٌ لِأَبْعَدَ، وَلَا مَفْهُومَ لِقَوْلِهِ إنْ وَرِثَهُ وَلَدٌ بَلْ وَرِثَهُ وَلَدٌ أَوَّلًا وَحَاجَتُنَا هُنَا حَيْثُ لَمْ يَرِثْهُ وَلَدٌ وَاقْتَصَرَ عَلَى عَدَمِ صِحَّةِ الْإِقْرَارِ إنْ أَقَرَّ لِوَارِثٍ مُسَاوٍ أَوْ أَقْرَبَ فَقَالَ لَا الْمُسَاوِي وَالْأَقْرَبُ. وَحَالَةُ الزَّوْجَةِ وَالزَّوْجِ سَوَا ... وَالْقَبْضُ لِلدَّيْنِ مَعَ الدَّيْنِ اسْتَوَى اشْتَمَلَ الْبَيْتُ عَلَى مَسْأَلَتَيْنِ: الْأُولَى: أَنَّ إقْرَارَ الزَّوْجَةِ لِزَوْجِهَا بِدَيْنٍ فِي حَالِ مَرَضِهَا هُوَ كَإِقْرَارِهِ لَهَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ سَوَاءً بِسَوَاءٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ تَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: وَإِنْ يَكُنْ لِزَوْجَةٍ بِهَا شُغِفْ إلَخْ، وَالثَّانِيَةُ: إقْرَارُ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ بِقَبْضِ الدَّيْنِ الَّذِي لَهُ عَلَى صَاحِبِهِ فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْإِقْرَارِ بِالدَّيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ أَيْضًا قَالَ الشَّارِحُ فِي مُقَدِّمَاتِ ابْنِ رُشْدٍ إنَّ فِي إقْرَارِ الزَّوْجَةِ لِزَوْجِهَا مَا تَقَدَّمَ فِي إقْرَارِهِ لَهَا مِنْ الْحَالَاتِ الثَّلَاثَةِ. وَفِي (الْمُقَرَّبِ) قُلْتُ فَإِنْ قَالَتْ امْرَأَةٌ فِي مَرَضِهَا قَدْ قَبَضْتُ مِنْ زَوْجِي مُؤَخَّرَ صَدَاقِي أَيُقْبَلُ قَوْلُهَا قَالَ لَا، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ قَالَ مُحَمَّدٌ وَفِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ امْرَأَةٍ قَالَتْ عِنْدَ مَوْتِهَا قَبَضْتُ صَدَاقِي مِنْ زَوْجِي فَقَالَ: أَمَّا الْمَرْأَةُ الَّتِي لَا وَلَدَ لَهَا وَمِثْلُهَا يُتَّهَمُ فَلَا يَجُوزُ قَوْلُهَا، وَأَمَّا الَّتِي لَهَا أَوْلَادٌ كِبَارٌ وَلَعَلَّهَا يَكُونُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا غَيْرُ الْحَسَنِ فَهَذِهِ لَا تُتَّهَمُ وَفِي (الْمُقَرَّبِ أَيْضًا) قُلْتُ فَمَنْ أَقَرَّ فِي مَرَضِهِ أَنَّهُ قَبَضَ دَيْنَهُ مِنْ فُلَانٍ إنْ كَانَ وَارِثًا أَوْ مِمَّنْ يُتَّهَمُ أَنْ يَكُونَ إنَّمَا أَرَادَ أَنْ يُولِجَ ذَلِكَ إلَيْهِ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يُتَّهَمْ قُبِلَ. اهـ. وَمُشْهِدٌ فِي مَوْطِنَيْنِ بِعَدَدْ ... لِطَالِبٍ يُنْكِرُ أَنَّهُ اتَّحَدْ لَهُمْ بِهِ قَوْلَانِ وَالْيَمِينُ ... عَلَى كِلَيْهِمَا لَهُ تَعْيِينُ مَا لَمْ يَكُنْ ذَاكَ بِرَسْمَيْنِ ثَبَتْ ... فَمَا ادَّعَاهُ مُشْهِدٌ لَا يُلْتَفَتْ يَعْنِي أَنَّ مَنْ أَشْهَدَ نَفْسَهُ أَنَّ فِي ذِمَّتِهِ مِائَةً مَثَلًا لِرَجُلٍ ثُمَّ أَشْهَدَ مَرَّةً أُخْرَى أَنَّ فِي ذِمَّتِهِ مِائَةً

لِذَلِكَ الرَّجُلِ الْأَوَّلِ وَادَّعَى الْمُشْهِدُ الْمَذْكُورُ أَنَّ جَمِيعَ الْحَقِّ مِائَةٌ وَاحِدَةٌ كَرَّرَ الْإِشْهَادَ بِهَا زِيَادَةً فِي التَّوَثُّقِ وَنَحْوُ ذَلِكَ وَادَّعَى الرَّجُلُ الْمَشْهُودُ لَهُ أَنَّ عَلَيْهِ مِائَتَيْنِ وَأَنْكَرَ اتِّحَادَ الْمَشْهُودِ بِهِ أَوَّلًا وَثَانِيًا وَقَالَ هُمَا حَقَّانِ؛ لِلْفُقَهَاءِ فِي ذَلِكَ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْقَوْلَ فِي ذَلِكَ قَوْلُ الْمُشْهِدِ، وَهُوَ الْمِدْيَانُ إنَّ جَمِيعَ الْحَقِّ مِائَةٌ وَاحِدَةٌ مَعَ يَمِينِهِ عَلَى ذَلِكَ. الْقَوْلِ الثَّانِي: إنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ صَاحِبِ الْحَقِّ إنَّهُ مِائَتَانِ مَعَ يَمِينِهِ أَيْضًا هَذَا إذَا كَانَ الْإِشْهَادُ بِغَيْرِ رَسْمٍ أَوْ بِرَسْمٍ وَاحِدٍ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بِرَسْمَيْنِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ صَاحِبِ الْمَالِ إنَّهُ مِائَتَانِ مَعَ يَمِينِهِ وَلَا يُلْتَفَتُ حِينَئِذٍ لِمَا ادَّعَاهُ الْمُشْهِدُ مِنْ أَنَّهُ مِائَةٌ وَاحِدَةٌ (قَالَ فِي الْمُفِيدِ) وَإِذَا أَقَرَّ رَجُلٌ لِرَجُلٍ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ فِي مَوْطِنٍ وَأَشْهَدَ لَهُ شَاهِدَيْنِ ثُمَّ أَقَرَّ لَهُ فِي مَوْطِنٍ آخَرَ بِمِائَةٍ وَأَشْهَدَ لَهُ شَاهِدَيْنِ فَقَالَ الْمَطْلُوبُ هِيَ مِائَةٌ وَاحِدَةٌ وَقَالَ الطَّالِبُ هِيَ مِائَتَانِ فَإِنْ كَانَ الْإِقْرَارُ فِي غَيْرِ كِتَابٍ بِذِكْرِ حَقٍّ فَإِنَّهُ إقْرَارٌ وَاحِدٌ يُؤْخَذُ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ فِي قَوْلِ سَحْنُونٍ وَفِي وَقَوْلِ غَيْرِهِ يُؤْخَذُ بِمِائَتَيْنِ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ وَذَكَرَ سَحْنُونٌ أَنَّ قَوْلَ مَالِكٍ اضْطِرَابٌ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَاَلَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمَطْلُوبِ وَهُوَ الْأَوْلَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَفِي الْمُفِيدِ أَيْضًا) قَالَ عِيسَى فِي كِتَابِ الدَّعْوَى وَالصُّلْحِ لَوْ شَهِدَ رَجُلَانِ أَنَّ رَجُلًا أَشْهَدَهُمَا يَوْمَ السَّبْتِ بِمِائَةِ دِينَارٍ لِرَجُلٍ وَشَهِدَ آخَرَانِ أَنَّهُ أَشْهَدَهُمَا يَوْمَ الْأَحَدِ بِمِائَةِ دِينَارٍ لِذَلِكَ الرَّجِلِ وَشَهِدَ آخَرَانِ أَنَّهُ أَشْهَدَهُمَا يَوْمَ الِاثْنَيْنِ بِمِائَةِ دِينَارٍ لِذَلِكَ الرَّجُلِ إنْ أَقَرَّ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِمْ بِشَهَادَاتِهِمْ وَزَعَمَ أَنَّهَا مِائَةٌ وَاحِدَةٌ أَشْهَدَ بِهَا يَوْمًا بَعْدَ آخَرَ حَلَفَ عَلَى ذَلِكَ وَصُدِّقَ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَشْهَدَهُمْ فِي صُكُوكٍ مُتَعَدِّدَةٍ مُخْتَلِفَةٍ أَوْ يَكُونَ الشُّهُودُ عَلَيْهِ فِي الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ رَجُلَيْنِ لَا غَيْرُ فَيَحْلِفُ طَالِبُ الْحَقِّ مَعَ ذَلِكَ أَوْ يَكُونُ اثْنَانِ شَهِدَا أَنَّهُ سَلَّفَهُ إيَّاهَا بِحَضْرَتِهِمَا وَقَبَضَهَا لِنَفْسِهِ يَوْمَئِذٍ أَوْ شَهِدَ آخَرَانِ بِمِثْلِ ذَلِكَ لِيَوْمٍ آخَرَ أَوْ شَهِدُوا كُلُّهُمْ أَنَّهَا مِنْ بَيْعٍ وَسَمَّى كُلُّ رَجُلَيْنِ سِلْعَةً غَيْرَ الْأُخْرَى فَيُعْرَفُ بِذَلِكَ أَنَّهَا ثَلَاثُمِائَةٍ، وَإِلَّا فَبِبَيِّنَةٍ وَتَكُونُ مِائَةً وَاحِدَةً. قَالَ: وَالدَّلِيلُ عَلَى هَذَا مَا فِي رَسْمِ نَقْدِهَا إذَا ادَّعَى رَجُلٌ بِمِائَةِ دِينَارٍ فَأَقَرَّ لَهُ، وَادَّعَى الْقَضَاءَ فَأَتَى بِشَاهِدَيْنِ أَنَّهُ قَبَضَ مِنْهُ خَمْسِينَ وَبِشَاهِدَيْنِ آخَرَيْنِ أَنَّهُ قَبَضَ مِنْهُ خَمْسِينَ فَقَالَ صَاحِبُ الْحَقِّ هِيَ خَمْسُونَ وَاحِدَةً قَبَضْتُهَا مِنْ الْمِائَةِ وَأَشْهَدْتُ لَهُ بِذَلِكَ قَوْمًا بَعْدَ قَوْمٍ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ هِيَ خَمْسُونَ وَاحِدَةً إلَّا أَنْ يَكُونَ أَشْهَدَهُمْ فِي بَرَاءَتَيْنِ. اهـ. قَالَ الشَّارِحُ مَا زَادَهُ ابْنُ هِشَامٍ مِمَّا يَقْتَضِي تَعَدُّدَ الْحَقِّ كَاتِّحَادِ الشُّهُودِ فِي الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ وَمَا ذُكِرَ بَعْدَهُ إنَّمَا هِيَ أَمْثِلَةٌ اكْتَفَى النَّاظِمُ عَنْهَا بِتَعَدُّدِ الرَّسْمَيْنِ إذْ فِي مَعْنَاهُ كُلُّ مَا يَقْتَضِي تَعَدُّدَ الْحَقَّيْنِ. (تَنْبِيهٌ) قَوْلُ النَّاظِمِ مَا لَمْ يَكُنْ ذَاكَ بِرَسْمَيْنِ ثَبَتْ ظَاهِرٌ فِي كَوْنِهِ تَقْيِيدًا لِمَحَلِّ الْخِلَافِ وَهُوَ مَا إذَا كَانَ الْحَقُّ بِغَيْرِ رَسْمٍ أَوْ بِرَسْمٍ وَاحِدٍ وَأَنَّهُ مَعَ تَعَدُّدِ الرَّسْمِ يُتَّفَقُ عَلَى أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الطَّالِبِ، وَأَنَّ الْحَقَّ مِائَتَانِ مَثَلًا وَنَقَلَ فِي شِفَاءِ الْغَلِيلِ عَنْ أَصَبْغَ مَا ظَاهِرُهُ أَنَّهُ قَوْلٌ ثَالِثٌ بِالتَّفْصِيلِ، وَلَفْظُهُ بَعْدَ مَا نَقَلَ الْخِلَافُ: هَلْ يَلْزَمُ الْمَطْلُوبَ مِائَةٌ وَاحِدَةٌ أَوْ مِائَتَانِ مَثَلًا قَالَ أَيْ أَصَبْغُ: وَأَنَا أَرَى إنْ كَانَ لَهُ كُتُبٌ فَهِيَ مِائَةٌ وَاحِدَةٌ، وَكَذَا إنْ تَقَارَبَ مَا بَيْنَ ذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يُشْهِدَ هُنَا وَيَقُومَ إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ فَيُشْهِدُ آخَرِينَ أَنَّ الْحَقَّ وَاحِدٌ وَلَوْ تَعَدَّدَ الرَّسْمُ وَالثَّالِثُ التَّفْصِيلُ الْمُتَقَدِّمُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَوْلُ النَّاظِمُ مَا لَمْ يَكُنْ ذَاكَ بِرَسْمَيْنِ ثَبَتْ الَّذِي لَمْ يَثْبُتْ بِرَسْمَيْنِ صَادِقٌ بِمَا ثَبَتَ بِرَسْمٍ وَاحِدٍ أَوْ بِغَيْرِ رَسْمٍ بَلْ بِالشَّهَادَةِ مِنْ غَيْرِ كِتَابٍ، وَهُوَ كَذَلِكَ فِي قَوْلِ أَصْبَغَ الْمُتَقَدِّمِ قَرِيبًا. (فَرْعٌ) إذَا شَهِدَ شَاهِدٌ وَاحِدٌ لِرَجُلٍ أَنَّ فُلَانًا أَقَرَّ لَهُ بِمِائَةٍ يَوْمَ كَذَا وَآخَرُ بِأَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ مِنْ الْغَدِ بِمِائَةٍ وَثَالِثٌ أَقَرَّ لَهُ مِنْ الْغَدِ بِمِائَةٍ فَعَلَى أَنَّ الشَّهَادَةَ لَا تُلَفَّقُ يَحْلِفُ الطَّالِبُ مَعَ كُلِّ شَاهِدٍ وَيَسْتَحِقُّ ثَلَاثَمِائَةٍ وَعَلَى أَنَّهَا تُلَفَّقُ فَيَأْخُذُ مِائَةً وَاحِدَةً لِاجْتِمَاعِ الشُّهُودِ عَلَيْهَا بِتَلْفِيقِ الشَّهَادَةِ وَيَحْلِفُ الْمَطْلُوبُ مَا لَهُ عَلَيْهِ إلَّا مِائَةٌ وَاحِدَةٌ أُشْهِدَ لَهُ بِهَا شَاهِدٌ بَعْدَ شَاهِدٍ وَلَا يَلْزَمُهُ غَيْرُهَا، اُنْظُرْ شِفَاءَ الْغَلِيلِ. (فَرْعٌ مُنَاسِبٌ لِمَا الْكَلَامُ فِيهِ) إذَا أَقَرَّ بِمِائَةٍ فِي مَوْطِنٍ ثُمَّ أَقَرَّ بِمِائَتَيْنِ أَوْ أَقَرَّ أَوَّلًا بِمِائَتَيْنِ ثُمَّ أَقَرَّ بِمِائَةٍ فَثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ قَالَ مُحَمَّدٌ

تَلْزَمُهُ ثَلَاثُمِائَةٍ نَظَرًا إلَى اخْتِلَافِ الْمَالَيْنِ. وَقَالَ ابْنُ سَحْنُونٍ اضْطِرَابُ قَوْلِ مَالِكٍ فِي هَذَا وَآخِرُ قَوْلَيْهِ أَنْ يَحْلِفَ الْمُقِرُّ مَا ذَاكَ إلَّا مَالٌ وَاحِدٌ ثُمَّ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا مِائَتَانِ وَبِهِ أَخَذَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَابْنُ سَحْنُونٍ وَنَقَلَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ أَصْبَغَ التَّفْرِقَةَ فَإِنْ أَقَرَّ بِالْأَقَلِّ أَوَّلًا صُدِّقَ الْمُقِرُّ أَنَّ الْأَقَلَّ دَخَلَ فِي الْأَكْثَرِ، وَإِنْ أَقَرَّ بِالْأَكْثَرِ أَوَّلًا فَهُمَا مَالَانِ؛ لِأَنَّ عَادَةَ النَّاسِ إذَا تَقَدَّمَ الْأَقَلُّ ثُمَّ زَادُوا عَلَيْهِ جَمَعُوهُ مَعَ الْأَوَّلِ بِخِلَافِ مَا إذَا تَقَدَّمَ الْأَكْثَرُ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَبِمِائَةٍ وَبِمِائَتَيْنِ فِي مَوْطِنَيْنِ، ثَالِثُهَا: إنْ كَانَ الْأَكْثَرُ أَوَّلًا لَزِمَهُ ثَلَاثُمِائَةٍ قَالَ فِي شِفَاءِ الْغَلِيلِ فِي شَرْحِ قَوْلِ الشَّيْخِ وَبِمِائَتَيْنِ الْأَكْثَرُ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ فِي وَثِيقَتَيْنِ فَيَرِدُ عَلَيْهِ مَا وَرَدَ عَلَى مَا قَبْلَهُ ثُمَّ اقْتَصَرَ هُنَا عَلَى الْقَوْلِ بِلُزُومِ الْأَكْثَرِ وَهُوَ الْمِائَتَانِ اعْتِمَادًا عَلَى قَوْلِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ إنَّهُ أَشْبَهُ بِمَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ فِي تَكْرَارِ الْوَصَايَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ وَلِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَيْضًا مُشَابَهَةٌ بِمَسْأَلَةِ مَنْ قَامَ لَهُ شَاهِدٌ وَاحِدٌ عَلَى مِائَةٍ وَشَاهِدَانِ عَلَى مِائَتَيْنِ. وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ حُمِلَ فِي التَّوْضِيحِ قَوْلُ سَحْنُونٍ وَاضْطَرَبَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي هَذَا وَآخِرُ قَوْلَيْهِ أَنْ يَحْلِفَ الْمُقِرُّ مَا ذَاكَ إلَّا مَالٌ وَاحِدٌ ثُمَّ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا مِائَتَانِ قَالَ وَبِهِ أَخَذَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَابْنُ سَحْنُونٍ. (فَرْعٌ) فِي كِتَابِ السَّلَمِ الثَّانِي مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَكِتَابِ الشَّهَادَاتِ مَنْ أَقَامَ شَاهِدًا بِمِائَةِ دِينَارٍ وَشَاهِدًا بِخَمْسِينَ فَإِنْ شَاءَ حَلَفَ مَعَ شَاهِدِ الْمِائَةِ وَقُضِيَ لَهُ بِهَا وَإِلَّا أَخَذَ خَمْسِينَ بِغَيْرِ يَمِينٍ فَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ حَقًّا إلَّا فِي أَكْثَرِ الْإِقْرَارَيْنِ أَوْ فِي أَقَلِّهِمَا لَا فِي مَجْمُوعِهِمَا هَذَا ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا الْقَرَوِيِّينَ هَذَا إنْ كَانَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ وَلَوْ كَانَ فِي مَجْلِسَيْنِ وَادَّعَى الطَّالِبُ الْمَالَ حَلَفَ مَعَ كُلِّ شَاهِدٍ وَأَخَذَ مِائَةً وَخَمْسِينَ. انْتَهَى مِنْ شِفَاءِ الْغَلِيلِ. وَمَنْ أَقَرَّ مَثَلًا بِتِسْعَهْ ... وَصَحَّ أَنْ دَفَعَ مِنْهَا السَّبْعَهْ ثُمَّ أَتَى مِنْ بَعْدِ ذَا بِبَيِّنَهْ ... بِقَبْضِ دِينَارَيْنِ مِنْهُ مُعْلِنَهْ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ إنْ الْخَصْمُ ادَّعَى ... دُخُولَ دِينَارَيْهِ فِيمَا انْدَفَعَا يَعْنِي أَنَّ مَنْ أَقَرَّ لِرَجُلٍ أَنَّ عَلَيْهِ تِسْعَةَ دَنَانِيرَ مَثَلًا ثُمَّ ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارِ صَاحِبِ الْحَقِّ أَنَّهُ قَبَضَ مِنْهَا سَبْعَةً ثُمَّ أَتَى الْمَدِينُ بِبَيِّنَةٍ تَشْهَدُ لَهُ أَنَّهُ دَفَعَ لِغَرِيمِهِ دِينَارَيْنِ فَادَّعَى الْمَدِينُ أَنَّهَا الْبَاقِيَةُ عَلَيْهِ مِنْ التِّسْعَةِ أَنَّهُ خَلَّصَ مَا عَلَيْهِ وَادَّعَى رَبُّ الْمَالِ أَنَّ الدِّينَارَيْنِ مِنْ السَّبْعَةِ الْمَدْفُوعَةِ أَوَّلًا وَدَاخِلَةٌ فِيهَا وَأَنَّهُ بَقِيَ لَهُ دِينَارَانِ فَالْقَوْلُ فِي ذَلِكَ قَوْل الْمَدِينِ أَنَّهَا غَيْرُ دَاخِلَةٍ فِي السَّبْعَةِ وَأَنَّهُ خَلَّصَ دَيْنَهُ كُلَّهُ وَيَحْلِفُ عَلَى ذَلِكَ كَمَا هُوَ الشَّأْنُ فِي غَالِبِ مِنْ قِيلَ الْقَوْلُ قَوْلُهُ قَالَ فِي (الْمُنْتَخَبِ) . وَفِي كِتَابِ ابْنِ حَبِيبٍ وَسُئِلَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ رَجُلٍ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ بِاثْنَيْ عَشَرَ دِينَارًا فَأَقَرَّ لَهُ بِهَا أَوْ ثَبَتَ عَلَيْهِ بِشُهُودٍ ثُمَّ أَقَرَّ صَاحِبُ الْحَقِّ أَنَّهُ قَبَضَ مِنْهَا تِسْعَةً، وَأَقَامَ الْمَطْلُوبُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ قَضَاهُ ثَلَاثَةً فَقَالَ الطَّالِبُ هَذِهِ الثَّلَاثَةُ مِنْ التِّسْعَةِ فَقَالَ الْقَوْلُ قَوْلُ الْمَطْلُوبِ إنَّهَا مِنْ غَيْرِ التِّسْعَةِ وَيَبْرَأُ مِنْ الِاثْنَيْ عَشَرَ كُلِّهَا، وَكَذَلِكَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا أَثْبَتَ عَلَى رَجُلٍ سِتَّةَ دَنَانِيرَ فَأَقَرَّ الطَّالِبُ أَنَّهُ قَبَضَ مِنْهُ ثَلَاثَةً وَأَقَامَ الْمَطْلُوبُ بَيِّنَةً أَنَّهُ قَضَاهُ ثَلَاثَةً فَزَعَمَ الطَّالِبُ أَنَّهَا الثَّلَاثَةُ الَّتِي أَقَرَّ أَنَّهُ قَبَضَهَا وَقَالَ الْمَطْلُوبُ: بَلْ هِيَ سِوَاهَا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمَطْلُوبِ مَعَ يَمِينِهِ وَيَبْرَأُ مِنْ السِّتَّةِ كُلِّهَا قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَسَأَلْتُ عَنْ ذَلِكَ أَصَبْغَ فَقَالَ لِي مِثْلَهُ. اهـ. (تَنْبِيهٌ) تَبَيَّنَ مِنْ كَلَامِ صَاحِبِ الْمُنْتَخَبِ وَمِنْ قَوْلِ النَّاظِمِ مَثَلًا أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فَرْضُ مِثَالٍ فَقَطْ لِيُقَاسَ عَلَيْهِ مَا أَشْبَهُهُ لَا أَنَّهُ مَقْصُودٌ بِعَيْنِهِ وَقَوْلُ النَّاظِمِ ثُمَّ أَتَى أَيْ الْمُقِرُّ بِالتِّسْعَةِ وَمِنْ بَعْدِ ذَا أَيْ مِنْ بَعْدِ دَفْعِ السَّبْعَةِ وَبِبَيِّنَةٍ يَتَعَلَّقُ بِأَتَى وَمُعْلِنَهْ صِفَةٌ لِبَيِّنَهْ، وَبِقَبْضِ يَتَعَلَّقُ بِمُعْلِنَهْ، وَمِنْهُ يَتَعَلَّقُ بِقَبْضِ، وَالضَّمِيرُ لِلْمَدِينِ، وَضَمِيرُ قَوْلِهِ: فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ لِلَّذِي أَقَامَ الْبَيِّنَةَ بِدَفْعِ الدِّينَارَيْنِ وَهُوَ الْمَدِينُ وَالْمُرَادُ بِالْخَصْمِ صَاحِبُ الْمَالِ.

وَبَيْعُ مَنْ حَابَى مِنْ الْمَرْدُودِ ... إنْ ثَبَتَ التَّوْلِيجُ بِالشُّهُودِ إمَّا بِالْإِقْرَارِ أَوْ الْإِشْهَادِ ... لَهُمْ بِهِ فِي وَقْتِ الِانْعِقَادِ وَمَعْ ثُبُوتِ مَيْلِ بَائِعِ لِمَنْ ... مِنْهُ اشْتَرَى يَحْلِفُ فِي دَفْعِ الثَّمَنْ تَقَدَّمَ فِي الْفَصْلِ الَّذِي عَقَدَهُ النَّاظِمُ لِمَسَائِلَ مِنْ أَحْكَامِ الْبَيْعِ أَنَّ الْمُحَابَاةَ الْبَيْعُ بِأَقَلَّ مِنْ الْقِيمَةِ بِكَثِيرٍ لِقَصْدِ نَفْعِ الْمُشْتَرِي وَهَذَا هُوَ الْغَالِبُ فِي الِاسْتِعْمَالِ أَوْ الشِّرَاءِ بِأَكْثَرَ كَذَلِكَ لِقَصْدِ نَفْعِ الْبَائِعِ، وَأَنَّ مَا نَقَصَ عَنْ الْقِيمَةِ فِي الْبَيْعِ أَوْ زَادَ عَلَيْهَا فِي الشِّرَاءِ عَطِيَّةٌ وَهِبَةٌ فَإِنْ لَمْ يُقْصَدْ نَفْعُ مَنْ ذُكِرَ بَلْ وَقَعَ لِلْجَهْلِ بِقَدْرِ الثَّمَنِ فَهُوَ الْغَبْنُ. وَأَمَّا التَّوْلِيجُ فَهُوَ هِبَةٌ فِي صُورَةِ الْبَيْعِ لِإِسْقَاطِ كُلْفَةِ الْحَوْزِ أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَغْرَاضِ هَذَا هُوَ الْغَالِبُ فِي الِاسْتِعْمَالِ وَقَدْ يُطْلَقُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ بِجَامِعِ أَنَّ الزَّائِدَ فِي الْمُحَابَاةِ عَلَى الْقِيمَةِ تَوْلِيجٌ، وَذَلِكَ كَمَا فِي الْبَيْتِ الْأَوَّلِ مِنْ هَذِهِ فَإِنَّ الظَّاهِرَ أَوْ الْمُتَعَيِّنَ أَنَّ مَقْصُودَ النَّاظِمِ هُنَا الْكَلَامُ عَلَى التَّوْلِيجِ، وَمَعَ ذَلِكَ قَالَ: وَبَيْعُ مَنْ حَابَى، وَيَدُلُّ لِذَلِكَ قَوْلُهُ إنْ ثَبَتَ التَّوْلِيجُ وَلَمْ يَقُلْ إنْ ثَبَتَتْ الْمُحَابَاةُ وَلَوْ قَالَ وَبَيْعُ تَوْلِيجٍ مِنْ الْمَرْدُودِ لَكَانَ أَنْسَبَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَيَدُلُّ لِمَا قُلْنَا مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمُحَابَاةِ وَالتَّوْلِيجِ مَا نَقَلَ ابْنُ سَلْمُونٍ فِي الْفَصْلِ الَّذِي عَقَدَهُ لِأَحْكَامِ التَّصْيِيرِ، وَلَفْظُهُ فَإِنْ صَيَّرَهُ فِي ثَابِتٍ أَوْ بَاعَ مِنْهُ بِثَمَنِ قَبْضِهِ وَكَانَ فِي ذَلِكَ مُحَابَاةٌ وَغَبْنٌ بَطَلَ بِاتِّفَاقٍ قَالَ فِي الْعُتْبِيَّةِ سُئِلَ مَالِكٌ فِيمَنْ وَلَّى ابْنَهُ حَائِطًا اشْتَرَاهُ بِثَمَنٍ يَسِيرٍ وَثَمَنُهُ الْيَوْمَ كَثِيرٌ فَقَالَ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يُجَوِّزَهُ لَهُ الْأَبُ. وَقَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ سُئِلَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الَّذِي يَبِيعُ مِنْ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ الْأَرْضَ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ وَهِيَ تُسَاوِي مِائَةً فَقَالَ إنْ كَانَتْ فِي يَدِ الْأَبِ حَتَّى مَاتَ فَأُرَاهَا مَوْرُوثَةً وَلَا أَرَى لِلْوَلَدِ إلَّا الْعَشَرَةَ. اهـ. فَانْظُرْ إلَى قَوْلِهِ: فَإِنْ صَيَّرَهُ فِي حَقٍّ ثَابِتٍ وَإِلَى قَوْلِهِ: أَوْ بَاعَ مِنْهُ بِثَمَنِ قَبْضِهِ إلَى قَوْلِهِ: وَكَانَ فِي ذَلِكَ مُحَابَاةٌ فَإِنَّهُ صَرِيحٌ فِي ثُبُوتِ وُجُودِ الْعِوَضِ إلَّا أَنَّ قِيمَةَ الْمُصَيَّرِ أَكْثَرُ مِنْ الدَّيْنِ الْمُصَيَّرِ فِيهِ أَوْ قِيمَةَ الْمَبِيعِ وَقْتَ الْبَيْعِ أَكْثَرُ مِنْ قِيمَتِهِ يَوْمَ اشْتَرَاهُ بَائِعُهُ فَلِذَلِكَ قَالَ وَكَانَ فِيهِ مُحَابَاةٌ فَأَطْلَقَ الْمُحَابَاةَ عَلَى مَا فِيهِ عِوَضٌ إلَّا أَنَّهُ غَيْرُ مُسَاوٍ لِعِوَضِهِ وَانْظُرْ أَيْضًا إلَى قَوْلِهِ يَبِيعُ الْأَرْضَ بِعَشَرَةٍ وَهِيَ تُسَاوِي مِائَةً فَإِنَّهُ صَرِيحٌ فِي وُجُودِ عِوَضٍ فِي الْجُمْلَةِ وَهُوَ الْعَشَرَةُ مَعَ كَوْنِ الْأَرْضِ تُسَاوِي مِائَةً ثُمَّ قَالَ ابْنُ سَلْمُونٍ إثْرَ مَا تَقَدَّمَ مُتَّصِلًا بِهِ مَا نَصُّهُ: وَسُئِلَ الْفُقَهَاءُ بِقُرْطُبَةَ فِي رَجُلٍ بَاعَ مِنْ أُمِّ وَلَدِهِ أَوْ زَوْجِهِ نِصْفَ دَارٍ لَهُ فِي صِحَّتِهِ وَأَشْهَدَ بِالْبَيْعِ وَقَبَضَ الثَّمَنَ ثُمَّ تُوُفِّيَ فَقَامَ أَخُوهُ وَأَثْبَتَ عَقْدًا أَنَّ أَخَاهُ لَمْ يَزَلْ سَاكِنًا فِي الدَّارِ إلَى أَنْ مَاتَ وَبِعَدَاوَةِ الْأَخِ لَهُ وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: لَا أُوَرِّثُهُ شَيْئًا فَأَجَابَ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ عَتَّابٍ إذَا ثَبَتَ سُكْنَاهُ لَهَا فَذَلِكَ يُبْطِلُ الْعَقْدَ، وَلَا حَقَّ لَهَا فِي الثَّمَنِ إذْ لَيْسَ مِنْ الْإِقْرَارِ لِلْوَارِثِ وَإِنَّمَا قَصْدُ هِبَةِ الدَّارِ لِإِسْقَاطِ الْحِيَازَةِ. وَأَجَابَ ابْنُ الْحَاجِّ مَا عَقَدَهُ مِنْ ذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ وَلَا نَافِذٍ وَمَا ثَبَتَ مِنْ السُّكْنَى مُبْطِلٌ لَهُ وَمَعَ ذَلِكَ فَإِنَّ عَقْدَ الْبَيْعِ لَمْ يَتَضَمَّنْ مُعَايَنَةَ الْقَبْضِ لِلثَّمَنِ وَذَلِكَ مِمَّا يُسْتَرَابُ فِيهِ وَيُظَنُّ فِيهِ الْقَصْدُ إلَى التَّوْلِيجِ وَالْخُدْعَةِ، وَبِذَلِكَ جَاءَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ الْقَاسِمِ سُئِلَ مَالِكٌ عَمَّنْ أَشْهَدَ فِي صِحَّتِهِ إنِّي بِعْتُ مَنْزِلِي هَذَا مِنْ امْرَأَتِي أَوْ ابْنِي أَوْ ابْنَتِي بِمَالٍ عَظِيمٍ وَلَمْ يَرَ أَحَدٌ مِنْ الشُّهُودِ الثَّمَنَ وَلَمْ يَزَلْ بِيَدِ الْبَائِعِ إلَى أَنْ مَاتَ فَقَالَ لَا يَجُوزُ هَذَا لَيْسَ بَيْعًا وَإِنَّمَا هُوَ تَوْلِيجٌ وَخُدْعَةٌ وَوَصِيَّةٌ لِوَارِثٍ وَكَذَلِكَ إنْ ثَبَتَ أَنَّهُ كَانَ تَوْلِيجًا بِالشَّهَادَةِ فَيَبْطُلُ بِاتِّفَاقٍ. وَكَيْفِيَّةُ ثُبُوتِ التَّوْلِيجِ أَنْ يَقُولَ الشُّهُودُ تَوَسَّطْنَا الْعَقْدَ وَاتَّفَقَا جَمِيعًا عَلَى أَنَّ مَا عَقَدَاهُ مِنْ الْبَيْعِ وَالتَّصْيِيرِ سُمْعَةٌ لَا حَقِيقَةَ لَهُ أَوْ يَقُولُوا أَقَرَّ لَنَا بِذَلِكَ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الْبَيْعِ. اهـ. اُنْظُرْ كَيْفَ سَمَّى مَا لَا عِوَضَ فِيهِ تَوْلِيجًا فِي جَوَابِ ابْنِ الْحَاجِّ وَجَوَابِ الْإِمَامِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَفِي كَيْفِيَّةِ ثُبُوتِ التَّوْلِيجِ حَيْثُ قَالَ الشُّهُودُ إنَّ مَا عَقَدَاهُ مِنْ الْبَيْعِ أَوْ التَّصْيِيرِ سُمْعَةٌ لَا حَقِيقَةَ لَهُ وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَالْمَقْصُودُ تَمْلِيكُ الْمُشْتَرِي فِي الصُّورَةِ لِلشَّيْءِ الْمَبِيعِ وَالْمُصَيَّرِ إمَّا مَجَّانًا فِي التَّوْلِيجِ أَوْ بِبَعْضِ الثَّمَنِ فِي الْمُحَابَاةِ فَذَلِكَ أَعْطَوْهُ حُكْمَ التَّبَرُّعِ، وَأَنَّهُ إنْ حِيزَ صَحَّ لَهُ وَإِنْ لَمْ يُحَزْ بَطَل وَرُدَّ لَهُ ثَمَنُهُ فِي الْمُحَابَاةِ. قَوْلُهُ: وَبَيْعُ مَنْ حَابَى إلَخْ يَعْنِي أَنَّ الْبَيْعَ الَّذِي ظَاهِرُهُ أَنَّهُ تَوْلِيجٌ كَمَا تَقَدَّمَتْ أَمْثِلَتُهُ فِي قَوْلِ ابْنِ سَلْمُونٍ وَسُئِلَ الْفُقَهَاءُ بِقُرْطُبَةَ إلَخْ إذَا ثَبَتَ وَصَحَّ كَوْنُهُ تَوْلِيجًا لَا بَيْعًا حَقِيقَةً فَإِنَّهُ يُفْسَخُ وَيُرَدُّ وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِالْبَيْتِ الْأَوَّلِ وَثُبُوتُ ذَلِكَ يَكُونُ بِأَحَدِ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ: الْأَوَّلُ أَنْ يَقُولَ الشُّهُودُ تَوَسَّطْنَا الْعَقْدَ بَيْنَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي وَاتَّفَقَا عَلَى أَنَّ الْبَيْعَ الَّذِي عَقَدَاهُ فِي الظَّاهِرِ إنَّمَا هُوَ سُمْعَةٌ لَا حَقِيقَةَ لَهُ

فصل في حكم المديان

الثَّانِي: أَنْ يَقُولُوا أَقَرَّ بِذَلِكَ عِنْدَنَا الْمُشْتَرِي بَعْدَ الْبَيْعِ. الثَّالِثُ: أَنْ يَقُولُوا أَشْهَدَنَا فُلَانٌ وَفُلَانٌ عَلَى شَهَادَتِهِمَا بِأَحَدِ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ كَذَا نَقَلَ الشَّارِحُ عَنْ طُرَرِ ابْنِ عَاتٍ وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِالْبَيْتِ الثَّانِي، وَأَشَارَ النَّاظِمُ لِلْوَجْهِ الثَّانِي مِمَّا يَثْبُتُ بِهِ التَّوْلِيجُ بِقَوْلِهِ إمَّا بِالْإِقْرَارِ أَيْ مِنْ الْمُشْتَرِي وَأَشَارَ لِلْوَجْهِ الثَّالِثِ بِقَوْلِهِ أَوْ الْإِشْهَادِ لَهُمْ بِهِ وَاللَّامُ فِي لَهُمْ بِمَعْنَى عَلَى أَيْ عَلَيْهِمْ وَضَمِيرُ بِهِ لِلتَّوْلِيجِ وَيُحْتَمَلُ عَلَى بُعْدٍ أَنْ يَكُونَ أَشَارَ بِهِ لِلْوَجْهِ الْأَوَّلِ فَيَكُونُ لَفْظُ الْإِشْهَادِ بِمَعْنَى الشَّهَادَةِ، وَلَامُ لَهُمْ زَائِدَةٌ يَعْنِي أَوْ شَهَادَةُ الشُّهُودِ بِالتَّوْلِيجِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَوْلُهُ: وَمَعْ ثُبُوتِ مَيْلِ بَائِعٍ لِمَنْ ... مِنْهُ اشْتَرَى يَحْلِفُ فِي دَفْعِ الثَّمَنْ يَعْنِي: أَنَّهُ إذَا لَمْ يَثْبُتْ كَوْنُ الْبَيْعِ تَوْلِيجًا وَثَبَتَ مَيْلُ الْبَائِعِ إلَى الْمُشْتَرِي فَيَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ الْيَمِينُ أَنَّهُ اشْتَرَى شِرَاءً صَحِيحًا وَدَفَعَ الثَّمَنَ فَإِنْ حَلَفَ ثَبَتَ الْبَيْعُ وَلَمْ يَبْطُلْ إلَّا أَنْ يَثْبُتَ فِيهِ تَوْلِيجٌ أَوْ مُحَابَاةٌ فَعَلَى مَا تَقَدَّمَ قَالَهُ ابْنُ سَلْمُونٍ وَلَا يُقَالُ إنَّ تَسْمِيَةَ مَا دُفِعَ فِيهِ ثَمَنٌ تَوْلِيجًا هُوَ مِنْ إطْلَاقِ التَّوْلِيجِ عَلَى الْمُحَابَاةِ؛ لِأَنَّ دَفْعَ الثَّمَنِ إنَّمَا هُوَ بِزَعْمِ الْمُشْتَرِي فَقَطْ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ [فَصْلٌ فِي حُكْمِ الْمِدْيَانِ] ِ وَمَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ إمَّا مُوسِرُ ... فَمَطْلُهُ ظُلْمٌ وَلَا يُؤَخَّرُ أَوْ مُعْسِرٌ قَضَاؤُهُ إضْرَارُ ... فَيَنْبَغِي فِي شَأْنِهِ الْإِنْظَارُ أَوْ مُعْدِمٌ وَقَدْ أَبَانَ مَعْذِرَهْ ... فَوَاجِبٌ إنْظَارُهُ لِمَيْسَرَهْ أَوْ مَنْ عَلَى الْأَمْوَالِ قَدْ تَقَعَّدَا ... فَالضَّرْبُ وَالسِّجْنُ عَلَيْهِ سَرْمَدَا وَلَا الْتِفَاتَ عِنْدَ ذَا لِلْبَيِّنَهْ ... لِمَا ادَّعَى مِنْ عُدُمٍ وَبَيَّنَهْ وَإِنْ أَتَى بِضَامِنٍ فَبِالْأَدَا ... حَتَّى يُؤَدِّيَ مَا عَلَيْهِ قَعَدَا قَسَّمَ النَّاظِمُ تَبَعًا لِغَيْرِهِ الْغَرِيمَ الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ إلَى خَمْسَةِ أَقْسَامٍ: الْأَوَّلُ الْمُوسِرُ الْغَنِيُّ وَحُكْمُهُ أَنَّهُ لَا يُؤَخَّرُ بِقَضَاءِ مَا عَلَيْهِ لِأَنَّ مَطْلَهُ ظُلْمٌ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ» الثَّانِي: الْمُعْسِرُ الَّذِي لَيْسَ بِمُعْدِمٍ لَكِنْ فِي الْحُكْمِ عَلَيْهِ بِتَعْجِيلِ الْقَضَاءِ أَضْرَارٌ كَمَنْ عِنْدَهُ أُصُولٌ أَوْ عُرُوضٌ وَلَا نَاضَّ عِنْدَهُ يُؤَدِّي مِنْهُ الدَّيْنَ، وَحُكْمُهُ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُهُ وَإِنْظَارُهُ إلَى تَمَكُّنِهِ مِنْ قَضَاءِ دَيْنِهِ مِنْ غَيْرِ مَضَرَّةٍ تَلْحَقُهُ لِقَوْلِ مَوْلَانَا رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا وَوَضَعَ عَنْهُ أَظَلَّهُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إلَّا ظِلُّهُ» وَمَطْلُهُ مَعَ كَوْنِهِ مُجْتَهِدًا غَيْرَ مُقَصِّرٍ وَلَا مُتَرَاخٍ فِي قَضَاءِ مَا عَلَيْهِ لَا يَضُرُّهُ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ كَانَ الشُّيُوخُ بِقُرْطُبَةَ يُفْتُونَ بِتَأْخِيرِهِ بِالِاجْتِهَادِ عَلَى قَدْرِ كَثْرَةِ الْمَالِ وَقِلَّتِهِ، وَلَا يُوَكَّلُونَ عَلَيْهِ فِي بَيْعِ عُرُوضِهِ وَعَقَارِهِ فِي الْحَالِ وَعَلَى ذَلِكَ تَدُلُّ الرِّوَايَاتُ. اهـ. الثَّالِثُ: الْمُعْسِرُ الْمُعْدِمُ وَعَدَمُهُ ثَابِتٌ وَعَلَيْهِ نَبَّهَ بِقَوْلِهِ: وَقَدْ أَبَانَ مَعْذِرَهْ وَتَأْخِيرُهُ إلَى أَنْ يُوسِرَ وَاجِبٌ قَالَ تَعَالَى {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: 280] ، الرَّابِعُ: مَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ وَتَقَعَّدَ عَلَيْهَا وَادَّعَى الْعُدْمَ وَيَأْتِي لِلنَّاظِمِ الْقِسْمُ الْخَامِسُ: وَهُوَ مَجْهُولُ الْحَالِ إثْرَ هَذِهِ الْأَبْيَاتِ وَالْمُنَاسِبُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ تَأْخِيرُ هَذَا الْقِسْمِ إلَى أَنْ يُذْكَرَ مَعَ أَقْسَامِ الْمِدْيَانِ الْمَجْهُولِ الْحَالِ، وَلِذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَعَادَ النَّاظِمُ ذِكْرَهُ آخِرَ تِلْكَ الْأَقْسَامِ حَيْثُ قَالَ: وَحَبْسُ مَنْ غَابَ عَلَى الْمَالِ إلَى ... أَدَائِهِ أَوْ مَوْتِهِ مُعْتَقَلَا وَسَيَأْتِي قِسْمٌ سَادِسٌ: وَهُوَ الضَّعِيفُ التَّجْرِ الْقَلِيلُ ذَاتِ الْيَدِ قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ إذَا تَبَيَّنَ كَذِبُهُ فَإِنَّهُ يُحْبَسُ أَبَدًا حَتَّى يُؤَدِّيَ أَمْوَالَ النَّاسِ أَوْ يَمُوتَ فِي السِّجْنِ. وَرَوَى سَحْنُونٌ أَنَّهُ يُضْرَبُ بِالدِّرَّةِ الْمَرَّةَ بَعْدَ الْمَرَّةِ حَتَّى يُؤَدِّيَ أَمْوَالَ النَّاسِ وَلَيْسَ قَوْلُنَا هَذَا بِخِلَافٍ لِمَذْهَبِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ يَضْرِبُ الْإِمَامُ الْخَصْمَ عَلَى اللَّدَدِ وَأَيُّ لَدَدٍ أَبْيَنُ مِنْ هَذَا فَالْقَضَاءُ بِمَا رُوِيَ عَنْ سَحْنُونٍ فِي مِثْلِ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَقْعُدُونَ عَلَى أَمْوَالِ النَّاسِ وَيَرْضَوْنَ بِالسِّجْنِ وَيَسْتَخِفُّونَهُ لِيَأْكُلُوا أَمْوَالَ النَّاسِ وَيَسْتَضْمِنُوهَا هُوَ الْوَاجِبُ الَّذِي لَا تَصِحُّ مُخَالَفَتُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ، وَقَدْ قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ

- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - تَحْدُثُ لِلنَّاسِ أَقْضِيَةٌ بِقَدْرِ مَا أَحْدَثُوا مِنْ الْفُجُورِ. اهـ. وَفِي الْمُقَدِّمَاتِ أَيْضًا وَأَمَّا الْمَحْبُوسُ لِتَقَعُّدِهِ عَلَى أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يُنْجِيهِ مِنْ السِّجْنِ وَالضَّرْبِ عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ سَحْنُونٍ إلَّا حَمِيلٌ غَارِمٌ وَهَذَا كُلُّهُ بَيِّنٌ. اهـ. وَإِلَى كَلَامِ صَاحِبِ الْمُقَدِّمَاتِ هَذَا أَشَارَ النَّاظِمُ بِالْبَيْتِ الْأَخِيرِ فَقَوْلُهُ: فَبِالْأَدَا أَيْ إنْ أَتَى بِضَامِنٍ فَيَكُونُ بِالْمَالِ لَا بِالْوَجْهِ. وَقَوْلُهُ: حَتَّى يُؤَدِّيَ مَا عَلَيْهِ قَعَدَا هُوَ غَايَةٌ لِقَوْلِهِ فَالضَّرْبُ وَالسِّجْنُ عَلَيْهِ أَبَدًا وَقَوْلُهُ: وَلَا الْتِفَاتَ عِنْدَ ذَا أَيْ عِنْدَ تَقَعُّدِهِ عَلَى الْأَمْوَالِ وَيَدَّعِي ذَهَابَهَا وَلَا يُعْرَفُ ذَلِكَ إلَّا بِقَوْلِهِ وَهُوَ فِي مَوْضِعِهِ لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ سُرِقَ مَالُهُ وَلَا احْتَرَقَ بَيْتُهُ وَلَا نَزَلَتْ بِهِ مُصِيبَةٌ فَإِذَا أَقَامَ بَيِّنَةً بِالْعَدَمِ فَلَا يُلْتَفَتُ إلَيْهَا وَلَا تُقْبَلُ مِنْهُ وَمُبَيِّنَةٌ صِفَةٌ لِبَيِّنَةٍ وَلِمَا ادَّعَى يَتَعَلَّقُ بِمُبَيِّنَةٍ. (فَرْعٌ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ مَنْ ثَبَتَ فَقْرُهُ وَعُلِمَ بِأَكْلِ أَمْوَالِ النَّاسِ فَإِنَّهُ يُسْجَنُ وَيُضَيَّقُ عَلَيْهِ أَدَبًا لَهُ وَيُمْنَعُ مِنْهُ وَلَدُهُ وَمَنْ يَعِزُّ عَلَيْهِ. اهـ نَقَلَهُ عَنْ اللَّخْمِيِّ. وَحَيْثُمَا يُجْهَلُ حَالُ مَنْ طُلِبْ ... وَقُصِدَ اخْتِبَارُهُ بِمَا يَجِبْ فَحَبْسُهُ مِقْدَارَ نِصْفِ شَهْرِ ... إنْ يَكُنْ الدَّيْنُ يَسِيرَ الْقَدْرِ وَالْحَبْسُ فِي تَوَسُّطٍ شَهْرَانِ ... وَضِعْفُ ذَيْنِ فِي الْخَطِيرِ الشَّانِ وَحَيْثُ جَاءَ قَبْلُ بِالْحَمِيلِ ... بِالْوَجْهِ مَا لِلسِّجْنِ مِنْ سَبِيلِ لَمَّا قَدَّمَ الْكَلَامَ عَلَى الْمَدِينِ الَّذِي عُلِمَ حَالُهُ مِنْ كَوْنِهِ مُوسِرًا أَوْ مُعْسِرًا غَيْرَ مُعْدِمٍ أَوْ مُعْدِمًا أَتْبَعَهُ بِالْكَلَامِ عَلَى الْمَدِينِ الْمَجْهُولِ الْحَالِ الَّذِي لَمْ يُعْلَمْ مَلَاؤُهُ مِنْ عَدَمِهِ وَقَسَّمَهُ إلَى قِسْمَيْنِ: الْأَوَّلُ: مَجْهُولُ الْحَالِ مِنْ غَيْرِ تُهْمَةٍ لَحِقَتْهُ وَبِهِ بَدَأَ فَذَكَرَ أَنَّهُ إذَا قُصِدَ اخْتِبَارُهُ فَإِنَّهُ يُحْبَسُ وَيَخْتَلِفُ مِقْدَارُ حَبْسِهِ بِاخْتِلَافِ كَثْرَةِ الدَّيْنِ وَقِلَّتِهِ فَيُحْبَسُ مِقْدَارَ نِصْفِ شَهْرٍ إنْ كَانَ الدَّيْنُ يَسِيرًا قَالَ فِي الرِّوَايَةِ كَالدُّرَيْهِمَاتِ وَإِنْ كَانَ الْمَالُ أَكْثَرَ مِنْ هَذَا وَلَمْ يَكُنْ الْمَالَ الْخَطِيرَ جِدًّا فَإِنَّهُ يُحْبَسُ لِلِاخْتِبَارِ شَهْرَيْنِ وَنَحْوِهِمَا وَإِنْ كَانَ الْمَالُ كَثِيرًا جِدًّا وَهُوَ الَّذِي كَنَّى عَنْهُ بِالْخَطِيرِ الشَّأْنِ فَإِنَّهُ يُحْبَسُ لِلِاخْتِبَارِ أَيْضًا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَنَحْوَهُمَا ضِعْفَ مَا قَبْلُهُ يَلِيهِ هَذَا كُلُّهُ إنْ لَمْ يَأْتِ الْمَدِينُ الْمَذْكُورُ بِحَمِيلٍ بِوَجْهِهِ فَإِنْ أَتَى بِهِ لَمْ يُسْجَنْ وَاخْتُبِرَ حَالُهُ، وَهُوَ غَيْرُ مَسْجُونٍ فَإِنْ ظَهَرَ مِنْ حَالِهِ مَا يُوجِبُ سَجْنًا سُجِنَ وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ مَالٌ فَهُوَ مِمَّنْ يَنْبَغِي إنْظَارُهُ. فَقَوْلُهُ: وَحَيْثُ جَاءَ قَبْلَ سَجْنِهِ وَلَيْسَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ تَعْيِينِ مُدَّةِ حَبْسِهِ أَمْرًا لَازِمًا لَا يُتَعَدَّى بَلْ هُوَ مِمَّا وُكِّلَ لِاجْتِهَادِ الْقَاضِي فَيَرَى فِيهِ رَأْيَهُ وَكَأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْآجَالِ الْمَوْكُولَةِ لِاجْتِهَادِ الْقُضَاةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الْقِسْمُ الثَّانِي) مِنْ أَقْسَامِ مَجْهُولِ الْحَالِ مَنْ لَحِقَتْهُ تُهْمَةٌ إمَّا بِكَوْنِهِ أَخْفَى مَالَهُ قَصْدًا لِحِرْمَانِ غُرَمَائِهِ وَإِمَّا بِكَوْنِهِ أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ وَزَعَمَ تَلَفَهَا وَيَأْتِي حُكْمُهُ وَهُوَ السِّجْنُ أَيْضًا فِي قَوْلِهِ وَالْحَبْسُ لِلْمُلِدِّ وَالْمُتَّهَمِ الْأَبْيَاتِ الثَّلَاثَةَ، وَلِهَذَا قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ وَحَبْسُ الْمِدْيَانِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهِ أَحَدُهَا: حَبْسُ تَلَوُّمٍ وَاخْتِبَارٍ فِيمَنْ جُهِلَ حَالُهُ، وَالثَّانِي: مَنْ أَلَدَّ وَاتُّهِمَ بِأَنَّهُ أَخْفَى مَالًا وَغَيَّبَهُ. وَالثَّالِثُ: حَبْسُ مَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ وَتَقَعَّدَ عَلَيْهَا وَادَّعَى الْعُدْمَ فَتَبَيَّنَ كَذِبُهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ جَرَى عَلَيْهِ سَبَبٌ أَذْهَبَ مَا حَصَلَ عِنْدَهُ مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ فَأَمَّا حَبْسُ التَّلَوُّمِ وَالِاخْتِبَارِ فِي الْمَجْهُولِ الْحَالِ فَبِقَدْرِ مَا يَسْتَوِي أَمْرُهُ وَيُكْشَفُ عَنْ حَالِهِ. وَذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الدَّيْنِ فِيمَا رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ فَيُحْبَسُ فِي الدُّرَيْهِمَاتِ الْيَسِيرَةِ قَدْرَ نِصْفِ شَهْرٍ وَفِي الْكَثِيرِ مِنْ الْمَالِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَفِي الْوَسَطِ شَهْرَيْنِ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ يُسْجَنُ عَلَى وَجْهِ اخْتِبَارِ حَالِهِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ عَلَى قَدْرِ الْحَقِّ الَّذِي يُسْجَنُ مِنْ أَجْلِهِ وَأَمَّا حَبْسُ مَنْ أَلَدَّ وَاتُّهِمَ بِأَنَّهُ أَخْفَى مَالًا وَغَيَّبَهُ فَإِنَّهُ يُسْجَنُ حَتَّى يُؤَدِّيَ أَوْ يُثْبِتَ عُدْمَهُ فَيَحْلِفُ وَيُسَرَّحُ. قَالَ (الشَّارِحُ) وَقَدْ تَقَدَّمَ نَقْلُ الْقِسْمِ الثَّالِثِ فِي أَوَّلِ الْبَابِ فَاخْتَصَرْتُ نَقْلَهُ هُنَا قُلْتُ وَكَذَلِكَ فَعَلْنَا نَحْنُ قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ فَإِنْ سَأَلَ الْمَحْبُوسُ لِلتَّلَوُّمِ وَالِاخْتِبَارِ أَنْ يُعْطَى حَمِيلًا حَتَّى يَتَبَيَّنَ حَالُهُ وَلَا يُحْبَسُ فَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ يُحْبَسُ أَوْ يُؤْخَذُ مِنْهُ حَمِيلٌ وَلَمْ يُبَيِّنْ إنْ كَانَ بِالْوَجْهِ أَوْ بِالْمَالِ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ التُّونُسِيُّ بِالْوَجْهِ دُونَ الْمَالِ مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ يُرِيدُ حَمِيلًا بِإِحْضَارِهِ عِنْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ الَّتِي يَجِبُ سِجْنُهُ فِيهَا لِاخْتِبَارِ حَالِهِ فَإِذَا أَحْضَرَهُ عِنْدَمَا بَرِئَ مِنْ الضَّمَانِ وَحُبِسَ إنْ تَبَيَّنَ أَنَّ لَهُ مَالًا حَتَّى يُؤَدِّيَ وَإِنْ لَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُ مَالٌ

أُطْلِقَ بَعْدَ الْيَمِينِ وَإِنْ لَمْ يُحْضِرْهُ الْحَمِيلُ غَرِمَ وَإِنْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ عَدِيمٌ مِنْ أَجْلِ الْيَمِينِ اللَّازِمَةِ لَهُ. اهـ. فَالْقِسْمُ الْأَوَّلُ مِنْ أَقْسَامِ الْمَحْبُوسِينَ تَكَلَّمَ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الْأَبْيَاتِ وَالثَّانِي يَأْتِي فِي قَوْلِهِ: وَالْحَبْسُ لِلْمُلِدِّ وَالْمُتَّهَمِ الْبَيْتَيْنِ، وَالثَّالِثُ تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ: أَوْ مَنْ عَلَى الْأَمْوَالِ قَدْ تَقَعَّدَا الْأَبْيَاتِ الثَّلَاثَةَ، وَيَأْتِي زِيَادَةٌ عَلَى مَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الْأَبْيَاتُ الثَّلَاثَةُ أَنَّهُ إنْ لَمْ يُؤَدِّ مَا عَلَيْهِ قَعَدَا سُجِنَ إلَى أَنْ يَمُوتَ فِي قَوْلِهِ: وَحَبْسُ مَنْ غَابَ عَلَى الْمَالِ إلَى ... أَدَائِهِ أَوْ مَوْتِهِ مُعْتَقَلَا. وَسِلْعَةُ الْمِدْيَانِ رَهْنًا تُجْعَلُ ... وَبَيْعُهَا عَلَيْهِ لَا يُعَجَّلُ وَحَقُّهُ مَعَ ذَاكَ أَنْ يُؤَخَّرَا ... بِحَسَبِ الْمَالِ لِمَا الْقَاضِي يَرَى أَشَارَ بِالْبَيْتَيْنِ إلَى قَوْلِ ابْنِ رُشْدٍ فِي نَوَازِلِهِ إنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ دَيْنٌ حَالٌّ وَلَهُ سِلْعَةٌ يُمْكِنُ بَيْعُهَا بِسُرْعَةٍ فَطَلَبَ صَاحِبُ الدَّيْنِ أَنْ تُبَاعَ وَطَلَبَ صَاحِبُهَا أَنْ لَا تَفُوتَ عَلَيْهِ وَتُوضَعَ رَهْنًا وَيُؤَجَّلَ أَيَّامًا يَنْظُرُ فِي الدَّيْنِ فَقَالَ إنَّ مِنْ حَقِّهِ أَنْ يَجْعَلَ السِّلْعَةَ رَهْنًا وَيُؤَجَّلَ فِي إحْضَارِ الْمَالِ بِقَدْرِ قِلَّتِهِ وَكَثْرَتِهِ وَمَا لَا يَكُونُ فِيهِ ضَرَرٌ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى مَا يُؤَدِّيهِ إلَيْهِ اجْتِهَادُ الْحَاكِمِ فِي ذَلِكَ. قَالَ: وَهَذَا هُوَ الَّذِي جَرَى بِهِ الْحُكْمُ وَمَضَى عَلَيْهِ الْعَمَلُ وَتَدُلُّ عَلَيْهِ الرِّوَايَاتُ عَنْ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ اهـ. قَالَ الشَّارِحُ يَظْهَرُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ رُشْدٍ مَا لَا يَكُونُ فِيهِ ضَرَرٌ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِحَسَبِ اجْتِهَادِ الْحَاكِمِ أَنْ يُعْتَبَرَ حَالُ الدَّيْنِ فَإِنْ كَانَ مِنْ ثَمَنِ سِلْعَةٍ جَرَتْ الْعَادَةُ أَنْ يُنْقَدَ ثَمَنُهَا يُضَيِّقُ فِي اقْتِضَائِهِ عَلَى مُبْتَاعِهَا لَا سِيَّمَا إنْ كَانَ بَائِعُهَا مِنْ الْمُتَرَدِّدِينَ لِجَلْبِ تِلْكَ السِّلْعَةِ فَإِنَّ عَلَيْهِ ضَرَرًا إنْ فُسِخَ لِمُبْتَاعِهَا فِي التَّقَاضِي. اهـ. وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالْقِسْمِ الثَّانِي مِنْ أَقْسَامِ الْمِدْيَانِ وَهُوَ الْمُعْسِرُ الَّذِي لَيْسَ بِمُعْدِمٍ الْمُتَقَدِّمُ فِي قَوْلِهِ: أَوْ مُعْسِرٌ قَضَاؤُهُ إضْرَارُ ... فَيَنْبَغِي فِي شَأْنِهِ الْإِنْظَارُ وَقَوْلُهُ هُنَا: مَعَ ذَاكَ، أَيْ: مَعَ جَعْلِ سِلْعَتِهِ رَهْنًا، وَبِحَسَبِ، وَلِمَا يَتَعَلَّقَانِ بِيُؤَخَّرَا، وَجُمْلَةُ يَرَى صِلَةُ مَا. وَالْحَبْسُ لِلْمُلِدِّ وَالْمُتَّهَمِ ... إلَى الْأَدَاءِ أَوْ ثُبُوتِ الْعَدَمِ وَلَيْسَ يُنْجِيهِ مِنْ اعْتِقَالِ ... إلَّا حَمِيلٌ غَارِمٌ لِلْمَالِ وَحَبْسُ مَنْ غَابَ عَلَى الْمَالِ إلَى ... أَدَائِهِ أَوْ مَوْتِهِ مُعْتَقَلَا تَقَدَّمَ أَنَّ حَبْسَ الْمِدْيَانِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: مَا ذُكِرَ هُنَا وَهُوَ حَبْسُ مَنْ أَلَدَّ وَاتُّهِمَ بِأَنَّهُ أَخْفَى مَالًا وَغَيَّبَهُ وَتَقَدَّمَ عَنْ الْمُقَدِّمَاتِ مِثْلُ مَا ذُكِرَ هُنَا، وَأَنَّهُ يُحْبَسُ حَتَّى يُؤَدِّيَ أَوْ يَثْبُتَ عَدَمُهُ فَيَحْلِفُ وَيُسَرَّحُ زَادَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ وَإِنْ سَأَلَ الْمَحْبُوسُ لِلَّدَدِ وَالتُّهْمَةِ أَنْ يُعْطِيَ حَمِيلًا بِوَجْهِهِ إلَى أَنْ يَثْبُتَ عُدْمُهُ لَمْ يُمَكَّنْ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّ التَّضْيِيقَ بِالسِّجْنِ وَاجِبٌ عَلَيْهِ لِلتُّهْمَةِ اللَّاحِقَةِ لَهُ رَجَاءَ أَنْ يُؤَدِّيَ فَإِنْ أَرَادَ أَنْ لَا يُسْجَنَ أَعْطَى حَمِيلًا غَارِمًا لَا يُسْقِطُ عَنْهُ الْغُرْمَ إثْبَاتُهُ لِلْغَرِيمِ الْمَطْلُوبِ الْعُدْمَ. اهـ. وَقَوْلُ النَّاظِمِ: وَالْمُتَّهَمِ؛ قَدْ يُتَوَهَّمُ مِنْ الْعَطْفِ أَنَّ الْمُتَّهَمَ غَيْرُ الْمُلِدِّ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَلَمْ يُصَرِّحْ النَّاظِمُ بِوُجُوبِ حَلِفِهِ إذَا ثَبَتَ عُدْمُهُ وَكَأَنَّهُ رَآهُ ظَاهِرًا. وَأَشَارَ بِالْبَيْتِ الثَّالِثِ إلَى تَمَامِ حُكْمِ مَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ وَتَقَعَّدَ عَلَيْهَا وَادَّعَى الْعُدْمَ وَقَدْ تَقَدَّمَ حُكْمُهُ أَوَّلَ الْفَصْلِ حَيْثُ قَالَ: وَمَنْ عَلَى الْأَمْوَالِ قَدْ تَقَعَّدَا الْأَبْيَاتِ الثَّلَاثَةَ وَزَادَ أَنَّهُ يُطَالُ سَجْنُهُ إلَى أَنْ يُؤَدِّيَ أَوْ يَمُوتَ فِي السِّجْنِ وَهَذَا يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ قَبْلُ: حَتَّى يُؤَدِّيَ مَا عَلَيْهِ قَعَدَا إذْ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُؤَدِّ يَمُوتُ فِي السِّجْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، فَالْبَيْتُ تَكْرَارٌ إلَّا أَنَّهُ قَصَدَ تَمَامَ أَقْسَامِ حَبْسِ الْمِدْيَانِ الْمَجْهُولِ الْحَالِ. وَغَيْرُ أَهْلِ الْوَفْرِ مَهْمَا قَصَدَا ... تَأْخِيرَهُ وَبِالْقَضَاءِ وَعَدَا مُكِّنَ مِنْ ذَاكَ بِضَامِنٍ وَإِنْ ... لَمْ يَأْتِ بِالضَّامِنِ بِالْمَالِ سُجِنْ وَمَنْ لَهُ وَفْرٌ فَلَيْسَ يُضْمَنُ ... فَإِنْ قَضَى الْحَقَّ وَإِلَّا يُسْجَنُ وَأَوْجَبَ ابْنُ زَرْبٍ أَنْ يُحَلَّفَا ... مَنْ كَانَ بِاكْتِسَابِ عَيْنٍ عُرِفَا

(الْجَوْهَرِيُّ) الْوَفْرُ الْمَالُ الْكَثِيرُ. اهـ. وَلَعَلَّ الْمُرَادَ هُنَا مُطْلَقُ الْمَالِ لَا بِقَيْدِ كَوْنِهِ كَثِيرًا وَالْمُرَادُ أَنَّ الْمِدْيَانَ إذَا وَعَدَ بِقَضَاءِ مَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ وَطَلَبَ التَّأْخِيرَ فَإِنَّهُ يُؤَخَّرُ إنْ أَعْطَى حَمِيلًا بِالْمَالِ وَإِنْ لَمْ يُعْطِ حَمِيلًا فَإِنَّهُ يُسْجَنُ هَذَا إنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْوَفْرِ فَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْوَفْرِ وَالْمَالِ فَلَا يُقْبَلْ مِنْهُ ضَامِنٌ بَلْ إمَّا أَنْ يَقْضِيَ مَا عَلَيْهِ أَوْ يُسْجَنَ وَقَالَ ابْنُ زَرْبٍ إنْ كَانَ مَعْرُوفًا بِاكْتِسَابِ الْمَالِ حَلَفَ أَنَّهُ لَمْ يَحْضُرْهُ فِي الْوَقْتِ مَالٌ وَحِينَئِذٍ يُؤْخَذُ مِنْهُ الْحَمِيلُ أَوْ الرَّهْنُ وَعَلَى قَوْلِهِ الْعَمَلُ قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ

وَأَمَّا إذَا حَلَّ الدَّيْنُ فَسَأَلَ أَنْ يُؤَخَّرَ وَوَعَدَ بِالْقَضَاءِ فَلْيُؤَخِّرْهُ الْإِمَامُ حَسْبَمَا يَرْجُو لَهُ وَلَا يَعْجَلْ عَلَيْهِ بِالتَّفْلِيسِ وَبَيْعِ عُرُوضِهِ عَلَيْهِ فِي الْحِينِ وَإِذَا أُخِّرَ الْغَرِيمُ بِمَا حَلَّ عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْهُ حَمِيلٌ قَالَهُ سَحْنُونٌ فِي كِتَابِ ابْنِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَمِيلٌ سُجِنَ. وَوَجْهُ هَذَا أَنَّ تَعَذُّرَ الْقَضَاءِ قَدْ يَتَّجِهُ عَلَى أَكْثَرِ النَّاسِ إلَّا أَنْ يَكُونَ رَجُلٌ يُعْرَفُ بِالْوَفْرِ وَأَنْ عِنْدَهُ النَّاضَّ فَلَا يُؤَجَّلُ وَلَا يُؤَخَّرُ فَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّاضِّ وَادَّعَى الْغَرِيمُ أَنَّ عِنْدَهُ مَالًا نَاضًّا وَأَنَّهُ إنَّمَا يُرِيدُ اللَّدَدَ وَالْإِضْرَارَ بِتَأْخِيرِ الْحَقِّ عَنْهُ وَدَعَا إلَى تَحْلِيفِهِ عَلَى ذَلِكَ فَيَجْرِي الْأَمْرُ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي يَمِينِ التُّهْمَةِ. اهـ. وَصَرَّحَ فِي طُرَرِ ابْنِ عَاتٍ بِأَنَّ الْحَمِيلَ الَّذِي يُعْطِي مَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ النَّاضِّ هُوَ بِالْمَالِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ النَّاظِمُ وَفِي أَحْكَامِ

ابْنِ سَهْلٍ: وَكَانَ أَبُو بَكْرِ بْنُ زَرْبٍ يَرَى الْيَمِينَ فِي هَذَا عَلَى التُّجَّارِ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ عَلَى أَحْوَالِهِمْ حُضُورُ النَّاضِّ عِنْدَهُمْ وَكَانَ لَا يَرَى الْيَمِينَ عَلَى غَيْرِ التُّجَّارِ وَهُوَ تَنْوِيعٌ حَسَنٌ. اهـ. وَحَمْلُ النَّاسِ عَلَى حَالِ الْمَلَا ... عَلَى الْأَصَحِّ وَبِهِ الْحُكْمُ خَلَا يَعْنِي أَنَّهُ اُخْتُلِفَ هَلْ يُحْمَلُ النَّاسُ عَلَى الْمَلَاءِ حَتَّى يَثْبُتَ الْعُدْمُ، وَهُوَ الْأَصَحُّ فَمَنْ ادَّعَى الْعُدْمَ فَعَلَيْهِ إثْبَاتُهُ أَوْ يُحْمَلُونَ عَلَى الْعُدْمِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ الْمَلَاءُ. وَمَنْ ادَّعَى الْمَلَاءَ فَعَلَيْهِ إثْبَاتُهُ وَهَذَا مُقَابِلُ الْأَصَحِّ وَالْحُكْمُ خَلَا أَيْ مَضَى بِالْقَوْلِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ حَمْلُ النَّاسِ عَلَى الْمَلَاءِ، وَهُوَ مِمَّا اُعْتُبِرَ فِيهِ الْغَالِبُ وَطَرْحُ الْأَصْلِ عِنْدَ تَعَارُضِ الْأَصْلِ وَالْغَالِبِ فَإِنَّ الْأَصْلَ أَنَّ الْإِنْسَانَ وُلِدَ فَقِيرًا لَا يَمْلِكُ شَيْئًا، وَالْغَالِبُ مِنْ الْإِنْسَانِ التَّكَسُّبُ لِحَمْلٍ عَلَى الْغَالِبِ فِي هَذَا الْقَوْلِ. وَيَشْهَدُ النَّاسُ بِضَعْفٍ أَوْ عَدَمْ ... وَلَا غِنَى فِي الْحَالَتَيْنِ مِنْ قَسَمْ بِمَا اقْتَضَاهُ الرَّسْمُ لَا الْيَقِينِ ... إذْ لَا يَصِحُّ بَتُّ ذِي الْيَمِينِ وَمَنْ نُكُولُهُ عَنْ الْحَلْفِ بَدَا ... فَإِنَّهُ يُسْجَنُ بَعْدُ أَبَدَا يَعْنِي: أَنَّ الْمَدِينَ قَدْ يُشْهَدُ فِيهِ بِكَوْنِهِ عَدِيمًا أَيْ لَا يُعْلَمَ لَهُ مَالٌ لَا ظَاهِرٌ وَلَا بَاطِنٌ وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ يَجِبُ إنْظَارُهُ، وَقَدْ يُشْهَدُ فِيهِ بِكَوْنِهِ ضَعِيفَ التَّجَرُّدِ قَلِيلَ ذَاتِ الْيَدِ بِهَذِهِ الْحَالَةِ عَرَفُوهُ، وَالشَّهَادَةُ فِي الْوَجْهَيْنِ إنَّمَا تَكُونُ عَلَى مَا يَعْلَمُهُ الشُّهُودُ لَا عَلَى الْبَتِّ وَإِذَا كَانَتْ عَلَى الْعِلْمِ فَلَا بُدَّ مَعَهَا مِنْ يَمِينِ الْمَشْهُودِ فِيهِ لِلْقَاعِدَةِ الْمُتَقَرِّرَةِ أَنَّ كُلَّ مَنْ شُهِدَ لَهُ بِظَاهِرِ الْحَالِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْيَمِينِ وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِالْبَيْتِ الْأَوَّلِ وَإِذَا حَلَفَ فَإِنَّمَا يَحْلِفُ عَلَى مَا اقْتَضَاهُ رَسْمُ الشَّهَادَةِ مِنْ الْعِلْمِ لَا عَلَى الْبَتِّ وَالْجَزْمِ إذْ قَدْ يَكُونُ مَلَكَ مَالًا بِإِرْثٍ أَوْ هِبَةٍ وَلَا عِلْمَ لَهُ بِهِ فَلَا يَصِحُّ حَلِفُهُ عَلَى الْبَتِّ لِأَجْلِ هَذَا الِاحْتِمَالِ فَيَحْلِفُ بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ: لَا يَعْلَمُ لِنَفْسِهِ مَالًا ظَاهِرًا وَلَا خَفِيًّا، وَلَا يَقُولُ: لَا مَالَ لِي وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِالْبَيْتِ الثَّانِي وَإِذَا نَكَلَ عَنْ هَذِهِ الْيَمِينِ وَامْتَنَعَ مِنْهَا فَإِنَّهُ يُسْجَنُ وَلَا يُطْلَقُ أَبَدًا وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِالْبَيْتِ الثَّالِثِ وَالْمُرَادُ بِالْحَالَتَيْنِ حَالَةُ الْعُدْمِ وَحَالَةُ الضَّعْفِ، وَقَوْلُهُ: بِمَا اقْتَضَاهُ يَتَعَلَّقُ بِقَسَمٍ، وَبَاؤُهُ بِمَعْنَى عَلَى، وَالْيَقِينِ بِالْخَفْضِ عَطْفٌ عَلَى مَا، وَالْيَمِينِ آخِرَ الْبَيْتِ الثَّانِي نَعْتٌ لِذِي، وَحَالَةُ الضَّعْفِ وَحَالَةُ الْعُدْمِ مُتَغَايِرَتَانِ يَنْبَنِي عَلَى كُلِّ وَاحِدِ مِنْهُمَا خِلَافَ مَا يَنُبْنِي عَلَى الْأُخْرَى فَيَنْبَنِي عَلَى حَالَةِ الْعُدْمِ تَسْرِيحُهُ وَوُجُوبُ إنْظَارِهِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَيَنْبَنِي عَلَى حَالَةِ الضَّعْفِ أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْهُ الْقَلِيلُ الَّذِي بِيَدِهِ بَعْدَ أَنْ يُتْرَكَ لَهُ مَا يَعِيشُ بِهِ هُوَ وَمَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ لِظَنِّ يُسْرِهِ وَيَقْضِي مَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ عَلَى قَدْرِ وُسْعِهِ وَوُجْدِهِ. كَمَا صَرَّحَ بِهِ النَّاظِمُ بَعْدُ فِي قَوْلِهِ: وَمُثْبِتٌ لِلضَّعْفِ حَالَ دَفْعِهِ ... لِغُرَمَائِهِ بِقَدْرِ وُسْعِهِ (قَالَ فِي طُرَرِ ابْنِ عَاتٍ) فَإِنْ قَالُوا: إنَّهُ ضَعِيفُ التَّجْرِ مُقِلٌّ قَلِيلُ ذَاتِ الْيَدِ أُخِذَ مِنْهُ ذَلِكَ الْقَلِيلُ وَدُفِعَ لِغُرَمَائِهِ وَتُرِكَ لَهُ مَا يَعِيشُ بِهِ هُوَ وَمَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ وَاسْتُحْلِفَ (وَفِيهَا أَيْضًا) ابْنُ رُشْدٍ صِفَةُ الشَّهَادَةِ عَلَى الْعُدْمِ أَنْ يَقُولَ الشَّاهِدُ: إنَّهُ يَعْرِفُهُ فَقِيرًا عَدِيمًا لَا يَعْلَمُ لَهُ مَالًا ظَاهِرًا وَلَا بَاطِنًا، وَاخْتُلِفَ إنْ شَهِدُوا أَنَّهُ فَقِيرٌ عَدِيمٌ لَا مَالَ لَهُ ظَاهِرًا وَلَا بَاطِنًا فَقِيلَ: إنَّ شَهَادَتَهُ لَا تَجُوزُ لِأَنَّهَا تُحْمَلُ عَلَى ظَاهِرِهَا مِنْ الْبَتَاتِ وَقِيلَ: إنَّهَا جَائِزَةٌ لِأَنَّهَا تُحْمَلُ عَلَى وَجْهِ الْعِلْمِ (وَفِي الطُّرَرِ أَيْضًا) قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا يَحْلِفُ عَلَى الْعِلْمِ وَلَا يَحْلِفُ عَلَى الْبَتِّ لِأَنَّهُ قَدْ يَحْدُثُ لَهُ مَالٌ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ مِنْ إرْثٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ شِبْهِ ذَلِكَ فَيَحْنَثُ إنْ بَتَّ أَوْ قَطَعَ مِنْ الِاسْتِغْنَاءِ (وَفِي الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ) إنْ لَمْ يَثْبُتْ لِلْمَطْلُوبِ مَالٌ اُسْتُحْلِفَ فِي مَقْطَعِ الْحَقِّ بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ مَا لَهُ مَالٌ ظَاهِرٌ وَلَا بَاطِنٌ قَرْضٌ وَلَا عَرَضٌ وَلَئِنْ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالًا لَيُؤَدِّيَنَّ فَإِنْ نَكَلَ حُبِسَ أَبَدًا. اهـ. وَعَنْ حَلِفِهِ هَكَذَا عَلَى الْبَتِّ تَحَرَّزَ الشَّيْخُ بِقَوْلِهِ: بِمَا اقْتَضَاهُ الرَّسْمُ الْبَيْتَ. (وَفِي الطُّرَرِ أَيْضًا) إنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ فَحَكَى ابْنُ مُغِيثٍ أَنَّهُ يُسْجَنُ أَبَدًا؛ لِأَنَّ نُكُولَهُ تُهْمَةٌ.

فصل في الفلس

وَحَيْثُ تَمَّ رَسْمُهُ وَعُدِمَا ... كَانَ عَدِيمًا لِأَوْلَى الْغُرَمَا إلَّا إنْ اسْتَفَادَ مِنْ بَعْدِ الْعَدَمْ ... مَالًا فَيَطْلُبُونَهُ بِالْمُلْتَزَمْ يَعْنِي إذَا شُهِدَ بِعُدْمِ الْمَدِينِ وَتَمَّ رَسْمُ الشَّهَادَةِ بِالْإِعْذَارِ إلَى غُرَمَائِهِ فَسَلَّمُوا عُدْمَهُ إمَّا لِعَجْزِهِمْ عَنْ الْمَدْفَعِ فِيمَا شُهِدَ لَهُ بِهِ، وَإِمَّا لِإِقْرَارِهِمْ بِعَدَمِهِ فَإِنَّ هَذَا الْمَدِينَ يَكُونُ عَدِيمًا لِهَؤُلَاءِ الْغُرَمَاءِ الَّذِينَ عَدَّمُوهُ فَلَا يَجِبُ لَهُمْ قِبَلَهُ شَيْءٌ إلَّا إنْ اسْتَفَادَ بَعْدَ ذَلِكَ مَالًا فَإِنَّهُمْ يَطْلُبُونَهُ بِمَا الْتَزَمَ لَهُمْ حَيْثُ قَالَ فِي يَمِينِهِ، وَإِنْ وَجَدَهُ لَيَقْضِيَنَّ فَفِي طُرَرِ ابْنِ عَاتٍ حَكَى الْبَاجِيُّ أَنَّهُ إذَا قَامَ الْغُرَمَاءُ فَأَثْبَتَ الْغَرِيمُ عُدْمَهُ وَحَلَفَ ثُمَّ قَامُوا عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ عَلَى الْعُدْمِ الَّذِي ثَبَتَ لَهُ حَتَّى يُعْلَمَ أَنَّهُ اسْتَفَادَ مَالًا لِأَنَّهُ حَكَمَ بِذَلِكَ عَلَيْهِمْ وَلَوْ قَامَ غَيْرُ الْأَوَّلِينَ وَقَدْ مَضَتْ مُدَّةٌ بَعْدَ ثُبُوتِ الْعُدْمِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ يُكَلَّفُ الْبَيِّنَةَ أَنَّ عُدْمَهُ مُتَّصِلٌ وَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّهُ اسْتَفَادَ مَالًا إلَى قِيَامِ هَؤُلَاءِ الْآخَرِينَ عَلَيْهِ فِي عِلْمِ الْبَيِّنَةِ لِأَنَّ هَؤُلَاءِ لَمْ يُحْكَمْ عَلَيْهِمْ وَلَا أُعْذِرَ إلَيْهِمْ فِي الشُّهُودِ بِالْعُدْمِ فَيَجِبُ أَنْ يَشْهَدَ الشُّهُودُ عَلَى اتِّصَالِ الْعُدْمِ وَيُبَاحُ لَهُمْ الْمَدْفَعُ فِي شَهَادَتِهِمْ اهـ. (فَرْعٌ) فِي مُفِيدِ ابْنِ هِشَامٍ وَمَنْ فُلِّسَ وَقُسِّمَ مَالُهُ بَيْنَ غُرَمَائِهِ وَلَمْ يَقُمْ بِمَا لَهُمْ عَلَيْهِ ثُمَّ دَايَنَهُ آخَرُونَ وَفُلِّسَ ثَانِيَةً فَاَلَّذِينَ دَايَنُوهُ ثَانِيَةً أَوْلَى بِمَا فِي يَدِهِ وَلَا يَدْخُلُ مَعَهُمْ الْأَوَّلُونَ فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ مِنْ حُقُوقِهِمْ تَحَاصَّ فِيهِ الْأَوَّلُونَ وَهَذَا الْحُكْمُ فِيمَا حَصَلَ فِي يَدِهِ مِنْ مُعَامَلَةِ الْآخَرِينَ وَأَمَّا مَالِكُهُ بِهِبَةٍ أَوْ مِيرَاثٍ أَوْ أَرْشٍ أَوْ وَصِيَّةٍ فَإِنَّ الْآخَرِينَ وَالْأَوَّلِينَ فِيهِ أُسْوَةٌ. اهـ. وَيَنْبَغِي إعْلَانُ حَالِ الْمُعْدِمِ ... فِي كُلِّ مَشْهَدٍ بِأَمْرِ الْحَاكِمِ وَمُثْبِتٌ لِلضَّعْفِ حَالَ دَفْعِهِ ... لِغُرَمَائِهِ بِقَدْرِ وُسْعِهِ وَطَالِبٌ تَفْتِيشَ دَارِ الْمُعْسِرِ ... مُمْتَنِعٌ إسْعَافُهُ لِلْأَكْثَرِ اشْتَمَلَ كُلُّ بَيْتٍ مِنْ الْأَبْيَاتِ الثَّلَاثَةِ عَلَى مَسْأَلَةٍ (الْأُولَى) : أَنَّهُ يُطْلَبُ إعْلَامُ النَّاسِ بِحَالِ الْمُعْدِمِ فِي الْمَشَاهِدِ وَالْأَسْوَاقِ وَيَكُونُ ذَلِكَ بِأَمْرِ الْقَاضِي قَالَ الشَّارِحُ: وَهُوَ الَّذِي جَرَى بِهِ الْعَمَلُ مِنْ قُضَاةِ الْعَدْلِ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَوَجْهُ ذَلِكَ ظَاهِرٌ لِيَعْرِفَ النَّاسُ فَلَا يُعَامِلُهُ مَنْ يُعَامِلُهُ إلَّا عَلَى بَصِيرَةٍ مِنْ أَمْرِهِ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ فِعْلُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. اهـ. (الثَّانِيَةُ) : أَنَّ الْمَدِينَ إذَا أَثْبَتَ ضَعْفَهُ وَقِلَّةَ ذَاتِ يَدِهِ فَإِنَّهُ يُؤَدِّي لِغُرَمَائِهِ عَلَى قَدْرِ وُسْعِهِ وَطَاقَتِهِ وَتَقَدَّمَ هَذَا. (الثَّالِثَةُ) : إذَا سَأَلَ رَبُّ الدَّيْنِ تَفْتِيشَ دَارِ الْمَدِينِ فَهَلْ يُجَابُ لِذَلِكَ أَوْ لَا قَوْلَانِ، وَأَشَارَ بِذَلِكَ إلَى مَا وَقَعَ لِابْنِ رُشْدٍ فِي مُقَدِّمَاتِهِ قَالَ فَإِنْ سَأَلَ الطَّالِبُ أَنْ يُفَتِّشَ عَلَيْهِ دَارِهِ وَقَالَ إنَّهُ قَدْ غَيَّبَ فِيهَا مَالَهُ فَإِنَّ الشُّيُوخَ الْمُتَأَخِّرِينَ كَانُوا يَخْتَلِفُونَ فِي ذَلِكَ حَكَى أَصْبَغُ ابْنُ سَهْلٍ أَنَّهُ شَاهَدَ الْفَتْوَى وَالْحُكْمَ بِطُلَيْطِلَةَ إذَا دَعَا الطَّالِبُ إلَى أَنْ يُفَتِّشَ مَسْكَنَ الْمَطْلُوبِ عِنْدَ ادِّعَائِهِ الْعُدْمَ بِالْحَقِّ أَنْ يُفَتِّشَ مَسْكَنَهُ فَمَا أَلْفَى فِيهِ مِنْ مَتَاعِ الرِّجَالِ بِيعَ عَلَيْهِ وَأُنْصِفَ الطَّالِبُ مِنْهُ وَلَا يَخْتَلِفُ فُقَهَاؤُهُمْ فِي ذَلِكَ وَأَنَّهُ أُنْكِرَ ذَلِكَ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَاسْتَبْصَرُوا فِيهِ وَلَمْ يَرْجِعُوا عَنْهُ وَأَنَّهُ سَأَلَ عَنْ ذَلِكَ الْفَقِيهَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَتَّابٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَأَنْكَرَهُ وَأَنْكَرَهُ أَيْضًا ابْنُ مَالِكٍ، وَقَالَ: أَرَأَيْتَ إنْ كَانَ الَّذِي يَفِي فِي بَيْتِهِ وَدَائِعُ فَقُلْتُ لَهُ: ذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ مِلْكُهُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ خِلَافُهُ فَقَالَ يَلْزَمُ إذَنْ تَوْقِيفُهُ وَالِاسْتِينَاءُ بِهِ حَتَّى يُعْلَمَ هَلْ لَهُ طَالِبٌ أَوْ يَأْتِي مَدْفَعٌ فِيهِ قَالَ وَأَعْلَمْتُ ابْنَ الْقَطَّانِ بِعَمَلِ أَهْلِ طُلَيْطِلَةَ فِي ذَلِكَ فَقَالَ لِي يَبْعُدُ وَلَمْ يُنْكِرْهُ وَأَنَا أَرَاهُ حَسَنًا فِيمَنْ ظَاهِرُهُ الْإِلْدَادُ وَالْمَطْلُ وَاسْتِسْهَالُ الْكَذِبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. اهـ. وَفِي كُلٍّ وَبِأَمْرِ الْحَكَمِ يَتَعَلَّقَانِ بِإِعْلَانٍ، وَقَوْلُهُ: حَالُ دَفْعِهِ مُبْتَدَأٌ، وَبِقَدْرِ خَبَرُهُ، وَالْجُمْلَةُ خَبَرُ مُثْبِتٌ، وَإِسْعَافُهُ نَائِبُ مُمْتَنِعٌ. [فَصْلٌ فِي الْفَلَسِ] ِ التَّفْلِيسُ أَعَمُّ وَأَخَصُّ فَالتَّفْلِيسُ الْأَخَصُّ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ حُكْمُ الْحَاكِمِ بِخَلْعِ كُلِّ مَالِ مَدِينٍ لِغُرَمَائِهِ

لِعَجْزِهِ عَنْ قَضَاءِ مَا لَزِمَهُ قَالَ وَالْأَعَمُّ قِيَامُ ذِي دَيْنٍ عَلَى مَدِينٍ لَيْسَ لَهُ مَا يَفِي بِهِ. قَوْلُهُ: حُكْمُ الْحَاكِمِ أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ التَّفْلِيسَ الْمَذْكُورَ إنَّمَا يَكُونُ بِحُكْمٍ فَأُطْلِقَ التَّفْلِيسُ عُرْفًا عَلَى الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ وَأَشَارَ إلَى أَنَّ ثُبُوتَ خَلْعِ الْمَالِ غَيْرُ الْحُكْمِ بِهِ وَإِنَّمَا التَّفْلِيسُ هُوَ الْحُكْمُ بِالْخَلْعِ لَا ثُبُوتُ الْخَلْعِ، وَأَخْرَجَ بِقَوْلِهِ خَلْعُ كُلِّ الْمَالِ الْحُكْمَ بِأَدَاءِ مَالٍ وَغَيْرِهِ. وَقَوْلُهُ: لِمَدِينٍ صِلَةُ مَا وَلِغُرَمَائِهِ يَتَعَلَّقُ بِمَدِينٍ أَوْ بِخَلْعٍ وَلِعَجْزِهِ يَتَعَلَّقُ بِالْحُكْمِ، وَأُخْرِجَ خَلْعُ كُلِّ مَالِهِ بِاسْتِحْقَاقِ عَيْنِهِ وَإِذَا اتَّفَقَ الْغُرَمَاءُ عَلَى أَخْذِ الْمَالِ مِنْ الْمُفْلِسِ وَاقْتَسَمُوهُ فَهُوَ تَفْلِيسٌ أَخَصُّ وَالْحَدُّ لَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ وَالْجَوَابُ أَنَّ الْوَاقِعَ فِي السَّمَاعِ أَنَّهُ كَتَفْلِيسِ السُّلْطَانِ وَلَمْ يُطْلِقْ عَلَيْهِ تَفْلِيسًا، وَقَوْلُهُ: فِي حَدِّ الْأَعَمِّ قِيَامُ إلَخْ مُنَاسِبٌ لِإِطْلَاقِ التَّفْلِيسِ عَلَى قِيَامِ الْغُرَمَاءِ وَبَاقِيهِ ظَاهِرٌ فِي إخْرَاجِهِ وَإِدْخَالِهِ وَمِنْ خَاصِّيَّةِ الْأَعَمِّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ تَبَرُّعٌ وَلَا مُعَامَلَةٌ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَلَا مُحَابَاةٌ إلَّا مَا تَجْرِي الْعَادَةُ بِفِعْلِهِ وَالْأَخَصُّ يَمْنَعُ مَا مَنَعَ مِنْهُ الْأَعَمُّ وَيَمْنَعُ مُطْلَقَ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ. (قَالَ الرَّصَّاعُ) : رَأَيْتُ لِتِلْمِيذِ الشَّيْخِ الْإِمَامِ الْوَانُّوغِيِّ أَنْ قَالَ اُنْظُرْ حَدَّ شَيْخِنَا التَّفْلِيسَ الْأَعَمَّ وَالْأَخَصَّ فَإِنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ حَدَّ الْأَعَمِّ لَا بُدَّ أَنْ يَنْطَبِقَ عَلَى حَدِّ الْأَخَصِّ وَفِي تَعْرِيفِ الشَّيْخِ لَيْسَ كَذَلِكَ اُنْظُرْ تَمَامَ كَلَامِهِ إنْ شِئْتَ. وَمَنْ بِمَالِهِ أَحَاطَ الدَّيْنُ لَا ... يَمْضِي لَهُ تَبَرُّعٌ إنْ فَعَلَا وَإِنْ يَكُنْ لِلْغُرَمَا فِي أَمْرِهِ ... تَشَاوُرٌ فَلَا غِنًى عَنْ حَجْرِهِ وَحَلَّ مَا عَلَيْهِ مِنْ دُيُونِ ... إذْ ذَاكَ كَالْحُلُولِ بِالْمَنُونِ تَقَدَّمَ أَنَّ التَّفْلِيسَ أَعَمُّ وَأَخَصُّ وَأَنَّ خَاصِّيَّةَ الْأَعَمِّ الَّذِي هُوَ قِيَامُ الْغُرَمَاءِ عَلَى الْمَدِينِ أَنَّهُ يَمْنَعُ مِنْ التَّبَرُّعِ وَالْمُحَابَاةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِالْبَيْتِ الْأَوَّلِ وَأَنَّ خَاصِّيَّةَ الْأَخَصِّ الَّذِي هُوَ حُكْمُ الْحَاكِمِ بِخَلْعِ مَالِهِ هِيَ أَنَّهُ يُحْجَرُ عَلَيْهِ فِي الْمُعَاوَضَاتِ وَغَيْرِهَا وَتَحِلُّ دُيُونُهُ إذْ ذَاكَ كَمَا تَحِلُّ بِالْمَوْتِ وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِقَوْلِهِ وَإِنْ يَكُنْ لِلْغُرَمَا فِي أَمْرِهِ الْبَيْتَيْنِ إلَّا أَنَّ ابْنَ عَرَفَةَ جَعَلَ التَّفْلِيسَ الْأَعَمَّ هُوَ قِيَامُ الْغُرَمَاءِ، وَالنَّاظِمُ جَعَلَهُ إحَاطَةَ الدَّيْنِ بِمَالِهِ ظَاهِرُهُ وَلَوْ لَمْ يَقُمْ الْغُرَمَاءُ وَجَعَلَ أَيْضًا التَّفْلِيسَ الْأَخَصَّ هُوَ حُكْمُ الْحَاكِمِ بِخَلْعِ مَالِهِ وَالنَّاظِمُ جَعَلَهُ تَشَاوُرَ أَرْبَابِ الدُّيُونِ فِي أَمْرِ الْمُفْلِسِ وَمَا نَسَبْتُهُ لِلنَّاظِمِ مِنْ جَعْلِهِ التَّفْلِيسَ الْعَامَّ هُوَ إحَاطَةُ الدَّيْنِ بِمَالِ الْغَرِيمِ وَالْخَاصَّ تَشَاوُرَ الْغُرَمَاءِ فِي أَمْرِ الْمُفْلِسِ صَرَّحَ بِهِ الشَّارِحُ قَالَ شَيْخُنَا - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي طُرَرِهِ وَقَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ الْفَلَسُ عَدَمُ الْمَالِ وَالتَّفْلِيسُ خَلْعُ الرَّجُلِ مِنْ مَالِهِ لِغُرَمَائِهِ وَالْمُفْلِسُ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ بِحُكْمِ الْفَلَسِ ثُمَّ قَالَ: وَحَدُّ التَّفْلِيسِ الَّذِي يَمْنَعُ قَبُولَ إقْرَارِهِ هُوَ أَنْ يَقُومَ عَلَيْهِ غُرَمَاؤُهُ فَيَسْجُنُوهُ أَوْ يَقُومُوا عَلَيْهِ فَيَسْتَتِرُ عَنْهُمْ فَلَا يَجِدُوهُ. قَالَ مُحَمَّدٌ وَيَحُولُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ ثُمَّ قَالَ شَيْخُنَا - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَعْدَ نَقْلِهِ لِجُمْلَةٍ صَالِحَةٍ مِنْ كَلَامِ الْمُقَدِّمَاتِ مَا نَصُّهُ إذَا تَأَمَّلْتَ كَلَامَ ابْنِ رُشْدٍ الْمَنْقُولَ عَنْ الْمُقَدِّمَاتِ اتَّضَحَ لَك أَنَّ لِمَنْ أَحَاطَ الدَّيْنُ بِمَالِهِ ثَلَاثَ حَالَاتٍ: (الْحَالَةُ الْأُولَى) : مَا قَبْلَ التَّفْلِيسِ أَشَارَ إلَيْهَا الشَّيْخُ خَلِيلٌ بِقَوْلِهِ لِلْغَرِيمِ مَنْعُ مَنْ أَحَاطَ الدَّيْنُ بِمَالِهِ ثُمَّ ذَكَرَ فُرُوعَ هَذِهِ الْحَالَةِ كَمَا ذَكَرَهَا ابْنُ رُشْدٍ فِي قَوْلِهِ مِنْ تَبَرُّعِهِ وَسَفَرِهِ إنْ حَلَّ بِغَيْبَةٍ وَإِعْطَاءِ غَيْرِهِ قَبْلَ أَجَلِهِ أَوْ كُلِّ مَا بِيَدِهِ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَ. (الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ) : تَفْلِيسٌ عَامٌّ وَهُوَ الْمُشَارُ إلَيْهِ

بِقَوْلِهِ وَفَلَسٌ حَضَرَ أَوْ غَابَ إنْ لَمْ يُعْلَمْ مَلَاؤُهُ بِطَلَبِهِ وَإِنْ أَبَى غَيْرُهُ دَيْنًا حَلَّ زَادَ عَلَى مَالِهِ أَوْ بَقِيَ مَا لَا يَفِي بِالْمُؤَجَّلِ فَمُنِعَ مِنْ تَصَرُّفٍ مَالِيٍّ فَقَوْلُهُ بِطَلَبِهِ دَيْنًا حَلَّ أَيْ بِطَلَبِ الْغَرِيمِ أَوْ بِطَلَبِ الْمَدِينِ دَيْنًا حَلَّ هُوَ مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ رُشْدٍ هُوَ أَنْ يَقُومَ عَلَيْهِ غُرَمَاؤُهُ فَيَسْجُنُوهُ أَوْ يَقُومُوا عَلَيْهِ فَيَسْتَتِرُ عَنْهُمْ فَلَا يَجِدُوهُ. (الْحَالَةُ الثَّالِثَةُ) : تَفْلِيسٌ خَاصٌّ وَهُوَ الْمُشَارُ إلَيْهِ بِقَوْلِ الشَّيْخِ خَلِيلٍ كَتَفْلِيسِ الْحَاكِمِ أَيْ كَخَلْعِهِ مَالَ الْمَدِينِ لِغُرَمَائِهِ وَهَذَا هُوَ التَّفْلِيسُ الْخَاصُّ وَقَدْ عَرَّفَهُ ابْنُ عَرَفَةَ بِأَنَّهُ الْحُكْمُ بِالْخَلْعِ لَا نَفْسُ خَلْعِ الْمَالِ وَعَلَى هَذَا فَيُقَالُ فِي شَرْحِ قَوْلِ الشَّيْخِ خَلِيلٍ كَتَفْلِيسِ الْحَاكِمِ أَيْ كَحُكْمِهِ بِخَلْعِ الْمَالِ. انْتَهَى بِاخْتِصَارٍ. (وَفِي مُفِيدِ ابْنِ هِشَامٍ) وَمَنْ أَحَاطَ الدَّيْنُ بِمَالِهِ فَلَا تَجُوزُ لَهُ هِبَةٌ وَلَا صَدَقَةٌ وَلَا عِتْقٌ وَلَا إقْرَارٌ بِدَيْنٍ لِمَنْ يُتَّهَمُ عَلَيْهِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ إذَا قَامُوا وَبَنَوْا عَلَى تَفْلِيسِهِ مُحَمَّدٌ وَحَالُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَالِهِ وَلِابْنِ الْقَاسِمِ أَوْ تَشَاوَرُوا فِيهِ فَذَلِكَ حَدُّ التَّفْلِيسِ وَاعْتَمَدَ النَّاظِمُ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَإِذَا كَانَ عِنْدَهُ التَّشَاوُرُ تَفْلِيسًا فَأَحْرَى غَيْرُهُ (وَفِي الْمُقَرَّبِ) قَالَ ابْنُ وَهْبٍ قَالَ مَالِكٌ: وَمَنْ مَاتَ وَفُلِّسَ فَقَدْ حَلَّ الدَّيْنُ الَّذِي عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ إلَى أَجَلٍ. وَالِاعْتِصَارُ لَيْسَ بِالْمُكَلَّفِ ... لَهُ وَلَا قَبُولُ غَيْرِ السَّلَفِ وَهُوَ مُصَدَّقٌ إذَا مَا عَيَّنَا ... مَالًا لَهُ وَمَا عَلَيْهِ أُمِّنَا يَعْنِي أَنَّ الْمُفْلِسَ لَا يُكَلَّفُ وَلَا يُلْزَمُ بِأَنْ يَعْتَصِرَ مَا وَهَبَهُ لِمَنْ لَهُ الِاعْتِصَارُ مِنْهُ لِيَأْخُذَهُ الْغُرَمَاءُ فِي دُيُونِهِمْ بَلْ إنْ شَاءَ اعْتَصَرَ وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَعْتَصِرْ فَإِذَا اعْتَصَرَ أَخَذَهُ الْغُرَمَاءُ فِي دَيْنِهِمْ وَكَذَلِكَ لَا يَلْزَمُهُ قَبُولُ غَيْرِ السَّلَفِ مِنْ هِبَةٍ وَغَيْرِهَا وَكَذَلِكَ لَا يَلْزَمُهُ قَبُولُ السَّلَفِ أَيْضًا عَلَى مَا يَأْتِي فِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِالْبَيْتِ الْأَوَّلِ، وَأَشَارَ فِي الْبَيْتِ الثَّانِي إلَى أَنَّهُ مُصَدَّقٌ إذَا عَيَّنَ مَالًا لِنَفْسِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ وَهُوَ مُؤَمَّنٌ عَلَيْهِ مِنْ قَرْضٍ أَوْ وَدِيعَةٍ وَنَحْوِهِمَا فَفِي تَبْصِرَةِ اللَّخْمِيِّ: لِلْمُفْلِسِ اعْتِصَارُ مَا وَهَبَهُ لِابْنِهِ وَلَا يُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ (وَفِي طُرَرِ ابْنِ عَاتٍ) . قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا اخْتِلَافَ أَعْلَمُهُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْمِدْيَانَ أَنْ يَتَسَلَّفَ وَلَا أَنْ يَسْتَوْهِبَ وَلَا أَنْ يَتَدَايَنَ لِيُؤَدِّيَ مَا عَلَيْهِ مِنْ الدُّيُونِ، وَلَا أَنْ يَقْبَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ إنْ طَاعَ لَهُ بِذَلِكَ أَحَدٌ لِأَنَّ الْغُرَمَاءَ لَمْ يُعَامِلُوهُ عَلَى ذَلِكَ وَلَا يَلْزَمُهُ قَبُولُ مَعْرُوفٍ لِأَحَدٍ وَلَا تَحَمُّلٌ مِنْهُ وَإِنْ طَاعَ الرَّجُلُ أَنْ يُسْلِفَ الطَّالِبَ فَيَقْضِيَهُ مَالَ الْغَرِيمِ الْمَطْلُوبِ وَيَرْجِعَ عَلَيْهِ لَزِمَهُ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَمْتَنِعَ لِأَنَّ الْمَعْرُوفَ إنَّمَا هُوَ لِلطَّالِبِ لَيْسَ لِلْغَرِيمِ الْمَطْلُوبِ فَلَا قَوْلَ لَهُ فِي ذَلِكَ وَلَا وَجْهَ لِامْتِنَاعِهِ مِنْهُ وَفِي مُفِيدِ (ابْنِ هِشَامٍ) وَإِذَا وَهَبَ لِلْمُفْلِسِ هِبَةً أَوْ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ بِصَدَقَةٍ أَوْ أَوْصَى لَهُ بِوَصِيَّةٍ أَوْ وَجَبَتْ لَهُ شُفْعَةٌ فِيهَا رِبْحٌ لَمْ يُجْبَرْ عَلَى قَبُولِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إنْ أَبَاهُ (وَفِي طُرَرِ ابْنِ عَاتٍ) وَاخْتُلِفَ فِيمَا يُقِرُّ بِهِ بِشَيْءٍ يُعَيِّنُهُ وَدِيعَةٍ أَوْ قِرَاضٍ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ لِمَنْ لَا يُتَّهَمُ عَلَيْهِ بِدَيْنٍ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ: فَقِيلَ: إنَّ إقْرَارَهُ لَا يَجُوزُ. وَقِيلَ: يَجُوزُ مَعَ يَمِينِ الْمُقَرِّ لَهُمْ، وَقِيلَ: إنْ كَانَ عَلَى الْأَصْلِ بَيِّنَةٌ صُدِّقَ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ عَلَى الْأَصْلِ بَيِّنَةٌ لَمْ يَجُزْ إقْرَارُهُ. اهـ. وَعَلَى هَذَا ذَهَبَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ

حَيْثُ قَالَ وَقُبِلَ تَعْيِينُهُ الْقِرَاضَ وَالْوَدِيعَةَ إنْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِأَصْلِهِ. وَرَبُّ الْأَرْضِ الْمُكْتَرَاةِ إنْ طَرَقْ ... تَفْلِيسٌ أَوْ مَوْتٌ بِزَرْعِهَا أَحَقْ وَاحْكُمْ بِذَا لِبَائِعٍ أَوْ صَانِعِ ... فِيمَا بِأَيْدِيهِمْ فَمَا مِنْ مَانِعِ يَعْنِي: أَنَّ مَنْ اكْتَرَى أَرْضًا وَزَرَعَهَا ثُمَّ أَفْلَسَ أَوْ مَاتَ فَإِنَّ رَبَّ الْأَرْضِ الَّذِي أَكْرَاهَا أَحَقُّ بِزَرْعِهَا مِنْ سَائِرِ غُرَمَاءِ مُكْتَرِيهَا حَتَّى يَسْتَوْفِيَ كِرَاءَهُ وَكَذَلِكَ مَنْ بَاعَ شَيْئًا وَلَمْ يُخْرِجْ شَيْأَهُ مِنْ يَدِهِ حَتَّى فَلِسَ الْمُشْتَرِي أَوْ مَاتَ أَوْ اسْتَصْنَعَ فِي صِبْغٍ أَوْ خِيَاطَةٍ مَثَلًا أَوْ الشَّيْءُ الْمَصْنُوعُ مَا زَالَ بِيَدِهِ فَفَلِسَ رَبُّهُ أَوْ مَاتَ فَإِنَّ الْبَائِعَ وَالصَّانِعَ أَحَقُّ بِمَا فِي أَيْدِيهمْ مِنْ سَائِرِ الْغُرَمَاءِ إلَى أَنْ يَسْتَوْفِيَ الْأَوَّلُ ثَمَنَ سِلْعَتِهِ. وَالثَّانِي إجَارَتُهُ (وَقَالَ فِي الْمُفِيدِ) وَمَنْ اكْتَرَى أَرْضًا فَزَرَعَهَا ثُمَّ مَاتَ أَوْ فَلِسَ قَبْلَ أَنْ يَنْقُدَ أُجْرَتَهَا فَرَبُّ الْأَرْضِ أَحَقُّ بِالزَّرْعِ الَّذِي فِيهَا حَتَّى يَسْتَوْفِيَ كِرَاءَهُ (وَفِيهِ أَيْضًا) وَمَنْ اُسْتُؤْجِرَ عَلَى صَنْعَةٍ فَصَنَعَهَا ثُمَّ أَفْلَسَ رَبُّ الصَّنْعَةِ فَالصَّانِعُ أَحَقُّ بِالسِّلْعَةِ حَتَّى يَقْبِضَ أُجْرَتَهُ فِي فَلَسِ رَبِّهَا وَمَوْتِهِ. اهـ. (وَفِي التَّوْضِيحِ) فِي تَوْجِيهِ كَوْنِ رَبِّ الْأَرْضِ الْمُكْتَرَاةِ أَوْلَى بِزَرْعِهَا، وَوَجْهُهُ أَنَّ الزَّرْعَ إنَّمَا نَشَأَ عَنْ الْأَرْضِ فَكَانَتْ كَالْحَائِزَةِ لَهُ وَحَوْزُهَا كَحَوْزِ صَاحِبِهَا فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ بَاعَ سِلْعَةً وَفُلِّسَ مُشْتَرِيهَا أَوْ مَاتَ وَهِيَ بِيَدِ بَائِعِهَا. اهـ. أَيْ فَبَائِعُهَا أَحَقُّ بِهَا مِنْ سَائِرِ الْغُرَمَاءِ وَرَبُّ الْأَرْضِ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ أَحَقُّ بِزَرْعِهَا يَتَعَلَّقُ بِأَحَقَّ. وَالْإِشَارَةُ فِي قَوْلِهِ وَاحْكُمْ بِذَا الْحُكْمِ الْمُتَقَدِّمِ وَهُوَ كَوْنُ رَبِّ الْأَرْضِ أَوْلَى بِزَرْعِهَا فَيَكُونُ الْبَائِعُ وَالصَّانِعُ أَحَقَّ بِمَا فِي أَيْدِيهِمَا مِنْ سَائِرِ غُرَمَاءِ الْمُشْتَرِي وَالْمَصْنُوعِ لَهُ وَلَيْسَ لَهُمَا مَانِعٌ وَلَا مُعَارِضٌ فِي ذَلِكَ وَهُوَ تَكْمِيلٌ لِلْبَيْتِ وَجَمْعُ ضَمِيرِ بِأَيْدِيهِمْ بِاعْتِبَارِ مُكْرٍ وَبَائِعٍ وَصَانِعٍ. وَمَا حَوَاهُ مُشْتَرٍ وَيُحْضَرُ ... فَرَبُّهُ فِي فَلَسٍ مُخَيَّرُ لَا إذَا مَا الْغُرَمَاءُ دَفَعُوا ... ثَمَنَهُ فَأَخْذُهُ مُمْتَنِعُ يَعْنِي أَنَّ مَنْ بَاعَ شَيْئًا مِمَّا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ وَقَبَضَهُ الْمُشْتَرِي وَلَمْ يَقْبِضْ الْبَائِعُ ثَمَنَهُ حَتَّى فَلِسَ الْمُشْتَرِي أَوْ مَاتَ فَوَجَدَ الْبَائِعُ شَيْأَهُ فَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي فَلِسَ فَبَائِعُهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَأْخُذَ شَيْأَهُ بِعَيْنِهِ أَوْ يَتَحَاصَصَ مَعَ الْغُرَمَاءِ وَهَذَا إنْ لَمْ يَدْفَعْ الْغُرَمَاءُ ثَمَنَهُ لِبَائِعِهِ فَإِنْ دَفَعَ الْغُرَمَاءُ لِلْبَائِعِ ثَمَنَ شَيْئِهِ فَلَا كَلَامَ لَهُ فِيهِ. وَأَمَّا إذَا مَاتَ الْمُشْتَرِي فَلَيْسَ لِلْبَائِعِ إلَّا الْحِصَاصُ وَهَذَا مَفْهُومُ قَوْلِهِ: فَرَبُّهُ فِي فَلَسٍ مُخَيَّرٌ (قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ) : قَالَ مَالِكٌ مَنْ بَاعَ سِلْعَتَهُ فَمَاتَ الْمُبْتَاعُ قَبْل أَنْ يَدْفَعَ ثَمَنَهَا وَهِيَ قَائِمَةٌ بِيَدِهِ فَالْبَائِعُ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ فِي ثَمَنِهَا وَإِنْ فَلِسَ الْمُبْتَاعُ وَهِيَ قَائِمَةٌ بِيَدِهِ كَانَ الْبَائِعُ أَحَقَّ بِهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُفْلِسِ مَالٌ غَيْرَهَا إلَّا أَنْ يَرْضَى الْغُرَمَاءُ بِدَفْعِ ثَمَنِهَا إلَيْهِ فَذَلِكَ لَهُمْ اهـ. (وَفِي الْمُفِيدِ) وَمَنْ بَاعَ مِنْ رَجُلٍ سِلْعَتَهُ ثُمَّ فَلِسَ الْمُشْتَرِي قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ الْبَائِعُ ثَمَنَهَا فَوَجَدَهَا الْبَائِعُ عِنْدَهُ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَهَا بِالثَّمَنِ الَّذِي بَاعَهَا بِهِ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهَا وَحَاصَّ غُرَمَاءَهُ بِثَمَنِهَا فَإِنْ وَجَدَهَا نَاقِصَةً فِي سُوقِهَا أَوْ بَدَنِهَا فَلَهُ أَخْذُهَا وَكَذَلِكَ إنْ وَجَدَهَا قَدْ زَادَتْ فِي بَدَنِهَا أَوْ سُوقِهَا إلَّا أَنْ يَضْمَنَ لَهُ الْغُرَمَاءُ ثَمَنَهَا. اهـ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَالْمُتَقَدِّمَةِ فِي الْبَيْتَيْنِ قَبْلَهَا فِي الصُّورَةِ أَنَّ تِلْكَ لَمْ تَخْرُجْ عَنْ يَدِ بَائِعِهَا فَكَانَ

أَحَقَّ بِهَا فِي الْمَوْتِ وَالْفَلَسِ وَهَذِهِ قَبَضَهَا الْمُشْتَرِي فَرَبُّهَا أَحَقُّ بِهَا فِي الْفَلَسِ وَهُوَ فِي الْمَوْتِ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ وَلِهَذَا قَالَ فِي الْأُولَى وَاحْكُمْ بِذَا لِبَائِعٍ أَوْ صَانِعٍ فِيمَا بِأَيْدِيهِمْ الْبَيْتَ فَصَرَّحَ بِبَقَاءِ الشَّيْءِ بِيَدِ بَائِعِهِ وَقَالَ فِي هَذِهِ وَمَا حَوَاهُ مُشْتَرٍ فَصَرَّحَ بِأَنَّ الْمُشْتَرِي قَبَضَ مُشْتَرَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (تَنْبِيهٌ) إنَّمَا يَكُونُ الْبَائِعُ أَحَقَّ بِسِلْعَتِهِ فِي التَّفْلِيسِ بِأَرْبَعَةِ شُرُوطٍ: (أَحَدُهَا) : ذَكَرَهُ النَّاظِمُ وَهُوَ إنْ لَمْ يَدْفَعْ لَهُ الْغُرَمَاءُ ثَمَنَهَا (الثَّانِي) : أَنْ يُمْكِنَ الرُّجُوعُ فِي عَيْنِ شَيْئِهِ فَلَوْ لَمْ يُمْكِنْ فَلَيْسَ إلَّا الْمُحَاصَّةُ كَمَا إذَا أَفْلَسَ الزَّوْجُ بَعْدَ الدُّخُولِ بِالزَّوْجَةِ وَلَمْ تَقْبِضْ الصَّدَاقَ وَيَأْتِي لِلنَّاظِمِ التَّصْرِيحُ بِهِ. (الثَّالِثُ) : أَنْ لَا يَنْتَقِلَ عَنْ حَالَتِهِ فَلَوْ طُحِنَ الْقَمْحُ أَوْ صَارَ الزُّبْدُ سَمْنًا أَوْ فُصِّلَ الثَّوْبُ فَلَيْسَ إلَّا الْمُحَاصَّةُ. (الرَّابِعُ) : أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ مِمَّا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ بَعْدَ الْغَيْبَةِ عَلَيْهِ كَالْعَبْدِ وَالْفَرَسِ وَالثَّوْبِ أَمَّا مَا لَا يُعْرَفُ مِنْ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ فَإِنَّمَا لَهُ الْحِصَاصُ إلَّا أَنْ تَقُومَ بَيِّنَةٌ أَنَّهُ صَبَّ الزَّيْتَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْهُ فِي هَذِهِ الْجَرَّةِ الْمُعَيَّنَةِ وَخَلَطَهُ بِزَيْتِهِ فَلَهُ مَكِيلَتُهُ وَخَلْطُهُ بِمِثْلِهِ لَا يُفِيتُهُ. اهـ مِنْ الْقَلْشَانِيِّ. وَلَيْسَ مَنْ رَدَّ بِعَيْبٍ مَا اشْتَرَى ... أَوْلَى بِهِ فِي فَلَسٍ إنْ اعْتَرَى وَالْخُلْعُ فِي سِلْعَةِ بَيْعٍ فَاسِدِ ... ثَالِثُهَا اخْتِصَاصُهَا بِالنَّاقِدِ اشْتَمَلَ الْبَيْتُ الْأَوَّلُ عَلَى مَسْأَلَةٍ وَالثَّانِي عَلَى أُخْرَى (فَالْأُولَى) : مَنْ اشْتَرَى شَيْئًا وَدَفَعَ ثَمَنَهُ ثُمَّ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا فَرَدَّهُ عَلَى بَائِعِهِ فَفُلِّسَ الْبَائِعُ قَبْلَ أَنْ يَرُدَّ لِلْمُشْتَرِي ثَمَنَهُ فَلَا يَكُونُ الْمُشْتَرِي أَحَقَّ بِذَلِكَ الْمَعِيبِ الَّذِي رَدَّهُ فِي ثَمَنِهِ بَلْ هُوَ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ نَقْضٌ لِلْبَيْعِ، وَلَوْ قُلْنَا إنَّهُ ابْتِدَاءُ بَيْعٍ لَخُيِّرَ الْمُشْتَرِي لِكَوْنِهِ صَارَ بَائِعًا وَجَدَ سِلْعَتَهُ فِي التَّفْلِيسِ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ وَعَلَى أَنَّ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ نَقْضُ بَيْعٍ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَمَنْ رَدَّ عَبْدًا بِعَيْبٍ فَفُلِّسَ بَائِعُهُ وَالْعَبْدُ بِيَدِهِ قَبْلَ قَبْضِ الرَّادِّ ثَمَنَهُ لَا يَكُونُ أَحَقَّ بِهِ مِنْ الْغُرَمَاءِ وَعَلَى أَنَّهُ ابْتِدَاءُ بَيْعٍ يَكُونُ أَحَقَّ بِهِ ابْنُ عَرَفَةَ هَذَا نَصٌّ فِي أَنَّهُ بَعْدَ الرَّدِّ وَنَحْوُهُ لَفْظُ النَّوَادِرِ خِلَافًا لِقَوْلِ الْمَازِرِيِّ اُخْتُلِفَ إنْ لَمْ يُرَدَّ الْمَبِيعُ حَتَّى فُلِّسَ الْبَائِعُ مِنْ الْمَوَّاقِ. وَلَفْظُ التَّوْضِيحِ مَنْ اشْتَرَى سِلْعَةً ثُمَّ اطَّلَعَ فِيهَا عَلَى عَيْبٍ فَأَرَادَ رَدَّهَا فَوَجَدَ الْبَائِعَ قَدْ فُلِّسَ وَإِنَّ لَهُ رَدَّهَا وَلَا يَكُونُ أَحَقَّ بِهَا (قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ) وَهَذَا عَلَى أَنَّ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ نَقْضٌ وَأَمَّا عَلَى أَنَّهُ ابْتِدَاءُ بَيْعٍ فَيَكُونُ أَحَقَّ بِهَا. اهـ. (وَأَمَّا الْبَيْتُ الثَّانِي) فَأَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ مَنْ اشْتَرَى سِلْعَةً شِرَاءً فَاسِدًا وَقَدْ كَانَ دَفَعَ ثَمَنَهَا أَوْ كَانَ أَخَذَهَا عَنْ دَيْنٍ لَهُ فِي ذِمَّةِ الْبَائِعِ ثُمَّ فُلِّسَ الْبَائِعُ وَالسِّلْعَةُ لَمْ تَفُتْ وَهِيَ بِيَدِ الْمُشْتَرِي فَإِنَّ الْبَيْعَ يُفْسَخُ وَاخْتُلِفَ هَلْ يَكُونُ الْمُشْتَرِي أَحَقَّ بِهَا فِيمَا نَقَدَ مِنْ الثَّمَنِ أَوْ فِيمَا لَهُ مِنْ الدَّيْنِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ أَحَدُهَا: أَنَّهُ أَحَقُّ بِهَا وَهُوَ قَوْلُ سَحْنُونٍ الثَّانِي: لَا يَكُونُ أَحَقَّ بِهَا وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمَوَّازِ الثَّالِثُ: إنْ كَانَ أَخَذَهَا عَنْ دَيْنٍ كَانَ لَهُ عَلَى الْبَائِعِ الَّذِي فُلِّسَ فَهُوَ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ، وَإِنْ كَانَ دَفَعَ ثَمَنَهَا فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ (قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ) وَلَا اخْتِلَافَ بَيْنَهُمْ أَنَّهُ إنْ وَجَدَ الثَّمَنَ الَّذِي دَفَعَهُ بِعَيْنِهِ أَنَّهُ أَحَقُّ بِهَا فِي الْمَوْتِ وَالْفَلَسِ جَمِيعًا قَالَ جَمِيعَهُ فِي التَّوْضِيحِ. وَقَوْلُهُ: مَنْ رَدَّ، مَنْ: اسْمُ لَيْسَ، وَرَدَّ: صِلَةُ مَنْ، وَبِعَيْبٍ: يَتَعَلَّقُ بِرَدِّ، وَمَا اشْتَرَى: مَفْعُولُ رَدَّ، وَأَوْلَى: خَبَرُ لَيْسَ وَالنَّاقِدُ الَّذِي دَفَعَ الثَّمَنَ وَأَخْرَجَ بِهِ الَّذِي أَخَذَهَا عَنْ الدَّيْنِ. وَزَوْجَةٌ فِي مَهْرِهَا كَالْغُرَمَا ... فِي فَلَسٍ لَا فِي الْمَمَاتِ فَاعْلَمَا وَحَارِسُ الْمَتَاعِ وَالزَّرْعِ وَمَا ... أَشْبَهَهُ مَعَهُمْ قَدْ قَسَمَا يَعْنِي إنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَدَخَلَ بِهَا وَلَمْ يَدْفَعْ لَهَا الصَّدَاقَ ثُمَّ فُلِّسَ أَوْ مَاتَ فَإِنَّ الزَّوْجَةَ تُحَاصُّ الْغُرَمَاءَ بِصَدَاقِهَا فِي الْفَلَسِ أَمَّا فِي الْمَوْتِ فَلَا شَيْءَ لَهَا وَهَذَا قَوْلُ الْجَلَّابِ وَالْمَشْهُورُ أَنَّهَا تُحَاصِصُ

باب في الضرر وسائر الجنايات

بِصَدَاقِهَا فِي الْفَلَسِ وَالْمَوْتِ مَعًا (قَالَ فِي التَّوْضِيحِ) اُخْتُلِفَ هَلْ تُحَاصُّ الزَّوْجَةُ الْغُرَمَاءَ بِصَدَاقِهَا الْمَشْهُورُ أَنَّهَا تُحَاصِصُ بِهِ فِي الْمَوْتِ وَالْفَلَسِ وَقِيلَ: لَا تُحَاصِصُ فِيهِمَا، وَفِي الْجَلَّابِ تُحَاصُّ بِهِ فِي الْفَلَسِ دُونَ الْمَوْتِ. اهـ. وَعَلَى الثَّالِثِ اقْتَصَرَ النَّاظِمُ وَأَشَارَ بِالْبَيْتِ الثَّانِي إلَى أَنَّ حَارِسَ الْمَتَاعِ وَالزَّرْعِ إذَا أَفْلَسَ رَبُّ الْمَتَاعِ أَوْ الزَّرْعِ لَا يَكُونُ الْحَارِسُ أَحَقَّ بِمَا فِي يَدِهِ فِي أُجْرَةِ حِرَاسَتِهِ بَلْ هُوَ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِقَوْلِهِ مَعَهُمْ أَيْ مَعَ الْغُرَمَاءِ قَدْ قَسَمَا مَا وَجَدَ مِنْ مَتَاعِ الْمَدِينِ وَفِي التَّفْرِيعِ لِابْنِ الْجَلَّابِ مَنْ اُسْتُؤْجِرَ عَلَى غَنَمٍ يَرْعَاهَا أَوْ مَتَاعٍ يَحْفَظُهُ ثُمَّ أَفْلَسَ مُسْتَأْجِرُهُ فَالْأَجِيرُ أُسْوَةُ غُرَمَائِهِ وَلَا سَبِيلَ لَهُ عَلَى الْغَنَمِ وَلَا عَلَى الْمَتَاعِ الَّذِي اُسْتُؤْجِرَ عَلَى حِفْظِهِ. اهـ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: أَمَّا الْأَجِيرُ عَلَى رِعَايَةِ الْإِبِلِ أَوْ عَلَى رَحَى الْمَاءِ فَهُوَ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ فِي الْمَوْتِ وَالْفَلَسِ. [بَابٌ فِي الضَّرَرِ وَسَائِرِ الْجِنَايَاتِ] ِ وَمُحْدِثٌ مَا فِيهِ لِلْجَارِ ضَرَرْ ... مُحَقَّقٌ يُمْنَعُ مِنْ غَيْرِ نَظَرْ كَالْفُرْنِ وَالْبَابِ وَمِثْلِ الْأَنْدَرِ ... أَوْ مَا لَهُ مَضَرَّةٌ بِالْجُدُرِ فَإِنْ يَكُنْ يَضُرُّ بِالْمَنَافِعِ ... كَالْفُرْنِ بِالْفُرْنِ فَمَا مِنْ مَانِعِ يَعْنِي: أَنَّ مَنْ أَحْدَثَ مَا فِيهِ ضَرَرٌ مُحَقَّقٌ لِجَارِهِ فَإِنَّهُ يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ وَيُزَالُ الضَّرَرُ عَنْ الْجَارِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» وَذَلِكَ كَإِحْدَاثِ الْفُرْنِ الَّذِي يُؤْذِي الْقَرِيبَ مِنْهُ بِدُخَانِهِ وَنَارِهِ وَالْبَابِ الَّذِي يَضُرُّ بِفَتْحِ مَحَلِّهِ مِنْ الْحَائِطِ وَدَوَرَانُ دَفَّتِهِ وَصَرِيرُ رِتَاجِهِ وَتَطَلُّعِ الْخَارِجِ مِنْهُ فِي الزُّقَاقِ غَيْرِ النَّافِذِ وَالْأَنْدَرِ الَّذِي يَضُرُّ بِتِبْنِهِ وَغُبَارِهِ وَكَذَلِكَ مَا يَضُرُّ بِالْجُدُرِ مِنْ حُفْرَةِ مِرْحَاضٍ أَوْ تَسْرِيبِ قَنَاةٍ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَأَدْخَلَ الْكَافَ عَلَى الْفُرْنِ لِيُدْخِلَ الْحَمَّامَ وَالتَّنُّورَ وَنَحْوُهُمَا وَأَدْخَلَ لَفْظَ الْمِثْلِ عَلَى الْأَنْدَرِ لِيَدْخُلَ الْإِصْطَبْلُ وَنَحْوُهُ كَمَنْ يَنْفُضُ حَصِيرَهُ عَلَى بَابِ دَارِهِ فَإِنَّهُ يُؤْذِي الْمَارِّينَ بِالطَّرِيقِ بِغُبَارِهِ. وَاحْتَرَزَ بِوَصْفِ الضَّرَرِ الَّذِي يَكُونُ مُتَوَقَّعًا غَيْرَ وَاقِعٍ وَلَا مُتَحَقَّقٍ وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِالْبَيْتَيْنِ الْأَوَّلِينَ ثُمَّ أَشَارَ بِالْبَيْتِ الثَّالِثِ إلَى الْقِسْمِ الثَّانِي مِنْ أَقْسَامِ الضَّرَرِ وَهُوَ مَا يُؤَدِّي إلَى نَقْصِ الْمَنْفَعَةِ دُونَ إضْرَارٍ بِالرَّقَبَةِ كَإِحْدَاثِ الْفُرْنِ بِإِزَاءِ الْفُرْنِ أَوْ الرَّحَى بِقُرْبِ الرَّحَى وَأَخْبَرَ أَنَّهُ لَا يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ فَفِي الْمُتَيْطِيَّةِ مَا يُحْدِثُهُ الرَّجُلُ فِي عَرْصَتِهِ مِمَّا يَضُرُّ بِجِيرَانِهِ

مِنْ بِنَاءِ حَمَّامٍ أَوْ فُرْنٍ لِلْخَبْزِ أَوْ لِسَبْكِ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ أَوْ كِيرٍ لِعَمَلِ الْحَدِيدِ أَوْ رَحَى مِمَّا يَضُرُّ بِالْجِيرَانِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ أَنَّ لَهُمْ مَنْعَهُ وَقَالَهُ فِي الدُّخَانِ وَوَجْهُ ذَلِكَ ضَرَرُ الدُّخَانِ الَّذِي يَدْخُلُ فِي دُورِهِمْ وَيَضُرُّ بِهِمْ (وَفِي الْمُقَرَّبِ) قُلْتُ فَإِنْ كَانَتْ فِي عَرْصَةٍ وَأَرَدْتُ أَنْ أَحْفِرَ فِيهَا بِئْرًا أَوْ كَنِيفًا قُرْبَ جُدَرَانِ الْجِيرَانِ فَقَامَ عَلَيَّ الْجِيرَانُ فَقَالَ إنْ كَانَ مَا يُحْدِثُ ضَرَرًا عَلَيْهِمْ فَلَهُمْ أَنْ يَمْنَعُوهُ. وَفِيهِ أَيْضًا قِيلَ لِسَحْنُونٍ فَمَنْ أَحْدَثَ أَنْدَرًا فَأَضَرَّ ذَلِكَ بِدَارِ جَارِهِ يَقَعُ فِيهِ التِّبْنُ فَقَالَ لَيْسَ لِصَاحِبِ الْأَنْدَرِ أَنْ يُحْدِثَ عَلَى جَارِهِ مَا يَضُرُّ بِهِ وَيُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ (وَفِي مُفِيدِ ابْنِ هِشَامٍ) وَكَذَلِكَ يُمْنَعُ مَنْ أَحْدَثَ إصْطَبْلًا عِنْدَ بَيْتِ جَارِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ بِبَوْلِ الدَّوَابِّ وَزِبْلِهَا بِبَيْتِ جَارِهِ وَحَرَكَتِهَا فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ الْمَانِعَةِ مِنْ النَّوْمِ (وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ) لَيْسَ لَك أَنْ تَفْتَحَ فِي سِكَّةٍ غَيْرِ نَافِذَةٍ بَابًا يُقَابِلُ بَابَ جَارِك أَوْ يُقَارِبُهُ وَلَا تُحَوِّلَ بَابًا هُنَالِكَ إذَا مَنَعَكَ لِأَنَّهُ يَقُولُ الْمَوْضِعُ الَّذِي تُرِيدُ أَنْ تَفْتَحَ فِيهِ بَابَكَ لِي فِيهِ مِرْفَقٌ أَفْتَحُ فِيهِ بَابِي فِي سُتْرَةٍ وَلَا أَدَعُكَ أَنْ تَفْتَحَ قُبَالَةَ بَابِي أَوْ قُرْبَهُ فَتَتَّخِذَ عَلَيَّ فِيهِ الْمَجَالِسَ وَشِبْهَ هَذَا مِنْ الضَّرَرِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُحْدِثَ عَلَى جَارِهِ مَا يَضُرُّ بِهِ وَأَمَّا فِي السِّكَّةِ النَّافِذَةِ فَلَكَ أَنْ تَفْتَحَ مَا شِئْتَ أَوْ تُحَوِّلَ بَابَكَ حَيْثُ شِئْتَ مِنْهَا وَكَذَلِكَ فِي الْعُتْبِيَّةِ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ فِي الْفَتْحِ قُبَالَةَ جَارِهِ وَفِي أَحْكَامِ ابْنِ سَهْلٍ وَمِمَّا يُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْتُهُ مِنْ أَنَّ انْحِطَاطَ الْقِيمَةِ لَا يُرَاعِي اتِّفَاقَ الْجَمِيعِ

فِيمَنْ أَحْدَثَ فُرْنًا عَلَى فُرْنٍ أَوْ حَمَّامًا عَلَى حَمَّامٍ أَوْ رَحًى عَلَى رَحًى قَدِيمَةٍ وَلَا يَضُرُّ الْمُحْدِثُ مِنْ ذَلِكَ بِالْقَدِيمِ فِي شَيْءٍ مِنْ وُجُوهِ الضَّرَرِ إلَّا فِي نُقْصَانِ الْغَلَّةِ أَوْ قِلَّةِ الْعِمَارَةِ أَنَّهُ لَا يُمْنَعُ مُحْدِثُ ذَلِكَ مِنْ إحْدَاثِهِ وَلَيْسَ لِصَاحِبِ الْقَدِيمِ اعْتِرَاضُهُ فِي ذَلِكَ. (فَرْعٌ) سُئِلَ الْقَاضِي أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ سِرَاجٍ عَمَّنْ أَرَادَ إحْدَاثَ بُرْجٍ وَاِتِّخَاذَ حَمَّامٍ فَأَجَابَ اتِّخَاذُ الْحَمَّامِ فِي الْأَبْرَاجِ جَائِزٌ مَضَى عَلَيْهِ الْعَمَلُ (قَالَ اللَّخْمِيُّ) قَالَ مَالِكٌ: مِنْ أَمْرِ النَّاسِ اتِّخَاذُ الْأَبْرَاجِ لَكِنَّ هَذَا إذَا لَمْ يَضُرَّ بِغَيْرِهِ، مِثْلُ أَنْ يُجَاوِرَهُ فَدَّانٌ لِأَحَدٍ فَيَضُرَّ بِهِ أَوْ يُحْدِثَ الْبُرْجَ بِقُرْبِ بُرْجٍ آخَرَ فَأَخَذَ لَهُ الْحَمَّامَ فَيُمْنَعُ مِنْ إحْدَاثِهِ قَالَهُ ابْنُ سِرَاجٍ (فَائِدَةٌ) قَالَ فِي أَوَّلِ نَوَازِلِ الضَّرَرِ مِنْ الْمِعْيَارِ فِي سِيَاقِ أَسْئِلَةٍ سُئِلَ عَنْهَا الْقَاضِي ابْنُ عَبْدِ الرَّفِيعِ وَسُئِلَ عَمَّنْ عَمِلَ فِي دَارِهِ رَحًى فَاشْتَكَى جَارُهُ الضَّرَرَ مِمَّا لَحِقَ حِيطَانَ دَارِهِ مِنْ هَذِهِ الرَّحَى بِمَ يُعْلَمُ هَزُّ هَذِهِ الرَّحَى وَهَلْ فِي الْأَرْضِ أَوْ فِي الْحَائِطِ فَأَجَابَ قَالَ يُؤْخَذُ طَبَقٌ مِنْ كَاغَدٍ وَتُرْبَطُ أَرْكَانُهُ بِأَرْبَعَةِ خُيُوطٍ فِي كُلِّ رُكْنٍ خَيْطٌ وَتُجْمَعُ أَطْرَافُ الْخُيُوطِ وَتُعَلَّقُ فِي السَّقْفِ الَّذِي عَلَى الْحَائِطِ الْفَاصِلِ بَيْنَ الدَّارِ وَبَيْنَ الرَّحَى مِنْ جِهَةِ الدَّارِ وَيُعْمَلُ عَلَى الْكَاغَدِ حَبَّاتٍ مِنْ كُزْبَرٍ يَابِسٍ، وَيُقَال لِصَاحِبِ الرَّحَى هُزَّ رَحَاكَ فَإِنْ اهْتَزَّ الْكُزْبَرُ عَلَى الْكَاغَدِ قِيلَ لِصَاحِبِ الرَّحَى اقْلَعْ رَحَاكَ لِأَنَّهَا تَضُرُّ بِالْجَارِ، وَإِنْ لَمْ يَهْتَزَّ الْكُزْبَرُ قِيلَ لِصَاحِبِ الدَّارِ اُتْرُكْ صَاحِبَ الرَّحَى يَخْدُمُ لِأَنَّهَا لَا تَضُرُّ بِك فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْحَائِطِ سَقْفٌ وَإِنَّمَا هُوَ سِتْرُهُ فَإِنَّهُ يَجْعَلُ الْكُزْبَرَ عَلَى الْحَائِطِ وَتُخْتَبَرُ بِمَا ذُكِرَ. اهـ بِبَعْضِ اخْتِصَارٍ. ثُمَّ نَقَلَ عَنْ ابْنِ الرَّامِي قَالَ الَّذِي عِنْدِي فِي الَّذِي يُرِيدُ أَنْ يَعْمَلَ فِي دَارِهِ الرَّحَى إنَّهُ يَبْعُدُ عَنْ حَائِطِ الْجَارِ بِثَمَانِيَةِ أَشْبَارٍ مِنْ حَدِّ دَوَرَانِ الْبَهِيمَةِ إلَى حَائِطِ الْجَارِ وَيُشْغَلُ ذَلِكَ بِالْبُنْيَانِ بَيْنَ دَوَرَانِ الْبَهِيمَةِ وَحَائِطِ الْجَارِ إمَّا بِبَيْتٍ أَوْ مَخْزَنٍ أَوْ بِمُحَازٍ لَا بُدَّ فِي ذَلِكَ مِنْ حَائِلٍ؛ لِأَنَّ الْبِنَاءَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَضَرَّةِ وَحَائِطِ الْجَارِ وَذُكِرَ أَيْضًا فِيمَنْ أَحْدَثَ خَلْفَ بَيْتِ جَارِهِ رِوَاءً لِدَابَّةٍ فَاشْتَكَى صَاحِبُ الْبَيْتِ ضَرَرَ الدَّابَّةِ. فَأَجَابَ ابْنُ عَبْدِ الرَّفِيعِ الْمَذْكُورُ بِوُجُوبِ زَوَالِهِ وَإِخْرَاجِ الدَّابَّةِ مِنْهُ فَصَاحَ صَاحِبُ الدَّابَّةِ وَقَالَ لَيْسَ لِي غِنًى عَنْ الدَّابَّةِ؛ لِأَنَّ عَلَيْهَا مَعَاشِي فَاسْتَفْهِمْ لِي أَهْلَ الْمَعْرِفَةِ بِمَ يَنْدَفِعُ الضَّرَرُ عَنْ جَارِي فَسُئِلَ عُرَفَاءُ الْبُنْيَانِ عَنْ أَمْرِهِ فَقَالُوا يَحْفِرُ أَسَاسًا وَيَنْزِلُ فِيهِ قَدْرَ الْقَامَةِ خَلْفَ الْحَائِطِ الَّذِي هُوَ صَدْرُ الْبَيْتِ وَيَرْفَعُ فِي حَقِّهِ حَائِطًا مِنْ تَحْتِ وَجْهِ الْأَرْضِ بِخَمْسَةِ أَشْبَارٍ إلَى مُنْتَهَى السَّقْفِ فَعَرَّفُوا الْقَاضِي بِمَا أَمَرُوا بِهِ صَاحِبَ الدَّابَّةِ فَلَمَّا فَعَلَ ذَلِكَ انْقَطَعَ الضَّرَرُ عَنْ صَاحِبِ الْبَيْتِ بِذَلِكَ. فَقَالَ الْقَاضِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُشْهَدُ عَلَى صَاحِبِ الدَّابَّةِ بِذَلِكَ لِئَلَّا يَطُولَ الزَّمَانُ وَيَنْزِعَ ذَلِكَ الْحَائِطَ وَيَسْتَحِقَّ الْمَرْبِطَ بِالْقِدَمِ اهـ وَلَسْتُ فِي عُهْدَةِ تَصْحِيفٍ إنْ وُجِدَ فِيهِ إذْ لَمْ أَجِدْ فِي الْوَقْتِ غَيْرَهُ وَهُوَ عَلَى الْحُدُوثِ حَتَّى يَثْبُتَا ... خِلَافُهُ بِذَا الْقَضَاءُ ثَبَتَا يَعْنِي: أَنَّهُ إذَا وَقَعَ النِّزَاعُ فِي الضَّرَرِ هَلْ هُوَ قَدِيمٌ فَيَبْقَى وَلَا يُزَالُ أَوْ حَادِثٌ فَيُزَالُ فَإِنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى الْحُدُوثِ حَتَّى يَثْبُتَ قِدَمُهُ وَإِثْبَاتُ ذَلِكَ عَلَى مُدَّعِي قِدَمِهِ قَالَ (ابْنُ سَلْمُونٍ) وَاخْتُلِفَ فِي الضَّرَرِ إنْ أَشْكَلَ هَلْ هُوَ قَدِيمٌ أَوْ مُحْدَثٌ فَفِي أَحْكَامِ ابْنِ زِيَادٍ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ مُحْدَثٌ حَتَّى يَثْبُتَ أَنَّهُ قَدِيمٌ وَفِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ قَدِيمٌ حَتَّى يُعْلَمَ أَنَّهُ مُحْدَثٌ وَبِالْأَوَّلِ الْقَضَاءُ اهـ وَمِنْ قَوْلِهِ بِذَا الْقَضَاءُ ثَبَتَا يُفْهَمُ أَنَّ ثَمَّ قَوْلًا آخَرَ لَا يُقْضَى بِهِ وَهُوَ حَمْلُهُ عَلَى الْقِدَمِ حَتَّى يَثْبُتَ حُدُوثُهُ وَهُوَ الَّذِي تَقَدَّمَ عَنْ كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ وَمَا ذَكَرَهُ فِي هَذَا الْبَيْت مَبْنِيٌّ عَلَى مَا يَأْتِي لَهُ فِي فَصْلِ مُسْقِطِ الضَّرَرِ مِنْ كَوْنِ الضَّرَرِ يُحَازُ بِمَا تُحَازُ بِهِ الْأَمْلَاكُ، وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا يُحَازُ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى النَّظَرِ فِي كَوْنِهِ قَدِيمًا أَوْ حَادِثًا بَلْ يَجِبُ رَفْعُهُ وَإِزَالَتُهُ قَدِيمًا كَانَ أَوْ حَادِثًا وَيَأْتِي الْخِلَافُ فِي ذَلِكَ حَيْثُ تَعَرَّضَ لَهُ النَّاظِمُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنْ شَاءَ اللَّهُ وَإِنْ يَكُنْ تَكَشُّفًا فَلَا يُقَرْ ... بِحَيْثُ الْأَشْخَاصُ تَبِينُ وَالصُّوَرْ يَعْنِي: إذَا كَانَ الضَّرَرُ تَكَشُّفًا بِحَيْثُ تَبِينُ بِهِ الْأَشْخَاصُ وَالصُّوَرُ فَإِنَّهُ يُزَالُ وَلَا يُقَرُّ (قَالَ الشَّارِحُ)

وَتَبِينُ الْأَشْخَاصُ وَهُوَ بِحَيْثُ يُتَبَيَّنُ زَيْدٌ مِنْ عَمْرٍو وَتَبِينُ الصُّوَرُ بِحَيْثُ يُتَبَيَّنُ الذَّكَرُ مِنْ الْأُنْثَى وَالْحَسَنُ مِنْ الْقَبِيحِ (قَالَ فِي الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ) وَمَنْ ذَهَبَ إلَى أَنْ يُحْدِثَ عَلَى جَارِهِ كُوَّةً أَوْ بَابًا فِي غُرْفَةٍ يُشْرِفُ مِنْهَا عَلَى مَا فِي دَارِ جَارِهِ أَوْ أُسْطُوَانِهِ أَوْ غُرْفَتِهِ مُنِعَ مِنْ ذَلِكَ فَإِنْ أَحْدَثَهَا قُضِيَ عَلَيْهِ بِغَلْقِ الْكُوَّةِ وَالْبَابِ بِالْبُنْيَانِ وَقَلْعِ الْعَتَبَةِ مِنْ الْبَابِ وَلَمْ تُتْرَكْ الْعَتَبَةُ فِيهَا لِأَنَّهُ إنْ تَرَكَهَا ثُمَّ طَالَ الزَّمَانُ وَنُسِيَ الْأَمْرُ كَانَتْ حُجَّةً لِلْبَابِ وَيَقُولُ: إنَّمَا أَغْلَقْتُهُ لِأُعِيدَهُ مَتَى شِئْتُ وَلِذَلِكَ يُقْضَى بِقَلْعِ الْعَتَبَةِ فِي بَابِ الدَّارِ إذَا حُكِمَ بِغَلْقِهِ اهـ وَكَذَلِكَ يُقْضَى بِقَلْعِ عَتَبَةِ الْكُوَّةِ لِلْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ فِي عَتَبَةِ الْبَابِ (وَفِي طُرَرِ ابْنِ عَاتٍ) الْمُشَاوِرُ إنَّمَا يُمْنَعُ إذَا تَبَيَّنَتْ الْأَشْخَاصُ، وَأَمَّا إذَا لَمْ تَتَبَيَّنْ فَلَا يُمْنَعُ اهـ مِنْ الِاسْتِغْنَاءِ وَمَا بَنَتْنِ الرِّيحِ يُؤْذِي يُمْنَعُ ... فَاعِلُهُ كَالدَّبْغِ مَهْمَا يَقَعُ يَعْنِي إذَا كَانَ الضَّرَرُ الْحَادِثُ عَلَى الْجَارِ بَنَتْنِ الرَّائِحَةِ كَالدَّبْغِ فَإِنَّ فَاعِلَهُ يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ (قَالَ فِي طُرَرِ ابْنِ عَاتٍ) عَنْ الْمُشَاوِرِ بَعْدَ إجَازَتِهِ مَا يُتَأَذَّى بِصَوْتِهِ كَالْكَمَدِ وَشِبْهِهِ مَا نَصُّهُ بِخِلَافِ أَنْ يُحْدِثَ فِي دَارِهِ أَوْ حَانُوتِهِ دِبَاغًا أَوْ يَفْتَحَ بِقُرْبِ جَارِهِ مِرْحَاضًا وَلَا يُغَطِّيهِ أَوْ مَا تُؤْذِيهِ رَائِحَتُهُ؛ لِأَنَّ الرَّائِحَةَ الْمُنْتِنَةَ تَخْرِقُ الْخَيَاشِيمَ وَتَصِلُ إلَى الْمِعَى وَتُؤْذِي الْإِنْسَانَ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ شَيْئًا فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا يُؤْذِينَا بِرِيحِ الثُّومِ» فَكُلُّ رَائِحَةٍ تُؤْذِي يُمْنَعُ مِنْهَا لِهَذَا قَالَ وَبِهِ الْعَمَلُ. اهـ. وَبِنَتْنِ: يَتَعَلَّقُ بِيُؤْذِي، وَجُمْلَةُ يُمْنَعُ فَاعِلُهُ: خَبَرُ مَا الْمَوْصُولَةِ، وَصِلَتُهَا: يُؤْذِي وَقَوْلُ مَنْ يُثْبِتُهُ مُقَدَّمُ ... عَلَى مَقَالِ مَنْ بِنَفْيٍ يَحْكُمُ يَعْنِي أَنَّ مَنْ أَحْدَثَ أَمْرًا فَادَّعَى جَارُهُ أَنَّ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ ضَرَرًا وَادَّعَى الْمُحْدِثُ الْمَذْكُورُ أَنَّهُ لَا ضَرَرَ يَلْحَقُهُ فِي ذَلِكَ وَأَقَامَ كُلٌّ مِنْهُمَا بَيِّنَةً عَلَى دَعْوَاهُ فَمَنْ أَثْبَتَ الضَّرَرَ مُقَدَّمٌ عَلَى مَنْ نَفَاهُ. قَالَ فِي طُرَرِ ابْنِ عَاتٍ ذَكَرَ الْبَاجِيُّ أَنَّهُ إنْ أَتَى بِبَيِّنَةٍ تَشْهَدُ أَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَى فُلَانٍ فِي ذَلِكَ لَا يُلْتَفَتُ إلَى ذَلِكَ وَالْبَيِّنَةُ الَّتِي شَهِدَتْ بِالضَّرَرِ أَتَمُّ شَهَادَةً وَأَوْلَى بِالْحُكْمِ بِهَا انْتَهَى وَنَحْوُهُ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ

وَإِنْ جِدَارٌ سَاتِرٌ تَهَدَّمَا ... أَوْ كَانَ خَشْيَةَ السُّقُوطِ هُدِّمَا فَمَنْ أَبَى بِنَاءَهُ لَنْ يُجْبَرَا ... وَقِيلَ لِلطَّالِبِ إنْ شِئْتَ اُسْتُرَا وَعَامِدٌ لِلْهَدْمِ دُونَ مُقْتَضِي ... عَلَيْهِ بِالْبِنَاءِ وَحْدَهُ قُضِيَ إنْ كَانَ ذَا وُجْدٍ وَكَانَ مَالَهُ ... وَالْعَجْزُ عَنْهُ أَدَبًا أَنَالَهُ وَإِنْ يَكُنْ مُشْتَرَكًا فَمَنْ هَدَمْ ... دُونَ ضَرُورَةٍ بِنَاءَهُ الْتَزَمْ وَإِنْ يَكُنْ لِمُقْتَضٍ فَالْحُكْمُ أَنْ ... يَبْنِيَ مَعْ شَرِيكِهِ وَهُوَ السَّنَنْ مِنْ غَيْرِ إجْبَارٍ فَإِنْ أَبَى قُسِمْ ... مَوْضِعُهُ بَيْنَهُمَا إذَا حُكِمْ الْجِدَارُ السَّاتِرُ بَيْنَ الدَّارَيْنِ وَشِبْهِهِمَا لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ مِلْكًا لِأَحَدِ مَالِكَيْ الدَّارَيْنِ أَوْ يَكُونُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا فَإِنْ كَانَ لِأَحَدِ مَالِكَيْ الدَّارَيْنِ وَهُدِمَ فَإِنْ انْهَدَمَ بِنَفْسِهِ أَوْ هَدَمَهُ مَالِكُهُ خَوْفَ سُقُوطِهِ فَإِنَّهُ لَا يُجْبَرُ عَلَى بِنَائِهِ بَلْ إنْ شَاءَ بَنَاهُ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ بِنَاءَهُ فَإِنْ طَالَبَهُ الْجَارُ بِبِنَائِهِ فَيُقَالُ لَهُ إنَّ صَاحِبَهُ لَمْ يَقْصِدْ ضَرَرَكَ فَإِنْ شِئْتَ فَاسْتُرْ عَلَى نَفْسِكَ أَوْ دَعْ وَعَلَى هَذَا نَبَّهَ بِالْبَيْتَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ. وَأَمَّا إنْ هَدَمَهُ مَالِكُهُ لِغَيْرِ مُوجِبٍ فَإِنَّهُ يُقْضَى عَلَيْهِ وَحْدَهُ بِبِنَائِهِ لِظُهُورِ قَصْدِ إرَادَةِ الضَّرَرِ بِالْجَارِ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ وَالْجِدَارُ مِلْكٌ لَهُ كَمَا هُوَ فَرْضُ الْمَسْأَلَةِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ فَإِنَّهُ يُؤَدَّبُ عَلَى تَعَمُّدِهِ لِهَدْمِ مَا يَضُرُّ بِجَارِهِ وَلَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى بِنَائِهِ وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِقَوْلِهِ وَعَامِدٌ لِلْهَدْمِ دُونَ مُقْتَضِي الْبَيْتَيْنِ وَإِنْ كَانَ الْجِدَارُ مُشْتَرَكًا بَيْنَ الْجَارَيْنِ فَهَدَمَهُ أَحَدُهُمَا فَإِنْ هَدَمَهُ لِغَيْرِ مُوجِبٍ وَلَا ضَرُورَةَ تَدْعُوهُ لِهَدْمِهِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ بِنَاؤُهُ لِأَنَّهُ هَدَمَ مِلْكَهُ وَمِلْكَ غَيْرِهِ لِغَيْرِ مُوجِبٍ وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: وَإِنْ يَكُنْ مُشْتَرَكًا فَمَنْ هَدَمْ ... دُونَ ضَرُورَةٍ بِنَاءَهُ الْتَزَمَ وَإِنْ هَدَمَهُ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ فِيهِ لِمُوجِبٍ كَخَوْفِ سُقُوطِهِ فَبِنَاؤُهُ عَلَيْهِمَا لَكِنْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُجْبَرَ الْمُمْتَنِعُ مِنْهُمَا عَلَى بِنَائِهِ فَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى بِنَائِهِ فَلَا إشْكَالَ وَإِنْ لَمْ يَتَّفِقَا وَامْتَنَعَا أَوْ أَحَدُهُمَا مِنْ بِنَائِهِ فَإِنْ تَحَاكَمَا حُكِمَ بَيْنَهُمَا بِقِسْمَةِ مَوْضِعِ الْحَائِطِ الْمُشْتَرَكِ (قَالَ فِي الْمَقْصِدِ الْمَحْمُودِ) وَإِنْ سَقَطَ جِدَارُ رَجُلٍ أَوْ هَدَمَهُ خَوْفَ سُقُوطِهِ لَمْ يُجْبَرْ عَلَى إعَادَتِهِ وَقِيلَ لِجَارِهِ اُسْتُرْ عَلَى نَفْسِك أَوْ دَعْ وَإِنْ هَدَمَهُ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ قُضِيَ عَلَيْهِ بِإِعَادَتِهِ إلَّا أَنْ يُعْلَمَ أَنْ لَا مَالَ لَهُ وَإِنْ كَانَ الْحَائِطُ بَيْنَهُمَا فَتَسَقَّطَ فَأَبَى أَحَدُهُمَا مِنْ الْإِعَادَةِ فَإِنْ كَانَ يَنْقَسِمُ قُسِمَ وَإِلَّا قُضِيَ عَلَى الْآبِي مِنْهُمَا بِالْبِنَاءِ مَعَ صَاحِبِهِ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ يُقْسَمُ بِخَيْطٍ مِنْ أَعْلَاهُ إلَى أَسْفَلِهِ إلَّا أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى قِسْمَةِ عَرْضِهِ عَلَى طُولِهِ. وَقَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ يُقْسَمُ بَيْنَهُمَا عَرْضًا يَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفَهُ مِمَّا يَلِيهِ (وَفِي مُفِيدِ ابْنِ هِشَامٍ) قَالَ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْجِدَارِ يَكُونُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ فَيَتَهَدَّمُ فَيُرِيدُ أَحَدُهُمَا أَنْ يَبْنِيَهُ وَيَأْبَى ذَلِكَ صَاحِبُهُ أَنَّهُ لَا يُؤْمَرُ بِبِنَائِهِ وَإِنْ أَحَبَّ الْآخَرُ أَنْ يَسْتُرَ دَارِهِ سَتَرَهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْجِدَارُ بَيْنَهُمَا فَيُؤْمَرُ أَنْ يَبْنِيَ مَعَ صَاحِبِهِ إذَا أَرَادَ ذَلِكَ قَالَ عِيسَى يُؤْمَرُ وَلَا يُجْبَرُ عَلَى أَنْ يَبْنِيَ مَعَهُ بِحُكْمٍ فَإِنْ كَرِهَ قَاسَمَهُ مَوْضِعَ الْجِدَارِ فَأَخَذَ نِصْفَهُ مِمَّا يَلِيهِ. قَالَ سَحْنُونٌ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي الْحَائِطِ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ يَحْتَاجُ إلَى الْإِصْلَاحِ أَوْ يَتَهَدَّمُ فَلَا يُرِيدُ أَحَدُهُمَا الْإِصْلَاحَ وَلَا الْبُنْيَانَ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يُجْبَرُ الَّذِي يَأْبَى مِنْهُمَا وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَا يُجْبَرُ إذَا لَمْ يُرِدْ ذَلِكَ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ مِنْ رِوَايَةِ عِيسَى إذَا كَانَ حَائِطٌ بَيْنَ دَارَيْنِ فَهَدَمَهُ أَحَدُهُمَا فَعَلَيْهِ أَنْ يَبْنِيَهُ إذَا كَانَ قَدْ هَدَمَهُ عَلَى وَجْهِ الضَّرَرِ وَإِذَا كَانَ هَدَمَهُ لِلْإِصْلَاحِ فَعَجَزَ عَنْهُ أَوْ انْهَدَمَ مِنْ غَيْرِ فِعْلِهِ فَلَا يُجْبَرُ عَلَى بِنَائِهِ كَمَا كَانَ، وَرَوَى يَحْيَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ يُجْبَرُ عَلَى بُنْيَانِهِ كَانَ هُوَ الَّذِي هَدَمَهُ أَوْ انْهَدَمَ مِنْ غَيْرِ هَادِمٍ إذَا كَانَ قَوِيًّا عَلَى بُنْيَانِهِ فَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا عَنْهُ لَمْ يُجْبَرْ عَلَى بُنْيَانِهِ. اهـ. وَجِدَارٌ فَاعِلٌ بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ يُفَسِّرُهُ تَهَدَّمَا وَهُدِّمَ بِالْبِنَاءِ لِلنَّائِبِ وَالطَّالِبُ أَيْ لِلْبِنَاءِ وَالْوُجْدُ مُثَلَّثُ الْوَاوِ مَصْدَرُ وَجَدَ فِي الْمَالِ أَيْ اسْتَغْنَى وَأَوْجَدَهُ أَيْ أَغْنَاهُ، يُقَالُ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَوْجَدَنِي بَعْدَ فَقْدِي قَالَهُ فِي الصِّحَاحِ وَقَوْلُهُ وَكَانَ مَالَهُ أَيْ مِلْكًا وَمَالًا مِنْ مَالِهِ وَأَدَبًا مَفْعُولٌ ثَانٍ لِأَنَالَ، وَإِنْ يَكُنْ أَيْ الْجِدَارُ السَّاتِرُ مُشْتَرَكًا وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَا قَبْلَهُ فِي الْجِدَارِ الْمَمْلُوكِ لِأَحَدِ الْجَارَيْنِ وَبِنَاءَهُ مَفْعُولُ الْتَزَمَ وَإِنْ يَكُنْ أَيْ هَدْمُهُ وَالسَّنَنُ أَيْ الطَّرِيقُ

وَإِنْ تَدَاعَيَاهُ فَالْقَضَاءُ ... لِمَنْ لَهُ الْعُقُودُ وَالْبِنَاءُ يَعْنِي إذَا تَنَازَعَ الْجَارَانِ فِي الْحَائِطِ الَّذِي بَيْنَهُمَا فَادَّعَاهُ كُلُّ وَاحِدٍ لِنَفْسِهِ وَلَا بَيِّنَةَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا فَإِنَّهُ يُقْضَى بِهِ لِمَنْ تَكُونُ لَهُ عُقُودُهُ وَعَلَيْهِ يَكُونُ بِنَاؤُهُ فَفِي الْمَقْصِدِ الْمَحْمُودِ وَإِذَا تَنَازَعَ رَجُلَانِ فِي جِدَارٍ وَلَا بَيِّنَةَ لَهُمَا أَوْ لِأَحَدِهِمَا قُضِيَ بِهِ لِمَنْ لَهُ الْعُقُودُ وَالْقُمُطُ وَالْبِنَاءُ مَعَ يَمِينِهِ (وَفِي مُفِيدِ ابْنِ هِشَامٍ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ إذَا اخْتَلَفَ الرَّجُلَانِ فِي جِدَارٍ بَيْنَ دَارَيْهِمَا كُلُّ وَاحِدٍ يَدَّعِيهِ فَإِنْ كَانَ عَقْدُ بِنَائِهِ إلَيْهِمَا فَهُوَ بَيْنَهُمَا يُرِيدُ بَعْدَ أَيْمَانِهِمَا وَإِنْ كَانَ مَعْقُودًا إلَى أَحَدِهِمَا وَمُنْقَطِعًا إلَى الْآخَرِ فَهُوَ لِمَنْ إلَيْهِ الْعَقْدُ، ثُمَّ قَالَ وَإِنَّمَا يُنْظَرُ إلَى الْعُقُودِ فِي الْبُنْيَانِ عِنْدَ عَدَمِ الْبَيِّنَةِ. اهـ. وَفِي الرِّسَالَةِ وَيُقْضَى بِالْحَائِطِ لِمَنْ إلَيْهِ الْقُمُطُ وَالْعُقُودُ قَالَ الشَّيْخُ الْجُزُولِيُّ الشَّيْخُ أَرَادَ بِالْحَائِطِ هُنَا الْجِدَارَ وَلَمْ يُرِدْ بِهِ الْبُسْتَانَ لِأَنَّ الْبُسْتَانَ يُسَمَّى حَائِطًا قَالَ قَبْلَ هَذَا وَإِذَا كَانَ فِي الْحَائِطِ أَصْنَافٌ مِنْ الثَّمَرِ وَقَالَ وَلَا تَجُوزُ الْمُسَاقَاةُ عَلَى إخْرَاجِ مَا فِي الْحَائِطِ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ تَمَامِ الَّتِي قَبْلَهَا وَهِيَ قَوْلُهُ، وَإِذَا اخْتَلَفَ الْمُتَدَاعِيَانِ فِي شَيْءٍ بِأَيْدِيهِمَا فَإِذَا وَقَعَ النِّزَاعُ فِي حَائِطٍ بَيْنَ رَجُلَيْنِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَدَّعِي أَنَّهُ مِلْكُهُ وَلَا بَيِّنَةَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا أَوْ أَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ وَتَكَافَأَتَا فَإِنَّهُ يُقْضَى بِهِ لِمَنْ إلَيْهِ الْقُمُطُ وَالْعُقُودُ وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ مِنْ الْجِهَتَيْنِ قُسِمَ بَيْنَهُمَا بَعْدَ أَيْمَانِهِمَا هَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ أَنَّهُ يُقْضَى بِالْحَائِطِ لِمَنْ إلَى جِهَتِهِ الْقُمُطُ وَالْعُقُودُ، ثُمَّ قَالَ وَالْقُمُطُ وَالْعُقُودُ لَفْظَانِ مُتَرَادِفَانِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَهُمَا عِبَارَةٌ عَنْ مَعَاقِدِ الْأَرْكَانِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ عِبَارَةٌ عَمَّا يُشَدُّ بِهِ وَجْهُ الْحَائِطِ وَقِيلَ هُمَا مُتَبَايِنَانِ فَالْقُمُطُ عِبَارَةٌ عَمَّا يُشَدُّ بِهِ وَجْهُ الْحَائِطِ وَيَمْنَعُهُ مِنْ الِانْتِثَارِ وَالْعُقُودُ عِبَارَةٌ عَنْ تَدَاخُلِ الْأَرْكَانِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ الْقُمُطُ مَعَاقِدُ الْحِيطَانِ وَاحِدُهَا قِمَاطٌ فَالْقَمْطُ الشَّدُّ وَمِنْهُ قَمَطَ الصَّبِيَّ لَفَّهُ فِي الْخِرَقِ قَالَهُ الْمَغْرَاوِيُّ. وَقَالَ الزَّنَاتِيُّ الْقَمْطُ عِبَارَةٌ عَمَّا يَشُدُّ بِهِ وَجْهَهُ بِمَا يَمْنَعُهُ أَنْ يَنْتَثِرَ تُرَابُهُ وَيُثَقَّفَ غُبَارُهُ بِشَيْءٍ قَوِيٍّ عَلَى مَا بُنِيَ بِهِ إمَّا جِيرٌ أَوْ تُرَابٌ صَحِيحٌ وَقَدْ يَفْعَلُ بِهِ ذَلِكَ زِينَةً وَالْعُقُودُ هِيَ أَرْكَانُ الْغُرَفِ وَالْعَلَالِيِّ وَقِيلَ الْقَمْطُ الْفُرَجُ غَيْرُ النَّافِذَةِ وَقِيلَ تَوْجِيهُ الْآجُرِّ وَإِنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا قُمْطٌ وَلِلْآخَرِ الْعُقُودُ قُضِيَ بِهِ لِمَنْ إلَيْهِ الْعُقُودُ لِأَنَّهَا أَقْوَى مِنْ الْقُمْطِ اُنْظُرْ تَمَامَ كَلَامِهِ وَفِي مَجَالِسِ الْقَاضِي الْمِكْنَاسِيِّ وَحَقِيقَةُ الْعَقْدِ أَنْ يَكُونَ الرُّكْنُ الَّذِي يَجْتَمِعُ فِيهِ طَرَفَا الْحَائِطِ آجُرُّهُ مُرَكَّبٌ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ كَاشْتِبَاكِ الْأَصَابِعِ ثُمَّ قَالَ فَإِنْ ذَكَرُوا أَنَّ بِهِ طَاقَةً غَيْرَ نَافِذَةٍ فَالْحَائِطُ لِمَنْ الطَّاقُ إلَى نَاحِيَتِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ طَاقٌ، وَذَكَرُوا أَنَّ وَجْهَهُ إلَى إحْدَى الدَّارَيْنِ فَالْحَائِطُ لِمَنْ الْوَجْهُ إلَيْهِ وَقِيلَ إنَّ الْوَجْهَ هُوَ الْقُمْطُ وَقِيلَ الْقُمْطُ هُوَ السَّوَارِي الَّتِي تُبْنَى فِي الْحَائِطِ، فَإِنْ كَانَتْ فِيهِ سِوَارِي فَالْحَائِطُ لِمَنْ هِيَ فِي جِهَتِهِ فَإِنْ عَرِيَ عَنْ هَذِهِ الْأَدِلَّةِ مَعَ كَوْنِهِ مُقْبِلًا مِنْ طَرَفَيْهِ وَعَلَيْهِ حُمِّلَ خَشَبٌ فَالْحَائِطُ لِمَنْ حُمِّلَ الْخَشَبُ عَلَيْهِ وَيُحْكَمُ بِهَذِهِ الْعَلَامَاتِ لِمَنْ هِيَ مِنْ نَاحِيَتِهِ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ. وَخَالَفَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ فِي حَمْلِ الْخَشَبِ وَقَالَا لَا يُمْلَكُ الْحَائِطُ بِحَمْلِ الْخَشَبِ عَلَيْهِ وَفَصَّلَ ابْنُ الرَّامِي التُّونُسِيُّ فِي الْخَشَبِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مَبْنِيًّا عَلَيْهَا أَوْ تَكُونَ مُزْرَقَةً فَإِنْ كَانَتْ مَبْنِيًّا عَلَيْهَا كَانَ الْحَائِطُ لِمَنْ لَهُ الْخَشَبُ وَإِنْ كَانَتْ مُزْرَقَةً فَلَا تُوجِبُ مِلْكًا اُنْظُرْ تَمَامَ كَلَامِهِ فَقَدْ أَطَالَ فِي ذَلِكَ آخِرَ الْمَجْلِسِ الثَّالِثِ. فَائِدَةٌ: ذَكَرَ الْقَاضِي الْمِكْنَاسِيُّ قَبْلَ مَا نَقَلْنَاهُ عَنْهُ قِيلَ إنَّ مِنْ حَقِّ الْقَاضِي أَنْ يَنْظُرَ فِي شُهُودِ أَهْلِ الْبَصَرِ فِي الْمَبَانِي وَيَخْتَبِرَ أَحْوَالَهُمْ فِي أُجْرَتِهِمْ وَيَشْتَرِطَ عَلَيْهِمْ شُرُوطًا مِنْهَا أَنْ لَا يُحَكَّمُوا فِي حَائِطٍ لِأَحَدِ الْمُتَنَازِعَيْنِ وَإِنَّمَا يَصِفُونَهُ فَقَطْ بِوَصْفٍ يُزِيلُ الْإِشْكَالَ وَيُوَضِّحُ الْبَيَانَ فَيَصِفُ الدَّارَ أَوْ الْحَانُوتَ أَوْ الْفُنْدُقَ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ بِوَصْفٍ لَمْ يَبْقَ مَعَهُ احْتِمَالٌ بِاعْتِبَارِ الْخُشُبِ وَالْحِيطَانِ هَلْ هِيَ مَعْقُودَةٌ إلَيْهَا أَوْ جَائِزَةٌ عَنْهَا أَوْ مُقْبِلَةٌ فِي مُنْتَهَى حَدِّهَا يَصِفُ ذَلِكَ مِنْ جِهَاتِهَا الْأَرْبَعِ إنْ كَانَ ذَلِكَ الْبَائِعُ شَرَطَ عَلَى الْمُشْتَرِي وَإِنْ كَانَ النِّزَاعُ بَيْنَ مُتَنَازِعَيْنِ نَظَرَ فِيهِ الْقَاضِي بَعْدَ أَدَاءِ شَهَادَتِهِمْ فِيهِ وَحَكَمَ بِمُقْتَضَاهُ اهـ

فصل في ضرر الأشجار

[فَصْلٌ فِي ضَرَرِ الْأَشْجَارِ] ِ وَكُلُّ مَا كَانَ مِنْ الْأَشْجَارِ ... جَنْبَ جِدَارٍ مُبْدِيَ انْتِشَارِ فَإِنْ يَكُنْ بَعْدَ الْجِدَارِ وُجِدَا ... قُطِعَ مَا يُؤْذِي الْجِدَارَ أَبَدَا وَحَيْثُ كَانَ قَبْلَهُ يُشَمَّرُ ... وَتَرْكُهُ وَإِنْ أَضَرَّ الْأَشْهَرُ يَعْنِي إنْ كَانَتْ لَهُ شَجَرَةٌ أَوْ أَشْجَارٌ إلَى جَنْبِ جِدَارٍ لِغَيْرِهِ وَأَضَرَّتْ تِلْكَ الشَّجَرَةُ أَوْ الْأَشْجَارُ بِذَلِكَ الْجِدَارِ بِانْتِشَارِ أَغْصَانِهَا وَامْتِدَادِ فُرُوعِهَا حَتَّى خَرَجَتْ عَنْ حُدُودِ مِلْكِ رَبِّهَا فَلَا يَخْلُو الْحَالُ مِنْ وَجْهَيْنِ: إنْ سَبَقَ الْجِدَارُ الْأَشْجَارَ وَتَقَدَّمَ عَلَيْهَا فَإِنَّهُ يُقْطَعُ مِنْ تِلْكَ الْأَغْصَانِ مَا أَضَرَّ وَانْتَشَرَ؛ لِأَنَّ الضَّرَرَ حَادِثٌ عَلَى الْجِدَارِ، وَكُلُّ حَادِثٍ مِنْ الضَّرَرِ يُحْكَمُ بِزَوَالِهِ وَإِنْ سَبَقَتْ الْأَشْجَارُ الْجِدَارَ فَقَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: كَمَا فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ يُقْطَعُ مَا أَضَرَّ وَانْتَشَرَ وَخَرَجَ عَنْ أَرْضِ صَاحِبِهِ وَهُوَ مُرَادُهُ بِالتَّشْمِيرِ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ يُتْرَكُ وَلَا يُزَالُ وَإِنْ أَضَرَّ وَهُوَ أَشْهَرُ الْقَوْلَيْنِ. قَالَ الشَّارِحُ: فَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ لِمُطَرِّفٍ وَوَجْهُهُ كَوْنُ الْحَائِطِ فِي مِلْكِ رَبِّهِ قَدْ بَنَاهُ فِي مَوْضِعِهِ الَّذِي يَسُوغُ لَهُ بِنَاؤُهُ فِيهِ فَلَا سَبِيلَ لَأَنْ يَسْتَحِقَّهُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ بِفُرُوعِ شَجَرَتِهِ الْخَارِجَةِ عَنْ حُدُودِ مِلْكِهِ. وَالْقَوْلُ الثَّانِي لِابْنِ الْمَاجِشُونِ وَوَجْهُهُ أَنَّ الَّذِي بَنَى الْحَائِطَ إنَّمَا دَخَلَ عَلَى أَنَّ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ شَجَرَةً قَدْ اسْتَحَقَّتْ بِانْتِشَارِهَا هَوَاءَ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ، فَلَا حَقَّ لَهُ فِيهِ وَقَدْ سَبَقَ انْتِشَارُ أَغْصَانِ الشَّجَرَةِ لِبُنْيَانِهِ، وَلِكِلَا الْقَوْلَيْنِ وَجْهٌ، لَكِنَّ الثَّانِيَ هُوَ الْأَشْهَرُ. فَفِي كِتَابِ ابْنِ يُونُسَ ابْنُ حَبِيبٍ قَالَ مُطَرِّفٌ فِي الشَّجَرَةِ تَكُونُ إلَى جَانِبِ جِدَارِ الرَّجُلِ فَيُصَوِّرُ لَهُ فَإِنْ كَانَتْ أَقْدَمَ مِنْ الْجِدَارِ وَكَانَتْ عَلَى حَالِ مَا هِيَ عَلَيْهِ الْيَوْمَ مِنْ انْبِسَاطٍ فَلَا تُقْطَعُ، وَإِنْ حَدَثَ لَهَا أَغْصَانٌ بَعْدَ مَا بَنَى الْجِدَارَ تَضُرُّ بِالْجِدَارِ فَلِيُشَمِّرْ مِنْهَا كُلَّ مَا أَضَرَّ بِالْجِدَارِ مِمَّا حَدَثَ. وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ تُتْرَكُ وَمَا حَدَثَ وَانْتَشَرَ مِنْ أَغْصَانِهَا وَإِنْ أَضَرَّ ذَلِكَ بِالْجِدَارِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ عَلِمَ أَنَّ هَذَا شَأْنُ الشَّجَرِ فَقَدْ صَارَ مِنْ حَرِيمِهَا قَبْلَ بِنَاءِ الْجِدَارِ وَقَالَ أَصْبَغُ كَقَوْلِ مُطَرِّفٍ وَبِهِ أَقُولُ. قَالَ ابْنُ يُونُسَ وَقَالَهُ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ وَقَالُوا أَجْمَعَ وَإِنْ كَانَتْ الشَّجَرَةُ مُحْدَثَةً بَعْدَ الْجِدَارِ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ كُلُّ مَا آذَى الْجِدَارَ مِنْ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ. (قَالَ الشَّارِحُ) : وَلَا خَفَاءَ بِوَجْهِ هَذَا الْقَوْلِ الْمَشْهُورِ إذَا كَانَتْ الشَّجَرَةُ أَقْدَمَ مِنْ الْحَائِطِ؛ لِأَنَّ رَبَّ الْحَائِطِ لَمْ يَدْخُلْ إلَّا عَلَى أَنَّ الشَّجَرَةَ قَدْ مَلَكَتْ هَوَاءَ الْمَوْضِعِ الَّذِي بَنَى فِيهِ حَائِطَهُ. اهـ فَقَوْلُهُ: وَكُلُّ مَا كَانَ مِنْ الْأَشْجَارِ .. إلَخْ كُلُّ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ الشَّرْطُ وَجَوَابُهُ فِي قَوْلِهِ: فَإِنْ يَكُنْ بَعْدَ الْجِدَارِ وُجِدَا ... قُطِعَ مَا يُؤْذِي الْجِدَارَ أَبَدَا وَاسْمُ كَانَ ضَمِيرٌ يَعُودُ عَلَى مَا الْوَاقِعَةِ عَلَى الْأَشْجَارِ، وَمِنْ الْأَشْجَارِ بَيَانٌ لِلْإِبْهَامِ الَّذِي فِي مَا، وَجَنْبُ، خَبَرُ كَانَ وَمُبْدِيَ حَالٌ مِنْ الْأَشْجَارِ وَاسْمُ يَكُنْ أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ الْأَشْجَارِ وَكَذَا اسْمُ كَانَ فِي الْبَيْتِ الثَّالِثِ، وَضَمِيرُ قَبْلُهُ لِلْجِدَارِ. وَمَنْ تَكُنْ لَهُ بِمِلْكٍ شَجَرَهْ ... أَغْصَانُهَا عَالِيَةٌ مُنْتَشِرَهْ فَلَا كَلَامَ عِنْدَ ذَا لِجَارِهَا ... لَا فِي ارْتِفَاعِهَا وَلَا انْتِشَارِهَا وَكُلُّ مَا يَخْرُجُ عَنْ هَوَاءِ ... صَاحِبِهَا يُقْطَعُ بِاسْتِوَاءِ

يَعْنِي أَنَّ مَنْ كَانَتْ لَهُ شَجَرَةٌ فِي مِلْكِهِ فَطَالَتْ أَغْصَانُهَا وَانْتَشَرَتْ حَتَّى صَارَتْ يَتَشَرَّفُ مِنْهَا عَلَى دَارِ جَارِهِ إذَا طَلَعَ يَجْنِيهَا، فَلَا كَلَامَ لِلْجَارِ فِي ذَلِكَ وَلَا حُجَّةَ لَهُ فِي التَّكَشُّفِ عَلَيْهِ، لَكِنَّهُ يُؤْذِنُهُ إذَا أَرَادَ أَنْ يَجْنِيَهَا، وَغَايَةُ مَالَهُ عَلَيْهِ أَنْ يَقْطَعَ مِنْ أَغْصَانِهَا مَا خَرَجَ عَنْ هَوَاءِ صَاحِبِهَا وَيَكُونُ الْقَطْعُ مُسَامِتًا لِطَرَفِ أَرْضِ صَاحِبِهَا وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِقَوْلِهِ بِاسْتِوَاءِ. (قَالَ فِي الْعُتْبِيَّةِ:) قَالَ ابْنُ وَهْبٍ فِي شَجَرَةٍ فِي دَارِ رَجُلٍ فَطَالَتْ حَتَّى صَارَ يَتَشَرَّفُ مِنْهَا عَلَى دَارِ جَارِهِ: إذَا طَلَعَ يَجْنِيهَا أَوْ غَرَسَهَا قَرِيبًا فَزَعَمَ أَنَّهُ يَخَافُ أَنْ يُطْرَقَ مِنْهَا فَيُدْخَلَ عَلَيْهِ فِي دَارِهِ. قَالَ: إنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حُجَّةٌ إلَّا مَا خَافَ مِنْ الطَّرْقِ أَوْ مِمَّنْ يَجْنِيهَا فَلَا حُجَّةَ وَيُؤْذِنُهُ إنْ أَرَادَ أَنْ يَجْنِيَهَا، وَأَمَّا إنْ خَرَجَ مِنْ فُرُوعِهَا إلَى أَرْضِ جَارِهِ فَلْيَقْطَعْ الْخَارِجَ فَقَطْ. وَنَحْوُهُ لِأَصْبَغَ فِي كِتَابِ ابْنِ حَبِيبٍ وَغَيْرِهِ، قَالَ: إنْ كَانَ عِظَمُهَا وَامْتِدَادُهَا صُعُودًا إلَى السَّمَاءِ فَلَا تُغَيَّرُ عَنْ حَالِهَا كَالْبُنْيَانِ يَرْفَعُهُ الرَّجُلُ فِي حَقِّهِ فَيَسْتُرُ بِهِ الرِّيحَ وَالشَّمْسَ عَنْ جَارِهِ، وَإِنْ كَانَتْ إنَّمَا مُدَّتْ فِي أَرْضِ جَارِهِ فَلْتُشَمَّرْ وَتُقْطَعْ وَتُرَدَّ إلَى حَالٍ لَا تُؤْذِي. وَقَالَ ابْنُ سَحْنُونٍ كُلُّ مَا خَرَجَ مِنْهَا إلَى أَرْضِ جَارِهِ فَلْيُقْطَعْ حَتَّى تَعُودَ فُرُوعُهَا حَدَّ أَرْضِ صَاحِبِهَا؛ لِأَنَّ هَوَاءَ الْأَرْضِ لِرَبِّهَا. اهـ وَأَفْتَى أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَفَّارُ فِي شَجَرَةٍ لِرَجُلٍ أَضَرَّتْ شَجَرَةَ جَارِهِ بِقَطْعِ مَا خَرَجَ مِنْ الشَّجَرَةِ عَنْ هَوَاءِ صَاحِبِهَا، يُؤْمَرُ بِذَلِكَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَإِنْ تَكُنْ بِمِلْكِ مَنْ لَيْسَتْ لَهُ ... وَانْتَشَرَتْ حَتَّى أَظَلَّتْ جُلَّهُ فَمَا لِرَبِّ الْمِلْكِ قَطْعُ مَا انْتَشَرْ ... لِعِلْمِهِ بِأَنَّ ذَا شَأْنُ الشَّجَرْ يَعْنِي أَنَّ مَنْ كَانَتْ لَهُ شَجَرَةٌ فِي أَرْضِ غَيْرِهِ مَلَكَهَا بِشِرَاءٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ قِسْمَةٍ وَعَظُمَتْ وَانْتَشَرَتْ حَتَّى أَظَلَّتْ جُلَّ الْمِلْكِ الَّذِي هِيَ فِيهِ فَلَا كَلَامَ لِرَبِّ ذَلِكَ الْمِلْكِ فِي قَطْعِ مَا انْتَشَرَ مِنْهَا وَطَالَ؛ لِأَنَّ هَذَا شَأْنُ الشَّجَرِ، فَصَارَ هَذَا الْأَمْرُ مَدْخُولًا عَلَيْهِ فَفِي ابْنِ يُونُسَ ابْنُ حَبِيبٍ قَالَ أَصْبَغُ: وَأَمَّا الشَّجَرَةُ الَّتِي تَكُونُ لِلرَّجُلِ فِي أَرْضِ الرَّجُلِ بِمِيرَاثٍ أَوْ شِرَاءٍ أَوْ قِسْمَةٍ فَامْتَدَّتْ ارْتِفَاعًا وَانْبِسَاطًا حَتَّى أَضَرَّتْ بِالْأَرْضِ فَلَا قَوْلَ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ فِي ذَلِكَ وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ اهـ وَالْحُكْمُ فِي الطَّرِيقِ حُكْمُ الْجَارِ ... فِي قَطْعِ مَا يُؤْذِي مِنْ الْأَشْجَارِ يَعْنِي أَنَّهُ كَمَا يَجِبُ قَطْعُ مَا أَضَرَّ مِنْ الشَّجَرَةِ بِالْجَارِ كَذَلِكَ يَجِبُ قَطْعُ مَا أَضَرَّ مِنْهَا بِالْمَارِّينَ عَلَى الطَّرِيقِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الطَّرِيقِ وَمِلْكِ الْجَارِ إلَّا بِتَعْدَادِ الْمُنْتَفِعِينَ بِالطَّرِيقِ؛ لِأَنَّهَا حَبْسٌ عَلَى سَائِرِ الْمُسْلِمِينَ وَذَلِكَ يُوجِبُ اسْتِوَاءَ الْحُكْمِ أَوْ تَأَكُّدَهُ إذَا اُعْتُبِرَتْ كَثْرَةُ الْمُسْتَحِقِّينَ، وَاخْتِلَافُهُمْ بِالضَّعْفِ وَعَدَمِ الدَّفْعِ عَنْ أَنْفُسِهِمْ مِنْ حَيْثُ الْعَادَةُ كَالشَّأْنِ فِي الْأُمُورِ الْعَامَّةِ مَعَ الْأُمُورِ الْخَاصَّةِ. (فَرْعٌ) قَالَ الْبَاجِيُّ مَا خَرَجَ مِنْ الْأَجْنِحَةِ عَنْ الْحِيطَانِ إلَى طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ فَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ: لَا بَأْسَ بِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْجَنَاحُ بِأَسْفَلِ الْجِدَارِ حَيْثُ يَضُرُّ بِأَهْلِ الطَّرِيقِ فَيُمْنَعُ اهـ وَانْظُرْ: هَلْ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ كَذَلِكَ تَحْتَ الْأَرْضِ؟ وَسَمِعَ أَصْبَغُ ابْنَ الْقَاسِمِ لِمَنْ لَهُ دَارَانِ بَيْنَهُمَا طَرِيقٌ أَنْ يَبْنِيَ عَلَى جِدَارَيْهِمَا غُرْفَةً أَوْ مَجْلِسًا فَوْقَ الطَّرِيقِ وَإِنَّمَا يُمْنَعُ الْإِضْرَارُ بِتَضْيِيقِ الطَّرِيقِ. (ابْنُ رُشْدٍ) هَذَا رَفَعَ بِنَاءً رَفْعًا يُجَاوِزُ رَأْسَ الْمَارِّ رَاكِبًا وَنَحْوَهُ فِي الزَّاهِي وَكَذَا الْأَجْنِحَةُ انْتَهَى نَقْلُ ابْنِ عَرَفَةَ وَفِي نَوَازِلِ ابْنِ الْحَاجِّ سُنَّةُ الْأَنْهَارِ وَالطُّرُقِ الِارْتِفَاقُ بِهَا لِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ فَلَيْسَ لِلسُّلْطَانِ أَنْ يَمْنَعَ مَنْ يُرِيدُ أَنْ يَنْصِبَ عَلَى نَهْرٍ إذَا كَانَتْ الضِّفَّتَانِ لَهُ أَوْ لِأَحَدِهِمَا، وَأَبَاحَ لَهُ صَاحِبُ الثَّانِيَةِ ذَلِكَ، وَلَا حُجَّةَ لِلسُّلْطَانِ أَنَّ الْوَادِيَ لَهُ انْتَهَى مِنْ الْمَوَّاقِ وَفِي نَظْمِ إيضَاحِ الْمَسَالِكِ لِوَلَدِ مُؤَلِّفَةِ الْعَالِمِ الشَّهِيرِ أَبِي مُحَمَّدٍ سَيِّدِي عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ الْعَالِمِ الْحَافِظِ سَيِّدِي أَبِي الْعَبَّاسِ أَحْمَدَ الْوَنْشَرِيسِيُّ فِي تَرْجَمَةِ مَنْ مَلَكَ ظَاهِرَ الْأَرْضِ، هَلْ يَمْلِكُ بَاطِنَهَا وَهِيَ التَّرْجَمَةُ الثَّامِنَةُ وَالْمِائَةُ مِنْ تَرَاجِمِ النَّظْمِ الْمَذْكُورِ وَمَا عَلَى الطَّرِيقِ مِنْ هَوَاءِ ... فَهْوَ لِمَنْ سَبَقَ بِالْإِحْيَاءِ بِرَوْشَنٍ وَنَحْوِهِ وَلَمْ يَضُرْ ... بِمَنْ عَلَى تِلْكَ الْمَحَجَّةِ يَمُرْ.

فصل في مسقط القيام بالضرر

[فَصْلٌ فِي مُسْقِطِ الْقِيَامِ بِالضَّرَرِ] ِ وَعَشْرَةُ الْأَعْوَامِ لِامْرِئٍ حَضَرْ ... تَمْنَعُ إنْ قَامَ بِمُحْدَثِ الضَّرَرْ وَذَا بِهِ الْحُكْمُ وَبِالْقِيَامِ ... قَدْ قِيلَ بِالزَّائِدِ فِي الْأَيَّامِ يَعْنِي مَنْ أُحْدِثَ عَلَيْهِ ضَرَرٌ وَهُوَ عَالِمٌ بِهِ حَاضِرٌ وَسَكَتَ وَلَا مَانِعَ لَهُ يَمْنَعُهُ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى مَضَى لِذَلِكَ عَشَرَةُ أَعْوَامٍ فَلَا قِيَامَ لَهُ، وَبِهَذَا الْقَوْلِ الْحُكْمُ. قَالَ الشَّارِحُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ وَابْنِ نَافِعٍ وَقِيلَ: لَهُ الْقِيَامُ بَعْدَ الْعَشَرَةِ أَعْوَامٍ إذَا كَانَ بِالْأَيَّامِ الْيَسِيرَةِ، وَلِذَلِكَ عَبَّرَ بِوَزْنِ أَفْعَالٍ الَّذِي هُوَ أَحَدُ جُمُوعِ الْقِلَّةِ. (وَقَوْلُهُ: بِمُحْدَثِ الضَّرَرِ) مُحْدَثُ بِفَتْحِ الدَّالِ: اسْمُ مَفْعُولٍ وَهُوَ مِنْ إضَافَةِ الصِّفَةِ لِلْمَوْصُوفِ وَمَا ذَكَرَهُ النَّاظِمُ هُنَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الضَّرَرَ يُحَازُ، وَفِي ذَلِكَ خِلَافٌ، قَالَ ابْنُ سَلْمُونٍ لَمَّا ذَكَرَ أَنَّهُ يَجِبُ إزَالَةُ ضَرَرِ دُخَانِ الْحَمَّامِ وَغُبَارِ الْأَنْدَرِ وَنَتَنِ الدَّبَّاغِينَ قَدِيمًا كَانَ أَوْ حَادِثًا مَا نَصُّهُ: لِأَنَّ الضَّرَرَ فِي مِثْلِ هَذَا لَا يُسْتَحَقُّ بِالْقِدَمِ وَإِنَّمَا حِيَازَةُ التَّقَادُمِ الَّتِي جَاءَ بِهَا الْأَثَرُ مَنْ حَازَ عَلَى خَصْمِهِ شَيْئًا عَشْرَ سِنِينَ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ فِي الْأَمْوَالِ، وَلَا تَكُونُ الْحِيَازَةُ فِي أَفْعَالِ الضَّرَرِ حِيَازَةً تَقْوَى بِهَا حُجَّةٌ، بَلْ يَزِيدُهُ طُولُ التَّقَادُمِ ظُلْمًا وَعُدْوَانًا. وَفِي كِتَابِ ابْنِ مُزَيْنٍ أَنَّ مَا كَانَ مِنْ الضَّرَرِ يَبْقَى عَلَى حَالَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَا يَتَزَايَدُ؛ كَفَتْحِ بَابٍ عَلَى جَارِهِ أَوْ كُوَّةٍ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُسْتَحَقُّ بِمَا تُسْتَحَقُّ بِهِ الْأَمْلَاكُ عَلَى مَنْ حِيزَتْ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَا يُحْدِثُ مِنْ الْكُنُفِ وَالْمَطَاهِرِ وَالْحُفَرِ الَّتِي يَسْتَنْقِعُ فِيهَا الْمَاءُ فَإِنَّهُ لَا يُسْتَحَقُّ بِمَا تُسْتَحَقُّ بِهِ الْأَمْلَاكُ مِنْ الْمُدَّةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّمَا طَالَ زَمَنُهُ كَثُرَ وَزَادَ ضَرَرُهُ. (وَفِي الْمُتَيْطِيَّةِ) : وَمَنْ أُحْدِثَ عَلَيْهِ ضَرَرٌ مِنْ اطِّلَاعٍ أَوْ خُرُوجٍ بِمِرْحَاضِهِ قُرْبَ جِدَارِهِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَحْدَاثِ الْمُضِرَّةِ، وَعَلِمَ بِذَلِكَ وَلَمْ يُنْكِرْهُ، وَلَا اعْتَرَضَ فِيهِ عَشَرَةَ أَعْوَامٍ وَنَحْوِهَا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ يَمْنَعُهُ مِنْ الْقِيَامِ فِيهِ فَلَا قِيَامَ لَهُ بَعْدَ هَذِهِ الْمُدَّةِ، هُوَ كَالِاسْتِحْقَاقِ. وَهَذَا هُوَ مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَقَالَهُ ابْنُ الْهِنْدِيِّ وَابْنُ الْعَطَّارِ ثُمَّ حَكَى الْمُتَيْطِيُّ الْقَوْلَ الثَّانِيَ، الْعِشْرِينَ سَنَةً ثُمَّ قَالَ: وَبِالْأَوَّلِ الْقَضَاءُ (وَفِي طُرُرِ ابْنِ عَاتٍ) وَحِيَازَةُ الضَّرَرِ عَلَى الْأَقَارِبِ وَالْأَجْنبِيِّينَ سَوَاءٌ، عَلَى الْقَوْلِ بِحِيَازَتِهِ وَلَا يُفَرَّقُ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْقَرَابَةِ وَالْأَجْنبِيِّينَ كَمَا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا فِي اسْتِحْقَاقِ الْأَمْلَاكِ بِالْحِيَازَةِ، قَالَهُ ابْنُ زَرْبٍ فِي مَسَائِلِهِ. اهـ وَقَدْ تَلَخَّصَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ فِي حَوْزِ الضَّرَرِ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ، الْأَوَّلُ: أَنَّهُ يُحَازُ بِمَا تُحَازُ بِهِ الْأَمْلَاكُ وَهُوَ الَّذِي فِي النَّظْمِ، وَمِثْلُهُ تَقَدَّمَ عَنْ الْمُتَيْطِيِّ، وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَا يُحَازُ، وَبِهِ صَرَّحَ ابْنُ سَلْمُونٍ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْهُ. وَالثَّالِثُ: التَّفْصِيلُ بَيْنَ الضَّرَرِ الَّذِي يَتَزَايَدُ فَلَا يُحَازُ وَلَا يَتَزَيَّدُ فَيُحَازُ، وَهُوَ الَّذِي نَقَلَهُ ابْنُ سَلْمُونٍ عَنْ كِتَابِ ابْنِ مُزَيْنٍ وَلَوْ أَرَادَ النَّاظِمُ التَّنْصِيصَ عَلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ لَقَالَ: وَثَالِثُ الْأَقْوَالِ فِي حَوْزِ الضَّرَرْ ... مَا لَا يَزِيدُ ضَرُّهُ لِمَنْ أَضَرْ وَإِنَّمَا قُلْنَا إنَّهَا تُسْتَفَادُ مِنْ هَذَا الْبَيْتِ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الْقَوْلُ الثَّالِثُ أَنَّهُ يُحَازُ مَا لَا يَزِيدُ ضَرَرُهُ فَالْأَوَّلُ يُحَازُ مُطْلَقًا وَالثَّانِي مُقَابِلُهُ لَا يُحَازُ مُطْلَقًا. هَذَا هُوَ الْجَارِي عَلَى الطَّرِيقَةِ الْحَاجِبِيَّةِ مِنْ كَوْنِ صَدْرِ

الثَّالِثِ دَلِيلَ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ وَعَجُزِهِ دَلِيلَ الثَّانِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ نَقَلَ الشَّارِحُ هُنَا عَنْ طُرُرِ ابْنِ عَاتٍ أَنَّ ابْنَ رُشْدٍ قَسَّمَ مَا يُحْدِثُهُ الرَّجُلُ فِي مِلْكِهِ مِمَّا يَضُرُّ بِغَيْرِهِ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: مِنْهُ مَا يُمْنَعُ مِنْهُ بِاتِّفَاقٍ كَالْأَنْدَرِ الْمُضِرِّ بِتِبْنِهِ وَغُبَارِهِ لِلدَّارِ الْقَرِيبَةِ مِنْهُ وَدُخَانِ الْحَمَّامِ وَالْفُرْنِ وَالرَّائِحَةِ الْقَبِيحَةِ كَالدِّبَاغِ وَمَا يَضُرُّ بِالْجُدْرَانِ كَالْكَنِيفِ إلَى جَنْبِ حَائِطِ جَارِهِ أَوْ رَحًى تَضُرُّ بِجُدْرَانِهِ، وَضَرَرِ الِاطِّلَاعِ مِنْ فَتْحِ كُوَّةٍ أَوْ بَابٍ أَوْ قَضْبَةٍ يُشْرِفُ مِنْهَا عَلَى عِيَالِهِ، وَمِنْهُ مَا لَا يُمْنَعُ مِنْهُ بِاتِّفَاقٍ؛ كَإِحْدَاثِ فُرْنٍ بِقُرْبِ فُرْنٍ آخَرَ أَوْ حَمَّامٍ بِقُرْبِ آخَرَ فَيَضُرُّ بِهِ فِي قِلَّةِ عِمَارَتِهِ وَنُقْصَانِ غَلَّتِهِ أَوْ يَبْنِي فِي دَارِهِ مَا يَمْنَعُ بِهِ جَارَهُ الضَّوْءَ أَوْ الشَّمْسَ أَوْ الرِّيحَ، وَضَرَرُ الْأَصْوَاتِ كَالْحَدَّادِ وَالْكَمَّادِ وَالنَّدَّافِ، وَفِي هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ خِلَافٌ شَاذٌّ، وَمِنْهُ مَا يُخْتَلَفُ فِي وُجُوبِ الْمَنْعِ مِنْهُ؛ كَأَنْ يُحْدِثَ فِي أَرْضِهِ بِنَاءً قُرْبَ أَنْدَرِ جَارِهِ يَمْنَعُهُ بِهِ الرِّيحَ عِنْدَ الذَّرْوِ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ نَافِعٍ يُمْنَعُ وَاخْتَلَفَ فِيهِ قَوْلُ سَحْنُونٍ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يُمْنَعُ. وَمَنْ رَأَى بُنْيَانَ مَا فِيهِ ضَرَرْ ... وَلَمْ يَقُمْ مِنْ حِينِهِ بِمَا ظَهَرْ حَتَّى رَأَى الْفَرَاغَ مِنْ إتْمَامِهِ ... مُكِّنَ بِالْيَمِينِ مِنْ قِيَامِهِ فَإِنْ يَبِعْ بَعْدُ بِلَا نِزَاعِ ... فَلَا قِيَامَ فِيهِ لِلْمُبْتَاعِ وَإِنْ يَكُنْ حِينَ الْخِصَامِ بَاعَا ... فَالْمُشْتَرِي يَخْصِمُ مَا اسْتَطَاعَا يَعْنِي أَنَّ مَنْ رَأَى جَارَهُ يَبْنِي مَا يَلْحَقُهُ بِبُنْيَانِهِ ضَرَرٌ فَسَكَتَ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ حَتَّى فَرَغَ مِنْ بُنْيَانِهِ، وَأَرَادَ مَنْعَهُ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ يُمَكَّنُ مِنْ مَنْعِهِ لَكِنْ بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ أَنَّ سُكُوتَهُ مَا كَانَ رِضًا مِنْهُ بِذَلِكَ، فَإِنْ بَاعَ دَارِهِ بَعْدَ أَنْ أَكْمَلَ الْجَارُ بُنْيَانَهُ، وَلَمْ يُخَاصِمْهُ وَلَا نَازَعَهُ فِيمَا بَنَى، فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا قِيَامَ لَهُ، وَإِنْ خَاصَمَ وَبَاعَ أَثْنَاءَ خِصَامِهِ، فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَ فِي الضَّرَرِ الْمُحْدَثِ عَلَى مُشْتَرَاهُ قَدْرَ اسْتِطَاعَتِهِ، عَلَى أَنَّ فِي بَيْعِ مَا فِيهِ خُصُومَةٌ مَا لَا يَخْفَى. (قَالَ فِي الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ) : وَمَنْ قَامَ عَلَى مَنْ أَحْدَثَ بُنْيَانًا أَضَرَّ بِهِ بِقُرْبِ الْفَرَاغِ مِنْهُ، فَعَلَيْهِ الْيَمِينُ أَنَّ سُكُوتَهُ حَتَّى كَمُلَ الْبُنْيَانُ لَمْ يَكُنْ عَلَى إسْقَاطِهِ مِنْهُ لِلْوَاجِبِ لَهُ فِي ذَلِكَ، وَيُقْطَعُ الضَّرَرُ. (وَفِي أَحْكَامِ ابْنِ سَهْلٍ) فِي رَجُلٍ لَهُ دَارٌ ظَهْرُهَا فِي زُقَاقِ قَوْمٍ غَيْرِ نَافِذٍ فَفَتَحَ الرَّجُلُ بَابَ دَارِهِ إلَى هَذَا الزُّقَاقِ وَبَقِيَ كَذَلِكَ نَحْوَ ثَلَاثَةِ أَعْوَامٍ ثُمَّ بَاعَ الْقَوْمُ دُورَهُمْ فَأَرَادَ مُبْتَاعُهَا إغْلَاقَ هَذَا الْبَابِ الْمُحْدَثِ وَاحْتَجَّ بِأَنَّ ذَلِكَ قَدْ كَانَ لِلْبَائِعِينَ قَبْلَ الْقِيَامِ بِهِ، وَأَنَّهُ قَدْ حَلَّ مَحَلَّهُمْ فَجَاوَبَنِي ابْنُ عَتَّابٍ لَيْسَ لِلْمُبْتَاعِينَ فِيهِ كَلَامٌ وَلَا اعْتِرَاضٌ وَإِنَّمَا كَانَ الْكَلَامُ فِيهِ لِلْبَائِعِينَ، فَإِذَا لَمْ يَفْعَلُوا حَتَّى بَاعُوا فَهُوَ رِضًا مِنْهُمْ إنْ شَاءَ اللَّهُ. وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ وَأَصْبَغَ أَنَّهُ لَا كَلَامَ لِلْمُشْتَرِي فِي ذَلِكَ، إلَّا أَنْ يَكُونَ الْبَائِعُونَ بَاعُوا وَقَدْ خَاصَمُوا فِي ذَلِكَ. (وَفِي وَثَائِقِ ابْنِ الْعَطَّارِ) : الْمَعْرُوفُ أَنَّ لِلْمُبْتَاعِ الْقِيَامَ عَلَى مُحْدِثِ الضَّرَرِ عَلَى الدَّارِ وَتُبَاعُ وَكَأَنَّهُ وَكِيلٌ لِلْبَائِعِ فِي ذَلِكَ. اهـ. وَقَالَ فَضْلٌ فِي مَسْأَلَةِ ابْنِ حَبِيبٍ: اُنْظُرْ، هَلْ يَجُوزُ هَذَا الْبَيْعُ عَلَى قَوْلِ غَيْرِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَلَى أَنْ يَكُونَ عَلَى خُصُومَةٍ؟ اهـ مِنْ الشَّارِحِ (وَفِي ابْنِ سَلْمُونٍ) : وَمَنْ أُحْدِثَ عَلَيْهِ بِنَاءٌ فِيهِ ضَرَرٌ فَسَكَتَ حَتَّى فَرَغَ ثُمَّ قَامَ عَلَيْهِ فِيهِ فَعَلَيْهِ الْيَمِينُ أَنَّ سُكُوتَهُ لَمْ يَكُنْ مِنْهُ رِضًا بِإِسْقَاطِ حَقِّهِ فِيهِ، فَإِنْ بَاعَهُ بَعْدَ مَا أُحْدِثَ عَلَيْهِ الضَّرَرُ وَلَمْ يَقُمْ بِهِ وَلَا تَكَلَّمَ فِيهِ، لَمْ يَكُنْ لِلْمُبْتَاعِ الْقِيَامُ بِهِ فَإِنْ كَانَ قَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ وَبَاعَهُ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ، فَإِنَّ لِلْمُبْتَاعِ أَنْ يَتَكَلَّمَ فِيهِ وَيَقُومَ بِمَا كَانَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَقُومَ بِهِ مِنْ ذَلِكَ. اهـ وَهُوَ كَلَامُ النَّاظِمِ حَرْفًا حَرْفًا وَمَانِعُ الرِّيحِ أَوْ الشَّمْسِ مَعَا ... لِجَارِهِ بِمَا بَنَى لَنْ يُمْنَعَا يَعْنِي أَنَّ مَنْ بَنَى بُنْيَانًا يَمْنَعُ جَارَهُ الرِّيحَ أَوْ الشَّمْسَ أَوْ هُمَا مَعًا فَإِنَّهُ لَا يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ. (قَالَ فِي الْمُقَرَّبِ) : قُلْتُ: فَلَوْ بَنَى فَمَنَعَنِي بُنْيَانُهُ الشَّمْسَ الَّتِي كَانَتْ تَسْقُطُ فِي دَارِي وَالرِّيحَ، فَهَلْ لِي أَنْ أَمْنَعَهُ مِنْ ذَلِكَ؟ قَالَ: لَا. اهـ (وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ) قَالَ مَالِكٌ مَنْ رَفَعَ بُنْيَانَهُ فَتَجَاوَزَ بُنْيَانًا لِيُشْرِفَ عَلَيْهِ لَمْ يُمْنَعْ مِنْ رَفْعِ

فصل في الغصب والتعدي

بِنَائِهِ وَمُنِعَ مِنْ الضَّرَرِ بِهِ، وَإِنْ رَفَعَ بُنْيَانَهُ. فَسَدَّ عَلَى جَارِهِ كُوَاهُ وَأَظْلَمَتْ أَبْوَابُ غُرَفِهِ وَكُوَاهَا وَمَنَعَهُ الشَّمْسَ أَنْ تُرْفَعَ فِي حُجْرَتِهِ لَمْ يُمْنَعْ مِنْ هَذَا الْبُنْيَانِ. قَالَ ابْنُ نَافِعٍ يُمْنَعُ مِنْ ضَرَرِهِ مَنْعِ الضَّوْءِ وَالشَّمْسِ وَالرِّيحِ. اهـ (فَرْعٌ) إذَا كَانَ الْبُنْيَانُ يَحْبِسُ الرِّيحَ عَنْ الْأَنْدَرِ فَفِي الْوَاضِحَةِ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ وَأَصْبَغَ أَنَّهُ لَا يُمْنَعُ مِنْ الْبُنْيَانِ وُجِدَ عِنْدَهُ مَنْدُوحَةٌ أَمْ لَا. وَسُئِلَ ابْنُ الْقَاسِمِ فَقَالَ: لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَبْنِيَ فِي مَوْضِعٍ يُبْطِلُ بِهِ أَنْدَرَ رَجُلٍ قَدْ تَطَاوَلَ انْتِفَاعُهُ بِهِ وَدِرَاسَتُهُ فِيهِ. قَالَ ابْنُ نَافِعٍ وَسَوَاءٌ احْتَاجَ صَاحِبُ الْبُنْيَانِ إلَى الْبُنْيَانِ أَوْ لَمْ يَحْتَجْ إلَيْهِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُحْدِثَ عَلَى جَارِهِ بُنْيَانًا يَضُرُّهُ فِي أَنْدَرِهِ. اهـ وَعَلَى هَذَا اعْتَمَدَهُ الشَّيْخُ خَلِيلٌ حَيْثُ قَالَ: لَا مَانِعَ ضَوْءِ شَمْسٍ وَرِيحٍ إلَّا الْأَنْدَرَ قَالَ الشَّارِحُ: إذَا كَانَ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورَ وَهُوَ مَنْعُ مَانِعِ الرِّيحِ عَنْ الْأَنْدَرِ فَمِثْلُهُ يَكُونُ الْحُكْمُ فِي مَانِعِ الشَّمْسِ الَّتِي هِيَ نَظِيرُ الرِّيحِ عَنْ مَرْجٍ، فَصَارَ الَّذِي هُوَ نَظِيرُ الْأَنْدَرِ وَمِثْلُهُ نَشِيرُ الْعَصِيرِ وَمَرْبِدُ التَّمْرِ. (فَرْعٌ) قَالَ فِي الْمُقَرَّبِ: فَمَنْ حَفَرَ بِئْرًا بَعِيدَةً مِنْ بِئْرِ جَارِهِ فَانْقَطَعَ مَاءُ الْبِئْرِ الْأُولَى، وَعُلِمَ أَنَّ انْقِطَاعَهُ مِنْ أَجْلِ الْبِئْرِ الْمُحْدَثَةِ، فَقَالَ: إذَا عُلِمَ ذَلِكَ كَانَ لَهُ أَنْ يَقُومَ عَلَى حَافِرِ الْبِئْرِ الْمُحْدَثَةِ، وَيَقْضِيَ عَلَيْهِ بِرَدْمِهَا، وَسَوَاءٌ حَفَرَهَا فِي الْوَسَطِ أَوْ فِي غَيْرِ الْوَسَطِ. [فَصْلٌ فِي الْغَصْبِ وَالتَّعَدِّي] وَغَاصِبٌ يَغْرَمُ مَا اسْتَغَلَّهُ ... مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَيَرُدُّ أَصْلَهُ حَيْثُ يُرَى بِحَالِهِ فَإِنْ تَلِفْ ... قُوِّمَ وَالْمِثْلُ بِذِي مِثْلٍ أُلِفْ (ابْنُ عَرَفَةَ) الْغَصْبُ أَخْذُ مَالٍ غَيْرِ مَنْفَعَةٍ ظُلْمًا قَهْرًا لَا لِخَوْفِ قِتَالٍ (الرَّصَّاعُ) قَوْلُهُ: أَخْذُ مَالٍ أَخْرَجَ غَيْرَ الْمَالِ كَأَخْذِ امْرَأَةٍ وَإِنْ أَطْلَقُوا عَلَيْهِ غَصْبًا فَلَيْسَ مَقْصُودًا عِنْدَ الْفُقَهَاءِ اصْطِلَاحًا، وَإِنَّمَا ذَلِكَ لُغَةً. (قُلْتُ) : اصْطِلَاحُهُمْ أَنْ يُعَبِّرُوا عَنْ ذَلِكَ بِالِاغْتِصَابِ كَمَا يَأْتِي لِلنَّاظِمِ بَعْدَ هَذِهِ التَّرْجَمَةِ. وَقَوْلُهُ: غَيْرِ مَنْفَعَةٍ أَخْرَجَ بِهِ التَّعَدِّيَ وَهُوَ أَخْذُ الْمَنَافِعِ كَسُكْنَى رَبْعٍ وَحَرْثِهِ؛ فَإِنَّهُ تَعَدٍّ وَلَيْسَ بِغَصْبٍ. وَقَوْلُهُ: ظُلْمًا أَخْرَجَ بِهِ أَخْذَهُ بِغَيْرِ بَاطِلٍ وَمَا ظَفِرَ بِهِ الْمَغْصُوبُ مِنْ مَالِهِ عِنْدَ الْغَاصِبِ وَأَخَذَهُ، وَمَا يُؤْخَذُ مِنْ مَالِ الْحَرْبِيِّ وَمَا يُنْتَزَعُ مِنْ الْعَبْدِ وَمَا يُؤْخَذُ مِنْ مُكَاتَبٍ عَجَزَ. وَقَوْلُهُ: قَهْرًا أَخْرَجَ بِهِ السَّرِقَةَ وَالنُّهْبَةَ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الْخِيَانَةِ، أَيْ لِأَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ ظُلْمًا لَكِنْ لَا قَهْرَ فِيهَا. وَقَوْلُهُ: لَا لِخَوْفِ قِتَالٍ أَخْرَجَ بِهِ الْحِرَابَةَ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ أَنَّهُ أَخْرَجَ الْغِيلَةَ بِقَوْلِهِ قَهْرًا إذْ لَا قَهْرَ فِي الْغِيلَةِ؛ لِأَنَّهُ بِمَوْتِ مَالِكِهِ

وَأَمَّا التَّعَدِّي فَقَالَ الرَّصَّاعُ قَالَ الْمَازِرِيُّ مِنْ غَيْرِ الْغَصْبِ وَأَحْسَنُ مَا مُيِّزَ بِهِ عَنْهُ أَنَّ التَّعَدِّيَ هُوَ الِانْتِفَاعُ بِمِلْكِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ الْحَقِّ دُونَ قَصْدِ تَمَلُّكِ الرَّقَبَةِ أَوْ إتْلَافُهُ أَوْ بَعْضِهِ دُونَ قَصْدِ التَّمَلُّكِ. فَقَوْلُهُ: بِغَيْرِ حَقٍّ أَخْرَجَ بِهِ الْإِجَارَةَ وَالْعَارِيَّةَ وَغَيْرَهُمَا، وَقَوْلُهُ: دُونَ قَصْدِ التَّمَلُّكِ أَخْرَجَ بِهِ الْغَصْبَ، وَقَوْلُهُ: أَوْ (إتْلَافُهُ) هَذَا قِسْمٌ مِنْ أَقْسَامِ التَّعَدِّي وَالضَّمِيرُ يَعُودُ عَلَى الْمِلْكِ وَهُوَ عَطْفٌ عَلَى الِانْتِفَاعِ، وَقَوْلُهُ: أَوْ بَعْضِهِ. زَادَهُ لِيُدْخِلَ فِيهِ هَلَاكَ بَعْضِ الشَّيْءِ، وَقَوْلُهُ: دُونَ قَصْدِ التَّمَلُّكِ أَخْرَجَ بِهِ الْغَصْبَ أَيْضًا. (قَالَ الرَّصَّاعُ) : وَبَعْدَ أَنْ قَيَّدْتُ هَذَا مِنْ كِتَابِ الْغَصْبِ رَأَيْتُ تَرْجَمَةَ التَّعَدِّي فِي نُسْخَةِ الشَّيْخِ بَعْدَ الِاسْتِحْقَاقِ قَالَ فِيهِ: التَّصَرُّفُ فِي شَيْءٍ بِغَيْرِ إذْنِ رَبِّهِ دُونَ قَصْدِ تَمَلُّكِهِ. قَوْلُهُ: وَغَاصِبٌ يَغْرَمُ مَا اسْتَغَلَّهُ الْبَيْتَيْنِ يَعْنِي أَنَّ مَنْ غَصَبَ شَيْئًا وَاسْتَغَلَّهُ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّ الْغَلَّةِ الَّتِي اسْتَغَلَّ مِنْهُ، وَيَرُدُّ أَيْضًا نَفْسَ الشَّيْءِ الْمَغْصُوبِ إنْ كَانَ بَاقِيًا عَلَى حَالِهِ وَقْتَ الْغَصْبِ، فَإِنْ تَلِفَ بِيَدِ الْغَاصِبِ غَرِمَ قِيمَتَهُ إنْ كَانَ مُقَوَّمًا أَوْ مِثْلَهُ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا. (قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ:) وَاَلَّذِي يَجِبُ عَلَى الْقَاضِي بِحَقِّ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ أَنْ يَرُدَّ إلَيْهِ مَالَهُ بِعَيْنِهِ إنْ كَانَ قَائِمًا، أَوْ قِيمَتَهُ يَوْمَ الْغَصْبِ إنْ كَانَ فَائِتًا، إلَّا فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَالْمَعْدُودِ الَّذِي لَا تَخْتَلِفُ آحَادُهُ كَالْبَيْضِ وَالْجَوْزِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ يَرُدُّ مِثْلَهُ. اهـ وَهَذَا إذَا تَلِفَ رَأْسًا وَأَمَّا إنْ تَعَيَّبَ، وَلَمْ يَتْلَفْ فَفِي الرِّسَالَةِ مَا حَاصِلُهُ، أَنَّهُ إنْ تَغَيَّرَ بِأَمْرٍ سَمَاوِيٍّ فَرَبُّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَخْذِهِ بِنَقْصِهِ، أَوْ تَضْمِينِهِ الْقِيمَةَ وَلَوْ كَانَ النَّقْصُ بِتَعَدِّيهِ خُيِّرَ رَبُّهُ أَيْضًا بَيْنَ أَخْذِهِ أَوْ أَخْذِ مَا نَقَصَهُ الْعَيْبُ وَبَيْنَ تَضْمِينِهِ قِيمَتَهُ. أَمَا وُجُوبُ رَدِّ الشَّيْءِ الْمَغْصُوبِ فَلَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ، وَأَمَّا رَدُّ الْغَلَّةِ فَقَالَ الْإِمَامُ الْقَلْشَانِيُّ فِي شَرْحِ قَوْلِ الرِّسَالَةِ فِي بَابِ الْأَقْضِيَةِ وَالشَّهَادَةِ: وَيَرُدُّ الْغَاصِبُ الْغَلَّةَ وَلَا يَرُدُّهَا غَيْرُ الْغَاصِبِ مَا نَصُّهُ: قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي كِتَابِ الْغَصْبِ مِنْ الْمُقَدِّمَاتِ: وَتَحْصِيلُ الِاخْتِلَافِ أَنَّ الْغَلَّاتِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ أَحَدُهَا: غَلَّةٌ مُتَوَلِّدَةٌ عَنْ الشَّيْءِ الْمَغْصُوبِ عَلَى هَيْئَتِهِ وَخِلْقَتِهِ كَالْوَلَدِ فَإِنَّهُ يُرَدُّ مَعَ الْأُمِّ بِلَا خِلَافٍ، وَإِنْ مَاتَتْ الْأُمُّ كَانَ مُخَيَّرًا بَيْنَ الْوَلَدِ وَقِيمَةِ الْأُمِّ. الثَّانِي غَلَّةٌ مُتَوَلِّدَةٌ مِنْهُ عَلَى غَيْرِ خِلْقَتِهِ وَهَيْئَتِهِ كَاللَّبَنِ وَالصُّوفِ وَالثَّمَرَةِ وَفِيهَا قَوْلَانِ، أَحَدُهُمَا: أَنَّ ذَلِكَ لِلْغَاصِبِ لِضَمَانِهِ وَلِحَدِيثِ «الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ.» الثَّانِي أَنَّهُ يَلْزَمُ رَدُّهَا إنْ كَانَتْ قَائِمَةً أَوْ قِيمَتَهَا إنْ ادَّعَى تَلَفَهَا وَلَمْ يُعْرَفْ ذَلِكَ إلَّا بِقَوْلِهِ: مَعَ عَيْنِ الْمَغْصُوبِ. وَإِنْ تَلِفَ الشَّيْءُ الْمَغْصُوبُ كَانَ مُخَيَّرًا بَيْنَ أَنْ يُضَمِّنَهُ الْقِيمَةَ وَلَا شَيْءَ لَهُ فِي الْغَلَّةِ، وَبَيْنَ أَنْ يَأْخُذَهُ بِالْغَلَّةِ وَلَا شَيْءَ لَهُ مِنْ الْقِيمَةِ. الثَّالِثُ: الْغَلَّةُ الَّتِي هِيَ مُتَوَلِّدَةٌ عَنْ الشَّيْءِ الْمَغْصُوبِ وَهِيَ الْأَكْرِيَةُ وَالْخَرَاجَاتُ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَاخْتُلِفَ فِيهَا عَلَى خَمْسَةِ أَقْوَالٍ، أَحَدُهَا: أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ رَدُّهَا جُمْلَةً مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ. الثَّانِي: أَنَّهُ يَلْزَمُهُ رَدُّهَا جُمْلَةً مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ بَيْنَ أَنْ يُكْرِيَ أَوْ يَنْتَفِعَ أَوْ يُعَطِّلَ. الثَّالِثُ: أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الرَّدُّ إنْ أَكْرَى وَلَا يَلْزَمُهُ إنْ انْتَفَعَ أَوْ عَطَّلَ. الرَّابِعُ: أَنَّهُ يَلْزَمُهُ إنْ أَكْرَى أَوْ انْتَفَعَ وَلَا يَلْزَمُهُ إنْ عَطَّلَ. الْخَامِسُ: الْفَرْقُ بَيْنَ الْحَيَوَانِ وَالْأُصُولِ وَهَذَا كُلُّهُ فِيمَا اغْتَلَّ مِنْ الْعَيْنِ الْمَغْصُوبَةِ مَعَ بَقَائِهَا وَقِيَامِهَا، وَأَمَّا مَا اغْتَلَّ مِنْهَا بِتَصَرُّفٍ، وَتَفْوِيتُهَا وَتَحْوِيلُ عَيْنِهَا كَالدَّنَانِيرِ يَغْصِبُهَا فَيَغْتَلُّهَا بِالتِّجَارَةِ فِيهَا، وَالطَّعَامِ يَزْرَعُهُ فِي أَرْضِهِ، فَالْغَلَّةُ قَوْلًا وَاحِدًا. وَأَمَّا إذَا لَمْ يَقْصِدْ إلَى غَصْبِ الرَّقَبَةِ فَهُوَ ضَامِنٌ لِلْغَلَّةِ الَّتِي قَصَدَ إلَى غَصْبِهَا؛ سَوَاءٌ أَكْرَى أَوْ انْتَفَعَ أَوْ عَطَّلَ، وَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ مِمَّا يُزَالُ بِهِ أَوْ مِمَّا لَا يُزَالُ بِهِ. اهـ وَقَالَ الْقَلْشَانِيُّ أَيْضًا فِي شَرْحِ قَوْلِ الرِّسَالَةِ آخِرَ بَابِ الشُّفْعَةِ وَالْهِبَةِ: وَلَا غَلَّةَ لِلْغَاصِبِ وَيَرُدُّ مَا أَكَلَ مِنْ غَلَّةٍ أَوْ انْتَفَعَ. مَا نَصُّهُ ظَاهِرُ الرِّسَالَةِ وُجُوبُ رَدِّ الْغَاصِبِ الْغَلَّةَ بِالْإِطْلَاقِ سَوَاءٌ كَانَ الْمَغْصُوبُ رَبْعًا أَوْ رَقِيقًا أَوْ حَيَوَانًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ، وَسَوَاءٌ اسْتَغَلَّهَا أَوْ اسْتَعْمَلَهَا وَالْقَوْلُ بِوُجُوبِ رَدِّ الْغَلَّةِ مُطْلَقًا رَوَاهُ أَشْهَبُ وَابْنُ زِيَادٍ عَنْ مَالِكٍ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَهُوَ التَّحْقِيقُ عِنْدَ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ، قَالُوا: لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الذَّوَاتِ إنَّمَا هُوَ حُصُولُ مَنَافِعِهَا فَلَوْ لَمْ يَرُدَّ الْغَاصِبُ الْغَلَّةَ لَمَا كَانَ فِي الْقَضَاءِ عَلَيْهِ بِالرَّدِّ سِوَى فَائِدَةِ الِانْتِفَاعِ بِالْمَغْصُوبِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَهُوَ تَتْمِيمٌ لِغَرَضِ الْغَاصِبِ. الْقَوْلُ الثَّانِي: ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ اخْتِصَاصُ الضَّمَانِ بِغَلَّةِ الرِّبَاعِ وَالْإِبِلِ وَالْغَنَمِ دُونَ الرَّقِيقِ وَالدَّوَابِّ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ قَالَ الْمُتَيْطِيُّ سَلَكَ مَسْلَكَ الْمُقَابَلَةِ فَجَعَلَ عَلَيْهِ النَّفَقَةَ فِي

الرَّقِيقِ وَالدَّوَابِّ وَلَهُ الْغَلَّةُ وَأَسْقَطَ عَنْهُ النَّفَقَةَ فِي الرَّبْعِ وَجَعَلَ عَلَيْهِ رَدَّ الْغَلَّةِ. قِيلَ: الْفَرْقُ أَنَّ الرَّبْعَ مَأْمُونٌ، فَكَأَنَّهُ لَمْ يَضْمَنْ شَيْئًا وَالرَّقِيقُ وَالدَّوَابُّ الْخَوْفُ فِيهِمَا قَائِمٌ فَكَانَتْ الْغَلَّةُ لَهُ بِالضَّمَانِ. وَقِيلَ: الْفَرْقُ أَنَّ غَاصِبَ الْحَيَوَانِ لَمَّا كَانَتْ قَدْ تَبْقَى بِيَدِهِ حَتَّى تَتْلَفَ صَارَ الْغَاصِبُ فِيهِمَا غَاصِبًا لِلرِّقَابِ حَقِيقَةً، وَالرَّبْعُ شَأْنُهُ الْبَقَاءُ حَتَّى لَيُدْرَى بِهِ فَهُوَ غَاصِبٌ لِلْمَنْفَعَةِ، وَغَاصِبُ الْمَنْفَعَةِ لَا خِلَافَ فِي رَدِّهِ الْغَلَّةَ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي غَاصِبِ الرَّقَبَةِ. اهـ وَالْقَوْلُ لِلْغَاصِبِ فِي دَعْوَى التَّلَفْ ... وَقَدْرِ مَغْصُوبٍ وَمَا بِهِ اتَّصَفْ هَكَذَا كَقَوْلِ الشَّيْخِ خَلِيلٍ وَالْقَوْلُ لَهُ فِي تَلَفِهِ وَنَعْتِهِ وَقَدْرِهِ وَحَلِفٌ. وَقَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْغَاصِبِ فِي تَلَفِهِ وَصِفَتِهِ وَمَبْلَغِهِ. (التَّوْضِيح) يَعْنِي إذَا اخْتَلَفَ الْغَاصِبُ وَالْمَغْصُوبُ مِنْهُ: هَلْ تَلِفَ الشَّيْءُ الْمَغْصُوبُ أَمْ لَا؟ وَاخْتَلَفَا فِي صِفَتِهِ أَوْ مَبْلَغِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْغَاصِبِ؛ لِأَنَّهُ غَارِمٌ وَإِنْ غَصَبَ جَارِيَةً وَادَّعَى هَلَاكَهَا وَاخْتُلِفَ فِي صِفَتِهَا صُدِّقَ الْغَاصِبُ فِي الصِّفَةِ مَعَ يَمِينِهِ إذَا أَتَى بِمَا يُشْبِهُ، فَإِنْ أَتَى بِمَا لَا يُشْبِهُ صُدِّقَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ مَعَ يَمِينِهِ. وَكَذَلِكَ نَصَّ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَالْعُتْبِيَّةِ عَلَى وُجُوبِ الْيَمِينِ عَلَى الْغَاصِبِ إذَا اخْتَلَفَا فِي الْعَدَدِ. وَلَمْ أَرَ فِي الْأُمَّهَاتِ وُجُوبَ الْيَمِينِ عَلَى الْغَاصِبِ إذَا ادَّعَى التَّلَفَ لَكِنْ نَصَّ فِيهَا عَلَى الشَّيْءِ الْمُسْتَحَقِّ إذَا كَانَ مِمَّا يُعَابُ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَحْلِفُ إذَا ادَّعَى الْمُشْتَرِي تَلَفَهُ، وَكَذَلِكَ فِي رَهْنِ مَا يُعَابُ عَلَيْهِ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْغَاصِبُ أَحْسَنَ حَالًا مِنْهُمَا وَقَدْ نَصَّ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ عَلَى وُجُوبِ الْيَمِينِ هُنَا فِي التَّلَفِ. وَقَالَ أَشْهَبُ يُصَدَّقُ الْغَاصِبُ مَعَ يَمِينِهِ، وَإِنْ ادَّعَى مَا لَا يُشْبِهُ؛ كَمَا لَوْ قَالَ: هِيَ صَمَّاءُ بَكْمَاءُ. انْتَهَى مَحَلُّ الْحَاجَةِ مِنْهُ وَلَمْ يَنُصَّ النَّاظِمُ عَلَى وُجُوبِ الْيَمِينِ عَلَى الْغَاصِبِ فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ اتِّكَالًا مِنْهُ عَلَى مَا هُوَ مَعْلُومٌ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُمْ إذَا قَالُوا: الْقَوْلُ قَوْلُهُ. يَعْنُونَ بِيَمِينٍ، وَإِذَا قَالُوا: مُصَدَّقٌ فَيَعْنُونَ بِغَيْرِ يَمِينٍ. وَلَكِنَّ هَذَا غَالِبٌ لَا مُطَّرِدٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَالْغُرْمُ وَالضَّمَانُ مَعْ عِلْمٍ يَجِبْ ... عَلَى الَّذِي انْجَزَّ إلَيْهِ مَا غَصَبْ بِإِرْثٍ أَوْ مِنْ وَاهِبٍ أَوْ بَائِعِ ... كَالْمُتَعَدِّي غَاصِبِ الْمَنَافِعِ يَعْنِي أَنَّ مَنْ انْجَزَّ إلَيْهِ الشَّيْءُ الْمَغْصُوبُ إمَّا بِإِرْثٍ مِنْ الْغَاصِبِ أَوْ بِهِبَةٍ مِنْهُ أَوْ بِشِرَاءٍ مِنْهُ أَيْضًا مَعَ كَوْنِ مَنْ انْجَرَّ إلَيْهِ ذَلِكَ عَالِمًا بِكَوْنِ مَوْرُوثِهِ أَوْ الْوَاهِبِ لَهُ أَوْ الْبَائِعِ لَهُ غَصَبَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَتَنَزَّلُ

مَنْزِلَةَ الْغَصْبِ فِي ضَمَانِ الشَّيْءِ الْمَغْصُوبِ فَيَغْرَمُ قِيمَتَهُ أَوْ مِثْلَهُ إنْ تَلِفَ، فَالْغُرْمُ نَتِيجَةُ الضَّمَانِ. فَلَوْ قَالَ: وَالْغُرْمُ بِالضَّمَانِ بِالْبَاءِ السَّبَبِيَّةِ، لَكَانَ أَوْضَحَ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَلَمَّا تَرْجَمَ لِلْغَصْبِ وَالتَّعَدِّي، وَذَكَرَ بَعْضَ أَحْكَامِ الْغَصْبِ أَفَادَ هُنَا بِالشَّطْرِ الثَّانِي مِنْ الْبَيْتِ الثَّانِي أَنَّ الْمُتَعَدِّيَ هُوَ غَاصِبُ الْمَنَافِعِ بِخِلَافِ الْغَصْبِ فَإِنَّهُ غَاصِبٌ لِلرِّقَابِ، وَشَبَّهَهُ بِالْغَاصِبِ فِي كَوْنِهِ يَضْمَنُ وَيَلْزَمُهُ الْغُرْمُ لِلشَّيْءِ الْمُتَعَدَّى فِيهِ، أَمَّا مَنْ أَنْجَرَّ إلَيْهِ الشَّيْءُ الْمَغْصُوبُ فَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ فِيهَا مَعَ غَيْرِهَا: مَنْ ابْتَاعَ شَيْئًا مِنْ غَاصِبٍ إنْ قَبِلَهُ مِنْهُ وَهُوَ عَالِمٌ أَنَّهُ غَاصِبٌ فَهُوَ كَالْغَاصِبِ فِي الْغَلَّةِ وَالضَّمَانِ. وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ فَلَوْ بِيعَ الْمَغْصُوبُ أَوْ وُرِّثَ فَإِنْ عَلِمَ فَكَالْغَاصِبِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي السَّمَاوِيِّ. (التَّوْضِيحُ) فَاعِلُ عَلِمَ أَحَدُهُمَا لَا بِعَيْنِهِ. وَقَوْلُهُ: فَكَالْغَاصِبِ أَيْ فِي لُزُومِ رَدِّ الْغَلَّاتِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا عَلِمَ بِالْغَصْبِ وَجَبَ عَلَيْهِ الرَّدُّ، وَلَا عُذْرَ لَهُ بَلْ قَالَ أَبُو عِمْرَانَ وَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ عِلْمُ الْمُشْتَرِي، وَأَمَّا الْمَوْهُوبُ لَهُ فَإِنَّمَا يُنْظَرُ إلَى مَعْرِفَةِ النَّاسِ فِي ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ. أَيْ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ أَحَدُهُمَا أَيْ الْمُشْتَرِي وَالْوَارِثُ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ مِمَّا هَلَكَ أَوْ نَقَصَ مِمَّا لَا صُنْعَ فِيهِ لِأَحَدٍ، وَهُوَ مُرَادُهُ بِالسَّمَاوِيِّ. انْتَهَى الْمُحْتَاجُ لَهُ الْآنَ مِنْهُ وَأَمَّا الْمُتَعَدِّي فَنَقَلَ الْمَوَّاقُ عَنْ اللَّخْمِيِّ أَنَّ التَّعَدِّيَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ: يَسِيرٌ لَمْ يُبْطِلْ الْغَرَضَ الْمَقْصُودَ مِنْهُ فَلَا يَضْمَنُهُ بِذَلِكَ، قَالَ مَالِكٌ فَإِنْ كَانَ ثَوْبًا رَفَأَهُ أَوْ قَصْعَةً أَصْلَحَهَا وَغَرِمَ مَا نَقَصَهَا بَعْدَ الْإِصْلَاحِ وَإِنَّمَا لَزِمَهُ إصْلَاحُهُ؛ لِأَنَّ صَاحِبَهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ إلَّا بَعْدَ إصْلَاحِهِ وَقَدْ كَانَ فِي مَنْدُوحَةٍ عَنْ ذَلِكَ.

وَيَسِيرٌ أَبْطَلَ الْغَرَضَ الْمَقْصُودَ مِنْهُ. فِيهِ خِلَافٌ؛ قَالَ ابْنُ الْقَصَّارِ يَضْمَنُ جَمِيعَهُ فَإِنْ قَطَعَ ذَنَبَ دَابَّةِ الْقَاضِي أَوْ أُذُنَهَا ضَمِنَهَا وَكَذَلِكَ مَرْكُوبُ كُلِّ مَنْ يُعْلَمُ أَنَّ مِثْلَهُ لَا يَرْكَبُ مِثْلَ ذَلِكَ؛ فَلِذَلِكَ سَوَاءٌ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ الدَّابَّةُ حِمَارًا أَوْ بَغْلًا أَوْ غَيْرَهُ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَرْكُوبِ وَالْمَلْبُوسِ كَقَلَنْسُوَةِ الْقَاضِي وَطَيْلَسَانِهِ وَعِمَامَتِهِ، وَكَذَلِكَ مَنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَلْبَسُ مِثْلَ ذَلِكَ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ، وَلَا يُسْتَعْمَلُ فِيمَا قُصِدَ إلَيْهِ، وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ الْمَشْهُورَةُ عَنْ مَالِكٍ قَالَ: وَإِنْ كَانَ التَّعَدِّي كَثِيرًا وَلَمْ يُبْطِلْ الْغَرَضَ الْمَقْصُودَ مِنْهُ، فَإِنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْيَسِيرِ. قَالَ ابْنُ يُونُسَ قَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ لَوْ تَعَدَّى عَلَى شَاةٍ بِأَمْرٍ قَلَّ لَبَنُهَا بِهِ؛ فَإِنْ كَانَ عُظْمُ مَا تُرَادُ لَهُ اللَّبَنَ ضَمِنَ قِيمَتَهَا إنْ شَاءَ رَبُّهَا، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ غَزِيرَةَ اللَّبَنِ فَإِنَّمَا يَضْمَنُ مَا نَقَصَهَا، وَأَمَّا النَّاقَةُ أَوْ الْبَقَرَةُ فَإِنَّمَا فِيهَا مَا نَقَصَهَا وَإِنْ كَانَتْ غَزِيرَةَ اللَّبَنِ فَفِيهَا مَنَافِعُ غَيْرُ ذَلِكَ بَاقِيَةٌ. انْتَهَى. وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ قَوْلُهُ: وَأَمَّا النَّاقَةُ أَوْ الْبَقَرَةُ إلَخْ. وَقَوْلُهُ: فَإِنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْيَسِيرِ أَيْ الْيَسِيرِ الَّذِي لَمْ يُبْطِلْ الْغَرَضَ، وَإِنْ كَانَ التَّعَدِّي كَثِيرًا أَبْطَلَ الْمَقْصُودَ، فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ. (قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ:) مَنْ فَقَأَ عَيْنَيْ عَبْدِ رَجُلٍ أَوْ قَطَعَ يَدَيْهِ جَمِيعًا فَقَدْ أَبْطَلَهُ وَيَضْمَنُ الْجَارِحُ قِيمَتَهُ وَيَعْتِقُ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يُبْطِلْ مِثْلُ أَنْ يَفْقَأَ عَيْنًا وَاحِدَةً أَوْ جَدَعَ أَنْفَهُ وَشِبْهَهُ، فَعَلَيْهِ مَا نَقَصَهُ وَلَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ. (ابْنُ رُشْدٍ) : إنْ قَطَعَ الْوَاحِدَةَ مِنْ صَانِعٍ ضَمِنَ قِيمَتَهُ اتِّفَاقًا. اهـ وَحَاصِلُهُ أَنَّ مَا أَفَاتَ الْمَقْصُودَ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ كَثِيرًا كَانَ أَوْ يَسِيرًا، وَمَا لَمْ يُفِتْهُ، فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا نَقَصَهُ كَثِيرًا كَانَ أَوْ يَسِيرًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَإِلَى هَذَا التَّقْسِيمِ أَشَارَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ بِقَوْلِهِ: وَالْمُتَعَدِّي جَانٍ عَلَى بَعْضٍ غَالِبًا فَإِنْ أَفَاتَ الْمَقْصُودَ كَقَطْعِ ذَنَبِ دَابَّةِ ذِي هَيْئَةٍ أَوْ أُذُنِهَا أَوْ طَيْلَسَانِهِ أَوْ لَبَنِ شَاةٍ هُوَ الْمَقْصُودُ أَوْ قَلَعَ عَيْنَيْ عَبْدٍ أَوْ يَدَيْهِ فَلَهُ أَخْذُهُ وَنَقْصُهُ أَوْ قِيمَتُهُ، وَإِنْ لَمْ يُفِتْهُ فَنَقْصُهُ؛ كَلَبَنِ بَقَرَةٍ وَيَدِ عَبْدٍ أَوْ عَيْنِهِ. اهـ وَشُبْهَةٌ كَالْمِلْكِ فِي ذَا الشَّانِ لِقَوْلِهِ «الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ» وَلَا يَكُونُ الرَّدُّ فِي اسْتِحْقَاقِ ... وَفَاسِدِ الْبَيْعِ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَلَا فِي السِّلْعَةِ ... مَوْجُودَةً فِي فَلَسٍ وَالشُّفْعَةِ يَعْنِي أَنَّ شُبْهَةَ الْمِلْكِ كَالْمِلْكِ فِي كَوْنِهَا تُوجِبُ لِمَنْ حَصَلَتْ لَهُ اسْتِحْقَاقَ الْغَلَّةِ. وَعَنْهُ عَبَّرَ بِهَذَا الشَّأْنِ أَيْ الْأَمْرِ الَّذِي الْكَلَامُ فِيهِ، وَهُوَ لِمَنْ تَكُونُ الْغَلَّةُ؟ وَدَلِيلُ كَوْنِ شُبْهَةِ الْمِلْكِ كَالْمِلْكِ. قَوْلُهُ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ.» وَالْخَرَاجُ الْغَلَّةُ وَالْمَعْنَى أَنَّ مَنْ كَانَ ضَمَانُ الشَّيْءِ مِنْهُ إذَا هَلَكَ فَإِنَّ لَهُ غَلَّةَ ذَلِكَ الشَّيْءِ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ الْفُقَهَاءِ: مَنْ عَلَيْهِ التَّوَى فَلَهُ النَّمَا وَالْتَوَى بِالْمُثَنَّاةِ وَالْقَصْرِ أَيْ ضَمَانُ الشَّيْءِ إذَا هَلَكَ وَالنَّمَا الزِّيَادَةُ وَالْمُرَادُ بِهِ الْغَلَّةُ وَلِأَجْلِ كَوْنِ الْخَرَاجِ بِالضَّمَانِ كَانَ مَنْ اشْتَرَى شَيْئًا أَوْ وَرِثَهُ أَوْ وُهِبَ لَهُ أَوْ اسْتَغَلَّهُ كَدَارٍ فَسَكَنَهَا أَوْ أَرْضٍ فَحَرَثَهَا أَوْ عَبْدٍ أَوْ دَابَّةٍ وَاسْتَخْدَمَهُ أَوْ أَكْرَاهُ ثُمَّ اُسْتُحِقَّ مِنْ يَدِهِ وَأَخَذَهُ مُسْتَحِقُّهُ، فَلَا يَرُدُّ الْغَلَّةَ، أَوْ كَانَ اشْتَرَاهُ شِرَاءً فَاسِدًا بِوَجْهٍ مِنْ وُجُوهِ الْفَسَادِ الْمَذْكُورَةِ فِي مَحَلِّهَا، وَقَدْ كَانَ اسْتَغَلَّهُ وَنُقِضَ الْبَيْعُ لِفَسَادِهِ، فَلَا يَرُدُّ الْغَلَّةَ أَيْضًا؛ سَوَاءٌ كَانَ الْمَبِيعُ مَا زَالَ قَائِمًا بِيَدِ مُشْتَرِيهِ فَرَدَّهُ لِبَائِعِهِ أَوْ قَدْ فَاتَ وَغَرِمَ ثَمَنَهُ أَوْ قِيمَتَهُ. وَهُوَ مُرَادُهُ بِالْإِطْلَاقِ، أَوْ وَجَدَ عَيْبًا فِيمَا اشْتَرَى فَرَدَّهُ عَلَى بَائِعِهِ وَكَانَ قَدْ اسْتَغَلَّهُ أَوْ اشْتَرَى شَيْئًا وَاسْتَغَلَّهُ وَلَمْ يَدْفَعْ ثَمَنَهُ حَتَّى فَلِسَ فَجَاءَ الْبَائِعُ فَوَجَدَ سِلْعَتَهُ فِي جُمْلَةِ مَالِ مُشْتَرِيهَا الَّذِي فَلِسَ فَأَخَذَهَا فِي الثَّمَنِ فَلَا يَرْجِعُ بِالْغَلَّةِ عَلَى الْمُفْلِسِ، أَوْ اشْتَرَى شِقْصًا مِنْ دَارٍ مَثَلًا وَسَكَنَهُ ثُمَّ جَاءَ شَرِيكٌ فَأَخَذَ بِالشُّفْعَةِ فَإِنَّ مَنْ خَرَجَ الْمِلْكُ

مِنْ يَدِهِ لَا يَرُدُّ الْغَلَّةَ فِي هَذِهِ الْوُجُوهِ الْخَمْسَةِ؛ لِكَوْنِ ضَمَانِ ذَلِكَ الْمِلْكِ كَانَ مِنْهُ، فَالْغَلَّةُ لَهُ إلَّا أَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ يُتَصَوَّرُ مِنْ يَدِ الْمُشْتَرِي وَالْمَوْهُوبِ لَهُ، وَمَا عَدَاهُ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ مِنْ الْمُشْتَرِي فَقَطْ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (قَالَ فِي إيضَاحِ الْمَسَالِكِ مَا نَصُّهُ) : تَنْبِيهٌ: لِلْمُشْتَرِي الْغَلَّةُ فِي خَمْسَةِ مَوَاضِعَ: الرَّدُّ بِالْعَيْبِ، وَالْبَيْعُ الْفَاسِدُ، وَالِاسْتِحْقَاقُ، وَالشُّفْعَةُ، وَالتَّفْلِيسُ. وَقَدْ نَظَمْتُهَا فَقُلْتُ: وَلَا يَرُدُّ مُشْتَرٍ غَلَّةَ مَا ... قَدْ اشْتَرَاهُ فَاحْفَظَنْهُ وَاعْلَمَا فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَالِاسْتِحْقَاقِ ... وَفَاسِدِ الْبَيْعِ بِلَا شِقَاقِ وَفَلَسٍ وَشُفْعَةٍ يَا طَالِبُ ... مُكَمِّلَيْنِ عِدَّةَ الْمَطَالِبِ فَفِي الْمُقَدِّمَاتِ ذَا الْمَذْكُورُ ... وَفِي خَلِيلٍ مِثْلُهُ مَشْهُورُ وَاخْتَلَفَ الْمَشْهُورُ بِمَاذَا تَكُونُ لِلْمُشْتَرِي فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ إنْ لَمْ تُفَارِقْ الْأُصُولَ فَاحْفَظْهَا بِمَا ضَبَطَهَا بَعْضُهُمْ بِهَذِهِ الْحُرُوفِ تَجِد عفزا شسيا فَالتَّاءُ (مِنْ تَجِدَّ) لِلتَّفْلِيسِ وَالْجِيمُ وَالدَّالُ لِلْجِدَادِ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهَا لَا تَكُونُ لِلْمُشْتَرِي فِي التَّفْلِيسِ إلَّا بِالْجِدَادِ، وَالْعَيْنُ وَالْفَاءُ (مِنْ عفزا) لِلرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَالْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَالزَّايُ الزَّهْوُ، فَالْمَشْهُورُ أَنَّهَا لَا تُرَدُّ مَعَ أُصُولِهَا إذَا أَزْهَتْ وَلَمْ تُجَدَّ، وَلَا يَبِسَتْ فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ، وَفِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ، وَالشِّينُ وَالسِّينُ مِنْ (شسيا) لِلشُّفْعَةِ وَالِاسْتِحْقَاقِ وَالْيَاءُ لِلْيُبْسِ، فَالْمَشْهُورُ أَنَّهَا تُرَدُّ مَعَ أُصُولِهَا، وَإِنْ أَزْهَتْ مَا لَمْ تَيْبَسْ فِي الشُّفْعَةِ وَالِاسْتِحْقَاقِ. اهـ (وَفِي التَّوْضِيحِ) عَنْ الْمَازِرِيِّ قَالَ: كَانَ بَعْضُ أَشْيَاخِي يَرَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسَائِلِ، وَأَنَّهُ يَخْرُجُ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مَا هُوَ مَنْصُوصٌ فِي الْأُخْرَى. اهـ قَالَ الشَّيْخُ ابْنُ غَازِيٍّ بَعْدَ كَلَامِ الْمَازِرِيِّ السَّابِقِ وَقَبْلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ بَعْدَ أَنْ نَقَلَ غَيْرَهُ، وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ فِي التَّوْضِيحِ، وَقَدْ كُنْتُ نَظَمْتُ هَذِهِ الْمَعَانِيَ فِي رَجَزٍ مَعَ زِيَادَةِ بَعْضِ الْفَوَائِدِ، فَقُلْتُ: الْخَرْجُ بِالضَّمَانِ فِي التَّفْلِيسِ ... وَالْعَيْبُ عَنْ جَهْلٍ وَعَنْ تَدْلِيسِ وَفَاسِدٍ وَشُفْعَةٍ وَمُسْتَحَقْ ... ذِي عِوَضٍ وَلَوْ كَوَقْفٍ فِي الْأَحَقْ وَالْجَدُّ فِي الثِّمَارِ فِيمَا اُنْتُقِيَا ... يَضْبِطُهُ تَجِدَّ عفزا شسيا الْخَرْجُ وَالْخَرَاجُ لُغَتَانِ اجْتَمَعَتَا فِي قِرَاءَةِ نَافِعٍ، وَمَنْ وَافَقَهُ {أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجًا فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ} [المؤمنون: 72] وَدَخَلَ تَحْتَ الْكَافِ مِنْ قَوْلِنَا: كَوَقْفِ الِاسْتِحْقَاقِ بِالْحُرِّيَّةِ، وَمَعْنَى فِي الْأَحَقِّ: فِي الْقَوْلِ الْأَحَقِّ تَلْوِيحًا بِقَوْلِ الْمُغِيرَةِ وَمَنْ وَافَقَهُ، وَمَعْنَى اُنْتُقِيَ اُخْتِيرَ وَهُوَ مَبْنِيٌّ لِمَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ، قَالَ: وَاخْتَصَرْتُهَا فِي بَيْتٍ مِنْ الْمُجْتَثِّ، فَقُلْتُ: ضَمِّنْ بِخَرْجٍ وَفِيَّا ... تَجِدَّ عفزا شسيا عَلَى أَنَّا مَسْبُوقُونَ بِهَذَا التَّرْكِيبِ الَّذِي هُوَ تَجِدَّ عفزا شسيا، سَبَقَ إلَيْهِ الْوَانُّوغِيُّ اهـ. (تَنْبِيهٌ) عَدَمُ رَدِّ الْغَلَّةِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ الْخَمْسِ إنَّمَا هُوَ مُطْلَقٌ إذَا كَانَ الْمَبِيعُ لَا غَلَّةَ فِيهِ يَوْمَ الْبَيْعِ، وَلَا يَوْمَ الرَّدِّ، وَاغْتَلَّ الْمُشْتَرِي فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَأَخَذَ الْغَلَّةَ، وَبَانَ بِهَا، وَأَمَّا إنْ كَانَتْ الْغَلَّةُ يَوْمَ الْبَيْعِ أَوْ يَوْمَ الرَّدِّ فَلِكُلِّ مَسْأَلَةٍ حُكْمٌ فَإِنْ أَرَدْتَ تَفْصِيلَ ذَلِكَ فَرَاجِعْ الْحَطَّابَ فِي شَرْحِ قَوْلِ الشَّيْخِ خَلِيلٍ فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَالْغَلَّةُ لَهُ لِلْفَسْخِ وَلَمْ تُرَدَّ بِخِلَافِ وَلَدٍ وَثَمَرَةٍ أُبِّرَتْ وَصُوفٍ تَمَّ إلَخْ، وَقَدْ نَقَلَ الشَّارِحُ هُنَا نُصُوصَ الْفِقْهِ عَلَى عَدَمِ رَدِّ الْغَلَّةِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ، فَرَأَيْتُ جَلْبَهُ مِمَّا يَطُولُ، وَالْمَسْأَلَةُ مَشْهُورَةٌ فِي كُتُبِ الْفُقَهَاءِ. وَمُتْلِفُ مَنْفَعَةٍ مَقْصُودَهْ ... مِمَّا لَهُ كَيْفِيَّةٌ مَعْهُودَهْ صَاحِبُهُ خُيِّرَ فِي الْأَخْذِ لَهُ ... مَعْ أَخْذِهِ لِأَرْشِ عَيْبِ جُلِّهِ أَوْ أَخْذِهِ لِقِيمَةِ الْمَعِيبِ ... يَوْمَ حُدُوثِ حَالَةِ التَّعْيِيبِ وَلَيْسَ إلَّا الْأَرْشُ حَيْثُ الْمَنْفَعَةُ ... يَسِيرَةٌ وَالشَّيْءُ مَعَهَا فِي سَعَهْ مِنْ بَعْدِ رَفْوِ الثَّوْبِ أَوْ إصْلَاحِ ... مَا كَانَ مِنْهُ قَابِلَ الصَّلَاحِ يَعْنِي أَنَّ الْأَشْيَاءَ الَّتِي يُنْتَفَعُ بِهَا كَالثَّوْبِ وَالسَّيْفِ وَالصَّحْفَةِ وَنَحْوِهَا إذَا تَعَدَّى عَلَيْهَا مُتَعَدٍّ وَأَتْلَفَهَا أَوْ عَيَّبَهَا عَمْدًا أَوْ خَطَأً؛ لِأَنَّ الْعَمْدَ وَالْخَطَأَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ سَوَاءٌ، فَإِنْ كَانَ مَا فَعَلَ هَذَا الْمُتَعَدِّي أَتْلَفَ بِسَبَبِهِ الْمَنْفَعَةَ الْمَقْصُودَةَ مِنْ ذَلِكَ الشَّيْءِ فَإِنَّ صَاحِبَهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَأْخُذَ شَيْأَهُ عَلَى مَا حَدَثَ فِيهِ مِنْ الْفَسَادِ وَيَأْخُذَ مَعَ ذَلِكَ مِنْ الْمُتَعَدِّي مَا بَيْنَ قِيمَةِ شَيْئِهِ سَالِمًا وَمَعِيبًا، وَبَيْنَ أَنْ يَتْرُكَهُ لِلَّذِي جَنَى

فصل في الاغتصاب

عَلَيْهِ وَأَفْسَدَهُ أَوْ يَأْخُذَ مِنْهُ قِيمَتَهُ يَوْمَ أَفْسَدَهُ، وَهَذَا إذَا أَبْقَى الشَّيْءَ مَعِيبًا أَمَا إذَا ذَهَبَ رَأْسًا كَمَا إذَا أَحْرَقَ ثَوْبًا، فَلَيْسَ إلَّا الرُّجُوعَ بِالْقِيمَةِ وَأَمَّا إنْ كَانَ مَا فَعَلَ الْمُتَعَدِّي يَسِيرًا بِحَيْثُ كَانَ الشَّيْءُ بَعْدَ تَلَفِهِ مَازَالَ يُنْتَفَعُ بِهِ مِثْلَ مَا كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ، فَلَيْسَ لِصَاحِبِهِ إلَّا الْأَرْشُ وَهُوَ مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ سَالِمًا وَمَعِيبًا بَعْدَ إصْلَاحِ مَا يَقْبَلُ الْإِصْلَاحَ مِنْ ذَلِكَ؛ كَرَفْوِ الثَّوْبِ مِمَّا حَدَثَ فِيهِ مِنْ الْقَطْعِ، وَكَالسَّيْفِ يُصْلِحُ مَا حَدَثَ فِيهِ مِنْ الْفُلُولِ. (قَالَ فِي الْمُقَرَّبِ) : قُلْتُ: فَمَنْ كَسَرَ صَحْفَةً لِرَجُلٍ أَوْ عَصًا أَوْ شَقَّ لَهُ ثَوْبًا، فَقَالَ: قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ أَفْسَدَ لِرَجُلٍ ثَوْبًا: إنْ كَانَ فَسَادًا يَسِيرًا. كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَرْفُوَهُ ثُمَّ يَغْرَمَ مَا نَقَصَهُ بَعْدَ الرَّفْوِ وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا أَخَذَ الثَّوْبَ وَغَرِمَ قِيمَتَهُ يَوْمَ أَفْسَدَهُ، فَاَلَّذِي سَأَلْتَ عَنْهُ هُوَ عَلَى مِثْلِ هَذَا. قَالَ: وَإِنْ أَرَادَ صَاحِبُ الثَّوْبِ أَنْ يَتْبَعَهُ بِمَا أَفْسَدَ بِحَبْسِ الثَّوْبِ كَانَ ذَلِكَ لَهُ، وَإِنْ كَانَ الْفَسَادُ كَثِيرًا. وَفِي الْجَوَاهِرِ: وَقَالَ أَشْهَبُ فِي الْفَسَادِ الْكَثِيرِ: إنَّمَا لَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ قِيمَةَ جَمِيعِ الثَّوْبِ أَوْ يَأْخُذَهُ بِنَقْصِهِ، وَلَا شَيْءَ لَهُ مِمَّا نَقَصَهُ وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ مَرَّةً، ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ قَالَ: وَإِذَا فَرَّعْنَا عَلَى الْأَوَّلِ فَفِي مَعْنَى الْفَسَادِ مَا أَتْلَفَ الْغَرَضَ الْمَقْصُودَ، وَإِنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ فِي الصُّورَةِ يَسِيرَةً؛ مِثْلَ قَطْعِ ذَنَبِ الدَّابَّةِ أَوْ أُذُنِهَا ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَ مَا تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ: كَالْمُتَعَدِّي غَاصِبِ الْمَنَافِعِ فَرَاجِعْهُ إنْ شِئْتَ. [فَصْلٌ فِي الِاغْتِصَابِ] ِ وَوَاطِئٌ لِحُرَّةٍ مُغْتَصِبَا ... صَدَاقُ مِثْلِهَا عَلَيْهِ وَجَبَا إنْ ثَبَتَ الْوَطْءُ وَلَوْ بِبَيِّنَهْ ... بِأَنَّهُ غَابَ عَلَيْهَا مُعْلِنَهْ وَقِيمَةُ النَّقْصِ عَلَيْهِ فِي الْأَمَهْ ... هَبْهَا سِوَى بِكْرٍ وَغَيْرَ مُسْلِمَهْ وَالْوَلَدُ اُسْتُرِقَّ حَيْثُ عُلِمَا ... وَالْحَدُّ مَعْ ذَاكَ عَلَيْهِ فِيهِمَا يَعْنِي أَنَّ مَنْ غَصَبَ امْرَأَةً وَأَكْرَهَهَا عَلَى الزِّنَا وَزَنَى بِهَا مُكْرَهَةً فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ صَدَاقُ مِثْلِهَا بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا، إنْ ثَبَتَ الْوَطْءُ إمَّا بِإِقْرَارِهِ أَوْ بِبَيِّنَةٍ عَلَى الْوَطْءِ أَوْ بِبَيِّنَةٍ بِأَنَّهُ غَابَ عَلَيْهَا غَيْبَةً يُمْكِنُ وُقُوعُ الْوَطْءِ فِيهَا وَادَّعَتْهُ الْمَرْأَةُ، وَإِنْ لَمْ يُشَاهَدْ وَطْؤُهُ لَهَا وَغَيَّا النَّاظِمُ بِهَذِهِ الصُّورَةِ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ عَدَمُ وُجُوبِ الصَّدَاقِ فِيهَا؛ فَيَكُونُ غَيْرُهَا مِنْ الْإِقْرَارِ بِالْوَطْءِ أَوْ قِيَامِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ أَحْرَى فِي وُجُوبِ الصَّدَاقِ. وَهَذَا إنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ حُرَّةً، وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً فَإِنَّ عَلَيْهِ مَا نَقَصَهَا بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا مُسْلِمَةً كَانَتْ أَوْ كَافِرَةً، وَوَلَدُهُ رَقِيقٌ لِسَيِّدِهَا إذَا عَلِمَ ذَلِكَ وَثَبَتَ بِأَحَدِ الْوُجُوهِ الْمَذْكُورَةِ وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِقَوْلِهِ: حَيْثُ عَلِمَا وَفَسَّرَهُ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ: إذَا عَلِمَ بِرِقِّهَا. اهـ فَتَأَمَّلْهُ فَإِنَّهُ غَيْرُ ظَاهِرٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ:) وَكَذَلِكَ مَنْ اسْتَكْرَهَ أَمَةً أَوْ حُرَّةً فَوَطِئَهَا فَعَلَيْهِ فِي الْحُرَّةِ صَدَاقُ مِثْلِهَا وَفِي الْأَمَةِ مَا نَقَصَ مِنْ ثَمَنِهَا بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا، خِلَافَ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لَا صَدَاقَ عَلَيْهِ مَعَ الْحَدِّ، وَهَذَا إذَا ثَبَتَ عَلَيْهِ الْوَطْءُ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ عَلَى مُعَايَنَةِ الْفِعْلِ، أَوْ أَقَرَّ بِذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ، أَوْ ادَّعَتْ ذَلِكَ عَلَيْهِ مَعَ قِيَامِ الْبَيِّنَةِ عَلَى غَيْبَتِهِ عَلَيْهَا. اهـ اسْتَطْرَدَ الشَّارِحُ عَنْ الْمُقَرَّبِ حُكْمَ مَنْ اغْتَصَبَ امْرَأَةً وَوَطِئَهَا فِي دُبُرِهَا وَأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الصَّدَاقُ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ إلَّا بِالْإِقْرَارِ أَوْ بِالشَّهَادَةِ عَلَى الْوَطْءِ، وَأَمَّا إنْ لَمْ تَكُنْ الشَّهَادَةُ إلَّا عَلَى الِاغْتِصَابِ وَالْخَلْوَةِ وَادَّعَتْ الْمَرْأَةُ الْوَطْءَ وَأَنْكَرَ هُوَ، فَإِنَّهُ لَا حَدَّ عَلَيْهِ بَلْ يُعَاقَبُ عُقُوبَةً شَدِيدَةً. وَوَاطِئٌ مُبْتَدَأٌ سَوَّغَهُ الْعَمَلُ فِي الْحُرَّةِ وَمُغْتَصِبًا حَالٌ مِنْ وَاطِئٍ لِتَخْصِيصِهِ بِالْعَمَلِ الْمَذْكُورِ، وَصَدَاقُ مِثْلِهَا مُبْتَدَأٌ، وَجُمْلَةُ وَجَبَا عَلَيْهِ خَبَرُهُ، وَالْجُمْلَةُ الْكُبْرَى خَبَرُ وَاطِئٍ، وَمُعْلِنَةٌ صِفَةُ بَيِّنَةٍ، وَغَيْرَ مُسْلِمَةٍ بِالنَّصْبِ مَعْطُوفٌ عَلَى الْمَفْعُولِ الثَّانِي لِهَبْ وَهُوَ سِوَى، وَعُلِمَ بِالْبِنَاءِ لِلنَّائِبِ أَيْ شَاعَ، وَعُلِمَ وَضَمِيرُ عَلَيْهِ لِلْوَاطِئِ، وَضَمِيرُ فِيهِمَا لِلْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَإِنْ يَكُنْ ذَا الْغَصْبُ بِالدَّعْوَى فَفِي ... تَفْصِيلِهِ بَيَانٌ حُكْمُهُ يَفِي فَحَيْثُمَا الدَّعْوَى عَلَى مَنْ قَدْ شُهِرْ ... بِالدِّينِ وَالصَّلَاحِ وَالْفَضْلِ نُظِرْ فَإِنْ تَكُنْ بَعْدَ التَّرَاخِي زَمَنَا ... حُدَّتْ لِقَذْفٍ وَبِحَمْلٍ لِلزِّنَا وَحَيْثُمَا رَحِمُهَا مِنْهُ بَرِيّ ... فَالْحَدُّ تَسْتَوْجِبُهُ فِي الْأَظْهَرِ وَذَاكَ فِي الْمَجْهُولِ حَالًا إنْ جُهِلْ ... حَالٌ لَهَا أَوْ لَمْ تَحُزْ صَوْنًا نُقِلْ وَإِنْ تَكُنْ مِمَّنْ لَهَا صَوْنٌ فَفِي ... وُجُوبِهِ تَخْرِيجًا الْخُلْفُ قُفِيّ وَحَيْثُ قِيلَ لَا تُحَدُّ إنْ نَكَلْ ... فَالْمَهْرُ مَعْ يَمِينِهَا لَهُ حَصَلْ وَمَا عَلَى الْمَشْهُورِ بِالْعَفَافِ ... مَهْرٌ وَلَا حَلْفٌ بِلَا خِلَافِ لَمَّا قَدَّمَ حُكْمَ مَا إذَا ثَبَتَ الْغَصْبُ بِبَيِّنَةٍ ذَكَرَ هُنَا حُكْمَ مَا إذَا كَانَ ذَلِكَ بِمُجَرَّدِ دَعْوَى الْمَرْأَةِ وَقَسَّمَ الْمَسْأَلَةَ إلَى سِتَّةِ أَوْجُهٍ. وَذَلِكَ أَنَّ الرَّجُلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ؛ إمَّا أَنْ يَكُونَ مَشْهُورًا بِالدِّينِ وَالْخَيْرِ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مَجْهُولَ الْحَالِ، لَا يُعْلَمُ كَوْنُهُ دَيِّنًا أَوْ لَا، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مَشْهُورًا بِالْفِسْقِ وَقِلَّةِ الدِّينِ فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ، وَفِي كُلٍّ مِنْهَا إمَّا أَنْ تَدَّعِيَ ذَلِكَ حَالَةَ وُقُوعِهِ وَجَاءَتْ مُتَعَلِّقَةً بِهِ وَإِمَّا أَنْ تَدَّعِيَ ذَلِكَ بَعْدَ مُضِيِّ زَمَانٍ وَتَكَلَّمَ فِي هَذِهِ الْأَبْيَاتِ الثَّمَانِيَةِ عَلَى مَا إذَا ادَّعَتْ ذَلِكَ عَلَى الْمُشْتَهَرِ بِالدِّينِ أَوْ عَلَى مَجْهُولِ الْحَالِ، وَلَمْ تَقُمْ فِي الْوَجْهَيْنِ فِي الْحَالِ بَلْ بَعْدَ مُضِيِّ زَمَانٍ فَأَخْبَرَ أَنَّهُ إذَا ادَّعَتْ ذَلِكَ عَلَى مَنْ شُهِرَ بِالدِّينِ وَتَرَاخَتْ الدَّعْوَى، فَإِنَّهَا تُحَدُّ حَدَّ قَذْفِهَا لِلرَّجُلِ الْمَشْهُورِ بِالدِّينِ وَلِلزِّنَا إنْ ظَهَرَ بِهَا حَمْلٌ وَيَتَعَدَّدُ الْحَدَّانِ لِاخْتِلَافِ مُوجِبِهِمَا فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ بِهَا حَمْلٌ فَفِي وُجُوبِ حَدِّ الزِّنَا عَلَيْهَا قَوْلَانِ الْأَظْهَرُ وُجُوبُهُ وَإِلَى هَذَا كُلِّهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: وَإِنْ يَكُنْ ذَا الْغَصْبُ إلَى قَوْلِهِ: وَحَيْثُمَا رَحِمُهَا مِنْهُ بَرِيّ الْبَيْتَ، أَيْ مِنْ الْحَمْلِ. (وَفِي الْمُخْتَصَرِ لِلشَّيْخِ خَلِيلٍ) وَإِنْ ادَّعَتْ اسْتِكْرَاهًا عَلَى غَيْرِ لَائِقٍ بِلَا تَعَلُّقٍ حُدَّتْ لَهُ، وَهَذَا كُلُّهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَرْأَةِ، وَأَمَّا الرَّجُلُ فَلَا صَدَاقَ عَلَيْهِ وَلَا يَمِينَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي قَوْلِهِ فِي الْبَيْتِ الثَّامِنِ: وَمَا عَلَى الْمَشْهُورِ بِالْعَفَافِ مَهْرٌ وَلَا حَلِفٌ وَأَحْرَى أَنْ لَا حَدَّ عَلَيْهِ. ثُمَّ ذَكَرَ فِي قَوْلِهِ: وَذَاكَ فِي الْمَجْهُولِ حَالًا، الْأَبْيَاتِ الثَّلَاثَةِ حُكْمَ مَا إذَا كَانَتْ الدَّعْوَى عَلَى مَجْهُولِ الْحَالِ وَتَرَاخَى قِيَامُهَا أَيْضًا، وَذَكَرَ أَنَّهُ يُنْظَرُ فِي ذَلِكَ لِحَالِ الْمَرْأَةِ فَإِنْ جُهِلَ حَالُهَا أَوْ عُلِمَ كَوْنُهَا غَيْرَ مَوْصُوفَةٍ بِالصِّيَانَةِ، فَالْحُكْمُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْمَشْهُورِ بِالدِّينِ مِنْ أَنَّهَا تُحَدُّ لِلزِّنَا وَالْقَذْفِ وَإِنْ عُلِمَ كَوْنُهَا مَوْصُوفَةً بِالصِّيَانَةِ فَفِي وُجُوبِ حَدِّ الْقَذْفِ عَلَيْهَا لِلرَّجُلِ الْمَجْهُولِ الْحَالِ قَوْلَانِ مُخَرَّجَانِ، وَعَلَى كَوْنِهَا لَا تُحَدُّ يَحْلِفُ لِرَدِّ دَعْوَاهَا فَإِنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ حَلَفَتْ وَأَخَذَتْ مِنْهُ الصَّدَاقَ وَإِلَى ذَلِكَ كُلِّهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: وَذَاكَ فِي الْمَجْهُولِ حَالًا، الْأَبْيَاتَ الثَّلَاثَةَ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَمَا عَلَى الْمَشْهُورِ بِالْعَفَافِ الْبَيْتَ، فَهُوَ مِنْ تَمَامِ الدَّعْوَى عَلَى الْمَشْهُورِ بِالدِّينِ فَمَحَلُّهُ بَعْدَ قَوْلِهِ: وَحَيْثُمَا رَحِمُهَا مِنْهُ بَرِيّ، الْبَيْتَ وَكَأَنَّهُ مُؤَخَّرٌ مِنْ تَقْدِيمٍ، وَفُهِمَ مِنْ التَّفْصِيلِ فِي الْمَرْأَةِ حَيْثُ الدَّعْوَى عَلَى مَجْهُولِ الْحَالِ أَنَّهُ لَا يُفَصَّلُ فِيهَا إذَا كَانَتْ عَلَى الْمَشْهُورِ بِالدِّينِ بَلْ الْحُكْمُ مَا تَقَدَّمَ، كَيْفَ كَانَ حَالُ الْمَرْأَةِ هَذَا مَا تُعْطِيهِ أَلْفَاظُ النَّاظِمِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (قَالَ الشَّارِحُ) : وَقَدْ اعْتَمَدَ النَّاظِمُ فِي هَذَا الْفَصْلِ كَلَامَ ابْنِ رُشْدٍ فِي مُقَدِّمَاتِهِ قَالَ فِيهَا مُتَّصِلًا بِمَا تَقَدَّمَ عَنْهُ فِي الْأَبْيَاتِ قَبْلَ هَذِهِ مَا نَصُّهُ: وَأَمَّا إنْ ادَّعَتْ عَلَيْهِ أَنَّهُ اسْتَكْرَهَهَا فَغَابَ عَلَيْهَا وَوَطِئَهَا وَلَا بَيِّنَةَ لَهَا عَلَى دَعْوَاهَا فَإِنَّ ذَلِكَ يَنْقَسِمُ عَلَى وَجْهَيْنِ، أَحَدُهُمَا: أَنْ تَدَّعِيَ ذَلِكَ عَلَى رَجُلٍ صَالِحٍ لَا يَلِيقُ بِهِ ذَلِكَ، وَالثَّانِي: أَنْ تَدَّعِيَ ذَلِكَ عَلَى رَجُلٍ مُتَّهَمٍ يَلِيقُ بِهِ ذَلِكَ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ يَنْقَسِمُ إلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ تَأْتِيَ مُسْتَغِيثَةً مُتَعَلِّقَةً بِهِ مُتَشَبِّثَةً فَاضِحَةً نَفْسَهَا تَدَّعِي إنْ كَانَتْ بِكْرًا. وَالثَّانِي: أَنْ تَدَّعِيَ ذَلِكَ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ تَشَبُّثٍ، وَلَا تَدْمَى، وَهِيَ بِكْرٌ فَيَأْتِي فِي جُمْلَةِ الْمَسْأَلَةِ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ: فَأَمَّا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ وَهُوَ أَنْ تَدَّعِيَ ذَلِكَ عَلَى رَجُلٍ صَالِحٍ لَا يَلِيقُ بِهِ ذَلِكَ، وَهِيَ غَيْرُ مُتَعَلِّقَةٍ بِهِ فَهَذَا لَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَى الرَّجُلِ وَأَنَّهَا تُحَدُّ لَهُ حَدَّ الْقَذْفِ وَحَدَّ الزِّنَا إنْ ظَهَرَ بِهَا حَمْلٌ، وَأَمَّا إنْ لَمْ يَظْهَرْ بِهَا حَمْلٌ فَيُخَرَّجُ وُجُوبُ حَدِّ الزِّنَا عَلَى

الِاخْتِلَافِ فِيمَنْ أَقَرَّ بِوَطْءِ أَمَةِ رَجُلٍ وَادَّعَى أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْهُ، أَوْ بِوَطْءِ امْرَأَةٍ وَادَّعَى أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا فَتُحَدُّ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ إلَّا أَنْ تَرْجِعَ عَنْ قَوْلِهَا، وَلَا تُحَدُّ عَلَى مَذْهَبِ أَشْهَبَ وَهُوَ نَصُّ ابْنِ حَبِيبٍ فِي الْوَاضِحَةِ. وَكَذَا الْمَجْهُولُ الْحَالِ فِي هَذَا الْوَجْهِ إذَا كَانَتْ هِيَ مَجْهُولَةَ الْحَالِ، أَوْ لَمْ تَكُنْ مِنْ أَهْلِ الصَّوْنِ، وَأَمَّا إنْ كَانَتْ مِنْ أَهْلِ الصَّوْنِ وَكَانَ مَجْهُولَ الْحَالِ فَيَتَخَرَّجُ وُجُوبُ حَدِّ الْقَذْفِ عَلَيْهَا لَهُ عَلَى قَوْلَيْنِ، وَيَحْلِفُ بِدَعْوَاهَا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا لَا تُحَدُّ، فَإِنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ حَلَفَتْ وَكَانَ لَهَا صَدَاقُهَا عَلَيْهِ. اهـ وَإِنَّمَا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ أَنَّهُ يَأْتِي فِي الْمَسْأَلَةِ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ مَعَ أَنَّهَا سِتَّةٌ كَمَا ذَكَرْنَا أَوَّلًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ الْوَجْهَيْنِ اللَّذَيْنِ فِي الْمَعْرُوفِ بِالْفِسْقِ مِنْ قِيَامِهَا فِي الْحَالِ أَوْ بَعْدَ مُدَّةٍ، وَبَاقِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ كَكَلَامِ النَّاظِمِ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَجَزَاهُمَا عَنْ الْمُسْلِمِينَ خَيْرًا. وَحَيْثُ دَعْوَى صَاحَبَتْ تَعَلُّقَا ... حَدُّ الزِّنَا يَسْقُطُ عَنْهَا مُطْلَقَا وَالْقَذْفُ فِيهِ الْحَدُّ لِابْنِ الْقَاسِمِ ... وَحَلْفُهُ لَدَيْهِ غَيْرُ لَازِمِ وَمَنْ نَفَى الْحَدَّ فَعِنْدَهُ يَجِبْ ... تَحْلِيفُهُ بِأَنَّ دَعْوَاهَا كَذِبْ وَمِنْ نُكُولِهِ لَهَا الْيَمِينُ ... وَتَأْخُذُ الصَّدَاقَ مَا يَكُونُ وَحَدُّهَا لَهُ اتِّفَاقًا إنْ تَكُنْ ... لَيْسَ لَهَا صَوْنٌ وَلَا حَالٌ حَسَنْ وَعَدَمُ الْحَدِّ كَذَا لِلْمُنْبَهِمْ ... حَالًا إذَا كَانَتْ تَوَقَّى مَا يَصِمْ وَإِنْ تَكُنْ لَا تَتَوَقَّى ذَلِكَا ... فَالْحَلْفُ تَخْرِيجًا بَدَا هُنَالِكَا تَكَلَّمَ فِي الْأَبْيَاتِ عَلَى مَا إذَا ادَّعَتْ الِاغْتِصَابَ عَلَى الْمَشْهُورِ بِالدَّيْنِ أَوْ الْمَجْهُولِ الْحَالِ، وَقَامَتْ فِي الْحِينِ بِحَيْثُ جَاءَتْ مُتَعَلِّقَةً بِهِ لِقَوْلِهِ: وَحَيْثُ دَعْوَى صَاحَبَتْ تَعَلُّقَا فَهُوَ مُقَابِلُ قَوْلِهِ قَبْلُ: فَإِنْ تَكُنْ بَعْدَ التَّرَاخِي زَمَنًا فَأَخْبَرَ هُنَا أَنَّهَا إذَا جَاءَتْ مُتَعَلِّقَةً بِصَالِحِ الْحَالِ فَإِنَّ حَدَّ الزِّنَا يَسْقُطُ عَنْهَا ظَهَرَ بِهَا حَمْلٌ أَوْ لَا، وَهُوَ مُرَادُهُ بِالْإِطْلَاقِ. وَأَمَّا حَدُّ الْقَذْفِ فَفِيهِ قَوْلَانِ: مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهَا تُحَدُّ لِقَذْفِهَا لِلرَّجُلِ وَلَا يَمِينَ عَلَى الرَّجُلِ. وَقَالَ غَيْرُ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا حَدَّ عَلَيْهَا وَيَحْلِفُ الرَّجُلُ عَلَى تَكْذِيبِهَا، فَإِنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ حَلَفَتْ وَوَجَبَ لَهَا الصَّدَاقُ وَمَحَلُّ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ إنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ مَعْرُوفَةً بِالصِّيَانَةِ وَحُسْنِ الْحَالِ، وَأَمَّا إنْ لَمْ تَكُنْ كَذَلِكَ فَتُحَدُّ الْمَرْأَةُ لِلْقَذْفِ اتِّفَاقًا، هَذَا كُلُّهُ فِي الدَّعْوَى عَلَى صَالِحِ الْحَالِ مَعَ التَّشَبُّثِ بِهِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: وَحَيْثُ دَعْوَى صَاحَبَتْ تَعَلُّقَا الْأَبْيَاتَ الْخَمْسَةَ، ثُمَّ أَشَارَ لِحُكْمِ مَا إذَا جَاءَتْ مُتَعَلِّقَةً بِالْمُنْبَهِمِ الْأَمْرُ الْمَجْهُولُ الْحَالِ فَأَخْبَرَ أَنَّهُ يُنْظَرُ لِلْمَرْأَةِ إنْ كَانَتْ مَعْرُوفَةً بِالصِّيَانَةِ وَالْعَفَافِ فَلَا تُحَدُّ لِقَذْفِهِ اتِّفَاقًا، وَإِلَى الِاتِّفَاقِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: كَذَا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ كَذَلِكَ فَفِي حَدِّهَا لِلْقَذْفِ قَوْلَانِ مُخَرَّجَانِ، وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: وَعَدَمُ الْحَدِّ كَذَا لِلْمُنْبَهِمِ الْبَيْتَيْنِ. وَقَدْ تَلَخَّصَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّهَا إذَا جَاءَتْ مُتَعَلِّقَةً بِالصَّالِحِ أَوْ بِالْمَجْهُولِ لَا تُحَدُّ لِلزِّنَا، وَالْكَلَامُ إنَّمَا هُوَ فِي حَدِّ الْقَذْفِ، وَعَلَى سُقُوطِ حَدِّ الْقَذْفِ عَنْهَا، فَعَلَيْهِ الْيَمِينُ أَنَّهُ مَا وَطِئَ وَلَا يَلْزَمُهُ صَدَاقٌ فَإِنْ نَكَلَ عَنْهَا انْقَلَبَتْ عَلَى الزَّوْجَةِ فَتَحْلِفُ وَيَلْزَمُهُ صَدَاقُهَا. وَعَلَى هَذَا نَبَّهَ بِقَوْلِهِ: وَإِنْ يَكُنْ مَجْهُولَ حَالٍ فَيَجِبْ ... تَحْلِيفُهُ وَمَعْ نُكُولٍ يَنْقَلِبْ فَمَحَلُّ هَذَا الْبَيْتِ بَعْدَ قَوْلِهِ: وَإِنْ تَكُنْ لَا تَتَوَقَّى ذَلِكَا ... فَالْحَلْفُ تَخْرِيجًا بَدَا هُنَالِكَا قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ إثْرَ مَا تَقَدَّمَ فِي شَرْحِ الْأَبْيَاتِ قَبْلَ هَذِهِ مَا نَصُّهُ: وَأَمَّا الْوَجْهُ الثَّانِي مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ وَهُوَ أَنْ تَدَّعِيَ ذَلِكَ عَلَى رَجُلٍ صَالِحٍ لَا يَلِيقُ بِهِ ذَلِكَ، وَتَأْتِيَ مُتَعَلِّقَةً بِهِ مُتَشَبِّثَةً، قَدْ بَالَغَتْ فِي فَضِيحَةِ نَفْسِهَا فَهَذَا الْوَجْهُ يُسْقِطُ عَنْهَا حَدَّ الزِّنَا وَإِنْ ظَهَرَ بِهَا حَمْلٌ لِمَا بَالَغَتْ فِي فَضِيحَةِ نَفْسِهَا، وَاخْتُلِفَ: هَلْ تُحَدُّ لَهُ حَدَّ الْقَذْفِ أَمْ لَا؟ . فَذَهَبَ ابْنُ الْقَاسِمِ إلَى أَنَّهَا تُحَدُّ حَدَّ الْقَذْفِ، وَحَكَى ابْنُ حَبِيبٍ فِي الْوَاضِحَةِ أَنَّهَا لَا تُحَدُّ لَهُ حَدَّ الْقَذْفِ وَلَا يَمِينَ لَهَا عَلَيْهِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا تُحَدُّ لَهُ، وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا لَا تُحَدُّ لَهُ، فَيَحْلِفُ عَلَى تَكْذِيبِ دَعْوَاهَا فَإِنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ حَلَفَتْ وَاسْتَحَقَّتْ عَلَيْهِ صَدَاقَهَا، وَهَذَا إذَا كَانَتْ مِمَّنْ تُبَالِي بِفَضِيحَةِ نَفْسِهَا، وَأَمَّا إنْ كَانَتْ مِمَّنْ لَا تُبَالِي بِفَضِيحَةِ نَفْسِهَا، فَتُحَدُّ لَهُ قَوْلًا وَاحِدًا.

وَإِنْ كَانَ مَجْهُولَ الْحَالِ لَمْ تُحَدَّ لَهُ قَوْلًا وَاحِدًا إذَا كَانَتْ مِمَّنْ تُبَالِي بِفَضِيحَةِ نَفْسِهَا، وَأَمَّا إنْ كَانَتْ مِمَّنْ لَا تُبَالِي بِفَضِيحَةِ نَفْسِهَا فَيَتَخَرَّجُ إيجَابُ حَدِّ الْقَذْفِ عَلَيْهَا لَهُ عَلَى قَوْلَيْنِ. اهـ وَفِي ادِّعَائِهَا عَلَى الْمُشْتَهِرِ ... بِالْفِسْقِ حَالَتَانِ لِلْمُعْتَبِرِ حَالُ تَشَبُّثٍ وَبِكْرٌ تَدْمَى ... فَذِي سُقُوطُ الْحَدِّ عَنْهَا عَمَّا فِي الْقَذْفِ وَالزِّنَا وَإِنْ حَمْلٌ ظَهَرْ ... وَفِي وُجُوبِ الْمَهْرِ حَلْفٌ مُعْتَبَرْ وَحَيْثُ قِيلَ إنَّهَا تَسْتَوْجِبُهْ ... فَبَعْدَ حَلْفٍ فِي الْأَصَحِّ تَطْلُبُهْ وَإِنْ يَكُنْ مَجْهُولَ حَالٍ فَيَجِبْ ... تَحْلِيفُهُ وَمَعْ نُكُولٍ يَنْقَلِبْ وَحَالَةٌ بَعْدَ زَمَانِ الْفِعْلِ ... فَالْحَدُّ سَاقِطٌ سِوَى مَعْ حَمْلِ وَلَا صَدَاقَ ثَمَّ إنْ لَمْ يَنْكَشِفْ ... مِنْ أَمْرِهِ بِالسَّجْنِ شَيْءٌ فَالْحَلِفْ وَإِنْ أَبَى مِنْ الْيَمِينِ حَلَفَتْ ... وَلِصَدَاقِ الْمِثْلِ مِنْهُ اسْتَوْجَبَتْ ذَكَرَ فِي هَذِهِ الْأَبْيَاتِ مَا إذَا ادَّعَتْ الِاغْتِصَابَ عَلَى الْمَشْهُورِ بِالْفِسْقِ بِحَالَتَيْهِ أَيْ مَعَ كَوْنِهَا مُتَشَبِّثَةً بِهِ أَوْ بَعْدَ مُضِيِّ زَمَانٍ فَأَخْبَرَ أَنَّهَا إنْ جَاءَتْ مُتَشَبِّثَةً بِهِ، أَوْ جَاءَتْ تَدْمَى، إنْ كَانَتْ بِكْرًا فَإِنَّهَا يَسْقُطُ عَنْهَا حَدُّ الزِّنَا وَالْقَذْفِ مَعًا ظَهَرَ بِهَا حَمْلٌ أَوْ لَا. وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِقَوْلِهِ: عَمَّا. أَيْ فِي الْقَذْفِ وَالزِّنَا ثُمَّ غَيَّا بِظُهُورِ الْحَمْلِ فَقَالَ: وَإِنْ حَمْلٌ ظَهَرَ. أَيْ فَلَا حَدَّ عَلَيْهَا، وَبَعْدَ سُقُوطِ الْحَدَّيْنِ عَنْهَا، هَلْ لَهَا صَدَاقٌ أَمْ لَا؟ اُخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ، وَعَلَى كَوْنِهَا تَسْتَوْجِبُ الصَّدَاقَ، فَإِنَّمَا ذَلِكَ بَعْدَ يَمِينِهَا عَلَى الْأَصَحِّ، وَعَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ نَبَّهَ بِقَوْلِهِ: وَفِي ادِّعَائِهَا عَلَى الْمُشْتَهَرِ بِالْفِسْقِ الْأَبْيَاتَ الْأَرْبَعَةَ ثُمَّ ذَكَرَ حُكْمَ الْحَالَةِ الثَّانِيَةِ، وَهِيَ قِيَامُهَا بَعْدَ زَمَانِ الْفِعْلِ، فَقَالَ: وَحَالَةٌ بَعْدَ زَمَانِ الْفِعْلِ الْأَبْيَاتَ الثَّلَاثَةَ، وَأَخْبَرَ أَنَّ الْحَدَّ سَاقِطٌ عَنْهَا لَا لِقَذْفِهَا لِلرَّجُلِ وَلَا لِزِنَاهَا مَا لَمْ يَظْهَرْ حَمْلٌ فَتُحَدُّ وَلَا صَدَاقَ لَهَا عَلَى

فصل في دعوى السرقة

الرَّجُلِ فِي الْحَالِ وَإِنَّمَا يَنْظُرُ الْإِمَامُ فِي أَمْرِهِ فَيَسْجُنُهُ وَيَتَجَسَّسُ عَنْ أَمْرِهِ، فَإِنْ ظَهَرَ لَهُ صِحَّةُ دَعْوَى الْمَرْأَةِ لَزِمَهُ الصَّدَاقُ أَوْ بُطْلَانُ دَعْوَاهَا بَرِئَ. وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ مِنْ أَمْرِهِ شَيْءٌ حَلَفَ أَنَّهُ مَا وَطِئَ وَبَرِيءَ، وَإِنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ حَلَفَتْ وَوَجَبَ لَهَا عَلَيْهِ صَدَاقُ مِثْلِهَا. وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَإِنْ يَكُنْ مَجْهُولَ حَالٍ فَيَجِبْ (الْبَيْتَ) فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ مَحَلَّهُ قَبْلَ أَوَّلِ هَذِهِ الْأَبْيَاتِ مُتَّصِلًا بِهِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْمُشْتَهَرِ بِالْفِسْقِ، وَالْمُشْتَهَرُ بِالْفِسْقِ لَيْسَ مَجْهُولَ الْحَالِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ:) وَأَمَّا الْوَجْهُ الْأَوَّلُ مِنْ الْقِسْمِ الثَّانِي وَهُوَ أَنْ تَدَّعِيَ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يُشَارُ إلَيْهِ بِالْفِسْقِ وَلَا تَأْتِيَ مُتَعَلِّقَةً بِهِ فَهَذَا الْوَجْهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا فِيهِ حَدُّ الْقَذْفِ لِلرَّجُلِ وَلَا حَدُّ الزِّنَا لِنَفْسِهَا، إلَّا أَنْ يَظْهَرَ بِهَا حَمْلٌ وَلَا صَدَاقَ لَهَا وَيَنْظُرُ الْإِمَامُ فِي أَمْرِهِ فَيَسْجُنُهُ وَيَتَجَسَّسُ عَنْ أَمْرِهِ، وَيَفْعَلُ فِيهِ مَا يَكْشِفُ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ، فَإِنْ لَمْ يَنْكَشِفْ مِنْ أَمْرِهِ شَيْءٌ اُسْتُحْلِفَ فَإِنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ حَلَفَتْ وَاسْتَحَقَّتْ عَلَيْهِ صَدَاقَ مِثْلِهَا. وَأَمَّا الْوَجْهُ الثَّانِي مِنْ الْقِسْمِ الثَّانِي وَهُوَ أَنْ تَدَّعِيَ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يُشَارُ إلَيْهِ بِالْفِسْقِ وَتَأْتِيَ مُتَعَلِّقَةً بِهِ مُتَشَبِّثَةً تَدْمَى إنْ كَانَتْ بِكْرًا فَهَذَا الْوَجْهُ يُسْقِطُ عَنْهَا حَدَّ الْقَذْفِ لِلرَّجُلِ وَحَدَّ الزِّنَا، وَإِنْ ظَهَرَ بِهَا حَمْلٌ. وَاخْتُلِفَ فِي وُجُوبِ الصَّدَاقِ لَهَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا: أَنَّهُ يَجِبُ وَهِيَ رِوَايَةُ أَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ فِي كِتَابِ الْغَصْبِ؛ لِأَنَّهُ إذَا وَجَبَ لِلْأَمَةِ مَا نَقَصَهَا فَأَحْرَى أَنْ يُوجِبَ لِلْحُرَّةِ صَدَاقَ مِثْلِهَا. وَالثَّانِي أَنَّهُ لَا يَجِبُ لَهَا شَيْءٌ وَهِيَ رِوَايَةُ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي كِتَابِ الْحُدُودِ فِي الْقَذْفِ، قَالَ: وَلَوْ كَانَ أَشَرَّ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ الْأَزْرَقِ فِي زَمَانِهِ. وَالثَّالِثُ قَوْلُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ فِي الْوَاضِحَةِ إنَّهُ يَجِبُ لَهَا الصَّدَاقُ إنْ كَانَتْ حُرَّةً وَلَا شَيْءَ لَهَا إنْ كَانَتْ أَمَةً. وَاخْتُلِفَ إذَا وَجَبَ لَهَا الصَّدَاقُ بِدَعْوَاهَا مَعَ مَا بَلَغَتْ إلَيْهِ مِنْ فَضِيحَةِ نَفْسِهَا: هَلْ يَجِبُ بِيَمِينٍ أَوْ بِغَيْرِ يَمِينٍ؟ فَرَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهَا تَأْخُذُهُ بِغَيْرِ يَمِينٍ، وَذَهَبَ ابْنُ الْقَاسِمِ إلَى أَنَّهَا لَا تَأْخُذُ إلَّا بَعْدَ الْيَمِينِ. وَهُوَ أَوْضَحُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَإِنْ كَانَ مَجْهُولَ الْحَالِ لَمْ يَكُنْ لَهَا صَدَاقٌ وَاسْتُحْلِفَ هُوَ، فَإِنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ حَلَفَتْ وَأَخَذَتْ صَدَاقَهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ. اهـ وَقَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ مَجْهُولَ الْحَالِ إلَخْ هُوَ الَّذِي تَبِعَ الْمُؤَلِّفَ فِي ذِكْرِهِ ذَلِكَ فِي هَذَا الْقِسْمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لِمَ فَعَلَ ذَلِكَ [فَصْلٌ فِي دَعْوَى السَّرِقَةِ] (فَصْلٌ فِي دَعْوَى السَّرِقَةِ) (ابْنُ عَرَفَةَ) السَّرِقَةُ أَخْذُ مُكَلَّفٍ حُرًّا لَا يَعْقِلُ لِصِغَرِهِ أَوْ مَالًا مُحْتَرَمًا لِغَيْرِهِ نِصَابًا أَخْرَجَهُ مِنْ حِرْزِهِ بِقَصْدٍ وَاحِدٍ خُفْيَةً لَا شُبْهَةَ لَهُ فِيهِ. (قَالَ الرَّصَّاعُ) : السَّرِقَةُ اسْمُ مَصْدَرٍ مِنْ سَرَقَ وَيُقَالُ فِي الْمَصْدَرِ سَرَقًا، قَالَ الْمَازِرِيُّ هِيَ أَخْذُ الْمَالِ عَلَى الِاسْتِسْرَارِ، هَذَا حَدُّهَا عُرْفًا فَيَخْرُجُ أَخْذُهُ قَهْرًا وَغَصْبًا وَحِرَابَةً وَغِيلَةً وَخَدِيعَةً. قَالُوا: وَيَرِدُ عَلَيْهِ الِاخْتِلَاسُ وَيَرِدُ عَلَيْهِ أَيْضًا بَعْضُ مَا أَخْرَجَهُ الشَّيْخُ فِي قَيْدِهِ فِي الطَّرْدِ، وَمَا أَدْخَلَ فِي الْعَكْسِ، فَقَوْلُهُ: أَخْذُ، مُنَاسِبٌ لِاسْمِ الْمَصْدَرِ، وَإِذَا أُرِيدَ الِاسْمُ قِيلَ: مَأْخُوذُ مُكَلَّفٍ حُرًّا لَا يَعْقِلُ. إلَخْ. وَأَخْرَجَ بِالْمُكَلَّفِ الْمَجْنُونَ وَالصَّبِيَّ إلَى أَنْ يَحْتَلِمَ أَوْ يَبْلُغَ سِنَّ الِاحْتِلَامِ عَادَةً. وَقَوْلُهُ: لَا يَعْقِلُ. أَدْخَلَ بِهِ الصَّبِيَّ قَبْلَ بُلُوغِهِ إذَا لَمْ يَعْقِل إذَا أُخِذَ مِنْ حِرْزِهِ فَإِنَّهُ سَرِقَةٌ يُقْطَعُ بِهِ. وَمَعْنَى: لَا يَعْقِلُ لَا يَفْهَمُ لِقُوَّةِ صِغَرِهِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ كَالْبَهِيمَةِ لَا تَدْفَعُ عَنْ نَفْسِهَا وَلَا تَتَكَلَّمُ بِمَا يُفْهَمُ عَنْهَا، وَقَوْلُهُ: نِصَابًا أَيْ مِنْ الذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ أَوْ مِنْ الْعُرُوضِ، وَهَلْ الْمُرَاد مَا قَصَدَ كَوْنَهُ نِصَابًا فَيَرِدُ عَلَيْهِ مَنْ سَرَقَ ثَوْبًا خَلِقًا فَوَجَدَ فِيهِ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ مَعَ كَوْنِهِ إنَّمَا قَصَدَ الثَّوْبَ الَّذِي لَيْسَ بِنِصَابٍ؟ أَوْ الْمُرَادُ مَا وَجَدَ فِيهِ النِّصَابَ فَيَرِدُ عَلَيْهِ إذَا سَرَقَ خَشَبَةً فَوَجَدَ فِيهَا ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ فَإِنَّهُ لَا يُقْطَعُ. وَالْأَوَّلُ وَارِدٌ عَلَى الْعَكْسِ وَالثَّانِي عَلَى الطَّرْدِ. وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ نِصَابٌ مَوْجُودٌ مَقْصُودٌ. وَقَوْلُهُ: مِنْ حِرْزِهِ. أَخْرَجَ بِهِ مَا إذَا لَمْ يُخْرِجْهُ مِنْ حِرْزِهِ أَوْ إذَا لَمْ يَكُنْ حِرْزٌ بِوَجْهٍ. وَقَوْلُهُ: أَوْ مَالًا مُحْتَرَمًا أَخْرَجَ بِهِ أَخْذَ غَيْرِ الْأَسِيرِ مَالَ حَرْبِيٍّ وَسَرِقَةَ الْخَمْرِ؛ لِأَنَّهُ لَا حُرْمَةَ لَهُ وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ مَا اُخْتُلِفَ فِيهِ مِمَّا يَجُوزُ مِلْكُهُ مِنْ حَيَوَانٍ وَغَيْرِهِ وَقَوْلُهُ: بِقَصْدٍ وَاحِدٍ. ذَكَرَهُ لِيُدْخِلَ بِهِ إذَا سَرَقَ أَقَلَّ مِنْ النِّصَابِ، ثُمَّ كَرَّرَ ذَلِكَ مِرَارًا بِقَصْدٍ وَاحِدٍ حَتَّى كَمُلَ النِّصَابُ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ، وَقَوْلُهُ: لَا شُبْهَةَ فِيهِ يُخْرِجُ أَخْذَ الْأَبِ

مَالَ ابْنِهِ، وَمَنْ أَخَذَ طَعَامًا فِي {زَمَنِ} الْمَجَاعَةِ، وَمَنْ سَرَقَ مِنْ مَالِ غَرِيمِهِ، وَالْعَبْدُ مِنْ مَالِ سَيِّدِهِ وَهَذَا كُلُّهُ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَحَقُّهُ أَنْ يُقَيِّدَ الشُّبْهَةَ بِالْقَوِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ إذَا سَرَقَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ يُقْطَعُ. وَقَوْلُهُ: خُفْيَةً أَخْرَجَ بِهِ غَيْرَ الْخُفْيَةِ إذَا كَانَ غَلَبَةً قَهْرًا أَوْ ظُلْمًا.

وَمُدَّعٍ عَلَى امْرِئٍ أَنْ سَرَقَهْ ... وَلَمْ تَكُنْ دَعْوَاهُ بِالْمُحَقَّقَهْ فَإِنْ يَكُنْ مُدَّعِيًا ذَاكَ عَلَى ... مَنْ حَالُهُ فِي النَّاسِ حَالُ الْفُضَلَا فَلَيْسَ مِنْ كَشْفٍ لِحَالِهِ وَلَا ... يَبْلُغُ بِالدَّعْوَى عَلَيْهِ أَمَلَا وَإِنْ يَكُنْ مُطَالِبًا مِنْ يُتَّهَمْ ... فَمَالِكٌ بِالضَّرْبِ وَالسَّجْنِ حَكَمْ يَعْنِي أَنَّ مَنْ سُرِقَ لَهُ مَالٌ فَادَّعَى عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ سَرَقَ وَلَمْ يُحَقِّقْ عَلَيْهِ الدَّعْوَى وَإِنَّمَا كَانَتْ تُهْمَةً فَقَطْ وَالتُّهْمَةُ كَمَا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ هِيَ الدَّعْوَى الَّتِي لَا تُحَقَّقُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ. هَذَا ظَاهِرُ لَفْظِ الشَّيْخِ وَفَسَّرَ الشَّارِحُ قَوْلَهُ: وَلَمْ تَكُنْ دَعْوَاهُ بِالْمُحَقَّقَهْ لِكَوْنِ الدَّعْوَى لَا بَيِّنَةَ عَلَيْهَا وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَإِنَّهُ يُنْظَرُ إلَى حَالِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالسَّرِقَةِ فَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْخَيْرِ وَالْفَضْلِ بَعِيدًا عَنْ التُّهْمَةِ بِمِثْلِ هَذَا فَإِنَّهُ لَا يُكْشَفُ عَنْ حَالِهِ وَلَا يُلْتَفَتُ لِهَذِهِ الدَّعْوَى لِبُعْدِهَا عَادَةً زَادَ الشَّارِحُ: وَعَدَمُ تَحْقِيقِهَا عَلَيْهِ وَلَا تُفِيدُ مُدَّعِيَهَا شَيْئًا. وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِمَّنْ يُتَّهَمُ بِمِثْلِ ذَلِكَ فَالْحُكْمُ أَنْ يُسْجَنَ حَتَّى يُخْتَبَرَ حَالُهُ وَقَدْ يُشَدَّدُ عَلَيْهِ بِالضَّرْبِ بِحَسَبِ مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْقَرَائِنُ الْحَالِيَّةُ مِنْ شُهْرَةِ تُهْمَتِهِ وَثُبُوتِ مِثْلِ هَذِهِ الدَّعْوَى عَلَيْهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. فَفِي طُرَرِ ابْنِ عَاتٍ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ سَرِقَةً وَاتَّهَمَ بِهَا مَنْ لَا يُعْرَفُ بِذَلِكَ وَلَا يُتَّهَمُ فَلَا يُكْشَفُ، وَأَمَّا أَهْلُ التُّهَمِ فَلَا بُدَّ أَنْ يُكْشَفُوا وَيُسْتَقْصَى عَلَيْهِمْ وَرُبَّمَا كَانَ فِيهِ الضَّرْبُ، وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَاللَّيْثِ وَالْعُلَمَاءِ. وَفِي كِتَابِ ابْنِ يُونُسَ مِنْ كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ وَذَكَرَهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ أَصْبَغَ قَالَ: وَمَنْ جَاءَ إلَى الْوَالِي بِرَجُلٍ فَقَالَ: سَرَقَ مَتَاعِي فَإِنَّهُ إنْ كَانَ مَوْصُوفًا بِذَلِكَ مُتَّهَمًا هُدِّدَ وَامْتُحِنَ وَحُلِّفَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَمْ يُتَعَرَّضْ لَهُ وَفِيهِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ قُلْتُ لِمُطَرِّفٍ فِيمَنْ سُرِقَ لَهُ مَتَاعٌ فَاتَّهَمَ مِنْ جِيرَانِهِ رَجُلًا غَيْرَ مَعْرُوفٍ أَوْ اتَّهَمَ رَجُلًا غَرِيبًا لَا يُعْرَفُ حَالُهُ أَيُسْجَنُ حَتَّى يُكْشَفَ عَنْهُ؟ قَالَ: نَعَمْ وَلَا يُطَالُ سَجْنُهُ. وَذَكَرُوا «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَبَسَ رَجُلًا اتَّهَمَهُ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ بِسَرِقَةِ بَعِيرِهِ وَقَدْ صَحِبَهُ فِي السَّفَرِ» قَالَ مُطَرِّفٌ وَإِنْ كَانَ الْمُتَّهَمُ بِالسَّرِقَةِ مَعْرُوفًا بِهَا كَانَ سَجْنُهُ أَطْوَلَ وَإِنْ وُجِدَ مَعَهُ مَعَ ذَلِكَ بَعْضُ السَّرِقَةِ فَقَالَ: اشْتَرَيْتُهُ. وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ التُّهَمِ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ غَيْرُ مَا فِي يَدَيْهِ، فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَعْرُوفٍ، حَبَسَهُ وَكَشَفَ عَنْهُ وَإِنْ كَانَ مَعْرُوفًا بِذَلِكَ حَبَسَهُ أَبَدًا حَتَّى يَمُوتَ فِي السِّجْنِ. وَقَالَهُ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ وَأَصْبَغُ وَفِيهِ أَيْضًا قَالَ مَالِكٌ يُسْجَنُ بِقَدْرِ رَأْيِ الْإِمَامِ ثُمَّ يُعَاقَبُ وَيُسَرَّحُ وَلَا يُسْجَنُ حَتَّى يَمُوتَ. قَالَ أَشْهَبُ إذَا شُهِدَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مُتَّهَمٌ فَإِنَّهُ يُسْجَنُ بِقَدْرِ مَا اُتُّهِمَ عَلَيْهِ، وَعَلَى قَدْرِ حَالِهِ. وَمِنْهُمْ مَنْ يُجْلَدُ بِالسَّوْطِ مُجَرَّدًا. اهـ نَقْلُ الشَّارِحِ فَانْظُرْ قَوْلَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَاتُّهِمَ بِهَا مَنْ لَا يُعْرَفُ بِذَلِكَ. وَقَوْلَ ابْنِ حَبِيبٍ لِمُطَرِّفٍ: فَاتَّهَمَ مِنْ جِيرَانِهِ رَجُلًا غَيْرَ مَعْرُوفٍ أَوْ اتَّهَمَ رَجُلًا غَرِيبًا وَأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَبَسَ رَجُلًا اتَّهَمَهُ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ بِسَرِقَةِ بَعِيرِهِ. وَقَوْلَ مُطَرِّفٍ وَإِنْ كَانَ الْمُتَّهَمُ بِالسَّرِقَةِ غَيْرَ مَعْرُوفٍ بِهَا. وَقَوْلَ أَشْهَبَ يُسْجَنُ بِقَدْرِ مَا اُتُّهِمَ عَلَيْهِ فَإِنَّ ظَاهِرَ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ أَنَّ دَعْوَى السَّرِقَةِ غَيْرُ مُحَقَّقَةٍ وَأَنَّ الْمَسْرُوقَ مِنْهُ اتَّهَمَ رَجُلًا وَلَمْ يَجْزِمْ بِكَوْنِهِ هُوَ الَّذِي سَرَقَ مَتَاعَهُ وَهُوَ صَرِيحُ قَوْلِ الشَّارِحِ فِي حَلِّ كَلَامِ النَّاظِمِ وَعَدَمِ تَحْقِيقِهَا عَلَيْهِ وَظَاهِرُ قَوْلِهِ فِي كِتَابِ ابْنِ يُونُسَ مَنْ جَاءَ إلَى الْوَالِي بِرَجُلٍ فَقَالَ: سَرَقَ مَتَاعِي أَنَّ الدَّعْوَى مُحَقَّقَةٌ، وَعَلَيْهِ فَمَعْنَى قَوْلِهِمْ الْمُتَّهَمُ بِالسَّرِقَةِ أَيْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ السَّرِقَةُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. وَحَكَمُوا بِصِحَّةِ الْإِقْرَارِ ... مِنْ ذَاعِرٍ يُحْبَسُ لِاخْتِبَارِ يَعْنِي أَنَّ مَنْ ادَّعَى السَّرِقَةَ عَلَى الْمَعْرُوفِ بِهَا وَبِالذِّعَارَةِ فَحُبِسَ لِاخْتِبَارِ حَالِهِ فَأَقَرَّ بِمَا ادَّعَى عَلَيْهِ بِهِ وَهُوَ فِي السِّجْنِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ مَا أَقَرَّ بِهِ، وَإِقْرَارُهُ صَحِيحٌ وَلَيْسَ مِنْ الْإِقْرَارِ فِي حَالِ الْإِكْرَاهِ فَلَا يَلْزَمُهُ فَفِي مُعِينِ ابْنِ عَبْدِ الرَّفِيعِ عَنْ سَحْنُونٍ وَإِذَا رُفِعَ لِلْقَاضِي رَجُلٌ يُعْرَفُ بِالسَّرِقَةِ وَالذِّعَارَةِ وَادَّعَى ذَلِكَ عَلَيْهِ رَجُلٌ فَحَبَسَهُ لِاخْتِبَارِ ذَلِكَ فَأَقَرَّ فِي السِّجْنِ بِمَا اُدُّعِيَ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ فَذَلِكَ يَلْزَمُهُ وَهَذَا الْحَبْسُ خَارِجٌ مِنْ الْإِكْرَاهِ. (وَفِي طُرَرِ ابْنِ عَاتٍ) : مَنْ أُخِذَ فِي تُهْمَةِ قَتْلٍ فَاعْتَرَفَ عِنْدَ السُّلْطَانِ بِغَيْرِ ضَرْبٍ ثُمَّ أَخْرَجَ الْمَقْتُولَ مِنْ بِئْرٍ أَوْ مَدْفِنٍ وَجَاءَ بِسَلَبِهِ فَلَمَّا أُمِرَ بِهِ لِيُقْتَلَ، قَالَ: مَا قَتَلْتُهُ وَلَكِنْ رَأَيْتُ مَنْ قَتَلَهُ. قُتِلَ وَلَا يَنْفَعُهُ إنْكَارُهُ وَكَذَلِكَ السَّارِقُ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْإِقْرَارِ قَدْ ثَبَتَ عَلَيْهِ وَلَزِمَهُ فَلَا يَنْفَعُهُ رُجُوعُهُ

بَعْدَ إقْرَارِهِ وَلَا يُدْفَعُ عَنْهُ مَا لَزِمَهُ مِنْ الْقَتْلِ كَالْمَالِ يُقِرُّ بِهِ ثُمَّ يُنْكِرُ. اهـ (اللَّخْمِيُّ) فِيمَنْ أَقَرَّ بَعْدَ التَّهْدِيدِ خَمْسَةُ أَقْوَالٍ: قَوْلُ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا حُكْمَ لِإِقْرَارِهِ وَلَا يُؤْخَذُ، قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَإِنْ أَخْرَجَ السَّرِقَةَ أَوْ الْقَتِيلَ فِي حَالِ التَّهْدِيدِ لَمْ أَقْطَعْهُ وَلَمْ أَقْتُلْهُ حَتَّى يُقِرَّ بَعْدَ ذَلِكَ آمِنًا. وَعَلَى هَذَا ذَهَبَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ حَيْثُ قَالَ: وَثَبَتَ بِإِقْرَارٍ إنْ طَاعَ وَإِلَّا فَلَا، وَلَوْ عَيَّنَ السَّرِقَةَ أَوْ أَخْرَجَ الْقَتِيلَ. اهـ وَالذَّاعِرُ الْمُخِيفُ الْمُفْزِعُ، قَالَ فِي الصِّحَاحِ فِي الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ: ذَعَرَ بِهِ ذُعْرًا أَفْزَعَهُ وَالِاسْمُ الذُّعْرُ بِالضَّمِّ، وَقَدْ ذُعِرَ فَهُوَ مَذْعُورٌ. اهـ وَقَالَ فِي الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ: وَدَعِرَ الْعُودُ بِالْكَسْرِ يَدْعَرُ دَعْرًا فَهُوَ عُودٌ دَعِرٌ أَيْ رَدِيءٌ كَثِيرُ الدُّخَانِ، وَمِنْهُ أُخِذَتْ الدَّعَارَةُ وَهِيَ الْفِسْقُ وَالْخُبْثُ. يُقَالُ: هُوَ خَبِيثٌ دَاعِرٌ بَيِّنُ الدَّعَرِ وَالدَّعَارَةِ، وَالْمَرْأَةُ دَاعِرَةٌ. اهـ (وَفِي مُقَدِّمَةِ ابْنِ حَجَرٍ) فِي الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ قَوْلُ دُعَّارِ طَيِّئٍ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَالتَّشْدِيدِ جَمْعُ دَاعِرٍ وَهُوَ السَّارِقُ. اهـ وَقَالَ فِي الْمُعْجَمَةِ: قَوْلُهُ: ذَعَرْتُهَا أَيْ أَفْزَعْتُهَا، وَقَوْلُهُ: ذُعْرًا أَيْ فَزَعًا. اهـ وَفِي الْمَشَارِقِ فِي الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ مَا نَصُّهُ: وَقَوْلُهُ: فَأَيْنَ دُعَّارُ طَيِّئٍ؟ بِضَمِّ الدَّالِ وَتَشْدِيدِ الْعَيْنِ أَيْ فُسَّاقُهَا وَسُرَّاقُهَا وَشِرَارُهَا، وَالدَّاعِرُ الدَّنِيءُ الْفَاسِقُ. اهـ وَقَالَ فِي فَصْلِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ مَا ذَعَرْتُهُ أَيْ أَفْزَعْتُهُ، وَالذُّعْرُ الْفَزَعُ. اهـ وَيُقْطَعُ السَّارِقُ بِاعْتِرَافِ ... أَوْ شَاهِدَيْ عَدْلٍ بِلَا خِلَافِ يَعْنِي أَنَّ السَّارِقَ إذَا اعْتَرَفَ بِالسَّرِقَةِ طَائِعًا غَيْرَ مُكْرَهٍ أَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ بِهَا عَدْلَانِ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ اتِّفَاقًا يَعْنِي مَعَ بَقِيَّةِ الشُّرُوطِ الْمَذْكُورَةِ هُنَاكَ كَكَوْنِ الْمَسْرُوقِ نِصَابًا، وَأَخَذَهُ مِنْ الْحِرْزِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ. (قَالَ فِي مُخْتَصَرِ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ) : وَالْقَطْعُ فِي السَّرِقَةِ يَجِبُ بِأَمْرَيْنِ: إمَّا بِشَاهِدَيْنِ أَوْ بِإِقْرَارٍ يَثْبُتُ عَلَيْهِ الْمُقِرُّ إلَى أَنْ يُحَدَّ (قَالَ الشَّارِحُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) : مِمَّا يَتَأَكَّدُ هُنَا التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ فِي شَأْنِ الشَّهَادَةِ أَنْ يَكُونَ الشَّاهِدَانِ مُتَّفِقَيْنِ عَلَى عَيْنِ السَّرِقَةِ وَيَوْمِهَا حَسْبَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ. وَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ فَإِنَّهُ قَالَ فِيهَا: وَإِذَا شَهِدَ شَاهِدٌ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ سَرَقَ نَعْجَةً وَشَهِدَ آخَرُ أَنَّهُ سَرَقَ كَبْشًا وَاجْتَمَعَا فِي الْوَقْتِ وَالْمَوْضِعِ وَالْفِعْلِ فَهِيَ مُخْتَلِفَةٌ، وَلَا تَجُوزُ وَلَا يُقْطَعُ. وَلَوْ اجْتَمَعَا عَلَى الْكَبْشِ وَصِفَتِهِ وَقَالَ هَذَا: سُرِقَتْ يَوْمَ الْخَمِيسِ، وَقَالَ الْآخَرُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لَمْ تَجُزْ أَيْضًا قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَكُلُّهُ قَوْلُ مَالِكٍ كَمَا لَوْ شَهِدَ وَاحِدٌ أَنَّهُ شَرِبَ أَمْسِ خَمْرًا وَشَهِدَ آخَرُ أَنَّهُ شَرِبَهُ الْيَوْمَ لَمْ يُحَدَّ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْفِعْلِ لَا مِنْ بَابِ الْإِقْرَارِ وَشَهَادَتُهُمَا فِي الْقَذْفِ مِنْ مَعْنَى الْإِقْرَارِ يُقْضَى بِهَا، وَإِنْ اخْتَلَفَ الْيَوْمُ، قَالَ: وَكَذَلِكَ إنْ شَهِدَ وَاحِدٌ أَنَّهُ سَرَقَ بِالْمَدِينَةِ وَآخَرُ أَنَّهُ سَرَقَ بِمِصْرَ لَمْ يُحَدَّ وَقَالَهُ أَصْبَغُ اهـ وَذَكَرَ الشَّارِحُ هُنَا سُؤَالًا وَجَوَابًا لِأَبِي إِسْحَاقَ الشَّاطِبِيِّ فِي تَكْفِيرِ أَهْلِ الطَّرِيقَةِ الْفِقْرِيَّةِ الَّذِينَ اُشْتُهِرَ عَنْهُمْ تَحْلِيلُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَانْظُرْهُ إنْ شِئْتَ. (وَفِي مُخْتَصَرِ الشَّيْخِ خَلِيلٍ) فِي شَهَادَةِ الزِّنَا وَنُدِبَ سُؤَالُهُمْ كَالسَّرِقَةِ مَا هِيَ؟ وَكَيْفَ أُخِذَتْ؟ وَمَنْ أَقَرَّ وَلِشُبْهَةٍ رَجَعْ ... دُرِئَ عَنْهُ الْحَدُّ فِي الَّذِي وَقَعْ وَنَقَلُوا فِي فَقْدِهَا قَوْلَيْنِ ... وَالْغُرْمُ وَاجِبٌ عَلَى الْحَالَيْنِ يَعْنِي أَنَّ مَنْ أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِالسَّرِقَةِ ثُمَّ رَجَعَ عَنْ إقْرَارِهِ فَتَارَةً يَرْجِعُ لِشُبْهَةٍ وَتَارَةً يَرْجِعُ لِغَيْرِ شُبْهَةٍ فَإِنْ رَجَعَ لِشُبْهَةٍ دُرِئَ عَنْهُ الْحَدُّ وَإِنْ رَجَعَ لِغَيْرِ شُبْهَةٍ فَفِي دَرْءِ الْحَدِّ عَنْهُ قَوْلَانِ: قِيلَ: يُحَدُّ وَقِيلَ: لَا، وَأَمَّا الْغُرْمُ لِلسَّرِقَةِ فَيَغْرَمُهَا سَوَاءٌ رَجَعَ لِشُبْهَةٍ أَوْ لِغَيْرِ شُبْهَةٍ وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: وَالْغُرْمُ وَاجِبٌ عَلَى الْحَالَيْنِ فَإِنْ كَانَ رُجُوعُهُ لِشُبْهَةٍ وَلَمْ يُحَدَّ فَالْغُرْمُ ظَاهِرٌ وَكَذَلِكَ إنْ رَجَعَ لِغَيْرِ شُبْهَةٍ، وَقُلْنَا: إنَّهُ لَا يُحَدُّ وَانْظُرْ عَلَى الْقَوْلِ بِثُبُوتِ الْحَدِّ: هَلْ يَغْرَمُ السَّرِقَةَ أَمْ لَا؟ (قَالَ الشَّارِحُ) : وَفِي الْمَنْهَجِ السَّالِكِ: وَتَثْبُتُ السَّرِقَةُ بِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: إقْرَارُ السَّارِقِ. وَالثَّانِي: قِيَامُ شَاهِدَيْ عَدْلٍ فَإِذَا رَجَعَ الْمُقِرُّ عَنْ إقْرَارِهِ فَإِنْ رَجَعَ إلَى شُبْهَةٍ قُبِلَ رُجُوعُهُ وَسَقَطَ الْحَدُّ عَنْهُ وَلَزِمَهُ الْغُرْمُ، وَإِنْ رَجَعَ إلَى غَيْرِ شُبْهَةٍ فَفِيهِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: سُقُوطُ الْحَدِّ عَنْهُ. وَالْآخَرُ لُزُومُهُ. (وَفِي كِتَابِ ابْنِ يُونُسَ) : قَالَ مَالِكٌ فِي آخِرِ الْكِتَابِ فِيمَنْ أَقَرَّ أَنَّهُ سَرَقَ مِنْ رَجُلٍ مِائَةَ دِرْهَمٍ مِنْ غَيْرِ مِحْنَةٍ ثُمَّ نَزَعَ لَمْ يُقْطَعْ وَيَغْرَمْ الْمِائَةَ

لِمُدَّعِيهَا. وَقَالَ: لَا يُقَالُ إلَّا لِعُذْرٍ بَيِّنٍ. قَالَ ابْنُ يُونُسَ وَالْأَوَّلُ أَبْيَنُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَا إخَالُكَ سَرَقْتَ» وَلِقَوْلِهِ «أَلَا تَرَكْتُمُوهُ» وَهُوَ لَمْ يَأْتِ بِعُذْرٍ اهـ فَصَرَّحَ فِي الْمَنْهَجِ السَّالِكِ بِالْغُرْمِ إذَا رَجَعَ لِشُبْهَةٍ وَقَوْلِهِ فِي كِتَابِ ابْنِ يُونُسَ وَيَغْرَمُ الْمِائَةَ لِمُدَّعِيهَا فِيهِ إجْمَالٌ: هَلْ رَجَعَ لِشُبْهَةٍ أَوْ لَا؟ وَهَلْ قُطِعَ أَوْ لَا؟ وَكُلُّ مَا سُرِقَ وَهُوَ بَاقِ ... فَإِنَّهُ يُرَدُّ بِاتِّفَاقِ وَحَيْثُمَا السَّارِقُ بِالْحُكْمِ قُطِعْ ... فَبِاَلَّذِي سَرَقَ فِي الْيُسْرِ اتُّبِعْ يَعْنِي أَنَّهُ مَهْمَا وُجِدَ الشَّيْءُ الْمَسْرُوقُ بِعَيْنِهِ فَإِنَّهُ يُرَدُّ لِصَاحِبِهِ سَوَاءٌ قُطِعَ السَّارِقُ أَوْ لَمْ يُقْطَعْ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فَفِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ إنْ قُطِعَ السَّارِقُ اُتُّبِعَ بِالسَّرِقَةِ فِي يُسْرِهِ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ وَلَا يُتَّبَعُ بِهَا فِي عُسْرِهِ وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: وَحَيْثُمَا السَّارِقُ بِالْحُكْمِ قُطِعْ الْبَيْتَ وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ إنْ لَمْ يُقْطَعْ اُتُّبِعَ بِهَا مُطْلَقًا فِي عُسْرِهِ وَيُسْرِهِ. وَالْمُرَادُ بِالْيُسْرِ الَّذِي يَجِبُ مَعَهُ غُرْمُ السَّرِقَةِ أَنْ يَتَّصِلَ يُسْرُهُ مِنْ حِينِ السَّرِقَةِ إلَى يَوْمِ الْقَطْعِ، فَإِنْ كَانَ حِينَئِذٍ مُعْسِرًا أَوْ أُعْسِرَ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ لَمْ يَغْرَمْهَا. (قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ) وَأَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ السِّلْعَةَ الْمَسْرُوقَةَ إذَا وُجِدَتْ بِعَيْنِهَا قَائِمَةً بِيَدِ السَّارِقِ أَنَّهَا تُرَدُّ إلَى صَاحِبِهَا بِإِجْمَاعٍ. ثُمَّ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ بَعْدَ نَقْلِهِ خِلَافَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي إتْبَاعِ السَّارِقِ بِالسَّرِقَةِ مَا نَصُّهُ: وَأَمَّا إنْ تَلِفَتْ فَذَهَبَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَى أَنَّهُ إنْ كَانَ مُتَّصِلَ الْيُسْرِ مِنْ يَوْمِ سَرَقَ إلَى يَوْمِ أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ ضَمِنَ قِيمَةَ السَّرِقَةِ وَإِنْ كَانَ عَدِيمًا أَوْ أُعْدِمَ فِي بَعْضِ الْمُدَّةِ سَقَطَ عَنْهُ الْغُرْمُ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ. وَفِي أُصُولِ الْفُتْيَا لِابْنِ الْحَارِثِ: وَالْأَصْلُ أَنَّ السَّارِقَ وَالْمَقْطُوعَ لَا يَضْمَنُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُوسِرًا يَوْمَ السَّرِقَةِ وَيَتَمَادَى ذَلِكَ إلَى يَوْمِ الْقَطْعِ. اهـ (ابْنُ عَرَفَةَ) مُوجَبُ السَّرِقَةِ قَطْعُ السَّارِقِ، وَضَمَانُهُ إنْ لَمْ يُقْطَعْ لَازِمٌ لَهُ اتِّفَاقًا. قَالَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ لَوْ سَرَقَ مَا لَا يَجِبُ فِيهِ الْقَطْعُ إمَّا لِقِلَّتِهِ أَوْ لِأَنَّهُ مِنْ غَيْرِ حِرْزٍ أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُتْبَعْ بِذَلِكَ فِي عَدَمِهِ وَيُحَاصُّ بِهِ غُرَمَاؤُهُ، وَإِذَا كَانَ يَجِبُ فِيهِ الْقَطْعُ لَمْ يُتْبَعْ فِي عَدَمِهِ وَلَا يُتْبَعُ إلَّا فِي يُسْرٍ مُتَّصِلٍ مِنْ يَوْمِ سَرَقَ إلَى يَوْمِ يُقْطَعُ، وَإِلَّا لَمْ يُتْبَعْ وَإِنْ كَانَ مَلِيًّا بَعْدَ عَدَمٍ تَقَدَّمَ وَهُوَ الْأَمْرُ الْمُجْمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا. وَالْحَدُّ لَا الْغُرْمُ عَلَى الْعَبْدِ مَتَى ... أَقَرَّ بِالسَّرِقَةِ شَرْعًا ثَبَتَا يَعْنِي أَنَّ الْعَبْدَ إذَا أَقَرَّ بِالسَّرِقَةِ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ وَلَا يَلْزَمُهُ غُرْمُ السَّرِقَةِ. (قَالَ فِي الرِّسَالَةِ) : وَإِقْرَارُ الْعَبْدِ فِيمَا يَلْزَمُهُ فِي بَدَنِهِ مِنْ حَدٍّ أَوْ قَطْعٍ يَلْزَمُهُ وَمَا كَانَ فِي رَقَبَتِهِ فَلَا إقْرَارَ لَهُ. اهـ وَإِنَّمَا لَمْ يُؤَاخَذْ بِغُرْمِ السَّرِقَةِ؛ لِأَنَّهُ مُقِرٌّ عَلَى سَيِّدِهِ فِي مَالِهِ وَسَكَّنَ رَاءَ السَّرِقَةِ لِلْوَزْنِ، وَانْظُرْ هَلْ يُعْرَبُ شَرْعًا مَنْصُوبًا عَلَى إسْقَاطِ الْخَافِضِ وَيَتَعَلَّقُ بِمُتَعَلَّقِ الْخَبَرِ أَيْ الْحَدُّ وَاجِبٌ عَلَى الْعَبْدِ بِالشَّرْعِ؟ وَثَبَتَ بَدَلٌ مِنْ أَقَرَّ.

فصل في أحكام الدماء

[فَصْلٌ فِي أَحْكَامِ الدِّمَاء] ِ الْقَتْلُ عَمْدًا لِلْقِصَاصِ مُوجِبُ ... بَعْدَ ثُبُوتِهِ بِمَا يَسْتَوْجِبُ مِنْ اعْتِرَافِ ذِي بُلُوغٍ عَاقِلِ ... أَوْ شَاهِدَيْ عَدْلٍ بِقَتْلِ الْقَاتِلِ أَوْ بِالْقَسَامَةِ وَبِاللَّوْثِ تَجِبْ ... وَهُوَ بِعَدْلٍ شَاهِدٍ بِمَا طُلِبْ أَوْ بِكَثِيرٍ مِنْ لَفِيفِ الشُّهَدَا ... وَيَسْقُطُ الْإِعْذَارُ فِيهِمْ أَبَدَا وَمَالِكٌ فِيمَا رَوَاهُ أَشْهَبُ ... قَسَامَةً بِغَيْرِ عَدْلٍ يُوجِبُ أَوْ بِمَقَالَةِ الْجَرِيحِ الْمُسْلِمِ ... الْبَالِغِ الْحُرِّ فُلَانٌ بِدَمِ يَشْهَدُ عَدْلَانِ عَلَى اعْتِرَافِهِ ... وَصِفَةُ التَّمْيِيزِ مِنْ أَوْصَافِهِ أَوْ بِقَتِيلٍ مَعَهُ قَدْ وُجِدَا ... مَنْ أَثَرُ الْقَتْلِ عَلَيْهِ قَدْ بَدَا يَعْنِي أَنَّ مَنْ قَتَلَ إنْسَانًا عَمْدًا بِغَيْرِ حَقٍّ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ بِهِ، وَهُوَ مُرَادُهُ بِالْقِصَاصِ وَإِنَّمَا يُقْتَصُّ مِنْ الْقَاتِلِ إذَا ثَبَتَ الْقَتْلُ بِمَا يَجِبُ ثُبُوتُهُ بِهِ، وَهُوَ أَحَدُ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ: (أَوَّلُهَا: اعْتِرَافُ الْقَاتِلِ بِالْقَتْلِ إذَا كَانَ عَاقِلًا بَالِغًا. (الثَّانِي) : شَهَادَةُ عَدْلَيْنِ عَلَى الْقَتْلِ. (الثَّالِثُ) : الْقَسَامَةُ وَهِيَ حَلِفُ وُلَاةِ الْمَقْتُولِ خَمْسِينَ يَمِينًا أَنَّهُ قَتَلَهُ إذَا وُجِدَ اللَّوْثُ وَهُوَ أَمْرٌ يَنْشَأُ عَنْهُ غَلَبَةُ الظَّنِّ بِصِدْقِ الْمُدَّعِي وَيَأْتِي بَعْضُ مُثُلِهِ، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ: الْقَتْلُ عَمْدًا لِلْقِصَاصِ مُوجِبُ إلَى قَوْلِهِ وَبِاللَّوْثِ تَجِبُ ثُمَّ فَسَّرَ اللَّوْثَ بِوُجُوهٍ: أَحَدُهَا: شَهَادَةُ عَدْلٍ وَاحِدٍ بِالْقَتْلِ، هُوَ مُرَادُهُ بِمَا طَلَبَ. الثَّانِي: شَهَادَةُ اللَّفِيفِ وَهُمْ جَمَاعَةٌ غَيْرُ عُدُولٍ وَلَا يُعْذَرُ فِيهِمْ؛ لِأَنَّهُ مَدْخُولٌ عَلَيْهِمْ عَلَى أَنَّهُمْ غَيْرُ عُدُولٍ وَيُعْذَرُ إلَى الْقَاتِلِ فَيُقَالُ لَهُ: إنْ كَانَتْ لَك مَنْفَعَةٌ مِنْ غَيْرِ بَابِ الشُّهُودِ فَأْتِ بِهَا وَيُوَسَّعُ لَهُ فِي الْأَجَلِ. الثَّالِثُ: رَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الْقَسَامَةَ تَجِبُ بِشَهَادَةِ الْوَاحِدِ وَلَوْ غَيْرَ عَدْلٍ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: وَمَالِكٌ فِيمَا رَوَاهُ أَشْهَبُ الْبَيْتَ. فَمَالِكٌ مُبْتَدَأٌ وَجُمْلَةُ يُوجِبُ خَبَرُهُ، وَقَسَامَةَ مَفْعُولُ يُوجِبُ. الرَّابِعُ: قَوْلُ الْجَرِيحِ الْمُسْلِمِ الْحُرِّ الْبَالِغِ الْمُمَيِّزِ دَمِي عِنْدَ فُلَانٍ إذَا سَمِعَ ذَلِكَ مِنْهُ عَدْلَانِ يَعْنِي وَفِيهِ جُرْحٌ ظَاهِرٌ. الْخَامِسُ: إذَا وُجِدَ قَتِيلٌ يَتَشَحَّطُ فِي دَمِهِ وَالْمُتَّهَمُ قُرْبَهُ عَلَيْهِ أَثَرُهُ وَإِلَى هَذِهِ الْوُجُوهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: وَهُوَ بِعَدْلٍ شَاهِدٍ بِمَا طُلِبْ .. إلَخْ. وَضَمِيرُ ثُبُوتِهِ لِلْقَتْلِ عَمْدًا (وَمِنْ اعْتِرَافٍ) بَيَانٌ لِلْإِبْهَامِ الَّذِي فِي لَفْظِ مَا مِنْ قَوْلِهِ بِمَا يَسْتَوْجِبُ وَشَاهِدَيْ عَطْفٌ عَلَى اعْتِرَافٍ وَبِقَتْلِ يَتَعَلَّقُ بِشَاهِدَيْ وَبِالْقَسَامَةِ عَطْفٌ عَلَى اعْتِرَافٍ أَيْضًا، وَبَاؤُهُ بِمَعْنَى مِنْ وَبِاللَّوْثِ يَتَعَلَّقُ بِتَجِبُ وَضَمِيرُ هُوَ يَعُودُ عَلَى اللَّوْثِ (وَبِكَثِيرٍ) عَطْفٌ عَلَى بِعَدْلٍ وَبِمَقَالَةِ عَطْفٌ عَلَى بِكَثِيرٍ، وَفُلَانٌ بِدَمِ هُوَ الْمَحْكِيُّ بِقَوْلِهِ أَوْ بِمَقَالَةِ، وَضَمِيرُ اعْتِرَافِهِ لِلْجَرِيحِ، وَكَذَا ضَمِيرُ أَوْصَافِهِ، وَبِقَتِيلٍ عَطْفٌ عَلَى (بِمَقَالَةِ) وَجُمْلَةُ قَدْ وُجِدَ مَعَهُ صِفَةُ قَتِيلٍ وَمَنْ أَثَرُ الْقَتْلِ نَائِبُ وُجِدَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهَاتٌ: الْأَوَّلُ) : تَقَدَّمَ أَنَّ الْقِصَاصَ إنَّمَا هُوَ فِي قَتْلِ الْعَمْدِ أَيْ لَا فِي قَتْلِ الْخَطَأِ وَالْعَمْدِ (قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ) : قَالَ فِي التَّلْقِينِ: الْعَمْدُ مَا قُصِدَ بِهِ إتْلَافُ النَّفْسِ بِآلَةٍ تَقْتُلُ غَالِبًا وَلَوْ بِمُثْقَلٍ أَوْ بِإِصَابَةِ

الْمَقْتَلِ كَعَصْرِ الْأُنْثَيَيْنِ وَشِدَّةِ الضَّغْطِ وَالْخَنْقِ. زَادَ ابْنُ الْقَصَّارِ أَوْ يُطْبِقُ عَلَيْهِ بَيْتًا وَيَمْنَعُهُ الْغِذَاءَ حَتَّى يَمُوتَ جُوعًا. اهـ (وَفِي مُخْتَصَرِ الشَّيْخِ خَلِيلٍ) : إنْ قَصَدَ ضَرَبًا وَإِنْ بِقَضِيبٍ كَخَنْقٍ وَمَنْعِ طَعَامٍ وَمُثْقَلٍ. قَالَ شَارِحُهُ الْحَطَّابُ أَيْ قَصَدَ ضَرْبَ مَنْ لَا يَجُوزُ لَهُ ضَرْبُهُ، وَسَوَاءٌ قَصَدَ الشَّخْصَ الْمَضْرُوبَ نَفْسَهُ أَوْ قَصَدَ أَنْ يَضْرِبَ شَخْصًا عُدْوَانًا فَأَصَابَ غَيْرَهُ، أَمَّا لَوْ قَصَدَ ضَرْبَ مَنْ يَحِلُّ لَهُ ضَرْبُهُ، فَأَصَابَ غَيْرَهُ فَهُوَ خَطَأٌ. قَالَ فِي النَّوَادِرِ فِي تَرْجَمَةِ صِفَةِ الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ: قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ مَنْ قَتَلَ رَجُلًا عَمْدًا يَظُنُّهُ غَيْرَهُ مِمَّنْ لَوْ قَتَلَهُ لَمْ يَكُنْ فِيهِ قِصَاصٌ فَهُوَ مِنْ الْخَطَأِ لَا قِصَاصَ فِيهِ، وَقَدْ مَضَى مِثْلُ ذَلِكَ «فِي مُسْلِمٍ قَتَلَهُ الْمُسْلِمُونَ بِعَهْدِ النَّبِيِّ، - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَظُنُّونَهُ مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَوَدَاهُ النَّبِيُّ، - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يُهْدِرْهُ. اهـ» (قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ) : إذَا لَمْ يَعْمِدْ لِلْقَتْلِ وَلَا لِلتَّضْرِيبِ مِثْلَ أَنْ يَرْمِيَ الشَّيْءَ فَيُصِيبَ إنْسَانًا فَيَقْتُلَهُ فَهُوَ قَتْلُ خَطَإٍ بِإِجْمَاعٍ، لَا يَجِبُ فِيهِ الْقِصَاصُ وَإِنَّمَا فِيهِ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَالْكَفَّارَةُ فِي مَالِهِ. (تَنْبِيهٌ) قَوْلُهُ: إنْ قَصَدَ ضَرْبًا يُرِيدُ عَلَى وَجْهِ الْغَضَبِ لَا عَلَى وَجْهِ اللَّعِبِ وَالْأَدَبِ، قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: فَإِنْ قَصَدَ الضَّرْبَ وَلَمْ يَقْصِدْ الْقَتْلَ، وَكَانَ الضَّرْبُ عَلَى وَجْهِ الْغَضَبِ، فَالْمَشْهُورُ عَنْ مَالِكٍ الْمَعْرُوفُ مِنْ قَوْلِهِ أَنَّ ذَلِكَ عَمْدٌ وَفِيهِ الْقِصَاصُ إلَّا فِي الْأَبِ وَالْأُمِّ. (وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ) : وَأَمَّا اللَّعِبُ فَفِي الْمُقَدِّمَاتِ: فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: أَوَّلُهَا: أَنَّهُ خَطَأٌ، قَالَ: وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرِوَايَتُهُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ. اهـ كَلَامُ الْحَطَّابِ. ابْنُ الْحَاجِبِ) فَلَوْ لَطَمَهُ أَوْ وَكَزَهُ أَوْ رَمَاهُ بِحَجَرٍ أَوْ ضَرَبَهُ بِعَصًا مُتَعَمِّدًا عَلَى وَجْهِ الْقَتْلِ لَا اللَّعِبِ فَمَاتَ عَاجِلًا أَوْ مَغْمُورًا لَمْ يَتَكَلَّمْ فَفِيهِ الْقَوَدُ، فَلَوْ مَاتَ بَعْدُ وَقَدْ تَكَلَّمَ يَوْمًا أَوْ أَيَّامًا فَالْقَوَدُ بِقَسَامَةٍ، أَكَلَ أَوْ لَمْ يَأْكُلْ وَلَوْ ثَبَتَتْ حَيَاتُهُ أَمَّا لَوْ أَنْفَذَ لَهُ مَقْتَلًا فَلَا قَسَامَةَ وَلَوْ أَكَلَ وَشَرِبَ وَعَاشَ أَيَّامًا. وَقَدْ تَلَخَّصَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ الضَّرْبَ إمَّا عَمْدٌ أَوْ خَطَأً وَلَا وَاسِطَةَ بَيْنَهُمَا. وَقِيلَ: بَيْنَهُمَا وَاسِطَةٌ هُوَ شِبْهُ الْعَمْدِ وَعَلَيْهِ، فَهَلْ يَلْحَقُ بِالْعَمْدِ أَوْ بِالْخَطَأِ؟ ثَالِثُهَا أَنَّهُ وَاسِطَةٌ بَيْنَهُمَا تُغَلَّظُ فِيهِ الدِّيَةُ. وَطَرِيقَةُ الْبَاجِيِّ تَحْكِي الِاتِّفَاقَ عَلَى أَنَّهُ لَا قَوَدَ فِيهِ، وَفِي ابْنِ الْحَاجِبِ وَالزَّوْجِ وَالْمُؤَدِّبِ وَنَحْوِهِ يُصِيبُ مَقْتَلًا أَوْ غَيْرَهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْخَطَأِ حَتَّى يَثْبُتَ الْعَمْدُ لِذَلِكَ، وَقِيلَ: هُوَ شِبْهُ الْعَمْدِ وَعَنْ مَالِكٍ: شِبْهُ الْعَمْدِ بَاطِلٌ لَا أَعْرِفُهُ إنَّمَا هُوَ عَمْدٌ أَوْ خَطَأٌ. اُنْظُرْ التَّوْضِيحَ. (وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ) وَالْأُبُوَّةُ وَالْأُمُومَةُ أَثَرٌ فِي الدَّرْءِ بِاحْتِمَالِ الشَّبَهِ إذَا ادَّعَيَا عَدَمَ الْقَصْدِ كَمَا لَوْ حَذَفَهُ بِالسَّيْفِ وَادَّعَى أَدَبَهُ، وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ حَتَّى لَوْ شَرَكَهُ أَحَدٌ فِي قَتْلِهِ قُتِلَ، أَمَّا لَوْ قَتَلَ مَعَ انْتِفَاءِ الشُّبْهَةِ فَيُقْتَصُّ مِنْهُ، كَمَا لَوْ ذَبَحَهُ أَوْ شَقَّ بَطْنَهُ. وَقَالَ أَشْهَبُ لَا يُقْتَلُ الْأَبُ بِابْنِهِ بِحَالٍ. (الثَّانِي) : إنَّمَا يُقْتَلُ الْقَاتِلُ إذَا كَانَ الْمَقْتُولُ مَعْصُومَ الدَّمِ، فَلَا قِصَاصَ فِي قَتْلِ مُرْتَدٍّ وَلَا زِنْدِيقٍ وَلَا زَانٍ مُحْصَنٍ وَإِنَّمَا يُؤَدَّبُ قَاتِلُهُمْ؛ لِلِافْتِيَاتِ، وَيَأْتِي لِلنَّاظِمِ التَّنْبِيهُ عَلَى هَذَا. (الثَّالِثُ) : يُشْتَرَطُ فِي الْقَاتِلِ الَّذِي يُقْتَصُّ مِنْهُ زِيَادَةً عَلَى مَا ذَكَرَهُ النَّاظِمُ مِنْ كَوْنِهِ عَاقِلًا بَالِغًا أَنْ لَا يَكُونَ حَرْبِيًّا؛ لِأَنَّ الْحَرْبِيَّ لَا يُقْتَصُّ مِنْهُ، وَأَنْ لَا يَزِيدَ عَلَى الْمَقْتُولِ بِإِسْلَامٍ مُطْلَقًا حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا أَوْ بِحُرِّيَّةٍ فَلَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا بِكَافِرٍ، وَلَا يُقْتَلُ حُرٌّ بِعَبْدٍ، وَيَأْتِي لِلنَّاظِمِ التَّنْبِيهُ عَلَى هَذَا أَيْضًا. (الرَّابِعُ) : الْوَاجِبُ فِي قَتْلِ الْعَمْدِ إنَّمَا هُوَ الْقِصَاصُ لَا غَيْرُ أَوْ الْعَفْوُ إنْ شَاءَ الْوَلِيُّ، هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَقَالَ أَشْهَبُ الْخِيَارُ لِلْوَلِيِّ إنْ شَاءَ اقْتَصَّ أَوْ أَخَذَ الدِّيَةَ، وَيَأْتِي لِلنَّاظِمِ التَّنْبِيهُ عَلَى مَا يَنْبَنِي عَلَى ذَلِكَ الْخِلَافِ فِي قَوْلِهِ وَإِنْ وَلِيُّ الدَّمِ لِلْمَالِ قَبِلْ .. إلَخْ. (الْخَامِسُ) : مَا ذَكَرَ النَّاظِمُ مِنْ أَنَّ الْقَتْلَ يَثْبُتُ بِأَحَدِ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ نَحْوُهُ فِي الرِّسَالَةِ، وَلَفْظُهَا: وَلَا تُقْتَلُ نَفْسٌ بِنَفْسٍ إلَّا بِبَيِّنَةٍ عَادِلَةٍ أَوْ اعْتِرَافٍ أَوْ بِالْقَسَامَةِ إذَا وَجَبَتْ يُقْسِمُ الْوُلَاةُ خَمْسِينَ يَمِينًا وَيَسْتَحِقُّونَ الدَّمَ. (السَّادِسُ) : نَقَلَ الشَّارِحُ عَنْ نَوَازِلِ ابْنِ الْحَاجِّ أَنَّ الْقَسَامَةَ تَجِبُ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ بِسَبْعَةِ أَوْجُهٍ ذَكَرَ النَّاظِمُ مِنْهَا خَمْسَةً كَمَا تَقَدَّمَ، وَزَادَ سَادِسًا وَهُوَ: إذَا شَهِدَ عَدْلَانِ مُعَايَنَةَ الضَّرْبِ أَوْ الْجَرْحِ ثُمَّ يَمُوتُ بَعْدَ أَيَّامٍ. وَسَابِعًا: وَهُوَ أَنْ يَشْهَدَ شَاهِدٌ عَدْلٌ عَلَى الْإِجْهَازِ. وَثَامِنًا: وَهُوَ أَنْ يَشْهَدَ رَجُلٌ أَنَّهُ أَقَرَّ عِنْدَهُ أَنَّهُ قَتَلَ رَجُلًا عَمْدًا. فَقَالَ سَحْنُونٌ: إنَّ الْقَسَامَةَ تَجِبُ بِذَلِكَ وَلَا أَعْلَمُ فِي ذَلِكَ خِلَافَ الْخَطَأِ؛ فَإِنَّهُ لَا يُقْسَمُ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ. وَتَاسِعًا: وَهُوَ أَنْ يَشْهَدَ شَاهِدٌ عَدْلٌ عَلَى مُعَايَنَةِ الضَّرْبِ ثُمَّ يَمُوتُ الْمَضْرُوبُ بَعْدَ

أَيَّامٍ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ الْقَسَامَةَ تَجِبُ فِي ذَلِكَ. وَعَاشِرًا: وَهِيَ تَدْمِيَةُ الْمُدَمَّى، وَلَيْسَ بِهِ جُرْحٌ ظَاهِرٌ وَهِيَ الَّتِي يُسَمِّيهَا الْمُتَأَخِّرُونَ بِالتَّدْمِيَةِ الْبَيْضَاءِ. (التَّوْضِيح) وَظَاهِرُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: قَتَلَنِي. أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَنْ فِيهِ جُرْحٌ أَمْ لَا، قِيلَ: وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ، وَرَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ وَقَالَهُ أَصْبَغُ وَعَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا يُقْبَلُ إلَّا مَعَ الْجُرْحِ. الْمُتَيْطِيُّ وَبِقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ الْعَمَلُ وَالْحُكْمُ. اهـ (اللَّخْمِيُّ) اُخْتُلِفَ إنْ قَالَ: قَتَلَنِي عَمْدًا. وَلَا جِرَاحَ بِهِ وَأَبْيَنُ ذَلِكَ أَنْ لَا يُقْسِمَ مَعَ قَوْلِهِ إلَّا أَنْ يُعْلَمَ أَنَّهُ كَانَ بَيْنَهُمَا قِتَالٌ. ابْنُ عَرَفَةَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ اضْطِرَابٌ. وَقَالَ الْمُتَيْطِيُّ الَّذِي عَلَيْهِ الْعَمَلُ وَبِهِ الْحُكْمُ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ بِالْمَدْمِيِّ أَثَرُ جُرْحٍ أَوْ ضَرْبٍ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ عَلَى فُلَانٍ إلَّا بِالْبَيِّنَةِ عَلَى ذَلِكَ. وَقَالَهُ أَصْبَغُ وَهْيَ بِخَمْسِينَ يَمِينًا وُزِّعَتْ ... عَلَى الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ مُنِعَتْ بَعْدَ ثُبُوتِ الْمَوْتِ وَالْوُلَاةِ ... وَيَحْلِفُونَهَا عَلَى الْبَتَاتِ ضَمِيرُ هِيَ لِلْقَسَامَةِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهَا، وَهَذَا فِي الْعَمْدِ، وَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى الْخَطَأِ يَعْنِي أَنَّ الْقَسَامَةَ هِيَ حَلِفُ خَمْسِينَ يَمِينًا، وَتُوَزَّعُ عَلَى الذُّكُورِ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ إنْ كَانُوا أَقَلَّ مِنْ خَمْسِينَ وَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ خَمْسِينَ اُكْتُفِيَ بِحَلِفِ الْخَمْسِينَ، وَإِنْ كَانَ الْوُلَاةُ أَكْثَرَ مِنْ اثْنَيْنِ، وَطَاعَ اثْنَانِ مِنْهُمْ بِحَلِفِ الْخَمْسِينَ جَازَ ذَلِكَ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَلَا يَحْلِفُ فِي الْعَمْدِ إلَّا الذُّكُورُ بِخِلَافِ الْخَطَأِ كَمَا يَأْتِي، فَإِنْ كَانَتْ الْقَسَامَةُ بِشَهَادَةِ عَدْلٍ عَلَى الْجُرْحِ أَوْ الضَّرْبِ أَوْ بِالْقَتْلِ وَلَمْ يُوجَدْ جَسَدُ الْمَجْرُوحِ حَيًّا وَلَا مَيِّتًا فَلَا بُدَّ مِنْ ثُبُوتِ مَوْتِهِ؛ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ مَا زَالَ حَيًّا. وَكَذَلِكَ لَا بُدَّ مِنْ ثُبُوتِ وِلَايَةِ الْوُلَاةِ، وَأَنَّهُمْ الْمُسْتَحِقُّونَ لِدَمِهِ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْبَتِّ أَنَّ فُلَانًا قَتَلَ فُلَانًا عَلَى الْعِلْمِ. (ابْنُ عَرَفَةَ) : الْقَسَامَةُ حَلِفُ خَمْسِينَ يَمِينًا أَوْ جُزْئِهَا عَلَى إثْبَاتِ الدَّمِ (ابْنُ الْحَاجِبِ) : إنْ كَانُوا أَقَلَّ مِنْ خَمْسِينَ وُزِّعَتْ وَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ خَمْسِينَ اُجْتُزِئَ بِالْخَمْسِينَ عَلَى الْأَصَحِّ وَفِي الِاجْتِزَاءِ بِاثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ مِنْهُمَا قَوْلَانِ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ. (ابْنُ رُشْدٍ) إنْ كَانَ وُلَاةُ الدَّمِ أَكْثَرَ مِنْ اثْنَيْنِ وَطَاعَ اثْنَانِ مِنْهُمْ بِحَمْلِ الْخَمْسِينَ يَمِينًا جَازَ ذَلِكَ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَلَمْ يُعَدَّ مَنْ لَمْ يَحْلِفْ مِنْ بَقِيَّةِ الْأَوْلِيَاءِ نَاكِلًا؛ لِأَنَّ الدَّمَ قَدْ قِيمَ بِهِ. الرِّسَالَةُ، وَتَحْلِفُ امْرَأَةٌ فِي الْعَمْدِ وَفِي ابْنِ شَاسٍ وَلَا مَدْخَلَ لِلنِّسَاءِ فِي الْعَمْدِ بِوَجْهٍ. التَّوْضِيحُ عَنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ ثُبُوتِ الْمَوْتِ لِاحْتِمَالِ بَقَائِهِ حَيًّا. اهـ يَعْنِي، إذَا كَانَتْ الْقَسَامَةُ

بِشَهَادَةِ الْعَدْلِ بِالْجَرْحِ أَوْ الضَّرْبِ. (ابْنُ الْحَاجِبِ) : وَلَا يَحْلِفُ فِي الْعَمْدِ أَقَلُّ مِنْ رَجُلَيْنِ عَصَبَةً. التَّوْضِيحُ وَقَوْلُهُ: عَصَبَةً. أَيْ عَصَبَةَ الْقَتِيلِ وَسَوَاءٌ وَرِثُوا أَمْ لَا. اهـ (الْمُدَوَّنَةُ) يَمِينُ الْقَسَامَةِ عَلَى الْبَتِّ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمْ أَعْمَى أَوْ غَائِبًا حِينَ الْقَتْلِ، قَالَ سَحْنُونٌ لِأَنَّ الْعِلْمَ يَحْصُلُ بِالْخَبَرِ وَالسَّمَاعِ كَمَا يَحْصُلُ بِالْمُعَايَنَةِ. اهـ وَبَاءُ بِخَمْسِينَ زَائِدَةٌ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إلَّا أَنَّ زِيَادَتَهَا فِي الْخَبَرِ الْمُثْبَتِ مُتَوَقِّفٌ عَلَى السَّمَاعِ. قَالَهُ فِي الْمُغْنِي. وَقَوْلُهُ: وَالْوُلَاةِ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ وَبَعْدَ ثُبُوتِ وِلَايَةِ الْوُلَاةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَتْ التَّدْمِيَةُ وَالْمُدَمَّى لَمْ يَبْرَأْ فِي عِلْمِ الشُّهُودِ وَجَبَ سَجْنُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حَتَّى يَبْرَأَ الْمُدَمَّى فَيُطْلَقَ، أَوْ يَمُوتَ الْمُدَمَّى بِتِلْكَ الْحَالِ قَبْلَ أَنْ يَصِحَّ صِحَّةً كَامِلَةً، فَيُقْسِمَ الْوَرَثَةُ وَيَسْتَفِيدُوا بَعْدَ ثُبُوتِ مَوْتِهِ وَعِدَّةِ وَرَثَتِهِ، وَيَحْلِفُونَ فِي الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ. قَالَهُ فِي الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ. (فَرْعٌ) إذَا كَانَتْ الْقَسَامَةُ بِشَاهِدَيْنِ عَلَى الضَّرْبِ يَحْلِفُونَ: لَمَاتَ مِنْ ضَرْبِهِ. وَإِذَا كَانَتْ الْقَسَامَةُ بِشَاهِدٍ وَاحِدٍ عَلَى الْجَرْحِ عَلَى الْقَوْلِ بِوُجُوبِهَا فَيَحْلِفُونَ: لَقَدْ جَرَحَهُ، وَلَقَدْ مَاتَ مِنْ جَرْحِهِ. وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ الْقَسَامَةُ بِقَوْلِ الْمَقْتُولِ، وَقَدْ حَيَا حَيَاةً بَيِّنَةً، وَأَمَّا إنْ كَانَتْ بِقَوْلِهِ، وَهُوَ فِي غَمْرَةِ الْمَوْتِ، أَوْ بِشَاهِدٍ وَاحِدٍ عَلَى الْقَتْلِ فَيَحْلِفُونَ: لَقَدْ قَتَلَهُ وَلَقَدْ جَرَحَهُ الْجُرْحَ الَّذِي مَاتَ مِنْهُ لَا أَكْثَرَ مِنْ طُرَرِ ابْنِ عَاتٍ (وَفِي الْمُقَرَّبِ) قُلْتُ لَهُ: كَيْفَ يَحْلِفُونَ يَمِينَ الْقَسَامَةِ؟ قَالَ: يَحْلِفُونَ بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَه إلَّا هُوَ أَنَّ فُلَانًا قَتَلَهُ، أَوْ لَمَاتَ مِنْ ضَرْبِهِ إنْ كَانَ حَيًّا بَعْدَ الضَّرْبِ، وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْبَتِّ، مَنْ كَانَ مِنْهُمْ حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا، وَلَا يَحْلِفُونَ عَلَى الْعِلْمِ. (فَرْعٌ) إذَا وُزِّعَتْ الْأَيْمَانُ فَانْكَسَرَتْ يَمِينٌ فَإِمَّا أَنْ يَتَسَاوَى الْكَسْرُ أَوْ يَخْتَلِفَ، فَإِنْ تَسَاوَى حَلَفَ كُلُّ وَاحِدٍ يَمِينًا. (ابْنُ الْجَلَّابِ) : وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَحْلِفَ وَاحِدٌ فَقَطْ. وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ قَوْلًا فِي التَّسَاوِي بِالْقُرْعَةِ، كَثَلَاثَةِ بَنِينَ فَيَحْلِفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ سَبْعَةَ عَشَرَ يَمِينًا، وَإِنْ اخْتَلَفَ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ يَحْلِفُهَا أَكْثَرُهُمْ نَصِيبًا مِنْ الْيَمِينِ الْمُنْكَسِرَةِ فَإِنْ كَانَ ابْنٌ وَبِنْتٌ حَلَفَ الِابْنُ ثَلَاثَةً وَثَلَاثِينَ وَحَلَفَتْ الْبِنْتُ سَبْعَةَ عَشَرَ؛ لِأَنَّهَا نَابَهَا مِنْ الْيَمِينِ الْمُنْكَسِرَةِ ثُلُثَاهَا. وَقِيلَ وَيَحْلِفُ كُلُّ وَاحِدٍ كَالتَّسَاوِي. وَفِي الْمُقَدِّمَاتِ: ثَالِثٌ يَحْلِفُ صَاحِبُ الْأَكْثَرِ مِنْ الْأَيْمَانِ فَيَحْلِفُهَا الِابْنُ فِي الْمِثَالِ الْمَفْرُوضِ. انْتَهَى مِنْ التَّوْضِيحِ وَتُقْلَبُ الْأَيْمَانُ مَهْمَا نَكَلَا ... وَلِيُّ مَقْتُولٍ عَلَى مَنْ قَتَلَا وَيَحْلِفُ اثْنَانِ بِهَا فَمَا عَلَا ... وَغَيْرُ وَاحِدٍ بِهَا لَنْ يُقْتَلَا يَعْنِي أَنَّهُ إذَا نَكَلَ أَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِ عَنْ الْقَسَامَةِ فَإِنَّ الْأَيْمَانَ تُقْلَبُ عَلَى الْقَاتِلِ فَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِلْقَتْلِ وَاحِدًا حَلَفَ الْخَمْسِينَ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ حَلَفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ خَمْسِينَ يَمِينًا، كَمَا فِي الرِّسَالَةِ وَغَيْرِهَا.

قَالَ فِي الرِّسَالَةِ) : وَإِنْ نَكَلَ مُدَّعُو الدَّمِ، حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ خَمْسِينَ يَمِينًا، ثُمَّ قَالَ: وَلَوْ ادَّعَى الْقَتْلَ عَلَى جَمَاعَةٍ حَلَفَ كُلُّ وَاحِدٍ خَمْسِينَ، وَالْمُعْتَبَرُ فِي النُّكُولِ هُوَ مَنْ لَهُ اسْتِيفَاءُ الدَّمِ، وَأَمَّا نُكُولُ الْمُعِينِ فَغَيْرُ مُعْتَبَرٍ، وَالْمُعِينُ مَنْ لَيْسَ لَهُ الِاسْتِيفَاءُ كَالْإِخْوَةِ مَعَ الْبَنِينَ، وَبَنِي الْعَمِّ مَعَ الْإِخْوَةِ. (فَرْعٌ) فَإِنْ نَكَلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَعْدَ نُكُولِ أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ فَحَكَى ابْنُ الْحَاجِّ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ يُسْجَنُ حَتَّى يَحْلِفَ خَمْسِينَ يَمِينًا. الثَّانِي: أَنَّ عَلَيْهِ الدِّيَةَ فِي مَالِهِ. الثَّالِثُ: أَنَّهُ يُحْبَسُ حَتَّى يَحْلِفَ أَوْ يَطُولَ سَجْنُهُ كَمَا فِي الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ. (فَرْعٌ) إذَا رُدَّتْ الْأَيْمَانُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَهَلْ لَهُ أَنْ يَسْتَعِينَ بِأَوْلِيَائِهِ أَوْ لَا؟ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ: نَفْيُ الِاسْتِعَانَةِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ وَمُطَرِّفٍ وَالثَّانِي: قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمَجْمُوعَةِ تُرَدُّ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَيَحْلِفُ مَعَ أَوْلِيَائِهِ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّسَالَةِ. وَالثَّالِثُ: لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ أَنَّ وُلَاةَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مُخَيَّرُونَ بَيْنَ أَنْ يَحْلِفُوا الْأَيْمَانَ كُلَّهَا أَوْ يَحْلِفَهَا الْمُتَّهَمُ وَحْدَهُ، وَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَحْلِفُوا بَعْضَهَا وَيَحْلِفَ هُوَ بَقِيَّتَهَا. وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ وَلَا يَخْفَى وَجْهُهُ. انْتَهَى مِنْ التَّوْضِيحِ. هَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِالْبَيْتِ الْأَوَّلِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَيَحْلِفُ اثْنَانِ بِهَا فَمَا عَلَا فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي شَرْحِ الْبَيْتَيْنِ قَبْلَ هَذَيْنِ أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ فِي الْعَمْدِ أَقَلُّ مِنْ رَجُلَيْنِ مِنْ الْعَصَبَةِ وَرِثُوا أَمْ لَا. (ابْنُ الْحَاجِبِ) وَلَا يَحْلِفُ فِي الْعَمْدِ أَقَلُّ مِنْ رَجُلَيْنِ عَصَبَةً، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَمَوَالِي فَإِنْ لَمْ تَكُنْ رُدَّتْ الْأَيْمَانُ. التَّوْضِيحُ أَيْ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَإِنْ حَلَفَ بَرِئَ مِنْ الدَّعْوَى وَضُرِبَ مِائَةً وَسُجِنَ عَامًا، وَإِنْ نَكَلَ حُبِسَ حَتَّى يَحْلِفَ خَمْسِينَ يَمِينًا، وَظَاهِرُهُ تَأْبِيدُ حَبْسِهِ، وَهُوَ كَذَلِكَ. اهـ وَقَدْ تَلَخَّصَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ الْقَسَامَةَ تُرَدُّ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي مَسْأَلَتَيْنِ: إذَا نَكَلَ عَنْهَا أَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِ وَهِيَ الْمُشَارُ لَهَا فِي أَوَّلِ الْبَيْتَيْنِ. وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَقْتُولِ عَصَبَةُ نَسَبٍ وَلَا مَوَالِي. ثُمَّ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى مِنْ هَاتَيْنِ: وَإِنْ نَكَلَ الْمُعِينُ وَلَمْ يَكُنْ وَلِيُّ الدَّمِ إلَّا وَاحِدًا فَإِنْ وَجَدَ مَنْ يَسْتَعِينُ بِهِ غَيْرَ هَذَا، وَإِلَّا فَقَدْ بَطَلَ الدَّمُ. وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ: وَغَيْرُ وَاحِدٍ بِهَا لَنْ يُقْتَلَا إلَى أَنَّهُ إذَا كَانَ اللَّوْثُ عَلَى جَمَاعَةٍ، فَلَا يُقْتَلُ بِالْقَسَامَةِ إلَّا وَاحِدٌ. قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: خِلَافًا لِلْمُغِيرَةِ (التَّوْضِيحُ) لِأَنَّ الْقَسَامَةَ أَضْعَفُ مِنْ الْإِقْرَارِ وَالْبَيِّنَةِ. وَقَاسَ الْمُغِيرَةُ ذَلِكَ عَلَى الشَّهَادَةِ. اهـ أَيْ عَلَى ثُبُوتِ الدَّمِ بِالشَّهَادَةِ فَيُقْتَلُ بِهَا أَكْثَرُ مِنْ وَاحِدٍ. (فَرْعٌ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَالْمَجْمُوعَةِ: وَإِنْ وَجَبَ لِقَوْمٍ دَمُ رَجُلٍ بِقَسَامَتِهِ فَلَمَّا قُدِّمَ لِلْقَتْلِ أَقَرَّ غَيْرُهُ أَنَّهُ قَتَلَهُ، فَإِنْ شَاءُوا قَتَلُوا الْمُقِرَّ بِإِقْرَارِهِ، وَإِنْ شَاءُوا قَتَلُوا الْأَوَّلَ بِقَسَامَةٍ، وَلَا يُقْتَلُ إلَّا وَاحِدٌ. اهـ (فَرْعٌ) وَإِذَا فَرَّعْنَا عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ بِالْقَسَامَةِ إلَّا وَاحِدٌ، فَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: الْمَشْهُورُ أَنَّ الْقَسَامَةَ لَا تَكُونُ إلَّا عَلَى مُعَيَّنٍ، وَهُوَ الَّذِي يُرِيدُونَ قَتْلَهُ. (ابْنُ الْقَاسِمِ) عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَالْمَجْمُوعَةِ: وَإِذَا أَقْسَمُوا عَلَيْهِ قَالُوا فِي الْقَسَامَةِ: لَمَاتَ مِنْ ضَرْبِهِ. وَلَا يَقُولُونَ: مِنْ ضَرْبِهِمْ. اهـ وَقَالَ أَشْهَبُ: الْأَوْلِيَاءُ مُخَيَّرُونَ بَيْنَ أَنْ يُعَيِّنُوهُ أَوَّلًا، كَمَا تَقَدَّمَ وَبَيْنَ أَنْ يَخْتَارُوهُ بَعْدَ حَلِفِهِمْ عَلَى الْجَمَاعَةِ. (التَّوْضِيحُ) فِي قَوْلِ أَشْهَبَ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُمْ إذَا أَقْسَمُوا عَلَى الْجَمِيعِ ثُمَّ اخْتَارُوا وَاحِدًا، يَكُونُ مِنْ التَّرْجِيحِ بِلَا مُرَجِّحٍ، إذْ لَيْسَ أَحَدُهُمْ بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ. اُنْظُرْ تَمَامَ كَلَامِهِ. (تَنْبِيهٌ) مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْمَشْهُورَ أَنَّ الْأَوْلِيَاءَ يُعَيِّنُونَ وَاحِدًا يُقْسِمُونَ عَلَيْهِ، إنَّمَا ذَلِكَ فِي الْعَمْدِ. قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ بِخِلَافِ الْخَطَأِ فَإِنَّهُ لَا يُقْسَمُ إلَّا عَلَى جَمِيعِهِمْ، وَتَوْزِيعُ الدِّيَةِ عَلَى عَوَاقِلِهِمْ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ. اهـ (فَرْعٌ) كَمَا تُرَدُّ الْأَيْمَانُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إذَا نَكَلَ

أَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِ، كَذَلِكَ تُرَدُّ عَلَيْهِ أَيْضًا إذَا عَفَا مَنْ يَجُوزُ عَفْوُهُ، فَتُرَدُّ الْأَيْمَانُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَيَحْلِفُ خَمْسِينَ يَمِينًا لَا يُبَرِّئُهُ أَقَلُّ مِنْهَا. نَقَلَهُ الشَّارِحُ عَنْ مُفِيدِ ابْنِ هِشَامٍ، يَعْنِي وَيُرْجِعُ الدِّيَةَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ) الْمُرَادُ بِالْوَلِيِّ فِي قَوْلِهِ: مَهْمَا نَكَلَا وَلِيُّ مَقْتُولٍ جِنْسُ الْوَلِيِّ لَا الْوَاحِدُ؛ لِأَنَّهُ إذَا تَعَدَّدَ الْوَلِيُّ وَنَكَلَ وَاحِدٌ وَأَرَادَ غَيْرُهُ اثْنَانِ فَأَكْثَرُ أَنْ يَحْلِفَ فَلَا تُقْلَبُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ. كَذَا قَالَ الشَّارِحُ وَلَفْظُهُ: وَإِنْ نَكَلَ مُسْتَحِقُّ الدَّمِ عَنْ الْأَيْمَانِ فَإِنَّ الْحُكْمَ إنْ كَانَ وَاحِدًا أَوْ اثْنَيْنِ خَاصَّةً، فَإِنَّ الدَّمَ يَبْطُلُ وَإِنْ كَانُوا مُتَعَدِّدِينَ فَلِلَّذِي لَمْ يَعْفُ إذَا كَانَ فِي قُعُودِ الْعَافِي أَنْ يَضُمَّ إلَيْهِ مِنْ الْعَصَبَةِ مَنْ يَحْلِفُ مَعَهُ، وَيَسْتَحِقُّونَ الدَّمَ مَا لَمْ يَكُنْ الْعَافِي أَقْعَدَ بِالْمَقْتُولِ مِنْ الْبَاقِينَ بَعْدَهُ فَيَرْجِعَ لِلدِّيَةِ. اهـ وَتَأَمَّلْ هَذَا مَعَ قَوْلِهِمْ: إنْ عَفَا أَحَدٌ مِمَّنْ لَهُ الِاسْتِيفَاءُ فَلَا قَتْلَ. وَقَوْلَ الرِّسَالَةِ وَغَيْرِهَا، وَاللَّفْظُ لَهَا: وَإِنْ عَفَا أَحَدُ الْبَنِينَ فَلَا قَتْلَ وَلِمَنْ بَقِيَ نَصِيبُهُ مِنْ الدِّيَةِ. وَنَقَلَ الشَّارِحُ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ: وَعَفْوِ بَعْضٍ مُسْقِطُ الْقِصَاصِ الْبَيْتَيْنِ، عَنْ نَوَازِلِ ابْنِ الْحَاجِّ مَا نَصُّهُ: فَإِنْ نَكَلَ وَاحِدٌ مِنْ الْعَصَبَةِ أَوْ عَفَا، فَإِنْ كَانَ الْأَقْرَبَ كَالْوَلَدِ وَالْأَخِ وَشِبْهِ ذَلِكَ، سَقَطَ الْقَوَدُ، وَإِنْ كَانَ الْأَبْعَدَ فَلَا عِبْرَةَ بِهِ، وَلِلْأَقْرَبِ أَنْ يَضُمَّ إلَيْهِ مَنْ يَحْلِفُ مَعَهُ مِنْ سَائِرِ الْعَصَبَةِ، وَيَسْتَحِقَّ الْقَوَدَ. اهـ وَعَلَى هَذَا يُفْهَمُ كَلَامُ الشَّارِحِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَلَيْسَ فِي عَبْدٍ وَلَا جَنِينِ ... قَسَامَةٌ وَلَا عَدُوِّ الدِّينِ

يَعْنِي أَنَّهُ لَا قَسَامَةَ فِي قَتْلِ عَبْدٍ وَلَا جَنِينٍ وَلَا كَافِرٍ، بَلْ مَنْ قَامَ لَهُ لَوْثٌ عَلَى قَتْلِ وَاحِدٍ مِمَّنْ ذُكِرَ، حَلَفَ يَمِينًا وَاحِدَةً وَاسْتَحَقَّ مَا يَجِبُ فِي ذَلِكَ. (أَمَّا مَسْأَلَةُ الْعَبْدِ) فَفِي الْمُوَطَّأِ: قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي الْعَبِيدِ أَنَّهُ إذَا أُصِيبَ الْعَبْدُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً، ثُمَّ جَاءَ سَيِّدُهُ بِشَاهِدٍ حَلَفَ مَعَ شَاهِدِهِ يَمِينًا وَاحِدَةً، ثُمَّ كَانَ لَهُ قِيمَةُ عَبْدِهِ، وَلَيْسَ فِي الْعَبْدِ قَسَامَةٌ فِي عَمْدٍ وَلَا خَطَأٍ، فَإِنْ قُتِلَ الْعَبْدُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً لَمْ يَكُنْ عَلَى سَيِّدِ الْعَبْدِ الْمَقْتُولِ قَسَامَةٌ وَلَا يَمِينٌ، وَلَا يَسْتَحِقُّ سَيِّدُهُ ذَلِكَ إلَّا بِبَيِّنَةٍ عَادِلَةٍ، أَوْ بِشَاهِدٍ فَيَحْلِفُ مَعَ شَاهِدِهِ (الْمَوَّاقُ) وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْعَبْدَ يُقْتَلُ بِالْعَبْدِ إلَّا أَنْ يُسَلِّمَهُ سَيِّدُهُ أَوْ يَرْضَى سَيِّدُ الْمَقْتُولِ بِأَخْذِ قِيمَةِ عَبْدِهِ. اهـ (وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْجَنِينِ) فَفِي الْمُدَوَّنَةِ: إنْ ضُرِبَتْ امْرَأَةٌ فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا وَقَالَتْ: دَمِي عِنْدَ فُلَانٍ فَفِي الْمَرْأَةِ الْقَسَامَةُ، وَلَا شَيْءَ فِي الْجَنِينِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ تُثْبِتُ أَنَّهُ كَجُرْحٍ مِنْ جِرَاحِهَا، وَلَا قَسَامَةَ فِي الْجِرَاحِ، وَلَا تَثْبُتُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ أَوْ بِشَاهِدٍ عَدْلٍ، فَيَحْلِفُ وُلَاتُهُ مَعَهُ يَمِينًا وَاحِدَةً وَيَسْتَحِقُّونَ دِيَتَهُ. (ابْنُ يُونُسَ) : يُرِيدُ: يَحْلِفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِمَّنْ يَرِثُ الْغُرَّةَ يَمِينًا أَنَّهُ قَتَلَهُ. اهـ (وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْكَافِرِ) فَفِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ فِي نَصْرَانِيٍّ قَامَ عَلَى قَتْلِهِ شَاهِدٌ وَاحِدٌ مُسْلِمٌ: يَحْلِفُ وُلَاتُهُ يَمِينًا وَاحِدَةً وَيَسْتَحِقُّونَ الدِّيَةَ عَلَى قَاتِلِهِ مُسْلِمًا كَانَ أَوْ نَصْرَانِيًّا. اهـ. (تَتِمَّةٌ) وَكَذَلِكَ لَا قَسَامَةَ فِي جُرْحٍ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: لَا قَسَامَةَ فِي الْجُرْحِ، لَكِنْ مَنْ أَقَامَ شَاهِدًا عَدْلًا عَلَى جُرْحٍ عَمْدًا أَوْ خَطَأً فَلْيَحْلِفْ مَعَهُ يَمِينًا وَاحِدَةً وَيَقْتَصُّ فِي الْعَمْدِ، وَيَأْخُذُ الْعَقْلَ فِي الْخَطَأِ. قِيلَ لِابْنِ الْقَاسِمِ: لِمَ قَالَ مَالِكٌ ذَلِكَ فِي جِرَاحِ الْعَمْدِ، وَلَيْسَتْ بِمَالٍ؟ قَالَ: كَلَّمْتُ مَالِكًا فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: إنَّهُ لَشَيْءٌ اسْتَحْسَنَّاهُ، وَمَا سَمِعْتُ فِيهِ شَيْئًا. اهـ وَهَذِهِ إحْدَى الْمَسَائِلِ الْأَرْبَعِ الَّتِي قَالَ فِيهَا مَالِكٌ بِمَا اسْتَحْسَنَهُ، وَإِنْ لَمْ يُرْوَ ذَلِكَ عَنْ غَيْرِهِ، وَهِيَ الْمُشَارُ إلَيْهَا بِقَوْلِ الشَّيْخِ ابْنِ غَازِيٍّ فِي نَظَائِرِ الرِّسَالَةِ، وَقَالَ مَالِكٌ بِالِاخْتِيَارِ ... فِي شُفْعَةِ الْأَنْقَاضِ وَالثِّمَارِ وَالْجُرْحُ مِثْلُ الْمَالِ فِي الْأَحْكَامِ ... وَالْخَمْسُ فِي أُنْمُلَةِ الْإِبْهَامِ وَقَسَامَةٌ: اسْمُ لَيْسَ وَلَا عَدُوِّ بِالْخَفْضِ عَطْفًا عَلَى جَنِينٍ، وَالْمُرَادُ بِعَدُوِّ الدِّينِ الْكَافِرُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَالْقَوَدُ الشَّرْطُ بِهِ الْمِثْلِيَّهْ ... فِي الدَّمِ بِالْإِسْلَامِ وَالْحُرِّيَّهْ وَقَتْلُ مُنْحَطٍّ مَضَى بِالْعَالِي ... لَا الْعَكْسُ وَالنِّسَاءُ كَالرِّجَالِ تَقَدَّمَ لِلنَّاظِمِ أَوَّلَ الْبَابِ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْقَاتِلِ الَّذِي يُقْتَصُّ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ عَاقِلًا بَالِغًا غَيْرَ حَرْبِيٍّ، وَزَادَ هُنَا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِيهِ الْمُمَاثَلَةُ لِلْمَقْتُولِ فِي الدَّمِ أَيْ فِي الْإِسْلَامِ وَالْحُرِّيَّةِ؛ احْتِرَازًا مِمَّا إذَا زَادَ الْقَاتِلُ عَلَى الْمَقْتُولِ بِإِسْلَامٍ أَوْ حُرِّيَّةٍ، فَلَا يُقْتَصُّ حِينَئِذٍ مِنْ الْقَاتِلِ؛ لِعَدَمِ التَّكَافُؤِ وَالْمُمَاثَلَةِ، فَلِأَجْلِ الزِّيَادَةِ بِالْإِسْلَامِ لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا بِكَافِرٍ. وَإِنْ كَانَ الْمَقْتُولُ حُرًّا، قَتَلَهُ عَبْدٌ مُسْلِمٌ، وَلِأَجْلِ الزِّيَادَةِ بِالْحُرِّيَّةِ لَا يُقْتَلُ حُرٌّ بِعَبْدٍ إذَا تَسَاوَيَا فِي الْإِسْلَامِ، فَلَوْ تَمَيَّزَ الْقَاتِلُ بِالْحُرِّيَّةِ، وَالْمَقْتُولُ بِالْإِسْلَامِ، فَقَتَلَ كَافِرٌ حُرٌّ عَبْدًا مُسْلِمًا، فَإِنَّهُ يُقْتَصُّ مِنْ الْقَاتِلِ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَلَمَّا أَوْهَمَ اشْتِرَاطُ التَّكَافُؤِ أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ

الْعَبْدُ بِالْحُرِّ وَلَا الْكَافِرُ بِالْمُسْلِمِ، رَفَعَ ذَلِكَ الْوَهْمَ بِقَوْلِهِ: وَقَتْلُ مُنْحَطٍّ مَضَى بِالْعَالِي لَا الْعَكْسُ. فَالْعَالِي هُوَ الْمُسْلِمُ، وَالْمُنْحَطُّ الْكَافِرُ، فَيُقْتَلُ الْكَافِرُ بِالْمُسْلِمِ، وَلَوْ كَانَ الْكَافِرُ حُرًّا وَالْمُسْلِمُ الْمَقْتُولُ عَبْدًا. وَلَا يُقْتَلُ الْمُسْلِمُ بِالْكَافِرِ مُطْلَقًا كَانَ الْمُسْلِمُ الْقَاتِلُ حُرًّا أَوْ عَبْدًا، كَانَ الْكَافِرُ الْمَقْتُولُ حُرًّا أَوْ عَبْدًا. وَالْعَالِي أَيْضًا هُوَ الْحُرُّ وَالْمُنْحَطُّ الْعَبْدُ، فَيُقْتَلُ الْعَبْدُ بِالْحُرِّ، وَلَا يُقْتَلُ الْحُرُّ بِالْعَبْدِ إذَا كَانَا مُسْلِمَيْنِ. وَيُقْتَلُ الْحُرُّ الْكَافِرُ بِالْعَبْدِ الْمُسْلِمِ كَمَا تَقَدَّمَ وَالْعَكْسُ الْمَنْفِيُّ فِيهِ الْقِصَاصُ هُوَ أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ، وَلَا حُرٌّ بِعَبْدٍ، وَأَمَّا الرَّجُلُ مَعَ الْمَرْأَةِ فَيُقْتَلُ الرَّجُلُ بِالْمَرْأَةِ وَالْمَرْأَةُ بِالرَّجُلِ. (قَالَ فِي الْمُقَرَّبِ) قُلْتُ: فَيُقْتَلُ الْحُرُّ بِالْمَمْلُوكِ، أَوْ الْمُسْلِمُ بِالْكَافِرِ فِي الْعَمْدِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ. قَالَ: لَا، وَلَا قِصَاصَ بَيْنَهُمَا فِي الْجِرَاحَاتِ. (وَفِي الْمُقَدِّمَاتِ) : وَيُقْتَلُ الْعَبْدُ بِالْحُرِّ وَالْكَافِرُ بِالْمُسْلِمِ، وَلَا يُقْتَلُ الْحُرُّ وَلَا الْحُرَّةُ بِالْعَبْدِ وَلَا بِالْأَمَةِ، وَلَا يُقْتَلُ الْمُسْلِمُ وَلَا الْمُسْلِمَةُ بِالْكَافِرِ وَلَا بِالْكَافِرَةِ. (وَفِي الْمُقَرَّبِ) : قُلْتُ: فَيُقْتَصُّ مِنْ الْمَرْأَةِ لِلرَّجُلِ وَلِلرَّجُلِ مِنْ الْمَرْأَةِ؟ قَالَ: نَعَمْ، فِي الْقَتْلِ وَالْجِرَاحِ. (قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ) : وَإِنَّمَا يَجِبُ الْقِصَاصُ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ إذَا لَمْ تَكُنْ مَرْتَبَةُ الْمَقْتُولِ نَاقِصَةً عَنْ مَرْتَبَةِ الْقَاتِلِ؛ لِعَدَمِ حُرِّيَّةٍ أَوْ إسْلَامٍ. (تَنْبِيهٌ) وَلَا أَثَرَ لِفَضِيلَةِ الرُّجُولِيَّةِ، فَيُقْتَلُ الرَّجُلُ بِالْمَرْأَةِ، وَلَا الْعَدَدِ فَتُقْتَلُ الْجَمَاعَةُ بِالْوَاحِدِ، وَكَذَا لَا أَثَرَ لِلْعَدَالَةِ وَالشَّرَفِ وَسَلَامَةِ الْأَعْضَاءِ وَصِحَّةِ الْجِسْمِ، فَيُقْتَلُ الْعَدْلُ بِالْفَاسِقِ وَالشَّرِيفُ بِالْمُشَرَّفِ، وَالصَّحِيحُ بِالْأَجْذَمِ، وَيُقْتَلُ الْأَعْمَى الْمَقْطُوعُ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ بِالسَّالِمِ. قَالَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ (تَتِمَّةٌ) إذَا صَادَفَ الْقَتْلُ تَكَافُؤَ الدِّمَاءِ لَمْ يَسْقُطْ بِزَوَالِهِ، وَذَلِكَ كَمَا لَوْ أَسْلَمَ الْكَافِرُ بَعْدَ قَتْلِهِ كَافِرًا، أَوْ أُعْتِقَ الْعَبْدُ بَعْدَ قَتْلِهِ عَبْدًا، فَإِنَّ الْقِصَاصَ لَا يَسْقُطُ عَنْهُمَا؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِالتَّكَافُؤِ حَالَةَ الْقَتْلِ، وَهُوَ حَاصِلُ مَا قَالَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ (قَالَ فِي التَّوْضِيحِ) : وَلَا يُعْتَرَضُ بِمَا إذَا أَوْصَى لِوَارِثٍ فَصَارَ غَيْرَ وَارِثٍ، وَالْعَكْسِ؛ فَإِنَّ الْعِبْرَةَ بِالْمَآلِ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ عَقْدٌ مُنْحَلٌّ. اهـ وَهَذَا إذَا زَالَ التَّكَافُؤُ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَأَمَّا إذَا زَالَ بَيْنَ حُصُولِ السَّبَبِ وَالْمُسَبَّبِ كَعِتْقِ أَحَدِهِمَا أَوْ إسْلَامِهِ بَعْدَ الرَّمْيِ وَقَبْلَ الْإِصَابَةِ، وَبَعْدَ الْجُرْحِ وَقَبْلَ الْمَوْتِ، فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ الْمُعْتَبَرُ فِي ضَمَانِ دِيَةِ الْحُرِّ وَقِيمَةِ الْعَبْدِ حَالُ الْإِصَابَةِ وَالْمَوْتِ أَيْ حَالُ حُصُولِ الْمُسَبَّبِ. وَقَالَ أَشْهَبُ وَسَحْنُونٌ حَالُ الرَّمْيِ. اُنْظُرْ ابْنَ الْحَاجِبِ وَالتَّوْضِيحَ فَقَدْ أَطَالَا فِي ذَلِكَ. (فَائِدَةٌ) سُمِّيَ الْقِصَاصُ قَوَدًا؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ تَقُودُ الْجَانِيَ بِحَبْلٍ فِي رَقَبَتِهِ وَتُسَلِّمُهُ فَسُمِّيَ الْقِصَاصُ قَوَدًا؛ لِمُلَازَمَتِهِ لَهُ وَالشَّرْطُ فِي الْمَقْتُولِ عِصْمَةُ الدَّمِ ... زِيَادَةٌ لِشَرْطِهِ الْمُسْتَقْدَمِ لِوُجُوبِ الْقِصَاصِ شُرُوطٌ فِي الْقَاتِلِ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ، فَبَعْضُهَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ أَوَّلَ الْفَصْلِ: مِنْ اعْتِرَافِ ذِي بُلُوغٍ عَاقِلِ وَبَعْضُهَا فِي الْبَيْتَيْنِ قَبْلَ هَذَا، وَهُوَ أَنْ لَا يَزِيدَ عَلَى الْمَقْتُولِ بِحُرِّيَّةٍ أَوْ إسْلَامٍ، بَلْ يَكُونَ مُسَاوِيًا لَهُ فِيهِمَا، أَوْ أَحَطَّ رُتْبَةً، وَشُرُوطٌ فِي الْمَقْتُولِ وَهُوَ كَوْنُهُ مُسَاوِيًا لِلْقَاتِلِ فِي الْحُرِّيَّةِ وَالْإِسْلَامِ أَوْ كَوْنِ الْمَقْتُولِ أَرْفَعَ مِنْ الْقَاتِلِ كَمَا تَقَدَّمَ ذَلِكَ كُلُّهُ فِي الْبَيْتَيْنِ قَبْلَ هَذَا، وَإِلَى شُرُوطِ الْمَقْتُولِ هَذِهِ أَشَارَ النَّاظِمُ بِقَوْلِهِ: زِيَادَةٌ لِشَرْطِهِ الْمُسْتَقْدَمِ وَيُزَادُ فِي شُرُوطِ الْمَقْتُولِ مَا تَعَرَّضَ لَهُ فِي الْبَيْتِ مِنْ كَوْنِهِ مَعْصُومَ الدَّمِ، فَلَا قِصَاصَ عَلَى قَاتِلِ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَتْلُ بِغِيلَةٍ أَوْ حِرَابَةٍ أَوْ زِنًا بَعْدَ إحْصَانٍ أَوْ نَحْوِهَا، فَلَيْسَ عَلَى قَاتِلِهِمْ إلَّا الْأَدَبُ لِافْتِيَاتِهِ عَلَى الْإِمَامِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَتْلُ قِصَاصًا، فَإِنَّهُ مَعْصُومُ الدَّمِ مِنْ غَيْرِ مُسْتَحِقِّ دَمِ مَقْتُولِهِ. (قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ) : الرُّكْنُ الثَّانِي: الْقَتِيلُ وَشَرْطُ كَوْنِهِ مَضْمُونًا بِالْقِصَاصِ أَنْ يَكُونَ مَعْصُومًا، وَالْعِصْمَةُ بِالْإِسْلَامِ وَالْحُرِّيَّةِ، وَالْأَمَانُ يَتَنَزَّلُ مَنْزِلَتَهُ، وَالْحَرْبِيُّ مُهْدَرٌ دَمُهُ، وَالْمُرْتَدُّ كَذَلِكَ. قَالَ (سَحْنُونٌ) وَكَذَلِكَ مَنْ قَتَلَ زِنْدِيقًا أَوْ زَانِيًا مُحْصَنًا أَوْ قَطَعَ سَارِقًا قَدْ تَوَجَّهَ عَلَيْهِ الْقَطْعُ؛ لِأَنَّ هَذِهِ حُقُوقٌ لَا بُدَّ أَنْ تُقَامَ، وَلَا تَخْيِيرَ فِيهَا وَلَا عَفْوَ، فَأَمَّا مَنْ عَلَيْهِ قِصَاصٌ فَمَعْصُومٌ فِي غَيْرِ حَقِّ الْمُسْتَحِقِّ، فَإِنْ عَدَا عَلَيْهِ أَجْنَبِيٌّ فَقَتَلَهُ فَدَمُهُ لِأَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ الْأَوَّلِ. وَيُقَالُ: لِأَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ الْآخَرِ، أَرْضُوا أَوْلِيَاءَ الْمَقْتُولِ الْأَوَّلِ، وَشَأْنُكُمْ بِقَاتِلِ وَلِيِّكُمْ فِي الْقَتْلِ وَالْعَفْوِ. فَإِنْ لَمْ يُرْضُوهُمْ فَلِأَوْلِيَاءِ الْأَوَّلِ قَتْلُهُ، أَوْ الْعَفْوُ

وَلَهُمْ أَنْ لَا يَرْضَوْا بِمَا بُذِلَ لَهُمْ مِنْ الدِّيَةِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهَا. اهـ وَإِنْ وَلِيُّ الدَّمِ لِلْمَالِ قَبِلْ ... وَالْقَوَدَ اسْتَحَقَّهُ فِيمَنْ قُتِلْ فَأَشْهَبُ قَالَ لِلِاسْتِحْيَاءِ ... يُجْبَرُ قَاتِلٌ عَلَى الْإِعْطَاءِ وَلَيْسَ ذَا فِي مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ ... دُونَ اخْتِيَارِ قَاتِلٍ بِلَازِمِ تَقَدَّمَ أَنَّ الْوَاجِبَ فِي قَتْلِ الْعَمْدِ الْعُدْوَانِ هُوَ الْقِصَاصُ لَا غَيْرُ أَوْ الْعَفْوُ مَجَّانًا بِلَا شَيْءٍ، هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ لِمَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ وَاخْتَارَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَرَوَى أَشْهَبُ أَنَّ وَلِيَّ الْمَقْتُولِ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْقِصَاصِ وَالْعَفْوِ عَلَى الدِّيَةِ. وَقَالَ بِهِ وَاخْتَارَهُ اللَّخْمِيُّ وَيَنْبَنِي عَلَى الْقَوْلَيْنِ مَا ذَكَرَهُ النَّاظِمُ، وَذَلِكَ إذَا عَفَا وَلِيُّ الْمَقْتُولِ عَلَى أَنْ يَأْخُذَ الدِّيَةَ فَأَبَى الْقَاتِلُ وَبَذَلَ دَمَهُ فَلَهُ ذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ، فَلَا يُجْبَرُ عَلَى إعْطَاءِ الدِّيَةِ، وَعَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ يُجْبَرُ الْقَاتِلُ عَلَى إعْطَاءِ الدِّيَةِ. قَالَ فِي أُصُولِ الْفُتْيَا لِابْنِ حَارِثٍ: وَإِنْ عَفَا وَلِيُّ الْمَقْتُولِ عَنْ الْقَاتِلِ عَلَى أَنْ يَغْرَمَ إلَيْهِ الدِّيَةَ، فَأَبَى الْقَاتِلُ مِنْ غُرْمِهَا، وَبَذَلَ دَمَهُ فَذَلِكَ لَهُ، هَذَا مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ يُخَالِفُهُ وَيَقُولُ: إنْ وَجَدَ لِحَقْنِ دَمِهِ سَبِيلًا، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْفِكَهُ، وَاعْتَلَّ فِي ذَلِكَ بِأَنْ قَالَ: أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا فَدَاهُ مِنْ أَرْضِ الْعَدُوِّ كَانَ عَلَى الْمُفْدَى أَنْ يَغْرَمَ مَا فَدَاهُ بِهِ كُرْهًا، وَاعْتَلَّ فِي ذَلِكَ أَيْضًا مُطَرِّفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بِأَنْ قَالَ: إنَّمَا يُحَامِي عَنْ مَالِ وَارِثٍ يَصِيرُ إلَيْهِ بَعْدَ قَتْلِهِ. اهـ. وَ (وَلِيُّ الدَّمِ) فَاعِلٌ بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ يُفَسِّرُهُ قَبِلَ، وَ (الْقَوَدَ) مَفْعُولٌ بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ مِنْ بَابِ الِاشْتِغَالِ، (لِلِاسْتِحْيَاءِ) يَتَعَلَّقُ بِيَجْبُرُ أَوْ بِالْإِعْطَاءِ، وَ (عَلَى الْإِعْطَاءِ) يَتَعَلَّقُ بِيَجْبُرُ. وَعَفْوُ بَعْضٍ مُسْقِطُ الْقِصَاصِ ... مَا لَمْ يَكُنْ مِنْ قُعْدُدِ انْتِقَاصِ وَشُبْهَةٌ تَدْرَؤُهُ وَمِلْكُ ... بَعْضِ دَمِ الَّذِي اعْتَرَاهُ الْهُلْكُ ذَكَرَ فِي الْبَيْتَيْنِ بَعْضَ مُسْقِطَاتِ الْقِصَاصِ فَأَخْبَرَ أَنَّ الْقِصَاصَ يَسْقُطُ إذَا عَفَا بَعْضُ مَنْ لَهُ اسْتِيفَاءُ الدَّمِ، إلَّا إذَا كَانَ الْعَافِي أَبْعَدَ فِي الدَّرَجَةِ مِنْ الَّذِي لَمْ يَعْفُ، فَالْكَلَامُ لِلْأَقْرَبِ، وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: مَا لَمْ يَكُنْ مِنْ قُعْدُدِ انْتِقَاصِ وَكَذَلِكَ يَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ مِثْل ضَرْبِ الزَّوْجِ زَوْجَتَهُ أَوْ الْمُؤَدِّبِ لِلْمُتَعَلِّمِ، فَيَئُولُ ذَلِكَ إلَى الْمَوْتِ فَيُدْرَأُ الْحَدُّ عَنْهُمَا لِلشُّبْهَةِ، وَهِيَ كَوْنُهُ مَأْذُونًا لَهُ فِي ضَرْبِ زَوْجَتِهِ وَمُتَعَلِّمِهِ، وَكَذَلِكَ يَسْقُطُ الْقِصَاصُ عَنْ الْقَاتِلِ إذَا مَلَكَ بَعْضَ دَمِ الْمَقْتُولِ كَأَرْبَعَةِ إخْوَةٍ

يَقْتُلُ أَحَدُهُمْ أَبَاهُ ثُمَّ يَمُوتُ بَعْضُ الْأَرْبَعَةِ فَيَسْقُطُ الْقِصَاصُ؛ لِإِرْثِ الْقَاتِلِ مِنْ أَخِيهِ بَعْضَ دَمِ الْمَقْتُولِ. فَلَمَّا مَلَكَ دَمَهُ حِصَّةً صَارَ كَعَفْوِ بَعْضِ الْأَوْلِيَاءِ، لَا يُبَاحُ لَهُ قَتْلٌ. وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: وَمِلْكُ بَعْضِ دَمِ الَّذِي اعْتَرَاهُ الْهُلْكُ. وَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ فَرْعَيْنِ تَكْمِيلًا لِلْفَائِدَةِ: (الْأَوَّلُ) : فِيمَنْ لَهُ اسْتِيفَاءُ الدَّمِ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَوِلَايَةُ الِاسْتِيفَاءِ لِأَقْرَبِ الْوَرَثَةِ الْعَصَبَةِ الذُّكُورِ. (التَّوْضِيحُ) قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ: وَتَرْتِيبُهُمْ فِي الْقِيَامِ بِالدَّمِ كَتَرْتِيبِهِمْ فِي مِيرَاثِ الْوَلَاءِ، وَالصَّلَاةِ عَلَى الْجَنَائِزِ، وَفِي النِّكَاحِ لَا يَشِذُّ مِنْ ذَلِكَ، عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ إلَّا الْجَدُّ مَعَ الْإِخْوَةِ فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَتِهِمْ فِي الْعَفْوِ عَنْ الدَّمِ وَالْقِيَامِ بِهِ. اهـ وَقَدْ ذَكَرَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ تَرْتِيبَهُمْ فِي النِّكَاحِ حَيْثُ قَالَ: وَقُدِّمَ ابْنٌ فَابْنُهُ فَأَبٌ فَأَخٌ فَابْنُهُ فَجَدٌّ فَعَمٌّ فَابْنُهُ. (التَّوْضِيحُ) وَقَوْلُهُ: (الْعَصَبَةِ) احْتِرَازٌ مِنْ غَيْرِ الْعَاصِبِ كَالزَّوْجِ وَالْأَخِ لِلْأُمِّ، وَاحْتِرَازٌ بِالذُّكُورِ مِنْ الْإِنَاثِ فَإِنَّهُ سَيَذْكُرُ مَا فِيهِنَّ مِنْ التَّفْصِيلِ وَالْخِلَافِ. اهـ ثُمَّ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَأَشْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ أَنَّ النِّسَاءَ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي دَرَجَتِهِنَّ عَصَبَةٌ كَذَلِكَ أَنَّ لَهُنَّ الِاسْتِيفَاءَ. (التَّوْضِيحُ) وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ: إذَا لَمْ يَكُنْ فِي دَرَجَتِهِنَّ عَصَبَةٌ. مِمَّا لَوْ كَانَ فِي دَرَجَتِهِنَّ عَصَبَةٌ كَالْبَنَاتِ مَعَ الِابْنِ، وَالْأَخَوَاتِ مَعَ الْأَخِ فَإِنَّهُنَّ لَا يَدْخُلْنَ حِينَئِذٍ فِي عَفْوٍ وَلَا قَوَدٍ بِاتِّفَاقٍ. وَالْمُرَادُ بِالْعَصَبَةِ الْعَاصِبُ؛ لِأَنَّ الْعَاصِبَ الْوَاحِدَ يَحْجُبُهُنَّ، وَيُشْتَرَطُ فِي النِّسَاءِ عَلَى الْقَوْلِ بِدُخُولِهِنَّ أَنْ يَكُنَّ مِمَّنْ يَرِثُهُنَّ احْتِرَازًا مِنْ الْعَمَّاتِ وَشِبْهِهِنَّ، وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا فِيهِنَّ أَنْ يَكُنَّ مِمَّنْ لَوْ كَانَ فِي دَرَجَتِهِنَّ ذَكَرٌ وَرِثَ بِالتَّعْصِيبِ؛ احْتِرَازًا مِنْ الْإِخْوَةِ لِلْأُمِّ. ثُمَّ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ إلَّا أَنَّ الْعَصَبَةَ الْوَارِثِينَ مَعَ النِّسَاءِ فَوْقَهُمْ سَوَاءٌ. (التَّوْضِيحُ) كَالْبِنْتِ مَعَ الْإِخْوَةِ. وَقَوْلُهُ: سَوَاءٌ. أَيْ فِي الْقِيَامِ بِالدَّمِ، فَمَنْ قَامَ بِهِ فَهُوَ أَوْلَى وَلَا عَفْوَ إلَّا بِاجْتِمَاعِهِمْ. ثُمَّ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَالْعَصَبَةُ غَيْرُ الْوَارِثِينَ إذَا ثَبَتَ الْقَوَدُ بِقَسَامَتِهِمْ مَعَ النِّسَاءِ كَذَلِكَ. اهـ وَذَلِكَ كَالْبَنَاتِ وَالْأَخَوَاتِ وَالْأَعْمَامِ لَا عَفْوَ إلَّا بِاجْتِمَاعِهِمْ إذَا ثَبَتَ الدَّمُ بِقَسَامَتِهِمْ. وَمَنْ قَامَ بِالدَّمِ فَلَهُ ذَلِكَ وَقَدْ تَلَخَّصَ مِنْ هَذَا أَنَّ مَنْ لَهُ اسْتِيفَاءٌ إمَّا ذُكُورٌ فَقَطْ أَوْ ذُكُورٌ وَإِنَاثٌ، وَهَذَا الْقِسْمُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: إنْ كَانَ الذُّكُورُ فِي مَرْتَبَةِ الْإِنَاثِ كَالْبَنَاتِ مَعَ الِابْنِ وَالْأَخَوَاتِ مَعَ الْأَخِ فَلَا كَلَامَ لَهُنَّ فِي عَفْوٍ، وَلَا قَوَدٍ وَأَحْرَى إذَا كَانَ الذُّكُورُ أَقْرَبَ. وَإِنْ كَانَ الْإِنَاثُ أَقْرَبَ وَالذَّكَرُ وَارِثٌ كَالْبِنْتِ مَعَ الْإِخْوَةِ فَلَا عَفْوَ إلَّا بِاجْتِمَاعِهِمْ. وَإِنْ كَانَ غَيْرَ وَارِثٍ كَالْبَنَاتِ وَالْأَخَوَاتِ وَالْأَعْمَامِ فَإِنْ ثَبَتَ الدَّمُ بِقَسَامَةٍ، فَلَا عَفْوَ إلَّا بِاجْتِمَاعِهِمْ، وَمَنْ قَامَ بِالدَّمِ فَلَهُ ذَلِكَ وَإِنْ ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ فَلَا كَلَامَ لِلْعَصَبَةِ. (قَالَ فِي التَّوْضِيحِ) : وَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الْفَرْعُ الثَّانِي) فِيمَا إذَا عَفَا بَعْضُ الْأَوْلِيَاءِ بِاعْتِبَارِ سُقُوطِ الْقَوَدِ وَعَدَمِهِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُسْتَحِقِّينَ لِلدَّمِ تَارَةً يَكُونُ جَمِيعُهُمْ رِجَالًا، وَتَارَةً يَكُونُ جَمِيعُهُمْ نِسَاءً وَتَارَةً يَجْتَمِعْنَ. (ابْنُ الْحَاجِبِ) : وَإِذَا عَفَا بَعْضُ مَنْ لَهُ الِاسْتِيفَاءُ، فَإِنْ كَانَ الْجَمِيعُ رِجَالًا سَقَطَ الْقَوَدُ. (التَّوْضِيحُ) : وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانُوا أَوْلَادًا أَوْ إخْوَةً أَوْ غَيْرَهُمْ كَالْأَعْمَامِ وَالْمَوَالِي، وَلَا خِلَافَ فِي الْأَوْلَادِ وَالْإِخْوَةِ، وَأَمَّا الْأَعْمَامُ وَنَحْوُهُمْ فَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ وَرَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَوَّازِيَّةِ عَدَمَ السُّقُوطِ، وَأَنَّ لِمَنْ بَقِيَ أَنْ يَقْتُلَ. ثُمَّ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَإِنْ كُنَّ نِسَاءً نَظَرَ الْحَاكِمُ. (التَّوْضِيحُ) هَذِهِ هِيَ الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ، قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ إلَّا أُخْتَهُ وَابْنَتَهُ فَالِابْنَةُ أَوْلَى بِالْقَتْلِ وَبِالْعَفْوِ، وَهَذَا إذَا مَاتَ مَكَانَهُ. وَقَالَ أَيْضًا فِيمَنْ أَسْلَمَ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ أَوْ رَجُلٍ لَا تُعْرَفُ عَصَبَتُهُ، فَقُتِلَ عَمْدًا وَمَاتَ مَكَانَهُ وَتَرَكَ بَنَاتٍ فَلَهُنَّ أَنْ يَقْتُلْنَ، وَإِنْ عَفَا بَعْضُهُنَّ وَطَلَبَ بَعْضُهُنَّ الْقَتْلَ، نَظَرَ فِي ذَلِكَ السُّلْطَانُ بِالِاجْتِهَادِ إذَا كَانَ ذَلِكَ عَدْلًا، وَإِنْ رَأَى الْعَفْوَ أَوْ الْقَتْلَ أَمْضَاهُ، وَهَذَا الْكَلَامُ

هُوَ الَّذِي اخْتَصَرَهُ الْمُصَنِّفُ. وَالْكَلَامُ الْأَوَّلُ أَوْلَى بِالذِّكْرِ؛ لِأَنَّ النِّسَاءَ فِيهِ يَحُزْنَ الْمِيرَاثَ فَتَتِمُّ الْمُقَابَلَةُ بِسَبَبِهِ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا أَبُو عِمْرَانَ فِي مَسْأَلَةِ الْمُصَنِّفِ وَإِنَّمَا كَانَ لِلْإِمَامِ النَّظَرُ فِي ذَلِكَ؛ إذْ هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْعَصَبَةِ؛ لِأَنَّهُ يَرِثُ لِبَيْتِ الْمَالِ مَا بَقِيَ. (ابْنُ الْحَاجِبِ) فَإِنْ كَانُوا رِجَالًا وَنِسَاءً لَمْ يَسْقُطْ إلَّا بِهِمَا أَوْ بِبَعْضِهِمَا، وَإِلَّا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُقْتَصِّ. (التَّوْضِيحُ) : هَذِهِ هِيَ الصُّورَةُ الثَّالِثَةُ وَهِيَ إنَّمَا تُتَصَوَّرُ إذَا كَانَ النِّسَاءُ أَقْرَبَ؛ لِأَنَّهُ قَدَّمَ أَنَّهُ لَا كَلَامَ لَهُنَّ مَعَ الْمُسَاوِي. وَقَوْلُهُ: لَمْ يَسْقُطْ. أَيْ الْقَوَدُ إلَّا بِاجْتِمَاعِهِمَا عَلَى الْعَفْوِ أَوْ بِبَعْضِهِمَا. أَيْ بِبَعْضِ هَذَا الصِّنْفِ وَبَعْضِ هَذَا الصِّنْفِ، وَأَحْرَى إذَا اجْتَمَعَ جَمِيعُ صِنْفٍ مَعَ بَعْضِ الْآخَرِ. وَقَوْلُهُ: وَإِلَّا، أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَا تَقَدَّمَ، بَلْ عَفَا أَحَدُ الصِّنْفَيْنِ وَأَرَادَ الصِّنْفُ الْآخَرُ الْقَتْلَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُقْتَصِّ. وَهَذَا مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ الْعَفْوَ لَا يَتِمُّ إلَّا بِهِمَا أَوْ بِبَعْضِهِمَا وَأَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ مَنْ أَرَادَ الْقَتْلَ مِنْهُمَا جَمِيعًا، وَهَذَا إذَا ثَبَتَ الدَّمُ بِقَسَامَةٍ. وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْعَصَبَةِ فِي الْعَفْوِ وَالْقَتْلِ. وَرُوِيَ أَيْضًا أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ مَنْ أَرَادَ الْعَفْوَ مِنْهُمَا جَمِيعًا، وَأَمَّا لَوْ ثَبَتَ الدَّمُ بِبَيِّنَةٍ وَحَازَ النِّسَاءُ الْمِيرَاثَ، فَلَا كَلَامَ لِلْعَصَبَةِ كَمَا تَقَدَّمَ. اهـ وَقَدْ تَلَخَّصَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْمُسْتَحِقَّ لِلدَّمِ إنْ كَانَ الْجَمِيعُ رِجَالًا سَقَطَ الْقَوَدُ بِعَفْوِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَأَكْثَرَ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَإِنْ كَانُوا نِسَاءً وَلَمْ يَحُزْنَ الْمِيرَاثَ وَلَا عَاصِبَ، فَلَهُنَّ الْقَتْلُ، وَإِنْ عَفَا بَعْضُهُنَّ وَطَلَبَ بَعْضُهُنَّ الْقَتْلَ، نَظَرَ السُّلْطَانُ، وَإِنْ حُزْنَ الْمِيرَاثَ كَالْبِنْتِ وَالْأُخْتِ فَالْبِنْتُ أَوْلَى بِالْقَتْلِ وَبِالْعَفْوِ. وَإِنْ كَانُوا ذُكُورًا وَإِنَاثًا، فَإِنْ كَانُوا فِي دَرَجَةٍ وَاحِدَةٍ كَالْبَنَاتِ وَالْبَنِينَ وَالْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ، فَلَا كَلَامَ لِلْإِنَاثِ فِي عَفْوٍ وَلَا قَوَدٍ، وَإِنْ كَانَ النِّسَاءُ أَقْرَبَ كَالْبَنَاتِ مَعَ الْإِخْوَةِ فَإِنْ ثَبَتَ الدَّمُ بِقَسَامَةٍ فَلَا عَفْوَ إلَّا بِاجْتِمَاعِهِمْ، كَمَا تَقَدَّمَ تَفْصِيلُهُ قَرِيبًا، وَإِنْ ثَبَتَ الدَّمُ بِبَيِّنَةٍ، وَقَدْ حَازَ النِّسَاءُ الْمِيرَاثَ فَلَا كَلَامَ لِلْعَصَبَةِ فِي عَفْوٍ أَوْ قَوَدٍ، وَإِنَّمَا الْكَلَامُ لِلْإِنَاثِ، وَإِلَى هَذِهِ الْأَوْجُهِ الْإِشَارَةُ بِالْأَبْيَاتِ الْمَنْسُوبَةِ لِلْإِمَامِ سَيِّدِي أَبِي مُحَمَّدٍ عَبْدِ الْوَاحِدِ الْوَنْشَرِيسِيِّ وَهِيَ إذَا انْفَرَدَ الرِّجَالُ وَهُمْ سَوَاءٌ ... فَمَنْ يَعْفُو وَيَبْلُغُ مَا يَشَاءُ وَدَعْ قَوْلَ الْبَعِيدِ بِكُلِّ وَجْهٍ ... كَأَنْ سَاوَتْ بِقُعْدُدِهِمْ نِسَاءُ فَإِنْ يَكُنْ النَّسَا أَدْنَى فَتَمِّمْ ... بِوَفْقِ جَمِيعِهِمْ عَفْوًا تَشَاءُ وَإِنْ إرْثًا يَحُزْنَ فَدَعْ رِجَالًا ... إذَا ثَبَتَتْ بِلَا قَسَمٍ دِمَاءُ اهـ. فَقَوْلُهُ: (فَإِنْ يَكُنْ النِّسَاءُ أَدْنَى) هُوَ فِيمَا إذَا ثَبَتَ الدَّمُ بِقَسَامَةٍ بِدَلِيلِ الْبَيْتِ الَّذِي بَعْدَهُ، وَبَقِيَ عَلَيْهِ حُكْمُ مَا إذَا انْفَرَدَ النِّسَاءُ وَلَا عَاصِبَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُنَّ إنْ لَمْ يَحُزْنَ الْمِيرَاثَ كَالْبَنَاتِ فَلَهُنَّ الْقَتْلُ، وَإِنْ عَفَا بَعْضُهُنَّ وَطَلَبَ بَعْضُهُنَّ الْقَتْلَ، نَظَرَ فِي ذَلِكَ السُّلْطَانُ وَإِنْ حُزْنَ الْمِيرَاثَ كَالْبَنَاتِ وَالْأَخَوَاتِ وَلَا عَاصِبَ فَالْبِنْتُ أَوْلَى مِنْ الْأُخْتِ فِي عَفْوٍ وَضِدِّهِ. وَقَدْ ذَيَّلْتُ الْأَبْيَاتَ الْمُتَقَدِّمَةَ فِي هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ فَقُلْتُ: كَذَاكَ إذَا انْفَرَدْنَ وَحُزْنَ مَالًا ... فَحُكْمٌ لِلْقَرِيبَةِ مَا تَشَاءُ وَإِنْ إرْثٌ يُشَطُّ لِبَيْتِ مَالٍ ... فَحَاكِمُنَا يُجَنِّبُ مَا يُسَاءُ وَأَشَرْتُ بِقَوْلِي (إذَا انْفَرَدْنَ) إلَى أَنَّ ذَلِكَ حَيْثُ لَا عَاصِبَ وَأَمَّا النِّسَاءُ مَعَ الْعَاصِبِ فَقَدْ تَقَدَّمَ حُكْمُهُمْ فِي الْأَبْيَاتِ قَبْلُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَحَيْثُ تَقْوَى تُهْمَةٌ فِي الْمُدَّعَى ... عَلَيْهِ فَالسَّجْنُ لَهُ قَدْ شُرِّعَا يَعْنِي أَنَّ مَنْ اُتُّهِمَ بِالْقَتْلِ، وَقَوِيَتْ التُّهْمَةُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ، وَلَمْ تَنْتَهِ إلَى حَدِّ اللَّوْثِ الْمُوجِبِ لِلْقَسَامَةِ، فَإِنَّهُ يُسْجَنُ حَتَّى يُسْتَبْرَأَ أَمْرُهُ فَيُفْعَلَ مَا يَظْهَرُ مِنْ ثُبُوتِ اللَّوْثِ فَتَجِبَ أَحْكَامُهُ أَوْ اضْمِحْلَالِ التُّهْمَةِ فَيُطْلَقَ بَعْدَ الِاسْتِيفَاءِ. (قَالَ الشَّارِحُ مَا مَعْنَاهُ) : وَإِذَا سُجِنَ بِالتُّهْمَةِ الْقَاصِرَةِ عَنْ اللَّوْثِ فَأَحْرَى أَنْ يُسْجَنَ مَعَ ثُبُوتِ اللَّوْثِ إذَا لَمْ يُقَمْ بِأَحْكَامِهِ مِنْ الْقَسَامَةِ؛ إمَّا لِعَدَمِ مَنْ يَقُومُ بِهَا أَوْ لِتَوَقِّيهِ مِنْ الْقِيَامِ بِهَا، إنْ كَانَ. فَفِي كِتَابِ ابْنِ حَبِيبٍ وَقَالَ مَالِكٌ مَنْ أُلْطِخَ بِالدَّمِ وَوَقَعَتْ التُّهْمَةُ عَلَيْهِ وَلَمْ يَتَحَقَّقْ مِنْ ذَلِكَ مَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْقَسَامَةُ بِهِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ ضَرْبُ مِائَةٍ وَسَجْنُ سَنَةٍ، وَلَكِنْ عَلَيْهِ الْحَبْسُ الطَّوِيلُ جِدًّا، وَلَا يُعَجَّلُ بِإِخْرَاجِهِ حَتَّى تَتَبَيَّنَ بَرَاءَتُهُ، أَوْ تَأْتِيَ عَلَيْهِ السُّنُونَ الْكَثِيرَةُ، وَلَقَدْ

كَانَ الرَّجُلُ يُحْبَسُ بِاللَّطْخِ وَالشُّبْهَةِ، وَيُطَالُ حَبْسُهُ حَتَّى أَنَّ أَهْلَهُ لَيَتَمَنَّوْنَ لَهُ الْمَوْتَ مِنْ طُولِ حَبْسِهِ. اهـ (فَرْعٌ) وَكَذَلِكَ يُسْجَنُ الْقَاتِلُ إذَا كَانَ مُسْتَحِقُّ الدَّمِ غَائِبًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ كَفِيلٌ. (ابْنُ الْحَاجِبِ) وَيُحْبَسُ، وَلَا يُكْفَلُ؛ إذْ لَا كَفَالَةَ فِي قِصَاصِ نَفْسٍ وَلَا جُرْحٍ، وَكَذَلِكَ يُسْجَنُ الْقَاتِلُ وَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ كَفِيلٌ إذَا شَهِدَ وَاحِدٌ فِي الْعَمْدِ، فَيُسْجَنُ حَتَّى يُزَكَّى بِخِلَافِ قَتْلِ الْخَطَأِ وَجِرَاحِهِ، فَإِنَّهُ مَالٌ عَلَى الْعَاقِلَةِ، أَوْ عَلَيْهِ. قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَإِذَا كَانَ مَالًا فَيُقْبَلُ الْكَفِيلُ، وَهُوَ إمَّا عَلَى الْعَاقِلَةِ إنْ بَلَغَ الثُّلُثَ، أَوْ عَلَى الْجَانِي إنْ لَمْ يَبْلُغْهُ، وَكَذَلِكَ يُسْجَنُ الْقَاتِلُ إذَا كَانَ فِي الْمُسْتَحِقِّينَ صَغِيرٌ حَتَّى يَكْبُرَ الصَّغِيرُ، وَهُوَ أَحَدُ أَقْوَالٍ ثَلَاثَةٍ، حَكَاهَا ابْنُ الْحَاجِبِ أَيْضًا وَالْعَفْوُ لَا يُغْنِي مِنْ الْقَرَابَهْ ... فِي الْقَتْلِ بِالْغِيلَةِ وَالْحِرَابَهْ يَعْنِي أَنَّ الْقَتْلَ إذَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الْغِيلَةِ أَوْ الْحِرَابَةِ، فَإِنَّ عَفْوَ الْوَلِيِّ لَا يُسْقِطُهُ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ تَعَالَى لَا لِلْوَلِيِّ وَالْحِرَابَةُ أَعَمُّ مِنْ الْغِيلَةِ، فَكُلُّ غِيلَةٍ حِرَابَةٌ، وَلَيْسَ كُلُّ حِرَابَةٍ غِيلَةً. قَالَ الشَّيْخُ الْجُزُولِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: حَقِيقَةُ الْغِيلَةِ قَالَ الْبَوْنِيُّ هِيَ الْغَدْرُ وَهِيَ عَلَى وَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ يَقْتُلَهُ عَلَى مَالِهِ أَوْ عَلَى زَوْجَتِهِ. ثُمَّ قَالَ: وَقَالَ الزَّنَّاقُ الْغِيلَةُ الْقَتْلُ بِحِيلَةٍ وَالْإِتْيَانُ عَلَى الْإِنْسَانِ مِنْ حَيْثُ لَا يَتَوَهَّمُهُ. قَالَ فِي الرِّسَالَةِ: وَقَتْلُ الْغِيلَةِ لَا عَفْوَ فِيهِ. قَالَ الْجُزُولِيُّ يَعْنِي لَا لِلْمَقْتُولِ وَلَا لِأَوْلِيَائِهِ، وَلَا لِلْإِمَامِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ فِيهِ لِلَّهِ تَعَالَى. اهـ ثُمَّ قَالَ فِي الرِّسَالَةِ أَيْضًا: وَلِلرَّجُلِ الْعَفْوُ عَنْ دَمِهِ الْعَمْدِ إنْ لَمْ يَكُنْ قُتِلَ غِيلَةً، وَلِكَوْنِ الْحَقِّ فِي ذَلِكَ لِلَّهِ تَعَالَى يُقْتَلُ الْمُسْلِمُ إذَا قَتَلَ الذِّمِّيَّ قَتْلَ غِيلَةٍ أَوْ حِرَابَةٍ. وَالْحِرَابَةُ كَمَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ الْخُرُوجُ لِإِخَافَةِ سَبِيلٍ؛ لِأَخْذِ مَالٍ مُحْتَرَمٍ بِمُكَابَرَةِ قِتَالٍ أَوْ خَوْفِهِ أَوْ إذْهَابِ عَقْلٍ أَوْ قَتْلِ خُفْيَةٍ، أَوْ لِمُجَرَّدِ قَطْعِ الطَّرِيقِ، لَا لِإِمْرَةٍ وَلَا نَائِرَةٍ، وَلَا عَدَاوَةٍ. (ابْنُ شَاسٍ) لَوْ دَخَلَ بِاللَّيْلِ وَأَخَذَ الْمَالَ بِالْمُكَابَرَةِ، وَمَنَعَ مِنْ الِاسْتِغَاثَةِ فَهُوَ مُحَارِبٌ. ابْنُ شَاسٍ قَتْلُ الْغِيلَةِ أَيْضًا مِنْ الْحِرَابَةِ، وَهُوَ أَنْ يَغْتَالَ رَجُلًا أَوْ صَبِيًّا

فَيَخْدَعَهُ حَتَّى يُدْخِلَهُ مَوْضِعًا فَيَأْخُذَ مَا مَعَهُ، فَهُوَ كَالْحِرَابَةِ. اهـ (وَفِي الْمُدَوَّنَةِ) : سَاقِي السَّكْرَانِ مُحَارِبٌ. اهـ فَقَوْلُهُ: (وَالْعَفْوُ) مُبْتَدَأٌ، وَ (مِنْ الْقَرَابَةِ) أَيْ قَرَابَةِ الْمَقْتُولِ وَأَوْلِيَائِهِ صِفَةٌ لِلْعَفْوِ، وَجُمْلَةُ (لَا يُغْنِي) أَيْ لَا يَكْفِي خَبَرُ الْعَفْوِ وَ (فِي الْقَتْلِ) عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ، أَيْ فِي سُقُوطِ الْقَتْلِ، يَتَعَلَّقُ بِ (يُغْنِي) . وَ (بِالْغِيلَةِ) يَتَعَلَّقُ بِالْقَتْلِ، أَوْ صِفَةٌ لَهُ، وَالتَّقْدِيرُ: وَالْعَفْوُ الصَّادِرُ مِنْ الْقَرَابَةِ، يَعْنِي أَوْ مِنْ الْمَقْتُولِ عَنْ الْقَاتِلِ لَا يَكْفِي فِي سُقُوطِ الْقَتْلِ الْكَائِنِ بِالْغِيلَةِ، أَوْ الْحِرَابَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَمِائَةً يُجْلَدُ بِالْأَحْكَامِ ... مَنْ عَنْهُ يُعْفَى مَعَ حَبْسِ عَامِ وَالصُّلْحُ فِي ذَاكَ مَعَ الْعَفْوِ اسْتَوَى ... كَمَا هُمَا فِي حُكْمِ الْإِسْقَاطِ سَوَا يَعْنِي أَنَّ حُكْمَ الْقَاتِلِ عَمْدًا أَنَّهُ يُضْرَبُ مِائَةَ جَلْدَةٍ وَيُسْجَنُ سَنَةً، سَوَاءٌ عُفِيَ عَنْهُ مَجَّانًا أَوْ صَالَحَ بِمَالٍ فَالصُّلْحُ فِي ذَلِكَ مُسَاوٍ لِلْعَفْوِ، وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِقَوْلِهِ: (وَالصُّلْحُ فِي ذَاكَ) أَيْ فِيمَا ذُكِرَ مِنْ الضَّرْبِ وَالسَّجْنِ. قَوْلُهُ: (كَمَا هُمَا) إلَخْ، أَيْ كَمَا اسْتَوَى الْعَفْوُ وَالصُّلْحُ فِي لُزُومِ الضَّرْبِ وَالسَّجْنِ، كَذَلِكَ هُمَا سَوَاءٌ فِي سُقُوطِ الدَّمِ، فَيَسْقُطُ بِالْعَفْوِ وَالصُّلْحِ، فَضَمِيرُ التَّثْنِيَةِ لِلْعَفْوِ وَالصُّلْحِ. (قَالَ فِي الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ) : فَإِنْ عَفَوْا أَوْ صَالَحُوا عَلَى الدِّيَةِ أَوْ أَكْثَرَ، أَوْ أَقَلَّ، كَانَ لَهُمْ ذَلِكَ، وَيَضْرِبُهُ السُّلْطَانُ بَعْدَ الْعَفْوِ عَنْهُ مِائَةَ جَلْدَةٍ، وَيَسْجُنُهُ عَامًا مُسْتَقْبَلًا. (وَفِي الْمُقَرَّبِ) قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَكُلُّ مَنْ قَتَلَ قَتْلًا عَمْدًا، وَثَبَتَ ذَلِكَ عَلَيْهِ بِبَيِّنَةٍ، أَوْ إقْرَارٍ وَكَانَ الْمَقْتُولُ حُرًّا مُسْلِمًا، أَوْ ذِمِّيًّا، أَوْ عَبْدًا، فَعَفَا عَنْهُ أَوْلِيَاءُ الدَّمِ، فَإِنَّهُ سَيُجْلَدُ مِائَةً وَيُحْبَسُ عَامًا، وَسَوَاءٌ كَانَ الْقَاتِلُ حُرًّا مُسْلِمًا، أَوْ ذِمِّيًّا، أَوْ عَبْدًا أَوْ أَمَةً، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ (وَفِي الْمُقَرَّبِ أَيْضًا) قَالَ مَالِكٌ وَمَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْقَسَامَةُ فَعُفِيَ عَنْهُ قَبْلَ أَنْ يُقْسِمُوا عَلَيْهِ أَوْ بَعْدَ أَنْ أَقْسَمُوا عَلَيْهِ فَعَلَيْهِ جَلْدُ مِائَةٍ وَحَبْسُ سَنَةٍ مُسْتَأْنَفَةً بَعْدَ الضَّرْبِ وَلَا يُعْتَدُّ فِيهَا بِمَا كَانَ مِنْ السِّجْنِ قَبْلَ ذَلِكَ وَإِنْ طَالَ. (قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ) : قَالَ لِي مُطَرِّفٌ: قَالَ مَالِكٌ النَّفَرُ يُرْمَوْنَ بِالدَّمِ فَتَجِبُ الْقَسَامَةُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَتَخَيَّرُهُ الْوَرَثَةُ، وَيُقْسِمُونَ عَلَيْهِ أَنَّ عَلَى جَمِيعِ أَصْحَابِهِ ضَرْبَ مِائَةٍ وَسَجْنَ سَنَةٍ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ عُفِيَ عَنْهُ، فَلَمْ يُقْسِمْ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ، لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ الضَّرْبِ وَالسَّجْنِ. (وَفِي طُرَرِ ابْنِ عَاتٍ) : إذَا أَدْمَى عَلَى جَمَاعَةٍ

سُجِنُوا كُلُّهُمْ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ عَلَى مَنْ يُقْسِمُ مِنْهُمْ، وَيُسْجَنُونَ عَامًا إذَا مَاتَ الْمَقْتُولُ مُطْلَقِينَ مِنْ غَيْرِ حَدِيدٍ، فَإِنْ كَانَ جَرِيحًا أَوْ مَرِيضًا سُجِنُوا مُحَدَّدِينَ بِالْحَدِيدِ، وَهِيَ رِوَايَةُ أَبِي زَيْدٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ قَالَ لَا بُدَّ لِلْمَسْجُونِ فِي الدَّمِ مِنْ الْحَدِيدِ؛ حَتَّى يُرَى مَا يَكُونُ مِنْ أَمْرِهِ فَإِنْ سَقَطَ عَنْهُ الدَّمُ بِعَفْوٍ أَوْ قَسَامَةٍ عَلَى غَيْرِهِ، أَطْلَقَهُ الْإِمَامُ مِنْ الْحَدِيدِ، وَضَرَبَهُ مِائَةً، وَسَجَنَهُ عَامًا مُسْتَقْبَلًا مِنْ غَيْرِ حَدِيدٍ. اهـ وَدِيَةُ الْعَمْدِ كَذَاتِ الْخَطَأِ ... أَوْ مَا تَرَاضَى فِيهِ بَيْنَ الْمَلَإِ وَهْيَ إذَا مَا قُبِلَتْ وَسُلِّمَتْ ... بِحَسَبِ الْمِيرَاثِ قَدْ تَقَسَّمَتْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْوَاجِبَ فِي قَتْلِ الْعَمْدِ الْعُدْوَانِ هُوَ قِصَاصٌ فَإِذَا عَفَا مَنْ لَهُ الْعَفْوُ عَلَى شَيْءٍ مُقَدَّرٍ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ، وَرَضِيَ الْقَاتِلُ بِذَلِكَ لَزِمَ، وَإِذَا عَفَا عَلَى الدِّيَةِ هَكَذَا مُبْهَمَةً فَتُحْمَلُ عَلَى الدِّيَةِ الْمُقَدَّرَةِ فِي الْخَطَأِ، وَهِيَ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ إلَّا أَنَّهَا تُغَلَّظُ فَتَكُونُ مُرَبَّعَةً كُلُّهَا إنَاثٌ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ بِنْتَ مَخَاضٍ وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ بِنْتَ لَبُونٍ وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ حِقَّةً وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ جَذَعَةً فَإِذَا قُبِلَتْ مِنْ الْقَاتِلِ فَسَلَّمَهَا لِوَرَثَةِ الْمَقْتُولِ، فَإِنَّهَا تُقَسَّمُ بَيْنَهُمْ بِحَسَبِ مِيرَاثِهِمْ. قَالَ فِي الْمُقَرَّبِ: قُلْتُ لَهُ: فَدِيَةُ الْعَمْدِ إذَا تَصَالَحُوا عَلَيْهَا مِمَّنْ تُؤْخَذُ؟ قَالَ: مِنْ الْقَاتِلِ. قَالَ مُحَمَّدٌ إنْ اصْطَلَحُوا عَلَى شَيْءٍ مَعْرُوفٍ جَازَ بَيْنَهُمْ، وَإِنْ اصْطَلَحُوا عَلَى دِيَةٍ مُبْهَمَةٍ كَانَ فِي ذَلِكَ الدِّيَةُ كَامِلَةً، وَلَا تُقَطَّعُ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ، كَمَا تُقَطَّعُ دِيَةُ الْخَطَأِ، وَلَكِنْ يَنْبَغِي لِوَلِيٍّ أَنْ يَعْمَلَ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ بِهِ فِي قَوْلِهِ {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 178] كَذَلِكَ رَوَى ابْنُ مُزَيْنٍ عَنْ عِيسَى (وَفِي الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ) : فَإِنْ قَبِلَ الْوَلَدُ الدِّيَةَ، أَوْ صَالَحَ عَلَيْهَا، أَوْ عَلَى شَيْءٍ مِنْهَا، دَخَلَتْ زَوْجَةُ الْمَيِّتِ وَبَنَاتُهُ مَعَهُ فِيهَا عَلَى قَدْرِ فَرَائِضِهِمْ. اهـ فَقَوْلُهُ: كَذَاتِ الْخَطَأِ. هَذَا عِنْدَ الْإِبْهَامِ وَعَدَمِ التَّعْيِينِ لِقَدْرِهَا. وَالتَّشْبِيهُ فِي الْقَدْرِ لَا فِي الصِّفَةِ؛ لِأَنَّ دِيَةَ الْخَطَأِ مُخَمَّسَةٌ، وَهَذِهِ مُرَبَّعَةٌ كَمَا تَقَدَّمَ. وَقَوْلُهُ: أَوْ مَا تَرَاضَى فِيهِ بَيْنَ الْمَلَإِ هَذَا عِنْدَ تَعْيِينِ قَدْرِهَا مِنْ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ، وَالْمَلَأُ الْجَمَاعَةُ يَعْنِي بِهِمْ الْقَاتِلَ وَالْأَوْلِيَاءَ وَجُعِلَتْ دِيَةُ مُسْلِمٍ قُتِلْ ... عَلَى الْبَوَادِي مِائَةً مِنْ الْإِبِلْ وَالْحُكْمُ بِالتَّرْبِيعِ فِي الْعَمْدِ وَجَبْ ... وَأَلْفُ دِينَارٍ عَلَى أَهْلِ الذَّهَبْ وَقَدْرُهَا عَلَى أُولِي الْوَرْقِ اثْنَا ... عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ لَا أَدْنَى وَنِصْفُ مَا ذُكِرَ فِي الْيَهُودِ ... وَفِي النَّصَارَى ثَابِتُ الْوُجُودِ وَفِي النِّسَاءِ الْحُكْمُ تَنْصِيفُ الدِّيَهْ ... وَحَالُهُ فِي كُلِّ صِنْفٍ مُغْنِيَهْ تَكَلَّمَ فِي الْأَبْيَاتِ عَلَى جِنْسِ الدِّيَةِ وَقَدْرِهَا، فَأَخْبَرَ أَنَّ دِيَةَ الْمُسْلِمِ إنْ كَانَ الْجَانِي مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ، إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الذَّهَبِ كَالشَّامِيِّ وَالْمِصْرِيِّ وَالْمَغْرِبِيِّ أَلْفُ دِينَارٍ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْوَرِقِ كَالْعِرَاقِيِّ وَالْفَارِسِيِّ وَالْخُرَاسَانِيِّ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ. وَالْمِائَةُ مِنْ الْإِبِلِ إنْ كَانَتْ الدِّيَةُ فِي الْخَطَأِ مُخَمَّسَةٌ عِشْرُونَ بِنْتَ مَخَاضٍ وَعِشْرُونَ بِنْتَ لَبُونٍ وَعِشْرُونَ ابْنَ لَبُونٍ ذُكُورٌ وَعِشْرُونَ حِقَّةً وَعِشْرُونَ جَذَعَةً وَإِنْ كَانَتْ فِي الْعَمْدِ فَهِيَ مُغَلَّظَةٌ بِإِسْقَاطِ ابْنِ اللَّبُونِ، فَتَكُونُ مُرَبَّعَةً خَمْسٌ وَعِشْرُونَ بِنْتَ مَخَاضٍ وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ بِنْتَ لَبُونٍ وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ حِقَّةً وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ جَذَعَةً. (فَإِنْ قُلْتَ) : وُجُوبُ الدِّيَةِ فِي الْخَطَأِ ظَاهِرٌ وَكَذَا فِي الْعَمْدِ عَلَى رِوَايَةِ أَشْهَبَ مِنْ كَوْنِ الْوَاجِبِ الْقِصَاصَ لَا غَيْرُ أَوْ مَا يَتَّفِقَانِ عَلَيْهِ مِنْ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ، فَأَيْنَ تُتَصَوَّرُ الدِّيَةُ؟ (فَالْجَوَابُ) : أَنَّ لِوُجُوبِهَا فِي الْعَمْدِ سَبَبَيْنِ: الْعَفْوُ عَلَى دِيَةٍ مُبْهَمَةٍ، أَوْ عَفْوُ بَعْضِ الْأَوْلِيَاءِ فَيَرْجِعُ الْأَمْرُ إلَى الدِّيَةِ. نَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ الْجَوَاهِرِ، وَقَالَ قَبْلَهُ: وَلَا يُؤْخَذُ عِنْدَنَا فِي الدِّيَةِ غَيْرُ هَذَا لَا بَقَرٌ وَلَا غَنَمٌ وَلَا عَرَضٌ. اهـ فَإِنْ قَالَ أَهْلُ الْبَوَادِي: نَحْنُ نُعْطِي الذَّهَبَ وَالْوَرِقَ. أَوْ قَالَ أَهْلُ الْعِرَاقِ: نَحْنُ نُعْطِي الذَّهَبَ. قَالَ مَالِكٌ لَا يُقْبَلُ مِنْ أَهْلِ الذَّهَبِ إلَّا الذَّهَبُ، وَلَا يُقْبَلُ مِنْ أَهْلِ الْوَرِقِ إلَّا الْوَرِقُ، وَلَا مِنْ أَهْلِ الْإِبِلِ إلَّا الْإِبِلُ. قَالَهُ فِي الْمُقَرَّبِ. هَذَا فِي دِيَةِ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ، وَأَمَّا مَنْ قَتَلَ عَبْدًا فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ، كَانَ الْعَبْدُ مُسْلِمًا

أَوْ كَافِرًا، وَأَمَّا الْكَافِرُ فَدِيَةُ الْكِتَابِيِّ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا نِصْفُ دِيَةِ الْمُسْلِمِ، وَأَمَّا الْمَجُوسِيُّ فَدِيَتُهُ ثُلُثُ خُمُسِ دِيَةِ الْمُسْلِمِ، وَذَلِكَ فِي الذَّهَبِ سِتٌّ وَسِتُّونَ دِينَارًا وَثُلُثَا دِينَارٍ لِأَنَّ خُمُسَ أَلْفِ دِينَارٍ مِائَتَا دِينَارٍ وَثُلُثُ الْمِائَتَيْنِ مَا ذُكِرَ، وَمِنْ الْفِضَّةِ ثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ لِأَنَّ خُمُسَ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا أَلْفَانِ وَأَرْبَعُمِائَةٍ وَثُلُثُهَا ثَمَانِمِائَةٍ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُؤَلِّفُ دِيَةَ الْمَجُوسِيِّ. وَهَذَا كُلُّهُ فِي دِيَةِ الرَّجُلِ، وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَدِيَتُهَا نِصْفُ دِيَةِ الرَّجُلِ مِنْ دِينِهَا، فَدِيَةُ الْحُرَّةِ الْمُسْلِمَةِ نِصْفُ دِيَةِ الرَّجُلِ الْمُسْلِمِ، وَدِيَةُ الْكِتَابِيَّةِ نِصْفُ دِيَةِ الْكِتَابِيِّ وَدِيَةُ الْمَجُوسِيَّةِ نِصْفُ دِيَةِ الْمَجُوسِيِّ، هَذَا حَاصِلُ الْأَبْيَاتِ. فَقَوْلُهُ: مُسْلِمٌ أَيْ حُرٌّ وَقَوْلُهُ: قُتِلَ أَيْ عَمْدًا أَوْ خَطَأً، وَتَقَدَّمَ مَحَلُّ تَصَوُّرِهَا فِي الْعَمْدِ، عَلَى الْبَوَادِي عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ أَهْلِ الْبَوَادِي، وَمِائَةً مَفْعُولٌ ثَانٍ لِجُعِلَ، وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ: وَالْحُكْمُ بِالتَّرْبِيعِ فِي الْعَمْدِ أَنَّهَا فِي الْخَطَأِ غَيْرُ مُرَبَّعَةٍ، أَيْ بَلْ مُخَمَّسَةٌ وَتَقَدَّمَ بَيَانُ الْمُرَبَّعَةِ وَالْمُخَمَّسَةِ، وَأُولِي أَيْ أَصْحَابِ، وَسَكَّنَ رَاءَ الْوَرِقَ ضَرُورَةً. وَقَوْلُهُ: لَا أَدْنَى. تَأْكِيدٌ لِلْعَدَدِ وَتَكْمِيلٌ لِلْبَيْتِ. وَقَوْلُهُ: وَنِصْفُ مَا ذُكِرَ، أَيْ فِي الْإِبِلِ وَالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ، وَهُوَ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ (فِي الْيَهُودِيِّ) أَيْ وَاجِبٌ أَوْ ثَابِتٌ فِي الْيَهُودِيِّ، وَالْمُرَادُ بِالْيَهُودِيِّ الْجِنْسُ لَا الْوَاحِدُ، وَيَاؤُهُ لِلنَّسَبِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ وَفِي النَّصَارَى بِصِيغَةِ الْجَمْعِ، وَإِلَا قَالَ: " النَّصْرَانِيِّ " بِصِيغَةِ الْإِفْرَادِ وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: فِي الْيَهُودِيِّ. وَأَعَادَ حَرْفَ الْجَرِّ لِلْوَزْنِ وَثَابِتُ الْوُجُودِ حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ الْخَبَرِ الْمُسْتَتِرِ مُؤَكِّدَةٌ، وَشَمِلَ قَوْلُهُ فِي النِّسَاءِ الْمُسْلِمَاتِ وَالْكِتَابِيَّاتِ وَالْمَجُوسِيَّاتِ، وَضَمِيرُ (حَالُهُ) لِلتَّصْنِيفِ، وَفِي كُلِّ صِنْفٍ أَيْ مِنْ أَصْنَافِ الْمُسْلِمِينَ وَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَمُغْنِيَةٌ أَيْ عَنْ بَيَانِهَا الْمُبْهَمَاتِ مِمَّا تَقَدَّمَ، وَهُوَ خَبَرُ (حَالُ) وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَفِي لَفْظِ الشَّيْخِ خَلِيلٍ مَا يُغْنِي عَنْ الِاسْتِظْهَارِ عَلَى مَا فِي النَّظْمِ بِغَيْرِهِ، وَلَفْظُهُ: وَدِيَةُ الْخَطَأِ عَلَى الْبَادِي مُخَمَّسَةً بِنْتُ مَخَاضٍ وَوَلَدَا لَبُونٍ وَحِقَّةٌ وَجَذَعَةٌ. وَرُبِّعَتْ فِي عَمْدٍ بِحَذْفِ ابْنِ اللَّبُونِ ثُمَّ قَالَ، وَعَلَى الشَّامِيِّ وَالْمِصْرِيِّ وَالْمَغْرِبِيِّ أَلْفُ دِينَارٍ وَعَلَى الْعِرَاقِيِّ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ. ثُمَّ قَالَ: وَلِلْكِتَابِيِّ وَالْمُعَاهَدِ نِصْفُهُ وَلِلْمَجُوسِيِّ وَالْمُرْتَدِّ ثُلُثُ خُمُسٍ وَأُنْثَى كُلٍّ كَنِصْفِهِ. وَفِي الرَّقِيقِ قِيمَتُهُ وَإِنْ زَادَتْ أَيْ عَلَى دِيَةِ الْحُرِّ. (تَفْرِيعٌ) قَالَ فِي الْمُقَرَّبِ: قَالَ سَحْنُونٌ قُلْتُ: فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْإِبِلِ فَجَنَى جِنَايَةً لَا تَحْمِلُهَا الْعَاقِلَةُ أَتَكُونُ عَلَيْهِ الدِّيَةُ مِنْ الْإِبِلِ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَلَوْ كَانَ مَا جَنَاهُ أَقَلَّ مِنْ بَعِيرٍ، لَكَانَ ذَلِكَ عَلَيْهِ مِنْ الْإِبِلِ وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْأُصْبُعِ إذَا قَطَعَهَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْإِبِلِ: أَنَّ عَلَيْهِ ابْنَتَيْ مَخَاضٍ وَاِبْنَتَيْ لَبُونٍ وَابْنَيْ لَبُونٍ وَحِقَّتَيْنِ وَجَذَعَتَيْنِ. قَالَ مُحَمَّدٌ: وَفِي كِتَابِ ابْنِ مُزَيْنٍ قُلْتُ لِعِيسَى: فَإِنْ أُصِيبَتْ لَهُ أُنْمُلَةٌ؟ قَالَ: يَأْتِي بِخَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ وَاحِدٍ مِنْ كُلِّ سِنٍّ فَيَكُونُ فِيهَا شَرِيكًا لِلْمَجْرُوحِ ثُلُثَا كُلِّ بَعِيرٍ، وَلِلْجَارِحِ ثُلُثُ كُلِّ بَعِيرٍ مِنْهَا. وَإِنْ أُصِيبَ لَهُ أُنْمُلَتَانِ كَانَ عَلَى الْجَارِحِ أَنْ يَأْتِيَ بِعَشْرٍ مِنْ الْإِبِلِ فَيَكُونَ شَرِيكًا مَعَهُ، لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ ثُلُثَا كُلِّ بَعِيرٍ وَلِلْجَانِي ثُلُثُ كُلِّ بَعِيرٍ. (قُلْتُ) : فَإِنْ أُصِيبَتْ أُصْبُعُ رَجُلٍ عَمْدًا فَصَالَحَ مِنْهَا عَلَى الدِّيَةِ مُبْهَمَةً فَوَجَبَ عَلَيْهِ دِيَةُ الْأُصْبُعِ؟ فَقَالَ: عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِثَمَانِيَةِ أَبْعِرَةٍ مِنْ أَسْنَانِ الْعَمْدِ الْأَرْبَعِ، مِنْ كُلِّ سِنٍّ بَعِيرَانِ، فَيَكُونَ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ ثُمَّ يَأْتِي بِأَرْبَعَةِ أَبْعِرَةٍ مِنْ كُلِّ سِنٍّ فَيَكُونَانِ فِيهَا شَرِيكَيْنِ، لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ كُلِّ بَعِيرٍ. اهـ وَوَجْهُ ذَلِكَ ظَاهِرٌ وَهُوَ أَنَّ الْجِنَايَةَ عَمْدٌ، وَدِيَتَهُ مُرَبَّعَةٌ فَثَمَانِيَةٌ مِنْ الْإِبِلِ أَمْكَنَ التَّرْبِيعُ فِيهَا مِنْ غَيْرِ تَشْرِيكٍ، وَاثْنَانِ عَلَى صِفَةِ التَّرْبِيعِ، لَا يُمْكِنُ إلَّا مِنْ أَرْبَعَ فَيَكُونَ لِلْجَانِي نِصْفُ كُلِّ بَعِيرٍ مِنْ الْأَرْبَعِ وَلِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ كَذَلِكَ. وَتَجِبُ الدِّيَةُ فِي قَتْلِ الْخَطَا ... وَالْإِبِلُ التَّخْمِيسُ فِيهَا قُسِّطَا تَحْمِلُهَا عَاقِلَةٌ لِلْقَاتِلِ ... وَهْيَ الْقَرَابَاتُ مِنْ الْقَبَائِلِ حَيْثُ ثُبُوتُ قَتْلِهِ بِالْبَيِّنَهْ ... أَوْ بِقَسَامَةٍ لَهَا مُعَيِّنَهْ يَدْفَعُهَا الْأَدْنَى فَالْأَدْنَى بِحَسَبْ ... أَحْوَالِهِمْ وَحُكْمُ تَنْجِيمٍ وَجَبْ مِنْ مُوسِرٍ مُكَلَّفٍ حُرٍّ ذَكَرْ ... مُوَافِقٍ فِي نِحْلَةٍ وَفِي مَقَرْ يَعْنِي أَنَّ الْوَاجِبَ فِي قَتْلِ الْخَطَأِ الدِّيَةُ فَإِنْ كَانَتْ مِنْ أَهْلِ الْإِبِلِ، فَتَكُونُ مُخَمَّسَةً عِشْرُونَ مِنْ كُلِّ سِنٍّ، كَمَا تَقَدَّمَ قَرِيبًا بَيَانُهُ. وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِالْبَيْتِ الْأَوَّلِ وَيُعْطِي هَذِهِ الدِّيَةَ عَاقِلَةُ الْقَاتِلِ وَالْقَاتِلُ كَوَاحِدٍ مِنْهُمْ. (ابْنُ الْحَاجِبِ) : وَالْعَاقِلَةُ الْعَصَبَةُ، وَأُلْحِقَ بِالْعَصَبَةِ أَهْلُ الدِّيوَانِ لِعِلَّةِ التَّنَاصُرِ. (التَّوْضِيحُ)

هَكَذَا قَالَ مَالِكٌ: إنَّ الْعَاقِلَةَ هِيَ الْعَصَبَةُ. (ابْنُ الْجَلَّابِ) : قَرُبُوا أَوْ بَعُدُوا. (ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ) : وَكَانَتْ الدِّيَةُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ تَحْمِلُهَا الْعَاقِلَةُ فَأَقَرَّهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْإِسْلَامِ وَكَانُوا يَتَعَاقَلُونَ بِالنُّصْرَةِ فَجَرَى الْأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى جَعَلَ عُمَرُ الدِّيوَانَ. ثُمَّ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَقَالَ أَشْهَبُ بِشَرْطِ قِيَامِ الْعَطَاءِ أَيْ إنَّمَا يُلْحَقُ بِشَرْطِ قِيَامٍ. ثُمَّ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَالْمَوَالِي الْأَعْلَوْنَ وَبَيْتُ الْمَالِ. (التَّوْضِيحُ) أَيْ لِمَنْ لَا عَاقِلَةَ لَهُ؛ لِأَنَّهُمْ كَمَا يَرِثُونَهُ يَعْقِلُونَ عَنْهُ. ثُمَّ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَيَبْدَأُ بِأَهْلِ الدِّيوَانِ فَإِنْ اُضْطُرَّ إلَى مَعُونَةٍ أَعَانَهُمْ عَصَبَتُهُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ دِيوَانٍ فَعَصَبَتُهُ وَيَبْدَأُ بِالْفَخِذِ ثُمَّ الْبَطْنِ ثُمَّ الْعِمَارَةِ ثُمَّ الْفَصِيلَةِ ثُمَّ الْقَبِيلَةِ ثُمَّ أَقْرَبِ الْقَبَائِلِ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ عَصَبَةٌ فَمَوَالِي فَإِنْ لَمْ تَكُنْ فَبَيْتُ الْمَالِ إنْ كَانَ الْجَانِي مُسْلِمًا. وَإِنْ كَانَ ذِمِّيًّا فَأَهْلُ إقْلِيمِهِ مِنْ أَهْلِ دِينِهِ ثُمَّ يَضُمُّ الْأَقْرَبَ الَّذِي مِنْ كُوَرِهِمْ، وَلَوْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصُّلْحِ فَأَهْلُ ذَلِكَ الصُّلْحِ. (التَّوْضِيحُ) : هَكَذَا ذَكَرَ ابْنُ شَاسٍ وَحَاصِلُهُ الْبَدْءُ، بِالْأَقْرَبِ وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ رَاجِعٌ إلَى اللُّغَةِ، وَنَقَلَ ابْنُ كَوْثَرٍ وَابْنُ أَبِي جَمْرَاءَ فِي وَثَائِقِهِمَا عَنْ سَحْنُونٍ أَنَّ حَدَّ الْعَاقِلَةِ سَبْعُمِائَةٍ يَنْتَمُونَ إلَى أَبٍ وَاحِدٍ. وَفِي الْبَيَانِ فِي رِوَايَةِ سَحْنُونٍ إذَا كَانَتْ الْعَاقِلَةُ خَمْسَمِائَةٍ أَوْ أَلْفًا، فَهُمْ قَلِيلٌ وَيُضَمُّ لَهُمْ أَقْرَبُ الْقَبَائِلِ إلَيْهِمْ اهـ. وَإِلَى بَيَانِ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الدِّيَةُ فِي الْخَطَأِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: تَحْمِلُهَا عَاقِلَةٌ لِلْقَاتِلِ ... وَهِيَ الْقَرَابَاتُ مِنْ الْقَبَائِلِ ثُمَّ قَالَ فِي الْبَيْتِ الرَّابِعِ: يَدْفَعُهَا الْأَدْنَى فَالْأَدْنَى، وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ الْحَاجِبِ وَإِنَّمَا تَكُونُ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ إذَا ثَبَتَ الدَّمُ بِبَيِّنَةٍ أَوْ بِاللَّوْثِ مَعَ الْقَسَامَةِ. وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: حَيْثُ ثُبُوتُ قَتْلِهِ بِالْبَيِّنَةِ الْبَيْتَ. وَأَمَّا إنْ لَمْ يَثْبُتْ إلَّا بِاعْتِرَافِ الْجَانِي، فَذَلِكَ فِي مَالِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ النَّاظِمُ فِي الْبَيْتَيْنِ بَعْدَ هَذَا. (قَالَ فِي الرِّسَالَةِ) : وَلَا تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ قَتْلَ عَمْدٍ وَلَا اعْتِرَافًا بِهِ. (ابْنُ شَاسٍ) : وَمَا اعْتَرَفَ بِهِ الْجَانِي حَمَلَهُ، وَلَا تَحْمِلُهُ عَاقِلَتُهُ لَهُ، وَتَكُونُ حَالَّةً. وَقَوْلُهُ: يَدْفَعُهَا الْأَدْنَى فَالْأَدْنَى. رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ: وَهِيَ الْقَرَابَاتُ مِنْ الْقَبَائِلِ. وَقَوْلُهُ: بِحَسَبِ أَحْوَالِهِمْ. أَيْ مِنْ غَنِيٍّ وَدُونَهُ، فَيُوَظِّفُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مَا لَا يَضُرُّ بِهِ. (ابْنُ الْحَاجِبِ) وَلَا يَضْرِبُ عَلَى أَحَدٍ مِنْ الْعَاقِلَةِ مَا يَضُرُّ بِمَالِهِ وَيُؤْخَذُ مِنْ الْغَنِيِّ بِقَدْرِهِ وَمِمَّنْ دُونَهُ بِقَدْرِهِ. اهـ ثُمَّ أَشَارَ إلَى شُرُوطِ مَنْ تُضْرَبُ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ: مِنْ مُوسِرٍ مُكَلَّفِ حُرٍّ ذَكَرْ فَمَفْهُومُهُ أَنَّهَا لَا تُضْرَبُ عَلَى فَقِيرٍ وَلَا عَلَى صَبِيٍّ أَوْ مَجْنُونٍ وَلَا عَبْدٍ أَوْ امْرَأَةٍ. (ابْنُ الْحَاجِبِ) : وَلَا تُضْرَبُ عَلَى فَقِيرٍ وَلَا عَلَى مُخَالِفٍ فِي الدِّينِ، وَلَا عَلَى عَبْدٍ وَلَا عَلَى صَبِيٍّ وَلَا امْرَأَةٍ. اهـ وَزَادَ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ اللَّخْمِيِّ فِيمَنْ لَا تُضْرَبُ عَلَيْهِ الْمَجْنُونَ وَالْغَارِمَ إذَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ بِقَدْرِ مَا بِيَدِهِ، وَيَفْضُلُ لَهُ مَا يَكُونُ بِهِ فِي عِدَادِ الْفُقَرَاءِ، وَإِنْ كَانَ لَا شَيْءَ بِيَدِهِ فَهُوَ فَقِيرٌ. اهـ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ: مُوَافِقٍ فِي نِحْلَةٍ وَفِي مَقَرٍّ إلَيَّ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِيمَنْ تُضْرَبُ عَلَيْهِ الدِّيَةُ أَنْ يَكُونُوا مُتَّفِقِينَ فِي النِّحْلَةِ أَيْ فِي الْمَنْحُولِ وَهُوَ الْمَالُ الَّذِي يُنْحَلُ وَيُعْطَى فِي الدِّيَةِ بِحَيْثُ يَكُونُونَ كُلُّهُمْ أَصْحَابَ إبِلٍ، أَوْ كُلُّهُمْ أَصْحَابَ ذَهَبٍ، أَوْ كُلُّهُمْ أَصْحَابَ فِضَّةٍ أَيْ وَرِقٍ فَلَا يَدْخُلُ بَدْوِيٌّ ذُو إبِلٍ مَعَ حَضَرِيٍّ ذِي ذَهَبٍ، أَوْ وَرِقٍ وَكَذَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونُوا أَهْلَ بَلَدٍ وَاحِدٍ، فَلَا يَدْخُلُ شَامِيٌّ مَثَلًا مَعَ مِصْرِيٍّ، وَإِنْ كَانُوا كُلُّهُمْ أَهْلَ ذَهَبٍ. وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: وَفِي مَقَرٍّ. أَيْ فِي مَوْضِعِ الْقَرَارِ وَالسُّكْنَى. وَإِنْ كَانَ الْجَمِيعُ قَبِيلَةً وَاحِدَةً، وَعِبَارَةُ الشَّارِحِ: لِأَنَّ السَّاكِنَ بِمَحَلٍّ غَيْرِ مَحَلِّ الْقَاتِلِ لَا تَلْزَمُهُ. اهـ وَقَدْ جَمَعَ النَّاظِمُ بَيْنَ اشْتِرَاطِ الِاتِّفَاقِ فِي النِّحْلَةِ، وَفِي الْمَقَرِّ مَعَ أَنَّ الِاتِّفَاقَ فِي الْمَقَرِّ يَلْزَمُ مِنْهُ الِاتِّفَاقُ فِي النِّحْلَةِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ الِاتِّفَاقِ فِي النِّحْلَةِ الِاتِّفَاقُ فِي الْمَقَرِّ، كَالشَّامِيِّ وَالْمِصْرِيِّ مَعَ أَنَّهُمَا مَعًا أَهْلُ ذَهَبٍ، فَالِاتِّفَاقُ فِي الْمَقَرِّ كَافٍ عَنْ الِاتِّفَاقِ فِي النِّحْلَةِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ابْنُ الْحَاجِبِ) : وَلَا دُخُولَ لِلْبَدَوِيِّ مَعَ الْحَضَرِيِّ، وَإِنْ كَانَتْ قَبِيلَةً عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ خِلَافًا لِأَشْهَبَ كَمَا لَا يَدْخُلُ أَهْلُ مِصْرَ مَعَ أَهْلِ الشَّامِ. وَإِنْ كَانُوا أَقْرَبَ وَيُعَدُّ كَالْمَعْدُومِ. (التَّوْضِيحُ) : هَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَبِهِ أَخَذَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَعَلَّلَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ بِأَنَّهُ لَا يَسْتَقِيمُ أَنْ يَكُونَ فِي دِيَةٍ وَاحِدَةٍ إبِلٌ وَعَيْنٌ وَأَجَازَ ذَلِكَ أَشْهَبُ قَالَ: وَيُخْرِجُ أَهْلُ الْبَادِيَةِ مَا يَلْزَمُهُمْ إبِلًا وَإِنْ كَانَ الْجَارِحُ لَيْسَ مِنْهُمْ وَيُخْرِجُ أَهْلُ الْقُرَى حِصَّتَهُمْ عَيْنًا وَإِنْ كَانَ الْجَارِحُ لَيْسَ مِنْهُمْ ا. هـ (وَفِي الْمُقَرَّبِ) قُلْتُ: فَلَوْ أَنَّ رَجُلًا مِنْ قَبِيلَةٍ مِنْ قَبَائِلِ الْعَرَبِ جَنَى جِنَايَةً بِمِصْرَ وَلَيْسَ

بِمِصْرَ مِنْ قَوْمِهِ أَحَدٌ وَهُمْ بِالْعِرَاقِ أَوْ بِالْيَمَنِ كَيْفَ يَكُونُ عَقْلُ مَا جَنَاهُ مِنْ الْقَتْلِ فَقَالَ: قَالَ مَالِكٌ إذَا انْقَطَعَ الْبَدَوِيُّ إلَى الْحَضَرِ فَسَكَنَ الْحَضَرَ عُقِلَ مَعَ أَهْلِ الْحَضَرِ وَلَا يُعْقَلُ أَهْلُ الْحَضَرِ مَعَ أَهْلِ الْبَدْوِ وَلَا أَهْلُ الْبَدْوِ مَعَ أَهْلِ الْحَضَرِ وَلَا يُعْقَلُ أَهْلُ مِصْرَ مَعَ أَهْلِ الشَّامِ وَلَا أَهْلُ الشَّامِ مَعَ أَهْلِ مِصْرَ، فَإِنْ كَانَ الَّذِي سَأَلْتَ عَنْهُ مَسْكَنُهُ مِصْرُ عَقَلَ عَنْهُ أَهْلُ مِصْرَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِمِصْرَ مِنْ قَوْمِهِ أَحَدٌ يَحْمِلُ جِنَايَةً ضُمَّ إلَيْهِ أَقْرَبُ الْقَبَائِلِ إلَى قَوْمِهِ فَيَحْمِلُونَ جَرِيرَتَهُ. ثُمَّ قَالَ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَإِنَّمَا قَالَ مَالِكٌ إنَّ الْبَدْوِيَّ لَا يَدْخُلُ مَعَ الْحَضَرِيِّ وَلَا الْحَضَرِيُّ مَعَ الْبَدَوِيِّ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَقِيمُ أَنْ يَكُونَ فِي دِيَةٍ وَاحِدَةٍ دِيَةُ إبِلٍ وَدَنَانِيرَ أَوْ إبِلٍ وَدَرَاهِمَ أَوْ دَرَاهِمَ وَدَنَانِيرَ وَأَمَّا أَهْلُ الشَّامِ وَأَهْلُ مِصْرَ فَهُمْ أَجْنَادٌ قَدْ جُنِّدَتْ فَكُلُّ جُنْدٍ عَلَيْهِمْ جَرَائِرُهُمْ دُونَ مَنْ سِوَاهُمْ مِنْ الْأَجْنَادِ. اهـ وَأَمَّا قَوْلُ النَّاظِمِ وَحُكْمُ تَنْجِيمٍ وَجَبَ فَأَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ الدِّيَةَ أَيْ دِيَةَ الْخَطَأِ لَا تُعْطَى حَالَّةً بَلْ مُنَجَّمَةً فَإِنْ وَجَبَتْ الدِّيَةُ كَامِلَةً فَتُنَجَّمُ عَلَى ثَلَاثِ سِنِينَ ثُلُثُهَا آخِرَ كُلِّ سَنَةٍ مِنْ يَوْمِ الْحُكْمِ لَا مِنْ يَوْمِ الْقَتْلِ وَلَا مِنْ يَوْمِ الْخِصَامِ، وَأَمَّا غَيْرُ الْكَامِلَةِ فَقِيلَ: تَكُونُ حَالَّةً. وَالْمَشْهُورُ التَّنْجِيمُ فَالثُّلُثُ فِي سَنَةٍ كَمَا فِي الْجَائِفَةِ وَالثُّلُثَانِ فِي سَنَتَيْنِ كَمَا فِي جَائِفَةٍ وَآمَّةٍ. وَأَمَّا إنْ وَجَبَ نِصْفُ الدِّيَةِ فَالثُّلُثُ فِي سَنَةٍ وَالسُّدْسُ الْبَاقِي فِي سَنَةٍ أَيْضًا. وَكَذَا إنْ وَجَبَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهَا فَلِلثُّلُثَيْنِ سَنَتَانِ وَلِنِصْفِ السُّدْسِ الْبَاقِي سَنَةٌ أَيْضًا. (ابْنُ الْحَاجِبِ) وَالْمَشْهُورُ التَّنْجِيمُ بِالْأَثْلَاثِ وَلِلزَّائِدِ سَنَةٌ فَالنِّصْفُ وَالرُّبُعُ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ وَفِي مُخْتَصَرِ الشَّيْخِ خَلِيلٍ وَنُجِّمَ فِي النِّصْفِ وَالثَّلَاثَةِ الْأَرْبَاعِ بِالتَّثْلِيثِ ثُمَّ لِلزَّائِدِ سَنَةٌ. وَإِنَّمَا أَخَّرْتُ الْكَلَامَ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ؛ لِأَنَّ مَا بَعْدَهَا مُتَعَلِّقٌ بِمَا قَبْلَهَا فَلَمْ يَصْلُحْ تَوْزِيعُ الْكَلَامِ الْمُرْتَبِطِ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَكَوْنُهَا مِنْ مَالِ جَانٍ إنْ تَكُنْ ... أَقَلَّ مِنْ ثُلْثٍ بِذَا الْحُكْمُ حَسُنْ كَذَا عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ مُعْتَرِفِ ... تُؤْخَذُ أَوْ مِنْ عَامِدٍ مُكَلَّفِ يَعْنِي أَنَّ مَا تَقَدَّمَ مِنْ كَوْنِ الدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ تُؤَدِّيهَا مُنَجَّمَةً إنَّمَا ذَلِكَ بِشُرُوطٍ (أَحَدُهَا) أَنْ يَكُونَ الْوَاجِبُ إمَّا الدِّيَةُ كَامِلَةً أَوْ بَعْضُهَا لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَبْلُغَ ذَلِكَ الْبَعْضُ ثُلُثَ الدِّيَةِ سَوَاءٌ بَلَغَ ثُلُثَ دِيَةِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ أَوْ الْجَانِي عَلَى الْمَشْهُورِ كَمَا إذَا قَطَعَ مُسْلِمٌ إصْبَعَيْ مُسْلِمَةٍ فَذَلِكَ عَلَى عَاقِلَتِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ أَكْثَرُ مِنْ ثُلُثِ دِيَتِهَا لِأَنَّهَا تُسَاوِي الرَّجُلَ إلَى ثُلُثِ دِيَتِهِ فَالْوَاجِبُ فِي أُصْبُعَيْهَا عِشْرُونَ مِنْ الْإِبِلِ لِأَنَّهَا أَقَلُّ مِنْ ثُلُثِ دِيَةِ الرَّجُلِ. وَالْعِشْرُونَ أَكْثَرُ مِنْ ثُلُثِ دِيَتِهَا بِالْأَصَالَةِ الَّتِي هِيَ خَمْسُونَ، وَثُلُثُهَا سِتَّةَ عَشَرَ وَثُلُثَانِ فَلَوْ لَمْ يَبْلُغْ ذَلِكَ ثُلُثَ دِيَةِ أَحَدِهِمَا كَمَا لَوْ قَطَعَ لَهَا أُصْبُعًا وَاحِدَةً فَالْوَاجِبُ عَشْرٌ، وَتَكُونُ عَلَى الْجَانِي لَا عَلَى عَاقِلَتِهِ وَحَالَّةً لَا مُنَجَّمَةً وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِالْبَيْتِ الْأَوَّلِ. (الشَّرْطُ الثَّانِي) أَنْ تَكُونَ الْجِنَايَةُ ثَابِتَةً بِالْبَيِّنَةِ أَوْ بِاللَّوْثِ وَالْقَسَامَةِ أَمَّا إنْ ثَبَتَتْ بِاعْتِرَافِ الْقَاتِلِ فَعَلَى الْجَانِي حَالَّةً أَيْضًا وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِقَوْلِهِ كَذَا عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ مُعْتَرِفٍ تُؤْخَذُ. (الشَّرْطُ الثَّالِثُ) أَنَّ ذَلِكَ فِي الْخَطَأِ وَأَمَّا فِي الْعَمْدِ وَالْجَانِي عَاقِلٌ بَالِغٌ فَذَلِكَ حَالٌّ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: أَوْ مِنْ عَامِدٍ مُكَلَّفٍ وَاحْتَرَزَ بِالْمُكَلَّفِ مِنْ غَيْرِهِ كَالصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ فَإِنَّ عَمْدَهُمَا كَالْخَطَأِ إلَّا أَنَّ النَّاظِمَ صَرَّحَ بِكَوْنِهَا فِي مَالِ الْجَانِي دُونَ الْعَاقِلَةِ وَلَمْ يُصَرِّحْ بِكَوْنِهَا حَالَّةً غَيْرَ مُنَجَّمَةٍ، وَبِذَا يَتَعَلَّقُ بِالْحُكْمِ وَ (الْحُكْمُ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ (حَسُنَ) وَالْجُمْلَةُ خَبَرُ كَوْنِ

وَفِي الْجَنِينِ غُرَّةٌ مِنْ مَالِهِ ... أَوْ قِيمَةٌ كَالْإِرْثِ فِي اسْتِعْمَالِهِ يَعْنِي أَنَّ مَنْ ضَرَبَ امْرَأَةً فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا وَأُمُّهُ حَيَّةٌ فَإِنَّهُ تَجِبُ عَلَيْهِ الْغُرَّةُ مِنْ مَالِهِ لَا عَلَى الْعَاقِلَةِ، أَوْ قِيمَةُ الْغُرَّةِ وَيُوَرَّثُ ذَلِكَ عَنْ الْجَنِينِ عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى. ابْنُ الْحَاجِبِ وَالْغُرَّةُ عَبْدٌ أَوْ أَمَةٌ مِنْ الْحُمْرِ عَلَى الْأَحْسَنِ أَوْ مِنْ وَسَطِ السُّودَانِ (التَّوْضِيحُ) الْحُمْرُ هُمْ الْبِيضُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «بُعِثَتْ إلَى الْأَحْمَرِ وَالْأَسْوَدِ» (ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ) وَلَمْ أَرَ لِأَصْحَابِنَا فِي سِنِّ الْغُرَّةِ حَدًّا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ أَقَلُّهُ سَبْعُ سِنِينَ ثُمَّ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَمَهْمَا بَذَلَ خَمْسِينَ دِينَارًا أَوْ سِتَّمِائَةِ دِرْهَمٍ أَوْ غُرَّةً تُسَاوِي أَحَدَهُمَا وَجَبَ الْقَبُولُ وَإِلَّا لَمْ يَجِبْ إلَّا أَنْ يَتَرَاضَوْا. (التَّوْضِيحُ) ظَاهِرُهُ وَتَخْيِيرُ الْجَانِي، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِقَوْلِ اللَّخْمِيِّ الَّذِي يَقْتَضِيهِ قَوْلُ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ أَنَّ الْجَانِيَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَغْرَمَ الْغُرَّةَ أَوْ يَأْتِيَ بِعُشْرِ دِيَةِ الْأُمِّ مِنْ كَسْبِهِمْ إمَّا ذَهَبٌ أَوْ وَرِقٌ، وَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ خِلَافُهُ ثُمَّ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَاسْتَشْكَلَ اللَّخْمِيُّ اشْتِرَاطَ أَنْ تَكُونَ الْغُرَّةُ تُسَاوِي هَذَا الْقَدْرَ، قَالَ: لِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْحَدِيثِ الْغُرَّةُ وَلَمْ تُعْتَبَرْ الْقِيمَةُ، وَأَثْمَانُ الْعَبِيدِ تَخْتَلِفُ فِي الْبُلْدَانِ فَلَوْ وَجَبَتْ الْغُرَّةُ بِمَوْضِعٍ لَا يُسَاوِي ذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْ بِأَكْثَرَ. اهـ (وَفِي الْمُقَرَّبِ مَا مَعْنَاهُ) أَنَّهَا لَا تَكُونُ مِنْ الْإِبِلِ وَلَا مِنْ الْعَيْنِ قَالَ: وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ لَيْسَتْ الْخَمْسُونَ دِينَارًا فِي الْغُرَّةِ وَلَا السِّتُّمِائَةِ الدِّرْهَمِ كَالسُّنَّةِ الْقَائِمَةِ، وَلَكِنِّي أَسْتَحْسِنُ ذَلِكَ. اهـ

وَهَذَا إذَا كَانَ الْجَنِينُ مَحْكُومًا لَهُ بِالْإِسْلَامِ لِكَوْنِ أَبِيهِ مُسْلِمًا وَكَانَ حُرًّا لِكَوْنِ أُمِّهِ حُرَّةً سَوَاءٌ كَانَ أَبُوهُ حُرًّا أَوْ عَبْدًا ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى ضُرِبَتْ أُمُّهُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً، وَكَذَا يَجِبُ ذَلِكَ فِي جَنِينِ الْأَمَةِ مِنْ سَيِّدِهَا الْحُرِّ وَيَجِبُ فِي جَنِينِ الْكِتَابِيِّ نِصْفُ دِيَةِ جَنِينِ الْمُسْلِمِ، وَدِيَةُ جَنِينِ الْمَجُوسِيِّ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا. (ابْنُ الْحَاجِبِ) : وَفِي جَنِينِ الرَّقِيقِ عُشْرُ قِيمَةِ الْأُمِّ وَقِيلَ مَا نَقَصَهَا. (التَّوْضِيحُ) الْأَوَّلُ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ وَلَا الْتِفَاتَ إلَى حُرِّيَّةِ أَبِيهِ؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِأُمِّهِ فِي الرِّقِّ وَالْقَوْلُ الثَّانِي لِابْنِ وَهْبٍ. (تَنْبِيهَاتٌ: الْأَوَّلُ) قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغُرَّةُ الْجَنِينِ مُشْتَرَطَةٌ بِانْفِصَالِهِ مَيِّتًا قَبْلَ مَوْتِ أُمِّهِ عَلَى الْمَشْهُورِ. (التَّوْضِيحُ) : اُتُّفِقَ عَلَى وُجُوبِ الْغُرَّةِ إذَا انْفَصَلَ فِي حَيَاةِ أُمِّهِ وَاخْتُلِفَ إذَا انْفَصَلَ بَعْدَ مَوْتِهَا فَالْمَشْهُورُ لَا غُرَّةَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ كَعُضْوٍ مِنْ الْمَيِّتَةِ. وَالشَّاذُّ لِأَشْهَبَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ. اهـ وَقَوْلُهُ فِي التَّوْضِيحِ: فِي حَيَاةِ أُمِّهِ أَوْ انْفَصَلَ بَعْدَ مَوْتِهَا. يُرِيدُ مَيِّتًا فِي الْوَجْهَيْنِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّانِي) الْمُرَادُ بِالْجَنِينِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ مَا تُلْقِيهِ الْمَرْأَةُ مِمَّا يُعْرَفُ أَنَّهُ وَلَدٌ مُضْغَةً كَانَ أَوْ غَيْرَهَا (قَالَ فِي التَّوْضِيحِ) : هَذَا الْبَابُ وَمَا تَكُونُ بِهِ الْأَمَةُ أُمَّ وَلَدٍ وَمَا تَحِلُّ بِهِ الْمُعْتَدَّةُ وَاحِدٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ خِلَافُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الدَّمِ الْمُجْتَمِعِ الَّذِي لَا يَذُوبُ بِالْمَاءِ السُّخْنِ. (الثَّالِثُ) قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَإِذَا تَعَدَّدَ الْجَنِينُ تَعَدَّدَ الْوَاجِبُ مِنْ غُرَّةٍ وَدِيَةٍ. (التَّوْضِيحُ) مِنْ غُرَّةٍ يَعْنِي إذَا لَمْ يَسْتَهِلَّ وَدِيَةٍ إنْ اسْتَهَلَّ وَغُلِّظَتْ فَثُلِّثَتْ فِي الْإِبِلِ ... وَقُوِّمَتْ لِلْعَيْنِ فِي الْقَوْلِ الْجَلِيِّ وَهُوَ بِالْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ ... يَخْتَصُّ وَالْأَجْدَادِ وَالْجَدَّاتِ تَقَدَّمَ أَوَّلَ الْبَابِ أَنَّ الضَّرْبَ إمَّا عَمْدًا أَوْ خَطَأً لَا وَاسِطَةَ بَيْنَهُمَا وَقِيلَ: إنْ ضَرَبَ مَنْ يَجُوزُ لَهُ الضَّرْبُ مِنْ زَوْجٍ وَمُؤَدِّبٍ وَأَبٍ لَيْسَ هُوَ عَمْدًا وَإِنَّمَا هُوَ شِبْهُ الْعَمْدِ وَأَنْكَرَهُ الْإِمَامُ مَالِكٌ وَقَالَ: شِبْهُ الْعَمْدِ بَاطِلٌ لَا أَعْرِفُهُ إنَّمَا هُوَ عَمْدٌ أَوْ خَطَأٌ. وَعَلَى ثُبُوتِهِ فَفِيهِ طَرِيقَتَانِ طَرِيقَةُ الْبَاجِيِّ تَحْكِي الِاتِّفَاقَ أَنَّهُ لَا قَوَدَ فِيهِ، وَطَرِيقَةُ ابْنِ رُشْدٍ تَحْكِي ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ قِيلَ: هُوَ عَمْدٌ وَقِيلَ: خَطَأٌ. ثَالِثُهَا هُوَ شِبْهُ الْعَمْدِ لَا عَمْدٌ حَقِيقَةً فَتُغَلَّظُ فِيهِ الدِّيَةُ. (وَفِي التَّوْضِيحِ) : لَمْ يُنْكِرْ مَالِكٌ شِبْهَ الْعَمْدِ مُطْلَقًا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ بَلْ أَنْكَرَهُ فِيمَا عَدَا الْأَبَ وَحَكَى الْعِرَاقِيُّونَ إثْبَاتَهُ فِيمَا عَدَا الْأَبَ أَيْضًا. (الْبَاجِيُّ) وَلَا خِلَافَ فِي ثُبُوتِهِ فِي حَقِّ الْأَبِ (اللَّخْمِيُّ) وَشِبْهُ الْعَمْدِ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ: أَحَدُهَا: الْقَتْلُ بِغَيْرِ آلَةِ الْقَتْلِ كَالسَّوْطِ وَالْعَصَا وَالْبُنْدُقَةِ وَاللَّطْمَةِ وَالْوَكْزَةِ. وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ بِآلَةٍ لِلْقَتْلِ لَكِنْ لَا يُتَّهَمُ عَلَى قَصْدِ الْقَتْلِ كَفِعْلِ الْمُدْلِجِيِّ بِوَلَدِهِ. وَالثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ أُبِيحَ لَهُ ذَلِكَ كَمُعَلِّمِ الثِّقَافِ وَالطَّبِيبِ. وَالرَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ عَلَى صِفَةٍ يُرَادُ بِهَا الْقَتْلُ وَيَتَقَدَّمُهُ بِسَاطٌ يُعْلَمُ مِنْهُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ الْمُرَادُ بِهِ الْقَتْلَ كَالْمُتَصَارَعِينَ وَالْمُتَلَاعَبِينَ. اهـ وَعَلَى تَغْلِيظِ الدِّيَةِ عَلَى مَنْ لَا يُتَّهَمُ عَلَى قَصْدِ الْقَتْلِ تَكَلَّمَ النَّاظِمُ هُنَا فَأَخْبَرَ أَنَّ الْأَبَ وَالْأُمَّ أَوْ مَنْ فِي مَعْنَاهُمَا مِنْ الْأَجْدَادِ وَالْجَدَّاتِ إذَا ضَرَبَ وَلَدَهُ بِحَدِيدَةٍ فَجَرَحَهُ فَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يُقْتَصُّ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ عَمْدًا بِدَلِيلِ أَنَّ غَيْرَ الْأَبِ وَمَنْ ذُكِرَ مَعَهُ يُقْتَصُّ مِنْهُ بِذَلِكَ وَأَنَّ الْقَاتِلَ كَذَلِكَ لَا يَرِثُ الْمَقْتُولَ، وَإِنَّمَا عَلَيْهِ تَغْلِيظُ الدِّيَةِ. ابْنُ الْحَاجِبِ: وَتُغَلَّظُ الدِّيَةُ عَلَى الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ دُونَ غَيْرِهِمْ فِي الْعَمْدِ الَّذِي لَا يَقْتُلُونَ بِهِ كَمَا لَوْ جَرَحَهُ بِحَدِيدَةٍ وَشَبَهِهَا وَهُوَ عَمْدٌ وَلِذَلِكَ لَا يَرِثُ مِنْ مَالِهِ وَيُقْتَلُ غَيْرُهُمْ كَفِعْلِ الْمُدْلِجِيِّ بِابْنِهِ. (قَالَ فِي التَّوْضِيحِ) : جَمَعَ الْآبَاءَ وَالْأُمَّهَاتِ لِتَدْخُلَ الْأَجْدَادُ وَالْجَدَّاتُ كَمَا تَقَدَّمَ دُونَ غَيْرِهِمْ مِنْ الْأَعْمَامِ وَنَحْوِهِمْ. اهـ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ كَمَا تَقَدَّمَ إلَى قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَالْأَجْدَادُ وَالْجَدَّاتُ لِلْأَبِ كَالْأَبِ وَفِي كَوْنِهِمَا مِنْ الْأُمِّ كَالْأُمِّ أَوْ كَالْأَجْنَبِيَّيْنِ قَوْلَانِ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ اهـ وَقَالَ قَبْلَهُ: وَلِلْأُبُوَّةِ وَالْأُمُومَةِ أَثَرٌ فِي الدَّرْءِ بِاحْتِمَالِ الشُّبْهَةِ إذَا ادَّعَيَا عَدَمَ الْقَصْدِ كَمَا لَوْ حَذَفَهُ بِالسَّيْفِ وَادَّعَى أَدَبَهُ، وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ حَتَّى لَوْ شَرَكَهُ أَحَدٌ فِي قَتْلٍ، أَمَّا لَوْ قَتَلَ مَعَ انْتِفَاءِ الشُّبْهَةِ اُقْتُصَّ مِنْهُ كَمَا لَوْ ذَبَحَهُ أَوْ شَقَّ بَطْنَهُ أَوْ حَزَّ يَدَهُ فَقَطَعَهَا أَوْ وَضَعَ أُصْبُعَهُ فِي عَيْنِهِ فَأَخْرَجَهَا، وَكَذَلِكَ لَوْ اعْتَرَفَ بِالْقَصْدِ. وَقَالَ أَشْهَبُ لَا يُقْتَلُ الْأَبُ بِابْنِهِ بِحَالٍ. (التَّوْضِيحُ) وَأَشَارَ بِقِصَّةِ الْمُدْلِجِيِّ إلَى مَا رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ

أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي مُدْلِجٍ يُقَالُ لَهُ قَتَادَةُ حَذَفَ ابْنَهُ بِالسَّيْفِ فَأَصَابَ سَاقَهُ فَنُزِيَ فِي جُرْحِهِ فَمَاتَ فَقَدِمَ سُرَاقَةُ بْنُ جُعْشُمٍ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ عُمَرُ اُعْدُدْ لِي عَلَى مَاءِ قُدَيْدٍ عِشْرِينَ وَمِائَةَ بَعِيرٍ حَتَّى أَقْدَمَ عَلَيْكَ فَلَمَّا قَدِمَ عُمَرُ أَخَذَ مِنْ تِلْكَ الْإِبِلِ ثَلَاثِينَ حِقَّةً وَثَلَاثِينَ جَذَعَةً وَأَرْبَعِينَ خَلِفَةً ثُمَّ قَالَ: أَيْن أَخُو الْمَقْتُولِ؟ قَالَ هَا أَنَا. قَالَ: خُذْهَا فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَيْسَ لِقَاتِلٍ شَيْءٌ» . اهـ (ابْنُ الْحَاجِبِ) وَتَغْلِيظُهَا بِالتَّثْلِيثِ ثَلَاثُونَ حِقَّةً وَثَلَاثُونَ جَذَعَةً وَأَرْبَعُونَ خَلِفَةً فِي بُطُونِهَا أَوْلَادُهَا. وَإِلَى كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ هَذَا أَشَارَ النَّاظِمُ بِقَوْلِهِ: وَغُلِّظَتْ فَثُلِّثَتْ فِي الْإِبِلِ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ: وَقُوِّمَتْ لِلْعَيْنِ فِي الْقَوْلِ الْجَلِيّ إلَى أَنَّ الدِّيَةَ تُغَلَّظُ أَيْضًا إذَا كَانَتْ عَيْنًا ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً عَلَى الْقَوْلِ الْجَلِيّ الظَّاهِرِ. وَتَغْلِيظُهَا هُوَ بِتَقْوِيمِ دِيَةِ الْإِبِلِ الْمُخَمَّسَةِ وَالْمُرَبَّعَةِ أَوْ الْمُثَلَّثَةِ فَمَا كَانَ مِنْ خُمُسٍ أَوْ رُبُعٍ أَوْ ثُلُثٍ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ أُخِذَ ذَلِكَ الْجُزْءُ مِنْ الْأَلْفِ دِينَارٍ أَوْ مِنْ الِاثْنَا عَشَرَ أَلْفِ دِرْهَمٍ فَيُزَادُ عَلَيْهِ وَالْمَجْمُوعُ هُوَ الْوَاجِبُ عَلَى مَنْ غُلِّظَتْ عَلَيْهِ الدِّيَةُ. فَإِذَا قُوِّمَتْ الْمُثَلَّثَةُ بِمِائَةٍ وَالْمُخَمَّسَةُ أَوْ الْمُرَبَّعَةُ بِثَمَانِينَ فَالتَّفَاوُتُ بَيْنَهُمَا بِالْخُمُسِ فَيُزَادُ عَلَى أَلْفِ دِينَارٍ خُمُسُهَا وَعَلَى الِاثْنَا عَشَرَ أَلْفِ دِرْهَمٍ خُمُسُهَا وَيَلْزَمُ الْمَجْمُوعُ. (ابْنُ الْحَاجِبِ) : وَتُغَلَّظُ فِي الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ عَلَى الْمَشْهُورِ فَتُقَوَّمُ الدِّيَتَانِ وَيُزَادُ نِسْبَةُ مَا بَيْنَهُمَا. اهـ فَقَوْلُ النَّاظِمِ وَقُوِّمَتْ لِلْعَيْنِ أَيْ وَقُوِّمَتْ دِيَةُ الْإِبِلِ مُغَلَّظَةً لِأَجْلِ تَغْلِيظِهَا فِي الْعَيْنِ إذْ بِالتَّقْوِيمِ وَمَعْرِفَةِ الْجُزْءِ الَّذِي بَيْنَ الْمُغَلَّظَةِ وَغَيْرِهَا يُعْرَفُ مَا يُزَادُ عَلَى دِيَةِ الذَّهَبِ أَوْ الْوَرِقِ كَمَا تَقَدَّمَ. وَضَمِيرُ هُوَ لِلتَّغْلِيظِ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ جُمْلَةُ يَخْتَصُّ. وَبِالْآبَاءِ يَتَعَلَّقُ بِيَخْتَصُّ، وَالْأَجْدَادُ عَطْفٌ عَلَى الْآبَاءِ. (فَرْعٌ) الدِّيَةُ الْمُغَلَّظَةُ هِيَ فِي مَالِ الْجَانِي حَالَّةً لَا عَلَى الْعَاقِلَةِ وَلَا مُنَجَّمَةً وَيَحْلِفُ الذُّكُورُ كَالْإِنَاثِ ... بِنِسْبَةِ الْحُظُوظِ فِي الْمِيرَاثِ وَإِنْ يَمِينٌ عِنْدَ ذَا تَنْكَسِرُ ... يَحْلِفُهَا مَنْ حَظُّهُ مُوَفَّرُ وَوَاحِدٌ يَجُوزُ أَنْ يُحَلَّفَا ... حَيْثُ انْفِرَادُهُ بِمَا تَخَلَّفَا وَهَذِهِ الْأَحْكَامُ طَرًّا تُعْتَمَدْ ... بِحَيْثُمَا يَسْقُطُ بِالشَّرْعِ الْقَوَدْ يَعْنِي أَنَّهُ إذَا وَجَبَتْ الْقَسَامَةُ فِي الْخَطَأِ فَإِنَّهُ يَحْلِفُهَا مَنْ يَرِثُ مِنْ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ، وَاحِدًا أَوْ مُتَعَدِّدًا وَيَحْلِفُ كُلُّ وَاحِدٍ بِقَدْرِ مَا يَرِثُ فَمَنْ وَرِثَ ثُمُنًا كَانَ عَلَيْهِ ثُمُنُ الْأَيْمَانِ وَمَنْ وَرِثَ سُدُسًا كَانَ عَلَيْهِ سُدُسُ الْأَيْمَانِ وَعَلَى هَذَا فَقِسْ. فَإِنْ انْكَسَرَتْ عَلَيْهِمْ يَمِينٌ حَلَفَهَا أَكْثَرُهُمْ نَصِيبًا مِنْهَا فَإِنْ انْفَرَدَ الْوَارِثُ كَابْنٍ، حَلَفَ الْخَمْسِينَ. وَهَذِهِ الْأَحْكَامُ جَمِيعُهَا هِيَ فِي الْخَطَأِ لَا فِي الْعَمْدِ، وَعَنْ الْخَطَأِ عَبَّرَ بِمَا يَسْقُطُ الْقَوَدُ فِيهِ بِالشَّرْعِ وَأَمَّا الْعَمْدُ فَتَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ فِيهِ أَقَلُّ مِنْ رَجُلَيْنِ مِنْ الْعَصَبَةِ وَلَا يَحْلِفُ فِيهِ وَاحِدٌ وَلَا امْرَأَةٌ. (ابْنُ الْحَاجِبِ) . وَالْقَسَامَةُ أَنْ يَحْلِفَ الْوَارِثُونَ الْمُكَلَّفُونَ فِي الْخَطَأِ وَاحِدًا كَانَ أَوْ جَمَاعَةً ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى خَمْسِينَ يَمِينًا مُتَوَالِيَةً عَلَى الْبَتِّ، وَلَوْ كَانَ أَعْمَى أَوْ غَائِبًا، وَتُوَزَّعُ الْأَيْمَانُ عَلَى الْمِيرَاثِ وَيُجْبَرُ كَسْرُ الْيَمِينِ عَلَى ذِي الْأَكْثَرِ مِنْ الْكَسْرِ، وَقِيلَ: عَلَى الْجَمِيعِ كَمَا لَوْ تَسَاوَى الْكَسْرُ عَلَيْهِمْ. اهـ وَمِثَالُ انْكِسَارِ الْيَمِينِ وَبَعْضُهُمْ أَكْثَرُ نَصِيبًا مِنْهَا الْمُشَارُ لَهُ بِقَوْلِ النَّاظِمِ: مَنْ حَظُّهُ مُوَفَّرٌ وَبِقَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَيُجْبَرُ كَسْرُ الْيَمِينِ عَلَى ذِي الْأَكْثَرِ مِنْ الْكَسْرِ كَمَا إذَا كَانَ الْوَارِثُ ابْنًا وَابْنَةً فَيَحْلِفُ الِابْنُ ثَلَاثَةً وَثَلَاثِينَ وَتَحْلِفُ الْبِنْتُ سَبْعَةَ عَشَرَ؛ لِأَنَّهَا نَابَهَا مِنْ الْيَمِينِ الْمُنْكَسِرَةِ ثُلُثَاهَا وَذَلِكَ أَنَّكَ إذَا قَسَّمْتَ الْخَمْسِينَ يَمِينًا عَلَى ثَلَاثَةٍ خَرَجَ سِتَّةَ عَشَرَ وَثُلُثَانِ فَيَجْتَمِعُ لِلِابْنِ ثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ وَثُلُثٌ وَالْبِنْتِ سِتَّةَ عَشَرَ وَثُلُثَانِ فَتَحْلِفُ سَبْعَةَ عَشَرَ، وَأَمَّا إذَا انْكَسَرَتْ الْيَمِينُ عَلَى السَّوَاءِ كَثَلَاثَةِ بَنِينَ فَإِنَّهَا تُكَمَّلُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ، فَيَحْلِفُ كُلُّ وَاحِدٍ سَبْعَةَ عَشَرَ. (وَفِي الْمُقَرَّبِ) قُلْتُ: وَكَيْفَ يَحْلِفُ وُلَاةُ الدَّمِ فِي الْخَطَأِ؟ قَالَ: عَلَى قَدْرِ مَوَارِيثِهِمْ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَيُقْسِمُ النِّسَاءُ فِي قَتْلِ الْخَطَأِ وَلَا يُقْسِمْنَ فِي قَتْلِ الْعَمْدِ. قُلْتُ: فَلَوْ أَنَّ قَتِيلًا خَطَأً لَمْ يَدَعْ إلَّا ابْنَةً وَاحِدَةً وَلَيْسَ لَهُ عَصَبَةٌ؟ قَالَ: تَحْلِفُ الِابْنَةُ خَمْسِينَ يَمِينًا وَتَأْخُذُ نِصْفَ الدِّيَةِ وَإِنْ كَانَ لِلْمَقْتُولِ عَصَبَةٌ حَلَفَتْ خَمْسًا وَعِشْرِينَ يَمِينًا وَحَلَفَ الْعَصَبَةُ خَمْسًا وَعِشْرِينَ يَمِينًا وَيَسْتَحِقُّونَ الدِّيَةَ عَلَى مَوَارِيثِهِمْ. وَإِنْ نَكَلَ الْعَصَبَةُ لَمْ تَأْخُذْ الِابْنَةُ مِيرَاثَهَا حَتَّى تَحْلِفَ خَمْسِينَ يَمِينًا لِأَنَّ الدَّمَ لَا يُسْتَحَقُّ بِأَقَلَّ مِنْ خَمْسِينَ يَمِينًا. قُلْتُ:

فصل في الجراحات

فَلَوْ كَانَ لِلْمَقْتُولِ ابْنَةٌ حَاضِرَةٌ وَابْنٌ غَائِبٌ بَعِيدُ الْغَيْبَةِ فَقَالَتْ الِابْنَةُ: أَنَا أَحْلِفُ وَآخُذُ حَقِّي. فَقَالَ: إنْ حَلَفْتِ خَمْسِينَ يَمِينًا أَخَذْت ثُلُثَ الدِّيَةِ وَإِنْ قَدِمَ الْأَخُ حَلَفَ ثُلُثَيْ الْأَيْمَانِ وَأَخَذَ ثُلُثَيْ الدِّيَةِ. وَسُوِّغَتْ قَسَامَةُ الْوُلَاةِ ... فِي غَيْبَةِ الْجَانِي عَلَى الصِّفَاتِ وَيُنْفِذُ الْقِصَاصَ إنْ بِهِ ظُفِرْ ... إقْرَارٌ أَوْ وِفَاقُ مَا مِنْهَا ذُكِرْ (قَالَ الشَّارِحُ) : يُسَوَّغُ أَنْ يُقْسِمَ أَوْلِيَاءُ الْقَتِيلِ فِي غَيْبَةِ الْقَاتِلِ عَلَى صِفَاتِهِ وَيُنْفِذُ الْقِصَاصَ وَإِنْ ظُفِرَ بِالْمُدَّعَى عَلَيْهِ إقْرَارُهُ أَنَّهُ هُوَ أَوْ وِفَاقُ الصِّفَاتِ الَّتِي يَكُونُ عَلَيْهَا لِمَا ذُكِرَ مِنْ الصِّفَاتِ الَّتِي وَقَعَتْ الْقَسَامَةُ عَلَيْهَا. اهـ وَعَلَى الصِّفَاتِ يَتَعَلَّقُ بِقَسَامَةٍ " وَالْقِصَاصَ " مَفْعُولُ يُنْفِذُ وَضَمِيرُ بِهِ لِلْجَانِي وَإِقْرَارٌ فَاعِلُ يُنْفِذُ وَضَمِيرُ مِنْهَا لِلصِّفَاتِ [فَصْلٌ فِي الْجِرَاحَاتِ] ِ جُلُّ الْجُرُوحِ عَمْدُهَا فِيهِ الْقَوَدْ ... وَدِيَةٌ مَعْ خَطَرٍ فِيهَا فُقِدْ وَفِي جِرَاحِ الْخَطَأِ الْحُكُومَهْ ... وَخَمْسَةٌ دِيَتُهَا مَعْلُومَهْ فَنِصْفُ عُشْرِ دِيَةٍ فِي الْمُوضِحَةِ ... وَهِيَ الَّتِي تُلْغَى لِعَظْمٍ مُوضِحَهْ فِي رَأْسٍ أَوْ وَجْهٍ كَذَا الْمُنَقِّلَةُ ... عُشْرٌ بِهَا وَنِصْفُ عُشْرٍ مُعَدِّلَهْ فِي الْمَوْضِعَيْنِ مُطْلَقًا وَهِيَ الَّتِي ... كَسْرَ فِرَاشِ الْعَظْمِ قَدْ تَوَلَّتْ وَعُشُرٌ وَنِصْفُهُ فِي الْهَاشِمَهْ ... وَهِيَ لِعَظْمِ الرَّأْسِ تُلْفَى هَاشِمَهْ وَقِيلَ نِصْفُ الْعُشْرِ أَوْ حُكُومَهْ ... وَثُلُثُ الدِّيَةِ فِي الْمَأْمُومَهْ وَمَا انْتَهَتْ لِلْجَوْفِ وَهِيَ الْجَائِفَهْ ... كَذَاكَ وَالْأُولَى الدِّمَاغَ كَاشِفَهْ وَلِاجْتِهَادِ حَاكِمٍ مَوْكُولُ ... فِي غَيْرِهَا التَّأْدِيبُ وَالتَّنْكِيلُ وَجَعَلُوا الْحُكُومَةَ التَّقْوِيمَا ... فِي كَوْنِهِ مَعِيبًا أَوْ سَلِيمًا وَمَا تَزِيدُ حَالَةُ السَّلَامَهْ ... يَأْخُذُهُ أَرْشًا وَلَا مَلَامَهْ الْجِرَاحَاتُ جَمْعُ جِرَاحَةٍ وَيُجْمَعُ أَيْضًا عَلَى جِرَاحٍ. يُقَالُ: جَرَحَهُ وَالِاسْمُ الْجُرْحُ بِالضَّمِّ وَالْجَمْعُ جُرُوحٌ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المائدة: 45] وَلَمْ يَقُولُوا: أَجْرَاحٌ إلَّا عَلَى مَا جَاءَ فِي الشِّعْرِ قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُفْرَدَ لَفْظَانِ أَحَدُهُمَا: جِرَاحَةٌ بِالْكَسْرِ وَالْهَاءِ فِي آخِرِهِ وَلَهُ جَمْعَانِ جِرَاحَاتٌ بِالْأَلِفِ وَالتَّاءِ كَمَا فِي التَّرْجَمَةِ، وَجِرَاحٌ بِكَسْرِ أَوَّلِهِ أَيْضًا بِوَزْنِ كِتَابٍ وَاللَّفْظُ الثَّانِي جُرْحٌ بِضَمٍّ فَسُكُونٍ وَجَمْعُهُ: جُرُوحٌ. (قَالَ فِي التَّوْضِيحِ) الْمُتَبَادَرُ فِي الِاصْطِلَاحِ أَنَّ الْجُرُوحَ كُلُّ مَا دُونَ النَّفْسِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: 45] إلَى أَنْ قَالَ تَعَالَى {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المائدة: 45] اهـ. (وَاعْلَمْ) أَنَّ الْجُرُوحَ عَلَى وَجْهَيْنِ: إمَّا عَمْدًا أَوْ خَطَأً فَمَا كَانَ مِنْهَا عَمْدًا فَجُلُّهُ وَالْكَثِيرُ مِنْهُ فِيهِ الْقِصَاصُ وَهُوَ الَّذِي عَبَّرَ عَنْهُ بِالْقَوَدِ يَعْنِي أَوْ مَا يَتَّفِقَانِ عَلَيْهِ مِنْ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ، وَبَعْضُهُ إنَّمَا فِيهِ الدِّيَةُ فَقَطْ أَيْ شَيْءٌ قَدَّرَهُ الشَّارِعُ إمَّا مَعْلُومٌ

كَثُلُثِ الدِّيَةِ فِي الْجَائِفَةِ مَثَلًا أَوْ غَيْرُ مَعْلُومٍ وَهُوَ الْحُكُومَةُ فِيمَا يَعْظُمُ فِيهِ الْخَطَرُ إذَا بَرَأَ عَلَى شَيْنٍ، وَلَمْ يَرِدْ عَنْ الشَّارِحِ شَيْءٌ مُقَدَّرٌ، وَضَابِطُ ذَلِكَ أَنَّ مَا فِيهِ خَطَرٌ وَغَرَرٌ فَفِيهِ الدِّيَةُ، وَمَا لَا خَطَرَ فَفِيهِ الْقِصَاصُ. ثُمَّ جِرَاحُ الْعَمْدِ إمَّا أَنْ تَكُونَ فِي الرَّأْسِ أَوْ فِيمَا عَدَاهُ وَهِيَ الْمُعَبَّرُ عَنْهَا بِجِرَاحِ الْجَسَدِ، فَجِرَاحُ الرَّأْسِ يُقْتَصُّ فِيهَا مِنْ سَبْعٍ وَهِيَ الْمُوضِحَةُ وَهِيَ مَا أَفْضَى إلَى الْعَظْمِ مِنْ الرَّأْسِ وَالْجَبْهَةِ وَالْخَدَّيْنِ وَلَوْ بِقَدْرِ مَدْخَلِ إبْرَةٍ. وَكَذَا مَا قَبْلَهَا مِنْ الدَّامِيَةِ وَهِيَ الَّتِي يَسِيلُ مِنْهَا الدَّمُ وَالْحَارِصَةِ وَهِيَ الَّتِي تُشَقِّقُ الْجِلْدَ وَالسِّمْحَاقِ وَهِيَ الْكَاشِطُ لِلْجِلْدِ وَالْبَاضِعَةِ وَهِيَ الَّتِي تُبْضِعُ اللَّحْمَ أَيْ تَشُقُّهُ وَالْمُتَلَاحِمَةِ وَهِيَ الَّتِي تَغُوصُ فِي اللَّحْمِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ، وَالْمِلْطَاةِ وَهِيَ الَّتِي يَبْقَى بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعَظْمِ سِتْرٌ رَقِيقٌ، فَالْوَاجِبُ فِي هَذِهِ السَّبْعِ الْقِصَاصُ أَوْ مَا يَصْطَلِحَانِ عَلَيْهِ مِنْ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ، وَلَا قِصَاصَ فِيمَا بَعْدَ الْمُوضِحَةِ مِنْ جِرَاحِ الرَّأْسِ. وَذَلِكَ أَرْبَعٌ: الْهَاشِمَةُ وَهِيَ الَّتِي تَهْشِمُ الْعَظْمَ، وَالْمُنَقِّلَةُ وَهِيَ الَّتِي أَطَارَتْ فِرَاشَ الْعَظْمِ وَإِنْ صَغُرَ، وَالْآمَّةُ وَهِيَ مَا أَفْضَى إلَى الدِّمَاغِ وَلَوْ بِقَدْرِ مَدْخَلِ إبْرَةٍ وَالدَّامِغَةُ وَهِيَ الَّتِي تَخْرِقُ خَرِيطَةَ الدِّمَاغِ. وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ يَسْقُطُ ذِكْرُ الْهَاشِمَةِ لِأَنَّهَا لَا بُدَّ أَنْ تَصِيرَ مُنَقِّلَةً عِنْدَهُ وَالْمُنَقِّلَةُ بِكَسْرِ الْقَافِ وَحُكِيَ فِيهَا الْفَتْحُ وَفِرَاشُ بِكَسْرِ الْفَاءِ وَفَتْحِهَا وَيُقَالُ لَلْآمَّةِ الْمَأْمُومَةُ أَيْضًا وَبَعْدَ كَوْنِ هَذِهِ الْأَرْبَعِ لَا قِصَاصَ فِيهَا فَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا شَيْءٌ مُقَدَّرٌ فَفِي الْهَاشِمَةِ وَالْمُنَقِّلَةُ عُشْرُ الدِّيَةِ وَنِصْفُ عُشْرِهَا وَفِي الْآمَّةِ ثُلُثُ الدِّيَةِ وَلَمْ أَقِفْ الْآنَ عَلَى مَا يَجِبُ فِي الدَّامِغَةِ عَمْدًا وَلَعَلَّ سُكُوتَهُمْ عَنْهَا اعْتِمَادًا عَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ مَرْزُوقٍ مِنْ أَنَّ ظَاهِرَ الْمُدَوَّنَةِ وَالْمَعُونَةِ وَالتَّلْقِينِ أَنَّ الدَّامِغَةَ مُرَادِفَةٌ لِلْمَأْمُومَةِ فَيَكُونُ فِيهَا ثُلُثُ الدِّيَةِ. وَقَدْ تَلَخَّصَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ جِرَاحَ الرَّأْسِ إحْدَى عَشَرَةَ سَبْعَةٌ فِيهَا الْقِصَاصُ يَعْنِي أَوْ مَا يَتَّفِقَانِ عَلَيْهِ وَيَجِبُ الْأَدَبُ، اُقْتُصَّ مِنْهَا أَوْ لَا وَأَرْبَعَةٌ لَا قِصَاصَ فِيهَا وَإِنَّمَا فِيهَا مَا قَدَّرَهُ الشَّارِعُ كَمَا تَقَدَّمَ. وَعَلَى هَذَا فَيَسْتَوِي فِي هَذِهِ الْأَرْبَعِ الْعَمْدُ وَالْخَطَأُ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِي عَمْدِهَا وَهُوَ مَا ذُكِرَ الْآنَ هُوَ الْوَاجِبُ فِي خَطَئِهَا أَيْضًا كَمَا يَأْتِي لِلنَّاظِمِ قَرِيبًا إلَّا فِي الْأَدَبِ، فَإِنَّ الْمُتَعَمِّدَ يُؤَدَّبُ اُقْتُصَّ مِنْهُ أَوْ لَا دُونَ الْمُخْطِئِ وَلَوْ بَرِئَتْ، هَذِهِ الْأَرْبَعُ عَلَى شَيْنٍ وَعَيْبٍ فَلَا يُزَادُ عَلَى مَا قَدَّرَهُ الشَّارِعُ فِيهَا. اهـ (ابْنُ الْحَاجِبِ) : وَلَوْ كَانَ أَرْشُ الْجِرَاحِ مُقَدَّرًا انْدَرَجَ الشَّيْنُ وَفِي شَيْنِ الْمُوضِحَةِ قَوْلَانِ. اهـ ذَهَبَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ فِي مُخْتَصَرِهِ عَلَى انْدِرَاجِ شَيْنِ الْمُوضِحَةِ كَغَيْرِهِ لِقَوْلِهِ وَإِنْ بِشَيْنٍ فِيهِنَّ. ثُمَّ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ قَالَ مَالِكٌ مَا عَلِمْتُ أَجْرَ الطَّبِيبِ مِنْ أَمْرِ النَّاسِ. (وَفِي التَّوْضِيحِ) عَنْ الْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ يَرَوْنَ الْقَضَاءَ بِأَجْرِ الطَّبِيبِ فِيمَا دُونَ الْمُوضِحَةِ. وَأَمَّا جِرَاحُ الْجَسَدِ عَمْدًا مِنْ الْهَاشِمَةِ وَالْمُنَقِّلَةِ وَغَيْرِهِمَا كَالظُّفْرِ وَالْعَضُدِ وَالتَّرْقُوَةِ عِيَاضٌ: هُوَ بِفَتْحِ التَّاءِ وَضَمِّ الْقَافِ وَهُوَ عَظْمٌ أَعْلَى الصَّدْرِ الْمُتَّصِلِ بِالْعُنُقِ فَفِيهَا الْقِصَاصُ لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَعْظُمَ الْخَطَرُ، فَإِنْ عَظُمَ كَعِظَامِ أَعْلَى الصَّدْرِ وَالْعُنُقِ وَالصُّلْبِ وَالْفَخِذِ وَكَذَلِكَ الْقَطْعُ إنْ كَانَ مَخُوفًا فَلَا قِصَاصَ. قَالَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَكَذَا لَا قِصَاصَ فِي الْجَائِفَةِ وَلَوْ عَمْدًا وَهِيَ الَّتِي تَصِلُ إلَى الْجَوْفِ مِنْ الْبَطْنِ أَوْ مِنْ الظَّهْرِ وَلَوْ بِقَدْرِ مَدْخَلِ إبْرَةٍ، وَإِنَّمَا فِيهَا ثُلُثُ الدِّيَةِ كَمَا فِي الْخَطَأِ. ثُمَّ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَيُقْتَصُّ فِي الْيَدِ وَالرِّجْلِ وَالْعَيْنِ وَالْأَنْفِ وَالْأُذُنِ وَالسِّنِّ وَالذَّكَرِ وَالْأَجْفَانِ وَالشَّفَتَيْنِ وَفِي اللِّسَانِ رِوَايَتَانِ. وَفِيهَا إنْ كَانَ مُتْلِفًا لَمْ يُقَدْ مِنْهُ، وَفِيهَا فِي الْأُنْثَيَيْنِ: أَخَافُ أَنْ يَكُونَ مُتْلِفًا وَلَا أَدْرِي مَا قَوْلُ مَالِكٍ فِيهِ؟ وَبَعْدَ سُقُوطِ الْقِصَاصِ فِيمَا ذُكِرَ أَنَّهُ لَا قِصَاصَ فِيهِ يُنْظَرُ فَإِنْ بَرِئَ عَلَى غَيْرِ شَيْنٍ فَلَا شَيْءَ فِيهِ إلَّا الْأَدَبُ وَإِنْ بَرِئَ عَلَى شَيْنٍ فَفِيهِ الْأَدَبُ وَالْحُكُومَةُ مَعًا إلَّا الْجَائِفَةَ فَلَا يُزَادُ فِيهَا عَلَى ثُلُثِ الدِّيَةِ. وَلَوْ بَرِئَتْ عَلَى شَيْنٍ، وَهُوَ الْعَيْبُ. وَالْحُكُومَةُ (قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ) : وَمَعْنَى الْحُكُومَةِ أَنْ يُقَوَّمَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ عَبْدًا سَالِمًا بِعَشَرَةٍ مَثَلًا ثُمَّ يُقَوَّمَ مَعَ الْجِنَايَةِ بِتِسْعَةٍ، وَالتَّفَاوُتُ عَشَرَةٌ فَيَجِبُ عُشْرُ الدِّيَةِ وَذَلِكَ بَعْدَ انْدِمَالِ الْجُرْحِ فَلَوْ لَمْ يَبْقَ شَيْنٌ فَلَا شَيْءَ. اهـ وَسَيَأْتِي هَذَا لِلنَّاظِمِ. هَذَا كُلُّهُ فِي الْعَمْدِ الْمُشَارِ إلَيْهِ بِالْبَيْتِ الْأَوَّلِ مِنْ هَذِهِ الْأَبْيَاتِ عَلَى مَا فِيهِ مِنْ الْإِجْمَالِ، وَأَمَّا جِرَاحُ الْخَطَأِ فَلَا قِصَاصَ فِيهَا وَلَا أَدَبَ وَلَا إشْكَالَ ثُمَّ هِيَ عَلَى قِسْمَيْنِ، خَمْسَةٌ مِنْهَا فِيهِ شَيْءٌ مُقَدَّرٌ فَفِي الْمُوضِحَةِ وَتَقَدَّمَ تَفْسِيرُهَا نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ، وَفِي

الْمُنَقِّلَةِ عُشْرُ الدِّيَةِ وَنِصْفُ عُشْرِهَا وَفِي الْهَاشِمَةِ كَذَلِكَ وَفِي الْمَأْمُومَةِ ثُلُثُ الدِّيَةِ وَكَذَا فِي الْجَائِفَةِ وَمَا عَدَا هَذِهِ الْخَمْسَ إنْ بَرِئَ عَلَى غَيْرِ شَيْنٍ فَلَا شَيْءَ فِيهِ، وَمَا بَرِئَ عَلَى شَيْنٍ وَعَيْبٍ فَفِيهِ الْحُكُومَةُ، وَهِيَ تَقْدِيرُهُ عَبْدًا فَرْضًا وَتَقْدِيرًا وَيُقَوَّمُ سَالِمًا وَمَعِيبًا وَتُحْفَظُ نِسْبَةُ مَا بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ، وَتِلْكَ النِّسْبَةُ هِيَ اللَّازِمَةُ لِلْجَانِي مِنْ دِيَةِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ. وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: وَفِي جِرَاحِ الْخَطَأِ الْحُكُومَهْ ... وَخَمْسَةٌ دِيَتُهَا مَعْلُومَهْ أَيْ وَخَمْسَةٌ مِنْ جِرَاحِ الْخَطَأِ دِيَتُهَا أَيْ الْوَاجِبُ فِيهَا مَعْلُومٌ فِي الشَّرْعِ ثُمَّ فَسَّرَهَا وَذَكَرَ مَا يَجِبُ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا فَقَالَ: وَنِصْفُ عُشْرِ دِيَةٍ فِي الْمُوضِحَةِ إلَخْ فَالْمُوضِحَةُ الْأَوَّلَ اسْمٌ لِلْجُرْحِ وَمُوضِحَةُ آخِرِ الْبَيْتِ فَاعِلٌ مُؤَنَّثٌ أَيْ مُبِينَةٌ وَكَاشِفَةٌ لِعَظْمِ الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ. زَادَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَالشَّيْخُ خَلِيلٌ وَالْجَبْهَةِ. وَقَوْلُهُ: كَذَا الْمُنَقِّلَةُ عُشْرٌ بِهَا يَصِحُّ أَنْ يُقْرَأَ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَسُكُونِ الشِّينِ تَخْفِيفًا مِنْ ضَمٍّ، وَهُوَ جُزْءٌ مِنْ عَشْرٍ وَيَصِحُّ فَتْحُ الْعَيْنِ ضِعْفُ خَمْسَةٍ، وَكَذَا يَجُوزُ الْوَجْهَانِ فِي قَوْلِهِ نِصْفُ عُشْرٍ إلَّا أَنَّ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ إنَّمَا يَجْرِيَانِ فِي دِيَةِ الْإِبِلِ وَأَمَّا دِيَةُ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ فَلَا يَصِحُّ فِيهِمَا إلَّا بِضَمِّ الْعَيْنِ وَالشِّينِ، إلَّا أَنْ تُخَفَّفَ الشِّينُ بِالسُّكُونِ لِلْوَزْنِ، وَهَذَا أَوْلَى؛ لِيَجْرِيَ فِي الْجَمِيعِ. وَقَوْلُهُ مُعَدِّلَهْ. أَيْ أَنَّ الْعُشْرَ وَنِصْفَ الْعُشْرِ يَعْدِلُ جُرْحَ الْمُنَقِّلَةِ وَيُسَاوِي جِنَايَتَهَا، وَيَعْنِي بِالْمَوْضِعَيْنِ الرَّأْسَ وَالْجَبْهَةَ، وَمَعْنَى الْإِطْلَاقِ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّ ذَلِكَ الْمَذْكُورَ يَجِبُ فِيهَا، وَلَوْ صَغُرَتْ جِدًّا كَإِبْرَةٍ. (قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ) : وَالْمُوضِحَةُ مَا أَفْضَى إلَى الْعَظْمِ وَلَوْ بِقَدْرِ إبْرَةٍ، وَكَسْرَ مَفْعُولُ تَوَلَّتْ وَالْهَاشِمَةُ الْأُولَى فِي الْبَيْتِ اسْمٌ لِلْجُرْحِ وَهَاشِمَةٌ الثَّانِيَةُ اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ هَشَمَ إذَا كَسَرَ كَسْرًا بَلِيغًا ثُمَّ أَفَادَ أَنَّ فِي الْهَاشِمَةِ قَوْلَيْنِ آخَرَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْوَاجِبَ فِيهَا نِصْفُ الْعُشْرِ. الثَّانِي: الْحُكُومَةُ لَا غَيْرُ فَهِيَ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ مَشْهُورُهَا الْأَوَّلُ. وَقَوْلُهُ: وَمَا انْتَهَتْ لِلْجَوْفِ أَيْ وَصَلَتْ إلَيْهِ يَعْنِي إمَّا مِنْ الْبَطْنِ أَوْ مِنْ الظَّهْرِ وَمَا مَوْصُولَةٌ مُبْتَدَأٌ وَانْتَهَتْ صِلَتُهَا وَكَذَاكَ خَبَرُ مَا أَيْ فِيهَا ثُلُثُ الدِّيَةُ وَجُمْلَةُ وَهِيَ الْجَائِفَةُ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ الْمُبْتَدَأِ وَخَبَرِهِ. وَقَوْلُهُ: الْأُولَى أَيْ الْمَأْمُومَةُ مُبْتَدَأٌ وَكَاشِفَةٌ خَبَرُهُ وَالدِّمَاغَ مَفْعُولُ كَاشِفَةٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ هَذِهِ الْجِرَاحَاتِ فِي جِرَاحِ الرَّأْسِ مَا عَدَا الْجَائِفَةَ. وَقَوْلُهُ: وَلِاجْتِهَادِ حَاكِمٍ مَوْكُولٌ ... فِي غَيْرِهَا التَّأْدِيبُ وَالتَّنْكِيلُ يَعْنِي أَنَّ التَّأْدِيبَ وَالتَّنْكِيلَ مَوْكُولٌ إلَى اجْتِهَادِ الْحَاكِمِ فَيَرَى فِيهِ رَأْيَهُ بِقَدْرِ عِظَمِ الْجِنَايَةِ وَخِفَّتِهَا وَاعْتِيَادِ الْجَانِي لِذَلِكَ وَوُقُوعِهِ فَلْتَةً. وَضَمِيرُ وَغَيْرِهَا الْجِرَاحُ الْخَطَأُ وَغَيْرِهَا هِيَ جِرَاحُ الْعَمْدِ فَالْأَدَبُ إنَّمَا هُوَ فِي الْعَمْدِ لَا فِي الْخَطَأِ. (قَالَ فِي التَّوْضِيحِ) عَنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ: لَا بُدَّ فِي جِرَاحِ الْعَمْدِ مِنْ تَأْدِيبِ الْقَاضِي لِلْجَارِحِ اُقْتُصَّ مِنْهُ أَوْ لَمْ يُقْتَصَّ. اهـ وَقَوْلُهُ: وَجَعَلُوا الْحُكُومَةَ إلَخْ. لَمَّا قَدَّمَ ذِكْرَ الْحُكُومَةِ فِي قَوْلِهِ: وَفِي جِرَاحِ الْخَطَأِ الْحُكُومَهْ احْتَاجَ إلَى بَيَانِهَا فَذَكَرَهُ فِي هَذَيْنِ الْبَيْتَيْنِ وَالتَّقْوِيمَ مَفْعُولٌ لِجَعَلَ، وَفِي كَوْنِهِ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ فِي حَالِ كَوْنِهِ " وَحَالَةُ " فَاعِلُ " تَزِيدُ " أَيْ عَلَى حَالَةِ الْعَيْبِ يَأْخُذُهُ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ مِنْ الْجَانِي حَالَةَ كَوْنِهِ أَرْشًا لِجُرْحِهِ. وَلَفْظُهُ فِي الْمَنْهَجِ السَّالِكِ: فَمَا نَقَصَ مِنْ ثَمَنِهِ جُعِلَ جُزْءًا مِنْ دِيَتِهِ بَالِغًا مَا بَلَغَ. اهـ قَالَ الشَّارِحُ: وَلَوْ قَالَ: يَأْخُذُهُ أَرْشًا لِمَا قَدْ ذَامَهْ لَكَانَ أَكْثَرَ فَائِدَةً؛ لِأَنَّ (ذَامَهْ) مُرَادِفٌ لِ (عَابَهُ) . وَتَثْبُتُ الْجِرَاحُ لِلْمَالِ بِمَا ... يَثْبُتُ مَالِيُّ الْحُقُوقِ فَاعْلَمَا وَفِي ادِّعَاءِ الْعَفْوِ مِنْ وَلِيِّ دَمْ ... أَوْ مِنْ جَرِيحٍ الْيَمِينُ تُلْتَزَمْ اشْتَمَلَ الْبَيْتَانِ عَلَى مَسْأَلَتَيْنِ: (الْأُولَى) أَنَّ الْجِرَاحَ تَثْبُتُ بِمَا تَثْبُتُ بِهِ الْحُقُوقُ الْمَالِيَّةُ وَهُوَ عَدْلٌ أَوْ عَدْلٌ وَيَمِينٌ أَوْ امْرَأَتَانِ وَيَمِينٌ وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِالْبَيْتِ الْأَوَّلِ. (قَالَ فِي الْمُقَرَّبِ) : قُلْتُ: فَشَهَادَةُ النِّسَاءِ فِي الْقَتْلِ الْخَطَأِ وَجِرَاحَاتِ الْخَطَأِ أَتَجُوزُ؟ قَالَ: نَعَمْ وَكَذَلِكَ إنْ شَهِدْنَ مَعَ رَجُلٍ عَلَى مُنَقِّلَةٍ عَمْدًا أَوْ مَأْمُومَةٍ عَمْدًا جَازَتْ شَهَادَتُهُنَّ؛ لِأَنَّ الْمَأْمُومَةَ وَالْمُنَقِّلَةَ لَا قَوَدَ فِيهِمَا وَإِنَّمَا فِيهِمَا الدِّيَةُ. اهـ وَعَلَّلَ النَّاظِمُ ثُبُوتَ الْجِرَاحِ بِمَا تَثْبُتُ بِهِ الْحُقُوقُ الْمَالِيَّةُ بِكَوْنِ الْوَاجِبِ فِيهَا مَالًا؛ لِقَوْلِهِ: لِلْمَالِ. فَاللَّامُ لِلتَّعْلِيلِ يَتَعَلَّقُ بِ (تَثْبُتُ) وَيَخْرُجُ عَنْ ذَلِكَ جِرَاحُ الْعَمْدِ الَّتِي يَجِبُ فِيهَا الْقِصَاصُ

مَعَ أَنَّهَا تَثْبُتُ بِذَلِكَ أَيْضًا عَلَى مَا اسْتَحْسَنَهُ الْإِمَامُ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَلَوْ أَسْقَطَ النَّاظِمُ قَوْلَهُ: لِلْمَالِ. لَكَانَ أَشْمَلَ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ) : وَلَا قَسَامَةَ فِي الْجُرْحِ وَلَكِنْ مَنْ أَقَامَ شَاهِدًا عَدْلًا عَلَى جُرْحٍ عَمْدًا أَوْ خَطَأً فَلْيَحْلِفْ مَعَهُ يَمِينًا وَاحِدَةً يَقْتَصُّ فِي الْعَمْدِ وَيَأْخُذُ الْعَقْلَ فِي الْخَطَأِ. قِيلَ لِابْنِ الْقَاسِمِ لِمَ قَالَ مَالِكٌ ذَلِكَ فِي جِرَاحِ الْعَمْدِ وَلَيْسَتْ بِمَالٍ؟ قَالَ: كَلَّمْتُ مَالِكًا فِي ذَلِكَ فَقَالَ: إنَّهُ لَشَيْءٌ اسْتَحْسَنَّاهُ وَمَا سَمِعْتُ فِيهِ شَيْئًا. اهـ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) مِمَّا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ الْبَيْتَانِ، وَإِلَيْهَا أَشَارَ بِالْبَيْتِ الثَّانِي أَنَّ الْقَاتِلَ إذَا ادَّعَى عَلَى وَلِيِّ الْمَقْتُولِ أَنَّهُ عَفَا عَنْهُ، وَأَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ذَلِكَ فَإِنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ تَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ الْيَمِينُ أَنَّهُ لَمْ يَعْفُ عَنْهُ وَيَبْقَى عَلَى حَقِّهِ، وَلَهُ أَنْ يَقْلِبَ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعِي لِلْعَفْوِ فَيَحْلِفُ وَيَبْرَأُ. (قَالَ فِي الْمُقَرَّبِ) : فَإِنْ ادَّعَى الْقَاتِلُ أَنَّ وَلِيَّ الدَّمِ عَفَا عَنْهُ، أَيَكُونُ لَهُ أَنْ يُحَلِّفَهُ؟ قَالَ: نَعَمْ وَلَهُ أَنْ يَرُدَّ الْيَمِينَ عَلَى الْقَاتِلِ. اهـ وَلَمْ يَنْقُلْ الشَّارِحُ فِقْهًا عَلَى دَعْوَى الْجَارِحِ عَلَى الْمَجْرُوحِ الْعَفْوَ عَنْهُ، وَهُوَ فِي النَّظْمِ صَرِيحًا. وَقَوْلُهُ: أَوْ مِنْ جَرِيحٍ عَطْفٌ عَلَى وَلِيٍّ. (تَنْبِيهٌ) اُسْتُشْكِلَ تَوَجُّهُ الْيَمِينِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْعَفْوَ عَنْ الْقِصَاصِ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِعَدْلَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ وَلَا يَئُولُ إلَى الْمَالِ، وَمَا كَانَ كَذَلِكَ لَا تَتَوَجَّهُ فِيهِ الْيَمِينُ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى بَلْ إذَا أَقَامَ الْمُدَّعِي شَاهِدًا فَحِينَئِذٍ تَتَوَجَّهُ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ؛ لِرَدِّ شَهَادَةِ الشَّاهِدِ، كَدَعْوَى الْمَرْأَةِ الطَّلَاقَ وَالْعَبْدِ الْعِتْقَ. الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ دَعْوَى الْعَفْوِ مِنْ دَعْوَى التَّبَرُّعِ، وَقَدْ قَدَّمَ النَّاظِمُ فِيهَا فِي بَابِ الْيَمِينِ أَنَّ دَعْوَى التَّبَرُّعِ لَا تُوجِبُ يَمِينًا إلَّا إذَا كَانَ الْمُدَّعَى فِيهِ تَحْتَ يَدِ الْمُدَّعِي، أَوْ فِي دَعْوَى الْإِقَالَةِ عَلَى قَوْلِ ابْنِ عَتَّابٍ (وَأُجِيبَ) عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ تَوَجُّهَ الْيَمِينِ احْتِيَاطًا إذْ قَدْ يَكُونُ الْوَلِيُّ عَفَا ثُمَّ بَدَا لَهُ، وَأَرَادَ أَنْ يَقْتَصَّ فَاحْتِيطَ بِالْيَمِينِ لِعِظَمِ أَمْنِ النَّفْسِ. (قُلْتُ) : وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُجَابَ عَنْ الثَّانِي بِأَنَّهُ فِي مَعْنَى مَنْ ادَّعَى التَّبَرُّعَ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ تَحْتَ يَدِهِ، كَمَا قَالَ النَّاظِمُ فِي بَابِ الْيَمِينِ: أَلَمْ يَكُنْ فِي الْحَالِ عِنْدَ الْمُدَّعِي. وَقَوَدٌ فِي الْقَطْعِ لِلْأَعْضَاءِ ... فِي الْعَمْدِ مَا لَمْ يُفْضِ لِلْفَنَاءِ وَالْخَطَأُ الدِّيَةُ فِيهِ تُقْتَفَى ... بِحَسَبِ الْعُضْوِ الَّذِي قَدْ أُتْلِفَا وَدِيَةٌ كَامِلَةٌ فِي الْمُزْدَوِجْ ... وَنِصْفُهَا فِي وَاحِدٍ مِنْهُ انْتُهِجْ وَفِي اللِّسَانِ كَمُلَتْ وَالذَّكَرِ ... وَالْأَنْفِ وَالْعَقْلِ وَعَيْنِ الْأَعْوَرِ وَفِي الْإِزَالَةِ لِسَمْعٍ أَوْ بَصَرْ ... وَالنِّصْفُ فِي النِّصْفِ وَشَمٌّ كَالنَّظَرْ وَالنُّطْقُ وَالصَّوْتُ كَذَا الذَّوْقُ وَفِي ... إذْهَابِ قُوَّةِ الْجِمَاعِ ذَا اُقْتُفِيَ وَكُلُّ سِنٍّ فِيهِ مِنْ جِنْسِ الْإِبِلْ ... خَمْسٌ وَفِي الْأُصْبُعِ ضِعْفُهَا جُعِلْ تَكَلَّمَ فِي الْأَبْيَاتِ عَلَى الْوَاجِبِ فِي قَطْعِ الْأَعْضَاءِ كَالْيَدِ وَالرِّجْلِ فَأَخْبَرَ أَنَّهُ إنْ كَانَ عَلَى وَجْهِ الْعَمْدِ فَفِيهِ الْقِصَاصُ مَا لَمْ يَكُنْ مِنْ الْمَتَالِفِ. وَعَنْ ذَلِكَ عَبَّرَ بِيُفْضِ أَيْ يَئُولُ إلَى الْفَنَاءِ أَيْ الْمَوْتِ، فَإِنْ كَانَ مِنْهَا كَالْفَخِذِ وَاللِّسَانِ وَالْأُنْثَيَيْنِ فَلَا قِصَاصَ ثُمَّ إنْ كَانَ فِيهِ شَيْءٌ مُقَدَّرٌ كَاللِّسَانِ وَالْأُنْثَيَيْنِ وَقَطْعِ الرِّجْلِ وَالْفَخِذَ أَوْ كَسْرِهِ مِنْهُ فَذَلِكَ هُوَ الْوَاجِبُ عَلَى الْجَانِي مَعَ الْأَدَبِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ شَيْءٌ مُقَدَّرٌ فَالْحُكُومَةُ مَعَ الْأَدَبِ أَيْضًا، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِالْبَيْتِ الْأَوَّلِ. وَإِنْ كَانَ قَطْعُ الْعُضْوِ عَلَى وَجْهِ الْخَطَأِ فَيُقْتَفَى فِيهِ وَيُتَّبَعُ مَا وَرَدَ عَنْ الشَّارِعِ فِي ذَلِكَ الْعُضْوِ الَّذِي قَدْ أُتْلِفَ بِقَطْعِهِ وَإِبَانَتِهِ. وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ:

وَالْخَطَأُ الدِّيَةُ فِيهِ تُقْتَفَى (الْبَيْتَ) وَفِيهِ إجْمَالٌ فَسَّرَهُ بِقَوْلِهِ: إنَّ كُلَّ مَا فِي الْإِنْسَانِ مِنْ الْمُزْدَوِجِ كَالْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ وَالْعَيْنَيْنِ وَالْأُذُنَيْنِ، فَإِنَّ فِي إتْلَافِهِمَا مَعًا الدِّيَةَ كَامِلَةً. وَفِي إتْلَافِ أَحَدِهِمَا نِصْفُ الدِّيَةِ كَقَطْعِ الْيَدِ الْوَاحِدَةِ أَوْ ذَهَابِ بَصَرِ إحْدَى الْعَيْنَيْنِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَمَعْنَى اُنْتُهِجَ أَيْ سُلِكَ وَاتُّبِعَ وَتَجِبُ الدِّيَةُ كَامِلَةً أَيْضًا فِي قَطْعِ اللِّسَانِ، وَفِي قَطْعِ الذَّكَرِ وَالْأَنْفِ وَفِي الْعَقْلِ إذَا ضَرَبَهُ فَزَالَ عَقْلُهُ وَفِي عَيْنِ الْأَعْوَرِ وَإِنْ كَانَتْ مِنْ الْمُزْدَوِجِ لِلسُّنَّةِ، وَكَذَلِكَ تَجِبُ فِي ذَهَابِ السَّمْعِ أَوْ الْبَصَرِ كُلِّهِ وَيَجِبُ نِصْفُ الدِّيَةِ فِي ذَهَابِ نِصْفِ السَّمْعِ أَوْ نِصْفِ الْبَصَرِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: وَالنِّصْفُ فِي النِّصْفِ. وَذَهَابُ الشَّمِّ كَذَهَابِ الْبَصَرِ، إنْ ذَهَبَ كُلُّهُ وَجَبَتْ فِيهِ الدِّيَةُ كَامِلَةً، وَإِنْ ذَهَبَ نِصْفُهُ وَجَبَ فِيهِ نِصْفُ الدِّيَةِ، وَكَذَا تَجِبُ الدِّيَةُ فِي ذَهَابِ النُّطْقِ وَالصَّوْتِ وَالذَّوْقِ وَذَهَابِ قُوَّةِ الْجِمَاعِ. وَيَجِبُ فِي كُلِّ سِنٍّ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ، وَفِي كُلِّ أُصْبُعٍ عَشْرٌ. وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ أَنَّ الدِّيَةَ تَجِبُ كَامِلَةً فِي اثْنَيْ عَشَرَ مِنْ الْأَعْضَاءِ، وَفِي عَشْرِ مَنَافِعَ، فَقَالَ: وَالْمُقَدَّرُ مِنْ الْأَعْضَاءِ اثْنَا عَشَرَ: الْأُذُنَانِ عَلَى الْأَصَحِّ وَالْعَيْنَانِ وَفِي عَيْنِ الْأَعْوَرِ الدِّيَةُ كَامِلَةً، بِخِلَافِ كُلِّ زَوْجٍ فِي الْإِنْسَانِ؛ لِمَا جَاءَ فِي السُّنَّةِ، وَالْأَنْفُ مِنْ أَصْلِهِ أَوْ مَارِنِهِ عَلَى الْأَصَحِّ وَالشَّفَتَانِ وَلِسَانُ النُّطْقِ، فَإِنْ قُطِعَ مِنْهُ مَا لَا يَمْنَعُ مِنْ النُّطْقِ شَيْئًا فَحُكُومَةٌ، وَالْأَسْنَانُ فِي كُلِّ سِنٍّ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ، وَأَمَّا الْعَمْدُ فَالْقِصَاصُ، وَالْيَدَانِ مِنْ الْعَضُدِ إلَى الْأَصَابِعِ قَطْعًا أَوْ شَلَلًا فَيَنْدَرِجُ مَا زَادَ عَلَى الْأَصَابِعِ، وَفِي كُلِّ أُصْبُعٍ عَشْرٌ، وَفِي كُلِّ أُنْمُلَةٍ ثُلُثُ الْعُشْرِ، إلَّا فِي الْإِبْهَامِ فَنِصْفُهُ، وَالثَّدْيَانِ مِنْ الْمَرْأَةِ وَحَلَمَتُهُمَا مِثْلُهُمَا إنْ بَطَلَ اللَّبَنُ، وَالذَّكَرُ وَالْأُنْثَيَانِ، وَمَهْمَا قَطَعَ أَحَدَهُمَا فَدِيَةٌ، وَالشَّفْرَانِ إذَا بَدَا الْعَظْمُ، وَالرِّجْلَانِ كَالْيَدَيْنِ أَيْ فِيهِمَا الدِّيَةُ مِنْ الْأَصَابِعِ وَمِنْ الْوَرِكِ، وَيَنْدَرِجُ مَا فَوْقَ الْأَصَابِعِ قَطْعًا أَوْ شَلَلًا. ثُمَّ قَالَ: وَالْمُقَدَّرُ مِنْ الْمَنَافِعِ عَشْرٌ الْعَقْلُ وَالسَّمْعُ وَالْبَصَرُ وَالشَّمُّ وَالنُّطْقُ وَالصَّوْتُ وَالذَّوْقُ وَقُوَّةُ الْجِمَاعِ وَيَحْلِفُ وَالْإِفْضَاءُ وَالْقِيَامُ وَالْجُلُوسُ. انْتَهَى بِاخْتِصَارٍ. (تَنْبِيهٌ) تَقَدَّمَ أَنَّ الْمَنَافِعَ الَّتِي يَجِبُ فِيهَا الدِّيَةُ: الْعَقْلُ، فَلَوْ زَالَ بِمَا فِيهِ دِيَةٌ تَعَدَّدَتْ، وَذَلِكَ كَمَا إذَا قَطَعَ يَدَيْهِ فَجُنَّ فَعَلَيْهِ دِيَتَانِ، وَلَكِنَّ التَّعَدُّدَ مُقَيَّدٌ بِأَنْ يَكُونَ مَا زَالَ الْعَقْلُ بِسَبَبِهِ فِي غَيْرِ مَحَلِّ الْعَقْلِ، أَمَّا لَوْ كَانَ فِي مَحَلِّهِ، كَمَا لَوْ أَصَمَّهُ أَوْ جَدَعَ أَنْفَهُ فَزَالَ عَقْلُهُ، وَقُلْنَا: إنَّ مَحَلَّهُ الدِّمَاغُ. فَلَيْسَ لَهُ إلَّا دِيَةُ الْعَقْلِ. (قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ) : وَإِنْ أُصِيبَ بِمَأْمُومَةٍ، فَذَهَبَ مِنْهَا عَقْلُهُ فَلَهُ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ أَيْ الَّذِي يَقُولُ: إنَّ مَحَلَّ الْعَقْلِ الْقَلْبُ دِيَةُ الْعَقْلِ، وَدِيَةُ الْمَأْمُومَةِ، وَلَا يَدْخُلُ بَعْضُ ذَلِكَ فِي بَعْضٍ؛ إذْ لَيْسَ الرَّأْسُ عِنْدَهُ مَحَلًّا لِلْعَقْلِ، كَمَنْ أَذْهَبَ سَمْعَ رَجُلٍ، وَفَقَأَ عَيْنَهُ فِي ضَرْبَةٍ، أَيْ فَعَلَيْهِ دِيَتَانِ، وَعَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّ مَحَلَّهُ الرَّأْسُ، إنَّمَا لَهُ دِيَةُ الْعَقْلِ، وَلَا شَيْءَ لَهُ فِي الْمَأْمُومَةِ، كَمَنْ أَذْهَبَ بَصَرَ رَجُلٍ، وَفَقَأَ عَيْنَيْهِ فِي ضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ. (قَالَ فِي التَّوْضِيحِ) : وَمَذْهَبُ مَالِكٍ أَنَّ مَحَلَّهُ الْقَلْبُ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الشَّرْعِ. وَمَذْهَبُ عَبْدِ الْمَلِكِ وَأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ مَحَلَّهُ الرَّأْسُ وَهُوَ مَذْهَبُ أَكْثَرِ الْفَلَاسِفَةِ. اهـ وَإِلَى هَذَا التَّفْصِيلِ فِيمَا تَتَعَدَّدُ فِيهِ الدِّيَةُ، وَمَا لَا أَشَارَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ بِقَوْلِهِ: وَتَعَدَّدَتْ الدِّيَةُ بِتَعَدُّدِهَا إلَّا الْمَنْفَعَةَ بِمَحَلِّهَا. وَتَقَدَّمَ أَيْضًا أَنَّ مِنْ الْمَنَافِعِ الشَّمَّ. (قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ) : وَيَنْدَرِجُ فِي الْأَنْفِ كَالْبَصَرِ مَعَ الْعَيْنِ وَالسَّمْعِ مَعَ الْأُذُنِ. (قَالَ فِي التَّوْضِيحِ) : فَإِنْ قَطَعَ أَنْفَهُ، وَأَذْهَبَ شَمَّهُ فَدِيَةٌ وَاحِدَةٌ. وَيَنْدَرِجُ الشَّمُّ فِي الْأَنْفِ كَمَا يَنْدَرِجُ الْبَصَرُ فِي الْعَيْنِ، وَكَمَا يَنْدَرِجُ السَّمْعُ فِي الْأُذُنِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ ثُمَّ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَفِي الصَّوْتِ الدِّيَةُ. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: النُّطْقُ أَخَصُّ مِنْ الصَّوْتِ. اهـ وَالْكَلَامُ أَخَصُّ مِنْ النُّطْقِ فَكُلُّ كَلَامٍ نُطْقٌ وَصَوْتٌ وَكُلُّ نُطْقٍ صَوْتٌ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: أَمَّا لَوْ ذَهَبَ النُّطْقُ وَالصَّوْتُ دُفْعَةً وَاحِدَةً فَدِيَةٌ وَاحِدَةٌ.

باب التوارث والفرائض

وَدِيَةُ الْجُرُوحِ فِي النِّسَاءِ ... كَدِيَةِ الرِّجَالِ بِالسَّوَاءِ إلَّا إذَا زَادَتْ عَلَى ثُلْثِ الدِّيَهْ ... فَمَا لَهَا مِنْ بَعْدِ ذَاكَ تَسْوِيَهْ يَعْنِي أَنَّ لِلْمَرْأَةِ دِيَةً فِي الْجُرُوحِ كَدِيَةِ الرَّجُلِ، حَتَّى تَبْلُغَ ثُلُثَ دِيَةِ الرَّجُلِ، فَإِذَا بَلَغَتْ ذَلِكَ رَجَعَتْ إلَى حِسَابِ دِيَتِهَا، فَمَنْ قَطَعَ لَهَا أُصْبُعًا فَعَلَيْهِ عَشْرَةٌ مِنْ الْإِبِلِ، وَفِي أُصْبُعَيْنِ عِشْرُونَ، وَفِي ثَلَاثَةٍ ثَلَاثُونَ، فَإِذَا قَطَعَ لَهَا أَرْبَعًا فَعَلَيْهِ عِشْرُونَ؛ لِأَنَّ دِيَتَهَا عَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَةِ الرَّجُلِ. (قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ) : الْمَرْأَةُ تُعَاقِلُ الرَّجُلَ فِي الْجِرَاحِ إلَى ثُلُثِ دِيَتِهِ لَا تَسْتَكْمِلُهُ، فَإِذَا بَلَغَتْ ذَلِكَ رَجَعَتْ إلَى عَقْلِ نَفْسِهَا. وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ أَنَّ لَهَا فِي ثَلَاثَةِ أَصَابِعَ وَنِصْفِ أُنْمُلَةٍ أَحَدًا وَثَلَاثِينَ بَعِيرًا، وَثُلُثَيْ بَعِيرٍ، وَالرَّجُلُ فِي هَذَا وَهِيَ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَبْلُغْ ثُلُثَ دِيَةِ الرَّجُلِ الَّذِي هُوَ ثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ وَثُلُثٌ. ثُمَّ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: إنْ أُصِيبَتْ مِنْهَا ثَلَاثَةُ أَصَابِعَ وَأُنْمُلَةٍ رَجَعَتْ إلَى عَقْلِهَا، فَكَانَ لَهَا فِي ذَلِكَ سِتَّةَ عَشَرَ بَعِيرًا وَثُلُثَا بَعِيرٍ أَيْ؛ لِأَنَّ فِي ثَلَاثَةِ أَصَابِعَ وَأُنْمُلَةٍ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَثُلُثًا، وَذَلِكَ ثُلُثُ دِيَةِ الرَّجُلِ، وَهِيَ لَا تُسَاوِيهِ فِي الثُّلُثِ بَلْ فِيمَا دُونَهُ، فَتَرْجِعَ لِدِيَتِهَا، فَيَكُونَ لَهَا فِي كُلِّ أُصْبُعٍ مِنْ الثَّلَاثِ خَمْسٌ، وَفِي الْأُنْمُلَةِ بَعِيرٌ وَثُلُثَا بَعِيرٍ، وَكَذَلِكَ مَأْمُومَتُهَا وَجَائِفَتُهَا، إنَّمَا لَهَا فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا سِتَّةَ عَشَرَ بَعِيرًا وَثُلُثَا بَعِيرٍ. اهـ وَنَحْوَهُ فِي ابْنِ الْحَاجِبِ وَزَادَ وَالْمُوضِحَةُ وَالْمُنَقِّلَةُ كَالرَّجُلِ لِأَنَّ دِيَتَهَا أَقَلُّ مِنْ ثُلُثِ دِيَةِ الرَّجُلِ. (قَالَ فِي التَّوْضِيحِ) : وَلَمَّا كَانَ هَذَا الْحُكْمُ يَسْتَشْكِلُهُ الذِّهْنُ بِأَوَّلِ وَهْلَةٍ أَتْبَعَهُ بِالدَّلِيلِ عَلَيْهِ، فَقَالَ: وَهُوَ إجْمَاعُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ. وَرَوَى مَالِكٌ عَنْ رَبِيعَةَ: سَأَلْتُ ابْنَ الْمُسَيِّبِ كَمْ فِي ثَلَاثَةِ أَصَابِعَ مِنْ الْمَرْأَةِ؟ فَقَالَ: ثَلَاثُونَ. فَقُلْتُ: فَكَمْ فِي أَرْبَعٍ؟ فَقَالَ: عِشْرُونَ. فَقُلْتُ: حِينَ عَظُمَ جُرْحُهَا نَقَصَ عَقْلُهَا؟ فَقَالَ: أَعِرَاقِيُّ أَنْتَ؟ فَقُلْتُ: بَلْ عَالِمٌ. مُتَثَبِّتٌ أَوْ جَاهِلٌ مُتَعَلِّمٌ. فَقَالَ: هِيَ السُّنَّةُ يَا ابْنَ أَخِي. (قَالَ فِي التَّوْضِيحِ) عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ قَوْلُ ابْنِ الْمُسَيِّبِ هِيَ السُّنَّةُ. يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَرْسَلَهُ عَنْ النَّبِيِّ. - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (فَائِدَةٌ) قَالَ ابْنُ رُشْدٍ سَبَبُ مُعَاقَلَةِ الْمَرْأَةِ الرَّجُلَ إلَى ثُلُثِ دِيَتِهِ وقَوْله تَعَالَى {اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ} [الرعد: 8] وَمَعْنَى مَا تَغِيضُ مَا تَنْقُصُ مِنْ التِّسْعَةِ أَشْهُرٍ إلَى سِتَّةٍ، وَمَعْنَى مَا تَزْدَادُ: عَلَى التِّسْعَةِ أَشْهُرٍ إلَى تَمَامِ السَّنَةِ. وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ النُّطْفَةَ تَبْقَى فِي الرَّحِمِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا بَيْضَاءَ، ثُمَّ تَكُونُ عَلَقَةً أَرْبَعِينَ أُخْرَى، ثُمَّ تَكُونُ مُضْغَةً أَرْبَعِينَ أُخْرَى، فَهَذِهِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ لَمْ يُمَيَّزْ فِيهَا الذَّكَرُ مِنْ الْأُنْثَى، وَبَعْدَهَا يَتَمَيَّزُ، فَإِذَا سَمَّيْتَ الْأَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ مِنْ السَّنَةِ تَجِدُهَا ثُلُثًا؛ فَلِذَلِكَ تُعَاقِلُ الرَّجُلَ إلَى ثُلُثِ دِيَتِهِ، ثُمَّ تَرْجِعُ لِدِيَتِهَا. اهـ وَظَاهِرُ قَوْلِهِ: إلَّا إذَا زَادَتْ عَلَى ثُلُثِ الدِّيَةِ. أَنَّ ثُلُثَ نَفْسِهِ مِنْ حَيِّزِ الْيَسِيرِ فَلَا تَرْجِعُ فِيهِ لِدِيَتِهَا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ إذَا بَلَغَتْهُ رَجَعَتْ لِدِيَتِهَا كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا، فَلَوْ قَالَ: إلَّا إذَا وَصَلَتْ إلَى ثُلُثِ الدِّيَةِ. لَكَانَ مُوَافِقًا لِلنَّقْلِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [بَابُ التَّوَارُثِ وَالْفَرَائِضِ] ِ التَّوَارُثُ: تَفَاعُلٌ مِنْ وَرِثَ وَالْمِيرَاثُ: مَا صَارَ لِلْإِنْسَانِ بَعْدَ مَوْتِ آخَرَ وَالْفَرَائِضُ: جَمْعُ فَرِيضَةٍ قَالَ ابْنُ خَرُوفٍ: الْمِيرَاثُ مِفْعَالٌ مِنْ وَرِثَ يَرِثُ وِرْثًا، وَوِرَاثَةً وَالْإِرْثُ: اسْمُ الشَّيْءِ الْمَوْرُوثِ، وَهَمْزَتُهُ مُنْقَلِبَةٌ عَنْ وَاوٍ كَأَشَاحَ، وَسُمِّيَ الْمَالُ الْمَتْرُوكُ مِيرَاثًا، لِأَنَّهُ لَا يَبْقَى بَعْدَ صَاحِبِهِ، وَكَذَلِكَ الْوَرَثَةُ لِبَقَائِهِمْ بَعْدَ الْمَيِّتِ، وَلِأَخْذِهِمْ الْإِرْثَ، وَالْفَرَائِضُ: جَمْعُ فَرِيضَةٍ مِنْ وقَوْله تَعَالَى {فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: 237] أَيْ قَدَّرْتُمْ وَأَوْجَبْتُمْ يُقَالُ: فَرَضْتُ الشَّيْءَ أَوْ فَرَضَهُ أَيْ أَوْجَبْتُهُ وَالْفَرَائِضُ لَقَبًا: هُوَ الْعِلْمُ بِمَنْ يَسْتَحِقُّ مِمَّا خَلَّفَهُ الْمَيِّتُ مِنْ

مَالٍ، أَوْ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ بَعْضُهُ، أَوْ كُلُّهُ عَلَى جِهَةِ الْإِرْثِ وَبِذَلِكَ الْمُسْتَحَقِّ مِنْ بَعْضٍ أَوْ كُلٍّ وَبِالطَّرِيقِ الْعَمَلِيِّ الْمُوَصِّلِ إلَى ذَلِكَ، فَالْعِلْمُ جِنْسٌ وَقَوْلُنَا بِمَنْ يَسْتَحِقُّ هَذَا هُوَ تَعْيِينُ الْوَارِثِينَ مِنْ الرِّجَالِ، وَالنِّسَاءِ. وَقَوْلُنَا: وَبِذَلِكَ الْمُسْتَحَقِّ هَذَا هُوَ تَعْيِينُ مِيرَاثِ كُلِّ وَارِثٍ وَقَوْلُنَا: مِنْ مَالٍ أَوْ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ احْتِرَازًا مِمَّنْ يَسْتَحِقُّ وَلَايَةَ النِّكَاحِ، وَالْقِيَامَ بِالدَّمِ، وَالْحَضَانَةَ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَيْسَ مِنْ وَظِيفَةِ الْفَرَضِيِّ وَقَوْلُنَا: وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِثْلُ الْحَالَةِ، وَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَقَوْلُنَا: عَلَى جِهَةِ الْإِرْثِ احْتِرَازًا مِمَّنْ يَسْتَحِقُّ مِنْ التَّرِكَةِ دَيْنًا أَوْ وَصِيَّةً فَإِنَّ هَذَا وَظِيفَةُ الْفَقِيهِ وَلَا كَلَامَ لِلْفَرْضِيِّ فِيهِ، وَدَخَلَ فِي هَذَا الْحَدِّ مَنْ يَرِثُ أَمْوَالَ الْمُرْتَدِّينَ، وَالزَّنَادِقَةِ وَأَهْلِ الذِّمَّةِ، وَكُلُّ هَذَا مِنْ وَظِيفَةِ الْفَرَضِيِّ. وَلَمْ نَحْتَجْ فِي الْحَدِّ إلَى التَّنْبِيهِ عَلَى الْحَجْبِ لِأَنَّ مَنْ حُجِبَ عَنْ الْجَمِيعِ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا بِالْمِيرَاثِ وَسَوَاءٌ كَانَ حَجْبُهُ بِسَبَبٍ، أَوْ بِنَسَبٍ. وَتَسْمِيَةُ هَذَا الْفَنِّ بِعِلْمِ الْفَرَائِضِ: اصْطِلَاحِيَّةٌ، وَهِيَ أَخَصُّ مِنْ اللُّغَةِ فَإِنَّ الْفَرَائِضَ إذَا أُطْلِقَتْ تَدْخُلُ فِيهَا الْوَاجِبَاتُ عَلَى اخْتِلَافِ أَنْوَاعِهَا مُقَدَّرَةً. لَكِنْ فِي عُرْفِ الِاسْتِعْمَالِ خَصَّصَهَا بِعِلْمِ الْمَوَارِيثِ، كَمَا خُصِّصَ لَفْظُ الْفِقْهِ بِعِلْمِ الْمَسَائِلِ الَّتِي تَدُورُ الْفَتَاوَى، وَالْأَقْضِيَةُ عَلَيْهَا، أَوْ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِدَوَرَانِ لَفْظِ الْفَرْضِ عَلَى أَلْسِنَةِ الْفُرَّاضِ، كَمَا سُمِّيَ عِلْمُ الْعَرُوضِ بِعِلْمِ الْعَرُوضِ لِدَوَرَانِ لَفْظِ الْعَرُوضِ عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ. الْإِرْثُ يُسْتَوْجَبُ شَرْعًا وَوَجَبْ ... بِعِصْمَةٍ أَوْ بِوَلَاءٍ أَوْ نَسَبْ جَمِيعُهَا أَرْكَانُهُ ثَلَاثَهْ ... مَالٌ وَمِقْدَارٌ وَذُو الْوَرَثَهْ يَعْنِي أَنَّ الْإِرْثَ يُسْتَوْجَبُ وَيُسْتَحَقُّ بِالشَّرْعِ بِمَعْنَى أَنَّ الْإِرْثَ يَجِبُ لِلْوَارِثِ وَيَسْتَحِقُّهُ بِالشَّرْعِ وَبَنَى يُسْتَوْجَبُ لِلْمَجْهُولِ لِلْعِلْمِ بِأَنَّ الَّذِي أَوْجَبَهُ لَهُ هُوَ الشَّرْعُ وَالْمُرَادُ بِالشَّرْعِ هُنَا: أُصُولُ الْأَحْكَامِ الَّتِي مِنْهَا تُتَلَقَّى وَهِيَ الْكِتَابُ، وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ، وَالْقِيَاسُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ وَوَجَبْ بِعِصْمَةٍ إلَخْ إلَى أَنَّ أَسْبَابَ الْإِرْثِ ثَلَاثَةٌ: الْعِصْمَةُ، أَيْ عِصْمَةُ النِّكَاحِ، وَالْوَلَاءُ، وَالنَّسَبُ وَهُوَ: الرَّحِمُ فَأَمَّا النِّكَاحُ فَالْمُرَادُ بِهِ: عَقْدُهُ دَخَلَ أَوْ لَمْ يَدْخُلْ وَهَذَا إذَا كَانَ صَحِيحًا وَأَمَّا الْفَاسِدُ فَإِنْ كَانَ مُتَّفَقًا عَلَى فَسَادِهِ كَنِكَاحِ ذَاتِ مَحْرَمٍ بِنَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ أَوْ خَامِسَةٍ فَلَا مِيرَاثَ فِيهِ دَخَلَ أَوْ لَمْ يَدْخُلْ، وَأَمَّا الْمُخْتَلَفُ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِي صِحَّتِهِ وَفَسَادِهِ كَنِكَاحِ الشِّغَارِ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: مَشْهُورُهَا أَنَّ فِيهِ الْإِرْثَ مَا لَمْ يُفْسَخْ إلَّا نِكَاحَ الْمَرِيضِ فَلَا إرْثِ فِيهِ وَإِنْ كَانَ مُخْتَلَفًا فِيهِ لِأَنَّ فَسَادَهُ مِنْ جِهَةِ إرْثِهِ فَثُبُوتُ الْإِرْثِ فِيهِ تَتْمِيمٌ لِلْغَرَضِ الْفَاسِدِ مِنْ إدْخَالِ الْوَارِثِ، وَأَمَّا الْوَلَاءُ فَيَعْنِي بِهِ النِّسْبَةَ الَّتِي يُحْدِثُهَا الْعِتْقُ بَيْنَ الْمُعْتَقِ، وَقَرَابَتِهِ، وَمَوَالِيهِ الْأَعْلَيْنَ، وَبَيْنَ الْمُعْتَقِ وَمَنْ لِلْمُعْتَقِ عَلَيْهِ وِلَادَةٌ أَوْ وَلَاءٌ هَذَا هُوَ السَّبَبُ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ بِالْوَلَاءِ وَمِنْهُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ» وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى الْمِيرَاثِ كَقَوْلِهِمْ: الْوَلَاءُ لِلْأَقْعَدِ. وَقَوْلُهُمْ: الِابْنُ أَوْلَى بِالْوَلَاءِ مِنْ الْأَبِ وَدَلِيلُ إرَادَةِ الْإِرْثِ لَا النِّسْبَةِ لِأَنَّ النِّسْبَةَ لَا تَتَبَدَّلُ عَنْ حَالِهَا وَلَا تَنْتَقِلُ بَعْدَ وُجُوبِهَا. وَالسَّبَبُ الثَّالِثُ: النَّسَبُ وَيُقَالُ فِيهِ الْقَرَابَةُ، وَالرَّحِمُ وَهِيَ: الْبُنُوَّةُ، وَالْأُمُومَةُ، وَالْجُدُودَةُ، وَالْأُخُوَّةُ، وَالْعُمُومَةُ وَإِنَّمَا يَجِبُ الْإِرْثُ بِذَلِكَ إذَا ثَبَتَتْ الْقَرَابَةُ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ بِالْإِقْرَارِ حَيْثُ يَصِحُّ حَسْبَمَا هُوَ مَذْكُورٌ مَحَلَّهُ وَقَدْ تَجْتَمِعُ الثَّلَاثَةُ فَيَكُونُ الرَّجُلُ زَوْجَ الْمَرْأَةِ وَمَوْلَاهَا وَابْنَ عَمِّهَا وَقَدْ يَجْتَمِعُ اثْنَانِ مِثْلَ أَنْ يَكُونَ مَوْلَاهَا، وَزَوْجَهَا أَوْ زَوْجَهَا، وَابْنَ عَمِّهَا وَعَبَّرَ بَعْضُهُمْ عَنْ أَسْبَابِ الْإِرْثِ فَقَالَ التَّوَارُثُ يَكُونُ بِشَيْئَيْنِ نَسَبٌ وَسَبَبٌ فَالنَّسَبُ: الْبُنُوَّةُ إلَى

فصل في ذكر عدد الوارثين

آخِرِهَا وَالسَّبَبُ: النِّكَاحُ، وَالْوَلَاءُ. (تَنْبِيهٌ) . بَقِيَ عَلَى النَّاظِمِ سَبَبَانِ آخَرَانِ وَهُمَا: الْمِلْكُ، وَالْإِسْلَامُ فَأَمَّا الْمِلْكُ فَإِنَّ الْعَبْدَ عِنْدَنَا يَمْلِكُ وَلِذَلِكَ جَازَ لَهُ أَنْ يَطَأَ بِالْمِلْكِ فَمَالُهُ مِلْكٌ لَهُ مَا لَمْ يَنْتَزِعْهُ السَّيِّدُ فَإِذَا مَاتَ الْعَبْدُ قَبْلَ أَنْ يَنْتَزِعَ السَّيِّدُ مَالَهُ فَقَدْ مَاتَ وَمَالُهُ مِلْكٌ لَهُ وَلَيْسَ هُنَالِكَ وَجْهٌ يَأْخُذُ بِهِ السَّيِّدُ مَالَهُ سِوَى الْإِرْثِ وَلَا سَبَبَ لِلْإِرْثِ سِوَى الْمِلْكِ. وَأَمَّا الْإِسْلَامُ وَهُوَ: بَيْتُ مَالِ الْمُسْلِمِينَ فَهُوَ وَارِثُ الْعَيْنِ عَلَى مَشْهُورِ الْمَذْهَبِ وَلِهَذَا مُنِعَ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ مُعَيَّنًا أَنْ يُوصِيَ بِكُلِّ مَالِهِ، وَوَلَايَتُهُ وَلَايَةٌ عَامَّةٌ وَهِيَ وِلَايَةُ الْإِسْلَامِ وَقَدْ ذَكَرَهَا ابْنُ رُشْدٍ وَابْنُ شَاسٍ، وَغَيْرُهُمَا قَالَ الشَّارِحُ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُتَوَفَّى وَارِثٌ بِوَجْهٍ مِنْ هَذِهِ الْوُجُوهِ الثَّلَاثَةِ وَرِثَهُ جَمِيعُ الْمُسْلِمِينَ بِوَلَايَةِ الْإِسْلَامِ لِأَنَّ الْمُؤْمِنِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [التوبة: 71] . وَنَعْنِي بِاَلَّذِي بَقِيَ عَلَى النَّاظِمِ فِي هَذَا هُوَ عَدُّ وَلَايَةِ الْإِسْلَامِ مِنْ جُمْلَةِ أَسْبَابِ الْإِرْثِ، وَأَمَّا عَدُّ بَيْتِ الْمَالِ مِنْ أَسْبَابِ الْإِرْثِ فَيَأْتِي لِلنَّاظِمِ صَرِيحًا ثُمَّ ذَكَرَ النَّاظِمُ فِي الْبَيْتِ الثَّانِي أَنَّ أَرْكَانَ الْإِرْثِ: الْمَالُ الْمَتْرُوكُ عَنْ الْمَيِّتِ، وَمِقْدَارُ مَا يَرِثُهُ كُلُّ وَارِثٍ، وَمَعْرِفَةُ مَنْ يَرِثُ مِمَّنْ لَا يَرِثُ، وَأَرْكَانُ الْمَاهِيَّةِ هِيَ: أَجْزَاؤُهُ الَّتِي تَتَرَكَّبُ مِنْهَا، وَتَخْتَلُّ بِاخْتِلَالِ بَعْضِهَا وَلَا إشْكَالَ أَنَّ الْإِرْثَ إنَّمَا يَصِحُّ بِاجْتِمَاعِ هَذِهِ الْأَرْكَانِ وَمَهْمَا اخْتَلَّ وَاحِدٌ مِنْهَا لَمْ يَصِحَّ وَضَمِيرُ جَمِيعهَا لِلْأَسْبَابِ الثَّلَاثَةِ، وَالْمَعْنَى أَنَّ الْإِرْثَ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ تِلْكَ الْأَسْبَابِ الثَّلَاثَةِ لَهُ أَرْكَانٌ ثَلَاثَةٌ لَا يَخْلُو عَنْهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَصْلٌ فِي ذِكْرِ عَدَدِ الْوَارِثِينَ] َ ذُكُورُ مَنْ حَقَّ لَهُ الْمِيرَاثُ ... عَشَرَةٌ وَسَبْعٌ الْإِنَاثُ الْأَبُ وَالْجَدُّ لَهُ وَإِنْ عَلَا ... مَا لَمْ يَكُنْ عَنْهُ بِأُنْثَى فُصِلَا وَالزَّوْجُ وَابْنٌ وَابْنُهُ هَبْ سَفَلَا ... كَذَاكَ مَوْلَى نِعْمَةٍ أَوْ بِوَلَا وَالْأَخُ وَابْنُ الْأَخِ لَا لِلْأُمِّ ... وَالْعَمُّ لَا لِلْأُمِّ وَابْنُ الْعَمِّ وَالْأُمُّ وَالزَّوْجَةُ ثُمَّ الْبِنْتُ ... وَابْنَةُ الِابْنِ بَعْدَهَا وَالْأُخْتُ وَجَدَّةٌ لِلْجِهَتَيْنِ مَا عَلَتْ ... مَا لَمْ تَكُنْ بِذَكَرٍ قَدْ فُصِلَتْ كَذَاكَ مَوْلَاةٌ لَهَا الْعِتْقُ وَلَا ... حَقَّ لَهَا فِيمَا يَكُونُ بَالْوَلَا وَبَيْتُ مَالِ الْمُسْلِمِينَ يَسْتَقِلْ ... بِحَيْثُ لَا وَارِثَ أَوْ بِمَا فَضَلْ ذَكَرَ فِي هَذِهِ الْأَبْيَاتِ عَدَدَ الْوَارِثِينَ مِنْ الرِّجَالِ، وَالنِّسَاءِ فَأَخْبَرَ أَنَّ عِدَّةَ الرِّجَالِ عَشَرَةٌ يَعْنِي وَيَتَفَرَّعُونَ إلَى سِتَّةَ عَشَرَ كَمَا يَتَبَيَّنُ، وَإِنَّ عِدَّةَ النِّسَاءِ، سَبْعٌ وَيَتَفَرَّعْنَ إلَى عَشَرَةٍ فَجَعَلْتُهُمْ سِتَّةً وَعِشْرِينَ وَارِثًا فَالرِّجَالُ: الْأَبُ، وَالْجَدُّ لَهُ أَيْ لِلْأَبِ. وَقَيَّدَهُ بِذَلِكَ لِيُخْرِجَ الْجَدَّ لِلْأُمِّ فَإِنَّهُ غَيْرُ وَارِثٌ ثُمَّ صَرَّحَ بِذَلِكَ فَقَالَ مَا لَمْ يَكُنْ عَنْهُ بِأُنْثَى فُصِلَا أَيْ مَا لَمْ يَكُنْ الْجَدُّ فُصِلَ عَنْ الْمَيِّتِ بِأُنْثَى وَهُوَ أَبُو الْأُمِّ، وَالزَّوْجُ، وَابْنٌ، وَابْنُ الِابْنِ وَإِنْ سَفَلَ وَمَوْلَى النِّعْمَةِ وَهُوَ الَّذِي بَاشَرَ عِتْقَ الْمَمْلُوكِ بِنَفْسِهِ كَمَا قِيلَ مَنْ بَاشَرَ الْعِتْقَ بِلَا وَاسِطَةِ ... هُوَ الَّذِي يُدْعَى بِمَوْلَى النِّعْمَةِ وَمَوْلَى الْوَلَاءِ وَهُوَ: وَلَايَةُ مَا أَعْتَقَهُ غَيْرُكَ مِنْ أَبٍ، أَوْ غَيْرِهِ، وَالْأَخُ يَعْنِي شَقِيقًا أَوْ لِأَبٍ أَوْ لِأُمٍّ وَابْنٌ لِأَخٍ يَعْنِي الشَّقِيقَ أَوْ لِأَبٍ فَلِذَلِكَ قَالَ لَا لِلْأُمِّ فَإِنَّ الْأَخَ لِلْأُمِّ لَا يَرِثُ، وَالْعَمُّ يَعْنِي أَيْضًا شَقِيقًا، أَوْ لِأَبٍ فَلِذَلِكَ زَادَ أَيْضًا لَا لِلْأُمِّ، وَابْنُ الْعَمِّ يَعْنِي شَقِيقًا، أَوْ لِأَبٍ لَا لِلْأُمِّ أَيْضًا وَلَمْ يَحْتَجْ لِتَقْيِيدِهِ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الْعَمُّ أَيْ أَخُو الْأَبِ لِلْأُمِّ لَا يَرِثُ فَأَحْرَى ابْنُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَالنِّسَاءُ الْأُمُّ، وَالزَّوْجَةُ، وَالْبِنْتُ، وَابْنَةُ الِابْنِ، وَالْأُخْتُ يَعْنِي شَقِيقَةً أَوْ لِأَبٍ، أَوْ لِأُمٍّ وَالْجَدَّةُ أُمُّ الْأُمِّ، وَأُمُّ الْأَبِ وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِقَوْلِهِ: لِلْجِهَتَيْنِ يَعْنِي وَأُمَّهَاتُهُمَا وَإِنْ عَلَوْنَ وَأَخْرَجَ بِقَوْلِهِ: مَا لَمْ تَكُنْ بِذَكَرٍ قَدْ فُصِلَتْ أُمُّ الْجَدِّ فَيَعْنِي بِذَكَرٍ مَا عَدَا الْأَبَ الْمُبَاشِرَ لِأَنَّهُ فَصَلَ بَيْنَ الْمَيِّتِ، وَجَدَّتِهِ، وَمَوْلَاةُ النِّعْمَةِ أَيْ الَّتِي بَاشَرَتْ الْعِتْقَ، وَلَا إرْثَ لَهَا فِيمَا أَعْتَقَهُ غَيْرُهَا كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ وَلَا حَقَّ لَهَا فِيمَا يَكُونُ بِالْوَلَا فَهَؤُلَاءِ سِتَّةٌ وَعِشْرُونَ. وَبَقِيَ عَلَيْهِ أَخُو الْجَدِّ، وَبَنُوهُ وَإِنْ سَفَلُوا وَلَا نَعْنِي بِأَخِ الْجَدِّ أَخَا الْجَدِّ الْمُبَاشِرَ فَقَطْ بَلْ هُوَ عَمُّ الْأَبِ، وَأَخُو الْجَدِّ الَّذِي

فصل في ذكر أحوال الميراث

فَوْقَهُ وَهُوَ عَمُّ الْجَدِّ وَكَذَا أَخُو مَنْ فَوْقَهُمَا مِنْ الْأَجْدَادِ وَبَنُوهُمْ وَإِنْ سَفَلُوا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِمَّنْ ذُكِرَ أَوْ كَانَ وَلَمْ يَسْتَغْرِقْ التَّرِكَةَ فَإِنَّ التَّرِكَةَ أَوْ مَا بَقِيَ مِنْهَا لِبَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ. (قَالَ الْحَطَّابُ) أَطْلَقَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِمَا إذَا كَانَ الْوَالِي يَصْرِفُهُ فِي مَصَارِفِهِ وَكَأَنَّهُ تَبِعَ ظَاهِرَ عِبَارَةِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ بَيْتَ الْمَالِ وَارِثٌ إذَا كَانَ الْوَالِي يَصْرِفُهُ فِي وُجُوهِهِ فَإِنْ كَانَ يَصْرِفُهُ فِي غَيْرِ وُجُوهِهِ فَإِنَّهُ يَتَصَدَّقُ بِهِ وَقِيلَ يُرَدُّ لِذَوِي الْأَرْحَامِ (الْبَاجِيُّ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ) مَنْ مَاتَ وَلَا وَارِثَ لَهُ يُتَصَدَّقُ بِمَا تَرَكَ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْوَالِي يُخْرِجُهُ فِي وَجْهِهِ مِثْلَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَلْيَدْفَعْ إلَيْهِ. (وَقَالَ ابْنُ نَاجِي) إنْ كَانَ الْإِمَامُ عَدْلًا دَفَعَ إلَيْهِ وَاجِدُ الرِّكَازِ الْخُمْسَ يَصْرِفُهُ فِي مَحِلِّهِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ عَدْلٍ فَقَالَ مَالِكُ: يَتَصَدَّقُ بِهِ الْوَاجِدُ وَلَا يَدْفَعُهُ إلَى مَنْ يَعْبَثُ بِهِ، وَكَذَلِكَ الْعُشْرُ وَمَا فَضَلَ مِنْ الْمَالِ عَنْ الْوَرَثَةِ وَلَا أَعْرِفُ الْيَوْمَ بَيْتَ مَالٍ وَإِنَّمَا هُوَ بَيْتُ ظُلْمٍ. اهـ. قَالَ الْحَطَّابُ وَكَلَامُهُمْ يُبَيِّنُ أَنَّ بَيْتَ الْمَالِ مَعْدُومٌ فِي زَمَانِنَا انْتَهَى. بِاخْتِصَارٍ. [فَصْلٌ فِي ذِكْرِ أَحْوَالِ الْمِيرَاثِ] ِ الْحَالُ فِي الْمِيرَاثِ قَدْ تَقَسَّمَا ... إلَى وُجُوبٍ وَلِحَجْبٍ قُسِّمَا لِحَجْبِ الْإِسْقَاطِ أَوْ النَّقْلِ وَذَا ... لِفَرْضٍ أَوْ تَعْصِيبٍ أَبْدَى مَنْفَذَا يَعْنِي أَنَّ الْمِيرَاثَ يَنْقَسِمُ إلَى حَالَتَيْنِ: حَالَةُ وُجُوبٍ، وَحَالَةُ حَجْبٍ، وَمَعْنَى وُجُوبِهِ لُزُومُهُ لِمُسْتَحِقِّهِ بِحَيْثُ لَا يُحْجَبُ عَنْهُ أَصْلًا بِدَلِيلِ مُقَابِلِهِ وَذَلِكَ كَالْأَبَوَيْنِ، وَالْأَوْلَادِ، وَالزَّوْجِ، وَالزَّوْجَةِ كَمَا يَذْكُرُهُ النَّاظِمُ أَوَّلَ فَصْلِ حَجْبِ الْإِسْقَاطِ حَيْثُ قَالَ وَلَا سُقُوطَ لِأَبٍ وَلَا وَلَدْ ... وَلَا لِزَوْجَيْنِ وَلَا أُمٍّ فَقَدْ وَالْحَالَةُ الثَّانِيَةُ: وَهِيَ حَالَةُ الْحَجْبِ تَنْقَسِمُ إلَى حَجْبِ الْإِسْقَاطِ كَابْنِ الِابْنِ مَعَ ابْنِ الصُّلْبِ، وَإِلَى حَجْبِ نَقْلٍ مِنْ حَالٍ لِحَالٍ أُخْرَى وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: النَّقْلُ مِنْ فَرْضٍ لِفَرْضٍ دُونَهُ، كَالزَّوْجَةِ فَرْضُهَا الرُّبُعُ حَيْثُ لَا وَلَدَ لِلزَّوْجِ فَإِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ، انْتَقَلَتْ لِلثُّمُنِ، وَالنَّقْلُ مِنْ فَرْضٍ إلَى تَعْصِيبٍ وَذَلِكَ مِثْلُ: الْأُخْتِ، وَالْأَخَوَاتِ فَرْضُ الْوَاحِدَةِ: النِّصْفُ وَالْأَكْثَرِ الثُّلُثَانِ فَإِنْ كَانَتْ ابْنَةٌ انْتَقَلْنَ إلَى التَّعْصِيبِ يَأْخُذْنَ مَا فَضَلَ عَنْ بِنْتِ الصُّلْبِ، وَالنَّقْلُ مِنْ تَعْصِيبٍ إلَى فَرْضٍ وَذَلِكَ كَالْأَبِ فَإِنَّهُ عَاصِبٌ فَإِذَا كَانَ مَعَ الِابْنِ انْتَقَلَ إلَى فَرْضٍ وَهُوَ: السُّدْسُ فَقَوْلُ النَّاظِمِ: وَذَا أَيْ حَجْبُ النَّقْلِ لِفَرْضٍ يَشْمَلُ النَّقْلَ مِنْ فَرْضٍ لِفَرْضٍ كَالْوَجْهِ الْأَوَّلِ، وَالنَّقْلُ مِنْ التَّعْصِيبِ إلَى الْفَرْضِ كَالْوَجْهِ الثَّالِثِ، وَقَوْلُهُ: أَوْ تَعْصِيبٍ أَيْ النَّقْلُ مِنْ الْفَرْضِ إلَى التَّعْصِيبِ وَذَلِكَ كَالْوَجْهِ الثَّانِي وَمَا ذُكِرَ فِي هَذَا الْفَصْلِ كَالتَّرْجَمَةِ، وَالتَّوْطِئَةِ لِمَا يَأْتِي لَهُ مِنْ ذِكْرِ حَجْبِ الْإِسْقَاطِ وَحَجْبِ النَّقْلِ إلَى الْفَرْضِ، وَحَجْبِ النَّقْلِ إلَى التَّعْصِيبِ [فَصْلٌ فِي الْمِقْدَارِ الَّذِي يَكُونُ بِهِ الْإِرْثُ] ُ (الْمِقْدَارُ الَّذِي يَكُونُ بِهِ الْإِرْثُ) الْقَدْرُ يُلْغَى بِاشْتِرَاكٍ فِيهِ ... فِي جُمْلَةِ الْمَتْرُوكِ أَوْ بَاقِيهِ أَوْ بِانْفِرَادٍ بِاحْتِيَازِ الْمَالِ ... أَجْمَعَ فِيهِ وَهُوَ فِي الرِّجَالِ عَدَا أَخًا لِلْأُمِّ وَالزَّوْجِ وَفِي ... مَوْلَاةِ نِعْمَى حُكْمُ ذَلِكَ اُقْتُفِيَ لَمْ أَرَ مِثْلَ هَذِهِ التَّرْجَمَةِ فِي كُتُبِ أَهْلِ الْفَرَائِضِ وَالْمُرَادُ أَنَّ التَّرِكَةَ تَارَةً يَشْتَرِكُ الْوَرَثَةُ فِي جَمِيعِهَا وَذَلِكَ إذَا كَانُوا ذَوِي سِهَامٍ وَالْفَرِيضَةُ عَادِلَةٌ أَيْ اسْتَغْرَقَ الْوَرَثَةُ جَمِيعَ الْمَالِ وَذَلِكَ إذَا كَانُوا كُلُّهُمْ عَصَبَةً أَوْلَادًا أَوْ إخْوَةً أَوْ بَنِي عَمٍّ. وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ: الْقَدْرُ يُلْغَى بِاشْتِرَاكٍ فِيهِ فِي جُمْلَةِ الْمَتْرُوكِ وَتَارَةً يَكُونُ الِاشْتِرَاكُ فِي الْبَاقِي، كَبِنْتٍ، وَعَصَبَةٍ فَيَشْتَرِكُ الْعَصَبَةُ فِي النِّصْفِ وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِقَوْلِهِ

فصل في ذكر حالات وجوب الميراث

أَوْ بَاقِيهِ وَتَارَةً يَنْفَرِدُ وَارِثٌ بِجَمِيعِهَا وَذَلِكَ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ فِي دَرَجَتِهِ غَيْرُهُ وَلَا يُوجَدُ ذَلِكَ إلَّا فِي الرِّجَالِ لِأَنَّهُمْ عَصَبَةٌ وَالْعَاصِبُ يَرِثُ جَمِيعَ الْمَالِ إذَا انْفَرَدَ مَا عَدَا الْأَخَ لِلْأُمِّ، وَالزَّوْجَ فَلَيْسَ لِلْأَوَّلِ إلَّا السُّدْسُ، وَلَيْسَ لِلثَّانِي إلَّا النِّصْفُ، أَوْ الرُّبُعُ إلَّا إذَا كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا ابْنَ عَمٍّ فَإِنَّهُ يَنْفَرِدُ بِالْمَالِ بَعْضُهُ بِالْفَرْضِ، وَبَعْضُهُ بِالتَّعْصِيبِ، وَكَذَلِكَ مَوْلَاةُ النِّعْمَةِ تَنْفَرِدُ بِالْمَالِ إذَا لَمْ يَكُنْ لِمُعْتَقِهَا وَارِثٌ مِنْ النَّسَبِ وَلَمْ أَفْهَمْ وَجْهَ تَعْبِيرِ النَّاظِمِ بِالْمِقْدَارِ إلَّا إذَا عَنَى بِهِ مَجْمُوعَ التَّرِكَةِ وَتَكُونُ الْبَاءُ مِنْ بِهِ فِي التَّرْجَمَةِ ظَرْفِيَّةً بِمَعْنَى فِي. [فَصْلٌ فِي ذِكْرِ حَالَاتِ وُجُوبِ الْمِيرَاثِ] ِ حَالَاتِ وُجُوبِ الْمِيرَاثِ وَيَحْصُلُ الْمِيرَاثُ حَيْثُ حُتِمَا ... بِفَرْضٍ أَوْ تَعْصِيبٍ أَوْ كِلَيْهِمَا وَالْمَالَ يَحْوِي عَاصِبٌ مُنْفَرِدُ ... أَوْ مَا عَنْ الْفُرُوضِ بَعْدُ يُوجَدُ وَقِسْمَةٌ فِي الْحَالَتَيْنِ مُعْمِلَهْ ... إمَّا عَلَى تَفَاضُلٍ أَوْ مَعْدِلَهْ يَعْنِي أَنَّ الْإِرْثَ يَكُونُ تَارَةً بِالْفَرْضِ كَالْبِنْتِ وَالْأُخْتِ، وَتَارَةً بِالتَّعْصِيبِ كَالِابْنِ، وَتَارَةً بِالْفَرْضِ وَالتَّعْصِيبِ مَعًا كَالْأَبِ مَعَ الْبِنْتِ فَإِنَّهُ يُفْرَضُ لَهُ السُّدْسُ ثُمَّ إنْ بَقِيَ شَيْءٌ أَخَذَهُ بِالتَّعْصِيبِ، وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِالْبَيْتِ الْأَوَّلِ وَهَذِهِ الْأَقْسَامُ الثَّلَاثَةُ، هِيَ الْمُرَادُ بِالْحَالَاتِ الْمَذْكُورَةِ فِي التَّرْجَمَةِ. وَالْوَارِثُ بِالتَّعْصِيبِ إنْ انْفَرَدَ أَخَذَ جَمِيعَ الْمَالِ وَإِنْ كَانَ مَعَ ذَوِي فَرْضٍ، أَخَذَ مَا فَضْلَ عَنْهُمْ. وَعَلَى هَذَا نَبَّهَ بِالْبَيْتِ الثَّانِي " وَالْمَالَ " مَفْعُولُ يَحْوِي ثُمَّ أَشَارَ بِالْبَيْتِ الثَّالِثِ إلَى أَنَّ الْعَاصِبَ إذَا تَعَدَّدَ إمَّا مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْفُرُوضِ كَالْأَوْلَادِ، أَوْ الْإِخْوَةِ، أَوْ مَعَ ذَوِي الْفُرُوضِ، كَالْأُمِّ، وَالزَّوْجَةِ وَالْإِخْوَةِ فَإِنَّ لَهُ جَمِيعَ الْمَالِ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ، أَوْ مَا فَضَلَ عَنْ ذَوِي السِّهَامِ فِي الثَّانِي يُقَسَّمُ بَيْنَ الْعَصَبَةِ إمَّا عَلَى: التَّفَاضُلِ كَمَا إذَا كَانُوا ذُكُورًا وَإِنَاثًا، وَإِمَّا عَلَى السَّوَاءِ وَالِاعْتِدَالِ وَذَلِكَ إذَا كَانُوا كُلُّهُمْ ذُكُورًا وَمُرَادُهُ بِالْحَالَتَيْنِ حَالَةُ عَدَمِ ذَوِي الْفُرُوضِ وَحَالَةُ وُجُودِهِمْ. [فَصْلٌ فِي ذِكْرِ أَهْلِ الْفَرَائِضِ وَأُصُولِهَا] (أَهْلِ الْفَرَائِضِ وَأُصُولِهَا) ثُمَّ الْفَرَائِضُ الْبَسَائِطُ الْأُوَلْ ... سِتَّةٌ الْأُصُولُ مِنْهَا فِي الْعَمَلْ أَوَّلُهَا النِّصْفُ لِخَمْسَةٍ جُعِلْ ... الْبِنْتِ وَالزَّوْجِ إذَا لَمْ يَنْتَقِلْ وَلِابْنَةِ ابْنٍ وَلِأُخْتٍ لَا لِأُمْ ... وَنِصْفُهُ الرُّبُعُ بِهِ الزَّوْجَيْنِ أُمْ وَنِصْفُهُ الثُّمْنُ لِزَوْجَةٍ وَفِي ... تَعَدُّدٍ قِسْمَةُ حَظَّيْهَا اُقْتُفِيَ وَالثُّلُثَانِ حِصَّةٌ لِأَرْبَعِ ... بَنَاتِ صُلْبٍ وَبَنَاتِ ابْنٍ فَعِ وَالْأُخْتِ لَا لِلْأُمِّ فِي التَّعْدَادِ ... وَالثُّلُثُ لِلْجَدِّ بِرَجْحٍ بَادِ وَالْأُمِّ دُونَ حَاجِبٍ وَالْإِخْوَهْ ... لَهَا وَهُمْ فِي قَسْمِ ذَاكَ أُسْوَهْ وَنِصْفُهُ السُّدْسُ لِأُمٍّ وَأَبِ ... وَلِابْنَةِ ابْنٍ وَلِجَدٍّ اُجْتُبِيَ وَجَدَّةٍ وَلِأَخٍ مِنْ أُمِّ ... وَاشْمَلْ لِأُخْتٍ جِهَةً فِي الْحُكْمِ

اعْلَمْ أَنَّ فِي الْكَلَامِ فِي هَذِهِ التَّرْجَمَةِ عَلَى مَسَائِلَ. (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) الْفَرَائِضُ وَالْمُرَادُ بِهَا: الْأَجْزَاءُ الْمَحْدُودَةُ شَرْعًا الْمَعْلُومُ نِسْبَتُهَا مِنْ جُمْلَةِ الْمَالِ. وَهِيَ سِتَّةٌ: النِّصْفُ، وَالرُّبُعُ، وَالثُّمْنُ، وَالثُّلُثَانِ، وَالثُّلُثُ، وَالسُّدْسُ، (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) أَهْلُ الْفَرَائِضِ الْمُسْتَحِقُّونَ لَهَا وَهُمْ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ فِيمَا بَيْنَ رِجَالٍ، وَنِسَاءٍ فَأَصْحَابُ النِّصْفِ: خَمْسَةٌ، وَأَصْحَابُ الرُّبُعِ: اثْنَانِ، وَأَصْحَابُ الثُّمُنِ: وَاحِدٌ، وَأَصْحَابُ: الثُّلُثَيْنِ: أَرْبَعَةٌ، وَأَصْحَابُ الثُّلُثِ: اثْنَانِ، وَأَصْحَابُ السُّدْسِ: سَبْعَةٌ وَبَيَانُهُمْ فِي كَلَامِ النَّاظِمِ فَلَا نُطَوِّلُ بِتَسْمِيَتِهِمْ الْآنَ. (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) أُصُولُ الْمَسَائِلِ أَيْ الْأَعْدَادُ الَّتِي تُقَوَّمُ مِنْهَا الْفَرِيضَةُ وَهِيَ سَبْعَةٌ: اثْنَانِ، وَأَرْبَعَةٌ، وَثَمَانِيَةٌ، وَثَلَاثَةٌ، وَسِتَّةٌ، وَاثْنَا عَشَرَ، وَأَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ هَذِهِ الْأُصُولُ عَلَى قِسْمَيْنِ: مِنْهَا مُرَكَّبٌ وَمِنْهَا بَسِيطٌ غَيْرُ مُرَكَّبٍ فَالْمُرَكَّبُ: مَا اجْتَمَعَ فِيهِ فَرْضَانِ فَأَكْثَرَ، وَذَلِكَ الِاثْنَا عَشَرَ، وَالْأَرْبَعَةُ وَالْعِشْرُونَ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ أَصْلُ الْمَسْأَلَةِ مِنْ الِاثْنَيْ عَشَرَ حَتَّى يَكُونَ فِيهَا فَرْضَانِ فَأَكْثَرُ، كَالرُّبُعِ، وَالثُّلُثِ، وَذَلِكَ كَزَوْجَةٍ، وَأُمٍّ، أَوْ الرُّبُعُ، وَالسُّدْسُ، كَزَوْجَةٍ، وَأَخٍ، وَكَذَلِكَ الْأَرْبَعُ وَالْعِشْرُونَ وَلَا بُدَّ فِيهَا مِنْ تَعَدُّدِ الْفَرْضِ كَالثُّمُنِ، وَالسُّدْسِ كَزَوْجَةٍ، وَأُمٍّ، وَأَوْلَادٍ، أَوْ الثُّمُنُ، وَالثُّلُثَانِ كَزَوْجَةٍ وَبِنْتَيْنِ وَيَأْتِي لِلنَّاظِمِ التَّصْرِيحُ بِذَلِكَ آخِرَ هَذَا الْفَصْلِ حَيْثُ قَالَ

وَالْأَصْلُ بِالتَّرْكِيبِ ضِعْفُ سِتَّهْ ... وَضِعْفُهُ لَا غَيْرُ ذَيْنِ الْبَتَّهْ وَمَا عَدَا هَذَيْنِ الْعَدَدَيْنِ مِنْ الْأُصُولِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ تَعَدُّدُ الْفَرْضِ فَتَصِحُّ الْمَسْأَلَةُ مِنْ اثْنَيْنِ مَثَلًا سَوَاءٌ كَانَ فِيهَا نِصْفَانِ كَزَوْجٍ، وَأُخْتٍ، أَوْ نِصْفٌ فَقَطْ كَزَوْجٍ. وَتَصِحُّ مِنْ سِتَّةٍ مَثَلًا سَوَاءٌ كَانَ فِيهَا فَرْضٌ وَاحِدٌ كَسُدُسٍ، أَوْ أَكْثَرَ وَسُدُسٍ وَثُلُثَيْنِ مَثَلًا كَأُمٍّ، وَأَخٍ لِأُمٍّ، وَأُخْتَيْنِ شَقِيقَتَيْنِ أَوْ لِأَبٍ فَاَلَّذِي يَنْقَسِمُ إلَى مُرَكَّبٍ وَبَسِيطٍ: هُوَ أُصُولُ الْمَسَائِلِ لَا الْفَرَائِضُ كَمَا يَظْهَرُ مِنْ الْبَيْتِ الْأَوَّلِ مِنْ هَذَا الْفَصْلِ وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا أَيْضًا قَوْلُهُ وَالْأَصْلُ بِالتَّرْكِيبِ حَيْثُ لَمْ يَقُلْ وَالْفَرْضُ بِالتَّرْكِيبِ وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ " ثُمَّ الْفَرَائِضُ " عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ ثُمَّ أُصُولُ الْفَرَائِضِ الْبَسَائِطِ الْأُوَلِ فَيَكُونَ الْوَصْفُ بِالْبَسَائِطِ رَاجِعًا لِلْأُصُولِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْبَسَائِطَ مِنْ الْأُصُولِ خَمْسَةٌ فَقَطْ لَا سِتَّةٌ، وَانْظُرْ هَلْ يَسْهُلُ الْبَحْثُ بِجَعْلِ الْبَسَائِطِ وَصْفًا كَاشِفًا لَا مَفْهُومَ لَهُ؟ وَمَعْنَى قَوْلِهِ: الْأُصُولُ مِنْهَا فِي الْعَمَل أَنَّ أُصُولَ الْمَسَائِلِ مَأْخُوذٌ مِنْ الْفَرَائِضِ فِي عَمَلِ الْفَرِيضَةِ فَإِذَا كَانَ فِي الْفَرِيضَةِ مَنْ لَهُ النِّصْفُ، قِيلَ أَصْلُ الْمَسْأَلَةِ مِنْ اثْنَيْنِ، أَوْ صَاحِبِ ثُلُثٍ فَأَصْلُ الْمَسْأَلَةِ مِنْ ثَلَاثَةٍ، أَوْ صَاحِبِ رُبُعٍ فَأَصْلُ الْمَسْأَلَةِ مِنْ أَرْبَعَةِ وَعَلَى ذَلِكَ فَقِسْ فَإِنْ كَانَ فِي الْفَرِيضَةِ مَنْ لَهُ جُزْءَانِ كَمَنْ لَهُ رُبُعٌ، وَثُلُثٌ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ مِنْ أَصْلٍ مُرَكَّبٍ وَهُوَ اثْنَا عَشَرَ مَثَلًا وَهَكَذَا ثُمَّ شَرَعَ النَّاظِمُ فِي بَيَانِ الْفَرَائِضِ الْمَحْدُودَةِ وَأَصْحَابِهَا فَأَخْبَرَ أَنَّ أَصْحَابَ النِّصْفِ خَمْسَةٌ الزَّوْجُ فِي فَقْدِ الْوَلَدِ وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِقَوْلِهِ إذَا لَمْ يَنْتَقِلْ أَيْ عَنْ النِّصْفِ لِلرُّبُعِ لِوُجُودِ الْوَلَدِ، وَالْبِنْتِ الْوَاحِدَةِ، وَبِنْتِ الِابْنِ فِي عَدَمِ الْبِنْتِ، وَالْأُخْتِ الشَّقِيقَةِ أَوْ لِلْأَبِ فِي عَدَمِ الشَّقِيقَةِ وَلِإِخْرَاجِ الَّتِي لِلْأُمِّ زَادَ قَوْمٌ لَا لِأُمٍّ وَأَنَّ أَصْحَابَ الرُّبُعِ: اثْنَانِ: الزَّوْجُ مَعَ الْوَلَدِ لِلزَّوْجَةِ، وَالزَّوْجَةُ فِي فَقْدِ الْوَلَدِ لِلزَّوْجِ. وَأُمْ فِعْلُ أَمْرٍ مِنْ أَمَّ بِمَعْنَى قَصَدَ تَكْمِيلٌ لِلْبَيْتِ وَأَنَّ الثُّمْنَ لِوَاحِدٍ وَهُوَ الزَّوْجَةُ مَعَ الْوَلَدِ لِلزَّوْجِ فَإِنْ تَعَدَّدَتْ الزَّوْجَاتُ اقْتَسَمْنَ الْوَاجِبَ لَهُنَّ مِنْ رُبُعٍ أَوْ ثُمُنٍ عَلَى عَدَدِهِنَّ، وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِقَوْلِهِ وَفِي تَعَدُّدٍ قِسْمَةُ حَظَّيْهَا اُقْتُفِيَ. وَأَنَّ أَصْحَابَ الثُّلُثَيْنِ: أَرْبَعَةٌ الْبِنْتَانِ، فَأَكْثَرُ، وَبِنْتَا الِابْنِ فِي عَدَمِ الْبِنْتِ، وَالْأُخْتَانِ الشَّقِيقَتَانِ، وَاللَّتَانِ لِلْأَبِ فِي عَدَمِ الشَّقِيقَةِ دُونَ الَّتِي لِلْأُمِّ وَلِذَلِكَ زَادَ قَوْلَهُ لَا لِلْأُمِّ وَأَنَّ أَصْحَابَ الثُّلُثِ: ثَلَاثَةٌ الْجَدُّ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ حَيْثُ يَكُونُ أَفْضَلَ وَلِذَلِكَ قَالَ بِرَجْحٍ بَادٍ أَيْ ظَاهِرٍ، وَالْأُمُّ فِي فَقْدِ الْوَلَدِ، وَفَقْدِ تَعَدُّدِ الْإِخْوَة وَلِذَلِكَ قَالَ: دُونَ حَاجِبٍ، وَالْإِخْوَةُ لِلْأُمِّ إنْ تَعَدَّدُوا وَيُقَسِّمُونَ ثُلُثَهُمْ عَلَى السَّوَاءِ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى فِيهِ سَوَاءٌ وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِقَوْلِهِمْ وَهُمْ فِي قَسْمِ ذَاكَ أُسْوَةٌ. وَبَعْضُهُمْ لَمْ يَعُدَّ الْجَدَّ مَعَ أَصْحَابِ الثُّلُثِ لِعَدَمِ اسْتِقْرَارِهِ عَلَى حَالَةٍ وَاحِدَةٍ، وَأَنَّ أَصْحَابَ السُّدْسِ سَبْعَةٌ: الْأُمُّ مَعَ الْوَلَدِ، أَوْ مَعَ تَعَدُّدِ الْإِخْوَةِ، وَالْأَبُ مَعَ الْوَلَدِ، وَبِنْتُ الِابْنِ مَعَ بِنْتِ الصُّلْبِ، وَالْأُخْتُ لِلْأَبِ مَعَ الشَّقِيقَةِ، وَالْوَاحِدُ مِنْ وَلَدِ الْأُمِّ، وَالْجَدُّ إذَا كَانَ السُّدْسُ أَفْضَلَ لَهُ كَمَا يَأْتِي أَيْضًا، وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِقَوْلِهِ اُجْتُبِيَ أَيْ اُخْتِيرَ وَلِلْجَدَّةِ لِأُمٍّ أَوْ لِأَبٍ فَإِنْ اجْتَمَعَتَا كَانَ بَيْنَهُمَا إنْ كَانَتَا فِي رُتْبَةٍ وَاحِدَةٍ وَقَدْ رَمَزَ أَهْلُ الْفَرَائِضِ لِهَؤُلَاءِ الْوَرَثَةِ بِحُرُوفٍ يَجْمَعُهَا قَوْلُكَ: هبادبز بِحِسَابِ الْجُمَلِ، فَالْهَاءُ رَمْزٌ لِأَصْحَابِ النِّصْفِ وَالْبَاءُ لِأَصْحَابِ الرُّبُعِ، وَالْأَلِفُ لِأَصْحَابِ الثُّمُنِ، وَالدَّالُ لِأَصْحَابِ الثُّلُثَيْنِ، وَالْبَاءُ بَعْدَ الدَّالِ لِأَصْحَابِ الثُّلُثِ، وَلَمْ يَجْعَلْ الْجَدَّ مَعَهُمْ لِأَنَّهُ لَهُ أَحْوَالٌ لَا يُضْبَطُ بِحَالَةٍ وَاحِدَةٍ، وَالزَّايُ لِأَصْحَابِ السُّدْسِ وَقَوْلُهُ: وَاشْمَلْ لِأُخْتٍ جِهَةً فِي الْحُكْمِ يَعْنِي أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ وَهُوَ: السُّدْسُ يَشْمَلُ الْأُخْتَ سَوَاءٌ كَانَتْ مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ وَلَا إشْكَالَ، أَوْ مِنْ جِهَةِ الْأَبِ يَعْنِي مَعَ الشَّقِيقَةِ. فَإِنْ يَضِقْ عَنْ الْفُرُوضِ الْمَالُ ... فَالْعَدْلُ إذْ ذَاكَ لَهُ اسْتِعْمَالُ الْفَرَائِضُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: إمَّا عَادِلَةٌ: وَهِيَ الَّتِي فُرُوضُهَا مِثْلُ سِهَامِ أَصْحَابِهَا مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَلَا نُقْصَانٍ وَذَلِكَ كَأُخْتَيْنِ شَقِيقَتَيْنِ، وَأُمٍّ، وَأَخٍ لِأُمٍّ، أَصْلُهَا مِنْ سِتَّةٍ وَمِنْهَا تَصِحُّ أَوْ نَاقِصَةٌ وَهِيَ الَّتِي يَفْضُلُ بَعْضُ أَجْزَائِهَا عَنْ سِهَامِ أَهْلِهَا كَزَوْجٍ، وَبِنْتٍ مِنْ أَرْبَعَةٍ يَبْقَى وَاحِدٌ، أَوْ عَائِلَةٌ: وَهِيَ الَّتِي

فُرُوضُهَا أَكْثَرُ مِنْ عَدَدِهَا وَهِيَ الَّتِي فِي بَيْتِ النَّاظِمِ كَزَوْجٍ، وَأُخْتٍ، وَأُمٍّ فَإِنَّ أَصْلَهَا مِنْ سِتَّةٍ لِأَجْلِ النِّصْفِ، وَالثُّلُثِ، فَالنِّصْفُ: لِلزَّوْجِ ثَلَاثَةٌ وَمِثْلُهَا لِلْأُخْتِ وَفَرَغَ الْمَالُ فَيُعَالُ لِلْأُمِّ بِثُلُثِ السِّتَّةِ وَتَصِحُّ مِنْ ثَمَانِيَةٍ. وَفِي هَذِهِ الْأَقْسَامِ يَقُولُ التِّلْمِسَانِيُّ: وَكُلُّ ذِي فَرْضٍ يُبَدَّى أَوَّلَا ... وَبَعْدَهُ لِعَاصِبٍ مَا فَضَلَا وَالْمَالُ إنْ ذَوُو السِّهَامِ حَصَّلَهْ ... فَكُلُّ مَنْ يَعْصِبُهُ لَا شَيْءَ لَهْ وَإِنْ تَكَاثَرَتْ عَلَى الْمَالِ الْفُرُوضْ ... وَلَمْ يَكُنْ بِكُلِّهَا لَهُ نُهُوضْ فَذَاكَ مَا يَنْشَأُ عَنْهُ الْعَوْلُ ... حَسْبَمَا يَكُونُ فِيهِ الْقَوْلُ اهـ وَفِي الْمِثَالِ الْمُتَقَدِّمِ لِلْعَوْلِ أَنْشَدَ السَّطِّيُّ فِي شَرْحِ الْحَوفِيِّ: وَهَذِهِ مَسْأَلَةُ الْمُبَاهَلَهْ ... أَوَّلُ مَا كَانَتْ بِعَوْلٍ نَازِلَهْ زَوْجٌ وَأُمٌّ دُنْيَةً وَأُخْتُ ... نِصْفَانِ وَالثُّلُثُ عَلَيْهِمْ غَتُّ مَا نَزَلَتْ فِي زَمَنِ الرَّسُولِ ... وَلَا أَبِي بَكْرٍ أَبِي الْبَتُولِ حَتَّى أَتَتْ خِلَافَةُ الْفَارُوقِ ... وَاغْتُصَّتْ الْأَرْيَاقُ فِي الْحُلُوقِ فَاجْتَمَعَ الْفَارُوقُ بِالْعَبَّاسِ ... وَاجْتَمَعَ الْحَفْلُ بِخَيْرِ النَّاسِ فَاسْتَحْسَنَ الْعَبَّاسُ طَرْدَ الْعَوْلِ ... وَأَخَذَ الْكُلُّ بِذَاكَ الْقَوْلِ وَمَالَ عَبْدُ اللَّهِ لِلْخِلَافِ ... وَلَمْ يُصَرِّحْ بِالْكَلَامِ الْجَافِي لِهَيْبَةٍ كَانَتْ عَلَى الْفَارُوقِ ... وَمَا لِعَبَّاسٍ مِنْ الْحُقُوقِ وَيُقَالُ فِي ذَلِكَ عَالَتْ بِمِثْلِ ثُلُثِهَا وَانْتُقِصَ لِكُلِّ وَارِثٍ رُبُعُ مَا بِيَدِهِ فَتَنْسِبُ الْعَوْلَ لِأَصْلِ الْمَسْأَلَةِ يَخْرُجُ مَا عَالَتْ بِهِ وَهُوَ الثُّلُثُ وَذَلِكَ لِأَنَّ الِاثْنَيْنِ مِنْ سِتَّةٍ ثُلُثٌ، وَانْسِبْ الْعَوْلَ أَيْضًا لِمَجْمُوعِ الْمَسْأَلَةِ بِعَوْلِهَا يَخْرُجُ مَا اُنْتُقِصَ لِكُلِّ وَارِثٍ هُوَ الرُّبُعُ لِأَنَّ الِاثْنَيْنِ مِنْ ثَمَانِيَةٍ رُبُعٌ، وَإِنْ عَالَتْ السِّتَّةُ لِسَبْعَةٍ قُلْتُ: عَالَتْ بِمِثْلِ سُدُسِهَا وَانْتُقِصَ لِكُلِّ وَارِثٍ سُبُعُ مَا بِيَدِهِ، وَلِتِسْعَةٍ قُلْتُ: عَالَتْ بِمِثْلِ نِصْفِهَا وَانْتُقِصَ لِكُلِّ وَارِثٍ ثُلُثُ مَا بِيَدِهِ، وَلِعَشَرَةٍ قُلْتُ: عَالَتْ بِمِثْلِ ثُلُثَيْهَا وَانْتُقِصَ لِكُلِّ وَارِثٍ خُمُسُ مَا بِيَدِهِ، وَإِنْ عَالَتْ الِاثْنَا عَشَرَ لِثَلَاثَةَ عَشَرَ قُلْتُ: عَالَتْ بِنِصْفِ سُدُسِهَا وَانْتُقِصَ لِكُلِّ وَارِثٍ جُزْءٌ مِنْ ثَلَاثَةَ عَشَرَ، وَلِخَمْسَةَ عَشَرَ. قُلْتُ: عَالَتْ بِمِثْلِ رُبُعِهَا وَانْتُقِصَ لِكُلِّ وَارِثٍ خُمُسُ مَا بِيَدِهِ وَلِسَبْعَةَ عَشَرَ قُلْتُ: عَالَتْ بِمِثْلِ ثُلُثِهَا وَرُبُعِ ثُلُثِهَا وَانْتُقِصَ لِكُلِّ وَارِثٍ خَمْسَةُ أَجْزَاءٍ مِنْ سَبْعَةَ عَشَرَ، وَإِنْ عَالَتْ الْأَرْبَعَةُ وَالْعِشْرُونَ لِسَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ قُلْتُ: عَالَتْ بِمِثْلِ ثُمُنِهَا وَانْتُقِصَ لِكُلِّ وَارِثٍ تُسْعُ مَا بِيَدِهِ وَلَا يَعُولُ مِنْ الْفَرَائِضِ إلَّا هَذِهِ الثَّلَاثُ السِّتَّةُ وَتَعُولُ لِسَبْعَةٍ كَزَوْجٍ، وَأُخْتٍ شَقِيقَةٍ، أَوْ لِأَبٍ، وَأَخٍ لِأُمٍّ وَلِثَمَانِيَةٍ كَالْمُبَاهَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ مِثَالًا لِكَلَامِ النَّاظِمِ وَلِتِسْعَةٍ كَزَوْجٍ، وَأُخْتٍ، وَأُمٍّ وَأَخَوَيْنِ لِأُمٍّ، وَلِعَشَرَةٍ كَزَوْجٍ وَأُخْتَيْنِ، وَأُمٍّ، وَأَخَوَيْنِ لِأُمٍّ، وَالِاثْنَا عَشَرَ وَتَعُولُ لِثَلَاثَةَ عَشَرَ كَزَوْجَةٍ وَأُمٍّ، وَأُخْتَيْنِ وَلِخَمْسَةِ عَشَرَ كَزَوْجَةٍ وَأَخَوَيْنِ لِأُمٍّ وَأُخْتَيْنِ لِأَبٍ وَالْأَرْبَعَةُ وَالْعِشْرُونَ وَتَعُولُ لِسَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ وَهِيَ: الْمِنْبَرِيَّةُ زَوْجَةٌ وَأَبَوَانِ وَابْنَتَانِ. وَفِي ذَلِكَ يَقُولُ التِّلْمِسَانِيُّ: ثَلَاثَةٌ مِنْهَا تَعُولُ وَصْفُهَا ... السِّتُّ ثُمَّ ضِعْفُهَا وَضِعْفُهَا فَالسِّتُّ فَاعْلَمْ دُونَ مَا نِزَاعِ ... تَعُولُ بِالْإِفْرَادِ وَالْإِشْفَاعِ وَتَنْتَهِي فِي عَوْلِهَا لِعَشَرَهْ ... وَكَانَ ذَاكَ الْعَوْلُ فِيهَا أَكْثَرَهْ وَضِعْفُهَا تَعُولُ بِالْإِفْرَادِ ... لِسَبْعَ عَشَرَةَ بِلَا تَمَادِي وَعَوْلُ أَرْبَعٍ مَعَ الْعِشْرِينَا ... يُنْمَى لِسَبْعٍ بَعْدَهَا يَقِينَا اهـ وَسُمِّيَتْ الْفَرِيضَةُ: عَائِلَةً مِنْ الْعَوْلِ وَهُوَ الزِّيَادَةُ وَذَلِكَ إذَا اجْتَمَعَ فِيهَا فُرُوضٌ لَا يَفِي بِهَا جُمْلَةُ الْمَالِ وَلَمْ يُمْكِنْ إسْقَاطُ بَعْضِهَا مِنْ غَيْرِ حَاجِبٍ وَلَا تَخْصِيصُ بَعْضِ ذَوِي الْفُرُوضِ بِالنَّقْصِ دُونَ بَعْضٍ فَزِيدَ فِي الْفَرِيضَةِ سِهَامٌ حَتَّى يَتَوَزَّعَ النَّقْصُ عَلَى الْجَمِيعِ كُلُّ وَاحِدٍ بِقَدْرِ فَرْضِهِ إلْحَاقًا

فصل في ذكر حجب الإسقاط

لِأَصْحَابِ الْفُرُوضِ بِأَصْحَابِ الدُّيُونِ نَقَلَهُ الشَّارِحُ عَنْ الْجَوَاهِرِ، وَفِي الرِّسَالَةِ فَإِذَا اجْتَمَعَ مَنْ سُمِّيَ لَهُ سَهْمٌ مَعْلُومٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَكَانَ ذَلِكَ أَكْثَرَ مِنْ الْمَالِ أُدْخِلَ عَلَيْهِمْ كُلِّهِمْ الضَّرَرُ، وَقُسِّمَتْ الْفَرِيضَةُ عَلَى مَبْلَغِ سِهَامِهِمْ وَالرُّبُعُ كَالثُّلُثِ وَكَالثُّلُثَيْنِ ... تَعْدَمُهُ فَرِيضَةٌ مِثْلَيْنِ وَثُمُنٌ بِالرُّبُعِ غَيْرُ مُلْتَقِي ... وَغَيْرُ ذَاكَ مُطْلَقًا قَدْ يَلْتَقِي وَالْأَصْلُ بِالتَّرْكِيبِ ضِعْفُ سِتَّهْ ... وَضِعْفُهُ لَا غَيْرَ ذَيْنِ الْبَتَّهْ أَفَادَ بِالْبَيْتِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْفَرِيضَةَ لَا يَجْتَمِعُ فِيهَا رُبُعَانِ، وَلَا ثُلُثَانِ بِحَيْثُ يَكُونُ الرُّبُعُ لِشَخْصٍ وَالرُّبُعُ الْآخَرُ لِشَخْصٍ آخَرَ، وَالثُّلُثُ لِصِنْفٍ وَالثُّلُثُ الْآخَرُ لِصِنْفٍ آخَرَ وَلَا يَجْتَمِعُ أَيْضًا ثُلُثَانِ وَثُلُثَانِ كَذَلِكَ، أَمَّا الرُّبُعُ فَظَاهِرٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ إلَّا لِلزَّوْجِ وَلَا يَتَعَدَّى إلَّا لِزَوْجَةٍ فَإِنْ تَعَدَّدَتْ قُسِمَ بَيْنَهُنَّ لَا يَزِدْنَ عَلَيْهِ. وَأَمَّا الثُّلُثُ فَكَذَلِكَ أَيْضًا لِأَنَّهُ إمَّا لِلْأُمِّ فِي عَدَمِ تَعَدُّدِ الْإِخْوَةِ، أَوْ لِلْإِخْوَةِ لِلْأُمِّ فَتُنْقَلُ الْأُمُّ لِلسُّدْسِ إنْ كَانَتْ، وَإِمَّا لِلْجَدِّ مَعَ الْإِخْوَةِ فَقَطْ فَلَا أُمَّ، وَأَمَّا مَعَ الْإِخْوَةِ، وَذَوِي الْفُرُوضِ فَإِنَّمَا لَهُ ثُلُثُ الْبَاقِي فِي بَعْضِ الْوُجُوهِ لَا الثُّلُثُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ الَّذِي الْكَلَامُ فِيهِ الْآنَ وَكَذَلِكَ الثُّلُثَانِ لَا يَجْتَمِعَانِ مَعَ ثُلُثَيْنِ آخَرَيْنِ فِي فَرِيضَةٍ؛ لِأَنَّ الثُّلُثَيْنِ لِلْبِنْتَيْنِ أَوْ لِبِنْتَيْ الِابْنِ فِي عَدَمِهِمَا أَوْ لِلْأُخْتَيْنِ الشَّقِيقَتَيْنِ أَوْ اللَّتَيْنِ لِلْأَبِ فِي عَدَمِ الشَّقِيقَتَيْنِ وَمَعَهُمَا وُجِدَتْ بِنْتَانِ لَمْ يَبْقَ لِبَنَاتِ الِابْنِ إلَّا ثُلُثٌ إنْ كَانَ مَعَهُنَّ ذَكَرٌ وَكَانَ الْبَاقِي لِلْأُخْتَيْنِ بِالتَّعْصِيبِ وَكَذَلِكَ بَنَاتُ الِابْنِ مَعَ الْأَخَوَاتِ يَرِثُ الْأَخَوَاتُ مَا فَضَلَ عَنْهُنَّ وَأَفَادَ بِالْبَيْتِ الثَّانِي أَنَّ الْفَرِيضَةَ لَا يَجْتَمِعُ فِيهَا الثُّمُنُ وَالرُّبُعُ لِأَنَّ الرُّبُعَ إمَّا لِلزَّوْجِ مَعَ الْوَلَدِ أَوْ لِلزَّوْجَةِ مَعَ عَدَمِ الْوَلَدِ. فَلَا يَجْتَمِعُ مَعَ الثُّمُنِ الَّذِي لَا يَكُونُ إلَّا لِلزَّوْجَةِ مَعَ الْوَلَدِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَجْزَاءِ قَدْ يَلْتَقِيَانِ كَالرُّبُعِ، وَالثُّلُثِ كَزَوْجَةٍ، وَأُمٍّ، وَالرُّبُعِ وَالثُّلُثَيْنِ كَالزَّوْجَةِ وَالْأُخْتَيْنِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَأَفَادَ بِالْبَيْتِ الثَّالِثِ أَنَّ الْأَصْلَ بِالتَّرْكِيبِ هُوَ الِاثْنَا عَشَرَ وَضِعْفُهُ، وَهُوَ الْأَرْبَعَةُ وَالْعِشْرُونَ وَعَنْ الِاثْنَيْ عَشَرَ عَبَّرَ بِضِعْفِ السِّتَّةِ، وَمَعْنَى كَوْنِ هَذَيْنِ الْعَدَدَيْنِ مُرَكَّبَيْنِ أَنَّ الْفَرِيضَةَ لَا تُقَوَّمُ مِنْهُمَا إلَّا إذَا كَانَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَرْضَانِ فَأَكْثَرَ بِخِلَافِ غَيْرِهِمَا فَقَدْ لَا يَكُونُ فِيهِ إلَّا فَرْضٌ وَاحِدٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ تَقْسِيمُ أُصُولِ الْمَسَائِلِ إلَى مُرَكَّبٍ، وَبَسِيطٍ وَلَمْ يَظْهَرْ لِي مَا شَرَحَ بِهِ الشَّارِحُ هَذَا الْبَيْتَ الثَّالِثَ مِنْ كَوْنِ الْمُرَادِ مِنْهُ بَيَانَ مَا تَنْتَهِي إلَيْهِ الْفَرِيضَةُ إذَا دَخَلَهَا الْعَوْلُ وَهُوَ فِي غَايَةِ الْبُعْدِ بَلْ لَا يَصِحُّ أَصْلًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَعَلَى تَسْلِيمِهِ فَقَدْ أَخَلَّ بِالسِّتَّةِ لِقَوْلِهِ لَا غَيْرَ ذَيْنِ وَهِيَ تَعُولُ إلَى عَشَرَةٍ [فَصْلٌ فِي ذِكْرِ حَجْبِ الْإِسْقَاطِ] ِ حَجْبِ الْإِسْقَاطِ وَلَا سُقُوطَ لِأَبٍ وَلَا وَلَدْ ... وَلَا لِزَوْجَيْنِ وَلَا أُمٍّ فَقَدْ الْحَجْبُ: الْمَنْعُ مِنْ الْمِيرَاثِ وَهُوَ عَلَى وَجْهَيْنِ: حَجْبُ إسْقَاطٍ، وَحَجْبُ نَقْلٍ وَيُعَبِّرُ عَنْهُ بَعْضُهُمْ بِحَجْبِ النَّقْصِ وَسَيَأْتِي فِي التَّرْجَمَةِ بَعْدَ هَذِهِ وَلَمَّا كَانَ مِنْ الْوُرَّاثِ مَنْ لَا يُحْجَبُ بِحَالٍ قَدَّمَ الْكَلَامَ عَلَيْهِ لِيَتَفَرَّغَ لِلْكَلَامِ عَلَى غَيْرِهِ مِمَّا يُحْجَبُ حَجْبَ نَقْصٍ أَوْ حَجْبَ إسْقَاطٍ فَأَخْبَرَ أَنَّ الْأَبَوَيْنِ، وَالْأَوْلَادَ وَالزَّوْجَيْنِ، لَا يَسْقُطُونَ بِحَالٍ وَمَنْ عَدَاهُمْ قَدْ يَسْقُطُ وَقَدْ لَا. قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ وَالْحَجْبُ عَلَى قِسْمَيْنِ: حَجْبُ إسْقَاطٍ، وَحَجْبُ نَقْلٍ، فَأَمَّا حَجْبُ الْإِسْقَاطِ فَلَا يَلْحَقُ مَنْ يَنْتَسِبُ إلَى الْمَيِّتِ بِنَفْسِهِ كَالْبَنِينَ، وَالْبَنَاتِ، وَالْآبَاءِ، وَالْأُمَّهَاتِ وَفِي مَعْنَاهُمْ الْأَزْوَاجُ وَالزَّوْجَاتُ وَيَلْحَقُ مَنْ عَدَاهُمْ اهـ وَمَعْنَى فَقَدْ فَحَسْبُ وَالْجَدُّ يَحْجُبُهُ الْأَدْنَى فَالْأَبُ ... كَذَا ابْنُ الْأَبْنَاءِ بِالْأَعْلَى يُحْجَبُ وَبِأَبٍ وَابْنٍ وَبِابْنِ ابْنٍ حُجِبْ ... إخْوَةُ مَنْ مَاتَ فَلَا شَيْءَ يَجِبْ كَذَا بَنُو الْإِخْوَةِ أَيْضًا حُجِبُوا ... بِالْجَدِّ وَالْإِخْوَةِ ضَمَّهُمْ أَبُ وَالْجَدُّ بِالْحَجْبِ لِإِخْوَةٍ دَهَا ... فِيمَا انْتَمَتْ لِمَالِكٍ وَشِبْهِهَا وَابْنُ أَخٍ بِالْحَجْبِ لِلْعَمِّ وَفَى ... وَالْعَمُّ لِابْنِ الْعَمِّ مَا كَانَ كَفَى

يَعْنِي أَنَّ الْجَدَّ يَحْجُبُهُ عَنْ الْمِيرَاثِ الْجَدُّ الَّذِي هُوَ أَدْنَى وَأَقْرَبُ لِلْمَيِّتِ مِنْهُ، فَإِذَا هَلَكَ وَتَرَك جَدَّهُ، وَجَدَّ أَبِيهِ فَإِنَّ جَدَّهُ يَحْجُبُ جَدَّ أَبِيهِ. وَكَذَلِكَ الْأَبُ يَحْجُبُ الْجَدَّ فَيَحْجُبُ الْأَبُ أَبَاهُ، وَجَدَّهُ وَمَنْ فَوْقَهُمَا وَكَذَلِكَ أَبْنَاءُ الْأَبْنَاءِ يَحْجُبُونَ مَنْ هُوَ أَسْفَلُ مِنْهُمْ فَابْنُ الصُّلْبِ يَحْجُبُ ابْنَ الِابْنِ، وَابْنُ الِابْنِ يَحْجُبُ ابْنَ الْحَفِيدِ وَهَكَذَا وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِالْبَيْتِ الْأَوَّلِ وَكَذَلِكَ الْأَبُ، وَالِابْنُ وَابْنُ الِابْنِ فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَحْجُبُ الْإِخْوَةَ مِنْ أَيِّ جِهَةٍ كَانُوا شَقَائِقَ أَوْ لِأَبٍ أَوْ لِأُمٍّ فَلَا يَجِبُ شَيْءٌ مِنْ الْمِيرَاثِ لِلْإِخْوَةِ مَعَ وُجُودِ وَاحِدٍ مِنْ الثَّلَاثَةِ وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِقَوْلِهِ " وَبِأَبٍ وَابْنٍ " الْبَيْتَ. وَكَذَلِكَ الْجَدُّ فَإِنَّهُ يَحْجُبُ ابْنَ الْأَخِ مُطْلَقًا، وَكَذَا الْأَخُ شَقِيقًا أَوْ لِأَبٍ فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَحْجُبُ ابْنَ الْأَخِ مَا كَانَ وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِقَوْلِهِ كَذَا بَنُو الْإِخْوَةِ الْبَيْتَ. وَقَوْلُهُ وَالْإِخْوَةِ عَطْفٌ عَلَى الْجَدِّ، وَجُمْلَةُ ضَمَّهُمْ أَبٌ صِفَةُ الْإِخْوَةِ وَالْإِخْوَةُ الَّذِينَ ضَمَّهُمْ الْأَبُ يَصْدُقُونَ بِالْأَشِقَّاءِ، وَاَلَّذِينَ لِلْأَبِ وَكَذَلِكَ، الْجَدُّ فَإِنَّهُ يَحْجُبُ الْإِخْوَةَ الَّذِينَ لِلْأَبِ، وَاَلَّذِينَ لِلْأُمِّ فِي الْفَرِيضَةِ الْمَعْرُوفَةِ بِالْمَالِكِيَّةِ وَكَذَلِكَ يَحْجُبُ الْجَدُّ الْإِخْوَةَ لِلْأُمِّ، وَالْأَشِقَّاءَ فِي الْفَرِيضَةِ الْمَعْرُوفَةِ الشَّبِيهَةِ بِالْمَالِكِيَّةِ وَكِلَاهُمَا مِنْ شَوَاذِّ الْمَسَائِلِ الْخَارِجَةِ عَنْ الْقِيَاسِ فَتُحْفَظَانِ وَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِمَا غَيْرُهُمَا. فَالْمَالِكِيَّةُ امْرَأَةٌ تَرَكَتْ زَوْجًا، وَجَدًّا، وَأُمًّا، وَأَخًا لِأَبٍ، وَأَخَوَيْنِ لِأُمٍّ. فَالْمَسْأَلَةُ مِنْ سِتَّةٍ لِسُدُسِ الْأُمِّ، وَنِصْفُ الزَّوْجِ مُنْدَرِجٌ فِي السِّتَّةِ لِلزَّوْجِ النِّصْفُ، ثَلَاثَةٌ، وَلِلْأُمِّ السُّدْسُ وَاحِدٌ، وَلِلْجَدِّ السُّدْسُ وَاحِدٌ أَيْضًا وَيَبْقَى وَاحِدٌ، مَذْهَبُ مَالِكٍ أَنَّهُ لِلْجَدِّ أَيْضًا لِأَنَّهُ يَقُولُ لِلْأَخِ لِلْأَبِ لَوْلَا أَنَا لَأَخَذَ الْإِخْوَةُ لِلْأُمِّ وَلَا شَيْءَ لَك لِأَنَّكَ عَاصِبٌ وَلَمْ يَبْقَ لَك شَيْءٌ فَأَنَا مَنَعْتُهُمْ مِنْ ذَلِكَ السُّدْسِ فَأَنَا أَوْلَى بِهِ وَمَذْهَبُ زَيْدٍ: أَنَّهُ لِلْأَخِ لِلْأَبِ لِأَنَّ الْإِخْوَةَ لِلْأُمِّ مَحْجُوبُونَ بِالْجَدِّ فَوُجُودُهُمْ كَالْعَدَمِ وَقَدْ أَخَذَ ذَوُو الْفُرُوضِ فُرُوضَهُمْ وَهَذَا الْبَاقِي لِلْأَخِ لِلْأَبِ لِأَنَّهُ عَاصِبٌ يَأْخُذُ مَا فَضَلَ عَنْ ذَوِي السِّهَامِ وَالشَّبِيهَةُ بِالْمَالِكِيَّةِ هِيَ كَالْمَالِكِيَّةِ سَوَاءٌ إلَّا أَنَّ الْأَخَ لِلْأَبِ فِي الْمَالِكِيَّةِ يُجْعَلُ مَكَانَهُ الشَّقِيقُ فِي هَذَا. فَذَهَبَ مَالِكٌ أَيْضًا أَنَّ السُّدْسَ الْبَاقِي لِلْجَدِّ أَيْضًا لِأَنَّهُ يَحْجُبُ كُلَّ مَنْ هُوَ مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ وَلَوْلَا الْجَدُّ لَكَانَ دُخُولُ الشَّقِيقِ مِنْ جِهَةِ أُمِّهِ كَمَا فِي الْحِمَارِيَّةِ فَيَحْجُبُ الْجَدُّ الْأَخَ الشَّقِيقَ وَاَلَّذِينَ لِلْأُمِّ وَمَذْهَبُ زَيْدٍ أَنَّ ذَلِكَ السُّدْسَ الْبَاقِيَ لِلْأَخِ الشَّقِيقِ لِأَنَّهُ فَضَلَ عَنْ ذَوِي السِّهَامِ فَيَأْخُذُهُ الْعَاصِبُ. وَدَهَا، قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَمَا دَهَاكَ أَيْ مَا أَصَابَكَ. وَفِي ذَلِكَ يَقُولُ التِّلْمِسَانِيُّ: بَعْدَ ذِكْرِهِ الْحِمَارِيَّةَ وَهِيَ زَوْجٌ، وَأُمٌّ وَأَخَوَانِ لِأُمٍّ، وَأَخٌ شَقِيقٌ وَأَنَّهَا إذَا دَخَلَ فِيهَا الْجَدُّ فَهِيَ الشَّبِيهَةُ بِالْمَالِكِيَّةِ وَإِنْ أُبْدِلَ الْأَخُ الشَّقِيقُ بِالْأَخِ لِلْأَبِ فَهِيَ الْمَالِكِيَّةُ فَإِنْ تَكُنْ تُدْخِلُ فِيهَا الْجَدَّا ... فَمَالِكٌ خَالَفَ فِيهَا زَيْدَا فَالْجَدُّ فِي مَذْهَبِ زَيْدٍ يَكْتَفِي ... بِسُدُسِ الْمَالِ تَفَهَّمْ وَاعْرِفْ وَلِلْأَشِقَّاءِ جَمِيعُ الْبَاقِي ... دُونَ بَنِي الْأُمِّ بِلَا شِقَاقِ وَمَالِكٌ يُورِثُ فِيهَا الْجَدَّا ... سِهَامَهُمْ جَمِيعَهَا لَا بُدَّا لِأَنَّهُ يَقُولُ لِلْأَشِقَّا ... لَوْ كُنْتُمْ دُونِي وَرِثْتُمْ حَقَّا بِأُمِّكُمْ وَإِنَّنِي لَحَاجِبُ ... كُلَّ بَنِي الْأُمِّ فَكُلٌّ خَائِبُ فَإِنْ يَكُنْ مَكَانَهُمْ إخْوَةُ أَبْ ... فَهِيَ الَّتِي لَهَا لِمَالِكٍ نَسَبْ فَمَا لَهُمْ لِمَا بَقِيَ سَبِيلُ ... فِيهَا لِأَنَّ جَدَّهُمْ يَقُولُ لَوْ كُنْتُمْ دُونِي إذَنْ لَمْ تَرِثُوا ... فَيُحْرِزُ الْبَاقِي وَهُوَ الثُّلُثُ وَرَأْيُ زَيْدٍ رَأْيُهُ هُنَالِكَا ... بِلَا خِلَافٍ عَنْهُ فَاعْلَمْ ذَلِكَا فَقَوْلُهُ فَإِنْ تَكُنْ تَدْخُلُ فِيهَا الْجَدَّا أَيْ فِي الْحِمَارِيَّةِ فَتَكُونَ حِينَئِذٍ هِيَ الشَّبِيهَةُ بِالْمَالِكِيَّةِ. وَقَوْلُهُ

فَإِنْ يَكُنْ مَكَانَهُمْ أَيْ مَكَانَ الْأَشِقَّاءِ فِي الشَّبِيهَةِ بِالْمَالِكِيَّةِ أُخُوَّةٌ لِأَبٍ فَهِيَ الْمَالِكِيَّةُ فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا إلَّا أَنَّ الْأَخَ الَّذِي مَعَ الْإِخْوَةِ لِلْأُمِّ فِي الشَّبِيهَةِ شَقِيقٌ وَفِي الْمَالِكِيَّةِ لِأَبٍ فَالشِّينُ فِي الشَّبِيهَةِ فِي مُقَابَلَةِ شِينِ الشَّقِيقِ وَكَذَلِكَ ابْنُ الْأَخِ شَقِيقًا أَوْ لِأَبٍ يَحْجُبُ الْعَمَّ، وَالْعَمُّ شَقِيقًا أَوْ لِأَبٍ يَحْجُبُ ابْنَ الْعَمِّ إلَى التَّعْمِيمِ فِي ابْنِ الْأَخِ وَالْعَمِّ أَشَارَ بِقَوْلِهِ مَا كَانَ كَفَى أَيْ كَفَى فِي الْحَجْبِ وَهُوَ تَعْمِيمٌ فِي الْحَاجِبِ الَّذِي هُوَ ابْنُ الْأَخِ وَالْعَمِّ. وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ تَعْمِيمٌ حَتَّى لِلْمَحْجُوبِ وَأَنَّ الْعَمَّ شَقِيقًا أَوْ لِأَبٍ يُحْجَبُ بِابْنِ الْأَخِ، وَأَنَّ ابْنَ الْعَمِّ شَقِيقًا أَوْ لِأَبٍ يُحْجَبُ بِالْعَمِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَالْأُمُّ كِلْتَا الْجَدَّتَيْنِ تَحْجُبُ ... وَجَدَّةً لِلْأَبِ يَحْجُبُ الْأَبُ وَمَنْ دَنَتْ حَاجِبَةٌ لِبُعْدَى ... جِهَتِهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ تَعَدَّى وَقُرْبَى الْأُمِّ حَجَبَتْ بُعْدَى لِأَبْ ... وَالْعَكْسُ إنْ أَتَى فَمَا حَجْبٌ وَجَبْ وَحَظُّهَا السُّدْسُ فِي الِانْفِرَادِ ... وَقِسْمَةُ السَّوَاءِ فِي التَّعْدَادِ وَالْإِرْثُ لَمْ يَحُزْهُ مِنْ هَاتَيْنِ ... تَعَدُّدٌ أَكْثَرُ مِنْ ثِنْتَيْنِ وَمُسْقِطٌ ذُو الْجِهَتَيْنِ أَبَدَا ... ذَا جِهَةٍ مَهْمَا تَسَاوَوْا قُعْدُدَا وَمَنْ لَهُ حَجْبٌ بِحَاجِبٍ حُجِبْ ... فَحَجْبُهُ بِمَنْ لَهُ الْحَجْبُ يَجِبْ وَإِخْوَةُ الْأُمِّ بِمَنْ يَكُونُ فِي ... عَمُودَيْ النَّسَبِ حَجْبُهُمْ قُفِيّ يَعْنِي أَنَّ الْأُمَّ تَحْجُبُ أُمَّهَا وَهِيَ جَدَّةُ الْمَيِّتِ لِأُمِّهِ وَتَحْجُبُ أُمَّ زَوْجِهَا وَهِيَ جَدَّةُ الْمَيِّتِ لِأَبِيهِ وَأَنَّ الْأَبَ يَحْجُبُ أُمَّهُ وَلَا يَحْجُبُ أُمَّ زَوْجَتِهِ وَهِيَ الْجَدَّةُ لِلْأُمِّ وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِالْبَيْتِ الْأَوَّلِ وَقَوْلُهُ: وَجَدَّةً بِالنَّصْبِ مَفْعُولُ يَحْجُبُ الْأَبُ وَقَوْلُهُ: " وَمَنْ دَنَتْ " الْبَيْتَ، مَعْنَاهُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْجَدَّتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ تَحْجُبُ مَنْ فَوْقَهَا مِنْ جِهَتِهَا وَلَا تَتَعَدَّى لِحَجْبِ مَنْ لَيْسَتْ فِي جِهَتِهَا فَأُمُّ الْأُمِّ تَحْجُبُ أُمَّهَا وَإِنْ عَلَتْ وَلَا تَتَعَدَّى لِحَجْبِ مَنْ لَيْسَتْ مِنْ جِهَتِهَا مِنْ الْجَدَّاتِ اللَّائِي مِنْ قِبَلِ الْأَبِ إلَّا مَا يُذْكَرُ فِي الْبَيْتِ بَعْدَ هَذَا وَكَذَلِكَ أُمُّ الْأَبِ تَحْجُبُ أُمَّهَا وَإِنْ عَلَتْ دُون أَنْ تَتَعَدَّى لِغَيْرِ جِهَتِهَا. وَقَوْلُهُ: " وَقُرْبَى الْأُمِّ " الْبَيْتَ مَعْنَاهُ أَنَّ الْجَدَّةَ الْقُرْبَى مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ تَحْجُبُ الْبُعْدَى مِنْ جِهَةِ الْأَبِ فَإِذَا تَرَكَ أُمَّ أُمِّهِ وَأُمَّ أُمِّ أَبِيهِ فَلَا شَيْءَ لِأُمِّ أُمِّ أَبِيهِ، وَأَمَّا الْعَكْسُ فَلَا تَحْجُبُ وَهُوَ أَنْ يَتْرُكَ أُمَّ أُمِّ أُمِّهِ وَأُمَّ أَبِيهِ فَالسُّدْسُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِقَوْلِهِ وَالْعَكْسُ إنْ أَتَى فَمَا حَجْبٌ وَجَبْ وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتَا فِي رُتْبَةٍ وَاحِدَةٍ فَالسُّدْسُ بَيْنَهُمَا أَيْضًا وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِقَوْلِهِ: وَقِسْمَةُ السَّوَاءِ فِي التَّعْدَادِ وَأَمَّا إنْ كَانَتْ جَدَّةٌ وَاحِدَةٌ فَلَهَا السُّدْسُ وَقَدْ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ وَحَظُّهَا السُّدْسُ فِي الِانْفِرَادِ وَهَذَا تَقَدَّمَ فِي تَعْدَادِ أَصْحَابِ السُّدْسِ، وَحَاصِلُ الْمَسْأَلَةِ مَا أَشَارَ بِهِ الشَّيْخُ خَلِيلٌ بِقَوْلِهِ وَأَسْقَطَتْ الْأُمُّ مُطْلَقًا وَالْأَبُ الْجَدَّةَ مِنْ جِهَتِهِ وَالْقُرْبَى مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ الْبُعْدَى مِنْ جِهَةِ الْأَبِ وَإِلَّا اشْتَرَكَتَا. وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ: وَالْإِرْثُ لَمْ يَحُزْهُ الْبَيْتَ إلَى قَوْلِ صَاحِبِ الرِّسَالَةِ وَغَيْرِهِ، وَاللَّفْظ لَهُ وَلَا يَرِثُ عِنْدَ مَالِكٍ أَكْثَرُ مِنْ جَدَّتَيْنِ: أُمُّ الْأُمِّ وَأُمُّ الْأَبِ وَأُمَّهَاتُهُمَا، وَيُذْكَرُ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ وَرَّثَ ثَلَاثَ جَدَّاتٍ وَاحِدَةً مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ وَاثْنَتَيْنِ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ أُمَّ أُمِّ الْأَبِ وَأُمَّ أَبِي الْأَبِ، وَلَمْ يُحْفَظْ عَنْ الْخُلَفَاءِ تَوْرِيثُ أَكْثَرَ مِنْ جَدَّتَيْنِ فَقَوْلُهُ: أُمُّ أُمِّ الْأَبِ إلَخْ هُوَ بَيَانٌ لِلِاثْنَتَيْنِ اللَّتَيْنِ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ وَمُرَادُهُ أُمُّ الْأَبِ وَأُمُّهَا وَإِنْ عَلَتْ، وَأُمُّ الْجَدِّ وَهُوَ مُرَادُهُ بِأُمِّ الْأَبِ وَأُمِّهَا وَإِنْ عَلَتْ وَلِذَلِكَ زَادَ وَأُمَّهَاتُهُمَا. (وَفِي الْجَوَاهِرِ) وَأَمَّا الْجَدَّاتُ فَفَرْضُهُنَّ السُّدْسُ فِي الِانْفِرَادِ، وَالِاجْتِمَاعِ وَلَا يَرِثُ مِنْهُنَّ الِاثْنَتَانِ أُمُّ الْأُمِّ وَأُمَّهَاتُهَا وَأُمُّ الْأَبِ وَأُمَّهَاتُهَا فَقَوْلُهُ: " تَعَدُّدًا " مَنْصُوبٌ عَلَى إسْقَاطِ الْخَافِضِ " وَأَكْثَرُ " فَاعِلُ يَحُزْ " وَثِنْتَيْنِ " صِفَةٌ لِمَحْذُوفٍ أَيْ جَدَّتَيْنِ ثِنْتَيْنِ. وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ: وَمُسْقِطٌ ذُو الْجِهَتَيْنِ الْبَيْت إلَى أَنَّ الْقَرِيبَيْنِ إذَا كَانَا فِي رُتْبَةٍ وَاحِدَةٍ فَإِنَّ ذَا الْجِهَتَيْنِ يُسْقِطُ ذَا جِهَةٍ وَاحِدَةٍ وَذَلِكَ كَأَخَوَيْنِ شَقِيقٍ وَلِأَبٍ وَعَمَّيْنِ وَابْنَيْ أَخٍ وَابْنَيْ عَمٍّ كَذَلِكَ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَإِنَّ الشَّقِيقَ يَحْجُبُ الَّذِي لِلْأَبِ مَعَ اتِّحَادِ الْمَرْتَبَةِ فَذُو الْجِهَتَيْنِ مُبْتَدَأ وَمُضَافٌ

فصل في ذكر حجب النقل إلى فرض

إلَيْهِ وَمُسْقِطٌ خَبَرُهُ، وَذَا جِهَةٍ مَفْعُولُ مُسْقِطٌ وَالْقُعْدُدُ الْمَرْتَبَةُ. وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ: وَمَنْ لَهُ حَجْبٌ بِحَاجِبِ الْبَيْتَ إلَى أَنَّ الْوَارِثَ الَّذِي ثَبَتَ لَهُ الْحَجْبُ بِحَاجِبٍ مِنْ صِفَةِ ذَلِكَ الْحَاجِبِ أَنَّهُ مَحْجُوبٌ بِغَيْرِهِ. أَقْرَبُ مِنْهُ فَإِنَّ الَّذِي ثَبَتَ لَهُ الْحَجْبُ أَوَّلًا يَجِبُ حَجْبُهُ أَيْضًا بِحَاجِبِ حَاجِبِهِ حَيْثُ يُعْدَمُ حَاجِبُهُ وَذَلِكَ كَابْنِ الْأَخِ فَإِنَّهُ مَحْجُوبٌ بِالْأَخِ، وَالْأَخُ مَحْجُوبٌ بِالْوَلَدِ فَإِنَّهُ إذَا عُدِمَ الْأَخُ بَقِيَ ابْنُ الْأَخِ مَحْجُوبًا بِحَاجِبِ الْأَخِ وَهُوَ الْوَلَدُ فَالْكَلَامُ بَيْنَ ثَلَاثَةِ أَشْخَاصٍ فَاَلَّذِي ثَبَتَ لَهُ الْحَجْبُ ابْنُ الْأَخِ مَثَلًا وَهُوَ مَحْجُوبٌ بِحَاجِبٍ وَهُوَ الْأَخُ فَإِذَا عُدِمَ الْأَخُ بَقِيَ ابْنُ الْأَخِ مَحْجُوبًا بِحَاجِبِ الْأَخِ وَهُوَ الْوَلَدُ، وَكَذَلِكَ الْأَخُ لِلْأَبِ فَإِنَّهُ مَحْجُوبٌ بِالشَّقِيقِ، وَالشَّقِيقُ مَحْجُوبٌ بِالِابْنِ فَإِذَا عُدِمَ الشَّقِيقُ بَقِيَ الْأَخُ لِلْأَبِ مَحْجُوبًا بِحَاجِبِ الشَّقِيقِ وَهُوَ الِابْنُ وَهَكَذَا فَجُمْلَةُ حُجِبَ صِفَةٌ لِ " حَاجِبِ ". وَضَمِيرُ حَجْبُهُ لِمَنْ ثَبَتَ لَهُ الْحَجْبُ وَهُوَ ابْنُ الْأَخِ فِي الْمِثَالِ الْأَوَّلِ، وَالْأَخُ لِلْأَبِ فِي الْمِثَالِ الثَّانِي وَمَنْ مَوْصُولٌ بِمَعْنَى الَّذِي وَاَلَّذِي يَجِبُ لَهُ الْحَجْبُ أَيْ لِلْحَاجِبِ هُوَ الِابْنُ فِي الْمِثَالَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَلَفْظُ الشَّارِحِ كُلُّ مَنْ حَجَبَهُ حَاجِبٌ مَحْجُوبٌ بِحَاجِبٍ أَقْرَبَ مِنْهُ فَإِنَّ ذَلِكَ الْمَحْجُوبَ بِالْحَاجِبِ الْمُتَوَسِّطِ حَالَ عَدَمِهِ مَحْجُوبٌ أَيْضًا بِحَاجِبِ ذَلِكَ الْحَاجِبِ الْمُتَوَسِّطِ اهـ وَمَعْنَاهُ كَمَا قَرَّرْنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، إلَّا أَنَّ الْبَيَانَ فِي تَقْرِيرِنَا أَكْثَرُ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ وَإِخْوَةُ الْأُمِّ الْبَيْتَ إلَى أَنَّ الْإِخْوَةَ لِلْأُمِّ مَحْجُوبُونَ بِعَمُودَيْ النَّسَبِ وَهُمَا الْأَوْلَادُ ذُكُورًا أَوْ إنَاثًا وَاحِدًا أَوْ مُتَعَدِّدًا وَالْآبَاءُ هُمْ الْأَبُ وَالْجَدُّ لِلْأَبِ وَإِنْ عَلَا لِأَنَّهُمْ لَا يَرِثُونَ إلَّا فِي الْكَلَالَةِ وَهِيَ كَمَا قِيلَ وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْكَلَالَةِ ... هِيَ انْقِطَاعُ النَّسْلِ لَا مَحَالَّهْ لَا وَالِدٌ يَبْقَى وَلَا مَوْلُودُ ... قَدْ ذَهَبَ الْأَبْنَاءُ وَالْجُدُودُ وَذَلِكَ كُلُّهُ ظَاهِرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَصْلٌ فِي ذِكْرِ حَجْبِ النَّقْلِ إلَى فَرْضٍ] ٍ وَالْأَبُ مَعَ فُرُوضِ الِاسْتِغْرَاقِ ... وَالنَّقْصُ يَحْوِي السُّدْسَ بِالْإِطْلَاقِ كَذَاكَ يَحْوِي مَعَ ذُكْرَانِ الْوَلَدْ ... أَوْ وَلَدِ ابْنٍ مِثْلِهِمْ سُدُسًا فَقَدْ وَالسُّدْسُ مَعْ أُنْثَى مِنْ الصِّنْفَيْنِ لَهْ ... وَالْبَاقِي بِالتَّعْصِيبِ بَعْدُ حَصَّلَهْ ذَكَرَ فِي هَذَا الْفَصْلِ النَّقْلَ مِنْ التَّعْصِيبِ إلَى الْفَرْضِ فَذَكَرَ فِي الْبَيْتِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْأَبَ إذَا كَانَ فِي فَرِيضَةٍ يَسْتَغْرِقهَا وَرَثَتُهَا سَوَاءٌ كَانَتْ عَادِلَةً كَبِنْتَيْنِ، وَأَبٍ، وَأُمٍّ، أَوْ عَائِلَةً كَزَوْجٍ، وَأُمٍّ، وَبِنْتٍ، وَأَبٍ فَإِنَّهُ يَنْتَقِلُ عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ التَّعْصِيبِ، وَيَصِيرُ ذَا فَرْضٍ فَلَهُ مِنْ الْفَرِيضَةِ الْأُولَى السُّدْسُ وَاحِدٌ، وَلَهُ مِنْ الثَّانِيَةِ السُّدْسُ اثْنَانِ فَتَعُولُ الثَّلَاثَةَ عَشْرَ لِأَجْلِ سُدُسِ الْأَبِ وَلَوْ بَقِيَ عَاصِبًا لَأَخَذَ الْوَاحِدُ الْبَاقِيَ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ وَلَا يَحْتَاجُ لِعَوْلٍ وَكَذَلِكَ فِي الَّتِي يَسْتَغْرِقُهَا وَرَثَتُهَا وَهِيَ الَّتِي عَبَّرَ عَنْهَا بِالنَّقْصِ كَأَبٍ، وَبِنْتٍ مِنْ سِتَّةٍ لِلْبِنْتِ النِّصْفُ ثَلَاثَةٌ، وَلِلْأَبِ السُّدْسُ بِالْفَرْضِ وَاحِدٌ، وَاثْنَانِ بِالتَّعْصِيبِ فَقَدْ انْتَقَلَ لِلْفَرْضِ أَيْضًا. وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ كُلَّ ذَكَرٍ مِنْ الْوَرَثَةِ فَهُوَ عَاصِبٌ إلَّا الزَّوْجَ، وَالْأَخَ لِلْأُمِّ وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِالْبَيْتِ الْأَوَّلِ، وَمَعْنَى الْإِطْلَاقِ فِيهِ أَنَّ الْأَبَ لَهُ السُّدْسُ فِي فُرُوضِ الِاسْتِغْرَاقِ، وَالنَّقْصُ أَيْ فِي الْفَرِيضَةِ الْعَادِلَةِ، وَالْعَائِلَةِ، وَالنَّاقِصَةِ، إلَّا أَنَّهُ فِي الْعَادِلَةِ يَأْخُذُ السُّدْسَ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ عَلَيْهِ وَلَا نَقْصٍ، وَفِي الْعَائِلَةِ يَأْخُذُ السُّدْسَ إلَّا مَا نَقَصَهُ الْعَوْلُ، وَهُوَ جُزْءٌ مِنْ ثَلَاثَةَ عَشَرَ فِي الْمِثَالِ الْمُتَقَدِّمِ وَفِي النَّاقِصَةِ يَأْخُذُ السُّدْسَ، وَالْبَاقِي بِالتَّعْصِيبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَهَذَا الَّذِي ذُكِرَ فِي الْأَبِ كُلُّهُ يَجْرِي فِي الْجَدِّ

كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ فِي الْبَيْتِ بَعْدَ هَذِهِ ثُمَّ ذَكَرَ فِي الْبَيْتِ الثَّانِي أَنَّ الْأَبَ يَرِثُ بِالْفَرْضِ السُّدْسَ أَيْضًا مَعَ الْوَلَدِ الذَّكَرِ وَاحِدًا كَانَ أَوْ مُتَعَدِّدًا، وَكَذَلِكَ يَرِثُ مَعَ الِابْنِ السُّدْسَ فَقَطْ بِالْفَرْضِ وَلَمَّا كَانَ لَفْظُ الْوَلَدِ يَشْمَلُ الذَّكَرَ، وَالْأُنْثَى زَادَ قَوْلَهُ: مِثْلِهِمْ أَيْ مِثْلِ وَلَدِ الصُّلْبِ فِي كَوْنِهِمْ ذُكُورًا، وَسُدُسًا بِسُكُونِ الدَّالِ مَفْعُولُ يَحْوِي، وَفَاعِلُهُ ضَمِيرُ الْأَبِ وَقَدْ اسْمُ فِعْلٍ بِمَعْنَى حَسْبُ ثُمَّ، ذَكَرَ فِي الْبَيْتِ الثَّالِثِ أَنَّ الْأَبَ مَعَ الْأُنْثَى مِنْ بَنَاتِ الصُّلْبِ، أَوْ بَنَاتِ الِابْنِ وَهُوَ الَّذِي يَعْنِي بِالصِّنْفَيْنِ لَهُ السُّدْسُ أَيْضًا بِالْفَرْضِ وَالْبَاقِي يُحَصِّلُهُ بِالتَّعْصِيبِ وَهَذَا الْمَعْنَى تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ فِي الْبَيْتِ الْأَوَّلِ وَالنَّقْصُ يَحْوِي السُّدْسَ وَصَرَّحَ هُنَا زِيَادَةً عَلَى مَا تَقَدَّمَ بِأَنَّ الزَّائِدَ عَلَى السُّدْسِ يَأْخُذُهُ بِالتَّعْصِيبِ. (قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ) وَأَمَّا النَّقْلُ مِنْ تَعْصِيبٍ إلَى فَرْضٍ فَيَخْتَصُّ بِالْأَبِ، وَالْجَدِّ يَنْقُلُهُمَا الِابْنُ، وَابْنُهُ إلَى السُّدْسِ وَلَا يَرِثَانِ مَعَ هَذَيْنِ بِالتَّعْصِيبِ وَكَذَلِكَ أَيْضًا إنْ اسْتَغْرَقَتْ السِّهَامُ الْمَالَ فَإِنَّهُ يُفْرَضُ لِأَيِّهِمَا كَانَ السُّدْسُ كَزَوْجٍ، وَابْنَتَيْنِ، وَأَبٍ أَوْ جَدٍّ (وَفِي الْمُقَرِّبِ) وَمِيرَاثُ الْأَبِ السُّدْسُ مَعَ الْوَلَدِ وَمَعَ، وَلَدِ الْوَلَدِ وَلَهُ مَا بَقِيَ مِنْ الْمَالِ مَعَ غَيْرِهِمْ مِنْ الْوَرَثَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الَّذِي بَقِيَ أَقَلَّ مِنْ السُّدْسِ فَلَا يُنْقَصُ مِنْهُ شَيْءٌ، وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا تُوُفِّيَ وَتَرَكَ ابْنَتَيْهِ، وَزَوْجَتَهُ وَأَبَاهُ لَكَانَ لِلْبِنْتَيْنِ الثُّلُثَانِ، وَلِلزَّوْجَةِ الثُّمْنُ وَيَبْقَى السُّدْسُ، وَرُبُعُ السُّدْسِ يَأْخُذُهُ الْأَبُ وَلَا يُزَادُ عَلَيْهِ وَلَوْ كَانَ فِي هَذِهِ الْفَرِيضَةِ زِيَادَةُ أُمٍّ، أَوْ جَدَّةٍ لِأُمٍّ لَمْ يَبْقَ لِلْأَبِ إلَّا رُبُعُ السُّدْسِ فَهَهُنَا يَرِثُونَ الْفَرِيضَةَ، وَلَا يُنْقَصُ الْأَبُ مِنْ السُّدْسِ إلَّا مَا دَخَلَ عَلَيْهِ مِنْ الْعَوْلِ اهـ بِبَعْضِ اخْتِصَارٍ. وَهَذِهِ هِيَ الْمِنْبَرِيَّةُ زَوْجَةٌ، وَأَبَوَانِ، وَاِبْنَتَانِ إنْ قُدِّمَ الْأَبَوَانِ، وَالْبِنْتَانِ بَقِيَتْ الزَّوْجَةُ وَلَهَا ثَلَاثَةٌ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ ثُمُنُهَا وَإِنْ قُدِّمَتْ الْبِنْتَانِ، وَالزَّوْجَةُ، وَأَحَدُ الْأَبَوَيْنِ لَمْ يَبْقَ لِلْآخَرِ إلَّا وَاحِدٌ رُبُعُ السُّدْسِ وَهُوَ لَا يُنْقَصُ عَنْ السُّدْس فَتَعُولُ بِثَلَاثَةٍ عَلَى كُلِّ حَالٍ فَتَبْلُغَ سَبْعَةً وَعِشْرِينَ سَهْمًا وَالْجَدُّ مِثْلُ الْأَبِ مَعْ مَنْ ذُكِرَا ... حَالًا بِحَالٍ فِي الَّذِي تَقَرَّرَا وَزَادَ بِالثُّلْثِ إنْ الرَّجْحُ ظَهَرْ ... مَعْ صِنْفِ إخْوَةٍ وَقَسْمٍ كَذَكَرْ وَالسُّدْسُ إنْ يَرْجَحْ لَهُ مَتَى صَحِبْ ... أَهْلَ. الْفُرُوضِ صِنْفُ إخْوَةٍ يَجِبْ أَوْ قِسْمَةُ السَّوَاءِ فِي الْبَقِيَّهْ ... أَوْ ثُلْثُهَا إلَّا فِي الْأَكْدَرِيَّهْ فَالْعَوْلُ لِلْأُخْتِ بِهَا قَدْ أُعْمِلَا ... وَاجْمَعْهُمَا وَاقْسِمْ وَجَدًّا فَضِّلَا وَالْقَسْمُ مَعْ شَقَائِقَ وَمَنْ لِأَبْ ... مَعًا لَهُ وَعَدُّ كُلِّهِمْ وَجَبْ وَحَظُّ مَنْ لِلْأَبِ لِلْأَشِقَّا ... وَحْدَهُمْ يَكُونُ مُسْتَحَقَّا ذَكَر فِي الْبَيْتِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْجَدَّ مِثْلُ الْأَبِ فِي جَمِيعِ الْأَوْجُهِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي شَرْحِ الْبَيْتِ الْأَوَّلِ مِنْ الْأَبْيَاتِ قَبْلَ هَذِهِ وَكَوْنُهُ يَنْتَقِلُ عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ التَّعْصِيبِ وَيَصِيرُ ذَا فَرْضٍ فَيُفْرَضُ لَهُ السُّدْسُ فِي الْفَرِيضَةِ الْعَادِلَةِ وَالْعَائِلَةِ وَالنَّاقِصَةِ وَمَا يَفْضُل فِي النَّاقِصَةِ يَأْخُذُهُ بِالتَّعْصِيبِ وَيُفْرَض لَهُ السُّدْسُ مَعَ الِابْنِ أَوْ ابْنِ الِابْنِ وَلَيْسَ لَهُ سِوَاهُ. الْمُرَادُ بِمَنْ ذُكِرَ ذَوُو الْفُرُوضِ فِي الْفَرِيضَةِ الْعَادِلَةِ وَالْعَائِلَةِ وَالنَّاقِصَةِ وَالِابْنُ وَابْنُ الِابْنِ. ثُمَّ ذَكَرَ فِي بَقِيَّةِ الْأَبْيَاتِ ثَلَاثَ حَالَاتٍ مِنْ حَالَاتِ الْجَدِّ: الْأُولَى إذَا اجْتَمَعَ الْجَدُّ مَعَ الْإِخْوَةِ وَكَانُوا صِنْفًا وَاحِدًا إمَّا شَقَائِقُ كُلُّهُمْ أَوْ كُلُّهُمْ لِأَبٍ وَإِلَى هَذِهِ الْحَالَةِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ وَزَادَ بِالثُّلُثِ الْبَيْتَ. الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ: إذَا اجْتَمَعَ الْجَدُّ وَالْإِخْوَةُ وَذَوُو الْفُرُوضِ. وَإِلَيْهَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ وَالسُّدْسُ إنْ يَرْجَحْ لَهُ إلَى قَوْلِهِ وَجَدًّا فَضِّلَا وَالْمُرَادُ بِالْإِخْوَةِ الْجِنْسُ فَيَشْمَلُ الْوَاحِدَ وَالْمُتَعَدِّدَ وَالذَّكَرَ وَالْأُنْثَى. الْحَالَةُ الثَّالِثَةُ: إذَا اجْتَمَعَ الْإِخْوَةُ الْأَشِقَّاءُ وَاَلَّذِينَ لِلْأَبِ مَعَ الْجَدِّ وَإِلَيْهَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ وَالْقَسْمُ مَعْ شَقَائِق وَمَنْ لِأَبْ الْبَيْتَيْنِ وَهَذِهِ الْحَالَاتُ الثَّلَاثُ يَخْتَصُّ بِهَا الْجَدُّ عَنْ الْأَبِ لِأَنَّ الْإِخْوَةَ مَعَ الْجَدِّ يَرِثُونَ فَاحْتِيجَ إلَى بَيَانِ مَا يَرِثُونَ وَمَعَ الْأَبِ مَحْجُوبُونَ بِهِ فَلَا تُتَصَوَّرُ هَذِهِ الْحَالَاتُ إلَّا مَعَ الْجَدِّ وَلِذَا عَبَّرَ بِالزِّيَادَةِ فَقَالَ وَزَادَ بِالثُّلُثِ إلَخْ أَيْ زَادَ الْجَدُّ عَلَى الْأَبِ بِكَذَا. وَهَذَا كُلُّهُ مِنْ النَّقْلِ عَنْ التَّعْصِيبِ إلَى الْفَرْضِ قَوْله وَزَادَ بِالثُّلُثِ الْبَيْتَ يَعْنِي أَنَّ الْجَدَّ إذَا اجْتَمَعَ مَعَ الْإِخْوَةِ وَهُمْ صِنْفٌ

وَاحِدٌ أَشِقَّاءُ كُلُّهُمْ أَوْ كُلُّهُمْ لِأَبٍ فَإِنَّ لَهُ الْأَفْضَلَ بِمَا تُخْرِجُهُ الْمُقَاسَمَةُ أَوْ الثُّلُثَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، وَالْمُقَاسَمَةُ: أَنْ يُقَدَّرَ أَخًا كَوَاحِدٍ مِنْ الْإِخْوَةِ وَلَا فَرْقَ فِي الْإِخْوَةِ بَيْنَ أَنْ يَكُونُوا ذُكُورًا أَوْ إنَاثًا أَوْ مُجْتَمِعِينَ وَيُعَدُّ لِلذَّكَرِ بِرَأْسَيْنِ وَالْأُنْثَى بِرَأْسٍ، فَإِذَا كَانَ الْجَدُّ مَعَ أَخٍ وَاحِدٍ فَالْمُقَاسَمَةُ أَفْضَلُ لَهُ لِأَنَّهُ يَأْخُذُ النِّصْفَ حِينَئِذٍ وَكَذَلِكَ تَكُونُ الْمُقَاسَمَةُ أَفْضَلُ مَعَ أُخْتٍ وَاحِدَةٍ لِأَنَّ لَهُ مَعَهَا الثُّلُثَيْنِ وَكَذَلِكَ مَعَ أُخْتَيْنِ لِأَنَّ لَهُ مَعَهُمَا النِّصْفَ وَكَذَلِكَ مَعَ ثَلَاثٍ لِأَنَّهُ يَأْخُذُ إذْ ذَاكَ ثَلَاثَةَ أَخْمَاسٍ وَهِيَ أَكْثَرُ مِنْ الثُّلُثِ بِدَلِيلِ أَنَّ الْمَقَامَ الْجَامِعَ لِلْأَثْلَاثِ، وَالْأَخْمَاسِ خَمْسَةَ عَشَرَ، وَثَلَاثَةُ أَخْمَاسِهَا تِسْعَةٌ، وَثُلُثُهَا خَمْسَةٌ. وَكَذَلِكَ مَعَ أَخٍ وَأُخْتٍ لِأَنَّ لَهُ مَعَهُمَا خُمُسَيْنِ وَهِيَ أَكْثَرُ مِنْ الثُّلُثِ لِأَنَّ خُمُسَيْ الْخَمْسَةَ عَشَرَ سِتَّةٌ، وَثُلُثهَا خَمْسَةٌ كَمَا تَقَدَّمَ، فَإِنْ كَانَ مَعَ خَمْسِ أَخَوَاتٍ فَأَكْثَرَ فَالثُّلُثُ أَفْضَلُ لَهُ لِأَنَّ لَهُ حِينَئِذٍ سُبُعَيْنِ وَهِيَ أَقَلُّ مِنْ الثُّلُثِ بِدَلِيلِ أَنَّ الْمَقَامَ الْجَامِعَ لِلْأَثْلَاثِ، وَالْأَسْبَاعِ وَاحِدٌ وَعِشْرُونَ، وَسُبْعَاهَا سِتَّةٌ، وَثُلُثهَا سَبْعَةٌ وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ مَعَ ثَلَاثِ إخْوَةٍ ذُكُورٍ لَهُ الرُّبُعُ فَالثُّلُثُ أَفْضَلُ لَهُ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ مَعَ أَخٍ وَثَلَاثِ أَخَوَاتٍ لِأَنَّ لَهُ سُبُعَيْنِ أَيْضًا فَالثُّلُثُ أَفْضَلُ، فَإِنْ كَانَ مَعَ أَخَوَيْنِ أَوْ أَرْبَعِ أَخَوَاتٍ اسْتَوَتْ الْمُقَاسَمَةُ وَالثُّلُثُ. (قَالَ الشَّارِحُ) فَإِنْ كَانَ مَعَهُ ثَلَاثُ أَخَوَاتٍ فَأَقَلُّ أَوْ أَخٌ وَاحِدٌ فَالْمُقَاسَمَةُ أَفْضَلُ، وَإِنْ كُنَّ خَمْسَ أَخَوَاتٍ أَوْ ثَلَاثَ إخْوَةٍ فَأَكْثَرَ فَالثُّلُثُ أَفْضَلُ لَهُ وَإِنْ كُنَّ أَرْبَعَ أَخَوَاتٍ أَوْ أَخَوَيْنِ فَتَسْتَوِي الْمُقَاسَمَةُ وَالثُّلُثُ فَقَوْلُهُ وَزَادَ بِالثُّلُثِ إنْ الرَّجْحُ ظَهَرْ مَعْنَاهُ الْجَدُّ مَعَ الْإِخْوَةِ يَأْخُذُ الثُّلُثَ إنْ ظَهَرَ كَوْنُهُ أَرْجَحَ مِنْ الْمُقَاسَمَةِ كَالْأَمْثِلَةِ الْأَخِيرَةِ وَقَوْلُهُ: وَقَسْمٍ عَطْفٌ عَلَى بِالثُّلُثِ أَيْ وَزَادَ الْجَدُّ أَيْضًا بِالْقَسْمِ مَعَ الْإِخْوَةِ وَيَكُونُ كَذَكَرٍ مِنْهُمْ يَعْنِي إنْ ظَهَرَ الرُّجْحَانُ فِي الْقَسْمِ عَلَى الثُّلُثِ أَيْضًا كَالْأَمْثِلَةِ الْأُولَى قَالُوا وَفِي قَوْلِهِ وَقَسْمٌ بِمَعْنَى أَوْ. وَقَوْلُهُ: وَالسُّدْسُ إنْ يَرْجَحْ لَهُ الْأَبْيَاتُ الثَّلَاثَة يَعْنِي إذَا اجْتَمَعَ فِي الْفَرِيضَةِ الْجَدُّ، وَالْإِخْوَةُ، وَذُو الْفَرَائِضِ فَإِنَّ لِلْجَدِّ الْأَفْضَلَ مِنْ أَحَدِ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: إمَّا السُّدْسُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، أَوْ مُقَاسَمَةُ الْإِخْوَةِ فِي الْبَاقِي بَعْدَ ذَوِي الْفُرُوض، أَوْ ثُلُثُ مَا بَقِيَ بَعْدَ ذَوِي الْفُرُوضِ أَيْضًا، فَمِثَالُ أَفْضَلِيَّةِ السُّدْسِ زَوْجٌ، وَأُمٌّ، وَجَدٌّ، وَأَخَوَانِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ سِتَّةٍ إنْ أَخَذَ السُّدْسَ أَخَذَ وَاحِدًا كَامِلًا وَإِنْ قَاسَمَ فِي الْبَاقِي أَخَذَ ثُلُثَيْ الْوَاحِدِ لِأَنَّ الزَّوْجَ يَأْخُذُ ثَلَاثَةً وَالْأُمُّ وَاحِدًا يَبْقَى اثْنَانِ لِلْجَدِّ وَالْأَخَوَيْنِ اثْنَانِ عَلَى ثَلَاثَةٍ ثُلُثَانِ وَكَذَلِكَ إنْ أَخَذَ ثُلُثَ مَا بَقِيَ. وَإِلَى هَذَا الْوَجْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ وَالسُّدْسُ إنْ يَرْجَحْ لَهُ مَتَى صَحِبْ ... أَهْلَ الْفُرُوضِ صِنْفُ إخْوَةٍ يَجِبْ فَالسُّدْسُ بِسُكُونِ الدَّالِ مُبْتَدَأٌ، وَجُمْلَةُ يَجِبُ خَبَرُهُ، وَفَاعِلُ يَجِبُ ضَمِيرُ السُّدْسِ وَكَذَا فَاعِلُ يَرْجَحْ، وَلَهُ يَتَعَلَّقُ بِيَرْجَحُ، وَأَهْلَ مَفْعُولُ صَحِبَ وَصِنْفُ فَاعِلُهُ وَضَمِيرُ لَهُ لِلْجَدِّ وَإِنْ يَرْجَحْ شَرْطٌ فِي وُجُوبِ السُّدْسِ أَيْ يَجِبُ السُّدْسُ لِلْجَدِّ إنْ كَانَ أَرْجَحَ لَهُ وَأَفْضَلَ مِنْ الْمُقَاسَمَةِ وَثُلُثُ الْبَاقِي وَذَلِكَ حَيْثُ يَجْتَمِعُ فِي الْفَرِيضَةِ صِنْفُ الْإِخْوَةِ وَأَهْلُ الْفُرُوضِ وَمِثَالُ أَفْضَلِيَّةِ الْمُقَاسَمَةِ فِي الْبَاقِي بَعْدَ ذَوِي الْفُرُوضِ زَوْجَةٌ وَجَدٌّ وَجَدَّةٌ وَأَخٌ. الْمَسْأَلَةُ مِنْ اثْنَيْ عَشْرَ لِأَجْلِ الرُّبُعِ وَالسُّدْسِ إنْ أَخَذَ السُّدْسَ أَخَذَ اثْنَيْنِ وَإِنْ قَاسَمَ أَخَذَ ثَلَاثَةً وَنِصْفًا لِأَنَّ لِلزَّوْجَةِ الرُّبُعَ ثَلَاثَةٌ وَلِلْجَدَّةِ السُّدْسَ اثْنَانِ وَيَبْقَى سَبْعَةٌ عَلَى اثْنَيْنِ لِلْجَدِّ نِصْفُهَا وَلَوْ أَخَذَ ثُلُثَ مَا بَقِيَ لَأَخَذَ اثْنَيْنِ وَثُلُثًا وَمِثَالُ أَفْضَلِيَّةِ ثُلُثِ مَا بَقِيَ زَوْجَةٌ وَجَدٌّ، وَثَلَاثَةُ إخْوَةٍ الْمَسْأَلَةُ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ أَيْضًا فَالسُّدْسُ اثْنَانِ وَلَهُ فِي الْمُقَاسَمَةِ اثْنَانِ وَرُبُعٌ لِأَنَّ لِلزَّوْجَةِ ثَلَاثَةً تَبْقَى تِسْعَةٌ عَلَى أَرْبَعَةٍ وَإِنْ أَخَذَ ثُلُثَ الْبَاقِي أَخَذَ ثَلَاثَةً وَهِيَ أَفْضَلُ لَهُ مِنْ السُّدْسِ وَالْمُقَاسَمَةِ. وَإِلَى هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ أَشَارَ النَّاظِمُ بِقَوْلِهِ أَوْ قِسْمَةُ السَّوَاءِ فِي الْبَقِيَّةِ أَوْ ثُلُثِهَا وَضَمِيرُ ثُلُثِهَا لِلْبَقِيَّةِ وَقَدْ تَسْتَوِي الْأَوْجُهُ الثَّلَاثَةُ كَزَوْجٍ، وَجَدٍّ، وَأَخَوَيْنِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ سِتَّةٍ إنْ أَخَذَ السُّدْسَ كَانَ لَهُ وَاحِدٌ كَذَلِكَ إنْ قَاسَمَ وَكَذَلِكَ إنْ أَخَذَ ثُلُثَ الْبَاقِي وَإِلَى هَذِهِ الْوُجُوهِ أَشَارَ التِّلْمِسَانِيُّ بِقَوْلِهِ وَإِنْ يَكُونُوا مَعْ ذَوِي السُّهْمَانِ ... مِنْ جُمْلَةِ الْإِنَاثِ وَالذُّكْرَانِ كَانَ لَهُ الْأَفْضَلُ مِنْ ثَلَاثِ ... السُّدْسُ أَوَّلًا مِنْ الْمِيرَاثِ أَوْ ثُلْثُ مَا تُبْقِي الْمَوَارِيثُ لَهُمْ ... مَبْدَأً وَإِنْ يَشَأْ قَاسَمَهُمْ

فَقَوْلُهُ وَإِنْ يَكُونُوا أَيْ الْإِخْوَةُ، وَالْجَدُّ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يُمَثِّلْ لِذَلِكَ كَغَالِبِ عَادَتِهِ وَقَدْ كُنْتُ قُلْتُ فِي ذَلِكَ فَسُدُسٌ، كَزَوْجَةٍ مَعَ ابْنَتَيْنِ ... وَالْأَخُ وَالْجَدُّ فَحَسْبُ دُونَ مَيْنِ وَقِسْمَةٌ كَالْجَدِّ وَالْأَخِ اسْمَعْ ... وَجَدَّةٍ فَحَقِّقَنْ ذَاكَ وَعِ وَالثُّلْثُ كَالْأُمِّ وَجَدٍّ حَقِّقْ ... مَعْ خَمْسِ إخْوَةٍ وَمَا غَيْرٌ بَقِيَ ثُمَّ التَّسَاوِي فِي الْوُجُودِ قَدْ وَرَدْ ... كَأَخَوَيْنِ مَعَ زَوْجٍ ثُمَّ جَدْ قَوْلُهُ: إلَّا فِي الْأَكْدَرِيَّةِ لِمَا ذُكِرَ أَنَّ الْجَدَّ إذَا اجْتَمَعَ مَعَ الْإِخْوَةِ وَذَوِي السِّهَامِ كَانَ لَهُ الْأَفْضَلُ مِنْ أَحَدِ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ وَكَانَتْ الْفَرِيضَةُ الْمَعْرُوفَةُ بِالْأَكْدَرِيَّةِ وَتُعْرَفُ أَيْضًا بِالْغَرَّاءِ اجْتَمَعَ فِيهَا مَنْ ذُكِرَ. وَلَيْسَ حُكْمُهَا كَمَا فِي غَيْرِهَا مِنْ كَوْنِ الْجَدِّ مَعَ الْأُخْتِ كَأَخٍ بَلْ يُفْرَض لَهُ السُّدْسُ وَلَهَا النِّصْفُ ثُمَّ يُقَاسِمُهَا فَهِيَ مِنْ الشَّوَاذِّ الْخَارِجَةِ عَنْ الْقِيَاسِ تُحْفَظُ وَلَا يُقَاسُ عَلَيْهَا فَلِذَلِكَ أَخْرَجَهَا مِنْ نَظَائِرِهَا بِالِاسْتِثْنَاءِ وَهِيَ امْرَأَةٌ تَرَكَتْ زَوْجًا وَجَدًّا وَأُمًّا وَأُخْتًا شَقِيقَةً أَوْ لِأَبٍ أَصْلُهَا مِنْ سِتَّةٍ النِّصْفُ الزَّوْجُ وَالْأُخْتُ وَثُلُثُ الْأُمِّ فَلِلزَّوْجِ النِّصْفُ ثَلَاثَةٌ وَلِلْأُمِّ الثُّلُثُ اثْنَانِ وَلِلْجَدِّ السُّدْسُ وَاحِدٌ فَلَمَّا فَرَغَ الْمَالُ أُعِيلَ لِلْأُخْتِ بِفَرْضِهَا وَهُوَ النِّصْفُ فَتَبْلُغُ تِسْعًا ثُمَّ يُضَمُّ سَهْمُ الْأُخْتِ وَهُوَ ثَلَاثَةٌ إلَى سَهْمِ الْجَدِّ وَهُوَ وَاحِدٌ يُقْسَمُ الْمَجْمُوعُ بَيْنَهُمَا لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ وَقَسْمُ أَرْبَعَةٍ عَلَى ثَلَاثَةٍ مُنْكَسِرٌ مُبَايِنٌ اضْرِبْ عَدَدَ الرُّءُوسِ الْمُنْكَسِرِ عَلَيْهِمْ وَهِيَ ثَلَاثَةٌ فِي الْمَسْأَلَةِ بِعَوْلِهَا تَبْلُغ سَبْعًا وَعِشْرِينَ سَهْمًا وَنَحْوُهُ فِي الرِّسَالَةِ. ثُمَّ يُقَالُ مَنْ لَهُ شَيْءٌ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ أَخَذَهُ مَضْرُوبًا فِي مِثْلِ مَا ضُرِبَتْ فِيهِ الْمَسْأَلَةُ فَكَانَ لِلزَّوْجِ ثَلَاثَةٌ مِنْ تِسْعَةٍ يَضْرِبهَا فِي ثَلَاثَةٍ بِتِسْعَةٍ، وَكَانَ لِلْأُمِّ اثْنَانِ تُضْرَبُ فِي ثَلَاثَةٍ بِسِتَّةٍ، وَكَانَ لِلْأُخْتِ وَالْجَدِّ مَعًا أَرْبَعَةٌ تُضْرَبُ فِي ثَلَاثَةٍ بِاثْنَيْ عَشْرَ لِلْأُخْتِ أَرْبَعَةٌ وَلِلْجَدِّ ثَمَانِيَةٌ وَإِلَى بَيَانِ حُكْمِهَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ فَالْعَوْلُ لِلْأُخْتِ الْبَيْتَ وَبَاءُ بِهَا ظَرْفِيَّةٌ وَضَمِيرُ التَّثْنِيَةِ فِي اجْمَعْهُمَا لِسَهْمِ الْأُخْتِ لِتَقَدُّمِ ذِكْرِهَا وَلِسَهْمِ الْجَدِّ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ وَجَدًّا فَضِّلَا. وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ وَقَدْ اُتُّفِقَ فِي هَذِهِ الْفَرِيضَةِ أَنَّ الْأَوَّلَ أَخَذَ الثُّلُثَ وَهُوَ الزَّوْجُ وَالثَّانِي أَخَذَ ثُلُثَ مَا بَقِيَ وَهُوَ الْأُمُّ وَالثَّالِثَ أَخَذَ ثُلُثَ مَا بَقِيَ وَهُوَ الْأُخْتُ وَالرَّابِعُ أَخَذَ الْبَاقِيَ وَهُوَ الْجَدُّ وَقَدْ يُلْغَزُ بِهَا فَيُقَالُ: فَرِيضَةٌ أَخَذَ أَحَدُ الْوَرَثَةِ مِنْهَا ثُلُثَهَا، وَالْآخَرُ ثُلُثَ الْبَاقِي، وَالْآخَرُ ثُلُثَ بَاقِي الْبَاقِي، وَالْآخَرُ مَا بَقِيَ وَلَوْ كَانَ مَكَانَ الْأُخْتِ أَخٌ ذَكَرٌ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ لِأَنَّهُ عَاصِبٌ وَقَدْ فَرَغَ الْمَالُ. وَفِي ذَلِكَ يَقُولُ بَعْضُ الْأَذْكِيَاءِ مُلْغِزًا فِي كَوْنِ الْأُنْثَى تَرِثُ دُونَ الذَّكَرِ يَا أَهْلَ بَيْتٍ ثَوَى بِالْأَمْسِ مَيِّتُهُمْ ... فَأَصْبَحُوا يَقْسِمُونَ الْمَالَ وَالْحُلَلَا فَقَالَتْ امْرَأَةٌ مِنْ غَيْرِهِمْ لَهُمُو ... إنِّي أُسَمِّعُكُمْ أُعْجُوبَةً مَثَلًا فِي الْبَطْنِ مِنِّي جَنِينٌ دَامَ رُشْدُكُمْ ... فَأَخِّرُوا الْقَسْمَ حَتَّى يُظْهِرَ الْجَلَلَا فَإِنْ أَلِدْ ذَكَرًا لَمْ يُعْطَ خَرْدَلَةً ... وَإِنْ أَلِدْ غَيْرَهُ أُنْثَى فَقَدْ فَضَلَا بِالثُّلُثِ حَقًّا يَقِينًا لَيْسَ يُنْكِرهُ ... مَنْ كَانَ يَعْلَمُ قَوْلَ اللَّهِ إذْ نَزَلَا (قَالَ مُقَيِّدُ هَذَا الشَّرْحِ جَمَعَ اللَّهُ لَهُ) وَقَدْ كُنْت لَفَّقْتُ أَبْيَاتًا فِي جَوَابِ السُّؤَالِ الْمَذْكُورِ فَقُلْت فِي ذَلِكَ: أَلْغَزْتَ فَاحْفَظْ هَدَاكَ اللَّهُ فِي امْرَأَةٍ ... قَدْ خَلَّفَتْ زَوْجَهَا وَالْجَدَّ حَيْثُ تَلَا وَأُمُّهَا حَامِلٌ فَإِنْ تَلِدْ ذَكَرًا ... فَعَاصِبٌ غَيْرُهُ اسْتَوْفَى الَّذِي حَصَلَا وَإِنْ يَكُ امْرَأَةً بِالنِّصْفِ عِيلَ لَهَا ... لِكَوْنِهَا ذَاتَ فَرْضٍ فَافْهَمْ الْعِلَلَا إلَّا أَنَّ قَوْلَ السَّائِلِ فِي الْبَيْتِ الْأَخِيرِ بِالثُّلُثِ صَوَابُهُ بِالنِّصْفِ كَمَا قُلْنَا نَحْنُ فِي الْبَيْتِ الْأَخِيرِ لِأَنَّ الِاصْطِلَاحَ أَنَّ الْعَوْلَ يُنْسَبُ لِلْمَسْأَلَةِ وَالْمَسْأَلَةُ مِنْ سِتَّةٍ عَالَتْ لِتِسْعَةٍ فَقَدْ عَالَتْ بِمِثْلِ نِصْفِهَا وَاَلَّذِي يُنْسَبُ لِلْمَجْمُوعِ أَعْنِي لِلْمَسْأَلَةِ بِعَوْلِهَا إنَّمَا هُوَ النَّقْصُ فَيُقَالُ فِي هَذِهِ: النَّقْصُ لِكُلِّ وَارِثٍ ثُلُثُ مَا بِيَدِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيه) قَالَ فِي الْمُقَرِّب فَإِنْ تَرَكَتْ أُمًّا وَزَوْجًا وَأُخْتَيْنِ وَجَدًّا فَلَيْسَتْ هَذِهِ غَرَّاءَ لِأَنَّ الْأُمَّ إذَا أَخَذَتْ السُّدْسَ وَأَخَذَ الزَّوْجُ النِّصْفَ وَأَخَذَ الْجَدُّ السُّدْسَ فَيَبْقَى السُّدْسُ فَيَكُونُ لِلْأُخْتَيْنِ وَلَا يَرْبَى لَهُمَا شَيْءٌ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ قَالَ مُحَمَّدٌ إنَّمَا سُمِّيَتْ غَرَّاءَ لِأَنَّ الْأُخْتَ لَا يَرْبَى لَهَا مَعَ الْجَدِّ

فِي شَيْءٍ مِنْ الْفَرَائِضِ سِوَاهَا وَتُسَمَّى أَيْضًا الْأَكْدَرِيَّةُ لِأَنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ مَرْوَانَ أَلْقَاهَا عَلَى رَجُلٍ يُقَالُ لَهُ أَكْدَرُ كَانَ يَنْظُرُ فِي الْفَرَائِضِ فَأَخْطَأَ فِيهَا فَسَمَّاهَا الْأَكْدَرِيَّةَ. وَقَوْلُهُ: وَالْقَسْمُ مَعْ شَقَائِقَ وَمَنْ لِأَبْ الْبَيْتَيْنِ تَقَدَّمَ أَنَّ الْحَالَةَ الثَّالِثَةَ أَنْ يَجْتَمِعَ الْجَدُّ وَالْإِخْوَةُ الْأَشِقَّاءُ وَاَلَّذِينَ لِلْأَبِ فَأَخْبَرَ أَنَّ الْقَسْمَ يَكُونُ مَعَ الشَّقَائِقِ وَاَلَّذِينَ لِلْأَبِ مَعًا بِحَيْثُ يُعَدُّ جَمِيعُهُمْ عَلَى الْجَدِّ ثُمَّ يَأْخُذُ الْأَشِقَّاءُ مَا يَجِبُ لِلَّذِينَ لِلْأَبِ فَإِذَا كَانَ جَدٌّ وَأَخٌ شَقِيقٌ وَأَخٌ لِأَبٍ فَإِنَّ الشَّقِيقَ يَعُدُّ الْجَدُّ أَخَاهُ لِلْأَبِ وَيَسْتَوِي فِي هَذَا الْوَجْهِ الثُّلُثُ وَالْمُقَاسَمَةُ ثُمَّ يَأْخُذُ الشَّقِيقُ نَصِيبَ الَّذِي لِلْأَبِ لِأَنَّهُ يَحْجُبُهُ وَقَدْ نَوَّعُوا مَسَائِلَ الْمُعَادَّةِ لِثَلَاثَ عَشَرَةَ صُورَةً تِسْعٌ مِنْهَا لَا يَبْقَى فِيهَا شَيْءٌ لِلَّذِينَ لِلْأَبِ، وَأَرْبَعٌ مِنْهَا يَبْقَى فِيهَا لِلَّذِينَ لِلْأَبِ. وَالضَّابِطُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ مَهْمَا كَانَ فِي الشَّقَائِقِ ذَكَرٌ فَلَا يَبْقَى شَيْءٌ لِلَّذِينَ لِلْأَبِ وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ فِي الشَّقَائِقِ أُنْثَتَانِ فَأَكْثَرَ لِأَنَّ الْجَدَّ لَا يُنْقَصُ عَنْ الثُّلُثِ وَالثُّلُثَانِ لِلشَّقِيقَتَيْنِ فَلَا يَفْضُلُ شَيْءٌ لِلَّذِينَ لِلْأَبِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الشَّقَائِقِ ذَكَرٌ وَلَا اثْنَانِ مِنْ الْإِنَاثِ فَإِنَّهُ يَبْقَى الَّذِينَ لِلْأَبِ وَذَلِكَ كَجَدٍّ، وَأُخْتٍ شَقِيقَةٍ، وَأَخٍ لِأَبٍ فَالْمَسْأَلَةُ مِنْ خَمْسَةٍ يَأْخُذُ الْجَدُّ اثْنَيْنِ وَالْأَخُ لِلْأَبِ كَذَلِكَ وَوَاحِدٌ لِلْأُخْتِ الشَّقِيقَةِ ثُمَّ تَرْجِعُ الشَّقِيقَةُ عَلَى الَّذِي لِلْأَبِ بِكَمَالِ فَرْضِهَا وَهُوَ النِّصْفُ وَلَا نِصْفَ لِلْخَمْسَةِ وَهِيَ تُبَايِنُ مَقَامَ النِّصْفِ فَتُضْرَبْ الْخَمْسَةُ فِي اثْنَيْنِ مَقَامَ النِّصْفِ بِعَشَرَةَ لِلْجَدِّ اثْنَانِ فِي اثْنَيْنِ بِأَرْبَعَةٍ وَلِلْأُخْتِ خَمْسَةٌ يَبْقَى لِلْأَخِ لِلْأَبِ عُشْرٌ وَاحِدٌ مِنْ عَشَرَةٍ. وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ مَكَانَ الْأَخِ لِلْأَبِ أُخْتَانِ لِأَبٍ الْعَمَلُ كَاَلَّتِي قَبْلهَا يَفْضُلُ وَاحِدٌ لِلْأُخْتَيْنِ لِلْأَبِ وَوَاحِدٌ عَلَى اثْنَيْنِ مُنْكَسِرٌ مُبَايِنٌ فَتُضْرَبُ الْعَشَرَةُ فِي اثْنَيْنِ بِعِشْرِينَ لِلْجَدِّ ثَمَانِيَةٌ وَلِلشَّقِيقَةِ عَشَرَةٌ، وَاللَّتَيْنِ لِلْأَبِ اثْنَانِ وَكَذَلِكَ جَدٌّ، وَأُخْتٌ شَقِيقَةٌ، وَأَخٌ وَأُخْتٌ لِأَبٍ، الْمَسْأَلَةُ مِنْ سِتَّةٍ ثُمَّ تَرْجِعُ الشَّقِيقَةُ عَلَى اللَّذَيْنِ لِلْأَبِ فَتَأْخُذُ مِنْهُمَا اثْنَيْنِ لِكَمَالِ نِصْفِهَا يَبْقَى لَهُمَا وَاحِدٌ عَلَى ثَلَاثَةٍ مُنْكَسِرٌ مُبَايِنٌ فَتُصْرَبُ ثَلَاثَةٌ فِي سِتَّةٍ بِثَمَانِيَةَ عَشْرَ لِلْجَدِّ اثْنَانِ تُضْرَبُ فِي ثَلَاثَةٍ بِسِتَّةٍ وَلِلشَّقِيقَةِ ثَلَاثَةٌ فِي مِثْلِهَا بِتِسْعَةٍ وَلِلَّذَيْنِ لِلْأَبِ وَاحِدٌ فِي ثَلَاثَةٍ بِثَلَاثَةٍ اثْنَانِ لِلْأَخِ وَوَاحِدٌ لِلْأُخْتِ. وَكَذَلِكَ جَدٌّ وَأُخْتٌ شَقِيقَةٌ وَثَلَاثُ أَخَوَاتٍ لِأَبٍ مِنْ سِتَّةٍ وَتَصِحُّ مِنْ ثَمَانِيَةَ عَشْرَ لِلْجَدِّ سِتٌّ وَلِلشَّقِيقَةِ تِسْعَةٌ وَلِلَّاتِي لِلْأَبِ ثَلَاثَةٌ عَلَى عِدَّتِهِنَّ وَمَا عَدَا هَذِهِ الْأَرْبَعَ لَا يَبْقَى لِلَّذِينَ لِلْأَبِ شَيْءٌ وَذَلِكَ كَجَدٍّ، وَأَخٍ شَقِيقٍ وَأُخْتَيْنِ لِأَبٍ لِأَنَّ الشَّقِيقَ يَحْجُبُ الَّذِينَ لِلْأَبِ، أَوْ جَدٍّ وَأُخْتَيْنِ شَقِيقَتَيْنِ، وَأُخْتٍ لِأَبٍ لِأَنَّ فَرْضَ الشَّقِيقَتَيْنِ الثُّلُثَانِ وَالْجَدُّ لَا يُنْقَصُ عَنْ الثُّلُثِ فَلَمْ يَفْضُلْ شَيْءٌ لِلَّذِينَ لِلْأَبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَعَلَى هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ وَمَا أَشْبَهَهُمَا مِمَّا لَا يَبْقَى فِيهِ شَيْءٌ لِلَّذِينَ لِلْأَبِ يُحْمَلُ قَوْلُهُ وَحَظُّ مَنْ لِلْأَبِ لِلْأَشِقَّا ... وَحْدَهُمْ يَكُونُ مُسْتَحَقَّا وَلَمَّا كَانَ هُوَ الْكَثِيرَ أُطْلِقَ فِي كَوْنِ حَظِّ الَّذِينَ لِلْأَبِ لِلْأَشِقَّاءِ وَحْدَهُمْ (قَالَ مُقَيِّدُ هَذَا الشَّرْحِ سَمَحَ اللَّهُ لَهُ بِفَضْلِهِ) وَقَدْ كُنْتُ قُلْتُ فِي أَوْجُهِ الْمُعَادَّةِ وَضَابِطِ مَا يَبْقَى فِيهِ لِلَّذِينَ لِلْأَبِ وَاَلَّذِي لَا يَبْقَى وَفِي الْمُعَادَّةِ وُجُوهٌ بَلَغَتْ ... ثَلَاثَةَ عَشَرَ وَحَصْرُهَا ثَبَتْ إنْ وُجِدَ الشَّقِيقُ أَوْ ثِنْتَانِ ... وَكَذَا فَمَنْ لِلْأَبِ فِي حِرْمَانِ لِكَوْنِهِ يَحْجُبُ مَنْ يُنْمَى لِأَبْ ... وَالْجَدُّ لَا يُنْقَصُ عَنْ ثُلْثٍ وَجَبْ وَالثُّلُثَانِ لِلشَّقِيقَتَيْنِ ... فَيَنْتَفِي الْفَضْلُ بِدُونِ مَيْنِ وَالْأُخْتُ مِنْ أَبٍ وَإِنْ تَعَدَّدَتْ ... مَعَ شَقِيقَةٍ بِسُدُسٍ أُفْرِدَتْ تَكْمِلَةُ الثُّلْثَيْنِ وَالْحُكْمُ كَذَا ... مَعْ بِنْتِ صُلْبٍ لِابْنَةِ ابْنٍ يُحْتَذَى. يَعْنِي أَنَّهُ إذَا كَانَتْ أُخْتٌ شَقِيقَةٌ وَأُخْتٌ لِأَبٍ فَإِنَّ لِلشَّقِيقَةِ النِّصْفَ وَلِلَّتِي لِلْأَبِ السُّدْسَ تَكْمِلَةَ الثُّلُثَيْنِ كَانَتْ الَّتِي لِأَبٍ وَاحِدَةً أَوْ مُتَعَدِّدَةً وَلِذَلِكَ قَالَ وَإِنْ تَعَدَّدَتْ فَإِنْ اتَّحَدَتْ أَخَذَتْهُ وَحْدَهَا وَإِنْ تَعَدَّدَتْ اقْتَسَمْنَ ذَلِكَ السُّدْسَ عَلَى عَدَدِهِنَّ وَكَذَا الْحُكْمُ إذَا اجْتَمَعَتْ بِنْتُ الصُّلْبِ وَبِنْتُ الِابْنِ فَلِبِنْتِ الصُّلْبِ النِّصْفُ وَلِبِنْتِ الِابْنِ السُّدْسُ تَكْمِلَةُ الثُّلُثَيْنِ كَانَتْ بِنْتُ الِابْنِ وَاحِدَةً أَوْ

مُتَعَدِّدَةً كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْأُخْتِ لِلْأَبِ يُفْهَمُ ذَلِكَ مِنْ تَشْبِيهِ الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ بِالْأُولَى وَهَذَا مَا لَمْ يَكُنْ مَعَ الْأُخْتِ الَّتِي لِلْأَبِ أَخٌ لِأَبٍ فَإِنَّ النِّصْفَ الْفَاضِلَ عَنْ الشَّقِيقَةِ يَكُونُ لِلَّذِينَ لِلْأَبِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ مَعَ بِنْتِ الِابْنِ أَخٌ لَهَا أَوْ ابْنُ عَمِّهَا فَإِنَّ النِّصْفَ الْفَاضِلَ عَنْ بِنْتِ الصُّلْبِ لِأَوْلَادِ الِابْنِ الذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ وَهَذَا كُلُّهُ ظَاهِرٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ) فَائِدَةُ قَوْلِهِمْ: تَكْمِلَةُ الثُّلُثَيْنِ التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّ النِّصْفَ وَالسُّدْسَ فَرْضٌ وَاحِدٌ وَلَيْسَ كُلُّ وَاحِدٍ فَرْضًا مُسْتَقِلًّا وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ ذَلِكَ فِيمَا إذَا بَاعَتْ صَاحِبَةُ النِّصْفِ وَاجِبَهَا مِنْ أَصْلٍ فَإِنَّ صَاحِبَةَ السُّدْسِ مُقَدَّمَةٌ فِي الشُّفْعَةِ عَلَى غَيْرِهَا مِنْ الْوَرَثَةِ. وَكَذَا إذَا بَاعَتْ صَاحِبَةُ السُّدْسِ فَصَاحِبَةُ النِّصْفِ مُقَدَّمَةٌ فِي الشُّفْعَةِ أَيْضًا لِأَنَّ الضَّابِطَ فِي بَابِ الشُّفْعَةِ أَنَّ الشَّرِيكَ الْمُشَارِكَ فِي السَّهْمِ الْوَاحِدِ مُقَدَّمٌ عَلَى غَيْرِهِ وَكَذَا إحْدَى الْبِنْتَيْنِ مَعَ الْأُخْرَى وَإِحْدَى الزَّوْجَتَيْنِ وَمَا أَشْبَهَ. وَالزَّوْجُ مِنْ نِصْفٍ لِرُبُعٍ انْتَقَلْ ... مَعْ وَلَدٍ أَوْ وَلَدِ ابْنٍ هَبْ سَفُلْ وَيَنْقُلُ الزَّوْجَةَ مِنْ رُبُعٍ إلَى ... ثُمُنٍ صَحِيحُ نِسْبَةٍ مِنْ هَؤُلَا هَذَا وَاَلَّذِي قَبْلَهُ وَاَلَّذِي يَلِيه مِنْ النَّقْلِ مِنْ فَرْضٍ لِفَرْضٍ دُونَهُ يَعْنِي أَنَّ الزَّوْجَ يَحْجُبُهُ وَلَدُ الزَّوْجَةِ مِنْ النِّصْفِ إلَى الرُّبُعِ يَعْنِي سَوَاءٌ كَانَ الْوَلَدُ مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى وَاحِدًا أَوْ مُتَعَدِّدًا كَانَ وَلَدَ صُلْبٍ أَوْ وَلَدَ ابْنٍ. وَلِذَلِكَ قَالَ هَبْ سَفُلْ مِنْ زَوَاجٍ أَوْ زِنًا أَوْ لِعَانٍ وَكَذَلِكَ الزَّوْجَةُ يَحْجُبُهَا وَلَدُ الزَّوْجِ أَوْ وَلَدُهُ، وَوَلَدُهُ اللَّاحِقُ بِهِ شَرْعًا كَيْف كَانَ تَقَدَّمَ مِنْ الرُّبُعِ إلَى الثُّمُنِ وَعَلَى التَّنْبِيهِ عَلَى اشْتِرَاطِ كَوْنِ الْوَلَدِ لَاحِقًا بِأَبِيهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: صَحِيحُ نِسْبَةٍ وَهُوَ مِنْ إضَافَةِ الصِّفَةِ لِلْمَوْصُوفِ وَأَخْرَجَ بِهِ وَلَدَ الزِّنَا وَالْمَنْفِيَّ بِلِعَانٍ وَالْحَاصِلُ أَنَّ وَلَدَ الزَّوْجَةِ يَحْجُبُ لِلرُّبُعِ وَلَوْ كَانَ زِنًا، وَلَدُ الزَّوْجِ لَا يَحْجُبُ الْمَرْأَةَ لِلثُّمُنِ إلَّا إنْ لَحِقَ بِهِ شَرْعًا وَهَذَا كُلُّهُ ظَاهِرٌ مَعْلُومٌ وَالْأَصْلُ فِيهِ وقَوْله تَعَالَى {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 12] . وَلَا فَرْقَ فِي مِيرَاثِ الزَّوْجَيْنِ بَيْنَ الْمَدْخُولِ بِهَا وَغَيْرِهَا وَالْأُمُّ مِنْ ثُلْثٍ لِسُدْسٍ تُفْرَدُ ... بِهِمْ وَبِالْإِخْوَةِ إنْ تَعَدَّدُوا وَغَيْرُ مَنْ يَرِثُ لَيْسَ يَحْجُبُ ... إلَّا أُولَاءَ حَجَبُوا إذْ حُجِبُوا وَثُلْثُ مَا يَبْقَى عَنْ الزَّوْجَيْنِ ... تَأْخُذُ مَعْ أَبٍ بِغَرَّاوَيْنِ تَقَدَّمَ أَنَّ فَرْضَ الْأُمِّ الثُّلُثُ وَأَخْبَرَ هُنَا فِي الْبَيْتِ الْأَوَّلِ أَنَّهَا تُحْجَبُ مِنْ الثُّلُثِ إلَى السُّدْسِ بِالْوَلَدِ يَعْنِي وَابْنِهِ وَإِنْ سَفَلَ اتَّحَدَ أَوْ تَعَدَّدَ وَلِذَلِكَ أَطْلَقَ فِي الْوَلَدِ وَجَمَعَهُ بِاعْتِبَارِ مَصْدُوقِ الْجِنْسِ وَكَذَلِكَ تُحْجَبُ إلَى السُّدْسِ بِالْإِخْوَةِ إذَا تَعَدَّدُوا. فَقَوْلُهُ: إنْ تَعَدَّدُوا رَاجِعٌ لِلْإِخْوَةِ فَقَطْ وَالْمُرَادُ أَنْ يَكُونُوا

فصل في ذكر حجب النقل للتعصيب

اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ سَوَاءٌ وَرِثُوا أَوْ حُجِبُوا ثُمَّ أَخْبَرَ فِي الْبَيْتِ الثَّانِي بِقَاعِدَةٍ مِنْ قَوَاعِدِ بَابِ الْفَرَائِضِ وَهِيَ أَنَّ مَنْ لَا يَرِثُ لَا يَحْجُبُ وَاسْتُثْنِيَ مِنْ ذَلِكَ الْإِخْوَةُ فَإِنَّهُمْ يَحْجُبُونَ أُمَّهُمْ حَجْبَ نَقْصٍ مِنْ الثُّلُثِ إلَى السُّدْسِ وَإِنْ كَانُوا مَحْجُوبِينَ بِالْأَبِ أَوْ بِالْوَلَدِ حَجْبَ إسْقَاطٍ (قَالَ فِي الْمَعُونَةِ) وَلَا يَحْجُبُ إلَّا مَنْ يَرِثُ فَلَا يَحْجُبُ عَبْدٌ وَلَا كَافِرٌ وَلَا يَحْجُبُ غَيْرُ الْوَارِثِ إلَّا فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ وَهُوَ الْإِخْوَةُ مَعَ الْأَبَوَيْنِ يَحْجُبُونَ الْأُمَّ مِنْ الثُّلُثِ إلَى السُّدْسِ وَلَا يَرِثُونَ مَعَ الْأَبِ شَيْئًا اهـ. وَأَمَّا مَنْ لَا يَرِثُ فِي حَالٍ مِنْ الْأَحْوَالِ كَالْعَبْدِ وَالْكَافِرِ فَإِنَّهُ لَا يَحْجُبُ رَأْسًا لَا حَجْبَ نَقْصٍ وَلَا حَجْبَ إسْقَاطٍ وَلَا يُسْتَثْنَى مِنْهُ شَيْءٌ فَقَوْلُهُ: إلَّا أُولَاءِ يَعْنِي الْإِخْوَةَ لِتَقَدُّمِ ذِكْرِهِمْ قَرِيبًا حَجَبُوا الْأُمَّ حَجْبَ نَقْصٍ وَحُجِبُوا بِالْبِنَاءِ لِلنَّائِبِ ثُمَّ أَخْبَرَ فِي الْبَيْتِ الثَّالِثِ أَنَّ الْأُمَّ تَأْخُذُ فِي الْفَرِيضَتَيْنِ الْمَعْرُوفَتَيْنِ بِالْغَرَّاوَيْنِ ثُلُثَ مَا بَقِيَ بَعْدَ صَاحِبِ الْفَرْضِ لَا الثُّلُثَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَهُمَا زَوْجَةٌ وَأَبَوَانِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ أَرْبَعَةٍ الرُّبُعُ لِلزَّوْجَةِ وَلِلْأُمِّ ثُلُثُ مَا بَقِيَ وَهُوَ وَاحِدٌ وَاثْنَانِ لِلْأَبِ وَالْأُخْرَى زَوْجٌ وَأَبَوَانِ مِنْ اثْنَيْنِ لِلزَّوْجِ وَاحِدٌ يَبْقَى وَاحِدٌ عَلَى ثَلَاثَةِ مُنْكَسِرٌ مُبَايِنٌ تُضْرَبُ عِدَّةُ الرُّءُوسِ الْمُنْكَسِرِ عَلَيْهِمْ فِي اثْنَيْنِ. أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ بِسِتَّةٍ لِلزَّوْجِ النِّصْفُ ثَلَاثَةٌ وَلِلْأُمِّ ثُلُثُ الْبَاقِي وَاحِدٌ وَلِلْأَبِ اثْنَانِ فَالْأُمُّ أَخَذَتْ فِيهِمَا ثُلُثَ الْبَاقِي وَهُوَ فِي الْأُولَى رُبُعٌ وَفِي الثَّانِيَةِ سُدُسٌ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْأُمَّ لَهَا الثُّلُثُ كَامِلًا مِنْ رَأْسِ الْمَالِ إلَّا فِي ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ الْأُولَى: إذَا وُجِدَ الْوَلَدُ أَوْ تَعَدَّدَتْ الْإِخْوَةُ فَلَيْسَ لَهَا إلَّا السُّدْسُ الثَّانِيَةُ: فِي الْغَرَّاوَيْنِ إنَّمَا لَهَا ثُلُثُ الْبَاقِي وَهُوَ رُبُعٌ أَوْ سُدُسٌ كَمَا تَقَدَّمَ. الثَّالِثَةُ: إذَا عَالَتْ الْمَسْأَلَةُ فَإِنَّهَا يُنْقَصُ لَهَا مِنْ الثُّلُثِ أَوْ السُّدْسِ عَلَى قَدْرِ مَا يُنْقَصُ لِغَيْرِهَا [فَصْلٌ فِي ذِكْرِ حَجْبِ النَّقْلِ لِلتَّعْصِيبِ] ِ حَجْبِ النَّقْلِ لِلتَّعْصِيبِ لِلِابْنِ شَرْعًا حَظُّ بِنْتَيْنِ ادْفَعْ ... مِنْ مَالٍ أَوْ بَاقِيهِ فِي التَّنَوُّعِ وَوَلَدِ ابْنٍ مِثْلُهُمْ فِي الْحُكْمِ ... وَإِخْوَةٌ كَذَا لِغَيْرِ الْأُمِّ تَقَدَّمَ أَنَّ الْبِنْتَ وَبِنْتَ الِابْنِ وَالْأُخْتَ شَقِيقَةً أَوْ لِأَبٍ كُلُّهُنَّ مِنْ ذَوَاتِ الْفُرُوضِ وَذَكَرَ هُنَا أَنَّهُنَّ قَدْ يَصِرْنَ عَاصِبَاتٍ فَيَكُونُ لَهُنَّ نِصْفُ مَا يَجِبُ لِمَنْ عَصَبَهُنَّ وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِقَوْلِهِ لِلِابْنِ شَرْعًا حَظُّ بِنْتَيْنِ ادْفَعْ فَالْبِنْتُ يُعَصِّبُهَا أَخُوهَا كَانَ شَقِيقًا أَوْ لِأَبٍ وَبِنْتُ الِابْنِ يُعَصِّبُهَا مَنْ فِي دَرَجَتِهَا وَهُوَ أَخُوهَا وَابْنُ عَمِّهَا وَمَنْ هُوَ أَنْزَلُ مِنْهَا كَابْنِ أَخِيهَا وَحَفِيدِ عَمِّهَا وَالْأُخْتُ الشَّقِيقَةُ يُعَصِّبُهَا أَخُوهَا الشَّقِيقُ. وَكَذَا الَّتِي لِلْأَبِ يُعَصِّبُهَا أَخُوهَا الْمُسَاوِي لَهَا وَأَمَّا الْأُخْتُ لِلْأُمِّ فَلَا يُعَصِّبُهَا أَخُوهَا وَلِذَلِكَ قَالَ: لِغَيْرِ الْأُمِّ وَلَا فَرْقَ فِي التَّعْصِيبِ الْمَذْكُورِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ فِي جَمِيعِ الْمَالِ ذَلِكَ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ ذُو فَرْضٍ كَالْأَوْلَادِ وَحْدَهُمْ وَالْإِخْوَةُ كَذَلِكَ وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ فِي بَعْضِهِ فَقَطْ حَيْثُ يَتَقَدَّمُ ذُو الْفَرْضِ كَالزَّوْجَةِ وَالْأُمِّ فَإِنَّ التَّعْصِيبَ الْمَذْكُورَ يَكُونُ فِي الْبَاقِي بَعْدَ فَرْضِ الزَّوْجَةِ وَالْأُمِّ وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِقَوْلِهِ مِنْ مَالٍ أَوْ بَاقِيهِ فِي التَّنَوُّعِ فَالْمُرَادُ بِالتَّنَوُّعِ فِي الْوَرَثَةِ بِحَيْثُ يَكُونُ فِيهِمْ ذُو فَرْضٍ وَعَصَبَةٌ وَالْأُخْتُ لَا لِلْأُمِّ كَيْفَ تَاتِي ... مِنْ شَأْنِهَا التَّعْصِيبُ مَعْ بَنَاتِ كَذَا يُعَصِّبْنَ بَنَاتِ الِابْنِ ... وَالْعَوْلُ فِي الصِّنْفَيْنِ عَنْهُ اُسْتُغْنِيَ

فصل في موانع الميراث

أَخْبَرَ أَنَّ الْأُخْتَ الشَّقِيقَةَ وَاَلَّتِي لِلْأَبِ وَلِذَلِكَ قَالَ: لَا لِلْأُمِّ كَيْفَ تَأْتِي فَأَخْرَجَ الَّتِي لِلْأُمِّ وَعَمَّمَ فِي غَيْرِهَا مِنْ شَأْنِهَا أَنْ تَكُونَ مَعَ الْبِنْتِ عَاصِبَةً تَرِثُ مَا فَضَلَ لَهَا وَلَا يُفْرَضُ لَهَا مَعَهَا كَانَتْ الْبِنْتُ وَاحِدَةً أَوْ مُتَعَدِّدَةً وَالْأُخْتُ كَذَلِكَ وَكَذَلِكَ شَأْنُ الْبَنَاتِ أَنْ يُعَصِّبْنَ بَنَاتِ الِابْنِ فَإِنْ كَانَتْ ابْنَةٌ وَأُخْتٌ شَقِيقَةٌ أَوْ لِأَبٍ فَلِلْبِنْتِ النِّصْفُ بِالْفَرْضِ وَلِلْأُخْتِ الْبَاقِي بِالتَّعْصِيبِ. وَإِنْ كَانَتْ ابْنَتَانِ فَأَكْثَرَ فَلَهُنَّ الثُّلُثَانِ وَلِلْأُخْتِ أَوْ الْأَخَوَاتِ مَا بَقِيَ وَلَا يُفْرَضُ لِلْأُخْتِ الْوَاحِدَةِ النِّصْفُ وَلَا لِلِاثْنَتَيْنِ فَأَكْثَرَ الثُّلُثَانِ فَتَعُولَ الْمَسْأَلَةُ بَلْ لَيْسَ لَهَا إلَّا مَا بَقِيَ وَلِذَلِكَ قَالَ وَالْعَوْلُ فِي الصِّنْفَيْنِ عَنْهُ اُسْتُغْنِيَ وَكَذَلِكَ الْبِنْتُ الْوَاحِدَةُ مَعَ بِنْتِ الِابْنِ أَوْ بَنَاتِهِ لِلْبِنْتِ النِّصْفُ وَلِبِنْتِ الِابْنِ أَوْ بَنَاتِهِ السُّدْسُ تَكْمِلَةُ الثُّلُثَيْنِ وَلَا يُعَالُ لِبِنْتِ الِابْنِ أَوْ بَنَاتِهِ وَلِذَلِكَ قَالَ: وَالْعَوْلُ فِي الصِّنْفَيْنِ عَنْهُ اُسْتُغْنِيَ وَالْمُرَادُ بِالصِّنْفَيْنِ الْأَخَوَاتُ وَبَنَاتُ الِابْنِ وَبِنْتُ الِابْنِ إنْ تَكُنْ قَدْ حُجِبَتْ ... بِابْنٍ مُسَاوٍ أَوْ أَحَطَّ عُصِبَتْ يَعْنِي أَنَّ بِنْتَ الِابْنِ إذَا حُجِبَتْ بِبِنْتَيْ الصُّلْبِ لِاسْتِيفَائِهِنَّ لِلثُّلُثَيْنِ فَإِنَّهَا تَصِيرُ عَاصِبَةً بِابْنٍ مُسَاوٍ لَهَا أَخِيهَا أَوْ ابْنِ عَمِّهَا أَوْ أَحَطَّ مِنْهَا كَابْنِ أَخِيهَا وَحَفِيدِ عَمِّهَا فَتَرِثُ الثُّلُثَ الْبَاقِي مَعَهُ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ. فَقَوْلُهُ بِابْنٍ يَتَعَلَّقُ بِعُصِبَتْ لَا بِحُجِبَتْ (قَالَ فِي الرِّسَالَةِ) فَإِنْ كَانَتْ الْبَنَاتُ اثْنَتَيْنِ لَمْ يَكُنْ لِبَنَاتِ الِابْنِ شَيْءٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهُنَّ أَخٌ فَيَكُونُ مَا بَقِيَ بَيْنَهُنَّ وَبَيْنَهُ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ ذَلِكَ الذَّكَرُ تَحْتَهُنَّ كَانَ ذَلِكَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُنَّ كَذَلِكَ وَبِأَخٍ لَا بِابْنِهِ إخْوَةُ الْأَبْ ... تَعْصِيبَهُنَّ مَعْ شَقِيقَةٍ وَجَبْ يَعْنِي أَنَّ الْأُخْتَ لِلْأَبِ مَعَ الشَّقِيقَةِ إنَّمَا يُعَصِّبُهَا أَخُوهَا لَا ابْنُ أَخِيهَا فَإِذَا كَانَتْ أُخْتٌ شَقِيقَةٌ وَأُخْتٌ لِأَبٍ فَلِلشَّقِيقَةِ النِّصْفُ وَلِلَّتِي لِلْأَبِ السُّدْسُ تَكْمِلَةُ الثُّلُثَيْنِ وَمَا بَقِيَ لِلْعَاصِبِ فَإِذَا كَانَ مَعَ الَّتِي لِلْأَبِ أَخٌ فَإِنَّهُ يُعَصِّبُهَا وَيَكُونُ النِّصْفُ الْبَاقِي بَيْنَ الْأَخِ وَالْأُخْتِ لِلْأَبِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ وَكَذَلِكَ وَلَوْ كَانَتْ أُخْتَانِ شَقِيقَتَانِ وَأُخْتٌ لِأَبٍ فَلَا شَيْءَ لِلَّتِي لِلْأَبِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهُنَّ أَخٌ فَيَأْخُذُونَ الثُّلُثَ الْبَاقِيَ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ. (قَالَ فِي الرِّسَالَةِ) فَإِنْ كَانَتْ أُخْتٌ شَقِيقَةٌ وَأُخْتٌ أَوْ أَخَوَاتٌ لِأَبٍ فَالنِّصْفُ لِلشَّقِيقَةِ وَلِمَنْ بَقِيَ مِنْ الْأَخَوَاتِ لِلْأَبِ السُّدْسُ وَلَوْ كَانَتَا شَقِيقَتَيْنِ لَمْ يَكُنْ لِلْأَخَوَاتِ لِلْأَبِ شَيْءٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهُنَّ ذَكَرٌ فَيَأْخُذُونَ مَا بَقِيَ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ اهـ. (وَقَوْلُهُ فِي الرِّسَالَةِ) إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهُنَّ ذَكَرٌ يَرْجِعُ إلَى مَسْأَلَةِ اتِّحَادِ الشَّقِيقَةِ وَتَعَدُّدِهَا فَيُعَصِّبُهَا أَخُوهَا فِي الْوَجْهَيْنِ وَلَا يُعَصِّبُهَا ابْنُ أَخِيهَا كَذَلِكَ أَيْضًا أَعْنِي اتَّحَدَتْ الشَّقِيقَةُ أَوْ تَعَدَّدَتْ وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِقَوْلِهِ: وَبِأَخٍ لَا بِابْنِهِ فَإِذَا كَانَتْ أُخْتٌ شَقِيقَةٌ وَأُخْتٌ لِأَبٍ وَابْنُ أَخٍ لِأَبٍ فَلِلَّتِي لِلْأَبِ السُّدْسُ وَلِابْنِ الْأَخِ الثُّلُثُ الْبَاقِي وَإِنْ كَانَتْ شَقِيقَتَانِ وَأُخْتٌ لِأَبٍ وَابْنُ أَخٍ لِأَبٍ فَلِلشَّقِيقَتَيْنِ الثُّلُثَانِ وَالْبَاقِي لِابْنِ الْأَخِ لِلْأَبِ وَلَا شَيْءَ لِلْأُخْتِ لِلْأَبِ لِأَنَّهُ لَا يُعَصِّبُهَا ابْنُ أَخِيهَا بَلْ أَخُوهَا فَقَطْ وَانْظُرْ قَوْلَهُ: إخْوَةُ الْأَبِ فَإِنَّ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ أُخْتٌ لِأَبٍ بِالْإِفْرَادِ وَالتَّأْنِيثِ وَأَمَّا إخْوَةٌ فَجَمْعُ أَخٍ وَالتَّعْصِيبُ إنَّمَا هُوَ لِلْأُخْتِ وَالْأَخَوَاتِ لَا لِلْإِخْوَةِ الذُّكُورِ (قَالَ الشَّارِحُ) وَلَوْ قَالَ وَبِأَخٍ لَا بِابْنِهِ أُخْتٍ لِأَبْ ... تَعْصِيبُهَا مَعَ شَقِيقَةٍ وَجَبْ لَسَقَطَ عَنْهَا الِاعْتِرَاضُ حَيْثُ أَطْلَقَ الْإِخْوَةَ عَلَى الْأَخَوَاتِ [فَصْلٌ فِي مَوَانِعَ الْمِيرَاثِ] ِ مَوَانِعُ الْمِيرَاثِ

الْكُفْرُ وَالرِّقُّ لَإِرْثٍ مَنَعَا ... وَإِنْ هُمَا بَعْدَ الْمَمَاتِ ارْتَفَعَا وَمِثْلُ ذَاكَ الْحُكْمُ فِي الْمُرْتَدِّ ... وَمُطْلَقًا يَمْنَعُ قَتْلُ الْعَمْدِ وَإِنْ يَكُنْ عَنْ خَطَإٍ فَمِنْ دِيَهْ ... وَحَالَةُ الشَّكِّ بِمَنْعٍ مُغْنِيَهْ يَعْنِي أَنَّ الْكُفْرَ وَالرِّقَّ يَمْنَعَانِ مِنْ الْمِيرَاثِ فَإِذَا مَاتَ إنْسَانٌ حُرٌّ مُسْلِمٌ وَلَهُ قَرِيبٌ كَافِرٌ أَوْ رَقِيقٌ فَإِنَّهُ لَا يَرِثُهُ سَوَاءٌ اسْتَمَرَّ الْكَافِرُ عَلَى كُفْرِهِ وَالرَّقِيقُ عَلَى رِقِّهِ أَوْ ارْتَفَعَ الْكُفْرُ وَالرِّقُّ بَعْدَ مَوْتِ قَرِيبِهِمَا بِإِسْلَامِ الْكَافِرِ وَحُرِّيَّةِ الرَّقِيقِ. وَلِذَلِكَ قَالَ وَإِنْ هُمَا أَيْ الْكُفْرُ وَالرِّقُّ ارْتَفَعَا بَعْدَ الْمَوْتِ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ

وَقْتُ الْمَوْتِ فَحِينَ زُهُوقِ الرُّوحِ وَبِالْقَرِيبِ مَانِعٌ مِنْ كُفْرٍ أَوْ رِقٍّ انْتَقَلَ ذَلِكَ الْإِرْثُ لِغَيْرِهِ أَوْ لِبَيْتِ الْمَالِ فَلَا يَرْجِعُ بِإِسْلَامِ الْكَافِرِ وَحُرِّيَّةِ الرَّقِيقِ وَكَذَلِكَ إنْ مَاتَ الْقَرِيبُ الْكَافِرُ أَوْ الرَّقِيقُ فَإِنَّ الْحُرَّ الْمُسْلِمَ لَا يَرِثُهُ فَالْمَنْعُ مِنْ الْجِهَتَيْنِ مَعًا وَسَوَاءٌ كَانَ الرِّقُّ كَامِلًا أَوْ فِيهِ طَرَفٌ مِنْ حُرِّيَّةٍ كَالْمُكَاتَبِ وَالْمُدَبَّرِ وَالْمُعْتَقِ بَعْضُهُ وَأُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُعْتَقِ لِأَجَلٍ فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لَا يَرِثُ وَلَا يُورَثُ وَكَذَلِكَ الْمُرْتَدُّ لَا يَرِثُ فَإِنْ مَاتَ هُوَ فَإِنَّ مِيرَاثَهُ لِبَيْتِ الْمَالِ. وَكَذَلِكَ قَتْلُ الْعَمْدِ عَلَى وَجْهِ الظُّلْمِ وَالْعُدْوَانِ فَإِنَّهُ مَانِعٌ مِنْ الْمِيرَاثِ مُطْلَقًا أَيْ لَا يَرِثُ لَا مِنْ الْمَالِ وَلَا مِنْ الدِّيَةِ وَهَذَا مَعْنَى الْإِطْلَاقِ وَأَمَّا قَاتِلُ الْخَطَأِ فَيَرِثُ مِنْ الْمَالِ دُونَ الدِّيَةِ فَيُعْطِيهَا كَامِلَةً وَلَا يَرِثُ مِنْهَا شَيْئًا وَيَرِثُ مِنْ غَيْرِهَا إنْ كَانَ، وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِقَوْلِهِ وَإِنْ يَكُنْ عَنْ خَطَأٍ فَمِنْ دِيَةٍ وَأَمَّا قَاتِلُ الْعَمْدِ عَلَى وَجْهٍ شَرْعِيٍّ فَإِنَّهُ يَرِثُ وَكَذَلِكَ لَا إرْثَ مُطْلَقًا لَا مِنْ مَالٍ وَلَا مِنْ دِيَةٍ إذَا شَكَّ فِي كَوْنِ الْقَتْلِ عَمْدًا أَوْ خَطَأً وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِقَوْلِهِ: وَحَالَةُ الشَّكِّ بِمَنْعٍ مُغْنِيَهْ (تَنْبِيهٌ) الْمَنْعُ مِنْ إرْثِ الرَّقِيقِ إنَّمَا هُوَ بِالْقَرَابَةِ أَوْ بِالزَّوْجِيَّةِ وَأَمَّا بِالرِّقِّ فَقَدْ تَقَدَّمَ أَوَّلَ الْبَابِ أَنَّ مَالَهُ لِسَيِّدِهِ بِالْإِرْثِ. وَيُوقَفُ الْقَسْمُ مَعَ الْحَمْلِ إلَى ... أَنْ يَسْتَهِلَّ صَارِخًا فَيُعْمَلَا يَعْنِي إذَا كَانَ بَعْضُ الْوَرَثَةِ حَمْلًا أَوْ لَيْسَ ثَمَّ وَارِثٌ إلَّا الْحَمْلُ فَإِنَّ قَسْمَ الْمِيرَاثِ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ لَا يَجُوزُ حَتَّى يُوضَعَ الْحَمْلُ فَإِنْ اسْتَهَلَّ صَارِخًا وَتَحَقَّقَتْ حَيَاتُهُ وَرِثَ وَإِلَّا فَلَا وَكَذَلِكَ لَا يُدْفَعُ الْمَالُ فِي الْوَجْهِ الثَّانِي لِلْعَاصِبِ أَوْ لِصَاحِبِ الْمَوَارِيثِ إلَّا بَعْدَ الْوَضْعِ أَيْضًا وَبَيْنَ مَنْ مَاتَ بِهَدْمٍ أَوْ غَرَقْ ... يَمْتَنِعُ الْإِرْثُ لِجَهْلِ مَنْ سَبَقْ يَعْنِي إذَا مَاتَ قَرِيبَانِ كَالرَّجُلِ وَأَخِيهِ أَوْ ابْنِهِ وَلَمْ يُعْلَمْ السَّابِقُ مِنْهُمَا كَمَا إذَا مَاتَا تَحْتَ هَدْمٍ أَوْ غَرِقَا أَوْ فُقِدَا فَإِنَّهُ لَا يَرِثُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ لِلْجَهْلِ بِالسَّابِقِ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ الْإِرْثِ تَحَقُّقَ حَيَاةِ الْوَارِثِ بَعْدَ مَوْتِ مَوْرُوثِهِ وَذَلِكَ هُنَا مُتَعَذِّرٌ وَيَرِثُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَرَثَتُهُ وَإِرْثُ خُنْثَى بِمَالِهِ اعْتُبِرْ ... وَمَا بَدَا عَلَيْهِ فِي الْحُكْمِ اُقْتُصِرْ وَإِنْ يَبُلْ بِالْجِهَتَيْنِ الْخُنْثَى ... فَنِصْفُ حَظَّيْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى يَعْنِي أَنَّ مِيرَاثَ الْخُنْثَى مُعْتَبَرٌ بِمَحَلِّ بَوْلِهِ فَإِنْ بَالَ مِنْ ذَكَرِهِ حُكِمَ لَهُ بِحُكْمِ الذَّكَرِ وَإِنْ بَالَ مِنْ الْفَرْجِ حُكِمَ لَهُ بِحُكْمِ الْأُنْثَى وَإِنْ بَالَ مِنْهُمَا جَمِيعًا فَهُوَ الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ فَيَكُونُ لَهُ نِصْفُ مِيرَاثِ ذَكَرٍ وَنِصْفُ نَصِيبِ أُنْثَى لِأَنَّ مِيرَاثَ الْأُنْثَى مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ لِأَنَّ أَسْوَأَ حَالَيْهِ أَنْ يَكُونَ أُنْثَى وَمَا زَادَ عَلَيْهِ مُتَنَازَعٌ فِيهِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ وَلَا مُرَجِّحَ فَوَجَبَ أَنْ يُقْسَمَ بَيْنَهُمَا كَالتَّدَاعِي. (وَفِي مُخْتَصَرِ الشَّيْخِ خَلِيلٍ) فَإِنْ بَالَ مِنْ وَاحِدٍ أَوْ كَانَ أَكْثَرَ أَوْ أَسْبَقَ أَوَنَبَتَتْ لَهُ لِحْيَةٌ أَوْ ثَدْيٌ أَوْ حَصَلَ حَيْضٌ أَوْ مَنِيٌّ فَلَا إشْكَالَ أَيْ لَيْسَ هُوَ مُشْكِلًا بَلْ مُتَمَحِّضٌ إمَّا لِلذُّكُورَةِ إنْ بَالَ مِنْ ذَكَرِهِ، أَوْ كَانَ بَوْلُهُ مِنْهُ أَكْثَرَ أَوْ أَسْبَقَ أَوَنَبَتَتْ لَهُ لِحْيَةٌ، أَوْ أَمْنَى مِنْ ذَكَرِهِ أَوْ لِلْأُنُوثَةِ إنْ بَالَ مِنْ فَرْجِهِ أَوْ كَانَ بَوْلُهُ مِنْهُ أَكْثَرَ أَوْ أَسْبَقَ أَوْ حَاضَ أَوْ نَبَتَ لَهُ ثَدْيٌ فَإِذَا تَرَكَ الْمَيِّتُ ابْنًا وَخُنْثَى مُشْكِلًا فَعَمَلُ الْفَرِيضَةِ عَلَى أَنَّهُ ذَكَرٌ فَتَكُونُ مِنْ اثْنَيْنِ، وَعَلَى أَنَّهُ أُنْثَى مِنْ ثَلَاثَةٍ ثُمَّ تُضْرَبُ الِاثْنَيْنِ فِي الثَّلَاثَةِ بِسِتَّةٍ ثُمَّ تُضْرَبُ السِّتَّةُ فِي حَالَيْ الْخُنْثَى وَهُمَا حَالُ الذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ بِاثْنَيْ عَشَرَ هِيَ الْجَامِعَةُ اقْسِمْهَا عَلَى الْفَرِيضَةِ الْأُولَى يَخْرُجْ جُزْءُ سَهْمِهَا سِتَّةً وَعَلَى الثَّانِيَةِ يَخْرُجْ أَرْبَعَةٌ ثُمَّ تَضْرِبُ لِلْأَوَّلِ وَاحِدًا فِي سِتَّةٍ بِهَا وَاثْنَيْنِ فِي أَرْبَعَةٍ بِثَمَانِيَةٍ الْجُمْلَةُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ اقْسِمْهَا عَلَى حَالَيْ الْخُنْثَى يَخْرُجْ لَك سَبْعَةٌ. وَاضْرِبْ لِلْخُنْثَى وَاحِدًا فِي سِتَّةٍ بِهَا وَوَاحِدًا فِي أَرْبَعَةٍ بِهَا الْمَجْمُوعُ عَشَرَةٌ اقْسِمْهَا عَلَى حَالَيْ الْخُنْثَى يَخْرُجْ لَهُ خَمْسَةٌ هَذَا إذَا كَانَ يَرِثُ عَلَى أَنَّهُ ذَكَرٌ وَعَلَى أَنَّهُ أُنْثَى وَإِرْثُهُ عَلَى أَنَّهُ أُنْثَى عَلَى نِصْفِ إرْثِهِ إنْ كَانَ ذَكَرًا كَمَا إذَا كَانَ ابْنًا وَأَمَّا إنْ كَانَ إنَّمَا يَرِثُ عَلَى أَنَّهُ ذَكَرٌ فَقَطْ كَابْنِ الْأَخِ فَإِنَّمَا لَهُ نِصْفُ نَصِيبِ الذَّكَرِ، أَوْ عَلَى أَنَّهُ أُنْثَى فَقَطْ كَالْأُخْتِ فِي الْأَكْدَرِيَّةِ فَإِنَّمَا لَهُ نِصْفُ أُنْثَى أَوْ عَلَى أَنَّهُ يَرِثُ عَلَى الذُّكُورَةِ

وَالْأُنُوثَةِ سَوَاءٌ كَالْأَخِ فَلَهُ نَصِيبُهُ كَامِلًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَانْظُرْ هَذَا التَّفْصِيلَ مَعَ قَوْلِ التِّلْمِسَانِيِّ فَافْرِضْ لَهُ نِصْفَ نَصِيبِ الذَّكَرِ ... وَنِصْفَ حَظِّ امْرَأَةٍ مُقَدَّرِ مِنْ أَيِّ صِنْفٍ كَانَ فِي الْوَارِثِ (فَرْعٌ) فِي طُرَرِ ابْنِ عَاتٍ وَلَا يَرِثُ الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ مِنْ الْوَلَاءِ شَيْئًا لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعَاصِبٍ إذْ لَا يَسْتَكْمِلُ الْمَالَ كُلَّهُ إذَا كَانَ وَحْدَهُ، وَالْعَاصِبُ يَسْتَكْمِلُهُ إذَا انْفَرَدَ مِنْ الِاسْتِغْنَاءِ. وَابْنُ اللِّعَانِ إرْثُهُ بِأُمِّهِ ... مَا كَانَ وَالسُّدْسُ أَقْصَى سَهْمِهِ وَتَوْأَمَاهُ هَبْهُمَا تَعَدَّدَا ... هُمَا شَقِيقَانِ فِي الْإِرْثِ أَبَدَا يَعْنِي أَنَّ الْوَلَدَ الَّذِي نَفَاهُ أَبُوهُ بِاللِّعَانِ إنَّمَا يَكُونُ إرْثُهُ بِأُمِّهِ فَقَطْ لَا بِأَبِيهِ فَيَرِثُ جَدَّتَهُ لِأُمِّهِ دُونَ جَدَّتِهِ لِأَبِيهِ وَإِذَا كَانَ لِأُمِّهِ وَلَدٌ مِنْ أَبِيهِ الَّذِي نَفَاهُ وَلَدَتْهُ مِنْهُ قَبْلَ اللِّعَانِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ فَهُوَ أَخُوهُ لِأُمِّهِ يَرِثُ أَحَدُهُمَا مِنْ الْآخَرِ السُّدْسَ لَا غَيْرُ، وَإِذَا كَانَ اللِّعَانُ يَنْفِي حَمْلًا فَوَلَدَتْ تَوْأَمَيْنِ فَهُمَا فِيمَا بَيْنَهُمَا شَقِيقَانِ يَتَوَارَثَانِ تَوَارُثَ الشَّقِيقَيْنِ لِأَنَّ الْمُلَاعِنَ إنَّمَا نَفَى بُنُوَّتَهُمَا لَا أُخُوَّتَهُمَا. (فَفِي الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ) إذَا كَانَ ابْنٌ مِنْ زَوْجَةٍ، ثُمَّ ظَهَرَ بِهَا حَمْلٌ فَلَاعَنَهَا فِيهِ ثُمَّ جَاءَتْ مِنْ ذَلِكَ الْحَمْلِ بِتَوْأَمَيْنِ وَمَاتَ أَحَدُهُمَا فَلِلْأُمِّ السُّدْسُ، وَلِلِابْنِ الَّذِي كَانَ لَهَا مِنْ الزَّوْجِ السُّدْسُ لِأَنَّهُ أَخٌ لِأُمٍّ، وَلِلْبَاقِي مِنْ التَّوْأَمَيْنِ بَقِيَّةُ الْمَالِ وَذَلِكَ الثُّلُثَانِ لِأَنَّهُ شَقِيقٌ، فَإِنْ مَاتَ الْأَبُ الْمُلَاعِنُ أَحَاطَ بِمِيرَاثِهِ الِابْنُ الَّذِي كَانَ لَهُ قَبْلَ اللِّعَانِ إنْ لَمْ يَكُنْ لِأَبِيهِ وَارِثٌ سِوَاهُ، فَإِنْ مَاتَ الِابْنُ الَّذِي كَانَ مِنْ الزَّوْجِ قَبْلَ اللِّعَانِ عَنْ وَلَدٍ ذَكَرٍ أَوْ، أُنْثَى، فَلِأُمِّهِ السُّدْسُ، وَلَا شَيْءَ فِي ذَلِكَ لِلْبَاقِي مِنْ التَّوْأَمَيْنِ لِأَنَّهُ أَخُوهُ لِأَمِّهِ وَلَا يَرِثُ مَعَ الِابْنِ أَوْ الِابْنَة شَيْئًا. فَإِنْ تُوُفِّيَ عَنْ غَيْرِ وَالِدٍ وَلَا وَلَدٍ، فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ، وَلِأَخِيهِ لِأُمِّهِ السُّدْسُ، وَلِلْعَصَبَةِ مَا بَقِيَ أَوْ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَصَبَةٌ، (وَفِي الْمُقَرِّبِ) قَالَ مُحَمَّدٌ: وَمِنْ قَوْلِ أَصْحَابِ مَالِكٍ إنَّ الْمَرْأَةَ إذَا لَاعَنَتْ عَنْ حَمْلٍ ظَهَرَ بِهَا ثُمَّ جَاءَتْ بِتَوْأَمَيْنِ، فَإِنَّهُمَا يَتَوَارَثَانِ بِالْأُمِّ وَالْأَبِ كَابْنَيْ رِشْدَةٍ اهـ (الْجَوْهَرِيُّ) وَتَقُولُ هُوَ لِرِشْدَةٍ خِلَافُ قَوْلِكَ لِزَنْيَةٍ اهـ وَمَا قَصَدْتُ جَمْعَهُ هُنَا انْتَهَى ... وَالْحَمْدُ لِلَّهِ بِغَيْرِ مُنْتَهَى وَبِالصَّلَاةِ خَتْمُهُ كَمَا اُبْتُدِيَ ... عَلَى الرَّسُولِ الْمُصْطَفَى مُحَمَّدِ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ الْأَخْيَارِ ... مَا كُوِّرَ اللَّيْلُ عَلَى النَّهَارِ الَّذِي قَصَدَ جَمْعَهُ هُوَ مَسَائِلُ الْأَحْكَامِ وَالْخُصُومَاتِ الَّتِي تَنْزِلُ بِالْقُضَاةِ وَتَتَكَرَّرُ لَدَيْهِمْ لِقَوْلِهِ فِي الصَّدْرِ وَبَعْدُ فَالْقَصْدُ بِهَذَا الرَّجَزِ ... تَقْرِيرُ الْأَحْكَامِ بِقَوْلٍ مُوجَزِ ثُمَّ حَمِدَ اللَّهَ تَعَالَى عَلَى هَذِهِ النَّعْمَةِ الْعُظْمَى مِنْ التَّوْفِيقِ لِنَظْمِ هَذَا الْكِتَابِ وَكَمَالِهِ لِأَنَّهُ مِنْ الْأَعْمَالِ الَّتِي لَا تَنْقَطِعُ بِالْمَوْتِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا مَاتَ الْمُؤْمِنُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إلَّا مِنْ ثَلَاثٍ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ أَوْ عِلْمٍ يَبُثُّهُ فِي صُدُورِ الرِّجَالِ» أَوْ كَمَا قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ثُمَّ خَتَمَ النَّظْمَ بِالصَّلَاةِ عَلَى سَيِّدِنَا وَمَوْلَانَا مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا ابْتَدَأَهُ بِهَا تَبَرُّكًا بِهَا فِي الْمَحَلَّيْنِ قِيلَ وَلِأَنَّهَا مَقْبُولَةٌ قَطْعًا وَالْمَوْلَى سُبْحَانَهُ أَكْرَمُ مِنْ أَنْ يَقْبَلَ الصَّلَاتَيْنِ وَيَدَعَ مَا بَيْنَهُمَا ثُمَّ صَلَّى عَلَى آلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَلَى أَصْحَابِهِ الْأَخْيَارِ مُدَّةَ مُعَاقَبَةِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ أَيْ مُدَّةَ بَقَاءِ الدُّنْيَا وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا.

§1/1