شرح منظومة التفسير

أحمد بن عمر الحازمي

1

عناصر الدرس * بيان أهمية هذا الفن. * ترجمة الناظم. * شرح البسملة وإعرابها. * شرح مقدمة الناظم (مقدمة الكتاب). إن الحمد لله نحمده ونستعين به ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهديه الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا. أما بعد: سنشرع في هذه الليلة بإذن الله تعالى ليلة الأحد التاسع من شهر رجب عام ست وعشرين وأربعمائة وألف من الهجرة النبوية في منظومة الزمزمي رحمه الله تعالى في علوم القرآن المسماة بـ ((منظومة التفسير)) وهي أولى لذكر الشراح لها بهذا العنوان. ((منظومة الزمزمي)) هذه كما ذكرت أنها في علوم القرآن، إذًا يفهم منها أن البحث يكون فيما يخدم القرآن وكما أن للحديث أصولاً وعلومًا تخدم علم الحديث وللفقه أصولاً وعلومًا تخدم الفقه كذلك لتفسير كلام الرب جل وعلا علومًا وأصولاً وقواعد تخدم هذا الفن، فكما أنه لا استنباط للفقيه من النصوص نصوص الوحيين في الأحكام الشرعية الحلال والحرام إلا بعد العلم بأصول الفقه، كذلك لا يمكن للمحدث أن يصحح أو يضعف أو يحكم بصحة حديثه أو ضعفه إلا بعد العلم بعلوم الحديث كما هو معلوم لديكم، كذلك هنا تأتي الأهمية في توقف فهم نصوص الرب جل وعلا أو القرآن الكريم القرآن العزيز على فهم هذه القواعد والأصول التي جعلها العلماء في ما يسمى ((علوم القرآن)) أو ((علوم التفسير)) أو ((أصول التفسير)) أو ((قواعد التفسير)) وكلها كما سيأتي بيانها ألفاظ ومصطلحات مترادفة وإن كان ثم فرق في بعضها دون بعض إلا أنها في جوهرها كلها فيما يخدم القرآن. ولا شك يتميز هذا العلم وهو ((علوم القرآن)) على قلة وضعف ما يُطرح الآن يتميز بأنه يبحث في كلام الرب جل وعلا من جهتين: أولاً: كونه كلام الله سبحانه وتعالى. ومعلوم أنه إذا كان كلام الرب أفضل من كل الكلام سواه لأنه كلام الخالق وما عداه فإنه مخلوق، حينئذ ... إذا كان كلام الرب جل وعلا أفضل من كل كلام سواه فعلومه حينئذ ... تكون أفضل من كل علم عداه كما نص على ذلك الزركشي في مقدمة ... ((البرهان)). إذًا تنظر في ((علوم القرآن)) أو ((علم القرآن)) في كونه متعلقًا بكلام الرب جل وعلا، فإذا كان متعلقًا بكلام الرب جل وعلا فهو أفضل كلام وأفصح كلام وأغلب وأعجز كلام حينئذ يكون كل علم منبثق من القرآن يكون شرفه كشرف كلام الرب جل وعلا على سائر الخلق، كذلك فهم القرآن الذي هو الأصل في التنزيل {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ}، {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ} [ص: 29] إذًا فالمقصود الأعظم من إنزال القرآن ليس هو التلاوة فحسب - وإن كانت التلاوة متعبدًا بها - إلا أنها ليست مقصودةً بالإصالة، وإنما المقصود بالأصالة هو التدبر والفهم، والتدبر والفهم كما هو معلوم يحصل بماذا؟ يحصل بالعلم بأصول الكلام الذي يُتَدَبَّرُ، فحينئذ يصير توقف تدبر وفهم وإيضاح معنى القرآن الذي عُنْوِنَ له بالتفسير الذي هو الكشف والإيضاح لأنه مأخوذ من الفسر كما سيأتي وهو الكشف والإيضاح يكون متوقفًا على ماذا؟

على فهم هذه العلوم التي عَنْوَنَ لها العلماء بعلوم القرآن، ولذلك ذكر مجاهد في قوله تعالى: {يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً} [البقرة: 269]. قال: الفهم والإصابة في القرآن. {يُؤتِي الْحِكْمَةَ} أي: الفهم والإصابة في القرآن لماذا؟ لأن الأصل من تنزيل القرآن هو الفهم والإصابة؛ لأن ليس كل فهم يكون صوابًا إذًا لا بد من فهم ومن إصابة، الفهم قد يشترك فيه العالم وغيره لماذا؟ لأنه ما يتبادر إلى الذهن لكن إذا أريد به فهم الصحيح وهو إدراك معاني الكلام أو العلم بمعاني الكلام عند سماعه كما هو معنى الفهم في لغة العرب فحينئذ لا بد من تنزيل هذا الفهم على قواعد وأصول وضوابط لأن لا يكون الكتاب وكذلك السنة لا تكون مفتوحة هكذا لكل من أراد أن يفهم فليفهم ما شاء، لا، لا بد من ضابط يرجع إليه العالم سواء كان في فهم النصوص الوحيين في استنباط الأحكام الشرعية الحلال والحرام أو لفهم المعاني العامة معتقد وغيره لأن الكتاب كما هو معلوم مصدر التشريع للأمة الإسلامية لأن السنة والإجماع والقياس مرجعها إلى الكتاب فهو الأصل الأصيل، وكل أصل يُستنبط أو تُؤخذ من الشريعة يكون حينئذ منبثقًا عن الكتاب هو الأصل الأصيل وما عداه كله يكون متفرعًا عليه، فلذلك ذكر أيضًا مقاتل في الآية السابقة {يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ} قال: علم القرآن. حينئذ الحكمة فُسِّرَتْ هنا في بعض الأقاويل بأنها الفهم والإصابة في القرآن وبأنها علم القرآن ولذلك قال ابن عيينة رحمه الله سفيان في قوله تعالى: {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ} [الأعراف: 146]. قال: أحرمه نعمة القرآن. لماذا؟ لأن الأصل من التنزيل هو الفهم والإصابة. قال ابن مسعود رضي الله تعالى عنه: من أراد العلم فليسور القرآن فإن فيه علم الأولين والآخرين. يعني: علم الأصول أو أصول الدين وأصول الحلال والحرام موجودة في القرآن وإنما تحتاج إلى تسوير بمعنى تفتيش وصح ونظر وتدبر وتأمل. إذًا علمنا هذا نعلم ما السر في وضع هذه المنظومة في هذه الدورة وفي هذه الإجازة الصيفية لندرك بعض ما يتعلق بأسرار هذا العلم الشريف وهو على التفسير وما ينبني عليه ذلك العلم وهو علوم القرآن، وكان الاختيار واقعًا على منظومة التفسير التي سميت بـ: ((منظومة التفسير)). وقيل: بأنها ((منظومة الزمزمي)). نسبة إلى مؤلفها وكان الأشهر أنه ذكر في ترجمته أنه ألف منظومة في التفسير وذكر شارحها بأنها ((منظومة التفسير)).

منظومة التفسير للشيخ الأديب المفسر عبد العزيز الرئيس الزمزمي نسبة إلى زمزم -كما سيأتي - عز الدين بن علي بن عبد العزيز بن عبد السلام بن موسى بن أبي بكر بن أكبر بن علي بن أحمد بن علي بن محمد بن داود البيضاويُّ الشيرازيُّ الأصل ثُمَّ المكيُّ الزمزميُّ الشافعي، ولد عام تسعمائة من الهجرة بمكة، قدم جده الأعلى علي بن محمد إلى مكة في سنة ثلاثين وسبعمائة فساعد الشيخ سالم بن ياقوت المؤذن ليكون مؤذن لعله المسجد الحرام في ذلك الوقت في خدمة بئر زمزم، فلما ظهر له فضله نزل له عنه يعني: تنازل له عن بئر زمزم وخدمتها فاشتغل علي بن محمد الذي هو جد عبد العزيز الزمزمي بخدمة زمزم فقيل له: الزمزمي. إذًا الزمزمي نسبة إلى ماذا؟ إلى بئر زمزم. ولد عبد العزيز بمكة ونشأ بها وأخذ العلم عن أهلها وبرع في الفنون وله في الأدب اليد الطولى وله تآليف ومنها ذكر في ترجمتها كذا ((منظومة في التفسير)) وهي التي معنا نظم فيها ((النُّقَاية)) لجلال الدين السيوطي، وشرح مقامات الحريري، وكتاب في الفتاوى، وله شعر حسن توفي المترجم له سنة ست وسبعين وتسعمائة بمكة. وهذه المنظومة قد عُنِيَ بِها خاصة في هذه البلد الحرام قديمًا والآن لا ذكر لها، وإنما يعنون بها العلماء الوافدين، لذلك أكثر الشراح من الأندلسيين ونحوهم فشرح شروحًا عدة ولهم عليها بعض الحواشي منها: ((نهج التيسير شرح منظومة الزمزمي في أصول التفسير)) هذا يكاد يكون أول شرح لها لمحسن بن علي بن عبد الرحمن المساوي الحضرمي توفي سنة أربع وخمسين وثلاثمائة وألف - قريب العهد ألف ثلاثمائة وأربع وخمسين -، وعلى هذا الشرح حاشيتان مطبوعتان حاشية علوي بن عباس بن عبد العزيز المالكي، وحاشية الشيخ محمد ياسين الفاداني المكي. وهذا قريب أيضًا. الشرح الثاني: ((التيسير شرح منظومة التفسير)) محمد يحيى أمان المدرس بمدرسة الفلاح القديمة. حينئذ نقول: هذه المنظومة أصلاً لعبد العزيز من؟ الرئيس الزمزمي وكان من أعيان علماء مكة، وشُرح في الشرحين المذكورين ولجلالتها عندهم درست في الصولتية المدرسة وكذلك مدرسة الفلاح القديمة. قدم لمنظومته بمقدمة وهي التي تسمى عندهم بمقدمة الكتاب، وسبق مرارًا أن المقدمة مقدمتان: مقدمة كتاب. ومقدمة علم. مقدمة العلم هي التي يُعنى بها المبادئ العشر إن مبادئ كلِّ فَنٍّ عَشْرَة ... إن مبادئ كلِّ فَنٍّ عَشْرَة ونسبة وفضله والواقع ... والاسم والاستمداد حكم الشارع مسائل والبعض بالواو اكتفى ... ومن درى الجميع حاز الشرف هذه سيأتينا بحثها إن شاء الله في الدرس القادم. واليوم نشرع في النظم وهي ما يسمى: بمقدمة الكتاب. مقدمة الكتاب شاع عندهم أنه يذكر فيها البسملة والحمدلة والشهادتين وأما بعد وبراعة الاستهلال وتسمية نفسه وتسمية كتابه إلى ما يُذكر من الواجبات والمستحبات التي مر معنا ذكرها كثيرًا. قال: بسم الله الرحمن الرحيم.

إذًا افتتح المصنف أو الناظم رحمه الله تعالى منظومته ((منظومة التفسير)) بالبسملة، وافتتاح الشعر الذي يكون في العلوم والآداب هذا متفق عليه لا بأس به، وإنما وقع خلاف فيما عدا العلوم والآداب هل يجوز أن يفتتح الشعر بالبسملة أو لا؟ على خلاف ذكرناه فيما سبق، أما هذه التي معنا فبالاتفاق أنه يجوز أن يفتتح الشعر لأنها آية والشعر في الجملة مذموم جاء ذمه في الشرع فهل كل شعر مذموم؟ لا. ليس كل شعر مذموم. وعليه إذا كان الشعر فيه ما فيه فحينئذ البسملة آية من آيات الكتاب، هل يجوز أن يُتقدم بالبسملة بين يدي الدواوين والشعر؟ المسألة فيها خلاف لماذا؟ لأن الشعر كما ذكرت لكم أنه فيه ما فيه من حيث الأنواع، والبسملة جاء في الحديث: «كل أمر ذي بال». يعني: كل أمر ذي بال وشأن يهتم به شرعًا. فهل يهتم الشرع بالدواوين ونحوها؟ الجواب: في الجملة لا، إلا إذا كان مؤديًا إلى حفظ لغة العرب فحينئذ جاء من قبيل ما لا يتم الواجب به فهو واجب لماذا؟ لأن القرآن والسنة بلسان عربي، والقرآن على جهة الخصوص نزل بلسان عربي مبين حينئذ لا يمكن فهم لسان العرب الذي هو القرآن إلا بفهم لسان العرب الذي نقل عن العرب أنفسهم. (بسم الله الرحمن الرحيم) نقول: إذًا لا بأس بالابتداء بها في هذه المنظومة بالإجماع لأنها مما اشتمل على العلم والآداب، ابتدأ المصنف نظمه بالبسملة لأمور: أولاً: اقتداء بالكتاب العزيز. لأنه مفتتح بالبسملة. ثانيًا: اقتداء بالسنة الفعلية. لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا كتب الرسائل افتتحها بـ: بسم الله الرحمن الرحيم إلى هرقل عظيم الروم كما جاء في صحيح البخاري. الثالث: إن صح الحديث فيقال بالسنة القولية: «كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بـ بسم الله الرحمن الرحيم فهو أبتر». «كل أمر ذي بال». يعني: كل شيء ذي بال يُهتم به شرعًا لا يُبدأ فيه بـ بسم الله الرحمن الرحيم فهو أبتر - يعني كالأبتر -. أي ناقص البركة قالوا: فهو إن تم حسًا إلا أنه ناقص من جهة المعنى لو تم حسًا تم الكتاب كتابته وطباعته ولم تذكر فيه البسملة فحينئذ يقل النفع يعني: وإن تم حسًا إلا إنه ناقص من جهة المعنى. لماذا؟ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - حكم بأنه أبتر، والأبتر هو مقطوع الذَّنَب فحينئذ لا بد أن يكون مقطوعًا إما حسًا بأن لم يتمه بالفعل، وإما أن يكون من جهة المعنى فهو إن تمه أو أتمه فحينئذ لا بد أن يصدق عليه الحديث فهو أبتر لا بد أن يكون مقطوع الذَّنب أو كمقطوع الذَّنَب، فحينئذ الغاية المرجوة من كتابة الكتاب وتأليف المؤلف هو نفع الناس فحينئذ إذا نقص النفع حصل ماذا؟ حصل البتر وقل هذا على جهة التنزل مع صحة الحديث. الأمر الرابع: إجماع المصنفين والمؤلفين. قال ابن حجر رحمه الله تعالى: وقد استقر عمل الأئمة المصنفين على افتتاح كتب العلم بالتسمية وكذا معظم كتب الرسائل. ذكره في مقدمة شرح البخاري وقد استقر عمل الأئمة المصنفين على افتتاح كتب العلم بالتسمية وكذا معظم كتب الرسائل، إذًا هذه سنة عملية من جهة أهل العلم كأربعة أمور شرع الناظم في ابتداء منظومته بالبسملة.

البسملة الأحاديث فيها من جهة المفردات يطول ولكن كلام مختصر لا بد منه في كل موضع يتعلق بما جُعِلَتِ البسملة مبدأً له في ذلك الفن، والبسملة آية ولا ينبغي للطالب أن يتضجر من التفقه والنظر في الآية لأن البسملة كما هو معلوم آية يُفتتح بها كل سورة سوى براءة وجزء آية {إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [النمل: 30] حينئذ النظر فيها من جهة الإعراب، النظر فيها من جهة معانيها، النظر فيها من جهة صرفها وبيانها يكون من أي حيثية؟ يكون من باب التفقه في الكتاب، والبعض يتضجر من أي كلام يتعلق بالبسملة كأنها خارجة عن موضوع العلم بالكلية كأنها من فضول العلم، لا، ليس بصحيح بل هي آية فحينئذ يكون النظر فيها كالنظر في غيرها كأنك تقرأ {الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: 2] تقول: {الْحَمْدُ للهِ} هذا مبتدأ {للهِ} هذا جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر، كونك تعرف أن هذه جملة اسمية لها مدلول غير كونها جملة فعلية فيختلف المعنى من دلالة الجملة الاسمية ودلالة الجملة الفعلية، ونحن الآن نبحث في مقدمات التفسير والتفسير مبناه على لغة العرب فحينئذ لا ضجر ولا تضجر. (بسم الله الرحمن الرحيم) كما هو معلوم أن الجار والمجرور لا بد أن يتعلق بمحذوف لأنه حرف جر أصلي، وعلى الصحيح قيل: حرف جر زائد الباء. والأصح أنه حرف جر أصلي فحينئذ لا بد من متعلق يتعلق به الجار والمجرور لا بد للجار من التعلق بالفعل أو معناه نحو مرتقي وأحسن ما يقال: أنه فعل مؤخر مناسب. يعني: خاص مناسب بالمقام، فعل لا اسم، لماذا؟

لأن الأصل في العمل الأفعال، إذًا بسم الله هذا متعلق بمحذوف هذا المحذوف واجب حذفه لأن الجار والمجرور هنا صار متعلقًا بمحذوف وأُجْرِيَ مُجْرَى المثل، يعني لا يجوز النطق به. وما ورد النطق بالمتعلق في الكتاب أو السنة {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} [العلق: 1] هذا للاهتمام بالقراءة يعني خروجًا عن المقصود، والخروج عن المقصود لأمر ما لا ينافي أصل قاعدة كما هو معلوم في شأن القواعد العامة، كل قاعدة فقهية أو نحوية أو غيرها نقول: الأصل فيها عمومها لكن لا يمنع أو يبطل عمومها أو كونها قاعدة أو أصل أو قضية كلية لا يمنع ذلك من استثناء بعض الأفراد، وهذا مطرد في كل العلوم، حينئذ بسم الله نقول: هذا متعلق بمحذوف لا يجوز ذكره فإن ذكر في نحو قوله تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق: 1] {اقْرَأْ} هذا هو المتعلق الذي نريد أن نقدره هنا وقد نطق به نقول: هذا خروج عن القاعدة لأمر ما لنكمل الفائدة أهم من حذف المتعلق الذي معنا وهو الاهتمام بالقراءة لأن المقصود هناك ليس التبرك بـ: بسم الله، وإنما المقصود أن الأعظم والأعلى أن المقام مقام تنزيه القرآن دين تشريع، فحينئذ نقول المقام هنا في مقام القراءة فهي أهم من المتعلق الذي يحصل أو يجب حذفه في هذا المقام الذي معنا، كذلك «باسمك ربي وضعت جنبي» نقول: التصريح به لا ينفي أن يكون الأصل أنه محذوف وهذا الحذف يكون واجبًا، فعل لأن الأصل في العمل الأفعال فرع في الأسماء، العمل الرفع والنصب والجر والجزم هذا الأصل فيه أن يكون للفعل لا للاسم، حينئذ إذا تردد المعمول الذي معنا بين أن يكون المحذوف فعلاً أو اسمًا فالأولى أن يكون فعلاً، لماذا؟ لأن الأصل في العمل الأفعال إذًا قدرناه فعلاً لا اسمًا لهذه النكتة. أن يكون مؤخرًا يعني: لا مقدمًا. تقول: بسم الله أقرأُ. مؤخرًا لماذا؟ لفائدة وهي القصر والحصر، والقصر والحصر بمعنى وهو إثبات الحكم في المذكور ونفيه عما عداه، بسم الله أقرأُ لا باسم غيره. لأن تقديم ما حقه التأخير يفيد ماذا؟ يفيد الاختصاص والقصر والحصر مثل قوله تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} [الفاتحة: 5]. فنحن نقرأها في كل ركعة لا تجزأ ركعة إلا بـ {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5] {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} أصلها: نعبدك. فعل وفاعل ومفعول به لِمَ قدمت إياك؟ لإفادة الحصر، ما معنى الحصر؟ يعني: لا نعبد إلا إياك. انظر هذا المعنى الزائد عن اللفظ لا نعبد إلا إياك حصر العبادة في الله، ونفي العبادة عن كل ما سوى الله، {وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} أي: لا نستعين إلا إياك. إثبات الاستعانة بالله عز وجل ونفيها مطلقًا عن كل ما سواه، بسم الله أستعين وأتبرك بسم الله لا بسم غيره مطلقًا إذًا المعنى موجود كما هو هناك في {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} وهذا الحصر استفدناه من ماذا؟ من تقديم ما حقه التأخير بسم الله أقرأُ يعني: لا بسم غيره.

أيضًا الفائدة الثانية: أن لا يتقدم على اسم الله غيره، يعني الاهتمام. الاهتمام به لئلا يتقدم على اسم الله غيره، حينئذ لو قيل أقرأ أو أنظم بسم الله أو قال: أنظم باسمه. تقدم الفعل وهو دلالته على الحدث وهو النظم تقدم على اسم الله وهذا مخالف للأصل. إذًا هاتين الفائدتين أُخِّرَ العامل قدر مؤخرًا ثم يكون خاصًا لماذا؟ قالوا: لأن كل من بسمل فقد أضمر في نفسه ما جعل البسملة مبدأً له، كل من بسمل كل من قال بسم الله في أي قول فعل نوم سفر أكل شرب ... إلى آخره لا بد أنه قد نوى في نفسه الفعل والحدث الذي جعل البسملة مقدمةً له، لا يمكن أن يقول: بسم الله. ويشرب وينوي في قلبه أنه سينام يمكن؟ إذًا إذا قال: بسم الله. وشرب حينئذ نقول: قدر في نفسه ماذا؟ بسم الله أشرب، لو وضع جنبه وأراد أن ينام قال: بسم الله أنام. حينئذ يقدر في كل موضع بحسب الفعل الذي جعل المتكلم والناطق للبسملة ما جعل البسملة مبدأً له، فالمسافر يقدم بسم الله أسافر، والآكل بسم الله آكل، والشارب بسم الله أشرب وهلم جر، وهنا: بسم الله أَنْظِمُ أو أُأَلِّف، والقارئ يقول: بسم الله أقرأ ... إلى آخره حينئذ لهذه الفائدة وهي كون متعلق البسملة الجار والمجرور خاصًا ليدل على ما جعل البسملة مبدأً له وهو الناطق والمتكلم بها. بسم الله الرحمن الرحيم ذكرنا أن بسم الله جار ومجرور متعلق بمحذوف وهو مضاف ولفظ الجلالة مضاف إليه وهو مشتق على الصحيح وأصله: الإله. حذفت الهمزة تخفيفًا ثم أدغمت اللام في اللام ثم فخمت لأجل التعظيم فقيل: الله. بسم الله أيضًا من النكات والفوائد في هذا الموضوع أن يقال: بسم الله هذا يحتمل الإضافة، مضاف ومضاف إليه. إما الإضافة من الإضافة البيانية، وإما من إضافة الاسم إلى المسمَّى. الإضافة البيانية: أن يكون المراد اللفظ. بسم هذه نكرة أضيف إلى لفظ الجلالة، إلى اللفظ إن رُوعِيَ ولوحظ اللفظ كانت الإضافة بيانية، فحينئذ يصح الإخبار بالمضاف إليه عن المضاف فيكون التقدير بِسْمٍ هُو اللهُ حينئذ استعان بماذا؟ بلفظ الجلالة بالاسم والاستعانة والتبرك بالاسم استعانة بالمسمى من باب الأولى والأحرى، وهذا متى؟ إذا جعلنا الإضافة بيانية بِسْمٍ هُو اللهُ جعلت المضاف إليه خبر عن المبتدأ الذي هو اسم، وإن جعلت الإضافة من إضافة الاسم إلى المسمى يعني لاحظت المسمى الله لاحظت المسمى حينئذ تكون الإضافة مسماة عندهم عند البيانيين بإضافة الاسم إلى المسمى فيكون التقدير كما هو في قوله تعالى: {وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللهِ} [إبراهيم: 34]. فيكون من باب إضافة النكرة إلى المعرفة فيصير من صيغ العموم بكل اسم هو لله صار المعنى بسم الله أي: بكل اسم هو لله سمى به نفسه أو أنزله في كتابه أو علمه أحدًا من خلقه أو استأثر به في علم الغيب عنده. لأنه صار من صيغ العموم فانظر الفرق بين المعنيين.

إن لوحظ اللفظ لفظ الجلالة صارت الإضافة بيانية فيكون متعلق البسملة أو التبرك أو التيمن أو الاستعانة هو لفظ الجلالة فقط، فيستلزم الاستعانة والتبرك بالاسم لأن الاسم للمسمى كما قال، الاسم للمسمى. لله الأسماء الحسنى إذًا الاسم للمسمى، وعلى الثاني الإضافة إضافة الاسم إلى المسمى تكون الإضافة على حد قوله: {وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللهِ لاَ تُحْصُوهَا} [إبراهيم: 34]. حينئذ يصيغ من صيغ العموم. بسم الله، الله المراد به أو المعنى ما معناه؟ الله ذو الأولهية والعبودية على خلقه أجمعين لأن الإله مشتق هذا هو الصواب أنه مشتق بمعنى أنه يدل على ذات متصفة بصفة ولذلك وقع نزاع هل الله لفظ الجلالة مشتق أو جامد؟ جامد بمعنى أنه لا يدل على معنى تطلق على مسمى علم فقط، مجرد عن المعنى كما تقول: زيد. لا يدل على معنى، تقول: صالح. يسمى الرجل صالح وليس له معنى، هل لفظ الجلالة الله يدل على معنى أو لا؟ نقول: الصواب أنه يدل على معنى، وهو ذات متصفة بالإلهية وهي: العبودية. لأن إله فعال مشتق من أله أصله أله يأله إلهة وألوهة وإلوهية، وهذا مأخوذ من معنى التعبد كما قال رؤبة: لله در الغانيات الْمُدَّهِ ... سبحن واسترجعن من تألهي أي: تعبدي. وهذا هو الحق أنه مشتق قوله: بأنه جامد. لا دليل عليه، وابن القيم رحمه الله قال: من نسب القول بالْجُمود لسيبويه قال: أخطأ عليه. لأنه نسب إلى سيبويه أنه يقول: جامد. والصواب أنه مشتق، وأن معناه العبودية، إله يعني: معبود. فعال بمعنى مفعول. (بسم الله الرحمن الرحيم). الرحمن الرحيم اسمان مشتقان من الرحمة على وجه المبالغة إلا أن الرحمن أشد مبالغة من الرحيم لأن زيادة البناء تدل على زيادة في المعنى غالبًا، رحيم أربعة أحرف ورحمن خمسة أحرف حينئذ لا بد من زيادة في المعنى لأنه جاء على وزن فعلان، وفعلان كما يقول ابن القيم رحمه الله: يدل على الامتلاء. والرحيم جاء على وزن فعيل حينئذ نقص حرف فلا بد من فرق بينهما، حينئذ نقول: اسمان مشتقان من الرحمة على وجه المبالغة كل منهما يدل على المبالغة يعني كثرة الرحمة إلا أن الرحمن أشد مبالغة وأكثر من الرحيم، لأن زيادة البناء تدل على زيادة المعنى، الرحمن يدل على صفة قائمة في الرب جل وعلا ذاتية والرحيم يدل على تعلقها بالمرحوم. الرحمن من جهة المعنى أيضًا عامٌ لأنه يشمل الرحمة لكل الخلق يعني: يشمل رحمة الكافر والمؤمن بل والبهائم، والرحيم هذا خاص بالمؤمنين. الرحمن من جهة المعنى نقول: عام. ومن جهة اللفظ خاص أي لا يجوز إطلاقه على غير الرب جل وعلا كاسم الجلالة، الله خاصٌّ ولذلك قيل: هو الاسم الأعظم. الرحمن هذا خاص لا يجوز أن يسمى به غيره أما الرحيم فهو من جهة اللفظ عامة فيجوز تسميته أو إطلاقها على المخلوق لأنه من جهة المعنى يكون خاصًا لأن متعلقه المؤمنون. والرحيم كما تقول: جاء زيد الرحيم. تصف به لكن لا يقال الرحمن وأما تسمية مسيلمة الكذاب بالرحمن هذا من باب تعنته كما سبق بيانه. (بسم الله الرحمن الرحيم) أُأَلِّفُ أو أنظم، الباء هذه للاستعانة أو للمصاحبة على وجه الخطاب، أُأَلِّفُ حال كوني مستعينًا بذكره متبركًا به، والتبرك هو: التيمن والفوز بالبركة.

قال رحمه الله تعالى: تَبارَكَ المُنْزِلُ للفُرقانِ ... على النَّبِيِّ عَطِرِ الأَرْدانِ مُحَمَّدٍ عليهِ صَلَّى اللهُ ... معَ سَلامٍ دائمًا يَغْشَاهُ وآلِهِ وصَحْبِهِ، وبَعْدُ ... فَهذِهِ مِثْلُ الجُمَانِ عِقْدُ ضَمَّنْتُها عِلمًا هُوَ التَّفْسِيْرُ ... بِدايةً لِمَنْ بِهِ يَحِيْرُ أَفْرَدْتُها نَظْمًا مِن النُّقَايَةْ ... مُهَذِّباً نِظَامَها في غَايَةْ واللهَ أَسْتَهدي وأَسْتَعِيْنُ ... لأنَّهُ الهادِي ومَنْ يُعِيْنُ قوله رحمه الله تعالى: (تَبارَكَ المُنْزِلُ للفُرقانِ ** على النَّبِيِّ) هذا يسمى عند البيانيين اقتباس لأنه اقتبس هذا البيت من قوله تعالى في أول سورة الفرقان: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ} [الفرقان: 1]. فحينئذ يكون هذا الشطر ونصف الشطر اقتباسًا، والاقتباس عند البيانيين هو أن يضمن الكلام قرآنًا أو حديثًا لا على أنه منه يعني لا يصرح يقول: قال الله تعالى أو قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأنه لو صرح لخرج عن كونه اقتباس، حينئذ نقول: الاقتباس هو أن يضمن نثره أو شعره ما وقع في القرآن أو في السنة لا على أنه منه أي: لا على وجه يُشعر بأنه من القرآن أو من السنة بأن يقال: قال الله تعالى: ... {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ} [الفرقان: 1]. لو قال: قال الله تعالى. خرج عن كونه مقتبسًا، لو قال: قال - صلى الله عليه وسلم -: «إنما الأعمال بالنيات». لخرج عن كونه مقتبسًا، وإنما يذكر القول كأنه من قوله هو ولكنه في الأصل يكون من قول الرب جل وعلا أو من كلام الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، فإن صرح قال الله تعالى أو قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فحينئذ لا يكون اقتباسًا. ثم هو أقسام الاقتباس لأنه إما من القرآن أو الحديث، إما أن يكون في النظم أو في النثر، أربع: قرآن في نظم أو نثر، حديث في نظم أو نثر. قد ينقل بلفظه قد يتكلم الواعظ ولا يقول: قال - صلى الله عليه وسلم -: «إنما الأعمال بالنيات». فيقول: إنما الأعمال بالنيات. يقتبس كلامه وكأنه أجاب بما تضمنه الحديث لفظًا ومعنى يقول: إنما الأعمال بالنيات. هذه يسمى اقتباسًا، أو نقل مع تغييرٍ يسير كما فعله الناظم هنا يعني: ينقل اللفظ من القرآن أو من السنة مع تغييرٍ يسير لا يضر أصل المعنى، لا يغير أصل المعنى يعنى يبقى المعنى على أصله، والمراد أصل المعنى يعني ما يُفهم من فحوى الكلام الذي دل عليه الإسناد المسند والمسند إليه لأنه يقال: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ} [الفرقان: 1] هل يأتي مثله (تَبارَكَ المُنْزِلُ للفرقانِ على النَّبِيِّ) أبدًا لا يمكن أليس كذلك؟ تغير المعنى أو لا؟ نقول: فيه تفصيل، إن كان المراد تغير تمام المعنى وبلاغة المعنى لا شك، لأن الثاني الذي هو شطر البيت أنزل من الأول، وإذا كان المراد أنه تغير أصل المعنى ما دل عليه المسند والمسند إليه فالجواب لا. إذًا مع المحافظة على ما دل عليه الكلام في أصل معناه هذا شرط في الاقتباس ثم قد يبقى على لفظه وقد يُغَيَّرُ مع بقاء المعنى الأصلي، وأما تمام المعنى فهذا لا شك من تغيره لماذا؟

لأن القرآن أفصح وأبلغ وما طرق إليه الناظم أو غيره من الوعَّاظ والكتاب والأدباء حينئذ لا بد وأن يكون أنزل لأنه لا يمكن أن يساوي قول المصنف هنا (تَبارَكَ المُنْزِلُ) قول الله جل وعلا: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ} قال: {عَلَى عَبْدِهِ} [الفرقان: 1] أتى بوصف العبودية هنا قال: (على النَّبِيِّ). ووصف العبودية أبلغ في هذا المقام من وصف النبوة، فلذلك نقول: قد يتغير تمام المعنى ويبقى أصل المعنى على أصله وهو من حيث الحكم الشرعي هذا فيه نزاع هل يجوز الاقتباس أو لا؟ جماهير أهل العلم على الجواز لكن بشرط عدم التغيير الكثير وبشرط استعماله فيما يليق من المعاني. إذًا نقول: الجماهير على جواز الاقتباس بشرط عدم التغيير الكثير لأنه أخرجه لو غيره تغيرًا لفظيًّا كثير حينئذ أخرجه على أصله فانتفى الاقتباس، لا لأنه لا يجوز شرعًا وإنما ينتفي الاقتباس فصار كلامًا عاديًّا، وبشرط استعماله فيما يليق من المعاني وحجتهم حديث: «الله أكبر خَرِبَتْ خيبر إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين». هذا اقتباس من القرآن أو لا؟ اقتباس من القرآن، وأما الإمام مالك رحمه الله تعالى فمنعه قلت وأما حكمه في الشرع ... فمالك مشدد في المنع قلت وأما حكمه في الشرع - هذا السيوطي في عقود الجمان – قلت وأما حكمه في الشرع ... فمالك مشدد في المنع ولكن الجماهير على الأول ولذلك ذكر بعضهم أن الاقتباس ثلاث أقسام: مقبول، ومباح، ومردود. والقبول والإباحة هنا المراد بها ماذا؟ القبول من حيث الذوق البياني والبلاغي وإلا الإباحة حكم شرعي والرد قد يكون ردًا من جهة عدم الذوق البياني وقد يكون من جهة حكم الشرعي والمراد هنا الحكم الشرعي. فالأول: وهو المقبول ما كان في الخطب والمواعظ. والثاني: المباح ما كان في الرسائل والقصص. والثالث: الذي هو المردود على قسمين: الأول: ما نسبه الله سبحانه وتعالى إلى نفسه. قال السيوطي رحمه الله تعالى: ونعوذ بالله ممن ينقله إلى نفسه. ما نسبه الله إلى نفسه ونعوذ بالله ممن ينقله إلى نفسه كما حُكِيَ عن أحد بني المروان أنه وقع على مطالعة فيها شكاية عماله فكتب فيها: {إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ} [الغاشية: 25، 26]. هذا لا يجوز، هذا مردود اقتباس باطل لماذا؟ لأن هذا المعنى وهذا اللفظ من اختصاص الرب جل وعلا. يقول لك: لا ينفع أن يقتبس {يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ} [ق: 30]، لا نقول: هذا اقتباس باطل لأنه مما يختص به الرب جل وعلا. الثاني: تضمين آية في معنى هَزَل. يهزل ويسخر فيأتي بآية كما يقوله بعض العامة {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} [الكافرون: 6] نقول: هذا باطل هذا لا يجوز لماذا؟ لكونه ضمن آية في معنى هزل كأنه يقول لك: يعني أنتم لكم إسلام ونحن لنا إسلام خاص يكون هذا التضمين أو الاقتباس هذا باطل. إذًا قول المصنف هنا رحمه الله: (تَبارَكَ المُنْزِلُ للفُرقانِ ** على النَّبِيِّ) هذا توفر فيه شرطا الاقتباس وهو عدم التغير الكثير واستعماله فيما يليق من المعاني لماذا؟

لأنه ساق الآية هنا مع التغير اليسير في معنى ممدوح وهو الثناء على الرب جل وعلا لأنه لَمَّا بدأ بالبسملة - لِمَا سقناه من الأدلة أو الآثار - أراد أن يثني على الرب جل وعلا، والمراد به أن يحصل بما يذكره الثناء فيحصل الحمد حينئذ لأن السنة عندهم على تقسيم الحديث السابقة «كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بـ: بسم الله». في بعض الروايات: «بالحمد لله». حينئذ كان من المستحسن أن يجمع بين البسملة والحمد، والمقصود بالحمد هل المقصود به لفظ الحمد عينه أم بما يدل على الحمد وهو الثناء؟ لا شك أنه الثاني، وخصَّه بعضهم بالأول والصواب الثاني، أن المراد به الثناء حينئذ أراد أن يثني على الرب جل وعلا فأتى بهذا الاقتباس إذًا نقول: هو ممدوح وهو محمود ولذلك ذكره هنا (تَبارَكَ المُنْزِلُ للفُرقانِ ** على النَّبِيِّ). (تَبارَكَ) تفاعل مأخوذ من البركة المستقرة الثابتة الدائمة. قال أبو جعفر الطبري رحمه الله تعالى: وهو كقول القائل تَقَدَّس ربنا. إذًا تبارك بمعنى تقدس وتعالى وتعاظم أي تبارك - هذا كلام الطبري - أي تبارك الذي نزل الفصل بين الحق والباطل فصلاً بعد فصلٍ وسورة بعد سورة، هذا المأخوذ فصلاً بعد فصلٍ وسورة بعد سورة مأخوذ من قوله: {نَزَّلَ}. لأن التنزيل تفعيل من التكثير والتكرار لأن صيغة فَعَّلَ - كما سبق معنى في البناء - أنه يأتي للتكثير حينئذ التكثير يحصل بماذا هنا؟ {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ} [الفرقان: 1] يحصل بماذا؟ يحصل بكونه فصلاً بعد فصلٍ، سورة بعد سورة، آيات بعد آيات، يعني كونه نزل منجمًا وهذا سيأتي. {تَبَارَكَ} عرفنا المراد بتبارك. {الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ} نزل فعل من التكرر والتكثير كقوله: {وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِيَ أَنزَلَ} [النساء: 136] انظر فَرَّق نَزَّل وأنزل ما الفرق بينهما؟ {نَزَّلَ} هذا فيه إشارة إلى كونه نَزَلَ منجمًا مفرقًا و {أَنزَلَ} جملة واحدة، {وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِيَ أَنزَلَ} لأن الكتب المتقدمة كانت تنزيل جملة واحدة والقرآن نزل منجمًا مفرقًا مفصلاً آيات بعد آيات وأحكامًا بعد أحكام وسور بعد سور، وهذا أشد وأبلغ وأشد اعتناءً بما أُنْزِلَ عليه كما قال جل وعلا في أثناء السورة: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً * وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً} [الفرقان: 32، 33]. ولذلك سماه هنا الفرقان سماه فرقانًا لأنه يفرق بين الحق والباطل والهدى والضلال والغيِّ والرشاد والحلال والحرام، {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ} أتى بوصف العبودية لأنه صفة مدح وثناء لماذا؟

لأن العبودية الخاصة أخص الأوصاف ولذلك ذكرت في أعلى المواقف جاء في الإسراء {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ} [الإسراء: 1] وجاء في مقام الدعوة {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً} [الجن: 19] {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ} إذًا بالدعوة يدعوكم، وكذلك جاء في هذا المقام وهو مقام التنزيل والإنزال {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ}. {تَبَارَكَ} عرفنا أن المراد به تعاظم وتعالى، وذكر الطبري رحمه الله قال: {تَبَارَكَ} تفاعل اختلف في معناه فقال الفراء: هو في العربية وتقدس واحد وهو للعظمة. يعني: {تَبَارَكَ} بمعنى تقدس والمراد بهما العظمة. وقال الزَّجَاج: {تَبَارَكَ} تفاعل من البركة. قال: ومعنى البركة الكثرة من كل ذي خير، وقيل: {تَبَارَكَ} تعالى، وقيل تعالى عطاؤه أي: زاد وكثر، وقيل: دام وثبت إنعامه. قال النحاس: وهذا أولاها في اللغة والاشتقاق. يعني: دام وثبت إنعامه، ولذلك ذكر ابن كثير - كما ذكرناه سابقًا - {تَبَارَكَ} أي من البركة، تفاعل من البركة الدائمة المستقرة الثابتة إشارة إلى قول النحاس هناك. قال النحاس: وهذا أولاها في اللغة والاشتقاق لأنه مأخوذ من برك الشيء إذا ثبت. ومنه سميت البركة بركة لماذا؟ لأن الماء يكون كثيرًا مستقرًا بخلاف الماء الجاري وهذا الفرق بينهما الماء الجاري ليس كالبِركة بكسر الباء بِرْكة كلمة صحيحة فعلاً لماذا؟ لاستقرار الماء وكثرته يكون الماء مستقرًا وثابتًا. هنا مأخوذ من بَرَكَ الشيء إذا ثبت ومنه برك الجمل والطير على الماء أي دام وثبت، إذًا نقول: البركة دوام الخير وكثرته. وعليه لا خير أكثر وأدوم من خيره سبحانه وتعالى. ولذلك لهذا السبب لا خير أكثر وأدوم من خيره جل وعلا لا يجوز إطلاقه على غير الباري جل وعلا، لا يقال في حق أحد من الخلق تبارك ولا في حق النبي - صلى الله عليه وسلم -، لأنه يدل على المبالغة والكَثرة في ماذا؟ في حصول البركة وما عداه يجوز لكن يقال مبارك أو فيه بركة {وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ} [مريم: 31] إذًا أُطْلِقَ لفظ مبارك، وكذلك يطلق على الشيب44.55 بأن فيه بركة أليس كذلك؟ «إن من الشجر شجرة بركتها كبركة المسلم» إذًا أثبت النبي - صلى الله عليه وسلم - أن للمسلم بركة حينئذ يقال: فيه بركة. ويقال: مبارَك ومبارِك. أما تَبَارَكَ على صيغة تفاعل الدالة على المبالغة وعلى وصول الشيء إلى منتهاه وغايته نقول: هذا لا يجوز في غير الرب جل وعلا. ولذلك قال بعضهم: لا يصح أن يجيء منه مضارعٌ ولا أمر تَبارَكَ هل له أمر؟ ليس له أمر، هل له مضارع؟ ليس له مضارع. (تَبارَكَ المُنْزِلُ للفُرقانِ). (تَبارَكَ المُنْزِلُ) إذًا عرفنا أن تَبارَكَ مراد به تعاظم وتعالى جل وعلا والتعاظم هنا لكثرة الخير ودوامه وذلك يكون في ذاته وصفاته وأفعاله على أَتَمِّ وجهٍ وأبلغه كما يُشعر بذلك اشتقاقه على صيغة تفاعل المسند إليه جل وعلا.

(تَبارَكَ) هذا فعلٌ ماض، (الْمُنْزِلُ) هذا اسم فاعل من أَنْزَلَ، أَنْزَلَ فعلٌ ماض يُنْزِلُ هذا فعلٌ مضارع صار رباعيًا، حينئذٍ لا يأتي اسم الفاعل على زنة فاعل، لم يأت على زنة الثلاثي، فضارب هذا من ضَرَبَ، قَاتِل هذا مِنْ قَتَلَ، وأما من أَنْزَلَ وأَكْرَمَ وأَخْرَجَ فيقال: مُخْرِج ومُكْرِم ومُنْزِل، فحينئذٍ نقول: الْمُنْزِلُ هذا اسم فاعل لأَنْزَلَ ولو كان على ما اقتضه الآية {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ} الْمُنَزِّلُ صار الْمُنَزِّلُ لأنه من فَعَّلَ يُفَعِّلُ فهو مُفَعِّلُ، خَرَجَ يُخَرِّجُ فهو مُخَرِّجٌ، أليس كذلك على وزن مُفَعِّل، هذا إذا كان من المضارع وأما إذا كان من المخفف يعني العين أَنْزَلَ حينئذٍ يكون على زنة الْمُنْزِل (تَبارَكَ المُنْزِلُ للفُرقانِ) - وسيأتي معنى كيفية إنزال القرآن - (المُنْزِلُ للفُرقانِ) المراد من الفرقان هنا القرآن، فالقرآن والفرقان اسمان من مُسَمّى واحد، من أسماء القرآن الفرقان بدليل هذه الآية التي معنا {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ} أراد به القرآن. إذًا القرآن والفرقان اسمان بِمُسَمًّى واحد، وسمي القرآن فرقانًا لماذا؟ لأنه يُفْرَقُ به بين الحق والباطل أي: مَيَّزَ بينهما أو يميز بينهما وكذلك بين الحلال والحرام والهدى والضلال والغي والرشاد، إنما يكون الفصل بماذا؟ بالقرآن. (الْمُنْزِلُ للفُرقانِ) اللام هذه نقول: زائدة للتوكيد لماذا؟ لأن (الْمُنْزِلُ) هذا اسم الفاعل واسم الفاعل يعمل عمل فعله إذا حلي بال مطلقًا وَإِنْ يكُنْ صِلَةَ أَلْ فَفِي الْمُضِي ... وَغَيْرِهِ إِعْمَالُهُ قَدِ ارْتُضِى حينئذٍ أَنْزَلَ وَنَزَّلَ فقل يتعدَّى بنفسه أو لا، ينصب مفعولاً به أو لا؟ ينصب مفعولاً به والأصل (تَبارَكَ الْمُنْزِلُ الفُرقانَ) بالنصب، حينئذٍ نقول: الفرقان الذي هنا في هذا الترتيب مفعولٌ به منصوب وعلامة نصبه فتحة مقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرفٍ جر الزائد لماذا؟ لأن اللام هذه زائدة، وزيادتها في هذا الموضع قياسية لأن زيادة حرف الجر واللام على جهة الخصوص قد تكون سماعية وقد تكون قياسية إذا كان العامل اسمًا فرعًا عن الفعل حينئذٍ صارت الزيادة قياسية كما في قوله: {مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ} [البقرة: 97]. {مُصَدِّقاً لِّمَا}. صَدَّقَ كذا يتعدى بنفسه لِمَ قال: {مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ}. لأن مصدق هذا اسم والأصل في الاسم عدم العمل، فحينئذٍ لَمِّا صار العامل اسمًا ضَعُفَ فإذا ضَعُفَ يحتاج إلى تقوية، فتُسَمَّى هذه اللام وهي زائدة لتقوية العام {فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ} [البروج: 16] فَعَّالٌ مَا، هذا مفعولٌ به منصوب لِمَ زيدت اللام؟ لكون فعال هذا من أمثلة المبالغة وهو اسمٌ والأصل فيه عدم العمل، فحينئذٍ لما ضَعُفَ العامل بكونه اسمًا عُدِّيَ بلامٍ تقويه عملاً. وأما إذا تقدم وهو فعلٌ فكذلك تكون اللام قياسية {إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ} [يوسف: 43] تعبرون الرؤيا هذا الأصل، فزيادة اللام لِمَ؟

لَمَّا تقدم المعمول على عامله والأصل تأخيره ضَعُفَ، فإذا ضَعُفَ احتاج إلى تقوية وإلا الأصل إن كنتم الرؤيا تعبرون فحينئذٍ الأصل تعبرون الرؤيا، فلما قُدِّمَ الرؤيا تعبرون ضَعُفَ العامل لأنه عمل أو لأن عمله فيما بعده ليس كعمله فيما قبله، ففرق بين أن يقال: (إن كنتم تعبرون الرؤيا)، (إن كنتم الرؤيا تعبرون) فرقٌ بينهما تعبرون الرؤيا عمل على وضعه وترتيبه اللغوي والعقلي لماذا؟ لأن شأن العامل أن يكون متقدمًا على المعمول لغةً وعقلاً وطبعًا، فإذا قُدِّمَ المعمول حينئذٍ يعمل فيما قبله وهذا خلافٌ الأصل، فلما تقدم معموله عليه - وهو خلاف الأصل - ضَعُفَ العامل على أن يعمل فيه فاحتاج إلى ماذا؟ إلى تقوية. إذًا {إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا} [يوسف: 43] اللام حرف جر زائد تقوية أو صلة أو تأكيد، والرؤيا مفعولٌ به ولو دخلت عليه اللام، وتعبرون فعل وفاعل. {لِّلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ} [الأعراف: 154] يرهبون ربهم - هذا الأصل -للذين هم ربَّهم يرهبون هذا الأصل لكن لَمَّا ضَعُفَ العامل عن إدراك ما قبله كما هو عمله فيما بعده على الأصل عُدِّيَ بماذا؟ بلام التقوية وهي زائدة لكنها قياسية. هذان النوعان قياسيان متى؟ إذا كان العامل اسمًا فحينئذٍ لو تأخر المعمول حَسُنَ تقويته بماذا باللام، مثل قوله تعالى: {مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ} [البقرة: 97]. ونحن الآن في علوم القرآن {مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ}، {فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ} [البروج: 16]، {مُصَدِّقاً لِّمَا} تقول: اللام حرف جر زائد صلة تأكيد، وما هذا مفعولٌ به، {فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ} [البروج: 16] ما، نقول: هذا مفعولٌ به واللام هنا حرف جر زائد صلة توكيد يعني جاء به للتقوية فقط، كذلك إذا كان العامل فعلاً وتقدم معموله عليه كما في قوله تعالى: {إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ} [يوسف: 43]، {لِّلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ} [الأعراف: 154] هذا قياس. وأما السَّماعي فهو إذا كان الفعل هو العامل والمعمول متأخر حينئذٍ يكون زيادةٌ اللام سماعية لا قياسية، يعني تُحْفَظُ ولا يقاس عليها. ضربت لزيدٍ هذا سماعي لا قياسي، ضربت لزيدٍ ضَرَبْتُ فعل وفاعل واللام حرف جر زائد صلة توكيد تقوية، زيدٍ وهذا مفعولٌ به لكن هل يحسن زيادة اللام في هذا التركيب؟ الجواب: لا. لماذا؟ لكون العامل فعل لانتفاء النوعين السابقين لكون العامل فعلاً لا اسمًا، وهو الأصل في العمل لكون المعمول متأخرًا، إذا كان العامل على أصله قويٌ فلم يَضْعُفْ لكونه اسمًا، ولم يضعف عن إدراك معموله لكونه متقدمًا، فجاء على الأصل فحينئذٍ زيادة اللام تكون شاذة يُحْفَظُ ولا يقاس عليه، ويعبر عنها بأنها سماعية. (الْمُنْزِلُ للفُرقانِ) قياسية أو سماعية؟

قياسية لكون المنزل هنا اسم فاعل وهو أدنى من الفعل فحينئذٍ يحتاج إلى تقوية فقوي بهذه اللام. (تَبارَكَ الْمُنْزِلُ) المُنْزِلُ هذا فاعل (للفُرقانِ) أي: للقرآن. فالقرآن والفرقان كما ذكرنا اسمان لِمُسَمًّى واحد، وذكر في الفرقان، الفرقان هذا مصدر فَرَقَ بينهما فَرْقًا وَفُرْقَانًا لأنه من باب نَصَرَ وضَرَبَ، فإذا قيل من باب نصر وضرب فماذا المراد به؟ إذا قيل من باب نصر وضرب هذا يكون في القاموس مصدره ماذا؟ فَعَلَ يَفْعُلُ فيكون فَرَقَ يَفْرُقُ فَرقًا، نَصَرَ يَنْصُرُ نَصْرًا أو فَرَقَ يَفْرِقُ كَضَرَبَ يَضْرِبُ فَرقًا هكذا نعم. إذا قيل من باب نصر فحينئذٍ يكون على زنته وهو الباب الأول من أبواب الستة (وستةٌ منها للثلاثي المجرد) الباب الأول فَعَلَ يَفْعُلُ ولم يذكر فَعْل، لأنه يرى أنها سماعية موزونه نَصَرَ يَنْصُرُ نَصْرًا وعلامته أن تكون عين ماضيه مفتوحًا في الماضي، وفي المضارع مضمومة هذا الباب الأول هنا قال فَرَقَ بينهما فَرْقًا وَفُرْقَانًا بالضم فصل من باب نَصَرَ وضَرَبَ، إذًا الْمصدر متحد ولو اختلف المضارع لأن نَصَرَ وضرب كلاهما بفتح العين في الماضي فيقال: سَرَقَ ولا إشكال، وإنما النظر يكون باعتبار المضارع لأن فَرَقَ يَفْرُقُ من باب نَصَرَ يَنْصُرُ، وسَرَقَ يَسْرِقُ بكسر العين أي الراء يكون من باب ضَرَبَ يَضْرِبُ والمصدر فيهما فَعْلٌ. قياس مصدر الْمُعَدَّى من ذي ثلاثة كَرَدّ رَدًّا. فَعْلٌ قِياسُ مَصْدَرٍ الْمُعَدَّى ... مِنْ ذِي ثَلاثَة كَرَدّ رَدًّا َفَعَلَ وفَعِلَ متعدي - ذكرناهم الأسبوع الماضي - أنه يأتي مصدره على فَعْلٍ بفتح الْفَاءِ وإسكان العين، إذًا اتحدا فَرَقَ في الماضي واتحدا في المصدر وافترقا في ماذا؟ في المضارع وجاء المصدر فُرْقَانًا على وَزْنِ فُعلان لكنه سماعي. إذًا فَرَقَ له مصدران مصدرٌ قياسي ومصدرٌ سماعي، فَرْقًا هذا مصدرٌ قياسي، وفُرْقَان هذا مصدرٌ سماعي، فَرَقَ بينهما فَرْقًا وفرقانًا هكذا قال في القاموس بالضم فصل من باب نَصَرَ وضَرَبَ {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} [الدخان: 4] قال: يُقضى، {وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ} [الإسراء: 106] أي: فصَّلناه وأحكمناه، {وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ} [البقرة:50] فَلَقْنَاهُ، {فَالْفَارِقَاتِ فَرْقاً} [المرسلات: 4]، أي: الملائكة تنزل بالفرق بين الحق والباطل، ثم قال: والفرقان بالضم القرآن، وكل ما فُرِّقَ به بين الحق والباطل وكذلك يُطْلَقُ الفرقان على التوراة والْفِرَاق البحري ومنه {آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ} [البقرة: 53] هل هو قرآن؟ لا انفراق البحر، أو أنه التوراة، وقيل الكتاب شيءٌ آخر، وقيل الكتاب هو التوراة والفرقان شيءٌ آخر، والله أعلم. للفُرقانِ إذًا للقرآن (الْمُنْزِلُ للفُرقانِ) أي: للقرآن. (على النَّبِيِّ) هذا جار مجرور متعلق بقوله الْمُنْزِلُ وهناك قال في الآية {عَلَى عَبْدِهِ} [الفرقان: 1] وهو أبلغ لأنه صفة مدحٍ وثناء وما اختص به النبي - صلى الله عليه وسلم - من جهة ترتيب الحكم الشرعي من عند الله جل وعلا أولى وأبلغ وأحكم مما رتبه عليه الخلق.

(على النَّبِيِّ) نقول: جار مجرور متعلق بقوله: (الْمُنْزِلُ). والنبي هذا يحتمل أنه مأخوذٌ من النبأ ويحتمل أنه مأخوذ من النبوة، وعليه إذا كان من النبأ فيكون مهموزًا يكون نبيءٌ على وزن فعيل، فقلبت الهمزة ياء تخفيفًا ثم أدغمت الياء في الياء، النبيّ ولذلك الأفصح أن يقرأ بدون همز لكنه قرأ بالهمس نبيء بالهمس وزنه فعيل، نقول كيف نبيٌ وهو مأخوذٌ من النبأ؟ لأن نبيءٌ فعيلٌ بتخفيف الياء ثم همزة وهي لام الكلمة نبيءٌ فعيلٌ فنقول: قُلبت الهمزة ياءً نبيي ثم أدغمت الياء الأولى في الياء الثانية فصير نبيّ، وإذا كان من النبوة أصل نبيهٌ من النبوة حينئذٍ لا بد من أن تكون اللام واوًا فكيف صارت نبي واللام واو؟ نقول: اجتمعت الواو والياء أصله نبيهٌ فعيلٌ اجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالسكون فقلبت الواو ياءً ثم أدغمت الياء في الياء فصار نبيَّ، وعلى كلٍ من القولين - لأنه يجوز هذا وذاك يجوز أن يكون من النبأ ويجوز أن يكون من النَّبْوَة - وعلى كلٍ إما أن يكون فعيل بمعنى فاعل أو بمعنى مفعول وكلٌ حق وعليه يقاس، إذا كان النبي مأخوذٌ من النبأ وهذا فعيل بمعنى فاعل حينئذٍ يكون المعنى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مُخْبِرٌ لأنه اسم فاعل مُخْبِرٌ غيره يعني الخلق بماذا؟ بحكم عز وجل أو بالوحي، وإذا كان بمعنى اسم المفعول فهو مُخْبَرٌ عن الله جل وعلا بواسطة جبريل عليه السلام، إذًا هو مُخْبِر وهو مُخْبَر، اجتمع فيه الوصفان أو لا؟ اجتمع فيه الوصفان هو مُخْبَرٌ عن الله عز وجل بتنزيل الوحي بواسطة جبريل عليه السلام، وهو مُخْبِرٌ غيره بالوحي. إذًا اجتمع فيه الوصفان ونيي من النبوة وهي الرفعة والارتفاع كذلك يكون بمعنى اسم الفاعل ويكون بمعنى اسم مفعول، وعليه يكون بمعنى اسم فاعل هو رافعٌ رتبة من اتبعه وهذا حقٌ أو لا؟ حق يكون كافر ضالٌ مضل ثم يتبع النبي - صلى الله عليه وسلم - ارتفع أو لا؟ ارتفع بالإيمان. إذًا هو رافع غيره بإتباعه عليه الصلاة والسلام، وهو مرفوع الرتبة لم يكن نبيًا ثم أُوحِيَ إليه فارتفع أو لا؟ ارتفع. إذًا المعاني كلها حق، إذًا يصح أن يكون مشتقًا من النبأ ويصح أن يكون مشتقًا من النَّبْوَة، وأما في الاصطلاح فالمشهور عند كثير من المتأخرين بأن النبي إنسانٌ ذكر حرٌ أُوحي إليه بشرع أو أوحى الله إليه بشرعٍ سواءٌ أُمِرَ بتبليغه أو لا. إنسان إذًا غير الإنسان لا يكون نبيًا {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ} [النحل: 68] هل النحل يكون نبيًا؟ لا، لأنه ليس بإنسان لا بد أن نأخذ بهذا القيد إنسان، إنسانٌ ذكر إذًا لو ثبت {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى} [القصص: 7] ثبت الوحي أو لا؟ ثبت الوحي لكنها ليست نبية، كذلك القول بأن مريم نبية - كما قال ابن حزم

- مرجوح حينئذٍ نقول: إنسانٌ. خرج غير إنسان فلا يكون نبيًا، وذكرٌ خرج الأنثى وهذا قول الجماهير، حرٌ خرج به العبد لأنه أدنى منزلةً من الْحُرِّ فلا يكون نبيًّا، أُوحِيَ إليه بشرع خرج ما لو أوحي إليه بغير شرع كما في قوله: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ} [القصص: 7]. ليس بشرع ولو كان وحيًا بمعنى الوحي المعروف سواءٌ أمر بتبليغه أو لا؟ إذًا هنا أُطلق ماذا؟ الأمر بالتبليغ يعني لم يُعَيَّن لِماذا؟ لأنه لو قُيِّدَ بالأمر بالتبليغ لصار رسولاً على قول كثيرٍ من المتأخرين، ولذلك يجعلون العلاقة بين النبي والرسول العموم والخصوص المطلق، فكل رسولٍ نبي ولا عكس، وهذا هو المشهور وإن كان حقيقة الكلام في مسألة حقيقة النبي وحقيقة الرسول هذه مسألة اجتهادية لم يثبُت في الفرق بينهما نص، ولذلك اختلف عبارات أهل العلم، شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يرى أن النبي من جاء بشريعةٍ مكملة لشريعة من قبله والرسول من جاء بشريعة مستقلة، وبعضهم يرى أن النبي من جاء بشريعة إلى قومٍ موافقين والرسول من جاء بشريعةٍ إلى قومٍ مخالفين وكل من هذه الأقوال الثلاثة يحتاج إلى دليل شرعي وإلا المسألة مسألة اجتهادية لأن كلاً من الرسول والنبي لا شك أنه مرسل، هكذا كل نبي ورسول لا شك أنه مرسل بمعنى أنه مأمور بالتبليغ وبعضهم يزيد على مسألة أو ما اشتهر من المتأخرين ولم يُؤمر بتبليغه أو عُمِّمَ سواء أمر بتبليغه أو لا يقول الفرق بين الرسول والنبي أن الرسول أُمِرَ بالتبليغ بمعنى أنه يُقاتل على دعوته، والنبي أمر بالتبليغ إذا قيل النبي لم يؤمر بالتبليغ بمعنى أنه لا يكلم أحد يوحى إليه ويجلس في بيته يتعبد ما الفائدة من الوحي إليه؟ لا فائدة، حينئذٍ قالوا: النبي هو من لم يُؤمر بالتبليغ بمعنى أنه لم يأمر بالقتال على دعوته وإن كان مأمورًا بالتبليغ بمعنى بيان الحق للناس، لكن كل هذه الأقوال تحتاج في الترجيح إلى دليل واضح بين والأشهر عند المتأخرين هو ما ذكرته أن العلاقة بينهما العموم والخصوص المطلق.

(على النَّبِيِّ عَطِرِ الأَرْدانِ) (عَطِرِ الأَرْدانِ) فاعل هذا اسم فاعل من عَطِرِ كفرح يقال: عَطُرت المرأةُ إذا تطيبت، وعطر أيضًا ككتف، يقال رجلٌ عطر وامرأةٌ عاطرة ومعاطرة ومتعطرة وكلاهما معطير ومعطار إذا استخدم ماذا العطر الذي هو الطيب يتعهدان أنفسهما بالطيب. (عَطِرِ الأَرْدانِ) الأَرْدانِ هذه جمع رُدُن فُعُل بضمٍ فسكون، أصل الكم كما في الصحاح يقال قميص واسع الرُّدِنِ يعني واسع ماذا؟ واسع الكم جمعه أَرْدَان، وأَرْدَان القميص وَرَدَّنَهُ وجعل له رُدْنًا المشهور في شرح هذا البيت عند الشراح أن المراد بـ: (عَطِرِ الأَرْدانِ) أي: طيب الأصول لأن (عَطِرِ) بمعنى الطيب و (الأَرْدانِ) هذا المراد به أصل الْكُمِّ فحينئذٍ حصل فيه مجاز بمرتبتين لأن الرُّدُن - كما ذكرناها - أصل الْكُمِّ والمراد به أصل النسب مجازًا نقل إلى مطلق الأصل ثم إلى أصل النسب (الأَرْدانِ) جمع رُدُن، رُدُن المراد به أصل الكُمِّ، أصل الْكُمِّ الكُمّ هذا الذي يكون طرف الثوب أصل الكُمّ نقل إلى أصل النسب يعني مطلقًا ثم إلى الأصل مطلق الأصل نقل إلى مطلق الأصل ثم من مطلق الأصل إلى أصل النسب حينئذٍ يكون المراد بـ: (على النَّبِيِّ عَطِرِ الأَرْدانِ) أي: طيب الأصول. (مُحَمَّدٍ) محمدٍ هذا بالجر بدل أو عطف بيان لقوله: (على النَّبِيِّ) ويجوز الرفع على لأنه خبرٌ مبتدئٍ محذوف أي: هو محمد وإن كان الأصل في جهة اللسان ما هو؟ البدل أو عطف ويجوز الفصل والقطع، فيقال: محمدٌ بالضم على أنه خبرٌ مبتدأٍ محذوف أي: هو محمد حينئذٍ يكون جملةً مستأنفة والأول يجعل الكلام واحدًا لأن البدل جزءٌ أو عين المبدل منه، والعطف بيان كذلك يجب أن يكون جملةً واحدة وإذا قطع صار جملتين. (مُحَمَّدٍ) على أشرف أسمائه - صلى الله عليه وسلم - اسم مفعول من حُمِّدَ فهو مُحَمَّدٌ وشق له من اسمه ليجله ... فذو العرش محمودٌ وهذا محمد هكذا قال حسان، فهو محمدٌ إذا كان كثير الخصال التي يُحمد عليها من الْمُضَعَّف حُمِّدَ للمبالغة فهو الذي يُحْمَدُ أكثر مما يُحْمَدُ غيره من البشر، محمد فهو الذي يحمد أكثر مما يحمد عليه البشر لماذا؟ لكثرة خصاله الحميدة، وقيل لكونه أكثر الناس حَمْدًا للرب جل وعلا لكونه أكثر الخلق حمدًا لله جل وعلا. (مُحَمَّدٍ عليهِ صَلَّى اللهُ معَ سَلامٍ). (مُحَمَّدٍ) هذا عطف بيان أو بدل قلنا من النبي ثم قال: (عليهِ صَلَّى اللهُ معَ سَلامٍ) يعني: بعد أن أثنى على الرب جل وعلا وهو الخالق سبحانه لقوله: تبارك تعاظم وتعالى الْمُنْزِل للفرقان على النبي شرع في الثناء على أفضل الخلق وهو النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. وأفضل الخلق على الإطلاق ... نبينا فَمِلْ عن الشقاق

يعني أتى بعد الثناء على الله تعالى بما هو أهله عقبه بالصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - إظهارًا لعظمة قدره وأداءً لبعض حقوقه الواجبة إذ هو الواسطة بين الله جل وعلا وبين عباده بمعنى أنه مُبَلِّغٌ للشرع لأنه يصح أن يقال الأنبياء والرسل وسائط بين الرب جل وعلا لا لكون العبادة تُصْرفُ إليهم، لا، وإنما لكونهم مبلغين لأنه لا تعرف العبادة ولا يُعرف الوحي إلا عن طريق الأنبياء والرسل حينئذٍ صاروا وسائط كما أن الصحابة وسائط في معرفة الشرع هم نقول: حملة الشرع وهم وسائط بين النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن بعدهم. كذلك الأنبياء وسائط بين الخلق وبين الخالق جل وعلا لا لكونهم وسائط تصرف إليهم العبادة فيوصلون إلى الله عز وجل كما يظن أهل الشرك، لا. وإنما المراد أنه وسائط في تبليغ العلم والشرع بمعنى أن الرب جل وعلا اصطفى من الخلق من يُوحي إليهم ثم بواسطتهم يصل العلم الشرعي إلى جميع الناس، وجميعٌ النعم الواصلة إليهم التي من أعظمها الهداية للدين القويم إنما هي به وعلى يديه عليه الصلاة والسلام وامتثلاً لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب: 56]. (عليهِ صَلَّى اللهُ معَ سَلامٍ) إذًا جمع بين الصلاة والتسليم امتثالاً للآية المذكورة {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب: 56]. فحينئذٍ يكون الجمع بينهما هو الأكمل في الامتثال واشتهر عند كثير من المتأخرين أنه يكره إفراد الصلاة عن السلام والسلام عن الصلاة بحجة ماذا؟

أن الرب جل وعلا جمع بينهما، فحينئذٍ نقول الجمع بينهما كالجمع بين قوله تعالى: {وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ} [البقرة: 43] ولذلك المراد عند الأصوليين أن دلالة الاقتران لا تفيد حكمًا يعني دلالة الاقتران ضعيفة في إفادة الأحكام ولذلك رُدَّ على من قال بوجوب العمرة استدلالاً بقوله تعالى: {وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ} [البقرة: 196]. جمع بينهما قال: الحج واجب. إذًا العمرة ماذا؟ واجبة، لأنه قرنها مع الحج نقول: هذه دلالةٌ ضعيفة، ثم الآية ليست في الحج وإنما هي في وجوب الإتمام ووجوب الإتمام ليس كإنشاء العبادة من أصلها حينئذ نقول: الدلالة ضعيفة وعليه الاستدلال بهذه الآية في كراهة إفراد السلام عن الصلاة أو الصلاة عن السلام ضعيفة فنحتاج إلى دليل يأتي بالنهي بخصوصه، وإنما يقال: فيه الخلاف الأولى على ما ذكرناه سابقًا في التفرقة بين كراهة وخلاف الأولى. ولذلك قال ابن الجوزي رحمه الله: وأما الجمع بين الصلاة والسلام فهو الأولى والأكمل والأفضل لقوله تعالى: {صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب: 56]. - وهذا لا نزاع أنه أفضل وأكمل لا نزاع فيه - ولو اقتصر على أحدهما جاز من غير كراهة فقد دار عليه جمع منهم مسلم رحمه الله في صحيحه خلافًا للشافعية لأن أكثر من شيع القول بالكراهة هم الشافعية، والنووي رحمه الله له نصيب أوفر حتى إن الشافعي رحمه الله تعالى اقتصر على الصلاة دون التسليم في خطبة الرسالة وهو من السلف بل من أئمة السلف اقتصر على الصلاة دون التسليم في خطبة الرسالة ويُنسب إلى مذهب الشافعي الكراهة بإفراد أحدهما عن الآخر، نعم امتثالاً للآية أفضل وأسلم لكن القول بالكراهة لا دليل عليه، ولذلك نقول: جمع هنا بين الصلاة والسلام لا لكونه إذا أفرد أحدهما وقع في الكراهة وإنما لكمال الانتساب. (مُحَمَّدٍ عليهِ صَلَّى اللهُ ** معَ سَلامٍ) صلى الله عليه جار ومجرور متعلق بقوله: صلى، والصلاة كما هو مشهور عند المتأخرين على ما قاله الأزهري: صلاة من الله الرحمة، ومن الملائكة الاستغفار، ومن الآدميين التضرع والدعاء. وهذا عليه إشكال يرد عليه إشكالات لأن تعين الصلاة بأنها من الله الرحمة هذا ورد التغاير بين الرحمة والصلاة لقوله تعالى: {عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ} [البقرة: 157]. والقاعدة: أن العطف يقتضي التغاير. حينئذ لما عطفت الرحمة على الصلوات علمنا أن الرحمة مغايرة للصلاة وقد لا تكون المغايرة من كل وجه وإنما قد تكون من بعض الوجوه دون بعض، وكذلك يجوز سؤال الرحمة لكل مسلم بالإجماع اللهم ارحم زيدًا سواء كان حيًّا أو ميتًا جائز أو لا؟ جائز بالإجماع لا خلاف، إذًا مشروعية سؤال الرحمة لكل مسلم جائزة بالإجماع والصلاة جائز أو لا؟

فيها خلاف، والأشهر أنها ممنوعة على جهة الاستقلال يعني: لا يجوز أن تقول: زيد - صلى الله عليه وسلم -. إذا كان ماذا؟ إذا صار شعارًا وأمرًا مرتبطًا بذكره، أما إذا كان على جهة دون ملازمة هذا الوصف فحينئذ لا إشكال فيه أما على جهة الاستقرار كل ما ذكرت الإمام أحمد تقول: - صلى الله عليه وسلم -. نقول: هذا خلاف الأصل والأصل أن الصلاة تكون مختصة بالأنبياء والرسول ومن عداهم حينئذ نقول: وقع الخلاف. إذًا الصلاة مختصة والرحمة عامة إذًا الفرق بين الرحمة والصلاة، كذلك تفسير الصلاة بمعنى الدعاء هذا فيه إشكال أيضًا وهو أن الدعاء يكون بخير والشر دعوت لزيد ودعوت عليه بخير وبشر والصلاة لا تكون إلا بخير، إذًا فرق بينهما فكيف تفسر الصلاة بماذا؟ بالدعاء. كذلك الدُّعاء يتعدَّى باللام ويتعدَّى بعلى يعني من جهة الصناعة الصناعة النحوية اللغوية تقول: دعوت لزيد ودعوت على زيد. والصلاة لا تتعدَّى إلا بعلى وهل الصلاة المعدَّاة بعلى هي عينها الدعاء المعدَّى بعلى؟ الجواب لا. لماذا؟ لأن دعوتَ عليه هذا بشرّ، وصلَّيتَ عليه هذا بالخير، حينئذ كيف يفسر دعا المعدَّى بعلى تفسر به الصلاة التي لا تتعدَّى إلا بعلى هذا وجه ثانٍ. وجه ثالث: ذكره ابن القيم رحمه الله تعالى: أن الدعاء يقتضي مَدْعُوًّا ومَدْعُوًّا له دعوت الله لزيد مَدْعُوًّا هو الله وله هو زيد والصلاة لا تقتضي إلا مدعوًا فقط اللهم صلِّ على محمد نقول: هذه لا تقتضي مَدْعُوًّا ومَدْعُوًّا له كما هو الشأن في الدعاء حينئذ لا يمكن تفسير الصلاة بالدعاء كما أنه لا يمكن تفسير الصلاة بالرحمة كما أنه لا يمكن تفسير الصلاة بمعنى الاستغفار لأن الصلاة والاستغفار متباينان هذا أمر مدرك من جهة الشرع، ولذلك عدل كثير من المحققين إلى تفسير الصلاة بما ذكره أبو العالية أو ذكره البخاري في صحيحه معلقًا عن أبي العالية أن الصلاة من الله ثناؤه على عبده في الملأ الأعلى. وكذلك الصلاة من الملائكة ثناؤهم عليه كذلك بأنه يزيده الرب جل وعلا تشريفًا وتكريمًا ورفعة .. إلى آخره وصلاة الآدميين كذلك سؤال الرب جل وعلا أن يُثْنِيَ عليه وأن يزيده تشريفًا وتكريمًا ورفعة .. إلى آخره حينئذ اجتمع المعاني الثلاث صلاة الرب جل وعلا، وصلاة الملائكة، وصلاة الآدميين في الثناء أو في سؤال الثناء وهذا أولى ما تفسر به الصلاة. (صَلَّى اللهُ ** معَ سَلامٍ) هنا جمع بين الصلاة والسلام، والسَّلام هذا اسم مصدر لسَلَّم لأن سلَّم المصدر منه التسليم وسلام هنا اسم مصدر، إذًا ثناء من إما أنه مشتق من السلام وهو اسم الرب جل وعلا وإما أنه مأخوذ من السلامة من النقائص والرذائل، وإما أنه من السلامة يعني الأمان ضد الخوف، يعني الأمان على النبي - صلى الله عليه وسلم - في الدنيا والآخرة والأمان على أمته. (دائمًا يَغْشَاهُ) يغشاه دائمًا هذا متعلق بقوله: (يَغْشَاهُ). ومع هذا متعلق بقوله: (صَلَّى) صلى مع سلام وهو ظرف يدل على المصاحبة حينئذ صاحب بين الصلاة أو طلب الصلاة مع سلام.

(دائمًا يَغْشَاهُ) يغشاه الجملة صفة لسلام يغشاه بأن يغشى النبي - صلى الله عليه وسلم - والجملة في محل جار صفة لسلام، (دائمًا) هذا متعلق به والمراد به الدلالة على ديمومة السلام مع الصلاة وهذا يدل على ماذا؟ يدل على أن السلام آكد من الصلاة ولذلك لما أفرد فليذكر السلام دون الصلاة لماذا؟ لأنه مؤكد في الآية بالتأكيد {صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب: 56] تسليمًا هذا مفعول مطلق مؤكد لعامله إذًا أكد السلام ولم يؤكد الصلاة فدل على ماذا؟ على أن السلام آكد من الصلاة لذلك قال: (معَ سَلامٍ دائمًا يَغْشَاهُ). يغشاه الجملة صفة لسلام يعني: يعمه ويفسره دائمًا هذا سؤال للديمومة وعدم الانقطاع. (وآلِهِ وصَحْبِهِ). وآلِهِ هذا عطف على الضمير - أحسنت عليه على الضمير - صلى الله عليه وآله هذا يدل على ماذا؟ هذا فيه خلاف هل يجوز أو لا؟ هل يجوز العطف على الضمير المجرور أو لا؟ قالوا: يجوز مع إعادة الخافض، عليه وعلى آله يجوز {وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ} قالوا: وهذا جائز. وأما دون إعادة الخافض قالوا: هذا لا يجوز وما ورد من ذلك يكون شاذ لذلك حكموا على قوله تعالى: (الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامِ). بالخفض قالوا: هذا شاذ هذا باطل لماذا؟ لكونه عطف على الضمير دون إعادة الخافض والأكثر - وهو الصحيح أنه أكثر -في لغة العرب لما قال: (بِهِ وَبالأَرْحَامِ) ما دام أنه جُرّ لفظ الأرحام حينئذ يتعين إعادة الخافض الذي خفض به الضمير (الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامِ) بالخفض قالوا: هذا شاذ لأنه لم يُعَدِّه الخافض الذي عُطف عليه الأرحام وهو الضمير. والصواب أنه يجوز بدليل هذه الآية لأنها قراءة ثابتة صحيحة بل متواترة (وَالأَرْحَامِ) إذًا نقول: يجوز وعليه كلام الناظم هنا ليس فيه خلاف. (وآلِهِ) عطف على قوله: (عليهِ). على الضمير دون إعادة الخافض وهو لفظ آله نقول: هذا جائز وهذا صحيح وإن كان الأكثر في استعمال لغة العرب في إعادة الخافض. (وآلِهِ) هذا آل اسم جمع لا واحد له من لفظه وأضيف إلى الضمير والصواب أنه يجوز إضافته إلى الضمير، يعني بعد أن صلى على النبي - صلى الله عليه وسلم - عطف عليه الآل في طلب الصلاة والثناء عليهم وهذا امتثالاً لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «قولوا: اللهم صلِّ على محمد وعلى وآل محمد». إذًا الصلاة على الآل نقول: مأمور بها من جهة الشرع فلا إشكال دليلها ثابت، وآله ما المراد بآل نقول: الأصح أن المراد به في مثل هذا المقام أتباعه على دينه لماذا؟ لأنه في مقام الدعاء فالأولى التعميم ولا شك أن الآل يطلق على الأتباع قال تعالى: {أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [غافر: 46]. {أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ} من؟ أقاربه أم أتباعه على دينه؟ أتباعه ولا شك {أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ} فدل على أن المراد به الأتباع فحينئذ في مثل هذا المقام يفسر الآل بالأتباع وقيل غير ذلك لكن الأولى هذا.

(وآلِهِ وصَحْبِهِ) وآله قيل: أصل آل أَوَل كَزَمَن حركت الواو بفتح ما قبلها فقلبت ألفًا وهذا رجحه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى وقال: مقال إلا آل أصله أهل فقلبت الهاء همزة فقولٌ ضعيف؛ لأن الهمزة تقبل هاء كما أن الهاء تقلب همزة أريق هريق قلبت الهمزة هاء كذلك الهاء تقلب همزة بدليل ماذا؟ قالوا: آل مصغر على أويل وأهيل. يصغر على أويل وأهيل ولذلك الأكثر جواز أن يكون أصل آل أهل أو أول يعني: يجوز فيه الوجهان ولذلك رجحه الأشموني في شرح الألفية على ذلك أنه يحتمل أن يكون آل أصله أول كزمن تحركت الواو وانفتح ما قبلها وقلبت ألفًا فصار آل، ويحتمل أنه منقلب على الهاء أصله أهل بدليل تصغيره على أُهَيْل هو سُمِعَ أُهَيْل فجوز الأكثر الوجهين. (وصَحْبِهِ) هذا معطوف على آله أو معطوف على الأول لأن العطف بالواو دائمًا يقتضي أن يكون المعطوف على الأول هذا هو الأفصح، (وصَحْبِهِ) إذًا ثلث بطلب الصلاة أو السؤال من الرب جل وعلا أن يصلِّي مع السلام على الصحب ودليله الصحب أنهم حملة الشريعة كما أن الأنبياء وسائط بين الخالق والمخلوق في تبليغ الوحي كذلك الصحابة وسائط بين النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن بعده في تبليغ الشريعة وهذا لا شك ولذلك نقل أهل العلم قاطبة أن من طَعَنَ في الصحابة فقد طعن في ماذا؟ في الشريعة لأن من الذي أوصل إلينا الشريعة إلا الصحابة حينئذ أجمع أهل العلم على أنهم عُدُول وأن الطاعن فيهم مطعون وهم عدول كلهم لا يشتبه، النووي أجمع من يُعتد به كل من يُعتد به فقد أجمعوا على ماذا؟ على أن الصحابة عدول والقرآن مستفيض بالثناء عليهم {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ} [التوبة: 100] ... إلى آخره والنبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا تسبوا أصحابي». وجاء {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ} [آل عمران: 110] ... إلى آخره. (وصَحْبِهِ) اسم جمع لصاحب بمعنى الصحابي، والصحابي هو من اجتمع بالنبي - صلى الله عليه وسلم - مؤمنًا به ومات على ذلك ولو تخللت رِدَّة في الأصح كذا قال ابن حجر وشرحه في مواضعه: حد الصحابي مسلمًا لاقي الرسول ... وإن بدا رواية عنه وطول لأنه لا يشترط فيه طول الصحبة كما هو المتبادر في اللغة لأن الصاحب بمعنى الملازم لكن لشرف النبي - صلى الله عليه وسلم - أُعْطِيَ كل من رأى ولو لحظة واحدة ماذا؟ حكم الصحبة ولذلك سار الصحابة علم على من أدرك النبي - صلى الله عليه وسلم -. (وصَحْبِهِ، وبَعْدُ) هذه قائمة مقام أمَّا بعد وهو الأصل فيها وهي السنة أن يقول: أما بعد. هذا محفوظ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لكن شاع ماذا؟ شاع في الاستعمال الاختصار اختصروا أمَّا يعني حذفت وأنيبت الواو منابها بدليل ماذا؟ بدليل وقوع الفاء جزائية الجواب، ولذلك أصل أما بعد مهما يكن من شيء بعد ما تقدم فحذفت مهما يكن من شيء وأُقِيمت أمَّا مقامها ثم حذفت أمَّا وأقيمت الواو مقامها يعني دلت على ما دلت عليه أمَّا وهو تضمنها معنى الشرح. (وبَعْدُ ** فَهذِهِ) الفاء وقعت في جواب الشرط أين الشرط؟ أصله مهما حذفت مهما، أقيمت مقامها أمَّا، حذفت أمَّا أقيمت مقامها الواو.

أمَّا كَمَهْمَا يَكْ مِنْ شَيْءٍ وَفَا ... لِتِلْوِ تِلْوِهَا وُجُوبًا أُلِفَا إذًا الفاء هذه الواقعة هنا على جهة الوجوب. (وبَعْدُ) أي: وبعد ما تقدم أو بعد البسملة والتبارك والصلاة والسلام فهذه ولذلك قيل: بعد مبنية على الضم لماذا؟ لأنه حُذف المضاف إليه ونُوِيَ معناه، وبعد هذه لها أربعة أحوال: تكون معربة في ثلاثة أحوال، وتكون مبنية في حالة واحدة وهي فيما إذا حذف المضاف إليه ونُوِيَ معناه {غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ} [الروم: 2، 3] {لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ} [الرم: 4] يعني: من قبل الغلب ومن بعده. (وبَعْدُ) نقول: هذا ظرف مبهم لا يفهم معناه إلا بالإضافة لغيره فلذلك صار من الأسماء الملازمة للإضافة، ويستعمل ظرف زمان كثيرًا وظرف مكان قليل وبعضهم منع الثاني فلزم عنه حينئذ عنده أن يستعمل ماذا؟ ظرف زمان كثير يعني أما بعد وآله وصحبه وبعد، يعني من حيث اعتبار أن النطق أو زمن النطق بما بعدها بعد زمن النطق بما قبلها وهذا لا شك فيه أن المنطوق به النطق بما بعد بَعد لا شك أنه متراخي عما قبل بعد أو باحتمال الرسم في الكتابة فلا شك أن ما بعد بَعد هذا متراخٍ عما قبل بعد فحينئذٍ قد تكون بعد هنا للزمان وقد تكون للمكان والأشهر وهو الأول، (فَهَذِهِ) الفاء واقعة في جواب الشرط هذه المشار إليه هنا المرتب الحاضر في الذهن مطلقًا والمشهور عند المتأخرين أن المشار إليه قد يكون موجودًا وقد يكون معدومًا، إن كان الخطبة بعد إنهاء النظم كاملاً فحينئذٍ المشار إليه يكون موجودًا لأنه يحتمل ماذا؟ يحتمل أنه كتب المقدمة باب حد التفسير إلى آخر النظم ثم جاء فكتب المفدمة فحينئذٍ فهذه المشار إليه يكون ماذا؟ يكون موجودًا، ويحتمل أنه ابتدأ الكتاب هكذا المقدمة أولاً ثم بعد ذلك باب حد التفسير .. إلى آخره (فهذه) أي المنظومة مثلاً أو المسائل موجودة أو معدومة، معدومة فكيف أشار إلى معدوم والأصل في الإشارة الحسية أن تكون لشيء موجود، قالوا: تنزيلاً للحاضر في الذهن منزلة الموجود لما قَوِيَ العزم واشتدت الإرادة وكمل المصنف في ذهنه أشار إليه كأنه موجود نزله منزلة الموجود فعامله معاملة المحسوس هكذا قيل، ولكن الأصح أن المشار إليه مطلقًا معنى أمر عقلي لماذا؟ لأن الألفاظ سواءٌ تقدمت على الديباجة أم تأخرت لا وجود في الخارج لأنه إذا نطق فقال: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، أما بعد. فهذا أين المشار إليه؟ أين الوجود للألفاظ هذه؟ لا وجود لها ليست قائمة بنفسها حتى يشار إليها، وإنما هي أمور معنوية.

إذًا قوله: (فَهَذِهِ). إشارةً إلى المرتب الحاضرِ في الذهن مطلقًا إذ لا حضور للألفاظ المرتبة ولا لمعالمها في الخارج فتعين أن يكون المراد به هنا مطلقًا المعنى فيكون قد تجوز سواءٌ كانت الدباجة قبل النظم أو بعده مطلقًا يكون المشار إليه أمرٌ معنوي تنزيلاً للمعدوم منزل المحسوس. (فَهَذِهِ) أي المسائل هكذا قال بعض الشراح لكن أن الظاهر المراد به المنظومة (فَهَذِهِ) أي المنظومة لماذا؟ لأنه قد يشار إلى شيءٍ مفهومٍ من السياق والقرائن لأنه معلوم كما سيأتي (أَفْرَدْتُها نَظْمَاً مِن النُّقَايَةْ) إذًا مراده مستحضرًا في نفسه ماذا؟ المنظومة والنظم فحينئذٍ لا بأس أن يضيف إليها أو يرجع إليها ضمير باعتبار ما في ذهنه لماذا؟ لأن الشيء إذا عُرف بالسياق ماذا؟ صح إرجاع الضمير إليه والإشارة إليه {رُدُّوهَا عَلَيَّ} ما هي؟ الشمس هل لها ذكرٌ؟ ليس لها ذكر لماذا؟ نقول: نرجع الضمير إلى الشمس لأن السياق والقصة تدل عليها، إذًا قد يكون الشيء ليس مذكورًا لكنه من جهة المعنى مدركًا فيعامل معاملة الموجود فيشار إليه ويرجع الضمير إليه ولذلك: (أَفْرَدْتُها نَظْمًا) هذا يحتمل أنه هو المسائل وأما (فَهذِهِ مِثْلُ الجُمَانِ عِقْدُ) نقول: فهذه المشار إليها المنظومة (مِثْلُ الجُمَانِ عِقْدُ)، (فَهَذِهِ) هذا مبتدأ و (مِثْلُ) هذا خبر المبتدأ وهو مضاف (الجُمَانِ) بضم الجيم وجمع جمانة مضاف إليه وهي حبةٌ تعمل من الفضة كالدرة يعني اللؤلؤة. (عِقْدُ) هذا خبر بعد خبر أو بدل (فَهذِهِ مِثْلُ الجُمَانِ عِقْدُ)، (فَهذِهِ مِثْلُ الجُمَانِ عِقْدُ) هذا خبر بعد خبر أو بدل بدل من ماذا؟ بدل من قوله: (مِثْلُ) أي: كالعقد في حسنها ففيه تشبيه بليغ، والعقد هي القلادة كأنه جمع المسائل التي نظمها أو تضمنتها المنظومة في عِقْد مثل السبحة الآن فحينئذٍ جمع هذه المسائل وشبهها بماذا؟ بالجمان وهو اللؤلؤ والنظم كهذا العقد كالعقد لها. (ضَمَّنْتُها) أي المنظومة (ضَمَّنْتُها) التضمين هو جعل الشيء في ضمن شيءٍ آخر وهو هنا من باب جَعْل المدلول في ضمن الدال كأن العلم هذا مدلول والنظم دال وهنا ضمن الشيء في شيءٍ آخر كأنه أدخل شيء في شيءٍ آخر والمدخل فيه هو النظم وليس المعنى، والعلم هو الذي يُدرك بالعقل هذا هو الأصل ولذلك نقول: الأصل في العلم هو الإدراك وهو وصول النفس إلى المعنى به بتمامه (ضَمَّنْتُها) جعل الشيء في ضمن شيءٍ آخر. (عِلمًا) هذا مفعولٌ ثاني أي جعلت تلك المنظومة محتويةً على علمٍ هو التفسير وسيأتي معنى التفسير وهو: التفعيل من فسر يفسر تفسيرًا وهو الكشف والبيان.

(عِلمًا هُوَ التَّفْسِيْرُ) قد يظن الظان ماذا؟ أن الذي سيكون في المنظومة هو علم التفسير أليس كذلك؟ لكن هل المراد هنا علم التفسير أو مقدمة التفسير أو أصول وقواعد التفسير؟ الثالث، فلذلك قال في (بداية) أي لما يبتدئ به في علم التفسير وهو قواعده وأصوله وعلومه، بداية هذا مفعول لأجل أي ابتداء أي أن المضمن هو مبادئ علم التفسير وأصوله لا نفس التفسير كأنه استدرك على ما سبق لأن الناظم إذا قال: (عِلمًا هُوَ التَّفْسِيْرُ) ظن أن المنظومة كعلم التفسير وليس الأمر كذلك بل هي في أصول التفسير. قال: ... (بِدايةً) أي أن المضمن هو مبادئ علم التفسير (لِمَنْ بِهِ يَحِيْرُ). لمن يحير به، لمن أي للشخص الذي يقع في الحيرة في التفسير إذا لم يعرف أصوله لأن من أقدم على التفسير ولم يعرف قواعده وأصوله وعلومه ماذا سيهتدي أم يحتار؟ الثاني لا شك، لذلك قال: (لِمَنْ بِهِ) يعني بعلم التفسير (يَحِيْرُ) إذا لم يعلم قواعد وأصول وعلوم التفسير (لِمَنْ بِهِ) الضمير يعود على التفسير ... (يَحِيْرُ) هذه من جملة صلة الموصول وهو من وهنا الناظم قال: (يَحِيْرُ) يقال: قال: (يَحِيْرُ) والأصل حَارَ يُحَار ولذلك قال في اللسان: تحير واستحار وحار لم يهتدي لسبيل. تحير واستحار وحار هذا فعل ماضي إذًا يحار وليس يحير، لم يهتدي لسبيل وحار يحار هكذا قال في اللسان، حار يحار إذًا ليس حار يحير وإذا ما حار يحار حيرة وحيرًا أي تحير في أمره، وحَيَّرْتُهُ ألا فتحير، ورجلٌ حائرٌ بائرٌ إذا لم يتجه لشيء إذًا قول الناظم هنا (يَحِيْرُ) نقول: هذا تصريحٌ بأصلٍ مهجور هذا يسميه الصرفيون بماذا النطق بأصل مهجور، يقال مثال: قول زيد لعمر كذا أصله قال: وقول هذا أصلٌ مهجور يعني لم تنطق به العرب وإنما الفرع قال: تحركت الواو ففتح ما قبلها فكتبت ألفًا حينئذٍ لو قال: تقاول زيدٌ كذا نقول هذا نطق بأصلٍ مهجور ومثل قول أبي حيانة - وقع في السابق معنا -: فإنه أهلٌ لأن يُؤكرم. قلنا: يؤكرم هذا نطق بأصلٍ مهجور وهو ما خالف الاستعمال دون القياس لأنه في الأصل نقول: فإنه أهلٌ لأن يُكرم بحذف الهمزة لكنه صرح بها تبعًا للأصل وهذا أصلٌ مستعمل أو مهجور؟ نقول: مهجور، كذلك (يَحِيْرُ) أصله يحار فحينئذٍ يكون المصنف قد نطق بأصلٍ مهجور ولكن الإشكال يرد في كسر الحاء هنا لعله من أجل .... وهو أن يبقى التفسير وهو التفسير ما قبل الحرف الثالث من الأخير مكسور حينئذ يتعين أن يكون في الشرط الثاني مثله وإلا الأصل يَحْيَرُ يحار يحيرُ، وهو قال: (يَحِيْرُ) حينئذٍ وقع في إشكالين: الأول: التصريح بأصلٍ مهجور. والثاني: كسر الحاء والأصل فيها الفتح حَار يُحَار الفتح في الماضي والمضارع. إذًا نقول: بداية أي: ابتداء في فن التفسير وهو ما تعرف به أصوله (لمن يحِير) يحَار ويجهل بكونه مبتدأً في تعلمه أو جاهلاً لفن أصول التفسير به علم التفسير. (أَفْرَدْتُها) الضمير يعود إلى ماذا؟

(أَفْرَدْتُها نَظْمًا مِن النُّقَايَةْ) أفردتها هنا لعله يريد المسائل في جميع المواضع الشارح في الأصل جعلها للمسائل لكن هناك لا يضام فهذه المسائل (ضَمَّنْتُها) أي: المسائل نقول: لا ليس بظاهر بل الأولى أن يقال: فهذه أي المنظومة. (وضَمَّنْتُها) أي المنظومة. (أَفْرَدْتُهَا) أي: تلك المسائل التي تضمنها النظم (أَفْرَدْتُهَا) أي: هذه المسائل المسماة بأصول التفسير. (نَظْمًا) أي: حال كوني ناظمًا هذه حال وهو مصدر وجائز أن تقع الحال مصدر. ومَصْدَرٌ مُنَكَّرٌ حَالاً يَقَعُ ... بِكَثْرَةٍ كَبَغْتَةً زَيْدٍ طَلَعَ إذًا (نَظْمًا) هذا مصدر فَعَلَ يَفْعَلُ نَظَمَ يَنْظِم نَظْمًا فَعَلَ يَفْعِلُ وهو من إطلاق المصدر وإرادة اسم الفاعل. (أَفْرَدْتُها نَظْمًا) أي حالة كوني ناظمًا لها (مِن النُّقَايَةْ) نظمًا النظم كما قال بعضهم: التأليف وضم شيء إلى شيء آخر. هكذا قال في القاموس النظم التأليف وضم شيء إلى شيء آخر نظم اللؤلؤ ينظمه نظمًا ونظام ونظَّمه ألفه وجمعه في سلك فانتظم وتنظم أي ناظمًا لها أرجوزةً من بحر الرَّجَز بالتحريك قد ضرب من الشعر سمي رَجَزًا لتقارب أجزائه وقلة حروفه. (مِن النُّقَايَةْ) بضم النون كالخلاصة وزنًا ومعنى هكذا قال في الشرح (مِن النُّقَايَةْ) بضم النون كخلاصة وزنًا ومعنى، ثم صار علمًا على كتاب السيوطي رحمه الله ضمنه أربعة عشر علمًا، السيوطي وهو أبو الفضل جلال الدين عبد الرحمن بن كمال توفي سنة أحد عشر وتسعمائة ضمن هذا الكتاب (النُّقَايَةْ) أربعة عشر فنًا، يعني أربعة عشر أو أربع عشرة مختصرًا من المتون في أصول الدين هذا طريقة الأشعرية والتفسير الذي هو: علوم التفسير، والحديث، وأصول الفقه، والفرائض، والنحو، والتصريف، والخط، والمعاني، والبيان، والبديع، والتشريح، والطب، والتصوف. هذه أربعة عشر علمًا كلٌّ لها مختصر وكلها كانت تُدْرَس قديمًا فهذا النظم أفرده الناظم منها وهو ما يختص بأصول التفسير وعلوم التفسير. (أَفْرَدْتُها نَظْمًا مِن النُّقَايَةْ) يعني: من الكتاب المسمى بـ (النُّقَايَةْ) للسيوطي جلال الدين رحمه الله تعالى. (مُهَذِّبًا) حالة كوني مهذبًا هذه حال من بعد (أَفْرَدْتُها) إما إذا جعلنا نظمًا حال ومهذبًا حال إما أن تكون متداخلة وإما أن تكون مترادفة، والقول بالترادف أولى من القول بالتداخل، مهذبًا هذا مأخوذ من التهذيب لأنه اسم فاعل هذب يهذب تهذيبًا فهو مهذبٌ والتهذيب التنقية والتصفية وتخليص الشيء مما يعيبه حال كوني مهذبًا أي: منقحًا مصفيًا مخلصًا نظامها أي ترتيبها في غَايَةْ في بمعنى إلى وغاية يعني في غاية من التهذيب والتخليص، مهذبًا نظامها في ظهير رسالة قصيرة جدًا ولا تحتاج إلى تهذيب بل يكاد يكون جمع كل ما فيها. (واللهَ أَسْتَهدي وأَسْتَعِيْنُ ** لأنَّهُ الهادِي ومَنْ يُعِيْنُ) بعد أن بين أنه يريد أن يمضي أراد أن يستعين بالرب جل وعلا وهذا يدل على أن المقدمة سابقة لأن الاستعانة تكون قبل الفعل أو بعده؟ قبل الفعل بلا شك فحينئذ يكون قوله: (واللهَ أَسْتَهدي وأَسْتَعِيْنُ). في ماذا؟ في شيء قد انتهى منه أو في شيء سيقدم عليه؟ الثاني فيدل على ماذا؟

أن قوله: (فَهذِهِ مِثْلُ الجُمَانِ عِقْدُ) إشارة إلى شيء لم يوجد بعد، (واللهَ) لا غيره أستهدي، من أين أخذنا لا غيره؟ تقديم ما حقه التأخير، اللهَ علم منصوب على التعظيم مفعول به لأستهدي ولا يصح أن يكون من باب التنازع كما ذكر الشاعر. (واللهَ أَسْتَهدي) أي: أطلب الهداية والتوفيق للصواب منه لا من غيره سبحانه وتعالى لأنه محل سؤال الهداية. (وأَسْتَعِيْنُ) أستعون أستعين أي: أطلب منه الإعانة، إذًا طلب الهداية وهي محل للتوفيق للصواب وطلب الإعانة في الإقدام على الفعل لماذا؟ لأن كل عمل - كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى -: لا بد له من إرادة جازمة وقدرة كاملة. وكل من تخلف في فعل ما فلا بد أن يرجع إلى هذين النوعين إما الإرادة غير الجازمة وإما القدرة غير كاملة وهذا تستخدمه حتى في طلب العلم إذا أردت أن تحفظ فنًا ما علمًا ما متنًا تحضر درسًا ما فلم يتم لك فإما لكون الإرادة غير جازمة وإما لكون القدرة غير كاملة لا بد من أحد هذين الأمرين حينئذ (واللهَ أَسْتَهدي) أي: أطلب منه التوفيق للصواب (وأَسْتَعِيْنُ) أي: أطلب منه الإعانة لماذا؟ لأنه سبحانه الهادي، وهذا اسم من أسماء الرب جل وعلا لأنه اللام للتعليل وأستعينه هنا الضمير محذوف لأننا إذا نصبنا الأول (اللهَ أَسْتَهدي) على أنه مفعول به لأستعين وقلنا: لا يصح على قول الجماهير أن يكون من باب التنازع لأنه من المنصوبات والتنازع يكون في المرفوعات وهنا (واللهَ أَسْتَهدي وأَسْتَعِيْنُ) أين المفعول به؟ محذوف وأستعين الله وأستعينه حذف الضمير للعلم به وحذف ما يعلم جائز (وَحَذْفٌ فَضْلَةٍ أَجِزْ إِنْ لَمْ يُضَرّ) لأنه سبحانه الهادي اسم من أسمائه جل وعلا الدال على الحق لأنه اسم فاعل مشتق من الهدى مع مصدر كالشورى والتقى وهو من أسمائه تعالى أي: الذي بَصَّرَ عباده وعرفهم طرق معرفته حتى أقروا بربوبيته وهذا كل مخلوق إلى ما لا بد له منه في بقائه ودوام وجوده، وهو المالك سبحانه وتعالى لمطلق الهداية بنوعيها هداية دلالة والإرشاد، وهداية التوفيق وانشراح الصدر والقلب بقبول الحق. والثانية مختصة به جل وعلا والأولى مشتركة بين الرب جل وعلا والخلق ولذلك جاء نفيها وإثباتها يعني الهداية مطلق الهداية في حق النبي - صلى الله عليه وسلم - {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [الشورى: 52] هذا إثبات الهداية {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} [القصص: 56] نفيت الهداية هذه المحل واحد؟ الجواب: لا، {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي} أي: دلالة إرشاد وبيان وإيضاح وهذه مشتركة وهي وظيفة الرسول والعلماء والصلحاء وكل من عنده علم لا يشترك في مطلق هذه الهداية هداية الدلالة والإرشاد، وأما {إِنَّكَ لَا تَهْدِي} بمعنى: أنك لا تشرح قلوب العباد لقبول الحق وأما كون العبد ينشرح قلبه وصدره فهذا ليست للخلق لأنه الهادي وحده جل وعلا، عرف الجزأين أين الجزءان؟

الضمير لأنه الهادي عرف بأل وتعريف الجزأين من أسباب القصر والحصر عند البيانية وإن كان فيه نزاع لكن هذا هو الأشهر، تعريف الجزأين المسند والمسند إليه لأنه الهادي وحده جل وعلا (ومَنْ يُعِيْنُ) والذي يعين كأنه علل لك (واللهَ أَسْتَهدي) أي: أطلب الهداية لأنه الهادي هذا الشطر الأول تعليل للجزء الأول وأستعين لماذا؟ لأنه هو الذي يعين (ومَنْ يُعِيْنُ) يعني والذي يعين. يعني والمعين لأن الموصول مع صلته في قوة المشتق عند البيانية كأن يقال: الهادي والمعين، والمعِين غيره جل وعلا. أي المعين لعباده على طاعته هذا فيما يختص بالتعبد أو المعين عباده مطلقًا في التعبد وفي قضاء أمورهم وكلاهما يُفيدان الحصر يعني ومن يعين والذي يعين جل وعلا وهل يصح أن تكون (مَنْ) هنا استفهامية؟ هل يصح؟ من هنا كل موصولي وهذا الذي ذكره بعض الشراح هل يصح أن تكون استفهامية (ومَنْ يُعِيْنُ) غيره (ومَنْ يُعِيْنُ) غيره جل وحده يصح أو لا يصح؟ يصح كأنه قال: ولا أحد يعين غيره جل وعلا. أو: ومن الذي يعين غيره سبحانه وتعالى. ولو قال في الأول: ومن يهدي. ومن الذي يهدي غيره جل وعلا إذًا لا هادي غيره كما أنه لا معين غيره جل وعلا. هذا ما يتعلق بمقدمة المصنف رحمه الله تعالى ذكرنا ما نحتاج إلى بيانه وبعضهم مختصر فيرجع إلى بعض الشروح السابقة. نقف على هذا وغدًا إن شاء الله نأخذ مقدمة العلم مبادئ العشرة ونأتي عليها بإذن الله تعالى، وصلَّ الله وسلم على نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - وعلى آله وصحبه أجمعين.

2

عناصر الدرس * المبادئ العشرة. * شرح المقدمة الثانية للناظم (مقدمة العلم). الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: ذكرنا أن هذا النظم في علوم القرآن، يعني الفن المسمى بعلوم القرآن، وذكرنا شيئًا من المقدمة التي سماها أو أطلق عليها أهل العلم: مقدمة الكتاب. وسبق أن المقدمة مقدمتان: مقدمة كتاب. ومقدمة علم. مقدمة الكتاب التي أخذناها بالأمس، ويزيد عليها بعض أهل العلم إذا كان له اصطلاحات خاصة في الكتاب فيبين حينئذ إذا أطلقت كذا فمرادي به كذا إذا قلت: قال الشيخ فالمراد به فلان ... إلى آخره، هذا ما يسمى ببيان اصطلاحات ورموز الكتاب التي اصطلح عليه المصنف تُذكر في مقدمة الكتاب. وأما النوع الثاني وهو: مقدمة العلم، وهذه تذكر في الشروع أو قبل الشروع في دراسة أي فن ما، ولهذا يعتني بها كثير من العلماء في أوائل كتبهم بل بعضهم يؤلف رسالات خاصة في بيان هذه المبادئ العشرة وهي ما يسمى: بمقدمة العلم. المبادئ العشرة المجموعة في قول محمد بن علي الصبان: إن مبادئ كلِّ فَنٍّ عَشْرَة ... الحد والموضوع ثم الثمرة ونسبة وفضله والواضع ... والاسم الاستمداد حكم الشارع مسائل والبعض بالبعض اكتفى ... ومن درى الجميع حاز الشرفا هذه تسمى بمبادئ العلوم وتسمى بمقدمة العلم لا بد لكل شارع في فن ما أن يتصوره بوجه ما، وأما التصور على وجه التمام هذا لا يكون إلا بعد الانتهاء من الكم لماذا؟ لأن التصور عندهم يحصل بالحد يعني ببيان الحقيقة والمهية، فإذا قيل: ما حقيقة الفقه؟ حينئذ يقول المجيب: الفقه هو العلم بالأحكام الشرعية العملية المكتسب من أدلتها التفسير. فيفهم حينئذ الطالب بوجه ما، لا يمكن أن يستوعب كل معنى كلمة الفقه الاصطلاحي عند أرباب الفقه من هذا الحديث وإلا لو صار فقيهًا تام الفقه لو أدرك الفقه كله من هذا الحد لقلنا: صار فقيهًا تامًا في الفقه. وليس هذا المراد إنما المراد أن يعرف ما الذي يطلبه في سعيه في هذا الفن فيدرس كتابًا ما يقول هذا في النحو ما هو النحو؟ لا بد أن يعرف حقيقة النحو ولا بد أن يعرف ماذا يدور هذا الفن يعني ما موضوعه وما فائدته التي تكون مرجوة من دراسة هذا الفن لا بد أن يعرف استمداده لا بد أن يعرف فضله حكمه الشرعي وإلا لو لم يكن عالمًا بجل هذه المسائل لقال أنه يقع له الكسل والفتور لأنه يتعلل ويطلب شيئًا لا يعرف أهميته ولا يعرف حكمه الشرعي فيدرس الفقه ولا يعرف أهمية علم الحلال والحرام مثلاً حينئذ لا بد - أمر فطري - لا بد أن تفتر همته ويكسل ويتراجع من حيث بدأ.

إذًا لذلك جعل أهل العلم في مبادئ الفنون ذكر هذه المسائل العشرة: الحد، والموضوع، والثمرة، التي هي الفائدة المرتبة على تحصيل هذا العلم وحكمه الشرعي إن كان يتعلق به حكم شرعي وهذا أصل في العلوم التي يدرسها طالب العلم الشرعي، ولذلك لا بد أن يحدد طالب العلم الشرعي ما هو العلم الذي يسعى في تحصيله؟ وما حقيقة هذا العلم؟ هل هو من علم المقاصد أو من علم الوسائل؟ لماذا؟ إذا عرف أن هذا من علم الوسائل حينئذ لا بد أن يتعامل معه لتعامله مع أي وسيلة أخرى حينئذ إذا قيل مثلاً: السكين للقطع. هل يلازم السكين كل يوم أربعة وعشرين ساعة وإلا أنه يأخذها إذا احتاجها؟ إذا احتاجها، ثم إذا لم يحتج حينئذ يبتعد يتركها حينئذ العلوم الآلة كالنحو، والصرف، والبيان، وأصول الحديث، وأصول التفسير، وكذلك المنطق إذا كان من علوم الآلات لا بد أن يعرف أن هذا علم وسيلة، لا بد فإذا علم أنه علم وسيلة بمعنى: أنه موصل إلى غيره وعليه ينبني أنه يأخذ ما يحتاجه في فهم الشرح لأن الأصل هو علم المقاصد علم الوحيين الكتاب والسنة، ثم يأخذ فائدة أخرى إن لم يعرف عن علم الوحيين الكتاب والسنة فلا يتخصص في علم الوسيلة أبدًا، لا يقول: أنا أدرس المصطلح فقط. أو: أنا أصولي فقط. أو: أنا نحوي. أو: بياني. إلى آخره نقول: لا، إلا في حالة واحدة إذا جرب التفسير مثلاً وما استطاع أن يسلك فيه حينئذ لا بأس أن يرجع إلى الخلف فيتخصص في علم من علوم الوسائل، وأما تخصص الابتدائي الذي يختاره الكثير من طلاب العلم الآن - في ظني وقد أكون مخطئًا - أنه من الخطأ ولا ينبغي لطالب العلم أن يتخصص ويجعل عمره يُفني عمره كله في علم ليس مقصودًا لذاته في الشرع ولذلك ما أُعطي النحو ولا أعطيت أصول التفسير ولا أي علم من علوم الوسائل ما أعطي حكم شرعي من الإيجاب أو الندب إلا لكونه صار وسيلة لغيره، فالإيجاب حينئذ في النحو إذا قيل: إنه واجب. هذا واجب لا شك ولذلك فرض عين على من تعاطى التفسير هذا بالإجماع حكى السيوطي وغيره الإجماع على ذلك أن علم النحو، وعلم الصرف، وعلم البيان أن علوم اللغة بأثرها هذه وسيلة لفهم التفسير فهم كلام الرب جل وعلا وعليه نقول: ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. وإلا ما جعل شرع لم يأت نص في القرآن قال: ادرسوا النحو. هل جاء أمر نقول: أمر يقتضي الوجوب؟ لا، لم يأت لماذا؟

لأن النحو قد يكون وسيلة إلى الشرع وقد يكون وسيلة لغير الشرع، فما كان يحصل أن يكون وسيلة لفهم مقاصد الشرع أخذ حكمه لأنه يجب على جمهور المسلمين أن يفقهوا كلام الرب جل وعلا: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد: 24] إذًا نقول: هذا ذم ولا يترتب الذم إلا على ترك ما هو واجب. إذًا ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. إذًا علوم القرآن نرجع إلى ما خرجنا عنه علوم القرآن هذا يعتبر من علوم الوسائل يقرأ الطالب منظومة الزمزمي مثلاً ويأخذ شرحًا عليها ثم يأخذ التحبير ثم يأخذ الإتقان ثم يقرأ في تطبيق هذه العلوم والأنواع المذكورة في علوم القرآن يقرأها في مظانها في التفسير، فما من كتاب من كتب التفسير إلا وتجده - خاصة التفاسير الأثرية - تجده إلا وقد نص على أن هذه الآية مكية ومدنية صيفي شتائي سبب النزول لأنه يعين على الفهم إلى آخره فنقول حينئذٍ: علوم القرآن هذا من علوم الوسائل. علوم القرآن هذا مركب تركيب إضافي، علوم القرآن مضاف ومضاف إليه، وإذا كان العلم مركبًا تركيبًا إضافيًّا فحينئذٍ لزامًا أن يكون له معنيان: معنًى إضافي، ومعنًى لقبي علمي. كما هو الشأن في أصول الفقه لماذا؟ لأنه لا يمكن أن يُتَوَصَّلَ - على قول الكثيرين - لا يمكن أن يتوصل إلى إدراك معنى المركب الإضافي الذي نُقِلَ عن معناه وتركيبه الإضافي إلى معنى اللقب العلمي إلا بعد فهم جزأين وطرفين، حينئذٍ إذا قيل للناس: علوم القرآن صار علمًا فإذا أطلق اللفظ علوم القرآن انصرف إلى المعنى المراد الذي ضمنه السيوطي مثلاً كتابه ((الإتقان)) نقول: هذا يصلح إذا كان ابتداءً أُطْلِقَ على جهة الإفراد وأما إذا كان في الأصل مركبًا تركيبًا إضافيًا فحينئذٍ لا بد في النظر في كل جزء من أجزائه كما يقال في أصول الفقه حينئذٍ نقول: علوم القرآن له معنيان: معنى إضافي باعتباره مفردين يعني النظر إلى كلمة مضاف لأنه مركب من كلمتين علوم، وقرآن، علوم مضاف وقرآن مضاف إليه، علوم هذا له معنى في اللغة ومعنى في الاصطلاح، والقرآن له معنى في اللغة ومعنى في الاصطلاح أليس كذلك؟ حينئذ لا بد من النظر في كل كلمة من هذه الكلمات فنقول: علوم: جمع علم والعلم في اللغة يطلق بمعنى المعرفة والفهم - عند الكثيرين - ولكن الأصح أنه بمعنى الإدراك، والإدراك مصدر: أَدْرَكَ يُدْرِكُ إِدْرَاكًا. والمراد بالإدراك وصول النفس إلى المعنى بتمامه سواء كان متعلق بإدراك المفردات أو المركبات سواء كان على جهة اليقين أو على جهة الظن، فالإدراك مطلقًا الشامل للعلم بنوعيه التصور والتصديق الذي هو: إدراك المركبات. والتصور الذي هو: إدراك المفردات. سواءٌ كان على جهة اليقين أو على جهة الظن، العلم إدراك المعاني مطلقًا. العلم إدراك المعاني مطلقا ... وحصره في طرفين حققا سموهما التصديق والتصورَ ... ......................... قسمان لا ثالث لهما

حينئذٍ نقول: العلم هو: الإدراك، والإدراك هو: وصول النفس إلى المعنى بتمامه. هذا من حيث اللغة، وإن اشتهر عند بعضهم أن المعرفة تكون مرادفةً للعلم ذكرنا أوجه الفرق بين المعرفة والعلم في ((شرح الورقات)) حينئذٍ نقول علوم جمع علم والعلم هذا من حيث الاشتقاق واللفظ مصدر بكسر العين وإسكان اللام، عَلِمَ يَعْلَمُ عِلْمًا باب فَعِلَ يَفْعَلُ وهو متعدي وهو بمعنى المعرفة والعلم والأصح أن يقال: أنه بمعنى الإدراك. وأما في الاصطلاح في مثل هذا المقام هنا لأن العلم من حيث الاصطلاح يختلف باختلاف المتكلم في ذلك السند، وهنا نعرف العلم في الاصطلاح بأنه جملةٌ من المسائل المضبوطة بجهة واحدة جملة يعني: بعض كمٌ من المسائل جمع مسألة مَفْعَلَة من السؤال وهو ما يُبرهن عنه في العلم، المضبوطة بجهة واحدة يعني التي يجمعها ضابطٌ وأصلٌ وقدرٌ مشترك هي: جهةٍ واحدة. وهذه الجهة الواحدة هي باعتبار ماذا؟ باعتبار ما يبحثه ذلك العالم في ذلك الفن فمثلاً علم أصول الفقه نقول علم أصول الفقه ما المراد بكلمة علم في مثل هذا التركيب؟ نقول: جملةٌ من المسائل المضبوطة بجهةٍ واحدة. وهي معرفة أصول الفقه ما هو معرفة العام والخاص والمطلق والمقيد، هذه المسائل هي العلم في هذا التركيب، وهنا في علم علوم القرآن نقول المراد بالجملة هنا: أسباب النزول، والمكي، والمدني، والإنزال، نزول القرآن، وكيفية إنزاله، وقراءته، وأداؤه ... إلى آخره كل الأنواع التي تُذكر في علوم القرآن المقصود بلفظة علم هنا هي هذه الأنواع الخمسة والخمسين التي ذكرها المصنف وهي أكثر من ذلك. حينئذٍ نفسر العلم هنا في الاصطلاح: جملة من المسائل المضبوطة بجهةٍ واحدة. والمراد بالجهة الواحدة هذه هنا يعني يشملها وحدة الموضوع كما يقال وحدة الموضوع، أسباب النزول، المكي والمدني، الحضري والسفري، الأداء، الإدغام، الإمالة ... إلى آخره نقول: هذه يشملها ماذا؟ وحدة واحدة وهي كونها من مباحث علوم القرآن تدرك في هذا الفن، هذا هو اللفظ الأول وهو المضاف، ثم ننتقل إلى المضاف إليه وهو القرآن، قرآن هذا مختلفٌ فيه هل هو مشتقٌ أو جامد وهل هو مهموز أو غير مهموز؟ هل هو مشتقٌ أو جامد؟ جامد بمعنى أنه مرتجل علمٌ مرتجل أول ما ابتدع وضع اسمًا لمسمًى هو كلام الرب جل وعلا أما أنه منقول فهو مصدر قَرَأَ يَقْرَأُ قِرَاءَةً وَقُرْآن، أم أنه ابتداء هذا محل اختلاف، هل هو مشتقٌ أم جامد كما قيل في لفظ الجلالة ((الله)) هل هو مشتق أم جامد بمعنى: هل هو دالٌ على صفة المتصف على ذاته هل هو دالٌ على ذاتٍ متصفة بصفةٍ أم أنه يدل على ذات فقط ولا يتضمن الدلالة على صفة كما هو الشأن في الرحمن، الرحمن هذا فعلان صفةٌ مشبهة اسم مشتق من الرحمة على جهة المبالغة ما مفهومه يدل على أي شيء ماذا تفهم من كلمة الرحمن؟ تفهم أنه يدل على ذات، هذه الذات متصفة بصفةٍ خاصة وهي: صفة الرحمة. العليم يدل على ذاتٍ متصفة بصفةٍ هي: العلم. الله جل جلاله هل هو دالٌ على ذاتٍ فقط كما يدل العلم في المخلوق، المخلوق الآن نقول زيد هل له معنى؟

ليس له معنى بل حتى المشتقات في المخلوقين إلا النبي - صلى الله عليه وسلم - فمحل نزاع باتفاق أنها لا تدل على معاني، ولذلك قد يسمى محمود الشخص ويسمى محمد غير النبي - صلى الله عليه وسلم - هل نقول: محمد ومحمود أنه يدل على أنه ذات متصفة بالحمد أو أنه يحمد أو قد يسمى صالح يعني: ذات متصفة بالصلاح قد يكون صالح بالفعل يوافق الاسم المسمى، وقد يكون من أشر خلق الله عز وجل ويسمى صالحًا حينئذٍ نقول: الاسم هنا لم يوافق مسماه. وإنما المراد أنه لفظٌ جُرِّدَ عن المعنى عن الوصف هذا المراد بلفظ الجلالة هل هو دالٌ على ذاتٍ فقط أم لا؟ القرآن مثله هل هو مشتقٌ أم لا؟ ثم إذا كان مشتقًا أم جامدًا - على القولين - هل هو مهموز فيقال: القرآن بالهمز. أم غير مهموز فيقال: القران. هكذا بدون همز؟ قال بعضهم: هو اسمٌ علمٌ غير مشتق خاصٌ بكلام الله فهو غير مهموزٍ وبه قرأ ابن كثير وهو مروي عن الشافعي رحمه الله تعالى أن القرآن قران هكذا يقرأ وهي قراءة ابن كثير لأنه علمٌ مرتجل يعني: لم يكن مصدرًا فنُقِل إلى كلام الرب جل وعلا فجعل اسمًا صار علمًا مرتجلاً لأن العلم عند أهل العربية قسمان: علمٌ منقول. وعلمٌ مرتجل. علمٌ منقول هو الذي سبق له استعمالٌ في غير الْعَلَمِيَّة. فَضْل هذا مصدر فَضْل مصدر فَضَلَ يَفْضُلُ فَضْلاً إذًا هو مصدر، إذًا هو سابق على الْعَلَمِيَّة كان مصدرًا فنقل من المصدرية إلى الدلالة على العلم لوحده فضل تقول: هذا فضل زيد، وهذا فضل عمرو، هذا فضل الله. حينئذٍ فضل هذا المراد به زيادة فهل يدل على ذات؟ لا يدل على ذات، لكن لو نقلته من المصدرية إلى دلالة على ذات صار علمًا موصولاً منقول من أي شيء؟ من المصدر، ومثله المنقول عن جملة اسمية أو المنقول عن الجملة الفعلية تتأبط شرًا، وشاب قرناها شاب قرناها فعل ماضي وفاعل، وتتأبط شرًا فعل وفاعل ومفعولٌ به، نقل عن كونه جملةً فعلية إلى كونه علمًا على شخصٍ معين فصار مفردًا هذا يسمى علمًا منقولاً. والعلم المرتجل هو الذي وُضع ابتداءً من أول الأمر هكذا نطقت به العرب ابتداءً أول ما وضع، وضع على أنه علم لم يستعمل في غير الْعَلَمِيَّة قبل كونه أو جعله علمًا. وَمِنْهُ مَنْقُولٌ كَفَضْلٍ وَأَسَدْ ... وَذُو ارتجالٍ كُسَعادَ وَأُدَدْ وَجُمْلَةٌ وَمَا بِمَزْجٍ رُكِّبَا ... ذَا إِنْ بِغَيْرِ وَيْهِ تَمَّ أُعْرِبَا

إذًا ومنه ما هو منقولٌ كفضلٍ وأسد لو سميت رجلٍ أسد، هذا منقول عن اسم حيوان معروف أو فضل وهو مصدر، وذو ارتجال كسعاد وأُدَد، سعاد قيل: هذا لم يسبق له استعمالٌ في غير الْعَلَمِيَّة كذلك أُدَد لم يسبق له استعمالٌ في غير الْعَلَمِيَّة، إذًا على هذا القول: بأن القرآن اسمٌ وعلمٌ. حينئذٍ يكون علم شخصٍ اسمٌ علمٌ غير مشتق خاص بكلام الله فإذا أطلق لفظ القرآن انصرف إلى كلام الرب جل وعلا، مثل ما تقول: قال زيد. فتعرف زيد أنه ذات التي أدركت ماهيتها وحقيقتها فهو غير مهموز لأنه وضع هكذا وما وضع بدون همز لا يمكن أن يهمز فإذا قيل: قران. فحينئذ يكون وزنه فُعَال، فُعَال قران فتكون النون أصلية والألف زائدة لأنها تكون لام الكلمة فعال قران ليس عندنا همز والألف هذه مقابلة للألف والنون تكون أصلية قران القاف هي فاء الكلمة والراء هي عين الكلمة قران والنون هي لام الكلمة، فصارت النون أصلية وهو وُضع ارتجالاً ابتداءً بدون همز وهذا منسوب إلى الشافعي. أخرج البيهقي والخطيب عن الشافعي رحمه الله تعالى أنه يقول: القران اسم وليس مهموزًا ولم يؤخذ من قَرأت. إذًا غير مشتق لأنه لو أخذ من قرأت لكان الأصل فيه أنه مهموز لأن قرأ الهمزة هي لام الكلمة فصارت الهمزة أصلاً حينئذ يكون الأصل في المصدر لأنها وجدت في الماضي ولذلك بعضهم يستشكل يقول: كيف يقال القرآن مأخوذ من قرأ ومعلوم أن القرآن مصدر وقرأ فعل ماضي. والمصدر الأصل وأي أصلِ ... ومنه يا صاح اشتقاق الفعلِ كما هو مقرر عند البصريين على القول الراجح فكيف يقال: القرآن مأخوذ من قرأ؟ نقول: ليس قصدهم أنه فرع العام وإنما المراد أنه اجتمع معه في مادة الاشتقاق وأرادوا بذلك أن يستدلوا على أن الهمزة أصل قَرَأَ على وزن فَعَلَ، إذًا الهمزة هي لام الكلمة، إذًا قران سواء نطق بالهمزة قرآن أم حذفت الهمزة لإسقاط حركتها إلى الساكن قبلها فحذفت قران فحينئذٍ يكون وزنه فعلان كغفران ورجحان كما سيأتي. إذًا قال الشافعي رحمه الله: القران اسم وليس مهموزًا ولم يؤخذ من قرأت ولو أخذ من قرأت لكان كل ما قرئ قرآنًا - رحمه الله وهذا ليس بمُسَلَّم - ولو أخذ من قرأت لكان كل ما قرئ قرآنًا. نقول: لا، جعل علمًا على كلام الرب جل وعلا وحينئذٍ لا يجوز إطلاقه على كل ما قُرئ أما كونه مشتقًا منه. نحن نقول: هذا لا شك بتسليمه لو سُلِّمَ بكونه مشتقًا من قَرَأَ هل يَلْزَم منه أنه يُطلق القرآن على كل كلامٍ مقروء؟ الجواب: لا، لماذا؟

لأننا نقول بالاشتقاق ثم نجعله علمًا على كلام الرب جل وعلا فلا يجوز ماذا؟ استعماله في غيره صار توقيفًا، ولو أُخِذَ من قرأت لكان كل ما قرئ قرآن ولكنه اسم لكتاب الله مثل: التّوراة، والإنجيل. يهمز قرأت ولا يهمز القرآن. هذا قول من؟ قول الشافعي رحمه الله تعالى وهو إمام من أئمة اللغة. فقول الشافعي: هو اسم لكتاب الله. يعني: أنه اسم علم غير مشتق بل هو علم مرتجل. وقال آخرون: بل هو مشتق. ثم اختلفوا في اشتقاقه فقيل: مشتق من قرنت الشيء بالشيء إذًا مأخوذ من مادة الاقتران مأخوذ من قرنت الشيء بالشيء إذا ضممت أحدهما إلى الآخر فلماذا سمي القرآن كلام الرب جل وعلا قران وهو من قرنت الشيء بالشيء؟ فسمي بذلك لقران السور والآيات والحروف فيه، حصل اقتران وهو: ضم السورة إلى السورة، والآية إلى الآية، والكلمة إلى الكلمة، والحرف إلى الحرف. ومنه: قيل إذا قرن الحج والعمرة قران. لأنه ضم الحج إلى العمرة أو العمرة إلى الحج فسمي قرانًا من كونه ضم أحدهما إلى الآخر. هذا قول. وقال الفراء: هو مشتق من القرائن. عندنا القول الأول هو مشتق من ماذا؟ من القران وهذا مأخوذ على قول الفراء من القرائن لأن الآيات منه من القرآن يصدق بعضها بعضًا ويشابه بعضها بعضًا وهي قرائن، وعلى القولين يكون بلا همز على القول الأول بأنه مشتق من القران أو من القرائن يكون قران بلا همز ونونه أصلية. وقال الزجاج: هذا القول سهو. القول الأخير بأنه من القرائن سهو وفي بعض النسخ غلط والصحيح أن ترك الهمز فيه من باب التخفيف ونقل حركة الهمز إلى الساكن قبلها هذا مطرد في الهمز قرآن هذا يحتمل إذا قيل: إنه من القرائن. لا نقطع بأنه ليس مهموزًا إذا قيل من القرائن نقول: قرآن. هذا أصله حصل تخفيف وجه التخفيف أسقطت حركت الهمز يعني: أُرِيد قُصِدَ حذف الهمزة لأن الهمز فيها ثِقَل أريد التخفيف فحذفت الهمزة لا يمكن أن يُحذف الحرف المحرك ابتداءً هكذا، لا بد أن يُتَوفَر إلى حذفه بكونه ساكن فألقيت الحركة الفتحة على الراء لذلك تقول: قُرْآن. بإسكان الراء فإذا حذفت الهمزة تقول: قُرَان. القُرَان بتحريك الراء بالفتح من أين جاءت الفتحة؟ من أين جاءت؟ هي حركة الهمزة إذًا قران أصله قرآن ألقيت حركة الهمزة وهي الفتحة إلى الراء ثم سكنت الهمزة فصح التخفيف حينئذ لأن حذف الحرف المتحرك هذا يستعصي لأن الحرف المتحرك قوي أقوى من الحرف الساكن فحينئذ لا بد من تضعيفه إدخال الضعف عليه فلا بد من إسقاط حركته فإذا سقطت حركته صار ساكنًا فضَعُفَ حينئذٍ تمكنَّا من حذفه.

واخْتَلَفَ القائلون بأنه مهموز قيل: هو مصدرٌ لقرأت كالرجحان والغفران. قَرَأَ يَقْرَأُ قَرْءًا وقرآنًا مصدر زيدت الألف والنون عليه كما سيأتي، إذًا مثل الرجحان والغفران، الغفران هذا مصدر وإن كان سماعيًا غَفَرَ يَغْفِرُ غَفْرًا هذا المصدر القياسي وغفران هذا مصدر سماعي، وقيل: هو الأصل وزيدت عليه الألف والنون - كما سيأتي -. قيل: هو مصدر لقرأت كالرجحان والغفران سمي به الكتاب المقروء من باب تسمية المفعول بالمصدر. وسيأتي هذا بمعنى أنه مقروء يعني: متلو. وقال آخرون - منهم الزجاج -: هو وصف على فُعْلان. وصف ليس بمصدر إنما هو وصف على وزن فُعْلان مشتق من الْقَرْءِ بمعنى الجمع، ومنه: قَرَأْتُ الماء في الحوض. أي: جمعته. إذًا قد يحتمل أن القرآن مشتق من الْقِران قران ويحتمل أنه من الجمع وهذان صوابان يعني: يحمل عليهما دون تفصيل. قال أبو عبيدة: وسُمِّيَ بذلك لأنه جمع السور بعضها إلى بعض. إذًا قيل: القرآن مأخوذ من الجمع لما سمي القرآن كلام الرب جل وعلا قرآنًا؟ لأنه جامع للسور بعضها إلى بعض وسيأتي وجه آخر. وقال الراغب الأصبهاني: بل لكونه جمع ثمرات الكتب السالفة المنزلة. وهذا أصح لكونه جمع ثمرات الكتب السالفة المنزلة لأنه لا يُقال لكل جمعٍ قرآن، هذا لا شك ولا لجمع كل كلامٍ قرآن، هذا لا شك وخاصةً إذا صار علمًا على كلام الرب جل وعلا حينئذٍ لا يصح نقله. وقيل: لأنه جمع أنواع العلوم كلها. هذه بعض الأقوال التي ذكرها السيوطي رحمه الله تعالى في ((الإتقان)) وكذلك الزكشي في ((البرهان)) ونقول: والأظهر والله تعالى أعلم أن القرآن في اللغة مصدر قَرَأَ - يعني ما سيأتي هو الأصح - مصدر قرأ بمعنى: تلا. أو بمعنى: جَمَعَ. مصدر قرأ بمعنى: تلا. أو بمعنى: جمع. لأن قَرَأَ يستعمل في التلاوة بمعنى التلاوة ويستعمل في معنى الجمع فهو لفظٌ مشترك أو مشترك لفظي مثل القرح والعين زيدت فيه الألف والنون كما زيدتا في الغفران يعني: القرآن الألف والنون زائدتان. تقول: قَرَأَ قَرْءًا وقرآنًا كما تقول: غَفَرَ غَفْرًا وَغُفْرَانًا فعلى المعنى الأول تَلا فهو مصدرٌ بمعنى اسمٍ المفعول، فحينئذٍ يكون القرآن بمعنى الْمَقْرُوء أي: الْمَتْلُوّ. فسمي القرآن قُرْآنًا لكونه مَتْلُوًّا لأنه مأخوذٌ من قَرَأَ بمعنى: تَلا. ويدل عليه قوله تعالى: {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} [القيامة: 17، 18]. يعني: تلاوته. فصار القرآن هنا مصدر لمعنى اسمٍ المفعول أي: الْمَتْلُوّ. فلذلك نقول: هذا المعنى صحيح سُمِّيَ الْقُرْآن قُرْآنًا لكونه مأخوذًا من قَرَأَ بمعنى تلا فيكون من إطلاق المصدر وإرادة اسم المفعول فالْقُرْآن فُعْلان بمعنى الْمَفْعُول بمعنى الْمَقْرُوء والقرآن كلام الله تعالى مَقْرُوءٌ وهو متلو ولا شك في هذا فالمعنى صحيح.

وعلى المعنى الثاني الذي هو جَمَعَ، قلنا: قَرَأَ يأتي بمعنى تَلا ويأتي بمعنى جَمَعَ - كما ذكرناه في السابق - إنه يقال: قَرَأْتُ الماء في الحوض. بمعنى: جمعته. أي: جمعته. وعلى المعنى الثاني جَمَعَ فهو مصدرٌ بمعنى اسم الفاعل فالقرآن بمعنى قارئٍ جامع، القرآن جامع، جامعٌ لأي شيء؟ جامعٌ لثمرات علوم الكتب السماوية التي أُنْزِلَتْ قبله وزاد عليها أليس كذلك؟ أليست أصول التوحيد والغيب والإيمان باليوم الآخر موجودة في القرآن؟ إذًا جمع، وموجودة قبل ذلك لأنه متفقٌ عليها بين الأنبياء فهي موجودةٌ في ما سبق وزاد عليها بأمور انفردت بها شريعة النبي صلى عليه وآله وسلم، ولذلك جاء في القرآن {مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ} [الأنعام: 38] {مِن شَيْءٍ} هذا نكرة في سياق النفي وزيدت عليها {مِن} فدل على أنها نصٌ في العموم إذًا {مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ} [الأنعام: 38]. وعليه فالقرآن أصله مهموز لأن أصله ماذا؟ قَرَأَ سواءٌ كان بمعنى تلا أو بمعنى جَمَعَ لأنه يستعمل في المعنيين تلا، وجمع فيكون القرآن الأصل فيه أنه مهموز أو ليس بمهموز؟ مهموز هذا هو الأصل فيه فإذا قرأ ابن كثير قران نقول على أي جهة؟ على جهة التخفيف أصله قرآن، فخفف بإسقاط حركة الهمز إلى الراء فحذفت الهمزة فصار قران. على الهمز وترك الهمز وزنه فُعْلان مطلقًا سواءً ذكرنا الهمز نطقنا بها أو لم ننطق بالهمزة لماذا؟ لأن الهمز هنا حذفت تخفيفًا يعني: لعلة لغرض. فحينئذٍ صارت كالموجودة فتراعى في الوزن، إذًا وعليه فالقرآن أصله مهموز خُفِّفَ بنقل حركة الهمز إلى الساكن قبلها ثم حذفت فوزنه فُعْلان، وعلى قول الشافعي رحمه الله تعالى وزنه فُعَال. فرقٌ بين فُعْلان وبين فُعَال، واستشكل البعض باجتماع معرفين وهي: الْعَلَمِيَّة والألف واللام. القرآن، القرآن صار علم على كلام الرب جل وعلا، والعلم معرفة وال المعرفة لا تعرف المعرفة أليس كذلك؟ لا تدخل على المعرفة وإنما تدخل على النكرة نَكِرَةٌ قَابِلُ أَلْ مُؤَثِّرَا إذًا ضابط النكرة كل ما صَلَحَ لدخول أل عليه والقرآن بدون أل علم على كلام الرب جل وعلا فحينئذٍ نقول: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [الإسراء: 9]. هذا قرآن أَتَى بأل وهي معرفة وقرآن حيث هو قبل دخول أل هو علم فكيف عُرِّفَ الْمَعْرِفَة؟ فالجواب أن يقال: أمرٌ سهل أن أل هذه زائدة وليست للتعريف، وإنما هي للمح الصفة، لمح الصفة يعني: قبل جعل لكونه منقولاً إذا نُقل الاسم فصار علمًا حينئذٍ صار علمًا إذًا صار تعريفه بالْعَلَمِيَّة فهو نوعٌ من أنواع المعارف إذا أردت الإشارة عند التكلم للدلالة على أنه منقولٌ عن ذاك المعنى تُدْخِلُ عليه أل وهذه الأل زائدة ليست معرفة ولذلك قال ابن مالك: نكرةٌ. رحمه الله قال: نَكِرَةٌ قَابِلُ أَلْ مُؤَثِّرَا

أل المعرفة. ليست كل أل تكون للتعريف قد تكون أل مؤثر التعريف يعني: استفاد منها مكفولها التعريف رجل الرجل صار معرفةً، وليد الوليد هكذا يقول الناس: أبو الوليد. الوليد وليد تقول: هذا اسم علم منقول وليد فعيل يعني: مولود هو مولود هذا وصف نقل إلى الْعَلَمِيَّة فحينئذٍ إذا أردت الدلالة على المعنى الذي نُقِلَ عنه وأنه مولود تُدخل عليه أل فتقول جاء الوليد تشير إلى ماذا؟ أل هذه ليست معرفة لأنه هو معرفة علم وإنما تشير إلى كونه منقولاً عن ذات الوصف الذي هو كونه مولود. كذلك عباس علم مشتق من العبوسة فإذا رجل اسمه عباس وقد وافق الاسم المسمى في وجه عبوس وكذا فتقول: جاء العباس. تقصد به ماذا؟ أنه جاء عابس الوجه وإلا هو لوحده عباس هذا عَلَم حينئذ لا يعرف، القرآن قرآن علم فإذا أدخلت عليه أل دلَّ على أن منقول من قَرَأَ بمعنى: تَلا. أو من قَرَأَ بمعنى: جَمَعَ، ولا إشكال. واستشكل البعض اجتماع معرفين وهما الْعَلَمِيَّة والألف واللام وواضح أن اللام زيدت للمح الصفة. إذًا عرفنا أن القرآن هذا لفظ إذا أطلق انصرف إلى كلام الرب جل وعلا، إذًا صار علمًا علم جنس أو علم شخص؟ علم شخص، لماذا؟ لأن مدلوله مشخص محدود، وهذا المحدود هل هو في الذهن أو في الخارج؟ في الخارج فحينئذٍ صار علم لشخص هذا من باب التفسير الفرق بين علم الجنس وعلم الشخص، علم الجنس مدلوله في الذهن لا وجود له في الخارج فحينئذٍ إذا قيل القرآن علم من أي النوعين؟ علم شخص أو علم جنس؟ نقول: علم شخص. شخص من التشخص له شخص له ماهية له حقيقة يدرك حينئذ تقول: هذا القرآن من أوله إلى آخره. إذًا هذا صار شخصًا فصار له كالعَلَمِ الشخصي، ويطلق بالاشتراك اللفظي على مجموع القرآن كل القرآن مسماه قرآن من الفاتحة إلى الناس ويطلق على بعضه، إذا سمعت شخصًا يتلو آية فتقول: يتلو قرآن. {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ} [الأعراف: 204] قرأ القرآن ماذا؟ كله أو بعضه؟ بعضه إذًا صح إطلاقه على بعض كلام الرب جل وعلا، ولذلك هو نقول: يطلق بالاشتراك اللفظي على مجموع القرآن كل القرآن من أوله من الفاتحة إلى سورة الناس، وعلى كل سورة من سوره، وعلى كل آية من آياته، ولذلك إذا سمعت من يتلو آية من القرآن صح أن تقول: إنه يقرأ القرآن. والآية واضحة {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ} [الأعراف: 204] وإذا قيل: إنها في الصلاة. حينئذ لا يقع في الصلاة في الركعة الواحدة أو الركعتين كل القرآن إنما يقرأ بعض القرآن فصح إطلاق لفظ القرآن عليه، هذا من جهة القرآن من جهة المعنى اللغوي ومن جهة الاشتقاق.

أما مسماه في الاصطلاح يعني الشرعي المشهور في تعريفه بالطبع لا يمكن في مثل هذا أنه يُؤتى بحد على طريقة المناط إلا اللهم في حالة واحدة. إذا قيل: ما هو القرآن؟ وأردت تعريف القرآن بحد تام يصدق على مسمى القرآن حينئذ تقول: إذا أريد تعريف القرآن بحد تام لا يَدْخُلُ فيه غيره ولا يخرج عنه فرد من أفراده تقول: القرآن هو: {بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: 1، 2] وتقرأه من أوله إلى {مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ} ... [الناس: 6] صحيح إذا أُرِيد تعريف القرآن بحد شامل ما يُسمَّى بالحد الحقيقي لا يخرج عنه فرد من أفراده ولا يدخل فيه غيره ولا يَرِدُ عليه غيره أي إيراد فتقول: القرآن هو: {بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ} ثم تقرأ القرآن كاملاً إلى آخره، وأما ما عداه فحينئذٍ لا بد من التقريب فقط ولو طبقت عليه من باب الإخراج والإدخال هذا من باب التقريب ولذلك يسمى رسمًا، أما الحد الحقيقي فهو كما ذكرناه، وذلك بعضهم يدخل قيدًا وبعضهم يخرج الآخر وهلم جر يعني: يختلفون في القيود التي يمكن أن يُحَدَّ بها القرآن. والمسلم لا يحتاج أن يُعَنْوَنُ له فيقال: القرآن كلام الله إلى آخره إلا من باب إثبات أنه صفة لله عز وجل وما زاد على ذلك فهو معلوم والمشهور في تأليفه أنه: كلام الله تعالى المنزل على رسوله وخاتم أنبيائه محمد - صلى الله عليه وسلم - المتعبد بتلاوته المبدوء بسورة الفاتحة المختوم بسورة الناس. وسيأتي أنه زاد في النظم هناك في المقدمة: المعجز بلفظه. وسيأتي أنه هذا من فوائده. إذا قيل: بأن هذا هو مسمى القرآن نحن نُفسر الآن ما هو؟ نُفسر مسمى القرآن عندنا اسم وعندنا مسمى، لو قيل: ما الدليل على أن هذا التعريف هو مسمى القرآن؟ لو قال لك قائل: ما الدليل أنت الآن تقول الله عز وجل بقول: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي} [الإسراء: 9]. وأنت تقول: أن هذا القرآن مسماه كلام الله تعالى إلى آخره ما الدليل؟ نقول: الدليل قوله جل وعلا: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنزِيلاً} [الإنسان: 23]. فدل على أن المنزل هو القرآن وليس ثم منزل إلا كلام الرب جل وعلا كذلك قوله تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [يوسف: 2]. فدل على أن المنزل هو: القرآن. وهو: كلام الرب جل وعلا. إذًا كلام الله فكلام هذا على اصطلاح المناطقة جنس يشمل كل كلام، كلام الإنس، كلام الملائكة، كلام الجن إلى آخره كل من يمكن أن يتكلم فيصدق عليه أنه كلام، لما أريد تقيده وإخراجه ما عدا كلام الرب جل وعلا أضيف لأن التقيد إما أن يكون بوصف أو بإضافة «خمس صلوات» حصل التقييم هنا بماذا؟ بالإضافة، {وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ} [البقرة: 221] حصل هنا بالوصف.

إذًا كلام الله أضيف الكلام إلى لفظ الجلالة فأخرج ما عداه من كلام الإنس والجن والملائكة، كلام الله تعالى كلام مسمى كلام الرب جل وعلا على ما هو المقرر في كتب النحو أنه اللفظ والمعنى معًا، لأن كثير ممن يكتب في هذه المسائل في علوم القرآن وفي التفسير إنما يقصدون بالكلام هو: المعنى دون اللفظ إلا في أصول الفقه فيعنون به اللفظ مجازًا، والمعنى يحيلونه على علم أصول الدين ولذلك عَرَّف القرآن السيوطي في ((الكوكب الساطع)) بقوله: أما القران ها هنا. جزء القرآن. أما القرآن ها هنا فالمنزل ... على النبي معجزًا يفصَّل إذًا القرآن في كتب أصل الفقه المراد به اللفظ، والمراد بالقرآن في أصول الدين عندهم علم الكلام ليس في العقيدة السلفية إنما هو علم محدث مبتدع المراد به الكلام النفسي، وإطلاق الكلام على المعنى النفسي أو الحديث حديث النفس هذا إطلاق حقيقي، واختلفوا في إطلاق الكلام على اللفظ هل هو حقيقي أو مجازي؟ المرجح عندهم أنه مجاز لماذا؟ لأن حقيقة صفة كلام الرب جل وعلا هو المعنى القائم بالناس والكلام أو اللفظ، اللفظ عبارة ودليل عن المعنى القائم بالنفس وهذا باطل بالنص لقوله جل وعلا: {وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللهِ} [التوبة: 6]. والذي يسمع هو اللفظ دالاً على معناه، وهذا واضح ولا إشكال فيه ولذلك لا يعرف خلاف عن السلف في مثل هذه المسائل، والخلاف محدث وقيل: أول ما قال بالتفرقة هو الكُلابي. ولذلك الأشاعرة كُلابية المعنى هم يرجعون إلى الكُلابي من جهة إثبات أن المراد بالكلام هو المعنى النفسي وإطلاقه بأن المراد به المعنى النفسي يرده النص الذي ذكرناه ويرده إجماع النحاة بأن الكلام هو اللفظ المركب المفيد بالوضع، هذا مجمع عليه عند النحاة، وكذلك لو صح إطلاق القول على، لأن القول كلام بمعنًى لو صح إطلاقه على المعنى النفسي حينئذٍ لم احتاج إلى قيد في قوله تعالى: {وَيَقُولُونَ فِي أَنفُسِهِمْ} [المجادلة: 8]. لأن حديث النفس هذا لا ينكره أحد هو موجود لا إشكال فيه هل أحد ينكر حديث النفس المعنى القائم في النفس؟ لكن هل هو كلام حقيقة أو لا؟ هذا محل النزاع هم يقولون: إذا أطلق لفظ الكلام؟ هكذا دون أن يقيد انصرف إلى معنى قائم بالنفس ولا يدل على اللفظ إلا بقرينه لأنه مجاز كذلك إذا أطلق القول انصرف إلى ماذا؟ إلى ما في النفس ولا يدل على اللفظ إلا بقرينه لأنه مجاز. نقول قوله جل وعلا: {وَيَقُولُونَ فِي أَنفُسِهِمْ} [المجادلة: 8]. {فِي أَنفُسِهِمْ} ... [المجادلة: 8] جار مجرور متعلق بقوله: {وَيَقُولُونَ} [المجادلة: 8]. فلو كان القول إذا أطلق عن القيد انصرف إلى المعنى النفسي لما قيده؟ كأنه قال: يقولون في أنفسهم في أنفسهم. لأن القول إذا أطلق انصرف إلى المعنى النفسي فلم قيد؟ فدل على ماذا؟ دل على أن الأصل في اللفظ أن الأصل في القول هو اللفظ لأن العلم معناه ولذلك عبارة شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى يقول: الكلام للفظ والمعنى كالإنسان للجسد والروح. الآن إذا قيل: هذا إنسان. نقول: هذا إنسان مسماه الجسد والروح معًا. هل هو الروح دون جسد أو الجسد دون الروح؟

لا، لا يمكن أن يطلق ويراد به الإنسان، ولذلك من الباطل أن يقال: ... {أَسْرَى بِعَبْدِهِ} [الإسراء: 1]. أنه بروح دون جسد نقول: العبد إذا أُطلق يحمل على مسماه وهو الروح والجسد معًا. فإثبات الإسراء للروح فقط دون الجسد يحتاج إلى دليل نقول: لا مانع في الشرع لكن ائت بدليل، والأصل حمل اللفظ على ظاهره كذلك الكلام بالنسبة للفظ والمعنى كالإنسان باعتبار الجسد والروح. على كلٍ إطلاق الكلام على ما المعنى القائم بالنفس نقول هذا محدث وبدعة وضلال. لماذا؟ لأنه ينبني عليه تحريف كلام الرب جل وعلا وبأن القرآن الذي بين أيدنا المكتوب في المصاحف المحفوظ في الصدور هذا ليس بكلام الرب جل وعلا، حينئذٍ صاروا بذلك يقولون الأشاعرة كالمعتزلة في أن القرآن مخلوق لكن يقولون: لا يُصرح به تأدبًا وإنما يذكر في مقام التعليم فقط عند الطلاب. يقال: القرآن مخلوق. وما عدا ذلك لا يكون كلام الله والإضافة حينئذٍ تكون من باب إضافة تشريف {نَاقَةَ اللَّهِ} [الشمس: 13] مثلها كلام الله، وهذا باطل. على كلٍّ كلام الله لفظًا ومعنى وانتبهوا من الكتب التي في التفاسير وفي علوم القرآن ونحوها ولذلك يذكروا حتى في المصطلح لا يكاد يَسْلَم يقولون: الحديث ضد القديم. في تعريف الحديث ضد القديم قد يكون في اللغة لا إشكال يُبحث عنها لكن يقول: هو سمي الحديث حديثًا لماذا؟ لأنه مقابلٌ لكلام الرب جل وعلا لأنه ماذا؟ قديم صفةٌ قديمة قائمةٌ بالنفس. وهذا باطل. فتجد لوثة الأشعرية لا يكاد يسلم منها علم في النحو، في الصرف، في البيان في البيان حدث ولا حرج. كلام الله تعالى المنزل على عبده، المنزل يخرج كلام الله الذي استأثر به هل كل كلام الله جل وعلا منزل؟ هل كلام الله هو القرآن فحسب أم أنه أعم؟ القرآن من كلام الله من بعض كلام الرب جل وعلا وليس كل كلام الرب جل وعلا فلذلك ليس كل كلامٍ يكون مُنَزّل فقوله: الْمُنَزَّل. كلام الله تعالى المنزل احترز به أو أخرج عن كلام الرب جل وعلا الذي استأثر به ولم ينزل {قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً} [الكهف: 109] على محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - يُخْرِجُ ما أَنْزَلَ من الكتب أو ما أُنْزِلَ من الكتب على الأنبياء قبله كالتوراة، والإنجيل وغيرهما لأنه مقيد (الْمُنَزَّلُ) على محمد قد أنزل الرب جل وعلا التوراة، وأنزل الإنجيل وهي من كلامه جل وعلا لكنها ليست بقرآن وعند الأشاعرة ونحوهم كلها قرآن المعنى واحد واختلف باختلاف ماذا؟

المنزل عليه، فالقرآن سُمِّيَ قرآنًا لكونه منزل على محمد وسمي عينه توراة وسمي إنجيلاً هذا كله من الخلط. إذًا على محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - يُخرج ما أنزل من الكتب على الأنبياء قبله كالتوراة والإنجيل وغيرهما كصحف إبراهيم وموسى، متعبد بتلاوته ما المراد بالمتعبد؟ يعني: ما أمر به الشرع أن يُتَّخَذَ عبادة، لأن العبادة هذا شأنها اسمٌ جامعٌ لكل ما يحبه الرب جل وعلا ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة، نقول: هذا عبادة. كل ما أمر به الشرع فهو عبادة كل ما حبه الشرع فهو عبادة، كل ما جاء النص بأن الرب جل وعلا رضي عنه فهو عبادة، كل ما مُدِحَ فَاعِلُوه فهو عبادة. كيف نحكم على الشيء بأنه عبادة، هل كل قول بأنه عبادة؟ لا. هل كل فعل هو عبادة؟ نقول: لا، لا بد من ضابط وهذه المشكلة قد يُشكل على البعض حتى من طلاب العلم كون هذا الشيء عبادة أو ليس بعبادة ما الذي ينبني عليه؟ ينبني أولاً أنك تعرف أن هذا عبادة وصرف العبادة لغير الله جل وعلا كلها أو بعضها ما حكمه؟ شرك. إذًا الذي لا يميز العبادة عن غيرها كيف يسلم من الشرك، عبادة قد تكون بالقلب، وقد تكون باللسان، وقد تكون بالجوارح، إذًا ثلاثة الأركان محلٌ للتعبد للرب جل وعلا قولاً وعملاً وتركًا فالذي لا يميز هذا عن ذاك لا يكاد يسلم من الوقوع في الشرك ولو كان خفيًّا، إذًا المتعبد بتلاوته أي: المأمور بتلاوته وقراءته في الصلاة وفي غيرها على وجه قربة والطاعة حينئذٍ نقول: القرآن متعبدٌ بتلاوته. أخرج ماذا؟ الحديث القدسي على القول بأن لفظه ومعناه من عند الرب جل وعلا، وأما إذا قيل بأن المعنى من عند الرب جل وعلا ولفظه من عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فلا إخراج وإنما يكون الإخراج حينئذٍ للآيات المنسوخة (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما) فقل هذا نُزل أولاً لكنه رُفِعَ فحينئذٍ لا يكون متعبدًا بتلاوته، نحن نعرف أن هذه كانت آية لها حرمة ولما نسخت تلاوتها هل يصح أن تُقْرأ في الصلاة؟ لا يصح. هل هي كلام الرب منزل؟ نعم كان ثم رفعت لها الحرمة بالنسخ ولله عز وجل أن ينسخ ما يشاء كما يشاء فحينئذٍ نقول: هذه منسوخة فلا يُتعبد بتلاوتها. إذًا المتعبد بتلاوته أخرج الحديث القدسي إن قلنا: إنها منزلةٌ من عند الله تعالى بألفاظها فهو غير متعبد بتلاوتها وخرج أيضًا منسوخ التلاوة. إذا عرفنا أيضًا الآن الطرفين المركب الإضافي علوم القرآن علوم في اللغة والاصطلاح، والقرآن في اللغة في الشرع يرد السؤال ما المراد بـ: علوم القرآن بالمعنى الإضافي؟

فبناءً على هذين التأليفين يمكن أن نعرف القرآن بالمعنى الإضافي فنقول: علوم القرآن عبارةٌ عن طوائف المعارف المتصلة بالقرآن. طوائف بمعنى طائفة مثل قوله هناك: جملة. يعني: بعض. طوائف المعارف جمع معرفة والمراد بها المساء لأنها جزئيات ولذلك بعضهم يفرق بين الجزئيات والكليات فيطلق على كليات بأنها علم على الجزئيات بأنها معرفة، المتصلة بالقرآن يعني: كل علمٍ له اتصالٌ من قريبٍ أو بعيدٍ فهو علمٌ من علوم القرآن فيدخل فيه العقيدة والتوحيد، والفقه، والحديث، وأصول الفقه، واللغة العربية بأنواعها، فكل علمٍ له عَلاقة بالقرآن فهو علمٌ من علوم القرآن واضح هذا. فحينئذٍ صار علوم القرآن مرادفًا لعلوم الشريعة صار لفظ علوم القرآن بالمعنى الإضافي مرادفًا لعلوم الشريعة لأن علوم القرآن الفقه من أي مأخوذ؟ السنة عمومًا السنة ما الذي دل عليها في حجيتها وإثباتها؟ القرآن. إذًا هي داخلة في القرآن كل السنة من علوم القرآن، والفقه المستنبط من القرآن والسنة إذًا هو من علوم القرآن، وكلُ علمٍ كان وسيلةً للفقه في الوحيين دل عليه بماذا؟ بالقرآن إذًا كل العلوم الشرعية من علوم القرآن، كل ما اتصل بالقرآن من قريبٍ أو بعيدٍ فهو علمٌ من علوم القرآن، لكن هل هذا يصح هنا أن يجعل عنوان لعلمٍ يستقل بحدٍ أو موضوعٍ يطابق به الحديث والتفسير وأصول الفقه و .. و .. و ... إلى آخره هل يصلح هذا أن يكون فنًا يتميز بنفسه وبموضوعه عن سائر الفنون؟ الجواب: لا، حينئذٍ صار هذا التعريف، التعريف ثابت ولا بد لأن دلالة اللفظ بالتركيب الإضافي تدل على هذا فحينئذٍ نقول: هذا التعريف لا يصلح أن يكون لفنٍ مستقلٍ عن غيره من الفنون فلا بد من تعريفٍ أدق وأضبط بحيث يصير عَلَمًا دون الأول. إذًا نقول: علوم القرآن عبارة عن طوائف المعارف المتصلة بالقرآن. يعني: كل معرفةٍ اتصلت بالقرآن تدخل تحت علوم القرآن بالمعنى الإضافي فيشمل ذلك كل العلوم الشرعية من التفسير والحديث والفقه والأصول واللغةِ فكل هذه العلوم تعين على فهم معاني القرآن ومقاصده، فكل ما يتصل بالقرآن من قريبٍ أو بعيدٍ يدخل تحت هذا التعريف فصار علوم القرآن مرادفٌ لكل العلوم الشرعية، فحينئذٍ لا بد من تخصيص هذا المفهوم فنقول بالحد الثاني وهو كونه لقبًا وعلمًا على الفن المستقل بذاته وبموضوعه علوم القرآن: هو علمٌ ذو مباحث تتعلق بالقرآن الكريم من حيث نزوله، وترتيبه، وكتابته، وجمعه، وقراءته، وتفسيره، وإعجازه، وناسخه ومنسوخه، ومحكمه، ومتشابهه. إلى غير ذلك من المباحث التي تُذكر في أنواع علوم القرآن. حينئذٍ تقول الاختصار: علمٌ ذو مباحث تتعلق بالقرآن الكريم من حيث نزوله، وترتيبه، وما يتبع ذلك من التتمات التي ستذكر في أنواع علوم القرآن.

أنواع علوم القرآن هي مسمى هذا الفن الذي يكون بالمعنى اللقبي العالمي بحيث إذا أُطلق اللفظ انصرف إلى هذا المعنى، إذا قيل: أصول الفقه انصرف إلى القواعد الكلية الإجمالية التي تثبت بها الفقه، إذا قيل: علوم القرآن. بالمعنى الإضافي ينصرف إلى أي شيء لا يتعين مسماه لأنه يُعم كل العلوم الشرعية لكن نريد أن نحده بحل بحيث إذا أطلق انصرف إلى معنى معين فنقول: علوم القرآن هي المباحث التي ذكرها الناظم هنا (بالخَمْسِ والخَمْسِينا) من الخمسةِ والخمسين نوعًا، فكل نوعٍ من هذه الأنواع الخمسة والخمسين هي من مسمى علوم القرآن ولذلك قيل: علمٌ ذو مباحث تتعلق بالقرآن الكريم من حيث نزوله وما يتبع ذلك. ولذلك قال الناظم: (مِنْ جِهَةِ الإِنْزَالِ ونَحْوِهِ) لأنه لا يمكن أن يعد ثمانين أو يعد مائة واثنين أو يعود خمسة وخمسين ويجعلها تعريف، لا، وإنما كل ما يتعلق بفهم القرآن على جهةٍ معينة خاصة وهي الوقوف على مكيه، وترتيبه، ونزوله، وآياته وعدد سوره إلى آخره هذا هو مبحث فن علوم القرآن. إذًا عرفنا حد علوم القرآن. إذًا يسمى علوم القرآن وهذا هو المشهور يرادفه عند المتقدمين علوم التفسير سواء كان بالإفراد أو بالجمع يقال: علم القرآن. كما ذكرناه عن مقاتل بالأمس {يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ} [البقرة: 269] قال: الحكمة ما هي؟ علم القرآن. وذاك عن سفيان قال: الفهم والإصابة. علم القرآن مفرد ولكنه أضيف إلى ماذا؟ إلى معنى فاكتسب التعريف فصار علوم القرآن ولذلك يقال: علم القرآن وعلوم القرآن. بالإفراد وبالجمع ويرادفه عند كثيرين علوم التفسير وعلم التفسير ولذلك سمى السيوطي رحمه الله كتابه ((التحبير في علم التفسير)) هذا على النسخة المطبوعة، وفي ((الإتقان)) قال: ((التحبير في علوم التفسير)) علوم بالجمع في علوم التفسير وهو مرادفٌ لعلوم القرآن ويسمى أصول التفسير ويسمى علم التفسير ويسمى علم التنزيه ويسمى أيضًا قواعد التفسير كلها أسماء لمسمى واحد. موضوعه: كلام الله تعالى من حيثيةٍ مذكورة يبحث في أي شيء هذا الفن يبحث في ماذا؟ في كلام الله جل وعلا من حيث نزوله وترتيبه إلى سائر الأنواع التي تذكر في مظانها. فائدته: التوصل إلى فهم معاني القرآن والعمل بما فيه بعد الفهم، ولذلك ما أنزل القرآن إلا من أجل العمل ولذلك عند جماهير أهل العلم أن التفسير واجبٌ بدليل قوله تعالى: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد: 24]. ذمهم أو لم يذمهم؟ ذمهم والذم إنما يترتب على ماذا؟ على ترك واجب، والتدبر إنما يكون بعد الفهم يعني: يتأمل ويتدبر ثم يحصل العبرة والعظة من النظر في القرآن ولم ينزل القرآن من أجل أن يقرأ فقط وإن كان متعبد بتلاوته لكنه ليس هو المقصد الأساسي من إنزال القرآن وإنما المراد به العمل. واضعه: الرب جل وعلا ونبيه - صلى الله عليه وسلم - لذلك هو علم إلهي وإن استنبط بعض أهل العلم بعض الفوائد فمصدرها في الأصل هو: القرآن. استمداده: من القرآن نفسه والسنة وأساليب العرب. مسائله: ما يبحث فيه من معرفة المكي، والمدني، والصيفي، والشتائي إلى آخره.

نسبته: أنه من العلوم الشرعية ولا شك بل يتوقف فهم معاني كلام الرب جل وعلا وهو التفسير على معرفة أنواع علوم القرآن. فضله: أنه من أشرف العلوم وأجلها. لأن العلوم تشرف بشرف موضوعاتها وموضوعه أجل وأشرف لأنه كلام الرب جل وعلا، هذا العلم من حيث النشأة بعضهم يرى أنه لم يكتب في علم علوم القرآن إلا متأخرًا بل ذكر السيوطي أنه لم يعرف إلا الْبُلْقِيني رحمه الله تعالى في كتابه: ((مواقع العلوم من مواقع النجوم)). فقال: أول من ألف في علوم القرآن على جهة الجمع هو الْبُلقيني فبدأ ثم هو أتمه في كتبه الثلاثة لأنه ألف أولاً: ((التحبير))، ثم ألف بعد ذلك ((الإتقان))، و ((التحبير)) ذكر فيه مائة ونوعين من أنواع علوم القرآن، ثم ألف ((الإتقان)) يعني: وسع المدارك. وجمع بعض تلك الأنواع مع بعض فصيرها ثمانين نوعًا، ثم اختصر قيل اختصر ((مواقع العلوم)) للبُلقيني في رسالته ((النقاية)). لكن هذا الكلام ليس بسديد كون البلقيني هو أول من صنف في علوم القرآن ليس بسديد بل علوم القرآن نشأت مع نزول القرآن وإن لم تدون ابتداءً إلا على جهة العلم الجزئي لأن التأليف لما كان هنا وهذا أمرٌ يعني يدرك بالحس أيضًا كالطفل أول ما ينشأ يَنشأ شيئًا فشيئًا مثله العلوم لكنها تكون موجودة أولاً في عهد الصحابة ثم بعد ذلك من جهة التزويد تنشأ كنشأة الطفل شيئًا فشيئًا ولا تولد هكذا وإنما تكون مستقرة، ولذلك كيف صار ابن عباس رضي الله تعالى عنهما تُرجمان القرآن فقد دعا له النبي - صلى الله عليه وسلم - بأن يعلمه الكتاب في رواية البخاري يعلمه التأويل وراوية البخاري أعم يعلمه الكتاب يعني: علم الكتاب، وعلم الكتاب هذا أعلم من التفسير وإن فُسِّرَ التأويل بمعنى التفسير على طريقة السلف. فحينئذٍ نقول: ترجمان القرآن صار مفسرًا صار إمامًا في التفسير صار مرجع الأمة حجة في التفسير وهل يمكن أن يكون كذلك دون الوقوف على المكي والمدني وأسباب النزول ونحو ذلك؟ لا يمكن لأن بالمكي مثلاً والمدني يعرف المتأخر من المتقدم فعند عدم الإمكان يحكم بأن المدني ناسخ للمكي إذًا ينبغي عليه فائدة كبيرة عند المفسرين، كذلك أسباب النزول هذه تفيد في فهم كما نص شيخ الإسلام رحمه الله على ذلك أنها تعين على فهم المراد من الآية، قد يغلق المعنى على المفسر فإذا وقف على سبب النزول أدرك حينئذٍ صار معينًا أو لا؟ صار معينًا لا شك فحينئذٍ نقول: العلم كان موجودًا. ولكن الصحابة لكونهم فصحاء وأرباب اللغة واللسان ومعاينته للنبي - صلى الله عليه وسلم - قد يُدركون الكثير دون حاجةٍ إلى السؤال عنها من النبي - صلى الله عليه وسلم - فيدركون ما أشكل عليهم أو خفي عليهم سألوا عنه، ولذلك لم يفسر كل القرآن للنبي - صلى الله عليه وسلم - لماذا؟ لأن بعضه يدرك كما نص ابن عباس على ذلك أنه على أربعة أنحاء بعض يدركه العربي القح فيفهم المراد دون الرجوع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ولذلك كان ما ثبت في تفسير القرآن من الحديث المرفوع عن النبي أقل لو نظر إلى - هو في نفسه كثير - لكن باعتبار القرآن ستة آلاف آية مثلاً فنقول: هذا قليل. لماذا؟

ما وجهه ما سره الصحابة فصحاء أقحاح يعني: يفهمون من اللغة من النحو والبيان والصرف وإن لم تدون تلك العلوم. ولذلك كما قيل في فن أصول الفقه أنه موجودٌ بالسليقة والطبيعة ومأخوذ في أنفسهم والنحو كذلك فنقول: كذلك علوم القرآن موجودة عندهم وهم أهل القرآن، وهم أهل التفسير وهم أعلم ممن جاء بعدهم بتفسيرهم أو الوقوف على مراد الرب جل وعلا وما هذه العلوم إلا شروط في المفسر، فحينئذٍ نقول: العلم كان موجودًا. لما توفي النبي - صلى الله عليه وسلم - واتسعت رقعة البلاد وكثر الناس ووقع شيءٌ من الخلاف والاختلاف في القراءة ظهر أول نوعٍ من أنواع علوم القرآن وهو: جمع القرآن. ثم نشأ رسم القرآن أو الرسم العثماني وهو نوعٌ من أنواع علوم القرآن إذًا وجد أو لم يوجد؟ وجد، كذلك التفاسير التي وجدت من عهد التابعين ولذلك ينسب تفسيرٌ لسعيد بن جبير وأيضًا الحسن البصري وشعبة بن الحجاج وسفيان بن عيينة ووكيع بن الجراح، كلهم جمعوا تفاسير في أقوال الصحابة أو جمعوا أقوال الصحابة في التفسير وكبار التابعين. والتفسير ما هو التفسير؟ هو نوعٌ من أنواع علوم القرآن، وما علوم القرآن إلا خدمة لعلم التفسير، فهو أجل أنواع علوم القرآن فإذا وجد أجل أنواع علوم علُوم القرآن وكانت سائر علوم القرآن خدمة لهذا الفن وهو فن التفسير هل يمكن أن يقال بأن علوم القرآن لم يدون فيه شيئًا البتة حتى جاء الْبُلقيني؟ والتفاسير هذه من لدن سعيد بن جبير إلى عهد البلقيني كلها نقول: ليست في علوم القرآن؟ الجواب: لا، لأنه ما من تفسير إلا ويذكر فيه سائر الأنواع من جهة الإنزال، من جهة الجمع، من جهة عدّ الحروف، من جهة القراءات، من جهة معرفة لكونه مكيًا، أو مدنيًا، حضري، أو سفري ... إلى آخره، فيذكر في ضمن التفاسير وإلا ابن جرير الطبري رحمه الله تعالى وهو مُتوفى سنة عشر وثلاثمائة قد جمع أجل تفسير إلى يومنا هذا، أعظم تفسير من تفاسير السلف هو تفسير ابن جرير الطبري رحمه الله تعالى ويغني عن غيرِهِ وغيرُهُ لا يغني عنه البتة فحينئذٍ نقول ماذا؟ نقول: وجد أهم وأعلى درجات أنواع علوم القرآن وما ذكر بأن الْبُلقيني هو أول من صنف إلى آخره فهذا ليس بسديد ولا نطيل في هذا المقام والوقت قد أدركنا. وصلَّ الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

3

عناصر الدرس * تابع للمبادئ العشرة. * الفرق بين القرآن والحديث القدسي. الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: قال المصنف رحمه الله تعالى: (حَدُّ عِلْمِ التفسيرِ) أراد أن يبين لك في هذا الباب بعضًا من مقدمة العلم الذي ذكرنا بعضها أو كلها في الدرس الماضي (حَدُّ عِلْمِ التفسيرِ) أي: هذا بابٌ (حَدُّ عِلْمِ التفسيرِ) حينئذٍ يكون حدُّ هذا خبرًا لمبتدأ محذوف على حدِّ مضاف يعني: أصل التركيب هذا باب حد علم التفسير فقيل: باب حد علم التفسير. ثم حذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه فارتفع ارتفاعًا، لكن لا يصح أن يقال: هذا حد علم التفسير. لا يصح هذا لا بد من تقديم مضاف وأصل التركيب على ما ذكرناه كما قال ابن مالك رحمه الله تعالى: الكلام وما يتألف منه. لا يمكن أن يقال الكلام هذا خبر لمبتدأ محذوف هذا كلام لا يصح لأنه ليس بكلام هو أراد ماذا؟ أراد شرح حد الكلام، هنا كذلك أراد بيان حد علم التفسير بالمعنى العام حينئذٍ لا بد من تقدير المضاف محذوف هو الأصل خبر والمبتدأ محذوف هذا باب حد هذا حذف للعلم به ثم قيل: باب حد علم التفسير. إذًا باب هو الخبر فحذف الخبر وأقيم وهو المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه فارتفع ارتفاعه، إذًا فإعرابه أن تقول هكذا: حد هذا خبر لمبتدأ محذوف على تقدير ماذا؟ على تقدير مضاف. هذا أسهل ما يقال فيه من جهة الإعراب ومن جهة الحركة يعني: يكون خبر لمبتدأ محذوف وحركته يكون للرفع. (حَدُّ) الحدّ هذا مصدر حَدَ يحُدُّ حَدًّا وله معنيان معنى لغوي ومعنى اصطلاحي. أما معناه اللغوي فهو: المنع. ومنه سمي البواب حدادًا لماذا؟ قالوا: لأنه يمنع من غير أفراد البيت من الدخول فيه كما يمنع الداخل أفراد الداخلين من الخروج عنه لذلك سمي ماذا؟ سمي حدادًا بواب سمي حدادًا لهذا لأنه يمنع الداخلين من الخروج إلا بإذن بالطرق ويمنع غير الداخلين من الدخول، إذًا هو جامعٌ مانع، وهذا هو معناها الاصطلاحي. الحد في الاصطلاح عند أرباب الأصول على جهة الخصوص الجامع المانع الجامع لأفراد المحدود من الدخول في الحد، المانع من دخول غير أفراد المحدود في الحد. الجامع المانع حَدُّ الحدِّ ... أو ذو انعكاس إِنْ تَشَأْ والطَّرْدِ يعني: يعبر بهذا أو يعبر بذاك المشهور أن الحد هو الجامع المانع، جامع لكل الأفراد أفراد المحدود مانع من غيرها أو من غير أفراد المحدود من الدخول في الحد كما تقول: الاسم كلمة دلت على معنى في نفسها ولم تقترن بأحد الأزمنة الثلاثة. كل أفراد الاسم لأن الاسم هذا هو الذي حُدّ كل أفراد الاسم زيد وعمرو وخيل وكتاب وحمار .. إلى آخره كلها داخلة في الحد الذي هو كلمة دلت على معنى في نفسها .. إلى آخره، وهل دخل غير أفراد الاسم من أفراد الفعل أو الحرف في الحد؟ الجواب لا، إذًا صار جامعًا مانعًا.

(حَدُّ عِلْمِ التفسيرِ) علم التفسير علم عرفنا المراد بالعلم، وهنا علم مفرد مضاف إلى التفسير حينئذ يعم كأن العلم هنا ليس واحدًا هي علوم حينئذ نقول هنا: أضف العلم وهو نكرة إلى المعرفة واكتسب ماذا؟ اكتسب العموم من باب قوله تعالى: {وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللهِ} [إبراهيم: 34]. يعني: تعدوا نعم الله. إذًا حد علم التفسير علم يعني: علوم التفسير. لأن العلوم متعددة هنا وليست بواحدة كما سيأتي أنه عدها خمسة وخمسين نوعًا. (حَدُّ عِلْمِ التفسيرِ) علم التفسير، التفسِير هذا تفعيل من فَعَلَ، فَعَلَ يُفَعِّلُ تَفْعِيلاً خَرَجَ يُخَرِّجُ تَخْرِيجًا كما أخذناه في القريب، حينئذٍ التفسير نقول: هذا مصدر. وعلم أيضًا مصدر فيكون من باب إضافة المصدر إلى المصدر لكن المراد هنا العلم المراد به المعلوم ليس عين العلم لماذا؟ لأنه كما ذكرناه المراد بالآحاد هو المعلوم، والجنس والمعنى الذهني هذا لا تعدد فيه لماذا؟ لأنه وحدة ذهنية وجودها في العقل والتعدد دائمًا يكون الآحاد والتجزئة والتفاوت إنما يكون في الخارج لا في الذهن، ولذلك إذا قيل: الاسم كلمة دلت على معنى في نفسها .. إلى آخر الحد أين وجود هذا الحد؟ في الذهن لا وجود له في الخارج إلا في ضمن أفراده، فإذا كان المحدود معرفًا فإذا كان المعرف جمعًا هذا لا يتصور وجوده في الذهن وإنما لا يكون في ماذا في خارج الذهن لماذا؟ لأن التعدد تعدد الأفراد إنما يكون في الخارج، ولذلك الإنسان يقال حيوان ناطق ماهية الإنسان وجودها في الذهن لكن أفراد الإنسان في الذهن أو في الخارج؟ لا يمكن أن توجد في الذهن زيد وعمرو وخالد يوجد في الذهن هذا مستحيل محال إنما يوجد في خارج الذهن الخارج عن الموجود العام، فتقول: هذا فضل وهذا محمد وهذا خالد. أما في الذهن فماهية الإنسان وحقيقة الإنسان هل هي متعددة؟ نقول: لا هي ليست متعددة بل هي شيء واحد وإنما الآحاد والأفراد تكون في الخارج. إذًا علم التفسير علم مصدر مراد به المعدود الذي هو متعدد في الخارج ولذلك قلنا: علوم التفسير. هذا تفعيل وهو مصدر أيضًا ولكنه معنًى عام ومعنًى خاص، معنًى عام مرادًا به ما يرادف علوم القرآن وهذا هو المشهور عند المتقدمين لذلك السيوطي رحمه الله تعالى والزركشي وغيره ممن كتب في علوم القرآن على جهة الجمع الكلي أو الجزئي بعض العلوم لم يفرقوا بين علوم القرآن وعلوم التفسير وقواعد التفسير وأصول التفسير بل هذه الأصح أنها كلها ألفاظ إن لم تكن مترادفة فهي متقاربة والفروق التي يمكن أن توجد بين هذه الأفراد هي فروق ليست جوهرية بحيث يفتقر كل مصطلح عن الآخر.

علوم القرآن سبق أنه علم ذو مباحث تتعلق بالقرآن الكريم من حيث نزوله وجمعه وكتابته وترتيبه ... إلى آخره، وعلوم التفسير كذلك كل ما يتعلق بالقرآن مما يعين على فهم مراد الرب جل وعلا وهذا أيضًا من ماذا؟ مشتمل على علوم القرآن لأن جوهر أنواع علوم القرآن ولب أنواع علوم القرآن يعتمد عليها التفسير، إذًا لا يكاد أن يثبت فرقًا بين علوم القرآن وعلوم التفسير، ولو وجد بعض أنواع فحينئذ لا تكون من أصول ولب العلم نفسه مثلاً بعضهم نقول عد الآي مثلاً من علوم القرآن وليست من علوم التفسير نقول: لو سلم لكن عد الآي هو لب في فهم علوم القرآن على جهة الخصوص أو فهم القرآن على جهة الخصوص؟ الجواب: لا، لا ينبني عليه والأصل في فهم كلام الرب جل وعلا أنه ما يعين على العمل وما يعين على التدبر وما يعين على الاتعاظ والتفكر والنظر كل ما يفيد وينتج هذه النتيجة العظمى الكبرى التي هي وظيفة المفسر نقول: هذا هو الذي يكون معينًا لعلم التفسير وما عداه كما هو في سائر الفنون كل فن فيه أصول وفيه مكملات، لو نظر في النحو فيه أصول وفيه مكملات، لو نظر إلى الصرف البيان علم مصطلح الحديث، علم الحديث، علم التفسير نفسه علم أصول الفقه لا بد وأن تجد أن ثمرة هذا العلم مثلاً كأصول الفقه تجد أن الثمرة متعلقة ببعض ما يبحث في أصول وليس بكل ما يكتب في أصول الفقه، لا، هذا لا يريد هذا العلم هذا، وإنما يريدون أن ثم بعضًا مما يكتب في فن أصول الفقه هو الذي يعتمد عند تطبيق العملي وما عداه يكون مكملاً، فمثلاً قاعدة مقتضى الأمر للوجوب يكون هذه قواعد أصولية لكن البحث فيها وإثباتها بأدلتها من الكتاب والسنة والنظر الصحيح أن نقول: إثباتها والبحث في دلالة الأمر على الوجوب عند الإطلاق والتجرد عن قرينة هو خارج عن أصول الفقه أو منه؟ منه لا شك، لا نفرق بين القواعد الأصولية وبين إثبات القواعد الأصولية كلاهما من أصول الفقه حينئذ البحث في إثبات أن مقتضى الأمر يقتضي الوجوب أو أن الأمر يقتضي الوجوب هذا يحتاج لمبحث خاص لا بد من الأدلة لا بد من ذكر ما يستقرئ من الكتاب والسنة وأقوال العلماء وحكاية إجماع الصحابة ونحوهم نقول: هذا البحث ثمرته ماذا؟

النتيجة أن الأمر يقتضي الوجوب مطلق الأمر يفيد الوجوب، نقول: القاعدة الأصولية هي الأخيرة هذه الثمرة لكن كونها هي القاعدة لا يلزم منه أن يكون الدليل أو طريقة أو بحث في إثبات هذه القاعدة خارجة عن أصول الفقه، كذلك إذا قيل: أصول التفسير. التي يستعملها مباشرةً المفسر الذي يعتني بإيضاح وكشف وإظهار مراد الرب جل وعلا من كلامه نقول: إثباتٍ كقواعد والنتائج لا يلزم منه أن يكون البحث في النوع من حيث هو خارجًا عن أصول التفسير أو قواعده حينئذٍ ينظر الباحث فيما يتعلق بأسباب النزول يبحثها كلها من أولها إلى آخرها قد يخرج بنتيجة هي التي يطبقها يقول: هذا أصول التفسير ولا شك وقواعد التفسير ولا شك لكن لا يلزم منه أن يكون إثبات قاعدة هو البحث في الفن نفسه أو النوع كله من أوله إلى آخره أن يكون خارجًا عن مقتضى ماذا؟ قواعد التفسير أو أصول التفسير، حاول البعض أن يجزأ هذه المسائل من المعاصرين ولا أظن أن اللفظ يساعدهم أو أن المعنى يقتضي ذلك، بل كل ما يبحث في علوم القرآن وهو لب له في جوهر العلم فلا بد أن يحتاجه المفسر، لذلك السيوطي رحمه الله قال: ((التحبير في علم التفسير)). أو ((التحبير في علوم التفسير)). ثم ألف كتابًا ضمنه التحبير وزاد عليه رتبه وهذبه قال: ((الإتقان في علوم القرآن)). إذًا لم يفرق بين علوم التفسير وعلوم القرآن. نعم التفسير له مصطلح خاص لأن التفسير بالمعنى الخاص نوع من أنواع علوم القرآن ولا شك لكن من حيث الأدلة الإجمالية أما من حيث كشف المفردات والتراكيب والجمل وإيضاح أن مراد الرب جل وعلا بكذا هو كذا هذا تفسير بالمعنى الخاص، إذًا (حَدُّ عِلْمِ التفسيرِ) المراد به حد علوم التفسير وإن شئت قل: حد علوم القرآن. وإن شئت قل: حد أصول التفسير. أو حد قواعد التفسير، كلها متقاربة أو مترادفة وحصول بعض الاختلاف في دخول بعض الأنواع وخروجها من بعض لا يلزم منه أن يستقل كل فن عن الآخر بل كلها مندمجة في بعض ولو وجد بعض الفروق هذا لا يستلزم الالتفات. (حَدُّ عِلْمِ التفسيرِ) أي: علم أصول التفسير لم سمي بذلك؟ سمي بذلك لأنه مفتاح أو كالمفتاح للمفسرين علوم القرآن كالمفتاح للمفسرين كما أن مصطلح الحديث، وقواعد الحديث، وعلوم الحديث ألفاظ مترادفة والمعنى واحد ولم يأت أحد يقول: علوم الحديث مغايرة لأصول الحديث أو قواعد التحديث ... إلى آخره وإنما هي متقاربة أو مترادفة كحاجة المحدث لمصطلح الحديث لا يمكن أن يثبت حديث صحيح أو ضعيف أو إلى آخره أو موضوع أو نحو ذلك لا يمكن أن يحكم عليه إلا بالعلم بمصطلح القواعد وأصول الحديث، كذلك التفسير يعجز المفسر بمعنى كلمة يعجز المفسر أن يفسر كلام الرب جل وعلا وأن يكشف مراده جل وعلا إلا بمعونة هذه العلوم لذلك سمي أصول التفسير أو علوم التفسير لأنه مفتاح للمفسرين ولأنه أيضًا يبين القرآن ويكشفه ويوضحه لأنه ما شَرُفَ هذا العلم إلا بشرف مبحثه بأنه يبحث فيه كما سبق أن موضوعه: كلام الرب جل وعلا من الحيثية المذكورة في حد علوم القرآن. (حَدُّ عِلْمِ التفسيرِ) التفسير هذا تفعيل من فَسَّرَ يُفَسِّرُ تَفْسِيرًا وسبق أن فعل يأتي بالتكثير وهل المراد هنا التكثير بعينه؟

نقول: نعم، مراد به التكثير لماذا؟ لأنه كأن المفسر يتبع سورة بعض سورة بإيضاحها وكشف معانيها يعني: ينظر في الفاتحة فيكشف معانيها وأسرارها وحقائقها بما يفتح الرب جل وعلا عليه ثم يتبعها بسورة البقرة، ثم يتبعها بسورة آل عمران وهلم جرا إلى آخر القرآن، إذًا حصل التكثير أو لا؟ نقول: حصل التكثير. إتباع المفسر سورةً بعد سورة وآية بعد آية فهو مأخوذ من الْفَسْرِ يقال: فَسَّرَهُ وَيُفَسِّرُهُ وَيُفَسُّرُهُ يَفْسُرُهُ وَيُفَسِرُهُ بالتخفيف فَسَّرَهُ نصر يَفْسُرُهُ وَفَسَّرَهُ ضربه من باب ضرب يَفْسِرُهُ إذًا يجوز فيه الوجهان، التفسير مأخوذ من الْفَسْرِ وهو: الكشف والإيضاح والإبانة. هذا في الأصل وفعله كضرب ونصر يعني: من باب فَعَلَ يَفْعِلُ فَعَلَ، ومن باب فَعَلَ يَفْعُلُ إذًا فَسَرَ يَفْسُرُ وفَسَرَ يَفْسِرُ والمصدر متحد في البابين فَسْرًا، والفسر المراد به الإيضاح، والكشف، والبيان. وَفَسَّرَهُ هذا بالتثقيل نقول: أبانه. وفي اللسان لسان العرب: الْفَسْر كشف المغطى. يعني: كأنه أراد أن يجعل الفرق بين الفسر والتفسير يعني التفسير فيه زيادة حرف بل حروف حينئذٍ لا بد من زيادة في المعنى فقال: الفسر كشف المغطَّى. لأن المعنى قد يكون مشغولاً حينئذٍ يكشفه المفسر والتفسير كشف المراد عن اللفظ الْمُشْكِل، إذًا فيه بُعد من جهة المعنى، الْفَسْرُ هذا كشف المعنى المغطى الذي ليس فيه إشكال والتفسير كشف المراد عن اللفظ المشكل كأنه جعل التفسير أدق وأعمق من الفسر، فالفسر يكون لأمرٍ مغطى في الظاهر فيكشفه ويبينه بأدنى كشف وبأدنى إظهار وبأدنى إبانة لا يحتاج إلى بحث، وأما التفسير فهو: التعمق وزيادة النظر وزيادة البحث وزيادة الكشف فيحتاج إلى عمل أكثر من جهة التدبر والنقل. هذا من جهة المعنى اللغوي لكن من جهة المعنى الاصطلاحي كلاهما بمعنى واحد وقيل: التفسير أو الفسر مقلوب السفر. يقال: أسفر الصبح إذا أضاء. ومنه يقال: السفور أسفرت المرأة عن وجهها إذا كشفته. حد علم التفسير قال: عِلْمٌ بِهِ يُبْحَثُ عَنْ أَحوالِ ... كِتابِنا مِنْ جِهَةِ الإِنْزَالِ ونَحْوِهِ ...... ... ..... علم مرادف لعلوم القرآن علم ذو مباحث تتعلق بالكتاب العزيز من حيث النزول وكتابته وجمعه وترتيبه وأسمائه وسوره إلى آخره وناسخه ومنسوخه ومحكمه ومتشابه إلى آخره فحينئذٍ رادف المصنف هنا معنى علوم التفسير بمعنى علوم القرآن السابقة والمراد بالمعنى اللقبي العلمي، وأما المعنى الذي هو الإضافي هذا لا يمكن أن يعرف بعلوم القرآن المدون الذي هو الأنواع التي سيذكرها المصنف بخمسة وخمسين نوعًا نقول: علوم القرآن بالمعنى الإضافي الذي سبق معنا بالأمس طوائف متصلة أو طوائف المعارف المتصلة بالقرآن فيشمل كل علم لكن هنا خصه ببعض العلم لذلك قال: (مِنْ جِهَةِ الإِنْزَالِ).

(عِلْمٌ بِهِ) (عِلْمٌ) العلم إذا أخذ جنسًا في حد العلوم هذا إما أن يفسر بالإدراك وإما أن يفسر بالمسائل وإما أن يفسر بالملكة، وبكلٍّ قيل يعني: كل قول من هذه الأقوال الثلاثة قال به بعض أهل العلم فأيده ورد الآخر ففسر العلم بالإدراك والإدراك عام يشمل التصور والتصديق إدراك وهو وصول النفس إلى المعنى بتمامه سبق معنا مرارًا، أو المسائل التي تثبت بدليلهم يعني: التصديق بتلك المسائل عن دليل، أو الملكة التي تسمى ملكة الاستحضار التي تحصل بتكرار النظر في تلك التصديقات لأن الإنسان إذا كرر النظر في المسائل بأدلتها حصل له نوع ملكة هذه الملكة لا تحصل إلا بالرسوخ في العلم، وبعضهم يطلق هذه الملكة ملكة الاستحضار ويريد بها ملكة التهيؤ الكامل الذي يُذكر في شأن الفقيه والعلم بالصلاح فيما قبلها لأن الفقه يقال فيه العلم بالأحكام المراد به العلم الحاصل بالفعل في كل مسألة مَسألة إن قيل بذلك خرج أكثر الفقهاء ومنهم الأئمة الأربعة لأن ما من إمام الأئمة الأربعة وهو العمدة في الفقه إلا وقد سئل عن مسائل فقال: لا أدري. فحينئذٍ لو قيل المراد بكل مسألة بالفعل لخرج أكثر الفقهاء ولكن المراد ماذا؟ ملكة التهيؤ التام بحيث لو سئل عن مسألة فيستحضر في نفسه حكم المسألة ودليلها فأجاب وقد يسأل عن مسألة بل مسائل فلا يستحضر فيها حكمًا فحينئذ هو متهيئ للبحث والنظر في الكتاب والسنة فيتوصل إلى النتيجة وهو الحكم بدليله، فحينئذ لو قال الإمام مالك رحمه الله وقد سئل عن بعض المسائل تجاوزت الثلاثين في أكثرها لا أدري هل لو بحث الإمام مالك ونظر وتأمل وتدبر الكتاب والسنة هل يستطيع أن يصل إلى نتيجة أو لا؟ يستطيع، ولِمَ نفى أولاً نفى لماذا واستطاع بماذا؟ نفى العلم الحصولي الحضوري واستطاع أن يصل إلى المسئول عنه بالملكة التي تسمى ملكة التهيؤ التام يعني: عنده قدرة بحيث لو نظر في الأدلة لاستطاع أن يصل إلى الحكم الشرعي. هذا ما يُعبر بالملكة وهو عام في كل الفنون يقال: فلان نحوي. وليس المراد كل مسائل النحو تكون في ذهنه بحيث لو سئل عن إعرابها قال: لا أدري. يقال: هذا ليس بنحوي. أو أنه فقيه أو أنه محدث لو سئل عن صحة حديث قال: لا أدري - أو - لم يمر عليّ. وأحيانًا يكون في البخاري أو مسلم يقول: لا أدري عن هذا الحديث. لكن لو تأمل وجلس مع نفسه وكذا قد يصل إلى أنه في البخاري مثلاً أو بحث أن يعرف دليلاً أو يعرف حكمه من جهة الصحة والثبوت. إذًا علم يطلق ويراد به المسائل المخصوصة ويطلق ويراد به التصديقات في تلك المسائل عند دليلها ويطلق على الملكة الحاصلة بتكرار النظر في تلك التصديقات وتسمى ملكة الاستحضار، ويطلق ويراد به الملكة التي تسمى ملكة التهيؤ التام وأيهما أرجح هنا في العلم أيهما أرجح؟ الأظهر الكل. وكل فن في اسمه مشتركة ... قواعد إدراكها هو الملكة وكل فن في اسمه الآن نحن نبحث في ماذا؟

نبحث في اسم الفن يعني: ما يطلق عليه الفن متى يكون مفسرًا؟ متى يكون نحويًا؟ هل يشترط إذا قلنا: المسائل حينئذ إذا قيل: مسمى النحو هو المسائل فحينئذ لو سئل عن مسائل وقال: لا أدري. لا يسمى نحوي لم يوجد النحو لأننا قيدنا النحو بماذا؟ بالمسائل ولو قيدناه الإدراك أيضًا لو سئل عن بضع المسائل قال: لا أدري. نقول: لا يسمى نحوي. كذلك لو قيدناه بالملكة لو سئل عن بعض المسائل قال: لا أدري. نقول أيضًا: لا يسمى نحويًّا. والصواب أن يقال يحمل لفظ العلم في مسمى العلوم على الكل. وكل فن في اسمه مشتركة ... قواعد إدراكها هو الملكة هذه الثلاثة داخلة في المسمى ولا نحتاج إلى الخلاف الطويل بين الشراح هل المراد به المسائل المخصوصة أو الملكة أو التصديق؟ نقول: بل يدخل الجميع يدخل الكل. (عِلْمٌ بِهِ يُبْحَثُ عَنْ أَحوالِ) (عِلْمٌ بِهِ) الباء هنا بمعنى الظرفية وهي بمعنى في {وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِم مُّصْبِحِينَ * وَبِاللَّيْلِ} [الصافات: 137، 138] الباء هنا بمعنى في إذًا يبحث فيه علم يبحث فيه (يُبْحَثُ) هذا فعل مضارع مغير الصيغة ومن الباحث هو طالب العلم نفسه من يطلب العلم هو الذي يَبْحَثُ (يُبْحَثُ) قلنا: هذا فعل مضارع مغير الصيغة. قال في القاموس: بحث عنه كمنع. ما المراد بهذا الكلام يعني من باب منع يَمْنَعُ أم يَمْنِعُ؟ يَمْنَعُ بالفتح إذًا بَحَثَ يَبْحَثُ ويقال: (يُبْحَثُ). يَبْحَثُ إذًا من باب يَفْعَلُ، واستبحث وابتحث وتبحث تفتيش إذًا البحث بمعنى ماذا في اللغة؟ بمعنى: الفحص والتفتيش. وفي الاصطلاح: إثبات المحمول للموضوع أو نفيه عنه. هذا باصطلاح أرباب الفنون ما المراد بالبحث يبحث يبحَث لماذا يبحث؟ من أراد أن يبحث ماذا يريد؟ في ذهنه مسألة يريد إثبات حكم لها أليس كذلك؟ فحينئذ إثبات المحمول للموضوع يبحث في الفاعل مثلاً يبحث ما حكمه فيثبت أنه مرفوع، إذًا أثبت المحمول للموضوع الذي يسمى بالخبر المبتدأ أو المسند للمسند إليه أو الفعل للفعال أو نائبه، فكلها أسماء لمسمى واحد. إذًا البحث في الاصطلاح إثبات المحمول للموضوع أو نفيه عنه لأن هذه وظيفة الباحث يبحث ليصل إلى نتيجة، إثبات المحمول بالموضوع أو نفيه عنه يعني: عنده موضوع في ذهنه مجهول الحكم في الأصل فإما أن يثبت له وإما أن ينفي عنه فإذا أثبت في نتيجة البحث نقول: هذا هو مراده بالبحث.

(عِلْمٌ يُبْحَثُ بِهِ) به جار ومجرور يتعلق بقوله: (يُبْحَثُ)، (عَنْ أَحوالِ كِتابِنا) (عَنْ أَحوالِ) جار ومجرور متعلق بقوله: (يُبْحَثُ). لأن مطلق البحث لا بد من تعينه يبحث في أي شيء قال: (عَنْ أَحوالِ). الأحوال جمع حال والمراد به الصفة صفة ماذا؟ كتابنا (عَنْ أَحوالِ كِتابِنا) أحوال هذا مضاف وكتابنا مضاف إليه لأن مبحث علوم القرآن أو موضوعه كما سبق هو الكتاب العزيز القرآن الكريم هذا هو مبحث علوم القرآن إذا قيل: ما موضوع فن النحو؟ تقول: الكلمات العربية من حيث الإعراب والبناء أليس كذلك؟ وما مبحث أو موضوع علم التصريف تقول: الكلمات العربية من حيث ماذا؟ من حيث كونها مفردة وما يطرأ عليها من تغيير ونحو ذلك كاشتقاق وغيره، ما مبحث فن الحديث؟ علم الحديث ما مبحثه ما موضوعه؟ كلام الرسول - صلى الله عليه وسلم - وقيل: ذاته. لكن الصواب أنه كلام النبي - صلى الله عليه وسلم -، ما مبحث الطب فن الطب؟ البدن بدن الإنسان من حيث ماذا؟ طوله وعرض؟! لا، من حيث الصحة والمرض. إذًا موضوع فن كل علم ما يُبحث في ذلك الفن عنه فمبحث الطب مثلاً بدن الإنسان من أي حيثية؟ نقول: من حيثية واحدة لأن بدن الإنسان له صفات فيبحث عنه من جهة بدنه من جهة دينه من جهة معتقده من جهة طوله وعرضه من جهة جماله وعدمه من جهة كونه ذكرًا وأنثى جهات متعددة صفات، هل مبحث الطب في الجميع؟

الجواب: لا، وإنما يبحث من حال أو صفة معينة وهي: الصحة والمرض. وعندنا كتابنا القرآن العزيز هو مبحث موضوع علوم القرآن أو الباحث في علم القرآن من أي حيثية قال: (يُبْحَثُ عَنْ أَحوالِ كِتابِنا). أحوال هذا عام وهنا أطلقه فيشمل ماذا؟ يشمل حال كتاب من حيث الإفراد والتركيب والجمل وكل قاعدة كلية إجمالية كالنزول والكتب الكتابة والجمع والناسخ والمنسوخ فيدخل الجميع فيشمل حينئذ الترتيب بالمعنى الخاص والترتيب بالمعنى العام يعني: علم الترتيب بالمعنى الخاص الذي هو كشف معاني كلام الرب جل وعلا كتفسير ابن جرير وابن كثير وغيره فحينئذ هذا التفسير بالمعنى الخاص هل يدخل معنا هنا أو لا؟ يأتي عن قوله: (عَنْ أَحوالِ كِتابِنا) دخل تفسير الخاص ماذا؟ لأنه يبحث عن أحوال أو حال من أحوال كتاب الرب جل وعلا من حيث كشف المعنى سواء كان متعلق المعنى الإفراد أو الترتيب أو الجمل ودخل معنى البحث عن الكتاب من حيث السند ومن حيث النزول ومن حيث كل ما يبحث من أنواع علوم القرآن أراد أن يخرج التفسير الخاص فقال: (مِنْ جِهَةِ) من حيث وحيث هذه للقيد تقيدية من حيث ما استطاع أن يأتي بحيثية بالحيثية فقال: (مِنْ جِهَةِ). وهي: مرادفة لحيث، إذًا البحث عن أحوال كتاب ربنا هذا مطلق يشمل كل ما يتعلق بكتاب ربنا جل وعلا فيدخل فيه التفسير بالمعنى الخاص وليس مراده التفسير بالمعنى الخاص هنا فأراد إفراده فقال: (مِنْ جِهَةِ الإِنْزَالِ ونَحْوِهِ). إذًا (عَنْ أَحوالِ كِتابِنا) نا هنا أي: معاشر المسلمين والإضافة هنا للتشريف تشريف من؟ المضاف أو المضاف إليه؟ المضاف إليه لا شك تشريف المضاف إليه لماذا؟ لأن الأمة شرفت بهذا الكتاب إذًا (كِتابِنا) الإضافة هنا للتشريف أي تشريف المضاف إليه (كِتابِنا) معاشر المسلمين أي: الكتاب المنزل. (عَنْ أَحوالِ كِتابِنا) أي: الكتاب المنزل إلى نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - وهو القرآن عرفنا أن الكلام المنزل على النبي - صلى الله عليه وسلم - بالأمس هو القرآن ودليله هذا {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنزِيلاً} [الإنسان: 23] فدل على أن المنزل هو القرآن {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [يوسف: 2] فدل على أن كلام الله المنزل على نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - هو: القرآن. لكن هنا ما قال: القرآن. قال: (كِتابِنا). فهل الكتاب هو عين القرآن أم شيء آخر؟

عينه وما الدليل؟ {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ} [ص: 29]، إذًا أُطلق الكتاب وأريد به القرآن إذًا القرآن والكتاب متحدان في اللفظ لفظان متحدين بالإجماع وأطرح دليل على هذا ما جاء في سورة الأحقاف {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَراً مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ ... الْقُرْآنَ} ... [الأحقاف: 29] إلى قوله: {إِنَّا سَمِعْنَا كِتَاباً} [الأحقاف: 30] المسموع واحد أو متعدد؟ {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَراً مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ} [الأحقاف: 29] ثم قالوا لما أنذروا قومهم: {إِنَّا سَمِعْنَا كِتَاباً} [الأحقاف: 30]. إذًا المسموع واحد أم لا؟ واحد فدل على أن القرآن هو الكتاب هذا تحفظه قد يأتيك مجادل الآن يقول لك: الكتاب غير القرآن. تقول: لا، لأن الدليل على أن الكتاب هو القرآن. لأننا في زمن العجائب فقد يأتيك آت يقول: القرآن ليس هو الكتاب. ولذلك يوجد في بعض البلدان الآن يقول: لا بد من أن يكون البخاري ومسلم كالترمذي. بمعنى ماذا؟ لا بد أن يخضع لقواعد التحديث في الحديث حينئذٍ لا بد أن يكون بمنزلة واحدة لأنه تراث، على كل حال (كِتابِنا مِنْ جِهَةِ الإِنْزَالِ) يعني ما يتعلق بالكتاب على سبيل الإجمال (مِنْ جِهَةِ الإِنْزَالِ) المراد به علوم التفسير الإجمالية، الجار والمجرور قوله: (مِنْ جِهَةِ). هذا حال عن أحوال صفات كتابنا (مِنْ جِهَةِ) أحوال من جهة حالة كون البحث عن الأحوال (مِنْ جِهَةِ الإِنْزَالِ) فصار ماذا؟ جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من أحواله، والمراد به علوم التفسير الإجمالية التي تخدم الكتاب (مِنْ جِهَةِ الإِنْزَالِ وَنَحْوِهِ) يعني: من جهة نزوله لأن الإنزال هذا مصدر والمراد به الْمُنْزَل (مِنْ جِهَةِ الإِنْزَالِ) أي: نزوله (ونَحْوِهِ) يعني: ونحو الإنزال ونحو عطف على الإنزال وذلك كسنده وأدائه وألفاظه ومعانيه ومكيه ومدنيه وسفريه وحضريه ... إلى آخره من الخمسة والخمسين أنواعًا التي سيذكرها المصنف هذا التفسير بالمعنى العام وإذا أريد التفسير بالمعنى الخاص يقال: التفسير هو علم بأصول يعرف بها معاني كلام الله. وأحسن منه أن يقال: بيان معاني القرآن الكريم. هذا هو حقيقة التفسير وعرفه الزركشي في ((البرهان)) بأنه: علم يعرف به فهم كتاب الله جل وعلا المنزل على نبيه - صلى الله عليه وسلم - وبيان معانيه واستخراج أحكامه وحِكَمِهِ. إذًا كل ما يرتبط بالمعنى سواء كان مأخوذًا من جهة الإفراد أو التركيب أو الجمل هو التفسير، وعليه كل التفاسير التي نهجت هذا المنهج، ولذلك ترى ثم فرقًا بين كتب علوم القرآن التي هي علوم التفسير وبين كتب التفسير كتفسير ابن جرير، وابن كثير، والبغوي ونحوها، هذا هو التفسير.

وتعلم التفسير بالمعنى الخاص واجب لقوله تعالى: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ} [ص: 29]. ووجه الاستدلال على الوجوب واضح ولذلك قال في الآية الأخرى: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد: 24]. ذمهم على ترك التدبر ولا ذم إلا على ترك واجب فدل على أن التدبر واجب، ولا تدبر إلا ببيان معاني كلام الرب جل وعلا حينئذ دل على أن التفسير واجب، ولذلك جاء في قول عبد الرحمن السلمي: حدثنا الذين كانوا يقرءوننا القرآن كعثمان بن عفان وعبد الله بن مسعود وغيرهما أنهم كانوا إذا تعلموا من النبي صلى الله عليه وآله وسلم عشرة آيات لم يجاوزها حتى يتعلموا ما فيها من العلم والعمل، قالوا: فتعلمنا القرآن والعلم والعمل جميعًا. هذا التفسير بماذا؟ بمعناه الخاص ما يتجاوزوا العشر آيات إلا وتعلموا منها ما فيها من العلم والعمل (ونَحْوِهِ) عرفنا المراد بنحوه لأنه يشمل كل ما يدخل تحت علوم القرآن (ونَحْوِهِ) هذا مجمل أراد تفسيره وبيان ما الذي يَبْحث عنه أو يُبْحث فيه في علوم القرآن ذكر لك بعض من هذه الأنواع فقال: بالخَمْسِ والخَمْسِينا ... قَدْ حُصِرَتْ أَنواعُهُ يَقينا هذا تفسير لأي شيء؟ لقوله: (ونَحْوِهِ). (مِنْ جِهَةِ الإِنْزَالِ ونَحْوِهِ) جهة الإنزال يعني النزول هذا نوع واحد فقط من أنواع علوم القرآن ولا يمكن أن يستوفى جميع أنواع علوم القرآن الخمس والخمسين في حد واحد يقال: حده كذا ثم تذكر الجميع نقول: لا (مِنْ جِهَةِ الإِنْزَالِ ونَحْوِهِ). ثم تعد هذه الأنواع فيقال: هي خمسة وخمسون. لكن هل هي محصورة في الخمسة والخمسين؟ الجواب: لا، لماذا؟ لأن علوم القرآن هذه اجتهادية ليس توقيفية متعلقها توقيفي وقد يكون بعضه اجتهادي لكن من جهة العدّ وإدماج بعضها مع بعض وتصنيفها وترتيبها هذه مسألة اجتهادية جعلية حصر الجعل يرجع إلى نفس المصنف، ولذلك السيوطي ذكر هنا في ((النقاية)) خمسة وخمسين نوعًا وذكر في ((التحبير)) مائة ونوعين وذكر في ((الإتقان)) ثمانين نوعًا، كم هذا خمسة وخمسين ثم ذكر في ((التحبير)) هذا إذا كان التحبير متقدم أو متأخر ذكر في ((التحبير)) مائة نوع ونوعين ثم زاد وأدمج فصار ثمانين لأنه أدمج بعضها مع بعض ولذلك بعضهم - كما سيأتي - قد يذكر ستة أنواع يجمعها شيء واحد ولذلك قال: في (سِتَّةٌ عُقُودُ) كما سيأتي أنه جعل لها عقودًا يعني: رؤوس هامة ليندرج تحتها أنواع فلو عدت العقود حينئذ صارت ستة أنواع ولكن ذكر أفرادها وكلها متداخلة يمكن أن تجعل في نوع واحد فجعلها ماذا؟ أنواع، فالنظر إلى الأصل العام هي ستة والنظر إلى الآحاد التي تكون تحتها جعلها خمسة وخمسين والمسألة اجتهادية ليست توقيفية من حيث العدّ. (بالخَمْسِ والخَمْسِينا) هذا جار ومجرور متعلق بقوله: (حُصِرَتْ). وقد هذه بحرف تحقيق وحصرت بمعنى جمعت والحصر عبارة عن إيراد الشيء على عدد معين أو الحكم بعدم خروج الأقسام عن المقسم قد يراد هذا ويراد ذاك وهنا ثلاثة أنواع: حصر عقلي. وحصر استقرائي. وحصر جعلي.

حصرٌ عقلي أن يكون التقسيم وحصر المقسوم في عدد معين من جهة العقل لا باعتبار ملاحظة الخارج، وحصر استقرائي تتبعي هذا ما يسمى بالاستقراء هو حصر مما حصر النحاة ماذا؟ الكلمة في ثلاثة أقسام هذا حصر واستقرائي لا عقلي، العقل لا يمنع أن تكون الكلمة قسم واحد أو عشرة أقسام أو مائة العقل لا يمنع ولا يوجب أن تكون ثلاثة إذًا هذا يسمى حصرًا استقرائيًّا، وقد يكون حصرًا جعليًا جعلي يعني بجعل المصنف لنفسه قد يأخذ ينظر في المائة نوع مثلاً من التحبير فيقول: أريد منها عشرة. حينئذٍ يذكر أن أنواع علوم القرآن عشرة نقول: الحصر هذا في عشرة من أين جاء بجعل المصنف نفسه فهو اصطلاح خاص. بالخَمْسِ والخَمْسِينا ... قَدْ حُصِرَتْ أَنواعُهُ يَقينا ما نوع الحصر هنا؟ جعلي لماذا ما الدليل؟ هو السيوطي نفسه صاحب النقاية جعلها خمسة وخمسين أكثر عند من؟ عن السيوطي نفسه جعلها في ((التحبير)) مائة نوع ونوعين وجعلها في ((الإتقان)) ثمانين وهنا خمسة وخمسين فدل على أن الحصر هنا جعلي وليس باستقرائي ولا عقلي. (بالخَمْسِ والخَمْسِينا) الألف هنا للإطلاق والخمس هنا مذكر أو مؤنث؟ هنا (بالخَمْسِ) مذكر أو مؤنث؟ مذكر - ولماذا ترددوا - بالخمس ما قال: بالخمسة. (بالخَمْسِ والخَمْسِينا) والتميز ما هو؟ إذًا (بالخَمْسِ والخَمْسِينا) نوعًا محذوف أو مذكور؟ محذوف، وإذا كان التميز مذكرًا حينئذ وجب أن يكون العدد الأول مؤنث والأصل أن يقول: بالخمسة والخمسينا. تقول: عندي خمسةٌ وعشرون رجلاً. صحيح خمسةٌ وعشرون رجلاً وعندي خمسٌ وعشرون امرأةٌ صحيح وعندي خمسٌ وخمسون نوعًا صحيح خمسٌ وخمسون نوعًا فقط هو يقول: (بالخَمْسِ والخَمْسِينا). نوعًا فقط؟ أي نعم نقول: يجب أن إجراء القاعدة وهي المخالفة إذا ذكر التميز، وأما إذا حذف وتقدم على قوله فحينئذ لا يجوز ونذكر دائمًا حديثًا مشهورًا «من صام رمضان ثم أتبعه ستًا من شوال». ستًا بالتذكير التميز دائمًا يكون يومًا أيام وإما أن يكون ليالي والصواب أين يقع؟ الأيام في النهار حينئذٍ «ستًا من شوال» يعني: ستة أيام حذفت التاء فقال: «ستًا». لماذا؟ لكون التميز محذوفًا إذًا (بالخَمْسِ) الأصل أن يقول: بالخمسة. وإنما حذفت لماذا؟ لعدم ذكر التميز، ويجب التأنيث إذا ذكر التميز، أما إذا تقدم أو تأخر لو قال: ونحوه نوعًا بالخمس والخمسينا. نقول: لا يجب التأنيث بل يجوز التذكير والتأنيث (بالخَمْسِ والخَمْسِينا قَدْ حُصِرَتْ) أي: جمعت، والحصر جعلي بجعل المصنف ولا يصح جعله استقرائيًا لماذا؟ لأن المصنف أوصلها بالتحبير إلى مائة ونوعين. (حُصِرَتْ أَنواعُهُ) أي: أنواع علوم التفسير (يَقينا) أي: حصرًا يقينًا. حصرت يقينًا يَقينًا هذا صفة لموصوف محذوف وهو مفعول مطلق صار مفعولاً مطلق لفظي حصرًا يقينًا أي: جازمًا لا شك فيه، لكن هذا أيضًا يؤكد أن المراد به الحصر الجعلي لأنها كيف ينفي الشك في خمسة وخمسين وهي زادت على ذلك. بالخَمْسِ والخَمْسِينا ... قَدْ حُصِرَتْ أَنواعُهُ يَقينا وقَدْ حَوَتْهَا سِتَّةٌ عُقُودُ ... وبَعدَها خاتِمَةٌ تَعُودُ

(وقَدْ) هذه بالتحقيق (حَوَتْهَا سِتَّةٌ) (حَوَتْهَا) الضمير يعود على الأنواع (سِتَّةٌ) هذا فاعل (حَوَتْهَا) أي: شمل وجمع تلك الأنواع الخمس والخمسين (عُقُودُ) (سِتَّةٌ عُقُودُ) (سِتَّةٌ) ما إعرابها؟ فاعل و (عُقُودُ) بدل من الفاعل والأصل (وقَدْ حَوَتْهَا سِتَّةٌ عُقُودٍ) هذا هو الأصل لكن لا يتأتي معه في النظم (وقَدْ حَوَتْهَا سِتَّةٌ عُقُودُ) صار (سِتَّةٌ) هذا فاعل و (عُقُودُ) هذا بدل من الفاعل، (عُقُودُ) جمع عقد والمراد بها القلادة شبهت المسائل بالجواهر الثمينة وإثبات العقود ... كأنه عقدٌ، وكل عقدٍ فيه بعض الأنواع وهذه الستة العقود هي الأصل ويندرج تحتها واحدٌ وخمسون نوعًا. (سِتَّةٌ عُقُودُ) العقد الأول: في ما يرجع إلى النزول وهو اثنا عشر نوعًا ذكر تحته اثني عشر نوعًا. العقد الثاني: ما يرجع إلى السلف وهو ستة أنواع ذكر تحته ستة أنواع. العقد الثالث: ما يرجع إلى الأداء وهو ستة أنواع. هذه كم اثنا عشر وستة وستة أربعٌ وعشرون العقد الرابع: ما يرجع إلى الأسفار وهو سبعة أنواع. كم هذه واحد وثلاثون. العقد الخامس: ما يرجع إلى المعاني المتعلقة بالأحكام وهو أربعة عشر نوعًا. خمسة وأربعون. العقد السادس: والأخير ما يرجع إلى المعاني المتعلقة بالعقاب وهو ستة أنواع. مجموع واحد وخمسون وهو يقول: (بالخَمْسِ والخَمْسِينا قَدْ حُصِرَتْ أَنواعُهُ يَقينا). بقي كام أربعة أي هي؟ في الخاتمة، جعل الخاتمة تحتها أربعة أنواع. (وقَدْ حَوَتْهَا سِتَّةٌ عُقُودُ وبَعدَها) أي: بعد الستة العقود (خاتِمَةٌ) تشمل أربعة أنواع فصارت كلها خمسة وخمسين نوعًا (تَعُودُ) يعني مقاصده إلى تلك الأنواع الخمس والخمسين. (وقَبْلَها) أي: قبل الشروع في ذكر شيئًا من العقود أو من الخمس والخمسين (لا بُدَّ) لا محالة ولا مفر من ذكر مقدمة يُبَيَّنُ فيها ما يتعلق بعلم التفسير من مسائل وأحكام كتعريف القرآن والآية والسورة ونحو ذلك. لا بُدَّ مِنْ مُقَدِّمَةْ ... بِبَعْضِ ما خُصِّصَ فيهِ مُعْلِمَةْ

(مُعْلِمَةْ) هذا اسم فاعل من الإعلام يعني: مشعرة صفةٌ لمقدمة من مقدمةٍ معلمةٍ (بِبَعْضِ) جار مجرور متعلق بقوله: (مُعْلِمَةْ) لأنه اسم فاعل (بِبَعْضِ) نقول: هذا جار ومجرور متعلق بقوله: (مُعْلِمَةْ) (بِبَعْضِ ما خُصِّصَ فيهِ) (بِبَعْضِ ما) ببعض الذي أو الشيء الذي خُصِّصَ فيه أي في علم التفسير أي ذكر في هذا الفن على جهة الخصوص والمراد بالمقدمة هنا مقدمة كتاب وليست مقدمة علم، لأن مقدمة العلم هي ما ذكره أولاً ذكر فيه الحدّ والاسم فقط وذكرنا ما سبق بالأمس الحد والاسم وهذا يحصل به تطور الفن بوجهٍ ما لأن أهم ما يذكر في تلك المبادئ العشرة والحد، والحد يوصل إلى إيقاع أو وجود التصور الفني لكنه تصور ما بمعنى أنه من وجهٍ دون وجه ى على وجه التمام، إذًا قوله: (بِبَعْضِ ما خُصِّصَ فيهِ مُعْلِمَةْ) يعني لا بد من مقدمة مُعلمةٍ مشعرةٍ مبينةٍ (بِبَعْضِ ما خُصِّصَ فيهِ) ببعض المصطلحات والأحكام التي خُصِّصَ ذكرها في علم التفسير كالسورة مثلاً هذا أين تذكر؟ في علم الحديث في المنطق؟ لا تذكر هذا، إنما تذكر في علم التفسير، إذًا لا بد من معرفة هذه الأحكام لا بد من معرفة هذه المصطلحات وهذه مقدمة الكتاب كما ذكرناه في السابق أن مقدمة الكتاب ما يشمل الأربعة الأنواع التي يعبر عنها بالوجوب الاصطلاحي والأربعة الأخرى المعبر عنها بالاستحباب الصناعي يزيد على ذلك إن كان ثَمَّ للمصنف اصطلاحات خاصة حينئذٍ تذكر في مقدمة الكتاب وليس في مقدمة العلم لأن مقدمة العلم خاصة بالعشرة مبادئ ولا يزاد عليه وكل ما عدا ذلك من المقدمات حينئذٍ يندرج تحت مقدمة الكتاب، وهنا الذي ذكره مرادًا به بعض المصطلحات التي تختص أو يختص بها فن علم التفسير. إذًا (وقَبْلَها لا بُدَّ مِنْ مُقَدِّمَةْ) هل يتعارض هذا مع ذكر حد التفسير هل يتعارض؟ الجواب: لا، لماذا لأن المقدمة هنا مقدمة الكتاب والذي ذكر فيه أو تحته تحت عنوان (حَدُّ عِلْمِ التفسيرِ) إنما هو من شأن مقدمة العلم، لكن يرد السؤال قوله: تَبارَكَ المُنْزِلُ للفُرقانِ ... على النَّبِيِّ عَطِرِ الأَرْدانِ هذه مقدمة كتاب أو علم؟ كتاب، فيكون فصل بين بعض أجزاء المقدمة والأصل أنه يذكر مقدمة الكتاب متصلة الحمدلة والشهادة إلى آخره وما يتعلق بالمصطلحات ثم يذكر بعد ذلك باب (حَدُّ عِلْمِ التفسيرِ) هذا هو الأصل لكنه جزء لعله ذكر المقدمة الأولى لأنها منفكة عن النقاية ثم بدأ في (حَدُّ عِلْمِ التفسيرِ) من هنا يبدأ نظم كتاب ((النقاية)) قد يكون هذا الذي ألجأه إلى هذا الصنيع.

(مُقَدِّمَةْ) قال المصنف رحمه الله تعالى: (مُقَدِّمَةْ) والأولى أن يقول المقدمة نعم صحيح الأولى أن يقول: المقدمة. لأن الأكثر في لغة العرب أن إعادة النكر نكر يدل على أن الثاني غير الأول حينئذٍ (لا بُدَّ مِنْ مُقَدِّمَةْ) المقدمة التي ذكرت أولاً فإعادة نكرة معرفة يدل على أن الثاني هو عين الأول ولذلك قال في الأخير الخاتمة: لأنه قال: (وبَعدَها خاتِمَةٌ) ثم قال: الخاتمة. جاء الوجه الأفصح لكن يقال بأن هذه قاعدة ليست مطردة وإنما هي قاعدة أغلبية على حد قوله جل وعلا: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاء إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ} [الزخرف: 84]. السبكي انتقض هذه القاعدة بمثل هذا الآيات {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاء إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ} [الزخرف: 84]. إعادة النكرة نكر يدل على أن الثاني غير الأول هذا هو الغالب لكنه في الآية هذه هو عينه، النكرة الثانية هي عين النكرة الأولى لأنك لو قلت غيره لأثبت إلهين وهذا باطل أثبت التعدد، فحينئذٍ {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاء إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ}. نقول: هذا ماذا الإله الثاني هو عين الإله الأول، وإن كان الأكثر إعادة النكرة معرفة ثم من القواعد المشتهرة ... إذا أتت نكرة مكررة تغايرا وإن يعرّف ثاني ... توافقا كذا المعرفان تغايرا يعني: الثاني غير الأول شاهدها الذي رُوينا مُسندا ... لن يغلب اليسرين عسرٌ أبدا إذًا الأولى أن يقول المقدمة ولو قال مقدمة لا إشكال. (مُقَدِّمَةْ) إعرابها أنها خبرٌ مبتدأٍ محذوف هذه مقدمةٌ، و (مُقَدِّمَةْ) هذه محلها أو هذا محلها مقدمةٌ هذا محلها فيصح أن تكون مبتدأ ولو لم تحل بأل لماذا؟ لأنها صارت علمًا فصارت ماذا من ما يجوز الابتداء به وإن كانت في الأصل نكرة (مُقَدِّمَة) بكسر الدال كمقدمة الجيش للجماعة المتقدمة منهم يقدم اللازم بمعنى ماذا؟ بمعنى تقدم ومنه قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [الحجرات: 1]. أي لا تتقدموا، ويجوز فتح الدال على قلة مُقَدَّمَة من قَدَّمَ الْمُتَعَدِّي كَمُقَدَّمَة الرحل في لغة من قَدَّمَ الْمُتَعَدِّي أي في أمور مُتَقَدِّمَة أو مُقَدَّمَةٍ، في أمور مُتَقَدِّمَة بنفسها أو مُقَدَّمَةٍ، مُتَقَدِّمَة بنفسها إذا كان من قَدَّمَ اللازم أو مُقَدَّمَةٍ إذا قُدِّمَتْ يعني بفعل فاعل إذا كانت مأخوذة من الْمُتَعَدِّي من قدم الْمُتَعَدِّي، وحقيقتها مسائل تذكر أمام المقصود لارتباطٍ بينها وبين المقصود وهذا هو المراد بمقدمة الكتاب. فذاكَ مَا عَلى مُحَمَّدٍ نَزَلْ ... ومِنْهُ الإعجاز بِسُورَةٍ حَصَلْ

هذا تعريفٌ للقرآن (فذاكَ) الإشارة هنا للتعظيم لذلك قال: {ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ} [البقرة: 2]. ولم يقل هذا كتاب لماذا؟ لإفادة التعظيم لأن التعظيم يشار إليه بالبعد (فذاكَ) المشار إليه، هنا الإشارة بالبعد للدلالة على التعظيم (فذاكَ) الفاء فاء الفصيحة أي فأقول لك ذلك لماذا؟ لأنه قال: (بِبَعْضِ ما خُصِّصَ فيهِ مُعْلِمَةْ) فكأن سائلاً قال: ما هو الذي خُصِّصَ به علم التفسير قال: (فذاكَ) فأقول لك ذاك فيكون المشار إليه القرآن ضمنًا إذا كان المشار إليه قوله: (بِبَعْضِ ما خُصِّصَ فيهِ مُعْلِمَةْ) ويكون المشار إليه القرآن صراحةً إذا كان المشار إليه قوله: (عَنْ أَحوالِ كِتابِنا) (فذاكَ) المشار إليه ما هو؟ القرآن ذُكِرَ القرآن في السابق مرتين (حَدُّ عِلْمِ التفسيرِ) (كِتابِنا) وهو القرآن، وذكر ضن في قوله: (بِبَعْضِ ما خُصِّصَ فيهِ مُعْلِمَةْ) لأن أهم ما يذكر في المقدمة تعريف القرآن ثم السورة ثم الآية ... إلى آخره فأعظم ما يعرف القرآن فذكر مرة ضمنًا وذكر مرة صراحة، فحينئذٍ لما استحضر أن ثم سائلاً ما هو الذي خُصِّصَ به أو ما هو كتابنا؟ حينئذٍ قال: (فذاكَ) فالفاء فاء الفصيحة، فَصِيحَة فَعِيلَة بمعنى مُفْصِحَة من الإفصاح وهو البيان والإيضاح لأنه أفصحت عند جواب شرطٍ مقدم. إذًا الإشارة للتعظيم (فذاكَ مَا عَلى مُحَمَّدٍ نَزَلْ) (مَا) أي: كلام الله كما ذكرناه سابقًا، وتجد بعضهم يقول الأولى أن يفسر ما هنا بلفظ لماذا؟ قالوا: لأنك لو قلت معي كلام الله كلام الله يشمل النفسي واللفظي والمراد به هنا ماذا على حد ... زعمهم؟ النفسي، حينئذٍ لو قلت لفظٌ تعين أن المراد به غير النفسي، ونقول هذا باطل كما ذكرناه بالأمس إذًا (مَا) أي كلام الله ولو قلت اللفظ أيضًا صح على طريقة أهل السنة كلام الله الذي نزل على محمد هنا ذكر ماذا؟ ذكر جنس (مَا) هذا جنس و (نَزَلْ) على صلة الموصول (عَلى مُحَمَّدٍ) هذا فصلٌ (ومِنْهُ الإعْجازُ) هذا فصلٌ ثان، ذكر جنسًا وثلاثة فصول، الجنس قوله: (مَا) و (نَزَلْ) هذا فصلٌ أول و (عَلى مُحَمَّدٍ) هذا فصلٌ ثانٍ (ومِنْهُ الإعْجازُ) هذا فصلٌ ثالث، الجنس يُدْخِل والفصل يُخْرِج فحينئذٍ لا بد من دخول وخروج (مَا) أي: كلام الله أَخْرَجَ ماذا؟ كلام غير الله جل وعلا من كلام الإنس والجن والملائكة خرج بقوله كلام الله بالإضافة وحينئذٍ يَرِدُ السؤال كيف عين أن المراد بـ (مَا) هنا كلام الله، (مَا) اسم موصول مبهم والإبهام يحتاج إلى تعيين حينئذٍ كيف فسرنا (مَا) هنا بكلام الله؟

من السياق والقرائن من سياق الكلام وقرائن المقام نفسر (مَا) هنا بمعنى جنس بمعنى كلام الله وهذا في كل حدٍّ يُصَدَّرُ بما نقول جنس حينئذٍ نفسرها بماذا؟ إما بلفظٍ أو بكلامٍ أو لفظٌ عام أو حقيقة أو مجاز على حسب ما يذكر في موضعه، والذي يُعَيِّنُ مفهوم (مَا) هو السياق والقرائن. (نَزَلْ) هذا فصلٌ خَرَجَ به ما استأثر به الرب جل وعلا - كما ذكرناه بالأمس - وخَرَجَ به الأحاديث النبوية، الأحاديث نوعان: قدسية - ربانية كما يعبر البعض -، ونبوية: يعني لفظها ومعناها من عند النبي - صلى الله عليه وسلم - وهي لم تنزل لا شك، حينئذٍ ... (نَزَلْ) خرج به فصلٌ خرج ما لم ينزل مما استأثر الله جل وعلا به وخرج به الأحاديث النبوية لأنها من كلام النبي أليس كذلك؟ لماذا؟ لأن المعنى قد يقال بأنه من عند الله عز وجل {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 3، 4]. حينئذٍ المعنى في الأصل أنه موحى به وحينئذٍ يكون التعبير واللفظ من جهة النبي - صلى الله عليه وسلم -، هل اللفظ لفظ النبي - صلى الله عليه وسلم - سواءٌ عبر به عن معنى أُنْزِلَ أو معنًى اجتهادي هل اللفظ مُنْزَل أو لا؟ نقول: ليس بمنزل وإن كان يمكن إخراجه بقوله كلام الله لأنه ليس بكلام الرب جل وعلا وليس بمنزل أيضًا، إذَا (نَزَلْ) نقول: هذا فصلٌ أول خرج به ما استأثر به سبحانه والأحاديث النبوية لأن ألفاظها لم تنزل أو لم تُنْزل عليه، (عَلى مُحَمَّدٍ) هذا فصلٌ ثان خرج به ماذا؟ ما نزل على غيره من الأنبياء كالتوراة والإنجيل والزبور وصحف موسى وصحف إبراهيم ...

إلى آخره سواء علمناه أو لم نعلمه، (عَلى مُحَمَّدٍ) لا على غيره كالتوراة والإنجيل والزبور (ومِنْهُ الإعْجازُ) هذا فصل ثان هذا الفصل الثاني وهو الْمُعَبَّر عند بعضهم بالْمُعْجِز بلفظه، كلام الله تعالى الْمُنَزَّلُ على محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - الْمُعْجِزُ بلفظه، وتلحظون أن المصنف لم يقل الْمُتَعَبَّد بتلاوته - وقد ذكرناه بالأمس - لماذا؟ للاحتراز عن الأحاديث القدسية والآيات المنسوخة (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة)، هذه كانت آيةً نسخت إذًا لم يُتعبد بتلاوته هي كلام الله ونزل على محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - لكنه لم يتعبد بتلاوته إذًا خرجت الآيات المنسوخة وخرجت الأحاديث القدسية على القول بأن اللفظ والمعنى من عند الرب جل وعلا، لكن قيل أن قوله: (المتعبد بتلاوته) هذا حكمٌ من أحكامه والحكم على الشيء فرع عن تطوره، إذًا لا يمكن إدخاله في الحدود، ونزيد بما ذكرناه بالأمس أن المراد في حد القرآن هو التقرير فقط والرسم وليس المراد إجراءه على طريقة المناطقة ونحوهم هذا هو المراد، وبذلك يذكر كل وصفٍ يمكن أن ينفصل القرآن عن غيره (المتعبد بتلاوته) أي: لازم يكون ذكره أولى من حذفه لأنه يمتاز به القرآن عن غيره، وأما صفة المعجز بلفظه نقول هذا نعم اختص به القرآن على جهة القصد (ومِنْهُ الإعْجازُ) ... (ومِنْهُ) الواو واو الحال يعني والحال أن منه من القرآن من ذلك الكلام ... (الإعْجازُ) للخلق أن يكون مُعْجِزًا للخلق أن يكون هذا الكلام الْمُنَزَّلُ على النبي - صلى الله عليه وسلم - معجزًا للخلق لإظهار صدق النبي - صلى الله عليه وسلم - في دعواه الرسالة لأنه رسول ادَّعى الرسالة لا بد من دليل يثبت ذلك صدق الرسول - صلى الله عليه وسلم - وعلى أن القرآن الذي معه حق حينئذٍ يكون الإعجاز هنا كونه معجزًا بلفظه هل هو لذاته أم لغيره؟ نقول: لغيره، وهو إثبات أن القرآن حق كون القرآن معجزًا لإثبات القرآن حق ولإثبات أن دعوى الرسول - صلى الله عليه وسلم - أنه رسول دعوى صدق وحق فصار ماذا؟ فصار كون القرآن معجزًا بلفظه ليس المقصود به الزعم وإنما المقصود به إثبات شيئين اثنين وهما: أن القرآن حق، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - صادق في دعواه الرسالة. ولذلك صار القرآن معجزًا أو قل آية والمعجزة عندهم أمرٌ خارقٌ للعادة مقرونٌ بالتحدي مع عدم المعارضة.

والتحدي ما هو؟ هو طلب المعارضة ولذلك صار القرآن معجزًا لماذا لكونه طولب أن يعارض به من كلام البشر فعجزوا عن ذلك {قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ} [الإسراء: 88] فتحداهم أن يأتوا بمثل القرآن كله فعجزوا، ثم تحداهم أن يأتوا بعشر سورٍ من مثله مفتريات فعجزوا، ثم تحداهم أن يأتوا بسورة من مثله فعجزوا، فدل على ماذا؟ دل على أن القرآن حق وأنهم عاجزون لماذا؟ لكون القرآن نزل بأعلى درجات لسان المخاطبة وهم فصحاء العرب وهم أرباب اللسان وهم مساطيع الفصحاء فلما كانوا على هذه الدرجة وكانوا يتنافسون في منثور الكلام وشعره فنزل القرآن بلغتهم فعجزوا عن أن يأتوا بسورةٍ من مثله فدل على أن القرآن حق فصار القرآن معجزًا دلالة على أنه حق وهذا الوصف مميز له عن غيره والذي يقصد في الحد هنا من باب التقريب ما يحصل به تمييز القرآن عن غيره، فحصل أو لا؟ نقول: حصل. وأما ما يُذكر في كتب البيان البلاغة كما مر معنا في ((الجوهر المكنون)) أن للبلاغة طرفان حدٌ أعلى، وحدٌ أدنى، والحد الأعلى فُسِّرَ هناك - وذكرناه سابقًا - أنه القرآن قالوا وما يقرب منه وما قاربه وذكرنا ماذا أن المراد به كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - ولذلك جاء «فاختصر لي الكلام اختصارًا»، «أُوتيت جوامع الكلم». فدل على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد يكون كلامه معجزًا أليس كذلك؟ ولأنه أبلغ الخلق في البلاغة والفصاحة والبيان فيجب أن يكون كلامه أعلى الدرجات حينئذٍ كيف يوصف القرآن بكونه معجزًا وقلنا هذا يتميز به القرآن دون غيره وأثبتنا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قوله معجز وأنه أدنى من القرآن في البلاغة - وإن كان معجزًا - أجيب: بأن المقصود هناك الإعجاز من باب التحدي وهو مقصودٌ لذاته والنبي - صلى الله عليه وسلم - قوله معجز إلا أنه مقصود تبع لا لذاته. ويوصف اللفظ بتلك باعتبار ... إفادة المعنى بتركيب يُصار وقد يسمى ذاك بالفصاحة ... ولبلاغة الكلام ساحة بطرفين حدّ الإعجاز علُ ... وما له مقارب ...... علُ يعني أعلى ................ ... وما له مقارب والأسفل هو الذي إذا لدونه نزل صار كصوت الحيوان مستفل إذًا البلاغة لها درجتان أعلى وأدنى، أدنى ما يصل إلى درجة أصوات البهائم هكذا قيل وأعلى هذا هو القرآن وما قاربه بطرفين حدّ الإعجاز عل ... وماله مقارب ..... وهو قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لكن الأول مقصودٌ لذاته لكونه معجزًا ولإثبات كون القرآن حقًا وأن دعوى الرسول - صلى الله عليه وسلم - الرسالة صدق، والثاني يكون ماذا؟ يكون لغيره (ومِنْهُ الإعْجازُ) قلنا (ومِنْهُ الإعْجازُ) (الإعْجازُ) ماذا إعرابه هنا؟ مبتدأ مؤخر وأين خبره (ومِنْهُ الإعْجازُ) ومن ذلك الكلام (الإعْجازُ). ما هو الفاعل؟ [أحد الإخوة قال: فاعل فقال له الشيخ: أنت كوفي، إذا كنت كوفيًا نقبل منك الكوفيون يرون تقدم الفاعل على العامل، والصواب عدمه].

والإعجاز منه حصل بسورة يحتمل الإعجاز هذا مبتدأ وجملة حصل بسورة منه هذا خبر المبتدأ هذا أولى ولو جعلت منه الإعجاز من ذلك الكلام الإعجاز ثم وقفت أو جعلت الجملة حصل بسورةٍ أنها في موضع نصب حال أيضًا صح، لكن الأولى جعل (الإعْجازُ) مبتدأ وجملة حصل بسورةٍ منه يعني من ذلك الكلام (ومِنْهُ الإعْجازُ) إذًا أَخْرَجَ ماذا هذا الفصل الثالث؟ أخرج الحديث القدسي لأنها نزلت كلام الله تعالى نزل على النبي - صلى الله عليه وسلم - ولكنها ليست معجزة لماذا؟ لأنه أسقط حد أو الفصل الرابع الذي ينبغي أن يُذكر وهو متعبدٌ بتلاوته فحينئذٍ ينبغي إخراج الأحاديث الربانية القدسية التي يقول فيها النبي - صلى الله عليه وسلم - قال الله تعالى هذا يُسمى حديثًا قدسيًا الذي يصرح به «قال الله تعالى: أنا عند ظن عبدي بي»، «قال الله تعالى: يا عبادي» ... الحديث. فنقول: هذا حديثٌ قدسي واختلف العلماء هل لفظه ومعناه من عند الله أم أنه المعنى من عند الله واللفظ من عند النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ إذا قلنا: المعنى من عند الرب جل وعلا واللفظ من عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فلا إشكال أنه خالف لا إشكال لماذا؟ لأنه لم ينزل من عند الرب جل وعلا، والكلام هنا في كلام الله (الْمُنْزِلُ) وهذا لم ينزل لفظه لم ينزل وإن كان المعنى من عند الرب جل وعلا. وإذا قيل بأن لفظه ومعناه نزل على النبي - صلى الله عليه وسلم - حينئذٍ لا بد من إخراجه وفصله عن القرآن، فكونه معجزًا - الذي هو القرآن - ينفك وينفصل عن الحديث القدسي، ولذلك أثبت أهل العلم فروقًا بين الحديث القدسي والقرآن وهو: أن القرآن معجزُ بلفظه، والحديث القدسي ليس معجزًا بلفظه. القرآن لا يجوز روايته بالمعنى، والحديث القدسي يجوز روايته بالمعنى. القرآن متعبدٌ بتلاوته، والحديث القدسي ليس كذلك. القرآن في الأصل لا يكون إلا متواترًا، والحديث القدسي منه الصحيح ومنه الضعيف بل الموضوع. القرآن على قول الجمهور لا يجوز قراءته للجنب والحائض، والحديث القدسي ليس كذلك. القرآن إذا أَنْكَرَ حرفًا واحدًا متفقًا عليه بين القراء كَفَرَ، والحديث القدسي لو أنكر حرفًا واحدًا ليس معلومًا من الدين بالضرورة نقول: لم يكفر. إذًا فرقٌ بين الحديث القدسي والقرآن. (ومِنْهُ الإعْجازُ بِسُورَةٍ حَصَلْ) قلنا: أن الإعجاز حاصلٌ بلفظ القرآن. هل المقصود أنه باللفظ فقط أم من جهاتٍ متعددة؟ القرآن معجز تحدى العرب وهو معجزٌ بلفظه يعني بألفاظه ومعانيه وأوامره ونواهيه وأخباره وقصصه وكل ما ذكر من موضوعات القرآن فهو معجز فأحكامهما كلها عدل وأخبارها كلها صدق، حينئذٍ لا يختص اللفظ فقط لماذا؟ - وإن ذكر المعجز بلفظه - لأن المقام مقام تحدي لكن نحن نفهم أن عموم الإعجاز حاصلٌ لعموم موضوعات القرآن في أوامره ونواهيه وأخباره وقصصه، أما بالنسبة للمخالفين فحينئذٍ الحاصل فيه اللفظ باللفظ، ولذلك ذكرت مسألة هنا وهي كونهم عجزوا عن الإتيان بمثل القرآن هل هو لعجزهم وضعفهم أم ما يُسمَّى ... بالصرفة، يعني صُرفوا مع قدرتهم؟

الأول لا شك، والثاني مذهب المعتزلة وقال به أو أَوْمَئَ إليه بعض أهل السنة أيضًا، لأنهم وجدوا فيه معنًى بليغًا، والأصح الأول أنه ماذا؟ أنه لعجزهم وضعفهم، وهذا واضح لأن القرآن كلام الله، كلام الخالق، والبشر الذين هم ذوات كلامهم كلام مخلوق فلا يمكن أن يكون كلام المخلوق مساويًا ولو بوجه ما لكلام الخالق، أليس كذلك؟ لأن الكلام صفة للذات فإذا حصل التباين بين ذاتين فالتباين فالصفات من باب أولى، فإذًا لا يمكن أن يجيز العقل أصلاً أنهم يستطيعون في أنفسهم لأن المعنى في الصرف ماذا؟ أنهم يستطيعون قادرون على أن يأتوا بمثل القرآن كلهم لكن الله عز وجل صرفهم حجز بينهم وبين أن يأتوا بمثله، وهذا قولٌ باطل وليس في طوق الورى من أصله ... أن يستطيعوا سورةً من مثله ولذلك قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: فالصواب المقطوع به أن الخلق كُلَهم عاجزون عن معارضته لا يقدرون على ذلك. فالصواب المقطوع به، لا شك في هذا. فالصواب المقطوع به أن الخلق كلهم عاجزون عن معارضته لا يقدرون على ذلك. ثم قال رحمه الله: بل ولا يقدر محمدٌ - صلى الله عليه وسلم - نَفْسُه من تلقاء نفسِه على أن يبدل سورةً من القرآن لأنه بشر وهو داخلٌ في كون كلامه صفةً لبشر والقرآن صفةٌ للخالق فتم تباين كلي بين الذات والذات وبين الصفة والصفات. (بِسُورَةٍ حَصَلْ) الإعجاز بماذا حصل؟ حصل بسورةٍ، بسورةٍ واحدة، وإن حصل بالقرآن كله في آية الإسراء {قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً} [الإسراء: 88]. ثم لما عجزوا تحداهم بماذا بعشر سورٍ قال: {قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ} [هود: 13]. فعجزوا فتحداهم بماذا {فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ} [البقرة: 23]. وهذا في سورة البقرة حينئذٍ صار التحدي في مكة وفي المدينة. (بِسُورَةٍ حَصَلْ) أقل السور كم آية أقل سورةٍ؟ ثلاث آيات فحينئذٍ يحصل الإعجاز بماذا بثلاث آيات فأكثر، هل ورد تحديهم بآيةٍ واحدة؟ ورد في القرآن سورة، هل ورد التحدي بآية؟ هنا قال: (ومِنْهُ الإعْجازُ بِسُورَةٍ حَصَلْ). يقتضي أنها أقل ما وقع التحدي به هو السورة، وأقل سورةٍ ما هي ثلاث آيات، فما كان من قدرها يحصل التحدي به وما كان أدنى من ثلاث وأدنى من السورة بآية من ضمن السورة لا يحصل الإعجاز به ولا التحدي به هذا مفهومه، لأنه قال: (بِسُورَةٍ حَصَلْ). اختصر على السورة نقول: لماذا؟

لأنه لم يكن في القرآن آيةٌ مفردة لا يتصور وجود آيةٍ مفردة بل كل آيةٍ مستلزمهٌ لآيةٍ قبلها وآيةٍ بعدها، ولذلك لم يحصل التحدي بآية الواحدة لأن أقل آية في القرآن كلمة واحدة {مُدْهَامَّتَانِ} [الرحمن: 64]. هل يعجز العربي الفصيح .. أن يقول: مُدْهَامَّتَانِ أو أن يأتي بمثلها لا يأتي، لكن ... {مُدْهَامَّتَانِ} [الرحمن: 64] في موضعها باعتبار ما قبلها وما بعدها لو اجتمع الإنس والجن أن يأتوا بكلمة في هذا الموضع ثم لا يخل المعنى بلاغةً عن المعنى السابق لم يستطيعوا إلى ذلك سبيلاً، وهذا أحسن ما يقال ولذلك قال بعضهم: القرآن كله معجز، هذا نحكم به القرآن كله معجز، لكن فيه ما لو انفرد لكان معجزًا بذاته لو انفردت سورة البقرة من ضمن القرآن لكانت معجزةً بذاتها لا شك في ذلك وحتى أقل سورة التي هي سورة الكوثر نقول معجزة بذاتها. ومنه ما إعجازه ما لانضمامه إلى غيره كالآية المفردة هذه معجزة لكن لا من حيث هي لأن العربي لا يعجز أن يقول: ثم نظر. هل قبل نزول القرآن لم يتلفظ أحد بقوله: ثُمَّ نَظَرَ. أو ثُمَّ عَبَسَ هذا لا يتصور، حينئذٍ نقول قبل نزول القرآن لا يمتنع أن يقول قائلٌ مُدْهَام أو يقول ماذا؟ ثُمَّ نَظَرَ، فحينئذٍ نقول: هذه الآية من حيث كونها مفردة لم يحصل التحدي بها لأن في إمكانهم أن يأتوا بالمفردة لكن في موضعها بانضمامها إلى ما قبلها وما بعدها يعجز البشر عن أن يأتوا بمثل هذه الآية باعتبار ما قبلها وما بعدها لذلك قال بعضهم: القرآن كله معجز - وهذا أحسن ما يقال في هذا الموضع - لكن فيه ما لو انفرد لكان معجزًا بذاته، ومنه ما إعجازه مع الانضمام فإن القرآن يتفاوت إعجازه ويتفاضل ثوابه كما أن الثواب سيأتي متفاوت كذلك الإعجاز يتفاوت. (ومِنْهُ الإعْجازُ ومِنْهُ الإعْجازُ بِسُورَةٍ حَصَلْ) يعني حصل بسورةٍ ومثلها فيه قدرها من غيرها، لأنه لا يقال مثلاً لا يحصل الإعجاز بآية لو انفكت آية الدين هل يحصل الإعجاز بالآية، نعم يحصل الإعجاز لأنها بقدر سورة الكوثر بل أكثر فكل آية موازية في الكلمات والأسطر لسورة الكوثر فأكثر يحصل إعجازٌ بها وما أدنى من ذلك سيأتي الكلام الذي ذكرناه سابقًا. إذًا اقتصر على السورة لماذا؟ لأنه لم يكن في القرآن آيةٌ مفردة بل الآية تستلزم مناسبةً لما قبلها وما بعدها (ومِنْهُ الإعْجازُ بِسُورَةٍ حَصَلْ) أي حصل بسورةٍ واحدة. والسُّورَةُ الطائِفَةُ المُتَرْجَمَةْ ... ثَلاثُ آيٍ لأَقَلِّها سِمَةْ نقف على هذا وصلَّ الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

4

عناصر الدرس * شرح تعريف السورة والآية. * هل في القرآن فاضل ومفضول. * الخلاف في ترجمة القرآن. * شرح أقسام الترجمة. الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد. لا زال الحديث في مقدمة التي عنون لها المصنف رحمه الله تعالى بذكر بعض ما اختص به علم التفسير وقَبْلَها لا بُدَّ مِنْ مُقَدِّمَةْ ... بِبَعْضِ ما خُصِّصَ فيهِ مُعْلِمَةْ وبين أول ما ذكر في المقدمة وهو تعريف القرآن وهو ما نزل على محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -، قال: (ومِنْهُ الإعْجازُ). وذكرنا أن هذا الحدّ هو من باب التقريب وليس الحدّ الذي يكون عند المناطقة ولذلك بعضهم يذكر بعض الفصول وبعضهم يحذفها على حسب ما يقع في نفسه من تميز القرآن على غيره ببعض الفصول دون بعض. وهنا ذكر ما أجيز ثم ذكر الفصل الأول الذي هو أول الإنزال، والفصل الثاني وهو على محمدٍ، - صلى الله عليه وسلم - وبينا محترزات هذين الفصلين. قال: (ومِنْهُ الاعْجازُ). هذا هو الفصل الثاني (ومِنْهُ الاعْجازُ بِسُورَةٍ حَصَلْ). هذا فصلٌ ومعه تسمية لأن قوله: (ومِنْهُ الإعْجازُ بِسُورَةٍ حَصَلْ). (بِسُورَةٍ) هذا جار مجرور متعلق بقوله: (حَصَلْ) أي: حصل الإعجاز بسورة، وهذا من باب التسمية لماذا؟ لأنه لو قال: (ومِنْهُ الإعْجازُ) يعني المعجز بلفظه وسيأتي إعرابه المعجز بلفظه قد يتوهم متوهمٌ أنه لا إعجاز إلا بكل القرآن ودفعًا لهذا الوهم قال: (بِسُورَةٍ حَصَلْ). حينئذٍ يحصل الإعجاز بسورةٍ لا بأقل منها كما سيأتي فقوله: (ومِنْهُ الإعْجازُ). ذكرنا توجيهًا في الإعراب أن منه الواو بالطبع واو الحال، (ومِنْهُ) منه جار مجرور متعلق بمحذوف خبرٌ مقدم (والإعْجازُ). هذا مبتدأ مؤخر وجملته حصل بسورة في محل نص الحال من المبتدأ هذا وجهٌ، والوجه الأحسن منه أن يعرب الإعجاز مبتدأ، وحصل بسورةٍ هذا الجملة الخبر يبقى الإشكال بقوله: (مِنْهُ). منه الأصل أنه متأخر وهو مقدم عن تأخير والإعجاز حصل بسورةٍ منه، فمنه جارٌ مجرور في الأصل جار مجرور متعلقٌ بمحذوف صفة لسورة لأن الظروف كذلك الجار والمجرور بعد النكرة تعرب صفات، والمشهور أن الصفة صفة النكرة إذا تقدمت عليها أعربت حالاً، عليه يكون قوله: (ومِنْهُ). ومنه جار مجرور متعلق بمحذوف حال وصاحب الحال هو السورة وهذا الإعراب أولى وأوجه لماذا؟ لأننا لو قلنا: ومنه الإعجاز. مبتدأ وخبر، منه يُفهم التبعيض بعضه يحصل فيه الإعجاز إلا إذا جعلنا من هنا لابتداء الغاية بمعنى ما يذكره البعض المعجز بلفظه حينئذٍ صار الابتداءٌ من اللفظ وحصل الإعجاز مبتدأ بماذا؟ بلفظ القرآن، وهذا أيضًا وجهٌ حسن لكن الأولى أن يعرب الإعجاز مبتدأ، ومنه هذا حال مقدم وحصل بسورةٍ هذه الجملة خبر حصل بسورةٍ منه لأنه لا بد من التقديم.

(ومِنْهُ الإعْجازُ). قلنا: الإعجاز هذا مصدر أَعْجَزَ يُعْجِزُ إِعْجَازًا، والْمُعْجِز هذا يطلق عليه الآية وهو استعمالٌ القرآن وهو أولى وإن شاع عند كثير من المتأخرين إطلاق الإعجاز على الآية والعكس هو الصواب أن يطلق الآية على الإعجاز لأنه ما جاء في الكتاب والسنة إلا لفظ الآية والمعجزة عندهم أمرٌ خارقٌ للعادة مقرونٌ بالتحدي مع عدم المعارضة، والمراد بالتحدي طلب المعارضة أمرٌ خارقٌ للعادة مقرونٌ بالتحدي يأتي صاحبه يتحدى بهذه الآية هذا الأمر الخارق للعادة مع عدم المعارضة يعني لا يعارضه أحد والمعارضة هنا هي ما يكون في مثل هذا الموضع أن يُؤتى بلفظٍ معجز ولما انتفى ذلك لما تحداهم الرب جل وعلا ليأتوا بمثله فعجزوا ولم يستطيعوا تحداهم أن يأتوا بعشر سورٍ مثله، أيضًا لم يستطيعوا تحداهم أن يأتوا بسورةٍ أيضًا لم يستطيعوا. إذًا عدم المعارضة لم يتمكنوا من المعارضة لذلك قلنا: الصواب هو قول من يرى أن عدم المعارضة هنا لذواتهم. يعني قصورهم لذاتهم لا لكونهم قادرين وصُرِفُوا، لا، لا نقول بالصرف كما يقول المعتزلة ومن على شاكلتهم. ما اختص به علم التفسير وليس في طوق الورى من أصله ... أن يستطيعوا سورةً من مثله وليس في طوق الورى من أصله. ليس في قدرة وطاقة الورى الخلق من أصله من أصل الخلق نفسهم لذواتهم ولكونهم عاجزين أن يستطيعوا سورةً من مثله، إذًا لا كونهم قادرين ولكنهم صُرِفُوا، وإنما هو فرقٌ بين القولين أن نقول: أنهم يقدرون على أن يأتوا بمثل هذا القرآن أو بعشر سور أو بسورةٍ ولكنهم حُجبوا وصُرفوا عن ذلك، لكن الصواب أنهم عاجزون بأنفسهم لذواتهم والعلة واضحة أن الكلام الْمُتَحَدَّى به كلام الرب جل وعلا وهو صفة للخالق سبحانه، والكلام الذي يُؤتى من جهة المخلوق صفةٌ له وحاش أن تكون صفة المخلوق مساوية لصفة الخالق كما أن الفرق واضح بيِّن بين الذات ذات المخلوق وذات الخالق، كذلك صفات الذات تابعةٌ لها لذلك عند أهل السنة أن الكلام في الصفات فرع الكلام في الذات كما أن ذاته جل وعلا لا تشبهه ذوات، كذلك صفاته لا تشبهه الصفات ومنه صفة الكلام، إذًا لا يمكن أن يقال بأنهم قادرون ولكنهم صُرفوا، هذا قول باطل بما يلزم عليه. (ومِنْهُ الإعْجازُ) يعني للخلق إعجازه للخلق لإظهار صدق النبي - صلى الله عليه وسلم - في صحة دعواه لأن الإعجاز المقصود به إثبات أن القرآن حق وأن الرسول، رسول صدقٍ صلى عليه وآله وسلم. حصل بسورة هذا مفهومه أو هذا بيان لأقل ما يحصل به الإعجاز، اقتصر عليه على السورة دون ما دونه وهو الآية لماذا؟ لأنه لم يأت نص صريح - أقول: صريح - في التحدي بالآية وإن جاء التحدي بالآية ضمنًا، إذًا اقتصر على السورة لماذا؟ لأنه لم يكن في القرآن آية صريحة في التحدي بالآية لأنه كما ذكرنا أنه لا يوجد آية مفردة ليس عندنا في القرآن آية مفردة بل هي مستلزمة لما قبلها ولِمَا بعدها فصدق أن أقل ما يحصل به الإعجاز والتحدي هو السورة وأقل سورة هي سورة الكوثر وآياتها عددها ثلاث آيات فدل على ماذا؟ على أنه لا تكون الآية بمفردها دعوى التحدي وإنما تكون بثلاث آيات فأكثر.

إذًا اقتصر على السورة لأنه لم يكن في القرآن آية مفردة بل الآية تستلزم مناسبة لِمَا قبلها وما بعدها (بِسُورَةٍ) قلنا: هذا يقتضي أنه لا أقل منها قوله تعالى: {فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ} [الطور: 34]. بحديث تحداهم أولاً بأن يأتوا بمثل القرآن {قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ} [الإسراء: 88]، {قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ} ... [هود: 13]، {قُلْ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ} [يونس: 38]، {فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ} [البقرة: 23] هذا واضح لا إشكال {فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ} [الطور: 34] قال الزركشي رحمه الله: هذه يقتضي الإعجاز بآية. لأنها حديث أليس كذلك قلت: لم يرد التحدي بالآية صريحًا وإنما جاء ضمنًا وهو داخل في قوله: {فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ} [الطور: 34]. لأنه يشمل الآية، بل قال بعضهم: إن الإعجاز يكون بجملة يعني: بعض آية وليس بآية فقط، وإنما يكون بجملة جملة مركبة من مبتدأ وخبر وفعل وفاعلها أو نائبه وهذا أيضًا يستقيم مع ماذا؟ مع القول بكونه لم يصرح بالتحدي بآية والسبب في ذلك أنه لا آية مفردة وكذلك لا جملة مفردة فنقول: لم يرد التصريح بالتحدي بالآية لا لكونها ليست معجزة، لا، بل القرآن كله معجز لكنه بعضه معجز بذاته فيما لو انفرد عن غيره كسورة البقرة مثلاً كاملة أو عشر آيات كاملة أو سورة أكثر من ثلاث آيات تقول هذه معجزة بذاتها فيما لو لم تنضم إلى غيرها، ومنه ما هو معجز بالانضمام إلى غيره وهو الآية والجملة. إذًا لا يخرج القول بكون الآية ليست معجزة لا يخرج عن كون القرآن معجزًا بل نقول: كله معجز. لماذا؟ لأن القرآن جاء متحديًا لمن اتصف بأعلى درجات الفصاحة حينئذ لا يعجز أن يأتي بكلمة واحدة، وقد وردت آية واحدة في القرآن بكلمة واحدة وهي: {مُدْهَامَّتَانِ} [الرحمن:64]. قال بعضهم: لا يوجد غيرها {مُدْهَامَّتَانِ}. والغريب أن السيوطي رحمه الله مثل بقوله: {وَالضُّحَى} [الضحى: 1]. أنه كلمة واحد {وَالْعَصْرِ} [العصر: 1]، {وَالْفَجْرِ} [الفجر: 1] أنه كلمة واحدة وهذا مثال صحيح؟! ليس بصحيح لماذا؟ لأنها جملة وليس بكلمة ولا كلمتين {وَالضُّحَى} هذه جملة {وَالْعَصْرِ} هذه جملة فعلية {وَالْفَجْرِ} تقول هذه جملة فعلية لماذا؟ لأن أصلها أقسم بالضحى، أقسم بالفجر هذا الأصل فيها ونابت الواو مناب فعل القسم لذلك لا يجوز الجمع بينها وبين فعل القسم. إذًا نقول: عجبنا من السيوطي مع كونها نحويًا إلا أنه مثل في التحبير بكلمة واحدة وهي قوله: {وَالضُّحَى}. والصواب أنه يقال: {مُدْهَامَّتَانِ}. كلمة واحدة في آية قيل: لا يوجد غيرها أما {ثُمَّ نَظَرَ} [المدثر: 21] هذه جملة ثم حرف عطف على ونظر هو المركب من فعل فاعل فيكون جملة ولا يكون كلمة واحدة.

إذًا نقول: قوله: (بِسُورَةٍ). يقتضي أنها أقل ما وقع التحدي به لقوله تعالى: {فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ} [البقرة: 23]. لكن قوله تعالى: ... {فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ} [الطور: 34]. يقتضي الإعجاز بآية وقيل: إن الجملة الواحدة معجزة والجواب ما ذكرناه أن الآية مع غيرها والجملة مع غيرها. قال بعضهم: (الْقُرْآنُ كُلُّهُ مُعْجِزٌ، لَكِنْ مِنْهُ مَا لَوْ انْفَرَدَ لَكَانَ مُعْجِزًا بِذَاتِهِ. وَمِنْهُ مَا إعْجَازُهُ مَعَ الِانْضِمَامِ إلَيْهِ) (ومِنْهُ الإعْجازُ بِسُورَةٍ حَصَلْ). حصل الإعجاز بسورة كسورة الكوثر مثلاً، ومثلها فيه قدرها من غيرها لأنه يقال: سورة الكوثر. هذه ليست في الآيات أو ليست في الكلمات والحروف مثل آية الدَّيْن أيهما أكثر؟ آية الدَّيْن ولا شك لكن من حيث عدد الآيات سورة الكوثر أكثر لكن من حيث الكلمات نقول: آية الدين. هل يحصل الإعجاز بآية الدين؟ نعم كيف نقول بآية لا يحصل؟ باعتبار ما تضمنه من كلمات إذًا بسورة حصل ومثلها مثل السورة فيه يعني في الإعجاز به قدرها من غيرها فحينئذٍ ننظر في سورة الكوثر عدد كلماتها وأسطرها ومثله من غيرها أيضًا يكون معجزًا كآية الربا {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا} [البقرة: 275] ... إلى آخره نقول: هذه معجزة لأن في عدد الكلمات أكثر من سورة الكوثر إذًا مثل سورة الكوثر في قدرها في كلماتها والأصل مثلاً وعد الجمل نقول: مثلها في غيرها معجزٌ سواء كان آية مستقلة أو بعض آية وعليه نقول: ما كان آية لو انفرد وليس بمعجز هذا ما أمكن أن يؤتى بمثله فيما إذا كان كلمة أو كلمتين أو جملة فعلية أو جملية اسمية يعني: من قصار السور. وأمكن أن يُؤتى بمثله وأما ما كان طويلاً كآية الدين ونحوها نقول: هذا لا يمكن أن يُؤتى بمثله ولا نقول هنا معجزًا لاستلزامها ما قبلها وما بعدها إذًا مثل مسألة الآية أو الإعجاز والتحدي بالآية نقول: ليس كل آية نَدَّعِي أنها معجزة في ذاتها بل ما كان يُتصور في العقل أن يأتي العربي الفصيح بمثله فيما لو انفرد. نقول: هذا ليس بمعجز بذاته بانضمامه إلى غيره وما لم يكن كذلك فلا. نقول: لا، هو معجز بذاته إذًا تصريح أهل العلم بكون الآية لم يرد التحدي به نقول: أولاً لم يرد التحدي به صريحًا أما ضمنًا فقد ورد {فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ} [الطور: 34] وكون الآية ليست معجزةً بذاتها نقول: فيما - لا بد من تقيده - فيما لو أمكن أو تصور العقل أن يأتي العربي الفصيح القح بمثله وما عدا ذلك فلا نقول: الآية معجزة سواء انضمت إلى غيرها أو انفردت عن غيرها. فالمسألة فيها تفصيل.

لَمَّا ذكر السورة وهو كونه يحصل الإعجاز بها شرع في بيان حقيقة السورة ما هي السورة؟ إذا قيل: (ومِنْهُ الإعْجازُ بِسُورَةٍ حَصَلْ) حصل بسورة من القرآن ما هي هذه السورة متى نحكم على بعض الآيات بكونه سورة قال: (والسُّورَةُ). بدون همز وقد تهمز ويقال: السؤرة. وإن لم يكن مستعملاً إذًا يقال: السورة. ويقال: السؤرة. تهمز ولا تهمز اختلف في اشتقاقها فقيل: مشتقة من سور البلد لارتفاعه. وسميت السورة سورة مع كونها مشتقة من سور البلد لشرفها وارتفاعها وقيل: السورة المنزلة الرفيعة. أصلها المنزلة الرفيعة كما قال النابغة: ما اختص به علم التفسير أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَعْطَاكَ سُورَةً ... تَرَى كُلَّ مَلْكٍ حولََهَا يَتَذَبْذَبُ سورة. يعني: منزلة رفيعة، ألم تر أن الله أعطاك سورة. إذًا يحتمل أن يكون لفظ السورة مشتقًا من سور البلد أو من المنزلة الرفيعة وكلٌ مسموع من لغة العرب وعليه إذا كان مشتقًا من سور البلد أو من المنزلة الرفيعة فلا يكون مهموزًا لا يُتصور أن يهمز لأنه إذا اشتق مما لا همز فيه فلا يمكن أن يكون الفرع مهموزًا بل يكون تابعًا لأصله وقيل: مشتقة من سؤر الإناء. وهو بقيته لأنها جزء من القرآن فأصلها سؤرة بالهمزة ولكنها خففت بإسقاطها سؤرة إذًا همزة ساكنة ومعلوم أن الهمز ثقيل خاصة مع الواو فأسقط تخفيفًا من باب التخفيف وكل يحتمل، يحتمل أن يكون اشتقاق لفظ السورة من سور البلد أو من المنزلة الرفيعة أو من سؤر الإناء وهو بقيته، ومعلوم أن السورة منزلتها رفيعة لأنها جزء من القرآن ولأنها كلام الرب جل وعلا إذًا منزلتها رفيعة وهي أيضًا مرتفعة ولها شرف كما أن السور سور البلد مرتفع وإن كان هذا ارتفاع حسي إلا أن ارتفاع السورة يكون معنويًّا ويحتمل أنها من السؤر سؤر الإناء حينئذ تكون مهموزة في الأصل إلا أنها خففت بماذا؟ بإسقاط الهمزة. والسورة اصطلاحًا: الطائفة المترجمة. زد عليه توقيفًا. السورة الطائفة المترجمة توقيفًا لا بد من هذا في الحد، الطائفة المراد بالطائفة الجملة. طائفة من أي شيء؟ جملة من أي شيء؟ من القرآن، الطائفة هي الجملة من القرآن وإن شئت تقول: القطعة من القرآن. الطائفة قطعة من القرآن أو جملة من القرآن. (المُتَرْجَمَةْ) أي: المعنونة لها عنوان والمراد بالعنوان هنا أن تكون مسماة باسم خاص سورة البقرة سورة آل عمران هذا عنوان سورة النساء هذا عنوان سورة التحريم هذا عنوان طائفة سورة التحريم من أولها إلى آخرها هذه طائفة جملة قطعة من القرآن أو لا؟

قطعة من القرآن ليست كل القرآن وإنما هي جزء وبعض وقطعة من القرآن معنونة بعنوان خاص وهو التحريم يميزها عن غيرها إذًا صار التحريم هذا علم ومسماه سورة التحريم التي هي {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ} إلى آخر السورة. [توقيفًا] أي: بتوقيف من النبي صلى الله عليه وآله وسلم بمعنى أن أسماء السور يكون موقوفًا ليس مجاله الاجتهاد فليس لكل شخص أن يأتي باسم ويجعله عنوانًا لسورة ما والمراد هنا بكون أسماء السور توقيفية المراد به كما قيده غيره المراد به السورة التي يشتهر بها العنوان لأن بعض السور كسورة البقرة تسمى فسطاط القرآن مثلاً وتسمى البقرة أيهما أشهر؟ البقرة وهي التي أثبتها الصحابة في المصحف فحينئذٍ نقول: لم يثبتوها كتابةً لكن عنون لها لم يكتب إلا قرآن ولذلك أخلوه من آمين ومن الاستعاذة ومن أسماء السور لكن معلوم عندهم أن {الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ} [البقرة: 1، 2]، هو سورة البقرة وهذا مطرد عندهم ومشتهر وإذا ذكرت سورة البقرة انصرف إلى مسماه الخاص نقول: هذا الاسم الذي إذا ذكر لم ينصرف إلى غيره وهو المشتهر عند ذكر اللفظ نقول: هذا الذي فيه الخلاف هل هو توقيفي أم اجتهادي؟ نقول: الصواب أنه توقيفي، وما عدا ذلك فهو اجتهادي لأن بعض الصحابة والتابعين كذلك قد أطلقوا بعض الأسماء على بعض السور ولذلك سمى حذيفة بن اليمان رضي الله تعالى عنهما سمى التوبة بالفاضحة أليس كذلك؟ وسماها سورة العذاب، وسمى أيضًا خالد بن معدان البقرة بفسطاط القرآن، وابن عيينة سمى الفاتحة الواقية، ويحيى بن أبي كثير سمى الفاتحة أيضًا بالكافية، وكثير هذا تجدونه في أوائل السور ولذلك سميت القرآن بالكنز سميت بالصلاة سميت بالدعاء سميت ... بأن كلها اجتهادية هذه، لكن الفاتحة أو أم القرآن وأم الكتاب هذه توقيفية، إذًا قوله: (الطائفةُ) من القرآن (المُتَرْجَمَةْ). يعني المعنونة المسماة باسمٍ خاص توقيفًا من النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا يتعلق بالاسم المشهور للسورة وما عداه فيجوز أن يكون اجتهادًا وقد وقع من الصحابة ومن غيرهم، (المُتَرْجَمَةْ) مترجمة من ماذا؟ لو نظرت في القرآن لا بد من مناسبة بين الاسم والسورة، البقرة لماذا سميت البقرة؟ لذكر سورة البقرة. آل عمران؟ لذكر آل عمران. النساء؟ لكونها اشتملت على أحكام النساء ... وهلم جرا. إذًا معنونة ومسماةً باسم خاص بجزءٍ منها أو بقصةٍ ذكرت في السورة إذًا ثمَّ تناسب وارتباط بين الاسم وبين المسمى لا بد أن تنظر أن يكون جزءًا من السورة قد عنون له بذلك العنوان وهذا مأخذ بعض من كره أن يقال: سورة البقرة. قال بل يقال: السورة التي تذكر فيها قصة البقرة، والسورة التي يذكر فيها قصة آل عمران، والسورة التي ذكر فيها الطلاق ... وهلم جرا قالوا: لماذا؟

لأنك لو قلت: سورة البقرة. يفهم أنك قصرت السورة على ماذا؟ على قصةٍ واحدة وهي: أوعب وأكبر من ذلك. فكرهوا أن يقال: سورة البقرة، وسورة آل عمران، وسورة النساء. هذا تعليل مع كونهم احتجوا بحديثٍ عند الطبراني مرفوعًا من رواية أنس قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا تقولوا: سورة البقرة، ولا سورة آل عمران، ولا سورة النساء، وكذلك القرآن كله ولكن قولوا: السورة التي يذكر فيها البقرة، ويذكر فيها آل عمران وكذلك القرآن كله». هذا حديث رواه الطبراني لكنه ضعيف. قال ابن كثير رحمه الله تعالى: لا يصح رفعه. وقال البيهقي: إنما يُعرف موقوفًا عن ابن عمر فقط. إذًا صار موقوفًا ولا يكون له حكم الرفع لأن مجاله الاجتهاد ويدل على صحة أن يقال: سورة البقرة. ما جاء في صحيح البخاري عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه بعد رمي الجمرات قال: هذا مقام الذي أنزلت عليه سورة البقرة. حينئذٍ نقول: لا وجه أن يُنكر أن يقال: سورة البقرة. ولذلك في المسند أيضًا أن العباس نادى الناس بأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين يوم فر بعض الصحابة: يا أصحاب الشجرة يا أصحاب البقرة. بأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - والنبي - صلى الله عليه وسلم - يسمعه فدل على أنه لا كراهة في قولنا: سورة البقرة، وسورة آل عمران. ولا نحتاج أن نقول: السورة التي يذكر فيها البقرة، أو السورة التي يذكر فيها أحكام النساء ... وهلم جرا لما ذكرناه من السنة. (والسُّورَةُ الطائِفَةُ المُتَرْجَمَةْ) توقيفًا قال السيوطي في الإتقان: وقد ثبت جميع أسماء السور بالتوقيف من الأحاديث والآثار. إذًا ثابت أو لا؟ ثابت، والمراد به ما اشتهر، وأما ما لم يشتهر ما يذكره المفسرون في أوائل السور فهذا لا بأس أن يكون من قبيل الاجتهاد وقد يتعدد أو تتعدد أسماء السورة الواحدة كما ذكرناهم سابقًا. الفاتحة، أم الكتاب، أم القرآن، الكنز، الدعاء، النور، الواقية، الكافية، المثاني ... إلى آخره. وكذلك يقال: الإسراء، وبني إسرائيل. والجاثية تسمى: الشريعة. والطلاق تسمى: النساء القصرى بعضهم يقول وقيل: الصغرى. إذًا قد يتعدد للسورة الواحدة اسمان فأكثر وقد يوضع اسم واحد لجملةٍ من السور كالزهراوين: للبقرة وآل عمران. السبع الطوال: للبقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنعام، والأعراف والسابعة يونس. كما روي عن مجاهد وغيره وأيضًا كذلك يقال: المفصل. المفصل هذا عنوان اسم واحد مسماه من الحجرات إلى الناس وقيل: من ق إلى الناس. إذًا قد يكون للسورة اسمًا واحدًا، وقد يتعدد فيكون اثنين فأكثر وقد يوضع اسم واحد لعدة سور. ثم قال: (ثَلاثُ آيٍ لأَقَلِّها سِمَةْ). هل هذا داخلٌ في الحد أم زيادة فضلٍ أم داخل في الحد؟ ما الذي ينبني على القول بأنه داخلٌ في الحد؟

لو قيل بأن لأقل (ثَلاثُ آيٍ لأَقَلِّها سِمَةْ) داخلاً في الحد ما كان أكثر من ثلاث ليس بسورةٍ قد يتوهم متوهم هذا لكن نقول: لا، ليس داخلاً في الحد وإنما هذا من زيادة الفضل يعني: أراد أن يبين لك أقل ما يسمى سورة أو أقل ما وقع في الواقع بكونه سورة لأنه ينبني عليه ماذا؟ ينبني عليه معرفة أقل عدد لآيٍ لسورة حصل الإعجاز به فإذا قال: (ثَلاثُ آيٍ لأَقَلِّها سِمَةْ). أقل سورة هي ثلاث آيات إذًا أقل سورة حصل الإعجاز بها هي سورة الكوثر. لا يوجد غيرها ثلاث آيات (ثَلاثُ آيٍ لأَقَلِّها سِمَةْ) سمة بمعنى: علامة. ... (ثَلاثُ آيٍ لأَقَلِّها) أقل السورة (سِمَةْ) يعني: علامة. (ثَلاثُ) هذا مبتدأ و (سِمَةْ) خبر تقدير (ثَلاثُ آيٍ) علامة لأقلها أي: أقل ما يصدق عليه أنه سورة، إذًا لماذا بين أقل ما يصدق عليه أنه سورة لقوله: (ومِنْهُ الإعْجازُ بِسُورَةٍ حَصَلْ). ليبين لك أن أقل ما يصدق عليه أنه سورة هو: سورة الكوثر. وهي: أقل ما يحصل الإعجاز بها. وهذا متى؟ إذا لم تجعل البسملة آية من السورة، وأما على قول الشافعي رحمه الله وغيره بأن البسملة آية داخلة في مسمى سورة فحينئذٍ أقل ما يكون سورة هو: أربع آيات. وأما إذا قيل: بأن البسملة ليست داخلةً في مسمى سورة سواء قلنا: هي آية من القرآن أو ليست بآية من القرآن نقول: أقل ما يصدق عليه أنه ثلاث. أقل ما يصدق عليه أنه سورة ثلاث آيات. وإذا قيل بدخول البسملة في مسمى السورة وأنها آيةٌ منها حينئذٍ يكون أقل ما يصدق عليه سورة أربع آيات والصواب أن الآية من القرآن أو لا؟ هي من القرآن، هذا لا شك لكن بعضهم نفى أن تكون آيةً أصلاً نفى أن تكون من القرآن وذلك في أربعة أقوال: بعضهم نفى أن تكون آيةً من القرآن أصلاً. وبعضهم أثبت أنها آية من القرآن من الفاتحة ومن كل سورة. وبعضهم أثبت أنها آيةٌ من الفاتحة دون بقية السور. - والصواب - القول الرابع: أنها آيةٌ مستقلة هي آيةٌ في القرآن مستقلة ويفتح بها كل سور وليست آيةً من سورة الفاتحة ولا من غيرها، وعليه حينئذٍ لا تعد من ضمن السور فلا يقال سورة الفاتحة أولها بسم الله الرحمن الرحيم بل أولها {الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ولذلك الذي يدل على أن البسملة ليست آية من الفاتحة حديث «قسمت الصلاة بيني وبين عبد قسمين»، «قسمت الصلاة» الصلاة هنا مراد بها الفاتحة قال: «فإذا قال عبدي {الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}». لو كانت البسملة أول آية لقال لو قال عبدي أو إذا عبدي قال: بسم الله الرحمن الرحيم لكن لما افتتح الفاتحة بالحمد علمنا أن البسملة ليست آية من الفاتحة ولا من غيرها هي قرآن لا شك فيه وليست بآية من كل سورة.

(ثَلاثُ آيٍ لأَقَلِّها سِمَةْ، والآيةُ الطائفةُ المَفْصُولَةْ) لما ذكر الآية في قوله: (ثَلاثُ آيٍ) أراد أن يميز لك هذه الآية ما حدودها متى تطلق اللفظ آية على مسماه قال: (ثَلاثُ آيٍ) كيف تعد الآية حينئذٍ احتجنا إلى بيان معنى الآية فقال: (والآيةُ الطائفةُ المَفْصُولَةْ) آية أصلها أَئْيَة كتَمْرَة قلبت عينها ألفًا على غير قياس، وقيل أصلها كقَائِلَة أَائِئَةٌ كقائلةٍ حذفت الهمزة تخفيفًا، (والآيةُ) عرفنا اشتقاقها معناها في اللغة العلامة يعني تطلق الآية عن العلامة وتطلق على المعجزة وتطلق على العبرة وتطلق على الأمر العجيب وتطلق على البرهان إلى غير ذلك. (والآيةُ الطائفةُ) أي الجملة أو القطعة من القرآن (الْمَفْصُولَةْ) أي: مُمَيَّزة بفصلٍ وهو آخر الآية لذلك في الأصل في (النُّقاية) قال: وحدها عرفًا طائفة من كلمات القرآن متميزةٌ بفصل، والفصل المراد به آخر الآية، إذًا ذات مقاطع فهو ما يسمى بالمقطع أو الفاصلة (والآيةُ الطائفةُ المَفْصُولَةْ) يعني مميزة بفصلٍ وهو آخر الآية ويسمى فاصلة يعني خاتمة الآية يسمى فاصلة تقول ماذا {وَالذَّارِيَاتِ ذَرْواً} [الذاريات: 1]. العلامة رقم واحد هذه فاصلة نقول هذا اسمه فاصلة، هل هو توقيفي أم اجتهادي؟ نقول: الأصل أنه توقيفي، هذا فيه عُلِمَ من وقف النبي - صلى الله عليه وسلم - على رأس الآية ولذلك كانت قراءة النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه يقف على رؤوس الآية، فإن لم يعلم حينئذٍ لا بأس من الاجتهاد والقياس لماذا؟ لأنه إذا قيس في مثل هذا ما لم يعلم على ما علم هل يحصل منه الزيادة أو نقصانٌ في القرآن؟

لم يحصل به لا زيادة ولا نقصان، وعليه لا محذور في دخول الاجتهاد في الفواصل لكن الأصل أنه توقيفي وهذا هو الغالب والأسهل فإذا لم يعلم من النبي - صلى الله عليه وسلم - وقف على هذه الآية فحينئذٍ نقول ماذا نقول لا بأس من الاجتهاد، ولذلك ترون أن بعض الآيات تقف رؤوسها ثم ما بعدها متعلقٌ بما قبلها {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ} [الرحمن: 26] هنا يفصل {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ} [الرحمن: 27]، {لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ} [البقرة: 219] ورأس آية {فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ} [البقرة: 220] هذا متعلقٌ بما قبله لماذا نقول هذا لماذا نجوز لو كان اجتهادًا لقيل لعلكم تتفكرون في الدنيا والآخرة سنقف هنا لكن وقع ماذا {تَتَفَكَّرُونَ} [البقرة: 219] فجاء رأس الآية {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ} [الرحمن: 26، 27] نقول هاتان الآيتان فصل بينهما بفاصل وهي توقيفية وإلا لو كان اجتهادًا لا جمع ما بعدها مع ما قبلها {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ} [الرحمن: 26، 27] لأنه بالنظر العقلي هكذا المجرد مع القصور يكون الأولى الوصل أليس كذلك عقولنا قاصرة لا شك فحينئذٍ نقول أولى الوصل لماذا يفصل بينهما نقول: لأن المسألة هنا توقيفية، إذًا الفواصل هذه الأصل والأغلب أنها توقيفية ولا بأس بدخول الاجتهاد في بعض ووقوع الاجتهاد لا يلزم منه تغير في القرآن لا ينبني عليه لا نقص ولا زيادة لأن القراءة كما هي لذلك يقال ليس في القرآن وقفٌ محرم لأنه لا يختل المعنى في نفس الأمر، إذًا قوله: (المَفْصُولَةْ) مفعولة من الفصل يعني المميزة (مِنْ كَلِمَاتٍ مِنْهُ) (مِنْ كَلِمَاتٍ) هذا جار مجرور متعلق بمحذوف حالٌ من الطائفة (الطائفةُ المَفْصُولَةْ) حالة كون تلك الطائفة (مِنْ كَلِمَاتٍ مِنْهُ) أي: من القرآن (مِنْ كَلِمَاتٍ) أقل الكلمات ثلاث فحينئذٍ يكون أقل الطائفة المفصولة الآية ثلاث هل هذا مفهوم معتبر، هل قوله (مِنْ كَلِمَاتٍ) معتبر لأن مفهومه أنه لا تكون الآية كلمتين ولا كلمة واحدة نقول: هذا المفهوم لا اعتبار له لقلة الآيات المؤلفة من كلمة أو كلمتين هذا قليل ولذلك نص بعضهم أن لا يوجد آية كلمة واحدة إلا {مُدْهَامَّتَانِ} [الرحمن: 64] أليس كذلك؟ وإن ذكر السيوطي {وَالضُّحَى}، {وَالْفَجْرِ}، ... {وَالْعَصْرِ}، إلى آخره نقول: هذا ليس بجيد لأنه جمل وليس بكلمة. ... (كَلِمَاتٍ) إذًا قد تكون كلمة وقد تكون ماذا كلمتين (مِنْهُ) أي: من القرآن.

إذًا علمنا حد السورة وعلمنا حد الآية يبقى السؤال هل ترتيب الآيات توقيفي أم اجتهادي ما المراد بترتيب الآيات {الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة: 2، 4] هل يصح أن نقول مالك يوم الدين، الحمد لله رب العالمين، اهدنا الصراط المستقيم، لا يجوز بالنص والإجماع ترتيب الآيات توقيفي لا يجوز أن يقدم الآية التالية على سابقتها ولا أن تؤخر تالية على تاليها وإلا لا يجب أن تذكر الآيات على وقت المصحف العثماني الذي أجمع عليه الصحابة، إذًا ترتيب الآيات توقيفي بالإجماع ولذلك قال السيوطي رحمه الله تعالى: الإجماع والنصوص المترادفة على أن ترتيب الآيات توقيفي لا شبهة في ذلك، ولذلك جاء في صحيح البخاري عن ابن الزبير قال: قلت لعثمان {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً} قد نسختها الآية الأخرى وهذا على العكس الناسخ الأصل أنه يكون سابقًا والمنسوخ أن يكون تابعًا، وهنا ما الذي حصل؟ {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً وَصِيَّةً لِّأَزْوَاجِهِم مَّتَاعاً إِلَى الْحَوْلِ} [البقرة: 240] هذه سابقة أم متأخرة ... {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً} [البقرة: 234] أيهما أسبق في القرآن؟ أيهما الأول ... والوصية الثانية صحيح هنا قال ابن الزبير: قلت لعثمان {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً} قد نسختها الآية الأخرى فلم تكتبها؟ - لأنها منسوخة - {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً وَصِيَّةً لِّأَزْوَاجِهِم مَّتَاعاً إِلَى الْحَوْلِ} [البقرة: 240] هذه منسوخة وقلنا: النسخ هذا سبق أنه مثال للبعض لا للكل الأكثر في النسخ أن يكون لكل الحكم وهنا للبعض لماذا؟ لأنه نسخ بعض الحول وليس كل الحول لأن كان السنة اثني عشر شهرًا فصارت أربعة أشهر وعشرًا حينئذٍ صار المنسوخ بعض الحكم وليس كل الحكم وهذا يجعل مثال النسخ أو الرفع لبعض الحكم لا لكله، وقد يشتبه بالتخصيص وذكرنا الفرق في القواعد فلم تكتبها؟ قال: يا ابن أخي لا أغير شيئًا من مكانه. دل على ماذا؟ على أن عثمان رضي الله تعالى عنه إنما جعل في المصحف الذي سماه أو أطلق عليه: مصحف الإمام. أنه ما اتفق عليه فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - من ترتيب الآيات فقال: يا ابن أخي لا أغير شيئًا من مكانه. فحينئذٍ يكون ماذا؟ يكون توقيفيًّا. وأما ترتيب السور بعضها تلو بعض فهذا مما وقع فيه نزاع فقيل: توقيفي. وقيل: اجتهادي من الصحابة رضي الله تعالى عنهم. وقيل قول ثالث يجمع بين القولين: بعضه توقيفي، وبعضه اجتهادي. والأصح أن يقال: إنه توقيفي. أن ترتيب السور على الموجود الآن في مصحف عثمان رضي الله تعالى عنه أنه توقيفي الدليل ماذا؟

أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قرأ بعض السور مرتبة في صلاته، وروي أنه كان - صلى الله عليه وسلم - يجمع المفصل في ركعة وهذا يدل على ماذا؟ على أنه رتبه على ما هو عليه، وروى البخاري عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه أنه قال في بني إسرائيل والكهف ومريم وطه والأنبياء: «إنهن من العتاق الأول». رتبها الإسراء، الكهف، مريم، طه، الأنبياء وهذه هي الموجودة الآن أليس كذلك فدل على أنها توقيفي ولذلك جاء في الأحاديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا نزلت آية قال: «اجعلوها». أو «ضعوا هذه في سورة كذا في موضع كذا». فدل على أن كل آية يُراعى لها موضعٌ ويراعى لها سورة معينة، ثم لو وقع نزاع في بعض مصاحف الصحابة رضي الله تعالى عنهم لأنهم يقولون يعني: ممن يحتج بكون المسألة اجتهادية اختلاف المصاحف مصحف أُبي، ومصحف ابن مسعود، ومصحف علي رضي الله تعالى عنه نقول: هذا سابق قبل الإجماع على مصحف عثمان رضي الله تعالى عنه، وأما بعد ما وضع المصحف ورتبه عثمان على ما هو معلوم ومتقرر من ترتيب النبي - صلى الله عليه وسلم - نقول: كلٍّ رجع إلى مصحف عثمان. كلهم رجعوا ورتبوا مصاحفهم على مصحف عثمان رضي الله تعالى عنه. ما اختص به علم التفسير والسُّورَةُ الطائِفَةُ المُتَرْجَمَةْ ... ثَلاثُ آيٍ لأَقَلِّها سِمَةْ عدد السور في المصحف مصحف عثمان كم؟ مائة وأربعة عشر سورة بالإجماع؟ قيل: بإجماع من يعتدد به. وهذا صحيح بإجماع من يعتدد به وقيل: مائة وثلاثة عشرة. وروي عن مجاهد بجعل الأنفال والتوبة سورة واحدة وما قيل بأنها مائة وأحد عشر بإسقاط الفاتحة والمعوذتين على مصحف ابن مسعود رضي الله تعالى عنه نقول: هذا ابن مسعود لا يُنكر كونها سورًا وإنما لم يذكر الفاتحة في مصحفه لكونها مما اشتهر أمر معلوم الكل يحفظ الفاتحة صغيرًا وكبيرًا حينئذٍ لم يذكرها في مصحفه ليس المراد بأنه أسقطها وكذلك المعوذات هذه فيها شبه أنه رقية وإلا رجع لكونها من القرآن. ما اختص به علم التفسير والآيةُ الطائفةُ المَفْصُولَةْ ... مِنْ كَلِمَاتٍ مِنْهُ ......... أي: من القرآن (مِنْ كَلِمَاتٍ مِنْهُ) أي: من القرآن. ما اختص به علم التفسير ........................ ... .............. والمَفْضُولَةْ مِنْهُ على القَولِ بِهُ كَـ «تَبَّتِ» ... والفاضِلُ الَّذْ بهِ مِنْهُ أَتَتِ انتقل إلى مسألة إذا قيل: القرآن هو كلام الرب جل وعلا فهو صفة الخالق سبحانه وتعالى صفات المتكلم وكله معجزٌ بلفظه هذا تقرر أو لا؟ تقرر (ومِنْهُ الإعْجازُ) ومتعبد بتلاوته، يَرِدُ السؤال هل يقع بينه يعني: بين الكلام نفسه هل يقع بينه وفيه تفاضل أم لا؟ هل بعضه أفضل من بعض أو لا؟ هذه المسألة فيها خلاف هنا قال: (والمَفْضُولَةْ مِنْهُ على القَولِ بَهِ) قوله: (على القَولِ بِهِ). إشارة إلى أن بعضهم لا يقول به وهو القول الآخر وهو منسوب إلى أبي الحسن الأشعري والباقلاني وابن حبان أنهم منعوا التفضيل لا يقال: هذه السورة أفضل من هذه، ولا هذه الآية أفضل من هذه. مطلقًا لماذا؟

قالوا: لأن الجميع كلام الله ولئلا يوهم تَنَقُص الْمُفَضَّل عليه. لو قيل: سورة كذا أفضل من سورة كذا. إذًا الْمُفَضَّل عليه يتوهم للمتوهم أنها أدنى من تلك فقد يتبادر النقص إليها فقالوا: إذًا نمنع التفضيل بين القرآن ونقول: كله على مرتبة واحدة وكله على درجة واحدة. هنا قال: (والمَفْضُولَةْ). هذا القول الثاني وهو إثبات كون القرآن فيه فاضل ومفضول لأنه عبر بالمفضولة، المفضول اسم مفعول أليس كذلك مأخوذ من الفضل مفضول واسم الفاعل منه: فاضلة. فاضل وفاضلة ومفضول ومفضولةٌ والسورة مفضولة وفاضلة هنا قال: (والمَفْضُولَةْ). دل على ماذا؟ على اختيار أن في القرآن فيه مفضول وفاضل (والمَفْضُولَةْ مِنْهُ) يعني: من القرآن. (على القَولِ بِهِ) بوجوده (كَـ «تَبَّتِ») يعني: كسورة تبت {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} [المسد: 1]. (والفاضِلُ الَّذْ) هذه لغة في الذي، الذ بحذف الياء لغة في الذي. وأبى اللذ أوبي قال ابن مالك: (وجعل اللذ كاعتقد) يعني: وجعل الذي تعتقد. وأبى الذي أوبي حينئذٍ نقول: هذه لغة في الذي واللذ بحذف الياء (والفاضِلُ الَّذْ فيهِ) يعني: في الله عز وجل (مِنْهُ) من الله جل وعلا (أَتَتِ) أي تلك الآية أو السورة مراده أن المفضول هو كلامه تعالى في حق غيره، والفاضل هو كلام الله في الله جل وعلا كيف هذا؟ يعني ما كان متعلقًا بذاته وأسمائه وصفاته نقول: هذا أشرف من جهة المعنى مما تعلق بأبي لهب أليس كذلك؟ {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} [المسد: 1] متعلق الحديث عن أبي لهب {اللهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [البقرة: 255] متعلق الحديث عن ذات الرب جل وعلا بأسمائه وصفاته أيهما أفضل من حيث المعنى؟ آية الكرسي فنقول: هذه أفضل من حيث ما تضمنته من المعاني العجيبة المتعلقة بذات الرب سبحانه وبأسمائه وصفاته، وتلك وإن كانت كلام الله عز وجل ومتعبد بتلاوتها وحصل الإعجاز بها إلا أنها من حيث المعنى ليست كتلك فالمقارنة حينئذٍ هنا مقارنة نسبية وليست مطلقة يعني لا نقارن أن {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} كلام خارجي عن كلام الرب جل وعلا حتى يُتوهم النقص وإنما نقارن بعض كلامه ببعضه الآخر فحينئذٍ {تَبَّتْ} نقول: هذه مفضولة بالنسبة إلى ماذا؟ بالنسبة إلى آية الكرسي مثلاً، وأما كلامه سبحانه في ذاته وأسمائه وصفاته فلا شك أنه أعلى المقامات وما دونه وهو كلامه جل وعلا في غيره هذا لا يُوهم النقص من حيث نسبته إلى الأول. إذًا (والفاضِلُ) أي كلام الله في الله (الَّذْ) الذي (فيهِ) يعني: في الله عز وجل (مِنْهُ) أي من الله سبحانه (أَتَتِ) أي تلك الآية أو السورة فيه ومنه هذان ظرفان متعلقان بقوله: (أَتَتِ). والفاضل الذي أتت فيه منه جار ومجرور متعلق بقوله: (أَتَتِ). وأتت هذه صلة الموصول. إذًا نقول: اختلف أهل العلم في ماذا؟ في هل في القرآن شيء أفضل من شيء؟ نقول: على قولين:

الأول: الذين منعوا، وهذا منسوب إلى: أبي الحسن الأشعري، والباقلاني وغيره ونسب للإمام مالك رحمه الله تعالى لذلك كره أن تردد الآيات دون غيرها في الصلاة لا تمسك آية واحدة {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} [الشمس: 1] كل يوم في {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} لماذا؟ لأنه يُوهم أن هذه أفضل من غيرها لأن الإنسان لا تخصيص لمكان أو زمان أو مقروء إلا وثم اعتقاد فيه، فحينئذٍ لو خصص بعض الآيات دون بعض حينئذٍ يوهم أن هذه الآيات لها مزية عن غيرها وهذا قد يتبادر إلى الذهن خاصةً عند العوام قد يتبادر إلى الذهن ماذا؟ أنها أفضل وأن غيرها ليس بأفضل يتوهم ماذا؟ يتوهم النقص، لذلك قال بعضهم: لا فضل لبعض على بعض. لأن الكل كلام الله سبحانه رُوِيَ معناه عن مالك قال يحيى بن أبي يحيى: تفضيل بعض القرآن على بعض خطأ. لا يجوز أن يقال: بعض القرآن أفضل من بعض لماذا؟ قال: لأن الأفضل يُشعر بنقص المفضول وكلام الله حقيقةً واحدةً لا نقص فيه. وقال قوم بالتفضيل لظواهر الأحاديث ثم اختلفوا فقيل: الفضل راجع إلى عظم الأجر والثواب يعني المرتب على قراءة الآيات ومضاعفة الثواب، وقيل: بل يرجع لذات اللفظ وهذا أصح مع عدم مخالفة الأول يعني: التفضيل راجع لذات اللفظ لما يتضمنه من المعاني العجيبة كالمتعلق بأسماء الرب جل وعلا فالتفضيل حينئذٍ يكون بماذا؟ يكون بالمعاني العجيبة وكثرتها لا من حيث الصفة قال بعض العلماء معلقًا على هذا الاختلاف يقول رحمه الله: والعجب ممن يذكر الخلاف - وقد ذكرته من باب التعليم فقط - والعجب ممن يذكر الخلاف في ذلك بعض ورود النصوص عن صاحب الشريعة بالتفضيل. حينئذٍ إذا جاءت النصوص واضحة بينة صريحة في تفضيل بعض القرآن على بعض كيف يرد الخلاف فيقال: لا تفضيل ومن فضل فقد أخطأ؟ نقول: من منع التفضيل فقد أخطأ لماذا؟ لورود النصوص الكثيرة التي جاءت في الصحيحين وفي غيره جاء حديث البخاري: «إني لأعلمك سورةً هي أعظم» أعظم تفضيل إذًا أعظم سورةٍ في القرآن ما هي؟ {الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: 2] من قال هذا؟ النبي - صلى الله عليه وسلم -، إذًا إذا فضل النبي - صلى الله عليه وسلم - بعض السور على بعض هل نقول: من فضل بعض القرآن على بعض لقد أخطأ؟

لا، حينئذٍ نقول: العجب ممن يحكي الخلاف لورود التفضيل من صاحب الشريعة «إني لأعلمك سورةً هي أعظم سور في القرآن». قال: ما هي؟ قال: {الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: 2]. والحديث أُبَيّ بن كعب في الصحيحين قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أي آية في كتاب الله أعظم» هناك تفضيل في السور وهنا في الآيات «أي آية في كتاب الله أعظم»؟ قلت: الله ورسوله أعلم. هذا من باب الأدب قال: «يا أُبي أتدري أي آية في كتاب الله أعظم»؟ قال: قلت {اللهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [البقرة: 255]. قال: فضرب الله على صدري أو في صدري وقال: «ليهنك العلم أبا المنذر». إذًا الأحاديث الواردة في فضائل القرآن كلها - وما أكثره - صنف العلماء كتبًا مفردة في فضائل القرآن فكل حديث وارد في فضائل القرآن في بعض السور أو في بعض الآيات كما هو في العشر الأوائل من سورة الكهف أو في الأواخر تقول: كل حديث دل على ذلك فهو دليل على جواز التفضيل ويُنْكَرَ على مَنْ أَنْكَر التفضيل بل الصواب أنه يفاضل بعض بين القرآن بعضه من بعض، ولذلك ما تضمنته آيات الأحكام هل هو مثل القصص؟ الجواب: لا، لا شك في ذلك لا يمكن أن يقارن آيات تضمنت أصول المعتقد مع آيات جاءت في ماذا؟ في بيان بعض القصص ولا يمكن أن يفضل أو يقارن بين آيات تضمنت أحكام عظيمة في الشريعة كلية قواعد عامة مع غيرها مما تضمن على بعض أو جزئيات الشرعية، إذًا التفضيل ثابت ولا شك فيه (والمَفْضُولَةْ مِنْهُ) من القرآن (على القَولِ بِهِ) على القول بوجوده (كَـ «تَبَّتِ») كسورة تبت (والفاضِلُ الَّذْ فيهِ مِنْهُ أَتَتِ) العلماء يذكرون مثالاً واحدًا تبت والإخلاص لماذا؟ هكذا في (البرهان) و (الإتقان) وغيرهم، وبعضهم يقول: لا تقرأ (تبت) في الصلاة ولا تقول (عبس) لا تقرأ (عبس). سمعت بعض المعاصرين يذم من يقرأ عبس في الصلاة كيف {عَبَسَ وَتَوَلَّى} [عبس: 1] هذا في حق النبي - صلى الله عليه وسلم - سبحان الله! إذًا نقول: لماذا قارنوا بين تبت والإخلاص؟ لأن تبت لم نجد فيها فضل والإخلاص ورد فيها فضل وأنها تعدل ثلث القرآن. ثم قال: ما اختص به علم التفسير بِغَيْرِ لَفْظِ العَرَبِيِّ تَحْرُمُ ... قِراءَةٌ بِهِ وأَنْ يُتَرْجَمُ هذا البيت فيه إشكال من جهة أن بعض النسخ أثبتت (بِهِ) قبل الواو وبعضها أثبتته بعد (أَنْ)، (قِراءَةٌ بِهِ وأَنْ يُتَرْجَمُ)، (بِغَيْرِ لَفْظِ العَرَبِيِّ) هذا جار ومجرور (بِغَيْرِ) جار ومجرور متعلق بقوله (قِراءَةٌ) يعني: تحرم قراءةٌ (بِغَيْرِ لَفْظِ العَرَبِيِّ) (تَحْرُمُ) هذا فعل مضارع (قِراءَةٌ) هذا فاعله (بِغَيْرِ لَفْظِ العَرَبِيِّ) هذا جار ومجرور متعلق بقوله: (قِراءَةٌ). لأنه مصدر. (بِهِ وأَنْ يُتَرْجَمُ)، (وأَنْ بِهِ يُتَرْجَمُ) أيهما أولى؟

بدليل هذا أولى لقاعدة كذا؟ (قِراءَةٌ بِهِ وأَنْ يُتَرْجَمُ) بِهِ لو قيل (بِغَيْرِ) أنه جار ومجرور متعلق بقراءة حينئذ (بِهِ) صار لا وجه له فحينئذٍ يتعين تأخير بعد (أَنْ)، (وأَنْ بِهِ يُتَرْجَمُ) لو جعلنا ماذا؟ (بِغَيْرِ) جار ومجرور متعلق بقوله: (قِراءَةٌ). ولفظ توجيه وتخريج يمكن أن يقال: (بِغَيْرِ) الباء حرف جر زائد وغير مبتدأ (تَحْرُمُ قِراءَةٌ بِه) قراءة هذا فاعل تحرم، و (بِه) الضمير يعود على (غَيْر لَفْظِ العَرَبِيِّ) والجملة حينئذٍ تكون خبرًا للمبتدأ غير وحينئذٍ لا نقول: (بِغَيْرِ) جار ومجرور متعلق بقراءة فلما جعلنا الباء هنا مثل بحسبك درهمٌ الباء حرف جر زائد، وحسب مبتدأ مرفوع بالابتداء ورفع بضمة مقدرة، إذًا الباء هنا لا نحتاج إلى متعلق لتتعلق به لماذا؟ لأن الذي يكون حرف جر زائد أو شبيه بالزائد لا يحتاج إلى متعلق وإنما الذي يكون أو يفتقر إلى متعلق يتعلق به هو حرف الجر الأصلي حينئذٍ لو جعلنا الباء حرف جر أصلي لا بد من متعلق وهو قراءة، وإذا كان: (قِراءَةٌ). هو متعلق بغير فكذا قوله: (بِهِ). وإذا جعلنا (بِغَيْرِ) أنه مبتدأ غير مبتدأ مرفوع بالابتداء والباء حرف جر جائز أين خبره (تَحْرُمُ قِراءَةٌ) فعل فاعل والجملة في محل رفع خبر المبتدأ، يُشترط في الجملة في الواقعة خبرًا اشتمالها على ضمير أين الضمير في قوله: (تَحْرُمُ قِراءَةٌ). ليس عندنا قبل (بِهِ) (تَحْرُمُ قِراءَةٌ) ليس عندنا ضمير يعود إلى المبتدأ فقيل: (بِهِ). الضمير يعود على غير اللفظ العربي فاستقام الكلام. وإن جعلنا (بِغَيْرِ) هذا الجار والمجرور أصلي حرف جار أصلي حينئذٍ يتعلق بالقراءة وبه صار حشرٌ والأولى تأخيره على النصف الثاني (وأَنْ بِهِ يُتَرْجَمُ). إذا قيل: (وأَنْ بِهِ يُتَرْجَمُ) فيه إشكالات: الأول: الفصل بين أن ومعمولها، هل يجوز أو لا يجوز ثم (أَنْ) هذا حرف مصدر لفظي كيف يقال: (يُتَرْجَمُ) هذا مثل {وَالَّذِي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي} [الشعراء: 82] يغفرَ لا بد أن يكون منصوبًا، فجواب (أن به يترجم)، حينئذٍ نقول: إذا عرضنا عن هذه النسخة وفي ظني أنها أولى (وأَنْ بِهِ يُتَرْجَمُ) نقول اختلف أهل العربية في جواز الفصل بين أن المصدرية ومعمولها بالظرف والشبه. هذا محل نزاع هل يجوز أو لا يجوز. إذا قيل أريد أن أقعدَ في الدار أو في المسجد، أريد أن أقعدَ في المسجد.

أريد: هذا فعل، أن: حرف مصدر، أقعدَ: هذا فعل مضارع منصوب بأن، في المسجد: حال متعلق بأقعد. هل يصح أن أقول: أريد أن في المسجد أقعدَ أو لا؟ يعني الفصل بين أن والفعل بين معمولٍ ومعمولها الذي هو معمول أن الذي هو الفعل، أقعد هذا معمول أن تعلق به في المسجد هل يجوز الفصل بين أن ومفهومها هذا محل نزاع، بعضهم جوزه في السعة يعني في الاختيار، ومذهب المصريين منهم أنه يجوز في الضرورة فقط وأما في الاختيار فلا يجوز الفصل بين أن ومدخولها مطلقًا سواءً كان في الظرف أو الجار والمجرور أو غيره فحينئذٍ لا يجوز أن يقال في النثر يعني: في الاختيار والسعة: أريد أن في المسجد أقعد هذا باطل لا يصح لأن أن المصدرية هذه متصلة بمدخولها وهو موصولها فيلزم حينئذٍ أن يكون تاليًا لها ولا يفصل عنها بأي كان سواءٌ كان اسمًا ظاهرًا أو كان ظرفًا أو جارًا ومجرورًا وهذا مذهب سيبويه وهو مذهب البصريين، وعليه: (وأَنْ بِهِ يُتَرْجَمُ) جائزٌ أو لا؟ جائز لأنه في مقام ضرورة ليس في النثر ليس في الاختيار، حينئذٍ صار ضرورة إذا قيل ضرورة مرادهم الشعر وليس مرادهم النثر في الاختيار إذا قيل في الاختيار مرادهم النسخ والضرورة أو في غير الاختيار مرادهم الشعر وهنا جاز حينئذٍ على مذهب البصريين قاطبة (وأَنْ بِهِ يُتَرْجَمُ)، جائز ولا إشكال فيه إذًا حل الإشكال أو لا؟ حل الإشكال. (وأَنْ بِهِ يُتَرْجَمُ). هذا جائزٌ لأنه باب الضرورة وفي غير الاختيار. يترجم: بالرفع ليست منصوبة وهذا الإشكال الأصل وأن به يترجمَ أن حرف يعمل نصب ينصب ويترجمَ أريد أن في الدار أو في المسجد أقعدَ؟ أريد أن في المسجد أقعدَ بالنصب على أنه معمول أن هنا أيضًا الأصل أنه يترجمَ (وأَنْ بِهِ يُتَرْجَمُ): ما اختص به علم التفسير وبعضهم أهمل (أن) حملاً على ... (ما) أختها حيث استحقت عملت هذا على قول بعض أهل العرب أنه إذا وجدت (أن) يجوز إعمالها ويجوز إهمالها. أريد أن أقعدَ أن أقعدٌ بالنصب والرفع وهو مقيسٌ عند ابن مالك رحمه الله وبعضهم يعني: بعض العرب، وبعضهم أهمل أن يعني لا يعملها النصب أهمل أن حملاً على ما أختها ما المصدرية، لأن ما المصدرية هذه لا تعمل النصب وأن المصدرية تعمل النصب بعضهم حمل ما المصدرية على أن فأعملها وهو شاذ، وبعضهم حمل أن المصدرية على ماذا؟ على ما المصدرية فأبطل عملها أهملها فصارت حرفًا مهملاً، إذًا هنا: (وأَنْ بِهِ يُتَرْجَمُ). نقول هذا جائزٌ لغةً لماذا؟ حمل أن المصدرية على ما المصدرية لأن ما المصدرية لا تعمل وأن الأصل فيها أنها تعمل ولو وجب إعمالها حيث استحقت عملاً، يعني: ما المصدرية هذا الأصل، ولو وجد شرط تحقق نصب أن المصدرية وعدم تركها بعلمٍ ولا ضمنٍ نقول يجوز الإهمال (لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمُّ الرَّضَاعَةَ) [البقرة: 233]. قراءة ابن محيصن (يُتِمُّ) (أَرَادَ أَن يُتِمُّ) أن حرف مصدر يتمُّ فعل مضارع مرفوع كيف رفع وأن سبقته أليس هو مثل {وَالَّذِي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي} [الشعراء: 82] هذا مثله لا شك إنه مثله لكن هنالك نصب وهنا أهمل وكلاهما جائز ومقيس في لغة العرب. ما اختص به علم التفسير

أن تقرءان على أسماء ويحكما ... مني السلام وأن لا تشعرا أحدا أن تقرءان، تقرءان: النون ثابتة أو لا؟ ثابتة والأصل أن تقرءا هذا مذهب البصريين وعند الكوفيين لا يجوز فحينئذٍ تكون أن مخففةً من الثقلية. إذًا قوله: (وأَنْ بِهِ يُتَرْجَمُ) فيه إشكالان وقد وجد الحلان الحمد لله (وأَنْ بِهِ يُتَرْجَمُ) الفرق بين أن المصدرية معمولها بمعمول المعمول، ما هو معمول أن؟ الفعل ترجم ما معمول المعمول (بِهِ) حصل الفصل بين (أَنْ) ومعمولها وهو جائزٌ في الضرورة وهو مذهب البصريين، وبعضهم جوزه مطلقًا يعني في النثر وفي الضرورة (وأَنْ بِهِ يُتَرْجَمُ) بالرفع نقول هذا أيضًا جائزٌ ومقيس كما هو مذهب ابن مالك رحمه الله تعالى وإلا الأصح والأحسن نقول الأصح لو قيل (قراءة به وأن يترجم) لا إشكال وبعض النسخ فيه شرح التفسير هكذا (قراءة به وأن يترجم)، على جعل (بِغَيْرِ) الباء حرف جر زائد وليس بأصلي فلا يحتاج إلى متعلق، وحينئذٍ لو قيل (بِغَيْرِ) متعلقٍ بقراءة حينئذٍ نقول: (قِراءَةٌ وأَنْ بِهِ يُتَرْجَمُ) وهذا أحسن. ما اختص به علم التفسير بِغَيْرِ لَفْظِ العَرَبِيِّ تَحْرُمُ ... قِراءَةٌ وأَنْ بِهِ يُتَرْجَمُ يعني مراده أنه لا يجوز ويحرم قراءة بغير اللفظ العربي (وأَنْ بِهِ يُتَرْجَمُ) أن وما دخلت عليه في تأويل مصدر معطوف على ماذا؟ يحتمل أنه على (قِراءَةٌ) ويحتمل أنه على عطف على (غَيْرِ لَفْظِ العَرَبِيِّ) إن عطفناه على الأول (بِغَيْرِ لَفْظِ العَرَبِيِّ) صار من عطف التفسير وإن عطفناه على الآخر (قِراءَةٌ) فاعل صار العطف مغايرًا، وأيهما أولى؟ الثاني عطف المغايرة هو الأصل وإذا تردد أن يكون بين عطف التفسير وعطف المغايرة حمل على الثاني، (وأَنْ بِهِ يُتَرْجَمُ) المصدر المنسبك عطفٌ على (بِغَيْرِ لَفْظِ العَرَبِيِّ) عطف تفسير ويدل عطفه على (قِراءَةٌ) المعنى المراد بهذا البيت أنه يحرم قراءة القرآن بغير اللفظ العربي وبالمترجم به، وعلى الثاني نقول: يحرم قراءة القرآن بغير اللفظ العربي وترجمته، تحرم الترجمة وتحرف القراءة بغير اللفظ العربي. هذه المسألة وقع فيها نزاع عند بعضهم وكان الخلاف ليس بواقع وإنما هو متصور أو متوهم لكن هذا يمكن رده بالحدِّ، نقول: القرآن ما هو؟ كلام الله المنزل على نبيه محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - المتعبد بتلاوته المعجز بلفظه. إذًا هو كلام الله ألفاظه وحروفه ومعانيه وتراكيبه وجمله وسوره وآياته من أين؟ من الله جل وعلا ... (المُنْزِلُ) إذًا هذا مكان محلها منزلةٌ وإذا ترجم القرآن بلغةٍ أخرى قبل أن ندخل في التفاصيل نقول إذا ترجم القرآن بالفارسية مثلاً هل المترجم هو القرآن؟ نقول: القرآن هو كلام الله المنزل إذا قال: {الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ} ... [البقرة: 1، 2] أتى بكل كلمة ما يرادفها بالفارسية مثلاً أو الانجليزية أو الفرنسية، الكلام الإنجليزي هذا الذي ترجم به القرآن، الانجليزي هذا هل هو منزل من عند الرب جل وعلا؟ لا، بل الأمر واضح ولا يحتاج إلى كثير إعمال ذهن، حينئذٍ لو قيل بجواز ترجمة القرآن إلى لغةٍ أخرى بأن يُجعل كل لفظٍ مرادفٍ للفظ آخر في لغةٍ أخرى لبطل كونه قرآنًا لماذا؟

لانتفاء كونه كلام الرب جل وعلا وإنما ينسب إلى قائله، ثم انتفاء كونه معجزًا، ثم انتفاء كونه منزل من عند الرب جل وعلا. إذًا لم ينطبق عليه الحد، فكل دعوى إلى ترجمة القرآن ترجمة حرفية بأن يُجعل بإيذاء كل كلمة في القرآن كلمة أخرى من لغةٍ أجنبية ونحوها نقول: هذا يبطله تعريف القرآن السابق، وحينئذٍ لا نحتاج إلى دخول في تفاصيل. إذًا نقول: المعنى الذي دل عليه البيت السابق هو أنه يحرم قراءة القرآن بغير اللفظ العربي وبالمترجم به. الترجمة ما المراد بالترجمة؟ قال في القاموس: التُّرجمان المفسر للكلام، وقد ترجمه وترجم عنه إذا فسر كلامه بلسان آخر، وقيل: نقله من لغة إلى لغة أخرى. إذًا نقول: الترجمة في اللغة تأتي بمعنى التفسير والبيان والإيضاح وتأتي بمعنى النقل. الترجمة التي يمكن أن تكون داخلة معنا هنا في البحث نوعان: ترجمة حرفية. وترجمة تفسيرية معنوية. الترجمة التفسيرية المعنوية هذه تتعلق بالمعنى فقط دون اللفظ فيُشرح المعنى بلغة أخرى من غير تقييد بحرفية اللفظ. يعني: يأتي إلى مراد من آية فيقول: المراد بهذه الآية كيت وكيت بلسان آخر غير عربي هذه تسمى ماذا؟ ترجمة تفسيرية معنوية أن يترجم وينقل المعنى الذي دل عليه القرآن يترجمه إلى لغة أخرى من غير أن يتقيد بترتيب الآيات ولا الكلمات. الترجمة الحرفية هي: إبدال لفظ الأصل بلفظ آخر مرادف له باللغة أخرى. يأتي {الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: 2] {الْحَمْدُ} في لغة العرب الحمد يأتي بالفارسية يقول: كذا. {للهِ} هذا في العربية يأتي بالفارسية يقول: كذا {رَبِّ} في العربية يأتي بمرادفها في الفارسية {الْعَالَمِينَ} يأتي بمرادفها في الفارسية فتكون هذه ترجمة ماذا؟ حرفية نقل كل كلمة من العربية إلى الفارسية نقول: هذه ترجمة حرفية. والتفسيرية المعنوية ينظر إلى المعنى دون أن يتقيد، تقول: وصف الرب جل وعلا بالربوبية وأنه رب للعالمين يأتي بهذا المعنى فيترجمه إلى لغة أخرى نقول: هذه ترجمة تفسيرية معنوية. نقول: ترجمة القرآن ترجمةً حرفية محالةٌ وغير ممكنة ولا مقدور عليها. هذا محال يستحيل أن يترجم القرآن حرفًا حَرفًا بلغة أخرى ولذلك ما نقل أبي حنيفة رحمه الله بأنه أجاز قراءة القرآن بالفارسية مطلقًا سواء كان في الصلاة أو في غيرها لمن أحسن العربية أو غيرها هذا رُدَّ عليه مع صحة رجوعه رحمه الله عن هذا القول، رُدَّ عليه بأنه لو جاز الترجمة الحرفية لخرج عن كونه قرآنًا وهذا يكفي في إبطال هذا القول، لو جازت الترجمة الحرفية لخرج عن كونه قرآنًا لأن القرآن ماذا؟ نزل {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ} [الشعراء: 195] ولذلك جاء {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآناً أَعْجَمِيّاً} [فصلت: 44] وهذا يدل على ماذا؟ على أنه لا يمكن أن يكون ماذا؟ أن يكون أعجميًا حينئذٍ ما نُسب إلى أبي حنيفة أنه يجوز قراءة القرآن بالفارسية كان في أول أمره ثم رجع، وأما أبو يوسف فقيده بأن لم يحسن العربية لكن ما ذكرناه هو أصح.

إذًا نقول: فترجمة القرآن ترجمة حرفية محالةً وغير ممكنة ولا مقدورة أو مقدور عليها والعلماء متفقون على عدم إمكانها فضلاً عن وقوعها، يعني: لا تتصور عقلاً فضلاً عن هل وقعت أم لا؟ ولهذا قال القفال الشاشي رحمه الله: عندي أنه لا يقدر أحدًا أن يأتي بالقرآن بالفارسية. لماذا؟ قال: لأنه إذا أراد أن يقرأه بالفارسية فلا يمكن أن يأتي بجميع مراد الله جل وعلا وإنما إن جاء فإنما يكون ببعض. وأحسن من هذا أن يقال: إنه يخرجه عن كونه قرآنًا، وعن كون معجزًا، وعن كونه متعبد بتلاوته لأنه إذا أراد أن يقرأه بالفارسية فلا يمكن أن يأتي بجميع مراد الله الرب جل وعلا فإن الترجمة - هكذا قال - إبدال لفظة بلفظة تقوم مقامها وذلك غير ممكن إذًا نقول: الخلاصة القراءة بغير اللسان عربي غير متصور عقلاً فضلاً عن كونه واقعًا أو ليس بواقع، فظهر من هذا كما قال الزركشي فظهر من هذا أن الخلاف في جواز قراءته بالفارسية لا يتحقق لعدم إمكان تصوره لأن في كتب الفروع يذكرون هذه المسألة إذا ذكروا الفاتحة وأنها ركن هل يجوز قراءتها الفارسية أو لا؟ هذا خلاف غريب جدًا هل يجوز قراءته بالفارسية أو لا؟ فمنهم من يقول: جائز. ومنهم من يقول: لو جاز بطلت صلاته. وبضعهم يقول: فسدت الصلاة. وبعضهم يقول: جائز لمن لا يحسن. نقول: هذا الخلاف باطل من أصله لماذا؟ لأنه لو نقل بالفارسية لخرج عن كونه قرآنًا صار متكلمًا بكلام ليس من جنس الصلاة فبطلت صلاته {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً} [يوسف: 2] وقوله: {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآناً أَعْجَمِيّاً} [فصلت: 44]. قال الزركشي رحمه الله تعالى في (البرهان): واستقر الإجماع على أنه تجب قراءة القرآن على هيأته التي يتعلق بها الإعجاز لنقص الترجمة عنه ولنقص غيره من الألسن عن البيان الذي اختص به دون سائر الألسنة. وعبر عن هذا المعنى ابن تيمية رحمه الله تعالى بقوله: وأما الإتيان بلفظ يبين المعنى كبيان لفظ القرآن فهذا غير ممكن أصلاً. إذا قيل: غير ممكن. يعني: لا يتصور في العقل فضلاً عن كونه موجودًا في الواقع أم لا. فالنفي هنا نفي للإمكان وللتصور فضلاً عن كونه واقعًا أو ليس بواقعٍ. أما الترجمة التفسيرية المعنوية فهي كما ذكرناه سابقًا أن يأتي إلى المعنى فيأخذ المعنى ويترجمه إلى لغة أخرى هذا أيضًا فيه تفصيل ليس على إطلاقه منعًا ولا جوازًا، وأما الترجمة التفسيرية المعنوية من أجل العمل فجائزة وقيدها بعضهم كالزركشي في (البرهان) للضرورة يعني: المعنى معاني القرآن يفسر بلغة بلسان غير عربي للضرورة لماذا؟ لما سيأتي إن شاء الله وهذا على ما مشى عليه كثير من عدم التفريق بين التفسيرية والمعنوية والأحسن أن يقال: ثّمَّ فرق بين التفسيرية والمعنوية. قال الشاطبي في الموافقات بعد أن قسم لنا معاني القرآن إلى نوعين: معانٍ أصلية. ومعانٍ ثانوية. لأنه يطلق القول فيقال: الترجمة المعنوية للقرآن جائزة، وهذا يطلقه البعض لكن هذا ليس على إطلاقه لأن المعنى الذي دلّ عليه القرآن نوعان: معانٍ أصلية. ومعانٍ ثانوية فرعية.

المعاني الأصلية المراد بها: التي يستوي في فهما كل من عرف مدلولات الألفاظ المفردة والمركبة وأساليب تركيب المعرفة العامة إجمالية يعرف أن سورة الفاتحة تبحث في ماذا؟ تبحث في إثبات الربوبية جل وعلا، وإثبات الألوهية، وإثبات الأسماء والصفات، إذًا هذا فهم عام. وأما المعاني الثانوية هي: خصائص اللسان العربي التي يرتفع بها شأن كلام مما يتعلق بعلوم البيان والمعاني والبديع ما يمسى عندهم بخواص التراكيب. إذًا ثَمَّ معنى أصلي يستوي في فهمه سواء كان متعلمًا أو مدركًا لما يدرك به خصائص التراكيب أو لا، يعني يستوي فيه العامي الذي عنده نوع بيان وغيره، وثَمَّ معانٍ في القرآن ثانوية لا تدرك إلا بعمق وتدبر ونظر في كلام العرب أولاً ثم من القرآن حتى تستنبط هذه المعاني من تقديم وتأخير وحذف واستعارة وكناية ومجاز وحقيقة إلى آخره كونه مشتركًا لفظيًا أو مشتركًا معنويًا إلى آخره فنقول: هذه خواص التراكيب التي لا تدرك إلا بالبيان ولا تدرك إلا بالبديع والمعاني وإلا تدرك إلا بالتعمق والرسوخ في لغة العرب هذه لا يمكن ترجمتها، وإنما تتعلق الترجمة بالمعاني الأصلية فقط لذلك قال الزمخشري: إن في لسان العرب. أو قال: كلام العرب من لطائف المعاني ما لا يستقل بأدائه لسان. يعني: لسان العرب يدل على معانٍ ولطائف وخصائص تتعلق بالتراكيب هذه الخصائص وهذه المعاني الخاصة واللطائف التي تؤخذ من لسان عربي لا يمكن أن يقوم مقام اللسان العربي لسان آخر حينئذٍ تتعذر الترجمة لمعاني القرآن الثانوية كما تعذرت ترجمة القرآن ترجمة حرفية تتعذر أيضًا عقلاً ولا يتصور ترجمة ماذا؟ المعاني الثانوية، وهذا النوع من المعاني الثانوية غير مقدور عليه في ترجمة القرآن لأنه لا يفي بحقها أي لسان غير اللسان العربي لأن أي لغة لا تحمل تلك الخواص كل لغة لا تحمل تلك الخواص. أما القسم الأول وهو المعاني الأصلية فهي التي يمكن نقلها إلى لغة أخرى قال الشاطبي رحمه الله - الشاطبي بحث هذه المسألة في (الموافقات) بحث نفيس -: إن ترجمة القرآن على الوجه الأول - ويعني به النوع الأول المعاني الأصلية - ممكن إن ترجمة القرآن على الوجه الأول - وهو المعاني الأصلية العامة التي يشترك في فهمها الكل - ممكنٌ ومن جهته صح تفسير القرآن وبيان معانيه للعامة ومن ليس له فهم يقوى على تحصيل معانيه وكان ذلك جائزًا باتفاق أهل الإسلام فصار هذا الاتفاق حجة في صحة الترجمة على المعنى الأصلي. إذًا عرفنا أنه لا بد من التفريق في القول بأنه يصح ترجمة معاني القرآن بين المعاني الأصلية والمعاني الثانوية، المعاني الثانوية هذه كالترجمة الحرفية لماذا؟ لأنه كما لا يقوم حرف مقام حرفٍ كذلك لا يقوم حرفٌ من لسان غير عربي في مقابلة معنى ثانوي إذا صار متعذرًا بقي ماذا؟ المعاني الأصلية وهل كل معنى أصلي يصح ترجمته أو لا هذا أيضًا فيه تفصيل. الترجمة التفسيرية أن يفسر القرآن ثم يترجم هذا التفسير فإن هذا يكون ترجمة تفسير القرآن فيبين الكلام بلغة أخرى ولا بأس بذلك لماذا؟

لأن شرط لزوم الرسالة البلاغ، الكفار مثلاً والعجم لا يمكن أن نقيم الحجة عليهم إلا بالبلاغ يعني: بلاغ ماذا؟ بلاغ الرسالة فإذا تعذرت الترجمة الحرفية وتعذرت الترجمة للمعنى الثانوي حينئذ لو مُنع الترجمة التفسيرية كيف يصل إليهم البلاغ؟ إذًا لذلك جاءت كلمة الزركشي أنه يصح ترجمة المعنى للضرورة ويقصد هذا المعنى وهو أنه لتعذر الترجمة الحرفية وتعذر ترجمة المعنى الثانوي حينئذٍ لا بد من النظر في تفسير القرآن فيفسر القرآن ثم يترجم هذا التفسير لماذا؟ لأنه لا بد من إبلاغ رسالة النبي - صلى الله عليه وسلم - والشريعة إلى الكفار وأما العرب فواضح لأنه بلسانهم نزل القرآن وما عداهم من العجم لا بد من تبليغهم الرسالة ولا يمكن إلا بترجمة تفسير القرآن لأنه واجب وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، فصار تفسير القرآن حينئذٍ وترجمته واجبة، إذًا لأن شرط لزوم الرسالة البلاغ وامتنع يعني: إذا امتنع ترجمة القرآن ترجمةً حرفية وامتنع ترجمة المعاني الثانوية ومع جواز ترجمة المعاني الأصلية إلا أن فيها بعض الفساد والخطأ يعني إذا قيل بجواز ترجمة المعاني الأصلية الكلية هذا أيضًا يقع فيه بعض الخطأ من حيث ... ماذا؟ من حيث الْمُتَرْجِم ومن حيث اللغة الْمُتَرْجَم إليها يحتمل الخطأ أو لا؟ يحتمل الخطأ، والخطأ هنا ليس بالشيء الهين إذا تُرجم قصد أو قلنا المعاني الأصلية بمعنى أصول الشريعة الكلية والقواعد العامة فإذا ترجمت قاعدة وهي خطأ وأصل في الشرع وهو خطأ لسبق فهم الْمُتَرْجِم أو ظن أن هذه اللغة الْمُتَرْجَم إليها تفي بهذا المعنى الأصلي نقول: هذا فساد وهذا خطأ. ولذلك سيأتي أنه يشترط في الترجمة شروط أربعة فلم يبق إلا أن يُترجم تفسير القرآن الترجمة المعنوية يأخذ المترجم معاني القرآن وينقلها إلى لغة أخرى فيقول: معنى هذا الكلام هو عين معنى الآية. وأما الترجمة التفسيرية فالمفسر يذكر فهمه الخاص للآية فيقول: يعني كذا. ثم يُتَرْجِم هذا المعنى هذا على قول من فرق .. الأكثر من المتقدمين على أن التفسيرية هي المعنوية ولا إشكال في ذلك وبعض المعاصرين يفرق بين التفسيرية والمعنوية، فيجعل المعنوية أن يقال معنى هذه الكلمة أو الآية كيت وكيت فيأتي بمرادفاتها في اللغة الأخرى، والتفسيرية يفسر القرآن بفهم المفسر خاصةً يتكلم عن هذه السورة بكلام واضح بين، إذًا صار شبه منفك عن ألفاظ القرآن ثم يأتي المترجم يترجم هذا التفسير بفهم خاص حينئذٍ يحتمل الخطأ أيضًا لماذا؟ لكونه عن اجتهاد، وإذا كان اجتهادًا لأن التفسير الخاص الذي يعبر عن الفهم الخاص هذا يحتمل الخطأ، ولذلك إذا قيل بالجواز لا بد أن يضيق هذا المقام لا يفتح يضيق مقام ترجمة القرآن فيقال: إذا قيل بالجواز في المعاني الأصلية أما الثانوية فالمنع والحرفية فالمنع. فحينئذٍ لا بد من شروط:

الأول: أن لا تجعل الترجمة بديلاً عن القرآن فلا يؤخذ هذا كتاب ترجمة سورة البقرة ثم يصير منفكًا ومنفصلاً حينئذٍ يؤدي إلى الاشتغال بماذا؟ بالترجمة أو الكلام المترجم بلغة أخرى عن القرآن، وهذا ينافي أصلاً من أصول تنزيل القرآن لأنه متعبد بتلاوته والإعجاز حاصل بلفظه، وإنما يكون هذا من باب التقريب ولذلك قيض الزركشي أيضًا في هذا المعنى ترجمة القرآن قال: يترجم له ما لا بد منه، ثم يؤمر بتعلم لسان العرب. يعني: لا يؤتى كل الدين من أوله إلى آخره يترجم القرآن من أوله إلى آخره لا تؤخذ الأصول العامة فتترجم ثم يقال له: هذا هو الإسلام فيسلم فيؤمر بتعلم لسان العربي لإدراك ما لم يترجم له، وهذا القيد أيضًا لا بد منه. إذًا أن لا تجعل هذا الكتاب المترجم بديلاً عن القرآن. الثاني: أن يكون الْمُتَرْجِمُ عالِمًا بمدلولات الألفاظ في اللغتين إفرادًا وتركيبًا، اللغة العربية واللغة المترجم إليها لا بد أن يكون عالمًا بمدلول هذه الألفاظ متعمقًا في فهم معانيها إفرادًا وتركيبًا. الثالث: أن يكون عالمًا بمعاني الألفاظ الشرعية يعرف معنى التوحيد توحيد الأسماء والصفات توحيد الألوهية توحيد الربوبية إذا لم يكن عالمًا ففسر توحيد الألوهية بتوحيد الربوبية هذا ماذا صنع؟ لم يصنع شيئًا هذا، الكافر يعرف أنه لا رب إلا الله لكن لا يعرف أنه لا معبود بحق إلا الله عز وجل حينئذٍ لو فسر له ترجم له توحيد الألوهية وتوحيد الربوبية ولم يكن عالمًا بمعاني الألفاظ الشرعية فقد أفسد. الرابع: أن يكون الْمُتَرْجِمُ مسلمًا مستقيمًا في دينه مأمومًا لا بد من هذه الشروط الأربعة حينئذٍ يكون باب الترجمة قد ضيق على أصحابه، ويكون الذي يُتَرْجَم إذا أردنا الخلاصة الذي يمكن ترجمته هو بعض المعاني الأصلية لا كل المعاني الأصلية. إذًا (بِغَيْرِ لَفْظِ العَرَبِيِّ تَحْرُمُ قِراءَةٌ بِهِ)، (تَحْرُمُ) هذا مطلقًا سواء كان خارج الصلاة أو داخلها أحسن العربية أم لا (قِراءَةٌ بِهِ) أي: بغير اللفظ العربي أيًّا كان بالفارسية بالإنجليزية بالفرنسية ... إلى آخره أيًّا كان وكانوا يمثلون بالفارسية. (وأَنْ يُتَرْجَمُ) يعني: تحرم ترجمة القرآن تحرم القراءة بترجمة القرآن. ما اختص به علم التفسير كذاكَ بالْمَعْنَى، وأَنْ يُفَسَّرا ... بالرأَيِ لا تَأْوِيْلَهُ فَحَرِّرَا (كذاكَ بالمَعْنَى) كذاك أي: مثل ذاك التحريم وهو تحريم ماذا؟ تحريم القراءة بغير اللسان العربي وتحريم الترجمة (كذاكَ بالْمَعْنَى) كذاك تحريم قراءته بالمعنى، يعني لا تقرأ القرآن بالمعنى كما يروى الحديث بالمعنى ما دليله؟ ما رأيكم هل يجوز قراءة القرآن بالمعنى؟ أخرجه عن كونه قرآنًا، امسك بالحد أخرجه عن كونه قرآنًا فإذا جاز في الحديث لأن الحديث لسنا متعبدين بألفاظه ففرق بين القرآن والحديث، لذلك ذكرنا فروقًا بين الحديث القدسي على قول بأنه من كلام الرب جل وعلا، وأما الحديث النبوي الذي ليس منزلاً وإنما هو ابتداءً وإنشاءً من النبي - صلى الله عليه وسلم - فيجوز روايته بالمعنى على قول الأكثرين.

(كذاكَ بالْمَعْنَى) أي يحرم قراءة القرآن بالمعنى فإذا لم تجز قراءته بالمعنى الذي هو تفسير بالعربي لمسائل التحدي نقول: لا يجوز أن يُقرأ بالمعنى أليس كذلك؟ لا يجوز أن يقرأ القرآن بالمعنى وإذا قرأناه بالمعنى نقرأه بلسان عربي أليس كذلك؟ فإذا امتنع وحرم قراءته بلسان عربي والمراد به المعنى فقراءته بلسان غير عربي من باب أولى وأحرى، فنجعل تحريم قراءة القرآن بالمعنى دليلاً على تحريم الترجمة في الجملة أليس كذلك؟ واضح هذا الدليل؟ نقول: يحرم قراءة القرآن بالمعنى وإذا قرأناه بالمعنى الكلام هنا متخصص بالعرب فحينئذٍ العربي صاحب اللسان العربي يحرم عليه أن يقرأ القرآن بالمعنى فإذا حرم عليه قراءة القرآن بالمعنى وقد قرأه بلسان عربي فمن بابٍ أولى وأحرى أن يحرم عليه قراءته بلسان غير عربي. فتجعل التحريم هنا دليلاً على التحريم السابق. (كذاكَ بالْمَعْنَى) أي: مثل ذاك التحريم تحريم قراءته بالمعنى. (وأَنْ يُفَسَّرا بالرأَيِ) يعني يحرم تفسير القرآن بالرأي، ما المراد بالرأي هنا؟ الفكر والنظر ابتدائي يعني: يسمع آية، يسمع سورة، يسمع شيء معين من القرآن فيقول: مراد الله به كذا. دون أن يرجع إلى التفسير سواء كان تفسير النبي - صلى الله عليه وسلم - أو أصحابه أو عالم بقواعد اللغة ونحو ذلك (وأَنْ يُفَسَّرا) الألف هذه للإطلاق يعني: ويحرم تفسير القرآن بالرأي لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «من قال في القرآن برأيه أو بما لا يعلم فليتبوأ مقعده من النار». رواه أبو داوود، والترمذي وحسنه. ولقوله تعالى: {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء: 36]. هذه عامة في التفسير وفي غيره كل الشريعة {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} كل إنسان لا يعلم شيئًا الله أعلم {وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} فإذا قال: مراد الله جل وعلا بهذه الآية. وكان ابتداءً من رأيه دون الرجوع إلى قواعد التفسير نقول: قد قال على الله ما لا يعلم. (وأَنْ يُفَسَّرا بالرأَيِ لا تَأْوِيْلَهُ فَحَرِّرَا) (لا تَأْوِيْلَهُ) بالرأي لأن الاستدراك هنا (وأَنْ يُفَسَّرا بالرأَيِ لا تَأْوِيْلَهُ) يعني: بالرأي. لأن الرأي رأيان: صحيح، وفاسد. صحيح إذا اعتمد على قواعد التفسير والمفسرين، وفاسد إذا كان متبعًا لهواه. {إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً} [البقرة: 67] الرافضة يقولون: عائشة رضي الله تعالى عنها. هذا تفسير ماذا؟ هذا لا نسميه تفسيرًا هذا نسميه لعب هذا يسمى لعب. (لا تَأْوِيْلَهُ) (بالرأَيِ) فلا يحرم للعالم بالقواعد والواقف على علوم القرآن وشروط المفسر فحينئذٍ يكون المصنف هنا تبعًا للأصل قد فارق أو غاير بين التفسير والتأويل فارق بين وغاير بين التفسير والتأويل، فحينئذٍ نقول: الفرق بينهما أن التفسير لا يجوز بالرأي لماذا؟ قال: لأنه شهادة على الله والقطع بأنه عنى بهذا اللفظ هذا المعنى. إذا قطع بأنه عنى بهذا المعنى هو هذا المعنى لا بد من نص لا نقطع لذلك المفسر لا يقطع مثل المجتهد الذي يجتهد في الأحكام يجتهد رأيه وينظر في قواعد يقول: لعل الصواب كذا. ولا يقطع بأنه هو الحق لاحتمال ماذا؟

لاحتمال الخطأ في اجتهاده، كذلك المفسر لا يقطع بأن مراد الرب جل وعلا من هذه الآية أو من هذه الكلمة هو كذا إلا بلفظ من النبي - صلى الله عليه وسلم - أو الصحابة الذين شاهدوا التنزيل والوحي، وأما التأويل فهو ترجيح أحد المحتملات بدون القطع والشهادة بأن مراد الله تعالى كذا يعني ينظر في الأقوال فإذا بابن عباس قال قولاً وخالفه زيد بن ثابت وخالفه معاذ مثلاً فينظر في اعتبار القواعد فيقول: الله أعلم أن قول ابن عباس أرجح. فحينئذٍ ماذا؟ رجح أو قدم أحد المحتملات على الآخر. (لا تَأْوِيْلَهُ) التأويل إذا نظرنا إليه من حيث هو نقول: هذا مصدر. أَوَّل يُئَوِّلُ تأويلاً لأن التأويل له معنى خاص عند المتأخرين ولكن نقول من حيث القسمة: التأويل في الأصل أنه مصدر أَوَّل يُئَوِّلُ تأويلاً مأخوذ من الأَوْلِ وهو الرجوع إلى الأصل يقال: آل إليه أَوْلاً ومآلاً بمعنى رجع ويقال: أوَّل الكلام تأويلاً وتأوَّلَهُ فسره وعليه في المعنى اللغوي هنا افترق الاصطلاح على ثلاثة أنحاء: فيطلق التأويل ويراد به تأويل الكلام بمعنى ما أوله إليه المتكلم. أو ما يؤول إليه الكلام ويرجع، والكلام حينئذٍ إنما يرجع ويعود إلى حقيقته في الإنشاء إلى امتثال المأمور وفي الخبر إلى وقوع الْمُخْبِر به حينئذٍ صار هذا النوع نوعين لأنه إما أن يكون ما يؤول إليه الكلام ويرجع إما أن يكون إنشاءً ومنه الأمر وإما أن يكون خبرًا فتأويل الأمر هو فعل المأمور به ولذلك لو قال .... : أقيموا الصلاة. فقام صلى فعل الصلاة نقول: هذا تأول الآية. بمعنى: امتثل المأمور به. ولذلك جاء في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول في ركوعه وسجوده: «سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لي». تقول: كان يتأول القرآن. لأنه جعله {إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ} [النصر: 1 - 3] إذًا امتثل المأمور فسمي تأويلاً، وتأويل الإخبار أو الأخبار هو وقوع الْمُخْبَرِ عين الْمُخْبر به {هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ} [الأعراف: 53] ... إلى آخر الآية {يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ} المراد به يوم يقع عين المخبر به وهو الساعة {يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ} يعني: يوم يأتي عين المخبر به وهو وقوع الساعة.

وأما النوع الثالث وهو: التأويل عند المتأخرين صرف اللفظ عن المعنى الراجح إلى المعنى المرجوح لدليل، وهذا قد شاع في كتب التأويل التي هي بمعنى التحريف في باب المعتقد يسمون التحريف بغير اسمه فيقول: هذا تأويل. من باب تنميق وتحسين العبارة ويحدونه بماذا؟ بصرف اللفظ عن المعنى الراجح إلى المعنى المرجوح لدليل لدليلٍ يجعله صحيحًا فإن لم يكن لدليل حينئذٍ يكون من باب إتباع الهوى إذًا عرفنا قوله: (لا تَأْوِيْلَهُ فَحَرِّرَا). (لا تَأْوِيْلَهُ) يعني: لا يحرم تأويل القرآن بالرأي إذا كان معتمدًا على قواعد وشروط المفسرين، ويطلق التأويل أيضًا بمعنى التفسير كما هو عادة ابن جرير رحمه الله فيقال: القول في تأويل هذه الآية كيت وكيت. يعني: في تفسير الآية وهذا هو المشهور عند السلف أن التأويل بمعنى التفسير (فَحَرِّرَا) هذه تكملة للشطر أو فخذ الفرق بين التفسير والتأويل محررًا الفرق بينهما والثاني أولى يعني: يجعل للكلمة معنى. (فَحَرِّرَا) إما أن يكون تكملة وإما أن يكون مرادًا به فخذ الفرق بين التفسير والتأويل محررًا، إذًا نقول: الحاصل من هذين البيتين أن المصنف رحمه الله تعالى يرى أن قراءة القرآن بغير اللسان العربي - وهذا مجمع عليه ليس شأن المصنف فقط - أنه يحرم قراءة القرآن بلسان غير عربي. لكن التعبير هذا يصح أو لا؟ إذا قيل: يحرم قراءة القرآن بغير اللسان العربي يصح؟ هو يقول: (بِغَيْرِ لَفْظِ العَرَبِيِّ تَحْرُمُ قِراءَةٌ). نحن نقول: غير ممكن غير مقدور عليه محالاً مستحيلاً فكيف نقول: تحرم؟ عند الأحناف - مضى معنا - أن النهي يقتضي الصحة أليس كذلك؟ النهي عن الشيء يقتضي الصحة قالوا: لولا تصور وقوعه لما تعلق النهي عنه أما ما لا يقع فلا يُنهى عنه، لا يقال للأعمى: أبصر. أو لا تنظر إلى المرأة مثلاً، أعمى تراه أعمى غير مبصر هنا لا يتعلق به النهي يقال: لا تنظر عورة المسلمين. هو لا يمكن أن يُنهى عنه فحينئذٍ كيف نقول هنا؟ نقول: هذا من باب التنزل يعني: لو قيل بترجمة القرآن إلى لسانٍ غير عربي تحرم. يعني: إن تُصور أو تصورت الترجمة حسًا فالحكم الشرعي التحريم إذا تصورت الترجمة حسًا يعني: وقوعها في الوجود فالحكم الشرعي التحريم. والشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى في أصول التفسير يقول: قد يحصل في الحس الترجمة لكلمة واحدة. لكن هذا أيضًا يحتاج إلى نظر يعني: قد يقال له: ... {لاَ رَيْبَ}. لا يعرف {لاَ رَيْبَ} قد يأتيك يعرف بعض العربية ولا يعرف {لاَ رَيْبَ} فتأتي بها بلغته حينئذٍ ترجمة له حرفًا بحرف في لغتك {لاَ رَيْبَ} بهذا اللفظ ويوازيها ويساويها عندنا في لغة العرب {لاَ رَيْبَ} يقول: إذا كان كلمة فقط أحيانًا وكذا يقول: لا بأس بها. لكن هذا أيضًا يحتاج إلى نظر هل يوجد كلمة في لغة العرب مساوية للغة أخرى من كل وجه؟ هذا يحتاج إلى إثبات، إذًا عرفنا أن مراده بهذا البيت تحريم القراءة - قراءة القرآن - بغير لسان العرب وتحريم ترجمته هذا إن أمكن وتُصُوِّر في الحسي وإلا فالعقل يمنع الترجمة الحرفية، كذلك يحرم قراءته بالمعنى وهذا يمكن وكذلك تفسيره بالرأي لا تأويله بالرأي المحمود. ونقف على هذا وصلَّ الله وسلم على نبينا محمد.

5

عناصر الدرس * العقد الأول (ما يرجع إلى النزول زمانًا ومكاناً وهو12 نوعاً) * شرح النوع الأول والثاني (المكي والمدني) وذكر ضوابطهما. * شرح النوع الثالث والرابع (الحضري والسفري). * شرح النوع الخامس والسادس (الليلي والنهاري). * شرح النوع السابع والثامن (الصيفي والشتائي) * شرح النوع التاسع (الفراشي من الآيات). الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد: قال المصنف رحمه الله تعالى: (العِقْدُ الأَولُ: ما يَرجعُ إلى النُّزُولِ زَمانًا ومكانًا، وهو اثنا عَشَرَ نوعًا). ذكرنا فيما سبق أن المصنف رحمه الله تعالى تبع الأصل وهو ((النُّقاية)) وجعل أو حصر أنواع علوم القرآن في خمسٍ وخمسين وذلك فيما سبق أن ... (الخَمْس والخَمْسِينا قَدْ حُصِرَتْ أَنواعُهُ يَقينا) وجمع هذه الخمس والخمسين في عقود كلُ عِقدٍ يحتوي على عدة أنواع (وقَدْ حَوَتْهَا سِتَّةٌ عُقُودُ) بدأ ينشر هذه العقود فقال: (العِقْدُ الأَولُ). بكسر العين، والمراد بالعقد كما سبق القلادة (ما يَرجعُ إلى النُّزُولِ زَمانًا ومكانًا) ما اسم موصول بمعنى الذي يصدق على أنواع من علوم القرآن، هذه الأنواع ترجع إلى شيءٍ واحد يعني يمكن جمعها في إطارٍ واحدٍ وهو (النُّزُولِ)، (زَمانًا ومكانًا) هذا باختلاف الوقت واختلاف المكان وهو أي: هذا النوع الذي هو العقد الأول (اثنا عَشَرَ نوعًا)، إذًا أدرج لك من الخمس والخمسين اثني عشر نوعًا تحت عنوانٍ واحد وعِقدٍ واحد وهو ما عنون له ما يرجع إلى النزول، وهذه ستأتي متوالية فقال: (الأولُ) من هذه الاثني عشر. والثاني أيضًا منها (الْمَكِّيُّ والْمَدَنِيُّ)، الْمَكِّيُّ هذا نسبة إلى مكانه وهو مَكَّة بحذف التاء على ما هو القاعدة في قاعدة النسب مَكِّيٌّ قالوا: مكةٌ يُنسب إلينا بحذف التاء مَكِّيٌّ، والْمَدنيُّ مَدِينَة فَعِيلَة [وفَعَلِيٌّ في فَعِيلَةٍ الْتُزِم] حينئذٍ تحذف الياء وتحذف التاء اشتراكا مكة والمدينة في وجود أو ختم هذه التاء تاء التأنيث وقاعدة أن النسب إذا كان المنسوب إليه مختومٌ بتاء التأنيث وجب إسقاطها نقول: مَكّة بالتاء مَكِّيٌّ مَدِينَة مَدَنِّيٌّ بحذف وإسقاط التاء، يزيد مدينة فَعِيلة بحذف وإسقاط الياء فَعِيلَة تقول: فَعَلِّيٌّ. هذا هو المشهور يعني لا يجوز أن يقال: مَدِينِيٌّ. بإبقاء الياء وجوزه البعض لكنه لو جاز يكون على ندرة وقلة. ولست بنحوي يلوك لسانه ... ولكني سَلِيقِيٌّ أقول فأُعرب أثبت الياء هنا سَلِيقِيٌّ والأصل أنه منسوبٌ إلى سَلِيقَة فَعِيلَة كمدينة والأصل أن يقال سَلَقِيٌ مثل مَدَنِيُّ لكنه أثبت الياء.

الحاصل أن النوع الأول والثاني هو الْمَكِّيُّ والْمَدَنِيُّ، الْمَكِّيُّ نسبة إلى مكة والْمَدَنِيُّ نسبة إلى المدينة، إذًا هما نوعان متقابلان لأن مكة مقابلة للمدينة والمدينة مقابلة لمكة، إذًا نوعان متقابلان هذا النوع أو هذا الصنف من علوم القرآن أو ما يسمى بالْمَكِّيِّ والْمَدَنِيِّ هذا أفرده لأهميته جماعةٌ من أهل العلم بالتصنيف لأن مسائله تحتاج إلى تحرير وينبني عليه معرفة الناسخ والمنسوخ، فإذًا أفرده بعضهم بالتصنيف وأهم ما يُبنى عليه - كما سيأتي - العلم بهذا الباب الْمَكِّيِّ والْمَدَنِيِّ معرفة وبيان الناسخ من المنسوخ لأن الْمَدَنِيَّ يكون متأخرًا والْمَكِّيُّ يكون متقدمًا كما سيأتي ضبطه ما كان قبل هجرة فهو مَكِّيٌّ ولو نزل في غير مكة، وما كان بعد الهجرة فهو مَدَنِيٌّ ولو نزل في أسفار النبي - صلى الله عليه وسلم - حينئذٍ لو تعارض عندنا آيتان ولم يُمكن الجمع نقول: من معرفة الْمَكِّيِّ والْمَدَنِيِّ عرفنا التاريخ وهو أن الآية الْمَكِّيَّة [متأخرة] (¬1) والآية الْمَدَنِيَّة [متقدمة] (1) فإذا لم يمكن الجمع وهو الأولى في الأصل فحينئذٍ نعدل إلى النسخ فنقول الْمَدَنِيُّ ناسخٌ للمَكِّي إذًا هذه الفائدة مهمة جدًا في معرفة الْمَكِّيِّ والْمَدَنِيِّ، ولذلك قيل من لا علم له بالْمَكِّيِّ والْمَدَنِيِّ لا يحل له أن يُقدم على تفسير كلام الرب جل وعلا لما فيه من هذه الفائدة الأولى وهي بيان الناسخ من المنسوخ أو كون الثاني المتأخر مخصصًا عند من يشترط ماذا عند من يشترط تأخير المخصص كما سبق بيانه في موضعه لأن بعض الأصوليين يشترط أن يكون الْمُخَصِّصُ متأخرًا حينئذٍ إذا اشتُرط أن يكون المخصِّص متأخرًا حينئذٍ الْمَدَنِيّ يكون مخصِّصًا والْمَكِّيُّ يكون مُخصَّصًا بفتح الصاد لكن الصواب أنه لا يشترط. هذه الفائدة الأولى وهي العظيمة والعظمى في هذا أو العلم بهذا الباب. ثانيًا: الاستعانة على فهم القرآن وتفسير القرآن تفسيرًا صحيحًا. ثالثًا: ظهور بلاغة القرآن لأنه كما سيأتي أن الْمَكِّيَّ له أسلوبه الخاص وله موضوعاته الخاصة، والْمَدَنِيّ له أسلوبه الخاص وله موضوعاته الخاصة حينئذٍ الوقوف على كون هذه السورة وهذه الآيات وهذه القصة مَكِّيَّة ثم تتضمن أسلوبًا خاصًا وموضوعًا خاصًا ينفرد عن الْمَدَنِيّ والعكس أيضًا بالعكس حينئذٍ نقول: ستظهر بلاغة القرآن لأنه يخاطب كل قومٍ بما يُصلح شأنهم وهذا ما يُسمى عن البيانيين بمراعاة مقتضى الحال التي من أخص معاني البلاغة، إذًا نقول: ظهور بلاغة القرآن حيث يخاطب كل قومٍ بما تقتضيه حالهم من قوةٍ أو لين كما سيأتي أن من خصائص الْمَكِّيِّ أن فيه قوة في الألفاظ وشدة العبارة بخلاف الْمَدَنِيّ فإن فيه لينًا وسهولة إذًا لكل قومٍ مقال لكل مقامٍ مقال وهذا ما يسمى بمقتضى الحال وهو من أخص ما يعتني به البياني وهذا دليل على ماذا؟ على أن الرب جل وعلا بكلامه الكريم العزيز قد بلغ أعلى درجات البلاغة يعني أنه خاطب كل قومٍ بما يناسب حالهم ويصلح شأنهم. ¬

_ (¬1) سبق لسان.

الفائدة الرابعة من فائدة الْمَكِّيِّ والْمَدَنِيّ: بيان حكمة التشريع لأنه كما سيأتي أيضًا في الخصائص أن في الْمَدَنِيّ قد نزلت التشريعات عامة بيان تفصيلات العبادات الصلاة والزكاة والصيام إلى آخره وكذلك المعاملات، وأما في الْمَكِّيِّ فالأكثر فيه تقرير العقيدة وتأسيس القواعد العامة للتشريع وذكر الجنة والنار والقيامة إلى آخره، لماذا؟ لأنه كما قالت عائشة رضي الله عنها: لو كان أول ما نزل تحريم الخمر ونحو ذلك لما آمن أحد، ولكن نزل ذكر الجنة والنار فَرَقَّقَ القلوب فكان أول ما يكون في سمع الكافر هو ذكر الجنة والنار لأنه يؤدي إلى ماذا؟ يؤدي إلى رقةٍ في القلب حينئذٍ يستجيب المخاطَب. إذًا عرفنا فوائد هذا الباب من ثَمَّ اعتنى به أرباب علوم القرآن فصنفوا فهي تصانيف مفردة وذكره كثير كما هو في ((الإتقان)) و ((البرهان)) بتوسع، ما من سورةٍ في كتب التفسير إلا وتجد ذكرًا للمَكِّيِّ والْمَدَنِيِّ. ما المراد بالْمَكِّيِّ والْمَدَنِيِّ؟ قال رحمه الله: (مَكِّيُّهُ ما قَبْلَ هِجْرَةٍ نَزَلْ والْمَدَنِيْ مَا بعدها). (مَكِّيُّهُ) الضمير يعود إلى القرآن، مَكِّيّ القرآن ما هو؟ اختلف فيه، اختلف في تحديد معنى الْمَكِّيّ أو المراد بالْمَكِّيِّ ومعنى الْمَدَنِيّ والمراد بالْمَدَنِيّ ولكن ثم قول مشهور عند أرباب التفسير وخاصةً المتأخرين ممن جاء بعد السيوطي رحمه الله تعالى ونحوه وهو ما ذكره الناظم هنا (ما قَبْلَ هِجْرَةٍ نَزَلْ) (ما) سورة كلها أو أعظمها (ما) هذا اسم موصول بمعنى الذي يصدق على ماذا، ونفسره بماذا؟ ذكرنا فيما سبق أن القواعد العامة في هذه أنه يذكر مفسر (ما) الموصولية ما يعلم من السياق والقرائن والكلام هنا عن ماذا؟ عن السورة لأن نحكم على السورة كلها أو بعضها لأنه مَكِّيّ أو مَدَنِيّ فحينئذٍ نقول: (مَكِّيَّهُ ما) أي: سورة كلها أو أكثرها لماذا كلها أو كثرها؟ لأن الشأن هنا في معرفة الْمَكِّيِّ أو بالحكم بكون السورة مَكِّيَّة أو مَدَنِيَّة هو حكم الأغلب على ماذا؟ على معظم السور قد تكون السورة كلها مَكِّيَّة قد تكون كلها مَدَنِيَّة وقد يكون أكثرها مَكِّيَّة وفيها شيءٌ من الآيات الْمَدَنِيَّة هذا لا يُخرجها عن كونها مَكِّيَّة فإذا كان معظم السورة مَكِّيَّة نزلت في مكة أو نزلت قبل الهجرة حينئذٍ وجود بعض الآيات التي نزلت بعد الهجرة لا ينافي كونها مَكِّيّة لماذا؟ لأن الحكم بكونها مَكِّيَّة متعلقًا بأحد أمرين: إما أن يوجد الأول أو الثاني، فإن وجد الأول فلا إشكال وهو كون كل السورة مَكِّيَّة كما هو الشأن في سورة الإخلاص مثلاً كلها مَكِّيَّة، وقد يكون أكثرها نزل قبل الهجرة ويكون في بعضها ماذا؟ ما هو نازلٌ بعد الهجرة وهو مَدَنِيّ حينئذٍ وجود بعض الآيات التي حَكم أهل العلم بكونها مَدَنِيَّة في سورة مَكِّيَّة لا تنافي بينهما لماذا؟ لأن متعلق الوصف والحكم بكونها مَكِّيَّة إما كل أو الأغلب وقد وجد أحدهما، وهذا يؤكد المسألة السابقة التي ذكرناها وهي أن ترتيب الآي توقيفي، وهذا هو الذي نُص عليه عند أهل العلم وأجمعوا عليه أن ترتيب الآيات آيات القرآن توقيفي بدليل ماذا؟

بدليل أن بعضها من ابتداء السورة إلى منتصفها مثلاً فإذا بها مَكِّيَّة ثم تأتي بعض الآيات ثلاث أو أربعة مَدَنِيَّة ثم يرجع الحكم إلى ما سبق فتكون مَكِّيَّة، هذا دليل على ماذا؟ على أن الترتيب توقيفي وإلا لو كان اجتهاديًا لناسب أن الْمَكِّيَّ بجانب الْمَكِّيِّ متصلاً به والْمَدَنِيُّ بجانب الْمَدَنِيِّ متصلاً به هذا أولى من جهة العقل لو كان الاجتهاد له مدخل في هذا لكان الْمَكِّيّ بجانب الْمَكِّيِّ والْمَدَنِيّ بجانب الْمَدَنِيِّ لكن لما توجد سورة كاملة وهي مَكِّيَّة ثم يوجد بعض الآيات في أولها ثم تأتيك مَكِّيَّة ثم يرجع الحكم وتأتيك مَدَنِيَّة نقول هذا دليل على أن ترتيب الآية توقيفي وليس اجتهاديًا. إذًا قوله (ما) أي: سورةٌ كلها أو أكثرها، فنفسر (ما) هنا بسورة بالجميع أو بالمعظم، (نَزَلْ) (قَبْلَ هِجْرَةٍ). (قَبْلَ) هذا منصوب على الظرفية متعلق بقوله: (نَزَلْ) لأن نزل هذه الجملة صلة الموصول كأنه قال: مكيه هو الذي نزل قبل هجرةٍ، قبل هجرة النبي صلَّى الله عليه وآله وسلم. فحينئذٍ كل ما نزل من الآي قبل هجرة النبي - صلى الله عليه وسلم - وإن نزل بغير مكة نقول هذا مَكِّيّ. كل ما نزل قبل هجرة النبي - صلى الله عليه وسلم - وإن نزل بغير مكة نحكم عليه بأنه مَكِّيّ لأن غير مكة مثل ماذا؟ مثل عرفات عَرفات هذه ليست من مكة وإن كان المراد والمصطلح عند أهل العلم أن مكة اسم للبنيان وليست اسمًا للحرم كما يظنه الناس، لا، فيظن أن الحرم هو مكة لذلك بينهم عمومٌ وخصوص، فكل ما كان من مكة الآن فكل ما كان من الحرم فهو في داخل مكة وليس كل مكانٍ بمكة فهو داخلٌ في الحرم، ولذلك المناطق التي من جهة التنعيم متصلة بمكة نقول: متصلة بالبنيان الذي هو داخل الحرم هي من مكة ولكنها ليست من الحرم فهي مكة لماذا؟ لكون مسمى مكة هو البنيان المتصل وليست من الحرم لكون الحرم توقيفي، حينئذٍ لا يمكن توسعة الحرم الذي هو البقعة الأرض وليس المسجد الحرام حينئذٍ نقول: بينهما عموم وخصوص.

إذًا (مَكِّيُّهُ ما قَبْلَ هِجْرَةٍ نَزَلْ) فما نزل في عرفات نقول: هذا مَكِّيّ [$ هكذا قال الشيخ والمفهموم من الشيخ في موضع 13.50] وإذ لم يكن بمكة {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة: 3] هذا نقول: مَكِّيّ أو مَدَنِيّ؟ مَدَنِيّ لماذا لأنه بعد الهجرة ونزل بضواحي مكة، (والْمَدَنِيْ مَا بعدها) (والْمَدَنِيْ) نقول: الْمَدِنِيّ بالتشديد لأن هذه الياء ياء النسبة تكون مشددة ينتقل إليها الإعراب (والْمَدَنِيْ) لكنها سُكِّنَتْ من أجل الوزن، (والْمَدَنِيْ مَا بعدها) (مَا) سورة كلها أو معظمها (بعدها) أي: بعد هجرة النبي صلَّى الله عليه وآله وسلم وإن نزل بغير المدينة حينئذٍ المثال السابق هو موضوعه هنا ما نزل بعرفات في حجة الوداع نقول: هذا مَدَنِيّ لأنه نزل بعد الهجرة وإن نزل بضواحي مكة، لأن عرفات ليست من مكة وإنما هي من ضواحي مكة، (والْمَدَنِيْ مَا) أي: سورةٍ كلها أو أكثرها (بعدها) أي: بعد الهجرة نزل أي وإن نزل بغير المدينة، فحينئذٍ نقول هذا هو الضابط المشهور هو ليس بتعريف وإنما هو ضابط لمعرفة الْمَكِّيِّ والْمَدَنِيِّ، وثّمَّ ضوابط أخرى كذلك تعرف من جهة السورة نفسها لفظها أو موضوعها أو أسلوبها حينئذٍ نقول: هذا هو القول المشهور ما نزل قبل الهجرة فهو مَكِّيٌّ وما نزل بعد الهجرة فهو مَدَنِيّ. القول الثاني: الْمَكِّيُّ ما نزل بمكة ولو بعد الهجرة. التقسيم الأول الهجرة هذا رُعِيَ فيه الزمن، والتقسيمة على القول الثاني رُعِي فيه المكان، فقوله: الْمَكِّيُّ نسبةً إلى مكة الموضع نفسه فما نزل في مكة فهو مَكِّيٌّ والمراد بمكة ما يشمل ضواحيها كعرفات ومنى ونحوها ولو بعد الهجرة. والْمَدَنِيُّ ما نزل بالمدينة وضواحيها كبدرٍ وأحد وسلع ونحو ذلك، حينئذٍ اعتبر في هذا التقسيم ماذا؟ اعتبر المكان فما نزل في ساحة مكة وضواحيها فهو مَكِّيٌّ، وما نزل في ساحة المدينة أرض المدينة النبوية وضواحيها نقول: هذا مَدَنِيّ. طيب ما نزل في تبوك؟ ما نزل في أسفار النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ ليس بمكي ولا مَدَنِيّ فأثبتوا الواسطة فصار التقسيم للسور والآيات ثلاثة أقسام: مَكِّيٌّ، مَدَنِيٌّ، لا يوصف بكونه مَكِّيًّا ولا مَدَنِيًّا. ألا يلزم على هذا القول؟ يلزم عليه أنه إذا جعل الْمَكِّيَّ محصورة في الأرض الموضع والْمَدَنِيِّ محصورًا في الأرض حينئذٍ ما لم ينزل في مكة وضواحيها والمدينة وضواحيها نقول: هذا ليس بِمَكِّيٍّ لا مَدَنِيّ حينئذٍ صار القسمة ثلاثية فأثبتوا الواسطة، وعلى القول الأول: لا واسطة لأنه ما نزل قبل الهجرة فهو مَكِّيٌّ وما نزل بعد الهجرة فهو مَدَنِيٌّ، إذًا الأسفار أين تكون؟ إما أنها قبل الهجرة وإما أنها بعد الهجرة فما كان من الأسفار قبل الهجرة فهو مَكِّيٌّ، وما كان من الأسفار بعد الهجرة فهو مدنيًا ولا واسطة، فالقسمة ثنائية ولذلك لهذا الملحظ جعلوه مطردًا يعني لكونه مطردًا جعلوه هو المرجح.

إذًا القول الثاني: الْمَكِّيُّ ما نزل بمكة ولو بعد الهجرة ويدخل في مكة ضواحيها كالذي نزل على النبي - صلى الله عليه وسلم - عند بمنى وعرفات والحديبية، والْمَدَنِيّ ما نزل بالْمَدَنِيَّةِ وضواحيها كبدرٍ وأحدٍ وسلع، وعلى هذا القول نثبت الواسطة فما نزل بالأسفار لا يطلق عليه مَكِّيّ ولا مَدَنِيّ وهذا التقسيم لوحظ فيه النزول باعتبار المكان. القول الثالث: الْمَكِّيُّ ما وقع خطابًا لأهل مكة والْمَدَنِيُّ ما وقع خطابًا لأهل المدينة وهذا ضعيف جدًا لم يلتفت إليه أهل العلم ولذلك لا يعرف له قاعدة لم ينسبه السيوطي لبعض أهل العلم وإنما ذكره هكذا حكاية فصار قولاً معلقًا لا يُدْرَى من صاحبه ويكون الترجيح دائرًا بين القول الأول والثاني، إما أن ننظر إلى الزمان وإما أن ننظر إلى المكان، ولكن الذي يطرد ويصح جعله ضابطًا للفرق بين النوعين هو اعتبار الزمان، وذلك جرى عليه أكثر أهل العلم. مَكِّيُّهُ ما قَبْلَ هِجْرَةٍ نَزَلْ ... والْمَدَنِيْ مَا بعدها، وإِنْ تَسَلْ فَالْمَدَنِيْ ................. ... ............................ الآن عرفنا ضابط الْمَكِّيِّ والْمَدَنِيّ ستأتي بعض الضوابط (وإِنْ تَسَلْ) أيها الطالب عن عدد كل من الْمَدَنِيِّ والْمَكِّيِّ لكن يرد السؤال أولاً ما المرجع في معرفة الْمَكِّيِّ والْمَدَنِيِّ هل ورد قول عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بأن البقرة مَدَنِيَّة والفاتحة مَكِّيَّة والأنعام؟ هل ورد؟ لم يرد فحينئذٍ المرجع هو حفظ الصحابة رضي الله تعالى عنهم والتابعين لأنه لم يرد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - نصٌ في تعيين كون هذه مَكِّيَّة أو مَدَنِيَّة لكن في التعيين في التنصيص كون هذه مَكِّيَّة بلقبها الخاص وكون هذه مَدَنِيَّة بلقبها الخاص وسيأتي أن المعنى الطريق الذي يحكم به نقلي واجتهادِي. (وإِنْ تَسَلْ) عن عدد كل من الْمَدَنِيِّ والْمَكِّيِّ، فالْمَدَنِيّ القرآن كله أربع عشر ومائة سورة، أو أربع عشرة سورة ومائة، مائة وأربع عشرة سورةً هل كلها مَكِّيَّة؟ الجواب لا، هل كلها مَدَنِيَّة؟ الجواب: لا. إذًا لا بد من التفصيل منها ما هو مَكِّيّ ومنها ما هو مَدَنِيّ منها ما هو مَكِّيّ باتفاق ومنها ما هو مَكِّيّ على الراجح ومنها ما هو مَدَنِيّ باتفاق، ومنها ما هو مَدَنِيّ على الراجح. هو سيذكر بعض الأنواع التي ترجح عنده تبعًا لصاحب الأصل ((النُّقاية)) السيوطي رحمه الله تعالى بأنها مَدَنِيَّة: (وإِنْ تَسَلْ) عن عدد كلٍ من الْمَدَنِيِّ والْمَكِّيِّ فالْمَدَنِيّ فأقول لك الْمَدَنِيّ. (وإِنْ تَسَلْ) أين الهمزة؟ أصلها سأل حذفت تخفيفًا، لغة، أو شذوذ، أو ضرورة؟ لغة: {سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ} [البقرة: 211]. اسأل، {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا} [الزخرف: 45]. {سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ} [البقرة: 211]. جاء بهذا وجاء بهذا حينئذٍ يكون لغةً لا يكون من باب الضرورة، (وإِنْ تَسَلْ فَالْمَدَنِيْ) فأقول لك الْمَدَنِيّ، الفاء هذه واقعة في جواب الشرط. فأقول لك (الْمَدَنِيْ)، بإسكان الياء لضرورة النظم.

تسعٌ وعشرون سورة، سيسردها، وهي: أي التسع والعشرون سورة التي حُكم عليها بأنها مَدَنِيّ (أَوَّلَتا القُرْآنِ مَعْ أَخِيْرَتَيْهِ وكذا الحَجُّ تَبَعْ). (أَوَّلَتا القُرْآنِ) ما هو القرآن هنا مراد القرآن كله وهو من الفاتحة إلى سورة الناس، أول ما يقرأ في القرآن أي السور الفاتحة، ثم البقرة ثم آل عمران. على ظاهر كلام المصنف أن الفاتحة والبقرة هما المرادتان هنا (أَوَّلَتا القُرْآنِ)، (أَوَّلَتا) وذكرنا في مضى أن هذه التسمية من باب التغليب فقط وإن الأول شيءٌ واحد، (أَوَّلَتا القُرْآنِ) لكن هل المراد الفاتحة والبقرة أم المراد البقرة وآل عمران؟ البقرة وآل عمران. كيف نصرف كلام المصنف هنا وإن كان ظاهره أن الفاتحة والبقرة؟. نقول: الأولية نسبية إضافية يعني باعتبار البقرة وما بعدها فحينئذٍ صارت الأولية نسبية إضافية فلك أن تقطع الشيء عن سابقه فتجعله أولاً فصار أولاً لأي شيء باعتبار الشيء كله أو باعتبار ما بعده باعتبار وما بعدها، فصارت الأولية هنا نسبية إضافية، يعني: البقرة بنسبة لآل عمران أول والبقرة وآل عمران بالنسبة للنساء لآخر القرآن أولتا القرآن حينئذٍ صح كلام المصنف رحمه الله تعالى. (فَالْمَدَنِيْ أَوَّلَتا القُرْآنِ). وهما البقرة وآل عمران لا الفاتحة والبقرة لأن الفاتحة فيها خلاف قيل: مَكِّيَّة، وقيل: مَدَنِيَّة، وقيل: نزلت مرتين، وقيل: النصف الأول مَكِّيّ والنصف الثاني مَدَنِيّ، وهذا أضعف الأقوال، والجمهور على أنها مَكِّيَّة إذًا لا يمكن إدخال الفاتحة هنا لكونه يعد السورة الْمَدَنِيَّة والفاتحة المرجح فيها عند الجمهور أنها مَكِّيَّة (مَعْ أَخِيْرَتَيْهِ)، (أَخِيْرَتَيْهِ) الضمير يعود على ماذا؟ على القرآن، وما هما الأخيرتان هما الْمُعَوِّذَتَان بكسر الواو اسم الفاعل مُعَوِّذ، لأن قارئهما يَتَعَوَّذ ويتحصن بها والسبب في نزولهما كما هو معلوم قصة سحر النبي - صلى الله عليه وسلم -، الذي سحره لبيد بن عاصم اليهودي. مُعَوِّذَتان: يقال: المعوِّذات والمعوذتان أليس كذلك؟ إذا قيل المعوذات فما المراد؟. عند أهل العلم قال: المعوذات بالجمع، ويقال: المعوذتان إذا قيل: المعوذتان لا شك أنه تثنية فالمراد به سورة الفلق والناس وإذا قيل: المعوذات هذا جمع لا بد أن يكون أقله ثلاث، فحينئذٍ تكون سورة الإخلاص من المعوذات ذكر ذلك ابن حجر في الفتح في كلام طويل جدًا. (مَعْ أَخِيْرَتَيْهِ) وهما المعوذتان بكسر الواو المشددة، إذًا المعوذتان مدنيتان.

(وكذا الحَجُّ تَبَعْ)، (وكذا) أي ومثل الذي ذُكر من سورة البقرة وآل عمران، والمعوذتين في الحكم بكونها مَدَنِيَّة (الحَجُّ تَبَعْ) لها لكونها مَدَنِيَّة، والحج هذه قول الجمهور فإنها مَدَنِيَّة وإلا فروى مجاهد عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: أنها مَكِّيَّة لكن المراد عند أهل العلم بأنها مَدَنِيَّة وإن قيل إنها من المختلف يعني: مما شمل الْمَكِّيّ والْمَدَنِيّ معًا، قيل: سُلِّم ذلك لاشتمال الْمَكِّيِّ والْمَدَنِيّ لكن ينظر في الأكثر والأغلب على الضابط الذي ذكرناه سابقًا فأكثر سورة الحج نزل بعد الهجرة حينئذٍ نحكم عليها بأنها مَدَنِيَّة ولذلك ذكرها المصنف هنا ولذلك ذكر بعضهم مقولة أن سورة الحج من أعاجيب السور. لماذا؟. قالوا: أنها نزلت ليلاً ونهارًا، يعني وجد فيها ما نزل بالليل وما نزل ... بالنهار. وسفرًا وحضرًا، ومَكِّيًّا ومَدَنِيًّا، وسلميًا وحربيًا، وناسخًا ومنسوخًا، ومحكمًا ومتشابهًا. لأنها اشتملت على عدة أنواع من علوم القرآن، لك نوع من هذه المذكورات نصيب حظ من آيات سورة الحج، ولذلك بعضهم: لا يعبر بكونها مَدَنِيَّة بل يقول هي مختلفة ويذكر هذا القول المنسوب للصاوي ولغيره لأنها اشتملت على هذه الأنواع العديدة: (وكذا الحَجُّ تَبَعْ مائِدَةٌ) ومائدة يعني: سورة المائدة هي مَدَنِيَّة معطوفٌ على (أَوَّلَتا) (فَالْمَدَنِيْ أَوَّلَتا القُرْآنِ) و (مائِدَةٌ) على إسقاط حرف العطف (مَعْ مَا تَلَتْ) الأنعام النساء قولان لأنهما عدا هنا في الْمَدَنِيّ الأنعام وإنما هو داخلٌ فيهم قولهما: ما عدا هذا المذكور فالْمَكِّيّ فحينئذٍ الأنعام مَكِّيَّة وإن وجد فيها بعض الآيات الْمَدَنِيَّة {قُلْ تَعَالَوْاْ} [الأنعام: 151]. إلى آخره ثلاث آيات قيل إنها مَدَنِيَّة ولكن العام أنها مَكِّيَّة، وهنا قوله: مع (مائِدَةٌ، مَعْ مَا تَلَتْ) يعني ما تلتها المائدة، فالمائدة هي التالية والنساء هي الْمَتْلُوّة والنساء مَتْلُوّة وهنا الحكم للمائدة مع المتلوة التي تلتها سورة المائدة حينئذٍ نحكم على المائدة بأنها مَدَنِيَّة وعلى النساء بأنها ماذا؟ مَدَنِيَّة عرفتم قوله: (مَعْ مَا تَلَتْ) يعني: مع ما تلتها المائدة، وهي سورة النساء. وزعم النحاس أنها مَكِّيَّة ولذلك هذا من المختلف فيه والمرجح أنها مَدَنِيَّة، وخَرَّج البخاري عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: ما نزلت سورة البقرة والنساء إلا وأنا عنده - صلى الله عليه وسلم -. ودخولها عليه كان بعد الهجرة اتفاقًا وهي تقول: ما نزلت سورة البقرة والنساء إلا وأنا عنده - صلى الله عليه وسلم -. عند النبي - صلى الله عليه وسلم -، ودخولها على النبي - صلى الله عليه وسلم - كان بعد الهجرة اتفاقًا وما نزل بعد الهجرة فهو مَدَنِيّ فدل على أن سورة البقرة وسورة النساء مدنيتان وسقط قول النحاس، والغريب أن أهل اللغة لهم كلام في الْمَدَنِيِّ والْمَكِّيِّ.

(أَنْفَالُ براءَةٌ) يعني وأنفال بإسقاط حرف العطف فسورة الأنفال سورةٌ مَدَنِيَّة و (براءَةٌ، والرَّعْدُ) وعن ابن عباس: أنها مَكِّيَّة في رواية أن الرعد هذا من المختلف فيه أنها مَكِّيَّة (والقِتَالُ) حكى النَّسَّفِيّ قولاً غريبًا أنها مَكِّيَّة والجمهور على أن القتال مَدَنِيَّة وهي سورة محمد وتسمى القتال وتسمى محمد وسبق أن بعض السور قد تسمى باسمين وهذا مثالٌ لها. (وتَالِيَاها) يعني: تاليا القتال وهما سورة الفتح والحجرات، وفي الحجرات قول شاذ: أنها مَكِّيَّة. (والحَدِيْدُ، والنَّصْرُ) بإسقاط حرف العطف والحديد والنصر قول الجمهور أنها مَدَنِيَّة (قِيامَةٌ) يعني وسورة القيامة {لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} هذه مَدَنِيَّة، والمصنف هنا الناظم تبع السيوطي في ((النُّقاية)) السيوطي رحمه الله عدها من الْمَدَنِيِّ وكذلك عدّها في ((التحبير)) من الْمَدَنِيِّ وهنا تبع الأصل بأنها مَدَنِيَّة وهو قولٌ فيها لكن يُحكى الإجماع بأنها مَكِّيَّة، وتجد الشُّرَّاح يقولون: هذا لعله سبق قلم بدل من أن كتب قيامة صوابه قيِّمةٌ وهي سورة {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا} [البينة: 1]. حينئذٍ نقول: قوله: (قِيامَةٌ) تبع قولاً ضعيفًا بأنها مَدَنِيَّة وحُكِي الإجماع على أنها ماذا؟ مَكِّيَّة، صوابه قيِّمةٌ - هكذا قال الشارح - وهي سورة {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا} [البينة: 1]. فإنها مَدَنِيَّة عند الجمهور بخلاف القيامة فإنها مَكِّيَّة بالإجماع، ودعوى الإجماع هذا فيه نظر. و (زَلْزَلَةٌ) لكن تصويب كلام الناظم فيه نظر بل تبقى على أصلها أن مراده القيامة لأنه نظم ((النُّقاية))، و ((النُّقاية)) أثبت أن القيامة مَدَنِيَّة فإذًا لا نقول: أنه سبق قلم ولا نقول: أنه خطأ بل نقول: هذا قوله وهو مرجوح وعدها السيوطي في ((التحبير)) بأنها من الْمَدَنِيَّات وكذلك في ((النُّقاية)). (قِيامَةٌ، زَلْزَلَةٌ) يعني: وزلزلة، سورة الزلزلة وفيها قولان هذه، والمرجح عند الجمهور أنها مَدَنِيَّة (والقَدْر) بسكون الدال: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} [القدر: 1]. (والنُّورُ) سورة النور (والأَحْزَابُ، والمُجَادَلَةْ) بفتح الدال ويجوز كسر مجادلة إن روعي القصة قيل المجادَلة وإن رُوعِيَ المرأة قيل المجادِلة، وسميت بها في اللغة .. (وَسِرْ) هذا أمرٌ من السير يعني (وَسِرْ) في تعداد السور من المجادلة إلى سورة التحريم وتعد سبعة وتعد سبع سور الحشر، والممتحنة، والصف، والجمعة، والمنافقون، والتغابن، والطلاق هذه كلها من الْمَدَنِيَّات يعني من المجادلة يعني جزء قد سمع كله مَدَنِيّ لأنه عد المجادلة وعد التحريم وما بينهما، وهي داخلة أي التحريم حينئذٍ إذا قال: إلى التحريم لا يفهم أن ما بعد إلى على القاعدة المشهورة أنه ليس داخلاً في المغيا، بل المغيا داخلٌ في الحكم السابق (وَسِرْ) في تعداد السور (إلى التَّحْرِيْمِ وَهْيَ) أي سورة التحريم (داخِلَةْ) في العدد، نص على دخولها لماذا؟ لأن الغالب عدم دخول المغيا مع إلى بخلافه مع حده، الغالب أن ما بعد إلى لا يدخل فيما قبله فحينئذٍ نحتاج إلى التنصيص بكون ما بعد إلى داخلاً في ما قبله.

إذًا عرفنا الآن ما ذكره الناظم وهو تسعٌ وعشرون سورة هذه حُكِمَ عليها بأنها مَدَنِيَّة، والخلاف والأدلة تجدونه مذكورًا في ((التحبير)) و ((الإتقان)) ونحو ذلك. وما عَدا هَذا هُوَ الْمَكِيُّ ... على الَّذي صَحَّ بهِ المَرْوِيّ أيهما أقل الْمَكِّيّ أم الْمَدَنِيّ، الْمَدَنِيّ لأنهم تسعٌ وعشرون بقي خمسٌ وثمانون وأيهما الأولى أن يشرع في تعداد الأقل أو الأكثر؟ الأقل فذكر عدَّد لك الأقل الذي هم تسعٌ وعشرون ثم أحالك على الأكثر وهو خمسٌ وثمانون سورة، والمستثنيات هذه موجودة في مواضعها ما من سورة اختلف فيها إلا وذكر أن بعضها ليس داخلاً في مسماها الكلي فيقال سورة كذا مَكِّيَّة إلا آية كذا وكذا، وهذه مَدَنِيَّة إلا آية كذا وكذا هذا تجدونه في و ((الإتقان)) ونحو ذلك، والسيوطي استوفى هذا الكلام كله في ((الإتقان)). (وما عَدا هَذا) أي المذكور من السور وهو خمسٌ وثمانون سورة (هُوَ الْمَكِيُّ) هو المحكوم عليه بأنه مَكِّيّ سواءً كان اتفاقًا أو على الأرجح وعليه ما ذكره الناظم هنا بأن الفاتحة مَكِّيَّة، رجح بأن الفاتحة مَكِّيَّة وقيل: الرحمن والإنسان والإخلاص والفاتحة من الْمَدَنِيِّ يعني يضاف إلى ما سبق هذه السور الرحمن والإنسان والإخلاص والفاتحة من الْمَدَنِيِّ والأصح أنها مَكِّيَّة والأصح والمرجح عند الجمهور أنها مَكِّيَّة. وقيل: الفاتحة نزلت مرتين والقول بأنه مَدَنِيَّة فقط أو بأنها نصفين النصف الأول مَكِّيّ والثاني مَدَنِيّ هذا ضعيف، بل قيل: بأن القول بأن الفاتحة مَدَنِيَّة فقط هذا قول مجاهد لا يعرف عن غيره وقيل: هو شاذ ضعيف. ولذلك قال بعضهم: قد تفرد به مجاهد حتى عُدَّ هفوةً منه. هفوة يعني بمعنى زلة. وقيل: النساء والرعد والحديد والحج والصف والتغابن والقيامة، والمعوذتان مكيات والأصح أنها مدنية (على الَّذي صَحَّ بهِ الْمَرْوِيّ). على القول الذي صح به أي بذلك القول المروي من الأحاديث على النبي - صلى الله عليه وسلم - كيف نقول المروي على النبي - صلى الله عليه وسلم - ونحن نقول: الْمَكِّيُّ والْمَدَنِيُّ مرجعه حفظ الصحابة والتابعين المرجع في الحكم ومحل الاستنباط هو الأحاديث محل الاستنباط بأن هذه مَكِّيَّة أو مَدَنِيَّة لا بد أن يثبت قول أو فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - فنأخذ منه أن السورة مَكِّيَّة أو مَدَنِيَّة فما صح الأصل صح الاستنباط منه وما ضَعُف الأصل حينئذٍ ضعف الاستنباط منه لأن البعض قد يأتي ويحكم بأن السورة كذا وآية كذا مَكِّيَّة ثم ننظر نستند إلى دليل أثر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من الأحاديث فننظر فيه فإذا به ضعيف حينئذٍ ماذا نقول؟ سقط الأصل، فيجب سقوط الفرع هذا هو الأرجح. (وما عَدا هَذا هُوَ الْمَكِيُّ على الَّذي). يعني على القول (الَّذي صَحَّ بهِ المَرْوِيّ). صح المروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من الأحاديث والآثار.

هذا جملة ما يذكر في الْمَدَنِيِّ والمكي والأكثر أنه يذكر تعداد فيه وأما المستثنيات ترجع إلى أصولها، لكن ذكروا بأن الْمَكِّيَّ له ضوابط يمكن الْحُكم على السورة بأنها مَكِّيَّة والْمَدَنِيَّ له ضوابط يمكن الحكم على السورة بأنها مَدَنِيَّة لكن هذا في ما لم يصح نقله ولذلك ذكر الجعبري وغيره أن طريق الحكم على السورة بأنها مَكِّيَّة أو مَدَنِيَّة إسناد نقليٌ سماعيٌ وقياسيٌ اجتهاديٌ. النقل السماعي وهو ما حكم به الصحابة رضي الله تعالى عنهم ثم التابعون. والاجتهادي أو النقلي هذا محل الاستنباط والنظر والبحث والتدبر. لمعرفة الْمَكِّيِّ والْمَدَنِيّ طريقان سماعيٌ وقياسي، والسماعي يستند إلى النقل الصحيح لا بد من أن يكون النقل صحيحًا عن الصحابة الذي عاصروا الوحي وشاهدوا نزوله أو عن التابعين الذي أخذوا عن الصحابة وسمعوا منهم، ومعظم ما ورد في الْمَكِّيِّ والْمَدَنِيِّ من هذا القبيل، أكثر ما حكم فيه إما أن تجد قولاً لمجاهد أو قبل ذلك تجد قولاً لابن عباس، أو أُبي بن كعب، أو علي بن أبي طالب ... إلى آخره أو من التابعين كمجاهد وعطاء ونحوهم حينئذٍ نقول: هذا حكمهم أنه نقلي مستنده السمع فما صح عنهم حينئذٍ نحكم به، فما لم يرد أو إذا اختلفوا حينئذٍ لا بد من النظر والبحث ولذلك وُجد النوع الثاني وهو القياس والاجتهاد وهذا يستند إلى ماذا؟ إلى معرفة خصائص الْمَكِّيِّ وخصائص الْمَدَنِيِّ ولذلك بحثوا ونظروا في ما حكم عليه اتفاقًا أو عن الأرجح فيما حكم عليه بأنه مَدَنِيّ وجدوا بعض الألفاظ أو بعض القصص أو بعض المواضيع هذه تختص بالْمَكِّيِّ ولا توجد في الْمَدَنِيِّ، ووجدوا بعض الخصائص أيضًا توجد في الْمَدَنِيِّ ولا توجد في الْمَكِّيِّ فحينئذٍ إذا وجدت سورة أو آيات مختلفٌ فيها هل هي مَكِّيّة أو مَدَنِيّة نقول: نلحقها بأقربها شبهًا فما وجد فيه مما اتفق عليه أنه مَكِّيّ فنحكم عليه بأنه مَكِّيّ لماذا؟ لأن أسلوبه وألفاظه على أسلوب وألفاظ وطريقة موضوعات الْمَكِّيِّ فيلحق به وهذا هو أصل القياس فيه إلحاق وكذلك الْمَكِّيّ حينئذٍ يقال ضوابط الْمَكِّيِّ أمور:

أولاً: كل سورةٍ وهذه الضوابط أغلبية ليست كلية مطردة وإنما في الأغلب الأكثر كل سورةٍ فيها {يَا أَيُّهَا النَّاسُ} وليس فيها {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ} فهي مَكِّيَّة إلا سورة الحج ففي آخرها {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} [الحج: 77]. وبعضهم يرى أن هذه الآية الأخيرة مَكِّيَّة إذًا كل سورة اشتملت على قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ} وليس فيها {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ} حكمنا عليها لأنها مَكِّيَّة لماذا؟ لأن {يَا أَيُّهَا النَّاسُ} هذا خطابٌ يشمل المؤمن والكافر وأهل مكة آمن بعضهم وإن كانوا قلة لكن في الجملة هم كفار فحينئذٍ يخاطبون بـ {يَا أَيُّهَا النَّاسُ} هذا شامل، وهذا من أدلة أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة لأنهم داخلون في هذا العموم وكذلك ألحق بعضهم بهذا اللفظ {يَا بَنِي آدَمَ} هذا يشمل الكافر والمؤمن فلا يختص بالمؤمنين لأن الخطاب في المدينة الغالب بل الأصل أنهم مؤمنون فحينئذٍ إذا خوطبوا بـ {يَا أَيُّهَا النَّاسُ} نظر إلى الجملة وإلى الأغلب، أما الْمَكِّيّ فهذا بـ {يَا أَيُّهَا النَّاسُ}، {يَا بَنِي آدَمَ}. فإذًا كل صورةٍ فيها {يَا أَيُّهَا النَّاسُ} وليس فيها {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ} فهي مَكِّيَّة إلا سورة الحج ففي آخرها {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ}. طيب سورة البقرة فيها {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ} [البقرة: 21] كيف نقول: مَدَنِيَّة فيها {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} [البقرة: 172]. والضابط هنا كل سورةٍ فيها {يَا أَيُّهَا النَّاسُ} وليس فيها {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ}، وهذه فيها سورة البقر فيها {يَا أَيُّهَا النَّاسُ} وفيها {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ} الضابط ما هو؟ إثبات ونفي، الإثبات {يَا أَيُّهَا النَّاسُ} وليس فيها {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ} إذا اجتمعا حينئذٍ ليس من ضوابط الْمَكِّيَّة ولذلك استثني ماذا؟ استثني سورة الحج. الثاني: كل سورةٍ فيها سجدة فهي مَكِّيَّة. الثالث: كل سورةٍ فيها قصة آدم وإبليس فهي مَكِّيَّة سوى سورة البقرة. الرابع: كل سورةٍ فيها قصص الأنبياء والأمم الغابرة الخالية فهي مَكِّيَّة سوى البقرة كذلك. الخامس: كل سورةٍ فيها لفظ: {كَلَّا} فهي مَكِّيَّة {كَلَّا} هذا حرف زجر وردع لماذا؟ لأنهم قالوا: لماذا وجد في السور الْمَكِّيَّة دون الْمَدَنِيَّة؟ لأن الْمَكِّيَّ كما سيأتي من خصائصه القوة والشدة في العبارة لماذا؟ لأن فيه جبابرة معاندين، جبابرةٌ معاندون مشاقون حينئذٍ ناسب أن يُؤتى بلفظٍ شاق {كَلَّا} إذًا كل سورةٍ فيها لفظ {كَلَّا} فهي مَكِّيَّة، ولم ترد إلا في النصف الأخير من القرآن الخمسة عشرة الأخيرة، ووردت ثلاثًا وثلاثين مرة في خمس عشرة سورة في لفظ {كَلَّا}، فدل على أن هذا خمس عشرة سورة نقول: هذه مَكِّيَّة. سادس: كل سورةٍ تفتتح بحروف التهجي فهي مَكِّيَّة سوى الزهراوين البقرة وآل عمران واختلف في الرعد والصحيح أنها كما سبق مَدَنِيَّة، هذا من حيث الضوابط اللفظية.

وأما من حيث المميزات الموضوعية والأسلوب فنقول: الغالب في الْمَكِّيِّ الدعوة إلى التوحيد. الغالب في السورة الْمَكِّيَّة من حيث الموضوع تبحث في ماذا؟ ما هو موضوع السورة الْمَكِّيَّة؟ لو قيل هذا السؤال نقول: الغالب فيه أنها تتحدث عن التوحيد لأن المقام مقام دعوة إلى التوحيد قومٌ كفار فأول ما يُبدأ به هو التوحيد. وعبادة الله وحده جل وعلا، وإثبات الرسالة والبعث والقيامة والنار وأهوالها والجنة ونعيمها ومجادلة المشركين بالبراهين العقلية، كل هذا موضوع البحث في السور الْمَكِّيَّة، نقول: الغالب في الْمَكِّيِّ الدعوة إلى التوحيد، وعبادة الله وحده وإثبات الرسالة والبعث - لأنهم منكرون للبعث -، والقيامة، والنار وأهوالها، والجنة ونعيمها، ومجادلة المشركين بالبراهين العقلية. الثاني: قوة الأسلوب وشدة الخطاب مع قصر الفواصل يعني: الآيات تكون قصيرة في الْمَكِّيَّة. وقوة المحاجة لأن غالبهم معاندون فخوطبوا بما يقتضيه حالهم هذا ما يسمى بمراعاة مقتضى الحال. أما الْمَدَنِيّ فضابطه: الأول: كل سورة فيها ذكر المنافقين فهي مَدَنِيَّة سوى العنكبوت فإنها مَكِّيَّة لماذا؟ لأن النفاق أين وجد؟ في المدينة ولذلك صدر سورة البقرة قسمت الناس إلى ثلاث أصناف: مؤمن خُلَّص، وكفار خُلّص، وما ظاهرهم الإيمان وباطنهم الكفر والعياذ بالله. حينئذٍ نقول: كل سورة فيها ذكر المنافقين فهي مَدَنِيَّة سوى العنكبوت فإنها مَكِّيَّة. الثاني: كل سورة فيها مجادلة أهل الكتاب فهي مَدَنِيَّة لأن أهل الكتاب إنما وجدوا في المدينة. الثالث: كل سورة فيها فريضة أو حَدّ فهي مَدَنِيَّة. أما من حيث الموضوع فالغالب في الْمَدَنِيِّ تفصيل العبادات والمعاملات والحدود والمواريث ونحو ذلك لأنه في الأصل شُرع ماذا؟ التوحيد هو الأصل ثم بعد ذلك يأتي البناء إذا لم يوجد التوحيد وهو الأصل حينئذٍ لا بناء وليس المراد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جرد الدعوة في المدينة عن التوحيد لا وإنما يقال: كان الأصل المركز عليه في مكة قبل الهجرة هو التوحيد ثم في المدينة لما كانوا موحدين أضاف ولا نقول ترك الدعوة للتوحيد هذا فهم خاطئ ولذلك نقول: بدأ النبي - صلى الله عليه وسلم - دعوته بالتوحيد وختمها بالتوحيد ولذلك مات عليه الصلاة والسلام وهو يقول: «الصلاة وما ملكت أيمانكم». ثم قال: «لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد». هذا توحيد أم ماذا؟ هذا توحيد هذا صميم التوحيد حينئذٍ بدأ بالتوحيد وختم بالتوحيد وليس المراد أن هذه الآيات الْمَدَنِيَّة تفصيل العبادات والمعاملات يفهم منها أنه لا دعوة للتوحيد لا وإنما أضاف إذًا الدعوة إلى التوحيد ماذا؟ الدعوة إلى تفصيل العبادات لأنها فرع وليست بأصل باعتبار التوحيد أما فيها بعضها في نفسها فهي أصول ولا إشكال. الثاني: دعوة أهل الكتاب إلى الإسلام هذا من موضوعات الْمَدَنِيّ. الثالث: ذكر الجهاد وبيان أحكامه، وفضله، وتفصيلاته ... إلى آخره. نقول: هذا مَدَنِيّ. الرابع: فضح المنافقين وكشف أستارهم أو ستارهم. الخامس: طول المقاطع والآيات.

هذا من ضوابط الْمَدَنِيِّ فإذا اختلف السلف في الحكم على السورة أو الآية بأنها مَكِّيَّة أو مَدَنِيَّة حينئذٍ ننظر إلى مثل هذه الضوابط وخاصة في الموضوعات عرفنا هذا. ثم قال: (النَّوعُ الثالثُ والرابعُ: الحَضَرِيُّ والسَّفَرِيُّ من آي القرآن) وعرفنا الفوائد المترتبة على الْمَكِّيِّ والْمَدَنِيِّ وأهمها معرفة الناسخ والمنسوخ ولذلك لا يحل لأحد أن يُقدم على تفسير كلام الله عز وجل إلا بعد معرفة هذا النوع الْمَكِّيّ والْمَدَنِيّ. النوع الثالث والرابع من العقد الأول وهو اثنا عشر نوعًا: الْحَضَرِيّ والسَّفَرِيّ من آي القرآن. وما سيذكره الآن من العقود هذه لا ينبني عليها من الفائدة وإن كان لها أهمية من حيث تعلقها بالقرآن لا شك بذلك لكن لا ينبني عليها أحكام كما هو في شأن الْمَكِّيِّ والْمَدَنِيِّ، لا شك أن الْمَكِّيَّ والْمَدَنِيَّ ينبني عليه أحكام من جهة التحريم ونسخ إلى آخره وأما الحضري والسفري والصيفي والشتائي والنهاري والليلي والفراشي والنومي هذه من قبيل العلم فقط، من قبيل العلم بالآيات فقط أما هل يترتب عليها حكم شرعي أو لا؟ نقول: لا يترتب عليها شيء من ذلك. (الحَضَرِيُّ) هذا نسبة إلى حضر والمراد به الإقامة لأن الإنسان إما أنه مقيم أو مسافر أما مستوطن هذا لا وجود له وإن ذكره كثير من الفقهاء إما مقيم وإما مسافر وزاد الفقهاء مستوطن وهو الذي يرد إلى بلد لم يقصد أنه يقيم يجعله بلده الخاص كما كان الأول يعني يستقيم من الأول وينتقل إلى الثاني حينئذٍ نقول: لا هذا يسمى مستوطنًا هذا عند الفقهاء ورتبوا عليه أحكام من حيث القصر والجمعة .. إلى آخره لكن الصحيح أنه لا وجود وإنما هو إما مقيم وإما مسافر، فالحضري هذا نسبة إلى الحضر الياء هذه ياء النسبة وهو ما نزل في الحضر يعني: في حالة إقامة النبي - صلى الله عليه وسلم -. وإقامة النبي - صلى الله عليه وسلم - قد تكون في مكة وقد تكون في المدينة إذًا هل لهذا النوع ارتباط بالْمَكِّيِّ والْمَدَنِيِّ؟ قد يكون له ارتباط فما نزل في المدينة وهو مقيم في الْمَدِينَةِ عليه الصلاة والسلام بعد أن انتقل لأنه أقام في المدينة ترك مكة وأقام في المدينة نقول: هذا حضري ومدني، وما نزل في مكة قبل الهجرة فنقول: هذا مَكِّيّ حضري. لأنه كان مقيم قبل الهجرة حينئذٍ قد يجتمعان، قد يكون ارتباط بين الحضري والْمَكِّيِّ والْمَدَنِيِّ. (والسَّفَرِيُّ) هذا نسبة إلى السفر مأخوذ من الإسفار وهو: البروز والظهور. ومنه: أسفر الصبح إذا أظهر الأشياء. ومنه: السفور. النساء إذا تبرجت أظهرت محاسنها وقيل: سُمِّيَ السفر سفرًا لأنه يسفر عن أخلاق الرجال إذا أردت أن تجرب وتختبر صاحبك خذه في رحلة. (والسَّفَرِيُّ) هذا نسبة إلى السفر، إذًا ما نزل في السفر في حال ليست حال الإقامة يسمى: سفرًا. حينئذٍ نقول: هذا يسمى بالسفري وهل يجتمع مع الْمَكِّيِّ والْمَدَنِيِّ نقول: نعم الشأن شأن الأول. إذًا النوعان الحضري والسفري قد يجتمعان مع الْمَكِّيِّ والْمَدَنِيِّ فيكون مدنيًّا حضريًّا ومدنيًّا سفريًّا، ومكي حضري ومكي سفري ممكن أو لا؟ نعم من آي القرآن قال رحمه الله:

والسَّفَرِيْ كَآَيَةِ التَّيَمُّمِ ... مَائِدَةً بذَاتِ جَيْشٍ فَاعْلَمِ أَوْ هِيَ بِالبَيْدَاءِ، ثُمَّ الفَتْحُ في ... كُراعِ الغَمِيْمِ يا مَنْ يَقْتَفِي (والسَّفَرِيْ) أي: من القرآن. ذكرنا أنه منسوب من السفر يعني: ما نزل على النبي - صلى الله عليه وسلم - من القرآن وهو في حالة السفر ليس مقيمًا في المدينة (كَآَيَةِ التَّيَمُّمِ) السيوطي رحمه الله استوفى هذا الباب في ((التحبير)) وفي ((الإتقان)) أظن أوصله إلى بضع وأربعين مثالاً في ((الإتقان)) هنا ذكر أمثلة (كَآَيَةِ التَّيَمُّمِ) هذه الكاف تمثيلية وليست استقصائية لأنه ذكر بعض الأمثلة ثم أنت تبحث في بقية الآيات (كَآَيَةِ التَّيَمُّمِ مَائِدَةً) (كَآَيَةِ التَّيَمُّمِ) التي في المائدة وهي المصدرة بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ} [المائدة: 6] الآية {فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً} [المائدة: 6] هذه تسمى آية التيمم ولم تسم بآية الوضوء؟ [نعم هو هذا] وله ملحظ آخر وهو خلافهم في الآية هل هي مؤسسة أو مؤكدة بمعنى مؤسسة هل الوضوء شُرع في هذه الآية وقبله لم يكن مشروعًا فصار الحكم تأسيسًا أو أن الوضوء كان مشروعًا ثم نزلت الآية مؤكِدة؟ الثاني أم الأول؟ إن قلتَ: التأسيس حينئذٍ يكون قد صلوا بلا وضوء قبل نزول الآية إذا أثبته من جهة السنة، ولم يثبت بالإجماع صلاة بدون وضوء لا في مكة لا قبل الهجرة ولا بعدها لم يثبت صلاة بلا وضوء فحينئذٍ نقول: هذه الآية مؤكِدة على الصحيح وليست مؤسسه بالنسبة للوضوء. (كَآَيَةِ التَّيَمُّمِ مَائِدَةً) التي في سورة المائدة احترازًا من آية التيمم التي في سورة النساء ولا أدري لماذا يحترزون عنها مع أنهم يقولون: نزلت في السفر. (مَائِدَةً) بالنصب على نزع الخاص، والأصل كآية التيممِ التي في سورة المائدة فحذف حرف الجر فانتصب ما بعده. وَعِدِّ لازِمًا بِحَرْفِ جَرِّ ... وإِنْ حُذِفَ فَالنصبُ للمُنجرِ نقلاً ..................... ... ............................ لكنه هنا من باب الضرورة بل توسعوا فيه جعلوه كالقياس هم يقولون: نقلاً. يعني مسموع ولا يقاس عليه لكن في تصانيفهم نظمًا ونثرًا يجعلونه كالمقيس وإلا الأصل أنه ماذا؟ لا يُنصب على نزع الخافض إلا سماعًا. وَعِدِّ لازِمًا بِحَرْفِ جَرِّ ... وإِنْ حُذِفَ فَالنصبُ للمُنجرِ نقلاً وفي أَنَّ وَأَنْ يطرد ... مع أَمْنِ لَبَسٍ كَعَجِبْتُ أّنْ يَدُوا في أنْ وأنَّ يطرد يعني: قياس. وما عداه من الموضعين فهو نقلي. والسَّفَرِيْ كَآَيَةِ التَّيَمُّمِ ... مَائِدَةً بذَاتِ جَيْشٍ فَاعْلَمِ

(أَوْ هِيَ بِالبَيْدَاءِ) (بذَاتِ جَيْشٍ) هذا بيان للموضع الذي نزل فيه على قولين اختلاف بين الرواة هل هي بذات الجيش موضع يقال له: ذات الجيش أو هي بالبيداء؟ فيه قولان، في الصحيح عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها نزلت بالبيداء - يعني: الآية آية التيمم - نزلت بالبيداء وهم داخلون المدينة. وفي لفظ: بالبيداء أو بذات الجيش. تردد الراوي بالبيداء أو بذات الجيش لهذه الرواية الثانية حصل تردد في الحكم على موضع نزول آية التيمم مقطوع بأنها سفرية لا إشكال في هذا هي سفرية نزلت في السفر لكن أين؟ هل هي بذات الجيش أو بالبيداء موضع خلاف، والخلاف هذا لا يخرجها عن كونها سفرية. (بذَاتِ الْجَيْشٍ) يعني: فإنها نزلت بمحل يسمى ذات الجيش وهو وراء ذي الحليفة قرب المدينة. يعني: موضوع وراء ذي الحليفة قرب المدينة. (فَاعْلَمِ) ذلك الحكم بأنها نزلت بذات الجيش أو بتنويع الخلاف بين الرواة هي: بالبيداء. هي أي: آية التيمم نزلت بالبيداء، وهي ذو الحليفة قيل في طرفها، فالبيداء قيل: هي ذو الحليفة. وقيل: طرف ذي الحليفة. قولان في تفسير البيداء، وعلى كلٍّ هذا أو ذاك فهي سفرية وسبب النزاع هو ما ذكرناه من حديث عائشة في البخاري وفي لفظ: في البيداء أو بذات الجيش قرب المدينة في القفول من غزوة بني المصطلق. وهذه الغزوة كانت في شعبان سنة ست أو خمس أو أربع، ثلاثة أقوال، في أقوال ثلاثة إذًا عرفنا أن السفري كان آية التيمم موضعها فيه خلاف هل هي بذات الجيش أو بالبيداء. (ثُمَّ الفَتْحُ) أي: ثم سورة الفتح. يعني: يُذكر لك بعد ما سبق سورة الفتح. و (ثُمَّ) هنا للترتيب الذكري لا أصل معناها، ثم سورة الفتح هذا عطف على آية (كَآَيَةِ التَّيَمُّمِ) ثم سورة الفتح فحذف المضاف وأقيم المضاف مقامه فجر جرًا لأن المضاف هنا مكسور أليس كذلك مجرور ثم سورةِ الفتح سورة بالجر عطف على آية ثم حذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه فالأصل قد ارتفع ارتفاعًا أو انتصب انتصابًا أو خفض خفضًا أو جر جرًّا فتقول حينئذٍ: هذا الفتح عطف على آية. ثم سورة الفتح يعني: من السفر سورة الفتح ظاهره أن كل سورة الفتح نزلت في السفر أليس كذلك؟ ثم سورة الفتح دل على ماذا؟ على أن كل سورة الفتح نزلت في السفر لكن ليس بظاهر، ظاهره ... كلها وكذا قال الْبُلقيني تمسكًا بظاهر ما رواه البخاري من حديث عمر ... رضي الله تعالى عنه: بينما هو يسير مع النبي - صلى الله عليه وسلم - .. فذكر الحديث وفيه قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لقد أنزلت عليَّ الليلة سورة هي أحب إليَّ مما طلعت عليه الشمس». فقرأ قوله تعالى: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً * لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} [الفتح: 1، 2]. قال السيوطي رحمه الله: ولا دليل فيه على نزولها تلك الليلة بل النازل منها أو فيها أولها. حينئذٍ نقول: سورة الفتح الأصح أن أولها هو الذي نزل في السفر. (في كُراعِ الغَمِيْمِ)

كرع الغميم هذا موضع نزول سورة الفتح أو أول سورة الفتح كما قيل في آية التيمم نزلت بذات الجيش أو بالبيداء ما موضعها في السفر؟ هنا كذلك قال: الفتح سفرية أين موضعها قال: (كُراعِ الغَمِيْمِ) بالإضافة هذا الأصل (كُراعِ الغَمِيْمِ) وادي بينه وبين الْمَدَنِيَّة نحو مائةٍ وسبعين ميلاً من جهة الْمَدَنِيَّة وبينه وبين مكة نحو ثلاثين ميلاً حينئذٍ يكون أقرب إلى مكة من المدينة قال في القاموس: وكراع الغميم - هذا علم موضع كراع الغميم علم موضع - على ثلاث أميال من عسفان. وغميم هذا ككريم والكراع جبل أسود في طبق الحرة يمتد إليه. قيل كراع الغميم هذا علمٌ لموضع الأصل فيه الإضافة ... (كُراعٍ الغَمِيْمِ) بالألف لكن هناك للوزن لا بد من تنوين الأول (كُراعٍ الغَمِيْمِ) الأصل أن يجب الإضافة لماذا؟ لأنه من باب سعيد كرز تعرفون هذا؟ ولا يضاف اسم لِمَا بِهِ اتَّحَدْ ... معنى وأوِّلْ مُوهِمًا إذا وَرَدْ لا يضاف الشيء إلى نفسه ولا يضاف اسم لِمَا بِهِ اتَّحَدْ ... معنى وأوِّلْ مُوهِمًا إذا وَرَدْ حينئذٍ سعيد كرز سعيد هو كرز وكرز هو سعيد سعِيد علم وكرز لقب ومسمى الاسم هو عين مسمى اللقب حينئذٍ كيف يضاف الأصل في الإضافة المغايرة أن يكون المضاف إليه مغايرًا للمضاف هذا الأصل غلامُ زيدٍ غلام ليس هو عين زيد وزيد ليس هو عين غلام لا بد من المغايرة، فإذا جاء غلام بمعنى زيد وزيد بمعنى غلام نقول: أضيف شيء إلى مسماه وهذا لا يجوز إلا على التأويل، ولذلك قال: وأول موهمًا. إذا أوهم أنه من باب إضافة سعيد كرز حينئذٍ يجب تأويله أليس كذلك؟ لكن في مقام العلم إذا كانا مفردين الاسم واللقب وجبت الإضافة عند البصريين وهذا من المواضع التي يتناقض فيها البصريون ولا جواب، لأنه في مقام الاسم واللقب - عفوًا سنخرج قليلاً فأنا عندي النحو كالملح في الدرس - الاسم واللقب إذا كانا مفردين حينئذٍ يجب الإضافة. وإن يكونا مفردين فأضف ... حتمًا وإلا أتْبِع الذي ردف وإن يكونا مفردين فأضف وجوبًا عند البصريين وإلا يكونا مفردين فأتبع الذي ردف، يكون تابعًا هذا في مقام العلم في باب العلم يذكرون هذا، أن الاسم واللقب إذا كانا مفردين وجبت الإضافة ولا يجوز الإتباع والكوفيون يجوزن الإتباع فيقولون: سعيد كُرْز. الثاني يكون تابعًا للأول عطف أو بدل ويأتون في باب الإضافة فيقولون: ولا يُضَافُ اسْمٌ لِمَا بِهِ اتَّحَدْ ... مَعْنى وأوِّل موهمًا إذا ورد كيف ولا يضاف اسم لما به اتحد؟ ثم في باب العلم وإن يكونا مفردين فأضف حتمًا هذا لا جواب يعني: عجز كثير من النحاة أن يجيبوا عن مسألة البصريين في هذا الباب أوجبوا الإضافة في باب العلم سعيد كرز يجب الإضافة ثم جاءوا في باب الإضافة تكلموا عن المضاف والمضاف إليه إذا كانا متحدين معنى لا يجوز الإضافة فكيف الجمع؟ لا بد من النسخ هنا لا يمكن الجمع لأن الأول يوجب الإضافة والثاني يوجب عدم الإضافة فكيف هذا؟ لا جواب لا تنتظر شيء، لا جواب قيل: هذا تناقض بين البصريين لا جواب. وإن يكونا مفردين فأضف ... حتمًا وإلا أتبع الذي ردف فيجب حينئذٍ عندهم في باب العلم يقال: سعيد كرز. باب الإضافة كرعُ غميم من قبيل سعيد كرزٍ أليس كذلك؟

لأن كراع هذا طرف الشيء فالاسم هو عين المسمى، الغميم هو مسمى كرع الغميم، الغمِيم ككريم هذا موضع قطعة أرض ونحوها كما قال بعضهم: جبل أسود ينتهي إلى طرف حرة. حينئذٍ هو كرع غميم وهو الغميم نفسه فحينئذٍ صار من باب سعيد كرز، إذًا يجب الإضافة كرعُ غميم مضاف ومضاف إليه، وعند الكوفيين يجوز الإتباع كراعٌ الغميمُ يكون الثاني بدل كل من بعض أو عطف بيان سعيد كرز يجوز عند الكوفيين ولا يجوز عند البصريين فيكون الثاني تبعًا للأول هنا من باب ضرورة الوزن نمشي على مذهب الكوفيين (كُراعٍ الغَمِيْمِ) بالتنوين والأصل (كُراعِ الغَمِيْمِ) بالإضافة ولكن ينون الأول والثَّاني لا يكون منونًا لوجود أل حينئذٍ نجعل الثاني تابعًا للأول، وإلا أتبع الذي ردف يكون تابعًا له. الحاصل: أن كراعٍ بالتنوين (الغَمِيْمِ) إذًا عرفنا كراع الغميم هذا وادي بينه وبين المدينة نحو مائة وسبعين ميلاً وكراعه طرفه إذ كراع كل شيء طرفه. (يا مَنْ يَقْتَفِي) يعني: يا من يتبع. الاقتفاء هو الإتباع أي: يتبع طريقهم في معرفة السفر ونحو ذلك، إذًا عرفنا أن سورة الفتح هذه سفرية والمراد به أولها، ثم موضع ذلك السفر الذي نزل فيه أوائل سورة الفتح هو كراع الغميم وهذا الموضع الذي عينه لنا ما رواه الحاكم في مستدركه ثم قال: وبِمِنَى {وَاتَّقُواْ} وبعدُ {يَوْماً} ... و {تُرْجَعُونَ} أَوْلِ هذا الخَتْمَا {وَاتَّقُواْ يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ} [البقرة: 281] هذه سفرية (وبِمِنَى) يعني: ونزلت بمنى بدون التنوين للوزن (وبِمِنَى {وَاتَّقُواْ}) يعني: آية اتقوا أو قوله تعالى: ... {وَاتَّقُواْ} (وبعدُ) أي: بعد قوله: {وَاتَّقُواْ} ({يَوْماً} و ... {تُرْجَعُونَ} أَوْلِ هذا الخَتْمَا) {وَاتَّقُواْ يَوْماً تُرْجَعُونَ} (و {تُرْجَعُونَ} أَوْلِ) هذا أمر من الإله يعني: أجعل تالي هذا الذي هو ترجعون (الخَتْمَا) يعني: ختم الآية وهذا كما سبق أنه من الاقتباس والمراد به الإشارة ولا نجعل مضمون البيت هنا هو الآية وإنما تلفظ ببعض ألفاظ الآية على أنها أدلة على الآية وليست هي الآية وإلا هذا فيه تكلف، إذًا (وبِمِنَى) أي: نزلت آية ... ({وَاتَّقُواْ} وبعدُ) أي: وبعد اتقوا بعد هذا مبني على الضم حد المضاف بنية معناه (وبعدُ {يوْماً}) لو قال: وبعدَ. لكان أحسن لماذا؟ لأنه حذف المضاف هنا ونوى لفظه أو معناه؟ كيف بمعناه هو يريد أن يحكي لنا ألفاظ الآية (وبعدُ) وبعد اتقوا أو وبعد ما هو بمعنى اتقوا؟ الظاهر والله أعلم أنه أراد اتقوا وبمنى اتقوا وبعد اتقوا يومًا، اتقوا يومًا يَومًا هذا بعد اتقوا حينئذٍ قوله: (وبعدُ). لو ضبط بالنصب لكان أحسن حينئذٍ يكون قد حذف المضاف إليه ونوى لفظه وإنما يكون البناء إذا حذف المضاف إليه ونُوي معناه لذلك لو نصب بالفتح لكان أنسب {وَاتَّقُواْ يَوْماً} يومًا ما إعراب هذا؟ مفعول به. الظَّرفُ وقتٌ أو مكانٌ ضُِمِّنًا ... فيه باطِّرادِ كَهُنَا امْكُثْ أَزْمُنَا

مفعول به ولا يصح جعله ظرف نعم تنبهوا {وَاتَّقُواْ يَوْماً} لأنك لو جعلته ظرفًا لقدرت في واتقوا في ذلك اليوم حينئذٍ سلم الناس في الدنيا من التكليف بالتقوى، صارت التقوى المأمور بها في ذلك اليوم الذي هو لا تكليف فيه في الأصل أما {وَاتَّقُواْ يَوْماً} أي: ذلك اليوم عينه نفسه ذاته اتقوه ... بماذا؟ بالعمل الصالح في الدنيا فيكون اليوم ذاته متقى، أما وقوع التقوى في ذلك اليوم هذا ليس بمراد هذا إفسادٌ للمعنى الذي دلت عليه الآية مثل: ... {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ} [البقرة: 184، 185]. (وبِمِنَى {وَاتَّقُواْ} وبعدُ) لفظ اتقوا ({يَوْماً} و {تُرْجَعُونَ}) جاءت بعد يومًا (أَوْلِ) أمر من الإله اجعل بهذا الذي هو ترجعون الختما الألف هذه للإطلاق أي: ختم الآية. هذه الآية نزلت عام حِجَّةِ الوداع يقال: حَجَّة، وحِجَّة. يقال: ذو القِعدة، وذو القَعدة، وذو الْحِجة وذو الْحَجة. الفتح فيه ذا القَعدة أولى من الكسر، والكسر في ذي الحِجة أولى من الفتح، عام حِجة الوداع فيما أخرجه البيهقي في ((الدلائل)) وذكره السيوطي هناك. ويومَ فَتْحٍ {آمَنَ الرَّسُولُ} ... لآخرِ السُّورَةِ يا سَئُولُ يعني: مما نزل وهو سفري (ويومَ فَتْحٍ) ونزلت يوم فتحٍ بالتنوين يعني: فتح مكة آية ({آمَنَ الرَّسُولُ} لآخرِ السُّورَةِ) اللام هنا بمعنى إلى (لآخرِ السُّورَةِ) يعني: لآخر سورة البقرة آيتان {آمَنَ الرَّسُولُ} والتي تليها {لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا} هذه نزلت في السفر، (لآخرِ السُّورَةِ) يعني: سورة البقرة (يا سَئُولُ) قال السيوطي رحمه الله تعالى: ولم أقف له على دليل. مع أنه يذكره في ((الإتقان)) وفي ((التحبير)) وفي ((النقاية)) لكنه يذكره تقليدًا لغيره وإلا لم يقف على دليل فذكره حينئذٍ يكون من باب التقليد. إذًا ونزلت يوم فتح مكة آية {آمَنَ الرَّسُولُ} إلى آخر السورة سورة البقرة ولا دليل عليه (يا سَئُولُ) يعني: يا كثير السؤال (يا سَئُولُ) فعول صيغة مبالغة (يا سَئُولُ) عن أي شيء كثير السؤال عن ماذا؟ عن العلم الشرعي ومنه: معرفة السفري من غيره. ويومَ بَدْرٍ سُورَةُ الأَنْفَالِ مَعْ ... {هَذَانِ خَصْمَانِ} ومَا بَعْدُ تَبَعْ (ويومَ بَدْرٍ) يعني: نزلت يوم بدر. (سُورَةُ الأَنْفَالِ) كلها سورة الأنفال كلها هذا ظاهر كلام المصنف مع أن السيوطي رحمه الله في كتاب ((التحبير)) وفي ((الإتقان)) يعبر بأول الأنفال وهذا هو الظاهر. (ويومَ بَدْرٍ سُورَةُ الأَنْفَالِ) كلها كما هو ظاهر النظم أو أولها، فقد روى الإمام أحمد رحمه الله عن سعد بن أبي وقاص قال: لما كان يوم بدرٍ قُتل أخي عمير وقتلت سعيد بن العاص وأخذت سيفه فأتيت به النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: «اذهب فاطرحه». - ليس لك - فرجعت وبي ما لا يعلمه إلا الله من قَتل أخي وأخذ سببي قال: فما جاوزت إلا يسيرًا حتى نزلت سورة الأنفال فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «اذهب فخذ سيفك». فدل على أنها نزلت في ماذا؟ يوم بدر، لما كان يوم بدرٍ الدليل على أنه أولها لأن الذي تعلق بالأنفال والتقسيم هو أول سورة الأنفال لا كلها.

ويومَ بَدْرٍ سُورَةُ الأَنْفَالِ مَعْ ... {هَذَانِ خَصْمَانِ} ومَا بَعْدُ تَبَعْ إِلى {الْحَمِيدِ} ......... ... ................................ {وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ} [الحج: 24] هذه في سورة الحج. (مَعْ {هَذَانِ خَصْمَانِ}) يعني: مع آية ... {هَذَانِ خَصْمَانِ} يحكم عليها بأنها سفري (ومَا بَعْدُ) أي: بعد قوله: {هَذَانِ خَصْمَانِ} (تَبَعْ) حينئذٍ تكون خمس آيات تقريبًا أو ست (ومَا بَعْدُ تَبَعْ) تبع هذا مصدر يعني: تبعًا لقوله: {هَذَانِ خَصْمَانِ} في الحكم بأنها سفرية إلى قوله: {الْحَمِيدِ}. والدليل كما ورد في البخاري عن أبي ذر رضي الله تعالى عنه أنه كان يُقسم أن هذه الآية نزلت في حمزة وصاحبيه وعتبة وصاحبيه. قال الْبُلقيني رحمه الله: الظاهر أنها نزلت يوم بدرٍ وقت المبارزة لما فيه من الإشارة بـ {هَذَانِ خَصْمَانِ}. مشركون والمؤمنون وهذا كان في ماذا؟ في السفري في حمزة وصاحبيه وعتبة وصاحبيه ومتى قتل حمزة؟ في أحد، وأحد هذه تعتبر سفرًا بالنسبة للمدينة ولم يقيد بثمانين ونحوها. (ومَا بَعْدُ) أي: بعد خصمان حال كونه تَبَعْ إِلى {الْحَمِيدِ} ثُمَّ {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ ... فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم ثم إن عاقبتم يعني: ثم نزل أو مما حكم عليه بأنه سفري آية {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ} بضم الميم للراوي يعني من سورة النحل عبر عنها السيوطي هناك بخاتمة النحل من قوله: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ} إلى آخر السورة هذا سفري (ثُمَّ) آية {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم}) بضم الميمين في الموضعين للراوي، أخرج البيهقي في الدلائل والبزار في مسنده من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقف على حمزة حين استُشهد وقد مُثِّل به. فذكر الحديث إلى أن قال: «لأمثلن بسبعين منهم مكانك». فنزل جبريل والنبي - صلى الله عليه وسلم - واقف بخواتيم سورة النحل {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ} إلى آخر السورة فهو صريح في نزولها بماذا؟ بأحد، ولذلك قال: (بأُحُدٍ) هذا دليل على أنها نزلت في ماذا؟ في أحد، ولكن أخرج الترمذي والحاكم عن أُبي بن كعب رضي الله تعالى عنه أنها نزلت يوم فتح مكة. والحديث السابق أنها نزلت بأحد. قال السيوطي تبعًا لغيره: والجمع أنها نزلت أولاً بمكة، ثم ثانيًّا بأحد، ثم ثالثًا يوم الفتح تذكيرًا من الله لعباده. يعني: مما كرر نزوله. إذًا (ثُمَّ {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم} بأُحُدٍ) يعني: نزلت بأحد. هذا جار ومجرور متعلق بمحذوف تقديره نزل أي الآية السابقة. بأُحُدٍ وعَرَفاتٍ رَسَمُوا ... {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} بضم الميم للراوي. (وعَرَفاتٍ) يعني: بعرفات. (رَسَمُوا) أي: كتبوا نزول آية ({الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ}) يعني: في حَجة الوداع جاء في الصحيح من حديث عمر رضي الله تعالى عنه أنها نزلت بعرفة عام حجة الوداع. وفي رواية: عشية عرفة يوم الجمعة عام حجة الوداع. وما ذَكَرْنَا هَا هُنَا اليَسِيْرُ ... والحَضَرِي وقُوعُهُ كَثِيْرُ

بعد أن أنهى لك بعض الأمثلة التي نزلت في السفر قال: (وما ذَكَرْنَا) والضمير هنا محذوف وهو مفعول به. وحذف ما يعلم جائز وحذف فضلة أجز (وما ذَكَرْنَا) لك سابقًا (هَا هُنَا) من السفر (اليَسِيْرُ) يعني: فهو العدد اليسير وقد استوفاه السيوطي رحمه الله في ((التحبير)) يعني: كل ما وقف عليه. (والحَضَرِي وقُوعُهُ كَثِيْرُ) لماذا؟ لأن الأصل في الإنسان الإقامة والحضر أم السفر؟ الحضر فلزم من ذلك أن يكون الحضر أكثر من السفر (والحَضَرِيّ) لأن الحضر هو الأصل لأن الإقامة هي الأصل والسفر إنما يكون طارئًا (وقُوعُهُ كَثِيْرُ) وقوعه في القرآن كثير ولكونه الأصل حينئذٍ لا يحتاج إلى تمثيل لوضوحه. ثم قال رحمه الله: النوع الخامسُ والسادسُ: الليليُّ والنَّهاريُّ الليلي والنهاري يعني: ما نزل بالليل وما نزل بالنهار. هذا نازل بالليل وهذا نازل بالنهار الليلي والنهاري أيهما الأفضل؟ النهار الأصل لأن الليل سكن صار النهار أصل والليل لأنه محل للمعاش، والليل محل للسكن واليقظة تكون في الليل أو في النهار؟ في النهار، والأصل أن الوحي ينزل للنبي - صلى الله عليه وسلم - يقظة حينئذٍ صار النهاري هو الأصل بالنسبة الليلي. وسُورَةُ الفَتْحِ أَتَتْ في اللَّيْلِ ... وآيةُ القِبْلَةِ أَيْ {فَوَلِّ} وقَولُهُ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل} ... بَعْدُ {لِّأَزْوَاجِكَ} والخَتْمُ سَهُلْ أَعْنِي الَّتِي فيها البَنَاتُ لا الَّتِيْ ... خُصَّتْ بِها أَزْواجُهُ فَأَثْبِتِ وآَيةُ {الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ} ... أَيْ {خُلِّفُواْ} بِتَوبَةٍ يَقِينَا فَهذِهِ بَعْضٌ لِلَيْلِيٍّ عَلى ... أَنَّ الكَثِيْرَ بالنَّهارِ نَزَلا لأنه الأصل أنه كثير وهو الأصل. (وسُورَةُ الفَتْحِ أَتَتْ في اللَّيْلِ) أي: نزلت. أتت بمعنى نزلت وفي بعض الأحاديث إلى قوله: {صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً}. يعني: ليست كلها نزلت بالليل وإنما أوائلها إلى قوله: {صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً}. ففي البخاري كما سبق من حديث عمر: «لقد أنزلت عليَّ الليلة سورة هي أحب إليَّ مما طلعت عليه الشمس». فقرأ: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً} ... [الفتح: 1] الحديث فدل على ماذا؟ على أنها نزلت بالليل لأنه قال: «نزلت عليَّ الليلة» يعني: في الليل. فدل على أن سورة الفتح أي: أوائلها ليلي. (وسُورَةُ الفَتْحِ أَتَتْ في اللَّيْلِ وآيةُ القِبْلَةِ) ما هي آية القبلة فسرها قال: (أَيْ {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ}) هذه نزلت ماذا؟ نزلت بالليل في الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما: بينما الناس بقباء في صلاة الصبح إذ آتاهم آت فقال: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد أنزل عليه الليلة. - هذا الشاهد - إن ... النبي - صلى الله عليه وسلم - قد أنزل عليه الليلة قرآن وقد أمر أن يستقبل القبلة. فدل على أن قوله: {فَوَلِّ وَجْهَكَ}. نزل بماذا؟ بالليل وأول صلاة صلاها النبي - صلى الله عليه وسلم - هي؟

بِكُلٍّ قيل، قيل: الصبح. وقيل: الظهر. وقيل: العصر. ولذلك الرواية التي معنا هنا: بينما الناس بقباء في صلاة الصبح إذ آتاهم آت فقال: إن ... النبي - صلى الله عليه وسلم - قد أنزل عليه الليلة قرآن. إذًا متى نزلت؟ في الليل لزم من ذلك أن يكون أول صلاة صلاها إلى القبلة التي هي المسجد الحرام هو الصبح بناءً على ماذا؟ على أن تأخير البيان إلى غير وقت الحاجة هذا لا يجوز عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لماذا؟ لأنه من باب البلاغ، فلو جوز أن الآيات نزلت في الليل ثم كانت أول صلاة صلاها هي الظهر أو العصر لزم من ذلك ماذا؟ أنه صلى الفجر إلى القبلة المنسوخة فيكون النبي - صلى الله عليه وسلم - قد أخر البيان عن وقت الحاجة وهذا لا يجوز. ففي الصحيحين عن البراء أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى قبل بيت المقدس ستة عشر. أو قال: سبعة عشر شهرًا وكان يعجبه أن تكون قبلته قِبَلَ البيت وإن أول صلاة صلاها العصر. وإن أول صلاة صلاها العصرُ بالضم وصلى معه قوم فخرج رجلٌ ممن خرج ممن صلى معه فمر على أهل مسجده وهم راكعون فقال: أشهد بالله لقد صليتُ مع رسول الله قِبَلَ الكعبة. فداروا كما هم قِبَلَ البيت. فهذا يدل على ماذا؟ على أنه أول صلاة صلاها هي العصر لزم منه أن هذه الآيات نزلت بين الظهر والعصر والرواية رواية ابن عمر تدل على أنها نزلت بالليل وأن أول صلاة صلاها صلاة الصبح إذًا وقع ماذا؟ وقع اختلاف بين الروايتين قال جلال الدين القاضي الْبُلقيني: والأرجح بمقتضى الاستدلال نزولها ليلاً لأن قضية أو قصة أهل قباء كانت في الصبح لأنه يبعد قباء ليست بعيدة عن المدينة يبعد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي العصر إلى القبلة الجديدة الناسخة التي كانت ناسخةً لبيت المقدس ثم يبقى العصر والمغرب والعشاء ثم الفجر ولا يخبر أهل قباء بماذا؟ بتحويل القبلة هذا فيه نوع بعد لماذا؟ لكون قباء ليست ببعيدة عن المدينة. ولكن ابن حجر رحمه الله له تأويل آخر قال ابن حجر رحمه الله: الأقوى أن نزولها كانت نهارًا يعني بين الظهر والعصر وأول صلاة صلاها النبي - صلى الله عليه وسلم - هي صلاة العصر - لكن هذا فيه إشكال - والجواب عن حديث ابن عمر أن الخبر وصل وقت العصر إلى من هو داخل المدينة وهم بنوا حارثة، ووصل وقت الصبح إلى من هو خارج المدينة وهم بني عمرو بن عوف أهل قباء يعني: الخبر كأنه لم ينتشر حتى يصل أهل قباء إلا الصبح. لكن هذا فيه نوع إشكال وقوله: يعني ابن عمر أو قول النبي - صلى الله عليه وسلم - في رواية ابن عمر: «قد أنزلت عليَّ الليلة». مجازٌ من إطلاق الليلة على بعض اليوم الماضي والذي يلي على كلٍّ وقوله: (وآيةُ القِبْلَةِ أَيْ {فَوَلِّ}). ليس متفق على أنها ليلية قيل: إنها نهارية استدلالاً بحديث البراء وأن أول صلاة صلاها النبي - صلى الله عليه وسلم - هي صلاة العصر. وقيل: إنها ليلية استدلالاً بحديث ابن عمر. وقَولُهُ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل} ... بَعْدُ {لِّأَزْوَاجِكَ} والخَتْمُ سَهُلْ أَعْنِي الَّتِي فيها البَنَاتُ لا الَّتِيْ ... خُصَّتْ بِها أَزْواجُهُ فَأَثْبِتِ

طال عليه النظم (وقَولُهُ) هذا عطف على سورة الفتح (وسُورَةُ الفَتْحِ) ليلية (وقَولُهُ) تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ} [الأحزاب: 59]. الآية التي في آخر الأحزاب هي ليلية هي التي يعنيها {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء} وهناك آية أخرى {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} [الأحزاب: 28] هنا قال: ... ({يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل} بَعْدُ {لِّأَزْوَاجِكَ}). لم يحصل التعين لأي الآيتين فشملت الآيتين {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء} و {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ} آية التخيير وتلك آية الإذن حينئذٍ أراد ماذا؟ أن يبين لك أن الآية المقصودة هي التي ذكر فيها البنات فقوله: ({يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل} بَعْدُ) أي: بعده بعد المذكور السابق ({يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل} بَعْدُ {لِّأَزْوَاجِكَ}) (والخَتْمُ) للآية (سَهُلْ) سهل عليك. (أَعْنِي) يعني: أقصد بهذه الآية الآيةُ (الَّتِي فيها البَنَاتُ) يعني: ذكر فيها البنات {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ} [الأحزاب: 59] وليست: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ} [الأحزاب: 28] لذلك قال: (لا). الآية (الَّتِيْ خُصَّتْ) هذا مغير الصيغة (بِها) بتلك الآية (أَزْواجُهُ) يعني: لا الآية التي خصت أزواجه بها بتلك الآية (فَأَثْبِتِ) أمر من الإثبات يعني: أثبت أنت لفظة البنات أو أثبت ولا تغفل عما ذكر. إذًا قوله: (أَعْنِي الَّتِي فيها البَنَاتُ). هذا استدراك لما سبق لقوله: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ}. وهذه في موضعين قد (أَعْنِي الَّتِي فيها البَنَاتُ) الآية التي ذكر فيها لفظ البنات (لا) الآية (الَّتِيْ خُصَّتْ بِها أَزْواجُهُ فَأَثْبِتِ) هذا من باب التسليم. ففي البخاري عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: خرجت سودة بعدما ضرب الحجاب لحاجتها وكانت امرأة جسمية لا تخفى على من لا يعرفها فرآها عمر رضي الله تعالى عنه فقال: يا سودة أما والله ما تخفين علينا فانظري كيف تخرجين. وفي رواية: قد عرفناك. فقالت: فارتفعت راجعة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإنه ليتعشى وفي يده عرقٌ فقلت: يا رسول الله خرجت لبعض حاجتي فقال لي عمر كذا وكذا. فأوحى الله إليه وإن العرق في يديه فقال: «إنه قد أذن لكن أن تخرجن لحاجتكن». هذا دليل على أنها ليلية، ما الدليل أو ما وجه الاستدلال من هذه القصة؟ هنا قالت: خرجت سودة بعدما ضرب الحجاب لحاجتها. جاء في قصة الإفك أن زوجات النبي - صلى الله عليه وسلم - ما كن يخرجن لحاجتهن إلا ليلاً فقوله هنا: لحاجتها. ثم قال: «قد أذن لكن أن تخرجن لحاجتكن». ومعلوم بالاستقراء وبنص عائشة رضي الله تعالى عنها كما في قصة الإفك أن الخروج للحاجة إنما يكون ليلاً هذا من باب التستر طلب الستر. وآَيةُ {الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ} ... أَيْ {خُلِّفُواْ} بِتَوبَةٍ يَقِينَا

يعني: ومما نزل في الليل آية الثلاثة الذين خلفوا الذين الألف هذه للإطلاق (وآَيةُ {الثَّلاَثَةِ}) من هم الثلاثة: كعب بن مالك، وهلال بن أمية، ومرارة بن الربيع أي: خلفوا بتشديد اللام مغير الصيغة حال كونها كائنة بسورة التوبة) بِتَوبَةٍ) يعني: بسورة توبة. (يَقِينَا) وتسمى براءة (يَقِينَا) أي: أتيقن أنها ليلية أيضًا يقينًا يَقينًا هذا مفعول مطلق لعامل محذوف وجوبًا أتيقن أنها ليلية أيضًا يقينًا ففي الصحيح من حديث كعب القصة الطويلة فأنزل الله توبتنا حين بقي الثلث الأخير من الليل ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند أم سلمة هذا دال على أنها ليلية. (وآَيةُ {الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ} أَيْ {خُلِّفُواْ}). خُلِّفُوا أم تَخَلَّفُوا؟ هم تَخَلَّفُوا وخُلِّفُوا بمعنى أُخِّرُوا، تَخَلَّفُوا عن الخروج مع النبي - صلى الله عليه وسلم -، وخُلِّفُوا يعني: أُخِّرُوا بقبول عذرهم. حينئذٍ الوصف لا من حيث تأخرهم وإنما من حيث قبول التوبة لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - جاء من جاءه ممن لم يخرج فذكر بعضهم أسباب وبعضهم أعذار فقبل منهم وجاء العتب {عَفَا اللهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ} ... [التوبة: 43] ... إلى آخره وهؤلاء الثلاثة لا إنما ذكروا أنهم لم يعتذروا كما اعتذر غيرهم وإنما ذكروا الأسباب الحقيقة في عدم خروجهم أو في تخلفهم فأُخِّرُوا في قبول عذرهم وقبول توبتهم حينئذٍ ليس الوصف هنا خُلِّفُوا من حيث إنهم تَخَلَّفُوا عن الخروج والغزو وإنما من باب أنهم خُلِّفُوا وأَخِّرُوا عن قبول عذرهم. (فَهذِهِ) المذكورات السابقة من الأمثلة (بَعْضٌ لِلَيْلِيٍّ) بعض ليس الكل ذكر السيوطي كثير في الإتقان ونحوه (لِلَيْلِيٍّ عَلى أَنَّ الكَثِيْرَ) من الآيات ... (بالنَّهارِ نَزَلا) (عَلى أَنَّ الكَثِيْرَ) (نَزَلا) هذه الألف بالإطلاق بالنهار لأنه هو الأصل وهو محل اليقظة والأصل فيه أنه محل التنزل. (السابعُ والثامنُ: الصَّيفيُّ والشتائِيُّ) الصيفي نسبة إلى الصيف، والشتائي نسبة إلى الشتاء ومعلوم أن الفصول أربعة فلِمَ خص أرباب علوم القرآن بالصيفي والشتائي فقط؟ لم يقولوا: هذا ربيعيٌّ. أو خرفيٌّ. قالوا: الصيف يلحق به الربيع لكونهما شماليين، والشتاء يلحق به الخريف لكونهما جنوبين. حينئذٍ نقول: كل من الربيع والخريف ألحق بالفصل الذي يليه وهذا من باب الاصطلاح فقط وإلا ما نص هذا نزل في الربيع وهذا نزل في الخريف وإنما جاء في بعض الروايات: آية الصيف. في قول النبي - صلى الله عليه وسلم -، في ليلة شاتية. فجاء لفظ الشتاء وجاء لفظ الصيف فألحق أرباب علوم القرآن بهذين الوصفين فكل ما جاء إما أنه صيفي وإما أنه شتائي ولذلك كل ما يمثل لا بد من لفظ كلمة صيف أو شتاء والقول بأن الخريف ملحق بكذا والربيع ملحق بكذا هذا لا مثال له إنما من باب تعميم الاصطلاحات. إذًا الصيفي هو: ما نزل بالصيف. والشتائي: ما نزل بالشتاء. (الصَّيفيُّ) لَمْ تحذف الياء لماذا؟ حذف فعيلة، ليس من قبيل فعل صيف فعل وهناك فعيلة مدينة وصيف ليس كمدينة ليس كسليقة.

(والشتائِيُّ) قال في القاموس: الشتاء كالكساء شتاء مثل كساء والنسبة شَتْوِيٌّ ويحرك ويقال: شَتِيٌّ كَغَنِيّ. وكذلك في ((مختار الصحاح)) أن النسبة إلى لشتاء تكون شَتْوِيُّ وشَتَوِيٌّ مثل خَرْفِيُّ وَخَرَفِيُّ أساسًا الناظم هنا نسبه إلى نسبة غير مشهورة. صَيْفِيَّةٌ كآَيِةِ الكَلالَةِ ... والشِّتَائِي كالعَشْرِ في عَائِشَةِ بهذه الصيغة الوزن ينكسر والأولى أن يقال: والشَّتَوِيٌّ كالعشر في عائشة. وبعضهم أصلحه في قوله: والشتائي لكن هذا يحتاج إلى إتباع، وقد بحثت في القاموس في بعض المعاجم ما وجدت أنه يقال فيه مثل ما قيل في النسأي نسائي ونسأي كأنه على وجدانه، ذاك لا وإنما هو شتاء ككساء ولذلك نص في القاموس في ((مختار الصحاح)) أن نسبة إلى الشتاء شَتْوِيٌّ ويحرك ويقال: شَتِيٌّ كغني. وكذلك في ((المختار)) قال أيضًا: شَتْوِيٌّ وَشَتَوِّيٌّ. مثل خَرْقِيّ وَخَرَقِيّ أما شتأي هذا يحتاج إلى إثبات. صَيْفِيَّةُ كآَيِةِ الكَلالَةِ ... والشَّتَوِيّ كالعَشْرِ في عَائِشَةِ أي: القرآن. صيفيه أي: ما نزل في الصيف، (كآَيِةِ الكَلالَةِ) الكاف هذه للتمثيل ويحتمل أن هذه للاستقصاء لأن بعضهم ما ذكر إلا مثالاً واحدًا حينئذٍ إذا لم يثبت إلا آية الكلالة تكون الكاف هذه استقصائية، وإذا وجد مثال آخر فنقول: هذه الكاف تمثيلية (كآَيِةِ الكَلالَةِ) والكلالة هي: من لا والد له ولا ولد. في الكلالة كما قال الواحدي: أنزل الله في الكلالة آيتين: إحداهما في الشتاء وهي التي في أول النساء، والأخرى في الصيفِ وهي التي في آخرها. {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلاَلَةِ} [النساء: 176] هي التي معنا الآن مثال التي في آخر سورة النساء، في صحيح مسلم عن عمر رضي الله تعالى عنه قال: ما راجعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في شيء ما راجعته في الكلالة وما أغلظ لي في شيءٍ عليه - يعني: ما أغلظ لي فيه. - حتى طعن في أصبعه في صدري حتى قال: «يا عمر ألا تكفيك آية الصيف التي في آخر النساء»؟ الصيف فقال: «الصيف». فبين النبي - صلى الله عليه وسلم - أنها نزلت في فصل الصيف، ... (صَيْفِيَّةُ كآَيِةِ الكَلالَةِ) عرفنا ماذا؟ أن آية الكلالة التي في آخر النساء هذه صيفية والتي في أولها هذه شَتَوِيَّة. والشَّتَوِيُّ منسوبة للشتاء (كالعَشْرِ في عَائِشَةِ) يعني: كالآيات العشر التي في سورة النور في براءة عائشة رضي الله تعالى عنها مما لمزه المنافقون ففي صحيح البخاري من حديث عائشة رضي الله تعالى عنها أنها قالت في ذكر قصتها: فوالله ما رام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا خرج أحدٌ من أهل البيت حتى أُنْزِلَ عليه فأخذه من كان يأخذه حتى إنه ليتحدر منه مثل الجمان من العرق وهو في يوم شاتٍ من ثقل قول الذي ينزل عليه ... الحديث. قولها: في يوم شاتٍ. دل على ماذا؟ على أن هذه العشر نزلت في الشتاء. التاسع: الفِراشيُّ من الآيات

الفراشي ويقال: النومي أيضًا يذكر معه. الفراشي نسبة إلى فراش وهو ما يتوسده الإنسان لينام عليه، فِرَاش فِعَال بمعنى مفعول فِرَاش: بمعنى مفروش. كغيرات بمعنى مغرور {جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً} [البقرة: 22] فراش يعني: مفروش. فعال بمعنى: مفعول. وقل أن يوجد فِعَال بمعنى مفعول قليل هذا في اللغة لكن منه فراش وغِرَار [وكتاب يحتمل بمعنى فاعل كاتب جامع على أنه مجاز، ويحتمل أنه مجموع مكتوب ما في بعد، أما فراش وغرار ونحوه هذا قليل]. (الفِراشيُّ) من الآيات يعني: ما نزلت وهو فوق فراشه سواء كان نائمًا أم لا هم يقولون: سواء كان نائمًا أم لا. لكن نائمًا ما يرد أنه يوحى إليه وهو نائم هذا ليس بصحيح وإنما دائمًا يكون الوحي في اليقظة. (التاسع: الفِراشيُّ من الآيات كآَيَةِ الثَّلاثةِ المُقَدَّمَةْ ... في نَوْمِهِ في بَيْتِ أُمِّ سَلَمَةْ يَلْحَقُهُ النَّازِلُ مِثلُ الرُّؤْيَا ... لِكَوْنِ رُؤيَا الأَنْبياءِ وَحْيَا (كآَيَةِ) هذا خبر مبتدأ محذوف، والفراشي كآية خبر مبتدأ محذوف جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر، والفراشي يعني: ما نزل من الآيات والنبي - صلى الله عليه وسلم - فوق فراشه مثل: آية الثلاثة. فالكاف هنا إما اسمية وإما حرفية ولا بأس ... (كآَيَةِ الثَّلاثةِ الْمُقَدَّمَةْ) بفتح الدال أي المتقدمة (في نَوْمِهِ) فإنها نزلت في نومه - صلى الله عليه وسلم - وليس المراد النوم وإنما ما يستعد به للنوم لأنها ما نزلت في النوم (في بَيْتِ أُمِّ سَلَمَةْ) هند بنت أبي أمية المخزومية تزوجها النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد موت أبي سلمة ففي الصحيح أنها نزلت وقد بقي من الليل ثلثه وهو - صلى الله عليه وسلم - عند أم سلمة في فراشها، لكن استشكل هذا كونه نزل عند أم سلمة أو نزلت هذه الآية في فراش أم سلمة بقوله - صلى الله عليه وسلم - في حق عائشة: «ما نزل عليَّ الوحيُّ في فراش امرأةٍ غيرها». وهنا نزل في بيت أم سلمة «ما نزل عليَّ الوحيُّ في فراش امرأةٍ غيرها». وهنا يقول: (في بَيْتِ أُمِّ سَلَمَةْ) فما الجمع؟ الجمع ما ذكره السيوطي بأنه روي عن عائشة رضي الله تعالى عنها في مسند أبي يعلى أنها قالت: أُعطيتُ تسعًا. الحديث. وفيه: وإن كان الوحي لينزل عليه وهو في أهله فينصرفون عنه - هذا غريب تقول: فينصرفون. والأصل فينصرفن - وإن كان لينزل عليه وأنا معه في لحافه. إذًا لا معارضة بين الحديثين قوله - صلى الله عليه وسلم -: «ما نزل عليَّ الوحيُّ في فراش امرأةٍ غيرها». يعني: ينزل الوحي وتبقى في اللحاف وأما البقية ينزل ولكنها تقوم وتنصرف من مكانها إذًا هل هناك تعارض؟ لا معارضة بين الحديثين.

(يَلْحَقُهُ النَّازِلُ مِثلُ الرُّؤْيَا) هنا ما ذكر النوم لما ذكرناه سابقًا وإن كان كثير يذكرون هذا يقولون: التاسع والعاشر الفراشي والنومي. لكنه لم يذكر النومي لأنه مظنة أن الوحي نزل عليه وهو نائم وهذا لا وجود بل لا يدعيه مدعٍ وينفيه، لكنه قول ضعيف في سورة الكوثر أغفى إغفاءة لكن لا ليست هذه الإغفاءة بنوم وإنما هي ما يعتريه النبي - صلى الله عليه وسلم - عند نزول الوحي من الثقل ونحوه (يَلْحَقُهُ) أي: يلحق الفراشيّ أيضًا. (يَلْحَقُهُ النَّازِلُ) من الآيات حال كونه (مِثلُ الرُّؤْيَا) كسورة الكوثر (لِكَوْنِ رُؤيَا الأَنْبياءِ وَحْيَا) لما روى مسلم عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: بين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين أظهرنا إذا غفى إغفاءة ثم رفع رأسه متبسمًا فقلنا: ما أضحكك يا رسول الله؟ فقال: «أُنزل عليَّ آنفًا سورة». فقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} ... السورة حينئذٍ هذا نزل ماذا؟ نزل حيث أغفى النبي - صلى الله عليه وسلم - إغفاءة، فهم البعض أنه نام فأوحي إليه لكن هذا ليس بظاهر، ولذلك نقول: القرآن كله نزل في اليقظة، فكأنه الجواب عن أغفى إغفاءة فكأنه عرض عليه الكوثر الذي نزلت فيه السورة فقرأها عليهم وفسرها لهم يعني: الرؤيا التي رآها النبي - صلى الله عليه وسلم - فاستيقظ من الإغفاء وقد تبسم نقول: هذا لكونه رأى الكوثر فحينئذٍ فسر السورة بماذا؟ بما رواه وإلا السورة قد نزلت في اليقظة قبل ذلك، ولكن ما أخبره إلا بعد أن أغفى إغفاءة حينئذٍ لا تعارض بأن كون القرآن ينزل إلا يقظة وبين ظاهر هذا النص، وورد في بعض الروايات أنه أُغْمِيَ عليه لم يقل أغفى إغفاءة وإنما قال: أغمي عليه. وقد يحمل هذا على الحالة التي كانت تعتريه عند نزول الوحي ويقال له: بَرْحَاءُ. أو بُرْحَاءُ كما يقولها البعض الوحي فليس حينئذٍ الإغفاءة التي وردت في النص الأول إغفاءة النوم وإنما الإغفاءة هذه ما يعتري النبي - صلى الله عليه وسلم - من ثقل الوحي. يَلْحَقُهُ النَّازِلُ مِثلُ الرُّؤْيَا ... لِكَوْنِ رُؤيَا الأَنْبياءِ وَحْيَا حينئذٍ ينزل في النوم إن صح التعبير (لِكَوْنِ رُؤيَا الأَنْبياءِ وَحْيَا) لماذا؟ لأنه كما جاء ((فإنهم تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم)). حينئذٍ محل نزول الوحي هو القلب، والقلب يقظ حينئذٍ استوى في الحالين سواء كان يقظًا أو نائمًا لأن محل نزول الوحي هو القلب والقلب يقظ سواء كان نائمًا أغمضت عينيه أم لا ... (يَلْحَقُهُ النَّازِلُ مِثلُ الرُّؤْيَا لِكَوْنِ) يعني: قيل بهذا (لِكَوْنِ رُؤيَا الأَنْبياءِ وَحْيَا) فإنها تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم ثم قال: العاشر أسباب النزول. ونقف على هذا، وصلَّ الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

6

عناصر الدرس * النوع العاشر (أسباب النزول) * النوع الحادي عشر (أول ما نزل) * النوع الثاني عشر (آخر ما نزل). الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد: فلا زال الحديث في بيان ما تضمنه العِقْد الأول وهو ما يرجع إلى النزول زمانًا ومكانًا وهو اثنا عشر نوعًا ذكر الأول والثاني والثالث والرابع والخامس والسادس ثم السابع والثامن والتاسع، ووقفنا على العاشرُ وهو (أَسبابُ النُّزُولِ). هذا النوع، النَّوع العاشر تضيف النوع العاشر لا بد من ذكر كلمة النوع. النوع (العاشرُ: أَسبابُ النُّزُولِ)، هذا النوع نوعٌ مهمٌ كما سيأتي بيانه في فوائد هذا العلم وهو علمٌ جليل قد أتانا به السلف كما أتانا به الخلف. النوع (العاشرُ: أَسبابُ النُّزُولِ) أسباب جمع سببٍ، سَبَب فَعَل يُجمع على أَفْعَال وهو في اللغة الباعث على الشيء وهذا على القول بأن السبب قد يُرادف العلة كما سبق بيانه في أصول الفقه. ومع علة ترادف السبب ... والفرق بعضهم إليه قد ذهب لأن العلة فيها نوع أو دليل على كون الشيء باعث على ما جُعل علة له، والسبب قد يرادفه في بعض الأحوال وقيل: إنه مذهب جمهور الأصوليين. ومع علة ترادف السبب ... والفرق بعضهم إليه قد ذهب إذًا أسباب جمع سبب وهو الباعث على الشيء، وحدَّه بعضهم بحد يمكن أن يكون جامعًا مانعًا أو أشبه ما يكون بالرسم ليس على جهة الحدود بالجنس والفصل. قال: سبب النزول هو ما نزلت الآية أو الآيات متحدثةً عنه أو مبينةً لحكمه أيام وقوعه. سبب النزول إذا أردنا ضابط هو: ما نزلت الآية أو الآيات متحدثةً عنه أو مبينةً لحكمه أيام وقوعه. إذًا ثم ارتباط بين وقوع الحدث والآية التي نزلت مبينة لحكم هذا أو هذه الحال. هذا احترز به عمَّا شاع وذاع عند بعض المفسرين حينما يذكرون مثلاً سورة الفيل نزلت قصة الفيل هل هناك ارتباط بين الحادثة والآيات؟ الجواب: لا، نقول: سبب النزول أن تكون الآية نزلت مبينةً لحكم الحادثة، وهذه الحادثة سبقت بزمنٍ يسير نزول الآيات حينئذٍ لا بد من ارتباطٍ بين الآيات وبين الواقع، فإذا كانت الواقعة قد خلا عليها الدهر كقصة أصحاب الفيل ثم نزل قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ} [الفيل: 1]. لا نقول: هذه الآيات أو هذه السورة سبب نزولها ماذا؟ قصة أصحاب الفيل نقول: لا، قصة أصحاب الفيل تضمنت السورة بيانًا لحادثةٍ قد وقعت ومضى عليها الزمان الطويل حينئذٍ ليس ثم ارتباط بين السورة وبين هذه القصة، إذًا ما نزلت الآية أو الآيات متحدثةً عنه أو مبينةً لحكمه أيام وقوعه هذا فيه ردٌ على كل من وضع أمام قصةٍ من قصص الأنبياء أو سورةٍ تضمنت حادثة سابقة ربطها بماذا؟ بتلك الحادثة نقول: لا، جاءت هذه الآيات مبينة لحادثةٍ واقعةٍ في زمنٍ قد مضى، تحدثت كما تتحدث الآيات عن نوحٍ مع قومه، أو عن هودٍ مع قومه، أو عن صالحٍ، أو شعيب مع قومه هل نزلت هذه الآيات بسبب قوم نوح؟ لا، سورة نوح نقول: نزلت بسبب قوم نوح؟ الجواب: لا، وإنما تضمنت حادثة وواقعة وحكايةً لحالة أممٍ قد خلت في هذه السورة وليس ثَمَّ ارتباط من حيث النزول، يعني لم يكن سبب نزول الآيات هو تلك الحادثة.

أسباب النزول عرفنا أسباب النزول قال الجعبري رحمه الله: نزول القرآن على قسمين: قسم نزل ابتداءً، وقسم نزل عقب واقعة أو سؤال. القرآن كله إما أن ينزل ابتداءً دون سبب، وإما أن ينزل بسبب هل له قسم ثالث؟ الجواب: لا، كل القرآن من أوله إلى آخره إما أن ينزل لسبب أو لا ما لم ينزل لسبب هذا يسمى الابتدائي يعني: نزل ابتداءً لبيان قصة مثلاً أو لبيان حكم شرعي مثلاً {الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ} [البقرة: 229] نقول: هذه الآية نزلت ابتداءً لم تنزل سببًا لحادثة وقعت أو سؤال قد حصل، وإنما أول ما نزلت الآية لبيان ما تضمنته من الأحكام، وقل غير ذلك في كثير من الآيات بل هو الغالب في آي القرآن، الغالب في آي القرآن أنه ابتدائي لا سببي. قسم نزل ابتداءً وقسم نزل عقب واقعة أو سؤال، والابتدائي بعضهم ضبطه بأنه ما لا يتقدم نزولَهُ سبب يقتضيه وهو الغالب في آي القرآن والسَّبَبِيّ هو ما تقدم نزولَهُ سببٌ يقتضيه وهذا السبب إما أن يكون سؤالاً وجه للنبي - صلى الله عليه وسلم - أو تكون حادثة تحتاج إلى بيان وكشف لحكمها أو واقعة وقعت فأنزل الله جل وعلا بسبب هذه الواقعة ما يبين حكمها. سؤال كما سئل النبي عن الأهلة فنزل قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ} [البقرة: 189]. نقول: سبب نزول هذه الآية سؤال وجه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - حينئذٍ نزلت الآية. إذًا هذه الآية لها سبب نزول، نزولها سببي أم ابتدائي؟ نقول: سَبَبِيٌّ. ما نوع السبب؟ سؤال وجه إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم. النوع الثاني: نقول حادثة وقعت تحتاج إلى بيان وكشف. مثل بعضهم بقوله تعالى: {وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ} [التوبة: 65]. هذه كما هو معلوم نزلت في رجل من أهل النفاق في غزوة تبوك حيث قال: ما رأينا مثل قراءنا أرغب بطونًا وأكذب ألسنًا وأجبن عند اللقاء. فبلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - فنزل الوحي فجاء يعتذر من النبي - صلى الله عليه وسلم - فكان يتلو عليه النبي {قُلْ أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة: 65، 66] إذًا هذه الآيات نزلت في ماذا؟ في بيان واقعة وحادثة تحتاج إلى بيان وكشف من الرب جل وعلا.

الثالث: أن تكون قد وقع فعل وهذا يمكن - بعضهم لا يذكره - أن يكون وقع فعلٌ يحتاج إلى معرفة حكمه، وهذا يمكن أن يدرج في السؤال أو في الحاجة، لكن فصله بعضهم والأكثر على أن السبب إما أن يكون سؤالاً أو حادثة تحتاج إلى بيان ولذلك ذكره في الحد هنا قال: وما نزلت الآية - أو الآيات - متحدثةً عنه أو مبينة لحكمه. قال: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا} [المجادلة: 1]. هذه نزلت في خولة بنت ثعلبة لما ظاهر منها أوس بن الصامت زوجها فنزلت هذه الآيات فنقول: هذه وقعت في الأصل أنها مبينة لحكم حادثة ويمكن أن يكون هذا الحادث سؤال لكنه ليس من جهة المقام وإنما من جهة يعني: يكون سؤالاً بلسان المقام أو بلسان الحال ولذلك أدرج بعضهم هذه الآية في السؤال هي لم تسأل وإنما جاءت تشتكي للنبي - صلى الله عليه وسلم - حال زوجها وهذا يتضمن ماذا؟ يتضمن سؤالاً، فحينئذٍ السؤال قد يكون بالمقال ويمثل له {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ} [البقرة: 189] وقد يكون بالحال ويمثل له بـ: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا} [المجادلة: 1]. قال بعضهم: أن هذا العلم لا طائل تحته لجريانه مجرى التأريخ لا فائدة منه لأنه يبين لك حادثة وقعت فنزل قول الرب جل وعلا إذًا كأنه حالة أو قصة من سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - فأجريت مُجْرَى التاريخ فلا ينبني حينئذٍ عليها بعض الأحكام الشرعية من تحليل أو تحريم أو تخصيص أو تعميم ... إلى آخره. فنقول: هذا الكلام خطأ وليس بصواب يعني: قوله وهذا قيل به قديمًا وحديثًا بأن البحث في أسباب النزول هذا لا طائل تحته وإنما هو من ضياع الأوقات، أو يُجعل في ضمن ما يتحدث عنه التاريخ بأقسامه حينئذٍ يكون من قبيل التاريخ، نقول: أيضًا التاريخ خاصة إذا كانت من سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يمكن أن تخلو عن الفائدة. كيف يقال: هب أننا سلمنا أنه لا طائل تحته من جهة الأحكام الشرعية لكن كيف يقال: أسباب النزول وضعت من سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - أليست سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - محلاً للاقتداء والتأسي والبحث والنظر والاستنباط في حال الدعوة مع المشركين مع المؤمنين إلى آخره التعامل مع أهل الكتاب إلى آخره هذا لا طائل تحته؟ نقول: لا هذا الكلام في غاية السقوط ولذلك نقول: فوائد هذا العلم يمكن أن تجمل في بعض الأمور. أولاً: في الوقوف على معرفة سبب النزول معرفة وجه الحكمة الباعثة على تشريع الحكم. إذا ذكر سبب النزول عرفنا ما هي الحكمة من تشريع هذا الحكم لأن بعض الأحكام الشرعية في الآيات قد يجهل الناظر فيها أو يستبعد الناظر فيها وجه الحكمة من هذا الأمر أو هذا النهي فإذا وقف على سبب النزول حينئذٍ زال العجب ولذلك يقول العرب ماذا؟ إذا عُرِف السبب بطل العجب. أو زال العجب، هذا صحيح لأن الشيء الذي لا يعرف سببه تتعجب النفس منه وهذا مثل عربي صحيح قح حينئذٍ الشيء المجهول الذي لا يعرف سببه الإنسان يتعجب قد يسمع كلمة للعالم ولا يعرف ما سببها يتعجب كيف يقول هذا الكلام؟ فإذا وقف على السبب حينئذٍ زال أو بطل العجب.

إذًا إذا وقف على سبب النزول حينئذٍ تبين للناظر وجه الحكمة الباعثة على تشريع الحكم. الثاني يقال: تخصيص الحكم به بالسبب عند من يرى أن العبرة بخصوص السبب إذا كان اللفظ عامًا والسبب خاصًا الجماهير بل حكي إجماع على أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب العبرة، فيكون اللفظ عامًا والسبب خاصًا كآيات اللعان مثلاً نزلت في هلال بن أمية وقيل: في عويمر العجلاني. لو نظر الناظر في الآيات وقوله جل وعلا: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} ... [النور: 6] ... إلى آخر الآيات {وَالَّذِينَ} الذين هذا صيغة عموم اسم موصول وهو من صيغ العموم. صيغُهُ كلٌّ أو الجميع ... وقد تلا الذي التي الفروع حينئذٍ الموصولات بجميع أنواعها من صيغ العموم قوله {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ} هذه نزلت في هلال بن أمية من يرى أن اللفظ العام يختص بسببه يقصر هذا النص على هلال بن أمية، ثم إذا جاءت قصة نظير قصة هلال بن أمية يقيسها يقول: اللفظ لا يشملها لا يتناولها وإنما يكون من باب القياس. هو لا ينفي أن يكون اللعان في غير هلال بن أمية، لا، وإنما يقول: ثبت الحكم في هلال بن أمية نصًا وثبت في غيره قياسًا. ولذلك اللعان ثابت في حق الأمة كلها، كل من وجد منه ما وجد من هلال حينئذٍ يكون الحكم ثابت فيه لكن في هلال بن أمية هذا من جهة النص واللفظ وغيره يكون من جهة حمله على قصة هلال بجامع ما ذكر. حينئذٍ قوله: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ} عند من يرى التخصيص بسبب النزول نقول: هذه الآية تختص بها تختص بتلك الحادثة. فحينئذٍ هل هناك فائدة في الوقوف على معرفة سبب النزول؟ نقول: نعم لأن اللفظ يكون عامًا فإذا نُظر في سبب النزول عرفنا أن محله خاص فيحمل اللفظ العام على الخصوص وكيف لا نقول في هذه الفائدة، وإذا كان هذا المثال فيه نظر لكن على من يرى هذا الرأي. إذًا نقول: تخصيص الحكم به عند من يرى أن العبرة بخصوص السبب. الثالث: إذا عُرف السبب قصر التقصير - يعني: إذا كان اللفظ عامًا - على ما عدا صورته فإن دخول الصورة في السبب قطعي - سبق مرارًا معنا في أصول الفقه - فإن دخل صورة السبب قطعي ولا يجوز إخراجها بالاجتهاد وحُكي الإجماع عليه. واجزم بإدخال ذوات السببِ ... واروِ عن الإمام ظنًا تصِب هكذا قال في مراتب السور. [واجزم بإدخال ذوات السببِ] يعني: إذا كان اللفظ عامًا حينئذٍ نقول: هذا اللفظ العام هل يشمل الصورة التي نزلت الآية من أجلها أو لا؟ قطعًا يشملها ثم هل يجوز تخصيص هذا اللفظ العام بإخراج هذه الصورة؟ الجواب: لا، بالإجماع يعني: لو قال قائل: قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} نزلت في من؟ في هلال بن أمية، إذًا سبب النزول قصة هلال بن أمية داخلة في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ}. ما نوع الدخول قطعيٌ أم ظني؟ قطعي، ما الذي ينبني على هذا؟ لو وجد ما وجد من المخصصات على جهة التَّنَزّل لا يمكن أن تخرج صورة هلال بن أمية أبدًا لماذا؟ لأنك لو جوزت إخراجها لخلا اللفظ عن الفائدة لأنه نزل لبيان حادثة فإذا أخرجت هذه الحادثة من مدلول اللفظ إذًا اللفظ ماذا صار نزل لأي شيء؟ لا لشيء ما، لماذا؟

لأن سبب النزول قد أخرجته من مدلول اللفظ، ولذلك نقول: العلم بالسبب حينئذٍ يعين أن السبب أو صورة السبب داخلة في اللفظ العام ولا يجوز إخراجها. [واجزم] أقطع، [واجزم بإدخال ذوات السبب]، فإذا جاء اللفظ عامًا والسبب خاصًا لا يمكن استثناءه ولذلك ذهب الإمام مالك رحمه الله في القول المشهور عنه في أن صلاة التراويح السنة فيها أن يصليها في بيته منفردًا وإن كان يرى أن الجماعة سنة لا إشكال، الجماعة سنة، والصلاة في البيت سنة لا إشكال في هذا لا تعارض بين القولين، فمن يثبت أن السنة في صلاة التراويح أو القيام عمومًا أنه في البيت لا ينفي أو لا يلزم منه أن ينفي سنية الجماعة لأن هذا ثابت وهذا ثابت، ما دليل الإمام مالك مع أن الجمهور أو الكثير يرون أن السنة أن تقام في الجماعة وأن من صلى في بيته منفردًا قد ترك السنة ما الدليل؟ قالوا: قوله - صلى الله عليه وسلم -: «فإن أفضل صلاة الرجل في بيته إلا المكتوبة». إذًا استثنى ماذا؟ المكتوبة، والاستثناء معيار العموم، فكل ما عدا المكتوبة فالأفضل فعله في البيت أليس كذلك؟ «أفضل صلاة الرجل في بيته إلا المكتوبة». ما استثنى إلا المكتوبة حينئذٍ كل ما عدا المكتوبة حينئذٍ فالأفضل أن نصليه في بيته، استثنى بعضهم بما ثبت من خروج النبي - صلى الله عليه وسلم - في معتكفه وصلى بالناس إلى آخره جعلوا ذلك دليلاً مخصصًا فقالوا: نعم كونه صلاة الرجل إلا المكتوبة هذا عام لكنه مخصوص كما خص بالمكتوبة خص بقيام الليل في جهة رمضان على جهة الخصوص. هذا تحليل أصولي أو لا؟ هذا لفظ عام وجاء فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - مخصص وثبت معنا وسبق أن فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - يعتبر من المخصصات، هذا قول الأكثر لكن هذا عند التأمل لا يستقيم لماذا؟ لأن ثَمَّ رواية عند الإمام البخاري في كتاب ((الاعتصام)) في أن سبب الحديث «فإن أفضل صلاة الرجل في بيته إلا المكتوبة». قاله بعد أن التفت إلى الناس لما خرج إليهم المرة الثانية ثم التفت إليهم بعد أن صلى بهم فقال: ... «أيها الناس». بهذا النص في صحيح البخاري في كتابه ((الاعتصام)) ... «أيها الناس صلوا في بيوتكم فإن أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة». حينئذٍ شمل التراويح أو لا؟ شمل التراويح، هل يمكن إخراجها؟ لا يمكن إخراجها، فلذلك ذهب الإمام مالك - أنا لا أضرب المسألة لا من باب الترجيح إنما مثال - لذلك ذهب الإمام مالك رحمه الله إلى أنه يُصلي في بيته - والمسألة فيها خلاف - وجعل الشوكاني تبعًا للخطابي في معالم السنن أن الخلاف فيمن يحفظ القرآن ويقدر على الصلاة في بيته. لكن اللفظ عام حينئذٍ اتفقوا على أن من لم يحفظ فالأفضل أن يصلي جماعة مع المسلمين لأنه لو جلس في بيته لعجز أو كان يختم يحفظ القرآن لكنه يعجز عنده كسل فهذا الأفضل في حقه أن يصلي مع جماعة المسلمين لكن هذا من تبين الفاضل والمفضول، أما الحكم الشرعي فلا مدخل له في مثل هذه الأمور يعني: يقال الأفضل مطلقًا في صلاة التراويح في بيته منفردًا. هكذا قال الإمام مالك ولو حصل ما يعتري الفاضل بأن صيره مفضولاً حينئذٍ يختص الحكم بزيد فقط ولا يجعل حكمًا شرعيًا.

مثلاً بعض الناس قد السنة في الرواتب أن يصليها في بيته إلا الظهر فالأكثر كان - صلى الله عليه وسلم - يصليها في المسجد فصلاة مثلاً سنة الفجر نقول: الأفضل يصليها في بيته هذا أفضل هذا حكم عام مطلق لكن لو وجد الإنسان من نفسه خشوعًا لو صلى في المسجد وخضوع وابتهال إلى الله عز وجل نقول: وجد سبب أو مقتضى الصلاة وهو لب الصلاة فحينئذٍ في حق زيد صارت صلاة الراتبة راتبة الفجر في حقه فقط أفضل من كونه يصليها في البيت ولا نجعله حكمًا عامًا، وإنما ما صار في حق شخص معين صار الفاضل مفضولاً والمفضول فاضلاً، وإلا في حقه الأصل أنه الفاضل أن يصلي الراتبة في بيته والمفضول أن يصليها في المسجد، قد تنعكس المسألة في حق زيد أما إذا الحكم عام؟ فنقول: لا، ولذلك المسألة يعتبر فيها الخلاف عام مطلقًا كل من له أن يصلي صلاة التراويح فالحكم عام سواء قدر أو لا ثم إذا اعتراه كسل أو اعتراه نقص في الحفظ حينئذٍ يصير الفاضل في حقه على جهة العموم مفضولاً. إذًا المسألة فيها خلاف وبعض الناس يقول: إذا ما صليت في الحرم ما صليت أبدًا. نقول: تركت السنة وحَرَّجْتَ على غيرك. إذًا إذا عرف السبب قصر التخصيص إذا وجد اللفظ العام على ماذا؟ على ما عدا صورته، ما عدا صورة السبب التي نزلت الآية من أجلها حينئذٍ كله يجوز أن يخرج بدليل لكن الصورة نفسها لا يجوز إخراجها لأن دخولها قطعيٌ. [واجزم بإدخال ذوات السببِ] وحكي الإجماع على ذلك. الرابع: الوقوف على المعنى وإزالة الإشكال فهو خير سبيل لفهم المراد من الآية ولذلك قوله جل وعلا: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [البقرة: 158]. يعني: أن يسعى بينهما سمي السعي طوافًا حينئذٍ قوله: {فَلاَ جُنَاحَ}. هذه من صيغ الإباحة حينئذٍ تدل هذه الآية على أن السعي مباح لكن هل هذا صحيح؟ نقول: السعي هذا في العمرة والحج ركن من أركان الحج لا يجوز أو لا تمم عمرة شخص إلا بالسعي بين الصفا والمروة في العمرة والحج، قوله جل وعلا: {فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ}. ماذا نقول؟ السبب يُعِينُ على فهم المراد في الآية، ولذلك جاء في الصحيحين عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: كان الأنصار قبل أن يسلموا يهلون لمناة الطاغية وكان من أهل لها يَتَحَرَّجُ يَتَفَعَّلُ يَتَأَثَّمُ خروجًا من الحرج والإثم يَتَفَعَّلُ أن يطوف بالصفا والمروة فسألوا عن ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأنزل الله: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ} إلى قوله: {فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ}. إذًا حينئذٍ النظر في سبب النزول عرفنا أن قوله: {فَلاَ جُنَاحَ}. ليس مبينًا لحكم السعي في العمرة والحج، وإنما هو لرفع الحرج في النفوس فقط فمتعلق نَفْيَ الجناح ليس هو حكم السعي بين الصفا والمروة من أين عرفنا هذا؟ من سبب النزول، لأنهم كانوا يتحرجون لماذا؟ لأنهم كانوا يهلون لمناة الطاغية عند الصفا حينئذٍ ظنوا أنها من شعائر الجاهلية فلما جاء الإسلام أمسكوا فنزل قوله: {فَلاَ جُنَاحَ}. حينئذٍ رفع الجناح هنا في مقابلة ماذا؟ التأثم والتحرج فليس بيانًا للحكم.

الوقوف على المعنى وإزالة الإشكال. فهو خير سبيل لفهم المراد من الآية قال الواحدي رحمه الله في كتابه: لا يمكن معرفة تفسير الآية دون الوقوف على قصتها وبيان ونزولها. لا يمكن معرفة تفسير الآية التي نزلت لسبب وليس المراد بها التي نزلت ابتداءً وإنما القسم الذي نحن فيه لا يمكن معرفة تفسير الآية دون الوقوف على قصتها وبيان ونزولها. وقال ابن دقيق العيد رحمه الله: بيان سبب النزول طريق قوي في فهم معاني القرآن. ثم يقال: لا طائلة تحته. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: معرفة سبب النزول يعين على فهم الآية - في المقدمة - معرفة سبب النزول يعين على فهم الآية فإن العلم بالسببِ يورث العلم بالمسبب. فإن العلم بالسبب سبب النزول القصة أو السؤال يورث العلم بالمسبب وهو الآية على وجه الكمال. الخامس من فوائد العلم بأسباب النزول: معرفة اسم النازل فيه الآية وتعين المبهم فيها. إن كان هناك مبهم كما سيأتي في آخر الخاتمة مثلاً قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} [النور: 6]. نزلت في من؟ تعرف في سبب النزول أنها في هلال بن أمية حينئذٍ عرفنا سبب النازل فيه قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ} ... إلى آخره هذا أكثر ما يذكر في بيان فوائد هذا العلم. مستقاة ومرجعه قال الواحدي: لا يحل القول في أسباب نزول الكتاب إلا بالرواية والسماع ممن شاهدوا التنزيل ووقفوا على الأسباب وبحثوا عن عليها. بمعنى: أن أسباب النزول علم نقليٍّ بحت ليس للرأي فيه مجال وليس من باب الاجتهاد لماذا؟ لأنه وقائع وأسئلة وجهت للنبي - صلى الله عليه وسلم - حينئذٍ نقول: هذه الآية نزلت بسبب ما هو هذا السبب؟ هل نجتهد لا يمكن أن يسمى اجتهاد في بيان سبب النزول وإنما يرد كثير عن السلف يقال: نزلت هذه الآية في كذا. بيان أن هذه الآية تتضمن حكم هذه القصة أن هذه الآية تتضمن بيان حكم هذه القصة وليس المراد أنه تم ارتباط بين هذه القصة والنزول. قال المصنف رحمه الله تعالى: وصَنَّفَ الأَئِمَةُ الأَسْفَارا ... فِيهِ فَيَمِّمْ نَحْوَها اسْتِفْسَارَا ما فِيهِ يُرْوَى عَنْ صَحابِيٍّ رُفِعْ ... وإِنْ بِغَيْرِ سَنَدٍ فَمُنْقَطِعْ أَو تَابِعِيْ فَمُرْسَلٌ وصَحَّتِ ... أَشْيَا كَما لإِفْكِهِمْ مِنْ قِصَّةِ والسَّعْيِ والحِجَابِ مِنْ آياتِ ... خَلْفَ المَقَامِ الأَمْرُ بالصَّلاةِ (وصَنَّفَ الأَئِمَةُ الأَسْفَارا) هذا من فعَّل مأخوذ من التصنيف. والتصنيف لغةً: جعل الشيء أصنافًا متميزةً أي: بعضها عن بعض يعني: متميزة. يعني: بعضها عن بعض، يميز هذا عن ذلك فمؤلف الكتاب مثلاً إذا صنف ما وجه التصنيف؟ نقول: وقع فيه الإفراد والتمييز فإنه يفرد الذي هو فيه عن غيره ويفرد كل صنف مما هو فيه عن الآخر فيفرد المعاملات عن العبادات ويأتي بالعبادات يفرد الطهارة يميزها عن الصلاة والصلاة عن الزكاة والزكاة عن الصيام والصيام عن الحج هذا تصنيف. واصطلاحًا: وضع ألفاظ مخصوصة دالة على معاني مخصوصة. وأما التأليف الذي هو رديف له فينظر فيه بمعنى آخر وهو وجود الألفة والمناسبة لأنه في اللغة وضع شيء على شيء على وجه بينهما ألفت ومناسبة لذلك هو أخص من الترتيب مطلقًا.

واصطلاحًا: وضع ألفاظ مخصوصة على ألفاظ مخصوصة. إذًا (وصَنَّفَ الأَئِمَةُ الأَسْفَارا) صنف بمعنى: أنهم ميزوا أسباب النزول عن غيرها بمصنفات (الأَسْفَارا) جمع سِفْر بكسر فسكون وهو: الكتاب الكبير. قال في القاموس: أو جزء من أجزاء التوراة. يعني: يطلق على هذا وهذا سِفْر ولذلك يجمع على أسفار، حمل على أفعال أحمال. (وصَنَّفَ الأَئِمَةُ الأَسْفَارا) الأئمة جمع إمام فعال بمعنى مفعول وهو في اللغة: الْمُتَّبع. الإمام هو الْمُتَّبع. واصطلاحًا: من يصح الاقتداء به بأن بلغ رتبة الاجتهاد. إذًا ليس كل شخص يصح أن يطلق عليه أنه إمام كما هو الشأن الآن، بل لا بد أن يكون ممن يصح الاقتداء به وليس كل شخص يصح الاقتداء به بأن بلغ رتبة الاجتهاد فحينئذٍ من الخلل أن يطلق على بعض أهل البدع قال في القاموس: الإمام ما ائْتُمَّ به من رئيس وغيره. لكن هذا في اللغة لا باعتبار الشرع، أما في الشرع فالإمام من يُتْبَع يعني: من يُقْتَدى به أو يصح الاقتداء به، أما من ائْتُمَّ به من رئيس أو غيره نقول: هذا في اللغة عمومًا فكل من ائْتُمَّ ولو كان إمامًا في الشر صار إمامًا له، إبليس إمام لأتباعه وفرعون إمام لأتباعه .. وهلم جره. جمعه: إمام. بلفظ واحد هكذا قال في القاموس: إمام مفرد وجمع متحد. ولكن المصنف قال: (وصَنَّفَ الأَئِمَةُ). ويقال: أيمة، وأئمة. وحكم عليه في القاموس بأنها شاذة ولكن كيف يقال هذا مع قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا} [السجدة: 24]. وهي قراءة سبعية. (وصَنَّفَ الأَئِمَةُ الأَسْفَارا) جمع سِفْر وهو الكتاب الكبير، (وصَنَّفَ الأَئِمَةُ الأَسْفَارا) إذًا جمعٌ من الأئمة اعتنوا بهذا العلم وهو: أسباب النزول. فصنفوا فيه المصنفات العديدة وهذا يدل على ماذا؟ إذا صنف الأئمة الكبار مصنفات في علم ما دل على ماذا؟ دل على اعتنائهم بهذا الفن بهذا العلم حينئذٍ لا يقال: لا طائلة تحته. ولذلك صنف علي بن المديني شيخ البخاري رحمه الله تعالى كتاب لأسباب النزول ومن أشهر ما كتب كتاب الواحدي ((أسباب النزول))، وألف الحافظ ابن حجر رحمه الله كتابًا ما جعله مسودة كما قال السيوطي رحمه الله تعالى وقد اطلع على جزء منه وخاتمة هذه المصنفات كتاب السيوطي رحمه الله ((لباب النقول في أسباب النزول)) وهو مطبوع. (وصَنَّفَ الأَئِمَةُ الأَسْفَارا) هذه الألف للإطلاق الروي. (فِيهِ) الضمير يعود على أسباب النزول. (وصَنَّفَ الأَئِمَةُ الأَسْفَارا فِيهِ) الضمير يعود على ماذا؟ يعود على قوله: أسباب النزول. إذًا المصنف حينئذٍ لما يأتي بمثل هذه الضمائر ومرجعها قد عنون له في التراجم حينئذٍ تكون الترجمة داخلة في مضمون الأبيات وهي معتبرة تكون الترجمة داخلة في مضمون الأبيات لأنها لو كانت منفصلة لما صح للضمير مرجع ولكنه أراد أسباب النزول وهو قد عنون لهذا الباب. (فِيهِ) في سبب النزول جار ومجرور متعلق بقوله: (صَنَّفَ). صنف فيه (الأَئِمَةُ الأَسْفَارا). (فَيَمِّمْ نَحْوَها اسْتِفْسَارَا) الألف للإطلاق. وقِفْ على المنصوبِ منهُ بالألفْ ... كمِثلِ ما تَكتُبُهُ لا يَختَلفْ

تَقولُ عَمرٌو قد أضَافَ زيدًا ... وخَالدٌ صَادَ الغَدَاةَ صَيدًا ما نوع هذه الألف؟ بدل عن التنوين. وقِفْ على المنصوبِ منهُ بالألفْ ... كمِثلِ ما تَكتُبُهُ لا يَختَلفْ [تَقولُ عَمرٌو قد أضَافَ زيدا] زيدا مفعول به منصوب وقفت عليه بماذا؟ بالألف أليس كذلك؟ لما تقول: ضربت زيدا. بالألف حينئذٍ نقول: الألف هذه ليست للإطلاق وإنما هي بدل عن التنوين وهذا عن لغة مشهورة لغة العرب، وربيعة تقف عليه بالساكن كالمجرور والمرفوع لأنهم اتفقوا مع اللغة المشهورة بالوقف عليه بالسكون جاء زيدْ زيد هذا فاعل مرفوع بضمة مقدرة على آخره حينئذٍ وقفت عليه بماذا؟ جاء زيدْ بالسكون وقفت عليه بالسكون جاء زيدْ جاء فعل ماضي وزيدْ فاعل مرفوع وعلامة رفعه الضمة أين الضمة؟ مقدرة لأنك ما نطقت بها دائمًا الإعراب يتبع الملفوظات لا المرسومات انتبهوا إلى هذا. حينئذٍ تقول: زيدْ. وقفت عليه بالسكون حينئذٍ صار الإعراب تقديرًا تقول: مرفوع علامة رفعه الضمة مقدر على آخره منع من ظهوره اشتغال المحل بسكون الوقف، مررت بزيدْ يقال فيه مقيلة الأول اتفق العرب كلهم في الوقف هنا على آخر الدال من الرفع والجر بالسكون بقي حالة النصب رأيت زيدْ هكذا ربيعة كالمرفوع والمجرور، رأيت زيدْ، زيد مفعول به منصوب علامة نصبه الفتحة المقدرة على آخره منع من ظهوره اشتغال المحل بسكون الوقف، جمهور العرب لا، يبدلون التنوين ألفًا فيقولون: ضربت زيدا. الألف هذه بدلٌ عن التنوين ولذلك يقال مثلاً: نون ساكنة زائدة تتبع الآخرة لفظًا لا خطًا هذا فيه استدراك لأنك تكتب الألف هذه - خرجنا نحن لكن نرجع - وضربت زيدا كتبت الألف فكيف يقال في التعريف: التنوين تلحق الآخر لفظًا لا خطًا صحيح أو لا هذا استدراك أو لا؟ نعم استدراك، لكن أزيل بأنها تتبع الآخر لفظًا لا خطًا باعتبار كتابته على الأصل وهنا ضربت زيدا أنت لم تكتب النون هذه بدل عن التنوين والذي كتب التنوين أو البدل؟ البدل ونحن نتكلم عن الأصل أو البدل؟ عن الأصل، إذًا لا قراءة. إذًا (اسْتِفْسَارَا) نقول: هذه الألف بدل عن التنوين. (فَيَمِّمْ نَحْوَها اسْتِفْسَارَا) كأن سائلاً يقول: إذا عرفت أن الأئمة صنفوا الأسفار الكبار في أسباب النزول فماذا أفعل؟ قال له: يمم. يعني: أقصد. هذا فعل أمر {آمِّينَ} بمعنى قاصدين ولذلك إذا قال لما نصلي: آمِّين. في التأمين بطل الصلاة آمِين اللهم استجب لو شدد الميم صار معنى قصد {وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ} [المائدة: 6] يعني: قاصدين البيت الحرام. فحينئذٍ ... (فَيَمِّمْ) يعني: أقصد. (نَحْوَها) أي: جهتها. جهة هذه الأسفار الكتاب اسأل عنها لأن كتب لها أئمة (نَحْوَها) النحو هنا بمعنى الجهة. قصد ومثل جهة مقدار ... قسم وبعض قاله الأخيار

(فَيَمِّمْ نَحْوَها) أي: نحو هذه الأسفار جهتها. (اسْتِفْسَارَا) أي: حال كونك مستفسرًا فأعربه حال أو مفعولاً لأجله أي: قصدًا استفساري والْفَسْر بفتح فسكون البيان وبابه ضرب فَسَرَ يَفْسِرُ فَسْرًا لأن المصدر الْفَسْر بفاء وسكون هذا مقابل للسفر هناك أسفار جمع سفرٍ، واستفسار هذا مأخوذ من استفعال من الفسر إذا اجتمعت الحروف كلها لكن قدم وأخر، (اسْتِفْسَارَا) أي: قصد استفساري والفسر هو البيان وبابه ضرب، استفسره كذا سأله أن يبينه له أن يفسره له قل ما شئت. ما فِيهِ يُرْوَى عَنْ صَحابِيٍّ رُفِعْ ... وإِنْ بِغَيْرِ سَنَدٍ فَمُنْقَطِعْ أَو تَابِعِيْ فَمُرْسَلٌ ............ ... ..................... قسم لك هنا تبعًا لصاحب الأصل ((النقاية)) سبب النزول إما أن يكون عن صحابي، وإما أن يكون عن تابعي، لأنه كما ذكرناه سابقًا - قول الواحدي: لا يحل القول في أسباب النزول - نزول الكتاب - إلا بالرواية والسماع ممن شاهدوا التنزيل ووقفوا على الأسباب وبحثوا عن علمها وهم الصحابة أو من أخذ عن الصحابة وهم التابعون. حينئذٍ سبب النزول إما أن يكون منقولاً عن صحابي وإما أن يكون مأخوذًا عن تابعي. (ما فِيهِ يُرْوَى عَنْ صَحابِيٍّ)، (ما) هذا اسم موصول بمعنى الذي يصدق على ماذا؟ يصدق على سبب النزول يعني كأنه قال: وسبب النزول الذي يُروى عن صحابيٍّ بقيد؟ بسند متصل لا بد أن يزاد فيه قيد بسند متصل رُفع يعني: حكمه الرفع. يعني له حكم الرفع لأن المرفوع إما أن يكون حقيقةً بأن يصرح الصحابي يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وإما أنه لا يصرح بذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - ويأتي بخبر لا يحتمل الرأي مثلاً فحينئذٍ نقول: هذا ليس من مجال الرأي ليس له حظ في الفكر والنظر حينئذٍ نعطيه حكم الرفع لأن الصحابة لا يذكرون خاصة في الغيبيات ونحو ذلك أسباب النزول لا يذكرون أشياء من تلقاء أنفسهم بل لا بد أن يقفوا عليها من حال النبي - صلى الله عليه وسلم - فحينئذٍ إذا أسقطوا ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - حكمنا عليه بكونه مرفوعًا لكن بشرط أن يتصل السند مثلاً من البخاري إلى ابن عباس رضي الله تعالى عنه مثلاً وأن يكون صحيحًا. (ما) يعني: وسبب النزول، الذي (يُرْوَى عَنْ صَحابِيٍّ رُفِعْ) يعني: حكمه حكم الرفع ولم يذكر الصحابي النبي - صلى الله عليه وسلم - وحكمنا عليه بأنه له حكم الرفع لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا بد وأن يكون طرفًا في التنزيل لأن العلاقة هنا بين الآية وسبب النزول إذًا له ارتباط بالمنزل عليه أو لا؟ له ارتباط، إذًا لا بد وأن يذكر إما لفظًا وإما تقديرًا لا بد وأن يُذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - لأنه طرف في التنزيل. (رُفِع) أي: حكمه الرفع فهو مقبول حينئذٍ بشرط ماذا؟ صحة السند فله حكم الرفع يعني: حكم الحديث المرفوع لا الموقوف. وما أُضيفَ للنبي المرْفوعُ ... وما لتَابِعٍ هُوَ المقْطوعُ

ولا يكون موقوفًا لماذا؟ لماذا أعطيناه حكم الرفع؟ قالوا: لأنه لا مجال ولا مدخل للرأي والاجتهاد في أسباب النزول فلا بد حينئذٍ من النقل، ويبُعد كل البعد أن يكون الصحابي قد قال ذلك من تلقاء نفسه، فكل ما ثبت عن صحابي بسند متصل صحيح ولا مجال له يعني للرأي فيه حينئذٍ نقول: حكمه حكم الرفع كأنه حديث مرفوع. وَما أَتَى وَمِثْلُهُ بِالرَّأْيِ لا ... يُقَالُ إِذْ عَنْ سَالِفٍ مَا حُمِلا هذا حكمه حكم الرفع ويعطى بالصواب أي يعطى حكم الرفع بالصواب وَلْيُعَطَ حُكْمَ الرَّفْعِ فِي الصَّوابِ ... نَحْوُ: مِنَ السُّنَّةِ مِنْ صَحَابِي كَذَا: أُمِرْنَا .................... ... ................................ إلى أن قال: وَما أَتَى وَمِثْلُهُ بِالرَّأْيِ لا ... يُقَالُ إِذْ عَنْ سَالِفٍ مَا حُمِلا يعني: ما حمل عن بني إسرائيل، وهكذا تفسير ما قد صحب في سبب النزول وهكذا يعني مثله في حكم الرفع تفسير ما قد صحب بسبب النزول فإذا ثبت أن الصحابي قد نص على كون هذه القصة سببًا لنزول الآية فحينئذٍ نعطيه حكم الحديث المرفوع. ما فِيهِ يُرْوَى عَنْ صَحابِيٍّ رُفِعْ ... وإِنْ بِغَيْرِ سَنَدٍ فَمُنْقَطِعْ لذلك اشترطنا في الأول ماذا؟ صحة السند الاتصال بسند متصل قوله: ... (وإِنْ بِغَيْرِ سَنَدٍ). يعني: والسبب الذي روي عن صحابي بغير سند متصلٍ فحكمه أنه منقطع (فَمُنْقَطِعْ) يعني: فهو منقطع. الفاء واقعة في جواب الشرط، وفعل الشرط محذوف معلوم من السابق. وإن رُوي يعني السبب الذي روي عن الصحابي بغير سند يعني: من غير سند والسند هو حكاية الرجال. والسندُ اْلإِخْبارُ عنْ طَرِيقِ ... مَتْنٍ كَاْلاِسْنادِ لَدَى فَرِيقِ بغير سند متصل فما حكمه فهو منقطع مَنقطع هذا خبر مبتدأ محذوف والفاء واقعة في جواب الشرط فهو منقطع أي: فهذا المروي عن الصحابي حكمه أنه منقطع ولا يعطى حكم الرفع حينئذٍ يكون صحيحًا أو ضعيفًا؟ يكون ضعيفًا. (أَو تَابِعِيْ) هذا النوع الثاني (أَو تَابِعِيْ فَمُرْسَلٌ) أو هذا عطف على الصحابي بسكون الياء (أَو تَابِعِيْ) عن صحابي أو تابعيٍّ لكن سكن لأجل الوزن بسكون الياء لأجل الوزن هذا معطوف على الصحابي أي: والسبب الذي روي بسند متصل عن تابعيٍّ فمرسل كمجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير لو ذكروا قصة فقالوا: فأنزل الله. هل أدركوا؟ أو قال: نزلت هذه الآية في قصة كذا. والقائل هو سعيد بن جبير ما حكمه؟ مرسل لماذا؟ لأنه أسقط الصحابي، لو علمنا أنه أسقط الصحابي قطعًا لما كان ضعيفًا لكنه أسقط راوٍ لم يُسنده إلى الصحابة فاحتمل حينئذٍ أن يكون أخذه عن صحابي أو عن غيره فلما وقع الاحتمال توقف فيه، وإلا لو قطع بأن الساقط هو الصحابي حينئذٍ لا إشكال لأن الساقط صار مبهمًا، والمبهم إذا كان عادلاً حينئذٍ لا يُطعن في السند من جهته وهم عدول كلهم لا يشتبه، النووي أجمع من يعتد به.

(أَو تَابِعِيْ) يعني: (فَمُرْسَلٌ) أو روي السبب الذي روي عن تابعي فمرسل يعني: فحكمه أنه مرسل لأنه سقط فيه راوٍ. يحتمل أنه الصحابي فإن كان بلا سند حينئذٍ يصير مردودًا لأنه منقطع، وشرط قبوله صحة السند، زاد بعضهم لأنه مرسل والمرسل هذا فيه خلاف عند أهل العلم هل هو مقبول مطلقًا أو فيه تفصيل هذا إذا كان عن الصحابي ومثله التابعي الْمُرْسَلُ الْمَرْفُوعُ بِالتَّابِعِ أَوْ ... ذِي كِبَرٍ أَوْ سَقْطُ رَاوٍ قَدْ حَكَوْا أَشْهَرُهَا الأَوَّلُ ثُمَّ الْحُجَّةُ ... بِهِ رَأَى الأَئِمَّةُ الثَّلاثَةُ يعني: المرسل المرفوع التابعي مطلقًا لو كان كبيرًا أو صغيرًا أشهرها الأول ثم الحجة به رأى الأئمة الثلاثة. وَرَدُّهُ الأَقْوَى وَقَوْلُ الأَكْثَرُ ... كَالشَّافِعِيْ وَأَهْلِ عِلْمِ الْخَبَرِ ورده الأقوى. إذًا فيه خلاف وبعضهم يقيده بشروط كالشافعي رحمه الله تعالى، فمنها ما ذكره السيوطي أنه يقيد يقبل مرسل التابعي في سبب النزول إذا كان بسند صحيح إذا اعتضد بمرسل آخر، أو كان من أئمة المفسرين الذين غلب نقلهم عن الصحابة، أو اعتضد بمتصل آخر ولو ضعيفًا، قالوا في هذه الأحوال الثلاثة المرسل حينئذٍ يكون صحيحًا ويكون مقبولاً أو يقبل ولو لم يصحح. (أَو تَابِعِيْ فَمُرْسَلٌ) يعني: فحكمه أنه مرسل لأنه الذي سقط فيه من يحتمل أنه صحابي. قال الحاكم رحمه الله تعالى في علوم الحديث: إذا أخبر الصحابي الذي شهد الوحي والتنزيل عن آية من القرآن أنها نزلت في كذا فإنه حديث مسند. كأنه مرفوع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بل له حكم الرفع ومشى على هذا ابن الصلاح وغيره ومثله بما أخرجه مسلم عن جابر رضي الله تعالى عنه قال: كانت اليهود تقول: من أتى امرأة من دبرها لا في قبلها جاء الولد أحول. فأنزل الله {نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ} [البقرة: 223]. هنا حكاية النزول ممن؟ من جابر، جابر يقول: كانت اليهود تقول كذا وكذا فأنزل الله {نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ}. نقول: هذا له حكم الرفع. قال شيخ الإسلام رحمه الله: قولهم: نزلت هذه الآية في كذا يراد به تارةً سبب النزول ويراد به تارةً أن ذلك داخل في الآية. بمعنى: أنه ليس كل ما حكي أنه سبب نزول آية يكون نصًا صريحًا بل الصيغ التي يُؤدى بها سبب النزول نوعان: صيغة صريحة، وصيغة محتملة.

يعني: تفيد السببية على جهة الاحتمال، إذًا صيغة أو صيغ سبب النزول إما تكون نصًا صريحًا في السببية وإما أن تكون محتملة، النص نحو ماذا؟ نحو قول الراوي كالصحابي مثلاً: سبب نزول هذه الآية كذا. حينئذٍ تعلم أن هذا نص أو إذا أتى بفاء التعقيبية يعني: تدل على أن ما بعد الفاء نزل عقب ما قبلها. إذا أتى بالفاء حصل كيت وكيت فأنزل الله أتى بالفاء نقول: هذا نص في السببية. إذًا هاتان صيغتان صريحتان وتكون محتملة للسببية ولما تضمنته الآية من الأحكام التي نص عليها شيخ الإسلام ابن تيمية السابق نزلت هذه الآية في كذا، هذا لا يؤخذ منه أن هذه الآية سبب نزولها هي هذه القصة وهذا السؤال وإنما هذه الآية تتضمن هذه القصة، كما إذا قيل نزلت آيات اللعان في عويمر العجلاني نقول: الأصل أنها نزلت في هلال بن أمية لكنها تشمل ماذا؟ تشمل عويمر العجلاني فحينئذٍ نقول: نزلت هذه الآية في عويمر. هل معنى ذلك أن قصة عويمر هي سبب النزول؟ الجواب: لا، وإنما هذه القصة تضمنتها تلك الآية وتكون محتملة إذا قال الراوي نزلت هذه الآية في كذا أو قال: أحسب هذه الآية نزلت في كذا. أحسب أظن هذا واضح صريح إذًا عندنا صيغتان صريحتان وصيغتان محتملتان، ولذلك قال شيخ الإسلام هنا: قولهم - يعني بعض الصحابة والتابعين - نزلت هذه الآية في كذا يُراد به تارةً سبب النزول، ويراد به تارة أخرى أن ذلك داخل في الآية وإن لم يكن السبب، كما تقول: عنى بهذه الآية كذا. حينئذٍ نقول: هذا لا يكون سببًا أو حكاية لسبب النزول. ما فِيهِ يُرْوَى عَنْ صَحابِيٍّ رُفِعْ ... وإِنْ بِغَيْرِ سَنَدٍ فَمُنْقَطِعْ أَو تَابِعِيْ فَمُرْسَلٌ). إذًا قول الصحابي: حصل كيت وكيت .... فأنزل الله أو فنزل قوله تعالى. نقول: هذا حكاية صريحة أن هذه القصة سبب للنزول لكن ذكروا مسألة وهي ما يجري مجرى التفسير قول الصحابي: نزلت هذه الآية في كذا نزلت هذه الآية في كذا. هل هذا نص في السببية؟ ليس نصًا في السببية وإنما محتمل، تارةً يراد به سبب النزول وتارةً يراد به أن هذه القصة تضمنتها أحكام تلك الآية حينئذٍ ورد أو وردت مسألة على هذا التعبير من الصحابي، قول الصحابي: نزلت هذه الآية في كذا. هل يجري مجرى المسند كما لو ذكر السبب الذي أنزلت لأجله أو يجري مجرى التفسير منه الذي ليس بمسند؟ إذا قال الصحابي: نزلت هذه الآية في كذا. قلنا: يحتمل السببية ويحتمل ماذا؟ أن هذه الآية تضمنت حكم هذه القصة هل هذا من قبيل التفسير أو لا؟ من قبيل التفسير هل يحكم بكونه تفسيرًا مرفوعًا أو لا؟ متصل مسند ... للنبي - صلى الله عليه وسلم - أو لا؟ فيه خلاف، فالبخاري رحمه الله يدخله في المسند وغيره لا يدخله فيه. ولكن الأشهر أنه يعتبر أو يجري مجرى التفسير فقط، ويكون من قول الصحابي ولا يكون حكمه حكم المسند، لماذا؟

لأنه يحتمل أنه من قبيل الرأي والاجتهاد ومعلوم أن القاعدة أن قول الصحابي إذا احتمل الرأي والاجتهاد لا يُعطى حكم الرفع وهذا مثله، ولذلك بخلاف ما إن ذكر سببًا نزلت عقبه فإنه كله ... # 56.25 إلى آخره ولهذا قال الزركشي: قد عرف من عادة الصحابة والتابعين أن أحدهم إذا قال: نزلت هذه الآية في كذا. فإنه يريد بذلك أنها تتضمن هذا الحكم لا أن هذا كان السبب في نزولها فهو من جنس الاستدلال على الحكم بالآية لا من جنس النقل بما وقع. كل هذا تقرير لمسألة عامة وهي: إذا قال الصحابي: نزلت هذه الآية في كذا. هل لها حكم الرفع بأنها تُحمل على حكاية سبب النزول فيعطى حكم الرفع كما ذكر هنا أو تجري مجرى التفسير؟ نقول: إذا كان مما لا قبيل له بالرأي يُعطى حكم الرفع لأنه سبب نزول، وإلا فيُعطى حكم الوقف يعني: التفسير على الصحابي. (وصَحَّتِ أَشْيَا كَما لإِفْكِهِمْ مِنْ قِصَّةِ) يذكر بعض الأمثلة على آيات وردت على أسباب نزول نمرها سريعًا، (وصَحَّتِ) ما هذه التاء؟ تأنيث ... (وصَحَّتِ) تاء تأنيث مكسورة كيف تعربونها (وصَحَّتِ) التاء تاء تأنيث حرف مبني على السكون المقدر منع من ظهوره اشتغال المحل بحركة الروم، تاء التأنيث حرف مبني على السكون أين هو؟ مقدر منع من ظهور اشتغال المحل بحركة الروم بكسر التاء بالروم. (فَمُرْسَلٌ وصَحَّتِ أَشْيَا) أشياءُ أشياءٌ أين الهمزة؟ حذفت للوزن إذًا قصر اللفظ من أجل الوزن. وذلك (كَما) ثبت (لإِفْكِهِمْ مِنْ قِصَّةِ)، ... (وصَحَّتِ أَشْيَا) أشيا هذا فاعل مرفوع ورفعه ضمة ظاهرة على الهمزة المحذوفة للوزن هكذا تقول: أشيا فاعل مرفوع ورفعه ضمة ظاهرة على الهمزة المحذوفة من أجل الوزن. هذا هو الإعراب، (كَما لإِفْكِهِمْ) يعني: كما ثبت لإفكهم إفك هذا مصدر مصدَر ماذا؟ أَفَكَ كَضَرَبَ وَعَلِمَ والمصدر حينئذٍ يكون إِفْك وهو الكذب (لإِفْكِهِمْ) يعني: كذبهم. أي: المنافقين. الضمير يعود على المنافقين (مِنْ قِصَّةِ) من هذه بيانية لما ما الذي أَفِكُوه؟ نقول: ماذا؟ (مِنْ قِصَّةِ)، قصة من؟ عائشة رضي الله تعالى عنها والسبب النزول هذا مشهور كما في الصحيحين وغيرهما إذًا {إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ} [النور: 11] ... إلى آخر عشر آيات نقول: هذا قرآن ابتدائي أو سببي؟ سببيٌّ. والقصة معروفة مشهورة (كَما) يعني: ما ثبت لإفك المنافقين (مِنْ قِصَّةِ). (والسَّعْيِ) بالجر عطفًا على؟ على إفكهم (والسَّعْيِ) هذا بالجر عطفًا على؟ على إفكهم أي: وكما ثبت بالسعي من القصة والسبب والسَّبب ذكرناه قبل قليل حديث الصحيحين عائشة رضي الله تعالى عنها: كان الأنصار قبل أن يُسلموا يهلون لمناة الطاغية وكان من أَهَلَّ لها يترجح أن يَطَّوفَ أو يَطُوفَ بالصفا والمروة فسألوا عن ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأنزل الله تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ} [البقرة: 158].

(والحِجَابِ مِنْ آياتِ) من آياتِ هذا جار ومجرور متعلق بمحذوف بيان للحجاب وإن شئت تقول: حال. والأصل من آيات الحجاب حصل تقديم وتأخير (والحِجَابِ مِنْ آياتِ) أصل التركيب وآيات الحجاب أليس كذلك؟ وآيات الحجاب فقدم وأخر وفصل من أجل يعني: الوزن ونحوه ويصح بإظهار (مِنْ) كما تقول: خاتمُ حديدٍ وخاتمٌ من حديدٍ. يجوز هذا وذاك، (مِنْ آياتِ) أي: كما ثبت لآيات الحجاب من سبب، (خَلْفَ المَقَامِ الأَمْرُ بالصَّلاةِ) (خَلْفَ) هذا متعلق بالصلاة وهو مضاف والمقام مضاف إليه ... (الأَمْرُ) هذا معطوف على (لإِفْكِهِمْ) أي: كما ثبت للأمر بالصلاة خلف المقام من قصة وسبب (والحِجَابِ مِنْ آياتِ) المراد بها قوله تعالى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ} [الأحزاب: 53] و (خَلْفَ المَقَامِ الأَمْرُ بالصَّلاةِ) هذان موضعان من موافقات عمر رضي الله تعالى عنه ولذلك دليلها واحد. في البخاري عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: قال عمر رضي الله تعالى عنه: وافقت ربي في ثلاثٍ - هي أكثر من ثلاث والعدد لا مفهوم له هنا - وافقت ربي في ثلاث قلت: يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لو اتخذنا مقام إبراهيم مصلى، فنزلت {وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة: 125]- إذًا هذا سبب النزول - وقلت: يا رسول الله إن نساءك يدخل عليهن البر والفاجر فلو أمرتهن أن يحتجبن فنزلت آية الحجاب - ذكرناها سابقًا - واجتمع على رسول الله نساؤه في الغيرة فقلت لهن (عَسَى ربّه إن طلقكنَّ أَن يبدله) ... الآية فنزلت كما هي. هذه ثلاث موافقات لعمر رضي الله تعالى عنه. إذًا قوله: (وصَحَّتِ أَشْيَا كَما لإِفْكِهِمْ مِنْ قِصَّةِ والسَّعْيِ والحِجَابِ مِنْ آياتِ ... خَلْفَ المَقَامِ الأَمْرُ بالصَّلاةِ هذا المراد بها أمثلة لآيات سببية يعني: لها سبب نزول. ثم قال: النوع الحادي عشر: أَولُ ما نَزَلَ والمراد بالأولية هنا المطلقة يعني: الذي لم يسبقه قرآن، ليس أول ما نزل في آية القتال أو أول ما نزل في آيات مثلاً بيان المنافقين وفضحهم، لا، المراد أول ما نزل من القرآن وكانت الأولية مطلقة حيث لم يسبق أن نزل قرآن قبل تلك الآيات. النوع الحادي عشر: أَولُ ما نَزَلَ من القرآن مطلقًا اقْرأْ عَلَى الأَصَحِّ، فالمُدَّثِّرُ ... أَوَّلُهُ، والعَكْسُ قَومٌ يَكْثُرُ أَوَّلُهُ التَّطْفِيفُ، ثُمَّ البَقَرَةْ ... وقِيْلَ بالعَكْسِ بِدَارِ الهِجْرَةْ

(اقْرأْ عَلَى الأَصَحِّ) هذا مراد به الحكاية وهو خبر مقدم (أَوَّلُهُ) هذا مبتدأ مؤخر فالتركيب حينئذٍ (أَوَّلُهُ) أي: أول القرآن نزولاً مطلقًا (اقْرأْ عَلَى الأَصَحِّ) على القول الأصح فتفهم من قوله: (عَلَى الأَصَحِّ). أن ثم أقوالاً أُخر ولذلك أكثر ما حكي من أول ما نزل من القرآن مطلقًا أربعة أقوال: اقرأ المراد بها صدرها، والمدثر والمراد بها صدرها خمس آيات، وقيل: البسملة. وقيل: الفاتحة. ولما كان القول الثالث الفاتحة ضعيفًا والبسملة أيضًا قول ضعيف حينئذٍ ذكر المصنف قولين فقط واقتصر عليهما وصحح الأول وذكر الثاني من باب العلم بالشيء، (اقْرأْ عَلَى الأَصَحِّ) أوله يعني: أول ما نزل من القرآن على النبي صلى الله عليه وآله وسلم أوليةً مطلقةً بحيث لم يسبقه شيء البتة (اقْرأْ) على القول الأصح وهو قول الأكثر من أهل العلم وهو الصحيح وهو المرجح لظاهر السنة لما في الصحيحين من حديث عائشة حديث بدء الوحي حديث عائشة رضي الله تعالى عنها الحديث الطويل في البخاري في أوله قالت: جاءه الحق وهو في غار حراء فجاءه الملك فقال: اقرأ. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ما أنا بقارئ». فذكرت الحديث وفيه: ثم قال: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} إلى قوله: {عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق: 1 - 5]. حينئذٍ إذا أطلق القول بأن (اقْرأْ) أول ما نزل حينئذٍ نحمله على ماذا؟ على صدر اقرأ الخمس الآيات الأول ليست على السورة كلها وإنما على أولها. (اقْرأْ عَلَى الأَصَحِّ، فالمُدَّثِّرُ) الفاء هذه عاطفة وأراد به الترتيب، وهل هو ترتيب النزول أو ترتيب الأقوال؟ يحتمل (اقْرأْ عَلَى الأَصَحِّ، فالمُدَّثِّرُ) بعده يعني بعد (اقْرأْ) أو فالقول الآخر الذي يقال بأن الأصح المدثر يحتمل هذا حينئذٍ إذا قيل: فالمدثر بعده يعني في النزول يكون قد تضمن ماذا؟ ردًّا على من قال بأن المدثر هي أول ما نزل. وأثبت بأن اقرأ هي أول ما نزل وأن المدثر بعده، ولذلك يقال: نُبِّأ بـ: ... (اقْرأْ) وأرسل بالمدثر، حصلت النبوة بـ: اقرأ وحصلت النبوة بالمدثر ... (فالمُدَّثِّرُ) بعده هذا إذا جعلناها ماذا؟ في النزول وإذا جعلنا الترتيب هنا للأقوال فالقول الثاني المدثر هي أول ما نزل لكن قوله: (أَوَّلُهُ). حكاية للمبتدأ بعد القولين قد يفهم منه أن المراد حكاية القولين كأنه قال: اقرأ على الأصح أوله (فالمُدَّثِّرُ أَوَّلُهُ) إذًا حكى ماذا؟ حكى القولين (والعَكْسُ) سيأتي دليل المدثر (والعَكْسُ قَومٌ يَكْثُرُ) العكس، فالعكس هنا المراد به العكس اللغوي وهو المخالف لا العكس الاصطلاح المنطقي. العكس قلب جزأي القضية ... إلى آخره نقول هذا اصطلاح المناطقة والمراد به هنا العكس اللغوي يعني: خلافه. يعني: (والعَكْسُ) يعني: خلاف القول السابق (قَومٌ يَكْثُرُ) يعني: قوم كثير عددهم. (قَومٌ يَكْثُرُ) يعني: وهو أن المدثر نزلت أولاً ثم اقرأ (قَومٌ يَكْثُرُ) القائلون بهذا القول قوم كثر لا يُحصرون حينئذٍ اختار القول الأول كثيرون واختار القول الثاني كثيرون أيضًا حينئذٍ نحتاج إلى ماذا؟ إلى الدليل الفاصل.

إذًا قيل: أول ما نزل (اقْرأْ)، والمدثر تالية. لزم من ذلك من ترجيح أن (اقْرأْ) هي أول لزم من ذلك أن يكون المدثر تالية، وقيل العكس المدثر أول ما نزل حينئذٍ يلزم ماذا؟ أن اقرأ نزلت تالية ما الدليل على أن المدثر هي الأول حكينا الدليل على أن (اقْرأْ) هي الأول على الصحيح لحديث عائشة في الصحيحين في باب بدء الوحي، أما سورة اقرأ ففي الصحيحين أيضًا عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: سألت جابر بن عبد الله أي القرآن أُنزل قبل؟ قال: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} - هذا قول من الصحابي جابر - قلت: - يعني أبو سلمة -: أو {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} قال: أحدثكم بما حدثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «إني جاورت بحراء فلما قضيت جواري نزلت فاستبطنت الوادي فنُوديت فنظرت أمامي وخلفي وعن يمني وعن شمالي ثم نظرت إلى السماء فإذا هو - يعني: جبريل. - فأخذتني رجفة فأتيت خديجة فأمرتهم فدثروني فأنزل الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ} [المدثر: 1، 2]». هذا دليل على ماذا؟ على أن المدثر هي أول ما نزل أليس كذلك؟

لما أورد عليه إذًا جابر يعلم أن ثَمَّ قولاً بأن (اقْرأْ) نزلت أولاً لأن أبا سلمة لما قال: أي القرآن أُنزل قبل؟ قال: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ}. قال له: أو ... {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ}. إذًا عنده علم لو لم يذكر هذا قلنا: ذاك مقدم على هذا، مَنْ عَلِمَ أو حَفِظَ حجة على من لم يحفظ. لكن هنا ذُكر أن القول بأن (اقْرأْ) هي أول ما نزل قال: - الفصل - أحدثكم بما حدثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. حينئذٍ بماذا نجيب؟ أجاب قائلون بأن (اقْرأْ) هي الأصح في النزول أولاً لحديث الصحيحين أيضًا - الله أكبر - عن أبي سلمة عن جابر سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يحدث عن فترة الوحي. لأن الوحي بعد أن نزل على النبي - صلى الله عليه وسلم - في غار حراء فتر قطع ثم نزل فأتى بالمدثر فكانت المدثر أول ما نزل بعد فترة الوحي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - يحدث عن فترة الوحي فقال في حديثه: «فبينما أنا أمشي إذ سمعت صوتًا من السماء فرفعت رأسي فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالس على كرسيٌّ بين السماء والأرض فرجعت فقلت: زملوني زملُوني. فدثروني فأنزل الله {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ}. قوله: «فإذا الملك الذي جاءني بحراء». في الحديث هذا حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - «فإذا الملك الذي جاءني بحراء» يدل على ماذا؟ على أن المدثر مسبوقة بوحي وهي ما تضمنه حديث عائشة رضي الله تعالى عنها في بدء الوحي فقوله: «الملك الذي جاءني بحراء». دالٌّ على أن هذه القصة متأخرة عن قصة حراء التي نزل فيها {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} ولذلك ترجح ماذا؟ أن أول ما نزل مطلقًا هو: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ}. وقول جابر: أيُّ القرآن نزل قبل؟ نقول: هذا أولية نسبية إضافية، نجعلها أولية لا بأس لكنها نسبية إضافية بالنسبة إلى ماذا؟ إلى فتور الوحي يعني: انقطاع الوحي، أول ما نزل بعد انقطاع الوحي {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} نقول: هذا كلام صحيح لكن أول ما نزل مطلقًا {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} نقول: فيه نظر والصواب الأول. أَوَّلُهُ التَّطْفِيفُ ثُمَّ البَقَرَةْ ... وقِيْلَ بالعَكْسِ بِدَارِ الهِجْرَةْ أوله بدار الهجرة (التَّطْفِيفُ)، (أَوَّلُهُ) أي: أول القرآن نزولاً (بِدَارِ الهِجْرَةْ) المدينة النبوية متعلق بقوله: (أَوَّلُهُ). جار ومجرور متعلق بقوله: ... (أَوَّلُهُ). إذًا هذا حديث في ماذا؟ مقيد بأن أول ما نزل بالمدينة النبوية ما هو؟ قيل: المطففون {وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ} وقيل: سورة البقرة. وهنا إشكال لكن أريده منكم قوله: (أَوَّلُهُ التَّطْفِيفُ، ثُمَّ البَقَرَةْ). أريد الإشكال الذي في ذهني؟ نعم التطفيف هذه مكية أو مدنية؟ هل عدها أناس من المدني التسع والعشرين؟ لا لم يذكرها فدل على ماذا؟ على أنها مكية وليست مدنية فكيف يذكرها هنا هذا محل إشكال؟ (اقْرأْ عَلَى الأَصَحِّ، فالمُدَّثِّرُ أَوَّلُهُ) حينئذٍ جزم هناك بأن (اقْرأْ) هي الأصح، بأن أول ما نزل مطلقًا من القرآن (اقْرأْ)، ثم أول ما نزل بالمدينة المطففون ثم يذكر المطففين بأنها من المكي هذا تعارض؟

(أَوَّلُهُ) أي: أول ما نزل بالمدينة التطفيف وسبق أنه عدها من المدني [سبق لسان]. قال البلقيني: إذًا هو صار على قول. لكن الإشكال عندي من جهة اختيار الناظم نفسه هناك لم يعدها كان الأولى هنا من أجل أن يتفق اختياره هناك وهنا أن يطرد، وإلا ثَمَّ قول بأن المطففين مدنية وليست مكية هناك قول لكن هو لم يذكر هذا لم يجعلها مدنية بل جعلها مكية حينئذٍ يناسب أن يختار البقرة هي أول ما نزل بل حُكي الاتفاق عليه كما سيأتي. قال الْبُلقيني رحمه الله: وأول سورة نزلت بالمدينة {وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ} لقول علي بن الحسين. إذًا هذا القول مقيد ليس على إطلاقه بل الجمهور أن المطففين مكية وليست بمدنية ثَمَّ رواية أو قول لعلي بن الحسين بأنها مدنية وبأنها أول ما نزل بالمدينة. (أَوَّلُهُ التَّطْفِيفُ، ثُمَّ البَقَرَةْ) هذا قاله عكرمة بأن البقرة تالية للمطففين. روى البيهقي في الدلائل عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: أول ما نزل بالمدينة {وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ} ثم البقرة. لكن هذا لم يثبت عن ابن عباس، ولذلك قال ابن حجر رحمه الله في [الفتح]: اتفقوا على أن سورة البقرة أول سورة نزلت بالمدينة. ولذلك نقول: أول ما نزل بالمدينة هي سورة البقرة، وأما المطففون فهذه مكية على قول الجمهور. (أَوَّلُهُ التَّطْفِيفُ، ثُمَّ البَقَرَةْ) (التَّطْفِيفُ) هكذا وردت هي؟ سورة ... (التَّطْفِيفُ) على كلٍّ بعضهم يتجوز في حكاية أسماء السور، سورة المنافقون على الحكاية يجوز ويقول: سورة المنافقين. سورة المنافقون وسورة المنافقين، سورة المنافقون المنافقُون هذا مضاف إليه وهو مجرور فكيف رفعه؟ نقول: على الحكاية. سورة المؤمنين سورة المؤمنون يجوز الوجهان والحكاية أولى. (أَوَّلُهُ التَّطْفِيفُ، ثُمَّ البَقَرَةْ وقِيْلَ بالعَكْسِ) يعني: البقرة ثم التطفيف وهذا قول منقول عن عكرمة. (بِدَارِ الهِجْرَةْ) وقيل: بالعكس. يعني: الأول البقرة ثم التطفيف، لكن ذكر ابن حجر باتفاق على أن البقرة هي الأول (وقِيْلَ بالعَكْسِ بِدَارِ الهِجْرَةْ) (بالعَكْسِ) ما إعرابه؟ قول القول يصح أن يكون قول القول على الحكاية ... (بالعَكْسِ) أي: بخلاف ما سبق أن البقرة هي أولاً ثم (التَّطْفِيفُ). النوع الثاني عشر: آخرُ ما نَزَلَ وهو مقابل للنوع الحادي عشر أول ما نزل، لكن هل ينبني عليه فائدة لمعرفة أول ما نزل وآخر ما نزل؟ ناسخ ومنسوخ يحتمل لأن الآخر متأخر وذاك أول ويكون ما تضمنته الآيات في آخر ما نزل آخر ما يذكر من الأحكام حينئذٍ فيه فوائد ولو لم يكن إلا أن متعلقه القرآن الكريم لكفى، كل علم يتعلق بالقرآن الكريم لا بد من فائدة لكن المقصود هنا من جهة الأحكام الشرعية من تحريم وتحليل وناسخ ومنسوخ وإلا كل علم يتعلق بالقرآن فلا بد من فائدة. النوع الثاني عشر: آخرُ ما نَزَلَ

وهذا أيضًا فيه خلاف طويل عريش، وليس فيها حديث مرفوع عن ... النبي - صلى الله عليه وسلم - حينئذٍ نحمل كل الأقوال الواردة عن الصحابة أنها من اجتهاد الصحابة وإذا كانت من الاجتهاد حينئذٍ لا تنافي بينها، كل منهم يحكي ما سمعه آخرًا بأنه آخر ما نزل، يمكن أو لا؟ كل من سمع قبل وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - بشهرين أو ثلاثة ثم ذهب ولم يلتقِ يقول: آخر ما نزل من النبي - صلى الله عليه وسلم - كيت وكيت. فيحكي ماذا؟ يحكي حاله مع سماعه من النبي - صلى الله عليه وسلم - فيأتي آخر ويقول: آخر ما نزل كيت كيت. حينئذٍ ماذا؟ يحكي ما سمعه من حاله مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فلا تنافي، ولذلك القطع بآخر ما نزل هذا فيه نوع صعوبة من كثرة الأقوال وصحتها. النوع الثاني عشر: آخرُ ما نَزَلَ وآَيَةُ الكلالَةِ الأَخِيْرَةْ ... قِيْلَ الرِّبا أَيضًا وقِيْلَ غَيْرَهْ (وآَيَةُ الكلالَةِ) الكلالة الذي لا والد له ولا ولد، (وآَيَةُ الكلالَةِ) ذكرنا أنها في موضعين من سورة النساء الأولية والأخروية، الأولية هذه يقال: أنها شَتَوِيَّة. والأُخْرَوِيَّة هذه صيفية أليس كذلك؟ (وآَيَةُ الكلالَةِ الأَخِيْرَةْ) ماذا يقصد الأخيرة هنا الأخيرة أو الأخيرة في النزول؟ يحتمل (وآَيَةُ الكلالَةِ الأَخِيْرَةْ) هل يريد أن يخص آية الكلالة بكونها الأخيرة احترازًا من الأولى فحينئذٍ ما الذي يحكم بكون آية الكلالة الأخيرة هي آخر ما نزل؟ العنوان الترجمة - أحسنت - حينئذٍ لو حمل قوله: (وآَيَةُ الكلالَةِ الأَخِيْرَةْ) احترازًا عن الأولى بأن هي آخر ما نزل حينئذٍ نأخذ الحكم عليها بأنها آخر ما نزل من الترجمة لأني بدأت معكم بأن الترجمة داخلة في ماذا؟ في مضمون الآيات. (وصَنَّفَ الأَئِمَةُ الأَسْفَارا فِيهِ) قلنا: الضمير يرجع إلى ماذا؟ إلى الترجمة، إذًا مضمون الترجمة داخل ومعتبر عند الناظم في الأبيات هنا (وآَيَةُ الكلالَةِ الأَخِيْرَةْ) بمعنى التي في آخر سورة النساء احترازًا من الأولى بأنها آخر ما نزل نأخذه من الترجمة، ولو جعل بالأخيرة بأن الأخيرة في النزول حينئذٍ لا بد من صفة محذوفة وآية الكلالة التي في آخر النساء أو الأُخْرَوِيَّة أو إن شئت تقول: الصيفية. احترازًا من الأولى، لأن الأولى ليست صيفية شَتَوِيَّة، وآية الكلالة الصيفية الأخيرة في النزول صار الأخيرة هذا خبرًا عن المبتدأ وعن الأول يكون ماذا؟ يصير صفة يجوز الوجهان ولا مانع لك أن تحمل هذا أو ذاك (وآَيَةُ الكلالَةِ الأَخِيْرَةْ) روى الشيخان عن البراء بن عازب رضي الله تعالى عنه أنه قال: آخر آية نزلت {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلاَلَةِ} [النساء: 176]. آخر آية نزلت برأي البراء بن عازب {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلاَلَةِ} [النساء: 176] إلى آخر الآية، وآخر سورة نزلت براءة. هذا الكلام متم لقول البراء آخر آية نزلت {يَسْتَفْتُونَكَ} وآخر سورة نزلت براءة. حينئذٍ قسم لك آخر ما نزل إما أن يكون آية وإما أن يكون سورة بتمامها فآخر ما نزل من الآيات آية الكلالة الصفية وآخر ما نزل من السور براءة.

و (قِيْلَ: الرِّبا) قيل بصيغة التضعيف حينئذٍ يُرجح المصنف ماذا؟ القول الأول بأن آية الكلالة الصيفية هي الأخيرة، و (قِيْلَ: الرِّبا) على إسقاط حرف العطف وقيل بالواو لكنه أسقطه لضيق النظم، و (قِيْلَ: الرِّبا) يعني: آية الربا. أخرج أبو عبيد عن ابن شهاب قال: آخر القرآن عهدًا بالعرش آية الربا وآية الدين. وأخرج البخاري عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: آخر آية نزلت آية الربا. ما هي آية الربا ذكر عن عمر مثله أن آخر آية نزلت آية الربا ما هي؟ التي في البقرة أو التي في آل عمران؟ المشهور أنها التي في آخر البقرة {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا} [البقرة: 275] هذا هو المشهور لكن السيوطي رحمه الله في ((التحبير)) لما أورد أثر عمر وهو ماذا؟ قال: والمراد بها قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا} ... [البقرة: 278] هذه في البقرة ليست في آل عمران قال: المراد بها هذه. والمشهور أنها من أول الآيات {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا} إلى آخر آيات الربا فتكون داخلة في الأولى. وعند النسائي عن ابن عباس أن آخر آية نزلت {وَاتَّقُواْ يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ} [البقرة: 281] وهذه تابعة للآيات السابقة إذًا لا تنافي حينئذٍ تكون ماذا؟ نزلت دَفْعَةً واحدة أو دُفْعةً من أول {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا} إلى {وَاتَّقُواْ} مع آية الدين حينئذٍ هذا حكى بعض ما نزل والآخر حكى بعض ما نزل. وروى الحاكم في المستدرك عن أُبي بن كعب قال: آخر آية نزلت {لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ} [التوبة: 128]. وروى مسلم عن ابن عباس: آخر ما نزلت سورة إذا جاء نصر الله والفتح. قال السيوطي رحمه الله في ((الإتقان)) و ((التحبير)): ولا منافة عندي بين هذه الروايات. يعني: بين آية الدين، وآية الربا واتقوا لماذا؟ لأن الظاهر أنها نزلت دفعة واحدة كترتيبها في المصحف ولأنها في قصة واحد فأخبر ... كل عن بعض ما نزل بأنه آخر وذلك صحيح، وقول البراء وآخر ما نزل ... {يَسْتَفْتُونَكَ} أي: في شأن الفرائض، إذًا الحكم بكونها هذه الآية آخر ما نزل مع كثرة الأقوال ومع صحتها فيه صعوبة. (وآَيَةُ الكلالَةِ الأَخِيْرَةْ قِيْلَ: الرِّبا أيضًا) قيل الربا أيضًا آخر ما نزل أيضًا مفعول مطلق آضَ يَئِضُ أيضًا (وقِيْلَ: غَيْرَهْ) ضَعَّفَ القولين (قِيْلَ: الرِّبا) ضعفه لأنه حكاه بصيغة تمريض (وقِيْلَ: غَيْرَهْ) ضَعَّف كل ما ذكر من الآثار حتى ما رواه مسلم والبخاري وهذا فيه إشكال. (وقِيْلَ: غَيْرَهْ) غيره صفة لمحذوف أي: وقيل قولاً غيره. أي: غير المذكور. هذا ما يتعلق بأول ما نزل وآخر ما نزل وسيبدأ في عقدٍ جديد. نقف على هذا وصلَّ الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

7

عناصر الدرس * العقد الثاني (ما يرجع إلى السند وهي "6" أنواع) * النوع الأول والثاني والثالث (المتواتر والآحاد والشاذ). الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد: سبق في قول الناظم رحمه الله تعالى: (أَوَّلُهُ التَّطْفِيفُ، ثُمَّ البَقَرَةْ وقِيْلَ بالعَكْسِ)، (بالعَكْسِ) عربناه هنا بأنه مقول القول نظرًا له يعرب نائب فاعل. ثم قال المصنف رحمه الله: العِقْدُ الثاني. بكسر العين كما سبق العقد المراد به القلادة يسمى عقد العِقْدُ الثاني: مَا يَرجعُ إلى السَّنَدِ. العقد الثاني من العقود الستة قال: (وقَدْ حَوَتْهَا سِتَّةٌ عُقُودُ) ذكر العقد الأول وهو ما يتعلق بالنزول وتحته اثنا عشر نوعًا. (مَا يَرجعُ إلى السَّنَدِ، العِقْدُ الثاني: مَا يَرجعُ إلى السَّنَدِ)، وهي ستة أنواع: مَا يَرجعُ إلى السَّنَدِ. مَا اسمٌ منصوب بمعنى الذي في محل رفع خبر المبتدأ، العقد هذا مبتدأ، الثاني صفته، مَا هذا اسم موصول بمعنى الذي ماذا في محله رفع خبر المبتدأ يَرجعُ هذا صلة الموصول، (يَرجعُ) وقال: وهي ستة أنواع. مصدق ما أنواع لأنه أراد أن يجمع الخمس والخمسين تحت ستة عقود حينئذٍ مسمى العقد أنواع كل عقدٍ تحته أنواع، والأنواع هذا جمع وكل جمعٍ فهو مؤنث حينئذٍ يصح أن يرجع إليه الضمير مؤنثًا، وهنا قال: يَرجعُ. وقال: وهي يَرجعُ. ولم يقل ترجع وقال: وهي. إذًا ذَكَّرَ وأنث أليس كذلك، فالتذكير باعتبار لفظ (مَا) لأن اللفظ مذكر، والتأنيث باعتبار معنى (مَا) ومصدقها وهي أنواع، لأنها ستة فهي جمع لم يذكر نوعًا واحدًا وإنما ذكر ستة أنواع تحت هذا العقد، إذًا لا إشكال في تذكير المصنف بقوله: يَرجعُ. ولم يقل ترجع بالتاء، ترجع هذا مؤنث ويرجع هذا للغائب الأصل فيه أنه مذكر، وهي الضمير يعود على (مَا)، لو قال: وهو ستة أنواع. صح باعتبار لفظ (مَا)، وقال هو هنا: وهي. باعتبار معنى (مَا)، ولو قال: ما يرجع. صح ما ترجع صح أليس كذلك، ما يرجع ما ترجع صح الوجهان. (مَا يَرجعُ إلى السَّنَدِ) أنواع من الخمس والخمسين ترجع إلى السند يعني مبحثها القَدْر المشترك هو السند أو السند صار كالجنس لها حينئذٍ يوجد في ضمن كل الأنواع الستة فلذلك جعله قاسمًا مشتركًا فعنون به العِقْدُ الثاني. (إلى السَّنَدِ) والمراد بالسند هو الإخبار عن طريقٍ المتن. والسَّنَدُ الإِخْبَارُ عنْ طَرِيقِ ... مَتْنٍ كَالإِسْنَادِ لدى فَريقِ هكذا قال السيوطي في ألفية المصطلح. قال ابن جماعة رحمه الله: وأخذه إما من السند، وهو ما ارتفع وعلا من سفح الجبل، لماذا سمي الإخبار عن طريق المتن سندًا؟ لا بد وأن ثّمَّ قدرًا مشترك كما سبق تكريره مرارًا بين المعنى الاصطلاحي الجعلي المنقول إليه، وبين المعنى اللغوي لا بد أن نُنْشِئ وننظر لِما المحدثون نقلوا لفظ السند من اللغة لأنها سابقة عن الاصطلاح لما جعلوا هذا اللفظ السند مسماه الإخبار عن طريق المتن، قال ابن جماعة رحمه الله:

وأخذه إما من السند وهو ما ارتفع وعلا من سفح الجبل لأن المسند يرفعه إلى قائله أو من قولهم: فلانٌ سندٌ. أي: معتمدٌ، فسمي الإخبار عن طريق المتن سندًا لاعتماد الحفاظ في صحة الحديث وضعفها عليه، يلتفتون إلى ماذا؟ في الأصل إلى السند وقد يكون الاعتماد هو المتن لكن في الأصل والأكثر والأغلب هو السند حينئذٍ اعتمدوا عليه في ماذا؟ في معرفة الصحيح والضعيف، فصار معتمدًا ولذلك سمي سند. قال: والمحدثون يستعملون السند والإسناد لشيءٍ واحد. ولذلك قال السيوطي: والسَّنَدُ الإِخْبَارُ عنْ طَرِيقِ ... مَتْنٍ كَالإِسْنَادِ لدى فَريقِ عند بعضهم السند والإسناد بمعنى واحد وعند الكثير أن الإسناد هذا إفعال مصدر إذًا رفع الكلام إلى قائله ورفع الكلام إلى قائله مغايرٌ للإخبار عن طريق المتن لأن الإخبار عن طريق المتن هو تسمية الرجال حدثنا فلان عن فلان عن فلان هذا هو الإخبار عن طريق المتن، مثلاً حديث كذا بما رُوِيَ؟ رُوِيَ عن طريق فلان وفلان وفلان، تسمية الرجال هو السند إذًا مسمى السند هو ذكر الرجال الذين توصل بهم المحدث إلى المتن، وهي: ستة أنواع. وهي أي هذا العقد أو الأنواع التي ترجع إلى السند ستة أنواع. (النوع الأول، والثاني، والثالث: المتواتر، والآحاد، والشاذّ) فجمع لك ثلاثة أنواع تحت العقد الثاني في موضوعٍ واحد لأن كلاً منها يتوقف فهمه على فهم الآخر فقال: (المتواتر، والآحاد، والشاذّ). المتواتر، والآحاد، والشاذّ. في ظاهر كلام المؤلف هنا لم يجر على طريقة أهل الحديث لأنهم يجعلون الشاذ هذا قسمًا من أقسام الآحاد هل هو قسيم أم قسم؟ الشاذ باعتبار الآحاد هل هو قسم أم قسيم؟ قسم وليس بقسيم، وهنا جعل الشاذ قسيمًا للآحاد نقول: لأن البحث هنا يتعلق بأهل علوم القرآن ومبحث القراءات ولهم بحثٌ خاص يتميزون به في بعض مصطلحاتهم عن غيرهم من أرباب الفنون، فليس كل ما جاء لفظًا متواتر عند المحدثين هو عينه عند أرباب القراءات وليس كل ما جاء لفظ الآحاد عند أرباب الحديث هو عينه عند أرباب القراءات وكذلك يقال في الشعر، لكن في الجملة هو مبحثٌ مشترك ولذلك الأنواع الخمس والخمسين هذه بعضها ينفرد به علم القرآن، وبعضها يكون مشتركًا بينه وبين غيره يعني: ليس كل ما ذكر من أنواع علوم القرآن التي هي عمدة المفسرين ليس كل ما ذكر من أنواع علوم القرآن يكون منشأه القرآن لا بل بعضه يكون منشأه القرآن مثل ماذا؟ نزول القرآن، ترتيب السور، عد الآي، نقول: هذه مباحث في ماذا؟

نشأت عن القرآن لولا وجود القرآن لما وجدت هذه العلوم، إذًا توقفها عليه توقف الشيء على شرطه أو حقيقته أو ماهيته بحيث ينتفي العلم بانتفاء القرآن، وبعضها لا، يكون مشتركًا بينه وبين غيره كما هو الشأن في مبحث السند هذه يشترك في أرباب علوم الحديث ويشترك فيه أيضًا من حيث الجملة أرباب علوم القرآن فهو قدرٌ مشترك بين الطائفتين، وبعضه يشترك مع أهل الأصول كالناسخ والمنسوخ، وما خص به من السنة وما خصصت السنة به، وبعضه يشترك مع أرباب اللغة كالمجاز، والاستعارة، والمعرب، والمترادف، والمشترك. نقول: هذه أبحاث مشتركة من حيث كونه نصًا شرعيًا فاشترك مع علوم الحديث في ماذا؟ في الشاذ والمتواتر أو نقول في الجملة: من حيث السند، وبعض الأبحاث مشتركة بين الحديث والسنة مثل ماذا؟ وجود المترادف، ووجود المجاز، والاستعارة، والتشبيه ونحو ذلك والعام المخصوص والعام الذي خصص على عمومه والعام الذي أريد به الخصوص هذه مشتركة بين القرآن وبين السنة، يعني لا ينفك القرآن عن السنة ولا السنة عن القرآن. ولذلك سبق معنا في قواعد الأصول إن المصنف جمع بينهما في موضعٍ واحد كذلك المجاز ونحوه والاستعارة والتشبيه، هذا من حيث ماذا؟ من حيث كونه نصًا شرعيًا وقد يبحث في علوم القرآن من حيث كونه نصًا عربي كالإعراب، والصرف، إعراب القرآن، إعراب مشكل القرآن، تصريف القرآن كما ألف فيه المعاصرين أو بلاغة القرآن. نقول: هذه علمٌ من علوم القرآن يتعلق بالقرآن من حيث ماذا؟ من حيث كونه نصًا شرعيًا مشاركًا للسنة أو من حيث كونه نصًا عربيًا؟ الثاني لأنه ينظر فيه من حيث القواعد العربية، فما قعده أهل العربية من قواعد النحو حينئذٍ ينزل على القرآن مثلاً، فيعرب القرآن إعراب مشكل القرآن أو إعراب القرآن كله نقول: هذا علمٌ من علوم القرآن لكنه يشترك مع غيره في كونه نصًا عربيًا لأنك قد تأخذ مثلاً قصيدة من المعلقات السبع فتعربها هذا إعراب المعلقات أو لا؟ إعراب المعلقات. نص عربي أو لا؟ نقول: نصٌ عربي. قد تأخذ سورة الفاتحة وتعربها عربتها من أي حيثية من حيث كونها نصًا عربيًا. إذًا هنا لا غرابة في كون أرباب علوم القرآن يجعلون من أنواع علوم القرآن المتواتر، والآحاد، والشاذ. فجعلوا الشاذ قسيمًا للآحاد وله اصطلاحٌ خاص عندهم حينئذٍ انفردوا ببعض ما أطلقه أرباب علوم الحديث. (المتواتر، والآحاد، والشاذّ) ما المراد بالمتواتر، وما المراد بالآحاد، وما المراد بالشاذّ قال رحمه الله: والسَّبْعَةُ القُرَّاءُ مَا قَدْ نَقَلُوا ... فَمُتَواتِرٌ ولَيْسَ يُعْمَلُ بِغَيْرِهِ في الحُكْمِ مَا لَمْ يَجْرِ ... مَجْرَى التَّفاسِيْرِ، وإِلاَّ فَادْرِ قَوْلَيْنِ إِنْ عَارَضَهُ المَرْفُوعُ ... قَدِّمْهُ ذا القَولُ هُوَ المَسْمُوعُ والثَّانِيُ الآَحَادُ كالثَّلاثِةِ ... تَتْبَعُها قِرَاءَةُ الصَّحابَة والثَّالِثُ الشَّاذُ الَّذي لَمْ يَشْتَهِرْ ... مِمَّا قَرَاهُ التَّابِعُونَ واسْتُطِرْ ولَيْسَ يُقْرَأُ بِغَيْرِ الأَوَّلِ ... وَصِحَّةُ الإِسْنَادِ شَرْطٌ يَنْجَلِيْ لَهُ كَشُهْرَةِ الرِّجَالِ الضَّبْطِ ... وِفَاقُ لَفْظِ العَرَبِيْ والخَطِّ

هذه قسم لك قراءات باعتبار السند إلى متواترة وآحاد وشاذة، وجرى الناظم هنا على ما اشتهر عليه أرباب القراءات من أن القراءات تنقسم إلى: متواترة، وآحاد، وشاذة. فالمتواتر هذا سبق معنا مرارًا مأخوذ من التواتر وهو التتابع {ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَا} [المؤمنون: 44] أي متتابعين، بعضهم يتلو بعضًا حينئذٍ نقول: هذا متواتر. لكنه من جهة اللغة، وأما من جهة اصطلاح المحدثين ونحوهم فالمتواتر ما رواه عددٌ جمٌ أحالة العادة على تواطئهم وتوافقهم على الكذب رووا ذلك عن مثلهم وكان منتهى خبرهم الحس مع شرط استواء الكثرة ابتداءً وانتهاءً. وحينئذٍ إن أفاد هذا العدد الكثير إن أفاد العلم الضروري حينئذٍ سُمِيَ متوترًا فإن تخلف عنه العلم الضروري كان مشهورًا. ولذلك ذكر ابن حجر رحمه الله: كل متواترٍ مشهور من غير عكس لماذا؟ لأن التواتر هو ما رواه عددٌ جمٌ أحالت العادة تواطئهم وتوافقهم على الكذب رووا ذلك عن مثلهم من أول السند إلى آخره. ولذلك يشترطون استواء الكثرة في أوله وانتهائه ويكون منتهى خبرهم الحس سمعت رأيت، فإن كان العقل فلا يكون متواترًا إن أفاد العلم نظريًّا كان أو ضروريًّا يعني: اليقين - والأصح أنه ضروري - إن أفاد العلم ضروري حينئذٍ نقول: هذا متواتر. فإن لم يفد العلم الضروري نقول: هذا مشهور وليس بمتواتر. حينئذٍ كل متواترٍ مشهور من غير عكس. وَمَا رَوَاهُ عَدَدٌ جَمٌ يَجِبْ ... إِحَالَةُ اجْتِمَاعِهِمْ عَلَى الْكَذِبْ فَالْمُتَوَاتِرُ وَقَوْمُ حَدَّدُوا ... بِعَشْرَةٍ وَهْوَ لَدَيَّ أَجْوَدُ يعني: هل يشترط بيان إذا قيل: عدد كثير عدد جم هل يشترط تحديد العدد أم لا؟ الأصح أنه لا يشترط، وقيل: عشرة. وقيل: عشرون. وقيل: أربعون. وقيل: خمسون. وقيل: سبعون. إلى آخره وقيل: أربعة. والسيوطي قوله: وهو لدي أزودُ فَالْمُتَوَاتِرُ وَقَوْمُ حَدَّدُوا ... بِعَشْرَةٍ وَهْوَ لَدَيَّ أَجْوَدُ والصواب أنه لا يُحَدّ بعدد فكل ما أفاد العلم اليقيني فهو: متواتر. القراءة هنا المتواتر هي: القراءات السبعة المشهورة. لأنها هي التي يتوفر فيها ضابط التواتر، لكن سبق وأن انتقدنا بعض الشروط هذه التي ذكرها صاحب ((قواعد الأصول)) بأن منتهاه الحسي هذا ليس بشرطٍ واستواء الكثرة في أوله وانتهائه وألا يكون أو تحيل العادة تواطئهم على الكذب أو توافقهم على الكذب تشمل هذه طبقة صحابة وهذا فيه بعد، لكن نقول: ما رواه عددٌ. ولا نُدخل طبقة الصحابة وأحالت العادة تواطئهم وتوافقهم على الكذب فحينئذٍ يفيد العلم هذا في الأصل، في الأصل أنه يفيد العلم مع شهرة الرواة وضبط الرواة إلى آخره فإن أفاد العلم نقول: هذا هو المتواتر. ولا تلازم بين ما ذكر من الشروط وإفادة العلم بل قد يوجد العلم اليقيني برواية شخص واحد ثقةٍ عندنا، فلو روى أبو بكر رضي الله تعالى عنه حديثًا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لأحد التابعين نقول: أفاد العلم. يفيد العلم أو لا؟

يفيد العلم قطعًا، فإذا أفاد العلم حينئذٍ نقول: إذًا وجد العلم اليقيني الضروري فلزم أن يكون متواترًا، إذًا وجد التواتر دون وجود هذه الشروط، وهم يقولون: لا، لا يفيد العلم. ولو أفاد العلم في خبر أبي بكرٍ فأي قرينة احتفت به لكونه أبا بكر رضي الله تعالى عنه، وإذا أخبر أبو بكر وعمر وعثمان وعلي أحد التابعين بخبرٍ واحد أفاد العلم وهم أربعة دون العشرة، السيوطي حده بعشرة، إذًا ما دون العشرة حينئذٍ لا يفيد العلم نقول: كيف لا يفيد العلم وقد أخبره الخلفاء الأربعة الراشدون؟ يفيد العلم قطعًا لكن هنا قالوا: المتواتر هو القراءات السبعة المشهورة. لذلك قال المصنف هنا رحمه الله: (والسَّبْعَةُ القُرَّاءُ مَا قَدْ نَقَلُوا فَمُتَواتِرٌ). (والسَّبْعَةُ) هذا مبتدأ أول، و (القُرَّاءُ) هذا بدل أو عطف بيان، (مَا) الذي أو التي بمعنى قراءة هذا مبتدأ ثان (قَدْ نَقَلُوا) قد نقلوها نقلوه يجوز الوجهان ما يطبق على قراءة أي: القراءة التي نقلوها. أي: تبعًا. أو القراءة التي نقلوه بتذكير الضمير مراعاةً للفظ (مَا) كما قلنا في (مَا يَرجعُ إلى السَّنَدِ وهي). (فَمُتَواتِرٌ) الفاء واقعة في جواب المبتدأ الثاني على القاعدة العامة المطردة عند أهل اللغة من أنه إذا كان المبتدأ من صيغ العموم أو فيه معنى العموم جاز دخول الفاء في الخبر ليست بواجبة وإنما هي جائزة، لذلك قال: (فَمُتَواتِرٌ). الفاء هذه واقعة في جواب المبتدأ لماذا وقعت؟ نقول: وقعت جوازًا لا وجوبًا، لكون المبتدأ من صيغ العموم يعني: فمتواتر. فهو متواتر، متواترٌ هذا خبر لمبتدأ محذوف تقديره هو فهو متواتر، وجملة المبتدأ مع خبره فمتواترٌ في محل رفع الخبر المبتدأ الثاني (مَا قَدْ نَقَلُوا)، وجملة المبتدأ الثاني وخبره خبر المبتدأ الأول وهو السبعة، إذًا نقول: هذه جملة كبرى أو صغرى؟ كبرى لأن خبرها جملة، والصغرى ما هي؟ (مَا قَدْ نَقَلُوا فَمُتَواتِرٌ) هذه صغرى لماذا؟ لكونها وقعت خبر المبتدأ، وهي أيضًا كبرى لكون الخبر فيها جملة، قد تكون الجملة كبرى فقط وذلك إذا وقع الخبر فيها جملة زيد أبوه قائمٌ، زيد مبتدأ أول أبوه مبتدأ ثاني قائم خبر مبتدأ الثاني، وجملة المبتدأ الثاني وخبره في محل رفع المبتدأ الأول، إذًا وقع الخبر في هذه الجملة زيدٌ أبوهُ قائمٌ وقع جملة، الجملة كلها كبرى تسمى كبرى زيدٌ أبوهُ قائمٌ نقول: هذه جملة كبرى. لماذا؟ لكون الخبر وقع فيها جملة، جملة أبوهُ قائمٌ من قولك زيد أبوه قائم نقول: هذه صغرى. لماذا؟ لكونها وقعت خبرًا عن المبتدأ، فالمبتدأ الذي وقع خبره جملة نقول: هذه جملة كلها كبرى ونفس الخبر الذي هو جملة نسميه جملة صغرى. لو قيل: زيد قائم هكذا. مبتدأ وخبر مفرد ومفرد صغرى أو كبرى؟

لا صغرى ولا كبرى [نعم أحسنت]، إذًا وقع المبتدأ مفردًا والخبر مفردًا حينئذٍ لا توصف بكونه صغرى ولا كبرى، زيدٌ قائمٌ نقول: مبتدأ وخبر. قائمٌ هذا خبر مفرد أو جملة؟ مفرد إذًا لا توصف بكونها كبرى ولا صغرى، لكن لو وقع الخبر جملة لنا نظران: نظر إلى الجملة برمتها، ونظر إلى الخبر الذي وقع جملة فنقول: زيدٌ أبوهُ قائمٌ. هنا ليست كزيد قائم وقع الخبر جملة حينئذٍ نسمى الجملة كلها كبرى ونسمي جملة الخبر صغرى، ثم هذا وصف منفك وقد توصف الجملة باعتبارين يعني: تكون في نفس الوقت كبرى صغرى يجتمع فيها الوصفان لكن بالنظر إلى سابق ولاحق. (السَّبْعَةُ) هذا قلنا: مبتدأ أول (مَا) هذا مبتدأ ثاني، أبطل المبتدأ الأول اترك المبتدأ الأول المبتدأ الثاني (مَا قَدْ نَقَلُوا فَمُتَواتِرٌ) (مَا) هذا مبتدأ أين خبره؟ (فَمُتَواتِرٌ) جملة أو لا. جملة إذا صارت (مَا قَدْ نَقَلُوا فَمُتَواتِرٌ) كل الجملة صارت كبرى أو لا؟ كبرى، لماذا؟ لكون خبرها جملة، طيب لو نظرت إلى الجملة كلها ... (السَّبْعَةُ) هذا مبتدأ أول (مَا) مبتدأ ثاني (فَمُتَواتِرٌ) خبر الثاني والجملة من المبتدأ الثاني وخبره خبر المبتدأ الأول نسمي الجملة كلها كبرى، وجملة (مَا قَدْ نَقَلُوا فَمُتَواتِرٌ) هذا هذه صغرى لأنه وقعت خبرًا عن المبتدأ الذي هو (السَّبْعَةُ) وهي في نفسها كبرى لكون الخبر فيها وقع جملةً، واضحة أعيد أو تعيدون؟ - لا هذه ولا تلك -. (والسَّبْعَةُ) نقول: هذه مبتدأ أول. و (القُرَّاءُ) هذا عطف بيان أو بدل منه (مَا قَدْ نَقَلُوا) ما اسم موصول بمعنى الذي في محل رفع مبتدأ بالثاني، (قَدْ نَقَلُوا) هذه جملة فعل فاعل والمفعول محذوف قد نقلوها لأنه لا بد من رابط بين المبتدأ والخبر إذا وقع جملةً نقلوها أي: القراءة وما اسم موصول بمعنى الذي يصدق على القراءة يعني: القراءة التي نقلوها فهي متواترة. أو فهو أي المنقول متواتر (فَمُتَواتِرٌ) جملة وقعت خبرًا عن المبتدأ الثاني معه، وجملة المبتدأ الثاني مع خبره نقول: هي في محل رفع خبر المبتدأ الأول وهو السبعة (والسَّبْعَةُ القُرَّاءُ مَا قَدْ نَقَلُوا فَمُتَواتِرٌ) كل الجملة هذه كبرى وجملة (مَا قَدْ نَقَلُوا) فمتواتر هذه صغرى باعتبار الجملة السبعة القراء لأنها خبر عنها وهي كبرى باعتبار كون الخبر فيها (فَمُتَواتِرٌ) جملة اسمية. (والسَّبْعَةُ) المراد بهم السبعة القراء والقراء هذا جمع قارئ اسم فاعل من قرأ واصطلاحًا يطلق على إمام من الأئمة المعروفين الذين نسبت إليهم القراءة، في الاصطلاح إمام يطلق على إمام من الأئمة المعروفين المتبعة كما سبق بيان الإمام المراد به المأموم به يعني المتبع، الذين نسبت إليهم القراءات التي نسبت إليهم أو الذين نسبت إليهم القراءات، والقراءات معلومة أنها جمع قراءة مصدر سماعي لقرأ قَرَأَ يَقْرَأُ الأصل فيه قَرَأَ لأنه من باب فَعَلَ قَرَأَ، وقرأ قلنا المصدر فيه فَعْلُ فَعْلٌ قِيَاسُ مَصْدَرِ الْمُعَّدى ... مِنْ ذِي ثَلاثَةٍ كَرَدَّ رَدَّا

حينئذٍ قراءة نقول: هذا ليس مصدرًا قياسيًا بل هو مصدر سماعي، إذًا القراءات جمع قراء مصدر سماعي لقرأ، واصطلاحًا القراءات عند أرباب القراءات اختلاف ألفاظ الوحي لأن القرآن ما هو؟ اللفظ المنزل على النبي صلى الله عليه وآله وسلم المعجز بلفظه المتعبد بتلاوته. لفظ منزل على محمد ... لأجل الإعجاز وللتعبد أما القران ها هنا فالمنزل ... على النبي معجزًا يفصل بقي تلاوةً ... إذًا القرآن هو: كلام الله المنزل أو اللفظ المنزل على محمد - صلى الله عليه وسلم - المعجز بلفظه المتعبد بتلاوته. القراءات حقيقة مغايرة للقرآن ولذلك نص السيوطي في ((الإتقان)) بأن القرآن والقراءات حقيقتان متغايرتان، فحينئذٍ صار تعريف القراءة بأنها اختلاف ألفاظ الوحي المذكور - ليس كل وحي - وإنما الوحي المذكور الذي أطلقنا عليه بأنه قرآن في الحروف وكيفتها من تخفيف وتشديد وغيرهما، اختلاف ألفاظ الوحي المذكور في الحروف وكيفتها من تخفيف وتشديد وغيرهما هذه يسمى ماذا؟ يسمى بالقراءة يجمع على قراءات، فالقرآن شيء والقراءات شيء آخر فهما حقيقتان متغايرتان. (والسَّبْعَةُ القُرَّاءُ) السبعة المراد بهم: نافع، وعاصم، وحمزة، والكسائي، وابن عامر، وأبو عمرو، وابن كثير. هؤلاء السبعة أجمع عليهم أهل العلم بأنهم إذا أطلق السبعة فالمراد به هؤلاء، حينئذٍ صار السبعة علمًا بالغلبة متى ما أطلق السبعة القراء انصرف إلى هؤلاء نافع، وعاصم، وحمزة، والكسائي، وابن عامر، وأبو عمرو، وابن كثير. كما إذا قيل: الأسماء الستة. هذا علم بالغلبة إذا أطلق انصرف إلى معين، وإلا الأصل كلها ست أسماء يصح أن تقال أنها يقال أنها أسماء ستة ولكن اصطلح النحاة على شيء معين (والسَّبْعَةُ القُرَّاءُ مَا قَدْ نَقَلُوا فَمُتَواتِرٌ) هنا عرف التواتر بماذا؟ بالمتواتر عند أهل الحديث أم بلفظ؟ بلفظ كشف به حقيقة المتواتر لماذا؟ لأنه يعرف المتواتر عند أرباب القراءات، فإذا قيل: المتواتر. حينئذٍ ينصرف الذهن إلى السبعة القراء، فمسمى المتواتر عندهم ما نُقل عن السبعة القراء ولذلك قال: (والسَّبْعَةُ القُرَّاءُ مَا قَدْ نَقَلُوا [نقلوها] فَمُتَواتِرٌ). القراءة التي نقلها القراء السبعة هي: مسمى المتواتر عند أرباب القراءات. ولذلك هنا عَرَّفَهُ بلفظ كاشف وهذا من أقسام التعريف عندهم. مُعَرِّفٌ على ثلاثةٍ قُسِم ... حَدٌّ وَرَسْمِي وَلَفْظِيٌّ عُلِم قد يأتي بلفظ يكشف به حقيقة اللفظ المجمل، والمتواتر هذا لفظ مجمل مبهم عندهم إذا قيل: ما المتواتر؟ حينئذٍ يحسن أن يؤتى بالحد أو المعرف، والمعرف على ثلاثة أقسام: قد يكون كاشفًا للمهية، إما بالجنس والفصل، أو بالفصل والخاصة، أو بالجنس والخاصة، أو يأتي بلفظ يكشف المراد مع عدم الإبهام وهنا لما قال: (والسَّبْعَةُ القُرَّاءُ مَا قَدْ نَقَلُوا فَمُتَواتِرٌ). عرفنا أن القراءة التي نقلت عن طريق هؤلاء السبعة المعدودين بالسبعة هو المسمى المتواتر، والمراد به هنا تواتر الطبقات كما هو معلوم عند أرباب القراءات. ..................... ... .............. ولَيْسَ يُعْمَلُ بِغَيْرِهِ في الحُكْمِ مَا لَمْ يَجْرِ ... مَجْرَى التَّفاسِيْرِ، وإِلاَّ فَادْرِ

إذًا عرفنا حقيقة المتواتر يرد السؤال ما هو الآحاد؟ نرجع بعد ذلك إلى قوله: (ولَيْسَ يُعْمَلُ). إذًا النوع الأول لأن التقسيم عندهم يختلف، قراءات تنقسم إلى متواتر وعرفنا أن المراد بالمتواتر القراءات السبعة المشهورة، والآحاد هي المتمة لعشرها يعني: الثلاثة المتمة للعشر. وهي قراءة: أبي جعفر يزيد بن القعقاع، ويعقوب، وخلف. هذه ثلاثة تسمى الثلاثة إذا أطلق القراءة الثلاثة انصرف إلى من؟ أبي جعفر يزيد بن القعقاع، ويعقوب، وخلف. هؤلاء هم الثلاثة. الآحاد هي المتمة لعشرها إذًا ما المراد بالقراءات الآحادية عندهم؟ الثلاثة قراءة يعقوب، وأبي جعفر، وخلف. أليس كذلك هذا المشهور كما سيأتي هذا المشهور عند أهل القراءات مع أن الآحاد عند المحدثين ماذا؟ آحاد جمع واحد، ما رواه واحد هو الآحاد. إذًا ما لم يصل إلى درجة المتواتر هذا إذا لم نذكر المشهور وإذا ذكرنا المشهور حينئذٍ ما رواه الواحد أو الاثنين أو الثلاثة وكل له اسم خاص عند أرباب الحديث لكن هنا الآحاد المراد به ما رواه الثلاثة القراءات الثلاثة المتممة للعشر. ثم ما يكون من قراءات الصحابة إذا صح سندها ملحقة بهذا القسم وهو قسم الآحاد كما سيأتي. (والثَّانِيُ: الآَحَادُ كالثَّلاثِةِ) (والثَّانِيُ) الذي هو الآحاد (كالثَّلاثِةِ تَتْبَعُها قِرَاءَةُ الصَّحابَةِ) فحينئذٍ ما كان من الآحاد عند أرباب القراءات هو الثلاثة وتلحقها في الرتبة مثلها في الآحاد قراءة الصحابة إن صح سندها إليهم، هذا هو الآحاد ما عدا ذلك فهو الشاذ، فما زاد عن الأربعة فهو شاذ عندهم والمراد بالأربعة لأن القراءات عندهم المشهورة أربعة عشر، أربع عشرة قراءةً. قراءة الحسن بن يسار البصري هذه الحادية عشر. وابن محيصن محمد بن عبد الرحمن السوسي المكي الثاني عشر هذا. الثالث عشر: يحيى بن مبارك اليزيدي. الرابع عشر: محمد بن أحمد الشنبوذي. هذه أربعة عشر قراءةً، السبعة هي المتواترة، والثلاثة المتممة للعشر هي الآحاد وألحق بها قراءة الصحابة، والأربعة عشر فيما زاد عن العشرة هذه شاذة هذا هو المشهور عند أرباب القراءات، وما بَقِيَ فهو شاذ كقراءات التابعين كابن جبير ويحيى بن وثاب والأعمش وغيرهم كل هذه قراءات شاذة. القسم الثاني أو التقسيم الآخر عند بعضهم وهذا منسوب للأصوليين وبعض الفقهاء تقسيم القراءات إلى قسمين: متواتر، وشاذ. ليس عندنا آحاد، قالوا: متواتر وشاذ. المتواتر هو السبعة القراء وما عدا ذلك فهو شاذ حينئذٍ جعلوا الثلاثة قراء من قسم الشاذ هذا منسوب لكثير من الأصوليين، وعند بعض الأصوليين وبعض الفقهاء تنقسم القراءات إلى متواتر وهو: السبع. وشاذ وهو: ما سوى ذلك. فالثلاثة على هذا القول تكون شاذة كقراءة أبي جعفر يزيد، ويعقوب، واختيارات خلف. الثالث - وهذا نفصله من أجل التباين والإيضاح فقط وإلا هو داخل في بعض الأقوال الأخرى -: وقيل: العشر متواترة وما عداها فهو شاذ. إذًا القسمة ثنائية أيضًا متواتر وشاذ، ولكن الخلاف في الثلاثة هل قراءتهم متواترة أم شاذة؟ هذا محل نزاع عند أرباب القراءات مع الأصوليين واللغويين هل قراءة أبي جعفر، وخلف، ويعقوب متواترة أم شاذة؟ هذا فيه نزاع.

القسم الثالث: قيل العشر متواترة. العشر كلها متواترة وما عداها فهو شاذ قراءة الحسن بن يسار وغيره تعتبر شاذًا، قال ابن السبكي تاج الدين صاحب ((جمع الجوامع)): القول بأن الثلاثة غير متواترة في غاية السقوط ولا يصح القول به عمن يعتبر قوله في الدين وهي لا تخالف رسم المصحف. ولذلك نقل السبكي الكبير أبوه عن البغوي رحمه الله وهم من المقرئين الاتفاق على القراءة بالثلاث أيضًا كالمتواتر لأنه ينبني إذا قيل: آحاد وشاذة. ينبني عليه أنه لا يجوز القراءة بها مطلقًا لا في الصلاة ولا في خارجها وإذا أثبتنا أن الثلاثة أيضًا متواترة حينئذٍ يجوز القراءة بها مطلقًا فينبني على هذا خلاف حكم وهو جواز القراءة بها أو لا؟ إذا قلنا: متواترة. على اشتراط التواتر في ثبوت القرآنية فحينئذٍ صارت الثلاثة هذه من المتواتر فيجوز القراءة بها مطلقًا في الصلاة وفي خارجها، إذًا البغوي ينقل الاتفاق على القراءة بالثلاث كما يُقرأ بالسبعة لأنها متواترة قال: وهذا هو الصواب. القول الرابع في التقسيم قيل: المعتمد في ذلك الضوابط. يعني: لا نقول: سبعة. نتقيد بقارئ وإمام وإنما نتقيد بأصول وضوابط إن وجدت فهي قرآن ويصح القراءة بها إن انتفت كلها أو بعضها فليست بقرآن ولا يقرأ بها، على الخلاف بالاحتجاج بها أو لا. إذًا الأقوال الأول الثلاث هذه متعلقة بأشخاص متى ما ثبتت القراءة عن فلان أو عن عدد معين فهي: متواترة. كل ما قرأ يعقوب فهو: آحاد. كل ما قرأ خلف فهو: آحاد. كل ما قرأ أبو جعفر فهو: آحاد. كل ما قرأ نافع، عاصم، ابن عامر، أبو عمرو نقول: هذه متواترة كل ما قرأ حسن بن أبي الحسن فهو: شاذ. إذًا هذا الحكم معلق بأشخاص قال بعضهم: بل الأولى أن يعلق بضوابط متى ما وجدت هذه الضوابط حينئذٍ حكمنا بالقرآنية كونه قرآنًا ولو لم يتواتر ونحكم حينئذٍ بالقراءة بها مطلقًا في الصلاة وفي خارجها وقيل: المعتمد في ذلك الضوابط سواء كانت القراءة من القراءات السبع أو العشر أو غيرها. قال ابن الجزري رحمه الله تعالى - وهو حامل راية هذا القول -: وقد ثُبِر في النشر كل قراءة - هذا هو الضابط - كل قراءة وافقت العربية ولو بوجه ووافقت أحد المصاحف العثمانية ولو احتمالاً وصح سندها فهي قراءة صحيحة. هذه ثلاثة أركان سماها أركان متى ما وجدت مجتمعة فحينئذٍ ثبتت القرآنية صارت قراءة ولا نقف مع فلان أو فلان بل نقول: متى ما وافقت القراءة العربية اللغة العربية ولو بوجه ما يعني: لا يكون ضعيفًا فصيحًا أو أن لا يكون مخالفًا مخالفة لا تضر كما سيأتي، ووافقت أحد المصاحف العثمانية لأنه ليس ثَمَّ مصحف واحد بل هي ستة أو ثمان - كما سيأتي - ووافقت أحد المصاحف العثمانية ولو احتمالاً وصح سندها هذا هو الثالث ثلاثة أقسام وافقت العربية ولو بوجه، وافقت أحد المصاحف العثمانية ولو احتمالاً، وصح سندها.

فالعبرة حينئذٍ هل هو التواتر أم صحة السند؟ صحة السند لأنه ليس كل ما صح سندًا فهو متواتر ولذلك جعل هذا ركنًا في ثبوت القراءة بل في ثبوت القرآنية من حيث كونه قرآنًا، وصح سندها فهي القراءة الصحيحة التي لا يجوز ردها ولا يَحِلُّ بكسر الحاء ولا يَحِلُّ إنكارها سواء كانت عن السبعة أو العشرة أو غيرهم من الأئمة المقبولين، ومتى اختل ركن من الثلاثة أطلق عليها ضعيفةً أو شاذة أو باطلة، وسواء كانت عن السبعة أو عمن هو أكبر منهم، يعني قد يكون الشاذ فيما ثبت عن السبعة، وهذا موجود لكنه قليل قالوا: قد يُروى عن نافع ما هو شاذ. في وجه عن طريق أو يروى عن ابن عامر أو أبي عمرو نقول: هذا قد يكون شاذًا لكنه قليل. أُطلق عليه ضعيفة أو شاذة أو باطلة سواء كانت عن السبعة أو عمن هو أكبر منهم وهذا هو الصحيح عند أئمة التحقيق من السلف والخلف صرح بذلك أبو عمرو الداني والمكي وأبو العباس والمهدوي وأبو شامة، ونقل مثله عن الكواشي وأبو حيان قال: وهو مذهب السلف الذي لا يُعرف عن أحد منهم خلافه. إذًا ما العمدة؟ تقول: العمدة هو وجود هذه الثلاثة الأركان: وافقت اللغة العربية ولو بوجه وافقت أحد المصاحف العثمانية. صح سندها. فمتى ما وجدت هذه الأركان الثلاثة ثبتت القرآنية، لكن المشهور عند الكثيرين من أرباب القراءات والأصوليين وأهل اللغة وغيرهم من الفقهاء أنه لا قرآن إلا ما كان متواترًا وما عدا ذلك فلا يثبت كونه قرآنًا، والسيوطي رحمه الله في سائر كتبه جرى على هذا التفصيل ولكنه رجع في ((الإتقان)). أما القران ها هنا فالمنزل ... على النبي معجزًا يفصل بقي تلاوة ومنه البسمله ... لا في براءة ولا ما نقله آحادهم على الصحيح فيهم ... ......................... رجح أن ما نقل آحادًا لا يكون قرآنًا ومنه البسملة لا في براءة لا شك أن البسملة من القرآن هذا بإجماع الثلاثة لا في براءة يعني لا في أول براءة، لا في براءة ولا فيما نقل آحادهم إذًا ما نقله آحادهم يعني: طريق الآحاد لا يكون قرآنًا. على الصحيح فيهما يعني: في هذين القولين أن البسملة من القرآن، وأن ما نقله الآحاد لا يكون قرآنًا لكنه رجع في ((الإتقان)) فجرى على ما مشى عليه ابن الجزري ورجحه ولذلك قال في ((التحبير)): تبعت البَلقيني أو البُلقيني في التقسيم ثلاثي ثم تبين لي أن فيه نظرًا. وهنا جرى على ذلك. إذًا عرفنا التقسيمات أو الاختلاف فيما ذكره بعضهم. والسَّبْعَةُ القُرَّاءُ مَا قَدْ نَقَلُوا ... فَمُتَواتِرٌ، ولَيْسَ يُعْمَلُ بِغَيْرِهِ في الحُكْمِ مَا لَمْ يَجْرِ ... مَجْرَى التَّفاسِيْرِ، وإِلاَّ فَادْرِ قَوْلَيْنِ ..................... ... ( .......................... قولين هذا لمن هذا للسيوطي. (ولَيْسَ يُعْمَلُ بِغَيْرِهِ) إذًا عرفنا أن المتواتر يقابله الآحاد والشاذ جماهيرهم على أنه لا يُقرأ ولا يحتج إلا بالمتواتر لا يقرأ في الصلاة ولا في خارجها إلا بالمتواتر وهو السبعة القراء ما نقله السبعة القراء هذا هو المتواتر ولا يُقرأ بغيره ولا يعمل بغير ما تضمنته من أحكام ولذلك قال:

(ولَيْسَ يُعْمَلُ بِغَيْرِهِ) لما عرف لك المتواتر من القراءات وهو ما رواه أو نقله السبعة القراءة قال: (ولَيْسَ يُعْمَلُ بِغَيْرِهِ). يعني: بغير المتواتر. وإذا لم يعمل به فمن باب أولى أن لا يُقرأ به لماذا؟ لأن القرآن أُنزل في الأصل للعمل به وتلاوته، ولكن التلاوة ليست أصلاً وإنما هي من باب السبعة فحينئذٍ إذا منع العمل بغير المتواتر فمن باب أولى وأحرى أن يمنع قراءته وهذا ذكره كثير منهم النووي ورجحه في (شرح المهذب) قال: من جوز القراءة في الصلاة أو غيرها بالثلاثة وما عداها فإما هو جاهل أو متجاهل. هكذا قال النووي في (شرح المهذب) وقد نقله بعض المعاصرين عنه. (ولَيْسَ يُعْمَلُ بِغَيْرِهِ) أي: بغير المتواتر من الآحاد والشاذ فلا يعمل بقراءة أبي جعفر ولا يعقوب ولا خلف ولا غيره من الشاذ وخاصة مما نقل من قراءات التابعين. (في الحُكْمِ) يعني: في الأحكام. لا يُعمل به في الأحكام، وإنما تؤخذ الأحكام من المتواتر (مَا لَمْ يَجْرِ مَجْرَى التَّفاسِيْرِ) هذا استثناء أو لا؟ استثناء (مَا لَمْ يَجْرِ مَجْرَى التَّفاسِيْرِ) غير المتواتر قد يجري مجرى التفسير والبيان كما في قراءة ابن مسعود (فصيام ثلاثة أيام متتابعات) متتابعات هذا يجري مجرى التفسير كأن فسر لك هل هذه الأيام المأمور بصيامها متتابعة أو لا؟ فقال: (متتابعات). فهذه القراءة ليست متواترة هل يعمل بقوله: ... (متتابعات). أو لا؟ كذلك بقوله: (وله أخ أو أخت من أم). (من أم) هذا جرى مجرى التفسير والبيان قال هنا: (ولَيْسَ يُعْمَلُ بِغَيْرِهِ) بغير المتواتر والآحاد من الآحاد والشاذ في الأحكام (مَا لَمْ يَجْرِ مَجْرَى التَّفاسِيْرِ) لا يعمل به ما لم يجر مجرى التفاسير، ما هو المنفي؟ ما جرى مجرى التفسير أو الذي لم يجر مجرى التفسير؟ (وإِلاَّ فَادْرِ قَوْلَيْنِ) وإلا غير المتواتر ما لم يجر مجرى التفاسير وإلا يجري مجرى التفاسير فادر قولين فاعلم قولين يعني في الاحتجاج بها أو لا قولان. (مَا لَمْ يَجْرِ مَجْرَى التَّفاسِيْرِ) إذا لم يعمل بغيره في الحكم إذا لم يجر مجرى التفاسير، وهذا فيه قلب في البيت لماذا؟ لأن الذي وقع فيه خلاف هو ماذا؟ [ما جرى مجرى التفسير] (¬1)، أو الذي وقع فيه خلاف هو ما لم يجر مجرى التفسير، وأما الذي جرى مجرى التفسير فهذا يحتج به ولا إشكال، ما جرى مجرى التفسير هذا يحتج به ولا إشكال، وأما ما لم يجر مجرى التفاسير فهذا يُعمل به أو لا؟ ألا نقول: القراءة التي لم تكن متواترة إما أن تجري مجرى التفسير أو لا؟ القولان اللذان حكاهما (وإِلاَّ فَادْرِ قَوْلَيْنِ) القولين المحكيان هنا هل هي فيما جرى مجرى التفسير أو في غيره؟ ¬

_ (¬1) سبق لسان.

في غيره، ولكنهم في الظاهر أنه في ما جرى مجرى التفسير لأنه قيد الأول قال: (ولَيْسَ يُعْمَلُ بِغَيْرِهِ في الحُكْمِ مَا لَمْ يَجْرِ مَجْرَى التَّفاسِيْرِ) وإلا فإن جرى مجرى التفاسير فقولان (فَادْرِ قَوْلَيْنِ) والأصل هو العكس، ولذلك قال بعضهم: مقتضاه أن القولين في الذي يجري مجرى التفسير. الخلاف (فَادْرِ قَوْلَيْنِ) أنهم في الذي جرى مجرى التفسير هذا مقتضى البيت، والصواب أن القولين إنما هما في ما لم يجر مجرى التفاسير، ولذلك أبدل بعضهم وصحح هذا البيت لأنه على ظاهره خطأ فقال: بغيره إلا الذي من ذا جرى ... مجرى التفاسير وإلا فترى (ولَيْسَ يُعْمَلُ بِغَيْرِهِ) إلا الذي من ذا جرى مجرى التفاسير يعني: مِنْ ذَا المشار إليه غير المتواتر وهو الآحاد والشاذ إذا جرى مجرى التفاسير يُعمل به وإلا يجري مجرى التفاسير فترى قولين، ولو صحح بطريقة أخرى فقيل: بغيره في الحكم إذ لا يجري ... مجرى التفاسير وإلا فادرِ صح البيت بغيره نفس بيت الناظم هكذا قال أبو الوفاء ذلك بغيره في الحكم إذ لا يجري ... مجرى التفاسير وإلا فادرِ صح البيت ولا يحتاج إلى تصويبه وإعادته مرة أخرى، واضح. (ولَيْسَ يُعْمَلُ بِغَيْرِهِ) بغير المتواتر من الآحاد والشاذ في الحكم إذ لا يجري مجرى التفاسير، إذًا ما لا يجري مجرى التفاسير لا يعمل به، وأما ما يجري مجرى التفسير فهذا الذي فيه قولان: يعمل به، لا يعمل به. واضح هذا. إذًا نصوب البيت هكذا: بغيره في الحكم إِذْ لا يجري ... مجرى التفاسير ........... إذ هذه تعليلية لنفي العمل عن غير المتواتر لماذا لا يُعمل به؟ إذ لا يجري مجرى التفاسير (ولَيْسَ يُعْمَلُ بِغَيْرِهِ) بغير المتواتر من الآحاد والشاذ في الحكم إذ لا يجري مجرى التفاسير لا يعمل به لأنه لا يجري مجرى التفاسير وإلا بأن كان يجري مجرى التفاسير فادر أي فاعلم أو اعرف أن العَمَلَ في العَمَلِ به على قولين: قيل: يُعمل به، وقيل: لا يُعمل به. إِنْ عَارَضَهُ المَرْفُوعُ ... قَدِّمْهُ ذا القَولُ هُوَ المَسْمُوعُ إن قيل: يُعمل به وعارضه حديث مرفوع عارض غير الآحاد والشاذ كل ما لم يكن من القراءات السبعة إذا عارضه الحديث المرفوع وقلنا هذا يجري مجرى التفسير فحينئذٍ إذا عورض بحديث مرفوع أيهما يقدم؟

الحديث المرفوع ولا إشكال وإذا لم يكن معارض بحديث مرفوع فحينئذٍ يعمل به مطلقًا ولا إشكال، هذا فيما إذا جرى مجرى التفسير قيل: يعمل به. وقيل: لا يعمل به. والأصح أنه يُعمل به، والأصح أنه يحتجُ بها كخبر الآحاد كما يُروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - خبر واحد كذلك يحتج بالقراءة إذا ثبتت عن خبر واحد والأصح أنه يحتج بها كخبر الآحاد لصحة نقلها عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، إذا صح السند وقرأ ابن مسعود (فصيام ثلاث أيام متتابعات) حينئذٍ انتفى التواتر في كونها قرآن ولكن بقي ماذا؟ أنها منقولة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لأن الصحابة يبُعد أن يزيدوا حرفًا واحدًا ولو كان من جهة المعنى أو القيد أو التخصيص دون رجوع إلى النقل، فلهذا الاحتمال بل لهذا الظاهر حينئذٍ نعامله معاملة الحديث المرفوع كأنه خبر واحد، لذلك لصحة نقلها عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا يلزم من انتفاء قرآنيتها لكونها آحاد لم تكن متواترة لا يلزم من انتفاء قرآنيتها انتفاء عموم خبريتها حينئذٍ تعامل معاملة الخبر وإنما لم تصح القراءة بها لعدم شروط التواتر أو لعدم شرط التواتر، هذا إن قلنا بأن القرآنية مقيدة بالتواتر، وإذا أثبتنا بأنها مقيدة بصحة السند حينئذٍ يدخل فيما ذكره ابن الْجَزَرِيّ. إذًا قوله: (وإِلاَّ). يعني: بأن لم يجر بغيره في الحكم إن لم يجر مجرى التفسير وإلا فادر بأن جرى مجرى التفسير قولين فادر يعني: فاعلم. قيل: يُعمل به. وقيل: لا يُعمل به. والأصح أنه يُعمل به كخبر الواحد وقيل: لا يُعمل به. لماذا؟ لأنها جاءت على كونها قرآنًا فانتفى كونها قرآنًا، إذًا سقط ما يدل على كونها قرآنًا وسقط ما تضمنته الآية من زيادة سقط ماذا؟ قرآنيتها وسقط مع قرآنيتها ما تضمنته من الأحكام نقول: لا، انتفاء شرط التواتر على القول به لا يلزم منه انتفاء خبريتها بل هي من هذه الحيثية خبر لأنه يبُعد أن الصحابة يزيدون من عند أنفسهم من تلقاء أنفسهم. (إِنْ عَارَضَهُ) أي: غير المتواتر. الحديث المرفوع، المرفُوع هذا فاعل عارض (قَدِّمْهُ) أي: قدم المرفوع (ذا القَولُ) وهو تقديم الحديث المرفوع على غير المتواتر من الآحاد والشاذ هو القول المسموع والمرضي عند أهل العلم لأن ذاك نص في كونه مرفوعًا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وهذا وإن كان الظاهر أنه في قوة المرفوع إلا أنه ليس كالمرفوع حقيقة، ولذلك إذا تعارض مرفوع حقيقة ومرفوعٌ حُكمًا ولم يمكن الجمع أيهما يقدم؟ المرفوع حقيقةً هو المقدم. والثَّانِيُ الآَحَادُ كالثَّلاثِةِ ... تَتْبَعُها قِرَاءَةُ الصَّحابَةِ يبقى في مسألة التواتر هناك ذكر ابن الحاجب رحمه الله تعالى مسألة قد شُنِّعَ عليه بها وهي: أن المتواتر هو جوهر اللفظ وأما هيئة اللفظ من المد، والإمالة، وتخفيف الهمزة فليس بمتواتر. وينبني عليه أن التجويد ليس بمتواتر وليس بواجب فشُنِّعَ عليه وصارت مسألة فيها ردود و ... إلى آخره. وقيل إلا هيئة الأداءِ ... وقيل خلف اللفظ للقراءِ

وقيل إلا هيئة الأداءِ هذا منسوب لابن حاجب رحمه الله تعالى، ولذلك قال ابن الحاجب يعني القراءة السبعة متواترة ويحكم بأنها متواترة قال: إلا ما كان من قبيل الأداء. الذي هو التجويد وابن الجزري شدد عليه قد وهم قال: لا أعلم له من سبقه بهذا القول. إلا ما كان من قبيل الأداء كالمد، والإمالة، وتخفيف الهمزة فإنه ليس بمتواتر وإنما المتواتر جوهر اللفظ. قال ابن الجزري رحمه الله: ولا نعلم أحدًا تقدم ابن الحاجب إلى ذلك، ويلزم من تواتر جوهر اللفظ تواتر هيئته حينئذٍ اللفظ وحال اللفظ الذي هو الأداء شيء واحد وإذا ثبت تواتر اللفظ حينئذٍ كان تواتر الهيئة من باب أولى وأحرى. هكذا قال ابن الجرزي رحمه الله ولذلك يقول في الجزرية: والأخذ بالتجويد حتم لازم ... من لم يجود القرآن آثم إذا لم تجود القرآن صرت آثمًا، وقوله هذا فيه نوع صعوبة، ولذلك البلقيني توسط قال: أصل المد والإمالة وتخفيف الهمزة الذي هو قدر مشترك بين القراء هذا متواتر، وما اختلفوا فيه هذه يزيد ست حركات وهذا أربع حركات هذا ليس بمتواتر. ولذلك إذا قلت: {إِذَا السَّمَاء انشَقَّتْ} [الانشقاق: 1]- بدون مد - تأثم فعلى هذا القول إذا قلت: {الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}. هكذا دون أن تخرج الحروف من مخارجها ودون أن تأتي بالتشديدات ونحوها صرت آثمًا. من لم يجود القرآن آثم، لو قال: {إِذَا السَّمَاء انشَقَّتْ} [الانشقاق: 1]. هكذا ولو مثال لو كلامي الآن أثمت عند ابن الجزري رحمه الله تعالى لماذا؟ لأن هيئة الأداء الذي هو التجويد من المد والإمالة ونحو هذا متواتر وإذا كان متواترًا حينئذٍ صار ماذا؟ صار واجبًا علمًا قطعيًّا فلا يُؤدى اللفظ إلا بهذا هذا قول ... والثَّانِيُ الآَحَادُ كالثَّلاثِةِ ... تَتْبَعُها قِرَاءَةُ الصَّحابَةِ (والثَّانِيُ) والثاني بإسكان الياء على الأصل لكن حركها بالضم ردًا إلى الأصل للوزن (والثَّانِيُ) مرفوع بالضم الظاهرة للضرورة للوزن كما قال الأول: لَعَمْرُكَ مَا تَدْرِي مَتَى أَنْتَ جَائيُ ... وَلَكِن أَقْصَى مُدَّةَ الْعُمْرِ عَاجِلُ

لعمرك ما تدري متى أنت جَائيُ هذا منقوص، والمنقوص إنما يُرفع بضمة مقدر على آخره وهنا جائلُ للضرورة، (والثَّانِيُ) حركه للضرورة من الأنواع الثلاثة مما لا يصل إلى حل التواتر مما صح سنده الآحاد، (كالثَّلاثِةِ) يعني كقراءة الثلاثة وهذا لفظٌ كالقراءات السبعة ثلاثة القراء يعقوب وأبو جعفر وخلف حكم عليها بكونها آحاد لماذا؟ لكونها لم تنقل بالتواتر وإذا لم تنقل بالتواتر حينئذٍ سقطت قرآنيتها ولم تكن قرآنًا ولذلك لا يجوز القراءة بها عندهم، ما نُقل آحادًا ليس من القرآن لأنه لإعجازه الناس عن الإتيان بمثله تتوفر الدواعي على نقله تواترًا، وقيل: نعم كما ذكره ابن جزري كما سبق، ... و (تَتْبَعُها قِرَاءَةُ الصَّحابَةِ)، (وتَتْبَعُها) هذا بالعطف على إسقاط حرف العطف أي: تتبع الثلاثة في كونها آحادًا لا يجوز القراءة بها (قِرَاءَةُ الصَّحابَةِ) لا مطلقًا وإنما إذا صح سندها، إذًا صحت القراءة عنه الصحابي ابن مسعود مثلا أُبَيُّ بن كعب وابن عباس نقول: هذه تابعةٌ للثلاثة لكونها آحادًا فإذا أطلق أرباب القراءة الآحادٍ انصرف إلى الثلاثة وقراءة الصحابي فليس مسمى الآحاد عندهم مختصًا بالثلاثة وإنما يشمل ماذا؟ قراءة الصحابة إذا صح سندها ... و (تَتْبَعُها) أي في الحكم في كونها آحادًا (قِرَاءَةُ الصَّحابَةِ) التي صح سندها لماذا؟ قالوا: لأنهم عدول لا يقرؤون بالرأي، (والثَّالِثُ) من الأنواع الثلاثة (الشَّاذُ الَّذي لَمْ يَشْتَهِرْ) (الشَّاذُ) بتخفيف الذال (الشَّاذُ) هو الشاذ لكن عندهم لا يلتقي ساكنان عند العرضيين لا يلتقي ساكنان، والساكنان هنا الألف والذال الأولى حينئذٍ لا بد من إسقاط الذال الأولى ولذلك هو (الشَّاذُ) بالتخفيف والثَّالِثُ الشَّاذُ الَّذي لَمْ يَشْتَهِرْ ... مِمَّا قَرَاهُ التَّابِعُونَ ..... (والثَّالِثُ) من الأنواع الشاذ وهو الذي لم يشتهر (مِمَّا قَرَاهُ)، (قَرَاهُ) قرأه بإسقاط الهمزة للتخفيف (التَّابِعُونَ) إما لغرابته لم يشتهر إما لغرابته أو لضعف سنده، ما لم يشتهر من القراءة عن التابعين إما لغرابته وإما لضعف سنده نقول: هذا شاذٌ، وهو كل القراءات الأربعة التي بعد العشرة التي ذكرنا أنها قراءة الحسن بن يسار البصري، وابن محيصٍ محمد بن عبد الرحمن المكي، ويحيى بن مبارك اليزيدي، ومحمد بن أحمد، هؤلاء نقول من التابعين وقراءتهم شاذة إما لكونا لا تصح وإما لكونها غريبة لم تشتهر، (واسْتُطِرْ) هذا تكملة يعني استطر كتب الشاذ في أنواع القراءات. السيوطي رحمه الله اجتهد وقسم القراءات ستة أقسام أراد أن يلتمس للقراءات مسلكًا مع مسالك أو يجتمع مع مسالك أهل الحديث فيثبت القراءات متواترة، وقراءة ومشهورة، وقراءة أحادية، وشاذة، وموضوعة، ومدرجة. ذكرها في ((التحبير)) وفي ((الإتقان)). [الأول]: المتواتر عنده. ما نقله جمعٌ يمتنع تواطئهم على الكذب عن مثلهم إلى منتهاه على التقسيم المشهور أن المتواتر ما نقله جمع يمتنع تواطئهم على الكذب عن مثلهم إلى منتهاه. قال: وغالب القراءات على هذا، غالب القراءات متواترة.

الثاني: المشهور. وهو الذي فُقد فيه التواتر، وهو ما صح سنده، ووافق العربية والرسم، واشتهر عند القراء - بقيد الشهرة - واشتهر عند القراء فلم يعدوه من الغلط ولا من الشذوذ ويُقرأ به على مقال ابن الجزري، المشهور لم يتواتر إذًا كل ما لم يتواتر فليس بقرآن القاعدة العامة عندهم، فحينئذٍ المشهور ليس بتواتر فلا يقرأ به والأصح أنه يُقرأ به فإذا جوزنا قراءة الآحاد كالثلاثة حينئذٍ ما لم يكن آحادًا ولم يصل إلى درجة التواتر من باب الأولى وأحرى. ومَثَّلَ له بما اختلفت الطرق في نقله عن السبعة، كُلّ ما اختلف فيه النقل عن السبعة - السبعة كل ما اتفقوا عليه فهو متواتر - إذا اختلفوا في النقل عن السبعة نقول: هذا لم يُنقل آحادًا ولم ينقل تواترًا فصار ماذا درجةً وسطى، فيجوز القراءة به على الصحيح عند ابن الجزري وغيره وعند الجمهور لا يُقرأ به، لماذا لفقد شرط التواتر. الثالثة: الآحاد. وهو ما صح سنده، وخالف الرسم أو العربية. صح السند لكنه خالف الرسم رسم القرآن المصحف العثماني أو العربية مخالفةً تضر أو لم تشتهر مع صحة السند عند القراء ولا يُقرأ به مع كونه صح سنده لكنه خالف الرسم وخالف القواعد مخالفةً تضر هذا حتى عند ابن الجزري لا يقرأ به لأنه ليس بقرآن ولو صح سنده، مَثَّلُوا له بقراءة ابن عباس (مِنْ أَنْفَسِهِمْ)، لقد جاءكم رسولٌ من أَنْفَسِكُمْ والقراءة المشهورة من أَنْفُسِكُمْ، كما سيأتي بيناه. الرابع: الشاذ. وهو ما لم يصح سنده ضعيف لم يصح سنده فهو شاذ. ومنه قراءة (مَلَكَ يومَ الدين) بصيغة الماضي الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مَلَكَ يومَ الدين، مَلَكَ فعلٌ ماضي والضمير فاعل هو ويومَ هذا مفعولٌ به هذه قراءة ضعيفة لم يصح سندها. الخامس: الموضوع. وهو: ما لا أصل له. مثلوا له ما جمعه الخزاعي محمد بن جعفر نسبها إلى أبي حنيفة قراءة جماعها ألفها ونسبها إلى أبي حنيفة أتباع أبي حنيفة يصنفون وينسبون لأبي حنيفة - إكرامًا له تعظيم تعظيمًا له -! ولذلك مر معنا المقصود هذا ألفه الإمام الأعظم والفقه الأكبر .. إلى آخره وهذا منه، قراءات. السادس: المدرج. وهو ما زيد في القرآن على وجه التفسير. مثلوا له بقراءة ابن مسعود (وله أخٌ أو أختٌ من أمٍ)، من أمٍ هذه زيادة زادها ابن مسعود تفسيرًا ولم يمنع ابن الجزري رحمه الله من كون بعض الصحابة يزيد بعض الألفاظ من باب التفسير قالوا: وهذا لا يلتبس لأن القرآن عندهم مصان ومحفوظ ولا يمكن أن يُشكل هذا اللفظ زائد عن القرآن أو لا. هذه ستة أقسام ذكرها السيوطي رحمه الله في ((الإتقان)) وفي ((التحبير)) إذا عرفنا أن القراءات وقع خلاف ونزاع متواتر، ومشهور، وآحاد، وهل يجوز القراءة به أو لا يحوز قد يَرِدُ السؤال هل هناك فائدة من جهة الشرع في الاختلاف أو لا، حتى فيما ثبت من جهة التواتر. نقول: نعم ثم فوائد ذكرها بعض أهل العلم: أولها: تدل هذه القراءات على اختلافها على صيانة كتاب الله تعالى وحفظه من التبديل والتحريف مع كونه على هذه الأوجه الكثير، وجوه كل قارئ له طريقان وكل طريق له وجوه متعددة وخلاف إلى آخره كل هذه تدل على ماذا؟

تدل على حفظ القرآن لا العكس، يعني لا يُستدل على الاضطراب في القرآن. نقول: لا هذه ثابتة ومتواترة وبعضها إن لم يكن متواترًا إلا أن الصحيح إنه مشهورٌ أو صحيح من جهة الآحاد حينئذٍ يثبت في كونه قرآنًا أو طريقًا أو وجه، فنقول هذا يدل على ماذا على صيانة كتاب الله تعالى وأنه محفوظٌ بلفظه وقراءته وما اختُلف في قراءته أليس كذلك؟ الثاني: التخفيف عن الأمة وتسهيل القراءة عليها. هذا يستطع أن ويقول الصراط ويقول السراط ويقول الظراط .. إلى آخر كل ذي بال يكون عليه من السليقة. الثالث: إعجاز القرآن في إيجازه. حيث تدل كل قراءةٍ على حكمٍ شرعي دون تكرر اللفظ. يعني اختلاف القراءات قد تدل قراءةٍ على حكمٍ شرعي والأخرى على حكمٍ شرعي قد يقع اضطراب بينهم خلاف أليس كذلك حينئذٍ نقول: كل قراءةٍ تُنَزَّل منزلة دليلٍ مستق. ولذلك نصل الشيخ الأمين رحمه الله في ((الأضواء)) بأنه إذا اختلفت قراءتان نُزِّلَ كلٍ منهما مُنَزّل الحديثين المتعارضين. يعني إذا وقعت قراءة عندهم تتضمن حكمًا وقراءة أخرى تنفي ذلك الحكم فحينئذٍ ماذا تصنع؟ الآية واحدة واختلف القراء فيها تجعل القراءة الأولى مُنَزّلةً مُنَزّل الحديث وهذا مُنَزّل مُنَزّل الحديث كما تصنع بين الحديثين المتعارضين كذلك تصنع بين القراءتين المتعارضتين. الرابع: بيان ما يحتمل أن يكون مجملاً في قراءةٍ أخرى فَيُبَيَّنُ في قراءةٍ أخرى. يعني يحتمل أنه مجمل. لو أردنا مثال على السابق الثالث: إعجاز القرآن في إيجازه، القراءة المشهورة في سورة المائدة {وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ} [المائدة: 6]. (وَأَرْجُلِكُمْ). هاتان قراءتان أرجلِكم بالكسر وأرجلَكم بدل أن نقول أنه من الجر بالمجاورة هذا ضعيف، المجاورة ضعيف أكثر أهل العربية على أنه ضعيف وإذا أمكن حمل الآية على معنى مستقل حكمٌ شرعي لا يُعارض الحكم التي دلت عليه قراءة النص فنقول نحمل كلاً من القراءتين على حكمٍ مستقل على الأخرى، {وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ} بالنصب عطف على {فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ} وهذا يبين ماذا؟ يبين إحدى حالتي القدم وهي إذا كانت مكشوفة {وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ} (أَرْجُلِكُمْ) بالخفض عطفًا على رؤوس بالجر ولا نقول عطفًا على الأول وجاء بالجر حينئذٍ صار من باب المجاورة نقول: لا، هنا قُصد فيها أن يكون معطوفًا على {وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ} [المائدة: 6] وهذا بيانٌ للحالة الأخرى للقدم وهي فيما إذا كانت مستورة، فحينئذٍ يُستدل بإثبات مسح الخفين بماذا بالكتاب والسنة ولا نقول بالسنة فقط ونذكره نقول: لا، نقول هو مجمع على إنها إشكال لأنه يذكر في باب المعتقد، نقول: ثبت بالكتاب وبالسنة بالكتاب في قراءة إذًا هذا دل على حكم شرعي وهذه دلت على حكم شرعي، فحينئذٍ نُزِّلَت كل قراءة على مضمون خاص مغاير للأخرى وهذا لا بأس فيه.

وأما بيان ما يحتمل أنه مجمل هذا كما في قوله تعالى: {وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ} [البقرة: 222]. بالتخفيف قُرِأَ حتى (يَطَّهَّرْنَ) فحينئذٍ يَطْهُرْنَ يَطَّهَّرْن، هل بينهما فرق {حَتَّىَ يَطْهُرْنَ}. يعني بانقطاع الدم [ ... اسمع اسمع ... ] {وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ}. بانقطاع الدم ثم يأتي الخلاف هل يجوز أن يأتي ويطأ قبل الغسل أو لا، سيأتي الخلاف نحتاج إلى دليل آخر لكن إذا نظرنا إلى القراءة الأخرى يَطَّهَّرْنَ علمنا ماذا أنه لا يكفي انقطاع الدم وهو طهر انقطاع الدم هذا يسمى طهرًا فحينئذٍ نقول: لا يكفي لا بد من زيادة شيءٍ آخر دلت عليه القراءة الأخرى فقوله: {حَتَّىَ يَطْهُرْنَ} [البقرة: 222]. هذا صار كالمجمل أنه محتمل هل المراد بالطهر هنا الطهر بالغسل أو انقطاع الدم، محتمل فلما جاءت القراءة الأخرى بين ماذا أن المراد هو الغسل أن المراد الغسل يعني حتى تَتَطَهَّر بالماء، ثم قال رحمه الله تعالى: (ولَيْسَ يُقْرَأُ بِغَيْرِ الأَوَّلِ) يعني لا يجوز القراءة بغير الأول الذي هو المتواتر وما عداها فالمشهور عند المتأخرين لا تجوز قراءة بها لا في الصلاة ولا في غيرها وسبق أن السبكي الكبير نقل عن البغوي وهو من القراء الكبار أن الاتفاق حاصلٌ على جواز القراءة بالثلاثة قال: وهذا هو الصواب. ..................... ... وَصِحَّةُ الإِسْنَادِ شَرْطٌ يَنْجَلِيْ لَهُ كَشُهْرَةِ الرِّجَالِ الضَّبْطِ ... وِفَاقُ لَفْظِ العَرَبِيْ والخَطِّ هذا بيانٌ لما ذهب إليه ولا أدري لماذا ذكره إذا مشى على التفصيل الثلاثي المتواتر والآحاد والشاذ وبأنه لا يُقرأ بغير الأول لماذا يذكر الشروط هذا الأركان؟ أنا لا أدري لماذا ذكرها، الأصل أنه لا يذكرها لأن هذا يمشي على ماذا على القول الرابع أن المعتمد الضوابط إلا إذا كان المراد أن يُبين طريقة ابن الجزري ومن سلك مسلكه فلا إشكال، يكون من باب الإنصاف، ذكر قوله وما يعتمده ثم استطرد فذكر الشروط والأركان التي ذكرها ابن الجزري في إثبات القرآنية، كونه قرآنًا بهذه الشروط الثلاثة أليس كذلك يحتمل هذا أما قوله: (ولَيْسَ يُقْرَأُ بِغَيْرِ الأَوَّلِ). وقوله فيما سبق (ولَيْسَ يُعْمَلُ بِغَيْرِهِ) بغير المتواتر وهو الآحاد والشاذ، ثم يقول: (وَصِحَّةُ الإِسْنَادِ) إلى آخره وهذا فيه تعارض، تعَارض لا يمكن أن يجمع بينهما إلا إذا كان مذهبًا للناظم إلا أن يكون من باب التبرع. وهذا يحصل عند بعض المصنفين يذكر اختياره ثم بعد ذلك يتبرع للقارئ فيذكر له ما قد يرجحه على اختياره هو. إذًا قوله: (وَصِحَّةُ الإِسْنَادِ) هذا استطراد من المصنف نجعله استطرادًا وإلا تناقض مع أوله. [ ... السيوطي ذكرها ما أدري يرجع للنقاية] (وَصِحَّةُ الإِسْنَادِ شَرْطٌ يَنْجَلِيْ) هذا شروط تحقق القرآنية للقراءة المشهورة على طريقة ابن الجزري رحمه الله، وهي ثلاثة (وَصِحَّةُ الإِسْنَادِ شَرْطٌ ... يَنْجَلِيْ) (شَرْطٌ) الشرط معلومٌ أنه يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده وجودٌ ولا عدمٌ لذاته. هذا هو الشرط وهو خارجٌ عن الماهية: والركن جزء الذات والشرط خرج ... وصيغة دليلها في المنتهج

(وَصِحَّةُ الإِسْنَادِ) باتصاله وثقة رجاله وضبطهم وشهرتهم كما سينص عليه المصنف رحمه الله تعالى (شَرْطٌ يَنْجَلِيْ) ويتضح ويظهر لهو الضمير يعود للقرآن أي: لكونه قرآن (شَرْطٌ يَنْجَلِيْ) (صِحَّةُ الإِسْنَادِ) (صِحَّةُ) هذا مبتدأ (شَرْطٌ) هذا خبره (يَنْجَلِيْ) صفة لشرط (يَنْجَلِيْ) يعني يتضح، (لَهُ) للقرآن في إثبات قرآنيته (كَشُهْرَةِ الرِّجَالِ الضَّبْطِ) (كَشُهْرَةِ الرِّجَالِ) يعني لا بد من شهرة الرجال ولا بد من ضبطهم فذكر وصفيتن اثنين لصحة الإسناد لا بد من وجودهما في الإسناد حتى يحكم بصحته شهرة الرجال والضبط بحذف أو إسقاط وهذا جائزٌ في الشعر مختلف فيه في النثر، الضبط هذا بالجر عطفًا على شهرة (وَصِحَّةُ الإِسْنَادِ) قال ابن الجزري: أن يروي تلك القراءة العدل الضابط عن مثله لأن كلام الآن فيه شروط ابن الجزري وأولى من يفسر شروطه هو، إذًا ما المراد بصحة الإسناد؟ قال: أن يروي تلك القراءة العادل الضابط عن مثله كذا حتى تنتهي وتكون مع ذلك مشهورةً عند أئمة هذا الشأن غير معدودة من عندهم من الغلط أو مما شذ بها بعضهم. كأنه لا يجعل صحة الإسناد فقط هي المثبتة للقرآنية، وإنما لا بد من مراعاة الشهرة وماذا أنه لم يشذ بها. (لَهُ كَشُهْرَةِ الرِّجَالِ الضَّبْطِ) فإن انتفى صحة الإسناد حينئذٍ نقول: انتفى كونه قرآنًا، ولو وافق الرسم والقواعد. مثال ما لم يصح سنده كقراءة من قرأ (إنما يخشى اللهُ من عباده العلماءَ)، هكذا قرأ بعضهم لكنها لم تصح من جهة السند فهي باطلة برفع لفظ الجلالة ونصب العلماء. لَهُ كَشُهْرَةِ الرِّجَالِ الضَّبْطِ ... وِفَاقُ لَفْظِ العَرَبِيْ والخَطِّ

(وِفَاقُ) وفاق يعني موافقة هذا عطف على ماذا على الصحة. (وَصِحَّةُ الإِسْنَادِ) هذا الشرط الأول، الثاني: (وِفَاقُ لَفْظِ العَرَبِيْ) أي موافقة القواعد العربية ولو بوجهٍ، ولو بوجه المراد به أي وجهٍ من وجوه النحو سواءٌ كان أفصح أو فصيحًا مجمعًا عليه أو مختلفًا فيه اختلافًا لا يضر مثله، سواءٌ كان أفصح أو فصيحًا مجمعًا عليه أو مختلفًا فيه اختلافًا لكنه قيد الاختلاف هنا باختلاف لا يضر مثله، إذا كانت القراءة مما شاع وذاع وتلقاه الأئمة بالإسناد الصحيح إذ هو الأصل الأعظم والركن الأقوم - يعني صحة الإسناد - ولا يلتفت إلى إنكار النحاة لبعضها، بعض النحاة يتدخل القراءة سنة متتبعة فما وافق صح سنده ووافق الرسم حينئذٍ نقول قراءةٌ صحيحة ووافق القواعد العربية في الجملة عام مما اشتهر وذاع، فإذا خالف ولو سُمِعَ وقيل به عند بعض وقد يكون مذهب الكوفيين قائم عليه فيقول هذا قراءة شاذة لا تصح لماذا؟ لكونها خالفت القواعد العربية كإسكان (بَارِئْكُمْ) [البقرة: 52]، (إِنَّ اللهَ يَأْمُرْكُمْ) [البقرة 67]، هذه كيف نوجهها؟ قال: السكون هذا خطأ هذا لحن، فحينئذٍ خطئوا هذه القراءة (وَالأَرْحَامِ)، (وَاتَّقُواْ اللهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامِ) [النساء: 1] بالجر بالخفض فطعنوا في القراءة لماذا لكونها مخالفةً لقواعد العربية لكن نقول قيده ابن الجزري أن تكون ثم خلاف لكنه خلافٌ لا يضر مثله، وهذا لا يضر مثله (وَالأَرْحَامِ) إذا كان مذهب الكوفيين قائمًا على جواز العطف على الضمير المجرور دون إعادة الخافض إذًا لا بأس (وَالأَرْحَامِ) وبالأرحام. (وِفَاقُ لَفْظِ العَرَبِيْ والخَطِّ) أي: وفاق، الخط هذا عطف على ماذا؟ لا، على (لَفْظِ) هذا مثل ابن جني لما قال لأبيه: إذا سئلت ... فقل: في المسألة قولان. إذاً قوله: (والخط) هذا معطوف على ماذا؟ على (لفظ)، يعني وفاق الخط أن تكون القراءة موافقة للخط، أي وفاق خط مصحف الإمام عثمان - رضي الله عنه -، وهذه قيل: ستة، المصاحف التي استنسخها عثمان رضي الله عنه قيل: ستة: 1 - المكي. 2 - والشامي. 3 - والبصري. 4 - والكوفي. 5 - والمدني العام. 6 - والمدني الخاص به لنفسه، اتخذه لنفسه. هذه ستة وهو المسمى بالإمام الخاص به، وقيل: ثمانية: مصحف البحرين. ومصحف اليمن. وقيل: مصحف مصر.

يعني صارت تسعة، والمشهور أنها ستة، فما وافق واحدا منها – وليس المراد أن يوافق الإمام فقط – فما وافق واحدًا منها ولو احتمالاً، نقول: نثبت به القراءة، أي ما كان ثابتًا في بعضها دون بعض، كقراءة ابن عامر (قَالُواْ اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً) [البقرة: 116] في البقرة بدون واو، وقوله: (وبالزبر وبالكتاب المنير) بالباء فيهما، فإن ذلك ثابت في المصحف الشامي، (قَالُواْ اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً) {وَقَالُوا} بزيادة الواو، ولو نظر إلى مصحف واحد إما أن يكون بالواو، وإما أن لا يكون، فإذا نظرنا إلى اعتبار القراءة بموافقة مصحف واحد خطأنا إحدى القراءتين، لكن نقول: لا، (وقالوا) بالواو وافقت مصحفًا عثمانيًا، (قالوا) بدون واو وافقت مصحفًا عثمانيًا، ولذلك قرأ ابن كثير {تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ} [التوبة: 72]- في براءة التوبة -، ... (تَجْرِي تَحْتهَا الأَنْهَارُ)، {تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ}؛ لأنها ثابتة في المصحف المكي، (وفاق لفظ العربي والخط)، مثال ما صح وخالف العربية وهو قليل جدًا، وقيل: بل لا يكاد يوجد، أن يكون صحيح السند ثم يخالف القواعد العربية، لا يمكن أن يحمل على وجه مشهور أو فصيح أو أفصح أو مختلف فيه اختلاف لا يضر، قالوا: هذا لا وجود له، لكن مَثَّلَ السيوطي - رحمه الله - برواية خارجة عن نافع (معائش) بالهمز، وبعضهم خرجها ... {مَعَايِشَ}، (معائش) بالهمز، وبعضهم خرجها قراءة صحيحة. ومثالُ ما صح وخالف الخط قراءة ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - ... (وكان أمامهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا)، (أمامهم) أصلها: ... {وَرَاءهُم}، وهذا من الأضداد، {وَرَاءهُم} (أمامهم)، وزاد كلمة ... (صالحة)، قالوا: هذا صح سنده وخالف الخط، ولذلك حكموا بكونها شاذة. ................ ... وصحة الإسناد شرط ينجلي له كشهرة الرجال الضبط ... وفاق لفظ العربي والخط هذه ثلاثة أركان إن وجدت ثبتت القرآنية، فحينئذ كل ما صح سنده، ووافق القواعد العربية - على ما ذكره ابن الجزري - ووافق الرسم العثماني، ثبتت القرآنية، فصحت وجازت القراءة به مطلقًا، وما اختلت الأركان كلها أو بعضها حينئذ سقطت القرآنية، فلا يجوز القراءة بها، وهل هي كخبر الواحد أو لا؟ على الخلاف المذكور السابق. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

8

عناصر الدرس * النوع الرابع (قراءات النبي صلى الله عليه وسلم) * النوع الخامس والسادس (الرواة والحفاظ من الصحابة والتابعين الذين اشتهرو بحفظ القرآن وإقرآئه). الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين. أما بعد: كان الحديث بالأمس عن القراءآت، وقلنا: أنها متواتر وآحاد وشاذة، وذكرنا أن الاصطلاح الشائع عند كثير من أرباب القراءآت والأصول والفقهاء أن القراءآت ثلاثة أنواع، هذا الشائع الموجود في الكتب، متواترة وآحاد وشاذة، فالمقصود بالمتواترة هي قراءة السبعة التي نص عليها الناظم: والسبعة القراء ما قد نقلوا ... فمتواتر ................ وهي قراءة: نافع، وابن كثير، وأبو عمرو، وابن عامر، وعاصم، وحمزة، والكسائي، هؤلاء إذا أطلق السبعة انصرف إلى هؤلاء السبعة، والآحاد إذا أطلق لفظ الآحاد انصرف إلى قراءة الثلاثة وهم: أبو جعفر يزيد بن القعقاع، وبعقوب، وخلف. الآحاد: إذا أطلق لفظ قراءات الآحاد انصرف للثلاثة، وهم: أبو جعفر: يزيد بن القعقاع، ويعقوب، وخلف. وما عدا ذلك من الأربعة عشر قراءة الحسن بن أبي الحسن، وغيره فهي شاذة. هذا هو المشهور وهو الذي جرى عليه الناظم هنا، لذلك قال: (والسَّبْعَةُ القُرَّاءُ مَا قَدْ نَقَلُوا فَمُتَواتِرٌ) ثم قال: (والثَّانِيُ: الآَحَادُ كالثَّلاثِةِ) وألحق به قراءات الصحابة إن صح سندها، فحينئذٍ صارت قراءات الصحابة إن صح سندها ملحقة بالآحاد، ثم قال: (والثَّالِثُ الشَّاذُ الَّذي لَمْ يَشْتَهِرْ مِمَّا قَرَاهُ التَّابِعُونَ)، فكل قراءةٍ ثبتت عن تابعي ولم تثبت عن صحابي فضلاً عن رفعها فهي شاذة، هذا هو المشهور عند كثير من أرباب القراءات والأصول وغيرهم.

ابن الجزري رحمه الله تعالى اعترض على هذا التأصيل، وتبعه السيوطي في ((التحبير)) وفي ((الإتقان)) قال: لا، ليس النظر هنا إلى كون السبعة قراءتهم هي المتواترة والثلاثة هي الآحاد مع عداها فهو الشاذ قال: لا بل النظر يكون إلى ضابطٍ يُعتمد يكون به الفرق بين قراءة الصحيحة وقراءة الشاذة فكأنه قسم القراءة إلى صحيحة وشاذة، ثم الصحيح قد يكون متواترًا وقد يكون آحاد فقال: كل قراءةٍ وافقت ماذا؟ العربية ولو بوجهٍ، ووافقت أحد المصاحف العثمانية ولو احتمالاً، وصح سندها فهي قراءة صحيحة سواءٌ كانت من السبعة أو من العشرة أو ما عداها، فحينئذٍ قد يكون من الأربعة المزيدة عن العشرة ما هو صحيحٌ ثابتُ القراءة بخلاف ما هو قول الجمهور بأن كل ما زاد عن العشرة فهو شاذ ولو صح سندها ووافق الرسم العثماني والقواعد العربية، فما استجمع الثلاثة شروط الذي ذكرها ابن الجزري في ما زاد على العشرة فليست بقراءة بل هي شاذة، وهذا فرقٌ جوهري بين ابن الجزري وغيره فكل قراءةٍ وافقت العربية ولو بوجهٍ من وجه النحو يعني سواءٌ كان هذا الوجه لا يُشترط به أن يرتضيه النحاة فحسب ولا نرجع إلى النحاة فحسب، لا. نقول: سواء كانت فصيحًا أم أفصح متفقًا عليه أو مختلفًا فيه اختلافًا لا يضر مثله، فحينئذٍ نقول: هذه مع بقية الشروط قراءةٌ صحيحة وكذلك إذا وافقت الرسم العثماني ولو احتمالاً، والمراد بالرسم العثماني المصاحف الستة أو الثمان أو التسع، يعني كل مصحفٍ سواءٌ كان شاميًا أو مكيًا أو مدنيًا عامًا أو خاصًا إلى آخره أي مصحفٍ من هذه المصاحف لأنه ثمَّ فرق بينها من حيث إثبات بعض الحروف دون بعض، فأي قراءةٍ صح سندها ووافقت الرسم العثماني ولو احتمالاً نقول: هذه قراءةٌ صحيحة مع بقية الشروط، ولو احتمالاً أراد به في ما إذا ما كان الوجه محتملاً في التقدير لا في النص، ومثل له ابن الجزري وكذلك السيوطي بـ: {اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ} [الفاتحة: 6]. والصراط هذا من حيث اللغة الأصل فيه بالسين سراط بالسراط فحينئذٍ كتب بماذا بالصاد لماذا كتب بالصاد؟ ولذلك نص ابن الجزري قال: هذا الدليل على فقه الصحابة كتبوه بالصاد على خلاف الأصل وهو بالسين لماذا؟ لأنه لو كتب بالسين وقرأ بالصاد لأنكر (اهدنا السراط) ثم قرئ بالصاد لأنكر لماذا لأن الأصل في اللغة أنه بالسين ولكن القراءةُ سنةٌ متبعة فحينئذٍ كتب بالصاد بقراءة أخرى فلو قرأ بالصاد فلا ينكر لأنه موافقٌ للرسم العثماني ولو قرأ بالسين احتمل لكونه احتمالاً احتمل لماذا؟ رجوعًا إلى الأصل ولو قرئ بحرفٍ بين الصاد والسين حينئذٍ لا ينكر. وصح سندها: هذا من الفروق الجوهرية بين اشتراط، صحة السند، والتواتر عند الجمهور حينئذٍ يصير مع هذه الثلاثة إن وجدت في قراءةٍ ما فهي صحيحة ويقرأ بها في الصلاة وفي خارجها، وتكون محلاً للاستنباط وغيره كل قراءةٍ اجتمعت فيها هذه الأركان الثلاثة حينئذٍ نقول: هذه قراءةٌ صحيحة، ولذلك أشار إليها في طيبة النشر بقول: فَكُلُّ مَا وِافَقَ وَجْهَ نَحْوِ ... وَكَانَ لِلرَّسْمِ احْتِمَالاً يَحْوِي وَصَحَّ ِإسْنَادًا هُوَ الْقُرْآنُ ... فَهَذِهِ الثَّلاثَةُ الأرْكَانُ

وَحَيْثُمَا شرط (¬1) رُكْنٌ أَثبِتِ ... شُذُوذَهُ لَوْ أَنَّهُ فِي السَّبْعَةِ (وَحَيْثُمَا يَخْتَلُ رُكْنٌ أَثبِتِ شُذُوذَهُ) فحينئذٍ ما هي القراءة الشاذة عند ابن الجزري ما فقدت أحد الأركان الثلاثة، وما استجمعت الأركان الثلاثة فهي قراءةٌ صحيحة ثابتة منقولة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وتثبت قرآنيتها ويصح الاحتجاج بها ولا إشكال في ذلك، هذا رأي ابن الجزري رحمه الله تعالى. جماهير أهل العلم على خلاف هذا، وهو إن نقل أن السلف لا يُعرف عنهم التقسيم الثلاثي هذا متواتر، والآحاد والشاذ، لكنه هو المشهور فحينئذٍ الفرق بين قول الجمهور وابن الجزري رحمه الله تعالى قراءة السبعة لا خلاف فيها لماذا؟ لأنها متواترة بقي ماذا؟ بقى الثلاثة، والأربعة، الأربعة أطلق عليها فيما زاد على العشرة أطلق عليها الجمهور أنها شاذة ولا يختلفون في هذا أبدًا، لا يختلفون أنها شاذة ولا يجوز بل حكى السيوطي رحمه الله الإجماع. وأجمعوا أن الشواذ لم يُبح ... قراءةٌ بها ولكن الأصح كخبر في الاحتجاج يجري ... وأنها التي وراء العشر يعني ما زاد على العشر فأجمعوا - لكن ما في دليل على الإجماع هذا - فأجمعوا على ماذا على أنه لا يجوز القراءة بها البتة، لا في الصلاة ولا في خارجها ثم هل يحتج بها في ما إذا تضمنت تفسيرًا أو لا. سبق الخلاف فيه، وأما الثلاثة التي عبر عنها الجمهور بأنها الآحاد وهي قراءة أبي جعفر ويعقوب وخلف هذه المشهور أنها متواترة عند المحققين كابن السبكي والسبكي وابن تيمية وكذلك مال الشيخ الأمين رحمه الله تعالى وصاحب ((المراقي)) فقال: مثل ثلاثة ورجح النظر ... تواترًا لها لدى من قد غبر مثل الثلاثة يعني: مثل لما استجمع الشروط الثلاثة التي ذكرها ابن الجزري مثل بالثلاثة لكن استدرك قال: ورجح النظر تواترًا لها لدى من قد غبر. يعني من مضى من العلماء رجحوا أن الثلاثة هي متواترة، لذلك قال هنا رحمه الله: (والسَّبْعَةُ القُرَّاءُ مَا قَدْ نَقَلُوا فَمُتَواتِرٌ). إذًا كل ما ثبت بالنقلٍ المتواتر على حده عند أرباب الحديث فحينئذٍ نقول هذه قراءةٌ متواترة فيُقرأ بها على أنها قرآن يعني تثبت قرآنيتها ولا شك أنه يُحتج بها في إثبات الأحكام الشرعية وغيرها وما عدا ذلك قال: ¬

_ (¬1) [يَخْتَلُ].

(ولَيْسَ يُعْمَلُ بِغَيْرِهِ) مع عدا المتواتر لا يعمل به لماذا؟ لأنه ليس بقرآن فحينئذٍ اشترط الجمهور في إثبات قرآنية ما نُقل التواتر، وابن الجزري يقول: لا يشترط التواتر. لماذا؟ يقول: لأن من يشترط التواتر يقول لا بد من موافقة الرسم والقواعد العربية، قال: لو اشترطنا التواتر لما احتجنا إلى الركنين الآخرين، إذا تواتر أن هذه قراءة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فلو خالفت الرسم العثماني تُقبل ولو لم توافق القواعد العربية بوجهٍ أو بدون وجهٍ فهي مقبولة سنةٌ متبعة وحيٌ، فحينئذٍ تكون القواعد كلها متبعة للوحي لا الوحي تابعًا للقواعد، فحينئذٍ يقول: لو اشترطنا التواتر في ثبوت القرآن لما احتجنا إلى الشرطين الآخرين، وإنما احتجنا إلى الشرطين الآخرين، يعني موافقة الرسم العثماني والموافقة للغة العربية مع عدم التواتر، إذًا ليس كل قرآنٍ يكون متواترًا عند ابن الجزري رحمه الله تعالى، وهذا لعله ينبني على مسألة الآحاد خبر الواحد هل يفيد العلم أم لا لماذا؟ لأننا لو ذكرنا أو رجحنا أن خبر الواحد إذا اتفق أنه صحيح يفيد العلم حينئذٍ لا إشكال لأن المتواتر يفيد ماذا؟ يفيد العلم اليقيني ضروري وخبر الواحد يفيد العلم لو قلنا نظريًا لا إشكال المهم أنه أفاد اليقين، فإذا أفاد اليقين حينئذٍ ثبت كونه قرآنًا (ولَيْسَ يُعْمَلُ بِغَيْرِهِ) يعني: غير المتواتر لا يعمل به البتة لماذا؟ لأنه ليس بقرآن. (ولَيْسَ يُعْمَلُ بِغَيْرِهِ) يعني: بغير المتواتر وهو الآحاد والشاذ في الحكم يعني: الأحكام الشرعية إذا لا يجري مجرى التفاسير لماذا؟ يعني ما لا يجري مجرى التفاسير لا يعمل به، وإلا ما جرى مجرى التفاسير ففيه قولان فادرِ قولين يعمل به، لا يعمل به. والأصح أنه يُعمل به وإن كان ذهب بعضهم إلى أنه لا يعمل به مطلقًا لأنه ليس بقرآن وليس منه ما بالآحاد روي ... فللقراءة به نفيٌ قوي كالاحتجاج .............. ... ................... وهذا مشهور عن مذهب مالك والمتأخرين. (وليس منه) يعني من القرآن. (وليس منه ما بالآحاد روي) ما روي بالآحاد ليس من القرآن فهو قراءة الثلاثة، ما. وليس منه ما بالآحاد روي ... فللقراءة به نفيٌ قوي كالاحتجاج ................. ... ........................ لا قراءة ولا احتجاج يقابله ماذا؟ قراءةٌ واحتجاج. الثالث التفصيل: لا يُقرئ به ويحتج به وهو ما رجح السيوطي في ((الكوكب الساطع)). إذًا كم قول؟ ثلاثة أقوال: لا يقرئ به ولا يحتج به، وهذا الذي رجحه صاحب المناط يعني: في ما مشى عليه على مذهب مالك وإن خالفه في آخر الباب: وليس منه ما بالآحاد روي ... فللقراءة به نفيٌ قوي كالاحتجاج ................. ... ........................ لا احتجاج ولا قراءة، ولكن ذهب بعضهم ولذلك مالك رحمه الله: لا يشترط أو لا يُوجب التتابع في صيام كفارة اليمين لأن صح سندها عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه فصيام ثلاثة أيامٍ متتابعات من احتج بها أوجب ماذا؟ التتابع. من رأى أنها ليست بحجة فحينئذٍ لا يوجب التتابع. التفصيل: أنه لا يُقرأ بها ويحتج بها.

وعلى رأي ابن الجزري رحمه الله: هي يُقرأ بها لأنها قرآن ويحتج بها ولا إشكال في ذلك، (وإِلاَّ فَادْرِ) يعني وإلا بأن جرت مجرى التفاسير فادر قولين، لكن ما لم يعمل به ما لم يعارضه حديثٌ مرفوع لماذا؟ لأن الحديث المرفوع باتفاق أنه يعمل به لا إشكال في ذلك وهو منسوبٌ إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - قطعًا حينئذٍ مع ما اختُلف في كونه قرآنًا فحينئذٍ يحتمل أنه يرد ويكون من اجتهاد الصحابة، لكن نقول: هذا فيه بعد. كون ابن مسعود رضي الله تعالى عنه يزيد كلمة إما أنها قرآن وإما أنها تفسير وبيان. فصيام ثلاثة أيام متتابعات إن لم تُقبل إنها قرآن، لكونها آحاد ليست متواترة يتعين علينا أن نقبلها ماذا؟ تفسيرًا، وأولى ما يتعلق به المجتهد هو تفسير الصحابة رضي الله تعالى عنهم للقرآن فإن عارضهم فحينئذٍ المرفوع مقدم. والثَّانِيُ الآَحَادُ كالثَّلاثِةِ ... تَتْبَعُها قِرَاءَةُ الصَّحابَةِ لأنه يبعد أو يستبعد أن الصحابة لعدالتهم أن يثبُتوا ألفاظًا على القرآن ليست منه. والثَّالِثُ الشَّاذُ الَّذي لَمْ يَشْتَهِرْ ... مِمَّا قَرَاهُ التَّابِعُونَ واسْتُطِرْ ولَيْسَ يُقْرَأُ بِغَيْرِ الأَوَّلِ ... ......................... لأنه ليس بقرآن، (وَصِحَّةُ الإِسْنَادِ) ثم قال: (وِفَاقُ لَفْظِ العَرَبِيْ والخَطِّ) هذه الثلاثة الأركان الذي ذكرها ابن الجزري رحمه الله في إثبات كونها قرآنًا، إذًا نقول: الخلاصة الجمهور على أن التقسيم ثلاثي: 1 - متواترة، وهي قراءة السبعة. 2 - وآحاد وهي قراءة الثلاثة. 3 - والشاذة وهي ما عدا ذلك. لا يجوز القراءة بغير المتواترة لأن من شرط إثباته كونه قرآنًا التواتر فما لم يتواتر ليس بقرآن، ثم الآحاد والشاذة هل يُعمل بها ويحتج بها أو لا؟ هي لا يقرأ بها قطعًا عندهم فإن قرأ بها في الصلاة فصلاته باطلة، لكن يبقى سؤال آخر هل يجوز أن يحتج بها في ما تضمنت من أحكام أو لا (فاقطعوا أيمانهما). {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] (فاقطعوا أيمانهما). أخذ جمهور الفقهاء بأن القطع يكون لليمين تبعًا لهذه القراءة فهل يحتج بها أو لا؟ هذا فيه قولان، على التفصيل السابق ما جرى مجرى التفسير وما لم يجر مجرى التفسير والأصح أنه إذا تضمنت حكمًا شرعيًا - إذا لم نرجح مذهب ابن الجزري - إذا تضمنت حكمًا شرعيًا فحينئذٍ لا إشكال في العمل بها، هذا هو الأصح. ابن الجزري رحمه الله تعالى يرى أن اشتراط التواتر في كون الشيء قرآنًا أو لا ليس عليه دليلٌ صحيح لا يُعرف عن السلف ولا عن الخلف، بل ما صح إسناده ولو لم يكن متواترًا مع موافقة القواعد العربية ولو بوجهٍ ما والرسم العثماني ولو احتمالاً فهي قرآن يُقرأ به ويستنبط منه الأحكام، هذا محل النزاع في خلاصة ما ذكرناه البارحة. ثم قال رحمه الله تعالى: أرجو أن تكون المسألة واضحة. الرابع قراءات النبي - صلى الله عليه وسلم -.

يعني النوع الرابع من العقد الثاني قراءات هذا جمع قراءة وذكرنا أنه مصدرٌ سماعي لقرأ والمراد بها قراءات، هي اختلاف ألفاظ الوحي في الحروف وكيفيتها من تخفيفٍ وتشديدٍ وغيرهما، هذا هو المراد بالقراءات وهل المراد به الاختلاف فقط في الجوهر اللفظي أم فيما يتعلق باللفظ هذا ذكرناه في المتواتر هل الذي تواتر هو الجوهر اللفظي فقط، وما عدا ذلك هيئة اللفظ أو الأداء أو كيفية الأداء هذا فيه الخلاف الجمهور على أنه متواتر كاللفظي وهذا اختيار ابن الجزري رحمه الله وأكثر المتقدمين، وبعضهم يرى أنه لا يشترط أو لا يشترط تواتر كيفية أداءه اللفظ من الإمالة والتخفيف والتشديد ونحو ذلك وهذا اختيار ابن الحاجب رحمه الله تعالى وذكر ابن الجزري: أنه لا يعلم له سابق. وتوسط البلقيني بأن أصل المد والهمز والتخفيف والتشديد هذا متواتر وما زاد عليه فهو غير متواتر ينبني عليه مسألة التجويد التي ذكرناها بالأمس هل يجب أو لا ... يجب؟ قال: (الرابع القراءات، قراءة النبي - صلى الله عليه وسلم -). تلك قراءات السبعة والثلاثة والأربعة عشر وهذه قراءة النبي - صلى الله عليه وسلم - هل معنى ذلك أن تلك غير قراءة النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ فلم أفرد النوع هذا قراءة النبي - صلى الله عليه وسلم -، والسبع قراء والثلاثة والخلاف السابق هل نقلوا قراءات النبي - صلى الله عليه وسلم - أم غيره؟ قراءة ... النبي - صلى الله عليه وسلم -. إذًا لماذا يذكر هذا النوع؟ أسندت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - نصًا نقل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قرأ كذا أم تلك لم فيقال: قرأ على ابن مسعود فقط أخذ القرآن عن ابن عباس أخذ عن أُبَيّ، وأًبَيّ أخذ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - عامة، مجملة، وأما هذا أراد أن يبين بعض ما نقل بسندٍ صحيح إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بأنه قرأ كذا أو أقرء كذا أقرأ. مثل مجموعة أمثلة يذكرها الناظم نمر عليها سريعًا. الرابع: قِراءَاتُ النِّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وعَقَدَ الحَاكِمُ في المُسْتَدْرَكِ ... بَابَاً لها حَيْثُ قَرَا بِمَلِكِ كذَا الصِّراطُ رُهُنٌ ونُنْشِزُ ... كذاكَ لا تَجْزِي بِتا يَا مُحْرِزُ أَيْضاً بِفَتْحِ يَاءِ أَنْ يَغُلاَّ ... والعَيْنُ بِالعَيْنِ بِرَفْعِ الأُوْلَى دَرَسْتَ تَسْتَطيعُ مِنْ أَنْفَسِكُمْ ... بِفَتْحِ فَا مَعنَاهُ مِنْ أَعْظَمِكُمْ أَمَامَهُمْ قَبْلَ مَلِكْ صَالِحَةِ ... بَعْدَ سَفينةٍ وهَذِيْ شَذَّتِ سَكْرَى ومَا هُمُ بِسَكْرَى أَيْضا ... قُرَّاتُ أَعْيُنٍ لِجَمْعٍ تُمْضَى واتَّبَعَتْهُمْ بَعْدَ ذُرِّيَّتِهِمْ ... رَفارِفَاً عَبَاقِرِيَّ جَمْعُهُمْ (وعَقَدَ الحَاكِمُ) عقد الحبلَ والبيع فانعقد، يقال: عقد الحبلَ والبيع فانعقد يعني: بَوَّبَ عقد هنا استعاره كناية عن التبويب (وعَقَدَ الحَاكِمُ) أبو عبد الله محمد بن عبد الله النيسابوري رحمه الله تعالى وتوفى سنة خمسٍ وأربع مائة وكذلك الترمذي أيضًا في الجامع عقد بابًا في المستدرك هذا الحاكم وعقد الحاكم النيسابوري في كتابه المسمى بالمستدرك على الصحيحين كتاب نبيل عظيم استدرك فيه الحاكم على الصحيحين هذا بناءً على ماذا؟

على أن البخاري ومسلم قد اشترطا ماذا جمع كل الصحيح فهم البعض أن البخاري ومسلم عليهما رحمة الله اشترطوا ما اشترطاه جمع كل الصحيح فحينئذٍ وجد بعض الأحاديث الصحيحة ولم تذكر في الجامع الصحيح للبخاري ولا عند مسلم فجمع بعضهم الإلزامات الدارقطني وكذلك الحاكم في المستدرك. مِنَ الصَّحِيحِ فَوَّتَا كَثِيرا ... وَقَالَ نَجْلُ أَخْرَمٍ يَسِيرَا مُرَادُهُ أَعَلَى الصَّحِيحِ ......... ... ......................... يعني: البخاري ومسلم جمعا أعلى الصحيح هذا هو الأصح، أصح الصحيح يعني عندنا صحيح وأصح، أصح الصحيح هو الذي اعتنى به البخاري ومسلم عليهما رحمة الله ولا يُستدرك عليهما ما هو صحيحٌ عند غيرهما لأنه لم يخرجه البخاري ويلزمه تخريجه، لا، نقول: لا يلزمه لأنه لم يشترط ذلك، ولذلك قال السيوطي: مِنَ الصَّحِيحِ فَوَّتَا كَثِيرا ... وَقَالَ نَجْلُ أَخْرَمٍ يَسِيرَا مُرَادُهُ أَعَلَى الصَّحِيحِ ......... ... ......................... يسيرًا: يعني بعضهم قال: فواتا كثيرًا من الأحاديث الصحيحة، وقال بعضهم: لا فوتا يسيرًا قال: مراده أعلى الصحيح إذًا أكثر الصحيح الذي هو أصح الصحيح موجودٌ في البخاري ومسلم وفوتا يسيرًا من أصح الصحيح لا من الصحيح ولذلك قال: مِنَ الصَّحِيحِ فَوَّتَا كَثِيرا ... وَقَالَ نَجْلُ أَخْرَمٍ يَسِيرَا مُرَادُهُ أَعَلَى الصَّحِيحِ فاحْمِلْ ... أَخْذًا مِنَ الحَاكِمِ أَيْ فِي المَدْخَلِ

(وعَقَدَ الحَاكِمُ في المُسْتَدْرَكِ) أي على الصحيحين (بَابَاً لها) أي للقراءات الواردة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (حَيْثُ قَرَا) عليه الصلاة والسلام (بِمَلِكِ) قرأ بملك {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}، (مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ) [الفاتحة: 4]. قراءتان سبعيتان قرأ - صلى الله عليه وسلم - بِمَلِك فيما رواه الحاكم من طريق الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه: أنه - صلى الله عليه وسلم - قرأ (مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ). بلا ألفٍ وهي قراءة أبي عمرٍو وابن عامر وحمزة وابن كثير ونافع، وقرأ عاصم والكسائي بألف ... {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}، (مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ) وكلاهما قراءتان صحيحتان ثابتتان، (كذَا الصِّراطُ) يعني: وقرأ - صلى الله عليه وسلم - الصراط. (كذَا) أي: مثل الذي ذكر. (كذَا) هذا خبرٌ مقدم والصراط مبتدأ مؤخر، و (كذَا الصِّراطُ) بالصاد وهي التي ثابتة في رسم المصحف وذكرنا أن هذا مثل ملك، مالك هذه من حيث الرسم ولو احتمالاً لأنها أثبتت بدون ألف فلو أثبتت الألف مالك حينئذٍ يحتمل ماذا؟ رد ملك لأن مالك هذه ليست بألف لكن لما كتبت ... ملك مع احتمال أن الألف قد تحذف اختصارًا فحينئذٍ يحتمل أن {مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ} أنها {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} ولكن لو كان العكس لما قبلت القراءة ... (كذَا الصِّراطُ) يعني: وكذا قرأ - صلى الله عليه وسلم - الصراط في سورة الفاتحة في ما رواه من طريق يعني الحاكم - وكل ما ذكر هنا عن الحاكم - فيما رواه من طريق إبراهيم بن طهمان عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه: أنه - صلى الله عليه وسلم - قرأ انظر أُسندت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - {اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ} [الفاتحة: 6] بالصاد. وهي قراءة الجمهور ما عدا قنبلاً فإنه قرأ بالسين وخلف إنه قرأ بالإشمام أي إشمام الصاد بالزاي، حرفٌ بين الصاد والسين ... (كذَا الصِّراطُ، رُهُنٌ) بضم الراء والهاء يعني وقرأ - صلى الله عليه وسلم - في سورة البقرة: ... (رُهُنٌ) [البقرة: 283]. بضم الراء والهاء بلا ألف {فَرِهَانٌ مَّقْبُوضَةٌ}، {فَرِهَانٌ} (فَرُهُنٌ مَّقْبُوضَةٌ) بضم الراء والهاء في ما رواه من طريق خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قرأ {رُهُنٌ مَّقْبُوضَةٌ} بلا ألفٍ. وهي قراءة ابن كثير وأبي عمرو وقرأ الباقون رهانٌ بكسر الراء وفتح الهاء وإثبات ألفٍ بعدها، (ونُنْشِزُ) يعني: وقرأ أيضًا - صلى الله عليه وسلم - في سورة البقرة (ونُنْشِزُ). بضم النون الأولى مع سكون الثانية وكسر الشين وهذا فيما رواه أيضًا من الطريق السابق عن خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قرأ ... (نُنْشِزُ) أي آية {وَانظُرْ إِلَى العِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا} [البقرة: 259]. (كذاكَ لا تَجْزِي) أي كذاك مثل الذي سبق قرأ - صلى الله عليه وسلم -: (لا تَجْزِي) [البقرة: 48].

بفتح التاء في سورة البقرة بتاء التأنيث {لاَّ تَجْزِي} بتاء التأنيث أي تاء التأنيث، تجزي هي تجزي هذه التاء تاء التأنيث ويحتمل أنها تاء المخاطب لكن المراد هنا تاء التأنيث {كَيْفَ نُنشِزُهَا} نحن، هي قراءة حمزة والكسائي وعاصم وابن عامر الشامي وقرأ الباقون (ننشرها) بالراء، وهنا قراءة أخرى شاذة (ننشيها) قراءة أُبي بن كعب، (كذاكَ لا تَجْزِي) فيما رواه من طريق داود بن مسلم بن عباد المكي عن أبيه عن عبد الله بن كثير القاري عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما عن أُبي رضي الله تعالى عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم -: أقرأه {وَاتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً} [البقرة: 48]. بالتاء {وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ} بالياء وهي قراءة السبعة، وقرأ أبو السماك (لاَّ تُجْزِي) بضم التاء من أجزأ، (يَا مُحْرِزُ) من أحرزت المتاع إذا جعلته في الحرز (يَا مُحْرِزُ) من أحرزت المتاع، وأحزت المتاع إذا جعلته في حفظه، لأن الحرز هو الذي يكون حفظًا للمادة، (أَيْضاً بِفَتْحِ يَاءِ أَنْ يَغُلاَّ) (أَيْضاً) يعني وأيضًا كلها معطوفة على إسقاط حرف العطف وهو الواو وأيضًا قرأ - صلى الله عليه وسلم -: (بِفَتْحِ يَاءِ أَنْ يَغُلاَّ) هذا في سورة آل عمران {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَغُلَّ} [آل عمران: 161]. بألف الإطلاق يغلاَّ والمراد بيغل أن يكون في: الغنيمة، وهذا فيما رواه من طريق داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس أنه - صلى الله عليه وسلم - قرأ: {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَغُلَّ} بفتح الياء وضم الغين مبنيٌ للفاعل وهي قراءة ابن كثير وأبي عمرو وعاصم وقرأ الباقون (أن يُغَل). الأولى {أَن يَغُلَّ} مبني للمعلوم، والثانية أن (أن يُغَل). هذا بضم الياء وفتح الغين مبينًا للمفعول. (والعَيْنُ بِالعَيْنِ بِرَفْعِ الأُوْلَى) (وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنُ بِالْعَيْنِ) [المائدة: 45]. بالرفع (والعَيْنُ بِالعَيْنِ) يعني وقرأ - صلى الله عليه وسلم - أيضًا (الْعَيْنُ بِالْعَيْنِ). برفع العين الأولى في سورة المائدة (بِرَفْعِ الأُوْلَى) يعني برفع لفظ العين الأولى في سورة المائدة وذلك في ما رواه الحاكم من طريق الزهري عن أنسٍ رضي الله تعالى عنه أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنُ بِالْعَيْنِ} [المائدة: 45]. بالضم، وهي قراءة الكسائي، وقرأ الباقون بالنصب فحينئذٍ والعينُ كيف نوجه هذه، ما إعراب الْعَيْنُ مبتدأ وبِالْعَيْنِ هذا خبره ويكون عطف الجملة على الجملة، ولو كان مفردًا لا إشكال يكون معطوفًا على محل أن واسمها لأنها في موضع مبتدأ عند سيبويه. (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتُهُ) [الأحزاب: 56]. بالرفع عطف على إن ومدخولها.

(دَرَسْتَ) في سورة الأنعام يعني وقرأ - صلى الله عليه وسلم -: {دَرَسْتَ} [الأنعام: 105]. بسكون السين وفتح التاء وهذا فيما رواه من طريق حميد بن قيس الأعرج عن مجاهد عن ابن عباس عن أُبَيّ بن كعب رضي الله تعالى عنهم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أقرأه {وَلِيَقُولُواْ دَرَسْتَ}. وهي قراءة نافع وحمزة والكسائي وعاصم، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو (دَارَسْتَ). بألفٍ بعد الدال وسكون السين وفتح التاء، وابن عامر بلا ألف وفتح السين وسكون التاء (دَرَسَتْ). أليس كذلك، (تَسْتَطيعُ) يعني وقرأ عليه الصلاة والسلام تستطيع بالتاء في سورة المائدة {هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ} [المائدة: 112]. (تَسْتَطِيعُ رَبَّكَ). {هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ} قراءتنا بالياء ورفع ربك هناك (هَلْ تَسْتَطِيعُ رَبَّكَ)، هذا في ما رواه الحاكم من طريق عبد الرحمن بن غنم الأشعري عن معاذ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أقرأه (هَلْ تَسْتَطِيعُ رَبَّكَ) بالتاء وبنصب ربك على المفعولية فحينئذٍ لماذا يكون التقديم؟ نعم أحسنت (هَلْ تَسْتَطِيعُ رَبَّكَ) هل تستطيع أن تدعو وتسأل ربك ولذلك ربك ما صار مفعولاً لقوله تستطيع أليس كذلك لأنه دخله عامل محذوف هل تستطيع أن تدعو وتسأل ربك، وهي قراءة الكسائي وقرأ الباقون بالياء والرفع {هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ} [المائدة: 112]. (مِنْ أَنْفَسِكُمْ) (دَرَسْتَ، تَسْتَطيعُ، مِنْ أَنْفَسِكُمْ) يعني وقرأ - صلى الله عليه وسلم - (مِنْ أَنْفَسِكُمْ) أفعل التفضيل من النَّفاسة أَنْفَس أَنْفُس أَنْفَس هذا أفعل التفضيل من النفاسة هذا في آخر سورة براءة، لذلك قال: (بِفَتْحِ فَا) أنفَسكم (مَعنَاهُ) أنفَسكم (مِنْ أَعْظَمِكُمْ) قدرًا من أنفَسكم من النفاسة أفعل التفضيل معناه (مِنْ أَعْظَمِكُمْ) قدرًا وهذا فيما رواه الحاكم من طريق عبد الله بن طاوس عن أبيه عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أقرأه: (لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفَسِكُمْ) [التوبة: 128]. وهي قراءة ابن عباس وابن محيصن والزهري هذه نطبقها قراءة ابن عباس وابن محيصن والزهري، الزهري من التابعين فهي شاذة إذا نسبناها إليه وابن عباس صحابي هنا وابن محيصن هذا من الأربعة عشر، وقرأ السبعة {مِّنْ أَنفُسِكُمْ} جمع نفسٍ أَمَامَهُمْ قَبْلَ مَلِكْ صَالِحَةِ ... بَعْدَ سَفينةٍ وهَذِيْ شَذَّتِ

لأنها خالفت ماذا هي صحيحة الإسناد لكنها خالفت الرسم العثماني (أَمَامَهُمْ) يعني وقرأ - صلى الله عليه وسلم - (أَمَامَهُمْ) في سورة الكهف حال كونها قبل لفظ ملك بسكون الكاف للوزن (صَالِحَةِ) بعد لفظ سفينةٍ: (وَكَانَ أَمَامَهُمْ مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ صَالِحَةٍ غَصْباً) [الكهف: 79]. هكذا قرأ، {وَكَانَ وَرَاءهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً} [الكهف: 79]. كل سفينة صالحة يعني أتى بدل وراء أمام وزاد كلمة صالحةٍ بعد سفينة ولذلك قال: (أَمَامَهُمْ قَبْلَ مَلِكْ صَالِحَةِ بَعْدَ سَفينةٍ)، (أَمَامَهُمْ قَبْلَ) كلمة (مَلِكْ) (وَكَانَ أَمَامَهُمْ مَّلِكٌ) زدت كلمة أمام قبل كلمة ملك (صَالِحَةِ بَعْدَ) لفظ (سَفينةٍ) (يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ صَالِحَةٍ غَصْباً) (وهَذِيْ شَذَّتِ)، (وهَذِيْ) ذي بِذَا لِمُفْرَدٍ مُذَكَّرٍ أَشِرْ بِذِي ... وَذِه تِي تَا عَلَى الأُنْثَى اقْتَصِر يقال: ذه يقال: ذي، هذه ذه وذي إذًا لغتان هنا قال (وهَذِيْ) أي القراءة (شَذَّتِ) شاذة لماذا شاذة؟ لأنها وإن صحت سندًا لأنه قال هنا فيما رواه الحاكم من طريق أبي إسحاق السبيعي - وهذا فيه كلام عند أهل الحديث - عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ ... (وَكَانَ أَمَامَهُمْ مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ صَالِحَةٍ غَصْباً) وهي قراءة ابن ... عباس وسعيد بن جبير وهي شاذة كما نص على ذلك الناظم وقرأ السبعة ... {وَرَاءهُم} وبدون لفظ صالحةٍ.

(سَكْرَى) تَغَرَّى (ومَا هُمُ بِسَكْرَى أَيْضا) هذا في سورة الحج في أولها: {وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى} [الحج: 2]، (وَتَرَى النَّاسَ سَكْرَى وَمَا هُم بِسَكْرَى) [الحج: 2]. يعني وقرأ - صلى الله عليه وسلم - سكرى على وزن غضبى (وَمَا هُمُ بِسَكْرَى) أيضًا في سورة الحج بفتح فسكون كعطشى في الموضعين في ما رواه من طريق الحكم بن عبد الملك عن قتادة عن الحسن عن عمران بن حصين أن رسول - صلى الله عليه وسلم - قرأ: (وَتَرَى النَّاسَ سَكْرَى وَمَا هُم بِسَكْرَى) وهي قراءة حمزة والكسائي يعني سبعية، وقرأ الباقون {سُكَارَى} بضم السين وفتح الكاف وألفٍ بعدها {سُكَارَى} جمع وسكرى هذا على وزن غضبى (قُرَّاتُ أَعْيُنٍ لِجَمْعٍ تُمْضَى) يعني وقرأ - صلى الله عليه وسلم -: (قُرَّات أَعْيُنٍ) ... [السجدة: 17]. هذا في سورة السجدة بصيغة الجمع (قُرَّاتُ أَعْيُنٍ لِجَمْعٍ تُمْضَى) يعني جمع في ما مضى اللفظين {قُرَّات} و {أَعْيُنٍ} وهذا فيما رواه من طريق عمار بن محمد عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قرأ: (فَلَا تَعْلَمُ النَفْسٌ) - وأظن أن هذا خطأ في الإتقان ونحوه - (مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّاتِ أَعْيُنٍ) وهي قراءة عبد الله وأبي الدرداء وأبي هريرة وعون والعقيلي، وقرأ السبعة: {قُرَّةِ أَعْيُنٍ} يعني بالأفراد، ... (واتَّبَعَتْهُمْ بَعْدُ ذُرِّيَتِهِمْ) واتبعتهم يعني وقرأ - صلى الله عليه وسلم - (واتَّبَعَتْهُمْ) في سورة الطور بتاء التأنيث يعني ليس أتبعناهم كما سيأتي: {وَاتَّبَعَتْهُمْ} [الطور: 21]. إذًا التاء هذه تسمى تاء التأنيث في سورة الطور بتاء التأنيث حال كونها (بَعْدُ ذُرِّيَتِهِمْ) هكذا بالضم والأحسن أن يكون بالنصب يعني: بعدها لفظ ذريتهم بالرفع وهي قراءة السبعة ما عدا أبا عمرٍو فإنه قرأ: (وَأتْبَعْنَاهُمْ ذُرِّيَّاتِهِم)، {وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم} هذه قراءة السبع ما عدا أبا عمرٍو فإنه قرأ: (وَأتْبَعْنَاهُمْ ذُرِّيَّاتِهِم) بالجمع والنصب بقطع الهمزة مفتوحة أتبعناهم وإسكان التاء والعين وماذا؟ ونون مفتوحة (وأتبعنا) بعدها ألف (وَأتْبَعْنَاهُمْ ذُرِّيَّاتِهِم) بالنصب على أنه مفعولٌ به منصوبٌ بالكسرة لأنه جمع مؤنث سالم واتَّبَعَتْهُمْ بَعْدُ ذُرِّيَتِهِمْ ... رَفارِفًا عَبَاقِرِيَّ جَمْعُهُمْ يعني: وقرأ - صلى الله عليه وسلم - (رَفارِفًا) ومثله (عَبَاقِرِيَّ) في سورة الرحمن بصيغة الجمع فيهما وزان مساجد كما قال الناظم: (جَمْعُهُمْ) يعني ثابتٌ لهم وقرأ: ... (رَفارِفًا عَبَاقِرِيَّ) نقول: رفارفًا العباقري هذا ماذا جمع أو لا؟

جمعٌ ولا إشكال في ذلك، هنا قال: فيما رواه من طريق الجحدري عن أبي بكر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قرأ: (مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفَارَفَ خُضْرٍ وَعَبَاقَرِيَّ حِسَانٍ) ... [الرحمن: 76]. (رَفَارَفَ) ممنوعٌ من الصرف (وَعَبَاقَرِيَّ حِسَانٍ) وهي قراءة عثمان بت عفان ومالك بن دينار وابن محيصن وغيرهم، وقرأ السبعة بالإفراد فيهما {مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ} بالإفراد فيهما، نعم إذًا (رَفارِفًا عَبَاقِرِيَّ) هذا في سورة الرحمن بصيغة الجمع فيهما (جَمْعُهُمْ) ثابتٌ لهما جمعهم بالإسكان جمعهم هذا مبتدأ على جهة الاستئناف جمعهم ثابتٌ لهما (جَمْعُهُمْ) مبتدأ خبره محذوفٌ وهو ثابتٌ لهما إذًا ذكر في هذه الأبيات بعض ما نقل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بقطع النظر عن صحة إسناده أو غيره والمراد أنه نُسب وأسند إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهذا كثير في المستدرك وفي غيره. ثم قال: الخامس والسادس أي من العقد الثاني: الخامس والسادس، من العقد الثاني وهو ما يرجع إلى الإسناد: الرواةُ والحُفَّاظُ من الصحابة والتابعين الذين اشتهروا بحفظ القرآن وإقرائه. الرواة والحفاظ الخامس: الرواة، والسادسُ: الحفاظ. إذًا الخامس المراد به الرواة والسادس الحفاظ من الصحابة وسيذكر أن عددهم أحد عشر صحابيًا، والصحابي معلومٌ حده وسبق معنا مرارًا والتابعين هذا جمع ماذا؟ تابعٍ، تابعيين أو تابع، أو تابعون واحدهم تابعي أو تابع، إما هذا أو ذاك، وهو حقيقته حده من صحب الصحابي وقيل من لقيه وهذا الثاني أظهر وأصح لأنه لا يشترط الملازمة بين التابعي مع الصحابي كما أنه لا يُشترط ذلك الصحابي مع النبي - صلى الله عليه وسلم - كذاك الأتباع كالصحابي. الذين اشتُهروا بحفظ القرآن وإقرائه يعني حفظ القرآن كله هذا المقصود لا بعضه يعني من الذي حفظ القرآن كله عن ظهر قلبٍ أوله من فاتحته إلى سورة الناس ومَن الذي أَقْرَأَه غيره بمعنى أنه عَلَّمَهُ تَعَلَّمَ فَعَلَّمَ «خيركم من تعلم القرآن وعلمه» لكنه ليس خاص بالحفظ كما يظنه البعض يكتب بالتحافيظ الآن ... «خيركم من تعلم القرآن وعلمه» كأن المقصود به الحفظ فقط لا ليس هذا المراد، بل هو أعم لأن اللفظ عام «خيركم من تعلم القرآن» وتعلم القرآن يكون بحفظه هذا نوع من أنواعه وقد يكون بالفقه فيه ونحو ذلك. (وإقرائه): يعني وإقراء القرآن للغير ذكر السيوطي رحمه الله أن المشهورين بإقراء القرآن من الصحابة سبعة: 1 - عثمان رضي الله تعالى عنه. 2 - وعلي. 3 - وأُبَيّ. 4 - وزيد. 5 - وابن مسعود. 6 - وأبو الدرداء. 7 - وأبو موسى الأشعري. ذكرهم كلهم هو إلا أبا موسى الأشعري. إذًا عرفنا أن السيوطي رحمه الله قال: المشهورون بإقراء القرآن بإقرائه لا بحفظه سبعة وهم: 1 - عثمان. 2 - وعلي. 3 - وأُبَيّ بن كعب 4 - وزيد بن ثابت. 5 - وابن مسعود. 6 - وأبو الدرداء. 7 - وأبو موسى الأشعري.

رضي الله تعالى عنهم أجمعين، وجاء في الصحيح عن عبد الله بن عمرو قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: «خذوا القرآن من أربعة» خذوا القرآن يعني: تعلموا القرآن من أربعةٍ يعني من أصحابي والأربعة هؤلاء هم: من عبد الله بن مسعود، وسالم ومعاذ وأُبَيّ بن كعب، هؤلاء أربعة اثنان مهاجران وهما عبد الله بن مسعود، وسالم مولى أبي حذيفة، واثنان أنصاريان وهما معاذ بن جبل وأُبَيّ بن كعب. «خذوا القرآن من أربعة» اثنان مهاجران عبد الله بن مسعود، وسالم مولى أبي حذيفة، واثنان أنصاريان وهما معاذ وأبي بن كعب. وفيه أيضًا في الصحيح عن أنسٍ رضي الله تعالى عنه قال: مات النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يجمع القرآن غير الأربع أو غير أربعةٍ. قوله: «خذوا القرآن من أربعة». هل يلزم منه نفي أخذ القرآن من غيرهم؟ لا ليس فيه ذلك، وإنما خصهم النبي - صلى الله عليه وسلم - تلتمس حكمة للتخصيص، وأما هل فيه نفيٌ لعدم أخذ القرآن من غيره؟ الجواب لا إذًا لا إشكال في هذه الرواية. وفيه أيضًا عن أنسٍ قال: مات النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يجمع القرآن غير الأربعة: أبو الدرداء، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو زيد. سئل عنه قال: أحد عمومتي. هؤلاء أربعة أنس رضي الله تعالى عنه يقول: لم يجمع القرآن غير الأربعة: أبو الدرداء، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو زيد. وهذا فيه إشكالٌ كبير. وفي الصحيح أيضًا عن قتادة قال: سألت أنس رضي الله تعالى عنه من جمع القرآن على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فقال: أربعة كلهم من الأنصار: أُبَيّ بن كعب، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو زيد. حينئذٍ صاروا كم هؤلاء في الروايتين؟ خمسة لأنه ذكر في الأولى قال: أبو الدرداء، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو زيد. في الرواية الثانية: ذكر من؟ أُبَيّ بن كعب ولم يذكره في الأولى ومعاذ بن جبل ذكره في الأولى وزيد بن ثابت وأبو زيد مذكوران في الأولى فصاروا كم؟ خمسة. قال الْبُلقيني: فيكون الحفاظ بمقتضى الروايتين خمسة، فيكون الحفاظ في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - الذين جمعوا القرآن كله فقط خمسة وما عداهم لم يجمع القرآن. والمراد بذلك مِنَ الأنصار وإلا فقد حفظه على عهده عليه الصلاة والسلام من غير الأنصار عثمان وسالم وابن مسعود هذا زيادة على الخمسة عثمان رضي الله تعالى عنه وسالم وابن مسعود. وزاد السيوطي قال: بل جمعه في عهده غيرهم أيضًا منهم عبد الله بن عمرو بن العاص فقد قال: جمعت القرآن فقرأت به. جمعت القرآن إذا أطلقوا هذا اللفظ مرادهم حفظوه كله، فقرأت به كل ليلة فبلغ ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الحديث. قال ابن كثيرٍ رحمه الله تعالى: وأبو بكرٍ الصديق يعني زد على ذلك الخمسة يزاد عليهم عثمان، وسالم، وابن مسعود، وعبد الله بن عمرو بن العاص. قال ابن كثير: وأبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه لماذا؟ ما الدليل على أنه جمعه؟ قالوا: قد قدمه النبي - صلى الله عليه وسلم - إمامًا على المهاجرين والأنصار مع أنه قال: «يؤم القوم أقرأهم لكتاب الله». وقدمه إمامًا على المهاجرين والأنصار فدل على ماذا؟

على أنه يحفظ، ولولا أنه كان أقرأهم لكتاب الله لما قدمه عليهم، وزاد السيوطي تعليلاً على هذا يقول: كيف هو أقدمهم إسلامًا ويحفظه مَنْ بَعْدَه ثلاث وعشرين سنة ما يستطيع أن يحفظ القرآن؟ الجواب: لا، يستطيع حينئذٍ صاروا كم الآن؟ عشرة، ورواية أنس: لم يجمع القرآن على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - غير أربعة. وإذا صاروا عشرة أيضًا هذا قليل جدًا بالنسبة لعدد الصحابة ولذلك استنكر بعضهم حصر العدد في رواية أنس رضي الله تعالى عنه حصر العدد في أربعة، وحتى ما زيد عليه زيد عليه بالاجتهاد يعني قول عبد الله بن عمرو أنه حفظ: جمعت القرآن هذا يمكن أن يؤول، وكذلك أبو بكر الصديق كونه قُدِّمَ من أجل قوله - صلى الله عليه وسلم -: «يؤم القوم أقرأهم لكتاب الله». يقول: هذا يمكن تأويله لكن نصًا أنه جُمِعَ أو جَمَعَ القرآن أربعةٌ فقط فهذا استشكله الكثير ولذلك قيل في رواية أنس: لم يجمع القرآن غير أربعة. لا يلزم من ذلك أن لا يكون أحدٌ في ذلك الوقت شاركهم في حفظ القرآن ففي الصحيح في غزوة بئر معونة أن الذين قُتلوا بها من الصحابة كان يقال لهم: القراء وكانوا سبعين رجلاً، وإذا قيل قراء على عهد الصحابة والتابعين حينئذٍ صار أنه يحفظ القرآن كله عن ظهر قلب فكيف يقول أنس: غير أربعةٍ. وجاء أن غزوة بئر معونة قتل فيها سبعون من القراء وقد استنكر جماعةٌ من الأئمة الحصر في الأربعة. قال المازري رحمه الله تعالى: المازَري والمازِري بفتح الزاي وكسرها قال: لا يلزم من قول أنس: لم يجمعه غيرهم. أن يكون الواقع في نفس الأمر كذلك لا يلزم من ذلك أن يكون في نفس الأمر أنه لم يجمعه إلا الأربعة لماذا؟ لأن التقدير أنه لا يعلم أن سواهم جمعه، إنما أخبر عن علمه ومن علم حينئذٍ يقول: قد أخبر بماذا؟ بما يعلم أو من أخبر فإنما أخبر بما يعلم ولا يلزم أن ما لا يعلمه يكون منفيًا بعلمه، أليس كذلك لا يلزم أن ما لا يعلمه أن يكون منفيًا بعلمه بل يكون أربعة جمعوه ويعلم ذلك ولا يعلم أن عداهم قد جمعوا القرآن. قال: لأن التقدير أنه لا يعلم أن سواهم جمعه وإلا فكيف الإحاطة بذلك مع كثرة الصحابة وتفرقهم في البلاد. قال القرطبي رحمه الله: وإنما خص أنسٌ الأربعة بالذكر لشدة تعلقه بهم دون غيرهم. يعني: أراد أن يخص لفظ الأربعة بوصفٍ خاص يميزهم عن غيرهم، والمراد أنه لا يحصر حفظت كتاب الله من الصحابة في الأربعة وإنما خص أنس الأربعة بالذكر لشدة تعلقه بهم دون غيرهم، أو لكونه في ذهنه دون غيرهم، وقال القاضي أبو بكر الباقلاني: الجواب عن حديث أنس من أوجه: أولاً: أنه لا مفهوم له لأنه عدد، لا مفهوم له فلا يلزم ألا يكون غيرهم جمعه. الوجه الثاني: المراد لم يجمعه على جميع الوجوه والقراءات التي نزل بها إلا أولئك يعني لم يجمعه بقراءاته ووجهه إلا أولئك الأربعة وهذا محتمل لا إشكال. الوجه الثالث: أن المراد بجمعه تلقيه من في الرسول - صلى الله عليه وسلم - لا بواسطة بخلاف غيره فيحتمل أنه بواسطة. الرابع: المراد بالجمع الكتابة لم يجمعه إلا أربعة. مراد بالكتابة فلا ينفي أن غيرهم جمعه حفظًا أما هؤلاء فجمعوه كتابةً وحفظوه عن ظهر قلب.

الخامس: المراد أن أحدًا لم يفصح بأنه جمعه بمعنى أكمل حفظه في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا أولئك، وأما غيرهم لم يفصح. مراد هؤلاء كلهم لا بد من تأويل ظاهر حديث أنس هذه هي الخلاصة إما أن تكون العدد لا مفهوم له، وإما أنه أخبر بعلمه، وإما أن هؤلاء الأربعة اعتنوا به عناية فائقة جدًا على غيرهم بحيث أنهم جمعوه روايات ووجوه إلى آخره، وإما أن تقول: أنهم أخذوه من النبي - صلى الله عليه وسلم - بلا واسطة، أما أن يقال: الصحابة لم يحفظ منهم القرآن إلا أربعة هذا بعيد جدًا. بل نقول أكثرهم يحفظون القرآن بل هذا هو الأصل فيهم. عَليُّ عُثْمانُ أُبِيٌّ زَيْدُ ... ولابنِ مَسعُودٍ بِهذا سَعْدُ كذا أَبُو زَيْدٍ، أَبو الدَّرْدا كَذَا ... مُعاذٌ بنُ جَبَلٍ وأَخَذَا عَنْهُمْ أَبُو هُرَيْرَةٍ مَعَ ابْنِ ... عَبَّاسٍ ابنُ سَائِبٍ والمَعْنِي بِذَيْنِ عَبْدُ اللهِ ثُمَّ مَنْ شُهِرْ ... مِنْ تَابِعِيٍّ فالَّذِي مِنْهُمْ ذُكِرْ يَزِيْدُ أَيْ مَنْ أَبُهُ القَعْقَاعُ ... والأَعْرَجُ بنُ هُرْمُزٍ قَدْ شَاعُوا مُجَاهِدٌ عَطَا سَعِيْدٌ عِكْرِمَةْ ... الأَسْوَدُ والحَسَنُ زِرٌّ عَلْقَمَةْ كذاكَ مَسْرُوقٌ كذا عَبِيْدَةْ ... رُجُوعُ سَبْعةٍ لَهُمْ لا بُدَّهْ

(عَليُّ) بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه، هو عد أحد عشرة فقط وهم علي، هذا خبر مبتدأٍ محذوف ثم يعطف عليهم الباقين بحرف عطف محذوف ولا نحتاج أن نكرر كل وقت (عَليُّ) أي وهم عليٌ بن أبي طالب بن عبد المطلب ابن عم النبي - صلى الله عليه وسلم - وزوج ابنته وأمير المؤمنين والخليفة الرابع وهو واحدٌ من العشرة المبشرين بالجنة توفي وهو ابن ثلاثٍ وستين سنة. و (عُثْمانُ) بن عفان بن أبي العاص، يكنى أبا عمرٍو ولد بعد الفيل بست سنين عثمان بن عفان خليفة الثالث وأحد المهاجرين وأحد المبشرين من العشرة. (أُبِيٌّ) يعني وأُبَيّ بن كعب الخزرجي توفي بالمدينة ودفن بها سنة ثلاثين في خلافة عثمان وقيل في خلافة عمر رضي الله تعالى عنه. (زَيْدُ) بن ثابت يعني وزيد بن ثابتٍ الأنصاري كاتب الوحي والمصحف تُوفي بالمدينة سنة أربع وخمسين. (ولابنِ مَسعُودٍ بِهذا سَعْدُ) يعني ولعبد الله بن مسعودٍ الْهُذَلي هذا اختلف في وفاته فقيل تُوفي بالكوفة سنة اثنين وثلاثين، وقيل: ثلاث وثلاثين، وقيل: بالمدينة دفن بالبقيع (بِهذا سَعْدُ) سعد بن أبي وقاص من السعود (بِهذا سَعْدُ) يصير ولابن هذا جار مجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم وسعدٌ بهذا الذي هو الحفظ والإقراء وفهم معنى القرآن (ولابنِ مَسعُودٍ) سعدٌ ونجاحٌ وفلاح لأن حفظ القرآن هذا طريق النجاح ولذلك ألحظ على طلاب العلم الذي يحفظ القرآن هذا يسير ما شاء الله كالريح والذي لا يحفظ القرآن هذا ما أدري يكبو ساعة ويقوم ساعة لأنه إذا حُفِظَ القرآن فيه كل علم ويكون معونة لكل علم ولذلك الذي لا يحفظ في الغالب أنه لا يستطيع أن يحفظ متن ما (كذا أَبُو زَيْدٍ) كذا أي مثل الذي نسبه في كونهم من حفظة القرآن والإقراء أبو زيدٍ منهم أبو زيدٍ الأنصاري ولما سئل أنس من أبو زيد؟ قال: أحد عمومتي. والأشهر أنه قيل: لا يعرف اسمه. وقيل: اسمه قيس بن السكن وهذا هو المشهور كما نص على ذلك ابن حجر والسيوطي (كذا أَبُو زَيْدٍ، أَبو الدَّرْدا) أبو الدرداء الخزرجي الأنصاري واسمه عويمر وقيل: عامر. تُوفي بدمشق في خلافة عثمان سنة إحدى وقيل: اثنتين وثلاثين. (كَذَا مُعاذٌ بنُ جَبَلٍ) أبو عبد الرحمن معاذ بن جبلٍ أبو عبد الرحمن (وأَخَذَا) هذا منفصل (وأَخَذَا عَنْهُمْ أَبُو هُرَيْرَةٍ) هؤلاء عدهم كم الآن ثمانية عليٌّ، عثمان أُبي، زيد، ابن مسعود، أبو زيد، أبو الدرداء، معاذ بن جبل. هؤلاء ثمانية (وأَخَذَا عَنْهُمْ أَبُو هُرَيْرَةٍ) (وأَخَذَا) بألف الإطلاق أخذا (أَبُو هُرَيْرَةٍ) هذا فاعل أخذا (عَنْهُمْ) عن هؤلاء الثمانية عبد الرحمن بن صخرة الدوسي تُوفي سنة سبع وخمسين أسلم عام خبير مع (مَعَ ابْنِ عَبَّاسٍ، ابنُ سَائِبٍ)

(عَنْهُمْ أَبُو هُرَيْرَةٍ مَعَ ابْنِ عَبَّاسٍ) كيف يكون التقدير هنا وأخذ عنهم أبو هريرة (مَعَ ابْنِ عَبَّاسٍ، ابنُ سَائِبٍ) يعني: أخذ ابن عباس مع أبو هريرة عن الثمانية السابقين عبد الله بن عباس ابن عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تُوفي بالطائف سنة ثمانية وستين وقيل: تسع وستين. وقيل: سنة سبعين. (ابنُ سَائِبٍ) يعني: وابن سائب المخزومي قارئ أهل مكة توفي بها في إمارة الزبير (والمَعْنِي بِذَيْنِ عَبْدُ اللهِ). (مَعَ ابْنِ عَبَّاسٍ، ابنُ سَائِبٍ، والمَعْنِي بِذَيْنِ عَبْدُ اللهِ) يعني: لك أن تفصل. وهذا هو الظاهر (مَعَ ابْنِ عَبَّاسٍ) يعني: مع المذكورين التسعة السابقين (ابْنِ عَبَّاسٍ، ابنُ سَائِبٍ) وابن السائب (والْمَعْنِي بِذَيْنِ عَبْدُ اللهِ) عبد الله بن السائب وعبد الله بن عامر لكن يَرِدُ السؤال ابن عباس هذا كني ولقب صار فإذا أطلق صرف إلى عبد الله فلا يحتاج إلى تنصيص كذلك ابن السائب لابن السائب إذا أطلق صارت إلى عبد الله ولا ينصرف إلى غيره من إخوته (والمَعْنِي بِذَيْنِ) المعني اسم مفعول من عنى ويعني والمقصود (بِذَيْنِ) ابن عباس وابن السائب عبد الله (ثُمَّ) إذًا انتهى من جرد وذكر الصحابة وهم أحد عشر لكنهم أكثر بكثير لكن هؤلاء ظهر عنايتهم بالحفظ والإقراء، ولا يلزم من إثبات الإقراء وشهرتهم بالحفظ نفي والحفظ والإقراء عن من عداهم. (ثُمَّ) بعد ذكر الصحابة وهم أعلى درجة يذكر من أخذ عن الصحابة وهم أدنى لأنهم طلاب للصحابة. (ثُمَّ مَنْ شُهِرْ) من الحفاظ والقراء (مِنْ تَابِعِيٍّ) وعرفنا حد التابعين ... (فالَّذِي مِنْهُمْ ذُكِرْ) من تابعيٍّ لك أن تجعل التنوين هنا للتكثير (مِنْ تَابِعِيٍّ) كثر والتنوين قد يأتي للتكثير، (فالَّذِي مِنْهُمْ ذُكِرْ) واستطر في كتب أهل العلم مع كثرتهم (يَزِيْدُ) أبو جعفر يزيد وهذا ذكرنا من الثلاثة (أَيْ) لما اشتبه يزيد بغيره قال: (أَيْ). حرف تفسير (مَنْ أَبُهُ القَعْقَاعُ) يزيد بن القعقاع أبو جعفر هذا شيخ نافع، غريب نافع من القراء السبعة متواتر ولا يختلفون في قراءته شيخه من مشايخه أبو جعفر وجعلوه من الآحاد (يَزِيْدُ أَيْ مَنْ أَبُهُ) يعني: من أبوه. هذا على لغة القصر. وفي أبٍّ وتالييه يندروا ... وقصرها من نصهن أشهروا بأبه اقتدى علي في الكرم ... وما يشابه أبه فما ظلم أبوه أبه يعني: بالإضافة وعدم إرجاع الواو أبه أبوه بأبه اقتدى ولم يقل: بأبيه. مع وجود الشروط بأبه ولم يقل بأبيه على المشهور ومن يشابه أبه ولم يقل: ومن يشابه أباه. نقول: هذه لغة قصر وهي: أقل، وقصرها من نصهن أشهروا هي أشهر من من النقص، لا هذه النقص أبه النقص وأبوه الإتمام، وإلزام الألف كفتى هذه القصر. وفي أبٍّ وتالييه يندروا ... وقصرها من نصهن أشهروا (يَزِيْدُ) إذًا أبو جعفر (أَيْ) فسره (مَنْ أَبُهُ القَعْقَاعُ) يعني: يزيد بن القعقاع هذا تُوفي سنة اثنتين وثلاثين ومائة، مائة واثنين وثلاثين وقيل: ثماني وعشرين ومائة.

(والأَعْرَجُ بنُ هُرْمُزٍ قَدْ شَاعُوا) والأعرج هذا لقب عبد الرحمن بن هرمز الأعرج قدم اللقب هنا على الاسم وعبد الرحمن الأعرج لك أن تقدم (بنُ هُرْمُزٍ) أي: عبد الرحمن بن هرمز (قَدْ شَاعُوا) واشتهروا أنهم من أهل الحفظ والإتقان هذا تكملة. (مُجَاهِدٌ) أبو الحجاج مجاهد بن جبر تُوفي سنة إحدى ومائة مجاهد بن جبر أبو الحجاج. (عَطَا) اسمه عطاء بالهمز قصره للوزن، عطاء ويشمل اثنين عطاء بن يسار أخو سليمان بن يسار وعطاء بن أبي رباح ذاك مدني وهذا مكي عطاء بن يسار هذا تُوفي سنة أربع وتسعين، وعطاء بن أبي رباح هذا تُوفي بمكة سنة مائة وخمسة عشرة وقيل أربعة عشرة ومائة إذًا نستعمل المفرد في اثنين وهذا فيه خلاف. (سَعِيْدٌ) وسعيد سعيد بن جبير. (عِكْرِمَةْ) وعكرمة أبو عبد الله مولى ابن عباس. و (الأَسْوَدُ) بن يزيد النخعي. (والحَسَنُ) بن أبي الحسن البصري تُوفي سنة مائة وعشرة. و (زِرٌّ) زر بن حبيش بالتصغير الأسدي تُوفي سنة اثنين وثمانين. (عَلْقَمَةْ) يعني: علقمة بن قيس النخعي الكوفي توفي سنة اثنين وستين هجرة. (كذاكَ مَسْرُوقٌ) مسروق كذاك مسروق هذا سُمْيِ مسروقًا لماذا؟ لكونه سُرق في الصغر، مسروق أبو عائشة ابن الأجدع الهمداني توفي سنة ثلاث وستين. (كذاكَ مَسْرُوقٌ) يعني: من الحفاظ والقراء مسروق. (كذا عَبِيْدَةْ) هو أشبه ما يكون بالنقل ليس بعلم لكنه وصف كالأصل سُرق ثم سمي مسروق (كذا عَبِيْدَةْ) يعني: كذا منهم عَبيدة بن قيس السلماني تًوفي سنة اثنين وسبعون أبو مسلم. (رُجُوعُ سَبْعةٍ لَهُمْ لا بُدَّهْ)، (لا بُدَّهْ) هذا الأصل لا بد له، حذفت اللام هنا للضرورة (لا بُدَّهْ) يعني: لا فرار ولا مناص ولا مخلص عنهم. يعني: رجوع السبعة بعد أن ذكر لك التابعين والصحابة وأخذ عن الصحابة خلق كثير من التابعين وهم الأصل الصحابة ثم التابعون أليس كذلك، ذكر بعضهم ممن أخذ من التابعين لأنه ليس محصورًا فيما ذكره الناظم إنما تبع ((النقاية)) هنا هي مختصرة ذكر السيوطي تبعًا للذهبي قال: فممن كان بالمدينة من التابعين الذين أخذوا عن الصحابة ابن المسيَّب وهذا لم يذكره الناظم ابن المسيَّب وابن المسيِّب يعني: يجوز فيه الوجهان. كل مسيَّب فبالفتح سوى ... أبي سعيد فالوجهين حوى قاله السيوطي في المصطلح، أما سيَّب الله من سيَّبني هذا ضعيف لا يثبت عنه فيقال: مسيَّب ومسيِّب. وعروة بن الزبير، وسالم، وعمر بن عبد العزيز، وسليمان بن يسار، وعطاء بن يسار، وعبد الرحمن بن هرمز الأعرج، وابن شهاب الزهري وغيرهم كثير هذا ممن كان بالمدينة ممن أخذ عن الصحابة. وبمكة: عبيد بن عمير، وعطاء، وطاووس، ومجاهد، وعكرمة، وابن أبي مليكة. وبالكوفة: علقمة، والأسود، ومسروق، وعَبيدة، والربيع بن الخثيم، وعمرو بن ميمون، وأبو عبد الرحمن السلمي، وزر بن حبيش، وسعيد بن جبير، والنخعي، والشعبي. وبالبصرة: أبو العالية، وأبو رجاء، ونصر بن عاصم، ويحيى بن يَعْمُر يَعْمَر فيه الوجهان، والحسن بن سيرين، وقتادة. وبالشام: المغيرة بن أبي شهاب المخزومي صاحب عثمان، وخليد بن سعيد (¬1) صاحب أبي الدرداء. ¬

_ (¬1) سعد.

ثم بعد هؤلاء الذين أخذوا عن الصحابة تفرغ أو تجرد قوم من التابعين واعتنوا بضبط القرآن أتم عناية حتى صاروا أئمةً يُقتدى بهم ويرحل إليهم اشتهر من هؤلاء التابعين الذين فرغوا أنفسهم لضبط القرآن اشتهر من هؤلاء في الآفاق الأئمة السبعة الذين هم أجمعوا على أن قراءتهم متواترة: نافع وأخذ عن سبعين من التابعين منهم: أبو جعفر يزيد بن القعقاع. وابن كثير وأخذ عن عبد الله بن السائب صحابي وهو صحابيٌّ. وأبو عمرو وأخذ عن التابعين. وابن عامر وأخذ عن أبي الدرداء وأصحاب عثمان. وعاصم وأخذ عن التابعين. وحمزة وأخذ عن عاصم، والأعمش، والسبيعي أبي إسحاق، ومنصور بن المعتمر وغيرهم. والكسائي وأخذ عن حمزة، وأبي بكر بن عياش. ثم انتشر القراء في الأمصار وتفرقوا أممًا واشتهر من رواة كل طريق اثنان، اشتهر من رواة كل طريق من السبعة راويان فعن نافع قالون وورش عنه. وعن ابن كثير: قنبل، والبزي عن أصحابه عنه. وعن أبي عمرو: الدوري، والسوسي عن اليزيدي عنه. وعن ابن عامر: هشام، وذكوان عن أصحابه عنه. وعن عاصم: أبو بكر بن عياش، وحفص عنه. وعن حمزة: خلف، وخلاد عن سليم عنه. وعن الكسائي: الدوري، وأبو الحارث. ثم صُنِّفَتْ المصنفات وفُنِّنَتْ العلوم وصار كل فن من فنون القراءات يؤلف فيه مؤلف وعزيت الوجوه والروايات وميزوا الصحيح والمشهور ووضعوا قواعد وأصول وصاروا عليها حتى ذُكر أن أول من صنف في القراءات أبو عبيدة القاسم، ثم أحمد بن جبير الكوفي، ثم إسماعيل بن إسحاق صاحب قالون، ثم أبو جعفر بن جرير الطبري هذا من أوائل من صنف في القراءات، لذلك قال: (رُجُوعُ سَبْعةٍ). إذًا هؤلاء السبعة الذين ذكروا نافع، وحمزة، وعاصم، وابن عامر، وأبو عمرو، وابن كثير، والكسائي هؤلاء مصدرهم التابعون إن لم يكن بعضهم من التابعين ومصدرهم المرجع الأخير الصحابة من النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولذلك نقول: وقراءة كل سنة متواترة. (رُجُوعُ سَبْعةٍ) الذين أشار إليهم في السابق وهنا قد أعاد المعرفة نكرة قال: السبعة القراء. هذا معرفة أليس كذلك (رُجُوعُ سَبْعةٍ) أعاده نكرة وهو عين الأول هذا على خلاف القاعدة استثناء (لَهُمْ) أي: لهؤلاء المذكورين هنا (لا بُدَّ هْ) يعني: لا بد له ولا مخلص منه ولا فرار منه. ثم قال: العقد الثالث: ما يرجع إلى الأداء وهذا نأتي عليه غدًا إن شاء الله تعالى وصلَّ الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

9

عناصر الدرس * العقد الثالث (ما يرجع إلى الأداء وهي "6" أنواع) * النوع الأول والثاني (الوقف والإبتداء). الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد: قال المصنف رحمه الله تعالى: (العِقْدُ الثالثُ: مَا يَرْجِعُ إِلَى الأَدَاءِ وَهِيَ سِتَّةُ أَنْوَاعٍ). قبل ذلك قوله في الباب (الرُّوَاةُ وَالحُفَّاظُ): عَنْهُمْ أَبُو هُرَيْرَةٍ مَعَ ابْنِ ... عَبَّاسٍ ابنُ سَائِبٍ والمَعْنِي بِذَيْنِ عَبْدُ اللهِ ................ ... ......................... بِذَيْنِ عَبْدُ اللهِ) (عَنْهُمْ) يعني عن السابقين الثمانية الذين ذكرهم (أَبُو هُرَيْرَةٍ) يعني أبو هريرة أخذ عن أولئك ثم ذكر تبعًا للثمانية كأنه قال: مع التسعة ابن عباس (ابنُ سَائِبٍ) هذا أيضًا عطف على ما سبق، حينئذٍ قوله: (مَعَ ابْنِ عَبَّاسٍ) ليس داخل قوله: (عَنْهُمْ) وإنما هو مستقل، (عَنْهُمْ أَبُو هُرَيْرَةٍ) ثم قال: (مَعَ ابْنِ عَبَّاسٍ) (مَعَ) الأصل يقول: ابن عباس أو وابن عباس لكنه للضيق النظم قال: (مَعَ ابْنِ عَبَّاسٍ) إلا إن ثبت أن أبا هريرة رضي الله تعالى عنه قد أخذ عن ابن عباس حينئذٍ يصح عطفه عمن أخذ عنهم أبو هريرة رضي الله تعالى عنه لذلك قال: (مَعَ ابْنِ عَبَّاسٍ، ابنُ سَائِبٍ) هذا عطف على ما سبق (والمَعْنِي بِذَيْنِ عَبْدُ اللهِ) (بِذَيْنِ) هذا اسم إشارة مثنى تثنية ذا، ذا هذا المفرد وذين هذا مثنى (بِذَيْنِ) يعني والمعني والمقصود (بِذَيْنِ) أن ذين هما ابن عباس وابن سائبٍ عبد الله، عبد الله بن عباس وعبد الله بن سائب.

قال رحمه الله تعالى: (العِقْدُ الثالثُ) هذا العقد الثالث من العقود الستة (قَدْ حَوَتْهَا سِتَّةٌ عُقُودُ) إذًا جمع الخمس والخمسين في عقودٌ ستة سبق أن انتهينا من عقدين وهذا هو العقد الثالث، (العِقْدُ) بكسر العين وهي القلادة كما سبق مرارًا. (الثالثُ: مَا يَرْجِعُ إِلَى الأَدَاءِ وَهِيَ سِتَّةُ أَنْوَاعٍ) (مَا يَرْجِعُ) يعني أنواعه تَرْجِعُ أو يَرْجِعُ (إِلَى الأَدَاءِ) والمراد بالأداء هنا كيفية تعدية الألفاظ يعني ما تتعلق بالقرآن من جهة الأداء لأن القرآن ألفاظ وأداء، يعني كيف تؤدي وكيف تقرأ هذا القرآن، يتعلق به بعض أنواع علوم القرآن كالتجويد والابتداء والوقف والإمالة وتخفيف الهمزة والإدغام هذا كله يتعلق بجوهر اللفظ أم بكيفية أداء اللفظ؟ بالثاني، ولذلك عنون له بهذا الباب القائم وهو (مَا يَرْجِعُ إِلَى الأَدَاءِ وَهِيَ سِتَّةُ أَنْوَاعٍ): من جهة التقريب وإلا بعضهم زاد على الستة أنواع، وهي الضمير بالتثنية بالتأنيث مراعاة بمعنى ما لأن ما تصدق على أنواع وهي جمع، أنواع يرجع بالتذكير مراعاة للفظ ما ويصح ما ترجع إلى الأداء وهو ستة وهي ستة يجوز الوجهان على ما ذكرناه في العقد السابق، (النَّوْعُ الأَوَّلُ وَالنَّوْعُ الثَّانِي: الوَقْفُ وَالِابتِدَاءُ) جمع بين الوقف والابتداء لأنهم متقابلان لأن الوقف ضد الابتداء والابتداء ضد الوقف، وهذا الذي هو الوقف والابتداء عِلْمَان ونوعان من أهم ما يُعنى به في باب الأداء لأنه كما ذكر كثير أنه يتعلق به المعنى من جهة تفسير وفهم المعنى المراد من كلام الرب جل وعلا، ولذلك قيل هذان نوعان مهمان وقد صنف فيه أئمة الدين مصنفات شتى فأفردوه بالتصنيف يعني صنفوا في هذا الفن الابتداء والوقف مصنفات مستقلة خارجة عن الكتب التي جمعت علوم القرآن في كتابٍ واحد لماذا؟ لطول البحث ولأهمية هذا النوع أفردوه بالتصنيف، وهو علمٌ جليل قد أفرده غير واحدٍ من أهل العلم وطبع كثير منها الآن، فأفرده بالتصنيف أبو جعفر النحاس وأبو جعفر النحاس هذا لغوي نحوي لماذا؟ لأن كثير من مباحث الوقف والابتداء يتعلق بالمعنى والغالب في هذا مرجعه إلى اللغة، وأبو بكر محمد بن القاسم الأنباري، والزجاجي، والداني، وثعلب، هؤلاء كلهم وغيرهم أفردوه بالتصنيف فأفردوا الابتداء والوقف بمصنفٍ خاص شمل أحكامه وما فيه من أمثلة. وقيل أول من صنف فيه محمد بن الحسن الرؤاسي ابن أخي معاذ الهراء ومعاذ الهراء هو الذي نُسب إليه أول ما وضع فن الصرف أو التصريف والصواب أنه أبو الأسود الدؤلي وليس معاذ الهراء وإنما نُسب إليه لأنه أول من تكلم في التصريف الذي هو باب التمارين فأكثر منه حتى نُسب إليه أنه أول من دون فن الصرف.

فن الوقف والابتداء فن جليل الفهم عظيم المقدار وله أهميةٌ عظمى في كيفية أداء القرآن حفاظًا على سلامة معاني القرآن وبعدًا عن اللف والوقع في الخطأ فيتوصل به بهذا العلم أو العلمين بمعرفة معاني القرآن واستنباط الأحكام منه والوقوف على إعجازه حتى قال بعضهم بوجوب تعلمه لماذا؟ لأن فهم القرآن وتدبر القرآن واجب وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، فإذا توقف فهم القرآن وتدبر القرآن على علمٍ دل على وجوب هذا العلم، وقد يُفهم أو يتوقف ليس على الإطلاق دائمًا قد يتوقف فهم معنى الآية أو الاستنباط على معرفة الوقف والابتداء، إذا وقف إلى هنا استنبط حكمًا إن أوصل لم يستنبط حكمًا حينئذٍ توقف الفهم على الوقف والابتداء فدل على وجوبهما حتى قال بعضهم: بوجوب تعلمه بناءً على ما رُوي عن علي رضي الله تعالى عنه لتفسير قوله: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً} [المزمل: 4]. قال: هو تجويد الحروف ومعرفة الوقف. تجويد الحروف هذا يدل على ماذا؟ على أن التجويد واجب وهذا مما يستدل به أرباب التجويد {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ} [المزمل: 4] هذا أمر، والأمر يقتضي الوجوب لأنه كثر تفسير ترتيل القرآن بأنه إخراج الحروف من مخارجها يدور حول هذا المعنى، ومعرفة الوقوف يعني ما يُوقف عنده وما يُبتدئ به مما ينبني عليه فهم المعنى، وهذا الفن يحتاج إلى دراية بعلوم اللغة ولذلك كثير من أئمة اللغة تعرضوا لماذا؟ للوقف والابتداء بل لذلك تجد باب الوقف عند ابن مالك في ((الألفية)) وتجده في كتب التجويد وتجده في كتب القراءات لماذا؟

للعلاقة بين القرآن واللغة العربية، لأن القرآن نزل بلغة العرب {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ} [الشعراء: 195] حينئذٍ الأصل فيه أنه على ما جرى على سنن لغة العرب هذا هو الأصل ولا يخرج عنه إلا بدليل، وكل ما جاء في لغة العرب فالأصل أنه موجودٌ في القرآن ولذلك قالوا: هذا الفن يحتاج إلى درايةٍ بعلوم اللغة والقراءات وتفسير القرآن يعني لن يضبط هذا الفن الوقف والابتداء لذلك من أصعب الفنون في علوم القرآن هو هذا، الناسخ والمنسوخ وغيره أسهل بكثير والمجمل والمفهوم وما خُصَّ من السنة به إلى آخره كل هذه سهلة عند طلال العلم لكن الوقف والابتداء هذا يحتاج إلى معرفة باللغة العربية وخاصة باب الفصل والوصل عند البيانية وهذا هو أصعب باب عند البيانية نصوا على هذا أصعب باب عندهم هو باب الوصل والفصل ولذلك قيل هناك في تعريف البلاغة ما البلاغة؟ قيل: معرفة والوصل والفصل. من عرف الفصل متى يفصل بين الجملتين ومتى يصل هذا هو البليغ، ومن لا فليس ببليغ. وكل ما يُذكر في فن البلاغة بالنظر إلى هذا الفن الوصل والفصل فهو يسير وسهل جدًا سواء باب المعاني أو باب البيان، ولذلك قيل: يحتاج إلى دراية بعلوم اللغة عامة الصرف والنحو والبيان والقراءات وتفسير القرآن، ولهذا قال ابن مجاهد - وهو من أئمة القراءة -: لا يقوم بالتمام في الوقف إلا نحويٌ عالمٌ بالقراءات عالمٌ بالتفسير والقصص وتخليص بعضها عن بعض، عالم باللغة التي نزل بها القرآن. علوم مترابطة لا يمكن أن يُفهم القرآن إلا من فَهِمَ لسان العرب على ما نُقِلَ عن العرب نحوًا وصرفًا وبيانًا، هذا يؤكد أن النظر في اللغة لا بد منه لا يمكن أن يستقل طالب العلم بعلوم الشريعة دون أن ينظر في اللغة أبدًا، لو لم يأخذ من علوم الآلة إلا علوم اللغة لكفاه يعني لو لم يضبط، وأما ما عداه فهو سهل أصول التفسير أو أصول الفقه وأصول الحديث هذه بالنسبة لعلوم اللغة سهلة لكن التي تحتاج إلى معاناة ونظر وتأمل وكذا هي علوم اللغة، ولذلك ترابط بين علوم الآلة كلها بعضها مع بعض لا يمكن أن ينفك بعضها عن بعض، انظر هنا في باب الوقف والابتداء ينص أرباب القراءات ونحوه على أنه لن يفهم هذا الباب إلا نحويٌ مقرئ لا بد أن يكون عالمًا بلسان العرب، إذًا ماذا نصنع نترك الباب ونمشي، والله المستعان. نحن الآن نعيش غربة في التعلم والتعليم حقيقةً يا إخوان لا يقوم بالتمام في الوقت إلا نحويٌ عالمٌ بالقراءات، القراءات الآن لا تكاد توجد إلا متخصص فيها فقط، وفي السابق كان يقرأ القرآن أولاً ثم يقرأ الشاطبية معه ثم ينتقل إلى النحو ثم ينتقل إلى كذا ترتيب، الطالب لا يسير هكذا عشوائي والآن .. ، إلا نحويٌ عالم بالقراءات عالم بالتفسير والقَصَص وتخليص بعضها عن بعض عالمٌ باللغة التي نزل بها القرآن، ولذلك انظر في أئمة الدين وخاصة مِمَّن لهم الشعر في العلم ابن تيمية ابن القيم السيوطي ممن كتبوا يعني لهم كتبهم عند أهل العلم مرجع ابن قدامة حفظ القرآن وقرأ بالسبع هكذا في التراجم تجده، الآن جيد لو حفظ جزء من القرآن فضلاً عن السبع فضلاً عن واحدٍ منها.

(الوَقْفُ وَالِابتِدَاءُ)، (النَّوْعُ الأَوَّلُ) هو (الوَقْفُ) وَالنَّوْعُ الثَّانِي هو (الِابتِدَاءُ) وفي ((التحبير)) الابتداء والوقف، قدم الابتداء على الوقف أيهما أصل؟ الابتداء أصل والوقف فرع لأنه لا وقف إلا بعد ابتداء، على كل قدم وأخر لا بأس (الوَقْفُ وَالابتِدَاءُ)، (الوَقْفُ) لغة الحبس وهذا هو المشهور عند الفقهاء حبس الأصل وتسبيل المنفعة، هذا الوقف إذا أطلق انصرف إلى معنًى خاص بخلافه عند أرباب القراءات والتجويد واللغة فيعنون به شيئًا آخر ليس هو تحبيس الأصل أو حبس الأصل وتسبيل المنفعة، وإنما المراد به في اصطلاح أهل القراءات والتجويد قطع الصوت عند آخر كلمةً مع التنفس بأحد الأوجه الثلاثة الإسكان المحض، والإشمام، والروم، كما سيأتي، لكن هكذا عرفه بعضهم في ابتداء هذا الكلام بأن الوقف هو قطع الصوت عند آخر كلمة مع التنفس بأحد أوجه الوقف الثلاثة بأحد الأوجه الثلاثة أو بأحد أوجهه الثلاثة الإسكان المحض وهو الأصل الإسكان هو الأصل، ثم الإسكان مع الإشمام والروم لكن هذا فيه قصور، لأن الكلام في الوقف عند أرباب القراءات على أمرين أو مرتبتين: الأول: ما يوقف عليه ويُبتدئ به، وهذا الذي يقسم إلى أربعة أقسام: القبيح، والتام، والحسن، والكافي. وكيفية الوقف وهذا الذي ينقسم إلى ثلاثة: بالسكون، والروم، والإشمام. إذًا النظر في شيئين: الأمر الأول: ما يُوقف عليه ويُبتدئ به. الثاني: كيفية الوقف. والأول أهم من الثاني الذي ينقسم إلى أربعة أقسام أهم من الثاني لأن المعنى يرتبط بماذا بالأول الذي ينقسم إلى: والتام، والكافي، والحسن، والقبيح لأن هذا هو معنى أو قريب من باب الوصل والفصل عند البيانيين لأن المعنى يرتبط أو لا يرتبط هنا يأتي الكلام، أما كونه يقف على آخر الكلمة بالسكون أو بالروم أو بالإشمام هذا لا يتعلق بالمعنى في الجملة وإن كان الإشمام والروم فيه إشارة إلى أن الحركة الأصلية هي الضمة أو الكسرة، ولذلك إذا عَرَّفنا الوقف بأنه قطع الصوت عند آخر الكلمة وهو المأخوذ عنوانًا في هذا الباب قصرناه على أحد نوعين أليس كذلك؟ لأنه بهذا الذي عرَّفوه بهذا التعريف ينقسم إلى وقفٍ بالسكون، والإشمام أو السكون مع الإشمام، والروم وهذا ليس هو المهم في هذا الباب بل المهم هو النوع الأول وهو ما يُوقف عليه ويبتدئ به (الوَقْفُ وَالِابتِدَاءُ) الابتداء هذا معلوم مصدر مثل وَقَفَ يَقِفُ وقفًا هذا مصدر، والابتداء هذا مصدر والمراد به الافتتاح ولا يحتاج إلى حل لكنه عندهم لا يُبتدئ بساكن كما أنه لا يوقف على متحركٍ لكن هذا هو القاعدة الكبرى عندهم، عند أهل اللغة لا يبتدئ بساكن أي لا يوقف يتعذر أو كالمتعذر أن يُبتدئ بساكن كذلك لا يوقف على متحرك. (الوَقْفُ وَالِابتِدَاءُ). (الوَقْفُ) أنواع: منه ما هو اختياري. ومنه ما هو اضطراري. ومنه ما هو انتظاري. ومنه ما هو اختباري. أربعة أنواع، اضطراري نسبة إلى للضرورة، واختياري نسبة إلى الاختيار، واختباري نسبة إلى الاختبار، وانتظاري نسبة إلى الانتظار.

الضروري أو الاضطراري هذا متى إذا اضطر القارئ للوقف بسبب ضيق نفسٍ أو سعال ونحوه أو نسيان أو عجزٍ أو ضيق نفس .. إلى آخره إذا اضطر إلى الوقف فوقف نقول هذا اضطراري نسبة إلى الضرورة يعني ليس باختياره وإنما أُلزم إما لسعال ونحوه أو نسيان نقول أُلزم هنا بالوقف هذا سُمي اضطراريًّا ما حكمه؟ حكمه أنه يبدأ من الكلمة التي وقف عليها إن كانت صالحة للابتداء وإلا فبما قبلها، إن كانت الكلمة التي وقف عليها صالحة للابتداء فينطق بها ويصل ما بعدها بما قبلها وإن لم تكن صالحة للابتداء حينئذٍ يتعين عليه أن يرجع فيأتي بما قبل الكلمة ويصل بما بعدها، هذا ما هو الاضطراري، ومتى أراد القارئ جمع الروايات ووقف على الكلمة ليعطف عليها غيرها سُمِّيَ الوقف حينئذٍ الانتظاري، وهذا يمشي على قول من يجود جمع القراءات الآية الواحدة يقرأها بعدة قراءات فيقف عند نهاية الكلمة ثم يرجع إلى الكلمة فيأتي بقراءة أُخرى لنفس الكلمة وقفه يُسمى انتظاريًّا خُصّ بهذا وهو من أراد أن يجمع بين القراءات في آيةٍ واحدة فيقف ثم يرجع ويأتي الآية من أولها، أول الكلمة السابقة بقراءةٍ أخرى هذا يُسمى ماذا؟ وقفًا انتظاريًّا ومتى أراد القارئ أو متى كان الوقف من أجل اختبار القارئ كالمعلم مثلاً يقول للقارئ: قف على كذا ليعرف كيف يقف هل يقف بالتاء مفتوحة أو بالهاء هل يصل الموصول هل يقف بالروم هل يقف بالإشمام هذا يسمى وقفًا اختباريًّا هذا شأنه في مقام الاختبارات ونحوها، هذه الثلاثة الأنواع لا مبحث لنا فيها هنا يعني ليست هي المرادة بقوله (الوَقْفُ) لا الوقف الاضطراري ولا الوقف الانتظاري ولا الوقف الاختباري، هذه ثلاثة أنواع ليست داخلة معنا، ومتى كان الوقف مقصودًا لذاته قصده القارئ قصد أن يقف من غير سببٍ من الأسباب السابقة سُمِّيَ الوقف اختياريًّا نسبة إلى الاختيار اختيار القارئ بنفسه والبحث فيه هنا وهو المنقسم إلى أربعة أقسام: تام، وحسن، وقبيح، وكاف. إذًا قوله: (الوَقْفُ) المراد به الاختياري ولذلك جعل ابن الجزري رحمه الله الوقف نوعين فقط: اختياري واضطراري. يعني قابل الاضطراري بثلاثة أنواع وهو الانتظاري لأنه اختياري والاختباري لأنه اختياري والاختياري الذي يكون لا لجمع القراءات ولا لاختبار الطالب والقارئ هذا مقابل للاثنين فصارت ثلاثة داخلة في قوله اختياري، ولكن لما كان البحث عندهم في تقسيم الوقف الاختياري إلى أربعة أقسام صار كالأمر المعهود عندهم إذا أطلق انصرف إلى معين فإذا قيل الوقف الاختياري انصرف إلى الوقف المنقسم إلى أربعة أقسام. ولا يشمل حينئذٍ عند الإطلاق الانتظاري ولا الاختباري، لا يشمل الانتظاري ولا الاختباري لذلك قسم أن الوقف إلى قسمين وبعضهم يجعلها أربعة أقسام وجَعْلَها أربعة أقسام من باب الإيضاح والتوضيح. وأما (الابتِدَاءُ) هل يكون أيضًا اضطراريًا واختياريًا؟

لا يمكن أن يكون اضطراريًا لا يمكن أن يكون الابتداء اضطراريّا وإنما لا يكون إلا اختياريًا أنت الذي تختار أن تقرأ، لكن الوقف إنما يكون اضطراريًّا تقرأ فيأتيك سعال فتقف لكن الابتداء تبدأ {الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ... [الفاتحة: 2] بدأت ثم وقفت بالاختيار إذا أنت مختار في الابتداء وأنت مختار في هذا المثال بالوقف، وأما الابتداء لا يكون إلا اختياريًا لأنه ليس كالوقف تدعو إليه ضرورة فلا يجوز إلا بمستقلٍ بالمعنى موفٍ بالمقصود حينئذٍ لا يتجه إلا بماذا؟ إلا بما يؤدي معنى المقصود فيأتي يقرأ الآية من أولها {لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ} [المائدة:73] ولا يأتي يبدأ أول ما يقرأ {إِنَّ اللهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ} [المائدة:73] لا يجوز هذا، يجوز؟ لا يجوز أن يبتدئ بهذا، إذًا لا يجوز أن يبتدئ ولو قيل بأنه اختياري لا يجوز أن يبتدئ إلا بما يكون مستقلاً بالمعنى يعني لا يأت يبتدئ بكلمة تكون هذه الكلمة بمتوسط آية مثلاً ولها تعلقٌ بما قبلها في المعنى أو في اللفظ الذي هو الإعراب إلا بمستقلٍ بالمعنى موفٍ بالمقصود، وبعضهم قسمه لأربعة أقسام كالوقف فجعله تامًا وكافيًا وحسنًا وقبيحًا، لكن المشهور أن التقسيم هذا خاصٌ بالوقف ولذلك أمثلته عسيرة في الابتداء، وأما الوقف فأمره واضح قال رحمه الله: (الوَقْفُ وَالِابتِدَاءُ) والابْتِدا بِهَمْزِ وَصْلٍ قَدْ فَشَا ... وحُكْمُهُ عِنْدَهُمُ كَمَا تَشَا مِنْ قُبْحٍ او مِنْ حُسْنٍ اوْ تَمَامِ ... أَوِ كْتِفَا بِحَسَبِ المَقَامِ وبِالسُّكُونِ قِفْ عَلَى المُحَرَّكَةْ ... وزِيْدَ الاشْمَامُ لِضَمِّ الحَرَكَةْ والرَّوْمُ فيهِ مِثْلُ كَسْرٍ أُصِّلاَ ... والفَتْحُ ذَانِ عَنْهُ حَتْماً حُظِلاَ والرَّوْمُ فيهِ مِثْلُ كَسْرٍ أُصِّلاَ)، (مِثْلُ) بالضم. في الها الَّتِي بالتَّاءِ رَسْمَاً خُلْفُ ... وَوَيْكَأَنَّ لِلكِسَائِيْ وَقْفُ مِنْهَا عَلَى اليَا وأَبُو عَمْرٍو عَلَى ... كَافٍ لَهَا وَغَيْرُهُمْ قَدْ حَمَلا وَوَقَفُوا بِلامِ نَحْوِ {مَالِ ... هَذا الرَّسُولِ} ما عَدَا المَوَالِيْ السَّابِقِيْنَ فَعَلَى مَا وَقَفُوا ... وَشِبْهِ ذَا المِثَالِ نَحْوَهُ قِفُوا

ونقف هنا، (والابْتِدا) أين الهمزة محذوفة ولذلك ذكرها في الأول (الوقفُ، والابتداء) نص على الهمزة ذكرها إذًا هو مهموز ممدود كصحراء ابتداء، (والابْتِدا) بدون همز للوزن. قال: (الوَقْفُ وَالِابتِدَاءُ). ثم قال: (والابْتِدا) ماذا نسمي هذا؟ مشوش لأنه الأصل أنه قدم الوقف على الابتداء فيذكر أولاً الوقف ثم يثني بالابتداء، لكن لما كان الابتداء أمره يسير وذكره في شطر بيت يعني إذا كان الشيء التفصيل فيه قليل أو الكلام فيه قليل حينئذٍ يستحسن أن يقدم فيُبتدئ به ثم يُثنى بعد ذلك بما يحتاج إلى تفصيل، هنا قدم الابتداء على الوقف مع كونه قدم الوقف على الابتداء في العنوان لكون الكلام في الابتداء قليل بخلافٍ في الوقف ولو قلنا جرى على الأصل في ... ((النقاية)) و ((التحبير)) و ((الإتقان)) بأن الابتداء مقدم على الوقف بأن النطق هكذا الابتداء والوقف لا إشكال، (والابْتِدا بِهَمْزِ وَصْلٍ قَدْ فَشَا) (والابْتِدا) هذا مبتدأ (بِهَمْزِ وَصْلٍ) يعني بإثبات همز وصل والمراد (بِهَمْزِ وَصْلٍ) يعني بإثبات، حينئذٍ صح أن يجعل قوله: (بِهَمْزِ وَصْلٍ) خبرًا للمبتدأ (والابْتِدا) ثابت أو (بِهَمْزِ وَصْلٍ) يعني بإثباتها فتفسر قوله بهمز الوصل أي بإثبات همزة الوصل وذلك فيما إذا افتتح بهمزة الوصل وسميت همزة الوصل وصلاً لماذا؟ لأنه يوصل بها في الكلام يعني يُفتتح بها الكلام فيما إذا كان الحرف الذي قبلها ساكن لأنه كما سبق لا يُبتدئ بساكن حيث إن الهمزة نوعان ولذلك يقال الألف نوعان: ألف لينة، وألفٌ يابسة. ألف لينة: وهذه لا تقبل الحركة أبدًا وهي التي تكون في نحو قال وباع وفتى، فتى هذه لا تقبل الحركة وقال الألف هذه لا تقبل الحركة ولذلك لا تقع في أول الكلام لا توجد في أول الكلام أبدًا لأنها لا تقبل الحركة، وهذه تُسمى الألف اللينة. الألف اليابسة: هي التي تقبل الحركة وهي التي تنقسم إلى همزة وصلٍ وهمزة قطع فحينئذٍ نقول: التقسيم هذا للهمزة مرادًا به الألف اليابسة لا اللينة، أما اللينة فلا تقبل حركة أبدًا، واليابسة سواء كانت همزة وصل أو همزة قطع هذه تقبل الحركة، ولذلك يقول اضرب ادغم همزة مكسورة هنا وهي همزة وصل، هل هذه ألف لينة؟ نقول: لا ليست ألفًا لينة لأن الألف اللينة لا تقع في أول الكلام، هذا أول ضابط.

ثانيًا: لأنها قبلت الكسرة وألف اللينة لا تنقل حركة أبدًا. ولذلك نقول الضابط في الفصل بين همزة الوصل وهمزة القطع بأن همزة الوصل هي التي تثبت في الابتداء وتسقط في الدرج، يعني وصل الكلام بما بعده، تقول: اجتهد أو استغفر ثبتت في الابتداء استغفر بدليل كسرها لكن لو قلت: زيدٌ استغفر ربه سقطت في الدرج بوصل الكلام، وأما دون أن يتقدمها شيء استغفر ربه نقول: استغفر هذا همزة هَمزة وصل ثبتت في ابتداء الكلام نطق بها ينطبق بها لكن لا تكتب، وأما إذا قيل: واستغفر ربك. حينئذٍ نقول: سقطت في درج الكلام هذا ضابط همزة الوصل أنها تثبت في الابتداء وتسقط في الدرج فهي همزة لا تظهر خطًا يعني لا تكتب وإنما يُنطق بها في أول الكلام لا في أثنائه يعني القول بأنها لا يُنطق بها البتة ليس على إطلاقه وإنما يُنطق بالهمزة في ابتداء الكلام ادغم اضرب نقول هذه همزة اضرب تأتي بهمزة وهي مكسورة، حينئذٍ نقول: هذه هي همزة الوصل حينئذٍ تقع في أول الكلام تظهر في النطق ولا تكتب يعني ترسم ألفًا ولا ترسم فوقها ولا تحتها همزة وإنما ترسم ألفًا فقط ويُنطق بها في أول الكلام، وأما إذا وقعت في الأثناء فترسم ألفًا كالأولى ولا يُنطق بها. هذا فرقٌ بين النوعين، وترسم ألفًا فقط ليس فوقها ولا تحتها همزة بخلاف ماذا همزة القطع، وهي التي تثبت مطلقًا وصلاً وخطًا وابتداءً، وصلاً يعني في وصل الكلمة زيدٌ أكرم من عمروٍ، زيدٌ أكرم، أكرم هذا فعل ماضي على أربعة أحرف فهمزته همزة قطع زيد أكرم إذًا نقول هنا ماذا؟ نطقنا بها في الوصل أكرمُ، أكرمَ زيدٌ عمرًا نطقنا بها في الابتداء وتكتب أيضًا ألفًا يابسة ويكتتب عليها همزة فوقها إن كانت مفتوحة أو مضمومة وتحتها إن كانت مكسورة، إذًا همزة القطع هي التي تثبت مطلقًا وصلاً وخطًا وابتداءً وتكتب ألفًا كهمزة الوصل ويكتب الهمزة فوقها إن فتحت أو ضمت وتحتها إن كسرت، تقول: زيد أَكْرَمُ من عمروٍ هذا بالفتح زيدٌ أُكْرِمَ أبوه بالضم كتبت فوق، إكْرَامُ زيدٍ أجلُ من إكرام عمرو فنقول: إكرام هنا بالكسر نضعها تحت الألف الهمزة توضع تحت تَحت الألف، واضح هذا؟ مواضع همزة الوصل توجد في الأسماء وتوجد في الفعل وتوجد في الحرف، الهمزة همزة الوصل تكون في الفعل وتكون في الاسم وتكون في الحرف، أما في الأسماء ففي الأسماء العشرة هذا علمٌ بالغلبة وهي: الأسماء العشرة: اسْمٌ، اسْتٌ، ابْنٌ، ابْنَةٌ، ابنم، امرؤٌ، امرأةٌ، اثنان، اثنتان ايمَن الله كم؟ عشرة هذه يعنون لها بالأسماء العشرة، هذا النوع الأول الذي نحكم على همزته بأنها همزة وصل. الثاني من الأسماء: مصدر الخماسي. الثالث: مصدر السداسي. مصدر الخماسي اِنْطَلَقَ يَنْطَلِقُ اِنْطِلاَقًا، اِنْطِلاَقًا نقول: هذه مصدر همزته همزة وصل، المصدر السداسي اِسْتَغْفَرَ يَسْتَغْفِرُ اِسْتِغْفَارًا، اِسْتِغْفَارًا هذا مصدر وهو اسم إذًا وجدت همزة الوصل في مصدر الخماسي وهو اِنْطِلاَقًا، وفي مصدر السداسي وهو اِسْتِغْفَارًا. هذه ثلاثة أنواع.

وفي الأفعال توجد في الماضي الخماسي والماضي السداسي اِنْطَلَقَ اِجْتَمَعَ نقول: هذه همزته همزة وصلٍ، والماضي السداسي وهو اِسْتغفر واِسْتَخْرَجَ نقول هذه همزته همزة وصل، كذلك في أمر الثلاثي اضرب اذهب نقول: هذه الهمزة همزة وصل إلا أن حركة أمر المصدر الخماسي والسداسي الكسر دائمًا تكون مكسورة اِنْطِلاَقًا اِسْتِغْفَارًا دائمًا تكون مكسورة، وأما حركة همزة الأمر من الثلاثي فتختلف لاختلاف عين الفعل فإن كان الثالث ننظر للثالث إن كان مكسورًا أو مفتوحًا كسرت إن كان مكسورًا أو مفتوحًا كسرت ضَرَبَ يَضْرِب الثالث مكسور يضرِب على وزن يَفْعِل تقول في الأمر منه اضْرِب بكسر الهمزة لماذا كسرتها؟ للقاعدة عندنا قاعدة وضابط وهو أن ثالث هذا الفعل وهو الراء مكسور في الفعل المضارع فتقول ضَرَبَ يَضْرِبُ اِضْرِبْ بكسر الهمزة لماذا كسرناها؟ لأن الهمزة ساكنة في أصلها والضاد ساكنة فالتقى ساكنان فلا بد من تحريك أحدهما والأولى أن يحرك الهمزة وحركت بالكسر للقاعدة التي ذكرناها ووافقت الأصل وهو تخلص التقاء ساكنين يكون بالكسر إذًا ضَرَبَ يَضْرِبُ اضْرِبْ، رَجَعَ يَرْجِعُ ارْجِعْ، جَلَسَ يَجْلِسُ اجْلِسْ، فنكسر همزة الوصل في الأمر من الثلاثي باعتبار كون ثالثه مكسورًا وإذا كان مفتوحًا تكسر كذلك ذَهَبَ يذهَ هَ الهاء مفتوحة يَذْهَبُ يَفْعَلُ حينئذٍ الأمر منه يكون اِذْهَبْ بكسر همزة الوصل فَتَحَ يَفْتَحُ افْتَحْ، مَنَعَ يَمْنَعُ امْنَعْ، إذًا بالكسر لا إشكال تُكسر همزة الأمر من الثلاثي في موضعين إذا كانت عين مضارعه مفتوحة أو مكسورة، بقي ماذا يَفْعُلُ ثالثه ضمة فحينئذٍ تُضم همزة الوصل فيما إذا كان ثالثه مضمومًا نَصَرَ يَنْصُرُ يَفْعُلُ بضم الثالث وهو الصاد، في الأمر تقول: انْصُرْ ضَمَمْتَ همزة الوصل لماذا ضممتها، لو قيل لك لماذا قلت: اذْهَب اضْرِب والناس تقول اَضرَب لماذا هناك كسرت اذْهَب وافْتَح ثم تقول انْظُر انْصُرْ، تقول: نظرًا للثالث إن كسر في المضارع أو فتح كسرت في همزة الوصل وإن ضُمَّ ضممته في الأمر تقول: انْصُرْ، لأنه من نَصَرَ يَنْصُرُ، لكن يشترط في هذه الضمة أن تكون أصلية تامة أما إن كانت عارضة حينئذٍ نأت على الأصل امْشُوا الثالث هنا مضموم وكسرت الهمز همزة الوصل لكون هذه الضمة عارضة وليست أصل ليست كضمة انْصُرْ، انْصُرْ هذه من أصل الفعل لأنه من فَعَلَ يَفْعُلُ، وأما امْشُوا هذا ليس .. مَشَىَ يَمْشِي والأصل فيه امْشِ هذا أصل كيف جاء امْشُوا أصله امْشِيُوا يعني بياءٍِ مضمومة ثم واو، امْشِيُوا بياءٍ مضمومة ثم واو تحركت الياء وانفتح ما قبلها فقلبت ألفًا فالتقى ساكنان الألف والواو ثم حذف صار امْشيوا الواو ساكنة وقبلها كسر وجب قلبها لا، لا .. الواو ساكنة وكسر ما قبلها وجب قلبها ياءً فرارًا عن هذا لئلا تنقلب الواو ياء وجب قلب الكسرة كسرة الشين ضمةً فقيل امْشُوا ولا تقل امْشُوا [بضم همزة الوصل] حينئذٍ نقول: هنا الضمة عارضة وليست أصلاً مثل اقْضُوا مثلها، حركة الياء وفتح ما قبلها وقلبت .. إلى آخره.

إذًا كم موضع الآن الأسماء العشرة، ومصدر الخماسي، والثالث مصدر السداسي، والفعل الماضي الخماسي، والفعل الماضي السداسي - إن كان مبدوء في الموضعان بهمزة الوصل، وفعل الأمر الثلاثي، بقي ماذا بقي أل من الحروف أل، أل المعرفة فهذه ماذا همزتها همزة وصل لكنها مفتوحة همزتها همزة وصل الرَّجل تقول: الْحَمد الْ الْ هكذا تقرأ الْحمد لله رب العالمين، الحْمد [بكسر همزة الوصل] وإلا الحمد [بفتح همزة الوصل]، الحمد بفتح الهمز، وهذه الهمزة همزة وصلٍ، هل بقى شيء؟ كم هذه؟ سبعة. همزة كل فعلٍ مضارعٍ مطلقًا. وهمزة كل حرفٍ غير الْ وهمزة كل فعلٍ ماضٍ على ثلاثة أحرف كأتت. وهمزة كلِ فعلٍ ماضٍ على أربعة أحرف. وهمزة كل مصدرٍ للرباعي.

كل هذه الهمزات همزة القطع كلها همزتها همزة قطع، إذًا لا تكون الهمزة في المضارع مطلقًا إلا وهمزتها همزة قطع، كل فعلٍ مضارع همزته همزة قطع، وكل حرفٍ سوى الْ فهمزته همزة قطع، وكل فعلٍ ماضي ثلاثي على ثلاثة أحرف همزته همزة قطع كأخذ وأتى، وكل فعلٍ ماضٍ على أربعة أحرف همزته همزة قطع، وكل مصدرٍ للرباعي المبدوء بهمزة قطع همزته همزة قطع ما عداها تكون همزته همزة وصل (والابْتِدا بِهَمْزِ وَصْلٍ) عرفنا متى تكون أو نحكم على الهمزة بأنها همزة وصلٍ (والابْتِدا بِهَمْزِ وَصْلٍ) يعني بإثباتها مكسورةً اضْرِبْ أو مفتوحةً الحمد لله أو مضمومة انْصُر حينئذٍ نقول هذا كلها يُبدئ فيها بهمزة الوصل منطوقًا بحركتها على حسب ما فصلناه في السابق. (قَدْ فَشَا) وكثر (وحُكْمُهُ عِنْدَهُمُ كَمَا تَشَا)، (وحُكْمُهُ) الضمير يعود إلى أي شيء؟ إلى الابتداء هذا هو الظاهر لكنه لا يريد الابتداء وإن كان الشارح المساوي ونحوه أرجعوه إلى الابتداء لكنه ليس بظاهر لأنه قال: (وحُكْمُهُ عِنْدَهُمُ كَمَا تَشَا مِنْ قُبْحٍ). قسمه إلى أربعة أقسام وإذا أُطلق التقسيم إلى أربعة أقسام القبيح والحسن إلى آخره فما المراد؟ الوقف لا الابتداء وإنما قيل بأن الابتداء ينقسم إلى أربعة هذا فيه خلاف وإذا أطلق انصرف إلى الوقف إذًا (وحُكْمُهُ) المراد به الوقف وليس المراد به الابتداء، وكان الأولى أن يظهر الضمير هنا ولا يضمر، يقول: حكم الوقف لأن المشهور أن هذه الأقسام التي سيذكرها للوقف لا للابتداء وإن قيل بها في الابتداء (وحُكْمُهُ) أي: حكم الوقف (عِنْدَهُمُ) بإشباع الميم (عِنْدَهُمُ) أي: عند القراء كما (كَمَا تَشَا) بالقصر لغة فيه ... (مِنْ قُبْحٍ، او مِنْ حُسْنٍ، اوْ من تَمَامِ أو من اكْتِفَى) هذه أربعة أقسام ينقسم إليها الوقف، فالقسم الأول من الوقف هو الوقف القبيح فَعِيل مأخوذ من القبح ضد حسن، الحسن ضد قبيح وإذا عُرِفَ الحسن عُرِفَ القبيح وإذا عُرِفَ القبيح عُرِفَ الحسن لأنه بالضد، وبضدها تتميز الأشياء تتبين الأشياء ... (مِنْ قُبْحٍ) هذا بيان لما قبله والمراد بالقبح هنا من جهة الأداء والاصطلاح عند أرباب القراءة وليس المراد به القبح الشرعي على الصحيح ليس المراد به القبح الشرعي فليس بحرامٍ ولا مكروهٍ هذا في الأصل، الوقف من حيث هو إن صحبه شيءٌ آخر قصد التحريفي فحينئذٍ أخذ حكم التحريم لا لذاته بل لما صاحبه من قصدٍ فاسد، فحينئذٍ نقول الأصل في القبيح أو الوقف القبيح الأصل أنه ممنوع وسُمِيَ أو وُصِفَ بكونه قبيحًا أو مَنِعُه حينئذٍ يكون من باب الاصطلاح كما قيل واجبٌ شرعي واجبٌ اصطلاحي أو صناعي، والمراد به هنا القبح عند أهل الأداء لأنه ليس بحرام وليس بمكروه فإن صحبه قصدٌ للتحريف الكلم عن مواضعه فحينئذٍ يأخذ حكم التحريم لكن لا لذات الوقف وإنما لما صاحبه من قصد، ولذلك بعضهم يقول مثلاً كما سيأتي أنه قد يكون الوقف قبيح كفرًا لو قال: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي} [البقرة: 26] ثم وقف وقصد المعنى كفر، كَفر لأي شيء للوقف أو للمعنى؟

للمعنى، المعنى لو قصده بقلبه ولم يقرأ الآية وقال: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلاً} [البقرة: 26] ها مسلم أو كافر؟ كفر، إذًا الوقف لا تأثير له، فالقصد والمعنى القائم في القلب هذا منفك عنه فحينئذٍ لا يكون الوقف لذاته قبيح وإنما لما صحبه من معنى فاسد، ولذلك قال بعضهم: ليس في القرآن من وقفٍ واجبٍ يأثم القارئ بتركه ولا من وقفٍ حرام يأثم بوقفه، لماذا؟ لأن الوصل والوقف لا يدلان على معنى يختل بذهابهما فحينئذٍ من قصد معنى وحكمنا على أن هذا المعنى القائم بالقلب مكفر لصاحبه نقول قرأ أو لم يقرأ هو كافر، وصل أو وقف فهو كافر فحينئذٍ لا يُرتبط بماذا؟ لا يجعل معلقًا بالوقف وإنما هو بالمعنى ليس في القرآن من وقفٍ واجبٍ يأثم القارئ بتركه ولا من وقفٍ حرام يأثم بوقفه لأن الوصل والوقف لا يدلان على معنًى يختل بذهابهما بل المعنى يكون قائمًا بالقلب سواءٌ وصل أم وقف ولو لم يقرأ ولذلك قيل {لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ} [المائدة:73] وقف {إِنَّ اللهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ} [المائدة:73] {إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ} [المائدة: 17] فبدأ هكذا حينئذٍ نقول: هذا إن قصد المعنى فكفر، لكنه لو قصد المعنى ولو لم يصل أو وصل، أو لم يقرأها نقول: فهو كافر. حينئذٍ الوقف لا يدل على شيء من حيث هو ولذلك نقول: القبح هنا هذا القبح الاصطلاحي وليس المراد به القبح ... الشرعي، بل لا نقول بتحريمه ولا بكراهته لا نقول أن محرم ولا أنه مكروه، هذا حكمه فما هو الوقف القبيح؟ قيل: الوقف القبيح هو ما يُوهم الوقوع في محظورٍ مثل ما ذكرناه من الآية {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي} [البقرة: 26] فوقف نقول: هذا يوهم الوقوع في محظور لقد {لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ} [المائدة:73] فوقف {إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ} [المائدة: 17] نقول هذا وقفٌ يوقع أو يومهم في محظورٍ يوهم الوقوع في محظور لكن هذا الحدّ كما سيأتي أنه ناقص غير جامع، وقيل هو ما لا يحسن الوقف عليه وهذا أحسن من الأول، وقيل: ما ليس بتامٍ ولا كافٍ ولا حسن. وهذان الأخيران أولى من الأول، يعني ما لا يحسن الوقف عليه هذا تعريف جيد ما لا يحسن الوقف عليه، أو ما ليس بتامٍ ولا كافٍ ولا حسن، نقول: هذا أيضًا تعريف جيد ولكنه تعريفٌ بالحصر كأنه قال: الاسم ما ليس بفعلٍ ولا حرف، والحرف ما ليس باسمٍ ولا فعل، وهلما جرا، وتحت الوقف القبيح نوعان: الوقف على كلامٍ لا يفهم منه معنًى لعدم تمام الكلام، الوقف القبيح نوعان: النوع الأول: الوقف على كلامٍ لا يفهم منه معنًى لعدم تمام الكلام، وقد تعلق ما بعده بما قبله لفظًا ومعنًى كالوقف على المبتدأ دون الخبر، أو الوقف على المضاف دون المضاف إليه، أو الوقف على فعل دون الفاعل نقول: هذا وقفٌ قبيح لماذا؟ لكون المعنى لا يتم لو قال: {الْحَمْدُ} [الفاتحة: 2] فوقف هذا نقول ماذا؟ هل فهم منه شيء لم يفهم منه شيء، لأنه لا يدل على معنى لماذا؟

لأن المعنى لا يتم إلا بمبتدأ وخبر وهنا ذكر المبتدأ ولم يذكر الخبر إذًا لا يفهم منه شيء. إذًا النوع الأول: الوقف على كلامٍ لا يُفهم منه معنًى لعدم تمام الكلام، ومتى يتم الكلام بذكر مسند والمسند إليه سواءً كان فعلاً أو اسمًا وقد تعلق ما بعده بما قبله إما لكونه خبرًا وإما لكون وصلاً مؤثرًا لا بد من ذكره وإما لكونه فاعلاً أو ناء فاعل أو خبرًا له إذا كانت اسم كان أو خبر كان أو نحو ذلك لفظًا ومعنى، إذا قيل توقف ما بعده على ما قبله إما ان يكون من جهة اللفظ وإما أن يكون من جهات المعنى، ما كان من جهة اللفظ المقصود به الإعراب فالمضاف مع المضاف إليه، وإما أن يكون من جهة المعنى بمعنى أنه لا يتم المعنى السابق إلا بذكر اللفظ الذي وقف عليه أو بذكر ما بعد اللفظ الذي وقف عليه، حينئذٍ لو قال: {الْحَمْدُ للهِ} [الفاتحة: 2] فوقف ماذا نقول؟ حصل أو لا؟ حصل الوقف ولذلك سيأتي أنه حسن لكن لو أراد أن يكمل قالوا: يمنع لماذا؟ لأن ما بعده متعلقٌ بما قبله في اللفظ دون المعنى ... {الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: 2] لماذا لأن رب هذا صفةٌ ولا يمكن أن تنفك الصفة ويبتدئ بها دون الموصوف هذا بمثال للفظ فقط وليس المراد به الوقف القبيح، كالوقف على {الْحَمْدُ} [الفاتحة: 2] من {الْحَمْدُ للهِ} [الفاتحة: 2]، {اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ} [الفاتحة: 6، 7] فوقف {أَنعَمتَ عَلَيهِمْ} [الفاتحة: 7] ابتدأ نقول: هذا وقفٌ قبيح لأن {الَّذِينَ} [الفاتحة: 7] هذا اسم موصول مبهم لا يفهم معناه إلا بتمام الصلة حينئذٍ إذا وقف على {صِرَاطَ الَّذِينَ} [الفاتحة: 7] فوقف نقول: هذا وقفٌ قبيح لكنه لا يفهم منه المعنى بتمامه لا لكونه يقع في محظور. النوع الثاني: من الوقف القبيح ما يوهم الوقوع في المحظور ولذلك ذكرنا أن التعريف الأول قاصر وهذا ذكره المساوي في شرح النظم قال: القبيح هو ما يوهم الوقوع في محظور. ليس كل وقفٍ قبيح يوهم الوقوع في المحظور ... {الْحَمْدُ للهِ} [الفاتحة: 2] لو وقف {الْحَمْدُ} [الفاتحة: 2] هل هو مثل {لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ} [المائدة:73] أو {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي} [البقرة: 26] ليس مثله، الأول لم يتم معناه والثاني تم معنى {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي} [البقرة: 26] تم المعنى لكنه فاسد فأوهم الوقوع في محظورٍ في ممنوع، هذا هو النوع الثاني فالوقف على قوله تعالى: {لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ} والابتداء بقولهم: {إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ} [المائدة: 17]. والوقف هذا وقف نحرمه أو نكرهه؟ بالقصد، أما هو من حيث هو لا يُحكم عليه من جهة الشرع، لا بد من دليل ولو قيل بعض القراء قال: هذا حرام أو هذا كذا. نقول: أت بالدليل لا تحريم إلا بصيغة نهي أليس كذلك؟

هذا مقرر النهي من أين يؤخذ؟ لا تفعل، لا بد من لا الناهية أو ما يدل عليها {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [النساء: 23]. إن الله ينهى ... إلى آخره لا بد من صيغة تدل على النهي، وإلا فلا نحرم ما لا يحرمه الله، كذلك لا نكره ما لا يكره الله، حينئذٍ لا بد من دليل نص بعضهم ابن الجزري نُقل عنه هذا أنه يحرم نقول: إن كان المقصود تحريمه لما قد يكون من معنى حينئذٍ لا إشكال، هذا المعنى دلت عليه الأدلة طائلة إن بقي بالإسلام هذا يحرم أما إن كان معنى يؤدي إلى الكفر حينئذٍ يكفر ويخرج من الملة، لكن لا لذات الوقف وإنما لأمر اقترن بالوقف أو الوقف على قوله: {لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ} والابتداء من {إِنَّ اللهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ} [المائدة:73]. قال ابن الجزري رحمه الله: ولا يجوز تعمد الوقف عليه إلا لضرورة من انقطاع نفسٍ ونحوه لعدم الفائدة أو لفساد المعنى. لكن نقول: لا بد من دليل. وقد يكون بعضه أقبح من بعض - وهذا لا شك فيه - بمعنى أن الوقف القبيح يتفاوت في نفسه كما أن المحرمات تتفوات في نفسها والواجبات تتفاوت في نفسها فالوقف على {الْحَمْدُ} ليس هو كالوقف على {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي}. الثاني أقبح من الأول، (مِنْ قُبْحٍ)، (وحُكْمُهُ) أي: حكم الوقف (عِنْدَهُمُ) أي: عند القراء (كَمَا تَشَا) كما تشاءُ لا أدري لماذا علقه بمشيئة الله، لعلها جملة متممة وإلا الأصل وحكمه عندهم من قبحٍ بيانٍ لما قبله (او مِنْ حُسْنٍ) أو للتنويه بإسقاط الهمزة همزتها هذه همزة وصل أو قطع؟ قطع لماذا قطع؟ لكونها أي حرف يمر عليه غير ال تحكم عليه بهمزته همزة قطع مباشرة دون تردد، فأول وأم وإما وأما مباشرة تقول: هذه همزتها همزة قطع وليست همزة وصل. (مِنْ قُبْحٍ او) أين ذهبت الهمزة؟ سقطت من أجل الوزن (مِنْ قُبْحٍ او مِنْ حُسْنٍ) لأنه في نفيه مفيد يحسن الوقوف عليه، الأول ثم قبيحًا لما يترتب عليه إما لكونه عديم الفائدة وأما لفساد المعنى، وهنا سمي هذا النوع النَّوع الثاني من الوقف سُمِّيَ حسنًا لماذا؟ لأنه في نفسه مفيد، والقبيح هناك لا يفيد بنوعيه، وهنا يفيد، وقد يفيد الذي يترتب عليه حكم شرعي كقوله: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي}. هذه مفيد لكن الفائدة هنا المعنى فاسد لا بد من بيان ذلك (مِنْ حُسْنٍ) لأنه في نفسه مفيد يحسن الوقوف عليه لأن المعنى مفهوم يُفهم المعنى نحو {الْحَمْدُ للهِ} لو قرأ الفاتحة وقال: {الْحَمْدُ للهِ} فوقف يحسن أو لا مفيد أو لا؟ مفيد لكن لو أراد أن يصل يجب عليه أن يعيد {الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} صحيح؟ {الْحَمْدُ للهِ} فوقف نقول: هذا حصلت الفائدة التامة مسند ومسند إليه مبتدأ وخبر، وقف نقول: الوقف الحسن. لماذا؟ لأنه مفيد وأفهم معنى يستفاد من تركيب الجملة إذا قيل: {الْحَمْدُ للهِ}. فوقف ثم إذا أراد أن يصل يلزمه الإعادة لماذا؟ لأن {رَبِّ الْعَالَمِينَ} هذا صفة ولا انفكاك للصفة عن موصوفها لا تنفك الصفة عن موصوفها لا يحسن الابتداء بـ {رَبِّ الْعَالَمِينَ} لكونه تابعًا وليس برأس آية أما رأس الآية سيأتي أنه لا بأس به.

حدُّ الحسن عندهم هو الذي يحسُن الوقف عليه، ولا يحسُن الابتداء بما بعده لتعلقه به من جهة اللفظ، وبعضهم يقول: من جهة اللفظ والمعنى. قوله: الذي يحسن الوقوف أو الوقف عليه. أخرج ماذا؟ القبيح، القبيح لا يحسن الوقف عليه كما عرفناه بالحد الثاني ما لا يحسن الوقف عليه إذًا الوقف إما أن يحسن الوقف عليه أو لا إن لم فهو قبيح وإلا فهو إما حسن أو تام أو كاف. هنا قال: هو الذي يحسن الوقف عليه. فأخرج القبيح ولا يحسن الابتداء بما بعده هذا أخرج التام والكافي لأن التام والكافي يحسن الابتداء بما بعده، والقبيح لا يحسن الوقوف عليه أصلاً والحسن يحسن الوقوف عليه ولا يحسن الابتداء بما بعده لماذا؟ لتعلقه به من جهة اللفظ {الْحَمْدُ للهِ}، {الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} فيجوز ويحسن الوقف على قوله: {للهِ}. ثم إذا أراد أن يتم لا يقول: {رَبِّ الْعَالَمِينَ}. يبتدأ وإنما يرجع لماذا؟ لتعلق رب بما قبله من جهة اللفظ لكونه صفة له والصفة لا تنفك عن موصوفها، والمراد بالقيد الثاني الذي لا يحسن الابتداء بما بعده وهذا لا بد من تقيده لماذا؟ لأن ما لا يحسن أو ما يحسن الوقف عليه قد يكون رأس آية {لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ * فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ} [البقرة: 219، 220] هذا مثل {رَبِّ الْعَالَمِينَ} مع لله أليس كذلك؟ فحينئذٍ هل نقول: لا يحسن الابتداء بما بعده إلا بأن نقول {لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ * فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ} أم نستثني هذا للنص لحديث أم سلمة؟ نستثني هذا للنص، فحينئذٍ لا يحسن الابتداء بما بعده لتعلقه بما قبله من جهة اللفظ ما لم يكن رأس آية فإن كان رأس آية فحينئذٍ يحسن الابتداء به فلو بدأ بقوله: {فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ}. حينئذٍ نقول: هذا يحسن أو لا يحسن؟

يحسن لأن الأصل هو الوقوف على رأس الآية هذا هو الأصل لثبوت السنة بذلك، ولذلك جاء في حديث أم سلمة تصف قراءة النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم فيقف ويمد الرحمن ويمد الرحيم الحمد لله رب العالمين ثم يقف، الرحمن الرحيم ثم يقف مالك يوم الدين ثم يقف فدل على ماذا؟ على أن هذا هو الأصل الوقوف على رؤوس الآية ولو كان الآية التي تليها أو الآية التالية متعلقة من جهة اللفظ أو المعنى بما قبله كما مثلنا فيما ذكرنا {مُّصْبِحِينَ * وَبِاللَّيْلِ} [الصافات: 136، 137] بالليل هذا متعلق بما قبله لكن نقول: {مُّصْبِحِينَ} هنا يحسن الوقف عليه وإذا أراد أن يبدأ فإما أن يعيد يجوز ما في بأس {مُّصْبِحِينَ * وَبِاللَّيْلِ} لتعلقه باللفظ والمعنى ولو أراد أن يبدأ بأصل الآية بأول آية {وَبِاللَّيْلِ}، {فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ} نقول: هذا لا نقول بأنه لا يحسن. لأنه يصادم ماذا؟ يصادم النص، وكثير من هذه المسائل هنا اجتهادية لم يرد فيها نصوص إلا ما ثبت عن الصحابة فحينئذٍ يكون مقبولاً ولا إشكال وما عداه فهو من باب الاجتهاد ولذلك قيل: الأفضل الوقف عند رأس كل آية لحديث أم سلمة واختاره أبو عمرو بن العلاء قراءته دائمًا تكون على الوقف على رؤوس الآي، إذًا قوله: بالقيد الثاني ولا يحسن الابتداء بما بعده لتعلقه به من جهة اللفظ هذا لا بد من النظر فيه فنقول: المراد بالقيد الثاني أن يكون الموقوف عليه متعلقًا بما بعده من جهة اللفظ سواء كان ما بعده رأس آية أو لا، فإن كان غير رأس آية فلا يحسن الابتداء به إذا كان غير رأس آية فحينئذٍ نقول: لا يحسن الابتداء به، فيستحب أن يبتدئ من الكلمة الموقوف عليها {الْحَمْدُ للهِ}، {الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} فإن لم يفعل لا إثم لا يأثم كله لا يأثم قبيح، إذا لم يأثم فالحسن من باب أولى وإن كان رأس آية فإنه يحسن الابتداء به في اختيار أكثر أهل الأداء لحديث أم سلمة في قولها: ... {الْحَمْدُ للهِ} ولا يحسن الابتداء بـ {رَبِّ الْعَالَمِينَ} لكونها صفة وليس برأس آية.

(مِنْ قُبْحٍ، او مِنْ حُسْنٍ، اوْ تَمَامِ) (اوْ) أيضًا يقال فيها ما قيل في (او مِنْ حُسْنٍ) بإسقاط الهمزة للوزن (اوْ تَمَامِ) يعني: أو تامٍ. أي: النوع الثالث من أقسام الوقف الاختياري التام من تمام المراد به التام ضد الناقص كما أن الحسن ضد القُبح (اوْ تَمَامِ) سمي تامًا لتمامه مطلقًا، والتام عندهم هو ما تم به الكلام وليس لما بعده تعلق بما قبله لا من جهة اللفظ ولا من جهة المعنى، لأن التعلق إذا وقفت على كلمة إما أن يكون ما بعد هذه الكلمة متعلقة بالكلمة التي وقفت عليها أو بما قبلها إما أن يكون التعلق من جهة اللفظ فقط وهو الإعراب المراد باللفظ هنا الإعراب صفة مضاف ومضاف إليه مبتدأ خبر ... إلى آخره وإما أن يكون من جهة المعنى فيشمل بعض أفراد اللفظ أيضًا لأن محاولة الانفكاك المطلق بين النوعين هذا صعب لا يكاد يوجد يعني: لا يمكن أن يقال بأن ما لا يتعلق به من جهة اللفظ لا أثر له في المعنى البتة لا يمكن أن يقال هذا لأن المراد ما يتعلق به من جهة اللفظ الإعراب ومعلوم أن الذي يُعرب لا بد أن يكون له أثر في المعنى إما في أصله وإما في تمامه وإلا لو لم يكن للكلمة أثر في المعنى صارت حشوًا ونحن نتكلم عن القرآن، إذًا ثم ارتباط ولو جزئي بين اللفظين.

إذًا التام هو ما تم به الكلام وليس لما بعده تعلق بما قبله لا من جهة اللفظ ولا من جهة المعنى فيحسن الوقف عليه والابتداء بما بعده يعني: لا يُستحب أن ترجع إلى الكلمة أو ما قبلها فتعيدها مع ما بعدها، لماذا؟ لأن الكلمة التي وقفت عليها ثم أردت أن تبتدئ بما بعدها ما بعدها لا ارتباط له لا من جهة اللفظ ولا من جهة المعنى وهذا إذا أردنا أن نذكر له قاعدة قالوا: أكثر ما يوجد في رؤوس الآي {الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة: 1 - 3] كل وقف هنا قالوا: هذا وقف تام لماذا؟ لأن {الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ} لا ارتباط لها من جهة اللفظ ولا من جهة المعنى هكذا مثلوا بهذا بما قبلها و {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} كذلك لا ارتباط لها لا من جهة اللفظ ولا من جهة المعنى وأكثر ما يوجد عند رؤوس الآي غالبًا ... {وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَاءٌ} [البقرة: 5، 6]، {وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} وقفت على رأس الآية وهذا هو الأصل وهو السنة حينئذٍ {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ} نقول: هذه لا ارتباط لها لماذا؟ لا من جهة اللفظ ولا من جهة المعنى لكن الأولى أن يقال المثال بالفاتحة فيه نظر وهذا المثال أولى لماذا؟ لأنه ذكر أوصاف المؤمنين وانتهى عند قوله: {وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}. ثم شرع في بيان أقسام القسم الثاني قسم الأمم إلى ثلاثة أقسام: كفار خُلص، مؤمنون خُلص، ومنافقون ظاهرهم الإيمان وباطنهم الكفران. فلما أنهى {وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} انتهى من ذكر المؤمنين الخلص فحينئذٍ الوقف على هذا ثم الشروع {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ} نقول: هذا وقف تام لأنه قوله: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ} نقول: هذا لا ارتباط له بما قبله لا من جهة اللفظ ولا من جهة المعنى، لكن المعنى أيضًا هنا لا بد من وجود المعنى لأن ذكر الضد بالضد هذا معنى لأنه ذكر المؤمنين أولاً ثم ذكر الكافرين وهنا المراد به ماذا؟ المراد المعنى الذي يترتب عليه ما ترتب على الحسن أو القبيح هنا يعني: ارتباط الشديد ارتباط الصفة بالموصوف ارتباط الجار والمجرور بمتعلقه ارتباط الظرف المتعلق بهذا المراد وإلا لا يمكن أن تنفك آية مستقلة أبدًا إلا وبينها مناسبة ولذلك من أين جاء العلم المستقل عندهم تناسب الآيات وتناسب السور، بل جعلوا آخر آية من السورة لها مناسبة مع أول السورة التي تليها وهي منفكة يعني أظهر ما يمكن أن يمثل به بالانفكاك هو آخر آية في السورة مع أول آية في السورة التي تليها هذا أولى ما يمثل به ومع ذلك وجود مناسبات بينهم (اوْ تَمَامِ) إذًا وأكثر ما يوجد عند رؤوس الآي غالبًا وذكرنا المثال، ويوجد في أثنائها كقوله تعالى: {وَجَعَلُوا} حكايته عن بلقيس {وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً} [النمل: 34].

قالوا: هنا الوقف التمام ثم يبدأ {وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ} لأنه قيل من قول الرب جل وعلا ... {وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً} ثم يقف {وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ} يبتدئ، إذًا لا ارتباط له لا من جهة اللفظ ولا من جهة المعنى واضح هذا، وقد يوجد بعدها كما ذكرناه في الآية السابقة {مُّصْبِحِينَ * وَبِاللَّيْلِ} [الصافات: 137، 138] لو وقف {مُّصْبِحِينَ * وَبِاللَّيْلِ} هذا مثلوا به بالتام وذكره ابن الجزري هنا التمام لأنه معطوف على المعنى أي: بالصبح وبالليل. لا يقف على رأس الآية {مُّصْبِحِينَ * وَبِاللَّيْلِ} هنا وقف تام {لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ * فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ} [البقرة: 219، 220] هنا الوقف التام واضح {لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ} هذا وقف حسن {لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ * فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ} هذا وقف تام ولو لم يعقل لأن السنة هي التام وذاك حسن يعني: أقل. لذلك التام عندهم أعلى. (مِنْ حُسْنٍ، اوْ تَمَامِ) (اوْ تَمَامِ أَوِ كْتِفَا) الهمزة ثبتت هنا الهمزة ثبتت وهي همزة قطع ولكن سكنت الأصل الواو ساكنة وحذفت بالكسر هنا للتخلص من التقاء الساكنين (أَوِ كْتِفَا) أي: الكافي. أو كافي هذا النوع الرابع من أنواع الوقف (أَوِ اكْتِفَا) وحده عندهم هو الذي يكون اللفظ في منقطعًا ويكون المعنى متصلاً، إذًا ثم ارتباط بين ما يبتدئ به أو وقف عليه وبين ما قبله من جهة المعنى لا من جهة اللفظ، يعني: لا يتعلق بالإعراب ما بعده لا يتعلق بما قبله في الإعراب وإنما يتعلق به في المعنى وهذا صعب عند أرباب البيان الوصل والفصل يعني: الذي يتعلق به في الإعراب واضح {لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ * فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ} طالب علم صغير يعرف أن في الدنيا هذا متعلق بـ: تتفكرون {مُّصْبِحِينَ * وَبِاللَّيْلِ} يعرف أنه الصباح والمساء لكن إذا كان في اللفظ منقطع وفي المعنى متصل هنا تأتي الصعوبة لا بد أن يكون عالمًا بالمعنى بالمراد بالآية بالقصة بالسورة .. إلى آخره. هو الذي يكون اللفظ فيه منقطعًا ويكون المعنى متصلاً فيُكتفا بالوقف عليه والابتداء بما بعده كالتام يكتفا بالوقف عليه ثم يُبتدئ بما بعده كالتام إذًا ما الفرق بين الكافي والتام إذا كان كل منهما يوقف عليه ويبتدئ بما بعده ما الفرق بينهما؟

التعلق المعنوي، والتام لا تعلق لا لفظي ولا معنوي أليس كذلك، جعلوا الارتباط المعنوي بين ما يُبتدئ به وما وُقف عليه أو ما يوقف عليه الكافي وفي التام لا ارتباط لا من جهة اللفظ ولا من جهة المعنى، ولذلك قيل: يكتفي بالوقف عليه والابتداء بما بعده كالتام ولذا سمي بالكافي للاكتفاء به واستغنائه عن ما بعده، واستغناء ما بعده عنه {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [النساء: 23] يقف ثم يقول: {وَبَنَاتُكُمْ}. قالوا: هذا وقف كافي. يستغني ما بعده عما قبله هل بينهما ارتباط في اللفظ؟ الجواب: لا، هل بينهما ارتباط في المعنى؟ نعم، لأن العامل المسلط الذي هو التحريم مدلوله التحريم على الأمهات مسلط على الثاني {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} هنا الوقف كافي ومثله كل رأس آية بعدها آية مفتتحة بلام كي مثل له بقوله تعالى: {إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ * لِيُنذِرَ مَن كَانَ} [يس: 69، 70]. إذًا افتتحت الآية التي تليها بماذا؟ بلام كي حينئذٍ الوقف يكون كافيًا إن وقف على قوله: {إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ} {لِيُنذِرَ} قالوا: هنا تعلق من جهة المعنى لا من جهة اللفظ. (أَوِ كْتِفَا بِحَسَبِ المَقَامِ) إذا عرفنا أقسام الوقف القبيح، الحسن، التمام، الاكتفاء ولا يتعلق بها لا تحريم ولا كراهة بل نقول: السنة هو الوقوف على رأس كل آية هذا الذي يؤجر عليه وهذا الذي يُقتدى بالنبي - صلى الله عليه وسلم - فيه، (أَوِ كْتِفَا بِحَسَبِ المَقَامِ) يعني: هنا الانقسام إلى أربعة وذكر هذه الأقسام وتمييز بعضها على بعض بحسب المقام الذي يقتضيها يعني: لا نستطيع أن نذكر الآيات كلها، سنسرد لك الآيات من أول القرآن إلى آخره فتقول: هذا الوقف تام، وهذا الوقف قبيح ... إلى آخره، وإنما بحسب ما يقتضيه المقام عند القارئ نقول: هنا يُرَجِّحُ القارئ بأن الوقف تام أو قبيح أو نحو ذلك. وبِالسُّكُونِ قِفْ عَلَى المُحَرَّكَةْ ... وزِيْدَ الإشْمَامُ لِضَمِّ الحَرَكَةْ هذا النوع الثاني من أنواع الوقف وهو كيفية الوقف. الأول ما يوقف عليه ويُبتدئ به وهذا هو الأهم والصعوبة فيه وكل ما قيل من كونه يحتاج إلى نحو .. وإلى آخره فمرادهم به هذا النوع.

أما النوع الثاني وهو: كيفية الوقف. فشرع في تقسميه إلى ثلاثة أقسام، إذًا قوله: (وبِالسُّكُونِ). هذا شروع من الناظم في ذكر تقسيم آخر للوقف وهو باعتبار كيفية الوقف (وبِالسُّكُونِ قِفْ عَلَى المُحَرَّكَةْ) (وبِالسُّكُونِ) هذا جار ومجرور متعلق بقوله: (قِفْ). وقف بالسكون على المحرك يعني: على الكلمة المحركة بأي حركة سواء كانت فاتحة أو ضمة أو كسرة لماذا؟ لكون هذا هو الأصل في الوقف أليس الأصل في الوقف هو الوقوف على الحرف ساكنًا؟ بلى، نقول: هذا هو الأصل. إذًا لا يُسأل عنه ولا يطلب تعليلهم (وبِالسُّكُونِ قِفْ) يعني: قف بالسكون على الكلمة المحركة ذكرنا فيما سبق أن من عرف الوقف في أول هذا الباب إنما عنى به هذا النوع ولذلك ذكره أظنه المساوي أو المحشي قال: تعريف الوقف هو قطع الصوت عند آخر الكلمة مع التنفس بأحد أوجهه الثلاثة: الإسكان المحض وهو الأصل، والإسكان مع الإشمام، والروم هذا لأي شيء تفصيل هذا على النوع الثاني كيفية الوقف، ليس للأول وهذا الأول هو الأهم حينئذٍ كان الأولى أن يُذكر الثاني، لكن لعله لكون الأول يُذكر ويعرف بأقسامه والتعريف في الأقسام وهذا معروف ومشهور لعله لم يعرفه إلا بالثاني لا يذكر في الأول إنما يذكر في هذا الموضع، إذًا الوقف على أواخر الكلمة ويوقف عليه بالسكون وهو الأصل، عرفه بعضهم كما ذكرناه قطع الصوت على الكلمة الوضعية زمنًا يتنفس فيه عادة بنية استئناف القراءة. هذا هو الوقف عن السكون قطع الصوت وقيل: النطق على الكلمة زيد الوضعية ولا حاجة إليها زمنًا يتنفس فيه عادةً. هذا لإخراج السكت لأن الوقف للسكت زمنه دون زمن الوقف ولا ذلك لا يتنفس فيه {كَلَّا بَلْ رَانَ} [المطففين: 14] لا يتفس يقف هذا وقف أو لا قطع الصوت أو لا؟ قطع الصوت {كَلَّا بَلْ رَانَ} [المطففين: 14] أليس كذلك، {بَلْ} يقف {رَانَ} دون تنفس فإن تنفس حينئذٍ دخل فيما؟ فيما ... إذًا زمنًا يتنفس فيه عادةً لإخراج السكت بنية ماذا؟ بنية استئناف القراءة أن يكمل ما بعده هذا أخرج ماذا؟ فيما لو أعرض وقطع القراءة فحينئذٍ نخلص من هذا التعريف أن الوقف هنا بهذا الحدّ قد يكون للقطع وقد يكون للسكت وقد يكون للوقف وهو بالسكون. متى يكون وقفًا إذا قطع الصوت زمنًا يتنفس فيه عادةً بنية الرجوع للقراءة {الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} وقف بالسكون هو نيته أن يكمل {الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ} هذا وقف فإن قال: {الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} فوقف وقطع القراءة نقول هذا ماذا؟ هذا قطع {كَلا بَلْ} وقف دون تنفس نقول: هذا سكت. ففرق بين الوقف، والقطع، والسكت السكون هو الأصل في الوقف لأنه الأصل عند العرب كما أنها لا تبتدئ بساكن كذلك لا تقف على متحرك، عُلِّلَ بأن الأصل في الوقف السكون لأن الغرض من الوقف الاستراحة أن يستريح ما أدري أي تعب هذا أصابه، قالوا: الغرض من الوقف الاستراحة لماذا لا يقال: هو النقل وننتهي، والسكون أخف من الحركات وأبلغ وبعض يعبرُ يقول: السكون أخف الحركة. وهذا خطأ لماذا؟ لأن السكون ليس بحركة موجود في كتب القراءات السكون أخف الحركات نقول: لا ليس بأخف الحركات ولا أثقل الحركات ولا أوسط الحركات لماذا؟

لأنه ليس بحركة أصلاً فكيف يكون أخف حركة، وإنما نقول: السكون ضد الحركة ولذلك نقول: لا تبتدؤا بساكن ولا تقفوا على متحرك، فلو كان السكون حركة ما صار معنى لهذا القاعدة، فحينئذٍ لا نقول: لا من باب التغليب ولا مجاز لا يصح، لا هذا ولا ذاك، كل ذلك يرد في الحواشي على من يقول الحركات الأربعة: الضمة والفتحة والكسرة والسكون هذا خطأ، ولو اعتذر بالتغليب مثل هذا الموضع قد يُمَشَّى لكن في مثل هذا الموضع نقول: لا. إذًا لأن الغرض من الوقف الاستراحة والسكون أخف من الحركات كلها وأبلغ في تحصيل الاستراحة ولأنه ضد الابتداء فكما لا يُبتدئ بساكن لا يوقف على متحرك هكذا قال المحشي. (وبِالسُّكُونِ قِفْ) على الكلمة المحركة مطلقًا سواء كانت حركتها فتحة أو ضمة أو كسرة (وزِيْدَ الاشْمَامُ) يعني: وردت الرواية عن بعضٍ كالكوفيين الإشارة إلى الحركة الإشمام والروم هذا لا يخرج عن السكون يعني: الأصل السكون فحينئذٍ تُسقط الحركة أراد بعضهم أن يشير إشارة خفية لكون الحركة المسقطة عينها الضمة أو الكسرة فأشار إليها إما الإشارة تكون بالإشمام أو بالروم، إذًا القصد بالروم أو الإشمام الإشعار بأن الحركة التي كانت قبل الإسكان هي الضمة أو الكسرة، ولذلك نص بعضهم على أن الأصل هو الإسكان ووردت الرواية عن الكوفيين بالإشارة إلى الحركة ولم يأت عن الباقين شيء، والإشارة إما أن يكون بالإشمام وإما أن يكون بالروم ولذلك شرع في بيان الإشمام ثم ذكر الروم، قال: (وزِيْدَ الاشْمَامُ). يعني: وزِيد في الوقف. وزِيد هذا فعل ماضي مغير الصيغة وزاد القراء الإشمام ولك أن تجعل وزاد أهل اللغة لأن الوقف بالسكون هذا لغوي أمر اللغة حكم لغوي كذلك الإشمام حُكم لغوي ولذلك ابن مالك يقول: واكْسِرْ أَو اشْمِمْ فَا ثُلاثِي أُعِلَّ ... عَيْنَا وَضَمٌ جَا كَبُوعَ فَاحْتُمِلْ واكسر أو اشمم هو قرآن أو لغة؟

لغة فحينئذٍ نقول: الأصل أنه ما ورد عن لسان العرب ولذلك نقول: دائمًا الأصل في القرآن أنه يُحمل على ما جاء في لغة العرب فكل ما شاع وزاع في لسان العرب فإذا دُعِيَ أنه في القرآن الأصل الجواز والذي يمنع هو الذي عليه الدليل، ليس الذي يجيب فلا نقول للذي مثلاً استعمل المعرف أو المجاز في لغة العرب فإذا دُعي في القرآن نقول: الأصل أنه موجود. فمن قال إنه لا يوجد نقول: ائت بدليل، ائت لي بدليلك. فالذي ينفي المجاز هو الذي يأتي بدليل ليس الذي يدعي المجاز في القرآن، (وزِيْدَ الاشْمَامُ) وزيد في الوقف الإشمام بضمة الحركة مسألة خلافية المسألة المجاز هذه، (لِضَمِّ الحَرَكَةْ) ومن قال بأن الصفات ليست داخلة لولا يشملها المجاز فهذا لا إشكال لا يثرب مسألة اجتهادية فإذا اختار طالب العلم أو أحد من أهل العلم أن المجاز في القرآن لا في مانع لا ننكر هذا، ولأن أدلته كثيرة ويعني وإنكاره فيه نوع صعوبة والإجابة على أدلة من أنكر سهلة جدًا فحينئذٍ لو دُعِيَ وجود المجاز في القرآن ما يثرب، مثله مثل أي زيد من المسائل المختلف فيها ولو قيل بأن مثلاً مذهب شيخ الإسلام ابن تيمية المنع وابن القيم كذلك لا بأس لأن شيخ الإسلام ابن تيمية في مسائل العقيدة وكذا لا شك أنه إذا ادّعى الإجماع أو أنه أصل من أصول أهل السنة لا شك أنه مقبول، لكن في مسائل أخرى غير العقيدة شيخ الإسلام كغيره من أهل العلم أليس كذلك يا عبد العزيز؟ كلام هذا يصعب على بعض طلاب أهل العلم إذا قيل ابن القيم كغيره من أهل العلم بمعنى ننظر في الأدلة هذا المقصود وليس المراد يعني أن يكون علمه كغيره لا هو من المحققين من المتبعين للسنة للسلف يعني يتجرد عن التعصب لا يتعصب حتى لشيخه ابن تيمية رحمه الله ولكن كغيره إذا جاءت مسألة فيها نزاع فحينئذٍ نقول: الدليل الدَّليل. فننظر في الدليل وعندنا قواعد أصولية عندنا قواعد لغوية إن عجز الإنسان حينئذٍ يُقلد ابن تيمية ويقلد ابن القيم لكن إذا عنده أهلية النظر فيبحث وينظر هذا ما يجوز أن يقلد لا يقلد ابن تيمية ولا ابن القيم ولا الإمام أحمد ولا غيره، إذا اختلف في قول الصحابي هل هو حجة أو لا فكيف بقول الإمام أحمد؟! وليس معنى هذا أن يكون هذا حط من شأن الإمام أحمد، لا، بل بعضهم كان يصعب عليه أن نقول كيف الإمام أحمد، لا، ما نقلد أحد لا أبا حنيفة ولا مالك ولا الشافعي ولا أحمد، لكن هم أئمة الدين ولا شك في ذلك ولا نخرج عن أقوالهم ولا نسرب على أحد منهم لو اخترنا قول غير قولهم حينئذٍ إذا قيل بالمجاز لا ينبغي للطالب أن يشنع أو يجعل كأن في النفس منه شيء أو أنه ما وافق السلف أو أنه خروج أو تميع أو شيء ما ينبغي هذا وإنما يقال المسألة فيها خلاف، أهم أمر عقيدة السلف وهي بالأسماء والصفات إذا أثبتت على وجهها فحينئذ فالأمر خفيف، أما إذا استغل المجاز في تحريف الكلم عن مواضعه {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5] فحرفه {الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ} فحرفه إرادة الرحمة أو غير ذلك.

حينئذٍ نقف معه وليس الصحيح وهذه تتأملها طالب العلم لو نظرت إلى دعوى أهل التحريف - ولا نقول التأويل - دعواهم في إثبات المجاز في هذه الصفات أنها دعوى فاسدة، ولذلك أدنى من مسك بزمام المجاز يستطيع يرد على أكبر واحد من الأشاعرة لماذا؟ لأن أصل ما عندهم هو إدعاء أن ظاهر القرآن التشبيه والتسوية أو التمثيل، أول قبل ما يأتي يقول مجاز يقول: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} لا أفهمُ مِن استوى إِلا الاستواء الذي عند المخلوق. هذه مقدمة أولى ثم بعد ذلك يبحث عن التخريج إذًا صار المجاز ثانيًا أم أولاً؟ ثانيًا إذا أبطلت المجاز هل أبطلت تحريفهم؟ لا سيأتيك بمسألة يقول: أسلوب من أساليب العربية ما في يأس هذا. تقول: استوى هذا ظاهره الاستواء المعلوم من جهة المخلوق وهذا تمثيل وتعالى الله عز وجل ليس كمثله شيء إذًا ماذا نقول؟ نقول: ورد في لسان العرب الاستواء بمعنى ماذا؟ بمعنى علا وارتفع وهذا الذي ينفيه ويأتي باستواء بمعنى العلو المعنوي فحينئذٍ نقول: أسلوب من أساليب العربية أن الاستواء يأتي بمعنى القهر. ما تستطيع أن تنكر عليه إذًا ما أتى بالمجاز، ولذلك بعض المعتزلة ينكر المجاز وهم محرفون هم أئمة التحريف حينئذٍ رد المجاز يعني ليس فيه إبطال مذهب المحرفة ولا المؤولة وإن لم يكن الطالب يحوم في أمور يعني أبعد ما يكون عن مذهب المحرفة - نحن خرجنا -. (وزِيْدَ الاشْمَامُ لِضَمِّ الحَرَكَةْ) وزيد في الوقف (الاشْمَامُ) والمراد بالإشمام هو الإشارة إلى أن الحركة (وزِيْدَ الاشْمَامُ) والإشمام المراد به الإشارة إلى الحركة بلا تصويت بأن تجعل شفتيك على صورتهما إذا لفظت بها، يعني: تسكن الحرف الأخير الذي وقفت عليه، إذًا هو مع الإسكان ليس إشمام لوحده، لذلك هو فرع عن الإسكان، الأصل هو السكون وهذا أصول مطرد ثم إذا أردت أن تشير إلى أن الحركة التي أسقطتها هي ضمة تحركت شفتيك على هيئة إخراج الضمة أن تأتي بصورة الشفتين كأنك تنطق بضمة وهو إسكان فحينئذٍ لذلك لا يعرف إلا بالرؤية الكفيف لا يعرف أنك أشممت أو لا، وإنما الذي يراك هو الذي يعرف أنك أشممت أم لا، أما بالصوت لا يعرف هذا لأنه مجرد تحريك الشفتين فقط إخراجها على هيئة الضمة لذلك قال هنا: الإشارة إلى الحركة بلا تصويت. بلا صوت لماذا؟ لأن المقام مقام إسكان نحن نسكن أولاً بأن تجعل شفتيك على صورتهما إذا لفظت بها وعرفها بعضهم بقوله: عبارة عن ضم الشفتين بلا صوت عقب حذف الحركة. وهذا أجود عبارة عن ضم الشفتين بلا صوت عقب حذف الحركة، إشارة إلى أن الحركة المحذوفة ضمة فلا بد من اتصال ضم الشفتين بالإسكان لا بد منهما معًا تسكن وتحرك الشفتين، فلو تراخى يعني سكنت ثم بعد ذلك حركت فحينئذٍ لم تشم، ما أشممت وإنما سكنت فقط لذلك لو تراخى فإسكان مجرد عن الإشمام. وهل يختص بالآخر أم يكون في الأول والأسماء والآخر؟

هذا فيه خلاف بينهم، ذهب مكي إلى أنه يختص بالآخر، والشارح قيد هنا في الكلمة ضم الحركة يعني في آخر الكلمة لأن المقام مقام الوقف وليس حديثًا عن الإشمام مطلقًا فلا عتب عليه، المحشي رد عليه قال: (وزِيْدَ الاشْمَامُ لِضَمِّ الحَرَكَةْ) في آخر الكلمة الموقوف عليها قيده هنا والتقييد هذا صحيح لأن الكلام هنا في الإشمام الذي يكون مصاحبًا للوقف، والوقف إنما يكون في آخر حركة. والجمهور على أن الإشمام يكون في الأول وفي الأثناء وفي الآخر ولا إشكال حينئذٍ، نحن نتحدث عن الوقف نسكنه مع الإشمام وحينئذٍ الإسكان يكون للأخير والإشمام يكون هو المتعلق بالآخر، والأول والأثناء لا ارتباط لنا به هنا ولذلك لا اعتراض على الشارح المساوي. (وزِيْدَ الاشْمَامُ لِضَمِّ الحَرَكَةْ) إذًا وهل يختص بالآخر فيه قولان: الأول قيل: يختص بآخر كلمة الموقوف عليها وبه قال مكي. الثاني: أنه يكون أولاً ووسطًا وآخرًا، وعليه الأكثر. وهنا يحمل على الآخر تقول: (وزِيْدَ الاشْمَامُ) وزيد في الوقف الإشمام لأجل اللام هنا للتعليل لأجل ضم الحركة في آخر الكلمة الموقوف عليها ... وقوله: (لِضَمِّ). هذا يشمل الضم سواء كان إعرابًا أم بناءً، إذا كانت نافية أما العارضة كما سيأتي لأنه قال: (أُصِّلاَ). أما العارضة كميم الجمع عند من ضم وهاء التأنيث فلا روم ولا إشمام كما سيأتي. (والرَّوْمُ فيهِ مِثْلُ كَسْرٍ أُصِّلاَ)، (والرَّوْمُ) هذا القسم الثالث من أقسام الوقف على أواخر الكلم، وهو الروم (والرَّوْمُ فيهِ)، (فيهِ) الضمير يعود على ماذا؟ على الضم، إذًا الضم يكون فيه الإشمام والروم الضم يدخله الإشمام والروم (والرَّوْمُ فيهِ) أي: في الضم. (مِثْلُ كَسْرٍ) مثل ما يدخل الروم الكسرة إلا أن الإشمام لا يدخل الكسر الإشمام يختص بالضم فقط سواء كانت الضمة ضمة إعراب أو ضمة بناء، والروم يدخل الضمة ويدخل الكسرة ... (والرَّوْمُ فيهِ مِثْلُ) الروم هذا مبتدأ (مِثْلُ كَسْرٍ) هذا خبر (أُصِّلاَ) ما هو الروم؟ الروم هو النطق ببعض الحركة ليست كل الحركة تأتي بجزء منها جزء الضمة وجزء الكسرة وهذه لا يمكن التمثيل به، لماذا؟

لأنه يحتاج إلى ممارسة لا يأتي به إلا من تلقاه مشافهة ولا بد أنه يتعلم حتى يأتي به هو النطق ببعض الحركة وقيل: تضعيف الصوت بها حتى يذهب معظمه. صوت ضعيف للكسرة أو الضمة. قال ابن الجرزي: والقولان بمعنى واحد. يعني: التعريفان بمعنى واحد. يعني: من عرف الروم بأنه النطق ببعض الحركة. بجزئها أو كأنها واو صغيرة وقيل: تضعيف الصوت بها حتى يذهب معظمها قال: القولان بمعنى واحد. ويكون في الضم والكسر. إذًا الروم يكون في الضم والكسر بشرط أن يكون الضم في الإشمام والضم والكسر في الروم أصليين لذلك قال: (أُصِّلاَ). هذا فعل ماضي مغير الصيغة وألفه؟ نائب فاعل [نعم أحسنت] وهي للإطلاق (أُصِّلاَ) أي: الضم والكسر. بمعنى أنهم أصليان أي: حال كون الضم في الإشمام والروم والكسر في الروم أصليين لا عارضين كضم ميم الجمع عند من ضمها فلا إشمام فيه، وكسر التخلص من التقاء الساكنين {قُمِ اللَّيْلَ} [المزمل: 2] لو وقف على {قُمِ} تقف بالسكون الخالص لا يأت بروم ببعض الحركة {قُمِ} يقف لأن الكسرة هذه ليست أصلية، كذلك ميم الجمع قد تضم {اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ} [عليهمُ] [الفاتحة: 6، 7] ضمها بعضهم، نقول: الضمة هنا ليست أصلية حينئذٍ لا روم فيها لا روم ولا إشمام بشرط أن تكون الضمة في الإشمام والضمة في الروم والكسر أصليين، فإن لم يكونا كذلك بل كانا عارضين حينئذٍ نقول: لا إشمام ولا روم. قال بعضهم: الروم الإتيان ببعض الحركة وقفًا فلذا ضعف صوتها لقصر زمنها ويسمعها القريب المصغي. يعني: لا يسمعها كل أحد، يسمعها القريب الذي هو مصغي يعني ينتبه لك أما الذي يغافل هذا ما ينتبه، والقصد فيه كالإشمام بيان الحركة الأصلية. إذًا نقول: الأصل في الوقف على الحرف الأخير السكون، ثم قد يُشار إلى الحركة التي أُسْقِطَتْ وهي الضمة أو الكسرة قد يشار إليها بالإشمام أو بالروم. (والفَتْحُ ذَانِ عَنْهُ حَتْمًا حُظِلاَ) ما المراد بهذا الشطر؟ [أحسنتم] الفتح لا يدخله لا روم ولا إشمام (والفَتْحُ) في آخر الكلمة الموقوف عليها (ذَانِ) المشار إليه الإشمام والروم [أحسنت] (عَنْهُ) الضمير يعود إلى الفتح (حَتْماً حُظِلاَ)، (حُظِلاَ) هذا مغير الصيغة والألف هذه ألف التثنية نائب فاعل (حُظِلاَ) أي: منع عنه قطعًا (حَتْمًا) بمعنى قطعًا أو جزمًا أو وجوبًا بمعنى أن الروم والإشمام مُنِعَا عن الفتح فلا يدخل الحركة إذا كانت فتحة ووقف على الحرف الأخير بالإسكان لا يدخله روم ولا ماذا؟ ولا إشمام لا يدخله روم ولا إشمام وسيأتي تعريفه، عرفنا المراد بهذين البيتين. وبِالسُّكُونِ قِفْ عَلَى المُحَرَّكَةْ ... وزِيْدَ الاشْمَامُ لِضَمِّ الحَرَكَةْ والرَّوْمُ فيهِ مِثْلُ كَسْرٍ أُصِّلاَ ... والفَتْحُ ذَانِ عَنْهُ حَتْمًا حُظِلاَ في الها الَّتِي بالتَّاءِ رَسْمًا خُلْفُ ... وَوَيْكَأَنَّ لِلكِسَائِيْ وَقْفُ هذا يتعلق بالقراءات ولذلك لو يحذفون هذه الأمور كان أجود لماذا؟ لم يستفد منها الطلاب وإنما يؤتى ببعض الأمثلة في علوم القرآن يؤتى ببعض الأمثلة ليبين لك كيف وقف الكسائي وكيف وقف أبو عمرو وندخل في متاهات.

(في الها الَّتِي بالتَّاءِ رَسْمًا خُلْفُ) (في الها) هاء التأنيث (في الها الَّتِي بالتَّاءِ رَسْمًا خُلْفُ) هذا الوقف على الرسم هذا نوع ثاني يسمى الوقف على الرسم مما يوقف عليه هاء التأنيث هذه فيها تقسيم هاء التأنيث التي في المصحف تنقسم إلى قسمين: ما رُسِمَ بالهاء وهو المسمى بالتاء المربوطة فاطمة {الْقَارِعَةُ * مَا الْقَارِعَةُ} [القارعة: 1، 2]، {الْقَارِعَةُ} نقول: هذه هاء مربوطة ما رُسم بالهاء وهو المسمى بالتاء المربوطة، وما رسم بالتاء {وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللهِ} [المائدة: 7] نعمة في بعضها رسمت بالتاء المفتوحة أليس كذلك ... {وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ} ورسمت بالتاء المفتوحة {يَرْجُونَ رَحْمَتَ} رحمة رسمت في بعضها بالتاء المفتوحة إذًا عندنا تاء مربوطة وتاء مفتوحة يسميها بعضهم المجرورة ما كانت مربوطة هذا باتفاق الوقف عليها بالسكون لا خلاف فيها {الْقَارِعَةُ * مَا الْقَارِعَةُ} هكذا تقف ولا تقف بماذا القارعت ما القارعت، لا، ليس فيها خلاف وإنما قولاً واحدًا عند القراء أنه يوقف عليها بالسكون، إذًا ما رسم بالهاء وهو المسمى بالتاء المربوطة وإلا ما رسم بالتاء، فأما ما رسم بالهاء فالوقف عليها بالهاء الساكنة وهذا مما اتفق عليه القراء وهو الموافق للقاعدة الكتابية العربية ولا يدخل فيها الروم ولا الإشمام، ولو كانت بالرفع {الْقَارِعَةُ} هذا مبتدأ {مَا الْقَارِعَةُ} الجملة خبر إذًا {الْقَارِعَةُ} هذا مبتدأ مرفوع {مَا الْقَارِعَةُ} هذه خبر مرفوع بالضمة هل يدخله روم أو إشمام؟ نقول: لا، لا يدخله روم ولا إشمام بل يوقف عليه بالسكون لماذا؟ لأن المقصود بهما - الذي هو الإشمام والروم - بيان الحرف الموقوف ... عليه حالة الوصل والهاء لا حركة لها في الأصل لماذا؟ لأنها مبدلة من التاء ... {الْقَارِعَةُ} هذا الأصل لما وقفنا عليه أبدلنا التاء هاء فقيل: (القارعه). فحينئذٍ كيف نأتي بالإشمام لنبين حركة الهاء، الهاء ليست لها حركة لأنها مُبدلة عن أصل، وإذا جئنا بالروم أو الإشمام لم نظهر حركة التاء وإنما كان إظهارًا لحركة الهاء، والهاء الأصل أنها لا حركة لها، إذًا لا يدخل فيها الروم ولا الإشمام لأن المقصود بهما بيان الحرف الموقوف عليه حالة الوصل والهاء لا حركة عليها في الأصل إذ هي مبدلة عن التاء والتاء معدومة في الوقف. أما ما رسم بالتاء {وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ} وما ذكرناه من أمثلة فإنه مما اختلف فيه القراء قيل: إنه اختلف فيه القراء. وهو المذكور هنا في النظم (في الها) إذًا هاء التأنيث أي الهاءين المربوطة أم المفتوحة؟

نقول: المفتوحة لأنها هي التي وقعت فيها نزاع (في الها الَّتِي) هاء التأنيث يعني: في الوقف على الهاء هاء التأنيث (الَّتِي بالتَّاءِ رَسْمًا خُلْفُ) رسمًا أي: هذا مصدر بمعنى اسم مفعول أي: مرسومة. أي: رُسِمَتْ وخططت بالتاء المجرورة التي هي المفتوحة التاء المفتوحة نحو {وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللهِ}، و ... {يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللهِ} [البقرة: 218] {وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلاً} [فاطر: 43] هذه أمثلة ذكرت للتاء المفتوحة (خُلْفُ) أي: خلاف بين القراء (في الها)، (خُلْفُ) والوقف على هاء التأنيث التي رُسمت بالتاء في المصحف (خُلْفُ) أي: اختلاف عند أهل القراءات، فوقف عليها أبو عمرو والكسائي وابن كثير في رواية البزي بالهاء لو وقف على مثلاً {وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللهِ} لو أراد أن يقف على نعمت هل يقف بالتاء أو الهاء هنا فيه خلاف {وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ} بالتاء المفتوحة أراد أن يقف على هذه التاء هل يقف بالهاء أو بالتاء؟ قال: وقف عليها أبو عمرو قال فيها (خُلْفُ) فيها خلاف فوقف عليها أبو عمرو والكسائي وابن كثير في رواية البزي بالهاء ... (واذكروا نعمه) بالهاء (ويرجون رحمه)، (ولن تجد لسنه) وقف عليها بالهاء لماذا قالوا: كسائر الهاءات الداخلة على الأسماء كفاطمة ومسلمة إجرائًا لهاء التأنيث على سند واحد يعني: إلحاقًا لهذه التاء بالتاء الأخرى المربوطة لئلا نفرق وهذه نسبت إلى لغة قريش بأنه لا فرق بين التاءين سواء كانت مربوطة أو مفتوحة يوقف عليها بماذا؟ بالهاء يوقف عليها بالهاء وكذا الكسائي في مرضات واللات وهيهات وتابعه البزي في {هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ} [المؤمنون: 36] فقط هيهاه وقف عليها بالهاء، وكذا وقف ابن كثير وابن عامر على تاء أبت حيث وقع في القرآن هذا عند الثلاث أو الأربع المذكورين ووقف الباقون على هذه المواضع بالتاء {وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ}، {يَرْجُونَ رَحْمَتَ} ... إلى آخره على الرسم على ما ذُكر في الرسم، ما علتهم؟ قالوا: تغليبًا لجانب الرسم. ونسبت إلى لغة طيئ قيل هي لغة طيئ، الذي يترتب على الأول إذا وقف بالتاء قيل: إنه يجوز الإمالة على مذهب الكسائي كما سيأتي ويدخله الروم والإشمام إذا وقف عليها بالهاء، التاء المربوطة إذا وقف عليها بالها حينئذٍ تمال عند الكسائي ويدخلها الروم والإشمام على تفصيل في هذه بعض المسائل عند أرباب القراءات، (في الها الَّتِي بالتَّاءِ رَسْمَاً خُلْفُ) يعني: الوقف على الهاء التي رسمت بالتاء المفتوحة أي: خلاف بين القراء وبعضهم يجعل هذا خلاف فيما لم يختلفوا فيه يعني بعضهم جُمِعَ وبعضهم أُفْرِد، فحينئذٍ هل الخلاف مطرد أو فيما لا يسمع إلا إفراده أو فيما لا يسمع إلا جمعه فيه تفصيل عندهم الذي هو {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ} (وتمت كلمات) هل هو داخل أو لا؟ لأن بعضهم سُمع بالإفراد فقط وبعضهم بالجمع فقط وبعضهم بالجمع والإفراد هل هذا يكون داخلاً في القول؟ تفصيل عندهم.

(وَوَيْكَأَنَّ لِلكِسَائِيْ وَقْفُ مِنْهَا عَلَى اليَا). (وَوَيْكَأَنَّ) هذه جاءت في القصص في موضعين وفي لفظ ويكأن ومثله ويكأنه لا يفلح الكافرون {وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ} في آية واحدة جاءت أليس كذلك ويكأن هي الأسبق {وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} هذه ختام، وفي لفظ ويكأن ومثله ويكأنه للكسائي في رواية الدوري وقفٌ منها على الياء منها أي من ويكأن على الياء يعني: كأنه جعل آخر الكلمة الياء وي كأنه وَي كأنه وي هذه كلمة يقولها المتندم والمتعجب وي هذه لغة فصحى فحينئذٍ جعلها كلمة مستقلة الكسائي فوقف عليها (ويكأن الله) (ويكأنه) إلى آخره إذًا وفي لفظ ويكأن للكسائي في رواية الدوري وقفٌ يعني: وقف منه (مِنْهَا). وقف من الكسائي (مِنْهَا عَلَى اليَا) على الياء منها وقف على الياء وقف منها على الياء هذان متعلقان بقوله: (وَقْفُ) منها على الياء متعلق بوقف لأنه مصدر، ومنها أيضًا متعلق بوقف، جعل (وي) كلمة وكأن كلمة جعل هذه كلمة وهذه كلمة، ... (وأَبُو عَمْرٍو) لكن إذا أراد أن يتبع أن يبدأ وي كأنه لا يُفلح يعني يبتدئ بما بعده وي كأن الله يبسط الرزق إذًا نقول: (مِنْهَا عَلَى اليَا). أي: على ... (وي) ويبدأ بما بعده (كأنه لا يفلح) كأن الله يبسط الرزق (وأَبُو عَمْرٍو عَلَى كَافٍ لَهَا)، (وأَبُو عَمْرٍو) يعني: وقف أبو عمرو على كاف لها على الكاف لها من الكلمتين السابقتين في سورة القصص فجعل (ويك أن)، ... (ويك أنه) وقف على ماذا؟ على الكاف فجعل ويك كلمة وأن هذه كلمة وأنه كلمة فجعل ويك كلمة ويكون أصله حينئذٍ ويلك حذفت منها اللام ويك ويلك أنه .. إلى آخره يرد السؤال لم فتحت همزة أن؟ قيل: إما أنه قدر لفظ اعلم وي اعلم كأنه لا يفلح، وي اعلم كأن الله، أو قدر لام لام الجر اعلم (ويك لأنه) (ويك لأن) الله يبسط إما بتقدير لفظ اعلم وما بعده تكون الهمزة مفتوحة، وإما بتقدير لام الجر يعني: لا بد من مسوغ لكون الهمزة مفتوحة، إذًا وقف أبو عمرو على (كَافٍ لَهَا) للكلمتين السابقتين ويكأنه فجعل ويك كلمة ويكون أصله ويلك حذفت منها اللام وَفُتِحَ أو فَتَح أن بعدها على إضمار اعلم أو لام الجر أي: لأنه (لَهَا) أي: لكلمة ويكأنه .. إلى آخره. وغيرهم (قَدْ حَمَلا) إذًا عرفنا ويكأن فيها مذهبان هل هما كلمة واحدة أم كلمتان سيأتي أن غيرهم (قَدْ حَمَلا) يعني: على الكل بأنها كلمة واحدة تباعًا للرسم، وبعضهم جعلها كلمتين، ثم اختلفوا الكسائي جعل وي كلمة ثم ما بعدها كلمة مستقلة، وأبو عمرو جعل ويك وقف على الكاف جعلها كلمة مستقلة وقيل: هذا لا أصل له. قيل: هذا التفريق منسوب إلى الشاطبية والنشر يقول أنه لا وجود له عند أبي عمرو ولا الكسائي. وغيرهم (قَدْ حَمَلا) وغير من؟ غير الكسائي وأبي عمرو هم اثنين أم عشرة اثنان ولم قال: غيرهم. لم جمع؟

لأن لهما أتباع يعني باعتبار الرواة [أحسنت] هذا وجه، ويحتمل أنه للتعظيم ويحتمل أن أقل الجمع اثنان فلا إشكال، (وَغَيْرُهُمْ) أي: غير أولئك وهم الكسائي وأبي عمرو وهم باقوا السبعة وهم خمسة (قَدْ حَمَلا) الألف للإطلاق (حَمَلا) الألف للإطلاق وحملا بمعنى حمل الوقف على آخر الكلمة وهي النون في ويكأن والهاء في ويكأنه ويكأنْ ويكأنهْ بالوقف على الأصل. إذًا وغيرهم (قَدْ حَمَلا) غير الكسائي وأبي عمرو (قَدْ حَمَلا) أي: حمل الوقف على آخر الكلمة واعتبر أن ويكأن ويكأنه هذا كلمة واحدة إتباعًا للرسم. قال في التقريب: هذا ما عليه الشاطبي. يخطئون بعض الأشياء في الشاطبية وأكثر المحققين لم يذكروا شيئًا من ذلك، فالوقف عندهم على الكلمة برأسها لاتصالها رسمًا بالإجماع وهو الأولى والمختار في مذهب الجميع نُسب إلى الكسائي هذا وقيل: إنه يجوز عند أبي عمرو أو يجوز الوجهان عند الكسائي ويجب عند أبي عمرو قيل: توجيه بهذا. وَوَقَفُوا بِلامِ نَحْوِ {مَالِ ... هَذا الرَّسُولِ} ما عَدَا المَوَالِيْ (وَوَقَفُوا) أي: القراء كلهم أو إلا ما استُثني إن صح الخلاف أيضًا في دعوى خلاف خِلافٌ، (وَوَقَفُوا) أي: القراء كلهم على لام بلام الباء هنا بمعنى على، على لام نحو مال {مَالِ هَذا الرَّسُولِ} [الفرقان: 7] هذا في الفرقان {مَالِ هَذَا الْكِتَابِ} [الكهف: 49]، {فَمَا لِهَؤُلاء الْقَوْمِ} [النساء: 78] مال، (ما)، هل يوقف على (ما) أو على اللام هذا فيه خلاف (وَوَقَفُوا بِلامِ نَحْوِ {مَالِ) ثم يُكْمِلُون {مَالِ هَذَا الْكِتَابِ} ... يعني: إذا أراد أن يقف سواء اضطراريًّا أم اختياريًّا والأظهر أن المراد اختياري فلو وقف هل يقف على ما أو على اللام؟ هذا فيه نزاع بينهم أما في الوصل لا بد من الرجوع، لأنه لا يتم معناه إلا بما قبله (وَوَقَفُوا بِلامِ نَحْوِ: {مَالِ هَذا الرَّسُولِ}) إتباعًا للرسم لأن اللام تقع مفصولة عما بعدها، كتبت لام الجر في هذه المواضع الثلاث المذكورة مفصولة عن مجرورها كتبت مفصولة عن مجرورها تنبيهًا على انفصاله عن مجرورها في المعنى فوقف الجميع اختيارًا واضطرارًا على اللام إتباعًا للرسم يعني: لا على ما. هذا حُكِيَ الإجماع فحينئذٍ الخلاف لا وجه له. (ما عَدَا المَوَالِيْ السَّابِقِيْنَ) (ما عَدَا المَوَالِيْ) إذًا الوقف على اللام إلا من؟ إلا الكسائي وأبا عمرو (ما عَدَا) هذا استثناء يعني: (ما عَدَا) (ما) مصدرية و (عَدَا) فعل ماضي وفاعلها ضمير مستتر وجوبًا .... المفهوم من السابق و (المَوَالِيْ) هذا مفعول به منصوب (السَّابِقِيْنَ) هذا بدل أليس كذلك؟ بدل أو لا؟ بدل بعض منكن موالي جمع و (السَّابِقِيْنَ) مثنى أليس كذلك موالي جمع والسابقين هذا مثنى حينئذٍ بدل بعض منكن إذًا ... (ما عَدَا المَوَالِيْ) قالوا: الكسائي ظاهر أنه مولى لأنه أصله من فارس وأما أبو عمرو فمشهور أنه مازني من مازن قبيلة من العرب، حينئذ كيف يقول: (ما عَدَا المَوَالِيْ). وأبو عمرو ليس بمولى والكسائي هو المولى؟ نقول: من باب التغليب.

(السَّابِقِيْنَ) بالتثنية منصوب بالياء لأنه مثنى، والمراد به أبو عمرو والكسائي (فَعَلَى مَا) يعني: وقفوا على (ما)، ثم قالوا: {مَالِ هَذا الرَّسُولِ}. لم يقفوا على اللام (ما عَدَا المَوَالِيْ السَّابِقِيْنَ، فَعَلَى) لفظ ما على اللام (وَقَفُوا) فعلى لفظ ما لا على اللام وقفوا، ثم يبتدئ باللام متصلةً بما بعدها لأن حرف الجر من الكلمة الآتية يعني: لا بد من الرجوع الكلام في الوقف فقط يقف ثم إذا أراد أن يبتدئ بما بعده لا بد من الرجوع لأن اللام داخلة في الكلمة الآتية (ما عَدَا المَوَالِيْ السَّابِقِيْنَ، فَعَلَى مَا وَقَفُوا) هذا تَبِعَ الناظم أصله ((النقاية)) قال في التقريب: ووقف أبو عمرو على ما لقوله تعالى: {فَمَا لِهَؤُلاء الْقَوْمِ} [النساء: 78]، و {مَالِ هَذَا} بسورتي الكهف والفرقان {فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ} [المعارج: 36] في المعارج هذا والباقون على اللام في الأربعة إلا الكسائي فله الوقف على كل منهم، هذا ما في الشاطبية، وفي النشر جواز الوقف على كل منهما للجميع هم يجعلون ابن الجزري حاكمًا على الكل، في النشر جواز الوقف على كل منهما للجميع. إذًا لا تفصيل إلا أن يقال: أن كلام الناظم محمول على الجواز بالنسبة للكسائي والوجوب لأبي عمرو، وهذا ذكرته في القول السابق هذا المراد به هنا على الجواز بالنسبة للكسائي والوجوب لأبي عمرو إذًا المسألة فيها خلاف، هل يقف على ما أو على اللام؟ الجمهور على ما، ونسب إلى الكسائي وأبو عمرو الوقف على اللام ولهم تعليل موجودة في الشروحات. السَّابِقِيْنَ، فَعَلَى مَا وَقَفُوا ... وَشِبْهِ ذَا المِثَالِ نَحْوَهُ قِفُوا شبه يعني: مثل (ذَا المِثَالِ) المثال جزئي يُذكر لإيضاح القاعدة (شِبْهِ ذَا) هذا مشار إليه، المثال هذا بدل أو عطف بيان أو نعت، وبدل المجرور مجرور، حينئذٍ جُرَّ هنا لأن شبه مضاف وذا مضاف إليه، والمثال هذا بالجرِّ بالكسر أي (شِبْهِ ذَا) المثال المذكور في النظم السابق {مَالِ هَذا الرَّسُولِ} (نَحْوَهُ قِفُوا) أمر من الوقف يعني: قف أنت أو يا من يقرؤون هذا النظم نحوه عليه، نحو مفعول به مقدم لقوله: (قِفُوا) أو تبعوا هذا أمر من قفوا لكن الأولى أن يجعل أمرًا من الوقف، تبعوا من قفا أثره بمعنى تبع وهذا قد يكون فيه بعد. إذًا عرفنا أن هذا الوقف المراد به الوقف على الرسم وهذا بحث في القراءات وإنما ذكروا هذا مثال، ثم قال رحمه الله: النوع الثالث الإمالة، ونميل عن الدرس. ونقف على هذا وصلَّ الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

10

عناصر الدرس * النوع الثالث (الإمالة) * النوع الرابع (المد) * النوع الخامس (تخفيف الهمزة) * النوع السادس (الإدغام) الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد: سبق الحديث في باب أو النوع الأول والثاني من العِقد الثالث وهو ما يرجع إلى الأداء، وذكرنا أن العقد الثالث هذا متعلق بالأداء بكيفية قراءة القرآن الوحي لا بذات الألفاظ لا بجوهر الألفاظ وإنما يتعلق بكيفية أداء الوحي من حيث الوقف والابتداء من حيث الإمالة من حيث تخفيف الهمز إلى آخره الإدغام وما يذكره المصنف وما زاد عليه بعضهم في المطولات. الوقف والابتداء قلنا: هذا نوعان. الكلام في ما يوقف عليه ويبتدئ به هذا نوع وهذا قلنا الابتداء ولا إشكال فيه أمره واضح ولذلك لا يكون إلا اختياريًا بخلاف الوقف فإنه ينقسم إلى: اختياري، اضطراري. والاختياري هذا قد يكون اختياري بسبب كالاختباري والانتظاري وقد يكون بغير سبب، وهو الذي قسمه المصنف هنا تبعًا للمشهور إلى أربعة أقسام: وقفٌ قبيح، وقفٌ حسن، ووقفٌ تام، ووقفٌ كاف. ثم قسم أو هذا النوع أهم ما يعتنى به وهو الذي ذكر أهل العلم أن متعلق فهم القرآن يكون بماذا بمعرفة الوقف، لذلك نقل عن علي رضي الله تعالى عنه في تفسير قوله: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً} [المزمل: 4]. قال: هو تجويد الحروف ومعرفة الوقوف. وهذا هو المراد به وليس المراد به ما يوقف به على آخر الكلمة من السكون والإشمام والروم، بل المراد به هو ذاك الذي ذكرناه وبسطنا فيه الكلام لماذا لأن الارتباط في المعنى إما أن يكون من جهة اللفظ بما قبله إذا وقف على الكلمة، إما أن يكون بما وقف عليه يعني ما بعده مرتبطًا بما قبله من جهة اللفظ والمعنى أو من جهة المعنى دون اللفظ، أما أنه يتصور أن يكون انفصال تام لا من جهة اللفظ ولا من جهة المعنى هذا يمكن أن يكون في خواتيم السور إذا لم نقل بمناسبات بين آخر آية في السورة والتي تليها، يمكن أن يكون انفصال تام من جهة اللفظ والمعنى أما فيما يُدَّعَى أنه منفصلٌ لفظًا لا معنى لعل المراد أنه المعنى الذي يرتبط بأصل الجملة وإلا ارتباطه ما يبتدئ به بعد الوقف بما قبله من جهة اللفظ دون المعنى هذا لا يكاد يتصور أو من جهة المعنى دون اللفظ نقول: هذا لا يكاد يتصور ولذلك ضبط هذا الباب أيضًا يتعلق بباب الفصل والوصل عند البيانين وسيذكر المصنف هنا في العِقد الرابع أو الخامس. والنوع الثاني: هو كيفية الوقف وهذا أدنى من الأول من جهة الأهمية لماذا لأنه لا ارتباط له بجهة المعنى وإنما الارتباط من جهة كيفية الوقف على آخر حرفٍ منه هذا بناء على الأصل المطرد عندهم وهو أنه لا يوقف على متحرك وإنما يوقف على الساكن، ولذلك الوقف بالسكون هو الأصل ثم أرادوا أن يشيروا للحركة التي حذفت لأن السكون عدم حركة ليس هو بحركة ولا نسميه حركة بل نقول هو عدم حركة ليس بشيء لا بضمة ولا بكسرة ولا بفتحة، أرادوا أن يدل على أن المحذوف كسرة أو ضمة أشاروا إليه بنوعين هما: الإشمام، والروم وبينَّا كل ما يتعلق بنقل هذين النوعين ...................... ... وزِيْدَ الاشْمَامُ لِضَمِّ الحَرَكَةْ والرَّوْمُ فيهِ - أي بالضم -

والرَّوْمُ فيهِ مِثْلُ كَسْرٍ أُصِّلاَ ... والفَتْحُ ذَانِ عَنْهُ حَتْماً حُظِلاَ يعني منع وهو وجوبًا حتمًا الفتح عن الإشمام يعني الفتح ذان عنه حظلا ذان هو الإشمام والروم (حُظِلاَ) أي: منع عنه لا يكون الفتح مشمًّا إذا أوقف عليه بالسكون ولا يدخله كذلك الروم فلا روم ولا إشمام، وهذه كما ذكرنا أن مبناه على لغة العرب على لسان العرب حينئذٍ العلة يقال فيه ماذا في الإشمام أو في الروم أو في عدم دخول الإشمام والروم على فتح نقول النقل والسماع هذا هو الأصل لأنه كما ذكرنا القاعدة العامة أن القرآن نزل بلسان العرب والأصل فيه أنه يُحمل على ما اشتهر وذاع من لسان العرب، فما كان من لسان العرب حينئذٍ جاز وجوده واستعماله والنطق به في القرآن هذا هو الأصل، ولكن نزيد على هذا زيادة المقام نقول: هنا يزيد بكون القراءة سنة متبعة بمعنى أنها منقولة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيكون النبي - صلى الله عليه وسلم - أشمَّ وأيضًا أدخل الروم فيما ذكر. هذه الثلاثة قد تجتمع وقد تفترق الروم والإشمام والسكون قد تجتمع في لفظٍ واحد يعني يجوز الوقوف عليه بالسكون فقط أو بالإشمام فقط أو بالروم فقط، ما يوقف بالأقسام الثلاثة السكون والإشمام والروم وهو ما كان متحركًا بالرفع أو بالضم بالرفع إن كان معربًا وبالضم إن كان مبنيًّا يمكن أن يكون الإشمام في المبني، إذًا يوقف بالأقسام الثلاثة السكون المحض والإشمام والروم في ما كان متحركًا بالرفع إن كان معربًا أو بالضم إن كان مبنيًّا {نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5] هذا بالضم يوقف عليه بالسكون {نَسْتَعِين} ويوقف عليه بالإشمام وبالروم لأن الروم يدخل الضم كما يدخله الإشمام كذلك {مِن قَبْلُ} ... ، {مِن بَعْدُ} من قبل لو وقف عليها يقف عليها بالسكون كذلك بالروم والإشمام و {قَبْلُ} هذه الضمة هنا ضمة بناء حينئذٍ {نَسْتَعِين} هذا مثال للروم و {مِن قَبْلُ}، {مِن بَعْدُ} هذان للبناء. ما يوقف عليه بالسكون وهو الرومِ فقط ولا يجوز فيه الإشمام وهو ما كان متحركًا بالخفض إن كان معربًا أو بالكسر إن مبنيًّا نحو {الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ} {الرَّحِيمِ} هذا قد يقف عليه بالسكون {الرَّحِيمْ} وقد نقف عليه بالروم ولا يدخله الإشمام لماذا؟ لأن الإشمام مختصٌ بالضم أو الرفع ولا يدخل الكسر، وامتنع الإشمام لعدم نقلٍ إذًا علة عدم إشمام الكسر ما كان مختومًا بكسرٍ إذا سكن نقول عدم النقل لماذا؟ لأن المسألة هنا نقليه بحتة وهذا هو الأصل في مباحث اللغة أنه نقليه بحتة. وعرفت بالنقل إلا بالعقل ... تقبل استنباطه بالنقل وعُرفت أي اللغة، وعُرفت بالنقل لا بالعقل فقط، وإنما العقل يكون مستعملاً في استنباط الأحكام فقط لا في إنجاز ألفاظ ولا في إنجاز كيفية نطقٍ بألفاظ وإنما يُستنبط قواعد الأصول فقط كما هو حاله مع الشرع، الشارع لم يجعل العقل مشرعًا كذلك لم يهضم جانب العقل بل أعطاه فسحةً من جهة الاستنباط والبحث والتدبر والتأمل والنظر لبناء الحكم المدلول على المعلوم كما هو في شأن القياس ونحوه.

الثالث: ما لا يوقف عليه إلا بالسكون فقط ولا يجوز الإشمام ولا الروم فيه. وهو ما كان مختومًا بالفتح وهي ولا الروم أصلاً وهو ما كان متحركًا بالفتح أو النقل غير منون نحو {الْعَالَمِينَ}، {المُستَقِيمَ}، {المُستَقِيمَ} هذا منصوب إذا وقت عليه تقف عليه بالسكون فقط السكون المحض {اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ} لا يجوز الإشمام ولا الروم لماذا؟ لعدم النقل هذا الأصل لعدم النقل، وكل ما يُذْكَر من حِكَمٍ فهي أمور مستنبطة فقط يعني البعض يقول لئلا إذا فتح أو حصل إشمام في الفتح أوهم أنه ضمة .. إلى آخره، كلها الأصل أن اللغة أصلاً وفرعًا إنما هي منقولةً نقلاً سماعًا عن العرب، وإذا كانت القراءة كذلك حينئذٍ نزيد على القراءة بأنها وافقت القواعد العامة وأصول عامة من لغة العرب وكذلك هي سنة متبعة بمعنى أنها منقولة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فتقرأ كما نقلت إلينا ولا نعلل إلا بالنقل، إن وجد ما هو موافق للأصول العامة والقواعد حينئذٍ نُخَرِّجُ لا بأس نقول حذفت الهمزة ونقلت حركتها لما قبلها طردًا للقاعدة .. إلى آخره نقول: لا بأس فيه، لكن إذا لم تدخل العرب الإشمام ولا الروم في الفتح وجاءت القراءة كذلك حينئذٍ نعللٍ بماذا؟ نعلل بأنه لم ينقل لم يسمع من لغة العرب إشمامٌ ولا رومٌ في الفتح ولم ينقل في السنة المتبعة التي هي القراءات ونحوها ثم قال رحمه الله: (النوع الثالث: الإمالة) حَمْزَةُ والكِسَائِيْ قَدْ أَمَالاَ ... مَا الياءُ أَصْلُهُ اسْمًا أَو أَفْعالا أَنَّى بِمَعْنَى كيفَ مَا بِاليَا رُسِمْ ... حَتَّى إِلى لَدَى عَلَى زَكَى التُزِمْ إِخْرَاجُها سِوَاهُما لَمْ يُمِلِ ... إِلاَّ بِبَعْضٍ لِمَحَلِّهَا اعْدِلِ (النوع الثالث) من أنواع العقد الثالث وهو ما يرجع إلى الأداء (الإمالة) هذه منقولٌ عن العرب أيضًا كما أن الوقف والابتداء منقولٌ عن العرب وكما أن الإدغام والتخفيف تخفيف الهمز كذلك والمد منقول عن العرب، إذًا مباحثها في الأصل هي مباحث اللغة العربية ولذلك بوب ابن مالك رحمه الله أيضًا في ((الألفية)) باب الإمالة وذكرها الصرفيون الذين بحثهم منقطع عن علوم الشرع يعني من حيث الكتابة ذكروا أيضًا باب الإمالة وفصلوها تفصيل طويل عريض جدًا يُرجع إلى محله، وابن مالك لما بوب للوقف لأنه مما جاء عن العرب وبوب للإمالة لأنه مما جاءت عن العرب.

(النوع الثالث: الإمالة) (الإمالة) هذا مصدر إمالة أَمَالَ يُمِيلُ إِمَالَةً هذا من باب أَفْعَلَ وهو أَكْرَم الباب الأول من النوع الأول من الثلاثي المزيد عليه حرفٌ واحدٌ وهو باب أفعل يُفْعِلُ إِفْعَالاً باب أَكْرَمَ يُكْرِمُ إِكْرَامًا، وقلنا أَكْرَمَ يُكْرِمُ إِكْرَامًا، وأَفْعَلَ يُفْعِلُ إِفْعَالاً هكذا هذا مقيدٌ في ما صحت عينه مثل أَكْرَمَ أَفْعَلَ أَكْرَمَ الراء هنا هي العين صحيحة ليست بحرف علة، وأما إذا كانت العين واوًا أو ياءً تنقلب حينئذٍ ألفًا مثل أقام أَقْوَمَ هذا الأصل أَقَامَ أصله أَقْوَمَ ما الذي حصل؟ نقول: اكتفاءً بجزء العلة لأنه سمع من للغة العرب أَقَامَ وهو وزن أَفْعَلَ وأصل الألف هذه منقلبة عن واو حينئذٍ لا بد له من أصلٍ يرجع إليه بطرد الأصول العامة عند الصرفيين ونحوهم، فنقول أصله على زنة أَفْعَلَ أَقْوَمَ تحركت الواو ولم ينفتح ما قبلها ولأن العلة في قلب الواو ياءً مركبة من شيئين: أن تكون متحركة وأن ينفتح ما قبلها، هنا تحركت الواو ولم ينفتح ما قبلها فنقول: اكتفاء بجزء العلة فقلبت الواو ياء فصار أقام كذلك أمال أصله أَمْيَلَ لأن الألف هذه منقلبة عن ياء مَالَ يَمِيلُ أَمَالَ يُمَيلُ إذًا الألف منقلبة عن ياء، فأمال أصله أَمَيْلَ تحركت الياء ولم ينفتح ما قبلها بل سكن، إذًا وجدت جزء العلة وحينئذٍ نقول اكتفاءً بجزء العلة قُلبت الياء ألفًا فصار أمال هذا أحسن وأسهل، والوجه الثاني ذكرناه في متن البناء هناك.

أَمَالَ يُمِيلُ بضم حرف المضارعة لأنه من الرباعي وضمها من أصلها الرباعي مثل يُجِيبُ مِنْ أَجَابَ الدَّاعِي إمالةً أصله إِمْيَالْ إِفْعَال هذا الأصل كما نقول: أَكْرَمَ يُكْرِمُ إِكْرَامًا أَقْوَمَ يُقْوُمُ إِقْوَامًا ونحن نقول: إِقَامَة ما نقل إِقْوَامًا ونقول إِمَالَة ولا نقول: إِمْيَالاً دل على ماذا؟ على أن ثَمَّ إعلال حصل في الكلمة إعلالٌ بالنقل وإعلالٌ بالحذف، الإعلال الأول إعلالٌ بالنقل وهو كيف جاءت هذه الألف مع زيادة التاء والأصل أن المصدر الرباعي أَكْرَمَ إِكْرَامًا إِفْعَالاً فنقول حينئذٍ حصل إعلال نوعان: إعلالٌ بالنقل، وإعلالٌ بالحذف أَقْوَمَ يُقْوِمُ إِقْوَامًا أيضًا الذي جعلنا نقلب الواو ألفًا اكتفاءً بجزء العلة أنه لم يُسمع إِقْوَامًا وإنما سمع إقامةً فدل على أن هذه الألف منقبة عن الواو، والقاعدة أن الواو لا تنقلب ألفًا إلا إذا تحركت وانفتح ما قبلها فوجدنا أن الواو هنا تحركت ولكن لم ينفتح ما قبلها فلا بد ونضطر أن نكسر القاعدة لكن بحيلة ولا نأتي لها هكذا مباشرة نقول نقلبها دون نظر للقاعدة لكن نحتال على القاعدة فنقول: القاعدة أو العلة مركبة من تحرك الواو وانفتاح ما قبلها فاكتفاءً بجزء العلة إذًا ما رددنا العلة كلها وإنما اكتفينا بجزءٍ منها، فحينئذٍ نقول: إقوامًا على الأصل تحرك الواو واكتفي بجزءٍ العلة فقلبت ألفًا فاجتمع عندنا ألفان الألف المنقلبة عن الواو وهي عين الكلمة والألف التي هي ألف المصدر لا بد من حذف إحداهما قيل الأولى وقيل الثانية، والأصح أنها الأولى التي انقلبت عن الواو لماذا؟ لأنهم لما حذفوها عوضوا عنها والقاعدة عند العرب أنهم لا يعوضون إلا عن الحرف الأصلي فدل على أن الألف المحذوفة هذه عوض عنها التاء إذًا هي أصلية وليست كونها أصلية بعينها وإنما لكونها منقلبة عن أصلي فعلمنا أن الألف التي انقلبت عن الواو هي المحذوفة فقيل إقوامًا إقا، ثم الألف حذفنا الألف الأولى وعوضنا عنه التاء فصارت إقامةً، إمالةً مثله هذه مقدمة لإمالة، إمالةً أصله إِمْيَال إِفْعَال هذا الأصل أليس كذلك؟ قلبت حركة الياء ولما انفتح ما قبلها اكتفاءً بجزء العلة قلبت الياء ألفًا فاجتمع عندنا ألفان ألف المصدر الثانية وألف التي هي عين الكلمة منقلبة عن الياء اجتمع ألفان لا يمكن تحريك أحدهما لا بد من حذف الألف الأولى أو الثانية، اختلف فيهما على قولين والمرجح أنه الألف الأولى للتعويض عنها بالتاء ولا يعوض إلا عن أصلٍ ولكون ألف المصدر إنما جاءت لمعنى، وما جاء لمعنى فهو أولى بالثبوت مما هو من حيث لفظه حرفٌ لا يدل على معنى لأن العين التي هي انقلبت ألفًا هذه حرف مبنى وتلك الألف المصدرية حرف معنى وإذا دار الأمر بين حذف حرف المبنى وحرف المعنى فأيهما أولى؟ الحكم بكون المحذوف في حرف المبنى أولى لأن حرف المعنى كلمة بذاتها برأسها حينئذٍ نقول: إمالة على مصدر أَمَالَ يُمِيلُ إمالةً، أصله أًمْيَلَ يُمْيِلُ يُمْ يُمِي استثقلت الكسرة على الياء فنقلت إلى ما قلبها هذا إعلال بالنقل يميل يُمْيِلُ على وزن يُفْعِلُ إمالةً إِمْيَالاً هذا أصله.

(النوع الثالث: الإمالة) ذكرنا أنه مصدر أَمَالَ، الإِمَالَة أفردها جماعةٌ من القراء في التصانيف. ما من نوعٍ من هذه الأنواع المذكورة إلى وقد أفردت بالتصانيف ولكن لما جمع السيوطي وغيرهم في مختصراتهم ((الإتقان)) وغيرها كثير لم ينقل إلى الآن ولم يطبع إلا القليل منها. أفرده بالتصنيف جماعة من القراء قال الداني: الفتح والإمالةُ لغتان مشهورتان على ألسنة الفصحاء من العرب الذين نزل القرآن بلغتهم. إذًا الإمالة والفتح لغتان مشهورتان عن فصحاء العرب الذين نزل القرآن بلغتهم هنا قرن بين القرآن وبين كون الإمالة من لغة العرب الذين نزل القرآن بلغتهم لماذا؟ طردًا للأصل الذي نذكره دائمًا وهو أن ما ساغ وجاز وذاع وشاع في لسان العرب فالأصل وجوده في القرآن والذي ينفي هو الذي عليه الدليل. فالفتح لغة أهل الحجاز والإمالة لغة عامة أهل نجد من تميمٍ وأسدٍ وقيس هكذا قال الداني، الفتح تحقيق الألف كما هي {وَالضُّحَى} [الضحى: 1] بدون إمالة هذه لغة أهل الحجاز، والإمالة هذه لغة عامة أهل نجد من تميمٍ وأسدٍ وقيس فهي ثابتةٌ في لغاتٍ كثيرة من العرب إذًا ليست بلغةٍ شاذة أو لغةٍ ضعيفة أو لغةٍ لم ينقلها إلا الأفراد لأنه إذا كانت اللغة قليلة ولذلك سنقيد ما ذاع وشاع في لسان العرب أما ما كان النقل فيه ضعيفًا فلا لذلك دائمًا ننكر ماذا؟ أن لا يحمل القرآن على لغة أكلوني البراغيث مع أنها لغة طيء أو بني الحارث، كيف ننكر هنا ونقول الأصل هو في ما كان في لسان العرب أنه يوجد في القرآن؟ نقول: ما كان في لسان العرب وذاع وشاع وانتشر وكان لغة عامة أهل العرب حينئذٍ هذا هو الأصل أما ما قل ناقلوه أو ندر قائلوه أو فيه خلاف في ثبوته من جهة العرب هذا أصلاً لا يجوز نقول عكس لا يجوز حمل القرآن ولذلك نص غير واحدٍ حتى من المعاصرين ومنهم الشيخ ابن عثيمين رحمه الله أنه لا يجوز أن يُحمل القرآن على لغة أكلوني البراغيث لأنها لغة ضعيفة قليل نادرة ويمكن مثل هذه اللغات ممكن أن يأتي آتٍ فينكرها من أصلها يمكن أن يأتيك آتٍ فينكرها من أصلها لكن التي شاع وذاعت عند العرب ووجدت في المعلقات وفي غيرها من النثر والنظم هذه هي التي نثبتها في القرآن أنها الأصل، ولذلك لا اختلاف بين أن يُنفى حمل القرآن على لغة أكلوني البراغيث فنقول: {وَأَسَرُّواْ النَّجْوَى الَّذِينَ} [الأنبياء: 3] هذا لا يمكن حمله على لغة أكلوني البراغيث مع أن ظاهره عليه قلنا لا بد من تأويله وحمله على اللغة المشهورة الفصحى الكثيرة التي ذاعت وشاعت، وأما ما ندر فهذا لا، نقول: العكس ولذلك قالوا: هنا لغة أهل الحجاز هي الفتح، والإمالة لغة عامةِ أهل نجد، وذكر بعضهم أنه لغات كثيرٍ من العرب. ما هي الإمالة؟

قالوا: الإمالة هي أن يَنْحُوَ يعني القارئ أو المتكلم العربي أن ينحو بالفتحة نحو الكسرة، فتحة الأصل أنه ينطق بها فتحة كما هي خالصة لكن يشوبها شيءٌ من الكسر فكأنها حركةٌ بين الفتح والكسر، هذا ما يسمى الإمالة، أو بالألف نحو الياء ينحو بالألف نحو الياء يعني يميل الألف وكأنها ياءٌ فيكون حرفًا بين الألف وبين الياء ليست بألفٍ خالصة ولا بياءٍ خالصة وهناك ليست بفتحة خالصة ولا بكسرةٍ خالصة، أن ينحو بالفتحة نحو الكسرة وبالألف نحو الياء كثيرًا وهو المحض كثيرًا يعني يشبعها لكن بحيث لا يؤدي إلى بشاعةٍ في اللفظ أو إلى أن تكون كسرةً خالصة أو ياءً خالصة، لا هذا منهيٌ عنه عندهم يعني ألا تكون إذا نحى بالألف نحو الياء ألا تكون ياءً خالصة وإذا نحى بالفتحة نحو الكسرة ألا تكون كسرةً خالصة ولكنه يميل الفتحة إلى الكسرة ميلاً كثيرًا يعني: يعدلها. ويميل الألف إلى الياء ميلاً كثيرًا لئلا تصل إلى الياء الخالصة هذا الميل الكثير الشديد في الفتح إلى الكسر والألف إلى الياء هذا يسمى الإمالة المحضة الإمالة الكبرى لأن الإمالة عندهم نوعان: إمالة كبرى، وإمالة صغرى. كما أن الفاصلة هناك فاصلة كبرى وفاصلة صغرى عند العربية هنا إمالة كبرى وإمالة صغرى هذا الذي ذكرناه كثيرًا وهو المحض أي الإمالة المحضة ويقال لها في اصطلاح القراء: إمالة كبرى. وعندهم إمالة صغرى تقابلها تسمى بالتقليل وهي: أن تلفظ بالحرف بحالة بين الفتح والإمالة كالأولى أن تلفظ بالحرف بحالة بين الفتح والإمالة إلا أن الفرق بين الكبرى أن تكون إلى الكسر أقرب لا تكسر خالص وإنما تكون إلى الكسر أقرب وإذا كانت حالة متوسطة صارت ماذا؟ إمالة صغرى ولذلك هذه لا يمكن أخذها مرة أو مرتين هذه لا بد من دربة لا تأتي هكذا بمثال أو مثالين واضح فحينئذٍ أن تنحو بالفتحة إلى الكسرة إن كانت كثيرًا هذا الإلحاح إن كان كثيرًا بحيث يكاد يكون كسرة خالصة لا خالصة سمي إمالة كبرى إن لم يكن كذلك بل كان وسطًا فهو إمالة صغرى، وهي: أن تلفظ بالحرف بحالة بين الفتح والإمالة، أي: بين لفظ الفتح ولفظ الإمالة الكبرى هذا تقيد بين اللفظ الفتح أو الألف مثله ولفظ الإمالة الكبرى وسط لا إمالة كبرى ولا فتح خالص لا إمالة كبرى ولا ألف خالصة هذا هو المراد بالإمالة، القراء ما من قارئ إلا وقد أمال إلا ما استثني وسيأتي لكن الأكثر أنهم أمالوا ويختلفون في الإمالة من جهة الكسرة ومن جهة القلة وإلى آخره لكن قراءتنا ليس فيها إلا إمالة واحدة قراءة حفص عن عاصم إمالة واحدة وهي في سورة هود ... {مَجْرَاهَا} [هود: 41] قال رحمه الله تعالى: حَمْزَةُ والكِسَائِيْ قَدْ أَمَالاَ ... مَا الياءُ أَصْلُهُ اسْمًا أَو أَفْعالا

حمزة والكسائي وهما من القراء السبعة (قَدْ أَمَالاَ) (قَدْ) حرف تحقيق ... (حَمْزَةُ والكِسَائِيُّ) هذا الأصل لكنه خففه للوزن (قَدْ أَمَالاَ) الألف للتثنية أمالا هذا فعلٌ ماضي والألف هنا للتثنية ترجع إلى حمزة والكسائي (قَدْ أَمَالاَ) إمالةً كبرى وقفًا ووصلاً يعني في حالة الوقف وفي حالة الوصل إذا وصلوا أيضًا أمالوا هو ليس كالإشمام مثلاً عند الوقف، لا، هنا إمالةً كبرى في الوصل وفي الوقف، والإمالة عند حمزة وعند الكسائي كبرى بمعنى أنه يأتي أو ينحو بالفتحة إلى الكسرة تكاد تكون خالصة وينحو بالألف إلى الياء تكاد تكون خالصة، لكن يَرِدُ السؤال: هل كل ألفٍ ينحو بها إلى الياء أم ثَمَّ تفصيل؟ ثَمَّ تفصيل قال: (أَمَالاَ). إمالةً كبرى وصلاً ووقفًا (مَا الياءُ أَصْلُهُ) ما أصله الياء لأن الألف كما سبق تكون منقلبة عن واو وقد تكون منقلبة عن ياء، الألف المنقلبة عن ياء وعلى استثناءٍ عندهم أيضًا الألف المنقلبة عن ياء هي التي تكون محلاً للإمالة الكبرى عند حمزة والكسائي لكن ثَمَّ استثناءات كُثْر عندهم في كتب القراءات، (مَا الياءُ أَصْلُهُ) (مَا) اسمٌ موصول بمعنى الذي في محل نصب مفعولٌ به، (مَا الياءُ أَصْلُهُ) (الياءُ) مبتدأ (أَصْلُهُ) هذا خبر، والجملة لا محل لها من الإعراب صلة الموصول، (مَا) أي: الحرف الذي ... (الياءُ أَصْلُهُ) قال بعضهم: (مَا) أي: الحرف الذي والمراد به - كضابط عندهم - كل ألفٍ متطرفةٍ منقلبةٍ عن ياءٍ تحقيقًا حيث وقعت في القرآن، كل ألفٍ متطرفةٍ يعني في آخر الكلمة متطرفة في الطرف آخر الكلمة، منقلبةٍ عن ياء لا منقلبةٍ عن واو، والواو هذا فيه استثناء عندهم أيضًا، تحقيقًا بمعنى أن ليس في الكلمة اختلاف في كون الألف منقلبة عن ياء أو واو، ما جزم بكون الألف منقلبةً فيه عن ياء قطعًا قولاً واحدًا هذا أطلقوا عليه بأنه تحقيقي وما اختلف فيه فلا، خارجٌ عن هذا القيد حيث وقعت في القرآن في كل موضعٍ في كل سورةٍ في كل آية وقعت بهذه القيود حمزة والكسائي قد أمالا إمالةً كبرى وصلاً ووقفًا، فخرج بقيد التحقيق نحو {الْحَيَاةِ} و {وَمَنَاةَ} [النجم: 20] {الْحَيَاةِ} الألف هذه هل هي منقلبة عن واو أو ياء فيه خلاف إذًا ليست الألف منقلبة عن ياء تحقيقًا فلا يمليها لا حمزة ولا الكسائي لماذا؟ لأننا اشترطنا في الياء التي تمال أو الألف التي تمال ما كانت منقلبة عن ياء حقيقة تحقيقًا لا تحتمل أنها منقلبة عن واو فما احتملت أنها منقلبة عن واو أو وقع فيه نزاع حينئذٍ نقول: لا إمالة. فخرج بقوله: تحقيقًا. نحو {الْحَيَاةِ} و {وَمَنَاةَ} للاختلاف في أصلهما وقوله: منقلبة. أخرج ماذا؟ أخرج الزائدة لأن المنقلبة عن أصلٍ هي أصل إذًا الزائدة نحو {قَائِمٌ} الألف هذه زائدة؟ هل تدخلها الإمالة؟ الجواب: لا، لماذا؟ لأنها ليست منقلبة عن شيء وإنما هي أصل، وإن كانت لمعنى، وبعن ياء نحو عصا ودعا هذه منقلبة عن واو وليست منقلبة عن ياء ودعا على المشهور منقلبة عن واو وليست منقلبة عن ياء وبالمتطرفة المتوسطة سار هذه منقلبة عن ياء سار يسير إذًا الألف هذه المنقلبة عن ياء تحقيقًا هل تدخلها الإمالة؟ نقول: لا، لماذا؟ لأنها ليست متطرفة.

إذًا قوله: (قَدْ أَمَالاَ مَا الياءُ أَصْلُهُ). بهذه القيود ما أصله الياء يعني: الحرف الذي هو ألف أصله الياء ووقعت هذه الألف متطرفة منقلبة عن ياء تحقيقًا فما لم تتوفر هذه القيود فلا إمالة على الأصل العام. (مَا الياءُ أَصْلُهُ اسْمًا أَو أَفْعالا) حمزة والكسائي (قَدْ أمَالاَ ما الياءُ أَصْلُهُ) أي: الحرف الذي أصله الياء أو الياء أصله، ثم قلبت ألفًا ليس المراد هنا النظر للأصل فيمال أو ترجع الألف إلى أصلها ثم تمال لا المراد بها الألف وهذه الألف أصلها الياء ثم انقلبت الياء ألفًا ما أصله الياء ما الياء أصله ثم انقلبت ألفًا (اسْمًا أَو أَفْعالا) يعني: سواء كانت الألف منقلبة عن واو وهي متطرفة سواء كانت في الأسماء أو في الأفعال، والحروف؟ قالوا: لا إمالة في الحروف. (ما الياءُ أَصْلُهُ اسْمًا) يعني: كان اسمًا أو فعال مثل الهدى هدى هذه الألف منقلبة عن ياء تحقيقًا وهي متطرفة إذًا تكون الإمالة الكبرى عند حمزة والكسائي، زنى هذه ألف منقلبة عن ياء وهي متطرفة تحقيقًا إذًا تدخلها الإمالة الكبرى عند حمزة والكسائي، ومثلها {مَثْوَاكُمْ} و {مَأْوَاكُمُ}، (او أَفْعالا) بألف الإطلاق سواء اسمًا أو أفعالاً هذه الألف بدل عن التنوين جمع فعل والهمزة في (او) هذه ساقطة للوزن (أَفْعالا) سواء كانت الياء التي كانت أصلاً للألف أو الألف التي أصلها الياء وهي متطرفة سواء كانت متطرفةً في الأسماء كالهدى والزنا أو في الأفعال كسعى وأتى ورمى وعسى ويخشى وأبى ... إلى آخره ثم قال: أَنَّى بِمَعْنَى كيفَ مَا بِاليَا رُسِمْ ... حَتَّى إِلى لَدَى عَلَى زَكَى التُزِمْ إِخْرَاجُها .................... ... ............................

(أَنَّى) يعني: وأمالا أيضًا أنى في القرآن كيف ما وقعت حيثما وجدت أنى في القرآن فهذه داخلة فيما أماله حمزة والكسائي لكن قيدها قال بمعنى كيف يعني التي تكون للاستفهام، وإذا قيل كما قيل بأن أنى لا توجد في القرآن إلا استفهامية بمعنى كيف فحينئذٍ القيد هنا لبيان الواقع وإذا قيل بأن أنى تأتي في القرآن بمعنى متى فحينئذٍ قوله: (بِمَعْنَى كيفَ) للاحتراز، ولكن مع ذلك أيضًا الشراح قالوا: بمعنى كيف وبمعنى متى. حينئذٍ على كلا الحالين يكون قوله: (بِمَعْنَى كيفَ). لبيان الواقع لا للاحتراز، أنى {أَنَّى يُؤْفَكُونَ} أنى بمعنى كيف أي: وأمالا. أي: حمزة والكسائي. أيضًا مع ما سبق ما الياء أصله أمالا أنى بمعنى كيف التي للاستفهام وكذلك بمعنى متى، وهذا قيل أيضًا إنه داخل تحت أصل ما رسم بالياء يعني: تحت الأصل الذي سيأتي. الأصل الذي سيأتي بقولهم: (مَا بِاليَا رُسِمْ). منه أنى وإذا كانت منه أنى حينئذٍ لا داعي إلى تخصيصها بالذكر لأنها داخلة فيما سيأتي (أَنَّى بِمَعْنَى كيفَ) أنى التي للاستفهام وبمعنى متى، تأتي بمعنى كيف وتأتي بمعنى متى، وفي اللغة تأتي بمعنى متى لكن في القرآن يحتاج إلى نظر، قالوا: أنى التي بمعنى كيف إذا احترزنا بها عن التي بمعنى متى علامتها صلاحية حلول كيف محلها، يعني: إذا صح أن تأتي بلفظ كيف محل فهي بمعناها كما هو الشأن في سائر الحروف أو الكلمات التي تنوب بعضها عن بعض (مَا بِاليَا رُسِمْ) هذا الثالث. الأول: أمالا ما الياء أصله. الثاني: أنى التي بمعنى كيف. الثالث: ما بالياء رسم. يعني أمالا أيضًا ما. أي: الحرف الذي بالياء رسم. أي: رسم بالياء هكذا على صيغة مثل حُبلى وهُدى ما بالياء رسم، ما رسم بالياء وهذا أعم من الأول. ما العلاقة بين هذا وبين السابق (أَمَالاَ مَا الياءُ أَصْلُهُ) وهنا (مَا بِاليَا رُسِمْ) أيهما أعم؟ هذا أعم لماذا؟

لأنه قد يرسم بصورة الياء وتكون الألف هذه منقلبة عن ياء فيصدق مع ما مضى وقد تكون أعم منقلبة عن واو وقد تكون مجهولة الأصل لأن بعض الحروف بعض الكلمات آخرها ألف ونعلم أن الألف لا تكون إلا أصلاً فحينئذٍ إذا لم يعن أن هذه الياءات المنقلبة عن واو أو ياء صارت مجهولة الأصل وإذا كانت مجهولة الأصل أيضًا تدخلها الإمالة عند حمزة والكسائي، إذًا قوله: (مَا بِاليَا رُسِمْ). (مَا) أي: الحرف الذي بالياء رسم. يعني في المصحف العثماني. وهي كل ألف متطرفة كتبت في الرسم العثماني بالياء مما ليس أصله الياء، إذا أردنا فكه عن القيد السابق إذا أردنا أن نجعل هذا أصلاً مستقلاً وذاك أصلاً مستقلاً حينئذٍ نقول: (مَا بِاليَا رُسِمْ) مما ليس أصله الياء بأن تكون زائدة أو عن واو في الثلاثي مثل ماذا؟ {مَتَى}، {بَلَى}، {يَا أَسَفَى} ... [يوسف: 84]، {يَا حَسْرَتَى} [الزمر: 56]، {وَعِيسَى}، ... {وَمُوسَى} وغير ذلك مما رسم في المصحف العثماني بالياء إلا ما استثني مما سيستثنيه المصنف هنا (حَتَّى إِلى لَدَى عَلَى زَكَى التُزِمْ إِخْرَاجُها) حتى التزم إخراجها (إِخْرَاجُها) من أين؟ (مَا بِاليَا رُسِمْ) لأنها رسمت بالياء لماذا إخراجها؟ لأنه لم يُنقل إمالتها فإذا لم ينقل إمالتها حينئذٍ القراءة سنة متبعة حتى وإلى ولدى وعلى وزكى التزم إخراجها من الإمالة من الذي يمال من المرسوم بالياء (إِخْرَاجُها) من الذي يمال من المرسوم بالياء و (إِخْرَاجُها) هذا نائب فاعل لالتزم حتى وإلى وعلى هذه الحروف، قالوا: والحرف لاحظ له في الإمالة. ولدى هذه اسم لدَى الباب في سورة يوسف أليس كذلك {لَدَى الْحَنَاجِرِ} [غافر: 18] أليس كذلك لدَى هذه اسم وليست بحرف لماذا أخرجت عن الإمالة؟ قالوا: كُتبت في بعض المصاحف بالألف دون صورة الياء فلما كتبت في بعض المصاحف بالألف وفي بعضها بسورة الياء حينئذٍ لم تمل، وزكى زكى هذا واوي الألف هذه منقلبة عن واو إخراجها حتى وإلى ولدى وعلى وزكى هذه الكلمات الخمس التزم إخراجها من الأصل الذي ذكره أخيرًا وهو (مَا بِاليَا رُسِمْ). (سِوَاهُما لَمْ يُمِلِ إِلاَّ بِبَعْضٍ لِمَحَلِّهَا اعْدِلِ)، (سِوَاهُما) سوى حمزة والكسائي، (سِوَاهُما) هذا مبتدأ (لَمْ يُمِلِ) الجملة خبر (سِوَاهُما) أي: سوى حمزة والكسائي (لَمْ يُمِلِ إِلاَّ بِبَعْضٍ) (لَمْ يُمِلِ) هذا نفي (إِلاَّ بِبَعْضٍ) هذا إثبات فدل على ماذا؟

أن المنفي هنا الإمالة الكبرى وليست الإمالة الصغرى (لَمْ يُمِلِ) إمالة كبرى يعني: لم تتعلق إمالة سوى حمزة والكسائي بكل ما أميل عندهما لا من جهة الإمالة من كونها كبرى ولا من جهة ما تدخله الإمالة يعني: من جهة الصفة أو من جهة المحل، من جهة الصفة كيفية الإمالة فهي ليست بكبرى، ومن جهة المحل يعني: ليس كل محل أماله حمزة والكسائي أماله غيرهما بل ثم خلاف، ... (سِوَاهُما لَمْ يُمِلِ) إمالة كبرى (إِلاَّ بِبَعْضٍ) إلا في بعض من المواضع إلا ببعض من المواضع (لِمَحَلِّهَا اعْدِلِ)، (لِمَحَلِّهَا) أي: الإمالة. (اعْدِلِ) هذا أمر من العدل يعني: لا تظلم. (لِمَحَلِّهَا) أي: الإمالة. (اعْدِلِ) بمعنى: لا تظلم، فتأتي بالإمالة في موضعها مما أماله غيره حمزة والكسائي أو لك أن تحمل اللفظ على معنى آخر، (لِمَحَلِّهَا اعْدِلِ) (اعْدِلِ) هذا أمر من العدل عَدَلَ يَعْدِلُ عَدْلاً وعدولاً بمعنى حاد وعدل إليه بمعنى رجع، حينئذٍ ... (اعْدِلِ) بمعنى: ارجع لمحلها لمحل ذكرها هذه الإمالة وهي كتب القراء والمعنى هذا أحسن، بمعنى أن المصنف أحالك إلى كتب الخلاف وكتب ما يذكر فيها من قراءات (إِلاَّ بِبَعْضٍ) إذًا سواهما لم يمل إلا ببعض من المواضع، ما هي هذه المواضع؟ (اعْدِلِ) لمحلها يعني: ارجع لمكان هذه المواضع لتعرف وتقف بنفسك فإن الموضوع طويل ولا تحتمله هذه المنظومة (لِمَحَلِّهَا) أي: من الكتب. (اعْدِلِ) هذا أمر من عَدَل يَعْدِلُ عدولاً إذا حاد ورجع. واضح هذا؟ يرد السؤال ما الفائدة من الإمالة؟ قالوا: فائدة الإمالة سهولة اللفظ وذلك أن اللسان يرتفع بالفتح وينحدر بالإمالة {وَالضُّحَى} يمدها ثم قد يأتي بالإمالة (والضحي) فكأنه أمالها إلى الياء (والضحي) لم يرتفع لسانه كما هو الشأن فيما إذا نطق بالألف كما هي، أن اللسان يرتفع بالفتح وينحدر بالإمالة والانحدار أخف عن اللسان من الارتفاع فلهذا أمال من أمال، وأما من فتح ولم يمل فإنه رعى كون الفتح الأصل وكل القراء العشرة أمالوا إلا من؟ إلا ابنَ كثير بالنصب إذًا وكل القراء العشرة أمالوا إلا ابنَ كثير فإنه لم يمل شيئًا في جميع القرآن وحاصل ما ذُكر في هذا الباب اختصره المساوي في شرح اختصار جيد أن القراء في الإمالة على قسمين: الأول: منهم من أمال. الثاني: منهم من لم يمل. قسمان القراء منهم من أمال، ومنهم من لم يمل. والأول الذين هم أمالوا من أمال الأول قسمان: مقل، ومكثر. مقل هم: ابن عامر، وعاصم، وقالون فإنهم لا يميلون إلا في مواضع معدودة من؟ ابن عامر، وعاصم، وقالون فإنهم لا يميلون إلا في مواضع معلومة، هؤلاء المقلون. ومكثر هذا من القسم الأول ومكثر وهم: ورش، وحمزة، والكسائي، وأبو عمرو. فإنهم أمالوا في مواضع كثيرة لكن أصل حمزة والكسائي الإمالة الكبرى وأصل ورش الإمالة الصغرى وأما أبو عمرو فمتردد بينهما جمعًا بين اللغتين أبو عمرو متردد بينهما بين الكبرى والصغرى جمعًا بين اللغتين. ثم قال رحمه الله: النوع الرابع: المَدُّ نَوْعانِ مَا يُوصَلُ، أَو مَا يُفْصَلُ ... وفِيْهِمَا حَمْزَةُ وَرْشٌ أَطْوَلُ فَعَاصِمٌ فَبَعْدَهُ ابنُ عَامِرِ ... مَعَ الكِسَائِيْ فَأَبُو عَمْرٍو حَرِى

وحَرْفَ مَدٍّ مَكَّنُوا في المُتَّصِلْ ... طُرًّا ولكِنْ خُلْفُهُمْ في المُنْفَصِلْ خلفهم في المنفصل النوع الرابع من العِقد الثالث وهو ما يرجع إلى الأداء المد وهو مصدر مَدَّ يَمُدُّ مَدًّا كَرَدَّ رَدًّا. فَعْلٌ قِياسُ مَصْدَرٍ الْمُعَدَّى ... مِنْ ذِي ثَلاثَة كَرَدّ رَدًّا المد في اللغة: الزيادة. قال تعالى: {يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم} [آل عمران: 125]. أي: يزدكم ربكم وعكسه القصر لأن عندنا مد وقصر مد فلان وقصر فلان إذًا ضده وهو في اللغة: المنع. القصر في اللغة: المنع. {حُورٌ مَّقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ} [الرحمن: 72] قيل: بمعنى المد. وقيل: بمعنى الحبس. ومنه سمي المقصور مقصورًا عند النحاة لكونه منع الحركة. وأما المد في الاصطلاح فهو: زيادة مطٍ، المط هو المد والمد هو المط، والمط ما هو؟ هو طول زمن الصوت {يَا أَيُّهَا} [مدها 4] هذا طول زمن الصوت هذا هو المط، فالمد هو المط والمط هو المد لكن ليس كل مط وإنما هو محدود بقواعد وأصول، إذًا المد اصطلاحًا زيادة مط في حرف المد على المد الطبيعي، وما هو المد الطبيعي؟ قالوا: المد الطبيعي هذا نسبة إلى الطبيعة والسليقة يعني النفس السليمة تأتي بحركته لا تزيد ولا ينقص، المد الطبيعي هو المد الذي لا تقوم ذات الحرف إلا به يعني: لا يمكن أن يؤتى بالحرف على وجهه الصحيح التام دون مط إلا بهذا الوجه قولٌ هذا مد طبيعي حركتين لأن كل حرف الأصل أنه من حروف المد له حركتان له ألف كما يعبر بعضهم حينئذٍ قول هذه جاءت على طبيعتها والسليقة لم يقل قُول [مد 2] أو قُول ... [مدها 4] هذا لم يزد ولم ينقص المد الذي لا تقوم ذات الحرف إلا به وليس بعده همز ولا سكون لأن المد الفرعي السبّبِيّ لا بد من همز وسكون، وسمي طبيعيًا لأن صاحب الطبيعة السليمة لا ينقصه عن حده ولا يزيد عليه، وحده حركتان ويعبر عنه بألف، كل ألف عن حركتين والحركة هي بسط الأصبع وقبضها لا باستعجال ولا ببطء، يعني لا يستعجل الحركة هكذا لا ينقصها عن حده ولا يزيد عليه، وحده مقدار ألفٍ يعني: مقدار حركتين وصلاً ووقفًا وقدر الألف هي أن تمد صوتك بقدر النطق بحركة إحداهما حركة الحرف الذي قبل المد والأخرى هي حرف مد إذًا عرفنا المد اصطلاحًا زيادة مط في حرف المد على المد الطبيعي لو قال على حركتين لما احتجنا إلى تعريف المد الطبيعي، زيادة مط في حرف المد على حركتين حينئذٍ ابتداء المد غير الطبيعي ابتدائه من ثلاث فأكثر لأن الاثنين الحركتين هذه المد الطبيعي والمد الفرعي والسبَبِيّ فهذا ما زاد على حركتين فأقله ثلاث. نَوْعانِ مَا يُوصَلُ، أَو مَا يُفْصَلُ ... وفِيْهِمَا حَمْزَةُ وَرْشٌ أَطْوَلُ حروف المد ثلاثة الألف، والواو، والياء. يقول الحريري: الواو والياء جميعًا والألف ... هن حروف الاعتدال المكتنف

فالواو الساكنة المضموم ما قبلها، والياء الساكنة المكسور ما قبلها، والألف المفتوح ما قبلها لا تكون إلا مفتوح ما قبلها ولذلك هي حرف مد ولين وحرف علة، وأما الياء والواو إن سكنتا وحرك ما قبلها بحركة ليست من جنسها حينئذٍ هي حرف لين لأنها بمجرد السكون هي حرف لين ثم إذا حرك ما قبل الياء بحركة من جنس الياء التي هي كسرة أو الواو سكنت وحرك ما قبلها بحركة من جنس الواو التي هي الضمة حينئذٍ صارت ماذا؟ حرف مد إذا كانت من جنس الواو أو الياء وإذا لم تكن فهي حرف لين فقد يجتمعان وقد يفترقان، قد يفترقان وقد يجتمعان قَوْلٌ بَيْعٌ قَوْل واو سكنت، إذًا صارت حرف لين ما قبلها من جنسها أو لا؟ ليس من جنسها الفتحة ليست من جنس الواو حينئذٍ صارت حرف لين فقط، قَوْلٌ، بَيْعٌ ياء ساكنة فتح ما قبلها فهي حرف لين فقط، أما يَقُولُ يَبِيعُ فهي حرف مد وحرف لين وتسمى حروف الزيادة وحروف المد وحروف اللين، فإذا تحركتا الواو والياء مثل وَعَدَ وَذَكَرَ؟ [نعم أحسنت] لا مد ولا لين ليست بحرف مثل الصحيح صارت مثل حرف الصحيح وسميت حروف العلة لماذا؟ لكثرة تغيراتها لأنها تنقلب الواو ياء ميزان ميوزان وتنقلب الواو ألف وتنقلب الواو ياء وتنقلب الياء واو وتنقلب الواو والياء ألف. إذًا هذه التغيرات هذا الأصل في العلة، إذًا عرفنا أن حروف المد ثلاثة الألف والواو الساكنة المضموم ما قبلها والياء الساكنة المكسور ما قبلها المد نوعان: أصلي ويسمى الطبيعي وذكرناه فيما سبق لأنه ذكره في الحد مثاله يكون فيما اجتمع فيه الثلاث {نُوحِيهَا} [هود: 49] نو حي ها ألف حروف المد الثلاثة اجتمعت في هذه الكلمة ومدها مدًا طبيعيًّا ومدها مدٌّ طبيعيٌّ، إذًا نقول: المد نوعان: أصلي ويسمى طبيعي مثاله {نُوحِيهَا} وذكر تعريفه. النوع الثاني الفرعي: وهو الذي يتوقف على سبب، والسبب هو أمران: الهمزة، والسكون. وشرطه وجود حرف من حروف المد الثلاثة السابقة، وذكروا منه أنواعًا كثيرة جدًا لكن الذي ذكره المصنف هنا نوعان المتصل والمنفصل وإذا أدخلوا العارض واللازم إلى آخره وحرفي وكلمي إلى آخر ما يذكر في كتب التجويد لكن المراد هنا أن بعضه سببي وهو الفرعي والسبب أمران: همز، وسكون. هذا أنواع كثيرة الذي يذكر هنا معنا هو المتصل يُسمى الواجب المتصل، والمنفصل. المد الواجب المتصل هو أن يأتي حرف المد والهمزة بعده أن يأتي حرف المد الذي هو: الواو، أو الياء، أو الألف. والهمزة بعده في كلمة واحدة مثل ماذا؟ {السَّمَاءِ}، {الْمَلاَئِكَةِ}، {جَاء}، {بَرِيئاً} .. إلى آخره، سمي متصلاً لماذا؟ لمجيء الهمزة التي هي سبب المد مع حرف المد في كلمة واحدة اتصالا في كلمة واحدة سمي متصلاً لماذا؟ لمجيء الهمزة والمد معه في كلمة واحد أو قلنا: لاتصال الهمزة بحرف المد وسمي واجبًا لأنهم يعبرون المد الواجب المتصل سمي واجبًا وهل المراد الوجوب الاصطناعي أو الوجوب الشرعي هذا هو الذي فيه خلاف وقع، [من لم يجود القرآن آثم] آثمٌ، هذا إثم شرعي أو إثم اصطناعي؟

ما عندنا اصطناع الإثم لا يكون إلا شرعيًّا أليس كذلك، العقاب والثواب شرعيان لا إشكال بإجماع أهل السنة خلافًا المعتزلة ومن على شاكلتهم، فالثواب والعقاب شرعيان، وأما الوجوب عند الصرفيين والوجوب عند النحاة .. إلى آخره ضربت زيدًا يجب نصبه هنا واجب النصب هنا لكن تقول: ضربت زيدٌ. أثمتُ؟ لا، لست بآثم، ضربت زيدٍ. حينئذٍ الواجب هنا المد سُمِّيَ واجبًا لماذا؟ قيل: لأنه من لا يرى أن التجويد واجب فحينئذٍ قال: لإجماع القراء على مدهم لم يختلفوا فيه، ومن يرى أنه شرعي فحينئذٍ يكون بالأدلة الشرعية، وسُمي واجبًا لاجتماع أو لإجماع القراء اجتماعهم على مده أكثر من حركتين إذًا خرج عن المد الطبيعي أكثر من حركتين. ومقدار مده هذا ما وقع فيه النزاع، لكن عندنا أربع حركات أو خمس حركات. المد الجائز المنفصل هو: أن يأتي حرف المد في آخر الكلمة الأولى والهمزة أول الكلمة التي بعدها {مَا أَنزَلَ} [البقرة: 159] ما حرف نفي آخرها ألف وهي من حروف المد، الكلمة التي تليها أولها همزة إذًا وقع في كلمتين آخر الكلمة الأولى حرف مد وأول الكلمة التي تليها همزة. سُمي منفصلاً لوجود المد في آخر الكلمة والهمزة في أول الكلمة الأخرى، جائز لماذا هو جائز؟ لوقوع الاختلاف فيه، وجائزًا لجواز قصره عند غير حفص لبعض القراء ومقدار مده على الخلاف الذي سيذكره المصنف أربعة حركات أو خمس حركات مثل المتصل {يَا آدَمُ} [البقرة: 33]، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ قُوا أَنفُسَكُمْ} [التحريم: 6] نقول: هذا مد منفصل لكن خلاصة ما سيذكره المصنف هو أن المتصل والمنفصل اتفقا في الزيادة وتفاوتا في النقص، فلا يجوز الزيادة على ست حركات التي ثلاثة ألفات ست حركات لا يجوز الزيادة في المتصل ولا المنفصل على ست حركات، ولا يجوز نقص المتصل عن ثلاث حركات ولا المنفصل عن حركتين المتصل، المتصل لا يجوز أن ينقص على ثلاث حركات لماذا؟ لأنه لو نزل حركتين صار طبيعيًا وهم أجمعوا على مده ومطه، فحينئذٍ لا بد من حركة واحدة تخرجه عن كونه طبيعيًا وإلا لما كان مدًا متصلاً لصار مدًا طبيعيًا، فأقل ما نقل ثلاث حركات فلا يجوز نقصه عن ثلاث حركات، ولا المنفصل عن حركتين لا يجوز نقص المنفصل عن حركتين صار مثل الطبيعي لماذا؟ للخلاف لأن بعضهم يقصر المنفصل هذا {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ قُوا أَنفُسَكُمْ} هذا مثله مثل الطبيعي. ثم قال المصنف رحمه الله تعالى: وهذا باب من أبواب التجويد، هناك تفصيلات أخر: (نَوْعانِ مَا يُوصَلُ، أَو مَا يُفْصَلُ) هذا خبر مبتدأ محذوف، والمد نوعان. هل المد محصور في نوعين؟

لا، ليس محصورًا وإنما أراد أن يذكر حكم نوعين فقط، وهو أشهر ما يكون مدًا وهو المتصل والمنفصل نوعان والمد نوعان (مَا يُوصَلُ) أي الذي يوصل، والموصول مع صلته في قوة المشتق نوعان المتصل إذًا قوله: (مَا يُوصَلُ) هذا في قوة المشتق ما هو المشتق الذي يُبْدُل به اللفظ هنا؟ المتصل، نوعان المتصل (أَو) هذه للتنويع (مَا يُفْصَلُ) أي المنفصل. نوعان (مَا يُوصَلُ) أي المتصل بأن يكون حرف المد والهمزة في كلمة واحدة، (أَو مَا يُفْصَلُ) أي المنفصل بأن يكون حرف المد والهمزة في كلمتين ومثال ما ذكرناه. والأول يسمى: المد المتصل أو واجب الواجب المتصل. والثاني يسمى: بالمد الجائز. وذاك واجب لإجماع واجتماع القراء على مده وهذا جائز لاختلاف القراء في مده، فابن كثير والسوسي يقصرانه ويمدانه، يقصرانه يعني: القصر ضد المد، المد هو: المط زيادة مطٍ على حرف المد على حركتين، والقصر ترك تلك الزيادة وإبقاء المد طبيعي على حاله، فحينئذٍ ابن كثير والسوسي يقصرانه ويمدانه والباقون يمدانه بلا خلاف، إذًا وقع نزاع منهم من يعامل المنفصل معاملة الطبيعي فيمده حركتين. (نَوْعانِ مَا يُوصَلُ، أَو مَا يُفْصَلُ وفِيْهِمَا) أي هذين النوعين المتصل والمنفصل (حَمْزَةُ، وَرْشٌ أَطْوَلُ) من غيرهما بالتثنية (وفِيْهِمَا) أي المدين ... (حَمْزَةُ، وَرْشٌ) بإسقاط حرف العطف حمزةُ بدون تنوين لأنه ممنوع من الصرف للعلمية والتأنيث (حَمْزَةُ، وَرْشٌ) (حمزة وورشٌ) بإسقاط الواو للوزن (أَطْوَلُ) من غيرهما ولهما ثلاث ألفاتٍ تقريبًا والألف بحركتين حينئذٍ أطول ما يمد فيهما المتصل والمنفصل ست حركات، قالوا: ولا يجوز الزيادة عليهما، لا يجوز الزيادة على ست حركات لأن أكثر ما سُمِع هو ثلاث ألفات عند حمزة وورش، إذًا (وفِيْهِمَا حَمْزَةُ، وَرْشٌ أَطْوَلُ) من غيرهما ولهما ثلاث ألفات تقريبًا في الأشهر عند المتأخرين.

(فَعَاصِمٌ) والفاء هنا للترتيب (فَعَاصِمٌ) والعطف مع الترتيب يعني: فيليهما في الطول فيلي حمزة وورشًا عاصمٌ فيليهما في ماذا؟ في الطول وله ألفان ونصف الألف بحركتين والألفان بأربعة ونصف الألف حركة، خمس، هكذا يعبرون (فَعَاصِمٌ) يعني: فيليهما عاصمٌ في الطول وله ألفان ونصفٌ تقريبًا وله مذهب آخر كمذهب ابن عامر والكسائي الآتي ألفان فقط يعني أربع حركات إذًا عاصم خمس حركات وله مذهبٌ آخر وهو أربع حركات (فَبَعْدَهُ ابنُ عَامِرِ مَعَ الكِسَائِيْ) فبعده أي بعد عاصم يعني فيلي عاصمًا في الطول ابن عامر الفاء هنا مرادة للترتيب وهو الآن بدأ بماذا؟ بالأطول ثم يبدأ الآن أن يقف على ثلاث حركات، (فَعَاصِمٌ، فَبَعْدَهُ) يعني بعد عاصمٍ الذي له ألفان ونصف تقريبًا (ابنُ عَامِرِ مَعَ الكِسَائِيْ) ولهما ألفان تقريبًا يعني أربع حركات في المتصل والمنفصل، (فَأَبُو عَمْرٍو) يعني: فيليهما فيلي ابن عامر مع الكسائي أبو عمرٍو العطف هنا يكون على ما قبله لا على الأول يكون على ما قبله ... (فَأَبُو عَمْرٍو) يعني: فيليهما فيلي ابن عامر والكسائي أبو عمرٍو وقالون وابن كثير ليس فقط أربعة فأبو عمرٍو وقالون وابن كثير وله ألفٌ ونصفٌ تقريبًا ثلاثة حركات هذا آخر واحد وقفنا عنده، (فَأَبُو عَمْرٍو) له ألفٌ ونصفٌ تقريبًا وله مذهبٌ آخر ألفان أربع حركات يعني: وافق ابن عامر والكسائي (فَأَبُو عَمْرٍو حَرِى) يعني حقيقٌ وجدير بالتلو في المد أن يتلو ما سبق، إذًا وقع نزاع المد، ثم قال: وحَرْفَ مَدٍّ مَكَّنُوا في المُتَّصِلْ ... طُرًّا ولكِنْ خُلْفُهُمْ في المُنْفَصِلْ (وحَرْفَ مَدٍّ مَكَّنُوا)، (حَرْفَ) مفعولٌ به مقدم لمكنوا حرف مد مضاف إليه، حرف مد المراد به الواو والألف والياء (مَكَّنُوا) أي القراء مكنوا حرف المد بمعنى أن القراء مكنوا حرف المد أي جعلوا له مكانةً ومنزلةً، مَكَّنُوه بمعنى أنهم اتفقوا في المد المتصل على اعتبار أثر الهمزة وهو زيادة المد المسمى عندهم بالمد الفرعي فلا يجوز نقصه عن ثلاث حركات لما ذكرناه سابقًا، إذًا مكنوا أي القراء حرف مدٍ في المد المتصل (في المُتَّصِلْ) أي في المد المتصل مكنوه بماذا؟ بأنه مطوه عن أصله، أصله حركتان فزادوه مدًا فزادوه مطًا فحينئذٍ أقل ما وقفوا عليه هو ما ذُكر عن أبي عمرٍو ألفٌ ونصفٌ يعني: ثلاث حركات، ولو نزل قالوا: لا يجوز نزوله عن ثلاثة حركات لأنه لو نزل لصار مدًا طبيعيًا. (طُرًّا) أي جميعًا (مَكَّنُوا) جميعًا تأكيد هذا من غير استثناءٍ منهم وإنما الخلاف وقع في ماذا؟ في المد المنفصل.

(وحَرْفَ مَدٍّ مَكَّنُوا في المُتَّصِلْ) أي في المد المتصل (طُرًّا) أي جميعًا من غير استثناءٍ منهم وإنما الخلاف في القدر أي مقدار تلك الزيادة، إذًا لهم اتفاق في المتصل ولهم خلاف اتفقوا على أنه لا بد من المد ثم اختلفوا في مقدار تلك الزيادة ولذلك كما ذكرناه أن بعضهم يمده ست حركات وبعضهم خمس وبعضهم أربع وبعضهم ثلاث هذا يستوي فيه المتصل والمنفصل، إذًا في مقدار الزيادة وقع نزاع أما في المد فحينئذٍ لا بد لأن أقل ما نُقل عن أبي عمروٍ وقالون وابن كثير أنه ألفٌ ونصفٌ وهذا أقل ما سمع، فحينئذٍ أقل ما سمع هو الذي يجب الوقوف عنده والنزول إلى ما دونه قالوا: لا يجوز. إذًا حصل إجماع وحصل خلاف حصل إجماع في المد، المد من حيث هو، وحصل خلاف في مقدار الزيادة وهذا يَرُدّنا قول البلقيني فيما سبق: هل الأداء وكيفية الأداء من التخفيف والإمالة والمد متوترة أم لا؟ البُلقيني توسط. ابن حاجب يقول: لا، كلها ليست متواترة. والبلقيني يقول: ما اتفق عليه القراء فهو متواتر وما اختلفوا فيه فهو غير متواتر، فحينئذٍ يتعين ويجب أداءً في ما تواتر، وما اختلفوا فيه لا يجب ولا يتعين، وابن الحاجب نفى والجمهور أثبت فهي ثلاثة أقوال. (وحَرْفَ مَدٍّ مَكَّنُوا في المُتَّصِلْ) أي: في المد المتصل (طُرًّا) أي: جميعًا من غير استثناءٍ منهم ثم قال: (ولكِنْ خُلْفُهُمْ في الْمُنْفَصِلْ)، (ولكِنْ) هذا حرف استدراك والاستدراك هو تعقيب الكلام برفع ما يُتوهم ثبوته أو نفيه، وهنا ليس عند ما يُتوهم ثبوته لأنه نص في الأول على قوله (في المُتَّصِلْ) فلا يشمل المنفصل، (ولكِنْ خُلْفُهُمْ)، لكن هذه مخففة من الثقيلة (خُلْفُهُمْ) أي اختلافهم أو خلاف القراء خلفهم أي خلف القراء بمعنى اختلاف القراء وقع في ماذا؟ في المد المنفصل أو في تمكين المد المنفصل، لأنه قال في الأول: مكنوا بمعنى: أنهم جعلوا لحرف المد مُكْنَة مكانًا، جعلوا لحرف المد مكانًا فأعطوه حقه من المط والزيادة وهنا لم يمكن بقي على أصله وهو حركتان، (ولكِنْ خُلْفُهُمْ في الْمُنْفَصِلْ) أي في تمكين المد المنفصل لأن بعضهم يقصره كما ذكرناه عن من؟ عن ابن كثير والسوسي يقصرانه ويعاملانه معاملة المد الطبيعي يعني: يمد حركتين حينئذٍ لم يمكن حرف المد ولكن خُلفهم أي خلاف القراء في المنفصل في تمكين المد المنفصل هل يُمد أو لا؟ ليس الخلاف فقط في مقدار الزيادة وإنما الخلاف في الأصل هل يمد أو لا؟ من أصل المسألة، أما المتصل اتفقوا على أنه يُمد ثم اختلفوا في مقدار المد وهنا لا، اختلفوا في هل يمد أو ... لا؟ فمنهم من لم يمد أي لا يزيدون على المد الطبيعي كما ذكرناه عن السوسي وابن كثير وبعضهم يزيد قالون. ومنهم من مد وهم الباقون وقالون له مذهبٌ آخر مده ثلاثة أو أربعة حركات. إذًا نرجع إلى الخلاصة التي يمكن أن تستوفيها من هذا ما ذكره الناظم نقول: المتصل والمنفصل اتفقا في الزيادة وتفاوتا في النقص، فلا يجوز الزيادة على ست حركات ولا يجوز نقص المتصل عن ثلاث حركات ولا المنفصل عن حركتين، والزيادة تجدونها في كتب التجويد. النوع الخامس: تَخْفِيفُ الهَمْزِ

نَقْلٌ فَإِسْقَاطٌ وإِبْدالٌ بِمَدّْ ... مِنْ جِنْسِ مَا تَلَتْهُ كَيْفَمَا وَرَدْ نَحْوُ أَئِنَّا فِيْهِ تَسْهِيْلٌ فَقَطْ ... وَرُبَّ هَمْزٍ في مَواضِعٍ سَقَطْ وكُلُّ ذَا بِالرَّمْزِ والإِيْمَاءِ ... إِذْ بَسْطُها في كُتُبِ القُرَّاءِ كل المنظومة بسطها في كتب القراء، وبسطها في كتب علوم القرآن، وبسطها في كتب التفاسير. النوع الخامس من العِقد الثالث: فيما يرجع إلى كيفية أداء (تَخْفِيفُ الهَمْزِ). إذًا الهمزة يدخلها التخفيف، والتخفيف ضد التشديد والتثقيل، فدل على أن الهمزة من حيث هي حرفٌ ثقيل فيحتاج إلى ماذا؟ إلى تخفيف. الهمزة مخرجها أقصى الحلق، وذكرنا فرقًا - أمس أظنه - بين همزة الوصل وهمزة القطع. الهمزة مخرجها أقصى الحلق فكانت أثقل الحروف نطقًا وأبعدها مخرجًا، تنوع العرب في تخفيها بأنواعٍ أربع لما كانت أقصى الحلق وكانت أثقل الحروف وأبعدها مخرجًا يناسب هذا الثِّقَل ما جعله العرب قاعدة عامة وهي طلب الْخِفَّة، هذه قاعدة عامة في النحو والصرف والبيان وفي كل ما يمكن إعمالها - طلب الخفة -. فكل ما كان ثقيلاً على اللسان فحينئذٍ لا بد من عمليةٍٍ لتخفيفه لا بد، وأحيانًا يحصل نوع تكلف كبير من جهة تخفيف هذا اللفظ بالحذف والتقدير إلى آخره، إذًا تنوع العرب في تخفيفها بأنواعٍ ذكرها المصنف في أربعة. 1 - النقل. 2 - والإبدال. 3 - والتسهيل. 4 - والإسقاط. هذه أربعة لكل موضعٍ عند القراء خلاف قل أن تجد أنهم يتفقون في موضعٍ، ولكن نذكر المراد بالنقل والإسقاط ثم التفاصيل تجدها في كتب القراء كما قال: (إِذْ بَسْطُها في كُتُبِ القُرَّاءِ)، ولذلك السيوطي رحمه الله يقول: أحكام الهمز كثيرةٌ لا يحصيها أقل من مجلدٍ، أحكام الهمزة كثيرةٌ لا يحصيها أقل من مجلدٍ، يعني من أراد أن يؤلف فليجمع لنا الهمزات جزاه الله خيرًا. (نَقْلٌ) يعني: أولها نقلٌ ما يسمى بالنقل أو أنواع التخفيف في لغة العرب والتي وجدت في القراءات وهي سنة متبعة النقل. والمراد بالنقل: النقل لحركة الهمزة إلى الساكن قبلها فنسقط تلك الهمزة، يعني هو إسقاط لكنه بمقدمة، إسقاط بمقدمة، فالإسقاط ترتب على النقل ليس مقصودًا لذاته ليس هو عين النوع الثالث وإنما النوع الثالث تسقط الهمزة مباشرة هكذا بحركتها، وأما هنا لا، الأصل النقل، نقل حركة الهمزة إلى الساكن قبلها، فنحو مثلاً {قَدْ أَفْلَحَ} [المؤمنون: 1] {قَدْ} آخرها دالٌ ساكنة أليس كذلك {أَفْلَحَ} هذه همزة أيهما أخف (قَدَ افْلَحَ) أم {قَدْ أَفْلَحَ}؟ (قَدَ افْلَحَ) أخف، فحينئذٍ أرادوا التخفيف فأسقطت حركة الهمزة - وهي الفتحة - أين أسقطت؟ إلى الحرف الساكن الذي قبلها على الدال فحركت الدال صارت متحركة والهمزة سكنت فأسقطت طلبًا للخفة فلذلك قيل (قَدَ افْلَحَ الْمُوْمِنُونَ) هكذا قرأ ورش (قَدَ افْلَحَ الْمُوْمِنُونَ) بنقل حركة الهمزة إلى الساكن قبلها ثم أسقطت لذلك قال الناظم: (نَقْلٌ فَإِسْقَاطٌ) لها، أي نقل لحركتها سواءٌ كانت هذه الحركة فتحة أو ضمة أو كسرة إلى ما قبلها إلى الساكن قبلها فإسقاطٌ لها يعني بعد النقل والمراد هنا به يعني حكمة الإسقاط طلب الخفة.

إذًا نقول: النقل لحركتها إلى الساكن قبلها فتسقط نحو (قَدَ افْلَحَ) بفتح الدال مع إسقاط الهمزة وذلك محله ضابطه متى؟ إذا كان آخر الكلمة ساكنة، أي كلمة؟ التي قبل الهمزة، إذا كان آخر الكلمة ساكنة، إذًا إذا لم يكن ساكنًا لا نقلاً {الْكِتَابَ أَفَلاَ} [البقرة: 44] لا نقل ولا إسقاط لماذا؟ لكون الحرف الذي هو الباء قبل الهمزة محرك وليس بساكنٍ. إذا كان آخر الكلمة ساكنًا غير حرف مدٍ ولين، يعني: يشترط في الحرف الساكن الذي تنقل إليه حركة الهمزة ألا يكون حرف مدٍ ولين فإن كان حرف مدٍ ولين حينئذٍ لا نقل بل صار ماذا؟ صار داخلاً في أنواع المد: {قُوا أَنفُسَكُمْ}. هل ننقل الحركة حركة الهمزة إلى الواو ثم نسقطها نقول: لا، شرط النقل ألا يكون الحرف الذي قبل الهمزة حرف مد، هنا هو ساكن لا إشكال لكنه تخلف القيد الثاني وهو كونه حرف مد. إذًا غير حرف مدٍ ولين، وأتى بعده همزة قطعٍ أول الكلمة فورش - وهذا كثر عنده - فورشٌ ينقل حركة الهمزة إلى الساكن قبلها ويسقط الهمزة نحو (قَدَ افْلَحَ)، و {بِعَادٍ * إِرَمَ} [الفجر: 6، 7]. هنا الهمزة مكسورة وهناك {قَدْ أَفْلَحَ} الهمزة مفتوحة، إذًا نقلٌ لحركتها كلها مطلقًا سواءً كانت الحركة فتحة أو ضمة أو كسرة {بِعَادٍ * إرَمَ}. التنوين هنا يكون محركًا بالكسر، (وَمَنَ امَنَ) ... {وَمَنْ آمَنَ}، (وَمَنَ امَنَ) هذا ما الذي حصل؟ {وَمَنْ آمَنَ} الحركة هنا فتحة، إذًا {قَدْ أَفْلَحَ}، هذا بالفتح مثال آخر {بِعَادٍ * إرَمَ} هذا مثال للكسر واستثنى أصحاب يعقوب عن ورش: {كِتَابِيهْ * إِنِّي ظَنَنتُ} [الحاقة: 19، 20]. مع أنه إني قبله كتابيه، حرفٌ ساكن وليس بحرف مد ومع ذلك لم يحصله النقل هذا مستثنى من القاعدة {كِتَابِيهْ * إِنِّي ظَنَنتُ} فسكنوا الهاء وحققوا الهمزة، وأما الباقون فحققوا وسكنوا في جميع ذلك، وأما الباقون يعني غير ورش فحققوا الهمزة يعني: نطقوا بها كما هي وسكنوا في جميع ذلك. إذًا قوله: (نَقْلٌ فَإِسْقَاطٌ) هذا بيان للنوع الأول من أنواع التخفيف تخفيف الهمزة، (نَقْلٌ) أولها نقلٌ لحركتها إلى ما قبلها من ساكن غير مد فإسقاطٌ لها بعده يعني: بعد النقل وحكمة هذا الإسقاط هو التخفيف. ثانيها: ثاني الأنواع أنواع التخفيف (إِبْدالٌ) إبدالٌ للهمزة الساكنة وقد تُبدل الهمزة حال كونها مفتوحة كما سيأتي. الإبدال المراد به عندهم أن تُبدل الهمزة الساكنة حرف مدٍ من جنس حركة ما قبلها، فتبدل ألفًا بعد الفتح، نحو: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ} [طه: 132]. وَأْ، هذه همزة ساكنة بعد ماذا؟ بعد فتحٍ، ماذا نصنع؟ نبدل الهمزة حرف مدٍ من جنس الفتحة وهو الألف (وَامُرْ أَهْلَكَ)، واضح هذا؟

أن نبدل الهمزة الساكنة حرف مدٍ ثم حرف المد هذا يحتمل أنه ألف ويحتمل أنه واو ويحتمل أنه ياء، متى نُعَيِّن أن هذه الهمزة نبدلها ألفًا أو واوًا أو ياءً ننظر إلى الحرف المحرك إلى حركة الحرف قبله فإن كان فتحة أبدلنا الهمزة ألفًا، وإن كان ضمةً أبدلنا الهمزة واوًا: {يُؤْمِنُونَ} يُؤْ همزة ساكنة أبدلت إلى واو لماذا قلت واو؟ لأن ما قبل الهمزة الساكنة ضمة أو الحرف المحرك حينئذٍ محرك بضم (يُوْمِنُونَ)، أو إذا كانت الهمزة ساكنة وما قبلها مكسورة فتبدل بياء: ... {الذِّئْبُ} [يوسف: 13]. (الذِّيْبُ)، [نعم صحيح] {جِئْتَ} أو (جِيت) هذا قلب، وهذه لغة فصيحة [أي نعم] هذا مثل قَصَصْتُ، وقَصَّيْتُ، ومَرَرْتُ ومَرَّيْتُ الناس لا تقول: مَرِيتُ. هذه صحيحة ذكرها الحريري في شرح الملحة قَصَصْتُ وقَصَّيْتُ ومَرَرْتُ، ومَرَّيْتُ إذا فك الإدغام جاز قلب الحرف الثاني ياءً مَرِّيت شِيت يزيد، إذًا نقول: من جنس حركة ما قبلها فتبدل ألفًا بعد فتحٍ وواوًا بعد ضمٍ نحو: (يُوْمِنُونَ) وياءً بعد كسرٍ نحو جيت (الذِّيْبُ) أليس كذلك: (وَالْمُوتَفِكَةَ) [النجم: 53]، (ايْذَن لِّي) {ائْذَن لِّي} [التوبة: 49]، {تَأْلَمُونَ} (تَالَمُونَ) [النساء: 104]. وعند ورشٍ مقيد بما إذا كان فاء الفعل هذا فيه تفصيل طويل عندهم. وبه يقرأ أبو عمرو يعني الإبدال سواءٌ كانت الهمزة فاء الكلمة أم عينها أم لامها يعني بخلاف ورش، ورش قيده إذا كانت فاء الكلمة فاء الفعل، وأما أبو عمرو مطلقة سواءٌ كانت فاءً أو عينًا أو لامًا إلا أن يكون سكونها جزمًا: ... {نُنسِأْهَا} [البقرة: 106] {أَرْجِئْه} [الأعراف: 111]. أو ترك الهمز يكون فيه أثقل {تُؤْويهِ} توويه هنا الهمزة أخف أو تركه {وَتُؤْوِي} ... [الأحزاب: 51]. في الأحزاب {وَتُؤْوِي} الهمزة أخف من تركها فصار ترك الهمزة هو الثقيل هو الأثقل والهمزة مع كونها فيها ثقل إلا أن تركها في هذا الموضع أثقل {وَتُؤْوِي}، (وَتُووِي) هذا ثقيل فلذلك الترك هنا أولى، أو يوقع في الالتباس وهو {وَرِئْياً} [مريم: 74]. في سورة مريم فإن تحركت فلا خلاف عنه في التحقيق لا خلاف عنه يعني عن أبي عمرو في التحقيق. على كلٍ هذا هو الإبدال أن يبدل أو تبدل الهمزة الساكنة حرف مدٍ من جنس حركة الحرف الذي قبلها إن كان الحرف محركًا بالفتحة قلبت الهمزة ألفًا إن كان محركًا بالضمة قلبت الهمزة واوًا وبالكسرة قلبت الهمزة ياءً والتفصيل في كتب القراء. (وإِبْدالٌ) هو ذكر هنا: (وإِبْدالٌ بِمَدّْ مِنْ جِنْسِ مَا تَلَتْهُ كَيْفَمَا وَرَدْ). (وإِبْدالٌ) يعني: وثانيها أنواع التخفيف إبدالٌ للهمزة الساكنة، وتبدل الهمزة المفتوحة عند ورش إذا وقعت فاء الفعل بعد ضم واوٍ {مُّؤَجَّلاً} [آل عمران: 145]. (مُّوَجَّلاً)، {مُؤَذِّنٌ}، (مُوَذِّنٌ)، وأما الباقون ففيه تفصيلٌ مرجعه كتب القراء (وإِبْدالٌ) للهمزة الساكنة ما الحكمة هنا؟ قالوا: حكمة الإبدال هنا المناسبة مع التخفيف وطلب التخفيف لكن لما عُيِّنَ قلب الهمزة واوًا لما لم تسقط؟ قالوا: للمناسبة.

(وإِبْدالٌ) للهمزة الساكنة (بِمَدّْ) يعني بحرف مدٍ واوًا أو ياءً أو ألفًا (مِنْ جِنْسِ) الذي يعين هذا الحرف حرف المد (مِنْ جِنْسِ مَا تَلَتْهُ) هنا لا بد من التقدير (مِنْ جِنْسِ) يعني: من حركة الحرف الذي (تَلَتْهُ) الهمزة، واوًا بعد الضم وألفًا بعد الفتح وياءً بعد الكسر، من جنس حركة الحرف التقدير يكون بعد جنس من جنس حركة الحرف الذي (تَلَتْهُ) الهمزة من جنس (مَا) أي الحرف (تَلَتْهُ) أي الهمزة، والضمير في تلته يعود إلى (مَا) واضح؟ (مِنْ جِنْسِ مَا) من جنس الحرف الذي (تَلَتْهُ) الهمزة الضمير في (تَلَتْهُ) الهاء يعود إلى (مَا) والفاعل هو الهمزة (كَيْفَمَا وَرَدْ) أي: على أي حالةٍ ورد ما ماذا ما تلته الهمزة من فتحٍ أو ضمٍ أو كسر (كَيْفَمَا وَرَدْ) يعني كيف ما ورد (مَا) تلته الهمزة سواء كان مفتوحًا أو مضمومًا أو مكسورًا. (نَحْوُ أَئِنَّا فِيْهِ تَسْهِيْلٌ فَقَطْ) هذا النوع الثالث وهو التسهيل، والتسهيل كاسمه التسهيل. إذًا هو موافق للقاعدة العامة التي جعلها هنا تخفيف الهمزة التسهيل نوعٌ من أنواع التخفيف. إذًا ثالثها التسهيل (نَحْوُ أَئِنَّا). (فِيْهِ) أي في هذا اللفظ ونحوه {أَئِذَا} [الرعد: 5] {أَإِلَهٌ} [النمل: 60] (تَسْهِيْلٌ فَقَطْ) تسهيل (أَئِنَّا)، هذا كلمة واحدة وفيه همزتان (نَحْوُ أَئِنَّا) هذا كلمة واحدة وفيه همزتان الأولى همزة استفهام والثانية همزة من أصل الكلمة (نَحْوُ أَئِنَّا) مما في الكلمة الواحدة همزتان الأولى مفتوحة والثانية مكسورة والأولى همزتها همزة استفهام، قال: ... (تَسْهِيْلٌ) تسهيلٌ بين الهمزةِ وبين حرف حركتها بأن تُجعل الهمزة الثانية في الكلمة المذكورة بين الهمزة والياء {أَئِنَّا} [الرعد: 5] (أَيِنَّا) تسهيل أو لا تسهيل {أَئِنَّا} بتحقيق الهمزتين تُجعل الثانية ماذا؟ تَجعل الهمزة الثانية في الكلمة المذكورة بين الهمزة والياء ليست همزةً حقيقةً ولا ياء صريحةً وإنما بين بين، وهي قراءة نافع، وابن كثير، وأبي عمرو وكذا قرأ بالتسهيل بعضهم يعني وبعضهم لم يقرأ بالتسهيل (نَحْوُ أَئِنَّا فِيْهِ) بهذا اللفظ ونحوه (تَسْهِيْلٌ فَقَطْ) يعني لا إبدال في هذا (تَسْهِيْلٌ فَقَطْ) لا إبدال، لم تبدل كما هو في الأول تُبدل الهمزة ألفًا أو واوًا أو ياءً، لا، هنا بين بين، ولذلك بعضهم يعبر يقول: التسهيل بينها وبين حركتها (نَحْوُ أَئِنَّا فِيْهِ تَسْهِيْلٌ فَقَطْ)، (فَقَطْ) إشارة إلى ماذا إلى كون التسهيل بجعل الهمزة بين حركتها وبين الياء، لا إبدال فيه كما هو الإبدال السابق، أما إذا كانت الهمزتان في كلمتين - هذا في كلمةٍ واحدة {ائْذَن لِّي}، {ائْذَن} هذه كلمة واحدة (ايذَن لِّي) ايذن - أما إذا كان في كلمتين أو في كلمة والتالية غير مكسورة ففيها تفصيل ضبطه في كتب القراءات.

(وَرُبَّ هَمْزٍ في مَواضِعٍ سَقَطْ) هذا النوع الرابع، الذي هو الإسقاط ولكنه إسقاطٌ بلا نقلٍ ولا إبدال لأن النقل فيه إسقاط كما نص عليه والإبدال فيه إسقاط لكن هنا إسقاطٌ بلا نقلٍ ولا إبدال، وذلك إذا اتفقتا في الحركة اجتمع عندنا همزتان اتفقتا في الحركة بأن كانتا مفتوحتين أو مكسورتين أو مضمومتين فإن الهمزة الأولى من الهمزتين في هذه الأنواع الثلاثة تسقط في قراءة أبي عمرو إسقاط مباشرة نحذف الهمزة. وقال الخليل: الهمزة الساقطة هي الثانية. اختلفوا هل هي الأولى أم الثانية على كلٍ واحدة منهما تسقط سواءٌ كانتا في كلمة نحو {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ} [البقرة: 6] (أَنذَرْتَهُمْ) {أَأَنذَرْتَهُمْ} بحذف إحدى الهمزتين {أَأَلِدُ} [هود: 72] (أَلِدُ) أو في كلمتين نحو {جَاءَ أَجَلُهُمْ} [الأعراف: 34]، (جَا أَجَلُهُمْ) ففيها تفصيل موضعه كتب القراءات إذا كانت في كلمتين. (وَرُبَّ هَمْزٍ في مَواضِعٍ سَقَطْ). (وَرُبَّ) يعني ورابعها الإسقاط ورب حرف تقليل، للتقليل قليل، وللتكثير كثير، وهنا الأصل فيها أنها تحمل على التكثير. (وَرُبَّ هَمْزٍ) يعني متحركٍ كائنٍ (في مَواضِعٍ) بالتنوين للضرورة وإلا هو ممنوعٌ من الصرف (سَقَطْ) بلا نقلٍ ولا إبدال. وكُلُّ ذَا بِالرَّمْزِ والإِيْمَاءِ ... إِذْ بَسْطُها في كُتُبِ القُرَّاءِ (وكُلُّ ذَا) أي: قال ما سبق من الكلام المذكور: (بِالرَّمْزِ والإِيْمَاءِ) يعني هو مذكورٌ بالرمز (والإِيْمَاءِ) يعني بالإشارة إلى طرفٍ من بحثها لا بالضبط والتفصيل لماذا؟ (إِذْ بَسْطُها) هذا تعليل (إِذْ بَسْطُها) أي: بسط هذه المسائل وغيرها في الأبواب السابقة وما سيأتي موجودٌ وثابتٌ (في كُتُبِ القُرَّاءِ) وهذا إحالة على المطولات. النوع السادس: الإِدْغامُ في كِلْمَةٍ أَو كِلْمَتَيْنِ إِنْ دَخَلْ ... حَرْفٌ بِمِثْلٍ هُو الإدْغَامُ يُقَلْ لَكِنْ أَبُو عَمْرٍو بِهَا لَمْ يُدْغِمَا ... إِلاَّ بِمَوضِعَيْنِ نَصًّا عُلِمَا الإدغام مباحث طويلة جدًا وصنف بعضهم فيه مصنفات وذكرنا طرفًا منه في آخر متن البناء. (النوع السادس) من أنواع العِقد الثالث وهو ما يرجع إلى الأداء ... (الإدغام) ويقابله الفك، المد يقابله القصر، والإدغام يقابله الفك، ... (الإدغام) هذا مصدر أَدْغَمَ يُدْغِمُ إِدْغَامًا. وهو لغة: إدخال شيءٍ في شيءٍ، يقال: أدغمت اللجام في فم الفرس إذا أدخلته فيه أليس كذلك.

واصطلاحًا: إدخال حرفٍ في مثله أو مقاربه. وقيل هو اللفظُ بحرفين حرفًا كالثاني مشددًا، يعني هما حرفان في الأصل فتنطق بهما حرفًا واحدًا لكنه كالثاني مشددًا، وقيل خلط الحرفين المتماثلين أو المتقاربين أو المتجانسين فيصيران حرفًا واحدًا مشددًا يرتفع اللسان عند النطق بها ارتفاعةً واحدة، وهذا هو الحكمة من الإدغام لأنه لو قيل مَدَدَ رجع الحرف ثم يعني ترك الحرف الأول الدال مَدَ ثم رجع إلى محله ثم رجع إلى موضعه هذا فيه ثقل، بخلاف ما إذا قال: مدَّ. مرة واحدة حينئذٍ يكون فيه نوعُ خفة يرتفع اللسان عند النطق بها ارتفاعةً واحدة. وفائدته: التخفيف لثقل عود اللسان إلى المخرج الأول أو مقاربه، فأختار العرب الإدغام طلبًا للخفة لأن النطق بذلك أسهل من الإظهار. سبب الإدغام: ثلاثة أمور: التماثل، والتقارب، والتجانس. فالتماثل المراد به اتحاد الحرفين مخرجًا وصفةً، تماثل دال مع الدال، والراء مع الراء، والجيم مع الجيم، هذا يسمى ماذا تماثلاً اتحاد حرفين مخرجًا وصفةً، كالدال مع الدال. والتقارب تقارب الحرفين في المخرج أو في الصفة أو فيهما كالدال مع السين أو الشين واللام مع الراء. والتجانس اتحادهما مخرجًا لا صفة. اتحدا في المخرج لا في الصفة، كالطاء مع التاء. وعليه فينقسم حينئذٍ إلى ثلاثة أقسام: متماثلين، ومتقاربين، ومتجانسين وكلٌ منهما إما أن يكون الأول ساكنًا أو يكون متحركًا، إن كان ساكنًا فهو الإدغام الصغير وإن كان متحركًا فهو الإدغام الكبير، فيكون ستة أقسام فيكون بالضبط ستة أقسام.

إذًا عليه انقسم إلى ثلاثة أقسام: متماثلين، ومتقاربين، ومتجانسين. وكل منهما إما صغير وإما كبير وضابط الصغير أن يكون أول الحرفين ساكنًا والكبير أن يكون أول الحرفين متحركًا لأن الحرفين إذا اتفقا في الصفة والمخرج وكان الأول ساكنًا والثاني متحركًا سُمي متماثلين صغيرًا نحو {فَمَا رَبِحَت} ... [البقرة: 16] (فَمَا رَبِحَت تِّجَا .. ) [البقرة: 16] إذًا هما متماثلان والأول ساكن والثاني متحرك تدغم {فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ} نقول: هذا إدغام متماثلين صغير لكون الأول ساكن والثاني متحرك، {أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ} [الأعراف: 160] الأول ساكن وهو باء والثاني متحرك {اضْرِب بِّعَصَاكَ} وإن كانا متحركين سمي متماثلين كبيرًا {الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ} ... [الفاتحة: 3، 4] لو أردت أن تدغم الرحمن الرحيم مَّلك نقول هذا إدغام ماذا متماثلين لكن الأول متحرك والثاني متحرك هذا يسمى إدغام متماثلين كبير. أو تقاربا في المخرج واختلافا في الصفات وكان الأول ساكنًا والثاني متحركًا سمي متقاربين أو متقاربًا صغيرًا {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ} [المجادلة: 1] الدال والسن متقاربان في المخرج (قَد سَّمِعَ اللَّهُ) قد ثم السين مشددة نقول هذا إدغام متقاربين صغير لكون الأول ساكن والثاني متحرك {لَقَدْ جَاءكُمْ} [التوبة: 128] (لَقَد جَّاءكُمْ). وإن كان متحركًا سمي متقاربين كبيرًا نحو {مِّن بَعْدِ ذَلِكَ} [البقرة: 52] أدغم الدال في الذال يعني جعلها ذال وأدغمها، {الصَّالِحَاتِ طُوبَى} [الرعد: 29] (الصَّالِحَات طُّوبَى)، أو اتفقا في المخرج واختلافا في الصفات وكان الأول ساكنًا والثاني متحركًا سمي متجانسين صغيرًا {ارْكَب مَّعَنَا} [هود: 42] هذا متجانسان صغير ... (ارْكَبْ مَعَنَا) هذا الأصل، وإن كانا متحركين سُمي متجانسين كبيرًا نحو {يُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ} [المائدة: 40] (يُعَذِّب مَّن يَشَاءُ) أدغم الباء في الميم (يُعَذِّب مَّن يَشَاءُ) هذا يسمى إدغام كبير، فالكبير ما كان أول الحرفين متحركًا فيه والصغير ما كان أولهما ساكن. حكم الإدغام الصغير واجب عندهم حكمه الوجوب إن كان من المتماثلين، والجواز إن كان من المتقاربين أو المتجانسين على ما ذكرناه في الأنواع الثلاثة في آخر البناء لأنه قسمه هناك إلى واجب وجائز وممتنع. والجواز إن كان من المتقاربين أو المتجانسين. وأما الإدغام الكبير بأنواعه فخاصٌ برواية من؟ السوسي عن أبي عمرو في كِلْمَةٍ أَو كِلْمَتَيْنِ إِنْ دَخَلْ ... حَرْفٌ بِمِثْلٍ هُو الإدْغَامُ يُقَلْ (في كِلْمَةٍ) على وزن سِدْرَة وهي لغة بني تميم، وأما لغة أهل الحجاز وهي الفصحى كَلِمَةٌ كنَبِقَة، وهي الفصحى هذه أفصح من كِلْمَة، كِلْمَة وكَلْمَة وكَلِمَة يجوز فيها ثلاثة أوجه وهذا قاعدة عامة كما ذكرناه مرارًا (في كِلْمَةٍ) وكلمة بها كلام قد يؤم كتف وكتف جاء في مثل كتف ... كعضد ونحوه عضد عرف

(أَو كِلْمَتَيْنِ) إذًا الإدغام قد يكون في كلمةٍ وقد يكون في كلمتين، (في كِلْمَةٍ) هذا جار مجرور متعلق بقوله: (دخل) (أَو كِلْمَتَيْنِ) هذا معطوف على (كِلْمَةٍ) وأو هنا للتنويع والتقسيم، (إِنْ دَخَلْ حَرْفٌ) يعني إن اتصل حرفٌ ساكنٌ بحرفٍ متحرك حينئذٍ تصيرهم ماذا؟ تصيرهما حرفًا واحدًا مشددًا (إِنْ دَخَلْ حَرْفٌ بِمِثْلٍ) يعني إن دخل حرفٌ، حرفٌ هذا فاعل من دخل في مثلٍ يعني في مماثلٍ له بمثلٍ الباء هنا بمعنى في، وهو معنى الإدغام لأن الإدغام يتعدى بفي حرفٌ إن دخل حرفٌ في حرفٍ مماثلٍ له هو الإدغام، هنا خصه بالمثل والأصل أنه أعم يشمل المتقارب والمتجانس، (هُو الإدْغَامُ)، (هُو) أي هذا الإدخال هنا عاد الضمير إلى أين مرجع الضمير (هُو الإدْغَامُ)؟ الدخول أو الإدخال (إِنْ دَخَلْ حَرْفٌ) (هُو) أي: هذا الدخول أو هذا الإدخال إذَا عاد الضمير إلى المصدر المعلوم أو المشار إليه بقوله: دخل ... {اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة: 8] هو الضمير يعود إلى المصدر الذي أشار إليه {اعْدِلُواْ}، إذًا (هُو) أي: هذا الإدخال إدخال حرفٍ في مثلٍ له هو الإدغام (يُقَلْ) بالبناء للمفعول محذوف الألف وأصله يُقالُ حذفت الألف للوزن أي يُسمى هو الإدغام يقل أي هو يسمى الإدغام أو هو الإدغام يسمى به وحذف الجار المجرور يسمى به لا بد من ذلك (لَكِنْ أَبُو عَمْرٍو بِهَا لَمْ يُدْغِمَا)، (لَكِنْ) هذا استدراك لكن هذا حرف استدراك (أَبُو عَمْرٍو) أحد القراء السبعة (بِهَا) أي: بالكلمة (لَمْ يُدْغِمَا إِلاَّ بِمَوضِعَيْنِ) (لَمْ يُدْغِمَا) الألف هذه للإطلاق الألف للإطلاق لكن حمله على الإطلاق خطأ، لو قيل بالإطلاق لا بد حينئذٍ أن نصوب أن نقول (لن يدغما) لأن ألف الإطلاق تأتي بعد فتحة ما مطلق كل ألف تراها تكون هذه ألف إطلاق، لا، لا بد أن يكون ما قبلها مفتوحًا وهنا لأنها هي إشباع مدة وهنا (لَمْ) حرف نفي وجزم وقلب (يُدْغِمَا) فعلٌ مضارع مجزومٌ بلم وجزمه سكون آخره وهو الميم فكيف جاءت الفتحة هذه؟ [ ... ، لا. نحن نريد أن نسقط الألف أنها للإطلاق] لأن الألف هذه فرع الفتحة أنت تثبت أولاً الفتحة ثم تشبعها فتجعلها ألفًا حينئذٍ لا تأتي بالألف أولاً ثم نقول الحادثة الأول مناسبة الفتحة، لا، أنت تنطق أولاً بالفتحة ثم تشبعها فتمطها فتجعلها ألفًا، صوبه بعضهم لم يدغما فلم هذه محرفة عن لن، لكن هذا في المستقبل وأبو عمرو أدغم متى في الماضي لن يدغم في المستقبل هو لم يدغم في الماضي حينئذٍ لا يتأتى هذان المعنى هل يمكن تخريجهم؟ هو فعل مضارع يُدْغِمُ أَدْغَمَ يُدْغِمُ إِدْغَامًا يُدْغِمَنَّ (لَكِنْ أَبُو عَمْرٍو بِهَا لَمْ يُدْغِمًا) بنون التوكيد الخفيفة حينئذٍ صار يدغمًا يدغما هذا فعلٌ مضارعٌ مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة ثم قلبت النون ألفًا في الوقف، إذًا على أصله فلا نحتاج إلى أن نقول صوابه لن يدغم كما قال المساوي.

فنقول: الصواب أن الألف هذه تكون - هو حكم بأن الألف ألف الإطلاق وهذا سهو ثم صار المعنى فيه نوع انتكاس، فلا بد من التصويب فقال: أصله لن يدغما فلم هذه مصحفة عن لم، أو قال: صوابه لن يدغما. نقول: لا. صوابه أن الألف هذه ليست ألف الإطلاق وإنما هي مبدلة عن نون التوكيد الخفيفة، وهذا واردٌ كثير. (لَكِنْ أَبُو عَمْرٍو بِهَا) بكلمة (لَمْ يُدْغِمَا إِلاَّ بِمَوضِعَيْنِ) {مَّنَاسِكَكُمْ} [البقرة: 200] و {مَا سَلَكَكُمْ} [المدثر: 42] {مَّنَاسِكَكُمْ} أدغم (مَّنَاسِككُّمْ)، (مَا سَلَككُّمْ) أدغم في الموضعين {مَّنَاسِكَكُمْ} في سورة البقرة و {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ} هذه سورة المدثر، (نَصًّا) يعني فإلا في الموضعين (لَمْ يُدْغِمَا إِلاَّ بِمَوضِعَيْنِ) في البقرة والمدثر فإنه أدغم فيهما (نَصًّا عُلِمَا) (نَصًّا) عنه أي: بالنصِّ عنه (عُلِمَا) عُلِمَ هذا صفة لنص أي: معلومًا وما عدا هذين الموضعين يظهره أبو عمرو. والكلام في الإدغام موجودٌ في كتبه ككتب التجويد ونحوها. ثم قال: (العِقْدُ الرَّابعُ). هذا نأتي عليه غدًا إن شاء الله تعالى. وصلَّ الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

11

عناصر الدرس * العقد الرابع (ما يرجع إلى الألفاظ وهو "7" أنواع) * النوع الأول والثاني (الغريب والمعرَّب) * النوع الثالث (المجاز) الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. قال المصنف رحمه الله تعالى: (العِقْدُ الرَّابعُ). وهذه كما ذكرنا في السابق كلها تفصيل لقوله: (وقَدْ حَوَتْهَا سِتَّةٌ عُقُودُ). ذكرها جملة ثم فصلها عِقدًا عِقْدًا، ووصلنا إلى العِقد الرابع وقلنا: عِقد بكسر العين هو القلادة. (ما يرجعُ إلى الألفاظِ، وهو سبعةٌ أنواع). (ما يرجعُ)، (ما) أي أنواعه. (يرجعُ) أي يرجع. والضمير هنا ذكره باعتبار تقدير ما فإنه مذكر، (يرجعُ إلى الألفاظِ) وأل هنا للعهد، والمراد به ألفاظ القرآن لأن البحث هنا في علوم القرآن، حينئذٍ يبحث فيه عن ألفاظه وعن معانيه، فالعِقد الرابع خصصه فيما يرجع إلى الألفاظ، والعِقد الخامس خصصه فيما يرجع إلى المعاني المتعلقة بالأحكام، وليس المراد أن ثَمَّ لفظ يكون منفكًّا كليًّا عن المعنى، لا، وإنما يكون الحكم على النص من حيث هو اللفظ وليس المراد أن المعنى لا اعتبار له، لا، هذا لا وجود له بدليل أنه ذكر المجاز، فالمجاز قد يكون لفظيًّا وقد يكون عقليًّا باعتبار المعنى حينئذٍ يكون قد رعى الجهتين. (ما يرجعُ إلى الألفاظِ) أي: ألفاظ القرآن وهو ذكر هنا باعتبار ما ولو قال هي أيضًا لا بأس (سبعةٌ أنواع) على جهة الاختصار. (الأول والثاني) من هذه السبعة (الغَريبُ والْمُعَرَّبُ) جمع بين الغريب والْمُعَرَّب، الغريب هذا فَعِيل والأصل فيه من اغترب بمعنى بَعُدَ إذا اغترب المعنى بَعُدَ، ففيه نوع بُعْدٍ عن غيره من الألفاظ لأن الأصل في اللفظ أن يكون واضح الدلالة لا يحتاج إلى تنقير وبحث عنه في المعاجم والقواميس، لا، بل الأصل فيه أن يكون ظاهر وواضح البيان فحينئذٍ إذا وجد لفظ غير ظاهر فيحتاج إلى تنقير وبحث حينئذٍ نقول: هذا غريب. بمعنى أنه انفرد عن سائر الألفاظ. والْمُعَرَّب هذا سيأتي بحثه. إذًا الغريب هنا قال بعضهم: هذا من العلوم المفيدة التي لا غنى للمفسر عنها. الغريب هذا أفرده بالتصنيف خلائق لا يُحْصَوْن وهذا قاعدة عامة في كل علم أو فن من فنون علوم القرآن لا بد وأن تجد من صنف فيه مصنفات، وهذا غريب لأهميته كما هو الشأن في الناسخ والمنسوخ، والعام والمخصوص إلى آخره لأهميته كثرت فيه المصنفات، لذلك قال السيوطي: أفرده بالتصنيف خلائق لا يُحْصَوْن منهم: أبو عبيدة، وأبو عمر الزاهد، وابن دريد، ومن أشهرها في كتاب الْعُزَيْزِي أو الْعَزِيزِي، فقد أقام بتأليفه خمسة عشر سنة يحرره هو وشيخه أبو بكر بن الأنباري، ومن أحسنها ((المفردات)) للراغب، ولأبي حيان في ذلك أيضًا كتاب مختصر، ولذلك قال في ((الاتقان)) بعدما ذكر المصنفات: وينبغي الاعتناء به. يعني: بالغريب بفن الغريب لماذا؟

لأن الخائض في التفسير لا بد وأن تقف أمامه ألفاظ بعضها يكون غريبًا وقد وقف الصحابة على بعض الألفاظ كما سيأتي حينئذٍ لا بد أنه إذا أراد أن يَهْجِمَ على التفسير فيفسر كلام الله تعالى حينئذٍ لا بد من أدوات المفسر ومنها: العلم بغريب القرآن. كما يقال: غريب الحديث. كذلك غريب القرآن، وينبغي الاعتناء به، ثم قال: وعلى الخائض في ذلك التثبت والرجوع إلى كتب أهل الفن وعدم الخوض فيه بالظن - لا يكفي الظن أظن أن هذه الكلمة المراد بها كذا لا يكفي لا بد من اليقين وخاصة في باب التفسير فإنه قيل بأنه القطع بأن هذا المعنى هو مراد الرب جل وعلا، فحينئذٍ لا يقطع إلا بيقين أو بأدلة تكون معتمد عليها المفسر، وعدم الخوض بالظن فهذه الصحابة وهم العرب الْعَرْبَاء وأصحاب اللغة الفصحى ومن نزل عليهم وبلغتهم توقفوا في ألفاظ لم يعرفوا معناها فلم يقولوا فيها شيئًا - يعني سئل عن لفظ من القرآن فلا يعلم هو لا غيره لا يعلم هو حينئذٍ توقف {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء: 36]، {وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} حينئذٍ هذا عام يشمل الصحابي وغيره فإذا لم يكن ثَمَّ علمٌ حينئذٍ يجب التوقف - توقفوا في ألفاظ يعرف معناها فلم يقولوا فيها شيئًا، رُوِيَ أن أبا بكر الصديق رضي الله تعالى عنه قال في قوله تعالى: {وَفَاكِهَةً وَأَبّاً} [عبس: 31]. أو سئل عنها ... {وَفَاكِهَةً وَأَبّاً} فقال: أي سماء تظلني وأي أرض تقلني إن أنا قلت في كتاب الله ما لا أعلم. هكذا رُوِيَ واشتهر عن أبي بكر رضي الله تعالى عنه، وعن عمر رضي الله تعالى عنه أيضًا أنه قرأ على المنبر {وَفَاكِهَةً وَأَبّاً} فقال: هذه الفاكهة قد عرفناها فما الأب؟ هم يعلمون أنه نبات لكن عينه غير معلوم، هذه الفاكهة قد عرفناها فما الأب؟ ثم رجع إلى نفسه فقال: إن هذا لهو التكَلُّفُ أو الْكُلَفُ يا عمر. وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: كنت لا أدري ما {فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ} ما المراد بفاطر قال: لا أدري حتى أتاني أعرابيان يختصمان في بئر فقال أحدهما: أنا فطرتها. يعني: أنا ابتدأتها. فعلم حينئذٍ معنى {فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ} وقال أيضًا في قوله: {وَحَنَاناً مِّن لَّدُنَّا} [مريم: 13] والله لا أدري ما حنان. إذًا توقف بعض الصحابة في بعض الألفاظ فلم يتكلموا فيها حين السؤال ولكن بعد البحث والتأمل والنظر في كلام العرب عرفوا مدلولها وعرفوا معناها لذلك أحسن ما ذكر في تفسير غريب القرآن ما نُقل عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه.

حينئذٍ نقول: ومعرفة هذا الفن ضرورية للمفسرين. قال الزركشي رحمه الله: يحتاج الكاشف عن ذلك إلى معرفة علم اللغة أسماءً وأفعالاً وحروفًا. يحتاج الكاشف عن ذلك يعني: الباحث عن الغريب غريب القرآن إلى معرفة علم اللغة أسماءً وأفعالاً وحروفًا، واتفقوا على أن أولى ما يرجع إليه في ذلك ما ثبت عن الصحابة وخاصة عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه وأصحابه الآخذين عنه، فإنه ورد عنهم ما يستوعب تفسير غريب القرآن بالأسانيد الثابتة الصحيحة، وقد استوفى السيوطي رحمه الله في (الإتقان) كل ما ورد عن ابن عباس من الفاتحة أو البقرة إلى سورة الناس القرآن كله بالأسانيد الصحيحة الثابتة عن ابن عباس، كل ما ورد من لفظ غريب في القرآن فهو موجود في ذلك الكتاب عن ابن عباس على جهة الخصوص. (الأول والثاني: الغَريبُ والْمُعَرَّب) إذًا الغريب هذا علم من علوم القرآن، والمراد به معنى الألفاظ التي يحتاج إلى البحث عنها في اللغة يعني يحتاج المفسر. إلى البحث عنها في اللغة ومرجعه حينئذٍ النقل مرجعه النقل، لكن يرد إشكال إذا قيل: بأن في القرآن غريبًا ومعلوم أن من شرط الفصاحة خلوصه من التنافر الكلمي - يعني الكلمة - من التنافر والغرابة والْخُلْف الذي هو مخالفة القواعد العامة. فصاحة المفرد أن يخلص من ... تنافر غرابة خلف زكن قال: غرابة. إذًا من شرط الفصاحة ماذا؟ خلوص الكلمة عن الغرابة وإذا وجدت الغرابة في الكلمة انتفت فصاحتها وانتفى ماذا؟ فصاحة الكلام. فإذا علمنا ذلك كيف نُثبت أن في القرآن ما هو غريب ويحتاج إلى التنقير والبحث في كتب اللغة، أليس هذا بإشكال؟ الغرابة التي تنفى في باب الفصاحة - هناك هي: الغرابة الوحشية: - ألا تكون الكلمة وحشية غير مأنوسة الاستعمال أن تكون الكلمة وحشية بمعنى أنها غير ظاهرة المعنى ما يُعرف معناها أصلاً بمعنى أنه لا يعرف معناها الذي وضع له اللفظ في لغة العرب، وقلنا: غير ظاهرة المعنى هذا احترزنا به عن المتشابه ذكرناه بالجوهر عن المتشابه والْمُشْكِل والْمُجْمَل لماذا؟ لأن هذه الثلاثة تدل على معنى وضع له اللفظ في لغة العرب، ولكن الذي لم يفهم أو لم يعرف أو أشكل ما هو دلالة اللفظ على المعنى المراد، أما المعنى الذي وضع له في لغة العرب هذا مفهوم {ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ} [البقرة: 228] المعنى الذي وضع له القرء في لغة العرب الطهر أو الحيض. إذًا معلوم المعنى الموضوع له بلغة العرب أو لا؟ موضوع، لكن ما المراد هنا؟ نقول: هذا مجمل لماذا؟ لكونه غير ظاهر المراد من اللفظ، وأما المعنى الذي وضع له في لغة العرب فهو معلوم، ولذلك مَثَّلوا له بقول عيسى ابن عمر لما سقط عن الحمار: ما لكم تَكَأْكَأْتُم عليَّ تَكَأْكُأْكُمْ على ذي مرة، افرنقعوا - افرنقعوا هكذا - افرنقعوا عني. تكأكأتم هذه أين نبحث عنها؟ ما تفهم كذا معناها الأصلي الذي وضع لها في كلم العرب لا يُدْرَى إلا بالرجوع إلى مواضع المفردات.

إذًا فرق بين أن تسمع قرء فتعلم أنه للحيض والطهر ولكن لا تعرف المراد وبين أن تسمع تكأكأتم، ما تعرفها حتى ترجع إلى القاموس ولعلك تجده حينئذٍ نقول: هذه الكلمة وحشية غير مألوفة الاستعمال. هذا قلنا هناك: احترزنا به عن غريب القرآن وغريب الحديث لماذا؟ لكون غريب القرآن ولو كان يحتاج إلى بحث وتنقير إلا إن اللفظ مأنوس الاستعمال، استعماله كثير في لغة العرب لكن لو خَفِيَ على بعض لا يلزم من ذلك أن يكون قد خَفِيَ على الآخرين، لكن هذا اللفظ كـ كأكأتم مثلاً غير موجود غير مستعمل أصلاً غير مألوف الاستعمال فهو من شواذ الكلمات، هذا المعنى الذي هو الغرابة بهذا المعنى تكون الكلمة وحشية بمعنى غير ظاهرت المعنى الموضوع له في لغة العرب وأن لا تكون مأنوسة الاستعمال هذه منفية عن الكلمة الفصيحة سواء كانت في القرآن وفي غيره، ولكن المراد هنا بالغريب الذي هو الغريب بالمعنى الثاني وهو: ما لا مدخل للرأي فيه. وحينئذٍ إذا لم يكن للرأي والعقل والفكر مدخل فيه فلا بد من التنقير والبحث عنه في كتب اللغة. إذًا فرق بين هذا النوع وبين النوع الأول، النوع الثاني الذي لا مدخل للرأي فيه لا يلزم منه ألا تكون الكلمة غير ظاهرة المعنى المراد ولا يلزم منه أن تكون الكلمة غير مأنوسة الاستعمال، لا، بل هي ظاهرة المعنى وأيضًا مأنوسة الاستعمال في كلام العرب ولكن مع ذلك يحتاج البعض ولا أقول الكل يحتاج البعض إلى التنقير عنها في كتب اللغة. إذًا ثم فرق بين النوعين. إذًا نقول: ليس المراد بالغريب هنا الوحشي غير مأنوس الاستعمال لِتَنْزِيه القرآن عنه بسبب إسناده بالفصاحة وإنما المراد بالغريب ما لا مدخل للرأي فيه، بل نرجع معناه إلى النقل مثل قسورة {فَرَّتْ مِن قَسْوَرَةٍ} [المدثر: 51] قد يُشكل على البعض قسورة ما المراد بها؟ حينئذٍ يبحث في كتب اللغة فيجد أن {قَسْوَرَةٍ} هذه معناها الأسد، هل هي وحشية الاستعمال؟ الجواب: لا، هي معلومة في لغة العرب لكن الغرابة حينئذٍ تكون نسبية لا تكون كلية وأغلبية وإنما تكون نسبية، ولذلك بعضهم يقيد غريب القرآن وغريب الحديث نسبي بالنسبة إلى من بعد الصحابة، لكن هذا يُشكل عليه بأن بعض الصحابة قد أشكل عليه بعض غريب القرآن. حينئذٍ يكون العلم موجودًا في زمن الصحابة سواء كان غريب القرآن أو غريب الحديث ولكن بالنسبة إلى من بعدهم هو أكثر وبالنسبة إلى زمن الصحابة تكون الكلمة مأنوسة الاستعمال ولكن من سئل عنها فاحتاج إلى البحث والتنقير هذا في حقه تكون غريبة إذًا ثَمَّ فرق بين النوعين. قال هنا: (يُرْجَعُ لِلنَّقْلِ لَدى الغَرِيْبِ). (يُرْجَعُ) مغير الصيغة، ولا بأس أن تقرأه بالبناء للفاعل يَرْجِعُ يعني: الْمفسر الخائض في فن التفسير يَرْجِعُ للنقل أو ... (يُرْجَعُ لِلنَّقْلِ) لا بأس سواء جعلته مبنيًا للمعلوم أو مبنيًا للمجهول. (يُرْجَعُ لِلنَّقْلِ لَدى الغَرِيْبِ) يَرْجِعُ الخائض في فن التفسير في تفسير الغريب للنقل يعني: للكتب كتب أهل الفن المصنفة في ذلك الفن (لَدى الغَرِيْبِ) يعني: لدى اللفظ الغريب لدى البحث عن اللفظ الغريب لماذا؟

لأن اللفظ إذا أشكل وهذا أمر بديهي إذا أشكل اللفظ على الناظر على المفسر أو غيره حينئذٍ يلزمه الرجوع إلى مواضع والبحث عن المفردات مفردات اللغة العربية، وهذا ما يسمى بعلم اللغة، وهو علم معاني المفردات، هذا عام سواء كان مُشْكِلاً أو غير مُشْكِلٍ، علم معاني المفردات علم اللغة يسمى، ... (يُرْجَعُ لِلنَّقْلِ لَدى الغَرِيْبِ) يعني: يرجع المفسر أو الخائض في فن التفسير إذا أراد تفسير الغريب اللفظ الغريب للنقل يعني: للكتب المصنفة عند أهل ذلك الفن المتخصصين فيه (لَدى الغَرِيْبِ) يعني: لدى اللفظ الغريب لدى البحث عن اللفظ الغريب الموجود في القرآن، والقول بأن القرآن فيه ألفاظ توصف بكونها غريبة لا يخرجها عن كونه فصيحًا، إذ معنى الغرابة هنا أن تكون الكلمة وحشية غير مأنوسة الاستعمال، ومعنى الغرابة هنا أن هذا المعنى لا يُدرك بالرجوع إلى مواطن معرفة معاني تلك الألفاظ، يعني: العقل والرأي لا مجال له في اللغة. لكن هذا أيضًا يقال فيه إنه عام يعني: الوقوف على معاني المفردات الأصل فيه الرجوع إلى مواطن الكلام على تلك المفردات لأنه كما سبق أن الوضع الشخصي هذا نقلي بالإجماع، يعني: ليس للعقل فيه مجال بخلاف الوضع النوعي هذا فيه خلاف، هل هو موضوع أو لا؟ لكن الوضع الشخصي وضع كل لفظ بإزاء معنى هذا الأصل فيه يُجمع لا خلاف بينهم أنه موضوع بالوضع العربي وحينئذٍ إذا كان موضوعًا بالوضع العربي لا يُعرف ولا يُدرك إلا من؟ ممن صنف في بيان معاني تلك المفردات، حينئذٍ إذا أردت معاني مثلاً غرب ترجع إلى القاموس تفتح غَرَبَ تجد أنه استعمل في كذا وكذا هذه المعاني التي تذكر هي التي لك أن تستعمل هذا اللفظ لأي معنى شئت فيذكر لك عشرة معاني إذًا العرب استعملت غَرَبَ، كمثال استعملت هذا اللفظ في عدة معاني أوصلها مثلاً في القاموس أو اللسان إلى عشرة أنت إذا أردت أن تعبر عن أي معنى من هذه المعاني العشرة فلك أن تستعمل هذا لفظ غَرَبَ بمشتقاته يعني: بالمضارع، بالأمر ... إلى آخره ولا يجوز أن تستعمل اللفظ لغير هذه العشرة، لماذا؟ لأن هذا اللفظ موضوع بالوضع العربي لأحد هذه المعاني، استعملته العرب إما في كذا وإما في كذا وإما في كذا فإذا أُطلق انصرف إلى أحد المعاني ولذلك قيل في حده جعل اللفظ دليلاً على المعني، بمعنى أنه إذا أطلق اللفظ انصرف إلى معناه، نقول: هذه قاعدة عامة سواء كانت اللفظة غريبة أو لا، لكن يزداد اللفظ الغريب بماذا؟ ببعض الغربة لذلك فيه معنى الغرابة بمعنى أنه انفرد عن سائر الألفاظ لقلة الاستعمال ولو كانت معلومة أو مؤلفة الاستعمال في ذاك الزمن، فلا تعارض بين كونها مؤلفة وبين كونها قليلة الاستعمال، لا تعارض بينها (يُرْجَعُ لِلنَّقْلِ لَدى الغَرِيْبِ) هذا كل ما يتعلق بالغريب ذكره في شطر واحد.

ثم قال: (مَا جَاءَ كِالْمِشْكاةِ). انتقل إلى النوع الثاني وهو الْمُعَرَّب. والْمُعَرَّب هذا اسمه مفعول من التَّعْرِيب، والتَّعْرِيب اصطلاحًا عندهم نقل اللفظ أو نقل لفظٍ من غير العربية إليها مستعملاً في معناه مع نوع تغير. هذا التَّعْرِيب الذي هو المعنى المصدري لأننا عندنا تَعْرِيب وعندنا مُعَرَّب، التَّعْرِيب هو نفس النقل تنقل اللفظ من لغة غير عربية إلى اللغة العربية مع بقاء معناه مع بعض التغيير، والذي نقل هو الْمُعَرَّب، ففرق بين التَّعْرِيب وبين الْمُعَرَّب، والتَّعْرِيب إذا قلنا: الْمُعَرَّب مشتق من ماذا؟ من التَّعْرِيب ولا يُفهم اللفظ الذي هو فرع المشتق إلا بفهم ماذا؟ أصله وهو ما اشتق منه، فلا يفهم الْمُعَرَّب إلا إذا فهم التَّعْرِيب، كما أنه لا يُفهم الْمُعَرَّب إلا إذا فهم الإِعْرِاب، ولا يفهم الْمَبْنِيّ إلا إذا فهم البناء لأنه أصله، كذلك الْمُعَرَّب لا يفهم إلا إذا فهم التعريب الذي هو أصله لأنه مشتق منه من جهة اللفظ. إذًا التعريب اصطلاحًا: نقل لفظ من غير العربية إليها. إذًا هو في الأصل ليس من غير اللغة العربية وإنما هو دخيل، دخِيل على لغة العرب مستعملاً في معناه الذي استعمل في تلك اللغة يستعمل في نفس المعنى في لغة العرب ما الذي أريد به في لغة فارس معنى كيت يُستعمل يُنقل هذا اللفظ إلى لغة العرب ويستعمل في نفس المعنى الذي استُعمل في لغة فارس لكن مع نوع تغير، قالوا: ليكون هذا التغير دليلاً على أنه معرب وإلا لكانت كلمة فارسية كما هي. حينئذٍ مع نوع من التغيير هذا للدلالة على أن اللفظ معرب ومن هنا عُلِمَ أن العلم غير معربٍ إذ لا يدخله تغيير، الأعلام لا تعرب وإنما تبقى كما هي، ولذلك إبراهيم هذا أعجمي غير معرب ولذلك نقول: ممنوع من الصرف لِلْعُجْمَةِ والْعَلَمِيَّة. عُجْمَة هذا بإجماع النحاة أنه ممنوع من الصرف لِلْعُجْمَةِ والْعَلَمِيَّة. الْمُعَرَّبُ هو لفظ إذًا مسمى الْمُعَرَّب هو اللفظ، ومسمى التعريب هو النقل، والنقل أمر معنوي والْمُعَرَّب أمر محسوس هذا الأصل لأنه حروف. الْمُعَرَّبُ هو لفظ استعملته العرب في معنًى وضع له في غير لغتهم. زاد ابن السبكي في ((جمع الجوامع)): غير علم. لإخراج ماذا؟ لإخراج العلم. ........................ ... مَا جَاءَ كِالمِشْكاةِ في التَّعْرِيْبِ أَوَّاهُ، والسِّجِلُّ، ثُمَّ الكِفْلُ ... كذلكَ القِسْطاسُ وهوَ العَدْلُ وهَذهِ ونَحوَهَا قَدْ أَنْكَرَا ... جُمْهُورُهُمْ بالوِفْقِ قالوا: احْذَرا (قالوا: احْذَرا). قالوا: احذرا. قالوا: حذرا. يجوز الوجهان (وهَذهِ ونَحوَهَا) يجوز النصب ويجوز الرفع. الْمُعَرَّبُ هو أخر حكمه ولو قدمه لكان أجود. الْمُعَرَّبُ اختلف أهل العلم وأئمة الدين في وجوده في القرآن أم لا؟ هل هو موجود في القرآن أم لا؟ هل نقول في القرآن ما هو معرب أو لا؟

وسبب الخلاف كما هو معلوم النصوص المتوافرة على أن القرآن عربي ... {قُرْآناً عَرَبِيّاً}، {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً} [يوسف: 2] وظاهر اللفظ ماذا؟ ظاهر اللفظ أن القرآن كله عربي حينئذٍ يلزم منه أن لا يوجد فيه لفظ (¬1) لفظ عربي. ثم يَرِدُ سؤال هل إذا وجد في القرآن وقد حكم عليه بأنه عربي لو وجد فيه ألفاظ يسيرة تُعد يمكن عَدُّهَا هل يخرجه عن كونه عربيًّا أو لا؟ هذا حل نزاع عند أهل العلم، هل إذا وجدت ألفاظ مُعَرَّبَة تُعَدّ يُمْكِنُ عَدَّهَا أوصلها أكثر ما أوصلها السيوطي إلى ستين وقيل: إلى مائة. وهب أنها مائة هذه معدودة، القرآن كم كلمة ستة آلاف ومائتين كلمة كم تعدل المائة أو الستين من ستة آلاف ومائتين كلمة، يسير شيء يسير، هل يخرجه عن كونه عربيًّا أو لا؟ هذا محل نزاع. ولذلك السيوطي جمع هذه الألفاظ كلها في كتابٍ سماه ((المهذب في ما وقع في القرآن من الْمُعَرّب)). وذكرها في ... ((الإتقان)) كلها وذكر بعض ما نُظِمَ في ذلك. اختلف الأئمة في وقوع الْمُعَرَّب في القرآن على قولين: الأول: عدم وقوعه في القرآن. لا يكون في القرآن ما هو لفظ مُعَرَّب، وهذا مذهب الأكثر (وليس في القرآن عند الأكثر) هكذا. اللفظ إن ما استعملته العربُ ... فيما له لعندهم مُعَرَّبُ وليس في القرآن عند الأكثرِ ... كالشافعي وابن جرير الطبري إذًا أكثر عند أهل العلم على أن الْمُعَرَّب لا يدخل القرآن، لكن ليس هذا على إطلاقه وإنما أرادوا به سوى الأعلام فإبراهيم هذا عجمي ليست بكلمة عربية وإسحاق ويعقوب، نقول: هذه كلمة ليست بعربية مع كونها موجودة في القرآن فأجمعوا على أنها ليست بعربية، وأجمعوا على أنها لم تخرج القرآن عن كونه عربيًا واحفظوا هذا، إنما أنزل القرآن بلسان عربي مبين فمن زعم أن فيه غير العربية فقد أعظم القول {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ} [الشعراء: 195] فمن زعم أن فيه غير العربية فقد أعظم القول وأعظم الفدية. وقال ابن أوس: لو كان فيه من لغة غير العرب شيء لتوهم متوهم أن العرب إنما عجزت عن الإتيان بمثله لأنه أتى بلغات لا يعرفونها. لقال متوهم بأن العرب عجزوا لماذا؟ لأنه خاطبهم بألفاظ هي من فارس والحبشية والروم .. إلى آخرها ولا يعرفون هذه اللغة، هذا يمكن يقال لو أنزل سورة كاملة فارسية، أو كانت ثلاث أرباع القرآن كله رومي أو بالحبشي يمكن أن يقال هذا، أما كلمة لو قيل ستون كلمة في القرآن والقرآن كم جزء؟ ثلاثون جزء إذًا كم؟ ستون حزبًا يعني: في كل حزب كلمة واحدة. في كل حزب كلمة وكل عشرة صفحات كلمة واحدة مُعَرَّبَة هل يخرجه هذا عن كونها عربية؟ هذا محل نزاع. ¬

_ (¬1) لا يوجد فيه لفظ إلا لفظ عربي.

وأجاب ابن جرير عن ما ورد عن ابن عباس لأنهم إذا قالوا: بأنه لا مُعَرَّب في القرآن. ورد أن ابن عباس يقول: هذه كلمة الحبشية، وهذه بلسان فارس، وهذه بلسان الروم. إذًا ابن عباس يرى أن في القرآن مُعَرَّب أن في القرآن ما هو مُعَرَّب وهذا واضح بين، أجاب ابن جرير رحمه الله عما ورد عن ابن عباس من تفسير ألفاظ في القرآن إنها بالحبشية والفارسية ونحو ذلك قال: إنما اتفق فيها توارد اللغات. اتفاق لغة فقط يعني: مشكاة ليست حبشية وإنما اتفقت اللغتان اللغة العربية أول ما وُضِعَت مشكاة فيها ووُضِعَت كذلك في الحبشية فاتفقت في الألفاظ وفي المعنى، إذًا مشكاة هذه ليست مُعَرَّبَة هي عربية أصلاً عربية بالأصالة وكذلك مشكاة هي حبشية بالأصالة ولكن اتفقت اللغتان فتكلمت بها العرب والفرس والحبشية بلفظ واحد. وقال غيره في الإجابة عن ما ورد عن ابن عباس: بل هذه ألفاظ عَلَقَت أو عَلِقَت من لغاتهم باللسان العربي بعد مخالطة الألسن في الأسفار فوقعت في كلامهم ونزل بها القرآن. يعني: هذه الألفاظ لما كانت رحلة تتجه إلى الشام والروم ورحلة إلى الحبشة .. إلى آخره، ما يذهب تاجر ويجلس أيام وشهر وشهرين إلا ويحفظ كلمة ويأتي إلى العرب فتندرج هذه الكلمة فتصير استعمالاً كما هو الشأن الآن. إذا ذهب ذاهب إلى أرض ليس بلغة قومه فحينئذٍ لا بد أن يحفظ منها كلمة أو كلمتين ثم إذا رجع يدندن بها صباح مساء، فقد تستقر هذه اللغة فحينئذٍ هذه الألفاظ مشكاة ونحوها مما سيذكره أو بعضها الناظم هذه جاءت بها الأسفار إلى محل العرب وانتشرت هذه الألفاظ حتى صارت كأنها من لغة العرب، فنزل القرآن على ما هو عليه وكانت هذه الألفاظ من استعمالهم. وقال بعضهم: بل هذه الألفاظ عربية صرفة ليست بدخيلة ولكن لغة العرب متسعة ولا يبعد أن تخفى عن الأفهام. يعني يقول ابن عباس هو كبير من الأكابر لكن لغة العرب كما قال الشافعي في ((الرسالة)): لا يحيط بها إلا نبيٌّ. حينئذٍ كون ابن عباس يقول: هذه فارسية، هذه رومية. خفيت عليه لأن لسان العرب متسع فحينئذٍ قد يخفى عن ابن عباس بعض هذه الألفاظ فيظنها أنها دخيلة مُعَرَّبة وهي عربية صرفة، ولذلك جاء عن ابن عباس أنه خَفِيَ عليه معنى فاطر وفاتح وحنانًا ما عرف المعنى مع أنه عربي صِرف قُح، ومع ذلك خَفِيَتْ عليه بعض الألفاظ. إذًا لسان العرب متسع. هذا هو القول الأول عدم وقوع الْمُعَرَّب في القرآن. القول الثاني: وقوع الْمُعَرَّب في القرآن. أنه واقع ودليل الجواب: الوقوع المشاهدة بما سيذكره المصنف في القرآن (كِالمِشْكاةِ)، (أَوَّاهُ)، (السِّجِلُّ)، (الكِفْلُ)، (القِسْطاسُ) ... إلى آخره. هذه كلها ألفاظ دخيلة ليست بعربية صرفة وإنما هي باعتبار الأصل أعجمية ولكن تم استعملها العرب وصارت حكمًا عربيًا فنزل القرآن بهذه الألفاظ، وأجابوا عن قوله تعالى: {قُرْآناً عَرَبِيّاً}. يرد عليكم هذه الآية {قُرْآناً عَرَبِيّاً} يدل على أن القرآن كله عربي وحينئذٍ ما الجواب؟

قالوا: قوله: {قُرْآناً عَرَبِيّاً}. أجابوا عنه بأن الكلمات اليسيرة بغير العربية لا تخرجه عن كونه عربيًّا، والقصيدة فارسية لا تخرج عنها بلفظة فيها عربية، ولذلك أجمعوا على أن الأعلام موجودة في القرآن ووجدها لا يخرجه ولن يخرجه عن كونه عربيًّا، حينئذٍ ما الفرق بين أن يُجمع على وجود بعض الأعلام وهي أعجمية ولم تخرجه عن كونه قرآنًا عربيًا كذلك وجود بعض الألفاظ اليسيرة التي تُعَدّ على الأصابع لا تخرجه عن كونه قرآنًا عربيًّا. إذًا لا فرق بينهما. وعن قوله: {أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ} [فصلت: 44]. بأن المعنى من السياق أكلام أعجمي ومخاطب عربي. واستدلوا أيضًا بوجود الأعلام الأعجمية وهو مجمعٌ عليه. إذًا هذان قولان: وقوع الْمُعَرَّب في القرآن. عدم وقوع الْمُعَرَّب في القرآن. والجمهور على أنه عدم وقوع الْمُعَرَّب في القرآن. قال السيوطي رحمه الله: وأقوى ما رأيته للوقوع وهو اختياري - أنه واقع - ما أخرجه ابن جرير بسند صحيح عن أبي ميسرة التابعي الجليل حيث قال: في القرآن من كل لسان. يعني: من لسان العرب، ومن لسان الحبشة، ومن لسان الروم، ومن لسان الفرس ... إلى آخره. يعني: فيه إشارة وليس المراد أن ولذلك أجمعوا على أن المختلف فيه هو ألفاظ كلمات يعني لا سورة بأكملها ولا جملة بأكملها بالإجماع هذا أنه لا يوجد في القرآن تركيب مركب تركيب إسنادي وهو مُعَرَّب أو أنه أعجمي هذا بالإجماع فضلاً عن كونها سورة أو غيرها وإنما الخلاف في ألفاظ. ولذلك نقل هنا عن ميسرة في القرآن من كل لسان وروي مثله عن سعيد بن جرير ووهب بن منبه، فهذا إشارة - السيوطي يقول وهو كلام نفيس -: فهذا إشارة إلى أن حكمة وقوع هذه الألفاظ في القرآن أنه حوى علوم الأولين والآخرين ونبأ كل شيء فلا بد أن تقع فيه الإشارة إلى أنواع اللغات والألسن ليتم إحاطته بكل شيء، فاختير له من كل لغة أعذبها وأخفها وأكثرها استعمالاً للعرب. لذلك جاء أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد أُرْسِل إلى الإنس عامة بل للإنس والجن عامة وهذا يشمل العربي وغيره حينئذٍ أُشِير ببعض هذه الألفاظ إلى عموم الرسالة وإن كان الأصل أن كل رسول إنما يُرسل بلسان قومه، ولكن هنا يتعذر أن يُرسل بعدت ألسن فاختير اللسان العربي لأنه أفضل وأميز وأوسع الألسنة ثم أُشير إلى بعض الألسنة الشهيرة في ذلك الزمان ببعض هذه الألفاظ ففيه إشارة إلى ما ذكره السيوطي رحمه الله تعالى.

(مَا جَاءَ كِالمِشْكاةِ في التَّعْرِيْبِ) وهذا واقع في القرآن (مَا جَاءَ) إشارة إلى بعض أمثلة الْمُعَرَّب (مَا جَاءَ) يعني: لفظ جاء في القرآن لفظ جاء يعني: ثبت تعني إذا جاء المجيء أصله حسي في مثل هذه المواضع لكن هنا يأتي بمعنى ثبت، (مَا جَاءَ) في القرآن يعني: ما ثبت في القرآن (كِالمِشْكاةِ) كلفظ المشكاة والكاف هنا تمثيلية (كِالْمِشْكاةِ) هذا في سورة النور {نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ} [النور: 35] كمشكاة معناها في لغة الحبشة الكوة كما أخرجه ابن أبي حاتم عن مجاهد، كوة هذه فتحة في الجدار توضع فيها بعض الخزائن موجود إلى عهد قريب. إذًا المشكاة هذه معناها في لغة الحبشة ماذا؟ الكوة تُستعمل عندهم بهذا المعنى وتستعمل عندنا بهذا المعنى في لغة العرب (كِالْمِشْكاةِ) (مَا جَاءَ) يعني: لفظ جاء أو ألفاظ جاء في القرآن ... (كِالْمِشْكاةِ) من الألفاظ المستعملة في لغة أخرى كالحبشة (في التَّعْرِيْبِ) أي معدود في اللفظ الْمُعَرَّب على القول به، لكن ليس ثَمَّ خلاف بين أهل العلم في وجود الْمُعَرَّب وعدمه في القرآن، يعني لا ينبني عليه أي خلاف ولذلك صاحب المراقي لما ذكر الخلاف. وذاك لا يُبنى عليه فرع ... حتى أبى رجوع درّ ضرع وذاك لا يُبنى عليه فرع يعني الخلاف في هذا الْمُعَرَّب أو لا حتى أبى رجوع درً ضرع حتى يرجع اللبن في الضرع فإن رجع اللبن في الضرع فحينئذٍ ينبني الخلاف وإلا فلا خلاف. لكن يبقى هل مدلول قوله: {قُرْآناً عَرَبِيّاً} هل يشمل بعض الألفاظ أو لا؟ نقول: الظاهر أنه لا يمنع ولذلك نقول: لا بأس بالقول بأن القرآن فيه مُعَرَّب. (أَوَّاهُ) يعني وأواه. أواه هذه في سورة التوبة {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأوَّاهٌ حَلِيمٌ} [التوبة: 114] معناه في لسان الحبشة الموقن في لسان الحبشة، كما روي عن ابن عباس أو معناه الرحيم بلغة الحبشة أيضًا كما روي عن عمرو بن شراحبيل، (أَوَّاهُ) بفتح الهمزة وتشديد الواو. (والسِّجِلُّ) بكسر السين وشد اللام السِّجلُّ {كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ} [الأنبياء: 104] هذه في الأنبياء ومعناه الرجل بلغة الحبشة كما رُوِيَ عن ابن عباس أو الكتاب كما نُقل عن ابن الجني وقيل: فارسي مُعَرَّب. يعني: إما أنه حبشي وإما أنه فارسي. (ثُمَّ الكِفْلُ) ثم بمعنى الواو (ثُمَّ الكِفْلُ) بكسر الكاف وإسكان الفاء معناه الضِّعف بكسر الضاد بالحبشية روي عن أبي موسى الأشعري وهذا جاء في سورة الحديد {يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ} [الحديد: 28] ضعفين وجاء كذلك في النساء {يَكُن لَّهُ كِفْلٌ مِّنْهَا} [النساء: 85] ضِعْف. (كذلكَ القِسْطاسُ وهوَ العَدْلُ)، (كذلكَ) منه القسطاس كذلك أي مثل ذلك المذكور السابق في كونه مُعَرَّبًا الْقِسْطاس وقد جاء في سورة الإسراء {وَزِنُواْ بِالقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ} [الإسراء: 35] فسره بقوله: (وهوَ العَدْلُ). وهو أي: القسطاس العدل بلغة الروم كما رُوِيَ عن مجاهد، وعن سعيد بن جبير أنه بلغة الروم: الْمِيزَان. ولذلك كل من يُنقل عنه هذه الألفاظ تضمه إلى القائلين بوجود الْمُعَرَّب في القرآن سعيد بن جبير، وابن عباس، وأبي موسى الأشعري، ومجاهد ... إلى آخره.

(وهَذهِ ونَحوَهَا قَدْ أَنْكَرَا جُمْهُورُهُمْ). (وهَذهِ) هذا شرع في بيان الخلاف في وقوع الْمُعَرَّب في القرآن وقدمناه لأنه هو الأولى يُذكر الْمُعَرَّب تعريفه ثم حكمه ثم بعد ذلك الأمثلة، (وهَذهِ) أي: الكلمات السابقة من قوله: ... (كِالْمِشْكاةِ) وإلى قوله (القِسْطاسُ). (ونَحوَهَا) (وهَذهِ ونَحوَهَا) ونحوُها قد أنكر هذه مفعول مقدم لأنكر، أنكر (قَدْ أَنْكَرَا جُمْهُورُهُمْ) هذه الكلمات ونحوها أو تقول: هذه ونحوُها. مبتدأ (قَدْ أَنْكَرَا جُمْهُورُهُمْ) فتقدر ماذا؟ مفعول به أنكرها جمهورهم يجوز الوجهان لكن في مثل يقال: عدم التقدير أولى من؟ من التقدير، فتجعل هذه مفعول مقدم ونحوَها بالنصب على أنه معطوف على محل هذه، وهذه الكلمات المذكورة فيما سبق ونحوَها ممن لم يذكر وهو كثير كما في (الإتقان) أوصلها إلى مائة كـ: إستبرق، وسندس، والسلسبيل. وغيرها (قَدْ أَنْكَرَا) الألف للإطلاق (أَنْكَرَا جُمْهُورُهُمْ) يعني: جمهور العلماء والمعتنين باللغة والقرآن كونه مُعَرَّبًا (أَنْكَرَا جُمْهُورُهُمْ) ألف الإطلاق، انظر ألف جاءت بعد ماذا؟ بعد فتحة لم يُدْغِمَا أَنْكَرَا الألف للإطلاق ولا بأس بقول: إنها للإطلاق، لماذا؟ لأنه لا يمكن القول بأنها نون توكيد لأنها لا تتصل بالماضي إلا شذوذًا، وأيضًا هنا الألف جاءت بعض فتح لأنها لإطلاق الروي بمعنى إشباع الفتح ألفًا (أَنْكَرَا)، (قَدْ أَنْكَرَا) قد للتحقيق هنا (أَنْكَرَا) ونفى جمهورهم جمهور العلماء كونه مُعَرَّبًا، (بالوِفْقِ قالوا: احْذَرا) يعني: كأنه ذكر الإنكار وذكر الجواب عما يقال لأنه إذا قيل قد أنكرتم هذه الكلمات بأنها مُعَرَّبَة كيف قد جاءت في القرآن وهي موجودة في لسان الحبشة مشكاة مشكاة، عندنا مشكاة في القرآن وعند لسان الحبشة مشكاة. قالوا: (بالوِفْقِ). (بالوِفْقِ قالوا) قالوا: بالوفق. يعني أجابوا قالوا في الجواب عنها بالوفق، بالوفْق جار ومجرور متعلق بقوله: قالوا. قالوا في الجواب (بالوِفْقِ) بكسر الواو أي: التوافق. أي: أنها عربية وافقت فيها لغة العرب لغة غيرهم، عربية - هذا جواب ابن جرير الطبري - أنها عربية وافقت فيها لغة العرب لغة غيرهم يعني: وضعت في لغة العرب أصالة ووضعت في لغة الحبشة أو الروم أو فارس أصالةً. ولكن هذا فيه بُعْد. (بالوِفْقِ قالوا: احْذَرا) إذًا هذا من توافق اللغتين (قالوا: احْذَرا) لها قطع الهمز هنا (قالوا: احْذَرا) احذرن هذه الألف بدل عن نون التوكيد الخفيفة (قالوا: احْذَرا) قالوا الذين هم الجمهور ومنهم الشافعي رحمه الله (قالوا: احْذَرا) يعني: احذر أن تقول في القرآن ما ليس بعربي لأن الله تعالى يقول: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً} [يوسف: 2]. احذر أن تقول في القرآن ما ليس بعربي قالوا: حَذَرَا. أنكر جمهورهم حَذَرًا أي: خوفًا وبُعْدًا من أين يقولوا في القرآن ما ليس بعربي.

على كلٍّ نقول: أن الصواب في القرآن ما هو مُعَرَّب، ولا بأس بهذا القول لأنه إذا عدت هذه الكلمات في جهة ما ذكر لا يخرجه عن كونه عربيًّا، والقول بالتوافق اللغتين هذا يحتاج إلى إثبات ولا دليل وإنما هو من باب التخريج للقول الذي قالوه يعني: من باب ماذا؟ من باب رد أو شبهة أو دليل المخالف لأن المخالف يُثبت في القرآن مشكاة وغيرها يقول: هذا من توافق اللغات. باب رد القول فقط وإذا كانت المجادلة والنظر في مثل هذه الأحوال فيُنظر الجواب حينئذٍ هل الجواب الذي نطق به المخالف عليه دليل أو يكون من باب الجدل والنظر فقط، لأن بعض الأجوبة تكون من باب النظر والجدل ومثل هذا توافق اللغات طيب ما الدليل؟ لا دليل - واضح -. فالجواب يختلف ولذلك دائمًا الاستدلالات ما تؤخذ في باب المناظرات باب المناظرات لها شأن حتى للمصنف أو للقائل نفسهِ قد لا تنسب بعض الأقوال التي ينطق بها في المناظرات، قد يناظر فيتنزل أو يذكر قول من باب التنزل، قد يقرأ قارئ أو يسمع مستمع يقول بكذا يقول: لا، هذا ذكره في باب المناظرة فلا يُنْسب إليه. ومثله في باب البحث، قد يبحث مسألة صفحتين أو ثلاثة أو أربعة سواء من المعاصرين أو غيره فيذكر قولاً في ضمن هذه الأقوال من باب التنزل فلا ينسب إليه قولاً وإنما يقال: ذكره بحثًا، ويقال في مثل المناظرة هذا ذكره في باب الجدل والمناظرة، ويقال في باب الأجوبة مثل هذه الأجوبة خاصة التي تبحث عن دليل لا دليل يقال هذا من باب رد حجة المخالفة، لأن الوقوع كما ذكرنا سابقًا الوقوع من أعظم الأدلة، إذا قال قائل: لا، العام لا يخصص في القرآن. مباشرة تتلو عليه آية {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ} [البقرة: 228] خصصت بأن {كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ} [الطلاق: 6] يكفيك هذا مثال واحد على الوقوع، الْمُعَرَّب غير موجود في القرآن مشكاة لغة الحبشة موجود؟! قال: لا، توافق اللغتين. من أين؟ يحتاج إلى دليل. النوع الثالث: المَجازُ. النوع الثالث من العِقد الرابع ما يرجع إلى الألفاظ وهو: المجاز. ولم يذكر الحقيقة هنا لماذا؟ كما لم يذكر الفتح هناك في باب الإدغام وهو مقابله هنا لم يذكر الحقيقة لأن الحقيقة هي الأصل ولا خلاف في وقوع الحقائق في القرآن لا خلاف، وإنما أفردوا المجاز لكونه نوعًا من أنواع العلوم لأنه على خلاف الأصل. النوع الثالث: المَجازُ. أصله مَفْعَل مَجْوَز مَجْوز مَقْعَد إما مصدر ميمي وإما اسم زمان وإما اسم مكان، وبينا في شرح الورقات أنه لا يكون اسم زمان بل يحمل إما أنه مصدر ميمي بمعنى اسم الفاعل جائز أو بمعنى اسم المفعول الْمَجُوزُ بها أو الْمَجُوزَة بها يعني الْمَعْبُورُ أو الْمُنْتَقَل بها الكلمة، وأما اسم الزمان بينا ذلك فيما سبق أنه لا يقال به. إذًا المجاز أصله مَجْوَز نقلت حركة الواو إلى ما قبلها فقلبت الواو ألفًا باعتباري النظر إلى السابق وباعتبار النظر إلى الحال أو اكتفاء بجزء العلة كما ذكرناه مرارًا فلا عودة وإلا إعادة.

إذًا مصدر ميمي بمعنى الفاعل من جاز المكان إذا تَعَدَّاه، أو من الجواز وهو العبور والانتقال، لأنك أنت نقلت الكلمة من معناها الحقيقي إلى معناها المجازي، إذًا حصل عبور وحصل انتقال. المجاز ضده الحقيقة ويعرف المجاز بمعرفة ضده لأن الكلمة أو الوصف للتركيب إما أن يكون حقيقة وإما أن يكون مجازًا، الحقيقة هي اللفظ المستعمل في ما وضع له أولاً أو ابتداءً، والمجاز أو اللفظ المستعمل في غير ما وضع له أولاً، فوضعت العرب لفظ الأسد للحيوان المفترس، فإذا أطلق اللفظ حينئذٍ نقول: استعمل فيما وضع له. رأيت أسدًا أي: حيوانًا مفترسًا. نُقل هذا اللفظ وعُبِرَ به عن ذلك المعنى الذي هو الحيوان المفترس إلى معنى الرجل الشجاع لكن لا بد من علاقة وقرينة فحينئذٍ قالوا: رأيت أسدًا يخطب. قالوا: أسد هذا ليس المراد به الحيوان المفترس، الحيوان المفترس لا يعلو الأوادم فيخطب وإنما هو الرجل الشجاع يخطب، هذا الدليل على أنهم استعملوا هذا اللفظ في غير ما وضع له لماذا؟ لأنه إذا أطلق على القرينة حينئذٍ نقول: حمل على أصله ولا يجوز أن يحمل على المعنى المجازي عند البيانيين بخلاف الأصوليين، الأصُوليون لا يشترطون علاقة والبيانيون يشترطون العلاقة، فحينئذٍ نقول: الحقيقة هي اللفظ المستعمل. إذًا قبل الاستعمال لا توصف بحقيقة أو لا مجاز، فيما وضع له أولاً يعني في المعنى الذي وضع له في لغة العرب ابتداءً، خرج به المجاز لأن المجاز يُستعمل اللفظ فيما وضع له لكن ثانيًا لا أولاً، لأن المجاز والحقيقة كلاهما موضوعان بالوضع العربي، اتفقوا على أن الحقائق موضوعة بالوضع العرب واختلفوا في المجاز، والصواب أن المجاز أيضًا موضوع بالوضع العربي لكنه نوعي لا آحاديّ، كالقواعد العامة عند الصرفيين وعند النحاة. إذًا عرفنا هذه الحقيقة، المجاز اللفظ المستعمل في غير - خرجت الحقيقة - اللفظ المستعمل - خرج غير المستعمل - فلا يوصف بكونه حقيقة ولا مجازًا في غير ما وضع له أولاً خرج به الحقيقة فإنها تستعمل فيما وضعت لها أولاً، هذا المختصر ما يقال في المجاز. المجاز هذا فن شهير عند أرباب اللغة وقد أفرده بالتصنيف عز الدين بن عبد السلام ولخصه السيوطي ومعه زيادات سماه ((مجاز الفرسان في مجاز القرآن)) هل في اللغة مجاز أو لا؟ هل في القرآن مجاز أو لا؟ بحثان لأهل العلم في هذه المسألة، المجاز الجمهور على وقوعه في القرآن، حقائق لا خلاف فيها أنها في القرآن، وأما المجاز فالجمهور على وقوعه في القرآن جمهور أهل العلم على أن المجاز واقع في القرآن، وأنكره البعض منهم الظاهرية وابن القاسم من الشافعية، وابن خويز بن منداد من المالكية وعبر بعضهم في الرد عليه قالوا: شبهتهم - لم نقل: دليلهم، لأن إنكار المجاز هذا قولٌ عسيرٌ لا يمكن إنكاره - قالوا: شبهتهم أن المجاز أخو الكذب، والقرآن منزه عنه. هذا مثل ما يقال أن المجاز يصح نفيه وما يصح نفيه لا يجوز وقوعه في القرآن لأن النفي والكذب أخوان لماذا؟ لأنه إذا قيل رأيت مثلاً - لا نمثل بالقرآن - قيل: رأيت أسدًا يخطب. يصح أن يقول القائل: لا ليس بأسد. ليس بأسد صح أو لا؟

صح. يقول: زيد حمار. بمعنى أنه بليد لما قال: زيد. حينئذٍ علمنا أن حمار هذا ليس في حقيقته إذا استعمل لفظ الحمار بمعنى بليد هذا نقل من معناه الأصلي في الدلالة على البهيمة المعروفة إلى الإشارة إلى بلادة زيد، يصح أن نقول: لا زيد ليس بحمار. إذًا صح نفيه ويصح تكذيبه وما صح نفيه وما صح تكذبه القرآن منزه عنه وهذا أكثر ما اعتمد عليه من أنكر المجاز، من أنكر المجاز أكثر ما اعتمد واتكأ على هذا الدليل وهو: أن المجاز يصح نفيه. بل أقام الشيخ الأمين رحمه الله ثلاثة سنده في دفع المجاز أو رد بالمجاز على هذه أو على هذا الدليل. نقول: لكن هذا من أضعف ما تمسك به المنكرون للمجاز لماذا؟ لانفكاك الجهة لأنه إذا قيل: رأيت أسدًا يخطب. فقال: لا، ليس بأسدٍ. نقول: قوله: رأيت أسدًا يخطب. له مفهومان: مفهوم مجازي، ومفهوم حقيقي أليس كذلك مفهوم مجازي ومفهوم حقيقي لأن أسد هذا له استعمالات استعمال في معناه الأصلي وهو: الحيوان المفترس. واستعمال في معناه الفرعي وهو: الرجل الشجاع. إذًا له مفهومان، إذا تكلم المتكلم رأيت أسدًا يخطب ما الذي أثبته؟ المعنى المجازي، إذًا المثبت هنا هو المعنى المجازي المفهوم المجازي، فإذا قال: ليس زيدًا بأسد. ما هو المنفي؟ المعنى الحقيقي فكيف نقول: يصح نفيه هل صح نفيه؟ أجب إذا قلت: زيد ليس بأسد. هذا المنفي زيد ليس بأسدٍ يعني: ليس بحيوان مفترس. نقول: المنفي هو المفهوم الحقيقي والذي تكلم به المتكلم هو المفهوم المجازي حينئذٍ انفكت الجهة فلا يقال: إن المجاز يصح نفيه وإنما من علامة الكلمة التي يصح اعتبار كونها مجازًا أن يصح نفيها منفردة عن أصل الكلام، فهذا التركيب إذا أردت أن تتأكد من هل هو مجاز أو لا؟ تجعل هذا التقييم وهو: زيد ليس بأسدٍ. تجعله دليلاً على أن اللفظ قد استُعمل في المعنى المجازي وليس على إبطال المجاز وإنما هو دليل على إثبات كون رأيت أسدًا يخطب أن أسدًا هذا مجاز، ولذلك يقال: من علامته صحة نفيه. هم يقولون هذا: من علامته صحة نفيه. فكيف تُجعل العلامة التي هم قرروها تجعل دليلاً في إبطال دعواهم بالمجاز. هذا بعيد. فحينئذٍ نقول: بانفكاك الجهة. صحة النفي هذا مسلط على المفهوم الحقيقي والمتكلم إنما تكلم وأراد المفهوم المجازي فانفك الجهات فحينئذٍ إذا قيل: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: 82] بأنه مجاز لا يقال: لا، لا، ما أمر بسؤال القرية. نقول: لا {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} أي واسأل أهل القرية حينئذٍ نقول: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} هذا مجاز بالحذف كما سيأتي، فحينئذٍ النفي هنا هل المراد بسؤال القرية جدرانها المخصوصة أو لا؟ ليس المراد هذا، فحينئذٍ ينفى لفظ القرية عن كون المراد بالسؤال هنا هو الجدران وينزل على ماذا؟ على الأهل. بقرينة ماذا؟ دعوى أنه مجاز.

إذًا قول بعضهم بأن المجاز أخو الكذب والقرآن منزه عنه نقول: ليس أخو الكذب. وإذا قيل: بأنه يصح نفيه. نقول: نعم هو علامة كونه مجازًا صحة نفيه ولا تُجعل هذه العلامة دليلاً على إبطاله لأنهم أرادوا بصحة النفي أن تُجعل هذه العلامة إثباتًا لكونه استعمل هذا اللفظ في غير المعنى الذي وضع له في اللغة العربية، وأن المتكلم لا يعدل إليه إلا إذا ضاقت به الحقيقة فيستعير وذلك محال على الله تعالى. قالوا: المجاز لا يَعْدِلُ إليه المتكلم إلا إذا ضاقت به الحيل. يعني ما قطع أن يأتي بالكلام على الحقيقة حينئذٍ ينزل إلى الدرجة الثانية ويأتي ... بالمجاز، وهذا باطل. هذا فساده يغني عن إفساده هذا واضح أن المجاز قد تكون في بعض المواضع أبلغ من الحقيقية كما قيل، وقد تكون إما لخفتها وإما لكون الحقيقة غير مستعملة أو لكونها بشعة أو لكونها وحشية يعدل عنها إلى المجاز. إذًا نقول: الجمهور على وقوع المجاز في القرآن، وإذا وجد في القرآن معناه أنه كائن وثابت في اللغة، ومن أثبته في اللغة ونفاه عن القرآن هذا من أبعد الأقوال وينبغي طرح وإطراحه لماذا؟ لأنه إذا وجد في اللغة فحينئذٍ وجد على جهة الاتساع والشيوع وكونه ذاع في لغة العرب وإذا وجد على هذه الجهة وهذه الهيئة حينئذٍ نقول: لزم منه وجوده القرآن. لزم وجوده في القرآن لقوله تعالى: {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ} [الشعراء: 195]. ولسان العرب قد شُحِنَ بالمجازات الكثيرات في النثر وفي الشعر حينئذٍ إذا ثبت في لغة العرب لزم من ذلك أن يَثْبُتَ في القرآن، وأما القول بأنه في اللغة ولا يوجد في القرآن نقول: هذا فيه بُعْد. إذًا لا خلاف في وقوع الحقائق في القرآن وأما المجاز فالجمهور على وقوعه في القرآن ودليله الوقوع لو قال قائل: ما الدليل على وجود المجاز في لغة العرب؟ نقول: هم استعملوها، استعملوا الأسد في الحيوان المفترس، واستعملوا الأسد في الرجل الشجاع، واستعملوا الحمار في المعهود، واستعملوه في البليد، وقالوا: قامت الحرب على ساق. ... إلى آخره كثير جدًا في لسان العرب ما إذا أُسْنِدَ الفعل إلى غير من هو له أو غير ذلك من اللفظ أو المجاز العقلي أو الإسنادي نقول: هذا كله وقوعه دليل على أن المجاز موجود في لغة العرب. النوع الثالث: المجاز. المجاز قسمان: مجاز في التركيب ويسمى مجاز الإسناد. والمجاز العقلي. وعلاقته المناقشة. هذا ذكرناه ببسط في الجوهر المكنون. المجاز في المفرد هذا النوع الثاني ويسمى المجاز اللغوي وهذا الذي ذكرنا تعريفه فيما سبق أو اللفظ المستعلم في غير ما وضع له، وأنواعه كثيرة ذكر منها بعضه قال: (مِنْها اختصارُ الحَذْفِ) من أنواع المجاز الذي هو المجاز العقلي أو اللفظي؟ اللفظي لأن الكلام في المجاز اللفظي (مِنْها اختصارُ الحَذْفِ)، (الحَذْفِ) المشهور أنه من المجاز يعني الحذف حذف المضاف أو حذف الخبر كما سيذكره المبتدأ هذا المشهور أنه من المجاز، وأنكر بعضهم كونه من المجاز قالوا: لماذا؟

لأن المجاز هو اللفظ المستعلم في غير ما وُضِعَ له أولاً، والحذف هل استعمل في غير ما وضع له أولاً، قالوا: لا، إذًا لا يمكن أن يكون الحذف مجازًا. قال ابن عطية: حذف المضاف هو عين المجاز ومعظمه، وليس كل حذفٍ مجاز. قال ابن عطية: حذف المضاف هو عين المجاز، يعين أكثر المجاز حذفٌ ومعظمه وليس كل حذفٍ مجازًا، هذا نعم صحيح، المجاز قد يكون حذفًا وليس كل حذفٍ مجازًا، المجاز قد يكون بالحذف ولكن ليس كل حذفٍ مجاز، ولذلك قسم القرافي الحذف باعتبار كونه مجازًا أو لا إلى أربعة أقسام: القسم الأول: قسمٌ يَتَوَقَّفُ عليه صحة اللفظ ومعناه من حيث الإسناد. يعني: لا يفهم اللفظ من حيث الإسناد إلا بهذا المحذوف لا بد أن نقدر، لا بد أن نجعل في اللفظ ما هو محذوف ومثل له بقوله تعالى: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} ... [يوسف: 82]. قرية في أصل وضعها للبنيان والجدران قالوا: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ}. كيف يسأل الجدران؟ قال: لا بد من حذف. أي: اسأل أهلها أهل القرية أي اسأل أهل القرية {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} أي واسأل أهل القرية. إذ لا يصح إسناد السؤال إليها، هذا هو النوع الأول وهو ما يَتَوَقَّفُ صحة اللفظ ومعناه عليه على المحذوف. القسم الثاني: قسمٌ يصح بدونه لكن يَتَوَقَّفُ عليه شرع يصح اللفظ والإسناد بدونه يعني بدون هذا المحذوف لا نقدره، يمكن لا نجعله من المحذوف لكن يَتَوَقَّفُ عليه شرع، ومثل له بقوله تعالى: {فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} ... [البقرة: 184]. يمكن {فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} من جهة الإسناد يمكن أن يُلزم لو لم يكن شرع يمكن أن يُلزم بالصيام بالقضاء ولو لم يذكر كما قال ابن حزم رحمه الله قال: كل من صام في السفر أو كان مريض فعليه أن يقضي ولو صام في رمضان لماذا لقوله تعالى: {فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}. يعني: فعليه عدة من أيام أُخر لأنه علقه بماذا؟ {فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ}. إذا وجد المرض فعدةٌ من أيام أخر ولو صمت هذا الظاهر أليس كذلك؟ لكن الجمهور على ماذا؟ على أن ثم دلالة اقتضاء هنا، فأفطر، هذا لا بد من تقدير محذوفٍ، هذا المحذوف ما الذي يَتَوَقَّفُ عليه هل هو من جهة صحة المعنى أو من جهة الشرع؟ من جهة الشرع هذا هو القسم الثاني، يصح بدونه يعني إسناد بدون المحذوف لكن يَتَوَقَّفُ عليه شرعًا كقوله تعالى: {فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}. القسم الثالث: يَتَوَقَّفُ عليه عادةً لا شرعًا. عكس الثاني يتوقف عليه عادةً على المحذوف يعني لا شرعًا يتوقف عليه عادةً لا شرعًا نحو {اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ} [الشعراء: 63] هذا دائمًا يدخلوه في فاء الفصيحة ... {اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ}، {اضْرِب} {فَانفَلَقَ} أليس كذلك؟ يعني هل الانفلاق هنا حصل جواب اضرب أو اضرب فضرب فانفلق؟ الثاني، إذًا لا بد من تقدير، إذ لم تقدر حينئذٍ صار {فَانفَلَقَ} جوابًا للأمر الرب جل وعلا {اضْرِب}، {فَانفَلَقَ} لكن اضرب فضرب فانفلق، واضح هذا توقف عليه عادةً لا شرعًا.

وقسم يدل عليه دليلٌ غير شرعي ولا هو عادة. غير دليل شرعي وليس بعادة شيء آخر خارج عن الدليل الشرعي والعادة نحو قوله تعالى: {فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِّنْ أَثَرِ الرَّسُولِ} [طه: 96]. يعني: من أثر حافر فرس الرسول، هذا دل عليه شيء آخر ليس بعادةً ولا بشرعي. هذه أربعة أقسام أي الأربعة هي مجاز؟ كلها؟ الأول فقط، هي التي تعتبر مجازًا، وما عداها ليست بمجاز الذي يدل عليه يَتَوَقَّفُ عليه صحة اللفظ ومعناه لا يفهم المعنى ولا يحكم على اللفظ أو الترتيب بكونه صحيحًا إلا إذا قدرنا المحذوف هذا وحكمنا بأن في الكلام ما هو حذفٌ {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} أي: اسأل أهلها. متى نحكم بكون الحذف مجازًا؟ قال في ((الإيضاح)): متى تغير إعراب الكلمة بحذف أو زيادة فهي مجاز، أما إذا لم يحصل تغير في الحذف أو الزيادة فلا يعتبر مجازًا. {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} واسأل أهل القريةِ حذف المضاف فأقيم المضاف إليه مقامه فانتصب إذًا تغير من الكسر إلى فتحة حصل تغير فإذا لم يحصل تغير حينئذٍ لا نحكم بكونه مجازًا. ... {أَوْ كَصَيِّبٍ} [البقرة: 19] هذا صفة للموصوف المحذوف، هل تغير الإعراب؟ لم يتغير الإعراب. {فَبِمَا رَحْمَةٍ} [آل عمران: 159] حصلت زيادة هنا هل تغير الإعراب؟ لم يتغير الإعراب. لا نحكم بكونها مجازًا. إذًا ضابط الحذف الذي يكون مجازًا ما إذا تغير الإعراب بالحذف أو الزيادة، أما إذا لم يتغير حينئذٍ لا نحكم بكونه مجازًا. (مِنْها اختصارُ الحَذْفِ) ولذلك تعلم أنه شرح مثل بقوله تعالى: {فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}. هذا فيه نظر ومنها (تَرْكُ الخَبَرِ) و (مِنْها) أي من أنواع المجاز في المفرد (تَرْكُ الخَبَرِ) يعني: إبقاء الخبر في الكلام وحذف المبتدأ (تَرْكُ الخَبَرِ) في الكلام يعني أبقاه في الكلام وحذف ماذا؟ المبتدأ، (تَرْكُ الخَبَرِ) من أنواع المجاز (تَرْكُ الخَبَرِ) يعني ترك الخبر وإبقاؤه في الكلام وإذا تُركت الخبر حينئذٍ حذف المبتدأ هذا مقصوده يعني تكتفي في الترتيب بحذف المبتدأ وتترك الخبر على ما هو عليه ... {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ} [يوسف: 19] فصبري صبر جميل {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ} صبر هذا خبر لمبتدأ محذوف على قولٍ بأن صبر هنا خبر مبتدأ محذوف فصبري صبر جميل، (والفَرْدُ جَمْعٌ إِنْ يُجَزْ عَنْ آَخَرِ) (والفَرْدُ) يعني: ومنها من أنواع المجاز (الفَرْدُ)، وهو (جَمْعٌ)، (الفَرْدُ) و (جَمْعٌ) (إِنْ يُجَزْ عَنْ آَخَرِ) يعني إِن يُستعمل عن آخر إن يستعمل الفرد عن الجمع والجمع عن الفرد يعني إذا استُعمل المفرد، الفرد هنا فاعل بمعنى اسم المفعول، والجمع كذلك، والفرد يعني إذا استُعمل الفرد مرادًا به الجمع قال: {إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ} [العصر: 2]. قيل استعمل هنا الإنسان في معنى الجمع والشأن لا يعترض المثال ... إذ قد كفى الفرض والاحتمال {إِنَّ الْإِنسَانَ} قالوا: هذا أريد به الجمع، بدليل ماذا؟ بدليل الاستثناء.

هذا مجاز استعمل المفرد في معنى الجمع، وجمعٌ في محل المفرد، مفرد في محل الجمع والجمع في محل المفرد {رَبِّ ارْجِعُونِ} [المؤمنون: 99] أي: ارجعني هنا {ارْجِعُونِ} هذا جمع ارجعوني هذا جمع حكم على نفسه بكونه جمعًا والمراد به ارجعني، هذا مجاز، ولذلك لما قيل للإمام أحمد رحمه الله {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ} [ق: 43] بماذا نفسره يرد سؤال هل المعتزلة قبل الإمام أحمد أم بعده؟ قبل الإمام أحمد، فتنة القرآن قبل الإمام أحمد هل يقولون: مثلاً المنكرون المعتزلة هم الذين قالوا بالمجاز وهنا يَرِدُ إشكال إذا أُطلق لفظ المجاز حينئذٍ صار لفظًا بدعيًا فكيف الإمام أحمد يقول في مثل هذا: إنه من مجاز اللغة. هذا محل إشكال هنا لأن شيخ الإسلام ابن تيمية يقول: ليس المراد هذا المجاز بمعنى الاصطلاحي، وإنما المراد به مما تجيزه اللغة، يعني أسلوب من أساليب العرب لكن يرد إشكال الإمام أحمد في ذاك الزمان هذا اللفظ صار مجملاً وبُني عليه من المسائل العظام، لذلك بعضهم يَسُدُّ باب المجاز سدًا لذريعة التحريف للآيات والصفات {رَبِّ ارْجِعُونِ} لما قيل للإمام أحمد {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ} هذا و {مُنتَقِمُونَ} [السجدة: 22] و {نَعْلَمُ} [آل عمران: 167] قال: هذا من مجاز اللغة. يعني مما أطلق فيه الجمع وأريد به الواحد. وهذا الذي ذكره المصنف هنا، ولذلك أكثر أصحاب الإمام أحمد على حمل هذا اللفظ على أنه المجاز الاصطلاحي المعروف هذا، أكثرهم على هذا وبه قال ابن قدامه والكلوذاني وغيرهم (الفَرْدُ و@ جَمْعٌ إِنْ يُجَزْ عَنْ آَخَرِ) يعني: إن يُستعمل مجازًا عن آخرين (واحدُها مِنَ الْمُثَنَّى) ذكر بعضهم قبل أيام يقول: هل من إمامٍ من أئمة السنة نص على أن المجاز ثابت في القرآن أو لا؟ يعني: إذا قلنا في القرآن مثلاً نقول في القرآن مجاز ولا شك، إذا قيل بهذا هل لا بد أن نقول لا بد وأن يأتي إمام من أئمة السنة حتى يقول بأن في القرآن مجازًا أو لا؟ هل نحتاج أو لا؟ ما رأيكم، نحتاج أو لا فقط؟ نحتاج .. طيب يَرِدُ السؤال هل المجاز حكمٌ شرعي أم حكمٌ لغوي؟ لغوي، إذا قلت لغوي لماذا تحتاج إلى إمام؟ إياك وأن تقل بمسألة ليس فيها إمام هذه في الشرعيات، ثم إذا كان كل مسألة لغوية تحتاج إلى أن ينص عليها إمام شرعي إمام سنة حينئذٍ تُنكر النحو من أوله إلى آخره، ولذلك أقول قوله تعالى: {الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: 2] {الْحَمْدُ} مبتدأ، و {للهِ} جار مجرور متعلق بمحذوف خبر، و {رَبِّ} صفة أو بدل وهو مضاف و {الْعَالَمِينَ} مضاف إليه، هل هذه أوصاف لكلام الرب أو لا، أوصاف أو لا؟

أوصاف هل نحتاج إلى إمام أن ينص بأن الحمد مبتدأ ولله جار مجرور متعلق محذوف أم يجريه على لسان لغة العرب على الأصل، هذه لا نحتاج إلى إمام، ولذلك قيل من أنكر المجاز لَزِمَهُ أن يُنكر خاصة المحذوفات المقدرات في القرآن، كم، وكم، وكم من محذوفات، ولذلك أورد الخضري في أول حاشيته على ابن عقيل إشكال {الْحَمْدُ للهِ} إذا قيل لله متعلق بمحذوف هذا المحذوف هذا لِزامًا أكثر أهل اللغة على يكاد يكون إجماع ما نُقِلَ إلا عن النحاس أو غيره بكون الجار والمجرور هو عين الخبر، لو قيل بأن المحذوف هذا لا بد من تقديره هل هو من كلام الله أو لا؟ لماذا نقول هذا؟ لأنه في مثل هذه التقديرات جرت على سنن للغة العرب، وإذا جرت على سنن لغة العرب فما جاز في لغة العرب جاز في القرآن، أنت احفظ هذا الأصل، والشيخ الأمين رحمه الله في الرسالة يقول: (لا يلزم أن كل ما جرى في لسان العرب أن يكون في القرآن). وهذا يحتاج إلى دليل، النافي هو الذي يحتاج إلى دليل وأما المثبت فهو على الأصل. حينئذٍ إذا قلنا لا بد أن يكون المجاز قد نطق به إمامٌ من أئمة السنة فحينئذٍ كل لفظٍ كل وصفٍ من مبتدأ أو خبر أو حال أو تمييز أو مضاف أو مضاف إليه، نقول: هذا وصفٌ زائدٌ على كلام الرب فأت بدليل أئت بإمام نطق بهذا، ثم المحذوفات والمقدرات هذه من الأفعال والحروف والتضمين والاشتقاق وكون هذا أصل وهذا فعلٌ ماضٍ ... إلى آخره نقول آيت بدليل أئت بمن نص على ذلك من أئمة السنة. فمثل المجاز ومثل غيره من هذه القواعد لا نحتاج إلى أن ينص عليه إمام من أئمة السنة، وإذا حملنا كلام الإمام أحمد أنه من مجاز اللغة على أنه مجاز الاصطلاحي وهذا هو الظاهر أنه المجاز الاصطلاحي حينئذٍ لا إشكال نقول: نص الإمام أحمد على ماذا؟ على كون المجاز موجودًا في لغة العرب. (واحدُها مِنَ الْمُثَنَّى) هو ذكر أولاً ماذا؟ المفرد عن الجمع، والجمع عن المفرد، ثم قال: (واحدُها) أي: واجعل واحد الكلمة المستعملة مجازًا عن الأخرى من المثنى، هذا إذا جعلنا النظم هنا بميم أي واجعل واحد الكلمة المستعملة مجازًا عن الأخرى من المثنى أي: واجعلهما أي: المفرد والجمع مع المثنى يعني في كون كلٍ منهما يقوم مقام الآخر أو يستعمل في معنى الآخر. (واحدُها مِنَ الْمُثَنَّى) أي واجعلهما المفرد والجمع مع المثنى فنفسر منه بمعنى مع المثنى، فإن استعمل كل واحدٍ من الثلاثة في محل الآخر، والأصل أن يقال المفرد والجمع والمثنى كلٌ منها يستعمل مقام الآخر مجازًا، هذا مراده المفرد والجمع وزد عليه المثنى كلٌ منها يستعمل مقام الآخر. (واحدُها مِنَ الْمُثَنَّى) وفي نسخة واحدها عن المثنى وهذه أحسن وأجود، واحدها عن المثنى يعني أو يُستعمل واحدها من المفرد والجمع عن المثنى وهذا واضح. واحدها أي: يُستعمل واحد المفرد والجمع عن المثنى. مثال المفرد عن المثنى {وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ} [التوبة: 62] يرضوهما هذا هو الأصل ولكن استُعمل المفرد عن المثنى.

ومثال المثنى عن المفرد قوله تعالى: {أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ} [ق: 24] قيل: ألقِ كما قيل: قفا نبك ألقيا اثنان قيل ألقِ هنا استعمل المثنى عن المفرد، ومثال المثنى عن الجمع فارجع {ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ} [الملك: 4] أي: كرةً بعد كرة، هو باعتبار لا يحصل بماذا؟ بمرتين بل لا بد من جمعٍ. مثال الجمع عن المثنى قوله تعالى: {فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ} [النساء: 11] إخوة وهي تحجب بماذا؟ بالاثنين. والمفرد عن الجمع والجمع عن المفرد سبق بيانه فيما سبق. (والَّذِيْ عَقَلَ عَنْ ضِدٍّ لَهُ) يعني: ومنها من أنواع المجاز استعمال الذي عَقَلَ عن ضدٍ له يعني: الذي عقل، الموصول مع صلته في قوة المشتق، يعني الاستعمال العاقل (عَنْ ضِدٍّ لَهُ) وهو غير العقل {قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} ... [فصلت: 11] السماء والأرض طائعين هذا بياء ونون وهذا للعقلاء استعمل هنا العاقل في غير العاقل أليس كذلك؟ {رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ} [يوسف: 4] جمع بياء ونون وهذا من صفة العقلاء رأيتهم {رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً} الكواكب الأصل هذا الظاهر {رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ} جمعه بواو ونون إذًا استُعمل الذي عقل في من أو فيما لا يعقل لأن الجمع بواو ونون من خواص العقلاء، والمسوغ هنا تَنْزِيلُه مُنَزَّلَتُهُ (أَوْ عَكْسُ ذِيْ) يعني: ومنها (عَكْسُ ذِيْ) (ذِيْ) يرجع إلى أي شيء؟ الظاهر أنه لقوله: (والَّذِيْ عَقَلَ عَنْ ضِدٍّ لَهُ أَوْ عَكْسُ ذِيْ) لأن اسم الإشارة يرجع إلى المتأخر، هذا الأصل كالضمير (أَوْ عَكْسُ ذِيْ) يعني: استعمال لفظ غير العاقل في العاقل كما استُعمل العاقل في غير العاقل استُعمل غير العاقل في العاقل، وهذا أجود. مثاله قوله تعالى: {وَلِلّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ} [النحل: 49]. ومعلوم أن الملائكة والثقلين منهم وهنا قال {وَلِلّهِ يَسْجُدُ مَا} وما اسمٌ موصول بمعنى الذي أليس كذلك للعقلاء أو غيرهم؟ لغير العقلاء هذا هو الأصل، وهنا استعمل في ماذا؟ في غير العقلاء، استعمل غير العقلاء في العقلاء لأن العبرة دائمًا فيما إذا جمع العقلاء وغيرهم تغليب ماذا؟ العقلاء، وهنا استعمل في العقلاء ماذا استُعمل غير العاقل، أطلق لفظ {مَا} على الملائكة والثقلين وهم موضوعٌ لغير العاقل لكن لما اقترن به غلب عليه لكثرته. (سَبَبٌ) يعني ومنها (سَبَبٌ) أي استعماله في مسبب، استعمال السبب في المسبب أي إسناد الفعل إلى السبب ويسمى مجازًا عقليًا أو مجازًا إسناديًا {يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ}، {يُذَبِّحُ} يذبح يعني: فرعون {أَبْنَاءهُمْ} يعني: أبناء بني إسرائيل، هو يذبح بنفسه؟ هو بنفسه يمسك ويذبح؟ لا. لِمَ أُسْنِدَ إليه الذبح؟ لكونه السبب في الأمر لكونه سببًا فيه أُسند إليه {يُذَبِّحُ} أي: فرعون {أَبْنَاءهُمْ} أبناء بني إسرائيل أي: يأمرهم بذبحهم فأسند إليه لأنه سببٌ فيه، (سَبَبٌ التِفَاتٌ) يعني: ومنها التفاتٌ، والالتفات عَدُّه من أنواع المجاز فيه نظر ليس بصواب، بل هو من أنواع الخطاب فإنه حقيقةٌ حيث لم يكن معه تجريد الصواب أن الالتفات هذا من الحقيقة وليس من ماذا؟ من المجاز.

والالتفات عندهم هو الانتقال من واحدٍ من التكلم والخطاب والغيب إلى آخر يعني: يكون السياق للغيبة ثم ينتقل إلى متكلم، أو متكلم إلى الغيبة، أو من الغيبة إلى التكلم، هذه الثلاثة، ثلاثة في اثنين بستة لأن المتكلم لا ينتقل إلى المتكلم ولا الغيب إلى الغيبة ولا .. ماذا؟ ولا الخطاب إلى الخطاب. إذًا ثلاثة في اثنين بستة هذا هو الأصل، أن ينتقل من التكلم إلى الغيبة أو الخطاب، أو من الخطاب إلى التكلم والغيبة، أو من الغيبة إلى التكلم والخطاب. هذه ستة أنواع. إذًا نقول: الالتفات هو الانتقال من واحدٍ من التكلم والخطاب والغيبة إلى آخر وهذا الآخر محصورٌ في ستة أنواع في ستة أنواع مثال الانتقال من الغيبة إلى الخطاب {الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إِيَّاكَ} [الفاتحة: 3، 5] هذا انتقال من ماذا من غيبة إلى خطاب لأن الاسم الظاهر هذا من الغيبة معدود في الغيبة {الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة: 2، 4] تتكلم عن ماذا؟ عن غائبٍ باعتبار اللفظ ثم قلت: {إِيَّاكَ} هذا انتقال من غيبة إلى خطاب هذا يسمى ماذا يسمى الالتفات. {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إِيَّاكَ نَعْبُدُ} والأصل إياه نعبد هذا الأصل لو أردنا السياق أن يكون واحدًا الرحمن الرحيم مالك يوم الدين إياه نعبد وإياه نستعين، لكن لما انتقل من الغيبة للخطاب صار التفاتًا، ومن التكلم إلى الخطاب {وَمَا لِي لاَ أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي} يتكلم عن نفسه {وَمَا لِي لاَ أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ} ترجع؟ قال: {تُرْجَعُونَ} [يس: 22] انتقال من ماذا؟ من التكلم إلى الخطاب {وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} الأصل الكلام يتكلم عن نفسه وما لي لا أعبد الذي فطرني وإليه أُرجع هذا أصل الكلام لكن انتقل منه إلى الخطاب قال: ... {وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}. ومثاله من الخطاب إلى الغيب قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم}. والأصل بكم خطاب {حَتَّى إِذَا كُنتُمْ}. كنتم أنتم {فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم}. يعني بآبائهم. ومن التكلم إلى الغيبة {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} ثم قال: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ} والأصل فصل لي أليس كذلك؟ {فَصَلِّ لِرَبِّكَ} أو فصل لنا لأنه قال: {إِنَّا} واضح هذا؟ {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} هذا متكلم {فَصَلِّ لِرَبِّكَ} والأصل أن يقول فصل لنا لكن هذا يُسَمَّى التفات من التكلم إلى الغيب. ومن الغيبة إلى التكلم {وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً فَسُقْنَاهُ} [فاطر: 9] والأصل فساقه الله ثم قال: {فَسُقْنَاهُ} من غيبة إلى تكلم. إذًا هذه أنواع الالتفات وتذكر في علم البيان مفصلاً. (التَّكْرِيْرُ) يعني: ومنها التكرير والمراد به التأكيد للفظ أو الجملة {كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ} [التكاثر: 3، 4] قالوا: هذا مجاز. والأصح أنه ليس بمجاز، في عد التكرار من المجاز في خلاف والصحيح أنه حقيقة وليس بمجازٍ.

(زِيادَةٌ) يعني: ومن أنواع المجاز: المجاز بالزيادة ضد الحذف، مثاله قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11] {لَيْسَ كَمِثْلِهِ} نقول: الكاف هذه زائدة لأن المراد نفي المثل، وليس نفي مثل المثل، لأن المراد ماذا؟ نفي المثل ليس مثله شيء هذا أو الأصل وليس المراد نفي مثل المثل، حينئذٍ نحكم وأصح الأقوال في هذه نحكم بكون الكاف زائدة سواء قلنا زائدة بأنها صلة وتوكيد تأدبًا أو لا بأس من ذكر الزيادة في القرآن. إذًا (زِيادَةٌ) أي ومنها زيادة أي: مجازٌ بالزيادة، فإن قيل حذف المجاز لا يسقط على المجاز بالزيادة كما ذكرناه في الحد السابق لأنه لم يستعمل اللفظ في غير موضوعه فالجواب أنه منه حيث استُعمل نفي مثل المثل في نفي المثل ... {لَيْسَ كَمِثْلِهِ} هنا استعمل نفي مثل المثل في نفي المثل، وسؤال القرية فيما سبق في سؤال أهلها فقد تُجُوِّزَ في اللفظ وتُعدَّي به عن معناه إلى معنى آخر. وقال القزويني: إنه مجازٌ من حيث إن الكلمة نقلت من إعرابها الأصلي إلى إعرابها الجديد. ليس مثله كانت منصوبة ثم ماذا لما جاءت الزيادة {لَيْسَ كَمِثْلِهِ} هذا عبور والانتقال انتُقل بالكلمة من كونها خبرًا لليس وهي منصوبة فصارت ماذا مجرورة بالكاف ومثله {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} أصله واسأل أهل القرية، انتقل بالإعراب من الكسر إلى إلى النصب. وقال القزيني: إنه مجاز من حيث إن الكلمة نقلت عن إعرابها الأصل إلى نوعٍ آخر من الإعراب. (تَقْدِيْمٌ، أَوْ تَأْخِيْرُ) يعني: من أنواع المجاز التقديم والتأخير أو بمعنى الواو (تَقْدِيْمٌ، أَوْ تَأْخِيْرُ) عَدَّه قومٌ من المجاز لماذا؟ لأن تقديم ما رتبته التأخير كالمفعول وتأخير مع رتبه التقديم كالفاعل نقلٌ لكل واحدٍ منهما عن رتبته وحقه. هذا تكلف يعني لو قلتَ: ضربتُ زيدًا أو ضرب زيدٌ عمرًا كل جاء في موضعه لو قلتَ: ضرب عمرًا زيدٌ صار مجاز، لماذا؟ لأنك نقلت اللفظ من رتبته من الفاعل إلى كونه متأخرًا وهو متقدم، ونقلت رتبة المفعول به من التأخر إلى التقدم، وهذه مشكلة المجاز أنهم توسعوا فيه إلى أبعد الحدود ولو ضبط بأصول بحيث يكون قليلاً ويحاور فيها أن التقسيمات هذه ألا يكون لها وجود أظن يكون له قبول أكثر من الإنكار. (تَقْدِيْمٌ، أَوْ تَأْخِيْرُ) قال الزركشي: والصحيح أنه ليس منهم. ولذلك نجد منهم من يُنكر والحمد لله. قال الزركشي في ((البرهان)): والصحيح أنه ليس منه، فإن المجاز نقل ما وُضِعَ إلى ما لم يوضع له. وضع لا بد من لفظ وله معنى وأين التقديم والتأخير هنا، ولذلك نقول: الصواب أنه ليس من أنواع المجاز ليس التقديم والتأخير من أنواع المجاز. مثلوا له بقوله تعالى: {فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا} [هود: 71] بشرناها بإسحاق فضحكت الضحك المعلوم هذا أيهما مقدم؟ البشرى مقدمة لأنها سبب والضحك هذا فرع حينئذٍ حصل تقديم وتأخير قيل: هذا مجاز. {فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا} والأصل فبشرناها بإسحاق فضحكت إذ الضحك مسبب عن التعجب على الْبَشَارة بحصول الولد، وأما إذا كان {فَضَحِكَتْ} بمعنى حاضت فهذا شيء آخر.

إذًا في قوله هنا في أنواع المجاز (مِنْها اختصارُ الحَذْفِ) ليس كل حذف يُعد مجازًا وإنما هو نوع واحد من الأنواع الأربعة التي ذكرها القرافي. (تَرْكُ الخَبَرِ) هذا الأصح أنه ليس بمجاز. (والفَرْدُ جَمْعٌ إِنْ يُجَزْ عَنْ آَخَرِ واحدُها مِنَ المُثَنَّى) هذا لا بأس بكونه مجازًا. (والَّذِيْ عَقَلَ عَنْ ضِدٍّ لَهُ) هذا الأولى أن يقال: بأنه مجاز. (أَوْ عَكْسُ ذِيْ) وهذا مثله. لأنه كثر وشاع فصار كالحقيقة. (سَبَبٌ) هذا لا إشكال في أنه مجاز. (التِفَاتٌ التَّكْرِيْرُ) على الصواب أنه ليس بمجاز. (زِيادَةٌ) هذا على نزاع كبير والأصح أنها مجاز. (تَقْدِيْمٌ، أَوْ تَأْخِيْرُ) ليس بمجاز. أكثر ما ذكره ليس من أنواع المجاز. النوع الرابع من أنواع العِقد الرابع المشترك نأخذه ولا نرجئه ..... نقف على هذا. وصلَّ الله وسلم على نبينا محمد.

12

عناصر الدرس * النوع الرابع (المشترك) * النوع الخامس (المترادف) * النوع السادس (الإستعارة) * النوع السابع (التشبيه). الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد. قال المصنف رحمه الله تعالى: (النَّوْعُ الرَّابِع) من العقد الرابع مما يرجع إلى الألفاظ وذكرنا أن البحث هنا في الألفاظ ليس المراد اللفظ المجرد عن المعنى، لا يتصور هذا وإنما المراد أنه ينظر في اللفظ بالأصالة وفي المعنى بالتَّبَعِ هذا هو المراد ولذلك ذكر الغريب وهو ما جُهِل معناه، لم يعرف معناه، إذًا هو لوحظ فيه المعنى لكن لما كان اللفظ دليلاً على المعنى الذي جُعل اللفظ له فحينئذٍ اعتبر اللفظ دون المعنى وكذلك في الْمُعَرَّب والْمَجَاز، إذًا النوع الرابع: (الْمُشْتَرَك). والْمُشْتَرَك هذا اسم مفعول اشْتَرَكَ يَشْتَرِكُ فهو مُشْتَرِكٌ ومُشْتَرَكٌ، اسم مفعول من اشْتَرَكَ وهو خماسي افْتَعَلَ يَفْتَعِلُ اشْتَرَكَ يَشْتَرِكُ مُشْتَرِكٌ بكسر الراء مُفْتَعِل وهو اسم فاعل ومُفْتَعَل اسم مفعول مُشْتَرَك، والأصل مُشْتَرَكٌ فيه، حُذف قوله فيه وهو جارٌ مجرور كما حذف من قوله المفعول به لماذا؟ كما يحذف أحيانًا يقال المفعول، المفعول ويقال المفعول به، وإذا قيل هذا مفعولٌ حينئذٍ حذفت به لماذا؟ تخفيفًا أو للعلم به أو لكونه جُعِلَ عَلَمًا، وهنا قوله: الْمُشْتَرَك أي الْمُشْتَرَك فيه حُذف فيه وهو جار مجرور نائب فاعل حُذف تخفيفًا لكسرة الاستعمال أو لكونه صار علمًا، وقال بعضهم: لفظ مُشْتَرَكٌ ظرفٌ لا اسم مفعول والأصح أنه اسم مفعول ولكن ما وجه كونه ظرفًا؟ قالوا: لأن اشترك بمعنى تَشَارَكَ فالْمُتَشَارِكَان فيه فاعلان ظاهرًا فلا يُشْتَق منه صيغة باسم مفعول. والصواب الأول أن الْمُشْتَرَك اسم مفعول وليس بظرفٍ. الْمُشْتَرَك المراد به هنا الْمُشْتَرَك اللفظي لماذا؟ لأنه إذا أُطْلِق الْمُشْتَرَك في هذا المقام انصرف إلى الْمُشْتَرَك اللفظي، هل هناك مُشْتَرَك ليس بلفظي؟ نقول: نعم الْمُشْتَرَك نوعان: مُشْتَرَك لفظي. ومُشْتَرَكٌ معنوي. والْمُشْتَرَك المراد به هنا الْمُشْتَرَك اللفظي فحينئذٍ نقول: النوع الرابع: (الْمُشْتَرَك) أي اللفظي على حذف الصفة للعلم بها لأن المقام هنا كلامٌ في الألفاظ لذلك قال: (مَا يَرْجِعُ إِلَى الأَلفَاظِ) فالبحث في اللفظ حينئذٍ لا في المعنى. إذًا المشترك أي اللفظي إذا هو الْمُنْصَرَفُ إليه $ أو الْمُنْصَرِفُ إليه اللفظ عند الإطلاق لا المعنوي حينئذٍ يَرِدُ السؤال ما الفرق بين الاشتراك اللفظي والاشتراك المعنوي؟ فنقول: وهذا ذكرناه موسعًا في شرح ((السلم المنورق في المنطق)) لكن نعيده باختصار. الْمُشْتَرَك اللفظي: هو ما اتحد في اللفظ وتعدد فيه المعنى والوضع. إذًا ثلاثة أمور: عندنا لفظ، وعندنا وضع، وعندنا معنى. اللفظ هو: ما يُلْفَظُ به الصوت المشتمل على بعض الحروف الهجائية المراد بها هنا الصوت أو اللفظ المفرد كالقرء مثلاً. والوضع المراد به: جَعْلُ اللفظ دليلاً على المعنى، حينئذٍ يكون المراد بالوضع هنا الوضع الشخصي. والمعنى: هو يُقْصَدُ من اللفظ المعنى.

إذًا هذه ثلاثة أمور الاشتراك اللفظي أن يكون اللفظ متحدًا في اللفظ كالقرء مثلاً هذا لفظ واحد وتعدد المعنى، فيطلق على الطهر ويطلق على الحيض، وتعدد الوضع بمعنى أن الواضع وضع لفظ القرء للطهر، ثم وضع اللفظ مرة أخرى للحيض، فحينئذٍ تعدد المعنى وهما: الطهر، والحيض. وتعدد الوضع بكون الواضع جعل اللفظ دليلاً على المعنى، فوضعه أولاً للدلالة على الحيض مثلاً، ثم وضعه وضعًا جديدًا ابتداءً للدلالة على الطهر، فحينئذٍ تعدد الوضع مع تعدد المعنى واللفظ هو اللفظ وهو شيء واحد وهو القرء قاف وراء وهمزة، إذًا اتحد اللفظ وتعدد فيه الوضع والمعنى، ومن هنا سُمِّيَ مُشْتَرَكًا لماذا سُمِّيَ مُشْتَرَكًا؟ لاشتراك المعنيين فيه في اللفظ فاشترك معنى الطهر مع معنى الحيض في اللفظ أليس كذلك؟ فاللفظ شيء واحد والمعنى شيئان كاشتراك الزوجتين في الزوج مثال كاشتراك الزوجتين في الزوج الواحد هذا كذلك المعنيان اشتراكا في ماذا؟ في اللفظ الواحد لذلك سُمِّيَ مُشْتَرَكًا فيه فنقول: الْقُرْءُ مُشْتَرَكٌ فيه. ما الذي اشترك فيه؟ اشترك فيه ماذا؟ المعنيان الطهر والحيض، هذا هو الاشتراك اللفظي.

أما المشترك المعنوي فهو ما اتحد فيه الوضع والمعنى واللفظ. اتحد فيه اللفظ والمعنى والوضع، هذه ثلاثة أشياء كلها متحدة، لكنه من حيث معناه الواحد يشمل أفرادًا من حيث معناه الشخصي الواحد يشمل أفرادًا مع كون اللفظ واحدًا وهذا الذي يسمى بالكلي عند المناطقة، فمفهم اشتراك الكلي كأسد أليس كذلك؟ فمفهم اشتراك الكلي كأسد، ما هو الكلي؟ ما أفهم اشتراكًا، لفظٌ أفهم اشتراكًا في معناه كالإنسان هذا لفظ واحد أفهم اشتراكًا أولاً ما هو معنى الإنسان قالوا: حيوان ناطق. إذًا معنى واحد أو متعدد له معنى واحد وهو كونه حيوانًا ناطقًا هذه الحيوانية الناطقية تشمل أفرادًا كزيد، وبكر، وعمرو، وخالد ... إلى آخره وجود هذا المعنى الذهني الذي يكون في الذهن أو الحيوان الناطق وجوده في الخارج يكون في ضمن أفراده حينئذٍ يقول: زيدٌ حيوان ناطق، وعمرو حيوان ناطق، وبكرٌ حيوان ناطق. أليس كذلك؟ تأتي للفظ إنسان يصح أن تقول: زيدٌ إنسان. لماذا؟ لكونه حيوانًا ناطقًا، وبكرٌ إنسان، وعمرو إنسان قد أَخْبَرْتَ عن ثلاثة بلفظ واحد وهو لفظ إنسان، اللفظ متحد أو لا؟ لفظٌ متحد مثل القرء الطهر هو: القرء، والحيض هو: القرء. أخبرت عن الحيض بأنه قرءٌ وعن الطهر بأنه قرءٌ فاللفظ واحد زيدٌ إنسان، وعمرو إنسان، وبكرٌ إنسان اللفظ واحد والمعنى متحد، زيدٌ إنسان أخبرت عن زيد لكونه إنسانًا لماذا؟ لكونه حيوانًا ناطقًا وأخبرت عن بكر بكونه إنسانًا لماذا؟ لكون حيوانًا ناطقًا، وأخبرت عن عمرو بكونه إنسانًا لكونه حيوانًا ناطقًا، إذًا زيدٌ إنسان والمعنى هو الحيوانية الناطقة وبكرٌ إنسان والمعنى هو الذي أخبرتُ به أولاً حيوانيًّا ناطقيًّا وبكر كذلك، إذًا اتحد اللفظ واتحد المعنى، المعنى شيء واحد سواء أخبرت به عن زيد أو عن بكر أو عن عمرو أو عن خالد أو عن هند ... إلى آخره المعنى شيء واحد لذلك نقول: معنى الإنسان الحيوان الناطق ولا يتعدد، بخلاف معنى القرء الطهر والحيض وهو متعدد لأن الطهر مغاير للحيض بل هما نقيضان، لكن معنى الإنسان شيء واحد فإذا أخبرت به عن أفراده نقول: هنا الوضع واحد كذلك. فإذا قلت: الطهر قرء، والحيض قرء. أخبرت عن الأول بكونه قرءًا وعن الثاني بكونه قرءًا اللفظ متحد والوضع متعدد. وأما زيد إنسان، وعمرو إنسان، وخالد إنسان اللفظ واحد والمعنى واحد والوضع واحد وليس متعددًا هذه يُسمَّى ماذا؟ يُسَمَّى اشْتِرَاكًا معنويًّا وهو الذي ذكرناه بتوسع في ((السُّلم)) فليرجع إليه. فمفهم اشتراكٍ الكلي ... كأسدٍ وعكسُه الجزئي إذًا ثَمَّ فرق بين النوعين الْمُشْتَرَك المراد به هنا الْمُشْتَرَك اللفظي. اختلف أئمة اللغة وأئمة الدين في وقوع الْمُشْتَرَك في اللغة لأنه يلزم إذا وقع في اللغة حينئذٍ أن يكون موجودًا في القرآن، هذا دليل مطرد إذا وقع وقوعًا شائعًا ذائعًا في لغة العرب وقد نزل القرآن بلسان عربي مبين فحينئذٍ يلزم من ذلك أن يكون في القرآن ما هو مُشْتَرَكٌ. اختُلف في وقوع الْمُشْتَرَك على ثلاثة أقوال: القول الأول: جوازه ووقوعه مطلقًا. جوازه عقلاً حينئذٍ يجوز أن يضع الواضع لفظًا واحدًا لمعنيين فأكثر، الجواز المراد به الجواز العقلي لماذا؟

لأن بعضهم يرى أنه يمتنع عقلاً أن يضع الواضع نصًا لمعنيين فأكثر، وبعضهم يرى أنه يجب أن يضع الواضع لفظًا لمعنيين فأكثر لأن المعاني أكثر من الألفاظ قالوا: المعاني أكثر من الألفاظ. فيلزم حينئذٍ أن يضع اللفظ الواحد لمعنيين فأكثر ليستوعب المعاني. وهنا نقول: القول الأول الجواز. إذًا لا الوجوب، الجواز لا الوجوب لأن العقل لا يوجب مثل هذه الأشياء، ولذلك نذكر دائمًا أن اللغة نقلية لا مدخل للعقل فيها إلا من جهة الاستنباط، أما من كونه يضع لزومًا يجب عليه أن يضع نقول: لا، هذا ليس بلازم وخاصة إذا رجحنا أن الواضع هو الرب جل وعلا كما هو المشهور وهو الصحيح. واللغة الرب لها قد وضعا توقيف اللغات عند الأكثر أكثر أهل العلم بأن اللغات كلها عربية وغيرها كلها توقيفية يعني: من وضعها هو الرب جل وعلا {وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء} [البقرة: 31]، ووقوعه يعني: ملفوظ به وقع في لغة العرب نُطق به وُجد في الدواوين ووُجد في النثر بل في القرآن مطلقًا يعني: في الوحي وفي غيره هذا هو القول الأول، جوازه عقلاً، ووقوعه مطلقًا يعني: في الوحي وفي غيره سواء كان في القرآن وفي غيره، وهو رأي جمهور أهل العلم - هذا رأي الأكثر -، (في رأي الأكثر وقوع المشترك) كذا قال في مراقي السعود، وقوع ذو الاشتراك واقعٌ في الأكثر، إذًا وهو رأي الأكثر وهو الحق ودليله مشاهدة الوقوع نحو قوله: {ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ}، {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ} [البقرة: 228]. ونعلم من لسان العرب أن القرء وضع للطهر ووضع للحيض ولا يمكن أن يكون المراد هو مجموع المعنيان في هذه الآية بل لا بد من واحد منهما، إذًا هذا هو القول الأول وهو الصواب وهو الحق وقوع المشترك في اللغة وفي القرآن أيضًا ولا مانع من ذلك. القول الثاني: مَنْعُهُ مطلقًا. وهذا مَنَعَهُ ثعلب والأبهري والبلخي، مَنْعُهُ يعني: لا يجوز أن يكون في اللغة ما هو مُشْتَرَك يعني بين معنيين فأكثر لماذا؟ يعني مطلقًا أرادوا به في الوحي وفي غيره لأنه يقابل القول الأول. القول الأول: الجواز والوقوع مطلقًا. القول الثاني: المنع مطلقًا في الوحي وفي غيره.

وذكرنا أن القول الراجح هو الأول وهو مذهب جمهور أهل العلم، والقول الثاني هو مذهب ثعلب والأبهري والبلخي مطلقًا، وحجتهم أن الاشتراك يُخِلُّ بفهم المراد من اللفظ، قالوا: الاشتراك إذا وضع اللفظ للدلالة على معنيين فأكثر يُخِلُّ بفهم المراد لو قال قائل: عندي عين. وعين هذا لفظ مشترك بين الباصرة، والجارية، والذهب ... إلى آخره، حينئذٍ إذا قلت: أريد أن أحبر غيري عندي عين فماذا سَيَفْهَم؟ هو يعلم أن عندي عين ويراني كيف يحمل على الباصرة فصار من تحصيل الحاصل، فيحتمل يحتمل أن يكون المراد به الباصرة ويحتمل أن يكون المراد به الجارية أو الذهب أو غير ذلك، ثلاثون معنى بلفظ العين إذًا منعوه لماذا؟ لكونه يُخِلُّ بفهم المراد من اللفظ لاحتمال أن يكون لكل من مَعْنَيَيْ المشترك، وأجيب عن هذا الاعتراض بأنه يتعين أحد معنييه بالقرينة ليس فيه ماذا؟ ليس فيه إخلال بالفهم، بل لو قال: عندي عين واسعتين. حينئذٍ يحمل على العين الباصرة، إذًا بالقرينة تعين أحد المعنيين أو المعاني، إذا لم يكن قرينة ليس كل مشترك قد وجدت معه قرينة إذا لم يكن قرينة حينئذٍ ثم مسألة أخرى وهي: هل يجوز حمل المشترك على معنييه أو معانيه مطلقًا في لفظ واحد في وقت واحد من متكلم واحد، هذه محل خلاف والأصح الجواز. وحكى شيخ الإسلام ابن تيمية أن مذهب أئمة الأربعة على هذا وهو رأي الشافعي كما هو في ((الرسالة))، فإذا قال: عندي عين. حُمِلَ العين على كل المراد من لفظ العين الباصرة والجارية إلى آخره هذا هو الأصل فيه، فحينئذٍ إذا قيل بأن اللفظ المشترك يُخِلُّ بفهم المراد نقول: لا، يُمْنَع هذا لأنه إمَّا أن يكون بقرينة قُيِّدَ بقرينة أو لا؟ فإن قيد بقرينة فقد تعين فحينئذٍ لا يُخِلُ بفهم المراد، وإن لم يقيد بقرينة فحينئذٍ نقول: الأصح والصواب أنه يُحْمَلُ اللفظ على معنييه فأكثر. لكن هذا بخير إذا لم يكن تنافي بين المعنيين أو المعاني، فلو قيل: أقرأت المرأة. أقرأت اشتراك قد يقع في الفعل وقد يقع في الاسم وقد يقع في الحرف إذا قيل: أقرأت المرأة نحملها على أي المعنيين؟ هنا مشترك الفعل هنا لا بد من قرينة تُعَيِّنُ أن المراد به ماذا؟ إما الطهر، وإما الحيض لماذا؟ لأنه يمتنع حمل اللفظ على معنييه لماذا؟ لأنه لا يمكن أن تكون حائض وطاهر في وقت واحد لا يمكن أن تكون حائضًا طاهرًا في وقت واحدًا حينئذٍ إذا قيل بأن المشترك اللفظ المشترك القول به يؤدي إلى إخلال فهم اللفظ أو المعنى المراد من الكلام نقول: الجواب عن هذه الشبهة بأن المشترك إما أن يُقَيَّدَ بأن تكون معه قرينة تعين المراد أو لا، فإن قُيِّدَ بقرينة فحينئذٍ نقول: قد تعين المراد بوجود هذه القرينة وإن لم توجد فحينئذٍ إما أنه يمكن حمل اللفظ على معنييه أو معانيه بشرط عدم التنافي، وهذا هو الأصح أن يُحْمَل عليه وإما أنه إذا كان تنافي بين المعاني فلا بد من قرينة ولا يصح إطلاقه أصلاً هذا القول الثاني.

القول الثالث: منعه في الوحي دون غيره. يعني: مثل المجاز على قول بعضهم يوجد في اللغة ولا يوجد في الوحي، ما حجتهم؟ - هذا منسوب إلى الرازي - وحجتهم أنهم لو وقع في الوحي لوقع إما مبينًا أو لا، لو وقع المشترك في الوحي في القرآن في السنة إما أن يقع مُبَيَّنًا بقرينة يعني تُعَيِّنُ المراد أو لا، فإما أن يقع مُبَيَّنًا فيقول بلا فائدة، فحينئذٍ يكون اللفظان اللذان ذُكِرَا المشترك والقرينة هذا فيه تطويل بلا فائدة، وهذا ضعيف، أو غير مبين فلا يُفيد لعدم فهم المراد منه، والوحي منزهٌ عن ذلك. وأُجِيب عن هذين الاعتراضين: بأنه لو وقع أما أن يقع مُبَيَّنًا في القرآن يعني: بقرينة وحينئذٍ صار طولاً بلا فائدة، وإما أنه لا يقع مُبَيَّنًا حينئذٍ يُخْلُّ بالفهم والوحي منزهٌ عن ذلك. أجيب بأننا لا نسلم لزوم الطول فقولك: شربت من العين. هل فيه طول، شربت من العين ما المراد من العين هنا؟ الجارية، ما الدليل شربتُ من العين، إذًا العين هنا لفظٌ مشترك يطلق على الجارية والباصرة إلى آخرة ووجدت قرينة دلت على أحد هذه المعاني، هل حصل طولٌ بهذه القرينة؟ لم يحصل طول. إذًا لا نسلم بأنه إذا قُيِّدَ اللفظ المشترك بقرينةٍ صار طولاً في اللفظ، والمقصود حينئذٍ يكون بالجارية. الثاني: نقول: لو سلمنا من باب التنزل والجدل أنه يطول فلا نسلم كون الطول بلا فائدة، لأن التفصيل بعد الإجمال هذا من مقاصد اللغة العربية. التفصيل بعد الإجمال يُجْمَلُ الشيء أولاً ثم يُفَصّل، يُجْمَلُ أولاً فتتشوق إليه النفس ثم بعد ذلك يُفَصّل له فيقع البيان موقعه بمحله حيث كانت النفس متعطشة إلى تلك المعاني فيكون أبلغ حينئذٍ أوقع في النفس التفصيل بعد الإجمال أوقع في النفس هذا لا إشكال فيه. إذًا هذه ثلاثة أقول في وجود المشترك في اللغة وفي غيره. القول الأول: الجواز والوقوع مطلقًا. وهو الصواب والحق. الثاني: المنع مطلقًا في الوحي وفي غيره. الثالث: التفصيل بين الوحي فيُمنع وغيره فيجوز وقلنا الصواب الأول. النوع الرابع: المشترك لم يعرفه الناظم هنا رحمه الله وإنما أورد أمثلة - أظنها - ثمانية أورد ثمانية من الألفاظ ممن حكم عليه بأنه مشترك وهنا كأنه أراد بالمثال أن يُعَرِّف قال: ... (قُرْءٌ) كالمشترك قُرْءٌ. حينئذٍ تعرف أن (القرء) هذا لفظٌ دل على معنيين متنافيين حينئذٍ يحمل اللفظ عليهما إن لم يكن بينها تنافٍ ولكن لما وجد تنافٍ بين الحيض والطهر حينئذٍ لا يحمل عليهما. إطلاقه في معنييه مثلا ... مجازًا وضدًا أجاز النبلا

هذا هو الصواب (قُرْءٌ) بضم القاف وتفتح أيضًا قَرءٌ وقُرءٌ ويجمع على قُرُوء جمع كثرة وعلى أَقْرَاء أَفْعَال جمع قِلة، ويطلق للحيض والطهر، (وَوَيْلٌ) هذه كلمة عذاب ولوادٍ في جهنم يعني يطلق الويل على كلمة عذاب يراد بها كلمة عذاب ويطلق على وادٍ في جهنم كما رواه الترمذي عن أبي سعيدٍ الخدري، (نِدُّ) بكسر النون وتشديد الدال وهذا يطلق الند للمثل والضد، (والْمَوْلَى) أيضًا من الألفاظ المشتركة يطلق على السيد والعبد له معنيان هو مولاه هذا السيد {إِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ} [مريم: 5]. هذا عبيد، (جَرَى) (قُرْءٌ وَوَيْلٌ نِدُّ) بدون تنوين (والمَوْلَى جَرَى) في المذكورات إطلاق اسم المشترك (تَوَّابٌ) يعني يطلق اللفظ (تَوَّابٌ) على معنيين، وهما التائب ولقابل التوبة، التائب يقال فيه (تَوَّابٌ) وقابل التوبة يقال فيه (تَوَّابٌ)، ... (الْغَيُّ)، (جَرَى) (تَوَّابٌ) يعني و (تَوَّابٌ) بإسقاط الواو و (الْغَيُّ) بإسقاط الواو أيضًا، غَيّ بفتح الغين وتشديد الياء اسمٌ لوادٍ في جهنم ... {فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا} [مريم: 59]. كما فسره بعضهم كابن مسعود ولضد الرشد الغي ضد الرشد (مُضَارِعٌ) يعني وفعل مضارع من حيث دلالته على الزمن لأن الزمن باعتبار الفعل لازمٌ له فإما أن يكون ماضي أو حالاً أو استقبالاً أليس كذلك. وأعلم علم اليوم والأمس قبله ... ولكنني عن علم ما في غد أعجز فقسم لك الأزمنة ثلاثة: إما ماضٍ، وإما حاضر، وإما مستقبل.

المضارع الماضي واضح أنه للماضي، والمضارع هذا فيه خلاف والمشهور عند الجمهور أنه للحال والاستقبال حينئذٍ يكون مشتركًا بين معنيين فإذا قلت: زيدٌ يصلي، يصلي هذا فعل مضارع فيحتمل حينئذٍ دلالته عن الحال جائز أنه يصلي الآن قائم يركع ويسجد ويحتمل أن زيدٌ يصلي، يصلي في المستقبل سيصلي يعني، هذا هو المشهور عند النحاة والجمهور على هذا، والصحيح أنه حقيقةٌ في الحال مجاز في الاستقبال، هذا هو الأصح، والسيوطي رجح في ... ((همع الهوامع)) مذهب الجمهور، لكن الصواب أنه حقيقةٌ في الحال، مجاز في الاستقبال، بدليل ماذا؟ بدليل أنه إذا اقترن به لفظٌ كالسين وسوف حينئذٍ ينصرف إلى الاستقبال، وما تَعَيَّنَ بقرينته وهو الاستقبال هنا هذا هو حقيقة المجاز، فحينئذٍ نقول زيدٌ يصلي الأصح أنه يحمل على أنه يصلى الآن يركع ويسجد، أما إذا أردت أنه سيصلي فهذا معنى المجاز فحينئذٍ لا بد من الإتيان بالسين أو بسوف تقول: زيدٌ يصلي. زيدٌ سوف يصلي. أما حمل اللفظ على معنييه هذا ليس بصحيح، ثم هذا ينافي تقسيمهم هم يقولون: قسمنا الأفعال لماذا ثلاثة؟ باعتبار الزمن لأن الحدث إما أن يقع في زمنٍ قد مضى عن زمن الإخبار، وإما في وقته، وإما في مستقبل. قالوا: الماضي هو للماضي، والمستقبل هو الأمر، حينئذٍ يتعين أن يكون المضارع للحال. حينئذٍ يناقش لأن الأزمنة ثلاثة، فإذا جُعل المضارع إذا جُعل الفعل المضارع حقيقة في الاستقبال حينئذٍ كيف يكون الأمر مستقلاً بذاته من حيث الزمن، هذا ممكن يتمشى على مذهب الكوفيين القائلين بأن القسمة ثنائية وبأن فعل الأمر جزءٌ ومقتطع من فعل مضارع، (مُضَارِعٌ) يعني: ومضارع يستعمل للحال والاستقبال، والصواب لأنه ليس مشتركٌ فيهما بل يتعين فيه الحال ويكون في المستقبل للاستقبال، (وَرَا) يعني: وورا ولفظة ورا بالقصر وراء بالمد لغة في وراء فإنه للخلف والأمام، ولذلك قرأ ابن عباس {وَكَانَ وَرَاءهُم} [الكهف: 79] وكان أمامهم {وَكَانَ وَرَاءهُم مَّلِكٌ} وكان أمامهم المعنى واحد، فوراء يأتي بمعنى الأمام يأتي بمعنى الأمام، هذا ما يتعلق بالمشترك ووقوع بعض هذه الألفاظ الذي ذكرها الناظم في القرآن يدل على ماذا؟ لأن (قُرْءٌ وَوَيْلٌ نِدُّ والمَوْلَى) واقعة في القرآن فيدل على ماذا؟ لو حكمنا عليها بأنها مشتركٌ لفظي يدل على وجود المشترك في القرآن، ولا مانع من ذلك وجود، المشترك في القرآن وكل ما ذكره هنا المصنف (قُرْءٌ وَوَيْلٌ نِدُّ والمَوْلَى) (تَوَّابٌ الْغَيُّ مُضَارِعٌ وَرَا) هذه كلها أسماء، ومضارعٌ؟ و (مُضَارِعٌ) يعني: زمن المضارع فحينئذٍ المحكوم عليه هنا بكونه مشتركًا هو الفعل المضارع لذلك يقدر (مُضَارِعٌ) يعني: فعلٌ مضارعٌ، مضارعٌ لأنه صفة لموصوف محذوف يكون التقدير ... (تَوَّابٌ) و (الْغَيُّ) وفعلٌ مضارع فيكون قد ذكر لك الاشتراك كونه واقعًا في الأسماء وكذلك في الأفعال ومنه الفعل المضارع ومثل عسعس يأتي بمعنى أقبل وأدبر، إذًا اختلف أهل العلم {وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ} هل هو الإدبار أم الإقبال؟ وهو يستعمل في اللغة لهذا وذاك، فصار مشتركًا. وكذلك الحروف كالباء مثلاً تكون للتبعيض وللسببية وللظرفية ..

إلى آخره، لفظ واحد والمعاني متعددة فوضع لكلٍ معنى من هذه المعاني باء خاصة بها بالدلالة عليها. إذًا يقع الاشتراك في الأسماء، ويقع الاشتراك في الأفعال، ويقع الاشتراك في الحروف. جمع لك المصنف نوعين فقط الاشتراك الأسماء وفي الفعل، لأنه ذكر لك المضارع، المضارع ليس المراد بالاسم المضارع لفظ المضارع لأن مضارع معنى مشابه فكيف يتضمن الزمن أليست المضارعة مأخوذة من المشابهة كأنهما ارتضعا من ضلعٍ واحد هكذا قيل، فحينئذٍ نقول فعلٌ مضارعٌ نعتٌ أو صفةٌ لموصوفٍ محذوف. إذًا اكتفى الناظم عن تعريفه بذكر بعض أمثلته، ومن هذه الأمثلة مذكورٌ في القرآن فعُلِمَ واقعه في القرآن. (النوع الخامس) من العقد الرابع مما يرجع إلى الألفاظ (المترادف) هذا مأخوذٌ من الترادف، وهو في اللغة التتابع، المترادف في اللغة التتابع، سُمِيَ بذلك يعني اللفظان لترادف اللفظين بتواردهما على معنًى واحد، توارد اللفظان على معنًى واحد مأخوذٌ من الرديف، كنت رديف النبي - صلى الله عليه وسلم - على حماره. هذا مأخوذٌ من هذا رديف، مأخوذٌ من الرديف وهو ركوب اثنين معًا على دابةٍ واحدة، والمترادفان يركبان معنًى واحدًا، فالإنسان والبشر مسماه شيءٌ واحد أليس كذلك؟ تقول: هذا بشر هذا إنسان، فاللفظان ركبا الذات الواحدة، حينئذٍ وُجِدَ الرديف أو لا؟ وُجِدَ معنى الرديف. (النوع الخامس: المترادف) عرفنا معناه في اللغة، مُتَرَادِف مُتَفَاعِل، تَرَادَفَ يَتَرَادَفُ فهو مُتَرَادِف. حقيقته عندهم اتحاد المعنى وتعدد اللفظ، أن يكون المعنى واحدًا ويتعدد اللفظ، إذًا عكس المشارك، المشترك يتحد اللفظ ويتعدد المعنى والوضع، وهنا يتحد المعنى ويتعدد اللفظ ويلزم منه تعدد الوضع ولا نحتاج إلى تنصيص، لا نحتاج إلى التنصيص، فإنسان وبشر لفظان مترادفان اتحد فيهما المعنى لأنه سَمَّى الإنسان حيوانٌ ناطق ومسمى البشر حيوانٌ ناطق إذًا المعنى واحد فزيدٌ إنسانٌ وزيدٌ بشر وعمروٌ إنسانٌ وعمروٌ بشرٌ إذًا اتحد المعنى وتعدد اللفظ لأن إنسان ليس هو البشر، الإنسان مع الإنسان نقول: هذا متحد في اللفظ، وأما الإنسان مع البشر والليث مع الأسد والقسورة نقول: هذا متعدد في اللفظ. إذًا المترادف هو ما اتحد فيه المعنى وتعدد اللفظ. ذكر ابن القيم رحمه الله في ((روضة المحبين)) وبأن ما نقله أبو الفتوح عنه وغيرهم بأن المترادف نوعان - وهذه فائدة نفيسة مهمة في هذا الباب - بأن المترادف نوعان: النوع الأول: أن تدل يعني الأسماء المترادفة أن تدل الأسماء المترادفة على المسمى باعتبار الذات فقط. فهذا هو المترادف تَرَادُفًا محضًا. فابن القيم يثبت الترادف في اللغة، وكذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى فهذا المترادف ترادفًا محضًا مثلوا له بالحنطة والبُرِّ والقمح هذه ألفاظ مسماها شيءٌ واحدٌ، فمسمى الحنطة هو مسمى القمح هو مسمى البُرُّ، هل تضمن لفظ البُرِّ معنى زائدًا على معنى الحنطة؟ الجواب: لا. فحينئذٍ دلت الأسماء على مسمى واحد باعتبار الذات فقط ولا دلالة لها على صفةٍ من الصفات، هذا هو النوع الأول. وعبر عنه بأنه الْمُترادف تَرَادُفًا محضًا.

النوع الثاني: أن تدل - يعني الأسماء على مسمياتها - أن تدل على ذاتٍ واحدةٍ كالأول لكن زاد هذا النوع على الأول باعتبار تباين صفاتها. إذًا زاد عن الأول بماذا؟ اشترك مع الأول بالدلالة على الذات، لكن الأول دل على الذات دون أن يتضمن اللفظ صفةً، والثاني: دل على الذات أيضًا كالأول إلا أنه زاد مع دلالته على الذات دلالة على صفةٍ فيه، فحينئذٍ النظر إلى هذه الألفاظ باعتبار دلالتها على الذات فهي شيءٌ واحد مترادفة، وباعتبار ما تضمنته من الصفات فهي متباينة، فيقع التباين في الصفات ويقع الإتحاد والترادف في الذات، ولذلك قيل الخلاف في مسألة وجود الترادف أو نفيه في اللغة خلافٌ لفظي، لأن من أثبت الترادف أثبت باعتبار دلالته على الذات ومن نفاه باعتبار كون اللفظ متضمنًا للصفات، لكن يُرَدُّ بما ذكره من النوع الأول ابن القيم رحمه الله تعالى، مثل ابن القيم للثاني بأسماء الرب جل وعلا وأعلامه، فأسماء الرب، يَرِدُ سؤال عند البعض هل هي مترادفة أم متباينة؟ فقيل مترادفة وقيل متباينة والصواب أنها فيها التفصيل باعتبار دلالتها على الذات فهي مترادفة، فمدلول الرحمن على ذاته هو مدلول الرحيم، السميع، العليم الذات واحد الحمد لله، وأما باعتبار دلالتها على الصفات فهي متباينة. الرحمن: دل على ذاتٍ وصفةٍ هي: الرحمة. الرحيم: دل على ذاتٍ صفةٍ هي: الرحمة. العليم: دل على ذاتٍ هي التي دل عليها لفظ الرحمن، لكن دل على صفةٍ مغايرة لصفات الرحمة، إذًا باعتبار الذات هي مجرد مرادفة وباعتبار الصفات هي متباينة، وهذا كلام جميل. وبذلك يُرَدُّ على النحاة في قولهم: الرحمن الرحيم، الرحمن كيف وقع نعتًا للفظ الجلالة، والأعلام باتفاق لا يُنْعَتُ بها، فأنكر بعضهم قول الرحمن علم قال: لا ليس بعلم هو كالعلم ليس بعلم لأنه جاء تابعًا كما في البسملة وجاء متبوعًا يعني لم يتبع غيره {الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ} [الرحمن: 1،2]. جاء ابتداء {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5]. إذًا عومل في هاتين الآيتين معاملة الأعلام، والأعلام لا يُنْعَتُ بها، فجاء في البسملة مثلاً أو في غيره: بسم الله الرحمن ماذا نعربه؟ نقول: صفة، طيب والأعلام لا يُنْعَتُ بها باتفاق فكيف نقول هو علم؟ نقول: هو علم ولا شك فيه لدلالته على الذات وهو صفةٌ لتضمنه لصفة الرحمة، وفي الرحمن الرحيم بسم الله الرحمن، هنا نُعِتَ به من حيث دلالته على الصفة لم يراعَ فيه أصالة الذات وإنما من حيث دلالته على الصفة صح وقوعه نعتًا تابعًا لغيره ولا إشكال. إذًا هذا قسمان للمترادف. الترادف يقع في الأسماء كالأسد والليث، ويقع في الأفعال قعد وجلس ومضى وذهب، ويقع في الحروف كإلى وحتى فإنهما يفيدان الغاية، حينئذٍ وقع الترادف في كل أقسام الكلمة كما أن المشترك وقع في كل أقسام الكلمة. اختلف أهل العلم في وجود المترادف في اللغة على ثلاثة أقوال كما اختلفوا في المشترك. القول الأول: أنه واقعٌ في اللغة ويلزم منه على الأصل أنه واقعٌ في القرآن، فإذا وجد ولو لفظٌ واحدٌ في القرآن مترادفان حكمنا عليهما بأنهما مترادفان لا إشكال في ذلك لماذا؟

لكونه واقعًا في اللغة، لكن مع وقوعه في اللغة حينئذٍ لا بد وأن نسلم بأنه على خلاف الأصل، الترادف على خلاف الأصل لماذا؟ لأن الأصل في دلالة الأسماء على مسمياتها التباين، هذا هو الأصل وضع كل اسمٍ لمسمًى خاص ينفك به عن غيره، فحينئذٍ إذا وضع لفظان أو ثلاثة أو أربعة أو خمسة أو عشرة لمسمى واحد نقول: هذا على خلاف الأصل. إذًا أنه واقعٌ في اللغة ومع ذلك فهو خلافٌ الأصل وهو التباين، الأصل هو التباين ولكن مع قولهم بأنه واقعٌ في اللغة حكموا عليه بأنه قليل وهو الحق ولغة العرب فاطحةٌ به. ومن فوائده - من فوائد الرديفين - هذا على قول من رَجَّحَ بأنه كائن في اللغة حكم بكون اللغة فاطحةً بهذه الألفاظ. من فوائده لو قيل ما الفائدة من وضع الإنسان والبشر لمسمى واحد أو الأسد والليث لمسمى واحد أو المهند والسيف لمسمًى واحد ما الفائدة؟ قالوا: من فوائده أن أحد الرديفين يصلح لما لا يصلح له الآخر في السجع والشعر والغناء، قد يأتي اللفظ يريد معنى السيف فلا يصلح كلمة سيف وتكون القافية منتهية مختومة بالدال فيأتي بالمهند مثلاً، حينئذٍ نقول: صلح المهند لما لا يصلح له لفظ السيف ومعلومٌ أن كلام العرب قسمان: شعرٌ، ونثر. والشعر عندهم مقصودٌ كما أن النثر مقصودٌ، إذًا من فوائده أن أحد الرديفين يصلح لما لا يصلح له الآخر في السجع والشعر والغناء. وقد يكون أحدهما أسهل على الألثغ الذي لا ينطق ببعض الحروف، فالذي لا يقدر على النطق على الراء مثلاً لا يقل: بُرّ. يقول: قمح، أما بُرِّ هذه يخرجها من القاموس لأنه لا ينطق بالراء حينئذٍ له فائدة أو لا؟ له فائدة. القول الثاني: أنه غير واقعٌ في اللغة. وهو قول ثعلب وابن فارس والزجاج وأبي هلال العسكري، وقالوا: لأن وضع اللفظ أو وضع اللفظين لمعنى واحدٌ عيٌ يعني ماذا؟ عجز لأن الأصل أن يضع كل لفظٍ أو كل معنًى أن يضع له لفظًا مستقلاً هذا هو الأصل ولذلك نقول الأصل في اللغة التباين والترادف هذا فرعٌ وكل ما يُظن مترادفًا فمباينٌ بالصفة، وهل أرباب القول الأول ينكرون هذه الفائدة؟ الجواب: لا. ولذلك ذكر أن الخلاف لفظيٌّ لأن من أنكر الترادف نظر إلى دلالة كل لفظٍ على صفةٍ لا يتضمنها اللفظ الآخر. فقالوا: الإنسان، وبشر هذا يدل على شيءٍ واحد ولا شك لكن الإنسان لوحظ فيه معنى وهو النسيان أو من الإنس والبشر هذا لوحظ فيه معنى وهو ظهور البشرة فحينئذٍ ظهور البشرة هذا صفةٌ دل عليها لفظ بشر والنسيان صفةٌ دل عليها لفظ إنسان، فحينئذٍ حصل التباين، فكل ما ظُنَّ أنه مترادف فهو متباين بالصفة، لكن نقول المسمى الذات الجوهر شيءٌ واحد أو لا؟ شيءٌ واحد ولا شك فيه. الثالث: التفصيل. فهو واقع في اللغة لا في الأسماء الشرعية يعني في الشرع لا، وهذا منقول عن الرازي، وأنكر الإمام في الشرعية فيمتنع فيها يعني: في الشرعيات لماذا؟ قالوا: لأنه ثبت على خلاف الأصل ثبت الترادف والقول به على خلاف الأصل للحاجة إليه كما سبق في نحو النظم والسجع وهذا موجود في القرآن؟

الجواب: لا. وذلك منتفٍ في كلام الشرع فحينئذٍ ينتفي في الشرعيات وعُزِيَ هذا القول للرازي، والصواب الجواز والوقوع مطلقًا كالليث والأسد، هذا في اللغة والفرض والواجب، والسنة والتطوع، هذا في الشرعيات في الأحكام، ومثاله في القرآن: {وَيَحْسَبُونَ} و {يَظُنُّونَ} يَحْسَبُونَ بمعنى يَظُنُّونَ هذا ترادف ولذلك قال ابن تيمية رحمه الله تعالى: فإن الترادف في اللغة قليل. إذًا يثبت الترادف. فإن الترادف في اللغة قليل، وأما في ألفاظ القرآن فإما نادرٌ وإما معدوم. فإما نادرٌ قليل إن أثبت وإما معدوم وقل أن يُعَبَّرَ عن لفظ واحد بلفظ واحد يُؤدي جميع معناه هذا لا إشكال فيه، لو عبر عن الشخص بإنسان ثم أزيح لفظ إنسان وعبر عنه ببشر لا يمكن أن يكون المعنى الذي أودي بإنسان يقوم مقامه لفظ بشر، هذا لا شك فيه، ولذلك قال: وقل أن يُعَبَّرَ عن لفظ واحد بلفظ واحد يؤدي جميع معناه بل يكون فيه تقريب لمعناه. وهذا من أسباب إعجاز القرآن، ولذلك إذا قيل في التفسير: {لاَ رَيْبَ} لا شك، هذا ليس تفسير بأن اللفظ مساوي له من كل وجه هذا من باب التقريب فقط وإلا لو قيل في القرآن كله من أوله إلى آخره {لاَ رَيْبَ} لا شك الكتاب أي: المكتوب الجامع لو فسر بهذا وقيل: هو مساوي له من كل وجه. لا لما عجز العرب عن الإتيان بمثل القرآن لأن القرآن من أوله إلى آخره وخاصة على طريقة تفسير الجلالين يذكر اللفظة بإزاء لفظ القرآن فلو كان مساويًا له من كل وجه نفس المعنى الذي دل عليه اللفظ الذي زيد في التفسير على اللفظة التي فسر في القرآن وكان مساويًا له من كل وجه لما عجز العرب أن يأتوا بمثل القرآن. النوع الخامس: المترادف أيضًا أشار الناظم إلى بعض الأمثلة ولم يعرفه كما سبق في المشترك وهم قد يُعَرِّفُون أو يَدُلُّون على الشيء بالمثال كما قال ابن مالك: مبتدأٌ زيدٌ وَعَاذِرٌ خَبَرْ ... إِنْ قُلْتَ زَيْدٌ عَاذِرٌ مَنِ اعْتَذَرْ هذا يدل على ماذا؟ أنه عرَّف المبتدأ والخبر بالمثال، وهذا يسمى رسم عندهم رسم لكنه ناقص. مُعَرِّفٌ عَلَى ثَلاَثَةٍ قُسِمْ ... حَدٌّ وَرَسْمِيٌّ وَلَفْظِيٌّ عُلِمْ حينئذٍ عرف المشترك بقوله: (قُرْءٌ وَوَيْلٌ) ... إلى آخره، وعرف المترادف بقوله: (مِنْ ذَاكَ مَا قَدْ جَاءَ كالإِنْسَانِ). (مِنْ ذَاكَ مَا) من ذاك المشار إليه هنا المضاف إليه ليس المضاف.

(النوع الخامس: المترادف) المترادف هذا خبر (مِنْ ذَاكَ) أي: المترادف (مَا قَدْ جَاءَ) ما اسم موصول بمعنى الذي في محل رفع مبتدأ مؤخر و (مِنْ ذَاكَ) جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم (مَا) أي: لفظان فأكثرا أو أكثرا لا يصدق على لفظ واحد كالمشترك، المشترك لفظ واحد عين أو قرء وهنا لا، لا بد من لفظين فأكثر (مِنْ ذَاكَ) أي: من المترادف (مَا) أي: لفظان أو أكثر جاء (كالإِنْسَانِ وبَشَرٍ) جاء أي: ثبت أو جاء مجيئًا كمجيء الإنسان وبشرٍ، إنسان وبشر هذا مدلوله شيء واحد حينئذٍ يصدُق عليه حد المترادف، إذا أردت أن تضبط هل هذان اللفظان مترادفان أم لا؟ انظر في حد المترادف ما اتحد معناه واختلف فيه اللفظ، فحينئذٍ إنسان مسماه ذات مشخصة وبشر مسماه ذات مشخصة نفسه تقول: زيد إنسان. وزيد نفسه بشر، كالإنسان وبشر ولا يمنع هذا أن يكون الإنسان متضمن لصفة المغايرة لما تضمنه لفظ بشر لا مانع من ذلك، وهذا ما جعله ابن القيم رحمه الله قسيمًا للقسم الأول من المترادف (كالإِنْسَانِ) قيل: سمي به لنسيانه وما سمي الإنسان إلا لنسيانه، وبالثاني (وبَشَرٍ) لظهور بَشَرَتِهِ أي: ظاهر جلده. هو ليس كالقط مثلاً القط مغطى أليس كذلك؟ ولذلك بالنظر هنا إلى كون كل منهما له صفة مغايرة للأخرى جعل الخلاف لفظي ولذلك قيل: من جعلها مترادفة يعني - الإنسان وبشر - من جعلها مترادفة نظر إلى اتحاد بدلالتها على الذات، ومن منع من الحكم بكونه إنسان وبشر مترادفين نظر إلى اختصاص بعضها بمزيد معنى، فهي تشبه المترادفة في الذات والمتباينة في الصفة، وهي نفسها. (مِنْ ذَاكَ مَا قَدْ جَاءَ) قد التحقيق جاء مجيئًا كمجيء الإنسان وبشر في كون معناهما واحدًا وهو الحيوان الناطق (في مُحْكَمِ القُرآنِ) محكم المراد به المتقن من الإحكام وهو الإتقان، هل جاء الإنسان في القرآن؟ نعم. هل جاء بشر {مَا هَذَا بَشَراً} [يوسف: 31]، {إِنَّ الإِنسَانَ}، {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ} [الإنسان: 1] إذًا ورد لفظ الإنسان وورد لفظ البشر إذًا ليس بالمعدوم. (واليَمِّ والبَحْرِ) اليَمِّ هذا بالجار عطف على ماذا؟ على الإنسان يعني: وكما جيء اليم بالجر عطف على الإنسان والبحر فإن معناهما واحد معنى البحر هو اليم ووردا في القرآن أو لا؟ أي وردا في القرآن. (كذا العَذابُ) اليم والبحر معناهما واحد (كذا العَذابُ رِجْسٌ) يعني: ورجس (ورِجْزٌ) هذه ثلاثة ألفاظ بمعنى واحد، الرجز جاء بمعنى العذاب وقد يأتي في الخارج كما في الحديث «إنها رجس». أو رجز. بمعنى النجس، لكن تأتي بمعنى العذاب (كذا العَذابُ) العذاب كذا، كذا هذا خبر مقدم والعذاب مبتدأ مؤخر و (رِجْسٌ) بإسقاط العاطف الحرف (رِجْسٌ ورِجْزٌ) بكونها مترادفة إذ معناها كلها واحد (جَاءَ يَا أَوَّابُ) (كذا العَذابُ رِجْسٌ ورِجْزٌ جَاءَ يَا أَوَّابُ) يا أواب يعني: يا كثير الأوبة والتوبة هذا تكمله.

إذًا عرفنا المترادف هو ما اتحد فيه المعنى وتعدد فيه اللفظ وقد ذكر ابن القيم رحمه الله في ((روضة المحبين)) بأنه نوعان، قد يكون ترادفه ترادفًا محضًا لا يدل على صفة، وقد يكون مترادفًا لكنه ليس يكون بمحض بمعنى أنه يتضمن صفة مغايرة لما دل عليها اللفظ الآخر. ثم قال رحمه الله تعالى: النوع السادس: الاستعارة النوع السادس من العقد الرابع فيما يرجع إلى النظم الاستعارة والاستعارة هذه من جهة اللفظ استعارة هذا مصدر اسْتِعَارة اسْتِعَارَهُ ثوبًا فأعراه إياه، إذًا مأخوذ من العارية، هنا قال: (النوع السادس: الاستعارة). ثم قال: (النوع السابع: التشبيه). (النوع السادس: الاستعارة) و (النوع السابع: التشبيه). والأولى أو المناسب تأخير الاستعارة عن التشبيه لماذا؟ لأن الاستعارة متولدة بين المجاز والتشبيه، ولذلك قيل: زَوِّج مَجَازَكَ تَشْبِيهَكَ يَلِدُ لك اسْتِعَارة، هكذا ذكره السيوطي في ((الإتقان))، إذًا الاستعارة متولدة بين المجاز والتشبيه، وأجيب عن الناظم وغيره ممن قدم الاستعارة عن الشبيه لأن الاستعارة أبلغ من التشبيه فحينئذٍ ناسب ماذا؟ ناسب تقديمها، لكن من حيث الفهم للطالب الأولى أن يفهم أولاً التشبيه ثم بعد ذلك يفهم الاستعارة. (الاستعارة) هي: نوع من المجاز. ولذلك اختلفوا في ثبوتها وإنكارها لأنها فرع عن المجاز يعني: متولدة عن. أو الخلاف متولد عن الخلاف في المجاز، فمن أثبت المجاز أثبت الاستعارة ومن نفى المجاز نفى الاستعارة، وبعضهم على قلة أثبت المجاز ونفى الاستعارة في الوحي، أثبت المجاز ونفى الاستعارة على جهة الخصوص في الوحي. إذًا الاستعارة من حيث العموم نقول: هي نوع من المجاز مختصة باسم وحده. وبعضهم يُطْلِقُ على المجاز كله: استعارة. المجاز كله يسميه استعارة كأنك استعرت اللفظ من مستحقه الذي وُضِعَ له ونقلته إلى غيره وعرفها أهل البيان بأنها مجاز علاقته المشابهة لماذا؟ لأننا نقول: المجاز ما هو؟

هو: اللفظ المستعمل في غير ما وُضِعَ له ابتداء. لا بد من عَلاقَة وهي: المعنى أو الرابط بين المعنى الأصلي الذي نُقِلَ عنه اللفظ إلى المعنى المجازي الثاني لا بد من ارتباط أليس كذلك؟ فإذا لم يكن ارتباط حينئذٍ لا مجاز، لا بد من علاقة ولذلك قيل في هذه العلاقة: لا بد أن تكون شيئًا مشهورًا معروفًا عند المخاطب، فلو قيل: رأيت أسدًا يخطب. بمعنى يخطب على المنبر حينئذٍ نقول: استعير لفظ الأسد من الحيوان المفترس إلى الرجل الشجاع حينئذٍ حصلت الاستعارة أو لا؟ هذا مجاز أو لا؟ هل هناك علاقة وجه شبهٍ نقول: نعم وهو الشجاعة. حيوان المفترس شجاع والخطيب قد يكون شجاعًا، فحينئذٍ لما وجدت الشجاعة استعير لفظ أسد المعنى الفاصل، الشجاعة هي العلاقة وهذه العلاقة لا بد أن تكون معلومة مشهورة في الاستعارة عند المتكلم والمخاطب لكن لو قيل: رأيت أسدًا يقرأ. وأردت بأسد هنا القرأ وجه الشبه بين الحيوان المفترس وبين من يقرأ ليس الشجاعة المعنى هنا الارتباط موجود علاقة بين المعنى الأصلي والمعنى الثانوي لكن هل الأسد عُرِفَ واشتهر عند الناس أكثر بالبقر أم بالشجاعة؟ بالشجاعة فإذا أطلق الأسد على غير الحيوان المفترس ظُن ماذا؟ ظن الشجاعة، ولا يلتفت ملتفت عند سماع رأيت أسدًا يقرأ إلى كونه أبقر أبدًا، ولو كان الأسد الحيوان المفترس أبقر لماذا؟ لأن هذا المعنى الموجود بين المشبه به والمشبه أو الحيوان المفترس والرجل القارئ التي ليست بالشجاعة لكان البقر ولو كان البقر مما اشتهر به الأسد لصح ولكن لما لم يرد اشتهر به مع وجوده واختصاصه به لم يصح التشبيه، قالوا: وهذه العلاقة بين المعنيين الأصلي والفرعي، المعنى الأصلي الذي هو الحقيقي والمعنى الفرعي الذي هو المجازي لا بد من علاقة، هذه العلاقة لا تخرج عن اثنين إما مشابهة أو لا، أو لا يعني أو ليست المشابهة وإذا لم تكن ليست المشابهة حينئذٍ يعنون له بالمجاز المرسل، والمجاز المرسل له علاقات كثيرة جدًا أوصلها بعضهم إلى ثمان عشر وبعضهم إلى خمسة وعشرين، منها إطلاق الْمُتَعَلِّق على الْمُتَعَلِّق، ومنها إطلاق الكل على الجزء، والجزء على الكل. نقول: هذه العلاقات ليست بعلاقة المشابهة إذًا العلاقة إما أن تكون المشابهة أو لا، إن لم تكن المشابهة فهي المجاز المرسل، فإن كانت المشابه فهي الاستعارة التي معنا. إذًا نقول: المجاز الذي هو نقل اللفظ عن معناه الأصلي الذي هو الحقيقي إلى المعنى الفرعي الذي هو المجاز لا بد من ارتباط علاقة جامع بين المعنيين، هذا الجامع وهذه العلاقة إما أن تكون المشابهة أو لا، إن كانت المشابهة فحينئذٍ نسمي هذا المجاز استعارة، وإن لم تكن المشابهة فهو مجاز لكنه مجاز مرسل.

إذًا إما استعارة وإما مجاز مرسل، حقيقة المجاز المرسل نقول: مجاز علاقته غير المشابهة. وهو واحد من ثماني عشر التي ذكرها البيانيون أو أكثر من ذلك، وأما الاستعارة فهي مجاز، إذًا كل منهما مجاز علاقته المشابهة، إذًا عرفها أهل البيان بأنها مجاز علاقته المشابهة، أو قل هي اللفظ المستعمل فيما شبه بمعناه الأصلي لعلاقته وقرينته، اللفظ المستعمل فيما شبه بمعناه الأصلي، الرجل الشجاع الذي قيل: زيد أسد. هذا مختلف فيه هل هو تشبيه أو استعارة فيه خلاف، وعلى القول بأنه استعارة حينئذٍ شبهت زيد بمعنى الأسد الأصلي وهو الحيوان المفترس لعلاقته وقرينته العلاقة ما هي؟ الشجاعة. ما هي القرينة؟ زيد. لأنك لما قلت: زيد أسد. علمت بأن الأسد ليس بحيوان مفترس لأنك وقفت به ماذا؟ أخبرت به عن زيد وهو آدمي ليس بحيوان مفترس، والعلاقة هي المناسبة بين المعنى المنقول عنه وإليه الجامع والرابط بين المشبه والمشبه به والقرينة ما هي؟ هي الأمر الذي يجعله المتكلم دليلاً على أنه أراد باللفظ غير ما وضع له، وهذا شرط عند البيانيين لا بد من قرينة تدل على المجاز وإلا لا يصح، يعني: إذا قيل: رأيت أسدًا. هل هذا يحتمل أو يتعين؟ يتعين، بماذا؟ أعطيني مسماه الحيوان المفترس هل يحتمل الرجل الشجاع يحتمل أو لا يحتمل؟ لا يحتمل. بناءً على ماذا؟ على أن الأسد له معنى حقيقي واحد وهو: الحيوان المفترس. ولذلك بعضهم ممن يمنع المجاز يقول: لا، الأسد لم يوضع للحيوان المفترس، بل وضع إلى الحيوان المفترس ووضع للرجل الشجاع، وهذا فاسد لا يمكن القول به، لماذا؟ لأنه هو لو قيل له: رأيت أسدًا. لصرف الأسد إلى الحيوان المفترس وهذا قطعًا لا يحتمل الرجل الشجاع. إذا قيل: رأيت أسدًا حينئذٍ نقول: رأيت أسدًا. فحينئذٍ يحمله على الحيوان المفترس ولا يحمله على الرجل الشجاع. عند أرباب الأصول لا يشترطون القرينة يعني: إذا أريد بالأسد هنا الرجل الشجاع لا يشترط فيه أن تأتي باللفظ بقرينة تدل على أن اللفظ مستعمل في غير ما وُضِعَ له أولاً، لماذا؟ لجواز استعمال عندهم الراجح لجواز استعمال اللفظ في معنييه الحقيقي والمجازي، رأيت أسدًا حينئذٍ يحتمل أنك أردت به الرجل الشجاع ويحتمل أنك أردت به الحيوان المفترس يعني: لا يشترط القرينة. أما عند البيانيين قاطبة يكاد يكون إجماع وبعضهم ادّعي الإجماع أنه لا يجوز إلا بقرينة، فحينئذٍ إذا أردت الأسد الذي هو الحيوان المفترس يتعين أن تأتي بقرينة لفظية أو حالية فتقول: رأيت أسدًا يخطب. يخطب هذه قرينة خالصة عن كون الأسد مرادًا به الحيوان المفترس. إذًا القرينة هي الأمر الذي يجعله المتكلم دليلاً على أنه أراد باللفظ غير ما وُضِعَ له. وأركان الاستعارة ثلاثة: مستعار. وهو لفظ مشبه به. ومستعار منه. وهو معنى لفظ المشبه. ومستعار له. وهو المعنى الجامع.

وهذا ذكرناه فيما سبق أنكر قوم الاستعارة بناء على إنكارهم المجاز وقوم إطلاقها في القرآن لأن فيها إيهامًا للحاجة ولأنه لم يرد في ذلك إذن من الشارع، هذا خلاف الاستعارة. إذا عرفنا أركانها نقول: هي واقعة في كلام العرب وهي موجودة في القرآن ولا شك وبعضهم من القائلين بالمجاز من قد أنكر المجاز قاطبة قد أنكر وجود الاستعارة وبعضهم أثبت المجاز وحتى في القرآن أثبت المجاز في القرآن لكنه أنكر وجود الاستعارة في القرآن لماذا؟ قال: لأن فيها إيهامًا للحاجة. وهذا فاسد، ولأنه لم يرد في ذلك إذن من الشارع. إذا أثبتَ المجاز ما ورد إذن أيضًا من الشارع، واختلفوا في الاستعارة هل هي مجاز لغوي أو عقلي على قولين، والأصح أنها مجاز لغوي لأنها موضوعة للمشبه به لا للمشبه ولا للأعم منهما، فأسدٌ في قولك: رأيت أسدًا يخطب. أسدٌ هذا موضوع لأي شيء في الأصل في السَّبُع الذي هو الحيوان المفترس لا للرجل الشجاع ما وُضع للرجل الشجاع أليس كذلك؟ ما وضع للرجل الشجاع، إذًا وضع الأسد في أي شيء في للمشبه به، رأيت أسدًا من المشبه هنا؟ رأيت أسدًا يخطب المشبه مَنْ؟ الخطيب والمشبه به الأسد السَّبُع واللفظ أسد وضع لمن للخطيب أم للحيوان؟ للحيوان لا شك وضع للحيوان فأسد في قولك: رأيت أسدًا يخطب. موضوع للسَّبُع لا للرجل الشجاع، ولا للأعم منهما لأن لفظًا يحتمل أن يكون أعم من الحيوان المفترس الذي هو السَّبُع والخطيب الجريء، فيقال: حيوان جريء. يختص بماذا عن هذا الحيوان الجريء؟ أعم من السَّبُع وأعم من الخطيب الشجاع فيصدق عليهما حقيقةً أو مجازًا أو على أحدهما حقيقة والثاني مجازًا؟ يصدق عليهما حقيقةً فإذا قلت: رأيت حيوانًا جريئًا يخطب. حينئذٍ هذا استعمال حقيقي أم مجازي؟ حقيقي وإذا قلت: رأيت حيوانًا جريئًا. فحينئذٍ يتعين أن يكون ماذا؟ مسماه مسماه السَّبُع المراد به السبع، إذًا الأسد نقول: موضوع للسَّبُع لا للرجل الشجاع ولا للأعم منهما كالحيوان الجريء ليكون إطلاقه عليهما حقيقةً كإطلاق الحيوان عليهما. النوع السادس: الاستعارة الاستعارة بحثتها طويل جدًا في باب البلاغة لكن ذكرنا أركانها وتعريفها وسيأتي مثالين للمصنف. وَهِيَ تَشْبِيْهٌ بِلا أَدَاةِ ... وذَاكَ كالمَوْتِ وكالحَيَاةِ فِيْ مُهْتَدٍ وضَدِّهِ كَمِثْلِ ... هَذَيْنِ مَا جَاءَ كَسَلْخِ اللَّيْلِ (وَهِيَ تَشْبِيْهٌ) إذًا الاستعارة مبنية على التشبيه، (وَهِيَ) أي: الاستعارة (تَشْبِيْهٌ) والتشبيه هو: التمثيل. التشبيه في اللغة هو: التمثيل. والمراد به هنا تشبيه شيءٍ بشيء آخر تقول: زيد كالأسد. هذا ماذا نسميه؟ زيد كالأسد، هذا تشبيه لاستيفاء أركان التشبيه الأربعة: المشبه وهو: زيد. المشبه به وهو: الأسد. أداة التشبيه وهي: الكاف. والجامع وهو: الشجاعة. إذًا الاستعارة تشبيه لشيء بشيء آخر (بِلا أَدَاةِ) يعني: بدون أداة. إذًا حصل عندنا تشبيه لكن بدون أداة، زيد أسد، هذا ماذا نسميه؟ اختلفوا فيه إذا نطقت ابتداءً زيد أسد فهو استعارة لأنك شبهة زيدًا بالأسد بدون أداة تشبيه. وإذا قلت: زيد كالأسد. فهو تشبيه قولاً واحدًا. وإذا قلت: زيدٌ أسدٌ. وحذفت أداة التشبيه ونويتها مقدرةً فهو تشبيه.

فحينئذٍ زيدٌ أسدٌ هل هو تشبيه أم استعارة؟ فيه تفصيل ما هو التفصيل؟ [ .... أسمع واحد الأذن واحدة أيمن .... لا، زيدٌ أسد أنت سمعت هذا الكلام زيد أسد هل هو تشبيه أم استعارة؟ ما هو طب هنا ما وجدت الأداة زيد أسد لم ألفظ بالأداة .... الله أعلم أي: إذا سمعتني إذا كنتَ أنتَ المتكلم فأنت تعرف هل نويتَ الأداة أم لا؟ إذا لم تنوها حينئذٍ هذا استعارة فتحكم على كلامك بكون استعارة، أما إذا كنت سامعًا فتقدر الكلام فتقول: إن نوى أداة التشبيه وهي: الكاف يعني: حذفها تخفيفًا واختصارًا ونواها فهو تشبيه بليغ، وهذا ضابط التشبيه البليغ إذا حذفت أداة التشبيه، وإذا لم ينو الأداة، بل تكلم ابتداءً دون أداة نقول: هذا استعارة]. (وَهِيَ تَشْبِيْهٌ بِلا أَدَاةِ)، (بِلا أَدَاةِ) أي: ومع حذف وجه الشبه، لأن وجه الشبه في التشبيه قد يُذكر تقول: زيد كالأسد لشجاعته. هذا مستوفي للأركان الأربعة، زيد كالأسد في شجاعته نطقت بالأركان الأربعة، ولك أن تحذف وجه الشبه زيد كالأسد، ولك أن تحذف أداة التشبيه فتقول: زيد الأسد. (وَهِيَ تَشْبِيْهٌ بِلا أَدَاةِ). تشبيه لشيء بشيء آخر بلا أداة أي ومع حذف وجه الشبه. وزاد بعضهم: وأحد المشبه والمشبه به أيضًا. أن يُحْذَف أحد المشبه والمشبه به أيضًا كما سيأتي، ويحذف المشبه في الاستعارة التصريحية، والمشبه به في الاستعارة المكنية، يعني تحذف أو تشبه مشبه بمشبه به بدون أداة مع حذف وجه الشبه مع حذف أحد الطرفين المشبه أو المشبه به، إن حذفت المشبه فحينئذٍ تسمى استعارة تصريحية أو مُصَرَّحَة، وإذا حذفت المشبه به فهي الاستعارة المكنية، ولذلك قال بعضهم: كل مجاز مبني على التشبيه فهو مجاز بالاستعارة، ولذلك فسرها الناظم بقوله: (وَهِيَ تَشْبِيْهٌ). وإذا أردت حدًا للاستعارة التي هي المعنى المصدري فقل في حدها: استعمال اسم الْمُشَبَّهِ به في الْمُشَبّهِ للمُشَابَهة. وهذا معنى الاستعارة بالمعنى المصدري لماذا؟ قالوا: لأن أصل الاستعارة التشبيه. حُذف أحد طرفيه ووجه شبهه وأداته، فيُحذف المشبه ووجه الشبه والأداة ويستعار لفظ المشبه به للمشبه للعلاقة بين المشبه والمشبه به ولا بد فيها من تنافي التشبيه الذي وقع من أجله الاستعارة بادعاء أن المشبه غير المشبه به أو فرد من أفراده فحينئذٍ يكون المشبه به له فردان: فرد حقيقي، وفرد ادعائي. يعني: تقصد زيدٌ أسدٌ. تقول: زيدٌ أسدٌ. هنا شبهت زيد بالأسد في ماذا؟ في الشجاعة لم تلفظ بأداة التشبيه ولم تأت بالجامع بين المشبه والمشبه به بل حذفتهما، ثم ذكرت المشبه والمشبه به وتناسيت التشبيه لماذا؟ بادِّعاء زيد كأنه فرد من أفراد الأسد، فكأن الأسد وضع لشيء متضمن للشجاعة فكأن له فردان: فرد وهو حيوان حقيقي وهو السَّبُع، وفرد دخل معه بالادعاء يعني: بكأنك نويت وقدرت في نفسك أن زيد فرد من أفراد الأسد، إذا جعلت الأسد له معنى مصدري وهذا المعنى المصدري يوجد في ضمن أفراده من ضمن هذه الأفراد زيد ولكنه فرد حقيقي أو ادعائي؟

فرد ادعائي، ولذلك يجعل المشبه فردًا من أفراد المشبه به كجعل زيد فردًا من أفراد الأسد يعني: تدَّعي في نفسك تدعي بأن زيدًا له أفراد وهذا أقوى من قولك: زيد كالأسد. إذا قلت: زيد كالأسد. هذا لا شك أن زيد منفصل عن الأسد وأنك شبهت زيد بالأسد وهذا مشبه وهذا مشبه به لكن في الاستعارة لا أنت تدَّعي ليس شبيهًا له في الشجاعة، لا، بل هو فرد من أفراد مدلول الأسد لكنه فرد ادعائي، ولذلك قال بعضهم في تفصيل الاستعارة هذا كلام موجز جيد: (أصل الاستعارة تشبيه حُذف أحد طرفيه ووجه شبهه وأداته فيُحذف المشبه ووجه الشبه والأداة ويُستعار لفظ المشبه به للمشبه بالعلاقة ولا بد فيها من تنافي التشبيه الذي وقعت من أجله الاستعارة لأن أولاً تشبه ثم بعد ذلك تتركب الاستعارة، فالاستعارة مركبة على التشبيه. من تنافي التشبيه الذي وقعت من أجله الاستعارة بادعاء أن المشبه عين المشبه به لفظ زيد وهو الأسد هذا وجه، أو فرد من أفراده، فيكون للمشبه به وهو الأسد فردان: فرد حقيقي وهو السبع، وفرد ادعائي وهو زيد. (وذَاكَ كالمَوْتِ وكالحَيَاةِ فِيْ مُهْتَدٍ وضَدِّهِ)، (وذَاكَ) أي: التشبيه المذكور في الاستعارة كالموت المستعار للضلال والكفر، وكالحياة المستعارة للهداية (فِيْ مُهْتَدٍ وضَدِّهِ) كالموت المستعار للضلالة في ضده في ضد المهتد وهو الضال وكالحياة المستعارة للهداية.

إذًا قوله: (فِيْ مُهْتَدٍ وضَدِّهِ). هذا تفصيل وتفسير لقوله: (كالمَوْتِ وكالحَيَاةِ). لكنه على اللف والنشر غير المرتب لأنه قال: (وذَاكَ). أي: التشبيه المذكور كالموت المستعار لضد المهتد، الذي ذكره ثانيًا في البيت الثاني (وكالحَيَاةِ) المستعارة في مهتد وهذا إشارة إلى قوله تعالى: {أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ} [الأنعام: 122]. هذا مثال للاستعارة عندهم {أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ} أي: ضالاً فهداه {مَيْتاً} أي: ضالاً {فَأَحْيَيْنَاهُ} الموت هو الموت أليس كذلك هل الضال ميت؟ الجواب: لا، ليس بميت بمعنى أنه فاقد الروح، وإنما حصل التشبيه كما سيأتي. أي: ضالاً فهديناه. فاستعير لفظ الموت للضلال والكفر، ولفظ الإحياء {فَأَحْيَيْنَاهُ} {أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ} أحييناه هذا فعل والإحياء للإيمان والهداية بجامع عدم الفوز في الأول الذي هو استعارة الموت بالضلال والفوز بالثاني وهو استعارة الإحياء للإيمان والهداية، إذا أردنا تفصيل هذه الاستعارة أو بيان كيف وقعت الاستعارة هنا فنقول: شبه الضلال بالموت. هذا أولاً، لأنه مبني على التشبيه شبه الضلال بالموت بجامع ماذا؟ بجامع عدم الانتفاع لما هو سبب السعادة الدنيوية والأخروية، إذًا أصل التركيب ما هو؟ الضلال كالموت زيدٌ كالأسد الضلال كالموت، ثم حذف المشبه وهو؟ أين المشبه والمشبه به قولوا معي: الضلال كالموت. أما قلنا: الاستعارة أصلها تشبيه؟ كيف حصل التشبيه هنا؟ الأصل الضلال كالموت بجامع ماذا؟ عدم الانتفاع، قال: حذف المشبه وهو الضلال واستعير اسم المشبه به وهو الموت على طريق الاستعارة التصريحية فحينئذٍ قوله: الضلال. هذا مشبه (كالمَوْتِ) الموت هذا مشبه به حذف المشبه واستعير لفظ المشبه به للمحذوف الذي هو الضلال إما بادعاء أنه عينه أو أن الضلال فرد من أفراد الموت {أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً} يعني: ضالاً. كيف عبر بالميت عن الضال؟ تقول: أصل الترتيب الضلال كالموت ثم حذف المشبه واستعير إعارة من باب العارية أعرني قلمك استعير لفظ المشبه به في الدلالة على ذلك المحذوف بادعاء ماذا؟ بادعاء أن المحذوف الضلال هو عين الموت أو أنه فرد لكنه فرد ادعائي وهذا معنى التنافي تنافي التشبيه كما أنه لم يكن تشبيه وهذا ينبني عليه معاني جليلة في القرآن حتى أن الشيخ ابن عثيمين رحمه الله يُنْكِرُ المجاز لكنه إذا جاء في التفسير إلى بعض الآيات قال: وعلى القول بالاستعارة. ثم يفسرها يقول: هذا معنى ما أجمله. هكذا يقول. بناء على ماذا؟ أن المجاز يتألق في بعض المواضع هذا موجود في تفسيره في أوائل البقرة لو تسمع الشيخ قد يأتي ببعض المسائل وهو يشدد في مسألة المجاز رحمه الله لكنه يأتي يفسر القرآن على ما يراه أنه حقيقة ثم على قول المجازيين بأن في الكلام كناية واستعارة ثم يقول: ما أجمل هذا القول. أو هذا المعنى، معنى جليل لو لم تجر الكلام على الاستعارة حينئذٍ لا تستقي معنى يعني: يدل عليه لفظ بالحقيقة، وإذا قيل: الضلال كالموت. ليس هو كأن تدعي الضلال هو عين الموت عندما ترى كافرًا وتقول: هذا مَيْتٌ.

تجعل الضلال والكفر هو عين الموت وأنه فرد من أفراده ليس فيه كالانفصال ولا شك في هذا. إذًا الضلال مشبه والموت مشبه به وادُّعي أن الضلال فرد من أفراد الموت، والثاني الذي هو تشبيه الهداية بالحياة أو الإحياء شُبِّهَتْ الهداية بمعنى الإيصال إلى المطلوب بمعنى الإحياء، الهداية كالحياة أو كالإحياء إلى ماذا؟ بجامع الحصول للانتفاع والوصول إلى المطالب العلية، الحياة مُوصِلة والهداية مُوصِلة هذا هو الجامع بينهما، فصار التشبيه من معنى المصدرين الهداية والإحياء إلى ما في ضمنهما من معنى الفعلين وحذف لفظ المشبه واستعير اسم المشبه به له ثم اشتق من الإحياء أحييناه بمعنى هديناه على طريق الاستعارة التصريحية التبعية، كأنه قال: الهداية كالإحياء. الهداية مشبه والإحياء مشبه به حُذف المشبه وهو: الهداية، واستعير اللفظ الإحياء للدلالة على المحذوف وهو الهداية ولكن هنا أصلاً استعارة حصلت في المصدرين لماذا ولا ندَّعي هذا في الأول؟ لأن الأول ذكره باسمه {أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ} ومعلوم أن الميت هذا اسم وليس بفرع وأحييناه هذا ليس باسم وإنما هو فرع وهو فعل حينئذٍ نجري الاستعارة في المصدر الأصل ثم نشتق من المصدر فعل ثم نشتق من المصدر فعلاً ولذلك نفرق بين النوعين، فنقول: هنا صار التشبيه من معنى المصدرين الهداية والإحياء إلى ما في ضمنهما، ما هو الذي في ضمن المصدر؟ الفعلان من معنى الفعلين وحذف لفظ المشبه واستعير اسم المشبه به له، ثم اشتق منه من الإحياء {فَأَحْيَيْنَاهُ} وهذه تسمى استعارة ماذا؟ تصريحيه تبعية لأنها أجريت أولاً في المصدر ثم في الفعل، أولاً أجري في المصدر ثم في الفعل، (وذَاكَ) أي: التشبيه المذكور (كالمَوْتِ وكالحَيَاةِ) المذكورين في قوله تعالى: {أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ}. (فِيْ مُهْتَدٍ) يعني: كالموت المستعار للضلال في ضد المهتدي، لأنه قال: في مهتد وضده ما هو ضد المهتدي الضال وإذا أردنا الهداية أصلها الكافر لأن الهداية تامة هذه تكون بماذا؟ بالإيمان أو الإسلام ثم ما يكمله، وإذا أردنا أصل الهداية فهي الإسلام (فِيْ مُهْتَدٍ) إلى الإسلام أو لتمام الطاعة وضده وهو الكافر أو الضال. (كَمِثْلِ هَذَيْنِ مَا جَاءَ كَسَلْخِ اللَّيْلِ) يعني مثل هذين ماذا؟ التشبيهين ... (كالمَوْتِ وكالحَيَاةِ فِيْ مُهْتَدٍ وضَدِّهِ) ما أي تشبيه الذي جاء كمجيء (سَلْخِ اللَّيْلِ) في قوله تعالى: {وَآيَةٌ لَّهُمْ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ} [يس: 37]. الله أكبر {وَآيَةٌ لَّهُمْ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ} هنا حصل ماذا؟

استعير السلخ من سلخ الشاه لكشف الضوء عن مكان الليل والجامع كما قيل ما يعقل من ترتب أمر على آخر وحصوله عقب حصوله وإذا أردنا التفصيل نقول: شبه إزالة ضوء النهار وإذهابه بسلخ الجلد عن الشاه، ما هو المشبه هنا؟ إزالة ضوء النهار إذا جاء الليل أزال ماذا؟ ضوء النهار، إذا دخل الليل أزال ضوء النهار أليس كذلك؟ ما هو المشبه هنا؟ المشبه إزالة ضوء النهار، شُبِّهَ بماذا؟ بسلخ الجلد عن الشاه، بجامع ماذا؟ بجامع ظهور شيءٍ كان مستترًا في كلٍّ منهما، فاللحم مستتر تحت الجلد أليس كذلك؟ وظهور الظلمة بعد ذهاب الضوء، وظهور اللحم بعد ذهاب الجلد وظهور الظلمة بعد ماذا؟ إذا أزيل النهار ما الذي يظهر وينكشف؟ الظلمة إذًا انكشفت الظلمة كما أن السلخ يكشف ماذا؟ يكشف اللحم، إذًا بجامع ظهور شيء كان مستترًا في كل منهما، وهو: ظهور الظلمة بعد ماذا؟ بعد ذهاب الضوء، وظهور اللحم بعد ذهاب الجلد، واستعير لفظ المشبه به وهو السلخ للمشبه واشتق منه الفعل، إذًا أجريت أولاً في المصدر، ثم انتقل إلى الفعل بمعنى نزيل على طريق الاستعارة التبعية، على كلٍّ يجري هذا المثال كما ذكرناه في السابق {وَآيَةٌ لَّهُمْ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ}، {اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ} فاستعير السلخ من سلخ الشاة لكشف الضوء عن مكان الليل والجامع ما يعقل من ترتب كل منهما على الآخر. (فِي مُهْتَدٍ وضَدِّهِ كَمِثْلِ هَذَيْنِ مَا) أي: تشبيه الذي جاء (كَسَلْخِ اللَّيْلِ) كمجيء سلخ الليل. النوع السابع من العقد الرابع فيما يرجع إلى الألفاظ (التَّشبِيهُ)، تفعيل شَبَّهَ يُشَبِّهُ تَشْبِيهًا، والتَّشْبِيه في اللغة التمثيل كمثل مثلاً، مَثَّلَ كذا بكذا والتشبيه هو عينه التمثيل كما ذكره غير واحد من أهل اللغة. النوع السابع: التشبيه. الغرض منه من التشبيه فهمنا بعض ما يتعلق بالتشبيه بالاستعارة الغرض منه تأنيس النفسي بإخراجها من خَفِيٍّ إلى جَلِيٍّ، زيد كالأسد ما يعرف أن زيد شجاع أو لا فأمره خفي فإذا قلت: زيد كالأسد. حينئذٍ تجلى لك شجاعة زيد، وإدنائه البعيد من القريب ليفيد بيان، وقيل: الغرض منه الكشف عن المعنى المقصود مع الاختصار وهذا عام ليس بالتشبيه فقط، لأنه بدل من أن يقول: أنا أعتقد أن زيدًا فيه من الشجاعة مثل شجاعة أسد، فيكون زيد كالأسد وقع اختصار، بدل من الجملة الطويلة يأتي بهذه الكاف فيدل على ماذا؟ على التشبيه، لكن هذا ليس هذا خاصًا بالتشبيه، بل الاستعارة فيها اختصار أيضًا. حدَّهُ عندهم: ما دل على اشتراك أمر لأمر في معنى بينهما. ما دل على اشتراك أمرٍ الأمر الأول يُسمى مُشَبَّهًا لأمرٍ يُسَمَّى مُشَبَّهًا به في معنى بينهما يُسَمَّى وجه الشَّبَهِ، بقي عليه الأداة، وهذا منسوب للسكاكي. قال رحمه الله: وَما عَلَى اشتِرَاكِ أَمْرٍ دَلاَّ ... مَعْ غَيْرِهِ التَّشْبِيهُ حيثُ حَلاَّ والشَّرْطُ هَهُنا اقْتِرانُهُ مَعَا ... أَدَاتِهِ وهُوَ كَثِيْرًا وَقَعَا

(وَما) يعني: وعرف السكاكي التشبيه بأنه ما هذه واقعة على كلامه ما اسم موصول بمعنى الذي في محل رفع خبر مقدم، والمبتدأ قوله: (التَّشْبِيهُ) بالشطر الثاني، كأنه قال: والتشبيه ما دل على اشتراك أمرٍ، إذًا ما اسم موصول بمعنى الذي في محل رفع خبر مقدم ويصدق على ماذا؟ على الكلام لأن التشبيه هنا ليس بوصف لمفرد بل هو وصف لكلام لأنه لا بد من مسند ومسند إليه، زيد كالقمر حينئذٍ أو كالأسد فزيد مبتدأ كالأسد جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر المبتدأ، ولك أن تقول: زيد كالأسد. زيد مبتدأ والكاف خبر وهو مضاف والأسد مضاف إليه يجوز هذا الوجه يجوز أو لا؟ يجوز على جعل الكاف اسمية، قال ابن مالك: واسْتُعْمِلَ اسمًا وكذا عَنْ وَعَلَى ... مِنْ أجل ذا عليهما مِنْ دَخَلا واستعمل اسمًا يعني: الكاف. فإذا استعمل الاسم فحينئذٍ تعرب مبتدأ وتعرب خبر وتعرب مجرورة وتعرب .. إلى آخره. (وَما) أي: كلامهم (عَلَى اشتِرَاكِ أَمْرٍ دَلاَّ). (دَلاَّ) الألف للإطلاق يعني: ذو دلالة والدلالة كما سبق معنا فَهْمُ أمر من أمر للفعل أو لا؟ (دَلاَّ) الحملة صلة الموصول (عَلَى اشتِرَاكِ) هذا جار ومجرور متعلق بقوله: (دَلاَّ). مع غيره، معْ بالإسكان للوزن، (ومع معْ فيها قليل)، إذًا الأصل معَ وقد تسكن وهو قليل (ومع مع فيها قليل) هكذا قال ابن مالك، وهو ظرف منصوب بالفتح المقدر متعلق بقوله: (اشتِرَاكِ). (التَّشْبِيهُ) هذا مبتدأ مؤخر (حيثُ حَلاَّ)، (حَلاَّ) بمعنى نزل (حَلاَّ) الألف هذه للإطلاق (حيثُ) إطلاقية ليست تقيدية حيث للإطلاق هنا (حيثُ حَلاَّ) يعني في أي وقت ومكان حلَّ ونزل فالتشبيه لا يخرج عن معناه، فحينئذٍ نقول: مراد المصنف هنا بالتشبيه والمعنى أي: حده هو الكلام الدال على اشتراك الأمر مع غيره في معنى بينهما. هذا مراده بهذا التركيب (وَما عَلَى اشتِرَاكِ أَمْرٍ دَلاَّ مَعْ غَيْرِهِ) الكلام الدال على اشتراك أمرٍ، المشبه، مع غيره، المشبه به، في معنى بينهما. فقوله: (عَلَى اشتِرَاكِ أَمْرٍ). نفسره بماذا؟ بالمشبه، (مَعْ غَيْرِهِ) يعني: اشتراك مع غيره في ماذا؟ المشبه به، لا بد أن يكون في معنى بينهما أو لجامع بينهما، (والشَّرْطُ هَهُنا) يعني في التشبيه اقترانه أي: التشبيه. (مَعَ أَدَاتِهِ) الألف هذه للإطلاق (مَعَ أَدَاتِهِ) مع هذا مضاف وأداته مضاف إليه، والضمير في أداته يعود على التشكيل، إذًا مع مضاف وهو متعلق بقوله: (اقْتِرانُهُ) اقتران التشبيه مع أداته، (وهُوَ) أي: التشبيه (كَثِيْرًا وَقَعَا) (والشَّرْطُ هَهُنا اقْتِرانُهُ مَعَ أَدَاتِهِ) الشرط في اللغة العلامة وهنا الشرط كون التشبيه مشتملاً على ذات التشبيه، وهل هو ذات فيما هي فيه أو هو أمر خارج عنه؟ لما نقول: أركان التشبيه أربعة: المشبه، والمشبه به، والأداة، ووجه الشبه. إذًا الأداة ركن أو شرط؟ ركن وليست بشرط، فلا يوجد التشبيه إلا في ضمنه الأداة في بطنه الأداة، فحينئذٍ نقول: لا توجد الأداة ولا يوجد التشبيه، لا، توجد الأداة في ضمن التشبيه حينئذٍ قوله: هو الشرط. لعله يريد به أن الأداة ركن في مفهوم التشبيه، يعني: يكون كالاستدراك على حد التشبيه عند السكاكي.

(وهُوَ كَثِيْرًا وَقَعَا) (وهُوَ) أي التشبيه (وَقَعَا) (كَثِيْرٌ وَقَعَا) فعلٌ ماضي والألف هذه للإطلاق والضمير يعود على هو، (وهُوَ) (وَقَعَا) أي وقع في القرآن وقوعًا كثيرًا، فكثيرًا هذا صفة لموصوفٍ محذوف مقدر أي وقوعًا كثيرًا، وقع التشبيه في القرآن وقوعًا كثيرًا، وهو أي التشبيه وقع في القرآن وقوعًا كثيرًا إذًا صفة مقدمة، صفة لأي شيء لمفعولٍ مطلق وقع وقوعًا ضربت ضربًا شديدًا مثله ضربًا هذا مفعولٌ مطلق وهو مبين للنوع كذلك وقوعًا كثيرًا يعني: لا قليلاً. هذا هو حد التشبيه عند المصنف وهو المشهور، الكلام الدال على اشتراك أمرٍ مع غيره في معنًى بينهما. عرفنا التشبيه قال السيوطي رحمه الله في ... ((الإتقان)): والتشبيه نوعٌ من أشرف أنواع البلاغة وأعلاها. نوعٌ من أنواع علوم القرآن قال: من أشرف أنواع البلاغة وأعلاها. قال المبرد في ((الكامل)): لو قال قائل: هو أكثر كلام العرب لم يُبْعِد. وأفرد يعني تشبيهات القرآن بالتصنيف أبو القاسم بن البندار البغداي في كتابٍ سماه ((الْجُمان)). أركان التشبيه أربعة: المشبه، والمشبه به، الشبه وهو الوصف الجامع بين الطرفين، وآلة التشبيه. وبعضهم يقول: أداة التشبيه وهي حروفٌ وأسماءٌ وأفعال. أداة التشبيه قد تكون حرفًا وقد تكون اسمًا وقد تكون فعلاً، فالحروف الكاف، كالكاف {كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ} [إبراهيم: 18] {أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ} تشبيه بحرفٍ وهو الكاف، وكأنَّ {كَأَنَّهُ رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ} [الصافات: 65]. هنا التشبيه أو أداة التشبيه حرف وهذا هو الكثير أن يكون بالكاف أو بكأن ولذلك يقال في باب إن وأخواتها وكأن للتشبيه، والأسماء نحو مَثَل ومِثل وشِبْه هذه أيضًا للتشبيه ونحوها: {مَثَلُ مَا يُنفِقُونَ فِي هِذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ} [آل عمران: 117]. هنا وقع بالكاف ومثل وبمثل أيضًا. وفي الأفعال نحو: {يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء} [النور: 39]. هذا تشبيه: {يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى} [طه: 66]. يخيل {يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء} إذًا وقع بالحرف ووقع بالاسم ووقع بالفعل. (والشَّرْطُ هَهُنا اقْتِرانُهُ مَعَ أَدَاتِهِ) (اقْتِرانُهُ) الاقتران قد يكون لفظًا وقد يكون مغيرًا، يعني: لا يشترط في الأدلة أن يكون ملفوظًا بها، لا، بل قد تكون مقدرة فإن لم تقدر فهو استعارة [أحسنت]. فإن لم تقدر فهي استعارة. قال أهل البيان: ما فقد الأداة لفظًا - يعني التشبيه - ما فقد الأداة لفظًا إن قدرت فيه الأداة فهو تشبيهٌ وإلا فهو استعارة.

(والشَّرْطُ هَهُنا اقْتِرانُهُ مَعَ أَدَاتِهِ) فسرنا الأداة هنا بما هو أعم، وكل الأدوات تدخل على المشبه به، زيدٌ كالبدر كالأسد دخلت الأداة على ماذا؟ على المشبه به إلا كأن فتدخل على المشبه هذا هو الأصل الغالب الذي يكاد أن يكون مطردًا وإلا فقد تدخل على المشبه بقصد المبالغة فتقلب التشبيه وتجعل المشبه هو الأصل {إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا} [البقرة: 275]. أين المشبه والمشبه به {إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا}. على الظاهر على ظاهر الآية البيع مثل الربا، إذًا البيع مشبه بالربا هذا هو الأصل لكنهم أرادوا معنًى أدق من هذا، وهو أن الربا لا يُختلف فيه فيجعل أصلاً ويُلحق به البيع، والبيع الذي هو لا خلاف في حله وإنما الخلاف في حل ماذا - عندهم يعني -؟ في حل الربا فجعلوا الربا كأنه أصل وجهلوا التحريم وألحقوا به البيع وهذا يُسمى ماذا؟ تشبيهًا مقلوبًا فدخلت الأداة هنا على المشبه {إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا} [البقرة: 275]. الربا هو المشبه والمشبه به هو: البيع. لماذا؟ لأنه يُلْحَق المختلف فيه بالمتفق عليه، إذا أردت أن تشبه، تشبه شيئًا بماذا؟ شيئًا مختلفًا فيه بمتفق عليه لا العكس، هنا قصدوا ماذا؟ قصدوا أنه لا ينبغي أن يقع خلاف في الربا بل هو الأصل فأدخلوا اسم التشبيه مثل على المشبه {الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا} [البقرة: 275]. الربا هو المشبه والبيع هو المشبه به قلبوا وعكسوا ماذا؟ للدلالة على معنًى غزيرًا، وهؤلاء عرب حينئذٍ ينظرون إلى المعنى فأرادوا أن يجعلوا الربا كأنه لا إشكال فيه هو الأصل والبيع هو الذي يمكن أن يختلف فيه فجعلوه أصلاً وقاسوا عليه أو حملوا عليه البيع، هذا ما يتعلق بشيءٍ من التشبيه ومبحثه أيضًا في ماذا؟ في كتب البيان. العِقْدُ الخامس نأخذ العام فقط نقف على هذا؟. وصلَّ الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

13

عناصر الدرس * العقد الخامس (ما يرجع إلى مباحث المعاني المتعلقة بالأحكام وهو"14" نوعاً) * النوع الأول (العام الباقي على عمومه) * النوع الثاني والثالث (العام المخصوص والعام الذي أريد به الخصوص) * النوع الرابع (ما خُصَّ منه بالسنة) * النوع الخامس (ما خُصَّ به من السنة) * النوع السادس (المجمل) والنوع السابع (المُؤَوَّل) * النوع الثامن (المفهوم) الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد: قال المصنف رحمه الله تعالى: (العِقْدُ الخامس) العقد الخامس من العقود الستة التي ذكرها إجمالاً في قوله: (وقَدْ حَوَتْهَا سِتَّةٌ عُقُودُ). العقد الخامس ذكرنا أن العِقد بكسر العين لا بالفتح وهي: القلادة. ما يرجعُ إلى مباحثِ المعاني المتعلقة بالأحكام. (ما) اسم موصول بمعنى الذي ويصدق هنا على أنواع، العقد الخامس أنواع من أنواع علوم القرآن مجموع تحت عنوان واحد أو ضابط أو قدر مشترك (يرجعُ إلى مباحثِ) جمع مبحث وهو محل البحث أو مكان البحث (إلى مباحثِ المعاني) هذه يقابل مباحث الألفاظ لأنه ذكر في العقد الرابع ما يرجع إلى الألفاظ، وذكرنا أنه لا يمكن إذا جعل مبحث خاص من ألفاظ أو مبحث خاص من معاني ليس المراد أنه ينفك اللفظ عن المعنى أو أن المعنى ينفك عن اللفظ، لا، وإنما المراد أن يكون النظر أولاً إلى اللفظ، ثم يتبعه المعنى وهنا النظر إلى المعنى ثم يتبعه اللفظ، فلا انفكاك لا ينفك أحدهما عن الآخر، إذ لو قدر معاني دون ألفاظ لا يمكن أن تقدر معاني دون ألفاظ لكن ليست هي المعاني التي ترجع إليها الأحكام الشرعية ولا يمكن أن نقدر لفظ بدون معنى. إذًا مباحث المعاني معاني جمع معنى والمراد به ما يقصد من اللفظ (المتعلقة بالأحكام) معاني القرآن منها ما يتعلق بالأحكام ومنها ما لا يتعلق بالأحكام، ومن أنواع علوم القرآن ما يرجع إلى معاني خاصة هذه المعاني الخاصة لها أثر في الحكم الشرعي بمعنى أن الحكم الشرعي التكليفي والوضعي يعتمد على ماذا؟ يعتمد على هذا المعنى الذي سيذكره المصنف لذا قال: (المعاني المتعلقة). يعني: المرتبطة (المعاني المتعلقة) أي: المرتبطة. (بالأحكام) هذا جار ومجرور متعلق بـ (المتعلقة) يعني: التي لها أثر في الأحكام والأحكام هنا جمع حُكْمٍ، والحكم في اللغة المنع ومنه قوله جرير: أبني حنيفة أحكموا سفهاءكم ... إني أخاف عليكم أن أغضبا والحكم في اصطلاح الأصوليين: خطاب الله المتعلق بفعل المكلف بالاقتضاء أو التخير أو الوضع. وهذا شُرح في ((نظم الورقات)) وشرح في ((قواعد الأصول)) فلا نحتاج إلى شرحه وإلا المناسب أن يشرح هنا لأنه يبين لك المعنى الذي تعلق به هذا الحكم الشرعي ومنه تعلم أن قوله: (بالأحكام). هذا قد يتعلق به الحكم الشرعي التكليفي والحكم الشرعي الوقفي وهما داخلان في حد الحكم على ما ذكرناه الآن خطاب الله المتعلق بفعل المكلَّف بالاقتضاء أو التخير أو الوضع. كلام ربي إن تعلق بما ... يصح فعلاً للمكلف اعلما من حيث أنه به مكلف ... فذاك بالحكم لديهم يعرف (بالأحكام وهو أربعةَ عشر نوعًا) هو أكثر من ذلك لماذا؟ لأن مباحث لو نظرت فيها سيتكلم عن العام وعن الخصوص التخصيص وعن المطلق والمقيد، والناسخ والمنسوخ. إذًا هذا مبحث ليس مستقلاً عند أرباب علوم القرآن بل أشبه ما يكون بمبحث مستعار من فن أصول الفقه، وهذا ما اعتُرض بعض علماء بأن علوم القرآن ليست بعلم مستقل وإنما هي علوم مجموعة ملفقة هو علم ملفق كما قيل في الأصول أصول الفقه بأنه علم ملفق لماذا؟

لأن بعضه يرجع إلى اللغة كالمترادف والمشترك وما ذكرناه بالعقد الرابع، وبعضه يرجع إلى أصول الفقه كالمبحث الذي سيذكره في العقد الخامس هذا، فحينئذٍ يكون ما يقال في ذلك العلم يُنقل بنفسه فيجعل في علوم القرآن، ولذلك لو نظر في علوم القرآن لوجد أن العلوم التي يمكن أن تستقل عن العلوم التي تُبحث في اللغة وفي أصول الفقه وفي علوم الحديث لوجد أنها قليلة، وأما ما يرتبط به الحكم الشرعي مطلقًا سواء كان في الأحكام الأصلية معتقد والأحكام الفرعية العلمية والعملية لوجد أن أكثرهم يبحث في اللغة وفي أصول الفقه وفي علوم الحديث، وما ينفرد به علوم القرآن هو أقل يعني: ما يترتب عليه من حيث العمل وإلا المبحث هذا العام والخاص والمطلق والمقيد والناسخ والمنسوخ والمنطوق والمفهوم هذا جل وأهم ما يُذكر في أصول الفقه وهو البحث في ماذا؟ في الألفاظ كذلك هنا لو نظرت نفس ما يقال في أصول الفقه هو عينه الذي يقال هنا، وأما ما يقوله البعض العامة من المعاصرين بأن أرباب علوم القرآن قد أخطئوا في وضع هذه الأنواع في علوم القرآن ثم نقلوا كلام الأصوليين هنا، والأولى أنه يتكلم بلغة علوم القرآن، نقول: وما هي لغة علوم القرآن؟ ليس بفن مستقل بذاته حينئذٍ لو قيل: العام. ولم يبحث كما بحثه الأصوليين بماذا يقال عام؟ الأصوليون يعرف لك العام ثم يقسمه ثم يذكر لك أن العام من عوارض الألفاظ ثم يذكر لك وجود العام القول به سائغ أو لا، ثم يقول إجماع الصحابة على أنهم عملوا بالعام ثم ما يتخصص ... إذًا هذا كله في الكتاب وهذا كله يتعلق بعلم القرآن علم الكتاب، حينئذٍ ننظر فيه من هذه الجهة ولا يمكن أن يُنظر فيه من جهة أخرى لأن الحكم عليه بكونه عامًا هذا حكم اللغوي، الحكم بأن هذا اللفظ عام الناس بمعنى عام والذي والتي والذين ليس بحكم الأصولي وليس بحكم شرعي وليس بحكم يتعلق بعلوم القرآن ولا بحكم يتعلق بعلوم الحديث ونحو ذلك، بل هي علوم لغوية بحتة في الأصل ولذلك يقال: العام. هذا لفظ وضعته العرب للدلالة على الشمول مع أن اثنين فصاعد حينئذٍ لا يتصور أن ينفك الكلام في علوم القرآن في مبحث العام والخاص ومبحث المطلق والمقيد عن كلام الأصوليين بل هو عينه ولا إشكال في هذا لأنها ما ذكرت في علوم القرآن إلا من أجل ماذا؟ من أجل استنباط الأحكام الشرعية منها، إن وجد مطلق ومقيد ولا يتعلق به حكم شرعي فحينئذٍ نقول: هذا ينطبق عليه حد المطلق والمقيد عند الأصوليين، وكونه لم يتعلق به حكم شرعي فرعي فحينئذٍ لا ينفي كونه من مباحث ماذا؟ الأصوليين أو اللغويين، فحينئذٍ النظر في هذه العلوم أو هذه الأنواع في علوم القرآن تجد ((البرهان)) للزركشي وهو أصولي كما هو معلوم، وتجد ((الإتقان)) وتجد غيره كالبلقيني ونحوه يذكرون خلاف الأصوليين ويذكرون ما يذكرونه في أصول الفقه بتمامه كأنه بحث نقل من الأصول إلى علوم القرآن وهذا لا إشكال فيه بل هو الأصل، وحينئذٍ لا نحتاج أن نقول: لا بد أن نتكلم في علوم القرآن في مبحث عام في كلام مغاير لكلام الأصوليين هذا لا يمكن أن يقع، ولا يمكن أن نتكلم عن المطلق والمقيد بكلام مغاير لكلام الأصوليين هذا لا وجود له أصلاً لا وجود له.

وهو أربعة عشر نوعًا النوع الأول: العامُّ الباقي على عُمومِه النوع الثاني والثالث: العامُّ المخصوص، والعامُّ الذي أُرِيدَ به الخُصوصُ وَعَزَّ إِلاَّ قَولَهُ {وَاللَّهُ ... بِكُلِّ شَيْءٍ} أَيْ عَلِيْمٌ ذَا هُوْ وقَولَهُ {خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ ... وَاحِدَةٍ} فَخُذْهُ دُونَ لَبْسِ العام في اللغة هو مشتق من قولهم: عممت الناس بالعطاء. أي: شملتهم بالعطاء، فالعام حينئذٍ يكون بمعنى الشامل والعموم بمعنى الشمول، العام بمعنى الشامل والعموم هو الشمول، فهذا هو وجه المناسبة بين المعنى اللغوي والمعنى الاصطلاحي. إذًا لفظ العام في اللغة معناه الشامل ما شمل اثنين فصاعدًا وما كان في اصطلاح الأصوليين وهو الموجود معنا هنا كذلك ما عم اثنين فصاعدًا لكن لا بد من قيود، ونقول في الاصطلاح العام لفظ يستغرق الصالح له بحسب وضع واحد دفعةً من غير حصر. لفظ هذا جنس يشمل كل ما يُتَلَفَّظ به سواء كان مهملاً - وهو ما لم تضعه العرب - أو مستعملاً - وهو ما وضعته العرب - يشمل العام والخاص والمطلق والمقيد الحقيقة والمجاز المجمل المبين، لفظ جنس فيصدق حينئذٍ على كل ما يمكن أن يصدق عليه مما تألف من حروف هجائية، فكل ما ركب من حروف هجائية فهو لفظ، إذًا العام لفظ احترز به عن المعنى لأن المعنى لا يوصف بكونه عام وإنما العموم من عوارض الألفاظ وهذا هو الصحيح، ولذلك اتفقوا على أن اللفظ يوصف بالعموم واختلفوا في وصف المعنى بالعموم هل هو حقيقة أو مجاز؟ الصحيح أنه مجاز حينئذٍ الذي يوصف بكونه عامًا هو اللفظ. وهو من عوارض المباني ... وقيل للألفاظ والمعاني وهو من عوارض المباني يعني: الألفاظ حقيقة وهذا باتفاق، وقيل: للألفاظ والمعاني. يعني للمباني والمعاني. فيوصف بها المعنى حقيقة كما وصف به اللفظ حقيقة والصواب أنه يوصف به المعنى مجازًا ولذلك قال السيوطي رحمه الله: يُقَالُ لِلْمَعْنَى أخَصُّ وَأَعَمّْ ... وَالْخَاصُ وَالْعَامُ بِهِ اللَّفْظُ اتَّسَمْ إذًا يوصف المعنى فيقال: أعم. لكن من قبيل المجاز ويقال للمعنى أخص لكنه من قبيل المجاز، ويوصف اللفظ بكونه عامًا وبكونه خاصًا، فجعلوا صيغة التفضيل للمعنى وما عدا ذلك الذي هو العام والخاص للفظ لأن المعنى هو المقصود وهو أهم وأرفع فجعلوا له أفعل التفضيل. لا يوصف المعنى لكونه عامًا لماذا؟

لأن شرط - هذا مهم أن تعرفه - لأن شرط العام اللفظي أن يكون متحدًا في الحكم، لأنه يَرِدُ السؤال لماذا لا نعطف العام المعنى بكونه عامًا؟ نقول: شرط العام أن يكون الشمول فيه متحدًا في أفراده الحكم متحد في جميع على جهة الاستواء فإذا كان الحكم ليس متحدًا بل متفاوتًا فحينئذٍ لا يتحقق فيه معنى العموم فلذلك يقال: أكرم الطلاب. الطلاب هذا عام لأنه جمع محلى بأل ... (الجمع والفرد معرفان باللام) فنقول: الطلاب. هذا لفظ عام فيشمل زيد، وبكر، وعمرو، وخالد ... إلى آخره، أكرم فالأمر هنا بالإكرام واقع على كل فرد فَرد من أفراد اللفظ العام على جهة التساوي في الحكم فحينئذٍ يكون إكرام زيد مساوي لإكرام عمرو أولاً لا بد أن يصدق الحكم على كل فرد فَرد هذا لا بد منه، ثم كل فرد له نصيب من الإكرام مساوي للفرد الآخر فحينئذٍ إكرام زيد مساوي لإكرام عمرو، وإكرام عمرو مساوي لإكرام خالد وهلم جره، هذا شرط في العام، ولذلك قوله تعالى: {وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ}، ... {وَأَقِيمُواْ}. الواو يصدق على كل مكلف ذكرًا بالغًا أم أنثى فقيرًا أم غنيًّا حاكمًا أم محكومًا أيًّا كان مريضًا أم صحيحًا، استوى الحكم أم لا؟ استوى الحكم فيهم كلهم، كُلهم أربع ركعات أربع ركعات إلا المسافر - لدليل خاص - فحينئذٍ نقول: الحكم هنا مستوي. لكن لو قيل: عمّ المطر المدينة. فحينئذٍ نقول: المطر عم لكن المحل الذي نزل عليه المطر في المدينة مكة مثلاً لو نزل عليها المطر نقول: عم المطر المدينة. يعني: مكة. هل مستوي في جميع الأطراف أم متفاوت؟ متفاوت لا شك، قد يكون نزل على هذه المنطقة بشدة والمنطقة التي تليها بخفة وقد يكون بعضها لم ينزل بعد وبعضها قد تأخر وبعضها سابق إلى آخره، فحينئذٍ هل الحكم متساوي في أفراده؟ الجواب: لا، هذا هو السر في كون المعنى لا يوصف بالعموم إلا مجازًا، فإذا قيل: عم الحاكم القبيلة بالعطاء. حينئذٍ نقول: هنا العموم وصف بكونه عطائه، عطَاؤه وصف بكونه عامًا من باب المجاز لماذا؟

لأنه في الأصل أنه لا يساوي بين القبيلة فيعطي الرئيس أكثر من غيره ويعطي ذلك أكثر من غيره حينئذٍ يحصل التفاوت وعدم التساوي في الحكم، إذًا قوله: لفظ نعلم منه أن العموم وصف للألفاظ لا للمعاني، فخرج به المعنى وخرج به الألفاظ المركبة لأنها قد يحصل شمول يعني يعم شيئين فصاعدًا بألفاظ مركبة لكنها لا توصف بكونها عامة ولو وصفت بكونها عامة يكون مجازًا، ضرب زيدٌ عمرًا هذا تركيب دل على شيئين فصاعدَا أليس كذلك؟ ضرب زيدٌ عمرًا دل على شيئين فصاعدًا صحيح؟ - ... ما هي هذه الأشياء - الضرب، وفاعل الضرب، ومن وقع عليه الضرب، إذًا شيئين فصاعدًا هذا عموم لأن العام في اللغة هو الشامل والعموم هو الشمول، وهنا هذا اللفظ شمل معنيين فأكثر، فحينئذٍ نقول: الألفاظ المركبة غير داخلة بل خارجة من قوله: لفظ. يستغرق. الاستغراق المراد به الاستيعاب والتناول لفظ يستغرق أي يستوعب ويتناول جميع الأفراد التي يصلح لها اللفظ جميع الأفراد، هذا هو الأصل في مدلول اللفظ العام أنه يتناول أفرادًا دَفعةً واحدة فكل فردٍ فردٍ يصدق عليه اللفظ فهو داخل في الحكم. يستغرق إذا قلنا: لفظ يشمل المهمل وغيره حينئذٍ نقول: خرج المهمل من قوله: يستغرق. لأن المهمل هو الذي لم تضعه العرب، فحينئذٍ إذا لم تضعه العرب إذًا هو غير موضوع وإذ لم يكن موضوعًا فمن باب أولى أن يكون مستغرقًا. يستغرق صالح له. قيل هذا يخرج المطلق على القول بأن المطلق لا استغراق فيه والصواب أن المطلق يستغرق ولكنه على جهة البدل لا على جهة الشمول، فالعام له شمول، والمطلق له شمول واستغراق واستيعاب وتناول، لكن شمول العام دفعةً واحدة، وشمول المطلق بدليٌ بمعنى أن العام إذا قيل أكرموا الطلاب فكل من يتصف بهذا الوصف فهو داخلٌ في مدلول اللفظ فيصدق عليه الحكم ويقع عليه الحكم وهو وجوب الإكرام، أكرم الطلاب ولكن قوله: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [النساء: 92] رقبة هذا عام جنس دالٌ على الأهمية بلا قيد هذا مطلق لا نقول عام، نقول: هذا مطلق. ويصفه بعضهم بكونه عامًا لكنه على جهة المجاز والتوسع وإلا هو مطلق {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} هل هذه الرقبة معينة زيد أو عمرو أو خالد هل معينة من جهة موقعها أرضها جنسها؟ لا، إذًا تشمل أو لا؟ يصدق على زيد أن رقبة إذا كان عبدًا ويصدق على عمرو وعلى بكر وعلى من كان هنا وعلى من كان في الخارج فكلهم داخلون تحت اللفظ لماذا؟ لصدق اللفظ عليه، لكن صدق اللفظ عليه هل هو على جهة الشمول - كما يشمله لفظ الطلاب - أم على جهة البدل؟ على جهة البدل. بمعنى أنه إذا قيل أعتق أو أكرم طالبًا لو قيل كرم طالبًا من الموجودين الآن أكرم طالبًا، طَالبًا هذا يشملكم كلكم لكن المراد به طالبٌ واحد فكل واحدٍ منكم قد يصدق عليه اللفظ ويشمله اللفظ لكن على جهة البدل، لماذا؟

لأن المطلق - كما سيأتي - أنه مقيدٌ بواحدٍ في الخارج سواءٌ كان موضوعًا له وهو النكرة أو لازمًا له. لأنه هو اللفظ الدال على الماهية بلا قيدٍ، وهذا على قول بأنه مفارق للنكرة، فحينئذٍ المطلق {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} أو أكرم رجلاً أو أكرم طالبًا نقول: هذا يستوعب ويتناول عدة أفراد، لكنه ليس دفعةً واحدة فليس إذا قيل أكرم طالبًا ليس كل الطلاب الآن دفعةً واحدة يدخلون في اللفظ وإنما يصدق على هذا فإن أكرم هو حينئذٍ سقط عن الباقين برئت الذمة، وإذا قيل أكرم رجالاً أو قيل أكرم طلابًا بدون ال حينئذٍ أُكرم ثلاثة فقط من الموجودين وسقط العهدة عن البقية، لكن كل ثلاثة على جهة البدل فهو داخلٌ تحت اللفظ. لفظ يستغرق. إذًا أخرج المطلق، وبعضهم لا يجعله مخرجًا بالاستغراق بل بقوله: دفعة. ولذلك زدناها في الحدِّ - وهو أحسن - بحسب الوضع دفعةً، دفعة هو الذي أخرج المطلق ولكن هنا أخرج المطلق لم يخرج المطلق كما يقول بعضهم وإنما أخرج النكرة في سياق الإثبات. الصالح جميع الأفراد، الصالح له يعني جميع الأفراد هذا فيه احتراز عن العام إذا لا يصلح ولا يصدق اللفظ العام إذا لا يصلح ولا يصدق على جميع الأفراد لأن لفظ العام قد يطلق ابتداءً فيراد به جميع الأفراد، فحينئذٍ إذا قيل أكرم الطلاب وقد نويت فقط جميع الأفراد، فحينئذٍ نقول هذا عامٌ لفظٌ يستغرق ويصلح لجميع الطلاب جميع الأفراد يدخلون تحت اللفظ فهو كالعلم عليهم يقع عليهم فردًا ولكن قد يُستعمل اللفظ ابتداءً وهو لفظٌ عام في أصله قد يُستعمل ابتداءً في بعض الأفراد وهذا المسمى العام الذي أريد به الخصوص كقوله تعالى {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ} [آل عمران: 173] {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ} الناس هذا لفظ عام ولذلك جاء في قوله تعالى: {وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} [آل عمران: 97] وجاء {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ} [البقرة: 21] هذا أمر بالتوحيد {اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ} كل الناس يشمل مؤمنهم وكافرهم لأن الكافر مخاطب فإذا جاء في قوله: ... {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ} فنقول {الَّذِينَ} هذا صيغة عموم {قَالَ لَهُمُ النَّاسُ} هذا صيغة عموم {إِنَّ النَّاسَ} هذه صيغة عموم، إذًا اجتمع عندنا ثلاثة صيغ ومن المحال أن يُحمل أو تحمل على هذه الألفاظ الثلاث على عمومها، لا يمكن أن يكون الناس قالوا للناس إن الناس الذين قال لهم الناس إذًا الناس كلهم لأن لفظ الناس يَطْبِقُ على كل الأفراد، إذًا هم الذين تكلموا كلهم تكلموا، تكلموا لمن للناس لكل الناس هذا لا يمكن، وإنما استعمل لفظ الناس أولاً في نُعيم بن مسعود رضي الله تعالى عنه صحابي أسلم بعد ذلك فحسن إسلامه، نعيم بن مسعود فهو واحد حينئذٍ هنا اللفظ الناس نقول: هو في الأصل لفظٌ مُسْتَغْرِق لكنه في هذا التركيب هل يصلح لجميع الأفراد يصدق على كل الأفراد؟ الجواب: لا. هل هو عام؟ نقول: لا. ليس بعام، لا بد من إخراجه، ولذلك اتفقوا على أنه مجاز، والثاني اعز للمجاز جزما ... وذاك للأصل وفرع يُنمى

فحينئذٍ قوله: يستغرق ما يصلح له. يعني: جميع الأفراد وإذا لم يكن مستغرقًا لجميع الأفراد ابتداءً فحينئذٍ نقول هذا عامٌ أريد به الخاص وهذا سيأتي الكلام عنه. إذًا في قوله جميع الأفراد أخرج العام الذي أريد به الخصوص كما ذكرناه في الآية {فَنَادَتْهُ الْمَلآئِكَةُ} [آل عمران: 39] وهو جبريل عليه السلام أطلق اللفظ كل الملائكة؟ نقول: لا. المراد به جبريل عليه السلام. بحسب وضعٍ واحد هذا الإخراج المشترك، لماذا؟ لأن المشترك يشمل معنيين فأكثر، أليس كذلك؟ عَيْن يشمل الدلالة معنى وهو الذهب ويشمل العين الباصرة ويشمل الجارية، إذًا دلَّ على اثنين فصاعدا كما دل لفظ الطلاب على زيد وبكر وعمرو فشمل اثنين فصاعدا، فعين هذا عام أم لا؟ هو اسمه مشترك لا إشكال لكن هل هو عامٌ أو لا؟ أَمَا استغرق معنيين فأكثر كما استغرق الطلاب، استغرق، كيف؟ فشرط العام أن يكون دلالته على معنًى واحدٍ بوضع واحد، فمدلول الطلاب أفراد متصفون بالطلب معنًى واحد ووضع اللفظ ابتداءً وضعًا واحدًا لكل الطلاب، لكن العين أخذناه بالعين ما اتحد لفظه وتعدد وضعه، إذًا الوضع متعدد فوضع لفظ عين للباصرة مغايرة لوضع لفظ عين للذهب، إذًا الوضع متعدد ونحن نقيد العام بحسب وضع واحد إذًا لفظ عين لفظ مستغرق لمعاني لا إشكال لكنه بتعدد الأوضاع، فوضع العين على الباصرة مغاير وضع عين على ماذا؟ الجارية .. وهلم جرا، أما الطلاب فهذا موضوع وضعًا ابتدائيًّا هكذا أولاً من غير حصر من هذا الإخراج أسماء العدد، عندي مائة، مائة ريال، مائة هذا لفظ مستغرق يصلح لجميع الأفراد بحسب وضع واحد لكنه ليس بلفظ عام بل هو خاص لماذا؟ لأنه محصور وشرط العام أن لا يكون محصورًا. إذًا هذه كلها قيد ولذلك الحدود هذه مهمة جدًا يعتني بها طالب العلم ولا يزهد فيها ولا يظن أنها من ضياع الأوقات ولا أنها من تكلف المتأخرين - كما يقال - لا هذا ليس بصحيح، لأنه يحدد لك العام انظر لفظ، إذًا المعنى لا يتصل هذا قيد لا بد أن يعلمه الطالب، مستغرق إذًا الذي لا يستغرق الرجل عندي رجل هذا غير مستغرق جاء زيد، زَيد هذا غير مستغرق يصلح لجميع الأفراد بحسب وضع واحد دَفْعَة واحدة لإخراج المطلق من غير حصر، هذه كلها قيود يعني: سواء ذكرتها على هيئة حدّ أو ذكرتها شروط وشرحتها لا بأس بهذا لكن لا بد من العناية بهذا حتى يُفرق، لا تفرق بين هذا عام وهذا مطلق إلا بمعرفة الحدود تطبق الحد أولاً ثم بعد ذلك تحكم عليه، هذا حد العام. وأجمع السلف على أن للعام صيغًا بإجماع السلف لا خلاف بينهم، إجماع السلف على أن العام له صيغ تدل عليها معلومة في لغة العرب ونزل القرآن بها، ومنها: كلٌّ والذي والتي وتثنيتهما وجمعهما وأيٌّ وما ومن شرطًا واستفهامًا وموصولاً والجمع المضاف والمعرف بأل واسم الجنس المضاف والمعرف بأل والنكرة في سياق النفي والنهي والاستفهام وفي سياق الشرط وفي سياق الامتنان، هذه كلها من صيغ العموم، ومن أين نأخذ هذه؟

من لغة العرب، إذًا بحثها بحث لغوي حينئذٍ يُنْظَرُ فيها بنظرتين: نظرة شخص أو ناظر أو طالب لغوي، وأصولي، لأن الأصوليون قد يزيدون بعض القيود وبعض المعاني وخاصة من نظر في الكتاب والسنة وتقيدات الكتاب والسنة، وهذه لها أمثلة وفي بعضها خلاف، هذا مبسط وذكر في القواعد وفي ماذا؟ نظم الورقات، وقد يأتي بكتابٍ موسع يستوفي هذه المسائل. أقسام العام: ينقسم العام باعتبارات مختلفة نأخذ باعتبارٍ واحدٍ هنا فينقسم باعتبار المراد منه، ما المراد من هذا اللفظ؟ إذا حكمنا عليه بأنه لفظٌ عام نطبق عليه الحد أولاً فإذا به لفظٌ مستغرقٌ إلى آخره، ثم باعتبار المراد منه باعتباره إذا أُطْلِقَ وانصرف إلى المعنى هل دائمًا إذا أُطْلِقَ لفظ العام ينصرف إلى مدلوله كليًا أم لا؟ هذا الذي سيذكره هنا. ينقسم باعتبار المراد منه إلى: - عامٍ أريد به العام. وهو الذي عبر عنه المصنف في (النوع الأول: العامُّ الباقي على عُمومِه). هو العام الذي أريد به العام كقوله تعالى: {وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللهِ رِزْقُهَا} [هود: 6] {دَآبَّةٍ} هذا نكرة في السياق النفي وزيدت عليها من، من هذه صلة توكيد زائدة و {دَآبَّةٍ} هذا مبتدأ جر بمن الزائدة ورفعه ضمة مقدر على آخره، نكرة في سياق النفي، وذكرنا أن النكرة في سياق النفي تعم كقوله: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ} [الشورى: 10] {مِن شَيْءٍ} أي شيء كبير أو صغير قديم أم حديث {فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ} يعني: رده إلى الله تعالى، هذا عامٌ أريد به العام يعني: لا يخرج عنه فردٌ من أفراده البتة، لا يحتمل التخصيص البتة لا يمكن أن يأتي فرد فيقول لا هذا من دابةٍ إلا على الله رزقها إلا فردٌ وهو كذا رزقه ليس على الله، ممكن؟! لا يمكن هذا، إذًا يمتنع أن يُخصص هذا. عام أريد به الخاص. يعني ابتداءً هو يتناول الأفراد من جهة الاستعمال لا يتناول الأفراد لا استعمالاً ولا حكمًا كما سيأتي التفريق بينه وبين الآخر. ومثاله {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ} [آل عمران: 173] الذي ذكرناه، ومثله {فَنَادَتْهُ الْمَلآئِكَةُ} [آل عمران: 39] {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ} قيل: إن ثَمَّ قرينة لفظية تدل على أن المراد بالناس هنا عامٌ أريد به الخاص لقوله تعالى فيما بعد: {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ} [آل عمران: 175] ذلكم فلو كان جمعًا لقال إنما أولئكم الشيطان لكنه قال: ... {ذَلِكُمُ}، ذا بِذَا لِمُفْرَدٍ مُذَكَّرٍ أَشِرْ بِذِي إذًا المشار إليه مفرد وهو قوله: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ}. والناس في اللفظ مفرد أو جمع؟ جمع، فحينئذٍ نعلم أن المراد بهذا اللفظ وهو عام أريد به الخاص وهو واحدٌ. إذًا انقسم باعتبار المراد منه إلى عامٍ أريد به العام وهو الباقي على عمومه، وإلى عامٍ أريد الخاص ابتداءً. وينقسم باعتبار تخصيصه يعني: ما ورد عليه التخصيص أو لا إلى: - عامٍ محفوظ هذا تعبير ابن تيمية رحمه الله تعالى عامٍ محفوظ يعني حفظ عن التخصيص لم يَرِد عليه تخصيص، إلى عام محفوظٍ باقٍ على عمومه لم يدخله تخصيص.

- وإلى عام مخصوصٍ يعني قد زال عمومه ودخله التخصيص. إذًا هذا نوعان أو هذان تقسيمان: تقسيمٌ باعتبار المراد منه. وتقسيمٌ باعتبار ماذا؟ باعتبار التخصيص. يعني هو يقبل التخصيص لكنه لم يَرد عليه مخصص فهو محفوظًا، والآخر هو عامٌ قد ورد عليه التخصيص. (وَعَزَّ إِلاَّ قَولَهُ: {وَاللَّهُ) النوع الأول - الكلام في العام هذا طويل هذا أهم ما نذكره هنا ويتعلق به هذه المسائل وإلا الكلام فيه طويل جدًا -. النوع الأول: العام الباقي على عمومه. العام هذا يشمل ثلاثة أنواع قوله: (الباقي) يعني: الذي بَقِيَ من البقاء والاستمرار يعني الذي بقي، (ال) هنا موصولة (العامُّ الباقي) يعني: الذي بَقِيَ واستمر على عمومه وهو ما عبر عنه أيضًا شيخ الإسلام بالعام المحفوظ، بَقِيَ، يقولون: الماء الطهور هو الماء الباقي على خلقته، يفسرون هناك في الحواشي الباقي يعني الذي بقي واستمر، لا بد من كلمة واستمر، لا بد الذي بقي واستمر، إلى استعمله المكلف في وضوء أو غسل، أما إذا بَقِيَ ثم لم يستمر إما أنه خرج إلى النجس وإما إلى الطاهر، وأما إذا قلنا الباقي يعني الذي بقي واستمر إلى زمن ماذا؟ إلى زمن استعمل المكلف له، كذلك هنا العام الباقي يعني الذي بقي واستمر على عمومه فلم يطرأ عليه مخصص وهو العام المحفوظ، يقول الناظم هنا تبعًا للسيوطي رحمه الله: (وَعَزَّ) ما هو؟ العام عز يعني قل وندر، العام الذي بقي على عمومه وعز (العامُّ الباقي على عُمومِه) فاعل ضمير مستتر (عَزَّ) هذا فعلٌ ماض مبنيٌ على الفتح والفاعل ضمير مستتر يعود على قوله: (العامُّ الباقي على عُمومِه)، وهنا تأخذ باستقراء أن الناظم رحمه الله يربط الأبيات بالعناوين والتراجم انتبه لهذا. (إِلاَّ قَولَهُ) إلا أداة استثناء، (قَولَهُ) بالنصب واجب أو جائز؟ واجب لماذا؟ تام موجب [أحسنت] تام موجب ما استثنت إلا مع تمام يتصل وجوبًا، هنا تام موجب لأنه ليس بمنفي موجب لكون ليس منفيًا وتام لأن المستثنى منه مذكور وهو ضمير مستتر (وَعَزَّ) هو الضمير، هذا ضمير مستتر عاملته العرب معاملة المذكور ولذلك استعارت له اللفظ أنت، قم أنت، ولذلك من الخطأ إعرابه - وإن أعرابه البعض - {يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ} ... [البقرة: 35] أنت أعربه بعضهم أنه فاعل نسب لسيبويه، لكن المشهور عند المتأخرين وكثير من المتقدمين أنه لا إعراب فاعل لأن اسكن هذا فعل أمر وفاعل مطرد أنه ضمير مستتر وجوبًا حينئذٍ لا يمكن إبرازه، حينئذٍ يقال أنت اسكن أنت يا آدم اسكن يا آدم، هذا ضمير مستتر، أنت هذا ضمير الرفع استعير للتأكيد، والمؤكد ما هو؟ الضمير المستتر، فلما أكدوه دل على ماذا؟ دل على أنه معاملٌ معاملة المذكور، ولذلك أكدوه وعطفوا عليه {اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ} بالرفع الواو حرف عطف وزوجك بالرفع معطوف على ماذا؟ على أنت؟ لا، ليس على أنت، على الضمير المستر، هذا يدل على ماذا؟ يدل على أن الضمير المستتر في قوة المذكور، وذكرنا هذا في الملحق بتوسع.

إذًا (إِلاَّ قَولَهُ) منصوبٌ على الاستثناء ونصبه واجب (إِلاَّ قَولَهُ) تعالى ... ({وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ}) أين صيغة العموم؟ كلّ، كُل هذه صيغة عموم أفرادها أين أفرادها مصدقها؟ شيء الذي هو المضاف إليه دائمًا العموم يكون في أفراد المضاف إليه كل {وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ} [الإسراء: 13] نقول: كل إنسان هذا من صيغة العموم يعني كل فردٍ من أفراد الإنسان ألزمناه طائره، حينئذٍ ننظر إلى ما أضيفت إليه الكل، وهنا شيء، شَيء يصدق على ماذا؟ على كل وعلى الجزء، إذًا متعلق علم الرب جل وعلا على كليات والجزئيات لأن بعض الفلاسفة أنكر تعلقه بالجزئيات، كذلك يتعلق بالموجود وبالمعدوم وبالمستحيل، يشمل هذه بقوله: {وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} ... [البقرة: 282] عليمٌ بالرفع على أنه خبر، الله لفظ الجلة مبتدأ و {بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} جارٌ مجرور متعلق بقوله: {عَلِيمٌ}، وعليم خبر، إذًا مُتَعَلَّقُ علم الرب جل وعلا عامٌ لا يخرج عنه فردٌ من الأفراد مهما كان من الموجودات والمعدومات والمستحيلات من الكليات والجزئيات، هل يستثنى منه شيء؟ لا يُستثنى منه شيء، فهو عامٌ باقٍ على عمومه لا يخرج عنه فردٌ من أفراده البتة ولا يمكن ولا يجوز إخراج فردٍ عنه من أفراده ({وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ} أَيْ عَلِيْمٌ) أي أتى بها من أجل النظم (ذَا هُوْ) بِذَا لِمُفْرَدٍ مُذَكَّرٍ أَشِرْ ما هو المشار إليه ذا {وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [البقرة: 282] (هُوْ) أي: العام الباقي على عمومه. (ذَا) المشار إليه المثال قوله: ({وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ} أَيْ عَلِيْمٌ)، (ذَا) المذكور المثال من قوله تعالى: {وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ} [البقرة: 282] (هُوْ) أي العام الباقي على عمومه، (وقَولَهُ) هذا معطوف على قوله: (إِلاَّ قَولَهُ) وقوله تعالى: {خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ} [النساء: 1]. أين العموم، أين صيغة العموم؟ الأصول ترى مثل النحو يحتاج إلى تمرين أين صيغة العموم؟ [ ... الكاف صيغة عموم؟! لك لكَ الله الكاف صيغة عموم؟!] (¬1) {خَلَقَكُم} خلق وقوله: {خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ} أين الصيغة العموم؟ من يقول نفي ... ومن يقول إثبات .... أين هي؟ {خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ} أعدم عن .... الكاف صحيح لماذا قلت لكم الكاف من ذلك] {خَلَقَكُم} من المخاطب؟ أنتم فيشمل جميع البشر، كلهم من ذرية آدم بلا تخصيص {خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ} الكاف هنا مخاطبون أنتم، يعني الصحابة ومن بلغهم القرآن كلكم أيها البشر مخاطبون بماذا؟ بكونكم مخلوقين من نفس واحدة، هل يختص هذا بفرد دون فرد؟ الجواب: لا، هل يمكن تخصيصه؟ الجواب: لا. ¬

_ (¬1) محادثة جانبية.

(وقَولَهُ) هذا معطوف على قوله: (قَولَهُ). ({خَلَقَكُم) يعني: جميع البشر وكلهم من ذرية آدم بلا تخصيص (مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ}) نفس مضاف وواحدة مضاف إليه والجار والمجرور متعلق بقوله: ({خَلَقَكُم). (فَخُذْهُ) أي: هذا المذكور المثالين (دُونَ لَبْسِ) يعني: من غير خلط بكونه عامًا باقيًا على عمومه. من غير لبس واللبس يطلق بمعنى الخلط {الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ} [الأنعام: 82] يعني: لم يخلطوا {إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ} يعني: بشرك. هذا ما يتعلق بالعام الباقي على عمومته. قال السيوطي رحمه الله: هذا النوع مثاله عزيز. [ترى الدرس سهرة الليلة سأشرح على مهلي المشغول إذا جاء وقت الانصراف يمشي ... ] [الآية هكذا {مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ} أي نعم ممكن على الوقف أي أحسنت الآية أين هذا النساء ... أي نعم {مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ}] (¬1) (فَخُذْهُ دُونَ لَبْسِ) قال السيوطي رحمه الله تعالى: هذا النوع مثاله عزيز إذ ما من عام إلا ويُتخيل فيه التخصيص. وعبارة الفقهاء والأصوليين: ما من عام إلا وقد خُصَّ. ولكن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يرفض هذا يقول: لا، ليس بصواب فقوله: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ}. قد يُخص منه غير المكلم يعني: يمثل للعام الذي خُص {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ} الناس هل يشمل كل الناس أم المكلفون؟ ¬

_ (¬1) محادثة جانبية.

المكلفون إذًا خُصَّ بالمكلفين {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة: 3] خص منه حالة الاضطرار وميتة السمك والجراد {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} حرم الربا {وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275] خُصَّ منه العرايا كما سيأتي هذا كلام من؟ كلام السيوطي رحمه الله تعالى قال: هذا النوع عزيز. قال الزركشي رحمه الله تعالى: إنه كثير في القرآن. العام الذي باقٍ على خصوصه إنه كثير في القرآن وأورد منه {وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} التي ذكرها في النظم وقوله تعالى: {إِنَّ اللهَ لاَ يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً} [يونس: 44]. عام {لاَ يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً} هنا العام من جهتين: من جهة إيقاع الظلم {لاَ يَظْلِمُ} يظلمُ فعل مضارع في صيغة النفي وإذا وقع فعل المضارع في صيغة النفي فيعم لأنه مصدر، والمصدر نكرة، والنكرة في سياق النفي تعم، إذًا لا يقع أدنى ظلم من الرب جل وعلا {إِنَّ اللهَ لاَ يَظْلِمُ النَّاسَ} كل الناس أي فرد من أفراد الناس حتى الكافر لا يتوجه إليه ظلم من الرب جل وعلا، كذلك قوله: {وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً} [الكهف: 49] عام باقٍ على عمومه، {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ} عام، {ثُمَّ رَزَقَكُمْ} عام، {ثُمَّ يُمِيتُكُمْ} عام، {ثُمَّ يُحْيِيكُمْ} عام [الروم: 40] كلها عام باقٍ على عمومها، {الَّذِي خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ} [غافر: 67] هذا عام باقٍ على عمومه، {اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَاراً} [غافر: 64] عام باقٍ على عمومه، فكيف يقال: وعز. وهذه الآيات ومثلها كثير كثِير في القرآن. قال السيوطي ردًّا على صاحب ((البرهان)) الزركشي: بل المراد أنها في الأحكام، وما ذكره الزركشي في ((البرهان)) لم يتعلق بالأحكام - وهذا هو الجمع بين كلام ابن تيمية وغيره بأن مراد ابن تيمية رحمه الله كما ذكره الزركشي هنا أن العمومات المحفوظة كثيرة جدًا هذا بإطلاق القرآن كله سواء كان في الأحكام أم في غيره بدليل أن شيخ الإسلام رحمه الله مثل بـ: {الْحَمْدُ للهِ} قال: هذا عام، {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة: 4] هذا عام {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} كل ما يقع في يوم الدين مالكه الرب جل وعلا، لا يخرج عنه فرد من أفراد ذلك اليوم، هذا يدل على ماذا؟ على أن مقصد شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله العام الباقي على عمومه مطلقًا دون نظر إلى كونه تعلق به حكم شرعي تكليفي أم لا، وهذا لا إشكال فيه، فيقال: أكثر العمومات المتعلقة بالأحكام التكليفية مخصوصة لأنه ما من عام تعلق بحكم تكليفي إلا وتَخُصُّ منه المجنون والصبي والعبد على قول والنائم والساهي كل من ليس بمكلف فهو مخصوص {أَقِيمُواْ الصَّلاةَ} [الأنعام: 72] نقول: {أَقِيمُواْ الصَّلاةَ} هذا مخصوص بماذا؟ بالمكلف، أخرج الصبي، أخرج المجنون لا يأمر بالصلاة ... إلى آخره، إذًا كل عام متعلقه في الحكم الشرعي تكليفي فحينئذٍ يكون ماذا؟ يكون مخصوصًا السيوطي رحمه الله تعالى قال: قد ظفرت بآية عام في الأحكام لا خصوص فيه. ما هي؟ {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [النساء: 23] قال: هذه الآية عامة وهي باقية على عمومها.

والسيوطي إذا بصر بشيء يفرح به. (وَعَزَّ إِلاَّ قَولَهُ: {وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ} أَيْ عَلِيْمٌ ذَا هُوْ وقَولَهُ: {خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ} فَخُذْهُ دُونَ لَبْسِ) هذا هو النوع الأول وهو العام الباقي على عمومه يعني: العام المحفوظ الذي لم يُخَصْ أبدًا، وأكثر ما يوجد في الأحكام الشرعية التكليفية. النوع الثاني والثالث: العامُّ المخصوص، والعامُّ الذي أُرِيدَ به الخُصوصُ العام المخصوص يعني: هو في الأصل عام ولكنه دخله التخصيص كما إذا قلت: أكرم الطلاب إلا زيدًا. فنقول: الطلاب هذا لفظ عام يستغرق في جميع ما يصلح له اللفظ إلا بحسب وضع واحدًا دفعة بلا حصر، لكن استثنيت زيد، فحينئذٍ نقول: الطلاب هذا عام مخصوص، فكما ذكر السيوطي في ميما سبق {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ} هذا يُخص بغيره مكلف {النَّاسُ} هذا يشمل الصبي، ويشمل الرضيع، ويشمل الحمل، ويشمل المجنون، هل نأمرهم بتقوى الله ما نأمرهم إذًا مخصوص أو لا؟ نقول: مخصوص. هذا عام مخصوص {وَحَرَّمَ الرِّبَا} خُص بالسنة بالعرايا يعني: العرايا في الأصل أنها داخلة في حد الربا لكن خُصت بدليل شرعي كذلك {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} ... [المائدة: 3]، {إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَّسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ} [الأنعام: 145] دل على أن الميتة كلها رجس جاءت الأدلة من السنة باستثناء ماذا؟ الإهابة أو جلد الميت إذا دبغ .. إلى آخر ما يُذكر في موضعه. والعام الذي أريد به الخصوص هذا ابتداءً، يعني: أول ما ابتدأ به المتكلم نطق به ولم يُرد كل الأفراد، فهو لا يتناول الأفراد ابتداءً لا استعمالاً ولا حكمًا. وذكر أهل العلم في الفرق بين العام المخصوص والعام الذي أريد به الخصوص بعض الفروق: أولاً: العام المخصوص. هو ما يقصد فيه جميع الأفراد استعمالاً لا حكمًا العام المخصوص هو الذي أريد أو يقصد فيه جميع الأفراد استعمالاً لا حكمًا.

والعام الذي أريد به الخصوص لم يقصد فيه إلا بعض الأفراد، وبعضها لم يقصد، لا تناولاً ولا حكمًا، بل المراد به البعض فقط في الاستعمال والحكم معًا، فإذا قلت مثلاً: عليَّ عشرة إلا ثلاثة. عشرة هذا نتوسع في كونها عام - وهي ليس بعام لكن يذكرونه مثال لأن التمثيل به واضح - عشرة نقول: لها أفراد أو لا؟ لها أفراد، إذا أطلقت لفظ العشرة حينئذٍ يستعمل في أو تدل على أفرادها من جهة اللغة ابتداءً فكل فرد من أفراد العشرة هو داخل فيها إذا قيل له: عليَّ عشرة وسكت. كم يكون الأفراد عشرة كل الأفراد من واحد إلى عشرة، لكن لو قال له عليَّ عشرة إلا ثلاثة نقول: ننظر إلى لفظ العشرة هل أريد به لفظ العشرة كله هل يشمله من جهة اللغة - دعك من الحكم - من جهة اللغة هل يشمل كل أفراد العشرة نقول: نعم. إذًا هو يشمل كل الأفراد استعمالاً من جهة الاستعمال اللغوي لماذا؟ بدليل أنه استثنى منه وقوله: إلا ثلاثةً. هذا يدل على أن الثلاثة التي يضعه العشرة غير مرادًا بالحكم مع كونها مراده بالاستعمال، فاللفظ يشملها من جهة الاستعمال ولا يشملها من جهة الحكم، ولذلك نقول بعبارة مختصرة: العام المخصوص ما يقصد فيه جميع الأفراد استعمالاً لا حكمًا. - أحفظ هذه استعمالاً لا حكمًا - يعني: من جهة الاعتراف لم يُرَد به لو أقر على نفسه هذا حكم شرعي له عليَّ عشرة إلا ثلاثة يعني كم؟ سبعة إذًا اعترف بسبعة، يعني السبعة ليست هي كل العشرة أين ذهبت الثلاثة استثناها ليست بمرادة، ليست بمرادة استعمالاً أم حكمًا؟ حكمًا لا استعمالاً لأن اللفظ يشملها، فالذي أريد به الخصوص لم يرد شموله لجميع الأفراد فإذا قال كما ذكرناه في الآية {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ} [آل عمران: 173] نقول: ابتداءً في أول الكلام أُطْلِقَ اللفظ ولم يُرد به كل الأفراد وإنما أريد به الواحد وهو نعيم بن مسعود فقط، فحينئذٍ نقول: هل شمل الأفراد استعمالاً؟ لا، وإنما أطلق وأريد به بعض الأفراد والبعض الآخر غير مراد لا استعمالاً ولا حكمًا. إذًا نحفظ كلمة استعمالاً لا حكمًا. [أرى الوجوه ما كأنها المسألة واضحة]. سنقول: اللفظ عام له أفراد في باب العام المخصوص نقول: الأفراد مرادة استعمالاً لا حكمًا. في باب العام الذي أريد به الخصوص كل الأفراد غير مرادة لا استعمالاً ولا حكمًا بل أريد بعضها وبعضها لم يرد، لو تأملت الآية {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ} الناس هنا ابتداءً استُعمل في نعيم بن مسعود ولم يقصد به كل الناس قالوا ثم بعد ذلك وصل إلى نُعيم بن مسعود يعني بعد التخصيصات، نقول: لا، ابتداءً استعمل في هذا، فحينئذٍ لم يُرَدّ كل الأفراد لا استعمالاً ولا حكمًا، فالذي أريد به الخصوص لم يُرد شموله لجميع الأفراد لا من جهة تناول اللفظ ولا من جهة الحكم، بل هو ذو أفراد استعمل في فرد منها، ولذلك قيل: هو مجاز. ولذلك قال: (والثاني اعز للمجاز جزما). يعني: أنه من باب إطلاق الكل وأريد به البعض، أُطْلِقَ الكل وأريد به البعض، وهذا هو المجاز. والمخصوص أريد عمومه وشموله لجميع الأفراد من جهة تناول اللفظ لا من جهة الحكم هذا هو الفرق الأول ما هو؟

هل كل الأفراد مراده في العام المخصوص أو لا من جهة الاستعمال اللفظ؟ مرادة، ومن جهة الحكم غير مرادة {وَالْمُطَلَّقَاتُ} [البقرة: 228] كل المطلقات حامل أم لا آيسة أم لا حرة أم أمة صغيرة أم كبيرة داخلة في هذا اللفظ أم لا؟ داخلة في هذا اللفظ، لكن من جهة الحكم؟ لا، لوجود المخصصات. هذا ماذا نسميه؟ عام مخصوص {فَنَادَتْهُ الْمَلآئِكَةُ} [آل عمران: 39] كل الملائكة؟ لا، وإنما أريد به ابتداءً أطلق اللفظ الذي له أفراد وأريد به واحد وهذا مجاز. [ما شاء الله عليكم]. الثاني: الذي أريد به الخصوص مجاز قطعًا لنقل اللفظ عن موضوعه الأصلي لأنه نُقل، لفظٌ وُضِعَ للدلالة مستغرق لجميع ما يصلح له اللفظ، هذا أصل الناس هذا عام يطلق على كل الأفراد ثم استعملته إلى واحد نقول: هذا مجاز. وسبق أن الجمع إذا استعمل في المفرد مجاز، هذا مجاز قطعًا ولذلك اتفقوا على هذا. والثاني اعز للمجاز جزما ... وذاك للأصل وفرع يُنمى والعام المخصوص فيه مذاهب، اختلفوا فيه، فيه مذاهب يعني مختلف فيه هل هو حقيقة أم مجاز؟ أصحها أنه حقيقة يعني دلالة المطلقات على ما بقي جاءت خمسة مخصصات أخرجت بعض المطلقات خمسة أنواع وبقي دال على بعضها حينئذٍ دلالة اللفظ على ما بقي بعض التخصيص حقيقة أو مجاز؟ نقول: أصحه أنه حقيقة. وقيل: أنه مجاز. والأصوب أنه حقيقة لماذا؟ لأن تناول اللفظ للبعض الباقي بعد التخصيص كتناوله له بلا تخصيص يعني: هب أنه لم يرد تخصيص دلالة اللفظ على الفرد الذي أخرج حقيقة أو مجاز؟ حقيقة إذًا يبقى دلالته على الباقي بماذا؟ حقيقة، إذًا لا فرق، تناول اللفظ للبعض الباقي بعد تخصيص كتناوله له بلا تخصيص وذلك التناول حقيقيٌ اتفاقًا فليكن هذا التناول حقيقيًّا أيضًا. الثالث: أن قرينة المخصوص لفظية، العام المخصوص قرينته لفظية، قد تكون متصلة وقد تكون منفصلة، وذات عقدية الذي هو العام الذي أريد به الخصوص وسيأتي في النظم هذا. الرابع: أن قرينة العام الذي أريد به الخصوص لا تنفك عنه. يعني لا توجد في غير النص بل تفهمه منه سياق كلامه ومن فحوى الكلام {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ} أي قارئ بعقل يفهم أنه لا يمكن يكون كل الناس قائلون وكل الناس مقول لهم، هذا بعيد ما يتصوره إنسان عاقل، كذلك {فَنَادَتْهُ الْمَلآئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ} [آل عمران: 39] كل الملائكة منذ أن خلق الله السماوات والأرض لا يمكن أن يُراد، فحينئذٍ نقول: من السياق تعرف أن هذا ماذا؟ أنه عامٌ أُريد به الخصوص فهو مجاز من إطلاق الكل على الجزء وهو مجاز مرسل. إذًا قرينة العام الذي أريد به الخصوص لا تنفك عنه، والآخر قد لا تنفك عنه وهذا كثير في المخصصات المنفصلة. الخامس: المراد به الخصوص يصح أن يراد به واحد اتفاقًا لأنه مجاز، وأما العام المخصوص هل يجوز أن يخصص إلى أن يبقى واحد، هذا محلٌ نزاع ومحل اختلاف. والصواب التفصيل، فيما يدل على معنى الجمع لا يجوز التخصيص إلى أن يبقى واحدًا بل إلى أن يبقى أقل الجمع وما عداه فيجوز. جوازه لواحدٍ في الجمع ... أتت به أدلة في الشرع وموجبٍ أقله القفال ... والمنع مطلقًًا له اعتلال

يعني هل يجوز في العام المخصوص أن يرد مخصصات، نقول: هذا لا يستغرق كل الناس مثلاً. لفظ عام أكرم الطلاب، ويكون الطلاب عندي عشرة ثم أقول: إلا زيدًا وإلا بكرًا وإلا عمرًا وإلا خالدًا وإلا محمدًا وإلا فوزي وإلا عبد الله وإلا عبد الرحمن وإلا علي كم بقي في العام؟ واحد يجوز أو لا يجوز؟ فيه خلاف، والصواب أنه لا يجوز. في مثل هذا اللفظ لا يجوز لماذا لأن الطلاب هذا صيغة الجمع وأقل الجمع ثلاثة، ومضى معنى في القواعد قول البستي وهو قول يحفظ: أن الكامل في العموم هو الجمع، لماذا؟ لدلالته على العموم بصورته ومعناه. تنبه لهذا، قول البستي الذي سبق معنا في قواعد الأصول أن الكامل في العموم هو الجمع، لماذا؟ لدلالته على العموم بصورته وبمعناه فحينئذٍ لا يمكن أن يخصص من جهة المعنى على ما لا يدل عليه الصورة، وما عدا ذلك كالمفرد المضاف حينئذٍ يجوز أن يخصص إلى أن يبقى واحد، ومن جوز التخصيص إلى أن يبقى واحد اعتمد على العام الذي أريد به الخصوص ولذلك في ((المراقي)) قال: جوازه لواحدٍ في الجمع ... أتت به أدلة في الشرع جوازه لواحدٍ يعني جاء في باب التخصيص، جوازه، جواز التخصيص إلى أن يبقى واحد أتت به أدلة في الشرع مثلوا بماذا؟ مثلوا بقوله تعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ} [آل عمران: 173]، {فَنَادَتْهُ الْمَلآئِكَةُ} ... [آل عمران: 39]، {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ} [النساء: 54] قالوا: النبي - صلى الله عليه وسلم -، مثلوا بماذا؟ بالعام الذي أريد به الخصوص وأريد به واحد، وهذا كان عند المتقدمين لا تفريق بين النوعين، المتقدمون من الأصوليين ممن كتب لا يفرقون بين النوعين فهو نوعٌ واحد فحينئذٍ عومل معاملة العام المخصوص فنظر على دلالته على واحد فقيل يجوز أن يخصص إلى أن يبقى واحد، والصواب التفريق بين النوعين وأن النوع العام المخصوص حقيقة والنوع الثاني مجازٌ مرسل علاقته الكلية والجزئية لأنه من باب إطلاق الكل على الجزء. قال رحمه الله: النوع الثاني والثالث: العامُّ المخصوص، والعامُّ الذي أُرِيدَ به الخُصوصُ وَأَوَّلٌ شَاعَ لِمَنْ أَقَاسَا ... والثَّانِ نَحْوُ يَحْسُدُونَ النَّاسَا وَأَوَّلٌ حَقِيْقَةٌ والثَّانِيْ ... مَجَازٌ الفَرْقُ لِمَنْ يُعَانِيْ قَرِيْنَةُ الثَّانِيْ تُرَى عَقْلِيَّةْ ... وَأَوَّلٌ قَطْعاً تُرَى لَفْظِيَّةْ والثَّانِ جَازَ أَنْ يُرَادَ الوَاحِدُ ... فِيْهِ وَأَوَّلٌ لِهذَا فَاقِدُ (وَأَوَّلٌ) بالتنوين، العام المخصوص، (شَاعَ) وكثر، كثير في الكتاب لأن البحث هنا في الكتاب، (وَأَوَّلٌ) أي العام المخصوص (شَاعَ) وكثر لمن (أَقَاسَا) الألف للإطلاق (أَقَاسَا) بمعنى: تتبع، من تتبع القرآن وجد أن العام المخصوص كثير وخاصةً في الأحكام، بل لا يكاد أن يوجد حكم عام لفظٌ عام يتضمن حكمًا شرعيًا إلا وقد خص حينئذٍ صار كثيرًا وشائعًا.

(وَأَوَّلٌ شَاعَ لِمَنْ أَقَاسَا) كثر (والثَّانِ) العام الذي أُريد به الخصوص ... (والثَّانِ) بحذف الياء (نَحْوُ) قوله تعالى: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ}. الألف للإطلاق هنا {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ} الناس قيل: النبي - صلى الله عليه وسلم -، أُطلق عليه الناس لماذا؟ لجمعه ما في الناس من الخصال الحميدة، ولذلك سبق معنا أنه سُمِّيَ محمد لذلك. (والثَّانِ) أي العام الذي أريد به الخصوص وعرفنا الفرق بين النوعين مثاله قوله تعالى: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ}، والناس المراد به النبي - صلى الله عليه وسلم - على قولهم حينئذٍ أطلق لفظ الناس وهو عامٌ لفظٌ مستغرق لجميع ما يصلح له بحسب وضعٍ واحدٍ من غير حصر هذا لفظٌ عام لكنه ابتداءً أُطلق على النبي - صلى الله عليه وسلم -. (وَأَوَّلٌ حَقِيْقَةٌ) يعني فرق وأراد أن يفرق بين النوعين، مَثَّلَ للثاني ولم يُمَثِّلُ للأول لشهرته، والمشهور الأصل فيه أنه لا يذكر، والآصل الأصل فيه على أنه لا يذكر يعني: ما كان على أصل فالأصل أنه لا يذكر وما كان شائعًا ذائعًا فالأصل أنه معلوم وما كان معلوم لا يحتاج إلى التمثيل، لكن الثاني فيه نوع لبس وخفاء وقلة فاحتاج إلى أن يمثل له، أراد أن يفرق بين النوعين قال: ... (وَأَوَّلٌ) أي العام المخصوص (حَقِيْقَةٌ) وعرفنا هذا، لاستعماله فيما وضع له ثم أخرج منه البعض بمخصص، لماذا هو حقيقة؟ لأنه استعمل في ما وضع له في لغة العرب، وكونه أخرج بعض الأفراد بمخصص لا يُخرجه عن كونه حقيقة لأن تناول اللفظ للأفراد بعد التخصيص كتناوله له قبل التخصيص، فلا فرق حينئذٍ. (والثَّانِيْ) الذي هو العام الذي أريد به الخصوص (مَجَازٌ) لماذا؟ لأنه استُعمل ابتداءً في بعض ما وُضع له، لا بد من قيد ابتداء، لأنه استُعمل ابتداءً في بعض ما وُضع له، وهذا المجاز يُسمى مجازًا مرسلاً من إطلاق الكل مرادًا به الجزء، وعلاقته الكلية والجزئية وهي من علاقات المجاز المرسل، ... {يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آَذَانِهِمْ} [البقرة: 19]. كل الأصبع أم أطرافها؟ أطرافهَا، يقولون: هذا مجاز، أطلق الكل وأريد به الجزء أو البعض. (الفَرْقُ لِمَنْ يُعَانِيْ). (الفَرْقُ) يعني المذكور بكون الأول حقيقة والثاني مجازًا ظاهرٌ (لِمَنْ يُعَانِيْ) لمن يعتني به، يعني بالفرق، لمن يعتني به يعلم أن الأول حقيقة والثانية مجاز.

(قَرِيْنَةُ الثَّانِيْ) الذي هو العام الذي أريد به الخصوص قرينته ماذا؟ (تُرَى) أي تعلم عقلية نسبةً إلى العقل لأن القرائن قد تكون لفظية وقد تكون عقلية وقد تكون معنوية، {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الزمر: 62] هذا مُثِّلَ له بالقرينة العقلية وسبق أن الكثير من الأصوليين يُمَثِّلُون به يعني: بهذه الآية على ماذا؟ المخصص العقلي أليس كذلك؟ {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} شيء، هو شيء هذا جاء في الكتاب أنه يطلق على الرب جل وعلا {قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ} [الأنعام: 19]. {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} ... [القصص: 88]. جل وعلا حينئذٍ نقول: أُطلق لفظ الشيء على الله عز وجل قوله: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} هل خلق نفسه؟ الجواب: لا. إذًا بمخصص هو العقل القرينة هنا عقلية {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ} [الأحقاف: 25]. مع أنها لم تدمر السماوات والأرض، أليس كذلك؟ قالوا: التخصيص هنا حصل بالعقل (قَرِيْنَةُ الثَّانِيْ) العام الذي أريد به الخصوص (تُرَى عَقْلِيَّةْ) يعني تُعلم عقلية نسبة إلى العقل وقيل: حالية وهذا في الغالب، وقد تكون لفظية، قد تكون قرينة العام الذي أريد به الخصوص لفظية ما هو مثاله؟ ... [أحسنت] {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ} [آل عمران: 175]. هذه قرينة لفظية ذكرناه فيما سبق: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ} [آل عمران: 173]. قلنا النظر إلى سياق الآية يدل على ماذا؟ على أن الناس هنا استعمل في ماذا؟ في غير ما وُضِعَ له، ويدل عليه قوله تعالى: {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ}. بذا بِذَا لِمُفْرَدٍ مُذَكَّرٍ أَشِرْ هذا مرجعه ماذا؟ اسم الإشارة للمفرد المذكر، لو كان المراد بالناس في قوله {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ} لو كان المراد به جميع مدلوله لقال: إنما أولئكم الناس، إنما أولئكم الشيطان أو الشياطين، لكنه ما قال {إِنَّمَا ... ذَلِكُمُ} فدل على ماذا فدل على أن المراد باللفظ الأول واحد. (قَرِيْنَةُ الثَّانِيْ تُرَى عَقْلِيَّةْ) إذًا هذا في الغالب وقد تكون قرينته لفظية كما في الآية التي ذكرناها حيث المراد به واحد، (وَأَوَّلٌ) أي العام المخصوص ... (قَرِيْنَةُ) (تُرَى لَفْظِيَّةْ) (قَطْعاً)، (وَأَوَّلٌ) العام المخصوص (قَرِيْنَةُ) ... (قَطْعاً) أي جزمًا (تُرَى) أي تعلم (لَفْظِيَّةْ) كالاستثناء والشرط والغاية، أو الكتاب بالكتاب أو الكتاب بالسنة .. إلى آخره، يعني المخصصات كلها المتصلة والمنفصلة، المخصصات المنفصلة ذكرنا أنها تسعة، والمخصصات المتصلة ذكرنا أنها أربعة أو خمسة، كل هذه لفظية. إذًا (قَرِيْنَةُ الثَّانِيْ) الذي هو العام الذي أريد به الخصوص عقلية لا لفظية هذا في الحكم الأغلبي وأما العام المخصوص فهذا قرينته ماذا؟ لفظية سواءً كانت متصلة أو منفصلة.

(والثَّانِ جَازَ أَنْ يُرَادَ الوَاحِدُ فِيْهِ) (والثَّانِ) بحذف الياء للوزن (والثَّانِ) أي العام المراد به الخصوص المجاز، جاز بلا خلافٍ أن يراد به الفرد الواحد ولذلك أجمعوا على أن المراد الناس واحد في قوله نعيم بن مسعود، (والثَّانِ جَازَ) بلا خلافٍ أن يراد به الفرد الواحد، (فِيْهِ) هذا به في بمعنى الباء هنا {وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ * وَبِاللَّيْلِ} [الصافات: 137، 138]. يعني في الليل إذا الباء تأتي بمعنى في وهنا في بمعنى الباء، إذًا كلٌ منهما يتناوب عن الآخر، معتلق بقوله: (يُرَادَ) به (الوَاحِدُ) وذكرنا هذا: جوازه لواحدٍ في الجمع ... أتت به أدلة في الشرع والصواب أنه لا، بل أقل الجمع، (وَأَوَّلٌ لِهذَا فَاقِدُ)، (وَأَوَّلٌ) أي العام المخصوص (لِهذَا) أي الجواز بإرادة الواحد (فَاقِدُ) فلا يجوز فيه حينئذٍ قصر العام على فردٍ من أفراده جوازًا متفقًا عليه، بل يجوز عند بعضهم ويمتنع عند آخرين حينئذٍ يكون ممنوعًا لماذا؟ لما ذكرناه عن الغسل لأنه يدل على الجمع بصورته فحينئذٍ لا بد إذا خُصِّصَ من جهة المعنى أن يدل على أقل ما يدل عليه الجمع وهو ثلاثة على الصواب أن أقل الجمع ثلاثة، إذًا قوله: (والثَّانِ) أي العام المراد به الخصوص جاز أن يراد به الواحد لأنه مجاز فيستعمل للجمع مرادًا به الواحد ولا إشكال، وأما الثاني فلأنه حقيقة حينئذٍ لا يجوز أن يُخَصَّصَ الجمع إلى أن يبقى واحد بل إلى أن يبقى أقل الجمع وهو ثلاثة. (وَأَوَّلٌ لِهذَا) أي الجواز لإرادة الواحد فاقدٌ فلا يجوز فيه قصر العام على فردٍ من أفراده جوازًا متفقًا عليه بل على خلافٍ والأصح التفصيل إلى أن يبقى أقل الجمع إن كان جمعًا وإلا واحدٍ في غيره إلى أقل الجمع فيما إن كان جمعًا وإلى واحدٍ في غيره. هذا فيما يتعلق بالجمع والتفريق بين الأنواع. النوع الرابع: ما خُصَّ مِنهُ بالسنَّةِ

خُصَّ بمعناه أنه أراد بالتبيين الخاص كأنه قال العام والخاص، لأنه يذكر هذه الأنواع متقابلة، المنطوق والمفهوم، والناسخ والمنسوخ، والمطلق والمقيد، كذلك العام والخاص، ولذلك نقول: الخاص ضد العام، والتخصيص هو قصر العام على بعض أفراده، يعني يكون اللفظ عامًا يشمل كل الأفراد فيتعلق به حكمٌ ثم يَرِدُ دليل متصل أو منفصل فَيَخُصُّ بعض تلك الأفراد بحكم مغاير لحكم العام كما في قوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ ... قُرُوءٍ} [البقرة: 228]. الحكم هنا يشمل كل مطلقة من حيث اللفظ وأما إذا نظرنا إلى سائر المخصصات سننظر فإذا به يأتي قوله تعالى: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4]. هذه آية اختص الحكم فيها بذوات الأحمال وهي مطلقة إذًا هي مخصوصة من قوله: {وَالْمُطَلَّقَاتُ} فنقول هذا ماذا؟ قصر العام يعني حكم العام على بعض أفراده قصر العام يعني: قصر حكمه أما العام فيبقى عام لا يقصر وإنما الذي يقصر هو الحكم على بعض أفراده وأين البعض الأخر؟ خرج بالتخصيص، إذًا التخصيص هو قصر العام على بعض أفراده، ويطلق التخصيص على الدليل الذي حصل به التخصيص على نفس الدليل، فالْمُخَصِّصُ هو التَّخْصِيصُ عند بعضهم، التَّخْصِيص بمعنى الْمُخَصِّص فصار حقيقةً عرفية أو مجازًا عند الأصوليين في إطلاق الْمُخَصِّص على التَّخْصِيص والتَّخْصِيص على الْمُخَصِّص، وإن كان الأصل في الْمُخَصِّص ما هو؟ هو الشارع المخصص من هو؟ هو الشارع إرادة الشارع، عدم إرادة هذا الفرد في الحكم لكنه نقل من هذا المعنى وجُعل علمًا على الدليل نفسه، ولذلك نقول: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ} مُخَصِّص، من الْمُخَصِّص النص اللفظ أم الرب جل وعلا؟ الرب هو الذي خَصَّصَ لكن سُمِّيَ الدليل وأولات الأحمال سُمِّيَ مُخَصِّصًا من باب التوسع. إذًا الخاص لغةً ضد العام، والتخصيص عرفناه، وأما الخاص لأنه يقابل التخصيص هو اللفظ الدال على محصورٍ بشرطٍ أو عدم لأنه ضد العام، العام لفظٌ مستغرقٌ بلا عدد ولا حصر، الخاص عكسه لفظٌ لم يستغرق أو استغرق إما أنه لم يستغرق كزيد والرجل إذا أريد به معين إذا لم يستغرق أو استغرق لكنه مع حصرٍ، تقول رأيت رجالاً هذا دال على حصر ليس بعام أليس كذلك محصور رجال ثلاثة، هذا أقل ما يحمل عليه اللفظ، عندي مائة ريال. نقول: هذا محصور بعدد يسمى خاصًا حكم التخصيص الإجماع منعقدٌ على جواز التخصيص من حيث الجملة، شرطه أنه لا يصح إلا بدليلٍ صحيح، أثره يجب العمل بدليل التخصيص إذا صح في صورة التخصيص وإنزال دلالة العام عليه، يعني: اللفظ العام يدل على الصورة التي أُخرج حكمها من اللفظ العام لكنها من حيث دلالة اللفظ العام لها مهدرة يعني غير معمولٍ بها مضطرحة فقوله: ... {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ}. هذا يشمل ذوات الأحمال أو لا؟ يشمله لا شك في هذا، لكن من حيث الحكم لا يشملها. إذًا أهدرت هذه الصورة صورة الأصل داخلة لكنها أهدرت لماذا؟ لوجود الدليل المخصص الذي خصها بحكم المخالف للحكم العام.

إذًا أثره يجب العمل بدليل التخصيص إذا صح في صورة التخصيص: ... {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ}. نُعمل هذا اللفظ فيما دل عليه اللفظ، ونبقي مدلول العام أو نترك دلالة العام على بقية الأفراد غير صورة التخصيص، فصارت دلالة اللفظ العام على ما أخرج بالنص مهدرة، الصورة داخلة لكنها من حيث الحكم مهدرة واضح؟ (ما خُصَّ مِنهُ) من السنة، (ما) أي: القرآن الذي خُصَّ منه بالسنة، إذا عُلِمَ أن الإجماع منعقد على جواز التخصيص بالجملة حينئذٍ عندنا وحيان كتابٌ وسنة كل منهما يُخَصِّصُ الآخر، الكتاب يُخَصِّصُ السنة مطلقًا سواءً كانت متواترة أم آحادية، والسنة تُخَصِّصُ الكتاب مطلقًا سواءً كانت السنة آحادية أم متواترة ثم الدليل الآخر الذي هو الإجماع والقياس، الإجماع لا شك أنه يُخَصِّصُ الكتاب ويخصص السنة، وأما القياس هذا فمحل نزاع والأصح أنه يخصص. (ما خُصَّ مِنهُ) أي القرآن (بالسنَّةِ) هنا خص السنة لماذا؟ لكونها وحيًا لأنه يتكلم عن الوحي الذي هو القرآن، والسنة وحيًا: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 3، 4]. حينئذٍ أطلق هنا التخصيص تخصيص القرآن بالسنة لهذه الفائدة (ما خُصَّ مِنهُ بالسنَّةِ) السنة في اللغة سيرةً حميدةً كانت أو ذميمة {سُنَّةَ اللَّهِ} [الأحزاب: 62]. يعني طريقته في المكذبين {وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} [الرعد: 7]. ولكل قومٍ سنة وإمامها تطلق السنة على ما يقابل القرآن ومنه حديث مسلم: «يؤم القوم أقرئهم لكتاب الله فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة». السنة هنا مقابلة للقرآن، والمراد بالسنة هنا في اصطلاح الأصوليين ما خُصَّ منه يعني: القرآن بالسنة بأي مفهوم بالسنة هل السنة المقابلة للفرض؟ أم السنة المقابلة للبدعة؟ أم السنة المقابلة للقرآن؟ أم السنة عند الأصوليين وهي أقولٌ النبي - صلى الله عليه وسلم - وأفعاله وتقريراته؟ الأخيرة. إذًا المراد بالكتاب هنا ما خص بالكتاب أو الكتاب الذي خص بقول النبي - صلى الله عليه وسلم - أو بفعله أو بتقريره، (ما خُصَّ مِنهُ بالسنَّةِ) أطلق المصنف هنا السنة فيشمل حينئذٍ المتواترة والآحاد، إذًا يخص الكتاب بالسنة مطلقًا، تخصيص الكتاب بالسنة مطلقًا، أما المتواترة فمحل اتفاق يعني: جائزٌ أن يأتي الدليل العام في الكتاب في القرآن ثم يأتي المخصص من السنة، أما المتواترة إن كان المخصص من السنة سنة متواترة فهذا جائزٌ باتفاقٍ بدليلين:

أولاً: مشاهدة الوقوع ودائمًا نجعل الوقوع دليل الجواز، إذا وقع شيء تجده أمامك في الكتاب والسنة تقول: هذا جائز ولو كان فردًا واحدًا، فنقول: تخصيص الكتاب بالسنة المتواترة جائزٌ بدليل مشاهدة الوقوع والوقوع دليل الجواز. مثال تخصيص الكتاب بالسنة قوله - صلى الله عليه وسلم -: «لا يرث القاتل» مع قوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} [النساء: 11]. وقوله عليه الصلاة والسلام «لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم». هذان حديثان في الزمن الأول اعتُرض بكونهما ليس متواترين ولكن أجيب بكونهما متواترين في الزمن الأول في زمن الصحابة ولذلك لم يختلفوا في هذا الحكم فدل على أن الدليل معلومٌ عند الكل، فحينئذٍ صار متواترًا في زمن الصحابة والعبرة في تأصيل الأحكام هو زمن الصحابة العبرة في تأصيل الأحكام والأصول والقواعد هو زمن الصحابة إذًا هذان الحديثان خَصَّصَا قوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ}. أين العام؟ أولادكم {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} عامٌ أضيف حينئذٍ يعم الكافر والمسلم القاتل وغير القاتل الذكر والأنثى جاء لفظ: «لا يرث القاتل». إذًا {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} نقيده ما لم يكن قاتلاً فأخرجنا القاتل فإن قتل الولد أباه لا يرث، لو كان الولد كافرًا والأب مسلمًا حينئذٍ نقول: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} يشمل الأصل الكافر والمسلم لكن جاء دليل مخصص وهو أن الكافر لا يرث المسلم ولا المسلم الكافر فحينئذٍ نخص العام، إذًا العام في القرآن والخاص جاء في السنة فجاز تخصيص العام الذي في القرآن بالسنة، والحديثان في مرتبة التواتر في زمن التخصيص وهو زمن الصحابة لأن بعضهم اعترض قال: هذا الحديث آحاد. نقول: لا، الحديثان في مرتبة التواتر في زمن التخصيص وهو زمن الصحابة، والعبرة به لا بهذا الزمن، ولو سُلِّمَ بأنها آحاد فحينئذٍ اتفقوا والعبرة بالصحابة اتفقوا على تخصيص قوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ}. بقوله: «لا يرث القاتل». «ولا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم». حكمنا بأنهما حديثان آحاديان فخَصَّصَ الصحابة القرآن بالسنة الآحادية، والمتواتر أقوى من الآحاد فإذا أعملوا الأضعف الذي هو الآحاد عندهم فمن باب أولى أن يخصصوه بالمتواتر. إذًا سواء قلنا بأنهما متواترين أم آحاد نقول: اتفاق أنه حصل التخصيص به. لأنه في مرتبة التواتر في زمن الصحابة فصح الدليل قالوا: لا، هذا الحديث آحاد. نقول: إذا خصصوا بالآحاد والعام في القرآن وهذه سنة فمن باب أولى وأحرى أن يخصصوه بالمتواتر هذا يدل على ماذا؟ على فقه. إذًا عرفنا هذا.

مثال تقسيمة الكتاب بالسنة الفعلية المتواترة رجم ماعز بن مالك هذا فعل فعله النبي - صلى الله عليه وسلم -، خَصَّصَ قوله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ} [النور: 2]. فصارت الآية قاصر على ماذا؟ الزاني البكر والزانية البكر، أما المحصن فلا، هذا الدليل الأول مشاهدة الوقوع إذًا يجوز تخصيص القرآن بالسنة مطلقًا المتواترة والآحادية، ذكرنا الدليل الأول على تخصيص القرآن بالسنة المتواترة سواءً كانت قوليه كما في «لا يرث القاتل». أو فعلية كما في رجم ماعز بن مالك. الدليل الثاني: العام من الكتاب والخاص من السنة المتواترة، العام إذا جاء في القرآن والخاص في السنة المتواترة نقول: هذان دليلان شرعيان كل منهما يُثْبَتُ به حكم شرعي أليس كذلك لو جاء العام لوحده دون معارض للسنة يُعمل به وتُثبت به الأحكام لو جاء في السنة لوحده دون معارضة مع الكتاب يُثبت به أحكام، إذًا كل منهما دليلان، فإما أن يعمل بهما معًا وإما أن يُطَّرحا معًا وإما أن يقدم العام على الخاص وإما أن يقدم الخاص على العام، [كيف هذا هل يمكن أن يعمل بهما معًا؟ لا ما يمكن إذا أعملت النصين معًا في غير سورة التخصيص لا إشكال، لكن هل يمكن أن تُوَرِّث الولد القاتل ولا تورثه هذا معنى أنك أعملت النصين معناه ماذا؟ أنك قد وَرَّثْتَ الولد القاتل ولم تورثه أيضًا، وَرَّثْتَه ولم تورثه يمكن؟ لا يمكن] هل نسقطهما معًا هذا باطل هل يقدم العام على الخاص مطلقًا؟ نقول: لا لماذا؟ إعمال الدليلين أولى من إهمال أحدهما فلو قدمت العام مطلقًا يعني: ورثت القاتل وهو ولد «لا يرث القاتل» هذا نص {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} هذا يشمل القاتل لو قدمت العام معناه أنك ورثت الولد القاتل ولا يرث القاتل كأنها غير موجود هذا معناه تقديم العام، قدمت الخاص على العام معناه أنك أعملت العام في غير صورة الخاص وأعملت الخاص في ما دل عليه، وهذا الرابع هو الأصح وهو الأولى. أما تخصيص الكتاب بالسنة الآحادية، فالجمهور على جواز التخصيص، تخصيص الكتاب بالسنة الآحادية، الجمهور إذًا فيه خلاف ليس كالأول، الأول متفق عليه، تخصيص الكتاب القرآن بالسنة الآحادية الجمهور على جواز تخصيص الكتاب بالسنة الآحادية وهو الحق بدليلين: أولاً: إجماع الصحابة والحمد لله، فقد خَصَّصُوا قوله تعالى: {وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ} [النساء: 24]. بعد أن عد المحرمات قال: {وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ}. ومنه ماذا؟ جمع المرأة على عمتها والعمة والخالة، والعمة والخالة على المرأة وجاء حديث «لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها». فخصصهم وهذا آحاد «لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها». هذا آحاد خصص الآية {وَأُحِلَّ لَكُم مَّا} هذه صيغة عموم {مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ}.

الثاني: في إثبات تخصيص الكتاب بالسنة الآحادية هو الثاني في النوع الأول يعني تقول: هما دليلان شرعيان كل منهما يثبت به حكم شرعي، إما أن يُطَّرحا معًا أو يعملا معًا أو يقدم العام على الخاص أو الخاص على العام والثلاثة الأولى باطلة فيتعين أن يقدم الخاص على العام لا يلتبس عليك التعبير، تقديم العام على الخاص معناه الخاص كأنه لم يوجد لا أثر له فتقدم العام في الصورة التي دل عليها الدليل الخاص والخاص صار ملغيًا، هذا تقديم العام على الخاص وذكرنا أن هناك رواية عن الإمام أحمد بهذا، والصواب أنه يقدم الخاص عن العام فيعمل العام في غير صورة الخاص، وما كان من صورة الخاص دخل في العام فهو إهدارها الذي ذكرناه في حكم التخصيص أو أثره. قال رحمه الله: النوع الرابع: ما خُصَّ مِنهُ بالسنَّةِ بالسنة يشمل السنة المتواترة القولية والفعلية، والآحادية القولية والفعلية. (تَخْصِيْصُهُ بِسُنَّةٍ قَدْ وَقَعَا) (تَخْصِيْصُهُ) أي: القرآن. (بِسُنَّةٍ) صحيحة أو حسنة وفي الشرع عبر بماذا صحيحة أو في منزلتها. قال المحشي: ليشمل خبر الآحاد ولا إشكال. ليشمل ماذا؟ خبر الآحاد (قَدْ وَقَعَا) (قَدْ) للتحقيق (وَقَعَا) الألف للإطلاق أي: وقعا وقوعًا كثيرًا تخصيص القرآن بالسنة مطلقًا وقعا وقوعًا كثيرًا، وقعا الألف للإطلاق يعني: هذا كثير. (فلا تَمِلْ لِقَولِ مَنْ قَدْ مَنَعَا)، (فلا تَمِلْ) يعني: إذا عرفت أنه قد وقعا وهو كثير بتخصيص الكتاب بالسنة يتفرع على هذا الفاء للتفريع هذه (فلا تَمِلْ) ما نوعه هذا؟ اسم أم فعل أم حرف؟ فعل أي أنواع الأفعال؟ مضارع أم أمر؟ تَمِلْ تميل عنه (فلا تَمِلْ) أصله مأخوذ من الميل مال يميل تميل فلا تمل سكنت اللام للا يعني لا الجازمة فالتقى الساكنان الياء واللام فحذفت الياء (فلا تَمِلْ) يعني: فلا تميل. (لِقَولِ مَنْ قَدْ مَنَعَا) (لِقَولِ) عالمٍ أو شخص قد منعا، الألف للإطلاق لكنه يوهم هذا القول بأن هذا من منعا أن المنع واقع على ماذا؟ على السنة المتواترة في كونها مخصصة للكتاب والسنة الآحادية وليس الأمر كذلك، بل الخلاف في السنة الآحادية، وأما السنة المتواترة فهذا بلا خلاف لأن السنة المتواترة قطعية والقرآن قطعي ولا بأس بتخصيص القطعي بالقطعي، أما الآحاد فعندهم ظنية كلها ظنية كل ما ليس بمتواتر فهو ظني والقرآن قطعي فلا يقوى الظني على تخصيص القطعي (فلا تَمِلْ لِقَولِ مَنْ قَدْ مَنَعَا) كأبي حنيفة وغيره هكذا مثل في الشرح المساوي والأصح أن فيه تخصيص لأن المسألة فيها أربعة مذاهب: المذهب الأول يعني فيمن منع تخصيص الكتاب بخبر الواحد.

المذهب الأول: المنع مطلقًا. والإطلاق هنا يعرف بالمذاهب الآتية وهو مذهب بعض الفقهاء وبعض المتكلمين يعني: لا يجوز أن يخصص القرآن بخبر الواحد مطلقًا ما حجتهم؟ قالوا: إن الكتاب قطعي والسنة ظنية والقطعي لا يخصص بالظن كالنسخ، إذ التخصيص نسخ الحكم عن بعض الأفراد، التخصيص يشبه النسخ وسبق معنا في القواعد الفروق بين التخصيص والنسخ فلا عودة ولا إعادة، لكن نقول هنا: التخصيص نسخ الحكم عن بعض الأفراد يعني: رفع، التخصيص فيه رفع والنسخ فيه رفع، لكن التخصيص رفع عن بعض الأفراد، والنسخ رفع في الغالب عن كل الأفراد، إذًا فرق بينهما. أجيب عن هذه الحجة: بأن خبر الواحد وإن كان ظني الثبوت إلا أن دلالته على معناه أقوى من دلالة العام. لو سُلِّم بأن خبر الواحد من جهة السند ظني الثبوت إلا أنه من جهة الدلالة هو أقوى لأن قوله مثلاً: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ} [البقرة: 228]. دلالته على ذوات الحمل أو الأحمال محتملة، وأولات الحمل هذا نص وأيهما أقوى في الدلالة النص حينئذٍ صار اللفظ أو الخبر خبر الواحد هذا ليس بالسنة كمثال فقط يعني من باب التنظير {وَأُوْلَاتُ الْأَحْمَالِ} [الطلاق: 4] نقول: هذا خاص دلالته على أولات الحمل أظهر من دلالة {وَالْمُطَلَّقَاتُ} على ذوات الحمل لماذا؟ لأن ذاك اللفظ العام ... {وَالْمُطَلَّقَاتُ} يدل على أولات الحمل احتمالاً وهذا يدل عليها من جهة النص فحينئذٍ صار أقوى إلا أن دلالته على معناه أقوى من دلالة العام إلا أنه غير محتمل وأما العام فيحتمل فيكون راجحًا عليه والعمل بالراجح متعين، وبأن النسخ أشد من التخصيص ولذلك منع الجمهور أن ينسخ القرآن بخبر الواحد وهذا سيأتي معنا، جمهور أهل العلم على المنع والصواب على الجواز كما سيأتي بيانه، لكن من باب ذكر المسألة هنا أن أكثر أهل العلم على منع نسخ القرآن بخبر الواحد وجمهورهم على جواز تخصيص القرآن بخبر الواحد لماذا؟ لأن النسخ أشد من التخصيص لأنه رفع لكل الحكم وذاك رفع لبعض الحكم عن الأفراد، وبأن النسخ أشد من التخصيص، وبأن محل التخصيص إنما هو دلالته لا متنه وثبوته، لأنك إذا قارنت بين خبر الواحد بأنه ظني والنص القرآني بأنه قطعي نقول: محل التخصيص ما هو؟ الآن العام {وَالْمُطَلَّقَاتُ} من حيث الثبوت قطعي ومن حيث الدلالة ظني أليس كذلك؟ الآن {وَالْمُطَلَّقَاتُ} نقول: من حيث الدلالة قطعي الثبوت ومن حيث الدلالة والمعنى ظني الدلالة حينئذٍ هل يقال بأن الخبر الواحد ظني فلا يقوى على تخصيص القطعي؟ نقول: هو يخصص اللفظ أم يخصص المدلول؟ يخصص المدلول إذًا الاعتراض ليس بوارد، وبأن النسخ أشد من التخصيص وبأن محل التخصيص إنما هو دلالته لا متنه وثبوته ودلالة العام على كل فرد للخصوص ظنية بخلاف ثبوت ذلك العام في القرآن فإنه قطعي هذا مذهب الأول وهو المنع مطلقًا لا يجوز تخصيص القرآن بخبر الواحد مطلقًا. الثاني: التخصيص بينما خص بقطعي وبينما خص بظني وهذا مذهب كثير من الحنفية. قالوا: إن كان العام في القرآن قد خصص بقطعي يعني: لفظ عام جاءت السنة المتواترة خصصته ثم جاء خبر الواحد وهو ظني فأراد أن يخصص ما خصص بالسنة القطعية المتواترة قالوا: يجوز. لماذا؟

لأنه انتهك عرضه من البداية، فإذا كان كذلك قالوا: يجوز أن يرد خبر الواحد فيخصص أما الذي لم يرد عليه تخصيص فلا يجوز. وهذا مذهب كثير من الحنفية التفصيل بين ما خص بقطعي عام في القرآن خص بقطعي يعني: بسنة متواترة. وبين ما خص بظني، فإن خص بقطعي فجاء الظني مخصصًا جاز وإن لم يخص مطلقًا وهو المحفوظ حينئذٍ لا يجوز أن يخص بخبر الواحد وكلها وحي فعلام التفرقة. الثالث: التفصيل بين المخصص بالمتصل وبين المخصص بالمنفصل، فما لم يخص أو خص بمتصل فلا يخصصه خبر الواحد، وما خص بمنفصل صح. يعني: مثل الأول لكن بالنظر إلى المخصص هل هو متصل أو لا، فما لم يخص أو خص بمتصل يعني: جاء القرآن لفظ عام وجاء مخصص متصل بالقرآن فيجوز حينئذٍ أن يرد المخصص بخبر الواحد لقوله تعالى: {وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ} [آل عمران: 97]. الناس هذا عام جاء تخصيصه في القرآن بمتصل مثل هذا يصح أن يرد خبر الواحد مخصصًا له وما عداه فلا إن خُصَّ بمنفصل فلا {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ} لا يصح أن يخصص بخبر الواحد لماذا؟ لأنه لم يخص بمتصل بل خص بمنفصل. الرابع: يُعمل بما عدا الفرد الذي دل عليه الخاص، أما هو فإنه قد تعارض فنتوقف حتى يرد دليل يرجح أحدهما على الآخر، وهذا منسوب للباقلاني يعني يقول: إذا جاء لفظ عام في القرآن وجاء مخصصه في السنة الآحادية ما دل عليه السنة الآحادية لا نُجْرِي عليه حكم العام مثل لو مثلنا بالحديث «لا يرث القاتل» {يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ} [النساء: 11] هذا يدل على أن القاتل يرث أليس كذلك؟ قوله: «لا يرث القاتل». هذا خبر واحد يدل على أن القاتل لا يرث يقول: نجري في غير قاتل الحكم على ما هو عليه، وأما القاتل فقد تعارض النصان هذا قال: يرث. وهذا قال: لا يرث. نحتاج إلى مرجح خارج فنتوقف، وهذا منسوب إلى الباقلاني المراد من قوله: (فلا تَمِلْ لِقَولِ مَنْ قَدْ مَنَعَا). أن المانعين على أربعة مذاهب ولذلك يقال: في المسألة خمسة مذاهب: الأول: الحق أنه جائز مطلقًا. وبكون خبر الواحد لا يفيد إلا الظن مطلقًا بدون تفصيل هذا محل نظر وليس بسديد. قال: آحَادُهَا وغَيْرُها سَواءُ ... فَبِالْعَرَايَا خُصَّتِ الرِّبَاءُ

(آحَادُهَا) من السنة (وغَيْرُها) غير الآحاد وهو المتواتر سواءٌ هذا تأكيد لما ذكرناه في العنوان ما خص منه بالسنة أن مراد المصنف ماذا؟ المتواتر أو الآحاد وهنا نص على ما دل عليه قول السنة ضمنًا. (آحَادُهَا) أي: السنة آحاد السنة (وغَيْرُها) أي: غير الآحاد وهو المتواتر (سَواءُ) أي: مستوي في جواز تخصيص الكتاب بها (فَبِالْعَرَايَا خُصَّتِ الرِّبَاءُ)، (فَبِالْعَرَايَا) فإذا علمت ذلك فيتفرع ماذا؟ أن العرايا الذي هو حديث العرايا لأنه يريد أن يمثل ماذا؟ {وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275] هذا يشمل العرايا وغيرها فجاءت قصة العرايا في الصحيحين فحملنا اللفظ على غير سورة التخصيص (فَبِالْعَرَايَا) أي: فبحديث العرايا وهو ما رواه الشيخان وهو حديث آحاد أنه - صلى الله عليه وسلم - رخص في بيع العرايا. (خُصَّتِ) آية (الرِّبَاءُ) ربا رباءُ لغتان (خُصَّتِ) آية ... (الرِّبَاءُ) وهي قوله تعالى: {وَحَرَّمَ الرِّبَا}، {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا}. حرم الربا الرِّبا إذًا هذا عام يشمل كل صور الربا ومنه العرايا خصت منه بالسنة حينئذٍ صار ماذا؟ آحادًا قد خصص قرآنًا، (فَبِالْعَرَايَا خُصَّتِ) آية (الرِّبَاءُ) وهي قوله تعالى: {وَحَرَّمَ الرِّبَا} فإنها عامة للعرايا وغيرها، العرايا جمع عرية كمطايا جمع مطية، مأخوذٌ من التعري وهو التجرد، واختلف في تسميتها إذ سميت بذلك أنها عريت من جملة التحريم أي خرجت منها وهي بيع الرطب على رؤوس النخل بقدر كيله من التمر خاصًا في ما دون خمسة أوسق ولها تفاصيل في كتب الفقه، عرفنا هذا، ما خُصَّ منه بالسنة. إذًا قرآن يخص بالسنة، تخصيص القرآن بالسنة مطلقًا ثم قال رحمه الله: النوعُ الخامسُ قال رحمه الله: النوع الخامس، يعني: من العقد، الخامس. [الذي يتعب يريد أن يتكيء ما في مانع ما في .. الذي يتعب ويريد أن يتكيء على جزاه الله خير ... تحت ما في .. .] النوع الخامس من العقد الخامس. ما يرجع إلى المعاني المتعلقة بالأحكام (ما خُصَّ به مِن السنَّةِ) عكس الأول العام في السنة ثم يرد الخاص في القرآن يعني: سنة خصصت القرآن، هل القرآن يخصص السنة هذا أيضًا محل أخذٍ ... وعطاء، (ما خُصَّ به) أي القرآن، القرآن خص به من السنة مطلقًا المتواترة والآحادية. تخصيص السنة مطلقًا المتواترة والآحادية بالكتاب اختلفوا على مذهبين الأول يجوز تخصيص السنة بالكتاب أن يرد اللفظ العام في السنة ويرد اللفظ الخاص في القرآن، نقول: يجوز. وهو مذهب أكثر أهل العلم وهو الحق بدليلين: أولاً: قوله تعالى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} [النحل: 89]. فالكتاب مبين لكل شيء والسنة شيء من الأشياء فيشملها اللفظ لكل شيء هذا من صيغ العموم يعني كل موجود فحينئذٍ السنة شيءٌ من الأشياء فحينئذٍ صح ماذا؟ أن يكون الكتاب مبينًا طيب، نحن نقول ماذا؟ نقول: مخصص. والتخصيص بيان [أحسنت]. إذًا قوله تعالى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} والسنة شيء والتخصيص بيان فيكون الكتاب مخصصًا للسنة.

الثاني: العام من السنة مطلقًا والخاص من الكتاب دليلان شرعيان نعم دليلاً شرعيان هذا نظر استقراء وتتبع لا يمكن إسقاط هذا النظر، لأن العام الذي هو من القرآن والخاص الذي في السنة دليلان شرعيان كل منهما يثبت به حكم شرعي، إما أن يعمل بهما معًا وإما أن يُطَّرحا معًا وإما أن يقدم العام وإما أن يقدم الخاص على ما ذكرناه والأصح أنه يقدم الخاص على العام، إذًا يقدم الخاص على العام مطلقًا سواءً كان الخاص بالكتاب أو بالسنة قاعدة عامة، الخاص يقدم على العام مطلقًا سواءٌ كان العام من الكتاب أو من السنة وسواءٌ كان الخاص من الكتاب أو من السنة وسواءٌ كانت السنة متواترة أو آحادية. المذهب الثاني: لا يجوز تخصيص السنة بالكتاب، لماذا؟ يعني: لا يجوز أن يرد اللفظ العام في السنة ويرد مخصصه في القرآن لماذا؟ هذا مذهب بعض الشافعية وبعض المتكلمين قالوا: دليلهم دفع الإيهام لأنك لو جعلت الكتاب مخصصًا للسنة والتخصيص بيان لصار الكتاب مبينًا للسنة والعكس هو الذي جاء به النص فدفعًا لهذا الإيهام قالوا: نمنع ماذا؟ نمنع أن يكون الكتاب مخصصًا للسنة. إذًا دليلهم دفع الإيهام وهو أنه إذا وصف الكتاب بكونه بيانًا للسنة تُوهِّم بأنه تابعٌ للسنة لأن البيان تابعٌ فوجب ألا يجوز دفعًا للإيهام، إيهام من؟ وأجيب بالمنع، نمنع أن يكون ثّمَّ إيهام لأن الله تعالى وصف الكتاب بكونه: {تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} [النحل: 89]. ومنه السنة ولا إشكال وهذا كان في معرض المدح حينئذٍ لو كان المبين تابعًا للسنة وهنا قد جاء المدح به نقول قد دل الدليل على أنه تابعٌ وهو ممدوحٌ، فحينئذٍ ليس عندنا إيهام يمكن دفعه، فهو مُبَيِّن ومُبَيَّن في كلتا الحالتين هو ممدوح وإذا مدح صار ماذا؟ صار أصلاً ولذلك يمكن أن يدفع هذا الإيهام بماذا؟ بما تقرر في نفوس وخاصة الناظر في التخصيص العام وبأهل العلم بكون القرآن أصلاً هل يمكن أن نقول قائل من أهل العلم وممن يعرف أن هذا تخصيص وهذا مخصص أن يقول: إن السنة هي الأصل مطلقًا في الأحكام الشرعية، هذا لا يرد حتى في حديث النفس، بل القرآن هو الأصل والسنة فرعٌ، والسنة حجيتها ثابتةٌ بالقرآن ولا شك.

إذًا أجيب بالمنع لأن الله تعالى وصف الكتاب بكونه: {تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} في معرض المدح له فلا يوهم التبعية وإلا لما كان ذلك صالحًا للمدح ولو سلمنا جدلاً بأنه تابعٌ له فإن الإيهام زائلٌ ومرتفعٌ بما عُلِمَ بالضرورة من كون القرآن أصلاً والسنة فرعًا لا يختلف اثنان في هذا، فكون القرآن مبينًا لا إشكال فيه القرآن يخصص السنة والسنة تخصص القرآن وكلاهما وحيٌ: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 3، 4]. فلا إشكال، ولذلك مثل هذه المسائل الأصل فيها أنه ينظر في الوقوع وقع أو لا؟ إن وقع إنه أصلٌ ما نأتي ننظر في عقولنا يجوز أو لا يجوز؟ ثم نأتي ولو وقع في الوجود تخصيص السنة بالقرآن نأتي نؤول ونحرف، لا، التأصيل والتقعيد يكون تابعًا للوقوع في الكتاب والسنة، فإن وقع ننظر وقع أو لا إن وقع حينئذٍ نقول: جائز ولا إشكال فنقعد على الموجود، وأما أن ننظر إليها نظرة عقلية بحتة ثم ننظر بعد ذلك في الكتاب والسنة فإذا جاء نقول: خالف القاعدة إذًا ليس بمخصص هذا ليس بسليم. (النوعُ الخامسُ: ما خُصَّ به مِن السنَّةِ وعَزَّ) يعني: قل وندر (لَمْ يُوْجَدْ سِوَى أَرْبَعَةِ). (وعَزَّ) يعني قل تخصيص السنة بالكتاب، هذا عزيز وقليل لو وجد، إذا قال: (وعَزَّ) هذا مثل ما ذكرناه عن ابن تيمية رحمه الله في المترادف قال ماذا: قل وندر وجود المترادف في اللغة قليل في اللغة وأما في القرآن فإما نادرٌ أو معدوم، أما في اللغة قال: قليل. إذًا الحكم عليه بكونه نادر في القرآن أو قليل في اللغة هل يمنع وجود الترادف؟ لا يمنع وجود الترادف إذًا الترادف موجود لكنه قليل. هنا يقول: بجواز تخصيص السنة بالكتاب لكنه قليل ولذلك قال: (وعَزَّ) أي قل وندر، لم يوجد تخصيص السنة بالكتاب سوى أربعة أمثلة وزاد عليها السيوطي خامسة في ((الإتقان)) وهي قوله تعالى: {فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي} [الحجرات: 9]. قال: هذه آية خصت، خُص بها عموم قوله - صلى الله عليه وسلم -: «إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار». (سِوَى أَرْبَعَةِ) يعني من الآيات قد خُصّ بها أربعة أحاديث (وعَزَّ لَمْ يُوْجَدْ) قل (لَمْ يُوْجَدْ) تخصيص السنة بالكتاب (سِوَى) هذا استثناء غير (أَرْبَعَةِ) من الآيات أو أربعة آيات أربعة من الآية أحسن الإضافة لا تصح لأنه يجب تجريد أربعة من التاء أربع آيات، أما أربعة آيات لا، ولذلك نقدر من أربعة من الآيات ليصح التركيب، قد خُصَّ بها أربعة أحاديث إذًا عندنا أربعة أحاديث فيها لفظٌ عام ومخصصاتها في الكتاب، وذلك: (كآَيَةِ الأَصْوَافِ أَوْ كَالجِزْيَةِ والصَّلَواتِ حَافِظُوا عَلَيْهَا ... والعَامِلِيْنَ ضُمَّهَا إِلَيْهَا

وذلك: (كآَيَةِ الأَصْوَافِ) في سورة النحل قال تعالى: {وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ} [النحل: 80]. هذه آية خَصَّتْ قوله - صلى الله عليه وسلم -: «ما أُبِينَ من حيٍ فهو ميت». وسيأتي (أَوْ كَالجِزْيَةِ) أو بمعنى الواو لأنه يريد أن يجمع الأربعة فلا معنى للواو هنا إلا أن تكون أداة لمعنى أو إلا أن تكون بمعنى الواو (أَوْ) بمعنى الواو (كَالجِزْيَةِ) يعني: كآية الجزية في سورة التوبة: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ} إلى قوله: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29]. هذه المراد آية الجزية أو آية (الصَّلَواتِ حَافِظُوا عَلَيْهَا) {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} [البقرة: 238] هذه في سورة البقرة. وآية (العَامِلِيْنَ) ضمها إليها: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} إلى قوله: {وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا} [التوبة: 60] ... (والعَامِلِيْنَ) يعني: وآية العاملين (ضُمَّهَا) يعني ضم آية العاملين إليها إلى الثلاثة المتقدمة هذا من باب التكملة. إذًا ذكر أربع آيات في القرآن هذه كلها مخصصات لأربعة أحاديث، ثم سيسرد لنا الأحاديث التي هي مشتملة على لفظ عام من السنة (حَدِيثُ مَا أُبِيْنَ في أُولاهَا خُصَّ) يعني أولى تلك الآيات الأربعة، وهي آية الأصواف خص أي عموم ذلك الحديث (مَا أُبِيْنَ). (مَا) صيغة عموم كل ما قطع من الميت فهو ميت. فحكمه النجاسة هذا عام أليس كذلك، فإذا جُزَّ الصوف منها أو الوبر أو الريش وهي ميتة فحكم الريش وحكم الوبر وحكم الصوف أنه نجس، أليس كذلك؟ [صحيح، نعم] «وما أبين من حي فهو ميت». وحكم الميتة ماذا النجاسة، قوله تعالى: {وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا} ... [النحل: 80]. هذا جاء في سياق الامتنان، والقاعدة أن الرب جل وعلا لا يمتن إلا بما هو طاهر وقوله: {وَمِنْ أَصْوَافِهَا}. هذا يشمل كونها حية أو ميتة {وَأَوْبَارِهَا}. يشمل كونها حية أو ميتة، فامتن الرب جل وعلا بأصواف هذه الأنعام وهي حية وهي ميتة فدل على ماذا على أنها طاهرة، فنأتي بهذا النص من السنة: «ما أبين». فنخرج منه ماذا؟ الصوف والوبر والريش، فنحكم عليه بأنه طاهر فلو وجد عنك ميتةٌ نجسة لا شك الأصل على إعمال الحديث نقول: ريشها وشعرها أو وبرها نقول: هذا نجس لكن نخصه ونحكم عليه بكونه طاهرًا بدلالة الآية، فصارت الآية خاصة واللفظ هنا في الحديث عام (حَدِيثُ مَا أُبِيْنَ في أُولاهَا) «ما أبين من حيٍ فهو ميتٌ». هكذا رواه الحاكم عن أبي سعيد وصححه على شرط الشيخين، دل على أن ما انفصل من حيٍ فحكمه حكم الميت مطلقًا، صوفًا أو وبرًا أو غيرها وخصصت الآية بكونه طاهرًا (خُصَّ) أي عموم ذلك الحديث انتهى. (وأَيْضًا خَصَّ ما تَلاهَا لِقَولِهِ أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلا ... مَنْ لَمْ يَكُنْ لِمَا أَرَدْتُ قَابِلا

(وأَيْضًا) أي: وكما خَص ذلك أو خُص ذلك الحديث بتلك الآية آية الأصواف آض يئيض أيضًا نرجع مفعول مطلق لعامل محذوف وجوبًا (خَصَّ) بالبناء للفاعل (ما تَلاهَا) أي: تلا الآية الأولى (ما تَلاهَا) الضمير يعود على الآية الأولى الذي تلا الآية الأولى ما هو؟ آية الجزية، خصت ماذا؟ خصت لقوله: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله»، «أمرت أن أقاتل الناس» الناس هذا لفظ عام وهو وارد في السنة أليس كذلك يشمل ماذا؟ يشمل من؟ كل كافر كل مشرك من أهل الكتاب ومن غيرهم سواءٌ أهل الجزية أم غيرهم أليس كذلك؟ يشمل الكل لكن الآية قيدت القتل بماذا؟ بدفع الجزية «أمرت أن أقاتل الناس» مطلقًا ولو دفعوا الجزية هذا ظاهر النص، ولو دفع الجزية أيضًا يقاتل، القتل مستمر ولو دفع الجزية، لكن جاءت الآية مُقَيِّدَة {حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ} [التوبة: 29]، {قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ} إلى {حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ} قاتلوا الذين لا يؤمنون حتى يعطوا الجزية فإن أعطوا الجزية ارتفع الأمر بالقتل فصارت الآية مخصصة لعموم الحديث. (وأَيْضًا خَصَّ ما تَلاهَا لِقَولِهِ) خص ما تلاها الذي تلاها (لِقَولِهِ) اللام هذه زائدة لأن خَصَّ فعل ماضي وما هذا فاعلها (ما تَلاهَا) يعني: تلا الآية الأولى وهي آية الجزية كأنه قال: خَصَّتْ آية الجزية قوله، قوله هذا مفعول به دخلت عليه اللام فنقول هذه زائدة (تَبارَكَ المُنْزِلُ للفُرقانِ) هناك بينا تلك المسألة فلا عودة ولا إعادة. إذًا اللام هذه زائدة مؤكدة لقوله - صلى الله عليه وسلم - فيما رواه الشيخان: «أمرت أن أقاتل». (أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلا) الألف هذه للإطلاق يعني أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، (مَنْ لَمْ يَكُنْ لِمَا أَرَدْتُ) ما الذي أراده عليه الصلاة والسلام الشهادة قولوا كلمة واحدة من النطق بالشهادتين (قَابِلا) قابلاً وناطقًا لها، الألف هذه بدل عن التنوين. وخَصَّتِ البَاقِيَةُ النَّهْيَ عَنِ ... حِلِّ الصَّلاةِ، والزَّكاةِ لِلْغَنِيْ

(وخَصَّتِ البَاقِيَةُ) من الآيتين وهي آية {حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى} [البقرة: 238] وآية العاملين عليها (وخَصَّتِ البَاقِيَةُ) من الآيتين (النَّهْيَ عَنِ حِلِّ الصَّلاةِ) هذا راجع إلى الآية {حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى} هذا راجع إليها {حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ} هذا يشمل ماذا؟ المكتوبة، والمراد بها المكتوبة مطلقًا يعني: سواء كانت في وقت النهي أو لا، أحاديث وردت بالنهي عن الصلاة ما بين الصبح إلى طلوع الشمس، ووقت الدلوك، وما بعد صلاة العصر إلى الغروب نصوص كثيرة متواترة في هذا، هذه الأحاديث عامة نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس، هذا يشمل ماذا؟ هذا عام أو لا؟ يشمل المكتوبة أو لا؟ فلو كانت منسية تذكر بعد صلاة العصر يصلي أو لا بعموم هذا الحديث لا يصلي، لكن بقوله: {حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ} يشمل المكتوبة مطلقًا في أي وقت كان فحينئذٍ نجعل هذه الآية مخصصة لقوله عليه الصلاة والسلام بالنهي أو الأحاديث الواردة في النهي عن الصلاة في الأوقات المعلومة مطلقًا لأن النهي عام يشمل الصلاة المكتوبة وغيرها لكنه مخصوص بهذه الآية (وخَصَّتِ البَاقِيَةُ) من الآيتين (النَّهْيَ) هذا مفعول به (عَنِ حِلِّ الصَّلاةِ) هذا راجع للآية ... {حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ} (والزَّكاةِ لِلْغَنِيْ) هذا راجع لآية العاملين قال: {وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا} [التوبة: 60]. جاء حديث «لا تحل الصدقة لغني». هذا يشمل ماذا؟ سواء كان عاملاً عليها أو لا وقوله: {وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا}. خاص أو عام؟ خاص نحن نقول: الخاص في القرآن {وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا} هذا خاص من جهة ويشمل الغني والفقير من جهة أخرى، قوله: «لا تحل الصدقة لغني». سواء كان عاملاً أو لا وخصننا ماذا؟ اللفظة بكونه غير عامل يعني لفظ الحديث «لا تحل الصدقة لغني» إلا العاملين عليها فتحل مطلقًا سواء كانوا فقراء أو لا. إذًا قوله: وخَصَّتِ البَاقِيَةُ النَّهْيَ عَنِ ... حِلِّ الصَّلاةِ، والزَّكاةِ لِلْغَنِيْ

نقول: معنى البيت أن قوله تعالى: {حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ} مخصصة لنهي النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الصلاة في الأوقات المنهي عنها المروي في الصحيحين وغيرهما فإنه عام للصلوات المكتوبة وغيرها وخصته الآية بما عدا المكتوبة، وأما المكتوبة فمأمور بالمحافظة عليها مطلقًا في أوقات النهي وفي غيرها، فصار اللفظ خاص في ماذا؟ في القرآن {حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ} المراد بها الخمس {والصَّلاَةِ الْوُسْطَى} هذا من باب التأكيد وهي صلاة العصر على الصحيح، وحينئذٍ يحمل أحاديث النهي على ماذا؟ على ما عدا المكتوبات مطلقًا أليس كذلك؟ الجمهور على الإطلاق يعني: لا يحل أو لا تحل الصلاة غير المكتوبة في أوقات النهي ولو كانت ذوات أسباب وهذا هو الأصح، أن النهي عام يشمل ذوات الأسباب وغيرها ولم يرد نص بتعميم ذوات الأسباب بأنه مصطلح خاص يشمل عدة فرائض أو عدة نوافل فيخرج بهذا الوصف هذا ليس فيه ذوات أسباب غير مسماة لا في عرف الصحابة ولا في عرف كبار التابعين، وإنما جاء استنباطًا عند الشافعية ولذلك الجمهور على المنع مطلقًا وهذا هو الصح (وخَصَّتِ البَاقِيَةُ النَّهْيَ عَنِ حِلِّ الصَّلاةِ) وقوله: {وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا} مُخَصِّصَة لقوله مما رواه أو فيما رواه النسائي وغيره بلفظ: «لا تحل الصدقة لغني». فإنه عام شامل للعاملين وغيره فخصته الآية بغيرهم وهي حل لهم. النوع السادس: المُجْمَلُ النوع السادس من العقد الخامس فيما يرجع إلى المعاني المتعلقة بالأحكام ... (المُجْمَلُ) والأصل والمجمل والمبين، لكنه ترك المبين مع أنه يحتاج إلى بحث لعله لما كان تابعًا للنقاية مختصر فتركه كما تركه هناك لعله من باب التسهيل والتيسير على المبتدئ (المُجْمَلُ) اسم مفعول من أجملت الشيء. وهو لغةً: المجموع. أجملت الشيء إجمالاً جمعته من غير تفصيل، إذًا هو في اللغة المجموع. يقال: أجملت الشيء إجمالاً جمعته من غير تفصيل، ويطلق على الخلق والمبهم والمحصل لذلك جاء فجملوه يعني: أذابوه وخلطوه بغيره. وفي الاصطلاح كما عرفه الناظم هنا: ما لم تضح دلالته على معناه. يعني: لفظ لم تضح دلالته على معناه. إذًا هو له معني ولكنه غير ظاهر الدلالة فيه مثاله كالمشترك المشترك له معاني كما في قوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ} [البقرة: 228]. قروء قلنا: هذا مشترك يصدق على الطهر ويصدق على الحيض. إذًا له معنى لكن من حيث اللفظ دون النظر إلى شيء آخر {ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ} هل اتضح المعنى المراد؟ لا، لم يتضح لماذا؟ لأنه يحتمل معنيين هما متنافيان، لا يمكن أن يحمل على المعنيين معًا لو لم يكن متنافيين نقول: لا إجمال. لماذا؟

لأن الأصح أن المشترك إذا دل على معاني متعددة ولم يكن بينها تنافي حمل على الجميع. وحكى شيخ الإسلام ابن تيمية أن هذا مذهب الأئمة الأربعة وهذا قرره الشافعي في كتاب ((الرسالة)) أنه يحمل على كل المعاني، أما إذا لم يكن أو كان بينها تنافي حينئذٍ يستحيل أن يحمل على كِلا المعنيين، إذًا ما لم تضح دلالته على معناه، إذا فما اتضحت دلالته على معناه هذا هو المبين، قد يكون نصًا، وقد يكون ماذا؟ ظاهرًا وقد يكون مؤولاً بالدليل فصار متضحًا. يعني: يحتمل معنيين هو في أحدهما أرجح لكنه رُجح أو قُدم المعنى المرجوح بدليل صحيح وهذا يسمى ماذا؟ يسمى مؤولاً بالدليل، هل معناه متضح؟ نقول: نعم، النص معناه متضح الظاهر معناه متضح بقي ماذا؟ المجمل، وعرفه في مختصر التحرير بقوله: ما تردد بين مُحْتَمِلَيْنِ فأكثر على السواء. وهذا أحسن ما تردد ما يعني: لفظ. تردد بين مُحْتَمِلَيْنِ، إذًا ما دل على معنى واحد نص، فلذلك أخرج النص فله محمل، فأكثر بالمعنيين على السواء أخرج ماذا؟ الظاهر، لماذا؟ لأنه وإن دل على معنيين إلا إنه في أحدهما أظهر من الآخر وأخرج الحقيقة التي لها مجاز لأنها اللفظ الأسد مثلاً يدل على معنيين أليس كذلك؟ يدل على الحيوان المفترس ويدل على الرجل الشجاع موضوع وضعًا شخصيًّا بالأول وموضوع وضعًا نوعيًّا بالثاني. المجمل هل هو واقع في القرآن أم لا؟ نقول: نعم مذهب جماهير أهل العلم أن المجمل واقع في القرآن، ولذلك ذكره هنا على أنه نوع من أنواع علوم القرآن، المجمل واقع في القرآن خلاف لداود الظاهري فإنه منعه قيل: مطلقًا. وقيل: منعه يعني منع وقوعه إن لم يكن مبينًا لا مطلقًا، إن كان مبينًا قال: يجوز وقوعه في القرآن. وإن لم يكن مبينًا قال: لا يجوز وقوعه في القرآن. إذًا فيه تفصيل، ولكن أكثر أهل العلم بل الجماهير أنه واقع في القرآن. أسباب الإجمال، ما السبب الذي يؤدي إلى عدم ظهور المعنى أو تردد اللفظ بين معنيين على السواء؟ منها الاشتراك الذي ذكرناه في السابق لكن مع عدم إمكان الجمع بين المعاني منها المشترك أو الاشتراك نحو {وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ} [التكوير: 17]، عسعس قلنا: هذا لفظ مشترك وهو فعل يُطلق على معنيين متضادين أدبر وأقبل، أقبل وأدبر، هل يمكن حمل اللفظ على معنيين؟ الجواب: لا. فإنه موضوع لأقبل وأدبر كذلك القرء موضوع للطهر والحيض والشفق كذلك متردد بين البياض والحمرة إذًا الاشتراك من أسباب ماذا؟ من أسباب وقوع اللفظ في الإجمال أو الوقوع في الإجمال، ومنها الاشتراك في اللفظ المركب، ذاك في المفرد وهذا في اللفظ المركب نحو {أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} [البقرة: 237] هذا يحتمل ماذا؟ {يَعْفُوَ} من الذي يعفو الزوج أم الولي؟ يحتمل حصل هنا الاشتراك بالتركيب لأنه فاعل، ولا فاعل إلا مع فعله إذًا حصل بماذا؟ بالتركيب {أَوْ يَعْفُوَ} يحتمل الزوج وهو رأي أبا حنيفة والشافعي وأحمد في رواية، أو الولي وهو رأي الإمام مالك رحمه الله تعالى.

ومنها الاشتراك في الحرف {فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ} [المائدة: 6] منه، يحتمل أنه للابتداء ويحتمل أنها للتبعيض حصل الاشتراك في ماذا؟ في اللفظ فلفظ {مِّنْهُ} متردد بين أن تكون لابتداء الغاية وبين أن تكون للتبعيض. كذلك الواو في قوله تعالى: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ} [آل عمران: 7]. {وَالرَّاسِخُونَ} هل هي للابتداء الاستئناف أم عاطفة فيه خلاف وينبني عليه خلاف في المعنى، محتمل العطف والابتداء. ومنه الحذف {وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ} [النساء: 127] {وَتَرْغَبُونَ} الرغب يتعدى بفي ويتعدى بعن، رغبت عنه صرفته عنه، رغبت فيه أقبلت، وهنا حذف فوقع إجمال، ترغبون عن أن تنكحوهن أو ترغبون في نكاحهن هذا حصل فيه إجمال. ومنها التصريف في اللفظ، صرف يعني، نحو المختار وذكرنا مثال في القرآن {وَلاَ يُضَآرَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ} [البقرة: 282] وذكرناه في قواعد الأصول. حكم المجمل: يجب التوقف فيه - لو ورد في القرآن - يجب التوقف فيه، فلا يجوز العمل به حتى يرد الدليل الخارج المعين للمراد. يعني: الأصل التوقف حتى يرد الدليل المعين للمراد ولكنه دليل خارجي. هل يجوز إبقاء اللفظ المجمل على إجماله بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - أو لا؟ هل يجوز أو لا؟ فيه مزاعم، هي ثلاثة أقوال، أصحها: لا يجوز إبقاء المكلف بالعمل به ويجوز إبقاء غيره، يعني التفصيل، إن كان المجمل متعلقًا بحكم تكليفي لا يجوز أن يبقى مجملاً وإن لم يكن متعلقًا بحكم تكليفي فيجوز أن يبقى مجملاً، وهذا هو الصواب لماذا؟ لأن ما تعلق به حكم تكليفي حينئذ يجب البيان ولا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة فكيف تنزل الآية وفيها لفظ مجمل والناس مطالبون بامتثال هذا الأمر أو ما دل عليه اللفظ المجمل ثم يموت النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يبينه هذا بعيد لأن تأخير البيان عن وقت الحاجة هذا لا يجوز بالإجماع. والثاني: يجوز بقاؤه - الذي لا يتعلق به تكليف - مجملاً لعدم وجود الضرورة إلى بيانه. القول الثاني: لا يجوز بقاء المجمل بدون بيان مطلقًا وهو مذهب كثير من العلماء لقوله تعالى: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} ... [النحل: 44]. {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ} وفيه المجمل {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ} إذًا هو مأمور بالبيان، هذه وظيفة النبي - صلى الله عليه وسلم - فإذا لم يبين المجمل قالوا: لم تحصل لكنه هناك فائدة في المجمل ولذلك اختلفوا {الم} هذه ما المراد بها؟ فيه خلاف طويل عريض هل بينت؟ ما بينت كلٍّ يقول باجتهاده نقول: مات النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يبين المراد به وهو في غير الأحكام الشرعية ولا بأس ويحصل به الابتلاء في الإيمان والتسليم. المذهب الثالث والأخير: يجوز بقاؤه مجملاً مطلقًا لعدم ترتب المحال عقلاً فكان جائزًا وهذا ضعيف. قال رحمه الله تعالى: النوع السادس: المُجْمَلُ مَا لَمْ يَكُنْ بِوَاضحِ الدَّلالَةِ ... كالقُرْءِ إِذْ بَيَانُهُ بالسُّنةِ

(مَا لَمْ يَكُنْ) (مَا) أي: لفظ، وهذا مطلق فيشمل اللفظ المفرد والمركب، المركب تمثل له بماذا؟ {أَوْ يَعْفُوَ} لأنه مركب إجمالٌ وقع بالتركيب، ولفظ مفرد تمثل له بالقرء ونحوه، ثم المفرد هذا قد يكون اسمًا وقد يكون فعلاً وقد يكون حرفًا، وقد يقع الإجمال في الأسماء كالقرء وقد يقع في الأفعال كـ: {عَسْعَسَ}، وقد يقع في الحرف كـ: {مِن} أليس كذلك؟ (مَا لَمْ يَكُنْ بِوَاضحِ الدَّلالَةِ) يعني: المجمل هو اللفظ الذي لم يكن بواضح الدلالة لم يكن واضح الدلالة واضحِ الباء هذا زائدة وقاعة في جواب يكن. وَبَعْدَ مَا وَلَيْسَ جَرَّ البَا الْخَبَرْ ... وَبَعْدَ لا ونَفْي كَانَ قَدْ يُجْز نفي كان هذه باء زائدة للتوكيد والأصل لم يكن واضحًا، فتكون الباء زائدة واضحِ بالجر هذا خبر منصوب كيف منصوب وهو مكسور الخبر يكن منصوب [منصُوب نعم منصوب علامة نصبه فتحة مقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد وهو الباء]. وَبَعْدَ مَا وَلَيْسَ جَرَّ البَا الْخَبَرْ ... وَبَعْدَ لا ونَفْي كَانَ قَدْ يُجْز (مَا لَمْ يَكُنْ بِوَاضحِ الدَّلالَةِ) الدلالة فهم أمر من أمر أو كون أمر بحيث يُفهم منه أمر فهم منه بالفعل أو لا، على ما ذكرناه مرارًا. لما لم يكن بواضح الدلالة؟ نقول: بسبب من أسباب الإجمال سابقة الذكر لا بد من تقيده (مَا لَمْ يَكُنْ بِوَاضحِ الدَّلالَةِ) بسبب من أسباب الإجمال المذكورة السابقة ومنها الاشتراك واقتصر عليه الناظم، ومنها يعني من أسباب الإجمال الاشتراك وهذا خص عليه الناظم لذلك قال: (كالقُرْءِ). مثال الكاف تمثيلية لا استقصائية كاف تمثيلية لا استقصائية (كالقُرْءِ) يعني: وذلك المجمل الذي لم يكن بواضح الدلالة كلفظ القرء بفتح وضم يقال قُرء وقَرء، ويجمع على أَقْرَاء وقُرُوء دون تفصيل، يعني سواء كان المراد به الطهر يجمع على قروء وأقراء، أقراء جمع قلة وقروء جمع كثرة، وإن كان المراد به الحيض نقول: أيضًا يجمع على أقراء جمع قلة وقروء جمع كثرة لماذا؟

ردًا على من قال: أنه إذا جمع على أقراء فالمراد به الحيض وإذا جمع على قروء فالمراد به الطهر. وهذا التفريق ليس بسديد ليس عليه دليل. (كالقُرْءِ) هذا يستعمل في ماذا؟ في القرء والحيض (إِذْ بَيَانُهُ) كالقرء الوارد في قوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ} [البقرة: 228]. إذًا وقع في القرآن وهذا الذي عنون له المصنف (إِذْ) هذه للتعليل، (إِذْ بَيَانُهُ) بيان ماذا؟ القرء هل المراد به في الآية الحيض أم الطهر؟ بالسنة جاء ثابتًا بالسنة على خلاف بين العلماء هل المراد به الطهر فأيدوه بسنة أو مرادًا به الحيض فأيدوه بسنة (كالقُرْءِ إِذْ بَيَانُهُ بالسُّنَّةِ) يعني: هي التي تبين أن المراد به الطهر أو المراد به الحيض، قيل: المراد بالقرء هو الطهر لحديث ابن عمر في الصحيحين لما طلق زوجته وهي حائض فغضب النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال: «مره فليراجعها ثم ليمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثم إن شاء أمسك وإن شاء طلق قبل أن يمس فتلك العدة التي أمر الله تعالى أن يطلق لها النساء». فدل على ماذا؟ على أن زمان العدة هو الطهر وعليه مالك والشافعي وجه الاستدلال فيه بعد. أو الحيض يعني قيل الحيض لحديث فاطمة بنت أبي حبيش .. إني امرأة استحاض إلى آخره قال: «دعي الصلاة أيام أَقْرَائك». متى تدع الصلاة أيام الطهر أم الحيض؟ الحيض فدل على أن القرء المراد به الحيض. أجاب أولئك قالوا: أقراء. هذا جمع، والمراد به قرء إذا جمع على أقراء فهو الحيض وإذا جمع على قروء فالمراد به الطهر، لكن هذا لا دليل عليه، وعليه أبو حنيفة وأحمد هذا ما يتعلق بالمجمل. [النوعُ السابعُ: المُؤَوَّلُ المؤول شرحناه فيما سبق (لا تأويله فحررا) ذكرنا معناه في اللغة ومعانيه في الاصطلاح ذكرنا المعنى الثالث وهو أن المتأخرين لا يعرف عن السلف وهو أنهم يأتون إلى اللفظ الظاهر، قول الظَّاهر هذا ما احتمل معانين هو في أحدهما أظهر إذًا يحمل على المعنى الراجح لا على المعنى المرجوح، قد يأتي دليل فَيُعَيِّن أن المراد المعنى المرجوح دون الراجح فيقدم المرجوح على الراجح، هذا ننظر إلى الدليل فإن صح الدليل صح التأويل وإلا فلا. النوعُ السابعُ: المُؤَوَّلُ: وهو صرف اللفظ عن ظاهره الراجح إلى معناه المرجوح بدليلٍ، هذا المراد به عند المتأخرين وذكرنا الأنواع الثلاثة فيما سبق. النوعُ السابعُ: المُؤَوَّلُ: هذا اسم مفعول أُوِّلَ يُؤَوَّلُ فَهُو مُؤَوَّلُ بمعنى الرجوع كما ذكرناه.

(عَنْ ظَاهِرٍ مَا بِالدَّلِيلِ نُزِلا) عَرَّفَه في الشرح بقول: ما ترك ظاهره بدليل. يعني: ما صُرِفَ عن ظاهره بدليل أي كان الدليل مستقيمًا صحيحًا سُمِّيَ تأويلاً صحيحًا وإلا صارًا مردودًا أو باطلاً. (عَنْ ظَاهِرٍ) هذا جار ومجرور متعلق بقوله: (نُزِلا). والألف نزلا الألف للإطلاق بمعنى ماذا؟ بمعنى تُرِكَ. كقولك: نَزَلْتُ عن الحق إذا تركته. (عَنْ ظَاهِرٍ) جار ومجرور متعلق بقوله: (نُزِلا). (مَا بِالدَّلِيلِ) (مَا) أي: لفظ. (بِالدَّلِيلِ) قيل: القطعي ولا يشترط فيه. بل متى ما صح الدليل سواء كان قطعيًّا أو ظنيًّا، ولكن لعلهم قيدوه بالقطعي للمثال الذي سيذكره في الشرح قيدوه بالقطعي لعله للمثال الذي سيذكره. إذًا (مَا بِالدَّلِيلِ نُزِلا) ما تُرك بالدليل عن ظاهره أليس كذلك؟ ما نُزلا بالدليل عن ظاهر يعني: ما تُرك بالدليل عن ظاهره فحُمل على المعنى المرجوح دون المعنى الراجح، والمعنى لفظ تُرك ظاهره بسبب الدليل المانع من ذلك، هذا المراد بالشطر الأول معنى لفظ ترك ظاهره بسبب الدليل القطعي المانع من ذلك، والقطع هذا لا نحتاجه، (كاليَدِ للهِ هُوَ الَّلذْ أُوِّلا) هذه مصيبة المجاهل (كاليَدِ) يعني: وذلك الظاهر المؤول بدليلٍ ما هو؟ اليد لله لماذا؟ يد الله في قوله تعالى: {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} [الفتح: 10]. قالوا: يد الله هذه لا يفهم منها إلا الجارحة، أولاً شبهوا اعتقدوا التشبيه أن ألفاظ أو أسماء أو الصفات التي هي للرب جل وعلا قالوا: لا نُدرك منها إلا ما نُدركه من أنفسنا، فإذا قال: {يَدُ اللَّهِ} لا نفهم من لفظ يد إلا هذه، والله جل وعلا منزه عن هذه الجارحة. نقول: نعم الله عز وجل منزه عن اليد الجارحة لكن ما الذي أدراكم أن مراده بـ: {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} أنها اليد الجارحة، ما الذي أدراكم؟ نقول: لا الصفة بحسب الموصوف بحسب الذات، إن أضيفت اليد إلى المخلوق فهي على ما تليق به، وإن أضيف إلى الخالق فهي على ما تليق به، فكما أن المضاف إليه وهو الخالق مباينًا كل المباينة عن المخلوق فمن باب أولى أن تباين من جهة الصفات، ولذلك نقول: الكلام في الصفات فرع الكلام في الذات، كما نثبت ذاتًا لا مثيل لها ولا نظير لها ولا تشبهه الذوات كذلك نثبت صفات له لا نظير لها ولا مثيل لها ولا تشبهها الصفات. إذًا عرفنا القاعدة العامة أن الكلام في الصفات فرع الكلام في الذات (كاليَدِ للهِ) يعني ظاهرها ماذا؟ قالوا: الجارحة هذا ظاهرها وإذا أولت بمعنى ماذا القوة مثلاً قوة هذا معنى مرجوح والظاهر أن المراد ماذا؟ الجارحة حينئذٍ نصرف لفظ اليد من الدلالة على الجارحة وهو أظهر فيها إلى المعنى المرجوح وهو؟ القوة ونحو ذلك فسموه ماذا؟ مؤولاً بالدليل، لكن المثال فاسد هذا. (كاليَدِ) إذ ظاهرها الجارحة (للهِ) في قوله تعالى: {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} (هُوَ الَّلذْ أُوِّلا) (هُوَ الَّلذْ)، (الَّلذْ) هذا لغة في الذي وَأْبَ الَّلذْ أُبِي وجعل اللذ كاعتقد

(هُوَ الَّلذْ أُوِّلا) بالبناء للمجهول أو مغير الصغية والألف للإطلاق، هذا المثال فاسد، لو أردنا مثالاً صحيحًا ماذا نقول؟ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ} [المائدة: 6] هذا مثل له بالظاهر ومثل له هناك في الذي يُطرح إلى المعنى المرجوح بأدنى دليل، ذكرناه في القواعد قال: الظاهر بعضه يحتاج إلى دليل قولي، وبعضه يحتاج إلى دليل متوسط، وبعضه يحتاج إلى أدنى دليل. ومثلنا فيما سبق لأدنى دليل لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ}. لأن ظاهر النص إذا قمتم يعني: إذا وقفت تريد أن تكبر {فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ} لكن نقول هنا مؤول بماذا؟ إذا أردتم لا بد من التقدير {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ} [النحل: 98] قرأت انتهيت تستعذ أو شرعتَ؟ شرعت، إذًا قد يؤول الفعل الماضي للإرادة وقد يؤول بالشروع. النوع الثامن: المفهوم المفهوم والمنطوق هذا الأصل. المفهوم والمنطوق هما متقابلان، المفهوم اسم مفعول من فهم وهو إدراك معنى الكلام فما يستفاد من اللفظ فهو مفهوم، والمنطوق اسم مفعول من نطق والمراد به في اللغة الملفوظ به. المفهوم حقيقة ما دل عليه اللفظ لا في محل النطق لأن الأحكام الشرعية إما أن تؤخذ من المنطوق وإما أن تأخذ من المفهوم، والمنطوق هو ما دل عليه اللفظ في محل النطق يعني في محل اللفظ، وما فهم منه في محل مَحل السكوت يسمى مفهومًا {فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ} [الإسراء: 23] نقول: هذه الآية دلت على تحريم التأفيف من جهة ماذا من جهة المنطوق لماذا؟ لأن ضابط المنطوق ما دل عليه أو ما دل على الحكم في محل النطق، والذي نطق به هو قوله: {فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ} هذا منطوقٌ به إذًا تحريم التأفيف مأخوذٌ من المنطوق، تحريم الضرب؟ من المفهوم، ما دليله؟ {فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ} هل لفظ جاء فيه تحريم الضرب؟ لم يأت فيه تحريم الضرب، وإنما أخذنا هذا الحكم من اللفظ لا في محل النطق بل في محل السكوت. (النوع الثامن: المفهوم) وهو ما دل عليه اللفظ لا في محل النطق، وخلافه المنطوق ما دل عليه في محل النطق ولم يذكره لأنه الأصل. المفهوم قسمان: مفهوم موافقة. ومفهوم مخالفة. قال رحمه الله: (مُوافِقٌ مَنْطُوقَهُ كأُفِّ). (مُوافِقٌ) يعني: مفهوم دل عليه اللفظ لكن محل النطق (مُوافِقٌ مَنْطُوقَهُ) موافق هذا خبر مبتدأ محذوف هو موافق فهو موافق والتنوين ولذلك نص موافقٌ هو أي: المنطوق. (مَنْطُوقَهُ) بالنصب على أنه مفعولٌ به لموافق، وهو ما يوافق حكمه المنطوق، وافق حكمه المنطوق هنا {فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ} الحكم ما هو؟ التحريم، مفهومه تحريمُ الضرب والقتل من باب أولى وأحرى فحينئذٍ استوى التأفيف الذي دُلَّ عليه بالمنطوق، والضرب الذي دل عليه المفهوم استوى في ماذا في الحكم وهو التحريم، إذًا وافقه أو لا؟

وافقه، هذا يسمى ماذا؟ مفهوم موافقة. (مُوافِقٌ مَنْطُوقَهُ كأُفِّ) ما وافق المسكوت عنه المنطوق في الحكم ويسمى فحوى الخطاب، ولحنه، والقياس الجلي، والتنبيه، ومفهوم الخطاب، بعضهم يخص به بماذا؟ يخص بفحوى الخطاب إن كان أولى، وبلحن الخطاب إن كان مساويًا، إن كان أولى عرفناه في آية تحريم التأفيف {فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ} لأن المسكوت عنه أولى بالتحريم من المنطوق {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً} [النساء: 10] {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ} مفهومه {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ} يأكلونها في البطن، ولو حرقوها، يستوي الحكم، ولو دفنوها؟ إذًا يستوي الحكم {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ} ليس المراد به الأكل فقط [ ... كيف ... نعم لماذا عُلِّقَ الحكم على الأكل دون غيره] لأنه الغالب، لكن يستوي الأكل مع الإحراق بجامع الإتلاف {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى} المراد به إتلاف مال اليتيم بأي صورةٍ كانت فحينئذٍ نقول النص دل على تحريم ماذا إحراق مال اليتيم لكن بالمفهوم، هل هو أولى أم مساوي؟ مساوي، هذا يسمى ماذا يسمى المساوي. إذًا مفهوم الموافقة قسمان قد يكون الحكم حكم المسكوت عنه أولى من حكم المنطوق به كآية التأفيف، وقد يكون مساويًا له. كـ: {أُفٍّ} يعني: وذلك كمفهوم أف فإنه يُفهم منه تحريم الضرب من باب أولى، والفتل من باب أولى وأحرى، مفهوم الموافقة حجة، هذا لا شك فيه أنه حجة. قال ابن مفلح رحمه الله: ذكره بعضهم إجماعًا لتبادر فهم العقلاء إليه، ثم قال: (ومِنْهُ). أي (ومِنْهُ ذُو تَخَالُفٍ) يعني مفهوم المخالفة، يعني: ما يخالف حكمه المنطوق، المسكوت عنه حكمه مخالف للمنطوق في الآيتين السابقتين التحريم في المنطوق وفي المفهوم، هنا لا، التخالف (ومِنْهُ) أي: من المفهوم (ذُو تَخَالُفٍ) وهذا يسمى دليل، دليل الخطاب، يعني: ما يخالف حكمه المنطوق، أول شيء تقول ما خالف المسكوت عنه المنطوق في الحكم، وهذا أيضًا حجة عند الجماهير مفهوم المخالفة حجة عند الجماهير، وهذا ما مثاله؟ «من يرد الله به خيرًا يفقه في الدين». من لم يرد الله به خيرًا لا يفقه في الدين. والمراد بالخير هنا ليس أصل بالخير كما نص ابن حجر على هذا في الفتح، هو ورد به التمام. لأن من عنده التوحيد وهو جاهل عامي عنده خير أو لا؟ عنده خير، «من يرد الله به خيرًا». يعني خيرًا تامًا «يفقه في الدين». وأما الموحد العامي هذا عنده خير عظيم لكنه فاته التمام. مفهوم المخالفة حجة عند جماهير العلماء بجميع أقسامه ما عدا مفهوم اللقب لكن للعمل بهذا المفهوم شروط، ذكرناها فيما سبق لكن يجمعها قاعدة لا بد من التأمل فيها وهي أن يكون تخصيص المنطوق بالذكر لكونه مختصًا بالحكم دون سواه، متى ما وجدت هذه العلة، فحينئذٍ نقول: يعتبر مفهوم المخالفة. فإن انتقى فحينئذٍ مفهوم المخالفة. قاعدة: أن يكون تخصيص المنطوق بالذكر لكونه مختصًا بالحكم دون سواه. إن كان كذلك حينئذٍ لا مفهوم وإلا فله مفهوم.

(ومِنْهُ) أيضًا من المفهوم (ذُو تَخَالُفٍ) أي: صاحب تخالفٍ أي: مخالفة. وذلك في الوقف (ومِثْلُ ذَا شَرْطٌ وغَايَةٌ عَدَدْ) يعني أراد أن يعدد لك أنواع مفهوم المخالفة أين توجد؟ هي كثيرة لكن ذكر بعضها ونقف مع ما ذكره فقط. وذلك (ومِنْهُ ذُو تَخَالُفٍ) يعني: مخالفة وذاك أو وذلك في مفهوم الوصف أي: مثل مفهوم الوصف، والمراد بمفهوم الوصف هنا عندهم ليس مطلق الوصف المرادف للوصف عند النحاة، لا، المراد به لفظٌ مقيد لآخر ليس بشرطٍ ولا غايةٍ ولا استثناء ولا عدد، ولا يريدون بها النعت النحوي فقط فتشمل نحو ماذا؟ قوله - صلى الله عليه وسلم -: «في الغنم السائمة زكاةٌ». هذا نعت، والمضاف سائمة الغنم، والمضاف إليه مطل الغني ظلم، والحال {وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: 187] أي: لا في غيرها. وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «من باع نخلاً مؤبرًا فثمرته هذه للبائع». شرحناها في قواعد الأصول، ومفهوم الصفة هذا رأس المفاهيم هو في القمة، ولذلك قال أبو المعالي: لو عبر معبرٌ عن جميع المفاهيم بالصفة لكان ذلك متجهًا لأن فيها معنى الصفة. (في الوَصْفِ ومِثْلُ ذَا) أي ومثل مفهوم الوصف (ومِثْلُ) أي ومثل مفهوم الوصف (ذَا) السابق يعني (شَرْطٌ) (ومِثْلُ ذَا) مضاف ومضاف إليه (ذَا) المشار إليه ما هو (ذَا) مرجعه ما هو المفهوم الوصفي (ومِثْلُ ذَا) مضاف مضاف إليه (مِثْلُ ذَا) أي: مثل مفهوم الوصف (شَرْطٌ) والمراد به الشرط اللغوي وهو ما عُلِّقَ من الحكم على شيءٍ بأداة الشرع. ما علق من الحكم على شيءٍ بأداة الشرع (وغَايَةٌ) ستأتي أمثلته في النظم (وغَايَةٌ) يعني: ومفهوم غايته، وحقيقتها مد الحكم بأداة الغاية، و (عَدَدْ) يعني: مفهومٌ عدد بإسقاط الواو، ومفهوم عددٍ وهو تعليق الحكم بعددٍ مخصوص. هذه أربعة مفهوم الوصف، ومفهوم الشرط، ومفهوم الغاية، ومفهوم العدد، يعني: لها حكم المخالف للمنطوق، فيحكم لهذا المفهوم ويُعتبر بالشرط والقيد الثاني ألا يكون تنصيص الحكم في المنطوق ألا تظهر له فائدة إلا ذكر ماذا؟ المنطوق أو تعريفه به. (وَنَبَأُ الفَاسِقِ لِلْوَصفِ)، (وَنَبَأُ الفَاسِقِ) يعني: مثالٌ للوصف، ونبأ هذا مبتدأ وهو مضاف والفاسق ومضاف إليه، (لِلْوَصفِ وَرَدْ) للوصف جارٌ مجرور متعلق بقوله: (وَرَدْ). (وَرَدْ) بمعنى جاء وثبت يعني جاء مثالاً نبأ الفاسق أين؟ في قوله تعالى: {إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ} [الحجرات: 6] وصف أو لا؟ وصف، إذًا إذا لم يأتكم فاسق، عدل يجب قبول خبره، إذًا له مفهوم مخالفة (وَنَبَأُ الفَاسِقِ) لمفهوم الوصف (وَرَدْ) أي جاء مثالاً، جملة ورد هذا خبرٌ مبتدأ وهو نبأ {إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} فيجب التبين في خبر الفاسق، ومفهومه يجب قبول خبر الواحد العدل.

(والشَّرْطُ) يعني مفهوم الشرط مثاله نحو قوله تعالى: {وَإِن كُنَّ أُولَاتِ فَأَنفِقُوا عَلَيْهِنَّ} [الطلاق: 6]. هنا علق الحكم على إن الشرطية يعني المراد بالشرط الذي هو له مفهوم معتبر الشرط اللغوي {وَإِن كُنَّ أُولَاتِ فَأَنفِقُوا عَلَيْهِنَّ} فيجب الإنفاق على أولات حمل بالمنطوق، ومفهومه أنه لا يجب على غير ذوات حملٍ بالمفهوم إذًا خالف أو لا؟ حكم المسكوت عنه مخالف لحكم المنطوق به. (وغَايَةٌ) يعني مفهوم غاية (جَاءَتْ بِنَفْيِ حِلِّ لِزَوْجِهَا) مفهوم الغاية للإنسان ما هو قد جاءت الآية (بِنَفْيِ حِلِّ لِزَوْجِهَا) أي المطلقة بالثلاثة (قَبْلَ نِكَاحِ غَيْرِهِ) من هو؟ قبل أن تنكح ماذا الزوج وذلك بقوله تعالى: {فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ} [البقرة: 230]. فإن لم تنكح زوجًا غيره لا تحل له فإن نكحت بشروطٍ معتبرة حينئذٍ حلت له للزوج الأول (وغَايَةٌ جَاءَتْ بِنَفْيِ حِلِّ لِزَوْجِهَا قَبْلَ نِكَاحِ غَيْرِهِ) غيره زوجها الذي طلقها غير زوجها الذي طلقها (وَكالثَّمَانِينَ لِعَدٍّ أَجْرِهِ) (وَكالثَّمَانِينَ) يعني: كمفهوم الثمانين. (لِعَدٍّ) أي: لمفهوم عددٍ هذا مثال لقوله تعالى: {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً}. أي: لا أقل ولا أكثر لاتسع وسبعين ولا واحد وثمانين ولو زاد شره؟ ولو زاد شره، نعم {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} (وَكالثَّمَانِينَ) أي كمفهوم الثمانين في قوله تعالى: {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً}. أي: لا أقل ولا أكثر (لِعَدٍّ) لمفهوم عددٍ (أَجْرِهِ) أمرٌ من الإجراء يعني أجره مثالاً لمفهوم العدد. ونقف على هذا. وصلَّ الله وسلم على نبينا محمد.

14

عناصر الدرس * النوع التاسع والعاشر (المطلق والمقيَّد) * النوع الحادي عشر والثاني عشر (الناسخ والمنسوخ) * النوع الثالث عشر والرابع عشر (المعمول به مُدَّةً مُعَيَّنة وما عَمِل به واحد) * العقد السادس (ما يرجع إلى المعاني المتعلقة با لألفاظ وهي "6" أنواع الأول والثاني الفصل والوصل). الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد: قال المصنف رحمه الله تعالى: النوع (التاسع والعاشر) وهذا من العقد الخامس فيما يتعلق بالمعاني المتعلقة بالأحكام، جعل العقد الرابع فيما يتعلق بالألفاظ، ثم العقد الخامس فيما يتعلق بالمعاني المتعلقة بالأحكام، ثم جعل السادس في المعاني المتعلقة بالألفاظ كأنه قَسَّم اللفظ والمعنى على الاعتبار الذي ذكرناه سابقًا بأنه لا يمكن تجزئة الألفاظ عن المعاني، وإنما المقصود أنه يُنْظَرُ في اللفظ أصالةً ويكون المعنى تابعًا، أو يُنْظَرُ إلى المعنى أصالة ويكون اللفظ تابعًا، ثم هذا المعنى قد يكون متعلقًا بحكم تكليفي أو حكمٍ وضعي عن حكم شرعي، وإما أن يكون متعلقًا بالألفاظ. النَّوعُ التَّاسِعُ وَالعَاشِرُ: الْمُطْلَقُ وَالْمُقَيَّدُ. هذا من المباحث الراجعة للمعاني المتعلق بالأحكام، لأن الأحكام الشرعية كما هو معلوم أنها تؤخذ من المنطوق ومن الملفوظ، ومن المنطوق ما قد يكون مطلقًا في موضع ويكون مقيدًا في موضعٍ آخر، وإن شئت قلت: ما قد يكون مطلقًا في موضعٍ ولم يقيد في موضعٍ آخر، حينئذٍ يجب أن يُعْمَلَ بماذا؟ بإطلاقه يعني: إذا كان مطلقًا في موضع ولم يرد تقيده في موضعٍ آخر. ما الحكم الشرعي؟ يجب حمله على إطلاقه ولا يجوز تقيده بقيدٍ إلا بدليلٍ صحيح فإذا لم يوجد دليلٌ صحيح على تقيد المطلق كان من التحكم وإتباع الهوى. وكذلك إذا جاء مقيدًا في موضعٍ ولم يَرِد إلا مقيدًا فحينئذٍ يجب إعماله أو حمله على قيده ولا يجوز إطلاقه أبدًا إلا بدليلٍ صحيح، حينئذٍ يجوز أن يطلق المقيد، وقد يَرِدُ في موضعٍ مطلقًا ويرد في موضعٍ آخر مقيدًا وهذا الذي عنون له هذا (النَّوعُ التَّاسِعُ وَالعَاشِرُ: الْمُطْلَقُ وَالْمُقَيَّدُ) وأما المطلق فقط فهذا يجب إعماله على إطلاقه وحمله على إطلاقه ولا يجوز تقيده بحالٍ من الأحوال وأي قيدٍ يضاف إلى أي مطلق من نصوص الشرع سواءٌ كان في المعتقد أو في الفروع حينئذٍ يكون من باب التحكم وإتباع الهوى، وإذا كان مقيدًا في موضعٍ ولم يرد إطلاقه البتة فحينئذٍ يجب أن يحمل على تقيده فإطلاقه يكون من قبيل التحكم وإتباع الهوى. أما إذا جاء في موضعٍ مطلقًا وفي موضعٍ آخر مقيدًا هو الذي عنون له الأصوليون بباب المطلق والمقيد إذًا (المُطْلَقُ والمُقَيَّدُ) المراد به إذا ورد الخطاب أو اللفظ في موضعٍ مطلقًا وورد نفسه في موضعٍ آخر مقيدًا فما العمل حينئذٍ؟ عقد الأصوليون هذا الباب للتعامل مع هذه النوعية المعينة. (المُطْلَقُ والمُقَيَّدُ) الْمُطْلَق بفتح اللام هذا اسم مفعول من أُطْلِقَ يُطْلَقُ فهو مُطْلَق، وبكسرها مُطْلِق هذا اسم فاعل الْمُقَيَّد قُيِّد يُقَيَّدُ فهو مُقَيَّد فهو اسم مفعول، والمطلق لغةً الانفكاك من أي قيدٍ حسيًا كان أو معنويًا، نقول: هذا الفرس مطلقٌ. يعني: في الحس، والمعنوي نحو الأدلة الشرعية تقول: ... {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [النساء: 92]. هذا نصٌ مطلق هذا في المعنويات.

والْمُقَيَّد لغةً: ما يقابل المطلَق. وهو: ما قُيِّدَ بشيءٍ من شرطٍ أو وصفٍ أو نحوه. ما قيد بشيءٍ مطلقًا من شرطٍ أو وصفٍ أو نحوه. المطلق اصطلاحًا: هو اللفظ الدال على الماهية بلا قيدٍ. اللفظ هذا جنس يشمل المطلق والمقيد ويشمل العام والخاص والحقيقة والمجاز ... إلى آخره لأن المراد به كل ما يُتَلَفَّظ به مهملاً كان أو مستعملاً قوله: الدال. يعني: ذو دلالة إذًا أخرج المهمل لأن المهمل لا يدل على شيءٍ البتة، الدال على الماهية المراد به الحقيقة حقيقة الشيء سميت ماهية لماذا؟ لأنه يسأل عنها ما هي حقيقة كذا؟ ما هي حقيقة الإنسان؟ فيقول: حيوان ناطق ... وهلم جره، إذًا لما كان السؤال عنها بلفظ ما هي حسن أن يُشتق لها لفظ الماهية، وإلا الماهية هذا من جهة اللغة فيه ركاكة ماهية لأن أصله ما هي ثم جعل مصدرًا صناعيًا ماهية مثل حيوانية وإنسانية وقومية ونحو ذلك فهذه تمسى ماذا؟ تسمى مصادر صناعية بزيادة ماذا؟ ياء النسبة مع التاء. ما وردت، إنسان هذا اسم جامد لا مصدر له لأنه ليس بفعل ولا بمشتق حتى يقال إنه له مصدر، كيف نأتي بالمصدر. قالوا: ثم مصدر صناعي إنسان تزيد عليه الياء ثم تلحقه تاء التأنيث تقول: إنسانيةُ. مثل قوم هذا اسم جمع لا واحد له من لفظه فتقول: قومية .. وهلم جره، إذًا الماهية نقول: هذا مصدر اصطناعي.

بلا قيدٍ إذًا ما دل على حقيقة الشيء بلا قيد يعني من غير تقيد بالوحدة ولا تَعْيِين في الخارج ولا في الذهن، هذه ثلاثة أشياء منفية بلا قيد، يعني أخرج النكرة وأخرج المعرفة وأخرج علم الجنس لأن اللفظ الذي له دلالة وهذه الدلالة تكون في الذهن لأن ما دل على الماهية وجوده وجد الذهن إذا قيل: الإنسان له ماهية، ما هي هذه الماهية كونه حيوانًا ناطقًا، الحيوانية الناطقية موجودة في العقل ولا وجود لها في الخارج، إن لوحظ الخارج فحينئذٍ ما كان مقيدًا وملاحظًا بفرد واحدٍ في الخارج هذا يسمى النكرة، فالنكرة حينئذٍ لفظ دال على الماهية بقيد الوحدة، فحينئذٍ وُضِعَ اللفظ وله معنى في الذهن وهو المعنى الكلي وُضِعَ ملاحظًا له الفرد الخارجي، فحينئذٍ يدل المعنى الذهني الذي يكون في ضمن الفرد الخارجي يدل عليه دلالة مطابقة، فإن وُجِدَ الخارج على جهة التعيين فهو المعرفة، ولذلك قلنا: بلا قيد. المراد به ثلاثة أشياء بلا قيد يعني: بلا قيد الوحدة واحد غير مُعَيْنٍ في الخارج هذا هو النكرة لأن النكرة تدل على ماهية رجل، رَجل هذا يدل على ماذا؟ ذكر بالغ من بني آدم من هو هذا؟ لا، ليس مُعَيَّنًا في الخارج وإنما يصدق على زيد وعلى بكر وعلى عمرو وعلى خالد كلٌّ يسمى ماذا؟ يسمى رجلاً، نقول: المعنى الذهني لوحظ فيه الفرد الخارج، فحينئذٍ دل عليه دلالة مطابقة إن كان مُعَيَّنًا في الخارج كالرجل والإنسان، فرقٌ بين إنسان والإنسان وفرقٌ بين رجل والرجل، الرجل هذا دل على واحد لكنه معين ورجل دل على واحد لكنه غير معين، فإن كان التعيين في الخارج فهو المعرفة وإن كان في الذهن فهو ماذا؟ فهو علم الجنس لأن علم الجنس هو الدال على الماهية لتعيين في الذهن، لأن التعيين إما أن يكون في الخارج خارج الذهن وإما أن يكون في الذهن، إن عُيِّنَ في الخارج كالرجل وهو أحد المعارف السبعة نقول: لفظ دال على الماهية على الحقيقة لكن بقيد وهو التعيين الخارجي وهو المعارف كلها، لأنه إما أن يكون نكرة الاسم وإما أن يكون معرفة إن كان نكرة فهو لفظ دال على الماهية بقيد الوحدة في الخارج، والمعرفة بتعيين في الخارج دال على الوحدة وغيرها لكنه بتعيين إن كان التعين في الخارج فهو المعرفة إن كان في الداخل في الذهن فهو علم الجنس، إن لم يكن بقيد الوحدة ولا بقيد التعين الخارجي ولا بقيد التعيين الذهني كأسامة فنقول: هذا هو المطلق.

الدال على الماهية من حيث هِيَ هِي يعني لا باعتبار كونها موجودة في الخارج البتة، وإنما وضع لفظ رجل مثلاً أو إنسان وضع لفظ رجل للذكر البالغ العاقل من بني آدم وجوده في الذهن ليس له أي علاقة بفردٍ في الخارج، بخلاف النكرة النَّكرة وضع المعنى ولكنه ملاحظ وجوده في الخارج في فرد واحد لكن المطلق وضع للحقيقة للماهية للمعنى الذهني للمعنى الكلي للمعني الذي وجوده وجود ذهني وضع له بلا قيد البتة، يعني المعنى من حيث هُوَ هُو دون اعتبار أفرادٍ في الخارج، لم يؤخذ للفرد الخارج قيدًا في المعنى الذهني، لم يؤخذ، هذا فرق جوهري بين النكرة والمطلق لم يؤخذ الفرد الخارج قيدًا في وضع الحقيقة، وإنما أخذ الفرد الخارجي من جهة الالتزام لماذا؟ لأننا نقول: إذا كان بحث الأصوليين في المطلق فإذا كان المطلق هو حقيقة ذهنية بحته حينئذٍ نبحث في ماذا؟ في المعقولات أو في الملفوظات؟ في الملفوظات، إذًا ما أدخل الأصوليين، ما الذي أدخل الأصوليين في المباحث العقلية؟ نقول: لا هذا المعنى الذهني لا بد وأن يوجد في الخارج، وإن لم يكن الفرد الخارج قد أخذ قيدًا في الماهية، لكن دلالته عليه بدلالة الالتزام، ودلالة النكرة على الفرد الخارج بدلالة المطابقة، هذا هو الفرق بين النكرة والمعرفة عند من فرق بين النكرة والمطلق عند من فرق بينهما، وبعضهم سوى بين النكرة والمطلق فأطلقوا في هذا الباب باب المطلق قالوا: النكرة هي المطلق نفسها، النكرة هي المطلق لماذا؟ قالوا: لأنه لا ينبني عليه فرق من حيث الألفاظ وما يترتب عليها من حيث الأحكام الشرعية، فحينئذٍ كل نكرة هي مطلق وكل مطلق هي نكرة، لكن فرق الفقهاء ببناء مسألة - وهي مهمة صحيحة واقعة على هذين الحدين إذا قلنا: ثَمَّ فرق بين المطلق والنكرة - إذا قال الرجل لزوجته: إذا ولدتي ذكرًا فأنت طالق. ذكرًا نكرة فولدت اثنين تطلق أو لا؟ هذا ينبني على هذه، إن قلنا: المطلق والنكرة بمعنى واحد أنه لوحظ فيه المعنى الخارجي حينئذٍ لا تَطْلُق لماذا؟ لأنه علق على فردٍ واحد وقد وجد اثنين إذًا لم يوجد المعلق عليه، لكن لو قلنا: أن ثَمَّ فرق بين المطلق والنكرة حينئذٍ تَطْلُق لماذا؟ لأن الذكر وضع للماهية من حيث هي لا باعتبار وجوده في الخارج، فحينئذٍ قد يوجد في الخارج في ضمن واحد أو اثنين أو عشرة، فحينئذٍ إذا وجد مع تعدد الأفراد في الخارج نقول: قد وجد المطلق وهو معلق عليه الشرط هنا فتَطْلُق.

إذًا إن ولدت ذكرًا قالوا: إن ولدتي ذكرًا فأنت طالق. ولدت ثلاثة أو اثنين اثْنين فحينئذٍ إذا فرقنا بين النكرة والمطلق فرقنا بينهما حينئذٍ تَطْلُق على القول بأن هذا اللفظ مطلق، وإذا قلنا: هما سيان، هما سواء فحينئذٍ لا تطلق، لأن التقييد يكون إن ولدتي ذكرًا واحدً هذا نعت صفة لأن هذا له الشأن في النكرة ما دل على واحد شائعٍ في جنسه دل على فرد واحد شاع في جنسه وهو ذكر حينئذٍ كأن التقدير إن ولدتي ذكرًا واحدًا فأنت طالق فولدت اثنين لا تَطْلُق لأن المعلق عليه واحد، إذا لم تجد نية إذا لم تكن ثَمَّ نية. إذًا هذا هو حقيقة المطلق هو اللفظ الدال على الماهية بلا قيد أو إن شئت قل: اللفظ المتناول لواحد لا بعينه. باعتبار حقيقة شاملة للجنس، لفظ وهذا يشمل المطلق وغيره كل ما يتلفظ به المتناول لواحدٍ هذا أخرج الألفاظ ألفاظ الأحداث، المتناول لأكثر من واحد كاثنين ثلاث وعشرة وخمس إلى آخره لأنه متناولة لأكثر من واحد، لا بعينه اللفظ المتناول لواحد لا بعينه أخرج ماذا؟ ما تناوله واحدًا بعينه مثل ماذا؟ العلم زيد، زيد هذا لفظ تناول واحدًا بعينه لأن مسماه معين، وأخرج ما مدلوله واحد معين كالرجل، الرجل ليس بعلم وهو معرفة لكن مدلوله ماذا معين وهو واحد، وأخرج العام المستغرق، إذًا الواحد لا بعينه أخرج المستغرق لأن العام لفظ يستغرق جميع ما يَصْلُح له واللفظ، فحينئذٍ نقول: فرق بين المطلق والمقيد. باعتبار حقيقة واحدة هذا أخرج المشترك لأن المشترك يتناول لواحد لا بعينه كالقرء مثلاً يتناول الحيض أو الطهر لكن هل حقيقة الطهر وحقيقة الحيض من جنس واحد؟ لا، متباينان. لكن لو قلت: رجل. يتناول واحد لا بعينه زيد أو خالد حقيقتهم واحدة أم لا؟ متحدة إذًا حقائقهم متحدة بخلاف القرء ونحوه، وأخرج أيضًا الواجب المخير الواجب المخير هذا يتناول واحد لا بعينه أليس كذلك؟ لكنه حقائقها مختلفة لا متحدة مثل ماذا؟ كفارة اليمين مُخَيّر بين ثلاث إذًا نقول: هذه الثلاث المراد بالواجب المخير واحد منها لا بعينه أليس كذلك؟ إما إطعام وإما كسوة وإما تحرير، واحدة منها لا بعينه، إذًا الواجب المخير متناول لواحد لا بعينه لكن هل هذه ثلاثة الأشياء من جنس واحد أو مختلفة؟ مختلفة والشرط في المطلق أن تكون من جنس واحد، لذلك قال: اللفظ المتناول لواحد لا بعينه باعتبار حقيقة شاملة لجنسه وأما المشترك والواجب والمخير فإن كل منها يتناول واحدًا لا بعينه باعتبار حقائق مختلفة. المطلق قد يكون في الأمر اعتق رقبة وهذا أمر أو لا؟ إذًا وقع في سياق أو في معرض الأمر اعتق رقبة، كذلك في مصدر الأمر {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} يعني: حرروا رقبة. ويرد أيضًا في الخبر عن المستقبل سأعتق رقبة وهل يرد في الماضي أعتقت رقبة؟ يَرِدُ في الأمر أعتق رقبة، نقول: هذا لفظ متناول لواحد لا بعينه إلى آخر الحل، {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} مصدر الأمر يأتي أيضًا في الخبر عن المستقبل سأعتق رقبة لكن في الماضي يتناول واحدًا بعينه لو قال: أعتقت رقبة. أخبر بماذا؟

بأنه أعتق رقبة وهذه متناوله لواحد لا بعينه، أكرمت رجلاً هذا متناول واحدًا لا بعينه، أكرمت طالبًا هذا كله في الماضي حينئذٍ هذا يتناول واحدًا بعينه. أما المقيد عرفناه في اللغة وأما في الاصطلاح فهو: المتناول لمعينٍ هو اللفظ المتناول لمعينٍ، أَعْطِ هذا الفقير هذا متعين أو لا؟ متعين، أو لغير معين موصوف بأمر زائد عن الحقيقة الشاملة لجنسه يعني: قد يتعين بشيء حسي كالإشارة أو بشيء لفظي أو يكون نكرة لكنه يأتي وصف زائد دال على وصف زائد على مجرد الماهية {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ} رقبة معينة أو لا؟ رقبة مؤمنة معينة أو لا؟ معينة من جهة ماذا؟ من جهة الوصف لأنه إما مؤمن وإما كافر، فحينئذٍ لما زيد وصف الإيمان تعين بكون هذه الرقبة لا تخرج عن صفة الإيمان ولا واسطة. إذًا المتناول لمعين أو لغير معين موصوف بأمر زائد عن الحقيقة الشاملة لجنسه، أَعْطِ هذا الفقير تقول: هذا معين بماذا؟ بالإشارة أعطِ الفقير الجالس مثلاً نقول: هذا مقيد بالوصف. النَّوعُ التَّاسِعُ وَالعَاشِرُ: الْمُطْلَقُ وَالْمُقَيَّدُ. المطلق مع المقيد عند الأصوليين كالعام مع الخاص ولذلك بعضهم يذكره في ضمن الكلام عن العام والخاص لماذا؟ لأن المطلق يشبه العام من حيث ماذا؟ من حيث دلالته على الشمول لأن المطلق فيه شمول يشمل فيه استيعاب فيه استغراق لكن استغراقه وشموله واستيعابه بدليٌّ، حينئذٍ الرجل إذا قيل: أعتق رقبة. الرقبة هذا يشمل كل ما يَصْدُق عليه اللفظ أنه رقبة كل ما يصدق عليه أنه رقبة داخل تحت مسمى اللفظ، فيحتمل زيد أو عمرو أو .. إلى آخره من العبيد أليس كذلك؟ لكنه لا على جهة كونه دفعة واحدة يعني: لا يشمل اللفظ رقبة كل المسمى ما يصح أن يطلق عليه لفظ رقبة لا يشمل الجميع دفعة واحدة وإنما على جهة البدل فإذا قيل: أعتق رقبة. فإذا أعتق زيد وهو رقبة حينئذٍ سقط الحكم وبرئت الذمة عن إطلاق اللفظ عن غيره، وأما العام فلا فهو موضوع للماهية لشمولها لكل الأفراد دفعةً واحدة، فإذا قيل: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} [المؤمنون: 1] كل المؤمنين دخلوا في هذا اللفظ دفعةً واحدة لأن اللفظ موضوع لجميع الأفراد بخلاف ماذا؟ بخلاف أعط رجلاً أو أكرم طالبًا. إذًا المطلق موضوع للماهية فقط بقطع النظر عن أفرادها فعمومه بدليٌّ كأسد، موضوع لماذا؟ للماهية فقط بقطع النظر عن أفرادها كما ذكرناه في الحدِّ فعمومه حينئذٍ يكون بَدَلِية والعام موضوع للماهية المتحققة في جميع الأفراد فعمومه شمولي كما ذكرناه في المثال السابق. المطلق والمقيد قال رحمه الله: وَحَمْلُ مُطْلَقٍ على الضِدِّ إِذا ... أَمْكَنَ وَالحُكْمُ لَهُ قَدْ أُخِذَا

(وَحَمْلُ مُطْلَقٍ على الضِدِّ) هذا متى؟ هذا يُتَصور فيما أطلق في خطاب وقيد في الخطاب الآخر لأن الأحوال ثلاثة الإطلاق والتقيد لها ثلاثة أحوال: إما أن يُطْلَق فقط ولا يَرِدُ تقيده أبدًا في موضع آخر - وتنبه إلى هذه من يبحث في الفقه - إذا جاء مطلقًا حينئذٍ يجب حمله على إطلاقه ولا يجوز تقيده البتة، فتقيده من غير دليل شرعي هذا تحكم وهوى، وإذا جاء مقيدًا ولم يرد إطلاقه البتة حينئذٍ يجب حمله على تقيده ولا يجوز إطلاقه البتة، فإذا أطلق من غير دليل شرعي فيكون من باب التحكم وإتباع الهوى، أما إذا جاء في موضع مطلق وفي موضع آخر مقيد هو الذي عناه الناظم قال: (وَحَمْلُ مُطْلَقٍ على الضِدِّ). ما هو ضد المطلق؟ المقيد، ضد المطلق المقيد. وعليه نقول: إذا ورد لفظ مطلق في خطاب وورد أيضًا مقيدًا في خطاب آخر لا يخلو عن أربعة أحوال - وهذا ما يسمى عند الأصوليين بصور حمل المطلق على المقيد-: إما أن يتحدا حكمًا وسببًا. وإما أن يختلفا حكمًا وسببًا. وإما أن يتحدا حكمًا ويختلفا سببًا. أو بالعكس. هذا أربعة أحوال بعضها متفق عليها وادعي فيه الإجماع وذلك فيما إذا اتفق الحكم والسبب معًا، وما عداه فهو مختلف فيه إلا إذا اختلف الحكم والسبب معًا فادعي الإجماع على ماذا؟ على عدم حمل المطلق على المقيد. الصورة الأولى نقول: أن يتحدا في الحكم والسبب معًا، أن يكون حكم المطلق هو عينه حكم المقيد وأن يكون السبب في المطلق هو عينه السبب في المقيد، ادعي الإجماع في هذه المسألة بأنه يجب حمل المطلق على المقيد ونُفِيَ الخلاف يعني: يجب حمل المطلق على المقيد بلا خلاف في هذه المسألة وذلك متى؟

إذا اتحدا حكمًا وسببًا. مَثَّلَ له بعضهم بقوله: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ} [المائدة: 3]. الدم ورد في مواضع مطلقًا {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ} وجاء في سورة الأنعام مقيدًا {أَوْ دَماً مَّسْفُوحاً} [الأنعام: 145] حينئذٍ الحكم واحد وهو: تحريم الدم. والسبب واحد هو ما في الدم من الإيذاء والمضرة قالوا: فيجب حمل المطلق في جميع السور على المقيد في سورة الأنعام {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ} إذًا المسفوح أي: المسفوح. بدليل ماذا؟ بدليل تقييده في سورة الأنعام هذا نقول: مطلق ومقيد. {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ} الحكم هو: تحريم الدم. السبب هو: ما في الدم من الأذية والمضرة. {أَوْ دَماً مَّسْفُوحاً} هذا حُكِمَ عليه بأنه نجس فيستلزم ماذا؟ التحريم لما فيه من المضرة والإيذاء. إذًا اتحدا حكمًا وسببًا يجب حمل المطلق على المقيد يعني: نقيد المطلق {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ} يجب تقيد هذا المطلق بالقيد الذي قُيِّدَ به في سورة الأنعام فيقال: حرمت عليكم الميتة والدم المسفوح. من أين جئنا بالدم المفسوح نقول: هذا من حمل المطلق على المقيد لأن السبب واحد والحكم واحد، هذا في القرآن مبحثنا في القرآن لكن سبق المثال أنه في السنة «لا نكاح إلا بولي». وجاء في رواية: «لا نكاح إلا بولي مرشدٍ وشاهدي عدل». «لا نكاح إلا بولي» و «لا نكاح إلا بولي مرشد». الحكم ما هو؟ نفي النكاح صح؟! والسبب؟ ما هو السبب؟ السبب النكاح والحكم عدم صحته هذا الحكم «لا نكاح». صحيح أليس كذلك حينئذٍ اتحدا حكمًا وسببًا فنقول: «لا نكاح إلا بولي». هذا مطلق ولي مطلق يشمل المرشد وغيره «لا نكاح إلا بولي مرشد» إذًا اشترط ماذا؟ أن يكون مرشدًا فحينئذٍ أخرج غيره السفيه ونحوه حينئذٍ نقول: يجب تقيد المطلق أو حمل المطلق على المقيد هذا في السنة وبحثنا في القرآن. الثاني: أن يختلفا في الحكم والسبب معًا. أن يختلفا يعني: المطلق والمقيد في الحكم والسبب معًا، وهذا لا حمل لأحدهما على الآخر إجماعًا، الأول ادُّعي الإجماع وقيل على قول الجمهور والثاني هذا قيل: لا حمل لأحدهما على الآخر إجماعًا، مثاله تقييد الصيام للتابع في كفارة اليمين مع إطلاق الإطعام في كفارة الظهار، في كفارة اليمين قال ماذا؟ {فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ} أليس كذلك؟ بلى {فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ} ما السبب هنا؟ كفارة، كفَّارة ماذا؟ كفارة اليمين، هذا سبب، والحكم الصيام دون نظر إلى قراءة ابن مسعود هذا مراد يعني: نظر للنص القرآني فقط وجاء في كفارة الظهار ماذا {فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً} [المجادلة: 4] هل نقول هنا تقييد الصيام بالتتابع لكفارة الصيام؟ نعم المثال بالملاحظة قراءة ابن مسعود (فصيام ثلاثة أيام متتابعات) فجاء في كفارة الظهار إطلاق الإطعام {فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً} [المجادلة: 4] هل نقول: متتابعين؟ هل نقيد نحمل المطلق على المقيد؟ نقول: لا لماذا؟ لاختلاف الحكم والسبب، ما هو الحكم في كفارة اليمين؟ الصيام، ما السبب؟ الكفارة.

في كفارة الظهار الحكم الإطعام، السبب الظهار، إذًا اختلف حكمًا وسببًا لا يُحْمَل هذا على ذاك. الثالث: أن يتفق الحكم ويختلف السبب، وهذا ما مَثَّلَهُ الناظم إطلاق الرقبة في كفارة الظهار {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ}، وقيدت في كفارة القتل، الحكم واحد والسبب مختلف هذا قتل وهذا ظاهر، هل يحمل المطلق على المقيد، هذا فيه خلاف فيما إذا اتحدا السبب هنا اتحد ماذا؟ الحكم واختلف السبب. الجمهور على حمل المطلق على المقيد في هذا النوع، وذلك مثل إطلاق الرقبة في كفارة الظهار في قوله: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ}. مع تقيد الرقبة بكونها مؤمنة في كفارة القتل {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ} [النساء: 92] فالحكم العتق، والسبب في الرقبة المطلقة الظاهر، وفي الرقبة المقيدة بالإيمان قتل الخطأ، وهذا المطلق يحمل على المقيد عند أكثر أهل العلم، والأحناف لهم نزاع ذكرناه في شرح القواعد. الرابع: عكس الثالث، ما هو عكسه؟ أن يتفقا السبب ويختلفا في الحكم، الثالث الاتفاق في الحكم والاختلاف .. عكسه. الاتفاق في السبب والاختلاف في الحكم، هذا مَثَّلُوا له بالمثال المشهور وهو قوله تعالى في آية الوضوء {فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [المائدة: 6] وقال في التيمم {فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ}. أطلق هنا وقيد في ماذا؟ في الوضوء، ما هو سبب الوضوء؟ الحدث والقيام إلى الصلاة. الحكم غسل اليدين، وما هو السبب في التيمم؟ الحدث أيضًا والقيام إلى الصلاة ما الحكم؟ المسح وهو التيمم، إذًا اتفقا في السبب واختلفا في الحكم، الْغَسْل مغاير للمسح هل يحمل المطلق على المقيد؟ هذا محل نزاع، والصواب أنه لا يحمل، أكثر العلماء على عدم حمل المطلق على المقيد في هذه الحالة، ومَثَّلُوا له أيضًا بقوله ويختلف الحكم إطلاقًا ... {فَإِطْعَامُ} في كفارة الظهار {فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً} مع تقييد الصيام بقوله: {مِن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا}، {فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 4] هل يُحْمَلُ أو لا؟ نقول: لا. هذه الأقسام الأربعة فيما إذا كان المقيد واحدًا، وأما إذا تعدد المقيد يعني: جاء مطلقًا في موضع وجاء مقيدًا في موضع آخر بقيد وجاء مقيدًا في موضع آخر بقيد يغاير ذلك القيد، إذًا مطلق ومقيدان الأحكام الأربع صور هذه كلها في ماذا؟ مطلق ومقيد، لكن لو جاء عندنا مطلق ومقيدان يعني: جاء إطلاقه في موضعه وجاء تقيده في موضع آخر وجاء تقيده في موضع ثالث لكنه بقيد مغاير عن القيد الثاني في الحالة الثانية على أيٍّ يحمل منها أو لا يحمل؟ هذا فيه تفصيل.

أما إن كان هناك مقيدان بقيدين مختلفين فإن كان القيدان متضادين متقابلان حينئذٍ ولم يكن أحدهما أقرب من الآخر لم يحمل المطلق على واحد منهما اتفاقًا يعني ننظر في هذين المقيدين قُيد بقيد وقيد في الموضع الثالث بقيد آخر ننظر فيهما إن كانا متضادين ولم يكن أحدهما أقرب إلى المطلق نقول: لم يحمل على واحد منهما اتفاقًا، مَثَّلُوا له بماذا؟ - فضائل رمضان - {فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ} من أيام متتابعات أم متفرقات مطلق أو مقيد؟ مطلق. جاء في كفارة اليمين مقيد {فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ} [المائدة: 89] قراءة ابن مسعود ... (متتابعات) وجاء في صوم التمتع {فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} [البقرة: 196] جاء ماذا؟ مقيدًا بالتفريق، جاء في كفارة اليمين مقيدًا بالتتابع، وجاء في كفارة في صوم التمتع مقيدًا بالتفريق نحمله على ماذا؟ إذا قلنا: نحمله على كفارة حينئذٍ يجب على من عليه قضاء شهر رمضان أن يصومه متتابع فلو فرقه أَثِم، وإذا قلنا: نحمله على صوم التمتع حينئذٍ يجب عليه التفريق فلو تابعه أَثِم أليس كذلك؟ إذا قيدناه لأننا نقول: يجب. نقول ماذا؟ يجب، لكن نقول هنا: لا يمكن حمل النص المطلق على واحد منهما. لا يمكن حمل المطلق على واحد منهما بل يبقى على إطلاقه فلا يقيد لا بالمتابعة ولا يقيد بتفريق، {فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ} هذا مقيد بالتتابع، وقوله تعالى في صوم التمتع: {فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ} [المائدة: 89] ... الآية مقيدًا بالتفريق، فيبقى المطلق على إطلاقه لامتناع تقيده بهما لتنافيهما يعني: القيدين، وبواحد منهما لانتفاء مرجحه على الآخر حينئذٍ لا يجب في قضاء رمضان تتابع ولا تفريق، وهو معنى قول الناظم الذي سيأتي (حُكْمَهُ لا تَقْتَفِي). أما إذا ورد على المطلق قيدان أو مقيدان متضادان ولكن يمكن ترجيح أحدهما على الآخر، فحينئذٍ يكون الراجح مُقَيِّدًا للمطلق يكون الراجح المعنى الذي هو أقرب إلى المطلق هو المقيد يعني يحمل المطلق على أرجح القيدين وأشبههما كقوله تعالى: {فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ}. مع قوله: {فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ}. في الظهار مع آية التمتع صوم التمتع قوله: {فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ ... أَيَّامٍ}. في الكفارة لو لم ننظر إلى قراءة ابن مسعود {فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ} نقول: هذا كفارة جاء مطلقًا في القرآن وجاء مقيدًا في الظهار {فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ} وجاء مفرقًا في صوم التمتع لو أردنا أن ننظر في القيدين التتابع أو التفريق أي النصين والمقيدين أقرب إلى قوله {فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ}؟ التتابع لأنه كفارة {فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ} هذا كفارة، والظهار كفارة، والصوم التمتع نقول: هذا ليس بكفارة. إذًا أيهما أقرب إلى النص إلى المطلق التقييد بالتتابع. (وَحَمْلُ مُطْلَقٍ على الضِدِّ) على المقيد (إِذا أَمْكَنَ) ذلك الحمل بوجود الجامع وانتفاء المانع وذلك في الثلاثة الصور السابقة فيما إذا اتحدا حكمًا ... وسببًا، فيما إذا اتفقا حكمًا واختلفا سببًا، وفيما إذا اختلفا سببًا واتفقا حكمًا، بقي ماذا؟

هناك حالة بالإجماع لا يُحْمَل وهي: فيما إذا اختلفا سببًا وحكمًا بالإجماع ادُّعى الإجماع أنه لا يحمل المطلق على المقيد، وهناك حالة قلنا: أكثر العلم على عدم وهو: فيما إذا اختلفا حكمًا واتحدا سببًا. هذا أكثر أهل العلم على أنه لا يحمل المطلق على المقيد لكن عند الشافعية يحمل، ولذلك أجراه الشارح المساوي وغيره قال: يحمل. ومَثَّلُوا له بآية التيمم والصواب أنه لا يحمل، بل أكثر أهل العلم على أنه لا يحمل بقي ماذا؟ بقي حالتان وهما: إذا اتحدا حكمًا وسببًا وهذا يجب. وفيما إذا اتفقا حكمًا واختلفا سببًا. إذًا الشرط اتحاد الحكم، الشرط في حمل المطلق على المقيد اتحاد الحكم مطلقًا سواء اتحد السبب أم اختلف، هذا هو الضابط نقول: (وَحَمْلُ مُطْلَقٍ على الضِدِّ إِذا أَمْكَنَ). إذا أمكن ذلك الحمل وذلك فيما إذا اتحد الحكم مطلقًا، حكم المطلق والمقيد سواء اتحدا سببًا أم اختلفا سببًا، (وَالحُكْمُ لَهُ قَدْ أُخِذَا) (وَالحُكْمُ لَهُ) أي: حكم المقيد قد أُخِذَا له الضمير يعود على ماذا هنا؟ على المطلق هو الظاهر على أنه على المطلق لكن الشارح المساوي يقول: على المقيد. وليس بظاهر، بل الظاهر أنه له للمطلق يعني: ترتيب الكلام والحكم قد أخذ - هذا مغير الصيغة - والألف للإطلاق يعني: نُزِّلَ المطلق على المقيد أُخِذَا له حكم، حُكم المقيد أل للعهد هذه حكم المقيد أُخِذ له لماذا؟ للمطلق هذا هو الظاهر. كالقَتْلِ والظِّهَارِ حَيْثُ قَيَّدَتْ ... أُولاهُمَا مُؤْمِنَةٌ إِذْ وَرَدَتْ هذا مثال في أي صورة؟ في اتحاد الحكم واختلاف السبب، (كالقَتْلِ) أي ككفارة القتل وككفارة الظهار (حَيْثُ قَيَّدَتْ) بالبناء الفاعل (أُولاهُمَا مُؤْمِنَةٌ) قيدت مؤمنة هذا فاعل قيدت (أُولاهُمَا) الكفارتين التي كفارة القتل مؤمنة فقال: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ} [النساء: 92]. وجاءت مطلقة في كفارة الظهار {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [المجادلة: 3] هنا السبب مختلف قتل وظهار والحكم واحد وهو تحرير رقبة يجب حمل ماذا؟ المطلق على المقيد، لأنه ممكن هنا. كالقَتْلِ، والظِّهَارِ حَيْثُ قَيَّدَتْ ... أُولاهُمَا مُؤْمِنَةٌ ................ (أُولاهُمَا مُؤْمِنَةٌ) هذا فاعل قيدت (إِذْ وَرَدَتْ) يعني: مؤمنة وردت في النص هذا من باب التتميم، وحيث لا يمكن هذا يطابق قوله: (إِذا أَمْكَنَ). مفهومه إذا لم يمكن لا يحمل قوله: (وَحَمْلُ مُطْلَقٍ على الضِدِّ إِذا). على الضد يعني المقيد. (إِذا أَمْكَنَ) يحمل، مفهومه - مفهوم مخالفة مفهوم الشرط كما أخذناه البارحة {وَإِن كُنَّ أُولَاتِ} [الطلاق: 6]- مفهومه إذا لا يمكن لا يحمل المطلق على المقيد صرح بهذا المفهوم لو سكت عند قوله: (إِذْ وَرَدَتْ). نفهم من البيت الأول أنه إذا لم يمكن لا يُحمل المطلق على المقيد، لكن نص هنا على ما فُهِمَ سابقًا لإيراد المثال لأنه قال: كالقضاء. أراد أن يُورِد مثال لما لا يمكن فيه حمل المطلق على المقيد.

(وحَيْثُ لا يُمْكِنُ) حمل المطلق على المقيد بأن كان ثَمَّ مقيدٌ في محلين بالمتنافيين ولم يكن المطلق أولى بالتقييد من أحدهما هذا فيما ذكرناه من مثال {فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} هنا ورد المقيد في موضعين بمقيدين مختلفين متضادين ليس أحدهما أرجح من الآخر حينئذٍ نقول: لا يحمل المطلق على المقيد اتفاقًا إما إذا وجد مرجح في أن يكون ثَمَّ شبه بين المطلق وبين أحد المقيدين فحينئذٍ نحمل المطلق على أقربهما شبهًا على أقرب المقيدين شبهًا، وحيث لا يمكن حمل المطلق على المقيد (كالقَضاءِ) وذلك (كالقَضاءِ) القضاء هذا إعرابه خبر مبتدأ محذوف وذلك (كالقَضاءِ) في شهر رمضان في قوله تعالى: {فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}. حكمه؟ (لا تَقْتَفِي)، حكمه حكم ماذا؟ حكمه (لا تَقْتَفِي) يعني: لا تتبع. ... (لا تَقْتَفِي) الاقتفاء والإتباع قَفْوا الأسد يعني: إتباع الأسد. (لا تَقْتَفِي) (حُكْمَهُ) هذا مفعول به منصوب مقدم لقوله: (لا تَقْتَفِي). يعني: لا تقتفي حكمه لا تتبع حكمه أي: حكم ذلك المقيد، بل يبقى المطلق على إطلاقه، أو لا تقتفي حكمه أي: حكم الحمل ذلك الحمل المذكور حينئذٍ يكون إشارة على قوله: (وَحَمْلُ مُطْلَقٍ على الضِدِّ). هذا حكم لا تقتفي حكمه أي: لا تتبع حكم الحمل المذكور ولا إشكال في التقديرين، والمثال قد ذكرناه فيما سبق. إذًا هذا ما يتعلق بماذا؟ بالمطلق والمقيد. النوع الحادي عشر والثاني عشر: النَّاسِخُ والمنسوخُ النوع الحادي عشر والثاني عشر من هذا العقد الذي هو متعلق بالمعاني المتعلقة بالأحكام الناسخ والمنسوخ، ناسخ هذا اسم فاعل من النسخ، والمنسوخ هذا اسم مفعول من النسخ والمراد به الناسخ من القرآن والمنسوخ من القرآن، حينئذٍ لا بد من معرفة حقيقة النسخ. فنقول النسخ لغة: الإزالة أو النقل. يعني: يطلق بهذا المعنى أو على المعنى الثاني، النسخ لغةً الإزالة تقول: نسخت الشمس الظل. بمعنى: أزالته. النقل نسخت الكتاب أي نقلت ما فيه، والمراد به هنا الإزالة المراد به هنا يعني المناسب للمعنى الاصطلاحي الإزالة لأن النسخ هنا في الاصطلاح رفع الحكم بمعنى إزالة الحكم وليس ثَمَّ نقلٌ، وعند السلف - لأن الاصطلاح يختلف بين المتقدمين وبين المتأخرين - عند السلف يطلق النسخ بمعنى أو مرادًا به البيان، ولذلك عندهم يُطْلَقُ على التخصيص نسخٌ، فيقال هذا: نسخ. فيظن الظان أن الآية ناسخة وهي مخصصة لماذا؟ لأن مفهوم النسخ عندهم أوسع من مفهوم النسخ عند المتأخرين. إذًا معناه معنى النسخ عند السلف هو: البيان. فإذا كان البيان فيشمل حينئذٍ أو يدخل فيه تخصيص العام لأنه بيان، ويدخل فيه تقيد المطلق لأنه بيان، ويدخل فيه تبين المجمل لأنه بيان، ويدخل فيه رفع الحكم بالجملة لأنه بيان.

الرابع هذا خصه المتأخرون - قبيل الاصطلاح - خصه بالنسخ ولم يطلقوا النسخ على تخصيص العام ولا على تقييد المطلق ولا على تبين المجمل، وهذا لا إشكال يكون من باب الاصطلاح ولا نقول: المتأخرين قد أساءوا للمتقدمين. نقول: هذا معناه كذا وهذا معناه كذا ولا مشاحة في الاصطلاح لأن هذا الاسم ليس توقيفيًا المصطلحات هذه ليست توقيفية، فإذا خالف المتأخرون المتقدمين في اصطلاح وخاصة إذا لا ينبني عليه كبير أحكام أو فرق بأحكام نقول هذا ماذا؟ هذا من قبيل الاصطلاح ولا مشاحة في الاصطلاح ولا نأتي بكتب الأصول هنا نقول: هذه مما تجرأ المتأخرون على المتقدمين. لا بأس يبين هذا ليعلم الطالب أنه إذا بحث في التفسير ونقل عن ابن عباس وغيره أو كبار التابعين بأن هذا نسخ فيتأنى لا يحمله على النسخ عند المتأخر يتأنى يقف فينظر فيه يتأمل هل ثَمَّ مخصص وعام، هل ثم مطلق ومقيد، هل ثَمَّ مجمل ومبين إن لم يكن فحينئذٍ لا بأس أن يحمله على المعنى عند المتأخرين معنى النسخ عند المتأخرين، والمراد به أن يتريث ويتأنى. وعند المتأخرين رفع الحكم الثابت بخطاب متقدمٍ بخطاب متراخي عنه، ربط الحكم الثابت بخطاب متقدم بخطاب متراخي عنه، أو إن شئت قلت أقصر من هذا: رفع حكم شرعي بدليل شرعي متراخي. هكذا عرفه في ((مختصر التحرير)) رفع حكم شرعي بدليل شرعي متراخي، رفع الحكم الثابت رفع هذا عنون له في أول الحد بالمصدر، فحينئذٍ نقول: هذا موافق لمعناه اللغوي الذي هو معنى الإزالة لأن الرفع هنا بمعنى الإزالة، الرفع إزالة الشيء بمعنى تغيره، غُيِّر الحكم رُفِعَ الحكم الشرعي بمعنى غُيِّر كان واجبًا ثم صار مباحًا كنسخ ماذا؟ {إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً} [المجادلة: 12] قيل: هذه للوجوب فنسخت. فحينئذٍ نقول: غير الحكم أزيل الحكم الأول كله فنقول: تغير الحكم. إذًا رفع الحكم أي: إزالة الحكم بمعنى تغييره من إيجاب إلى إباحة، أو من إباحة شرعية إلى إيجاب وندب ونحو ذلك، من تحريم إلى إباحة «كنت نهيتكم عن زيارة القبور». نهي الأصل أنه يحمل على ماذا؟ على التحريم «فزوروها». إما إيجاب وإما سنة فنقول: سنة. إذًا انتقل الحكم من ماذا؟ من التحريم إلى السنة، نقول: هذا هو المراد بالرفع إزالة الحكم وتغيره على وجه لولاه لبقي ثابتًا، يعني: لولا الحكم الثاني لبقي الأول ثابتًا كما هو يعني لولا قوله تعالى: {أَأَشْفَقْتُمْ أَن تُقَدِّمُوا} [المجادلة: 13] ... الآية لبقي ماذا؟ وجوب الصدقة بين يدي النبي - صلى الله عليه وسلم - لولا الناسخ لبقي الحكم ثابتًا كما هو، ليخرج ماذا؟ ليخرج زوال الحكم بخروج وقته، لو خرج الحكم بخروج وقته نقول: تغير وأزيل الحكم لكنه ماذا؟ بانتهاء وقته، إذا زال الحكم بخروج الوقت نقول: هذا ارتفع الحكم وزال الحكم وتغير، فحينئذٍ نقول: هذا نسخ أو لا؟ ليس بنسخ لماذا؟ لأن الحكم مقيد بالزمن ومثلنا له في القواعد بماذا؟ بصلاة الجمعة، إذا لم يصل حتى خرج الوقت فقام فصلى الجمعة بعد صلاة العصر نقول ماذا صلاة واجبة أم لا؟ الجمعة تقضى أو لا؟

لا تقضى باتفاق، فحينئذٍ لو أراد أن يصلي صلاة الجمعة بعد العصر نقول: هذه واجبة زال الحكم أو لا تغير أم لا؟ هل هذا نسخ؟ نقول: لا، هنا أزيل الحكم لخروج وقته لأنه مغير بوقت معين بخلاف سائر الفرائض. أي: انتهاء وقت الحكم لا يسمى نسخًا كمن أخرج الجمعة عن وقتها فلا يصلي لعدم الوجوب، رفع الحكم الثابت بخطاب، إذًا الحكم السابق المنسوخ يكون ثابتًا بماذا؟ بخطاب لا بد أن يكون ثابتًا بخطاب احترز به عن الثابت بالبراءة الأصلي، والثابت بخطاب هذا صفة للحكم المنسوخ ليُخْرِج ماذا؟ رفع الحكم السابق بالأصالة وهي البراءة الأصلية عدم التكليف بالشيء، فرفع البراءة الأصلية لا يسمى نسخًا. وما من البراءة الأصلية ... قد أخذت فليست الشرعية حينئذٍ نقول: هذه إباحة لا شك أنها إباحة لكنها إباحة عقلية لا شرعية لأنها دل عليها العقل، وما دل عليه العقل ليس بشرع، فإذا جاء الشرع ابتداء العبادات لا نقول أنه نسخ، فالأصل عدم وجوب الصلوات كلها حتى نزل تشريع إيجاب الصلوات الخمس، قبل ذلك نقول: ليست بواجبة. إذًا عدم الوجوب ثم وجبت هل نقول: الخطاب الثاني رافع وناسخ لما ثبت بالعقل وهو عدم وجوب الصلوات؟ نقول: لا، لأنه ثبت بالبراءة الأصلية. متقدمة أي في الورود على المكلفين لأن ابتداء العبادات في الشرع مزيل حكم العقل من براءة الذمة وليس هذا بنسخ، وبدليل متقدم بخطاب متراخٍ نقول: بدليل أحسن ليشمل ماذا؟ فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - كما في الوضوء أليس كذلك؟ كان الأصل أنه يجب أن يتوضأ لكل صلاة وبعد ذلك نُسِخَ بماذا؟ بالسنة بفعل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. وبدليل ليخرج زواله بزوال التكليف يعني رفع الحكم الثابت بخطاب متقدم، رُفِعَ الحكم لكن بالموت مات نقول: رُفِعَ الحكم السابق بخطاب المتقدم كان يجب عليه أن يصلي الصلوات الخمس ويصوم رمضان لكنه مات ارتفع أو لا؟ ارتفع، لكن ارتفع بماذا؟ بزوال التكليف لا بدليل شرعي، فإذا أزيل التكليف بنحو جنون أو إغماء أو موت فنقول: ارتفع التكليف. ولا نجعل ذلك الجنون أو ذلك الموت رافعًا بكونه ناسخًا، لا، وإنما نقول: أزيل لفوات رفع التكليف، متراخٍ لماذا نشترط فيه لكونه متراخٍ؟ ليُخرج البيان والتخصيص، فالناسخ لا بد أن يكون متأخرًا عن الأول غير متصل به. عرفنا حد النسخ؟ هذا حقيقته. نقول: النسخ مما خص الله به هذه الأمة لِحِكَمٍ منها التيسير، ومنها تسهيل الأجر للمؤمنين ومضاعفة الأجر لهم، وقد أجمع المسلمون على جوازه لا خلاف، خلافًا لليهود والرافضة منعوا النسخ لكن لا نلتفت هنا دليلهم.

من التعريف لا بد أن يكون الناسخ والمنسوخ سَمْعِيَّيْنِ أليس كذلك؟ نقول: بالخطاب، رفع الحكم الثابت بخطاب متراخٍ، لا بد أن يكون كلاً من الناسخ والمنسوخ بخطاب، لا بد أن يكونا سَمْعِيَّيْنِ، فالعقل لا يثبُت به النسخ، والإجماع مجرد دعوى الإجماع لا يثبت به النسخ، ولو وُجِدَ بأن الأمة أجمعت وصح الإجماع حينئذٍ يكون إجماعًا على النص الناسخ، أما في مجرد الإجماع فليس بنسخ لماذا؟ [ ... أحسنت] لأن الإجماع لا ينعقِد إلا بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا شرطه، بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - والنسخ لا يكون إلا بوحي فكيف حينئذٍ يكون ما لا يوجد إلا بعد انقطاع الوحي يكون ناسخًا، هذا لا يمكن ولو وجد أنه بالإجماع هذه الآية منسوخة فاعلم أن الإجماع على النص الناسخ، أما الإجماع نفسه فليس بناسخ. القياس هل يُنسخ به؟ لا يُنسخ به قطعًا، إذًا لا بد من سَمْعٍ بسَمْعٍ لا يُنسخ إلا وحي ولا يكون الناسخ إلا وحي. الثاني: لا تُنسخ الأخبار. لذلك قال: رفع حكمي. هذا كله نأخذه من الحدِّ، كونهما سمعيين نأخذه من الحدِّ لأنه قال: رفع الحكم الثابت بخطاب متقدم. هذا الْمَنْسُوخ، بخطاب متراخٍ عنه هذا الناسخ. إذًا لا بد من كونهما سَمْعِيَّيْنِ. قوله: رفع الحكم. هذا دليل على أن النسخ لا يدخل الأخبار إلا إذا كان الخبر بمعنى الحكم. ثالثًا: نقول: النسخ لا يقع إلا في الأحكام الشرعية وهذا مما سبق. قال رحمه الله تعالى: كَمْ صَنَّفُوا في ذَيْنِ مِنْ أَسْفَارِ ... واشْتَهَرَتْ في الضَّخْمِ والإِكْثَارِ (كَمْ) عدد كثير (صَنَّفُوا) أي العلماء من السابقين واللاحقين (في ذَيْنِ) المشار إليه ما هو؟ الناسخ والمنسوخ (ذَيْنِ) هذا تسمية ذا. بِذَا لِمُفْرَدٍ مُذَكَّرٍ أَشِرْ ... بِذِي وَذِهْ تِي تَا عَلَى الأُنْثَى اقْتَصِرْ وَذَانِ تَانِ لِلمُثَنَّى الْمُرْتَفِعْ ... وَفِي سِوَاهُ ذَيْنِ تَيْنِ اذْكُرْ تُطِعْ (في ذَيْنِ مِنْ أَسْفَارِ) جمع سفر، وذكرنا أنه الكتاب الكبير هذا هو الأصل قال السيوطي رحمه الله في ((الإتقان)) أفرده بالتفصيل خلائق لا يُحْصَون. كُثُر لأنه مهم ينبني عليه أحكام شرعية لا يحصى منهم: أبو عبيد القاسم، وأبو داود السجستاني، وأبو جعفر النحاس، وابن الأنباري، ومكي، وابن العربي، وآخرون قال الأئمة: لا يجوز لأحدٍ أن يفسر كتاب الله إلا بعد أن يعرف منه الناسخ والمنسوخ، لا يجوز أن يفسر كلام الله كتاب الله إلا بعد أن يعرف الناسخ من المنسوخ، لأنه يدخل مع الآية وهي المنسوخة ويفسرها ويبني عليها الأحكام وهي منسوخة، وما درى المسكين أنها منسوخة ولذلك أُورِد عن علي رضي الله تعالى عنه أثرًا أنه قال لقاضٍ: أتعرف الناسخ من المنسوخ؟ قال: لا. قال: هلكت وأهلكت. قاضٍ الأمر من زمن يعني، قاضٍ جالس يقضي بين الناس ولا يعرف الناسخ من المنسوخ، يعني: ليس ببدعة.

(كَمْ صَنَّفُوا)، (كَمْ) هذه تكسيريه (صَنَّفُوا) (كَمْ)، (كَمْ) هذه ما إعرابها؟ (صَنَّفُوا) عددًا كثيرًا مفعول به (كَمْ) تكسيريه ليست استفهامية مبنية على السكون في محل نصب مفعول به (في ذَيْنِ) الناسخ والمنسوخ (مِنْ أَسْفَارِ واشْتَهَرَتْ) تلك الأسفار عند أهل العلم في الضخم والإكثار، في الضخم يعني من جهة الحجم بعضها كبير وبعضها صغير والإكثار أي الكثرة. ونَاسِخٌ مِنْ بَعْدِ مَنْسُوخٍ أَتَى ... تَرْتِيْبُهُ إِلاَّ الذي قَدْ ثَبَتَا مِنْ آيَةِ العِدَّةِ لا يَحِلُّ ... لكَ النِّساءُ صَحَّ فيهِ النَّقْلُ والنَّسْخُ لِلْحُكْمِ أَو التِّلاوَةِ ... أَوْ لَهُما كَآيَةِ الرِّضَاعَةِ (ونَاسِخٌ مِنْ) الآيات (مِنْ بَعْدِ مَنْسُوخٍ) يقصد به أن القاعدة ذكره ضابطٌ السيوطي في ((التحبير)) وفي غيره: ليس في القرآن - هكذا قال نظمه المصنف أو الناظم: - ليس في القرآن ناسخ إلا والمنسوخ قبله، على الترتيب يعني المنسوخ التالي يتلو المنسوخ أولاً، ثُم بعد ذلك يتلو الناسخ، يتلو المنسوخ أولاً. إذًا من حيث التلاوة هي أولاً أليس كذلك؟ ثم يتلو الناسخ، ما من ليس في القرآن ناسخٌ إلا والمنسوخ قبله في الترتيب إلا آيتين (آيَةِ العِدَّةِ)، وآية الأحكام التي نظمها المصنف هنا. (ونَاسِخٌ مِنْ) الآيات (مِنْ بَعْدِ مَنْسُوخٍ) (ونَاسِخٌ مِنْ) الآيات يقع في القرآن من بعد منسوخٍ منها فتتلو أولاً المنسوخ ثم يأتيك بعد ذلك الناسخ يأتيك الناسخ (أَتَى تَرْتِيْبُهُ) في القرآن (إِلاَّ) استثنى من هذه القاعدة (إِلاَّ الذي قَدْ ثَبَتَا) الألف للإطلاق (مِنْ آيَةِ العِدَّةِ) (آيَةِ العِدَّةِ) هاتان الآيتان في سورة البقرة وهي قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ} ... [البقرة: 240]. هذه منسوخة نسختها الآية التي قبلها. {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: 234]. المنسوخة، أيهما متقدمة؟ {يَتَرَبَّصْنَ} هي المتقدمة، الناسخ هو المتقدم على عكس القاعدة وهذا نأخذ منه دليل على ماذا؟ أن ترتيب الآيات توقيفي نعم، لأن ترتيب الآيات توقيفي، لأن النظر لو أردنا بالعقل نقول نضع الناسخ أولاً أليس كذلك؟ نضع الناسخ أولاً ثم بعد ذلك المنسوخ لكنهم عكسوا فعُكس الأمر فوضع أولاً المنسوخ ثم الناسخ، وخولف في آيتين فدل على ماذا؟ على أن الترتيب ترتيب الآيات توقيفي. (إِلاَّ الذي قَدْ ثَبَتَا مِنْ آيَةِ العِدَّةِ) (مِنْ آيَةِ) هذا جار مجرور من بَيَانِّه يعني قوله: (إِلاَّ الذي) هذا مبهم بينه بقوله: (مِنْ آيَةِ العِدَّةِ) وهاتان الآيتان في سورة البقرة وعرفنا هذا.

(لا يَحِلُّ لكَ النِّساءُ) هذه الآية الثانية يعني وقوله تعالى: {لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ} [الأحزاب: 52]. في سورة الأحزاب نسختها آية قبلها: {إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ} [الأحزاب: 50]. وهذه متقدمة ثم جاءت {لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ}. إذًا الناسخ متقدم والمنسوخ متأخر (صَحَّ فيهِ النَّقْلُ) صح النقل فيه أي في المذكور كله من أوله إلى آخره، صح فيه النقل هذا من باب التكملة أو نجعله احترازًا من ما اختلف فيه، لأن بعض ما هو ناسخٌ وما هو منسوخ متفقٌ على أن الناسخ متقدمٌ على المنسوخ كالآيتين المذكورتين، وبعضه مختلفٌ فيه من كونه ناسخٌ ومنسوخ وكون الناسخ متقدمًا على المنسوخ، فحينئذٍ قيد المصنف هنا قوله: (صَحَّ فيهِ النَّقْلُ) يعني ما صح فيه النقل من تقديم الناسخ على المنسوخ خلافًا للضابط السابق، احترازًا مما اختُلف فيه، وهي آية الحشر في الفيء على رأي من قال بأنها منسوخة بآية الأنفال: {وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم} [الأنفال: 41]. هذه ناسخة وآية الفيء في الحشر هذه منسوخة على قولٍ لكنه مختلفٌ فيه، فتقدم الناسخ هنا على المنسوخ لكنه على اختلاف. كذلك آية: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ} ... [الأعراف: 199]. {الْعَفْوَ} أي: الفضل من أموالهم قيل: هذه منسوخة بآية: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ} [التوبة: 60]. آية الزكاة وهذه في سورة الأعراف أليس كذلك {خُذِ الْعَفْوَ}. في سورة الأعراف أي: متقدمة، إذًا تقدم الناسخ على المنسوخ لكنه مختلفٌ فيه، فيكون قولٌ (صَحَّ فيهِ النَّقْلُ) احترازًا مما يصح صح فيه النقل مما قيل بأن الناسخ متقدمٌ على المنسوخ وفيه كلام. ثم انتقل إلى مسألةٍ أخرى تتعلق بالنسخ وهي بيان أقسام النسخ: (والنَّسْخُ لِلْحُكْمِ أَو التِّلاوَةِ أَوْ لَهُما) هذه ثلاثة أقسام (والنَّسْخُ لِلْحُكْمِ) كائنٌ للحكم لما قال: (أَو التِّلاوَةِ) فهمنا أن قوله (لِلْحُكْمِ) أي: دون التلاوة قد يُقَيَّد الثاني بقيدٍ نفهم منه أن الأول مراد به قيدٌ مقدر كما قال ابن مالك رحمه الله: بِذَا لِمُفْرَدٍ مُذَكَّرٍ أَشِرْ ... بِذِي وَذِهْ تِي تَا عَلَى الأُنْثَى اقْتَصِرْ لا ليس في هذا. أين الموضع نسيته الآن على كلٍ ذكر في موضعٍ أنه مراد به تأنيث أو المؤنث فعلمنا أن الأول مقيد بقيدٍ مقدر وهو المذكر. (والنَّسْخُ لِلْحُكْمِ) أي: دون التلاوة كآية ماذا؟ العدة المتقدمة نسخ الحكم دون التلاوة يعني: الرفع وقع لماذا؟ للحكم، والتلاوة باقية نتلوها إلى الآن كالآية السابقة: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً وَصِيَّةً لِّأَزْوَاجِهِم مَّتَاعاً}. هذه منسوخة ونتلوها، ما الحكمة من بقاء التلاوة مع رفع الحكم؟ أجاب السيوطي رحمه الله قال: والحكمة في رفع الحكم وبقاء التلاوة من وجهين ذكرهم في ((الإتقان)):

الوجه الأول: أن القرآن كما يتلى ليعرف الحكم والعمل به كذلك يتلى لكونه كلام الله فيثاب عليه، فأبقيت التلاوة من هذه الحكمة إذًا من قبيل ماذا؟ الثواب ومضاعفة الأجور للأمة وهذه حكمة ولا بأس بها. لو لم نعلم الحكمة نقول: سمعنا وأطعنا، لو لم نعلم، لو لم تكون هذه الحكمة ظاهرة - وهي ظاهرة بينة واضحة - لو لم تظهر نقول: سمعنا وأطعنا. الثاني: أن النسخ غالبًا يكون للتخفيف، فأبقيت التلاوة تذكيرًا للنعمة ورفعًا للمشقة، تذكيرًا للنعمة نعم، كانت المرأة تتربص حول كامل سنة هذه مشقة فلما خُفف فبقية تلك للدلالة على ماذا؟ تذكيرًا وعلمًا بالنعمة. إذًا القسم الأول النسخ للحكم دون ماذا؟ دون التلاوة. وهذا واقعٌ بالإجماع قال السيوطي رحمه الله تعالى: وهو الذي فيه الكتب المؤلفة. يعني: كثير وقيل هذا الكلام منزَّل على ماذا؟ على النوع الثاني. لكن كلٌ منهما أُلِّف وقُصد بتأليفه. هذا النوع الأول: النسخ للحكم دون التلاوة. لكن ما الناسخ له؟ إذا نسخ الحكم دون التلاوة ما الناسخ له؟ التلاوة، يعني لا ينسخ قرآن إلا بالقرآن إذا قلت: التلاوة، قد يكون الناسخ قرآنًا وقد يكون الناسخ سنة قد يكون الناسخ له قرآنًا وقد يكون له الناسخ له سنة، إذًا نقول: ما نسخ حكمه دون تلاوته، هذا قد ينسخه قرآن يعني: نسخ القرآن بالقرآن وهذا متفق عليه نسخ القرآن بالقرآن متفقٌ عليه لقوله تعالى: {مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} ... [البقرة: 106]. فدل على ماذا؟ على أن نسخ القرآن بالقرآن هذا جائزٌ وواقعٌ بل مجمعٌ عليه. قال بعضهم: وهذا نسبه الشارح لأبي بكر بن العربي: كل ما في القرآن من الصفح عن الكفار والتولي والإعراض والكف عنهم فهو منسوخٌ بآية السيف، كل ما ورد في القرآن من الصفح عن الكفار والتولي والإعراض والكف عنهم فهو منسوخٌ بآية السيف وهي قوله تعالى: {فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ} [التوبة: 5]. هذه قيل: نسخت مائةً وأربعًا وعشرين آية، لكن هذا يحتاج إلى تتبع ثم نسخ آخرها أولها. الثاني: ما نسخه سنةٌ. يعني: نسخ الحكم دون التلاوة وكان الناسخ له سنة، وهذا التقسيم يطرد على النوع الثاني أيضًا لكن نذكره للأول للحاجة إليه واختلف للحاجة إليه واختلف في جواز هذا، هل يجوز نسخ القرآن بالسنة أم لا؟ هذا فيه الخلاف مثَّلُوا له بقوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ} [البقرة: 180]. قيل نسخ بحديث: «لا وصية لوارث». وهذا فيه نظر لكن مثَّلُوا بهذا لماذا؟ لأن الوصية هنا ماذا؟ واجبة قال: {لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ}. والوالدان وارثان، والأقربين منهم من يرث «ولا وصية لوارث». قالوا: هذا الحديث ناسخٌ للآية. ومن أنكره قال: الناسخ آية الميراث، وهو الصواب أن الناسخ هو آية الميراث.

ذهب جمهور الأصوليين إلى أنه يجوز نسخ القرآن بالسنة المتواترة، وذهب الإمام الشافعي وأحمد - روايةٍ عنه -: إلى أنه لا يجوز نسخ القرآن بالسنة ولو كانت متواترة، بل لا ينسخ القرآن إلا قرآنًا مثله، وهذا اختيار ابن قدامة رحمه الله، وابن تيمية أن السنة مطلقًا لا تَنْسَخُ القرآن ولو كانت متواترة وهذا اختيار من؟ ابن قدامة، وابن تيمية، وقرره الشافعي في ((الرسالة)). وهذا الخلاف في الجواز وفي الوقوع، حجة الجمهور أنه يجوز بالمتواتر: أن الجميع وحيٌ من الله تعالى، السنة المتواترة وحي من الله لقوله تعالى: {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 3، 4] والقرآن وحيٌ ولا إشكال إذًا كلٌ منهما وحيٌ من الله تعالى. فالناسخ والمنسوخ من عند الله أليس كذلك؟ والناسخ في الحقيقة هو الله جل وعلا سواءٌ نسخ بالقرآن أو نسخ على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم - لأن الناسخ في الحقيقة هو الرب جل وعلا ليس النص وإنما الرب جل وعلا، فحينئذٍ سواءٌ كان الناسخ بلفظ القرآن أو بلسان النبي - صلى الله عليه وسلم - والنبي - صلى الله عليه وسلم - مُبَلِّغ أليس كذلك؟ فحينئذٍ يكون الناسخُ وحيٌ لوحي أو نسخ وحيٌ وحيًا، لكن أظهر النسخ على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم - ومثل الجمهور للوقوع بأن آية التحريم بعشر رضعاتٍ نُسِخْنَ بالسنة أما المثال الأول فهذا فيه نظر مثلوا بماذا؟ بأن آية التحريم بعشر رضعات - التي ستأتي - نُسِخْنَ بالسنة، وحجة الشافعي وابن قدامة وابن تيمية رحمهم الله: قوله تعالى: {مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} [البقرة: 106]. قالوا: ولا يكون مثل القرآن وخيرًا منه إلا قرآن، هذا باعتبار ماذا؟ السنة المتواترة، وأما الآحاد فلكونها عند الجمهور ظنية قالوا: إذًا لا يُرفع حكم القرآن نصًا ولا تلاوةً إلا بما هو مساوٍ أو أعلى، والآحاد يكون أدنى فحينئذٍ لا يُنسخ القرآن بخبر الواحد والجمهور على هذا لأنه ضعيف فلا يُرفع الأقوى بما هو دونه. وذهب بعضهم إلى جواز نسخ القرآن بأخبار الآحاد إذ لا يشترط في الناسخ والمنسوخ أن يكونا متساويين في الرتبة، ولا يشترط في الناسخ أن يكون أقوى من المنسوخ، بل قد يكون أدنى فالشرط حينئذٍ في الناسخ أن يكون وحيًا - احترازًا من الإجماع وقياس العقل - ثابتًا بالنقل الصحيح، فمتى ما وُجد الناسخ بهذا القيد فحينئذٍ نقول: هذا ناسخ سواءٌ كان خبرًا من السنة متواترًا أم آحادًا. إذًا نقول: مسألة النسخ نسخ القرآن بالسنة فيه تفصيل عند الجمهور، إن كانت السنة متواترة فالجمهور على أن القرآن ينسخ بالسنة المتواترة، وإن كانت آحادًا فالجمهور على ماذا؟ على أن القرآن لا يُنسخ بخبر الواحد. وعند الشافعي ومثله ابن تيمية رحمه الله: لا يَنْسَخُ القرآن إلا قرآنًا ولا ينسخ السنة إلا السنة، واضح؟ هذا هو الخلاف عند أهل العلم. نسخ السنة بالقرآن الكلام الآن في ماذا؟ في نسخ القرآن بالسنة، هل القرآن ينسخ السنة؟. عند الشافعي وابن تيمية: لا، لأنه لا ينسخ السنة إلا السنة ولا قرآن إلا القرآن.

ذهب جمهور الأصوليين: إلى أنه يجوز نسخ السنة بالقرآن. وذهب الإمام الشافعي وغيره إلى أن السنة لا ينسخها إلا سنةٌ مثلها، والأدلة هي الأدلة السابقة للطائفتين، لكن الوقوع يشهد، نقول: استقبال بيت المقدس هذا ثابتٌ بالسنة المتواترة ونسخ بالقرآن: {فَوَلِّ وَجْهَكَ} [البقرة: 144]. كما ذكرناه سابقًا كذلك صوم يوم عاشوراء هذا ثابتٌ بالسنة على القول بأنه كان واجبًا ثم نسخ بماذا؟ بالقرآن فكيف نقول: لا تنسخ السنة بالقرآن. ولذلك نقول: الأصح في المسألتين أن القرآن يُنسخ بالسنةِ مطلقًا متى ما صحت السنة، وأن السنة تُنسخ بالقرآن لأن الكل وحيٌ من عند الله، وأن الناسخ في الحقيقة هو الرب جل وعلا سواءٌ نسخ بالقرآن بلفظه بحرفه جل وعلا أو على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم -. (والنَّسْخُ لِلْحُكْمِ) أي: دون التلاوة، هذا النوع الأول. (أَو التِّلاوَةِ) يعني فقط مع بقاء الحكم مثل ماذا؟ نُسخ التلاوة دون الحكم، الحكم باقي ... (الشيخ والشيخة) [أحسنت] آية الرجم تُسمى آية الرجم وهي: (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالاً من الله والله عزيزٌ حكيم) هي كانت في سورة الأحزاب رواه الحاكم وغيره عن عمر رضي الله تعالى عنه. هذه منسوخة في التلاوة والحكم باقي. (أَوْ لَهُما) منسوخ التلاوة دون الحكم، جمع السيوطي عشرين موضعًا قال: ولا يوجد غيرهم. فقط عشرين موضعًا نسخ فيها التلاوة دون الحكم ذكرها في ((الإتقان)) (أَوْ لَهُما) يعني: النسخ لماذا؟ (أَو التِّلاوَةِ) هذا عطف على الحكم (أَوْ لَهُما) يعني للحكم والتلاوة معًا، المنسوخ الحكم والتلاوةُ معًا. قال: (كَآيَةِ الرِّضَاعَةِ) يعني وذلك (كَآيَةِ الرِّضَاعَةِ) خبر لمبتدأ محذوف، وهي ما رواه الشيخان عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: كان فيما أُنزل عشر رضعاتٍ معلوماتٍ يحرمن فنسخن بخمس رضعاتٍ معلوماتٍ يحرمن، فتوفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مما يقرأ من القرآن. أي: يقرؤهن مَنْ لَمْ يَبْلُغْهُ نَسْخَهُنَّ، وأما من بلغه النسخ فأسقط تلاوتها، إذًا هذا نسخٌ لماذا؟ للتلاوة الحكم معًا. هذا ما يتعلق بالناسخ والمنسوخ. إذًا نقول: القاعدة أنه لا يُشترط في الناسخ أن يكون أقوى من المنسوخ - وهذا نتنبه له - لا يشترط في الناسخ أن يكون أقوى من المنسوخ، أو في مرتبته بل يكفي أن يكون الناسخ وحيًا ثابتًا، لأنه لا يمتنع أن يكون النسخ بالعقل لا يمنع أن يُنسخ بخبر الواحد لكن هم يمنعون لأنهم يقولون: يفيد الظن فقط ولا يفيد العلم. (النوع الثالث عشر والرابع عشر) من العقد الخامس (المعمولُ بهِ مُدةً معينةً، وما عَملَ به واحدٌ). هذا تابعٌ للنسخ أيضًا، يعني بعض الأحكام الشرعية قد يكون لها ماذا؟ أمد معين شهر أو شهرين أو ثلاثة بعضها مثل له بستة عشر عامًا ثم نُسخ، نقول: هذا كله النسخ على هذا المنوال، لكن ما عمل به واحدٌ فقط هذا قد يكون يحتاج إلى مثال. كآيَةِ النَّجْوَى التي لَمْ يَعْمَلِ ... مِنهُمْ بِها مُذْ نَزَلَتْ إِلاَّ عَليْ وسَاعَةً قَدْ بَقِيَتْ تَماما ... وقِيْلَ لا بَلْ عَشْرَةً أَيَّامَا (عَشْرَة) بإسكان الشين.

(كآيَةِ النَّجْوَى) يعني: وذلك كآية النجوى دائمًا إذا جاءت مثل هذا تقدره أنه خبر لمبتدأ محذوف، لأنه لا يمكن أن يبتدئ الكلام جار ومجرور، فتنظر إما أن يكون بعده خبر وإما مبتدأ مؤخر وإما أن تقدر مبتدأ محذوفًا. ... (كآيَةِ النَّجْوَى) يعني: وذلك كآية النجوى وهي قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا} [المجادلة: 12]. هذا أمر والأمر يقتضي الوجوب، {فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً} قيل: على الإيجاب وهو ظاهر النص وقيل: الندب. هذه الآية نسخت بقوله: {أَأَشْفَقْتُمْ} ... [المجادلة: 13]. التي تليها: {أَأَشْفَقْتُمْ أَن تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ}. قال ابن عطية رحمه الله: قال جماعة: لم يَعْمَل بهذه الآية بل لم يُعْمَل بهذه الآية بل نُسخ حكمها قبل العمل. التي هي ماذا؟ [لا ليس: ... {أَأَشْفَقْتُمْ}] نحن نقول: أن ذكرت الصواب أولاً {إِذَا نَاجَيْتُمُ} قال ابن عطية رحمه الله: قال جماعة: لم يُعْمَل بهذه الآية أحد أبدًا أليس كذلك؟ بل نُسخ حكمها قبل العمل. وصح عن علي رضي الله تعالى عنه قال: ما عمل بهذه الآية أحدٌ غيري، ولا يعمل بها أحدٌ بعدي. رواه الحاكم وصححه أليس كذلك؟ لم يعمل بها أحدٌ غيري ولم يعمل بها أحدٌ بعدي لماذا؟ لأنها نُسخت. وفيه أي: عند الحاكم كان عندي دينارٌ فبعته بعشرة دراهم فكنت كل ما ناجيت النبي - صلى الله عليه وسلم - قدمت بين يدي نجواي درهمًا ثم نُسخت فلم يعمل بها أحدٌ فنزلت: {أَأَشْفَقْتُمْ} الآية. وروى الترمذي عنه قال: لما نزلت هذه الآية قال لي النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ما ترى دينارًا». يعني: في تقدير الصدقة. «ما ترى دينارًا» قلت: لا يطيقونه - كثير دينار -. قال: «فنصف دينار». قلت: لا يطيقونه - كثير أيضًا -. قال: «فكم»؟ قلت: شعيرة. قال: «إنك لزهيد». فنزلت: {أَأَشْفَقْتُمْ} قال علي: فخُفف عن هذه الأمة بي، فبي خفف عن هذه الأمة، لأنه قال ماذا؟ لا يطيقون الدينار ولا نصف الدينار ما بقي شيء، ما بقي إلا الشعيرة «إنك لزهيد». إذًا دعوى من قال: بأنه لم يعمل بها أحد. نقول: هذه دعوى ساقطة لصحة ماذا؟ النص عن علي رضي الله تعالى عنه: بأنه عَمِلَ فقط بهذه الآية (وما عَملَ به واحدٌ) إذًا هذا مثالٌ صالحٌ. (كآيَةِ النَّجْوَى وهي التي (الذي لَمْ يَعْمَلِ مِنهُمْ) من الصحابة (لَمْ يَعْمَلِ) الكسر هذا للروي، والسكون يكون مقدرًا (لَمْ يَعْمَلِ مِنهُمْ) من الصحابة (بِها) أي: بهذه الآية (مُذْ نَزَلَتْ) يعني: إلى أن نزلت (مُذْ) وَمُذْ وَمُنْذُ اسْمَانِ حَيْثُ رَفَعَا أَوْ أُولِيا الْفِعْلَ كَجِئْتُ مُذْ دَعَا

هذا مثلها حينئذٍ تكون اسمًا لا تكون حرف جار (مُذْ نَزَلَتْ) يعني: إلى أن نُسخت (مُذْ نَزَلَتْ) إلى أن نسخت (إِلاَّ عَليْ) ابن أبي طالب رضي الله تعالى عنه، ثم كم بقيت؟ لأنه يرد السؤال لو بقيت وقتًا طويلاً كيف الصحابة لم يناج واحدٍ منهم النبي - صلى الله عليه وسلم - كم بقيت؟ هذا يدل على ماذا على أنها لم تبق طويلاً (وسَاعَةً قَدْ بَقِيَتْ). (وسَاعَةً) هذا ظرفٌ لما بعده يعني وقد بقيت هذه الآية التي هي ماذا {إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا} [المجادلة: 12] بقيت ساعةً يعني: من نهارٍ، وهذا قول قتادة، (وسَاعَةً) هذا ظرفٌ لما بعده والتقدير و (قَدْ بَقِيَتْ)، (قَدْ) للتحقيق، بقيت أي تلك الآية (سَاعَةً) أي من نهارٍ وهذا هو قول قتادة أنها لم تبق النهار كله، (تَماما) أي بقيت تلك الآية بقاءً تمامًا لا زيادة فيه ولا نقصان وهي ساعة، (وقِيْلَ: لا)، لم تبق ساعة بل بقيت إلى أن نُسخت (عَشْرَةً أَيَّامَا) يعني: عشرة من الأيام (عَشْرَةً أَيَّامَا) عشرةً من أيام لا بد من تقدير حرف جر، وهذا قول مقاتل أنها بقيت عشرة أيام، لكن هذا ردوه بماذا أنه يُستبعد أن يبقى النبي - صلى الله عليه وسلم - عشرة أيام ولا يناجيه أحدٌ من الصحابة، هذا فيه بعد أن يبقى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو المفتي وهو القاضي وهو النبي عليه الصلاة والسلام وهو وليُ الأمر ثم عشرة أيام ولا يناجيه ولا أحد إلا علي هذا بعيد جدًا هذا فيه بعدٌ (وسَاعَةً قَدْ بَقِيَتْ تَماما وقِيْلَ: لا) أي لم تبق ساعةً بل بقيت إلى أن نسخت (عَشْرَةٌ) أي عشرةً من الأيام وهذا قول مقاتل، وهناك قولٌ ثالث: بأنها نسخت قبل العمل بها الذي ذكرناه عن ابن عطية بأنه عن جماعة وهذا غير صحيح لحديث الترمذي السابق. هذا ما يتعلق بالنوع الثالث والرابع عشر. ثم قال [نأخذ الباب الأول والثاني من] (العِقْدُ السادسُ ما يرجعُ إلى المعاني المُتعَلِّقَةِ بالألفاظِ). (ما) يعني أنواعه (يرجعُ) تَرْجِعُ يَرْجِعُ يجوز الوجهان، هذه الأنواع مرجعها إلى ضابطٍ وقدر المشترك (المعاني المُتعَلِّقَةِ بالألفاظِ) يعني النظر هنا في المعنى من جهة أثره في اللفظ لا من جهة أثره في الحكم، وقد يترتب عليه حكم أيضًا قد يترتب عليه حكمٌ (وهيَ سِتَّةٌ) وهي بالتأنيث (سِتَّةٌ) بالاستقراء، (الأولُ والثاني: الفَصلُ والوَصْلُ). قال رحمه الله: الفَصْلُ والوَصْلُ وفي المَعَانِيْ ... بَحْثُهُما ومِنْهُ يُطْلَبانِ إذًا طلبهما من أين؟ المعاني مِثَالُ أَوَّلٍ إِذا خَلَوا إِلى ... آخِرِها وذَاكَ حَيْثُ فُصِلا وَمَا بَعْدَها عَنْهَا وتِلكَ اللهُ ... إِذْ فُصِلَتْ عَنهَا كَمَا تَرَاهُ وإِنَّ الأبْرَارَ لَفِي نَعِيمِ ... في الوَصْلِ والفُجَّارَ في جَحِيْمِ

(والفُجَّارَ) بالنصب (في جَحِيْمِ)، (الفَصْلُ والوَصْلُ) هذا بابٌ مهمٌ في علم المعاني، هنا نظم أربعة أبيات والسيوطي في ((عقود الجمان)) تجاوزت السبعين يدل على أن مسائل هذا الباب كثيرةٌ جدًا ولذلك لما أُحْرِجَ الناظم قال: (بَحْثُهُما) في علم المعاني (ومِنْهُ يُطْلَبانِ). إذًا لن ينظم لك إلا مثال فقط، ولذلك سنذكر التعريف والمثالين فقط ما نستطيع أن نبين الفصل والوصل. قال في ((الإيضاح)) مبينًا أهمية هذا الباب الفصل والوصل قال: وتميز موضع أحدهما من موضع الآخر على ما تقتضيه البلاغة بند منها عظيم الخطر. يعني متى تفصل الجملة تعطفها على ما سبق، ومتى تقطعها؟ هذا في المفردات وفي الجمل، لكن اصطلحوا على أنه إذا أطلق الوصل والفصل انصرف إلى الجمل، وإلا في الأصح أنه يشمل المفردات، متى تعطف ومتى لا تعطف؟ فقط هذا الباب مبناه على هذا. (الفَصْلُ) هذا ماذا ترك العطف ... (والوَصْلُ) هو العطف، عطف بعض الجملة على بعض، متى تعطف ومتى تفصل؟ هذا لا يُتقنه أي أحد، هذا لا بد أن يكون على علمٍ دقيق بالمعاني وبالإعراب وبمواضع الجمل، يعني الذي لا يعرف الجمل التي لها محل من الإعراب والتي لا محل من الإعراب ويكون متمرسًا لا يستطيع، ما ينجح في هذا الباب، الذي قيل البلاغة هي معرفة الوصل والفصل، هنا يقول لك في ((الإيضاح)) القزويني: وتميز موضع أحدهما من موضع الآخر - يعني متى تفصل ومتى تصل - تميز بعضهما عن الآخر على ما تقتضيه البلاغة ليس برأسك وإنما على وصف البلاغة فنٌ منها من البلاغة عظيم الخطر صعب المسلك لطيف المأخذ لا يعرفه على وجهه ولا يحيط علمًا بكنهه إلا من أُوتي فهم كلامٍ العرب طبعًا سليمًا ورزق في إدراك أسراره ذوقًا صحيحًا. ولهذا قصر بعض العلماء البلاغة على معرفة الفصل من الوصل، ما هي البلاغة قال: معرفة الفصل من الوصل. لأنك إذا أتقنت هذا الباب كل أبواب البلاغة لا بد أن تكون منطوية تحت ذهنك، لا يمكن أن تتقن هذا الباب إلا بمعرفة علم المعاني من بقية أبوابه وعلم البيان وعلم البديع، وما قصرها عليه لأن الأمر كذلك؟ لا، وإنما حاول بذلك التنبيه على مزيد غموضه، وأن أحدًا لا يكمُل فيه إلا كمُل في سائر فنونها، فوجب الاعتناء بتحقيقه على أبلغ وجهٍ في البيان. ويأتي إن شاء الله في ((شرح جوهر المكنون)) أو ((عقود الجمان)) بأوسع.

(الفَصْلُ والوَصْلُ)، (الفَصْلُ) هو ترك عطف الجمل بعضها على بعض، (والوَصْلُ) هو عطف بعض الجمل على بعض. هناك قيل في الوصل عطف الجمل ونقول: يجري في المفردات أيضًا هذا هو الصحيح لا إشكال في هذا، يجري في المفردات، وإنما المفردات أمرها أوضح وأيسر، لكن الجمل أمرها صعب مأخذها دقيق يحتاج إلى تأمل. الفصل والوصل يجريان في الجمل وكما يجريان في الجمل يجريان في المفردات، فالوصل نحو قوله تعالى: {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ} [الحديد: 3]. في المفردات عُطف بعضها على بعض وذلك لرفع توهم عدم اجتماعها، لِمَ عُطِفَ هنا؟ لرفع توهم عدم اجتماعها لأن الـ .. ، هو الأول والآخر كيف يتصف الشيء الواحد بكونه أولاً وآخرًا، قد يرد الذهن هكذا لكن لما عُطف دل على الجمعية الواو لمطلق الجمع، والفصل نحو {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ} [الحشر: 23] معطوفات أو لا؟ غير معطوفات، ترك العطف لعدم الجامع بينها، لكن المصطلح عليه اختصاص الفصل والوصل بالجمل. (الفَصْلُ والوَصْلُ وفي المَعَانِيْ بَحْثُهُما) يعني وفي فن المعاني (بَحْثُهُما) هذا مبتدأ مؤخر (وفي المَعَانِيْ) جار مجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم (وفي المَعَانِيْ بَحْثُهُما) بحثهما في المعاني الفصل والوصل وفي فن المعاني بحثهما (ومِنْهُ) أي: من فن المعاني (يُطْلَبانِ) إذ هناك محلهما، لأن البحث فيه طويل، يعني ست وسبعين أو أكثر من سبعين هذا مؤلف خاص.

(مِثَالُ أَوَّلٍ) المثال هو جزئي يذكر لإيضاح القاعدة. أراد أن يبين لك مثالًا للفصل (مِثَالُ أَوَّلٍ) وهو الفصل (إِذا خَلَوا إِلى آخِرِها) يعني: قوله تعالى: {وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ * اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} [البقرة: 14، 15]. {اللهُ} مبتدأ و {يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} الجملة خبر، هنا ما عُطِف، لماذا؟ لأنه لو عُطِفَ لتوهم أنه مقول القول أنه تابعٌ له {وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ} هو ... عن الكفر {قَالُواْ إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ} لو قيل و {اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} حينئذٍ لتوهم أنه معطوفٌ على مقول القول، دفعًا بهذا الوهم ودفعًا لهذا الإيراد وجب القطع، فقيل {اللهُ} دون عطفٍ {اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ}، (مِثَالُ أَوَّلٍ إِذا خَلَوا) الذي هو الفصل (إِذا خَلَوا إِلى آخِرِها) يعني: آخر الآية، وعلة الفصل هنا قيل: هو أن الجملة الأولى لها حكمٌ لم يُقصد بإعطائه للثاني لمانع وهو اختلاف القائل فيهما، نعم {قَالُواْ إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ} هذا قائلٌ واحد، و {اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} هذا قائلٌ منفكٌ عن الأول، إذًا هما مقولان لقائلين مختلفين، لو عطف بينهما تُوهم أن قائل المقولة الثانية هو عينه قائل المقول الأول، لذلك قال هنا: هو أن الجملة الأولى لها حكمٌ لم يُقصد إعطاؤه للثانية لماذا؟ وهو اختلاف القائل فيهما (وذَاكَ حَيْثُ فُصِلا مَا بَعْدَها عَنْهَا) (وذَاكَ) هذا ما هو ذاك؟ مشار إليه (إِذا خَلَوا إِلى آخِرِها) هنا ما جاء معه النظم جيد (وذَاكَ) أي: قوله: (إِذا خَلَوا إِلى آخِرِها) (حَيْثُ فُصِلا) الألف للإطلاق (مَا بَعْدَها عَنْهَا) يعني بعد (إِذا خَلَوا إِلى آخِرِها) (عَنْهَا) عن إذا خلو إلى آخره (وتِلكَ) أي: الجملة التي فُصلت ما بعدها {اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ}، هذه هي ما بعدها مفصولةٌ عما قبلها، واضح الترتيب هنا؟ فيه ركاكة، ترتيب فيهما مأزق (مِثَالُ أَوَّلٍ) قوله تعالى: {إِذَا خَلَوْاْ} إلى آخرها، ثم قال أراد أن يبن الفاصل والمفصول (وذَاكَ) أي: قوله: (إِذا خَلَوا إِلى آخِرِها) (حَيْثُ فُصِلا) حيث للتقييد. (فُصِلا) يعني: لم يعطف (مَا بَعْدَها)، فصل لم يعطف ما بعدها (مَا بَعْدَها) الضمير يعود إلى (إِذا خَلَوا إِلى آخِرِها)، (عَنْهَا) عن (إِذا خَلَوا إِلى آخِرِها)، (وتِلكَ) المفصولة قوله تعالى: أي ما بعدها {اللهُ} ذكر المبتدأ يعني يتم الآيات {اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} (إِذْ فُصِلَتْ عَنهَا كَمَا تَرَاهُ) (إِذْ فُصِلَتْ) يعني {اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} (عَنهَا) عن قوله: {إِذَا خَلَوْاْ} [البقرة: 14] (كَمَا تَرَاهُ) مفصولاً في القرآن، هذا واضح؟

إذًا لم يعطف قوله: {اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} على قوله: {إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ} دفعًا إلى إيهام اتحاد القائل لأنه لو عطف عليه لكان من مقول المنافقين وليس الأمر كذلك، لكن الناظم هنا لم يقل على {قَالُواْ} وإنما ذكر أو الآية {إِذَا خَلَوْاْ} ... {اللهُ يَسْتَهْزِئُ} ... ... هذا له مأخذان، هو ذكر واحد وأنا ذكرت آخر، وهو المشهور في كتب البلاغة أنه لم يعطف على {إِنَّا مَعَكُمْ} يعني: فصل لأن لا يتوهم أنه معطوفٌ على قوله: {إِنَّا مَعَكُمْ} والناظم هنا ذكره على أول الآية {إِذَا خَلَوْاْ} فحينئذٍ لو عُطف و {اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} فحينئذٍ يصير متعلق الظرف واحد {إِذَا خَلَوْاْ}، إذا لم يخلوا فحينئذٍ لا يقول هذا القول، له مفهوم أو لا؟ له مفهوم، {اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} متى؟ إذا خلوا أو مطلقًا؟ مطلقًا، فحينئذٍ الفصل من جهتين: فصل قوله تعالى: {اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ}. هذا من جهتين: أولاً: لأن لا يتوهم أن القائل {إِنَّا مَعَكُمْ} هو قائل: {اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} وهذا واضح. الثاني: فُصِلَ عن أول الآية {وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُواْ} إذًا المقول مقيد بالخلوة {اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} لو عُطف لتوهم أنه مقيدٌ للظرف أيضًا، فالله يستهزئ بهم إذا خلوا وإذا لم يخلوا لا يستهزئ بهم، ففصل لإفادة العموم فالله يستهزئ بهم مطلقًا خلوا أم لا. انظروا إلى البلاغة كيف يا إخوان! عرفتم هذه؟ إذًا إن كان للأولى حكمٌ لم يقصد إعطاؤه للثانية تعين الفصل كما ذكرناه أولاً، لم يتعطف {اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} بهم على {قَالُواْ} لئلا يشاركه في الاختصاص بالظرف المتقدم وهو قوله {إِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ} فإن استهزاء الله تعالى بهم متصلٌ لا ينقطع بكل حال، خلوا إلى شياطينهم أم لم يخلوا إليهم فمطلقًا، وإنما قال هنا على: {قَالُواْ} لأن متعلق الظرف هو {قَالُواْ} إذا خلوا قالوا، فحينئذٍ فُصل لئلا يتوهم بكونه مقول القول وفُصل لئلا يتوهم لأن الاستهزاء استهزاء الرب جل وعلا وهو صفةٌ تليق به ليس مقيدًا بالخلوة، فلو عُطِفَ عليه لفُهِمَ ماذا؟ تقييده بالخلوة. هذا مثالٌ لماذا؟ للفصل. (وإِنَّ الأبْرَارَ لَفِي نَعِيمِ) يعني وقوله {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ} [الانفطار 13]. مع ما بعدها وهو قوله: {وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ} [الانفطار: 14] هنا عطفت الجملة هذه على الجملة السابقة، علة الوصل هنا أن بين الجملتين اتحادًا في المعنى ما هو المعنى؟

شبه التضاد، لأن الشيء يُحمل على نظيره وكذلك يُحمل على نقيضه، ويحمل على مضاده من المعاني، فحينئذٍ يُجعل اتحاد المعنى إما بحمل النظير على النظير أو بحمل النقيض على النقيض، فحينئذٍ هنا حصل ماذا؟ حصل تشابه وهو بين كون الجنة النعيم {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ} ابن القيم يقول: {لَفِي نَعِيمٍ} نعيم نكرة في سياق الامتنان فيعم، فالأبرار هذا عام يشمل النعيم في الدنيا وفي الآخرة {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ} أين النعيم في الآخرة أم في الدنيا والآخرة؟ في الدنيا والآخرة ما وجه الاستدلال نقول: نعيم هذا نكرة في سياق الامتنان فيعم، يعم ماذا؟ يعم مطلق النعيم كل نعيم في الدنيا والآخرة. ... {وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ} [الانفطار: 14] هذا يحمل بحمل النقيض على نقيضه. إذًا علة الوصل هنا لما بينهما من شبه التضاد المقتضي للوصل (وإِنَّ الأبْرَارَ لَفِي نَعِيمِ) مع ما بعدها وهو قوله: {وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ}. وعلة الوصل كما قيل أن بين الجملتين اتحادًا في المعنى وهو شبه التضاد خبرًا وإنشاءً لأنهما خبريتان لفظًا ومعنى، وعند البيانين أن الجملة يُشترط فيها أن تكون ماذا؟ متحدتين في كونها خبرًا من جهة اللفظ وفي المعنى، إذا اختلفا ففيه خلاف لا تعطف الجملة على الجملة إلا إذ اتحدت معها في كونها خبرًا لفظًا ومعنى، وإذا اختلفتا فحينئذٍ فيه خلاف هل يعطف الجملة الإنشائية على الجملة الخبرية والعكس؟ هذا محل خلاف. مثال (في الوَصْلِ) يعني ما ذكر مثال وهو جزئي يذكر لإيضاح القاعدة في الوصل (والفُجَّارَ في جَحِيْمِ) هذا بيان للمعطوف من باب التسليم. إذًا (الفَصْلُ والوَصْلُ) مقامها يطلبان أو يبحثان من علم وفن المعاني. نقف على هذا. وصلَّ وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

15

عناصر الدرس * النوع الثالث والرايع والخامس (الإيجاز والإطناب والمساواة) * النوع السادس (القصر) * الخاتمة. الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد: قال المصنف رحمه الله تعالى: (النوع الثالث والرابع والخامس) يعني: من العقد السادس ما يرجع إلى المعاني المتعلقة بالألفاظ. ذكرنا أنه جعل هذا العقد للارتباط بين المعنى واللفظ، والمعنى قد يكون مركبًا وقد يكون مفردًا، لذلك الفصل والوصل هذا في المركبات، والمعنى قد يكون مفردًا وقد يكون مركبًا، كذلك سيأتي الإطناب والإيجاز والمساواة التي تتعلق بالألفاظ والمعاني من حيث الترتيب. النوع الثالث والرابع والخامس: الإيجازُ والإطنابُ والمُساواةُ هذه ثلاثة أنواع من أنواع علوم البلاغة، قال في ((الإتقان)): اعلم أنهما من أعظم أنواع البلاغة. اعلم أنهما أم أنها؟ أنهما، وهي كم؟ الإطناب والإيجاز والمساواة. هو في ((الإتقان)) لم يعنون للمساواة أسقط المساواة لمثل هذا، ولذلك قال: اعلم أنهما - يعني: الإيجاز والإطناب. - من أعظم أنواع البلاغة حتى نقل صاحب ((سر الفصاحة)) عن بعضهم أنه قال: البلاغة هي الإيجاز والإطناب. كما قيل: البلاغة هي الفصل والوصل. كذلك قيل: الإيجاز والإطناب. قال الزمخشري: كما أنه يجب على البليغ في مظان الإجمال أن يُجْمِل ويوجز، فكذلك الواجب عليه في موارد التفصيل أن يفصل ويشبع. لكل مقام حديث، لكل مقام مقال، فإذا كان المقام يقتضي الإيجاز أنجز وإذا كان المقام يقتضي التفصيل فَصَّل. إذًا لا يُذم التفصيل مطلقًا ولا يذم الإيجاز مطلقًا، بل متى ما كان التفصيل في مقامه حينئذٍ صار محمودًا، ومتى ما كان الإطناب في مقامه صار محمودًا، وهذا ما يسمى بموافقة أو مقتضى الحال عند البيانيين. واختُلف هل بين الإيجاز والإطناب واسطة وهي المساواة أو لا؟ هل بين الإيجاز، عندنا إيجاز وإطناب، والمساواة هذه مختلف فيها هل هي واسطة بين الإيجاز والإطناب أم أنها داخلة في الإيجاز فيه خلاف، الجمهور على أنها واسطة بين الإيجاز والإطناب ولذلك يذكرونها بكثرة في كتب البيان، واختلف هل بين الإيجاز والإطناب واسطة وهي المساواة أو لا؟ فالسكاكي وجماعة على إثبات الواسطة، يعني وهي المساواة لكنهم جعلوا المساواة غير محمودة ولا مذمومة، وعليه هل توجد مساواة في القرآن؟ لا، لا توجد في القرآن، لأنها ليست محمودة ولا مذمومة، وإذا لم تكن محمودة حينئذٍ لم تكن من مقتضيات البلاغة ولم تكن نوعًا من أنواع البلاغة، ولذلك أسقطها السيوطي رحمه الله لم يعدها في ((الإتقان)) بل قال: الإيجاز والإطناب. وأسقط المساواة. وقيل: المساواة داخلة في قسم الإيجاز وعليه ابن الأثير وجماعة لكن المشهور ماذا؟ المشهور أن المساواة واسطة بين الإيجاز والإطناب. الإيجاز هذا مصدر، أَوْجَزُ يُوجِزُ إِيجَازًا مصدر أفعل من باب الإفعال يعني: من الثلاثي الذي زيد عليه حرف واحد. وهو باب أفعل، أَكْرَمَ يُكْرِمُ إِكْرَامًا أَوْجَزُ يُوجِزُ إِيجَازًا. الإيجاز في اللغة: التقصير. ضده التطويل يقال: أوجزتُ الكلام أي: قصرته. أوجزت الكلام، الْكلام هذا مفعول به أوجزتُ فعل وفاعل والكلام هذا مفعول به إذًا ماذا؟

متعدي، صار متعديًا، يقال: أوجزت الكلام. أي قَصَّرْتُهُ. وأوجز الكلام أي قَصُرَ. فحينئذٍ يُستعمل أوجز متعدديًا، ولكن أوجزتُ الكلامَ هذا متعددي أَوْجَزَ الكلامُ هذا قاصر لازم يعني، فورد متعديًّا ولازمًا، يقال: كلام موجَزٌ. بالفتح موجَز من أَوْجَزَ المتعدي، وكلامٌ مُوجِزٌ بالكسر كسر الجيم من أَوْجَزَ اللازم، كلام ٌمُوجَز بفتح الجيم وكلام موجِز بكسر الجيم، الأول من أَوْجَزَ المتعدي والثاني من أَوْجَزَ ماذا؟ اللازم. الإيجاز والاختصار بمعنى واحد، هذا مما يؤخذ من الإيضاح وصرح به الطيبي أن الإيجاز والاختصار بمعنى واحد، وقيل: الاختصار يكون بحذف بعض الجمل. لكنه ذكر السيوطي عن بهاء الدين السبكي أنه ليس بشيء، بل الصواب أن الإيجاز والاختصار بمعنى واحد. والإطناب هذا معناه في اللغة، وسيأتي في الاصطلاح. والإطناب إطناب أَطْنَبَ يُطْنِبُ إِطْنَابًا، إذًا كان أول من باب الإِفْعَال، أَكْرَمَ يُكْرِمُ إِكْرَامًا، والإطناب المبالغة من أطنب في الكلام أي: بلغ فيه. من أطنب أفعل في الكلام أي: بالغ فيه. وقيل: الإطناب بمعنى الإسهاب يقال: أطنب بالكلام وأسهب بالكلام. قيل: إنهما بمعنى واحد. الإطناب والإسهاب، والحق أنه أخص منه يعني الإسهاب أعم لماذا؟ لأن الإسهاب التطويل لفائدة أو لا مطلقًا، الإسهاب التطويل أفاد أم لا، بفائدة أم لا، أمّا الإطناب فهو تطويل لكنه بفائدة فأيهما أعم أيها أخص؟ الإسهاب أعم لأنه تطويل مطلقًا سواء كان بفائدة أو لا، هذا الإسهاب. وأما الإطناب فهو مختص بالتطويل بفائدة، والمساواة هذه واضحة من التساوي يعني: تساوي اللفظ مع المعنى. هذا ما يتعلق من جهة اللفظ والمعاني اللغوية. أما حدودها وتعريفها فقد اختلف فيه وأكثر البيانيين والبحث للبيانيين [ما عليه صاحب ((التلخيص)) وهو القزويني حيث قال]- لأنه لا يمكن أن يأتي هنا بتعريف يشمل الجنس والرسم وإنما المراد أنه يكشف لك حقيقة الإيجاز والإطناب والمساواة لأن المعبر لو أردناه بالجملة هذا المعبر حتى يكون كلامه مقبولاً إما أن يكون لفظه ومعناه متساويين، وإما أن يكون المعنى أقل، أو اللفظ أقل، إما أن يكون المعنى أقل من اللفظ أو يكون المعنى أكثر - وليس اللفظ - أن يكون المعنى أكثر من اللفظ. إذًا العبرة هنا بماذا؟ بالمعنى إن كان اللفظ والمعنى بقدر واحدٍ فهو: المساواة. إن كان اللفظ قليل والمعنى كثير فهو: الإيجاز. وإن كان اللفظ كثير والمعنى أقل فهو: الإطناب. هذا تلخيصه. قال القزويني في ((التلخيص)): إن المقبول من طرق التعبير عن المراد تأدية أصله بلفظ مساوٍ له أو ناقص عنه وافٍ. هذا احتراز من ماذا؟ ناقص عنه وفيه خلل، هنا قال: ناقص عنه وافٍ. يعني: أدى بالغرض الذي سيق اللفظ من أجله، فإذا كان لم يؤدِ المعنى الذي سيق اللفظ من أجله صار فيه خلل. إذًا تأدية أصله بلفظ مساوٍ له أو ناقصٍ عنه وافٍ، أو زائدٍ عليه لفائدة، فإن لم يكن لفائدة فهو الحشو والتطويل، أو بعض الإسهاب الذي ذكرناه. الأول المساواة: أن يكون بلفظ مساوٍ له يعني للمعنى إذا ساوى اللفظ المعنى قلنا: هذه مساواة. لكن السيوطي أسقطها من الترجمة لماذا؟

قال في ((الإتقان)): المساواة لا تكاد توجد خصوصًا في القرآن. لأنه يَصْعُب أن يقال اللفظ والمعنى بمساواة واحدة هذا حكم عليه صعب جدًا، وحتى في القرآن، ولذلك ما من مثال يورد للمساواة إلا وُجِّهَ إليه نقد وتعقب قائله، ولذلك أسقطه السيوطي في ((الإتقان)) وعنون للإيجاز والإطناب وقال: المساواة لا يكاد أن توجد وخصوصًا في القرآن. فالأول: المساواة. والثاني: الإيجاز. والثالث: الإطناب. فخرج بقوله: وافٍ. الإخلال، ولفائدةٍ التطويل والحشو. هذا على مذهب السكاكي والقزويني تبعه لأن لخص المفتاح، وذهب ابن الأثير إلى أن الإيجاز التعبير عن المراد بلفظ غير زائد عنه والإطناب بلفظ زائد عنه. فتدخل حينئذٍ المساواة في الإيجاز لا في الإطناب. وتنتفي الواسطة. فعلى مذهب ابن الأثير لا واسطة بين الإيجاز والإطناب، وعلى طريقة السيوطي أثبتها ولكن مثالها عزيز، وهذا كالإجماع يعني: لا بأس أن يُذكر الشيء من حيث العقل لأنه يمكن أن يكون اللفظ لو نظرنا من جهة العقل الأصل فيه أن اللفظ يكون مطابقًا للمعنى مساويًا له أو أكثر أو أقل، لكن هل وُجِدَ لفظ مساوٍ لمعناه مطلقًا لا يزيد اللفظ عن المعنى ولا المعنى على اللفظ، هنا يحتاج إلى مثال والمثال عزيز. فيُثْبَتُ الشيء أصلاً ثم إن وُجِدَ له مثال لأنه قد يوجد في بليغ يأتي فيما بعد فيأتي بمثال كما يقال في الإجماع أهل الإجماع يقولون: لو حصل الإجماع في هذا الزمان حجة. لكن كيف يحصل الإجماع؟! عزيز صعب لا يمكن فعدم إمكانه لا يلزم منه نفي حجية الإجماع، بل هو باقٍ في كل عصر، والذي ينضبط هو إجماع الصحابة رضي الله تعالى عنهم وبعضهم يقيده بأنه قبل الفتنة. الإيجاز والإطناب والمساواة. الإيجاز عندهم نوعان قسمان: إيجاز قصر. وإيجاز حذف. إيجاز قصر: هو تقليل اللفظ وتكثير المعنى بلا حذف تقليل ماذا؟ اللفظ الحروف والكلمات قليلة والمعنى كثير لكن بلا حذف، فإن كان بحذف فهو إيجاز الحذف [نعم أحسنت] إيجاز الحذف {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: 82] حصل تقليل للفظ مع زيادة المعنى إيجاز لكنه بماذا؟ بحذفٍ حذف المضاف إليه، فإن لم يكن بحذف فهو إيجاز الحذف (¬1). إذًا الإيجاز قسمان: إيجاز قصر. وهو تقليل اللفظ وتكثير المعنى بلا حذف. إيجاز حذف هذا نحو: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ}. أي: اسأل أهلها. والإطناب هو المساواة. قال رحمه الله: وَلَكُمُ الحَيَاةُ في القِصَاصِ قُلْ ... مِثالُ الإيجَازِ ولا تَخْفَى المُثُلْ لِمَا بَقِي كـ {لَا يَحِيقُ الْمَكْرُ} ... ولكَ فيْ إِكْمَالِ هَذي أَجْرُ نَحْوُ {أَلَمْ أَقُل لَّكَ} الإِطْنَابُ ... وهيَ لَهَا لَدَى المَعَانِيْ بَابُ (وهيَ لَهَا لَدَى المَعَانِيْ بَابُ) يعني: أحالتها إلى تفاصيل هذا الباب إلى فن البلاغة وخاصة باب أو فن المعاني، لأنها تذكر هناك بتوسع ولها أقسام الإطناب متى يكون والإيجاز .. إلى آخره، إيجاز الحذف هذا والقصر له أقسام متعددة ذكر السيوطي بعضها في ((الإتقان)) ومفصلة في شروحات التلخيص و ... ((عقود الجمان)). (وَلَكُمُ الحَيَاةُ) هنا ذكر المثال فقط لم يعرف الإيجاز ولا الإطناب ولا المساواة وإنما ذكر أمثلة لماذا؟ ¬

_ (¬1) إيجاز القصر.

للإحالة، هذا نذكره كثيرًا .. ما عرف فإنما أتى بأمثلة فقط .. تعريف يشير إلى التعاريف كما ذكرناه في المشترك (قُرْءٌ وَوَيْلٌ نِدُّ والمَوْلَى جَرَى) هذا أراد بالمثال الإشارة إلى حقيقة المشترك، وهنا أراد بالأمثلة الإشارة إلى حقيقة ماذا؟ الإيجاز أتى بمثال له وكذلك الإطناب والمساواة وهذا كثير لَمَّا قلنا: ابن مالك يقول رحمه الله: مُبْتَدَأُ زَيْدُ وَعَاذِرٌ خَبَرْ أتى بمثال والأصل قال: الابتداء. عنون بالابتداء ثم قال: مُبْتَدَأُ زَيْدُ وَعَاذِرٌ خَبَرْ ... إِنْ قُلْتَ زَيْدٌ عَاذِرٌ مَنِ اعْتَذَرْ هذا المراد به أنه أتى بمثال لك أن تأخذ منه الحدّ أو تقريب الحدّ أو الرسم، وهذا يُسَمَّى عندهم بالرسم، المثال يصلح أن يكون تعريفًا معرفًا يعرف بمثال، وهو ليس بحدّ لأن المعرف ثلاثة أقسام: حد، ورسم، ولفظي. من الرسم ذكر مثال أو التفصيل، ولذلك بعضهم يقول: الكلمة إما اسم وإما فعل وإما حرف. ما عَرَّفَ هنا الكلمة وإنما ذكر أقسامها، وتقول: هذا تعريف. تعريف بالتقسيم الكلمة كما عرف سيبويه يذكر عنه في الكتاب قال: الاسم كزيد مثلاً والفعل كقام. ذكر مثال ولم يعرفه لماذا؟ لأنه أراد لك أو أراد منك أن تقيس على نفس هذا المثال، لكن ذُكْرُ الْحَدِّ أولى ولا شك في هذا لأن المثال لو قيل للمبتدئ: الاسم كزيد. يقول لك: الاسم كقام. هو مُبتدئ، صحيح لأنه قام وزيد ثلاثة أحرف، فالمبتدئ ما يصلح له مثل هذا وإنما لا بد أن يقال: الاسم ما دل على مسمى ... إلى آخره. (وَلَكُمُ الحَيَاةُ في القِصَاصِ) يعني: في آية القصاص. (وَلَكُمُ الحَيَاةُ) هذا إشارة إلى ماذا؟ ذكرنا أنه اقتباس وفصلناه في أول النظم (تَبارَكَ المُنْزِلُ للفُرقانِ) قلنا هناك: الاقتباس لا يُشترط فيه أن يأتي بنسخ النص كما هو بل يأتي ببعض التغير لكن لا يقول: قال الله. وإنما كالإشارة (وَلَكُمُ الحَيَاةُ في القِصَاصِ) يعني: في آية القصاص قوله تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ} [البقرة: 179]. هذه الآية مثلوا لها بالإيجاز لماذا؟ لأن اللفظ قليل والمعنى كثير جدًا، واللفظ قليل. ذكر السيوطي معنى هذا النص القرآني قال: فإن معناه كثير. يعني: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} قال: فإن معناه كثير. ولفظه يسير لماذا؟ لأنه قائم مقام جمل، فإذا أقيمت الجملة الواحدة مُقام جمل حينئذٍ نقول: هذا بلغ الغاية في الإيجاز.

ما هو معناه لو لم نأت بهذا التعبير؟ {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} قال: لأنه قائم مقام قولنا: إذا علم الإنسان أنه إذا قَتَلَ يُقْتَصُّ منه. إذا علم الإنسان أنه إذا قتل غيره يعني يقتص منه كان ذلك الاقتصاص يعني منه كان ذلك داعيًا قويًّا مانعًا له من القتل فارتفع بالقتل الذي هو قصاص كثير من قتل الناس بعضهم لبعض فكان ارتفاع القتل حياةً لهم. الكلام كله هذا مأخوذ من ... {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} إذًا المعنى كثير لأن فيه ردع للقاتل {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} المشهور عند العرب فيما سبق قبل نزول القرآن في هذا المعنى القتل أنفى للقتل، نفس المعنى لكن الآية أبلغ وبعضهم جعل المقارنة بين الآية والمثل المشهور هذا القتل أنفى للقتل. والسيوطي ذكر مفاضلة بين الآية والمثل من عشرين وجه في ((الإتقان)). وبعضهم أنكر أن يُجعل مقارنة أو مفاضلة بين النص القرآني وبين المثل لكن المراد أن إعجاز الآية أن إعجاز الآية باعتبار المثل المشهور يتضمن كيت وكيت وليس المراد أنه مقارنة لفظ بلفظ، لا، المراد أن مدلول هذه الآية أعظم وأجل من مدلول هذا المثل المشهور عند العرب، حينئذٍ لا مانع أن يُجعل مقارنة من جهة الدلالة. القتل أنفى للقتل، ما الذي زاد قوله تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ}. على قولهم: القتل أنفى للقتل؟ قال السيوطي رحمه الله: فزاد عليه بقلة حروفه {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} هذا أقل من القتل أنفى للقتل لأن فيه محذوفًا، والنص على المطلوب القتل هذا أعم من القصاص أليس كذلك؟ والمطلوب القصاص حينئذٍ صار ماذا؟ نص على المطلوب ولذلك إذا قيل: أيهما أنص على المطلوب؟ نقول: قوله تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ}. أما القتل أنفى للقتل هذا عام. وما يفيده تنكير حياة من التعظيم {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} التنوين قد يأتي للتعظيم وتكلم النحاة عن فوائد التنوين ومنها: التعظيم. لمنعه عما كانوا عليه من قتل جماعة بواحدة واطراده مطرد {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} هذا مطرد بخلاف القتل أنفى للقتل قد لا يطرد. وخلوه من التكرار القتل أنفى للقتل، قتل قتل تكرار وهنا {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} ليس فيه تكرار، والتكرار ليس فيه تمجه الأذن فيه نوع ثقل واستغناءه عن تقدير محذوف مع المطابقة {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} هذا مطابق لمعناه بخلاف القتل أنفى للقتل فليس فيه ثم مطابقة كالآية وإن كان فيه نوع مطابقة إلا أنها جزئية وليست من كل وجه. (وَلَكُمُ الحَيَاةُ) في آية (القِصَاصِ) (قُلْ مِثالُ الإيجَازِ) هذا هنا لكم في القصاص هذا إيجاز قصر أو حذف؟ إيجاز قصر، [نعم] إذًا يصير هذا مثال لماذا؟ لإيجاز القصر. (قُلْ) أيها القارئ هي (مِثالُ الايجَازِ) بإسقاط الهمزة همزة القطع، هي همزة قطع أو وصل؟ قطع، لماذا قطع؟ لأنه مصدر رباعي [أحسنت] لأنه مصدر رباعي المصدر الرباعي هذا همزته همزة قطع، بخلاف المصدر الخماسي والسداسي همزته همزة وصل.

(قُلْ مِثالُ) والمراد بالمثال ماذا؟ جُزْئِيٌ يُذْكَرُ لإيضاح القاعدة. هذا هو الذي فسر به هنا، إطلق هكذا فجأة عرف المثال، فعرف المثال بأنه جزئي يذكر لإيضاح القاعدة، حينئذٍ لا يلام، لكنه لما يذكر المعتل قبله والأجوف والناقص والمثال والأجوف والناقص جاءت متصلة فنقول: هذا فيه سهو لأن الشيء يُقيد بـ .. كما ذكرناه البارحة وذكرت البيت بيت ابن مالك: مَوْصُولُ الاسْمَاءِ الَّذِي الأَنْثَى الَّتِي قال: موصول الأسماء الذي. لم يقيده بكونه مذكر أو مؤنث، موصول الأسماء الذي الأنثى التي لما قيد الأنثى بالتي عرفنا أن الذي خاص بالمذكر، لأنه قد يحذف من لفظ قيد ويذكر مخالفه في ما بعده فيُعلم أن ذلك مقيد بضده. مثال هي (مِثالُ الايجَازِ) والهمز هنا همزة قطع سهلت من أجل النظم (ولا تَخْفَى المُثُلْ لِمَا بَقِي). (ولا تَخْفَى المُثُلْ) المثلُ جمع مثال فُعُل فِعَال يُجْمَعُ على فُعُل مثال يجمع على مُثُل. مثال كما ذكرناه بأنه جزئي ويذكر لإيضاح القاعدة (ولا تَخْفَى المُثُلْ لِمَا بَقِي) من الإطناب والمساواة. (كـ {لَا يَحِيقُ الْمَكْرُ}) هذا مثال للمساواة، وقلنا: مثال المساواة في القرآن عزيز بل نص السيوطي لا يكاد يُوجد خاصة في القرآن، وكل ما ادُّعي فيه بأنه مساواة، فإما أن يكون إيجاز أو إطناب لا يخرج عنهما، ولو وجد في غير القرآن فلا إشكال (كـ {لَا يَحِيقُ الْمَكْرُ}) (كـ {لَا) يعني: كقوله تعالى. (لِمَا بَقِي) يعني: فمثال المساواة كقوله تعالى: {وَلَا يَحِيقُ}. يعني: لا ينزل. {وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ} [فاطر: 43] (وَلَكَ فِي إِكْمَالِ هَذِي أَجْرُ) أكمل الآية ولك أجر {وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ} قالوا: هذه للمساواة مثال للمساواة فإن معناه مطابق للفظه حيث أُدِّيَ بما يستحقه من التركيب الأصلي والمقام يقتضي ذلك ولا مقتضى للحدود عنه إلى الإيجاز والإطناب هذا رأي من مثل بهذه الآية لكنه منتقد لماذا؟ أُورِدَ عليه أمران - من استدل بهذه الآية بكونها مثالاً على المساواة نقول: هذا أُورِدَ عليه إيرَادن -: الأول: أن فيه إطنابًا. يعني: زيادة تطويل لفائدة. لأن السيئ زيادة لأن كل مكر من المخلوق لا يكون إلا سيئًا {وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ} {إِلَّا بِأَهْلِهِ} لو قيل هكذا المكر من المخلوق لا يكون إلا سيئًا فقوله: {الْمَكْرُ السَّيِّئُ}. هذا من باب التأكيد، والتوكيد عندهم إذا علم من السابق هذا يسمى إطنابًا، نوع من أنواع الإطناب، إذًا هذه الآية مثال للإطناب وليست مثالاً المساواة. إذًا لأن كل مكر من المخلوق لا يكون إلا سيئًا. الثاني: أن فيه إيجازًا، لأن الاستثناء إذا كان مفرغًا ففيه إيجاز القصر، تقليل اللفظ مع زيادة المعنى بلا حد وإلا ففيه إيجاز قصر بالاستثناء وإيجاز حذف للمستثنى منه فإنه يُقَدَّرُ بأحدهما.

إذًا الأول أوضح وهو كون المكر مقيد بقوله: {السَّيِّئُ}. والسيئ هذا معلوم من سابقه فحينئذٍ {وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ} هذا جاء من باب التأكيد ولذلك هو في اللفظ يُعرب عند النحاة نعتًا يعرب نعتًا، ولكن من جهة المعنى معلوم مما سبق {وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ}. (لِمَا بَقِي كـ {لَا يَحِيقُ الْمَكْرُ} ولكَ) أيها الطالب (فيْ إِكْمَالِ هَذي) هذا اسم إشارة للمفرد المؤنثة. بِذَا لِمُفْرَدٍ مُذَكَّرٍ أَشِرْ ... بِذِي وَذِهْ تِي تَا عَلَى الأُنْثَى اقَْتَصِرْ (ولكَ فيْ إِكْمَالِ هَذي) يعني: الآية. (أَجْر) من الله تعالى لأنه قرآن وما من حرف إلا تؤجر عليه. (نَحْوُ {أَلَمْ أَقُل لَّكَ} الإِطْنَابُ) ماذا إعراب نحو؟ خبر، نحو هذا خبر مقدم، والإطناب هذا مبتدأ مؤخر، الإطناب (نَحْوُ {أَلَمْ أَقُل لَّكَ} الإِطْنَابُ) إذًا نحو هذا خبر مقدم ({أَلَمْ أَقُل لَّكَ}) هذا في سورة الكهف {أَلَمْ أَقُل لَّكَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِي صَبْراً} [الكهف: 75] {أَلَمْ أَقُل لَّكَ} (نَحْوُ {أَلَمْ أَقُل لَّكَ} الإِطْنَابُ) نحو قوله تعالى فَقَدِّر هذا نحو قوله تعالى في سورة الكهف {أَلَمْ أَقُل لَّكَ} ونحوه نحو هذا المثال من كل معنى أُدِّيَ بلفظ أزيد منه لفائدة لأن هذا هو حقيقة الإطناب، ونحوه يعني: من كل معنى أُدِّيَ بلفظ أكثر وأزيد منه لكن لفائدة. (الإِطْنَابُ) أي: مثاله ما سبق ذكره. {أَلَمْ أَقُل لَّكَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِي صَبْراً} هذه جاءت في موضعين في موضع جاءت بدون لك، وفي موضع جاءت بلك فلمَّا وُفِّيَ المعنى بدون لك علمنا أن لك في الموضع الأخير زائد للتوكيد، وهذا هو حقيقة الإطناب كما ذكرناه في المكر السيئ أن المكر معلوم أنه لا يكون إلا سيئًا من المخلوق فحينئذٍ لما قيل: {السَّيِّئُ}. قلنا: هذا زيادة في المعنى. لماذا؟ لأنه معلوم مما سبق كذلك إذا لم يقل لك نقول: صح التركيب وطابق المعنى بدليل مجيئها بدون لك، فكل باب التوكيد من الإطناب كل باب التوكيد في القرآن {فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ} [ص: 73] {كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ} هذا فيه توكيد فإذًا يكون من باب الإطناب. (نَحْوُ {أَلَمْ أَقُل لَّكَ} الإِطْنَابُ) والزيادة في لفظ لك توكيد بتكرر القول الصادق من الخضر وموسى عليهما السلام، (وهيَ لَهَا لَدَى المَعَانِيْ بَابُ) (وهيَ) ما هي؟ الثلاثة الأبواب الأنواع (وهيَ) أي: هذه الثلاثة. (لَهَا) للثلاثة (لَدَى المَعَانِيْ) لدى فن المعاني باب مستقل، وهو الباب الثامن عندهم وفيه تفاصيل كُثُر فيحتاج إلى الرجوع إليه (َوهيَ لَهَا لدَى المَعَانِيْ بَابُ) يعني: باب مستقل فارجع إليه. ثم قال رحمه الله: النوع السادس: القَصْرُ

واحد القصور صحيح هكذا في ((مختار الصحاح)) قال: القصر واحد القصور. لكن ليس كل ما أطلق القصر المراد به واحد القصور، إنما يختلف وهذا يدل على أن الألفاظ استُعملت في لغة العرب ولكلٍّ معنى خاص، فاللفظ لهو معنى يبحث عنه في المعاجم حينئذٍ تأخذ المعنى الذي تُريد مع تطبيقه على لفظه الذي وُضِعَ له فتركبه في كلام مفيد، أليس كذلك؟ ودعوى أن اللفظ ليس له حقيقة إلا بالتركيب هذه يردها الواقع. النوع السادس من العقد السادس: القصر. ويقال له: الحصر. القصر والحصر اثنان لمسمى واحد، الْقَصْرُ بفتح وسكون فَعْل قَصَرَ يَقْصُرُ قَصْرًا مصدر إذًا صار. القَصْر في اللغة: الحبس. القصر: الحبس، ومنه قوله: {حُورٌ مَّقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ} [الرحمن: 72]. {حُورٌ مَّقْصُورَاتٌ} يعني محبوسات. ومنه سمي المقصور مقصورًا عند النحاة لحبسه عن الحركات أو منعه عن الحركة. واصطلاحًا: هو تخصيص أمرٍ بآخر بطريق مخصوص، يعني: القصر له طرق محفوظة في لغة العرب إذا أردت القصر والحصر فلا بد أن تأتي به على طريقة مخصوصة، وحقيقته تخصيص أمر بأمر أن تخص وتحصر أمر بأمر معين كما إذا قلت: {وَمَا مُحَمَّدٌ} [آل عمران: 144]. أو الآية {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ} هذا فيه قصر وحصر {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} [الفاتحة: 5] هذا فيه قصر وحصر بطريق مخصوص، وعلى التعريف المشهور عندهم أن الحصر أو القصر إثبات الحكم للمذكور ونفيه عن ما عداه، وهذا واضح أوضح من الأول، إثبات الحكم للمذكور ونفيه عن ما عداه {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} هذا فيه إثبات الحكم وهو ثبوت العبودية أو إثبات العبودية للمذكور وهو الرب جل وعلا الإله، ونفيها عن ما عداه، إذًا إثبات ونفي هذا هو القصر تخصيص أمر بآخر خَصَّصْتَ أو خُصَّ الرب جل وعلا بتوجه العبد بالعبودية والتعبد له وهو المعبود الواحد الحق، إثبات الحكم للمذكور ونفيه عن ما عداه هذا هو حقيقة القصر والحصر، وله أدوات وطرق كثيرة جدًا لكن أشهرها أربعة أو خمسة منها: النفي، والاستثناء. يعني: أداة إلا، ما وإلا إذا ركبتا معًا فهذا أعلى صيغ الحصر أعلاها جدًا مطلقًا لا يعلوها شيء {وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ} [ص: 65] هذا أعجز {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ} [آل عمران: 144] نقول: هذا أعلى صيغ الحصر، النفي والاستثناء {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ}. ومنها: إنما. «إنما الأعمال بالنيات». حصر وقصر {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ} حصر وقصر لأنه أي ما حرم إلا ذلك دون ما ادعوه من البحيرة والسائبة ونحوهما {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ} حرم الميتة دون ما ادعوه من البحيرة والسائبة ونحوهما. ومنها: التقديم. يعني تقديم ما حقه التأخير. {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5] نقول: هذا فيه حصر وقصر. زيدٌ ضربتُ {فَرِيقاً هَدَى} [الأعراف: 30]، {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً} [الأحزاب: 43] نقول: فيه قصر وحصر. تقديم ما حقه التأخير لأن العامل رتبته مقدمة والمعمول رتبته مؤخرة. ومنها: غير. لفظ غير {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ} [فاطر: 3] لا، لا أحد، هذا نقول: فيه حصر وقصر.

كذلك وهذا فيه خلاف تعريف المسند والمسند إليه العالم زيد هذا فيه حصر وفيه نفي إثبات العلم لزيد ونفيه عن ما عداه يعني: إثبات العلم الكامل بحق لزيد ونفيه عن ما عداه. هذا فيه خلاف لكن هذا هو المشهور تعريف المسند والمسند إليه. ينقسم القصر والحصر إلى قسمين: قصر الموصوف على الصفة. وعكسه قصر الصفة على الموصوف. وكل منهما إما حقيقة وإما مجاز، فقصر الموصوف على الصفة نحو ما زيد إلا كاتب، هذا قصر الموصوف على الصفة يعني لا صفة لزيد إلا الكتابة، هذا من جهة كونه حقيقةً مثاله عزيز وأنكره البعض، يعني لا يمكن أن يكون لزيد أن ينفى عن زيد كل الصفات ولا يُثبت له إلا الكتابة ولكن يمثل له على سبيل التنزه إذًا قصر الموصوف على صفة، الموصوف وهو زيد تقصره على صفة لا توجد فيه إلا صفة كيت هذا محال لا يمكن فالأول نحو ما زيد إلا كاتب، أي: لا صفة له غيرها وهو عزيز لا يكاد يوجد، هكذا قال السيوطي في ((العقود)) وفي ((التحبير)) وفي ((الإتقان))، وهو عزيز لا يكاد يوجد لتعذر الإحاطة بصفات الشيء حتى يمكن إثبات شيء منها ونفي ما عداها بالكلية، لا يمكن أن لا توجد في زيد صفة إلا الكتابة وعلى عدم تعذرها يُبعد أن تكون للذات صفةً واحدة ليس لها غيرها ولذا لم يقع في التنزيل لم يقع في القرآن، بل نُفِيَ عن اللغة أصلاً وإن وجد كما في قوله: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ}. هذا مجاز إضافة يعني: الحديث الواقعة يستلزم أنه لا يُذكر من الصفات في شأن الموصوف إلى صفة الرسالة. حينئذٍ {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ} هذا مثل: ما زيد إلا كاتب. لكن الأول حقيقي والثاني مجازي، إذا أريد بالأول أنه لا يوجد كاتب بحق إلا زيد فحينئذٍ يصح يكون بالإضافة إلى غيره ولذلك يُسمى المجازي القصر الإضافي يعني: النظر يكون باعتبار غير الموصوف ومثاله مجازيًّا ({وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ}) وهو الذي ذكره المصنف هنا الناظم رحمه الله أي: إنه مقصور على الرسالة بهذا النص مقصور على الرسالة لا يتعداها إلى التبري من الموت الذي استعظموه الذي هو من شأن الإله {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ} هذه قيلت في ماذا؟ {أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ} [آل عمران: 144] إذًا هل النبي - صلى الله عليه وسلم - لما أُثبت له وصف الرسالة يستلزم أن لا يموت؟ إذا أثبت هل يفهم من كونه مرسلاً أنه لا يموت وأن له صفة الخلد؟ الجواب: لا، إذًا قوله: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ}. مقصور على الرسالة باعتبار الواقعة، يعني: هو رسول أرسل ليؤدي الرسالة فحينئذٍ لا يستلزم ذلك أنه خالد مخلد لأن هذه صفة ماذا؟ صفة الرب جل وعلا بل لا يتصور من الصحابة أنهم يثبتون هذا للنبي - صلى الله عليه وسلم - أنه أبدي أنه لا يموت وإنما استعظموا الأمر لأنهم يظنون أنه سيبقى مدة طويلة فلما جاء هكذا الأمر بُهِتَ بعضهم دون بعض.

كذلك قوله: {مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ} [المائدة: 75]. أي: لا يتعدى ذلك الوصف إلى الإلوهية لأن الواقعة التي نزلت الآيات في شأنها تدل على ماذا؟ على أنهم قد وصفوه بالإلوهية، والرسالة لا تقتضي ذلك يعني لا يتعدى المتعدي من الرسالة إلى إثبات الإلوهية لعيسى عليه السلام. والثاني: الذي هو قصر الصفة على الموصوف عكس الأول، قد يكون حقيقيًّا وقد يكون مجازيًّا، حقيقيًّا نحو لا إله إلا الله هذا قصر الصفة على الموصوف لا إله إلا الله أي الموصوف هنا بعد إلا؟ الله ما هي الصفة؟ الإلوهية مقصورة أو لا؟ مقصورة لا شك، قصر الصفة على الموصوف قصر ماذا؟ الصفة على الموصوف [نعم] الصفة التي هي الإلوهية مقصورة ومحصورة في الإله الحق وهو الرب جل وعلا ومنفية عن ما عداه ولا إشكال واضح هذا. ومجازيًا نحو قوله تعالى - على رأي الشافعي -: {قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً} [الأنعام: 145] ... إلى آخر الآيات {قُل لاَّ أَجِدُ} {إِلاَّ} لأن النفي ليس مقصورًا بما، بل كل ما يؤدي النفي إذا كان في جوابه إلا، هذه فيها قصر المحرمات المذكورات أليس كذلك؟ لكن ليس هذا مراد، ودائمًا الذي يحق الحق الحقيقي هو النظر إلى سبب النزول ومعنى الآية وما سيقت الآية من أجله. قال الشافعي رحمه الله تعالى في هذه الآيات: إن الكفار لما كانوا يُحلون الميتة، والدم، ولحم الخنزير، وما أُهل لغير الله به وكانوا يُحرمون كثيرًا من المباحات أحلوا هذه المذكورات وهي محرمات وحرموا كثيرًا من المباحات نزلت الآية مسوقة بذكر شبههم في البَحيرة والسائبة والوصيلة ... إلى آخره، وكان الغرض إبانة كذبهم. فكأنه قال: لا حرام إلا ما أحللتموه. وهم قد أحلوا هذه المذكورات فحينئذ هذا الحصر إنما المراد به رد الشبه وتكذيب الكفار الذين أحلوا الميتة وما عطف عليه أي: ما حرام إلا ما أحللتموه. فحينئذٍ لا يكون من باب الحصر لا يلزم منه إذا جاءت تحريم «كل ذي ناب من السباع». وغيره نقول: هذا مصروف بحصر هذه الآية. نقول: لا، الحصر هنا حصر مجازي إيضاحي وليس المراد أن ما عدا هذه المذكورات فهو مباح أو مكروه، لا، وإنما نذكره كما ذكر الشافعي هنا فكأنه قال: لا حرام إلا ما أحللتموه. والغرض الرد عليهم المضادة للحصر الحقيقي. وينقسم أيضًا باعتبار آخر القصر والحصر إلى ثلاثة أقسام: قصر إفراد. وقصر قلب. وقصر تعيين. فقصر الإفراد: هذا يُخَاطَب به من؟ من يعتقد الشَّرِكَة قصر إفراد يعتقد الشَّرِكَة فتخاطبه بقصر الإفراد، إذًا القصر يتنوع قصر إفراد ويخاطب به من يعتقد الشَّرِكَة نحو {إِنَّمَا اللهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ} [النساء: 171] نقول: هذا قصر إفراد. خُوطِب به من يعتقد إشتراك الله تعالى والأصنام في الإلوهية يعتقد أن الإلوهية مشتركة يعني: لو كان المخاطب يعتقد الشَّرِكَة في الإلوهية بين الرب جل وعلا وبين الأصنام فقيل له: {إِنَّمَا اللهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ}. يعني: أَفْرِدْ اعتقد إفراد الإلوهية وأنها مختصة بالرب جل وعلا، إذًا المخاطب يعتقد الشركة وتأتي بقصر الإفراد.

وقصر القلب: يخاطب من يعتقد إثبات الحكم لغير من أثبته المتكلم له. يعني: تقلب. هو يحكم على شيء معين ويكون المحكوم عليه غير ما تكلم به المتكلم فتأتي بقصر يقلب عليه المحكوم عليه كما قال إبراهيم عليه السلام: ... {رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ}. هذا خُوطِب به من؟ خوطب به النمرود الذي اعتقد أنه هو المحي والمميت فقال له: {رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ} [البقرة: 258]. إذًا قلب عليه أو لا؟ قلب عليه، خوطب به نمرود الذي جادله إبراهيم عليه السلام الذي اعتقد أنه هو المحي والمميت دون الله تعالى ... {رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ} أين صيغة القصر والحصر هنا؟ {رَبِّيَ الَّذِي} تعريف الجزأين المسند والمسند إليه. والثالث الذي هو قصر التعين: يخاطب به من تساوى عنده الأمران حينئذٍ يخاطب بلفظ بقصر يُعَيِّنُ له أحد الشيئين أحد الأمرين، فلم يحكم بإثبات الصفة للصفة لواحد بعينه ولا لواحد بإحدى الصفتين بعينها هذا يسمى ماذا؟ قصر تَعْيِين، ولم أقف على مثال له في القرآن مما ذكره السيوطي ولا غيره، وإنما يذكرون قصر الإفراد وقصر التعين وهذا موجود يعني في لغة العرب كثير لكن يُمَثّل له أو يذكر في باب (لا وبل ولكن) هكذا هناك علم النحو وذكرناه في شرح نظم الآجرومية لعبيد ربه الشنقيطي فليرجع إليه. النوع السادس: القَصْرُ قال رحمه الله:

(وذاكَ في المَعانِ بَحْثُهُ). (وذاكَ) أي: القصر. في فن المعاني بحذف الياء للوزن في فن المعاني بحثه يعني: يبحث أين؟ في فن المعاني، ولَمِ يذكره هنا أيضًا ما دام أنهم لا يتكلمون عنه؟ لتعلقه بالقرآن من مباحث القرآن القصر، وأما التفصيل فهذا تأخذه من مظانه، وهذا يدل على ما ذكرته قبل وهو أن ما ذُكر في فنون علوم القرآن من العلوم الأخرى مرجعها إلى تلك العلوم، بخلاف ما يدندن حوله بعض المعاصرين، يعني بعضهم يرى أنه إذا وُضع العام والخاص في باب العلوم علوم القرآن ينبغي أن نتكلم عليه بما يليق بالقرآن، وهذا لا يتصور لو تأمل طالب العلم ما يتصور أن يتحدث عن العام والخاص والمطلق والمقيد والمجمل والمبين إلا بما ذكره الأصوليون لأن البحث مأخوذ منهم والبحث مشترك، كذلك ما ذكر في فن المعاني وفن البيان بحثه يكون في ماذا؟ يكون في فن البيان وفن المعاني، وإذا بُحث هنا يبحث بلغة أهل البيان كما أن العام والخاص يبحث بلغة الأصوليين ولا إشكال في هذا، لأن العلوم يخدم بعضها بعض ولا يُشترط أن نقول: هذا علوم القرآن. حتى نعترف لأن بعضهم يقول: هذا ليس بعلم مستقل. فإذا كان ليس بعلم مستقل فمتخصص فيه تخصص في ماذا؟ يتخصص في شيء ليس بعلم فيردون أن يجيبوا عن هذا بأن البحث هنا لا بد أن يكون مستقل بنظرة، وهذا يكون من الأخطاء الذي وقع فيها السيوطي والزركشي وغيرهم أنهم نقلوا كلام الأصوليين في العام ووضعوه في علوم القرآن، إذًا من أين تريد أن نأتي العام هو العام الذي يستدل به {فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 5]، {أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ} [النور: 31] هو الذي تكلم عنه أرباب علوم القرآن ولذلك هنا يُحيل على فن البلاغة بدليل ماذا؟ أن العلوم يخدم بعضها بعضًا، وما وضع في هذا الفن من فن أصول الفقه هو عينه في فن أصول الفقه ولا مغايرة، قد يمثل هناك بمثالٍ لا يترتب عليه حكم شرعي ولا إشكال، قد يمثل بمثال لا يترتب عليه حكم شرعي ولا إشكال، وكذلك في القصر والحصر (وذاكَ في المَعانِ بَحْثُهُ كـ {وَمَا) يعني: وذلك كما كقوله تعالى: {وَمَا مُحَمَّدٌ} كما يعني كقوله {وَمَا} تضيف واو ({وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ}) ذكرناه في السابق بأنه قصر موصوف على صفته لكنه إضافي مجازي وليس بحقيقي لأن النبي له صفات (عُلِمَا) أي: هذا الفصل هنا علم الألف هذه للإطلاق، وعُلِمَ هذا مغير للصيغة أتى به من باب التكملة لما أنهى العقود الستة قَدْ حَوَتْهَا سِتَّةٌ عُقُودُ ... وبَعدَها خاتِمَةٌ تَعُودُ

فقال: (الخَاتِمَةُ). هنا قال: لا بد قبلها من مقدمة. ثم قال: مقدمة. لم يقل المقدمة، وذكرنا أن الأولى أن يقول: المقدمة. بأل لأن إعادة النكرة نكرة مغاير وعلى القاعدة المشهورة فجرى على غير المشهور فأعاد النكرة نكرة، (وبَعدَها خاتِمَةٌ) ذكرها نكرة هنا قال: (الخَاتِمَةُ). بأل فأل هذه ما نوعها؟ للعهد الذكري لأنه أعاد النكرة معرفة والقاعدة أنه إذا أعاد النكرة معرفة فهي عين الأولى، وهناك أعاد النكرة نكرة والأصل أنها مغايرة فالمقدمة التي ذكرها بعد ذاك البيت ليست هي المقدمة التي أشار حينئذٍ يكون قد وعد بذكر مقدمة ولم يذكرها وقوله: (مُقَدِّمَةٌ). حينئذٍ نقول: هذا شيء آخر منفصل. لكن نقول: هذا من باب قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاء إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ} [الزخرف: 84] فالثاني هو عين الأول. (الخَاتِمَةُ) خاتمة الشيء آخره، يقال: خَتَمَ يَخْتِمُ من باب ضَرَبَ ومنه النبي - صلى الله عليه وسلم - خاتم الأنبياء يعني: آخر الأنبياء، به ختمت النبوة، وإذا ختمت النبوة استلزم ختم الرسالة. أليس كذلك؟ جاء خاتم الأنبياء ولم يرد أنه خاتم الرسل لأنه إذا نفي الأعم نفي الأخص ولا عكس. اشتملت هذه الخاتمة (على أربعة أنواعٍ: الأسماءُ، والكُنَى، والأَلقابُ، والمُبْهَماتُ) على طريقة أهل الحديث (الأسماءُ) جمع اسم والمشهور عند النحاة أنه ما ليس بكنية ولا لقب لأن الْعَلَمَ عند النحاة مُقَسَّم إلى ثلاثة أقسام أو مُقَسِّم إلى ثلاثة أقسام: عَلَمٌ اسم، وكنية، ولقب. وَاسْمَا أَتَى وَكُنْيَةً وَلَقَبَا ... وَأَخِّرًَنْ ذَا إِنْ سِوَاهُ صَحِبَا واسمًا أتى يعني: العلم. اسم يعين المسمى مطلقًا ثم قسمه. قال: واسمًا أتى وكنية ولقبا. الكنية: ما صُدِّرَ بأبٍ أو أمٍّ على المشهور، وسيأتي نقضه ما صُدِّرَ بأبٍ أو أمٍ ونحوهما. واللقب: ما أشعر بمدحٍ أو ذمٍ، ما أشعر بمدح كزين العابدين أو ذمٍ كأنف الناقة أنف الناقة اسم قبيلة هذا. والاسم: ما ليس بكنية ولا لقب. إذًا القسمة ثلاثية، فلما نفى كونه كنية وكونه لقبًا حينئذٍ تعين كونه اسمًا، وقد يكون مفردًا وقد يكون مركبًا، فإذا سمي بزيد نقول: هذا اسم. عبد الله هذا اسم، أبو زيد أبو عبد الله نقول: هذا كنية. أم عبد الله نقول: هذا كنية. أنف الناقة نقول: هذا لقب. زين العابدين نقول: هذا لقب. لو سمي به بالكنية ابتداءً وضعوه أول ما ولد المولود سمي بأبو عبد الله، هل نقول: اسم أم كنية؟ اسم فكيف نقول في ضابط الكنية ما صُدِّرَ بأبٍ أو أمٍّ؟ لأنه قد يكون كنيته اسمه، قد أول ما يولد هذا موجود يسمى ماذا؟ يسمى أبو عبد الله أو يسمى أبو الدرداء كما هو صاحبنا، اسمه أبو الدرداء علمًا مع كونه ماذا من يسمعه أول ما يسمعه يظن أنه كنية، أم كلثوم هذه الصحابية اسمها بالكنية حينئذٍ لا بد من وضع قيد باعتبار كونه أولاً.

فنقول: الاسم ما وضع وضعًا أوليًّا ودل على مسماه ولو صدر بأبٍ أو أمٍّ أو بنت أو ابن ونحوها، فحينئذٍ لو صُدِّرَ بأب أبو الدرداء فنقول: هذا علم. لأنه وضع وضعًا أوليًّا فإن وضع وضعًا ثانويًّا أو مصدرًا بأبٍ أو أم أو نحوهما نقول: هذا كنية وليس باسم. إذًا الأسماء جمع اسم وهو ما وضع وضعًا أوليًّا يعني: أول ما وُلِدَ لا بد أنه تابع للمولود والأسماء في بني آدم المقصود هنا ما وضع وضعًا أوليًّا ودل على مسماه. (والكُنَى) جمع كنية وهي: ما وضعت وضعًا ثانويًّا وصُدِّرَ بأبٍ أو أمٍ ونحوهما. حينئذٍ لو وضع وضعًا أوليًّا وصُدِّرَ بأبٍ أو أمٍ نقول: ليس بكنية بل هو اسم وليس بكنية، والألفاظ هذا واضح لا اعتراض فيها ما أشار بمدح أو ذم ووضع وضعًا ثانويًّا يعني: لو سمي وضعًا ثانويًّا لا بأس بهذا القيد يعني: لو سمي زين العابدين علمًا أول ما وضع زين العابدين على مسماه نقول: هذا لقب أو اسم؟ اسم، لأن زين العابدين يكون لقبًا إذا وضع وضعًا ثانويًّا يعني: أول ما يوضع هو الاسم ثم بعد ذلك يلقب أو يكنى. (والمُبْهَماتُ) جمع مبهم كمكرم وهو المغلق من الإبهام أبهم الليل إذا لم يتضح، وقيل: المبهم المغلق من الأبواب. سيذكر بعض الأسماء الواردة في القرآن من أسماء الأنبياء، وأسماء الملائكة، وأسماء بعض الصالحين، والأولياء، وأسماء بعض الكافرين مما ذكر في القرآن وكذلك الكنى ما كُنِّيَ وذكر بكنى في القرآن كذلك ما ذكر بلقبه أو ذكر مبهمًا فجاء مُفَسَّرًا في طريق ونحو ذلك سيذكر بعض الأشياء وهذه مما لا، وإن بحثت في علوم القرآن لكن لا يتعلق بها حكم شرعي وإنما تعتبر من الزيادات ومن الْمُلَح، مُلَح العلم لأن العلم كل علم هذا قد يكون أصولاً وقد يكون مُلَح، يعني مما زاد عن الأصل مما قد يستغنى عنه بل يستغنى عنه، فطالب العلم إذا لم يعرف المبهمات التي في القرآن أو في الأحاديث في المتون، لا في الأسانيد، لا ينبني عليه، لكن المبهم في السند مثلاً هذا ينبني عليه حكم ينبني عليه ولا بد من معرفته لكن المبهم في المتن قد لا ينبني عليه حكم وكذلك المبهم في القرآن {وَجَاء رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ ... يَسْعَى} [القصص: 20] من هو الرجل هذا؟ ما ينبني عليه فائدة لو ذكر أو لم يذكر. (إِسْحاقُ) الأسماء بدأ بماذا؟ بأسماء الأنبياء المذكورة في القرآن وهي: خمسةٌ وعشرون اسمًا. ذكر ثمانية عشر منها في آية واحدة في آية الأنعام إِسْحاقُ يُوسفُ ولُوطٌ عِيْسَى ... هُوْدٌ وصَالِحٌ شُعَيْبٌ مُوسَى

هذه الأسماء ما ذكرت في القرآن هكذا (إِسْحاقُ يُوسفُ ولُوطٌ عِيْسَى هُوْدٌ) لكن في كتب التاريخ تجد أن لهم سند يعني: يكون آباهم وأجدادهم وأجداد أجدادهم إلى آخره. هذه [مما لا] إن ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بأن النبي كذا أبوه كذا هذا لا إشكال مقبولٌ على العين والرأس وما عدا ذلك فهو مما يُسمع ولا يُصدق ولا يُكذب لأنه من قبيل ماذا؟ من قبيل التأريخ والتأريخ أكثره لم يثبت إنما هو بأسانيد لو بحث عنها لَوُجِدَ أنها - إذا ثبت لها أسانيد - إذا ثبت لها أسانيد فهي مما لم يشتغل أهل العلم بتمحيصها وفحصها، ولذلك أنا أنسب المذكور في القرآن جزمًا وإذا قيل أبوه يقال كذا ولا أجزم بكون أباه كذا ... (إِسْحاقُ) يعني وهم إسحاق. (إِسْحاقُ) هذا خبر مبتدأ محذوف وهو لأنه عبارة عن ماذا؟ أعلى من يذكر اسمه في القرآن هم الأنبياء والرسل لكن لم يرتبهم بالأفضل بل جعل النبي - صلى الله عليه وسلم - رقم خمس وعشرين وبدأ بإسحاق وأخر آدم عليه السلام إذًا هذا ليس بترتيب وإنما ذكرهم هكذا اتفاقًا على ما سمح به النظم، (إِسْحاقُ) وهم إسحاق بن إبراهيم عليهما السلام. و (يُوسفٌ) بالتنوين للوزن ويوسف بن يعقوب. (ولُوطٌ) ورد في القرآن دون أن يبين من أبوه لكن يُذكر أنه ابن هاران. و (عِيْسَى) بن مريم عليه السلام. و (هُوْدٌ) هكذا ذكر في القرآن ويقال: ابن عبد الله. هودٌ بن عبد الله. والله أعلم. و (وصَالِحٌ) وقيل: ابن عبيد صالح بن عبيد النبي صالح (وصَالِحٌ) قيل: ابن عبيد. و (شُعَيْبٌ) وقيل: ابن ميكائيل. يعني: أبوه اسمه ميكائيل يذكرون جده وجد جده سبعة وعشر ويُرجع عليها في الشرح ذكرها. و (مُوسَى) ابن عمران، و (هَارُونُ) هَارُونُ دَاودُ ابْنُهُ أَيَّوبُ ... ذُو الكِفْلِ يُونُسُ كَذَا يَعْقُوبُ يعني: و (هَارُونُ) هذا شقيق موسى {وَأَخِي هَارُونُ} [القصص: 34]. أخي هارون، وإذا أطلق أخي نحمله على حقيقته وهو أنه أخوه شقيقه قال بعضهم: لا، لأمه. وقال بعضهم: لا، بل لأبيه. نقول: ائت بالدليل نص القرآن قال: {وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَاناً}. أخي الأصل ماذا؟ حقيقة أنه شقيق فنقول: شقيقه. ونجزم بهذا إن جاء نص يخص أنه لأبيه أو لأمه على العين والرأس وإلا سنبقى على هذا الإطلاق.

و (هَارُونُ) شقيق موسى، و (دَاودُ) عليه السلام وقيل: ابن إيشا. يعني: أبوه إيشا، و (ابْنُهُ) (دَاودُ ابْنُهُ) يعني: وابنه دائمًا على إسقاط الواو ونحتاج إلى أن ننص عليها في كل موضع و (ابْنُهُ) يعني: سليمان بن داوود، و (أَيَّوبُ) قيل: ابن أبيض، و (ذُو الكِفْلِ) هكذا ورد (ذُو الكِفْلِ) هل هو اسمٌ أو لقب؟ الله أعلم قيل: ابن أيوب ذو الكفل بن أيوب. وقيل: اسمه بشر، و (يُونُسُ) ابن مَتَّى هذا جاء في النص (يُونُسُ) ابن مَتَّى بفتح الميم مع تشديد التاء ومتى أبوه لا أمه كذا قيل، (كَذَا يَعْقُوبُ) يعقوب ابن من؟ ابن إسحاق نجزم (كَذَا يَعْقُوبُ) ابن إسحاق هذا رقم خمسة عشر، (آَدَمُ) هذا أبو البشر والأولى تقديمه لكن للنظم أخره قيل: سمي آدم لأنه خلق من أديم الأرض آدم أبو البشر، و (إِدْرِيسُ) ابن يرد. الله أعلم، و (ونُوحٌ) قيل: ابن لَمْج بفتح اللام وإسكان الميم. والله أعلم، و (يَحْيَى) ابن زكريا وهذا جاء في القرآن، (واليَسْعُ) ابن جبير هكذا قيل. والله أعلم، و (إِبْراهيمُ) ابن آزر هذا هو المشهور وهذا هو الصحيح قيل: آزر عمه. وهذا فاسد {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ} [الأنعام: 74] نقول: لعمه؟! بعض المفسرين يقولون عمه وليس أباه لكن هذا ما هو صحيح الله عز وجل يقول: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ} [الأنعام: 74]. لو أطلق الأب على العم مجازًا نقول: نحمله على حقيقته. ائت بدليل صارف وإلا نبقى على الحقيقة، أنا أقول بالمجاز لكن أقف في حلوقهم [شوية] فلا بد يعني من أدلة وإلا ما نصرف اللفظ عن ظاهره. (واليَسْعُ، إِبْراهيمُ أَيضًا إِلْيَا) (إِبْراهيمُ) ابن آزر. (إِلْيَا) إلياس ترخيم هذا إلياسين هذا ترخيم ورفعٌ وَلاضْطِرَارٍٍ رَخَّمُوا دُون نِدَا وهنا ليس عند الندا هذا باب الشعري فقط إل ياسين، ترخيم إلياس إلياس بن إل ياسين هكذا قيل: إليا. حذفت السين من باب ماذا؟ يا سعاد يا سعا أليس كذلك هذا يسمى ترخيم لكنه يكون في العلم في النداء في المنادى وأما ما عدا المنادى فلا يجوز. وقولهم في صاحب يا صاح ... شذ لمعنى فيه باصطلاح لماذا؟ لكون ليس بعلم ما كونه في النداء، وقولهم في صاحب يا صاح شذَّ، شاذ لماذا؟ لكونه مما جرى على ألسنة العرب ورخموه، هنا شاذ لكون ليس في النداء قال ابن مالك: وَلاضْطِرَارٍٍ رَخَّمُوا دُون نِدَا و (وزَكَرِيَّا) قيل: كان من ذرية سليمان بن داوود. والله أعلم. (وزَكَرِيَّا أَيضًا) آضَ يَئِيضُ أَيْضًا مفعولٌ مطلق. (وزَكَرِيَّا أَيضًا إسْمَاعِيلُ) بإسقاط الهمزة للوزن همزة قطع هي في الأصل لكنها أسقطت للوزن (إسْمَاعِيلُ) بن إبراهيم عليه السلام إسماعيل وهو الذبيح على الأصح وليس إسحاق. (وجاءَ في مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - تَكْمِيلُ) يعني: تكميل للأنبياء الخمسة والعشرين الذين ذكروا في القرآن، هؤلاء لو عددتهم كلهم خمسٌ وعشرون. ثم قال: هَارُوتُ مَارُوتُ وجِبْرَائِيْلُ ... قَعِيْدٌ السِّجِلُّ مِيْكَائِيْلُ (هَارُوتُ، مَارُوتُ) قيل: اسما ملكين ذكرا في آية السحر من سورة البقرة (هَارُوتُ، مَارُوتُ) بإسقاط الواو. (وجِبْرَائِيْلُ) معلوم.

(قَعِيْدٌ) يعني: وقعيد. يعني: كاتب السيئات يكون اسمه قعيد ملك، والمشهور أنه ليس اسمًا بل صفة للمَلَكَيْنِ الْمُوَكَّلَيْنِ بالإنسان يعني ليس بعلم هو أراد أن يذكر الآن أعلام الملائكة لما ذكر أعلام الأنبياء في القرآن جمع لك في هذا البيت ما ذُكر من أعلام الملائكة، إذًا شرع في بيان أسماء الملائكة الذين ذكروا في القرآن (هَارُوتُ مَارُوتُ وجِبْرَائِيْلُ قَعِيْدٌ السِّجِلُّ)، (قَعِيْدٌ، السِّجِلُّ) يعني: والسجل السجل قيل: ملك موكلٌ بالصحف. والله أعلم. (مِيْكَائِيْلُ) هذا موكلٌ للمطر هذا ثابت ولا إشكال فيه. لُقْمَانُ تُبَّعٌ كَذَا طَالُوتُ ... إِبْلِيسُ قَارُونُ كَذا جَالُوتُ ذكر لك في البيت الشطر الأول ثلاثة من الصالحين الذين ذكروا في القرآن، وذكر في الشطر الثاني ثلاثة من الكافرين الذين ذكروا في القرآن (لُقْمَانُ) قيل: أنه نبي. كان نبيًّا قاله عكرمة والشعبي والأكثر على أنه عبدٌ صالح وقيل: نجار. (لُقْمَانُ تُبَّعٌ) أيضًا قيل: نبي. والصواب أنه رجلٌ صالح سُمِّيَ به لكثرة من تبعه (لُقْمَانُ، تُبَّعٌ) يعني: وتُبَّعٌ. بضم التاء وتشديد الباء المفتوحة. (كَذا طَالُوتُ) أيضًا هذا اسم رجل صالح جعله الله ملكًا على بني إسرائيل لقتال جالوت {وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ} [البقرة: 251]. (إِبْلِيسُ) هذا شرع منه في ذكر أسماء ثلاثة ممن كفروا بالله العظيم وإبليس سمي به لأن الله أبلسه من الخير يعني: آيسه منه (إِبْلِيسُ). (قَارُونُ كَذا) قارون قيل: ابن يسحر. أو يصهر الله أعلم. (كَذا جَالُوتُ) اسم ملكٍ من ملوك الكفار الذين تجبروا في الأرض. (ومَرْيَمٌ عِمْرَانُ أَيْ أَبُوهَا) يعني: ومريم بنت عمران. وقيل: إنها نبية. وعليه ابن حزم رحمه الله، والصواب أنه ليس في الأنبياء نساء، وكونها أوحي إليها هذا لا يلزم منه مجرد الوحي أو صيغة الوحي في القرآن لا يلزم منه أنه إيحاء نبوة بل الله عز وجل قال: {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ} [النحل: 68]. نقول: النحل نبي؟ لا يلزم إذا تعلق الوحي أو الإيحاء بشيء نقول: إنه يدل على النبوة لا. (ومَرْيَمٌ) يعني: بنت عمران (عِمْرَانُ أَيْ أَبُوهَا) يعني: ذُكر أيضًا أبوها أبو من؟ مريم وهل هي أخت موسى بن عمران؟ الجواب: لا. (أَيضًا كَذَا هَارونُ) أبوها أيضًا (كَذَا) ممن ذكر في القرآن (هَارونُ أَيْ أَخُوهَا) {يَا أُخْتَ هَارُونَ} [مريم: 28] هل هو وأخي هارون؟ الجواب: لا. (ومَرْيَمٌ عِمْرَانُ) وعمران (أَيْ أَبُوهَا) ذُكرا معًا في القرآن (أَيضًا) كما ذكر هارون (أَيْ أَخُوهَا) أخو مريم لا أخو موسى. ثم شرع في بيان من ذكر من الصحابة أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -. مِنْ غَيْرِ زَيْدٍ مِنْ صِحَابٍ عَزَّا ... ثُمَّ الكُنَى فِيهِ كَعَبْدِ العُزَّى (مِنْ غَيْرِ زَيْدٍ) زيد بن حارثة رضي الله تعالى عنه هو الذي سُمِّيَ في القرآن {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ} [الأحزاب: 37] زيد بن حارثة، وهل هذا يدل على ماذا؟ هل يدل أو يستفاد منه أنه أفضل من أبي بكر وعمر؟

من ذُكر اسمه في القرآن أولى وأفضل ممن لم يذكر أليس كذلك؟ لا شك من تكلم الله تعالى باسمه أفضل لكن الفضيلة لا تستلزم أن يكون أفضل من حيث الجملة فيقال مثلاً: زيد بن حارثة من حيث هذه المزية من حيث هذه الفضيلة أفضل من غيره من الصحابة، لكن لا يستلزم تفضيله في شيء ما أنه أفضل بالجملة، وإلا جاء نص في عمر رضي الله تعالى عنه «أنه ما رآه الشيطان سالكًا في فج إلا سك فجًا آخر». هذه لم تذكر في شأن أبي بكر، ودخل أبو بكر والنبي - صلى الله عليه وسلم - كاشف عن فخذيه ودخل عمر ثم دخل عثمان فماذا؟ فستر النبي فقال: «ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة». إذًا ثبتت مزية لعثمان لم تثبت لأبي بكر ولا عمر، نقول: الضابط في هذه أن إثبات المزية لصاحبيٍ، الصحابة من حيث هذه المزية هذا الشخص وهذا الصحابي أفضل، وهذا لا يستلزم تفضيله بالكلية فنقول: أبو بكر مطلقًا أفضل الصحابة وبإجماع أهل العلم، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي. كترتيبهم في الخلافة لا فرق في الفضل ولا في الخلافة، لكن إثبات مزية لبعض الصحابة لم تثبت لمن هو أعلى لا يستلزم منه أن يكون أفضل بالجملة وإنما في هذه الخصيصة. (مِنْ غَيْرِ زَيْدٍ) ابن حارثة (مِنْ صِحَابٍ) يعني من أسماء صحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - (عَزَّا) يعني: قل بل عدم. (ثُمَّ الكُنَى) شرع في بيان الكنى وهو النوع الثاني (فِيهِ) يعني: في القرآن. (كَعَبْدِ العُزَّى كَنَّى أَبَا لَهْبٍ) أبو لهب {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} [المسد: 1] فقط لا يوجد كنية أخرى لم يذكر باسمه لماذا؟ لأنه حرام شرعًا عبد العزى عُبِّدَ لغير الرب جل وعلا إذًا حرام وقيل: للإشارة مع هذا يعني: زيادة على هذا – النكات لا تتراحم مع هذا - إشارة إلى أنه جهنمي (لهب). (الأَلْقَابُ قَدْ جَاءَ ذُو القَرْنَيْنِ يا أَوَّابُ) شرع في بيان الألقاب (قَدْ جَاءَ) فيه في القرآن حذف الجار والمجرور (ذُو القَرْنَيْنِ) قيل لأنه سُمِّي ذو القرنين لأن ملك فارس والروم وهما قرنان أعظم أمتين، وقيل: لأنه دخل الظلمة والنور. وقيل: لأنه كان برأسه شبه القرنين. وقيل: كان له ذؤابتان. وقيل: لأنه رأى في النوم بأنه أخذ بقرني الشمس. والله أعلم. (يا أَوَّابُ) هذا من باب التكملة يا كثير التوبة والرجوع إلى الله تعالى. (واسْمُهُ إِسْكَنْدَرُ) هذا لقبه ذو القرنين وسبب تلقيبه ما ذكر من بعض الأقوال (واسْمُهُ إِسْكَنْدَرُ) على الأشهر والله أعلم. (المَسِيْحُ عِيْسَى) عيسى ابن مريم، لقبه المسيح وجاء اسمه المسيح عيسى ابن مريم هنا ذكر أنه لقب المسِيح بتخفيف السين وقد تشدد المسِّيح بتشديد السين لقب عيسى عليه السلام ابن مريم (وذَا) اللقب (مِنْ أَجْلِ مَا يَسِيْحُ) يعني: لم لقب عيسى ابن مريم بالمسيح؟ (مِنْ أَجْلِ مَا يَسِيْحُ) يعني: سياحته في الأرض من أجل سياحته في الأرض أو لأنه لا يمسح ذا عاهةٍ إلا بريء أو لأنه كان مسيح القدمين أي: لا أخمص فيه. يعني: مستوي القدم من أسفل هذه يقال أنه مسيح، يقال: للدجال أيضًا مسيح لكنه مسيح الضلالة وهذا مسيح الهداية، ومسيح الضلالة قيل: لأنه يمسح الأرض في الزمن القليل لإضلال الناس أو لأنه ممسوح العينين.

(فِرْعَونُ ذَا الوَلِيْدُ) فرعون هذا لقب اسم هذا فرعون اسم أو لقب؟ هذا لقب لأننا في الألقاب (فِرْعَونُ ذَا) أي: الفرعون الوليد بن مصعب هكذا قيل، اسمه الوليد بن مصعب والله أعلم، فرعون هذا اسمه الوليد (ذَا) أي: الفرعون اسمه الوليد بن مصعب. (ثُمَّ المُبْهَمُ) هذا للترتيب ولذلك في قوله: (كَنَّى أَبَا لَهَبٍ). ثم الألقاب تُقدر ثم (ثُمَّ المُبْهَمُ) في القرآن (مِنْ آلِ فِرْعَونَ الذي قَدْ يَكْتُمُ إِيْمَانَهُ) هذا في سورة غافر (مِنْ آلِ فِرْعَونَ) من أتباع فرعون الذي آمن وقد كتم إيمانه كما جاء في سورة غافر {وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ} [غافر: 28]. (واسْمُهُ حِزْقِيْلُ) بكسر الحاء وإسكان الزاي وقاف المكسورة اسم هذا الرجل المبهم (حِزْقِيْلُ) {وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ} من هو؟ (حِزْقِيْلُ) لكن ما نجزم بهذا كل المبهمات إن لم يرد نص عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فلا نجزم إلا أن يكون لصحابي وصح سنده فيأخذ حكم الرفع. ....................... ... ومَنْ عَلى يَاسِيْنَ قَدْ يُحِيْلُ أَعْنِيْ الذي يَسْعَى اسْمُهُ حَبِيْبُ ... .......................... (ومَنْ عَلى ياسين) يعني ومن في على بمعنى في، في ياسين يعني في سورة ياسين (قَدْ يُحِيْلُ) أي يُسلم أحال أي: أسلم (أَعْنِيْ الذي يَسْعَى) {وَجَاء مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى} [يس: 20] من هو هذا الرجل قال: ... (اسْمُهُ حَبِيْبُ) بن موسى النجار هذا هو المشهور حبيب بن موسى النجار. والله أعلم. (ويَوشَعُ بنُ نُونَ يَا لَبِيْبُ) يعني: يا عاقل. (وهُوَ فَتَى مُوسى لَدَى السَّفِيْنَةْ) يوشع بن نون يا لبيب هذا من باب التكميل للبيت يعني: يا عاقل. (وهُوَ) أي يوشع (بنُ نُونَ) فتى موسى الذي ذُكر معه في سورة الكهف (لَدَى السَّفِيْنَةْ) {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ} [الكهف: 60] من هو هذا الفتى؟ يوشع بن نون. والله أعلم لا نجزم. (ومَنْ هُمَا في سُورَةِ المَائِدَةِ كالبُ مَعْ يُوشَعَ) (ومَنْ هُمَا) يعني اللذان هما في سورة المائدةِ بالكسر {قَالَ رَجُلاَنِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمَا} [المائدة: 23] رجلان من هما؟ قال: كالب. اسمهما (كالبُ مَعْ يُوشَعَ) هما كالب ويوشع، يوشع بن نون السابق هكذا قيل. (أُمُّ مُوسَى) يعني: وأم موسى. واردة في سورة القصص {وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغاً} [القصص: 10] من هي أم موسى هذه كنية من هي؟ قيل: (يِوْحَانِذُ اسْمُها). والله أعلم. (كُفِيْتَ البُوسَا) هذه جملة دعائية البأس، الألف هذه للإطلاق أي: كفاك وحفظك الله من البؤس والشدة، جملة دعائية فاصلة. (ومَنْ هُوَ العَبْدُ لَدى الكَهْفِ الخَضِرْ) (ومَنْ هُوَ العَبْدُ) يعني: والذي هو العبد لدى سورة الكهف {فَوَجَدَا عَبْداً مِّنْ عِبَادِنَا} [الكهف: 65] من هو هذا العبد؟ (ومَنْ هُوَ العَبْدُ لَدى) سورة الكهف (الخَضِرْ) بفتح الخاء وكسر الضاد ويقال: الْخَضْرُ والْخِضْرُ. ثلاثة روايات خِضْر بكسرٍ فسكون، وَخَضْرٌ بفتح وسكون والْخَضِر مثل كَتِف.

كَتْفٌ وَكِتْفٌ جاء في مثل كَتِف ... في عضد ونحوه عضد عرف لأنه من باب فَعِل خَضِر وكله من باب فَعِل يجوز فيه ثلاث رواة. الخضر هذا لقب له واسمه قيل: بَلْيى. بفتح الباء وسكون اللام ومعناه بالعربية أحمد بن ملكان. والله أعلم، وكنيته أبو العباس لُقِّبَ بالخضر لأنه كان إذا جلس على الأرض أخضر ما تحته والجمهور على نبوته، الجمهور على أنه نبي لا أنه رسول أو ولي وهذا هو الظاهر من النصوص أنه نبي وهل هو مات أو لا أو باقٍ شيخ الإسلام ابن تيمية على أنه قد مات. (ومَنْ لَهُ الدَّمُ لَدَيْها قَدْ هُدِرْ أَعْنِي الغُلامَ وهُوَ حَيْسُورُ) (ومَنْ لَهُ الدَّمُ لَدَيْها) لدى سورة الكهف (قَدْ هُدِرْ) بلا قصاص ولا دية يقال: هذا ردمه بطل. بابه ضَرَبَ وأهدره السلطان أي: أبطله وأباحه وهَدْرًا وهَدَرَ بإسكان والفتح ماذا؟ أي: باطنًا ليس فيه قودٌ ولا عقلٌ (ومَنْ) يعني: الذي. (لَهُ الدَّمُ لَدَيْها) لدى سورة الكهف (قَدْ هُدِرْ أَعْنِي) به (الغُلامَ) {حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَاماً فَقَتَلَهُ} ... [الكهف: 74] هدر دمه أباحه من هو هذا الغلام؟ (وهُوَ حَيْسُورُ) اسمه حيسور (الْمَلِكْ في قَولِهِ) يعني: والملك في قوله تعالى: {وَكَانَ وَرَاءهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً} [الكهف: 79]. ما اسمه هذا الملك؟ هُدد بن بدد على وزن عُمَر وسُرَر هدد يعني: اسم الملك الذي جاء في النص ... {وَكَانَ وَرَاءهُم مَّلِكٌ} اسمه هدد بن بدد والله أعلم. . والصَّاحِبُ لِلرَّسُولِ في ... غَارٍ هُوَ الصِّدِّيقُ أَعْنِي المُقْتَفِي {إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ} [التوبة: 40] هذا لا إشكال فيه أن المراد به أبو بكر رضي الله تعالى عنه (والصَّاحِبُ لِلرَّسُولِ) - صلى الله عليه وسلم - لرسولنا محمد عليه الصلاة والسلام (في غَارٍ) غار حراء هو الصديق (أَعْنِي المُقْتَفِي) المتبع أثره - صلى الله عليه وسلم - {إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ} في سورة التوبة.

(إِطْفِيْرٌ العَزِيْزُ أَو قِطْفِيْرُ) العزيز {وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ} ... [يوسف: 21] من هو هذا القائل؟ العزيز ما اسمه هذا لقب أو مبهم ما اسمه؟ قيل: (إِطْفِيْرٌ). بكسر همزة القطع (إِطْفِيْرٌ)، (أَو قِطْفِيْرُ) اختلفوا فيه على قولين وسواء كان هذا أو ذاك لا يهمنا العلم به، (إِطْفِيْرٌ العَزِيْزُ، أَو قِطْفِيْرُ) إطفير هو اسم العزيز عزيز مصر (أَو قِطْفِيْرُ) بدل الهمزة قولان، ... (ومُبْهَمٌ وُرُودُهُ كَثِيْرُ) وارد في القرآن كثير ولكن إن تتبع السلف هذه المبهمات فيحسن لا خلاف أن اتتبعه طالب العلم وإن لم يشتغلوا بها فحينئذٍ لا نشتغل بها، (ومُبْهَمٌ) يعني في القرآن. وروده كثير. قال في (الإتقان): إن مرجعه النقل المحض لا مجال للرأي فيه. هذا هو الأصل وإذا كان مرجعه النقل نقيد النقل النَّقل الصحيح ولماذا نطلق النقل ثم نأتي كل من هب ودب في كتب التأليف فنقول: إن كان مرجعه النقل المحض حينئذٍ ينبغي أن نقيده بماذا؟ بالنقل الصحيح. لا مجال للرأي فيه وفيه تصنيف مستقل للسهيلي والبدر بن جماعة هو ذكره في ((التحبير)) مستوفاه كما قال الناظم هنا: (وكادَ أَنْ يَسْتَوعِبَ التَّحْبِيْرُ) يعني: كاد أن يستوعب كل المبهمات في القرآن ... ((التحبير في علوم التفسير)) للسيوطي نفسه، هذا كتاب جيد يعني لو يعتني به طالب العلم زبدة ((الإتقان)) موجودة في ((التحبير)) كتاب قصير ليس بطويل. (جَمِيعَهَا فَاقْصِدْهُ يَا نِحْرِيْرُ) جميعها (وكادَ أَنْ يَسْتَوعِبَ التَّحْبِيْرُ جَمِيعَهَا) جميعها هذا منصوب بيستوعب مفعول به (جَمِيعَهَا) أي جميع المبهمات ... (فَاقْصِدْهُ) فاقصد ماذا؟ ((التحبير)) يعني اقصده اعتني به (يَا نِحْرِيْرُ) النحرير بوزن مسكين وهو العالم المتقن هذا من باب التفاؤل يعني: وصف الطالب بما سيؤول إليه وهو مجاز لأنه الآن ليس بنحرير ليس بعالم متقن وإنما مآله أن يكون عالمًا متقنًا فهو مجاز. فَهاكَها مِنِّي لَدى قُصُورِيْ ... ولا تَكُنْ بِحَاسِدٍ مَغْرُورِ إِلاَّ إِذا بِخَلَلٍ ظَفِرْتَا ... فَأَصْلِحِ الفَاسِدَ إِنْ قَدَرْتَا

قَدَرْتَا أو قَدِرْتَا. (فَهاكَها) أي: فخذ هذه المنظومة المؤلفة في فن أصول التفسير، (مِنِّي) أي أيها القارئ أو الناظر فيها (لَدى قُصُورِيْ) قصر عن الشيء عجز عنه ولم يبلغه، قصر عن الشيء قصر إذا تعدى بعن عن الشيء يعني عجز عنه ولم يبلغه وبابه دخل ولذلك جاء على فُعُول دَخَلَ يَدْخُلُ دُخُولاً فُعُول هنا قال: (قُصُورِيْ). يعني: قصوري في ماذا؟ في العلم (ولا تَكُنْ) أيها الناظر (بِحَاسِدٍ) لي بهذه المنظومة (مَغْرُورِ) بغرور الشيطان، فلا تنتقد عليَّ وتعترض إلا إذا ظفرت بخلل، حينئذٍ له أن ينتقد لكن بعد أن يتأمل وبعد أن يصحح النسخة وبعد أن ينظر في هل ذكر بعضهم هذه المسألة أو لا ... إلى آخره يعني بعد أن يتحقق ولا يستعجل طالب العلم في النقد وإنما .. . (إِلاَّ إِذا بِخَلَلٍ ظَفِرْتَا) يعني: وقفت على خلل إما في اللفظ وإما في المعنى (فَأَصْلِحِ) إذا ظفرت بخلل، بخَلَلٍ هذا متعلق بماذا؟ بظفرت ولك أن تعلقه بمحذوف يدل عليه المذكور إلا إذا ظفرت بخلل ظفرت هكذا ذكره المساوي وهذا هو الأصل، (فَأَصْلِحِ الفَاسِدَ) يعني الحاصل من ذلك الخلل سواء من جهة المعنى أو من جهة اللفظ يعني بالتعليق عليه لا يغيره بالنص يعني إنما يصلحه في الحاشية أو يقول: لعله يُريد كذا. أو لعل الأصح كذا أو لعل الصواب كذا إلى آخره، (إِنْ قَدَرْتَا) إن قَدَرْتَا قَدِرْتَا قَدَرْتا قد على الشيء قُدْرَةً وقُدْرَانًا، قَدَرَ على الشيء من باب فعل على الشيء قُدْرَةً بضم القاف وقُدْرَانًا وقِدْرَانًا، اختلفوا في الضمة هذه صاحب القاموس في اللسان قِدْرانًا بالكسر، وصاحب مختار الصحاح بالضم يعني انتُقد على الضم وَقَدِرَ يَقْدَرُ قُدْرةً هذا لغة فيه باب عَلِمَ يَعْلَمُ حينئذٍ يصح أن تقول: (فَأَصْلِحِ الفَاسِدَ إِنْ قَدِرْتَا) إن قَدَرْتَا لأنه جاء من باب فَعَلَ وفَعِلَ فتقول: (فَأَصْلِحِ الفَاسِدَ إِنْ قَدِرْتَا). أو إن قَدَرْتَا وهنا النظم من أجله فلا بأس أن يقال: قَدَرْتا. (وَوَجَبَتْ مِنْ بَعْدِ ذا) يعني بعد أن انتهى من مصنفه قال: (وَوَجَبَتْ). وجوبًا صناعيًّا (مِنْ بَعْدِ ذا) الكلام كله (صَلاتِي عَلى النَّبِي) محمد - صلى الله عليه وسلم - كما افتتح نظمه بالصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - ختمها بالصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - وبينا الصلاة ومعنى النبي فيما سبق، (وآَلِهِ) يعني على آله. وسبق بيان معنى الآل (الهُدَاةِ) جمع هادي، الهداة كقاضٍ يجمع على قُضاة كذلك هادٍ يجمع على قضاة. وعلى (وصَحْبِهِ) جميعًا حال كوني (مُعَمِّمًا أَتْبَاعَهْ) فحينئذٍ يُحمل قوله: (وآَلِهِ). على أقاربه المؤمنين لأنه قال: (مُعَمِّمًا أَتْبَاعَهْ). حينئذٍ نص على الأتباع فيحمل قوله: (وآَلِهِ) على أقاربه المؤمنين. (وصَحْبِهِ) يعني: وعلى صحبه. ومر معنا الصحب، جميعًا حال كوني (مُعَمِّمًا أَتْبَاعَهْ) يعني: شاملاً تعميم شمول مأخوذ من العام (أَتْبَاعَهْ) - صلى الله عليه وسلم - (على الهُدَى) جيلاً بعد جيل قرنًا بعد قرن (إِلى قِيامِ السَّاعَةْ) الوقف عليها بالسكون في الموضعين.

وصَحْبِهِ مُعَمِّمًا أَتْبَاعَهْ ... على الهُدَى إِلى قِيامِ السَّاعَةْ إلى قيام القيامة. - - - وبهذا نكون قد انتهينا من هذا المتن وسائر الدورة وجزاكم الله خيرًا - وصلَّ الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وسلم

§1/1