شرح مقدمة سنن ابن ماجه

عبد الكريم الخضير

شرح مقدمة سنن ابن ماجه (1)

بسم الله الرحمن الرحيم شرح: مقدمة سنن ابن ماجه (1) الشيخ: عبد الكريم بن عبد الله الخضير السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: ففي هذا الدرس الثالث من دروس هذه الدورة التي نرجو أن يكون العمل فيها خالصاً لوجه الله تعالى، نافعاً للمتكلم والسامع على حد سواء. هذا الدرس في سنن ابن ماجه، محمد بن يزيد القزويني، وماجه لقب لوالده، أو لوالد أبيه، إما أن يقال: محمد بن يزيد أبو عبد الله بن ماجه ليكون لقباً للوالد، أو يقال: محمد بن يزيد بن ماجه. وعلى كل حال ماجه هذه لفظ أعجمي، ملازم للهاء في الوقف والدرج، وليست تاء كما ينطقها أو يكتبها بعضهم، وإن قيل بذلك، لكن الأكثر على أنه بالهاء مثل: منده، ومثل: داسه، ابن منده معروف، وابن داسه أحد رواة سنن أبي داود أيضاً مشهور. هذه السنن .. ، أولاً: أصحاب السنن الثلاثة أبو داود والترمذي وابن ماجه عاشوا في عصر واحد، وفاياتهم متقاربة، ابن ماجه توفي سنة ثلاث وسبعين ومائتين (273) وأبو داود توفي سنة خمس وسبعين ومائتين (275) والترمذي توفي سنة تسع وسبعين ومائتين (279) فهم متقاربون، قبلهم الإمام مسلم صاحب الصحيح، توفي سنة ست وخمسين ومائتين (261) وقبله الإمام البخاري توفي سنة ست وخمسين ومائتين (256) وقبلهم الإمام أحمد توفي سنة إحدى وأربعين ومائتين (241) وقبله جمع من أهل العلم من الحفاظ، من الأئمة، من سادات هذه الأمة وعلمائها، الشافعي سنة أربع ومائتين (204) ومالك سنة تسع وسبعين ومائة (179) وأبو حنيفة سنة خمسين ومائة (150) وإن كان بعضهم لا يذكره في هذا الباب مع الأئمة؛ لأنه ليس من أهل الحديث، وفي روايته أيضاً كلام عند أهل العلم، وليس هذا مقصوداً لنا في هذا الدرس. المقصود أن ابن ماجه على ما ذكرنا .. ، وآخر أهل الكتب الستة وفاةً هو النسائي سنة ثلاث وثلاثمائة (303).

سنن ابن ماجه التي الحديث بصددها، بل في مقدمتها، والنية -إن شاء الله تعالى- إكمال الكتاب، سنن ابن ماجه هو سادس الكتب، الكتب الستة سادسها ابن ماجه، الأول: البخاري، والثاني: مسلم، والثالث: أبو داود، والرابع: الترمذي، والخامس: النسائي، والسادس: على هذا القول ابن ماجه، وأول من أدخله في الستة أبو الفضل بن طاهر في شروط الأئمة، وفي الأطراف، والخلاف معروف في السادس. ولا شك أن إدخال سنن ابن ماجه وجعله سادساً له وجه وجيه لكثرة زوائده على الكتب الخمسة، وكثرة فوائده فهو نافع جداً للمتفقه، وتراجمه كثيرة جداً، وهي أحكام فقهية، وأبدع في كثير منها، بل في أكثرها إبداع، نعم لا يصل إلى ما وصل إليه الإمام البخاري -رحمه الله تعالى-، لكنه مبدع في هذا الباب، يعني من المبدعين في هذه التراجم، وفي الاستنباط من الأحاديث. أدرجه أبو الفضل بن طاهر في الستة، فجعله السادس، يعني أضافه إلى الخمسة، وأما الخمسة فلا خلاف فيها أنها دواوين الإسلام المتفق عليها، لا المتفق على ما فيها كما قال بعضهم، ولا أن جميع ما فيها صحيح، نعم ما في الصحيحين لا إشكال فيه، ولا تردد في الحكم عليه بالصحة، لكن السنن فيها غير الصحيح، فيها الحسن، وفيها الضعيف، وأشدها ضعفاً لا سيما مما تفرد به سنن ابن ماجه، ولذا تردد بعض العلماء في إدخاله في الستة، فجعل بدله الموطأ لإمامة مؤلفه، ورجحان صحته على الضعف، وعلو أسانيده، وممن جعله السادس -أعني الموطأ- رزين العبدري في تجريد الأصول، وابن الأثير في جامع الأصول، ومنهم من جعل السادس الدارمي؛ لعلو أسانيده، فهو شيخ لأصحاب الكتب، أسانيده عالية، بل هي أنظف من أسانيد ابن ماجه، وفيه زوائد، لكن فيه آثار كثيرة، آثاره أكثر مما في سنن ابن ماجه، وعلى كل حال من أراد التفقه فسنن ابن ماجه أنفع له؛ لأن أحاديثه أكثر، وزوائده على الكتب الستة أكثر.

هذا الكتاب اعتنى به أهل العلم قديماً وحديثاً، وشرح بشروح كثيرة، منها المتقدمة، ومنها المتأخرة، وروي بروايات متعددة إلا أنه لم يكتب البقاء إلا لرواية ابن القطان، رواية ابن القطان، وهو غير أبي الحسن بن القطان الفاسي المتأخر، وغير يحيى بن سعيد القطان، وهذا له زوائد على السنن، يرويها من غير طريق ابن ماجه، قد يقول قائل: كيف نعرف هذه الزوائد؟ إذا روى الحديث عن غير ابن ماجه عرفنا أنه من الزوائد، عرفنا أنه من الزوائد على الأصل كما هو الشأن في المسند، فيه زوائد لعبد الله بن الإمام أحمد، وفيه زوائد لأبي بكر القطيعي، كيف نعرف هذه الزوائد؟ إذا رويت من غير طريق المؤلف، فعلى هذا لا بد من ذكر الراوي، وذكر شيخ الراوي لنعرف الزوائد من غيرها، فالأصل أن يذكر الراوي كما هي طريقة المتقدمين في تصانيفهم، ولا يحذف كم يفعله بعض من يتصرف في الكتب لنعرف الأصل من الزائد، ولا يكفي أن نرمز للزائد بالزاي مثلاً، كما فعل الشيخ أحمد شاكر -رحمه الله- في المسند، بل يبقى الكتاب كما صنعه مؤلفه، والمتقدمون لهم طريقة في التأليف تختلف عن طريقة المتأخرين، المتأخر يستقل بكتابه، يكتبه بيده، أو يمليه على غيره، لكن الكتب عند المتقدمين إنما تروى عن مؤلفيها، ولذا يذكر الراوي عن المؤلف، قال عبد الله: حدثني أبي، أو حدثنا عبد الله قال: حدثني أبي، حدثنا يحيى بن يحيى قال: أخبرنا مالك، وقل مثل هذا في الكتب كلها، أعني الكتب المتقدمة. نعم البخاري كتب كتابه بيده، ولذا لا يذكر الراوي عنه في سند الكتاب، ومسلم أيضاً كذلك، لكن الكتب التي فيها زوائد لا بد من بيان هذه الزوائد، ولا يمكن أن تتبين إلا إذا ذكر الراوي، الراوي عن المؤلف الذي زاد هذه الزوائد.

ابن ماجه حظي من أهل العلم بالشرح والدرس والقراءة والإقراء فممن شرحه علاء الدين مغلطاي، وشرحه طُبع أخيراً، وحقق قسم منه في رسائل، وممن شرحه السندي، والسندي له حواشي على الكتب الستة، وشرحه أيضاً بشرح مختصر جداً السيوطي اسمه: (مصباح الزجاجة) ثم اختصر هذا الشرح على اختصاره الشرح في مجلد واحد، ثم اختصر هذا الشرح بمجلد صغير جداً اسمه: (نور مصباح الزجاجة) لمغربي يقال له: البجمعوي، شرح الكتب، أو اختصر شروح السيوطي على الكتب الستة. والمختصرات مطبوعة منها: (وشي الديباج على صحيح مسلم بن الحجاج) ومنها: (روح التوشيح على الجامع الصحيح) ومنها: (درجات مرقاة الصعود) ومنها: (نور مصباح الزجاجة) ومنها للسيوطي شرح على النسائي اسمه: (زهر الربى) ومختصره اسمه إيش؟ هو في العادة يضيف كلمة على اسم المؤلف الأصلي، يضيف كلمة مثل: (التوشيح على الجامع الصحيح) سماه (روح التوشيح) الديباج سماه: (وشي الديباج) مرقاة الصعود سماه: (درجات مرقاة الصحيح) وقوت المغتذي على جامع الترمذي سماه: (نفع قوت المغتذي) فالنسائي أظن سماه: (عرف زهر الربى) عرف يعني رائحة (زهر الربى على المجتبى).

هذه المختصرات بل المعتصرات اقتنائها من قبل طالب العلم للتكميل جيد، وقد تسعفه في وقت الضيق، وفي شروح السيوطي لطائف قد لا توجد في المطولات على اختصارها، يعني شرح الكتب الستة كل واحد في مجلد، مجلد واحد، وأحياناً يكون مجلداً صغيراً، ومع ذلك اختصرت هذه الشروح، ولم يبقَ منها إلا معاني مفردات يسيرة لبعض ما يشكل معناه، وطالب العلم يتردد كثيراً حينما يريد اقتناء مثل هذه الكتب، لا سيما إذا كان الكتاب له شروح متعددة، لكن مثل النسائي ومثل ابن ماجه لا مانع أن يشتري مثل هذه الكتب؛ لأن الشروح ليست كثيرة، ما هي مثل شروح البخاري، أو شروح مسلم، أو حتى شروح الترمذي، أو حتى شروح سنن أبي داود؛ لأنها شرحت بشروح مطولة مبسوطة، فماذا تغني هذه المعتصرات بجانب هذه المطولات؟ فطلاب العلم يترددون، لا شك أن الذي يريد التكميل -تكميل المكتبة- بتوفير الشروح كلها يقتني مثل هذه الكتب، أما الذي يريد أن يقتصر على بعض الشروح مما يستغني به عن بعضها الآخر ما يشتري هذه الكتب لأن نفعها قليل، قد يقول قائل: إن الاختصار وكون الشرح في مجلد صغير ينفع وأيسر في المراجعة، وأخف في الحمل، نقول: هذا أيضاً شأنك، لك أن تقدر مصلحتك، ولن تخلو من فائدة -إن شاء الله تعالى-، لكن الكلام في كون هذه الكتب مع كثرتها قد توجد حيرة عند طالب العلم، وقد تحول دون تحصيله للعلم لكثرتها، فالذي يريد مثلاً شرح واحد للبخاري يقال له: لو اقتنيت فتح الباري كفاك، مع أنه في الواقع لا يغني عن غيره، يعني في الكرماني ما ليس فيه، في القسطلاني ما ليس فيه، في العيني ما ليس فيه، لكن هذا شخص يقول: أنا أريد أقرب إلى الكمال في كتاب واحد، نقول: فتح الباري، لكن لا يمكن أن يستغني به عن عمدة القاري، أو عن إرشاد الساري، أو الكرماني أو غيرها من الشروح، كلها فيها فوائد ونفائس لا سيما شروح البخاري.

من يريد أن يقتصر على كتاب واحد في شروح مسلم معروف السلسلة التي تركب بعضها على بعض كلها نافعة، بدءاً من (المعلم) للمازري، ثم تكميله للقاضي عياض (إكمال المعلم) ثم (إكمال الإكمال) للأبي، ثم (مكمل إكمال الإكمال) للسنوسي، وأيضاً شرح النووي لا يمكن أن يستغني عنه طالب علم، وكذلك شرح القرطبي على مختصره المسمى بـ (المفهم) كل هذه شروح نافعة، لا تستطيع أن تقتصر ببعضها دون بعض، الاقتصار على بعضها دون بعض يفوت على طالب العلم فائدة كبيرة، وإذا اجتمعت هذه الشروح المعلم وإكماله وإكمال إكماله ومكمل الإكمال والنووي والقرطبي، كل هذه الكتب لا تعادل فتح الباري في حجمها، يعني لو طبعت مثل طبع فتح الباري ما جاءت مثله، يعني فتح الباري مكنوز مضغوط، بينما هذه الكتب مفرودة، منفوشة، فلو طبعت الكتب هذه كلها .. ، ومسلم لا يزال فيه إعواز وحاجة ماسة إلى الشرح، ففي كثير من ألفاظه وسياقاته في الأسانيد والمتون ما فيه خفاء على المتعلمين، لا يحل كثير منها هذه الشروح، هو بحاجة إلى شرح مبسوط يجمع بين هذه الشروح، ويحل جميع الإشكالات، وللحافظ ابن حجر نكت على شرح النووي، لكن قد يقول طالب العلم: أنا لا أستطيع أن أشتت نفسي في هذه الشروح، بل أريد أن أقتصر على واحد، نقول: شرح النووي على اختصاره، فهو شرح مبارك، وفيه قواعد وضوابط يُعرف بها ما لم يذكر في الكتاب، يعني يستدل بها على ما لم يذكر، فالكتاب جيد، يُستفاد منه، لكنه قد يبقى إشكالات كثيرة لا تنحل مع وجوده، بل تنحل مع بقية الشروح، ويبقى أيضاً قدر زائد على ذلك مما لم يحل في الشروح. وأبو داود أيضاً له شروح كثيرة للمتقدمين والمتأخرين من أولها وأنفسها شرح أبو سليمان الخطابي المسمى (معالم السنن) وتهذيب السنن للإمام ابن القيم، وعنايته بعلل سنن أبي داود لا نظير لها، يعني أبان عن قدم راسخة في تعليل الأحاديث، وإمامة في هذا الباب، يعني لا يستغني عنه طالب علم، وهناك أيضاً الشروح الأخرى مثل شرح ابن رسلان، وشرح شمس الحق العظيم آبادي (عون المعبود) وشرح السهرنفوري المسمى (بذل المجهود) وشروح كثيرة.

وكتاب أبي داود يفيد طالب العلم الذي يريد التفقه في الدين؛ لأنه متخصص في هذا الباب، وهذه ميزة كتب السنن، يعني جل عنايتها منصبة لأحاديث الأحكام، بخلاف الجوامع البخاري ومسلم والترمذي هذه جوامع فيها جميع أبواب الدين. كذلك سنن الترمذي الجامع شرح بشروح كثيرة جداً من أنفعها وأنفسها شرح ابن سيد الناس مع تكملته للحافظ العراقي، وشرح ابن العربي شرح عنايته بالفقه، واللطائف المتنية، وإن كان له إشارات إلى الأسانيد لكنها قليلة، وأيضاً طبعته المتداولة سيئة جداً، تعوق دون الاستفادة منه، وتحفة الأحوذي للمباركفوري شرح نفيس على اختصاره، شرح طيب جداً على اختصاره، والنسائي أيضاً له شروح، والمفاضلة بين هذه الشروح أعني شروح الكتب الستة لها أشرطة تداولها الطلاب منذ سنين من سبع أو ثمان سنين، ويذكرون أنهم استفادوا منها، فمن أراد الموازنة بين هذه الشروح فليرجع إلى هذه الأشرطة، على أنها ليست كافية ولا وافية، لكنها فيها شيء مما يفيد الطالب -إن شاء الله تعالى-. نأتي إلى سنن ابن ماجه:

ابن ماجه -رحمه الله تعالى- كتابه سنن، يعني يُعنى بأحاديث الأحكام، لكنه قدم للكتاب بمقدمة شاملة وافية في بيان السنة، وأهمية السنة، والرد على المبتدعة، ولأهميتها وغزارة ما فيها اخترناها في هذه الدورة على أن النية معقودة -إن شاء الله تعالى- على تكميل الكتاب، وشرح الأحاديث في هذه الدورة، والمقدمة: تشتمل على ستة وستين ومائتي حديث، تحتاج إلى أوقات طويلة لاستكمالها واستيعابها، ولعلنا نجمع بين الأطراف أطراف الأحاديث، ومتطلباتها فيتكلم عليها بكلام يحل إشكالها، ويبين ما فيها من فوائد على جهة الاختصار الشديد؛ لأن هذه الأحاديث كثيرة، ولعلنا إن أتينا على نصفها نكون قد أنجزنا إنجازاً كبيراً، لم يسبق له نظير، لكن لا يخفى عليكم أن أي شيء لا بد أن يكون على حساب غيره، فإن أردنا أن نكمل الجميع مائتين وستة وستين حديث لا شك أن هذا يكون على وجه غير مرضي ولا مفيد ولا مقنع، وإن أخذنا النصف بمعدل إحدى عشر حديث في اليوم كان أيضاً على جهة الاختصار، لكنه أسهل مما لو أخذنا أكثر من عشرين حديث في اليوم، ولو أخذنا في كل يوم حديث أو حديثين أو ثلاثة، وبسطنا القول فيها لكن هذا دونه خرط القتاد في مثل الدورات، يعني يصعب تحقيق مثل هذا في الدورات؛ لأن المقدمة تحتاج إلى عشر دورات، تحتاج على هذه الطريقة إلى عشر دورات، وهذا لا شك أن هذا يبعثر الجهود، ويفرق الطلاب؛ لأننا نعرف الطلاب كثير منهم لا يحتمل التفصيلات، وبعض الدروس التي فيها شيء من التفصيل تفرق عنها، بعض الطلاب لا سيما المبتدئين، أما من أخذ من العلم بحظ وأراد الإفادة بغض النظر عن النهاية هذا يثبت، ويرى أن الفائدة في البسط والاستطراد. بقي الكلام عن طبعات الكتاب:

طبعات الكتاب، الكتاب طبع قديماً بمصر، ومعه حاشية السندي في مجلدين، ثم طبع بعد ذلك في مصر بالحاشية نفسها، وهاتان الطبعتان فيهما أخطاء لاعتمادهم على .. ، الثانية اعتمدت على الأولى، يعني ما كلفوا أنفسهم، والأولى اعتمدوا على نسخة ليست بسليمة، فيها أخطاء، وفيها تحريف، وتقديم وتأخير، وتصحيف، فالطبعة الأولى فيها أخطاء، والثانية أسوأ منها؛ لأنهم اعتمدوا على الطبعة الأولى، وزادوا ما عندهم من أخطاء، علماً بأن مطبوعات الذين طبعوه في الطبعة الثانية مطبعة يقال لها مطبعة: التازي والصاوي، يتعاقبون على طبع الكتب، وطبعوا ابن ماجه، وطبعوا أيضاً سنن أبي داود، وطبعوا عارضة الأحوذي، وعارضة الأحوذي وجامع الترمذي الذي مع العارضة ممسوخ مسخ لا يكاد يستفاد منه، وهو في بعض الأحاديث في شرح بعض الأحاديث كأنه كلام أعجمي لا يفهم؛ لأن الطبعة سيئة جداً، وتصرفوا في الأصل في المتن في جامع الترمذي، فاستعاروا نسخة الشيخ أحمد شاكر، وعلى حواشيها تخريجات له للأحاديث، وأدخلوها في كلام الترمذي، وأما الأخطاء في العارضة فحدث ولا حرج، يعني لا يكاد أن يستفيد منها إلا شخص يشم الكلام شماً، يعني إذا عرف كلمة كمل الباقي، وأما الذي لا يستطيع أن يكون بهذه المثابة لا يستفيد من الكتاب، وفيها أسقاط، وفيها تقديم وتأخير وتحريف وتصحيف، وفيها أمثلة لكل ما ذكره أهل العلم في كتب المصطلح من التحريف والتصحيف، والإساءة في الكتابة وغيرها، فليس فيها شيء من الآداب التي ذكرها أهل العلم للكتاب، فتجده يفصل بين المتضايفين بكلمة مقحمة، هذا في العارضة، مع أن العارضة فيها لطائف ونفائس لا توجد في غيرها، وفيها مواقف للمؤلف في غاية النفاسة، وفيها أيضاً على قاعدة المؤلف في تأويل الصفات هذا مما يؤخذ عليه، هذا مما يؤخذ على المؤلف أنه مؤول في باب الصفات، وعلى كل حال الكتاب نفيس ومفيد، ولعل الله -جل وعلا- أن ييسر له من يطبعه بطبعة صحيحة ليستفاد منه.

طبعوا أيضاً سنن أبي داود وفيها أيضاً أسقاط كثيرة، قد تصل إلى سطر أو سطرين، أحياناً حديث كامل، أحياناً راوٍ كامل، أحياناً ينسب الراوي إلى والد الراوي الذي يليه، فيحذف والده واسم الذي يليه، فيحصل بذلك الحيلولة دون الوقوف على الحقيقة، وعندنا نسخة من هذه الطبعة صححت، وقوبلت على نسخ خطية بقلم الشيخ عبد الظاهر أبي السمح إمام الحرم -رحمه الله-، وأما طبعتهم لسنن ابن ماجه فعلى عادتهم فيها أخطاء في المتن، وأخطاء في الحاشية حاشية السندي. ثم جاء الشيخ محمد فؤاد عبد الباقي واعتمد على الطبعة الأولى المصرية على ما فيها من الأخطاء، لكنه نكب جانباً عن الطبعة الثانية لعلمه أنهم يزيدون الأخطاء لا ينقصونها، ونسخة الشيخ محمد فؤاد عبد الباقي من الطبعة الأولى المرقمة التي اعتمد عليها وعول عليها عندنا موجودة، أرقامه بيده، وطبعة الشيخ محمد فؤاد عبد الباقي من الناحية الطباعية جميلة جداً، يعني فن الطباعة متوافر فيها، والذوق الطباعي موجود، فطبعة جميلة، وعلامات الترقيم متقنة ومضبوطة، وتنضيد الحروف وبدايات الأسطر أيضاً والترقيم رائع، لكنها فيها أخطاء؛ لأنه لم يضم إلى الطبعة الأولى نسخة خطية يُعتمد عليها، فيها أخطاء. وأما طبعة الشيخ محمد مصطفى الأعظمي الدكتور، ففيها أيضاً من الأخطاء ما فيها ما في طبعة محمد فؤاد عبد الباقي؛ لأنه اعتمد على نسخة صحيح أنه عليها خطوط لبعض العلماء لكنها ليست أصح النسخ الموجودة، وآخر طبعات الكتاب طبعة الدكتور بشار عواد معروف، وحرص على جمع النسخ، واعتمد اعتماداً كلياً على تحفة الأشراف، وحسبك بالإمام المزي في ضبطه للأحاديث، واهتمامه بجمع النسخ، والمقابلة بينها، فأجاد الدكتور في اعتماده على تحفة الأشراف، فطبعته طيبة وجميلة وتخريجه جيد، لكنه قد يختلف في أحكامه على الأحاديث مع المتقدمين أو المتأخرين، وهذه مسألة اجتهادية، وكل يؤخذ من قوله ويرد، لكن إخراجه للكتاب طيب.

هناك كتب أو طبعات للكتب مضغوطة، يعني البخاري في مجلد، مسلم في مجلد، أبو داود في مجلد، النسائي ... إلى آخره، كل كتاب في مجلد، وهذه الفائدة من ذلك خفة الحمل، يعني حملها في الأسفار ممكن أن تجمع مكتبة في كرتون، كل ما تحتاج إليه، الكتب الستة في مجلد، وتفسير ابن كثير في مجلد، المغني في مجلدين، البداية والنهاية في مجلدين، بعض التفاسير الكبار مضغوطة في مجلد، زاد المسير في مجلد، فتح الباري في ثلاث مجلدات، النووي على مسلم في مجلد، المسند على سعته وطوله في مجلد، هذه في الأسفار يمكن طالب العلم يجعل له في كرتون ما يحتاج إليه من هذه الكتب، أما في السعة فلا، فهذه الطبعات ليست عملية، بل التعامل معها مقلق؛ لصغر الحروف، ورقة الورق، والتعامل معها فيه صعوبة وكلفة، فيقتني النسخ المتينة المجودة المتقنة في حال السعة، في دار إقامته، وأما في الأسفار فلا مانع أن يصطحب هذه الطبعات المضغوطة، وبعض الناس يقول: نكتفي بقرص يجمع لنا جميع الفنون، وفي حقيبة صغيرة المحمول معنا في كل مكان، ونصل إلى ما نريد، لا شك أن هذا ينفع في مثل الأسفار، لكنه لا يعول عليه، والكتب لا بديل لها ولا عوض عنها. طالب:. . . . . . . . . إيه هذه مأخوذة من الطبعة التي أشرف عليها الشيخ صالح -صالح آل الشيخ- في مجلد واحد، الكتب الستة في مجلد واحد، وكأنه يقتفي أثر الشيخ أحمد شاكر حينما وقف على نسخة من الكتب الستة في مجلد واحد في اليمن مخطوطة في مجلد واحد، هذا لا يستغرب؛ لأن جامع الأصول موجود مجلد واحد، تهذيب اللغة للأزهري موجود في مجلد واحد مخطوط، تهذيب الكمال في مجلد واحد، وفُرق في ثلاثة مجلدات، يعني على كبره خمسة وثلاثين مجلد كان مجلد واحد مضغوط، لكن الضغط هذا مشكل.

ثم بعد ذلك طبعت طبعة ثانية التي أشرف عليها الشيخ صالح، فردت قليلاً، فُجعل كل كتاب في مجلد واحد، بدلاً من أن تكون الستة في مجلد واحد، وأما صحتها من عدمه فالمؤمل يعني وغلبة الظن تدل على أنها -إن شاء الله- تبعاً لمن أشرف عليها وهو الشيخ صالح، الشيخ صالح من أهل الدقة والتحري والعناية، لكن أيضاً أعماله وأشغاله والتكاليف التي أنيطت به لا تجعله يشرف على كل شيء بدقة، إنما يكون له الإشراف العام والتوجيه والمراجعة والاختبار، قد يختبر هذه الأعمال، وإن لم يتولاها بنفسه، وعلى كل حال هو من أهل التجويد والتحري والدقة، فالغالب أن الطبعات التي يشرف عليها جيدة، وأنا ما عانيتها ولا قرأت فيها. طالب:. . . . . . . . . هذه هي؟ طالب:. . . . . . . . . اللي مع الإخوان الطبعة التي وزعت، وزعتها وزارة الشئون الإسلامية، إذاً النسخة التي وزعتها وزارة الشئون الإسلامية، وزارة الشئون الإسلامية وزعت على بعض الناس ستة كراتين أو سبعة فيها جل ما يحتاجه طالب العلم من التفاسير وكتب الحديث والفقه وغيرها، فأجادوا وأحسنوا في هذا، ولعل طبعة وزارة الشئون الإسلامية مصورة عن اللي معك، طبعة الحرس الوطني، وهي في الجملة مأخوذة من النشرة الأولى لكتب السنة في مجلد واحد. طالب:. . . . . . . . . والله أنا لا أعتمد على طبعات المتأخرين إلا إذا كان معروف بالتميز في فنه، وإلا الكتب الآن الكتاب يطبع في السنة الواحدة مراراً، وكل يدعي التحقيق، وفحص هذه الأعمال يحتاج إلى أوقات، وهذا الشخص الذي تشير إليه هذا طبع أيضاً مسلم وشرح النووي والنسائي وطبع كتب كثيرة. سم. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللسامعين، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً يا رب العالمين. قال الإمام الحافظ أبو عبد الله محمد بن يزيد القزويني المعروف بابن ماجه -رحمه الله تعالى-: بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه ومحبيه. كتاب: السنة باب: إتباع سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: حدثنا شريك عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ما أمرتكم به فخذوه، وما نهيتكم عنه فانتهوا)). حدثنا أبو عبد الله قال: حدثنا محمد بن الصباح قال: أنبأنا جرير عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ذروني ما تركتكم، فإنما هلك من كان قبلكم بسؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا أمرتكم بشيء فخذوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فانتهوا)). حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا أبو معاوية ووكيع عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله)). حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير قال: حدثنا بن عدي عن ابن المبارك عن محمد بن سوقة عن أبي جعفر قال: كان ابن عمر إذا سمع من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حديثاً لم يعده ولم يقصر دونه. حدثنا هشام بن عمار الدمشقي قال: حدثنا محمد بن عيسى بن سميع قال: حدثنا إبراهيم بن سليمان الأفطس عن الوليد بن عبد الرحمن الجرشي عن جبير بن نفير عن أبي الدرداء قال: خرج علينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ونحن نذكر الفقر ونتخوفه، فقال: ((آلفقر تخافون؟ والذي نفسي بيده لتصبن عليكم الدنيا صباً، حتى لا يزيغ قلب أحدكم إزاغة إلا هيه، وايم الله لقد تركتكم على مثل البيضاء ليلها ونهارها سواء)) قال أبو الدرداء: "صدق والله رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تركنا والله على مثل البيضاء ليلها ونهارها سواء". حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا محمد بن جعفر قال: حدثنا شعبة عن معاوية بن قرة عن أبيه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا تزال طائفة من أمتي منصورين لا يضرهم من خذلهم حتى تقوم الساعة)). حدثنا أبو عبد الله قال: حدثنا هشام بن عمار قال: حدثنا يحيى بن حمزة قال: حدثنا أبو علقمة نصر بن علقمة عن عمير بن الأسود وكثير بن مرة الحضرمي عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا تزال طائفة من أمتي قوامة على أمر الله لا يضرها من خالفها)).

حدثنا أبو عبد الله قال: حدثنا هشام بن عمار قال: حدثنا الجراح بن مليح قال: حدثنا بكر بن زرعة قال: سمعت أبا عنبة الخولاني، وكان قد صلى القبلتين مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((لا يزال الله يغرس في هذا الدين غرساً يستعملهم في طاعته)). حدثنا يعقوب بن حميد بن كاسب قال: حدثنا القاسم بن نافع قال: حدثنا الحجاج بن أرطأة عن عمرو بن شعيب عن أبيه قال: قام معاوية خطيباً فقال: أين علماؤكم؟ أين علماؤكم؟ سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((لا تقوم الساعة إلا وطائفة من أمتي ظاهرون على الناس، لا يبالون من خذلهم ولا من نصرهم)). حدثنا هشام بن عمار قال: حدثنا محمد بن شعيب قال: حدثنا سعيد بن بشير عن قتادة عن أبي قلابة عن أبي أسماء الرحبي عن ثوبان أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا يزال طائفة من أمتي على الحق منصورين، لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله -عز وجل-)). حدثنا أبو سعيد عبد الله بن سعيد قال: حدثنا أبو خالد الأحمر قال: سمعت مجالداً يذكر عن الشعبي عن جابر بن عبد الله قال: كنا عند النبي -صلى الله عليه وسلم- فخط خطاً وخط خطين عن يمينه وخط خطين عن يساره، ثم وضع يده في الخط الأوسط، فقال: ((هذا سبيل الله)) ثم تلا هذه الآية: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ} [(153) سورة الأنعام]. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: بسم الله الرحمن الرحيم

باب: إتباع سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-

ابتدأ كتابه بالبسملة اقتداءً بالقرآن، وعملاً بسنة سيد الأنام، حيث كان يكتبها في مكاتباته، وإن كان لا يقولها في خطبه، والكتب كما قرر أهل العلم بمنزلة الرسائل، تكتب فيها البسملة، لكن إن كانت لها مقدمات من كلام المؤلفين يشرحون فيها طرائقهم ومناهجهم فإنها حينئذٍ تأخذ حكم الخطبة، كما فعل الإمام مسلم، وهنا لم يفتتح الكتاب بخطبة كما صنع الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- لأنه جرد الكتاب من كلامه، وإنما اقتصر فيه على كلام النبي -عليه الصلاة والسلام-. بعد البسملة المقدمة، والمقدمة ليست من صنيعه، من صنيع المؤلف، لكنها ليست من كلامه، وإنما هي من كلام النبي -عليه الصلاة والسلام-، يعني ما افتتح الكتاب بخطبة يبين فيها منهجه وشرطه، كما فعل الإمام مسلم، إنما اقتصر على الأحاديث، وترجم وعنون لهذه الأحاديث بما يستنبطه منها على طريقة الإمام البخاري، والإمام مسلم لم يذكر تراجم، جرد الكتاب حتى من التراجم، وإنما اقتصر على الأحاديث. قال -رحمه الله-: باب: إتباع سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعض النسخ فيها كتاب السنة، وبعضها المقدمة، ولا شك أن الأحاديث اللاحقة كلها عن السنة، وأهمية السنة، والاقتداء بالنبي -عليه الصلاة والسلام-، وطاعة النبي -عليه الصلاة والسلام-، والتحذير من مخالفته، والتحذير من البدع والمحدثات، فهي في السنة، ولذا قال: باب: إتباع سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-

ولما كان الكتاب كله معقوداً لبيان سنة النبي -عليه الصلاة والسلام- ابتدأ باتباعه، بإتباع سنة الرسول -عليه الصلاة والسلام- لأنها حجة، فلا بد من إتباعه والاقتداء به {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ} [(21) سورة الأحزاب] وفي الأحاديث اللاحقة ما يدل على أن السنة أصل من أصول التشريع قائم بذاته، وأن السنة لا تحتاج إلى عرض على كتاب الله كما يقول بعضهم، وإنما هي أصل برأسه، وإن كانت في الأصل إنما جاءت لبيان ما في القرآن، وفيها من الأحكام الزائدة على ما في القرآن ما هو معروف في مضانه في أحكام كثيرة جداً، فلو نظرنا إلى أعظم أركان الإسلام بعد الدخول فيه بالشهادتين الصلاة، فما الذي في القرآن من أحكام الصلاة؟ الذي في القرآن عن الصلاة أمور مجملة، فيه الأمر بالصلاة والمحافظة عليها، وبيان بعض الأوقات على سبيل الإجمال لا على سبيل التفصيل، وكل هذا لا يمكن أن يستقل طالب العلم في التفقه منه، وإن كان هو الأصل الأصيل، وما عداه يدور في فلكه، لكن السنة لا يمكن أن يستغنى عنها. قال: باب: إتباع سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- السنة في الأصل: الطريقة، والمراد بها ما يضاف إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- من قول أو فعل أو تقرير أو وصف. قال -رحمه الله-: "حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا شريك" شريك بن عبد الله النخعي القاضي، فيه كلام لأهل العلم، والتوسط فيه أنه صدوق، ومع ذلك توبع عليه، فالحديث صحيح. "حدثنا شريك عن الأعمش" والحديث مخرج في مسلم، يعني إذا كان الحديث في أحد الصحيحين هل نحتاج إلى أن نقول: صحيح؟ لا نحتاج إلى أن نقول: صحيح، فإذا كان الحديث في الصحيحين أو في أحدهما لا يحتاج لبيان درجته، هذا إن لم يكن من المعلقات في البخاري فنحتاج إلى أن نبين درجته. قال: "حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا شريك عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ما أمرتكم به فخذوه، وما نهيتكم عنه فانتهوا)) ".

شريك مخرج له في الصحيح، ومع ذلك يقولون: حديثه حسن، ما خرج له في الصحيح لم يستقل به وإنما توبع عليه، والشيخان ينتقيان من أحاديث المتكلم فيهم ما ووفقوا عليه، وإلا فحديث شريك في الإسراء معروف في الصحيحين، ونص مسلم في صحيحه أنه زاد ونقص، وقدم وأخر، وأوهامه مبينة في زاد المعاد في فتح الباري، لا سيما في حديث الإسراء. "حدثنا شريك عن الأعمش سليمان بن مهران الأعمش" إمام من أئمة المسلمين موصوف بالتدليس "عن أبي صالح عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ما أمرتكم به فخذوه، وما نهيتكم عنه فانتهوا)) ". وفي الحديث الذي يليه يقول: "حدثنا محمد بن الصباح قال: أنبأنا جرير عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ذروني ما تركتكم، فإنما أهلك من كان قبلكم بسؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا أمرتكم بشيء فخذوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فانتهوا)) ". الحديث الأول عن أبي هريرة وعنه أبو صالح، وعنه الأعمش، والذي يليه كذلك الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة، والراوي عن الأعمش في الطريق الأول شريك، وفي الطريق الثاني جرير، وهذه متابعة من جرير لشريك، وهو بهذه المتابعة يرتقي إلى درجة الصحيح، وعرفنا أنه مخرج في مسلم، فلا نحتاج إلى مثل هذا، لكن من باب بيان مثل هذه الأمور يستفاد منها في غير الصحيحين. الحديث الأول مختصر: ((ما أمرتكم به فخذوه، وما نهيتكم عنه فانتهوا عنه)) في الثاني يقول: ((ذروني ما تركتكم)) أتركوني ما تركتكم، فلا تسألوا عن أشياء يعني ما تركها الله -جل وعلا- نسياناً، وإنما تركها وسكت عنها رحمة بهم، ثم بعد ذلك بعض الناس ينبش ويسأل حتى يحرم المباح من أجله، ويكون حينئذٍ من شر الناس.

((ذروني ما تركتكم)) {لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} [(101) سورة المائدة] ((فإنما أهلك من كان قبلكم بسؤالهم واختلافهم على أنبيائهم)) سألوا وألحوا في السؤال، ثم بعد ذلك تركوا العمل فهلكوا، لو أن بني إسرائيل لما أمروا بذبح البقرة عمدوا إلى أدنى بقرة، أو أول بقرة وقفوا عليها فذبحوها برئوا من العهدة، وتكون حينئذٍ بأبخس الأثمان بقيمة معتادة، لكنهم سألوا ما هي؟ ما لونها؟ ما هي؟ إن البقر تشابه علينا، ثم بعد ذلك ضيق عليهم بسبب أسئلتهم، في النهاية {فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ} [(71) سورة البقرة] لأنه إذا حدد المطلوب قل من بين جنسه، لكن لم يحدد يكثر، أي شيء يكفي، فإذا حدد بأوصاف معينة فإنه حينئذٍ يقل بين جنسه، فترتفع قيمته حتى قالوا: إنهم اشتروها بملء مسكها، يعني بملء جلدها ذهباً، ولو عمدوا إلى أدنى بقرة امتثالاً ومبادرة بالامتثال لكنهم قوم هذه عادتهم وهذا ما جبلوا عليه، قوم لا يمتثلون إلا بكل كلفة ومشقة، وفرق بين امتثالهم بعد هذه الأسئلة {فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ} [(71) سورة البقرة] وبين من أمر بذبح ابنه فتله للجبين، ما تردد، وهذه بقرة وهذا ابن، ففرق بين امتثال وامتثال.

((ذروني ما تركتكم، فإنما أهلك من كان قبلكم بسؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا أمرتكم بشيء فخذوا منه ما استطعتم)) وهناك: ((ما أمرتكم به فخذوه)) وهنا مقيد بالاستطاعة، ((وإذا نهيتكم عن شيء فانتهوا)) الأوامر مقيدة بالاستطاعة، والنواهي مجزوم بها، وقد جاء الخبر مقلوباً: ((إذا أمرتكم بأمر فخذوه، وإذا نهيتكم عن شيء فاتركوا منه ما استطعتم)) لكن هذا قلب، والصواب أن الاستطاعة مقرونة بالأمر، أما النهي فلا يُحتاج إلى استطاعة، الترك كل أحد يستطيعه، لكن الفعل ما كل أحد يستطيعه، قد يكون في الشخص ما يعوق ويحول دون فعله، ولذا قال: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [(16) سورة التغابن] وجاء في كتاب الله -جل وعلا-: {اتَّقُواْ اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ} [(102) سورة آل عمران] وجاء أيضاً مقيد بالاستطاعة، فمن أهل العلم من يقول: إن الآية المقيدة ناسخة للآية المطلقة {اتَّقُواْ اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ} [(102) سورة آل عمران] ومنهم من يقول: إنها مبينة وليست ناسخة، فحق التقوى هو المقدور عليه فتتفق الآيتان. ((إذا أمرتكم بشيء فخذوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فانتهوا)) يعني تعليق الأمر بالاستطاعة، وإطلاق النهي وعدم تقييده بها يدل على أن المحظور لا ثنيا فيه، بل لا بد من تركه جزماً، والمأمور فيه التقييد بالاستطاعة، فأخذ من هذا جمهور العلماء على أن ارتكاب المحظور أعظم من ترك المأمور؛ لأن الشيء الذي فيه ثنيا، وفيه مرد إلى استطاعة الإنسان أمره أسهل مما جزم به من غير تقييد بالاستطاعة، فالنهي مجزوم به من غير ثنيا، والأمر مقرون بالاستطاعة، فملاحظ فيه التخفيف، ملاحظ فيه التيسير بخلاف النواهي فإنها مجزوم بها، هذا ما يراه الأكثر أخذاً من هذا الحديث، وشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- يرى العكس، يقول: ترك المأمور أعظم من فعل المحظور، ويستند في ذلك إلى أن معصية آدم بفعل محظور، ومعصية إبليس ترك مأمور، ولا شك أن معصية إبليس أعظم من معصية آدم، المأخذ معروف وإلا غير معروف، واضح وإلا ما هو بواضح؟ طالب:. . . . . . . . . والأول؟ طالب:. . . . . . . . .

الأول واضح من الحديث، يعني قول الأكثر حقيقة واضح من الحديث؛ لأن تعليق الشيء على الاستطاعة يدل على أن في شيء من التخفيف، يعني فرق بين من يقول لك: اذهب فائت بكذا، وبين من يقول لك: إن كنت تقدر فأتني بكذا، كلها أوامر، كلها ائت بكذا، لكن فرق بين أن يقول: اذهب فأتني بكذا، وبين من يقول لك: إن كنت تقدر فأتني بكذا، في فرق وإلا ما في فرق؟ فرق واضح، فعلى هذا فعل المحظور أشنع وأعظم من ترك المأمور؛ لأن ترك المأمور مقيد بالاستطاعة، وفعل المحظور ما فيه ثنيا، فاجتنبوه، فانتهوا، وشيخ الإسلام يقرر العكس، وأن ترك المأمور أعظم من فعل المحظور؛ لأن ترك المأمور معصية إبليس، وفعل المحظور معصية آدم، ولا شك أن معصية إبليس أعظم من معصية آدم، هذا من حيث الإجمال، وإلا فالقول المتجه أنه لا يحكم في مثل هذا بحكم مطرد، ما نقول: ترك المأمور أعظم مطلقاً، ولا فعل المحظور أعظم مطلقاً، بل ننظر، يعني المسألة مفترضة في إيش؟ في فعل مأمور أو ترك محظور يتعارضان، إن ترك المحظور ترك معه المأمور، وإن فعل المحظور فعل عه المأمور، يعني عند التعارض لا بد من الترجيح، وننظر في المتعارضين، ننظر في المتروك، هل تركه جاء التشديد فيه من قبل الشرع؟ وننظر أيضاً في هذا المحظور هل هو من العظائم والموبقات والكبائر أو أن أمره أخف؟ فننظر بين كل أمرين، بين المأمور والمحظور، وميزان كل واحد منهما في الشرع، يعني لو قدرنا نعلم جميعاً أن صلاة الجماعة واجبة في المسجد حيث ينادى بها، نعلم هذا ونقرره، وهذا الذي نعتقده وندين الله به، لكن لو كان في طريقك إلى المسجد لأداء هذا الواجب منكر، فيه نساء متبرجات، أو شباب يلعبون في الطريق، وتأمرهم ولا يأتمرون، أو فيه بغي على بابها ظالم لا بد من الوقوع عليها، هل الأمور الثلاثة متساوية؟ يعني هل نترك صلاة الجماعة في المسجد؛ لأن في طريقنا شباب يلعبون ونأمرهم ولا يأتمرون؟ نعم هذا منكر بلا شك، ومشاهدة المنكر الأصل عدمها، هل نقول: إنه والله بدل ما نشاهد هؤلاء نصلي في البيت؟ نقول: هذا المحظور لا يقاوم ذلك المأمور، بينما لو كان في طريقك إلى المسجد بغي لا بد أن تقع عليها، عند بابها ظالم لا بد أن تقع عليها، نقول:

نعم صلِ في بيتك؛ لأن هذا المحظور أعظم من ذلك المأمور، وهكذا، فننظر في المتعارضين على حدة، ولا نصدر قاعدة مطردة أو عامة، وهذا الحديث من جوامع الكلم، ومن قواعد الشريعة، من جوامع الكلم، ومن قواعد الشريعة، ففي جميع المأمورات يؤتى منها بما يستطاع، فإن استطاع الإنسان الإتيان بها على الوجه المشروع كاملاً لزمه ذلك، وإن عجز عن بعضه سقط عنه، ولزمه ما قدر عليه، إذا كان بمفرده عبادة، شخص لا يستطيع القيام، وفي حديث عمران بن حصين -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((صلِ قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب)) يعني لا يستطيع القيام يصلي جالس، لكنه يستطيع القراءة، هل تسقط القراءة لسقوط القيام؟ يأتي منه ما استطاع، لا بد من القراءة، فإذا لم يستطع شيئاً يتركه، وإذا استطاع شيئاً لزمه وتعين عليه، فيأتي منه بالمستطاع، لكن قد يكون المستطاع لا يقصد لذاته، وإنما ثبوته تبعاً لغيره، فإذا سقط المتبوع سقط التابع، كرأس الأصلع في الحج ... النغمة هذه لا بد أن تغير، لا بد من تغييرها. أقول: رأس الأصلع في الحج كيف يحلقه؟ قال بعضهم: يمر الموسى على رأسه؛ لأنه يستطيع إمرار الموسى، لكن إمرار الموسى ليس مقصوداً لذاته، وإنما هو مقصود لإزالة الشعر ولا شعر، شخص لا يستطيع القراءة ويستطيع تحريك لسانه وشفتيه، نقول: حرك لسانك وشفتيك مثل الذي يقرأ، واترك ما لا تستطيع؟ هذا التحريك إنما هو تبع للقراءة وليس مما يتعبد به على جهة الاستقلال فلا يؤتى به، بينما القراءة في الصلاة مطلوبة، ويتعبد بها، فلا تسقط بسقوط ركنها الذي هو القيام، وهكذا، وكلام أهل العلم في شرح الحديث طويل، فيه أيضاً في شرح ابن رجب -رحمه الله- على الأربعين فوائد، وفي الشروح أيضاً فوائد كثيرة متعلقة بهذا الحديث. في الحديث الثالث يقول: "حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا أبو معاوية" واسمه؟ نعم؟ طالب:. . . . . . . . . مدلس نعم. طالب:. . . . . . . . . إيه لكن الحديث مخرج في الصحيح، لو لم يكن الحديث مخرج في الصحيح لوقفنا عند تدليسه. طالب:. . . . . . . . . مؤثر خارج الصحيحين مؤثر، نعم.

قال: "حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا أبو معاوية" واسمه: محمد بن خازم الضرير "ووكيع عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله)) ". وفي بعض الروايات: ((من أطاع أميري فقد أطاعني، ومن عصى أميري فقط عصاني، ومن أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله)) فطاعة الأمير الشرعي طاعة للرسول -عليه الصلاة والسلام- الذي أمر بتنصيبه ومبايعته، وطاعة الرسول -صلى الله عليه وسلم- طاعة لله -جل وعلا-: {مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ} [(80) سورة النساء]. ((من أطاعني فقد أطاع الله)) وهذا أيضاً منصوص عليه في القرآن ((ومن عصاني فقد عصى الله)) وهذا مفهوم من الجملة الأولى، فمنطوق الجملة الثانية مؤيد لمفهوم الجملة الأولى، مفهومها أن من لم يطع الرسول لم يطع الله، التي هي بمعنى من عصى الرسول فقد عصى الله. ((من أطاع أميري فقد أطاعني)) فالطاعة للأمير لا شك أنها من طاعة الرسول -عليه الصلاة والسلام-، وقد جاء الأمر بطاعة ولاة الأمر في نصوص القرآن والسنة، وجاء أيضاً التحذير من مخالفتهم والخروج عليهم، ولذا أورده أهل العلم في الجهاد وفي الإمارة، وفي غيرها من أبواب السنة {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ} [(59) سورة النساء] فلا بد من طاعة أولي الأمر، ولا تنتظم الأمور ولا تستقيم الأحوال إلا بطاعة ولاة الأمور.

((من أطاعني فقد أطاع الله)) الرجل يأتيه الأمر من أمر النبي -عليه الصلاة والسلام- فيقول: هذا لا يوجد في كتاب الله، وهذا خبر آحاد، لا يلزم قبوله، فتجد الرسول -عليه الصلاة والسلام- يأمره بالأمر الصريح الصحيح الثابت عنه -عليه الصلاة والسلام-، ثم يأتي من يأتي يقول: هذا خبر آحاد لا نعمل به، إنما نعمل بما جاء عن الله، وما ثبت مما تواتر عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، والخوارج يقولون: بيننا وبينكم كتاب الله، فهل هؤلاء أطاعوا الله، وقد عصوا رسوله -صلى الله عليه وسلم-؟ لا، هؤلاء عصوا الله -جل وعلا- لأنهم عصوا رسوله -عليه الصلاة والسلام- ((من أطاعني فقد أطاع الله)) من عمل بسنتي ائتمر أوامري واجتنب النواهي فقد أطاع الله -جل وعلا-، ومن عصى وتمرد على الأوامر النبوية فقد عصى الله -سبحانه وتعالى-. بعد هذا يقول: "حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير قال: حدثنا زكريا بن عدي". الحديث السابق: ((من أطاعني فقد أطاع الله)) مخرج في الصحيح أيضاً، بل في الصحيحين.

"حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير قال: حدثنا زكريا بن عدي عن ابن المبارك عن محمد بن سوقة عن أبي جعفر" محمد بن علي بن الحسين المعروف بالباقر، وابنه جعفر المعروف بالصادق "عن أبي جعفر قال: "كان ابن عمر إذا سمع من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حديثاً لم يعده ولم يقصر دونه" وهذا من رواية أهل البيت عن الصحابة في مدح الصحابة، مما يدل على أن أهل البيت لا خلاف بينهم وبين الصحابة، أعني أهل البيت المتقدمون والباقر والصادق مخرج لهم في الصحاح، فهم عمدة عند أهل السنة، وأهل السنة أهل عدل وإنصاف؛ لما قدح الرافضة في الصحابة ما عمد أهل السنة إلى متبوعيهم ومقدميهم فطعنوا فيهم، أبداً، بل رووا عنهم؛ لأنهم أهل إنصاف، ومتقدموهم أهل إنصاف أيضاً، فهذا أبو جعفر الصادق محمد بن علي الباقر يمدح ابن عمر -رضي الله تعالى عنه- "قال: "كان ابن عمر إذا سمع من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يعده" يعني لم يتجاوزه لم يزد عليه "ولم يقصر دونه" وحينئذٍ يكون منهجه الوسط الذي هو سمة هذا الدين، لا إفراط ولا تفريط، لا زيادة ولا نقص؛ لأن دين الله بين الغالي والجافي، فلا غلو ولا جفاء من ابن عمر، وهو الصحابي المؤتسي المقتدي، وإذا كان هذا ابن عمر الذي يظن به من يقرأ في سيرته ويتتبع أحواله قد يرميه بشيء من التشديد والزيادة وأثر عنه شيء من ذلك، لكنه اجتهاد، ولم يصب فيه -رضي الله تعالى عنه وأرضاه-، بل كان يدخل الماء في عينيه حتى عمي، وكان يكفكف دابته لتقع مواطئ أقدامها على مواطئ أقدام دابة النبي -عليه الصلاة والسلام-، ويتتبع الآثار النبوية، ويجلس فيها، والصحابة بما فيهم كبارهم ممن هو أفضل من عبد الله بن عمر لا يفعل مثل هذا، فدل على أن عمله مرجوح؛ لأن الذي يقرأ في سيرة ابن عمر قد يرميه بشيء من الشدة لما أثر عنه من شيء من ذلك، لكنه هو الصحابي المقتدي المؤتسي حصل منه هفوات، حصل منه زلات، حصل تشديدات، لكن ليس هذا منهج وليس هذا ديدنه -رضي الله عنه- بشهادة الباقر "كان ابن عمر إذا سمع من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حديثاً لم يعده" ما تعدى الحديث، ((كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل)) ما الذي حصل؟ قال ابن عمر: "إذا أصبحت

فلا تنتظر المساء، وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح" هذا في الصحيح، هذه مبادرة، قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((نعم الرجل عبد الله لو كان يقوم من الليل)) مباشرة كان لا ينام من الليل إلا قليلاً. وفي حديث الوصية: ((ما من مسلم له شيء يوصي به يبيت ليلة أو ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عند رأسه)) ما بات ابن عمر ولا ليلة يمتثل، فهو الصحابي المؤتسي المقتدي بالنبي -عليه الصلاة والسلام-، وإن أثر عنه من الأشياء اليسيرة التي ترى .. ، ما أثر عنه من هذه الأمور يعني ليست منهج ولا ديدن له، إنما أثر عنه بعض المسائل التي اجتهد فيها ولم يصب فيها -رضي الله عنه وأرضاه-، بل قوله مرجوح، وهو على ذلك مأجور لأنه مجتهد، والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

شرح مقدمة سنن ابن ماجه (2)

بسم الله الرحمن الرحيم شرح: مقدمة سنن ابن ماجه (2) الشيخ: عبد الكريم بن عبد الله الخضير السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. هذه تقول: امتنعت عن الذهاب لبعض الاجتماعات العائلية لما فيها من المنكرات العظيمة من غيبة ومخالفات في اللباس من لبس للقصير لما فوق الركبة، فضلاً عن أجزاء الجسم الأخرى، ونمص وغيره فاتهمت بأنني قاطعة رحم، علماً بأني فعلت كل ما أستطيع من إنكار المنكر بالقول والشريط والكتاب حتى بدأت إحداهن بالجدال، ونسبة بعض الفتاوى التي لا أشك في كذبها لبعض المشايخ، وبدأت تضرب الفتاوى ببعضها، وتُلبس على من يسمع كلامها، وتتكلم بالعلماء حتى سار خلفها، واستساغ كلامها جاهلات من النساء، فبدأن يصنعن صنيعها، فلما وصل الأمر لهذا الحد، وحفظاً لأعذار العلماء تركت الذهاب. حسناً صنعتِ، وهذا هو المطلوب، فعلى الإنسان الذي تحدثه نفسه بالحضور لهذه الاجتماعات التي جرت العادة بوجود هذه المخالفات فيها يحضر إليها بنية الإنكار، ويتابع الإنكار إن امتثل المنكر عليه وإلا فتجب العزلة عنه، ولا يجوز الذهاب إليه، ولو قيل ما قيل، وأما من تجب صلتهن، ويحرم القطيعة بهن فهؤلاء يمكن أن تكون الزيارة على جهة خاصة، يذهب إليهن منفردات، فالصلة قد تحصل بغير الاجتماعات. هذا من المغرب يقول: هل الحسنات تتفاوت فيما بينها، يعني أنه إذا كان لدينا عبادتان إحداهما أشق من الأخرى، وثبت لهما نفس عدد الحسنات، فهل يؤجر عليها المسلم نفس الأجر أم على حسب المشقة؟ العبادة إذا ثبت أجرها المحدد من الشرع لا يزيد لذاتها، لكن قد يؤجر الإنسان بسبب ما يحتف بها من زيادة في إخلاص، أو لحوق المشقة بسببها، هذه قد تكون مما يزيد الحسنات أجراً زائداً على الأصل، فمثل المصائب، المصائب كفارات لمن صبر واحتسب، ومنهم من يقول: إن مجرد وقوع المصيبة كفارة، والصبر والاحتساب له قدر زائد من الأجر على أجر أصل المصيبة، وإن زاد على مجرد الصبر وعدم التشكي الرضا بالقدر زاد أجره، فزيادة الأجر لما يحتف بهذه العبادات. هذا يقول: ما حكم التسمية بأسماء آيات القرآن أو السور أو بعض الكلمات الواردة في القرآن مثل طه وضحى؟

التسمية إذا خلا الاسم من التزكية، إذا خلا من تزكية النفس، وصار معناه صحيحاً، وليس من خواص الرب -جل وعلا- جاز التسمية به، إلا إذا كان سمي به أحد الكفار مثلاً، أو الظلمة وأراد بهذه التسمية الإعجاب بالمسمى به، كما يسمي فرعون مثلاً، هذا يمنع لأنه نابع عن إعجاب بهذا الشخص الظالم الباغي المعتدي الكافر، وأما التسمية بطه فلا بأس بها، التسمية بضحى لا بأس أيضاً. هل يجوز للمتنقبة كشف وجهها في العمرة، وإن لم يجز فكيف تستره؟ وكيف تستر يديها؟ النقاب ممنوع بالنسبة للمرأة، وكذلك القفاز بالنسبة لليدين من محظورات الإحرام، إن لم تكن بحضرة أجانب فتكشف وجهها، وتكشف يديها، وإن كانت بحضرة أجانب فترخي جلبابها على وجهها، بمعنى أنها تغطي وجهها بغير نقاب، وتستر يديها بما تستر به بدنها. هذه تقول: أحس بآلام الدورة قبل نزولها فهل أصلي مع علمي بأنها ستنزل؟ الأحكام معلقة على خروج الدم، فتصلي وتصوم إلا إذا رأت الدم. هذا يقول: إنه يعاني من وسواس ويأتيه أفكار متكررة، ويحس بخروج شيء، ومن ثم أصبحت أغتسل قبل كل صلاة تقريباً؛ لأني أرى نفس ما يوجب الغسل، فكيف أتخلص من هذا الوسواس حيث أنني حتى في فترة بين الصلوات أعاني من نفس الأمر في تلاوة القرآن، فماذا أفعل؟ أرشدوني هل علي الاغتسال كل مرة؟ وماذا أفعل للخلاص؟ هذا الذي يظهر أنه من الشيطان ولا حقيقة له ولا واقع، يعني كونك تحس هذا من تلاعب الشيطان بك، وأنت استرسلت معه في أول الأمر فأطعته فيما يملي عليك، وزاد الأمر عندك، وإلا لو انصرفت عن هذه الوساوس، ولم تلتفت إليها، واستعذت بالله من الشيطان الرجيم، وأكثرت من الذكر والتلاوة انصرف عنك الشيطان، وعلى هذا إذا كان يخرج منه بالفعل ما يوجب الغسل وهو مستيقظ بلذة، لا بد أن يكون مع الدفق، أما إذا كان يخرج من غير لذة ولو خرج ورآه بعين رأسه فإنه لا يوجب الغسل، إنما يغسل ذكره وينضح فرجه ويتوضأ، أما إذا كان يخرج منه بالدفق مع اللذة فإنه يوجب الغسل، هذا إذا كان حقيقي بأن نظر في بدنه وسراويله ووجد شيئاً من ذلك، أما إذا كان مجرد وساوس بحيث إذا رأى ما وجد شيء هذا عليه أن ينصرف منه. هذا يقول: أخت لي تسأل أن والدها توفي ...

لعلها أخت له من أمه مثلاً، وإلا يسأل هو عن والده. أخت لي تسأل أن والدها توفي ولم يعق عن نفسه، فهل يمكن أهله أن يعقوا عنه أو لا يلزم منهم أن يعقوا عنه لأني أو لأنه توفي؟ مثل هذا الكبير جاء في الحديث: ((كل غلام مرتهن بعقيقته)) والعقيقة بالنسبة للصغير على الأب، وهذا باعتباره كبر ومات والأصل في العقيقة أنها سنة فمثل هذا يقال: فات محلها. يقول: له صديق عمل حادث سيارة بسيارته مع سيارة أخرى، وحيث قرر شرطة المرور على أن السائق الآخر هو الذي أخطأ، وعلماً أن هذا الشخص كان خمران -يعني سكران- لذا صديقي سيارته -يعني مفهوم الكلام- يذكر أن صديقه سيارته تضررت تضرراً كبيراً، ولذا يريد أن يأخذ من الرجل الذي عمل له الحادث مبلغ لإصلاح السيارة، هل يجوز هذا؟ أفتونا مأجورين. نعم إذا كان الخطأ عليه مائة بالمائة، وأنت السيارة تحتاج إلى إصلاح فعليه أن يدفع أجور الإصلاح، ولو قيل بأن عليه الأرش كان هذا هو الحكم الشرعي، فتقدر قيمتها سليمة، وتقدر قيمتها بعد الحادث ويأخذ الفرق بين قيمتها سليمة وبين قيمتها معيبة، وإن اكتفى بمجرد الإصلاح فالأمر إليه. يعني صديقه هو السكران؟ هو يقول: وحيث قرر شرطة المرور على أن السائق الآخر هو الذي أخطأ، وعلماً أن هذا الشخص كان خمران؟ ما يدرى أيهم؟ ما يدرى هو صديقه الذي تضررت سيارته والخطأ عليه أو المخطئ الثاني الطرف الآخر هو السكران؟ ويريد أن يسأل هل السكران يؤاخذ أو لا يؤاخذ؟ ممكن، يعني هل تصرفات السكران كالخلاف في طلاقه هل يلزم أو لا يلزم؟ نعم بالنسبة لهذا في أروش الجنايات وقيم المتلفات تلزمه اتفاقاً، ولو كان سكران، تلزمه اتفاقاً. يقول: ما حكم تأمير أمير في السفر، وحكم طاعته؟ السفر إذا كانوا ثلاثة يؤمروا أميراً منهم، وتلزم طاعته حينئذٍ. يقول: هل هذا الدرس مناسب للمبتدئين؟ كل إنسان يحكم من نفسه إن كان يستفيد يحضر. أفضل النسخ الموجودة لسنن ابن ماجه؟ تكلمنا عليها بالأمس في المقدمة، وطبعة بشار عواد طيبة. من أبو صالح؟ أبو صالح الذي يروي عن أبي هريرة هو ذكوان السمان. يقول: من أبو عبد الله شيخ ابن ماجه؟ هو ابن ماجه نفسه، وليس بشيخه.

حديث ابن عمر ذكره البوصيري في زوائد سنن ابن ماجه فلماذا؟ لأنه لا يوجد في الكتب الخمسة. يقول: بالنسبة لدراسة الأحاديث على طريقة جمع الأسانيد ومتونها ألا يستحسن البدء بها بالمتون المختصرة كالمحرر والبلوغ ونحوهما، أم أنها خاصة بكتب السنن؟ على كل حال من أراد أن يستبدل الكتب الكبيرة المسندة الأصول كالستة بكتب مختصرات فله ذلك، إن كان يبدأ مثلاً بالبلوغ أو المحرر فيبحث عن الأسانيد والطرق لهذه الأحاديث هذا جيد ويستفيد -إن شاء الله-. يقول: يوجد في مسجدنا ثلاث نسخ لسنن ابن ماجه طال عليها الزمان وشرب، لا يوجد عليها كتابة وقف، موزعة على سواري المسجد هل يجوز لي أن آخذ أحدها لهذه الدورة علماً بأن مسجدنا مسجد سوق لا يوجد به مكتبة أو حلقات أو محاضرات الشيء الذي يفقد الكتاب أهميته في المسجد؟ ما دام الكتاب يباع في الأسواق، وما وضع في المسجد إلا بنية التوقيف على هذه الجهة فلا يجوز لك أن تأخذ من هذه النسخ؛ لأن وضعها في المسجد مع نية الوقف هذا الذي يظهر، أو تركها صاحبها ليعود إليها، المقصود أنها إما أن تكون لقطة، إذا لم يكن هناك نية من الواقف، أو تكون وقف إذا نوى بوضعها في المسجد أن تكون وقفاً، لكن إذا تعطلت منافعها كهذا المسجد لا يوجد من يقرأ بها في هذا المسجد، ولا يجلس في المسجد أحد لأنه مسجد سوق تنقل إلى أقرب مسجد يوجد به من ينتفع بها. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد: فيقول المؤلف: "حدثنا هشام بن عمار" الدمشقي ... العنوان -عنوان الباب- هنا كتب عندنا: المقدمة، في بعض النسخ: كتاب السنة صح؟ ويش عندك؟ طالب:. . . . . . . . .

كتاب السنة، كثير من النسخ عليها المقدمة، وعلى ضوء هذا جرى الإعلان عن هذه الدورة عن مقدمة سنن ابن ماجه، وبعض النسخ فيها: كتاب السنة، والحافظ ابن كثير -رحمه الله تعالى- ذكر في تفسيره حديثاً من هذه المقدمة في الجزء الثالث صفحة مائة واثنين وتسعين من تفسير ابن كثير ذكر حديث وقال: أخرجه ابن ماجه في كتاب السنة من سننه، فهذه المقدمة معنونة بكتاب السنة في النسخة التي بيد الحافظ ابن كثير وهو إمام في هذا الباب يرجع إليه من الحفاظ ابن كثير من الحفاظ، كتاب السنة، يعني هذا الحافظ ابن كثير يقول: أخرجه ابن ماجه في كتاب السنة من سننه، فالكتاب هناك يقال له: كتاب السنة، ولأبي داود أيضاً كتاب السنة في سننه، لكنه في آخر الكتاب، وكانت المفاضلة بين كتاب المقدمة هذه التي هي كتاب السنة، أو السنة من سنن أبي داود في آخر الكتاب، فآثرنا أن يكون في صدر كتاب ليكمل -إن شاء الله تعالى-. يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "حدثنا هشام بن عمار الدمشقي قال: حدثنا محمد بن عيسى بن القاسم بن سميع قال: حدثنا إبراهيم بن سليمان الأفطس عن الوليد بن عبد الرحمن الجرشي عن جبير بن نفير عن أبي الدرداء قال: خرج علينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ونحن نذكر الفقر ونتخوفه" ونحن نذكر الفقر، والنبي -عليه الصلاة والسلام- استعاذ بالله من الفقر، وقال أيضاً: ((كاد الفقر أن يكون كفراً)) والفقر لا شك أنه غير محمود، بل استعيذ منه، لكنه ابتلاء من الله -جل وعلا- للإنسان، ليرى هل يصبر أو لا يصبر، فإن صبر فله أجره وثوابه، وإن لم يصبر فعليه وزره وعقابه.

الفقر قد يدعو الإنسان إلى السرقة، قد يدعوه إلى البغي والظلم، قد يدعوه إلى أن يبيع ما لا يجوز بيعه، قد يدعوه إلى أن يتنازل عما لا يجوز التنازل عنه من عرض ونحوه، هذا الفقر، ولذا استعاذ منه النبي -عليه الصلاة والسلام-، لكن إن ابتلي به الإنسان فصبر واحتسب فأجره عظيم، حتى فضّله جمع من أهل العلم على الغني الشاكر، الفقير الصابر مفضل عند جمع من أهل العلم على الغني الشاكر، هذا إذا صبر واحتسب، آخرون فضلوا الغني الشاكر على الفقير الصابر، وحديث: ((ذهب أهل الدثور بالأجور)) حينما قال ذلك فقراء المسلمين، وأرشدهم النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى ما يتصدقون به من غير الأموال، وأنها تقوم مقام الصدقة بالأموال بادر الأغنياء بفعل ما أرشد إليه الفقراء، فقالوا للنبي -عليه الصلاة والسلام-: "إن إخواننا من الأغنياء سمعوا فعملوا" قال -عليه الصلاة والسلام-: ((ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء)) فدل على أن الغني الشاكر أفضل من الفقير الصابر، هذا ما يستدل به من يرجح الغنى مع الشكر على الفقر مع الصبر، وإن كان جاء في الفقر والفقراء نصوص تخصهم وترجحهم من كون الفقراء يدخلون قبل الأغنياء بخمسمائة أو مائة وعشرين أو بأربعين عاماً كما جاء في الأحاديث يدل على أن الفقر أفضل من الغنى، يدخلون قبل الأغنياء بخمسمائة عامة أو بمائة وعشرين عام، أو بأربعين عاماً، وليس في هذه الروايات اضطراب ولا اختلاف؛ لأن هذه أمور نسبية الغنى والفقر أمور نسبية، فأفقر الناس يدخل قبل أغنى الناس كم؟ بخمسمائة، ثم الذي يليه أخف منه في الفقر يدخل قبل الذي يلي الأول في الغنى بمائة وعشرين مثلاً والفقير الذي يلي ذلك بالنسبة للغني الذي هو دون الاثنين يدخل قبله بأربعين عام، هذه أمور نسبية، فلا تخالف بينها.

وأشار ابن القيم -رحمه الله تعالى- إلى شيء من ذلك في عدة الصابرين، والمفاضلة بين الفقير الصابر والغني الشاكر مسألة أطال ابن القيم في بحثها، ورجح شيخ الإسلام ابن تيمية بين الأمرين بالتقوى، أفضلهما أتقاهما لله، لكن الغالب أن الله -جل وعلا- إذا ابتلى الشخص بالغنى أنه يصبر ويحتسب، لكنه إذا ابتلي بالفقر صبر واحتسب، هذا الغالب، وإذا ابتلي بالغنى طغى، والشواهد تدل على ذلك، والنبي -عليه الصلاة والسلام- إنما خاف على أمته من الغنى لا من الفقر، وقد ابتلي أهل هذه البلاد بالفقر الذي لا نظير له مدة من الزمان، وصبروا واحتسبوا، ولا تنازلوا عن شيء، لا عن دين، ولا عن عرض، ولا عن مروءة، صبروا وثبتوا، وأكلوا الجيف، وأكلوا أعلاف الدواب، وصبروا واحتسبوا، ما تنازلوا عن شيء، ثم لما فتحت عليهم الدنيا انظر ترى، كيف صار حال الناس بعد ذلك؟! ولذا جاء في هذا الحديث: "ونحن نذكر الفقر ونتخوفه" يعني نخاف منه، يخافون أن يصيبهم هذا الفقر فيحصل لهم ما حصل لغيرهم. "فقال -عليه الصلاة والسلام-: ((آلفقر تخافون؟ )) " يسألهم يعني تخافون من الفقر؟ ((والذي نفسي بيده لتصبن عليكم الدنيا صباً حتى لا يزيغ قلب أحدكم إزاغة إلا هيه)). ((والذي نفسي بيده لتصبن عليكم الدنيا صباً)) يعني من نظر في واقع الناس اليوم جزم بأنه لم يمر على أحد في عصر من العصور مثل ما يمر الآن؛ لأنها فتحت خزائن الأرض، ومع ذلك يوجد فقراء، ولو قرأ من نظر إلى هذا النعيم الذي نعيشه في تاريخ المسلمين في العصور الذهبية سواءً كان في بغداد، أو في الأندلس وجد أن الأمر صبت عليهم الدنيا صباً {وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [(13) سورة سبأ] بنيت القصور من الذهب الخالص في الأندلس، ثم النتيجة أن استولى عليها النصارى، وطردوا المسلمين وقتلوهم واستخدموهم، وسبوا نساءهم وذراريهم؛ لأن النعم إذا لم تشكر هذه هي النتيجة {لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [(7) سورة إبراهيم] وليس معناه الكفر الخروج من الدين، إنما هو فيما يقابل الشكر، كفر النعم.

((والذي نفسي بيده)) كثيراً ما يقسم النبي -عليه الصلاة والسلام- بهذا، وفيه جواز الحلف من غير استحلاف على الأمور المهمة، وفي قوله: ((بيده)) إثبات اليد لله -جل وعلا- على ما يليق بجلاله وعظمته، وأما تأويلها من قبل الشراح، أو من قبل كثير من الشراح: "روحي في تصرفه" فالذي يظهر أنه هروب من إثبات الصفة، وإلا فهو لازم المعنى، لازم الكلمة، واللازم صحيح، ما في أحد روحه ليست في تصرف الله -جل وعلا-، المعنى صحيح، لكن إذا كان القصد منه الفرار من إثبات الصفة فهو قول باطل مردود. ((لتصبن)) اللام واقعة في جواب القسم ((لتصبن عليكم الدنيا صباً حتى لا يزيغ)) أي لا يميله عما هو عليه من استقامة ((لا يزيغ قلب أحدكم إزاغة إلا هيه)) يعني الدنيا، إلا الدنيا، والأصل: "إلا هي" والهاء هذه للسكت، هاء السكت {وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ} [(10) سورة القارعة] هاء السكت {هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيهْ} [(29) سورة الحاقة] مثل: {مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيهْ} [(28) سورة الحاقة] هذه كلها هاء السكت. ((حتى لا يزيغ قلب أحدكم إزاغة إلا هيه)) يعني إلا الدنيا ((وايم الله لقد تركتكم على مثل البيضاء ليلها ونهارها سواء)) وفي بعض الروايات وفيها كلام: ((لقد تركتم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها)) يعني في الوضوح، فالإنسان يسير على الصراط المستقيم الواضح البين الذي لا يعتريه خفاء ولا غموض في الليل والنهار على حد سواء، وهذا بالنسبة لمن اتبع واقتفى ونور الله قلبه بالإيمان، أما من غشت على قلبه الشهوات والشبهات فقد يميل عن هذا الصراط يمنة أو يسرة ((ليلها ونهارها سواء)). قال أبو الدرداء: "صدق والله رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تركنا والله على مثل البيضاء ليلها ونهارها سواء".

هل كلام الرسول -عليه الصلاة والسلام- يحتاج إلى تصديق؟ لا يحتاج إلى تصديق، فهو الصادق المصدوق، لكن كلام أبي الدرداء قاله بعد وفاة النبي -عليه الصلاة والسلام- بأزمان، والإنسان أحياناً يجد مصداق خبر سمعه عن النبي -عليه الصلاة والسلام- كالشمس، يعني يمر بنا وقائع وأحداث لها دلالاتها من الكتاب والسنة تدل على أنها صدرت بالفعل من النبي -عليه الصلاة والسلام-، ووقعت كما أخبر النبي -عليه الصلاة والسلام-، وكل يوم وطالب العلم الذي يعاني الكتاب والسنة يزداد إيمانه ويقينه بأخبار النبي -عليه الصلاة والسلام-، وليس معنى هذا أن النبي -عليه الصلاة والسلام- بحاجة إلى من يشهد له ويصدقه، بل وجد ذلك في حياته العملية حقاً؛ لأن بعض الناس يقرأ مثل هذا الكلام ويصدق به، لكنه لا يحسه في حياته العملية، أنه تُرك على البيضاء ليلها كنهارها؛ لأنه تتنازعه شهوات وشبهات، تميل به يمين وشمال، فيقول: أين المحجة البيضاء؟ نحن نعيش في مهامه، مرة يمين ومرة شمال، أنت السبب؛ لأنك ما اعتصمت بالكتاب والسنة لترى هذه المحجة البيضاء، أنت تتلقف الأخبار من يمين ومن شمال، من كفار، ومن مبتدعة، ومن كذا، وتسمع شهوات وشبهات، وتعرض نفسك لهذه الشهوات، وتريد أن تكون على المحجة البيضاء! أنت على المحجة البيضاء، لكن يبقى أنك قد تخرج عنها يميناً وأحياناً يساراً، لكن أنت اعتصم بالكتاب والسنة والزم الصراط المستقيم وانظر هل أنت على البيضاء أم لا؟ هل يختلف عندك الليل والنهار أو لا؟ الأمر لا يختلف عند من لزم الصراط. ثم قال بعد ذلك: "حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا محمد بن جعفر قال: حدثنا شعبة عن معاوية بن قرة عن أبيه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا تزال طائفة من أمتي منصورين لا يضرهم من خذلهم حتى تقوم الساعة)) " والحديث له شواهد كثيرة، فيه عن ثوبان وسيأتي عن المغيرة بن شعبة في الصحيحين وغيرهما، وعن معاوية أيضاً في البخاري ومسلم وغيرهما، وعن جابر بن عبد الله وعقبة بن عامر عند مسلم، وعن غيرهم، فهذا الحديث متواتر، مروي عن جمع من الصحابة، وروى عنهم جموع غفيرة من التابعين إلى آخر الأسانيد.

((لا تزال طائفة من أمتي منصورين لا يضرهم من خذلهم حتى تقوم الساعة)) والذي يليه قال: "حدثنا هشام بن عمار قال: حدثنا يحيى بن حمزة قال: حدثنا أبو علقمة نصر بن علقمة عن عمير بن الأسود وكثير بن مرة الحضرمي عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا تزال طائفة من أمتي قوامة على أمر الله لا يضرها من خالفها)) " وفيه أيضاً حديث معاوية: "أين علماؤكم؟ أين علماؤكم؟ سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((لا تقوم الساعة إلا وطائفة من أمتي ظاهرين على الناس لا يبالون من خذلهم ولا من نصرهم)). وفيه أيضاً حديث ثوبان أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا يزال طائفة من أمتي على الحق منصورين لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله -عز وجل-)). وهذه الأحاديث صحيحة، وفي معناها بل في لفظها أحاديث أخرى كثيرة، فالحديث متواتر في إثبات الطائفة المنصورة التي تحمل هذا الدين وتبلغه الآفاق إلى قيام الساعة. يقول: ((لا تزال طائفة من أمتي منصورين)) الطائفة تطلق على الواحد فأكثر، الأصل فيها الجماعة، لكن قد يطلق على الواحد طائفة، ولذا قالوا في حديث صلاة الخوف: وهو أن الإمام يصلي بطائفة وطائفة تحرس، ثم تذهب الطائفة التي صلت مع الإمام للحراسة، وتعود الطائفة التي كانت في الحراسة، قالوا: أقل من يتصور منهم صلاة الخوف ثلاثة إمام ومأموم وحارس {فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ} [(122) سورة التوبة] يعني ولو واحد، فالطائفة ولو كانت قليلة ولو بلغت الواحد فالوعد ثابت، وهذه الطائفة وإن قلت موعودة بالنصر.

((لا تزال طائفة من أمتي)) والمراد بذلك أمة الإجابة ((منصورين لا يضرهم من خذلهم)) وتخلى عنهم، ولا من خالفهم وعارضهم وناوأهم لا يضرهم ذلك، بل يثبتهم الله -جل وعلا- ((حتى تقوم الساعة)) يعني حتى تأتي الريح التي تقبض أرواح المؤمنين قبل قيام الساعة، فالمراد بالساعة هنا ساعتهم، وساعة كل إنسان بحسبه، والمراد بها ما قبل قيام الساعة التي هي فيها القضاء على المخلوقات كلها؛ لأن الساعة الحقيقية لا تقوم إلا على شرار الخلق، وهؤلاء خيارهم، فالمراد بالساعة هنا الريح التي يرسلها الله -جل وعلا- بين يدي الساعة قبلها، فتقبض أرواح المؤمنين حتى لا يبقى إلا شرار الناس، حتى لا يقال في الأرض: الله الله. قال بعد ذلك: "حدثنا هشام بن عمار قال: حدثنا يحيى بن حمزة قال: حدثنا أبو علقمة نصر بن علقمة" ونصر بن علقمة هذا قال عنه الحافظ ابن حجر في التقريب: "مقبول" ويش معنى مقبول؟ متى يقال للشخص: مقبول؟ طالب:. . . . . . . . . فيه إيش؟ طالب:. . . . . . . . . فيه ضعف يحتاج إلى متابع، نعم. طالب:. . . . . . . . . نعم إذا روى عنه اثنين؟ طالب:. . . . . . . . . لا ما يلزم، نعم؟

إذا كان مقلاً في الرواية، ولم يثبت فيه ما يرد حديثه من أجله، فإن توبع فمقبول، وإلا فلين، وما أدري إذا كانت النفوس متهيئة لشرح هذه القاعدة وإلا غير متهيئة؟ أنتم ترغبونها؛ لأنها قاعدة مشكلة معضلة، يعني طبقة عند الحافظ ابن حجر من مراتب التعديل، لكنها مشكلة "من ليس له من الحديث إلا القليل، ولم يثبت فيه ما يترك حديثه من أجله، فإن توبع فمقبول، وإلا فلين" هذا الشخص الذي معنا الذي قال فيه ابن حجر: مقبول، نصر بن علقمة، نطبق عليه القاعدة، ليس له من الحديث إلا القليل، ولم يثبت فيه من أقوال أهل العلم ما يقتضي رد حديثه وتركه، لكنه مع ذلك يحتاج إلى متابع، هذا الشخص إن توبع فمقبول، وإن لم يتابع فلين، الحافظ ابن حجر سطر عليه في التقريب مقبول، في ترجمته قال: مقبول، فأنت إذا وجدت هذا الحديث بما تحكم على هذا الراوي؟ مقبول، من خلال كلام ابن حجر في ترجمته، لكن لو طبقت القاعدة تجزم بأنه مقبول؟ لأنه في القاعدة استثنى، إن توبع فمقبول وإلا فلين، أنت دعنا من هذا الحديث الذي تواتر، وله رواة كثر، لو جاء في حديث في سنن ابن ماجه ثاني، وليس له إلا هذا الطريق، ما توبع عليه، أنت تبي ترجع في ترجمته إلى التقريب، فتجد الحافظ ابن حجر قال في التقريب: مقبول، أنت لن تستحضر القاعدة التي ذكرها في أول الكتاب، فإذا استحضرت القاعدة التي ذكرها ابن حجر في أول الكتاب فأنت لن تحكم عليه بأنه مقبول من أول وهلة، فأمره متردد بين كونه مقبول وبين كونه لين، حتى تجد المتابع، إن وجدت متابع حكمت عليه بأنه مقبول وإلا فلين، كما قرر الحافظ في المقدمة في المراتب، الإشكال ظاهر وإلا ما هو بظاهر؟ يعني أنت وجدت نصر بن علقمة في سند عند أبي داود، عند النسائي، أو عند ابن ماجه، أو عند الترمذي، ورجعت إلى ترجمته في التقريب قال: مقبول، فأنت فوراً تقول: مقبول، ليش؟ لأن الحافظ ابن حجر حكم عليه بأنه مقبول، لكن هل هو مقبول في جميع أحاديثه أو فيما توبع عليه من حديثه؟ فيما توبع، يقول: فإن توبع فمقبول وإلا فلين، يعني إن لم يتابع فأنت مطالب بما في المقدمة أو بما في تفاصيل الكتاب؟

نقول: الطلاب يتربون على التقريب، وكثير منهم مرجعه ومعوله على التقريب، والألباني -رحمه الله تعالى- التقريب نصب عينيه، الشيخ ابن باز التقريب نصب عينيه، مع أنهم يرجعون إلى الكتب الأخرى التي تذكر أقوال أهل العلم في الراوي، وقد يرجحون غير ما في التقريب، لكن هذا يجعل طالب العلم يعتني بالتقريب صح وإلا لا؟ يعتني بالتقريب؛ لأن التقريب كتاب محرر متقن، فأنت إذا رجعت إلى التقريب تبي ترجع إلى ترجمة هذا الراوي ما أنت براجع إلى مقدمة، فإذا قال ابن حجر: مقبول فوراً تبي تقول: نصر بن علقمة بن فلان بن فلان مقبول من السادسة مثلاً، ثم تحكم عليه بمجرد هذا اللفظ من غير استحضار لما قرره في المقدمة، ولذلك أحكامه -رحمه الله تعالى- بهذا اللفظ هل هي أحكام على الراوي أو على المروي؟ جملة التقريب أحكام على الرواة صح وإلا لا؟ أحكام على الرواة، لكن هذا اللفظ الملاحظ فيه الراوي أو المروي؟ الراوي يا الإخوان من خلال القاعدة ليس له حكم ثابت، بل الحكم يتبع المتابعة أو عدم المتابعة، فحكمه على المروي، فإن وجدت هذا المروي روي من طريق آخر فتوبع هذا الراوي حكمت عليه بأنه مقبول وإلا صار لين. نأتي بأمثلة ثلاثة كلهم اسمهم الضحاك، الضحاك بن حمرة، الضحاك بن نبراس، الضحاك المعافري، ثلاثة كلهم عند ابن حجر، واحد مقبول، وواحد لين، وواحد ضعيف، أنا أريد الفرق بين الثلاثة؟ المقبول إن لم يتابع صار لين مثل الثاني ذا، اللين هذا إن توبع صار مثل الأول مقبول، الضعيف إن توبع وضعفه غير شديد ارتقى فصار حديثه مقبول، ويش الفرق بين الثلاثة؟ والأحكام في التقريب متفاوتة عليهم. طالب:. . . . . . . . . كيف؟ طالب:. . . . . . . . .

ما في فرق، ولذلك هذه القاعدة تحتاج إلى تحرير، والرواة الذين قال فيهم الحافظ ابن حجر: مقبول بلغوا يمكن ألف راوٍ أو زادوا على ذلك، وفيهم رسائل دكتوراه، من قال فيه الحافظ ابن حجر: مقبول، لكن هل استطاعوا أن يحرروا المراد، أو تحرر المراد لديهم؟ لأن هذا حكم على المروي لا على الراوي، فالإشكال باقٍ، والأصل أن الكتاب أحكام على الرواة، تحكم على الراوي بغض النظر عما يحتف به، الرواة الضعفاء من قُرر ضعفه، وحكم بعضه من قبل أهل العلم وضعفه ليس بشديد إذا توبع ارتقى حديثه، إذا توبع من قبل مثله، من في منزلته أو أقوى منه ارتقى حديثه، فابن حجر حكم على هذا الراوي بأنه مقبول لأنه توبع، لكن يلزم من ذلك قبل أن يحكم ابن حجر على الراوي بأنه مقبول أن يسبر أحاديثه، هو له أحاديث قليلة يمكن ثلاثة أو أربعة خمسة فيسبر أحاديثه ويجزم بأنه توبع في كل واحد من هذه الأحاديث؛ ليحكم عليه بحكم عام مطرد أنه مقبول، وقل مثل هذا فيمن قيل فيه: لين، أنه يسبر أحاديثه، ويجزم بأنه لم يتابع ولا على واحد منها؛ ليستحق الوصف بأنه لين، وإلا إن توبع فهو مقبول مثل الذي قبله، وعلى هذا في أحكام الحافظ -رحمه الله- لا سيما على هذا اللفظ، واللين لا بد أن يراجع لها أقوال أهل العلم المبسوطة في مثل المطولات تهذيب الكمال، أو تهذيب التهذيب، أو غيرهما من كتب الرجال. طالب:. . . . . . . . . هو موثق، لكنه مع ذلك انطبقت هذه القاعدة عنده، ما ثبت فيه ما يترك حديثه من أجله، وهو مقل في الرواية، فهو محتاج عنده إلى متابع، علماً بأن الحافظ ابن حجر ليس بمعصوم، يعني قد يستدرك عليه.

"عن عمير بن الأسود وكثير بن مرة الحضرمي عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا تزال طائفة من أمتي قوامة على أمر الله لا يضرها من خالفها)) " هذه الطائفة يقول الإمام أحمد: "إن لم يكونوا أهل الحديث لا أدري من هم؟ " والبخاري في صحيحه يقول: "هم أهل العلم" والمراد بالعلم يعني العلم المعتمد على الوحيين على الكتاب والسنة، فكلام البخاري قريب من كلام الإمام أحمد، فإذا قلنا: إن مراد الإمام البخاري بأهل العلم هم أهل العلم الشرعي المعتمد على نصوص الكتاب والسنة، وفي كلام الإمام أحمد: "إن لم يكونوا أهل الحديث فلا أدري من هم؟ " وأهل الحديث هم أهل الكتاب، إذ لا يتصور شخص يعتني بالسنة ولا يعتني بالقرآن، لا سيما من أئمة الإسلام، وإلا بعد عصر التخصص يمكن، يعني يكون أجهل الناس بالقرآن، وهو متخصص بالسنة، أو العكس في عصر التخصص. "إن لم يكونوا أهل الحديث لا أدري من هم؟ " قال القاضي عياض: "إنما أراد الإمام أحمد أهل السنة والجماعة، ومن يعتقدون مذهب أهل الحديث". وقال النووي في شرح مسلم: "يجوز أن تكون الطائفة جماعة متعددة من أنواع المؤمنين، ما بين شجاع وبصير بالحرب، وفقيه ومحدث ومفسر، وقائم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وزاهد وعابد" يعني من مجموع الناس، من جميع التخصصات، تكون هذه الطائفة، لكن إذا نظرنا في كلام الإمام أحمد ...

قال القاضي عياض: "إنما أراد الإمام أحمد أهل السنة والجماعة، ومن يعتقدون مذهب أهل الحديث" يعتقد مذهب أهل الحديث وهو ليس من أهل الحديث إلا بالمتابعة لهم في الاعتقاد، والقاضي عياض يقول هذا الكلام وعنده شيء من التأويل، يعني نجد كلام أهل العلم في تعظيم مذهب أهل السنة والجماعة، ومع ذلك هم يخالفونه، كالقاضي عياض والنووي وغيرهما من الشراح، يعني حينما يقول القاضي عياض: "إنما أراد الإمام أحمد أهل السنة والجماعة، ومن يعتقدون مذهب أهل الحديث" هو يقول هذا الكلام ويخالفه، أو أنه يظن أنه يتبعه؟ جميع الطوائف وإن كانت مخالفة للسنة، ومشتملة على شيء من البدع، إلا أنهم يدعون أنهم أهل الحق، وأنهم هم أهل الحديث، وأنهم هم أهل السنة والجماعة، لكن العبرة بالواقع، اللهم إلا الرافضة هم الذين لا يزعمون أنهم أهل سنة، بل يتبرؤون من السنة وأهل السنة، وأما جميع الطوائف فكلهم يزعمون أنهم هم أهل السنة، فالدعاوى إذا لم تقم عليها البينات فأصحابها أدعياء. نعود إلى قول الإمام البخاري: "هم أهل العلم" وقول الإمام أحمد وليس بينهما خلاف؛ لأن مراد الإمام البخاري بأهل العلم أنهم أهل الكتاب والسنة؛ لأن العلم الشرعي الذي جاء مدحه في النصوص لا يتناول غير العلم الشرعي، والعلم الشرعي لا يستحق أن يسمى علماً شرعياً إلا إذا اعتمد على نصوص الشرع من الكتاب والسنة، ولا يظن بأحمد أنه يقول أهل الحديث الذين لا يعرفون القرآن، ولا عناية لهم بالقرآن. قد يقول قائل: إن الإمام أحمد يخرج المفسرين، يخرج الفقهاء، يخرج الأصوليين، يخرج من تخصص في الاعتقاد مثلاً، نقول: لا، لا يخرج أحداً من ذلك، فالمفسر الذي يستحق أن يسمى مفسر هو الذي يفسر القرآن بالقرآن ويفسره بالسنة؛ لأن وظيفة النبي -عليه الصلاة والسلام- البيان، بيان ما نزل إليه، فالسنة تفسر القرآن، فلا يمكن انفكاك السنة من القرآن، فالمفسر الذي على الجادة لا يخرج من قول أحمد؛ لأنه لا بد أن يفسر القرآن بالسنة، فيكون من أهل الحديث، أما من يفسر القرآن بالرأي فلا يدخل، لا يدخل من يفسر القرآن بالرأي؛ لأنه جاء التحذير من تفسير القرآن بالرأي، وإن زعم أنه مفسر.

القرآن لا بد من العناية به، وهو أصل الأصول، ولا بد من العناية بما يخدم القرآن، ويعين على فهم القرآن، وأولى ما يستعان به على فهم القرآن السنة؛ لأنها هي المبينة للقرآن، المفسرة له، وأيضاً لغة العرب تعين على فهم القرآن، وعلى فهم السنة، وأيضاً علوم الآلة كلها قواعد الحديث تعين على الثابت من غيره من السنة، وأصول الفقه تعين على كيفية التعامل مع نصوص الكتاب والسنة، فكلها داخلة في كلام الإمام أحمد، وقل مثل هذا في علوم القرآن وأصول الفقه وغيرها من العلوم التي تخدم الكتاب والسنة وعلوم البلاغة وعلوم العربية بجميع فروعها؛ لأنه ليس المقصود من معرفة النصوص حفظ حروفها فقط، الحفظ مطلوب ومطلوب معه الفهم والاستنباط والعمل؛ لأن النصوص إنما هي للعمل، وإذا جردت عن العمل والاستنباط والاستفادة منها صارت لمجرد البركة، وتلتئم الأقوال حينئذٍ. قول النووي في شرح مسلم: "يجوز أن تكون الطائفة جماعة متعددة من أنواع المؤمنين، ما بين شجاع وبصير بالحرب" شجاع وبصير بالحرب، عامي لا يقرأ ولا يكتب، لا يحفظ من نصوص الكتاب والسنة شيئاً، هل يدخل في كلام البخاري؟ يدخل وإلا ما يدخل؟ ما يدخل، يدخل في كلام أحمد وإلا ما يدخل؟ ما يدخل، إلا إذا قلنا: إن مراد الإمام أحمد كما قال القاضي عياض هم من يعتقد مذهب أهل الحديث، فالعامي يعتقد مذهب أهل الحديث إجمالاً يتصور فيه ذلك. "شجاع وبصير بالحرب، وفقيه" الفقيه متى يدخل في كلام أحمد ومتى يدخل في كلام البخاري؟ إذا كان مجتهداً، فقهه من نصوص الكتاب والسنة، أما المقلد فليس من أهل الفقه، وليس من أهل العلم، كما نقل ذلك ابن عبد البر وغيره، فلا يدخل في كلمة النووي: "فقيه" وإذا كان الفقيه المراد به المجتهد دخل في كلام البخاري، ودخل في كلام الإمام أحمد؛ لأن معوله على الكتاب والسنة، وهو العلم الأصيل الحقيقي، فيدخل في أهل العلم في كلام البخاري، ويدخل في أهل الحديث؛ لأن عمدته على الحديث في كلام الإمام أحمد. "ومحدث" هذا واضح "ومفسر" قلنا: إن المفسر إذا كان تفسيره على الجادة إذا كان يفسر القرآن بالقرآن، ويفسر القرآن بالسنة دخل في كلام الأئمة.

"وقائم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا بد أن يكون على قدر من العلم، يميز بين المعروف والمنكر؛ لئلا ينكر معروف، أو يأمر بمنكر، لا بد أن يكون على قدر من العلم، والعلم لا يثبت إلا إذا كان من الكتاب والسنة، فيدخل في كلام الأئمة. "وزاهد وعابد" العبادة والزهد مع الجهل قد تضر، لكنها مع العلم من أنفع الأمور لقلب المسلم، ومن أعظم ما يعين على تحصيل العلوم، العبادة والزهد تعين طالب العلم على تحصيل ما يصبوا إليه من العلم. طالب:. . . . . . . . . لا، بس لا بد أن يكونوا على قدر من العلم، وإلا يمكن يكون زاهد وعابد ما عنده علم ولا عنده حديث، ما يرجع، قد يكون شجاع وبصير بالحرب لكنه ما عنده علم فلا يرجع. طالب: لو قلنا: من أهل العلم مهما كان من أي نوع من الأنواع دخل في كلام النووي ... هذا إذا قيدناه بالعلم، لكن نتصور شخص شجاع وبصير بالحرب وعامي ما يقرأ ولا يكتب، يتصور وإلا ما يتصور؟ يتصور، إذاً لا يدخل في كلام الأئمة، ويتصور عابد وزاهد وهذا موجود في العباد والزهاد مع الجهل، نعم، لكن العبادة إن لم تكن عن علم فليست بعبادة؛ لأن الذي يعبد الله على جهل قد يتضرر بعبادته أكثر مما ينتفع. طالب:. . . . . . . . . لا تزال قوامة. طالب:. . . . . . . . . إيه خبر لا زال، أو لا تزال. قال بعد ذلك: "حدثنا هشام بن عمار قال: حدثنا الجراح بن مليح" الجراح بن مليح هو والد وكيع، الإمام العلم المشهور المحدث الثقة الثبت، قال: حدثنا الجراح هذا والده الجراح بن مليح، قال عنه الحافظ في التقريب: صدوق، ابن حجر إيش؟ نعم صدوق، والذي بعده بكر بن زرعة مقبول عند ابن حجر، ويقال فيه مثل ما قيل في نصر، وعرفنا ما قيل في المقبول، وبقي أن نعرف ما قيل في الصدوق.

الصدوق اعتمد المتأخرون على أنه مقبول الرواية، وحديثه من قبيل الحسن، الصدوق حديثه من قبيل الحسن، مع أن ابن أبي حاتم جعل الصدوق في المراتب التي لا يقبل حديثها إلا بمتابع، وسأل أباه عن شخص فقال: صدوق، فقال: أيحتج بحديثه؟ قال: لا، فمن أهل العلم من لا يحتج بحديث الصدوق، ومنهم من يجعله من قبيل الحسن يعني يتوسط في أمره ليس بثقة ولا بضعيف، فيعطى المرتبة المتوسطة من الأحكام، والذين ردوا حديث الصدوق حجتهم أنه وإن بولغ في وصفه بالصدق فاستحق فعول التي هي صيغة مبالغة إلا أنه لا يشعر بشريطة الضبط؛ لأن الصدق وحده ما يكفي، لكنه لا يشعر هذا اللفظ بشريطة الضبط، وهذه حجة من رد حديثه إلا إن توبع، ووجد ما يشهد له. كلمة صدوق تشعر بشريطة الضبط أو لا تشعر؟ نعم؟ ما تشعر، نأتي بمثال: أنت جالس في بيتك يوم العيد، وعندك ولدك، ولد أنت افترض أنك في الخمسين من العمر عندك ولد عمره عشرين، طرق الباب بعد صلاة العيد، افتح يا ولد، يأتي من الطارق؟ فلان، قال له: اتفضل، وبالفعل يصير فلان، ثم مرة ثانية فلان ويكون الخبر مطابق للواقع، وفي ضحى يوم العيد يطرق الباب أكثر من مائة، وكلهم يخبر الولد بما يطابق الواقع، نقول: الولد صدوق وإلا كذوب؟ صدوق، لكن من الغد يسأله أبوه من الذي جاء بالأمس؟ يتذكر واحد اثنين وينسى خمسة وتسعين منهم، يتذكر خمسة ستة ولا يذكر البقية، هذا ضابط وإلا غير ضابط؟ غير ضابط، لكنه صدوق. حجة من يقول: إن حديث الصدوق لا يقبل، لا يحتج به هذا، يقول: وإنه وإن وصف بصيغة المبالغة ملازم للصدق لا يكذب لكنه قد لا يضبط، فالذي أخبر عن مائة شخص بما يطابق الواقع صدوق، لكن يسأل من الغد من طرق الباب بالأمس؟ من حضر بالأمس؟ يذكر خمسة ستة وما يذكر الباقي، هذا لا ضبط عنده، ولذا رد جماعة من أهل العلم حديث الصدوق.

ابن حجر لما يحكم على راوٍ بأنه صدوق في التقريب مستحضر هو أن الصدوق محتج به، وأن حديثه بمرتبة الحسن؛ ليقول لطالب العلم: إذا قلت لك: إنه صدوق خلاص احكم على حديثه بأنه حسن، وليست كلمة صدوق عند الحافظ ابن حجر مثل صدوق عند أبي حاتم، فننتبه لهذا، أولاً: أبو حاتم -رحمه الله- متشدد، يعني ما جادت نفسه للبخاري إلا بصدوق، ومع ذلك لا يحتج بالصدوق؛ لأنه لا يشعر بشريطة الضبط، وإذا كان البخاري لا يضبط فمن يضبط؟! على كل حال ليس هذا محل البحث، محل البحث هذه الصيغة، الذين احتجوا بالصدوق، وجعلوه في مرتبة الحسن قالوا: صدوق صيغة مبالغة، ويقابله الكذوب، فالملازم للصدق في جميع أحواله معناه أنه لا يقع الكذب في خبره لا عمداً ولا خطأ؛ لأنهم لا يشترطون في الكذب أن يكون عن عمد، فإذا كان كلامه مطابق للواقع باستمرار معناه أنه لا يقع الكذب في كلامه لا عن عمد ولا خطأ، وإذا كان لا يقع الخطأ في كلامه إذاً هو ضابط، فترى هذه المسألة من الدقائق، وقل من يكشفها، تحتاج إلى مزيد عناية، فهذه اللفظة يعني إذا قيل لك: إنها لا تشعر بشريطة الضبط قلت: صحيح، ومثل ما مثلنا، لكن هم إذا أطلقوا صدوق هم يعرفون مدلول صيغة المبالغة أنه لا يقع الكذب في كلامه، لا خطأ ولا عمداً؛ لأنهم يسمون الخطأ كذب؛ لأن الصدق نقيض الكذب، فإذا كان لا يقع الكذب في كلامه لا خطأ ولا سهو ولا عمد، فإنه حينئذٍ تكون الصيغة مشعرة بشريطة الضبط. قال: "سمعت أبا عنبة الخولاني وكان قد صلى القبلتين مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((لا يزال الله يغرس في هذا الدين غرساً يستعملهم في طاعته)) "

هذا الحديث أقل أحواله أنه حسن، يعني مقبول، حديث محتج به ((لا يزال الله يغرس في هذا الدين غرساً يستعملهم في طاعته)) لا يزال يعني إلى آخر الزمان، الإنسان إذا سمع الحديث الصحيح: ((لا يأتي زمان إلا وبعده شرٌ منه)) يصاب باليأس، وإذا نظر إلى واقع الناس بعد أربعة عشر قرناً وجد فيهم أخيار، فكيف يقال: ((لا يأتي زمان إلا والذي بعده شر منه)) ويستمر الخير إلى قيام الساعة؟ نقول: ((لا يزال الله يغرس في هذا الدين غرساً يستعملهم في طاعته)) والخير لن ينقطع عن هذه الأمة إلى قيام الساعة، ولا تزال طائفة من هذه الأمة على الحق منصورة، فهذه الأحاديث في مقابل حديث: ((لا يأتي زمان إلا والذي بعده شر منه)) مسألة إجمالية، يعني حكم إجمالي، يعني مجموع الناس إذا نظرت إلى أهل الأرض ينقص الخير عندهم، لكن قد وجد في أفراد منهم، وليس معناه أنه إذا كان شر منه أن الخير ينقطع بالكلية، لا، بل الخير موجود في أمة محمد إلى قيام الساعة و ((لا يزال الله يغرس في هذا الدين غرساً يستعملهم في طاعته)) لا يزال يعني عندنا قبل ثلاثين سنة مثلاً الشباب ليس مستواهم في تحصيل العلم مثل مستواهم الآن، هذا شيء عاصرناه وعايشناه أقل بكثير، يوجد أفراد، يوجد عشرات من الناس عندهم علم، وعلم أصيل ومتين ويستحقوا أن يوصفوا بأنهم علماء، لكن ليسوا بالكثرة مثل ما نشاهد الآن، إن كان يوجد عشرات، فالآن يوجد آلاف -ولله الحمد- والله -جل وعلا- يغرس في هذا الدين غرساً يستعملهم في طاعته، لكن إذا نظرنا إليهم من جهة وجدنا أن الخير نقص عندهم وإن زاد من جهة، زاد من جهة الرغبة والتحصيل والتأصيل، لكنه نقص من جهة، جهة العمل نقصت، هل يقاس الخشوع بين طلاب العلم بالخشوع قبل ثلاثين سنة؟ ولا بالعوام يقاسون، لكن الزيادة والنقص في جانب دون جانب، وقد تكون في بلد دون بلد، وقد تكون في إقليم أو في جهة من الجهات دون أخرى.

قال: "حدثنا يعقوب بن حميد بن كاسب قال: حدثنا القاسم بن نافع قال: حدثنا الحجاج بن أرطأة عن عمرو بن شعيب عن أبيه قال: قام معاوية خطيباً" الحديث بهذا الإسناد فيه ضعف، فيعقوب بن حميد بن كاسب صدوق ربما وهم، والقاسم بن نافع مجهول، والحجاج بن أرطأة متكلم فيه "عن عمرو بن شعيب" والكلام فيه معروف صدوق "عن أبيه، قال: قام معاوية خطيباً" مع أنه مخرج في الصحيح، يعني من غير هذا الطريق، مخرج في الصحيحين. "قال: قام معاوية خطيباً فقال: أين علماؤكم؟ أين علماؤكم؟ سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((لا تقوم الساعة إلا وطائفة من أمتي ظاهرين على الناس لا يبالون من خذلهم ولا من نصرهم)) " متى يحتاج الإنسان أن يقول: أين علماؤكم؟ أين فقهاؤكم؟ أين الصالحون فيكم؟ يعني إذا لحظ ملحظ يحتاج إلى إنكار، يقول: أين العلماء؟ أين المصلحون؟ ويترك هذا الأمر فيما بينكم، أين علماؤكم ليصدقوني فيما أقول أو لينبهوكم على أخطائكم؟ نعم. "أين علماؤكم؟ أين علماؤكم؟ سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((لا تقوم الساعة إلا وطائفة من أمتي ظاهرين على الناس لا يبالون من خذلهم ولا من نصرهم)) " وهذا كسابقه. قال أيضاً -رحمه الله-: "حدثنا هشام بن عمار قال: حدثنا محمد بن شعيب قال: حدثنا سعيد بن بشير عن قتادة عن أبي قلابة عن أبي أسماء الرحبي عن ثوبان: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا يزال طائفة من أمتي على الحق منصورين لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله -عز وجل-)) " وهذا شاهد لما قبله وهو مخرج في مسلم.

قال أيضاً بعد ذلك: "حدثنا أبو سعيد عبد الله بن سعيد قال: حدثنا أبو خالد الأحمر قال: سمعت مجالداً يذكر عن الشعبي" مجالد بن سعيد ضعيف عند أهل العلم "يذكر عن الشعبي" عامر بن شراحيل التابعي الشهير "عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- قال: كنا عند النبي -صلى الله عليه وسلم- فخط خطاً، وخط خطين عن يمينه، وخط خطين عن يساره، ثم وضع يده على الخط الأوسط، فقال: ((هذا سبيل الله)) ثم تلا هذه الآية: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ} [(153) سورة الأنعام] " الحديث بهذا الإسناد ضعيف؛ لأن فيه مجالد وهو ضعيف، لكنه مروي من طرق أخرى، وله شاهد من حديث ابن عباس عند الإمام أحمد والدارمي والطيالسي وغيرهم، فالحديث بهذا يكون حسناً. النبي -عليه الصلاة والسلام- كثيراً ما يعظ أصحابه بالكلام، مقروناً بالوسائل التوضيحية يرسم لهم رسوم، ينكت بالعود، يخط خطوط، فهنا خط النبي -عليه الصلاة والسلام- خطاً مستقيماً، وخط خطين عن يمينه، وخطين عن يساره، الصورة واضحة، ثم وضع يده على الخط الأوسط، قال: ((هذا سبيل الله)) يعني الخطوط الذي عن يمينه وعن يساره السبل، سبل أخرى غير سبيل الله، ثم تلا هذه الآية: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ} [(153) سورة الأنعام]. ولا يمكن سلوك سبيل الله إلا بالتمسك بالوحيين ((تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا كتاب الله وسنتي)) لا بد من التمسك والاعتصام بالوحيين لنلزم سبيل الله الصراط المستقيم. {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ} [(153) سورة الأنعام] قال الحافظ ابن كثير: "وحد السبيل لأن الحق واحد، وجمع السبل لتفرقها وتشعبها" فسيبل الله واحد، والسبل الأخرى تتفرق بكم عن سبيل الله، والسبيل والطريق واحد، ويذكر ويؤنث هذا سبيل الله {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا} [(153) سورة الأنعام] {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي} [(108) سورة يوسف] فهو يذكر ويؤنث.

فالسبل كثيرة لتشعبها وتفرقها، وأما سبيل الله وهو الصراط المستقيم واحد، لكن ماذا عن قول الله -جل وعلا-: {يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ} [(16) سورة المائدة] الحافظ ابن كثير يقول: "وحد السبيل لأن الحق واحد" فهل سبل السلام متعددة أو واحد؟ نعم؟ الشرائع متعددة، يعني نستطيع أن نقول: إن الغاية واحدة، والحق واحد، لكن الطرق الموصلة إلى هذا الحق والوسائل التي توصل إلى هذا الحق متعددة، فالسبيل واحد، قد يصل إليه الإنسان من باب الصلاة، قد يصل إليه من باب الصيام، قد يصل إليه من باب الإنفاق في سبيل الله، يعني وسائل موصلة إلى هذا السبيل، قد يصل إليه من باب العلم الشرعي، من باب الدعوة، من باب كذا، هذه سبل، يعني وسائل تصب في هذه الغاية الواحدة التي هي الحق، وهي سبيل واحد، والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

شرح مقدمة سنن ابن ماجه (3)

بسم الله الرحمن الرحيم شرح: مقدمة سنن ابن ماجه (3) الشيخ: عبد الكريم بن عبد الله الخضير السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. سم. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللسامعين، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً يا رب العالمين. قال الإمام الحافظ أبو عبد الله محمد بن يزيد القزويني المعروف بابن ماجه -رحمه الله تعالى-: باب: تعظيم حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، والتغليظ على من عارضه حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا زيد بن الحباب عن معاوية بن صالح قال: حدثني الحسن بن جابر عن المقدام بن معد يكرب الكندي أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((يوشك الرجل متكئاً على أريكته يُحدَث بحديث من حديثي فيقول: بيننا وبينكم كتاب الله -عز وجل-، فما وجدنا فيه من حلال استحللناه، وما وجدنا فيه من حرام حرمناه، ألا وإن ما حرم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مثل ما حرم الله)). حدثنا نصر بن علي الجهضمي قال: حدثنا سفيان بن عيينة في بيته أنا سألته عن سالم أبي النضر، ثم مر في الحديث قال: أو زيد بن أسلم عن عبيد الله بن أبي رافع عن أبيه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا ألفين أحدكم متكئاً على أريكته يأتيه الأمر مما أمرت به أو نهيت عنه فيقول: لا أدري ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه)). حدثنا أبو مروان محمد بن عثمان العثماني قال: حدثنا إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه عن القاسم بن محمد عن عائشة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)).

حدثنا محمد بن رمح بن المهاجر المصري قال: أنبأنا الليث بن سعد عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير أن عبد الله بن الزبير حدثه أن رجلاً من الأنصار خاصم الزبير عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في شراج الحرة التي يسقون بها النخل، فقال الأنصاري: سرح الماء يمر فأبى عليه، فاختصما عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((اسقِ يا زبير، ثم أرسل الماء إلى جارك)) فغضب الأنصاري، فقال: يا رسول الله أن كان ابن عمتك، فتلون وجه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ثم قال: ((يا زبير اسقِ، ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر)) قال: فقال الزبير: والله إني لأحسب هذه الآية نزلت في ذلك: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا} [(65) سورة النساء]. حدثنا محمد بن يحيى النيسابوري قال: حدثنا عبد الرزاق قال: أنبأنا معمر عن الزهري عن سالم عن ابن عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا تمنعوا إماء الله أن يصلين في المسجد)) فقال ابن له: إنا لنمنعهن، فقال: فغضب غضباً شديداً، وقال: أحدثك عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وتقول: "إنا لنمنعهن". حدثنا أحمد بن ثابت الجحدري وأبو عمرو حفص بن عمر قالا: حدثنا عبد الوهاب الثقفي قال: حدثنا أيوب عن سعيد بن جبير عن عبد الله بن مغفل أنه كان جالساً إلى جنبه ابن أخ له، فخذف فنهاه، وقال: "إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عنها" وقال: ((إنها لا تصيد صيداً، ولا تنكي عدواً، وإنها تكسر السن، وتفقأ العين)) قال: فعاد ابن أخيه يخذف، فقال: أحدثك أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عنها ثم عدت تخذف! لا أكلمك أبداً".

حدثنا هشام بن عمار قال: حدثنا يحيى بن حمزة قال: حدثني برد بن سنان عن إسحاق بن قبيصة عن أبيه أن عبادة بن الصامت الأنصاري النقيب صاحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- غزا مع معاوية أرض الروم، فنظر إلى الناس وهم يتبايعون كِسَر الذهب بالدنانير، وكسر الفضة بالدراهم، فقال: يا أيها الناس إنكم تأكلون الربا، سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((لا تبتاعوا الذهب بالذهب إلا مثلاً بمثل، لا زيادة بينهما ولا نظرة)) فقال له معاوية: يا أبا الوليد لا أرى الربا في هذا إلا ما كان من نظرة، فقال عبادة: أحدثك عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وتحدثني عن رأيك! لئن أخرجني الله لا أساكنك بأرض لك علي فيها إمرة، فلما قفل لحق بالمدينة، فقال له عمر بن الخطاب: ما أقدمك يا أبا الوليد؟ فقص عليه القصة، وما قال من مساكنته، فقال: ارجع يا أبا الوليد إلى أرضك، فقبح الله أرضاً لست فيها وأمثالك، وكتب إلى معاوية لا إمرة لك عليه، واحمل الناس على ما قال فإنه هو الأمر. حدثنا أبو بكر بن الخلاد الباهلي قال: حدثنا يحيى بن سعيد عن شعبة عن ابن عجلان قال: أنبأنا عون بن عبد الله عن عبد الله بن مسعود قال: "إذا حدثتكم عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فظنوا برسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذي هو أهناه وأهداه وأتقاه". حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا يحيى بن سعيد عن شعبة عن عمرو بن مرة عن أبي البختري عن أبي عبد الرحمن السلمي عن علي بن أبي طالب قال: "إذا حدثتكم عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حديثاً فظنوا به الذي هو أهناه وأهداه وأتقاه". حدثنا علي بن المنذر قال: حدثنا محمد بن الفضيل قال: حدثنا المقبري عن جده عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ((لا أعرفن ما يحدث أحدكم عني الحديث وهو متكئ على أريكته فيقول: اقرأ قرآناً ما قيل من قول حسن فأنا قلته)). حدثنا محمد بن عباد بن آدم قال: حدثنا أبي عن شعبة عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة ... هنا عندك حاء؟ إي نعم. ح وحدثنا؟ إي نعم. انطق بها، تنطق هكذا: ح وحدثنا.

ح وحدثنا هناد بن السري قال: حدثنا عبدة بن سليمان قال: حدثنا محمد بن عمرو عن أبي سلمة أن أبا هريرة قال لرجل: "يا ابن أخي إذا حدثتك عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حديثاً فلا تضرب له الأمثال". قال أبو الحسن: حدثنا يحيى بن عبد الله الكرابيسي قال: حدثنا علي بن الجعد عن شعبة عن عمرو بن مرة مثل حديث علي -رضي الله تعالى عنه-. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: باب: تعظيم حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، والتغليظ على من عارضه حديث الرسول -عليه الصلاة والسلام- النابع من مشكاة النبوة وحي من الله -جل وعلا-، كما قال -سبحانه وتعالى-: {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى} [(3) سورة النجم] فتعظيمه لأنه من الله -جل وعلا-، والأخبار عن سلف هذه الأمة وأئمتها في تعظيم الحديث لا تكاد تحصر، فقد كان الأئمة يعنون بالحديث تعلماً وتعليماً وحفظاً وقراءة واقراءاً واستنباطاً وعملاً، ويعنون بشأنه أتم العناية، حفظ عنهم أنهم كانوا يهتمون به، فقد كان الإمام مالك -رحمه الله تعالى- إذا أراد أن يحدث يغتسل ويتطيب ويلبس أحسن ثيابه في هيئة حسنة، وفي جلسة حسنة، تعظيماً لحديث الرسول -عليه الصلاة والسلام-، وقد ذكر هذا عن بعض العلماء، ولا شك أن تعظيم الحديث من تعظيم ما تدل عليه هذه الأحاديث التي هي شعائر الله {ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ} [(32) سورة الحج] وهو أيضاً من تعظيم حرمات الله، وتعظيم حدود الله التي حدها على لسان نبيه -عليه الصلاة والسلام-، والتغليظ على من عارض، إذا كان التعظيم هو الواجب فمن عارض هذا الواجب يغلظ عليه، ويشدد في أمره، ويربى على الجادة، كما كان السلف يربون الناس على هذا، وفي قصة عبادة بن الصامت مع الأمير معاوية -رضي الله تعالى عنه- على ما سيأتي فيها من كلام لأهل العلم في أصل القصة وإلا فالخبر ثابت، وأيضاً ما جاء في قصة الخذف، وما جاء في نهي النساء عن الخروج إلى المساجد، وسيأتي جميع ذلك. يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

"حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا زيد بن الحباب عن معاوية بن صالح قال: حدثني الحسن بن جابر" والحسن بن جابر هذا مقبول قال فيه ابن حجر: مقبول، وهو محتاج إلى متابع، وقد مضى ما في كلمة "مقبول" وقد توبع في الخبر الذي يليه، وباقي رجال الإسناد ثقات، وما دام الحسن بن جابر توبع فالخبر حسن. "عن المقدام بن معد يكرب الكندي أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((يوشك الرجل متكئاً على أريكته يحدث بحديث)) " يوشك مضارع (أوشك) التي هي من أفعال المقاربة، تقتضي اسماً مرفوعاً، وخبراً يكون فعلاً مضارعاً مقروناً بـ (أن) وهنا مجرد منها ((يوشك الرجل متكئاً على أريكته يحدَث)) الأصل أن يحدث، وجاء جاءت (أن) هذه في رواية الحاكم، فدل على أن حذفها من تصرف الرواة، على أنه جاء حذفها في الشعر الفصيح، لكن الأصل أن خبر (أوشك) لا بد أن يقترن بـ (أن) وما ند عن ذلك من القليل النادر فهو محكوم عليه بالشذوذ عند أهل العربية، وهنا جردت من (أن) لكنها ثابتة في رواية الحاكم والحديث واحد، فدل على (أن) حذفها من قبل بعض الرواة. ((يحدث بحديث من حديثي)) ((يوشك الرجل متكئاً)) متكئاً حال كونه متكئاً ((على أريكته)) على تكأته التي يستند إليها، والاتكاء لا بأس به، وفيه راحة للجالس، لكن الاتكاء حال الأكل خلاف الأولى، وقد صح عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: ((لا آكل متكئاً)) فهذا خلاف الأولى، الأولى ألا يتكئ، على الخلاف بينهم في معنى الاتكاء، هل هو الاستناد على شيء في أحد جانبيه، أو هو التربع المعروف عند الناس. ((متكئاً على أريكته)) تكأته التي يستند إليها، وتكون إما عن يمينه أو عن شماله، لكن بالنسبة للشمال أريح من كونها في اليمين؛ لأن الأخذ والإعطاء والأكل والشرب يكون باليمين، فإذا اتكأ عليها صعب عليه تناول هذه الأمور.

((يحدث بحديث من حديثي)) بحديث من حديثي (من) هذه تبعيضية، أو بيانية تبين الحديث ((فيقول: بيننا وبينكم كتاب الله -عز وجل-)) وهذه كلمة حق يراد بها باطل، وإلا إذا قال إنسان: بيننا وبينكم كتاب الله -عز وجل- وأراد وما يدل عليه وما يلزم به فكتاب الله قد ألزم بطاعة النبي -عليه الصلاة والسلام-، يعني لو أرادوا الكتاب إرادة يريدون بها وجه الله -عز وجل-، لكن هذا يقول ذلك بكلمة حق؛ لأن الكتاب يأمر بطاعة النبي -عليه الصلاة والسلام- هذا حق، لكنهم يريدون بذلك باطل، كما قال ذلك الخوارج الذين يدعون إلى الكتاب ولا يعنون بالسنة ولا يرونها، والروافض شر منهم -نسأل الله السلامة والعافية-، الذين هم أعداء السنة، الذي لا يقبل السنة بالكلية هذا لا حظ له في الإسلام؛ لأنه يرد حكم الله -جل وعلا- الذي أمر بقبوله، ووجد من يعمل بالسنة، ويعظم السنة، لكنه يقتصر على بعضها دون بعض، فيقتصر على الصحيحين مثلاً، ويدعو إلى ذلك، ويؤلف في هذا، والسنة أعم من أن تكون محوية في الصحيحين، بل هي في جميع الدواوين، في السنن ما ليس في الصحيحين، في الصحاح غير الصحيحين ما ليس في الصحيحين، ويصفو من المستدرك شيء كثير، ويصفو من البيهقي شيء كثير، فالسنة ليست محصورة في الصحيحين، فالذي ينادي بالاقتصار على القرآن مع الصحيحين مخطئ، هذا يرى السنة ويعظم السنة ويعظم الصحيحين لكنه مع ذلك يقصر السنة في الصحيحين، وماذا في الصحيحين بالنسبة لبقية الكتب؟ وصُنف في الباب: (تيسير الوحيين بالاقتصار على القرآن مع الصحيحين) والذي دعا إلى هذا وألف إليه رجل معروف بالعبادة والخير والفضل، لكنه أخطأ في هذا خطأً بيناً واضحاً؛ لأنه يترتب على هذا الكلام إلغاء كثير من الأحاديث الثابتة عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، ومن ثم إلغاء الأحكام المستنبطة منها (تيسير الوحيين بالاقتصار على القرآن مع الصحيحين).

إذا كان المراد به تيسير ذلك على طالب العلم في مرحلة من المراحل بحيث يعنى في وقت من الأوقات في أول الأمر بالقرآن مع الصحيحين حتى لا يتشتت فإذا أتقن ذلك انتقل إلى ما وراءها طيب، لكنه ألف في ذلك ودعا إليه وتوبع عليه، فلا شك أن هذا خطأ شنيع، قلنا: يترتب عليه إلغاء كثير من الأحاديث التي ثبتت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- في غير الصحيحين، ولما قال ابن الأخرم: إنه قل ما فات الصحيحين من الأحاديث الصحيحة رُد عليه، ومثله ما قاله النووي في أنه لم يفت الخمسة إلا الشيء القليل، مع أن هذا أوسع دائرة كلام النووي، يقول الناظم -رحمه الله تعالى- كما تقدم في الدورة الماضية: . . . . . . . . . ولكن قلما ... عند ابن الأخرم منه قد فاتهما "ورد" يعني هذا القول من ابن الأخرم. ورد لكن قال يحيى البر ... لم يفت الخمسة إلا النزر "وفيه ما فيه" كناية عن ضعفه؛ لأنه يوجد في غير الصحيحين والكتب الخمسة .. ، يوجد في غير الكتب الخمسة أحاديث صحيحة كثيرة. وفيه ما فيه لقول الجعفي: ... أحفظ منه عشر ألف ألفِ فالسنة لا شك أنها كثيرة، ولا يحويها كتاب، ولا يحويها مجموعة كتب، بل لا بد من تتبعها، والنظر في أسانيدها ومتونها، وإثبات الثابت منها، ودراستها، والاستنباط منها، هذا أمر لا بد منه. ((فيقول: بيننا وبينكم كتاب الله -عز وجل-، فما وجدنا فيه من حلال استحللناه، وما وجدنا فيه من حرام حرمناه)) يقول: يكفينا كتاب الله، طيب ما الذي في كتاب الله من أحكام الصلاة التي هي أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين؟ مسلم يريد أن يصلي كما صلى النبي -عليه الصلاة والسلام- من أين يأخذ أحكام الصلاة؟ نعم يأخذ من القرآن الأمر بها، والأمر بالمحافظة عليها، وبيان بعض الأوقات على سبيل الإجمال لا على سبيل التحديد، يؤخذ أعداد الركعات، وما يقرأ وما يترك وألفاظ الأذكار المشروعة في الصلاة وهيئة الصلاة من أين تؤخذ إنما تؤخذ من السنة، فلا يمكن أن يعرف ما أمر به وكلف به من دين الله -جل وعلا- من الأحكام إلا من خلال السنة.

((فما وجدنا فيه من حلال استحللناه، وما وجدنا فيه من حرام حرمناه)) {قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ} [(145) سورة الأنعام] أين يجد تحريم الحمر الأهلية؟ أين يجد تحريم كل ذي ناب من السباع؟ كل ذي مخلب من الطير؟ لا يجد هذا إلا في السنة، فإذا لم يعمل بالسنة فاته العلم والعمل، وفاته الدين بحذافيره، نعم قد يجد في القرآن شيئاً يسيراً، والقرآن بعمومه وشموله يشمل كل شيء، لكن ما الذي يبين لنا هذا العموم وهذا الشمول، وما يتناوله هذا العموم؟ الذي يبينه لنا هو السنة، فالسنة تبين القرآن. ((وما وجدنا فيه من حرام حرمناه)) فما حرمه النبي -عليه الصلاة والسلام- لا يحرمونه؛ لأنه لا يوجد في القرآن، وإن وجد ما يتناوله ويتناول غيره، لكن البيان من قبله -عليه الصلاة والسلام- ((ألا)) حرف تنبيه ((وإن ما حرم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مثل ما حرم الله)) لأنه كله من عند الله، سواءً كان في الكتاب أو في السنة، مثل هذا يجعل السنة في مصف القرآن، في مرتبة واحدة، وأهل العلم يجعلون المصادر مرتبة: القرآن، ثم السنة، والسنة عندهم أضعف من القران في باب النسخ، فلا ينسخون القرآن بالسنة، والسنة كما يقول أهل العلم المصدر الثاني من مصادر التشريع، كل هذا الكلام يدل على أن السنة مرتبتها أقل وأنزل من القرآن، فإن كان هذا باعتبار الثبوت، وأن القرآن ثبت ثبوتاً قطعياً لا تردد فيه، والسنة وإن ثبتت بالأسانيد الصحيحة إلا أنها ليس ثبوتها مثل ثبوت القرآن، ففيها المتواتر القطعي، وفيها ما ثبت بطريق ظني موجب ملزم للعمل، لكنها دون القرآن في الثبوت في ثبوتها، هذا الكلام صحيح؛ لأن في الأحاديث ما تكلم فيه أهل العلم ولو قبلوه، لكن فيه كلام، وفيها أحاديث متواترة وقطعية، لكنها ليست مثل القرآن، فهي دون القرآن بالثبوت، وإن كانت مساوية له في الوجوب ولزوم العمل بها كوجوب العمل به بالقرآن. ((ألا وإن ما حرم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مثل ما حرم الله)) لأن الكل من عند الله.

قال: "حدثنا نصر بن علي الجهضمي قال: حدثنا سفيان بن عيينة في بيته أنا سألته" كل هذا يدل على أن نصراً متثبت فيما يرويه عن سفيان بن عيينة، وثقة من رجال الصحيح، وسفيان بن عيينة إمام، في بيته سأل، "أنا سألته عن سالم أبي النضر، ثم مر في الحديث قال: أو زيد بن أسلم عن عبيد الله بن أبي رافع عن أبيه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا ألفين أحدكم متكئاً على أريكته)) " لا ألفين يعني لا أجدن أحدكم ((لا ألفين أحدكم متكئاً على أريكته، يأتيه الأمر مما أمرت به أو نهيت عنه)) يأتيه الأمر، الأمر يراد به الشيء، الشيء الشامل للمأمور به والمنهي عنه، يعني ليس معناه أنه إذا أتاه النهي قال: لا أدري، لا يدخل في الحديث؟ يدخل في الحديث، فالأمر هنا المراد به الشيء ((يأتيه الشيء مما أمرت به أو نهيت عنه)) لأنه لو كان المراد بالأمر الذي هو ضد النهي ما كان لقوله: ((أو نهيت عنه)) معنى، لكن المراد بالأمر ما يشمل الأمر والنهي، والتحذير هذا شامل للمأمور به والمنهي عنه. ((يأتيه الأمر مما أمرت به أو نهيت عنه، فيقول: لا أدري، ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه)) وهو شاهد للذي قبله، وعلى كل حال الحديث صحيح.

إذا كان الحديث في أصله ضعيف، وهو قابل للانجبار كالحديث السابق، ووجد له ما يشهد له، والشاهد صحيح، هل يرتقي الضعيف إلى الصحيح، أو يرتقي إلى الحسن؟ بمعنى أنه إذا وجدنا حديثاً ضعيفاً ضعفه ليس بشديد، يعني يقبل الانجبار يقبل الترقية، ووجدنا له شاهد صحيح، يعني إذا وجدنا شاهد مثله، ضعيف مثله ارتقيا إلى الحسن لغيره، فإن وجدنا له شاهد صحيح هل نقول: إنه ارتقى بهذا الشاهد الصحيح إلى الحسن؟ بمعنى أنه لا يمكن أن يرقى أكثر من درجة؟ أو نقول: ما دام الشاهد صحيح فالكل صحيح؟ فالمشهود له صحيح، ما دام شاهده صحيح فالمشهود له صحيح، الأكثر على أن الضعيف لا يرتقي إلا درجة واحدة، فيكون حينئذٍ حسناً لغيره، هذا قول الأكثر، وكلام الحافظ ابن كثير في اختصار علوم الحديث يدل على أنه لا مانع من أن يرتقي إلى الصحيح ما دام شاهده صحيح، فالشاهد بمفرده صحيح فكيف إذا انضم إليه هذا؟ إذاً الكل صحيح، وأقول: لا سيما إذا كان الشاهد أو المتابع في الصحيحين أو في أحدهما فإن الحديث لا شك أنه يرتقي إلى الصحيح. ((يأتيه الأمر مما أمرت به أو نهيت عنه فيقول: لا أدري)) يعني أحتاج إلى أن أنظر، وأحتاج إلى أن أتأمل، وأنظر في هذا الأمر، وأنظر في هذا النهي، كأنه يتعامل مع ند له، ويظن أن له الخيرة في هذا الأمر، ((فيقول: لا أدري ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه)) وقد جاء التنصيص على أنه إذا جاء {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [(36) سورة الأحزاب] ليس له خيرة في هذا الأمر، وإنما عليه أن ينفذ من غير نظر ولا تأمل، وقد أحسن من انتهى إلى ما سمع.

قال: "حدثنا أبو مروان محمد بن عثمان العثماني قال: حدثنا إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه عن القاسم بن محمد عن عائشة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)) " والحديث مخرج في مسلم ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)) يعني ليس من الدين، يحدث في دين الله شيئاً لم يسبق له شرعية من كتاب ولا سنة، لا شك أن هذا رد، يعني مردود، رد مصدر مثل حمل، ويراد به اسم المفعول يعني مردود، مردود على من أحدثه كائناً من كان، وفي لفظ: ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)) فالذي يحدث في دين الله حدثه مردود عليه، ولا نظر في هذا، ولا نقاش في هذا، فكل حدث لم يسبق له شرعية من كتاب أو سنة فهو مردود على من قاله كائناً من كان، اللهم إلا إذا جاء عن الشارع، أو جاء عن من أمر الشارع بالاقتداء به والاهتداء بهديه، والاهتداء بهديه، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين)) فعثمان -رضي الله تعالى عنه- رأى أن الحاجة داعية إلى أذان ثاني في يوم الجمعة؛ ليتأهب الناس للصلاة فسنه، وهو من سنة الخلفاء الراشدين فعلينا أن نعمل به، لا لأن الآمر به عثمان، وإنما لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- أمرنا باتباع سنة عثمان؛ لأنه من الخلفاء الراشدين، وعمر -رضي الله تعالى عنه- لما جمع الناس في صلاة التراويح على إمام واحد بعد أن كانوا في عهد النبي -عليه الصلاة والسلام-، وفي عهد أبي بكر، وفي أول خلافة عمر كانوا يصلون أوزاعاً، كل يصلي لنفسه، وخرج عليهم في ليلة من الليالي فرآهم يصلون فأعجبه وضعهم، فقال: "نعمت البدعة هذه، والتي ينامون عنها أفضل" يعني صلاة آخر الليل أفضل من صلاة أول الليل، لكن نعمت البدعة هذه، وبهذا تشبث من قال ممن ينتسب إلى العلم أن من البدع ما يمدح لأن (نعم) للمدح، من البدع ما يمدح، ومنها ما يستحسن، منها البدعة الممدوحة، ومنها البدعة المذمومة، ومنهم من يتوسع في هذا فيقول: من البدع ما هو واجب، ومنها ما هو مستحب، ومنها ما هو مباح، ومنها ما هو مكروه، ومنها ما هو محرم، فيجري الأحكام التكليفية الخمسة على البدع.

وهذا التقسيم يقول به جمع، كالعز بن عبد السلام والنووي وغيرهما من أهل العلم يقولون: إن من البدع ما هو محمود، ومن البدع ما هو مذموم، بدعة محمودة، وبدعة مذمومة، بدعة واجبة، وبدعة مستحبة، وبدعة محرمة ... إلى آخره. النبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((كل بدعة ضلالة)) ومقتضى الإيمان بالنبي -عليه الصلاة والسلام- ألا يعبد الله إلا بما شرع، فما يشرعه غير النبي -عليه الصلاة والسلام- مردود عليه، اللهم ما نستثني من ذلك إلا الخلفاء الراشدين الذين أمرنا النبي -عليه الصلاة والسلام- باقتفاء سنتهم، وإن قال بعض الشراح: "والبدعة بدعة وإن كانت من عمر" لأنه لما قال عمر -رضي الله تعالى عنه-: "نعمت البدعة" رد عليه، قال: "البدعة بدعة وإن كانت من عمر" نقول: هذا الكلام فيه سوء أدب مع هذا الصحابي الجليل الذي أمر النبي -عليه الصلاة والسلام- باتباع سنته، وأغرانا بذلك. عمر -رضي الله تعالى عنه- لما قال: "نعمت البدعة" هل هذا محادة لقول النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((كل بدعة ضلالة))؟ حاشا وكلا، عمر -رضي الله تعالى عنه- حينما قال: "نعمت البدعة" قاله على سبيل المشاكلة، كأن قائلاً قال له: يا عمر ابتدعت، فقال: "نعمت البدعة هذه" فهو أجابه بنحو كلامه، والمشاكلة قد تكون في الكلام المحقق، وقد تكون في الكلام المقدر، قد تكون في الكلام المحقق {وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا} [(40) سورة الشورى] ذكر اللفظان الأول سيئة بلا شك، الجناية سيئة، لكن معاقبة الجاني سيئة وإلا حسنة؟ حسنة، لكنه أطلق عليها سيئة من باب المشاكلة والمجانسة. قالوا: اقترح شيئاً نجد لك طبخه ... قلت: اطبخوا لي جبة وقميصاً

فعمر -رضي الله تعالى عنه- لما قال: "نعمت البدعة" لا شك أنه يريد أن يبادر بالرد على من يزعم أنه ابتدع، وإلا فالبدع كلها مذمومة؛ لأنه صح من قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((كل بدعة ضلالة)) شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- يقول: مجاز، يقول: بدعة لغوية، الذي يقول: مجاز هو الشاطبي، شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- يقول: هذه بدعة لغوية وليست بشرعية، والشاطبي يقول: مجاز، أما القول بالمجاز فأهل التحقيق ينفون المجاز، فلا مجاز، وأما القول بأنها بدعة لغوية فليس بمستقيم؛ لأن البدعة اللغوية ما عمل على غير مثال سابق، وقد عملت صلاة التراويح جماعة على مثال سبق من فعله -عليه الصلاة والسلام- بأصحابه ليلتين أو ثلاث، ثم تركها النبي -عليه الصلاة والسلام- خشية أن تفرض، يعني لا رغبة عنها ولا نسخاً لها، وإنما خشية أن تفرض، فلما أمن عمر -رضي الله تعالى عنه- من فرضيتها بوفاة النبي -عليه الصلاة والسلام- أعادها، وليست ببدعة شرعية؛ لأنه سبق لها الشرعية من السنة، سبقت شرعيتها من السنة، فليست ببدعة لا لغوية ولا شرعية وليست مجاز كما يقول الشاطبي، إذاً هي من باب المجانسة، وهذه اللفظة تشبث بها أقوام فشرعوا للناس من الدين ما لم يأذن به الله، شرعوا عبادات وأذكار، وحددوا أوقات للعبادات وللذكر لم يسبق لها شرعية، وأعداد من الصلوات، وأعداد من الأذكار لم يرد به خبر عن معصوم، وبذلك حرموا مما صح عنه -عليه الصلاة والسلام-، وهذا شيء مجرب، إذا حافظ الإنسان على شيء يتعبد به وهو لم يثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- فإنه يحاول أن يأتي بسنة يقصدها ويتحفظ خبرها، ثم لا يأتي بها؛ لأن من اشتغل ببدعة حُرم من سنة، وما أحيي من بدعة فهو في مقابله يموت سنة {جَزَاء وِفَاقًا} [(26) سورة النبأ] {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ} [(46) سورة فصلت] فإذا تعبد الإنسان بغير ما شرع الله -جل وعلا- وإن كان قصده حسناً فإنه لا بد أن يضيع من السنة الصحيحة بقدر ما فعله من سنة لم تثبت، فلا بد من أن يتبع النبي -عليه الصلاة والسلام-.

طيب ماذا عن قول الله -جل وعلا- في سورة الحديد: {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاء رِضْوَانِ اللَّهِ} [(27) سورة الحديد] هم ابتدعوا هذه الرهبانية، والله -جل وعلا- ما كتبها عليهم، وهم ابتدعوها ما ابتدعوها إلا ابتغاءً لرضوان الله، فهل يكفي حسن القصد لتشريع ما لم يشرعه الله؟ والعمل بما لم يثبت عن الله وعن رسوله -عليه الصلاة والسلام-؟ يكفي هذا وإلا ما يكفي؟ لا يكفي. ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)). ثم قال -رحمه الله-: "حدثنا محمد بن رمح بن المهاجر المصري وقال: أنبأنا الليث بن سعد عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير أن عبد الله بن الزبير حدثه أن رجلاً من الأنصار خاصم الزبير" رجل من الأنصار خاصم أباه الزبير "عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" من الأنصار وصدر منه ما صدر من قوله: "أن كان ابن عمتك" فوصفه بكونه من الأنصار مع مقالته هذه الشنيعة فيه إشكال وإلا ما في إشكال؟ لأن من أهل العلم من يقول: إنه كان منافقاً، وإلا فالمسلم المؤمن لا يمكن أن يقول هذا، ويرد حكم النبي -عليه الصلاة والسلام-، وبعضهم يقول: كان مسلماً، بل كان بدرياً، ومع ذلك قال هذه المقالة في حال الغضب الذي وصل به إلى حد ترفع عنه المؤاخذة، ويبقى أنه أنصاري، وبعضهم قال: إنه كان من اليهود، وكان حليفاً للأنصار. المقصود أنه حصل من هذا الشخص هذا الرجل من الأنصار حصل منه ما حصل، سواء كان مسلماً أو منافقاً فالأمر شنيع جداً، فيه رد للسنة الصحيحة. "خاصم الزبير عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في شراج الحرة" الشراج: مسايل المياه، والحرة هي الأرض التي تكسوها الحجارة السود، وهي معروفة بالمدينة، وهما حرتان شرقية وغربية، وهما حدود الحرم من جهة الشرق والغرب، أما حدود الحرم من جهة الشمال والجنوب فما بين عير إلى ثور، والحرتان هما اللابتان، ما بين لابتيها، هما الحرتان، والمراد بالحرة الأرض التي تعلو عليها الحجارة السود.

"في شراج الحرة" يعني المسايل مسيل الماء، ومعلوم أن الماء يبدأ بالأرض الأول فالأول، فالأراضي المملوكة يمر بها الماء منحدراً من الأعلى إلى الأسفل، فإن ترك الماء بدون تصرف فإن الأعلى لن يستفيد منه الفائدة المرجوة؛ لأنه ينزل بسرعة إلى المنحدر، وإن حبس وحرم منه الثاني والثالث أيضاً هذا ليس من العدل، وهذا إشكال، فلا هذا ولا هذا، يسقي منه الأول حتى يصل إلى الجدر، ثم بعد ذلك يرسله إلى الذي يليه، ثم الذي يليه يسقي إلى الجدر، ثم يرسله إلى الذي يليه وهكذا. "التي يسقون بها النخل، فقال الأنصاري: سرح الماء يمر" يعني اترك الماء يمشي، كأن الزبير في مرتفع، وهذا أنزل منه، فيقول الأنصاري للزبير: "سرح الماء يمر" اتركه، لا تحبسه عنا "فأبى عليه" الزبير لأنه لن يستفيد منه، إذا تركه يمر من غير قرار فإنه لن يستفيد منه. "فأبى عليه، فاختصما عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((اسقِ يا زبير)) " خذ حاجتك من هذا الماء ((ثم أرسل الماء إلى جارك)) وهذا أقل من حقه في الحكم الشرعي، لكنه صلح، ومن باب التأليف. ((اسقِ يا زبير، ثم أرسل الماء إلى جارك)) يعني اتركه يمشي، أطلقه يسيل إلى نخل جارك، فغضب الأنصاري، ما كفاه هذا الحكم، مع أن فيه هضماً لحق الزبير؛ لأن الإنسان إذا تخاصم عنده من له عليه يد أو معرفة أو قربى مع شخص أجنبي فإنه في الغالب إذا كان عدلاً نزيهاً يأخذ للأجنبي أكثر مما يأخذ للقريب، يعني من باب ألا يُتهم في حكمه، من باب أن يؤلف البعيد، والقريب قد ضُمن، لكن إذا لم يرضَ البعيد إلا بحكم الله -جل وعلا- يحكم عليه ولو كان فيه نقص عليه. "فغضب الأنصاري، فقال: يا رسول الله أن كان ابن عمتك" يعني حكمك هذا لأنه كان ابن عمتك! -نسأل الله السلامة والعافية-، يعني اتهم النبي -عليه الصلاة والسلام- بحكمه، وهذا لائق بمن يقول: إن الرجل كان منافقاً، وأما من يقول: إنه كان بدرياً، ومن الأنصار، ومؤمناً حق الإيمان، فإنه يقول: إن هذا في حال الغضب، والإنسان قد يصدر منه في حال الغضب ما لا يؤاخذ عليه، ولا يقع طلاقه، وتصرفاته لا تقع.

"إن كان ابن عمتك، فتلون وجه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" حيث اتهم بعدم العدل وبالميل والحيف لابن عمته، حاشا وكلا -صلى الله عليه وسلم-. "ثم قال: ((يا زبير)) " الآن جاء الحكم ((يا زبير اسقِ، ثم احبس الماء)) في الأول اسقِ، ولكن ليس فيه: احبس الماء ((اسقِ، ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر)) يعني أصل الجدار، يعني يصل إلى أحواض النخل، وفي الغالب أن الأحواض تكون مرتفعة عن مستوى الأرض؛ لأنه يرفع لها من التراب بحيث يكون الذي حولها حوض يستقر فيه الماء، فإذا وازى هذه الأحواض ووصل وامتلأت هذه الأحواض أرسل الماء الباقي إلى جارك. " ((يا زبير اسقِ، ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر)) قال: فقال ابن الزبير" منهم من يقول: إن الجدر المراد به أكوام التراب التي تحاط بها المزارع. "قال: فقال الزبير: والله" ... لكن هل المراد بالجدر الحائط المعروف الذي قد يبلغ طوله ثلاثة أذرع بحيث تكون المزرعة كالبركة والمسبح؟ لا، ليس هذا هو المراد؛ لأنه من أين يدخلها ليخرج منها؟ هو ينزل من السماء ولن يصل إلى هذا الحد حتى يكون عند جاره مثله، يكون غرق مثل هذا -نسأل الله العافية-، هذا مدمر.

"قال: فقال الزبير: والله إني لأحسب هذه الآية نزلت في ذلك: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا} [(65) سورة النساء] " يعني مراتب {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ} [(65) سورة النساء] نفى عنهم الإيمان {حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} [(65) سورة النساء] فالذي لا يتحاكم إلى الشرع ينتفي عنه الإيمان {حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} يعني في خصوماتهم، وهل يكفي هذا؟ بل لا بد أن ينضاف إليه {ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا} [(65) سورة النساء] يرضوا تمام الرضا، والآن الناس في المحاكم كثير منهم لا يرضى، بل يعترض على الحكم ويطلب لائحة اعتراض، ويسجل اعتراضاته، بموافقة من القاضي، بنظام القضاء يطلب اللائحة، ويعترض على الحكم، ويُرفع الاعتراض إلى التمييز، وينظر فيه التمييز، وقد ينقض الحكم، يعني هل في هذه التصرفات معارضة لهذه الآية أو ليس فيها معارضة؟ يعني في محكمة من المحاكم جاء شخص كبير في السن له خصومة، ثم حكم عليه، فقال له القاضي: إن كان لديك اعتراض هذه ورقة سجل اعتراضاتك، ترفع للمشايخ في التمييز، وفيهم البركة، فبكى هذا الشيخ بكاءً شديداً، وقال: أنا لا أعترض على حكم الله، وتلا الآية، هذا لا شك أن فيه تمام الرضا والتسليم، لكن هل في هذه الأنظمة التي فيها أن للمحكوم عليه أن يعترض، ويسجل الاعتراض، وبرضا القاضي، وبرضا النظام، ثم يرفع إلى أهل علم هم أعلم من هذا القاضي، فينظر في هذا الاعتراض، والمسألة كلها في أولها وفي آخرها إنما يشملها حكم الله، يعني سواءً حكم القاضي الذي هو ابتداء القضاء في المسألة، أو حكم التمييز، ومن ورائه مجلس القضاء الذي هو النهاية في حكم المسألة الشرعية.

هل نقول: إن القاضي حكمه هو حكم الله؟ أو نقول: الدوائر الثلاث إذا مرت عليها، ومشت من عندها لا يجوز الاعتراض، يعني من القاضي إلى التمييز إلى مجلس القضاء، فإذا انتهت هذه الدوائر الثلاث قلنا: هذا حكم الله، لا يجوز الاعتراض حينئذٍ، فيكون حكم القاضي بداية، وأن الخصومة لم تنتهِ بعد، أو نقول: إن حكم القاضي هو حكم الله فلا يجوز الاعتراض عليه؟ طالب:. . . . . . . . . نعم؟ طالب:. . . . . . . . . القاضي نهاية؟ يعني المجموع من القاضي والتمييز ومجلس القضاء هذا حكم الله، يعني سواء أصابوا أو أخطئوا، لكن هم حكموا بما يدينون الله به، بالوسائل الشرعية، وإلا ما يلزم أن يكون الإصابة موجودة في الدوائر الثلاث؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو المؤيد بالوحي قال: ((إنما أنا بشر، أحكم على نحو ما أسمع، فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فإنما أقتطع له قطعة من نار، فليأخذها أو يذرها)) وهو المؤيد بالوحي، فلا يلزم من القاضي أن يكون مصيباً في جميع أحواله، لا، إذا كان هذا من النبي -عليه الصلاة والسلام- فمن دونه من باب أولى، ومع ذلك إذا حكم بالوسائل والطرق الشرعية الثابتة عن الله وعن رسوله في الخصومات فإنه أدى ما عليه، وحكم بحكم الله، سواءً أصاب أو أخطأ. طالب:. . . . . . . . . كيف؟ طالب:. . . . . . . . .

على كل حال لا بد من مرجح، فهل إقرار مثل هذه الاعتراضات اعتراض على حكم الله؟ أو نقول: إن حكم القاضي بداية وليس نهاية؟ واحتيج إلى تعدد الدوائر لما احتيج إلى الكثرة في القضاة، والحاجة إلى كثرة القضاة لا شك أنه لا بد فيه من تخفيف الشروط، شروط القاضي؛ لأن الكثرة لا يتسنى معها تطبيق جميع ما اشترط في القاضي، الناس لا يحل إشكالاتهم إلا كثرة في القضاة، وإذا كثروا هل نتصور أن جميع ما اشترطه أهل العلم في القاضي أن تكون متوافرة؟ نعم لما كانوا قلة في الأمة نعم يُنتقى، لكن الآن مع هذه الكثرة لا يتسنى الانتقاء، وهذا جارٍ على حد سواء في جميع المصالح، مصالح الناس؛ لأن أوضاع المسلمين متقاربة ومتناسقة، وكما تكونوا يولى عليكم، ولما جاء شخص إلى علي بن أبي طالب -رضي الله تعالى عنه- فقال له: لماذا الناس ما خرجوا على عمر وخرجوا عليك؟ لماذا؟ قال: عمر كان والياً على مثلي، وأنا والٍ على مثلك، وكما تكونوا يولى عليكم. أقول: هذه الكثرة من القضاة لا شك أنه سبب في عدم التمكن من استيفاء الشروط، وإذا لم تستوفَ الشروط لا بد أن يكون على هذا القاضي من هو أعلم منه ممن يسدده، وهذا متمثل في التمييز، ثم بعد ذلك من ورائهم المجلس، هذه أمور على حد تقديري أنها ليس فيها اعتراض على حكم الله، نعم الذي يعترض بعد ذلك كله يقال: لا، أنت الآن قف، يعني كونك تنظر في هذا الشاب الذي نظر في قضيتك وحكم فيها، وطلبت من هو أكبر منه، لك الحق، لكن بعد الكبار تعترض؟ لأنه يتصور في بعض القضايا أن يكون أحد الخصوم أعلم من القاضي، ما يمكن يكون هذا؟ تكون قضية لعالم من العلماء يمثل بين يدي القاضي، ويعرف العالم أن القاضي أخطأ، فهل نلزمه بأن يرضى، يجزم بأنه أخطأ، نقول: إذا وصلت إلى القنوات الثلاث التي موجودة الآن ومقرة، ووكل الأمر إليها من قبل ولي الأمر، وهم علماء كبار، وفيهم الخير والبركة، نعم إذا اعترض على حكمهم أحد يكون من هذا الباب، وإلا فالمسألة مشكلة.

يعني إذا قلنا: إن القاضي هو البداية وهو النهاية حصل الإشكال، إشكال كبير معارضة صريحة للآية، فلا بد أن نقول بمثل هذا، أو نقول: إن تعدد القنوات هذه الثلاث خطأ من أصله، فيجب أن يعاد النظر فيه، ويصدر الحكم من القاضي وينتهي، ولا أحد له كلام، لكن نظراً لكثرة القضاة، وعدم تسني تطبيق جميع الشروط عليهم؛ لأنه لو أردنا أن نطبق جميع الشروط التي في القاضي شريح أو إياس أو غيرهما من القضاة في صدر الإسلام على جميع من لدينا دون ذلك خرط القتاد، ما وجدنا أحد. طالب:. . . . . . . . . نعم؟ طالب:. . . . . . . . . الأفضل الخصم أن يسلم من أول شيء، أن يسلم من أول الأمر لئلا يقع في المخالفة. طالب:. . . . . . . . . والله الأصل هذا الأصل، نعم؟ طالب:. . . . . . . . . إي نعم يغلب على الظن أنه حكم الله، لكن ليسوا بمعصومين، ولا يعد اتفاقهم إجماعاً؛ ليكون معصوم، مقطوع به، من الذي اقتنع؟ طالب:. . . . . . . . . التمييز لن تصل إليه إلا بعد الرفع إليه، القضايا الجنائية هذه ترفع، لكن القضايا الحقوقية والمالية ترفع بطلب، إذا قيل له: عندك اعتراض؟ قال: نعم، أعطي لائحة الاعتراض، على كل حال التمييز ومن فوقهم من المجلس لا شك أن لهم النظر في حكم القاضي، وهم أكبر منه، وأكثر خبرة، وأعلم، وهم أيضاً مجموعة لا يصدرون عن رأي رجل واحد، والله المستعان. يعني هذا الكلام في النبوة، يعني {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ} [(65) سورة النساء] يا محمد بعينك، وأن هذه لا تنقضي ... طالب:. . . . . . . . . لا لا، هذه تشمل جميع من حكم بحكم الله. طالب:. . . . . . . . . هاه؟ طالب:. . . . . . . . .

والنبي -عليه الصلاة والسلام- يحكم على نحو ما يسمع، فقد يحكم بغير الواقع، وليس المراد به أنه لا يستطيع الوصول إلى الحقيقة، هو مؤيد بالوحي، لكن ليسن للقضاة من بعده؛ ليكون هذا هو الطريق للجميع، البينة على المدعي، واليمين على من أنكر، هذا كما يستعمله المعصوم يستعمله آخر القضاة، وعلى كل حال ما أشرت إليه قيل به، لكن الأولى حمل الآية على عمومها، وإلا كان الناس كلهم ما يقنعون، ولا شك أن فيها التحذير من التحاكم إلى غير الله. لو قلنا: إن الآية خاصة بالنبي -عليه الصلاة والسلام- قلنا: إن لمن أراد أن يتحاكم إلى غير الشرع له مندوحة. طالب:. . . . . . . . . لا لا، الآية خذها جملة {يُحَكِّمُوكَ} [(65) سورة النساء] يعني النص جاء في {يُحَكِّمُوكَ} نعم الرضا والتسليم لكل أحد، لكن يحكموك هذا إن أريد الخصوص فهو في هذا، ويأتي الخطاب للنبي -عليه الصلاة والسلام- والمراد هو وأمته، ففي قوله: {وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاَةَ} [(102) سورة النساء] يعني في صلاة الخوف {وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاَةَ} قال أبو يوسف: صلاة الخوف خاصة بالنبي -عليه الصلاة والسلام- وعامة أهل العلم على أنها عامة له ولغيره، والخطاب له -عليه الصلاة والسلام-، وفعلها الصحابة من بعده، وفي قوله -جل وعلا-: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [(103) سورة التوبة] هذا خطاب له ولغيره ممن يأتي بعده.

قال -رحمه الله-: "حدثنا محمد بن يحيى النيسابوري قال: حدثنا عبد الرزاق قال: أنبأنا معمر عن الزهري عن سالم عن ابن عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا تمنعوا إماء الله أن يصلين في المسجد)) فقال ابن له" اسمه: بلال "فقال ابن له: إنا لنمنعهن" وما الداعي لهذه المقالة من هذا الولد؟ الداعي لها الغيرة على المحارم، وخشية الفتنة منهن وبهن، ومع ذلك لم يكن له مندوحة بهذا الاعتراض، لم يعذر في هذا الاعتراض، وإن كان قصده سليماً، وإنا لنمنعهن، وعائشة تقول: لو علم النبي -عليه الصلاة والسلام- ما أحدث النساء لمنعهن، ومع الأسف أن بعض النساء يأتين لصلاة التهجد بالتبرج والطيب مع سائق أجنبي، وهن بذلك يرجين ما عند الله -جل وعلا-، وقد تأتي إلى أقدس البقاع فاتنة مفتونة -نسأل الله السلامة والعافية-، لكن ليس لولي أمرها أن يمنعها من أن تأتي إلى المسجد، لكن عليه أن يأطرها على الحق، تخرج تفلة، تخرج متحجبة الحجاب الذي يصد الناس، ويمنع ويكف الأشرار ووحوش البشر من النظر إليها، والاستمتاع بها، وتخرج غير متطيبة، وتخرج غير مزاحمة للرجال، لا يترتب على هذا الخروج محظور؛ لأن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، وإلا فبعض النساء النبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((وبيتها خير لها)) وبعض النساء من الصالحات تحرص على الصلاة في المسجد، ترى أنه أنها لو صلت في بيتها ما حضر قلبها، ولا صلت الصلاة التي يمكن أن تؤديها في المسجد، تصلي على وجه يناسب مستواها في التعلم في الالتزام في كيفية القراءة في الاستفادة من القرآن، لكن إذا صلت وراء الإمام مشت مع الناس، أو إذا صارت في بيتها كسلت عن الصلاة، تراخت، وإذا كانت مع الناس نشطت، هذه مقاصد حسنة لا شك، لكن مع ذلك لا يترتب على ذلك مفسدة، تأتي متبرجة متطيبة إذا خرجت المرأة متعطرة رجعت وهي زانية -نسأل الله السلامة والعافية-، وأهل الظاهر يلزمونها بالغسل بناءً على هذا الحديث، والمتبرجة ملعونة -نسأل الله السلامة-، فكيف تأتي هذه ترجو ما عند الله وتأتي بما يقتضي المقت واللعن والطرد عن رحمة الله؟ وتأتي مع ذلك مع سائق أجنبي مع الخلوة، وبعد هزيع من الليل، كل هذا خلل كبير ينبغي أن

يدرس بعناية من غير منع، من غير معارضة للسنة، إلا إذا وجد ما يقتضي المنع، يمنعها لأنها خرجت متبرجة لا لأنها تريد بيت الله، يمنعها من التبرج، يمنعها من الطيب، يمنعها مما منعت منه شرعاً، ويأذن لها بما أذن لها فيه الشرع. "فقال ابن له: إنا لنمنعهن، قال: فغضب ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما- غضباً شديداً، وقال: أحدثك عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وتقول: إنا لنمنعهن! " يعني ما يكفي في هذا الباب القصد الحسن، بل لا بد من الاتباع مع حسن القصد، ابن عباس لما قال بالمتعة متعة الحج، وقيل له: إن أباك منع المتعة، وكذلك أبو بكر، قال: يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء، أقول: قال رسول الله، وتقولون: قال أبو بكر وعمر! وهذا استدلال بقول أبي بكر وعمر في مقابل قول النبي -عليه الصلاة والسلام-، فكيف بمن يستدل بآراء الناس؟! تقول له: قال رسول الله كذا، فيقول لك: قال: لا، قال الشيخ فلان، تقول له: الحديث ثابت وصحيح وصريح، في البخاري، يقول لك: ولو الشيخ فلان أعرف، فرد النصوص تقليداً للأئمة لا شك أنه يدخل في هذا الباب لا سيما بعد بلوغها. قال -رحمه الله-: "حدثنا أحمد بن ثابت الجحدري وأبو عمرو حفص بن عمر قالا: حدثنا عبد الوهاب الثقفي" يعني بن عبد المجيد "قال: حدثنا أيوب عن سعيد بن جبير عن عبد الله بن مغفل أنه كان جالساً إلى جنبه ابن أخ له فخذف" الخذف: يؤتى بحجر صغير فيوضع بين السبابتين هكذا فيخذف به، أو يوضع بين السبابة والإبهام هكذا فيخذف، هذا الخذف، وهذا منهي عنه؛ لأنه يكسر السن، ويفقأ العين، لكن ما فيه فائدة، لا ينكأ عدو، ولا يصيد صيداً. "أنه كان جالساً إلى جنبه ابن أخ له فخذف، فنهاه، وقال: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عنها" يعني نهى عن هذه الفعلة التي هي الخذف "وقال: ((إنها لا تصيد صيداً، ولا تنكي عدواً)) " يعني لا تبلغ به من الأثر ما ينبغي أن يبلغ، فلا تقتل ولا تكسر، إنما هي مجرد أذى ((لا تصيد صيداً، ولا تنكي عدواً)) فدل على أن ما فيه نكاية بالعدو أنه مطلوب شرعاً، ما فيه نكاية في العدو مطلوب.

((ولا تنكي عدواً، وإنها تكسر السن، وتفقأ العين)) قال: فعاد ابن أخيه يخذف، بعد ما سمع الخبر، ونهاه وأنكر عليه، عاد يخذف "فقال: أحدثك أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عنها ثم عدت تخذف، لا أكلمك أبداً" فهجره مدة بقائه طول عمره؛ لأنه خالف السنة، وعارض السنة، وكذلك صنيع ابن عمر مع ابنه، ذُكر أنه ما كلمه مدى الحياة، وعندنا في وقتنا لا نقيم لهذه الأمور وزناً، وإذا غضب الإنسان على ولده لفعل فاحشة أو أمر عظيم المسألة ساعة أو ساعتين أو ساعات أو يوم أو يومين، ثم يعود كأن لم يكن شيء حصل، لماذا؟ لأن هذه المخالفة ما وقعت في قلب الأب موقعها الطبيعي في الدين، تجده يوقظه للصلاة، ثم إذا جاء ووجده لم يصلِ، ثم بعد ذلك يحوطه بعنايته ويرعاه برعايته، ويغدق عليه من الخيرات، ويعامله ويبتسم في وجهه وكأن شيئاً لم يكن. الحافظ ابن كثير -رحمه الله تعالى- في البداية والنهاية في ترجمة ابن الراوندي وهو ملحد، ذكر أن ابن خلكان ترجم له وأثنى عليه، ولم يذكر شيئاً من إلحاده، كعادته في تراجم الأدباء والمؤرخين واللغويين يطيل في تراجمهم بخلاف العلماء من المحدثين والمفسرين والفقهاء يختصر، قال: ولم يذكر شيئاً من إلحاده، فكأن الكلب لم يأكل له عجيناً، يعني ما أثر عليه أبداً، يعني رجل زنديق ملحد تمدحه وتطيل لأنه أديب! الدين رأس المال يا أخي، فهذه من ابن كثير -رحمه الله تعالى- تدخل في هذا الباب، هذه غيرة لله ولرسوله غيرة على الدين، ابن خلكان ما كأن الكلب أكل له عجين، يعني ما كأن الأمر يعنيه، ترجم له على عادته كأنه خير الناس، أثنى عليه ومدحه وأطراه، نعم في باب من أبواب الأدب، وفي علم من العلوم التي لا تقاوم شيئاً ولو شيئاً يسيراً في أبواب العلم الشرعي مدحه به، فهكذا ينبغي أن يكون المسلم يغار لدين الله، يغار لسنة رسول الله، لا سيما من ينتسب إلى العلم وإلى السنة ينبغي أن يغار، وينكر المنكر على من قاله كائناً من كان، لكن ينبغي أن يكون الإنكار بالطرق المؤدية إلى الغرض التي فيها إزالة لهذا المنكر، مع أنه لا يترتب عليها منكر أعظم منه، ونقف على هذا، والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

شرح مقدمة سنن ابن ماجه (4)

بسم الله الرحمن الرحيم شرح: مقدمة سنن ابن ماجه (4) الشيخ: عبد الكريم بن عبد الله الخضير السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. هذا يقول: أنا -يحكي عن نفسه- أنه قصير القامة، وطوله مائة وثمان وستين سانتي؟ هذا ليس بقصير. يقول: وهناك طريقة يعملها الأطباء تقوم بإطالة الجسم في حدود تسعة سانتي فهل هذا حرام؟ على كل حال إذا كان القصر مما يقذره الناس به، ويعيبونه به، وينبزونه به، فهذا له وجه، أما إذا كان في الطول الذي يذكره هذا لا شك أن الزيادة تغيير لخلق الله. يقول: أنا حدث لي حادث، وتكسرت أسناني الأمامية، وقمت بتركيب أسنان، ولكن ليس كما كانت، فلو قمت متعمداً بجعل الأسنان على صف واحد، وهي لم تكن بالأول كذلك، فهل هذا أيضاً حرام، ويدخل في باب تغيير خلق الله؟ أقول: الرجل ليس بحاجة إلى مثل هذا التصرف، أما إذا كان السائل امرأة، وزوجها يقذرها بذلك، وهي تريد أن تتزين به، بالصف، بالترتيب لا بالتفليج، لا بالزيادة والنقص هذا يُرجى إذا كان مجرد تقويم لا بتفليج ولا بغيره، تعديل سن مائل يعدل لا بأس، وما عدا ذلك فالأصل أن يبقى كل شيء على حاله. هذا سؤال ردد أكثر من مرة: ما سبب الجفاء الموجود في كثير من الملتزمين؟ سببه الجهل بأحكام الدين وآدابه، وتنزيل بعض الأحكام في غير منازلها، فالهجر لا شك أنه شرعي، وعلاج لبعض الناس إذا كان يجدي فيهم، وأما إذا كان لا يجدي، والصلة هي الأنفع فهي المتعينة ((ولا يحقرن أحدكم من المعروف شيئاً، ولو أن يلق أخاه بوجه طلق)). هذا سأل أمس واليوم، وأظن قبل ذلك، يقول: هل من الممكن أن أشترك معكم، أريد أن أخدم الأمة الرد في أقرب وقت؟ والله ما أدري هل يمكن أو لا يمكن؟ وكيفية هذه الخدمة، يقول باللغة العربية، وقد كتب اسمه بغير العربية. هذا يقول: أعاني من فتور وضعف في الطلب، مع كثرة المشاريع التي كانت في الصيف، وكثرة المشاكل في البيت، بسبب كثرة المنكرات، وبالذات في الزواجات، وكيف أنكر مع العلم أن أبي لا يتدخل ولا ينكر في البيت، ويكتفي بالدعاء على إخواني؟ وجزاكم الله خيراً.

إذا كان الوالد لم يقم بما أوجب الله عليه تجاه أسرته فعليك أن تقوم به أنت، لكن بالأساليب المؤثرة النافعة التي لا يترتب عليها مفاسد، وأما بالنسبة للفتور في الطلب فعليك أن تجتهد وتجد، وتقرأ ما جاء في هذا الباب، في باب الحث على طلب العلم، ومنزلة العلم والعلماء في الدنيا والآخرة، وتقرأ ما في سير أهل العلم، وكيفية صبرهم على التحصيل، وبذلهم وهممهم العالية، إذا قرأت في هذا نشطت. يقول: ما رأيكم فيمن يقول: إن أقسام الحديث قسمان صحيح وضعيف، وليس هناك قسم ثالث؟ أولاً: الأقسام الثلاثة الصحيح والحسن والضعيف موجودة في كلام الأئمة، يعني قبل البخاري، وفي عصر الإمام أحمد، وقبل الإمام أحمد، يُعرف الحديث الحسن، لكن الحصر في القسمة الثلاثية أول من حصر الخطابي -رحمه الله تعالى-، الخطابي هو الذي حصر القسمة في الثلاثة الأقسام، وأما الأقسام فهي معروفة، الصحيح معروف، والحسن معروف، والضعيف معروف، والمضطرب معروف، والمعل معروف، والمرسل معروف، كلها معروفة، فالحصر في قسمين ماذا يريد أن يجعل الحسن؟ إن أدرجه في الصحيح تساهل وأدرجه في الصحيح على طريقة ابن خزيمة وابن حبان، فلا شك أن هذا ضرب من التساهل، إن قال: هو صحيح وهو لا يصل إلى درجة الصحيح هذا تساهل. طالب:. . . . . . . . . انتهينا ما في إشكال، إذا قلت: الأقسام اثنان: الصحيح وهو قسمان، ثم الضعيف ما سوينا شيء، ما رحت بعيد، سواءً جعلت ألف وباء وإلا واحد واثنين وثلاثة، ما يفرق، المقصود أن الحسن في مرتبة متوسطة بين الصحيح والضعيف، لا يلحق بالصحيح، ولا ينزل إلى الضعيف، والمسألة اصطلاحية. يقول: اسمي ياسر وأنا من السودان يوجه الدعوة لزيارة السودان زيارة دعوية؟ وأنا أقول للأخ ياسر: أعتذر عن تلبية هذه الدعوة لأنني لم أخرج عن هذه البلاد، وليس في النية الخروج لا للسودان ولا لغيره. يقول: فنحن أحوج ما نكون للدعوة والإرشاد في تلك الفترة؟ ومن طلاب العلم والمشايخ وأهل العلم من يلبي مثل هذه الدعوة، وفيهم الخير والبركة -إن شاء الله تعالى-، علماً أن في السودان من طلاب العلم ممن نعرفه يمكن أن يقوم بهذه المهمة.

يقول: في تلك الفترة التي اشتدت الفتن في السودان، كما نعاني من ظواهر غريبة في السودان مثل التبرج والقش. ما أدري ويش هذه القش وإلا الغش؟ يمكن يريد القش؛ لأن بعض الجهات يبدلون الغين قاف، وبعضهم العكس، وبعضهم يسمي الغش قش، وقال يقول: غال، بعضهم بعض الجهات نعم، لعل مراده بالقش الغش. والرشاوى، وكثير من العادات التي لم تكن يوماً من أهلنا في السودان؟ على كل حال التغير موجود على مستوى الأمة كلها، وفي بلاد الإسلام قاطبة، التغير، وما من زمان يأتي إلا والذي بعده شر منه، لكن المسألة مسألة مدافعة، وتقليل للشر بقدر الإمكان بالطرق المتاحة، والأساليب المناسبة الناجعة. هذا اسمه عبد الدائم من السعودية يقول: رجل يملك ملوك الجن وهو مؤمن، وهم أيضاً ويشترطون عليه ألا يقرب الحرام مطلقاً، فهل يعتبر هذا الرجل ساحراً؟ كيف يملكهم؟ يعني نصب نفسه ملكاً عليهم؟ هذا لا يعرف إلا لسليمان، هذا من خواص سليمان -عليه السلام-، لا يكون لأحد، ولا ينبغي لأحد، فعليه أن ينصرف وينشغل بما كلف به من تحقيق العبودية لله -جل وعلا-، وأن يلازم الكتاب والسنة، ويعتصم بهما، ويترك مثل هذه الأمور؛ لأن مثل هؤلاء مجاهيل، لا يدرى ما ورائهم، وجرت العادة أنهم يستدرجون الناس، يقدمون خدمات لبعض الناس، ثم إذا تورط صار لا يستطيع أن يرجع عن هذه الخدمات التي قدمت له، وقدمها لغيره، انسحبوا عنه، فطلب ذلك بالحرام بعد أن كان بدون مقابل، والله المستعان. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

"حدثنا هشام بن عمار قال: حدثنا يحيى بن حمزة قال: حدثني برد بن سنان عن إسحاق بن قبيصة عن أبيه" يعني قبيصة بن ذؤيب "أن عبادة بن الصامت الأنصاري النقيب" نقيب الأنصار ليلة العقبة، بل هو أحد النقباء، وشهد البيعات بيعة العقبة الأولى والثانية، وفي بعض الكتب: والثالثة، في بيعة عقبة ثالثة؟ في بعض الكتب يقول: والثالثة، يعني بيعة العقبة الأولى والثانية والثالثة، يعني المعروف في السيرة أن البيعات اثنتان، وبعضهم يجعل بعض اللقاءات التي حصلت مما ينازع فيه أن تكون بيعة، حصلت بين بعض الأنصار مع النبي -عليه الصلاة والسلام- يسميها بيعة لاختصاص واستقلال الأنصار بها، وهذا مذكور في بعض كتب السير. على كل حال فضله وعلمه وجلالة قدره عبادة بن الصامت معروف، النقيب، والخبر فيه انقطاع؛ لأن قبيصة بن ذؤيب يحكي قصة لم يشهدها، ولم يلق عبادة ليقال: إنه تلقاها منه، فالخبر ضعيف، وإن كان مفاده وجملته صحيحة، أصلها -أصل القصة- في الصحيحين، لكن القصة بهذا التفصيل فيها هذا الانقطاع الموجب للضعف. "أن عبادة بن الصامت الأنصاري النقيب صاحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- غزا مع معاوية أرض الروم، فنظر إلى الناس وهم يتبايعون كسر الذهب بالدنانير" يعني ذهب بذهب "كسر الذهب بالدنانير، وكسر الفضة بالدراهم، فقال: أيها الناس إنكم تأكلون الربا" يقوله عبادة بن الصامت لماذا؟ "قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((لا تبتاعوا الذهب بالذهب)) " يعني سواءً كان دنانير بدنانير، وسواءً كان كسر بكسر، وسواءً كان مصوغاً بمصوغ.

((لا تبتاعوا الذهب)) أياً كان وصفه ((بالذهب)) أياً كان وصفه ((إلا مثلاً بمثل)) يعني من غير زيادة ولا نقصان ((لا زيادة بينهما ولا نظرة)) ((مثلاً بمثل يداً بيد)) هذا الحديث معروف في الصحيحين وغيرهما، في تحريم ربا الفضل وربا النسيئة إذا اتحد الجنس، لكن ((إذا اختلفت الأجناس فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد)) مع اتحاد الجنس لا بد من تحقق التماثل، ولا بد من أن يكون يداً بيد، أما مع اختلاف الجنس في الربويات فلا مانع من التفاضل، يبيع الفضة بأي قيمة رآها من الذهب والعكس، يبيع الربوي بغير جنسه، شريطة أن يكون يداً بيد. فقال له معاوية: يا أبا الوليد لا أرى الربا في هذا إلا ما كان من نظرة، يعني مؤجلاً، لا بد أن يكون هذا النوع من الذهب الذي هو الدنانير بالنوع الآخر الذي هو الكسر لا بد أن يكون يداً بيد، أما مع التفاضل فلا بأس، هذا رأي معاوية، لا أرى الربا في هذا إلا ما كان من نظرة، وكأنه يستدل بحديث: ((لا ربا إلا في النسيئة)) وهذا الحديث صحيح، لكن الحصر إضافي وليس بحصر حقيقي ((لا ربا إلا في النسيئة)) يعني لا ربا أعظم إلا ما كان في النسيئة، فالنسيئة أعظم من ربا الفضل، وربا الفضل الذي هو الزيادة يعرفه الخاص والعام، ويتوقونه، ولكن ربا النسيئة قد يدخل الإنسان فيه وهو لا يشعر، وهنا صور من ربا النسيئة حاصلة في أسواق المسلمين يتعافونها فيما بينهم، ويتساهلون فيها، مع أنها من الربا، يشتري الذهب بالنقود مثلاً، ويقول له: غداً آتيك بالقيمة هذا ربا، أو يقول: هذا شيك وهذا ربا؛ لأنه لم يكن يداً بيد، المقصود أنه لا بد من الانتباه لهذه الأمور، والربا شأنه عظيم، وحرب لله ورسوله ولو قل، والمرابون يبعثون يوم القيامة مجانين، كما قرر ذلك جمع من أهل العلم، والربا كما جاء في الخبر أشد من الزنا -نسأل الله السلامة والعافية-.

"يا أبا الوليد" يخاطب عبادة بن الصامت "لا أرى الربا في هذا إلا ما كان من نظرة" يعني في النسيئة فقط "فقال عبادة: أحدثك عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وتحدثني عن رأيك" ((مثلاً بمثل)) يقول الرسول -عليه الصلاة والسلام-: ((مثلاً بمثل)) وأنت تقول: لا أرى الربا في هذا إلا ما كان من نظرة، "أحدثك عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وتحدثني عن رأيك؛ لئن أخرجني الله لا أساكنك بأرض لك علي فيها إمرة" فمعاوية في زمن عمر -رضي الله عنه- كان أميراً على الشام، وهم بأرض الروم، في غزوة بأرض الروم، وكان عبادة مع معاوية، فقال له: "لئن أخرجني الله من هذه الأرض -من أرض الروم وأدخلني في ديار المسلمين- لا أساكنك بأرض لك علي فيها إمرة" يعني لا أجلس في الشام، وكان عبادة بن الصامت سكن حمص، وهي تابعة للشام، من أرض الشام. "لا أساكنك بأرض لك علي فيها إمرة، فلما قفل لحق بالمدينة" يعني غير السكن وغير البلد من أجل مسألة معارضة لحكم الله، وحكم رسوله -عليه الصلاة والسلام- خرج من البلد وسكن بلد آخر، وكثير من الناس تنتهك المحارم، ولا يستطيع أن ينتقل عن داره، عن هذا الجار الذي آذاه بأصوات المعازف، وآذاه بأنواع المنكرات، لا يستطيع أن ينتقل في نفس البلد إلى دار أخرى؛ لأنه خسر عليها، وتعب عليها، فضلاً عن كونه ينتقل إلى بلد آخر؛ ليسلم من شر هذا الجار، أو شر هذه الشرور التي انتشرت في هذا البلد، وعبادة بن الصامت انتقل من إقليم إلى إقليم، ترك الشام وانتقل على المدينة من أجل إمرة معاوية الذي ألقى عليه الحديث من كلام النبي -عليه الصلاة والسلام- وعارضه برأيه، رضي الله عن الجميع. على كل حال السنة قاضية على كل أحد كائناً من كان. "فلما قفل لحق بالمدينة، فقال له عمر بن الخطاب: "ما أقدمك يا أبا الوليد؟ " يعني هل هذا لأن عمر بن الخطاب لا يفرح بمثل عبادة بن الصامت؟ يفرح بمثله، ويتمنى أن يكون أهل المدينة كلهم مثل عبادة بن الصامت؛ لكنه يريد أن ينفع الله به في تلك البلاد، في تلك الجهات.

"ما أقدمك يا أبا الوليد؟ فقص عليه القصة، وما قال من مساكنته، فقال: ارجع يا أبا الوليد إلى أرضك، فقبح الله" بالتخفيف كما يقول أهل العلم، ومنهم من يشددها، يقول: "قبح الله أرضاً لست فيها وأمثالك، وكتب إلى معاوية: لا إمرة لك عليه، واحمل الناس على ما قال، فإنه هو الأمر" في هذا الحديث أن الذهب مهما كان وصفه، ومهما كان وضعه، ولو تفاوت عياره لا بد أن يكون مثلاً بمثل، يعني ذهب عيار ثمانية عشر، وذهب عيار أربعة وعشرين أفضل شيء وأقل شيء أو أقل من .. ، لا يجوز إلا أن يكون مثلاً بمثل لأنه كله ذهب، ولو كان كسر مستعملة بذهب جديد لا بد أن يكون مثلاً بمثل، يداً بيد، فالأوصاف لا تغير من الحكم شيئاً، وقل مثل هذا في الذهب المصوغ، ويذكر عن معاوية في قصة الجان الذي حصل من الغنائم أنه بيع بذهب أكثر منه لأنه مصوغ، فالصياغة تخرجه عن كونه ذهباً ليكون عرضاً يباع، ولا يجري فيه الربا كالذهب بالذهب، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- أن الذهب المصوغ لا يأخذ حكم الذهب، فيكون عرضاً يباع كيف شاء، ولكن الصواب ما عليه عامة أهل العلم، ومنهم الأئمة الأربعة وأتباعهم أنه ذهب، ولا يجوز أن يباع إلا يداً بيد، مثلاً بمثل، وهو داخل في عموم النصوص، ولو قال به من قال به. طالب:. . . . . . . . . ما دام ذهب لا يقدر شيء، نعم؟ طالب:. . . . . . . . . ويش هو؟ طالب:. . . . . . . . . فإنه هو الأمر، واحمل الناس على ما قال، كتب إلى معاوية يقول: احمل الناس على ما ذكر عبادة، فإنه هو الأمر، يعني الصحيح، هذا هو الأمر الصحيح، هذا هو القول الصحيح القول الذي لا يحتمل سواه، يعني داخل في النص، وهو الأمر الذي عهد، يعني قدر ما شئت من الاحتمالات التي تدعم قول عبادة -رضي الله عنه وأرضاه-. ثم قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:

"حدثنا أبو بكر بن الخلاد الباهلي قال: حدثني يحيى بن سعيد عن شعبة عن ابن عجلان، قال: أنبأنا عون بن عبد الله عن عبد الله بن مسعود" عون بن عبد الله بن عتبة بن مسعود لم يدرك عبد الله بن مسعود، فهو منقطع "قال: أنبأنا عون بن عبد الله عن عبد الله بن مسعود قال: "إذا حدثتكم عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فظنوا برسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذي هو أهناه وأهداه وأتقاه" وهذا الحديث منقطع فهو ضعيف، والذي يليه صحيح. قال: "حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا يحيى بن سعيد عن شعبة عن عمرو بن مرة عن أبي البختري عن أبي عبد الرحمن السلمي عن علي بن أبي طالب قال: "إذا حدثتكم عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" وفي بعض النسخ: "إذا حدثتم عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حديثاً فظنوا به الذي هو أهناه وأهداه وأتقاه" يعني إذا كان اللفظ يحتمل أمرين، فاحملوه على الأمر الأهدى والأتقى والأهنأ، إذا كان الخبر المسند إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- المنسوب إليه يحتمل أمرين، فاحملوه على الأمر الذي هو أهدى وأتقى، وهذا من كلام علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-، ولا شك أن مثل هذا هو المتعين، وإذا كان يحتمل أمرين فهو الأهدى والأتقى، والنبي -عليه الصلاة والسلام- لا خير إلا دل الأمة عليه، ولا شر إلا حذرها منه، فإذا كان الخبر يحتمل في معناه أكثر من احتمال فليحمل على الاحتمال الأهنأ والأهدى والأتقى. ثم قال -رحمه الله تعالى-: "حدثنا علي بن المنذر قال: حدثنا محمد بن الفضيل قال: حدثنا المقبري عن جده عن أبي هريرة" المقبري عبد الله بن سعيد بن أبي سعيد المقبري، وهو ضعيف جداً، متهم بالكذب، فالحديث ضعيف جداً "عن جده عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ((لا أعرفن ما يحدث أحدكم عني الحديث)) " أو ((لا أعرفن ما يحدث أحدكم عني الحديث وهو متكئ على أريكته يقول: اقرأ قرآناً)) يعني إن وجدت القرآن يؤيد هذا الكلام، يعني هات لي آية تؤيد هذا الكلام، وهذا يستعمله بعض الناس الآن، إذا أبلغ بحكم شرعي قال: هات دليل من القرآن، عندنا دليل من السنة، هات دليل من القرآن.

((لا أعرفن ما يحدث أحدكم عني الحديث وهو متكئ على أريكته)) وتقدم ما في هذا الاتكاء، وهو الاعتماد على جنبه، مسترخياً متحكماً محكماً نفسه في نصوص السنة، يقبل منها ما يدخل عقله، ويرد ما لا يوافق هواه ومزاجه. ((فيقول: اقرأ قرآناً ما قيل من قول حسن فأنا قلته)) وهذا الحديث كما قلنا ضعيف، وقوله: ((ما قيل من قول حسن فأنا قلته)) يحتمل أن يكون مما يرفع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- في هذا الخبر الضعيف، ولا معول عليه، ولا اعتماد عليه، فهذا من النبي إن صح عنه ولا إخاله يصح ((ما قيل من قول حسن فأنا قلته)) في هذا مستمسك لمن يركب الأسانيد على الجمل والحكم وينسبها إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، فإذا وجد حكمة صحيح معناها يركب عليها إسناد عملاً بهذا ((ما قيل من قول حسن فأنا قلته)) هذا إذا كان المراد به النبي -عليه الصلاة والسلام-، وقريب من هذا قول بعض الحنفية يقول: إذا كان الحكم يؤيده القياس الجلي فركب له إسناد وأنسبه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولا شك أن هذا ضلال -نسأل الله السلامة والعافية-، وهو داخل في قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار)) هذا وضع على النبي -عليه الصلاة والسلام-، وكذب وزور، وبعضهم يقول: الاحتمال أن هذا من قول هذا المتكئ، وأنه ينسب إلى نفسه الأقوال الحسنة التي يتداولها الناس، وأنه هو مصدرها، وعلى كل حال الحديث في غاية الضعف، فلا نشتغل به أكثر من هذا. طالب:. . . . . . . . . ويش هو؟ طالب:. . . . . . . . . ((لا أعرفن ما يحدث أحدكم عني الحديث)) الأصل أنه مفعول ثاني، والمفعول الأول أحدكم، لكن لما بني الفعل للمجهول صار المفعول الأول نائب فاعل، والثاني مفعول، نعم؟ طالب:. . . . . . . . . أمرها أن تقرأ ما بين دفتي المصحف لتقف على الآيات التي تأمر بطاعة النبي -عليه الصلاة والسلام-. طالب:. . . . . . . . .

لا لا، هو إذا كان عند الإنسان شك في طاعة النبي -عليه الصلاة والسلام- فمن باب الإقناع له أن يقال: اقرأ القرآن، ليمر عليك الآيات التي تأمرك بطاعة النبي -عليه الصلاة والسلام- {وَأَطِيعُواْ اللهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ} [(92) سورة المائدة] فإذا امتثلنا ما في القرآن من طاعة الرسول -عليه الصلاة والسلام- امتثلنا ما أمر به النبي -عليه الصلاة والسلام- هذا ما فيه إشكال.

ثم قال بعد ذلك: "حدثنا محمد بن عباد بن آدم قال: حدثنا أبي" وأبوه عباد بن آدم مجهول "عن شعبة عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة" محمد بن عمرو بن علقمة صدوق، والسند الأول ضعيف؛ لأن فيه عباد بن آدم وهو مجهول، والثاني ح التي هي حاء التحويل "وحدثنا هناد بن السري قال: حدثنا عبدة بن سليمان قال: حدثنا محمد بن عمرو وهو ابن علقمة، قال: حدثنا عبدة بن سليمان، قال: حدثنا محمد بن عمرو عن أبي سلمة أن أبا هريرة قال لرجل: "يا ابن أخي إذا حدثتك عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حديثا فلا تضرب له الأمثال" وكأنه يشير بهذا إلى قصة حصلت بينه وبين ابن عباس في حديث الوضوء مما مست النار، ابن عباس قال أيضاً: الماء يمسه النار، فإذا توضأنا بماء حار مسته النار علينا أن نتوضأ بماء بارد؛ لأن هذاك مسته النار "فقال: يا ابن أخي" لأنه صغير في السن بالنسبة له "إذا حدثتك عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حديثاً فلا تضرب له الأمثال" واعتراض ابن عباس -رضي الله تعالى عنه- ليس اعتراضاً بالرأي المجرد؛ ليكون مذموماً من كل وجه؛ لأن عند ابن عباس حديث: "كان آخر الأمرين من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ترك الوضوء مما مست النار" فاعتراضه مستند إلى خبر، لكن مع ذلك لا بد أن يكون التعامل مع أخباره -عليه الصلاة والسلام-، ولو كان فيها الناسخ والمنسوخ بالأدب، فلا بد أن يتعامل معها بأدب ولطف، ولو كانت منسوخة، ما يقول قائل: اترك هذا الحديث لأنه منسوخ، فضلاً عن أن يقول قائل من الشراح في حديث: ((لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة)) قال: في هذا الحصر نظر، من الذي حصر؟ النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولا شك أن هذا سوء أدب، فلا بد من احترام ما جاء عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، وتقديمه على قول كل أحد. الحديث بسنده الثاني حسن؛ لأن محمد بن عمرو بن علقمة صدوق، يرتقي حديثه بمثله إلى الصحيح لغيره، وبه مثل الحافظ العراقي للصحيح لغيره. والحسن المشهور بالعدالة ... وصدق راويه إذا أتى له طرق أخرى نحوها من الطرق ... صححته كمتن (لولا أن أشق) إذ تابعوا محمد بن عمرو ... عليه فارتقى الصحيح يجري فمثل به للصحيح لغيره فحديثه بمفرده حسن.

باب: التوقي في الحديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-

"قال أبو الحسن" وهو القطان راوي السنن عن ابن ماجه، وهذا من زيادته على السنن، وعرفنا أن الزيادات إنما تعرف برواية راوي الكتاب عن غير مؤلفه، تعرف الزيادات برواية راوي الكتاب عن غير مؤلفه، وهنا يقول: "قال أبو الحسن: حدثنا يحيى بن عبد الله الكرابيسي" ما قال: حدثنا أبو عبد الله بن ماجه، الأصل أن الكتاب كله قال أبو الحسن: حدثنا أبو عبد الله بن ماجه، إلا ما أضيف إلى غير المؤلف يكون من الزوائد. "حدثنا يحيى بن عبد الله الكرابيسي" ... وقلنا في مسند أحمد مثل ذلك أنه إذا كان الخبر حدثنا عبد الله قال: حدثني أبي، هذا المسند الأصلي، حدثنا عبد الله قال: حدثنا فلان غير الإمام أحمد هذا من زوائد عبد الله، وزوائد القطيعي لا يذكر فيها عبد الله ولا أبوه. قال: "حدثنا يحيى بن عبد الله الكرابيسي قال: حدثنا علي بن الجعدي عن شعبة عن عمرو بن مرة مثل حديث علي -رضي الله عنه-" حديث علي الذي فيه نعم؟ الذي سبق، وقلنا: إنه حديث إسناده صحيح، نعم؟ طالب:. . . . . . . . . أنا أقول: إن ابن عباس لم يعارض الحديث برأيه المجرد، إنما عارض حديث بحديث، ونظر مع الحديث الذي معه، فاعتراضه مستند إلى حديث، والمذموم الاعتراض بالرأي المجرد وإلا جميع المسائل العلمية التي فيها خلاف لأهل العلم وفيها أدلة لجميع الأطراف من هذا النوع. سم. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللسامعين، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً يا رب العالمين. قال الإمام الحافظ أبو عبد الله محمد بن يزيد القزويني المعروف بابن ماجه -رحمه الله تعالى-: باب: التوقي في الحديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا معاذ بن معاذ عن ابن عون قال: حدثنا مسلم البطين عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن عمرو بن ميمون قال: ما أخطأني ابن مسعود عشية خميس إلا أتيته فيه، قال: فما سمعته يقول بشيء قط: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فلما كان ذات عشية قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: فنكس، قال: فنظرت إليه فهو قائم محللة أزرار قميصه، قد اغرورقت عيناه، وانتفخت أوداجه، قال: أو دون ذلك، أو فوق ذلك، أو قريباً من ذلك، أو شبيهاً بذلك". حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا معاذ بن معاذ عن ابن عون عن محمد بن سيرين قال: "كان أنس بن مالك إذا حدث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حديثاً ففرغ منه قال: أو كما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-". حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا غندر عن شعبة ح وحدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال: حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: "قلنا لزيد بن أرقم: حدثنا عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ قال: كبرنا ونسينا، والحديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شديد". حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير قال: حدثنا أبو النضر عن شعبة عن عبد الله بن أبي السفر قال: سمعت الشعبي يقول: "جالست ابن عمر سنة فما سمعته يحدث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شيئاً". حدثنا العباس بن عبد العظيم العنبري قال: حدثنا عبد الرزاق قال: أنبأنا معمر عن ابن طاوس عن أبيه قال: سمعت ابن عباس يقول: "إنا كنا نحفظ الحديث والحديث يحفظ عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فأما إذا ركبتم الصعب والذلول فهيهات".

حدثنا أحمد بن عبدة قال: حدثنا حماد بن زيد عن مجالد عن الشعبي عن قرظة بن كعب قال: "بعثنا عمر بن الخطاب إلى الكوفة وشيعنا، فمشى معنا إلى موضع يقال له: صرار، فقال: أتدرون لم مشيت معكم؟ قال: قلنا: لحق صحبة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولحق الأنصار، قال: لكني مشيت معكم لحديث أردت أن أحدثكم به، فأردت أن تحفظوه لممشاي معكم، إنكم تقدمون على قوم للقرآن في صدورهم هزيز كهزيز المرجل، فإذا رأوكم مدوا إليكم أعناقهم، وقالوا: أصحاب محمد، فأقلوا الرواية عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ثم أنا شريككم". حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا عبد الرحمن قال: حدثنا حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد عن السائب بن يزيد، قال: "صحبت سعد بن مالك من المدينة إلى مكة، فما سمعته يحدث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- بحديث واحد". يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: باب: التوقي في الحديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- التوقي التحري والتثبت وعدم التسرع، فمثل هذا الأمر الذي يضاف إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- يلزم فيه التوقي والتحري؛ لأن التسرع يلزم عليه أن يحدث الإنسان بكل شيء، وإذا حدث بكل شيء فمعناه أنه سوف يقع في حديثه المنسوب إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- ما لم يقله، فيقع في إثم الكذب على النبي -عليه الصلاة والسلام- ولو لم يقصد ((من قال علي ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار)) -نسأل الله السلامة والعافية-، والإكثار مع عدم التحري وعدم التثبت هذا مآله، فلا بد من التوقي، ولا بد من التحري، ولا بد من التثبت في الحديث، أو في نسبة الحديث إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، وهذه مسئولية عظيمة بالنسبة لمن يعلم الناس عليه ألا ينسب إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- شيئاً إلا بعد أن يجزم بصحة نسبته إليه، وقل مثل هذا في الخطيب، لا يجوز له أن يلقي على الناس أحاديث أو حديث واحد لا يتبينه، ولا يتحقق من نسبته إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-.

قال: "حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا معاذ بن معاذ عن ابن عون قال: حدثنا مسلم البطين عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن عمرو بن ميمون قال: ما أخطأني ابن مسعود عشية خميس إلا أتيته فيه" يعني ما فاتني ولا عشية خميس، يذهب إلى ابن مسعود كل عشية خميس، فيجلس عنده "قال: فما سمعته يقول لشيء قط: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" هل هذا زهد بالسنة؟ هل هذا عدم معرفة بالسنة؟ لا والله، عنده علم بالسنة، وعنده حرص على السنة، لكنه يخشى أن يزل لسانه بنسبة كلمة لم يقلها النبي -عليه الصلاة والسلام-. "فما سمعته يقول لشيء قط: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فلما كان ذات عشية قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: فنكس" نكس رأسه إجلالاً وهيبة للرسول -عليه الصلاة والسلام-، ولما يضاف إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم-. "قال: فنظرت إليه فهو قائم محللة أزراره" يعني مفتوحة أزراره، وجاء عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه رئي محلل الأزرار، حتى قال بعضهم باستحباب ذلك، لكن لا شك أن اللباس عرفي، فإذا كان في عرف الناس أن هذا العمل مقبول فهو أفضل، وإن كان مردود في عرف الناس لأن الألبسة تتغير وتختلف باختلاف الأعراف، وإلا فنقول: هذه الألبسة التي نلبسها أفضل منها أن نلبس إزار ورداء، فنستمر في وقتنا كله كأننا محرمون، أو نلبس قميص على صفة ما كان يلبسه -عليه الصلاة والسلام-، المقصود أن أهل العلم يقررون أن اللباس عرفي، إلا ما جاء الدليل على منعه، إذا جاء الدليل على منع مثل الإسبال مثلاً، مثل الأحمر للرجال، ومثل بعض الألبسة للنساء التي فيها تشبه، أو فيها تبرج، أو فيها .. ، مثل هذا يمنع؛ لأنه نص عليه، وما عدا ذلك فيبقى موكولاً إلى العرف.

"محللة أزرار قميصه، قد اغرورقت عيناه" اغرورقت افعوعلت يعني غرقت بالدموع، خرج منها الدمع الغزير، كأنها غرقت في بحر "اغرورقت عيناه" يعني بالدموع "وانتفخت أوداجه، قال: أو دون ذلك" يعني قال النبي -عليه الصلاة والسلام- هذا أو قال: دون ذلك "أو فوق ذلك، أو قريباً من ذلك، أو شبيهاً بذلك" لئلا يجزم بنسبة شيء إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- واحتمال أن يكون أخطأ فيه، وهذا من ورعه وتحريه -رضي الله تعالى عنه وأرضاه-. فعلى الإنسان أن يتوقى ويتثبت في نسبة الأمر إلى الله ورسوله، سواءً كان ينسب إليه كلاماً، أو ينسب إليه حكماً شرعاً، فلا بد أن يتثبت في ذلك كله؛ لأنه في الحكم موقع عن الله -جل وعلا-، وفي النقل مقول لله ولرسوله ما لم يقل. قال: "حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا معاذ بن معاذ عن ابن عون عن محمد بن سيرين قال: "كان أنس بن مالك إذا حدث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حديثاً ففرغ منه قال: أو كما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" لئلا يحفظ عنه على هذا اللفظ، ويكون قد رواه بالمعنى مثلاً، أو أسقط منه شيئاً فيقول: أو كما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وهذا لا شك أنه أولى وأحرى. قد يقول قائل: إن مثل هذا قد نقرأ صحيح البخاري كاملاً، وفيه الأحاديث الصحيحة المرفوعة إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- عن طريق الصحابة، ولم يقل واحد منهم أو كما قال، وهنا يقول: "كان أنس بن مالك إذا حدث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حديثاً ففرغ منه قال: أو كما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-". أحاديث أنس بن مالك في الصحيحين ما فيها هذا الكلام، قد يكون الصحابي الجليل قالها وحفظها منه التابعي ثم حذفت فيما بعد؛ لأنه تبين أنه لا مجال للتردد في الأحاديث التي خرجت في الصحيحين، أو خرجها الأئمة لا مجال للتردد؛ لأنها عرضت على أحاديث أخرى، وجزم بضبط رواتها، بعرض مروياتهم على روايات الثقات فلا داعي لمثل هذا التردد.

قال: "حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا غندر عن شعبة ح وحدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال: سمعت شعبة عن عمرو بن مرة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: "قلنا لزيد بن أرقم: حدثنا عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ قال: كبرنا ونسينا والحديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شديد" وهكذا ينبغي لمن كبرت سنه، وخشي أن يحصل التخليط في بعض كلامه أن يكف عن التحديث، والمعلم إذا تقدمت به السن، وكثر خطأه وزلله ينبغي أن يكف، فإن لم يَكف يُكف عن التحديث، فلما كبر زيد بن أرقم كبر ونسي، والحديث عن النبي -عليه الصلاة والسلام- لا شك أنه شديد، وأشد منه القرآن، فلا يجوز للإنسان أن يسارع بإلقاء الأحاديث على الناس وهو لم يتثبت منها، أو يكون في ضبطه شيء من الخلل بسبب ضعف الحافظة، أو بسبب كبر السن والنسيان. قال: "حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير قال: حدثنا أبو النضر عن شعبة عن عبد الله بن أبي السفر قال: سمعت الشعبي يقول: "جالست ابن عمر سنة" الشعبي عامر بن شراحيل، ومنزلته في الحفظ والضبط والإتقان معروفة، عامر الشعبي الذي إذا دخل السوق سد أذنيه؛ لأنه يحفظ كل ما سمع، ولا يريد أن يسمع كلام الناس، ويحفظ كلام الناس. يقول: "جالست ابن عمر سنة، قال: فما سمعته يحدث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شيئاً" وليس هذا مخالفة للأمر بالتبليغ ((بلغوا عني ولو آية)) ((ليبلغ الشاهد منكم الغائب)) فالتبليغ واجب، بل فرض كفاية، ولعله في مثل هذه الظروف التي نقلت عنه في هذه السنة أنه قد بلغت هذه الأحاديث، وتحمل أمانتها غيره، وإلا لو تعين عليه التبليغ لما ساغ له أن يسكت لمدة سنة "فما سمعته يحدث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شيئاً" وقد يكون سكوته في مجلس الشعبي، ويحدث في مجالس غيره، امتثالاً للأمر بالتبليغ؛ لأن الشعبي إن لم يسمع الحديث من ابن عمر سمعه من غيره لحرصه على الخبر.

قال -رحمه الله-: "حدثنا العباس بن عبد العظيم العنبري قال: حدثنا عبد الرزاق قال: أنبأنا معمر عن ابن طاوس عن أبيه قال: سمعت ابن عباس يقول: "كنا نحفظ الحديث، والحديث يحفظ عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فأما إذا ركبتم الصعب والذلول فهيهات" استبعاد بأن تلقى هذه الأحاديث على غير أهلها "كنا نحفظ الحديث عنه -عليه الصلاة والسلام-" بدون واسطة، وعنه بواسطة أصحابه ممن شهد في حال صغر ابن عباس؛ لأن ابن عباس وإن كان ابن عم النبي -عليه الصلاة والسلام- إلا أنه كان صغير السن، توفي النبي -عليه الصلاة والسلام- ولما يحتلم بعد، في الثالثة عشرة من عمره، ولذا يقرر بعض العلماء أن ما يرويه ابن عباس عن النبي -عليه الصلاة والسلام- بدون واسطة إنما هو أربعة أحاديث، وابن حجر يقول: جمعت مما صح أو حسن إسناده إلى ابن عباس مما صرح فيه بسماعه من النبي -صلى الله عليه وسلم- فبلغت نحو الأربعين. كان ابن عباس يحفظ من النبي -عليه الصلاة والسلام- ومن الصحابة، والحديث يُحفظ إذا ألقاه الصحابي ابن عباس أو غير ابن عباس يحفظ من قبل من يسمعه، يحفظ عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بواسطة أو بغير واسطة، ويهتمون بذلك، ويعنون بنشره حينما كان الناس على الجادة، على البيضاء التي تركهم عليها النبي -عليه الصلاة والسلام-، فأما بعد أن تشعبت بهم الآراء والأهواء، وركبوا في ذلك الصعب والذلول، ركبوا في ذلك المراكب الصعبة والمراكب السهلة فأحجم ابن عباس وغير ابن عباس عن تحديثهم؛ لأنه يخشى أن يفهموه على غير وجهه، أو يحفظوه على خلاف ما ألقي عليهم، فهم إذا سمعوا أي شيء تلقفوه، وأولوا معناه فركبوا في تأويله الصعب والذلول، ولم يتبينوا ويتحققوا ويتثبتوا من لفظه، فإذا وجد مثل هذا التساهل ووجد هذا التخوف بالنسبة لأناس بأعيانهم أو لمجتمعات بأعيانهم فإنه حينئذٍ لا يلقى عليهم الخبر لما له من الضرر البالغ في نفوس هؤلاء، ونفوس من يتلقى عنهم الذي ركبوا الصعب والذلول.

قال -رحمه الله-: "حدثنا أحمد بن عبدة قال: حدثنا حماد بن زيد عن مجالد" وهو ابن سعيد، وهو ضعيف كما تقدم، فالخبر ضعيف إسناده، ضعيف بسبب مجالد بن سعيد "عن الشعبي عن قرظة بن كعب قال: بعثنا عمر بن الخطاب إلى الكوفة وشيعنا" شيعنا بمعنى أنه مشى معهم، فالتشييع هو المشي مع المشيع، سواءً كان حياً أو ميتاً، فتشييع الجنازة معروف، وتشييع العالم معروف، وتشييع الصديق والقريب معروف، والنبي -عليه الصلاة والسلام- قام مع صفية ليقلبها شيعها إلى بيتها، ليرجعها إلى بيتها، فهذا تشييع. "مشى معهم عمر -رضي الله تعالى عنه- إلى موضع يقال له: صرار" موضع قريب من المدينة "فقال: أتدرون لم مشيت معكم؟ " لا شك أن وقع هذا المشي من قبل عمر -رضي الله عنه- في قلوبهم شديد، بحيث يحفظ جميع ما يحتف بهذا المشي، أنت إذا حدث في عمرك مناسبة فردة، لا نظير لها، زارك شخص لم تتوقع زيارته، كبير بالنسبة إليك، ثم تحدث معك بحديث، أو تُحدث في ذلك المجلس بحديث، هذا الحديث لن تنساه، ولن تنسى مناسبته، وكيف قيل؟ وكيف عرض؟ لأنك على غاية من التأهب للتحفظ، نعم. "إلى موضع يقال له: صرار، فقال: أتدرون لما مشيت معكم؟ قلنا: لحق صحبة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" لأننا صحابة نستحق مثل هذا التشييع "ولحق الأنصار" الأنصار لهم فضل على الأمة، وعلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، صدقوه حينما كذبه الناس، وآووه حينما طرده الناس، إذاً لهم حق، والأنصار شعار، والناس دثار، فهؤلاء لهم حق، فيشيعون من أجل هذا.

"قال: لكني مشيت معكم لحديث أردت أن أحدثكم به، فأردت أن تحفظوه لممشاي معكم" لأن الممشى ممشى الخليفة مع هؤلاء يجعلهم يضبطون ما يدور حول هذا الممشى؛ لأنه ليس من الأمور التي تتكرر مراراً بحيث تنسى لكثرتها، هي مرة واحدة حصلت، فما احتف بها وقيل فيها لا بد أن يحفظ، يعني هل حفظ الإنسان لما حصل في ليلة زفافه مثل حفظه لما يحصل له في استراحات مع زملائه تتكرر إما أسبوعياً أو أكثر، أو شهرياً على مدى سنين، هل يحفظ ما حدث في تلك الليلة، ويحفظ مثله على مستواه ما حصل في هذه الجلسات مع الزملاء والأصدقاء؟ لا لا، ما يمكن، هذه ليلة فذة وفريدة، يُحفظ فيها ما لا يحفظ في سائر الليالي العادية؛ لأن الشيء الذي يعتاده الإنسان ويتكرر عليه لا يلقي له بالاً، يعني لو افترضنا أن شخص بيته مفتوح، ويدخل عليه أصناف الناس من العامة ومن طلاب العلم، ومن غيرهم من موظفين وكذا، ثم جاءه في يوم من الأيام أعظم عالم في الدنيا، أو أكبر ملك في الدنيا، هذه الليلة لن تتكرر، يعني ما جاي واحد ثاني مثل هذه الجيئة، ما زايره أحد على هذا المستوى، فهو يضبط ما دار في هذه القصة، ولذلك تسمعون بعض الطلاب يذكر عن وقائع حصلت له مع بعض الأشخاص؛ لأنهم كبار في نفسه، بينما يمر عليه مسائل وقضايا أهم من هذه القضية فينساها؛ لأن الطرف فيها ليس أثره مثل أثر ذاك. "قال: لكني مشيت معكم لحديث أردت أن أحدثكم به، فأردت أن تحفظوه لممشاي معكم، إنكم تقدمون على قوم للقرآن في صدورهم هزيز" والهاء والهمز تتقارضان، الأزيز والهزيز بمعنى واحد، وأريقت وأهريقت أريقوا وأهريقوا لا فرق بينها.

"هزيز كهزيز المرجل" ولا شك أن المرجل القدر الذي فيه الماء يفور على النار يهتز، له هزيز، وله أزيز، له صوت ينبع منه، كهزيز المرجل، لتأثرهم بالقرآن، وهؤلاء الذين لم يروا النبي -عليه الصلاة والسلام- الذين هذه صفتهم هؤلاء من التابعين الذين هؤلاء صفتهم، إذا جاءهم من رأى النبي -عليه الصلاة والسلام- مدوا أعناقهم إليه، قال: "فإذا رأوكم مدوا أعناقهم إليكم" يتطاولون ليروكم، هؤلاء صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "مدوا إليكم أعناقهم، وقالوا: أصحاب محمد، فأقلوا الرواية عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" لأن هؤلاء إذا حدثتموهم حفظوا وحرصوا على الحفظ، ولن يفرطوا بشيء مما سمعوه منكم؛ لأنكم أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم-، وكثير من المسلمين في سائر الأقطار يتطلع إلى المسلمين في هذه البلاد على أنهم أبناء الصحابة، فإذا أسلم المسلم الجديد، أو جاء التائب من تلك البلاد، أو جاء الزائر ليرى ما لم يكن يراه في بلاده، أو غيرها من بلاد المسلمين، ويتوقع أن الأمر على ما كان عليه النبي -عليه الصلاة والسلام- وأصحابه، يأتي ليرى المجتمع المحمدي الذي لم يغير ولم يبدل، ثم إذا نزل المطار أي مطار سواء كان في يعني من مطارات هذه البلاد، ورأى ما رأى اختلفت عليه الصورة، وتغيرت حساباته، وبعضهم قد يصاب بصدمة، وبعضهم قد ينتكس بسبب تصرفات بعض الناس، ولا شك أنه هو المسئول الأول عن تصرفه، يعني قد يقال مثلاً: هل هذا معذور حينما انتكس لما رأى من مخالفات الناس؟ أبداً، هو المسئول الأول عن تصرفاته؛ لأنه هو المباشر لها، والمتسبب لذلك، لا يسلم عن مسئولية، فلا بد أن يكون على قدر يناسب المقام الذي يتوقع منه، فلا يكون سبباً في صد الناس عن دين الله، على الناس أن يلتزموا، أن يكونوا دعاة خير بأفعالهم قبل أقوالهم. وعلى كل حال من انتكس بهذا السبب فهو المباشر لهذه الانتكاسة، فهو المسئول الأول عنها؛ لأن بعض الناس يحصل له موقف ثم يجعل التبعة على صاحب الموقف.

يأتي وقد ناهز الاحتلام وقاربه ليصف قرب الإمام ثم يأتي شخص كبير السن فيطرده، يصاب بردة فعل فلا يحضر إلى المسجد بعد ذلك، من المسئول عن هذا التصرف؟ هذا الشخص الكبير السن الذي طرده هذا متسبب، لكن هو المباشر لهذه الانتكاسة، فهو المسئول الأول، وذاك عليه أيضاً نصيبه، لكن لا يبرأ هذا من العهدة باعتبار أنه هو مكلف، وعليه أن ينظر في أوامر الشرع بغض النظر عن من يطبقها أو لا يطبقها. شخص ماشي في حلقة تحفيظ مثلاً وحصل له مشكلة مع المدرس، أو مع بعض الطلاب ثم ترك، من المسئول عن تركه الحفظ؟ هو المسئول عن نفسه، لكن كون الإنسان يكون سبباً في مثل هذه القضايا لا يسلم من التبعة، لكن مع ذلك المسئول الأول هو الشخص نفسه الذي باشر الترك، وباشر هذه الانتكاسة. "رأوكم مدوا إليكم أعناقهم، وقالوا: أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم-" وأهل هذه البلاد ينظر إليهم على أنهم أولاد الصحابة، فعليهم أن يكونوا على قدر هذه المسئولية، وألا يكونوا سبباً لصد الناس عن دين الله؛ لأن كثير من الناس في الأقطار والأقاليم البعيدة يأتون بهذا التصور، ثم يصابون بما يصابون به إذا وصلوا.

"فأقلوا الرواية عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" ما دام يمدون أعناقهم إليكم، ويتشوفون لرؤيتكم ومجالستكم، ويقولون: هؤلاء أصحاب محمد -عليه الصلاة والسلام- فإنهم متهيئون للحفظ عنكم في جميع ما تتكلمون به، في الحديث وغير الحديث، يقول: فأكثروا من غير الحديث لأن الخلل فيه أمره يسير، لكن الإشكال في الرواية عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أقلوا منها "فأقلوا الرواية عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم أنا شريككم" أنا شريككم في أي شيء؟ في الإقلال، يعني إن كان هذا الإقلال يترتب عليه إثم كتمان فأنا شريككم في هذا الإثم، إن ترتب عليه إثم كتمان، وهو يجزم بأنه ليس هناك كتمان، بل إن الأحاديث تصل إلى هؤلاء ووصلتهم، لكن هذا فيه الاحتياط للسنة، وهل هذا قريب من قول الله -جل وعلا-: {لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم} [(25) سورة النحل] هذا ليس بضلال، بل هو نفع وأجر محض له شركته منه؛ لأنه يتحرى ويتوقى في الحديث عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، والحديث كما قلنا ضعيف بسبب ضعف مجالد. قال: -رحمه الله-: "حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا عبد الرحمن قال: حدثنا حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد عن السائب بن يزيد قال: صحبت سعد بن مالك" من سعد بن مالك؟ سعد بن مالك بن سنان أبو سعيد الخدري "صحبت سعد بن مالك من المدينة إلى مكة فما سمعته يحدث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- بحديث واحد" كل هذا سببه التحري والتوقي وخشية أن يقع أو يصدر من لسانه أو في كلامه ما لم يقله النبي -عليه الصلاة والسلام-، وعلى هذا ينبغي على طالب العلم ألا يتساهل في هذا الأمر، وأن يكون شديد التحري، شديد التوقي لما ينسبه إلى الله ورسوله، والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

شرح مقدمة سنن ابن ماجه (5)

بسم الله الرحمن الرحيم شرح: مقدمة سنن ابن ماجه (5) الشيخ: عبد الكريم بن عبد الله الخضير هذا يقول: ذكر السيوطي في تدريب الراوي في أثناء كلامه عن تعقبه لموضوعات ابن الجوزي، قال: ومنها -يعني الأحاديث التي أوردها ابن الجوزي في الموضوعات وهي صحيحة- ما هو في صحيح البخاري من رواية حماد بن شاكر، وهو حديث ابن عمر: ((كيف بك يا ابن عمر إذا عمرت بين قوم يخبئون رزق سنتهم؟! )) وهذا الحديث أورده الديلمي في مسند الفردوس، وعزاه إلى البخاري، وذكر سنده إلى ابن عمر، ورأيت بخط الحافظ العراقي أنه ليس في الرواية المشهورة، وأن المزي ذكر أنه في رواية حماد بن شاكر. انتهى المقصود من كلامه -رحمه الله-. يقول: نرجو من فضيلتكم توضيح هذا الكلام، والمقصود برواية حماد بن شاكر، مع العلم أني بحثت عن هذا الحديث في البخاري فلم أجده، والحديث رواه ابن أبي حاتم في تفسيره، وعبد بن حميد، وذكره البغوي في التفسير، وأورده ابن كثير في تفسيره من طريق ابن أبي حاتم، وقال: هذا حديث غريب، وأبو العطوف الجزري ضعيف. انتهى. وقد عزاه السيوطي في الدر المنثور إلى عبد بن حميد وابن أبي حاتم وابن مردويه، والبيهقي وابن عساكر، قال: بسند ضعيف، وقال الشوكاني في فتح القدير: وهذا الحديث فيه نكارة شديدة؛ لمخالفته لما كان عليه النبي -عليه الصلاة والسلام-، فقد كان يعطي نساءه قوت العام، كما ثبت ذلك في كتب الحديث المعتبرة. ا. هـ. قال الحافظ في فتح الباري: "وقد ورد في الادخار كان يدخر لأهله قوت سنة، وفي رواية: كان لا يدخر لغد، والأول في الصحيحين، والثاني في مسلم، والجمع بينهما أنه كان لا يدخر لنفسه، ويدخر لعياله، أو أن ذلك كان باختلاف الحال، فيتركه عند حاجة الناس إليه، ويفعله عند عدم الحاجة. والله أعلم. وصلى الله على محمد ...

هذا الحديث الذي أورده، ونسبه إلى البخاري في رواية حماد بن شاكر أولاً: المراد برواية حماد بن شاكر كما تعلمون الصحيح سمعه من مؤلفه ما يزيد على تسعين ألفاً، كلهم سمعوه من الإمام البخاري، لكن الروايات التي بقيت وحفظت ودونت ورويت عمن رواها عن البخاري قليلة يعني بالنسبة لهذا العدد، وهي كثيرة بالنسبة لروايات الكتب الأخرى، فإذا قرأتم في الشروح قرأتم في رواية أبي ذر، رواية النسفي، رواية ابن عساكر، رواية كريمة، في رواية حماد بن شاكر، رواية الكشميهني، وغيرها من الروايات، رواية أبي الوقت، روايات كثيرة للصحيح. من هذه الروايات: رواية حماد بن شاكر، وهذه الرواية فيما يذكر أنها أقل الروايات، تنقص عن غيرها بمقدار ثلاثمائة حديث، فهذه الرواية رواية من الروايات، وإذا وجد فيها هذا الحديث كما في حديث: "كانت الكلاب تغدو وتروح في مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" في بعض الروايات روايات الصحيح: "وتبول" هذه رواية من روايات الصحيح "وتبول" ففي بعض الروايات ما لا يوجد في بعض في الكلمات في الأحاديث من الزيادة والنقصان، لكن الأمر كما تعلمون الأئمة يؤلفون الكتاب ويملونه على طلابهم وتلاميذهم فقد يزيدون فيه، وقد ينقصون، ثم يكون عند هذا ما ليس عند هذا ... إلى آخره، فرواية حماد بن شاكر من الروايات المعروفة للصحيح، لكنها كما قالوا: إنها تنقص عن غيرها من الروايات، وقد يكون في هذا الحديث زيادة. طالب:. . . . . . . . . طيب هنا يقول: وهو حديث ابن عمر، قال: ((كيف بك يا ابن عمر؟ )) أو يا ابن عمرو. طالب:. . . . . . . . . أو يا ابن عمرو ما يفرق، الإشكال في معارضته لما صح عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه كان يدخر قوت أهله سنة. طالب:. . . . . . . . . وين؟ طالب:. . . . . . . . . ((إذا عمرت بين قوم يخبئون)) ويش هو؟ المقصود أن هذا أنا أحفظه من السيوطي منذ أزمان طويلة، أعرف هذا أنا، هذا ذكره السيوطي، المقصود أننا نتعامل مع هذا النص هو صحيح وإلا ما هو بصحيح؟ وإذا كان صحيحاً كيف يوفق بينه وبين غيره؟

هذا الآن ما هو موجود في البخاري، ولا يمكن أن يستدل به، نعم نقلب الروايات الصحيحة المشهورة المعتبرة بين الناس ما في، المقصود أن هذا إذا صح فلا معارضة بينه وبين كونه -عليه الصلاة والسلام- يدخر قوت عياله لمدة سنة، ويقول: ((كيف بك يا ابن عمر إذا عمرت بين قوم يخبئون رزق سنتهم؟! )) يعني إذا كان الناس كلهم على حد سواءً يخبئون رزق سنتهم، أما كونه يوجد في الناس أغنياء، ويوجد في الناس فقراء، ويوجد في الناس من يدخر سنة، ويوجد في الناس من يدخر شهر، ومنهم من يدخر يوم أو يومين أو ثلاثة، ومنهم من لا يجد شيئاً هذا طبيعي، هذا عادي، ما فيه إشكال، لكن كون الناس كلهم يدخرون الرزق لمدة سنة هذا لا يحدث إلا في آخر الزمان، وهذا هو المقصود بالحديث. طالب:. . . . . . . . . المقصود الآن ذكره السيوطي كيف نتعامل معه؟ وهل أقررنا السيوطي على ما ذكر؟ لذلك ما نذكر أنه في البخاري، لكن نقول: إن السيوطي ذكر، وإذا أتممت البحث نقرأه على الإخوان، أعانك الله. أنا أقول: لو صح هذا الخبر ما فيه أدنى معارضة لكونه -عليه الصلاة والسلام- كان يدخر لأهله قوت سنة؛ لأنه يقول: ((كيف بك إذا عمرت بين قوم يخبئون رزق سنتهم؟! )) قوم جميع القوم يدخرون قوت سنتهم، وهذا لا يكون إلا في آخر الزمان حينما يعرض المال على الناس فلا يجد من يقبله، يعني إذا كان الناس كلهم على حد سواء يدخرون قوت سنة هذا في آخر الزمان، أما كون بعض الناس يدخر سنة، وقد يدخر عشر سنوات، ويستطيع أن يدخر مائة سنة، قوت مائة سنة، يستطيع بعض الناس اليوم يستطيع، لكن هل جميع الناس يستطيعون الادخار؟ ألا يوجد فقراء لا يجدون قوت يومهم؟ يوجد، وعلى كل حال تتمة البحث -إن شاء الله- إذا أحضرت ما عندك. يقول: بينتم الطريقة المثلى في التفقه من كتب السنة، فهل يراجع في هذا الشروح أيضاً أم أنه يقتصر على المتون؟ يراجع الشروح في حال الحاجة الماسة إذا كان بيان المعنى لا يستقيم لطالب العلم إلا بمراجعة الشروح، وأما إذا استقام المعنى فيقتصر على ذكر المتون في العرضة الأولى، ثم إذا تم العمل يراجع أيضاً عليها الشروح، ولا يطال أيضاً في مسألة الشروح؛ لأنها تحتاج إلى أزمان، الشروح طويلة.

باب: التغليظ في تعمد الكذب على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-

يقول: ما مقصود ابن عباس وغيره من الرواة -رضي الله عنهم- في قولهم: "فأما إذا ركبتم الصعب والذلول"؟ يعني ركبتم كل مرتكب، ركبتم كل ما يرتكب، وسلكتم المسالك السهلة والمسالك الصعبة، وأجلبتم على التحديث بكل ما تستطيعون فحينئذٍ يتوقى ويتوقف، وفي هذه العصور كل شيء يسلك، كل الوسائل تسلك، ويسلك في هذه الأيام ما لم يسلك قبل، فالوسائل تعددت في التحديث، تجد الشخص الواحد يتحدث في آنٍ واحد على ملايين البشر، ومن خلال قنوات متعددة، وفي أحاديث مختلفة، تجده يبث له في هذه القناة كلام، وفي الثانية كلام، وفي الصحيفة يكتب كلام، وفي الإذاعة يتكلم بكلام وهو شخص واحد، فتيسر من الوسائل ما لم يتسير من ذي قبل، وعلى كل حال الواجب على الإنسان أن يبذل كما أنه يجب عليه أن يحتاط، والله المستعان. سم. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللسامعين، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً يا رب العالمين. قال الإمام الحافظ أبو عبد الله محمد بن يزيد القزويني، المعروف بابن ماجه -رحمه الله تعالى-: باب: التغليظ في تعمد الكذب على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وسويد بن سعيد وعبد الله بن عامر بن زرارة وإسماعيل بن موسى قالوا: حدثنا شريك عن سماك عن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار)). حدثنا عبد الله بن عامر بن زرارة وإسماعيل بن موسى قالا: حدثنا شريك عن منصور عن ربعي بن حراش عن علي قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا تكذبوا علي، فإن الكذب علي يولج النار)). حدثنا محمد بن رمح المصري قال: حدثنا الليث بن سعد عن ابن شهاب عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من كذب علي -حسبته قال: متعمداً- فليتبوأ مقعده من النار)). حدثنا أبو خيثمة زهير بن حرب قال: حدثنا هشيم عن أبي الزبير عن جابر قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار)).

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا محمد بن بشر عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من تقول عليّ ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار)). حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا يحيى بن يعلى التيمي عن محمد بن إسحاق عن معبد بن كعب عن أبي قتادة قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول على هذا المنبر: ((إياكم وكثرة الحديث عني، فمن قال عليّ فليقل حقاً أو صدقاً، ومن تقول عليّ ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار)). حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن بشار قالا: حدثنا غندر محمد بن جعفر قال: حدثنا شعبة عن جامع بن شداد أبي صخرة عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن أبيه قال: قلت للزبير بن العوام: "ما لي لا أسمعك تحدث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كما أسمع ابن مسعود وفلاناً وفلاناً؟ قال: أما إني لم أفارقه منذ أسلمت، ولكني سمعت منه كلمة يقول: ((من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار)). حدثنا سويد بن سعيد قال: حدثنا علي بن مسهر عن مطرف عن عطية عن أبي سعيد قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار)). الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: باب: التغليظ في تعمد الكذب على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهذا مر نظيره في درسي صحيح مسلم والألفية، فكلاهما مر فيه هذا الكلام، لكن يجمل الكلام في هذا الباب؛ لأنه مر بشيء من التفصيل في الألفية وصحيح مسلم. قال -رحمه الله-: "حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وسويد بن سعيد وعبد الله بن عامر بن زرارة وإسماعيل بن موسى أربعتهم" روى عنهم المؤلف -رحمه الله تعالى- "قالوا: حدثنا شريك" شريك بن عبد الله بن أبي نمر النخعي القاضي، متكلم فيه، وحديثه لا ينزل عن درجة القبول، وإن لم يكن في أعلى درجات الصحيح، فحديثه حسن "عن سماك عن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار)) ".

وهذا الحديث بهذا اللفظ متواتر عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقد رواه عنه أكثر من ستين صحابياً، منهم العشرة المبشرون بالجنة، ورواه عن كل صحابي جماعة، فطرقه لا تكاد تحصى، ولذا حكم العلماء بأنه متواتر لفظاً ومعنى، والمتواتر حينما يذكره أهل العلم وإن لم يكن من مباحث علوم الحديث وإنما هو من مباحث الأصول إلا أن معرفته تفيد طالب العلم، لا يعني أن كون المتواتر ليس من مباحث أهل الحديث، وأنه من مباحث الفقهاء والأصوليين أن هذا قدح في هذا الفن من أنواع علوم الحديث، وهذا الفن استعمله أهل العلم، جاء على ألسنة أهل العلم الذين هم أشد غيرة على السنة ممن تكلم في هذه الأنواع، فمن يتكلم في هذا الأنواع ويقول: إن المتواتر لا وجود له في كلام أهل العلم، في كلام المحدثين، وإنما وجد في كلام المخالفين ليقسموا الكلام إلى متواتر وآحاد، فيردوا الآحاد في باب العقائد، نقول: إذا أمنت هذه الفتنة وهذه الشبهة فلا مانع من تقسيم الكلام إلى متواتر وآحاد، والآحاد إذا صح إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- فالإجماع قائم عند جميع من يعتد بقوله من أهل العلم على أنه حجة في جميع أبواب الدين حتى العقائد، وأنه لا يرده إلا مبتدع، فإذا أمنا من هذه الشبهة، ووجدنا هذا الكلام أعني المتواتر والآحاد في كلام شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم، وكلام شيوخنا قاطبة وشيوخهم وأئمة الدعوة كلهم يقولون بتقسيم الكلام إلى متواتر وآحاد، أما كونه يندر وجوده في كلام أهل الحديث وليس من مباحثهم؛ لأن هذا النوع من الأخبار لا يدخل تحت صناعتهم؛ لأنهم يبحثون في علوم الحديث وفي صناعتهم ما يمكن أن يثبت، وما يمكن أن ينفى، فيثبتونه من خلال صحة سنده، وينفونه من خلال ضعفه، وأما المتواتر فلا يحتاج إلى بحث، فإذا بلغت رواته من الكثرة الكاثرة بحيث لا يحصرون، وأمن تواطئهم على الكذب، فأحالت العادة أن يتواطئوا على الكذب فإنه حينئذٍ ولو كان رواته فساقاً بل كفاراً فإن العمل به لازم، وليس للإنسان خيرة في أن يعمل أو لا يعمل، مجرد ما يسمع الخبر يصدقه تلقائياً، ولذا أي خبر مستفيض متواتر يعني يأتي بطرق متعددة متباينة لا يحتمل توطئهم الكذب فإن هذا الإنسان ملزم بقبوله،

فكل واحد منا يؤمن بأن هناك بلد يقال لها: بغداد، وأن هناك جواد يقال له: حاتم، وهكذا كما أننا نؤمن بإيمان الصديق، وشجاعة علي، إلى غير ذلك من الأخبار التي لا خيرة لنا في قبولها، الإنسان لا يتردد في قبول مثل هذه الأخبار؛ لأنها وردت إليه بطرق ملزمة، ومنتشرة انتشاراًَ لا يستطيع، ولا يستطيع ولا المكابرة أن يرد مثل هذا، هل على وجه الأرض من يقول: إنه لا يوجد بغداد، أو لا توجد مكة، أو لا توجد المدينة وإن لم يكن دخلها؟ فهذه بلغته بأخبار كثيرة جداً، وصلت إلى هذا الحد الموجب للعلم الضروري الذي لا يستطيع الإنسان دفعه عن نفسه، فهذا الحديث متواتر بلفظه ومعناه، ولذا يقول التاودي ابن سودة مغربي: مما تواتر حديث من كذب ... ومن بنى لله بيتاً واحتسب "قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من كذب علي متعمداً)) " الكذب مصدر كذب يكذب كَذِباً وكِذْباً وكِذَاباً وكِذّاباً، ولا مانع من إعادة بعض الكلام الذي قيل في درس الفجر اليوم في الكتابين وفي درس الأمس، لا مانع من إعادته؛ لأن تسجيل هذا الدرس غير تسجيل الدرس الماضي، فلا يكتفى بما تقدم؛ لأن حفظ شرح هذه الأحاديث لا يقترن بشرح الدروس الأخرى، فالذي يستمع لأحاديث ابن ماجه يمكن ما يستمع لأحاديث مسلم وهكذا مقدمة مسلم ولا لألفية العراقي، وإلا مباحث متداخلة بين الكتب الثلاثة. فالكذب مصدر وهو نقيض الصدق، والكذب في اللغة مصدر كذب يكذب كذباً وكذباً وكذاباً وكذاباً، وهو نقيض الصدق، والإخبار عن الشيء على خلاف ما هو في الواقع، على خلاف واقعه، وأما الصدق فهو الإخبار عن الشيء على وفق الواقع، وهما نقيضان فلا واسطة بينهما خلافاً للمعتزلة الذين يقولون: إن هناك كلام ليس بصدق ولا كذب، ويستدلون بقول الله {أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَم بِهِ جِنَّةٌ} [(8) سورة سبأ] فجعل المقابل للكذب ليس هو الصدق إنما هو كون الإنسان مجنون، جعلوا الجنون مقابل الكذب، وفصلنا الكلام في هذا في الدرسين الماضيين، في درس مسلم وفي الألفية.

((من كذب عليّ متعمداً)) ((عليّ)) تمسك بها من أجاز الكذب نصراً للحق، ودعوة إليه، وترغيباً فيه، وقالوا: إن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((من كذب عليّ)) ولم يقل: من كذب لي، ونحن نكذب له لا عليه، فأجازوا وضع الحديث في الترغيب وفي الفضائل، وقالوا: إن الناس اشتغلوا في فقه أبي حنيفة، ومغازي ابن إسحاق عن القرآن، فوضعوا أحاديث يرغبون فيها الناس بفضل القرآن وقراءة القرآن حسبةً على حد زعمهم، وأنهم كذبوا له لا عليه، وهذا قول في غاية السخف والسقوط، فالدين كامل ليس بحاجة إلى ترويج، وليس بحاجة إلى دعاية، ففي ما صح في كتاب الله وسنة نبيه -عليه الصلاة والسلام- غنية للمسلم ولو عمل بكل ما ورده مما صح لشغل وقته به، ولاستغنى به عما لم يصح. ((من كذب عليّ متعمداً)) يستدلون أيضاً برواية: ((ليضل الناس)) فقالوا: ما قصدنا إضلال الناس، وهذه الرواية ضعيفة، بل حكم بعضهم ببطلانها، ولو قدر ثبوتها لقلنا: إن اللام ليست للتعليل، وإنما هي لام العاقبة والصيرورة، كما في قوله -جل وعلا-: {لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا} [(8) سورة القصص] فهم ما اتخذوه، ما اتخذه آل فرعون ليكون لهم عدواً وحزناً، إنما اتخذوه رجاء الانتفاع به، لكن صارت العاقبة أن صار عدواً لهم، وحزناً عليهم. ((من كذب عليّ متعمداً)) هذا القيد يترتب عليه هذا الإثم العظيم ((فليتبوأ مقعده من النار)) دليل على أن من كذب من غير عمد أنه لا يستحق هذا العقاب؛ لأن المخطئ والناسي معذور {رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [(286) سورة البقرة] لكن هل يعذر الجهل؟ هل يعذر بالجهل في مثل هذا؟ للجاهل أن يتحدث بما شاء؟ له نصيبه من الباب الثاني ((من حدث عني بحديث وهو -يُرى أو- يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين)) لا يعذر في حديثه عن النبي -عليه الصلاة والسلام- ولو كان جاهلاً، لكن إن أخطأ أو سبق لسانه، أو سها وندم على ذلك وصحح هذا لا إثم عليه؛ لأن الإثم المذكور في الحديث مقيد بالتعمد ((من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار)) فليتخذ مباءة ومنزلاً من النار -نسأل الله السلامة والعافية-. وعلى كل حال الحديث سنده حسن، ومتنه متواتر لا إشكال فيه.

قال بعد ذلك: "حدثنا عبد الله بن عامر بن زرارة وإسماعيل بن موسى قالا: حدثنا شريك عن منصور" وشريك هو شريك السابق، والحديث بسببه حسن "عن منصور" بن المعتمر "عن ربعي بن حراش" بالحاء المهملة، وإن ضبطه المنذري في مختصر سنن أبي داود بالخاء المعجمة، لكن الأئمة كلهم على أنه بالحاء، "عن ربعي بن حراش عن علي -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا تكذبوا علي فإن الكذب علي يولج النار)) " يعني يدخل النار، فهو سبب لدخول النار، ومع ذلك عامة أهل العلم على أن من تعمد الكذب على النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه لا يكفر، بل هي هفوة عظيمة، وزلة وموبقة من الموبقات، لكنه ليس بكافر خلافاً لما يقوله الجويني والد إمام الحرمين فهو يقول: يكفر، وابن الجوزي فيما نقله عنه الحافظ الذهبي في الكبائر يقول: "لا شك أن من كذب على الله ورسوله في تحليل حرام، أو تحريم حلال فإنه كفر محض" هكذا قال، وعامة أهل العلم على أن من كذب على الله وعلى رسوله ما لم يستحل الكذب أنه لا يكفر، ثم إن تعمد الكذب جُرح به، وردت جميع أخباره السابقة واللاحقة، ثم بعد ذلك إن ندم وتاب وأقلع وعزم على ألا يعود تاب توبة نصوحاً فإنه تقبل توبته يعني في الآخرة، في الآخرة تقبل توبته لأن التوبة من الكذب على النبي -عليه الصلاة والسلام- ليست بأعظم من الشرك، التوبة تهدم ما كان قبلها، لكن هل تنفعه هذه التوبة في الدنيا، بمعنى أنه تقبل وراياته بعد ذلك؟ من أهل العلم من يقول: إنها لا تقبل، بل يستمر تركه وترك حديثه، ومنهم من يقول: إنه ليس بأعظم من الشرك، فالمشرك والكافر إذا أسلم تقبل توبته، وتقبل روايته. ((فإن الكذب علي يولج النار)) يعني يدخل النار، يعني من أسباب دخول النار، وقد يكون هذا السبب معارض بمانع، إنما هو وعيد من الله -جل وعلا-، وقد يتحقق هذا الوعيد وقد لا يتحقق، لكنه على خطر عظيم {إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء} [(116) سورة النساء] فهو تحت المشيئة كسائر الكبائر.

قال بعد هذا: "حدثنا محمد بن رمح المصري قال: حدثنا الليث بن سعد عن ابن شهاب عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من كذب علي -حسبته قال: متعمداً- فليتبوأ مقعده من النار)) " وهذه الكلمة التي جاءت على سبيل التردد هنا جاءت مجزوماً بها في حديث جمع غفير من الصحابة، فهذا التردد لا يقدح فيها، فاشتراط التعمد في الكذب إنما هو لثبوت الإثم والوعد والوعيد الذي رتب عليه هذا، وأما تسميته كذب فإن هذه اللفظة تدل على أن ما لم يقصد وما لم يتعمد يسمى كذب، ولو كان الكذب خاص بالعمد لما احتيج إلى هذه الكلمة، اكتفي بقوله: ((من كذب علي ... فليتبوأ مقعده من النار)) لما قيد الكذب بالعمد الكذب الذي يدخل النار، ويكون سبباً لدخول النار، والذي توعد عليه بالنار هو التعمد، دل على أن هناك كذب ليس عن عمد ولا يترتب عليه هذا الوعيد، هذا يستدل به على أن الكذب يشمل جميع الكلام الذي لا يطابق الواقع، سواءً كان صاحبه قد تعمد ذلك أو أخطأ فيه، أو نسي أو ما أشبه ذلك، فإنه كذب ولو لم يترتب عليه هذا الوعيد. ثم قال بعد ذلك -رحمه الله تعالى-: "حدثنا أبو خيثمة زهير بن حرب قال: حدثنا هشيم عن أبي الزبير عن جابر" هشيم بن بشير الواسطي ثقة من رجال الصحيح، لكنه مدلس، وروى هنا بالعنعنة. "وفي الصحيح عدة" يعني من المدلسين. وفي الصحيح عدة كالأعمشِ ... وكهشيم بعده وفتشِ

"عن أبي الزبير" محمد بن مسلم بن تدرس المكي، وهو أيضاً معروف بالتدليس، قال: عن جابر، ففي الخبر مدلسان حدثا بالعنعنة، فالخبر بسببهما فيه مقال، وإن كان المتن صحيحاً متواتراً من غير هذا الطريق، فعندنا هشيم، وعندنا أبو الزبير من رواة الصحيح، ورويا بالعنعنة، وخرج لهما في الصحيح بالعنعنة، وعنعنات المدلسين في الصحيحين محمولة على الاتصال، فلا كلام فيها لأحد، أحاديث الصحيحين التي فيها بعض المدلسين ورووا بالعنعنة؛ لأنها فتشت ووجد لها طرق صرح فيها بالتحديث، وتحسيناًَ للظن بالشيخين واعتباراً لتلقي الأمة لهذين الكتابين بالقبول، فلا شك أن ما جاء في الصحيحين لا يحتاج أن يبحث فيه، ولا يطعن بسبب عنعنة مدلس، وهنا خارج الصحيحين لا مانع من أن يطلب التصريح، وأن يرد الخبر إذا لم يصرح مدلس لا سيما إذا كان من الطبقة الثالثة، من طبقات المدلسين إذا كان من الثالثة فإنه لا بد أن يصرح بالتحديث، فالطبقة الأولى من لم يدلس إلا نادراً، يعني في جنب روايته، وهذا النادر وجوده كعدمه، الثانية: من احتمل الأئمة تدليسه لإمامته كالسفيانين، وهذا لا يحتاج أن يصرح، أما من أكثر من التدليس ودلس عن ثقة وغير ثقة فإنه لا بد أن يصرح بالتحديث، كما هنا أبو الزبير من الطبقة الثالثة، وأما الطبقة الرابعة من المدلسين فإنهم الذين يدلسون ويكثرون منه عن الضعفاء وعن الثقات، أو جرحوا بغير التدليس، فإن هؤلاء ولو صرحوا بالتحديث.

"عن أبي الزبير عن جابر قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار)) " وأنتم سمعتم هذه الأحاديث عن جمع من الصحابة بهذا اللفظ، ولذا يمثل به أهل العلم للمتواتر لفظاً ومعنى، ويمثل به شيخ الإسلام في مواضع من كتبه، في مواضع من كتبه يمثل بهذا الحديث للمتواتر لفظاً ومعنى، ومثل للتواتر المعنوي في كل كتاب بحسب ما يبحث فيه هذا الكتاب، تجده إذا كان المسألة في الحوض قال: أحاديث الحوض متواترة، وإذا كانت المسألة في الميزان قال: أحاديث الميزان متواترة، إذا كان المسألة في الرد على المبتدعة ذكر الأحاديث وقال: إنها متواترة في المسائل التي يبحث فيها، وفي منهاج السنة يذكر أن فضائل الشيخين أبي بكر وعمر متواترة، يعني تواتراً معنوياً لا لفظياً، أما التواتر اللفظي فمثاله هذا. بعضهم يضيف إلى النوعين أعني التواتر اللفظي والمعنوي تواتر العمل والتوارث، وتواتر الطبقة، تواتر العمل والتوارث كأعداد الصلوات، أعداد الصلوات لو بحثت في أسانيدها ما وجدت في هذه الأسانيد ما يصل إلى حد التواتر، لكن تواتر العمل والتوارث منذ زمن النبوة إلى يومنا هذا وصلاة الظهر أربع ركعات، وغيرها من أعداد الصلوات بحيث لو قال أحد: إن صلاة الظهر ثلاث ركعات يحكم بكفره؛ لأنه خالف القطعي المتواتر تواتراً عملياً، وكذلك تواتر الطبقة، فالقرآن الكريم متواتر بإجماع الصحابة عليه، واتفاقهم على ما بين الدفتين، وأيضاً بالطبقة، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- بلغه عن طريق جبريل، وعارضه به في كل ليلة من ليالي رمضان حتى أتمه الله في آخر حياة النبي -عليه الصلاة والسلام-، ثم الصحابة تلقوه عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، والتابعون تلقوه عن الصحابة، وهكذا تابعوهم وتابعو تابعيهم إلى يومنا هذا.

قال -رحمه الله-: "حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا محمد بن بشر عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من تَقول علي ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار)) " وهذا أيضاً إسناده حسن لما في محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص الليثي هذا في حفظه مقال لأهل العلم، وحديثه حسن، لا ينزل عن الحسن لذاته، وصححه بعضهم، وعلى كل حال التوسط في أمره لما قيل في حفظه أن حديثه من قبيل الحسن، ومثل الحافظ العراقي بالصحيح لغيره بحديثه، فقال: والحسن المعروف بالعدالة ... والصدق راويه إذا أتى له طرق أخرى نحوها من الطرق ... صححته كمتن (لولا أن أشق) إذ تابعوا محمد بن عمرو ... عليه فارتقى الصحيح يجري محمد بن عمرو هذا الذي معنا، حديثه حسن توبع عليه فارتقى إلى الصحيح، وهذا الإسناد وإن كان حسناً إلا أن المتن صحيح، بل متواتر. "عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي هريرة" الصحابي الجليل، حافظ الأمة على الإطلاق "قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من تَقول علي ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار)) " قد يقول قائل: إن الأحاديث كيف نقول: إنها متواترة لفظاً ومعنىً وفي بعضها ((لا تكذبوا علي فإن الكذب)) وبعضها: ((من كذب علي)) حسبته قال، ((من كذب علي متعمداً)) ((من تقول علي ما لم أقل)) هذه معناها واحد، لكن ألفاظها مختلفة، فكيف نقول: إنها متواترة لفظاً ومعنى؟ نقول: إنه بهذا اللفظ: ((من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار)) متواتر، والألفاظ الأخرى قدر زائد على هذا التواتر. ثم قال -رحمه الله تعالى-: "حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا يحيى بن يعلى" التيمي "عن محمد بن إسحاق عن معبد بن كعب" وهذا الحديث مروي من طريق محمد بن إسحاق إمام في المغازي، لكنه بالنسبة للحديث أعدل ما يقال فيه: إنه صدوق يدلس، صدوق يعني حديثه من قبيل الحسن، لا يرد ولا يحكم له بأعلى درجات الصحة، بل هو حسن، ومع ذلك هو مدلس، وحدث بالعنعنة هنا، لكنه في مسند أحمد صرح بالسماع، وعلى هذا يكون الخبر حسن إلا أن متنه كما تقدم متواتر.

"عن محمد بن إسحاق عن معبد بن كعب عن أبي قتادة الحارث بن ربعي" فارس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول على المنبر: ((إياكم وكثرة الحديث عني)) " تحذير ((إياكم وكثرة الحديث عني)) يعني لا تكثروا الحديث عني؛ لأن من أكثر من الحديث لا يأمن أن يقع في الغلط، لا يأمن أن يقع في الكذب، لا يأمن من أن يقول على النبي -عليه الصلاة والسلام- ما لم يقله. ((إياكم وكثرة الحديث عني فمن قال علي فليقل حقاً أو صدقاً)) ((فليقل حقاً أو صدقاً)) يعني هل كل حق أو صدق يمكن نسبته إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- من خلال هذا الحديث؟ ((إياكم وكثرة الحديث عني فمن قال علي فليقل حقاً أو صدقاً)) هل يجوز أن نركب للكلام الصحيح الذي يحلف على صدقه وننسبه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، ((فمن قال علي فليقل حقاً أو صدقاً)) يعني مما يضاف إلي، أما ما لا يضاف إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- فلا يجوز أن ينسب إليه ولو كان حقاً أو صدقاً، يعني لا يجوز لأحد كائناً من كان أن يقول: إن الرسول قال -عليه الصلاة والسلام-: الواحد نصف الاثنين، هذا الكلام حق وصحيح ويحلف عليه، لكن مع ذلك لا تجوز نسبته إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- إلا لو ورد بالأسانيد الصحيحة أنه قاله.

((فمن قال علي فليقل حقاً أو صدقاً، ومن تقول علي ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار)) ((من تقول علي)) يعني من قال علي ما لم أقل ((فليتبوأ مقعده من النار)) يعني من قال بنفسه أو حمل أحداً يقول، أو كلف أحداً يقول علي ما لم أقل، سواءً كان الشخص بنفسه يتكلم ويحدث الناس، ويقول عن النبي -عليه الصلاة والسلام- ما لم يقل، أو كلف بإلقاء كلمة كتبها من كتب وكلف يعني أنه قولّه، قوّل هذا المتكلم ما لم يقله النبي -عليه الصلاة والسلام-، فليتبوأ مقعده من النار، ولو لم يقله بنفسه إنما كتبه أو كلف أحداً يخطب به أو يذكره على الناس، وعلى هذا من يرسل الأحاديث الضعيفة والموضوعة والقصص والخرافات في رسائل الجوال، ويطلب نشرها من الناس، هذا عليه إثمه وإثم من غرر به، كثيراً ما يأتي برسائل الجوال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كذا، انشر، ولم يقل، فيدخل في هذا الحديث -نسأل الله السلامة والعافية-. ((ومن تقول علي ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار)) فالصيغة تقوّل، يعني من قال علي ما لم أقل يعني من نفسه ابتداءً قال ما لم يقله النبي -عليه الصلاة والسلام-، أما من تقول فالتفعل هذه تدل على أنه يستوي في ذلك، سواءً قال أو أمر أحداً أن يقول، ((فليتبوأ مقعده من النار)).

قال -رحمه الله تعالى- بعد ذلك: "حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن بشار قالا: حدثنا غندر" محمد بن بشار لقبه بندار بالألف "قالا: حدثنا غندر وهو محمد بن جعفر قال: حدثنا شعبة عن جامع بن شداد أبي صخرة عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن أبيه" عبد الله بن الزبير "قال: قلت للزبير بن العوام" يعني أنه قال لأبيه: "ما لي لا أسمعك تحدث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كما أسمع ابن مسعود وفلاناً وفلاناً؟ " يعني الإنسان يهمه أن يكون أبوه نافعاً للناس، ولذا تجد بعض الأولاد يغري والده بالنفع، يقول: انظر فلان وفلان، إن كان من أهل الأموال يقول: انظر فلان يتصدق بالليل والنهار بأموال تنفعه في القيامة، إذا كان من أهل العلم يقول: انظر الشيخ الفلاني يبذل، وانظر الشيخ الفلاني يُعلم، وانظر الشيخ الفلاني كذا، وإلا انظر فلان إلى آخر ذلك من أبواب الخير، فعبد الله بن الزبير يرى الصحابة يحدثون عن النبي -عليه الصلاة والسلام- ويرى أباه مقلاً من التحديث، فيريد أن ينهض همته؛ ليكون شريكاً له في الأجر.

"ما لي لا أسمعك تحدث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كما أسمع ابن مسعود وفلاناً وفلاناً؟ قال: أما إني لم أفارقه منذ أسلمت، ولكني سمعت منه كلمة يقول: ((من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار)) " وهذا الحديث جعل كثير من الصحابة يتحرجون من التحديث؛ خشية أن يقعوا في مثل هذا، وأبو هريرة يقول: "لولا آيتان في كتاب الله لما حدثتكم {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى} [(159) سورة البقرة] إلى آخر ما جاء في حديثه، فهو يحدث خشية الكتمان الذي جاء عليه الوعيد الشديد، واتهم أبو هريرة بالإكثار لا بالكذب، اتهم بالإكثار وإلا قد أكثر أبو هريرة، يقول -رضي الله عنه-: والله الموعد، أنا أكثرت من أجل التبليغ الذي وعد على كتمانه بالتهديد والوعيد، أنا أحدث من أجل التبليغ، ومع ذلك بين أنه متفرغ للحديث، تلقياً وتحملاً وتبليغاً، وأداءً، هو متفرغ وأما إخوانه من المهاجرين فشغلهم الصفق في الأسواق، وإخوانه من الأنصار شغلهم العمل في أموالهم، في مزارعهم، في تجاراتهم، اشتغلوا عن هذا الأمر فقام بحمله وبأعبائه على أكمل وجه، والنبي -عليه الصلاة والسلام- قال له: ((ابسط رداءك)) كان ينسى -رضي الله عنه-، فلما بسط رداءه دعا له النبي -عليه الصلاة والسلام-، وقال: ((ضمه)) ضم الرداء فضمه فما نسي شيئاً قط، ولذا حفظ كثيراً، وبلغ كثيراً -رضي الله عنه وأرضاه-. قال -رحمه الله-: "حدثنا سويد بن سعيد قال: حدثنا علي بن مسهر عن مطرف" وهو ابن عبد الله بن الشخير "عن عطية" وهو ابن سعد العوفي مضعف، عن عطية بن سعد العوفي وهو ضعيف عند أهل العلم "عن أبي سعيد الخدري" سعد بن مالك بن سنان الخدري الأنصاري "قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار)) " الخبر بهذا الإسناد ضعيف لضعف عطية، ولكن المتن صحيح، بل متواتر. سم. طالب:. . . . . . . . . المغازي موجودة؟ طالب:. . . . . . . . .

أحاديث المغازي عموماً يتسامحون فيها ما لا يتسامحون في أحاديث الأحكام، فالجمهور على أن المسألة مبنية على التسامح، وأما من يقول: إنه لا فرق بين المغازي وبين الأحكام وبين الفضائل وبين العقائد وبين التفسير، وأنها كلها لا تثبت إلا بخبر صحيح لا بد من التثبت، المغازي والسير وما أشبه ذلك لا شك أن أحداثها متفاوتة، فمنها ما يستنبط منه حكم شرعي، ومنها ما لا يشتمل على حكم، فما يشتمل على حكم لا بد من التثبت فيه كأحاديث الأحكام، وما لا يشتمل على حكم شرعي فإنه يتسامح في روايته كالقصص، يتسامح في روايته، ومع ذلك يطالب بعضهم، بل أخذ ينفذ ما يطالب به من الاقتصار على صحيح السيرة، يقتصر عليها بما صح فقط، ووجدت كتب بهذا العنوان صحيح السيرة، لكن تجد أثناء قراءة هذه الكتب تجد هناك خلل، يعني لا بد من رابط بين الحدثين لا يكون على شرط المؤلف ثم يحذفه، وحينئذٍ يختل نظام الكلام، فلو ربطت هذه الأحداث بما لم يكن على شرط المؤلف؛ لأن هذا الرابط في الغالب ما فيه حكم شرعي، إنما يؤتى به للربط بين هذه الأخبار.

لو مثلاً في الأخبار العادية تذكر عن شخص بأنه خرج من بيته ليذهب إلى ولي الأمر ليبلغه عن منكر مثلاً، وأنت ثبت عندك هذا بطريق قطعي ما تشك فيه، فتنقل هذا الخبر أنه ذهب إلى ولي الأمر ليبلغه عن منكر لإزالته، أنت هذا الذي بلغك بالطرق الصحيحة، لكن لو قلت: إن هذا الرجل أو هذا الشيخ أو هذا الغيور لما أراد أن يذهب إلى ولي الأمر لبس ثيابه ولبس كذا هذا ما بلغك يعني بطريق يصح لكنه للربط في الخبر، ثم استأذن على ولي الأمر بالطرق الشرعية المعروفة، ثم بعد ذلك دخل عليه وحدثه وانبسط معه في الكلام فذكر له هذا الخبر، يعني جئت بقصة كاملة متسلسلة من أولها إلى آخرها هذه الروابط ما يترتب عليها شيء، نعم لا يجوز لك أن تفتري، لكن بلغك هذا الكلام الرابط مما لا تقبله لو كان منفرداً، إنما جاء للربط بين هذه الأحداث، فلا يضر مثل هذا أن يروى بطرق ليست بمستوى الطريق الذي عليه الطريق لأصل الخبر الذي تريد تبليغه، فهناك أمور تربط بين الأخبار لا يلزم فيها ما يلزم في الأخبار نفسها، وبعض الناس يقول: لا، أنا ما أثبت إلا في السيرة، ما أثبت إلا ما أثبته في الحديث، نقول: الأمر أهون من ذلك بالنسبة لما يربط بين الأحداث بدون أن يكون كذب أو افتراء أو زور، يأتي من طرق لكنها ليست بمستوى الطرق التي عليها المعول في أصل القصة. سم. طالب:. . . . . . . . . إيش؟ طالب:. . . . . . . . . التائب من الكذب، الكذب ليس بأعظم من الشرك، لكن من باب العقوبة والزجر له، ولا يوجد يعني في الرواة الثقات الذين قبل الأئمة توبتهم، لا يوجد في الرواة الثقات الذين قبل الأئمة رواياتهم من باشر الكذب لا قبل ولا بعد، ما يعرف أحد لا سيما الكذب على النبي -عليه الصلاة والسلام-. طالب:. . . . . . . . . نعم؟ طالب:. . . . . . . . . لا هو ما يقول: يا زبير، ما قال له: يا زبير، يعني لو قال له: يا زبير، لكنه يخبر ويحدث، الآن فرق بين أن تدعو أباك بحضرته تواجهه باسمه، أو تتحدث عنه في خلفه، فرق بين هذا وهذا، لكن لو قال: يا زبير قلنا: أساء الأدب، لكن لما يقول: قلت للزبير، أو قلت لأبي ما يضر، ما يفرق. طالب:. . . . . . . . . عامر بن عبد الله الراوي عنه؟

طالب:. . . . . . . . . ما فيه كلام قادح، ليس فيه كلام قادح. سم. باب: من حدث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حديثاً وهو يرى أنه كذب حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا علي بن هاشم عن ابن أبي ليلى عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن علي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من حدث عني حديثاً وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين)). حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا وكيع ح وحدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا محمد بن جعفر قالا: حدثنا شعبة عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن سمرة بن جندب عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من حدث عني حديثاً وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين)). حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال: حدثنا محمد بن فضيل عن الأعمش عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن علي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من روى عني حديثاً وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين)). حدثنا محمد بن عبد الله قال: أنبأنا الحسن بن موسى الأشيب عن شعبة مثل حديث سمرة بن جندب. حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا وكيع عن سفيان عن حبيب بن أبي ثابت عن ميمون بن أبي شبيب عن المغيرة بن شعبة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من حدث عني بحديث وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين)). لما ذكر المؤلف -رحمه الله تعالى- الكذب الصريح المتعمد على النبي -عليه الصلاة والسلام-، وأن شأنه عظيم، وأنه من أسباب دخول النار -نسأل الله السلامة والعافية- ذكر الكذب الذي قد ينقله الإنسان عن غيره، وقد يراه كذباً، وقد لا يراه كذباً، بل مجرد رؤيته كذب سواءً كان من قبله أو من قبل غيره فهو أحد الكاذبين. باب: من حدث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حديثاً وهو يَرى أو يُرى أنه كذب قال -رحمه الله-: "حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا علي بن هاشم عن ابن أبي ليلى" وهو محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى الفقيه المشهور الذي تدور أقواله في كتب الفقه محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى فقيه كبير بالنسبة للفقه والرأي، لكنه بالنسبة للحديث سيء الحفظ.

"عن الحكم بن عتيبة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى" والد محمد المذكور، فهو يروي الحديث عن والده عبد الرحمن بواسطة الحكم، الابن محمد بن عبد الرحمن ذكرنا أنه فقيه مشهور، تدور أقواله، لا يخلو باب من أبواب الفقه لا يذكر اسمه، ومع ذلكم في الحديث سيء الحفظ، أبو حنيفة قيل فيه مثل ذلك، فكل في فنه، هذا في الفقه إمام، وأبوه عبد الرحمن في الحديث إمام، لكن محمد في الحديث سيء الحفظ، وأبوه عبد الرحمن لم يعد من الفقهاء، كل في فنه معتمد ومعتبر، فأبو حنيفة في الفقه يسمى الإمام الأعظم، لكنه في الرواية أقل، عاصم بن أبي النجود في القراءة إمام من أئمة المسلمين، وفي الحديث شأنه أقل.

المقصود أن كل شخص يقبل في فنه، ولكون ابن أبي ليلى محمد الفقيه يدور اسمه هكذا وبهذا قال فلان وفلان وابن أبي ليلى، وقد وجد بحث عن فقه ابن أبي ليلى، رسالة عن فقه ابن أبي ليلى، ولم يستطع الباحث بعد أن استعان بالكبار من الشيوخ تحديد المراد هل هو الابن أو الأب؛ لماذا؟ لأنه إذا قرأ في ترجمة الابن ورأى الكلام فيه من قبل أهل العلم وأنه سيء الحفظ، قال: هذا لا يستحق أن تدور أقواله في كتب العلم، والأب ما ذكر في ترجمته أنه من أهل الرأي والفقه والنظر، فاحتار كثيراً وسأل كثيراً، لكن ما الذي يحل الإشكال في مثل هذا؟ كتب الفقه لا تقول: محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، ولا تسميه، في شرح النووي قال لما ذكر محمد بن عبد الرحمن قال: وهو الذي يدور اسمه كثيراً في كتب الفقه؛ لأنه هو الفقيه، وليس المراد به أباه عبد الرحمن بن أبي ليلى، وعلى هذا كل في فنه معتبر، هذا في الفقه إمام ومعتبر، وأبوه في الحديث إمام ومعتبر، والتخصص معروف من القدم، وقد يكون الإنسان عنده من القدرة على الفهم والاستنباط والدقة فيه وإن كان في حفظه خلل وضعف؛ لأنه يتعامل مع نصوص بين يديه، فمثل هذا يستنبط من النصوص المكتوبة، بعض الناس لديه قدرة على أن يحفظ القدر الكبير لكن في استنباطه ضعف، وذكروا في ترجمة جلال الدين المحلي من فقهاء الشافعية من أئمتهم المتأخرين قالوا: إن فهمه يثقب الماس، وحافظته ضعيفة جداً، تكلف حفظ قطعة يسيرة من كتاب من كتب الفقه فارتفعت حرارته، وصار فيه خراجات ودمامل إلى أن ترك الحفظ، فلا يستطيع أن يحفظ، ومع ذلك صار إمام من أئمة الشافعية المتأخرين، وله كتب يتداولها الناس، مختصرات ومطولات وشروح، فالذي يفهم يتعامل مع الكتب، ولا يمنع أن يمسك الكتاب ويحلل ويشرح لأنه يفهم، والذي وظيفته الحفظ فقط وفهمه أقل مثل هذا عليه أن يحفظ، وعليه أن يسرد إذا طلب منه ما يحفظ، ويعاني الفهم أيضاً بمراجعة الشروح، ويسدد مع الحرص والإخلاص، ومن جمع الله له بين الأمرين الحفظ والفهم فقد اكتملت عنده آلة التحصيل، فبقي أن يبذل من نفسه، ويجتهد في طلبه، مخلصاً في ذلك لله -جل وعلا-.

"عن علي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من حدث عني حديثاً وهو يرى أنه كذب)) " ... يعني بالمناسبة تفسير الجلالين بدأه جلال الدين المحلي فأكمل النصف، وأتمه السيوطي جلال الدين، هذا لا يستطيع أن يحفظ صفحة، ما يستطيع المحلي أبداً أن يحفظ، فلما عانى الحفظ وحفظ له قطعة حصل له ما حصل، والسيوطي يحفظ من الحديث أكثر من مائتي ألف حديث، ويقول: لو وجد على ظهر الأرض أكثر من ذلك لحفظته، ويحفظ الكتب برمتها، المقصود أن ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والعبرة بمن استغل هذه النعم، وإلا يوجد في عوام المسلمين من يحفظ الكلام الطويل لأول مرة، تجده يسرد كلاماً طويلاً، وقصص وحكايات وأخبار وسواليف، لكن هل يستفيد؟ العبرة بالإفادة، العبرة بالانتفاع ثم النفع، فهذه نِعم على من أوتي هذه النعم أن يؤدي شكرها، والله المستعان. "عن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((من حدث عني حديثاً وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين)) " يرى يعني بنفسه ... طالب:. . . . . . . . . لحظة لحظة لا تستعجل.

((وهو يَرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين)) إذا رأى بنفسه أنه كذب فهو أحد الكاذبين وهذا أمره سهل؛ لأنه قد يلقي حديثاً مكذوباً عن النبي -عليه الصلاة والسلام- لكنه لا يراه مكذوباً وإن رآه غيره، والضبط الثاني: ((من حدث عني حديثاً وهو يُرى)) وهو يُرى يعني أنه كذب ولو لم يره غيره، ولو لم ينتبه له، ولو لم يتفطن له، وإنما يراه غيره، أنه كذب فهو أحد الكاذبَين الذي أنشأه والذي رواه ونقله، أو أحد الكاذبِين يعني من جملة الكذابين الذين يفترون على النبي -عليه الصلاة والسلام-، فالأمر شديد لا سيما على رواية الضم: ((يُرى)) لا يلزم أن يراه هو بنفسه، يعني وإن رآه غيره أنه كذب، فعلى هذا الأصل الامتناع عن التحديث، فلا يحدث بحديث إلا بعد أن يتأكد من صحة نسبته إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ لأنه قد يُرى أنه كذب وهو لا يشعر، يراه غيره أنه كذب وهو لا يدري، فيدخل في هذا الحديث، أما على رواية: "يَرى" فهذه الأمر فيها أسهل، الأصل أن تحدث ما لم تر أنه موضوع، لكن الضبط الأول كأنه هو المترجح احتياطاً للسنة، ولو تركنا كل أحد يحدث من الجهال ومن العلماء اللهم إلا إذا قيل: إن الخطاب خاص بأهل العلم، فإن كان يراه كذباً لا يحدث به، وإن كان يراه صحيحاً فليحدث به ولو رآه غيره كذباً فهو أحد الكاذبِين أو الكاذبَين على ما جاء في الضبط. ثم قال بعد ذلك: "حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا وكيع ح وحدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا محمد بن جعفر قالا: حدثنا وكيع، قالا: حدثنا شعبة" فوكيع ومحمد بن جعفر يرويان الحديث عن شعبة "عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن سمرة بن جندب عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من حدث عني حديثاً وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين)) ". فشعبة متابع لابن أبي ليلى، هذه متابعة لمحمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، فارتقى حديثه إلى الصحيح، فهو أحد الكاذبين أو الكاذبين.

قال: "حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال: حدثنا محمد بن فضيل عن الأعمش" سليمان بن مهران "عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى" وهذه أيضاً متابعة من الأعمش لمحمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى ولمن تقدم وهو شعبة، فالحديث مروي من طريق محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن الحكم، وأيضاً عن شعبة عن الحكم، وأيضاً عن الأعمش عن الحكم. طالب:. . . . . . . . . وين سمرة؟ طالب:. . . . . . . . . حديث سمرة وهذا حديث علي، إذاً الثاني يكون شاهد وليس بمتابعة، الثانية رقم تسعة وثلاثين شاهد وليس بمتابع، أما المتابع فهو رقم أربعين. طالب:. . . . . . . . . عن علي عن النبي -عليه الصلاة والسلام-. طالب:. . . . . . . . . إيه عن علي عن النبي -صلى الله عليه وسلم-. عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن علي عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، فهذه متابعة، اكتبوها. "عن علي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من روى عني حديثاً وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين)) " أو أحد الكاذبين، وفي هذا تحذير من إلقاء الأحاديث التي لم يتثبت ملقوها، وفي هذا تبعة عظيمة على المعلمين، وتبعة على الخطباء، وعلى الأئمة الذين يحدثون الناس لا بد أن يتثبتوا من صدق وصحة هذه الأحاديث التي يلقونها على الناس، وإذا كان الأمر عظيماً في التحديث عن النبي -عليه الصلاة والسلام- والكذب عليه فإن أيضاً التحديث عن الناس عموماً لا سيما العلماء والنقل عنهم مما لم يثبت عنهم أو يُرى أنه كذب عليهم هذا أيضاً فيه ما فيه من الكذب والافتراء، فهو كاذب أيضاً، هو أحد الكاذبين، لكنه كاذب على فلان ليس ككاذب على النبي -عليه الصلاة والسلام-، وإن سمي كاذباً آثماً. "حدثنا محمد بن عبد الله قال: أنبأنا الحسن بن موسى الأشيب عن شعبة مثل حديث سمرة بن جندب" وهذا من زوائد ابن القطان، وليس من رواية ابن ماجه، يعني ما يرويه عن مؤلف الكتاب ابن ماجه، إنما هو من الزوائد.

قال: "حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا وكيع عن سفيان عن حبيب بن أبي ثابت عن ميمون بن أبي شبيب عن المغيرة بن شعبة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من حدث عني بحديث وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين)) " فهذ االحديث صحيح لا إشكال في تصحيحه، مروي من طرق عن المغيرة وعن علي بن أبي طالب، وعن سمرة بن جندب وغيرهم من الصحابة، فالحديث صحيح، وفيه التحذير من الرواية بما لم يتثبت فيه، والله أعلم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

شرح مقدمة سنن ابن ماجه (6)

بسم الله الرحمن الرحيم شرح: مقدمة سنن ابن ماجه (6) الشيخ: عبد الكريم بن عبد الله الخضير السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. هذا كلام لابن القيم -رحمه الله- حول ابتداء السلام بالتنكير، ذكرنا في أحد الدروس أن العلماء يقولون: يخير في تعريفه وتنكيره في سلام على الحي، وعرفنا أنه بالنسبة للميت يقال لهم: السلام عليكم دار قوم مؤمنين. هنا يقول ابن القيم -رحمه الله-: ما الحكمة في ابتداء السلام بلفظ النكرة وجوابه بلفظ المعرفة؟ فتقول: سلام عليكم، فيقول الراد: وعليك السلام؟ يقول: فهذا سؤال متضمن لمسألتين، إحداهما هذه، والثانية اختصاص النكرة بابتداء المكاتبة والمعرفة بآخرها، والجواب عنهما بذكر أصل نمهده ترجع إليه مواقع التعريف والتنكير في السلام، وهو أن السلام دعاء وطلب، وهم في ألفاظ الدعاء والطلب إنما يأتون بالنكرة إما مرفوعة على الابتداء أو منصوبة على المصدر، فمن الأول قولهم: ويل له، ومن الثاني: خيبة له، هذا في الدعاء عليه، وفي الدعاء له: سقياً ورعياً، وكرامة ومسرة، فجاء: سلام عليكم، بلفظ النكرة كما جاءت سائر ألفاظ الدعاء. وسر ذلك أن هذه الألفاظ جرت مجرى النطق بالفعل ألا ترى أن سقياً ورعياً وخيبة جرى مجرى: سقاك الله ورعاك، وخيبك، وكذلك سلام عليك جارٍ مجرى سلمك الله، والفعل نكرة فأحبوا أن يجعلوا اللفظ الذي هو جارٍ مجراه وكالبدل منه نكرة مثله، وأما تعريف السلام في جانب الراد فنذكر أيضاً أصلاً يعرف به سره وحكمته، وهو أن الألف واللام إذا دخلت على اسم السلام تضمنت أربع فوائد: أحدها: الإشعار بذكر الله تعالى؛ لأن السلام المعرف من أسمائه كما تقدم تقريره. الفائدة الثانية: إشعارها بطلب معنى السلامة منه للمسلم عليه؛ لأنك متى ذكرت اسماً من أسمائه فقد تعرضت به، وتوسلت به إلى تحصيل المعنى الذي اشتق منه ذلك الاسم. الفائدة الثالثة: إن الألف واللام يلحقها معنى العموم في مضمونها والشمول في بعض المواضع. الرابعة: أنها تقوم مقام الإشارة إلى المعين كما تقول: ناولني الكتاب، واسقني الماء، وأعطني الثوب لمن هو حاضر بين يديك، فإنك تستغني بها عن قولك هذا، فهي مؤدية معنى الإشارة.

وإذا عرفت هذه الفوائد الأربع فقول الراد: وعليك السلام بالتعريف متضمن للدلالة على أن مقصوده من الرد مثل الذي ابتدئ به وهو بعينه، فكأنه قال: ذلك السلام الذي طلبته لي مردود عليك وواقع عليك، فلو أتى بالرد منكراً لم يكن فيه إشعار بذلك؛ لأن المعرف وإن تعدد ذكره واتحد لفظه فهو شيء واحد بخلاف المنكر. يعني أن النكرة إذا أعيدت معرفة صارت هي عين المذكور سابقاً، وأما بالنسبة إلى النكرة إذا أعيدت نكرة صارت غير المذكورة سابقاً ... بخلاف المنكر، ومن فهم هذا فهم معنى قول النبي -صلى الله عليه وسلم- ((لن يغلب عسر يسرين)) فإنه أشار إلى قوله تعالى {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} [(5 - 6) سورة الشرح] فالعسر وإن تكرر مرتين فتكرر بلفظ المعرفة فهو واحد، واليسر تكرر بلفظ النكرة فهو يسران، فالعسر محفوف بيسرين، يسر قبله، ويسر بعده، فلن يغلب عسر يسرين. الحديث الذي ذكره ((لن يغلب عسر يسرين)) أخرجه ابن مردويه من حديث جابر مرفوعاً بسند ضعيف، وأخرجه سعيد بن منصور وعبد الرزاق في تفسيره وابن جرير من حديث ابن مسعود، وسنده ضعيف أيضاً، أخرجه عبد الرزاق في التفسير والطبري والحاكم في المستدرك عن الحسن مرسلاً، وهو صحيح إلى الحسن، وقد روي من طرق أخرى موقوفاً ومرسلاً، ولعله بهذه الطرق أو جميع هذه الطرق تدل على أن له أصلاً، وإن لم يكن أصل يصل إلى درجة الصحة، لكن له أصل ما دام له طرق متعددة. في كلام كثير حول السلام، نعم قد يقول قائل: أيهما أبلغ سلام إبراهيم -عليه السلام- أو سلام الملائكة؟ {قَالُواْ سَلاَمًا قَالَ سَلاَمٌ} [(69) سورة هود] هو رفع السلام وهم نصبوه، والمرفوع محض في الاسمية، والاسم يدل على الثبوت والدوام، والمنصوب قائم مقام فعله، مصدر مؤكد لفعله فهو قائم مقامه، والفعل يدل على التجدد والحدوث، ولذا قال أهل العلم: إن سلام إبراهيم أبلغ من سلام الملائكة.

هنا يقول: "وأما السؤال العاشر وهو السر في نصب سلام ضيف إبراهيم –الملائكة- ورفع سلامه، فالجواب: أنك قد عرفت قول النحاة فيه أن سلام الملائكة تضمن جملة فعلية؛ لأن نصب السلام يدل على سلمنا عليك سلاماً، وسلام إبراهيم تضمن جملة اسمية؛ لأن رفعه يدل على أن المعنى سلام عليكم، والجملة الاسمية تدل على الثبوت والتقرر، والفعلية تدل على الحدوث والتجدد، فكان سلامه عليهم أكمل من سلامهم عليه، وكان له من مقامات الرد ما يليق بمنصبه -عليه الصلاة والسلام وعلى نبينا- وهو مقام الفضل إذ حياهم بأحسن من تحيتهم، هذا تقرير ما قالوا. وعندي فيه جواب أحسن من هذا، وهو أنه لم يقصد حكاية سلام الملائكة فنصب قوله: سلاماً فصار مفعول القول المفرد، كأنه قيل: قالوا: قولاً سلاماً، وقالوا: سداداً وصواباً ونحو ذلك، فإن القول إنما تحكي به الجمل، وأما المفرد فلا يكون محكياً به، بل منصوب به انتصاب المفعول به. ومن هذا قوله تعالى: {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا} [(63) سورة الفرقان] ليس المراد أنهم قالوا هذا اللفظ المفرد المنصوب، وإنما معناه قالوا: قولاً سلاماً، مثل سداداً وصواباً، وسمي القول سلاماً لأنه يؤدي معنى السلام ويتضمنه من رفع الوحشة وحصول الاستئناس. وحكى عن إبراهيم لفظ سلامه، فأتى به على لفظه مرفوعاً بالابتداء، محكياً بالقول، ولولا قصد الحكاية لقال: سلاماً بالنصب؛ لأن ما بعد القول إذا كان مرفوعاً فعلى الحكاية ليس إلا، فحصل من الفرق بين الكلامين في حكاية سلام إبراهيم ورفعه، ونصبه ذلك إشارة إلى معنى لطيف جداً، وهو أن قوله: سلام عليكم من دين الإسلام المتلقى عن إمام الحنفاء، وأبي الأنبياء، وأنه من ملة إبراهيم التي أمرنا الله باتباعها، فحكى لنا قوله ليحصل الإقتداء به والإتباع له، ولم يحكِ قول أضيافه وإنما أخبر به على الجملة دون التفصيل والكيفية -والله أعلم-، فزن هذا الجواب والذي قبله بميزان غير عائل يظهر لك أقواهما". هذا يسأل عن حكم صلاة النافلة على السيارة في الحضر؟

باب: اتباع سنة الخلفاء الراشدين المهديين

النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يصلي النافلة على دابته، أينما توجهت به في السفر، ولا يفعل ذلك في الفريضة، يوتر على النافلة ويتنفل النفل المطلق على الراحلة، ولا يفعل ذلك في الفريضة، وأما بالنسبة للحضر في الأوقات الضائعة في مثل هذه الأيام التي نعيشها في السيارات، الإنسان قد يخرج من بيته ليقضي غرضاً له فيمكث نصف ساعة أو أكثر أو أقل، فأقول الأولى في مثل هذه الحالة أن يستمع أو يقرأ، يقرأ من محفوظه، أو يستمع من المسجل ولا يصلي لأن الصلاة تشغله، وإذا احتاج إلى الركوع أو السجود لا سيما إذا كان هو القائد فقد يشغله ذلك عن القيادة بخلاف الدابة، الدابة تسير بنفسها، واصطدامها بغيرها مأمون بخلاف السيارات التي إذا انحرفت يمنة أو يسرة أضرت بصاحبها، هذا من حيث المعنى، أما من حيث الثبوت وعدمه فلم يثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه صلى على الدابة في الحضر، وإن كان أنس يميل إلى جوازه، وجوازه إذا كان الضرر مأمون، فبدلاً من أن يضيع الوقت سدى فلا أرى مانعاً منه؛ لأن السفر ليس بوصف مؤثر في مثل هذا؛ لأنه لا يترتب عليه رخصة، لا جمع ولا قصر، رخصة من رخص السفر لم يربط به، فلا أرى ما يمنع -إن شاء الله تعالى- من الصلاة على السيارة في الحضر، لكن مع أمن الضرر عليه أو على غيره. طالب:. . . . . . . . . لا ما يلزم، ما يلزم استقبال القبلة؛ لأن هذا فيه مشقة شديدة. سم. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللسامعين، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً يا رب العالمين. قال الإمام الحافظ أبو عبد الله محمد بن يزيد القزويني المعروف بابن ماجه -رحمه الله تعالى-: باب: اتباع سنة الخلفاء الراشدين المهديين

حدثنا عبد الله بن أحمد بن بشير بن ذكوان الدمشقي قال: حدثنا الوليد بن مسلم قال: حدثنا عبد الله بن العلاء -يعني ابن زبر- قال: حدثني يحيى بن أبي المطاع قال: سمعت العرباض بن سارية يقول: قام فينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذات يوم فوعظنا موعظة بليغة، وجلت منها القلوب، وذرفت منها العيون، فقيل: يا رسول الله وعظتنا موعظة مودع، فاعهد إلينا بعهد، فقال: ((عليكم بتقوى الله، والسمع والطاعة، وإن عبداً حبشياً، وسترون من بعدي اختلافاً شديداً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم والأمور المحدثات، فإن كل بدعة ضلالة)). حدثنا إسماعيل بن بشر بن منصور وإسحاق بن إبراهيم السواق قالا: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن معاوية بن صالح عن ضمرة بن حبيب عن عبد الرحمن بن عمرو السلمي أنه سمع العرباض بن سارية يقول: وعظنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- موعظة ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، فقلنا: يا رسول الله إن هذه لموعظة مودع، فماذا تعهد إلينا؟ قال: ((قد تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك، من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بما عرفتم من سنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ، وعليكم بالطاعة وإن عبداً حبشياً، فإنما المؤمن كالجمل الأنف حيثما قيد انقاد)). حدثنا يحيى بن حكيم قال: حدثنا عبد الملك بن الصباح المسمعي قال: حدثنا ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن عبد الرحمن بن عمرو عن العرباض بن سارية قال: "صلى بنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلاة الصبح، ثم أقبل علينا بوجهه فوعظنا موعظة بليغة .. فذكر نحوه". الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: باب: اتباع سنة الخلفاء الراشدين المهديين

والخلفاء الراشدون هم الأربعة المهديون الذين تركهم النبي -عليه الصلاة والسلام- على الجادة، وأمر باتباع سنتهم، والاقتداء بهديهم، وهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، وهل يكون في حكمهم من مشى على طريقتهم وجادتهم ولم يحد عن الصواب كعمر بن عبد العزيز؟ فيقول جمع من أهل العلم: هو خامس الخلفاء الراشدين، أو يقتصر النص عليهم كما هو قول عامة أهل العلم أنهم لا يقاس عليهم غيرهم، فليس فعل أحد سنة متبعة يعمل بها إلا ما كان من هؤلاء الخلفاء الراشدين المهديين، وأولاهم بذلك، وأحراهم به أبو بكر وعمر، فقد جاء مما يخصهما: ((اقتدوا بالذين من بعدي)) فعملهم سنة، واتباع سنة الأربعة مؤيد بالنص الصحيح عن النبي -عليه الصلاة والسلام-.

لو اختلف .. ، لو لم يوجد في المسألة نص عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، ووجد فيها قول لأبي بكر أو عمر أو عثمان أو علي مما لم يخالف فيه، هذا لا إشكال فيه، لا إشكال في كونه سنة متبعة بالنص حتى عند من يقول: إن قول الصحابي ليس بحجة، إنما يقصد بذلك غير الخلفاء الراشدين، وإذا خولف الواحد من الخلفاء الراشدين من قبل غيره فإن قوله مقدم على قول غيره، قد ينقل عن الخلفاء الراشدين أو عن بعضهم قول في مسألة، ويكون الجمهور على خلافه، فمثلاً القول بوجوب إخراج النساء لصلاة العيد فيه النص المرفوع قول أم عطية: "أمرنا أن نخرج العواتق والحيض وذوات الخدور إلى صلاة العيد، يشهدن الخير، ودعوة المسلمين، ويعتزل الحيض المصلى" هذا فيه نص مرفوع، والقول بالوجوب تبعاً لهذا النص قال به بعض العلماء، وهو اختيار الخلفاء الراشدين، وعليه عملهم، والجمهور على أن هذا الخروج لصلاة العيد بالنسبة لهؤلاء النسوة على سبيل الاستحباب لا على سبيل الوجوب؛ لأن المرأة لا يجب عليها أن تخرج من بيتها لأجل الصلاة ولا الصلاة المفروضة فضلاً عن الصلوات المختلف فيها كصلاة العيد، فلماذا قال جمهور أهل العلم بأن الأمر للاستحباب وقد قال بالوجوب جمع منهم الخلفاء الأربعة، وعليه يدل الأمر الذي جاء في الخبر؟ فنقول: لعل الثابت عن هؤلاء الخلفاء الأمر بالخروج لصلاة العيد، فيصرف عن الوجوب إلى الاستحباب، كما صرف الأمر الثابت عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولذا لا يمكن أن يخالف الأئمة قول الخلفاء الراشدين الذين أمرنا باتباع سنتهم، ومن وراء ذلك كله أمر النبي -عليه الصلاة والسلام-، فما دام صرفوا أمر النبي -عليه الصلاة والسلام- من الوجوب إلى الاستحباب فلأن يصرفوا قول الخلفاء الراشدين لا سيما وأنهم الثابت عنهم هو الأمر بالإخراج، وأنهم يأمرون الناس بالخروج إلى صلاة العيد، يأمرون النساء، ويأمرون أزواجهن أن يخرجوا زوجاتهم وبناتهم، فإذا صرف النص المرفوع فلأن يصرف قول الخلفاء الراشدين يعني من باب أولى؛ لأن النص ثابت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أقوى، ولذا لو ورد قول للخلفاء الأربعة كلهم وفي المسألة حديث مرفوع قُدم الحديث المرفوع، فعلى هذا لا يستدرك

على الأئمة في عدم أخذهم بما ينسب إلى الخلفاء الراشدين، ويُظن مخالفة لما هنا، غاية ما هنالك أنهم أولوا قول الخلفاء الراشدين كما أولوا الحديث المرفوع. هارون سموه الرشيد، والرشيد صيغة مبالغة، أبلغ من الراشد، فأبو بكر خليفة راشد، وعمر خليفة راشد بالنص، وعثمان خليفة راشد، وعلي خليفة راشد، وهارون رشيد أبلغ من راشد، لكن هذا لا يعني أنه سمي بهذه التسمية فتكون شرعية، لا يلزم أن تكون مطابقة للواقع، لا سيما وأن محتواها أبلغ مما وصف به الأئمة الأربعة، الخلفاء الأربعة، ويقاس عليها ما في معناها من صيغ المبالغة. قال -رحمه الله-: "حدثنا عبد الله بن أحمد بن بشير بن ذكوان الدمشقي قال: حدثنا الوليد بن مسلم، قال: حدثنا عبد الله بن العلاء -يعني ابن زبر- قال: حدثني يحيى بن أبي المطاع قال: سمعت العرباض بن سارية" فهو يصرح بالسماع، والذي في كتب الرجال في ترجمته أنه لم يلقَ العرباض بن سارية، وعلى هذا فالخبر منقطع، وهل يضعف يحيى بن أبي المطاع بهذا التصريح وهو لم يلقه؟ أو نحكم بأنه لقيه من خلال تصريحه؟ ونحكم على ما في كتب الرجال بأنه لم يلقه بأن تصريحه أولى بالقبول من الحكم بعدم لقيه إياه، فعندنا في كتب الرجال يقول: إنه لم يلقَ العرباض بن سارية، وهو يقول: سمعت العرباض بن سارية فهل المقدم قوله فيحكم بالسماع، ويحكم على قولهم بالوهم، ولعلهم لم يطلعوا على هذه الطريق التي فيها التصريح، وإن كان هذا بعيد؟ أو يقدم قولهم ويكون قوله: "سمعت العرباض" إما تصحيف من بعض الرواة، أو يكون فيه سقط في السند، والذي يقول: سمعت العرباض غير يحيى بن أبي المطاع ممن هو بينه وبينه، وعلى كل حال الحديث مضعف بسبب ذلك، بسبب أن يحيى بن أبي المطاع لم يلقَ العرباض بن سارية، وعلى كل حال الحديث له شواهد تشهد لألفاظه، حديث العرباض مروي من طرق، منها ما سيأتي.

قال: "سمعت العرباض بن سارية يقول: قام فينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذات يوم، فوعظنا موعظة بليغة" وعظنا فالرسول -عليه الصلاة والسلام- يصح أن يقال: واعظ، كما أنه مبشر ومنذر ومبلغ عن الله -جل وعلا-، يصح أن يقال: واعظ، ويصح أن يقال: مذكر، {فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ} [(45) سورة ق] وبعض من ينتسب إلى طلب العلم يأنف أن يقال له: واعظ، وجاء الوعظ في القرآن في مواضع، والأنفة من هذا الوصف لأن من الوعاظ من لا ينتسب إلى العلم، بل هم إلى العامة أقرب، فيأنف، يعني لا سيما في الوضع العرفي، من الوعاظ من هو إلى العامية أقرب، فطالب العلم يأنف أن يصنف واعظ، وقد أشرنا على بعض طلاب العلم الذين لديهم خبرة وقدرة على التأثير أن يشرحوا كتب الرقاق، فقال بعضهم: أنا لا أريد أن أصنف واعظ، لا يريد أن يصنف واعظ، وفي الحديث: "وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم" فهو واعظ، وهذه الأنفة وإن كان مردها وسببها خشية التشبه بالوعاظ والقصاص الذين هم إلى العوام أقرب منهم إلى العلماء، لكن لا يضيرك أن يقال: واعظ، فتشبه بالنبي -عليه الصلاة والسلام- الذي ثبت وصفه بهذا، وإن تشبث به بعض من لا ينتسب إلى العلم، فالوعظ لا سيما بالنصوص {فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ} [(45) سورة ق] وبالنصوص النبوية من أولويات الوظائف بالنسبة للعالم وطالب العلم؛ لأنه بهذا الوعظ وبهذا التذكير وباختيار المادة الصحيحة من كتاب الله وسنة نبيه -عليه الصلاة والسلام-، مع اجتناب ما لم يثبت، ومع اجتناب القصص التي لا أصل لها، وبهذا يسوق الناس إلى العمل بالعلم، فالعالم وطالب العلم الذي يقتصر على متين العلم من الأحكام فقط فإنه قد يغفل عن العمل، ولا يسوقه ويقوده إلى العمل إلا هذه الأحاديث وهذه الآيات والأحاديث الصحيحة في الرقاق التي ترغب الإنسان في الأعمال الصالحة، فإذا ترك أهل العلم هذا المجال قام به من لا تبرأ الذمة بوعظه، قام به من يعظ الناس بالقصص الواهية، وبالأحاديث الضعيفة والموضوعة كما هو شأن القصاص من قديم، وما ذلكم إلا لأن أهل العلم تركوه، والنبي -عليه الصلاة والسلام- وعظ أصحابه موعظة بليغة.

موعظة بليغة، وهل المراد بالبلاغة هنا ارتكاب المحسنات وضروب أنواع البديع ومراعاة قواعد البيان والمعاني المعروف مجموعها بعلم البلاغة، هل هذا هو المقصود؟ أو أنه بالغ فيها -عليه الصلاة والسلام- بالزجر والأمر حتى وجلت القلوب وذرفت العيون؟ لأن الكلام إذا وصف بالبلاغة واستعملت فيه قواعد علم البيان والمعاني، واستعملت فيه المحسنات البديعية فقط، إذا قلنا: البلاغة هذه المشتملة على ثلاثة العلوم أو ثلاثة الفنون هل يقتضي ذلك أن تجل منها القلوب، وتذرف منها العيون؟ لا، ما يلزم، قد يتصف ويطبق قواعد الفنون الثلاثة ومع ذلك يكون مسلي يعني نكتة، وتستعمل فيها قواعد الفنون الثلاثة، المراد بالبلاغة هنا المبالغة في انتقاء النصوص المؤثرة التي منها تجل القلوب، وتذرف العيون. "قام فينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذات يوم" وذات هذه مقحمة يستعملونها وإن اقتصروا على يوم، والمقصود في يوم من الأيام، فوعظنا موعظة بليغة، وجلت منها القلوب، خافت، لكن قلوب من؟ نعم قلوب الصحابة، ومن يضاهيهم ويحاكيهم ممن نور الله قلبه {الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} [(35) سورة الحج] ومن الناس مع قساوة القلوب التي نعيشها وإلى الله المشتكى لا فرق بين أن يوعظ ويذكر بالقرآن أو بصحيح السنة وبين أن يقرأ عليه من جريدة قصاصة من جريدة، أو يسمع خبر من الأخبار من وسيلة لا فرق، والنبي -عليه الصلاة والسلام- كما في الحديث المختلف فيه يقول -عليه الصلاة والسلام-: ((شيبتني هود وأخواتها)) وأتحدث عن نفسي أنني بدأت بسورة يونس فلم أشعر إلا وأنا بيوسف، فما الأثر الذي تركته هود في نفسي؟ وأجزم أن مثلي موجود يعني في طلاب العلم، فهل هذه هي القراءة التي تترتب عليها آثارها؟ على الإنسان أن يعيد حساباته، يحاسب نفسه.

زرارة بن أوفى سمع الإمام وهو يقول: {فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ} [(8) سورة المدثر] قالوا: خر مغشياً عليه فمات، وبعض الناس ينكر مثل هذا القول، وممن ينكره من المتقدمين ابن سيرين، يقول: لا يمكن أن يغمى على الإنسان أو يغشى عليه يصاب بالغشي؛ لأنه يسمع القرآن، والرسول -عليه الصلاة والسلام- وصحابته الكرام سمعوا وما حصل لهم شيء من هذا، واختبروا من يدعي ذلك فاجعلوه على جدار واقرؤوا القرآن إن سقط فهو صادق، إن سقط من الجدار فهو صادق، وجمع من أهل التحقيق ومنهم شيخ الإسلام يرى أنه لا مانع من وقوع هذا من بعض الناس، لا شك أن القرآن ثقيل، وأثره في القلوب بالغ، لكن القلوب تتفاوت منها القلب القوي كقلبه -عليه الصلاة والسلام-، وقلوب صحابته الكرام، هؤلاء يتقبلون هذا الكلام القوي، هذا الكلام الثقيل بقلوب قوية، يتأثرون تأثر بالغ لكنهم يتحملون، من جاء بعدهم استشعروا هذه العظمة وهذا الثقل لكلام الله -جل وعلا-، لكن القلوب بعد الصحابة ضعفت، فصاروا لا يتحملون مثل هذا الكلام الثقيل، وهم يستشعرون عظمة ما يسمعون، فيحصل لهم ما يحصل، ثم طال بالناس الزمان مع ضعف القلوب، ما نقول: قويت القلوب، القلوب ضعيفة، لكن استشعار عظمة القرآن خفت في قلوب المسلمين، استشعار العظمة خفت، فلذا لا يتأثرون، لكن ما الدليل على أن قلوبهم ضعيفة؟ لو حصل للإنسان منهم أدنى مشكلة تغيرت حساباته وكاد أن يجن بسببها، وقد يصاب بالإغماء أو بالغشي كما حصل في بعض الكوارث التجارية أو المصائب التي تحصل لبعض الناس، هل هذا القلب قوي الذي تأثر بأمور دنياه؟ هذا ليس بقلب قوي، لكن كونه لا يتأثر بالقرآن مع عظمته وقوته وثقله لأنه لا يستشعر هذا، لا يستشعر هذه العظمة، فالصحابة يتأثرون، ومن يستشعر عظمة هذا القرآن يتأثرون. "فوعظنا موعظة بليغة، وجلت منها القلوب، وذرفت منها العيون" والحديث كما قررنا ضعيف للانقطاع، لكن ألفاظه صحيحة، جاءت من طرق صحيحة؛ لئلا يقول قائل مثل ما قال واحد بالأمس: إنك تقرر الحديث أنه ضعيف وتشرحه، والضعيف ما دام ما يحتج به لماذا يشرح؟ نقول: يشرح إذا كان له ما يشهد له، وله أصل يدل على أنه ثابت عن النبي -عليه الصلاة والسلام-.

"وذرفت منها العيون" ذرفت الدموع من العيون "فقيل: يا رسول الله وعظتنا موعظة مودع" يعني كأننا لن نراك بعد اليوم، فاعهد إلينا بعهد، وفي بعض الألفاظ: "فأوصنا" "فاعهد إلينا بعهد" نأثره بعدك ونعمل به من بعدك؟ "فقال: ((عليكم بتقوى الله)) " وهي وصية الله للأولين والآخرين، وما من نبي إلا ويأمر قومه بتقوى الله -جل وعلا-، وقد أمر الناس قاطبة بها، وحثوا عليها، وجاء قول الله -جل وعلا-: {قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} [(6) سورة التحريم]. ((عليكم بتقوى الله، والسمع والطاعة)) لمن ولاه الله أمركم، والسمع والطاعة لمن ولاه الله الأمر ((وإن عبداً حبشياً)) يعني: وإن كان عبداً حبشياً، وإن كان هذا الولي عبداً حبشياً. يقول عبادة بن الصامت: بايعنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على السمع والطاعة في العسر واليسر، والمنشط والمكره، على أن نقول أو نقوم بالحق لا نخاف في الله لومة لائم، والسمع والطاعة لا يختلف مع النصيحة، وأداء الواجب، والسعي لتغيير المنكر أو تقليله، لا منافاة بينهما، ويخطئ من يزعم أن إنكار المنكر بالطرق الشرعية التي تترتب عليها آثارها، أو نصيحة من يحصل منه شيء كائناً من كان ولو كان ولي الأمر، يخطئ من يقول: إن هذا يعارض السمع والطاعة، بل هو من تمام السمع والطاعة، فالدين النصيحة. يقول: ((وإن عبداً حبشياً)) يعني: وإن كان المولى أو الذي تولى عبد حبشي، وهذا يكون في صورتين لأن الأصل أن الأئمة من قريش، كما ثبت بذلك الخبر من طرق كثيرة جداً حتى جمعها الحافظ ابن حجر في جزء أسماه: "لذة العيش في جمع طرق الأئمة من قريش" حديث صحيح بلا شك، مخرج في الصحيح وغيره.

وقوله: ((وإن عبداً حبشياً)) وفي بعض الروايات: ((رأسه كأنه زبيبة)) إذا كان الخليفة عبد حبشي لا يمكن انتخابه في حال الاختيار وهو عبد حبشي، لا بد في حال الاختيار أن يكون من قريش، لكن في حال الإجبار لو استولى على الناس بسيفه، وأرغمهم على الخضوع له لا بد من السمع والطاعة، ولا يجوز نزع يد الطاعة بعد استتباب الأمن له، إلا بالضوابط الشرعية المعروفة ((لا، ما صلوا)) ما دام يصلي تجب طاعته ((ما لم تروا كفراً بواحاً)) فإذا لم يوجد الكفر البواح فلا يجوز الخروج بحال، ولو وجد الظلم، ولو وجدت المعاصي، ولو كثرت المنكرات، المقصود أن مثل هذا ليس بمبرر للخروج، ونزع اليد من الطاعة، أو شهر السيف في وجه الولاة، لا، أبداً، نعم إذا رئي الكفر المباح نعم هذه غاية، وإذا تركوا الصلاة هذه غاية، كما جاءت به النصوص. العبد الحبشي هذا إذا تولى بقوته، وقهر الناس، واستولى عليهم، واستتب الأمن له لا يجوز الخروج عليه، والأئمة من قريش في حال الاختيار، حال الترشيح لا يرشح عبد حبشي، وإنما يرشح من قريش، أو يكون مولى من قبل ولي الأمر، ولي الأمر قرشي نعم ولى عبداً حبشياً على جهة من الجهات حينئذٍ تجب طاعته؛ لأن طاعته من طاعة ولي الأمر، وطاعة ولي الأمر من طاعة النبي -عليه الصلاة والسلام-، وطاعة النبي -عليه الصلاة والسلام- من طاعة الله -عز وجل-، ((من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن أطاع أميري فقد أطاعني)). "فقال -عليه الصلاة والسلام-: ((عليكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن عبداً حبشياً، وسترون من بعدي اختلافاً كثيراً)) " وحدث مصداقه بعد وفاته بزمن يسير، وجد الاختلاف والفرقة بين المسلمين، وبعد الفتنة التي بدأت بقتل الخليفة الراشد عمر، ثم قتل عثمان، ثم الخلاف بين علي ومعاوية، وما زال الأمر يزيد حتى طمست كثير من معالم الدين. ((وسترون بعدي اختلافاً شديداً)) يعني إلى أن وجد من الخلفاء من يحمل الناس على الابتداع في الدين.

((وسترون بعدي اختلافاً شديداً، فعليكم بسنتي)) إغراء ((فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين)) الذين هداهم الله إلى الصراط المستقيم ((عضوا عليها بالنواجذ)) والنواجذ هي: الأنياب أو الأضراس، وما يعض عليه بالأضراس يصعب نزعه منها، لا سيما إذا كان العاض جاد وصادق في ذلك. ((عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم والأمور المحدثات)) تحذير ((إياكم والأمور المحدثات)) يعني الإحداث في الدين، وابتداع عبادات لم يأذن الله بها، ولم يسبق لها شرعية من الكتاب والسنة، وهذه هي البدع، ((فإن كل بدعة ضلالة)). هذه البدع وهذه المحدثات حدثت أول ما حدثت في زمن الصحابة، في بدعة الخوارج، ثم بدعة الروافض، ثم النواصب، ثم تنوعت البدع، وافترقت الأمة على ما أخبر عنه النبي -عليه الصلاة والسلام- من أنها ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة، وحصل هذا كله، لكن على المسلم أن يسعى لخلاص نفسه، فلا يعمل شيئاً إلا وله أصل شرعي، ولا يبتدع في الدين ما لم يأذن به الله، ولا يحدث في دين الله ما لم يسبق له شرعية ((فإن كل بدعة ضلالة)) هذا تعميم من النبي -عليه الصلاة والسلام-، وأن جميع البدع وأن جميع ما يحدث في الدين فإنه ضلالة، وبهذا يرد على من قسم البدع إلى بدع محمودة، وبدع مذمومة، أو بدع واجبة، وبدع مستحبة، وبدع مباحة، وبدع مكروهة، وبدع محرمة، هذا التقسيم مخترع، لم يسبق له دليل من كتاب ولا سنة، كما قرر ذلك الشاطبي في الاعتصام، رد على هذا التقسيم وقوض دعائمه بأسلوب قوي، وحجة ناصعة، الرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((كل بدعة ضلالة)) ونقول: بدعة محمودة؟ الرسول -عليه الصلاة والسلام- يقرر بأن كل بدعة ضلالة ونقول: بدعة واجبة؟! هذه معارضة ومضادة ومحادة لهذا التعميم النبوي، وإن قال به من قال به من أهل العلم، فهم مجتهدون، هذا غاية ما يقال فيهم، ولا يظن بهم، ولا يتهمون، لكن أشكل عليهم بعض النصوص فقرروا ما قرروا.

ممن يرى التقسيم العز بن عبد السلام والنووي وابن حجر وجمع من أهل العلم، يرون هذا التقسيم، أن البدع منها ما يمدح، ومنها ما يذم، ((من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة)) فيقولون: هذا سن سنة، يعني ابتدأها، وسماها النبي -عليه الصلاة والسلام-، ووصفها بأنها حسنة، إذاً من سن يعني ابتدع واخترع سنة حسنة، وهناك أيضاً سنة سيئة، فدل على أن من البدع وما يسن وما يخترع منه ما هو حسن ومنه ما هو سيء، وأيضاً يتشبثون بقول عمر -رضي الله عنه- في صلاة التراويح: "نعمت البدعة هذه" فمدحها؛ لأن (نعم) مدح بخلاف (بئس) وسماها بدعة، أما من سن في الإسلام سنة فسبب الورود يدل على أنه ليس بشيء جديد يخترعه من سن، وإنما هو ابتداء في مشروع يغفل عنه الناس أو يتركونه، تموت هذه السنة الثابتة عن النبي -عليه الصلاة والسلام- بدليل صحيح، فيهجرها الناس فمن يحييها له هذا الأجر، وليس المراد بذلك سنة لا دليل عليها من الكتاب والسنة، بل هذه بدعة وليست بسنة، وسبب الورود أن النبي -عليه الصلاة والسلام- أمر بالصدقة فجاء أول شخص بمال وفير وتصدق به، فأراد النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يبين أن هذا الذي سبق يستن الناس بسنته، ويقتدون به في هذا البذل الذي جاء الحث عليه من الشارع، يعني ليس بمبتدع، كونه سبق الناس ليقتدوا به هذا له الأجر، له أجر هذا العمل، وأجر من عمل به إلى يوم القيامة، وقل مثل هذا من بادر في إحياء سنة ماتت مثلاً، من بادر بإحياء سنة سيئة –أقصد- ماتت في مقابل السنة الحسنة، أو ابتكر بدعة وعمل الناس بها، واقتدوا به فيها هذا عليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة. طالب:. . . . . . . . . إذاً كيف يعمل بدون نية تعبد؟ يعني أنت تريد أن مثل هذا الذي تصدق، يعني شخص يريد أن يصلي بعد صلاة المغرب أربع ركعات مثلاً أو ست ركعات بسلام واحد مثلاً هذا لم يسبق له شرعية، فهل تريد أن هذا لا يدخل في حيز البدعة حتى ينوي التعبد؟ هو ما صلاها إلا للتعبد، نعم؟ طالب:. . . . . . . . . مثل إيش؟ طالب:. . . . . . . . . مثل؟ طالب:. . . . . . . . . يعني كونه يتخذ يوماً لعبادة معينة؟

طالب:. . . . . . . . . يوم معين لا مزية له على الأيام، يعني يتخذ يوم السبت أو يوم الثلاثاء لختم القرآن من كل أسبوع مثل هذا؟ تعني مثل هذا؟ طالب:. . . . . . . . .

المقصود أن مثل هذا لم يسبق له شرعية، ولا التزم من قبل السلف الصالح، فليس من فعلهم أن يخصصوا يوماً لختم القرآن، لكنه من لازم الفعل، ليس من فعلهم لكنه من لازم الفعل، كيف من لازم الفعل؟ السلف امتثالاً لقول النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((اقرأ القرآن في سبع ولا تزد)) قسموا القرآن إلى أسباع، فطريقتهم في قراءة القرآن في تقسيمه على سبع امتثالاً لهذا الأمر النبوي أنهم يقرؤون في اليوم الأول ثلاث، وفي الثاني خمس، وفي الثالث سبع، وفي الرابع تسع، وفي الخامس إحدى عشرة، وفي السادس ثلاث عشرة، وفي السابع المفصل، ومن لازم هذا الفعل أن يكون الختم في يوم واحد؛ لأن الأسبوع سبعة أيام، فإذا كان فعله الختم في يوم السبت أو في يوم الثلاثاء من أجل هذا فلا ضير عليه؛ لأنه يقرأ القرآن في سبع والأسبوع سبعة أيام، فليس من فعلهم لكنه من لازم فعلهم، فلا يوصف بالبدعة حينئذٍ، وقل من باب أولى إذا اتخذ يوم الجمعة أو عصر الجمعة لختم القرآن لا يلام على ذلك، ولا يقال: إنه وقت وقتاً للعبادة لم يوقته الشارع، نقول: الشارع أمر بقراءة القرآن في سبع، والأسبوع سبعة أيام من لازم ذلك أن يختم في يوم معين، لكن لو افترضنا أن القرآن يقرأ في غير هذه العدة، ثم إن الإنسان يتعمد أن يكون ختمه في يوم الثلاثاء، الأربعاء، أو الخميس، أو أي يوم من الأيام ما لم يكن الوقت له مزية، كأن يكون وقت إجابة دعوة، ولمن ختم القرآن دعوة مستجابة كما جاء في الخبر، الصحابة كأنس وغيره يجمعون أولادهم وأهليهم يجمعونهم لختم القرآن، ولذا يحرص منذ أزمان متطاولة أن يكون ختم القرآن في رمضان ليلة سبع وعشرين؛ لأنها ترجى فيها ليلة القدر، وأكثر ما يختم الأئمة في ليالي الوتر، وهذا الاختيار له وجه شرعي، فإما أن يكون مما تدل له الأدلة كما هنا، أو يكون من لازم فعل السلف المبني على الدليل، وهذا لا إشكال فيه، لكن لو كان في كل يوم ثلاثاء مثلاً يدخل المسجد ويجلس من بعد صلاة الظهر إلى العصر في هذا اليوم خاصة يعتقد فيه مزية، ويخصه من بين الأيام نقول: ابتدعت. ((فإن كل بدعة ضلالة)) ...

استدلالهم بقول عمر -رضي الله عنه-: "نعمت البدعة" هذا دليل ليس في محله؛ لأن عمر -رضي الله عنه- لم يقصد البدعة الشرعية؛ لأن هذا العمل سبق له شرعية من فعل النبي -عليه الصلاة والسلام-، هذا العمل وهو صلاة قيام رمضان جماعة فعله النبي -عليه الصلاة والسلام- ليلتين أو ثلاث ثم تركه لا نسخاً له ولا رغبة عنه، وإنما خشية أن يفرض، فلما أمن فرضية هذه العبادة أمنت لأنه لو فرضت ما أطاقها الناس ولعجزوا عنها، فلما أمنت بوفاته -عليه الصلاة والسلام- أعادها عمر، فهو يعمل بشرع سابق، وحينئذٍ لا يسمى بدعة لأنه سبق له شرعية من السنة، فلا يريد البدعة الشرعية قطعاً؛ لأنه لا يتصور من عمر أنه يبتدع في دين الله وقد أمرنا بالعمل بسنته -رضي الله عنه وأرضاه-. شيخ الإسلام يرى أنها بدعة لغوية، تعريف البدعة لغة: ما عمل على غير مثال سابق، وهذه الفعلة أعني جمع الناس على إمام واحد له مثال سبق في عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- فليس ببدعة لغوية، والشاطبي يقول: مجاز، وأيضاً عند من ينفي المجاز لا يقول بهذا، فماذا يقول من ينفي المجاز؟ يقول: عمر -رضي الله تعالى عنه- تصور أن قائلاً سوف يقول له: ابتدعت يا عمر، فقال -رضي الله عنه وأرضاه-: نعمت البدعة هذه على سبيل المشاكلة والمجانسة في التعبير، مشاكلة ومجانسة في التعبير، لا إرادة حقيقة البدعة، المشاكلة نوع من أنواع البديع، بخلاف المجاز الذي هو من علم البيان، نعم؟ طالب:. . . . . . . . .

هذا مقرر عند أهل العلم، لكن الكلام إجمالي، لا نريد أن ندخل في تفصيلات، أمامنا نص يقول: ((فإن كل بدعة ضلالة)) نعم ((كل بدعة ضلالة)) لكن إذا كان الوقت أو الوصف من لازم عمل السلف الصالح نحكم عليه بأنه بدعة؟ ما نحكم بأنه بدعة، ولو قال أهل العلم مثل هذا، لكن هم يقررون مسائل أصول العلم أو أصول هذه المسألة، ثم تفاصيلها انظر هل له أصل أو لا أصل له؟ فإن كان من عملهم، من عمل السلف أو من لازم عملهم كما قررنا في ختم القرآن في يوم معين، ما دام الرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((اقرأ القرآن في سبع)) وأيام الأسبوع سبعة يبي يختلف يوم الختم؟ لن يختلف يوم الختم؛ لأن الأسباع التي حزبت وقسم عليها القرآن تدور مع الأيام، كل يوم في حزبه المعين، فلا يلزم من ذلك أن يكون بدعة لأنه من لازم عملهم. إذاً قول عمر -رضي الله تعالى عنه-: "نعمت البدعة" إنما هو من باب المشاكلة والمجانسة في التعبير، وأهل البلاغة وأهل البديع يقررون أن المجانسة لا يلزم فيها أن يكون اللفظ مذكوراً، وإنما يقولون: حقيقة -يعني مذكور لفظ مجانس حقيقة- أو تقديراً، فإذا خشي الإنسان أن يقال له: فعلت كذا؟ قال: نعم فعلت، ابتدعت يا عمر؟ نعمت البدعة، ويش المانع؟ يعني على سبيل التنزل، والأمثلة على ذلك كثيرة، وبسطنا هذه المسألة في مناسبات فلا داعي لإعادتها.

قال -رحمه الله- بعد ذلك: "حدثنا إسماعيل بن بشر بن منصور وإسحاق بن إبراهيم السواق قالا: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن معاوية بن صالح عن ضمرة بن حبيب عن عبد الرحمن بن عمرو السلمي" عن عبد الرحمن بن عمرو السلمي هذا قالوا عنه: إنه صدوق، فحديثه حسن "أنه سمع العرباض بن سارية يقول" الحديث بهذا الإسناد حسن "يقول: وعظنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- موعظة" يعني كما تقدم في الخبر السابق "ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، فقلنا: يا رسول الله إن هذه لموعظة مودع، فماذا تعهد إلينا؟ قال: ((قد تركتكم على البيضاء)) " وهذا تقدم على الملة البيضاء، الطريق والمحجة البيضاء التي ((ليلها كنهارها)) يعني لا يمكن أن يرد معها شبهة لا حل لها إلا عند من خالف أو قصر، فالدين واضح -ولله الحمد-، ولا خفاء فيه ولا غبش ولا لبس، لكن بعض الناس يؤتى من قبل نفسه، إما أن يقصر في تعلم الدين، أو يسلك غير سبيل المؤمنين، ولو كان هذا السلوك جزئياً فإنه يدخل عليه الخلل بقدره. ((تركتكم على البيضاء ليلكها كنهارها)) لا يختلف فيها الأمر، فهي واضحة جلية ((لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك، من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً)) وقد حصل كما أخبر النبي -عليه الصلاة والسلام- ((فعليكم بما عرفتم من سنتي)) أما ما أنكرتموه فتوقفوا فيه، فإن كنتم من أهل العلم والنظر والتأهل للوصول إلى الصحيح من الضعيف بأنفسكم فهذا فرضكم، فابحثوا وتأكدوا، فإن ثبت فاعملوا به، وإن لم يثبت فاجتنبوه، واطرحوه وألقوه ((بما عرفتم من سنتي)) وإن كنتم لستم من أهل النظر في هذا الباب، ولا تأهلتم لذلك، فاسألوا أهل العلم، هذه فريضة العامي ومن في حكمه يسألوا أهل العلم. ((فعليكم بما عرفتم من سنتي، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ، وعليكم بالطاعة)) يعني بالسمع والطاعة ((وإن عبداً حبشياً)) وهذا تقدم ((فإنما المؤمن كالجمل الأنف حيثما قيد انقاد)).

باب: اجتناب البدع والجدل

يعني سهل القياد، لا ينتصر لحظوظ نفسه ويعاند ويصر، لا، يتبع الحق حيثما انقيد حيثما قيد بالحق انقاد، كالجمل الأنف الذي يجعل الزمام في أنفه ويجر به، هذا الجمل الذي خرم أنفه، ووضع فيه القياد –الزمام- وقيد به لا يستطيع أن يخالف قائده، فعلى هذا المؤمن ينقاد حيثما قيد بالنصوص، لا أنه مغفل يجر حيثما أراد من أراد أن يجره، ويستهويه من حيث من أراد أن يجلبه إلى هواه، لا، المؤمن كيس فطن ومع ذلك سهل القياد، وقد جاء في الحديث: ((لينوا بأيدي إخوانكم)) ومن الناس من هو وإن انتسب إلى الإسلام من هو عسر الطبع، بحيث يكون معانداً في كل ما يؤمر به، كما قال بعضهم: السهل يوطأ، ولا شك أن الإنسان إذا دعي إلى الحق عليه أن يستجيب، وليس له خيرة، فينقاد لأمر الله وأمر رسوله، ومن يأمر بهما. قال -رحمه الله-: "حدثنا يحيى بن حكيم قال: حدثنا عبد الملك بن الصباح المسمعي قال: حدثنا ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن عبد الرحمن بن عمرو" هو السلمي السابق "عن العرباض بن سارية قال: "صلى بنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلاة الصبح، ثم أقبل بوجهه، فوعظنا موعظة بليغة ... فذكر نحوه" وهذا الحديث بطرقه الثلاثة يصل إلى درجة الصحيح، ومع ذلك هو مخرج في صحيح مسلم ومسند أحمد، لكننا نتعامل مع السنن، ولو كنا نشرح صحيح مسلم لما ساغ لنا أن نقول: صحيح، ما دام الحديث مخرج في مسلم لا يسوغ لنا أن نقول: صحيح، إنما نكتفي بقولنا: خرجه البخاري أو خرجه مسلم؛ لأن هذا علامة الصحة، وإذا كان الخبر في غيرهما فالأمر فيه سعة، إذا دُرس الإسناد وصارت النتيجة صحة الخبر يقال: صحيح، وإذا درس وصارت النتيجة الضعف يقال: ضعيف، الله المستعان، نعم. باب: اجتناب البدع والجدل

حدثنا سويد بن سعيد وأحمد بن ثابت الجحدري قالا: حدثنا عبد الوهاب الثقفي عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد الله قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا خطب احمرت عيناه، وعلا صوته، واشتد غضبه، كأنه منذر جيش يقول: صبحكم مساكم، ويقول: ((بعثت أنا والساعة كهاتين)) ويقرن بين إصبعيه السبابة والوسطى، ثم يقول: ((أما بعد: فإن خير الأمور كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة)) وكان يقول: ((من ترك مالاً فلأهله، ومن ترك ديناً أو ضياعاً فعلي وإلي)). حدثنا محمد بن عبيد بن ميمون المدني أبو عبيد قال: حدثنا أبي عن محمد بن جعفر بن أبي كثير عن موسى بن عقبة عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله بن مسعود أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إنما هما اثنتان الكلام والهدي، فأحسن الكلام كلام الله، وأحسن الهدي هدي محمد، ألا وإياكم ومحدثات الأمور، فإن شر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، ألا لا يطولن عليكم الأمد فتقسو قلوبكم، ألا إن ما هو آتٍ قريب، وإنما البعيد ما ليس بآتٍ، ألا إنما الشقي من شقي في بطن أمه، والسعيد من وعظ بغيره، ألا إن قتال المؤمن كفر، وسبابه فسوق، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، ألا وإياكم والكذب فإن الكذب لا يصلح بالجد ولا بالهزل، ولا يعد الرجل صبيه ثم لا يفي له، فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وإنه يقال للصادق: صدق وبر، ويقال للكاذب: كذب وفجر، ألا وإن العبد يكذب حتى يكتب عند الله كذاباً)).

حدثنا محمد بن خالد بن خداش قال: حدثنا إسماعيل بن علية قال: حدثنا أيوب ح وحدثنا أحمد بن ثابت الجحدري ويحيى بن حكيم قالا: حدثنا عبد الوهاب قال: حدثنا أيوب عن عبد الله بن أبي مليكة عن عائشة قالت: "تلا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هذه الآية: {هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} [(7) سورة آل عمران] إلى قوله: {وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ} [(7) سورة آل عمران] فقال: ((يا عائشة إذا رأيتم الذين يجادلون فيه فهم الذين عناهم الله فاحذروهم)). حدثنا علي بن المنذر قال: حدثنا محمد بن فضيل ح وحدثنا حوثرة بن محمد قال: حدثنا محمد بن بشر قالا: حدثنا حجاج بن دينار عن أبي غالب عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل)) ثم تلا هذه الآية: {بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ} [(58) سورة الزخرف]. حدثنا داود بن سليمان العسكري قال: حدثنا محمد بن علي أبو هاشم بن أبي خداش الموصلي قال: حدثنا محمد بن محصن عن إبراهيم بن أبي عبلة عن عبد الله بن الديلمي عن حذيفة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا يقبل الله لصاحب بدعة صوماً ولا صلاة ولا صدقة ولا حجاً ولا عمرة ولا جهاداً ولا صرفاً ولا عدلاً، يخرج من الإسلام كما تخرج الشعرة من العجين)). حدثنا عبد الله بن سعيد قال: حدثنا بشر بن منصور الخياط عن أبي زيد عن أبي المغيرة عن عبد الله بن عباس قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أبى الله أن يقبل عمل صاحب بدعة حتى يدع بدعته)). حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقي وهارون بن إسحاق قالا: حدثنا ابن أبي فديك عن سلمة بن وردان عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من ترك الكذب وهو باطل بني له قصر في ربض الجنة، ومن ترك المراء وهو محق بني له في وسطها، ومن حسن خلقه بني له في أعلاها)). يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: باب: اجتناب البدع والجدل

لما بين السنة المأثورة عن النبي -عليه الصلاة والسلام- وعن صحابته من الخلفاء الراشدين، ذكر ما يخالف ذلك ويضاده، فذكر البدع والمحدثات والجدل الذي هو معارض للانقياد والتسليم، والمقصود به الجدل بالباطل ولنصر الباطل، وأما الجدل للوصول إلى الحق وللدعوة إليه فهذا مطلوب، ومأمور به {وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [(125) سورة النحل] أما إذا كان الجدال للانتصار للنفس والرأي، أو لنصر الباطل فإن هذا محرم لا يجوز، وهو المنهي عنه. قال: "حدثنا سويد بن سعيد وأحمد بن ثابت الجحدري قالا: حدثنا عبد الوهاب الثقفي عن جعفر بن محمد عن أبيه" جعفر بن محمد الصادق "عن أبيه" محمد بن علي الباقر "عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا خطب" في أي مناسبة، كخطبة الجمعة مثلاً، "احمرت عيناه" لأنه كان -عليه الصلاة والسلام- يتحمس في الخطب، وتحمر عيناه، ويعلو صوته، ويشتد غضبه، لما أمر به من تبليغ الدين، فهو يريد أن يؤخذ عنه، وليلفت أنظار السامعين، ويحملهم على سماع هذه الخطبة بهذه المؤثرات "احمرت عيناه، وعلا صوته، واشتد غضبه" غيرة لله ولدينه ولمحارمه، وحرصاً على نفع الأمة "واشتد غضبه كأنه منذر جيش، يقول: صبحكم مساكم" صبحكم يعني جاءكم العدو صباحاً، ومساكم جاءكم العدو في المساء "ويقول -عليه الصلاة والسلام-: ((بعثت أنا والساعة كهاتين)) " بعثت أنا والساعةَ فالواو هذه للمعية، والساعة مفعول معه ((كهاتين)) عطف النسق هنا ممكن وإلا غير ممكن؟ هل يمكن أن أقول: بعثت أنا والساعةُ كهاتين، الفعل يمكن تسليطه على الأمرين؟ نعم؟ طالب:. . . . . . . . . يعني يكون معطوف على الضمير المتصل فيكون مرفوعاً، وهل الساعة تبعث؟ الفعل يصح تسليطه على الاثنين وإلا على واحد منهما؟ الساعة تبعث وإلا لا؟ يعني لو قلنا: بعثت أنا والساعةُ لصارت الساعة مبعوثة كبعثته -عليه الصلاة والسلام-، فهذا يضعف النسق . . . . . . . . . ... والنصب مختارٌ لدى ضعف النسق يعني لدى ضعف العطف.

" ((كهاتين)) ويقرن بين إصبعيه السبابة والوسطى" كهاتين، فيكون الباقي من عمر الدنيا بعد بعثته إلى قيام الساعة هو الفرق بينهما، الفرق بينهما كم؟ كم نسبته؟ هاه؟ طالب:. . . . . . . . . إيه لكن الفرق بقدر نصف السانتي هذا اللي هو الزيادة في الوسطى، أو يقال -كما استروح ومال إليه بعض الشراح- أنه قال بإصبعيه هكذا، فجعلهما ملتصقتين، يعني أن الساعة تأتي مباشرة بعد بعثته -عليه الصلاة والسلام-، أما من يقول بأن عمر الدنيا سبعة آلاف سنة، فيمكن أن يكون الفرق بينهما مثل القدر الزائد من الوسطى على السبابة، والذي يقول: إن عمر الدنيا ألوف مؤلفة من السنين بل ملايين يقول: إن بعثته وإن تأخرت الساعة فإن الساعة حينئذٍ وإن تأخرت إلا أنها في حكم الملاصقة لطول المدة. "ويقرن بين إصبعيه السبابة والوسطى ثم يقول: ((أما بعد)) " وعرفنا أن الإتيان بـ (أما) بعد في الخطب والرسائل والمكاتبات سنة نبوية ثبتت عن أكثر من صحابياً عنه -عليه الصلاة والسلام-، وتكون بهذه الصيغة (أما بعد) بـ (أما) وضم بعد لأن المضاف إليه محذوف مع نيته، وأما شرط، وبعد قائم مقام الشرط، و ((فإن خير الحديث)) هذا جواب الشرط، وأما إبدال (أما) بالواو فهذا لا يتم به الامتثال، ولا تتأدى به السنية، بل لا بد أن يؤتى باللفظ النبوي، وإن كثر استعمال (وبعد) وذكرنا في مناسبات كثيرة أننا لسنا بحاجة إلى الإتيان بـ (ثم) في أول موضع، بل نقتصر على قولنا: (أما بعد) كما كان يفعله -عليه الصلاة والسلام- وإن احتجنا (أما بعد) مرة ثانية قلنا: ثم، للعطف على الأولى إذا انتقلنا من أسلوب إلى آخر، ثم إلى ثالث وهكذا. ((أما بعد: فإن خير الأمور كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-)) وسيأتي في الحديث الذي يليه: ((إنما هما اثنان الكلام والهدي، فأحسن الكلام كلام الله)) فالمراد بالأمور خير الأمور يعني المراد به الكلام، خير الكلام وخير الأمور كتاب الله، خير ما يتمسك به، ويعتصم به كتاب الله، وخير الهدي والطريقة هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وضبطت في بعض الروايات: ((خير الهدى هدى محمد -صلى الله عليه وسلم-)) خير الهدى يعني هدايته للخلق ودلالته وإرشاده إليه.

((هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها)) يعني ما يحدث في الدين هو شر أشر من جميع الشرور؛ لأن شر هذه أفعل تفضيل، شر جميع الأمور المحدثات في الدين ((وكل بدعة ضلالة)) وهذا سبق الحديث فيه. "وكان يقول -عليه الصلاة والسلام-: ((من ترك مالاً فلأهله، ومن ترك ديناً أو ضياعاً فعلي وإلي)) " وهذا الحديث صحيح، وهو في مسلم. ((من ترك مالاً فلأهله، ومن ترك ديناً أو ضياعاً فعلي وإلي)) الذي يتركه من المال يكون لأهله، يقسم بين ورثته، ومن ترك ضيعاً مالاً أو ضياعاً ما يخشى عليه أن يضيع فعلي وإلي، فالدين يسدد من قبل بيت المال، وكذلك ما يخشى ضياعه يرعى من بيت المال، وهذا قاله النبي -عليه الصلاة والسلام- في آخر الأمر لما وسع الله عليه، وكان قبل ذلك الدين يثبت في ذمة الميت إلى أن يضمن عنه، ويترك النبي -عليه الصلاة والسلام- الصلاة على المدين حتى ضمن. قال بعد ذلك: "حدثنا محمد بن عبيد بن ميمون" المدني أبو عبيد "قال: حدثنا أبي" يعني عبيد بن ميمون المدني، وهذا قال عنه أبو حاتم: مجهول، والمجاهيل عند أبي حاتم في كتاب الجرح والتعديل لابنه يزيدون على ألف وخمسمائة، فمنهم من يقول أبو حاتم: مجهول ويسكت، ومنهم من يقول: لا أعرفه، ومنهم من يقول فيه: مجهول أي لا أعرفه، فالجهالة عند أبي حاتم تساوي عدم المعرفة، وكون أبي حاتم لا يعرفه لا يلزم من حاله ألا يعرفه غيره، وعلى هذا هل الجهالة جرح ملازم وقدح في الراوي، أو هي عدم علم بحاله أو هي عدم علم بحال الراوي؟ فلا تكون حينئذٍ جرح، وينبني على ذلك إذا قلنا: إنها جرح مطلقاً قلنا: إن الحديث يضعف بالراوي المجهول، وإذا قلنا: إنها عدم علم بحاله يتوقف في حكمه حتى تعلم حاله. العلماء في مراتب الجرح والتعديل يجعلون المجهول في مراتب الجرح، فمقتضى ذلك أن يضعف الخبر إذا وجد فيه من قيل فيه: مجهول، والذي يقول: إن الجهالة ليست بجرح، وإنما هي عدم علم بحال الراوي لا يجزم بضعفه، حتى يجد كلاماً في هذا الراوي الذي جهلت حاله.

ومما يؤيد كون الجهالة جرح في الراوي من غير نظر آخر قول أهل العلم في طبقات المجروحين وفي مراتب الجرح: مجهول أو مستور الحال، أو مستور، أو مجهول العين، أو مجهول الحال ظاهراً وباطناً، أو ظاهراً فقط أو باطناً فقط، على تفاصيل عندهم في كتب المصطلح، فعلى هذا إذا وجدنا في الرواة من هو مجهول يضعف مباشرة لأن الجهالة جرح في الراوي، والذي يقول: إن الجهالة عدم علم بحال الراوي يقول: لا يحكم بعض الحديث مباشرة حتى يوجد ما يقدح في رواته، ومنهم هذا الذي لم يطلع على حاله، وكأن عبارة الحافظ ابن حجر في النخبة تؤيد هذا. قال: "من المهم معرفة أحوال الرواة جرحاً أو تعديلاً أو جهالة" فجعل الجهالة قسيم للجرح والتعديل، ولم يجعلها قسماً من الجرح، كما فعلوا في مراتب الجرح. لعلكم تعذروني عن المتابعة، الصوت لا يساعد، والزكام بدايته ظهرت. جزاكم الله خير.

شرح مقدمة سنن ابن ماجه (7)

بسم الله الرحمن الرحيم شرح: مقدمة سنن ابن ماجه (7) الشيخ: عبد الكريم بن عبد الله الخضير السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فقد سأل بعض الإخوة في الدرس الماضي عن حديث العرباض، وقال: هل هو في صحيح مسلم؟ قلت: نعم وهذا سبق لسان، وقصدي الحكم على الحديث الذي بعده كما هو واضح من تخريج الحديث، أما الذي بعده نعم هو في صحيح مسلم، الذي هو حديث جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر، فيه خطبة النبي -عليه الصلاة والسلام- هذا في الصحيح، وأما حديث العرباض فقد أحضره بعض الإخوة. يقول: بسم الله الرحمن الرحيم عن عبد الرحمن بن عمرو السلمي أنه سمع العرباض بن سارية يقول: وعظنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- موعظة ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، فقلنا: يا رسول الله إن هذه لموعظة مودع، فماذا تعهد إلينا؟ قال: ((قد تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك، من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بما عرفتم من سنتي، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ، وعليكم بالطاعة وإن عبداً حبشياً، فإنما المؤمن كالجمل الأنف)). في تخريجه قال الأخ الذي كتب الأوراق: أما لفظة: ((وعليكم بالطاعة وإن عبداً حبشياً)) فقد أخرجها بمعناها الإمام البخاري من حديث أنس مرفوعاً: ((اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة)) ومسلم من حديث أبي ذر مرفوعاً: ((إن خليلي أوصاني أن أسمع وأطيع وإن كان عبداً مجدع الأطراف)) والإمام مسلم من حديث أم الحصين مرفوعاً أنها سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يخطب في حجة الوداع وهو يقول: ((ولو استعمل عليكم عبد يقودكم بكتاب الله فاسمعوا له وأطيعوا)). يعني هذه آخر لفظة في الحديث، فلو جعلت هذه في آخر التخريج، يعني يذكر تخريج الحديث الذي بين أيدينا، ثم يذكر ما لجمله من الشواهد جملة جملة، بدءاً من الأولى إلى الآخرة، فهذه هي الجملة الأخيرة فلو أخرت إلى آخر شيء ((وإن عبداً حبشياً)).

وأما الحديث بطوله فهو صحيح بشواهده، فأخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه والدارمي وابن حبان والحاكم والإمام أحمد من طرق عن عبد الرحمن بن عمرو السلمي به، قال الحافظ عنه في التقريب: مقبول، وعرفنا ما في المقبول من كلام، وقد تابع عبد الرحمن السلمي حجر بن حجر الكلاعي، قال الذهبي عنه في ميزان الاعتدال: ما حدث عنه سوى خالد بن معدان بحديث العرباض مقروناً بآخر، وقال الحافظ في التقريب: مقبول، وحديثه أخرجه أبو داود وابن حبان والحاكم والإمام أحمد. ويحيى بن أبي المطاع قال عنه الحافظ ابن رجب في جامع العلوم والحكم: وهذا في الظاهر إسناد جيد متصل، ورواته ثقات مشهورون، وقد صُرح فيه بالسماع، وقد ذكر البخاري في تاريخه: أن يحيى بن أبي المطاع سمع من العرباض اعتماداً على هذه الرواية إلا أن حفاظ أهل الشام أنكروا ذلك، وقالوا: يحيى بن أبي المطاع لم يسمع من العرباض، ولم يلقه، وهذه الرواية غلط، وممن ذكر ذلك -لعله أبو زرعة الدمشقي- كاتب زرعة، ما هو أبو زرعة الدمشقي، وحكاه عن دحيم، وهؤلاء أعرف بشيوخهم من غيرهم، والبخاري -رحمه الله- يقع له في تاريخه أوهام في أخبار أهل الشام. وقال الحافظ في التقريب: صدوق، وأشار دحيم إلى أن روايتهم عن العرباض مرسلة، وحديثه أخرجه ابن ماجه، وابن أبي عاصم في السنة، والحاكم والطبراني في الكبير. وعبد الله بن أبي بلال قال عنه الحافظ في التقريب: مقبول، وحديثه خرجه الإمام أحمد والطبراني في الكبير. إيش اسمه هذا إيش؟ الرابع؟ طالب:. . . . . . . . . المهاصر كذا؟ أو المهاجر؟ طالب:. . . . . . . . .

المهاصر بن حبيب، جاء في الجرح والتعديل سئل أبي عنه فقال: لا بأس به، حديثه خرجه ابن أبي عاصم في السنة مختصراً جداً، والطبراني في الكبير، وفي مسند الشاميين، والحديث قال عنه أبو نعيم في المستخرج على صحيح مسلم: وهذا حديث جيد من صحيح أحاديث الشاميين، وهو وإن تركه الإمامان محمد بن إسماعيل البخاري ومسلم بن الحجاج فليس ذلك من جهة انكسار منهما له، فإنهما -رحمهما الله- قد تركا كثيراً مما هو بشرطهما أولى، وإلى طريقتهما أقرب، وقد روى هذا الحديث عن العرباض الثلاثة من تابعي الشام، معروفين، ثلاثة معروفون، أنت اللي كاتب هذه؟ معروفين وإلا معروفون؟ طالب:. . . . . . . . . في المطبوع كذا؟ طالب:. . . . . . . . . إيه ثلاثة معروفون، مشهورون. وأما لفظة: ((فإنما المؤمن كالجمل الأنف حيثما قيد انقاد)) فقد قال الحاكم في المستدرك والبيهقي في المدخل: وكان أسد بن وداعة يزيد في هذا الحديث: ((فإن المؤمن كالجمل الأنف حيث ما قيد انقاد)) وقال اللالكائي في أصول الاعتقاد: قال أبو جعفر يعني أحمد بن صالح: ليس في حديث ضمرة هذه الكلمة: ((وإنما المؤمن)) ... إلى آخره. وقال الحافظ ابن رجب في جامع العلوم والحكم: وقد أنكر طائفة من الحفاظ هذه الزيادة في آخر الحديث، وقالوا: هي مدرجة فيه وليست منه، قاله أحمد بن صالح المصري وغيره، وخرجه الحاكم، وقال في حديثه: وكان أسد بن وداعة يزيد في هذا الحديث: ((فإن المؤمن كالجمل الأنف حيثما قيد انقاد)). وهذه اللفظة قد جاء ما يدل عليها من حديث ضعيف عن ابن عمر مرفوعاً، وفيه: المؤمنون هينون لينون مثل الجمل الأنف إن قدته انقاد، وإن أنخته استناخ. فرق بين هين ولين، وبينهما بالتخفيف، فأيهما أولى أن يقال في مثل هينون لينون، هين لين، شيء، وهينٌ لينٌ شيء آخر، فإحداهما يدل على الذم من الهوان والضعة، والأخرى تدل على المدح من الهون والرفق، ولعل هذا هو المراد.

أخرجه العقيلي في الضعفاء، والبيهقي في شعب الإيمان، والقضاعي في مسنده، والحديث فيه عبد الله بن عبد العزيز بن أبي رواد، وقد أعله العقيلي به، وقال: أحاديثه مناكير غير محفوظة، ليس ممن يقيم الحديث، وذكر هذا الحديث من مناكيره، وقد جاء هذا الحديث مرسلاً أخرجه ابن المبارك في الزهد، والبيهقي في الشعب، والقضاعي في المسند كلاهما من طريق ابن المبارك عن سعيد بن عبد العزيز عن مكحول مرسلاً، وقال البيهقي: وهو أصح، اختلف فيه على سعيد بن عبد العزيز عن مكحول، مقطوع يعني من قوله. أخرجه الإمام أحمد في الزهد، وأبو نعيم في الحلية عن حجاج بن محمد الأعور به، والحديث له شاهد بمعناه من حديث ابن عباس، أخرجه في الشعب، وفيه انقطاع يحيى بن سعيد الأنصاري لم يدرك ابن عباس، ومن حديث أبي هريرة أخرجه البيهقي في الشعب والديلمي في الفردوس، قال البيهقي: تفرد به يزيد بن عياض وليس بالقوي، قال الذهبي في ميزان الاعتدال: قال البخاري وغيره: منكر الحديث، وقال يحيى: ليس بثقة، وقال علي: ضعيف، ورماه مالك بالكذب، وقال النسائي وغيره: متروك، قال الدارقطني: ضعيف، وفيه أيضاً سهل بن عمار كذبه الحاكم، كما في لسان الميزان. وعلى كل حال الشواهد لجمل الحديث ما سمعتم، اللهم إلا الجملة الأخيرة فهي التي فيها الكلام؛ لأن الذي يشهد لها من رواية عبد الله بن عبد العزيز بن أبي رواق أحاديثه مناكير غير محفوظة، فإدراجها ظاهر، كونها مدرجة ظاهر. طالب: أحسن الله إليك، إذا قال في لسان الميزان: قال النسائي كذا، ليس ثقة، يقصد ضعفاء النسائي؟ إيه، فيه الضعفاء موجود، النسائي قد يجرح ويعدل في سننه، وقد وجد له أقوال في السنن، وفيما نقد عنه. يقول: ما معنى القاعدة التي تقول: يثبت تبعاً ما لا يثبت استقلالاً؟

يعني من الأحكام ما لو فعل على سبيل الاستقلال لحكم ببطلانه، من الأعمال والعبادات بل والمعاملات ما لو فعل على جهة الاستقلال ابتداءً لحكم ببطلانه، لكن كونه عمل تبعاً لغيره يصحح، لو سئل عن شخص صلى المغرب بأربعة تشهدات، تشهد في صلاة المغرب أربع مرات وجلس وقرأ التشهد متعمداً، وهو منفرد أو إمام ماذا نقول؟ صلاته صحيحة وإلا باطلة؟ باطلة، لكن يتصور أن يصلي خلف الإمام بأربعة تشهدات، بمعنى أنه يدرك الإمام قد رفع من الركوع في الركعة الثانية، فاته ركعتان، تشهد مع الإمام التشهد الأول والثاني، صح وإلا لا؟ يتابع الإمام على التشهد الأول والثاني، ثم إذا سلم الإمام بقي عليه ركعتان، يصلي ركعة ثم يتشهد، ثم يصلي ركعة ثم يتشهد، هذه أربعة تشهدات في ثلاث ركعات، هذه تثبت وتصح هذه الصلاة تبعاً، ولا تصح استقلالاً. هنا سؤال ثاني له، يقول: هناك من يصور عقد البيعة بين الحاكم والمحكوم كعقد الوكالة هل في ذلك تشابه؟ نعم في تشابه من وجه؛ لأن الإمام ينوب عمن بايعه في كثير من المسائل، فهو الذي يمثلهم، وهو الذي يعقد عنهم العهود والمواثيق، على ضوء ما جاء عن الله وعن رسوله -عليه الصلاة والسلام-، وهو يقودهم بكتاب الله وسنة نبيه -عليه الصلاة والسلام-، وهناك ما لا تدخله هذه الوكالة، يعني هي وكالة من جنس الوكالة في بعض الأمور دون بعض. ثم قال: ذكرتم أن الخروج عن الحاكم لا يكون إلا بترك الصلاة أو الكفر البواح مع أن من السلف من دون ذكر أزمانهم وأسمائهم من خرج على أقل من ذلك بكثير، ما تعليل ذلك؟

أولاً: الحكم والمرد إلى كتاب الله وسنة نبيه -عليه الصلاة والسلام-، وهذا هو المنصوص عليه في السنة الصحيحة، أفلا نقاتلهم؟ قال: ((لا، ما صلوا)) وفي الحديث الآخر: ((ما لم تروا كفراً بواحاً، لكم عليه من الله فيه برهان)) يعني برهان واضح لا يحتمل، ودلالة واضحة، وليس مجرد احتمال؛ لأن الخروج على الأئمة مفاسدها لا يقدرها الأشخاص ولا الأفراد، لا يقدرها لا الأشخاص، بل ولا الجماعة من الناس، إنما الذي يعرف قدرها الله -جل وعلا-، وكم من بلد تمنوا زوال من يحكمهم -وهذا شيء أدركناه- يعني من يقتل دعاة الإصلاح، ويعذبهم عذاباً شديداً، يقتلهم قتل، يعني في أمور أقل مما يحدث أحياناً، ثم بعد ذلك الآن البلد هذا البلد الذي فيه ذلك الطاغية منذ بضعة عشر عاماً والسلاح يعمل فيهم، فلا شك أن مثل هذه الأمور مساوئها ومفاسدها عظيمة جداً، لا يستطيع الإنسان في حال تصوره، في حال الرخاء أن يحدث ما يكون في حال الشدة، ولذا قال: ((لا، ما صلوا))؛ لأن الذي يصلي مسلم، والمسلم لا يجوز الخروج عليه، ((ما لم تروا كفراً بواحاً)) فالحد الفاصل هو الكفر البواح الذي لا يقبل التأويل، كونه خرج من السلف من خرج ما يدريك أن هذا الذي زعمت أنه خرج إنما اختفى من ظلم هذا الظالم، يعني كما حصل لبعض الصحابة وبعض سادات التابعين في زمن الحجاج، هل يقال: إنهم خرجوا عليه أو خافوا منه واختفوا وهربوا، فطُلبوا، فظن أنهم خرجوا، على كل حال لو قدر أنهم خرجوا فالاحتكام إلى ما جاء عن الله وعن رسوله -عليه الصلاة والسلام-. هذا يقول: متى يبدأ درس صحيح مسلم؟ هو الآن الجدول ما في له وقت معين، إلا أننا ننوي تغيير الجدول القائم -إن شاء الله تعالى-، ومسلم بدأنا به سابقاً، وأخذنا منه مرحلة كبيرة، قطعنا منه شوطاً طيباً، لكن انقطع الدرس درس الصحيحين انقطع؛ لأننا رأينا في المسألة تشتيت حينما يوجد أكثر من كتاب، فركزنا على الموطأ، وإذا انتهى الموطأ رجعنا إلى الصحيحين -إن شاء الله تعالى-، ونحن بصدد التفكير الجاد في طريقة تجمع بين كتب السنة، ولا يحصل فيها شيء من التشتيت أو التأخير، ولعل الله ييسر.

يقول: ما رأيكم باختصار تفسير ابن كثير لمجموعة من المشايخ واسمه التيسير؟ هذا الاختصار لمجموعة من المشايخ من أهل مكة، هم من سكان مكة، وأعرف واحد أثيوبي وواحد مصري، وواحد نسيت والله، المقصود أنهم ثلاثة من المشايخ اختصروه بإشراف الشيخ صالح بن حميد، أنا اطلعت على هذا الكتاب وكتبت عنه تقرير، وكتاب رائع، يعني بألفاظ ابن كثير، ما تصرفوا بشيء، حذفوا الأسانيد والمكرر، وما ضعف إسناده، وأبقوا الكتاب على حاله، فهو من أنفع المختصرات. يقول: هل هناك عدد معين من المرات يمكن للخاطب فيه أن يرى وجه الفتاة التي ذهب لخطبتها؟ الأصل مرة واحدة، لكن لو قدر أنه في هذه المرة استحيا من ولي أمرها، وما تمكن من النظر إليها، أو هي ما تمكنت من النظر إليه حياءً، وطلب إعادة ما يتم به ما يحصل المودة من النظر الذي تترتب عليه آثاره، ولا تترتب عليه مفاسد، فلا مانع حينئذٍ إذا ادعى أنه لم يستطع رؤيتها حياءً أو العكس هي لم تستطع، فالنظر من أجل الطرفين. يقول: ما رأيكم في هذه الأبيات .... في كتاب تحفة المقتصدين سبيل النجاة، المحفوظات السامية؟ هذا منتقي أبيات لعلها من النونية، نعم؟ طالب:. . . . . . . . . النونية ما لنا فيها رأي، النونية ليس لنا فيها رأي، النونية كتاب عظيم لابن القيم -رحمه الله تعالى-، ينصح كل طالب علم بقراءتها، وحفظ ما يمكنه حفظه منها، وهي مشتملة على خمسة آلاف وثمانمائة وستين بيتاً، على معتقد أهل السنة والجماعة في التوحيد والصفات، وما يتبع ذلك من أبواب العقائد، لكن هذا كأنه انتقاء، انتقاء منها، وإذا كان انتقاء فحكمه حكم الأصل، ويبقى أنه مختصر كالمختصرات التي أشرنا إليها كثيراً، وقلنا: إن المختصِر قد يحذف مما يختصره شيئاً القارئ بأمس الحاجة إليه، وقلت مراراً: الذي يستطيع أن ينتقي لنفسه لا يعتمد على غيره، إنما يتولى الاختصار لنفسه؛ ليكون علمه بما حذف كعلمه بما أثبت، لكن بعض الناس لا يستطيع الاختصار، ولا يعرف ينتقي، مثل هذا ينتقى له. وقفنا على الحديث يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

"حدثنا محمد بن عبيد بن ميمون المدني" أبو عبيد "قال: حدثنا أبي" أظن ذكرنا أن أباه مجهول، جهله أبو حاتم، وتكلمنا في هذا الباب في الجهالة، وهل هي جرح في الراوي أو عدم علم بحاله؟ ولا شك أن في كلام أبي حاتم عدم علم بحال الراوي؛ لأنه في عدد كبير من الرواة يقول ابنه: سألت أبي عن فلان فقال: مجهول، وأحياناً يقول: لا أعرفه، وأحياناً يقول: مجهول لا أعرفه، فجهالة أبي حاتم للراوي تعني عدم علمه به، ولا يمنع أن يكون معروفاً لدى غيره، وعلى هذا لا نحكم على الإسناد بالضعف؛ لأن أبا حاتم لم يعرف هذا الراوي، بل نتوقف فيه حتى ترتفع هذه الجهالة ويرفع عند غيره، أو يعرف بالضعف فيرد الخبر من أجل ضعفه، وأما الجهالة في اصطلاح المتأخرين فتختلف عن الجهالة عند أبي حاتم، فالجهالة عند المتأخرين يقسمونها إلى ثلاثة أقسام: إلى جهالة العين، وهي ما إذا كان الراوي من المقلين في الرواية بحيث لم يروِ عنه سوى واحد، أو يكون مكثر من الرواية، لكنه لم يذكر فيه جرح ولا تعديل، وهذه الجهالة الثانية أي جهالة الحال، وتقسم إلى قسمين: جهالة الحال باطناً وظاهراً، أو جهالة الحال باطناً فقط، والمستور -إما هو النوع الأخير- يطلق بإزاء النوع الأخير، وهو من جهلت حاله الباطنة، واحتيج به إلى المزكين أو هو مجهول الحال مطلقاً، وأشد من هذين النوعين جهالة أو من هذه الأنواع جهالة الذات، الآن جهالة العين مر بنا راوٍ في رسالة أبي داود سباعي أو سداسي اسمه مذكور إلى جده السابع، وكنيته وبلده ومع ذلكم لم يعرف مجهول، هذه جهالة عين وإلا ذات؟ طالب:. . . . . . . . . لا، جهالة الذات إذا لم تعرف عينه، الآن هذا مجهول العين عند أهل العلم مجرد اصطلاح وإلا فهو معروف فلان ابن فلان ابن فلان ابن فلان أبو فلان الفلاني الذي يسكن في البلد الفلاني ... إلى آخره، هذا مجهول عين، مجهول الذات لم يتوصل إلى اسمه، وهو المبهم، حدثني رجل، أيهما أشد رجل يقال: حدثني رجل أو يقال: حدثني أبو عبد الله محمد بن سعيد الأنصاري؟ أيهما أشد؟ رجل، هذا لا يمكن تطلع عليه، هذا مجهول ذات، ما سموه مجهول ذات لكن ينبغي أن يسمى مجهول ذات، وهو أشد وأغرق في الجهالة من مجهول العين.

طالب:. . . . . . . . . كيف؟ طالب:. . . . . . . . . أنا أطلقت عليه. قال: "حدثنا أبي عن محمد بن جعفر بن أبي كثير عن موسى بن عقبة عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله بن مسعود أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" الحديث مضعف بعبيد بن ميمون والد محمد؛ لأن أبا حاتم قال عنه: مجهول، وعرفتم ما في كلام أبي حاتم في قوله مجهول، وأنه قد يطلق الجهالة لعدم علمه بالراوي وهذا كثير، وقد يطلق الجهالة على شخص لقلة روايته مع كونه ثقة، فيقول: مجهول لأنه قليل الرواية، وقد قال في شخص من السابقين الأولين مجهول، يعني من الصحابة الكرام، من السابقين الأولين مجهول، لكن ليس له إلا حديث أو حديثين سماه مجهول، فاصطلاح أبي حاتم في الجهالة لا ننزله على اصطلاح المتأخرين، لا بد أن نعرف هذا، والحديث مروي من طرق عن أبي إسحاق من رواية شعبة ومعمر عن أبي إسحاق السبيعي عن أبي الأحوص عن عبد الله بن مسعود، وهو مخرج في مسلم وغيره. "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إنما هما اثنتان: الكلام والهدي، فأحسن الكلام كلام الله)) " أعظم الكلام وأحسنه وأفصحه كلام الله -جل وعلا-، وأبلغه وأنفعه كلام الله -جل وعلا- الذي هو القرآن، ((وأحسن الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-)) أحسنه وأكمله هدي النبي -عليه الصلاة والسلام- وطريقته، فعلى الإنسان أن يعنى بكتاب الله وسنة نبيه -عليه الصلاة والسلام-، وهما سبيل النجاة لمن تمسك بهما، واعتصم بهما.

((ألا وإياكم ومحدثات الأمور)) تحذير (ألا) تنبيه على ما يجب أن يحذر منه ((ألا وإياكم ومحدثات الأمور)) يعني المبتدعات، فيحرص الإنسان أشد الحرص ألا يتعبد إلا بما شرعه الله -جل وعلا-، والأمور يرقق بعضها بعضاً، ناس قد ينفرون من المحدثات في أول الأمر، ثم إذا طال بهم الوقت تساهلوا فيها، ثم جاء بعدها أعظم منها، فانجفلوا منها، واستوحشوا منها، ثم بعد ذلك إذا طال بهم الوقت وجاء أعظم منها رقت في قلوبهم وعانوها، والساعة أول ما ظهرت توقف الناس فيها؛ لأنها محدثة، وخشوا أن تكون سحراً، توقف الناس فيها، ثم تبينت لهم حقيقتها واستعملوها، مكبرات الصوت نعرف من شيوخنا من توفي وهو لا يستعملها؛ لماذا؟ لأنه أمر محدث يستعمل في عبادة، يستعمل في الصلاة، فجعله من المحدثات، ولا شك أن الذي يحتاط لنفسه ولا يقدم على العمل إلا بعد تبين وتثبت هذا هو الذي يحتاط لدينه، أما كل ما فتح من باب جديد أول من يلج منه شخص بعينه مثل هذا ليس من أهل التحري ولا التثبت، فعلينا أن نتحرى ونتثبت حتى نعرف حقيقة الحال، رأى الناس أنه لا بد من وجود هذه المكبرات لكثرة الناس، فأدركنا من يخطب الجمعة بدون مكبر، والناس لا يدرون ولا يسمعون ما يقول، يصلي بالناس التراويح بدون مكبر وهم لا يسمعون، فنتصور أن الناس في مثل هذا الازدحام في رمضان في مكة مثلاً بدون مكبر، كيف يصلي الناس؟ فهذه الأمور لا شك أنها محدثات، لكن يبقى أنها هل هي من المحدثات التي تضر في دين الإنسان أو تنفع في الدين نفسه؟ ظهر بعد ذلك المذياع –الراديو- وتوقف الناس فيه طويلاً، ورأوا أن ما يبث فيه شر مستطير، وفيه خير، ورأوا أن هذا الخير من خلال هذه المحدثة المبتدعة فيه ما فيه، فما جرأوا على اقتنائه، ولا سمعوا منه، ثم بعد ذلك حصل ما حصل من الاطلاع على حقيقته فاقتناه الناس، بما في ذلك أهل العلم وأهل الفضل، ويوجد من يتورع عن اقتنائه الآن، ويوجد من يتورع عن مكبر الصوت، بل يوجد من يتورع عن الكهرباء ووسائل الراحة، لكنه لا يحرم ذلك على الناس، يعني كون الإنسان يرتكب في نفسه العزيمة هذا لا يلام، لكن كونه يقول: إن هذا الحلال حرام هنا يقع الإشكال أو العكس.

بعد هذا ظهرت مسألة التصوير والخروج في القنوات، ثم تساهل من تساهل إلى أن صار في مصاف المغنيين والمجان، له نوبة ولهم نوبة، وصار أيضاً في مصاف المبتدعة، لهم نوبة وله نوبة، فتارة يخرج هذا باسم الدين، وتارة يخرج مغني، وتارة يخرج مشبه وملبس على الناس، يثير فيهم الشبهات، وهذه حال كثير من القنوات، والله المستعان. فعلى الإنسان أن يحتاط لدينه، ولا يبادر في كل شيء قبل أن يدرس حقيقته، والآثار المترتبة عليه، لو يعلم فلان من الناس من أهل العلم أنه إذا خرج في هذه القناة السيئة التي تبث الشبهات والشهوات والأغاني والمجون وصور النساء، وتمكن الناس من رؤية المومسات -نسأل الله السلامة والعافية-، التي هي دعوة أم جريج عليه، لو يعلم أنه بمشاركته في هذه القناة هو قد يكون مجتهد، هو قد يكون ممن يزاحم ليخفف الشر، ويوصل الخير إلى أناس لا يمكن أن يصل إليهم إلا بهذه الطريقة، بعض الناس ما عندهم قنوات خير، ما عندهم إلا هذه الوسائل فيصل، هذا اجتهاد، لكن هل الأثر المترتب على مثل هذا الاجتهاد مثل الضرر المترتب عليه، كثير من الناس يرى أن فلاناً من المشايخ خرج في هذه القناة إذاً هي قناة خير، وخروجه فيها تشريع لها، وعلى كل حال على الإنسان أن يتريث ولا يستعجل في مثل هذه الأمور. ((وأحسن الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، ألا وإياكم ومحدثات الأمور، فإن شر الأمور محدثاتها)) يعني ما يبتدع في الدين، وما يخترع فيه من غير أن يسبق له شرعية من كتاب أو سنة هذا هو شر الأمور، شر الأمور يعني الدينية، أما أمور الدنيا فالأمر فيها سعة، ولا يدخل فيها الابتداع، اللهم إلا أن التوسع في أمور الدنيا قد يجر إلى ما وراءه من التساهل بالشبهات والمكروهات ثم المحرمات.

((وكل محدثة بدعة)) وهذا تقدم، كل محدثة في الدين بدعة، والبدعة كما تقدم تعريفها في اللغة ما عمل على غير مثال سابق، وفي الاصطلاح ما أحدث في الدين مما لم يسبق له شرعية من كتاب الله ولا سنة نبيه -عليه الصلاة والسلام-، وعرفنا التقسيم الذي ذكره بعض أهل العلم للبدع، وأن منها ما يحمد ومنها ما يذم، وأن منها ما يجب، ومنها ما يستحب، ومنها ما يمنع، تبعاً للأحكام الخمسة التكليفية، وعرفنا أن الشاطبي رد هذا التقسيم، وقال: إنه تقسيم مخترع لا يدل عليه دليل، وقوض دعائمه، وهذا هو الصواب، أنه ليس في البدع ما يمدح، وذكرنا قول عمر -رضي الله تعالى عنه- في صلاة التراويح: "نعمت البدعة" وأجبنا عنه فلا داعي لرده. ((وكل بدعة ضلالة، ألا لا يطولن عليكم الأمد فتقسو قلوبكم)) يعني كما حصل للأمم السابقة، والأمم السابقة حرفوا وبدلوا وغيروا فدينهم ممسوخ مغير مبدل، إلى أن جاء ديننا فنسخ أديانهم، أما ديننا فلا يزال غضاً رطباً يتجدد، كأنما أنزل القرآن اليوم، محفوظ من الزيادة والنقصان، ومن التبديل والتغيير، يعني نتلوه الآن كما كان يتلى في عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- فلا عذر لنا أنه إذا طال علينا الأمد تقسو قلوبنا، معنا كتاب الله الذي لو أنزله الله على جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله، ونجد في قلوب المسلمين، بل في قلوب بعض طلاب العلم من هو أشد قسوة من الجبل من الحجارة، يتلى كتاب الله وكأنه تحليل صحفي، ما يفترق بشيء، لا يؤثر فينا شعرة، لا يحرك فينا شعرة، فالقسوة موجودة، ولا عوقب شخص بمثل قسوة القلب، وقد يعاقب الإنسان وهو لا يشعر، يرتكب معصية فيعاقب بقسوة القلب وهو لا يشعر، ومصيبته في هذه العقوبة أعظم من مصيبته لو جدعت أطرافه.

((فتقسو قلوبكم، ألا إن ما هو آتٍ قريب، وإنما البعيد ما ليس بآتٍ)) ((ألا إن ما هو آتٍ قريب)) لك ولد أو قريب ذهب ليدرس في بلد من البلدان خمس سنوات ست سنوات قريب هذا يجي، لكن لك ولد أو قريب مات هذا قريب أو بعيد؟ هذا بعيد، إذاً فالموت يترقب؛ لأنه آتٍ، وما يدريك أنك إذا خرج هذا النفس لم يعد غيره، أو إذا قمت من مجلسك لن تجلس في مجلس آخر، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول لعبد الله بن عمر: ((كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل)) والواحد منا يأخذ ضمان على آلة من الآلات يشتريها عشر سنين، عشرين سنة، ووجد بعض الشركات من تعطي ضمان خمسين سنة، كأن ما هنا موت ولا قيام ساعة ولا شيء، والإنسان إذا وقع عقد الوظيفة يفكر فيما يعمله بعد التقاعد، صحيح، إيش بيسوي بعد التقاعد، وإلا الآن جاءه ما يشغله، وإذا دخلت رجله اليمنى إلى المدرسة يفكر في الوظيفة وهو في الصف الأول الابتدائي، يعني لا تظنون هؤلاء الصغار ما يفهمون ولا يفكرون، يفكرون، واحد أكبر من الثاني بشهر، الكبير قبل، والذي دونه بشهر رد قبوله في المدرسة؛ لأن عندهم أيام محددة تسعين يوم أو شيء من هذا يتسامحون فيها، هذا زاد على التسعين، فقال له صاحبه: الحمد لله إذا ما قبلت هذه السنة تقبل السنة الجايئة، وما فات شيء، قال: لا، أنا أتوظف قبلك بسنة، أطفال ست سنوات أقل من ست سنوات أعمارهم، فحقيقة يعني طول الأمل .. ، يعني الأمل موجود عند كل أحد، لكن تطويله بهذه الطريقة تجعل القلب يغفل عما خلق له، وإلا لو قصر الأمل، وعرف أنه عما قريب سيرحل عمل العمل المطلوب، وحقق العبودية لله -جل وعلا-، ((يشب ابن آدم ويشب منه خصلتان)) قال في الحديث: ((ويشب منه)) يعني كأنه جزء من تركيبه ((حب الدنيا، وطول الأمل)) وتجد الأمل عند من عمره تسعون سنة أعظم من الأمل بالنسبة لمن عمره خمسون سنة؛ لأن هذا شب معه، مثل الغرس الذي يسقى في كل يوم، والله المستعان.

((ألا إن ما هو آتٍ قريب، وإنما البعيد ما ليس بآتٍ، ألا إنما الشقي من شقي في بطن أمه)) ((الشقي من شقي في بطن أمه)) يعني حينما يرسل الملك والحمل في بطن الأم، فيؤمر بكتب أربع: ومنها وشقي أو سعيد، فمن كتبت عليه الشقاوة هذا هو الشقي الشقاء الحقيقي، ومن كتبت له السعادة فهو السعيد سعادة حقيقية، ولو عاش الأولى أغنى الناس، وعاش الثاني أفقر الناس، فهذا المحك. ولست أرى السعادة جمع مال ... ولكن التقي هو السعيد ((والسعيد من وعظ بغيره)). طالب:. . . . . . . . . لا، الكلام على سعادة الآخرة وشقاء الدنيا كلا شيء بالنسبة للآخرة. ((والسعيد من وعظ بغيره)) كثير من الناس يرى جيرانه يتوسعون في أمور دنياهم، ويحصل في بيوتهم ما يحصل، ويسمع بعض القضايا والكوارث ولا يتعظ، يسمع أن فلان عندهم خادمة، فحصل منها ما حصل، ويسمع أن الجيران الآخرين عندهم سائق أجنبي وحصل منه ما حصل، ويأبى إلا أن يكون العظة من نفسه، ما يتعظ بغيره، ومع ذلك يقدم على مثل هذه الأعمال من غير حاجة، أما إذا وجدت الحاجة فالله المستعان، يعني ما في أحد يبي يحمل نفسه أو يحمل أهله يحملهم على العزيمة، بل لا بد من الترف مثل الناس، ويحصل مثل هذه الكوارث تحصل في بيوت الناس ويأبى إلا أن يكون عظة لغيره، بدلاً من أن يتعظ بغيره، والسعيد من وعظ بغيره، بدلاً من أن يكون هو العظة للناس يتعظ بغيره.

((ألا إن قتال المؤمن كفر، وسبابه فسوق)) قتاله وقتله كفر -نسأل الله السلامة والعافية-، وهذا في حق المستحل، في حق من يستحل أو أنه يؤول به إلى الكفر، أو أنه عمل يشابه عمل الكفار، ومذهب أهل السنة والجماعة أن قتل المؤمن ليس بكفر، موبقة من الموبقات، كبيرة من كبائر الذنوب، و ((لا يزال المسلم في فسحة من دينه حتى يريق دماً حراماً)) {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ} [(93) سورة النساء] {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ} [(68 - 69) سورة الفرقان]-نسأل الله السلامة والعافية-، فأهل السنة على أنه عظيمة من عظائم الأمور، وموبقة من الموبقات، لكنه ليس بكفر مخرج عن الملة. ((ألا إن قتال المؤمن كفر، وسبابه فسوق)) نعم؟ طالب:. . . . . . . . . قتاله إما البدء بقتاله، وهذا أمر عظيم يترتب عليه ما يترتب من الشرور، فمثل هذا الأصل أن المؤمن لا يقاتل إلا الكافر هذا الأصل، لكن إذا حصلت مقاتلة بين طائفتين من المؤمنين هذا فالبادئ بهذا القتال يتجه إليه النص، وهي عظيمة من العظائم، يعني ليس بكفر، يعني كفر مخرج عن الملة لا، إنما كفر دون كفر. طالب:. . . . . . . . . باللسان؟ طالب:. . . . . . . . . هذا السباب. طالب:. . . . . . . . . لا لا، المقصود بالقتال هنا إرادة القتل، المراد به إزهاق الروح، إرادته، والمفاعلة، يعني مبادلته بين فئتين. وسبابه باللسان فسوق، وجاء في الحديث الصحيح: ((لعن المؤمن كقتله)) يعني في أن كل منهما عظيم، ويستحق صاحبه العقوبة.

((ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث)) يهجر أخاه المسلم فوق ثلاث ليال، وأبيحت الثلاث لما جبل عليه الإنسان من انتصار للنفس، وعلى كل حال مثل الثلاث هذه إذا وجد لها مبرر لا بأس، أما فوق ثلاث لا يجوز، ((ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث)) إلا الأب يريد أن يؤدب ابنه، ومن هُجر بسبب بدعة أو مخالفة شرعية، يهجر حتى يقلع عن ذنبه، وللزوج أن يهجر زوجته فوق ثلاث، وقد آلى النبي -صلى الله عليه وسلم- من نسائه شهراً، أما فيما بين الناس بسبب أمور الدنيا لا يجوز أن يهجر أخاه فوق ثلاث. ((ألا وإياكم)). جاء في الحديث الآخر: ((يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام)) فإذا بدأ أحدهما بالسلام انتفى عنه الإثم، وارتفعت عنه القطيعة. ((ألا وإياكم والكذب، فإن الكذب لا يصلح بالجد ولا بالهزل)) ((ألا وإياكم)) تحذير شديد من الكذب، والكذب يهدي إلى الفجور، والفجور يهدي إلى النار -نسأل الله السلامة والعافية-. ((ألا وإياكم والكذب، فإن الكذب لا يصلح بالجد ولا بالهزل)) لأن الإنسان إذا عود نفسه على الكذب هازلاً مازحاً فإنه يجر ذلك إلى أن يكون ديدناً له، فيستعمله في الجد، ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً، وفي مقابله الصدق، الصدق يهدي إلى البر، والبر يهدي إلى الجنة ((ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً)). ((ولا يعد الرجل صبيه ثم لا يفي له)) يطلب منه الصبي شيء فيقول: أحضره لك، أو افعل كذا وأعطيك كذا، ثم يفعل ولا يعطيه، لا يجوز له أن يفعل ذلك ((ولا يعد الرجل صبيه ثم لا يفي له)) ويذكر عن بعض الأئمة ولعله البخاري ذهب إلى شخص ليروي عنه الحديث، فوجده يلوح بالشعير لدابته، فإذا قربت منه أبعده عنها، فقال: إن هذا يكذب على الدابة فكيف لا يكذب علينا؟! فرجع فلم يروِ عنه، سواءً كانت هذه القصة ثابتة أو غير ثابتة، المقصود أن مثل هذا لا يجوز، لا سيما إذا كانت هذه الدابة بحاجة إلى مثل هذا الطعام، كما أن الصبي لا يجوز أن يعده أبوه ولا يفي له.

((فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار)) نسأل الله العافية ((وإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وإنه يقال للصادق: صدق وبر ويقال للكاذب: كذب وفجر)) {جَزَاء وِفَاقًا} [(26) سورة النبأ] وإن العبد يكذب حتى يكتب عند الله كذابا)) يعني يكذب في أموره جاداً هازلاً، ويتحرى الكذب يعني لا يقع الكذب على لسانه خطأ من غير قصد إنما يتحراه، فيكتب عند الله كذاباً، وفي مقابله من يصدق ويتحرى الصدق فإنه يكتب عند الله صديقاً. ((يقال للصادق: صدق وبر)) حينما يقول المؤذن: الصلاة خير من النوم هذا صادق وإلا كاذب؟ صادق؛ ماذا يقال له إذا قال: الصلاة خير من النوم؟ في إجابة المؤذن؟ نعم؟ طالب:. . . . . . . . . إيش؟ طالب:. . . . . . . . . نعم يقال له: الصلاة خير من النوم ((فقولوا مثل ما يقول المؤذن)) تقول مثل ما يقول المؤذن إلا في الحيعلتين تقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، من الفقهاء من يستروح ويميل إلى أنه يقال له: صدقت وبررت، يقال: ما دام صادق يقال للصادق: صدق وبر، فيقال للمؤذن إذا قال: الصلاة خير من النوم وهو صادق في ذلك: صدقت وبررت، لكن أخذه من هذه الحديث فيه بعد، لكن يقال كما قال: ((فقولوا مثل ما يقول المؤذن)).

قال -رحمه الله- بعد ذلك: "حدثنا محمد بن خالد بن خداش قال: حدثنا إسماعيل بن علية قال: حدثنا أيوب" إسماعيل بن إبراهيم، وعلية أمه، ويكره أن ينسب إليها، ولذا من ورع الإمام أحمد -رحمه الله- أنه يقال: حدثنا إسماعيل الذي يقال له: ابن علية، فلا ينسبه إلى نفسه "قال: حدثنا أيوب" يعني ابن أبي تميمة السختياني "ح" حاء التحويل "وحدثنا أحمد بن ثابت الجحدري ويحيى بن حكيم قالا: حدثنا عبد الوهاب قال: حدثنا أيوب" فالحديث مروي من طريق ابن علية، ومن طريق عبد الوهاب وهو ابن عبد المجيد الثقفي "كلاهما عن أيوب بن أبي تميمة السختياني عن عبد الله بن أبي مليكة عن عائشة قالت: "تلا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هذه الآية: {هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} [(7) سورة آل عمران] إلى قوله: {وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ} [(7) سورة آل عمران] فقال: ((يا عائشة إذا رأيتم الذين يجادلون فيه فهم الذين عناهم الله فاحذروهم)) " تجد بعض الناس المسألة فيها دليل صحيح صريح، ويعمد إلى نص فيه احتمالات أكثر من احتمال، ويستدل به بالاحتمال المرجوح في مقابل الاحتمال الراجح، وفي مقابل النص الذي لا احتمال فيه، فيتبع المتشابه، وهؤلاء الذين يتبعون المتشابه هم الذين في قلوبهم زيغ، فليحذرهم المسلم، وتقرؤون وتسمعون في الأيام المتأخرة من يعمد إلى مثل هذا، فتجده يعرض عن النص الصحيح الصريح النص في المسألة ويعمد إلى نص فيه ما فيه، ويقدمه على النص الصحيح الصريح، نعم من أئمة الإسلام الذين لا يشك في قصدهم وإخلاصهم من يقع له مثل هذا، يعني مسألة من ألف مسألة مثلاً تقع على إمام مجتهد قصده نصر الحق، مثل هذا ينزل عليه الحديث؟ لكن الآن من الناس من يكتب ليس له إلا المتشابه، يعني ما يعمد إلا إلى المتشابه، يعني مثال ذلك حينما يقول الحنفية: وقت صلاة العصر يبدأ من مصير ظل الشيء مثليه، عندنا في صحيح مسلم: ((ووقت صلاة العصر من مصير ظل الشيء مثله)) هذا نص وصحيح وصريح في المسألة، ويقرأه الحنفية، ومع ذلك يقولون: لا، مصير ظل الشيء مثليه، بدليل حديث:

((مثلكم ومثل من قبلكم كمثل رجل استأجر أجيراً من أول النهار إلى الزوال بقيراط، ثم استأجر أجيراً من الزوال إلى وقت العصر بقيراط، ثم استأجر أجيراً من وقت العصر إلى غروب الشمس بقيراطين، فاحتج اليهود والنصارى فقالوا: نحن أكثر عملاً وأقل أجراً)) يعني اليهود اشتغلوا إلى نصف النهار، والنصارى اشتغلوا إلى وقت العصر، وهذه الأمة كمن اشتغل من وقت العصر إلى غروب الشمس، فهم يقولون: نحن أكثر عملاً وأقل أجراً؟ قالوا: إن النصارى يقولون: نحن أكثر عملاً، إذاً الظهر أطول من العصر، فالعصر إذاً ما يبدأ إلا من مصير ظل الشيء مثليه، يعني هذا الدليل وهذا اللف كله من أجل أن يقدم على حديث: ((ووقت صلاة العصر من مصير ظل الشيء مثله)) هل نقول: إن مثل هؤلاء العلماء يتتبعون المتشابه؟ يعني مسألة من ألوف مؤلفة من المسائل، نعم لو كان المذهب كله مبني على مثل هذا في مقابل النصوص الصحيحة نقول: يتبعون المتشابه، لكن مسألة من ألوف مؤلفة من المسائل، وهم ينصرون ما يرونه حقاً، أما عندنا أناس يكتبون في كل المسائل بهذه الطريقة من أجل طمس الحق الصحيح الصريح، هؤلاء الذين يحذر منهم، أما إذا وقع في فقه العالم في مسألة أو مسألتين أو مسائل من ألوف مؤلفة من المسائل، هذا لا يظن به أنه يتتبع المتشابه، نعم قد يقع في المتشابه، لكن لا يظن به أنه يتتبع المتشابه، في كل شيء، يعني إرادة طمس الحق الصحيح الصريح بالمتشابه لا شك أنه داخل في مثل هذا، نعم؟ طالب:. . . . . . . . . على كل حال إذا وجد لألفاظه ما يشهد لها كلها وصح بها نشره طيب. بعد هذا يقول -رحمه الله تعالى-: "حدثنا علي بن المنذر قال: حدثنا محمد بن فضيل ح وحدثنا حوثرة بن محمد قال: حدثنا محمد بن بشر قالا: حدثنا حجاج بن دينار عن أبي غالب" وأبو غالب اسمه: حزور، وقيل: سعيد بن الحزور، وهو ضعيف، ضعفه ابن سعد وأبو حاتم والنسائي وابن حبان والدارقطني، وقال الدارقطني في رواية: ثقة، وقال ابن عدي بعد أن سبر حديثه: لم أرَ بحديثه حديثاً منكراً جداً، وأرجو أنه لا بأس به. على كل حال الرجل مضعف، ضعفه جمع من الأئمة، وقبله آخرون، وضعفه حينئذٍ ليس بشديد، ولذا قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.

"عن أبي غالب عن أبي أمامة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل)) ثم تلا هذه الآية {بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ} [(58) سورة الزخرف] " ((ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل)) لأنهم تركوا الهدى الذي كانوا عليه، واستبدلوه بغيره فأوتوا الجدل؛ لأنهم بحاجة ماسة إلى أن يدافعوا عن أنفسهم، فينشأ فيهم الجدل، ويكون الجدل ديدناً لهم وعادة لحاجتهم إلى الخصومة. {بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ} [(58) سورة الزخرف] هذه الآية نزلت في من؟ نعم في كفار قريش، هل كانوا على هدى؟ وهل الاستدلال بهذه الآية فيما دل عليه الحديث من أن الناس الذي كانوا على هدى ثم تركوه وأوتوا الجدل مطابق للاستدلال بهذه الآية؟ لأنها في قريش، وما أوتوا هدى إلا من بقي منهم من كان على دين إبراهيم -عليه السلام-، والحديث كما ترون فيه هذا الضعيف، وعند أهل العلم ما يسمى بالجدل، الجدل والمناظرة، والجدل والمجادلة إذا كان المراد منها نصر الحق ورد الباطل فهي مطلوبة وشرعية، وكذلك المناظرة، أما الجدل الذي لا يترتب عليه فائدة هو الذي يصد عن الهدى، ويبقى الإنسان في قيل وقال، وينصرف عما خلق له، خلق من أجله، يعني يصرفه هذا الجدل العقيم الذي لا فائدة فيه، يصرفه عن أن يستفيد من وقته فيما ينفعه، وعلى كل حال يحرص الإنسان ألا يدخل في جدل، إلا فيما ينفع، يعني أراد أن يبين حق، أو أراد أن يدفع شبهة، أو يرد على باطل فهو مأجور، والرد على المخالفين ومجادلتهم ومخاصمتهم وخصومتهم مأمور بها، وهي طريقة القرآن، وبعضهم يجعلها من البدع الواجبة، ومثلوا بها للبدع الواجبة، العز بن عبد السلام وغيره مثلوا بهذا للبدع الواجبة، وإذا كان له أصل يدل عليه من الكتاب فليس ببدعة، نعم؟ طالب:. . . . . . . . . إيه. طالب:. . . . . . . . .

نعم ما يمنع، ما يمنع، الجدال في الحق ولو كان، إذا كان في الحق ولو كان في الحج، ما يضر، أما الذي ينهى عنه في الحج الذي لا أثر له ولا قيمة له ولو كان على أمر عادي؛ لأن بعض الناس في خصومات من يركبون السيارة للحج إلى أن يرجعوا إلى بيوتهم، هذا يقول كذا، ثم يرد عليه الثاني وهكذا في أمور لا قيمة لها، فهذا هو المذموم.

قال -رحمه الله-: "حدثنا داود بن سليمان العسكري قال: حدثنا محمد بن علي أبو هاشم بن أبي خداش الموصلي، قال: حدثنا محمد بن محصن" محمد بن محصن العكاشي كذبه يحيى بن معين وأبو حاتم وابن حبان، وقال: شيخ يضع الحديث عن الثقات وهو كذاب، والحديث بسببه موضوع "عن إبراهيم بن أبي عبلة عن عبد الله بن الديلمي عن حذيفة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا يقبل الله لصاحب بدعة صوماً ولا صلاة ولا صدقة ولا حجاً ولا عمرة ولا جهاداً ولا صرفاً ولا عدلاً يخرج من الإسلام كما تخرج الشعرة من العجين)) " هذا إذا كان المراد بها البدعة المكفرة، البدعة المخرجة من الملة فهذا الكلام صحيح، ولو لم يثبت نسبته إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ لأن الله لا يقبل عمل الكافر {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [(65) سورة الزمر] ولا يقبل له صوم ولا صلاة ولا صدقة ولا أي عمل من الأعمال ما دامت البدعة مكفرة، أما إذا كانت البدعة لا تصل إلى هذا الحد، بل هي مفسقة، فقد قال الله -جل وعلا-: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [(27) سورة المائدة] والذي بدعته لا توصله إلى حد الكفر، بل هي مجرد فسق اعتقادي فهذه الآية تدل على أنه لا يقبل منه، كما أن الفاسق من أهل السنة يدخل في هذا الآية {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [(27) سورة المائدة] والمراد بنفي القبول هنا نفي الثواب المرتب على العبادة، ولا يقال: إن الصلاة ليست بصحيحة باطلة، لا، الصلاة صحيحة، لكن الثواب المرتب عليها لا يستحق منه شيئاً؛ لأن الحصر جاء في المتقين {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [(27) سورة المائدة] فإذا كان المراد بنفي القبول نفي الثواب المرتب على العبادة فهو أيضاً صحيح لمن بدعته لا تخرجه عن حضيرة الدين، وكذلك الفاسق الذي ينتسب إلى القبلة لا يؤمر بإعادته، ما في أحد من أهل العلم قال: إن الفاسق صلاته باطلة فعليه إعادتها، أبداً، بل قالوا: إن نفي القبول هنا المراد به نفي الثواب، والحديث مثل ما سمعتم موضوع يعني لا يتكلف في اعتباره فننظر في معناه.

طالب: أحسن الله إليك في طبعة الوزارة كثيراً ما يقسمون لفظة عبد الله إلى قسمين، فيجعلون عبد في آخر السطر، وكلمة الله ... غلط هذا، من الخطأ في الكتابة. طالب: كما فعلوا في عبد الله بن الديلمي فجعلوا عبد في نهاية ... هذا قالوا في كتب علوم الحديث في أدب الكتابة قالوا: لا يفصل بين المتضايفين هذا عموماً، لا يفصل بين المتضايفين مثل: غلام زيد، لا يفصل بينهم، فضلاً عن أن يكون المضاف إليه الرب -جل وعلا- فيوضع في أول السطر لئلا يأتي من يقرأ من أول السطر فيقول إيش؟ طالب: الله ابن الديلمي، مكتوب لفظ الجلالة ثم ابن الديلمي. نعم الله ابن الديلمي، فهذا ممنوع في الكتابة عند أهل العلم، وكتب المصطلح ما تركت مثل هذا، نعم. الحديث الذي يليه قال: "حدثنا عبد الله بن سعيد قال: حدثنا بشر بن منصور الحناط عن أبي زيد عن أبي المغيرة عن عبد الله بن عباس قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أبى الله أن يقبل عمل صاحب بدعة حتى يدع بدعته)) " وإسناده كله مجاهيل، بشر بن مجهول وأبو زيد وأبو المغيرة كلهم مجاهيل قال أبو زرعة: لا أعرف أبا زيد ولا أبا المغيرة ولا بشر، فما داموا مجاهيل وتتابعوا يعني كلهم مجاهيل، يعني لو واحد يتوقف في الحديث حتى يوقف على حاله، لكن يجتمع على ثلاثة كلهم لا يعرفون، فالخبر ضعيف، وإن لم يكن كسابقه موضوع ((أبى الله أن يقبل عمل صاحب بدعة حتى يدع بدعته)). ثم قال بعد ذلك: "حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقي وهارون بن إسحاق قالا: حدثنا ابن أبي فديك عن سلمة بن وردان الليثي" المدني وهو مجمع على ضعفه، ضعفه أحمد ويحيى بن معين وأبو زرعة وأبو حاتم وأبو داود والنسائي والدارقطني وابن حبان وابن عدي وابن حجر والذهبي، كلهم اتفقوا على ضعفه، فالحديث به ضعيف "عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من ترك الكذب وهو باطل بني له قصر في ربض الجنة، ومن ترك المراء وهو محق بني له في وسطها، ومن حسن خلقه بني له في أعلاها)) " وجاء في الحديث الصحيح: ((أنا زعيم ببيت في وسط الجنة لمن ترك)) إيش؟ طالب:. . . . . . . . .

نعم ((وإن كان محقاً)) ((وأنا زعيم ببيت في)) إيش؟ ((في أعلى الجنة لمن ترك المراء)) نعم، المقصود أن هذا له ما يشهد له، وإن كان ضعيفاً، فعلى الإنسان أن يترك الكذب في جميع أحواله لا جاد ولا هازل، وكذلك الجدال والمراء إلا من أجل نصر الحق، وكثيراً ما يدعى إلى المناظرة، المبتدعة يدعون إلى المناظرة في القنوات، فهل يتركوا؟ يدعون إلى مناظرة، يدعون أهل السنة إلى مناظرة، رافضي يدعو إلى المناظرة، فهل يترك بناءً على أن الجدال أو أن هذه القناة تنشر الشر والفساد فلا يُشترك فيها؟ يترك فيناظر ويلقي على الناس الشبه ولا يجد من يرد عليه، أو لا بد أن يتصدى له ويرد عليه؟ إن ترك إلى مصيبة كارثة ينفث سمومه على المسلمين ولا أحد يرد عليه، وإن شورك وشاركه الأخيار صار تشريعاً لهذه القناة ودعماً لها، أو جادله من هو دونه في المستوى، ثم بعد ذلك يحكم على أهل الحق بالعجز، وأن ما يقوله هو الصواب، على كل حال أمور مشكلة، وأما كون أهل الحق هم الذين يبدؤون بالجدال والمناظرات فلا، لا يجوز لهم ذلك بحيث يتمكن أهل البدع من نفث سمومهم في بيوت عوام المسلمين، هذا لا يجوز أن يلقى على العامة أبداً، لكن إذا تصدى أهل الشر وطلبوا المناظرة فلا بد من الرد عليهم، فلا بد من التصدي لهم، والله المستعان، والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

شرح مقدمة سنن ابن ماجه (8)

بسم الله الرحمن الرحيم شرح: مقدمة سنن ابن ماجه (8) باب: اجتناب الرأي والقياس، وباب: في الإيمان الشيخ: عبد الكريم بن عبد الله الخضير السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. سم. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللسامعين. اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً يا رب العالمين. قال الإمام الحافظ أبو عبد الله محمد بن يزيد القزويني المعروف بابن ماجه -رحمه الله تعالى-: باب: اجتناب الرأي والقياس حدثنا أبو كريب قال: حدثنا عبد الله بن إدريس وعبدة وأبو معاوية وعبد الله بن نمير ومحمد بن بشر ح وحدثنا سويد بن سعيد قال: حدثنا علي بن مسهر ومالك بن أنس وحفص بن ميسرة وشعيب بن إسحاق عن هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من الناس، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، فإذا لم يبق عالماً اتخذ الناس رؤوساً جهالاً، فسئلوا فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا)). حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا عبد الله بن يزيد عن سعيد بن أبي أيوب قال: حدثني أبو هانئ حُميد بن هانئ الخولاني عن أبي عثمان مسلم بن يسار عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من أفتي بفتيا غير ثبت فإنما إثمه على من أفتاه)). حدثنا محمد بن العلاء الهمداني قال: حدثني رشدين بن سعد وجعفر بن عون عن ابن أنعم هو الإفريقي عن عبد الرحمن بن رافع عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((العلم ثلاثة فما وراء ذلك فهو فضل، آية محكمة، أو سنة قائمة، أو فريضة عادلة)). حدثنا الحسن بن حماد سجادة قال: حدثنا يحيى بن سعيد الأموي عن محمد بن سعيد بن حسان عن عبادة بن نسي عن عبد الرحمن بن غنم قال: حدثنا معاذ بن جبل قال: لما بعثني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى اليمن قال: ((لا تقضين ولا تفصلن إلا بما تعلم، وإن أشكل عليك أمر فقف حتى تبينه أو تكتب إلي فيه)).

حدثنا سويد بن سعيد قال: حدثنا ابن أبي الرجال عن عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي عن عبدة بن أبي لبابة عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((لم يزل أمر بني إسرائيل معتدلاً حتى نشأ فيهم المولدون أبناء سبايا الأمم، فقالوا بالرأي، فضلوا وأضلوا)). الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: باب: اجتناب الرأي والقياس لما ذكر المؤلف -رحمه الله تعالى- في الأصول السابقة السنة، والعناية بالسنة، والاهتمام بها، وطرح ما خالفها، واتقاء ما أحدث دونها، أردف ذلك بباب يذكر فيه أن الرأي المخالف للسنة يجب أن يجتنب، والأقيسة في مقابل السنن، وأنها فاسدة الاعتبار. يقول -رحمه الله تعالى-: باب: اجتناب الرأي والقياس

والمراد بالرأي المخالف للنص، وليس معناه الرأي الذي يستعان به على فهم النص، الرأي منه ما يؤيده النص، ومنه ما يعارض به النص، فما يؤيده النص لا شك أنه مقبول، أما ما يعارض النصوص فهو مردود، معارضة النصوص الثابتة عن الله وعن رسوله -عليه الصلاة والسلام- بالآراء لا شك أنها علامة على الخذلان، وإفلاس المعارض من الحق الذي يؤيده الدليل، وأهل الرأي الذين اعتمدوا على الآراء والأقيسة وتركوا الاستدلال بالنصوص إنما سبب ذلك أنه أعجزهم وأعياهم حفظ النصوص، فالحفظ صعب، لا سيما من التفت إليه بعد الكبر، فإذا أعياهم وأعجزهم حفظ النصوص، ثم تعرضوا للسؤال، وتصدروا في المجالس والمنابر والمحافل وعرضوا أنفسهم لأسئلة الناس، وليس عندهم من النصوص ما يعتمدون عليه اضطروا إلى أن يفتوا بآرائهم، فهذه الآراء التي لا تعتمد على النصوص هي التي يجب اجتنابها، وأما من كان عنده من النصوص ما يعتمد عليه في مسائل الدين، واحتاج مع ذلك إلى الرأي الذي يتعامل به مع هذه النصوص؛ لأن النصوص تحتاج إلى مقدمات يستعان بها على فهم هذه النصوص، وكذلك الأقيسة إذا كان الأصل موجود عند العالم، والأصل موجود بدليله، واحتاج أن يقيس عليه فرعاً لا دليل عليه وإنما هو مشبه لذلك الأصل الذي دل عليه الدليل بعلة واحدة فإنه حينئذٍ يقيسه عليه، وهذا القياس صحيح ولا إشكال فيه؛ لأنه مرجعه إلى النص، أما من يقيس الأمور برأيه أقول: أما من يقيس الأمور برأيه في المسائل الأصلية التي فيها الأدلة، ويتوصل بقياسه إلى مخالفة ما دل عليه الدليل فهذا القياس كما يقول أهل العلم فاسد الاعتبار؛ لأنه قياس في مقابلة نص، فلنفرق بين الرأي الذي يجب اجتنابه، والرأي الذي لا بد من استعماله للتعامل مع النصوص، والقياس الصحيح الذي هو إلحاق فرع لا دليل عليه يخصه بأصل ثبت دليله من الكتاب أو السنة بعلة تجمع بينهما هذا لا إشكال فيه، وأما القياس الذي يعول عليه ابتداءً في تقرير مسألة فيها نص فهو فاسد الاعتبار؛ لأن العبرة بالنص، فلا بد أن نفرق؛ لئلا يسمع هذا الكلام أحد ويقول: باب اجتناب الرأي والقياس معناه أن المؤلف أو من يقول بهذا الكلام ظاهري، لا يرى الآراء ولا الأقيسة، فالأئمة كلهم

جاء عنهم ذم الرأي والقياس، ومع ذلك كلهم استعملوا الأقيسة، وأفتوا بفتاوى دقيقة تدل على أنهم أعملوا آرائهم في هذه الفتاوى مع اعتمادهم ومعولهم على النص، وأظن الفرق ظاهر، فالمسألة ينبغي أن ينظر إليها باعتدال، مثل هذا على طالب العلم أن ينظر إليها باعتدال كما كان الأئمة ينظرون إلى مثل هذه المسائل، فلا يوغل طالب العلم في استعمال الآراء والأقيسة، بل يكون معوله على النصوص، ولا بد من استعمال الآراء والأقيسة للإفادة من هذه النصوص، كما أنه لا يوغل لا يهمل الآراء والأقيسة، ولا يعتمد عليها اعتماداً كلياً، بل يكون معوله واعتماده على النص، ويستعمل ما يحتاج إليه من الآراء كما كان الأئمة على هذا، فالقياس أصل عند جماهير أهل العلم، وأما الظاهرية الذين لا يرون الأقيسة فصار عندهم شيء من الخلل في الاستدلال لكثير من المسائل، يصير فيها عسر عليهم، إذ ليس كل مسألة أو نازلة أو حادثة يكون منصوصاً عليها في الكتاب والسنة، وإنما يكون منصوصاً على أصلها أو على أشباهها ونظائرها فتلحق بها، وهم لا يقولون بهذا، ولابن حزم كتاب اسمه: "إبطال القياس" ولذا وقع فيهم من وقع، يقول ابن العربي في عارضة الأحوذي: "فلما جاء القوم الذين هم كالحمير يطلبون الدليل على كل صغير وكبير" فالذي يطلب الدليل يذم؟ لا يذم، بس أخطأ في التعبير، هو أخطأ في التعبير؛ لأن الذي يطلب الدليل في كل صغير وكبير هذا لا يذم، لكن كيف نتعامل مع هذا الدليل؟ هل معنى هذا أننا نعمل بالمسائل المنصوصة وما عداها من المسائل ماذا نصنع بها؟ جاءنا مسألة ما فيها نص، ولها نظير يمكن أن تلحق به مما نص عليه، على قياس قول الظاهرية أنها ما فيها حكم شرعي هذا، خالية عن حكم الله مقتضى قوله، يعني وبالمقابل قال ابن حزم في بعض الأئمة كلاماً شنيعاً أعظم مما قيل فيه من قبل ابن العربي، فلا هذا ولا هذا، يعني كون الشخص يذم بأنه يطلب الدليل، يذم بغيره ما يقتضي الذم، بل يذم بما يقتضي المدح، يعني نظير ذلك خطيب حصل مشكلة من فئة من الناس، وأخطئوا في تقديرهم واجتهادهم، أخطئوا بلا شك، ومع ذلك يذمون على المنبر بأي شيء؟ قال: ومن علامتهم تقصير الثياب وحمل كتب الحديث، يعني هذا ذم؟ يعني

على المنبر قيل، يا أخي إذا أردت أن تذم فانظر إلى مذمة شرعية يمكن أن تذم بها شرعاً، أما أن تذم بما يمدح به الإنسان شرعاً هذا أبداً، فابن العربي حينما يقول: "جاء القوم الذين هم كالحمير يطلبون الدليل في كل صغير وكبير" جاء عن السلف أنك إن استطعت ألا تحك رأسك إلا بأثر فافعل، فطلب الدليل لا شك أنه محمدة للإنسان، ودليل على توفيقه، لكن الجمود على الدليل بحيث لا يتعدى منطوقه هذا هو الذي يورث الخلل في كيفية التفقه عند بعض الناس، فالدين والعلم ينبغي أن يتوسط فيه كسائر الأمور، يعني الرأي والقياس لا يلغى بالكلية ولا يعتمد عليه، إنما هو تابع وفرع عن النص، وكل ما جاء عن السلف في ذم الرأي فإنما يراد به الرأي الذي تعارض به النصوص، أو لا يستند إلى نص، أما ما يستند فيه صاحبه إلى النص فهذا لا يذم، وقد استعمله من ذم الرأي.

قال -رحمه الله-: "حدثنا أبو كريب قال: حدثنا عبد الله بن إدريس وعبدة وأبو معاوية وعبد الله بن نمير ومحمد بن بشر ح وحدثنا سويد بن سعيد قال: حدثنا علي بن مسهر ومالك بن أنس وحفص بن ميسرة وشعيب بن إسحاق عن هشام بن عروة" الآن الالتقاء على من؟ عندنا ابن ماجه يروي الحديث عن شيخين هما: أبو كريب وسويد بن سعيد، أبو كريب يرويه عن عبد الله بن إدريس وعبدة وأبو معاوية وعبد الله بن نمير ومحمد بن بشر، خمسة، وسويد بن سعيد يرويه عن علي بن مسهر ومالك وحفص بن ميسرة وشعيب، يعني تسعة، يروى الحديث من طريق تسعة كلهم عن هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن عمرو بن العاص "عن أبيه -عروة بن الزبير- عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من صدور الرجال)) أو ((ينتزعه من الناس)) كما في هذه الرواية، وبعض الروايات: ((من صدور الرجال)) ليس معنى هذا أن الإنسان يمسي وهو عالم ثم يصبح جاهل ليس في صدره شيء من العلم، نعم قد يعاقب الإنسان بسبب معصية أو ذنب بنسيان بعض العلم، لكن يصبح الناس كلهم وقد نزع العلم من قلوبهم؟ لا، نعم قد يصبح الناس في يوم من الأيام والقرآن قد أسري به ورفع، وحينئذٍ لا علم، وهذا من علامات آخر الزمان، وعلى مر العصور العلم إنما يقبض بقبض العلماء، وهناك بعض السنين يقبض فيها جمع من أهل العلم فيبين الأثر، ففي سنة أربعة وتسعين من الهجرة يعني قبل تمام المائة بست سنين التي يسمونها سنة الفقهاء، مات فيها جمع غفير من أهل العلم، أكثر الفقهاء السبعة ماتوا سنة أربعة وتسعين، فبان الأثر في الأمة، وقل مثل هذا فيما حصل سنة عشرين وأربعمائة وألف حينما قبض علماء كبار، يعني لهم مستوى على مستوى الأمة وزن كبير، فبان الأثر والخلل.

فقبض العلم وانتزاعه إنما يكون بقبض العلماء ((إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من الناس)) يعني بحيث يصبح الإنسان وليس في جوفه شيء من العلم إلا إذا كان عقاب بسبب ذنب، فقد ثبت أن بعض من ينتسب إلى العلم وعنده شيء من العلم لما عصى سلب بعض العلم الذي كان يحفظه، وأسرع ما يسلب من الإنسان القرآن، فقد يذنب الذنب ثم يصبح يتفلت عليه القرآن، أو يشغل بما ينسى بسببه القرآن، ولا شك أن هذه عقوبة. ((ولكن يقبض العلم بقبض العلماء)) ثم ما النتيجة إذا قبض العلماء؟ والعلماء بالنسبة للأمم لا سيما علماء هذه الأمة كما قال الآجري في أخلاق العلماء يقول: "إن حاجة الأمة إلى العلماء أشد من حاجة قوم في ليلة مظلمة في أرض مسبعة، في واد فيه السباع والهوام والشوك والأحجار وليس معهم نور، ولا يدرون ماذا يواجهون؟ ثم جاءهم من بيده مصباح يتقدمهم ويبصرون به الطريق، ويأمنون به مما يفاجئهم، مما يضرهم، ففضل هذا عليهم، فضل العالم في الأمة أفضل من فضل هذا الرجل الذي جاء بالمصباح في هذه الليلة المظلمة في الصحراء المهلكة، وذلكم لأن هؤلاء القوم الذين يمشون في الظلام خسارتهم في دينهم أو في دنياهم؟ في دنياهم، أما من عاش بدون عالم يهديه سواء السبيل، ويدله على الخير وإذا حصل له إشكال أو مشكلة في دينه، أو وقع في مخالفة يدله على الطريق هذا أعظم لأنه بهذا يحفظ الدين، هؤلاء العلماء الذين قبضهم الله -جل وعلا- فإذا تم ذلك بقبض العلماء كلهم ما النتيجة؟

((فإذا لم يبق عالماً اتخذ الناس رؤساء)) أو ((رؤوساً)) كما في البخاري ((رؤساء)) وبعض الروايات: ((رؤوساً)) رؤساء جمع رئيس يتبعونه ويقتدون به، ويأتمرون بأوامره، وينتهون عما ينهاهم عنه، أو ((رؤوساً)) جمع رأس، والرأس والرئيس متقاربان، ولا بد من اتخاذ رأس يتبعه الناس، فإذا اتخذوا هذا الرأس وهو جاهل، أو الرؤوس اتخذوا مجموعة من الناس، أو كل فرقة تتخذ لها رأس أو رئيس لكنه جاهل، حصل لهم ما حصل فاحتاجوا إلى من يفتيهم، رجعوا إلى هذا الرأس، والمسألة مفترضة في رأس جاهل؛ لأن هؤلاء الرؤوس كلهم جهال، ((فسئلوا فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا)) ((فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا)) والمناسبة مناسبة هذا الحديث للترجمة أن هؤلاء الرؤوس الجهال إذا كانوا جهالاً لا علم لهم بالدين، ولا نصوص يعتمدون عليها، فإنهم سوف يضطرون إلى استعمال الرأي الفاسد، والقياس الفاسد، وعند ذلك يَضلون ويُضلون، يضلون بأنفسهم، ويضلون غيرهم، ومن هنا جاء ذم الرأي والقياس.

ثم قال -رحمه الله تعالى-: "حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا عبد الله بن يزيد عن سعيد بن أبي أيوب قال: حدثني أبو هانئ" حميد بن هانئ الخولاني "عن أبي عثمان مسلم بن يسار عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من أفتي بفتيا غير ثبت فإنما إثمه على من أفتاه)) " وهذا الحديث قطعة من حديث تقدم قبل عشرين حديثاً ((من أفتي بفتيا غير ثبت فإنما إثمه على من أفتاه)) والضبط الثاني: ((من أفتى بفتيا غير ثبت فإنما إثمه على من أفتاه)) فمن أفتي إذا حصل للإنسان نازلة فسأل عنها من اشتهر في الناس أنه يُسأل، أو من تصدر للأسئلة لأسئلة الناس، والإجابة على إشكالاتهم، فالعامة لا يفرقون، وفرضه سؤال أهل العلم، لكن عليه العامي فرضه سؤال أهل العلم لكن عليه أن يتحرى فيمن يسأل، فإذا كان يتحرى في أمور دنياه ويسال، إذا أراد أن يذهب إلى طبيب احتاج إلى طبيب هل يذهب إلى أي طبيب أو يتحرى ويسأل أي الأطباء أمهر وأعرف وأخبر، ثم يذهب إليه؟ يسأل، هذا في أمور دنياه، فكيف لا يتحرى في أمور دينه؟ قد يقول قائل: إن العامي فرضه سؤال أهل العلم وهو لا يستطيع أن يوازن بين أهل العلم، لا ليست لديه أهلية أن يفاضل بين أهل العلم، لكن أهل العلم أهل التحقيق أهل التحري أهل الورع متميزون عن غيرهم، وكل إنسان حتى العامي يفرق ويميز وعليه في مثل هذه الحالة أن يستفتي قلبه، وإن أفتاه الناس وأفتوه، كيف؟ هذا العامي إذا كان يعرف أن هذا الشخص عنده شيء من التساهل في الفتوى، ثم ذهب إليه وأفتاه بأن هذه المعاملة جائزة، أو هذا العمل لا كفارة فيه، وهو يعرف أن هناك من أهل العلم من هو أشد تحري وأشد ورع من هذا، لا بد وأن يقع في نفسه شيء من هذه الفتوى، والإثم ما حاك في صدرك، وكرهت أن يطلع عليه الناس، فعليه أن يسأل أهل التحري والورع. وليس في فتواه مفت متبع ... ما لم يضف للعلم والدين الورع

الورع لا بد منه؛ لأن الإنسان إذا كان يتحرى في أمور دنياه هل هذه البضاعة مربحة أو غير مربحة؟ أراد أن يبتدئ أو ينشئ مشروعاً تجارياً، ينشئها ابتداءً وإلا يستشير الناس أهل الخبرة والمعرفة، ويطلب من يقدم له الاستشارات والدراسات، يحتاط لدنياه، ومثل هذا من احتاج إلى طبيب هل يذهب إلى أي طبيب يواجهه أو يصادفه؟ لا، لا بد أن يسأل ويتحرى ويتثبت، فكذلك الدين، والدين رأس المال، تجد الناس إذا احتاج إلى معاملة من المعاملات، أو وقع في شيء يخشى أن يلزم بتبعة عليه إما كفارة أو غيرها ذهب يسأل من اشتهر بين الناس أنه متساهل، وهذا لا يجدي شيء، هذا لا يجدي على صاحبه، بل لا بد أن يسأل أهل التحري، وحينئذٍ وإن أفتاه الناس وأفتوه لا بد أن يسأل، والناس ماجوا في أيام مضت خلال سنتين أو ثلاث صاروا يسألون فمن يفتيهم بأن هذه المعاملة صحيحة وليس فيها شيء يقتدون به، ويأخذون أقواله، والذي يقول لهم: لا، هذه المعاملة فيها نسبة، أو فيها شيء، أو مختلطة، أو ما أشبه ذلك، يقولون: هذا ما عنده خبرة بالاقتصاد، هذا ويش يدريه هذا؟ هذه مسائل حادثة ولا نظير لها في الفقه الإسلامي، وفلان على العين والرأس من أهل العلم، لكن هذه أمور مستجدة لا علم له بها، الخبرة عند هؤلاء الذين درسوا الاقتصاد، وبالمقابل لو قيل له من قبل هؤلاء الاقتصاديين: إن هذه المعاملة ليست صحيحة وفيها ما فيها، قال: هؤلاء ويش أدراهم؟ هؤلاء أحداث ما يعرفون من الفقه شيء، فتجد الإنسان يدور على هواه، حيثما أملى عليه هواه -نسأل الله السلامة والعافية-، لكن الدين رأس المال، يبقى أن الدين رأس المال، ودرهم من مصدر حلال أفضل من ألف درهم فيه ما فيه، فعلى الإنسان أن يحتاط ويتحرى لدينه، فهذا الذي سأل هذا الشخص الذي عُرف بتساهله، أو خفي أمره على أقل الأحوال لم يسأل عنه ولم يتثبت، ولا عرف ولا شُهر بعلم، وهذا يحصل كثيراً، أحياناً يجي يسأل يتوسم من فيه خير وفضل فيسأله، فإذا أفتاه سأله عن اسمه، قال: من أنت؟ من معي؟ يحصل هذا، فمثل هذا تبرأ ذمته بهذا الاستفتاء؟ هو ما يعرف أن هذا من أهل العلم أصلاً، ما يدري، لكن توسم فيه الخير فسأله، فإذا أفتاه سأله وأجابه قال: من أنت؟ هذا لا

تبرأ ذمته بمثل هذا السؤال؛ لأنه أقدم على سؤال شخص مجهول لا يعرفه، ولا بد من المعرفة أن يعرف سواءً كان بنفسه أو بغيره، بقول ثقة: إن هذا من أهل العلم، أو بالاستفاضة بين الناس أن هذا الشخص من أهل العلم. ((من أفتي بفتيا غير ثبت فإنما إثمه على من أفتاه)) عليه كفارة؟ فقال المفتي: لا شيء عليك، الإثم على المفتي ما هو عليك، لكن لا بد أن يكون المفتي أنت تذهب إلى مفتي تبرأ الذمة بتقليده ليس أي مفتي، إنما إذا ذهبت إلى من تبرأ الذمة بتقليده خلاص الإثم عليه، إثمك على من أفتاك، وعلى الضبط الثاني: ((من أفتى بفتيا غير ثبت فإنما إثمه على من أفتاه)) يعني من استفتاه، يعني شخص لا يحسن ولا يتقن وليس عنده علم، أو عنده شيء من العلم لا يؤهله لأن يتصدر للفتيا، لا يؤهله فجاء شخص ابتلاه، وسأله عن مسألة فأفتاه عن غير علم وعن غير ثبت، فالإثم على المستفتي؛ لأنه هو الذي جره إلى الإفتاء، لكن مع ذلك لا تبرأ ذمة المفتي؛ لأن من أفتى بغير علم وجاء في الخبر: ((أجرؤكم على الفتيا أجرؤكم على النار)) والفتيا توقيع عن الله -جل وعلا-، فلا يجوز أن يوقع عن الله إلا من عرف مراد الله -جل وعلا- بما أنزله على نبيه -عليه الصلاة والسلام- من الكتاب والسنة. ((فإنما إثمه على من أفتاه)) معنى هذا أنه تبرأ ذمة المستفتي إذا أفتاه ولو كانت الفتيا خطأ، إذا كان ممن تبرأ الذمة بتقليده، ذهب إلى عالم معروف الناس يقصدونه، واتفقت ألسنة الناس على أنه من أهل العلم، واستفاض أمره، ثم اجتهد هذا العالم فأفتاه بخطأ؛ لأنه ما هو مفترض في العالم أن يكون معصوماً، وأن أقواله صائبة كلها، لا بد أن يجتهد فيصيب، ويجتهد ويخطئ، فإن أصاب -وهو من أهل الاجتهاد- له أجران، وإن أخطأ فله أجر واحد. ثم قال -رحمه الله تعالى-: "حدثنا محمد بن العلاء الهمداني قال: حدثني رشدين بن سعد وجعفر بن عون عن ابن أنعم هو الإفريقي" عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي "عن عبد الرحمن بن رافع عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((العلم ثلاثة)) " رشدين بن سعد ضعيف، وكذلك الإفريقي عبد الرحمن بن زياد بن أنعم ضعيف، فالحديث ضعيف.

يقول فيه: ((العلم ثلاثة)) يعني ثلاثة أمور ((فما وراء ذلك فهو فضل)) يعني زيادة لا داعي له ((آية محكمة)) يعني غير منسوخة؛ لأن المحكم يقابل المنسوخ، وقد يقابل المتشابه، فالعلم في معرفة الآيات المحكمة من النسخ ومن التشابه التي يفهمها أهل العلم، ويستنبطون منها، وأما المتشابه فهو مما وراء ذلك، ولا يمكن أن يعرفه أهل العلم، لا سيما على قول من يقول: إن المتشابه لا يعلمه إلا الله، والوقف على لفظ الجلالة. ((ما وراء ذلك فهو فضل، آية محكمة، أو سنة قائمة)) قائمة يعني ثابتة صحيحة، فالآية المحكمة، يعني هل الآية المنسوخة ما فيها علم؟ الآيات المتشابهة ليس فيها؟ معنى هذا لو أن الإنسان عمل بهذا الحديث وهو ضعيف ويش يلزم عليه؟ يلزم عليه أنه يجرد الآيات من القرآن الناسخة، أما المنسوخ فيتركه، يجرد الآيات المحكمة التي ليس فيها شيء من التشابه، ويستنبط من هذا النوع، من هذه الآيات ويترك الباقي، ويأتي إلى السنن الصحيحة الثابتة ويترك غيرها. ((أو فريضة عادلة)) ويستدلون بهذا على فضل علم الفرائض الذي فيه العدل، والعدل بقسمة المواريث كما قسم الله -جل وعلا-، وهذا من أدلة تفضيل علم الفرائض، لكنه كما سمعنا علم ... ، والحديث ضعيف، لكن الحديث ضعيف، لا تقوم به حجة، ولا يتم الاستدلال به، وعلى هذا لو اقتصرنا على ما في هذا الحديث وقلنا: إن ما عداه فضل، واقتصرنا على الآيات المحكمة من التشابه والنسخ، والسنن الصحيحة الثابتة والفرائض فقط، ومنهم من يقول: إن الفرائض جمع فريضة، والفرائض يعني بها الأحكام من الحلال والحرام، وعلى كل حال الحديث ما دام ضعيف فلا يتكلف. ثم قال بعد هذا: "حدثنا الحسن بن حماد سجادة قال: حدثنا يحيى بن سعيد الأموي عن محمد بن سعيد بن حسان الأسدي" المصلوب، كذاب، وضاع "عن عبادة بن نسي عن عبد الرحمن بن غنم قال: حدثنا معاذ بن جبل قال: لما بعثني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى اليمن قال: ((لا تقضين ولا تفصلن إلا بما تعلم)) " يعني لا تقدم على شيء إلا عندك فيه علم، إلا بما تعلم ((وإن أشكل عليك شيء)) يعني لم يترجح لك جانب الإصابة فيه ((فقف حتى تبينه)) يعني حتى تتبين وجه الإصابة ((أو تكتب إلي فيه)).

وعلى كل حال الحديث موضوع، آفته محمد بن سعيد المصلوب، اتهم بالزندقة، فقتل وصلب، والحديث موضوع، وهو معارض بحديث معاذ أيضاً لما بعثه النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى اليمن، قال له: ((بم تحكم؟ )) قال: أحكم بكتاب الله، قال: ((فإن لم تجد؟ )) قال: فبسنة رسول الله، قال: ((فإن لم تجد؟ )) قال: أجتهد رأيي" ثم قال له النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-)) وهو أصح من هذا، أيهما .... ؟ نعم؟ طالب:. . . . . . . . . ويش عندك؟ طالب:. . . . . . . . . أُموي، نسبة إلى بني أمية، وأما ابن خير الأشبيلي صاحب الفهرست المعروف أَموي بالفتح، نسبة إلى جبل في الأندلس يقال له: أمو، أما هذا إلى أمية بالضم. ((فقف حتى تبينه)) يعني تتبينه أو تبينه ((أو تكتب إلي فيه)) عرفنا أن هذا الحديث لا يكلف اعتباره، وإن كان معناه، معناه صحيح، لا يفصل ولا يقضي إلا بما يعلم، وإن أشكل عليه شيء لم يترجح فيه جانب الإصابة ففرضه حينئذٍ الوقف، يقف، إذا أشكل عليه يقف، فقد أحسن من انتهى إلى ما سمع، الذي ليس عندك فيه دليل ولا نص عليك أن تقف فيه حتى يترجح لك جانب الإصابة، أو تكتب إلى من هو أعلم منك ليفيدك، أو تبحث في كتب أهل العلم، المقصود أن المعنى وإن كان صحيحاً إلا أن الحديث موضوع، لا تجوز نسبته إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-. ثم قال بعد ذلك: "حدثنا سويد بن سعيد قال: حدثنا ابن أبي الرجال حارثة بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي الرجال" وأبو الرجال هو محمد بن عبد الرحمن سمي بذلك لأن له عشرة من الولد بلغوا مبلغ الرجال، فقيل له: أبو الرجال، أبو الرجال قد يتكنى الإنسان بمجموع لا بمفرد، الأصل أن الكنية تكون بمفرد، بواحد من ولده، أبو محمد، أبو سعيد، أبو زيد، أبو عمرو، لكن قد يتكنى .. ، هنا كني عُرف بأبي الرجال، والشيخ أحمد شاكر كنيته أبو الأشبال، فمثل هذا الأمر فيه سعة، لكن ابن أبي الرجال ضعيف، فإسناد الحديث ضعيف.

"عن عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي" الإمام المتبوع، الأوزاعي له مذهب متبوع، اتبع عليه، وقلد فيه، لكنه انقرض "عن عبدة بن أبي لبابة عن عبد الله بن عمرو بن العاص" وعلى كل حال الحديث مضعف لضعف ابن أبي الرجال "عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((لم يزل أمر بني إسرائيل معتدلاً حتى نشأ فيهم المولدون وأبناء سبايا الأمم)) " المولدون وأبناء سبايا الأمم، وفي بعض النسخ: ((المولدون أبناء)) يعني بدل أو بيان ((أبناء سبايا الأمم، فقالوا بالرأي فضلوا وأضلوا)) ((لم يزل أمر بني إسرائيل معتدلاً)) يعني مستقيماً على الجادة ((حتى نشأ فيهم المولدون)) الذين ليسوا منهم، أمهاتهم ليست منهم ((وأبناء سبايا الأمم)) والمراد بالسبايا هنا النساء اللواتي يسبين في الغزو، أو ينتهبن من أهليهن، ثم يعرضن في الأسواق ويبعن، وهذا كله حاصل، لكن السبي في الغزو هو الذي يتم به الملك الصحيح، وأما الانتهاب فلا، فلا يتم به ملك.

((فقالوا بالرأي فضلوا وأضلوا)) لأن هؤلاء الدخلاء على المجتمعات لا يلتزمون بعادات هذه المجتمعات ولا أعرافها، وقد لا يلتزمون بما ساد فيها من دين، أو ما أشبه ذلك، فهم لا يرعون شيئاً، لا يراعون شيئاً؛ لأنهم دخيلون على المجتمع، وأنت تجد الإنسان في مجتمعه أقول: الإنسان في مجتمعه يمشي على الجادة لأنه شيء نشأ عليه، ثم إذا طرأ على مجتمع آخر، واختلفت عليه الأعراف ولو كان في مجتمعه من أمثل الناس، وذهب إلى مجتمع آخر بين المجتمعين من التفاوت ما بينهما، فتجده في مجتمعه يشدد في أمور يتساهل فيها أهل هذا المجتمع، ويتساهل في أمور من مجتمعه يتشدد فيها أهل هذا المجتمع، وكل إنسان وافد على أي بلد من البلدان يجد الفرق، يعني الإخوة الوافدون من الأقطار الإسلامية أهل الفضل والخير والاستقامة بينهم وبين من وفدوا عليهم بعض التفاوت، تجد أهل البلد يفعلون أفعال يتساهلون فيها هي عند هؤلاء الوافدين عظائم، والعكس تجد هؤلاء الوافدين يستعملون أشياء تعارفوا عليها في بلدانهم وهي عند أهل البلد الموفود عليه عظائم، هذا يدرك وإلا ما يدرك؟ لا، مدرك هذا، نشوف بعض إخواننا الأخيار الذين يأتون إلينا من الأقطار يتشددون في أمور نحن نتسامح فيها، والعكس، يتسامحون في أمور نحن نتشدد فيها، فهنا ينشأ مثل هذه الأمور، وتضيع الأمور بهذا السبب، لا سيما إذا كان المسئول عن البلد يريد الضياع، فتجده في المسائل التي يتساهل فيها أهل البلد يعتمد عليهم ويقربهم فيها، ويسألهم عنها، وإذا أراد التساهل في أمور أخرى يتشدد فيها أهل البلد يسأل هؤلاء الوافدين، وهذا ظاهر عند من يريد ألا يأطر الناس على الحق، وتجد في بعض البلدان إذا أراد أن يتخطى أمراً من أوامر الشرع تجده ينفس على الناس أحياناً في بعض الأمور، بينما سياسة عمر بن عبد العزيز -رحمه الله- إذا أراد أن يأطر الناس على الحق وسع عليهم في أمر الدنيا، لكي يقبل هذا الأطر، وهذا معروف عن عمر بن عبد العزيز -رحمه الله-. يقول: ((فضلوا)) يعني بأنفسهم ((وأضلوا)) غيرهم، كما تقدم في الحديث الصحيح حينما يقبض العلم بقبض العلماء يتخذ الناس رؤوس جهال، فيفتون بغير علم، فيَضلون ويُضلون، نعم.

باب: في الإيمان

باب: في الإيمان حدثنا علي بن محمد الطنافسي قال: حدثنا وكيع قال: حدثنا سفيان عن سهيل بن أبي صالح عن عبد الله بن دينار عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((الإيمان بضع وستون أو سبعون باباً، أدناها إماطة الأذى عن الطريق، وأرفعها قول: لا إله إلا الله، والحياء شعبة من الإيمان)). حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا أبو خالد الأحمر عن ابن عجلان ح وحدثنا عمرو بن رافع قال: حدثنا جرير عن سهيل جميعاً عن عبد الله بن دينار عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- نحوه. حدثنا سهل بن أبي سهل ومحمد بن عبد الله بن يزيد قالا: حدثنا سفيان عن الزهري عن سالم عن أبيه قال: سمع النبي -صلى الله عليه وسلم- رجلاً يعظ أخاه في الحياء، فقال: ((إن الحياء شعبة من الإيمان)). حدثنا سويد بن سعيد قال: حدثنا علي بن مسهر عن الأعمش ح وحدثنا علي بن ميمون الرقي قال: حدثنا سعيد بن مسلمة عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من خردل من كبر، ولا يدخل النار من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان)).

حدثنا محمد بن يحيى قال: حدثنا عبد الرزاق قال: أنبأنا معمر عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا خلص الله المؤمنين من النار وأمنوا فما مجادلة أحدكم لصاحبه في الحق يكون له في الدنيا أشد مجادلة من المؤمنين لربهم في إخوانهم الذين أدخلوا النار، قال: يقولون: ربنا إخواننا كانوا يصلون معنا، ويصومون معنا، ويحجون معنا، فأدخلتهم النار! فيقول: اذهبوا فأخرجوا من عرفتم منهم، فيأتونهم فيعرفونهم بصورهم لا تأكل النار صورهم، فمنهم من أخذته النار إلى أنصاف ساقيه، ومنهم من أخذته إلى كعبيه، فيخرجونهم، فيقولون: ربنا أخرجنا من قد أمرتنا، ثم يقول: أخرجوا من كان في قلبه وزن دينار من الإيمان، ثم من كان في قلبه وزن نصف دينار، ثم من كان في قلبه مثقال حبة من خردل)) قال أبو سعيد: فمن لم يصدق هذا فليقرأ: {إِنَّ اللهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا} [(40) سورة النساء]. حدثنا علي بن محمد قال: حدثنا وكيع قال: حدثنا حماد بن نجيح وكان ثقة عن أبي عمران الجوني عن جندب بن عبد الله قال: "كنا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- ونحن فتيان حزاورة، فتعلمنا الإيمان قبل أن نتعلم القرآن، ثم تعلمنا القرآن فازددنا به إيماناً". حدثنا علي بن محمد قال: حدثنا محمد بن فضيل قال: حدثنا علي بن نزار عن أبيه عن عكرمة عن ابن عباس قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((صنفان من هذه الأمة ليس لهما في الإسلام نصيب: المرجئة والقدرية)). يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: باب: في الإيمان

وبقية المؤلفين في السنة يجعلون الإيمان كتاب، كتاب مستقل، يفتتحون به الكتب، فالبخاري مفتتح بعد بدء الوحي الذي هو كالمقدمة للكتاب؛ لأن الكتاب موضوعه وحي السنة {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [(3 - 4) سورة النجم] ثم بعد ذلك بعد هذا الذي هو كالمقدمة لأنه ليس بكتاب، بدء الوحي ليس بكتاب، كالمقدمة للكتاب، ابتدأ البخاري بعد ذلك بكتاب الإيمان، ومسلم بعد المقدمة بدأ بكتاب الإيمان، وابن ماجه -رحمه الله- قال: باب في الإيمان، والمسألة اصطلاح، لكن الإيمان شأنه عظيم، ينبغي أن يفرد بكتاب تام لا يلحق بغيره، والإيمان مرتبة من مراتب الدين كما سيأتي في حديث جبريل حينما سأل النبي -عليه الصلاة والسلام- عن الإسلام والإيمان والإحسان، ويأتي بيانه وبيان أركانه -إن شاء الله تعالى-. والأصل في الإيمان أنه التصديق {وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لِّنَا} [(17) سورة يوسف] أي مصدق، هذه حقيقته اللغوية، والشرع إذا جاء بحقيقة شرعية فإنه لا يلغي الحقيقة اللغوية وإنما يزيد عليها، يزيد عليها قيود تناسبه، كما هو الشأن في الصلاة والزكاة وغيرها، فالصلاة في اللغة: الدعاء، والصلاة في الشرع: دعاء وزيادة، الزكاة في اللغة: النماء، والزكاة الشرعية نماء وزيادة، وهكذا، والصوم في اللغة: الإمساك، وهو في الشرع إمساك من نوع مخصوص، ويأتي تعريفه في حديث جبريل -إن شاء الله تعالى-. قال -رحمه الله-: "حدثنا علي بن محمد الطنافسي" الطنافسي الطنافس: جمع طنفسة، والنسبة إلى الجمع عند أهل العلم شاذة، يعني إذا أردت أن تنسب إلى جمع ترده إلى مفرده، اللهم إلا إذا كان الجمع أشهر من المفرد، كما في الأنصار، نعم تقول: أنصاري، الأنصار جمع ناصر، فلما كانت النسبة إلى الجمع أو كان الجمع أشهر من المفرد نسب إليه.

قال: "حدثنا وكيع قال: حدثنا سفيان عن سهيل بن أبي صالح عن عبد الله بن دينار عن أبي صالح عن أبي هريرة" كم عدد الرواة؟ السند سباعي، فهو نازل "عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((الإيمان بضع وستون أو سبعون)) " على الشك؛ لأنه جاء في البخاري: ((بضع وستون)) وجاء في مسلم: ((بضع وسبعون)) فالبخاري من شدة تحريه واحتياطه أخذ بالأقل، وترجح عند مسلم: ((الإيمان بضع وسبعون)) وهنا جاء على التردد بين الستين والسبعين.

((باباً أدناها)) يعني الإيمان أبواب، تبلغ هذه العدة، أدناها وأقلها شأناً وأقلها مقداراً ((إماطة الأذى عن الطريق، وأرفعها قول: لا إله إلا الله، والحياء شعبة من الإيمان)) أرفعها وأعلاها قول: لا إله إلا الله، كلمة التوحيد التي بها يعصم الدم والمال، وبها يدخل في الدين، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان، من هذه الشعب، وهذه الأبواب وهذه الشعب التي تبلغ هذه العدة بضع ما بين الثلاث إلى التسع أو إلى السبع كما قال بعضهم هذه الأبواب وهذه الشعب لم يأتِ بيانها بخبر ملزم، يعني بالتحديد، يعني ما ألحق بهذا الحديث من طريق صحيح حصر لهذه الشعب، وإن كان العلماء التمسوا وتحروا ما جاء وصفه بكونه من الإيمان في نصوص الكتاب والسنة، فجمعوا هذه العدة، وللبيهقي كتاب اسمه: شعب الإيمان، ولأبي عبد الله الحليمي قبل البيهقي كتاب اسمه: المنهاج في شعب الإيمان، يحرصون على أن يجمعوا مثل هذه التي جاءت الإشارة إليها، كما هو الشأن في الأسماء الحسنى مثلاً: ((إن لله تسعة وتسعين اسماً، مائة إلا واحد، من أحصاها دخل الجنة)) ولم يأتِ في خبر صحيح إحصاء هذه التسعة والتسعين، مع أنها الأسماء الحسنى أكثر بدليل قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((أو استأثرت به في علم الغيب عندك)) فجمعوا الأسماء الحسنى اجتهدوا، فأثبتوا ما صح عن الله وعن نبيه -عليه الصلاة والسلام- فيما سمى الله به نفسه، فصنفوا في الأسماء الحسنى، وحرصوا أن تكون العدة موافقة لهذا العدد، وجاء عند الترمذي بيان هذه الأسماء ملحقة بالحديث الصحيح: ((إن لله تسعة وتسعين اسماً)) في البخاري وغيره، لكن تعداد الأسماء ضعيف، وأبو حاتم ابن حبان له جزء مفرد جمع فيه شعب الإيمان التي معنا، وحرص أن تكون من الكتاب والسنة مما وصف بكونه من الإيمان، فبلغت هذه العدة التي جاءت في هذا الحديث بضع وستون أو بضع وسبعون، و (أو) هنا للشك، في البخاري: الستين، وفي مسلم: السبعين.

((باباً، أدناها إماطة الأذى عن الطريق)) يعني أقلها شأناً ومقداراً وأقلها أجراً إماطة الأذى عن الطريق، يعني تجد في الطريق شيء يؤذي الناس إما غصن شجرة، أو زجاج أو أي شيء يؤذي الناس فتميطه، وإذا كانت إماطته من الإيمان فوضعه مجانب ومخالف للإيمان، قدح في إيمان الشخص، وبعض الناس يعمد إلى هذه القوارير من الزجاج فيكسرها في طريق الناس، لكن غالب من يفعل هذا السفهاء والجهال من الصغار فلو فعله كبير أثم، وقل مثل هذا فيما يؤذي الناس من البول في طريقهم مثلاً، لا يجوز، وقد جاء التنصيص عليه: ((اتقوا الملاعن الثلاثة)) وقل مثل هذا في كل ما يؤذي الناس، إذا كانت السيارة كما يوجد في السيارات القديمة ينزل منها شيء يؤذي الناس، يؤذي المارة زيت مثلاً، تجد كل يوم نازل بقعة عند بابه، وإذا قدم يمين تنزل بقعة، وإن أخر يسار، إن صار على الجهة اليمنى مثل، إن وقف على الجهة اليسرى مثل، هذا لا شك أنه أذى للناس، فهو قادح، وقل مثل هذا في الذي يترك البيارة بعد أن تفيض يتركها تسيل في الشارع في السوق بحيث يتنجس الناس ممن يمر بهذا السوق، هذا لا يجوز بحال، كالبول في الطريق الذي جاء اللعن عليه -نسأل الله السلامة والعافية-، فإماطة الأذى عن الطريق شعبة من شعب الإيمان، وهو صدقة يتصدق بها الإنسان على نفسه، فيصبح على كل سلامى منكم صدقة، السلامى المفاصل، وفي الإنسان ثلاثمائة وستون مفصل، يحتاج كل مفصل إلى صدقة، شكر على هذه النعمة، يعني يتصور الإنسان أن أصبعه لا ينثني الآن الأصبع هذه فيها ثلاث مفاصل، نعم ثلاث عقد، يعني ثلاث مفاصل، وينثني وتستفيد منه، لكن أنت افترض أن عندك هذا الإصبع الصغير لا ينثني، لتتبين نعم الله عليك، والله تتأذى به هذا ما تحسب له حساب، لو كان الإصبع ما ينثني واقف، فضلاً عن اليد كونها كلها واقفة، يعني نعم نتقلب بها لا نحسب لها حساب، وكل نعمة من هذه النعم تحتاج إلى شكر، وشكرها بعدد الصدقات التي تكون في مقابلها، على الإنسان ثلاثمائة وستين صدقة في كل يوم، لكن الله -جل وعلا- رؤوف رحيم، رحيم بخلقه، جعل كلمة سبحان الله عن صدقة، تقول: سبحان الله وبحمده مائة مرة مائة صدقة، تقول: سبحان الله والحمد لله ولا إله

إلا الله خير عظيم، تقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له تنتهي، فمن يكون يجعل مع ورده ما ثبت من الأذكار يكون قد أدى هذه الصدقات، يعني يكون مع ورده وأذكار الصباح والمساء مثلاً: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، مائة مرة، يحصل له الأجر الثابت في هذا الخبر، وأنها حرز من الشيطان، ويحط عنه مائة سيئة، ويرفع بها مائة درجة ... إلى آخره، ومع ذلك تحسم من الصدقات، إذا قال: سبحان الله وبحمده مائة مرة حطت عنه خطاياه ولو كانت مثل زبد البحر، ونزل عنه مائة من الصدقات، وإذا استغفر الله مائة مرة وفعل وكذا، يعني يثبت ما ثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- بحيث لا ينساه، أما أن يعرف أن النبي -عليه الصلاة والسلام- حث على الاستغفار وعلى التسبيح وعلى التهليل ويتركه مطلقاً ينساه، بينما إذا ربطه بأذكار الصباح والمساء لا سيما من جاء فيه النص: ((من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير مائة مرة)) حصل له ما حصل، فهذه إذا قيلت في أول النهار صارت حرز من الشيطان إلى آخره، فمثل هذه الأذكار يحرص عليها ليبرأ من عهدة هذه الصدقات، ويشكر هذه النعم، فهذه أمور لا بد منها، ويكفي من ذلك ركعتان تركعهما من الضحى، يعني يجزئ عن هذه الصدقات ركعتان تركعهما في الضحى، وجاء الحث على صلاة الضحى في أحاديث يوصي بها النبي -عليه الصلاة والسلام- أصحابه، ويقولون: أوصانا خليلنا -عليه الصلاة والسلام- يقول أبو هريرة وأبو الدرداء وأبو ذر: أوصاني خليلي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بثلاث، ما هذه الثلاث؟ هاه؟ طالب:. . . . . . . . . نعم صيام ثلاثة أيام من كل شهر، نعم؟ وركعتي الضحى، وأن أوتر قبل أن أنام، فهذه وصيته -عليه الصلاة والسلام- لأصحابه، وركعتا الضحى سنة، وإذا كانت تجزئ عن هذه الصدقات الكثيرة فعلى المسلم أن يحرص عليها.

((أدناها إماطة الأذى عن الطريق، وأرفعها قول: لا إله إلا الله)) فدل على أن في الإيمان الأعلى والأدنى، فمن كملت له هذه الخصال كمل إيمانه، ومن نقصت نقص بقدرها، فالإيمان يزيد وينقص عند أهل السنة تبعاً لاستكمال شعبه وأجزائه يكمل، وتبعاً للإخلال بشيء منها ينقص. ((والحياء شعبة من الإيمان)) ((والحياء خير كله)) و ((الحياء لا يأتي إلا بخير)) لكن المقصود به الحياء الخلق الذي يبعث على الانكفاف عما يذم به الإنسان، هذا هو الحياء النافع الذي يكف بسببه عما يعاب به، أما ما يسمى في العرف حياء مما يمنع من أداء ما أوجب الله -جل وعلا- من أمر بمعروف، ونهي عن منكر، وتعليم علم، وما أشبه ذلك، فإن هذا مذموم، ولا يسمى حياء، بل هو خور وخجل، وإن سماه بعضهم حياءً، والحياء شعبة من شعب الإيمان. نقف على الحديث الثاني. اللهم صل على محمد ...

شرح مقدمة سنن ابن ماجه (9)

بسم الله الرحمن الرحيم شرح: مقدمة سنن ابن ماجه (9) تابع: باب: في الإيمان الشيخ: عبد الكريم بن عبد الله الخضير يقول هذا السائل: إذا كتبتُ آيات من القرآن على ورقة فهل تأخذ هذه الورقة حكم المصحف بحيث لا يمسها إلا طاهر؟ إذا كتبت الآيات متتابعة على هيئة كتابتها في المصحف صارت كأنها ورقة من المصحف، فلها حكمه، وإذا كتب على طريقة مخالفة لطريقة المصحف فلا تأخذ حكمها. يقول: ذكرتم جمع الطرق والشواهد للتثبت من صحة الحديث وعدمه، ما هي الكتب الأصيلة التي يرجع لها في ذلك للتحري والنظر في الطرق والشواهد؟ على كل حال طرق التخريج معروفة عند أهل العلم، فالحديث يخرج من مضانه الأصلية التي تروي الأحاديث بالأسانيد، إما عن طريق الصحابي، وهذه طريقة من الطرق، وفي هذا تحفة الأشراف كتاب نافع في هذا الباب، وكذلك المسانيد تنفع إذا كان الصحابي معروفاً يُبحث عنه عن طريق صحابيه في هذه الكتب، أما إذا كان الصحابي غير معروف وعرف طرفه وأوله، فهناك كتب أيضاً ألفت على أطراف وهي مرتبة على حروف التهجي الجامع الكبير الجامع الصغير، وغيرها من الكتب على هذه الطريقة. إذا لم يُعرف أول الحديث ولا صحابيه، فبالإمكان أن يعرف عن طريق كلمة غريبة فيه، ويستفاد في هذا الباب من كتاب المعجم المفهرس، أو موضوع الحديث، ويستفاد في هذا من فهارس الكتب المرتبة على الأبواب والموضوعات، وكتاب مفتاح كنوز السنة أيضاً ينفع في هذا، وإذا كان الحديث له صفة خاصة يرجع فيه إلى هذه الكتب التي تبحث في هذه الصفة، كأن يكون فيه علة فيبحث في كتب العلل، يكون مرسل فيبحث في كتب المراسيل وهكذا، ثم يجمع طرق الحديث وينظر في أسانيدها، ويحكم عليها بعد ذلك. يقول: ما رأيكم في قول بعض أهل العلم أن الإمام مسلم يرتب روايات الصحيح بتقديم الأصح، ثم ما دونه في الصحة؟

هذا مقتضى كلامه في المقدمة، لكن الواقع قد يكون في كثير من الأحيان عكس ذلك؛ لأنه قد يذكر الرواية التي فيها مقال، ثم يصححها، ويعلها بالرواية التي تليها، مما يكون أصح منها، فلست على حد سبري للكتاب ليس له طريقة مستمرة، وإن كان الاستقراء غير تام، لكن يبقى أنه لا يمكن أن يحكم بأنه يقدم الصحيح أو الأصح. أما السؤال الثاني يقول: هل يجوز حل السحر عن طريق السحر، أو عن طريق السحرة؟ هذا أجبنا عنه بالأمس، مراراً أجبنا عنه. وهذا أيضاً يسأل يقول: هل هناك عدد معين من المرات يمكن للخاطب فيه أن يرى وجه الفتاة التي ذهب لخطبتها؟ هذا أجبنا عنه بالأمس. في الحديث: ((لا تجتمع أمتي على ضلالة)). الحديث فيه كلام، وأدلته على الإجماع كثيرة تنتهض لأن الإجماع حجة، ولا تجتمع أمتي على ضلالة، هذا مقبول عند جمع من أهل العلم، ويستدلون به على ثبوت حجية الإجماع. يقول: هل الأمة هنا محددة بزمن كالثلاثة القرون الأولى أم هنا غير ذلك؟ لا، ليس بزمن محدد، بل الأمة أمة الإجابة إلى قيام الساعة. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. قال -رحمه الله تعالى-: باب: في الإيمان تكلمنا في الترجمة والحديث الأول حديث الشعب، وهناك طريق أخرى أو أكثر من طريق لهذا الحديث عن أبي هريرة. قال -رحمه الله-: "حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا أبو خالد الأحمر عن ابن عجلان ح وحدثنا عمرو بن رافع قال: حدثنا جرير عن سهيل جميعاً عن عبد الله بن دينار عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- نحوه" والحديث مخرج في الصحيحين، ومر الكلام فيه. ثم بعد ذلك قال: "حدثنا سهل بن أبي سهل ومحمد بن عبد الله بن يزيد قالا: حدثنا سفيان عن الزهري عن سالم عن أبيه قال: سمع النبي -صلى الله عليه وسلم- رجلاً يعظ أخاه في الحياء، فقال: ((إن الحياء شعبة من الإيمان)) " في بعض الروايات في الصحيح: ((دعه، فإن الحياء لا يأتي إلا بخير)).

هذا الرجل الذي يعظ أخاه في الحياء، ويرى أن الحياء أثر في حياته، فلا يقدم على كثير مما ينفعه بسبب الحياء، يحجم عن بعض الأشياء فيتضرر بتركها، سواءً كان الضرر في دينه أو في دنياه؛ لأن بعض الناس يستحيي على حد زعمه، أو على حد زعم أخيه كما هنا، هذا يعظ أخاه يقول: لا تستحي خفف من هذا الحياء لتعيش مع الناس، والمراد بهذا الحياء الحياء العرفي الذي هو في الحقيقة خجل، وهذا الخجل مذموم؛ لأنه يعوق عن تحصيل ما ينفع، سواءً كان من أمور الدين، فيجعل الإنسان لا يتعلم العلم، ولا يتعلم العلم مستحيي ولا مستكبر، ويمنعه عن الإنكار، يمنعه عن أداء النصيحة لإخوانه التي أمر الله بها، يمنعه عن مزاولة بعض أمور دنياه التي يتضرر بتركها، فهذا الخجل مذموم بلا شك، وأما الحياء الشرعي الذي هو مانعٌ لما وكافٌ عما يذم به الإنسان، عما يذم به سواءً كان شرعاً أو عرفاً، فالحياء خير كله، وشعبة من الإيمان، فإذا كان هذا الحياء يكفه عما منعه الله منه، أو يكفه عما يشينه بين الناس فهذا شرعي، وأما إذا كان يمنعه من مزاولة ما أمر به، أو مزاولة ما ينفعه في أمور دينه أو دنياه فإن هذا مذموم.

فقال: ((إن الحياء شعبة من الإيمان)) وهذا يدل عليه الحديث السابق، حديث أبي هريرة: ((والحياء شعبة من الإيمان)) وأيضاً ما جاء في الرواية الأخرى: ((دعه، فإن الحياء لا يأتي إلا بخير)) فالحياء بلا شك ممدوح، وأما الحياء العرفي الذي يسميه الناس حياء وهو في الحقيقة ليس بحياء إنما هو عجز ومهانة وذل، هذا لا ينفع، هذا يضر صاحبه؛ لأنه يكفه عما أمر به شرعاً، أو يكفه عما ينفعه في أمور دنياه، فكثير من الناس يخجل، وهذا الوصف حقيقة قد تنظر إلى بعض الناس وتجده وتظنه من أشد الناس حياءً، وهو في الحقيقة على العكس تماماً يزاول ما حرم الله عليه هذا لا يستحي، ولو كان يخجل، وبعض الناس العكس تظنه لا يستحيي وهو في الحقيقة على درجة بالغة من الحياء، يعني على سبيل المثال من كبار الأدباء والكتاب مثلاً أحمد أمين مثلاً يُظن به وهو من كبار الكتاب وكبار الأدباء وله منزلة رفيعة عند قومه، منزلة كبيرة، يقول: إنه في بعض الأوقات لا يطلب الماء ليشرب خشية أن ينكب عليه من الحياء، وإذا أعطي الشاي لم يقبله خشية من ذلك، وقد يجلس في المجلس الساعات لا يستأذن ليقضي حاجته، كله من الحياء والخجل، وأعرف بعض الناس يتخرج في الجامعة ويتوظف وهو لا يستطيع أن يسلم على الإمام وهو في المحراب، لا بد أن ينصرف الإمام عن مكانه ثم يسلم عليه، لا يستطيع أن يتقدم أمام الناس، فهل مثل هذا ينفع؟ هل مثل هذا حياء شرعي؟ هذا ليس بشرعي، هذا خجل ويذم عليه، فمثل هذا كيف يتقدم بين يدي الناس ليعظهم وينفعهم وينصحهم، ويؤدي ما أوجب الله عليه من باب الأمر والنهي؟ هذا لا يستطيع أن يفعل شيئاً.

وعلى كل حال الحياء يحتاج إلى إعادة نظر؛ لأن مفهومه عند كثير من الناس ليس بصحيح، بعض الناس يفسر الحياء على طبعه الذي جبل عليه، وإن كان ضد الحياء، وتجد بعض الناس يستحيي من أشياء لا يستحيا منها، ويقدم على أشياء في غاية القبح، ويُظن هذا أنه هو الحياء، لا هذا الكلام ليس بصحيح، ولا شك أن الناس سعيهم شتى، فبعض الناس لا يستطيع أن يعارض أحد في أبسط الأمور من أمور الدنيا، لا يستطيع أن يعارضه، لكنه إذا ارتكب شيئاً مما حرم الله عليه عارضه بكل قوة، ولم يتردد في معارضته والإنكار عليه، وأما أمور الدنيا فيقول: أمرها سهل، يعني ما نحتاج إلى أن نكون جبهة معارضة في كل شيء، يعني بعض الناس يمرر هذه الأشياء بهذه الأشياء، يعني يجعل كلامه مقبول في أمور الدين لأنه لا يعارض الناس في أمور دنياهم، وهذا طيب إذا لم يترتب عليه ترك محظور، وبعض الناس العكس يقول: لكم دينكم ولي دين، الدين بكيفه، للبيت رب يحميه، لكن إذا اعترضنا في أمور دنيانا لا بد من أن نقف في وجهه، واهتمامات الناس لا شك أنها تختلف باختلاف على قدر تمسكهم بهذا الدين ومعرفتهم به.

ثم قال -رحمه الله تعالى-: "حدثنا سويد بن سعيد قال: حدثنا علي بن مسهر عن الأعمش ح وحدثنا علي بن ميمون الرقي" نحتاج أن نكرر الكلام في هذه الحاء المفردة التي يكتبها أهل العلم بين الأسانيد، في أثناء الأسانيد كما هنا، وأنها حاء التحويل عند الأكثر من إسناد إلى آخر، من أجل الاختصار، يستعملها مسلم كثيراً، وأبو داود يستعملها كثيراً، النسائي ابن ماجه، يستعملونها بكثرة، البخاري يستعملها بقلة، ومع ذلك يختلف موضعها عند البخاري عن موضعها في غيره، فالبخاري كثيراً ما يستعملها إذا انتهى الإسناد يأتي بالإسناد كاملاً، ثم يذكر النبي -عليه الصلاة والسلام- ويقول: ح وحدثنا فلان، هذه الحاء على هذا الاصطلاح لا قيمة لها، ولذا يستظهر بعضهم أن الحاء هنا معناها الحديث، يعني اقرأ الحديث الآتي، أو أصلها خاء التي هي رمز المؤلف، يعني رجع الإسناد إلى المؤلف، وإلا من حيث ما قرروه في الحاء التي بها تختصر الأسانيد، ويذكر من الإسناد الأول إلى المدار الملتقى فيختصر نصفه، وتفيدنا هذه الحاء كثيراً لا تنطبق على استعمال البخاري في غالب أحواله. المغاربة يقولون: إن هذه الحاء معناها الحديث، اختصار لكلمة الحديث، والأكثر على أنها حاء التحويل، وتقرأ مفردة هكذا: حاء ويمر، يعني بسرعة حاء وحدثنا، وشخص يقرأ في كتب المصطلح وعجز أن ينطق بها، عجز أن ينطق كلمة حاء ويمر؛ لأنها تكتب هكذا، وهذه الحاء تكتب حاء ويمر، ويش معنا حاء ويمر؟ ظنها كلمة واحدة، يعني يمر في الكلام، يدرج في الكلام ولا يقف عندها.

"وحدثنا علي بن ميمون الرقي قال: حدثنا سعيد بن مسلمة عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من خردل من كبر، ولا يدخل النار من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان)) " وهذا الحديث بحروفه في مسلم، هذا مخرج في مسلم، ((لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من خردل من كبر)) والكبر شأنه عظيم، وإذا كان المراد به الكبر الذي ينطوي عليه قلوب كثير من الناس فهذا في غاية الخطورة، ولذا قال بعضهم: إن المراد بالكبر هنا الكبر عن الإيمان، فيتكبر فلا يؤمن؛ لأن الوعيد شديد، لا يدخل الجنة، وإن كان المراد به الكبر الذي جاء الشرع بتحريمه فالمراد بقوله: ((لا يدخل الجنة)) يعني مع أول الناس، مع أول الداخلين إن عوقب على هذا الكبر، والكبر خصلة ذميمة وقبيحة، وعائق في طريق المسلم الموصل إلى الله -جل وعلا- من العوائق، وفي طريق طالب العلم عن تحصيل العلم {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ} [(146) سورة الأعراف] فالذي يتكبر ويوجد في قلبه هذا الكبر لا شك أنه يصرف عن آيات الله التي هي القرآن، ولذا دافع بعضهم عن شيخ الإسلام ابن تيمية بهذا، بعض من ترجم لشيخ الإسلام نظراً لقوة أسلوبه وردوده على المخالفين، وفي كل مجال يكون قوله حاضر بقوة يظن أن هذا ناشئ عن كبر، ذُكر هذا، ذكر هذا بعض من ترجم له، ودافع عنه من دافع، قال: لا يمكن أن يكون هذا العلم العظيم لا سيما بعلوم القرآن، وآيات الكتاب على طرف لسانه، وأسلة بنانه، كيف ييسر له هذا القرآن، وفي قلبه شيء من الكبر، والله -جل وعلا- يقول: {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ} [(146) سورة الأعراف] فالكبر خصلة ذميمة وعائق من أعظم العوائق في الطريق الموصل إلى الله -جل وعلا-، وفي الطريق المحصل للعلم الشرعي.

((لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من خردل من كبر)) ذرة من خردل، الذرة يقولون: مائة ذرة تعادل حبة، والخردل شيء لا يرى بالعين المجردة، إنما يرى إذا فتحت النافذة، وسطعت الشمس والإنسان في ظلام يرى هذا الخردل، يعني ما يدخل مع النافذة من الشمس يكون فيها أشياء تتحرك، يقولون: هذا هو الخردل، المقصود أن في هذا تقليل ومبالغة في تقليل شأن هذه الذرة، وهي ذرة من خردل، يعني صغير من صغير، بل أصغر من أصغر، وهذا لا شك أنه يدل على خطورة الكبر، وسئل النبي -عليه الصلاة والسلام- لما قال مثل هذا الكلام، وجاء في ذم الكبر ما جاء قال بعضهم: إن أحدنا يحب أن يكون ثوبه حسناً، ونعله حسناً، فقال -عليه الصلاة والسلام-: ((إن الله -جل وعلا- جميل يحب الجمال، ولكن الكبر بطر الحق، وغمط الناس)) يعني رد الحق، يرد الحق، يتكبر ويتعصب لرأيه، ويغمط الناس، حقوقهم ويترفع عليهم، ويحتقرهم، هذا هو الكبر -نسأل الله العافية-، والنفس والقلب يحتاج إلى معالجة دائمة، وإلا لو غفل عنه لو وجد فيه هذه الأمراض، فأمراض القلوب كثيرة، وهي بحاجة إلى متابعة علاج، متابعة مستمرة في العلاج، فالإنسان يحتاج إلى أن يعالج قلبه من أجل الإخلاص؛ لأن النية شرود، يخطر له أدنى شيء فيجترفه عن نيته، والإنسان يدخل في صلاته ثم يعتريه ما يعتريه لمحة خطفة، ثم ينساق ورائها، ويترك الصلاة، وإن كان في جسده يصلي، فعلى الإنسان أن يتحسس قلبه، ويراجع نفسه باستمرار، هذا بالنسبة للإخلاص، وأيضاً الكبر عليه أن يستحضر مثل هذه النصوص، فلا يترفع على الناس، ولا يتعالى عليهم، ولو كان من أغنى الناس، ولو كان من أعلم الناس مع أن الذي يتكبر على الناس العلم الذي ينطوي عليه فيه نظر؛ لأن العلم لا شك أنه هو الذي يعرف الإنسان بربه ويعلمه ويعرفه بنفسه، وإذا عرف ربه وعرف نفسه تبرأ من هذا الشين والعيب الذي يراوده، وأيضاً على الإنسان أن يراقب قلبه في مسألة العجب، بعض الناس قد يكون في مجلس أو في مكان فيبدو منه شيء يعجب به الحاضرون، ثم يعجب بنفسه، والعجب آفة أيضاً من أشد الآفات التي تقضي على الحسنات. والعجب فاحذره إن العجب مجترفٌ ... أعمال صاحبه في سيله العرمِ

فعلى الإنسان أن يراجع نفسه باستمرار، ويتعاهد هذه النفس التي بين جنبيه، فمثل هذا لا يدخل الجنة -نسأل الله السلامة والعافية-، فإن كان متكبراً عن الإيمان فالحديث على ظاهره لا يدخلها ألبتة، وإن كان في قلبه شيء من الإيمان، وفي قلبه شيء من احتقار الناس، والكبر الذي جاء تعريفه في الحديث، فإن هذا لا يدخل الجنة مع أول الداخلين إن عوقب، إن عوقب لا يدخلها مع أول الناس، لكن لا بد أن يعاقب على .. ، هذا إن عوقب بل يعاقب على قدر ما في نفسه ومعصية من المعاصي يعذب عليها، ثم يكون مآله إلى الجنة إن كان في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان على ما في الجملة الأخرى. ((ولا يدخل النار من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان)) يعني هذا مقابل ذاك، فالذي يقابل الكبر الإيمان، والإيمان لا شك أنه يعالج القلوب من تلك الأمراض وتلك الأدواء ((ولا يدخل النار من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان)) إن كان المراد به أصل الإيمان، وأنه في قلبه أصل الإيمان، وقد فرط في الواجبات أو في بعض الواجبات، وارتكب بعض المحرمات، وفي قلبه أصل الإيمان، وفي قلبه مثقال حبة أو أكثر، فمثل هذا لا يدخل النار دخول الكفار، بمعنى أنه لا يخلد فيها، وإن دخلها ليعاقب على ما ترك من واجبات، أو يعاقب على ما فعل من محظورات؛ لأن الدخول يطلق ويراد به مجرد الدخول، وإن حصل بعده الخروج، ويطلق ويراد .. ، وهذا الأول هو دخول المسلمين أصحاب الكبائر، يدخلون النار ليعذبوا فيها بقدر جرائمهم، ثم يخرجون منها، ومآلهم إلى الجنة ومن أهل الجنة؛ لأن العبرة بالمآل، والدخول الثاني دخول الخلود الذي هو دخول الكفار، فمن كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان، فإن هذا لا يدخل النار دخول الكفار، ولا يعني هذا أن مجرد الإيمان والتصديق كافٍ عن غيره في عدم دخول النار بالكلية، وأن العمل لا يشترط، بل العمل شرط لصحة الإيمان، والمراد بذلك جنسه كما قرر شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى-، وسلف هذه الأمة كلهم على أن الإيمان قول وفعل وعمل، قول واعتقاد، قول باللسان، واعتقاد بالجنان، وعمل بالأركان.

وسئل الإمام أحمد -رحمه الله تعالى- عن من يقول: الإيمان قول وعمل، وكأنه عرف من حال هذا السائل ما عرف فقال: هذا أخبث قول، يريد بالعمل، القول الذي هو النطق، والعمل عمل اللسان لا عمل الجوارح، أو عمل القلب دون عمل الجوارح، فكأنه عرف من حال هذا السائل وهم يعرف بعضهم بعضاً. قال -رحمه الله-: "حدثنا محمد بن يحيى قال: حدثنا عبد الرزاق قال: أنبأنا معمر عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا خلص الله المؤمنين من النار وأمنوا)) " يعني دخلوا الجنة، الأمن إنما تكون بمجاوزة الصراط ودخول الجنة ((فما مجادلة أحدكم لصاحبه في الحق يكون له في الدنيا)) يكون له حق عليه، له دين عليه، يجادله ويحاوره؛ ليحصل على دينه وعلى حقه ((فما مجادلة أحدكم لصاحبه في الحق يكون له في الدنيا أشد مجادلة من المؤمنين لربهم في إخوانهم الذين أدخلوا النار)) يجادلون الله -جل وعلا-، ويحاورونه ويطلبون منه، يطلبون منه أن يخلص إخوانهم من النار التي خلصهم منها. ((أشد مجادلة من المؤمنين لربهم في إخوانهم الذين أدخلوا النار، قال: يقولون: ربنا إخواننا كانوا يصلون معنا، ويصومون معنا، ويحجون معنا فأدخلتهم النار! )) الله -جل وعلا- ليس بظلام للعبيد، أدخلهم النار بسبب ما عملت أيديهم، ما كسبت أيديهم، بحسب ما كسبت أيديهم، تركوا الواجبات، تركوا بعض الواجبات، ارتكبوا بعض المحرمات التي توعد عليها بدخول النار فأدخلهم، فأدخلتهم النار، وإن كانوا يصلون ويصومون ويحجون، لكنهم أدخلوا النار بسبب الذنوب والمعاصي والكبائر التي اقترفوها غير هذه الأعمال، قد يكونوا يسرقون، قد يكون بعضهم يشرب الخمر، بعضهم يزني -نسأل الله السلامة والعافية- بعضهم يرابي، بعضهم قاطع لرحمه، بعضهم عاق لوالديه، كل هذه -نسأل الله العافية- توعد عليها فاعلها.

((فأدخلتهم النار! فقال: اذهبوا فأخرجوا من عرفتم منهم)) يعني يشفعهم الله -جل وعلا- فيهم، يقبل شفاعتهم فيهم، ويكون هؤلاء ممن رضي قوله وعمله، والله -جل وعلا- يأذن لهم فيها، ويقبل منهم هذه الشفاعة، فيقول: ((أذهبوا فأخرجوا من عرفتم منهم، فيأتونهم فيعرفونهم بصورهم لا تأكل النار صورهم)) يعني النار لا تأكل مواضع السجود، مواضع السجود لا تأكلها النار، ومنها الوجه الذي يعرف به الإنسان ((لا تأكل النار صورهم، فمنهم من أخذته النار إلى أنصاف ساقيه، ومنهم من أخذته إلى كعبيه)) يعني ومنهم من هو أكثر، ومنهم من هو دون بحسب جرائمهم التي ارتكبوها ((فيخرجونهم، فيقولون: ربنا أخرجنا من قد أمرتنا، ثم يقول: أخرجوا من كان في قلبه وزن دينار من الإيمان)) وزن دينار من الإيمان، يعني ومن مقتضى الإيمان يعني ما هو مجرد ما وقر في القلب فقط ليقال: إن العمل ليس بشرط، إنما الإيمان مجموع القول والاعتقاد والعمل. ((أخرجوا من كان في قلبه وزن دينار من الإيمان، ثم من كان في قلبه وزن نصف دينار، ثم من كان في قلبه مثقال حبة من خردل)) وهذا فضل الله -جل وعلا- حيث يعفو ويصفح، ويخرج هؤلاء من النار، والنار شأنها عظيم، وحرها لا يطاق ولا يستطاع، والنار التي نوقد عليها في الدنيا إنما هي جزء من سبعين جزءاً من نار جهنم -نسأل الله السلامة والعافية-، والتسعة والستون جزءاً حرها كل واحد منها حرها كحر النار، وجاء في بعض الأخبار أن من أهل النار من لو خرج إلى نار الدنيا لنام فيها، والواحد منا لا يستطيع أن ينام بدون مكيف، بل إذا كان التكييف فيه خلل لا يستطيع أن ينام، وقبل سنين كان الكهرباء غير منتظم، ورمضان في وقت الحر في الصيف، فإذا طفئ الكهرب في النهار ذهب الناس يبحثون عن .. ، من مسجد إلى مسجد لعلهم يجدون مسجد فيه كهرباء، وبعضهم يغسل ثيابه وفراشه بالماء، ويتخذ كافة الاحتياطات، هذا من الجو فقط بدون نار، كيف لو قرب من نار الدنيا؟ فكيف بنار الآخرة؟! فعلى الإنسان أن يحتاط لنفسه، ويقدم ما يخلصه من هذه النار.

"قال أبو سعيد: فمن لم يصدق هذا فليقرأ: {إِنَّ اللهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} [(40) سورة النساء] " لأنه لو أدخل من في قلبه مثقال ذرة من الإيمان النار دخول خلود لو أدخله دخول خلود لكان ظالماً له، أين ذهب مثقال هذه الذرة والله -جل وعلا- لا يظلم مثقال ذرة؟ {وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا} [(40) سورة النساء]. فالسيئات مفردات، السيئة سيئة، والحسنة بعشر أمثالها، ومع ذلك بعض أهل الخيبة والحرمان والخسران تفوق آحادهم عشراتهم، وترجح كفة سيئاتهم على كفة الحسنات، ومثل هؤلاء لا شك أنهم مغبونون.

ثم بعد هذا قال -رحمه الله-: "حدثنا علي بن محمد قال: حدثنا وكيع قال: حدثنا حماد بن نجيح" وكان ثقة "عن أبي عمران الجوني عن جندب بن عبد الله قال: "كنا مع النبي -عليه الصلاة والسلام- ونحن فتيان حزاورة" يعني جمع حزور أو حزَور، ضبط على الوجهين، والمراد به الغلام الفتي الذي اشتد وقوي، واشتد صلبه "ونحن فتيان حزاورة، فتعلمنا الإيمان قبل أن نتعلم القرآن" تعلموا الإيمان ووقر في قلوبهم، وخالطت بشاشته قلوبهم "ثم تعلمنا القرآن فازددنا به إيماناً" يعني جاء القرآن على قلوب مؤمنة، ورد القرآن على قلوب مؤمنة فازدادوا به إيماناً، لكن من تعلم القرآن قبل الإيمان مثلاً يتصور وإلا ما يتصور؟ تعلم القرآن قبل أن يؤمن، يعني مثل طريقة من يدرس الدين لنقضه مثلاً كالمستشرقين تعلموا القرآن وتعلموا السنة، وتعلموا بقية فنون المعرفة الإسلامية، وهدفهم إفساد الدين على أهله، فتعلموا من القرآن قبل أن يؤمنوا، ثم بعد ذلك أداهم هذا التعلم في بعض الحالات إلى الإيمان، فيكونون على هذا عكس ما كان عليه الصحابة، تعلموا القرآن قبل الإيمان، ثم جاءهم الإيمان، ودخولهم في الإيمان في هذه الحالة وهذه الصورة عن قناعة، لكنه يختلف عن حال من تعلم الإيمان قبل القرآن، فثبته القرآن، ولذا يقول: "فتعلمنا الإيمان قبل أن نتعلم القرآن، ثم تعلمنا القرآن فازددنا به إيماناً" لأن القرآن إذا تليت آياته على المؤمن زادته إيماناً، على القلب المؤمن تزيده إيماناً {فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ} [(45) سورة ق] فالذي ينتفع {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} [(55) سورة الذاريات].

هذا الأصل أن المؤمن ينتفع ويزداد بالقرآن، ويزداد بالمواعظ، ويزداد بالتذكير إيماناً، لكن مفهوم هذه الآيات أن غير المؤمن لا ينتفع بالقرآن، وهذا غالب وكثير، لكن مع ذلك قد ينتفع، فكم من شخص سمع القرآن فآمن بسبب سماعه القرآن {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي} [(9) سورة الإسراء] فعلى الإنسان المسلم لا سيما طالب العلم الذي من الله عليه بالإيمان والاتباع والاقتداء والحرص على السنة أن يتعلم من القرآن والسنة ما يزداد به إيماناً، وأن يقرأ القرآن على الوجه المأمور به؛ لأن هو الذي تترتب عليه آثاره، فإذا قرأ القرآن على الوجه المأمور به بالتدبر والترتيل، وقصد التقرب إلى الله -جل وعلا-، وقصد الانتفاع بالقرآن فإنه لا شك أنه يستفيد فائدة عظيمة، شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- يقول: قراءة القرآن على الوجه المأمور به تفيد الإنسان، وتفيد قلبه من الإيمان وتزيده إيماناً وطمأنينة وراحة ويقين، كل هذا ما لا يدركه إلا من عاناه وعرفه وعمل به، وابن القيم -رحمه الله تعالى- يقول: فتدبر القرآن إن رمت الهدى ... فالعلم تحت تدبر القرآنِ فعلى الإنسان الذي وقر الإيمان في قلبه وصدق إيمانه، واتبع ما أمر به، واجتنب ما نهي عنه، أن يعنى بهذا الكتاب، بهذا القرآن الذي فيه شفاء لأمراض القلوب والأبدان. يقول: "ثم تعلمنا القرآن فازددنا به إيماناً". قال بعد ذلك: "حدثنا علي بن محمد قال: حدثنا محمد بن فضيل قال: حدثنا علي بن نزار عن أبيه" علي بن نزار الأسدي مضعف عند أهل العلم، وأبوه كذلك نزار بن حيان مضعف "عن عكرمة عن ابن عباس قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((صنفان من هذه الأمة ليس لهما في الإسلام نصيب المرجئة والقدرية)) " ((صنفان من هذه الأمة ليس لهما في الإسلام نصيب المرجئة والقدرية)).

المرجئة: هم الذين لا يرون العمل داخل في مسمى الإيمان، ولا شك أن فيهم الغلاة الذين يرون أن الإيمان هو مجرد المعرفة كقول جهم، وأن إيمان أفسق الناس كإيمان جبريل، وهؤلاء دخولهم في مثل هذا الخبر دخولاً أولياً، إيمان أفسق الناس كإيمان جبريل والمعرفة تكفي، ومن لازم قولهم أن إبليس مؤمن كامل الإيمان مثل إيمان جبريل؛ لأنه يعرف الرب -جل وعلا-، وأقسم بعزته، وطلب منه النظرة فدل على أنه يعرف الله -جل وعلا-، ولو كانت المعرفة كافية لكفت إبليس، وكذلك فرعون، وقد ألف بعضهم في إيمان فرعون، بعض الغلاة غلاة الصوفية ألف في إيمان فرعون، ولا شك أن هذا ضلال مبين -نسأل الله العافية- محادة لما جاء عن الله، مناقضة لصريح القرآن، ومع هذا يزعمون أن إبليس مؤمن، وأن فرعون مؤمن، وألفوا في إيمان فرعون رسالة معروفة، فضلاً عن إيمان أبي طالب، أو أبوي النبي -عليه الصلاة والسلام-، يعني هذه سهلة بالنسبة لادعاء إيمان إبليس، أو إيمان فرعون، أن أبا طالب يقول في لاميته، لا ما هو في اللامية، يقول: ولقد علمت بأن دين محمد ... من خير أديان البرية دينا لولا المذمة أو حذار مسبة ... لوجدتني سمحاً بذاك مبينا هي نونية.

المقصود أن أبا طالب يعرف أن هذا الدين أفضل الأديان، ومع ذلك خُذل في آخر الأمر لتعلقه بديانة الآباء والأجداد، ولمضرة جلساء السوء، قال: هو على ملة عبد المطلب، فمات على الكفر، ونزل في قصته: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء} [(56) سورة القصص] أما إيمان أبي طالب فكتب فيه من كتب، إيمان فرعون كتب فيه من كتب، ومقتضى قول الجهمية أن إبليس مؤمن؛ لأنه يعرف الله -جل وعلا-، وأما من يرى أن للأعمال أثر في دخول الجنة وعدم دخول النار أو العكس في ترك الأعمال، يعني منها واجبات ويعذب عليها، ويؤجر عليها، يؤجر على فعلها، ويعذب على فعلها والعكس في النواهي إلا أنها ليست بشرط لتحقق حصول الإيمان، يعني ليست جزء من الإيمان، ليست ركن من الإيمان، هؤلاء هم من يقال لهم .. ، من يسمون مرجئة الفقهاء، يخرجون الأعمال عن مسمى الإيمان، وإن أوجبوا الواجبات، وحرموا المحرمات خلافاً لجهم وأتباعه، هؤلاء هم مرجئة الفقهاء، وأهل السنة قاطبة يثبتون الأعمال، وأنها لا بد منها في مسمى الإيمان، وأن حصولها شرط يعني جنس العمل كما قرر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية؛ لئلا يقول قائل: إنه يلزم عليه أن يكون مذهب أهل السنة ومذهب الخوارج سواء؛ لأننا إذا اشترطنا جميع الأعمال في الإيمان وقلنا: شرط صحة، قلنا: إنه يخرج من هذا الإيمان بخروج شرطه وهو العمل الواجب، فيخرج منه بترك واجب أو بفعل محرم، وهذا قول الخوارج الذين يكفرون بارتكاب الكبيرة، أما أهل السنة فلا يقولون بهذا، إنما جنس العمل، يعني ما يدعي دعوى لا برهان عليها، يقول: إنه مؤمن وليس لديه عمل، لا يقبل هذا، فالعمل شرط لصحة الإيمان عند أهل السنة والجماعة، والأئمة الثلاثة كلهم على هذا، وأما رأي الحنفية فهو معروف أن الواجبات واجبات، ويأثم بتركها، والمحرمات محرمات، ويأثم بفعلها، لكنها ليست شرطاً لتحقق أصل الإيمان. طالب:. . . . . . . . . لا لا ما في، تناقض هذا، تناقض، القدر الكمال القدر الزائد على الواجب، القدر الزائد على الواجب الكمال، إنما شرط الصحة له أثره في انتفاء المشروط بانتفاء جملته.

المرجئة والقدرية، القدرية يعني الناس في القدر طرفان ووسط، فيهم القدرية المثبتة المغرقة في الإثبات، وفيهم القدرية النفاة، فالقدرية المغرقة في الإثبات هم الجبرية الذين يقولون: إن الإنسان مجبور على جميع تصرفاته، وأن تصرفات المكلف مثل ورق الشجر في مهب الريح، لا علاقة له بها، هؤلاء الجبرية، الإنسان مجبور على أن يفعل ما يفعل، ولا اختيار له ولا قدرة ولا مشيئة ولا إرادة ألبتة، وإنما يتصرف مثل ورق الشجر في مهب الريح {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللهَ رَمَى} [(17) سورة الأنفال] فيرون أن الإنسان مجبور، ولو لم يكن مجبوراً لكان له إرادة وحرية واختيار، فيكون خالقاً لفعله لو لم يكن مجبوراً، ويقابلهم القدرية النفاة الذين ينفون القدر، وأن الأمر أنف، وأن الإنسان يخلق فعل نفسه، فأثبتوا خالقاً مع الله -جل وعلا-؛ ولذا سموا مجوس هذه الأمة، وأهل السنة وسط بين هؤلاء الغلاة، سواءً كانوا غلاة في النفي أو غلاة في الإثبات، فيثبتون للمخلوق قدرة وإرادة ومشيئة، لكنها تابعة لإرادة الله ومشيئته {وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ} [(29) سورة التكوير] فأثبت لهم مشيئة، لكنها تابعة لمشيئة الله -جل وعلا-، لا يستقل بشيء لا يريده الله، فهؤلاء المثبتة الغلاة في الإثبات الذين هم الجبرية، أو نفاة القدر الغلاة في نفيه وهم القدرية، وهل الأولى بالاسم النافي أو المثبت القدرية؟ هل الأولى بهذه التسمية (قدرية) من ينفي القدر أو من يبالغ في إثبات القدر؟ نعم؟ طالب:. . . . . . . . . هذا الأصل، المبالغة في الإثبات أولى بالتسمية، لكن هذا الاسم أطلقه أهل العلم على المبالغ في النفي، في نفي القدر، وأن الأمر أنف، وأن الإنسان يستقل بفعله، وأنه يخلق فعله.

مذهب أهل السنة وسط بين القدرية وبين الجبرية، فيرون أن الإنسان له قدرة ومشيئة وإرادة تابعة لمشيئة الله -سبحانه وتعالى-، وأما قول الله -جل وعلا-: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ} [(17) سورة الأنفال] أثبت له الرمي ونفاه عنه، فالمراد بالنفي المنفي {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ} [(17) سورة الأنفال] يعني الإصابة، إصابة الغرض {إِذْ رَمَيْتَ} [(17) سورة الأنفال] الذي هو الحذف أثبته له، فالمخلوق يحذف، لكن المنفي عنه الإصابة، الله -جل وعلا- هو الذي يجعلك تصيب الغرض، وأما أنت منك فعل السبب الذي هو الرمي، فما أصبت إذ حذفت ورميت، ولكن الله -جل وعلا- هو الذي أصاب الغرض، فأثبت له الفعل، لكنه لم يثبته له على سبيل الاستقلال، وله مشيئة تابعة لمشيئة الله -جل وعلا-، وله إرادة تابعة لإرادته، ولو كان مجبوراً، كما تقول الجبرية على أفعاله لكان تعذيبه ظلماً من الله -جل وعلا-، تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً، إذ كيف يعذب على شيء لا اختيار له فيه؟! كمن يعذب شخص لأنه طويل أو قصير! هذا مقتضى قول الجبرية، وأما القدرية فأثبتوا خالقاً مع الله -جل وعلا-، والله -جل وعلا- يقول: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [(96) سورة الصافات] فالله -جل وعلا- خالق الإنسان وخالق عمله، القدرية النفاة يثبتون خالق مع الله -جل وعلا-، وأنه يستقل بفعله، وعلى كل حال هما في الضلال سواء -نسأل الله العافية-، لا هؤلاء ولا هؤلاء، والقول الوسط هو قول أهل السنة والجماعة، والحديث ضعيف. طالب:. . . . . . . . . في مسألة الاستطاعة وإلا غيره؟ طالب:. . . . . . . . . أولاً: القدرية هؤلاء أهل القدر، القول بنفي القدر انتشر في المعتزلة، فهم قدرية، وانتشر أيضاً في الروافض قدرية؛ لأنهم معتزلة في هذا الباب، وأما الأشاعرة فهم يشابهون الجبرية من مسألة الاستطاعة، يقولون: الاستطاعة لا توجد عند المكلف إلا مقترنة بالفعل، وإلا قبله ليس لديه استطاعة، فقولهم قريب من الجبرية، وبعض الأشاعرة جبرية، بعض الأشاعرة مغرقون في الجبر كالرازي في تفسيره يقرر الجبر، ويستدل له، ويورد الشبهات عليه. ثم بعد هذا قال -رحمه الله تعالى-:

"حدثنا علي بن محمد قال: حدثنا وكيع عن كهمس بن الحسن عن عبد الله بن بريدة عن يحيى بن يعمر عن ابن عمر عن عمر" عن عبد الله بن عمر عن أبيه عمر بن الخطاب "قال: كنا جلوساً عند النبي -صلى الله عليه وسلم- فجاء" نعم؟ طالب:. . . . . . . . . هاه؟ طالب:. . . . . . . . . إيه ما قرأته؟ طالب:. . . . . . . . . اتفضل. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللسامعين، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً يا رب العالمين. قال الإمام الحافظ أبو عبد الله محمد بن يزيد القزويني المعروف بابن ماجه -رحمه الله تعالى-: حدثنا علي بن محمد قال: حدثنا وكيع عن كهمس بن الحسن عن عبد الله بن بريدة عن يحيى بن يعمر عن ابن عمر عن عمر قال: كنا جلوساً عند النبي -صلى الله عليه وسلم- فجاء رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد شعر الرأس، لا يُرى عليه أثر سفر، ولا يعرفه منا أحد، قال: فجلس إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع يديه على فخذيه، ثم قال: يا محمد ما الإسلام؟ قال: ((شهادة أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت)) فقال: صدقت فعجبنا منه يسأله ويصدقه، ثم قال: يا محمد ما الإيمان؟ قال: ((أن تؤمن بالله وملائكته ورسله وكتبه واليوم الآخر، والقدر خيره وشره)) قال: صدقت، فعجبنا منه يسأله ويصدقه، ثم قال: يا محمد ما الإحسان؟ قال: ((أن تعبد الله كأنك تراه، فإنك إن لا تراه فإنه يراك)) قال: فمتى الساعة؟ قال: ((ما المسئول عنها بأعلم من السائل)) قال: فما أمارتها؟ قال: ((أن تلد الأمة ربتها)) قال وكيع: يعني تلد العجم العرب ((وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البناء)) قال: ثم قال: فلقيني النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد ثلاث فقال: ((أتدري من الرجل؟ )) قلت: الله ورسوله أعلم، قال: ((ذاك جبريل، أتاكم يعلمكم معالم دينكم)).

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا إسماعيل بن علية عن أبي حيان عن أبي زرعة عن أبي هريرة قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوماً بارزاً للناس فأتاه رجل فقال: يا رسول الله ما الإيمان؟ قال: ((أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله ولقائه، وتؤمن بالبعث الآخر)) قال: يا رسول الله ما الإسلام؟ قال: ((أن تعبد الله ولا تشرك به شيئاً، وتقيم الصلاة المكتوبة، وتؤدي الزكاة المفروضة، وتصوم رمضان)) قال: يا رسول الله ما الإحسان؟ قال: ((أن تعبد الله كأنك تراه، فإنك إن لا تراه فإنه يراك)) قال: يا رسول الله متى الساعة؟ قال: ((ما المسئول عنها بأعلم من السائل، ولكن سأحدثك عن أشراطها: إذا ولدت الأمة ربتها فذلك من أشراطها، وإذا تطاول رعاء الغنم في البنيان فذلك من أشراطها، في خمس لا يعلمهن إلا الله)) فتلا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: {إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [(34) سورة لقمان]. حدثنا سهل بن أبي سهل ومحمد بن إسماعيل قالا: حدثنا عبد السلام بن صالح أبو الصلت الهروي قال: حدثنا علي بن موسى الرضا عن أبيه عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي بن الحسين عن أبيه عن علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((الإيمان معرفة بالقلب، وقول باللسان، وعمل بالأركان)) قال أبو الصلت: "لو قرئ هذا الإسناد على مجنون لبرئ". يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

"حدثنا علي بن محمد قال: حدثنا وكيع عن كهمس بن الحسن عن عبد الله بن بريدة عن يحيى بن يعمر عن ابن عمر عن عمر قال: كنا جلوساً عند النبي -صلى الله عليه وسلم- فجاء رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد شعر الرأس" وفي رواية: "شديد سواد الشعر" فيشمل شعر الرأس واللحية "لا يرى عليه أثر سفر" شديد بياض الثياب، ثيابه نظيفة "لا يرى عليه أثر سفر، ولا يعرفه منا أحد" يعني مبالغة في التعمية؛ لتنصرف الهمم إلى هذا؛ لأنه لو جاء بشكل عادي رجل معروف وسأل هذه الأسئلة يمكن بعض الناس يتشاغل ولا ينتبه، لكن هذه الأمور مجتمعة: شديد بياض الثياب، وشخص غير معروف، وشديد سواد الشعر، يعني ليس عليه غبار، وليس فيه شيء يدل على التعب، أو ولا يرى عليه أثر سفر، ثيابه نظيفة، ورأسه أسود، ولا يرى عليه أثر سفر، ولا يعرفه أحد، كل هذه الأمور مجتمعة تجذب الحاضر؛ لأن يلقي بسمعه، ويحضر ذهنه لما يقال وما يجاب به. "ولا يعرفه منا أحد، قال: فجلس إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فأسند ركبته إلى ركبته، ووضع يديه على فخذيه" أسند ركبته إلى ركبة النبي -عليه الصلاة والسلام-، فبعض الروايات بالتثنية ركبتيه إلى ركبتيه؛ لأن المفرد هنا فأسند ركبته إلى ركبته يطلق ويراد به الجنس، فيشمل الركبتين، ويطلق ويراد به الفرد الركبة الواحدة، وإذا قلنا: إنه ركبة واحدة معناه أنه جلس بجانبه لا بين يديه، وإذا قلنا: إن المراد جنس الركبة، ويراد به الركبتين جميعاً فيكون أمامه، بدليل ما سيأتي بعد "وضع يديه على فخذيه". في الحديث الصحيح: ((لا يصلي أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء)) وفي الرواية الأخرى: ((ليس على عاتقيه منه شيء)) فعلى الرواية الأولى لو وضع شيئاً يسيراً على أحد العاتقين كفى، والثانية لا بد أن يضع على العاتقين ما يسترهما، فيطلق المفرد ويراد به الجنس فيشمل الاثنين في الركبتين، وفي العاتقين هنا.

"ووضع يديه على فخذيه" هذا الجائي على فخذيه يعني على فخذي نفسه، وهذا من تمام الأدب، ومن الشراح من يقول: وضع يديه على فخذيه، يعني فخذي النبي -عليه الصلاة والسلام-، وهذا فيه مبالغة في التعمية، ليس هذا من الأدب، الأدب أن يضع يديه على فخذي نفسه، لكن ما دام وضع يديه على فخذي النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ لئلا يخطر على بال الإنسان أنه ملك من الملائكة، مبالغة في التعمية كما قال بعض الشراح. ثم قال: "يا محمد" ناداه باسمه، ومعلوم أن نداء النبي -عليه الصلاة والسلام- باسمه يا محمد جفاء، وقد أنكر على الأعراب {إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَاء الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ} [(4) سورة الحجرات] يقولون: يا محمد، يا محمد، أُنكر عليهم، وهذا الإنكار لا يتجه إلى الملائكة، ولذا قال: يا محمد، وهذا أيضاً فيه مبالغة في التعمية. "ما الإسلام؟ " قال، لما سأله عن الإسلام، يعني الأصل في تعريف الشيء وحده بما يكون جامعاً مانعاً، وقد يعرف الشيء بأقسامه الحاصرة التي لا يخرج عنها. "ما الإسلام؟ " فأجابه بالأركان، ما قال: الإسلام هو الاستسلام لله بالتوحيد والانقياد له بالطاعة، والخلوص من الشرك، هذا تعريف جامع مانع على طريقة الحدود والتعاريف.

جواب النبي -عليه الصلاة والسلام- أجابه بالأركان التي إذا اجتمعت كمل بها الإسلام "قال: ((شهادة أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله)) " هذا الركن الأول، ولا يدخل الإنسان في الإسلام إلا أن يتلفظ بالشهادتين، إلا بعد أن يتلفظ بالشهادتين ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولون أو يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله)) هذا هو الركن الأول بشقيه، والركن الثاني: إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت، هذه أركانه الخمسة الذي جاء الحديث المتفق عليه من حديث عبد الله بن عمر: ((بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمد رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان)) هذا في الصحيحين، في مسلم: ((صوم رمضان والحج)) فهذه الأركان قد يعرف الشيء بأركانه وأجزائه التي لا يقوم إلا بها، ومقتضى كون الشيء ركن أنه جزء الماهية، ولا تتم هذه الماهية إلا به، كأركان الصلاة مثلاً، لو ترك ركناً من أركانها تصح وإلا تبطل؟ نعم؟ تبطل الصلاة، ماذا عما لو ترك ركناً من أركان الإسلام؟ أما بالنسبة للشهادتين فلا خلاف في كونه لا يدخل في الإسلام إلا بهما، من ترك الشهادتين ليس بمسلم إجماعاً، وأما بالنسبة لإقام الصلاة، فالأدلة تدل على أنه يكفر بتركها ((العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر)) ((بين العبد -أو قال: المرء- وبين الكفر أو الشرك ترك الصلاة)) وهذا هو المفتى به أن ترك الصلاة كفر، وأما بقية الأركان العملية الثلاثة الباقية فالكفر بترك واحد منها محل خلاف بين أهل العلم معروف عن بعض أصحاب مالك، ورواية عند الحنابلة أنه يكفر بترك أي ركن من أركان الإسلام، وهذا مقتضى الركنية، ولكن المأثور عن الصحابة أنهم لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر إلا الصلاة، فالقول المرجح عند جمهور أهل العلم أنه لا يكفر إلا بترك الصلاة. "قال: صدقت" السائل يقول: صدقت "قال: فعجبنا منه يسأله ويصدقه" الأصل في السائل أن يكون غير عالم وغير عارف، بل جاهل بما يسأل عنه، فكونه يسأله ويصدقه هذا محل عجب، ولذا عجب منه الصحابة أن يسأله ويصدقه.

"ثم قال: يا محمد ما الإيمان؟ قال: ((أن تؤمن بالله وملائكته ورسله وكتبه واليوم الآخر، والقدر خيره وشره)) " فأجابه بأركانه الستة، كما أجابه بأركان الإسلام. ((تؤمن بالله)) يعني تقر وتعترف وتعتقد بربوبيته وإلهيته، وما ورد عنه من أسمائه وصفاته، وتأتمر بأوامره، وتنتهي عن نواهيه، وأنه هو الخالق الرازق المدبر المحيي المميت، وأنه هو المعبود بحق، وأنه لا يجوز صرف شيء من أنواع العبادة لغيره. ((وملائكته)) وما جاء في وصفهم مما في كتاب الله، وصح في سنة رسوله -عليه الصلاة والسلام- تؤمن بالرسل كلهم، لا بد من الإيمان بهم، فمن كفر بواحد منهم سواءً كان في الملائكة ممن سمي، أو بالرسل والأنبياء ممن ذكر اسمه وعرف كفر بجميعهم. " ((واليوم الآخر)) الذي هو البعث بعد الموت ((والقدر خيره وشره)) قال: صدقت، فعجبنا منه يسأله ويصدقه، ثم قال: يا محمد ما الإحسان؟ " يعني مراتب الدين الإسلام، ثم الإيمان، ثم الإحسان، فالإسلام أوسع الدوائر، يطلق على ما لا يطلق عليه الإيمان وهو الإحسان، ثم يليه الإيمان، ثم المرتبة الأخيرة هي مرتبة الإحسان التي لا تحصل لكل أحد، ولو كان مسلماً، ولو كان مؤمناً؛ لأنه يلزم منها ملازمة المراقبة لله -جل وعلا-، وأن يكون الرب -جل وعلا- نصب عيني العابد في جميع عباداته. "قال: ما الإحسان؟ قال: ((أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك)) " يعني إذا لم تصل إلى هذه المرتبة التي تعبد الله كأنك تراه، وهذا من قوة إيمانك ويقينك وإذعانك وتصديقك بما جاء عن الله -جل وعلا-، فإن لم تكن تراه فإنه يراك، يعني إن لم يكن ذاك فلا بد أن تكون على استحضار أنه يراك، فلا تفعل ما لا يرضيه.

"قال: فمتى الساعة؟ قال: ((ما المسئول عنها بأعلم من السائل)) " يشترك في جهلها كل أحد غير الله -جل وعلا-، يشترك في عدم معرفة الساعة كل أحد {يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللَّهِ} [(63) سورة الأحزاب] ولا يدري أحد متى الساعة، لا يدري أحد لا ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا أي مخلوق يعرف متى تقوم الساعة؟ والله -جل وعلا- كاد أن يخفيها عمن؟ عن نفسه، أما إخفائها عن غيره فهذا حاصل {لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً} [(187) سورة الأعراف] يعني فجأة، وبعضهم أخذ من هذه الكلمة بغتة أن الساعة تقوم سنة ألف وأربعمائة وسبعة، على حساب الجمل، صحيح على حساب الجمل ألف وأربعمائة وسبعة، الباء بكم؟ اثنين، والغين بعدد معين، والتاء والهاء كلها مجموعها ألف وأربعمائة وسبعة، الذي يعرف حساب الجمل يطبق هذا، وهذا قول ليس بصحيح، هذا القول ليس بصحيح؛ لأن النصوص القطعية دلت على أنه لا يعلمها إلا الله -جل وعلا-، وأن زمنها لم يحدد.

"قال: فمتى الساعة؟ قال: ((ما المسئول عنها بأعلم من السائل؟ )) قال: فما أمارتها؟ " يعني علامتها "فما أمارتها" يعني علامتها، جاء بشيء من العلامات "قال: ((أن تلد الأمة ربتها)) " وقالوا في هذا: إنه يكثر السبي حتى أن الإنسان يكون له سبايا كثيرة، فيطأهن ويلدن، فتكون هذه البنت التي ولدت من السيد هي سيدة أمها، وهذا قال به جمع من الشراح، لكن السبي موجود في عصر النبي -عليه الصلاة والسلام- نعم، موجود في عصر النبي -عليه الصلاة والسلام- بسبب الجهاد والغزو يسبى النساء ويوطأن بهذا السبي ويحصل .. ، وهذا حاصل في زمنه -عليه الصلاة والسلام-، فليس من أمارات الساعة، ويقال: إن كثرة هذا هو من الذي من علامات الساعة، وإن وجد أصله في زمن النبي -عليه الصلاة والسلام-، ومنهم من يقول: إن المراد به أنه يكثر العقوق بين الناس، وأن منزلة البنت من أمها بمنزلة السيدة من أمتها، وهذا حاصل في الوقت الحاضر، حاصل من بعض البنات يتسلطن على أمهاتهن، احتقرن أمهاتهن، وأمرن أمهاتهن، وزجرن أمهاتهن بسبب إيش؟ التفاوت بين البنات والأمهات في التعليم، تجد البنت تقول: أنا جامعية وأمها أمية، هذه مشغولة بدروسها أو بعملها إن كانت عاملة، والأم عاطلة المسكينة ما عندها شيء، فتأمرها البنت وتنهاها وتسخرها لخدمتها كأنها خادمة، وهذه السيادة ليست حقيقية وإنما هي حكمية، ما دام تأمر فتأتمر الأم، وتنهى فتنتهي فكأن البنت هي السيدة، وهذا مع الأسف حاصل، وهذا من مساوئ التعليم على الوجه الذي تؤدى به الآن، ولو كان التعليم مما يبتغى به وجه الله -جل وعلا-، وطلب من أبوابه وعن أهله ما حصل مثل هذا الخلل، لكان التعليم يربي الناس على بر الوالدين، واحترام الوالدين {فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ} [(23) سورة الإسراء] فضلاً عن كونها تقول: اصنعي كذا، أو اصنعي كذا، افعلي كذا، وهذا مع الأسف حاصل في البيوت، حاصل، تترفع عليها لأنها عاملة والأم عاطلة المسكينة، وأيضاً يذكي مثل هذه الأمور ما يكتب في الصحف، أو يلقى في وسائل الإعلام أن العاملة شيء، والعاطلة شيء آخر، بينهما بون شاسع، ومع الأسف أن الأم التي تربي أولادها تسمى عاطلة، وإذا خرجت لتربي أولاد الناس تسمى

عاملة، وكل هذا قلب للموازين، وخلط في المفاهيم، وإلا وظيفة الأم الأصلية تربية الأولاد، وتنشئتهم على الدين، وأطرهم على الحق بدلاً من أن تكون مسكينة مأمورة منهية، تكون هي الآمرة وهي الناهية، والحديث يدل على قرب قيام الساعة؛ لأن هذا الأمر حاصل وواقع. "قال وكيع: يعني تلد العجم العرب" هذا تفسير من وكيع، أن الأمة تلد ربتها؛ لأن الأم أعجمية والبنت عربية، لكن ليس بالضرورة أن يكون بهذه المثابة مثابة البنت من أمها بمثابة السيدة من أمتها، اللهم إلا إذا شاع بين الناس الفخر بالأنساب، وازدراء من لا نسب له، إذا وجد مثل هذا يطبق عليه الحديث، وينزل عليه، ويكون تفسيره صحيح؛ لأن من قبائل العرب من يزدري بعض الأعاجم، وهذا موجود، وهذه خصلة مذمومة، الناس كلهم لآدم، ولا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى، إذا كانت البنت تنظر إلى أمها على أنها أعجمية وهي بنت عربي، وأنها بمنزلة الرقيق من السيدة هذا ممكن تطبيقه، وهذا نوع من أو من جنس ما ذكرناه بالنسبة للتعليم والتفاوت في التعليم. ((وأن ترى الحفاة العراة)) أصحاب البادية أصحاب الإبل والغنم العالة، العالة على الناس الذين لا يحسنون شيئاً، عالة على غيرهم، رعاء الشاء يتطاولون في البناء، وهذا واقع، ووقوعه لا يحتاج إلى تدليل، وللبادية أحياء كبيرة في كثير من المدن، واختلطوا بالحاضرة وطاولوهم في البنيان فضلاً عن أن يكون هذا البنيان سكن يعني دورين ثلاثة يتطاولون أنا أطول، أنا أفخم، أنا أفعل، أنا أترك، فكيف إذا كان البنيان بعشرات الأدوار، بل بمئات الأدوار كما هو موجود الآن، يتطاولون في البناء. "قال: ثم قال: فلقيني النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد ثلاث" في الحديث الصحيح أيضاً في الرواية الأخرى: "فلبثنا ملياً" وفي بعضها: "فلبثنا طويلاً"، "فلقيني النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد ثلاث، فقال: أتدري من الرجل؟ قلت: الله ورسوله أعلم" هكذا ينبغي أن يرد العلم، وأن يوكل العلم إلى الله -جل وعلا-، ورسوله في حال حياته، أما بعد وفاته فالعلم يرد إلى الله -جل وعلا-.

"الله ورسوله أعلم، قال: ((ذاك جبريل أتاكم يعلمكم معالم دينكم)) " فالدين بشموله للإسلام والإيمان والإحسان، يعني جميع أبواب الدين، ولذا نفهم حديث: ((من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين)) يعني يفقهه ويعلمه ويفهمه الدين بجميع أبوابه، لا مجرد الأحكام الذي هو الفقه العرفي، بل هو الفقه في الدين في جميع أبوابه، وأما كون جبريل جاء على صورة رجل فكثيراً ما يجيء على صورة إنسان، وأكثر ما يأتي على صورة دحية الكلبي، وأما الخلاف في الزائد من خلقته هل هو أفني أو بحسب ما يراه الرائي أو أزيل ثم يعود؟ هذه المسائل الخوض فيها لا قيمة له؛ لأن بعضهم يقول: وين الزائد جبريل يسد الأفق؟ ستمائة جناح، فأين الزائد من خلقه؟ هل هو فني؟ هل هو أزيل ثم يعود؟ هل هو موجود، لكن الرائي لا يرى، ما يرى إلا صورة إنسان؟ مثل هذه البحوث لا تنفع طالب العلم. ثم بعد ذلك قال: "حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا إسماعيل بن علية عن أبي حيان عن أبي زرعة عن أبي هريرة قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوماً بارزاً للناس" يعني ظاهراً للعيان "فأتاه رجل فقال: يا رسول الله ما الإيمان؟ قال: ((إن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله ولقائه وتؤمن بالبعث)) " واللقاء هو اليوم الآخر المنصوص عليه في الحديث السابق، وهو البعث على قول بعض الشراح، ويكون عطف: ((وتؤمن بالبعث الآخر)) من باب عطف الشيء على نفسه للتأكيد، ومنهم من يقول: إن تؤمن بلقائه يعني رؤيته يوم القيامة، تؤمن برؤية الله -جل وعلا- يوم القيامة.

"قال: يا رسول الله ما الإسلام؟ قال: ((أن تعبد الله ولا تشرك به شيئاً)) " هو مقتضى شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، ((وتقيم الصلاة المكتوبة، وتؤدي الزكاة المفروضة، وتصوم رمضان)) وفي الرواية الأخرى: ((وتحج)) حج البيت "قال: يا رسول الله ما الإحسان؟ قال: ((أن تعبد الله كأنك تراه، فإنك إن لا تراه فإنه يراك)) قال: يا رسول الله متى الساعة؟ قال: ((ما المسئول عنها بأعلم من السائل، ولكن سأحدثك عن أشراطها)) " يعني عن علاماتها، قال: " ((إذا ولدت الأمة ربتها فذلك من أشراطها، وإذا تطاول رعاء الغنم في البنيان فذلك من أشراطها، في خمس)) " يعني في ضمن مجموعة هي خمس " ((لا يعلمهن إلا الله -جل وعلا-)) فتلا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- آخر سورة لقمان: {إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [(34) سورة لقمان] ". {إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ} [(34) سورة لقمان] فلم يطلع عليه أحد لا ملك مقرب ولا نبي مرسل. {وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ} [(34) سورة لقمان] لا يدرون متى ينزل؟ ومتى يحجب؟ وما يدرون ما كمية ما ينزل ولا كيفيته؟ فالله أعلم به، ينزل الغيث وليس لأحد دور في تنزيله. {وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ} [(34) سورة لقمان] فلا يعلم أحد من البشر ما في الرحم حتى يطلع عليه الملك، فيخرج عن دائرة الغيب. {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا} [(34) سورة لقمان] وكثير من الناس الآن واقعهم كأنهم يدعون علم ماذا يكسب غداً؟ يعني بعد تجارة الأسهم يعني بكل بساطة يرفع السماعة: يا فلان ساهم في كذا ترى غداً دبل، أو بعد أسبوع العشرة مائة {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا} [(34) سورة لقمان] ويش صارت النتائج؟ صارت النتائج عكسية، وهذه عقوبة من الله -جل وعلا-؛ لتساهل الناس في هذه الأمور، وادعاء علم الغيب -نسأل الله السلامة والعافية-، ضرب من الكهانة.

{وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [(34) سورة لقمان] الإنسان ما يدري أين تقبض روحه؟ يذكر أنه في عهد سليمان جاء ملك الموت وحضر جلسة من مجالسه، فصار ينظر إلى شخص ويعجب، فقال له سليمان: أراك تنظر في هذا الشخص فتتعجب منه، قال: جئت لقبض روحه في الهند، وهو موجود عندك الآن، فشعر الرجل بأنه هو المقصود بقبض الروح، فطلب من سليمان أن يجعل الريح تحمله إلى أرض الهند، فحملته إلى أرض الهند، فإذا بملك الموت ينتظره، فتعجب ملك الموت أنه تقبض روحه بالهند وموجود هنا، والله أعلم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

شرح مقدمة سنن ابن ماجه (10)

بسم الله الرحمن الرحيم شرح: مقدمة سنن ابن ماجه (10) الشيخ: عبد الكريم بن عبد الله الخضير السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللسامعين، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً يا رب العالمين. قال الإمام الحافظ أبو عبد الله محمد بن يزيد القزويني المعروف بابن ماجه -رحمه الله تعالى-: حدثنا سهل بن أبي سهل ومحمد بن إسماعيل قالا: حدثنا عبد السلام بن صالح أبو الصلت الهروي، قال: حدثنا علي بن موسى الرضا عن أبيه عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي بن الحسين عن أبيه عن علي بن أبي طالب، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((الإيمان معرفة بالقلب، وقول باللسان، وعمل بالأركان)) قال أبو الصلت: "لو قرئ هذا الإسناد على مجنون لبرأ". حدثنا محمد بن بشار ومحمد بن المثنى قالا: حدثنا محمد بن جعفر قال: حدثنا شعبة، قال: سمعت قتادة يحدث عن أنس بن مالك أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه -أو قال-: لجاره ما يحب لنفسه)). حدثنا محمد بن بشار ومحمد بن المثنى قالا: حدثنا محمد بن جعفر قال: حدثنا شعبة قال: سمعت قتادة عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين)). حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا وكيع وأبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم)). حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير قال: حدثنا عفان قال: حدثنا شعبة عن الأعمش ح وحدثنا هشام بن عمار قال: حدثنا عيسى بن يونس قال: حدثنا الأعمش عن أبي وائل عن عبد الله قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((سباب المسلم فسوق وقتاله كفر)).

حدثنا نصر بن علي الجهضمي قال: حدثنا أبو أحمد قال: حدثنا أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من فارق الدنيا على الإخلاص لله وحده وعبادته لا شريك له، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، مات والله عنه راضٍ)) قال أنس: "وهو دين الله الذي جاءت به الرسل، وبلغوه عن ربهم قبل هرج الأحاديث، واختلاف الأهواء، وتصديق ذلك في كتاب الله في آخر ما نزل، يقول الله: {فَإِن تَابُواْ} [(11) سورة التوبة] قال: خلع الأوثان وعبادتها {وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ} [(11) سورة التوبة] وقال في آية أخرى: {فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ} [(11) سورة التوبة]. حدثنا أبو حاتم قال: حدثنا عبيد الله بن موسى العبسي قال: حدثنا أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس مثله. حدثنا أحمد بن الأزهر قال: حدثنا أبو النضر قال: حدثنا أبو جعفر عن يونس عن الحسن عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة)). حدثنا أحمد بن الأزهر قال: حدثنا محمد بن يوسف قال: حدثنا عبد الحميد بن بهرام عن شهر بن حوشب عن عبد الرحمن بن غنم عن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة)). حدثنا محمد بن إسماعيل الرازي قال: أنبأنا يونس بن محمد قال: حدثنا عبد الله بن محمد الليثي قال: حدثنا نزار بن حيان عن عكرمة عن ابن عباس وعن جابر بن عبد الله قالا: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((صنفان من أمتي ليس لهما في الإسلام نصيب أهل الإرجاء وأهل القدر)). حدثنا أبو عثمان البخاري سعيد بن سعد قال: حدثنا الهيثم بن خارجة قال: حدثنا إسماعيل -يعني ابن عياش- عن عبد الوهاب بن مجاهد عن مجاهد عن أبي هريرة وابن عباس قالا: "الإيمان يزيد وينقص".

حدثنا أبو عثمان البخاري قال: حدثنا الهيثم قال: حدثنا إسماعيل عن حريز بن عثمان عن الحارث أظنه عن مجاهد عن أبي الدرداء قال: "الإيمان يزداد وينتقص". الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "حدثنا سهل بن أبي سهل ومحمد بن إسماعيل قالا: حدثنا عبد السلام بن صالح" أبو الصلت الهروي، عبد السلام بن صالح أبو الصلت الهروي، هذا رمي بالكذب، مع أنه غالٍ في التشيع، حتى قالوا في ترجمته: رافضي خبيث، وهو آفة هذا الحديث الذي حكم عليه بعضهم بالوضع، ذكره ابن الجوزي وغيره في الموضوعات. "قال: حدثنا علي بن موسى الرضا عن أبيه عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي بن الحسين عن أبيه عن علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((الإيمان معرفة بالقلب، وقول باللسان، وعمل بالأركان)) " هذا الكلام معرفة يعني اعتقاد، وقول باللسان يعني نطق، وعمل بالأركان، هذا الكلام صحيح، وهذا الذي عليه أهل السنة، في أنه لا بد من توافر الأمور الثلاثة، القلب واللسان والجوارح، إذا تضافرت واتفقت صار الإيمان إيماناً شرعياً، فلا بد من الإقرار باللسان كما سيأتي ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله)) وأما الاعتقاد بالقلب فهذا هو الأصل، أصل الإيمان، وأما عمل الجوارح والأركان فهذه هي البراهين التي تدل على صدق هذا الإقرار وهذا الاعتراف.

هذا الخبر مرفوع إلى الرسول -عليه الصلاة والسلام- موضوع لا يصح عنه -عليه الصلاة والسلام-، لكنه كلام صحيح، معرفة بالقلب واعتقاد قول باللسان نطق وشهادة، وعمل بالجوارح يعني بالأركان، وهذا تعريف الإيمان عند أهل السنة، قول باللسان، واعتقاد بالجنان، وعمل بالأركان، لا بد من اجتماع الأمور الثلاثة، أما مجرد الاقتصار على المعرفة بالقلب فهذا إيمان الجهم الذي يزعم أنه على هذا، وأن المعرفة تكفي، ولذا قالوا في إيمان إبليس وإيمان فرعون على ما تقدم شرحه، وأما القول بأن الإيمان هو مجرد الإقرار باللسان فهو الإيمان عند الكرامية فيصدق عليه أنه مؤمن ولو لم يعتقد بجنانه، فيدخل في قولهم المنافقون، ولم يقل أحد أن مجرد العمل هو حقيقة الإيمان، وإن كان الرجل إذا صلى فمسلم حكماً، ولو لم ينطق بالشهادتين، ولو يطلع على ما في قلبه من الإقرار والإذعان والاعتراف والاعتقاد، إذا صلى مع المسلمين فله ما لهم، وعليه ما عليهم، فهو مسلم حكماً، والصلاة متضمنة للشهادة، يؤاخذ بها، يعني إذا صلى مع المسلمين ثم فعل ما يحكم عليه بردته من أجله يؤاخذ على هذه الردة، ما يقول: أنا والله صليت صلاة باطلة، أنا ما اعتقدت ولا .. ، أو صليت بدون طهارة، لا لا، يؤاخذ بها، ما دام صلى فهو مسلم حكماً، يعني لا يقال: إن هذه الصلاة تنفعه ما دام صلى إلا بتوافر شروطها وأركانها، ومن شروطها النية، قد يقول: أنا والله ما نويت، ولا توضأت من شروطها الوضوء، هذه لا تنفعه في الآخرة، لكنه في الدنيا يؤاخذ بها، يحكم عليه بإسلامه من أجلها، ولذا يقول أهل العلم: فإن صلى فمسلم حكماً، يعني في الظاهر، له ما للمسلمين، وعليه ما على المسلمين ((من صلى صلاتنا)) ... إلى آخر الحديث ((فله ما لنا، وعليه ما علينا)) فالظاهر أنه مسلم، والباطن يتولاه الله -جل وعلا-، فلا يكفي مجرد العمل إلا في الحكم بالظاهر، على الظاهر الأحكام الظاهرة لا بأس.

اجتماع الأمور الثلاثة الإقرار باللسان مع الاعتقاد بالجنان، مع ما يصدق ذلك من العمل بالأركان، لو قُدر أن الإنسان أقر بلسانه، واعتقد بقلبه ولم يعمل أي عمل عند المرجئة العمل شرط كمال، وليس بشرط صحة، ونسب هذا القول ابن حجر في فتح الباري إلى أهل السنة، مع أن الكمال فيه تنافر مع الاشتراط، يعني بين اللفظتين تنافر إذ مقتضى الشرط أن ينتفي المشروط بانتفائه، ومقتضى الكمال أنه قدر زائد على الواجب، فبين اللفظتين تنافر، والأئمة الثلاثة كلهم على أن العمل من مسمى الإيمان، وداخل في ماهيته، وإن كان الأصل في الإيمان الاعتقاد بالقلب، ولا يعلم هذا الاعتقاد إلا بالنطق، ولا يبرهن على صدق هذا الاعتقاد والنطق إلا بالعمل، فهو من لازم الإيمان العمل للدلالة على صدقه أو كذبه، هذا قول الأئمة الثلاثة مالك والشافعي وأحمد، أما الحنفية فرأيهم في الإيمان معروف، وأنهم لا يدخلون العمل في مسماه، وإن كان يختلف قولهم مع قول غيرهم من المرجئة الغلاة أنهم يؤاخذون بالذنوب، ويؤثمون تارك الواجب، وفاعل المحرم بخلاف المرجئة الغلاة، يقولون: أفسق الناس إيمانه مثل إيمان جبريل، لا فرق بين إيمان أفسق الناس وبين إيمان جبريل -عليه السلام-، ولا شك أن هذا ضلال، نعم؟ طالب:. . . . . . . . . في أي طور؟ طالب:. . . . . . . . . مر بإيش؟ طالب:. . . . . . . . . أنه لا يقول بهذا؟ طالب:. . . . . . . . .

على كل حال الكلام على آخر ما يذكر. . . . . . . . .، كلامه في الفقه الأكبر، وما ينقل عنهم معروف يعني، فالإمام أبو حنيفة في هذه المسألة يمكن أن يوصف بالإرجاء، إرجاء الفقهاء، ويميل إلى هذا القول بعض من يكتب في هذه المسائل مسائل الإيمان ومسائل التكفير من المعاصرين، فيجعلون الإيمان على أصله الذي هو الاعتقاد بالقلب والنطق به، وأما الأعمال فهي شرط كمال، يعني مكملة للإيمان غير داخلة في أصله، على كل حال المسألة دقيقة وعميقة، وعلى الإنسان قبل أن يبحث عن هذه الأمور أن يفرق إذا فرق بين مذهب الثلاثة ومذهب أبي حنيفة في هذه المسألة اتضح له كل شيء، وهي مسألة لا شك أنها عويصة؛ لأن من يشترط العمل في صحة الإيمان ويقول: إنه ينتفي بانتفاء العمل، وهذا أشار إليه ابن حجر في التفريق بين قول أهل السنة وبين قول المعتزلة في الإيمان، وقال: إن المعتزلة يرون أنه شرط صحة، وأهل السنة يرون أنه شرط كمال، فينتفي الإيمان انتفاءً كلياً بانتفاء العمل عند المعتزلة، وأما بالنسبة لأهل السنة فلا ينتفي، وإنما ينتفي كماله الواجب. على كل حال المسألة طويلة الذيول ودقيقة وعميقة لكن يبقى أن العمل لا بد منه، وأما الدعوى لا تقبل بدون برهان، وأن العمل هو البرهان، وأن أصل العمل أصله شرط في صحة الإيمان، وإن لم يكن كقول المعتزلة الذين يقولون: أن العمل كله شرط في صحة الإيمان، بحيث لو ترك واجب من الواجبات، أو ارتكب محرم من المحرمات معناه أنه يخلد في النار عندهم، ولو واحد، إذا كان من الكبائر، وأما أهل السنة فيقولون: جنسه، ما يسمى عمل يمكن أن يستدل به على صحة ما في القلب من اعتقاد هذا شرط، وأما مجرد الدعوة بأنه مؤمن بقلبه دون أن يعمل أي عمل هذا مقتضى قولهم أنه لا يصدق في هذا الاعتقاد، وعلى كل حال المسألة دقيقة جداً، وعجز عن تحريرها كثير ممن يكتب في هذا الوقت.

"قال أبو الصلت: "لو قرئ هذا الإسناد على مجنون لبرأ" لأن فيه خيار أهل البيت، لكن هذه مبالغة لا مسوغ لها، ولا مبرر لها، مبالغة من رافضي، يعني هو يعتقد هذا الأمر، لكن غيره لا يعتقد؛ لأن براءته من دائه إنما تكون بالعلاجات المعنوية الشرعية أو الحسية، إما أن تكون بسبب شرعي أو بسبب عادي مطرد، أما هذه الأسباب التي يدعونها مما لا دليل عليها، وجعل ما ليس بسبب شرعي ولا عادي مطرد جعله سبباً نوع من الشرك، يعني لو قال: إن الإنسان إذا وضع ورقة بيضاء في جيبه ردت عنه العين يقول: هذا سبب، نقول: لا، هذا ليس بسبب شرعي ولا عادي، وبعض الجهات يعالجون بعض الأمراض بما لا يفيد ولا ينفع، ولم تثبت شرعيته، ولا نفعه المطرد، بعض الناس وهذا موجود إذا انتفخت عينه وضع عليها عود من التبن من فوق، ويزعم أن في هذا شفاء، هل هذا سبب شرعي؟ لا، هل هذا سبب عادي مطرد يعني يعرفه الأطباء؟ لا، إذاً هذا ضرب من الشرك، واعتقاد بهذا العود أنه سبب وليس بسبب، فمثل هذه الأمور ينتبه لها، بعض الجهات يستعملون سيور إما في أيديهم، أو في أعناقهم، ويقولون: إن هذه تدفع العين، هذا أيضاً ضرب من الشرك، كثير من الكتب التي تأتي من تركيا أو من الشام أو من مصر مكتوب عليها عبارة نداء للفظ لا معنى له في العربية يا كي بكج احفظ الورق، وأكثر هذه الكتب المكتوب عليها هذا النداء قد لعب بها السوس -نسأل الله العافية-، فمثل هذه الأمور الإنسان قد يقع في الشرك وهو يقلد غيره من غير أن يشعر، هذا أمر شائع، كثير جداً في الكتب التي ترد من مصر أو الشام أو تركيا أو غيرها، هذا نداء لغير الله -جل وعلا- حتى لو زعموا أن هذا ترجمة لاسم من أسماء الله، لو زعموا مثلاً هذا، نقول: ما الذي جعلهم يعدلون عن اسمه الذي نطق به ونطق به رسوله إلى هذا الاسم؟ المقصود أن الشرك أمره عظيم.

هذا يقول: "لو قرئ هذا الإسناد على مجنون لبرأ" ومثل ما يقال في ترجمة مسدد بن مسرهد بن مسربل بن عرندل بن سرندل بن أرندل ابن ما أدري ويش؟ ... إلى آخره، قالوا: هذا رقية العقرب، قالوا في ترجمته .. ، هذا لا رقية ولا حاجة، إنما الرقية تكون بكلام الله وكلام رسوله -عليه الصلاة والسلام-، وما جاء عن النبي -صلى الله عليه وسلم-. قال -رحمه الله-: "حدثنا محمد بن بشار ومحمد بن المثنى قالا: حدثنا محمد بن جعفر قال: حدثنا شعبة قال: سمعت قتادة يحدث عن أنس بن مالك أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه -أو قال-: لجاره ما يحب لنفسه)) " ((لا يؤمن أحدكم)) (لا) نافية تنفي الإيمان عن من لم يتصف بهذا الوصف وصف المحبة لإخوانه نظير ما يحبه لنفسه، وهذا كثير من الناس يجد فيه حرجاً شديداً؛ لأن النفوس جبلت على الأثرة يحب لنفسه ولا يريد أن ينافسه أحد، ولا يحب أن ينافس، الناس فطرت على هذا، لكن على الإنسان أن يتخلق بأخلاق الشرع، وأن يأتمر بأوامره ويجتنب ما ينهى عنه، والمراد بالأخ هنا في قول الأكثر المسلم، ومنهم من يحمله على عمومه، فيدخل فيه المسلم وغير المسلم، بأن يحب لغير المسلم أن يكون مسلماً مثله، فإذا كان مسلماً أحب له من الخير ما يحب لنفسه، وهذا وجه صحيح على المسلم أن يحب أن يدخل الناس جميعهم في دين الله -عز وجل-، وأن يكون سبباً في ذلك إما بدعوة أو دعاء لينال من الأجر من الله -جل وعلا- مثل أجورهم. المقصود أن هذا أمر يعني يجد الإنسان في نفسه منه أشد الحرج، ومن جبل نفسه وأطرها على أن تدور مع مراد الله -جل وعلا- في أوامره ونواهيه لا شك أنه يجد مثل هذا، والمراد بالمحبة المحبة الشرعية لا المحبة الجبلية كما يقرر ذلك أهل العلم.

((حتى يحب لأخيه -أو قال-: لجاره ما يحب لنفسه)) قد يقول قائل: الله -جل وعلا- يقول: {وَسَارِعُواْ} [(133) سورة آل عمران] {سَابِقُوا} [(21) سورة الحديد] سارعوا وسابقوا معنى ذلك أنه يوجد طرفان يتسارعان ويحرص كل واحد أن يسبق الآخر، وهو أيضاً مقتضى {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ} [(21) سورة الحديد] يعني أسرع حتى تسبق غيرك، فهل من مقتضى هذه المسابقة وهذه المسارعة يعني هل من لازمها أن تحرص أشد الحرص أن تكون سابقاً لغيرك مسرعاً متقدماً عليه؟ ومن لازم ذلك أن تتمنى ألا يصير معك، ألا تصلا جميعاً أو يصل قبلك، هل هذا مقتضى المسارعة والمسابقة؟ يعني منافسة، منافسة في الخير، وجاء في الحديث الصحيح: ((ولا تنافسوا)) إذاً كيف يقول: سابقوا وسارعوا ويقول أيضاً في الحديث: ((لا تنافسوا))؟ يعني المسابقة والمسارعة إلى ما يرضي الله -جل وعلا-، والمنافسة في أمور الدنيا، هذا محمل حسن، لكن يبقى أن من مقتضى المسارعة والمسابقة أن يحرص الإنسان أن يكون سابقاً لغيره ومتقدماً عليه، فهل يتحقق مثل هذا أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه، أن يصلا جميعاً، أو المراد بالمفاعلة هنا الأمر بالسرعة والسبق والاستباق، والمبادرة إلى أفعال الخير فقط من غير نظر إلى غيره، وأما ما يتعلق بغيره ((حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)). إن هذه الأمور مضايق أنظار، ومسائل دقيقة جداً، يعني الإنسان يرضى ويسلم، الحديث متفق عليه، يعني ما لأحد كلام، الحديث في الصحيحين، لا أحد يقول فيه وإلا ما فيه، فهل يجد كل مسلم الآن من نفسه أنه يحب أن يحصل لأخيه نظير ما يحصل له؟ لأن بعض الناس يتمنى موت أخيه المسلم، وأن يحصل له جائحة أو كارثة؛ لأنه يقرب منه أو يدانيه في بعض الأمور، هذا نقيض ما في الحديث، ها يا الإخوان؟ طالب:. . . . . . . . . نعم. طالب:. . . . . . . . . طيب. طالب:. . . . . . . . . طيب يحب لأخيه، يجد في نفسه شيء وإلا؟ طالب:. . . . . . . . . والواقع يجد وإلا ما يجد؟ ويش مقتضى المسارعة والمسابقة؟ مقتضاها أن تسبق غيرك، وأن تحرص على سبق غيرك، وإذا حرصت من لازم حرصك على سبق غيرك أن تكره أن يسبقك غيرك. طالب:. . . . . . . . .

لا، هذه أمور يعني ما تنفك عن النفس، والله -جل وعلا- رفع عنا الحرج {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [(78) سورة الحج] ولا شك أن هذا في غاية المشقة، فعلى الإنسان أن يحرص، ويستحضر مثل هذا الدليل، وإذا حرص وعجز عن تحقيقه، ولجأ إلى الله -جل وعلا- أن يحققه له، أعانه الله على ذلك، يعني مثل ما هو واقع كثير من طلاب العلم يقول: عجزنا عن الإخلاص في طلب العلم، جاهدنا وحرصنا وبذلنا لكن عجزنا، ولا شك أن الإخلاص في طلب العلم لا سيما في الدراسات النظامية التي تمنح من خلالها الشهادات والوظائف وبناء الأسر من وراء ذلك، يعني المسألة فيها مشقة على النفس، ومع ذلك من يستطيع أن يتجاوز هذه المشقة أجره لا يقدره إلا الله -جل وعلا-؛ لأن هذه أمور ابتلاء وامتحان من الله -جل وعلا-، وعلى الإنسان أن يحرص أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه، فضلاً عن كونه يتمنى لأخيه ما يتمنى من مصائب وكوارث؛ لئلا يشاركه في أمر من أموره، ومن نظر في أمور التجارات ينظر يشوف ما بين التجار من منافسات، ومن طرق وحيل لإسقاط بعضهم بعضاً، والإضرار ببعضهم ببعض، قد يجتمع أهل السوق على شخص لطرده من السوق، يعني ما يملكون يغلقون بابه ويطردونه، لا، لكن بوسائلهم وطرقهم يضيق عليه، ولو خسروا بعض الخسائر حتى يطلع من السوق، فمثل هذا لا شك أنه مصادمة للنص، أما من يسأل الله -جل وعلا- أن يرزقه، ويتمنى الرزق لإخوانه المسلمين، ويطهر قلبه من الغش والخداع والغل والحقد والحسد يعان على هذا، وهو في بادئ الأمر وفي النظر إلى حال كثير من الناس في غاية الصعوبة، لكن من أعطاه الله قلباً سليماً رأى أن هذا الأمر من أيسر الأمور، رأى أنه إذا أعطي الإنسان قلب سليم {يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [(89) سورة الشعراء] والرجل الذي دخل وأنه من أهل الجنة وقصته معروفة، إنما لا يحمل أي حقد ولا غل على المسلمين، قلبه نظيف، فمثل هذا لا يتصور منه أن يتمنى ضرر لمسلم، وإنما يتمنى الخير لجميع المسلمين، نعم؟ طالب:. . . . . . . . . كيف؟ طالب:. . . . . . . . . قوله: ((ما يحب)) ما هذه من صيغ العموم.

طالب:. . . . . . . . . معروف، لكن ((ما يحب لنفسه)) حتى في أمور الدنيا، نعم؟ طالب:. . . . . . . . . لا لا، في كل شيء، عموم، لكن هناك أمور لا تقبل الشركة، والحديث ليس فيه أن يحب الإنسان لأخيه أكثر مما يحب لنفسه، أمور لا تقبل الشركة، كونه يتمنى أن يتزوج بفلانة، هل يتمنى لجميع الناس أن يتزوجوا بها؟ نعم؟ كونه يتمنى أن يكون الأول مثلاً على دفعته هل يمكن أن يكون الجميع كلهم يتمنى لهم أن يكونوا الأول؟ ما لا يقبل الشركة هذا أمره سهل، ومع ذلك يتمنى لإخوانه المسلمين كل خير، وأن يسعى في تحقيق ذلك بقدر استطاعته، والله المستعان، وإذا حرص على ذلك، وعلم الله منه صدق النية أعانه. طالب:. . . . . . . . . في أمور الدنيا جاء النهي ((ولا تنافسوا)). طالب:. . . . . . . . . فيه مسابقة وفيها مسارعة، لكن لا يلزم منها السبق، لا يلزم منها أن يكون أسبق من غيره، يلزم منها أن يحرص على الكمال بنفسه ويتمناه لإخوانه. قال -رحمه الله-: "حدثنا محمد بن بشار ومحمد بن المثنى قالا: حدثنا محمد بن جعفر قال: حدثنا شعبة قال: سمعت قتادة عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين)) " ((لا يؤمن أحدكم)) منهم من يقول في هذه الصيغة أن لا يؤمن المراد به الإيمان الكامل وليس المراد به نفي أصل الإيمان، ولا شك أن هذا قول وجيه، إذ لو لم يحب لأخيه ما يحب لنفسه لم يخرج عن دائرة الإيمان، ولم يسلب منه الإيمان أصله، وإنما حصلت منه هذه المخالفة كغيرها من المخالفات، وهنا: ((لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين)) في الصحيح عن عمر أنه قال للنبي -عليه الصلاة والسلام-: لأنت أحب إلي من كل أحد إلا من نفسي، قال: ((بل ومن نفسك يا عمر)) قال: ومن نفسي، قال: ((الآن يا عمر)).

الإنسان قد يدعي دعوى، قد يدعي أنه يحب الرسول -عليه الصلاة والسلام- أكثر من نفسه، لكن ما البرهان على ذلك؟ هل نقول: إن عمر استجاب بلسانه، يعني هذه الأمور أمور قلبية، المحبة مقرها القلب، مجرد الدعوى باللسان ما يفيد، يعني كل إنسان يفدي الرسول -عليه الصلاة والسلام- بنفسه، وكل إنسان يدعي أنه يحب الرسول -عليه الصلاة والسلام- أفضل من نفسه، لكن المحك إذا جاء أمر الرسول -عليه الصلاة والسلام- وعارض الرغبة والشهوة ما الذي يقدم؟ لا بد أن يقدم أمره -عليه الصلاة والسلام-، وإلا أنت ما أحببته أكثر من نفسك، وإذا كانت النصوص النبوية تأمر بما يخالف رغبة الوالد والولد، فإن قدمت رغبتهم فأنت ما حققت هذه المحبة، وإن قدمت النص على رغبتهم فقد حققتها؛ لأن المراد بالمحبة المحبة الشرعية وليس المراد الجبلية؛ لأن الإنسان قد تتعارض عنده المحاب الجبلية مع الشرعية؛ لأن محبة الوالد كما يقرر أهل العلم شرعية، ومحبة الولد جبلية، محبة الوالد شرعية ومحبة الولد جبلية، فإذا حصل ضيق بحيث لا يتسع الأمر إما للوالد وإما للولد، يعني كما لو حصل حريق، وعندك والد مقعد وطفل رضيع ما يمشي، ولا تستطيع حمل الاثنين معاً، تحمل الأب أو الابن؟ نعم هذه محبة شرعية هذا قدمت مراد الله على مرادك، الفقهاء ينصون في باب النفقات أن الولد في النفقة أهم من الأب، وحديث الثلاثة الذين انطبق عليهم الغار منهم واحد ويش وضعه مع والديه؟ نعم يأتي باللبن فيجد الأب قد نام، فينتظره إلى الصباح، والأولاد يتضاغون من الجوع، ما يعطيهم حتى يشرب الأب، وسيقت القصة مساق المدح، فدل على أن هذا شرعي في تقديم الوالد على الولد، لكن قد يقال: إنه شرع من قبلنا، وما المانع من أن يقسم اللبن قسمين، فيعطى الأولاد باعتبار حاجتهم، والوالد ينتظر بنصيبه، لكن النظر دقيق في مثل هذه المسائل، لما قدم المحبة الشرعية على الجبلية استحق مثل هذه الكرامة، يستحق مثل هذه الكرامة، فالإنسان إذا قدم مراد الله على مراده يستحق مثل هذه وهذا برهان ساطع، ودليل صادق على صدقه في دعواه، أما بعض الناس يحب الرسول -عليه الصلاة والسلام-، لكن في أحواله كلها أو في جلها مخالفة لأوامره -عليه الصلاة

والسلام- ويزعم أنه يحبه، هذا الكلام ليس بصحيح، هذه دعوى يكذبها الواقع.

عمر -رضي الله تعالى عنه- مباشرة قال: أنت أحب إلي من نفسي، يعني هل من مثلنا مثلاً في وضعنا ينقلب مباشرة الفاضل مفضول والمفضول فاضل فوراً في أمر يتعلق بالقلب يحصل لمثلنا؟ ما يحصل إلا بمعالجة، ويحتاج إلى رياضة وتدريب للقلب، وزمن طويل، وبذل أسباب، لكن إيمان عمر ما هو مثل إيماننا، يعني لو وزن إيمان عمر -رضي الله عنه- بإيمان من بعد أبي بكر وزنه، فالمسألة الإيمان ما وقر في القلب، نحن نغفل عنه كثيراً، فنقدم عليه غيره، وتعرفون ما حصل في الأيام السابقة من إساءة إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، يعني حصلت ردود أفعال من المسلمين، ودل على أن هناك محبة للرسول -عليه الصلاة والسلام-، لكن ليست على المستوى المطلوب بحيث صار في هذه لفت للأمة بكاملها أن تتجه إلى أوامره ونواهيه -عليه الصلاة والسلام-؛ لأنه لو المقصود محبة ذاته المكونة من لحم ودم وعظام هي شريفة وفاضلة لكن هل نحن مكلفون بهذا، أو مكلفون بما جاء عنه مما يخصنا من أمر ونهي؟ هذا الذي يخصنا، فهل غيرنا طريقتنا بإتباعه -عليه الصلاة والسلام- بمعرفته والاقتداء به، كثير من المسلمين ما يعرف من نسب النبي -عليه الصلاة والسلام- ولا أربعة أجداد، بل كثير منهم من لا يعرف إلا اسمه فقط، وبيوت المسلمين في غاية الجهل بسيرة النبي -عليه الصلاة والسلام- وخصائصه ومعجزاته وشمائله، فليتنا استفدنا من مثل هذه الحوادث، نعم وجدت فائدة، وجدت فوائد -ولله الحمد- ترتب عليها آثار {لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم} [(11) سورة النور] وإذا قيل هذا في الطعن بعرضه -عليه الصلاة والسلام- في حياته {لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ} [(11) سورة النور] ومثل هذا يقال فيما حصل من الإساءة إليه -عليه الصلاة والسلام-، لا يكون شر محض هذا، نعم لا يرضى به المسلم ولا يقره، بل يغضب لغضب نبيه -عليه الصلاة والسلام-، ومع ذلك يعتصر الألم قلبه بسبب الإساءة، ومع ذلك الآثار المترتبة على مثل هذا حميدة -إن شاء الله تعالى-، لكن ينبغي أن نتتبع هذه الآثار، ونتابع هذه الآثار، ما تصير ردة فعل تنتهي بانتهاء الحدث، لا، والله المستعان.

((لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين)) لا شك أنه قدم الولد لأن محبته جبلية، ثم ثني بالوالد، وبعض الروايات: ((من والده وولده)) وقال الشراح: إن سبب تقديم الوالد أن كل شخص له والد، وليس كل شخص له ولد ((والناس أجمعين)) لا يقدم عليه أحد حتى لو تزوج زوجة فتن بها، وأعجبته من كل وجه، فإن أوامرها لا تقدم على أوامره -عليه الصلاة والسلام-، ((حتى من نفسك)) في حديث عمر، قال: ((حتى من نفسك)) قال: ((الآن يا عمر)). قد يقول قائل: أنا ما أحببت الرسول -عليه الصلاة والسلام- إلا من أجل نفسي فكيف أقدمه على نفسي؟ يعني لماذا الشخص يحب الرسول -عليه الصلاة والسلام-؟ لماذا المسلم يحب الرسول -عليه الصلاة والسلام-؟ لأنه سبب نجاته في الآخرة من النار صح وإلا لا؟ هل يحبه لذاته؟ إنما يحبه لأنه سبب النجاة، نجاه الله -جل وعلا- من عذابه بسبب هذا الرجل الرسول الكريم -عليه الصلاة والسلام-، فيقول: أنا ما أحببته إلا من أجل أنجو، فكيف يكون محبتي له أعظم من محبتي لنفسي؟ نقول: يا أخي المحبة شرعية، المراد بها الأثر المرتب عليها، هل هذه المحبة أثرت تقديم ما يحبه الرسول -عليه الصلاة والسلام- ويهواه، ويكون الهوى تبعاً لما جاء به -عليه الصلاة والسلام-، أو يؤثر شهواته وملذاته على أوامر النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ هنا المحك.

ثم قال بعد ذلك: "حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا وكيع وأبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((والذي نفسي بيده)) " قسم، وكثيراً ما يقسم النبي -عليه الصلاة والسلام- بهذا ((والذي نفسي بيده)) وهو الله -جل وعلا-، وفيه إثبات اليد لله -جل وعلا- على ما يليق بجلاله وعظمته، فالنفوس كلها بيد الله -جل وعلا-، وبعض الشراح يفسر هذا بقوله: ((والذي نفسي بيده)) يعني روحي في تصرفه، ولا شك أن الكلام من جهة صحيح إلا أنه إن قصد به الفرار من إثبات اليد لله -جل وعلا- فهو كلام باطل؛ لأن اليد ثابتة لله -جل وعلا- في نصوص الكتاب والسنة على ما يليق بجلاله وعظمته، وأرواح الناس كلهم في تصرف الله -جل وعلا-، لكن إن قصد بهذا الفرار من إثبات الصفة فهذا كلام باطل؛ لأن الصفة ثابتة، وإن قصد به اللازم مع الاعتراف بالصفة فالكلام صحيح، يعني فرق بين أن يقول النووي أو غيره من الشراح: والذي نفسي بيده يعني روحي في تصرفه، ويفر بهذا من إثبات اليد؛ لأنهم ينفونها ويؤولونها إذا جاءت في النصوص إما بالنعمة أو بالقدرة أو بالقوة، وبين من يثبت الصفة، يعني لو جاءت في كلام شيخ الإسلام أو ابن القيم أو كلام الإمام أحمد أو غيره ممن هو على مذهب السلف الصالح في إثبات الصفات، نقول: الكلام صحيح، ما في أحد روحه ليست في تصرف الله -جل وعلا-، لكن إن اقتضى ذلك الفرار من الصفة، قلنا: كلام باطل.

((والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا)) لا بد من الإيمان لدخول الجنة ((ولا تؤمنوا حتى تحابوا)) يعني مثل ما قال: ((لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)) فالمحبة محبة الخير ومحبة المسلم في الله -جل وعلا-، وهي من أوثق عرى الإيمان، والسبيل إلى تحقيق هذه المحبة وهذه المودة إفشاء السلام ((أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ )) يعني حصلت المحبة التي بها يحصل الإيمان، وبالإيمان دخول الجنة إفشاء السلام بينكم، يعني إشاعته وكثرته، والسلام على كل أحد، وبذل السلام للعالم، لا يكون السلام للمعرفة، تسلم على من تعرف، وتترك من لا تعرف، ليس هذا من إفشاء السلام، إنما إفشاؤه كثرته، ومنهم من يقول: برفع الصوت فيه، يعني إشهاره، وإظهاره بين الناس، ورفع الصوت بقدر الحاجة، يعني بقدر ما يسمع المسلم عليه، لا يرفع بصوت مزعج، ولا يخفض بحيث لا يترتب عليه أثره من هذه المحبة والمودة بحيث إذا لم يسمع لم تترتب عليه آثاره كأنه لم يسلم. ((إفشاء السلام بينكم)) هذا مطلوب، المسلم يسلم على المسلم، المسلم المتلبس بمعصية، الكافر لا يبدأ بالسلام ((لا تبدؤوا اليهود والنصارى بالسلام)) المبتدع إذا كان هجره، إذا كانت بدعته يعني ليست بكبرى، ليست كبرى مخرجة عن الإسلام، وهجره بترك السلام عليه يردعه فهو شرعي؛ لأن المبتدع يهجر، إذا كان يرتدع بهذا، طيب المسلم الفاسق إذا كان هجره بترك السلام عليه يردعه وتترتب عليه آثاره هذا نوع من أنواع التعزير، نوع من أنواع التعزير الذي يملكه كل أحد.

المسلم حال تلبسه بالمعصية، يعني مررت على شخص يدخن، تقول: السلام عليكم وإلا تتركه؟ يعني قبل وقت مضى ما كان الناس يترددون في مثل هذا لا يسلمون، ويرون أن لا كرامة حال تلبسه بالمعصية، لكن الآن في وقتنا الذي نعيشه؟ والمسألة مسألة تأليف، ودفع تهم عن النفس؛ لأن الآن الذي لا يسلم وهو من الملتزمين من أهل الاستقامة لا شك أنه يرمى بأبشع الأوصاف، وإذا كان سلامه من أجل هذا إما من باب تأليف هذا العاصي، ولا سيما إذا أراد أن يدعوه؛ لأنه لا يمكن أن يدعوه وهو ما سلم عليه، فيقول: السلام عليكم، فيقول: عليكم السلام، قال له: ترى الدخان العلماء يفتون بتحريمه، وهو مضر ويفعل كذا إلى آخره، وليست فيه أدنى مصلحة، فلا شك أن مثل السلام هذا نافع، لكن إذا كان لا يريد أن يدعوه وهو مار في طريق ورأى شخص يدخن، ورأى أن يهجره لأنه مرتكب معصية أثناء ارتكابه للمعصية وهو مجاهر بها، له أن يهجره بهذا، لكن الظرف الذي نعيشه قد لا يساعد على مثل هذه التصرفات، قد يكون التأليف أولى في مثل هذا الظرف الذي نعيشه، والله المستعان، نعم؟ طالب:. . . . . . . . . كذلك من باب أولى. طالب:. . . . . . . . . لا لا، أبداً، المشرك ومثله من بدعته مكفرة لا يبدأ بالسلام، قد يقول قائل: إننا نتألفهم ونسلم عليهم من أجل دعوتهم، ونعيش بينهم، ونحن محتاجون إلى مثل هذا، نقول: لا مانع من أن تتبادل الألفاظ التي تؤدي الغرض لا بلفظ السلام، نعم؟ طالب:. . . . . . . . . لا لا، يسلم ويأمرهم وهذا أدعى إلى القبول، لكن قد تقول: إن بعض الأماكن لا يمكن أن تبذل السلام للعالم كما جاء الأمر به، يعني أنت مار بالبطحاء والناس مزدحمون هل تسلم على كل شخص بعينه؟ كيف تسلم على الناس في مثل هذه الأماكن المزدحمة؟ يعني لا صاروا مجموعة بحيث يبلغهم سلام واحد، ولا صاروا متفرقين بحيث إذا انتهيت من السلام على هذا تبدأ بسلام على هذا، مثل هذه الأمور المشقة تجلب التيسير، فأنت سلم بحسب استطاعتك وقدرتك، وأجرك على الله، يعني كما لو كنت في المطاف أو في المسعى في وقت زحام وإلا شيء كيف تسلم على الناس؟ نعم؟ طالب:. . . . . . . . .

أما إلقاء السلام فأنت بالخيار إذا شككت فالذي يغلب على ظنك تفعله، أما إذا ألقى عليك السلام فلا مندوحة من الرد، ولو شككت، وإن شككت وغلب على ظنك أنه مسلم تقول: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وإن شككت وغلب على ظنك أنه ليس بمسلم ترد: وعليك، نعم؟ طالب:. . . . . . . . . المسألة غلبة الظن لها مرجحاتها، نعم؟ طالب:. . . . . . . . . يسلم ويقصد بسلامه المسلمين، ولذلك كان الخلفاء في السابق يأمرون غير المسلمين أن يتميزوا، ويشترط عليهم لباس معين، هو الإشكال إذا كان الملزم غير مسلم، بعد هذه مشكلة، وإلا إذا كان مسلم فعليه أن يميزهم على المسلمين؛ لأن مسألة الاختلاط بهم، ومسألة معاشرتهم لا شك لا بد لها من التأثير على المدى الطويل، فإذا تميزوا حذروا واتقوا، نعم؟ طالب:. . . . . . . . . الأصل فيه الوجوب، لكن مع ذلك عامة أهل العلم على الاستحباب في البداءة، أما الرد فهو الوجوب. ثم قال -رحمه الله-: "حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير قال: حدثنا عفان قال: حدثنا شعبة عن الأعمش ح وحدثنا هشام بن عمار قال: حدثنا عيسى بن يونس قال: حدثنا الأعمش عن أبي وائل عن عبد الله" يعني ابن مسعود، وأبو وائل شقيق بن سلمة "قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر)) " سبابه وشتمه وقذفه كل هذا فسوق، يأثم به الفاعل ((سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر)) قتاله ومقاتلته وقتله من باب أولى كفر، لكنه كفر دون كفر، كفر لا يخرج عن الملة، وأهل العلم لهم كلام كثير في مثل هذا إلا إن استحل القتل، إن استحله فإنه يكفر، بمعنى أنه يخرج عن الملة، أما إذا قاتله ولم يستحل القتل فإنه كفر دون كفر عند أهل السنة، وإن قال الخوارج بكفره المخرج عن الملة.

يقول ابن حجر في فتح الباري: "إن المبالغة في الرد على المبتدع اقتضت مثل هذه اللفظة، وأن ظاهره غير مراد، ولكن لما كان القتال أشد من السباب؛ لأنه مفضٍ إلى إزهاق الروح عبر عنه بلفظ أشد من لفظ الفسق وهو الكفر، ولم يرد حقيقة الكفر التي هي الخروج عن الملة، بل أطلق عليه الكفر مبالغة في التحذير، معتمداً على ما تقرر من القواعد أن مثل ذلك لا يخرج عن الملة، مثل حديث الشفاعة، ومثل قوله تعالى: {إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء} [(48) سورة النساء] أو أطلق عليه الكفر لشبهه به؛ لأن قتال المؤمن من شأن الكفر، قال: وقيل: المراد هنا الكفر اللغوي وهو التغطية؛ لأن حق المسلم على المسلم أن يعينه وينصره، ويكف عنه أذاه، فلما قاتله كان كأنه غطى على هذا الحق، والأولان أليق بالمراد، وأولى بالمقصود، والله أعلم". أولاً: جاء في حق القاتل {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا} [(93) سورة النساء] نسأل الله العافية، والخلود هنا معناه طول المكث، وليس معناه مثل خلود الكفار، طول المكث وطول البقاء وليس معناه خلود الكفار، بحيث لا يخرج منها، لا، هذا عاصٍ وهو ليس بكافر عند من يعتد به من أهل العلم، وعامة أهل السنة على هذا أنه يخرج منها، يخرج من النار بعد أن يقتص منه، وحصل القتال بين المسلمين من عصر الصحابة -رضوان الله عليهم-، فتقاتلوا ولم يقل أحد بتكفير إحدى الطائفتين، وإن كانت إحداهما راجحة والأخرى مرجوحة، لكن القتال لا سيما مع التأويل ليس بكفر، وأما مع عدمه فليس بكفر إلا بالنسبة لمن استحله، لمن استحل القتل. جاء في الحديث الصحيح: ((لعن المؤمن كقتله)) في الصحيحين، وهنا: "سبابه فسوق، وقتاله كفر" حديث الباب يدل على أن لعن المؤمن ليس كقتله صح وإلا لا؟ حديث الباب؟ طالب:. . . . . . . . . كيف؟ طالب:. . . . . . . . .

يعني الفسوق أخف من الكفر، فالسباب فسوق، والقتال وهو أعظم حكمه أعظم، وفي الحديث الصحيح: ((لعن المؤمن كقتله)) حديث الباب يقرر أن السباب ومنه اللعن ليس كالقتل، فهل فيه تعارض بين الحديثين؟ يعني مقتضى حديث الباب أن حكم السباب غير حكم القتل صح وإلا لا؟ ومقتضى حديث: ((لعن المؤمن كقتله)) يقتضي أنهما سيان، التشبيه لا يقتضي المشابهة من كل وجه، صحيح، التشبيه لا يقتضي مطابقة المشبه بالمشبه به من كل وجه، بل هو كقتله في حصول الإثم، وإن تفاوت ذلك الإثم. قال -رحمه الله-: "حدثنا نصر بن علي الجهضمي قال: حدثنا أبو أحمد قال: حدثنا أبو جعفر الرازي عيسى بن ماهان عن الربيع بن أنس عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" أبو جعفر الرازي فيه كلام لأهل العلم، وهو صدوق سيء الحفظ، ومضعف عند جمع من أهل العلم، لا سيما في روايته عن الربيع بن أنس. المحقق ينقل عن البوصيري قال: هذا إسناد ضعيف، الربيع بن أنس ضعيف هنا، قال ابن حبان في الثقات: الناس يتقون حديثه ما كان من رواية أبي جعفر الرازي عنه لأن في حديثه اضطراباً كثيراً. الآن هل العلة الربيع أو العلة أبو جعفر الرازي؟ يعني إذا كان في حديث أبي جعفر الرازي عن الربيع اضطراب فهل يقدح في أبي جعفر أو في الربيع؟ نعم؟ طالب:. . . . . . . . . ما هي مسألة اجتماعهم الآن الآفة ممن؟ يعني الضعف من أين جاء؟ لو افترضنا أن الربيع ما يروي عنه أبو جعفر في هذا الحديث راوٍ آخر يُقدح فيه؟ طالب:. . . . . . . . . إذاً القدح في من؟ في أبي جعفر الرازي، وهنا يقول البوصيري في الزوائد: إسناد ضعيف والربيع بن أنس ضعيف هنا، الضعف ليس من الربيع، إنما من أبي جعفر هو الذي في روايته عن الربيع ضعف واضطراب، وهو في أصله فيه كلام من الأصل، سيء الحفظ هو، لا سيما يعني أشد ذلك إذا كان من روايته عن الربيع بن أنس، وعلى كل حال الإسناد ضعيف. "قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من فارق الدنيا على الإخلاص لله وحده وعبادته لا شريك له، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة مات والله عنه راضٍ)) " يعني مات فاعلاً مؤدياً للأركان مخلصاً لله -جل وعلا- في ذلك، الله -جل وعلا- يرضى عنه.

قال أنس: "وهو دين الله الذي جاءت به الرسل وبلغوه عن ربهم قبل هرج الأحاديث واختلاف الأهواء" يعني اختلاط الأحاديث بعضها ببعض، وضرب بعضها ببعض من قبل أهل الأهواء والبدع، واختلاف الآراء والأهواء، قال: "وتصديق ذلك في كتاب الله في آخر ما نزل" يعني في سورة التوبة، يقول الله -جل وعلا-: " {فَإِن تَابُواْ} [(5) سورة التوبة] قال: خلع الأوثان" يعني هذه التوبة مقتضاها خلع الأوثان وعبادتها {وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ} [(5) سورة التوبة] الآية الثانية وقال في آية أخرى: {فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ} [(11) سورة التوبة] يعني لا تثبت الأخوة إلا بهذه الأمور مجتمعة، وعلى كل حال الإسناد فيه ضعف. قال أبو حاتم .. ، وهذا من الزيادات زيادات أبي الحسن ابن القطان راوي السنن، وعرفنا أنه يختلف عن أبي الحسن بن القطان الفاسي المتأخر صاحب الوهم والإيهام غير هذا، هذا متقدم. قال أبو الحسن بن القطان: "حدثنا أبو حاتم" والمراد به الرازي، أبو حاتم الرازي محمد بن إدريس "قال: حدثنا عبيد الله بن موسى العبسي قال: حدثنا أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس مثله" فهذه متابعة لمن؟ متابعة من عبيد الله بن موسى لأبي أحمد. قال بعد ذلك: "حدثنا أحمد بن الأزهر قال: حدثنا أبو النضر قال: حدثنا أبو جعفر عن يونس عن الحسن عن أبي هريرة" والحسن لم يسمع من أبي هريرة، ومنهم من أثبت سماعه من أبي هريرة كأبي حاتم؛ لقوله: حدثنا أبو هريرة، وتقدمت الإشارة إلى مثل هذا، وأنه إنما حدث أهل المدينة وهو فيها. "عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة)) " الحسن معروف بالتدليس ولم يصرح بالتحديث، ولم يسمع من أبي هريرة فالخبر فيه انقطاع، فيه إرسال خفي، إرسال خفي؛ لأن المعاصرة موجودة، ففيه إرسال خفي، ومع ذلك هو مخرج في صحيح مسلم. ((أمرت)) والآمر هو الله -جل وعلا-، والمأمور هو النبي -عليه الصلاة والسلام-.

((أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله)) وهذا فيه مشروعية جهاد هاه؟ طالب:. . . . . . . . . أي نوع؟ طالب:. . . . . . . . . الطلب. ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة)) إلى هذه الغاية، فإذا حصلت هذه الغاية فلا يجوز حينئذٍ القتال ويجب الكف. قال -رحمه الله-: "حدثنا أحمد بن الأزهر قال: حدثنا محمد بن يوسف قال: حدثنا عبد الحميد بن بهرام عن شهر بن حوشب عن عبد الرحمن بن غنم عن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة)) " الحديث لو قيل: إنه متواتر لما بعد، مروي عن جمع غفير من الصحابة، وفي إسناد هذه الرواية أو هذا الحديث حديث معاذ شهر بن حوشب، وكلام العلماء فيه ومر في مقدمة مسلم عن عبد الله بن عون: "أن شهراً نزكوه" وفي بعض النسخ: تركوه، فشهر مضعف، وبهذا الإسناد فيه ضعف، لكنه متواتر من طرق أخرى عن جمع من الصحابة، ودلالته دلالة ما قبله. قال: "حدثنا محمد بن إسماعيل الرازي قال: أنبأنا يونس بن محمد قال: حدثنا عبد الله بن محمد الليثي قال: حدثنا نزار بن حيان عن ابن عباس وعن جابر بن عبد الله قالا: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((صنفان من أمتي ليس لهما في الإسلام نصيب أهل الإرجاء وأهل القدر)) " وسبق برقم اثنين وستين قال: حدثنا علي بن محمد قال: حدثنا محمد بن فضيل قال: حدثنا علي بن نزار عن أبيه يعني نزار بن حيان، عن عكرمة عن ابن عباس قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((صنفان من هذه الأمة ليس لهما في الإسلام نصيب المرجئة والقدرية)) ومدار الحديث في طريقيه على نزار ابن حيان وهو ضعيف، فالحديث مضعف، وتقدم الكلام فيه، أهل الإرجاء وأهل القدر. ثم بعد ذلك: "حدثنا أبو عثمان البخاري عن سعيد بن سعد قال: حدثنا الهيثم بن خارجة قال: حدثنا إسماعيل" يعني ابن عياش "عن عبد الوهاب بن مجاهد عن مجاهد عن أبي هريرة وابن عباس قالا: "الإيمان يزيد وينقص".

قال: "حدثنا أبو عثمان البخاري قال: حدثنا الهيثم قال: حدثنا إسماعيل عن حريز بن عثمان عن الحارث، أظنه عن مجاهد عن أبي الدرداء قال: "الإيمان يزداد وينتقص" فهذه الأقوال عن هؤلاء الثلاثة من الصحابة هي قول عامة الصحابة وسلف الأمة، وأن الإيمان يزيد وينقص، أما الزيادة فثبتت في القرآن في آيات ذكرها الإمام البخاري في باب عقده لهذه المسألة، وأن الإيمان يزيد، وذكر آيات ثمان أو تسع آيات كلها تدل على زيادة الإيمان، وفيها التنصيص على الزيادة، وأما النقص فكل ما قبل الزيادة يقبل النقص، وهذه أمور يشهد لها الواقع، ويحس بها كل إنسان في نفسه، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، يزداد بالطاعة وينقص بالمعصية، وهذا قول أهل السنة والجماعة، ومنهم من يرى أنه يزيد لثبوت ذلك في الآيات، وأما النقص فلا، لكن كل القاعدة عندهم أن كل ما قبل الزيادة قبل النقص، وهذان الخبران رقم (74، 75) هذه أيضاً من الزيادات، من زيادات أبي الحسن بن القطان، وليست من أصل السنن، نعم؟ طالب:. . . . . . . . . حريز، مصحف جرير، حريز بن عثمان. هذا سائل يقول من تركيا يقول: أنا أعمل حلاقاً، وليس لي دخل آخر غيره، وأريد الحج فهل يجوز لي الحج بمال الحلاقة أم لا؟ مع العلم أن الحلاقة مختلطة فيها حلاقة محرمة وجائزة والأغلب عليها المحرمة؟ أولاً: يقال لمثل هذا الحلاق: عليه أن يتقي الله -جل وعلا-، وأن لا يرتكب ما حرم الله عليه، فلا يساهم ويساعد في نشر المنكرات؛ لأن حلق اللحى منكر، فلا يساعد على هذا، القزع أيضاً محرم عند أهل العلم، فلا يصنع هذا، وماله الذي يكتسبه من هذا العمل المحرم سحت، وإذا حج به فالأثر المرتب على الحج والثواب المرتب عليه ليس له شيء. إذا حججت بمال أصله سحت ... فلا حججت ولكن حجت العيرُ وأما إذا حج وتوافرت الشروط والأركان وأتى بالحج على وجهه فإن حجه صحيح، بمعنى أنه مسقط للطلب، وهو آثم في كسبه، والأجر والثواب المرتب على هذا الحج ليس له منه شيء، إنما إذا حج فإنه لا يؤمر بالإعادة، وعليه أن يقلع فوراً عما حرم الله عليه، ومن تاب تاب الله عليه، والتوبة تهدم ما قبلها، والله أعلم. وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

شرح مقدمة سنن ابن ماجه (11)

بسم الله الرحمن الرحيم شرح: مقدمة سنن ابن ماجه (11) الشيخ: عبد الكريم بن عبد الله الخضير السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. في درس الأمس: عبد السلام بن صالح أبو الصلت الهروي في الحديث رقم (65) وما قيل فيه من أنه رافضي كذاب، ولذا أورد ابن الجوزي حديثه في الموضوعات، وذكر أن الآفة منه، وهذا واحد من الإخوان أحضر الترجمة من التقريب ومن التهذيب. يقول في التقريب: صدوق له مناكير وكان يتشيع، وسؤاله هل هو صدوق أم كذاب أم ضعيف؟ وهل كلام ابن حجر عنه في التقريب صحيح؟ في التهذيب يقول: عبد السلام بن صالح بن سليمان بن أيوب بن ميسرة القرشي مولاهم أبو الصلت الهروي، سكن نيسابور، ورحل في الحديث إلى الأمصار، وخدم علي بن موسى الرضا، وروى عن عبد السلام بن حرب، وعبد الله بن إدريس، وعباد بن العوام، وحماد بن زيد، ومالك بن أنس وعلي بن هشام، والفضيل بن عياض، وعبد الله بن المبارك، وخلف بن خليفة وخلق، وعنه ابنه محمد بن إسماعيل الأحمسي وذكر آخرين، ثم قال: قال أحمد بن سيار: ذُكر لنا أنه من موالي عبد الرحمن بن سمرة، وقد لقي وجالس الناس ورحل في الحديث، وكان صاحب قشافة وزهد، ولم أره يفرط في التشيع، وناظر بشر المريسي معروف رأس المعتزلة، عند المأمون وكان الظفر له، يقول: ورأيته يقدم أبا بكر وعمر، ويترحم على علي وعثمان -رضي الله عنهما-، ولا يذكر الصحابة إلا بجميل، إلا أن ثمة أحاديث يرويها في المثالب، يعني في المثالب التي تتضمن الإزراء ببعض الصحابة يعني، وسألت إسحاق بن إبراهيم عنه فقال: أما من رواها عن طريق المعرفة فلا أكره ذلك، يعني من رواها .. ، من روى هذه الأحاديث من أجل أن يعرفها فلا أكره ذلك، وأما من يرويها ديانة فلا أرضى الرواية بها.

وقال القاسم بن عبد الرحمن الأنباري: سألت يحيى بن معين عن حديث حدثنا به أبو الصلت عن أبو معاوية عن الأعمش عن مجاهد عن ابن عباس مرفوعاً: ((أنا مدينة العلم ... )) الحديث، فقال: هو صحيح، وقال الخطيب: أراد أنه صحيح عن أبي معاوية، إذ قد رواه غير واحد منه، وقال المروزي: سئل أبو عبد الله عن أبي الصلت فقال: روى أحاديث مناكير، قيل له: روى حديث مجاهد: ((أنا مدينة العلم)) قال: ما سمعنا بهذا، قلت: وهذا الذي ينكر عليه؟ قال: غير هذا، أما هذا فما سمعنا به، وروى عن عبد الرزاق أحاديث لا نعرفها ولا نسمعها، وقال الحسن بن علي بن مالك: سألت ابن معين عن أبي الصلت، فقال: ثقة صدوق إلا أنه يتشيع. وقال ابن الجنيد: عن ابن معين: قد سمع، وما أعرفه بالكذب، قلت: فحديث الأعمش عن مجاهد عن ابن عباس؟ فقال: ما بلغني إلا عنه وما سمعت به قط، وقال مرة أخرى: ولم يكن أبو الصلت عندنا من أهل الكذب. وقال الدوري: سمعت ابن معين يوثق أبو الصلت، وقال في حديث: ((أنا مدينة العلم)) حدث به محمد بن جعفر عن أبي معاوية هذا، فقال ابن محرز يعني في روايته عن ابن معين ليس ممن يكذب، فقيل له: فيحدث أبي معاوية، لعلها فقيل له: فحديث أبي معاوية، وقال ابن محرز عن ابن معين ليس ممن يكذب، وقيل له في حديث أبي معاوية هذا فقال: أخبرني ابن نمير قال: حدث به أبو معاوية قديماً، ثم كف عنه، وكان أبو الصلت موسراً يطلب هذه الأحاديث، ويكرم المشايخ فكانوا يحدثونه بها، وقال صالح بن محمد: رأيت ابن معين يحسن القول فيه، وقال زكريا الساجي يُحدث بمناكير، وهو عندهم ضعيف، قال النسائي: ليس بثقة، قال أبو حاتم: سألت أبي عنه فقال: لم يكن بصدوق وهو ضعيف، ولم يحدثني عنه، وضرب أبو زرعة على حديثه، قال: لا أحدث عنه ولا أرضاه، وقال الجوزجاني: كان مائلاً عن الحق، وقال ابن عدي: له أحاديث مناكير في فضل آل البيت وهو متهم فيها، وقال البرقاني عن الدارقطني: كان رافضياً خبيثاً، قال لي دعلج: إنه سمع أبا سعد الهروي قيل له: ما تقول في أبي الصلت؟ فقال: نعم ابن الهيضم ثقة، قال: إنما سألتك عن عبد السلام؟ فقال: نعيم ثقة، ولم يزد على هذا.

باب: في القدر

وقال أبو الحسن: روى حديث: "الإيمان إقرار بالقول" وهو متهم بوضعه، لم يحدث به إلا من سرقه منه، فهو الابتداء في هذا الحديث. وقال البرقاني: وحكى لنا أبو الحسن أنه سمعه يقول: كلب للعلوية خير من جميع بني أمية، فقيل: إن فيهم عثمان؟ فقال: فيهم عثمان. له في ابن ماجه حديث الإيمان المذكور حسب. قلت: وقال العقيلي: رافضي خبيث، وقال مسلمة عن العقيلي: كذاب، وقال ابن حبان: لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد، وقال الحاكم والنقاش وأبو نعيم: له مناكير، قال الحاكم: وثقه إمام أهل الحديث يحيى بن معين، وقال الآجري عن أبي داود كان ضابطاً، ورأيت ابن معين عنده، وقال محمد بن طاهر: كذاب، وسمعتم ما قيل فيه، وأن ابن معين يحسن الظن فيه، ومنهم من يضعفه، ومنهم من يرميه بالكذب، يعني بالتدرج، وما تقدر إلا أن تعرفوا التواريخ، تواريخ هذا الكلام، إذا عرفت هذا الكلام، وأنه متدرج بالفعل وإلا ما تجزم، يمكن صار ثقة فيما بعد. طالب:. . . . . . . . . لا لا ما دام يقول: كلب للعلوية خير من جميع بني أمية، هذا ما هو، هذا غالي في التشيع. طالب:. . . . . . . . . معروف، معروف عن هذه الفئة استعمال التقية، وهي شعارهم، والنفاق دثارهم، معروفون، على كل حال ما دام حكم أهل العلم والحديث لا أصل له، الحديث الذي رواه هنا لا أصل له. سم. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللسامعين، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً يا رب العالمين. قال الإمام الحافظ أبو عبد الله محمد بن يزيد القزويني، المعروف بابن ماجه -رحمه الله تعالى-: باب: في القدر

حدثنا علي بن محمد الرقي قال: حدثنا وكيع ومحمد بن فضيل وأبو معاوية ح وحدثنا علي بن ميمون الرقي قال: حدثنا أبو معاوية ومحمد بن عبيد عن الأعمش عن زيد بن وهب قال: قال عبد الله بن مسعود: حدثنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو الصادق المصدوق: ((أنه يجمع خلق أحدكم في بطن أمه أربعين يوماً، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يبعث الله إليه الملك، فيؤمر بأربع كلمات، فيقول: اكتب عمله، وأجله، ورزقه، وشقي أم سعيد؟ فو الذي نفسي بيده إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها)).

حدثنا علي بن محمد قال: حدثنا إسحاق بن سليمان قال: سمعت أبا سنان عن وهب بن خالد الحمصي عن ابن الديلمي قال: وقع في نفسي شيء من هذا القدر خشيت أن يفسد علي ديني وأمري، فأتيت أبي بن كعب فقلت: أبا المنذر إنه قد وقع في نفسي شيء من هذا القدر فخشيت على ديني وأمري، فحدثني من ذلك بشيء لعل الله أن ينفعني به؟ فقال: لو أن الله عذب أهل سماواته وأهل أرضه لعذبهم وهو غير ظالم لهم، ولو رحمهم لكانت رحمته خيراً لهم من أعمالهم، ولو كان لك مثل جبل أحد ذهباً، أو مثل جبل أحد تنفقه في سبيل الله ما قبل منك حتى تؤمن بالقدر، فتعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وأن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وأنك إن مت على غير هذا دخلت النار، ولا عليك أن تأتي أخي عبد الله بن مسعود فتسأله، فأتيت عبد الله فسألته فذكر مثل ما قال أبي، وقال لي: ولا عليك أن تأتي حذيفة، فأتيت حذيفة فسألته، فقال مثل ما قالا، وقال: ائت زيد بن ثابت فاسأله، فأتيت زيد بن ثابت فسألته فقال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((لو أن الله عذب أهل سماواته وأهل أرضه لعذبهم وهو غير ظالم لهم، ولو رحمهم لكانت رحمته خيراً لهم من أعمالهم، ولو كان لك مثل أحد ذهباً أو مثل جبل أحد ذهباً تنفقه في سبيل الله ما قبله منك حتى تؤمن بالقدر كله، فتعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك، وأنك إن مت على غير هذا دخلت النار)). حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال: حدثنا وكيع ح وحدثنا علي بن محمد قال: حدثنا أبو معاوية ووكيع عن الأعمش عن سعد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن السلمي عن علي قال: كنا جلوساً عند النبي -صلى الله عليه وسلم- وبيده عود فنكت في الأرض، ثم رفع رأسه فقال: ((ما منكم من أحد إلا وقد كُتب مقعده من الجنة، ومقعده من النار)) قيل: يا رسول الله أفلا نتكل؟ قال: ((لا، اعملوا ولا تتكلوا، فكل ميسر لما خلق له)) ثم قرأ: {فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} [(5 - 10) سورة الليل].

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعلي بن محمد الطنافسي قالا: حدثنا عبد الله بن إدريس عن ربيعة بن عثمان عن محمد بن يحيى بن حبان عن الأعرج عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، فإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان)). حدثنا هشام بن عمار ويعقوب بن حميد بن كاسب قالا حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار سمع طاوساً يقول: سمعت أبا هريرة يخبر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((احتج آدم وموسى فقال له موسى: يا آدم أنت أبونا خيبتنا وأخرجتنا من الجنة بذنبك، فقال له آدم: يا موسى اصطفاك الله بكلامه، وخط لك التوراة بيده، أتلومني على أمر قدره الله علي قبل أن يخلقني بأربعين سنة؟! فحج آدم موسى، فحج آدم موسى، فحج آدم موسى ثلاثاً)). حدثنا عبد الله بن عامر بن زرارة قال: حدثنا شريك عن منصور عن ربعي عن علي قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا يؤمن عبد حتى يؤمن بأربع: بالله وحده لا شريك له، وأني رسول الله، وبالبعث بعد الموت، والقدر)). حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعلي بن محمد قالا: حدثنا وكيع قال: حدثنا طلحة بن يحيى بن طلحة بن عبيد الله عن عمته عائشة بنت طلحة عن عائشة أم المؤمنين قالت: دُعي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى جنازة غلام من الأنصار، فقلت: يا رسول الله طوبى لهذا، عصفور من عصافير الجنة لم يعمل السوء ولم يدركه، قال: ((أو غير ذلك يا عائشة؟ إن الله خلق للجنة أهلاً خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم، وخلق للنار أهلاً خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم)).

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعلي بن محمد قالا: حدثنا وكيع قال: حدثنا سفيان الثوري عن زياد بن إسماعيل المخزومي عن محمد بن عباد بن جعفر عن أبي هريرة قال: "جاء مشركو قريش يخاصمون النبي -صلى الله عليه وسلم- في القدر، فنزلت هذه الآية: {يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ * إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [(48 - 49) سورة القمر]. حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا مالك بن إسماعيل قال: حدثنا يحيى بن عثمان مولى أبي بكر قال: حدثنا يحيى بن عبد الله بن أبي مليكة عن أبيه أنه دخل على عائشة فذكر لها شيئاً من القدر، فقالت: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((من تكلم في شيء من القدر سئل عنه يوم القيامة، ومن لم يتكلم فيه لم يسأل عنه)) قال أبو الحسن القطان: حدثناه خازم بن يحيى قال: حدثنا عبد الملك بن سنان قال: حدثنا يحيى بن عثمان فذكر نحوه. حدثنا علي بن محمد قال: حدثنا أبو معاوية قال: حدثنا داود بن أبي هند عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على أصحابه وهم يختصمون في القدر، فكأنما يفقأ في وجهه حب الرمان من الغضب، فقال: ((بهذا أمرتم)) أو ((لهذا خلقتم، تضربون القرآن بعضه ببعض، بهذا هلكت الأمم قبلكم)) قال: فقال عبد الله بن عمرو: "ما غبطت نفسي بمجلس تخلفت فيه عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما غبطت نفسي بذلك المجلس وتخلفي عنه". حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعلي بن محمد قالا: حدثنا وكيع قال: حدثنا يحيى بن أبي حية أبو جناب الكلبي عن أبيه عن ابن عمر قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا عدوى ولا طيرة ولا هامة)) فقام إليه رجل أعرابي فقال: يا رسول الله أرأيت البعير يكون به الجرب فيجرب الإبل كلها؟ قال: ((ذلكم القدر، فمن أجرب الأول؟ )).

حدثنا علي بن محمد حدثنا يحيى بن عيسى الجرار عن عبد الأعلى بن أبي المساور عن الشعبي قال: لما قدم عدي ابن حاتم الكوفة أتيناه في نفر من فقهاء أهل الكوفة، فقلنا له: حدثنا ما سمعت من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ فقال: أتيت النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((يا عدي بن حاتم أسلم تسلم)) قلت: وما الإسلام؟ قال: ((تشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، وتؤمن بالأقدار كلها خيرها وشرها، وحلوها ومرها)). حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير قال: حدثنا أسباط بن محمد قال: حدثنا الأعمش عن يزيد الرقاشي عن غنيم بن قيس عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((مثل القلب مثل الريشة تقلبها الرياح بفلاة)). حدثنا علي بن محمد قال: حدثنا خالي يعلى عن الأعمش عن سالم بن أبي الجعد عن جابر قال: جاء رجل من الأنصار إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله إن لي جارية أعزل عنها؟ قال: ((سيأتيها ما قدر لها)) فأتاه بعد ذلك فقال: قد حملت الجارية، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((ما قدر لنفس شيء إلا هي كائنة)). حدثنا علي بن محمد قال: حدثنا وكيع عن سفيان عن عبد الله بن عيسى عن عبد الله بن أبي الجعد عن ثوبان قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا يزيد في العمر إلا البر، ولا يرد القدر إلا الدعاء، وإن الرجل ليحرم الرزق بخطيئة يعملها)). حدثنا هشام بن عمار، قال: حدثنا عطاء بن مسلم الخفاف قال: حدثنا الأعمش عن مجاهد عن سراقة بن جعشم قال: قلت: يا رسول الله العمل فيما جف به القلم، وجرت به المقادير، أم في أمر مستقبل؟ قال: ((بل فيما جف به القلم، وجرت به المقادير، وكل ميسر لما خلق له)). حدثنا محمد بن المصفى الحمصي قال: حدثنا بقية بن الوليد عن الأوزاعي عن ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن مجوس هذه الأمة المكذبون بأقدار الله، إن مرضوا فلا تعودوهم، وإن ماتوا فلا تشهدوهم، وإن لقيتموهم فلا تسلموا عليهم)). الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: باب: في القدر القدر السابق الذي كتب قبل أن تخلق السماوات والأرض على كل شيء، وبكل شيء، ثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: ((أول ما خلق الله القلم فقال له: اكتب، قال: وما أكتب؟ قال: اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة، وكان عرشه على الماء)). فهذا القدر السابق وهو ما قدره الله -جل وعلا- علمه وقدره وكتبه وأوجده قبل أن يخلق السماوات والأرض، ولذا يرى جمع من أهل العلم أن القلم الذي كتبت به المقادير هو أول المخلوقات اعتماداً على هذا الحديث: ((أول ما خلق الله القلم فقال له: اكتب)) ومنهم من يرى أن العرش قبل القلم، وأن الأولية المذكورة مقيدة بالكتابة وليست مطلقة، ولذا يقول ابن القيم -رحمه الله تعالى-: والناس مختلفون في القلم الذي ... كتب القضاء به من الديانِ هل كان قبل العرش أو هو بعده؟ ... قولان عند أبي العلاء الهمذاني والحق أن العرش قبل لأنه ... وقت الكتابة كان ذا أركانِ لأنه يقول: {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاء} [(7) سورة هود] يعني موجود، وهذا هو الراجح عند أهل العلم، لكن الكتابة قبل خلق السماوات والأرض، وقبل إيجاد المخلوقات عدا العرش.

قال -رحمه الله-: "حدثنا علي بن محمد قال: حدثنا وكيع ومحمد بن فضيل وأبو معاوية ح وحدثنا علي بن ميمون الرقي قال: حدثنا أبو معاوية ومحمد بن عبيد عن الأعمش" يعني كل هؤلاء عن الأعمش، وكيع ومحمد بن فضيل وأبو معاوية ومحمد بن عبيد كلهم يروون "عن الأعمش عن زيد بن وهب قال: قال عبد الله بن مسعود" الصحابي الجليل أبو عبد الرحمن بن أم عبد "قال: حدثنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو الصادق المصدوق" صادق في نفسه، مصدق من قبل ربه، ومن أتباعه إلى يوم القيامة: إنه أو أنه حدثنا أنه المحدث به ((أنه يجمع خلق أحدكم في بطن أمه أربعين يوماً)) يعني إذا كانت الثانية علقة، والثالثة مضغة، فالأولى نطفة ((يجمع خلق أحدكم في بطن أمه أربعين يوماً، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك)) العلقة مثل الدودة التي تكون في الماء، أو في المزارع أو غيرها، ثم يكون مضغة، يعني يكبر بحيث يكون بقدر ما يمضغ من الطعام مثل ذلك، فهذه الأطوار الثلاثة أربعين، ثم أربعين، ثم أربعين، تساوي مائة وعشرين، يعني أربعة أشهر، وبعد ذلك يخرج عن دائرة الغيب، فيطلع عليه الملك، يرسل إليه الملك، وقبل ذلك في المائة والعشرين التي هي مرحلة الغيض {وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ} [(8) سورة الرعد] في هذه المدة لا يمكن أن يطلع عليه مخلوق، فمعرفة ما في الأرحام خاصة بالله -جل وعلا-: {إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ} [(34) سورة لقمان] فلا يعلم، هذه من الخمس الغيبيات لا يعلمها إلا الله، فإذا خرج عن دائرة الغيب بإرسال الملك إليه فإنه بالإمكان أن يطلع عليه غيره من البشر، لا سيما بالآلات الدقيقة كالأطباء، أما قبل ذلك فهو غيب. ((ثم يبعث الله إليه الملك فيؤمر بأربع كلمات: فيقول: اكتب عمله وأجله ورزقه وشقي أم سعيد؟ )) اكتب عمله، هذه هي الكتابة الخاصة في هذا المكان، وإن كان مكتوب عليه في القضاء السابق في اللوح المحفوظ ((اكتب عمله وأجله)) متى يموت ((ورزقه)) فلن يموت حتى يستكمل هذا الرزق ((وشقي أم سعيد؟ )) يعني النتيجة النهائية هل هو من فريق الجنة أو من فريق السعير؟

((فو الذي نفسي بيده)) وذكرنا أن النبي -عليه الصلاة والسلام- كثيراً ما يقسم بهذا، والذي نفسي بيده، وفيه إثبات اليد لله -جل وعلا- على ما يليق بجلاله وعظمته، وإن قال كثير من الشراح: روحي في تصرفه، وذكرنا هذا فيما تقدم، فإن كان فراراً من إثبات الصفة فهو مردود على قائله، وإن كان ممن يثبت اليد لله -جل وعلا- على ما يليق بجلاله وعظمته فلا روح إلا في تصرف الله -جل وعلا-. ((فو الذي نفسي بيده إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها)) وهذه الجملة من الحديث أقلقت خيار الأمة، وأقضت مضاجعهم، ملاحظين العاقبة، وما يختم به، ((وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة)) قد يعمل بعمل أهل الجنة سبعين سنة ثم يسبق عليه الكتاب الذي أمر به الملك بكونه شقياً فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، في بعض الأحاديث جاء القيد، في حديث أبي موسى وغيره جاء القيد: ((وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس)) يعني في الظاهر عمله عمل الجنة؛ لكنه في الباطن غير مخلص لله -جل وعلا-، وفي قلبه شك وريب ((ثم يسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها)) على أن عامة أهل العلم لم يحملوا المطلق على المقيد؛ لأنه لو حملوا المطلق على المقيد لأدى ذلك إلى شيء من الأمن من سوء العاقبة، لكن حالهم يدل على خلاف ذلك، فكل منهم يخاف سوء العاقبة مع إخلاصهم، وصدقهم مع الله -جل وعلا-، وهكذا ينبغي أن يكون المسلم خصوصاً طالب العلم الذي يعرف مثل هذه الأمور، ويعرف عن السلف ما يعرف، وما يؤمنه أنه يزل بكلمة أو بسوء رأي، أو ما أشبه ذلك يَضل به ويُضل ((وإن الرجل ليتكلم بالكلمة ما يلقي لها بالاً تكون من سخط الله يهوي بها في النار سبعين خريفاً)) نسأل الله العافية، فعلى الإنسان أن يحاسب نفسه، وألا يتكلم إلا بشيء ينفعه، وألا يكتب إلا شيئاً ينفعه ويسره أن يلقاه. فلا تكتب بكفك غير شيء ... يسرك في القيامة أن تراه أما ما يضرك فهذا لا تكتبه، وإذا كان مستوي الطرفين لا تدري هل ينفع أو يضر؟ فاتركه، واحتط لنفسك، وكذلك الكلام لا تتكلم إلا بشيء تحسب حسابه.

((حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع)) يعني شيء يسير من العمر، والأعمال بالخواتيم ((فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها)). نعم وجد من يزوال المعاصي، ووجد من هو مشرك طول عمره، ثم يختم له بخير فيسلم، وهذا قد أراد الله به خيراً، أو يكون مسرفاً على نفسه ثم يتوب ويتوب الله عليه، ثم في آخر عمره يعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها، فعلى الإنسان ألا يأمن من مكر الله، كما أن عليه ألا يقنط وييأس من روح الله، فعليه أن يكون خائفاً راجياً. قال -رحمه الله-: "حدثنا علي بن محمد قال: حدثنا إسحاق بن سليمان قال: سمعت أبا سنان عن وهب بن خالد الحمصي عن ابن الديلمي قال: وقع في نفسي شيء من هذا القدر خشيت أن يفسد علي ديني وأمري" وأكثر الشبهات التي ترد على القلوب من هذا الباب، يعني من باب القدر؛ لأنه سر لا يمكن أن يطلع عليه، فعلى الإنسان من أول الأمر أن يسلم، يرضى ويسلم، فلا يناقش، ولا يبحث، ولا يسأل. وقع في نفسي شيء من هذا القدر فخشيت على ديني وأمري، قال: وقع في نفسي شيء من هذا القدر خشيت أن يفسد علي ديني وأمري، فأتيت أبي بن كعب فقلت: يا أبا المنذر إنه قد وقع في نفسي شيء من هذا القدر فخشيت على ديني وأمري فحدثني من ذلك بشيء لعل الله أن ينفعني به؟ يعني يكشف ما وقر في قلبي.

"فقال: لو أن الله عذب أهل سماواته وأهل أرضه لعذبهم وهو غير ظالم لهم، ولو رحمهم لكانت رحمته خيراً لهم من أعمالهم" لأن أهل الجبر لهم رأي، ونفاة القدر لهم رأي، فأهل الجبر الذين يقولون: إن الإنسان مجبور على تصرفاته معناه أنه جبرهم على شيء ثم عذبهم عليه فهو ظالم لهم، ألزمهم بأن يعملوا ما يعملون، أجبرهم على هذا العمل من شرك أو نفاق، أو عصيان، أو فسوق، ثم حاسبهم عليها، فهو ظالم لهم من هذه الحيثية، وإن كان الكل ملكه، فهو أجبرهم على هذا وباعتبارهم ملكه يرتفع عنه الوصف من هذه الحيثية، وإلا ليس لهم أي إرادة ولا اختيار ولا مشيئة، وكلامهم هذا لا شك أنه وإن نفوه بألسنتهم، نفوا الظلم إلا أن مقتضاه إثبات الظلم حينما يكون الإنسان مجبور على شيء ثم إذا فعله عذب عليه هذا ظلم، لكن هم يتنصلون من هذا بأنهم يقولون: ملكه، ولو عذبهم ولو عذب الله -جل وعلا- أطوع الناس وأعبد الناس صار غير ظالماً له، لكن مقتضى قولهم إن الله يظلم؛ لأنه أجبره ثم حكم عليه. ألقاه في اليم مكتوفاً وقال له: ... إياك إياك أن تبتل بالماءِ هذه حجتهم، وبالمقابل نفاة القدر، يقولون: لا قدر سابق، الأمر أنف، الله -جل وعلا- لا يعلم بشيء إلا إذا وقع، والعباد يخلقون أفعالهم، ويتصرفون التصرف الكامل بأنفسهم، ولذا يحاسبهم عليها، أما لو تصرفوا بشيء كتبه الله عليهم فإنه لا يحاسبهم على شيء كتبه الله عليهم، وقد ضلت الطائفتان ضلالاً مبيناً بعيداً، والخير كل الخير في التوسط، وهو مذهب أهل السنة والجماعة، فيرون أن المخلوق له إرادة وله مشيئة، يعني إذا أراد أن ينهض إلى المسجد ليصلي هل يوجد ما يمنعه؟ لا يستطيع أن يقوم على رجليه ويخطو خطوات إلى المسجد في شيء يمنع؟ نعم ما في ما يمنع، فجعل له إرادة وله قدرة واستطاعة، وبين له الطريق {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} [(10) سورة البلد] بين له طريق الحق وطريق الضلال، ثم إذا اختار أحدهما هو الذي اختار هذا وعليه التبعة، فالمخلوق له مشيئة وله إرادة وله قدرة واستطاعة، لكن هذه المشيئة وهذه الإرادة غير مستقلة، بل هي تابعة لإرادة الله ومشيئته وقضائه وقدره، ولن يخرج عن هذا.

"ولو رحمهم لكانت رحمته خير لهم من أعمالهم" وفي الحديث الصحيح: ((لن يدخل أحدكم الجنة بعمله)) يعني لو حوسب على النعم التي أولاه الله إياها في مقابل أعماله الصالحة ما بقي له شيء؛ لأنه مأمور بالشكر على كل هذه النعم، ثم إذا حوسب ووضع السمع البصر العقل جميع النعم التي لا تعد ولا تحصى لو وضعت نعمة من هذه النعم في مقابل أعماله لرجحت بها، وذكرنا في درس مضى أن الإنسان لو أن الأصبع الصغير الخنصر ضل واقفاً لا ينثني تعب منه تعباً شديداً، ما في ألم، لكنه لا ينثني تعب منه تعباً شديداً، ترى ليس بالأمر السهل أن يستمر الإصبع واقف هكذا، فضلاً عن اليد كلها أو الرجل، يتأذى بها، فكل مفصل من المفاصل نعمة من نعم الله تعالى تحتاج إلى شكر في كل يوم، في كل صباح، تحتاج إلى صدقة عن كل مفصل، وعدة هذه المفاصل ثلاثمائة وستون مفصل. {وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللهِ لاَ تُحْصُوهَا} [(18) سورة النحل] ثم خفف عنكم عن هذه الصدقات الثلاثمائة وستين، ويكفي من ذلك ركعتان تركعهما من الضحى، إذا ركعت ركعتين خلاص إضافة إلى أنك لو قلت: لا إله إلا الله، وحده لا شريك له مائة مرة، وسبحت مائة مرة، وهللت مائة مرة انتهى، والله المستعان. "ولو رحمهم لكانت رحمته خير لهم من أعمالهم" ((ولن يدخل الجنة أحد بعمله، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته)) رحمة الله -جل وعلا- التي وسعت كل شيء، ولو علم الناس ما في رحمة الله من السعة ما قنط من رحمته ولا الكافر، لكن مع ذلك الله -جل وعلا- حرم الجنة على من يشرك به، والله -جل وعلا- لا يغفر لمن يشرك به، فلا نصيب لهم من الجنة، كما أنه حرم النار على من مات وهو لا يشرك بالله شيئاً.

"ولو كان لك مثل جبل أحد ذهباً، أو مثل جبل أحد تنفقه في سبيل الله ما قبل منك حتى تؤمن بالقدر" لأن الإيمان بالقدر ركن من أركان الإيمان، لا يصح إلا به "فتعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وأن ما أخطأك لم يكن ليصيبك" تجزم يقيناً أن ما أصابك من نوائب الدهر لم يكن ليخطئك؛ لأنه مكتوب عليك ومقدر فلا مفر "وأن ما أخطأك لم يكن ليصيبك" يعني لو أنت ماشٍ في الطريق، ثم وقع شيء من سطح عليك فكسر منك عضو، يعني هل ينفعك لو أنك أسرعت الخطى؟ تقول: لو أني أسرعت وتعديت هذا قبل أن يسقط؟ هذا اجزم جزماً يقيناً أن هذا مكتوب عليك ولن يخطئك، وبالمقابل لو أنك تعديته أو سقط قبل أن تصل إليه هذا أخطأك لم يكن ليصيبك، لو اجتمع الناس كلهم على أن يلقوه عليك لن يصل إليك، ولو أن الخلائق كلهم اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يكتبه الله عليك فلن يضروك، قد يقول قائل: إذا كان الأمر كذلك ففيما العمل، يعني ماذا نبذل من الأسباب، وكل شيء مقدر كما سأل الصحابة النبي -عليه الصلاة والسلام- على ما سيأتي ((اعملوا فكل ميسر لما خلق له)) الإنسان مطالب ببذل الأسباب، والعمل الصالح سبب. "وأن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وأنك إن مت على غير هذا دخلت النار" يعني مت على غير اعتقاد أن الله -جل وعلا- قدر عليك هذا الأمر دخلت النار؛ لأن الإيمان بالقدر ركن من أركان الإيمان.

"ولا عليك أن تأتي أخي عبد الله بن مسعود فتسأله" يعني اسأل تأكد "فتسأله، فأتيت عبد الله فسألته فذكر مثل ما قال أبي، وقال لي: ولا عليك أن تأتي حذيفة، فأتيت حذيفة فسألته فقال مثل ما قالا" هذا النصح يأمره بأن يذهب إلى غيره ليتأكد، ويوجد من طلاب العلم إذا أفتى أو أجاب السائل لو قال له السائل: هل أذهب إلى أحد أتأكد؟ لكان غضب غضباً شديداً، يعني أنت ما تثق، أو لو سمى له أحد قال: وما يدري فلان، وما يدريه، هذا موجود، وشخص معدود من كبار أهل الحديث من جهة المغرب، جيء به وعُرف به فلان الفاعل التارك العلامة المحدث ولا يضاهيه في الحديث إلا فلان، فقال: فلان لا يعرف الحديث، يعني أنا حضرت هذا الكلام، فلان لا يعرف الحديث، ويش يعني؟ يعني هل يتصور أن مثل هذا إذا سئل قال: اذهب اسأل فلان؟ وفي كلام طويل كله من هذا النوع، المقصود أن على الإنسان أن ينصح، وعلى العالم أن يدل طلابه على خير ما يعلمه لهم، فإذا جاء طالب كما قالوا في أدب العالم والمتعلم ليقرأ عليك كتاباً، وأنت تعرف أن فلاناً من أهل العلم يُتقن شرح هذا الكتاب أكثر منك، تدله عليه، هذا من النصيحة، إذا قال: أقرأ عليك في كتاب كذا، تقول: والله فلان أعرف مني بهذا الكتاب اذهب إليه، ولا تقول مثل هذا من أجل أن ترتاح؛ لأن بعض الناس قد يدل على غيره؛ لأنه لا يريد أن يكلف نفسه بالجلوس للطلاب والشرح لهم، يعني هذا من غير هذا الباب، لكن هذا جالس جالس للناس وإذا جاءه أحد أو مثلاً قيل: نريدك تشرح لنا كتاب كذا في العقيدة مثلاً، فتدل على شخص أكثر منك فهماً في العقيدة، تقول: اذهب إلى فلان، أو مثلاً في علوم الحديث أو في أصول الفقه أو في غيرها من العلوم تنصح لهذا الطالب أن يذهب إلى فلان؛ لأنه له خبرة بهذا الكتاب، هذا مقتضى النصيحة، وهؤلاء الصحابة كل واحد يدل على الثاني، اذهب إلى فلان، والشخص الذي أشرنا إليه لما مدح فلان، قال: فلان لا يعرف الحديث؛ ليتفرد بالمعرفة، وهذا لا شك أن فيه خدش وقدح في الإخلاص.

"فأتيت عبد الله فسألته فذكر مثل ما قال أبي، وقال لي: ولا عليك أن تأتي حذيفة، فأتيت حذيفة فسألته، فقال لي مثل ما قالا" وهذا يدل على أن الصحابة وخيار الأمة يتفقون في مسائل الاعتقاد، وأنها لا خلاف بينهم فيها، وأن المسائل التي اتفقوا عليها لا خيار لأحد فيها، ولا يسع الخلاف في مثلها، أما ما اختلفوا فيه، فللمتأهل أن ينظر بين أقوالهم وأدلتهم، ويرجح ما يعتقده، ويدين الله برجحانه.

"وقال: ائت زيد بن ثابت فاسأله فأتيت زيد بن ثابت فسألته فقال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((لو أن الله عذب أهل سماواته وأهل أرضه لعذبهم وهو غير ظالم لهم)) " يعني كما قالوا: "ولو رحمهم لكانت رحمته خيراً لهم من أعمالهم، ولو كان لك مثل أحد ذهباً، أو مثل جبل أحد ذهباً تنفقه في سبيل الله ما قبله منك حتى تؤمن بالقدر كله" يعني نفس الكلام الموقوف الذي قاله أبي بحروفه، رواه زيد بن ثابت مرفوع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، واتفقوا عليه، فمنهم من رفعه، ومنهم من وقفه، والذي يغلب على الظن أنهم كلهم سمعوه من النبي -عليه الصلاة والسلام-، لكن الصحابي قد ينشط فيرفع الخبر، وقد يفتي به بمقتضاه، ولو لم يضفه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- ولو لم يضفه، لو قال شخص: أنا صليت العشاء خلف إمام يصلي المغرب بناءً على أنني قد صليت المغرب سابقاً، فإذا أنا ما صليت، ووقت العشاء ما بعد دخل، هذا يحصل، بعض الناس يغفل يستطيل الوقت نعم، ثم إذا أقيمت الصلاة، أو ينسى أنه صلى المغرب ينسى، صلى المغرب وجلس في المسجد، ونسي أنه صلى المغرب ثم أقيم لصلاة العشاء فصلاها خلف الإمام لما قام الإمام إلى الرابعة جلس، يظن أنها المغرب، وهو مع طول الوقت ومكثه في المسجد نسي أنه صلى المغرب وظنها صلاة المغرب، ثم سأل قال: أنا والله صليت خلف الإمام وجلست على أنها المغرب فتبين أنها العشاء، فلما أراد أن يسلم أو سلم تذكرت أنهم مصلين المغرب ولا .. ، يقول له المفتي: إنما الأعمال بالنيات، هل يلزم أن يقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إنما الأعمال بالنيات))؟ قد يقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إنما الأعمال بالنيات)) لكن قد يقولها من غير تصريح بالرفع، ويظن بهؤلاء الصحابة أنهم سمعوا مثل هذا الكلام؛ لأنهم قالوه بحروفه، لكنهم ما نشطوا لرفعه، ولا يضيرهم هذا أنهم وقفوه ولا يقدح فيهم، ولا في كلامهم، وإنما رفعه زيد بن ثابت إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، فهو ثابت مرفوعاً وموقوفاً، والموقوف لا يعارض المرفوع.

((فتعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك، وأنك إن مت على غير هذا دخلت النار)) يعني مثل ما ذكرنا أن الإيمان بالقدر ركن من أركان الإيمان. قال -رحمه الله-: "حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال: حدثنا وكيع ح وحدثنا علي بن محمد قال: حدثنا أبو معاوية ووكيع عن الأعمش عن سعد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن السلمي عن علي قال: كنا جلوساً عند النبي -صلى الله عليه وسلم- وبيده عود فنكت في الأرض" يعني من باب العبث اليسير، وهذا يحصل، حصل من النبي -عليه الصلاة والسلام- في أكثر من مناسبة، ينكت بالعود في الأرض، نعم من باب العبث اليسير الذي تحتمله الشريعة، يعني الشيء اليسير لا بأس به، كأن يعبث بعود، أو يعبث بقلمه، أو يعبث بخاتمه، أو ما أشبه ذلك، أو بشماغه وجد هذا، يعني على كل هذا لا يؤثر لأنه يسير، أما العبث الذي يلهي عما أمر الله به، هذا لا يجوز في الشرع. "ثم رفع رأسه فقال: ((ما منكم من أحد)) " يعني هل هذا عبث محمود وإلا مذموم أو مباح؟ يعني هل يسن للإنسان أن يأتي بعود وينكت به في الأرض؟ نعم؟ مباح، هذا مباح؛ ولكون العبث خصه العرف بالمذموم فلذا قد يستنكر إضافة مثل هذا إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، بناءً على العرف، وإلا مثل هذا إذا قيل: مباح فلا ذم فيه. "ثم رفع رأسه فقال: ((ما منكم من أحد إلا وقد كتب مقعده من الجنة، ومقعده من النار)) " يعني هل كتب له مقعد هنا ومقعد هنا؟ أو تكون الواو هذه بمعنى (أو)؟ فإن كان من أهل الجنة فمقعده مكتوب في الجنة، وإن كان من أهل النار فمقعده مكتوب في النار، يعني ما له إلا مقعد واحد، أو له مقعد في الجنة ومقعد في النار؟ الدليل يدل على أن له مقعدين، مقعد في الجنة لو أطاع، ومقعد في النار لو عصى، ولذا إذا سُل في القبر وأجاب فتح له باب إلى النار، ويقال: انظر إلى مقعدك لو كنت على غير هذا؛ ليزداد بذلك سروره، والعكس يعني المنافق أو المرتاب إذا لم يستطع الإجابة وقال: ها ها، كنت أسمع الناس يقولون شيئاً فقلته يفتح له مقعده من الجنة أن لو كان مطيعاً، فيزداد بذلك حسرته، ولذا الواو هنا للجمع.

"قيل: يا رسول الله أفلا نتكل؟ قال: ((لا، اعملوا ولا تتكلوا)) " يعني ما الفائدة من إيجاب الواجبات وتحريم المحرمات؟ إلا من أجل أن يعمل بهذه الواجبات، وأن تتقى تلك المحرمات "أفلا نتكل؟ قال: ((لا، اعملوا، ولا تتكلوا، فكل ميسر لما خلق له)) " يعني أما أهل السعادة فييسرون لها، وأما أهل الشقاوة فييسرون لها "ثم قرأ: {فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى} [(5 - 7) سورة الليل] " يعني هذا التيسير سببه ما يبذله العبد من طاعة الله -جل وعلا-؛ لأنه قال: {فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ} [(5 - 7) سورة الليل] لأن هذا بسببه، بسبب عمله {وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} [(10) سورة الليل] الأول ييسر لليسرى التي هي الجنة، والثاني ييسر للعسرى التي هي النار، وبعض شراح الحديث وهم يتحدثون عن الجمعة وأهميتها، وعظم شأنها، وأن من ترك الجمعة ثلاث مرات طبع على قلبه، قال: ولا شك أن ترك الجمعة من باب تيسير العسرى، كيف تيسير العسرى؟ ننظر في هذه الآية: {وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} [(10) سورة الليل].

ثم قال -رحمه الله-: "حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعلي بن محمد الطنافسي قالا: حدثنا عبد الله بن إدريس عن ربيعة بن عثمان عن محمد بن يحيى بن حبان عن الأعرج عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف)) " القوة والضعف في أي شيء هنا؟ نعم؟ في الإيمان؛ لأنه قال: ((المؤمن)) فالإيمان وصف مؤثر، ما قال الرجل القوي خير وأحب إلى الله من الرجل الضعيف، لا، قال: ((المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف)) فالمدار على الإيمان، المدار على قوة الإيمان وضعف الإيمان، وكم من شخص ضعيف البدن قوي الإيمان يعدل ملئ الأرض من شخص قوي البدن ضعيف الإيمان، والذي يتعامل مع الله -جل وعلا- هو القلب لا البدن، الذي يتعامل مع الله -جل وعلا- هو القلب، ولذا تجد الشخص ضعيف البنية، كثير الأمراض، كبير السن، وعنده قدرة واستطاعة على أن يقف في الصف خلف الإمام أو بمفرده ساعة، وتجد العكس، قوي البدن فتي في العشرينات من عمره، وبنيته قوية، لو كلف حمل صخرة لحملها، ثم إذا صلى خلف الإمام خمس دقائق يكاد أن يغمى عليه لا يثبت، فالذي يتعامل مع الله -جل وعلا- هو القلب، وذكر أن شخص منذ عشرين عاماً يصلي جالساً، وجاءت العرضة يوم العيد، وقالوا: إنه ساعتين ما جلس يعرض مع الناس، فسئل يا فلان عشرين سنة تصلي جالس، قال: والله إن كنتم تدرون ما الذي حملني فأنا أدري، ما يدري ويش اللي شاله على رجليه؟ فالذي يتعامل مع الله -جل وعلا- هو القلب، وعرفنا بعض كبار السن ممن توفي -رحمه الله وعفا الله عنا وعنه- لا يأتي إلى المسجد لأنه مريض وهو بالفعل مريض، ثم إذا صار منتصف الليل وأكل وجبة العشاء خرج يجوب الشوارع يتمشى، طيب المسجد؟ المسجد معذور لأنه مريض، هذا حاصل، وأدركت، وهذه قصة -كررتها يمكن الإخوان ملوها- شخص جاز المائة ويصلي واقف خلف شخص يقرأ جزء في الركعة، وغضب على الإمام لما ركع في يوم من الأيام ما كمل الجزء؛ لأن الوقت ضاق عليهم قليلاً في صلاة التهجد، وغضب عليه غضباً شديداً، والشباب ما عندهم استعداد يجلسون، أنا أشوف بعض المساجد تمتلئ في رمضان؛ لماذا؟ لأن صلاة الفرض مع التراويح لا

تصل إلى نصف ساعة، يمتلئ من الناس، ومع ذلك .. ، يعني من أجل إيش؟ هذا النصف الساعة، أنا أعرف ناس يضربون مشوار ساعة رايحين وساعة جايين على شان نصف ساعة، والمسجد الذي بجواره ما يكمل ساعة في الصلاة، يعني ما هو بحفاظ على الوقت، يقال: والله إن عندنا مواعيد، وعندنا ارتباطات، وعندنا تجارات، لا، يعني عنده استعداد يضرب ساعة رايح، وساعة مشوار جاي على شان يصلي نصف ساعة وأقل من نصف ساعة، والمسجد الذي بجواره ما يحتاج إلى لا ساعة رايح ولا جاي ساعة، لكن يصلي أكثر من ذلك، يمكن يصلي ساعة إلا ربع صلاة الفرض والتراويح، فما عنده استعداد يصلي هنا، فعلى الإنسان أن ينتبه لمثل هذا، يعني إذا كان يتضايق من طول الصلاة، وما هنا طول يعني الطول الله المستعان، ما في طول، الرسول -عليه الصلاة والسلام- قال: ((أيكم يؤم الناس فليخفف، فإن فيهم المريض والكبير وذا الحاجة)) هذا الطول الذي قال النبي عليه الصلاة والسلام: ((فليخفف)) قرأ النبي -عليه الصلاة والسلام- بقاف واقتربت وقرأ بالذاريات، قرأ بالصافات، قرأ بآلم السجدة وسورة الإنسان، يعني هذا لو يقرأ به في زماننا يمكن يتعذر بعض الشباب أنه هذا عذر في ترك الجماعة، فعلى الإنسان أن يهتم لهذا الأمر، ويعرف أن القوة إنما هي قوة القلب، ولذا قال: ((المؤمن)) ما قال: الرجل القوي؛ لئلا يتذرع بهذا من يرتكب بعض المحظورات من أجل اللياقة، ومن أجل قوة البدن، قوة البدن يستعملها في إيش؟ يعني يعد العدة إذا دعا داعي الجهاد ويستحضر مثل هذا؟ هؤلاء الذين يتمرنون ويذهبون إلى الأماكن التي فيها بعض التمارين التي تفيدهم في قوة أجسامهم، هل ينوون بذلك الاستعداد لمواجهة عدو؟ الله المستعان، ولن يواجه العدو إلا أصحاب المحاريب، شاءوا أم أبوا، فهم أهل الجهاد وهم .. ، بدءاً من الصحابة إلى من بعدهم من خيار الأمة، أما هؤلاء يعدون العدة للفرار، معروف، والله المستعان؛ لأن المدار كله على القلب، ابن مسعود ويش يزن؟ وزن ابن مسعود ترى ما يجي عشرين كيلو، الساق عنده مثل القلم، وضحك الناس لما طلع الشجرة، لكنها عند الله -جل وعلا- أثقل من إيش؟ في الميزان من جبل أحد، ويؤتى بالرجل السمين يوم القيامة فلا يزن عند

الله جناح بعوضة، فالعبرة بما ينفع في الآخرة.

قال: ((وفي كل خير)) ما دام كلهم مؤمنون في كل خير، ما دام وصف الإيمان متحقق ففي كل خير، لكن القوي خير وأحب إلى الله من الضعيف ((احرص على ما ينفعك)) يعني لا تضع عمرك سدى، لا نفع في الدنيا ولا في الآخرة ((احرص على ما ينفعك)) وليكن همك الآخرة، ومع ذلك لا تنس نصيبك من الدنيا، ((احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز)) يعني كن رجلاً حازماً مؤدياً للحقوق، سواءً كانت حقوق الرب -جل وعلا-، أو حقوق الخلق، فاحرص عليها، وأعط كل ذي حق حقه، ولا تعجز، فيقال لك: للذهاب إلى مكان فيه رحم تصله، تقول: والله اليوم أنا تعبان، دعوه غداً، وإذا جاء الغد قلت: بعد غد وهكذا، هذا العجز، لكن بادر ((ولا تعجز، فإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل)) يعني لو أنت خرجت لأمر ينفعك في دينك أو في دنياك، ثم حصل لك ما حصل، حصل حادث في السيارة، تقول: لو أنا ما طلعت كان أفضل، لو أنا ما طلعت اليوم بلا هذا المصلحة المرتبة على هذا المشوار، لو أني ما طلعت ما حصل هذا المشوار، ما كتب لك، أو كتب عليك لن يخطئك، ولذا لما قالوا: فلان صعد جدار وسقط ومات، قال السامع: ما نصعد جدار، نعم قالوا: فلان استقى من بئر فسقط فيها فمات، قال: ما نروح لبئر، سهلة هذه، قالوا: فلان على فراشه مات، قال: هذه المشكلة هذه، ما في مفر عن القدر، يعني المكتوب يصير رقيت جدار وإلا سقطت في بئر وإلا على فراشك، صحيح ما .. ، الحديث: ((فإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كذا وكذا)) تقول يوم من الأيام: ليت الولد ما نام على شان ما يموت، وإلا عاد ما هو بقايل هذا، إذا راح ما بعد .. ، نعم ما يمكن تقول هذا ((ما أصابك لم يكن ليخطئك)) ((ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل)) وبعض الناس عند المصائب تجده يجزع جزعاً شديداً، وهذا جربناه علينا وعلى غيرنا، وفي الكلام النظري من أحسن ما يقال تسمع، لكن إذا جاء العملي جاء الامتحان صفر، هذا شيء مر علينا ومر على غيرنا، يعني لما يموت جار، أو يموت بعيد، تأتي إليهم وتعزيهم وتصبرهم، لكن خلي المصيبة تصير بك أو بولدك، يعني الإنسان في الكلام النظري يجيد، لكن الإشكال في العمل والتطبيق، فكثير من الناس على

هذه الحال، والله المستعان. ((ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان)) وجاء النهي عن (لو) يقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وقبله البخاري ترجموا في باب ما جاء في (لو) وأوردوا الأحاديث التي تنهى عنها، مع أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدي؛ ولجعلتها عمرة)) في قصص كثيرة يعني يأسف ((ولو استقبلت من أمري ما استدبرت ما دخلت الكعبة)) يأسف على شيء يفعله -عليه الصلاة والسلام-، فالأسف على أمر الدين لا شيء فيه، الإشكال أن يعترض على القدر، ويأسف على أمر من أمور الدنيا يفوته لأنه لم يقدر له. ثم قال -رحمه الله-: "حدثنا هشام بن عمار ويعقوب بن حميد بن كاسب" نعم؟ طالب:. . . . . . . . . نعم المؤمن القوي والضعيف ما دام وصف الإيمان متحقق كلهم فيهم خير، بقدر ما عندهم من إيمان، لكن القوي أقوى إيمان بلا شك. طالب:. . . . . . . . . لا ((في كل)) يعني من القوي والضعيف خير. طالب:. . . . . . . . . وين؟ طالب:. . . . . . . . . إيه في أمور الدين ما يخالف لا بأس. قال: "حدثنا هشام بن عمار" نعم؟ طالب:. . . . . . . . . كيف؟ طالب:. . . . . . . . . لا قدر الله، يعني في أمر مستقبل، يعني لو مثلاً مرض لما دخل المستشفى الفلاني لا قدر الله، نعم؛ لأنه دخل المستشفى مثلاً وعالج فيه ووجده غير مناسب، فلو مرض أو لو مرض له أحد لا قدر الله، يعني هذا يدعو ألا يقدر الله عليه المرض هذا دعاء وليس بخبر.

قال: "حدثنا هشام بن عمار ويعقوب بن حميد بن كاسب قالا: حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار سمع طاوساً يقول: سمعت أبا هريرة يخبر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((احتج آدم وموسى، فقال له موسى: يا آدم أنت أبونا)) " آدم أبو البشر ((خيبتنا وأخرجتنا من الجنة بذنبك)) يعني أصبنا بالخيبة والحرمان من النعيم من نعيم الجنة بذنبك، وهو أكلك من الشجرة، نعم يعني لو اطلعنا على ما كتبه ابن القيم -رحمه الله- في مفتاح دار السعادة من الحكم التي ترتبت على هذه المعصية، والخروج من الجنة، وإهباط آدم إلى الأرض، يعني كلام إلهام يعني، توفيق من الله -جل وعلا-، فعلى كل طالب علم أن يراجعه.

((خيبتنا وأخرجتنا من الجنة بذنبك، فقال له آدم: يا موسى اصطفاك الله بكلامه، وخط لك التوراة بيده، أتلومني على أمر قدره الله علي قبل أن يخلقني بأربعين سنة؟! فحج آدم موسى)) يعني غلبه بالحجة ((فحج آدم موسى، فحج آدم موسى ثلاثاً)) وهذا قد يتمسك به من يحتج بالقدر على المعاصي، فيقال له: لماذا سرقت؟ قال: هذا شيء كتبه الله علي، مثل حجة المشركين {لَوْ شَاء اللهُ مَا أَشْرَكْنَا} [(148) سورة الأنعام] هذه المعصية لما تاب منها آدم -عليه السلام-، وبقي أثرها وهو الخروج من الجنة تاب منها وقبلت توبته، وبدلت السيئات حسنات، تبقى معصية وإلا مصيبة؟ مصيبة، والمصيبة للإنسان أن يحتج عليها بالقدر، له أن يحتج عليها بالقدر، لو أن الإنسان مرض وقيل له: لو أنك ما طلعت في البرد أو لو أنك أكثرت من اللبس، أو ما تعرضت لكذا، يقول: هذا شيء مكتوب، هذه مصيبة مكتوبة علي ومقدرة، له ذلك، لكن المعائب لا يحتج عليها بالقدر، يعني كونه ترك سبب من الأسباب أو بذل سبب يمرض بسببه، لو اغتسل بثيابه وخرج في شدة البرد، هل له أن يقول: هذا شيء كتبه الله علي؟ لا، المرض مكتوب عليك، لكن السبب أنت الذي بذلته، بذلت هذا السبب الذي يكون به أو بسببه المرض، فلك أن تحتج إذا بذلت الأسباب، تقول: والله هذا أمر مكتوب، لكن إذا لم تبذل الأسباب فأنت معيب بهذا، فالقدر إنما يُحتج به على المصائب لا على المعايب، فلما تاب آدم -عليه السلام-، وقبلت توبته صار الأمر في حقه مصيبة له أن يحتج بها بالقدر عليها. قال: "حدثنا عبد الله بن عامر بن زرارة قال: حدثنا شريك عن منصور عن ربعي عن علي قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا يؤمن عبد حتى يؤمن بأربع: بالله وحده لا شريك له، وأني رسول الله، وبالبعث بعد الموت، وبالقدر)) " وهذه من أركان الإيمان ((أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله وبالبعث بعد الموت، وبالقدر خيره وشره)) هذه من أركان الإيمان، فإذا لم يؤمن بواحدة منها فإنه لا يمكن أن يوصف بالإيمان، والحديث فيه شريك بن عبد الله بن أبي نمر القاضي، وفي حفظه شيء، لكنه لا ينزل عن درجة الحسن.

قال -رحمه الله-: "حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعلي بن محمد قالا: حدثنا وكيع قال: حدثنا طلحة بن يحيى بن طلحة بن عبيد الله عن عمته عائشة بنت طلحة عن عائشة أم المؤمنين قالت: دعي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى جنازة غلام من الأنصار فقلت: يا رسول الله طوبى لهذا عصفور من عصافير الجنة لم يعمل السوء ولم يدركه" يعني من أطفال المسلمين وهم في الجنة اتفاقاً "طوبى لهذا، عصفور من عصافير الجنة لم يعمل السوء ولم يدركه، قال: ((أو غير ذلك يا عائشة؟ إن الله خلق للجنة أهلاً خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم، وخلق للنار أهلاً خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم)) " هو يريد من عائشة .. ، يريد الرسول -عليه الصلاة والسلام- من عائشة -رضي الله تعالى عنه- ألا تتسرع في الحكم لأحد أو على أحد، لا تتسرع في الحكم، وأما قوله: ((إن الله خلق للجنة أهلاً خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم)) لعلمه -جل وعلا- أنهم يعملون بعمل أهل الجنة إذا كلفوا، لا أنهم إذا ماتوا قبل التكليف، أو الفئة الأخرى الذين خلقهم للنار، وهم في أصلاب آبائهم أنهم يموتون قبل التكليف، المقصود أن مثل هذا لا يعني أن الأطفال أطفال المسلمين قد يكونون في النار، أما المسألة محل اتفاق أن أطفال المسلمين في الجنة، لكنه لا يريد أن تتسرع في حكم لا نص فيه عندها. قال: ((أو غير ذلك يا عائشة؟ إن الله خلق للجنة أهلاً خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم)) لأنه -جل وعلا- علم أنهم يعملون بعمل أهل الجنة، أو يموتون قبل ذلك، فهم من أهل الجنة، ما داموا مسلمين، وأبناء مسلمين. ((وخلق للنار أهلاً خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم)) لعلمه أنهم يعملون بعمل أهل النار إذا كلفوا. نقف على هذا، ونكمل غداً -إن شاء الله تعالى-، والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. طالب:. . . . . . . . . كيف؟ طالب:. . . . . . . . . المقصود أنهم في الجنة وراجع آخر طريق الهجرتين لابن القيم فيه كلام في طبقات المكلفين، كلام طويل ومؤصل ...

شرح مقدمة سنن ابن ماجه (12)

بسم الله الرحمن الرحيم شرح: مقدمة سنن ابن ماجه (12) الشيخ: عبد الكريم بن عبد الله الخضير السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. هذا يقول: ما القول الراجح في حكم لبس الذهب المحلق كالخواتيم للنساء؛ لأنني اطلعت على كلام للألباني بتحريمها؟ الذهب المحلق للنساء جائز، ولا بأس به، وتحريمه منسوخ. طالب:. . . . . . . . . لا، حتى في حديث عظة النساء بعد صلاة العيد، يلقين بالفتخ محلقة. يقول: كيف الجمع بين قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((لكل نبي حواري)) وبين حديث السبعين الذي فيه: ((ويأتي النبي وليس معه أحد)) فقد أشكل علي هذا؟ لكل نبي متبوع، يعني له أتباع، لكل نبي متبوع حواري، أما الذي لا أتباع له لا حواري له. يقول: هل ترون أن يجمع طالب العلم مع حفظ البلوغ حفظ رياض الصالحين، ثم بعدها البخاري؟ أحاديث البلوغ في أحاديث الأحكام، بلوغ المرام المعروف أنه في أحاديث الأحكام، وهناك أبواب من أبواب الدين طالب العلم بأمس الحاجة إليها كأحاديث الآداب والأخلاق ورياض الصالحين كفيل بها، ولذا جاء في وصية الشيخ فيصل بن مبارك -رحمه الله- أنه يوصي طلاب العلم بحفظ رياض الصالحين إن أمكن، وإن لم يمكن فمن باب كذا إلى باب كذا، حدد في وصيته -رحمه الله-، ورياض الصالحين أمره يعني ليس بالصعب، وأعرف مجموعة من طلاب العلم أئمة مساجد حفظوا رياض الصالحين بطريقة مريحة جداً، يحفظون الحديث الواحد ويقرؤون عليه شرح مختصر، ثم بعد ذلك يلقونه بعد صلاة العصر حفظاً، أئمة هؤلاء، أئمة مساجد، كل يوم حديث واحد، يلقونه على الجماعة حفظ، ويعلقون عليه تعليق مختصر مما راجعوه في الشرح، ومدة يسيرة والكتاب محفوظ كامل من غير مشقة. تقول هذه: ما رأيكم في استعمال المصحف الملون للحفظ، وهو مخصص للحفظ، كل كذا سطر بلون، وهو ملون حسب الموضوع في الآية، فآية النار ووعيدها بلون، وآية الجنة ونعيمها بلون، وهكذا ليسهل حفظها؛ لأننا ننوي توزيعه في دور التحفيظ؟

لا شك أن هذه طريقة محدثة، والألوان موجودة من القدم، وما يحدث لا سيما في العبادات المحضة لا ننصح باستعماله، فعلى الإنسان أن يسلك الجادة المعروفة عند أهل العلم، ويقولون: إنها وسائل إيضاح وتسهل على الحفاظ وتسهل عليهم فهم المعاني، لكنها محدثة. هذه أيضاً تقول: تحدثتم في درس سابق عن محبة الإنسان لأخيه ما يحب لنفسه، وقد استشكلت علي مسألة تخص النساء، لو أن الفتاة تمنت الزواج بشخص له زوجة، فهل يدخل ذلك في أنها لم تحب لأختها زوجة ذلك الرجل ما تحب لنفسها؟ يعني هل في ذلك بأس يلحقها إثم؟ ثم لو حاولت بطرق شتى إيصال تلك الرغبة أي رغبة الزواج إلى ذلك الرجل، فهل عليها إثم؟ والرجل ممن تحسبه من أهل الخير؟ أما كونها تتمنى الزواج بشخص أعجبها في دينه وخلقه وعلمه هذا مما تحمد عليه، وتؤجر -إن شاء الله تعالى- إذا كان هذا هو الدافع لها، والواهبة التي وهبت نفسها للنبي -عليه الصلاة والسلام- دليل صريح في هذا، وأيضاً عثمان بن عفان -رضي الله تعالى عنه- أهدى وعرض ابنته على عبد الله بن مسعود، وعرض عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- صفية على أكثر من واحد، المقصود أن مثل هذا العرض ومثل هذا التمني أمر مشروع، إذا كان الدافع إليه أن هذا الرجل ممن وصف بالأوصاف التي ذكرت. فهل يدخل ذلك في أنها لم تحب لأختها -زوجة ذلك الرجل- ما تحب لنفسها؟ لا ما يدخل أبداً، يعني هل في ذلك بأس يلحقها؟ لا أبداً، بل هي مأجورة على ذلك. ثم لو حاولت –تقول- بطرق شتى إيصال تلك الرغبة أي رغبة الزواج إلى ذلك الرجل، فهل عليها إثم؟ والرجل ممن تحسبه من أهل الخير؟ يعني لو أوصلت هذه الرغبة بواسطة، لا يكون عن طريقها هي بنفسها، وإنما تكون بواسطة من يوصلها بطريقة أيضاً لا تكن مباشرة؛ لأن القلوب في هذه الأوقات دخلها ما دخلها من الدغل، وتغيرت بلا شك، فمثل هذه الأمور لا بد أن تكون بواسطة، لا تكون مباشرة بين المرأة والرجل، ولا بين الرجل والمرأة أيضاً لو أرادها هو، إنما يخاطب ولي أمرها، وهي أيضاً تبعث من يوصل هذه الرغبة عليه، بطريقة غير واضحة ومكشوفة، لو عرّضت.

يقول: نحن نعمل في شركة، ويعمل معنا بعض الرافضة، وبعضهم في مناصب قيادية، والشركة تفرض علينا ألا نناقش في الأمور الدينية، وأن يكون تركيزنا منصب على مصلحة العمل. والسؤال: ما حكم الأكل مع هؤلاء الروافض والسلام عليهم مع أنهم لا يصلون معنا؟ وما حكم المزح معهم؟ وهل تنصحوننا بترك هذا العمل خصوصاً أننا نريد أن نطلب العلم ولكن أوقات الدوام الصباحية والمسائية تحول بيننا وبين الطلب؟ لو بحث هؤلاء الإخوة الذين لديهم رغبة في طلب العلم عن أعمال مناسبة لا تكون شاقة عليهم تستغرق أوقاتهم، يعني يبحثون عن عمل يترك لهم فرصة، يتيح لهم الفرصة لطلب العلم كان أولى، وأما بالنسبة للتعامل مع هؤلاء لا شك أنهم مبتدعة، ومنهم الغالي، ومنهم المبتدع الذي لا تخرجه بدعته عن دائرة الإسلام، فأما من أخرجته بدعته عن الإسلام ممن يدعو غير الله -جل وعلا- من الأولياء والأئمة، أو يزعم نقص القرآن، أو يقذف عائشة، أو غير ذلك من الأمور المكفرة، فمثل هذا حكمه حكم الكفار، لا يبدأ بالسلام، وأما التعامل معهم على ما يقال بشيء من المداراة التي تحقق مصلحة الدعوة فهذا -إن شاء الله- لا بأس به. تقول: ما هي الكتب التي يمكن أن أجد فيها حكماً على الآثار التي في مصنفي عبد الرزاق وابن أبي شيبة سواءً كانت من كتب المتقدمين أو المتأخرين؟ بالنسبة للمصنفين خُرجا تخريجاً لا بأس به، وبينت بعض أحكام الآثار، وإن كانت السائلة متأهلة فتنظر في الأسانيد من خلال كتب الرجال، ويكون لديها الحكم علماً بأن الآثار في الجملة لا يعتمد عليها في إثبات الأحكام إلا إذا كانت من أقوال الخلفاء الراشدين، أما من عداهم فيستأنس بها، ولا يثبت بها حكم، لا سيما عند من يقول بأن أقوال الصحابة ليست حجة بنفسها. وهذه تقول: عندي ثلاثة أسئلة: الأول: علمت أن وقت صلاة العصر الاختياري إلى أن تصفر الشمس، وذكر بعضهم أن اصفرارها يبدأ قبل غروبها بربع ساعة فهل هذا صحيح؟ الذي يظهر أن اصفرار الشمس قبل ذلك، قبل ربع ساعة، إنما ربع ساعة هذه الوقت الذي تتضيف فيه للغروب، وهذا وقت مضيق من الأوقات الثلاثة المضيقة، وتأخيرها من غير عذر إلى اصفرار الشمس هذا وإن كان أداءً وفي الوقت لكنه جاء ذمه.

الثاني: هل يستحب للأخوات في المنزل الصلاة جماعة للحصول على أجرها؟ الجماعة لا تلزم النساء، ولا يترتب عليها الأجر المرتب على صلاة الجماعة بالنسبة للرجال، لكن إذا كانت المرأة بحيث إذا صلت وحدها كثرت عندها الهواجيس، ولا ضبطت صلاتها، وكثر السهو في صلاتها، وغفلت، وإذا صلت مع غيرها أو صلت بغيرها انضبطت، فتكون مشروعية الجماعة من هذه الحيثية وإلا فالأصل أن الجماعة للرجال. هل الحشوة التي توضع في شعر الرأس تدخل في حكم الوصل المنهي عنه؟ إذا كان تزيد في طوله أو في كثرته فهو وصل. تقول: إحدى الأخوات تسأل عن خدمة تداول الأسهم عن طريق الإنترنت، والتي تقدمها البنوك مقابل مبلغ من المال، بالإضافة إلى أنها تأخذ عمولة عن كل عملية بيع وشراء، والبنوك تتفاوت في جودة هذه الخدمة، فلو أردت الحصول على هذه الخدمة من بنك ربوي لجودة خدمته فهل يجوز ذلك؟ إذا وجد غيره ممن لا يتعامل بالربا فلا يجوز التعامل معه؛ لأن التعامل معه تعاون على الإثم والعدوان؛ لأن هذا سبب استمراره وبقائه، فلو قوطعت هذه البنوك التي تتعامل بالربا لاضطروا أن يصححوا وضعهم. هذا يقول: أعاني مشكلة مع جماعة الحي الذي أسكن فيه منذ سكنت قرابة السنة وهي كالتالي: شباب لا يحافظون على الصلاة في وقتها المحدد، ويتعمدون تأخيرها، وبعضهم لا يصليها في المسجد إلا إذا نصحتهم، وإذا سألت البعض لماذا لا تصلي معنا في المسجد؟ يقول: أصليها في البيت، وقد رأيت –والله- بعض منهم وقت الصلاة يتخفى حتى لا أراه فأنصحه، وقد تحدثت معهم، فمنهم من يستجيب، ومنهم من يراوغ ويتحجج، وقد ناقشتهم في مسألة صحة صلاة البيت إلا بعذر، وهم ليسوا من أصحاب الأعذار، وقد اكتشفت أن أباً لمجموعة منهم هو بنفسه لا يصلي معنا جماعة إلا نادراً في الشهر مرة أو مرتين، وهو من أصحاب الأموال والتجارات الدنيوية، ورجل طيب في أخلاقه وتعامله، ولكن ميزاننا يختلف عن موازين أهل الدنيا، فعزمت على مناصحته إشفاقاً عليه وعلى حاله، وإبراءً للذمة، وإقامة للحجة عليه، نحتاج إلى وصيتكم لمن يباشر مثل هذه الأعمال، وما حكم السلام عليهم؟ وهل في ذلك تفصيل؟ أفيدونا مشكورين ... إلى آخره.

على كل حال إذا تابعت ما ذكرت فأنت في جهاد، وأنت تدعو إلى الله {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ} [(33) سورة فصلت] فعليك أن تستمر في نصحهم وتوجيههم وإرشادهم ولا تيأس ولا تقنط، ولا تمل، ولا تكل، فهذه سبيل النبي -عليه الصلاة والسلام- {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي} [(108) سورة يوسف] والصلاة من أوجب الواجبات، فعليك أن تتابع النصح لهم بالأسلوب الذي يترتب عليه المصلحة، ولا يحقق مفسدة، إنما يحقق المصلحة المرجوة، فإذا تابعت فأنت على خير -إن شاء الله تعالى-. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعلي بن محمد قالا: حدثنا وكيع قال: حدثنا سفيان عن زياد بن إسماعيل المخزومي عن محمد بن عباد بن جعفر عن أبي هريرة قال: "جاء مشركو قريش يخاصمون النبي -صلى الله عليه وسلم- في القدر، فنزلت هذه الآية: {يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ * إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [(48 - 49) سورة القمر] " زياد بن إسماعيل المخزومي راويه فيه كلام، وخرج له مسلم في المتابعات، لكن حديثه لا ينزل عن درجة الحسن، فالحديث حسن، وقال فيه الترمذي: حسن صحيح.

"جاء مشركو قريش إلى النبي -عليه الصلاة والسلام يخاصمونه في القدر" ومن ذلك قولهم: {لَوْ شَاء اللهُ مَا أَشْرَكْنَا} [(148) سورة الأنعام] فهم يحتجون بالمشيئة والقدر على فعلهم الشنيع الذي هو أعظم الذنوب الشرك، ولا حجة لهم فيه؛ لأن الله -جل وعلا- هداهم ودلهم إلى الصراط المستقيم، وهداهم النجدين، لكنهم ما قبلوا، وأعرضوا وأشركوا، فهم يلامون على شركهم، ويؤخذون عليه، ولا حجة لهم بعد أن بلغهم القرآن، وما أنزل الله -جل وعلا- على نبيه -عليه الصلاة والسلام-، وكل شيء مخلوق بقدر من الله -جل وعلا-، ولا يحدث في ملكه -جل وعلا- إلا ما يشاءه ويريده إرادة كونية، وإن لم يرده إرادة شرعية، فيحصل ما يريده الله -جل وعلا- كوناً وقدراً كالشرك والكفر والنفاق والعصيان، وكل هذه مراده لله -جل وعلا- قدراً، وإن كان الله -جل وعلا- لا يريدها شرعاً، بل نهى عنها وحذر منها، ورتب عليها العقوبات، فلا مستدل لهم، ولا مستمسك لهم بالقدر، واحتجوا به على المعيبة التي ارتكبوها وهي الشرك، لكن القدر إنما يحتج به على المصائب لا على المعايب، ولذلك نزل قوله -جل وعلا-: {يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ} [(48) سورة القمر] لأنهم أشركوا بالله، وإن احتجوا بما احتجوا به من القدر، فإنه لا حجة لهم فيه، والله -جل وعلا- كل شيء خلقه بقدر، لا يقال: إنهم احتجوا بالقدر فلا قدر نفياً لحجتهم، لا، كل شيء مخلوق بقدر، لكن مع ذلك تجتمع الإرادتان –أعني الكونية والشرعية- في إيمان المؤمن، وتنفرد الكونية في شرك المشرك، لكن هل توجد الإرادة الشرعية دون الإرادة الكونية؟ لا يمكن، إنما توجد الإرادة الكونية دون وجود للإرادة الشرعية، يعني ما يمكن أن يؤمن مؤمن والله -جل وعلا- لا يريد منه الإيمان؟ نقول: تنفرد الإرادة الشرعية دون الكونية.

ثم قال: "حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا مالك بن إسماعيل قال: حدثنا يحيى بن عفان مولى أبي بكر قال: حدثنا يحيى بن عبد الله بن أبي مليكة عن أبيه أنه دخل على عائشة فذكر لها شيئاً من القدر، فقالت: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((من تكلم في شيء من القدر سئل عنه يوم القيامة، ومن لم يتكلم فيه لم يسأل عنه)) " يحيى بن عثمان متروك الحديث، فالحديث ضعيف جداً، وفي متنه أيضاً نكارة، الذي يتكلم بالقدر يريد أن يحتج به على معاصيه وفجوره، هذا لا شك أنه يسأل عن هذه المعاصي وعن هذا الفجور وعن احتجاجه بالقدر، أما من تكلم بالقدر وعامة أهل العلم يتكلمون فيه، يتكلمون في قضايا القدر التي تتعلق بتقريره باعتباره جزء من مسائل الاعتقاد، ولابن القيم كتاب كبير جداً اسمه: شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل، يعني تكلموا في القدر، لا على سبيل الاحتجاج به على المعاصي وغيرها، لا، إنما تكلموا في تقرير مسائله، وإحقاق الحق على ضوء النصوص الشرعية، والحديث يدل على أن من تكلم في شيء من القدر نكرة في سياق الشرط فتعم، أي شيء من أشياء القدر، فمعناه أن ابن القيم سوف يسأل عن كتاب شفاء العليل، وكل من تكلم في القدر سوف يُسأل، ليس المراد هذا، وهذا الحديث أولاً ضعيف ومتنه منكر، أما من استدل بالقدر، واستغل بعض النصوص المتشابهة في هذا الباب لا شك أنه سوف يسأل. ((من لم يتكلم فيه لم يسأل عنه)) لا شك أنه لا ينسب لساكت قول، لكن لا بد أن ينطوي على عقيدة صحيحة، ما هو يسكت ولا يتكلم وينطوي على عقيدة فاسدة، وحينئذٍ لا يسأل، لا، إذا أشكل عليه شيء يسأل أهل العلم عنه، ويكشفون له المشكل. "قال أبو الحسن القطان: حدثناه خازم بن يحيى قال: حدثنا عبد الملك بن سنان قال: حدثنا يحيى بن عثمان فذكر نحوه" فمدار الخبر على يحيى بن عثمان وهو متروك.

قال -رحمه الله-: "حدثنا علي بن محمد قال: حدثنا أبو معاوية قال: حدثنا داود بن أبي هند عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، قال: خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على أصحابه، وهم يختصمون في القدر، فكأنما يفقأ في وجهه حب الرمان من الغضب" أولاً: رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده اختلف فيها أهل العلم اختلافاً كبيراً، وسبب الاختلاف الخلاف في عود الضمير في قوله: عن جده، هل هو جد عمرو فيكون محمد، أو جد شعيب فيكون عبد الله بن عمرو بن العاص، وجاء التصريح به في بعض الروايات عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو، فإذا قلنا: إن الضمير يعود على عمرو والجد محمد الخبر مرسل، وإذا قلنا: يعود إلى شعيب والجد عبد الله بن عمرو بن العاص كما يؤيده بعض الروايات المصرحة فلا شك أنه يكون غير مرسل، باعتبار أن الصحابي مذكور من جهة، والخلاف في سماع شعيب من جده عبد الله بن عمرو معروف عند أهل العلم، والمسألة محل خلاف كبير بين أهل العلم، منهم من يضعفها، ومنهم من يصححها، وعلى كل حال القول المتوسط في هذه السلسلة أنها من قبيل الحسن، إذا ثبت السند إلى عمرو، وقد ثبت هنا، فالحديث هنا حسن، ولا إشكال فيه. "خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على أصحابه" إما من بيته إلى أصحابه وهم في المسجد، أو خارج المسجد، وهم يختصمون في القدر، مسائل القدر لا شك أنها فيها شيء من الإشكال، وفي كثير منها لا يمكن أن يتوصل إلى حسم لهذه القضايا، وحينئذٍ على المسلم أن يرضى ويسلم، ويقبل ما جاء عن الله وعن رسوله -عليه الصلاة والسلام-؛ لأن القدر سر من أسرار الربوبية، فالاسترسال في بحث مسائله وقضاياه لا سيما على متوسط الفهم لا يوصل إلى نتيجة، بل على الإنسان أن يرضى ويسلم، فإذا أمر ائتمر، وإذا نهي انتهى، ومع ذلك يؤمن بالقدر، وأن كل شيء بقدر، وأن الله قدر الأشياء قبل أن يخلق السماوات والأرض.

قال: "فكأنما يفقأ في وجهه حب الرمان" يعني احمرت أوداجه -عليه الصلاة والسلام- من الغضب؛ لأن مثل هذه الأمور قد تجر الإنسان إلى الشك والريب، وقد يزيد عنده الأمر فيرتد -نسأل الله السلامة والعافية-، وكثير ممن أوغل في مثل هذه المسائل التي لا يدرك غورها حصل له ما حصل من الشك والارتياب، وعدم الرضا والتسليم بما جاء عن الله وعن رسوله. فقال -عليه الصلاة والسلام-: ((بهذا أمرتم أو لهذا خلقتم؟ تضربون القرآن بعضه ببعض)) فهناك أدلة يستدل بها نفاة القدر، وهناك أدلة يستدل بها أهل الجبر، الغلاة في إثبات القدر، فهؤلاء يضربون أدلة هؤلاء بأدلتهم والعكس، وأهل السنة وفقوا للجمع والتوفيق بين هذه النصوص في هذا الباب كغيره من أبواب الدين، يعني مثلاً عندنا الإرجاء والخروج، المرجئة يضربون أدلة الخوارج بأدلتهم، والخوارج يضربون أدلة المرجئة بأدلتهم، وتحصل المقاولات والمناظرات بكثرة بين هذه الفرق التي هي على طرفي نقيض، لكن من وفق للتوفيق بين هذه النصوص، وحملها على وجوهها المعتبرة على الطريقة الشرعية المقررة عند أهل العلم، لا شك أن هذا هو عين التوفيق، ويسلم من ضرب القرآن بعضه ببعض. يقول: ((بهذا هلكت الأمم قبلكم)) يعني المرجئي إذا أوردت عليه أدلة الخوارج فإما أن يطعن في هذه الأدلة، وبعضها في القرآن، وبعضها في صحيح السنة، فيحصل له شيء من الهلاك، يهلك يعني ولو لم يهلك بدنه، يعني أهلك دينه، إذا ضرب النصوص بعضها ببعض، والخارجي إذا أوردت عليه النصوص التي يستدل بها المرجئة أيضاً حصل عنده ما يحصل من إنكار لهذه النصوص فيهلك. قال: "فقال عبد الله بن عمرو: "ما غبطت نفسي بمجلس تخلفت فيه عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما غبطت نفسي بذلك المجلس وتخلفي عنه" لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- غضب غضباً شديداً، والمشفق عليه المحب له لا يرضى أن يراه على هذه الصورة صورة الغضب، لا يرضى لنفسه أن يرى النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو مغضب، وكذلك كل محبوب لا يتمنى لمحبوبه أن يغضب، وإذا غضب يتمنى أنه لا يوجد في هذا المجلس، وهذا ظاهر. قال -رحمه الله-: "حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعلي بن محمد قالا: حدثنا وكيع".

طالب:. . . . . . . . . البحث فيها؟ طالب:. . . . . . . . . ما في إشكال -إن شاء الله- إذا كان المقصود الوصول إلى الحق مع عدم الإيغال، يعني يكون عنده خط الرجعة قريب، ما يوغل، إذا ما فهم شيء يرجع على طول؛ لأنه إن أوغل مع عدم الفهم لن يصل إلى نتيجة، بل قد يكون المردود عكسي عليه. قال: "حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعلي بن محمد قالا: حدثنا وكيع قال: حدثنا يحيى بن أبي حية أبو جناب الكلبي" هذا ضعيف عند أهل العلم "عن أبيه" وهو أيضاً مجهول "عن ابن عمر قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر)) فقام إليه رجل أعرابي فقال: يا رسول الله أرأيت البعير يكون به الجرب فيجرب الإبل كلها؟ قال: ((ذلكم القدر، فمن أجرب الأول؟ )) " الحديث بهذا الإسناد ضعيف بلا شك، وهو مخرج في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة، فمتنه صحيح ((لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر)) إلى آخره إلا قوله: ((ذلكم القدر)) فهي لم تذكر إلا في هذا الطريق الضعيف، فلا تصح. ((لا عدوى ولا طيرة)) إذا ثبت اللفظ أن المتن ثابت بلا شك من حديث أبي هريرة وغيره في الصحيحين وغيرهما ((لا عدوى)) (لا) هذه نافية، يعني لا وجود للعدوى، وهي سراية المرض من المريض إلى الصحيح، هذا لا وجود له، ((ولا طيرة)) يعني التشاؤم بالطيور، وكون الإنسان يمضي بسببها، أو يرجع وكان العرب في الجاهلية إذا أرادوا سفراً فرأوا طيراً إن جاء عن شماله تشاءموا به، ورجعوا عن طريقهم ومقصدهم، وإن جاء من طريق اليمين تفاءلوا به، وأمضاهم إلى حاجتهم فلا طيرة. ((ولا هامة)) وفي رواية: ((ولا صفر)) ولا هامة هذا طائر يقال له: البوم، الهامة هي التي يقال لها: البوم، يزعمون أنها إذا وقعت في بيت أحد أو بالقرب منه أو رآها في النوم أن هذا نعي له، وأن موته قريب، وهذا لا أصل له ((ولا صفر)) يعني ولا تشاؤم بشهر صفر كما كان العرب في الجاهلية يفعلون، أو أن صفر داء يصيب البطن بسبب من الأسباب فنفاه النبي -عليه الصلاة والسلام-.

المقصود أن هذه الأمور كلها منفية، فلا عدوى، والخلاف بين أهل العلم معروف هل هناك عدوى أو لا عدوى؟ فمن أثبتها احتجاجاً بمثل حديث: ((وفر من المجذوم فرارك من الأسد)) ((لا يورد ممرض على مصح)) هذه الأحاديث أو هذان الحديثان يفهم منهما أن هناك عدوى، وإلا ما الداعي إلى الفرار من المجذوم، وما سبب النهي عن إيراد الممرض صاحب الإبل المريضة على الإبل الصحيحة؟ والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((لا عدوى)) يعني مقتضى: ((لا عدوى)) كل مع المجذوم ولا تتضرر؛ لأنه لا عدوى، ومقتضى: ((لا عدوى)) يورد ممرض على مصح؛ لأن الإبل الصحيحة لن تتضرر؛ لأنه لا عدوى، وأهل العلم لهم مسالك للتوفيق بين هذه النصوص، فمنهم من يقول: ((لا عدوى)) على ظاهره، فلا عدوى مطلقاً، والأمر بالفرار من المجذوم، أو النهي عن إيراد الممرض على المصح لئلا يتفق أن تمرض هذه الإبل الصحيحة أو يصاب السليم بالجذام بتقدير الله -جل وعلا-، ولا علاقة للمجذوم في مرض الصحيح، ولا علاقة للإبل المريضة ولا تأثير عليها على الإبل الصحيحة فلا عدوى، لكن يكون النهي والأمر بالفرار والنهي عن إيراد الإبل المريضة يكون من باب سد الذريعة؛ لئلا تصاب الإبل بالمرض، أو يصاب الصحيح بالجذام فيعتقد أن المرض سرى إليه من المريض، فيقع في الحرج، الحرج ما هو؟ أن يقع في نفسه شيء من تكذيب الخبر الذي فيه: ((لا عدوى)) فيكون أمره بالفرار من باب الاحتياط للدين، لا الاحتياط للبدن، إنما يكون احتياط للدين لا الاحتياط للبدن، فنهيه يعني أمره بأن يفر من المجذوم لئلا يصاب بالجذام ابتداءً من الله -جل وعلا-، وعلى هذا القول فمخالطة المريض والسليم على حد سواء، لا فرق بينهما، والعدوى منفية نفياً تاماً، ولا فرق بين مخالطة المريض بالجذام، أو غيره من الأمراض، ومخالطة الصحيح، لكن الأمر بالفرار من أجل حماية الدين لا حماية البدن؛ لأنه قد يصاب هذا الصحيح بالمرض فيعتقد عدم صحة ما جاء عن النبي -عليه الصلاة والسلام- يقع في نفسه شيء من تكذيب الخبر، فيتضرر في دينه، ومنهم من يقول: إن العدوى ثابتة، والمرض بتقدير الله -جل وعلا- يسري من المريض إلى السليم، وهذا هو ما يثبته الأطباء، ويقولون: العدوى

ثابتة، والنفي هنا لسريان المرض بنفسه، يعني المنفي كون المرض يسري بنفسه لا بتقدير الله -جل وعلا-، أما كونه يسري بتقدير الله -جل وعلا- هذا حاصل، والمنفي: ((لا عدوى)) المراد بها لا يتعدى المرض بنفسه من غير تقدير الله -جل وعلا-، ويؤيد ذلك الأمر بالفرار من المجذوم، وعدم الإيراد الممرضة على المصحة، وعلى كل حال الأطباء يثبتون هذه العدوى، لكن هذه السراية إنما هي بتقدير الله -جل علا-، والأمر بالفرار وعدم إيراد الممرضة على المصحة من باب حماية الأبدان وإلا الأديان؟ لا، على القول الثاني. طالب:. . . . . . . . . الأبدان نعم، من باب حماية الأبدان، ويحمل الحديث: ((لا عدوى)) على أن المرض لا يتعدى من المريض إلى السليم بنفسه، ولا يسري إليه بغير تقدير الله -جل وعلا-، ومقتضى الحديث أنه لا عدوى، وأن مخالطة المريض كمخالطة الصحيح ولا فرق، لكن كون الإنسان ينهى عن المخالطة، وأن يفر من المجذوم حماية لدينه أن يقع في نفسه شيء من تكذب الخبر فيهلك، منهم من يقول: إنه لا عدوى لفظ عام تنفي العدوى في جميع الأمراض إلا الجذام في بني آدم وإلا الجرب في الحيوان. قال: "فقام إليه رجل أعرابي فقال: يا رسول الله أرأيت البعير يكون به الجرب فيجرب الإبل كلها؟ " فجاء الرد ((فمن أجرب الأول؟ )) يعني الأول من الذي أجربه؟ هو الله -جل وعلا-، إذاً الذي أجرب الثاني والثالث والرابع والعاشر والمائة هو الله -جل وعلا-، وكأن النفي هو المتجه، ويبقى النفي على عمومه، وأما الفرار إنما هو صيانة للدين. طالب:. . . . . . . . . إيه العدوى المنفية أن يسري المرض بنفسه لا بتقدير الله -جل وعلا-، هذا القول الثاني، والمسلك الثاني عند أهل العلم أن المرض يسري من الأطباء، ومن بعض الناس من يرى أنه يسري بنفسه. طالب:. . . . . . . . . لا، الطيرة لا قيمة لها، الهامة لا قيمة لها أصلاً، إنما هو مجرد اعتقاد جاهلي. طالب:. . . . . . . . . يعني يصير النفي واحد في الجميع؟ على كل حال المسلك الثاني يعني له وجهه، والأطباء يثبتون العدوى. طالب:. . . . . . . . .

على كل حال المسلكان معروفان عند أهل العلم، ولكن الأكثر على نفي العدوى، وأن مخالطة السليم المريض كمخالطة السليم ولا فرق، وهذا ظاهر من حيث كثرة من يمرض في بيوت المسلمين ويمرضونه ولا يصابون بشيء هذا ظاهر. طالب:. . . . . . . . . هو الأصل في الدواب، هو الأصل في الإبل، لكن أيضاً بعد كون الإنسان وهو مريض ينزل على إنسان صحيح وذاك مأمور بالفرار منه إحراج، أقول: هذا إحراج. بعد هذا يقول -رحمه الله-: "حدثنا علي بن محمد قال: حدثنا يحيى بن عيسى الجرار عن عبد الأعلى بن المساور" ويحيى ضعيف، وعبد الأعلى متروك "عن الشعبي قال: لما قدم عدي ابن حاتم" فالحديث ضعيف جداً "لما قدم عدي بن حاتم الكوفة أتيناه في نفر من فقهاء أهل الكوفة، فقلنا له: حدثنا ما سمعت من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ فقال: أتيت النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((يا عدي ابن حاتم أسلم تسلم)) " الحديث ضعيف جداً، وهذه الجملة: ((أسلم تسلم)) ثابتة في الصحيح في دعوة النبي -عليه الصلاة والسلام- لهرقل. " ((أسلم تسلم)) قلت: وما الإسلام؟ قال: ((تشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، وتؤمن بالأقدار كلها خيرها وشرها، وحلوها ومرها)) " وهذا أيضاً يشهد له حديث جبريل السابق، فالحديث وإن كان إسناده ضعيف جداً، ولا يثبت بهذا الإسناد إلا أن له ما يشهد له، فالجملة الأولى: ((أسلم تسلم)) هذه ثابتة في الحديث في كتابة النبي -عليه الصلاة والسلام- لهرقل، وبقية الحديث في شرح الإسلام يشهد له حديث جبريل ما الإسلام؟ قال: ((تشهد ألا إله إلا الله، وأني رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة)) ثم بعد ذلك الإيمان، إلا أنه هنا جعل الإيمان بالقدر من الإسلام، وفي حديث جبريل جعله من أركان إيش؟ هنا جعله من أركان الإسلام، وفي حديث جبريل جعله من أركان الإيمان، وهذا لا إشكال فيه عند من يقول: إن الإيمان والإسلام مترادفان كالإمام البخاري ومحمد بن نصر المروزي وغيرهما من الأئمة، وأما الجمهور الذين يرون التغاير بين حقيقتي الإسلام والإيمان فيقولون: إن هذا فيه تلفيق، ولا يثبت بمثل هذا الإسناد.

((وتؤمن بالأقدار)) -وهذا هو الشاهد- الصادرة عن الله -جل وعلا- كلها خيرها وشرها، وترضى بذلك وتسلم حلوها ومرها، فأقدار الخير التي هي من قبيل الخير الحلوة هذه لا شك أنا نعمة من الله -جل وعلا- تحتاج إلى شكر، وأما الشر المر فيحتاج إلى صبر، و ((عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله خير، إن أصابته سراء فشكر كان ذلك خيراً له، وإن أصابته ضراء فصبر كان ذلك -أيضاً- خيراً له)). ثم قال: "حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير قال: حدثنا أسباط بن محمد قال: حدثنا الأعمش عن يزيد الرقاشي" يزيد بن أبان الرقاشي عابد معروف زاهد، لكنه في الرواية ضعيف "عن غنيم بن قيس عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((مثل القلب مثل الريشة تقلبها الرياح بفلاة)) " تقلبها الرياح بفلاة ((مثل القلب مثل الريشة تقلبها الرياح بفلاة)) كثيراً ما يقسم النبي -عليه الصلاة والسلام- بإيش؟ ((لا ومقلب القلوب)) والقلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن، إذا أراد أن يقلب قلب عبد قلبه، فالقلوب لا شك أنها مثل الريشة بالفلاة تنقلب ظهراً لبطن، والقلوب كذلك عرضة لأن تقلب، لا سيما مع وجود الفتن وعدم الاعتصام بالكتاب والسنة، هذا يعرض القلوب للتقليب في لحظة، في آخر الزمان يصبح الرجل مؤمناً، ويمسي كافراً، والعكس، ويبيع دينه بعرض من الدنيا، وعلى كل حال تقليب القلوب أمر معروف، وهي بين إصبعين من أصابع الرحمن، والخبر ضعيف. أخرج الإمام أحمد من حديث أبي موسى عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((إنما سمي القلب من تقلبه، إنما مثل القلب كمثل ريشة معلقة في أصل شجرة، يقلبها الريح ظهراً لبطن)) وإسناده جيد.

قال: "حدثنا علي بن محمد قال: حدثنا خالي يعلى عن الأعمش عن سالم بن أبي الجعد ... قال: جاء رجل من الأنصار إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله إن لي جارية أعزل عنها؟ قال: ((سيأتيها ما قدر لها)) قال: فأتاه بعد ذلك فقال: حملت الجارية، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((ما قدر لنفس شيء إلا هي كائنة)) " هذا الحديث سنده صحيح، والأسئلة في هذا الباب متعددة من قبل الصحابة؛ لأنهم يقتنون الجواري، ويستمتعون بها، ولا يريدونها أن تحمل؛ ليتمكنوا من بيعها متى ما أرادوا؛ لأنها إذا حملت وولدت صارت أم ولد، لا يجوز بيعها على الخلاف في مسألة بيع أمهات الأولاد، لكنها أعتقها ولدها وحررها، تكون حرة بعد موت سيدها، فلا يريدون منها أن تحمل؛ لكي يبيعها متى شاءوا. "فقال: إن لي جارية أعزل عنها" والعزل: الإنزال خارج الفرج، وإذا كانت المرأة حرة لا يجوز إلا بإذنها، وإذا كانت أمة مملوكة جاز بغير إذنها "أعزل عنها، قال: ((سيأتيها ما قدر لها)) " اعزل أو لا تعزل لا فرق، فإن كانت النفس مكتوبة لا بد أن ينزل شيء إلى الرحم، فيلقح ما عند المرأة، وحينئذٍ يحصل الحمل، وإن لم يكتب شيء عزلت أو لم تعزل لا ينفعك العزل، وفي حكم العزل الموانع، وإن كانت هذه الموانع أثرها أقوى من العزل -بإذن الله-، وكل شيء بقدر، يعني إذا أراد الله أن تحمل المرأة حملت ولو أكلت جميع أنواع الموانع، وإذا أراد الله لها الحبل حبلت ولو عزل عنها، فكل شيء بإرادة الله -جل وعلا-، لكن هذه أسباب. " ((سيأتيها ما قدر لها)) قال: فأتاه بعد ذلك، قال: قد حملت الجارية، قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((ما قدر لنفس شيء إلا وهي كائنة)) " إذا كتب قُدر وقضي لا بد أن يقع، وجاء في حديث جابر: "كنا نعزل والقرآن ينزل، ولو كان شيئاً ينهى عنه لنهى عنه القرآن" وجاء عن اليهود أنهم قالوا: العزل هو الموءودة الصغرى، فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((كذبت يهود)).

قال: "حدثنا علي بن محمد قال: حدثنا وكيع عن سفيان عن عبد الله بن عيسى عن عبد الله بن أبي الجعد" قالوا عنه: مجهول الحال "عن ثوبان قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا يزيد في العمر إلا البر، ولا يرد القدر إلا الدعاء، وإن الرجل ليحرم الرزق بخطيئة يعملها)) " عبد الله بن أبي الجعد هذا مجهول الحال، فالإسناد ضعيف، وقد حسنه بعضهم، بناءً على قبول رواية مجهول الحال الذي يعبر عنه عند بعض أهل العلم بالمستور. "عن ثوبان قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا يزيد في العمر إلا البر)) " في الصحيح: ((من أحب أن يبسط له في رزقه، وينسأ له في أثره، فليصل رحمه)) فإذا كانت صلة الأرحام تزيد في العمر، ينسأ له في أثره، يعني يدفع له في أجله، فالبر الخاص بالأبوين من باب أولى، والعلماء يختلفون في هذه الزيادة، هل هي حقيقية حسية أو معنوية؟ بمعنى أن الإنسان عمره سبعون سنة، فإذا بر بوالديه أو وصل رحمه زيد له خمس عشر سنوات بحسب قوة هذا البر أو عدمه، وبهذا قال جمع من أهل العلم، وهو الأصل في الزيادة أن الزيادة حقيقية، وعلى هذا تكون هذه الزيادة على ما في علم الملائكة، يعني يؤمر بكتب أجله، فيقال: اكتب سبعين، هذا الذي في علم الملائكة، وفي علم الله -جل وعلا- أن عمره أكثر؛ لأنه سوف يصل رحمه ويبر والديه، فما في علم الله -جل وعلا- لا يتغير، وما في علم الملائكة قابل للتغيير {يَمْحُو اللهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} [(39) سورة الرعد] ومنهم من يقول: إن هذه الزيادة معنوية، أما مكتوب له سبعين سنة لا يزيد {فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ} [(34) سورة الأعراف] ما فيه، العمر هو العمر، لكن هذه السبعين أو الخمسين تعادل مائة بالنسبة لغيره، والزيادة بالبركة ظاهرة، يعني عمر الإنسان ساعة بعض الناس عن يوم لغيره، والعمر بعض الناس يعيش أربعين خمسين .. ، عمر بن عبد العزيز أربعين سنة عمره، عُمْر عمَر بن عبد العزيز أربعين سنة، ولو قيس بعمر من أعمارهم أضعاف ذلك ما صنعوا مثل ما صنعوا، ولا أنجزوا مثل ما أنجز، النووي -رحمه الله- عمره تجاوز كم؟

طالب:. . . . . . . . . نعم يعني عمره قصير جداً، ومع ذلك أنتج من العلم والتأليف والطلاب الشيء الكثير، يعني له كتب لا نظير لها، وحصل بها من النفع ما لم يحصل بغيره إلا القليل النادر، يعني من منة الله عليه، وإنزال البركة في عمره أن ألف مثل رياض الصالحين، رياض الصالحين في مساجد الدنيا يقرأ، ويقال: قال -رحمه الله تعالى-، وكتابه المجموع شرح المهذب لو اجتمعت جامعات الدنيا تؤلف مثله ما استطاعت، ولو كمل لو قدر كماله لأغنى عن كثير من كتب الفقه، وعندي أنه في قسم العبادات لا نظير له، والله المستعان. فهذه الزيادة في البركة معنوية، وليست زيادة حسية، وكم من شخص يمكث مائة سنة ثم يموت ولا شيء وكأنه ما وطئ على الأرض، فليحرص الإنسان على مثل هذه الأسباب التي تكون سبباً في نزول البركة في عمره، وفي جهده، وفي عمله. ((ولا يرد القدر إلا الدعاء)) الدعاء من القدر، ومع ذلك يرد القدر، كيف يرد القدر؟ الإنسان مكتوب عليه هذا الشيء إلا إذا دعا برفعه، والقدر مع الدعاء يعتلجان، والدعاء شأنه عظيم، وجاءت النصوص بأنه هو العبادة {قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ} [(77) سورة الفرقان] فالدعاء شأنه عظيم، وإذا دعا المسلم وبذل السبب وحرص على انتفاء الموانع التي من أعظمها وأشدها أكل الحرام، فإن الله -جل وعلا- لن يخيبه، فإما أن يستجيب دعوته التي دعا بها، وإما أن يدخر له هذه الدعوة إلى وقت هو أحوج ما يكون إليها، وإما أن يرفع عنه من البلاء بقدرها وأعظم، فلن يخيب على كل حال إذا بذل السبب، أسباب القبول ونفى الموانع، حرص على انتفاء الموانع، أما إذا وجدت الموانع فيدعو أو لا يدعو لا فرق؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يقول: ((يا رب يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب له)) يعني الأسباب موجودة، أشعث، أغبر، مسافر، يمد يديه يرفع يديه من أسباب الإجابة رفع اليدين، والسفر أيضاً مظنة إجابة، وكون الإنسان أشعث أغبر منكسر القلب أيضاً مظنة إجابة، لكن وجود المانع مانع، يأكل حرام ويدعو الله -جل وعلا-؟! ((أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة)).

((ولا يرد القدر إلا الدعاء، وإن الرجل ليحرم الرزق بخطيئة يعملها)) ((وإن الرجل ليحرم الرزق بخطيئة يعملها)) وهذه الجملة من هذا الحديث لا شاهد لها، فتبقى ضعيفة، ولا شك أن الرزق مما يطلب من الله -جل وعلا-، وما عند الله -جل وعلا- لا ينال بسخطه، وكون الإنسان يصاب بما يصاب {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ} [(30) سورة الشورى] و {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ} [(41) سورة الروم] فكل هذه أسباب لوقوع المصائب ولحرمان الرزق.

قال بعد ذلك: "حدثنا هشام بن عمار قال: حدثنا عطاء بن مسلم الخفاف قال: حدثنا الأعمش عن مجاهد عن سراقة بن جعشم" قالوا: مجاهد لم يسمع من سراقة، فالحديث بهذا الإسناد ضعيف، والمتن في مسلم "قال: قلت: يا رسول الله العمل فيما جف به القلم وجرت به المقادير أم في أمر مستقبل؟ قال: ((بل فيما جف به القلم، وجرت به المقادير)) " يعني العمل هل هو فيما كتب على الإنسان؟ يعني في دائرة ما كتب على الإنسان؟ والإنسان كتب عليه ما كتب ولن يتغير؟ نعم؟ أم في أمر مستقبل؟ يعني أنه بالإمكان أن يعمل الإنسان ويؤجر على شيء لم يكتب عليه من قبل؟ يعني هل الأمر مفروغ منه أو هو أنف كما تقول القدرية؟ قال: ((بل فيما جف به القلم)) يعني فيما سطر في اللوح المحفوظ، ولن يتغير من الواقع شيء، كيف؟ أفلا نتكل؟ يعني ما يحتاج نعمل إذا كان كل شيء مكتوب، نعم "قال: ((اعملوا، وكل ميسر لما خلق له)) " أهل الجنة ييسرون لعمل أهل الجنة، وأهل النار ييسرون لعمل أهل النار، والله -جل وعلا-: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ} [(46) سورة فصلت] أهل النار يعني ما جبروا على عمل أهل النار، ترك لهم حرية واختيار فاختاروا، لا يقال: إن الإنسان مظلوم ما دام كل ميسر، أنا ما يسر .. ، فلان قد يقول عن نفسه: إنه ما يسر لي الخير فكيف يعاقب؟ يعاقب؛ لأن له حرية واختيار، من الذي منعه عن أن يحضر الصلاة في المسجد؟ من الذي منعه أن يدفع الزكاة؟ من الذي منعه أن يصوم؟ من الذي منعه أن يحج؟ ما في ما يمنع، تركت له الحرية والاختيار، ليس بمجبور، وإن كانت الحرية ليست مطلقة، وهذا الاختيار ليس بمطلق، إنما في مقدوره أن يعمل، فترك العمل، هو ما كتب له في القدر السابق لا شك أنه مناسب لما يختاره لنفسه، مناسب ومطابق لما يختاره لنفسه، والحديث له شواهد من حديث عمر، متن الحديث في صحيح مسلم من طريق أبي الزبير عن جابر، قال: جاء سراقة بن مالك بن جعشم وساق الحديث، فالحديث في مسلم.

بعد هذا يقول -رحمه الله تعالى-: "حدثنا محمد بن المصفى الحمصي قال: حدثنا بقية بن الوليد عن الأوزاعي عن ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن مجوس هذه الأمة المكذبون بأقدار الله، إن مرضوا فلا تعودوهم، وإن ماتوا فلا تشهدوهم، وإن لقيتموهم فلا تسلموا عليهم)) " أولاً: بقية بن الوليد مدلس، وتدليسه تدليس تسوية، وتدليس التسوية شر أنواع التدليس، وأيضاً فيه عنعنعة أبي الزبير عن جابر، وهي خارج الصحيح، فلا تحمل على الاتصال إلا إذا صرح بالتحديث، وهنا عنعن، ففيه آفتان، فيه بقية بن الوليد مدلس، وأيضاً أبو الزبير مدلس، ولم يصرح بالتحديث، لكن له شواهد عند أبي داود من حديث عمر بن الخطاب وعند الحاكم وعند أبي داود أيضاً الحاكم من حديث حذيفة، فالحديث بمجموع طرقه حسنه بعض العلماء كالألباني -رحمه الله تعالى-. "عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن مجوس هذه الأمة المكذبون بأقدار الله)) " يعني الذين يزعمون أن مع الله خالق غير الله -جل وعلا-، القدرية يزعمون أن الإنسان يخلق فعله، فأثبتوا خالقاً مع الله -جل وعلا-، فأشبهوا المجوس الذين أثبتوا للكون خالقين. ((المكذبون بأقدار الله، إن مرضوا فلا تعودوهم)) يعني من باب هجر المبتدع، إذا مرض لا يعاد ((وإن ماتوا فلا تشهدوهم)) يعني لا تشهدوا جنائزهم، ولا تصلوا عليهم، ولا تتبعوهم، وهذا وإن كان فيه تفويت للقيراط الذي جاء، الذي رتب على الصلاة على الميت، لكن المصلحة المترتبة على الترك راجحة، لا سيما عند من يقول بأنهم .. ، بعض العلماء يكفر القدرية، بعضهم يكفر القدرية، وأقوال أهل العلم فيهم معروفة، لكن من له تأويل سائغ يعني بنوع شبهة فمثل هذا لا يكفر، وبدعته مغلظة، وما جاء في هذا الحديث صحيح، لا يعادون إذا مرضوا؛ لأن المبتدع يهجر، وإن مات لا يصلى عليه ولا يشهد، وإن لقي فلا يسلم عليه، هجراً له، وإخماداً لبدعته، والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

§1/1