شرح مسند الشافعي

الرافعي، عبد الكريم

شرحُ مُسْنَد الشَّافِعيِّ تأليفُ الإِمام العلَّامة حُجَّة الإِسلام عبد الكريم بن محمَّد بن عبد الكريم بن الفضل بن الحسن القزويني أبي القاسم الرافعي الشافعي المتوفى سنة 623هـ حقّقه أبو بكر وائل محمَّد بكر زهران (دار الفلاح للبحث العلمي وتحقيق التراث) المجلد الأول إصدارات وزارة الأوقاف والشؤون الإِسلامية إدارة الشؤون الإِسلامية دولة قطر

شرح مسند الشافعي

حُقُوق الطبع مَحْفُوظَة لوزارة الأوقاف والشؤون الإِسلامية إدارة الشؤون الإِسلامية دولة قطر الطَبعة الأولى/ 1428 هـ - 2007 م

مقدمة إدارة الشؤون الإسلامية

بسم الله الرحمن الرحيم مقدمة إدارة الشؤون الإِسلامية الحمدُ لله حقَّ حمده, والصلاةُ والسلامُ على نبيه وآله وصحبه. أما بعد: فإنَّ "شرحَ مسند الإمام الشافعي" للإمام أبي القاسم الرافعي (ت 623 هـ) يوضح أدلة الفقه الشافعي من السنة النبوية، وقد أفاضَ الإمامُ الرافعي في بيان الأحاديث ورواتِها وعللِ بعضِها، بما يغني القاريء عن مراجعة كتب علم الرجال، والكتاب مليءٌ بالفوائدِ الفقهيةِ والحديثيةِ، إذا لا يخفى أن الإِمام الرافعيَّ يقفُ في مقدمة علماء الشافعية، هو والإمامَ النوويّ, فهما معتمدان في تقرير أحكامِ المذهبِ. وقد حَظيَ الكتابُ بقراءةٍ وتعليقاتٍ نافعةٍ، ونأملُ أن يسدَّ ثغرة في المكتبة الإِسلامية، فهو يُنشر للمرة الأولى بعد أن بقي قرونًا طويلةً بعيدًا عن أيدي القُرَّاءِ. ومما يجدرُ التنبيه إليه أن "مسند الشافعي" الذي شرحه الرافعي، مستل من "كتاب الأم" النسخة المصرية التي تمثل فقه الشافعي الجديد، وللشافعي "كتاب الرسالة" المشهورة، وهو أيضًا إصداران: في العراق أولًا ثم في مصر ثانيًا، وكانت النسخة المصرية عند الإِمام أحمد بن حنبل، وهذا ما لم تكشف عنه الدراساتُ الحديثةُ، فالحمدُ للهِ على توفيقِهِ. إدارة الشؤون الإِسلامية

شكر وتقدير

شكر وتقدير إلى أستاذي الفاضل: الشيخ حسين عكاشة فقد راجع معي الكتاب وإلى أخي الحبيب الشيخ خالد الرباط صاحب دار الفلاح والأخ الفاضل أ/ محمود حمزة والأخ الفاضل/ أبي مهاب محمَّد فاروق رشاد على ما بذلوه من مجهودٍ كبير لإخراج الكتاب وإلى زوج أختي: أبو أحمد أشرف أبو زيد النزيلي على إحضاره لي المخطوط من جامعة الكويت فجزاهم الله خيرًا

مقدمة [أد أحمد معبد عبد الكريم]

مقدمة الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصَّلاةُ والسَّلامُ على سيدنا ونبينا محمَّد أشرفِ الخلقِ وخاتَمِ الأنبياءِ والمُرسلين. وبعد فإنَّ كتاب مسند الإِمام الشافعيّ لا تخفى أهميته، وشرحه هذا يضاعف تلك الأهمية، حيث إن مؤلفه الإِمام الرافعي من كبار أئمة الشافعية، ومتفق على عظيم منزلته واعتماد آرائه في المذهب الشافعي، مع اعتنائه بعلوم الحديث رواية ودراية كما يظهر هذا من خلال كتابه هذا وغيره. ثم إنَّ النسخة الخطية التي اعتُمد عليها في تحقيقِ هذا الشرح، تُعَدُّ وحيدةً في مكتبات المخطوطات المفهرسة، فهذا التحقيق والنشر الطباعي لها، يُعد إنقاذًا حقيقيًّا للكتاب من الهَلَكَةِ، التي تعرضت لها نسخ الكتاب الأخرى، كما أن في ذلك إحياء لما تضمنه هذا الشرح من معارف وآرء ونصوص لا يوجد مجموعها في غيره، ولا أعلم أن الكتاب قد طُبع قبل هذه الطبعة. وهذا من شأنه أن يحفز همم الناشرين إلى الإقبال عليه، والحرص على تعجيل طبعه. لكن الأخ الفاضل الشيخ "وائل بكر" محقق الكتاب، وكذلك بعض إخوانه الأفاضل، رغبوا إليَّ أن أكتب هذا التقديم المتواضع لتلك الطبعة الأولى للكتاب.

وقدم إليَّ الأخ المحقق ما كتبه في مقدمة التحقيق من التعريف بالإمام الشافعي، ومسنده والتعريف بالإمام الرافعي وشرحه، والتعريف بنسخة الشرح الخطية وبيان منهج تحقيق النص وتوثيقه والتعليق عليه. كما قدم لي بعض نماذج الشرح المحققة، وبعد مراجعة هذا كله، تحدثت مع الأخ المحقق في بعض الجوانب الأخرى مما لم أطَّلع عليه، وعلى ضوء ذلك أبديت له بعض الملحوظات اليسيرة في مباحث مقدمة التحقيق، فاستجاب مشكورًا لها. وبذلك يكون هذا العمل متميزًا، بما حواه من جهود متنوعة في مقدمات التحقيق، وفي إخراج النص محققًا وموثقًا ومعلقًا على ما رآه المحقق بحاجة إلى تعليق. ثم ما صُنع له من فهارس فنية تيسر الاستفادة من محتوياته، ولا سيما فهرس الرواة المعرف بهم خلال الشرح، وفهرس الأحاديث والآثار, والموضوعات، وغيرها. وأسألُ الله تعالى لنا وللأخ المحقق كل توفيق وسداد، وكذا لمن يسعى في إخراج هذا العمل إلى أيدي طلبة العلم إنه سميع مجيب. وكتب أ. د. أحمد معبد عبد الكريم أستاذ الحديث بجامعة الأزهر

مقدمة المحقق

مقدمة المحقق بسم الله الرحمن الرحيم إنَّ الحمدَ لله نحمدُهُ ونستعينُهُ ونستغفِرُهُ، ونعوذ بالله مِنْ شرورِ أنفسنا ومِنْ سيئاتِ أعمالِنا، مَنْ يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهدُ أن لا إلله إلا الله وَحْدَهُ لا شَرِيكَ له، وأشْهَدُ أنَّ محمدًا عبده ورسوله. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102)} (¬1). {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1)} (¬2). {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71)} (¬3). أما بعد: فإنَّ أصدقَ الحديثِ كتابُ الله، وخيرَ الهدي هدي محمَّد - صلى الله عليه وسلم - وشرَّ الأمورِ محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار، وبعد: فإن من أعظم حقوق علمائنا السابقين علينا أن نعمل على نشر كتبهم بعد ضبطها ضبطًا صحيحًا، فإن لم نستطع السداد فلنقارب؛ فإن علماءنا قد بذلوا جهدًا كبيرًا وعناءً وسهرًا حتى يقدموا لأمة الحبيب هذه الثمرات الطيبة، بل إن من علمائنا وسلفنا الصالح من كان يسافر السفر الطويل الشاق من أجل التقصي والبحث والضبط، فرحم الله سلفنا ¬

_ (¬1) آل عمران: 102. (¬2) النساء: 1. (¬3) الأحزاب: 70 - 71.

الصالح، وجازهم يا الله عنا خير الجزاء. وإن من البر والإحسان أن نعمل على تقديم كل نافع ومفيد إلى طلبة العلم حتى يتزودوا به ويتسلحوا لأعداء هذا الدين، فنحن الآن والله نواجه حربًا على ديننا الحنيف، والواجب علينا هو طلب العلم الشرعي والتسلح به، ونشر كتب السلف الصالح. وإنه ليسعدني أن أقدم إلى أحبتي وإخواني في الله كتاب: "شرح مسند الشافعي" وهو كتاب نافع مفيد -إن شاء الله تعالى- يحوي من درر الفوائد الفقهية، وغرر العوائد الحديثية، ما تقر به الأعين، فلا يستغني عنه طالب فقه ولا حديث بإذن الله تعالى، سائلًا الله -عَزَّ وَجَلَّ- أن ينفع به المسلمين، وأن يسدد خطانا في سبيل ضبط ونشر كتب سلفنا الصالحين، رحمة الله عليهم أجمعين، والحمد لله رب العالمين. وقد قمت بعمل مقدمة لهذا العمل الطيب المبارك، احتوت على ثلاثة أبواب: الأول: "الإِمام الشافعي ومسنده". الثاني: "التعريف بالإمام الرافعي وشرحه". الثالث: "منهج العمل في تحقيق الكتاب".

الباب الأول "مسند الإمام الشافعي"

الباب الأول "مسند الإِمام الشافعي" وفيه مباحث: الأول: التعريف بالإمام الشافعي. الثاني: مسند الشافعي. الثالث: التعريف بالإمام الربيع راوي المسند. الرابع: التعريف بالإمام أبي العباس الأصمّ جامع المسند. الخامس: عناية العلماء بمسند الشافعي.

المبحث الأول "التعريف بالإمام الشافعي"

المبحث الأول "التعريف بالإمام الشافعي" (¬1) محمَّد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبيد بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب بن عبد مناف بن قصي بن كلاب ابن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب، الإِمام عالم العصر، ناصر الحديث، فقيه الملة، أبو عبد الله القرشي ثم المطلبي الشافعي المكي، الغزي المولد، نسيب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وابن عمه؛ فالمطلب هو أخو هاشم والد عبد المطلب. مولده ونشأته: ولد الإِمام الشافعي في سنة خمسين ومائة، وهي السنة التي توفي فيها الإِمام أبو حنيفة النعمان رحمه الله. والمشهور الذي عليه الجمهور أنه ولد بغزة وقيل عسقلان، وقيل: باليمن. قال البيهقي: والذي يدل عليه سائر الروايات من ولادته بغزة ثم حمله منها إلى عسقلان ثم إلى مكة أشهر (¬2). ومات أبوه إدريس شابًّا فنشأ محمَّد يتيمًا في حجر أمه فخافت عليه ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في: "التاريخ الكبير" 1/ 42، "الجرح والتعديل" 7/ 201، "حلية الأولياء" 9/ 63 - 161، "مناقب الشافعي" للبيهقي 1/ 76، "تاريخ بغداد" 2/ 56 - 76، "صفوة الصفوة" 2/ 165، "تهذيب الأسماء والصفات" 1/ 44 - 67، "وفيات الأعيان" 4/ 163 - 169، "سير أعلام النبلاء" 10/ 5 - 99، "الوافي بالوفيات" 2/ 171 - 181، "البداية والنهاية" 10/ 691 - 694، "طبقات الشافعية" للإسنوي 1/ 11 - 14. (¬2) "مناقب الشافعي" للبيهقي 1/ 75.

طلبه للعلم

الضيعة فتحولت به إلى مكة وهو ابن عامين فنشأ بمكة. طلبه للعلم: أقبل الإِمام الشافعي رضي الله عنه على طلب العلم منذ الصغر، وكان قبل ذلك مقبلًا على الرمي حتى فاق فيه الأقران، وصار يصيب من عشرة أسهم تسعةً، ثم أقبل على العربية والشعر فبرع في ذلك كله. يقول الشافعي عن نفسه: كنت يتيمًا في حجر أمي فدفعتني إلى الكتاب، ولم يكن عندها ما تعطي المعلم، وكان المعلم قد رضي من أن أَخْلُفَهُ إذا قام، فلما جَمَعْتُ القرآن دخلت المسجد، فكنت أجالس العلماء، وكنت أسمع الحديث والمسألة فأحفظهما، فلم يكن عند أمي ما تعطيني أشتري به القراطيس، فكنت أنظر إلى العظم فآخذه فأكتب فيه فإذا امتلأ طرحته في جرّة، فاجتمع عندي حُبَّان -جرة ضخمة-. (¬1) قال مصعب بن عبد الله الزبيري: كان الشافعي في ابتداء أمره يطلب الشعر وأيام الناس والأدب، ثم أخذ في الفقه بعد، وكان سبب أخذ الفقه: أنه كان يومًا يسير على دابة له وخلفه كاتب لأبي، فتمثل الشافعي بيت شعر، فقرعه كاتب أبي بسوط، ثم قال له: مثلك تذهب مروءته في مثل هذا، أين أنت من الفقه؟ قال: فهزه ذلك، فقصد مجالس الزنجيّ بن خالد وكان مفتي مكة، ثم قدم علينا فلزم مالك بن أنس. (¬2) أخذ الشافعي العلم ببلده عن: مسلم بن خالد الزنجي مفتي مكة، وداود بن عبد الرحمن العطار، وعمه محمَّد بن علي بن شافع فهو ابن ¬

_ (¬1) رواه ابن أبي حاتم في "آداب الشافعي" ص 24، وأبو نعيم في "الحلية" 9/ 73، والبيهقي في "مناقب الشافعي" 1/ 92. (¬2) رواه أبو نعيم 9/ 70 - 71، والبيهقي في "مناقب الشافعي" 1/ 96.

عم العباس جد الشافعي، وسفيان بن عيينة، وعبد الرحمن بن أبي بكر المليكي، وسعيد بن سالم، وفضيل بن عياض، وعدة. وارتحل وهو ابن نيف وعشرين سنة وقد أفتى وتأهَّل للإمامة إلى المدينة، فحمل عن مالك بن أنس "الموطأ" عرضه من حفظه، وقيل: من حفظه لأكثره، وحمل عن إبراهيم بن أبي يحيى فأكثر، وعبد العزيز الدراوردي, وعطاف بن خالد، وإسماعيل بن جعفر، وإبراهيم بن سعد، وطبقتهم. وأخذ باليمن عن: مطرف بن مازن، وهشام بن يوسف القاضي، وطائفة. وببغداد عن: محمَّد بن الحسن فقيه العراق ولازمه وحمل عنه وقر بعير، وعن إسماعيل بن علية، وعبد الوهاب الثقفي، وخلق. وصنف التصانيف، ودون العلم، وردَّ على الأئمة متبعًا الأثر، وصنف في أصول الفقه وفروعه، وبَعُدَ صيته، وتكاثر عليه الطلبة. حدث عنه: الحميدي، وأبو عبيد القاسم بن سلام، وأحمد بن حنبل، وسليمان بن داود الهاشمي، وأبو يعقوب يوسف البويطي، وأبو ثور إبراهيم بن خالد الكلبي، وحرملة بن يحيى، وموسى بن أبي الجارود المكي، وعبد العزيز المكي صاحب "الحيدة"، وحسين بن علي الكرابيسي، وإبراهيم بن المنذر الحزامي، والحسن بن محمَّد الزعفراني، وأحمد بن محمَّد الأزرقي، وأحمد بن سعيد الهمداني، وأحمد بن أبي شريح الرازي، وأحمد بن يحيى بن وزير المصري، وأحمد بن عبد الرحمن الوهبي، وابن عمه إبراهيم بن محمَّد الشافعي، وإسحاق بن راهويه، وإسحاق بن بهلول، وأبو عبد الرحمن أحمد بن يحيى الشافعي المتكلم، والحارث بن سريج النقال، وحامد بن يحيى البلخي، وسليمان بن داود المهري، وعبد العزيز بن عمران بن مقلاص، وعلي بن

مناقبه وأقوال العلماء فيه

معبد الرقي، وعلي بن سلمة اللبقي، وعمرو بن سواد، وأبو حنيفة قحزم بن عبد الله الأسواني، ومحمد بن يحيى العدني، ومسعود بن سهل المصري، وهارون بن سعيد الأيلي، وأحمد بن سنان القطان، وأبو الطاهر أحمد بن عمرو بن السرح، ويونس بن عبد الأعلى، والربيع ابن سليمان المرادي، والربيع بن سليمان الجيزي، ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم، وبحر بن نصر الخولاني، وخلق سواهم (¬1). مناقبه وأقوال العلماء فيه: صنف كبار العلماء في مناقب هذا الإِمام قديمًا وحديثًا، ونال بعض الناس منه غضًّا فما زاده ذلك إلا رفعة وجلالة، ولاح للمنصفين أن كلام أقرانه فيه بهوى، وقلَّ من برز في الإمامة وردَّ على من خالفه إلا وعودي نعوذ بالله من الهوى، وهذه الأوراق تضيق عن مناقب هذا السيد. فأما جدهم السائب المطلبي، فكان من كبراء من حضر بدرًا مع الجاهلية فأسر يومئذ، وكان يشبَّه بالنبي - صلى الله عليه وسلم -، ووالدته هي الشفاء بنت أرقم بن نضلة ونضلة هو أخو عبد المطلب جد النبي - صلى الله عليه وسلم -، فيقال: إنه بعد أن فدى نفسه أسلم. وابنه شافع له رؤية، وهو معدود في صغار الصحابة. وولده عثمان تابعي، لا أعلم له كبير رواية. وكان أخوال الشافعي من الأزد. قال المزني: ما رأيت أحسن وجهًا من الشافعي - رحمه الله - وكان ربما قبض على لحيته فلا يفضل عن قبضته. ¬

_ (¬1) انظر: "تاريخ بغداد" 2/ 56 - 57، "سير أعلام النبلاء" 10/ 5 - 8.

عقيدته

وقال أبو عبيد: ما رأيت أعقل من الشافعي. وقال يونس الصدفي: ما رأيت أعقل من الشافعي، ناظرته يومًا في مسألة ثم افترقنا ولقيني فأخذ بيدي ثم قال: يا أبا موسى ألا يستقيم أن نكون إخوانا وإن لم نتفق في مسألة. قال الذهبي: هذا يدل على كمال عقل هذا الإِمام وفقه نفسه، فما زال النظراء يختلفون. وقال معمر بن شبيب: سمعت المأمون يقول: قد امتحنت مُحَمَّد ابن إدريس في كل شيء فوجدته كاملًا. وقال أحمد بن مُحَمَّد ابن بنت الشافعي: سمعت أبي وعمي يقولان: كان سفيان بن عيينة إذا جاءه شيء من التفسير والفتيا التفت إلى الشافعي فيقول: سلوا هذا. وقال تميم بن عبد الله: سمعت سويد بن سعيد يقول: كنت عند سفيان، فجاء وجلس فروى ابن عيينة حديثًا رقيقًا فغشي على الشافعي، فقيل: يا أبا مُحَمَّد مات مُحَمَّد بن إدريس، فقال ابن عيينة: إن كان مات فقد مات أفضل أهل زمانه (¬1). عقيدته: كان الشافعي على عقيدة أهل السنة والجماعة مبغضًا لما سواها. قال الحاكم: سمعت أبا سعيد بن أبي عثمان، سمعت الحسن ابن صاحب الشاشي، سمعت الربيع، سمعت الشافعي وسئل عن القرآن فقال: أف أف القرآن كلام الله، من قال: مخلوق؛ فقد كفر. وقال أبو داود وأبو حاتم: عن أبي ثور، سمعت الشافعي يقول: ما ¬

_ (¬1) انظر: "سير أعلام النبلاء" 10/ 17.

ارتدى أحد بالكلام فأفلح. وقال محمَّد بن يحيى بن آدم: حدثنا ابن عبد الحكم، سمعت الشافعي يقول: لو علم الناس ما في الكلام والأهواء لفروا منه كما يفرون من الأسد. وقال الزبير بن عبد الواحد: أخبرني علي بن محمَّد بمصر، حدثنا محمَّد بن عبد الله بن عبد الحكم قال: كان الشافعي بعد أن ناظر حفصًا الفرد يكره الكلام، وكان يقول: والله لأن يفتي العالم فيقال: أخطأ العالم خير له من أن يتكلم فيقال: زنديق، وما شيء أبغض إلي من الكلام وأهله. قال الذهبي: هذا دال على أن مذهب أبي عبد الله أن الخطأ في الأصول ليس كالخطأ في الاجتهاد في الفروع (¬1). قال المزني: سمعت الشافعي يقول: من تعلم القرآن عظمت قيمته، ومن تكلم في الفقه نما قدره، ومن كتب الحديث قويت حجته، ومن نظر في اللغة رق طبعه، ومن نظر في الحساب جزل رأيه، ومن لم يصن نفسه لم ينفعه علمه. وروى عبد الله بن أحمد بن حنبل، عن أبيه قال: كان الشافعي إذا ثبت عنده الخبر قلده، وخير خصلة كانت فيه: لم يكن يشتهي الكلام إنما همته الفقه. وقال الربيع: سمعت الشافعي يقول: المراء في الدين يقسي القلب ويورث الضغائن. وسمعنا الشافعي يقول: حكمي في أهل الكلام أن يضربوا ¬

_ (¬1) انظر: "سير أعلام النبلاء" 10/ 19.

بالجريد، ويحملوا على الإبل، ويطاف بهم في العشائر ينادى عليهم: هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة، وأقبل على الكلام. وقال الربيع: سمعت الشافعي يقول: الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص. وسمعته يقول: تجاوز الله عما في القلوب، وكتب على الناس الأفعال والأقاويل. وعن الشافعي قال: ما كابرني أحد على الحق ودافع إلا سقط من عيني، ولا قبله إلا هبته واعتقدت مودته. وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: سمعت أبي يقول: قال الشافعي: أنتم أعلم بالأخبار الصحاح منا، فإذا كان خبر صحيح فأعلمني حتى أذهب إليه كوفيًّا كان أو بصريًّا أو شاميًّا. وقال حرملة: قال الشافعي: كل ما قلته فكان من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خلاف قولي مما صح فهو أولى، ولا تقلدوني. وقال الربيع: سمعت الشافعي يقول: إذا وجدتم في كتابي خلاف سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقولوا بها ودعوا ما قلته. وسمعته يقول وقد قال له رجل: تأخذ بهذا الحديث يا أبا عبد الله؟ فقال: متى رويت عن رسول الله حديثًا صحيحًا ولم آخذ به فأشهدكم أن عقلي قد ذهب. وقال الحميدي: روى الشافعي يومًا حديثًا، فقلت: أتأخذ به؟ فقال: رأيتني خرجت من كنيسة، أو علي زنار حتى إذا سمعت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حديثًا لا أقول به. قال الربيع: وسمعته يقول: أي سماء تظلني وأي أرض تقلني إذا رويت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حديثًا فلم أقل به.

ويروى أنه قال: إذا صح الحديث فهو مذهبي، وإذا صح الحديث فاضربوا بقولي الحائط. ومن أقواله رضي الله عنه: (¬1) بئس الزاد إلى المعاد العدوان على العباد. وعنه: ما رفعت من أحد فوق منزلته إلا وضع مني بمقدار ما رفعت منه. وعنه: ضياع العالم أن يكون بلا إخوان، وضياع الجاهل قلة عقله، وأضيع منهما من واخى من لا عقل له. وعنه: إذا خفت على عملك العجب فاذكر رضى من تطلب، وفي أي نعيم ترغب، ومن أي عقاب ترهب؛ فمن فكر في ذلك صغر عنده عمله، آلات الرياسة خمس: صدق اللهجة، وكتمان السر، والوفاء بالعهد، وابتداء النصيحة، وأداء الأمانة. قال محمَّد بن عصمة الجوزجاني: سمعت الربيع، سمعت الشافعي يقول: ثلاثة أشياء دواء من لا دواء له، وأعيت الأطباء مداواته: العنب ولبن اللقاح وقصب السكر، لولا قصب السكر ما أقمت ببلدكم. وسمعته يقول: كان غلامي أعشى لم يكن يبصر باب الدار؛ فأخذت له زيادة الكبد فكحلته بها فأبصر. وعنه: عجبًا لمن تعشى البيض المسلوق فنام كيف لا يموت؟!. وعنه: الفول يزيد في الدماغ، والدماغ يزيد في العقل. وعنه: لم أر أنفع للوباء من البنفسج يدهن به ويشرب. ¬

_ (¬1) انظر: "مناقب الشافعي" للبيهقي 2/ 122، "سير أعلام النبلاء" 10/ 41.

وعن الشافعي: العلم ما نفع، ليس العلم ما حفظ. وعنه: اللبيب العاقل هو الفطن المتغافل. وعنه: لو أعلم أن الماء البارد ينقص مروءتي ما شربته. وقيل له: ما لك تكثر من إمساك العصا ولست بضعيف؟ قال: لأذكر أني مسافر. وقال: من لزم الشهوات لزمته عبودية أبناء الدنيا. وقال: الخير في خمسة: غنى النفس، وكف الأذى، وكسب الحلال، والتقوى، والثقة بالله. وعنه: أنفع الذخائر التقوى وأضرها العدوان. وعنه: اجتناب المعاصي وترك ما لا يعنيك ينور القلب عليك بالخلوة، إياك ومخالطة السفهاء ومن لا ينصفك، إذا تكلمت فيما لا يعنيك ملكتك الكلمة ولم تملكها. وعنه: لو أوصى رجل بشيء لأعقل الناس صرف إلى الزهاد. وعنه: سياسة الناس أشد من سياسة الدواب. وعنه: العاقل من عَقَلَهُ عَقْلُه عن كل مذموم. وعنه: للمروءة أركان أربعة حسن الخلق والسخاء والتواضع والنسك. وعنه: لا يكمل الرجل إلا بأربع: بالديانة والأمانة والصيانة والرزانة. وعنه: ليس بأخيك من احتجت إلى مداراته. وعنه: علامة الصديق أن يكون لصديق صديقه صديقًا. وعنه: من نم لك نم عليك. وعنه قال: التواضع من أخلاق الكرام، والتكبر من شيم اللئام، التواضع يورث المحبة والقناعة تورث الراحة.

مصنفاته

وقال: أرفع الناس قدرًا من لا يرى قدره، وأكثرهم فضلا من لا يرى فضله. وقال: ما ضحك من خطأ رجل إلا ثبت صوابه في قلبه. مصنفاته: (¬1) 1 - " الرسالة" وهو أول مؤلف ظهر في علم الأصول. 2 - "الحجة" وهو الذي أملاه على تلامذته بالعراق، ويُعبَّر عن مسائله بأنها مذهب الشافعي القديم. 3 - "أحكام القرآن" وهو كتاب عظيم النفع، ونموذج رائع في الكتابة الفقهية الأصلية. 4 - "إبطال الاستحسان" يرد فيه على الحنفية القائلين به. 5 - "جماع العلم" وهو انتصار للسنة والعمل بها. 6 - "إثبات النبوة والرد على البراهمة". 7 - "المبسوط" في الفقه رواه عنه الربيع بن سليمان والزعفراني. وفاته: توفي الإِمام الشافعي -رَضِيَ الله عَنْهُ- في سنة 204 هـ بمصر، حيث وافته المنية بأرضها وفيها كان الشافعي قد تكامل نموه، ونضجت آراؤه، ورأى في مصر ما لم يكن رآه من قبل من عرف، وحضارة، وآثار للتابعين. ¬

_ (¬1) انظر: "سير أعلام النبلاء" 10/ 5 - 99، "معجم المؤلفين" 3/ 116.

المبحث الثاني "التعريف بمسند الشافعي"

المبحث الثاني "التعريف بمسند الشافعي" " مسند الإِمام الشافعي" مسند معروف متداول بين أهل الحديث والفقه، وهو كتاب لم يؤلفه الإِمام الشافعي رحمه الله، وإنما التقط من رواية أبي العباس الاسم عن الربيع بن سليمان المرادي عن الشافعي من كتاب الأم وغيره فهو ينسب إلى الشافعي باعتبار أنه مجموع من رواياته الحديثية إلا أنه لم يستوعب جميع روايات الشافعي في كتبه. وقد أشار إلى ذلك الإِمام الرافعي في مقدمة شرحه هذا وعزا هذا الجمع والإخراج إلى الإِمام أبي العباس مُحَمَّد بن يعقوب بن يوسف الاسم، وقال ابن حجر في "تعجيل المنفعة": إن الشافعي لم يعمل هذا المسند وإنما التقطه بعض النيسابوريين من "الأم" وغيرها من مسموعات أبي العباس الأصم التي كان انفرد بروايتها عن الربيع وبقي من حديث الشافعي شيء كثير لم يقع في هذا المسند، ويكفي في الدلالة على مالك قول إمام الأئمة أبي بكر ابن خزيمة: إنه يعرف عن النبي - صلى الله عليه وسلم - سنة لم يودعها الشافعي كتابه أ. هـ، وكم من سنة وردت عنه - صلى الله عليه وسلم - لا توجد في هذا المسند أهـ. (¬1) وقال الروداني في "صلة الخلف": مسند الإِمام الشافعي رحمه الله وهو الأحاديث التي أسند الشافعي مرفوعها وموقوفها ووقعت في مسموع أبي العباس الأصم عن الربيع بن سليمان من كتاب "الأم" والمبسوط إلا أربعة أحاديث رواها الربيع عن البويطي عن الشافعي التقطها مُحَمَّد بن ¬

_ (¬1) 1/ 238 - 239.

مطر النيسابوري من الأبواب لأبي العباس الأصم وقيل: بل جردها الأصم لنفسه (¬1). قلت: ومع صغر حجم هذا المسند وقلة أحاديثه بالنسبة لمرويات الإِمام الشافعي رحمه الله إلا أنه التقط كيف اتفق فجاء غير مرتب وكثير التكرار، حتى إن الإِمام الرافعي في شرحه كثيرًا ما يعلق على ذلك فيقول: ولا أدري لِمَ ذكره أبو العباس هنا ثانية وهو معاد بلا فائدة. وقال الحافظ ابن حجر في "تعجيل المنفعة": ولم يرتب الذي جمع أحاديث الشافعي أحاديثه المذكورة لا على المسانيد ولا على الأبواب وهو قصور شديد فإنه التقى بالتقاطها من كتب "الأم" وغيرها كيف اتفق؟ ولذلك وقع فيه تكرار في كثير من المواضع. أهـ. (¬2) وقال الروداني في "صلة الخلف": ولم يرتبها -يعني المجرِّد لها- ولذلك وقع فيه تكرار في غير ما موضع. أهـ (¬3) قلت: قد تبين لي من خلال كلام أهل العلم مع طول صحبتي للمسند من خلال عملي في شرح الإِمام الرافعي له بعض المعالم التي تتعلق بمنهج استخراج هذا المسند وترتيبه أُجْمِلها فيما يلي: 1 - أن أحاديث المسند مسرودة فيه على غير ترتيب ولا نسق وإنما هي مخرجة من أماكنها في كتب الشافعي ولا تكاد أحاديثها تنتظم ولا يتبع بعضها بعضًا ولا يفهم كل حديث منها لِمَ أخرجه الشافعي إلا بعد نظر وتَدَبُّر ورجوع إلى كتب الشافعي، ولعل الشافعي يكون قد أخرج ذلك الحديث لمعنى ويشتمل الحديث على غيره من المعاني فيظن أنه ¬

_ (¬1) ص 41. (¬2) 1/ 239. (¬3) ص 41.

إنما أخرجه لمعنى غير المعنى الذي أخرجه من أجله. 2 - ومنها أن كثيرًا من الأحاديث قد جاء في المسند في غير موضعه من أحكام الفقه التي ذكر فيها كما في كتاب "الرسالة" وكتاب "اختلاف الأحاديث" وكتاب "اختلاف الشافعي ومالك" وغيرها، وكل واحد من هذه الأحاديث المودعة في هذه الكتب المذكورة هو دليل على حكم فقهي هو أول المواضع به؛ وإنما أورده الشافعي في هذه الكتب لبيان ما تضمنه اسم الكتاب المودع فيه من الفقه. 3 - وأيضًا فإنه قد قرن بين بعض الكتب الفقهية والتي من الأولى أن تفرد كـ "كتاب الأشربة وفضائل قريش" وهو قد أفرد كتاب "الأشربة" من بعد. 4 - وأيضًا فإن بعض الأبواب الفقهية قد اشتملت على أحاديث لا تتعلق بها. 5 - وأيضًا فإن من الأحاديث ما قد تكرر أحيانا لفائدة كأن يروى مرسلًا ثم موصولًا، وأحيانا على الشك ثم بدونه، وإما بغير فائدة تتضح حتى للإمام الرافعي وهو يشرح الكتاب كما تقدم تصريحه بذلك. 6 - وأيضًا فأحاديث المسند غير مرتبة على ترتيب أبواب الفقه المعتادة ولذا فقد يبذل الباحث جهدًا في الوصول إلى الحديث في مظنته. 7 - كما أن الإِمام الأصمّ قد ذكر بعض أقوال الشافعي الفقهية عقب الأحاديث وقد عابه على إيرادها الإِمام الرافعي وهذا قليل نادر. 8 - أخطأ الإِمام الأصم على الشافعي في بعض الأحاديث، وقد أوضح ذلك الإِمام البيهقي - رحمه الله - في كتابه "بيان خطأ من أخطأ على الشافعي". كذا بيَّن والإمام الرافعي في "شرحه" هذا وغيرهما.

9 - بعض الأحاديث لم يروها الربيع عن الشافعي مباشرة وإنما رواها عن البويطي عن الشافعي استثباتًا منه، وأحيانًا يرويها مرة أخرى عن الشافعي بدون واسطة وهذا قليل جدًّا. 10 - هناك بعض الأحاديث لم يصرح الربيع بسماعها من الشافعي وفيها يقول: قال الشافعي. هذه بعض المعالم الرئيسية التي ظهرت لي في منهج جمع وتخريج مسند الشافعي والله سبحانه وتعالى أعلم.

المبحث الثالث "التعريف بالإمام الربيع" راوي المسند

المبحث الثالث "التعريف بالإمام الربيع" راوي المسند (¬1) الربيع بن سليمان بن عبد الجبار بن كامل، الإِمام، المحدث، الفقيه، الكبير، بقية الأعلام، أبو مُحَمَّد المرادي مولاهم المصري المؤذن، صاحب الإِمام الشافعي، وناقل علمه، وشيخ المؤذنين بجامع الفسطاط، ومستملي مشايخ وقته. مولده: ولد الربيع المرادي في سنة أربع وسبعين ومائة أو قبلها بعام. طلبه للعلم وأقوال العلماء فيه: كان الربيع المرادي من أكابر العلماء حيث إنه بلغ منزلة رفيعة واشتهر وازدحم عليه أصحاب الحديث. ولم يكن صاحب رحلة، فأما ما يروى أن الشافعي بعثه إلى بغداد بكتابه إلى أحمد بن حنبل فغير صحيح. سمع: عبد الله بن وهب، وبشر بن بكر التنيسي، وأيوب بن سويد الرملي، ومحمد بن إدريس المطلبي، ويحيى بن حسان، وأسد السنة، وسعيد بن أبي مريم، وأبا صالح، وعددًا كثيرًا. حدث عنه: أبو داود، وابن ماجه، والنسائي، وأبو عيسى بواسطة ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في "السير" 12/ 587، "الجرح والتعديل" 3/ 464، "طبقات الفقهاء" للشيرازي ص 79، "تهذيب الكمال" ص 407، 408، "تهذيب التهذيب" 1/ 219، 3/ 245، 246 "تذكرة الحفاظ" 2/ 586, 587، "العبر" 2/ 45، "طبقات الشافعية" للسبكي 2/ 132، 139، "البداية والنهاية" 11/ 148، "طبقات الحفاظ" ص 252، "شذرات الذهب" 2/ 159، "المنتظم" 5/ 77.

في كتبهم، والواسطة الذي في "الجامع" هو مُحَمَّد بن إسماعيل السلمي، ومنهم: أبو زرعة، وأبو حاتم، وزكريا الساجي، وصالح بن مُحَمَّد، وابن أبي دؤاد، وابن صاعد، وأبو نعيم عبد الملك بن عدي، وأبو جعفر الطحاوي، وأبو بكر بن زياد النيسابوري، وعبد الرحمن بن أبي حاتم، ومحمد بن هارون الروياني، وأبو عوانة الإسفراييني، وأبو الحسن بن جوصا، وأبو علي بن حبيب الحصائري، وعيسى بن موسى البلدي، وأحمد بن بهز الفارسي، وأبو العباس الأصم، وأحمد بن مسعود العكري، وأبو الفوارس بن الصابوني، وخلق كثير من المشارقة والمغاربة. وطال عمره واشتهر اسمه وازدحم عليه أصحاب الحديث، ونعم الشيخ كان؛ أفنى عمره في العلم ونشره. قال النسائي وغيره: لا بأس به، وقال أبو سعيد بن يونس وغيره: ثقة. ورووا عن الربيع أنه قال: كل محدث حدث بمصر بعد ابن وهب كنت مستمليه. وقال علي بن قديد المصري: كان الربيع يقرأ بالألحان. وروي عن الشافعي أنه قال للربيع: لو أمكنني أن أطعمك العلم لأطعمتك، وقال أيضًا: الربيع راوية كتبي. وقال أبو عمر بن عبد البر: ذكر مُحَمَّد بن إسماعيل الترمذي أسماء من أخذ عن الربيع كتب الشافعي ورحل إليه فيها من الآفاق فسمى نحو مائتي رجل. قال أبو عمر: وكان الربيع لا يؤذن في منارة جامع مصر أحد قبله،

وكانت الرحلة إليه في كتب الشافعي، وكانت فيه سلامة وغفلة، ولم يكن قائمًا بالفقه. قال الذهبي: قد كان من كبار العلماء، ولكن ما يبلغ رتبة المزني، كما أن المزني لا يبلغ رتبة الربيع في الحديث. وقد روى أبو عيسى في "جامعه" عن الربيع بالإجازة، وقد سمعنا من طريقه "المسند" للشافعي انتقاه أبو العباس الأصم من كتاب "الأم" لينشط لروايته للرحالة وإلا فالشافعي رحمه الله لم يؤلف مسندًا. وقيل: إن هذا الشعر للربيع: صبرًا جميلا ما أسرع الفرجا ... من صدق الله في الأمور نجا من خشي الله لم ينله أذى ... ومن رجا الله كان حيث رجا وفاته: قال أبو جعفر الطحاوي: مات الربيع مؤذن جامع الفسطاط في يوم الإثنين، ودفن يوم الثلاثاء لإحدى وعشرين ليلة خلت من شوال سنة سبعين ومئتين، وصلى عليه الأمير خمارويه -يعني صاحب مصر وابن صاحبها أحمد بن طولون.

المبحث الرابع "التعريف بالإمام أبي العباس الأصم" جامع المسند

المبحث الرابع "التعريف بالإمام أبي العباس الأصم" جامع المسند (¬1) مُحَمَّد بن يعقوب بن يوسف بن معقل بن سنان، الإِمام المحدث، مسند العصر، رحلة الوقت، أبو العباس الأموي مولاهم السناني المعقلي النيسابوري الأصم، ولد المحدث الحافظ أبي الفضل الوراق. مولده: ولد أبو العباس الأصم في سنة سبع وأربعين ومائتين. كان أبوه من أصحاب إسحاق بن راهويه، وعلي بن حجر، وكان كما قال أبو عبد الله الحاكم: من أحسن الناس خطًّا. روى عنه: مُحَمَّد ابن مخلد الدوري، وعبد الرحمن بن أبي حاتم، ومحمد بن القاسم العتكي، وابنه أبو العباس الأصم. ومات سنة سبع وسبعين ومائتين. رحلاته وطلبه للعلم: رحل به أبوه على طريق أصبهان في سنة خمس وستين فسمع بها من هارون بن سليمان وأسيد بن عاصم، وبالكوفة من: أحمد بن عبد الجبار العطاردي، وأحمد بن عبد الحميد الحارثي، والحسن بن علي ابن عفان العامري، ولم يسمع بالأهواز ولا البصرة حرفًا، ثم حج وسمع بمكة من أحمد بن شيبان الرملي صاحب ابن عيينة، سمع بها منه فقط، وببغداد من: زكريا بن يحيى أسد المروزي صاحب سفيان بن عيينة، ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في "السير" (15/ 452)، "الأنساب" 1/ 294 - 297، "تاريخ دمشق" 16/ 67 - 69، "المنتظم" 6/ 386 - 387، "تذكرة الحفاظ" 3/ 860 - 864، "العبر" 2/ 273 - 274، "الوافي بالوفيات" 5/ 223، "البداية والنهاية" 11/ 232، "النجوم الزاهرة" 3/ 317، "طبقات الحفاظ" ص 354، "شذرات الذهب" 2/ 373 - 374.

وعباس الدوري، ومحمد بن إسحاق الصغاني، ويحيى بن أبي طالب، ومحمد بن عبيد الله بن المنادي، وعدة. وسمع بمصر من: مُحَمَّد بن عبد الله بن عبد الحكم، والربيع بن سليمان المرادي، وبحر ابن نصر الخولاني، وأقرانهم. وبدمشق من: مُحَمَّد بن هشام بن ملاس النميري، ويزيد بن عبد الصمد، وأبي زرعة النصري. وببيروت من: العباس بن الوليد العذري وسمع بطرسوس من أبي أمية الطرسوسي، وسمع بحمص من مُحَمَّد بن عوف وأبي عتبة أحمد بن الفرج، وبالجزيرة من: مُحَمَّد بن علي بن ميمون الرقي، وسمع المغازي من لفظ العطاردي وسمع مصنفات عبد الوهاب بن عطاء من يحيى بن أبي طالب، وسمع مصنفات زائدة و"السنن" لأبي إسحاق الفزاري من أبي بكر الصاغاني، وسمع "العلل" لعلي بن المديني من حنبل، وسمع "معاني القرآن" من مُحَمَّد بن الجهم السمري، وسمع "التاريخ" من عباس الدوري، ثم انصرف إلى خراسان وهو ابن ثلاثين سنة. سمعته يقول: حدثت بكتاب "معاني القرآن" في سنة نيف وسبعين ومائتين. وحدث بكتاب الأم للشافعي عن الربيع، وطال عمره وبَعُدَ صيته، وتزاحم عليه الطلبة، وجميع ما حدث به إنما رواه من لفظه؛ فإن الصمم لحقه وهو شاب له بضع وعشرون سنة بعد رجوعه من الرحلة ثم تزايد به واستحكم بحيث إنه لا يسمع نهيق الحمار، وقد حدث في الإِسلام ستًّا وسبعين سنة. حدث عنه: الحسين بن مُحَمَّد بن زياد القباني، وأبو حامد الأعمشي -وهما أكبر منه- وحسان بن مُحَمَّد الفقيه، وأبو أحمد بن عدي، وأبو عمرو بن حمدان، والحافظ أبو علي النيسابوري، والإمام

أبو بكر الإسماعيلي، وأبو زكريا يحيى بن مُحَمَّد العنبري، وأبو عبد الله ابن منده، وأبو عبد الله الحاكم، وأبو عبد الرحمن السلمي، وعبد الله ابن يوسف الأصبهاني، وأبو طاهر بن محمش، ويحيى بن إبراهيم المزكي، وأبو القاسم عبد الرحمن بن مُحَمَّد السراج، وأبو صادق مُحَمَّد بن أحمد بن أبي الفوارس العطار، والفقيه أبو نصر مُحَمَّد بن علي الشيرازي، وأبو بكر مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن رجاء الأديب، وأبو العباس أحمد بن مُحَمَّد الشاذياخي، وأبو نصر أحمد بن علي بن أحمد ابن شبيب الفامي، وأبو إسحاق إبراهيم بن مُحَمَّد بن علي بن معاوية العطار، وإسحاق بن مُحَمَّد بن يوسف السوسي، والحسن بن مُحَمَّد بن حبيب المفسر، وسعيد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عبدان، وأبو الطيب سهل بن مُحَمَّد بن سليمان الصعلوكي، وأبو أحمد عبد الله بن مُحَمَّد بن حسن المهرجاني، وأبو مُحَمَّد عبد الرحمن بن أبي حامد أحمد بن إبراهيم المقرئ، وعبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن بالويه المزكي، وعبيد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مهدي القشيري، وأبو الحسن علي بن مُحَمَّد بن علي الإسفراييني المقرئ، وأبو الحسين علي بن مُحَمَّد السبعي، وأبو القاسم علي بن الحسن الطهماني، وأبو نصر منصور بن الحسين المقرئ، والقاضي أبو بكر أحمد بن الحسن الحرشي الحيري، وأبو بكر مُحَمَّد بن علي بن مُحَمَّد بن حيد، وأبو سعيد مُحَمَّد بن موسى الصيرفي، وعلي بن مُحَمَّد بن أحمد بن عثمان البغدادي الطرازي، ومحمد بن إبراهيم بن جعفر الجرجاني، وأمم سواهم، وآخرون. روى عنه في الدنيا بالإجازة أبو نعيم الحافظ. قال الحاكم: كان يكره أن يقال له: الاسم؛ فكان إمامنا أبو بكر ابن إسحاق الصبغي يقول: المعقلي. قال: وإنما حدث به الصمم بعد

انصرافه من الرحلة، وكان محدث عصره، ولم يختلف أحد في صدقه، وصحة سماعاته، وضبط أبيه يعقوب الوراق لها، وكان يرجع إلى حسن مذهب وتدين. وبلغني أنه أذن سبعين سنة في مسجده. قال: وكان حسن الخلق، سخي النفس، وربما كان يحتاج إلى الشيء لمعاشه فيورق ويأكل من كسب يده، وهذا الذي يعاب به من أنه كان يأخذ على الحديث إنما كان يعيبه به من لا يعرفه؛ فإنه كان يكره ذلك أشد الكراهة ولا يناقش أحدًا فيه، إنما كان وراقه وابنه يطلبان الناس بذلك فيكره هو ذلك ولا يقدر على مخالفتهما. سمع منه الآباء والأبناء والأحفاد، وكفاه شرفًا أن يحدث طول تلك السنين ولا يجد أحد فيه مغمزًا بحجة، وما رأينا الرحلة في بلاد من بلاد الإِسلام أكثر منها إليه؛ فقد رأيت جماعة من أهل الأندلس وجماعة من أهل طراز وإسبيجاب على بابه، وكذا جماعة من أهل فارس وجماعة من أهل الشرق. أقوال العلماء فيه: قال الحافظ أبو حامد الأعمشي: كتبنا عن أبي العباس بن يعقوب الوراق في مجلس مُحَمَّد بن عبد الوهاب الفراء سنة خمس وسبعين ومائتين. وقال الحاكم: سمعت مُحَمَّد بن الفضل بن مُحَمَّد بن إسحاق بن خزيمة سمعت جدي وسئل عن سماع كتاب "المبسوط" من أبي العباس الاسم فقال: اسمعوا منه فإنه ثقة؛ قد رأيته يسمع مع أبيه بمصر وأبوه يضبط سماعه. وقال أيضًا: سمعت يحيى بن منصور القاضي، سمعت أبا نعيم بن عدي، واجتمع جماعة يسألونه المقام بنيسابور لقراءة "المبسوط" فقال:

يا سبحان الله عندكم راوي هذا الكتاب الثقة المأمون أبو العباس الأصم وأنتم تريدون أن تسمعوه من غيره. وقال أبو أحمد الحاكم: سمعت ابن أبي حاتم يقول: ما بقي لكتاب "المبسوط" راوٍ غير أبي العباس الوراق وبلغنا أنه ثقة صدوق. لطيفة: قال أبو عبد الله الحاكم: حضرت أبا العباس يومًا في مسجده فخرج ليؤذن لصلاة العصر فوقف موضع المئذنة ثم قال بصوت عال: أخبرنا الربيع بن سليمان، أخبرنا الشافعي، ثم ضحك وضحك الناس ثم أذن. وقال: قرأت بخط أبي علي الحافظ يحث أبا العباس الأصم على الرجوع عن أحاديث أدخلوها عليه حديث الصغاني، عن علي بن حكيم، عن حميد بن عبد الرحمن، عن هشام بن عروة حديث قبض العلم، وحديث أحمد بن شيبان، عن ابن عيينة، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه: بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سرية، قال: فوقع أبو العباس: كل من روى عني هذا فهو كذاب وليس هذا في كتابي. وفاته: توفي أبو العباس في الثالث والعشرين من ربيع الآخر سنة ست وأربعين وثلاثمائة. ومات أبوه سنة سبع وسبعين ومائتين بنيسابور في أولها عن نحو ستين سنة وكان ذا معرفة وفهم. حدث عن: إسحاق بن راهويه، ومحمد بن حميد، وعدة. وعنه: ابنه، وابن أبي حاتم، ومحمد بن مخلد، وكان بديع الخط.

قال الحاكم: سمعت الأصم وقد خرج ونحن في مسجده وقد امتلأت السكة من الناس في ربيع الأول سنة أربع وأربعين وثلاثمائة، وكان يملي عشية كل يوم اثنين من أصوله، فلما نظر إلى كثرة الناس والغرباء وقد قاموا يطرقون له ويحملونه على عواتقهم من باب داره إلى مسجده فجلس على جدار المسجد وبكى طويلًا ثم نظر إلى المستملي فقال: اكتب: سمعت مُحَمَّد بن إسحاق الصغاني يقول: سمعت الأشج، سمعت عبد الله بن إدريس يقول: "أتيت يومًا باب الأعمش بعد موته فدققت الباب فأجابتني جارية عرفتني: هاي هاي تبكي يا عبد الله ما فعل جماهير العرب التي كانت تأتي هذا الباب، ثم بكى الكثير ثم قال: كأني بهذه السكة لا يدخلها أحد منكم فإني لا أسمع وقد ضعف البصر وحان الرحيل وانقضى الأجل، فما كان إلا بعد شهر أو أقل منه حتى كف بصره وانقطعت الرحلة وانصرف الغرباء فرجع أمره إلى أنه كان يناول قلمًا فيعلم أنهم يطلبون الرواية فيقول: حدثنا الربيع، وكان يحفظ أربعة عشر حديثًا وسبع حكايات فيرويها، وصار بأسوأ حال حتى توفي.

المبحث الخامس عناية العلماء بمسند الإمام الشافعي

المبحث الخامس عناية العلماء بمسند الإِمام الشافعي مسند الإِمام الشافعي مسند عالي الإسناد مجموع من مرويات الإِمام المسندة رحمه الله، ومكانته لا تخفى على أحد من طلبة العلم، وقد اعتنى به أهل العلم عناية كبيرة فسمعوه ورووه وحرصوا على إسماعه لطلبة العلم انظر في ذلك "برنامج التجيبي" (ص 119 - 120)، وبرنامج الوادي آشي (ص 201)، و"إثارة الفوائد المجموعة" للحافظ العلائي (ق 12)، و"المعجم المفهرس" (ص 39)، و""المجمع المؤسس" (2/ 191، 231، 288، 469، 555، 3/ 175، 178) كلاهما للحافظ ابن حجر، و"صلة الحلف بموصول السلف" للروداني (ص 41) وغيرها من كتب المعاجم والبرامج والمشيخات. ترتيب مسند الإِمام الشافعي: - وقد اعتنى بترتيبه بعض أهل العلم: فرتبه الأمير سنجر بن عبد الله الجاولي وكتابه قد طبع في مجلد كبير بتحقيق د. ماهر الفحل. ورتبة الإِمام أبو السعادات ابن الأثير على الأبواب الفقهية مجردًا من الأسانيد وشرحه كما سيأتي، ورتبة أيضًا الإِمام السندي وترتيبه مطبوع في مجلد متداول، ورتبة أيضًا أحمد بن عبد الرحمن الساعاتي وسمَّاه "بدائع المنن". التعريف برجاله: - وقد اعتنى برجاله أهل العلم: فترجم لهم وعرف بحالهم الحافظ الحسيني في "التذكرة برواة الكتب العشرة" وقد طبع بتحقيق د. رفعت فوزي، وأيضًا الحافظ ابن حجر العسقلاني في كتابه: "تعجيل المنفعة

برجال الأئمة الأربعة" وهو مطبوع عدة طبعات أحسنها وأوفاها بتحقيق د. إكرام الحق، وأيضًا الشيخ أبو عبد الله مُحَمَّد بن عبد الرحمن بن عبد الخالق البرشنسي في كتاب سمَّاه "أسماء رجال مسند الشافعي" كما ذكره السخاوي في "الضوء اللامع" (4/ 54). أطرافه: - وقد اعتنى بعمل أطرافه الحافظ ابن حجر العسقلاني فأدخلها في كتابه "إتحاف المهرة" وهو مطبوع بتحقيق جماعة من الباحثين بمركز السنة والسيرة النبوية بالمدينة المنورة بإشراف الدكتور/ زهير بن ناصر. شروحه: وقد شرحه جماعة من أهل العلم منهم: 1 - الإِمام أبو السعادات ابن الأثير للجزي وسماه "شافي العي بشرح مسند الشافعي" وهو شرح متميز إلا أنه حذف الأسانيد وربما تكلم على الأحاديث صحة وضعفًا مبينًا لغاته وأحكامه، وقد طبع بتحقيق أخي الفاضل الشيخ أحمد سليمان حفظه الله تعالى. 2 - الرافعي وهو كتابنا هذا وسيأتي الكلام عليه. 3 - الأمير سنجر بن عبد الله الجاوي 745 هـ، في مجلدات. 4 - الحافظ السيوطي وسمَّاه "شافي العي على مسند الشافعي" مخطوط. 5 - السندي وسمَّاه "معتمد الألمعي في حل مسند الشافعي" ولا يزال مخطوطًا. 6 - الساعاتي أحمد بن عبد الرحمن البنا فشرح ترتيبه المسمَّى بـ "بدائع المنن" في كتاب سمَّاه "القول الحسن شرح بدائع المنن".

الباب الثاني "التعريف بالإمام الرافعي وشرحه"

الباب الثاني "التعريف بالإمام الرافعي وشرحه" وفيه مباحث: الأول: التعريف بالإمام الرافعي صاحب الشرح. الثاني: أهمية شرحه المسند الشافعي. الثالث: منهج الرافعي في شرح المسند.

المبحث الأول "التعريف بالإمام الرافعي" صاحب الشرح

المبحث الأول "التعريف بالإمام الرافعي" صاحب الشرح (¬1) أولًا: اسمه ونسبه ومولده: هو شيخ الشافعية عبد الكريم بن مُحَمَّد بن عبد الكريم بن الفضل بن الحسن القزويني، الإِمام الجليل، أبو القاسم الرافعي. القزويني: نسبة إلى قزوين، وهي إحدى المدائن بأصبهان، يقال: بها باب الجنة. والرافعي: هذه النسبة لرافعان: بلدة من بلاد قزوين. قاله النووي. قال الإسنوي: سمعت قاضي القضاة جلال الدين القزويني يقول: إن "رافعان" بالعجمي مثل "الرافعي" بالعربي؛ فإن الألف والنون في آخر الاسم عند العجم كياء النسبة في آخره عند العرب، فرافعان نسبة إلى رافع، قال: ثم إنه ليس بنواحي قزوين بلدة يقال لها: رافعان، ولا رافع، بل هو منسوب إلى جدٍّ له يقال له رافع. قال الإسنوي: حكى بعض الفضلاء عن شيخه، قال: سألت القاضي مظفر الدين قاضي قزوين، إلى ماذا نسبة الرافعي؟ فقال: كتب بخطه وهو عندي في كتاب "التدوين في أخبار قزوين" أنه منسوب إلى ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في "السير" (22/ 252)، و"طبقات الشافعية الكبرى" (8/ 281)، و"طبقات الشافعية" لابن هداية (ص 218)، و"طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة" (2/ 75)، و"شذرات الذهب" لابن العماد (5/ 108)، و"تهذيب الأسماء واللغات" (2/ 264)، و"فوات الوفيات" (2/ 7)، "مرآة الجنان" (4/ 56)، و"النجوم الزاهرة" (6/ 266)، و"تاريخ ابن الوردي" (2/ 148)، و"طبقات الإسنوي" (1/ 281)، "الأعلام" (4/ 55).

رافع بن خديج -رَضِيَ الله عَنْهُ-. وحكى ابن كثير قولًا: إنه منسوب إلى أبي رافع مولى النبي - صلى الله عليه وسلم -. هذا، وقد ولد الإِمام الرافعي - رحمه الله - سنة خمس وخمسين وخمسمائة. ثانيًا: شيوخه: أما شيوخه - رحمه الله - فمن أشهرهم: 1 - والد الإِمام الرافعي (¬1). الإِمام أبو الفضل مُحَمَّد بن عبد الكريم بن الفضل بن الحسن بن الحسين الرافعي. ممن خص بعفة الذيل، وحسن السيرة، والجد في العلم والعبادة، وذلاقة اللسان، والصلابة في الدين، والمهابة عند الناس، والبراعة في العلم حفظًا وضبطًا، ثم إتقانًا وبيانًا وفهمًا ودراية، ثم أداءً ورواية. سمع الحديث وتفقه بقزوين في صباه، ثم سافر إلى الري فسمع وتفقه، ثم ارتحل إلى بغداد فسمع وتفقه وحج منها، ثم انتقل إلى نيسابور فحصل على الإِمام مُحَمَّد بن يحيى وسمع الحديث الكثير، وكان مشايخه يوقرونه؛ لحسن سيرته وشمائله ووفور فضله وفضائله، ولما عاد إلى قزوين أقبلت عليه المتفقهة فدرس وأفاد وناظر وذاكر وذكر وفسر وروى وأملى، وصنف في التفسير والحديث والفقه، وانتفع به الخواص والعوام، ثم استأثر الله به تعالى في شهر رمضان سنة ثمانين ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في "سير أعلام النبلاء" (21/ ترجمة 44) "التدوين في أخبار قزوين" (1/ 328)، و"طبقات الشافعية الكبرى" (8/ 283).

وخمسمائة. ولعل الله يوفق لما في عزمي من جمع مختصر في مناقبه أسميه بـ "القول الفصل في فضل أبي الفضل". 2 - أبو سليمان الزبيري (¬1). هو أحمد بن حسنويه بن حاجي بن حسنويه بن قاسم بن عبد الرحمن بن سهل بن السري بن سليمان بن عباد بن عبد الملك بن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير بن العوام الزبيري، ومن خطه نقلت هذا النسب. شريف أديب فقيه مناظر، وفي كل فن من علوم الشرع ناظر وبخط صالح بها أخذ، وله في أكثرها قريحة (أي: استنباط العلم بجودة الطبع) جيدة، بصير ناقد. سمع: أباه, وإسماعيل المخلدي، وغيرهما، وله الإجازة المطلقة من أبي منصور المقومي, ومن جده لأمه الواقدي الجليل الحافظ. سمعت منه جزءًا من الحديث. توفي سنة أربع وستين وخمسمائة وهو ابن ست وثمانين. 3 - أبو الفتح ابن البطي (¬2). هو محمَّد بن عبد الباقي بن أحمد بن سليمان البغدادي أبو الفتح بن البطي، مسند العراق. كان دَيِّنًا عفيفًا محبًّا للرواية صحيح الأصول، وكان حريصًا على ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في "طبقات الشافعية الكبرى" (8/ 283)، و"التدوين في أخبار قزوين" (2/ 160). (¬2) انظر ترجمته في "سير أعلام النبلاء" (20/ 481)، و"شذرات الذهب" (4/ 213).

نشر العلم صدوقًا حصَّل أكثر مسموعاته شراءً ونسخًا ووقفها. توفي يوم الخميس سابع وعشرين جمادى الأولى سنة أربع وستين وخمسمائة. 4 - أبو العلاء الهمذاني. هو الحسن بن أحمد بن الحسن بن أحمد بن سهل العطار، أبو العلاء الهمذاني، شيخ همذان وإمام العراقيين في القراءات كان لا يغشى السلاطين ولا يقبل منهم شيئًا ولا مدرسة ولا رباطًا ولا تأخذه في الله لومة لائم مع التقشف في الملبس. من تصانيفه: "زاد المسير" في التفسير، و"الوقف والابتداء" في القراءات، و"معرفة القراء". ولد سنة ثمان وثمانين وأربعمائة، وتوفي سنة تسع وستين وخمسمائة. 5 - عبد الله بن أبي الفتوح (¬1). هو أبو حامد عبد الله بن أبي الفتوح بن عمران العمراني. كان من فقهاء البلد المعتبرين، وممن تفقه عليه وتخرج به جماعة، ومن شركاء والدي رحمهما الله في التفقه وسماع الحديث ببغداد ونيسابور، وبقيت بينهما المصافاة والمودة سنين بعدما رجعا إلى قزوين، ثم حدثت بالآخرة مناقشة بينهما كما يكون مثلها من أهل العلم، ويقال: إن التحاسد بين أهل العلم من أسباب بقاء العلم فيهم, وكان يتورع عن الفتوى احتياطًا، ويسمع الحديث بعدما طعن في السنن حتى من أقرانه ويسمع الأحداث. ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في "سير أعلام النبلاء" (21/ ترجمة 94)، "طبقات الشافعية الكبرى" (8/ 283)، و"التدوين في أخبار قزوين" (3/ 233).

وكان حسن الخلق طيب النفس محسنًا إلى الفقهاء والضعفاء، نقيًّا عن المطامع الفاسدة، رقيق القلب، وربما بكى وصرخ في مجامع الناس لفكر يعتريه. توفي في ذي القعدة سنة خمس وثمانين وخمسمائة. 6 - الطالقاني (¬1). هو أحمد بن إسماعيل بن يوسف بن مُحَمَّد بن العباس الطالقاني ثم القزويني أبو الخير. إمام كثير الخير موفر الحظ من علوم الشرع حفظًا وجمعًا ونشرًا بالتعليم والتذكير والتصنيف، كان لا يزال لسانه رطبًا من ذكر الله تعالى ومن تلاوة القرآن، وربما قريء عليه الحديث وهو يصلي ويصغي إلى القاريء وينبهه إذا زل، واجتمع له مع ذلك القبول التام عند الخواص والعوام والصيت المنتشر والجاه والرفعة. وتولى تدريس النظامية ببغداد مرة، محترمًا في حريم الخلافة مرجوعًا إليه، ثم آثر العود إلى الوطن، واغتنم الناس رجوعه إليهم واستفادوا من علمه. وسمع الكثير من: الفراوي، وزاهر. وفهرست مسموعاته متداول، ومما سمع من الفراوي بقراءة تاج الإِسلام أبي سعد السمعاني ومن خطه نقلت سماعه "دلائل النبوة" وكتاب "البعث والنشور" وكتاب "الأسماء والصفات" وكتاب "الاعتقاد" للبيهقي. وكانت ولادته سنة اثنتين وثمانين وخمسمائة وهو رحمه الله خال والدتي وأبوها من الرضاع. ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في "طبقات الشافعية" لابن قاضي شهبة (2/ 24).

7 - أبو الكرم الهمذاني (¬1). علي بن عبد الكريم بن أبي العلاء العباس الهمذاني العطاء، مسند همذان، حدث عن: أبي غالب أحمد بن مُحَمَّد العدل، وحدث عنه: مُحَمَّد بن الواحد المقدس، والحافظ عبد القادر الرهاوي. 8 - الخطيب (¬2). هو أبو نصر حامد بن محمود بن علي الماوراء النهري ثم الرازي فقيه مفت مناظر محدث متقن متفنن، درس بالري مدة وتفقه عليه طائفة كثيرة وكان أصيلًا نبيلًا بهيًّا حييًا من حسن السمت والأخلاق، ولخص "صحيح البخاري" في كتابين أتعب فيهما نفسه. ولد سنة ثلاث وخمسمائة، وتوفي سنة ست وستين وخمسمائة في ربيعها الأول. 9 - أبو الحسن علي بن عبيد الله بن الحسن بن الحسين بن بابويه الرازي (¬3). كان مكثرًا شديد الحرص على جمع الحديث وكتابته وسماعه، واجتمع عنده من الكتب والأجزاء المفرقة من هذا الفن شيء كثير، وسمع من العدد الجم على قلة الرحلة وأدرك الإجازات العالية، وممن أجاز له: ابن الحصين، ومحمد بن عبد الباقي الأنصاري، وهبة الله الواسطي، والجريري، وعبد الوهاب الأنماطي، وأبو جعفر الحافظ الهمداني، والحسين الخلال، وفاطمة الجوزدانية، وأئمة البلاد المتباعدة. ¬

_ (¬1) انظر "سير أعلام النبلاء" (1/ 110). (¬2) انظر "التدوين في أخبار قزوين" (2/ 467). (¬3) انظر "التدوين في أخبار قزوين" (3/ 372).

وكان له حفظ ومعرفة بطرق الحديث وأسماء الرجال والتواريخ، وكان يسود "تاريخ الري" في أجزاء كبيرة وكثيرة ولم يتفق له نقله إلى البياض، وسمع من أهل بلده والغرباء. وروى عنه: الحافظ أبو موسى المديني في بعض "أماليه" لقيته غير مرة وكثرت استفادتي من مكتوباته وتعاليقه. وكانت ولادته سنة أربع وخمسمائة، وتوفي قريبًا من سنة تسعين وخمسمائة. 10 - مُحَمَّد بن أبي طالب أو ابن طالب بن ملكويه الضرير، أبو بكر المقرئ الجصاصي (¬1). كان متعبدًا حسن الطريقة قنوعًا عالمًا بالقراءات، نحويًّا عن طرقها أقرأ الناس مدة طويلة. سمع: الأستاذ الشافعي، وذا الفقار الحسيني، وإسماعيل المخلدي، وغيرهم. توفي سنة أربع وسبعين وخمسمائة. 11 - عبد العزيز بن الخليل بن أحمد بن الواقد بن الخليل بن عبد الله الخليلي الحافظ، أبو بكر بن أسباط (¬2). شيخ كان له هيبة ووقار وعبادة، فكان يحفظ طرفًا من الأمثال والأشعار ويوردها في محاوراته. سمع: الأستاذ الشافعي، وغيره، وكان له إجازة أبي بكر الشيروي. ¬

_ (¬1) انظر "التدوين في أخبار قزوين" (1/ 306). (¬2) انظر "التدوين في أخبار قزوين" (3/ 190).

ثالثًا: تلاميذه: من أشهر تلاميذ الإِمام الرافعي - رحمه الله -: 1 - المهلبي (¬1). أحمد بن الخليل بن سعادة بن جعفر بن عيسى المهلبي، قاضي القضاة شمس الدين أبو العباس الخويي. ولد سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة ودخل خراسان وقرأ بها الأصول على القطب المصري صاحب الإِمام فخر الدين، وقيل: بل على الإِمام نفسه، وقرأ الفقه على الإِمام الرافعي. وكان فقيهًا إمامًا مناظرًا دَيِّنًا كثير الصلاة والصيام. 2 - المنذري (¬2). عبد العظيم بن عبد القوي بن عبد الله أبو مُحَمَّد زكي الدين المنذري صاحب "الترغيب والترهيب" عالم بالحديث والعربية، تولى مشيخة دار الحديث الكاملية بالقاهرة وانقطع بها نحو عشرين سنة عاكفًا على التصنيف والتخريج والإفادة والتحديث. ولد سنة إحدى وثمانين وخمسمائة، وتوفي سنة ست وخمسين وستمائة بمصر. رابعًا: مكانته العلمية: قال ابن السبكي: أما الفقه فهو فيه عمدة المحققين وأستاذ المصنفين كأنما كان الفقه ميتًا فأحياه ونشره وأقام عماده بعدما أماته الجهل فأقبره. ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في "السير" (23/ 64)، "طبقات الشافعية الكبرى" (8/ 16). (¬2) انظر ترجمته في "السير" (23/ 320) "طبقات الشافعية الكبرى" (5/ 108).

وكان الإِمام الرافعي متضلعًا من علوم الشريعة تفسيرًا وحديثًا وأصولا، مترفعًا على أبناء جنسه في زمانه نقلا وبحثًا وإرشادًا وتحصيلا. ا. هـ. وقد أطبق المحققون في المذهب الشافعي على أن الكتب المقدمة على الشيخين الرافعي والنووي لا يعتد بشيء منها إلا بعد البحث والتمحيص والتدقيق حتى يغلب على الظن أنه راجح في المذهب هذا في حكم لم يتعرض له الشيخان أو أحدهما، فإن تعرض له الشيخان فالمعتمد ما اتفقا عليه، فإن اختلفا ولم يوجد لهما مرجح أو كان المرجح على السواء فالمعتمد قول المرجح. وقال ابن السبكي في "طبقات الشافعية" في ترجمته: اشتهر على لسان الطلبة أن الرافعي لا يصحح إلا ما كان عليه أكثر الأصحاب، وكأنهم أخذوا ذلك من خطبة كتابه "المحرر" ومن كلام صاحب "الحاوى الصغير"، واشتد نكير الشيخ الإِمام الوالد - رحمه الله تعالى - على من ظن ذلك، وبين خطأه في كتاب "الطوالع المشرقة" وغيره، ولخصت أنا كلامه فيه في كتاب "التوشيح"، ثم ذكرت أماكن رجح الرافعي فيها ما أعرف أن الأكثر على خلافه، وها أنا أَعُدُّ ما يحضرني من هذِه الأماكن: 1 - منها: الجلوس بين السجدتين، هل هو ركن طويل أو قصير؟ فيه وجهان: أحدهما: أنه طويل، قال الرافعي: حكاه إمام الحرمين عن ابن سريج، والجمهور. والثاني: أنه قصير، قال الرافعي: وهذا هو الذي ذكره الشيخ أبو مُحَمَّد في "الفروق" وتابعه صاحب "التهذيب" وغيره،

وهو الأصح، انتهى. ولعل الرافعي ينازع الإِمام في كون الجمهور على أنه طويل. 2 - ومنها: في صلاة الخوف إذا دمي السلاح الذي يحمله المصلي وعجز عن إلقائه أمسكه، وفي القضاء حينئذ قولان، قال الرافعي: نقل الإِمام عن الأصحاب أنه يقضي، وقال النووي: ظاهر كلام الأصحاب القطع به، قال الرافعي: والأقيس أنه لا يقضي، ووافقه الشيخ الإِمام. خامسًا: ثناء العلماء عليه: لقد كان لهذا العالم الجليل الحظ الأكبر من ثناء العلماء عليه بذكر صفاته وشيمه وأخلاقه؛ فلقد كان - رحمه الله - إمامًا جامعًا بين العلم والعمل فحسنت من أجل ذلك سيرته، ودونك بعض من يقوله عند بعض المترجمين له والمؤرخين لحياته: قال الإِمام الذهبي: هو شيخ الشافعية، عالم العجم والعرب، إمام الدين أبو القاسم عبد الكريم ... الخ، ثم قال: وكان من العلماء العاملين، يذكر عنه تعبُّدٌ ونسك وأحوال وتواضع، انتهت إليه معرفة المذهب. وقال أيضًا: يظهر عليه اعتناء قوي بالحديث وفنونه في "شرح المسند". وقال النووي في "تهذيبه": الرافعي من الصالحين المتمكنين، كانت له كرامات كثيرة ظاهرة. وقال أبو عمرو ابن الصلاح: أظن أني لم أر في بلاد العجم مثله، كان ذا فنون حسن السيرة، جميل الأمر.

وقال ابن السبكي: وكان - رحمه الله - ورعًا زاهدًا تقيًّا طاهر الذيل مراقبًا لله، له السيرة الرضية المرضية، والطريقة الزكية، والكرامات الباهرة. وقال أبو عبد الله مُحَمَّد بن محمَّد الإسفراييني: هو شيخنا، إمام الدين، وناصر السنة. كان أوحد عصره في العلوم الدينية، أصولا وفروعًا، مجتهد زمانه في المذهب، فريد وقته في التفسير، كان له مجلس بقزوين للتفسير ولتسميع الحديث. وقال الإسنوي في "طبقاته": صاحب "شرح الوجيز" الذي لم يُصنف في المذهب مثله، تفقه على والده وعلى غيره، وكان إمامًا في الفقه، والتفسير، والحديث، والأصول، وغيرها. طاهر اللسان في تصنيفه، كثير الأدب، شديد الاحتراز في المنقولات، ولا يطلق نقلا عن أحد غالبًا إلا إذا رآه في كلامه، فإن لم يقف عليه فيه عبَّر بقوله: وعن فلان كذا، شديد الاحتراز أيضًا في مراتب الترجيح. وقال ابن قاضي شهبة: صاحب الشرح المشهور كالعلم المنشور وإليه يرجع عامة الفقهاء من أصحابنا في هذِه الأعصار في غالب الأقاليم والأمصار، ولقد برز فيه على كثير ممن تقدمه. وقال ابن العماد: انتهت إليه معرفة المذهب ودقائقه، وكان مع براعته في العلم صالحًا زاهدًا ذا أحوال وكرامات ونسك وتواضع. سادسًا: مذهبه وعقيدته: الإِمام الرافعي - رحمه الله - شافعي الفروع، أشعري الأصول، والإمام الأشعري كان له قولان في صفات الله عَزَّ وَجَلَّ: أحدهما: التأويل.

الثاني - وهو مذهب أهل السنة والجماعة: عدم التأويل. فقد أول الإِمام الرافعي خلال الشرح "اليد" على أنها القدرة، وهذا خلاف ما عليه أهل السنة والجماعة، وقد علقت عليه في موضعه. سابعًا: مصنفاته: 1 - الإيجاز في أخطار الحجاز. قال ابن السبكي: ذكر أنه أوراق يسيرة ذكر فيها مباحث وفوائد خطرت له في سفره إلى الحج، وكان الصواب أن يقول: خطرات أو خواطر الحجاز، ولعله قال ذلك والخطأ من الناقل. 2 - الأمالي الشارحة على مفردات الفاتحة (¬1). وهو ثلاثون مجلسًا أملاها أحاديث بأسانيدها عن أشياخه على سورة الفاتحة وتكلم عليها. 3 - التدوين في أخبار قزوين (مطبوع). 4 - التذنيب (وهو بتحقيقي). مجلد علق فيه المصنف على الوجيز للغزالي. 5 - سواد العينين في مناقب الغوث أبي العلمين (مطبوع). 6 - الشرح الصغير. وهو في الفقه على مذهب الشافعي دون الشرح الكبير. 7 - شرح مسند الشافعي. الذي نحن بصدده. 8 - فتح العزيز شرح الوجيز المسمى بـ "الشرح الكبير" (مطبوع) وهو من أهم كتب الإِمام رحمه الله، ومن كتب المذهب المعتمدة. ¬

_ (¬1) وهو بتحقيق أخي الفاضل أبي عبد الله حسام عبد الله، وقد شاركته العمل فيه.

9 - المحرر في فروع الشافعية (¬1). 10 - المحمود في الفقه. قال ابن السبكي: لم يتمَّه، ذكر لي أنه في غاية البسط وأنه وصل فيه إلى أثناء الصلاة في ثمان مجلدات. تاسعًا: وفاته: توفي الإِمام الرافعي شيخ الشافعية في ذي القعدة سنة ثلاث وعشرين وستمائة. ¬

_ (¬1) وهو بتحقيقي إن شاء الله تعالى.

المبحث الثاني "أهمية شرح المسند"

المبحث الثاني "أهمية شرح المسند" اعلم أخي الحبيب أنه لا شك في أهمية كتب علمائنا وسلفنا الصالح المشهود لهم بالعلم، وخاصة كتب الشروح، واعلم أيضًا أن "شرح المسند" للإمام الرافعي هو كتاب هام يستفيد منه كل طالب علم، ويكفيك أن شارح المسند هو الإِمام الرافعي - رحمه الله - وتتلخص أهميته في التالي: 1 - أهم ما يميز الكتاب ذِكْرُهُ - رحمه الله - للحديث من المسند بكامل السند والمتن، مع الكلام على الفروق الواردة بين النسخ التي كانت لديه والتعليق عليها. 2 - كما عرَّف الإِمام الرافعي رجال المسند تعريفًا دقيقًا مع بيان طرفٍ من حالهم، وهذا مما يفرد له التصنيف من غيره ولم يَفُتْهُ إلا القليل وقد تكلمت على ما فاته قدر المستطاع. 3 - وأيضًا فإنه خرج أحاديث المسند، نعم تخريجه كان موجزًا ولكنه بين منه حكم الحديث، ولم يفته إلا القليل وقد بينته أيضًا. 4 - كما بيّن الإِمام الرافعي معاني ألفاظ وعبارات الأحاديث مع ذكر الاحتمالات الواردة فيها. 5 - وأيضًا فإنه تعقب الإِمام أبا العباس الأصم فيما أخطأ فيه على الإِمام الشافعي وبين ذلك في موضعه، كما أنه بين بعض الأوهام الواقعة لبعض الحفاظ، انظر مثلًا شرح الحديث (38). 6 - كما بيّن غريب الحديث وأوضحه إيضاحا جيدًا مع ذكر أقوال أهل الشأن في ذلك كالإِمام الخطابي والجوهري وغيرهم.

7 - كما أنه توسع في ذكر الاستدلالات الفقهية التي يمكن استنباطها من الأحاديث الواردة، وقد أجاد وأفاد رحمه الله في هذه الناحية. 8 - كما أنه كثيرا ما يذكر آراء وأقوال الفقهاء مع ذكر الاستدلالات والترجيح أحيانًا؛ لذا فإن شرحه كان غنيًّا بأحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم -. 9 - كما أنه قد نقل عن بعض الكتب التي لم نقف عليها مثل مسند مُحَمَّد بن أسلم وفوائد مُحَمَّد بن عبد الله بن عبد الحكم وغيرها. 10 - ولأهميته استفاد الكثير من علمائنا من شرحه واعتمدوا عليه، أذكر منهم: 1 - الحافظ ابن حجر العسقلاني في "فتح الباري"، انظر مثلا: - باب الاستجمار وترًا. - باب دلك المرأة نفسها إذا تطهرت من المحيض. - باب الصلاة بين السواري جماعة. - باب إذا طوَّل الإِمام وكان للرجل حاجة. - باب الجمع بين السورتين في الركعة. وأيضًا في "التلخيص الحبير" انظر (1/ 34). 2 - الزرقاني في شرحه على "الموطأ" انظر مثلا: (1/ 23)، (1/ 30)، (1/ 77)، (2/ 322). 3 - أبو الطيب في "عون المعبود" (3/ 4). 4 - السيوطي في "تنوير الحوالك" انظر مثلا: (1/ 15)، (1/ 18)، (1/ 25)، (1/ 35)، (1/ 65)، (1/ 114). وأيضًا في "تدريب الراوي" (1/ 311). وأيضًا في "الأشباه النظائر" (1/ 490). وأيضًا في "بسط الكف" (ص 18).

5 - المناوي في "فيض القدير" (4/ 376). 6 - ابن الملقن في "الخلاصة" انظر مثلا: (1/ 23)، (1/ 60)، (1/ 111). وأيضًا في "التوضيح شرح الجامع الصحيح". 7 - الخطيب الشربيني في "الإقناع" (1/ 107)، و"مغني المحتاج" (1/ 473).

المبحث الثالث "منهج الإمام الرافعي في شرح المسند"

المبحث الثالث "منهج الإِمام الرافعي في شرح المسند" قال الرافعي رحمه الله في خطبة الكتاب: وقد شرح العلماء سائر الأصول، فصنف المغاربة وأصحاب مالك -رَضِيَ الله عَنْهُ- لكتابه "الموطأ" شروحًا كثيرة، و"الصحيحان" و"سنن أبي داود" وغيرها، جمعت لإيضاحها تواليف منها ما يتعلق بحال الرواة ومنها ما يتعلق بالغريب والمعاني؛ فأردت أن أصنع بهذا "المسند" قريبًا من صنيعهم بسائر الأصول، وأفرد له شرحًا أسرد فيه الكتاب فصلًا بعد فصل، ثم أتكلم في الأسانيد والمتون بطريق متوسط فصلٍ خالٍ عن الاختلال والإخلال والإملال. ويمكن أن نجمل منهجه على ضوء كلامه هذا ومن خلال عملي في تحقيق الكتاب في التالي: يبدأ الإِمام الرافعي كلامه فيقول: "الأصل"، قاصدًا بذلك ما يريد شرحه من نص المسند، ثم يذكر حديثًا أو أكثر بإسناده ومتنه تامًّا، وهذِه ميزة يتميز بها كتابه عن غيره من شروح المسند، ثم يبدأ المصنف في الشرح على النحو التالي: 1 - التعريف برجال الإسناد وتعيينهم والكلام عليهم باختصار، فإذا كان هناك راوٍ مجروح فإنه في الغالب ما يوضح ذلك. والإمام الرافعي قد اعتمد في ترجمة الصحابة على كتاب "معرفة الصحابة" لابن منده وهو مطبوع بتحقيق الدكتور عامر صبري وقدم له شيخنا الفاضل الدكتور أحمد معبد، كما اعتمد في الكلام على باقي الرجال في الغالب على "تاريخ البخاري الكبير" و"الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم.

2 - تخريج الحديث وعزوه للكتب المشهورة، فإذا كان الحديث في "الصحيحين" أو أحدهما اكتفى المصنف بذلك وأحيانًا ما يعزوه لباقي الستة إذا كان الحديث عندهم؛ أما إذا كان الحديث خارج "الصحيحين" فإنه غالبًا ما يقتصر على كتب السنن الأربعة، وأحيانا ما يذكر بعض طرق الحديث، وأحيانا ما يهمل ذلك فأعلق عليه باختصار. 3 - يبدأ في شرح الحديث وتوضيح معانيه وكذا غريب الحديث شرحًا مناسبًا، وأحيانًا يذكر أقوال أهل اللغة كصاحب "الغريبين" وصاحب "الصحاح" وغيرهم. 4 - يذكر معظم الاستدلالات الفقهية والأحكام التي يمكن استنباطها من الحديث وكان عمله في هذه الناحية متميزًا جدًّا. 5 - كما أنه يذكر أقوال كثير من الفقهاء من عصر الصحابة والتابعين فمن بعدهم والأئمة الأربعة على وجه التحديد، كما أنه غالبًا يذكر استدلالات كل واحد منهم مع الكلام عليها. ملاحظات: - استفاد الإِمام الرافعي من الإِمام البيهقي كثيرًا وأحيانا يذكر ذلك وكثيرًا ما يبهمه فيقول: "قيل كذا، أو قال بعض العلماء كذا" ثم ينقل الكلام بتمامه عنه. - كثيرًا ما يعزو الإِمام الرافعي الحديث الذي يخرجه أو يستشهد به للشيخين؛ ولكنه ينقل لفظ الحديث من "السنن الكبير" للبيهقي. - استشهد الإِمام الرافعي في بعض المواطن من الشرح بأحاديث ضعيفة دون بيان ضعفها وقد بينت ذلك من كلام أهل الشأن بقدر المستطاع، كما أن هناك بعض الأحاديث الضعيفة في "المسند" لم يعلق عليها فعلقت عليها في الحواشي بإيجاز.

الباب الثالث "منهج العمل في تحقيق الكتاب"

الباب الثالث "منهج العمل في تحقيق الكتاب" وفيه مباحث: الأول: التوصيف العلمي للمخطوطة. الثاني: توثيق الكتاب. الثالث: منهج التحقيق. الرابع: نماذج من صور المخطوطة.

المبحث الأول "التوصيف العلمي للنسخة الخطية"

المبحث الأول "التوصيف العلمي للنسخة الخطية" اعتمدت في تحقيق "شرح المسند" على نسخة خطية فريدة لم أظفر بغيرها بعد البحث الشديد في فهارس المكتبات، ولعل هذه هي النسخة الوحيدة الموجودة للكتاب، وهي تنقسم إلى مجلدين، كل مجلد بخط مختلف: * المجلد الأول: وهو عبارة عن النسخة الخطية المحفوظة بجامعة الكويت تحت رقم (3405) م. ك مصورات عن النسخة المحفوظة بشستربتي بأيرلندا. وهي نسخة خطية متقنة عليها بلوغ مقابلات، لولا ما اعتراها من بعض الطمس. - اسم الناسخ: عبد الرحمن بن عمر بن أحمد الكرخي القزويني. - تاريخ النسخ: 655 هـ. - نوع النسخ: نسخ معتاد. - عدد الأوراق: 273 ورقة. * المجلد الثاني: وهو عبارة عن النسخة الخطية المحفوظة بجامعة الكويت تحت رقم (3409) م. ك مصورات، عن النسخة المحفوظة بشستربتي بأيرلندا. وهي نسخة خطية كثيرة التصحيفات بها سقط كبير، وحدث بها تقديم وتأخير يسر الله لي ترتيبه. - اسم الناسخ: غير معلوم. - تاريخ النسخ: في حدود القرن الثامن الهجري.

- نوع النسخ: نسخ معتاد. - عدد الأوراق: 134 ورقة.

المبحث الثاني "توثيق الكتاب"

المبحث الثاني "توثيق الكتاب" لا شك أخي الحبيب -إن شاء الله تعالى- في أن هذا الكتاب وهو "شرح المسند" من تأليف الإِمام الرافعي، والكتاب مشهور معروف بين أهل العلم، وإليك بعض ما يوثق الكتاب ويوثق النسخة الخطية المحققة: 1 - وجد على طرَّة المجلد الأول والثاني نسبة الكتاب للإمام الرافعي، كما أن المجلدين ينقسمان إلى أجزاء في بداية كل جزء ينسب الكتاب للإمام الرافعي. 2 - نسبه إليه الكثير من العلماء أذكر منهم: - الذهبي في "السير" (22/ 252 - 253). - ابن السبكي في "طبقات الشافعية" (8/ 281). - ابن العماد في "الشذرات" (5/ 108). - حاجي خليفة في "كشف الظنون" (2/ 1683). 3 - نقل الكثير من العلماء واستفاد من "شرح المسند" كما ذكرت من قبل، وهو موجود في النسخة الخطية بتمامه، أخص منهم: السيوطي في "تنوير الحوالك" فهو كثير النقل عن هذا الشرح، انظر مثلا (1/ 46) من "تنوير الحوالك" فقد نقل عن الإِمام الرافعي شرح حديث أبي قتادة في الهرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إنها من الطوافين عليكم ... "، وأيضًا (1/ 65) في الكلام على السواك.

المبحث الثالث "منهج التحقيق"

المبحث الثالث "منهج التحقيق" 1 - نسخت المجلد الأول بمشاركة أخي: هاني العشماوي، ونسخ المجلد الثاني أ/ مُحَمَّد فاروق رشاد. 2 - قابلت المجلد الأول بمشاركة أ/ مُحَمَّد فاروق رشاد، وقابل هو المجلد الثاني بمشاركة أ/ السيد محمود المر. 3 - قابلت بعض المواطن المشكلة مرة ثانية على الأصل الخطي للتثبت، كما قابلت أحاديث المسند الواردة في هذا الشرح على المسند المطبوع، كما قابلت تجارب الكتاب مع أ/ أحمد فؤاد. 4 - عزوت الآيات القرآنية الكريمة لمواضعها من المصحف الشريف. 5 - ضبطت النص وصححته وذلك بالرجوع في الغالب إلى المصادر التي يعزو إليها المؤلف أو ينقل عنها بدون تصريح مثل كتب الإِمام البيهقي، فما كان من خطأ واضح صححته، وما كان مشكلًا تركته على ما جاء في الأصل وعلقت في الهامش، كما لم أعلق على بعض التصحيفات الموجودة في الشرح وخاصة المجلد الثاني. 6 - عزوت تخريج أحاديث المسند للمصادر التي ذكرها المصنف ولم أزد عليه إلا لحاجة أوضحها. 7 - خرجت الأحاديث الواردة خلال "الشرح" من الكتب الستة و"صحيح ابن خزيمة" و"ابن حبان" و"ابن الجارود" و"الحاكم"، مع الاستشهاد لها بالصحة والاستحسان أو الضعف من كلام الأئمة المعتبرين، ولم أخرج قوله: وفي الباب عن ... حتى لا أطيل بذلك

ولم أتوسع في التخريج فقد اعتنى بذلك الشيخ مجدي عرفات في كتابه "شافي العي" والدكتور ماهر الفحل في تحقيقه ترتيب المسند لسنجر الجارلي، والدكتور رفعت فوزي في تحقيقه للمسند. 8 - رقمت الأحاديث الخاصة بالمسند. 9 - نسَّقت فقرات الكتاب، ووضعت علامات الترقيم المناسبة، فأبرزت نَصّ الحديث ليسهل الوقوف عليه. 10 - وضعت فهارس علمية للكتاب اشتملت على الآتي: - فهرس الآيات. - فهرس الأحاديث. - فهرس الآثار. - فهرس لتراجم رجال المسند. - فهرس الفوائد اللغوية. - فهرس الموضوعات. وقد بذلت قصارى جهدي في إخراج هذا الكتاب، فما كان من خطأ فمني ومن الشيطان، وما كان من توفيق فمن الله -عَزَّ وَجَلَّ- وحده، وأسأل الله -عَزَّ وَجَلَّ- أن يجعله في ميزان حسناتي، آمين. ولا أنسى أن أذكر كل من ساهم في إخراج هذا العمل الطيب جزاهم الله خيرًا: - أخي الفاضل: مصطفى أبو الغيط على اختياره هذا العمل لي. - أخي الفاضل وزوج أختي: أبو أحمد أشرف أبو زيد النزيلي على إحضاره لي المخطوط من جامعة الكويت، فإنه لم يتوانى في ذلك. - الإخوة الأفاضل: عبد المؤمن أحمد، سامح مُحَمَّد عبد المغيث، أسامة مُحَمَّد بكر، عمرو محمود رزق، مُحَمَّد عبد القادر

شرارة، إسلام عبد العزيز، إسلام أبو بكرة على تحفيزهم لي لإخراج هذا العمل. وأخيرًا لا أدعي كمالًا ولا أني أتيت بكل ما هو مطلوب لكن حسبي أني بذلت قصار جهدي على حسب الطاقة ومن الله نستمد العون والسداد؛ فإن أحسنت ووفقت فذاك من الله؛ وإن أسأت فمن نفسي ومن الشيطان، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت وإليه أنيب. وكتبه أبو بكر وائل مُحَمَّد بكر زهران شنشور - أشمون - المنوفية العاشر من ذي الحجة 1425 هـ

المبحث الرابع "نماذج من المخطوط"

المبحث الرابع "نماذج من المخطوط" ظهرية المجلد الأول

اللوحة الأولى من المجلد الثاني

ظهرية المجلد الثاني

آخر أصل الكتاب

شرحُ مسند الشافعي تأليف الإِمام العلامة حجة الإِسلام عبد الكريم بن محمَّد بن عبد الكريم بن الفضل بن الحسن القزويني أبي القاسم الرافعي الشافعي المتوفى سنة 623هـ حقَّقَه أبو بكر وائل محمَّد بكر زهران (دار الفلاح للبحث العلمي وتحقيق التراث) المجلدُ الأوَّلُ

بسم الله الرحمن الرحيم أفتتح القول بحمد الله الذي اطمأنت بذكره القلوب، وازَّينت بشكره الأفواه، وعنت لعزته الوجوه، وخضعت لعظمته الجباه، ثم أصلي على رسوله مُحَمَّد وعلى آله وصحبه ممن هاجر معه ونصره وآواه، الذين صِين بهم الدين [.. (¬1) ..] وزيد للشرع القويم المهاد، ثم نقول: إن الأحاديث والآثار التي أودعها كتُبه إمام أئمة المسلمين، وابن عم رسول رب العالمين، أبو عبد الله مُحَمَّد بن إدريس الشافعي المطلبي رَضِيَ الله عَنْهُ وأرضاه هي التي عليها اعتماده وبها اعتداده في ترتيب المذهب وتمهيده وتوطينه وتوطيده، وإنه -رَضِيَ الله عَنْهُ- أوردها إيراد محتج بها، ولم يتفق له إفراد ما أسنده ورواه بالجمع؛ لاشتغاله باستنباط الأحكام وتهذيب مسائل الحلال والحرام، وعلى ذلك مضت عصور وخلت قرون، ثم عني بجمع ما أسنده مفرقًا في الكتب جماعة من أصحاب أصحابه، منهم: أبو نعيم عبد الملك بن مُحَمَّد بن عدي الجرجاني (¬2)، روى مجموعه عنه: ابن صادق أحمد بن مُحَمَّد بن عمر (¬3)، ومنهم: أبو ¬

_ (¬1) كلمة غير واضحة بالأصل. (¬2) هو أبو نعيم الاستراباذي الإِمام الحافظ الثقة، أحد أئمة المسلمين فقهًا وحديثًا، وذو الرحلة الواسعة، ولد سنة اثنتين وأربعين ومائتين. سمع: عمر بن شبة، وعلي بن حرب، والرمادي، والربيع بن سليمان، وأبا حاتم، وأبا زرعة الرازيان، وغيرهم. روى عنه: ابن صاعد، وأبو علي الحافظ، وخلق. انظر "السير" (14/ 541). (¬3) أحمد بن مُحَمَّد بن عمر عدَّة، لكني لم أقف لابن صادق هذا على ترجمة ولعله تصحيف في الأصل.

العباس مُحَمَّد بن يعقوب بن يوسف الأصم (¬1)، ومجموعه هو المتداول بين أهل الحديث والفقه المعروف بـ "مسند الشافعي" -رَضِيَ الله عَنْهُ-، وقد سمع ما جمعه من الربيع عن الشافعي والبويطي [.. (¬2) ..]- رضي الله عنه - في "الأم" وبعض "الأمالي"، ويروي مجموعه [.. (¬3) ..] أبو زكريا يحيى بن مُحَمَّد بن إبراهيم المزّكي (¬4)، والقاضي أبو بكر [.. (¬5) ..] الحسين الحيري (¬6) وبروايته اشتهر الكتاب عند المتأخرين [.. (¬7) ..] الجم الغفير منهم: أبو القاسم الفضل بن أبي حرب الجرجاني (¬8). ¬

_ (¬1) هو: مُحَمَّد بن يعقوب بن يوسف بن معقل بن سنان، الإِمام المحدث مسند العصر، رحلة الوقت، أبو العباس الأموي، مولاهم السناني المعقلي النيسابوري الأصم. انظر: "السير" (15/ 452). (¬2) بياض في "الأصل" بمقدار ثلاث كلمات. وقد روى الربيع المسند عن الإِمام الشافعي إلا بعض الأحاديث فقد رواها عن البويطي عن الشافعي -رَضِيَ الله عَنْهُ-؛ لأنه ارتاب فيها فرواها عن البويطي، والبعض الآخر لم يسمعه الربيع من الشافعي ولم يقرأه عليه. (¬3) بياض في "الأصل" بمقدار كلمتين. (¬4) يحيى بن مُحَمَّد بن إبراهيم بن محمَّد بن يحيى المزكي أو الزكي أبو زكريا، محدِّث حافظ مسند من أهل نيسابور توفي عام 414 هـ. "تذكرة الحفاظ" 3/ 245، "معجم المؤلفين" 4/ 85. (¬5) بياض في "الأصل" بمقدار كلمتين. (¬6) هو الإِمام العالم المحدث، مسند خراسان، قاضي القضاة أبو بكر أحمد بن علي الحسين بن الحافظ أبي عمرو أحمد بن مُحَمَّد بن أحمد بن حفص، الحرشي الحيري النيسابوري الشافعي. ولد سنة خمس وعشرين وثلاث مائة، وتوفي سنة إحدى وعشرين وأربع مائة. انظر "السير" (17/ 356). (¬7) بياض في "الأصل" بمقدار كلمتين. (¬8) هو: الشيخ الثقة العابد، أبو القاسم الفضل بن أبي حرب أحمد بن مُحَمَّد بن عيسى الجرجاني، ثم النيسابوري التاجر. ولد سنة خمس وأربعمائة، وتوفي سنة ثمان وثمانين وأربعمائة. انظر "السير" (19/ 40).

[.. (¬1) ..] وأبو علي الإِمام الحسين بن شعيب السنجي (¬2) [.. (¬3) ..] على (1/ ق 2 - ب) (الإِمام [.. (¬4) ..] قدس الله روحه بروايته عن المطهر بن علي العباسي. وعن إسماعيل بن أبي سعد الصوفي عن أبي القاسم الكرخي، وعن عمر بن أحمد الصفار عن نصر الله الخشنامي وأبي القاسم الجرجاني، وعن أبي سعد مُحَمَّد بن أحمد النوقاني عن أبي الحسن المديني، بروايتهم جميعًا عن القاضي الحيري. ثم قرأت الكتاب بتمامه في مجلسين على عبد الله بن أبي الفتوح بن عمران بسماعه عن عمر الصفار بإسناده. وأرويه بالإجازة العالية عن أبي منصور الديلمي وطاهر المقدسي عن السلارمكيّ، وعن جماعة عن الشيروي رحمهم الله. ويقال: إن هذا المسند جمعه لأبي العباس: أبو عمرو بن مطر، ولم يبلغنا أن أحدًا شرح هذا الكتاب مع اشتهاره بأنه "مسند الشافعي" -رَضِيَ الله عَنْهُ-، ومع أن الأئمة أدرجوه في أصول كتب الحديث، ومع كثرة حاجة الفقهاء والمحدثين إلى مراجعته، نعم للحافظ الإِمام أبي بكر البيهقي رحمه الله كتاب "معرفة السنن والآثار" التي رواها الشافعي في كتبه، ¬

_ (¬1) بياض في "الأصل" بمقدار كلمتين. (¬2) هو الإِمام أبو علي، شيخ الشافعية، الحسن بن مُحَمَّد بن شعيب، ويقال: اسمه الحسين بن شعيب، السِّنجي المروزي. انظر "السير" (17/ 526). (¬3) بياض في "الأصل" بمقدار كلمتين. (¬4) طمس في "الأصل" بمقدار كلمة.

لكنه لا يتعلق بنظم هذا المسند، وغرضه الكلام في تصحيح رواياته وإيراد شواهدها لا الشرح المطلق.

[كتاب الطهارة]

[كتاب الطهارة] الأصل [1] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، ثنا مالك، عن صفوان بن سليم، عن سعيد بن سلمة -رجل من آل ابن الأزرق- أن المغيرة بن أبي بردة -وهو من بني عبد الدار- أخبره أنه سمع أبا هريرة (1/ ق 3 - أ) -رَضِيَ الله عَنْهُ- يقول: سأل رجل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّا نَرْكَبُ البَحْرَ وَنَحْمِلُ مَعَنَا القَلِيلَ مِنَ المَاءِ فَإِنْ تَوَضَّأنَا بِهِ عَطِشْنَا أَفَنَتَوَضَّأُ بِمَاءِ البَحْرِ؟ فقال: "هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الحِلُّ مَيْتَتُهُ" (¬1). الشرح مالك إمام دار الهجرة، أبو عبد الله بن أنس بن مالك بن أبي عامر الأصبحي المدني، انتهى العلم إليه بالحرمين وانتشرت كتبه وأصحابه ومذهبه، وعن الشافعي -رَضِيَ الله عَنْهُ- أنه قال في تصنيفه "الموطأ": ما بعد ¬

_ (¬1) "المسند" ص (7). والحديث رواه أبو داود (84)، والترمذي (69)، والنسائي (1/ 50، 7/ 207)، وابن ماجه (386، 3246)، وابن الجارود (43)، وابن خزيمة (111)، وابن حبان (243)، والحاكم (1/ 237) جميعًا من طريق مالك. قال الترمذي: حسن صحيح. ونقل الترمذي في "العلل" ص (41) عن البخاري أنه قال: هو حديث صحيح. وقال ابن حجر في "التلخيص" (1/ 8 رقم 1): ورجح ابن مندة صحته، وصححه أيضًا ابن المنذر وأبو مُحَمَّد البغوي. قلت: وصححه الشيخ الألباني في "الإرواء" (9).

كتاب الله كتاب هو أكثر صوابًا من موطأ مالك، وهمَّ هارون الرشيد بأن يعلقه في الكعبة ويحمل الناس على ما فيه؛ فمنعه مالك لورعه، وقال: إن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تفرقوا في الأمصار واختلفوا, ولكلٍّ اجتهاد فاترك الناس وما أخذوا منهم، ويذكر أنه إذا جلس مجلسه لم ينطق بشيء حتى يقول: سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العلم الحكيم. ولد سنة ثلاث أو أربع أو خمس وتسعين، ومات سنة تسع وسبعين ومائة، ودفن بالبقيع (¬1). وصفوان بن سليم أبو الحارث، ويقال: أبو عبد الله، مولى حميد ابن عبد الرحمن بن عوف، سمع: عطاء بن يسار، وحميد بن عبد الرحمن. روى عنه: مالك، وسفيان بن عيينة، والدراوردي، وغيرهم، مات سنة أربع وعشرين ومائة. وعن ابن عيينة أنه قال: كنت إذا رأيته علمت أنه يخشى الله تعالى (¬2). وسعيد بن سلمة يقال له: المخزومي، من آل [[بن] (¬3) الأزرق، وعكس بعض الرواة الاسمين، فقال: سلمة بن سعيد، وبدل بعضهم فقال: عبد الله بن سعيد. ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (7/ ترجمة 1323)، و"الجرح والتعديل" (8/ ترجمة 902)، و"التهذيب" (27/ ترجمته 5728). (¬2) انظر "التاريخ الكبير" (4/ الترجمة 1323)، و"الجرح والتعديل" (4/الترجمة 1858)، و"التهذيب" (13/ ترجمة 2282). (¬3) المثبت من مصادر التخريج.

روى عن سعيد: صفوان، وعمرو بن الحارث، وغيرهما (¬1). والمغيرة بن أبي بردة من بني عبد الدار، روى عنه: يحيى بن سعيد الأنصاري، وروى عن: أبي هريرة وغيره. ووهم بعضهم فقال: المغيرة بن أبي بر (¬2)، وجعل بعضهم مكانه في الإسناد عبد الله بن المغيرة، والأول أثبت (¬3). وأبو هريرة (¬4) الدوسي من مشهوري الصحابة، اسمه في الإِسلام: عبد الرحمن أو عبد الله، وفي الجاهلية: عبد شمس، أو عبد غنم، أو عبد نهم، أو سكتتين، أو عامر، كلُّ قيل، وقيل غيرها، نزل المدينة وكان قدومه على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإسلامه عام خيبر، توفي [...] (¬5) سنة ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (3/الترجمة 1599)، و"الجرح والتعديل" (4/الترجمة 115)، و"التهذيب" (10/ ترجمة 2289). (¬2) كذا في "الأصل". (¬3) انظر "التاريخ الكبير" (7/ ترجمة 1389)، و"الجرح والتعديل" (8/ ترجمة 983)، و"التهذيب" (28/ ترجمة 6123). (¬4) انظر "معرفة الصحابة" (4/ 1846، 1885)، وفيه: توفي بالعقيق، وقيل: بالمدينة سنة سبع، وقيل: ثمان، وقيل: تسع وخمسين في أيام معاوية رضي الله عنهما. (¬5) انتقل المخطوط من (1/ ق 3 - أ) إلى (1/ ق 3 - ب) إلى شرح حديث أسماء رضي الله عنها في دم الحيضة يصيب الثوب، وبذلك يكون قد سقط الحديث رقم 2 - 6 والشرح أيضًا، ورأيت من الفائدة أن أذكرهم من "المسند" "وأعلق عليهم باختصار: الحديث [2]: أنبأنا الثقة، عن الوليد بن كثير، عن مُحَمَّد بن عباد، عن عبد الله بن عبد الله بن عمر، عن أبيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا كان الماء قلتين لم يحمل نجسًا أو خبثًا". رواه أبو داود (64)، والترمذي (67)، والنسائي (1/ 46)، وابن ماجه (517)، وابن الجارود (44، 92)، وابن خزيمة (92)، وابن حبان (1249، 1253)، والحاكم (1/ 224) جميعًا من طريق عبد الله بن عبد الله بن عمر، عن أبيه. قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين، وقال ابن الملقن في "الخلاصة" (1/ 8 رقم 3): =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = وصححه ابن منده، والطحاوي، والبيهقي، والخطابي. قلت: وصححه الشيخ الألباني في "الإرواء" (1/ 60 رقم 23) وقال: وإعلال بعضهم إياه بالاضطراب مردود كما بينته في "صحيح أبي داود" (56 - 58). والثقة: هو حماد بن أسامة بن زيد القرشي، أبو أسامة الكوفي مولى بني هاشم، وقيل غيره كما جزم به الحاكم في المستدرك -روى عن: الثوري، وشعبة، والأعمش، وغيرهم. ووثقه أحمد وابن معين، ومات سنة إحدى ومائتين. انظر ترجمته في "التاريخ الكبير" (3/ ترجمة 113)، و"الجرح والتعديل" (3/ ترجمة 600)، و"التهذيب" (7/ ترجمة 1471). والوليد بن كثير: هو القرشي المخزومي، مولاهم أبو مُحَمَّد المدني، سكن الكوفة. روى عن: سعيد المقبري، والزهري، ونافع مولى ابن عمر. وثقه ابن معين وأبو داود وابن حبان. انظر ترجمته في "الجرح والتعديل" (9/ ترجمة 62)، و"التهذيب" (31/ ترجمة 6733). ومحمد بن عباد: هو ابن جعفر بن رفاعة بن أمية بن عائذ القرشي المخزومي المكي. روى عن: جابر بن عبد الله، وابن عباس، وابن عمر. وثقه ابن معين وأبو زرعة وابن حبان. انظر ترجمته في "التاريخ الكبير" (1/ ترجمة 528)، و"الجرح والتعديل" (8/ ترجمة 56)، و"التهذيب" (25/ ترجمة 5320). وعبد الله بن عبد الله: هو ابن عمر بن الخطاب القرشي العدوي، أبو عبد الرحمن المدني، روى عن: أبيه ابن عمر، وأبي هريرة. وثقه وكيع وأبو زرعة والنسائي. انظر ترجمته في "التاريخ الكبير" (5 ترجمة 368)، و""الجرح والتعديل" (5/ ترجمة 411)، و"التهذيب" (15/ ترجمة 3366). وأبوه: هو عبد الله بن عمر بن الخطاب القرشي العدوي، أبو عبد الرحمن المكي ثم المدني الصحابي الجليل، قيل: مات سنة ثلاث وسبعين، وقيل: سنة أربع وسبعين. انظر ترجمته في "معرفة الصحابة" (3/الترجمة 1695)، و"الإصابة" (4/ ترجمة 4837). الحديث [3] أخبرنا مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة -رَضِيَ الله عَنْهُ- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا شرب الكلب من إناء أحدكم فليغسله سبع مرات". =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = الحديث [4] أخبرنا سفيان بن عيينة، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة -رَضِيَ الله عَنْهُ- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات". أبو الزناد: هو عبد الله بن ذكوان القرشي، أبو عبد الرحمن المدني، روى عن: أبان بن عثمان، وابن المسيب، والشعبي. وروى عنه: الثوري، وابن عيينة، والأعمش. وثقه ابن معين، وأحمد وأبو حاتم. انظر ترجمته في "التاريخ الكبير" (5/ ترجمة 228)، و"الجرح والتعديل" (5/ ترجمة 227)، "التهذيب" (14/ ترجمته 3253). والأعرج: هو عبد الرحمن بن هرمز، أبو داود المدني، روى عن: ابن عباس وأبي سعيد الخدري، وأبي هريرة. وثقه ابن سعد وأبو زرعة، وابن المديني. وسفيان بن عيينة: هو ابن أبي عمران، أبو مُحَمَّد الكوفي. انظر ترجمته في "التاريخ الكبير" (4/ ترجمة 1082)، و"الجرح والتعديل" (4/ ترجمة 973)، و"التهذيب" (11/ ترجمة 2413). والحديث صحيح متفق عليه: رواه البخاري (172) عن عبد الله بن يوسف، ومسلم (279/ 90) عن يحيى بن يحيى، كلاهما عن مالك. الحديث [5] أنبأنا ابن عيينة، عن أيوب بن أبي تميمة، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة -رَضِيَ الله عَنْهُ- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات أولاهن بالتراب أو أخراهن بالتراب". أيوب ابن أبي تميمة: هو السختياني أبو بكر البصري رأى أنس بن مالك، وثقه ابن معين وابن سعد والنسائي. انظر ترجمته في "التاريخ الكبير" (4/ ترجمة 1307)، و"الجرح والتعديل" (1/ ترجمة 4)، و"التهذيب" (3/ 457). وابن سيرين: هو مُحَمَّد بن سيرين الأنصاري، أبو بكر بن أبي عمرة الأنصاري، وثقه أحمد وابن معين وابن سعد. انظر ترجمته في "التاريخ الكبير" (1/ ترجمة 251)، و"الجرح والتعديل" (7/ ترجمة 1518)، و"التهذيب" (25/ 344). والحديث رواه مسلم (279/ 91) عن زهير بن حرب، عن إسماعيل بن إبراهيم، عن هشام بن حسان، عن ابن سيرين. =

(1/ ق 3 - ب) ثلاث وسبعين وقد بلغت مائة سنين لم يسقط لها سن ولم ¬

_ = قال النووي في "شرح مسلم": وفيه دلالة ظاهرة لمذهب الشافعي وغيره -رَضِيَ الله عَنْهُ- ممن يقول بنجاسة الكلب؛ لأن الطهارة تكون عن حدث أو نجس وليس هنا حدث فتعين النجس, فإن قيل: المراد الطهارة اللغوية؛ فالجواب أن حمل اللفظ على حقيقته الشرعية مقدم على اللغوية وفيه أيضًا نجاسة ما ولغ فيه وأنه إن كان طعامًا مائعًا حرم أكله؛ لأن إراقته إضاعة له، فلو كان طاهرًا لم يأمرنا بإراقته بل قد نهينا عن إضاعة المال، وهذا مذهبنا ومذهب الجماهير أنه ينجس ما ولغ فيه، وفي مذهب مالك أربعة أقوال. الحديث [6] أخبرنا سفيان بن عيينة، عن هشام، عن فاطمة، عن أسماء قالت: سألت النبي - صلى الله عليه وسلم - عن دم الحيضة يصيب الثوب؟ فقال: "حتيه ثم اقرصيه بالماء ثم رشيه وصلي فيه". أخبرنا الربيع عن الشافعي في أول الكتاب. الحديث [7] حدثنا سفيان بن عيينة، أخبرنا هشام بن عروة، أنه سمع امرأته فاطمة بنت المنذر تقول: سمعت جدتي أسماء ابنة أبي بكر تقول: سألت النبي - صلى الله عليه وسلم - عن دم الحيضة، فذكر مثله. الحديث [8] أخبرنا مالك، عن هشام بن عروة، عن فاطمة بنت المنذر، عن أسماء ابنة أبي بكر قالت: سألت امرأة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله أرأيت إحدانا إذا أصاب ثوبها الدم من الحيضة كيف تصنع به؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: إذا أصاب ثوب إحداكن من الحيضة فلتقرصه ثم لتنضحه بالماء ثم تصل فيه". هشام: هو ابن عروة بن الزبير بن العوام القرشي، وثقه ابن سعد وأبو حاتم، انظر "التاريخ الكبير" (8/ ترجمة 2673)، و"الجرح والتعديل" (9/ ترجمة 249)، و"التهذيب" (30/ 232). وفاطمة: هي بنت المنذر بن الزبير بن العوام القرشية الأسدية زوجة هشام بن عروة. انظر "التهذيب" (35/ ترجمة 7906). وأسماء: هي بنت أبي بكر الصديق زوجة الزبير بن العوام. روت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وكانت تسمى ذات النطاقين. انظر: "معرفة الصحابة" (6/الترجمة 3769)، و"الإصابة" (7/ ترجمة 10798) وبدأ نهاية السقط بترجمتها رضي الله عنها.

ينكر من عقلها شيء. وعن نوفل بن أبي عقرب أن الحجاج دخل عليها بعد ما قتل ابنها عبد الله بن الزبير فكان فيما قال لها: كيف رأيت صنعتي بعدو الله ابن الزبير؟ فقالت: رأيت أفسدت عليه دنياه وأفسد عليك آخرتك، ولقد بلغني أنك كنت تعيره بابن ذات النطاقين، وأما نطاق فكنت أحمل فيه الطعام لأبي ولرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهما في الغار، وأما النطاق الآخر فلا بد لي من نطاق، ثم ذكرت -أحسبه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "يكون في ثقيف مبير وكذاب، أما الكذاب فقد رأيناه؛ وأما المبير فلا إخاله إلا أنت فخرج من عندها متغيرًا وجهه" (¬1). وروى الحديث (¬2) عن سفيان كما رواه الشافعي: الحميدي (¬3)، وابن أبي عمر، ومن روايته أخرجه الترمذي (¬4)، وعن مالك كما رواه الشافعي: عبد الله بن يوسف وأخرجه البخاري في "الصحيح" (¬5) من روايته، وعبد الله بن [مسلمة] (¬6) ومن روايته أخرجه أبو داود (¬7). ورواه عن هشام كما رواه ابن عيينة: مالك، وحماد بن سلمة، ويحيى بن سعيد، وابن نمير، ووكيع (¬8)، وأبو خالد الأحمر. ورواه عن فاطمة كما رواه هشام: مُحَمَّد بن إسحاق. ¬

_ (¬1) رواه مسلم بنحوه -باب ذكر كذاب ثقيف ومبيرها - (2545/ 229). (¬2) هو حديث أسماء المذكور في حاشية الصفحة السابقة برقم [8]. (¬3) "مسند الحميدي" (320). (¬4) "جامع الترمذي" (138). (¬5) "صحيح البخاري" (306). (¬6) في "الأصل": سلمة خطأ. والمثبت من "السنن". وعبد الله بن مسلمة: هو القعنبي. (¬7) "سنن أبي داود" (365). (¬8) ومن روايته أخرجه مسلم (291/ 110) عن أبي بكر بن أبي شيبة.

وفي الباب عن أبي هريرة، وأم قيس بنت محصن. والحتُّ: الحكُّ بطرف عود ونحوه، والقرصُ: الدلكُ الشديد والقلعُ بالظفر ونحوه، يقال منه: قَرَصَ يَقْرُصُ، وأراد بالقرص بالماء أن يستعين به ليلين ما على الثوب ويَنْمَاع فيه ويزول معه، وقيل: اقرصيه بالماء أي: اغسليه به بأطراف أصابعك، والرشُّ: صب الماء مفرقًا، ومنه قيل للمطر القليل: رش. وقوله: "أخبرني الربيع في أول الكتاب" يريد كتاب الطهارة، والرواية الثانية كالأولى إسنادًا ومتنًا؛ لكن في المرة الثانية تعرض لبعض نسب سفيان وهشام وفاطمة وأسماء، وأن فاطمة امرأة هشام، وأن أسماء جدة فاطمة فاشتمل إيرادها على فوائد، ثم في رواية سفيان أن أسماء قالت: "سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -"، وفي رواية مالك: أنها قالت: "سألت امرأة رسول الله" يمكن أن تعني في الرواية الثانية نفسها، ويمكن أنها سألت عنه وسأل غيرها أيضًا، ورجع كل رواية في سؤال، وذكر البيهقي أن الصحيح: "أن امرأة سألت". وقولها: "عن دم الحيضة" يجوز فيه الكسرُ وهي الحالة التي عليها المرأة، ويجوز الفتح وهي المرة (1/ ق 4 - أ) من الحيض، وهذا أظهر؛ لقوله في الرواية الأول: "عن دم الحيض". وقوله: "فَلْتَقْرِصْهُ" [يقرأ] (¬1) بالتخفيف ويوافقه قوله في الرواية الأولى: "اقرصيه" ويقرأ فلتقرِّصه بالتشديد. وقوله: "ولِتَنْضَحْهُ بالماءِ" فسره الشافعي - رضي الله عنه - وإنه بالغسل، والنضح: الصبُّ والرش والغسل، وعلى الغسل حمل بما روي في بعض ¬

_ (¬1) غير واضحة بـ "الأصل". والمثبت أشبه بالرسم.

الحديث: "وَلْيَنْضَحْ فَرْجَهُ" (¬1) أي: ليستنج بالماء، وقد يروى في الخبر: "حُتِّيهِ ثُم اقْرُصِيهِ ثُم اغْسِليهِ بالماءِ" (¬2). واحتج الشافعي بالخبر في المسألتين (¬3): إحديهما: أن مسَّ الشيء النجس لا يوجب الوضوء؛ لأنه أمر بحتِّ دم الحيض، والحتُّ يقع بالظفر ورءوس الأصابع غالبًا, ولم يأمر بالوضوء له. والثانية: أنه لا يجب في غسل النجاسة عدد معين، فإنه أطلق النضح بالماء وأذن في الصلاة فيه بعد. وقد يستدل به لأمور أخر: منها: أنه لا فرق بين قدر الدرهم من الدم وبين ما فوقه. ومنها: أنه لا فرق بين ما يدركه الطرف منه وما لا يدركه. ومنها: العفو عن أثر الدم الباقي بعد القرص والنضح؛ فإنه أطلق الصلاة فيه بعدهما. ومنها: ظاهر الأمر بالحتِّ والقرصِ يقتضي وجوبهما وأشعر به مشعرون، والأكثرون اقتصروا على الاستحباب، وقد يعطف الواجب على المستحب؛ لأن الترغيب يشملهما. ¬

_ (¬1) رواه البخاري (132)، ومسلم (303/ 17 - 19) من حديث علي قال: "كنت رجلًا مذاءً ... ". ورواه أبو داود (209)، والنسائي (1/ 67)، وابن ماجه (505) من حديث المقداد في قصة المذي أيضًا، وسيأتي في الكتب إن شاء الله. (¬2) قال ابن حجر في "التلخيص" (1/ 55 رقم 26): وأما بلفظ "ثم اغسليه بالماء" فذكره الشيخ تقي الدين في "الإلمام" من رواية مُحَمَّد بن إسحاق بن يسار، عن فاطمة بنت المنذر، عن أسماء. (¬3) "الأم": 1/ 58.

الأصل

ومنها: استدل بعضهم بقوله: "ثُم اقْرُصِيهِ بالماءِ" وقوله: "فَلْتَنْضَحْهُ بالماءِ" على أنه لابدّ من استعمال الماء. ومنها: أنه لا بأس للمرأة بمراجعة المفتي فيما تبتلى به من الحيض وما يتعلق به، وأن سؤالها عنه لا يخل بالحياء المحمود؛ وإلا لأشبه أن يرشد النبي - صلى الله عليه وسلم - السائلة إلى خلاف ما صنعت. الأصل [9] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سعيد بن سالم، عن ابن أبي حبيبة أو أبي حبيبة، عن داود بن الحصين، عن جابر بن عبد الله -رَضِيَ الله عَنْهُ-، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه سئل أنتوضأ بما أفضلت الحمر؟ قال: "نعم، وبما أفضلت السباع كلها" (¬1). الشرح سعيد بن سالم: هو أبو عثمان القداح خراساني الأصل، سكن بمكة. روى عن: ابن جريج، وغيره (¬2). وابن أبي حبيبة: هو إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة المدني الأنصاري الأشهلي مولاهم، ويقال: اسم أبي حبيبة اليسع (¬3). روى عن: داود بن الحصين، وعمر بن سعيد بن سريج، وغيرهما. ¬

_ (¬1) "المسند" ص (8). (¬2) انظر "التاريخ الكبير" (3/ الترجمة 1611)، و"الجرح والتعديل" (4/الترجمة 128)، و"التهذيب" (10/ ترجمته 2279). (¬3) لم أجد ذكر ذلك في ترجمته، وإنما اليسع هو اسم أبي حية في ترجمة إبراهيم بن أبي حية، فلعل نظره انتقل فالترجمتان في ضعفاء البخاري متتاليتان، وهو قد ذكر أن البخاري أورده في ضعفائه. والله أعلم.

يروي عنه: ابن أبي ... (¬1)، وأبو عامر العقدي، وسعيد بن أبي مريم (¬2). وداود بن الحصين: هو أبو سليمان (1/ ق 4 - ب) القرشي الأموي، مولى عمرو بن عثمان بن عفان. سمع: أبا سفيان مولى [ابن] (¬3) أبي أحمد، وعكرمة. روى عنه: مالك بن أنس، ومحمد بن إسحاق، ومحمد بن جعفر ابن أبي كثير. مات سنة خمس وثلاثين ومائة (¬4). وجابر: هو ابن عبد الله بن عمرو بن حرام بن عمرو بن سواد [بن] (¬5) سلمة أبو عبد الله، من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المشهوربن، سمع الكثير من النبي - صلى الله عليه وسلم -. وروى عن: عمر، وأبي هريرة، وأبي سعيد الخدري، وأبي حميد الساعدي، وأبي بردة بن نيار. وروى عنه: أبو سلمة بن عبد الرحمن، وعمرو بن دينار، ومحمد ابن المنكدر، وأبو الزبير، وغيرهم. وتوفي [.. (¬6) ..] سنة ثمان أو تسع وسبعين، ويقال: أنه آخر من ¬

_ (¬1) بياض في "الأصل". وهو يروي عن: ابن أبي فديك، وابن أبي فروة، فلعله أحدهما. (¬2) انظر "التاريخ الكبير" (1/ ترجمة 873)، و"الجرح والتعديل" (2/ ترجمة 196)، و"التهذيب" (2/ 42). (¬3) سقط من "الأصل". (¬4) انظر "التاريخ الكبير" (3/ ترجمة 779)، و"الجرح والتعديل" (3/الترجمة 1874)، و"التهذيب" (8/ ترجمته 1753). (¬5) بياض في "الأصل". والمثبت من التخريج. (¬6) كلمة غير مقروءة في "الأصل".

مات بالمدينة من الصحابة (¬1). وقوله: "عن ابن أبي حبيبة أو أبي حبيبة" الشكُّ من الربيع كما رواه الأصم، والرجل ابن أبي حبيبة كما بيناه، ورواه الحافظ الدراقطني (¬2) عن أبي بكر بن زياد النيسابوري، عن الربيع، فقال: ابن أبي حبيبة، بلا شك. والحديث معلول (¬3) من وجهين: أحدهما: أن البخاري ذكر أن سعيد بن سالم يرمى بالإرجاء، وأن ابن أبي حبيبة منكر الحديث وأدخلهما معًا في "الضعفاء" (¬4)، وقال أبو حاتم الرازي والدارقطني: ابن أبي حبيبة ليس بالقوي في الحديث، وروي عن أحمد بن حنبل توثيقه. والثاني: أن في غير هذا الإسناد رواية داود بن الحصين عن [.. (¬5) ..] كذلك رواه الحسن الزعفراني عن الشافعي، وأبو بكر [.. (¬6) ..] عن الشافعي، وكذلك رواه الشافعي [.. (¬7) ..] عن داود بن الحصين، ¬

_ (¬1) انظر "معرفة الصحابة" (2/ ترجمة 446)، و"الإصابة" (1/ ترجمة 1027). (¬2) "السنن" (1/ 62 رقم 2)، وأعله بابن أبي حبيبة. (¬3) قلت: وأعله الحافظ في "الدراية" (1/ 62 رقم 55)، وابن الملقن في الخلاصة (1/ 13 رقم 15)، وابن التركمان في "الجوهر النقي" (1/ 250). وقال البيهقي في "المعرفة" كما في خلاصة ابن الملقن: إذا ضمّ أسانيده بعضها إلى بعض أحدثت قوة، وفي معناه حديث أبي قتادة وإسناده صحيح والاعتماد عليه، يعني: حديث أبي قتادة: "إنها من الطوافين عليكم ... ". (¬4) "الضعفاء الصغير" للبخاري (1/الترجمة 2، 136) وكذا ضعفه الحافظ في "التقريب" (1/ ترجمته 146). (¬5) بياض في "الأصل" ولعله: عن أبيه عن جابر، فقد روي كذلك، وجعله ابن حجر في "الإتحاف" في مسند جابر كذلك أيضًا. (¬6) بياض في "الأصل" بمقدار كلمتين. (¬7) بياض في "الأصل" بمقدار كلمتين.

وابن أبي ذئب عن داود [.. (¬1) ..] من سلمة، ويدل عليه أنهم لم يذكروا في تعريف داود بن الحصين روايته عن جابر [.. (¬2) ..] من الصحابة. ومدلول الحديث طهارة سؤر البهائم والسباع، ويستثنى سؤر الكلب لما سبق، وفي معناه الخنزير. وقوله: "بما أَفْضَلَتِ الحُمر" يقال: أَفْضلَ من الشيء فَضْلةً إذا أبقى ما فضل عن حاجته منه، والمعنى: بما أفضلت من الماء؛ لأن الوضوء به يكون، وعقب الجواب في سؤر الحمر بالكلام في سؤر السباع شفقة على السائل، فعساه يجهل حكمه إذا جهل حكم سؤر الحمر. الأصل [10] أبنا الربيع، [أبنا الشافعي (¬3)]، ثنا مالك، عن إسحاق بن عبد الله، عن حميدة بنت عبيد بن رفاعة، عن [كبشة بنت (¬4)] كعب بن مالك -وكانت تحت ابن أبي قتادة أو أبي قتادة- الشك من الربيع؛ أن أبا (1/ ق 5 - أ) قتادة -رَضِيَ الله عَنْهُ- دخل فسكبت (¬5) له وضوءًا، فجاءت هِرّة ¬

_ (¬1) بياض في "الأصل" بمقدار كلمتين. (¬2) بياض في "الأصل" بمقدار كلمتين. (¬3) بياض في "الأصل". (¬4) بياض في "الأصل" والمثبت من "المسند". (¬5) نقل السيوطي في "تنوير الحوالك" (1/ 46) بعض شرح الحديث عن الرافعي وهو بياض عندنا - فقال: (فسكبت) قال الرافعي: يقال: سكب يسكب سكبًا، أي: صبّ، فسكب سكوبًا: أي انصب. (وضوءًا) أي: الماء الذي يتوضأ به. (فرآني أنظر إليه) أي: نظر المنكر أو المتعجب. (إنها ليست بنجس) قال الرافعي: محمول على الوصف بالمصدر، يقال. نجس ينجس نجسًا فهو نجس أيضًا ونجس, والمذكر والمؤنث يستويان في الوصف بالمصدر، =

تشرب منه، فرآني أنظر إليه، فقال: أتعجبين يا ابنه أخي، وإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِنّها لَيْسَتْ بِنَجَسٍ، إِنّها مِنَ الطَّوَّافِينِ عَلَيْكُم (و) (¬1) الطَّوَّافَات" (¬2). [11] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا الثقة، عن يحيى بن أبي كثير، عن عبد الله بن أبي قتادة، عن أبي قتادة مثله أو مثل معناه (¬3). ¬

_ = قال: ولو قريء: "أنها ليست تنجس" أي: ما تلغ فيه لكان صحيحًا في المعنى، وكان قوله: "إنها من الطوافين عليكم" حسن الموقع أي: إذا كانت تطوف في البيت ولا يستغنى عنها تخفف الأمر فيما تلغ فيه، ولذلك صار بعضهم إلى العفو مع تيقن نجاسة فمها, لكن الراوية لا تساعده. انتهى. (إنها من الطوافين عليكم أو الطوافات). قال الرافعي: يرويه بعضهم بالواو، وعلى رواية "أو" يجوز أن يكون هذا شكًّا من بعض الرواة، ويجوز أن يريد التنويع، أي: ذكورها هي ذكور من يطوف، وإناثها من الإناث، قال: ويروى عن عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إنها ليست بنجس هي كبعض أهل البيت" يعني: الهرة. (¬1) في "المسند" أو، وكذا الأم. (¬2) "المسند" ص (9). والحديث رواه أبو داود (76)، والترمذي (92)، والنسائي (1/ 55، 78)، وابن ماجه (1/ 131 رقم 367)، ومالك في "الموطأ" برواية الليثي (46)، وابن الجارود (60)، وابن خزيمة (104)، وابن حبان (1299)، والحاكم (1/ 263) جميعًا من طريق إسحاق. قال الترمذي: حسن صحيح، وقال الحاكم: صحيح ولم يخرجاه، وهذا الحديث مما صححه مالك واحتج به في "الموطأ" ومع ذلك فإن له شاهدًا بإسناد صحيح، وساقه من حديث عائشة. وقال الحافظ في "التلخيص" (1/ 68 رقم 36): وصححه البخاري، والترمذي، والعقيلي، والدارقطني. قلت: وصححه أيضًا الشيخ الألباني في "الإرواء" (1/ 191 رقم 173). (¬3) "المسند" ص (9).

الشرح إسحاق: هو ابن عبد الله بن أبي طلحة زيد بن سهل الأنصاري، ابن أخي أنس بن مالك لأمة، يقال له: أبو يحيى. سمع: أنسًا، وأباه عبد الله، وعبد الرحمن بن أبي عمرة. يروي عنه: الأوزاعي، وابن عيينة، ويحيى بن سعيد الأنصاري، ويحيى بن أبي كثير، وعبد العزيز بن أبي سلمة، وحماد بن سلمة، ومالك. ويذكر أن مالكًا كان لا يُقدِّمُ عليه أحدًا في الحديث، مات سنة أربع أو اثنتين وثلاثين ومائة (¬1). وحميدة (¬2) بنت عبيد، زوجة إسحاق هذا، أو أبوها -إن شاء الله- هو عبيد بن رفاعة بن رافع بن مالك بن العجلان بن عمرو بن عامر بن زريق الأنصاري الزرقي، ورفاعة صحابي مشهور، وكذلك أبوه رافع، وهو من نقباء الأنصار، وعبيد يقال أنه أدرك النبي - صلى الله عليه وسلم -أيضًا. وكبشة (¬3) بنت كعب بن مالك جدة حميدة هذه، وفي الإسناد المذكور أنها كانت تحت ابن أبي قتادة أو أبي قتادة، ونسبة هذا الشك إلى الربيع (¬4) .... فيه شبهة: أولًا لأن أبا نعيم عبد الملك بن مُحَمَّد بن عدي روى عن الحسن بن مُحَمَّد الزعفراني، عن الشافعي، عن مالك الحديث، وقال فيه: "وكانت تحت ابن أبي قتادة أو أبي قتادة"، وهذا ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (1/الترجمة 1255)، و"الجرح والتعديل" (2/الترجمة 786) ووثقاه، و"التهذيب" (2/ ترجمة 366). (¬2) انظر "الثقات" (6/ 250)، و"التهذيب" (35/ ترجمة 7822). (¬3) انظر "الثقات" (5/ 344)، و"التهذيب" (35/ 290). (¬4) بياض في "الأصل" مقدار كلمتين.

يوهم أن [الشكّ من غير (¬1)] الربيع، وفي رواية عبد الرزاق (¬2): وغيره عن مالك: "وكانت عند أبي [قتادة" وهذا (¬3)] قد يصدق على التقديرين والواقع من المشكول فيه على [ما رواه الأكثرون (¬4)] الأول، وكذلك رواه الربيع (¬5) عن الشافعي في موضع آخر بلا [شكٍّ، ويدل عليه (¬6)] أنه قال لها: "يا ابنة أخي" ولا يحسن تسمية الزوجة باسم المحارم. وأبو قتادة (¬7): هو الحارث بن ربعي بن [بلدمة (¬8)] بن خناس بن سنان بن عبيد بن عدي بن غنم بن كعب بن سلمة الأنصاري، ويقال: النعمان بن ربعي، ويقال: عمرو بن ربعي، فارس رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. ويروي عن سلمة بن الأكوع، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "خير فرساننا أبو قتادة" (¬9). روى عنه: [ابنه] (¬10) عبد الله، وأبو سلمة، ومعبد بن كعب، وعطاء بن يسار. ¬

_ (¬1) بياض في "الأصل" والمثبت من "تنوير الحوالك" (1/ 45 - 46) فقد نقله عنه. (¬2) "المصنف" (1/ 101 رقم 353). (¬3) بياض في "الأصل" والمثبت من "تنوير الحوالك" (1/ 45 - 46) فقد نقله عنه. (¬4) بياض في "الأصل" والمثبت من "تنوير الحوالك" (1/ 45 - 46) فقد نقله عنه. (¬5) رواه البيهقي من طريقه في "المعرفة" (1/ 314 رقم 371). (¬6) بياض في "الأصل" والمثبت من "تنوير الحوالك" (1/ 45 - 46) ففد نقله عنه. (¬7) انظر "معرفه الصحابة" (2/ ترجمة 616)، و"الإصابة" (7/ ترجمة 10405). (¬8) في "الأصل": بلدم. خطأ، والمثبت من مصادر التخريج. (¬9) رواه مسلم - كتاب الجهاد، باب غزوة ذي قرد - (1707/ 132) في حديثه المشهور في مبايعة النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولفظه "خير فرساننا اليوم أبو قتادة". (¬10) بياض في "الأصل" والمثبت من "التهذيب".

مات بالمدينة (¬1) [.. (¬2) ..]. وهي بنت تسع وصحبته تسعًا، وتوفيت سنة ثمان أو سبع وخمسين وأوصت بأن تدفن بالبقيع. ونافع: هو أبو عبد الله مولى ابن عمر. ¬

_ (¬1) توفي بالمدينة سنة أربع وخمسين وسنه سبعون سنة، كما في "المعرفة"، وقيل غيره. (¬2) بياض في "الأصل" من (5 - أ) إلى (6 - أ) وبذلك يكون قد سقط ذكر الأحاديث من [12 - 16] وبعض التراجم فقط، والله المستعان، ووجدت من الفائدة أن أذكرهم من "المسند": الحديث [12] أخبرنا سفيان، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يغتسل من القدح وهو الفرق، وكنت أغتسل أنا وهو من إناء واحد). الحديث [13] أخبرنا مالك، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يقول: إن الرجال والنساء كانوا يتوضئون في زمان النبي - صلى الله عليه وسلم - جميعًا. الحديث [14] أخبرنا مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها قالت: كنت أغتسل أنا والنبي - صلى الله عليه وسلم - من إناء واحد. الحديث [15] أخبرنا ابن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن أبي الشعثاء، عن ابن عباس، عن ميمونة رضي الله عنها؛ أنها كانت تغتسل هي والنبي - صلى الله عليه وسلم - من إناء واحد. الحديث [16] أخبرنا سفيان، عن عاصم، عن معاذة العدوية، عن عائشة رضي الله عنها قالت: كنت أغتسل أنا ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - من إناء واحد فربما قلت له: أبق لي، أبق لي. والزهري: هو مُحَمَّد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب القرشي الزهري. انظر "التاريخ الكبير" (1/ ترجمة 693)، و"الجرح والتعديل" و (8/ ترجمة 318)، "التهذيب" (26/ ترجمته 5606). وعروة: هو ابن الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزي، أبو عبد الله القرشي. انظر ترجمة في "التاريخ الكبير" (7/ ترجمة 138)، و"الجرح والتعديل" (6/ ترجمة 2207)، و"التهذيب" (20/ ترجمة 3905). ثم انتهى البياض في ترجمة عائشة رضي الله عنها، وبدأ بـ: "وهي بنت تسع" يعني: أنه بنى بها وهي بنت تسع سنين، وقد كان عمرها حين تزوجها - صلى الله عليه وسلم - ست سنين، وقيل: سبع.

روى: عنه، وعن أبي سعيد الخدري، وأبي هريرة، وعائشة. وروى عنه: الزهري، ويحيى بن سعيد الأنصاري، ومالك، والأوزاعي. وكان من علماء التابعين، وتوفي سنة تسع عشرة ومائة (¬1). وعمرو بن دينار: هو أبو مُحَمَّد الأثرم المكي تابعي. سمع: ابن عباس، وابن عمر، وجابرًا، وجماعة من التابعين. روى عنه: ابن جريج، والسفيانان، وشعبة. توفي سنة ست وعشرين ومائتين (¬2). وأبو الشعثاء: هو جابر بن [زيد] (¬3) الأزدي اليحمدي البصري. سمع: ابن عباس، وابن عمر. روى عنه: عمرو بن دينار، وقتادة. مات بالبصرة سنة ثلاث وتسعين (¬4). وابن عباس: هو أبو العباس عبد الله بن العباس بن عبد المطلب الهاشمي، ابن عم النبي - صلى الله عليه وسلم -، وحبر الأمة، وترجمان القرآن، حنَّكه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بريقه ودعا له بالحكمة وعِلْم التأويل. روى عنه: سعيد بن المسيب، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة، والقاسم بن مُحَمَّد بن أبي بكر، وعكرمة. ويروي عن أبي رجاء قال: كان هذا الموضع من ابن عباس ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (8/ ترجمة 2270)، و"الجرح والتعديل" (8/ ترجمة 2070)، و"التهذيب" (29/ ترجمة 6373). (¬2) انظر "التاريخ الكبير" (6/ ترجمة 2544)، و"الجرح والتعديل" (6/ ترجمة 1280)، و"التهذيب" (22/ ترجمته 4360). (¬3) في "الأصل": سليم. خطأ، والمثبت من مصادر التخريج. (¬4) انظر "التاريخ الكبير" (2/ ترجمة 2202)، و"الجرح والتعديل" (2/ ترجمة 2032)، و"التهذيب" (4/ ترجمة 865).

يعني: مجري الدموع - كأنه الشراك البالي (¬1). توفي بالطائف سنة ثمان وستين (¬2). وميمونة: هي بنت الحارث بن حزن الهلالية زوج النبي - صلى الله عليه وسلم -. يذكر أنه نكحها في ذي القعدة وبنى بها في ذي الحجة سنة سبع، وكانت أختها لبابة بنت الحارث تحت العباس بن عبد المطلب، ولها أخوات من الأم منهن: زينب بنت عميس كانت تحت حمزة، وأسماء بنت عميس كانت تحت جعفر بن أبي طالب، وسلمة بنت عميس كانت تحت شداد بن الهاد. روى عن ميمونة: ابن أختها عبد الله بن العباس، وكريب مولاه، ويزيد بن الأصم. وتوفيت سنة ثمان وثلاثين (¬3). وعاصم: هو ابن سليمان الأحول، أبو عبد الرحمن البصري، قيل: هو مولى بني تميم، وقيل: مولى عثمان بن عفان. سمع: أنس بن مالك، وأبا عثمان النهدي، ومعاذة العدوية. وروى عنه: حماد بن زيد، وعبد الواحد بن زياد، وابن المبارك ¬

_ (¬1) رواه ابن أبي شيبة (7/ 224)، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (1/ 290 رقم 389)، وأحمد في "فضائل الصحابة" (2/ 952 رقم 843). (¬2) انظر "معرفة الصحابة" (3/ ترجمة 1694)، و"الإصابة" (4/ ترجمة 4784). (¬3) انظر "معرفة الصحابة" (6/ ترجمة 3756)، "الإصابة" (3/ ترجمة 1023). وفي "المعرفة" أنها توفيت سنة ثلاث وستين. وقال ابن حجر: وكانت وفاتها سنة إحدى وخمسين، وقيل: سنة ثلاث وستين، وقيل: سنة ست وستين، وكلاهما غير ثابت، والأول أثبت. أهـ. وأما ما هو في كتابنا في وفاتها سنة ثمان وثلاثين، فلم أجده. والله أعلم.

[توفي سنة] (¬1) إحدى أو اثنتين وأربعين ومائة (¬2). ومعاذة: هي بنت [عبد الله (¬3)] العدوية. سمعت: عائشة، وابن عمر. وروى عنها: قتادة، وأبو قلابة، ويزيد الرشك، وغيرهم (¬4). وحديث عائشة المذكور أولًا رواه عن سفيان كما رواه الشافعي: أبو بكر بن أبي شيبة، ومن روايته أخرجه مسلم (¬5)، وأخرجه البخاري (¬6) من طريق آخر عن الزهري. وحديث ابن عمر رواه عن مالك كما رواه الشافعي: عبد الله بن يوسف ومن روايته أخرجه البخاري (¬7)، ورواه عن نافع كما رواه مالك ابن [أنس] (¬8): عبيد الله، وأيوب، وابن جريج. وحديث عائشة المذكور ثانيًا أخرجه البخاري (¬9) من حديث حماد ابن زيد وغيره، عن هشام. وحديث ميمونة رواه مسلم (¬10) عن قتيبة، عن ابن عيينة؛ ¬

_ (¬1) بياض في "الأصل". والمثبت من مصادر التخريج. (¬2) انظر "التاريخ الكبير" (6/ ترجمة 3058)، و"الجرح والتعديل" (6/ ترجمة 1900)، و"التهذيب" (13/ ترجمة 3008). (¬3) في "الأصل": عبيد الله، خطأ. والمثبت من مصادر التخريج. (¬4) انظر طبقات ابن سعد (8/ 483)، و"التهذيب" (35/ 308). (¬5) "صحيح مسلم" (319/ 41). (¬6) "صحيح البخاري" (250) عن آدم بن أبي إياس، عن ابن أبي ذئب، عنه. (¬7) "صحيح البخاري" (193). (¬8) سقط من "الأصل". (¬9) صحيح "البخاري" (1/ 445 رقم 262) عن مسدد عن حماد مختصرًا، ورواه أيضًا (1/ 455 رقم 273) من طريق ابن المبارك عن هشام، بتمامه. (¬10) "صحيح مسلم" (322/ 47).

والبخاري (¬1) عن أبي نعيم، عن ابن عيينة، ولم يذكر ميمونة في الإسناد، وكذلك رواه ابن جريج (¬2)، عن عمرو بن دينار، وقال: قال عمرو: أكبر علمي والذي يخطر على بالي أن أبا الشعثاء أخبرني أن ابن عباس أخبره أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يغتسل بفضل ميمونة. وحديث عائشة الأخير أخرجه مسلم (¬3) عن يحيى بن يحيى، عن أبي [خيثمة] (¬4)، عن عاصم الأحول وزاد: "وهما جنبان". وروى حديث عائشة عنها: القاسم بن مُحَمَّد، وقال: كنت أغتسل أنا ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - من إناء واحد من الجنابة تختلف أيدينا فيه (¬5). وفي الباب عن علي، وأنس، وأم سلمة، وأم هانيء، وأم حبيبة، -رَضِيَ الله عَنْهُا-. والفَرَقُ بتحريك الراء أشهر، ومنهم من يسكنه: وهو إناء يسع ثلاثة أَصْوُع، وقيل: اثني عشر مدًّا، وقيل: ستة عشر رطلًا، والكل راجع إلى قدر واحد، فالصاع أربعة أمدادٍ [أو] (¬6) خمسة أرطالٍ وثلث. والحديث الأول يشتمل على جملتين: إحداهما: أنه كان يغتسل من إناء هو الفَرَقُ. والثانية: اغتسالهما من إناء واحد، وقد رويت كل واحدة من الجملتين وحدها، وفي الأولى فائدتان: ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (253). (¬2) ومن طريقه أخرجه مسلم (323/ 48). (¬3) "صحيح مسلم" (321/ 46). (¬4) في "الأصل": حبيبة. خطأ، والمثبت من "صحيح مسلم". وأبو خيثمة هو: زهير بن معاوية. (¬5) ومن طريقه أخرجه البخاري (261)، ومسلم (321/ 45) عن القعنبي، عن أفلح بن حميد. (¬6) في "الأصل": و. خطأ.

إحداهما: جواز الاغتراف من الماء القليل للغسل والوضوء. والثانية: اغتساله بذلك القدر من الماء، والقدح يوضع موضع الإناء، وفي بعض الراويات: كان يغتسل من إناء وهو الفَرَقُ (¬1). وقول ابن عمر: "إن الرجال والنساء كانوا يتوضئون في زمان النبي - صلى الله عليه وسلم -[جميعًا] (¬2) " يريد كل رجل مع امرأته، وأنهما كانا يأخذان من إناء واحد، وكذلك ورد في بعض الروايات، ومثل هذا اللفظ يراد به أنه كان مشهورًا في ذلك العهد، فكان النبي - صلى الله عليه وسلم - لا ينكر عليه ولا يغيِّره. واحتج الشافعي بهذِه الأحاديث على أنه لا بأس بأن يتطهر الرجل بالماء الذي تتطهر به المرأة ويبقى منه؛ لأنهما إذا كانا (1/ ق 7 - ب) يغتسلان من إناء واحد فكل واحد منهما يغتسل بما يبقيه الآخر (¬3)، وما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى أن يتوضأ الرجل بفضل وضوء المرأة (¬4): منهم من لم يصححه مرفوعًا، وقال: أنه موقوف على الحكم بن عمرو والغفاري وغيره (¬5)، ومنهم من قال: الأحاديث الدالة على الجواز أصح إسنادًا وأشهر فالأخذ بها أولى، وربما حمل النهي على الماء الذي استعملته في أعضائها. ¬

_ (¬1) أخرجها مسلم (319/ 40) من طريق مالك، عن الزهري. (¬2) سقط من "الأصل". (¬3) "الأم": 1/ 7. (¬4) رواه أبو داود (82)، والترمذي (64)، والنسائي (1/ 179)، وابن ماجه (373) من طريق شعبة، عن عاصم الأحول، عن أبي حاجب، عن الحكم بن عمرو -رَضِيَ الله عَنْهُ- قال الترمذي: حديث حسن، وصححه الألباني في "الإرواء" (11). قال ابن عبد البر في "التمهيد" (14/ 165): والذي ذهب إليه جمهور العلماء وجماعة فقهاء الأمصار أنه لا بأس أن يتوضأ الرجل بفضل المرأة وتتوضأ المرأة بفضله. اهـ. (¬5) وكذا قال الدارقطني في "علله" (8/ 280 رقم 1567).

وفي قولها: "أبق لي أبق لي" كالإشارة إلى أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يأخذ الماء أولًا وكانت عائشة تقدمه استعمالًا للأدب. الأصل [17] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس أنه قال: مر النبي - صلى الله عليه وسلم - بشاة ميتة قد كان أعطاها مولاة لميمونة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "فهلَّا انتفعتم بجلدها؟ ". قالوا: يا رسول الله إنها ميتة. فقال: "إنما حرم أكلها" (¬1). [18] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا ابن عيينة، عن [الزهري] (¬2)، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرَّ بشاة مولاةٍ لميمونة، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ما على أهل هذِه لو أخذوا إهابها فدبغوه فانتفعوا به". فقالوا: يا رسول الله، إنها ميتة. فقال: "إنما حرم أكلها" (¬3). [19] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن زيد بن أسلم، أنه سمع ابن وعلة، سمع ابن عباس، سمع النبي - صلى الله عليه وسلم -[يقول] (¬4) "أيُّما إهاب دبغ فقد طهر" (¬5). ¬

_ (¬1) "المسند" ص (10). (¬2) في "الأصل": الزبيري. تحريف، والمثبت من "المسند". (¬3) "المسند" ص (10). (¬4) سقط من "الأصل". والمثبت من "المسند". (¬5) "المسند" ص (10). =

[21] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن ابن قسيط، عن مُحَمَّد ابن عبد الرحمن بن ثوبان، عن أمِّه، عن عائشة؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر أن (يستمتع) (¬1) بجلود الميتة إذا دبغت (¬2). الشرح ابن شهاب: هو الزهري وتقدم ذكره (¬3). وعبيد الله: هو ابن عبد الله بن عتبة بن مسعود الهُذلي، أبو عبد الله حليف بني زهرة، أحد الفقهاء السبعة. سمع: ابن عباس، وزيد بن خالد، وأبا سعيد الخدري، وأبا هريرة، وعائشة. وروى عنه: الزهري، وصالح بن كيسان، وأبو الزناد، وغيرهم. وعن عمر بن عبد العزيز أنه كان يقول: لو كان عبيد الله حيًّا ما صدَّرت إلا عن رأيه. مات سنة ثمان وتسعين (¬4). وزيد بن أسلم: هو أبو أسامة العدوي مولى عمر بن الخطاب. سمع: ابن عمر، وأباه أسلم، وعطاء بن يسار، وعياض بن عبد الله. ¬

_ = ولم يذكر المصنف الحديث [20] أخبرنا مالك، عن زيد بن أسلم، عن ابن علة، عن ابن عباس -رَضِيَ الله عَنْهُ- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا دبغ الإهاب فقد طهر". وهما حديث واحد، لكن روى الأول عن سفيان وهذا عن مالك. (¬1) تصحفت في "الأصل". (¬2) "المسند" ص (10). (¬3) يوجد علامة لحق، وثم لحق بمقدار كلمتين وهو مقطوع غير واضح. (¬4) انظر "التاريخ الكبير" (5/ ترجمة 1239)، و"الجرح والتعديل" (5/ ترجمة 1517)، و"التهذيب" (19/ ترجمة 3653).

وروى عنه: مالك، والثوري، وحفص بن ميسرة، والدراوردي، وابن عيينة. وكان يجلس إليه علي بن الحسين، فقيل له: تتخطى مجالس قومك إلى عبد عمر بن الخطاب؟! فقال: "إنما يجلس الرجل إلى من ينفعه في دينه". مات سنة ست وثلاثين ومائة (¬1). وابن وعلة هو عبد الرحمن بن وعلة [النسائي] (¬2) المصري. سمع: ابن عباس. وروى عنه: أبو الخير مرثد، ويحيى (1/ ق8 - أ) بن سعيد الأنصاري، و [يعمر] (¬3)، وزيد بن أسلم (¬4). وابن قسيط: هو يزيد بن عبد الله بن قسيط بن أسامة بن عمير، أبو عبد الله الليثي المديني الأعرج. سمع: ابن عمر، وأبا هريرة، وعطاء بن يسار، وعروة بن الزبير، وسعيد بن المسيب. وروى عنه: ابن أبي ذئب، ومالك، وابن عجلان، وحميد بن زياد، وغيرهم (¬5). ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (3/ ترجمة 1287)، و"الجرح والتعديل" (3/ ترجمة 2511)، و"التهذيب" (10/ ترجمة 2088). (¬2) في "الأصل": الشيباني. وكتب في الحاشية: صوابه السبائي، وهو الصواب إن شاء الله. (¬3) في "الأصل": معمر. تحريف، والمثبت من مصادر التخريج. ويعمر: هو ابن خالد المدلجي. (¬4) انظر "التاريخ الكبير" (5/ ترجمة 1141)، و"الجرح والتعديل" (5/ ترجمة 1402)، و"التهذيب" (17/ ترجمته 3989). (¬5) انظر "التاريخ الكبير" (8/ ترجمة 3257)، و"الجرح والتعديل" (9/ ترجمة 1152)، و"التهذيب" (32/ ترجمة 4015).

ومحمد بن عبد الرحمن بن ثوبان القرشي المديني، مولى بني عامر بن لؤي. سمع: ابن عمر، وأبا سعيد. وروى عنه: الزهري، ويزيد بن قسيط، وغيرهما (¬1). وأمه من النسوة اللواتي يروين عن عائشة رضي الله عنها (¬2). والحديث الذي رواه مالك أخرجه البخاري (¬3) ومسلم (¬4) من طريق صالح بن كيسان، ويونس بن يزيد، عن ابن شهاب الزهري. والثاني الذي رواه سفيان بن عيينة، عن الزهري، والثالث الذي رواه عن زيد بن أسلم: أخرجهما مسلم (¬5) من حديثه. والأخير الذي رواه مالك عن ابن قسيط: أخرجه أبو داود السجستاني في كتاب اللباس من "السنن" (¬6) عن القعنبي، عن مالك. وفي الباب عن ميمونة، وأم سلمة، وابن عمر، وزيد بن ثابت -رَضِيَ الله عَنْهُ-. وجمع الإِهابِ: أُهُب وأَهَب، ويقال: طهَر يطهُر وطَهُر يطهُرُ طهارةً فيهما. ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (1/ ترجمة 434)، و"الجرح والتعديل" (7/ ترجمة 1697)، و"التهذيب" (25/ ترجمة 5393). (¬2) انظر "التهذيب" (35/ ترجمة 8029). (¬3) "صحيح البخاري" (1492). (¬4) "صحيح مسلم" (363/ 101). (¬5) الأول منها في ""صحيحه" (363/ 100)، والثاني (366/ 105). (¬6) "سنن أبي داود" (4/ 66 رقم 4124). والحديث رواه النسائي (7/ 176)، وابن ماجه (3612)، وابن حبان (1286). قال في "نصب الراية" (1/ 117): قال في "الإِمام": وأعله الأثرم بأن أم مُحَمَّد غير معروفة ولا يعرف لمحمد عنها غير هذا الحديث، وسئل أحمد عن هذا الحديث فقال: ومن هي أمه؟! كأنه أنكره من أجل أمه. وضعفه الألباني في التعليق على "السنن".

وقوله: "قد كان أعطاها مولاة لميمونة" يذكر أنه كان أعطاها من الصدقة، وفي بعض الروايات: أن ميمونة ماتت شاة لها، فقال - صلى الله عليه وسلم -: "ألا استمتعتم بإهابها" (¬1). ويمكن أن تكون القصة واحدة، لكن مولاتها كانت عندها ومن خدمها، فتارة نسبت الشاة إليها وتارة إلى ميمونة. وروي أن أم سلمة كانت لها شاة تحلبها فقدها النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: "ما فعلت الشاة؟ " فقالوا: ماتت. قال: " (أفلا) (¬2) انتفعتم بإهابها" (¬3). وهذا بتقدير الصحة يشعر بأن القصة غير الأولى، لكن قيل: إنه تفرد به الفرج بن فضالة وضعفوه (¬4)، واحتج بالحديث الأول من نفى الحاجة إلى الدباغ، فإنه قال: "فهلا انتفعتم بجلدها" وأطلق الجمهور حمله على الانتفاع بتوسط الدباغ؛ بدليل قوله "فدبغوه فانتفعوا به". وقوله: "إذا دبغت" وقولهم: "إنها ميتة" يحتمل أن يكون صدور هذا القول منهم مع علم النبي - صلى الله عليه وسلم - بأنها ميتة وغرضهم أن يستثبتوا ويتحققوا جواز الانتفاع وإن كانت ميتة، ويجوز أن لا يكون عالمًا بأنها ميتة وغرضهم تمهيد العذر في ترك الانتفاع؛ لاعتقادهم بأن الميتة تهجر من كل وجه ولا ينتفع بها. ¬

_ (¬1) أخرجها أحمد (1/ 365)، والدارقطني (1/ 48 رقم 22). (¬2) في "الأصل": لئلا، والمثبت من التخريج. (¬3) رواه الداقطني (1/ 49 رقم 28)، والطبراني في "الأوسط" (1/ 133 رقم 417) من طريق فرج بن فضالة، عن يحيى بن سعيد، عن عمرة، عنها. قال الدارقطني: تفرد به فرج بن فضالة وهو ضعيف. وقال الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن يحيى بن سعيد إلا فرج بن فضالة. (¬4) هو فرج بن فضالة بن النعمان التنوخي الشامي، ضعيف. التقريب (ترجمة 5383).

وقوله: "إنما حرم (1/ ق8 - ب) أكلها" قصد به بيان أنه لم يحرم منها كل انتفاع وإنما حرم الأكل، وقد يحتج به على أنه يجوز إطعام الجوارح منها، وعلى أنه يحرم أكل جلدها وإن طهر بالدباغ. وقوله في الحديث الثاني: "ما على أهل هذِه" قد يقرأ على الاستفهام والتعجب، وقد يجعل نفيًا أي: ما عليهم من بأس وحرج لو أخذوا إهابها فدبغوه. وقوله: "أيُّما إهاب دبغ فقد طهر" قد يحتج به على نجاسة الجلد قبل الدباغ، وعلى أنه يطهر بالدباغ ظاهر الجلد وباطنه، وعلى أنه لا حاجة إلى غسله بالماء بعد الدباغ. وقد يحتج به من يقول بطهارة جلد الكلب، وأجيب عنه بأن النضر ابن شميل قال: لا يقال إهاب إلا لجلد ما يؤكل لحمه (¬1). وبتقدير أن يقع الإهاب على كل جلد فجلد الخنزير مخصص عنه فقيس عليه جلد الكلب؛ لأن كلًّا منهما نجس في الحياة. وقوله: "أمر أن يُستمتع بجلود الميتة" يعني: أمر إرشاد وإباحة، لا إيجاب وانتداب، وهذِه الأحاديث أصل القول بالدباغ، وما روي عن عبد الله بن عكيم؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كتب إلى جهينة قبل موته بشهر أن لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب (¬2). فقد قيل: في إسناده ¬

_ (¬1) انظر "التمهيد" (4/ 170). (¬2) رواه أبو داود (4127)، والترمذي (1729)، والنسائي (7/ 175) وابن ماجه (2/ 1194 رقم 3613)، وابن حبان (1277، 1278). قال الترمذي: حسن، ونقل عن أحمد أنه كان يذهب إلى هذا الحديث، ثم تركه لما اضطربوا في إسناده. وقال ابن أبي حاتم في "العلل" (1/ 52 رقم 127) وقد سأل أبا حاتم عنه: قال أبي: لم يسمع عبد الله بن عكيم من النبي - صلى الله عليه وسلم -. =

إرسال، ثم حمل على ما قبل الدباغ جمعًا بين الأخبار. ومن الأحاديث في الدباغ ما روي أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: "طَهُورُ كلُّ أديمٍ دبَاغهُ" (¬1) وفي هذا الحديث دليل على أن الطهور: المطهر. وفي الأحاديث المذكورة إرشاد إلى استصلاح ما فيه منفعة وإلى صونه عن الضياع، وفيها دلالة على جواز مخامرة الشيء النجس لغرض الاستصلاح والرد إلى الطهارة، وعلى جواز مخامرة الشيء النجس لتخليص ما يعود إلى الطهارة منه فإنّ أَخْذَ الإهاب من الميتة لا يخلو عنها، والله أعلم. آخر الجزء ويتلوه في الذي يليه: الأصل أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن نافع، والحديث" الذي يشرب في آنية الفضة. الحمد لله حق حمده. ¬

_ = وأعله ابن دقيق العيد في "الإِمام" (1/ 316). (¬1) رواه النسائي (7/ 174)، وابن حبان (1290)، والدارقطني (1/ 49 رقم 27)، والبيهقي (1/ 21)، من حديث عائشة. قال الدارقطني: إسناده حسن. وقال البيهقي: رواته كلهم ثقات.

ابن عجلان، القعقاع بن حكيم، أبو صالح، أبو وجزة، عمارة بن خزيمة بن ثابت، أبوه، مُحَمَّد بن إسحاق، ابن أبي عتيق، يحيى بن حسان، حماد بن زيد، عمرو بن وهب، المغيرة بن شعبة، مسلم بن خالد، ابن جريج عبد الملك، عطاء بن أبي رباح، علي بن يحيى بن عمارة، أبوه، يحيى بن سليم، إسماعيل بن كثير، عاصم بن لقيط بن صبر، أبوه.

الأصل

(1/ ق10 - أ) بسم الله الرحمن الرحيم الأصل [22] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن نافع، عن زيد بن عبد الله ابن عمر، عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق، عن أم سلمة رضي الله عنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الَّذِي يَشْرَبُ في آنِيَةِ الفِضَّةِ إِنّما يُجَرْجِرُ في بِطْنِهِ نَارَ جَهَنَّمَ" (¬1). الشرح زيد بن عبد الله أحد بني عبد الله بن عمر بن الخطاب العدوي المدني، سمع أباه (¬2). وعبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر سبط أبي بكر الصديق التيمي المدني. سمع: أم سلمة. وروى عنه: عثمان بن مرة البصري أو المكي، وزيد (¬3). وأم سلمة: هي هند بنت أبي أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر ابن مخزوم المخزومية القرشية إحدى أمهات المؤمنين، كانت قبل أن يتزوجها النبي - صلى الله عليه وسلم - تحت أبي سلمة عبد الله بن عبد الأسد المخزومي، ونكحها النبي - صلى الله عليه وسلم - سنة أربع من الهجرة، وقيل غيره. روى عنها: عبد الله بن عبد الرحمن وابنتها زينب بنت أبي سلمة، ¬

_ (¬1) "المسند" ص (10). (¬2) انظر "التاريخ الكبير" (3/ ترجمة 1330)، و"الجرح والتعديل" (3/ ترجمة 2565)، و"التهذيب" (10/ ترجمة 2114). (¬3) انظر "التاريخ الكبير" (5/ ترجمة 388)، و"الجرح والتعديل" (5/ ترجمة 432)، و "التهذيب" (15/ ترجمة 3374).

وتوفيت زمن يزيد بن معاوية (¬1). والحديث صحيح أخرجه البخاري (¬2) عن إسماعيل بن أبي أويس، ومسلم (¬3) عن يحيى بن يحيى، بروايتهما عن مالك، ورواه عن نافع كما رواه مالك: إسماعيل بن أمية، وفي الباب عن حذيفة، وابن عمر، والبراء، وعائشة -رَضِيَ الله عَنْهُا-. والجرجَرةُ تطلق بمعنيين: أحدهما: الصَّبُّ، ومن حمل اللفظ على هذا المعنى روى "نارَ جهنم" بالنصب، وبهذا قال الزجاج، ويؤيده ما في بعض الروايات: "يجرجر في بطنه نارًا من نار جهنم" (¬4). والثاني: الصوت، يقال: جَرْجَرَ الفحلُ إذا ردَّد صوتُه في حلقهِ، ومن هذا قيل: معناه: يُصوِّتُ، وروي "نارُ جهنم" بالرفع. والخبر يدل على تحريم الشرب من آنية الفضة حيث علق الوعيد بالنار، والمعنى أن الشرب منها يقتضي إلى جررهِ النارِ في البطن، وبمثله فسر قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ في بُطُونِهِمْ نَارًا} (¬5) (¬6). وألحق الشرب سائر وجوه الاستعمال بالمعنى بالخبر، وبسائر ¬

_ (¬1) انظر "معرفة الصحابة" (6/ ترجمة 3750، 4038). (¬2) "صحيح البخاري" (5634). (¬3) "صحيح مسلم" (2065/ 1). (¬4) أخرجها مسلم (2065/ 2) من طريق عثمان بن مرة، عن عبد الله، عنها, ولفظه: "يجرجر في بطنه نارًا من جهنم" وليس عنده: "نار"، ولم أجدها عند غيره أيضًا والله أعلم. (¬5) النساء: 10. (¬6) رواه النسائي في "الكبرى" (رقم 6878)، وليس عنده محل الشاهد، والدارقطني (1/ 40 رقم 1) وقال: إسناده حسن.

الأصل

الأخبار الناصة على الأكل وغيره، وفي تحريم آنية الفضة ما يدل على تحريم آنية الذهب بطريق الأولى؛ لأن نفاسته والخيلاء فيه أكثر. وفي رواية ابن عمر -رَضِيَ الله عَنْهُ-: "من شرب (1/ ق10 - ب) من إناء من ذهب أو فضة أو إناء فيه شيء من ذلك فإنما يجرجر في بطنه نار جهنم" (¬1). ففي قوله: "أو إناء فيه شيء من ذلك" دلالة على تحريم المضبب بهما. الأصل [23] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا ابن عيينة، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُم مِنْ نُوْمِهِ فَلَا يَغْمِسْ يَدَهُ في الإِنَاءِ حَتّى يَغْسِلهَا ثَلاثًا، فَإِنّه لاَ يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ" (¬2). [24] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك وابن عيينة، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نُومِهِ فَلْيَغْسِلْ يَدَهُ قَبْلَ أَنْ يُدْخِلهَا في وَضُوئِهِ، فَإِنّ أَحَدَكُم لاَ يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ" (¬3). الشرح أبو سلمة: هو ابن عبد الرحمن بن عوف القرشي الزهري المديني، قيل: اسمه كنيته، وقيل: اسمه عبد الله. سمع: أبا هريرة، وجابرًا، وأبا سعيد الخدري. وروى عنه: الزهري، ويحيى بن سعيد، ويحيى بن أبي كثير، وجماعة. ¬

_ (¬1) رواه الدارقطني (1/ 40 رقم 1)، والبيهقي (1/ 28). قال البيهقي: المشهور عن ابن عمر موقوفًا عليه. (¬2) "المسند" ص (10). (¬3) "المسند" ص (11).

مات سنة أربع ومائة (¬1). وحديث مالك عن أبي الزناد: رواه البخاري في "الصحيح" (¬2) عن عبد الله بن يوسف عن مالك، ورواه مسلم (¬3) عن قتيبة عن المغيرة ابن عبد الرحمن عن أبي الزناد. وحديث سفيان عن الزهري: رواه مسلم (¬4) عن عمرو الناقد وغيره، عن سفيان، وروى الحديث عن سفيان كما رواه الشافعي: الحميدي (¬5)، ورواه عن أبي هريرة: عبد الله بن شقيق، وسعيد بن المسيب، وأبو مريم، وأبو رزين، وأبو صالح. وفي الباب عن علي، وعائشة، وابن عمر وفي حديثه: "فإنه لا يدري أين باتت يده، أو أين طافت يده" (¬6) وجابر وفي حكايته: "فإنه لا يدري أين باتت يده، ولا على ما وضعها" (¬7). وبين روايتي الشافعي تفاوت في اللفظ وفي المعنى أيضًا؛ فإنه ذكر الثلاث في الأولى دون الثانية. وفي الحديث بيان أن المتيقظ من النوم ينبغي أن لا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها, وليس ذلك على الإيجاب وإنما هو استحباب، واحتج الشافعي لذلك بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - وضع يده في قدح فتوضأ الناس من ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (5/ ترجمة 385)، و"الجرح والتعديل" (5/ ترجمة 429)، و "التهذيب" (33/ ترجمته 7409). (¬2) "صحيح البخاري" (162). (¬3) "صحيح مسلم" (278/ 88). (¬4) "صحيح مسلم" (278/ 87). (¬5) "مسند الحميدي" (951). (¬6) أخرجه ابن خزيمة (146)، والدارقطني (1/ 49 رقم 3) وقال: إسناده حسن. (¬7) أخرجه ابن ماجه (395). قال صاحب "مصباح الزجاجة" (1/ 58): إسناده صحيح، رجاله ثقات. وقال الشيخ الألباني في تحقيق "السنن": منكر بزيادة: "ولا على ما وضعها". قلت: وهو صحيح في مسلم دونها.

تحت يده آخذين الماء من القدح ولم يغسل أحد منهم يده قبل إدخالها القدح وفيهم من قام من النوم. قال علماء الأصحاب (¬1): وغسل اليدين ثلاثًا مستحب سواء قام من النوم أو لم يقم، ثبت ذلك في صفة وضوء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬2) لكن (1/ ق 11 - أ) القائم من النوم يكره له غمس اليد في الإناء قبل غسلها، وغير القائم يتخير بين غمس اليد في الإناء وبين صبّ الماء عليها، والقدر الذي يستحب غسله ما بين رءوس الأظفار والكوع وهو الذي يغمس في الإناء غالبًا للاغتراف، وعلى ذلك تنزل قوله تعالى: {فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} (¬3) ولو دخل الساعد في مسمى اليد لم يكن إلى التقييد بالمرافق حاجة في قوله تعالى: {وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} (¬4). وقوله: "فإنه لا يدري أين باتت يده" إشارة إلا أنه ربما أصاب في النوم بيده الطائفة على البدن موضعًا نجسًا، سيما إذا كان قد استنجى بالحجر، فيحتاط لما في الإناء بغسلها أولًا، واحتج بالحديث على أنه يستحب غسل الموضع النجس ثلاثًا, لأنه استحب التثليث ها هنا لتوهم النجاسة فحالة التحقيق أولى بالتثليث. وفي بعض الراويات: "إذا قام أحدكم من الليل" (¬5) وقوله ها هنا: ¬

_ (¬1) المراد بهم المتقدمون، وهم أصحاب الأوجه غالبًا، وضبطوا بالزمن وهم من الأربعمائة، وأطلق عليهم (المتقدمون) لقربهم من القرون المشهود لها بالخيرية. انظر: "مغني المحتاج" 1/ 35، "الفوائد المكية" للسقاف ص 46، "الفتح المبين في تعريف مصطلحات الفقهاء والأصوليين" ص 139. (¬2) روى في ذلك البخاري (159)، ومسلم (226/ 3) من حديث عثمان. (¬3) المائدة: 38. (¬4) النساء: 43. (¬5) أخرجها أبو داود (103)، والترمذي (24)، والنسائي (1/ 215)، وابن ماجه (1372) من حديث أبي هريرة. وصححه الألباني في التعليق على "السنن".

الأصل

"أين باتت" يوافقه، وكراهية الغمس قبل الغسل تعمّ نوم الليل والقيلولة، لكن يمكن أن يقال أن الكراهية ثَمّ أشد؛ لأن نوم الليل أطول فيكون احتمال الثلوث فيه أقرب. وقوله: "فلا يغمس يده في الإناء" يعني: في الماء [الذي] (¬1) في الإناء، يبينه قوله في الرواية الثانية "قبل أن يدخلها في وضوئه" وفي هذِه اللفظة إشارة إلى أن القائم من النوم يتوضأ؛ لأنه سماه وضوءه، وقد سبق أن الوَضوء: الماء الذي يتوضأ به. الأصل [25] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا الثقة، عن حميد، عن أنس قال: كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينتظرون العشاء فينامون -أحسبه قال: قعودًا- حتى تخفق رءوسهم، ثم يصلون ولا يتوضئون (¬2). [26] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن نافع، عن ابن عمر أنه كان ينام [قاعدًا] (¬3) ثم يصلي ولا يتوضأ (¬4). الشرح عن الحاكم أبي عبد الله الحافظ أنه إذا قال الشافعي: أبنا الثقة عن حميد؛ فإنما يعني به إسماعيل بن علية (¬5). ¬

_ (¬1) ليست في "الأصل" والسياق يقتضيها. (¬2) "المسند" (ص 11). (¬3) في "الأصل" قاعد. والمثبت من "المسند". (¬4) "المسند" (ص 11). (¬5) قال الحافظ في "تعجيل المنفعة" (1570): إذا قال الشافعي: عن الثقة عن ليث بن سعد قال الربيع: هو يحيى بن حسان، وإذا قال: عن الثقة، عن أسامة بن زيد هو إبراهيم بن أبي يحيى، وإذا قال: عن الثقة، عن حميد هو ابن علية، وإذا قال: عن الثقة عن معمر هو مطرف بن مازن، وإذا قال: عن الثقة، عن الوليد بن كثير هو أبو أسامة، وإذا قال: عن الثقة، عن يحيى بن أبي كثير لعله ابنه عبد الله بن يحيى بن أبي كثير، وإذا قال: عن الثقة، عن يونس بن عبيد، عن الحسن هو ابن علية، وإذا قال: =

وإسماعيل ابن علية: هو إسماعيل بن إبراهيم، أبو بشر الأسدي البصري مولى بني أسد بن خزيمة، وعلية أمه اشتهر بالنسبة إليها وكانت مولاة لبني أسد (¬1). سمع: أيوب، وابن أبي عروبة، وخالدًا الحذاء، وداود بن أبي هند، وحميدًا. وروى عنه: علي بن المديني، وقتيبة، وزهير، وعلي بن حجر، وغيرهم. مات سنة ثلاث أو أربع وتسعين ومائة ببغداد (¬2). وحميد: هو أبو عبيدة (1/ ق 11 - ب) بن أبي حميد تيرويه، وقيل: طرخان، وقيل: مهران، وقيل: عبد الرحمن، مولى طلحة الطلحات الخزاعي. ويعرف حميد بالطويل، ويذكر أنه كان قصير القامة طويل اليدين، فقيل: سمي طويلًا لطول يديه، وقيل: لقصر قامته على الضدِّ. سمع: أنسًا، وبكر عبد الله المزني، وثابتًا البناني، وابن أبي مليكة. وروى عنه: يحيى القطان، ويزيد بن زريع، وحماد بن سلمة، والدراوردي، وشعبة. ¬

_ = عن الثقة، عن الزهري هو سفيان بن عيينة. اهـ. (¬1) وفي تسميته بابن علية، قال الذهبي: كان يقول: من قال: ابن علية فقد اغتابني، قلت: -أي الذهبي-: هذا سوء خُلق منه - رحمه الله - شيء قد غلب عليه فما الحيلة؟ قد دعا النبي - صلى الله عليه وسلم - غير واحد من الصحابة بأسمائهم مضافًا إلى الأم، كالزبير: ابن صفية، وعمَّار: ابن سمية. أ. هـ، انظر: "سير أعلام النبلاء" 9/ 108، وذكر شارح الأذكار النووية أن الشافعي كان يقول: أخبرني إسماعيل الذي يقال له: ابن علية، فجمع بين التعريف والبري من التلقيب، رحمه الله تعالى، ورضي الله عنه. "شرح الأذكار" 6/ 137. (¬2) انظر "التاريخ الكبير" (1/ ترجمة 1078)، و"الجرح والتعديل" (2/ ترجمة 513)، و"التهذيب" (3/ ترجمته 417).

مات سنة ثلاث وأربعين ومائة (¬1). وأنس: هو ابن مالك بن النضر بن ضمضم بن زيد بن حرام بن جندب بن عامر بن غنم بن عدي، أبو حمزة خادم النبي - صلى الله عليه وسلم -، أكثر الرواية عنه. وروى أيضًا عن: أبي بكر الصديق، ومعاذ، وأبي ذر، وغيرهم من الصحابة. وروى عنه: الحسن، والزهري، وغيرهم. قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة وهو ابن عشر سنين وتوفي - صلى الله عليه وسلم -وهو ابن عشرين، وانتقل إلى البصرة وتوفي بها سنة إحدى أو اثنتين أو ثلاث وتسعين وهو آخر من مات بالبصرة من الصحابة (¬2). وقال مورق وغيره لما مات أنس: ذهب اليوم نصف العلم. وحديث أنس رواه هشام الدُّستوائي عن قتادة عن أنس واللفظ قريب من رواية حميد (¬3)، ورواه أبو هلال عن قتادة عن أنس، واللفظ: كنا نأتي مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فننام ولا نُحْدِثُ بذلك وضوءنا (¬4)، ورواه ابن المبارك عن معمر عن قتادة عنه واللفظ: لقد رأيت أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يُوقَظُون للصلاة حتى إني لأسمع لأحدهم غطيطًا ثم يصلون ولا يتوضئون (¬5). قال ابن المبارك: هذا عندنا وهم جلوس. ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (2/ ترجمة 2704)، و"الجرح والتعديل" (3/ ترجمة 961)، و"التهذيب" (7/ ترجمة 1525). (¬2) انظر "معرفة الصحابة" (1/ ترجمة 79)، و"الإصابة" (1/ ترجمة 277). (¬3) أخرجه أبو داود (رقم 200)، والدارقطني (1/ 131 رقم 3) وصححه، والبيهقي (1/ 119) من طريق هشام. وصححه الألباني في التعليق على "السنن". (¬4) أخرجه الدارقطني (1/ 130 رقم 1) وصححه. (¬5) أخرجه الدارقطني (1/ 130 رقم 2) وصححه.

وهذا الذي روي عن أنس يعدُّ من حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ لأن المعنى أنهم كانوا يفعلون ذلك في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -وهو مصرح به في بعض الروايات، ثم مقصودهم من مثل ذلك أنه كان شائعًا حينئذ والنبي - صلى الله عليه وسلم - عالم به وكان يسكت عليه ولا يمنع منه، وسكوته على الشيء يدل على جوازه. وأما الذي روي عن ابن عمر فأثر لا كلام فيه ولم يستوعب أبو العباس الأصم الآثار التي رواها الشافعي ولا ترك كلها، كأنه أورد ما رآه أهم. وقوله: "تخفق رءوسهم" أي: تتحرك وتضطرب، ومنه خفقان القلب، وفي حديث أنس دليل على أن النوم قاعدًا لا يبطل الوضوء، ويتبين به وبما في معناه حمل الأخبار المطلقة في النوم على النوم على غير هيئة القعود، وفعل ابن عمر يؤيده، وروي أنه قال: من نام مضطجعًا وجب عليه الوضوء، ومن نام قاعدًا فلا وضوء عليه (¬1). وكلمة: "أحسبه" يشبه أن تكون (1/ ق 12 - أ) من قول حميد، ولا يوجب ذلك ترددًا في أن النوم قاعدًا لا يبطل الوضوء؛ لجواز أن يكون التردد في أنه هل ذكر القعود المحمول عليه أو في أنه ذكر لفظة القعود أو غيرها مما يؤدي معناها، وقد يتوهم من الخبر أنهم كانوا يؤخرون ¬

_ (¬1) رواه الشافعي ص (228) عن الثقة، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع عنه. رواه ابن أبي شيبة (1/ 123) عن حفص، عن يحيى بن سعيد، عن نافع عنه أنه كان لا يرى على من نام قاعدًا وضوء. وفي الباب مرفوعًا من حديث ابن عباس: "الوضوء على من نام مضطجعًا ... " رواه أبو داود (202)، والترمذي (77)، والدارقطني (1/ 159 رقم 1) لكن ضعفوه جميعًا، وكذا ضعفه البخاري كما في "علل الترمذي" (43).

العشاء وكان النوم يأخذهم لطول الانتظار، لكن يجوز أن يغلب النوم وإن لم تؤخر العشاء لطول النهار أو الاشتغال بعمل متعب فيه. [27] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن ابن شهاب، عن سالم، عن أبيه -رَضِيَ الله عَنْهُ- قال: قُبْلَةُ الرُّجُلِ امْرَأَتَهُ وَجَسُّها بِيدهِ مِنَ الملامَسَةِ، فَمَنْ قَبَّلَ امْرَأَتَهُ أَو جَسَّها بِيدِهِ فَعَلَيْهِ الوُضُوء (¬1). الشرح سالم: هو ابن عبد الله بن عمر بن الخطاب العدوي القرشي، أبو عمر أو أبو عبد الله. سمع: أباه، وأبا هريرة، ورافع بن خديج، وعبد الله بن أبي بكر الصديق. وروى عنه: الزهري، وموسى بن عقبة، ونافع، وعمرو بن دينار، وأبو بكر بن سالم ابنه، وعكرمة بن عامر. توفي سنة ست ومائة (¬2). والجسُّ: المس، يقال: جسَّ العليل يجسُّه جسًّا واجتس مثله، وذكر أن الجسَّ قد يكون بالحاء، وأنه قد يقال للحواس: الجواسُّ، واللمس: المس باليد وغيرها، والملامسة مفاعلة منه، وقد يكنى بها عن الجماع. وقوله: "إن القبلة والجس من الملامسة" يريد أنهما داخلان في ¬

_ (¬1) "المسند" ص (11). والأثر رواه مالك (1/ 43 رقم 95)، والدارقطني (1/ 144 رقم 38) وصححه. (¬2) انظر "التاريخ الكبير" (4/ ترجمة 2155)، و"الجرح والتعديل" (4/ ترجمة 797)، و"التهذيب" (10 ترجمة 2149).

قوله تعالى: {أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ} (¬1) وفيه قولان معروفان للمفسرين: أحدهما: أن المراد منه المجامعة. وبه قال ابن عباس، والحسن، وقتادة. والثاني: أن المراد التقاء البشرتين. وبه قال ابن مسعود، والشعبي، وإبراهيم، وابن عمر -رَضِيَ الله عَنْهُ- ممن قال به؛ وهو أولى فإنه قضية الوضع. وذكر الشافعي في "الأم" أنه اللائق بسياق الآية؛ وذلك لأنه ذكر الجنب وأمره بالإطهار حيث قال: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} (¬2) ثم قال: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} أي: وإن كنتم مرضى وأنتم جنب فتيمموا، أو على سفر وأنتم جنب فتيمموا إذا لم تجدوا الماء، ثم إن كان المراد من الملامسة ما ذكرنا كان المعنى: أو أحدثتم بغائط أو أجنبتم بجماع، ومعلوم أن الأول أحسن من الثاني؛ لأنه عطف حدثٍ على حدثٍ؛ ولأن المجامعة داخلة في قوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} (¬3). واعلم أن الشافعي أورد في "الأم" (¬4) الأثر غير محتج به استقلالًا، وإنما أورده في أثناء الاحتجاج بالآية؛ لبيان أن الملامسة في الآية مفسر بما يدخل فيه القبلة والجس باليد. ويروى مثل ما ذكر ابن عمر عن عمر (1/ ق 12 - ب) وابن مسعود -رَضِيَ الله عَنْهُ-. وفي إطلاق الأثر دلالة على أنه لا فرق بين أن يكون الجسُّ عمدًا أو سهوًا. ¬

_ (¬1) النساء: 43، المائدة: 6. (¬2)، (¬3) المائدة: 6. (¬4) "الأم" (1/ 15).

الأصل

الأصل [28] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، ثنا الزهري، أخبرني عباد بن تميم، عن عمه عبد الله بن زيد -رَضِيَ الله عَنْهُ- قال: شُكي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - الرجل يخيل إليه الشيء في الصلاة. فقال: "لاَ يَنْفَتِلْ حَتّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَو يَجِدَ رِيحًا" (¬1). الشرح عباد: هو ابن تميم بن زيد الأنصاري المازني المديني. سمع: عمه عبد الله، وأبا بشير الأنصاري. وروى عنه: الزهري، وأبو بكر بن مُحَمَّد بن عمرو بن حزم، وعمارة بن غزية (¬2). وعبد الله عمه: هو عبد الله بن زيد بن عاصم بن عمرو بن عوف ابن مبذول بن عمرو بن (عثمان) (¬3) بن مازن المازني النجاري الأنصاري أبو مُحَمَّد، هو وأبوه وأخوه صحابيين، وعبد الله شهد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بدرًا، ويقال: هو الذي قتل مسيلمة الكذاب يوم اليمامة. ¬

_ (¬1) "المسند" ص (11). (¬2) انظر "التاريخ الكبير" (6/ ترجمة 1604)، و"الجرح والتعديل" (6/ ترجمة 398)، و"التهذيب" (14/ ترجمة 3075). وفي "التهذيب" وملحقاته: عباد بن تميم بن غزية الأنصاري، وفي "التاريخ" و"الجرح": عباد بن تميم الأنصاري فقط. قال ابن حجر في "الإصابة" (1/ 370) في ترجمة تميم والد عباد هذا: أخو عبد الله بن زيد بن عاصم في قول الأكثر، وقيل: هو أخوه لأمه وأما أبوه فهو غزية بن عبد عمرو بن عطية بن خنساء، بذلك جزم الدمياطي تبعًا لابن سعد. أ. هـ. (¬3) كذا بـ "الأصل" وفي مصادر التخريج: غنم.

روى عنه: يحيى بن عمارة، وسعيد بن المسيب، وغيرهما. توفي سنة ثلاث وستين، وليس هو بعبد الله بن زيد صاحب الأذان (¬1). والحديث رواه عن سفيان كما رواه الشافعي: علي بن المديني، ومن روايته أخرجه البخاري في "الصحيح" (¬2)، وعمرو الناقد ومن روايته ورواية غيره أخرجه مسلم في "الصحيح" (¬3)، وقتيبة بن سعيد ومن روايته أخرجه أبو داود (¬4)، ورواه عن عبد الله بن زيد: سعيد بن المسيب أيضًا. وقوله: "شُكي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - هكذا رواه الأكثرون، أي: شُكي حال الرجل الذي يخيل إليه الشيء في الصلاة، وبعضهم روى: "شكى" كأنه جعله من فعل الرجل. وقوله: "لا ينفتل" يجوز أن يقرأ بالرفع على الخبر، ويجوز أن يجزم على النهي، وانفتل أي: مال وذهب، يقال: قتله عن وجهه فانفتل، أي: صرفه، وهو قريب المعنى من الانقلاب، وفي بعض الروايات: "لا ينفتل أو لا ينصرف". والمراد من الشيء المبهم في قوله: "يخيل إليه الشيء": الشيء الذي يوجبُ الحدث، وهو كما روي أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الشيطان يأتي أحدكم وهو في الصلاة فينفخ بين أليتيه ويقول: أحدثت أحدثت فلا ينصرفن حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا" (¬5). ¬

_ (¬1) انظر "معرفة الصحابة" (3/ ترجمة 1642)، و"الإصابة" (4/ ترجمة 4691). (¬2) "صحيح البخاري" (137). (¬3) "صحيح مسلم" (361/ 98). (¬4) "سنن أبي داود" (176). (¬5) قال ابن حجر في "التلخيص" (1/ 128 رقم 171): هذا الحديث تبع في إيراده =

ولفظ الريح في قوله: "أو يجد ريحًا" (¬1) يجوز أن يحمل على الريح الخارجة أي: يحس بخروجها, لكن الظاهر أنه لم يرد ذلك؛ وإنما المراد الرائحة لوجهين: أحدهما: أنه ورد في بعض الروايات: "حتى يسمع صوتًا بأذنه، أو يجد ريحًا بأنفه" (¬2). والثاني: أن في رواية أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه (1/ ق 13 - أ) قال: "إذا كان أحدكم في المسجد فوجد ريحًا بين أليتيه فلا يخرج حتى يسمع صوتا [أو] (¬3) يجد ريحا" (¬4) وهذا إذا جوز أن يكون الريح التي يجدها لاحتكاك إحدى الصفحتين بالأخرى، أو لانعطاف يتفق في هيئات الجلوس والإقعاء. وقد روي في الباب عن عائشة، وأبي سعيد، وابن عباس، وعلي بن طلق -رَضِيَ الله عَنْهُ-. واحتج الشافعي والعلماء [بالحديث] (¬5) لأصلين: ¬

_ = -أي: الرافعي- الغزالي، وهو تبع الإِمام، وكذا ذكره الماوردي، وقال ابن الرفعة في "المطلب": لم أظفر به يعني هذا الحديث. انتهى. قلت: ورواه بنحوه أبو داود (177)، والترمذي (75) وقال: حسن صحيح من حديث أبي هريرة. وصححه الألباني في تعليقه على "السنن". (¬1) قال النووي في "شرح مسلم": 4/ 49 معناه يعلم وجود أحدهما, ولا يشترط السماع والشم بإجماع المسلمين. (¬2) أخرجها أبو داود (1029)، وابن حبان (2666)، والحاكم (1/ 227) من حديث أبي سعيد الخدري. قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين. وضعفه الألباني في "ضعيف الجامع" (568). (¬3) في "الأصل": والمثبت من "جامع الترمذي". (¬4) رواه الترمذي (75) وقال: حسن صحيح. (¬5) في "الأصل": بالحدث. تحريف.

الأصل

أحدهما: أن خروج الريح يوجب الوضوء؛ لأنه دل على أن المصلي ينصرف به من الصلاة، ولولا بطلان الطهارة لما انصرف، ثم قال الشافعي: وإذا أوجب خروج الريح الوضوء فخروج البول والغائط أولى (¬1). والثاني: أن اليقين لا يرفع بالشك. ويروى عن ابن المبارك أف قال: من شكّ في الحدث فلا وضوء عليه حتى يستيقن استيقانًا يقدر أن يحلف عليه، وقد يستدل به على أنه لا ينبغي أن تترك العبادة المشروع فيها ويبطلها، وإن أراد الأخذ بالاحتياط، وطريق المحتاط أن يتم ما هو فيه ثم يتوضأ ويعيد، وعلى أن الريح الخارجة من قُبل المرأة توجب الوضوء إما أخذًا من اللفظ أو قياسًا عليه (¬2). الأصل [29] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا إبراهيم بن مُحَمَّد، أخبرني أبو بكر بن عمر بن عبد الرحمن، عن نافع، عن ابن عمر؛ أن رجلًا مر على النبي - صلى الله عليه وسلم -وهو يبول فسلم عليه الرجل فرد عليه السلام، فلما جاوزه ناداه النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "إنما حملني على الرد عليك خشية أن تذهب فتقول: إني سلمت على رسول الله فلم يرد عليّ، فإذا رأيتني على هذِه الحال فلا تسلم عليّ، فإنك إن تفعل لا أرد عليك السلام" (¬3). [30] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا إبراهيم بن مُحَمَّد، عن ¬

_ (¬1) "الأم" (1/ 17) بتصرف. (¬2) انظر "جامع الترمذي" (1/ 109). (¬3) "المسند" ص (11).

أبي الحويرث، عن الأعرج، عن ابن الصمة قال: مررت على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يبول فسلمت عليه فلم يردَّ علي حتى قام إلا جدار فحته بعصى كانت معه ثم وضع يديه على الجدار فمسح وجهه وذراعيه ثم رد علي. قال أبو العباس: هذان الحديثان ليسا في كتاب الوضوء ولكن أخرجته فيه لأنه موضعه وفي هذا الموضع من كتاب الوضوء قال الشافعي: وروى أبو الحويرث [عن] (¬1) الأعرج، عن ابن الصمة؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بال فتيمم؛ فأخرجت الحديث بتمامه لهذِه العلّة (¬2). الشرح إبراهيم: هو ابن مُحَمَّد بن أبي يحيى الأسلمي، مولاهم (1/ ق 13 - ب) المدني واسم أبي يحيى سمعان. روى عن: يحيى بن سعيد، وموسى بن وردان، وزيد بن أسلم، وأبي بكر بن عمر، وأبي الحويرث. وروى عنه: ابن جريج، والثوري، وعباد بن منصور، ومندل. وكان ينسب إلى القدر، وتكلم فيه مالك ويحيى بن معين وغيرهما. وقال مُحَمَّد بن إسماعيل البخاري: تركه ابن المبارك والناس، وعن أبي أحمد عبد الله بن عدي الحافظ أنه قال للربيع: ما حمل الشافعي على أن روى عنه -يعني: إبراهيم- مع وصفه إياه بأنه كان قدريًّا؟ فقال: كان الشافعي يقول: لأن يَخِرّ إبراهيم من بُعدٍ أحبّ إليه من ¬

_ (¬1) سقط من "الأصل". والمثبت من "المسند". (¬2) "المسند" (1/ 12).

أن يكذب، وكان ثقة في الحديث (¬1). وحسَّن القول فيه أيضًا أحمد بن مُحَمَّد بن سعيد (¬2)، وأبو أحمد الحافظان، وقالا (¬3): ليس في حديثه على كثرته منكر إلا من قبل من يروي علة، ويروي إبراهيم عنه، وله كتاب "الموطأ" وهو أضعاف "موطأ مالك" (¬4). وأبو بكر: هو ابن عمر بن عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر بن الخطاب العدوي إن شاء الله، وأبو بكر هذا لا يعرف له اسم، وقد ينسب إلى جده فيقال: أبو بكر بن عبد الرحمن. سمع: سعيد بن يسار. وروى عنه: مالك (¬5). وأبو الحويرث: هو عبد الرحمن بن معاوية الزرقي الأنصاري المدني. روى عن: نافع بن جبير بن مطعم، وعلي بن الحسين، وعبد الرحمن بن هرمز الأعرج. وروى عنه: الثوري، وشعبة، ومالك (¬6). وابن الصمة: هو أبو جهيم بن الحارث بن الصمة الأنصاري من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ويقال، أبو جهم، والأول الأظهر، اسمه ¬

_ (¬1) "الكامل في ضعفاء الرجال" (1/ ترجمة 61). (¬2) هو ابن عقدة، أبو العباس الهمداني. (¬3) "الكامل في ضعفاء الرجال" (1/ ترجمة 61). (¬4) انظر "التاريخ الكبير" (1/ ترجمة 1013)، و"الجرح والتعديل" (2/ ترجمة 390)، و"التهذيب" (2/ ترجمته 236). (¬5) انظر "الجرح والتعديل" (9/ ترجمة 739)، و"التهذيب" (33/ ترجمة 7251). (¬6) انظر "التاريخ الكبير" (5/ ترجمة 1107)، و"الجرح والتعديل" (5/ ترجمة 1352)، و"التهذيب" (17/ ترجمته 3962).

عبد الله فيما روي عن وكيع وغيره، وذكر ابن أبي حاتم (¬1) قولًا آخر أن أبا جهم هو الحارث بن الصمة؛ والأول أظهر. روى عنه: عمير مولى ابن عباس، وبُسر بن سعيد الحضرمي (¬2). وفي "الصحيحين" من رواية أبي جهيم حديثان بلا مزيد: أحدهما: حديث السلام الذي نحن فيه (¬3). والثاني: حديث المارِّ بين يدي المصلي (¬4). وحديث ابن عمر رواه عن نافع: مُحَمَّد بن ثابت العبدي، وابن الهاد، والضحاك بن عثمان أيضًا، ومن رواية الضحاك أخرجه مسلم في "الصحيح" (¬5) عن مُحَمَّد بن عبد الله بن نمير، عن أبيه، عن سفيان، عن الضحاك. ومعنى اللفظ في رواياتهم: أن الرجل سلَّم عليه حينئذ فلم يردَّ عليه حتى ضرب يده على الحائط فمسح وجهه ويديه، ويروى: وذراعيه. وحديث ابن الصمة رواه البخاري في "الصحيح" (¬6) عن يحيى بن بكير، عن الليث، عن جعفر بن ربيعة (1/ ق 14 - أ) عن الأعرج، عن عمير مولى ابن عباس عن ابن الصمة، ولفظ الأعرج: سمعت عميرًا مولى ابن عباس يقول: أقبلت أنا وعبد الله بن يسار مولى ميمونة زوج النبي ¬

_ (¬1) "الجرح والتعديل" (9/ ترجمة 1599). (¬2) انظر "معرفة الصحابة" (5/ 3144)، و"الإصابة" (7/ ترجمة 9692). (¬3) رواه البخاري (337)، ومسلم (369/ 114) تعليقًا. (¬4) رواه البخاري (509)، ومسلم (507/ 261). (¬5) "صحيح مسلم" (370/ 115). (¬6) "صحيح البخاري" (337).

- صلى الله عليه وسلم - حتى دخلنا على أبي جهيم بن الحارث، فقال أبو جهيم: أقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من نحو بئر جمل فلقيه رجل فسلم عليه فلم يرد عليه السلام حتى أقبل على الجدار فمسح بوجهه ويديه ثم رد عليه السلام. وأخرجه مسلم (¬1) معلقًا فقال: وقال الليث بن سعد فذكره هكذا، فقيل لذلك: في إسناد الشافعي اختصار فإن الأعرج لم يسمعه من ابن الصمة؛ إنما سمعه من عمير عنه، لكن يحتمل أن يكون سمعه من عمير ومن ابن الصمة فروى تارة عن هذا وتارة عن هذا؛ ويؤيده أن موسى بن عقبة رواه عن الأعرج عن أبي جهيم من غير توسيط عمير كما هو في رواية الشافعي، وبتقدير أن يكون مرسلًا فإذا صح الحديث موصولًا صح الاحتجاج به. وفي الباب عن أبي هريرة، وجابر. واحتج الشافعي بالقصة على أن البول ينقض الوضوء، ولولا ذلك لما تيمم (¬2). وقد روي أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: "لم يمنعني أن أرد عليك السلام إلا أني لم [أكن] (¬3) على طهر" (¬4). ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (369/ 114). (¬2) "الأم" 1/ 44. (¬3) كلمة غير واضحة في "الأصل". والمثبت من مصادر التخريج. (¬4) أخرجه أبو داود (330)، والدارقطني (1/ 177 رقم 7) من طريق مُحَمَّد بن ثابت العبدي، عن نافع، عن ابن عمر بهذا اللفظ. قال الزيلعي في "نصب الراية" (1/ 5): قال النووي في "الخلاصة": مُحَمَّد بن ثابت العبدي ليس بالقوي عند أكثر المحدثين، وقد أنكر عليه البخاري وغيره رفع هذا الحديث وقالوا: الصحيح أنه موقوف على ابن عمر. لكن صح الشاهد من حديث المهاجر بن قنفذ -بنحوه- وفيه: "إني كرهت أن أذكر الله -عَزَّ وَجَلَّ- إلا على طهر". =

وبرواية ابن الصمة على أنه لا يقتصر في التيمم على المسح إلى الكوعين بل يدخلُ فيه الذراعان، واحتج برواية ابن عمر على أنه يجوز ذكر الله تعالى من غير طهارة فإنه - عليه السلام - رد عليه السلام وهو يبول أو عقيب فراغه منه والسلام اسم من أسماء الله تعالى، وفي هذا نظران: أحدهما: أن الأئمة نزلوا هذه الرواية على ما أفصحت به سائر الروايات وهو أنه تيمم ثم رد عليه السلام، وقد أورد البخاري حديث ابن الصمة في باب ترجمه بـ "التيمم في الحضر إذا لم يجد الماء وخاف فوت الصلاة" وذلك يشعر بأن التيمم في القصة وقع والحالة هذه، وحينئذ فالتيمم معتدّ به، فلا يكون الذكر على غير طهارة. والثاني: أن هذا الاحتجاج يتفرع على قول من يقول: إن معنى "السلام": ترجمة السلام عليكم، ومعنى الجواب "وعليكم ": ترجمة السلام، ووراءه قول آخر وهو أن السلام بمعنى السلامة كما قال الشاعر: فحيَّت بالسلامة أم بكر ... وهل لي بعد قومي من سلام أي: من سلامة، وعلى هذا فليس في السلام ولا في الرد (1/ ق 14 - ب) ذكر الله تعالى إلا أن يقال: إن السلامة مسئولة من الله تعالى فتضمن ذلك ذكره، وفي "النهاية" لإمام الحرمين رحمه الله: أن رجلًا سلم على النبي - صلى الله عليه وسلم - فتيمم ثم أجاب. ثم قال: وقد قيل أنه كان جنبًا وكأن التيمم في الإقامة ووجود الماء بني عليه أن المحدث يحسن له أن يتيمم لقراءة القرآن مع وجود ¬

_ = رواه أبو داود (17) والنسائي (1/ 37)، وابن ماجه (350)، وابن خزيمة (206)، وابن حبان (806)، والحاكم (1/ 272) وقال: صحيح على شرط الشيخين. وصححه الألباني في "الصحيحة" (834)، و"صحيح أبي داود" (13).

الماء، وما رواه من الجنابة غير مشهور في الحديث؛ إنما المشهور البول، ثم الذي حكيناه من ترجمة البخاري يُنازعُ فيما ذكره من أنه تيمم مع وجود الماء، وقد يستدل بالحديث على أنه يحسن تخفيف الحدث بما دون الطهارة المشروعة لرفع ذلك الحدث إذا أراد الشروع في أمر ذي بال، وهو كاستحباب الوضوء للجنب عند الأكل والشرب والجماع. وفي حديث ابن عمر بيان أنه ينبغي أن يتحرز عن الكلام الموهم لما لا يُحمد في حق الغير وإن كان ذلك صدقًا في نفسه؛ لأنه كره أن يقول: سلمت على النبي - صلى الله عليه وسلم - فلم يرد علي وإن كان ذلك صدقًا إذا لم يرد عليه؛ لأن الاقتصار عليه يوهم ما لا يحمل، وأنه يحسن بالرجل صيانة الغير عن إساءة القول فيه، لئلا يقع به في الغيبة ولا يؤدي الحال بينهما إلى التباغض، وأنه لا ينبغي أن يسلم على من يقضي حاجته، وأن من سلم لا يستحق الجواب، وأن من لا يعرف ما يتحرز عنه ينبغي أن يعرف فإنه فرق بين حالة الجهل والإصرار بعد العلم، حيث رد في الحال وقال: إن فعلت بعد هذا لا أرد عليك السلام، وفي القصة أن الفصل القليل لا يبطل رد السلام إما مطلقًا أو عند العذر. وفي قوله: "فحتَّه بعصى" إشارة إلى شيئين: أحدهما: أن ضرب اليد على الجدار الأملس لا يكفي، فحتَّ ليرفع منه غبار. والثاني: أن استصحاب العصى حسن أو جائز. وعن الشافعي -رَضِيَ الله عَنْهُ- أنه كان يحمل العصا ويقول: لأتذكر أني مسافر. وفي رواية الشافعي أن ابن الصمة قال: "فسلمت عليه" وفي رواية

"الصحيح": "فلقيه رجل فسلم عليه" فيمكن أن يريد بالرجل نفسه ويمكن غيره. وأما قول أبي العباس: "هذان الحديثان ليسا في كتاب الوضوء" فتعين أن الشافعي لم يورد ما فيه في "الأم" وإنما قال: إن كتاب الوضوء موضعهما لدلالة القصة على بطلان الطهارة بخروج البول؛ ولذلك أشار الشافعي فيه إلى حديث ابن الصمة (1/ ق 15 - أ) مختصرًا. الأصل [31] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله، عن سليمان بن يسار، عن المقداد بن الأسود؛ أن علي بن أبي طالب -رَضِيَ الله عَنْهُ- أمره أن يسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الرجل إذا دنا من أهله فخرج منه المذي ماذا عليه؟ قال علي -رَضِيَ الله عَنْهُ-: فإن عندي ابنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا أستحيي أن أسأله. فقال المقداد: فسألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك فقال: "إِذَا وَجَد أَحَدُكُمْ ذَلْكَ فَلْيَنْضَحْ فَرْجَهُ وَليَتَوضَأْ وُضُوءَهُ للصَّلاَةِ" (¬1). الشرح أبو النضر: هو سالم بن أبي أمية مولى عمر بن عبيد الله بن معمر القرشي التيمي. سمع: أبا مرة مولى أم هانيء، وعامر بن [سعد] (¬2) وبسر بن سعيد، وأبا سلمة، وسليمان بن يسار. ¬

_ (¬1) "المسند" ص (12). (¬2) في "الأصل": سعيد. تحريف، والمثبت من مصادر التخريج، وعامر بن سعد: هو ابن أبي وقاص.

وروى عنه: مالك، وابن عيينة، وموسى بن عقبة، والثوري، والمغيرة بن عبد الرحمن. توفي في زمن مروان (¬1). وسليمان بن يسار أبو أيوب أو أبو عبد الله مولى ميمونة بنت الحارث، هو أخو عطاء وعبد الله وعبد الملك. سمع: ابن عباس، وعائشة، وأبا هريرة، ورافع بن خديج، وأبا رافع، و [عراك] (¬2) بن مالك. وروى عنه: الزهري، وعمرو بن ميمون، وبكير بن الأشج، وعبد الله بن دينار، ومكحول. وكان من فقهاء المدينة وقرائها، توفي سنة سبع ومائة (¬3). والمقداد بن الأسود: هو أبو معبد أو أبو الأسود المقداد بن عمرو بن ثعلبة بن مالك بن ربيعة الكندي حليف لهم وكان في حجر الأسود بن عبد يغوث الزهري فنسب إليه وهو من الصحابة المشهورين يعدُّ في أهل الحجاز. روى عنه: علي بن أبي طالب، وعبيد الله بن عدي بن الخيار، وعبد الرحمن بن أبي ليلى. مات سنة ثلاث وثلاثين (¬4). وعلي -رَضِيَ الله عَنْهُ- أمير المؤمنين وَيعْسُوب الدين ابن أبي طالب عبد مناف بن ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (4/ ترجمة 2139)، و"الجرح والتعديل" (4/ ترجمة 779)، و"التهذيب، (10/ ترجمة 2141). (¬2) تحرفت في "الأصل" والمثبت من مصادر التخريج. (¬3) انظر "التاريخ الكبير" (4/ ترجمة 1901)، و"الجرح والتعديل" (4/ ترجمة 643)، و"التهذيب" (12/ ترجمته 2574). (¬4) انظر "معرفة الصحابة" (5/ ترجمة 2722)، و"الإصابة" (6/ ترجمة 8189).

عبد المطلب بن [هاشم] (¬1) بن عبد مناف بن قصي، أبو الحسن الهاشمي. روى عنه: عبد الله بن عباس، وأبو جحيفة، وابناه الحسين ومحمد. قتل بالكوفة صبيحة يوم الجمعة سنة أربعين في رمضان (¬2). والحديث رواه القعنبي عن مالك كما رواه الشافعي، ومن روايته أخرجه أبو داود (¬3). وعن الشافعي أنه قال في "حرملة" (¬4): حديث سليمان بن يسار عن المقداد مرسل لا نعلمه سمع منه شيئًا، واستشهد لقوله بأن بكير بن الأشج رواه عن سليمان (1/ ق 15 - ب) عن ابن عباس، عن علي قال: أرسلت المقداد بن الأسود إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسأله عن المذي ... فذكره (¬5)، ورواه جماعة عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن المقداد، عن علي؛ وآخرون عن هشام عن أبيه أن عليًّا -رَضِيَ الله عَنْهُ- قال للمقداد ... إلا آخره (¬6). وفي الباب عن علي، و [سهل] (¬7) بن حنيف. ¬

_ (¬1) في "الأصل": هشام. والمثبت من مصادر التخريج. (¬2) انظر "معرفة الصحابة" (1/ ترجمة 4، 4 ترجمة 2026)، و"الإصابة" (4/ ترجمة 5692). (¬3) "سنن أبي داود" (207). والحديث رواه النسائي (1/ 97)، وابن ماجه (505)، وابن الجارود (5)، وابن خزيمة (16)، وابن حبان (1101). وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (821)، و"صحيح أبي داود" (201). (¬4) يقصد "سنن حرملة" انظر "معرفة السنن والآثار" 1/ 354. (¬5) رواه مسلم (303/ 19)، والنسائي (1/ 214). (¬6) أخرجه أبو داود (208)، والنسائي (1/ 96). والحديث صحيح متفق عليه من رواية علي قال: "كنت رجلًا مذاءً ... ". رواه البخاري (132)، ومسلم (303/ 17). (¬7) في "الأصل": سهيل. تحريف. والحديث رواه أبو داود (210)، والترمذي (115)، وابن ماجه (506)، عنه قال: =

والمذي: ماء يخرج عند الملاعبة أو التذكّر، يقال: مذى الرجل وأمذى، وقد يقال: مَذِيّ كمنيّ. وقوله: "إذا دنا من أهله" يجوز أن يريد المجامعة، ويجوز أن يريد مطلق الدنو، والأول أشبه؛ لقوله: "فإن عندي ابنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا أستحيي أن أسأله" والحكم لا يختلف بين أن يخرج المذي إذا دنا من أهله وبين أن يخرج في غير تلك الحالة؛ لكن صاحب الواقعة يحسن أن يتعرض في السؤال للأوصاف التي يجوز أن تكون مؤثرة في حكم الواقعة والدنو من الأهل من ذلك؛ لأن الرجل يحتاج إليه فيجوز أن يؤثر في نوع من التخفيف. وقوله: "فلينضح فرجه" قد سبق أن النضح يطلق لمعنى الرش، وبمعنى الغسل، ويقرب من الرش قولهم: نضح عطشه إذا شرب دون الرّيّ، و"نضحت القربة" إذا رشحت، وحمله بعضهم على الرشِّ وقالوا: "يكفي الرشُّ في المذي" ونحن نحمله على الغسل؛ لما روي عن علي -رَضِيَ الله عَنْهُ- أنه قال: كنت رجلًا مذاءً فجعلت أغتسل حتى تشقق ظهري، فذكرت ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - أو ذكر له- فقال: "إذا رأيت المذي فاغسل ذكرك وتوضأ" (¬1) فاستدل الشافعي بالحديث على أن خروج المذي يوجب الوضوء (¬2). وقوله: "وضوءه للصلاة" يقطع احتمال حمل التوضؤ على ¬

_ = "كنت ألقى من المذي شدة ... ". قال الترمذي: حسن صحيح، وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود" (204). (¬1) رواه أبو داود (206)، وابن خزيمة (20)، وابن حبان (1107) من طريق الركين بن الربيع، عن حصين بن قبيصة، عنه. وصححه الألباني في "صحيح النسائي". (¬2) "الأم" 1/ 33.

الوضاءة الحاصلة لغسل الفرج، فإن غسل العضو الواحد قد يسمى وضوءًا كما ورد أن الوضوء قبل الطعام ينفي الفقر (¬1) والمراد: غسل اليد، وقد يستدل به على نجاسة المذي حيث أمر بالغسل منه، وفيه إيقاع اسم الفرج على الذكر، وفيه ما يبين أنهم كانوا يعتمدون على خبر الواحد حيث أمر علي المقداد أن يسأل له. الأصل [32] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن عبد الله بن أبي بكر بن مُحَمَّد بن عمرو بن حزم، أنه سمع عروة بن الزبير يقول: دخلت على مروان بن الحكم فتذاكرنا ما يكون منه الوضوء. فقال مروان: ومن مسِّ الذكر الوضوء. فقال عروة: ما علمت من ذلك. فقال مروان: أخبرتني بسرة (1/ ق 16 - أ) بنت صفوان أنها سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إِذَا مَسَّ أَحَدُكُمْ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوضَّأْ" (¬2). [33] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سليمان بن عمرو، ومحمد بن عبد الله، عن يزيد بن عبد الملك الهاشمي، عن سعيد بن أبي سعيد، عن أبي هريرة، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إِذَا أفضَى أَحَدُكُمْ بِيَدِهِ إِلى ذَكَرِهِ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبِيْنَهَا شَيءٌ فَلْيَتَوضَّأْ" (¬3). [34] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا عبد الله بن نافع وابن أبي ¬

_ (¬1) قال العجلوني في "كشف الخفاء" (رقم 2900): قال الصغاني: موضوع، وكذا قال الألباني في "ضعيف الجامع" (6160). (¬2) "المسند" ص (12). (¬3) "المسند" ص (12) وفيه: "ليس بينه وبينه شيء" وكذا "الأم" (1/ 19).

فديك، عن ابن أبي ذئب، عن عقبة بن عبد الرحمن، عن مُحَمَّد بن عبد الرحمن بن ثوبان قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا أَفْضَى أَحَدُكُمْ بِيَدِهِ إِلىِ ذَكَرِهِ فَلْيَتَوضَّأْ". وزاد ابن نافع، فقال: عن مُحَمَّد بن عبد الرحمن بن [ثوبان] (¬1) عن جابر، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -[مثله] (¬2). قال الشافعي: وسمعت غير واحد من الحفاظ يرويه لا يذكرون فيه جابرًا (¬3). [35] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أخبرني القاسم بن [عبيد الله] (¬4) أظنه عن عبيد الله بن عمر، عن القاسم بن مُحَمَّد، عن عائشة قالت: إذا مست المرأة فرجها توضأت (¬5). الشرح عبد الله بن أبي بكر بن مُحَمَّد: هو أبو مُحَمَّد الأنصاري المديني، أخو قاضي المدينة مُحَمَّد بن أبي بكر بن مُحَمَّد بن عمرو بن حزم. سمع: أنس بن مالك، وغير واحد من التابعين. وروى عنه: الزهري، وابن عيينة، ومالك. توفي سنة خمس وثلاثين ومائة (¬6). ومروان: هو ابن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس، ¬

_ (¬1) تحرف في "الأصل" إلى: بان. والمثبت من "المسند". (¬2) من "المسند". (¬3) "المسند" ص (13). (¬4) في "الأصل": عبد الله. خطأ، والمثبت من "المسند". (¬5) "المسند" ص (13). (¬6) انظر "التاريخ الكبير" (5/ ترجمة 119)، و"الجرح والتعديل" (5/ ترجمة 77)، و"التهذيب" (14/ ترجمة 3190).

أبو عبد الملك القرشي الأموي، يقال أنه [لم ير] (¬1) النبي - صلى الله عليه وسلم -، وتوفي وهو ابن ثمان سنين. سمع: عثمان، وعليًّا، [وزيد] (¬2) بن ثابت. وروى عنه: سهل بن سعد، وعلي بن [الحسين] (¬3) بن علي، وعروة بن [الزبير] (¬4). وتوفي بدمشق سنة ثلاث أو خمس وستين (¬5). وبسرة (¬6) بنت صفوان بن [نوفل] (¬7) بن أسد بن عبد العزى بن قصي بنت أخي ورقة بن نوفل كذلك حكاه [.. (¬8) ..] ذلك عن مصعب بن عبد الله الزبيري، وقيل: هي بسرة بنت صفوان بن أمية بن (الحارث بن عمل) (¬9) بن شقّ، تعدُّ في أهل الحجاز. روى عنها: مروان، وسعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، وأم كلثوم ابنتها. وعن مالك بن أنس أنه قال: تدرون من بسرة بنت صفوان؟ هي جدّة عبد الملك بن مروان أم أمّه فاعرفوها، وعن الشافعي أنه ¬

_ (¬1) بياض في "الأصل" والمثبت من "الاستيعاب" (3/ ترجمة 2370) وفيه: لأنه خرج إلى الطائف طفلًا لا يعقل وذلك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان قد نفى أباه الحكم إليها. (¬2) بياض في "الأصل". والمثبت من التخريج. (¬3) في "الأصل": الحسن. والمثبت من مصادر التخريج. (¬4) بياض في "الأصل". والمثبت من التخريج. (¬5) انظر "التاريخ الكبير" (7/ ترجمة 1579)، و"الجرح والتعديل" (8/ ترجمة 1238)، و"التهذيب" (27/ ترجمته 5870). (¬6) انظر "المعرفة" (6/ ترجمة 3792)، و"الإصابة" (7/ ترجمة 10931). (¬7) بياض في "الأصل". والمثبت من التخريج. (¬8) بياض في "الأصل" بمقدار كلمتين. (¬9) في مصادر التخريج وكذا "التهذيب" وملحقاته: محرث بن حمل.

وصفها بسبق الإِسلام وقدم الهجرة، ويذكر أنها ممن بايعت النبي - صلى الله عليه وسلم -. وسليمان بن عمرو، ومحمد بن عبد الله من شيوخ الشافعي -رضي الله عنه -، وهو محمَّد بن عبد الله بن دينار [...] (¬1). (1/ ق 16 - ب) وعبد الله (¬2) بن نافع: هو [الصائغ] (¬3) المدني، أبو محمَّد مولى بني مخزوم. روى عن: مالك، وابن أبي ذئب، [.. (¬4) ..] يعرف من حفظه وينكر، وذكر الخليل الحافظ في "الإرشاد" (¬5) أنه كان مقدمًا في (¬6)، وأنه أقدم من روى عن مالك "الموطأ" وأن الشافعي رضيه. وابن أبي فديك: هو محمَّد بن إسماعيل بن أبي فديك، واسم أبي فديك دينار. روى عن: أبيه، وعبد الرحمن بن حرملة، والضحاك بن عثمان، ¬

_ (¬1) بياض في "الأصل" بمقدار ثمانية أسطر. قلت: وأما سليمان بن عمرو فهو مجهول كما في "تعجيل المنفعة" (417) وقال الحافظ: وأخشى أن يكون هو أبا داود النخعي فإنه من هذِه الطبقة وقد كذبه أحمد وغيره، وله ترجمة طويلة في "الميزان" وهو بكنيته أشهر. وأما محمَّد بن عبد الله فهو أبو عبد الله الديناري محمَّد بن عبد الله بن دينار، قال البيهقي في "بيان خطأ من أخطأ على الشافعي" (ص 314): شيخ لهم بالحجاز، وقد ذكره الحافظ الدارقطني في مشايخَ الشافعي. ولم أظفر له بترجمة. والله تعالى أعلم. (¬2) انظر "التاريخ الكبير" (5/ ترجمة 687)، و"الجرح والتعديل" (5/ ترجمة 857)، و"التهذيب" (16/ ترجمته 3609). (¬3) بياض في "الأصل". والمثبت من التخريج. (¬4) بياض في "الأصل" بمقدار كلمة. وقوله: يعرف من حفظه وينكر هو قول البخاري في "تاريخه". (¬5) "الإرشاد" (1/ ترجمة 153). (¬6) كذا في "الأصل" ولم أجد هذه الجملة في "الإرشاد".

وابن أبي ذئب. وروى عنه: إبراهيم بن المنذر، ومحمد بن رافع. مات سنة تسع وتسعين ومائة أو مائتين أو إحدى ومائتين (¬1). وابن أبي ذئب: هو محمَّد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن الحارث ابن أبي ذئب هشام القرشي، أبو الحارث من بني عامر بن لؤي. سمع: الزهري، وسعيد المقبري، ونافعًا. وروى عنه: معن بن عيسى، وأبو نعيم، وآدم بن أبي إياس، وعبد الله بن وهب. مات بالكوفة سنة تسع وخمسين ومائة (¬2). وعقبة بن عبد الرحمن: هو ابن عبد الرحمن بن معمر أو أبي معمر، ويقال له: الفهري، روى عنه: ابن أبي ذئب (¬3). والقاسم: هو ابن عبد الله بن عمر العمري. روى عن: عبد الله بن محمَّد بن عقيل. سكت عنه بعضهم، وتكلم فيه آخرون (¬4). وعبيد الله: هو ابن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (1/ ترجمة 58)، و"الجرح والتعديل" (7/ ترجمة 1071)، و"التهذيب" (24/ ترجمة 5068). (¬2) انظر "التاريخ الكبير" (1/ ترجمة 455)، و"الجرح والتعديل" (7/ ترجمة 1704)، و"التهذيب" (25/ ترجمته 5408). (¬3) انظر "التاريخ الكبير" (6/ ترجمة 2903)، و"الجرح والتعديل" (6/ ترجمة 1746)، و"التهذيب" (20/ ترجمته 3980). قال البخاري: ابن معمر، وقال أبو حاتم: ابن أبي معمر. (¬4) انظر "التاريخ الكبير" (7/ ترجمة 780)، و"الجرح والتعديل" (7/ ترجمة 643)، و"التهذيب" (23/ 4798). =

الخطاب، أبو عثمان العدوي المديني. سمع: نافعًا، والقاسم بن محمَّد، وغيرهما. وروى عنه: يحيى القطان، وابن جريج، وغيرهما. توفي سنة أربع أو خمس وأربعين ومائة (¬1). والقاسم (¬2): هو ابن محمَّد بن أبي بكر الصديق أبو محمَّد أو أبو عبد الرحمن. سمع: عمته عائشة، وعبد الله بن عباس، وصالح بن خوات. روى عنه: الزهري، ونافع، وابن أبي مليكة، وحنظلة بن أبي سفيان، وأيمن بن نابل [... (¬3) ...]. ¬

_ = ونقل ابن أبي حاتم عن أحمد: أنه كذاب يضع الحديث، وعن أبيه: متروك، وعن أبي زرعة: أنه متروك منكر الحديث. (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (5/ ترجمة 1273)، و"الجرح والتعديل" (5/ ترجمة 1545)، و"التهذيب" (19/ ترجمة 3668). (¬2) انظر "التاريخ الكبير" (7/ ترجمة 705)، و"الجرح والتعديل" (7/ ترجمة 675)، و"التهذيب" (23/ ترجمته 4819). (¬3) بياض بمقدار نصف وجه، وفيه كلام المصنف على الأحاديث. قلت: أما حديث بسرة فهو حديث صحيح رواه الترمذي (82)، وابن ماجه (4119)، وابن خزيمة (33)، وابن حبان (1113)، وابن الجارود (17، 18)، والحاكم (1/ 231) من طريق هشام بن عمرو، عن أبيه، عن مروان، عن بسرة. وقال الترمذي: حسن صحيح. وتابعه عبد الله بن أبي بكر بن محمَّد بن عمرو بن حزم، رواه أبو داود (181)، والنسائي (1/ 100). قال البخاري كما في "علل الترمذي" (50): أصح شيء عندي في مس الذكر حديث بسرة. وصححه الألباني في "الإرواء" (116). وأما حديث أبي هريرة فإسناده ضعيف لضعف يزيد بن عبد الملك، لكن تابعه نافع بن =

ورواه عبد الله بن نافع عن يزيد عن أبي موسى الخياط عن سعيد فزاد الخياط بين يزيد وسعيد، ورأي الحفاظ الأول أثبت، وحديث محمَّد بن عبد الرحمن بن ثوبان الأثبت منه عند علماء الحديث المرسل كما بينه الشافعي. وأثر عائشة رواه عن عبيد الله أيضًا: عبد العزيز بن محمَّد (¬1). وفي الباب عن ابن عمر، وأم حبيبة، وعبد الله بن عمرو. ورواه يحيى بن أبي كثير عن رجال من الأنصار عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهذِه الأحاديث هي التي تعتمد في وجوب الوضوء من مس الذكر، ولا سبيل إلى حمل قوله: "فليتوضأ" على الاستحباب، فقد روي عن يحيى بن أبي كثير عن رجل من الأنصار؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى ثم توضأ وأعاد الصلاة وقال: "إني كنت مسست ذكري فنسيت" (¬2). وعن عمر -رضي الله عنه - أنه كان يؤم الناس وقد صلى ركعة أو أكثر إذ زلت يده على ذكره فأشار إلى الناس أن امكثوا ثم خرج فتوضأ ثم رجع (¬3). ¬

_ = أبي نافع، أخرجه ابن حبان من طريقهما (1118). وقال: احتجاجنا في الخبر بنافع بن أبي نعيم دون يزيد؛ لأن يزيد تبرأنا من عهدته في كتاب الضعفاء وأما حديث ابن ثوبان فهو مرسل، وقد روي موصولًا عن جابر رواه ابن ماجه (480). قال أبو حاتم في "العلل" (23): هذا خطأ، الناس يروونه عن ابن ثوبان مرسلًا لا يذكرون جابرًا. (¬1) قال ابن المنذر في "الأوسط" (1/ 208): ولا أحسبه ثابتًا، وقال الحاكم (1/ 233): وقد صحت الرواية عن عائشة ... فذكره. (¬2) رواه عبد الرزاق في "مصنفه" (413). عن معمر بن راشد، عن يحيى بن أبي كثير، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. (¬3) رواه البيهقي (1/ 131).

وعن ابن عمر أنه كان يقول: إذا مس الرجل ذكره فقد وجب عليه الوضوء (¬1). ولفظ الإفضاء يشير إلى تخصيص الحكم بالكف، فقد ذكر في "الصحاح" (¬2) أنه (1/ ق 17 - ب) يقال: أفضى الرجل بيده إلى الأرض [...] (¬3). الأصل [36] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن الزهري، عن رجلين أحدهما جعفر بن عمرو بن أمية الضمري، عن أبيه؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أكل كتف شاة ثم صلى ولم يتوضأ (¬4). الشرح جعفر بن عمرو بن أمية الضمري، تابعي من أهل المدينة. سمع: أباه عمرو، ووحشيًّا الحبشي. وروى عنه: الزهري، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وسليمان بن يسار. ومات في خلافة الوليد بن عبد الملك، وكان أخا عبد الملك بن مروان من الرضاعة (¬5). وأبوه: عمرو بن أمية بن خويلد بن عبد الله بن إياس بن عبد بن ناشزة بن كعب بن جُدي بن ضمرة بن بكر بن عبد مناة، أبو أمية الضمري. ¬

_ (¬1) رواه ابن أبي شيبة (1/ 151). (¬2) "الصحاح" مادة: أفضى. (¬3) بياض في "الأصل" بمقدار نصف وجه. (¬4) "المسند" ص (13). (¬5) انظر "التاريخ الكبير" (2/ ترجمة 2167)، و"الجرح والتعديل" (2/ ترجمة 1974)، و"التهذيب" (5/ ترجمته 946).

شهد بدرًا وأحدًا مع المشركين، ثم أسلم بعد انصراف المشركين من أحد وأول مشهد شهده مسلمًا بئر معونة، ويقال: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعثه رسولًا إلى النجاشي، كان شجاعًا ذا إقدامٍ. روى عنه: بنوه جعفر وعبد الله والفضل، وابن أخيه الزبرقان. توفي زمن معاوية بالمدينة وهو معدود في أهل الحجاز (¬1). والحديث مخرج في "الصحيحين" ورواه البخاري (¬2) عن يحيى بن بكير، عن الليث، عن عقيل، عن الزهري، عن جعفر واللفظ: أن عمرًا رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - يحتز من كتف شاة ودعي إلى الصلاة فألقى السكين فصلى ولم يتوضأ، ورواه مسلم (¬3) عن محمَّد بن الصباح، عن إبراهيم بن سعد، عن الزهري كذلك. وروى الشافعي الحديث في "القديم" عن مالك، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن ابن عباس، كما رواه عمرو، وأخرجاه في "الصحيحين" (¬4) برواية البخاري [... (¬5) ...]. أن الكتف كانت مشوية أو مطبوخة ويؤيده ما روى في "الصحيح" (¬6) عن أبي رافع قال: أشهد لكنت أشوي بطن الشاة [لرسول الله (¬7)]- صلى الله عليه وسلم - ثم صلى ولم يتوضأ. أي: بعد ما أكل منه، ويروى من رواية ¬

_ (¬1) انظر "معرفة الصحابة" (4/ ترجمة 2044)، و"الإصابة" (4/ ترجمة 5769). (¬2) "صحيح البخاري" (208). (¬3) "صحيح مسلم" (355/ 92). (¬4) رواه البخاري (207) عن عبد الله بن يوسف، ومسلم (354/ 91) عن القعنبي، كلاهما عن مالك. (¬5) بياض في "الأصل" بمقدار نصف وجه. (¬6) رواه مسلم (357/ 94). (¬7) بياض في "الأصل" والمثبت من "الصحيح".

أبي هريرة (¬1) وعائشة (¬2) أن النبي - صلى الله عليه وسلم -[قال] (¬3): "الوضوء مما مست النار" ويروى: وتوضأ. ورواه الشافعي منسوخًا لوجهين: أحدهما: أن صحبة ابن عباس متأخرة فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - توفي وهو ابن أربع عشرة، وقيل: ابن عشر، وقد روي عنه أنه قال: رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يأكل من كتف شاة (¬4). فيشبه أن يكون ما رواه ناسخًا. والثاني: أنه روي عن جابر أنه قال: آخر [الأمرين] (¬5) من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ترك الوضوء مما مست النار (¬6). وبتقدير أن لا يكون منسوخًا فقد حمل الوضوء على غسل اليد والفم، لما روي عن عكراش بن ذؤيب أنه أكل مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قصعة من ثريد ثم أتي بماء فغسل يده وفمه ومسح بوجهه وقال: "يا عكراش هكذا الوضوء مما مست النار" (¬7). وقوله: "مما مسَّت النار" والمراد منه بالاتفاق: ما أثرت النار فيه بالطبخ أو الشيّ، وذلك يدل على أن لفظ "المس" يصح إطلاقه وإن كان ¬

_ (¬1) رواه مسلم (352). (¬2) رواه مسلم (353). (¬3) بياض في "الأصل". والمثبت من "صحيح مسلم". (¬4) سبق تخريجه قريبًا. (¬5) في "الأصل": الأمر. والمثبت من التخريج. (¬6) رواه أبو داود (192)، والنسائي (1/ 108)، وابن الجارود (24)، وابن خزيمة (43)، وابن حبان (1134)، وصححه الألباني في التعليق على "السنن". (¬7) رواه الترمذي (1848)، وابن ماجه (3274) من طريق العلاء بن الفضل، عن عبيد الله بن عكراش، عن أبيه. قال الترمذي: غريب لا نعرفه إلا من حديث العلاء بن الفضل، وقد تفرد به. وضعفه الألباني في "الضعيفة" (5098)، و"ضعيف ابن ماجه" (706).

هناك حائل، والمراد: من أكل ما مسّت النار بالاتفاق. الأصل [37] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا ابن عيينة، عن ابن عجلان، عن القعقاع بن حكيم، عن أبي صالح، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إنما أنا لكم مثل الوالد، فإذا ذهب أحدكم إلى الغائط فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها بغائط ولا بول، وليستنج (1/ ق 18 - ب) بثلاثة أحجار"، ونهى عن الرّوث والرّمة، وأن يستنجي الرجل بيمينه (¬1). [38] أنبأنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، أخبرني هشام بن عروة قال: أخبرني أبو وجزة، عن عمارة بن خزيمة بن ثابت، عن أبيه؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في الاستنجاء بثلاثة أحجار ليس فيها رجيع (¬2). ¬

_ (¬1) "المسند" ص (13). والحديث رواه مسلم (265/ 60)، وأبو داود (8)، والنسائي (1/ 38)، وابن ماجه (313)، وابن خزيمة (80)، وابن حبان (1431، 1440) جميعًا من طريق القعقاع ابن حكيم، عن أبي صالح، عن أبي هريرة. ولفظ مسلم: "إذا جلس أحدكم على حاجته فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها". قال البيهقي في "المعرفة" (1/ 233): قال الشافعي في "القديم": حديث ثابت وبه نقول. (¬2) "المسند" ص (13). والحديث رواه أبو داود (41)، وابن ماجه (315) وأحمد (5/ 213)، والحميدي (432) من طريق هشام، عن أبي خزيمة، عن عمارة بن خزيمة، عنه. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (31). ورواه مسلم من حديث سلمان (262/ 57) قال: قيل له: قد علمكم نبيكم - صلى الله عليه وسلم - كل شيء حتى الخراءة قال: فقال أجل، لقد نهانا أن نستقبل القبلة لغائط أو بول، أو أن نستنجي باليمين، أو أن نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار، أو أن نستنجي برجيع أو بعظم.

الشرح ابن عجلان: هو أبو عبد الله محمَّد بن عجلان المدني القرشي، مولى فاطمة بنت عتبة بن الوليد بن عتبة بن ربيعة. سمع: أباه، وهشام بن عروة، وبكير بن الأشج، ورجاء بن حيوة، والأعرج، وسعد بن إبراهيم، والقعقاع بن حكيم. روى عنه: الليث بن سعد، ويحيى القطان، وابن عيينة، وخالد ابن الحارث، وغيرهم. وكان له قدر ومنزلة تامة عند أهل المدينة، وذكر أنه بقي في بطن أمه أربع سنين (¬1). والقعقاع بن حكيم الكناني من أهل المدينة، تابعي. سمع: جابر بن عبد الله، وروى عن: أبي صالح السمان، و [أبي] (¬2) يونس مولى عائشة. وروى عنه: عمرو بن دينار، وسهيل، وزيد بن أسلم، ويعقوب ابن عبد الله بن الأشج (¬3). وأبو صالح: هو ذكوان [أبو] (¬4) صالح المدني، سكن الكوفة وكان يجلب إليها الزيت والسمن فيقال له: الزّيات والسّمان. سمع: أبا هريرة، وأبا سعيد، وجابرًا. ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (1/ ترجمة 603)، و"الجرح والتعديل" (8/ ترجمة 228)، و"التهذيب" (26/ ترجمته 50462). (¬2) سقط من "الأصل". والمثبت التخريج. (¬3) انظر "التاريخ الكبير" (1/ ترجمة 835)، و"الجرح والتعديل" (37/ ترجمة 764)، و"التهذيب" (23/ ترجمة 4888). (¬4) في "الأصل": ابن. خطأ، والمثبت من التخريج.

وروى عنه: ابنه سهيل، وعبد الله بن دينار، والأعمش، وطلحة ابن مصرف، ويحيى بن سعيد الأنصاري. مات سنة إحدى ومائة (¬1). وأبو وجزة ليس بالسعدي المشهور بهذه الكنية المسمى بيزيد بن عبيد وإن كان قد يروي عنه هشام بن عروة، لكن ذكر علي بن المديني وغيره من الحفاظ أن سفيان سهى في هذِه الكنية، والرجل الذي روى هشام عنه هذا الحديث إنما هو أبو خزيمة، كذلك رواه عن هشام: وكيع وأبو أسامة وأبو معاوية وغيرهم (¬2). وأبو خزيمة هذا: هو عمرو بن خزيمة المزني. قال محمَّد بن إسماعيل البخاري: وحديثه في أهل المدينة (¬3). وعمارة: هو ابن خزيمة بن ثابت الأنصاري المديني. روى عن: أبيه، وعمه. وسمع منه: الزهري، وأبو جعفر الخطمي (¬4). وأبوه خزيمة (¬5) بن ثابت بن عمارة بن الفاكه بن ثعلبة بن ساعدة ابن عامر بن عِنان، وقيل: عَنَان، وقيل: غيان بن عامر بن خطمة الأنصاري الأوسي الخطمي، أبو عمارة من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -. ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (3/ ترجمة 895)، و"الجرح والتعديل" (3/ ترجمة 2039)، و"التهذيب" (8/ ترجمة 1814). (¬2) وكذا هو في رواية أبي داود وابن ماجه وأحمد والحميدي كما سبق. (¬3) انظر "التاريخ الكبير" (6/ ترجمة 2541)، و"الجرح والتعديل" (6/ ترجمة 229)، والتهذيب" (21/ ترجمة 4359). (¬4) انظر "التاريخ الكبير" (6/ ترجمة 3103)، و"الجرح والتعديل" (6/ ترجمة 2011)، و"التهذيب" (21/ ترجمة 4182). (¬5) انظر "المعرفة" (2/ ترجمة 794)، و"الإصابة" (2/ ترجمته 2253).

روى عنه: جابر بن عبد الله، وابناه [...] (¬1). وعن الروث والرمة برواية رويفع بن ثابت، وعن الاستنجاء باليمين برواية أبي قتادة. والغائط: الموضع المنخفض من الأرض ومنه سمي الحدث غائطًا؛ لأنهم كانوا يأتونه إذا أرادوا قضاء الحاجة، والاستنجاء: غسل موضع النجوى ومسحه، والنجو: ما يخرج من البطن، يقال منه: أنجى إذا أحدث، ونجي الغائط نفسه، وذكر أن الاستنجاء مأخوذ من النّجو: وهو القشرُ والإزالة، يقال: نجوت الجلد إذا سلخته، وقيل: من النَّجوة: وهي المرتفع من الأرض للاستتار به حينئذ، وقيل: للارتفاع والتجاف حينئذ، ويمكن أن يؤخذ من قولهم: "استنجيتُ النخلة إذا التقطتُ رطبها أو من قولهم "استنجى القوس" أي: مدها، لما فيه من المبالغة في الإزالة. والرّمة والرميم: العظام البالية، يقال: رمّ العظم وأرمّ: إذا بلي. والرجيع: الروث، وكذلك العذرة، قال أبو عبيد: سمي رجيعًا؛ لأنه رجع عن حاله الأولى وهي كونه علفًا أو طعامًا، ورجيع السّبع ورجْعه: نجوه. وقوله: "إنما أنا لكم مثل الوالد" أي: في العطف والشفقة وتعليم ما لا بُدَّ للولد منه وبه تمام التربية، وجعل الكلمة مقدمة تدرج بها إلى بيان أحكام الاستنجاء التي لا غنى عن معرفتها، وذكر جملًا أقربها النهي عن استقبال القبلة واستدبارها وهما يحرمان في الصحراء على ما يشعر به ظاهر النهي إذا لم يستتر بشيء، وفهم بعضهم من قوله: "إذا ¬

_ (¬1) بياض في "الأصل" بمقدار ثلث وجه.

ذهب أحدكم إلى الغائط" واختصاص الحديث بما إذا كان في الصحراء، فإن كان الأمر على ما ذكروا فذاك، وإلا فقد حمل الشافعي الحديث عليه وإن كان مطلقًا؛ لما روي (1/ ق 19 - ب) في "الصحيح" عن ابن عمر أنه قال: إن ناسًا يقولون: إذا قعدت لحاجتك فلا تستقبل القبلة ولا بيت المقدس، وقد ارتقيت على ظهر بيت لنا فرأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على لبنتين مستقبل بيت المقدس لحاجته (¬1). ومن استقبل بيت المقدس بالمدينة كان مستدبرًا للكعبة، ويجوز أن يحمل النهي على أصل المنع الذي يشترك فيه للتحريم والتبرئة، وذلك يعمّ الصحراء والبنيان فإن الاستقبال والاستدبار وان لم يحرما في الأبنية فالأدب تركهما. وقوله: "إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فلا يستقبل القبلة لغائط ولا ببول" يجوز أن يحمل الأول على المكان المنخفض، والثاني على ما يخرج، ويجوز أن يجعلا جميعًا بالمعنى الثاني. والثانية: الأمر بثلاثة أحجار وظاهره يقتضي وجوب رعاية العدد، واحتج بعضهم بقوله: "وليستنج بثلاثة أحجار" على أن الأحجار تتعين، وعلى أنه لا يجوز أن يتمسح بثلاثة أحرف من حجر واحد، لكن روي أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا قضى أحدكم حاجته فليستنج بثلاثة أحجار أو ثلاثة أعواد" (¬2) وأيضًا فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لابن مسعود "ائتني بثلاثة أحجار" فأتاه بحجرين وروثة؛ فأخذ الحجرين وألقى الروثة ¬

_ (¬1) رواه البخاري (145)، ومسلم (266/ 61، 62). (¬2) رواه الدارقطني (1/ 57 رقم 12)، والبيهقي (1/ 111)، وضعفه الألباني في "ضعيف الجامع" (277).

[وقال] (¬1) "فإنها ركس" (¬2). فلولا أنهم عرفوا أن عين الحجر تقوم مقام الحجر لما أتاه بغير الحجر ولأشبه أن [.. (¬3) ..] عن أخذ الروثة، وأيضًا فالمقصود إزالة النجاسة وذلك كما يحصل بالحجر يحصل بغيره، وكما يحصل بأعداد من الحجر يحصل بأحرف الحجر الواحد، وسبب تخصيص الحجر بالذكر غلبته وسبب تخصيص العدد بالذكر أن الغالب التمسح بالعدد دون أحرف الواحد. والثالثة: النهي عن الاستنجاء بالرَّوث، وذلك لأنه نجس والنجس لا يزيل النجاسة. والرابعة: النهي عن الاستنجاء بالرّمة، والاستنجاء بالعظم ممنوع عنه مطلقًا؛ لما ورد أنه طعام الجن (¬4)، وأيضًا فقد ذكر الخطابي أن الرخو منه يؤكل والصلب يدق في عام المجاعة فيؤكل، وقد ورد في بعض الروايات النهي عن الرّمة والعظام، ويجوز أن يكون تخصيص الرّمة بالذكر لأن فيها معنى آخر وهو أنها تتفتت فتختلط بالنجاسة. والخامسة: النهي عن الاستنجاء باليمين والتحرز عنه أدب عند عامة العلماء. وقوله في الحديث الثاني قال: "في الاستنجاء بثلاثة أحجار ليس فيها رجيع، أي: ذكر ذلك في باب الاستنجاء في أحكام أو ما أشبه ذلك، وفي قوله: "بثلاثة أحجار (1/ ق 20 - أ) ليس فيها رجيع" ما يشير إلى غير الأحجار من الجامدات كالأحجار كأنه قال: "بثلاثة أحجار أو نحوها ليس فيها رجيع". ¬

_ (¬1) من "صحيح البخاري". (¬2) رواه البخاري (156) من طريق عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه عنه. (¬3) حاشية بمقدار كلمتين مطموسة. (¬4) رواه مسلم في "صحيحه" (450/ 152) ضمن حديث ابن مسعود -رضي الله عنه - في ليلة الجن.

الأصل [39] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أَمّتي لَأَمَرْتُهُمْ بِتَأَخِيرِ العِشَاءِ وَالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ" (¬1). [40] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا ابن عيينة، عن محمَّد بن إسحاق، عن ابن أبي عتيق، عن عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "السِّوَاكَ مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِّ مَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ" (¬2). الشرح محمَّد بن إسحاق بن يسار القرشي، مولى قيس بن مخرمة، وقيل: مخرمة بن نوفل بن عبد مناف بن زهرة، أبو بكر أو أبو عبد الله. سمع: يزيد بن أبي حبيب، ويحيى بن سعيد، ونافعًا. وروى [عنه] (¬3): عبدة بن سليمان، وإبراهيم بن سعد، والثوري، وابن عيينة، والحمادان. وعن أبي معاوية أنه قال: كان ابن إسحاق من أحفظ الناس وكان الرجل يأتيه وعنده أحاديث فيستودعها إياه ويقول: احفظها عليَّ فإن نسيتها ذكرتنيها. توفي ببغداد سنة خمسين ومائة أو إحدى وخمسين أو اثنتين أو ثلاث (¬4). ¬

_ (¬1) "المسند" ص (13). (¬2) "المسند" ص (13). (¬3) سقط من "الأصل". (¬4) انظر "التاريخ الكبير" (1/ ترجمة 61)، و"الجرح والتعديل" (7/ ترجمة 1087)، و"التهذيب" (24/ ترجمة 5057).

وابن أبي عتيق: هو عبد الله بن محمَّد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق، يكنى أبوه بأبي عتيق. سمع: عمة أبيه عائشة (¬1). ورواه عن أبي الزناد مالك كما رواه سفيان (¬2)، وعن أبي هريرة: حميد بن عبد الرحمن، وأبو سلمة. والحديث الثاني (¬3) رواه عن عائشة: عبيد بن عمير وغيره، وأخرجه ابن خزيمة في "مختصر الصحيح" (¬4). وفي الباب عن أبي بكر، وعلي، وابن عمر، وابن عباس، وحذيفة، وزيد بن خالد الجهني، وعبد الله بن عمرو، وأبي موسى، وأبي أمامة، وأبي أيوب، وواثلة، وعائشة، وأم سلمة، وأم حبيبة -رضي الله عنهم -. وقوله: "لولا أن أشق على أمتي" أي: أثقل عليهم، يقول: شققت عليه إذا أدخلت عليه المشقة، أشق شقًّا بالفتح، والشقّ المشقة، قال ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (5/ ترجمة 577)، و"الجرح والتعديل" (5/ ترجمة 707)، و"التهذيب" (16/ ترجمته 3539). (¬2) ومن طريق مالك أخرجه النسائي (1/ 12)، وابن الجارود (63)، وابن خزيمة (140)، وابن حبان (1068) من طريقه، وليس عندهم جميعًا ذكر العشاء. وصححه الألباني في "الإرواء" (70). ومن رواية سفيان بن عيينة: أخرجه أبو داود (46)، والنسائي (1/ 266)، وابن ماجه (287، 690) وابن خزيمة (139)، وعندهم ذكر تأخير العشاء. ومن روايته أيضًا أخرجه البخاري ومسلم وليس عندهم ذكر تأخير العشاء: رواه البخاري (887)، ومسلم (252/ 42). (¬3) رواه البخاري تعليقًا بصيغة الجزم (باب السواك الرطب ...) والنسائي (1/ 10)، وابن حبان (1067)، وصححه المنذري في الترغيب (رقم 322)، والألباني في "الإرواء" (1/ 105). (¬4) "صحيح ابن خزيمة" (135).

تعالى: {إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ} (¬1). والسواك فيما حكي عن ابن دريد من قولهم: "سُكتُ الشيء" إذا دلكته سوكًا، وذكر أنه يقال: ساك فاه؛ فإذا قلت: استاك، لم تذكر الفم، وعن الخليل أنه من قولهم: "تساوكت الإبل" أي: اضطربت أعناقها من الهُزال، وذلك لأن اليد تضطرب عند السواك. قال: والسّواك: العود نفسه، و [السَّوْكُ] (¬2) استعماله. وعن أبي حنيفة الدينوري أنه يقال: سِوَاكٌ (1/ ق 20 - ب) ومِسْوَاكٌ، ويجمع مَسَاوِيْكٌ وسُوُكًا (¬3)، كذا رأيته مقيدًّا بخط أحمد بن فارس صاحب "المجمل" (¬4). وقوله: "مطهرة للفم مرضاة للرب" أي: مظنة الطهارة والرضا، وهو كقوله: الولد مبخلة مجبنة، كما يقال: الصوم مقطعة للنكاح، والمطهرة في غير هذا: الإناء الذي يتطهر منه، ويقال: إن الإناء: المطهرة بكسر الميم، والِمطهرة: المكان كالمدبغة (¬5). وليس قوله: "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم" لنفي مطلق الأمر، كما تقول: لولا أن فلانًا منعني لزرتك وتريد أني لم أزُرك لمنعه إياي بالمعنى لأمرتهم أمر إيجاب لكثرة ما فيها من الفضيلة، ولذلك احتج بالحديث لاستحباب تأخير العشاء في أحد القولين، ولاستحباب ¬

_ (¬1) النحل: 7. (¬2) في "الأصل": السواك. والمثبت من "لسان العرب" وغيره (مادة: سوك). وهو الصواب إن شاء الله. (¬3) نقله السيوطي عن المصنف برمته في "تنوير الحوالك" (1/ 65). (¬4) "مجمل اللغة" 2/ 479 مادة (سوك). (¬5) قال الجوهري في "صحاحه": المَطْهَرةُ والمِطْهَرةُ: الإداوة، والفتح أعلى، والمِطْهَرةُ: البيت الذي يُتَطهّرُ فيه.

السواك عند كل صلاة. وروي أن زيد بن خالد الجهني -وهو ممن روى الحديث- كان سواكه على أذنه موضع القلم من أذن الكاتب لا يقوم إلى الصلاة إلا أستنَّ ثم يرده إلى موضعه (¬1). وقوله: "لأمرتهم بتأخير العشاء" ليس في الرواية تعرّض لغاية التأخير، وورد في غير هذِه الرواية نصف الليل (¬2). واحتج الشافعي بالحديث على أن السواك ليس بواجب، وقال: لو كان واجبًا لأمرهم شقّ أو لم يشق (¬3). وفيه ما يدل على أن كلمة "عند" لا يختص استعمالها بحالة المقاربة بل تكفي له المقاربة. الأصل [41] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِذَا أسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نِوْمِهِ فَلَيْغَسِلْ يَدَهُ قَبْلَ أَنْ يُدْخِلْهَا في وَضُوئِهِ، فَإِنَّ أَحَدُكُمْ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (47)، والترمذي (23). قال الترمذي: حسن صحيح. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (37). (¬2) قلت: روى الترمذي (167)، وابن ماجه (691)، وابن حبان (1538، 1539)، والحاكم (1/ 245) من طريق عبيد الله بن عمر، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم أن يؤخروا العشاء إلى ثلث الليل أو نصفه" واللفظ للترمذي، وعند بعضهم زيادة "السواك" وعند بعضهم "نصف الليل" فقط. قال الترمذي: حسن صحيح، وقال الحاكم: صحيح على شرطهما. وصححه الألباني في "المشكاة" (613). (¬3) "الأم" (1/ 23).

يَدُهُ" (¬1). [42] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا اسْتَيِقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ مَنَامِهِ فَلا يَغْمِسْ يَدَهُ في الإنَاءِ حَتّى يَغْسِلْهَا ثَلاثًا، فَإِنّهُ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ". قال أبو العباس: إنما أخرجت حديث مالك على حدة وسفيان على حدة؛ لأن الشافعي رحمه الله قبل ذلك ذكره عنهما جميعًا على لفظ حديث مالك (¬2). الشرح الحديث مرويّ من قبل من رواية سفيان بن عيينة عن الزهري عن أبي سلمة على لفظ رواية سفيان ها هنا، ومن رواية مالك وسفيان عن أبي الزناد على لفظ رواية مالك ها هنا (¬3)، وبيّن أبو العباس أنه إنما أعاد الحديث لأن هناك رواه الشافعي عن مالك وسفيان على لفظ حديث مالك ها هنا، وها هنا رواه عن (1/ ق 21 - أ) سفيان بخلاف ذلك اللفظ، وذكر الحفاظ أن الأصح أن رواية سفيان عن أبي الزناد كرواية مالك عنه، لا كرواية سفيان عن الزهري. واعلم أن الشافعي أورد الحديث في "الأم" (¬4) مرتين وذكر مرة أن الحديث يشير إلى أن القائم من النوم يتوضأ، وفهم ذلك من قوله تعالى: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا} (¬5) قال الشافعي: [سمعت] (¬6) ¬

_ (¬1) "المسند" ص (14). (¬2) "المسند" ص (14). (¬3) مرّا برقم (23، 24). (¬4) "الأم" (1/ 12). (¬5) المائدة: 6. (¬6) في "الأصل": سمعته. والمثبت من "الأم".

من أرضى بعلمه بالقرآن يزعم أنها نزلت في القائمين من النوم (¬1). فبيّن أنه كيف يفعل حين يتوضأ بعد الاستيقاظ من النوم، واحتج به مرة على استحباب غسل اليدين في أول الوضوء (¬2). الأصل [43] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا يحيى بن حسان، عن حماد بن زيد وابن علية، عن أيوب، عن ابن سيرين، عن عمرو بن وهب الثقفي، عن المغيرة بن شعبة؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - توضأ فمسح بناصيته وعلى عمامته وخفيه (¬3). [44] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مسلم، عن ابن جريج، عن عطاء؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - توضأ فحسر العمامة ومسح على مقدم رأسه أو قال: ناصيته [بالماء] (¬4) (¬5). [45] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا إبراهيم بن محمَّد، عن علي بن يحيى، عن ابن سيرين، عن المغيرة بن شعبة؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مسح بناصيته أو قال: مقدّم رأسه [بالماء] (¬6) (¬7). الشرح يحيى: هو ابن حسان، أبو زكريا التنيسي. سمع: سليمان بن بلال، ومعاوية بن سلام، ووهيبًا، وعبد الواحد بن زياد. ¬

_ (¬1) "الأم" (1/ 12). (¬2) "الأم" (1/ 24). (¬3) "المسند" ص (14). (¬4) من "المسند". (¬5) "المسند" ص (14). (¬6) من "المسند". (¬7) "المسند" ص (14).

روى عنه: الحسن بن عبد العزيز، ومحمد بن سهل التميمي، وعبد الله بن دينار، والشافعي. ذكر أنه مات سنة ثمان ومائتين (¬1). وحماد: هو ابن زيد بن درهم الأزرق البصري الأزدي، أبو إسماعيل إمام من أئمة الحديث مشهور. سمع: ثابتًا، وأيوب، وعمرو بن دينار، والجمّ الغفير. وروى عنه: قتيبة، وسليمان بن حرب، وغير واحد. مات سنة تسع وسبعين ومائة (¬2). وعمرو بن وهب ثقفي يعرف برواية هذا الحديث عن المغيرة، ورواية ابن سيرين عنه (¬3). والمغيرة: هو ابن شعبة بن أبي عامر بن مسعود بن معتب، ويقال: معتب بن مالك بن عمرو بن سعد بن عوف الثقفي الكوفي، من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -[المعروفين] (¬4)، ومن دهاة العرب. روى عنه: مسروق، وزياد بن علاقة، وقيس بن أبي حازم، وورّاد كاتبه. ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (8/ ترجمة 2961)، و"الجرح والتعديل" (8/ ترجمة 558)، و"التهذيب" (31/ ترجمة 6809). (¬2) انظر "التاريخ الكبير" (3/ ترجمة 100)، و"الجرح والتعديل" (3/ ترجمة 617)، و"التهذيب" (7/ ترجمة 1481). (¬3) انظر "التاريخ الكبير" (6/ ترجمة 2691)، و"الجرح والتعديل" (6/ ترجمة 1468)، و"التهذيب" (22/ ترجمة 4471). (¬4) في "الأصل": المعرفين. والمثبت الصواب إن شاء الله.

توفي سنة خمسين (¬1). ومسلم: هو ابن خالد الزنجي، أبو خالد مولى عبد الله بن سفيان ابن عبد الأسد، من فقهاء المدينة. روى (1/ ق 21 - ب) عن: ابن جريج، وهشام بن عروة. وروى عنه: الشافعي، وغيره. وتكلم فيه بعض أهل الحديث (¬2). وابن جريج: هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج، أبو خالد أو أبو الوليد المكيّ، مولى أمية بن خالد. سمع: الزهري، وعطاء بن أبي رباح. وروى عنه: أبو عاصم النبيل، وعبد الله بن وهب، وعبد الرزاق، ويحيى القطان. توفي سنة خمسين ومائة، وقيل: تسع وأربعين (¬3). وعطاء بن أبي رباح بن أسلم، مولى بني جُمح، وقيل: بني فهر، أبو محمَّد المكي. سمع: أبا هريرة، وجابرًا، وابن عباس، وعروة بن الزبير. وروى عنه: عمرو بن دينار، والزهري، وغير واحد. مات سنة خمس عشرة ومائة (¬4). ¬

_ (¬1) انظر "معرفة الصحابة" (5/ ترجمة 2757)، و"الإصابة" (6/ ترجمة 8185). (¬2) انظر "التاريخ الكبير" (7/ ترجمة 1097)، و"الجرح والتعديل" (8/ ترجمة 800)، و"التهذيب" (27/ ترجمة 5925). قال البخاري: منكر الحديث، وكذا أبو حاتم. وقال ابن المديني: متروك. (¬3) انظر "التاريخ الكبير" (5/ ترجمة 1373)، و"الجرح والتعديل" (5/ ترجمة 1687)، و"التهذيب" (18/ ترجمة 3539). (¬4) "سنن الدارقطني" (1/ 192 رقم 1).

وعلي بن يحيى لا أتحقق من هو، وفي المتقدمين من الرواة علي ابن يحيى بن خلاد الزرقي الأنصاري، سمع أباه، وآخر يقال له: علي ابن يحيى روى عن عمرو بن شعيب وروى عنه: سعيد بن أبي هلال، ويمكن أن يكون أحدهما (¬1). والحديث الأول أخرجه الدارقطني في "السنن" (¬2) من رواية الشافعي، ورواه عن ابن سيرين كما رواه أيوب: قتادة، ويونس بن عبيد، وهشام بن حسان، ورواه أبو الربيع الزهراني عن حماد بن زيد، عن أيوب، عن ابن سيرين، عن رجل، عن عمرو بن وهب. وحديث عطاء مرسل وكذلك رواية ابن سيرين عن المغيرة بن شعبة في الحديث الثالث مرسلة، ولكن مقصود الحديث موصول مخرج في "الصحيح" (¬3) من رواية بكر بن عبد الله المزني، عن عروة بن المغيرة ابن شعبة، عن أبيه، وبروايات أخر، وله قصة مروية في "المسند" من فعله. ويقال: مسح به ومسح عليه ومسحه بلا صلة، واشتملت ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (6/ ترجمة 2999)، و"الجرح والتعديل" (6/ ترجمة 1839)، و"التهذيب" (20/ ترجمة 3933). (¬2) 1/ 192. (¬3) رواه مسلم (274/ 81، 82). والصحيح أنه من رواية بكر عن حمزة بن المغيرة وليس عروة. قال النووي في "شرح مسلم": قال القاضي عياض: حمزة بن المغيرة هو الصحيح عندهم في هذا الحديث، وإنما عروة بن المغيرة في الأحاديث الأخر، وحمزة وعروة ابنان للمغيرة والحديث مروي عنهما جميعًا، لكن رواية بكر بن عبد الله إنما هي عن حمزة بن المغيرة، وعن ابن المغيرة غير مسمى، ومن قال عروة عنه فقد وهم. قلت: وقد جعل المزي الحديث في "التحفة" في مسند حمزة عن أبيه (رقم 11494).

الأحاديث المذكورة على هذِه اللغات جميعًا. وقوله: "فحسر العمامة" أي: أزالها فكشف موضعها من الرأس. واحتج الشافعي بالحديث على أنه لا يجب استيعاب الرأس بالمسح (¬1)، وفيه دليل على جواز المسح على شعر الرأس، فإن الناصية شعر مقدم الرأس، وعلى أنه يستحب المسح على العمامة إذا اقتصر على مسح بعض الرأس، وعلى أن المسح على الخفين جائز. وقوله: "فمسح بناصيته وعلى عمامته وخفيه" يحتمل من جهة اللفظ أن يكون جميع ذلك في وضوء واحد، ويحتمل أنه أراد فعل ذلك في وضوئه على الجملة، وقصة الحديث تدل على المراد الأول. وقوله: "بالماء" فيه فائدة قطع احتمال إمرار (1/ ق 22 - أ) اليد بالبدن فإن ذلك يسمى مسحًا، ألا ترى إلى ما ورد في الخبر: "من مسح برأس يتيم فله كذا" (¬2) أي: أمرَّ يده على رأسه شفقة عليه. الأصل [46] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن عمرو بن يحيى المازني، عن أبيه أنه قال لعبد الله بن زيد الأنصاري: هل تستطيع أن تريني كيف كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتوضأ؟ فقال عبد الله بن زيد: نعم، فدعا بوَضوء فأفرغ على يديه، فغسل يديه مرتين، ومضمض واستنشق ثلاثًا، ثم غسل وجهه ¬

_ (¬1) "الأم" 1/ 22. (¬2) رواه أحمد (5/ 250، 265)، والطبراني (8/ 202)، جميعًا عن القاسم، عن طريق علي بن زيد، عن أبي أمامة. قال: قال رسول - صلى الله عليه وسلم -: "من مسح برأس يتيم، فإن له بكل شعره مرت يداه عليه حسنة ... ". قال الهيثمي (8/ 160): فيه علي بن يزيد الألهاني وهو ضعيف.

ثلاثًا، ثم غسل يديه مرتين مرتين إلى المرفقين، ثم مسح رأسه بيديه فأقبل بهما وأدبر بدءًا بمقدم رأسه، ثم ذهب بهما إلى قفاه، ثم ردهما إلى الموضع الذي بدأ به ثم غسل رجليه (¬1). الشرح عمرو: ابن يحيى بن عمارة بن أبي حسن المازني الأنصاري المديني. سمع: أباه، وعباد بن تميم، وعباس بن سهل، ومحمد بن يحيى بن حبان، ومحمد بن عمرو بن عطاء. وروى عنه: يحيى بن سعيد الأنصاري، و [وهيب] (¬2) بن خالد، والثوري، وابن عيينة، وابن جريج، ومالك (¬3). وأبوه يحيى سمع: أبا سعيد الخدري، وعبد الله بن زيد. وروى عنه: عمارة بن غزية، ومحمد بن يحيى بن حبان (¬4). وعبد الله بن زيد الأنصاري: هو المازني المذكور من قبل، وليس بعبد الله بن زيد صاحب الأذان. وروى بعض الحديث: سفيان بن عيينة، عن عمرو بن يحيى عن أبيه، عن عبد الله بن زيد بن عبد ربه الذي أدى النداء ولم يساعد عليه. وروى الحديث عن مالك: عبد الله بن يوسف ومن روايته أخرجه ¬

_ (¬1) "المسند" ص (14 - 15). (¬2) انظر "التاريخ الكبير" (6/ ترجمة 2705)، و"الجرح والتعديل" (6/ ترجمة 1485)، و"التهذيب" (22/ ترجمة 4475). (¬3) في "الأصل": وهب. تحريف، والمثبت من التخريج. (¬4) انظر "التاريخ الكبير" (8/ ترجمة 3058)، و"الجرح والتعديل" (9/ ترجمة 725)، و"التهذيب" (31/ ترجمة 6889).

البخاري في "الصحيح" (¬1) واللفظ عن عمرو بن يحيى عن أبيه؛ أن رجلًا قال لعبد الله بن زيد وهو جد عمرو بن يحيى: أتستطيع أن تريني؟ وقال: فدعا بماء ... ورواه مسلم (¬2) عن إسحاق بن موسى الأنصاري عن معن عن مالك، وأبو داود في "السنن" (¬3) عن القعنبي عن مالك، وابن ماجه (¬4) عن الربيع، وحرملة عن الشافعي، عن مالك. وإفراغ الماء: صبه، وفي الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يغسل يديه [....] (¬5) ويتمضمض ويستنشق قبل غسل الوجه، والمستحب في الابتداء الغسل إلى الكوعين، فإطلاق اللفظ يدل على وقوع اسم اليد على ذلك القدر، وفي غسل اليد بعد الوجه عقبه بقوله: إلى المرفقين وفيه بيان كيفية مسح الرأس، وأنه كان يمسح باليد والمستحب دون أن يمسح بخرقة ونحوها، والمعنى في الإقبال والإدبار أن شعر الرأس مختلف النبات فمنه ما وجهه إلى مقدم الرأس ومنه ما وجهه إلا مؤخره وبالردّ ينعكس الأمر، وذلك كله مسحة واحدة، والهيئة المذكورة إنما تستحب لمن على رأسه شعر يتقلب بالذهاب باليد وردّها، فإن لم يكن عليه شعر أو كان لا ينقلب لضفر وغيره فلا فائدة في الردّ. قال الأصحاب: ولا يحسب الرد والحالة هذِه مرة أخرى لصيرورة البلل مستعملًا بالذهاب باليد إلى القفا، وفيه أنه كان يرتب الأعضاء، وفيه أنه غسل بعض الأعضاء مرتين وبعضها ثلاثًا. واختلف الحال في وضوء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ففي رواية ابن عباس أنه توضأ مرة مرة (¬6). ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (185). (¬2) "صحيح مسلم" (235/ 18). (¬3) "سنن أبي داود" (118). (¬4) "سنن ابن ماجه" (434). (¬5) كلمة غير مقروءة في "الأصل". (¬6) رواه البخاري (157).

وفي رواية أبي هريرة أنه توضأ مرتين مرتين (¬1) وعن علي وعائشة أنه توضأ ثلاثًا ثلاثًا (¬2) وعن جابر "أنه - صلى الله عليه وسلم - توضأ مرّة مرّة ومرتين مرتين وثلاثًا ثلاثًا" (¬3) وفي هذا الحديث ثلاث في بعض الأعضاء، واقتصر على مرتين في بعض، كان المقصود بيان أن كلاًّ سائغ. الأصل [47] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا يحيى بن سليم، أخبرني أبو هاشم إسماعيل بن كثير، عن عاصم بن لقيط بن صبرة، عن أبيه قال: كنت وفد بني المنتفق أو في وفد بني المنتفق، فأتيناه - صلى الله عليه وسلم - فلم نصادفه وصادفنا عائشة، فأتينا بقناعٍ فيه تمر -والقناع: الطبق [فأكلنا] وأمرت لنا بخزيرة صنعت ثم أكلنا فلم نلبث أن جاء النبي - عليه السلام - فقال: "هل أكلتم شيئًا؟ هل أمر لكم بشيء؟ " قلنا: نعم، فلم نلبث أن وضع الراعي غنمه فإذا سخلة تيعِر، فقال: "هِيهٍ يَا فُلان مَا وَلّدْتَ؟ " قال: بهمة. قال: "فَاذْبَحْ لَنَا مَكَانَهَا شَاةً" ثم انحرف إليَّ فقال: "لَا تَحْسَبَنَّ، ولم يقل: لَا تَحْسِبَنَّ- أَنّا مِنْ أَجْلِكَ ذَبَحْنَاهَا، لَنَا غنمٌ مِائَةٍ لَا نُرِيْدُ أَنْ تَزَيْدَ فَإِذَا أَوْلَدَ الرَّاعِي بَهْمَةً ذَبَحْنَا مَكَانَها شَاةً" (¬4). قلت: يا رسول الله إن لي امرأة في لسانها شيء -يعني: البذاء- قال: "طَلِّقْهَا". ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (136)، والترمذي (43). ورواه البخاري من حديث عبد الله بن زيد (158). (¬2) رواه أبو داود (116)، والترمذي (44)، والنسائي (1/ 68) من حديث علي. ورواه البخاري ومسلم من حديث عثمان: البخاري (159)، ومسلم (226/ 3). (¬3) رواه الترمذي (45)، وابن ماجه (410). وضعفه الألباني في "المشكاة" (422). (¬4) من "المسند".

قلت: إن لي منها ولدًا ولها صحبة. قال: "فَمُرْهَا" يقول: "عِظْهَا فَإِنْ يَكُ فِيْهَا خيرٌ فَسَتَقْبَلْ، وَلَا تَضْرِبَنّ ظَعِينْتَكَ ضَرْبَكَ أُمَيَّتِكَ". قلت: يا رسول الله أخبرني عن الوضوء. قال: "أَسْبغْ الوُضُوءَ وَخَلِّلْ بَيْنَ الأَصَابعِ وَبَالِغْ في الاسْتِنْشَاقِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ صَائِمًا" (¬1). الشرح يحيى بن سليم: هو الطائفي القرشي الحذاء، أبو محمَّد، وقيل: أبو زكريا. سمع: إسماعيل بن كثير، وعبد الله بن عثمان بن خثيم، والثوري. وروى عنه: بشر بن مرحوم (1/ ق 23 - أ) وابن أبي عمر. مات سنة خمس وتسعين ومائة (¬2). وإسماعيل بن كثير أبو هاشم مكي. روى عن: مجاهد. وسمع منه: الثوري، وابن جريج (¬3). وعاصم (¬4): هو ابن لقيط بن صبرة العقيلي من أهل الحجاز. سمع: أباه. ¬

_ (¬1) "المسند" ص (15). (¬2) انظر "التاريخ الكبير" (8/ ترجمة 2995)، و"الجرح والتعديل" (9/ ترجمة 647)، و"التهذيب" (31/ ترجمة 6841). (¬3) انظر "التاريخ الكبير" (1/ ترجمة 1173)، و"الجرح والتعديل" (2/ ترجمة 656)، و"التهذيب" (3/ ترجمته 473). (¬4) انظر "التاريخ الكبير" (6/ ترجمة 3087)، و"الجرح والتعديل" (6/ ترجمة 1930)، و"التهذيب" (13/ ترجمة 3025).

يروي عنه: إسماعيل بن كثير، وهو عاصم بن أبي رزين هكذا ذكر البخاري، وذكر (¬1) أن لقيطًا: ابن عامر، ويقال: لقيط بن صبرة بن المنتفق أبو رزين العقيلي، ولم يذكر في الصحابة من يسمى لقيطًا غيره، وذلك يشعر إشعارًا بينًا بأن لقيطًا أبا رزين هو والد عاصم، وأنه لقيط ابن صبرة أو لقيط بن عامر. وقال أبو عبد الله بن منده: لقيط بن عامر بن المنتفق بن عامر بن عقيل أبو رزين العقيلي له صحبة، ويقال: ابن صبرة. روى عنه: عبد الله بن عمرو، وابنه، وعمرو بن أوس، ووكيع بن عُدس ابن أخي أبي رزين، وذكر من روايته الحديث (¬2) الذي نحن فيه وهذا كالصريح في أنهما رجلان (¬3). ¬

_ (¬1) "التاريخ الكبير" (7/ ترجمة 1058). (¬2) حاشية: أحاديث ثم لقيط بن صبرة أبو عاصم روى عنه: ابنه عاصم عداده في أهل الحجاز وقال بعضهم: ابن المنتفق. ولا أعلم موضعها. والله أعلم. (¬3) قال ابن حجر في "الإصابة" (5/ ترجمة 7561 - لقيط بن عامر بن المنتفق أبو رزين): ذهب علي بن المديني، وخليفة بن خياط، وابن أبي خيثمة، ومحمد بن سعد، ومسلم، والبغوي والدارمي، وابن قانع، وغيرهم إلى لقيط بن صبرة المذكور قبله (أي: وهو لقيط بن صبرة بن عبد الله بن المنتفق: ترجمة 7560). وقال ابن معين: إنهما واحد، وأن من قال: لقيط بن عامر نسبه لجده؛ وإنما هو لقيط بن صبرة، والذي في "جامع الأصول": لقيط بن عامر بن صبرة وضبطه قتيبة ونسبه من بني عامر، وحكاه الأثرم عن أحمد، ومال إليه البخاري، وجزم به ابن حبان وابن السكن. قال: وتناقض المزي فيه فجزم في "الأطراف" بأنهما اثنان وفي "التهذيب" بأنهما واحد، والراجح في نظري أنهما اثنان ... اهـ.

وروى الحديث عن يحيى بن سليم كما رواه الشافعي: قتيبة وآخرون ومن روايتهم أخرجه أبو داود في "السنن" (¬1)، ورواه سفيان عن أبي هاشم كما رواه يحيى بن سليم. وقوله: "كنت وفد بني المنتفق أو في وفدهم" الوفد: جمع وافد، كزائر وزور، وهم القوم يأتون الملوك ركبانًا، وقد وفدوا وفدًا ووفادةً، ثم سمي القوم بالفعل، وفي بعض الروايات: "كنت وافد بني المنتفق". والقناع مفسر في الخبر، قال الخطابي: سمي الطبق قناعًا؛ لأنه أقنعت أطرافه إلى داخل، أي: عطفت. والخزيرة: طعام يتخذ من دقيق ولحم يقطع اللحم قطعًا صغارًا فإذا نضج ذُرَّ عليه الدقيق، وقيل: هي مرقة تصفى من بُلالة النخالة ثم تطبخ، وقيل: هي حُساء من دقيق فيه دسم، والحريرة: ما يتخذ من لبن. فقوله: "فلم نلبث أن وضع الراعي غنمه" وفي رواية أبي داود وغيره "أن دفع الراعي غنمه إلى المراح" كأنه كان قد سرحها إلى منحدر من مرتفع وغيره فلما ردّها إلى المراح صعد بها. وقوله: "تيعر" يقال: يعرت الشاة تيعر يُعارًا وهو صوت الشاة، وقيل: صوت المعز، فعلى هذا فاللفظة مستعارة لأن السخلة الصغيرة من ولد الضأن حين تولد، واللفظة تقع على الذكر والأنثى ولا تجمع سخل. ¬

_ (¬1) "سنن أبي داود" (142). ورواه الترمذي (38، 788)، والنسائي (1/ 66)، وابن ماجه (448)، وابن حبان (1054، 4510)، والحاكم (1/ 247 - 248). قال الترمذي: حسن صحيح، وقال الحاكم: صحيح ولم يخرجاه. وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (927).

وقوله: "هيهٍ" كلمة (1/ ق 23 - ب) استزادة واستنطاق وهي مبدلة من "إيهٍ" أو مُقامة مقامها، و"إيهٍ" تنون ولا تنون، وقيل: "إيهٍ" استزادة من حديث لا تعرفه، و"إيه" بلا تنوين استزادة من حديث تعرفه. وعن ابن السكيت: إنك تقول للرجل إذا استزدته من حديث أو عمل: "إيه" فإن وصلت نونت فقلت: "إيهٍ" حدثنا. وقوله: "ما ولّدت" مشدد مخاطبة للراعي، يقال: ولَّدت الشَّاة: إذا حضرت ولادها وعالجتها، والمولِّد للمواشي كالقابلة للنساء، وذكر أن بعضهم غلط فروى وَلدَتْ يعني: الشاة، والبهمة: ولد الشاة أول ما يولد. وقوله: "فقال: لا تحسَبَن" ولم يقل لا تحسِبن، يقال من الحساب حسَبَ يحسُبُ بضم السين، ومن الحسبان وهو الظن: حَسِبَ يحسَبُ، والكسر ينسب إلى لغة النبي - صلى الله عليه وسلم - وقراءته كما ضبطه راوي الحديث. والبَذاء: الإفحاش في القول، يقال: بَذُؤَت المرأةُ تبذُؤُ بَذاءً. وقوله: "لا تضربن ظعينتك" أي: امرأتك، والظعينة في الأصل: الهودج تكون فيه المرأة، ثم سميت المرأة بها إذا كانت راكبة، ثم عَمَّ الاستعمال فقيل لكل امرأة: ظعينة، ويقال: سميت ظعينة؛ لأنه يظعن بها. وأُميَّة: تصغير أمة. ثم في الحديث فوائد، منها: أن من غاب عن منزله فورده واردون أو جاء أضياف، يحسُن لمن خلفه من أهله أن يقوم بأمرهم ويقدّم إليهم ما تيسر، ويحسن من صاحب المنزل أن يأمر من خلفه من أهله بذلك، وفي قوله - صلى الله عليه وسلم -: "هل أكلتم شيئًا، هل أمر لكم بشيء" ما هو كالإشارة إليه.

ومنها: أنه لم يرد الإكثار من المال والزيادة فيه. ومنها: التحرز عن التصنع والتكلف وإراءة الشيء على خلاف ما هو عليه، حيث قال: لا تحسبن أنا من أجلك ذبحناها ولكن عادتنا أن نذبح واحدة إذا وُلدت واحدة. ومنها: أنه لا بأس بالطلاق لبذاءة المرأة. ومنها: أنه إذا كان منها ولد ولها صحبة فينبغي للزوج أن يمسكها ويحتمل بذاءتها. ومنها: أن الزوج يستحب له أن يعظ المرأة وينصحها ويقيها النار، كما قال تعالى: {قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} (¬1). وقوله: "فمرها" أي: بالخير والمعروف، وكذلك فسر الراوي: يعظها. ومنها: النهي (1/ ق 24 - أ) عن ضرب المرأة، وقد ذكر الشافعي في الجمع بينه وبين ما ورد تجويز الضرب كقوله تعالى: {وَاهْجُرُوهُنَّ في الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ} (¬2). احتمالين: أحدهما: نسخه بالآية. والثاني: حمل النهي على الكراهية، أو على أن الأولى تركه ما أمكن والاقتصار على الوعظ، ويجوز أن يقال: إنه ليس نهيًا عن مطلق الضرب بل عن ضرب كضرب الأمة، والحرة لا تضرب كضرب الأمة بل ضربها أخف لشرفها, ولأن الحاجة إلى تأديب الأمة أكثر لخستها. ومنها: الأمر بإسباغ الوضوء وهو بإتمام الأعمال، والمحافظة على الأدب، والأمر بتخليل الأصابع. ¬

_ (¬1) التحريم: 6. (¬2) النساء: 34.

قال الشافعي: ولا يُجزئه ترك التخليل إلا أن يعلم أن الماء قد أتى جميع ما بين الأصابع (¬1). ومنها: الأمر بالمبالغة في الاستنشاق واستثناء حالة الصوم، والاقتصار على ذكر هذِه الخصال مع أن السائل سأل عن الوضوء يجوز أن يكون من جهة الراوي، وقد بين النبي - صلى الله عليه وسلم - كيفية الوضوء بتمامها وسبب اقتصاره عليها حاجته إلا بيانها عند الرواية, ويجوز أن يكون من النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد عرف أن مقصد السائل البحث عنها وإن أطلق لفظه في السؤال إما بقرينة حال أو بوحي وإلهام، والله أعلم. آخر الجزء ويتلوه في الذي يليه: أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن أنس حديث: "نبع الماء من تحت أصابعه". الحمد لله حق حمده. ¬

_ (¬1) "الأم" (1/ 27).

عبد العزيز الدراوردي، عطاء بن يسار، حمران، عثمان، داود بن قيس، أسامة، بلال، عبد المجيد بن عبد العزيز، عباد بن زياد، عروة ابن المغيرة، عبد الرحمن بن عوف، سهيل بن محمَّد بن سعد بن أبي وقاص، حمزة بن المغيرة، حصين السلمي، زكريا بن أبي زائدة، يونس السبيعي، الشعبي، عبد الوهاب الثقفي، المهاجر أبو مخلد، عبد الرحمن بن أبي بكرة، أبوه، عاصم بن بهدلة، زر، صفوان، زينب بنت أبي سلمة، أم سليم، أبو طلحة، زيد بن الصلت، عمر، عمر بن راشد، أيوب بن موسى، عبد الله بن رافع، جعفر الصادق، أبوه، منصور الحجبي، صفية بنت شيبة، عباد بن منصور، أبو رجاء، عمران ابن الحصين، أبو سعيد الخدري، يحيى بن سعيد الأنصاري، سعيد بن المسيب، عثمان بن أبي سليمان، جبير بن مطعم، عبيد الله بن طلحة، عبد الله بن مغفل، عثمان بن طلحة، عامر بن عبد الله بن الزبير، عمرو ابن سليم، أمامة بنت أبي العاص، عطاء، وابن خالد، وموسى بن إبراهيم، وسلمة بن الأكوع، عمرو بن أبي سلمة، الأوزاعي، عبد الله ابن دينار، سعيد بن يسار، أبو الزبير، عثمان بن عبد الله بن سراقة.

(1/ق 25 - أ) بسم الله الرحمن الرحيم الأصل [48] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن أنس بن مالك قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحانت صلاة العصر والتمس الناس الوضوء فلم [يجدوه] (¬1) فأتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بوضوء فوضع في ذلك الإناء يده وأمر الناس أن يتوضئوا منه. قال: فرأيت الماء ينبع من تحت أصابعه فتوضأ الناس حتى توضأ من عند آخرهم (¬2). الشرح هذا حديث أخرجه البخاري (¬3) ومسلم (¬4) في الكتابين من رواية مالك. وقوله: "وحانت" أي: آنت ودخل حينها، والواو في: "وحانت" واو الحال. وقوله: "والتمس الناس الوضوء فلم يجدوه" يجوز أن يريد: فلم يجدوا وضوءًا عامًّا، ويجوز أن يريد: لم يجد كل واحد وضوءًا، وأتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بوضوءٍ واحدٍ أو بإناء يسع وضوءه. والشافعي أورد الحديث محتجًّا به على أن ماء الوضوء لا يتقدر، فإنهم كانوا يأخذون ويتوضئون حسب ما تيسر لهم، وما يأخذه الجمع ¬

_ (¬1) في "الأصل": ياجدوه. تحريف. والمثبت من "المسند". (¬2) "المسند" ص (15 - 16) وفيه: "حتى توضئوا من ... " بدل: "حتى توضأ ... ". (¬3) "صحيح البخاري" (169). (¬4) "صحيح مسلم" (2279/ 5).

من الإناء الواحد يتفاوت قطعًا وظاهرًا، واستحب أن لا ينقص ما يتوضأ به عن مُدٍّ وما يغتسل به عن صاع؛ لما روي في "الصحيحين" عن أنس، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يغتسل بالصاع إلى خمسة أمداد وكان يتوضأ بالمدّ (¬1). وفي الحديث دليل على أن اغتراف المحدث من الماء لا يوجب استعماله، وفيه معجزة ظاهرة للنبي - صلى الله عليه وسلم -. الأصل [49] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن نافع، عن ابن عمر؛ أنه توضأ بالسوق، فغسل وجهه ويديه، ومسح برأسه، ثم دُعي لجنازة فدخل المسجد ليصلي عليها؛ فمسح على خفيه ثم صلى عليها (¬2). الشرح قال الشافعي في "الأم": وأحب أن يُتابع الوضوء ولا يفرقه؛ لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جاء به متتابعًا، وإن قطع فلا يبين لي أن يكون عليه استئناف وضوء؛ لأن الله تعالى قال: {حَتَّى تَغْتَسِلُوا} (¬3) وهو مغتسل وإن قطع، والوضوء في ذلك كالغسل، ثم استأنس بفعل ابن عمر، وقال: إن تركه موضع الوضوء وانتقاله إلى المسجد أخذ في غير عمل الوضوء وقطع له، وقد يجفُّ العضو في أقل ما بين المسجد والسوق (¬4). وفيه أنه لا بأس بالوضوء في السوق، وأنه (1/ ق 25 - أ) صلى على الجنازة في المسجد، وأنه مسح على الخفّ، ثم يحتمل أنه كان على ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (201)، و"صحيح مسلم" (325/ 51). (¬2) "المسند" ص (16). (¬3) النساء: 43. (¬4) "الأم" (1/ 30 - 31).

عزم المسح على الخف أولًا، ويحتمل أنه لما دخل المسجد مسح سعيًا في تعجيل دفن الميت أو صيانة للمسجد عن صبّ الماء المستعمل فيه فهو الأدب، على أن بعضهم نقل أنه غسل رجليه في المسجد، ونقل طهارة الرجل إلى المسجد يجوز أن يكون الغرض منه أن يثقوا بحضوره فينتظروا، ويجوز أن يكون لنفاد الماء أو غيره من الأعذار. الأصل [50] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا عبد العزيز بن محمَّد، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن ابن عباس قال: توضأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأدخل يده في الإناء واستنشق ومضمض مرَّة واحدة، ثم أدخل يده وصبّ على وجهه مرة [واحدة] (¬1) وصب على يديه مرة واحدة، ومسح على رأسه وأذنيه مرَّة واحدة (¬2). [51] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن حمران، أن عثمان - رضي الله عنه - توضأ بالمقاعد ثلاثًا ثلاثًا، قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "مَنْ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هذا خَرَجَتْ خَطَايَاهُ مِنْ وَجْهِهِ وَيَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ" (¬3). [52] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن عمرو بن يحيى، عن أبيه، عن عبد الله بن زيد؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - توضأ فغسل وجهه ثلاثًا، ويديه مرّتين مرتين، ومسح رأسه بيديه أقبل بهما وأدبر بدأ بمقدم رأسه ثم ذهب بهما إلى قفاه ثم ردَّهما إلى المكان الذي بدأ، ثم غسل رجليه (¬4). ¬

_ (¬1) من "المسند". (¬2) "المسند" ص (16). (¬3) "المسند" ص (16). (¬4) "المسند" ص (16).

الشرح عبد العزيز: هو [ابن] (¬1) محمَّد بن أبي عبيد، أبو محمَّد الدراوردي، ودراورد قيل: إنه موضع بفارس، ويقال: إنه دارا بجرد، وقيل: قرية بخراسان كان جده منها. سمع: عمرو بن يحيى، ويزيد بن الهاد، والعلاء بن عبد الرحمن، وزيد بن أسلم، وهشام بن عروة. روى عنه: أحمد بن عبدة، ويحيى بن يحيى، وقتيبة، وابن أبي [عمر] (¬2)، والقعنبي. توفي سنة ست وثمانين ومائة (¬3). وعطاء بن يسار: هو أبو محمَّد الهلالي مولى ميمونة بنت الحارث. سمع: الزيدين: ابن ثابت وابن خالد، وعبدَي الله ابن عباس، وابن عمرو بن العاص، وأبا سعيد، وأبا هريرة. وروى عنه: صفوان بن سليم، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وزيد ابن أسلم. مات سنة ثلاث ومائة (¬4). وحمران: هو ابن أبان مولى عثمان بن عفان. سمع: عثمان، ¬

_ (¬1) سقط من "الأصل". والمثبت من التخريج. (¬2) في "الأصل": عمرو. خطأ، وهو محمَّد بن يحيى بن أبي عمر العدني. (¬3) انظر "التاريخ الكبير" (6/ ترجمة 1569)، و"الجرح والتعديل" (5/ ترجمة 1833)، و"التهذيب" (18/ ترجمة 3470). (¬4) انظر "التاريخ الكبير" (6/ ترجمة 2993)، و"الجرح والتعديل" (6/ ترجمة 1867)، و"التهذيب" (20/ ترجمته 3946).

ومعاوية. وروى عنه: الوليد بن مسلم ومعاذ (1/ ق 26 - أ) بن عبد الرحمن، ومحمد بن المنكدر، وغيرهم (¬1). وعثمان أمير المؤمنين أبو عبد الله أو أبو عمرو بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، شهد له النبي - صلى الله عليه وسلم - بالجنة، وكان ختنه على ابنتيه رُقية وأمِّ كلثوم. روى عنه: زيد بن خالد الجهني, ومن التابعين جماعة. قتل يوم الجمعة في ذي الحجة سنة خمس وثلاثين، ويقال غيره، وكانت خلافته قريبًا من اثنتي عشرة سنة، وعن ابن شهاب أنه حج فيها جميعًا إلا في سنتين (¬2). وحديث عطاء عن ابن عباس: أخرجه البخاري (¬3) من رواية سليمان بن بلال عن زيد بن أسلم، وذكر في آخره غسل الرجلين. قال الحافظ أبو بكر البيهقي: إنما لم يسق الشافعي متنه بالتمام؛ لأن رواية عبد العزيز [...] (¬4) تخالف رواية الحفاظ الأثبات، فروي عن عبد العزيز: "ثم أخذ ملء كفه ماءً فرش على قدمه وهو منتعل" وروى هشام بن سعد قريبًا من ذلك، وتعلق به من قال: الواجب في الرجل المسح، لكن محمَّد بن عجلان وورقاء بن عمر ومحمد بن جعفر بن أبي كثير رووا عن زيد الغسل كما رواه سليمان بن بلال، وقد ترك الشافعي ما خالف فيه عبد العزيز الثقات، ثم يحتمل أنه رشّ الماء عليهما وهو ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (3/ ترجمة 287)، و"الجرح والتعديل" (3/ ترجمة 1182)، و"التهذيب" (7/ ترجمته 1496). (¬2) انظر "معرفة الصحابة" (1/ 3، 2013)، و"الإصابة" (4/ ترجمة 5452). (¬3) "صحيح البخاري" (140). (¬4) كلمة غير واضحة في "الأصل".

منتعل ترفق بهما حتى انغسلتا في النعلين؛ يدل عليه أن البخاري روى: "ثم أخذ غرفة من ماء فرشّ على رجله اليمنى [حتى غسلها] (¬1) ". وحديث حمران مخرج في "الصحيحين" (¬2) من رواية ابن شهاب، عن عطاء بن يزيد الليثي، عن حمران؛ ورواية أحمد بن حنبل (¬3) والحميدي (¬4) وابن أبي عمر (¬5) عن سفيان في ثواب الوضوء، ثم رواية مالك (¬6)، وأبي أسامة (¬7)، ووكيع (¬8) عن هشام تخالف ما رواه الشافعي فإنهم قالوا: "ما من رجل يتوضأ فيحسن الوضوء ثم يصلي إلا غفر الله له ما بينه وبين الصلاة الأخرى" وربما روى سفيان مرة الثواب الذي رواه الشافعي، ويدل عليه أن معنى ذلك الثواب رواية محمَّد بن المنكدر عن حمران، وأخرجه مسلم في "الصحيح" (¬9). والمقاعد: موضع عند باب المسجد، وقيل: هي مصاطب حوله، وقيل: دكاكين كانت عند دار عثمان -رضي الله عنه -. وأما حديث عبد الله بن زيد فهو الذي مرَّ إسنادًا ومتنًا (¬10)، وقد ذكره الشافعي في "الأم" (¬11) مرة لبيان الاختيار في مسح الرأس وأن الرجلين تغسلان، ثم أعاده مع الحديثين (1/ ق 26 - ب) المرويين في الفصل لبيان عدد الوضوء وبيَّن بها [أنه] (¬12) - صلى الله عليه وسلم - ربما توضأ مرة مرة، ¬

_ (¬1) طمس في "الأصل". والمثبت من "البخاري". (¬2) "صحيح البخاري" (159)، و"صحيح مسلم" (226/ 3، 4). (¬3) "المسند" (1/ 68). (¬4) "مسند الحميدي" (35). (¬5) أخرجه مسلم (227/ 5) من طريقه. (¬6) "الموطأ" (1/ 30 رقم 59). (¬7) أخرجه مسلم (227/ 5) من طريقه. (¬8) أخرجه مسلم (227/ 5) من طريقه. (¬9) "صحيح مسلم" (245/ 33) من طريقه. (¬10) مرّ ب (46). (¬11) "الأم" (1/ 26). (¬12) تحرف في "الأصل".

وربما توضأ ثلاثًا ثلاثًا، وربما غسل بعض الأعضاء مرتين وبعضها ثلاثًا، وفي حديث حمران دليل على أن للتثليث مدخلًا في مسح الرأس كما في غسل سائر الأعضاء. الأصل [53] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا عبد الله بن نافع، عن داود بن قيس، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أسامة بن زيد قال: دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبلال فذهب لحاجته ثم خرجا. قال أسامة: فسألت بلالًا ماذا صنع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فقال بلال: ذهب لحاجته، ثم توضأ فغسل وجهه ويديه، ومسح برأسه، ومسح على الخفين (¬1). الشرح داود بن قيس: هو أبو سليمان الفراء الدباغ المديني مولى لقريش. سمع: إبراهيم بن عبد الله بن حنين، وموسى بن يسار، وعبيد الله بن مقسم، وزيد بن أسلم. وروى عنه: أبو عامر [العقدي] (¬2) وإسماعيل بن جعفر، والقعنبي، وعبد الله بن وهب، وغيرهم (¬3). وأسامة: هو ابن زيد بن حارثة بن شراحيل بن كعب بن عبد العزى بن يزيد أبو زيد، ويقال: أبو محمَّد الكلبي حِبُّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومولاه، يقال: إنه كان من كلب اليمن، قُبض النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو ابن عشرين سنة، ¬

_ (¬1) "المسند" ص (16). (¬2) في "الأصل": العبدي. تحريف. والمثبت من التخريج. (¬3) انظر "التاريخ الكبير" (3/ ترجمة 821)، و"الجرح والتعديل" (3/ ترجمة 1924)، و"التهذيب" (8/ ترجمة 1781).

وأُمُّه أمُّ أيمن حاضنة النبي - صلى الله عليه وسلم -. روى عنه: ابن عباس، وأبو عثمان النهدي، وعروة بن الزبير، وإبراهيم بن سعد بن أبي وقاص. توفي في آخر خلافة معاوية (¬1). وبلال: هو ابن رباح التيمي، مولى أبي بكر الصديق، أبو عبد الله أو أبو عبد الكريم أو أبو عمرو. ذهب إلى الشام بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - وسكنها وتوفي بها سنة عشرين، ويقال: إن قبره بدمشق. روى عنه: عبد الله بن عمر، وكعب بن عُجرةَ، والصّنابحي (¬2). والحديث مخرج في "فوائد محمَّد بن عبد الله بن عبد الحكم" بروايته (¬3) عن عبد الله بن نافع بإسناده لكن قال: دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الأسواف فذهب لحاجته ثم خرج. قال أسامة: فسألت بلالًا ... إلى آخره، ورواه أبو نعيم عن داود بن قيس كذلك فقال: دخل النبي - صلى الله عليه وسلم - الأسواف فذهب لحاجته ومعه بلال ثم خرجا ... إلى آخره، وسقط (1/ ق 27 - أ) من رواية الشافعي في "الأم" (¬4) وغيره ذكر الأسواف. ¬

_ (¬1) انظر "معرفة الصحابة" (1/ ترجمة 84)، و"الإصابة" (1/ ترجمة 89). (¬2) انظر "معرفة الصحابة" (1/ ترجمة 271)، و"الإصابة" (1/ ترجمة 736). (¬3) ومن طريق محمَّد بن عبد الله أخرجه ابن خزيمة (185)، والبيهقي (1/ 274). ورواه النسائي (1/ 81)، وابن حبان (1323)، والحاكم (1/ 252) عن عبد الله بن نافع. قال ابن عبد البر في "التمهيد" (11/ 144): قال محمَّد بن عبد الله بن عبد الحكم: حديث صحيح في المسح بالحضر. وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم. وقال الزيلعي (1/ 165): قال البيهقي في "المعرفة": حديث صحيح. وقال الألباني في تعليقه على "السنن": حسن الإسناد. (¬4) "الأم" (1/ 32).

والأسواف: موضع بالمدينة. عن ابن عيينة. وقوله: "فذهب لحاجته" إشارة إلى أنه حاول البعد عن الناس كما هو الأدب والسنة، واستصحاب بلال يشبه أن يكون لحمله الماء معه، وقد نقل ذلك عن غير بلال (¬1)، وفيه دليل على أنه يجوز لمن يريد قضاء الحاجة أن يستصحب من يحمل الماء معه، فإذا أراد أن يقعد تنحى عنه حامل الماء واستدبره، وفي سؤال أسامة بلالًا دليل على أنهم كانوا يتفحصون عن أفعال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويضبطونها كما كانوا يحفظون أقواله. والحديث أصل في المسح على الخفين، وقد ثبت ذلك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قولًا وفعلًا، ورواه جماعة من أعلام الصحابة منهم: عمر، وعلي، وحذيفة، والمغيرة، وبلال، وأبو أيوب، وسلمان، وعمرو بن أمية، وبُريدة، وأنس، وسهل بن سعد، ويعلى بن مرة، وعبادة بن الصامت، وأبو أمامة، وجابر، والأسامتان ابن زيد وابن شريك -رضي الله عنهما- (¬2). قال الشافعي: وفي حديث بلال دليل على أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مسح على الخفين في الحضر؛ لأن بئر جمل في الحضر (¬3). وبئر جمل موضع بالمدينة كأنه والأسواف متجاوران أو أحدهما داخل في الآخر. ¬

_ (¬1) سيأتي في الحديث الذي يليه من فعل المغيرة بن شعبة. (¬2) قال ابن المنذر في "الأوسط" (1/ 430): وروينا عن الحسن أنه قال: حدثني سبعون من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه مسح على الخفين. قلت: وقد اتفق البخاري ومسلم في إخراج حديث جرير، والمغيرة، وقد أخرج البخاري حديث سعد بن أبي وقاص وعمرو بن أمية دون مسلم، وأخرج مسلم حديث حذيفة وبلال وبريدة وعلي دون البخاري. (¬3) "الأم" (1/ 33)، وقال أيضًا: فيمسح المسافر والمقيم معًا.

الأصل [54] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مسلم وعبد المجيد، عن ابن جريج، عن ابن شهاب، عن عباد بن زياد أن عروة بن المغيرة بن شعبة أخبره أن المغيرة بن شعبة أخبره أنه غزا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غزوة تبوك قال: فتبرز رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل الغائط، فحملت معه إداوة قبل الفجر، فلما رجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخذت أهريق على يديه من الإداوة وهو يغسل يديه ثلاث مرات، ثم غسل وجهه، ثم ذهب يحسُر جبَّته عن ذراعيه فضاق كمّا جبته، فأدخل يده في الجبة حتى أخرج ذراعيه من أسفل الجبة وغسل ذراعيه إلى المرفقين، ثم توضأ ومسح على خفيه، ثم أقبل. قال المغيرة: فأقبلت معه حتى نجد الناس قد قدموا عبد الرحمن بن عوف يصلي بهم، فأدرك النبي - صلى الله عليه وسلم - إحدى الركعتين معه وصلى مع الناس الركعة (1/ ق 27 - ب) الأخيرة، ولما سلم عبد الرحمن قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأتم صلاته، فأفزع ذلك المسلمين وأكثروا التسبيح، فلما قضى النبي - صلى الله عليه وسلم - صلاته أقبل عليهم ثم قال: "أَحْسَنْتُمْ" أو قال: "أَصَبْتُمْ" يغبطهم أن صلوا الصلاة لوقتها. قال ابن شهاب: وحدثني إسماعيل بن محمَّد بن سعد بن أبي وقاص، عن حمزة بن المغيرة بنحو حديث عباد. قال المغيرة: فأردت تأخير عبد الرحمن، فقال لي النبي - صلى الله عليه وسلم - "دَعْهُ" (¬1). الشرح عبد المجيد: هو ابن عبد العزيز بن أبي روَّاد ميمون، أبو عبد ¬

_ (¬1) "المسند" ص (17).

الحميد المكي الأزدي. روى عن: أبيه، وابن جريج، وعدَّ في أفراد مسلم (¬1). وعباد بن زياد: عن الشافعي أنه مولى المغيرة بن شعبة. روى عنه: الزهري (¬2). وذكر أن مالكًا روى الحديث فقال: عن الزهري، عن عباد بن زياد من ولد المغيرة بن شعبة (¬3). وعن الشافعي وغيره أنه وهم من مالك. وعروة: هو ابن المغيرة بن شعبة الثقفي، كان أميرًا على الكوفة، وهو أخو حمزة ويعقوب وعقار بني المغيرة. وعن الشعبي: أن عروة كان خير أهل بيته. سمع: أباه. وروى عنه: الشعبي، ونافع بن جبير، وبكر بن عبد الله، وعباد بن زياد (¬4). وعبد الرحمن بن عوف المذكور في متن الحديث: أحد العشرة المشهود لهم بالجنة، وهو ابن عوف بن عبد عوف بن عبد الحارث بن زهرة بن كلاب، أبو محمَّد الزهري القرشي كان اسمه عبد عمرو فسماه النبي - صلى الله عليه وسلم - عبد الرحمن. ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (6/ ترجمة 1875)، و"الجرح والتعديل" (6/ ترجمة 340)، و"التهذيب" (18/ ترجمة 3510). (¬2) انظر "التاريخ الكبير" (6/ ترجمة 1593)، و"الجرح والتعديل" (6/ ترجمة 409)، و"التهذيب" (14/ ترجمته 3078). (¬3) "الموطأ" (1/ 35 رقم 71). (¬4) انظر "التاريخ الكبير" (7/ ترجمة 139)، و"التهذيب" (20/ ترجمة 3913).

روى عنه: إبراهيم ابنه، وأنس، وابن عباس. مات سنة اثنتين وثلاثين (¬1). وإسماعيل بن محمَّد بن سعد بن أبي وقاص قرشي زهري مديني. سمع: أباه، وعامر بن سعد، وحميد بن عبد الرحمن. وسمع منه: الزهري، ومالك، وابن عيينة، وصالح بن كيسان. مات سنة أربع وثلاثين ومائة (¬2). وحمزة بن المغيرة بن شعبة الثقفي. سمع: أباه. وروى عنه: إسماعيل، وبكر بن عبد الله المزني (¬3). والحديث صحيح مُدوَّن في "مسند عبد الرزاق الصنعاني" (¬4) بروايته عن ابن جريج، وأخرجه مسلم (¬5) عن محمَّد بن رافع والحسن الحلواني عن عبد الرزاق، وأبو داود (¬6) السجستاني من رواية يونس بن يزيد عن ابن شهاب. وتبوك من أرض الشام، قيل: سميت بذلك (1/ ق 28 - أ) لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - وجدهم يبوكون حسيتها (¬7) بإدخال القدح فيه وتحريكه ليخرج الماء ¬

_ (¬1) انظر "معرفة الصحابة" (1/ ترجمة 7، 4/ ترجمة 1808)، و"الإصابة" (4/ ترجمة 5183). (¬2) انظر "التاريخ الكبير" (1/ ترجمة 1174)، و"الجرح والتعديل" (2/ ترجمة 658)، و"التهذيب" (3/ ترجمة 478). (¬3) انظر "التاريخ الكبير" (3/ ترجمة 176)، و"الجرح والتعديل" (3/ ترجمة 941)، و"التهذيب" (7/ ترجمة 1514). (¬4) "المصنف" (748). (¬5) "صحيح مسلم" (421/ 105). (¬6) "سنن أبي داود" (149). (¬7) الحسي: حفيرة قريبة القعر. الغريب للخطابي (1/ 483).

فقال: "ما زلتم تبوكونها"، ويقال: باك الحمار الأتان إذا نزا عليها. والتبرزُ: كناية عن قضاء الحاجة مأخوذ من البراز وهو المتسع من الأرض؛ لأنهم كانوا يأتونه لقضاء الحاجة. وقوله: "أُهريق على يديه" بفتح الهاء، يقال: هراق الماء يُهريقه هراقة، والهاء مبدلة من الهمزة ولم يقولوا أأريقه لاستثقال الهمزتين، ويجوز أهريقه بإسكان الهاء من قوله: أهراق يُهريقُ إهرياقًا فهو مهريقٌ، والشيء مُهراق, وفي الكلمة لغة ثالثة وهي: أهرقه يُهرقُه إهراقًا. وأورد الشافعي الحديث مستدلًّا به على جواز المسح على الخفين، وفيه أنه مكّن غيره من حمل الماء معه، ومن إعانته في الوضوء، وأن اليدين تغسلان ثلاثًا قبل الوجه، وأنه لا بأس بلبس ما ضاق كمُّه من الثياب، وإخراج اليد من الذيل عند الحاجة. وقوله: "ثم توضأ" يعني: أتم الوضوء. وقوله: "أقبل" يعني: على الناس فلحقهم، ويروى أنهم كانوا في السَّير حينئذ. وفيه أن المسبوق يدخل مع الإِمام في صلاته ثم [يتدارك] (¬1) ما بقي بعد سلام الإِمام، وأن الإِمام الراتب إذا غاب فلا بأس بأن يقدم القوم أحدهم إذا لم يكرهه الإِمام الراتب؛ لئلا تفوت فضيلة التعجيل، وأن عبد الرحمن كان من المقدمين المنظورين. وقوله: "فأفزع ذلك المسلمين" أي: أفزعهم أن يسبقوا النبي - صلى الله عليه وسلم - بالصلاة، أو أن يؤمّ بعضهم بحضرته، وخافوا أن يكونوا تاركين لتعظيمه، فسكنهم النبي - صلى الله عليه وسلم - واستحسن منهم رعاية التعجيل، ويروى أن ¬

_ (¬1) تحرف في "الأصل".

عبد الرحمن لما أحس بلحوق النبي - صلى الله عليه وسلم - أراد أن يتأخر فأومأ إليه بالمضي. وقوله: "أن صلّوا الصلاة لوقتها" أي: لأول وقتها. الأصل [55] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان بن عيينة، عن حصين وزكريا ويونس، عن الشعبي، عن عروة بن المغيرة، عن المغيرة بن شعبة قال: قلت: يا رسول الله: أتمسح على الخفين؟ قال: "نَعَمْ، إِنْ أَدْخَلْتُهُمَا وَهُمَا طَاهِرَتَان" (¬1). الشرح حصين: هو ابن عبد الرحمن السلمي أبو الهذيل الكوفي. سمع: سعيد بن جبير، وعمارة بن رويبة، وزيد بن وهب، وعمرو بن ميمون، ومسلم بن أبي الجعد (1/ ق 28 - ب) والشعبي. وسمع منه: هشيم، وأبو عوانة، والثوري، وابن عيينة. ومات سنة ثلاث وستين ومائة (¬2). وزكريا: هو ابن أبي زائدة بن ميمون بن فيروز، أبو يحيى الكوفي الهمداني الأعمي، واسم أبي زائدة: خالد، ويقال: هبيرة. سمع: الشعبي، وسعد بن إبراهيم. وروى عنه: أبو أسامة، وأبو نعيم، وابن المبارك. ¬

_ (¬1) "المسند" ص (17). (¬2) انظر "التاريخ الكبير" (3/ ترجمة 25)، و"الجرح والتعديل" (3/ ترجمة 837)، و"التهذيب" (6/ ترجمة 1358). وفي "التهذيب" وملحقاته: أنه مات سنة 136 هـ, قال ابن حجر في "تهذيب التهذيب": والصواب في وفاته سنة 136 هـ.

مات سنة ثمان أو تسع وأربعين ومائة (¬1). ويونس: كأنه أبو إسرائيل بن أبي إسحاق عمرو السبيعي، فقد روى الحديث عيسى بن يونس، عن أبيه، عن الشعبي (¬2). والشعبي: هو عامر بن شراحيل، أبو عمرو الكوفي. سمع: جابر بن عبد الله، والنعمان بن بشير. وروى عنه: منصور، وإسماعيل بن أبي خالد. وكانوا يقولون: العلماء ثلاثة: ابن عباس في زمانه، والشعبي في زمانه، والثوري في زمانه. مات سنة ست ومائة (¬3). والحديث صحيح أخرجه البخاري (¬4) ومسلم (¬5) من رواية زكريا، عن الشعبي، وهو من بقية القصة التي قصها المغيرة في غزوة تبوك، فروي أنه قال بعد ذكر الجُبّة وغسله الذراعين: ثم أهويت إلى الخفين لأنزعهما فقال: "دع الخفين فإني أدخلتُ القدمين وهما طاهرتان". وفيه دلالة ظاهرة على أن إدخال القدم في الخف على الطهارة يجوز المسح، وأنه لا يجوز المسح لو فقد هذا المعنى، وهو في المثال كما نقول: أتزرع أرض فلان؟ فيقول: نعم، إن: تملكتها منه. ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (3/ ترجمة 1396)، و"الجرح والتعديل" (3/ ترجمة 2685)، و"التهذيب" (9/ ترجمته 1992). (¬2) انظر "التاريخ الكبير" (8/ ترجمة 3506)، و"الجرح والتعديل" (9/ ترجمة 1024)، و"التهذيب" (32/ ترجمته 7170). (¬3) انظر "التاريخ الكبير" (6/ ترجمة 2961)، و"الجرح والتعديل" (6/ ترجمة 1802)، و"التهذيب" (14/ ترجمته 3042). (¬4) "صحيح البخاري" (206). (¬5) "صحيح مسلم" (274/ 79).

الأصل [56] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا عبد الوهاب الثقفي، حدثني المهاجر أبو مخلد، عن عبد الرحمن بن أبي بكرة، عن أبيه، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه أرخص للمسافر أن يمسح على الخفين ثلاثة أيام ولياليهن، وللمقيم يومًا وليلة (¬1). الشرح عبد الوهاب: هو ابن عبد المجيد بن الصلت بن عبيد الله الثقفي البصري، أبو محمَّد. سمع: أيوب السختياني، ويحيى بن سعيد، وخالد الحذاء، وعبيد الله بن عمر. وروى عنه: إسحاق الحنظلي، والشافعي، وأبو موسى (¬2)، وبندار، وإبراهيم بن محمَّد بن عرعرة. ولد سنة عشر ومائة، ومات سنة أربع وتسعين ومائة (¬3). والمهاجر أبو مخلد: هو مهاجر بن مخلد البصري. سمع: أبا العالية، وعبد الرحمن بن أبي بكرة. وروى عنه: عبد الوهاب، وبشر بن المفضل (¬4). وعبد الرحمن بن أبي بكرة أحد بني أبي بكرة الثقفي، وهو أول ¬

_ (¬1) "المسند" ص (17). (¬2) هو: محمَّد بن المثنى. (¬3) انظر "التاريخ الكبير" (6/ ترجمة 1822)، و"الجرح والتعديل" (6/ ترجمة 361)، و"التهذيب" (18/ ترجمة 3604). (¬4) انظر "التاريخ الكبير" (7/ ترجمة 1648)، و"الجرح والتعديل" (8/ ترجمة 1191)، و"التهذيب" (28/ ترجمة 6216).

مولود ولد في الإِسلام بالبصرة، ومات بها سنة اثنتين وخمسين أو إحدى وخمسين أو تسع (1/ ق 29 - أ) وأربعين. وروى عنه: الأحنف، وحميد بن عبد الرحمن، والحسن البصري (¬1). والحديث ثابت مشهور (¬2)، قال أبو عيسى الترمذي في "العلل" (¬3): سألت محمدًا -يعني: البخاري- عنه فقال: إنه حسن. ورواه عن عبد الوهاب: بندار، وبشر بن معاذ، ومحمد بن أبان، ولم يقولوا في أوله: "أن يمسح على الخفين" وقالوا في آخره: "إذا تطهر فلبس خفيه أن يمسح عليهما". وعن الربيع أنه جعل هذِه الزيادة من قول الشافعي، وغلَّطوه فيه. وروى الحديث عن الشافعي: المزني وحرملة كما رواه سائر رواة عبد الوهاب، وهو أصل في توقيت المسح للمسافر والمقيم، وقد ثبت التوقيت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من رواية جماعة من الصحابة منهم: علي (¬4)، وصفوان بن عسَّال، وحديث صفوان مذكور على الأثر وقد يروى: "وللمقيم يوم وليلة" بالرفع وعلى هذا فهو مقطوع عن أرخص، والمعنى: وللمقيم يوم وليلة يمسح فيهما. ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (5/ ترجمة 838)، و"التهذيب" (17/ ترجمة 3771). (¬2) رواه ابن ماجه (556) وابن الجارود (87)، وابن خزيمة (192)، وابن حبان (1324)، والدارقطني (1/ 204 رقم 3)، والبيهقي (1/ 281) من طريق عبد الوهاب الثقفي. قال ابن حجر في "التلخيص" (1/ 157 رقم 215): وصححه الخطابي، ونقل البيهقي أن الشافعي صححه في "سنن حرملة". وحسنه الألباني في "المشكاة" (519). (¬3) "العلل" (ص 55 رقم 67). (¬4) رواه مسلم (276/ 85).

الأصل [57] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن عاصم بن بهدلة، عن زر بن حبيش قال: أتيت صفوان بن عسال المرادي فقال: ما جاء بك؟ قلت: ابتغاء العلم. قال: إن الملائكة تضعُ أجنحتها لطالب العلم رضي بما يطلب. قلت: إنه حاك في نفسي المسح على الخفين بعد الغائط والبول، وكنت امرءًا من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فأتيتك أسألك: هل سمعت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ذلك شيئًا؟ قال: نعم، كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأمرنا إذا كنا سفرًا أو مسافرين لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة، لكن من غائط وبول ونوم (¬1). الشرح عاصم بن بهدلة: هو عاصم بن أبي النجود، أبو بكر الأسدي الكوفي من القراء المعروفين. سمع: زرًّا. وروى عنه: الثوري، وابن عيينة، وشعبة، والحمادان. مات سنة ثمان وعشرين ومائة (¬2). وزر: هو ابن حبيش بن حباشة بن أوس الأسدي الكوفي، أبو مريم أو أبو مطرف، أدرك الجاهلية. وسمع: عمر، وعليًّا، وابن مسعود، وأبيًّا. ¬

_ (¬1) "المسند" ص (17 - 18). (¬2) انظر "التاريخ الكبير" (6/ ترجمة 3062)، و"الجرح والتعديل" (6/ ترجمة 1887)، و"التهذيب" (13/ ترجمة 3002).

وروى عنه: عبدة بن أبي لبابة، وأبو إسحاق الشيباني، وعدي بن ثابت. مات سنة اثنتين وثمانين، وكان من القراء العباد المعمرين. ذكر أنه عاش مائة وعشرين سنة، وأن ابن مسعود كان يسأله عن العربية لتبحره فيها (¬1). وصفوان بن عسال المرادي من بني زاهر بن (1/ ق 29 - ب) مراد، صاحب النبي - صلى الله عليه وسلم -، يقال: إنه غزا معه اثنتي عشرة غزوة، نزل الكوفة. وروى عنه: عبد الله بن مسعود، وأبو الغريف عبيد الله بن خليفة، وزر، وأبو سلمة بن عبد الرحمن (¬2). والحديث أصح ما روي في توقيت المسح عند البخاري، كذلك حكاه عنه أبو عيسى الترمذي (¬3). وقول صفوان: "إن الملائكة تضع أجنحتها لطالب العلم" ورد برواية أبي الدرداء (¬4)، وفسر وضعها الأجنحة بأنها تتواضع له وتعظمه، ويدل عليه ما في بعض الروايات: "تخفض أجنحتها" وهو كقوله ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (3/ ترجمة 1495)، و"الجرح والتعديل" (3/ ترجمة 2817)، و"التهذيب" (9/ ترجمة 1976). (¬2) انظر "معرفة الصحابة" (3/ ترجمة 1454)، و"الإصابة" (3/ ترجمة 2084). (¬3) "العلل" (ص 54 رقم 66). والحديث رواه الترمذي (96، 3535)، والنسائي (1/ 126)، وابن ماجه (478)، وابن خزيمة (17، 196)، وابن حبان (1100، 1320) من طريق سفيان بن عيينة. قال الترمذي: حسن صحيح، وحسنه الألباني في "الإرواء" (1/ 140). (¬4) أخرجه أبو داود (3641)، وابن ماجه (223)، وابن حبان (88) من طريق عاصم بن رجاء، عن داود بن جميل، عن كثير بن قيس، عنه. ورواه الترمذي (2682) من طريق رجاء، عن قيس بن كثير عنه وقال: إنه ليس بمتصل، وصحح الطريق الأول. وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (6297).

تعالى: {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ} (¬1) وأيضًا بأنها تفرش له الأجنحة لتكون وطاءً له، ويدل عليه ما في بعض الروايات: "فرشت له الملائكة أكنافها" (¬2) وأيضًا بأنها تنزل في مجالس أهل العلم كما روي: "ما من قوم يذكرون الله تعالى إلا حفَّت بهم الملائكة" (¬3). وأيضًا فإنها تضع الأجنحة بعضها بجنب بعض إظلالًا له، كما روي: "تظلهم بأجنحتها" وروى أحمد بن فارس في بعض "أماليه" عن مالك أن معناه: تبسط أجنحتها بالدعاء لطالب العلم بدلًا عن الأيدي. وقوله: "حاك" في بعض الروايات: "حك" والمعنى: وقع في نفسي منه ريبة وشك، يقال: حاك يحيك إذا تحرك، وحاك في مشيته: إذا تبختر واضطرب منكباه من تبختره، وحاك فيه السيف وأحاك: أثر. والسَّفرُ: المسافرون، كأن بعض الرواة تردد في اللفظين. وقوله: "لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام" يعني: بل نمسح عليها؛ لأنه جعله جوابًا عن سؤاله عن المسح على الخفين. وقوله: "كان يأمرنا" أي: يرخصُ لنا فيه ويجوزُ. وفي الحديث تجويز المسح على الخفين والتوقيت بالمدة المذكورة، وأن الغائط والبول والنوم أحداث، وأنه إذا أجنب لم يجز المسح، وأن الطالب إذا شك في الشيء فحقه أن يراجع أهل العلم. ويتعلق بالمسح على الخفّ تخفيفات وهي: إبدال الرجل بالخف والغسل بالمسح والكل بالبعض، وفي التوقيت زيادة التخفيف، وفرق بين المسافر والمقيم في المدة لتفاوتهما في حاجة الاستدامة، وما روي ¬

_ (¬1) الإسراء: 24. (¬2) رواه البيهقي في "الشعب" (1699) من حديث أبي الدرداء. (¬3) رواه مسلم (2699/ 38) من حديث أبي هريرة.

من ترك التوقيت من الأخبار والآثار وقد ذهب إليها الشافعي في "القديم": فمنها ما ضعف أهل الحديث أسانيدها، ومنها ما لم يروها في القوة كأحاديث التوقيت. الأصل [58] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك (1/ 30 - أ) عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن زينب بنت أبي سلمة، عن أم سلمة قالت: جاءت أمُّ سليم امرأة أبي طلحة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله إن الله لا يستحيي من الحق، هل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت؟ قال: "نَعَمْ إَذَا رَأَتِ المَاءَ" (¬1). الشرح زينب: هي بنت أبي سلمة عبد الله بن عبد الأسد المخزومي ربيبة النبي - صلى الله عليه وسلم -، كانت تسمى برّة، فسماها النبي - صلى الله عليه وسلم - زينب. سمعت: النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأمها أم سلمة، وعائشة، وأم حبيبة، وزينب بنت جحش. روى عنها: عروة بن الزبير، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وغيرهما (¬2). وأم سليم: هي الرميصاء بنت ملحان الأنصارية، أم أنس بن مالك. روى عنها: أنس، وعائشة، وأم سلمة، وخولة بنت حكيم (¬3). ¬

_ (¬1) "المسند" ص (18). (¬2) انظر "معرفة الصحابة" (6/ ترجمة 3884)، و"الإصابة" (7/ ترجمة 11235). (¬3) انظر "معرفة الصحابة" (6/ ترجمة 4093)، و"الإصابة" (8/ ترجمة 12073).

وزوجها أبو طلحة: هو زيد بن سهل الأنصاري الخزرجي شهد بدرًا. روى عنه: ابن عباس، وأنس، وكان فارس رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. مات سنة أربع وثلاثين (¬1). والحديث صحيح أخرجه البخاري (¬2) عن عبد الله بن يوسف وغيره عن مالك، ومسلم (¬3) من أوجه عن هشام بن عروة، ورواه ابن شهاب عن عروة عن عائشة (¬4). وقوله: "إن الله لا يستحيي من الحق" أي: لا يتركه، فإن من يستحيي من الشيء يتركه، والمعنى: أن الحياء لا ينبغي أن يمنع عن طلب الحق ومعرفته، وفيه بيان التسوية بين الرجل والمرأة في الغسل بالاحتلام، وبيان أن للمرأة ماءً. وفي رواية عائشة: أن أم سليم لما سألت ذلك: أقبلتُ عليها وقلتُ: أفٍّ لك وهل ترى ذلك المرأة، فأقبل علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "تربت يمينك يا عائشة، ومن أين يكون الشبه". وقوله: "إذا رأت الماء" يبين أن الغسل يتعلق بوجدان الماء لا بما يرى في المنام، وفي رواية القاسم، عن عائشة قالت: سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الرجل يجد البلل ولا يذكر احتلامًا؟ قال: "يغتسل". وعن الرجل يرى أنه قد احتلم ولا يجد البلل؟ قال: "لا غسل عليه". ¬

_ (¬1) انظر "معرفة الصحابة" (3/ ترجمة 1007)، و"الإصابة" (2/ ترجمة 2907). (¬2) "صحيح البخاري" (282). (¬3) "صحيح مسلم" (313/ 32). (¬4) أخرجه مسلم (314) من طريقه.

فقالت أم سليم: المرأة ترى ذلك أعليها الغسل؟ قال: "نعم، إنما النساء شقائق الرجال" (¬1). أي: نظائرهم وأمثالهم في الخلق، ولا يخفى أن المراد من الماء والبلل اللذين أطلقهما: "المنيّ". الأصل [59] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن هشام، عن أبيه، عن زييد بن الصلت أنه قال: خرجت مع عمر بن (1/ ق 30 - ب) الخطاب -رضي الله عنه - إلى الجُرْف، فنظر فإذا هو قد احتلم وصلى ولم يغتسل، فقال: والله ما أراني إلا قد احتلمت [و] (¬2) ما شعرت، وصليت وما اغتسلت. قال: فاغتسل وغسل ما رأى على ثوبه، ونضح ما لم ير وأذن وأقام، ثم صلى بعد ارتفاع الضحى متمكنًا (¬3). الشرح زييد -بياءين- هو ابن الصلت الكندي المديني من التابعين. روى عن: عمر بن الخطاب. وروى عنه: عروة بن الزبير وهو أخو كثير بن الصلت الكندي ولأبيه الصلت بن زييد رواية, ويشتبه بزبيد (¬4). ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (236)، والترمذي (113)، وابن ماجه (612). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (234). (¬2) من "المسند". (¬3) "المسند" ص (18). ورواه مالك في "الموطأ" (1/ 49 رقم 111)، وابن أبي شيبة (1/ 82). (¬4) انظر "الطبقات الكبرى" (5/ 13)، و"تالي تلخيص المتشابه" (1/ 338)، و"الإكمال" (4/ 171).

وعمر -رضي الله عنه -: ابن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي القرشي العدوي، أبو حفص أمير المؤمنين والذي أعز الله به الدين. روى عنه: ابناه عبد الله، وعاصم، وابن عباس، وابن الزبير، وغيرهم استخلف سنة ثلاث عشرة، وقتله أبو لؤلؤة غلام المغيرة بن شعبة سنة ثلاث وعشرين، وفضائله مشهورة (¬1). والجُرف: على ثلاثة [أميال] (¬2) من المدينة من جانب الشام وكان بها مال لعمر -رضي الله عنه-. ويقال: شعر به يشعر شعرًا، وعن سيبويه: إن أصله شِعرة كالفطنة. وقوله: "فنظر فإذا هو قد احتلم" يعني: فنظر في ثوبه فرأى فيه أثر الاحتلام، ولذلك استدل الشافعي بالأثر في "الأم" (¬3) على أنه إذا رأى في ثوبه ماءً دافقًا وكان لا يلبس الثوب غيره فعليه الغسل، ويعيد الصلاة التي صلاها بعد أحدثِ نومٍ نامه. وقوله: "وغسل ما رأى في ثوبه" هذا الغسل يحتمل أنه كان لأنه [استنجى] (¬4) بالحجر ويحتمل أنه كان تنظفًّا, ولذلك نضحَ ما لم ير فيه شيئًا مبالغة في التنظف. وقوله: "وأذن وأقام" يدل على أن الفائتة يؤذن لها. ¬

_ (¬1) انظر "معرفة الصحابة" (1/ ترجمة 2، 4/ ترجمة 1996)، و"الإصابة" (4/ ترجمة 5740). (¬2) تصحف في "الأصل" إلى أمثال، وستأتي على الصواب في كلام المؤلف ص 205. (¬3) "الأم" (1/ 37). (¬4) في "الأصل": استنجنى. تحريف.

وقوله: "ثم صلى بعد ارتفاع الضحى متمكنًا" يعني: أنه لم يبادر إلى القضاء بل تأنى فيه، وفيه ما يشعر بأن الصلاة التي صلاها قبل الاغتسال كانت صلاة الصبح. الأصل [60] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن ابن شهاب، عن سالم قال: دخل رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - المسجد يوم الجمعة وعمر بن الخطاب يخطب فقال عمر: أيّة ساعةٍ هذه؟ فقال: يا أمير المؤمنين انقلبت من السوق فسمعت النداء فما زدت على أن توضأت. فقال عمر: الوضوء أيضًا، وقد علمت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان (1/ ق 31 - أ) يأمر (¬1) بالغسل (¬2). [60/ 1] أبنا الثقة، عن معمر، عن ابن شهاب، عن سالم، عن أبيه، عن عمر بن الخطاب بمثله، وسمى الداخل عثمان (¬3). الشرح معمر: هو ابن راشد، أبو عروة سكن اليمن. وسمع: الزهري، وهمام بن منبه، وهشام بن عروة. فروى عنه: عبد الرزاق، وابن عيينة، ويزيد بن زريع، وغيرهم. مات سنة ثلاث وخمسين ومائة (¬4). ¬

_ (¬1) في حاشية "الأصل": يأمرنا. وكتب عليها: نسخ. (¬2) "المسند" ص (18). (¬3) "المسند" ص (238). (¬4) انظر "التاريخ الكبير" (7/ ترجمة 1631)، و"الجرح والتعديل" (8/ 1165)، و"التهذيب" (28/ ترجمة 6104).

والحديث من الرواية الأولى مرسل وكذلك أرسله مالك في "الموطأ" (¬1) ورواه روح بن عبادة، وعبد الله بن محمَّد بن أسماء، عن جويرية [بن] (¬2) أسماء، عن مالك، عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر، عن عمر موصولًا. وأخرجه البخاري في "الصحيح" (¬3) عن عبد الله بن محمَّد كذلك، ومسلم (¬4) من حديث يونس بن يزيد عن الزهري موصولًا، وأخرجاه (¬5) من حديث أبي سلمة عن أبي هريرة عن عمر أيضًا. والحديث أصل في غسل الجمعة، وفيه بيان استحباب التبكير إليها فإن عمر -رضي الله عنه- عاتب الداخل على التأخير حيث قال: آية ساعة هذه. وفيه أنه يجوز معاتبة من يترك السنة وتوبيخه سيما إذا كان من المرموقين، وأنه لا بأس بإظهار المعاتبة والتوبيخ للناس، وأنه لا بأس بكلام الخطيب في خلال الخطبة، وأنهم كانوا يقيمون السوق يوم الجمعة إلى وقت النداء، ويستدل الشافعي بالقصة على أن غسل يوم الجمعة مستحب لا واجب؛ فإن عثمان لم يخرج له ولم يغتسل ولا أمره عمر به ولا أحد من الحاضرين، وبه تبين أنه كان يأمر بالغسل أمر الاستحباب. وقوله: "وقد علمت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يأمر بالغسل" يريد أنك إذا علمته فحقك أن تعمل به. ¬

_ (¬1) "الموطأ" (1/ 101 رقم 229). (¬2) في "الأصل": بنت. وهو تحريف بيِّن، وجويرية هو ابن أسماء الضبعي عم عبد الله بن محمَّد بن أسماء وهو يروي عن الإِمام مالك ترجمته في "تهذيب الكمال" (5/ 172). (¬3) "صحيح البخاري" (878). (¬4) "صحيح مسلم" (845/ 3). (¬5) رواه البخاري (882)، ومسلم (845/ 4).

الأصل [61] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا اغتسل من الجنابة بدأ فغسل يديه ثم توضأ كما يتوضأ للصلاة، ثم يدخل أصابعه في الماء فيخلل بها أصول شعره، ثم يصب على رأسه ثلاث غرفات بيديه، ثم يفيض الماء على جلده كله (¬1). الشرح هذا حديث صحيح، رواه عبد الرزاق في "المسند" (¬2) عن ابن جريج، عن هشام، وأخرجه البخاري (¬3) عن عبد الله بن يوسف عن مالك، وأخرجاه في "الصحيحين" (¬4) من وجوه عن هشام بن (1/ ق 31 - ب) عروة. وفيه بالابتداء (¬5) بغسل اليدين كما في الوضوء وذلك احتياط للماء في الإناء وللماء المأخوذ بأن اليد هي آلة الأخذ والاستعمال، وفيه الوضوء كالوضوء للصلاة في ابتداء الغسل، فإن كان الرَّجل محدثًا جنبًا فللأصحاب وجه: أنه يلزمه الوضوء مع الغسل، وحينئذ فيمكن أن يقال: يتوضأ مرتين مرة الوضوء الواجب عن الحدث، ومرة لكونه من سنة الغسل، وظاهر اللفظ يدل على تقديم غسل الرجلين على الغسل وهو الأظهر من قولي الشافعي -رضي الله عنه-، وعن رواية ميمونة (¬6) تأخير غسلهما ¬

_ (¬1) "المسند" ص (19). (¬2) "المصنف" (999). (¬3) "صحيح البخاري" (248). (¬4) رواه البخاري (262، 272)، ومسلم (316/ 35، 36). (¬5) كذا! والأليق: الابتداء. (¬6) رواه البخاري (249)، ومسلم (317/ 37، 38).

إلى آخر الغسل وهو قوله الثاني، وتخليل أصول الشعر فائدته الوثوق بوصول الماء إليها والتحرز عن الإكثار من صب الماء. وقوله: "ثم يصب على رأسه ثلاث غرفات" فيه الابتداء بالرأس والتثليث. وقوله: "ثم يفيض الماء على جلده" يعني: سائر بدنه، وقد يكنى بالجلد عن البدن، وورد في بعض الروايات: ثم يفيض الماء على سائر جسده. الأصل [62] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا ابن عيينة، عن أيوب بن موسى، عن سعيد بن أبي سعيد، عن عبد الله بن رافع، عن أم سلمة قالت: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت: يا رسول الله إني امرأة أشد ضفر رأسي أفأنقضه لغسل الجنابة؟ فقال: "لَا، إِنَّما يَكْفِيَكِ أَنْ تُحْثِي عَلَى رَأْسِكِ ثَلاثَ حَثَيَاتٍ ثُم تُفِيْضِيْنَ عَلَيْكِ الماءَ فَتَطْهُريِنَ"، أو قال: "فَإِذَا أَنْتِ قَدْ طَهُرْتِ" (¬1). الشرح أيوب: هو ابن موسى بن عمرو بن سعيد بن العاص المكي القرشي، أبو موسى. سمع: حميد بن نافع، وسعيد المقبري، ومكحولًا. وروى عنه: السفيانان، وشعبة، وغيرهم (¬2). ¬

_ (¬1) "المسند" ص (19). (¬2) انظر "التاريخ الكبير" (1/ ترجمة 1356)، و"الجرح والتعديل" (2/ ترجمة 920)، و"التهذيب" (3/ ترجمته 626).

وعبد الله بن رافع: هو أبو رافع، مولى أم سلمة. روى عنها، وعن: أبي هريرة. روى عنه: سعيد المقبري، وأفلح بن حميد (¬1)، وأيوب بن خالد (¬2). والحديث صحيح أخرجه مسلم (¬3) عن أبي بكر بن أبي شيبة وغيره، عن ابن عيينة. وقولها: "أشد ضفر رأسي" أي: أحكمه وأبالغ فيه، والضفر: فتل الشعر على طاقات. وفيه أنه ليس على المرأة نقض ضفيرتها، وهو محمول على ما إذا كان يصل الماء إليها من غير نقض، وليس المعنى أنهم كانوا يكتفون بإفاضة الماء على ظاهرها، يدل عليه ما روي عن عائشة أنها (1/ ق 32 - أ) قالت في صفة الغسل: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يفيض على رأسه ثلاث مرات ونحن نفيض على رءوسنا خمسًا من أجل الضفر (¬4). وفي بعض روايات حديث أم سلمة: "إنما يكفيك أن تحفني على رأسك ثلاث حفنات واغمزي قرونك عند كل حفنة" (¬5). ¬

_ (¬1) كذا في الأصل! وفي مصادر التخريج وغيرها: أفلح بن سعيد ولم أجد في ترجمة أفلح بن حميد أنه روى عن عبد الله بن رافع، والله أعلم. وأفلح بن سعيد هو الأنصاري مولاهم أبو محمَّد المدني. (¬2) انظر "التاريخ الكبير" (5/ ترجمة 245)، و"الجرح والتعديل" (5/ ترجمة 247)، و"التهذيب" (14/ ترجمة 3255). (¬3) "صحيح مسلم" (330/ 58). (¬4) أخرجه أبو داود (241)، وابن ماجه (574). وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (33). (¬5) أخرجه أبو داود (252). وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود".

وقوله: "أن تحثي" يقال: حتى يحثي ويحثو، واللفظة في التراب ونحوه أكثر استعمالًا. وقوله: "تفيضين عليك الماء" يعني: على سائر الجسد، ويستحب الابتداء بالميامن. الأصل [63] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا ابن عيينة، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد أن يغتسل من الجنابة بدأ فغسل يديه قبل أن يدخلهما الإناء، ثم يغسل فرجه، ثم يتوضأ وضوءه للصلاة، ثم يشرِّب شعره الماء، ثم يحثي على رأسه ثلاث حثيات (¬1). [64] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن جعفر، عن أبيه، عن جابر، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يغرف على رأسه ثلاثًا وهو جنب (¬2). الشرح جعفر: هو الصادق أبو عبد الله، من سادات أهل المدينة وأهل البيت. سمع: أباه، ومحمد بن المنكدر، وعطاء بن أبي رباح. وروى عنه: عبد الوهاب الثقفي، والثوري، والدراوردي، ومالك، وغيرهم. توفي سنة ثمان وأربعين ومائة وهو ابن أربع وأربعين سنة (¬3). ¬

_ (¬1) "المسند" ص (19). (¬2) انظر "التاريخ الكبير" (2/ ترجمة 2183)، و"الجرح والتعديل" (2/ ترجمة 1987)، و"التهذيب" (5/ ترجمة 950). (¬3) "المسند" ص (19).

وأبوه: محمَّد بن علي بن [الحسين] (¬1) بن علي بن أبي طالب الباقر المدني. سمع: جابرًا، وسعيد بن المسيب، وعبيد الله بن أبي رافع. وروى عنه: الأوزاعي، وعمرو بن دينار. مات سنة أربع عشرة ومائة وهو ابن ثمان وخمسين سنة (¬2). والحديثان صحيحان: أما الأول فأخرجاه في "الصحيحين" (¬3) من وجوه عن هشام بن عروة؛ وأما الثاني فأخرجه مسلم (¬4) من رواية جعفر بن محمَّد، والحديث الأول قريب من رواية مالك عن هشام في صفة غسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الجنابة، وزاد ها هنا غسل الفرج وذلك لإزالة القذر، وبتقدير فرض النجاسة بناءً على أن رطوبة فرج المرأة نجسة أو لغيره فلا بد له من إزالتها أولًا وإيقاع الغسل بعده. وقوله: "ثم يشرب شعره الماء" يقال: شرب القربة إذا جعل فيها طينًا وماءً وهي جديدة ليُطيب طعمها، وشرَّب مالي وأكَّله أي: أطعمه الناس، ويجوز: "ثم (1/ ق 32 - ب) يُشربُ" يقول: أشربت الإبل حتى شربت، وأشربتني ما لم أشرب أي: ادعيت عليّ ما لم أفعل، والإشراب: خلط لون بلون، يقال: أُشرب فلان حمرة، وبالجملة فقوله: "ثم يشرِّب شعره" في هذِه الرواية كقوله: "فخلل أصول شعره" في رواية مالك. ¬

_ (¬1) في "الأصل": الحسن. خطأ، والمثبت من التخريج. (¬2) انظر "التاريخ الكبير" (1/ ترجمة 564)، و"الجرح والتعديل" (8/ ترجمة 117)، و"التهذيب" (26/ ترجمة 5478). (¬3) "صحيح البخاري" (248، 262، 272)، و"صحيح مسلم" (316/ 35، 36). (¬4) "صحيح مسلم" (329/ 57).

وقوله: "كان يغرف على رأسه ثلاثًا وهو جنب" أي: إذا اغتسل لرفع الجنابة. الأصل [65] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن منصور بن عبد الرحمن الحجبي، عن أمه صفية بنت شيبة، عن عائشة قالت: جاءت امرأة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - تسأله عن الغسل من الحيض؟ فقال: "خُذِي فِرصَةً مِنْ مِسْكٍ فَتَطَهَّري بَهَا" فقالت: كيف أتطهر بها؟ قال: "تَطَهَّرِي بِهَا". قالت: كيف أتطهر بها؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "سُبْحَانَ اللهِ سُبْحَانَ اللهِ وَاسْتَتَرَ بِثَوْبِهِ، تَطَهَّرِي بِهَا! " فاجتبذتُها وعرفت الذي أراد، فقلت: تتبعي بها آثار الدم يعني: الفرج (¬1). الشرح منصور: هو ابن عبد الرحمن بن طلحة الحجبي. سمع: أمه، و [مسافع] (¬2) بن شيبة خاله. وروى عنه: الثوري، وابن عيينة، وابن جريج، وفضيل بن سليمان. ¬

_ (¬1) "المسند" ص (19). (¬2) في "الأصل": شافع. خطأ، والمثبت من التخريج.

ويقال: إن ابن عيينة قال في روايته عنه: ثنا منصور التقي النقي (¬1). وأمه صفية بنت شيبة بن عثمان الحجبية القرشية. سمعت: عائشة، وأسماء بنتي أبي بكر. وروى عنها: الحسن بن مسلم، ومنصور بن شيبة، وغيرهما (¬2). والحديث صحيح أخرجه البخاري (¬3) عن يحيى بن جعفر البيكندي، ومسلم (¬4) عن عمرو الناقد وغيره، عن سفيان. والفِرصَة: القطعة من القطن والصوف، يقال: فرصت الشيء أي: قطعته بالمفراص وهو حديدة يقطع بها، وذكر اللفظة بعضهم: "قَرْضة" بالقاف المفتوحة وبالضاد: وهي القطعة أيضًا، ويقال: فرصة من مسك بفتح الميم أي: من جلد عليه صوف له شعر، والمسك: هو الذي رواه الشافعي وغيره، ويدل عليه ما في بعض الروايات: "فإن لم تجدي فطيبًا، فإن لم يكن فالماء كاف" (¬5) ويروى "فِرصَة ممسَّكة" وقيل في معناه إنه مأخوذ من المسك، وقيل: من التمسك باليد أي: محتملة تحتملينهما معك، يقال: مسكت بكذا وأمسكت وتمسكت، قال تعالى: {وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ} (¬6) أي: يتمسكون به. وقولها: "فاجتبذتها" يقال: اجتذب واجتبذ، وجذب وجبذ، وهو من المقلوب. ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (7/ ترجمة 1487)، و"الجرح والتعديل" (8/ ترجمة 771)، و"التهذيب" (28/ ترجمة 6197). (¬2) انظر "معرفة الصحابة" (6/ ترجمة 3936)، و"الإصابة" (7/ 11404). (¬3) "صحيح البخاري" (314). (¬4) "صحيح مسلم" (332/ 60). (¬5) لم أجدها. والله أعلم. (¬6) الأعراف: 170.

وفي (1/ ق 33 - أ) الحديث بيان أنه يستحب للحائض أن تتبع أثر الدم بما يقطع رائحته الكريهة، وبيان شدة حياء النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأنه يحسن استعمال كلمة التسبيح عند التعجب، وأنه ينبغي لمن استفتى وأجابه المفتي فلم يفهم أن يستقصي ويكرر، وأنه لا بأس بتكرر اللفظ الواحدة للتفهيم، وأنه يحسن إن حضرهما أن يُفهم المستفتي إذا شاء فهمه إعانة له وللمفتي بالتخفيف عنه. وقولها: "وعرفت الذي أراد" قد سبق إلى الفهم منه أنها عرفت هذا الأدب حينئذ، فإن كان كذلك ففيه دليل على أنه لا بأس للزوج بأن لا يعلم زوجته الأدب الذي تحتاج إليه أو يؤخر التعليم، وقد يقال: إن المرأة سألته عن الغسل من المحيض فكيف قال في الجواب: "خذي فرصة" وليس هذا كيفية الغسل بل هو أدب من آدابه؟ والجواب: أنه يحتمل أن يكون المراد أنها سألت عن أدب الغسل من المحيض فحذف المضاف، ويحتمل أنه بين لها الغسل بأركانه وآدابه لكن الراوي اقتصر في الحديث على ذكر هذا الأدب للحاجة إليه عند الرواية. الأصل [66] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا إبراهيم بن محمَّد، عن عباد بن منصور، عن أبي رجاء العطاردي، عن عمران بن الحصين؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر رجلًا كان جنبًا أن يتيمم ثم يصلي، فإذا وجد الماء اغتسل يعني: وذكر حديث أبي ذر: "إِذَا وَجَدْتَ المَاءَ فِمِسَّه جِلْدَكَ" (¬1). ¬

_ (¬1) "المسند" ص (20).

الشرح عباد بن منصور: هو أبو سلمة البصري. روى عن: أيوب، وعكرمة. وروى عنه: وكيع، وغيره (¬1). وأبو رجاء العطاردي (¬2): هو عمران بن ملحان، وقيل: عمران بن تيم، وقيل: ابن عبد الله البصري، أدرك زمان النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يره وأسلم بعد فتح مكة وسمع: عمران بن الحصين، وسمرة بن جندب، وابن عباس. وروى عنه: سلم بن زرير، وجرير بن حازم، وعوف الأعرابي، وسعيد بن أبي عروبة، ويقال: إن أبا رجاء بلغ عمره مائة وثلاثين. وعمران: هو ابن الحصين بن عبيد بن خلف بن (تميم) (¬3) بن سالم بن غاضرة الخزاعي أبو نجيد. سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - ونزل بعده البصرة وتوفي سنة اثنين وخمسين (¬4). والحديث صحيح وهو مختصر ما رواه عوف الأعرابي، عن أبي رجاء، عن عمران قال: كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في (1/ ق 33 - ب) سفر، فدعا بماء فتوضأ ثم صلى بالناس، فلما انفتل إذا هو برجل معتزل لم يصل مع القوم، فقال: "يا فلان ما منعك أن تصلي مع القوم"؟ ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (6/ ترجمة 1622)، و"الجرح والتعديل" (6/ ترجمة 438)، و"التهذيب" (14/ ترجمته 3093). (¬2) انظر "التاريخ الكبير" (6/ ترجمة 2811)، و"الجرح والتعديل" (6/ ترجمة 1687)، و"التهذيب" (22/ ترجمة 4505). (¬3) ضبب عليها في "الأصل" والذي في مصادر ترجمته "والتهذيب"، و"طبقات بن سعد", و"الاستيعاب": عبدنهم. (¬4) انظر "معرفة الصحابة" (4/ ترجمة 2204)، و"الإصابة" (4/ ترجمة 6014).

قال: يا رسول الله أصابتني جنابة ولا ماء. قال: "عليك بالصعيد فإنه يكفيك" (¬1). وقوله: "وذكر حديث أبي ذر" يريد أن الربيع قال: وذكر الشافعي حديث أبي ذر أيضًا في الاحتجاج على أن الجنب يتيمم كما أن المحدث يتيمم، وحديث أبي ذر هو ما رواه أبو قلابة عن عمرو بن بجدان قال: سمعت أبا ذر يقول: اجتمعت عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غنم من غنم الصدقة فقال: "أُبْدُ فيها يا أبا ذر" فبدوتُ فيها إلى الرَّبذة فكان يأتي علي الخمس والست وأنا جنب فوجدت في نفسي، فأتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك فقال: "إن الصعيد الطيب وضوء المسلم". ويروى: "طهور المسلم -وإن لم يجد الماء عشر سنين فإذا وجده فليمسه بشرته" (¬2). الأصل [67] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا ابن عيينة، عن ابن عجلان، عن نافع، عن ابن عمر؛ أنه أقبل من الجُرف حتى إذا كان بالمرْبد تيمم، فمسح وجهه ويديه، وصلى العصر، ثم دخل المدينة والشمس مرتفعة فلم يعد الصلاة. قال الشافعي: والجرف قريب من المدينة (¬3). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (344)، ومسلم (682/ 13). (¬2) رواه أبو داود (332)، والترمذي (124)، والنسائي (1/ 171)، وابن خزيمة (2292) وابن حبان (1312)، والحاكم (1/ 238). قال الترمذي: حسن صحيح، وقال الحاكم: صحيح ولم يخرجاه. وصححه الألباني في "الإرواء" (1/ 181). (¬3) "المسند" ص (20).

الشرح روى الأثر مالك عن نافع واللفظ أنه أقبل يعني: نافعًا وعبد الله بن عمر من الجرف حتى إذا كانوا بالمربد نزل عبد الله فتيمم صعيدًا، فمسح بوجهه ويديه إلى المرفقين ثم صلى (¬1). وقد مرّ مرة أن الجرف على ثلاثة أميال من المدينة، والمربد: كل موضع تحبس فيه الإبل، وقد يسمى الموضع الذي يجفف فيه التمر مربدًا أيضًا، وهو من قولهم: ربد بالمكان إذا أقام، والمربد المذكور في الأثر: موضع بقرب المدينة على ميلين، ويقال له: مربد النعم، والمربد أيضًا: موضع خارج البصرة فيه سوق الإبل. وفي الأثر أن التيمم لا يختص بالسفر الطويل، وأنه تجوز الصلاة بالتيمم وإن كان يظهر الوصول إلى الماء في الوقت، وأن المسافر إذا صلى بالتيمم ثم أقام في الوقت لا يعيد. الأصل [68] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا إبراهيم بن محمَّد، عن أبي الحويرث (¬2) عبد الرحمن، عن الأعرج، عن ابن الصمة؛ أن رسول الله (1/ ق 34 - أ) - صلى الله عليه وسلم - تيمم فمسح وجهه وذراعيه (¬3). الشرح هذا الحديث بهذا الإسناد قد سبق بزيادة قصة سلام ابن الصمة ¬

_ (¬1) "الموطأ" (1/ 56 رقم 121). (¬2) زاد في "الأصل": ابن. خطأ، وأبو الحويرث: هو عبد الرحمن بن معاوية بن الحويرث، وقد مرّ الحديث ب (30). (¬3) "المسند" ص (20).

على النبي - صلى الله عليه وسلم -وهو يبول فلم يرد عليه حتى تيمم، وذكرنا هناك ما يحتاج إلى معرفته في إسناد الحديث ومتنه (¬1). الأصل [69] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان بن عيينة، عن عمرو بن يحيى المازني، عن أبيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "الأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدٌ إَلَّا المَقْبَرَةُ وَالحمّامُ". قال الشافعي: وجدت هذا الحديث في كتابي في موضعين: أحدهما منقطع، والآخر عن أبي سعيد الخدري عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬2). الشرح أبو سعيد الخدري: هو سعد بن مالك بن سنان، وقيل: ابن مالك بن الشهيد بن عبيد بن ثعلبة بن عبيد بن خدرة بن عوف، وخدرة وخدارة بطنان من الأنصار، مشهور مكثر من الصحابة. روى عنه: جابر بن عبد الله، وأبو سلمة، وعطاء بن يسار، والجم الغفير. توفي سنة أربع وسبعين (¬3). ¬

_ (¬1) مرّ ب (30). (¬2) "المسند" ص (20). والحديث رواه أبو داود (492)، والترمذي (317)، وابن ماجه (745)، وابن خزيمة (791)، وابن حبان (2321)، والحاكم (1/ 380، 381). وصححه الألباني في "الإرواء" (1/ 320) وقال: وقد أشار إلى صحته البخاري في جزء القراءة ص (4). (¬3) انظر "معرفة الصحابة" (3/ ترجمة 1110)، و"الإصابة" (3/ ترجمة 3198).

وأبواب التيمم في "الأم" (¬1) معقبة بباب مترجم بـ "جماع ما يصلى عليه ولا يصلى من الأرض" والباب مصدر بهذا الحديث فراعى أبو العباس الأصم ترتيب "الأم" وبين الشافعي أن الحديث روي مرة منقطعًا وأخرى موصولًا، ولا يضرُّ الانقطاع إذا ثبت الوصل في بعض الروايات. وقوله: "الأرض كلها مسجد" أي: موضع للسجود والصلاة، ومثله ما روي عن عائشة أنها ربما كانت حائضًا وهي مفترشة بحذاء مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي (¬2). والمقصود: موضع صلاته. وهذا الخبر كما روي روي عن أبي هريرة وجابر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أعطيت خمسًا لم يعطهن أحد قبلي"، وفيه: "جعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا" وهو مخرج في "الصحيح" (¬3) من روايتهما. وقوله: "إلا المقبرة والحمام" المقبرة إن كانت نجسة لاختلاطها بصديد الموتى وما يخرج منهم فلا تجوز الصلاة فيها، وكذلك الحمام إن اشتمل على البول والدم والأنجاس، وإن كانا طاهرين فتجوز الصلاة مع كراهة، روي أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها" (¬4) واحتج بعض الأصحاب بالخبر على أنه (1/ ق 34 - ب) إذا قال: جعلت هذا الأرض مسجدًا لا يصير وقفًا ومسجدًا لمجرد هذا اللفظ. ¬

_ (¬1) "الأم" (1/ 92). (¬2) لم أجده من حديثها، ورواه البخاري من حديث ميمونة (333). (¬3) أما حديث جابر فرواه البخاري (335)، ومسلم (521/ 3)، وأما حديث أبي هريرة فرواه مسلم (523/ 5، 6). (¬4) رواه مسلم (972/ 97، 98) من حديث أبي مرثد الغنوي.

الأصل [70] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا [[بن] (¬1) عيينة، عن يحيى بن سعيد قال: سمعت أنس بن مالك يقول: بال أعرابي في المسجد فعجل الناس إليه، فنهاهم - صلى الله عليه وسلم - وقال: "صبُّوا عليه دلوًّا من ماء" (¬2). [71] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا ابن عيينة، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة قال: دخل أعرابي المسجد فقال: اللهم ارحمني ومحمدًا ولا ترحم معنا أحدًا. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَقْدَ تَحَجَّرْتَ وَاسِعًا". قال: فما لبث أن بال في ناحية المسجد فكأنهم عجلوا عليه، فنهاهم النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم أمر بذنوب من ماء أو سجل ماء فأهريق عليه، ثم قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "عَلِّمُوا وَيَسِّرُوا وَلَا تُعَسِّرُوا" (¬3). الشرح يحيى: هو ابن سعيد بن قيس بن عمرو بن سهل بن ثعلبة الأنصاري من بني النجار، أبو سعيد. سمع: أنس بن مالك، وأبا سلمة بن عبد الرحمن. وروى عنه: سليمان بن بلال، ومالك، وابن عيينة. مات سنة ثلاث وأربعين ومائة، وقيل: سنة ست وأربعين (¬4). وسعيد بن المسيب بن حزن بن أبي وهب بن عمرو بن عائذ ¬

_ (¬1) سقط من "الأصل". والمثبت من "المسند". (¬2) "المسند" ص (20). (¬3) "المسند" ص (20). (¬4) انظر "التاريخ الكبير" (8/ ترجمة 2980)، و"الجرح والتعديل" (9/ ترجمة 620)، و"التهذيب" (31/ ترجمته 6836).

القرشي المخزومي، أبو محمَّد من كبار علماء التابعين. سمع: عثمان، وعليًّا، وأباه المسيب، وأبا هريرة، وابن عمر، وحكيم بن حزام، والعدد الجم من الصحابة. وروى عنه: الزهري، وعمرو بن مرة، وقتادة، وداود بن أبي هند، وغيرهم. مات سنة ثلاث وتسعين، وقيل: سنة أربع، وقيل: سنة خمس (¬1). وحديث أنس: أخرجه البخاري (¬2) ومسلم (¬3) في "الصحيح" من رواية يحيى بن سعيد الأنصاري، والحديث الثاني رواه عن سفيان كما رواه الشافعي: علي بن المديني، والحميدي، وغيرهما. ورواه شعيب بن أبي حمزة عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن أبي هريرة، ومن ذلك الوجه أخرجه البخاري (¬4). وقوله: "فعجل الناس" أراد أنهم صاحوا به وعنفوه، وأرادوا أن يقيموه ويقطعوا عليه. وقوله: "تحجرت واسعًا" أي: ضيقت ما وسعه الله تعالى، قال: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} (¬5). والذنوب: الدلو المملوءة من الماء، وعن ابن السكيت (¬6): أنه إذا كان فيها ماء يقرب من الامتلاء فهي ذنوب أيضًا (1/ ق 35 - أ)، والجمع أذنبة وذنانب، ولفظ الذنوب يذكر ويؤنث. ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (3/ ترجمة 1698)، و"الجرح والتعديل" (4/ ترجمة 262)، و"التهذيب" (11/ ترجمة 2358). (¬2) "صحيح البخاري" (221). (¬3) "صحيح مسلم" (284، 285) من رواية يحيى، وغيره. (¬4) "صحيح البخاري" (6010). (¬5) الأعراف: 156. (¬6) انظر "مختار الصحاح" مادة: ذنب وقال: ولا يقال لها وهي فارغة ذنوب.

والسجل: الدلو المملوءة أيضًا ولا يقال وهي فارغة سجل. ونهي النبي - صلى الله عليه وسلم - عن تعنيفه سببه أنه كان جاهلًا بتحريم تلويث المسجد، وكأنه كان قريب العهد بالإِسلام فأمرهم بأن يعلموه، ويروى أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن هذا المكان لا يبال فيه، إنما هي للصلاة ". وفي الخبر أن الأرض إذا أصابها بول تطهر بالماء ولا حاجة إلى حفر التراب ونقله، والمعتبر أن تصير النجاسة مغلوبة والماء غالبًا عليها بكثرته ولذلك تعرض للذنوب أو السجل؛ لأن التطهير مقدر بالذنوب، وعن بعض الأصحاب وجه ضعيف: أنه يشترط أن يصب على بول الواحد ذنوب وعلى بول الاثنين ذنوبان وعلى هذا أبدًا (¬1)؛ ووجه آخر: أنه يشترط أن يكون الماء سبعة أضعاف البول الذي أصاب الموضع. الأصل [72] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا إبراهيم بن محمَّد، عن عثمان بن أبي سليمان، أن مشركي قريش حين أتوا المدينة في فداء أسراهم كانوا يبيتون في المسجد، منهم جبير بن مطعم. قال جبير: فكنت أسمع قراءة النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬2). الشرح عثمان بن أبي سليمان بن جبير بن مطعم. روى عن: عامر بن عبد الله بن الزبير، وابن أبي مليكة. وروى عنه: ابن عيينة، وإسماعيل بن أمية، وابن جريج (¬3). ¬

_ (¬1) "المهذب" 1/ 91. (¬2) "المسند" ص (21). (¬3) انظر "التاريخ الكبير" (6/ ترجمة 2233)، و"الجرح والتعديل" (6/ ترجمة 831)، و"التهذيب" (19/ ترجمته 3819).

وجبير: هو ابن مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف بن قصي أبو محمَّد، ويقال: أبو عدي القرشي المديني، أسلم قبل الفتح. وروى عنه: ابناه محمَّد ونافع، وسعيد بن المسيب، وسليمان بن ورد. مات بالمدينة سنة ثمان وخمسين (¬1). ومن فوائد الحديث: أن الأسرى يفادون كما قال تعالى: {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} (¬2) ويجوز أن يبيت الكافر في المسجد. قال الشافعي: ويستثنى المسجد الحرام؛ لقوله تعالى: {فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} (¬3) قال: وإذا جاز للمشرك أن يبيت في المسجد فالمسلم أولى بذلك (¬4). ويروى أن ابن عمر كان يبيت في المسجد زمان النبي - صلى الله عليه وسلم -وهو عزب (¬5)، وأن سعيد بن المسيب سئل عن النوم في المسجد فقال: فأين كان أهل الصفة (¬6). وفيه أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يرفع الصوت في قراءته، وأنه لا بأس بإسماع الكافر القرآن والذكر، ويعرف من الحديث أن جبيرًا متأخر الإِسلام عن الهجرة بمدة. الأصل [73] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا إبراهيم بن محمَّد، عن عبيد الله (1/ ق 35 - ب) بن طلحة بن كريز، عن الحسن، عن عبد الله ¬

_ (¬1) انظر "معرفة الصحابة" (2/ ترجمة 436)، و"الإصابة" (1/ ترجمة 1093). (¬2) محمَّد: 4. (¬3) التوبة: 28. (¬4) "الأم" (1/ 54). (¬5) رواه البخاري (1121). (¬6) رواه عبد الرزاق (1648)، وابن أبي شيبة (1/ 428)، والبيهقي (2/ 445).

بن معقل أو مغفل، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا أدركتكم الصلاة وأنتم في مراح الغنم فصلوا فيها، فإنها سكينة وبركة، وإذا أدركتكم الصلاة وأنتم في أعطان الإبل فأخرجوا منها فصلوا، فإنها جن من جن خلقت ألا ترونها إذا نفرت كيف تشمخ بأنفها" (¬1). الشرح عبيد الله: هو ابن طلحة بن كريز -بفتح الكاف- الخزاعي، أبو مطرف. سمع: الزهري، والحسن. وسمع منه: حبان الكلابي أبو رويحة، ومحمد بن إسحاق (¬2). والحسن: هو ابن أبي الحسن يسار البصري، مولى زيد بن ثابت، أبو سعيد من أئمة التابعين المشهورين. سمع: جندب بن عبد الله، وأنس بن مالك، وأبا بكرة، وعبد الرحمن بن سمرة. وروى عنه: يونس بن عبيد، وأيوب السختياني، وقتادة، ومن لا يحصون. مات سنة عشر ومائة (¬3). ¬

_ (¬1) "المسند" ص (21). قال الألباني في "الضعيفة" (5/ 237): ضعيف جدًّا. ولكنه صحح ما رواه أحمد وابن حبان وابن ماجه من طريق الحسن عنه مختصرًا: "صلوا في مرابض الغنم، ولا تصلوا في أعطان الإبل، فإنها خلقت من الشياطين" وبين وجهه. (¬2) انظر "التاريخ الكبير" (5/ ترجمة 1237)، و"الجرح والتعديل" (5/ ترجمة 1516)، و"التهذيب" (19/ ترجمة 3645). (¬3) انظر "التاريخ الكبير" (2/ ترجمة 2503)، و"الجرح والتعديل" (3/ ترجمة 177)، و"التهذيب" (6/ ترجمته 1216).

وابن معقل أو مغفل نسب الشك فيه إلى الربيع. قال الأئمة: وهو مغفل بلا شك: وهو عبد الله بن مغفل بن عبدنهم بن غضيف بن أسيحم بن ربيعة بن عدي المزني، من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - الذين نزلوا البصرة وكنيته أبو زياد، وقيل: أبو سعيد، وقيل: أبو عبد الرحمن. روى عنه: عبد الله بن بريدة، ومعاوية بن قرة، وسعيد بن جبير. توفي بالبصرة سنة تسع وخمسين، وقيل: سنة إحدى وستين (¬1). ولفظ الحديث في بعض نسخ الكتاب والروايات: إذا أدركتكم الصلاة، وإذا أدركتم وهما صحيحان. ومراح الغنم: مأواها ليلًا، وأعطان الإبل فسرها الشافعي بالموضع القريبة من الحوض التي تنحى إليها من الإبل التي شربت ليشرب غيرها فإذا اجتمعت استبقت، وليس النهي عن الصلاة فيها لمكان النجاسة فإنه رخص في الصلاة في المراح وحال النجاسة لا يختلف، ولكن سبب الكراهة شيئان بينهما الشافعي: أحدهما: أنها خلقت من جنٍّ والصلاة تكره في مأوى الجنِّ والشياطين ولذلك قال - صلى الله عليه وسلم -: "اخرجوا من هذا الوادي فإن فيه شيطانًا" (¬2). والثاني: أنه يخاف من نفارها وذلك يبطل الخشوع، ولو صُور في الغنم مثل أعطان الإبل لم تكن فيه كراهة، لانتفاء المعنيين ومأوى الإبل ليلًا كأعطانها لوجود المعنيين فيه لا كمراح الغنم، وكل واحد من ¬

_ (¬1) انظر "معرفة الصحابة" (4/ ترجمة 1756)، و"الإصابة" (4/ ترجمة 1975). (¬2) رواه مسلم (680/ 309، 310) من حديث أبي هريرة وفيه قوله لبلال: "اكلأ لنا الليل".

المراح والعطن إذا كان نجسًا بالأبوال والأبعار (1/ ق 36 - أ) لا تجوز الصلاة فيه، فإن بسط على الموضع ثوب طاهر صحت ويفترقان في الكراهة. وقوله: "جنٌّ من جنٍّ" أي: خلقت من جن، وكذلك وردت في بعض الروايات والمقصود: أنها تشبه الجن عند نفارها. وقوله: "إذا نفرت" يقال: نفرت الدابة نفارًا، ونفر الحاج نفرًا ونَفَرانًا، ونفر القوم إلى الغزو نفورًا، والمستقبل في الكل: يَنْفِرُ. وقوله: "تشمخ بأنفها" أي: ترفعه، والأصل في الكلمة: الارتفاع، يقال: جبل شامخ، ثم قيل للمتكبر يشمخ بأنفه. الأصل [74] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن نافع، عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخل الكعبة ومعه بلال وأسامة وعثمان بن [طلحة] (¬1). قال ابن عمر: فسألت بلالًا ما صنع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: جعل عمودًا عن يساره، وعمودًا عن يمينه، وثلاثة أعمدة وراءه، ثم صلى وكان البيت يومئذ على ستة أعمدة (¬2). الشرح عثمان: هو [ابن] (¬3) طلحة بن أبي طلحة عبد الله بن عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار بن قصي الحجبي القرشي هاجر إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - في ¬

_ (¬1) في "الأصل": أبي طلحة خطأ، والمثبت من "المسند". وأما عثمان بن أبي طلحة فهو عم عثمان بن طلحة هذا. (¬2) "المسند" ص (21). (¬3) في "الأصل": أبو. والمثبت من التخريج، وقد سبق الكلام عليه.

الهدنة ودفع إليه مفتاح الكعبة وقال: "خذوها يا بني أبي طلحة خالدة تالدة" (¬1). روى عنه: ابن عمر، وعروة بن الزبير (¬2). والحديث صحيح رواه البخاري (¬3) عن عبد الله بن يوسف عن مالك، ومسلم (¬4) عن يحيى بن يحيى عن مالك وقال: "عمودين عن يساره" وكذلك رواه الشافعي في موضع آخر، ورواه يحيى بن بكير وغيره عن مالك فقال: "عمودين عن يمينه" (¬5) ويقال: إنه الصحيح (¬6). وفي الباب عن عمر، وابن عمر. وفي الحديث بيان أنه لا بأس بالصلاة في الكعبة خلافًا لقول بعضهم إنه لا تصح الصلاة في الكعبة، ويروى عن أسامة بن زيد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما دخل البيت دعا في نواحيها كلها ولم يصل فيه حتى خرج (¬7) فرجح الشافعي رواية بلال فإنه أثبت وأسامة نفى ومعرفة الثبوت أسهل من معرفة الانتفاء، ولذلك جازت الشهادة على الإثبات دون النفي، وما روي أنه - صلى الله عليه وسلم - نهى عن أن يصلى في سبعة مواطن، وذكر في آخرها: "فوق ظهر بيت الله" (¬8) قد يشعر باختصاص النهي بالظهر ¬

_ (¬1) رواه الطبراني في "الكبير" (11/ رقم 11234). (¬2) انظر "معرفة الصحابة" (4/ ترجمة 2017)، و"الإصابة" (4/ ترجمة 5444). (¬3) "صحيح البخاري" (505). (¬4) "صحيح مسلم" (1329/ 388). (¬5) رواه البخاري (505) عن إسماعيل بن أبي أويس. (¬6) كذا قال البيهقي (5/ 157). (¬7) رواه مسلم (1330/ 395). (¬8) رواه الترمذي (346)، وابن ماجه (746). قال الترمذي: إسناده ليس بذاك القوي، وضعفه أبو حاتم في "العلل" (412)، وأيضًا الألباني في "الإرواء" (1/ 318).

والمصلي في جوفها يستقبل ما شاء من جدرانها. وقوله: "وثلاثة أعمدة وراءه" هذِه الكلمة قد ترد بمعنى: خلف، وبمعنى: قدام، والمراد ها هنا الأولى؛ لما روي أنه كان بينه وبين الجدار قدر ثلاثة أذرع (¬1). الأصل [75] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن عامر بن عبد الله، عن عمرو بن سليم الزرقي، عن أبي قتادة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي وهو حامل أمامة بنت أبي العاص. قال الشافعي: وثوب أمامة ثوب صبي (¬2). الشرح عامر: هو ابن عبد الله بن الزبير بن العوام القرشي الأسدي المديني أبو الحارث. سمع: أباه، وعمرو بن سليم. وروى عنه: مالك، وجامع بن شداد، وابن عجلان (¬3). وعمرو: هو ابن سليم بن خلدة الزرقي الأنصاري المديني. سمع: أبا زيد، وأبا قتادة، وأبا سعيد الخدري. وروى عنه: أبو بكر [بن] (¬4) محمَّد بن عمرو بن حزم، وسعيد ¬

_ (¬1) رواه البخاري (506) من حديث ابن عمر. (¬2) "المسند" ص (21). (¬3) انظر "التاريخ الكبير" (6/ ترجمة 2951)، و"الجرح والتعديل" (6/ ترجمة 1810)، و"التهذيب" (14/ ترجمة 3049). (¬4) سقط من "الأصل" والمثبت من التخريج.

المقبري (¬1). وأمامة بنت زينب بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهي بنت أبي العاص بن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس، واسمه القاسم، ويقال: مقسم وتزوج زينب وهو مشرك، وردها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد إسلامه بالنكاح الأول أو بنكاح جديد فيه اختلاف رواية, وتزوج أمامة علي بعد فاطمة -رضي الله عنهم- ونكحت بعد علي المغيرة بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب وتوفيت عنده (¬2). والحديث صحيح أخرجاه في "الصحيحين" (¬3) من حديث مالك، وأخرجه أبو داود (¬4) عن القعنبي عنه ولفظ أبي قتادة: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي بالناس وأمامة بنت أبي العاص على عاتقه. وقول الشافعي: "وثوب أمامة ثوب صبي" يريد أن ثياب الصبيان تغلب فيها النجاسة ومع ذلك حملها بثوبها، فدل على أن الأخذ بأصل الطهارة جائز حتى يستيقن خلافه. ومن فوائد الحديث أن حمل الحيوان في الصلاة جائز ولا يمنع منه بما في باطنه، وأن الفعل القليل لا يمنع صحة الصلاة، وقد ثبت في الخبر أنه كان إذا سجد وضعها وإذا قام رفعها وأنه لا بأس بإخراج الصغائر وإحضارهن عند الناس، وأن الصبي قد يحضر المسجد، وكأن ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (6/ ترجمة 2559)، و"الجرح والتعديل" (6/ ترجمة 1305)، و"التهذيب" (22/ ترجمة 4379). (¬2) انظر "معرفة الصحابة" (6/ 3787)، و"الإصابة" (7/ ترجمة 1082). (¬3) "صحيح البخاري" (516)، و"صحيح مسلم" (543/ 41). (¬4) "سنن أبي داود" (517).

المراد من قوله - صلى الله عليه وسلم -: "جنّبوا مساجدكم صبيانكم" (¬1) إذا لم يكن معهم من يتعهدهم. وقال أبو سليمان الخطابي: يشبه أن يكون ما جرى من حملها لا عن قصدٍ وتعمد، ولعلها من طول ما أَلِفته كانت تتعلق به فلا يدفعها؛ وذلك لأن تعمده يشغل عن الصلاة، وفيه (1/ ق 37 - أ) بيان حسن خلقه ورفقه بالصبيان - صلى الله عليه وسلم -. الأصل [76] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يصلين أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقيه منه شيء" (¬2). الشرح هذا حديث صحيح أخرجه البخاري (¬3) عن أبي عاصم عن مالك، ومسلم (¬4) عن أبي بكر بن أبي شيبة وغيره عن ابن عيينة عن أبي الزناد، وأبو داود (¬5) عن مسدد عن سفيان. وهو محمول عند العلماء على ما إذا كان الثوب واسعًا بالاختيار أن يأتزر به ويرفع طرفيه ويخالف بينهما ويجعلهما على عاتقيه، فيكون ¬

_ (¬1) رواه ابن ماجه (750)، والبيهقي (10/ 103) من حديث واثلة بن الأسقع. قال ابن الجوزي في "العلل" (677): لا يصح، وقال ابن الملقن في "الخلاصة" (2856): إسناده ضعيف. وقال الألباني في "الإرواء" (7/ 361): ضعيف جدًّا. (¬2) "المسند" ص (21 - 22). (¬3) "صحيح البخاري" (359). (¬4) "صحيح مسلم" (516/ 277). (¬5) "سنن أبي داود" (626).

ذلك كالإزار والرداء معًا، وقد روي أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا صلى أحدكم في ثوب فليخالف بطرفيه على عاتقيه، فإن كان ضيقًا ائتزر به" (¬1). وفيه بيان أن الصلاة تصح في الثوب الواحد خلافًا لما روي عن بعض السلف: أنه لا بد وأن يكون على المصلي ثوبان. الأصل [77] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا ابن عيينة، عن هشام، عن فاطمة، عن أسماء قالت: أتت امرأة النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله إن ابنة لي أصابتها الحصبة فتمرق شعرها أَفأَصِلُ فيه؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لعنت الواصلةُ والموصولةُ" (¬2). الشرح هذا حديث صحيح أخرجه البخاري (¬3) عن الحميدي عن ابن عيينة، وأخرجه (¬4) هو ومسلم (¬5) من أوجه عن هشام. والحصبة: علة تهيج بالإنسان يبدو منها في الجلد بثرات، ويقال لها: الحصِبَة أيضًا والتمرق كالتمرط، ويقال: مرقت الجلد أي: نتفت عن الجلد المعطون صوفه (¬6). والحديث أصل في المنع من الوصل، ووجه من جهة المعنى بأن الشعر إن كان شعر آدمي فيحرم ابتذاله واستعماله، وإلا فإن كان نجسًا لم يجز استصحابه، وإلا فإن كانت المرأة خلية فقد عرضت نفسها ¬

_ (¬1) رواه البخاري (360)، وأبو داود (627) بنحوه. (¬2) "المسند" ص (22). (¬3) "صحيح البخاري" (5941). (¬4) "صحيح البخاري" (5936). (¬5) "صحيح مسلم" (2122/ 115). (¬6) انظر: "لسان العرب" مادة مرق.

للتهمة وإن كانت متزوجة فقد لبّست عليه، فإن أذن ففيه اختلاف للأصحاب. الأصل [78] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا عطاف بن خالد الدراوردي، عن موسى بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي ربيعة، عن سلمة بن الأكوع قال: قلت: يا رسول الله إنا نكون في الصيد أفيصلي أحدنا في القميص الواحد؟ قال: "نعم، وليزرّه ولو لم يجد إلا أن يخله (1/ ق 37 - ب) بشوك" (¬1). الشرح عطاف: هو ابن خالد بن عبد الله أبو [صفوان] (¬2) المخزومي القرشي. سمع: نافعًا، وسمع منه: مالك بن إسماعيل (¬3). وموسى بالنسب المذكور مخزومي. روى عن: سلمة بن الأكوع، وعن أبيه، وعكرمة (¬4). وسلمة بن الأكوع ويقال: ابن عمرو بن الأكوع، واسم الأكوع: سنان بن عبد الله بن بشير بن خزيمة الأسلمي أبو عامر ويقال: أبو ¬

_ (¬1) "المسند" ص (22). (¬2) تصحف في "الأصل" إلى صبوان. (¬3) انظر "التاريخ الكبير" (7/ ترجمة 412)، و"الجرح والتعديل" (7/ ترجمة 175)، و"التهذيب" (20/ ترجمته 3953). (¬4) انظر "التاريخ الكبير" (7/ ترجمة 1184)، و"الجرح والتعديل" (8/ ترجمة 603)، و"التهذيب" (29/ ترجمته 6233).

إياس، ويقال أبو مسلم، من شجعان أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، سكن الربذة. وروى عنه: ابنه إياس، ومولاه يزيد بن أبي عبيد، والحسن بن محمَّد بن الحنفية. مات سنة أربع وسبعين (¬1). والحديث مشهور من روايته (¬2)، ورواه بعضهم عن موسى بن إبراهيم عن أبيه عن سلمة. ويقال: زرَرْت القميص أزره أي: شددت أزراره عليه، وزررت الرجل: شددت على قميصه أزراره، ويقال: خلّ الثوب بالخلال يخله خلًّا. وقوله: "ولو لم يجد إلا أن يخله بشوكٍ" يجوز أن يريد فليفعل فحذف، ويجوز أن يكون متعلقًا بقوله: "وليزره" لأن الخل بالشوك يقوم مقام الزّر. وفي الحديث ما يدل على جواز الاصطياد، وعلى أنه إذا خفف ملبوسه لشغل يقتضي التخفيف ثم حانت الصلاة؛ فيعذر في أن يصلي كذلك ولا يلبس أحسن ثيابه وأكملها، وأنه لا بأس بالتردد في القميص الواحد وإن كان يبدو للمتردد فيه من أطراف العورة شيء، واحتج به على أن الصلاة في القميص الواسع الأزرار لا تجوز، وعلى أنه لا يؤمر بالستر من الأسفل. ¬

_ (¬1) انظر "معرفة الصحابة" (3/ ترجمة 1219)، و"الإصابة" (3/ ترجمة 3391). (¬2) رواه أبو داود (632)، والنسائي (2/ 70)، وابن خزيمة (777)، وابن حبان (2294)، والحاكم (1/ 379)، والبخاري معلقًا (باب وجوب الصلاة في الثياب ...). قال البخاري: وفي إسناده نظر، وقال الحاكم: صحيح.

الأصل [79] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا عمرو بن أبي سلمة، عن الأوزاعي، عن يحيى بن سعيد، عن القاسم، عن عائشة قالت: كنت أفرك المني من ثوب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬1). الشرح عمرو بن أبي سلمة: هو أبو حفص التنيسي. سمع: الأوزاعي. وروى عنه: الشافعي، بروايته عنه يعرف (¬2). والأوزاعي: هو عبد الرحمن بن عمرو إمام أهل الشام، والأوزاع بطن من حمير، ويقال: قرية بدمشق على باب الفراديس. سمع: الزهري، ويحيى بن سعيد الأنصاري. روى عنه: ابن المبارك، والوليد بن سلمة، والثوري، ومالك. مات سنة سبع وخمسين ومائة (¬3). والحديث صحيح (¬4) وتمامه ما رواه علقمة والأسود، عن عائشة قالت: كنت أفرك المني من ثوب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم يصلي فيه. ورواه همام بن الحارث عن عائشة مع قصةٍ وهي (1/ ق 38 - أ) أن ضيفًا ضاف عائشة فأرسلت إليه تدعوه فقالوا لها: إنه أصابته جنابة ¬

_ (¬1) "المسند" ص (22). (¬2) انظر "التاريخ الكبير" (6/ ترجمة 2574)، و"الجرح والتعديل" (6/الترجمة 1304)، و"التهذيب" (22/ ترجمة 4378). (¬3) انظر "التاريخ الكبير" (5/ ترجمة 1034)، و"الجرح والتعديل" (5/ ترجمة 1257)، و"التهذيب" (17/ ترجمة 3918). (¬4) رواه مسلم (288/ 105، 106)، وأبو داود (372).

فذهب يغسل ثوبه. فقالت عائشة: ولمَ غسله كنت أفرك المني من ثوب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬1). وعن محارب بن دثار عن عائشة أنها كانت تحت المني من ثياب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -وهو في الصلاة (¬2). ودلالة الحديث على طهارة المني ظاهرة، واحتج به أيضًا على طهارة رطوبة فرج المرأة؛ لأن مني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ثوبه كان من الجماع؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان لا يحتلم (¬3). وقد روي القول بطهارة المني عن جماعة من الصحابة (وعن) (¬4) يعني ابن عباس أنه قال في المني يصيب الثوب: أمطه عنك بعود أو إذخرة، فإنما هو بمنزلة البصاق أو المخاط (¬5)، وعن سعد بن أبي وقاص أنه كان إذا أصاب ثوبه المني مسحه إن كان رطبًا، وإن كان يابسًا حتّه ثم صلى فيه (¬6). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (288/ 107)، والترمذي (116). (¬2) أخرجه ابن خزيمة (290). (¬3) قال في "الفتح": كان لا يحتلم إذ الاحتلام من الشيطان وهو معصوم منه. (¬4) كتب في الأصل: يعني. وكتب فوقها: لعله: وعن. (¬5) رواه ابن أبي شيبة (1/ 83)، والشافعي ص (345)، والبيهقي (2/ 418). قال البيهقي: هذا حديث صحيح عن ابن عباس من قوله، وقد روي مرفوعًا ولا يصح رفعه. وقال الألباني في "الضعيفة" (2/ 360): منكر مرفوعًا. (¬6) رواه الشافعي ص (345)، والبيهقي (2/ 418).

كتاب استقبال القبلة

الأصل من كتاب استقبال القبلة [80] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك بن أنس، عن عبد الله بن دينار، عن عبد الله بن عمر قال: بينما الناس بقباء في صلاة الصبح إذ أتاهم آتٍ فقال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أنزل عليه الليلة قرآن، وقد أمر أن تستقبلوا الكعبة فاستقبلوها، وكانت وجوههم (¬1) إلى الشام فاستداروا إلى الكعبة (¬2). الشرح عبد الله بن دينار: هو المدني مولى عبد الله بن عمر. سمع: ابن عمر، وسليمان بن يسار، وأبا صالح السمان، ونافعًا. وروى عنه: مالك، وسليمان بن بلال، وعبد العزيز بن مسلم، وابن الماجشون، والسفيانان، وشعبة. مات سنة سبع أو تسع وعشرين ومائة (¬3). والحديث صحيح رواه صاحبا "الصحيحين" (¬4) عن قتيبة عن مالك. وقباء: تمد وتقصر، وتصرف ولا تصرف، وهي على ثلاثة أميال من المدينة. وفي الحديث تسمية بعض القرآن قرآنًا، وأن خبر الواحد يعتمد ¬

_ (¬1) كتب في حاشية "الأصل": وجوه الناس. وعليه رمز نسخة. (¬2) "المسند" ص (23). وفيه: "وقد أمر أن يستقبل الكعبة". (¬3) انظر "التاريخ الكبير" (5/ ترجمة 221)، و"الجرح والتعديل" (5/ ترجمة 217)، و"التهذيب" (14/ ترجمة 3251). (¬4) "صحيح البخاري" (4494)، و"صحيح مسلم" (526/ 13).

عليه ويعمل به، وأنه يجوز الاعتماد على رواية الفرع مع سهولة الوصول إلى الأصل، وأن من في الصلاة يجوز له الإصغاء إلى من يخبره بكلمة وتفهُّم كلامه، وأن تحويل القبلة كان بعد الهجرة، وأن الصلاة الواحدة قد تقام إلى جهتين خلافًا لقول من قال من الأصحاب: إن من تغيّر اجتهاده في الصلاة لا ينحرف إلى الجهة الثانية بل يستأنف؛ لأن الصلاة الواحدة لا تقام إلى جهتين، كما أن الحادثة الواحدة لا تفتى (/ ق 38 - ب) بحكمين مختلفين. وقوله: "من كتاب استقبال القبلة" لأن الشافعي افتتح في "الأم" (¬1) كتاب الصلاة بـ "باب استقبال القبلة" وقد يسمى الكتاب باسم الباب الأول منه كما سمي كتاب الحماسة بالباب الأول، وفي بعض النسخ: "من كتاب استقبال القبلة من الصلاة". الأصل [81] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك بن أنس، عن نافع أن عبد الله بن عمر كان إذا سئل عن صلاة الخوف قال: يتقدم الإِمام وطائفة ... ثم قصّ الحديث، وقال ابن عمر: فإن كان خوفًا أشدّ من ذلك صلوا رجالًا وركبانًا مستقبلي القبلة وغير مستقبليها. قال مالك: قال نافع: لا أرى عبد الله بن عمر ذكر ذلك إلا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬2). [81/ 1] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا ابن أبي فديك، عن ابن أبي ذئب، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه (¬3). ¬

_ (¬1) "الأم" (1/ 85). (¬2) "المسند" ص (23). (¬3) "المسند" ص (23). والحديث رواه البخاري (4535).

الشرح قوله: "ثم قص الحديث" أشار به إلى كيفية صلاة الخوف على طولها وهي مذكورة في غير هذا الموضع، واقتصر الشافعي ها هنا على ذكر ما يتعلق بالاستقبال، واستدل بالحديث على أنه يجوز في حالة شدة الخوف أن يصلوا حيث توجهوا مستقبلي القبلة وغير مستقبليها، ويجوز في هذِه الحالة أن يصلوا قعودًا على الدواب وقيامًا على الأقدام على ما قال تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا} (¬1) ولا يجوز في المكتوبات استقبال غير القبلة إلا في هذِه الحالة. وقول نافع: "لا أرى عبد الله بن عمر ذكر ذلك إلا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -" يحتمل أن يريد أني أظن أنه رفعه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صريحًا، ويحتمل أن يريد أن ظني أنه تلقاه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإن لم يتلفظ به، والأول أظهر؛ لأن عبد الرزاق روى الحديث عن مالك بإسناده وقال: لا أرى عبد الله إلا قد رفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬2). وقوله: "عن سالم، عن أبيه" يعني: بمثل حديث نافع عنه. الأصل [82] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك بن أنس، عن عبد الله بن دينار، عن عبد الله بن عمر قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي على راحلته في السفر حيثما توجهت به (¬3). [83] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك بن أنس، عن عمرو بن يحيى المازني، عن أبي الحباب سعيد بن يسار، عن عبد الله بن عمر ¬

_ (¬1) البقرة: 239. (¬2) "المصنف" (4257). (¬3) "المسند" ص (23 - 24).

قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي على حمار وهو متوجه إلى خيبر. قال الشافعي: يعني النوافل (¬1). الشرح سعيد بن يسار أبو الحباب -بالحاء المهملة وبباءين- أخو أبي مزرد عبد الرحمن بن يسار، قيل: إنه مولى شُقران مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقيل مولى الحسن بن علي بن أبي طالب. سمع: ابن عمر، وأبا هريرة، وابن عباس، وزيد بن خالد الجهني. وروى عنه: يحيى الأنصاري، ومعاوية بن [أبي] (¬2) مزرّد، وسعيد المقبري. مات سنة سبع عشرة ومائة (¬3). والحديثان صحيحان أخرجهما مسلم (¬4) عن يحيى بن يحيى عن مالك، وأخرج أبو داود (¬5) الحديث الثاني عن القعنبي عن مالك، وروى المزني الأول منهما عن الشافعي وزاد فيه: وكان ابن عمر يفعل ذلك. وقول الشافعي: "يعني النوافل" يبينه ما روي عن يونس عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسبح على الراحلة أيّ وجه توجه ويوتر عليها، غير أنه لا يصلي عليها المكتوبة (¬6). وعن محمَّد بن عبد الرحمن بن ثوبان، عن جابر قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد أن يصلي المكتوبة نزل عن راحلته واستقبل القبلة (¬7). ¬

_ (¬1) "المسند" ص (23 - 24). (¬2) سقط من "الأصل". والمثبت من التخريج. (¬3) انظر "التاريخ الكبير" (3/ ترجمة 1738)، و"الجرح والتعديل" (4/ ترجمة 305)، و"التهذيب" (11/ ترجمة 2385). (¬4) "صحيح مسلم" (700/ 35، 37). (¬5) "سنن أبي داود" (1226). (¬6) رواه البخاري (1098)، ومسلم (700/ 39). (¬7) رواه البخاري (1099)، وعبد الرزاق (4510).

وفي الحديث الثاني أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يركب الحمار، وأنه تجوز النافلة على الراحلة في السفر القصير. الأصل [84] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا عبد المجيد بن عبد العزيز، عن ابن جريج، قال: أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله؛ يقول: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي وهو على راحلته النوافل في كل جهة (¬1). [85] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا محمَّد بن إسماعيل، عن ابن أبي ذئب، عن عثمان بن عبد الله بن سراقة، عن جابر بن عبد الله؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة بني أنمار كان يصلي على راحلته متوجهًا قبل المشرق (¬2). الشرح أبو الزبير محمَّد بن مسلم بن تدرس المكي القرشي مولى حكيم بن حزام. سمع: جابرًا. وروى عنه: ابن جريج، وهشام بن عروة، وأيوب السختياني، ومالك، والثوري، وابن عيينة. مات سنة ثمان وعشرين ومائة (¬3). ومحمد بن إسماعيل: هو ابن أبي فديك، وقد مرّ ذكره. وعثمان: هو أبو عبد الله بن عبد الله بن سراقة القرشي العدوي، أمه زينب بنت عمر بن الخطاب، وكان واليًا بمكة. سمع جابرًا، وابن عمر، وبسر بن سعيد. وروى عنه: الزهري، ¬

_ (¬1) "المسند" ص (24). (¬2) "المسند" ص (24). (¬3) انظر "التاريخ الكبير" (1/ ترجمة 694)، و"الجرح والتعديل" (1/ ترجمة 65)، و"التهذيب" (26/ ترجمة 5602).

وابن أبي ذئب. توفي سنة ثمان عشرة ومائة (¬1). وحديث أبي الزبير: رواه الثوري عنه وأخرجه أبو عيسى (¬2) من روايته عن محمود بن غيلان عن وكيع عن سفيان، ورواه حجاج بن محمَّد عن ابن جريج. والحديث الثاني: رواه البخاري في "الصحيح" (¬3) عن آدم عن ابن أبي ذئب. وفي الباب عن أنس، وأبي سعيد (1/ ق 39 - ب) وعامر بن ربيعة. ودلالة هذِه الأحاديث على جواز إقامة النوافل على الراحلة إلى أي جهة توجه المسافر إليها ظاهرة، ولما كان استقبال القبلة شرط في الصلاة لا يترك إلا في حالتين: إحداهما: شدة الخوف. والثانية: النافلة في السفر، جاءت هذِه الأحاديث مقرونًا بعضها ببعض. آخر الجزء ويتلوه: أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك بن أنس، عن عمه أبي سهيل بن مالك حديث: "جاء رجل يسأل عن الإِسلام". ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (6/ ترجمة 2255)، و"الجرح والتعديل" (6/ ترجمة 853)، و"التهذيب" (19/ ترجمة 3833). (¬2) "جامع الترمذي" (351)، ورواه أبو داود (1227)، وابن الجارود (228)، وابن خزيمة (1270)، وابن حبان (2523). قال الترمذي: حسن صحيح، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1112). (¬3) "صحيح البخاري" (4140).

طلحة بن عبيد الله، عبد الرحمن بن عبد الله، عبد الله بن باباه، يعلي بن أمية، طلحة بن عمرو، ابن حرملة، إبراهيم بن ميسرة، محمَّد بن المنكدر، أبو قلابة، عبد الرحمن بن حميد، عمر بن عبد العزيز، السائب بن [يزيد] (¬1)، العلاء بن الحضرمي، بشير بن مسعود، أبوه، عبد الرحمن بن الحارث القرشي، حكيم بن حكيم، نافع بن جبير، الليث بن سعد، بسر بن سعيد، أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث، نوفل بن معاوية الديلي، محمَّد بن عمرو بن علقمة، أبو نعيم وهب، صالح مولى التوأمة، زيد بن خالد، ابن أبي لبيد، عمرة بنت عبد الرحمن، أبو الطفيل، معاذ بن جبل، ابن أبي نجيح، إسماعيل بن عبد الرحمن الأسدي، حماد بن سلمة، ابن أبي مليكة، عبيد بن عمير، يونس بن عبيد، ابن أم مكتوم، عبد العزيز بن عبد الملك بن أبي محذورة، عبد الله بن محيريز، أبو محذورة، عتاب بن أسيد، إبراهيم بن عبد العزيز بن عبد الملك، عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري، عمارة بن غزية، خبيب بن عبد الرحمن، حفص بن عاصم بن عمر، سهيل بن [أبي] (¬2) صالح. رحمهم الله. ¬

_ (¬1) في "الأصل": زيد. خطأ. (¬2) سقط من "الأصل".

الأصل

بسم الله الرحمن الرحيم الأصل [86] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك بن أنس، عن عمه أبي سهيل بن مالك، عن أبيه، أنه سمع طلحة بن عبيد الله يقول: جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإذا هو يسأل عن الإِسلام، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "خمس صلوات في اليوم والليلة". فقال: هل علي غيرها؟ قال: "لا، إلا أن تطوَّع" (¬1). الشرح أبو سهيل: هو نافع بن مالك بن أبي عامر الأصبحي، عم مالك بن أنس، وأخو الربيع بن مالك. سمع من الصحابة: ابن عمر، وسهل بن سعد، ومن التابعين: أباه، والقاسم بن محمَّد، وعلي بن الحسين. وروى عنه: الزهري، ومالك ابن أخيه، وإسماعيل بن جعفر (¬2). وأبوه مالك بن أبي عامر الأصبحي المدني، أبو أنس حليف عثمان بن عبيد الله التيمي. روى عن: عمر، وعثمان، وطلحة بن عبيد الله، وأبي هريرة، وعائشة. وروى عنه: سالم أبو النضر، سليمان بن يسار، ومحمد بن ¬

_ (¬1) "المسند" ص (24). (¬2) انظر "التاريخ الكبير" (8/ ترجمة 2276)، و"الجرح والتعديل" (8/ 2072)، و"التهذيب" (29/ ترجمة 6368).

إبراهيم التيمي. توفي سنة اثنتي عشرة ومائة (¬1). وطلحة: هو ابن عبيد الله بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة القرشي أبو محمَّد، أحد العشرة المبشرين بالجنة، والستة المسمين في الشورى، وسماه طلحة الخير وطلحة الجود وطلحة الفياض ولم يشهد بدرًا؛ لأنه كان بالشام حينئذ فقدم بعدما رجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من بدر فضرب له بسهمه، وشهد أحدًا وثبت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحسنت آثاره فيه، وكان أبو بكر -رضي الله عنه - يقول: يوم أحد كله لطلحة. روى عنه: السائب بن يزيد، وقيس بن أبي حازم، وأبو عثمان النهدي. قتل سنة ست وثلاثين يوم الجمل، ويذكر أنه أصابه سهم في حلقه فقال: بسم الله وكان أمر الله قدرًا مقدورًا (¬2). والحديث مدون في "الصحاح" أخرجه البخاري (¬3) عن إسماعيل بن جعفر عن أبي سهيل، ومسلم (¬4) عن قتيبة عن مالك، وأبو داود (¬5) عن القعنبي عن مالك. وقوله: "إلا أن تطوَّع" أي: تتطوع، يقال: تطوع بكذا أي: تبرع به وفعله بطواعيته بلا تكليف، ويجوز أن يقرأ تطَّوَّع بتشديد الطاء والواو ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (7/ ترجمة 1297)، و"الجرح والتعديل" (8/ ترجمة 951)، و"التهذيب" (27/ ترجمة 5745). (¬2) انظر "معرفة الصحابة" (1/ ترجمة 5, 3/ ترجمة 1524)، و"الإصابة" (3/ ترجمة 4270). (¬3) "صحيح البخاري" (46). (¬4) "صحيح مسلم" (11/ 8). (¬5) "سنن أبي داود" (391).

وهو بمعنى تطوع أيضًا، قال تعالى: {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ} (¬1) وأصل مطوع متطوع فأدغم. وقوله: "خمس صلوات في اليوم (1/ ق 41 - ب) والليلة" يعني: المكتوبات وظاهر الحديث يفسر الإِسلام بالصلوات الخمس، وليس المقصود الصلاة وحدها، بل صيام رمضان وغيره من أركان الإِسلام والأعمال الظاهرة داخلة فيه كما ورد في سائر الروايات، لكن الصلاة أعظمها وأهمها فاقتصر في هذه الرواية على ذكرها، وفيه نفي وجوب ما سوى الخمس ويدخل فيه الوتر، وكلمة "إلا أن تطوع" كالاستثناء المنقطع؛ لأن ما يتطوع به الإنسان لا يوصف بأنه عليه حتى يحتاج إلى استثنائه، ويجوز أن يقدر المعنى: "إلا أن تتطوع بالتزام ما وراء الخمس بالنذر فيكون عليك". والحديث لا تعلق له بباب الاستقبال، لكن الشافعي صدر كتاب الصلاة في "الأم" بباب الاستقبال ثم اندفع في سائر الأبواب، فالتقط أبو العباس الأحاديث على ترتيبه من غير أن يتعرض لترجمة الأبواب. الأصل [87] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مسلم بن خالد وعبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي روَّاد، عن ابن جريج قال: أخبرني عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي عمار، عن عبد الله بن باباه، عن يعلى بن أمية قال: قلت لعمر بن الخطاب -رضي الله عنه -: إنما قال الله تعالى: {أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} (¬2) فقد أمن الناس، قال: عجبتُ مما عجبتَ منه فسألت ¬

_ (¬1) التوبة: (79). (¬2) النساء: (101).

الشرح

رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته" (¬1). الشرح عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي عمار تابعي. حدث عن: جابر، وابن الزبير (¬2). وعبد الله بن باباه مولى آل حجير بن أبي إهاب من أهل مكة. سمع: جبير بن مطعم، وعبد الله بن عمرو. وروى عنه: أبو الزبير، وعمرو بن دينار، ويقال: عبد الله بن بابيه (¬3). ويعلى بن أمية صحابي، ورفع بعضهم نسبه فقال: يعلى بن أمية بن أبي عبيدة التميمي، وكان عامل عمر -رضي الله عنه- على نجران ويعد في أهل مكة ويقال له: يعلى بن منية أيضًا، وهي أمه وهي أخت عتبة بن غزوان، كذلك يذكره أهل الحديث، وعن الزبير بن بكار: أنها جدته أم أبيه. وذكر بعضهم أنها عمة عتبة لا أخته. روى عن يعلى: ابنه صفوان، وابن باباه (¬4). والحديث صحيح أخرجه مسلم (¬5) وغيره (¬6)، ورواه أبو عيسى (¬7) ¬

_ (¬1) "المسند" ص (24). (¬2) انظر "التاريخ الكبير" (5/ ترجمة 982)، و"الجرح والتعديل" (5/ ترجمة 1186)، و"التهذيب" (17/ ترجمة 3874). (¬3) انظر "التاريخ الكبير" (5/ ترجمة 101)، و"الجرح والتعديل" (5/ ترجمة 58)، و"التهذيب" (14/ ترجمة 3172). (¬4) انظر "معرفة الصحابة" (5/ ترجمة 3070)، و"الإصابة" (6/ ترجمة 9365). (¬5) "صحيح مسلم" (686/ 4). (¬6) رواه أبو داود (1199)، والنسائي (3/ 116)، وابن ماجه (1065). (¬7) "جامع الترمذي" (3034) وقال: حسن صحيح.

الأصل

عن عبد بن حميد عن عبد الرزاق عن ابن جريج كذلك وحكم بصحته، ومنهم من رواه عن ابن جريج عن عبد الله (1/ ق 42 - أ) بن أبي عمار لا عن عبد الرحمن بن عبد الله، وكذلك هو في "مسند عبد (¬1) الرزاق". ومقصود الحديث أن الآية تعرضت للحرب وقضية (ظاهر رجاء (¬2)) أن يكون الخوف شرطًا لجواز القصر، فراجعوا فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - فبيّن أنه ليس بشرط، وذكر الخوف في الآية جرى على الغالب من أسفارهم في ذلك الوقت فبهما كان شرطًا ثم نسخ، وذكر أن في الحديث إشارة إلى أنه لا يجب القصر؛ لأنه جعله صدقة والصدقة لا يجب قبولها. وفي إسناد الحديث كلام آخر وذلك أن الذي رواه عنه ابن أبي عمار في رواية الشافعي: عبد الله بن باباه وكذا رواه ابن وهب عن ابن جريج، ورواه ابن وهب ويحيى بن سعيد عن ابن جريج وقالا: عبد الله بن بابيه، ورواه بعضهم عن ابن جريج فقال: بابا. وقال يحيى بن معين (¬3): إنهم رجال مختلفون فابن باباه يروي عنه: حبيب بن أبي ثابت، وابن بابا يروي عنه ابن إسحاق، وابن بابيه يروي عنه ابن أبي عمار، وقضية كلام البخاري وغيره أن الرجل واحد وفي اسم أبيه اختلاف رواية أو سمي تارة هكذا وتارة هكذا. الأصل [88] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا إبراهيم بن محمَّد، عن طلحة بن عمرو، عن عطاء بن أبي رباح، عن عائشة قالت: كل ¬

_ (¬1) "المصنف" (4275) عن عبد الرحمن بن عبد الله، وليس كما قال المصنف والله أعلم. (¬2) كذا بالأصل ولعل الصواب: ظاهرها. والله أعلم. (¬3) انظر: "المؤتلف والمختلف" للدارقطني 1/ 233.

الشرح

ذلك قد فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قصر الصلاة في السفر وأتمَّ (¬1). الشرح طلحة بن عمرو: هو الحضرمي المكيّ. يروي عن: عطاء. ليّنوه وتكلموا فيه (¬2). وروى الحديث المغيرة بن زياد عن عطاء أيضًا (¬3). وقول عائشة: "كل ذلك قد فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -" كأنهم كانوا يتكلمون في القصر والإتمام فقالت: قد قصر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأتمّ، وبينت أن كلًّا منهما جائز، وبين به أن القصر ليس بعزيمة، واحتج الشافعي له بقوله تعالى: {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ} (¬4) وهذِه اللفظة تشعر بأنه رخصة وليس بحتم كما في قوله تعالى: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ} (¬5) أي: تتجروا في الحج، وقوله: {فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ} (¬6). الأصل [89] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا إبراهيم بن محمَّد، عن ابن حرملة، عن ابن المسيب قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "خياركم ¬

_ (¬1) "المسند" ص (25). والحديث رواه الدارقطني (2/ 189 رقم 43) وضعفه بطلحة هذا. (¬2) انظر "التاريخ الكبير" (4/ ترجمة 3104)، و"الجرح والتعديل" (4/ ترجمة 2097)، و"التهذيب" (13/ ترجمة 2978). قال ابن معين: ليس بشيء، وقال أحمد: متروك الحديث، وقال أبو حاتم: لين الحديث. (¬3) ومن طريق المغيرة أخرجه الطحاوي (1/ 415). (¬4) النساء: 101. (¬5) البقرة: 198. (¬6) النور: 60.

الشرح

الذين إذا سافروا قصروا الصلاة وأفطروا، أو قال: لم يصوموا" (¬1). الشرح ابن (1/ ق 42 - ب) حرملة: هو عبد الرحمن بن حرملة الأسلمي المديني أبو حرملة. سمع: ابن المسيب. وروى عنه: الثوري، ومالك، ويحيى القطان (¬2). والحديث مرسل، لكن الشافعي كان يعتمد على مراسيل ابن المسيب أو أكثرها. وفيه بيان أن القصر أفضل من الإتمام وهو الأصح من قولي الشافعي (¬3)، وذلك إذا بلغ السفر ثلاث مراحل، فإن كان دونها فالإتمام أفضل، ويكره ترك القصر رغبة عن السنة، وكذا ترك المسح على الخفين؛ وأما الإفطار فالحديث يقتضي كونه أفضل؛ لكن الظاهر من المذهب أن الصوم أفضل. والحديث محمول على ما إذا كانت (¬4) تتضرر بالصوم، والفرق بين القصر والإفطار أنه إذا قصر برئت ذمته، وإذا أفطر بقيت ذمته مشغولة بالقضاء، وقد يعوق دونه عائق، وأيضًا فإن فضيلة الأداء تحصل بالقصر وتفوت بالإفطار. الأصل [90] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن إبراهيم بن ¬

_ (¬1) "المسند" ص (25). (¬2) انظر "التاريخ الكبير" (5/ ترجمة 875)، و"الجرح والتعديل" (5/ ترجمة 1052)، و"التهذيب" (17/ ترجمة 3796). (¬3) "الأم": 1/ 159. (¬4) لعل المصنف رحمه الله يعني النفس ولذلك أنَّث الضمير.

الشرح

ميسرة، عن أنس بن مالك قال: صليت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الظهر بالمدينة أربعًا، وصليت معه العصر بذي الحليفة ركعتين (¬1). [91] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان بن عيينة، عن ابن المنكدر أنه سمع أنس بن مالك يقول مثل ذلك إلا أنه قال بذي الحليفة (¬2). [92] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان -يعني ابن عيينة-، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن أنس بن مالك بمثل ذلك (¬3). الشرح إبراهيم بن ميسرة: هو الطائفي المكي. سمع: أنس بن مالك، وطاوسًا، وعمرو بن الشريد. وروى عنه: ابن جريج، وابن عيينة، والثوري. مات قريبًا من سنة اثنين وثلاثين ومائة (¬4). وابن المنكدر: هو محمَّد بن المنكدر بن عبد الله بن الهدير التيمي القرشي المدني أبو بكر، ويقال: أبو عبد الله. سمع: جابرًا، وأنسًا، وغيرهما من الصحابة. وروى عنه: مالك، وشعبة، والثوري، وابن عيينة. مات سنة ثلاثين ومائة (¬5). وأبو قلابة: هو عبد الله بن زيد بن عمرو الجرمي البصري. ¬

_ (¬1) "المسند" ص (25). (¬2) "المسند" ص (25). (¬3) "المسند" ص (25). (¬4) انظر "التاريخ الكبير" (1/ ترجمة 1031)، و"الجرح والتعديل" (2/ ترجمة 423)، و"التهذيب" (2/ ترجمة 255). (¬5) انظر "التاريخ الكبير" (1/ ترجمة 691)، و"الجرح والتعديل" (8/ ترجمة 421)، و"التهذيب" (26/ ترجمة 5632).

سمع: أنس بن مالك، ومالك بن الحويرث، وقبيصة بن ذؤيب، وعمه أبا المهلب. وروى عنه: أيوب، وخالد الحذاء، ويحيى بن أبي كثير. ومات بالشام سنة أربع أو خمس ومائة (¬1). والحديث صحيح أخرجه البخاري (¬2) ومسلم (¬3) من حديث سفيان عن ابن المنكدر وإبراهيم بن ميسرة؛ ومن رواية أبي قلابة رواه البخاري (¬4) عن قتيبة (1/ ق 43 - أ) عن عبد الوهاب الثقفي عن أيوب، ومسلم (¬5): عن قتيبة عن حماد بن زيد عن أيوب. وقوله: "إلا أنه قال بذي الحليفة" يريد أنه قال: وصليت معه بذي الحليفة ولم يذكر لفظ القصر، وكذلك رواه البخاري. وذو الحليفة على ستة أميال -وقيل: سبعة- من المدينة، وهي ميقات أهل المدينة، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يؤم مكة. واحتج بالحديث على أنه لا يقصر بالعزم على السفر والاشتغال بأسبابه؛ وإنما يقصر بعد الخروج من بيوت القرية التي عنها الانتقال، وفيه أنه لا بأس بإنشاء السفر بعد انتصاف النهار وإن كان التبكير أولى. ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (5/ ترجمة 255)، و"الجرح والتعديل" (5/ ترجمة 268)، و"التهذيب" (14/ ترجمة 3283). (¬2) "صحيح البخاري" (1089). (¬3) "صحيح مسلم" (690/ 11). (¬4) "صحيح البخاري" (1547). (¬5) "صحيح مسلم" (690/ 10).

الأصل

الأصل [93] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن عمرو بن دينار، عن عطاء، عن ابن عباس؛ أنه سئل أنقصر إلى عرفة؟ قال: لا, ولكن إلى عسفان وإلى جدة وإلى الطائف (¬1). [94] أخبرنا مالك بن أنس، عن نافع أنه كان يسافر مع ابن عمر البريد فلا يقصر الصلاة (¬2). [95] وأبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك بن أنس، عن نافع، عن سالم بن عبد الله؛ أن ابن عمر ركب إلى ذات النصب فقصر الصلاة في مسيره. قال مالك: وبين ذات النصب والمدينة أربعة برد (¬3). [96] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن ابن شهاب، عن سالم بن عبد الله بن عمر، عن أبيه أنه إذا ركب إلى ريم يقصر الصلاة في مسيره ذلك [قال مالك:] (¬4) وذلك نحو من أربعة برد (¬5). الشرح عرفة على أربعة فراسخ من مكة، وعسفان قرية جامعة بين مكة والمدينة بها منبر، والبريد أربعة فراسخ، والبريد أيضًا: الرسول ¬

_ (¬1) "المسند" ص (25). والأثر رواه عبد الرزاق (4297)، والبيهقي (3/ 137) موقوفًا عليه، وروي مرفوعًا لكن ضعفه ابن حجر وابن الملقن والألباني وصححوه موقوفًا عليه. (¬2) "المسند" ص (25). والأثر رواه مالك (1/ 148 رقم 341)، وعبد الرزاق (4295). (¬3) "المسند" ص (25). ورواه مالك (1/ 147 رقم 339)، وعبد الرزاق (4301). (¬4) من "المسند". (¬5) "المسند" ص (26).

الأصل

المستعجل، ودواب البريد: دواب تعد للرسل، وذات النصب على أربعة برد من المدينة كما بين مالك، وريم كذلك في قول مالك، وقيل: إنه على أكثر من ذلك. وقصد الشافعي بذكر هذِه الآثار الاستئناس بها في تقدير السفر الذي يقصر فيه فقال (¬1): قصر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفره إلى مكة، ولا خلاف في أنه يجوز القصر في أقل من تلك المسافة، ولا يمكن أن يقال: يجوز القصر في كل سفر؛ لأن عامة من حفظنا عنهم لا يختلفون في أنه لا قصر فيما دون مسيرة يومين، وأورد في ذلك الأثر عن ابن عباس الذي فيه ذكر عسفان وغيرها وأقرب هذا إلا مكة ستة وأربعون ميلًا بالأميال الهاشمية وهي مسيرة ليلتين قاصدتين، وذكر بعضهم أن بين عسفان ومكة ستة وثلاثون ميلًا، وكلام الشافعي أصح وأولى بالاتباع، والميل: ثلث فرسخ وهو أربعة آلاف خطوة. وعن الشافعي قول غريب: أنه يجوز القصر في السفر القصير بشرط الخوف، وفي الخبر ما يدل عليه، فعن أنس (1/ ق 43 - ب) قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا خرج إلى ثلاثة أميال أو قال: إلى ثلاثة فراسخ يصلي ركعتين (¬2). الأصل [97] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، ثنا سفيان بن عيينة، عن عبد الرحمن بن حميد قال: سأل عمر بن عبد العزيز جلساءه ماذا سمعتم في مقام المهاجر بمكة؟ قال السائب بن يزيد: حدثني العلاء بن الحضرمي أن ¬

_ (¬1) "الأم" (1/ 182) بتصرف. (¬2) رواه مسلم (691/ 12).

الشرح

رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "يمكث المهاجر بعد قضاء نسكه ثلاثًا" (¬1). الشرح عبد الرحمن: هو ابن حميد بن عبد الرحمن بن عوف القرشي الزهري. سمع: السائب بن يزيد، وسعيد بن المسيب. وروى عنه: حاتم بن إسماعيل، وابن عيينة، ويحيى القطان، وصالح بن كيسان. مات في آخر خلافة أبي جعفر (¬2). وعمر: هو ابن عبد العزيز بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية، أبو حفص الأموي الخليفة المحمود في جميع الألسنة. سمع: أبا بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، والربيع بن سبرة. وروى عنه: أبو بكر بن محمَّد بن عمرو بن حزم، والزهري، وأبو سلمة. توفي بالشام سنة إحدى ومائة وكانت مدة خلافته سنتين وخمسة أشهر وخمس ليال (¬3). والسائب بن يزيد أبو يزيد الكندي، ويقال: الليثي، ويقال: ¬

_ (¬1) "المسند" ص (26). (¬2) انظر "التاريخ الكبير" (5/ ترجمة 884)، و"الجرح والتعديل" (5/ ترجمة 1059)، و"التهذيب" (17/ ترجمة 3803). ونقل ابن حبان في الثقات (ترجمة 9020) وغيره، وكذا المزي: أنه مات بالعراق في أول ولاية أبي جعفر سنة سبع وثلاثين ومائة. (¬3) انظر "التاريخ الكبير" (6/ ترجمة 2079)، و"الجرح والتعديل" (6/ ترجمة 663)، والتهذيب" (21/ ترجمة 4277).

الأزدي، ويقال: الهذلي، صحابي. سمع: النبي - صلى الله عليه وسلم -، وعثمان بن عفان، ورافع بن خديج، والعلاء بن الحضرمي، وحويطب بن عبد العزى. وروى عنه: الزهري، وغيره. ويروى أنه حج به أحد أبويه مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع وهو ابن سبع سنين أو عشر، ومات سنة إحدى وتسعين، وقيل: سنة سبع وتسعين (¬1). والعلاء: هو ابن الحضرمي بن عبد الله، كان عامل النبي - صلى الله عليه وسلم - على البحرين وبها مات في خلافة عمر -رضي الله عنه - سنة إحدى وعشرين (¬2). والحديث صحيح أخرجه مسلم (¬3) عن يحيى بن يحيى عن سفيان. واحتج الشافعي به على أنه إذا عزم المسافر على إقامة ثلاثة أيام فما دونها لا ينقطع به حكم السفر وله القصر؛ لأنه رخص للمسافر المكث ثلاثًا وكان يحرم على المهاجرين حينئذ الإقامة بمكة لما فيها من مساكنة الكفار، فأشعرت الرخصة في هذا القدر بأن حكم السفر لا ينقطع بالعزم عليه؛ وإنما ينقطع السفر إذا عزم (1/ ق 44 - أ) على إقامة أربعة أيام ليس منها يوم الدخول ولا يوم الخروج هذا في حال الأمن, فأما إذا أقام على حرب: فقد روى عمران بن حصين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أقام بمكة عام الفتح ثماني عشرة ليلة لا يصلي إلا ركعتين ويقول: "يا أهل البلد صلوا أربعًا فإنا سفرٌ" (¬4) ووراء هذه الرواية روايات أخر، وجعل ¬

_ (¬1) انظر "معرفة الصحابة" (3/ ترجمة 1265)، و"الإصابة" (3/ ترجمة 3079). (¬2) انظر "معرفة الصحابة" (4/ ترجمة 2290)، و"الإصابة" (/ ترجمة). (¬3) "صحيح مسلم" (1352/ 442). (¬4) رواه أبو داود (1229)، والترمذي (545)، وابن خزيمة (1643) من طريق علي بن زيد بن جدعان، عن أبي نضرة، عنه. =

الأصل

الشافعي رواية عمران أولاها بالاتباع لسلامتها عن الاختلاف. الأصل [98] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا عجل في السير جمع بين المغرب والعشاء (¬1). الشرح الحديث صحيح أخرجه البخاري (¬2) ومسلم (¬3) في الكتابين من حديث سفيان بن عيينة، ورواه مالك (¬4) عن نافع عن ابن عمر كذلك. وهو أصل في الجمع بين الصلاتين، وكان الجمع بينهما بتأخير المغرب إلى العشاء، فقد روى أنس عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه كان إذا عجل في السير يؤخر الظهر إلى وقت العصر فيجمع بينهما، ويؤخر المغرب حتى يجمع بينها وبين العشاء حين يغيب الشفق (¬5) وفي هذِه اللفظة إشارة إلى أنه ينبغي للجامع أن يتوخى أول الصلاة الثانية، وروي عن ابن عمر أنه أسرع السير فسار حتى حانت صلاة المغرب فكلمه رجل من أصحابه فقال: الصلاة، وكلمه رجل من أصحابه فقال: الصلاة، فلم يرجع إليه، فكلمه آخر فلم يرجع إليه شيئًا، ثم كلمه آخر فقال: ¬

_ = قال الترمذي: حسن صحيح، وقال الحافظ في "الفتح": ضعيف لأنه من رواية علي بن زيد وهو ضعيف. وضعفه الألباني في "ضعيف الجامع" (6380). (¬1) "المسند" ص (26) وفيه: "قال كان النبي" بدل "أن النبي". (¬2) "صحيح البخاري" (1106). (¬3) "صحيح مسلم" (703/ 44). (¬4) "الموطأ" (1/ 144 رقم 329)، وكذا رواه مسلم (703/ 42) عن يحيى عنه. (¬5) رواه مسلم (704/ 46 - 48).

الأصل

رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا استعجل به السير أخر هذِه الصلاة حتى يجمع بين هاتين الصلاتين (¬1). وإذا كان المسافر نازلًا في وقت الأولى فالمستحب تقديم الثانية إليها، كذلك روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. الأصل [99] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن الزهري قال: أخر عمر بن عبد العزيز الصلاة، فقال له عروة: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "نزل جبريل عليه السلام فأمني فصليت معه، ثم نزل فأمني فصليت معه، ثم نزل فأمني فصليت معه، ثم نزل فأمني فصليت معه، حتى عدَّ الصلوات الخمس". فقال عمر بن عبد العزيز: اتق الله يا عروة وانظر ما تقول. فقال عروة: أخبرني به بشير بن أبي مسعود، عن أبيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬2). الشرح بشير (1/ ق 44 - ب) بن أبي مسعود الأنصاري المديني، يقال أنه ولد في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم -. سمع: أباه. وروى عنه: عروة بن الزبير (¬3). وأبوه: أبو مسعود عقبة بن عمرو بن ثعلبة بن أسيرة الخزرجي الأنصاري ويعرف بالبدري، قيل: لأنه شهد بدرًا، وقيل: لأنه كان ¬

_ (¬1) رواه أحمد (2/ 150)، وعبد الرزاق (4401). (¬2) "المسند" ص (26). (¬3) انظر "التاريخ الكبير" (2/ ترجمة 1845)، و"الجرح والتعديل" (2/ ترجمة 1462)، و"التهذيب" (4/ ترجمة 724).

الأصل

يسكن بدرًا ولم يشهد الحرب، سكن الكوفة. وروى عنه: قيس بن أبي حازم، وأبو بكر بن عبد الرحمن، وغيرهما. مات في خلافة علي -رضي الله عنه- (¬1). وروى الحديث القعنبي عن مالك عن ابن شهاب وقال: إن عمر بن عبد العزيز أخر الصلاة يومًا فدخل عليه عروة بن الزبير فأخبره أن المغيرة بن شعبة أخر الصلاة يومًا وهو بالكوفة فدخل عليه أبو مسعود الأنصاري وقال: ما هذا يا مغيرة أليس قد علمت أن جبريل نزل فصلى، فصلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم صلى فصلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم قال: "بهذا أمرت" وهو مخرج في "الصحيحين" (¬2) من رواية مالك، ويشبه أن يكون هو مختصر حديث ابن عباس الذي يذكره على الأثر. وفيه أنهم كانوا يعجلون الصلاة ويستبعدون تأخيرها. وقوله: "اتق [الله] (¬3) يا عروة وانظر ما تقول" لا يحمل مثله على الاتهام، ولكن المقصود الاحتياط والاستثبات ليتذكر الراوي ويتجنب ما عساه يعرض من نسيان وغلط. الأصل [100] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا عمرو بن أبي سلمة، عن عبد العزيز بن محمَّد، عن عَبْد الرَّحْمَنِ بْنُ الحَارِثِ المخزومي، عَنْ حَكِيمِ بْنِ حَكِيمِ، عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرِ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ؛ أنَّ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: "أَمَّنِي ¬

_ (¬1) انظر "معرفة الصحابة" (4/ ترجمة 2240)، و"الإصابة" (4/ ترجمة 5610). (¬2) رواه البخاري (521)، ومسلم (610/ 167). (¬3) سقط لفظ الجلالة من "الأصل".

الشرح

جِبْرِيلُ عِنْدَ باب البَيْتِ مَرَّتَيْنِ فَصَلَّى بِي الظُّهْرَ حِينَ كانَ الفيء مثل الشِّرَاكِ ثم صَلَّى العَصْرَ حِينَ كَانَ كل شيء بقدر ظله، وَصَلَّى المَغْرِبَ -حِينَ أَفْطَرَ الصَّائِمُ ثم صَلَّى العِشَاءَ حِينَ غَابَ الشَّفَقُ ثم صَلَّى الصبحَ حِينَ حَرُمَ الطَّعَامُ وَالشَّرَابُ عَلَى الصَّائِم، ثم صَلَّى المرة الأخيرة الظهر حين كان كل شيء بقدر ظله قدر العصر بالأمس، ثم صلَّى العصر حين كان ظل كل شيء مثليه، ثم صلى المغرب للقدر الأول لم يؤخرها، ثم صلى العشاء الآخرة حين ذهب ثلث الليل، ثم صلى الصبح حين أسفر، ثُمَّ التَفَتَ إِلَي فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ هذا وَقْتُ الأنبِيَاءِ مِنْ قَبْلِكَ وَالْوَقْتُ فيمَا بَيْنَ هَذَيْنِ الوَقْتَيْنِ". قال الشافعي: بهذا نأخذ، وهذه المواقيت في (1/ ق 45 - أ) الحضر (¬1). الشرح عبد الرحمن: هو ابن الحارث بن عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة عمرو بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، أبو الحارث القرشي المخزومي. حدّث عن: حكيم بن حكيم، وعمرو بن شعيب، وزيد بن علي. وسمع منه: الثوري، وعبد العزيز بن محمَّد الدراوردي. مات سنة ثلاث وأربعين ومائة (¬2). وحكيم: هو ابن حكيم بن عباد بن حنيف الأنصاري أخو عثمان بن حكيم. ¬

_ (¬1) "المسند" ص (26 - 27). (¬2) انظر "التاريخ الكبير" (5/ ترجمة 878)، و"الجرح والتعديل" (5/ ترجمة 1057)، و"التهذيب" (17/ ترجمة 3787).

روى عن: نافع بن جبير، وأبي أمامة بن سهل. وروى عنه: سهيل بن أبي صالح، وغيره (¬1). ونافع: هو ابن جبير بن أبي مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف القرشي المديني أبو محمَّد. سمع: ابن عباس، وأبا هريرة، وعائشة، وجرير بن عبد الله. وروى عنه: عروة بن الزبير، ومحمد بن سوقة، وعمرو بن دينار، وعقبة بن مسلم. توفي في خلافة سليمان بن عبد الملك (¬2). والحديث ثابت مشهور: رواه الحميدي عن عبد العزيز بن محمَّد الدراوردي كذلك، ورواه سفيان الثوري عن عبد الرحمن بن الحارث، وأخرجه أبو داود (¬3) من حديث الثوري. وقصة إمامة جبريل رواها جابر بن عبد الله (¬4)، وأبو هريرة، وأبو ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (3/ ترجمة 69)، و"الجرح والتعديل" (3/ ترجمة 877)، و"التهذيب" (7/ ترجمة 1455). (¬2) انظر "التاريخ الكبير" (8/ ترجمة 2257)، و"الجرح والتعديل" (8/ ترجمة 2069)، و"التهذيب" (29/ ترجمة 6359). (¬3) "سنن أبي داود" (393)، ورواه الترمذي (149)، وابن الجارود (149، 150)، وابن خزيمة (325)، والحاكم (1/ 306). قال الترمذي: حسن صحيح، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (1402). وقال ابن حجر: وفي إسناده عبد الرحمن بن الحارث مختلف فيه لكنه توبع، أخرجه عبد الرزاق عن العمري عن عمر بن نافع عن أبيه، قال ابن دقيق العيد: هي متابعة حسنة، وصححه أبو بكر بن العربي وابن عبد البر أ. هـ، "التلخيص" (242). (¬4) رواه الحاكم (1/ 310)، والدارقطني (1/ 257 رقم 3)، والبيهقي (1/ 368). قال البخاري كما في "العلل" للترمذي (84): أصح الأحاديث عندي في المواقيت حديث جابر، وحسن حديث أبي هريرة.

سعيد، وغيرهم أيضًا. وقوله: "عند باب البيت" قد يستشهد به لاستحباب أداء الفرائض خارج البيت. وقوله: "حين كان الفيء مثل الشراك" في بعض الروايات يذكر: "حين زالت الشمس" والمقصود أن الظل في حالة الاستواء في غاية النقصان ويختلف قدره بالفصول والبلدان، وهي المشهور أن الشمس إذا استوت فوق الكعبة في أطول يوم من السنة لم ير لشيء من جوانبها ظل، فإذا ظهر الفيء قليلًا في جانب الشرق وإن كان قدر الشراك فقد زالت الشمس. وقوله: "ثم صلى العصر حين كان كل شيء بقدر ظله" يعني: سوى ما يبقى حالة الاستواء، واللفظة من المقلوب، المعنى: حين كان ظل كل شيء بقدره، وذكر في المرة الثانية: أنه صلى الظهر حين كان كل شيء بقدر ظله قدر العصر بالأمس، أي: وقت العصر، وقد يوهم هذا اشتراك الصلاتين في بعض الوقت؛ لكن أوَّله الشافعي على أنه ابتدأ بالعصر في اليوم الأول حين كان ظل الشيء مثله، وفرغ من الظهر في اليوم الثاني حين كان ظل الشيء مثله، ودليل هذا التأويل: ما روي عن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ووقت الظهر ما لم يدخل وقت العصر" (¬1). وقوله: "ثم صلى العصر حين (8/ ق 45 - ب) كان ظل كل شيء مثليه" مع قوله آخرًا: "والوقت فيما بين هذين الوقتين" يقتضي انتهاء ¬

_ (¬1) لم أجده في حديث ابن عمر ورواه مسلم (612/ 172) من حديث ابن عمر، فلعله تحرف من الناسخ. والله أعلم.

وقت العصر بمصير الظل مثليه، وقد ذهب إليه بعض أصحابنا، لكن الظاهر امتداده إلى غروب الشمس؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر" (¬1). وخبر ابن عباس محمول على أن الاختيار: أن لا يؤخّر العصر عن مصير الظل مثليه. وقوله: "ثم صلى المغرب للقدر الأول لم يؤخرها" أي للوقت الأول، واحتج به الشافعي على أنه ليس للمغرب إلا وقت واحد؛ لأن إتيان جبريل عليه السلام وإقامته في اليومين كان لبيان مواقيت الصلاة، يوضحه ما في رواية جابر: أن جبريل عليه السلام أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - يعلمه الصلاة فجاءه حين زالت الشمس ... وساق الحديث (¬2)، فلو كان له وقت آخر لبيّنه كما بيَّن في سائر الصلوات، وهذا قوله الأظهر، وله قول آخر: أنه يمتد إلى غروب الشفق واختاره طائفة من الأصحاب، وورد في "الصحيح" (¬3) أحاديث تصرح به، وذكر جماعة من الحفاظ أنه آخر الأمرين من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأن إمامة جبريل كانت بمكة، ألا تراه يقول: "عند باب البيت". والشفق: الحمرة، وبه قال عمر، وابن عمر، وابن عباس، وعبادة بن الصامت -رضي الله عنهم-. وقوله: "ثم صلى العشاء الآخرة حين ذهب ثلث الليل" ثلث الليل لصلاة العشاء كمصير الظل مثليه لصلاة العصر، وكذا للإسفار لصلاة الصبح. ¬

_ (¬1) رواه البخاري (579)، ومسلم (608/ 163). (¬2) سبق تخريجه قريبًا. (¬3) روى في ذلك مسلم في ""صحيحه" (612) من حديث عبد الله بن عمرو.

الأصل

وفي الحديث تقديم صلاة الظهر على سائر الصلوات، يقال لها لذلك: الصلاة الأولى. وقوله: "هذا وقت الأنبياء قبلك" يمكن حمله على ما روي من نسبة كل صلاة من الصلوات الخمس إلى نبي من الأنبياء، فعن عائشة أنه - صلى الله عليه وسلم - سئل عن هذِه الصلوات فقال: "هذِه مواريث آبائي وإخواني: أما صلاة الهاجرة فتاب الله على داود حين زالت الشمس فصلى لله تعالى أربع ركعات فجعلها الله لي ولأمتي تمحيصًا ودرجات، ونسب صلاة العصر إلى سليمان، والمغرب إلى يعقوب، وصلاة العشاء إلى يونس، وصلاة الفجر إلى آدم" (¬1) فكأن المعنى أن كل واحد منهم صلى الصلاة المنسوبة إليه في الوقت الذي بينه. وقوله: "والوقت فيما بين هذين الوقتين" أي: وقت كل واحدة (1/ ق 46 - أ) من هذِه الصلوات يمتد من الوقت الذي صليت فيه المرة الأولى إلى الوقت الذي صليت فيه المرة الثانية. وقول الشافعي: "وبهذا نأخذ" هو قوله الجديد؛ فأما قوله القديم: وهو امتداد وقت المغرب إلى غيبوبة الشفق فإنه يخالف قضية الحديث. وقوله: "وهذِه المواقيت في الحضر" يريد غالب الحال وهو ما إذا لم يوجد سبب يرخص في الجمع ونقل الصلاة من وقتها الأصلي إلى وقت أختها. الأصل [101] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا ¬

_ (¬1) قال الحافظ في "اللسان" (5/ ترجمة 838): موضوع.

الشرح

اشتد الحر فأبردوا بالصلاة، فإن شدة الحر من فيح جهنم"، وقال: "اشتكت النار إلى ربها فقالت: ربي أكل بعضي بعضًا فأذن لها بنفسين نفس في الشتاء ونفس في الصيف، فأشد ما تجدون من الحر من حرها، وأشد ما تجدون من البرد من زمهريرها" (¬1). [102] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة، فإن شدة الحرّ من فيح جهنم" (¬2). [103] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا الثقة، عن ليث بن سعد، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله (¬3). الشرح الليث بن سعد بن عبد الرحمن أبو الحارث الفهمي، مولاهم المصري من الأئمة المشهورين. سمع: الزهري، وسعيد المقبري، ويحيى بن سعيد. وروى عنه: أحمد بن يونس، وأبو الوليد الطيالسي، وقتيبة بن سعيد، والخلق. ويقال: إن الشافعي كان يشق عليه أن ليثًا فاته. توفي سنة اثنتين وسبعين ومائة، وقيل: سنة خمس (¬4). ¬

_ (¬1) "المسند" ص (27). (¬2) "المسند" ص (27). (¬3) "المسند" ص (27). (¬4) انظر "التاريخ الكبير" (7/ ترجمة 1053)، و"الجرح والتعديل" (7/ ترجمة 1015)، و"التهذيب" (24/ ترجمة 5016).

والحديث الأول صحيح أخرجه البخاري (¬1) عن علي بن عبد الله عن سفيان، وكذا الثاني (¬2) وهو مدون في "الموطأ" (¬3)، وكذا الثالث أخرجه مسلم (¬4) والترمذي (¬5) عن قتيبة عن الليث. وفي الباب عن أبي سعيد، وأبي ذر، وابن عمر، وأبي موسى، وأنس -رضي الله عنهم-. وقوله: "أبردوا بالصلاة" أي: أخروها عن وقت الهاجرة إلى أن ينكسر وهج الحرّ، يقال: أبرد بالشيء إذا أتى به في برد النهار، وأبردت كذا إذا فعلته حينئذ. وقوله: "من فيح جهنم" أي: من قوّة حرها وانتشاره، وأصل الكلمة: السعة والانتشار، ومنه قولهم: مكان (1/ ق 46 - ب) أفيح وامرأة فيحاء أي: واسعة، ويروى "من فوح جهنم" وهما بمعنى، وفوح الطيب: سطوع ريحه وانتشارها، والزمهرير: أشد البرد. والحديث في الإبراد وإن كان مطلقًا فهو محمول عند الشافعي على البلاد التي لها حرٌّ مؤذٍ كالحجاز، ومخصوص بإمام المسجد الذي ينتابه الناس من بعد، فأما من يصلي في بيته منفردًا أو في جماعة بفناء بيته لا يحضرها إلا من بحضرته فيصلي في أول الوقت، وفيه قول أو وجه: "أنه يؤخذ بإطلاقه" واحتج أبو عيسى الترمذي له بما روى أبو ذر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان في سفر ومعه بلال فأراد أن يقيم، فقال - صلى الله عليه وسلم -: "أبرد", ثم أراد أن يقيم، فقال: "أبرد" (¬6). وكان القوم مجتمعين في السفر عنده ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (536). (¬2) "صحيح البخاري" (533). (¬3) "الموطأ" (1/ 15 ر قم 29). (¬4) "صحيح مسلم" (615/ 180). (¬5) "جامع الترمذي" (157). (¬6) رواه البخاري (539)، ومسلم (616/ 184).

الأصل

لا ينتابون من بُعد، ثم الإبراد في موضعه محبوب، وقيل: هو رخصة والتعجيل أفضل. قال الشافعي: ولا يبلغ بتأخيرها آخر وقتها ويصليهما معًا يعني: الظهر والعصر (¬1)، وذكر الأصحاب أنه لا ينبغي أن يؤخرها عن النصف الأول من الوقت، وفي الخبر إشارة إلى أن في غير حالة الاشتداد ينبغي أن لا تؤخر الصلاة. الأصل [104] أبنا الربيع، أبنا الشافعي؛ أن مالكًا أخبره عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار [و] (¬2) عن بسر بن سعيد وعن الأعرج، يحدثونه عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح، ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر" (¬3). الشرح بسر بن سعيد من أهل المدينة يقال له: الحضرمي، وأيضًا مولى ابن الحضرمي، وكان من المتعبدين. سمع: أبا هريرة، وأبا جهيم، والزيدين ابن ثابت وابن خالد، وسعد بن أبي وقاص، وأبا سعيد الخدري. وروى عنه: أبو سلمة، وزيد بن أسلم، وسالم أبو النضر، وبكير بن الأشج. ¬

_ (¬1) "الأم" (1/ 73). (¬2) سقط من "الأصل" والمثبت من "المسند". (¬3) "المسند" ص (27).

الأصل

مات سنة مائة (¬1). والحديث صحيح بالاتفاق: أخرجه البخاري (¬2) عن القعنبي، ومسلم (¬3) عن يحيى بن يحيى بروايتهما عن مالك، وفي "الصحيحين" (¬4) أيضًا من رواية مالك عن ابن شهاب عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة". واحتج الشافعي بما رواه على أن وقت العصر يبقى إلى غروب الشمس، واحتج به أيضًا (1/ ق 47 - أ) على أن من صلى في الوقت ركعة والباقي خارج الوقت تكون صلاته جائزة مؤداة، وعلى أن المعذور إذا زال عذره وقد بقي من الوقت قدر ركعة كما إذا أفاق المجنون أو بلغ الصبي تلزمه تلك الصلاة، وعلى أن من طلعت عليه الشمس وهو في صلاة الصبح لا تبطل صلاته، خلافًا لقول بعضهم، وفي الجمع بين هذِه الاحتجاجات توقف. الأصل [105] أبنا الربيع، أبنا الشافعي قال: وإنما أحببت تقديم العصر لأن محمَّد بن إسماعيل أبنا، عن ابن أبي ذئب، عن ابن شهاب، عن أنس قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي العصر والشمس بيضاء حية، ثم يذهب الذاهب إلى العوالي فيأتيها والشمس مرتفعة (¬5). ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (2/ ترجمة 1914)، و"الجرح والتعديل" (2/ ترجمة 1680)، و"التهذيب" (4/ ترجمة 668). (¬2) "صحيح البخاري" (579). (¬3) "صحيح مسلم" (608/ 163). (¬4) "صحيح البخاري" (580)، و"صحيح مسلم" (607/ 161). (¬5) "المسند" ص (28).

الشرح

الشرح الحديث صحيح: أخرجه البخاري (¬1) عن أبي اليمان عن شعيب عن الزهري. وقوله: "حية" أي: باقية الحرارة واللون لم يذهب حرّها ولم يتغير لونها ولم يصفر، وعبر عن حرها ونورها بالحياة؛ لأن كمالها بهما، والعالية كل ما كان من جهة نجد من المدينة من قراها، وما كان من قراها من جهة تهامة فيقال لها: السافلة، وأدنى العوالي على ثلاثة أميال من المدينة، وقيل: على أربعة، وأبعدها على ثمانية. وفيه دلالة ظاهرة على تقديمه العصر، وفي "الصحيحين" (¬2) من رواية مالك عن ابن شهاب عن أنس قال: "كنا نصلي العصر ثم يذهب الذاهب إلى قباء فيأتيها والشمس مرتفعة" وفي "الصحيحين" (¬3) أيضًا عن أبي النجاشي عن رافع بن خديج قال: كنا نصلي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة العصر ثم ننحر الجزور فنقسم عشرة أقسام ثم نطبخ فنأكل اللحم نضيجًا قبل أن تغرب الشمس. وبالجملة ففي الأحاديث الدالة على استحباب تعجيل صلاة العصر كثرة، وإليه ذهب كثير من علماء الصحابة والتابعين. الأصل [106] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا ابن أبي فديك، عن ابن ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (550)، وأخرجه أيضًا مسلم (621/ 192) من طريق الليث عن ابن شهاب. (¬2) "صحيح البخاري" (551)، و"صحيح مسلم" (621/ 193). (¬3) "صحيح البخاري" (2485)، و"صحيح مسلم" (625/ 198).

الشرح

أبي ذئب عن ابن شهاب، عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، عن نوفل بن معاوية الديلي قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله" (¬1). الشرح أبو بكر: هو ابن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم المخزومي القرشي، يقال: اسمه (1/ ق 47 - ب) أبو بكر، وكنيته أبو عبد الرحمن، وكان يقال له: واهب قريش لكثرة صلاته. سمع: أبا مسعود، وأبا هريرة، وعائشة، وأم سلمة. وروى عنه: ابنه عبد الملك، والزهري، وعمر بن عبد العزيز. مات سنة أربع وتسعين (¬2). ونوفل: هو ابن معاوية بن عمرو بن صخر بن يعمر بن نفاثة بن عدي بن الديل الديلي، ويقال: ابن معاوية بن عمرو من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، يعدُّ في أهل الحجاز. روى عنه: أبو بكر بن عبد الرحمن، وعبد الرحمن بن مطيع، وعراك بن مالك. مات بالمدينة زمن يزيد بن معاوية وكان قد بلغ المائة (¬3). والحديث صحيح مخرج في "الصحيحين" (¬4) من رواية مالك عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: رواه البخاري عن عبد الله بن ¬

_ (¬1) "المسند" ص (28). (¬2) انظر "الجرح والتعديل" (9/ ترجمة 4910)، و"التهذيب" (33/ ترجمة 7243). (¬3) انظر "معرفة الصحابة" (5/ ترجمة 2895)، و"الإصابة" (6/ ترجمة 8837). (¬4) "صحيح البخاري" (552)، و"صحيح مسلم" (626/ 200).

الأصل

يوسف، ومسلم عن يحيى بن يحيى بروايتهما عن مالك، ورواه جماعة عن سفيان بن عيينة عن الزهري عن سالم، عن أبيه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬1)؛ وأما من رواية نوفل فرواه أصحاب ابن أبي ذئب كما ذكرنا، ومنهم من رواه عن الزهري عن أبي بكر بن عبد الرحمن عن عبد الرحمن بن مطيع عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬2)، ومنهم من رواه عن يزيد بن أبي حبيب عن عراك بن مالك عن نوفل (¬3). وقوله: "فكأنما وتر ماله" أي: نقص، ووتر ونقص يعديان إلى مفعولين، يقال: وتره حقه أي: نقصه، ومنه قوله تعالى: {وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ} (¬4) والموتور: الذي قتل حميمه وأخذ ماله فلم يدرك بثأره، يقال منه أيضًا: وتره يتره وترًا، والمضبوط في الرواية: أهلَه ومالَه" بنصب اللامين، ولو رفع اللامان لكان صحيحًا، والأشهر من معنى الحديث نقص من فاته أهله وماله فبقي وترًا، وقيل: إنه من الوتر بالمعنى الثاني شبه ما يلحقه بما يلحق الموتور من قتل حميمه وأخذ ماله، وتخصيص صلاة العصر بالذكر يبين زيادة فضلها، وفي بعض الروايات "الذي تفوته الصلاة فكأنما وتر أهله وماله". الأصل [107] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا إبراهيم بن محمَّد، عن محمَّد بن عمرو بن علقمة، عن أبي نعيم، عن جابر قال: كنا نصلي ¬

_ (¬1) ومن طريق سفيان أخرجه مسلم (626/ 200) عن ابن أبي شيبة وعمرو الناقد. (¬2) أخرجه البخاري (3602) ومسلم (2886/ 11) ضمن حديث من طريق الزهري عن أبي بكر، عن عبد الرحمن بن مطيع، عن نوفل بن معاوية. (¬3) ومن طريقه أخرجه النسائي (1/ 238). (¬4) محمَّد: 35.

الشرح

المغرب مع النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم نخرج نتناضل حتى ندخل بيوت بني سلمة ننظر إلى مواضع النبل من الإسفار (¬1). [108] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا ابن أبي فديك، عن ابن أبي ذئب، عن صالح مولى التوءمة، عن زيد بن خالد الجهني قال: كنا نصلي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المغرب، ثم ننصرف فنأتي السوق، ولو رمي بنبلٍ لرئي مواقعها (¬2). [109] أخبرنا ابن أبي فديك، عن ابن أبي ذئب (1/ ق 48 - أ) عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن القعقاع بن حكيم قال: دخلنا على جابر بن عبد الله، قال جابر: كنا نصلي مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم ننصرف فنأتي بني سلمة فنبصر مواقع النبل (¬3). الشرح محمَّد: هو ابن عمرو بن علقمة بن وقاص، أبو الحسن الليثي المديني. سمع: أباه، وأبا سلمة بن عبد الرحمن. وروى عنه: مالك، والثوري (¬4). وأبو نعيم: هو وهب بن كيسان مولى عبد الله بن الزبير بن العوام. سمع: جابر بن عبد الله، وعمر بن أبي سلمة، ومحمد بن عمرو بن عطاء. ¬

_ (¬1) "المسند" ص (28). (¬2) "المسند" ص (28) وقد أعاد الناسخ الحديث في "الأصل"سهوًا بعد حديث جابر. (¬3) "المسند" ص (28). (¬4) انظر "التاريخ الكبير" (1/ ترجمة 583)، و"الجرح والتعديل" (8/ ترجمة 138)، و"التهذيب" (26/ ترجمة 5513).

وروى عنه: هشام بن عروة، ومالك، ومحمد بن عمرو بن حلحلة (¬1). وصالح: هو ابن أبي صالح نبهان مولى التوءمة بنت أمية القرشي المديني. سمع: أبا هريرة، وزيد بن خالد، وابن عباس. وسمع منه: ابن أبي ذئب، والثوري، وزياد بن سعد (¬2). وزيد: هو ابن خالد أبو طلحة أو أبو عبد الرحمن الجهني. سمع: النبي - صلى الله عليه وسلم -، وعثمان بن عفان، وأبا طلحة الأنصاري. وروى عنه: عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، وعطاء بن يسار، وبسر بن سعيد، وغيرهم. مات سنة ثمان وسبعين (¬3). ومعنى الحديث مخرج في "الصحيحين" (¬4) من رواية رافع بن خديج. والتناضل: الترامي، وبنو سلمة -بكسر اللام- وهي جابر بن عبد الله الأنصاري وهو سلمة بن سعد بن علي بن أسد بن ساردة بن يزيد بن جشم بن الخزرج، والنبل: السهام وهي مؤنثة ولذلك قال: "لرئي مواقعها" ويقال: أسفر الصبح أي: أضاء، وأسفر وجهه أي: أشرق، ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (8/ ترجمة 6563)، و"الجرح والتعديل" (9/ ترجمة 104)، و"التهذيب" (31/ ترجمة 6765). (¬2) انظر "التاريخ الكبير" (4/ ترجمة 2865)، و"الجرح والتعديل" (4/ ترجمة 1830)، و"التهذيب" (13/ ترجمة 2842). (¬3) انظر "معرفة الصحابة" (3/ ترجمة 1029)، و"الإصابة" (2/ ترجمة 2897). (¬4) "صحيح البخاري" (559)، و"صحيح مسلم" (637/ 217) من طريق الأوزاعي، عن صهيب مولى رافع، عنه.

الأصل

وأسفر فلان بالصلاة. واحتج الشافعي بهذِه الأخبار على استحباب تعجيل صلاة المغرب، فإنهم كانوا يفرغون منها وقد بقي من ضوء النهار ما يدرك فيه مواقع النبل على صغرها. وقوله: "ننظر إلى مواقع النبل" يجوز أن يريد المواضع التي أصابتها النبل، ويجوز أن يريد المواضع التي يبغي الرامي إصابتها، وبين موقف الرامي وبينها مسافة لا يتأتى إدراكها إلا وقد بقي ضوء كثير. وفيه أنهم كانوا يتناضلون، وأنهم كانوا يتناضلون في الطرق ولا يمنعون منه مع احتمال أن يصيب السهم بعض المارة، وأنهم كانوا يتناضلون ليلًا، وأنهم كانوا يتناضلون مارّين فإنه قال: ثم نخرج نتناضل حتى نأتي بيوت بني سلِمة، وأن الإسفار (7/ ق 48 - ب) يستعمل في آخر النهار كما يستعمل في أوله. الأصل [110] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان بن عيينة، عن ابن أبي لبيد، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم، هي العشاء إلا أنهم يعتمون بالإبل" (¬1). الشرح ابن أبي لبيد: هو عبد الله بن أبي لبيد المديني، يقال: إنه كان من عباد أهل المدينة، وأنه كان يرى القدر. ¬

_ (¬1) "المسند" ص (28).

الأصل

روى عنه: السفيانان (¬1). والحديث صحيح أخرجه مسلم (¬2) عن زهير بن حرب وغيره، عن سفيان. وعتمتُ بالإبل: أخرت حلابها أو المجيء بها إلى ظلمة الليل، والعتمة: ظلمة الليل، وأَعْتَمَ الرجل: دخل في الظلمة، ويقال أيضًا: عَتَم قِراه، أي: آخره، وعتمت الحاجة وأعتمت: تأخرت، وما عتم فلان إن فعل كذا، أي: ما لبث، وكانوا يسمون العشاء العتمة لتأخرها، فمنع النبي - صلى الله عليه وسلم - من تسميتها عتمة وأمر بأن تسمى العشاء كما ورد به القرآن، وقال الأزهري: كان أرباب الإبل في البادية يُريحون الإبل ثم [ينيخونها] (¬3) حتى يُعتموا أي: يدخلوا في العتمة (¬4). وكأن معنى الحديث: لا يغرنكم فعلهم هذا وتسميتهم هذه الصلاة عتمة حتى يؤخروها, ولكن صلُّوها إذا حان وقتها، ويدل على ما ذكره أن الشافعي أورد الحديث في باب وقت العشاء. الأصل [111] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك بن أنس، عن يحيى بن سعيد، عن عمرة بنت عبد الرحمن، عن عائشة قالت: إن كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليصلي الصبح فتنصرف النساء متلفعات بمروطهن ما يعرفن من الغلس (¬5). ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (5/ ترجمة 570)، و"الجرح والتعديل" (5/ ترجمة 684)، و"التهذيب" (15/ ترجمة 3510). (¬2) "صحيح مسلم" (644). (¬3) في "الأصل": ينتجونها. والمثبت من التخريج. (¬4) انظر "النهاية" و"اللسان" مادة: عتم. (¬5) "المسند" ص (29).

الشرح

الشرح عمرة بنت عبد الرحمن بن سعد بن زرارة. سمعت: عائشة. وروى عنها: الزهري، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وغيرهما (¬1). والحديث صحيح: أخرجاه في "الكتابين" (¬2) من رواية مالك، وكذلك أخرجه أبو داود (¬3) عن القعنبي عن مالك، ورواه عروة والقاسم بن محمَّد كما روته عمرة عن عائشة، وفي الباب عن أنس بن مالك، وسهل بن سعد، وزيد بن ثابت، وأم سلمة. والتلفع بالثوب: الاشتمال به، وقيل: الالتحاف مع تغطية الرأس وروى اللفظة بعض رواة "الموطأ": "متلففات" بفاءين، والمرط: كساء من صوف أو خزٍّ أو كتان، عن الخليل، ويقال: هو الإزار، ويقال (1/ ق 49 - أ) درع المرأة (¬4)، والغلس: ظلمة آخر الليل، وقيل: اختلاط ضياء الصبح بظلمة الليل. وفي الحديث أن النسوة كن يحضرن المسجد للصلاة في وقت الظلام، وأنهن كن يحتجبن ويسرعن الانصراف لئلا يعرفن فلا يختلطن بالرجال إذا خرجوا، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يفرغ من صلاة الصبح مغلسًا وهو المقصود في هذا الموضع، وما روي أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: "أسفروا بالفجر" (¬5) حمله حاملون على الليالي المقمرة، فإن الصبح لا يبين فيها فأمر بالاحتياط. ¬

_ (¬1) انظر "الطبقات الكبرى" (8/ 480)، و"التهذيب" (35/ ترجمة 7895). (¬2) "صحيح البخاري" (867)، و"صحيح مسلم" (645/ 232). (¬3) "سنن أبي داود" (423). (¬4) نقله السيوطي في "تنوير الحوالك" (1/ 18) عن المصنف برمته. (¬5) رواه أبو داود (424)، والترمذي (154)، والنسائي (1/ 272) , وابن ماجه (672) =

الأصل

الأصل [112] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن ابن شهاب، عن سالم، عن أبيه؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى المغرب والعشاء بمزدلفة جميعًا (¬1) (¬2). [113] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن أبي الزبير، عن أبي الطفيل عامر بن واثلة أن معاذ بن جبل أخبره أنهم خرجوا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام تبوك، فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء، قال: فأخر الصلاة يومًا، ثم خرج فصلى الظهر والعصر جميعًا، ثم دخل ثم خرج فصلى المغرب والعشاء جميعًا (¬3). [114] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان بن عيينة، عن ابن أبي نجيح، عن إسماعيل بن عبد الرحمن بن أبي (ذئب) (¬4) الأسدي قال: خرجنا مع ابن عمر إلى الحمى فغربت الشمس، فهبنا أن نقول: انزل فصل، فلما ذهب بياض الأفق وفحمة العشاء نزل فصلى ثلاثًا (ثم سلم فصلى ركعتين) (¬5) ثم سلم، ثم التفت إلينا فقال: هكذا رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعل (¬6). ¬

_ = وابن حبان (1490) جميعًا من حديث رافع بن خديج. قال الترمذي: حسن صحيح، وصححه الألباني في "الإرواء". (¬1) في حاشية الأصل: جميعًا. وعليها علامة نسخة. (¬2) "المسند" ص (29). والحديث رواه مسلم (1287/ 287). (¬3) "المسند" ص (29). والحديث رواه مسلم (706/ 52، 53) مختصرًا. (¬4) في "المسند" وكذا التخريج: ذؤيب. (¬5) تكرر في "الأصل". (¬6) "المسند" ص (29). والحديث رواه النسائي (1/ 286)، والحميدي (680)، والبيهقي (3/ 161)، وصححه الألباني.

الشرح

الشرح أبو الطفيل عامر بن واثلة -ويقال: عمرو بن واثلة- بن عبد الله بن عمرو بن جحش الليثي المكي، رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع ووصفه، ويقال: إنه آخر من مات ممن رآه. وروى عن: معاذ بن جبل، وابن عباس، وحذيفة بن اليمان. وروى عنه: الزهري، وأبو الزبير، والوليد بن جميع. وكان يسكن الكوفة ثم تحول إلى مكة فأقام بها إلى أن مات (¬1). ومعاذ بن جبل من علماء أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - شهد بدرًا والعقبة: وهو معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس الأنصاري الخزرجي (1/ ق 49 - ب) أبو عبد الرحمن، ويقال: أبو عبد الله، نزل الشام وتوفي بها سنة سبع عشرة أو ثمان عشرة عام الطاعون (¬2). وابن أبي نجيح أبو يسار عبد الله المكي، واسم أبي نجيح يسار. روى عنه: السفيانان، وابن علية، وهشام الدستوائي. وسمع: مجاهدًا، وطاوسًا، وعبد الله بن كثير، وأباه أبا نجيح. مات سنة إحدى وثلاثين ومائة، وقيل: سنة اثنتين، وكان مولى آل الأخنس الثقفي (¬3). وإسماعيل بن عبد الرحمن بن أبي ذئب الأسدي حجازي (¬4). ¬

_ (¬1) انظر "معرفة الصحابة" (4/ ترجمة 2153)، و"الإصابة" (7/ ترجمة 10160). (¬2) انظر "معرفة الصحابة" (5/ ترجمة 2578)، و"الإصابة" (6/ ترجمة 8043). (¬3) انظر "التاريخ الكبير" (5/ ترجمة 767)، و"الجرح والتعديل" (5/ ترجمة 947)، و"التهذيب" (16/ ترجمة 3612). (¬4) انظر "التاريخ الكبير" (1/ ترجمة 1149)، و"الجرح والتعديل" (2/ ترجمة 624)، و"التهذيب" (3/ ترجمة 460).

الأصل

ورواه عن ابن عمر كما رواه إسماعيل: سالم بن عبد الله، وأسلم مولى عمر، وعبد الله بن دينار، ورواه جماعة عن نافع عن ابن عمر. وفحمة العشاء: سواده، يقال: فَحْمة وفحَمة، والصواب عند أبي عبيد: فتح الحاء دون التسكين. وهذِه الأحاديث ذكرها الشافعي في "الأم" (¬1) إثر بيان مواقيت الصلاة ليبين وقت المسافر إذا جمع، وترجم الباب بوقت الصلاة في السفر، وفيها دليل على الجمع بين الصلاتين في وقت إحديهما، وعلى أنه يجوز الجمع وإن كان المسافر نازلًا في المنزل؛ لأن في حديث معاذ "أنه دخل ثم خرج" يعني: الخيمة أو نحوها، وهذا إنما يكون في حال النزول، والروايات المذكورة للحديث الثالث أصح وأولى من رواية من روى عن نافع عن ابن عمر أنه قال لمؤذنه حين آذنه بالصلاة سرْ حتى إذا كان قبل غروب الشفق نزل فصلى المغرب، ثم انتظر حتى غاب الشفق فصلى العشاء، ثم قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصنع مثل الذي صنعت (¬2) لأن الروايات الموافقة لما في الكتاب أكثر ورواتها أحفظ، وفيه أنه أخر الجمع عن أول وقت الصلاة الثانية لقوله: فلما ذهب بياض الأفق وفحمة العشاء نزل فصلى وأنهم كانوا يهابون الأكابر ويتركون الإنكار والاعتراض حملًا على أن عندهم ما لم يبلغهم. الأصل [115] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا يحيى بن حسان، عن حماد بن سلمة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر أبا بكر -رضي الله عنه- أن يصلي بالناس، فوجد النبي - صلى الله عليه وسلم - خفة فجاء فقعد إلى جنب أبي بكر ¬

_ (¬1) "الأم" (1/ 77). (¬2) رواه أبو داود (1212).

(1/ ق50 - أ) فأمَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبا بكر وهو قاعد، وأم أبو بكر الناس وهو قائم (¬1). [116] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا عبد الوهاب الثقفي، قال: سمعت يحيى بن سعيد يقول: حدثني ابن أبي مليكة أن عبيد بن عمير الليثي حدثه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر أبا بكر أن يصلي بالناس الصبح، وأن أبا بكر كبر فوجد النبي - صلى الله عليه وسلم - بعض الخفّة، فقام يفرج الصفوف قال: وكان أبو بكر لا يلتفت إذا صلى، فلما سمع أبو بكر الحسّ من ورائه عرف أنه لا يتقدم إلى ذلك المقعد إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فخنس وراء إلى الصف، فرده رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكانه، فجلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر قائم، حتى إذا فرغ أبو بكر قال: أي رسول الله أراك أصبحت صالحًا وهذا يوم بنت خارجة، فرجع أبو بكر إلى أهله فمكث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكانه وجلس إلى جنب الحجرة يحذّر الفتن وقال: "إني والله لا يمسك الناس عليَّ بشيء إلا أني لا أحل إلا ما أحل الله في كتابه، ولا أحرم إلا ما حرم الله في كتابه، يا فاطمة بنت رسول الله، يا صفية عمة رسول الله اعملا لما عند الله، فإني لا أغني عنكما من الله شيئًا" (¬2). ¬

_ (¬1) "المسند" ص (29). والحديث رواه الدارقطني (1/ 398 رقم 4)، والبيهقي (3/ 82). (¬2) "المسند" ص (29 - 30). والحديث مرسل، لكن مقصوده روي موصولًا من حديث عائشة: أخرجه البخاري (687)، ومسلم (418/ 90) من طريق موسى بن أبي عائشة، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن عائشة قالت: "ثقل النبي - صلى الله عليه وسلم - ... " الحديث.

الشرح

الشرح حماد: هو ابن سلمة بن دينار أبو سلمة الربعي البصري مولى ربيعة بن مالك بن حنظلة، ويقال: مولى قريش، وهو ابن أخت حميد الطويل. سمع: ثابتًا البناني، وداود بن أبي هند، وأيوب، وهشام بن عروة. وروى عنه: يزيد بن هارون، وعبد الرحمن بن مهدي، ويحيى القطان، ووكيع. مات سنة سبع وستين ومائة وهو ابن خمس وسبعين (¬1). وابن أبي مليكة: هو عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة زهير بن عبد الله بن جدعان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرّة التيمي المكي الأحول القاضي، أبو بكر أو أبو محمَّد. سمع: عائشة، وابن عمر، وابن عباس. ويقال: أدرك ثلاثين من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فصاعدًا. وروى عنه: ابن جريج، والليث بن سعد، وغيرهما مات سنة سبع عشرة ومائة (¬2). وعبيد: هو ابن عمير بن قتادة الليثي، أبو عبد الله أو أبو عاصم (1/ ق 50 - ب) كان يقصُّ لأهل مكة ويحسن. سمع: عائشة، وأبا موسى، وأبا سعيد، وأبا هريرة. ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (3/ ترجمة 89)، و"الجرح والتعديل" (3/ ترجمة 623)، و"التهذيب" (7/ ترجمة 1482). (¬2) انظر "التاريخ الكبير" (5/ ترجمة 412)، و"الجرح والتعديل" (5/ ترجمة 461)، و"التهذيب" (15/ ترجمة 3405).

وروى عنه: عطاء بن أبي رباح، وأبو الزبير، وعمرو بن دينار. ويقال: إنه مات قبل ابن عمر -رضي الله عنه- (¬1). وقوله: "لا يتقدّم إلى ذلك المقعد" في بعض النسخ: "إلى ذلك المقام" وفي "الأم" (¬2): "لا يتقدم ذلك المتقدم" ولما ذكر الشافعي وقت الصلاة في السفر عقبه بباب في صلاة المريض؛ لأن السفر والمرض يشتركان في كثير من الرخص. وقوله: "وأمَّ أبو بكر الناس وهو قائم" يعني: أن الناس كانوا يعتمدون أبا بكر في الانتقالات وهم مؤتمون بالنبي - صلى الله عليه وسلم -، إلا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان جالسًا ضعيف الصوت لا ينتهي إليه نظرهم ولا يسمعون صوته، فكان أبو بكر يُسمعهم تكبيره وكانت تلك الصلاة صلاة الظهر، كذلك رواه عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن عائشة (¬3). وفيه أنه تجوز الصلاة بإمام بعد إمام، وأنه يجوز لبعض المأمومين إعلام الباقين برفع الصوت بالتكبير، وأن الإِمام يقعد عند المرض والمأموم يقوم كما قام أبو بكر، وعدَّ هذا ناسخًا لما روي أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: "إنما جعل الإِمام ليؤتم به ... " الحديث (¬4)، فإن هذا كان في آخر الأمر؛ وأما صلاة الصبح المذكورة في الحديث الثاني فكان الإِمام فيها أبا بكر -رضي الله عنه- والنبي - صلى الله عليه وسلم - اقتدى به في الركعة الثانية وهي آخر صلاة صلاها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (5/ ترجمة 1479)، و"الجرح والتعديل" (5/ ترجمة 1896)، و"التهذيب" (19/ ترجمة 3730). (¬2) "الأم" (1/ 80) وفيه: "لا يتقدم ذلك المقام المقدم". (¬3) رواه مسلم (418/ 90). (¬4) رواه البخاري (688، 689)، ومسلم (411، 412) من حديث أنس وعائشة.

وقوله: "فخنس" أي: تأخر، يقال: خنس يخنس، والمصدر: الخُنوس. وقوله: "حتى إذا فرغ أبو بكر" يشبه أن يريد من الصلاة، وفيه إشارة إلى أن أبا بكر كان يؤمُّ. وقوله: "أصبحت صالحًا" يريد الخفة وتمهد عذره في الانصراف من عنده. وقوله: "وهذا يوم بنت خارجة" بنت خارجة إحدى زوجتي أبي بكر -رضي الله عنه- وكانت حاملًا وقت وفاته بابنته أم كلثوم، وفي قوله: "هذا يومها" إشارة إلى أن للنهار مدخلًا في القسم وإن كان الأصل الليل. وقوله: "يحذر الفتن" أي: ينهى عن السعي فيها ويرغب في التحرز، على ما اشتهر في الخبر: "ستكون فتنة يكون المضطجع فيها خيرًا من الجالس، والجالس خيرًا من (1/ ق 51 - أ) القائم، والقائم خيرًا من الماشي، والماشي خيرًا من الساعي" (¬1). وقوله: "لا يمسك الناس عليَّ بشيء" أي: لا يطالبونني ولا يوقفونني لشيء إذ لا مظلمة لأحد عندي، وقيل: أراد لا يمسكن الناس علي بشيء مما أبيح لي أو حرّم علي دونهم، وأشار إلى ما خص به من المباحات والمحرمات. وقوله: "لا أحل إلا ما أحل الله في كتابه" كأنه يعني بالكتاب: الوحي والحكمة، وإلا ففي السنة ما لا يشتمل عليه القرآن، وهي متبعة كما أن الكتاب متبع، وفي قوله: "يا فاطمة بنت رسول الله، يا صفية عمة رسول الله" ما هو كالتنبيه علي منعهما من الاغترار بالنسب ومجرد القرابة. ¬

_ (¬1) رواه البخاري (7081، 7082)، ومسلم (2886/ 10 - 12) من حديث أبي هريرة.

الأصل

وقوله: "اعملا لما عند الله" يعني: من الخير والثواب، وفي الحديث بيان أن أبا بكر كان يقصد في الصلاة قصد وجهه ولا يلتفت كما هو الأدب. والحديث الثاني مرسل، لكن روي طرف منه مسندًا عن عبيد، عن عائشة، ويشبه أن يكون الثاني كذلك. الأصل [117] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا الثقة، عن يونس، عن الحسن، عن أمه قالت: رأيت أم سلمة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - تسجد علي وسادة من أدم من رمد بها (¬1). الشرح يونس: هو ابن عبيد بن دينار العبدي القيسي البصري، مولي عبد القيس أبو عبد الله. سمع: الحسن البصري، وحميد بن هلال، وإبراهيم التيمي، وشعيب بن الحبحاب. وروى عنه: حماد بن زيد، وشعبة، والثوري، وعبد الوهاب الثقفي. مات سنة تسع وثلاثين ومائة (¬2). وأم الحسن البصري مولاة لأم سلمة يقال لها: خيرة، وكانت ربما غابت فتضع أم سلمة ثديها في فم الحسن تعلله إلى مجيء [أمه] (¬3) ¬

_ (¬1) "المسند" ص (30). (¬2) انظر "التاريخ الكبير" (8/ ترجمة 3488)، و"الجرح والتعديل" (9/ ترجمة 1020)، و"التهذيب" (32/ ترجمة 7180). (¬3) في "الأصل": أمها. خطأ، والقصة معروفة.

الأصل

ودر عليه ثديها، وعنيت حكمة الحسن وفصاحته من بركة ذلك (¬1). ويشبه أن يكون المراد من الثقة في الإسناد: عبد الوهاب الثقفي. وأورد الشافعي هذا الأثر في "باب صلاة المريض" وقال: من لم يقدر على السجود أومأ، ومن قدر على ما يقع عليه اسم السجود يلزمه أن يأتي به، ولا يجوز أن يرفع شيئًا إلى وجهه ويضع جبهته عليه؛ لأنه لا يقال له ساجد حتى يسجد بما هو لاصق بالأرض، قال: ولو سجد الصحيح على وسادة من أدم لاصق بالأرض كرهته ولم أر عليه أن يعيد، كما لو سجد على ربوة من الأرض أرفع من الموضع الذي يقوم عليه لا يعيد (¬2). وقضية (1/ ق 51 - ب) هذا النص أن التنكس في السجود لا يجب، والمرجح في المذهب خلافه. الأصل [118] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن بلالًا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم، وكان رجلًا أعمى لا ينادي حتى يقال له: أصبحت أصبحت" (¬3). [119] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن ابن شهاب، عن سالم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن بلالًا يؤذن بليل فكلوا واشربوا ... " (¬4). ¬

_ (¬1) انظر "الطبقات الكبرى" (8/ 476)، و"التهذيب" (35/ 7832). (¬2) "الأم" (1/ 80 - 81). (¬3) "المسند" ص (30). (¬4) "المسند" ص (30).

الشرح

الشرح ابن أم مكتوم (¬1): هو عبد الله بن زائدة، وقيل: عبد الله بن عمرو، وقيل: عبد الله بن الأصم، ويقال: إن اسمه عمرو وهو عمرو بن قيس، وهو المراد في قوله تعالى: {عَبَسَ وَتَوَلَّى (1) أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى (2)} (¬2) وهو أول من قدم المدينة بعد مصعب بن عمير، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - استخلفه على المدينة. والحديث صحيح: أخرجه البخاري (¬3) عن القعنبي عن مالك مسندًا عن سالم عن أبيه، وكذلك رواه جماعة، ورواه الشافعي وآخرون مرسلًا من رواية مالك، وأخرجه مسلم (¬4) عن قتيبة عن الليث عن ابن شهاب مسندًا، وأخرجه البخاري (¬5) أيضًا من رواية عبد الله بن دينار عن ابن عمر، ومسلم (¬6) من رواية نافع عنه. وفيه دلالة علي أن أذان الصبح يجوز تقديمه على دخول وقتها وعلى ذلك كانت سنة الحرمين، والحكمة فيه تنبيه النائم ليتأهب للصلاة بالغسل وغيره، وعلى أنه ينبغي أن يكون للمسجد مؤذنان يؤذن أحدهما قبل الصبح والآخر بعده، وفائدة الأذان الأول ما ذكرناه، وفائدة الثاني: معرفة دخول الوقت؛ وعلى أنه يجوز الاعتماد على أذان المؤذن فإنه جعل أذان ابن أم مكتوم غاية للأكل والشرب ومنع من التسحر بعده، وقد يفهم من قوله: "وكان رجلًا أعمى لا ينادي حتى يقال له: أصبحت أصبحت" أنه لا يجوز تقديم أذان الصبح بلا ضبط، ¬

_ (¬1) انظر "الإصابة" (4/ ترجمة 5768). (¬2) عبس: 1. (¬3) "صحيح البخاري" (617). (¬4) "صحيح مسلم" (1092/ 36). (¬5) "صحيح البخاري" (620). (¬6) "صحيح مسلم" (1092/ 38).

الأصل

إذ لو جاز ذلك لكفى لاحتساب وقوعه في الليل، ولم يحتج إلى مراجعة غيره، فأما إذا كان التجويز مقصورًا علي آخر الليل فلابد من الإطلاع علي دخول وقته والأعمى لا يعرف ذلك، وقلما تجد من يعرفه حينئذ. الأصل [120] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مسلم بن خالد، عن ابن جريج قال: أخبرني عبد العزيز بن (1/ ق 52 - أ) عبد الملك بن أبي محذورة أن عبد الله بن محيريز أخبره وكان يتيمًا في حجر أبي محذورة حين جهزه إلى الشام، فقلت لأبي محذورة: أي عم إني خارج إلى الشام وإني أخشى أن أسأل عن تأذينك فأخبرني أبا محذورة. قال: نعم، خرجت في نفير -وفي بعض النسخ: فأخبرني أبو محذورة قال: خرجت في أمر- فكنا ببعض طريق حنين، فقفل رسول الله من حنين ولقينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بعض الطريق، فأذن مؤذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالصلاة عند رسول الله، فسمعنا صوت المؤذن ونحن متنكبون، فصرخنا نحكيه ونستهزيء به، فسمع النبي - صلى الله عليه وسلم - فأرسل إلينا إلى أن وقفنا بين يديه، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أيكم الذي سمعت صوته قد ارتفع"؟ فأشار القوم كلهم إلي وصدقوا، فأرسل كلهم وحبسني، فقال: "قم فأذن بالصلاة". فقمت ولا شيء أكره إلي من النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا مما يأمرني به، فقمت بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فألقى علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التأذين هو بنفسه فقال: قل: "الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدًا رسول الله أشهد

الشرح

أن محمدًا رسول الله"، ثم قال لي: "ارجع فامدد من صوتك"، ثم قال: قل: "أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدًا رسول الله أشهد أن محمدًا رسول الله، حيّ على الصلاة حي على الصلاة، حي على الفلاح حي على الفلاح، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله"، ثم دعاني حين قضيت التأذين فأعطاني صُرّة فيها شيء من فضة، ثم وضع يده على ناصية أبي محذورة، ثم أمرَّها على وجهه، ثم أمرَّ بين ثدييه، ثم على كبده، حتى بلغت يده سرة أبي محذورة وقال: "بارك الله لك وبارك عليك". فقلت: يا رسول الله مُرني بالتأذين بمكة. فقال: "قد أمرتك به"، وذهب كل شيء كان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - من كراهية وعاد ذلك كله محبة للنبي - صلى الله عليه وسلم -، فقدمت على عتّاب بن أسيد عامل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأذَّنت بالصلاة عن أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قال ابن جريج: وأخبرني ذلك من أدركت من آل أبي محذورة (1/ ق 52 - ب) على نحو ما أخبر ابن محيريز. قال الشافعي: وأدركت إبراهيم بن عبد العزيز بن عبد الملك بن أبي محذورة يؤذن كما حكى ابن محيريز، وسمعته يحدث عن أبيه عن ابن محيريز عن أبي محذورة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - معنى ما حكى ابن جريج (¬1). الشرح عبد العزيز: هو ابن عبد الملك بن أبي محذورة القرشي المكي. سمع: عبد الله بن محيريز. ¬

_ (¬1) "المسند" ص (30 - 32).

وروى عنه: ابن جريج، ومحمد بن سعيد (¬1). وعبد الله بن محيريز هو أبو محيريز الجمحي القرشي الشامي. سمع: أبا سعيد الخدري، وأبا محذورة. وسمع منه: الزهري، ومحمد بن يحيى بن حبان، ومكحول، وابنه عبد الرحمن. ومات في أيام الوليد بن عبد الملك (¬2). وأبو محذورة: قيل: اسمه أوس، وقال أكثرهم: سمرة بن معير بن لوذان بن سعد بن جمح القرشي المكي مؤذن المسجد الحرام. روى عنه: ابنه عبد الملك، وكان الأذان بمكة في آله وعقبه بعده، وفيهم جماعة من الرواة (¬3). وعتاب (¬4): هو ابن أسيد بن أبي العيص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولاه -حين شخص إلى حنين- الصلاة بأهل مكة، وهو الذي حج بالناس في تلك السنة وهي سنة ثمانٍ من الهجرة، ويقال: قبض النبي - صلى الله عليه وسلم - وعتّاب عامل علي مكة. وإبراهيم بن عبد العزيز بن عبد الملك بن أبي محذورة: هو أبو إسماعيل المكي القرشي. سمع: جده عبد الملك. ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (6/ ترجمة 1547)، و"الجرح والتعديل" (5/ ترجمة 1808)، و"التهذيب" (18/ ترجمة 3460). (¬2) انظر "التاريخ الكبير" (5/ ترجمة 613)، و"الجرح والتعديل" (5/ ترجمة 776)، و"التهذيب" (16/ ترجمة 3555). (¬3) انظر "معرفة الصحابة" (6/ ترجمة 3443)، و"الإصابة" (7/ ترجمة 10502). (¬4) انظر "معرفة الصحابة" (4/ ترجمة 2331)، و"الإصابة" (4/ ترجمة 5395).

وسمع منه: الحميدي، وعبد الله بن عبد الوهاب (¬1). والحديث صحيح: أخرجه مختصرًا مسلم (¬2) وأبو داود (¬3) والترمذي (¬4)، وأخرجه ابن ماجه (¬5) بتمامه عن محمَّد بن بشار ومحمد بن يحيى عن أبي عاصم، عن ابن جريج. وقوله: "في حجر أبي محذورة" في اللفظ لغتان: فتح الحاء وكسرها، والجمع: حجور، واللغتان جاريتان في الحجر بمعنى الحرام، وكون الصغير في حجر الإنسان إذا لم يكن بجهة الولاية قد يكون بالوصاية، وقد يكون بالإنابة من جهة الحاكم، وتسمية أبا محذورة عمًّا يمكن أن يكون لأنه كان في حجره، وأن يكون لأنهما جمحيان، وأن يكون لمجرد كبر السنن. وقوله: "فقفل" القفول: الرجوع من السفر، وقوله: "متنكبون" أي: متجنبون، وقوله: "فأرسل إلينا إلى أن وقفنا"، وقوله: "فأعطاني صرة فيها شيء من فضة" كأنه كان فيها مع الفضة شيء من (1/ ق 53 - أ) خرز ونحوها، وإلا لأشبه أن يقول: فيها فضة. والحديث أصل في الترجيح وهو تكرير كلمتي الشهادة بعد الإتيان بهما مرتين مرتين، وفي أنه يرفع صوته إذا كرر علي ما قال: "ثم ارجع فامدد من صوتك" وفيه دليل على أن الأذان يشرع للمسافرين كما للحاضرين، ويشبه أن يكون أبو محذورة ومن معه حينئذ مسلمين في الظاهر وأن الإيمان لم يكن مستقرًّا في قلوبهم، أما أنهم كانوا مسلمين ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (1/ ترجمة 966)، و"الجرح والتعديل" (2/ ترجمة 338)، و"التهذيب" (2/ ترجمة 207). (¬2) "صحيح مسلم" (379/ 6). (¬3) "سنن أبي داود" (500). (¬4) "جامع الترمذي" (191) وقال: صحيح. (¬5) "سنن ابن ماجه" (708).

الأصل

في الظاهر: فلأنه أرسل إليهم محضرًا، ولأنه أمره بالأذان والكافر لا يؤمر بالأذان؛ وأما أنه لم يكن الإيمان مستقرًّا في قلوبهم: فلقوله: "ونحن متنكبون" ولقوله: "نحكيه ونستهزيء به" ولقوله: "ولا شيء أكره إلي من النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا مما يأمرني به". وقوله: "فسمع النبي - صلى الله عليه وسلم -" أي: سمع الصوت الرفيع عند الصراخ، ولم يقف على حالهم في الحكاية والاستهزاء وإلّا لأدبهم وما خلّاهم. وقوله: "وحبسني" أي: أمرني بالتوقف لأؤذن ثم أمره بالتأذين، وإلقاء الأذان عليه يجوز أن يكون الغرض منه مجرد تعليمه ليقوم بالأذان للصلوات، وفيه دليل على أنه يختار للأذان من هو أرفع صوتًا، ويجوز أن يقال: أمره بالتأذين للصلاة الحاضرة، فقد يشعر به قوله - صلى الله عليه وسلم -: "قم فأذن بالصلاة" وعلى هذا التقدير ففي الحديث دليل علي أنه يحسن الأذان بعد الأذان، إذا كان قد أذن مؤذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وإعطاؤه وإمرار اليد علي مقاديم بدنه والدعاء له كان تلطفًا من النبي - صلى الله عليه وسلم - واستمالة له، فأذهب الله ببركته الكراهية عن قلبه وحبب إليه التأذين حتى استدعى القيام به بمكة. الأصل [121] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا إبراهيم بن محمَّد وغيره، عن جعفر بن محمَّد، عن أبيه، عن جابر -رضي الله عنه- في حجة الإِسلام قال: فراح النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى الموقف بعرفة فخطب الناس الخطبة الأولى، ثم أذن بلال ثم أخذ النبي - صلى الله عليه وسلم - في الخطبة الثانية ففرغ من الخطبة وبلال من الأذان، ثم أقام بلال فصلى الظهر، ثم أقام فصلى العصر (¬1). ¬

_ (¬1) "المسند" ص (32).

الشرح

[122] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا محمَّد بن إسماعيل أو عبد الله ابن نافع، عن (1/ ق 53 - ب) ابن أبي ذئب، عن ابن شهاب، عن سالم، عن أبيه. قال أبو العباس: يعني بذلك (¬1). الشرح حديث جابر صحيح، أخرجه مسلم (¬2) وأبو داود (¬3) وابن ماجه (¬4) في كتبهم من رواية حاتم بن إسماعيل عن جعفر، وهو حديث طويل يشتمل على صفة حجة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بتمامها، وكذلك في "المسند" عن جابر في حجة الإِسلام، وأورد الشافعي في هذا الموضع ما احتاج إليه منه، وذكر أن أبا عبد الرحمن النسائي أخرجه مفرقًا في قريب من ثلاثين موضعًا، ورواه عبد الوهاب الثقفي، وسليمان بن بلال عن جعفر عن أبيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلًا. والحِجّة -بالكسر- المرة الواحدة، قال صاحب "الصحاح" وغيره: وهو شاذ والقياس: الفتح، كالقتلة والضربة (¬5)، ويقال: إن الحجَّة -بالفتح- الاسم من الحج، وعلى هذا فقوله: "في حجَّةِ الإسْلام" يجوز فيه الفتح والكسر. وقوله: "فراح إلى الموقف" ينبغي أن نعرف أن الحديث اشتمل علي ذكر توجه النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم التروية من مكة إلى منى وإقامته بها إلى أن طلعت الشمس يوم عرفة، وفيه أنه سار بعد ذلك حتى نزل بنمرة في قبة ضربت له بها، ثم لما زاغت الشمس أتى بطن الوادي فخطب الناس ثم ¬

_ (¬1) "المسند" ص 32. (¬2) "صحيح مسلم" (1218/ 47). (¬3) "سنن أبي داود" (1905). (¬4) "سنن ابن ماجه" (3074). (¬5) "الصحاح" (مادة: حجج).

ركب حتى أتى الموقف، وإذا عرف ذلك فقوله: "فراح إلى الموقف" يجوز أن يريد من نمرة إلى الموضع الذي خطب فيه وصلى وهو مسجد إبراهيم - عليه السلام -، وصدره من وادي عُرنة ومؤخره من عرفات، وليست عرنة من عرفات؛ ويجوز أن يريد أنه راح من منى على صوب عرفات لغرض الوقوف، ولا بأس بإطلاق الرواح علي هذا التقدير وإن كان ذلك المسير في صدر النهار، كما قال - صلى الله عليه وسلم - في حديث الجمعة: "من راح في الساعة الأولى، ومن راح في الثانية" (¬1). وقوله: "إلى الموقف بعرفة" عرفة كلها موقف، ويشبه أن يكون المراد منه ومما في الرواية الأخرى: أنه ركب حتى أتى الموقف موقف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من عرفات، وهو عند جبل الرحمة في وسط عرصةِ عرفات. وفي الحديث دليل على أنه يخطب الإِمام في هذا اليوم خطبتين، وعلى أن الأذان مؤخر عن الخطبة الأولى خلافًا لما قال أبو حنيفة: أنه يقدم عليها كما في الجمعة، وعلى (1/ ق 54 - أ) أن الفراغ من الخطبة ينبغي أن يكون مع الفراغ من الأذان وبه قال أكثر الأصحاب، خلافًا لما قال بعضهم: أنه يفرغ من الخطبة مع فراغ المؤذن من الإقامة، وقد يشعر لفظ الحديث بتوسيط الأذان بين الخطبتين؛ لأنه قال: "ثم أذن بلال ثم أخذ النبي - صلى الله عليه وسلم - في الخطبة الثانية" لكن المشهور والمذكور في المذهب: أنه يأخذ الإِمام في الخطبة الثانية والمؤذن في الأذان وحملوا "ثم" في قوله: "ثم أخذ" على الواو. وقوله: "ففرغ من الخطبة وبلال من الأذان" على أن الفراغين وقعا ¬

_ (¬1) رواه البخاري (877)، ومسلم (850/ 10) من حديث أبي هريرة.

معًا، واحتج الشافعي بالحديث على أن من جمع بين الصلاتين في وقت الأولى منهما يؤذن للأولى ويقيم ولا يؤذن للثانية، بل يقتصر على الإقامة؛ لأنه ذكر الأذان والإقامة للظهر ولم يذكر للعصر إلا الإقامة، وهذا ظاهر المذهب وعن بعض الأصحاب وجه: أنه يؤذن لكل واحدة منهما. وأما الحديث الثاني: فقد ذكر الأئمة أن الجمع بين الظهر والعصر بعرفات ليس من حديث ابن أبي ذئب عن ابن شهاب، لكن حديثه: ما رواه المزني، عن الشافعي، عن عبد الله بن نافع، عن ابن أبي ذئب، عن ابن شهاب، عن سالم، عن أبيه؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى المغرب والعشاء بالمزدلفة جميعًا لم يناد في واحدة منهما إلا بإقامة (¬1). وكذلك رواه ابن وهب، ووكيع، ويزيد بن هارون، وآدم بن أبي إياس، عن ابن أبي ذئب، ومن رواية آدم أخرجه البخاري في "الصحيح" (¬2) وأراد الشافعي في "الأم" أن يروي هذا الحديث ثم قطعه وكذلك أورد أبو العباس. وقوله: "يعني بذلك" إن أراد أنه روي بهذِه الرواية مثل حديث جابر فهو غير مساعد عليه، ويمكن أن ينزل على القدر المشترك بين الحديثين وهو أنه لم يؤذن لما بعد الأولى ولم يأمر به النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأخذ ¬

_ (¬1) قال البيهقي في "بيان خطأ من أخطأ على الشافعي" (1/ 151 - 152): وأخبرنا أبو زكريا، ثنا أبو العباس ... عن سالم عن أبيه [فساق إسناده] انقطع الحديث من "الأصل" فظن أبو العباس رحمه الله أنه إسناد آخر للحديث الأول [يعني حديث جابر الذي قبله] فقال فيه: "يعني بذلك"، وليس كذلك؛ وإنما أراد حديث الجمع بمزدلفة بإقامة واحدة والذي يدل عليه رواية المزني ... فساق الحديث الذي ساقه المصنف. (¬2) "صحيح البخاري" (1673).

الأصل

الشافعي في "الأم" (¬1) بهذا الحديث وقال: إذا جمع بين الصلاتين بالتأخير لا يؤذن لواحدة منهما، واستحب في "القديم" الأذان للأولى منهما؛ لأن في حديث جابر في صفة حجة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه جمع بالمزدلفة بأذان وإقامتين، قال الحافظ أبو بكر البيهقي: وهذا أصح، والرواية عن ابن عمر مختلفة، فقد روي عنه مثل ما رواه جابر رضي الله عنهما. الأصل [123] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا ابن أبي فديك، عن ابن أبي ذئب، عن المقبري، عن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الخدري، عَنْ أَبِي سعيد قَالَ حبسنا يَوْمَ الخَنْدَقِ عَن الصلاة حتى كان بعد (1/ ق 54 - ب) المغرب بهوي من الليل حتى كفينا، وذلك قوله تعالى: {وَكَفَى الله الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ الله قَوِيًّا عَزِيزًا} فدعى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بلالًا فأمره وأقام الظهر فصلاها فأحسن صلاتها (حتى) (¬2) كان يصليها في وقتها، ثُمَّ أَقَامَ لِلْعَصْرِ فَصَلَّاهَا كذلك، ثم أقام المغرب فَصَلَّاهَا كذلك ثم أقام العشاء فصلاها كذلك، وذلك قبل أن ينزل في صلاة الخوف: {فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا} (¬3). ¬

_ (¬1) "الأم" (1/ 86). (¬2) كذا في "الأصل" وفي "المسند": كما. وكذا "الأم"، وكذا في التخريج. (¬3) "المسند" ص (32). والحديث رواه النسائي (2/ 17)، وابن خزيمة (996، 1703)، وابن حبان (2890)، والبيهقي (1/ 402)، وصححه ابن السكن كما في "التلخيص" (287)، والألباني في "الإرواء" (1/ 257).

الشرح

الشرح عبد الرحمن: هو ابن أبي سعيد سعد بن مالك بن سنان الخدري الأنصاري أبو حفص المديني. سمع: عمارة بن حارثة. وروى عنه: زيد بن أسلم وغيره (¬1). والحديث رواه الشافعي في "الأم" (¬2) هكذا واعتمد عليه في أن الثانية لا يؤذن لها، وروى أبو علي الزعفراني عن الشافعي أنه قال في كتابه "القديم": أبنا غير واحد، عن ابن أبي ذئب، عن المقبري ... (¬3) وذكر الحديث لكن قال: كان بعد العشاء بهُويٍّ من الليل، فأمر بلالًا فأذن وأقام فصلى الظهر، ثم أمره فأقام فصلى العصر ... وذكر باقي الحديث، فقد اختلفت الرواية عن ابن أبي ذئب في الأذان للظهر، والأثبت عنه ما رواه في الجديد، واختلف قول الشافعي قديمًا وجديدًا بحسب اختلاف الروايتين في أن الفائتة هل يؤذن لها؟ ففي "الجديد": لا يؤذن، وفي "القديم": يؤذن، وثبت ذلك من رواية عمران بن الحصين، وأبي قتادة الأنصاري (¬4)، وقال في "الإملاء": إن انتظر حضور جمع أذن وإلا فلا، وحمل اختلاف الأحاديث على الحالتين، ولما كانت الروايتان في حديث ابن أبي ذئب متفقتين علي ذكر الإقامة لما بعد الظهر لم يختلف قوله في أنه إذا والى ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (5/ ترجمة 935)، و"الجرح والتعديل" (5/ ترجمة 1125)، و"التهذيب" (17/ ترجمة 3829). (¬2) "الأم" (1/ 86). (¬3) ذكره البيهقي في "السنن" (1/ 402). (¬4) أخرجهما مسلم في "صحيحه" (681، 682/ 311، 312).

الأصل

بين فائتتين أو فوائت يقتصر لما بعد الأولى على الإقامة، وفيه أن المؤداة بعد الثانية لا يؤذن لها أيضًا بل يقتصر على الإقامة فإن صلاة العشاء كانت في الوقت. قال بعض الأصحاب: إن قلنا يؤذن للفائتة فلا يؤذن لها كيلا يتوالى أذانان، وإن قلنا: لا يؤذن للفائتة فيؤذن للمؤداة، والظاهر: الأول. وغزوة الخندق معروفة وفيها قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر" (¬1). وقوله: "بهُوي" الهُوِي والهَوي: القطعة من الليل، ويروى: "هُويًّا من الليل". وقوله: "وأقام الظهر فصلاها" إقامة الصلاة: الإعلام بالدخول فيها، وقد يقرأ "أقام للظهر فصلاها". وقوله: وذلك قبل أن ينزل في صلاة الخوف: {فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا} (¬2) يريد: أن تأخيرهم كان بسبب أنهم لم يتمكنوا من إقامة الصلاة كما تقام في وقت (1/ 55 - أ) الرفاهية، وكانت صلاة الخوف لم تنزل بعد، ولو نزلت لما أخروا الصلاة عن وقتها. وفي الحديث أنه قضى الفوائت على الترتيب، وأنه قدمها على صلاة العشاء المؤداة. الأصل [124] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا إبراهيم بن محمَّد، ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2931)، ومسلم (627/ 202، 203) من حديث علي. (¬2) البقرة: 239.

الشرح

أخبرني عمارة ابن غزية، عن خبيب بن عبد الرحمن، عن حفص بن عاصم قال: سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - رجلًا يؤذن المغرب، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - مثل ما قال، فانتهى النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى رجل وقد قامت الصلاة، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "انزلوا فصلوا المغرب بإقامة ذلك العبد الأسود" (¬1). الشرح عمارة بن غزية: هو المازني الأنصاري المديني. سمع: نعيم بن عبد الله المُجمر، وخبيب بن عبد الرحمن، ومحمد بن إبراهيم التيمي، وسعيد المقبري، وأبا الزبير. وروى عنه: الثوري، وابن عيينة، ويحيى بن أيوب، والمعتمر، وعبد العزيز الدراوردي، وغيرهم (¬2). وخُبيب: هو ابن عبد الرحمن بن خُبيب بن يساف -ويقال: إساف- أبو الحارث الأنصاري الخزرجي السنحي. سمع: أباه، وحفص بن عاصم. وروى عنه: شعبة، ومالك، ومبارك بن فضالة. مات في زمن مروان بن محمَّد (¬3). وحفص: هو ابن عاصم بن عمر بن الخطاب [القرشي] (¬4) العدوي، جدّ عبيد الله بن عمر. ¬

_ (¬1) "المسند" ص (32 - 33). (¬2) انظر "التاريخ الكبير" (6/ ترجمة 3121)، و"الجرح والتعديل" (6/ ترجمة 2030)، و"التهذيب" (21/ ترجمة 4195). (¬3) انظر "التاريخ الكبير" (3/ ترجمة 716)، و"الجرح والتعديل" (3/ ترجمة 1775)، و"التهذيب" (8/ ترجمة 1678). (¬4) في "الأصل": القروشي. تحريف.

سمع: أبا هُرَيْرَةَ، وعبد الله بن عمر، وأباه عاصمًا. وروى عنه: ابنه عيسى بن حفص، وسعد بن إبراهيم، وغيرهما (¬1). والحديث مرسل، أورده الشافعي في "الأم" (¬2) هكذا، واللفظ: فانتهى إلى الرجل وقد قال: قد قامت الصلاة وقال: انزلوا فصلوا فصلى المغرب بإقامة ذلك العبد الأسود واستدل به على أن الرجل يصلي بأذان غيره وإقامته، وإن لم يؤذن ولم يقم له ولا للقوم الذين هو منهم، والسياق يشعر بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - سمع الأذان من بعيد وأنه لم يكن [عزم] (¬3) على أن يصلي هناك، فلما رأى وقت المغرب قد حان راعى التعجيل. وقوله: "فانتهى إلى الرجل" أخشى (¬4) لينصرف إلى المذكور أولًا، ثم قوله: وقد قامت كأنه عبر به عن إقامته، أي: أقام حين انتهى إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - كما أذن، فأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالصلاة بإقامته؛ وأما إذا كانت الرواية: وقد قامت الصلاة فيجوز أن يريد لقوله: بإقامة ذلك العبد للأذان، لما مرّ أن الإعلام بالصلاة يسمى إقامة. وفيه أنه يجوز الكلام بعد الإقامة إلى التحريم بالصلاة (1/ ق 55 - ب) وأن العبد يؤذن، وأن من سمع الأذان يجيب المؤذن ويقول مثل ما يقوله، وهذِه السنة تروى بالمعنى عن رواية عمارة بن غزية عن خبيب ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (2/ ترجمة 2747)، و"الجرح والتعديل" (3/ ترجمة 796)، و"التهذيب" (7/ ترجمة 1392). (¬2) "الأم" (1/ 87). (¬3) ليست في "الأصل". والسياق يقتضيها. (¬4) كذا في "الأصل"!

الأصل

عن حفص عن أبيه عن جده عمر بن الخطاب، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬1). الأصل [125] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا عبد الوهاب، عن يونس، عن الحسن أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "المؤذنون أمناء المسلمين على صلاتهم ... " وذكر معها غيرها (¬2). [126] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا إبراهيم بن محمَّد، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هُرَيْرَةَ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الأئمة ضمناء، والمؤذنون أمناء، فأرشد الله الأئمة وغفر للمؤذنين" (¬3). الشرح سهيل: هو ابن أبي صالح ذكوان السمان. سمع: أباه، والنعمان بن أبي عياش، وعطاء بن يزيد الليثي، ومحمد بن المنكدر. وروى عنه: جرير بن عبد الحميد، والثوري، وابن عيينة، وشعبة، وغيرهم. مات زمن أبي جعفر (¬4). والحديث الأول مرسل. وقوله: "وذكر معها غيرها" أي: مع هذِه الجملة أو مع هذِه الكلمة، ويجوز أن يشير بذلك إلى ما روي عن علي بن المديني، عن ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (385/ 12) ولفظه: "إذا قال المؤذن: الله أكبر ... ". (¬2) "المسند" ص (33). (¬3) "المسند" ص (33). (¬4) انظر "التاريخ الكبير" (4/ ترجمة 2120)، و"الجرح والتعديل" (4/ ترجمة 1063)، و"التهذيب" (12/ ترجمة 2629).

محمَّد بن أبي عدي، عن يونس، عن الحسن قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "المؤذنون أمناء المسلمين على صلاتهم وحاجتهم أو حاجاتهم" (¬1) أن يكون المراد منه حاجة الصائمين إلى الإفطار والأشغال التي تناط بأوقات الصلوات، واحتج بعضهم بالحديث علي جواز الاعتماد على أذان المؤذن والأخذ بقوله، والمعنى أن المسلمين يأتمون بهم ويصلون معتمدين على أذانهم، ويحكى هذا عن ابن سريج، ومن الأصحاب من فصل فقال: للأعمى الاعتماد على الأذان وكذا للبصير في يوم الصحو، ولا يعتمد عليه في يوم الغيم؛ لأنه يؤذن بالاجتهاد والمجتهد لا يقلد المجتهد، وقد يحتج به لاستحباب العدالة في المؤذن؛ لأنه سماه أمينًا والأليق بحال الأمين أن يكون عدلًا. وأما الحديث الثاني (¬2) فقد تكلموا في إسناده من ثلاثة أوجه: أحدها: أن سهيلًا لم يسمعه من أبيه؛ إنما رواه عن الأعمش عن أبيه. الثاني: أن الأعمش لم يتحقق سماعه من أبيه، فروى أبو داود السجستاني في "سننه" (¬3) عن الحسن بن علي، عن ابن نمير، عن الأعمش قال: نبئت عن أبي صالح ولا أراني إلا وقد سمعته منه عن أبي هُرَيْرَةَ ... فذكر الحديث، ورواه عن أحمد بن حنبل، عن محمَّد بن فضيل، عن الأعمش، عن رجل [عن أبي صالح] (¬4) عن أبي هُرَيْرَةَ. ¬

_ (¬1) رواه البيهقي (1/ 431). (¬2) رواه الترمذي (207)، وابن خزيمة (1531)، وابن حبان (1672). وصححه الألباني في "الإرواء" (1/ 231). (¬3) "سنن أبي داود" (517، 518). (¬4) سقط من "الأصل" والمثبت من "السنن".

والثالث: أن نافع بن سليمان روى الحديث عن محمَّد بن أبي صالح (1/ ق 56 - أ) أخي سهيل عن أبيه عن عائشة. وقال أبو عيسى الترمذي (¬1): سمعت محمدًا -يعني: البخاري. يقول: حديث أبي صالح عن عائشة أصح، وعن علي بن المديني أنه لم يثبت حديثه عن عائشة ولا عن أبي هُرَيْرَةَ، فهذِه علل الحديث. ولم جعل الإِمام ضامنًا؟ ذكروا فيه معاني: أحدها: أنه يحفظ الصلاة وعدد ركعاتها للقوم، والضمان في اللغة: الرعاية والحفظ. والثاني: أن حقه أن يعمم الدعاء ولا يخصص نفسه. والثالث: أنه يتحمل القراءة عن المأموم في بعض الأحوال، وكذا القيام إذا أدركه في الركوع، وكذا سهو المأمومين. وأما جعل المؤذن أمينًا فلأنه يشرف على العورات إذا أذن على موضع عال فهو مؤتمن عليها، وأيضًا فهو مؤتمن على رعاية المواقيت؛ أما إذا جوزنا الاعتماد على أذانه فلأنه إذا لم يحتط ولم يرع الوقت أوقع مقلّده في غير الصواب، وأما إذا لم نجوز فلأن كل أحد وإن اجتهد لصلاته فإنه لا يتفرغ للاجتهاد للأذان، فبتقدير أن يتقدم أذانه على الوقت يكون القوم مصلين بلا أذان. واحتج بالحديث على أن التأذين أفضل من الإمامة، وقيل للأمين أحسن حالًا من الضمين، والدعاء بالمغفرة خير من الدعاء بالإرشاد وهذا أحد الوجهين للأصحاب، ومن يُنازع فيه لا يُسلِّم أن الأمين ¬

_ (¬1) "جامع الترمذي" (217)، وذكر أيضًا عن أبي زرعة أن حديث أبي صالح عن أبي هريرة أصح من حديث أبي صالح عن عائشة.

أحسن حالًا من الضمين بعد ما بين أنه لم سمي ضامنًا، ولأن الدعاء بالمغفرة بل المغفرة تستدعي سبق الذنب والتقصير، ويجوز أن يكون الدعاء بالإرشاد سؤال التوفيق والعصمة عن التقصير، على أن ابن عدي روى عن يونس، عن الحسن أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الإِمام ضامن والمؤذن مؤتمن فأرشد الله الأئمة وغفر للمؤذنين" أو قال: "غفر الله للأئمة وأرشد المؤذنين" فشك في الدعاءين. آخر الجزء ويتلوه فيما بعد: أبنا الربيع، أبنا الشافعي أبنا مالك، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي صعصعة حديث أبي سعيد الخدري: "لا يسمع مدى صوتك". الحمد لله حق حمده.

صالح، محمود بن الربيع، العلاء بن عبد الله، أبوه، أبو ابن جريج، سعيد بن جبير، عبد الله بن عثمان بن خثيم، أبو بكر بن حفص بن عمر، إسماعيل بن عبيد الله بن رفاعة، أبوه، سمي، علي بن الحسن، سليمان ابن سحيم، إبراهيم بن عبد الله بن سعيد، أبوه، إسحاق بن يزيد، عثمان بن عبد الله بن عتبة، عبد الله بن طاوس، أبوه، يزيد بن الهاد، محمَّد بن إبراهيم بن الحارث، عامر بن سعد، العباس بن عبد المطلب، عبيد الله بن عبد الله بن أقرم، أبوه عبد الله. رحمة الله عليهم.

الأصل

(1/ ق- 57 أ) بسم الله الرحمن الرحيم الأصل [127] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الخُدْرِيَّ قَالَ لَهُ: "إِنِّي أَرَاكَ تُحِبُّ الغَنَمَ وَالْبَادِيَةَ، فَإِذَا كُنْتَ في غَنَمِكَ أَوْ بَادِيَتِكَ فَأَذَّنْتَ بِالصَّلاَةِ فَارْفَعْ صَوْتَكَ، فَإِنَّهُ لاَ يَسْمَعُ مَدى صَوْتِك جِنٌّ وَلاَ إِنْسٌ وَلاَ شَيْءٌ إِلَّا شَهِدَ لَك يَوْمَ القِيَامَةِ". قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - (¬1). الشرح عبد الرحمن: هو ابن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة المازني الأنصاري المديني. روى عن: عطاء بن يسار. وروى عنه: يزيد بن خصيفة، ومالك، وغيرهما (¬2). وأبوه عبد الله بن عبد الرحمن المازني. سمع أبا سعيد الخدري، وذكر أنه كان في حجره. روى عنه: ابناه محمَّد وعبد الرحمن (¬3). والحديث صحيح مدون في "الموطأ" (¬4)، وأخرجه البخاري (¬5) عن عبد الله بن يوسف، عن مالك. ¬

_ (¬1) "المسند" ص (33). (¬2) انظر "التاريخ الكبير" (5/ ترجمة 990)، و"الجرح والتعديل" (5/ ترجمة 1196)، و"التهذيب" (17/ ترجمة 3870). (¬3) انظر "التاريخ الكبير" (5/ ترجمة 386)، و"الجرح والتعديل" (5/ ترجمة 430)، و"التهذيب" (15/ ترجمة 3381). (¬4) "الموطأ" (1/ 69 رقم 151). (¬5) "صحيح البخاري" (609).

واحتج به على استحباب الأذان للمنفرد؛ لأنه أراد ما إذا كان منفردًا في الغنم والبادية أو اللفظ متناول له بإطلاقه، وفيه دليل على استحباب رفع الصوت بالأذان وهو الظاهر، وفيه وجه أن المنفرد لا يرفع الصوت إلا إذا انتظر حضور جمع، واحتج الشافعي في "الأم" (¬1) باستحباب رفع الصوت على أنه يستحب إن اتخذ مؤذنًا أن يختار صيّتًا، وعلى أنه يستحب ترتيل الأذان، قال: لأنه لا يقدر أحد علي أن يبلغ غاية من صوته في كلام متتابع إلا مترسلًا؛ لأنه إذا حدث انقطع (¬2). وقوله: "فَإِذَا كُنْتَ في غَنَمِكَ أَوْ بَادِيَتِكَ" يحتمل أن يكون شكًّا من بعض الرواة، ويحتمل أن يريد في غنمك أو في باديتك بعيدًا من الغنم أو بلا غنم، ومدى الصوت: غايته ومنتهاه، وفي بعض الروايات بدل "ولا شيء": "ولا شجر ولا حجر". وقوله: "جن ولا إنس" يشبه أن يريد مؤمني الجن، وأما غيرهم فلا يشهدون للمؤذن بل يفرون وينفرون من الأذان، فعن جابر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا نادى المنادي بالصلاة هرب الشيطان حتى يكون بالروحاء" (¬3) وهي على ثلاثين ميلًا من المدينة، ويروى أن زيد بن أسلم استعمل على معدن بني سليم وكان يصاب الناس فيه من قبل الجن، فأمرهم زيد بالأذان هناك وبرفع الصوت به، ففعلوا فانقطع ذلك عنهم (¬4). وقوله: "قال أبو سعيد (1/ ق 57 - ب) سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -" يعني: "أنه لا يسمع صوت المؤذن ... " إلى آخره، وفيه أنه يؤذن في ¬

_ (¬1) "الأم" (1/ 87). (¬2) "الأم" (1/ 87). (¬3) رواه مسلم (388/ 15). (¬4) رواه ابن سعد في "الطبقات" (القسم المتمم 1/ 315)، والبيهقي في "الشعب" (3050).

الأصل

البوادي والأسفار كما يؤذن في القرى والأمصار. الأصل [128] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن نافع، عن ابن عمر قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأمر المؤذن إذا كانت ليلة باردة ذات ريح يقول: ألا صلوا في الرحال (¬1). الشرح الحديث مخرج في "الصحيحين" (¬2) رواه البخاري عن عبد الله بن يوسف، ومسلم عن يحيى بن يحيى بروايتهما عن مالك وهو مودع في "الموطأ" (¬3) وتمامه عن نافع؛ أن عبد الله بن عمر أذن بالصلاة في ليلة ذات برد وريح فقال: ألا صلوا في الرحال ثم قال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يأمر المؤذن إذا كانت ليلة باردة ذات مطر يقول: "ألا صلوا في الرحال" وهو بهذا التمام يأتي في "المسند" (¬4) في أحاديث صلاة الجماعة. وإذا تأملت ذلك وجدت في رواية الكتاب "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بالكلمة في الليلة الباردة ذات ريح، وفيما في "الموطأ" و"الصحيحين" أمره بها في الليلة الباردة المطيرة، وإنما الليلة الموصوفة بالبرد والريح التي أذن فيها ابن عمر -رضي الله عنه-، لكن في رواية عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يأمر المؤذن في السفر إذا كانت ليلة باردة أو ¬

_ (¬1) "المسند" ص (33). (¬2) "صحيح البخاري" (666)، و"صحيح مسلم" (697/ 22). (¬3) "الموطأ" (1/ 73 رقم 157). (¬4) يأتي برقم (216).

ذات مطر أو ذات ريح ألا صلوا في الرحال" (¬1). والرحال جمع رحل: وهو المنزل والمسكن، والرحل أيضًا: مركب من مراكب الرجال، وقد يسمى ما يستصحبه الإنسان في سفره من الأثاث رحلًا، وربما سبق إلى الظن لذلك أن أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - المؤذن أن يقول: ألا صلوا في الرحال كان في الأسفار، ويؤيده ما ذكرنا في رواية عبيد الله بن عمر أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يأمر المؤذن في السفر، لكن في رواية محمَّد ابن إسحاق عن نافع عن ابن عمر "أنه كان ينادي منادي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بذلك بالمدينة في الليلة المطيرة" (¬2) والحكم في ذلك لا يختلف. واعلم أنه يتعلق بالحديث شيئان: أحدهما: أن المطر والريح عذر في ترك الجماعة، وهذا يأتي في موضعه. والثاني: روى الشافعي هذا الحديث في "الأم" في باب ترجمه بـ "الكلام في الأذان" ثم قال: وأحب للإمام أن يأمر بهذا إذا فرغ المؤذن من أذانه، وإن قاله في أذانه فلا (1/ ق58 - أ) بأس (¬3). وليس في حديث ابن عمر بيان أنه متى ينادي المنادي بهذِه الكلمة أفي خلال الأذان أو بعده، لكن الشافعي عرف من سائر الروايات أنه لا بأس بإدخالها في الأذان، وفي "الصحيح" (¬4) عن عبد الله بن الحارث قال: خطبنا ابن عباس في يوم ذي رزغ (¬5)، فلما بلغ المؤذن حي على ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (697/ 23). (¬2) أخرجه البيهقي (3/ 71). (¬3) "الأم" (1/ 88). (¬4) "صحيح البخاري" (688)، و"صحيح مسلم" (699/ 26 - 30). (¬5) قال ابن حجر في "الفتح": يوم ذي رزغ بفتح الراء وسكون الزاي بعدها غين معجمة كذا للأكثر هنا ولابن السكن والكشميهني وأبي الوقت بالدال المهملة بدل الزاي. =

الأصل

الصلاة أمره أن ينادي: الصلاة في الرحال، فنظر القوم بعضهم إلى بعض، فقال: قد فعل هذا من هو خير مني. والرزَغ -بتحريك الزاي- الوحل، وأرزغ المطر الأرض إذا بلها وبالغ، واحتفر القوم حتى أرْزغُوا أي: بلغوا الطين الرطب، ويروى من يوم ذي ردغ والرَّدغة -بتحريك الدال وتسكينها- الماء والطين والوحل الشديد، والجمع: الرّدغُ. الأصل [129] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن ابن شهاب، عن عطاء ابن يزيد، عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا سمعتم النداء فقولوا مثلما يقول المؤذن" (¬1). [130] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، عن ابن عيينة، عن مجمع بن يحيى، أخبرني أبو أمامة بن سهل أنه سمع معاوية يقول: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قال المؤذن أشهد أن لا إله إلا الله قال: "أشهد أن لا إله إلا الله"، وإذا قال: أشهد أن محمدًا رسول الله قال: "وأنا" ثم يسكت (¬2). [131] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا ابن عيينة، عن طلحة بن يحيى، عن عمه عيسى بن طلحة قال: سمعت معاوية يحدث مثله عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬3). ¬

_ = وقال النووي في "شرح مسلم": ورواه بعض رواة مسلم بالزاي بدل الدال بفتحها وإسكانها وهو الصحيح، وهو بمعنى الردغ. (¬1) "المسند" ص (33). (¬2) "المسند" ص (33). (¬3) "المسند" ص (33).

الشرح

[132] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا عبد المجيد بن عبد العزيز، عن ابن جريج، أخبرني عمرو بن يحيى المازني أن عيسى بن عمر أخبره، عن عبد الله بن علقمة بن وقاص قال: إني لعند معاوية إذ أذن مؤذنه، فقال معاوية كما قال مؤذنه حتى إذا قال: حي على الصلاة قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، ولما قال: حي على الفلاح قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قال بعد ذلك ما قال المؤذن، ثم قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول ذلك (¬1). الشرح عطاء بن يزيد: هو أبو يزيد الليثي الجندعي. سمع أبا أيوب، وأبا هُرَيْرَةَ، وأبا سعيد، وتميمًا الداري. وروى عنه: الزهري، وأبو صالح، وابنه سهيل بن أبي صالح. يعد من أهل المدينة (¬2). ومجمع (¬3): هو ابن يحيى بن زيد بن جارية الأنصاري. سمع: أبا (1/ ق 58 - ب) أمامة بن سهل، وخالد بن يزيد (¬4). وسمع منه: وكيع، وأبو نعيم، وسفيان بن عيينة. وأبو أمامة: هو أسعد بن سهل بن حُنيف بن واهب (الحارشي) (¬5) أدرك النبي - صلى الله عليه وسلم -، ويقال: إنه سماه. ¬

_ (¬1) "المسند" ص (34). (¬2) انظر "التاريخ الكبير" (6/ ترجمة 2990)، و"الجرح والتعديل" (6/ ترجمة 1866)، و"التهذيب" (20/ ترجمة 3945). (¬3) انظر "التاريخ الكبير" (7/ ترجمة 1796)، و"الجرح والتعديل" (8/ ترجمة 1357)، و"التهذيب" (27/ ترجمة 5789). (¬4) كذا في "الأصل" وابن يزيد هو عم مجمع بن يحيى بن زيد المذكور، وقد قيل في ترجمة مجمع: ابن يحيى بن يزيد. (¬5) كذا في "الأصل" ولم أجدها في نسبه ولعلها الحارثي. والله أعلم.

وسمع: أبا سعيد الخدري، ومعاوية، وأنسًا، وأباه سهلًا. وروى عنه: ابناه محمَّد وسهل، والزهري (¬1). ومعاوية: هو ابن أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس أبو عبد الرحمن القرشي الأموي، صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يكتب له الوحي. روى عنه: ابن عباس، وأبو سعيد الخدري، والسائب بن يزيد، وحميد بن عبد الرحمن. واستقلّ بالأمر حين سلم له الحسن بن علي رضي الله عنهما سنة إحدى وأربعين، ومات سنة ستين (¬2). وطلحة: هو ابن يحيى بن طلحة بن عبيد الله التيمي القرشي الكوفي. روى عنه: الثوري، ووكيع، وابن عيينة، وأبو نعيم (¬3). وعيسى: هو ابن طلحة بن عبيد الله التيمي، أبو محمَّد يُعدّ من أفاضل أهل المدينة. سمع ابن عمر، ومعاوية، وعبد الله بن عمرو، وأبا هُرَيْرَةَ. وروى عنه: الزهري، ومحمد بن إبراهيم التيمي، وابن أخيه طلحة بن يحيى (¬4). وعيسى بن عمر كأنه الهمداني الأعمى الذي سمع منه ابن المبارك ¬

_ (¬1) انظر "معرفة الصحابة" (1/ ترجمة 150)، و"الإصابة" (1/ ترجمة 414). (¬2) انظر "معرفة الصحابة" (5/ ترجمة 2654)، و"الإصابة" (6/ ترجمة 8074). (¬3) انظر "الجرح والتعديل" (6/ ترجمة 1550)، و"التهذيب" (13/ ترجمة 2984). (¬4) انظر "التاريخ الكبير" (6/ ترجمة 2719)، و"الجرح والتعديل" (6/ ترجمة 1550)، و"التهذيب" (22/ ترجمة 4631).

ووكيع (¬1). وعبد الله بن علقمة بن وقاص: هو الليثي العتواري. روى عن: معاوية، وعن أبيه، وهو أخو عمرو بن علقمة (¬2). والحديث الأول مخرج في "الصحيحين" (¬3): رواه البخاري عن عبد الله بن يوسف، ومسلم عن يحيى بن يحيى بروايتهما عن مالك. وحديث معاوية رواه عن أبي أمامة كما رواه مجمع: أبو بكر بن عثمان بن سهل بن حنيف، وعن عيسى بن طلحة كما رواه طلحة بن يحيى: محمَّد بن إبراهيم بن الحارث وقد أخرج البخاري (¬4) من روايته طرفًا منه. وفي الباب عن عمر بن الخطاب، وعبد الله بن عمر، وأبي هُرَيْرَةَ، وأبي رافع، وعائشة، وأم حبيبة. وقوله: "إذا سمعتم النداء" أي الأذان سمي به لأنه نداء للصلاة ودعاء إليها. ومقصود الحديثين استحباب إجابة المؤذن، والحديث الأول ظاهره يقتضي أن يقول في جميع كلمات الأذان مثلما يقول المؤذن، ¬

_ (¬1) قلت: الظاهر أنه، وإنما هو عيسى بن عمر أو ابن عمير حجازي. انظر "التهذيب" (23/ ترجمة 4647)، و"تهذيب التهذيب" (8/ ترجمة 417). قال في "التقريب" (5316): مقبول من السابعة. (¬2) انظر "التاريخ الكبير" (5/ ترجمة 519)، و"الجرح والتعديل" (5/ ترجمة 554)، و"التهذيب" (15/ ترجمة 3433). (¬3) "صحيح البخاري" (611)، ومسلم (383/ 10). (¬4) "صحيح البخاري" (612). وروى الأخير منهم: النسائي (2/ 25)، وأحمد (4/ 91) من طريق عمرو بن يحيى، وحسنه الألباني في التعليق على "سنن النسائي".

الأصل

لكن في حديث معاوية بيان أنه يقول مثل ما يقول في غير الحيعلتين وأما في الحيعلتين فيقول: لا حول ولا قوة إلا بالله؛ وإنما كان كذلك لأن سائر الكلمات ذكر الله تعالى فيوافقه السامع فيها وهما دعاء إلى الصلاة، فلا يحسن من السامع حكايتهما (1/ ق 59 - أ) ويقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، أي: لا قوة عليها إلا بتوفيق الله تعالى. وقوله: "وإذا قال: أشهد أن محمدًا رسول الله قال: وأنا" يدل على أن هذِه السنة كما ينادي بإعادة كلمة الشهادة ينادي بقوله: وأنا، نظرًا إلى المعنى، وفي رواية أبي بكر بن عثمان بن سهل بن حنيف عن أبي أمامة عن معاوية أنه اقتصر في الكلمتين علي قوله: وأنا. وقوله: "ثم يسكت" يشبه أن يكون المراد أنه يسكت إلى أن يأتي المؤذن بالحيعلة، والموافقة في الكلمات إلا في الحيعلتين صحيحة من رواية عمر -رضي الله عنه- أيضًا (¬1)، ويستحب في الإقامة أن يقول مثل ما يقول المؤذن أيضًا إلا في قوله: قد قامت الصلاة فإنه يقول: أقامها الله وأدامها، روي ذلك عن أبي أمامة أو بعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬2). الأصل [123] أبنا الربيع، أبا الشافعي، أبنا سعيد بن سالم، عَنْ سُفْيَان الثوري، عن عبد الله بن محمَّد بن عَقِيلٍ، عن محمَّد بن علي ابن الحَنَفِيَّةِ، عن أبيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "مِفْتَاحُ الصَّلاَةِ الطُّهُورُ، وَتَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ، وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ" (¬3). ¬

_ (¬1) أخرجها مسلم في "صحيحه" (385/ 12). (¬2) رواه أبو داود (528) من حديث أبي أمامة. وضعفه ابن حجر في "التلخيص" (310)، والألباني في "الإرواء" (241). (¬3) "المسند" ص (34).

الشرح

الشرح سفيان: هو ابن سعيد بن مسروق بن حبيب بن رافع بن عبد الله، أبو عبد الله [الكوفي] (¬1) الثوري من بني ثور بن عبد مناة بن أدّ بن طابخة ابن إلياس بن مضر، من أئمة المسلمين المشهورين بالسيادة علمًا وورعًا. سمع: أبوي إسحاق السبيعي والشيباني، والأعمش، والجمّ الغفير. روى عنه: يحيى القطان، ووكيع، وغيرهما. ولد في خلافة سليمان بن عبد الملك وتوفي بالبصرة سنة إحدى وستين ومائة (¬2). وعبد الله: هو ابن محمَّد بن عقيل بن أبي طالب الهاشمي. سمع: ابن عمر، وجابرًا، والطفيل بن أبيّ. سمع منه: الثوري، وابن عيينة، وشريك. قال أبو عيسى الترمذي (¬3): وتكلم فيه بعضهم من قبل حفظه، وسمعت محمَّد بن إسماعيل يقول: كان أحمد بن حنبل والحميدي وإسحاق يحتجون بحديثه (¬4). ¬

_ (¬1) في "الأصل": الكرخي. تحريف، والمثبت من التخريج. (¬2) انظر "التاريخ الكبير" (4/ ترجمة 2077)، و"الجرح والتعديل" (4/ ترجمة 972)، و"التهذيب" (11/ ترجمة 2407). (¬3) "العلل" رقم (2). (¬4) انظر "التاريخ الكبير" (5/ ترجمة 576)، و"الجرح والتعديل" (5/ ترجمة 706)، و"التهذيب" (16/ ترجمة 3543).

ومحمد: هو ابن علي بن أبي طالب، أبو القاسم المعروف بابن الحنفية، وكانت الحنفية من سبي اليمامة وهي خولة بنت جعفر بن قيس ابن ثعلبة بن مسلمة بن ثعلبة بن يربوع بن ثعلبة بن الدّول بن حنيفة. سمع: أباه، وعثمان رضي الله عنهما. وروى عنه: ابناه عبد الله (1/ ق 59 - ب) والحسن، وعمرو بن دينار. مات سنة ثمانين أو إحدى وثمانين وهو ابن خمس وستين (¬1). والحديث ثابت أخرجه محمَّد بن أسلم في "مسنده" عن عبيد الله عن سفيان واللفظ: "مفتاح الصلاة الطهور، وإحرامها التكبير، وإحلالها التسليم" وأخرجه أبو داود في "السنن" (¬2) عن عثمان بن أبي شيبة عن وكيع، وابن ماجه (¬3) عن علي بن محمَّد عن وكيع بروايته عن سفيان، والترمذي (¬4) عن محمَّد بن بشار عن سفيان وقال: هو أصح شيء في الباب. وفيه عن أبي سعيد، وجابر. والوُضوء الفعل، والوَضوء -بفتح الواو- ما يتوضأ به، والمشهور في قوله: "مفتاح الصلاة الوضوء" ضم الواو، وقياسه أن تضم الطاء في رواية من روى "مفتاح الصلاة الطهور" لأن الطُّهور والطَّهور كالوُضوء والوَضوء، وكذلك قيد بعضهم ويجوز فيهما الفتح؛ لأن الفعل إنما ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (1/ ترجمة 561)، و"الجرح والتعديل" (8/ ترجمة 116)، و"التهذيب" (26/ ترجمة 5484). (¬2) "سنن أبي داود" (61). (¬3) "سنن ابن ماجه" (275). (¬4) "جامع الترمذي" (3) عن محمَّد بن بشار، عن عبد الرحمن بن مهدي، عن سفيان. قال الحافظ: في "الفتح" (2/ 322): أخرجه أصحاب السنن بسند صحيح، وصححه الألباني في "الإرواء" (2/ 8).

الأصل

يتأتى بالآلة. واحتج بالحديث على أن التحريم بالصلاة إنما يحصل بالتكبير؛ لأن السياق المذكور يشعر بالحصر كقول القائل: "مأوى فلان المسجد، وحيلة الهمِّ الصبر" وعلى أن التحلل منها وإتمامها إنما يحصل بالتسليم، وعند أبي حنيفة يحصل التحريم بجميع أسماء الله تعالى إلا أن يؤتى بشيء منها على سبيل النداء والدعاء، وإذا قعد قدر التشهد ثم قام أو أتى بشيء مما يضاد الصلاة تمت صلاته. الأصل [134] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا إبراهيم بن محمَّد، عن علي بن يحيى بن خلاد، عن أبيه، عن [جدّه] (¬1) رفاعة بن مالك أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إذا قام أحدكم إلى الصلاة فليتوضأ كما أمره الله ثم ليكبر، فإن كان معه شيءٌ مِنَ القُرْآنِ قرأ به، وإن لم يكن معه شيء مِنَ القُرْآنِ فليحمد الله وليكبر، ثم ليركع حَتَّى يَطْمَئِنَّ راكعًا، ثم ليقم حتى يطمئن قائمًا، ثم يسجد حَتَّى يَطْمَئِنَّ ساجدًا، ثم ليرفع رأسه فليجلس حَتَّى يَطْمَئِنَّ جالسًا، فمن نقص من هذا فقد نقص من صلاته" (¬2). [135] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا إبراهيم بن محمَّد، أخبرني محمَّد ابن عجلان، عن علي بن يحيى بن خلاد، عن رفاعة بن رافع قال: جاء رجل يصلي في المسجد قريبًا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم جاء فسلم على النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال (1/ ق60 - أ) النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أعد صَلاتك فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ" فقام ¬

_ (¬1) في "الأصل": جد. والمثبت من "المسند". (¬2) "المسند" ص (34).

الشرح

يصلي كنحو مما صلي، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أَعد صلاتك فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ". فقال: علمني يا رسول الله كيف أصلي؟ قال: "إذا توجهت إلى القبلة فكبر ثم اقرأ بأم القرآن وما شاء الله أن تقرأ، فإذا ركعت فاجعل راحتيك على ركبتيك ومكِّن ركوعك وامدد ظهرك، فإذا رفعت فأقم صلبك وارفع رأسك حتى ترجع العظام إلى مفاصلها، فإذا سجدت فمكن للسجود، فإذا رفعت فاجلس على فخذك اليسرى، ثم اصنع ذلك في كل ركعة وسجدة حتى تطمئن" (¬1). الشرح علي: هو ابن يحيى بن خلاد بن رافع الزرقي الأنصاري المديني. سمع: أباه. وروى عنه: نعيم المجمر، وإسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة (¬2). وأبوه: يحيى. سمع: عمه رفاعة بن رافع، ويروى أنه أتي به النبي - صلى الله عليه وسلم - حين ولد فحكنه و [سماه]، (¬3) يحيى (¬4). ورفاعة بن مالك لا صحبة له؛ إنما هو رفاعة بن رافع بن مالك بن العجلان بن عمرو بن عامر بن زريق الزرقي الأنصاري، أحد النقباء من ¬

_ (¬1) "المسند" ص (34 - 35). (¬2) انظر "التاريخ الكبير" (6/ ترجمة 2466)، و"الجرح والتعديل" (6/ ترجمة 1139)، و"التهذيب" (21/ ترجمة 4151). (¬3) في "الأصل": سما. والمثبت من "التهذيب". (¬4) انظر "التاريخ الكبير" (8/ ترجمة 2963)، و"الجرح والتعديل" (9/ ترجمة 590)، و"التهذيب" (31/ ترجمة 6820).

سابقي من أسلم من الأنصار، وكان ممن شهد بدرًا وكذلك أخوه مالك ابن رافع وخلاد بن رافع (¬1). وحديث رفاعة ثابت حسن (¬2)، لكن في كل واحد من الإسنادين كلام، ونسب الأئمة ما فيهما من إهمال وإخلال إلى إبراهيم بن محمَّد: أما الأول فلأنه قال فيه: عن علي بن يحيى بن خلاد، وفي بعض النسخ: علي بن يحيى بن علي بن خلاد، والصواب: يحيى بن علي بن يحيى بن خلاد؛ ثم قال: عن أبيه عن جده رفاعة، ورفاعة ليس بجدٍّ لعلي ولا لجده خلاد مدخل في الحديث، والصواب: عن أبيه عن جده عن رفاعة، ثم قال: رفاعة بن مالك وفيه ما قد عرفت. وأما الثاني: ففيه إرسال لأنه قال: عن علي بن يحيى بن خلاد، عن رفاعة بن رافع، وكذلك رواه يزيد بن هارون عن محمَّد بن عمرو عن علي بن يحيى بن خلاد، لكن روى الليث بن سعد وغيره عن ابن عجلان عن علي بن يحيى عن أبيه عن عمه رفاعة (¬3)، وكذلك أورده محمَّد بن أسلم عن حجاج عن همام عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن علي بن يحيى عن أبيه عن عمه رفاعة، وأبو داود (¬4) عن الحسن بن علي عن (1/ ق60 - ب) هشام بن عبد الملك والحجاج بن المنهال عن همام عن إسحاق كذلك. ¬

_ (¬1) انظر "معرفة الصحابة" (2/ ترجمة 929)، و"الإصابة" (2/ ترجمة 2666). (¬2) رواه أبو داود (857)، والترمذي (302)، والنسائي في "الكبرى" (1631)، وابن خزيمة (545)، والحاكم (1/ 369). قال الترمذي: حسن، وقال الحاكم: صحيح علي شرط الشيخين، وصححه الألباني في "الإرواء" (1/ 321 - 322). (¬3) وكذلك أخرجه ابن حبان (1787). (¬4) "سنن أبي داود" (858).

وقوله: "إذا قام أحدكم إلى الصلاة" أي أراد أن يقوم؛ وفيه أن المصلي يقرأ القرآن فإن لم يحسن شيئًا منه فيذكر الله تعالى بالحمد والتكبير ونحوهما، وأنه يطمئن في الركوع والسجود والارتفاع عن الركوع وعن السجود، وأنه يقرأ مع الفاتحة شيئًا من القرآن، وأنه في الركوع يضع راحتيه علي ركبتيه، ويمدّ ظهره في الاعتدال ويرفع رأسه ويقيم صلبه، وأنه يجلس علي رجله اليسرى بين السجدتين، وأن كل ذلك مرعي في كل ركعة، وفي قوله: فإنك لم تصل ما يدل على أن العبادة إذا وقعت غير صحيحة يجوز نفي ذاتها، وعلى أن الفاسد ليس بصلاة. وقوله: "ومكن ركوعك" يريد به الطمأنينة، وكذا قوله: فمكن السجود والأفعال المأمور بها في الخبر منه ما هو واجب ومنه ما هو مستحب، وفيه دليل على أن أحدهما يعطف على الآخر. وحديث رفاعة هذا قريب مما أودع في "الصحيحين" (¬1) من رواية أبي هُرَيْرَةَ: أن رجلًا دخل المسجد ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ناحية المسجد فصلى ثم جاء فسلم عليه، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "وعليك السلام، ارجع فصل فإنك لم تصل"، فرجع فصلى ثم جاء فسلم فقال: "وعليك السلام، ارجع فصل فإنك لم تصل". فقال في الثالثة أو في التي بعدها: علمني يا رسول الله، فقال: "إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء، ثم استقبل القبلة فكبر، ثم اقرأ بما تيسر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعًا، ثم ارفع حتى تستوي قائمًا (ثم اسجد حتى تطمئن ساجدًا، ثم ارفع حتى تطمئن جالسًا) (¬2) ثم افعل ذلك في صلاتك كلها". ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (757)، و"صحيح مسلم" (397/ 45). (¬2) تكرر في "الأصل".

الأصل

الأصل [136] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سُفْيَان، عَنِ الزُّهْرى، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إِذَا افْتَتَحَ الصَّلاَةَ رَفَعَ يَدَيْهِ حتى يحاذي منكبيه، وإذا أراد أن يركع، وبعد ما يرفع، وَلاَ يَرْفَعُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ (¬1). الشرح هذا حديث صحيح أخرجاه في "الصحيحين" (¬2) من أوجه عن الزهري، ورواه مسلم (¬3) عن (1/ ق 61 - أ) يحيى بن يحيى عن سفيان، ورواه عن ابن عمر نافع كما رواه سالم، ورواه عن الزهري كما رواه سالم الجمّ الغفير منهم: مالك بن أنس، وشعيب بن أبي حمزة، وعقيل. وفي الباب عن عمر، وعلي، وأنس، وأبي هُرَيْرَةَ، ووائل بن حجر، ومالك بن الحويرث، وأبي حميد وأبي أسيد الساعديين، وجابر، وأبي موسى، ومحمد بن مسلمة، وأبي قتادة، وغيرهم -رضي الله عنهم -. وهو أصل في استحباب رفع اليدين عند افتتاح الصلاة وعند الركوع والاعتدال، ثم في الحديث رفعهما إلى محاذاة المنكبين وكذلك هو في رواية علي وأبي حميد وهو إحدى الروايات عن وائل بن حجر، وفي رواية عنه "أنه رفع حيال أذنيه" وفي رواية مالك بن الحويرث "أنه رفع حتى يحاذي بهما فروع أذنيه" (¬4). وجرى الشافعي في "الأم" وغيره على ما رواه ابن عمر؛ لأنه ¬

_ (¬1) "المسند" ص (35). (¬2) "صحيح البخاري" (735)، و"صحيح مسلم" (390/ 22، 23). (¬3) "صحيح مسلم" (390/ 21). (¬4) أخرجه مسلم (391).

أثبت إسنادًا وأكثر رواة، ولأن ذلك القدر من الرفع متفق عليه، وعن أبي ثور أن الشافعي جمع بين الروايات فقال: يحاذي بكفيه منكبيه، وبإبهامه شحمة أذنيه، وبسائر أصابعه رءوس أذنيه واستحسنه جماعة من الأصحاب وأخذوا به، ويدل عليه ما روى أبو داود بإسناده عن عبد الجبار بن وائل عن أبيه "أنه أبصر النبي - صلى الله عليه وسلم - حين قام إلى الصلاة يضع يديه حتى كانتا بحيال منكبيه وحاذى بإبهاميه أذنيه ثم كبر" (¬1). وقوله: "إذا افتتح الصلاة رفع يديه" هذا النظم يحتمل أن يراد به المقاربة، ويحتمل أن يراد به تقديم الرفع على الافتتاح ويكون المعنى إذا أراد الافتتاح، كما في قوله تعالى: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا} (¬2). ويحتمل من جهة اللفظ أن يراد به تقديم الافتتاح على الرفع، كما يقال: "إذا زارني فلان أكرمته" وهو غير منزَّل على الاحتمال الثالث باتفاق الأصحاب، ولهم وجهان بحسب الاحتمالين الأولين: أحدهما: أنه يبتديء الرفع مع ابتداء التكبير وابتداء الافتتاح. والثاني: أنه يرفع أولًا ثم يكبر، وعلى هذا فوجهان: أحدهما: أنه يكبر واليد مرفوعة ثم يرسلها. والثاني: أنه يبتديء بالتكبير مع ابتداء الإرسال. وقوله: "وبعد ما يرفع" أي: يرفع رأسه معتدلًا، وورد في "الصحيح" (¬3) من رواية عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - رفع اليدين في موضع رابع سوى الثلاثة المذكورة في الحديث وهو ¬

_ (¬1) "سنن أبي داود" (725). (¬2) المائدة: 6. (¬3) رواه البخاري في "صحيحه" (739).

الأصل

عند (1/ ق 61 - ب) القيام من الركعتين، وذكر بعض الأصحاب أن ما ثبت في السنة فهو مذهب الشافعي -رضي الله عنه- وإن لم يذكره. الأصل [137] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مسلم بن خالد وعبد المجيد وغيرهما، عن ابن جريج، عن موسى بن عقبة، عن عبد الله بن الفضل، عن الأَعْرَجِ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ، عن علي بن أبي طالب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال بعضهم: كان إذا ابتدأ، وقال غيره منهم: كان إذا افتتح الصلاة (¬1) قال: "وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ المُشْرِكينَ إِنَّ صَلاَتي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لله رَبِّ العَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ" قال أكثرهم: "وأنا أولُ المُسْلمين"، وشككت أن يكون قال أحدهم: "وَأَنَا مِنَ المُسْلِمِينَ- اللهُمَّ أَنْتَ المَلِكُ لَا إله إِلَّا أَنْتَ سبحانك (ونحمد لك) (¬2) أنت ربي وأَنَا عَبْدُكَ ظَلَمْتُ نَفْسِى وَاعْتَرَفْتُ بِذَنْبِى فَاغْفِرْ لِي ذُنُوبِى جَمِيعًا إنَّه لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ وَاهْدِنِي لأَحْسَنِ الأَخْلاَقِ لَا يَهْدِي لأَحْسَنِهَا إِلَّا أَنْتَ وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَهَا لَا يَصْرِفُ عَنِّي سَيِّئَهَا إِلَّا أَنْتَ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ بيَدَيْكَ وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ، والمهدي من هديت، أَنَا بِكَ وَإِلَيْكَ، لا منجى منْكَ إلا إليكَ، تَبَارَكْتَ وَتَعَالَيْتَ وأَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ" (¬3). ¬

_ (¬1) زاد في "الأصل": و. وهي مقحمة. (¬2) كذا في "الأصل"، وفي "المسند": وبحمدك. (¬3) "المسند" ص (35).

الشرح

الشرح موسى: هو ابن عقبة بن أبي عياش الأسدي المدني، أبو محمَّد مولى الزبير بن العوام. سمع نافعًا، وكريبًا، وأبا الزبير، وغيرهم. وروى عنه: أنس بن عياض، ويحيى بن سعيد الأنصاري، ومالك، وابن جريج، وابن المبارك. مات سنة إحدى وأربعين ومائة (¬1). وعبد الله: هو ابن الفضل بن العباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب الهاشمي المديني. سمع أنس بن مالك، وعبد الرحمن الأعرج، وسليمان بن يسار. روى عنه: موسى بن عقبة، وعبد العزيز بن أبي سلمة، ومالك، وغيرهم (¬2). وعبيد الله بن أبي رافع أسلم مولى النبي - صلى الله عليه وسلم -، كان كاتبًا لعلي - رضي الله عنه -. وسمع منه ومن أبي هُرَيْرَةَ. روى عنه: الحسن بن محمَّد ابن الحنفية، وبسر بن سعيد، وعبد الرحمن الأعرج، وغيرهم (¬3). والحديث صحيح أخرجه مسلم (¬4) من رواية يعقوب بن أبي سلمة ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (7/ ترجمة 1247)، و"الجرح والتعديل" (8/ ترجمة 693)، و"التهذيب" (29/ ترجمة 6282). (¬2) انظر "التاريخ الكبير" (5/ ترجمة 533)، و"الجرح والتعديل" (5/ ترجمة 634)، و"التهذيب" (15/ ترجمة 3483). (¬3) انظر "التاريخ الكبير" (5/ ترجمة 1217)، و"الجرح والتعديل" (5/ ترجمة 1460)، و"التهذيب" (19/ ترجمة 3632). (¬4) "صحيح مسلم" (771/ 201، 202) من رواية يوسف بن أبي سلمة عن الأعرج، وليس يعقوب، وانظر "التحفة" (حديث 10228).

الماجشون عن الأعرج، وفي إسناد الكتاب رواية أربعة من التابعين بعضهم عن بعض؛ لأن موسى بن عقبة تابعي فإنه سمع أم خالد وهي صحابية ومن [فوقه] (¬1) تابعيون. وقوله: "قال بعضهم: كان إذا ابتدأ، وقال (1/ ق 62 - أ) غيره منهم: إذا افتتح" المراد منه شيوخ الشافعي، فإنه روى الحديث عن مسلم وعبد المجيد وغيرهما، يريد أن بعضهم قال هكذا وقال غيره هكذا. وقوله: "إذا ابتدأ الصلاة أو افتتح" يريد إذا شرع فيها بالتكبير يبين ما في رواية غيره: فإذا قام إلى الصلاة كبر ورفع يديه، ثم قال: وجهت وجهي وقوله: وجهت وجهي" أي قصدت بعبادتي وتوحيدي، قال تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ} (¬2) أي قصدك، ويقال: وجهي إليه أي: قصدي إليه، والحنيف عند العرب: من كان على دين إبراهيم - عليه السلام -، والحنفُ: الاستقامة، والحنيف: المستقيم، ويقال للمائل الرِّجل: أحنف، ثفالًا بالاستقامة، ويقال: الحنيف: المائل من الشيء إلى الشيء، والنسك: كل ما يتقرب به إلى الله تعالى. وقوله: "لبيك" الأشهر أنه تثنية أي: إجابة لك بعد إجابة، "وسعديك" أي: ساعدت طاعتك مساعدة بعد مساعدة. وقوله: "والشر ليس إليك" قيل: لا يتقرب به إليك، وقيل: لا يصعد إليك؛ إنما يصعد الكلم الطيب، وقيل: لا يفرد بالإضافة إليك، كما لا يقال: يا خالق الحيات والحشرات. وقوله: "أنا بك وإليك" أي بقدرتك حدثت وإليك أعود. وأخذ الشافعي بهذا الحديث وأحبَّ أن تستفتح الصلاة بهذا ¬

_ (¬1) في "الأصل": قومه. والسياق يقتضي المثبت. (¬2) الروم: 30.

الذكر، وعند أبي حنيفة وأحمد: يستفتح بما روي عن عائشة قالت: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا افتتح الصلاة قال: سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك (¬1). وحديث علي أثبت إسنادًا عند أهل الحديث، وقد ورد في افتتاح الصلاة ذكر آخر في "الصحيحين" من رواية أبي هُرَيْرَةَ قال: سكت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين التكبير والقراءة إسكاتة، فقلت: بأبي وأمي يا رسول الله أرأيت إسكاتك بين التكبير والقراءة ما تقول؟ قال: أقول: اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسلني من خطاياي بالثلج والماء والبرد (¬2). ولذلك قال بعض أصحابنا: بأيّهما استفتح جاز وهو من الاختلاف المباح. وقوله: "اغسلني من خطاياي بالثلج والبرد والماء" أراد طهرني من الذنوب، وذكرها تأكيد ومبالغة. وقوله: "قال أكثرهم وأنا أول المسلمين، وشككت أن يكون قال أحدهم: وأنا من (1/ ق 62 - ب) المسلمين" هذا من كلام الشافعي يعني شيوخه، والروايتان صحيحتان أوردهما مسلم، وعن رواية حرملة أن الشافعي قال: "وأنا أول المسلمين" لا تصلح لغير رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، إنما ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (776)، والترمذي (243) والحاكم (1/ 360). قال الحاكم: صحيح الإسناد، وصححه الألباني في التعليق على السنن. (¬2) رواه البخاري (744)، مسلم (598/ 147) من طريق عمارة بن القعقاع، عن أبي زرعة، عنه.

الأصل

يقول غيره: وأنا من المسلمين وذكر الأصحاب أن الذكر الوارد في الخبر إنما يستحب للمنفرد وللإمام إذا علم رضي المأمومين بالتطويل؛ وإلا فيدع ما بعد قوله: "وأنا من المسلمين". الأصل [138] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا إبراهيم بن محمَّد، عن ربيعة بن عثمان، عن صالح بن أبي صالح، أنه سمع أبا هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- وهو يؤم الناس رافعًا صوته: ربنا إنا نعوذ بك من الشيطان الرجيم في المكتوبة إذا فرغ من أم القرآن (¬1). الشرح ربيعة: هو ابن عثمان بن ربيعة بن عبد الله القرشي التيمي أبو عثمان. روى عن: محمَّد بن يحيى بن حبان. وروى عنه: ابن المبارك، ووكيع، [و] (¬2) ابن عجلان (¬3). وصالح بن أبي صالح يشبه أن يكون مولى التوءمة وقد تقدم ذكره، وآخر يقال له صالح بن أبي صالح يروي عن أبي هُرَيْرَةَ أيضًا وهو صالح بن مهران مولى عمرو بن حريث. والأثر منه يبين استحباب التعوذ، وقد روي عن جبير بن مطعم قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين افتتح الصلاة قال: "الله أكبر كبيرًا قالها ثلاثًا، والحمد لله كثيرًا قالها ثلاثًا، وسبحان الله بكرة وأصيلًا قالها ¬

_ (¬1) "المسند" ص (35 - 36). (¬2) سقط من "الأصل". (¬3) انظر "التاريخ الكبير" (3/ ترجمة 985)، و"الجرح والتعديل" (3/ ترجمة 2140)، و"التهذيب" (9/ ترجمة 1883).

ثلاثًا، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه" (¬1) وفسر همزه بالموتة وهي شبه الجنون، ونفخه بالكبر؛ لأن الشيطان ينفخ فيه حتى يعظمه، ونفثه بالشِّعر. وقوله: "رافعًا صوته" يدل علي أن التعوذ يجهر به فيما يجهر فيه بالقراءة وهو قول للشافعي، والأصح فيه الإسرار كما في دعاء الاستفتاح، وقد روي ذلك عن ابن عمر (¬2) -رضي الله عنه-. وقوله: "في المكتوبة إذا فرغ من أم القرآن" هكذا الرواية في "الأم" وفي بعض نسخ الكتاب وقال: أما اشتهر عن أبي هُرَيْرَةَ أن التعوذ بعد القراءة [...] (¬3) بظاهر قوله تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ} (¬4) [وقال] (¬5) في "الأم" (¬6): وكان بعضهم [يتعوذ] (¬7) حين يفتتح قبل [أم القرآن] (¬8) وبهذا القول [أقول] (¬9) [وفي بعض] (¬10) النسخ "في المكتوبة وإذا فرغ من أم القرآن" (¬11) والأول الأقرب. ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (764)، وابن ماجه (807)، وابن خزيمة (468)، وابن حبان (1780، 2601)، والحاكم (1/ 360). الحاكم: صحيح الإسناد، وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (130) بهذا التمام. (¬2) رواه ابن أبي شيبة (1/ 211). (¬3) طمس بمقدار كلمة. (¬4) النحل: 98. (¬5) طمس بمقدار كلمة، وأثبته ليستقيم السياق. (¬6) "الأم" (1/ 107). (¬7) حاشية مطموسة والمثبت من "الأم". (¬8) حاشية مطموسة والمثبت من "الأم". (¬9) حاشية مطموسة والمثبت من "الأم". (¬10) طمس بمقدار كلمة. وأثبته ليستقيم السياق. (¬11) قلت: وكذا هو في نسخة "المسند" المطبوعة.

الأصل

وقوله: "ربنا إنا نعوذ بك من الشيطان الرجيم" يبين أن سنة التعوذ نتأدى بكل لفظ يؤدي معناه. قال الشافعي: وأي كلام استعاذ به أجزأه والأحب أن يقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وفي اللفظ ما يشير إلى أنه ينبغي للإمام أن يأتي في التعوذ والدعاء بلفظ الجمع. الأصل [139] أبنا (1/ ق 63 - أ) الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عَنِ الزُّهْري، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لَا صَلاَةَ إن لم يقرأ فيها بِفَاتِحَةِ الكِتَابِ" (¬1). [140] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هُرَيْرَةَ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "كلّ صلاة لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِأُمِّ القُرْآنِ فَهِيَ خِدَاجٌ فهِيَ خِدَاجٌ" (¬2). الشرح محمود بن الربيع، أبو محمَّد الأنصاري الحارثي يعد في الصحابة لأنه عقل مجّة مجّها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في دلو في دراهم وهو ابن خمس سنين. سمع: عتبان بن مالك، وعبادة بن الصامت. وروى عنه: الزهري، وغيره. مات لتسع وتسعين (¬3). ¬

_ (¬1) "المسند" ص (36). (¬2) "المسند" ص (36). (¬3) انظر "معرفة الصحابة" (5/ ترجمة 2685)، و"الإصابة" (6/ ترجمة 7823).

والعلاء: هو ابن عبد الرحمن بن يعقوب الحُرقي مولى الحُرقة من جهينة ويكنى العلاء بأبي شبل. سمع: ابن عمر، وأنسًا، وعباس بن سهل بن سعد، وأبا السائب. روى عنه: الدراوردي، ومالك، وشعبة، وسليمان بن بلال، وغيرهم. [مات سنة ثنتين] (¬1) وثلاثين ومائة (¬2). [...] (¬3) وروى عنه: ابنه العلاء. والحديثان صحيحان، وروى البخاري (¬4) الأول منهما عن علي ابن المديني، ومسلم (¬5) عن أبي بكر بن أبي شيبة وعمرو الناقد وغيرهما بروايتهم جميعًا عن سفيان؛ وأما الثاني فإن مسلمًا (¬6) انفرد بإخراجه، ورواه عن العلاء عن أبيه عن أبي هُرَيْرَةَ كما رواه سفيان بن عيينة: شعبة ابن الحجاج، وروح بن القاسم، وعبد العزيز الدراوردي، وإسماعيل ابن جعفر وغيرهم، ورواه مالك وابن جريج ومحمد بن إسحاق بن يسار وابن عجلان، عن العلاء، عن أبي السائب، عن أبي هُرَيْرَةَ فجعلوا أبا السائب مكان عبد الرحمن أبي العلاء، وصحح الأئمة الروايتين جميعًا ¬

_ (¬1) طمس في "الأصل" والمثبت من "التاريخ الكبير". (¬2) انظر "التاريخ الكبير" (6/ ترجمة 3141)، و"الجرح والتعديل" (6/ ترجمة 1974)، و"التهذيب". (¬3) طمس في "الأصل"، وترجمة عبد الرحمن والد العلاء في "التاريخ الكبير" (5/ ترجمة 1158)، و"الجرح والتعديل" (5/ ترجمة 1428)، و"التهذيب" (18/ ترجمة 3997). (¬4) "صحيح البخاري" (756). (¬5) "صحيح مسلم" (394/ 34). (¬6) "صحيح مسلم" (395/ 38 - 41).

وقالوا: إن العلاء سمعه من أبيه وأبي السائب جميعًا فكان يروي تارة عن هذا وأخرى عن هذا، وأورده مسلم من الطريقين جميعًا. وأم القرآن الفاتحة سميت بهذا الاسم؛ لأن أم الشيء أصله وهي أصل لسائر السور لاشتمالها على ذكر شرف الربوبية وإقامة العبودية، وإليهما يرجع ما فضل في سائر السور، وقيل: لتقدمها بالشرف وبالنزول على سائر السور كما تسمى مكة أمَّ القرى لشرفها وتقدمها، وقيل: لأن أهل الدين يفزعون إليها كما يفزع الصبي إلى أمه وكما أن الراية التي ينصبها الأمير ليفزع الناس إليها تسمى (1/ ق 63 - ب) أمًّا. والخِداج: النقصان، يقال: خدجت الناقة تخدج خِداجًا فهي خادج: إذا ألقت ولدها قبل تمام الأيام، وأخدجت الناقة: جاءت بالولد ناقص [فهي] (¬1) مُخْدِجٌ والولد مُخدجٌ، والمعنى أنها ذات خداج أي: نقصان، وقيل: أي مخدجة أقيم المصدر مقام الاسم. وفي الحديث دليل علي أن الصلاة لا تجزيء إلا بفاتحة الكتاب، وعلى أن المأموم في قراءة الفاتحة كغيره، وفي رواية أبي السائب عن أبي هُرَيْرَةَ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ صَلَّى صَلاَةً لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِأُمِّ القُرْآنِ فَهِيَ خِدَاجٌ هِيَ خِدَاجٌ غَيْرُ تَمَامٍ". قال: فقلت: يا أبا هُرَيرَةَ إني أحيانًا أكون وراء الإِمام فَغَمَزَ ذِرَاعِي وَقَالَ: اقْرَأْ بِهَا يَا فَارِسِيُّ في نَفْسِكَ (¬2). ¬

_ (¬1) طمس في "الأصل" والمثبت من "مختار الصحاح" (مادة: خدج). (¬2) أخرجه أبو داود (821)، والنسائي (2/ 136)، وابن ماجه (838)، وابن خزيمة (502)، وابن حبان (1784). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (779).

الأصل

الأصل [141] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن أيوب، عن قتادة، عن أنس قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر وعمر وعثمان يفتتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين (¬1). الشرح هذا حديث صحيح رواه عن قتادة كما رواه أيوب: شعبة، ومن روايته أخرجه الشيخان في "الصحيحين" (¬2) وهشام ومن روايته أخرجه أبو داود (¬3)، وأبو عوانة ومن روايته أخرجه الترمذي (¬4)، وأخرجه ابن ماجه (¬5) من رواية أيوب كما رواه الشافعي، ورواه عن شعبة كما رواه هؤلاء: يزيد بن هارون، ويحيى بن سعيد القطان، والأعمش، وأبو عمر [الحوضي] (¬6) والحسن بن موسى الأشيب، وعمرو بن مرزوق، وغيرهم، ورواه آخرون منهم: معاذ بن معاذ، وعلي بن الجعد، وغندر، ومحمد بن بكر، وحجاج بن محمَّد، وأبو نوح [قراد] (¬7) وآدم ابن أبي إياس، وأبو النضر، عن شعبة واللفظ: صليت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر وعثمان فلم أسمع أحدًا منهم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم، ورواه عن شعبة وكيع بن الجراح والأسود بن عامر واللفظ: ¬

_ (¬1) "المسند" ص (36). (¬2) "صحيح البخاري" (743)، و"صحيح مسلم" (399/ 51، 52). (¬3) "سنن أبي داود" (782). (¬4) "جامع الترمذي" (246) وقال: حسن صحيح. (¬5) "سنن ابن ماجه" (813). (¬6) في "الأصل": الخوضي. تصحيف. (¬7) في "الأصل": مراد. تحريف، وأبو نوح هو عبد الرحمن بن غزوان المعروف بقراد. ترجمته في "التهذيب" (17/ ترجمة 3927).

الأصل

صليت خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر وعثمان فلم [يجهروا] (¬1) ببسم الله الرحمن الرحيم (¬2) ورواه زيد بن الحباب وعبيد الله بن موسى [عن] (¬3) شعبة مثله. وفي الباب عن عائشة، وأبي هُرَيْرَةَ، وعبد الله بن مغفل وغيرهم، وذكر الشافعي في "الأم" (¬4) أن معنى الحديث أنهم كانوا يبدءون بقراءة أم القرآن قبل السورة، لا أنهم كانوا يتركون بسم الله الرحمن الرحيم، ولا أنهم كانوا يتركون الجهر بها، وهذا كما يقول القائل: قرأت طه ويس ويريد السورة، واستدل للتأويل المذكور ما سيأتي على الأثر من الآثار الدالة على الجهر بها، واعلم أن هذا التأويل قريب في اللفظة المذكورة في الكتاب؛ فأما علي رواية (1/ ق 64 - أ) من روى "أنهم كانوا لا يجهرون بالتسمية" فلا مساغ فيه لهذا التأويل، وطريق نصرة المذهب المعارضة بالآثار والأخبار الدالة على الجهر وترجيحها بكثرة الروايات والرواة، وأيضًا فالوقوف على الإثبات أسهل من الوقوف على النفي ولذلك تقبل الشهادة على الإثبات ولا تقبل على النفي، وقد يعرض ما يمنع السماع من خفض صوت أو لغط وغيرهما فلا يسمع الحاضر. وفي الحديث ما يدل على أنهم كانوا كما يحتجون بأفعال النبي - صلى الله عليه وسلم - إقدامًا وإحجامًا كانوا يحتجون ويستأنسون بأفعال الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم. الأصل [142] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا عبد المجيد، عن ابن جريج، ¬

_ (¬1) طمس في "الأصل" والمثبت من "سنن الدارقطني". (¬2) رواه الدارقطني (1/ 315 رقم 3). (¬3) في الأصل: بن. تحريف. (¬4) "الأم" (1/ 107).

أخبرني أبي، عن سعيد بن جبير {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ (87)} هي أم القرآن. قال أبي: وقرأها علي سعيد بن جبير حتى ختمها، ثم قال: بسم الله الرحمن الرحيم الآية السابعة. قال سعيد: قرأها على ابن عباس كما قرأتها عليك، ثم قال: بسم الله الرحمن الرحيم الآية السابعة. قال ابن عباس: فذخرها لكم فما أخرجها لأحد قبلكم (¬1). [143] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا إبراهيم بن محمَّد، حدثني صالح مولى التوءمة أن أبا هُرَيْرَةَ كان يفتتح الصلاة ببسم الله الرحمن الرحيم (¬2). [144] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا عبد المجيد، عن ابن جريج قال: أخبرني عبد الله بن عثمان بن خثيم، أن أبا بكر بن حفص بن عمر، أخبره أن أنس بن مالك قال: صلى معاوية بالمدينة صلاة فجهر فيها بالقراءة فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم لأمّ القرآن، ولم يقرأ بها للسورة التي بعدها حتى قضى تلك القراءة، ولم يكبر حين يهوي حتى قضى تلك الصلاة، فلما سلم ناداه من سمع ذلك من المهاجرين من كل مكان: يا معاوية أسرقت الصلاة أم نسيت، فلما صلى بعد ذلك قرأ بسم الله الرحمن الرحيم للسورة التي بعد أمّ القرآن، وكبّر حين يهوي ساجدًا (¬3). [145] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا إبراهيم بن محمَّد، حدثني عثمان بن عبد الله بن خثيم، عن إسماعيل بن عبيد بن رفاعة، عن أبيه أن ¬

_ (¬1) "المسند" ص (36). (¬2) "المسند" ص (36). (¬3) "المسند" ص (36 - 37).

الشرح

معاوية قدم المدينة فصلى بهم ولم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم ولم يكبر إذا خفض وإذا رفع، فناداه (1/ ق 64 - ب) المهاجرون حين سلم والأنصار: يا معاوية أسرقت صلاتك؟ أين بسم الله الرحمن الرحيم وأين التكبير إذا خفضت وإذا رفعت؟! فصلى بهم صلاة أخرى فقال ذلك فيها الذي عابوا عليه (¬1). [146] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا يحيى بن سليم، عن عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن إسماعيل بن عبيد بن رفاعة، عن أبيه، عن معاوية (والمهاجرون) (¬2) والأنصار مثله أو مثل معناه لا يخالفه، وأحسب هذا الإسناد أحفظ من الإسناد الأول (¬3). [147] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مسلم وعبد المجيد، عن ابن جريج، عن نافع، عن ابن عمر أنه كان لا يدع بسم الله الرحمن الرحيم لأمّ القرآن والسورة التي بعدها (¬4). الشرح ابن جريج: هو عبد العزيز بن جريج المكي مولى آل أمية بن خالد القرشي وكان رومي الأصل. روى عن: عائشة، وسعيد بن جبير. وروى عنه: ابنه عبد الملك بن جريج (¬5). ¬

_ (¬1) "المسند" ص (37). (¬2) كذا في "الأصل" وفي "المسند": والمهاجرين، وكذا "الأم" (1/ 108). (¬3) "المسند" ص (37). (¬4) "المسند" ص (37). (¬5) انظر "التاريخ الكبير" (6/ ترجمة 1564)، و"الجرح والتعديل" (5/ ترجمة 1772)، و"التهذيب" (18/ ترجمة 3438).

وسعيد (¬1): هو ابن جبير بن هشام، أبو عبد الله الأسدي مولى بني والبة بن أسد بن خزيمة، من أكابر علماء التابعين، وكان مجاب الدعوة. سمع: ابن عمر، وابن عباس، وابن الزبير، وأبا موسى، وأبا هُرَيْرَةَ، وأبا عبد الرحمن السلمي. وروى عنه: حبيب بن أبي ثابت، والحكم بن عتيبة، وعمرو بن دينار، وأيوب، والأعمش، والخلق. قتله الحجاج بن يوسف ظلمًا سنة خمس وتسعين. وعبد الله بن عثمان بن خثيم: هو أبو عثمان المكي. سمع: أبا الطفيل، وسعيد بن جبير، ومجاهدًا. وعن يحيى بن سعيد القطان قال: قدمت مكة سنة أربع وأربعين وقد مات عبد الله هذا (¬2). وأبو بكر بن حفص أخو عبد الله بن حفص بن عمر بن سعد بن أبي وقاص الزهري. سمع: ابن عمر، وعروة بن الزبير. وروى عنه: أبان بن عبد الله البجلي، وشعبة، وابن جريج. وكان ينزل الكوفة، وسئل عنه يحيى بن معين فقال: كان رجلًا صالحًا (¬3). ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (3/ ترجمة 1533)، و"الجرح والتعديل" (4/ ترجمة 29)، و"التهذيب" (10/ ترجمة 2245). (¬2) انظر "التاريخ الكبير" (5/ ترجمة 443)، و"الجرح والتعديل" (5/ ترجمة 510)، و"التهذيب" (15/ ترجمة 3417). (¬3) انظر "التاريخ الكبير" (5/ ترجمة 200)، و"الجرح والتعديل" (5/ ترجمة 157)، و"التهذيب" (14/ ترجمة 3228).

وإسماعيل: هو ابن عبيد بن رفاعة بن رافع الزرقي الأنصاري. سمع: أباه وروى عنه: عبد الله بن عثمان بن خثيم (¬1). وأبوه عبيد بن رفاعة الأنصاري المديني. سمع: أباه رفاعة (¬2). واستدل الشافعي بالأثر الأول على أن التسمية آية من الفاتحة بعد ما قدم أنه لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب ليبين أنه لا سبيل إلى تركها، وذلك لأن قوله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي} (¬3) مفسر بالفاتحة، وعدَّ ابن (1/ 65 - أ) عباس التسمية إحدى السبع، ويدل عليه ما روي عن حفص بن غياث وغيره، عن ابن جريج، عن ابن أبي مليكة، عن أم سلمة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا قرأ بأمّ القرآن بدأ بسم الله الرحمن الرحيم يعدّها آية، ثم قرأ الحمد لله رب العالمين بعدها ست آيات (¬4). وعن عمر بن هارون البلخي، عن ابن جريج، عن ابن أبي مليكة، عن أم سلمة؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (1) الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7)}. يقطعها آية آية وعدّها عد الأعراب وعدّ ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (1/ ترجمة 1165)، و"الجرح والتعديل" (2/ ترجمة 633)، و"التهذيب" (3/ ترجمة 466). (¬2) انظر "التاريخ الكبير" (5/ ترجمة 1457)، و"الجرح والتعديل" (5/ ترجمة 1881)، و"التهذيب" (19/ ترجمة 3716). (¬3) الحجر: 87. (¬4) رواه الحاكم (1/ 356)، والبيهقي (2/ 44). قال الحاكم: صحيح علي شرط الشيخين.

بسم الله الرحمن الرحيم آية ولم يعد عليهم (¬1). وتفسير السبع المثاني بالفاتحة مروي عن عمر، وعلي، وابن مسعود، والحسن، ومجاهد، وقتادة، وغيرهم -رضي الله عنهم-، وروي ذلك مرفوعًا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬2). والمثاني واحدها مثناة: وهي كل شيء يثنى أي يجعل اثنين، وسميت الفاتحة مثاني؛ لأنها تثنى في الصلاة بإعادتها في الركعات، وقيل: لأن الكلمات فيها مثناة كالرحمن الرحيم، والرحمن الرحيم، وإياك وإياك، والصراط وصراط، وقيل: لأنه تثنى إنزالها فنزلت مرة بمكة وأخرى بالمدينة. وقول ابن عباس: "فذخرها لكم" يجوز أن يريد الفاتحة، ويجوز أن يريد التسمية، والأول أظهر. وأما الأثر عن أبي هُرَيْرَةَ فيدل على أنه كان لا يترك التسمية، والظاهر أنه كان يجهر بها فحينئذ يظهر إطلاع المأمومين على الحال، وقد روي عن نعيم المجمر أنه قال صليت وراء أبي هُرَيْرَةَ وقال: بسم الله الرحمن الرحيم فقرأ بأم القرآن ووصف صلاته إلى أن قال: فلما سلم قال: والذي نفسي بيده إني لأشبهكم صلاة برسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬3). فرفع إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. ¬

_ (¬1) رواية ابن خزيمة (493)، والدارقطني (1/ 307، 312 رقم 21، 37) والحاكم (1/ 356)، والبيهقي (2/ 44). قال الدارقطني: إسناده صحيح. (¬2) رواه البخاري (4474) من حديث أبي سعيد بن المعلى. (¬3) أخرجه النسائي (2/ 134)، وابن الجارود (184)، وابن خزيمة (499، 688)، وابن حبان (1797، 1801).

وقوله: "ببسم الله" أدخلت الباء على الباء؛ لأن الباء الأولى متصلة بالاسم مقترنة به على كثرة الاستعمال في ابتداء كل أمر ذي بال، فنزلت لشدة الملازمة منزلة الحرف من الكلمة وأدخلت عليها الباء الخافضة، وهذا كإدخال (1/ ق 65 - ب) اللام على اللام في قول من قال: فلا والله لا يُلفى لما بي ... ولا للماء بهم أبدًا دواء وأما قصة معاوية (¬1) فقوله: "فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم" يريد أنه جهر بها، وقوله في مقابلته: ولم يقرأ بها للسورة يشبه أن يريد ولم يجهر بها، ويدل عليه قوله من بعد: "ناداه من سمع ذلك من المهاجرين من كل مكان" ولولا أنه جهر لما اطلعوا على الحال سيما من كان بعيدًا منه، وفي القصة دلالة على أن الجهر بالتسمية للفاتحة والسُّورة بعدها مسنون عند الجهر بالقراءة، وفي توافقهم على الاعتراض ما يشعر بأنهم كانوا كالمجمعين عليه. وقوله: "فلما صلى بعد ذلك" وقوله في الرواية الأخرى: "فصلى بهم صلاة أخرى" يحتمل أن يريد أنه أعاد الصلاة التي صلاها، ويحتمل أن يريد الصلاة التالية للتي أداها. وقوله: "فقال ذلك فيها الذي عابوا عليه" أي: عابوه عليه، وذلك بيان لقوله: فقال ذلك فيها كأنه قال أي الذي عابوه عليه. وقول الشافعي: "وأحسب هذا الإسناد أحفظ من الإسناد الأول" أشار به إلى ما فيهما من التفاوت، فإن في الإسناد الأول رواية ابن خثيم عن أبي بكر بن حفص عن أنس، وفي الثاني رواية ابن خثيم عن ¬

_ (¬1) أخرجها عبد الرزاق (2618).

إسماعيل بن عبيد عن أبيه، وفي الأول أنه قرأ بسم الله الرحمن الرحيم للفاتحة دون السورة، وفي الثاني إطلاق القول بأنه لم يقرأ وإنما مال إلى ترجيح الثاني؛ لأن الأول رواه ابن جريج، والثاني رواه إبراهيم ويحيى، وزيادة الرواة تثير زيادة الظن، ويحتمل أن يكون الترجيح من جهة أن بين الشافعي وبين ابن خثيم في الإسناد الأول اثنان وفي الإسناد الثاني واحد، والنزول في الإسناد يزيد في احتمال الغلط وغيره، على أنه يحتمل أن يكون ابن خثيم سمعه منهما فروى تارة هكذا وأخرى هكذا، وفي القصة دليل على أنه يجوز الاعتراض على من ترك بعض الشعائر وإن كان من المستحبات، وعلى أنه يجوز الاعتراض في الاستبعاد في مظان الاجتهاد، وفيها أن معاوية لما رأى تطابقهم وافقهم ورجع إلى قولهم؛ لأنه رجح عنده ما رجح عندهم. وأما الأثر عن ابن عمر (¬1) ففيه أنه كان لا يترك التسمية في الفاتحة والسورة جميعًا، وقد رواه عن نافع كما رواه ابن جريج: جويرية بن أسماء وعبد الله وعبيد الله (1/ ق 66 - أ) ابنا عمر، وفي رواية عبيد الله عن نافع ورواية غير نافع أن ابن عمر كان يجهر بالتسمية للفاتحة وللسورة بعدها، وقد استفاض الجهر بالتسمية في الخبر والأثر، فعن علي -رضي الله عنه- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم في السورتين جميعًا وعن علي وعمار أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يجهر في المكتوبات ببسم الله الرحمن الرحيم [وعن، ابن عباس] (¬2)، قال: "كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يجهر في الصلاة ببسم الله الرحمن الرحيم". وعن سالم عن ابن عمر أنه كان ¬

_ (¬1) رواه عبد الرزاق (2608). (¬2) طمس في "الأصل" والمثبت من "سنن الدارقطني".

الأصل

يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم، ويذكر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يجهر بها. وعن نافع عن ابن عمر قال: صليت خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر فكانوا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم. وعن أبي هُرَيْرَةَ قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: علمني جبريل الصلاة فقام فكبر لنا، ثم قرأ بسم الله الرحمن الرحيم فيما يجهر به في كل ركعة. وعن جابر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "كيف تقرأ إذا قمت في الصلاة؟ قلت: أقرأ الحمد لله رب العالمين. قال: قل بسم الله الرحمن الرحيم". وعن أنس بن مالك قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم. وعن النعمان بن بشير قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أمّني جبريل عند الكعبة فجهر ببسم الله الرحمن الرحيم". وعن الحكم بن عمير وكان بدريًّا قال: صليت خلف النبي - صلى الله عليه وسلم - فجهر في الصلاة ببسم الله الرحمن الرحيم في صلاة الليل وصلاة الغداة وصلاة الجمعة. وعن عائشة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم. وهذِه الأحاديث قد أوردها جميعًا بأسانيدها الحافظ الدارقطني رحمه الله في "سننه" (¬1). الأصل [148] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عَنِ ابن شِهَابٍ، عن سعيد وأبي سلمة، عن أبي هُرَيْرَةَ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِذَا أَمَّنَ الإِمَامُ فَأَمِّنُوا فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ المَلاَئِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ". قال ابن شهاب: وكان (1/ ق 66 - ب) النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: آمين (¬2). ¬

_ (¬1) "سنن الدارقطني" (1/ 302 - 310 رقم 1 - 32). (¬2) "المسند" ص (37).

الشرح

[149] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، أخبرني سمي، عن أبي صالح، عن أبي هُرَيْرَةَ أن رسول - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا قال الإِمام: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} فقولوا: آمين، فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ قوله قول المَلاَئِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ" (¬1). [150] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هُرَيْرَةَ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا قالَ أحدُكم: آمين، وقالت الملائكةُ في السماءِ آمين، فوافقت إحداهما الأخرى غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ" (¬2). الشرح سمي: هو مولى أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام القرشي المخزومي. سمع: أبا صالح السمّان، ومولاه أبا بكر. وروى عنه: مالك، وابن عيينة، والثوري، وعمارة بن غزية، ومحمد بن عجلان. قتلته الحرورية سنة ثلاثين ومائة، وقيل: سنة إحدى وثلاثين (¬3). والحديث صحيح أخرجه البخاري (¬4) من الوجوه الثلاثة عن عبد الله بن يوسف عن مالك، وأخرج مسلم (¬5) رواية سعيد بن المسيب وأبي ¬

_ (¬1) "المسند" ص (37 - 38). (¬2) "المسند" ص (38). (¬3) انظر "التاريخ الكبير" (4/ ترجمة 2499)، و"الجرح والتعديل" (4/ ترجمة 1369)، و"التهذيب" (12/ ترجمة 2590). (¬4) "صحيح البخاري" (780 - 782). (¬5) "صحيح مسلم" (409، 410/ 71 - 76).

سلمة عن أبي هُرَيْرَةَ عن يحيى بن يحيى عن مالك، ورواية أبي صالح من طريق سهيل بن أبي صالح، والرواية الثالثة من طريق المغيرة بن عبد الرحمن عن أبي الزناد. والحديث أصل في استحباب التأمين مع تأمين الإِمام. وقوله في الرواية الأولى: "إذا أمن الإِمام فأمنوا ... " إلى آخره، يتضمن الإخبار عن تأمين الملائكة كما ورد في رواية أخرى أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا أمّن القاريء فأمنوا فإن الملائكة تؤمن، فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه" ورواية أبي صالح عن أبي هُرَيْرَةَ تتضمن هذا الإخبار أيضًا، وتحتاج إلى إضمار آخر في المعنى إذا قال: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} وأمّن؛ وأما رواية الأعرج عن أبي هُرَيْرَةَ فالظاهر أن المراد إذا قال أحدكم آمين في آخر الفاتحة إمامًا أو مأمومًا وقالت الملائكة آمين، ويجوز أن يحمل علي توافق التأمينين في الأدعية مطلقًا. وفيه دليل علي أن الإِمام يجهر بالتأمين حيث يجهر بالقراءة؛ لأنه إذا لم يجهر لم يعرف المأموم أنه متى يؤمن، ويدل عليه ما روي عن وائل بن حجر قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - قرأ: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} وقال (1/ ق 67 - أ): آمين مدّ بها صوته (¬1) [والأظهر] (¬2) في ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (932)، والترمذي (248)، والدارقطني (1/ 334 رقم 1 - 6) من طرق عنه. قال الترمذي: حسن، وصححه الدارقطني، وكذا الألباني. (¬2) في "الأصل": لا يظهر. تحريف. قال في "المهذب" (1/ 73): وأما المأموم فقد قال في الجديد: لا يجهر، وقال في القديم: يجهر، فمن أصحابنا من قال علي قولين: أحدهما: يجهر؛ لما روى عطاء أن ابن الزبير كان يؤمن ويؤمنون وراءه حتى إن =

الأصل

المذهب أن المأموم يجهر أيضًا، لما سيأتي من بعد في "المسند" (¬1) عن عطاء. وفي آمين لغتان: القصر والمد، والميم على اللغتين مخففة ومعناها: ليكن كذلك، وقيل: افعل، وقيل: استجيب دعاءنا، وقيل: أمّنا بخير، وقيل: هو اسم من أسماء الله تعالى. وقوله: "فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ المَلاَئِكَةِ" أشهر ما ذكر في تفسيره وأظهره مقارنة القول القول، فذكر علي هذا أن قوله: "إذا أمن الإِمام فأمنوا" ليس لترتيب المأموم تأمينه علي تأمين الإِمام؛ وإنما هو كقول القائل: إذا ارتحل الأمير فارتحلوا والمقصود إذا همّ بالارتحال فتأهَّبوا ليكون ارتحالكم مع ارتحاله، وقيل: معناه موافقة التأمين التأمين في الإخلاص والخشوع، وقيل: الموافقة في تعميم الدعاء والتأمين كما تفعل الملائكة، قال تعالى: {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا} (¬2). الأصل [151] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن ابن شهاب، عن علي ابن حسين قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يكبر كلما خفض وكلما رفع، فما زالت تلك صلاته حتى لقي الله -عَزَّ وَجَلَّ- (¬3). [152] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن ابن شهاب، عن أبي سلمة أن أبا هُرَيْرَةَ كان يصلي بهم (فكبر) (¬4) كلما خفض ورفع فإذا ¬

_ = للمسجد للجة. والثاني: لا يجهر؛ لأنه ذكر مسنون في الصلاة فلم يجهر به المأموم كالتكبيرات. (¬1) يأتي برقم (211). (¬2) غافر: 7. (¬3) "المسند" ص (38). (¬4) في "المسند": فيكبر.

الشرح

انصرف قال: والله إني لأشبهكم صلاة برسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬1). الشرح علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب زين العابدين أبو الحسن، ويقال: أبو الحسين، ويقال: أبو محمَّد الهاشمي المديني. سمع: أباه، وصفية بنت حيي، والمسور بن مخرمة، وجماعة من التابعين. روى عنه: الزهري، وزيد بن أسلم، والحكم بن عتيبة، وأبو الزناد. مات سنة اثنتين وتسعين (¬2). والحديث الأول مرسل ولكن ورد معناه موصولًا من رواية ابن شهاب عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث وأبي سلمة عن أبي هُرَيْرَةَ أخرجه البخاري (¬3) عن أبي اليمان عن شعيب بن أبي حمزة عن ابن شهاب. والحديث الثاني مسند صحيح رواه البخاري (¬4) عن عبد الله بن يوسف، ومسلم (¬5) عن يحيى بن يحيى بروايتهما عن مالك. وفيه بيان استحباب التكبير (1/ ق 67 - ب) في انتقالات الصلاة، وجملة ما يشتمل عليه أربع ركعات اثنتان وعشرون تكبيرة، واحدة منها فرض وهي تكبيرة التحريم، والباقية مستحبة. وقوله: "كلما خفض وكلما رفع" لفظة عامة لكن الاعتدال من ¬

_ (¬1) "المسند" ص (38). (¬2) انظر "التاريخ الكبير" (6/ ترجمة 2364)، و"الجرح والتعديل" (6/ ترجمة 977)، و"التهذيب" (20/ ترجمة 4050). (¬3) "صحيح البخاري" (803). (¬4) "صحيح البخاري" (785). (¬5) "صحيح مسلم" (392/ 27).

الأصل

الركوع مستثنى عن هذِه الجملة فلا يكبر عنده ولكن يقول: "سمع الله لمن حمده" على ما سيأتي. وقوله: "فما زالت تلك صلاته حتى لقي الله -عَزَّ وَجَلَّ-" يبين أن هذا الاستحباب مستمر ثابت لم يتطرق إليه نسخ وتبديل. وقوله: "والله إني لأشبهكم صلاة برسول الله - صلى الله عليه وسلم -" أي بصلاته، وأراد إعلامهم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي كصلاته، وهذِه الكلمة مع الفعل المأتي به نازلة منزلة حكاية فعله - صلى الله عليه وسلم -. الأصل من ها هنا سمع الربيع من البويطي. [153] أبنا الربيع، أبنا البويطي، أبنا الشافعي، أبنا إبراهيم بن محمَّد، حدثني صفوان بن سليم، عن عطاء بن يسار، عن أبي هُرَيْرَةَ قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا ركع قال: "اللهُمَّ لَكَ رَكَعْتُ وَلَكَ أَسْلَمْتُ وَبِكَ آمَنْتُ وأنت ربي، خَشَعَ لَكَ سَمْعِي وَبَصَرِي وَعِظَامِي وشعري وبشري وما استقلت به قدمي لله رب العالمين" (¬1). [154] أبنا الربيع، أبنا البويطي، أبنا الشافعي، أبنا مسلم وعبد المجيد - قال الربيع: أحسبه عن ابن جريج، عن موسى بن عقبة، عن عبد الله بن الفضل، عن الأعرج، عن عبيد الله بن أبي رافع، عن علي -رضي الله عنه- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا ركع قال: "اللهُمَّ لَكَ رَكَعْتُ، وبك آمنت، وَلَكَ أَسْلَمْتُ وأنت ربي، خَشَعَ لَكَ سَمْعِي وَبَصَرِي، وَمُخِّي وعظمي، وما استقلت به قدمي لله ربِّ العالمين" (¬2). ¬

_ (¬1) "المسند" ص (38). (¬2) "المسند" ص (38).

الشرح

الشرح هذِه أحاديث معدودة وقعت في خلال فصول ومسائل من "الأم" احتاط الربيع لها لريبة عرضت له في سماعها من الشافعي، وكان يتحقق سماعها من أبي يعقوب البويطي فرواها عنه بسماعه من الشافعي، وبهذا تبين أن في "المسند" ما لم يروه الربيع عن الشافعي، وأن فيما اشتهر من روايته عن الشافعي تساهلًا والمراد المعظم. والحديث من الطريق الثاني أخرجه مسلم في "الصحيح" (¬1) من الوجه الذي بيناه في دعاء الاستفتاح (1/ ق 68 - أ) وهو حديث واحد فيه دعاء الاستفتاح والذكر في الركوع والاعتدال والسجود يروى بتمامه تارة وبفصل الجمل أخرى، واللفظ في "الصحيح": "اللهم لك ركعت وبك آمنت ولك أسلمت خشع لك سمعي وبصري وعظامي ومخي وعصبي" وليس فيه ما بعد ذلك. وقوله: "لك ركعت ولك أسلمت" يشير إلى معنى الإخلاص. وقوله: "وبك آمنت" يجوز أن يكون المراد منه: آمنت بك، ويجوز أن يكون المراد بتوفيقك آمنت بما يجب الإيمان به. وقوله: "خشع لك سمعي وبصري" يمكن أن يراد به خشعت لك بجملتي أجزائي كالعظام والشعر، وصفاتي كالسمع والبصر، وبأصول أعضائي كالعظم والعصب، وبزوائدها كالشعر، وبالبادي مني وهو البشرة وبالباطن كالمخ والعظم. وقوله: "وما استقلت به قدمي" يقال: استقلت السماء أي ارتفعت، ويقال: استقل بالشيء وأقله إذا طاقه؛ لأنه حمله ورفعه، ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (771/ 201).

الأصل

وكأن المعنى وجميع ما رفعته وحملته من أعضائي. وقوله: "لله رب العالمين" بعد قوله: "خشع لك" يجوز أن يكون بيانًا لما مضى ومزيد ثناء على الله تعالى، ويكون اللفظ عائدًا إلى المعنى كما تقول: فعلت لك كذا فعلته لولدي وعزيزي، ويجوز أن يقطع قوله: "وما استقلت به قدمي" عما قبله ويكون المعنى خشع لك كذا وكذا، ثم يقول وجميع ما حملته قدمي لله تعالى فحقي الخشوع له، وفي بعض الروايات طرح "لك" في الأول، فروى عبد الرزاق في "مسنده" (¬1) عن إبراهيم بن محمَّد عن عبد الله بن الفضل بإسناده وقال: "لك ركعت وبك آمنت ولك أسلمت وأنت ربي، خشع سمعي وبصري ومخي وعظامي وعصبي لله رب العالمين" وفي اختلاف الذكر في الروايات تقديمًا وتأخيرًا وزيادة ونقصانًا ما يبين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يذكر أحيانًا هكذا وأحيانًا هكذا، أو على أن الرواة غيروا واعتمدوا المعنى، وورد سوى ذلك أذكار في الركوع ففي "الصحيح" من رواية عائشة قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لي (¬2). ومن روايتها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول في ركوعه وسجوده: "سبوح قدوس رب (1/ ق68 - ب) الملائكة والروح" (¬3). الأصل [155] أبنا الربيع، أبنا البويطي، أبنا [الشافعي] (¬4) أبنا ابن ¬

_ (¬1) "المصنف" (2903). (¬2) أخرجه البخاري (817)، ومسلم (484/ 217) من طرق عن مسروق عنها. (¬3) أخرجه مسلم (487/ 223) من طريق قتادة، عن مطرف عنها. (¬4) في "الأصل": الربيع. خطأ، والمثبت من "المسند".

الشرح

عيينة وابن محمَّد، عن سليمان بن سحيم، عن إبراهيم بن عبد الله بن معبد، عن أبيه، عن ابن عباس، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "ألا إني نهيت أن أقرأه راكعًا أو ساجدًا؛ فأما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فاجتهدوا فيه". قال أحدهما: "فيه من الدعاء"، وقال الآخر: " [فاجتهدوا] (¬1) الدعاء فيه، فإنه قمن أن يستجاب لكم" (¬2). الشرح ابن محمَّد: هو إبراهيم بن محمَّد. وسليمان: هو ابن سحيم أبو أيوب المديني الهاشمي مولى آل حنين، وهم موالي العباس، وقيل غيره. سمع: إبراهيم بن عبد الله بن معبد. وروى عنه: ابن عيينة، وإسماعيل بن جعفر، وغيرهما (¬3). وإبراهيم: هو ابن عبد الله بن معبد بن العباس بن عبد المطلب الهاشمي. روى عن: أبيه، وعن ميمونة. وسمع منه: ابن جريج (¬4). وأبوه عبد الله بن معبد المديني الهاشمي. ¬

_ (¬1) في "الأصل": ما اجتهدوا. تحريف، والمثبت من "المسند". (¬2) "المسند" ص (39). (¬3) انظر "التاريخ الكبير" (4/ ترجمة 1812)، و"الجرح والتعديل" (4/ ترجمة 517)، و"التهذيب" (11/ ترجمة 2519). (¬4) انظر "التاريخ الكبير" (1/ ترجمة 958)، و"الجرح والتعديل" (2/ ترجمة 311)، و"التهذيب" (2/ ترجمة 198).

روى عن: ابن عباس عمه (¬1). والحديث صحيح، رواه مسلم في "الصحيح" (¬2) عن أبي بكر بن أبي شيبة وغيره عن سفيان، وأبو داود (¬3) عن مسدد عن سفيان عن سليمان، وفي الباب عن علي -رضي الله عنه-. وفيه بيان النهي عن قراءة القرآن في الركوع والسجود، واللفظ في "صحيح مسلم": نهيت أن أقرأ القرآن راكعًا أو ساجدًا وفيه استحباب التعظيم في الركوع، وقد حمل ذلك على أن يقول: سبحان ربي العظيم ثلاثًا علي ما سيأتي الخبر فيه على الأثر، وفيه بيان استحباب الدعاء في السجود والاجتهاد والمبالغة فيه. وقوله: "قال أحدهما: فيه من الدعاء" المراد منه شيخا الشافعي: ابن عيينة وإبراهيم، قال أحدهما: اجتهدوا فيه من الدعاء، وقدم الآخر لفظ الدعاء. وقوله: "قمن أن يستجاب لكم" أي جدير وحري، وتفتح الميم من الكلمة وتكسر، فالفتح على المصدر وحينئذ فلا يثنى ولا يجمع، يقال: هما قَمِن أن يفعلا كذا وهم قمن، والكسر على النعت وحينئذ يقال: قَمِنَانِ وقَمِنُون؛ وإنما كان جديرًا بالإجابة لأن أقرب ما يكون العبد من ربه إذا سجد، كذلك رواه أبو هُرَيْرَةَ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬4). ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (5/ ترجمة 621)، و"الجرح والتعديل" (5/ ترجمة 804)، و"التهذيب" (16/ ترجمة 3584). (¬2) "صحيح مسلم" (479/ 207). (¬3) "سنن أبي داود" (876). (¬4) أخرجه مسلم (482/ 215) من طريق سمي، عن أبي صالح، عنه.

الأصل

الأصل [156] أبنا الربيع، أبنا البويطي، أبنا الشافعي، أبنا ابن أبي فديك، عن ابن أبي ذئب (1/ ق 69 - أ) عن إسحاق بن يزيد الهذلي، عن عون بن عبد الله بن عتبة بن مسعود أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا ركع أحدكم فقال: سبحان ربي العظيم ثلاث مرات فقد تم ركوعه وذلك أدناه، وإذا سجد فقال: سبحان ربي الأعلى ثلاث مرات فقد تمّ سجوده وذلك أدناه". إلى هنا سمع الربيع من البويطي (¬1). الشرح إسحاق بن يزيد الهذلي الكوفي. روى عن: عون بن عبد الله. وروى عنه: ابن أبي ذئب، ومحمد بن أبان (¬2). وعون: هو ابن عبد الله بن عتبة بن مسعود بن الحارث، أبو عبد الله الهذلي الكوفي أبوه ابن أخي عبد الله بن مسعود. سمع: ابن عمر، وأبا هُرَيْرَةَ، والشعبي، وأباه. وروى عنه: أبو الزبير، ومسعر، وسعيد بن أبي هلال، وغيرهم (¬3). والحديث مرسل، وقد يروى عن عون بن عبد الله عن ابن مسعود عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وكذلك أخرجه أبو داود (¬4) وأبو عيسى الترمذي (¬5) وقالا ¬

_ (¬1) "المسند" ص (39). (¬2) انظر "التاريخ الكبير" (1/ ترجمة 1296)، و"الجرح والتعديل" (2/ ترجمة 840)، و"التهذيب" (2/ ترجمة 392). (¬3) انظر "التاريخ الكبير" (7/ ترجمة 60)، و"الجرح والتعديل" (6/ ترجمة 2138)، و"التهذيب" (22/ ترجمة 4553). (¬4) "سنن أبي داود" (886). (¬5) "جامع الترمذي" (261).

مع ذلك: إنه غير متصل؛ لأن عونًا لم يدرك ابن مسعود. وقوله: "وذلك أدناه" حمله الشافعي على أدنى الفرض، والاختيار دون الفرض وحده، واستحب أن يبدأ الراكع بهذا التسبيح ثم يأتي بما تقدم، وقد صح من رواية حذيفة أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يقول في ركوعه: "سبحان ربي العظيم"، وفي سجوده: "سبحان ربي الأعلى" (¬1). وعن عقبة بن عامر قال: لما نزلت: {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (74)} قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اجعلوها في ركوعكم" فلما نزلت: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1)} قال: "اجعلوها في سجودكم" (¬2). ويروى مع ذلك فكان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا ركع قال: "سبحان ربي العظيم وبحمده ثلاثًا"، وإذا سجد قال: "سبحان ربي الأعلى ثلاثًا" قال أبو داود في "السنن" (¬3): وهذِه الزيادة نخاف أن لا تكون محفوظة، ويروى التسبيح في الركوع والسجود ثلاثًا من رواية جبير (¬4) بن مطعم، وذكر الترمذي (¬5) أن العمل عليه عند أهل العلم يستحبون أن لا ينقص الرجل في الركوع والسجود عن ثلاث تسبيحات، وقد انتهى ما ارتاب فيه الربيع فنقله عن البويطي عن الشافعي. ¬

_ (¬1) رواه مسلم (772/ 203) من طريق المستورد، عن صلة، عنه. (¬2) أخرجه أبو داود (869)، وابن ماجه (887)، وابن خزيمة (600)، وابن حبان (1898)، والحاكم (2/ 519) من طرق عن موسى بن أيوب، عن عمه إياس، عنه. قال الحاكم: صحيح الإسناد. وضعفه الألباني في "الإرواء" (334) بأن إياس ليس بالمعروف، وهو قول الذهبي. (¬3) "سنن أبي داود" (870). (¬4) رواه البزار (3447) وقال: لا يروى عن جبير إلا بهذا الإسناد. (¬5) "جامع الترمذي" (2/ 47 - باب ما جاء في التسبيح في الركوع والسجود).

الأصل

الأصل [157] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مسلم بن خالد وعبد المجيد، عن ابن جريج، عن موسى بن عقبة، عن عبد الله بن الفضل، عن عبد الرحمن الأعرج، عن عبيد الله بن أبي رافع، عن علي -رضي الله عنه- أن (1/ ق 69 - ب) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا رفع رأسه من الركوع من الصلاة المكتوبة قال: "اللهم ربنا لك الحمد ملء السماوات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد" (¬1). الشرح هذا هو الحديث الذي مرّ في دعاء الاستفتاح (¬2) وفي الذكر المحبوب في الركوع، وقد أخرجه مسلم (¬3) عن زهير بن حرب، عن عبد الرحمن بن مهدي، عن عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة، عن عمه الماجشون بن أبي سلمة، عن الأعرج بإسناده، وقال فيه: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا رفع رأسه من الركوع قال: سمع الله لمن حمده ربنا لك الحمد ملء السماوات ... إلى آخره. وفي الباب عن ابن عمر، وابن عباس، وأبي سعيد الخدري، وعبد الله بن أبي أوفى، وغيرهم. وفي الزيادة المروية دلالة على أن الإِمام يجمع بين الذكرين خلافًا لقول من قال: إن الإِمام يقول: سمع الله لمن حمده، والمأموم يقول: ربنا لك الحمد. ¬

_ (¬1) "المسند" ص (39). (¬2) مرّ برقم (137). (¬3) "صحيح مسلم" (771/ 202).

الأصل

وقوله: "سمع الله لمن حمده" قيل: معناه قبلَ حمده، وقيل: أجاب دعاء من حمده، يقال: اسمع دعائي أي: أجب، وفي الخبر: "أعوذ بك من دعاء لا يُسْمع" (¬1). وقوله: "ربنا لك الحمد" يروى بلا واو، ويروى "ولك الحمد" بالواو أي: ولك الحمد على ما رزقتنا من الذكر والعمل. وقوله: "ملء السماوات والأرض" مذكور إشارة إلى تكثير العدد أو إلى تعظيم الأجر والقدر، كما يقال: هذِه كلمة بملء الفم. وقوله: "في الصلاة المكتوبة" يدل على استحباب هذا الذكر في المكتوبات خلافًا لقول من قال: أنه يستحب في التطوعات دون المكتوبات، وذكر الشافعي في "الأم" أنه لو قال: من حَمِدَ الله يسمع له جاز، وكذا لو قال: لك الحمد ربنا، والأحب أن يحافظ علي ما ورد في الخبر (¬2). الأصل [158] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا إبراهيم بن محمَّد، عن ابن عجلان، عن علي بن يحيى، عن رفاعة بن رافع أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لرجل: "إذا ركعت فاجعل راحتيك على ركبتيك ومكن لركوعك، فإذا رفعت فأقم صلبك وارفع رأسك حتى ترجع العظام إلى مفاصلها" (¬3). ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (1548)، والنسائي (8/ 263)، وابن ماجه (250) من حديث أبي هريرة قال: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: اللهم إني أعوذ بك من الأربع ... ". وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (1297). (¬2) "الأم" (1/ 112) بتصرف. (¬3) "المسند" ص (39 - 40).

الشرح

الشرح هذا مختصر الحديث الذي سبق (¬1) في الرجل الذي صلى في المسجد ثم سلم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال له: "أعد صلاتك فإنك لم تصل" أورده الشافعي (¬2) في باب ترجمه بـ "باب (1/ ق 70 - أ) من لا يحسن القراءة وأقل فرض الصلاة" وأعاده ها هنا لبيان كيفية الاعتدال، وله في الإعادة غرض صحيح وهو الاحتجاج، وأما أبو العباس فإن غرضه ذكر الحديث وروايته فكان لسبيل من أن يقتصر على المطول الذي يدخل فيه المختصر، وذكرنا هناك التقصير المنسوب إلى إبراهيم بن محمَّد وهو قوله "عن علي بن يحيى عن رفاعة"، والأصوب: رواية من روى "عن علي بن يحيى عن أبيه عن رفاعة". وفيه بيان طرف من كيفية الركوع والاعتدال عنه، أما ما يتعلق بالركوع فقد أمر فيه بوضع الراحة على الركبة، وقد روي أنه اجتمع أبو حميد وأبو أسيد وسهل بن سعد الساعديون، ومحمد بن مسلمة فذكروا صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال أبو حميد: "أنا أعلمكم بصلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، إنه ركع فوضع يديه علي ركبتيه كأنه قابض عليهما" (¬3). وكانوا في أول الأمر يطبقون الكفين ويضعونهما بين الفخذين ثم نسخ ذلك، ووضع الراحتين على الركبتين يتضمن الانحناء الممكن من هذا الموضع، وجعل هذا المتضمن شرطًا في الركوع وإن لم يكن الوضع شرطًا بل هو من المحبوبات. ¬

_ (¬1) سبق برقم (135). (¬2) "الأم" (1/ 102). (¬3) رواه أبو داود (734)، والترمذي (260)، وابن خزيمة (640)، وابن حبان (1871). قال الترمذي: حسن صحيح، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (723).

الأصل

وقوله: "ومكن للركوع" كأنه يريد مكن نفسك وهو إشارة إلى الطمأنينة، وأما الاعتدال فقد احتج الشافعي بالحديث حيث قال: "فإذا رفعت فأقم صلبك وارفع رأسك" على وجوب الاعتدال من الركوع، خلافًا لقول من قال: لا يجب الاعتدال، ويجوز أن ينحط المصلي من الركوع إلى السجود. الأصل [159] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا ابن عيينة، عن ابن طاوس، عن أبيه، عن ابن عباس قال: أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يسجد على سبعة: يديه، وركبتيه، وأطراف أصابعه، وجبهته، ونهى أن يكفت منه الشعر والثياب. وزاد ابن طاوس: فوضع يده على جبهته ثم مر بها على أنفه حتى بلغ طرف أنفه، وكان أبي يعد هذا واحدًا (¬1). [160] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، حدثني عمرو بن دينار، أنه سمع طاوسًا يحدث، عن ابن عباس؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر أن يسجد منه على سبع، ونهى أن يكف شعره أو ثيابه (¬2). [161] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا إبراهيم بن محمَّد (1/ ق 70 - ب) أخبرني يزيد بن الهاد، عن محمَّد بن إبراهيم بن الحارث التيمي، عن عامر بن سعد، عن العباس بن عبد المطلب أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: إذا سجد العبد سجد معه سبعة آراب: وجهه، وكفاه، وركبتاه، وقدماه (¬3). ¬

_ (¬1) "المسند" ص (40). (¬2) "المسند" ص (40). (¬3) "المسند" ص (40).

الشرح

الشرح ابن طاوس: هو عبد الله بن طاوس بن كيسان اليماني الخولاني، أبو محمَّد من أبناء الفرس كان يختلف من اليمن إلى مكة. سمع: أباه، وعكرمة بن خالد. وروى عنه: ابن عيينة، وروح بن القاسم، وابن جريج، والثوري، ويحيى بن أيوب. مات سنة اثنين وثلاثين ومائة. وعن معمر أنه قال: ما رأيت ابن فقيه أفضل من ابن طاوس، قيل: فهشام بن عروة؟ قال: كان هذا أجمع (¬1). وأبوه: طاوس بن كيسان، أبو عبد الرحمن الخولاني الهمداني. سمع: ابن عباس، وابن عمر، وأبا هُرَيْرَةَ، وعائشة. روى عنه: مجاهد، وعمرو بن دينار، والزهري. مات سنة خمس أو ست [و] (¬2) مائة (¬3). ويزيد بن الهاد: هو يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد الليثي المديني. سمع: محمَّد بن إبراهيم التيمي، وعبد الله بن دينار، والزهري، وسعد بن إبراهيم، وأبا بكر بن محمَّد بن عمرو بن حزم، ويحيى بن ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (5/ ترجمة 365)، و"الجرح والتعديل" (5/ ترجمة 405)، و"التهذيب" (15/ ترجمة 3346). (¬2) في "الأصل": أو. تحريف. (¬3) انظر "التاريخ الكبير" (4/ ترجمة 3165)، و"الجرح والتعديل" (4/ ترجمة 2203)، و"التهذيب" (13/ ترجمة 2958).

سعيد الأنصاري. وروى عنه: الليث بن سعد، وحيوة بن شريح، وعبد العزيز الدراوردي، ومالك. مات سنة تسع وثلاثين ومائة (¬1). ومحمد: هو ابن إبراهيم بن الحارث بن خالد بن صخر بن عامر، أبو عبد الله القرشي التيمي المديني. سمع: علقمة بن وقاص، وأبا سلمة بن عبد الرحمن، وعروة بن الزبير، وعامر بن سعد. روى عنه: يحيى بن سعيد الأنصاري، ويحيى بن أبي كثير، والأوزاعي، وعمارة بن غزية. مات سنة عشرين ومائة (¬2). وعامر: هو ابن سعد بن أبي وقاص مالك بن وهيب القرشي الزهري. سمع: أباه، وأبا سعيد الخدري، وأسامة بن زيد. روى عنه: الزهري، وسعد بن إبراهيم، ومحمد بن المنكدر. مات بالمدينة سنة أربع ومائة (¬3). ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (8/ ترجمة 3258)، و"الجرح والتعديل" (9/ ترجمة 1156)، و"التهذيب" (32/ ترجمة 7011). (¬2) انظر "التاريخ الكبير" (1/ ترجمة 17)، و"الجرح والتعديل" (7/ ترجمة 1042)، و"التهذيب" (/ ترجمة 5023). (¬3) انظر "التاريخ الكبير" (6/ ترجمة 2956)، و"الجرح والتعديل" (6/ ترجمة 1794)، و"التهذيب" (14/ ترجمة 3038).

والعباس بن عبد المطلب بن [هاشم (¬1)] عمّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أبو الفضل. روى عنه: عبد الله بن الحارث بن نوفل، ونافع بن جبير، وعامر ابن سعد، ومالك بن أوس. توفي سنة اثنتين وثلاثين، وكانت ولادته قبل ولادة النبي - صلى الله عليه وسلم - بثلاث سنين (¬2). ¬

_ (¬1) في "الأصل": هشام. وقد سبق التنبيه عليه. (¬2) انظر "معرفة الصحابة" (4/ ترجمة 2212)، و"الإصابة" (3/ ترجمة 4510).

والأحاديث صحيحة: أما الأول فقد أخرجه الشيخان (¬1) من حديث وهيب عن ابن طاوس، والثاني أخرجاه (¬2) من حديث سفيان وشعبة وحماد بن زيد عن عمه، والثالث (1/ ق 71 - أ) رواه مسلم (¬3) عن قتيبة عن بكر بن مضر عن يزيد بن الهاد. وقوله: "أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يسجد منه على سبعة" أي على سبعة منه وهي اليدان والركبتان وأطراف أصابع الرجلين والجبهة، وما ذكر أن ابن طاوس أمرّ يده على جبهته إلى طرف أنفه وأن أباه كان يعد ذلك عضوًا واحدًا قد يشير إلى أنه لا بد من السجود على الأنف مع الجبهة، والشافعي لم يوجب وضع الأنف مع الجبهة؛ لما روي عن جابر قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سجد على جبهته على قُصاص الشعر (¬4) ومن سجد كذلك لم تمس أنفه الأرض. وله في وضع اليدين والركبتين والقدمين قولان: أحدهما: وجوبه كالجبهة. وأظهرهما: أنه لا يجب؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال للذي أساء صلاته: "إذا سجدت فمكن جبهتك من الأرض" (¬5) ولم يتعرض لسائر الأعضاء والتعبد يتعلق بالسجود على الوجه، ولذلك قال - صلى الله عليه وسلم -: "سجد وجهي ¬

_ (¬1) رواه البخاري (812)، ومسلم (490/ 230). (¬2) رواه البخاري (809)، ومسلم (490/ 227 - 229). (¬3) "صحيح مسلم" (491). (¬4) رواه ابن أبي شيبة (1/ 235)، والدارقطني (1/ 349 رقم 4). قال الدارقطني: تفرد به عبد العزيز بن عبيد الله، عن وهب بن كيسان وليس بالقوي. (¬5) سبق تخريجه.

للذي خلقه" (¬1) وعلى هذا فالأمر في وضعها على الاستحباب. وقوله: "ونهى أن يكفت منه الشعر والثياب" أي يضمه ويقبضه، يقال: كَفَت يكفتُ كفتًا، والكِفَات: الموضع الذي يضم فيه الشيء، ومنه قوله تعالى: {أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا (25)} (¬2) أي بضمكم أحياءً وأمواتًا، وفي الحديث: "اكفتوا صبيانكم" (¬3) أي ضمُّوهم إليكم والمقصود النهي عن ضمِّهما في السجود ليكونا مرسلين فيسقطا علي مكان الصلاة، وروي أن أبا رافع مرّ بالحسن بن علي رضي الله عنهما وقد عقص ضفيرته في قفاه فحلَّها، فالتفت إليه الحسن مغضبًا فقال: أقبل على صلاتك ولا تغضب فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "ذلك كفل الشيطان" (¬4) وعقص الشعر: جمعه على الرأس وتلويته بغرز أطرافه في أصوله، وليس الضفر منه، وقوله: "كفل الشيطان" أي مقعده، وأصله الكساء ونحوه يجعل على سنام البعير فيركب عليه، يقال له كفل، وكذلك يكره أن يصلي الرجل مشدود الوسط فوق الثياب. وقوله في الحديث الثاني: "ونهى أن يكف شعره وثيابه" كالكفت في المعنى أي: لا يضمهما ولا يقبضنهما ولا يقيهما (1/ ق 71 - ب) التراب. ¬

_ (¬1) رواه مسلم (771/ 201) من حديث علي، وقد سبق أيضًا. (¬2) المرسلات: 25. (¬3) رواه البخاري (5623)، ومسلم (2012/ 97)، وأبو داود (3733) من حديث جابر بن عبد الله، رفعه: "خمروا الآنية ... ". (¬4) رواه أبو داود (646)، والترمذي (384)، وابن ماجه (1042)، وابن خزيمة (911)، وابن حبان (2279)، والحاكم (1/ 393). قال الترمذي: حسن، وقال الحاكم: صحيح الإسناد، وصححه الألباني في "الصحيحة" (5/ 500).

الأصل

وقوله في الحديث الثالث: "إذا سجد العبد سجد معه سبعة آراب" أي ينبغي أن يسجد معه السبعة، والآراب: الأعضاء، والإرب: العضو، وفي الجمع لغتان آراب وأرآب. الأصل [162] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن داود بن قيس الفراء، عن عبيد الله بن عبد الله بن أقرم الخزاعي، عن أبيه قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالقاع من نمرة أو النمرة -شك الربيع- ساجدًا فرأيت بياض إبطيه (¬1). الشرح عبيد الله بن عبد الله بن أقرم الخزاعي. روى عن: أبيه عبد الله ولا يعرف له راوٍ وغيره. وعن أبي بكر بن أبي شيبة أنه سماه عبد الله، وقال: الناس يقولون عبيد الله (¬2). وأبوه عبد الله بن أقرم أبو معبد الخزاعي مذكور في الصحابة. قال أبو عيسى الترمذي: ولا يعرف له إلا هذا الحديث (¬3). وقد أخرجه في "جامعه" (¬4) عن أبي كريب عن أبي خالد الأحمر عن داود بن قيس، وأورده ابن ماجه (¬5) وغيره (¬6) من أصحاب المسانيد، ¬

_ (¬1) "المسند" ص (40). (¬2) انظر "التهذيب" (19/ ترجمة 3648). (¬3) انظر "معرفة الصحابة" (3/ ترجمة 1563)، و"الإصابة" (4/ ترجمة 4539). (¬4) "جامع الترمذي" (274) وقال: حسن. (¬5) "سنن ابن ماجه" (881). (¬6) رواه الحاكم (1/ 350) وقال: حديث صحيح. وصححه الألباني في التعليق على "السنن".

ورواه عن داود: ابن وهب، وابن مهدي، وابن المبارك، وابن عيينة ووكيع، وابن أبي فديك، وعبد الرزاق، وروح، وأبو بكر الحنفي، وغيرهم؛ ورواه بعضهم عن داود وقال: عن عبيد الله بن عبد الله بن أرقم بتقديم الراء، والصواب الأول، وابن أرقم رجل آخر من الصحابة. والقاع: المستوي من الأرض، ونمرة: جبل قريب من عرفات، ونمرة: موضع بقديد أيضًا. وقوله: "من نمرة أو النمرة" الشك في هذا الاسم منسوب إلى الربيع، لكن رأيت في "مسند عبد الرزاق" (¬1) وقد روى هذا الحديث عن داود بن قيس ذكر هذا الشك وذلك يوهم أن الشك من غير الربيع، ويدل على أنه غير مخصوص به إن كان منه شك، والذي أورده الترمذي وابن ماجه وغيرهما: "نمرة" بالنون، وعن يعقوب بن سفيان أن غير النون أصح والمقصود أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يتجافى في سجوده. وفي الباب عن جابر، وابن عباس، وابن بحينة، وأحمر بن جزء والبراء بن عازب، وسهل بن سعد -رضي الله عنهم-، وتمام التجافي بأن يُقلّ بطنه وصدره عن فخذيه ويجافي مرفقيه عن جنبيه وبين ركبتيه ورجليه، وعن رواية ميمونة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا سجد لو أرادت بهمة أن تمر من تحته لمرت مما يجافي (¬2). آخر الجزء ويتلوه فيما بعده: أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا إبراهيم بن محمَّد، عن صفوان بن سليم "اللهم لك سجدت". الحمد لله حق حمده. ¬

_ (¬1) "المصنف" (2923). (¬2) أخرجه مسلم (496/ 237)، وأبو نعيم في "مستخرجه" (1097).

مجاهد، محمَّد بن عمرو بن حلحلة، عباس بن سهل بن سعد، أبو حميد الساعدي، مسلم بن أبي مريم، علي بن عبد الرحمن المعاوي، مالك بن الحويرث، خالد الحذاء، سعد بن إسحاق بن كعب، عبد الرحمن بن أبي ليلى، كعب بن عجرة، ابن بحينة، إبراهيم بن سعد، الزهري، أبوه، أبو [عبيدة] (¬1) الله بن عبد الله بن مسعود، سعد بن أبي وقاص، عبد الوهاب بن بخت، واثلة، أبو علي، سهل بن سعد، محمَّد بن يحيى بن حبان، واسع بن حبان، مسعر بن كدام، ابن (القبطية) (¬2) جابر بن سمرة، هند بنت الحارث، أبو سعيد، عبد الملك ابن عمير، أبو (الأوبر) (¬3) الحارثي، عمارة بن عمير، الأسود بن زيد، الأسود بن قيس، أبوه، سعيد بن زيد، حسين بن عبد الله الهاشمي، كريب، أبو حازم، صهيب، محمَّد بن عمارة الحزمي. رحمهم الله. ¬

_ (¬1) في الأصل: عبيد الله. خطأ، وسيأتي على الصواب. (¬2) في "الأصل": اللقبطية. تحريف. (¬3) في "الأصل": الأوابر. تحريف.

الأصل

(1/ ق 73 - أ) بسم الله الرحمن الرحيم الأصل [163] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا إبراهيم بن محمَّد، حدثني صفوان بن سليم، عن عطاء بن يسار، عن أبي هُرَيْرَةَ قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا سجد قال: "اللهم لك سجدت، ولك أسلمت، وبك آمنت، وأنت ربي، سجد وجهي للذي خلقه وشق سمعه وبصره تبارك الله أحسن الخالقين" (¬1). [164] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا ابن عيينة، عن سليمان بن سحيم، عن إبراهيم بن عبد الله بن معبد، عن أبيه، عن ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إني نهيت أن أقرأ راكعًا أو ساجدًا، أما الركوع فعظموا فيه الرّب، وأما السجود فاجتهدوا فيه من الدعاء فقمن أن يستجاب لكم" (¬2). [165] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا ابن عيينة، عن ابن [أبي] (¬3) نجيح، عن مجاهد قال: أقرب ما يكون العبد من الله تعالى إذا كان ساجدًا، ألم تر إلى قوله افعل واقترب يعني: {اسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} (¬4) (¬5). ¬

_ (¬1) "المسند" ص (40). (¬2) "المسند" ص (40). (¬3) سقط من "الأصل". والمثبت من "المسند". (¬4) كذا في "الأصل" وفي "المسند": ألم تر إلى قوله {وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} فقط، وفي رواية "الأم": ألم تر إلى قوله {وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} يعني: افعل واقترب. (¬5) "المسند" ص (41).

الشرح

الشرح مجاهد ابن جبر، ويقال: ابن جبير، أبو الحجاج المكي مولى عبد الله بن السائب القاري. سمع: ابن عباس، وأبا هُرَيْرَةَ، وجابرًا، وغيرهم من الصحابة. وروى عنه: ابن عون، والأعمش، ومنصور. مات سنة ثلاث ومائة (¬1). والمقصود بيان الذكر المحبوب في السجود، واستحب الشافعي أن يقول أولًا: سبحان ربي الأعلى ثلاث مرات لما سبق، ثم يقول: اللهم لك سجدت ... إلى آخره. وقد رواه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - كما رواه أبو هُرَيْرَةَ: علي رضي الله عنهما، ومن روايته أخرجه مسلم (¬2) من حديث الماجشون عن الأعرج عن عبيد الله بن أبي رافع عن علي. ويجتهد في الدعاء بعد ذلك رجاء الإجابة، قال الشافعي: ما لم يكن إمامًا فيثقل على من خلفه أو مأمومًا فيخالف إمامه (¬3). والحديث الثاني يبين استحباب الاجتهاد في الدعاء في السجود وقد تقدم بإسناده مرة (¬4)، ذكره الشافعي في باب القول في الركوع، وأعاده في باب الذكر في السجود، ولو اقتصر أبو العباس على مرة واحدة لجاز، وربما أعاد لأن الربيع هناك رواه عن البويطي عن الشافعي وها هنا عن الشافعي نفسه، والشافعي رواه هناك عن ابن عيينة ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (7/ ترجمة 1805)، و"الجرح والتعديل" (8/ ترجمة 1469)، و"التهذيب" (27/ ترجمة 5783). (¬2) "صحيح مسلم" (771/ 201). (¬3) "الأم" (1/ 115). (¬4) مر برقم (155).

الأصل

وإبراهيم وها هنا عن ابن عيينة وحده، واستشهد بالأثر عن مجاهد (1/ ق 73 - ب) لبيان فضيلة السجود وكونه مظنة إجابة الدعاء للقرب من الرحمة وقد روي في "الصحيح" (¬1) من حديث سمي عن أبي صالح عن أبي هُرَيْرَةَ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - "أن أقرب ما يكون العبد من ربه إذا سجد، ثم قال: فأكثروا الدعاء". واستشهاد مجاهد بالآية على الأخذ بالظاهر، وقيل: {وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} (¬2) أي: وصل. الأصل [166] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا إبراهيم بن محمَّد، أراه عن محمَّد ابن عمرو بن حلحلة أنه سمع عباس بن سهل، يحدث عن أبي حميد الساعدي قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا جلس في السجدتين ثنى رجله اليسرى فجلس عليها، ونصب قدمه اليمنى وإذا جلس في الأربع أماط رجليه عن وركه وأفضى بمقعدته إلى الأرض ونصب وركه اليمنى (¬3). الشرح محمَّد بن عمرو بن حلحلة الديلي، ويقال: الدؤلي المديني. سمع: الزهري، وعطاء بن يسار، وعباس بن سهل، ومحمد بن عمرو بن عطاء، وغيرهم. وروى عنه: مالك، وعبد الله بن سعيد بن أبي هند، وإسماعيل بن جعفر. ورأيت في المنام في رمضان سنة سبع وثمانين وخمسمائة على ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (482/ 215). (¬2) العلق: 19. (¬3) "المسند" ص (41).

مرحلة من الري رجلًا طُوالًا، خُيل إلى أنه محمَّد بن عمرو بن حلحلة (¬1). وعباس: هو ابن سهل بن سعد بن مالك بن خالد بن ثعلبة بن حارثة بن عمرو الساعدي الأنصاري. سمع: أباه، وأبا حميد الساعدي، وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، وعبد الله بن الزبير. روى عنه: عمرو بن يحيى المازني، والعلاء بن عبد الرحمن. توفي زمن الوليد بن عبد الملك بالمدينة (¬2). وفي "سنن أبي داود" (¬3) إبداء تردد لبعض الرواة في أنه عباس أو عياش، والصحيح الأول. وأبو حميد الساعدي: هو عبد الرحمن بن سعد بن المنذر الأنصاري، وقيل: ابن سعد بن مالك، أحد أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المشهورين. روى عنه: عروة بن الزبير، ومحمد بن عمرو بن عطاء، وغيرهما. مات في آخر خلافة معاوية (¬4). وقوله: "أراه عن محمَّد بن عمرو بن حلحلة" هذا الحسبان منسوب إلى أبي العباس الأصم، واللفظ في "الأم" (¬5): أبنا إبراهيم بن ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (1/ ترجمة 582)، و"الجرح والتعديل" (8/ ترجمة 136)، و"التهذيب" (26/ ترجمة 5509). (¬2) انظر "التاريخ الكبير" (7/ ترجمة 3)، و"الجرح والتعديل" (6/ ترجمة 1153)، و"التهذيب" (14/ ترجمة 3122). (¬3) "السنن" (733). (¬4) انظر "المعرفة" (5/ 3166)، و"الإصابة" (7/ ترجمة 9787). (¬5) "الأم" (1/ 116).

محمَّد، أخبرني محمَّد بن عمرو بن حلحلة، ورواه الزعفراني في "القديم" عن الشافعي عن رجل وهو إبراهيم بن محمَّد، عن محمَّد بن عمرو بن حلحلة (1/ ق 74 - أ) عن محمَّد بن عمرو بن عطاء عن أبي حميد وهذا أصح عند الأئمة (¬1) وهكذا رواه عبد الرزاق (¬2) عن إبراهيم بن محمَّد، ورواية ابن حلحلة عن محمَّد بن عمرو بن عطاء أخرجها البخاري في "الصحيح" (¬3) عن يحيى بن بكير عن الليث عن خالد بن يزيد عن سعيد بن هلال عن ابن حلحلة، ويقال: إن حديث عباس بن سهل الساعدي كان يرويه إبراهيم بن محمَّد عن إسحاق بن عبد الله عن عباس، وأحال الحافظ أبو بكر البيهقي الوهم فيه على الربيع، والله أعلم (¬4). وقوله: "إذا جلس في السجدتين" يعني بعد الركعتين، وكما تسمى الأفعال المعلومة ركعة، وإن كانت اللفظة من الركوع لاشتمالها على الركوع، وقد تسمى سجدة لاشتمالها على السجود. وقوله: "ثنى رجله" أي عطفها وأضجعها. وقوله: "أماط رجليه" أي نحاهما عن وركه وأخرجهما من جهة يمينه. وقوله: "ونصب وركه اليمنى" يشير به إلى ما يكون فيها من الارتفاع إذا أفضى إلى الأرض من الطرف الآخر، وفيه حجة لمن قال: يفترش في التشهد الأول ويتورك في التشهد الأخير، وتسمى الهيئة ¬

_ (¬1) انظر "بيان خطأ من أخطأ على الشافعي" (1/ 157 - 161). (¬2) "المصنف" (3046). (¬3) "صحيح البخاري" (828). (¬4) انظر "بيان خطأ من أخطأ على الشافعي" (1/ 157 - 161).

الأصل

الأولى افتراشًا؛ لأنه يفترش القدم اليسرى ويقعد عليها، والهيئة الأخرى توركًا لوضعه الورك على الأرض، يقال: تورك على دابته إذا وضع عليها وركه، وعند أبي حنيفة يجلس في التشهدين مفترشًا، وعند مالك يجلس فيهما متوركًا. الأصل [167] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن مسلم بن أبي مريم، عن علي بن عبد الرحمن المعاوي قال: رآني ابن عمر -رضي الله عنه- وأنا أعبث بالحصى فلما انصرف نهاني وقال: اصنع كما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصنع. فقلت: كيف كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصنع؟ قال: كان إذا جلس في الصلاة وضع كفه اليمنى على فخذه اليمنى وقبض أصابعه كلها، وأشار بإصبعه التي تلي الإبهام، ووضع كله اليسرى على فخذه اليسرى (¬1). الشرح مسلم: هو ابن أبي مريم المديني. سمع: محمَّد بن إبراهيم بن الحارث [و] (¬2) علي بن عبد الرحمن المعاوي، وأبا صالح، وعبد الرحمن بن جابر بن عبد الله. روى عنه: مالك، والثوري، وابن عيينة (¬3). وعلي بن عبد الرحمن: هو المعاوي الأنصاري. ¬

_ (¬1) "المسند" ص (41). (¬2) سقط من "الأصل". والسياق يقتضيها. (¬3) انظر "التاريخ الكبير" (7/ ترجمة 1155)، و"الجرح والتعديل" (8/ ترجمة 858)، و"التهذيب" (27/ ترجمة 5944).

سمع: ابن عمر. والمعاويون: بطن من الأنصار منسوب إلى معاوية بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف بن أوس (¬1). والحديث (1/ ق 74 - ب) صحيح مدون في "الموطأ" (¬2) وأخرجه مسلم (¬3) عن يحيى بن يحيى، وأبو داود (¬4) عن القعنبي بروايتهما عن مالك. وقوله: "وأنا أعبث بالحصا" قد يوجد بدله "بالحصباء" أراد وأنا أعبث بالحصا جالسًا لوجهين: أحدهما: أن العبث بالحصا حينئذ يتفق لقرب اليد من الأرض. والثاني: أن ابن عمر -رضي الله عنه- بين له ما كان يصنع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيديه جالسًا. وفي الحديث النهي عن العبث في الصلاة، وأن من رأى في صلاة غيره مكروهًا أو مبطلًا ينبغي أن ينهاه ويعرفه الحال، وفي قوله: "فلما انصرف" كالإشارة إلى أنه أخر النهي والتعليم والنصيحة إلى تفرق الناس ليكون ذلك أدعى إلى الانقياد والقبول، وفيه بيان كيفية وضع اليدين في التشهد، أما اليمنى فيضعها على فخذه اليمنى ويقبض أصابعها إلا المسبحة وهذا قضية هذِه الرواية، وفي رواية نافع عن ابن عمر أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يعقد ثلاثة وخمسين وأخرج مسلم هذِه الرواية في "الصحيح" (¬5) أيضًا، وعن وائل بن حجر قال: رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - قد حلق ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (6/ ترجمة 2415)، و"الجرح والتعديل" (6/ ترجمة 1069)، و"التهذيب" (21/ ترجمة 4102). (¬2) "الموطأ" (1/ 88 رقم 198). (¬3) "صحيح مسلم" (580/ 116). (¬4) "سنن أبي داود" (987). (¬5) "صحيح مسلم" (580/ 115).

بالإبهام والوسطى ورفع التي تليها ويدعو بها في التشهد (¬1). وعن الشافعي اختلاف قول بحسب اختلاف الروايات، وذكر جماعة من الأصحاب أن السنة تتأدى من هذِه الآثار بكل ما يتفق، ثم المذكور في صدر الكتاب الفخذ، وفي كثير من روايات "الصحيح" (¬2) ذكر الركبة بدلًا عن الفخذ وذلك أن الأمر فيه على التقريب واليد موضوعة على طرف الركبة والتعبير عن ذلك الموضع بالعبارتين منتظم، ويشير بالمسبّحة في كلمة التهليل عند قوله: "إلا الله" وكذلك رواه ابن الزبير وغيره عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأما اليد اليسرى فموضعها من الفخذ اليسرى كموضع اليمنى من الفخذ اليمنى وتكون أصابعها منشورة، ففي رواية نافع عن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا جلس في الصلاة وضع يده على ركبته ورفع إصبعه التي تلي الإبهام يدعو بها، ويده اليسرى علي ركبته باسطها عليها (¬3). واعلم أن ظاهر الحديث يقتضي أن يكون وضع اليدين على الفخذين في الجلوس بين السجدتين كوضعها في الجلوس للتشهد؛ لإطلاق قوله: "كان إذا جلس في الصلاة" لكن الذي ذكره الأصحاب في الفقه أنه ينشر أصابعهما جميعًا. ¬

_ (¬1) رواه ابن ماجه (912). قال صاحب "مصباح الزجاجة" (336): هذا إسناد صحيح رجاله ثقات وله شاهد في مسلم وأبي داود من حديث عبد الله بن الزبير. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (716). (¬2) روى في ذلك مسلم (579/ 112) من حديث عبد الله بن الزبير. (¬3) رواه مسلم (580/ 114).

الأصل

الأصل [168] أبنا (1/ ق 75 - أ) الربيع، أبنا الشافعي، أبنا عبد الوهاب الثقفي، عن أيوب، عن أبي قلابة قال: جاءنا مالك بن الحويرث فصلى في مسجدنا قال: والله إني لأصلي وما أريد الصلاة، ولكن أريد أن أريكم كيف رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي، فذكر أنه يقوم من الركعة الأولى وإذا أراد أن ينهض. قلت: كيف؟ قال: مثل صلاتي هذِه (¬1). [169] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا عبد الوهاب، عن خالد الحذاء، عن أبي قلابة، بمثله غير أنه قال: وكان مالك إذا رفع رأسه من السجدة الأخيرة في الركعة الأولى فاستوى قاعدًا قام واعتمد على الأرض (¬2). الشرح مالك: هو ابن الحويرث أبو سليمان الليثي، أحد أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، نزل البصرة. روى عنه: أبو قلابة، ونصر بن عاصم، وغيرهما (¬3). وخالد: هو ابن مهران الحذاء البصري، أبو المنازل المجاشعي، يقال: إنه ما حذا نعلًا قط ولا باعها ولكنه نكح امرأة في الحذائين فنسب إليهم. سمع: أبا قلابة، وحفصة بنت سيرين، وعكرمة، وأبا عثمان النهدي، والحسن، وابن سيرين. وروى عنه: الثوري، وشعبة، وهشيم، وخالد بن عبد الله ¬

_ (¬1) "المسند" ص (41). (¬2) "المسند" ص (41). (¬3) انظر "معرفة الصحابة" (5/ ترجمة 2598)، و"الإصابة" (5/ ترجمة 7623).

الواسطي، وعبد الوهاب الثقفي. مات سنة اثنتين أو إحدى وأربعين ومائة (¬1). والحديث صحيح أخرجه البخاري (¬2) من رواية وهيب عن أيوب عن أبي قلابة. وقوله: "جاءنا مالك فصلى في مسجدنا" يجوز أن يريد مسجد البصرة، ويجوز أن يريد مسجد قومه وقبيلته خاصة. وقوله: "إني لأصلي وما أريد الصلاة" أي لا أقصد إقامتها وإنما أريد أن أريكم وأعلمكم صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ويجوز أن يريد لا أزاحم الإِمام الراتب، والظاهر الأول فقد روي عن أبي قلابة قال: كان مالك يرينا كيف صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - وذلك في غير وقت الصلاة (¬3). وقوله: "فذكر أنه يقوم ... إلى آخره" يريد أن هذا من جملة ما أراهم من كيفية صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم -. وقوله: "وإذا أراد أن ينهض" يعني النهوض من الجلوس للتشهد الأول. وقوله: "مثل صلاتي هذِه" اقتصر في رواية أيوب على الإشارة إلى ما أتى به ولم يبين المأتي به، وبينه في رواية خالد فقال: فكان مالك إذا رفع رأسه من السجدة الأخيرة .. إلى آخره. وفيه بيان أمرين مستحبين: أحدهما: أن (1/ ق 75 - ب) يستوي قاعدًا بعد السجدة الأخيرة من الركعة الأولى، وتسمى هذِه الجلسة جلسة الاستراحة. ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (3/ ترجمة 592)، و"الجرح والتعديل" (3/ ترجمة 1593)، و"التهذيب" (8/ ترجمة 1655). (¬2) "صحيح البخاري" (677). (¬3) أخرجه البخاري (802).

الأصل

والثاني: أنه يقوم عن هذِه الجلسة معتمدًا على الأرض وكذلك يقوم معتمدًا عن جلسة التشهد، وحمله الأصحاب على الاعتماد باليدين وذكروا أن في بعض الروايات في حديث مالك: قام واعتمد على الأرض بيديه (¬1) وعن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا قام في صلاته وضع يديه على الأرض كما يضع العاجن (¬2) وعن ابن عمر أنه كان إذا قام من الركعتين اعتمد على الأرض بيديه (¬3)، وحملوا ما روي عن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى أن يعتمد الرجل على يديه في الصلاة (¬4) على حالة الجلوس؛ لما روى أحمد بن حنبل، عن عبد الرزاق، عن معمر، عن إسماعيل بن أمية، عن نافع، عن ابن عمر قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يجلس الرجل في الصلاة وهو معتمد على يديه (¬5). الأصل [170] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا يحيى بن حسان، عن الليث بن سعد، عن أبي الزبير المكي، عن سعيد بن جبير ¬

_ (¬1) أخرجها النسائي (1/ 173)، وابن خزيمة (687)، والبيهقي (2/ 124). قال الألباني في "الصحيحة" (967): إسناده صحيح على شرطهما. (¬2) قال ابن حجر في "التلخيص" (392): قال ابن الصلاح: هذا الحديث لا يصح ولا يعرف ولا يجوز أن يحتج به، وقال النووي: هذا حديث ضعيف أو باطل لا أصل له، وقال في "التنقيح": ضعيف باطل. (¬3) رواه البيهقي (2/ 135). (¬4) رواه أبو داود (992)، وصححه الألباني في "المشكاة" (914). (¬5) "مسند أحمد" (2/ 147). وكذا رواه الحاكم (1/ 406) وقال: صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي وأقره الألباني في "الصحيحة" (967).

الشرح

وطاوس، عن ابن عباس قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعلمنا التشهد كما يعلمنا القرآن فكان يقول: "التحيات المباركات الصلوات الطيبات، سلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، سلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله" (¬1). الشرح هذا حديث صحيح أخرجه مسلم (¬2) عن قتيبة ومحمد بن رمح عن الليث وذكر السلام المرتين بالألف واللام وقال: أشهد أن محمدًا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفي رواية قتيبة "كما يعلمنا السورة من القرآن" وأخرجه أبو داود (¬3) عن قتيبة، واللفظ في السلام والشهادة الثانية كما رواه مسلم والترمذي (¬4) عن قتيبة، والسلام في المرتين بلا ألف ولام والشهادة الثانية كما رواه مسلم وأبو داود، وابن ماجه (¬5) عن محمَّد بن رمح عن الليث كما رواه مسلم في رواية قتيبة. وفي الباب عن ابن مسعود واللفظ: "التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله" وحديثه (1/ ق 76 - أ) مخرج في "الصحيحين" (¬6) وغيرهما، وعن أبي موسى الأشعري، واللفظ: التحيات الطيبات الصلوات لله، ¬

_ (¬1) "المسند" ص (42). (¬2) "صحيح مسلم" (403/ 60) وقال: وفي رواية ابن رمح: "كما يعلمنا القرآن". (¬3) "سنن أبي داود" (974). (¬4) "جامع الترمذي" (290). (¬5) "سنن ابن ماجه" (900). (¬6) "صحيح البخاري (831)، و"صحيح مسلم" (402/ 55).

السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إلله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله وهذا خرجه مسلم (¬1) وأبو داود (¬2) وابن ماجه (¬3)، وعن جابر بن عبد الله واللفظ: بسم الله وبالله، التحيات لله الصلوات الطيبات لله سلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله (¬4) وعن عمر -رضي الله عنه- واللفظ: التحيات الزاكيات لله الطيبات الصلوات لله (¬5). والباقي كما ذكرنا في رواية ابن مسعود ومن بعده، وعن عائشة واللفظ: التحيات الطيبات الصلوات الزاكيات لله أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، شهدت أن لا إله إلا الله، شهدت أن محمدًا رسول الله. وعن سمرة بن جندب واللفظ: قولوا التحيات الطيبات والصلاة والملك لله (¬6). ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (404/ 62). (¬2) "سنن أبي داود" (972). (¬3) "سنن ابن ماجه" (901). (¬4) رواه النسائي (2/ 243)، وابن ماجه (902)، والحاكم (1/ 399) من طريق أيمن بن نابل، عن أبي الزبير، عن جابر. قال البخاري: هو خطأ والصحيح ما رواه الليث بن سعد عن أبي الزبير عن سعيد بن جبير وطاوس عن ابن عباس، وهكذا رواه عبد الرحمن بن حميد الرؤاسي. قال الحافظ في "التلخيص" (411): رجاله ثقات إلا أن أيمن بن نابل راويه عن أبي الزبير أخطأ في إسناده، وخالفه الليث وهو من أوثق الناس في أبي الزبير، فقال: عن أبي الزبير عن طاوس وسعيد بن جبير عن ابن عباس. وضعفه الألباني في التعليق على "السنن". (¬5) رواه مالك في "الموطأ" (1/ 90 رقم 203). (¬6) رواه أبو داود (975). =

واختار الشافعي تشهد ابن عباس؛ لأنه أكمل لزيادة المباركات ولموافقته نظم القرآن حيث قال: تحية من عند الله مباركة طيبة. واختار أبو حنيفة وأحمد تشهد ابن مسعود، ومالك تشهد عمر والتحية فسرها بعضهم بالملك، وبعضهم بالبقاء، وبعضهم بالسلام، وعن القتيبي أن الجمع في لفظ التحيات سببه أنهم كانوا يُحيُّون الملوك بأثنية مختلفة كقولهم: أَنْعِم صباحًا، وأبيت اللعن، وعش كذا سنة (¬1)، فقيل: استحقاق الأثنية كلها لله تعالى، وقيل: المعنى أن التحيات بالأسماء الحسنى لله تعالى، وأما الصلوات فهي مفسرة بالرحمة أي: الرحمة لله تعالى على العباد، والطيبات: هي الكلم الطيب فهي مرفوعة إلى الله تعالى هكذا فسروا التحيات والصلوات والطيبات وأرسلوا، وهو كافٍ على رواية ابن مسعود لما فيها من إدخال حرف العطف حيث قال: التحيات لله والصلوات والطيبات فهي أمور مختلفة عطف بعضها على بعض (1/ ق 76 - ب) وجعل الكل لله تعالى، وأما رواية ابن عباس فليس فيها حرف عطف وهو مقدّر كما يقال: القدرة: العزّة العظمة لله تعالى، ويراد: والعزة والعظمة، وقد يراد أن كل ما عدد بالله تعالى، ويتجه أن تجعل المباركات نعتًا للتحيات، والطيبات نعتًا للصلوات وتقدر الواو في الصلوات وحدها، ولفظ السلام في المرتين بالألف والسلام في رواية الأكثرين، وفي رواية الشافعي بلا ألف ولام وهما صحيحتان، وعن بعضهم أن الأفضل إثباتهما، واستحب بعض الأصحاب أن يقول: التحيات المباركات الزاكيات والصلوات ¬

_ = قال الحافظ في "التلخيص" (411): إسناده ضعيف، وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود". (¬1) انظر "لسان العرب" (14/ 216).

الأصل

والطيبات لله ليكون آتيًا بالأكمل، وكلمة: "وأشهد" لم يروها الشافعي ورواها الأكثرون وكذلك نقل المزني عن الشافعي في "المختصر". الأصل [171] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا إبراهيم بن محمَّد، أخبرني صفوان بن سليم، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هُرَيْرَةَ أنه قال: يا رسول الله كيف نصلي عليك -يعني- في الصلاة؟ قال: تقولون: "اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إبراهيمَ، وبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، ثم تسلّمون عليَّ" (¬1). [172] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا إبراهيم بن محمَّد، حدثني سعد ابن إسحاق، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن كعب بن عجرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يقول في الصلاة: "اللهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إبراهيمَ وآلِ إِبْرَاهِيمَ وبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وآلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ" (¬2). الشرح سعد: هو ابن إسحاق بن كعب بن عجرة الأنصاري السالمي المديني. روى عن: أبيه، وابن أبي ليلى. وسمع منه: مالك، وشعبة. وغيرهما (¬3). ¬

_ (¬1) "المسند" (42). (¬2) "المسند" ص (42). (¬3) انظر "الجرح والتعديل" (4/ ترجمة 348)، و"التهذيب" (10/ ترجمة 2201).

وعبد الرحمن: هو ابن أبي ليلى يسار الأنصاري. سمع: عثمان، وعليًّا، وحذيفة، وأبا أيوب، وكعب بن عجرة، وأبا الدرداء، وأم هانيء. وسمع منه: الشعبي، ومجاهد، وابن سيرين، وعمرو بن مرة، وعبد الملك بن ميسرة. مات سنة ثلاث وثمانين (¬1). وكعب بن عجرة بن أمية بن عدي، أبو محمَّد الأنصاري السالمي من بني سالم بن عوف أحد أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -. روى عنه: أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود، وغيره (¬2). ومقصود الحديث صحيح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من رواية جماعة من الصحابة، منهم: أبو حميد الساعدي (¬3)، وأبو مسعود الأنصاري (¬4)، وحديث كعب (1/ ق 77 - أ) بن عجرة متفق عليه أخرجه الشيخان (¬5) من طرق عن ابن أبي ليلى واللفظ: اللهم صل على محمَّد وعلى آل محمَّد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمَّد وعلى آل محمَّد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد. وقوله في الحديث الأول: "كيف نصلي عليك -يعني- في ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (5/ ترجمة 1164)، و"الجرح والتعديل" (5/ ترجمة 1424)، و"التهذيب" (17/ ترجمة 3943). (¬2) انظر "معرفة الصحابة" (5/ ترجمة 2500)، و"الإصابة" (5/ ترجمة 7424). (¬3) رواه البخاري (3369)، ومسلم (407/ 69). (¬4) رواه مسلم (405/ 65). (¬5) رواه البخاري (4797)، ومسلم (406/ 66).

الصلاة؟ " يشعر بأنهم كانوا قد عرفوا أنه ينبغي أن يصلى على النبي - صلى الله عليه وسلم -، فكان السؤال عن كيفية تلك الصلاة واللفظة التي تختار لها، والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - واجبة في التشهد الواجب عند الشافعي، واحتج له بظاهر قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ} (¬1) وظاهر الأمر الوجوب ولا تجب الصلاة عليه في غير الصلاة، ويروى أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يقبل الله صلاة إلا بطهور والصلاة عليّ" (¬2). وقوله: "ثم تسلمون عليّ" يحتمل أن يكون معناه: ثم تسلمون علي حيث تسلمون كما عرفتموه، كما روى أبو مسعود الأنصاري أنه قيل له: يا رسول الله كيف نصلي عليك؟ قال: قولوا: "اللهم صل على محمَّد وعلى آل محمَّد ... إلى آخره ثم قال: والسلام كما قد علمتم" (¬3). وقوله في الحديث الثاني: "أنه كان يقول في الصلاة: اللهم صل على محمَّد وآل محمَّد" يدل على أنه كان يراعي لفظ الصلاة كما يأتي به غيره، وأنه كان لا يقول: اللهم صل عليّ وعلى آلي، ونقل بعضهم أنه كان يقول في التشهد: وأشهد أني رسول الله، والله أعلم. وآل النبي - صلى الله عليه وسلم - هم الذين حرمت عليهم الصدقة وهم بنو هاشم وبنو المطلب، وقيل: آله أمته، ويوافقه قول من يقول: إذا كان الرجل من الأوساط فآله أهله، ويجوز أن يقال: آله: أزواجه وذريته؛ لما روي في خبر أبي حميد الساعدي أنهم قالوا: يا رسول الله كيف نصلي عليك؟ ¬

_ (¬1) الأحزاب: 56. (¬2) رواه الدارقطني (1/ 355 رقم 4) من حديث عائشة، وضعفه. (¬3) سبق تخريجه قريبًا.

فقال - صلى الله عليه وسلم -: قولوا: "اللهم صل على محمَّد وأزواجه وذريته كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمَّد وأزواجه وذريته كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد" (¬1) فأقام الأزواج والذرية مقام الآل في سائر الروايات، وأيضًا فإنهما مقابلان بآل إبراهيم فأشبه أن يكون الآل في معناهما. وذكر الإِمام الحليمي في "المنهاج" أن الصلاة التعظيم (1/ ق 77 - ب) وصلاتنا على النبي - صلى الله عليه وسلم - دعاء له بذلك، فإذا قلنا: اللهم صل على محمَّد فإنا نريد: اللهم عظمه في الدنيا بإعلاء ذكره وإدامة شريعته، وفي الأخرى بتشفيعه في أمته وإجزال أجره، وهذِه الأمور وإن كان الله قد وعده بها فلكل واحد منها درجات ومراتب، فإذا صلى عليه واحد من أمته واستجيب دعاؤه زيد للنبي - صلى الله عليه وسلم - فيهما، قال: وقولنا: وبارك على محمَّد أي أدم ذكره وشريعته وكثر أتباعه وأشياعه، وأصل البركة الدوام من قولهم: برك البعير إذا أنيخ في موضع يلزمه وقد يراد بها النماء والزيادة؛ لأن بركة النبي توجب نماء (...) (¬2)، وذكر أنه لو قال حين يقول في التشهد: سلام عليك أيها النبي الصلاة والسلام عليك أيها النبي أغناه ذلك عن تجديد الصلاة بعد التشهد، وأنه لو أخر السلام عليه إلى الصلاة عليه فقال: اللهم صلّ وسلم علي محمَّد أغناه ذلك عن السلام في التشهد، وهذا يتعلق بأصلين: أحدهما: اعتبار المعنى في التشهد. والثاني: أنه لا يشترط الترتيب في جمل التشهد. ¬

_ (¬1) سبق تخريجه قريبًا. (¬2) لحق غير واضح بمقدار كلمتين.

الأصل

الأصل [173] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن ابن شهاب، عن الأعرج، عن عبد الله بن بحينة قال: صلى لنا رسول - صلى الله عليه وسلم - ركعتين ثم قام فلم يجلس فقام الناس معه، فلما قضى صلاته ونظرنا تسليمه كبر وسجد سجدتين وهو جالس قبل التسليم ثم سلم (¬1). [174] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن يحيى بن سعيد، عن الأعرج، عن ابن بحينة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قام من الثنتين من الظهر لم يجلس فيهما، فلما قضى صلاته سجد سجدتين ثم سلم بعد ذلك (¬2). الشرح عبد الله بن بحينة: هو عبد الله بن مالك بن القشب الأزدي، ويقال: الأسدي -بسكون السين- من أزد شنوءة، وبحينة أمه: وهي بحينة بنت الحارث بن المطلب بن هاشم بن عبد مناف من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -. روى عنه: ابنه عليّ، وحفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب، والأعرج، ومحمد بن عبد الرحمن بن ثوبان. مات في عمل مروان الأخير على المدينة زمن معاوية، ويقال: إن ولايته الثانية كانت سنة أربع وخمسين وعزله سنة ثمان وخمسين (¬3). والحديث صحيح مدوّن في "الموطأ" (¬4)، مخرج في ¬

_ (¬1) "المسند" ص (42). (¬2) "المسند" ص (42). (¬3) انظر "معرفة الصحابة" (4/ ترجمة 1750)، و"الإصابة" (4/ ترجمة 4931). (¬4) "الموطأ" (1/ 96 رقم 218).

"الصحيحين" (¬1)، رواه البخاري (1/ ق 78 - أ) عن عبد الله بن يوسف، ومسلم عن يحيى بن يحيى بروايتهما عن مالك. وقوله: "صلى لنا" أي صلى إمامًا لنا. وقوله: "فلما قضى صلاته" أي أتمها، والمقصود أنها قربت من التمام. وقوله: "ونظرنا" أي انتظرنا، وبهذا اللفظ رواه الشافعي في "الأم" (¬2) ويجوز أن يراد: وكنا ننظر متى يسلم. وفي الحديث دلالة على أن التشهد الأول ليس بواجب وإلا لما اعتد بالمأتي به إلى التشهد، وعلى أنه يشرع لتركه سجود السهو، وعلى أنه يجوز للمأمومين تركه إذا تركه الإِمام، وعلى أنه يشرع للسهو سجدتان، وعلى أنه يكبر الساهي لهما، وعلى أن سجود السهو قبل السلام، ويروى تقديم السجود على السلام عن رواية أبي سعيد الخدري (¬3) وعبد الرحمن بن عوف ومعاوية، ورجح الشافعي بروايته الأخبار الدالة على التقديم لتأخر صحبته، والقوم من القصة إن لم ينبهوا النبي - صلى الله عليه وسلم - ففيه دليل على أن التنبيه غير واجب على المأمومين، وإن نبهوه يشتبه أن يكون التنبيه والتذكر بعدما استوى قائمًا وإلا لرجع، وذكر في الرواية الثانية أن الصلاة التي قام من اثنين منها كانت صلاة الظهر، وروى ابن ماجه (¬4) الحديث عن عثمان وأبي بكر بن أبي شيبة وهشام بن عمار، عن سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن الأعرج، وأشاروا إلى أنها كانت صلاة العصر. ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (1225)، ومسلم (570/ 85). (¬2) "الأم" (1/ 119) باللفظ الأول. (¬3) رواه مسلم (571/ 88). (¬4) "سنن ابن ماجه" (1206).

الأصل

الأصل [175] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا إبراهيم بن سعد بن إبراهيم، عن أبيه، عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود، عن أبيه قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الركعتين كأنه على الرضف. قلت: حتى يقوم؟ قال: ذلك يريد (¬1). الشرح إبراهيم: هو ابن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، أبو إسحاق الزهري القرشي المديني. سمع: أباه، وصالح بن كيسان، والزهري، ويزيد بن الهاد. وسمع منه: ابناه يعقوب، وسعد، وعبد الصمد بن عبد الوارث، ويزيد بن هارون. وكان على قضاء بغداد، ومات بها سنة ثلاث وثمانين ومائة (¬2). و [أبوه] (¬3) سعد بن إبراهيم [أبو إبراهيم] (¬4) ويقال: أبو إسحاق، من الفقهاء المشهورين. سمع: عبد الله بن جعفر، وأبا سلمة، ومحمد بن المنكدر، ¬

_ (¬1) "المسند" ص (43). (¬2) انظر "التاريخ الكبير" (1/ ترجمة 928)، و"الجرح والتعديل" (2/ ترجمة 283)، و"التهذيب" (2/ ترجمة 174). (¬3) في "الأصل": أبو. وانظر "التاريخ الكبير" (4/ ترجمة 1928)، و"الجرح والتعديل" (4/ ترجمة 342)، و"التهذيب" (10/ ترجمة 2199). (¬4) تحرف في "الأصل". والمثبت من التخريج.

وعروة بن الزبير، وأباه إبراهيم. وروى عنه: شعبة، والثوري، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وأبو عوانة، وغيرهم. وكان على (1/ ق 78 - ب) قضاء [المدينة] (¬1) ومات سنة خمس وعشرين ومائة أو سنة ست أو سبع. وأبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود أورده الحاكم أبو عبد الله في الذين اشتهروا بالكنى ولم يوقف على أساميهم، ويذكر أنه لم يسمع من أبيه، فروي عن شعبة، عن عمرو بن مرّة قال: قلت لأبي عبيدة بن عبد الله: تذكر من عبد الله شيئًا؟ قال: لا (¬2). وأخرج الحديث أبو داود السجستاني في "سننه" (¬3) عن حفص بن عمر، عن شعبة، عن سعد بن إبراهيم، عن أبي عبيدة، وأبو عيسى الترمذي (¬4) عن محمود بن غيلان عن أبي داود [هو] (¬5) الطيالسي عن شعبة ثم قال: هذا حديث حسن إلا أن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه. والرضف: الحجارة المحماة، الواحدة: رضْفَة، ورَضَفَه ورَضِفه -بالكسر- كواه بالرَّضفة، وشواء مرضوف: يشوى على الرضف. ¬

_ (¬1) طمس في "الأصل". والمثبت من التخريج. (¬2) انظر "التاريخ الكبير" (9/ ترجمة 447)، و"الجرح والتعديل" (9/ ترجمة 1935)، و"التهذيب" (14/ ترجمة 3051). (¬3) "سنن أبي داود" (995). (¬4) "جامع الترمذي" (366). (¬5) في "الأصل": و. خطأ، والمثبت من "الجامع".

الأصل

ومقصود الحديث أنه كان يخفف في التشهد الأول، قال الشافعي في "الأم": وفيه دلالة على أنه لا يزيد في الجلوس الأول على التشهد والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - وبذلك آمر، فإن زاد كرهته (¬1). وفيه إشارة إلى أنه يزيد في الجلسة الأخيرة ويأتي بالذكر والدعاء. الأصل [176] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا إبراهيم بن محمَّد، حدثني إسماعيل بن محمَّد بن سعد بن أبي وقاص، عن عامر بن سعد، عن أبيه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يسلّم في الصلاة إذا فرغ منها عن يمينه وعن يساره (¬2). [177] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا غير واحد من أهل العلم، عن إسماعيل، عن عامر بن سعد، عن أبيه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله (¬3). [178] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا إبراهيم، عن إسحاق بن عبد الله، عن عبد الوهاب بن بخت، عن واثلة بن الأسقع أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يسلم عن يمينه وعن يساره حتى يرى خدَّاه (¬4). [179] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا إبراهيم بن محمَّد، حدثني أبو علي أنه سمع عباس بن سهل بن سعد، يخبر عن أبيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يسلم إذا فرغ من صلاته عن يمينه وعن يساره (¬5). [180] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مسلم بن خالد وعبد المجيد، عن ابن جريج، عن عمرو بن يحيى المازني، عن محمَّد بن يحيى بن ¬

_ (¬1) "الأم" (1/ 121). (¬2) "المسند" ص (43). (¬3) "المسند" ص (43). (¬4) "المسند" ص (43). (¬5) "المسند" ص (43).

الشرح

حبان، عن عمه واسع بن حبان، عن ابن عمر، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يسلم عن يمينه وعن يساره (¬1). [181] أبنا الربيع (1/ ق 79 - أ) أبنا الشافعي، أبنا الدراوردي، عن عمرو ابن يحيى المازني، عن محمَّد بن يحيى، عن عمه واسع قال مرة عن ابن عمر، ومرة عن عبد الله بن زيد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يسلم عن يمينه وعن يساره (¬2). [182] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن مسعر، عن ابن القبطية، عن جابر بن سمرة قال: كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإذا سلم قال أحدنا بيده عن يمينه وعن شماله: السلام عليكم السلام عليكم، وأشار بيده عن يمينه وعن شماله، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ما بالكم تؤمون بأيديكم كأنها أذنابُ خيلٍ شُمسٍ، أو لا يكفي أحدكم أو إنما يكفي أحدكم أن يضع يده على فخذه ثم يسلم عن يمينه وعن شماله السلام عليكم ورحمة الله" (¬3). الشرح سعد: هو ابن أبي وقاص مالك بن وهيب، ويقال: أهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي، أبو إسحاق القرشي الزهري من المهاجرين السابقين، شهد له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالجنة في جملة العشرة. وروى عنه: جابر بن سمرة، وبنوه عامر ومحمد ومصعب، وأبو عثمان النهدي، وسعيد بن المسيب. ¬

_ (¬1) "المسند" ص (43). (¬2) "المسند" ص (44). (¬3) "المسند" ص (44).

وولاه عمر وعثمان الكوفة، ومات بالمدينة سنة خمس وخمسين، وقيل: سنة ثمان (¬1). وإسحاق بن عبد الله: الظاهر أنه إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، وقد مر ذكره. وعبد الوهاب: هو ابن بخت المكي، يقال: إنه كان شامي الأصل. وروى عن: نافع، وسليمان بن حبيب، وعطاء بن أبي رباح، وأبي الزناد. وروى عنه: ابن عجلان، ومعان بن رفاعة، وحُكيت روايته عن ابن عمر وأبي هُرَيْرَةَ (¬2). وواثلة: هو ابن عبد الله بن الأسقع الليثي، ويقال: كنيته أبو قرصافة، قدم على النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل غزوة تبوك بثلاث ليال وكان من أهل الصفة، ونزل الشام وبيت المقدس، ومات سنة ثلاث وثمانين وهو ابن مائة وخمس سنين. وروى عنه: عبد الواحد بن عبد الله النصري، وبُسر بن سعيد، وأبو إدريس الخولاني، ومكحول، وغيرهم (¬3). وأبو علي لا أتحقق من هو وربما تبين من بعد. وسهل: هو ابن سعد بن مالك بن خالد بن ثعلبة بن حارثة بن ¬

_ (¬1) انظر "معرفة الصحابة" (1، 3/ ترجمة 8، 1095)، و"الإصابة" (3/ ترجمة 3196). (¬2) انظر "التاريخ الكبير" (6/ ترجمة 1821)، و"الجرح والتعديل" (6/ ترجمة 360)، و"التهذيب" (18/ ترجمة 3598). (¬3) انظر "معرفة الصحابة" (5/ ترجمة 2943)، و"الإصابة" (6/ ترجمة 9093).

عمرو بن الخزرج الساعدي الأنصاري أبو العباس، كان يسمى حزنًا فسماه النبي سهلًا. روى عنه: أبو حازم، وابنه (1/ ق 79 - ب) عباس، ويقال: إنه آخر من مات من الصحابة بالمدينة مات سنة إحدى وتسعين، وقيل: سنة ثمان وثمانين (¬1). ومحمد بن يحيى بن حبان سبط حبان بن منقذ بن مالك الأنصاري المازني، أبو عبد الله. سمع: أنس بن مالك، وعمه واسع بن حبان، والأعرج. وروى عنه: عبيد الله بن عمر، ومالك، وربيعة بن أبي عبد الرحمن، والليث بن سعد. توفي سنة إحدى وعشرين ومائة (¬2). وعمه واسع بن حبان بن منقذ. سمع: ابن عمر، وعبد الله بن زيد. روى عنه: ابنه حبان (¬3). وعبد الله بن زيد: هو عبد الله بن زيد بن عاصم المازني الأنصاري، وقدم ذكره. ومسعر: هو ابن كدام بن ظهير بن (عبيد) (¬4) بن الحارث الهلالي العامري الكوفي، أبو سلمة. ¬

_ (¬1) انظر "معرفة الصحابة" (3/ ترجمة 1185)، و"الإصابة" (3/ ترجمة 3535). (¬2) انظر "التاريخ الكبير" (1/ ترجمة 848)، و"الجرح والتعديل" (8/ ترجمة 549)، و"التهذيب" (26/ ترجمة 5681). (¬3) انظر "التاريخ الكبير" (8/ ترجمة 2655)، و"الجرح والتعديل" (9/ ترجمة 204)، و"التهذيب" (30/ ترجمة 6660). (¬4) كذا في "الأصل" وفي التخريج وغيره: عبيدة.

سمع: قتادة، والحكم بن عتيبة. وروى عنه: سفيان بن عيينة، والثوري، وغيرهما. مات سنة خمس وخمسين ومائة (¬1). وابن القبطية: اسمه عبيد الله. سمع: أم سلمة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم -، وجابر بن سمرة. وروى عنه: عبد العزيز بن رفيع، ومسعر، وفرات القزاز (¬2). وجابر: هو ابن سمرة بن جنادة بن حبيب السوائي، أبو عبد الله من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ممن نزل الكوفة. سمع النبي - صلى الله عليه وسلم -، وروى عن [أبي] (¬3) أيوب، وعن خاله سعد بن أبي وقاص. وروى عنه: عبد الملك بن عمير، وتميم بن طرفة، وسماك بن حرب، وعامر بن سعد بن أبي وقاص. توفي بالكوفة سنة أربع وسبعين (¬4). وحديث عامر بن سعد عن أبيه صحيح: أخرجه مسلم (¬5) وابن ماجه (¬6) من رواية إسماعيل بن محمَّد عن عامر. ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (8/ ترجمة 1971)، و"الجرح والتعديل" (8/ ترجمة 1685)، و"التهذيب" (27/ ترجمة 5906). (¬2) انظر "التاريخ الكبير" (5/ ترجمة 1279)، و"الجرح والتعديل" (5/ ترجمة 1566)، و"التهذيب" (19/ ترجمة 3675). (¬3) سقط من "الأصل" والمثبت من "التهذيب". (¬4) انظر "معرفة الصحابة" (2/ ترجمة 453)، و"الإصابة" (1/ ترجمة 1019)، و"التهذيب" (4/ ترجمة 867). (¬5) "صحيح مسلم" (582/ 119). (¬6) "سنن ابن ماجه" (915).

وقوله: "كان يسلم في الصلاة إذا فرغ منها" يعني إذا قرب فراغه، والخروج منها بالسلام على ما قال - صلى الله عليه وسلم -: "وتحليلها التسليم" (¬1). وقوله: "عن يمينه وعن يساره" يعني تسليمة عن يمينه وأخرى عن يساره كما هو مبين في سائر الروايات، وروى عبد الله بن المبارك وغيره الحديث عن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير عن إسماعيل بن محمَّد وقال: رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يسلم في الصلاة تسليمتين تسليمة عن يمينه السلام عليكم ورحمة الله، وتسليمة عن يساره السلام عليكم ورحمة الله حتى يرى بياض خديه ها هنا وها هنا (¬2). وقوله في الإسناد الثاني: "أخبرني رجال من أهل العلم ... إلى آخره" ليس فيه (1/ ق 80 - أ) مزيد لكن يبين به أنه قد روى الحديث له جماعة من العلماء، ويتأكد به رواية إبراهيم بن محمَّد. وقوله في حديث واثلة: "حتى يرى خداه" هذِه اللفظة أجراها الشافعي في "المختصر" واختلفوا في تفسيرها، فقال بعض الأصحاب: يلتفت حتى يرى من كل جانب خداه، والأظهر أن معناه أنه يلتفت حتى يرى من كل جانب خدّ؛ لما روي في بعض الروايات أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يسلم عن يمينه حتى يرى بياض خده الأيمن، وعن يساره حتى يرى بياض خده الأيسر (¬3) لكن أورده الحافظ الدارقطني في "السنن" (¬4) من رواية ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (61)، والترمذي (3)، وابن ماجه (275) من حديث علي. قال الترمذي: أصح شيء في هذا الباب وأحسن، وقال الزيلعي (1/ 307): قال النووي في "الخلاصة": حديث حسن، وصححه الألباني في "الإرواء" (301). (¬2) رواه البيهقي (2/ 178). (¬3) رواه النسائي (3/ 63) من حديث ابن مسعود. (¬4) "سنن الدارقطني" (1/ 356 رقم 2).

عمار بن ياسر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا سلم عن يمينه يرى بياض خده الأيمن، وإذا سلم عن يساره يرى بياض خده الأيمن والأيسر. وهذا شيء وراء التفسيرين. وحديث سهل بن سعد رواه عبد الله بن نافع الصائغ وعتيق بن يعقوب عن عبد المهيمن بن عباس بن سهل بن سعد عن أبيه عن جده، وحديث واسع عن ابن عمر كان قد سمعه منه وسمعه أيضًا من عبد الله ابن زيد فكان يروي مرة عن هذا وأخرى عن هذا كما بينه في الإسناد الثاني، وحديث جابر بن سمرة أخرجه مسلم (¬1) وأبو داود (¬2) من رواية وكيع عن مسعر. وفي الأحاديث بيان أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يسلم تسليمتين عن صلاته، وفي الباب عن علي، وابن عمر، والبراء، وجابر بن عبد الله، ووائل بن حجر، وأبي موسى -رضي الله عنه-. ويروى عن أنس (¬3)، وعائشة (¬4)، وسمرة بن جندب (¬5)، وسلمة بن الأكوع (¬6) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يسلم تسليمة واحدة وأخذ أكثر العلماء ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (431/ 120). (¬2) "سنن أبي داود" (998). (¬3) رواه الطبراني في "الأوسط" (8473)، والبيهقي (2/ 179). قال الحافظ في "الدراية" (1/ 159): ورجاله ثقات، وصححه الألباني في "الصحيحة" (1/ 564). (¬4) رواه الترمذي (296)، وابن ماجه (919)، والحاكم (1/ 354). قال ابن الملقن في "الخلاصة" (485): وضعفه الترمذي والبيهقي وأبو حاتم الرازي وابن عبد البر والدارقطني والبغوي، وصححه ابن حبان والحاكم علي شرط الشيخين، وهو الظاهر من حيث النظر كما أوضحته في "الأصل" وصححه الألباني في تحقيق السنن. (¬5) رواه ابن عدي في "الكامل" (3/ ترجمة 662). (¬6) رواه ابن ماجه (920).

الأصل

بروايات التعدد لأنها أثبت وأكثر. وقوله: "كأنها أذناب خيل شمس" يقال: شمس الفرس يشمس شماسًا إذا منع ظهره، ودابة شَموُسٌ ورجل شموسٌ وهو الرجل الصعب الخلق، منعهم من الإشارة باليدين عند السلام ومن رفع الأيدي لها كما ترفع الأذناب عند الشِّماس، وبيّن أن اليدين عند السلام ينبغي أن تكونا موضوعتين على الفخذين. الأصل [183] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا إبراهيم بن سعد، عن ابن شهاب قال: أخبرتني هند بنت الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة، عن أم سلمة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا سلم من صلاته قام النساء حين يقضي تسليمه، ومكث (1/ ق 80 - ب) النبي - صلى الله عليه وسلم - في مكانه يسيرًا. قال ابن شهاب: فنرى مكثه ذلك والله أعلم لكي ينفذ النساء قبل يدركهن من انصرف من القوم (¬1). الشرح هند بنت الحارث اختلف عن الزهري في نسبتها، فذكر البخاري في "الصحيح" (¬2) أن جعفر بن ربيعة روى عن ابن شهاب أنه قال: حدثتني هند بنت الحارث الفراسية، وأن ابن وهب كذلك رواه عن يونس عن ابن شهاب، وأن عثمان بن عمر روى عن يونس عن الزهري وقال: حدثتني هند القرشية وكذلك رواه الزبيدي وشعيب عن الزهري، ¬

_ (¬1) "المسند" ص (44). (¬2) "صحيح البخاري" (850 - باب مكث الإِمام في مصلاه ...).

الأصل

وحاول بعضهم تصحيحهما ذهابًا إلى أن بني فراس بطن من قريش، ونازع فيه منازعون وقالوا: ليس في قريش من ينسب إلى بني فراس، وعن الليث عن يحيى بن سعيد عن ابن شهاب عن امرأة من قريش وهذا تحقق كونها قرشية، وهند هذِه كانت تحت معبد بن المقداد وهو حليف بني زهرة وكانت من صواحب أم سلمة رضي الله عنها (¬1). والحديث مخرج في "صحيح البخاري" (¬2) رواه عن موسى بن إسماعيل وأبي الوليد، عن إبراهيم بن سعد. وفيه أن النساء كن يحضرن المسجد وأنهن كن ينصرفن عند تسليم النبي - صلى الله عليه وسلم -، وحينئذ فالرواتب المؤخرة تقع بعد رجوعهن إلى البيوت، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يمكث زمانًا، وبيّن ابن شهاب مستنبطًا أن مكثه كان لئلا يختلط النساء بالرجال وكان الرجال يمكثون ويتفرقون مع النبي - صلى الله عليه وسلم -. وقوله: "قبل يدركهن من انصرف" أي قبل أن يدركهن وكذلك هو في "الصحيح" وكلمة "أن" قد تحذف في مثل هذا الموضع. الأصل [184] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا ابن عيينة، عن عمرو، عن أبي معبد، عن ابن عباس قال: كنت أعرف انقضاء صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالتكبير. قال عمرو بن دينار: ثم ذكرته لأبي معبد بعد فقال: لم أحدثكه. قال عمرو: حدثنيه، قال: وكان من أصدق موالي ابن عباس. ¬

_ (¬1) انظر "الطبقات الكبرى" (8/ 483)، و"التهذيب" (35/ ترجمة 7942). (¬2) "صحيح البخاري" (837، 849).

الشرح

قال الشافعي: كأنه نسيه بعدما حدثه إياه (¬1). [185] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا إبراهيم بن محمَّد، حدثني موسى بن عقبة، عن أبي الزبير أنه سمع عَبْد اللهِ بْن الزُّبَيْرِ يقول: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا سلَّمَ من صلاته يقول بصوته الأعلى: "لَا إله إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَه المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ، لا حولَ ولا قوةَ إلا بالله، وَلَا نَعْبُدُ إِلَّا إِيَّاهُ لَهُ النِّعْمَةُ وَالْفَضْلُ وَالثَّنَاءُ (1/ ق 81 - أ) الحَسَنُ لَا إله إِلَّا اللهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الكَافِرُونَ" (¬2). الشرح أبو معبد نافذ -بالفاء والذال المعجمة- وقيل: ناقذ -بالقاف والذال المعجمة- وقيل: نافد -بالفاء والدال المهملة- والصحيح الأول وعدّ ما عداه تصحيفًا، وهو من أهل الحجاز من موالي عبد الله ابن عباس، ويقال أنه كان أصدق مواليه. روى عن: ابن عباس. وروى عنه: يحيى بن عبد الله بن صيفي، وعمرو بن دينار، وأبو الزبير. مات سنة أربع ومائة (¬3). والحديث الأول مخرج في "الصحيحين" (¬4) من رواية سفيان بن عيينة، وفيه أنهم كانوا يكبرون عقيب الصلاة، ويروى أن الناس كانوا ¬

_ (¬1) "المسند" ص (44). (¬2) "المسند" ص (44). (¬3) انظر "التاريخ الكبير" (8/ ترجمة 2455)، و"الجرح والتعديل" (8/ ترجمة 2321)، و"التهذيب" (29/ ترجمة 6358). (¬4) "صحيح البخاري" (842)، و"صحيح مسلم" (583/ 120 - 122).

إذا سلم الإِمام من المكتوبة كبّروا ثلاث تكبيرات وتهليلات، وليس التكبير معينًا لعينه، ولكن المقصود ذكر الله تعالى عقيب المكتوبة يبينه الحديث الثاني فإن المذكور فيه التهليل لا التكبير، وقد أخرجه مسلم (¬1) عن محمَّد بن عبد الله بن نمير، عن أبيه، عن هشام، عن أبي الزبير، عن ابن الزبير، وفي الأذكار بعد المكتوبات أحاديث ففي "الصحيحين" (¬2) عن عبد الملك بن عمير من طرق عن وراد عن المغيرة بن شعبة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول في دبر كل صلاة: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجدّ" والجدّ: الغنى والحظ، أي: لا ينفع ذا الغنى غناه؛ إنما ينفعه العمل بطاعتك، وفي "صحيح مسلم" (¬3) عن أبي هُرَيْرَةَ قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من سبح في دبر كل صلاة ثلاثًا وثلاثين، وكبر الله ثلاثًا وثلاثين وحمد الله ثلاثًا وثلاثين فذلك تسعة وتسعون، ثم قال تمام المائة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير؛ غفرت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر". وفيه عن كعب بن عجرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "معقبات لا يخيب قائلهن أو فاعلهن: ثلاث وثلاثون تسبيحة، وثلاث وثلاثون تحميدة، وأربع وثلاثون تكبيرة في دبر كل صلاة" (¬4) سماها معقبات لأنها تعود مرة بعد مرة، يقال: عقّب إذا عمل عملًا ثم عاد إليه، وفيه عن ثوبان (¬5) قال كان رسول الله ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (594/ 139 - 141). (¬2) "صحيح البخاري" (844)، و"صحيح مسلم" (593/ 138). (¬3) "صحيح مسلم" (597/ 146). (¬4) "صحيح مسلم" (596/ 144، 145). (¬5) "صحيح مسلم" (591/ 135).

الأصل

- صلى الله عليه وسلم - إذا أراد أن ينصرف من صلاته استغفر ثلاث مرات ثم قال: " [اللهم] (¬1) أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام". وعن عائشة قالت: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يقعد إلا مقدار ما يقول: "اللهم أنت السلام ومنك السلام (1/ ق 81 - ب) تباركت يا ذا الجلال والإكرام" (¬2) وحمل هذا على غير صلاة الصبح؛ لما روي عن جابر بن سمرة في "الصحيح" قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا صلى الفجر جلس حتى تطلع الشمس (¬3) ويشبه أن يقال أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يأتي أحيانًا بهذا الذكر وأحيانًا بهذا، ولذلك اختلفت الروايات، قال الشافعي: وحيث يجلس لتنصرف النساء فلا يخلي جلوسه عن ذكر أيضًا (¬4)، وكأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يجهر تارة ويسرّ أخرى، وعن حالة الجهر حكى ابن عباس التكبير وابن الزبير التهليل، وعن حالة السرّ حكت أم سلمة مجرد المكث، والله أعلم. وقوله: "بصوته الأعلى" في الحديث الثاني ينبغي أن يحمل على الصوت العالي فإن المبالغة في رفع الصوت منهي عنها، ومن الفوائد في رفع الصوت: تعليم من لا يعلم، وإسماع من يعلم ليتذكر ويقتدي به، ولينال بركة الاستماع. الأصل [186] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن عبد الملك بن عمير، عن أبي الأوبر الحارثي قال: سمعت أبا هُرَيْرَةَ يقول: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينحرف من الصلاة عن يمينه وعن شماله (¬5). [187] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن سليمان بن ¬

_ (¬1) سقط من "الأصل" والمثبت من "صحيح مسلم". (¬2) "صحيح مسلم" (592/ 136). (¬3) رواه مسلم (670/ 286، 287). (¬4) "الأم" (1/ 127) بتصرف. (¬5) "المسند" ص (45).

الشرح

مهران، عن عمارة، عن الأسود، عن عبد الله قال: لا يجعل أحدكم للشيطان من صلاته جزءًا يرى أن حتمًا عليه أن لا ينفتل إلا عن يمينه، ولقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أكثر ما ينصرف عن يساره (¬1). الشرح عبد الملك: هو ابن عمير بن (سعيد) (¬2) بن حارثة الكوفي القرشي أبو عمر، ويقال: أبو عمرو، كان يتولى قضاء الكوفة بعد الشعبي. سمع: جابر بن سمرة، وعمرو بن [حريث] (¬3) وغيرهما. روى عنه: شعبة، والثوري، وزائدة. مات سنة ست وثلاثين ومائة (¬4). وأبو الأوبر الحارثي اسمه زياد. روى هذا الحديث عن أبي هُرَيْرَةَ. وروى عنه: عبد الملك. وعن أبي زرعة الرازي أنه لا يعرف إلا في هذا الحديث. وسليمان بن مهران: هو الأعمش، وقد مرّ ذكره. وعمارة: هو ابن عمير التيمي الكوفي. رأى عبد الله بن عمر، وسمع: عبد الرحمن بن يزيد، والأسود بن يزيد، وأبا معمر الأزدي عبد الله بن سخبرة. روى عنه: الأعمش، والحكم بن عتيبة، وسعد بن عبيدة. ¬

_ (¬1) "المسند" ص (45). (¬2) كذا في "الأصل" وفي "التهذيب" وملحقاته: سويد. (¬3) في "الأصل": خرشة. خطأ، والمثبت من "التهذيب" وغيره. (¬4) انظر "التاريخ الكبير" (5/ ترجمة 1386)، و"الجرح والتعديل" (5/ ترجمة 1700)، و"التهذيب" (18/ ترجمة 3546).

مات في خلافة سليمان بن عبد الملك (¬1). والأسود: هو ابن يزيد بن قيس النخعي الكوفي (1/ ق 82 - أ) أبو عمرو. سمع: أبا بكر، وعمر، وعبد الله بن مسعود، وعائشة، وأبا موسى. وروى عنه: إبراهيم النخعي، وأبو إسحاق السبيعي، وابنه عبد الرحمن بن يزيد. وهو ابن أخي علقمة بن قيس وكان أكبر منه، توفي سنة خمس أو أربع وسبعين (¬2). والحديث الثاني أخرجه البخاري في "الصحيح" (¬3) عن أبي الوليد، عن شعبة، ومسلم (¬4) عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن أبي معاوية ووكيع بروايتهم عن الأعمش، وأبو داود الطيالسي (¬5) عن شعبة عن الأعمش [والسجستاني]، (¬6) عن مسلم بن إبراهيم عن شعبة ثم قال: قال عمارة: أتيت المدينة [بعد] (¬7) فرأيت منازل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن يساره. ومقصود الحديثين بيان أن الإِمام لا يتعين عليه أن ينصرف عن الصلاة عن يمينه، ولكنه ينصرف إلى الجانب الذي يريد من اليمين أو ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (6/ ترجمة 3105)، و"الجرح والتعديل" (6/ ترجمة 2022)، و"التهذيب" (21/ ترجمة 4193). (¬2) انظر "التاريخ الكبير" (1/ ترجمة 1437)، و"الجرح والتعديل" (2/ ترجمة 1067)، و"التهذيب" (3/ ترجمة 509). (¬3) "صحيح البخاري" (852). (¬4) "صحيح مسلم" (707/ 59). (¬5) "مسند الطيالسي" (284). (¬6) في "الأصل": السختياني. تحريف، والحديث في "السنن" رقم (1042). (¬7) من "السنن".

الأصل

اليسار، فإن استوتا فالتيامن أولى. وقوله: "لا يجعل أحدكم للشيطان من صلاته جزءًا ... إلى آخره" يعني أنه إذا رأى تحتم ما لا يتحتم أخذ الشيطان منه بحظ، وكما لا يجوز تحليل الحرام لا يجوز تحريم الحلال. وفي الباب عن أنس، وعبد الله بن عمرو، وهلب الطائي -رضي الله عنهمم -. الأصل ومن كتاب الأمالي في الصلاة [188] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان بن عيينة، عن الأسود ابن قيس، عن أبيه قال أبصر عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - رجلًا عليه هيئة السفر فسمعه يقول: لولا أن اليوم يوم الجمعة لخرجت، فقال عمر: اخرج فإن الجمعة لا تحبس عن السفر (¬1). الشرح الأسود بن قيس وأبوه كوفيان، ويكنى الأسود بأبي قيس، ويذكر أنه سمع جندب بن عبد الله. روى عنه: شعبة، والثوري، وابن عيينة (¬2). واعلم أن الأحاديث والآثار المودعة في "المسند" من أول استقبال القبلة إلى هذِه الغاية مسوقة على النظم والترتيب الذي أتى به الشافعي في "الأم" وما يشتمل عليه الكتاب من هذا الموضع إلى باب الإمامة نقله أبو العباس من أمالي الشافعي -رضي الله عنه- في الصلاة، ثم منها ما ¬

_ (¬1) "المسند" ص (46). (¬2) انظر "التاريخ الكبير" (1/ ترجمة 1432)، و"الجرح والتعديل (2/ ترجمة 1069)، و"التهذيب" (3/ ترجمة 506).

الأصل

هو خارج عما سبقت روايته ومنها ما هو داخل فيه وأعاده لزيادة أو نقصان في الإسناد والمتن، وفي بعض نسخ الكتاب: ومن كتاب الأمالي في الصلاة الذي يقول الربيع ثنا الشافعي كأنه سمع إملاءً فروى بلفظ التحديث. أما مقصود الأثر فمن هو من أهل فرض الجمعة ليس له أن يسافر بعد (1/ ق 82 - ب) الزوال ويفوت الجمعة علي نفسه، ويجوز له أن يسافر قبل طلوع الفجر، وأما بين الطلوع والزوال فقد اختلف العلماء في جوازه، وللشافعي قولان: وجه الجواز أن وقت وجوب الجمعة لم يدخل ويعضده هذا الأثر وهذا في غير سفر الطاعة؛ فأما الحج والجهاد فلا بأس بالخروج لهما، بل يستحب لما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث عبد الله بن رواحة في سريّة فوافق ذلك يوم الجمعة فغدا أصحابه، وقال: أتخلّف فأصلي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم ألحقهم، فلما صلى مع النبي - صلى الله عليه وسلم - رآه فقال: "ما منعك أن تغدو مع أصحابك"؟ قال: أردت أن أصلي معك ثم ألحقهم، فقال: "لو أنفقت ما في الأرض جميعًا ما أدركت فضل غدوتهم" (¬1). الأصل [189] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان بن عيينة، عن ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (527) من طريق الحجاج، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس. قال الترمذي: غريب، ونقل عن شعبة أن الحكم لم يسمع من مقسم إلا خمسة أحاديث وعدها شعبة وليس هذا منها. وأعله البيهقي، وابن الملقن بالحجاج وقال: ضعيف ومرسل. وقال الألباني: ضعيف الإسناد.

الشرح

ابن أبي نجيح، عن إسماعيل بن عبد الرحمن بن أبي ذؤيب قال: دعي عبد الله بن عمر لسعيد بن زيد رضي الله عنهما وهو يموت، وابن عمر يستجمر للجمعة فأتاه وترك الجمعة (¬1). [189/ 1] أبنا الربيع، أبنا الشافعي قال: وأخبرني عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر مثله أو مثل معناه (¬2). الشرح سعيد: هو ابن زيد بن عمرو بن نفيل بن عبد العزى بن رباح بن عبد الله بن قرط القرشي العدوي، أبو الأعور من العشرة المبشرين بالجنة، وجده أخو الخطاب بن نفيل والد عمر -رضي الله عنه- لأبيه. روى عنه: عمرو بن حريث، وقيس بن أبي حازم، والعباس بن سهل. مات سنة إحدى وخمسين ودفن بالمدينة، ودخل قبره سعد بن أبي وقاص وابن عمر (¬3). وقوله: "يستجمر" أي يتطيب ويتبخر بالبخور، مأخوذ من الجمر، والاستجمار أيضًا التمسح بالجمار وهي الحجارة الصغار، قال - صلى الله عليه وسلم -: "من استجمر فليوتر" (¬4) وقيل أن ذلك أيضًا مأخوذ مما نحن فيه؛ لأنه يطيب الريح كما يطيبه التبخّر بالبخور، وكان يجوز من جهة اللفظ حمل هذا الأثر على التمسح بالجمار، لكن ورد في بعض الروايات أن ابن ¬

_ (¬1) "المسند" ص (46). (¬2) "المسند" ص (46). (¬3) انظر "معرفة الصحابة" (1، 3/ ترجمة 9، 1157)، و"الإصابة" (3/ ترجمة 3263). (¬4) رواه البخاري (159)، ومسلم (237/ 20 - 22) من حديث أبي هريرة.

الأصل

عمر تطيب للجمعة فأخبر أن سعيدًا منزول به، فأتاه وترك الجمعة (¬1). وفيه أنه يجوز ترك الجمعة للحضور عند القريب المشرف على الوفاة، وكان [سعيد] (¬2) قريبًا (1/ ق 83 - أ) لابن عمر كما بيناه، ولا فرق في ذلك بين أن يكون له من يتعهده ويقوم بأموره أو لا يكون، والزوجة والمملوك كالقريب، وفيه أن الجمعة يتطيب لها. وقوله في الرواية الثانية: "ثنا الشافعي قال: وأخبرني عبيد الله" يريد: قال سفيان: وأخبرني، والله أعلم. وقوله: "مثله أو مثل معناه" يحتمل أن يريد مثل لفظه أو مثل معناه، ويحتمل أن يريد أنه قال هذِه اللفظة أو هذِه اللفظة. الأصل [190] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مسلم بن خالد وعبد المجيد بن عبد العزيز، عن ابن جريج، عن موسى بن عقبة [عن عبد الله بن الفضل] (¬3)، عن عبد الرحمن الأعرج، عن عبيد الله بن أبي رافع، عن علي بن أبي طالب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال أحدهما: كان إذا ابتدأ الصلاة، وقال الآخر: كان إذا افتتح الصلاة قال: "وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفًا وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له وبذلك أمرت. قال أحدهما: وأنا أول المسلمين"، وقال الآخر: "وأنا من المسلمين". ¬

_ (¬1) رواه البخاري (3991). (¬2) في "الأصل": سعيدًا. (¬3) سقط من "الأصل" والمثبت من "المسند".

الشرح

قال الشافعي: ثم يقرأ القرآن بالتعوذ، ثم بسم الله الرحمن الرحيم فإذا أتى عليها قال: آمين، ويقول خلفه إن كان إمامًا يرفع صوته حتى يسمع من خلفه إذا كان مما يجهر بالقراءة (¬1). الشرح هذا الحديث قد مرّ إسنادًا ومتنًا (¬2) مع مزيد في المتن وليس في إعادته نقلًا عن "الإملاء" مزيد فائدة، نعم قال هناك: وشككت أن يكون أحدهما قال: "وأنا من المسلمين"، وها هنا قال: وقال الآخر: "وأنا من المسلمين" فجزم، وأما ما حكى من كلام الشافعي أنه يتعوذ بعد ذلك ثم يقول: بسم الله الرحمن الرحيم إلى أن يتم الفاتحة، ثم يقول: آمين ويرفع الإِمام صوته في الصلاة الجهرية ليسمع القوم فيؤمنوا مع تأمينه فهذِه أمور لا تتعلق بالحديث، وليس الكتاب لنقل فقه الشافعي وكلامه. الأصل [191] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا ابن أبي يحيى، عن جعفر بن محمَّد، عن أبيه قال: جاءت الحطابة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: يا رسول الله إنا لا نزال سفرًا كيف نصنع بالصلاة؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ثلاث تسبيحات ركوعًا، وثلاث تسبيحات سجودًا" (¬3). [192] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا محمَّد بن إسماعيل، ¬

_ (¬1) "المسند" ص (46). (¬2) مر برقم (137). (¬3) "المسند" ص (47).

الشرح

عن ابن أبي ذئب، عن إسحاق بن يزيد (1/ ق 83 - ب) الهذلي، عن ابن عبد الله بن عتبة بن مسعود أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا ركع أحدكم فقال: سبحان ربي العظيم ثلاثًا فقد تم ركوعه وذلك أدناه، وإذا سجد فقال: سبحان ربي الأعلى ثلاث مرات فقد تم سجوده، وذلك أدناه" (¬1). الشرح ابن أبي يحيى: هو إبراهيم بن محمَّد. والحديث الأول مرسل. والحطّابة: الذين يحتطبون، والسَّفرُ: المسافرون، وسموا أنفسهم مسافرين؛ لأنهم أبدًا في السير والحركة، وكان مقصودهم السؤال عن كيفية الصلاة مع دوام الحركة المحوج إلى التخفيف، ويذكر فيما ذكر أن يسبحوا في الركوع ثلاثًا وفي السجود ثلاثًا وذلك أدنى الكمال. والحديث الثاني قد مرّ بإسناده ومتنه (¬2) لكن قال ها هنا: محمَّد بن إسماعيل وهناك ابن أبي فديك وهو هو، وقال ها هنا: عن ابن عبد الله بن عتبة ولم يسمّه وهو عون المذكور هناك، وروى ها هنا الربيع عن الشافعي جزمًا، وهناك ارتاب فروى عن البويطي عن الشافعي. الأصل [193] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان بن عيينة، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هُرَيْرَةَ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا كان يوم الجمعة جلس على أبواب المسجد ... وذكر الحديث" (¬3). ¬

_ (¬1) "المسند" ص (47). (¬2) مر برقم (156). (¬3) "المسند" ص (47).

الشرح

الشرح قوله: "جلس على أبواب المسجد" يعني الملائكة، وقطع الحديث ولم يسقه؛ لأنه معاد من بعد بتمامه ونشرحه هناك إن شاء الله تعالى (¬1). الأصل [194] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن عطاء بن أبي رباح قال: قلت لابن عباس: أقصر إلى عرفة؟ قال: لا، ولكن إلى جدة وعسفان والطائف، وإن قدمت على أهل أو ماشية فأتم. قال: وهذا قول ابن عمر وبه نأخذ (¬2). الشرح قد تقدم هذا الأثر وبينّا ما يحتاج إلى معرفته فيه (¬3). وقوله: "وإن قدمت على أهل أو ماشية فأتمّ" يدل على أن المسافر إذا انتهى في سفره إلى بلدة أو قرية له بها أهل وعشيرة ينتهي سفره بالوصول إليها فيتم وإن كان على قصد الاجتياز، وهذا أحد قولي الشافعي (¬4) ويروى عن أحمد، والقول الأصح أن سفره لا ينتهي بالوصول إليه؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه لما حجُّوا قصروا بمكة (1/ ق 84 - أ) وإن كان لكثير منهم بها أهل ودار وعشيرة، والأثر محمول على ما إذا انتهى إلى وطنه وهو على قصد الاجتياز، على أن من الأصحاب من طرد القولين فيما إذا انتهى إلى الوطن أيضًا. ¬

_ (¬1) يأتي برقم (263). (¬2) "المسند" ص (48). (¬3) مر برقم (93). (¬4) "الأم" 1/ 165.

الأصل

وقوله: "وهذا قول ابن عمر وبه نأخذ" يحتمل من جهة اللفظ أن يصرف إلا وجوب الإتمام عند الانتهاء إلى البلدة التي بها أهل وعشيرة؛ لكن الشافعي ما يقصد ذلك وإنما قصد أن عند ابن عمر لا قصر في الأسفار القصيرة. الأصل [195] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مسلم بن خالد، عن ابن جريج، عن ابن أبي عمار، عن عبد الله بن باباه، عن يعلى بن أمية قال: قلت لعمر ابن الخطاب: ذكر الله تعالى القصر في الخوف فأنى القصر في غير الخوف؟ فقال عمر بن الخطاب: عجبت مما عجبت منه، فسألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته" (¬1). الشرح قد سبق الحديث وشرحه (¬2)، وجعل أبو سليمان الخطابي فيه حجة لمن قال: إن الأصل الإتمام؛ لأنهما تعجبا من القصر عند عدم الخوف، ولو كان فرض المسافر في الأصل ركعتين لما تعجّبا منه. الأصل [196] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي، عن أيوب بن أبي تميمة، عن محمَّد بن سيرين قال: سافر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما بين مكة والمدينة آمنًا لا يخاف إلا الله تعالى يصلي ركعتين قال أبو العباس: أظنه سقط من كتابي: ابن عباس (¬3). ¬

_ (¬1) "المسند" ص (48). (¬2) مر برقم (87). (¬3) "المسند" ص (48).

الشرح

[197] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا عبد الوهاب، عن أيوب السختياني، عن محمَّد بن سيرين، عن ابن عباس قال: سافر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين مكة والمدينة آمنًا لا يخاف إلا الله تعالى يصلي ركعتين (¬1). الشرح هذا حديث صحيح أخرجه أبو عيسى الترمذي في "جامعه" (¬2) عن قتيبة عن هشيم عن منصور بن زاذان عن ابن سيرين، وفي "الصحيحين" (¬3) عن حارثة بن وهب الخزاعي قال: صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحن أكثر ما كنا قط وآمنه بمنى ركعتين. والمقصود أن القصر جائز وإن لم يخف المسافر من عدوّ، وفي كلام الشافعي أن القصر في السفر عند الخوف ثابت بكتاب الله تعالى، وعند الأمن بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولم يجد أبو العباس في كتابه ذكر ابن عباس (1/ ق 84 - ب) فرواه أولًا منقطعًا وأحاله على سقوطه من كتابه، ووجده في سائر الأصول فرواه موصولًا، وقد أورد الشافعي الحديث في كتاب "اختلاف الحديث" (¬4) وغيره موصولًا. الأصل [198] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا ابن أبي يحيى، عن حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس، عن كريب، عن ابن عباس قال: ألا أخبركم عن صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في السفر، كان إذا زالت له الشمس وهو في منزله ¬

_ (¬1) "المسند" ص (48). (¬2) "جامع الترمذي" (547) وقال: حسن صحيح. (¬3) "صحيح البخاري" (1656)، ومسلم (696/ 20، 21). (¬4) "اختلاف الحديث" (ص 76).

الشرح

جمع بين الظهر والعصر في الزوال، وإذا سار قبل أن تزول الشمس أخر الظهر حتى يجمع بينها وبين العصر في وقت العصر، قال: وأحسبه قال في المغرب والعشاء مثل ذلك (¬1). الشرح حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن العباس الهاشمي. يروي عن: عكرمة وكريب، وتكلم فيه علي بن المديني وقال: إنه متروك الحديث (¬2). وكريب: هو القرشي مولى ابن عباس يقال له: أبو رشدين. سمع: ابن عباس، وحذيفة بن اليمان، وأبا الدرداء، وعائشة، وأم سلمة، وأسامة بن زيد. وروى عنه: سالم بن أبي الجعد، وبكير بن الأشج، وغير واحد. مات بالمدينة سنة ثمان وتسعين (¬3). وأصل الجمع بين الصلاتين ثابت من فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منقول في "الصحاح" من سائر الروايات، وقد تقدم طرف منه. وقوله: "ألا أخبركم عن صلاة رسول الله" يريد كيفية أدائها علي سبيل الجمع لا سائر الكيفيات. ¬

_ (¬1) "المسند" ص (48). والحديث رواه أحمد (1/ 367)، والدارقطني (1/ 388 رقم 1)، والبيهقي (3/ 163) قال البيهقي: يقوى بشواهده، وصححه الألباني في "الإرواء" (3/ 29) فليراجع منه. (¬2) انظر "التاريخ الكبير" (2/ ترجمة 2872)، و"الجرح والتعديل" (3/ ترجمة 258)، و"التهذيب" (6/ ترجمة 1315). (¬3) انظر "التاريخ الكبير" (7/ ترجمة 994)، و"الجرح والتعديل" (7/ ترجمة 956)، و"التهذيب" (24/ ترجمة 4970).

الأصل

وقوله: "كان إذا زالت الشمس ... إلى آخره" معناه أنه إذا كان في المنزل وقت الزوال قدم العصر إلى الظهر، وإذا زالت الشمس وهو سائر أخر الظهر حتى يضمها إلى العصر، وفي قوله: "أخر الظهر حتى يجمع بينها وبين العصر" ما يشعر بأن التأخير ينبغي أن يكون علي قصد الجمع، ثم لا يخفى أن قوله: "وإذا سار قبل أن تزول الشمس" المراد منه: وزالت وهو سائر؛ لأنه لو انقطع السير قبل أن تزول تحصل الزوال وهو في المنزل وذلك عين الحالة الأولى، وقد يفهم من الخبر أن الجمع إذا تأخر عن أول وقت الأولى فإيقاعه في أول وقت الثانية أولى من إيقاعه في آخر وقت الأولى (1/ ق 85 - أ) لأن تأخير النبي - صلى الله عليه وسلم - مرتب علي وقوع الزوال في حالة السير لا على السير في جميع وقت الظهر، وفي الخبر دليل على أنه لا بأس بتقديم السير وتأخيره بحسب الحاجة، وأنه لا يؤمر المسافر بتأخير السير ليفرغ من الصلاتين بالجمع في وقت الأولى. الأصل [199] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مسلم بن خالد وعبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد، عن ابن جريج قال: سمعت عطاء يقول: سمعت ابن عباس وابن الزبير لا يختلفان في التشهد (¬1). الشرح قد سبقت الروايات المشهورة في التشهد، وبين ما فيها من الاتفاق والاختلاف، المقصود (إلا) (¬2) أن ابن الزبير يوافق ابن عباس في التشهد، ثم يحتمل أن يكون المراد أنه كان يقرأ التشهد كما كان ابن عباس يقرأ، ويحتمل أن يريد أنه روى التشهد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - كما رواه ابن عباس. ¬

_ (¬1) "المسند" ص (49). (¬2) كذا في "الأصل" ولعلها زائدة.

الأصل

الأصل [200] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن أبي حازم بن دينار، عن سهل بن سعد الساعدي؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذهب إلى بني عمرو بن عوف ليصلح بينهم وحانت الصلاة (العصر) (¬1)، فأتى المؤذن أبا بكر فتقدم أبو بكر، وجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأكثر الناس التصفيق، وكان أبو بكر لا يلتفت في صلاته، فلما أكثر الناس التصفيق التفت فرأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأشار إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن كما أنت، فرفع أبو بكر يديه فحمد الله على ما أمر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم استأخر وتقدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلما قضى صلاته قال: "ما لي رأيتكم أكثرتم التصفيق، من نابه شيء في صلاته فليسبح، فإذا سبح التفت إليه وإنما التصفيق للنساء" (¬2). [201] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هُرَيْرَةَ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -[قال] (¬3): "التسبيح للرجال والتصفيق للنساء" (¬4). الشرح أبو حازم: هو سلمة بن دينار الأعرج المخزومي، مولى الأسود ابن سفيان المخزومي، كان من عباد أهل المدينة. ¬

_ (¬1) ألحقها الناسخ على حاشيته الأصل وصحح عليها، وهي ثابتة في "المسند" المطبوع، ومقتضى كلام المؤلف في الشرح أنها غير موجودة في رواية المسند، والله أعلم. (¬2) "المسند" ص (49). (¬3) سقط من "الأصل" والمثبت من "المسند". (¬4) "المسند" ص (49).

سمع: سهل بن سعد، وأبا الدرداء، وعبد الله بن [أبي] (¬1) قتادة، وأبا سلمة. روى عنه: مالك، والثوري، وابن عيينة، وأسامة بن زيد. مات سنة ثلاث وثلاثين ومائة (1/ ق 85 - ب) أو خمس وثلاثين (¬2). والحديثان صحيحان باتفاق الأئمة، فالأول منهما أورده البخاري (¬3) عن عبد الله بن يوسف، ومسلم (¬4) عن يحيى بن يحيى، وأبو داود (¬5) عن القعنبي بروايتهم عن مالك، والثاني رواه البخاري (¬6) عن علي بن عبد الله، ومسلم (¬7) عن أبي بكر بن أبي شيبة وغيره، وأبو داود (¬8) عن قتيبة بروايتهم عن سفيان، ورواه الترمذي (¬9) من طريق أبي صالح عن أبي هُرَيْرَةَ، وفي الباب عن علي وجابر وابن عمر وأبي سعيد -رضي الله عنهم -. وقوله: "ذهب إلى بني عمرو بن عوف ليصلح بينهم" يروى أنه كان بينهم قتال، ويروى أنه كان بينهم وبين أهل قباء شيء، والمراد سائر أهل قباء فإن بني عمرو بن عوف من أهل قباء. وقوله: "فحانت الصلاة" أي حضرت وأتى حينها، وروى أبو داود في "السنن" (¬10) أنها كانت صلاة العصر، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - ذهب إليهم بعد الظهر. ¬

_ (¬1) سقط من "الأصل". وعبد الله هو ابن أبي قتادة الأنصاري. (¬2) انظر "التاريخ الكبير" (4/ ترجمة 2016)، و"الجرح والتعديل" (4/ ترجمة 701)، و"التهذيب" (11/ ترجمة 2450). (¬3) "صحيح البخاري" (648). (¬4) "صحيح مسلم" (421/ 102). (¬5) "سنن أبي داود" (940). (¬6) "صحيح البخاري" (1203). (¬7) "صحيح مسلم" (422/ 106، 107). (¬8) "سنن أبي داود" (939). (¬9) "جامع الترمذي" (369). (¬10) "سنن أبي داود" (941) من حديث سهل بن سعد.

وقوله: "فأتى المؤذن أبا بكر" تقدم في روايات "الصحيح": فجاء بلال إلى أبي بكر فقال: أتصلي للناس فأقيم؟ فقال: نعم. وقوله: "وجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم -" يريد وأبو بكر والناس في الصلاة. والتصفيق ضرب اليد على اليد. وقوله: "أن كما أنت" أي أثبت مكانك وكذلك روي في الروايات الصحيح، فكأن هذا الأمر أمر إكرام وتشريف لا أمر إلزام وتكليف، ولو كان كذلك لما استأخر أبو بكر -رضي الله عنه-. وفي الحديث أنهم عجلوا الصلاة في أول الوقت ولم ينتظروا مجيء النبي - صلى الله عليه وسلم -، فاحتج بذلك على أنه إذا خيف فوات أول الوقت يتقدم غير الإِمام الراتب فيصلي، لكن تقدم أبي بكر كان عن إذن فإن أبا داود روى في "السنن" (¬1) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لبلال وقت ذهابه إلى بني عمرو: إن حضرت الصلاة ولم آتك فمر أبا بكر فليصل بالناس. وأنهم كانوا يقدمون أبا بكر -رضي الله عنه- في غيبة النبي - صلى الله عليه وسلم - لما عرفوا من فضله ومن إشارات النبي - صلى الله عليه وسلم - بتقديمه، وأنا أبا بكر كان لا يلتفت في صلاته كما هو السنة، وأنه يعذر في الالتفات عند شدة الحاجة؛ لأن أبا بكر التفت لما أكثروا التصفيق، وأن الصلاة لا تبطل بالالتفات ما لم يتحول المصلي بجميع البدن عن القبلة، وأن العمل القليل لا يبطل (1/ ق 86 - أ) الصلاة؛ لأنهم صفقوا وأيضًا فإن أبا بكر رفع يده وأيضًا فإنه استأخر عن مكان الصلاة، وإكثار التصفيق محمول علي كثرته من الجمع لا من الواحد أو على أنه لم يكن بصفة الموالاة، وفيه أن من حدثت له نعمة حسن منه ¬

_ (¬1) "سنن أبي داود" (941).

الأصل

إظهار السرور والشكر بحمد الله تعالى ورفع اليد إليه وإن كان في الصلاة، وأن الرجل إذا نابه شيء في صلاته ينبغي أن يسبح، وأن التسبيح مع قصد الإعلام لا يخلّ بالصلاة، وأن المرأة إذا نابها شيء تصفق ولا ترفع صوتها بالتسبيح، وذكر الأئمة أنه ينبغي أن تضرب ظهور أصابع اليمنى على كف اليسرى وليكن العكس كذلك، وقال بعضهم: تضرب بأصبعين من يمينها على كفها اليسرى، والمقصود أنها لا تصفق بالكفين فإنه يشبه اللعب، ولو صفقت على وجه اللعب بطلت صلاتها، وفيه أنه يجوز المنع من المكروه مع ضرب من اللوم [فإنه] (¬1) قال: "ما لي رأيتكم أكثرتم التصفيق" ويروى التصفيح للنساء بدل التصفيق وهو بمعناه واللفظ مأخوذ من صفحة اليد. وقوله: "فإنه إذا سبح التفت إليه" يبين أن قوله: "فليسبح" أراد فليسبح رافعًا صوته، فإن الالتفات إليه يكون برفع الصوت لا بمطلق التسبيح، ويبين من القصة أنه إذا وقع بين قوم قتال ومنازعة فيستحب إتيانهم لإيقاع الصلح بينهم، وأنه يجوز أن يكون المصلي في بعض صلاته إمامًا وفي بعضها مأمومًا، وأنه يجوز الائتمام في خلال الصلاة فإن أبا بكر ائتم بالنبي - صلى الله عليه وسلم - في أثناء الصلاة، وأنه يجوز أن يأتم من صلى بعض الصلاة بمن يبتديء الصلاة، وأنه يجوز إقامة الصلاة بإمامين. الأصل [202] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان بن عيينة، عن زيد بن أسلم، عن عبد الله بن عمر قال: دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مسجد ¬

_ (¬1) تحرفت في "الأصل".

الشرح

بني عمرو بن عوف فكان يصلي، ودخلت عليه رجال من الأنصار يسلمون عليه، فسألت صهيبًا كيف كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرد عليهم؟ قال: كان يشير إليهم (¬1). الشرح صهيب: هو ابن سنان بن مالك بن عبد عمرو من كبار الصحابة، سبته الروم وهو صغير من الموصل فنسب إليها وهو عربي النسب، أعتقه (1 / ق 86 - ب) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكناه أبا يحيى. وروى عنه: عبد الرحمن بن أبي ليلى وغيره. وتوفي بالمدينة سنة ثمان وثلاثين في خلافة عليّ رضي الله عنهما، ودفن بالبقيع (¬2). وروى الحديث مختصرًا أبو داود (¬3) عن قتيبة عن الليث عن بكير ابن عبد الله بن الأشج عن نابل صاحب العباء عن ابن عمر عن صهيب، ويروى معنى الحديث ومقصوده عن نافع عن ابن عمر عن بلال عن النبي صلى الله عليه وسلم وأيضًا عن زيد بن أسلم عن ابن عمر قال: "قلت لبلال: كيف كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يرد عليهم حين كانوا يسلمون عليه في مسجد بني عمرو ابن عوف؟ قال: كان يرد إشارة" قال أبو عيسى (¬4): وكلا الحديثين عندي صحيح، ويحتمل أن يكون ابن عمر سمع منهما جميعًا وروى تارة عن هذا وأخرى عن هذا، والحديث يدخل في رواية الصحابي عن الصحابي. ¬

_ (¬1) "المسند" ص (49). (¬2) انظر "معرفة الصحابة" (3/ ترجمة 1450)، و"الإصابة" (3/ ترجمة 4108). (¬3) "سنن أبي داود" (925). (¬4) "جامع الترمذي" (368).

الفصل

وفي الباب عن أبي هُرَيْرَةَ، وأنس، وعائشة -رضي الله عنهم-. ومسجد بني عمرو بن عوف هو مسجد قباء وعليهم نزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أولًا حين هاجر إلى المدينة، وكان يأتي مسجدهم ويزورهم. ومن فوائد الحديث: من أتى مسجدًا ينبغي أن يصلي فيه، وأنه لا بأس برد المصلي السلام بالإشارة، ولا يجوز رد السلام لفظًا على وجه المخاطبة، وكان ذلك جائزًا في ابتداء الأمر ثم مُنعوا من الكلام ورد السلام، وذكر أبو سليمان الخطابي وغيره من الأصحاب أنه يسنّ الرد بعد الفراغ من الصلاة، ويحسن الرد في الصلاة بالإشارة، وأطلق مطلقون القول بأنه لا يسن السلام على المصلي، وهو إن كان بهذِه المثابة فلا يكاد يبلغ حد الكراهية؛ لأن سياق الحديث يشعر بأنهم كانوا يسلمون على النبي - صلى الله عليه وسلم - عالمين بأنه في الصلاة، فلو كان السلام على المصلي مكروهًا لأشبه أن يمنعهم منه ويرشدهم إلى خلافه، وروي في كيفية إشارته برد السلام هيئتان: إحداهما في حديث صهيب أنه أشار بإصبعه، والثانية في حديث بلال أنه بسط كفه وجعل ظهرها إلى فوق. الفصل [203] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان بن عيينة، عن عثمان بن أبي سليمان، عن عامر بن عبد الله بن الزبير، عن عمرو بن سليم الزرقي، عن أبي قتادة الأنصاري أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي بالناس وهو حامل أمامة بنت زينب، فإذا سجد وضعها وإذا (1 / ق 87 - أ) قام رفعها (¬1). ¬

_ (¬1) "المسند" ص (49).

الشرح

الشرح قد مر هذا الحديث (¬1) من رواية الشافعي عن مالك عن عامر بن عبد الله بن الزبير، وسبق القول في صحته وفوائده، واحتج به أيضًا على أنه لو حمل متاعًا في كمه أو جعله على عنقه صحت صلاته إذا لم يحتج في إمساكه إلى عمل كثير، وعلى أن لمس المحارم لا ينقض الطهارة؛ لأن مثل هذِه الملامسة لا تخلو من أن يصيب عضو عضوًا، وقد يعترض فيقال: كانت أمامة مع المحرمية صغيرة، فيجوز أن تكون سلامة الطهارة عن الانتقاض لصغرها أو لمجموع الأمرين، والمشهور من لفظ الحديث: "فإذا سجد وضعها" وروى أبو داود في "السنن" (¬2) حتى إذا أراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يركع أخذها فوضعها، ثم ركع وسجد حتى إذا فرغ من سجوده وقام أخذها فردها إلى مكانها. الأصل [204] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن ابن شهاب، عن سالم بن عبد الله، عن أبيه قال: ما سمعت عمر -رضي الله عنه- يقرأها قط إلا "فامضوا إلى ذكر الله" (¬3). الشرح قوله: "ما سمعت عمر يقرأها" يعني آية الجمعة وهي قوله تعالى: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ} (¬4) وظاهر اللفظ أنه (¬5) كان يقرأ "فامضوا إلى ذكر الله" بدل "فاسمعوا إلى ذكر الله" وكذلك كان يقرأ ابن ¬

_ (¬1) مر برقم (75). (¬2) "سنن أبي داود" (920). (¬3) "المسند" ص (50). (¬4) الجمعة: 9. (¬5) حاشية: الضمير في "أنه" راجع إلى عمر -رضي الله عنه-.

الأصل

مسعود، ويروى أنه قال: لو قرأتها (فَاسْعَوا) لسعيت حتى يسقط ردائي (¬1)، ويروى عن ابن الزبير مثل هذِه القراءة، ويتبين بذلك أن المراد المضي وإن قرئت الآية بلفظ السعي، وعن الحسن أنه قال: ليس السعي بالقدم، وإنما السعي إليها بقلبك ونيتك (¬2). وينبغي أن يكون المشي إليها في تؤدة وسكون وكذلك الحكم في سائر الصلوات، قال صلى الله عليه وسلم: "إذا أقيمت الصلاة فأتوها وأنتم تمشون ولا تأتوها وأنتم تسعون، وعليكم السكينة" (¬3). الأصل [205] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا ابن أبي يحيى، عن صالح مولى التوءمة قال: رأيت أبا هُرَيْرَةَ يصلي فوق ظهر المسجد وحده بصلاة الإِمام (¬4). الشرح قوله: "بصلاة الإِمام" يعني في المسجد وكذلك روي في بعض الروايات، والأثر يدل على أن اختلاف البناء في المسجد واختلاف موضع الإِمام والمأموم علوًّا وسفلًا لا يضر ولا يمنع جواز الاقتداء، ويدل أيضًا على أن وقوف المأموم (1 / ق 87 - ب) وحده لا يخلّ بالصلاة. الأصل [206] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن محمَّد بن ¬

_ (¬1) أخرجه الطبري في "تفسيره" (28/ 101). (¬2) لم أجده. والله أعلم. (¬3) رواه مسلم (602/ 151 - 154) من حديث أبي هريرة. (¬4) "المسند" ص (50).

الشرح

عمارة بن عمرو بن حزم، عن محمَّد بن إبراهيم بن الحارث التيمي، عن أم ولد لإبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، عن أم سلمة أن امرأة سألت أم سلمة فقالت: إني امرأة أطيل ذيلي وأمشي في المكان القذر، فقالت أم سلمة: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يطهره ما بعده" (¬1). الشرح محمَّد بن عمارة: هو الحزمي [الأنصاري] (¬2) المديني. روى عن: محمَّد بن إبراهيم بن الحارث، وعن أبي بكر بن محمَّد ابن عمرو بن حزم. روى عنه: مالك، وذكر نسبه (¬3). وإبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، أبو إسحاق الزهري القرشي. روى عنه: الزهري (¬4). والحديث مذكور في "الموطأ" (¬5) وأخرجه أبو داود (¬6) عن القعنبي عن مالك. وقد احتج به على أن التراب يطهر النجاسة، وعضد به ما روي عن أبي هُرَيْرَةَ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا وطيء أحدكم بنعله الأذى فإن التراب له ¬

_ (¬1) "المسند" ص (50). (¬2) في "الأصل": الأنصار. والمثبت من التخريج. (¬3) انظر "التاريخ الكبير" (1/ ترجمة 575)، و"الجرح والتعديل" (8/ ترجمة 204)، و"التهذيب" (26/ ترجمة 5494). (¬4) انظر "التاريخ الكبير" (1/ ترجمة 947)، و"الجرح والتعديل" (2/ ترجمة 328)، و"التهذيب" (2/ ترجمة 203). (¬5) "الموطأ" (1/ 24 رقم 45). (¬6) "سنن أبي داود" (383).

الأصل

طهور" (¬1). وعن أبي سعيد الخدري أن النبي - صلى الله عليه وسلم -قال: "إذا جاء أحدكم إلى المسجد فإن كان بنعليه أذى فليمسحه وليصل فيهما" (¬2). وأخذ جماعة بظاهر هذا الخبر واكتفوا في النعل والخف إذا أصابهما السرقين بالمسح عند باب المسجد، وقال غيرهم: الأذى والقذر يحتملان الشيء المستقذر كما يحتملان النجاسة، وربما أول ذلك على ما إذا مر على النجس اليابس أو جرّته ذيله وعلق به شيء منه فإنه يزول بالمسح ويزيله الجر بالمكان الطاهر، وقد روي عن ابن عباس أنه قال: إن وطئت على قذر رطب فاغسله وإن كان يابسًا فلا (¬3). وقال الخطابي: أم ولد إبراهيم بن عبد الرحمن مجهولة الحال في العدالة فلا حجة في روايتها. الأصل [207] أبنا الربيع، ثنا الشافعي، أبنا مالك بن أنس، عن عامر بن عبد الله بن الزبير، عن عمرو بن سليم الزرقي، عن أبي قتادة الأنصاري أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي وهو حامل أمامة بنت أبي العاص، وهي ابنة بنت ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (385)، وابن حبان (1454)، والحاكم (1/ 272). قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم، وقال النووي في "الخلاصة": رواه أبو داود بإسناد صحيح كما في "نصب الراية" (1/ 207)، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (833). (¬2) رواه أبو داود (650)، وابن حبان (2185)، والحاكم (1/ 391). قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم، ووافقه الذهبي، وصححه الألباني في "الإرواء" (284). (¬3) أخرجه ابن أبي شيبة (1/ 58) من طريق حفص، عن الأعمش، عن يحيى بن وثاب، بنحوه. قال الحافظ في "الفتح" (1/ 509 - 510): وصله ابن أبي شيبة بسند صحيح.

الشرح

رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فإذا سجد وضعها وإذا قام رفعها (¬1). الشرح هذا الحديث قد مر مرتين إحداهما بهذا الإسناد، والثانية برواية الشافعي، عن سفيان، عن عثمان بن أبي سليمان، عن عامر، وليس في إعادته مرة أخرى كثير فائدة (¬2). الأصل [208] أبنا الربيع، ثنا (1 / ق 88 - أ) الشافعي، أبنا سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن جابر بن عبد الله أن معاذًا أمّ قومه في العتمة، فافتتح بسورة البقرة فتنحى رجل من خلفه فصلى، فذكر ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - المعاذ: "أفتان أنت، أفتان أنت، أقرأ بسورة كذا وسورة كذا" (¬3). [209] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، أخبرني أبو الزبير، عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثلها وقال في حديثه: أقرأ. قال سفيان: فذكرت ذلك لعمرو فقال: هو نحو هذا (¬4). الشرح الحديث من الروايتين معاد من بعد ورأيت تأخير الشرح إليه؛ لأنه هناك أتم سياقًا (¬5). وقوله في رواية أبي الزبير: "وقال في حديثه: اقرأ" يعني سورًا ¬

_ (¬1) "المسند" ص (50). (¬2) مر برقم (75، 203). (¬3) "المسند" (50). (¬4) "المسند" (50). (¬5) يأتي برقم (235).

الأصل

سماها هناك وترك ذكرها ها هنا إما اعتمادًا على معرفة السامع أو على ما بينه في سائر المواضع، أو أراد أن يثبته فلم يتفق وبقي مهملًا. الأصل [210] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك بن أنس، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هُرَيْرَةَ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا كان أحدكم يصلي للناس فليخفف، فإن فيهم السقيم والضعيف، فإذا كان يصلي لنفسه فليصل ما شاء" (¬1). الشرح هذا حديث صحيح مثبت في "الموطأ" (¬2) ورواه البخاري (¬3) عن عبد الله بن يوسف عن مالك، ومسلم (¬4) عن قتيبة عن المغيرة بن عبد الرحمن عن أبي الزناد. ومقصوده أن المستحب للإمام أن يخفّف الصلاة فلا يطول القيام بالقراءة ولا الركوع والسجود بالتسبيح ولا التشهد بالدعاء؛ لئلا ينقطع الناس عن حاجاتهم ولا يتنفروا، وصحيح عن أنس أنه قال: ما رأيت أحدًا أتمّ صلاة من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا أوجز (¬5) وعن أبي مسعود أن رجلًا قال: والله يا رسول الله إني لأتأخر عن صلاة الغداة من أجل فلان مما يطيل بنا، فما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في موعظة أشد غضبًا منه يومئذ، ثم قال: "إن منكم منفرين فأيكم يصلي بالناس فليتجوز، فإن فيهم الضعيف ¬

_ (¬1) "المسند" ص (50). (¬2) "الموطأ" (1/ 134 رقم 301). (¬3) "صحيح البخاري" (703). (¬4) "صحيح مسلم" (467/ 183). (¬5) رواه مسلم (469/ 188 - 190).

الأصل

والكبير وذا الحاجة" (¬1) فإن كان القوم محصورين ورضوا بالتطويل فلا بأس. وقوله: "فليصل ما شاء" أي ليدم الصلاة وليطوّل، وفي أكثر الروايات: "فليطول ما شاء". الأصل [211] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مسلم بن خالد، عن ابن (1 / ق 88 - ب) جريج، عن عطاء قال: سمعت الأئمة وذكر ابن الزبير ومن بعده يقولون: آمين، ويقول من خلفه: آمن، حتى إن للمسجد للجّة (¬2). الشرح هذا الأثر يدل على ما قدمنا أن ظاهر المذهب أن المأموم يجهر بالتأمين مع تأمين الإِمام في الصلاة الجهرية. وقوله: "كنت أسمع الأئمة" (¬3) يجوز أن يريد به المستعدين للإمامة العظمى وهو الأظهر، ويجوز أن يريد المقتدى بهم في العلم والفتيا. واللجّة: ضجة الناس وأصواتهم، يقال: التجت الأصوات أي: اختلطت، والتجّ البحر التجاجًا: تحرك واضطربت أمواجه، والسياق يشعر بأنه وجد ذلك مشهورًا مستمرًا بين الناس، وعن عكرمة أنه قال: "أدركت هذا المسجد ولهم ضجة بآمين" (¬4). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (702). (¬2) "المسند" ص (51). والأثر علقه البخاري (باب جهر الإِمام بالتأمين)، ووصله عبد الرزاق (2643). (¬3) هو كذلك في "المسند" ولكن سبق في الأثر: "سمعت الأئمة". (¬4) ذكره ابن حزم في "المحلى" (3/ 264).

الأصل

الأصل [212] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي، عن أيوب بن أبي تميمة السختياني، عن نافع مولى ابن عمر قال: كان ابن عمر يقرأ في السفر -أحسبه قال: في العتمة- (إِذَا زُلْزِلَتِ) فقرأ بأم القرآن، فلما أتى عليها قال: بسم الله الرحمن الرحيم، بسم الله الرحمن الرحيم، بسم الله الرحمن الرحيم، قال: فقلت: (إِذَا زُلْزِلَتِ) فقال: (إِذَا زُلزِلَتِ) (¬1). الشرح يستحب الفتح على الإِمام إذا ارتُجّ عليه أو تتعتع في قراءته، وفي الأثر تسمية صلاة العشاء عتمة، وأنه اعتاد قراءة سورة في صلاته والمستحب يقرأ في العشاء أوساط المفصل، و (وإِذَا زُلْزِلَتِ) من القصار، ولكن السفر مظنة التخفيفات فيجوز أن تقصر بسببه القراءة كما تقصر الصلاة، وفيه أنه ابتدأ قراءة السورة بالتسمية، وأن قراءة القرآن مع قصد التفهيم لا تضر، فإن نافعًا قصد بقوله: (إِذَا زُلْزِلَتِ) التفهيم والتذكير. وهذا آخر الجزء ويتلوه فيما يليه: ومن كتاب الإمامة: أبنا الربيع، أبنا الشافعي. الحمد لله حق حمده. ¬

_ (¬1) "المسند" ص (51).

الحسين، عبيد الله بن مقسم، إسماعيل بن أبي [حكيم] (¬1) أسامة بن زيد الليثي، عبد الله بن يزيد، عبد المجيد سبط ابن عوف، صالح بن إبراهيم، حميد بن عبد الرحمن بن عوف، مليكة جدة أنس، مخرمة بن سليمان، مالك بن مغول، عون بن أبي جحيفة، أبوه، إبراهيم بن يزيد النخعي، همام بن الحارث، حذيفة بن اليمان، (يزيد بن عبد الله بن أبي نمير) (¬2)، -رضي الله عنهم-. ¬

_ (¬1) في "الأصل": حكم. خطأ. (¬2) لم أجد راوي في "المسند" ولا غيره هكذا، فلعله تحريف من شريك بن عبد الله بن أبي نمر والله أعلم.

كتاب الإمامة

(1 / ق 90 - أ) بسم الله الرحمن الرحيم الأصل من كتاب الإمامة [213] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن أبي الزِّنَادِ، عن الأعرج، عن أبي هُرَيْرَةَ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِحَطَبٍ فَيُحْتطَبَ ثُمَّ آمُرَ بِالصَّلاَةِ فَيُؤَذَّنَ بها، ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا فَيَؤُمَّ النَّاسَ، ثُمَّ أَخَالِفَ إِلَى رِجَالٍ فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ فوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ يَعْلَمُ أَحَدُهُمْ أَنَّهُ يَجِدُ عَظْمًا سَمِينًا أَوْ مَرْمَاتَيْنِ (¬1) حَسْنَتَيْنِ لَشَهِدَ العِشَاءَ" (¬2). [214] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن عبد الرحمن بن حرملة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "بيننا وبين المنافقينَ شهود العِشاء والصُّبح، لا يستطيعونهما" أو نحو هذا (¬3). الشرح حديث أبي هُرَيْرَةَ صحيح أخرجه البخاري (¬4) عن عبد الله بن يوسف عن مالك، ومسلم (¬5) عن عمرو الناقد عن ابن عيينة عن أبي الزناد، وأخرجاه (¬6) من حديث أبي صالح عن أبي هُرَيْرَةَ مع زيادة في أوله وهي "إنَّ أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوًا" وهذِه الزيادة قريبة المعنى مما ¬

_ (¬1) ضبطت في الأصل بفتح الميم الأولى وكسرها وكتب فوقها معًا. (¬2) "المسند" ص (52). (¬3) "المسند" ص (52). (¬4) "صحيح البخاري" (644). (¬5) "صحيح مسلم" (651/ 251). (¬6) رواه البخاري (657)، ومسلم (651/ 252).

رواه الشافعي آخرًا من رواية عبد الرحمن بن حرملة مرسلًا، وفي الباب عن ابن مسعود، وابن عباس، وجابر، وأبي الدرداء. وقوله: "من كتاب الإمامة "بترجمة الشافعي في "الأم" والمراد كتاب الصلاة بالجماعة، ومن هذا الموضع عاد أبو العباس إلى ترتيب "الأم". وقوله: "ثم أخالف إلى رجال فأحرق عليهم بيوتهم" يعني إلى رجال يتخلفون عن الجماعة، لكن اللفظ لا يقتضي كون الإحراق للتخلف؛ لأن لفظ الرجال منكر فيحتمل أنه أراد طائفة مخصوصين من صفتهم أنهم يتخلفون، فأما مطلق التخلف فإنه لا يقتضي الزجر بالإحراق، أما إذا لم نجعل الإقامة بالجماعة فرضًا على الكفاية فظاهر، وأما إذا جعلناها فرضًا على الكفاية فلأنه إذا قام بها بعض الناس يسقط الفرض عن الباقين، ويوضحه أن الشافعي قال في "الأم" (¬1) بعد رواية الحديث: فيشبه أن يكون ما قاله من همّه بالإحراق إنما قاله في دوم تخلفوا عن صلاة العشاء لنفاق والله أعلم. وفيه أنه يجوز لغير النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يُؤمَّ بحضوره إذا أمره به؛ لأنه قال: "فآمر رجلًا فيؤم الناس". وقوله: "عظمًا سمينًا" وفي بعض الروايات: "عرقًا (1 / ق 90 - ب) سمينًا" وهو العظم بما عليه من اللحم، والمرماة فسرها أبو عبيد بما بين ظلفي الشاة من اللحم، وقيل: المرماتان: قطعتا لحم، وقيل: المرماة: السهم الذي يرمى به، والمرماتان: سهمان يحرز الرجل بهما سبقه، والميم الأولى من المرماة تفتح وتكسر، وذكر أنها إذا فسرت بالسهم ¬

_ (¬1) "الأم" (1/ 154).

الأصل

فليس فيها إلا الكسر، وأن ميمها إذا فسرت بما بين الظلف أصلية. وقوله: "حسنتين" أي جيدتين، وقيل: الحسن: العظم في المرفق مما يلي البطن، والقبيح: عظم المرفق مما يلي الكتف وهما عاريان عن اللحم ليس عليهما إلا دسم قليل، ومقصود الكلام التوبيخ ومعناه أن أحدهم لو علم أنه يجد عظمًا قليل المنفعة لتسارع إليه فكيف يتكاسل عن الصلاة على عظم فائدتها، وأن أحدهم يسعى في إحراز سبق الدنيا فكيف يرضى لإهمال سبق الآخرة، وتخصيص العشاء في قوله: "لشهد العشاء" إشارة إلى أنه يسعى إلى الشيء الحقير في ظلمة الليل وهيبته فيكيف يرغب عن الصلاة، وفي بعض الروايات أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خصّص ذلك بصلاة العشاء فقال: آمر بصلاة العشاء فيؤذن لها ... إلا آخره واحتج بذلك على فضيلة هذِه الصلاة. وقوله في رواية ابن حرملة: "بيننا وبين المنافقين شهود العشاء والصبح" يعني الآية والعلامة، فإنهم لا يشهدون امتثالًا للأمر ولا احتسابًا للأجر ويثقل عليهم الحضور في وقتهما فيتخلفون. الأصل [215] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن نافع، عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "صلاة الجماعة تفضل على صلاة الفذّ بسبع وعشرين درجة" (¬1). [216] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هُرَيْرَةَ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال: "صلاة الجماعة أفضل من صلاة أحدكم وحده بخمسة وعشرين جزءًا" (¬2). ¬

_ (¬1) "المسند" ص (52). (¬2) "المسند" ص (52).

الشرح

الشرح الحديثان صحيحان: والأول رواه البخاري (¬1) عن عبد الله بن يوسف، ومسلم (¬2) عن يحيى بن يحيى عن مالك، والثاني رواه معن ويحيى بن يحيى والأكثرون عن مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هُرَيْرَةَ (¬3) لا عن أبي الزناد عن الأعرج، وكذلك رواه المزني وحرملة والحسن بن محمَّد الزعفراني عن الشافعي عن مالك، فمن أئمة الحديث من قال (¬4): هذا هو (1 / ق 91 - ب) الصواب والربيع غالط، وقال آخرون روايته صحيحة أيضًا، وقد روي كما رواه: إسحاق بن إبراهيم الحنظلي عن روح بن عبادة عن مالك، وحديث أبي هُرَيْرَةَ رواه عنه أبو سلمة بن عبد الرحمن وأبو صالح أيضًا، وفي الباب عن ابن مسعود، وأبي سعيد، وأبيّ، ومعاذ، وأنس بن مالك، قال أبو عيسى الترمذي (¬5): وعامّة من روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكروا الخمسة وعشرين. والفذُّ: الفرد، وصلاة الفذ: صلاة الرجل وحده، واختلفت الروايات في العدد الذي تفضل به صلاة الجماعة صلاة الرجل وحده، فالروايتان كما ترى، وعن أبي صالح عن أبي هُرَيْرَةَ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "تزيد صلاة الرجل في جماعة على صلاته في سوقه وبيته بضعًا وعشرين درجة" (¬6). ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (645). (¬2) "صحيح مسلم" (650/ 249). (¬3) ومن طريق ابن شهاب أخرجه البخاري (648)، ومسلم (650/ 249). (¬4) راجع "بيان خطأ من أخطأ على الشافعي" (1/ 171 - 175). (¬5) "جامع الترمذي" (215). (¬6) أخرجه البخاري (2119).

الأصل

وعن القاسم بن محمَّد عن عائشة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "تفضل صلاة الجماعة على صلاة الفذّ أربعًا وعشرين درجة". وعن شعيب بن الحبحاب عن أنس قال: فضل الصلوات في الجمع على الواحد بعشرين ومائة -أراه قال: درجة، فلقد رأيته يقول: أربعًا وعشرين، وأربعًا وعشرين حتى عدّ خمس. وكيف يجمع بين الروايات؟ ذكروا فيه وجوهًا: منها أن الله تعالى يعطي ما شاء من شاء فيزيد ويُنقص كما يبسط الرزق ويقدر. ومنها أن الأجر يتفاوت بالتفاوت في رعاية الأدب والخشوع. ومنها أن التفاوت يقع بحسب قلة الجماعة وكثرتها أو بتفاوت حال الإِمام أو فضيلة المسجد. الأصل [217] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن نافع، عن ابن عمر أنه أذن في ليلة ذات برد وريح فقال: ألا صلوا في الرحال، ثم قال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يأمر المؤذن إذا كانت ليلة باردة ذات مطر يقول: "ألا صلوا في الرحال" (¬1). [218] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا ابن عيينة، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يأمر مناديه في الليلة المطيرة والليلة الباردة ذات الريح: "ألا صلوا في رحالكم" (¬2). ¬

_ (¬1) "المسند" ص (53). (¬2) "المسند" ص (53).

الشرح

الشرح الحديث من الرواية الأولى سبق حكايته في "المسند" (¬1) على ضرب من الاختصار وبينا هناك أنه بالتمام المسيوف (¬2) ها هنا مدون في "الموطأ" (¬3) و"الصحيحين" (¬4)، والرواية الثانية صحيحة أيضًا. والمقصود أن الجماعة (1 / ق 91 - ب) في المكتوبات لا رخصة في تركها إلا بعذر على ما روي عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من سمع النداء فلم يجب فلا صلاة له إلا من عذر" (¬5) وفي هذا الحديث بيان أن المطر من الأعذار، ولا فرق فيه بين الليل والنهار وإن جرى في الخبر ذكر الليلة، وقد يحتج له بما روي عن جابر قال: كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في سفر فأصابنا مطر فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من شاء فليصل في رحله" (¬6). ومن الأعذار: الريح العاصفة وخصص انتصابها عذرًا بالليالي؛ لأن الوحشة والضرر من الريح بالليالي أكثر، وقضية الخبر أن يكون البرد من غير مطر وريح عذرًا لما حكينا في الفصل المشار إليه عن رواية عبد الله بن عمر ولفظه في "صحيح البخاري" عن نافع قال: أذن ابن عمر بضجنان -وهو جبيل على بريد من مكة- ثم قال: صلوا في رحالكم، وأخبرنا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان يأمر مؤذنًا يؤذن ثم يقول على ¬

_ (¬1) مر برقم (128). (¬2) كذا في "الأصل". (¬3) "الموطأ" (1/ 73 رقم 157). (¬4) "صحيح البخاري" (666)، و"صحيح مسلم" (697/ 22). (¬5) رواه ابن ماجه (793)، وابن حبان (2064)، والحاكم (1/ 373). قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين، وصححه الألباني في "الإرواء" (551). (¬6) رواه مسلم (698/ 25).

الأصل

أثره: "ألا صلوا في الرحال في الليلة الباردة أو المطيرة في السفر" (¬1) والأمر على هذه القضية يشترط أن يشتدّ البرد، ولا فرق بين الليل والنهار؛ لما في رواية محمَّد بن إسحاق عن نافع عن ابن عمر قال: نادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك في الليلة المطيرة والغداة القرَّة (¬2). الأصل [219] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن هشام -يعني- بن عروة (عن أبيه) (¬3) عن عبد الله بن الأرقم أنه كان يؤمُّ أصحابه يومًا فذهب لحاجته ثم رجع، فقال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إذا وجد أحدكم الغائط فليبدأ به قبل الصلاة" (¬4). [220] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا الثقة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عبد الله بن الأرقم أنه خرج إلى مكة فصحبه قوم فكان يؤمّهم، فأقام الصلاة وقدّم رجلًا وقال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا أقيمت الصلاة ووجد أحدكم الغائط فليبدأ بالغائط" (¬5). الشرح عبد الله: هو ابن أرقم بن عبد يغوث بن وهب بن عبد مناف بن زهرة الزهري القرشي، كان على بيت المال زمن عمر -رضي الله عنه- وربما كتب له، توفي في خلافة عثمان -رضي الله عنه- (¬6). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (632). (¬2) رواه أبو داود (1064)، والبيهقي (3/ 71). (¬3) تكررت في "الأصل". (¬4) "المسند" ص (53). (¬5) "المسند" ص (53). (¬6) انظر "معرفة الصحابة" (3/ ترجمة 1562)، و"الإصابة" (4/ ترجمة 4528).

والحديث ثابت (¬1): رواه عن هشام كما رواه مالك: السفيانان، وشعبة، وأيوب بن موسى، وأبو أسامة، ويشبه أن يريد من الثقة في الإسناد الثاني أبا أسامة (1 / ق 92 - أ) إن لم يرد ابن عيينة، ورواه عنه آخرون منهم: وهيب قالوا: عن هشام عن أبيه عن رجل عن عبد الله بن الأرقم (¬2). وقوله: "كان يؤم أصحابه يومًا فذهب لحاجته" يعني أنه كان يؤم القوم في الصلوات فترك الإمامة ذات يوم وذهب لحاجته ثم رجع، وهذا يعرف بالتأمل في الرواية الثانية. وقوله: "خرج إلى مكة" يعني من المدينة حاجًّا، وكان يؤمُّ من في صحبته، فأمر يومًا بإقامة الصلاة وقدّم رجلًا وبيّن عذره في التخلف فروى الحديث. وقوله: "إذا وجد أحدكم الغائط" يعني الحاجة إليه أو ما أشبهه ومقصود الحديث أنه يجوز ترك الجماعة لقضاء الحاجة بل يكره إقامة الصلاة مع مدافعة الأخبثين، روي عن عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يصلين أحدكم وهو يدافع الأخبثين" (¬3) فإن ضاق الوقت وكانت الصلاة تفوت لو فرَّغ نفسه أولًا؛ فأظهر الوجهين أنه يصلي، والقصة تدل على أن عبد الله كان أفضل القوم المصطحبين بأن الإمامة تفوّض إلى ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (88)، والترمذي (142)، والنسائي (2/ 110)، وابن ماجه (616)، وابن خزيمة (932)، والحاكم (1/ 373). قال الترمذي: حسن صحيح. وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (373). (¬2) ورجح البخاري هذِه الرواية كما في "العلل" للترمذي (81). (¬3) رواه مسلم (560/ 67).

الأصل

الأفضل، وفيهما أنه قدّم غيره للصلاة ولم يحوجهم إلى التأخير لينالوا فضيلة التعجيل. الأصل [221] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن ابن شهاب، عن محمود بن ربيع؛ أن عتبان بن مالك كان يؤمّ قومه وهو أعمى، وأنه [قال] (¬1) لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إنها تكون الظلمة والمطر والسيل وأنا رجل ضرير البصر، فصل يا رسول الله في بيتي مكانًا أتخذه مصلى، فجاءه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "أين تحب أن تصلي"؟ فأشار إلى مكان من البيت، فصلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم (¬2). [222] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا إبراهيم بن سعد، عن ابن شهاب، عن محمود بن الربيع أن عتبان بن مالك كان يؤم قومه وهو أعمى (¬3). الشرح عتبان: هو ابن مالك بن عمرو بن العجلان الأنصاري أحد بني سالم، كان يؤم قومه على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وشهد معه بدرًا وساء بصره بعد ذلك. روى عنه: محمود بن الربيع، وأنس بن مالك. توفي وسط خلافة معاوية (¬4). ¬

_ (¬1) في "الأصل": يقال. والمثبت من "المسند". (¬2) "المسند" ص (53). (¬3) "المسند" ص (53). (¬4) انظر "معرفة الصحابة" (4/ ترجمة 2333)، و"الإصابة" (4/ ترجمة 5400).

والحديث صحيح: أخرجه البخاري (¬1) عن إسماعيل عن مالك، ومسلم (¬2) من طرق. وفيه أن الأعمى يؤمّ، بل للأصحاب وجه أنه أولى من البصير؛ لأنه أخشع وأجمع همًّا. وقوله: "إنها تكون الظلمة والمطر والسيل" يعني أن هذِه الحوادث تحدث (1 / ق 92 - ب) وأنا رجل ضرير يشقّ علي الخروج، ولفظ الخبر "ضرير البصر" والاستعمال من غير لفظ البصر أشهر، يقال: رجل ضرير بيّن الضرارة، أي: ذاهب البصر، وسأل النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يصلي في بيته ليتّخذ مكان صلاته مصلّى له ويقيم فيه المكتوبة إذا منعته الحوادث المذكورة عن الخروج إلى الجماعة، ثم السابق إلى الفهم أنه أراد أنها تمنعه من الحضور عند النبي - صلى الله عليه وسلم - والصلاة معه، لكن في "صحيح مسلم" أنه قال: يا رسول الله إني أنكرت بصري وأنا أصلي لقومي، وإذا كانت الأمطار سأل الوادي الذي بيني وبينهم ولم أستطع أن آتي مسجدهم فأصلي لهم. وفي إحالة التخلف على المطر والسيل إشارة إلى أن الأعمى لا يرخص لعماه في ترك الجماعة، ولذلك أورد البخاري الحديث في "باب الرخصة بالمطر" ثم إن النبي - صلى الله عليه وسلم - من حسن خلقه وكرم شيمه أجاب عتبان إلى ما سأل فأتى بيته وسأله عن المكان الذي يحبّ أن يصلي فيه وصلى في مكان الذي عيّنه، وفي "صحيح مسلم" أنه صلى فيه ركعتين، وأن أبا بكر -رضي الله عنه- كان مع النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأنه مع عتبان صليا ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (667). (¬2) "صحيح مسلم" (33/ 263 - 265).

الأصل

بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم، وفي بعض نسخ "مسلم" إيراد الحديث في باب مترجم بما روي في صلاة التطوع بالجماعة لذلك. وفيه أنه يحسن أن يتخذ الإنسان في بيته موضعًا للصلاة، وأنه يحسن التبرك بموضع صلاة الأكابر، وأما رواية إبراهيم بن سعد فإنه ابتدأ بما ابتدأت به الرواية الأولى ثم قطعه فيحتمل أنه روى الحديث بتمامه ولكن الشافعي تركه اكتفاءً بالرواية الأولى، ويحتمل أنه روى القدر المذكور لا غير. الأصل [223] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا ابن عيينة، عن عمّار الدهني، عن امرأة من قومه يقال لها حجيرة، عن أم سلمة أنها أمتهن فقامت وسطًا (¬1). الشرح عمار: هو ابن معاوية، ويقال: ابن أبي معاوية، أبو معاوية الدهني البجلي الكوفي، ودهن قبيلة من بجيلة. سمع: أبا الطفيل، وأبا الزبير، وسعيد بن جبير. وروى عنه: الثوري، وابن عيينة، وشريك (¬2). وحجيرة امرأة من قوم عمار هذا. روت عن أم سلمة (¬3). ¬

_ (¬1) "المسند" ص (53). والأثر رواه عبد الرزاق (5082). وقال النووي: سنده صحيح، كما في "نصب الراية" (2/ 31). (¬2) انظر "التاريخ الكبير" (7/ ترجمة 120)، و"الجرح والتعديل" (6/ ترجمة 2175)، و""التهذيب" (21/ ترجمة 4171). (¬3) انظر "الطبقات الكبرى" (8/ 484).

الأصل

وفي الأثر أن المرأة تؤم، ويروى عن أمّ ورقة أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها (1 / ق 93 - أ) أو أذن لها أن تؤمّ أهل دارها (¬1) وكانت قد قرأت القرآن على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأنه لا يكره للنساء الخلّص أن يصلين جماعة، بل يستحب لكن الاستحباب في الرجال آكد، وأن التي تؤم النساء تقف وسطهن، ويروى عن عائشة أنها صلت بنسوة العصر فقامت وسطهن (¬2). الأصل [224] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا عبد المجيد بن عبد العزيز، عن ابن جريج، قال: أخبرني عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة أنهم كانوا يأتون عائشة أمّ المؤمنين بأعلى الوادي هو وعبيد بن عمير والمسور بن مخرمة وناس كثير، فيؤمهم أبو عمرو مولى عائشة وأبو عمرو غلامها حينئذ لم يعتق، قال: وكان إمام بني محمَّد بن أبي بكر وعروة (¬3). الشرح المسور: هو ابن مخرمة بن نوفل بن وهيب (¬4) بن عبد مناف بن زهرة القرشي، أبو عبد الرحمن ابن أخت عبد الرحمن بن عوف. سمع: النبي - صلى الله عليه وسلم -، وعمر بن الخطاب، والمغيرة بن شعبة، ومحمد ابن مسلمة. ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (592)، وابن الجارود (169)، وابن خزيمة (1676)، والحاكم (1/ 320) وأعله الحافظ في "التلخيص الحبير" (556)، والمنذري وغيره". (¬2) رواه عبد الرزاق (5086). (¬3) "المسند" ص (54). والأثر رواه عبد الرزاق (3824)، وابن أبي شيبة (2/ 31). (¬4) كذا في "الأصل" وفي التخريج وغيره: أهيب.

الأصل

وروى عنه: عروة بن الزبير، وابن أبي مليكة، وأبو أمامة بن سهل. مات بمكة سنة أربع وستين وولد بعد الهجرة لسنتين، وتوفي النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثمان سنين (¬1). وأبو عمرو مولى عائشة اسمه ذكوان، وكان يخدمها، وعن ابن أبي مليكة أنه أحسن الثناء عليه (¬2). ومحمد: هو ابن أبي بكر الصديق ولد عام حجة الوداع، وقيل: حضر في زمن عليّ. روى عنه: ابنه القاسم (¬3). وأورد الشافعي الأثر في "الأمّ" (¬4) لبيان أن إمامة العبد جائزة، وإن كان الاختيار أن يقدم الحرّ، ويروى أن أبا ذر كان يأتم بعبد يؤمهم بالربذة، ويقول: أوصاني خليلي بأن أسمع وأطيع (¬5). وقوله: "وأبو عمرو غلامها حينئذ لم يعتق" يشير إلى أنه عتق بعد ذلك، ويقال: إن عائشة كانت أعتقته عن دبر منها. الأصل [225] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا عبد المجيد، عن ابن جريج ¬

_ (¬1) انظر "معرفة الصحابة" (5/ ترجمة 2718)، و"الإصابة" (6/ ترجمة 7999). (¬2) انظر "التاريخ الكبير" (3/ ترجمة 896)، و"الجرح والتعديل" (3/ ترجمة 2040)، و"التهذيب" (8/ ترجمة 1815). (¬3) انظر "التاريح الكبير" (1/ ترجمة 369)، و"الجرح والتعديل" (7/ ترجمة 1632)، و"التهذيب" (24/ ترجمة 5097). (¬4) "الأم" (1/ 165). (¬5) أما ائتمامه - رضي الله عنه - فرواه ابن أبي شيبة (2/ 31) إمامة العبد، وأما الجزء الثاني من وصيته - صلى الله عليه وسلم - فرواه مسلم (648/ 240).

الشرح

قال: أخبرني عطاء، قال: سمعت عبيد بن عمير يقول: اجتمعت جماعة فيما حول مكة، قال: حسبت أنه قال: في أعلى الوادي ها هنا في الحج، قال: فحانت الصلاة فتقدّم رجل من آل أبي السائب أعجمي اللسان، قال: فأخّره المسور بن مخرمة وقدّم غيره، فبلغ عمر بن (1 / ق 93 - ب) الخطاب -رضي الله عنه- فلم يعرفه بشيء حتى جاء المدينة، فلما جاء المدينة عرّفه بذلك، فقال المسور: أنظرني يا أمير المؤمنين إن الرجل كان أعجمي اللسان وكان في الحج، فخشيت أن يسمع بعض الحاج قراءته فيأخذ بعجمته، فقال: هنالك ذهبت بها؟ فقال: نعم. فقال: أصبت (¬1). الشرح قوله: "سمعت عبيد بن عمير يقول: اجتمعت جماعة ... إلى آخره" كأنه تحقق أنه قال: اجتمعت جماعة فيما حول مكة وظنَّ أنه عيّن أعلى الوادي، فروى ما تحققه على الجزم، وما ظنّه على الحسبان. وقوله: "ها هنا وفي الحج" يشبه أنه أشار بقوله: "ها هنا" إلى أعلى الوادي وأراد بقوله: "وفي الحج" أن اجتماعهم كان في أيام الحج، وفي بعض النسخ ها هنا في الحج بلا واو. وقوله: "فتقدّم رجل من آل أبي السائب" يمكن أن يريد به أبا السائب مولى هشام بن زهرة، وكان من جلساء أبي هُرَيْرَةَ فروى عنه الحديث. ¬

_ (¬1) "المسند" ص (54). والأثر رواه عبد الرزاق (3852)، والبيهقي (3/ 89).

الأصل

والأعجمي: الذي لا يفصح بالعربيّة ولا يجيد التكلم بها عجميًّا كان أو غيره؛ سمي به لعجمة لسانه والتباس كلامه، ويقال: استعجم الأمر: إذا اشتبه وأشكل، وجمع الأعجم: أعجمون، وينسب إلى الأعجم فيقال: لسان أعجمي، والأعجم كالأعجمي فيما ذكر جماعة، وفي "الصحاح" للجوهري: ولا يقل أعجمي فينسبه إلى نفسه إلا أن يكون ذلك كقعسر وقعسري للجمل الضخم (¬1). وقوله: "ولم يعرفه بشيء" أي لم يخاطبه ولم يظهر بلوغ الحال إليه حتى أتى المدينة. وقوله: "هنالك ذهبت بها؟ " كأنه يقول: لذلك ذهبت إلى فعلتك التي فعلت. والمقصود أنه يستحب أن يكون الإِمام فصيحًا قويم اللسان ليؤمن تغييره ولحنه، فإنه إذا غيّر فقد يسمعه الجاهل ويظنّه صحيحًا؛ لأنه سمعه ممن قدم للإمامة، ومنه أن يجوز تغيير غير الأَوْلى والحمل على الأولى، كما يجوز تغيير المنكر والحمل على المعروف وأن الأئمة كانوا يتفحصون عما يفعله الناس ليقيموا الأَوَدَ (¬2) ويصلحوا الفاسد، وكانوا يتوخون الصلاح والإصلاح ويعالجون على ما يقتضيه الحال من تعجيل وتأنٍّ كما فعل عمر -رضي الله عنه- في انتظار المسور إلى إتيانه المدينة. الأصل [226] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن أبي حازم بن دينار عن سهل بن سعد؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذهب (1 / ق 94 - أ) إلى بني عمرو بن ¬

_ (¬1) "الصحاح" مادة: عجم. (¬2) أَوَدَ الشيء: أعوج. "مختار الصحاح" (مادة: أود).

الشرح

عوف [ليصلح] (¬1) بينهم وحانت الصلاة، فجاء المؤذن إلى أبي بكر فقال: أتصلي للناس فأقيم؟ فقال: نعم، فصلى أبو بكر، فجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والناس في الصلاة فتخلص حتى وقف في الصف، فصفق الناس، قال: وكان أبو بكر لا يلتفت في صلاته، فلمّا أكثر الناس التصفيق التفت فرأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن امكث مكانك، فرفع أبو بكر يديه فحمد الله على ما أمره به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من ذلك، ثم استأخر أبو بكر وتقدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رسول بالناس، فلما انصرف قال: "يا أبا بكر ما منعك أن تثبت إذ أمرتك؟ " فقال أبو بكر: ما كان لابن أبي قحافة أن يصلي بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما لي رأيتكم أكثرتم التصفيق، فمن نابه شيء في صلاته فليسبح فإنه إذا سبّح التفت إليه، وإنما التصفيق للنساء". قال أبو العباس: أخرجت هذا الحديث في هذا الموضع وهو معاد إلا أنه مختلف اللفظ وفيه زيادة ونقصان (¬2). الشرح قد سبق (¬3) هذا الحديث وحكينا في شرحه أن أبا داود السجستاني روى في "سننه" أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان قد قال لبلال وقت ذهابه إلى بني عمرو ابن عوف: "إن حضرت الصلاة ولم آتك فمر أبا بكر فليصل بالناس" وروى الشافعي -رضي الله عنه- الحديث في "الأم" في باب ترجمه "بباب الصلاة بغير أمر الوالي" وقال بعد الرواية (¬4): ويجزيء أن يتقدم رجل بغير أمر ¬

_ (¬1) في "الأصل": ليصل. والمثبت من "المسند" وقد سبق الحديث. (¬2) "المسند" ص (55). (¬3) مر برقم (200). (¬4) "الأم" (1/ 156).

الأصل

الوالي الذي يلي الصلاة إن لم يكن لأهل البلد والٍ، وكذا إن كان الوالي شغل أو مرض أو أبطأ عن الصلاة، قد ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بني عمرو بن عوف، فجاء المؤذن إلى أبي بكر فتقدم للصلاة، قال (¬1): وأحبّ إن كان الإِمام قريبًا أن يستأمر، وأحب للإمام أن يوكل من يصلي بالناس إذا أبطأ هو عن الناس، فحصل خلاف في أن ما جرى كان بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أم لا كما ترى. الأصل [227] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا إبراهيم بن محمَّد، أبنا معن بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود، عن القاسم بن عبد الرحمن، عن ابن مسعود (1 / ق 94 - ب) قال: من السنّة أن لا يؤمهم إلا صاحب البيت (¬2). الشرح معن: سبط عبد الله بن مسعود صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم الهذلي الكوفي. سمع: أباه، وجعفر بن عمرو بن حريث المخزومي، وغيرهما. وروى عنه: مسعر (¬3). والقاسم بن عبد الرحمن أخو معن. روى عن: جابر بن سمرة، وأبيه. وروى عنه: الأعمش، ¬

_ (¬1) "الأم" (1/ 156). (¬2) "المسند" ص (55). قال ابن حجر في "التلخيص" (580): فيه ضعف وانقطاع، وله شاهد رواه الطبراني من طريق إبراهيم النخعي قال أتى عبد الله أبا موسى ... فذكره، ثم قال: رجاله ثقات. (¬3) انظر "التاريخ الكبير" (7/ ترجمة 1701)، و"الجرح والتعديل" و (8/ ترجمة 1270)، و"التهذيب" (28/ ترجمة 6114).

الأصل

ومسعر (¬1). وقول الصحابي: "من السنة" محمول عند أهل العلم على سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والمقصود أنه إذا حضر جماعة في بيت إنسان فحانت الصلاة فالمستحب أن يتقدم ربّ البيت للصلاة، وإن اختص غيره بالصفات المقدمة فإن أذن صاحب البيت لغيره ففيه اختلاف للعلماء، والأظهر أنه لا بأس بأن يتقدم، وهذا كله إذا لم يحضر الوالي هناك، فإن حضر فهو أولى بالصلاة. الأصل [228] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا عبد الوهاب الثقفي، عن أيوب، عن أبي قلابة قال: ثنا أبو سليمان مالك بن الحويرث قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "صلوا كما رأيتموني أصلي، فإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم وليؤمّكم أكبركم" (¬2). الشرح هذا حديث صحيح: أخرجه البخاري (¬3) عن سليمان بن حرب عن حماد بن زيد عن أيوب، ومسلم (¬4) عن محمَّد بن المثنى عن عبد الوهاب، وقد صحَّ عن أبي مسعود الأنصاري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يؤم القوم أقرأهم لكتاب الله تعالى، فإن كانت القراءة واحدة فأعلمهم ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (7/ ترجمة 710)، و"الجرح والتعديل" (7/ ترجمة 647)، و"التهذيب" (23/ ترجمة 4799). (¬2) "المسند" ص (55). (¬3) "صحيح البخاري" (685). (¬4) "صحيح مسلم" (674/ 292، 293) عن ابن أبي عمرو وإسحاق بن إبراهيم الحنظلي، عن عبد الوهاب، ولم أجد رواية محمَّد بن المثنى عنه، ولم يعزها له المزي (رقم 11182) وعزاها للبخاري فقط، والله أعلم.

بالسنّة، فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سنًّا، ولا يؤمن رجل رجلًا في بيته ولا يجلس على تكرمته إلا بإذنه" (¬1) وحمل الشافعي في "الأم" حديث مالك بن الحويرث على ما إذا استويا في الفقه والقراءة، وقال: كان الذين أخبر عنهم مالك مشتبهي الحال في القراءة والفقه فأمر بتقديم أكبرهم سنًّا (¬2)، ويدل على ما ذكره لفظ الحديث في رواية "الصحيح" قال مالك بن الحويرث: "قدمنا على النبي - صلى الله عليه وسلم - ونحن شيبة فلبثنا عنده نحوًا من عشرين ليلة، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - رحيمًا، فقال: لو رجعتم إلى بلادكم فعلمتوهم، مروهم فليصلوا صلاة كذا في حين كذا، وصلاة كذا في حين كذا، وإذا حضرت الصلاة فليؤذن (1 / ق 95 - أ) لكم أحدكم، وليؤمكم أكبركم" والشببة: جمع شاب، ككتبة وكاتب، ويروى "ونحن شيبة متقاربون" وكذلك رواه المزني عن الشافعي، ويمكن من جهة اللفظ أن يحمل الأكبر على الأفضل والأحق، وذلك يشمل جميع الخصال المقدّمة. وقوله: "صلوا كما رأيتموني أصلي" كأنه يقول: مكثتم عندي أيامًا وشاهدتم صلاتي وتعلمتوها، فإذا رجعتم إلى بلادكم فصلّوا كما رأيتموني أصلي، وقد ذكر في هذِه اللفظة أن الرؤية تتعلق بالأركان الظاهرة، فأمر بأن يحافظوا على ما تتعلق به الرؤية، ولو قال: صلوا كما علمتموني أصلّي لشق الأمر، فقد روي أنه كان يصلي ولجوفه أزيز كأزيز المرجل (¬3). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (673/ 290، 291). (¬2) "الأم" (1/ 158) بتصرف. (¬3) رواه أبو داود (904)، والنسائي (3/ 13)، وابن خزيمة (900)، وابن حبان (665) والحاكم (1/ 396). =

الأصل

الأصل [229] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا عبد المجيد، عن ابن جريج قال: أخبرني نافع قال: أقيمت الصلاة في مسجد بطائفة المدينة، ولابن عمر قريب من ذلك المسجد أرض يعملها وإمام ذلك المسجد مولى له، ومسكن ذلك المولى وأصحابه ثم، فلما سمعهم عبد الله جاء ليشهد معهم الصلاة، فقال له المولى صاحب المسجد: تقدم فصل. فقال عبد الله: أنت أحق أن تصلي في مسجدك مني، فصلى المولى (¬1). الشرح قوله: "أقيمت الصلاة في مسجد بطائفة المدينة" يجوز أن يريد به الإقامة، ويجوز أن يريد الإعلام بها بالأذان، والطائفة من الشيء: القطعة منه، قال: {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} (¬2) كأنه يريد قطعة أو كله، ويمكن أن تكون الكلمة اسم قومه خاصة أو قوم مخصوصين. وقوله: "ولابن عمر قريب من ذلك المسجد أرض يعملها" أي: أرض قريب من ذلك المسجد يعمل فيها، وتذكير لفظ القريب كقوله تعالى: {إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ} (¬3). ¬

_ = قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم، الحافظ في "الفتح" (2/ 206): إسناده قوي، وقال النووي في "رياض الصالحين" (1/ 168): إسناد صحيح، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (840). (¬1) "المسند" ص (55). والأثر رواه عبد الرزاق (3850). (¬2) النور: 2. (¬3) الأعراف: 56.

الأصل

والمقصود أن ابن عمر -رضي الله عنه- حضر مسجدًا إمامه الراتب مولى له، فقال لعبد الله: تقدم، فأبى عبد الله وقال: أنت أحق بالصلاة في مسجدك، قال الشافعي: وصاحب المسجد كصاحب البيت، فأكره أن يتقدمه أحد إلا أن يحضر السلطان (¬1)، وعن مالك بن الحويرث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من زار قومًا فلا يؤمهم، وليؤمهم رجل منهم" (¬2). الأصل [230] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مسلم، عن ابن جريج، عن نافع أن ابن عمر اعتزل بمنى في قتال ابن الزبير والحجاج بمنى، فصلى مع الحجاج (¬3). [231] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا حاتم بن إسماعيل، عن جعفر، عن أبيه أن (1 / ق 95 - ب) الحسن والحسين رضي الله عنهما كانا يصليان خلف مروان، قال: فقال: ما كانا يصليان إذا رجعا إلى منازلهما؟ فقال: لا والله ما كانا يزيدان على صلاة الأئمة (¬4). الشرح الحجاج: هو ابن يوسف الثقفي أبو محمَّد، وسوء سيرته وقتاله ابن الزبير ومحاصرته مكة أمور مشهورة. وحاتم هو ابن إسماعيل أبو إسماعيل الكوفي، كان يسكن المدينة سمع: بشير بن مهاجر، ويزيد بن أبي عبيد، وهشام بن عروة، وجعفر ابن محمَّد. ¬

_ (¬1) "الأم" (1/ 158). (¬2) رواه أبو داود (596)، والترمذي (356)، والنسائي (2/ 80)، وابن خزيمة (1520). قال الترمذي: حسن صحيح، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (6271). (¬3) "المسند" ص (55). (¬4) "المسند" ص (55).

وروى عنه: عبد الرحمن بن مهدي، وقتيبة بن سعيد، والقعنبي. مات سنة سبع وثمانين ومائة (¬1). والحسن (¬2) والحسين (¬3)، أبو محمَّد وأبو عبد الله ابنا علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن [هاشم] (¬4)، سيدا شباب أهل الجنة، وريحانتا رسول الله صلى الله عليه وسلم وشبيهاه، ولد الحسن للنصف من شعبان سنة ثلاث من الهجرة وتوفي سنة خمسين، وقيل: سنة تسع وأربعين، وقيل غيرهما. روى عنه: أبو هُرَيْرَةَ، وابنه الحسن بن الحسن، وسويد بن غفلة، والشعبي، والأصبغ بن نباتة. وولد الحسين لخمس مضين من شعبان سنة أربع وقتل يوم عاشوراء سنة إحدى وستين، يوم الأربعاء. سمع: أباه. وروى عنه: أبو هُرَيْرَةَ، وأولاده علي وفاطمة وسُكينة، والمطلب ابن عبد الله بن حنطب. ومقصود الأثر أن الصلاة خلف من لا يُحمد حاله ولا تحسن سيرته من السلطان وغيره مجزئة، ويروى عن أبي هُرَيْرَةَ قال: قال رسول الله: "الجهاد واجب مع كل أمير، برًّا كان أو فاجرًا، والصلاة واجبة عليكم خلف كل مسلم برًّا كان أو فاجرًا، وإن عمل الكبائر" (¬5) ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (3/ ترجمة 278)، و"الجرح والتعديل" (3/ ترجمة 1154)، و"التهذيب" (5/ ترجمة 992). (¬2) انظر "معرفة الصحابة" (2/ ترجمة 560)، و"الإصابة" (2/ ترجمة 1721). (¬3) انظر "معرفة الصحابة" (2/ ترجمة 561)، و"الإصابة" (2/ ترجمة 1726). (¬4) في "الأصل": هشام. وقد سبق التنبيه عليه. (¬5) رواه أبو داود (2533) من طريق مكحول عنه. قال الزيلعي (2/ 26): رواه أبو داود وضعفه بأن مكحولًا لم يسمع من أبي هريرة؛ ولم =

الأصل

ويروى أنه قيل لعثمان -رضي الله عنه- وهو محصور: إنك إمام عامة ونزل بك ما ترى ويصلي لنا إمام فتنة فقال: الصلاة أحسن ما يعمل الناس، فإذا أحسن الناس فأحسن معهم، وإذا أساءوا فاجتنب إساءتهم (¬1). الأصل [232] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا الثقة، عن معمر، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى بمنى ركعتين وأبو بكر وعمر رضي الله عنهما (¬2). [233] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عمر مثله (¬3). الشرح حديث الزهري عن سالم عن أبيه رواه مسلم (¬4) عن إسحاق وعبد ابن حميد عن عبد الرزاق عن معمر، وعن حرملة بن يحيى عن ابن وهب عن عمرو بن الحارث عن الزهري (1 / ق 96 - أ) وزادَ وعثمان صدرًا من خلافته ثم صلى بعد أربعًا، فكان ابن عمر إذا صلى مع الإِمام صلى أربعًا، وإذا خلا بنفسه صلى ركعتين. وأمّا ما رواه مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه فظاهر نظم الكتاب أنه كرواية الزهري عن سالم، وليس الأمر كذلك عند علماء ¬

_ = أجده في "السنن"، ورواه البيهقي في "المعرفة" وقال: إسناده صحيح إلا أن فيه انقطاعًا بين مكحول وأبي هريرة. وضعفه الألباني في "ضعيف الجامع" (2673). (¬1) رواه البخاري (695). (¬2) "المسند" ص (56). (¬3) "المسند" ص (56). (¬4) "صحيح مسلم" (694/ 16).

الأصل

الحديث (¬1)، وإنما الذي رواه مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه أن عمر ابن الخطاب -رضي الله عنه- لما قدم مكة صلى بهم ركعتين ثم انصرف فقال: يا أهل مكة أتموا صلاتكم فإنا سفر، ثم صلى عمر بمنى ركعتين، ولم يبلغني أنه قال لهم شيئًا هذا لفظ مالك في "الموطأ" (¬2) ثم روى عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله مثل ذلك، ويمكن أن يحمل لفظ الكتاب على القدر الذي اشتملت عليه رواية الزهري عن سالم منسوبًا إلى عمر -رضي الله عنه- وهو أنه صلى بمنى ركعتين فإن هذا القدر تشتمل عليه رواية مالك عن زيد بن أسلم، والمقصود في هذا الموضع أن المسافر يؤمُّ المقيمين، قال الشافعي (¬3): وحينئذ فإن أتم أجزأته الصلاة وأجزأتهم، وإن قصر أمرهم بالإتمام إلا أن يعرف فقههم فيجوز أن لا يأمرهم، وإذا كان القوم مسافرين ومقيمين وأمر الإِمام غيره ليصلي بهم فليجعله مقيمًا لتكون صلاتهم كلها بإمام. وفيه أنه - صلى الله عليه وسلم - قصر أيام مني بمنى، ولمَ أتمَّ عثمان بعدما قصر سنين؟ قيل: إنه كان قد عزم على الإقامة، وقيل: كثر الأعراب عامئذ فخاف أن يظنوا أن الصلاة ركعتان. الأصل [234] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، أبنا الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هُرَيْرَةَ يبلغ به النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الإِمام ضامن، والمؤذن مؤتمن، اللهم فأرشد الأئمة واغفر للمؤذنين" (¬4). ¬

_ (¬1) انظر "بيان خطأ من أخطأ على الشافعي" (1/ 181 - 184). (¬2) "الموطأ" (1/ 402 رقم 903). (¬3) "الأم" (1/ 163) بتصرف. (¬4) "المسند" ص (56).

الشرح

الشرح قد تقدم الحديث من رواية الشافعي، عن إبراهيم بن محمَّد، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هُرَيْرَةَ، وأتينا بطرف مما يتعلق بإسناده ومتنه (¬1)، والإسناد المذكور ها هنا أوضح وأقوى، وأورده الشافعي ها هنا في باب ترجمه بـ "كراهية الإمامة" وصدر الباب بما روى عن إبراهيم بن محمَّد، عن صفوان -يعني- بن سليم، عن أبي هُرَيْرَةَ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "يأتي قوم فيصلّون لكم، فإن أتموا كان لهم ولكم، وإن نقصوا كان عليهم ولكم" (¬2) وفسره بأنهم إن حافظوا على آدابها وسننها نالوا ونلتم فضيلتها وثوابها، وإلا فاتهم ما فوتوا (1/ ق 96 - ب) ونلتم ثواب ما نويتموه، ولم يتمكنوا من إقامته لمتابعتهم، وقد روى البخاري (¬3) هذا الحديث من رواية عطاء بن يسار عن أبي هُرَيْرَةَ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "يصلون لكم فإن أصابوا فلكم ولهم، وإن أخطأوا فلكم وعليهم" ويشبه أن لا يريد بكراهة الإمامة إلا أنها عظيمة الوقع كثيرة الخطر، فلا ينبغي أن يشتغل بها إلا من وثق بالمحافظة على مواجبها، يبيّنه أنه قال في آخر الباب (¬4): وأكره الإمامة بالضمان وما على الإِمام فيها، وإذا أمّ رجل انبغى له أن يتقي الله تعالى ويؤدي ما عليه في الإمامة، فإذا فعل رجوت أن يكون خيرًا حالًا من غيره، واستدل بعضهم بالحديث على أن من صلى بقوم جنبًا أو محدثًا تصح صلاتهم، وإن وجبت الإعادة عليه، وليس هذا الاستدلال بواضح، والله أعلم. ¬

_ (¬1) مرّ برقم (126). (¬2) "الأم" (1/ 159) عن صفوان، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة. وهكذا عزاه له ابن حجر في "الفتح". (¬3) "صحيح البخاري" (694). (¬4) "الأم" (1/ 159).

الأصل

الأصل [235] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان بن عيينة، أنه سمع عمرو بن دينار يقول: سمعت جابر بن عبد الله يقول: كان معاذ بن جبل يصلي مع النبي - صلى الله عليه وسلم - العشاء أو العتمة، ثم يرجع فيصليها بقومه في بني سلمة، قال: فأخر النبي صلى الله عليه وسلم العشاء ذات ليلة، قال: فصلى معاذ معه ثم رجع فأمّ قومه، فقرأ سورة البقرة فتنحى رجل من خلفه فصلى وحده، فقالوا له: أنَافَقت؟ قال: لا ولكني آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتاه، فقال: يا رسول الله إنك أخرت العشاء وإن معاذًا صلى معك ثم رجع فأمّنا فافتتح بسورة البقرة، فلما رأيت ذلك تأخرت فصليت، وإنما نحن أصحاب نواضح نعمل بأيدينا، فأقبل النبي صلى الله عليه وسلم على معاذ فقال: "أفتان أنت يا معاذ؟ أفتان أنت؟ اقرأ سورة كذا وسورة كذا" (¬1). [236] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، ثنا أبو الزبير، عن جابر مثله وزاد فيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: اقرأ بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى}، {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى}، {وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ} ونحوها، قال سفيان: فقلت لعمرو: إن أبا الزبير يقول: قال له: اقرأ بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى}، {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى}، و {وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ} فقال عمرو: هو هذا أو نحوه (¬2). [237] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا عبد المجيد، عن ابن جريج -قال الربيع: قيل لي: هو ابن جريج ولم يكن عندي ابن ¬

_ (¬1) "المسند" ص (56). (¬2) "المسند" ص (56).

الشرح

جريج عن عمرو بن دينار، عن جابر "كان معاذ يصلي مع النبي - صلى الله عليه وسلم - العشاء ثم ينطلق إلى قومه (1/ ق 97 - أ) فيصليها لهم، هي له تطوع وهي لهم مكتوبة العشاء" (¬1). الشرح قصّة معاذ هذِه مخرجة في "الصحيحين" (¬2) وما يتلوهما من المسانيد بروايات مطولة ومختصرة. وقوله: "والعشاء أو العتمة" بيّن أنهم كانوا قد يسمونها عتمة، وإن كان الأحب أن تسمّى عشاءً. وقوله: "فيصليها بقومه في بني سلمة" ليس على معنى أن معاذًا من بني سلمة، فإن سلمة: هو ابن سعد بن علي بن أسد بن ساردة بن يزيد بن جشم بن الخزرج، وهم وهي جابر بن عبد الله وكعب بن مالك وغيرهما من الأنصار، ومعاذ: هو ابن جبل بن عمرو بن أوس بن عائذ بن عدي بن كعب بن عمرو بن أدي بن سعد، وأدي أخو سلمة بن سعد، ومعاذ من بني عم بني سلمة لا من بني سلمة، وكأن قومه كانوا مع بني سلمة مكانًا ونصرة فلذلك قال: يصليها بقومه في بني سلمة. وفي قوله: "فأخر العشاء ذات ليلة" ما يبيّن أن معهوده الذي كان يواظب عليه تعجيل الصلاة، واتفق في بعض الليالي التأخير لعارض. وقوله: "فقرأ سورة البقرة" أي: شرع في قراءتها، يُبيّنه قوله من بعد: "فافتتح بسورة البقرة فلما رأيت ذلك تأخرت فصليت". وقوله: "فتنحى رجل من قومه فصلى وحده" يحتمل من جهة اللفظ ¬

_ (¬1) "المسند" ص (57). (¬2) "صحيح البخاري" (700) و"صحيح مسلم" (465/ 178 - 181).

أن يريد أنه قطع الصلاة وتنحى عن موضع صلاته واستأنفها لنفسه، لكنه غير محمول عليه فإن الفرض لا يقطع بعد الشروع فيه، ولو كان المراد ذلك لأنكر النبي - صلى الله عليه وسلم -عليه، ولكنه محمول على أنه قطع القدوة وأتمّ الصلاة لنفسه. واحتجّ به على أن للمقتدي قطع القدوة في صلاته، وعلى هذا فالتنحي المذكور كان بحيث لا تبطل الصلاة لكثرة الأفعال. والنواضح: التي يُسنى عليها الماء، سميت نواضح لنضحها الماء بالاستقاء ثم لصبّها، وقصد بقوله: إنا أصحاب نواضح إبداء العذر في التخلف عن مصابرة القراءة الطويلة. وقوله: "أفتان أنت" أي تعمل عمل من يبغي الفتنة في تفويت الجماعة على الناس وتفريق الكلمة. وفي القصة دليل على أن من صلى مرّة بالجماعة يجوز أن يعيدها في جماعة أخرى، وأن يؤم قومًا أخرى فيها، وأن الإِمام ينبغي أن يخفف، وأنه يستحب أن يقرأ في العشاء أوساط المفصل، وأن سورة البقرة كانت مرتبة معلومة النظم على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (1/ ق 97 - ب) وكذلك سائر السور المذكورة متفرقة في الخبر، وبذلك يتبيّن أن ما نسب إلى الصحابة من تأليف القرآن ليس على معنى أنهم رتبوا الآيات وإنما المراد أنهم جمعوا السور في مصحف واحد، وزاد أبو الزبير في الإسناد الثاني تعيين السورة، وعُرض ما عيّنه على عمرو بن دينار فقال: هو هذا أو نحوه كأنه لم يتذكر السورة بعينها فأبهم الكلام إبهامًا، وعرف أن ما عيّنه رسول الله صلى الله عليه وسلم في حدّ ما رواه أبو الزبير، فقال: هو هذا أو نحوه.

الأصل

وفي الإسناد الثالث (¬1) بيان أن الفريضة المؤداة في المرّة الأولى وأن الثانية تطوع، واحتج الشافعي على أنه لا بأس باختلاف نيّة الإِمام والمأموم بأن يقتدي المفترض بالمتنفل، وقال: الظاهر أن قوله "هي له تطوع وهي لهم مكتوبة العشاء" من كلام جابر -رضي الله عنه-، وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم بالله وأخشى لله من أن يقولوا مثل هذا إلا عن علم. وقول الربيع: "ولم يكن عندي ابن جريج" أراد أنه سقط من كتابه ذكر ابن جريج، قال الأئمة: والصواب إثباته، وكذلك رواه حرملة عن الشافعي. الأصل [238] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، قال: أخبر الثقة ابن علية أو غيره، عن يونس، عن الحسن، عن جابر "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي بالناس صلاة الظهر في الخوف ببطن نخل، فصلى بطائفة ركعتين ثم سلم، ثم جاء طائفة أخرج فصلى بهم ركعتين" (¬2). [239] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا إبراهيم بن محمَّد، عن ابن عجلان، عن عبيد الله بن مقسم، عن جابر بن عبد الله أن معاذ ¬

_ (¬1) قال ابن الملقن في "الخلاصة" (674): قال الشافعي: هذا حديث ثابت لا أعلم حديثا يروى من طريق واحد أثبت منه ولا أوثق يعني رجالًا. قال البيهقي في "المعرفة": وكذلك رواه بهذِه الزيادة يعني: "هي له تطوع ... إلى آخره" أبو عاصم النبيل وعبد الرزاق، عن ابن جريج كرواية شيخ الشافعي عن ابن جريج، وزيادة الثقة مقبولة، قال: "الأصل" أن ما كان موصولًا بالحديث فهو معه لا سيما إذا روي من وجهين، إلا أن تقوم دلالة على التمييز، قال: والظاهر أن هذِه الزيادة من قول جابر ... (¬2) "المسند" ص (57).

الشرح

بن جبل كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم العشاء، ثم يرجع إلى قومه فيصلي لهم العشاء وهي له نافلة (¬1). الشرح عبيد الله بن مقسم مولى ابن أبي نمر القرشي المدني. سمع: جابرًا، وابن عمر، وأبا هُرَيْرَةَ. وسمع منه: يحيى بن أبي كثير، وداود بن قيس، وابن عجلان، وبكير بن الأشج (¬2). والحديث الأول مخرج في "الصحيح" (¬3) من رواية أبي سلمة عن جابر، ورواه قتادة وغيره عن الحسن، ورواه الحسن عن أبي بكرة عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقصد الشافعي بذكره ها هنا تأكيد القول بجواز صلاة المفترض خلف المتنفل، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان متنفلًا في المرة الثانية، وهذا الاستدلال مستمر (1/ ق 98 - أ) على ظاهر المذهب في أن من صلى منفردًا وأعاد في جماعة أو في جماعة، وأعاد في جماعة أخرى كان الفرض ما أدّاه أولًا والثاني تطوع، وفيه قول أن الله تعالى يحتسب عن الفرض بأكملهما أو بما شاء منهما، ووجه: أن كليهما يقع عن الفرض، ووجه آخر: أن الفرض الثاني، فعلى هذِه الاحتمالات لا يظهر الاستدلال. وأما الحديث الثاني فمقصوده قصة معاذ أيضًا لكن رواها برواية أخرى مختصرة، وفيها أن الثانية نافلة. ¬

_ (¬1) "المسند" ص (57). (¬2) انظر "التاريخ الكبير" (5/ ترجمة 1282)، و"الجرح والتعديل" (5/ ترجمة 1574)، و"التهذيب" (19/ ترجمة 3688). (¬3) رواه البخاري (4125)، ومسلم (843/ 311، 312).

الأصل

الأصل [240] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن إسماعيل بن أبي حكيم، عن عطاء بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كبّر في صلاة من الصلوات، ثم أشار بيده أن امكثوا، ثم رجع وعلى جلده أثر الماء (¬1). [241] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا الثقة، عن أسامة بن زيد، عن عبد الله بن يزيد، عن محمَّد بن عبد الرحمن بن ثوبان، عن أبي هُرَيْرَةَ عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثل معناه (¬2). الشرح إسماعيل بن أبي حكيم: هو القرشي المدني، مولى عثمان بن عفان، وقيل: مولى الزبير. سمع: سعيد بن المسيب، وعمر بن عبد العزيز، وعبيدة بن سفيان بن الحارث. وروى عنه: مالك، ومحمد بن إسحاق، ووهم بعضهم فقال: إسماعيل بن حكيم (¬3). وأسامة بن زيد: هو المديني مولى الليثيين. روى عن: نافع، والزهري. وروى عنه: الثوري، وابن المبارك، ووكيع (¬4). ¬

_ (¬1) "المسند" ص (240). (¬2) "المسند" ص (57). (¬3) انظر "التاريخ الكبير" (1/ ترجمة 1104)، و"الجرح والتعديل" (2/ ترجمة 549)، و"التهذيب" (3/ ترجمة 437). (¬4) انظر "التاريخ الكبير" (2/ ترجمة 1560)، و"الجرح والتعديل" (2/ ترجمة 1031)، و"التهذيب" (2/ ترجمة 317).

وعبد الله بن يزيد: هو المديني مولى الأسود بن سفيان، وقيل: مولى الأسود بن عبد الأسد المخزومي والأول هو المذكور في "الأم". سمع: أبا سلمة، وغيره. وروى عنه: مالك، ويحيى بن أبي كثير (¬1). والحديث من الرواية الأولى مرسل، وكذلك أورده مالك في "الموطأ" (¬2) وعقبها الشافعي بالرواية الموصولة عن أبي هُرَيْرَةَ ليبين أنه مسند من وجه إن كان مرسلًا من وجه، ورواه عن أسامة: وكيع، ورواه أيضًا: أيوب وهشام عن محمَّد بن سيرين، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكذلك رواه الشافعي عن ابن علية عن ابن عون عن محمَّد، ورواه الحسن بن عبد الرحمن الحارثي عن ابن عون عن محمَّد عن أبي هُرَيْرَةَ مسندًا، ورواه الشافعي أيضًا عن الثقة عن حماد بن سلمة عن زياد الأعلم عن الحسن عن أبي بكرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأخرجه أبو داود من هذا الطريق في "سننه" (¬3). وليس في لفظ الحديث إشعار بأنه عرض في الصلاة عارض أحوجه إلى التطهر، أو أنه كان قد شرع في الصلاة ناسيًا للحديث أو الجنابة ثم تذكر، لكن نقل الأئمة أنه كان الواقع القسم الثاني وأوردوا الحديث في باب مترجم بما إذا أمّ الجنب ناسيًا، وحكوا أن وكيعًا روى ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (5/ ترجمة 736)، و"الجرح والتعديل" (5/ ترجمة 922)، و"التهذيب" (16/ ترجمة 3664). (¬2) "الموطأ" (1/ 48 رقم 110). (¬3) "سنن أبي داود" (233)، ورواه أيضًا ابن حبان (2235). قال ابن الملقن في "التحفة" (537): رواه أبو داود بإسناد صحيح، وقال البيهقي في المعرفة: إسناد صحيح، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود".

الأصل

عن أسامة عن عبد الله بن يزيد عن ابن ثوبان عن أبي هُرَيْرَةَ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء إلى الصلاة، فلما كبّر انصرف وأومأ إليهم أن كما أنتم ثم خرج وصلى بهم، فلما انصرف قال: "إني كنت جنبًا فنسيت أن أغتسل" (¬1). واحتج به على أن الإِمام إذا أمّ جنبًا أو محدثًا لا يجب على القوم الإعادة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم بأن يمكثوا ليلحقهم ولم يأمر بالاستئناف، والسابق إلى الفهم من رواية الكتاب بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - عاد بعد الغسل وأمّهم برواية أبي هُرَيْرَةَ المذكورة آخرًا صرّح بذلك، وليس المقصود أنه بني على الصلاة فإن الناسي للحديث أو الجنابة إذا تطهر يستأنف، لكن القوم يبنون الاقتداء إن شاءوا، وحكى الربيع أن البويطي لم يجوز لهم الاقتداء بعد استئنافه؛ لأن تحرّمهم بالصلاة سابق على تحرمه المستأنف. الأصل [242] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا إبراهيم بن محمَّد، حدثني عبد المجيد بن سهيل بن عبد الرحمن بن عوف، عن صالح بن إبراهيم قال: رأيت أنس بن مالك صلى الجمعة في بيوت حميد بن عبد الرحمن بن عوف، فصلى بصلاة الإِمام في المسجد، وبين بيوت حميد والمسجد الطريق (¬2). الشرح عبد المجيد: سبط عبد الرحمن بن عوف القرشي الزهري المدني. سمع: سعيد بن المسيب، وعثمان بن عبد الرحمن. وروى عنه: مالك بن أنس، وعبد العزيز بن محمَّد، وسليمان بن ¬

_ (¬1) رواه الدارقطني (1/ 361 رقم 1)، والبيهقي (2/ 397). (¬2) "المسند" ص (57).

بلال (¬1). وصالح: هو ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري. سمع: أنس بن مالك. وسمع منه: عمرو بن دينار، ويوسف بن الماجشون، وابن عمه عبد المجيد بن سهيل بن عبد الرحمن (¬2). وحميد: هو ابن عبد الرحمن بن عوف، أبو إبراهيم، ويقال: أبو عبد الرحمن. سمع: أبا هُرَيْرَةَ، وعبد الله بن عمرو، ومعاوية، وأم سلمة، وأبا بكرة، وأمّه أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط. وروى عنه: الزهري، وسعد بن إبراهيم، وابن أبي مليكة، ومحمد بن سيرين. مات سنة خمس ومائة (¬3). وهذا الأثر أورده الشافعي في "الأم" وعقبه بآخر في معناه، فروى عن إبراهيم عن هشام عن أبيه أنه كان يصلي الجمعة في بيوت حميد بن عبد الرحمن عام حج الوليد وكثر الناس، وبينها وبين المسجد الطريق (¬4). ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (6/ ترجمة 1870)، و"الجرح والمعديل" (6/ ترجمة 336)، و"التهذيب" (18/ ترجمة 3509). (¬2) انظر "التاريخ الكبير" (4/ ترجمة 2775)، و"الجرح والتعديل" (4/ ترجمة 1720)، و"التهذيب" (13/ ترجمة 2794). (¬3) انظر "التاريخ الكبير" (2/ ترجمة 2696)، و"الجرح والتعديل" (3/ ترجمة 989)، و"التهذيب" (7/ ترجمة 1532). قال ابن سعد (5/ 153): توفي سنة خمس وتسعين، وقد سمعت من يذكر أنه توفي سنة خمس ومائة وهو غلط. (¬4) رواه البيهقي (3/ 111) عنه.

الأصل

وبموجبها قال عطاء، وجواز الاقتداء إذا علم المأموم بصلاة الإِمام وإن بعد أو حال حائل، وهما عند الشافعي محمولان على ما إذا اتصل الصف من المسجد إلى الموضع الآخر وكان بابه لافظًا فيه، ويدل عليه ما روي عن عائشة أن نسوة صلين في حجرتها فقالت: لا تصلين بصلاة الإِمام فإنكن في حجاب، وما روي عن عمرة عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في حجرته والناس يأتمون به من وراء الحجرة يصلون بصلاته (¬1) فهو مطلق، وفي سائر الروايات أنه كان جدار الحجرة قصيرًا لا يحول ولا يمنع من النظر والعلم بصلاة الإِمام، وروي عنه أنه كان قد احتجر بحصير (¬2) وهو الذي أريد بالحجرة، وفي "صحيح البخاري" عن أبي سلمة عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان له حصير يبسط بالنهار ويحتجره بالليل فثاب إليه ناس فصلوا وراءه (¬3). قول (¬4): "يحتجره" أي يتخذه شبه الحجرة فيصلي فيها، وقوله: "وبين بيوت حميد والمسجد الطريق" يوافق ظاهر المذهب في أن تخلل الطريق لا يضر إذا حصل اتصال الصف بين البناءين، وكذلك تخلل الطريق في الصحراء لا يضر. الأصل [243] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك بن أنس، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن أنس بن مالك أن جدته مليكة دعت رسول الله صلى الله عليه وسلم لطعام صنعته له، فأكل منه ثم قال: "قوموا فلأصلي لكم". ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (1126)، وأحمد (6/ 30)، والحاكم (1/ 427). قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود". (¬2) رواه مسلم (781/ 213، 214) من حديث زيد بن ثابت. (¬3) "صحيح البخاري" (730). (¬4) كذا في "الأصل".

الشرح

قال أنس: "فقمت إلى حصير لنا قد اسود من طول ما لبس فنضحته بماء، فقام عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصففت أنا واليتيم خلفه والعجوز من ورائنا" (¬1). الشرح مليكة: جدة أنس بن مالك أنصارية. روى عنها: أنس، وقال بعضهم: مليكة -بفتح الميم- ولم يصحح (¬2). والحديث صحيح مدوّن في "الموطأ" (¬3) وقال في آخره: "فصلى لنا ركعتين ثم انصرف" وأخرجه البخاري (¬4) عن إسماعيل وعبد الله بن يوسف، ومسلم (¬5) عن يحيى بن يحيى، وأبو داود (¬6) عن القعنبي بروايتهم جميعًا عن مالك. وفي الحديث دلالة على استحباب اتخاذ الدعوة والإجابة إليها، واستدل به على أن الإِمام إذا دعي لطعام يصلي في بيت المضيف لينال البركة أهل البيت، ويقدم الأكل على الصلاة إما لئلا ينتظر أصحاب الطعام وتسكن نهمة القوم، وإما ليتفرغ الكل للصلاة ويختموا المجلس على الصلاة، وعلى أن الجماعة جائزة في صلاة النافلة؛ لأن تلك الصلاة كانت نافلة، وقد يشعر به قوله - صلى الله عليه وسلم -: "قوموا فلأصلي لكم" وأيضًا فإن الحضور غالبًا يكون في بياض النهار والصلاة كانت ¬

_ (¬1) "المسند" ص (58). (¬2) انظر "معرفة الصحابة" (6/ ترجمة 4019)، و"الإصابة" (8/ ترجمة 11771). وذكر ابن حجر اختلافًا في أنها جدة أنس أم جدة إسحاق بن عبد الله، ثم رجح الأول. (¬3) "الموطأ" (1/ 153 رقم 359). (¬4) "صحيح البخاري" (380). (¬5) "صحيح مسلم" (685/ 266). (¬6) "سنن أبي داود" (612).

ركعتين، وعلى جواز صلاة الجماعة في البيوت، وعلى أن النضح قد يقوم مقام الغسل إذا كان المقصود دفع الوسواس، ولك أن تقول: النضح قد يكون بمعنى الغسل على ما سبق، وبتقدير أن يكون المراد مجرد الرش فلا يكون ذلك دفع الوسوسة فإنها لا تندفع بغير الغسل، ويشبه أن يكون المراد التنظيف وإزالة ما كان عليه من غبار ونحوه، وعلى جواز الصلاة على ما يبسط على الأرض من حصير وغيره، وقد روي عن المغيرة بن شعبة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي على الحصير والفروة المدبوغة (¬1). وفيه دليل على أنه يحسن أن يخصص حالة الصلاة ببسط شيء يصلي عليه، وأن الصبي يصلي في الجماعة؛ لأنه صلى معهم اليتيم واسم اليتيم يختص بحالة الصغر، وأن الرجل يتقدم على المرأة في الموقف، وأن الصبي يقف مع الرجل أو الرجال في الصف، فإن اجتمع صبيان فصاعدًا وقفوا صفًّا بين الرجال والنساء، واحتج الشافعي ثم البخاري في "الصحيح" بهذا الحديث على أن صلاة المنفرد خلف الصف جائزة؛ لأن المرأة التي صلت وراء أنس واليتيم كانت منفردة، ولمن ينازع فيه أن يقول: إنما لا تجوز صلاة المنفرد إذا كان ما وراء (¬2) بأن يدخل الصف إما بجرّ إلا نفسه واحدًا والمرأة المنفردة لا تؤمر بذلك، والسابق إلى الفهم أن المراد من العجوز مليكة صاحبة الطعام، وفي وقوف النبي - صلى الله عليه وسلم - وصلاته على الحصير المسودّ المنضوح بالماء ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (659)، وابن خزيمة (1006)، والحاكم (1/ 389). قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بذكر الفروة، وإنما خرجه مسلم من حديث أبي سعيد في الصلاة على الحصير. وأعله الدارقطني في "العلل" (1257)، وضعفه الألباني في "ضعيف الجامع" (4565). (¬2) كذا في الأصل، ولعل الصواب: مأمورًا.

الأصل

يستدل به على حسن خلقه وترك تقشّفه. وقوله: "من طول ما لبس" كأنه يريد: فُرشَ، فإن ما فُرشَ فقد لبسته الأرض، وهذا كما أن ما تستر به الكعبة والهودج يسمى لباسًا لهما، وقد يتخيل حمله على أن أصحاب الضرورات قد يستترون بالحصير اللينة ويلفونها عليهم. الأصل [244] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن ابن شهاب، عن أنس "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ركب فرسًا فصرع عنه فجحش شقه الأيمن، فصلى صلاة من الصلوات وهو قاعد فصلينا معه قعودًا، فلما انصرف قال: "إنما جعل الإِمام ليؤتم به، فإذا صلى قائمًا فصلوا قيامًا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا رفع فارفعوا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: ربنا لك الحمد، وإذا صلى جالسًا فصلوا جلوسًا أجمعون" (¬1). [245] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبا يحيى بن حسان، عن حماد بن سلمة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة يعني بمثله (¬2). الشرح حديث أنس صحيح، رواه البخاري (¬3) عن عبد الله بن يوسف عن مالك، وأبو داود (¬4) عن القعنبي عنه، ومسلم (¬5) عن يحيى بن يحيى وغيره عن سفيان عن ابن شهاب، وأخرجه البخاري (¬6) أيضًا من طريق ¬

_ (¬1) "المسند" ص (58). (¬2) "المسند" ص (58). (¬3) "صحيح البخاري" (689). (¬4) "سنن أبي داود" (601). (¬5) "صحيح مسلم" (411/ 77). (¬6) "صحيح البخاري" (378).

حميد عن أنس. وحديث عائشة ليحمل على ما روي أنها قالت: صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بيته وهو شاك فصلى جالسًا وصلى وراءه قوم قيامًا فأشار إليهم أن اجلسوا فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنما جعل الإِمام ليؤتم به فإذا ركع فاركعوا، وإذا رفع فارفعوا، وإذا صلى جالسًا فصلوا جلوسًا" وهذا صحيح أيضًا، أخرجه البخاري (¬1) عن عبد الله بن يوسف عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة، ومسلم (¬2) وابن ماجه (¬3) عن أبي بكر بن أبي شيبة عن عبدة بن سليمان عن هشام، وفي الباب عن أبي هُرَيْرَةَ وجابر، وابن عمر، ومعاوية. وقوله: "فجحش شقه الأيمن" يقال: جُحِشَ فهو مجحُوش إذا أصابه مثل الخدش أو أكثر، وانسحجَ جلدُه، وفي بعض الروايات فجحشت ساقه أو كتفه. وقوله: "إنما جعل الإِمام" أي نصب أو اتخذ أو نحوهما، ويجوز أن يريد: إنما جعل الإِمام إمامًا. وقوله: "فصلوا جلوسًا أجمعون" هكذا رواه أكثرهم وهو تأكيد للضمير، ورواه آخرون: أجمعين على الحال. وقوله: "وإذا ركع فاركعوا، وإذا رفع فارفعوا" قد يحتج بظاهره على أن المأموم ينبغي أن يتابع الإِمام في أفعاله، فلا يبتديء بالركوع إلا عند ابتداء الإِمام به، ولا بالرفع إلا بعد ابتداء الإِمام به، ويروى عن البراء قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قال: سمع الله لمن حمده لم يحن ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (688). (¬2) "صحيح مسلم" (412/ 82، 83). (¬3) "سنن ابن ماجه" (1237).

أحد منا ظهره حتى يقع النبي - صلى الله عليه وسلم - ساجدًا ثم نقع سجودًا بعده (¬1). وقوله: "إذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: ربنا لك الحمد" فيه متمسّك ظاهر لمن قال: إن الإِمام يقول في الاعتدال: سمع الله لمن حمده، والمأموم يقول: ربنا لك الحمد. وقوله: "وإذا صلى جالسًا فصلّوا جلوسًا" يقتضي الجلوس عند جلوس الإِمام، وفيه اختلاف للعلماء، قال الأكثرون: هذا كان في ابتداء الأمر، ثم نسخ بصلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - في مرضه جالسًا والناس قيام خلفه، وهذا ما أورده الشافعي في "الأم" (¬2) وحكاه البخاري في "الصحيح" (¬3) عن الحميدي، وجرى آخرون على قضية الحديث وبه قال في الصحابة: جابر، وأبو هُرَيْرَةَ، وأسيد بن حضير، وتابعهم أحمد، وإسحاق، وحكاه الخطابي عن ابن خزيمة، وقيل ابن المنذر قال: هؤلاء والرواية في صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - في مرضه مختلفة، ففي بعض الروايات أنه صلى بهم جالسًا وهم قيام، وفي بعضها أنه صلى مقتديًا بأبي بكر رضي الله عنه، وحديث أنس محكم لا يترك بما اضطربت الرواية فيه، وقد يؤيَّد القول الأول بالقياس، فإن ترك الواجب لعجز الغير بعيد. وفي الحديث حجة على مالك حيث قال: العاجز عن القيام لمرض وغيره لا يؤم، قال الشافعي في "الأم": ومن صلى بقوم جالسًا وهو يطيق القيام فصلاته فاسدة وصلاتهم صحيحة؛ لأنهم لم يكلفوا أن يعلموا أنه يطيق القيام أم لا، وقد يجد الرجل من نفسه ما يخفى على الناظر (¬4). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (690)، ومسلم (474/ 197 - 200). (¬2) "الأم" (1/ 171). (¬3) "صحيح البخاري" (689). (¬4) "الأم" (1/ 171) بتصرف.

الأصل

الأصل [246] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن أنس بن مالك قال: صليت أنا ويتيم لنا خلف النبي صلى الله عليه وسلم في بيتنا وأم سليم خلفنا (¬1). الشرح هذا حديث صحيح أخرجه البخاري (¬2) عن عبد الله بن محمَّد عن سفيان عن إسحاق بن عبد الله، واحتج الشافعي في "الأم" به على أن الإِمام يقف أمام المأمومين منفردًا، وعلى أنه إذا أمَّ اثنين وقفا صفًّا خلفه، وعلى أن الإمامة في النوافل جائزة ليلًا ونهارًا، فإن الظاهر أن المؤدى في بيتهم كان نافلة؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقيم المكتوبات في المسجد، لكن أبا داود السجستاني روى في "السنن" (¬3) عن مسلم بن إبراهيم، عن المثنى بن سعيد، عن قتادة، عن أنس "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يزور أم سليم فتدركه الصلاة أحيانًا، ويصلي على بساط لنا وهو حصير ننضحه بالماء" وهذا يقرّب احتمال كون المؤدى فرضًا. الأصل [247] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن أبي حازم قال: سألوا سهل بن سعد من أيّ شيء منبر النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: ما بقي من الناس أحد أعلم به مني، هو من أثل الغابة ¬

_ (¬1) "المسند" ص (58). (¬2) "صحيح البخاري" (727). (¬3) "سنن أبي داود" (658)، ورواه أحمد (3/ 190)، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود".

الشرح

عمله له فلان مولى فلانة، ولقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين صعد عليه استقبل القبلة فكبّر ثم قرأ، ثم ركع، ثم نزل القهقرى فسجد ثم صعد فقرأ ثم ركع ثم نزل القهقرى ثم سجد (¬1). الشرح هذا حديث صحيح أخرجه البخاري (¬2) عن علي بن عبد الله عن سفيان قال: وقام عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين عمل ووضع، فاستقبل القبلة وكبر وقام الناس خلفه، فقرأ وركع وركع الناس خلفه، ثم رفع رأسه ثم رجع القهقرى فسجد على الأرض، ثم عاد إلى المنبر ثم ركع ثم رفع رأسه ثم رجع القهقرى حتى سجد بالأرض فهذا شأنه وأخرجه مسلم (¬3) عن يحيى بن يحيى وقتيبة بن سعيد عن عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه، وأيضًا عن قتيبة عن يعقوب بن عبد الرحمن بن محمَّد القرشي عن أبي حازم، وكذلك أورده أبو داود (¬4). والأَثْلُ: شجر شبيه بالطرفاء، لكنّه أعظم من الطرفاء، ويقال: إنه الطرفاء ويوافقه رواية من روى من طرفاء الغابة وكذلك هو في "صحيح مسلم". والغابة فسّرها أبو سليمان الخطابي بالغَيضةِ (¬5) وأطلق، وذكر بعضهم أنها مال من أموال عوالي المدينة. وقوله: "عمله له فلان مولى فلانة" هذا هو المشهور، وذكر أن ¬

_ (¬1) "المسند" ص (58). (¬2) "صحيح البخاري" (377). (¬3) "صحيح مسلم" (544/ 44، 45). (¬4) "سنن أبي داود" (1080). (¬5) الغيضة -بالفتح- الأجمة، وهي مغيص ماء يجتمع فينبت فيه الشجر، والجمع غياض وأغياض. "مختار الصحاح" مادة: غيض.

سهلًا كان يسمي المرأة، وروي أنه صلى الله عليه وسلم أرسل إليها أن مري غلامك النجار يعمل لي أعوادًا أكلم الناس عليها فأمرته فعملها (¬1). ويروى "أنظري غلامك النجار" أي أمهليه كأنه يقول: دعيه يترك ما كان يعمله ويعمل لي هذِه الأعواد، وعن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما بَدَّن قال له تميم الداري: ألا أتخذ لك منبرًا يا رسول الله؟ قال: بلى، فاتخذه (¬2). والقهقرى: الرجوع إلى خلف، وإذا قلت: رجعت القهقرى فكأنك قلت: رجعت الرجوع الذي يعرف [بالقهقرى] (¬3). ومقصود الحديث أنه لما اتخذ المنبر ووضع ابتدأ النبي - صلى الله عليه وسلم - حين صعده بالصلاة، فكبر وكبر الناس خلفه مؤتمين به فقرأ وركع، فلما انتهى إلى السجود نزل القَهقَرى، وإنما نزل كذلك لئلا يستدبر القبلة وسجد على الأرض عند أصل المنبر، ثم عاد إلى الصعود فلما انتهى إلى السجود في الركعة الثانية نزل القهقرى ثم عاد حتى فرغ من الصلاة، وروي أنه لما فرغ أقبل على الناس بوجهه وقال: "يا أيها الناس إنما صنعت هذا لتأتموا بي ولتعلموا صلاتي" (¬4). وفيه أنه يحسن إذا اتُّخذ سريرٌ أو استحدثَ بناء أن يبتدأ فيه بالصلاة، وأنه تجوز الصلاة على السُّرُر والتُّخوت، ونزوله للسجود يشبه أن يكون لتضايق المنبر له خاصة إذا روعيت التخوية (¬5) والهيئات ¬

_ (¬1) وهو في رواية البخاري ومسلم. (¬2) رواه أبو داود (1081). (¬3) في "الأصل": بالقهقر. والمثبت من "مختار الصحاح" مادة: قهر. (¬4) وهو في رواية مسلم. (¬5) حاشية: قال الجوهري في "الصحاح": وخوى البعير تخوية إذا جافى بطنه عن الأرض في بروكه وكذلك الرجل في سجوده.

الأصل

المسنونة في السجود، وأنه لا بأس بالأفعال القليلة في الصلاة، وكان المنبر ثلاث درجات، قال الخطابي: ولعله قام على الثانية منها فلم يكن في نزوله وصعوده إلا خطوتان، وأنه يجوز الاقتداء وإن كان مكان الإِمام أرفع، والأولى أن لا يفعل ذلك، قال الشافعي: ولم يرو أنه - صلى الله عليه وسلم - صلى على المنبر إلا مرة واحدة وكان غرضه أن ينظروا إلى صلاته ويضبطوا أعماله فيها (¬1). الأصل [248] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن مخرمة بن سليمان، عن كريب مولى ابن عباس، عن ابن عباس أنه أخبره أنه بات عند ميمونة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - أمّ المؤمنين وهي خالته، قال: فاضطجعت في عرض الوسادة واضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهله في طولها، فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى انتصف الليل أو قبله بقليل أو بعده بقليل، استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يمسح وجهه بيده، ثم قرأ العشر الآيات الخواتم من سورة آل عمران، ثم قام إلى شنٍّ معلقة فتوضأ فأحسن وضوءه ثم قام يصلي، فقال ابن عباس: فقمت فصنعت مثل ما صنع، ثم ذهبت فقمت إلى جنبه، فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده اليمنى على رأسي وأخذ بأذني اليمنى ففتلها، فصلى ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين، ثم أوتر ثم اضطجع حتى جاء المؤذن، فقام، فصلى ركعتين خفيفتين ثم خرج فصلى الصبح" (¬2). ¬

_ (¬1) "الأم" (1/ 172). (¬2) "المسند" ص (59).

الشرح

الشرح مخرمة بن سليمان الوالبي الأسدي من أسد خزيمة مدني. سمع: كريبًا. يروي عنه: مالك، وعبد ربه بن سعيد، وعياض بن عبد الله، والضحاك بن عثمان. يقال: إنه قتل سنة اثنتين ومائة (¬1). والحديث صحيح: أورده مالك في "الموطأ" (¬2) والبخاري في "الصحيح" (¬3) عن القعنبي، ومسلم (¬4) عن يحيى بن يحيى بروايتهما عن مالك. وميمونة أم المؤمنين خالة عبد الله بن عباس، وأمّه لبابة بنت الحارث بن حزن الهلالية. وقوله: "فاضطجعت في عرض الوسادة" المشهور من اللفظ: العرض الذي هو ضدّ الطول، أي: توسدتها في العرض، وروى بعضهم: العُرضُ بضم العين وهو الناحية والجانب، ويشبه أن يكون اضطجاعهم كذلك؛ لأنه لم يوجد وسادة أخرى أو تلطفوا به لصغره، وإلا لما اضطجع قريبًا من رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقوله: "فجعل يمسح وجهه بيده" هذا على ما يعتاد المتنبّه من النوم طردًا لبقيته، وفي بعض الروايات: "فجعل يمسح النوم عن وجهه ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (8/ ترجمة 1983)، و"الجرح والتعديل" (8/ ترجمة 1659)، و"التهذيب" (27/ ترجمة 5830). والذي في مصادر ترجمته: أنه قتل بقديد سنة ثلاثين ومائة، والله أعلم. (¬2) "الموطأ" (1/ 121 رقم 265). (¬3) "صحيح البخاري" (992). (¬4) "صحيح مسلم" (763/ 182).

بيده" ولم يقم للوضوء إلى أن يزول بقية النوم ليكون عند القيام قويًّا نشيطًا ولم يخل الوقت عن الذكر والقراءة. والشنُّ والشنَّةُ: القربة البالية، والجمع: الشِّنان، وقد يبتغى لتبريد الماء السقاء الخلق فإنه أشدّ تبريدًا. وقوله: "فأحسن الوضوء" وفي بعض روايات "الصحيح" فتوضأ وضوءًا خفيفًا ويروى "وصف وضوءه فجعل يخففه ويقلّله" وفي بعض روايات "الصحيح" توضأ وضوءًا حسنًا بين الوضوءين وهذا يوضح إطلاق من أطلق أنه أحسن الوضوء، وإطلاق من أطلق أنه خفَّفه، والمقصود أنه لم يخلّ ولم يبالغ كل المبالغة. وقوله: "ثم [ذهبت] (¬1) فقمت إلى جنبه" يعني من الشق الأيسر، وهو مصرّح به في كثير من الروايات، ويبيّنه قوله: "فوضع يده اليمنى على رأسي وأخذ بأذني اليمنى" والواقف على اليمين يشق أخذ أذنه اليمنى، وذكر أن الفتل يحتمل أن يكون ليديره إلى اليمين، ويحتمل أن يريد تأديبه، والفتل أذكر للحال وأعون على الامتثال في الاستقبال، وحكى الربيع أن الشافعي فتل شحمة أذنه قال: فلما وجدت هذا عن ابن عباس علمتُ أن الشافعي فعل ذلك عن أصل، وفي كثير من الروايات أخذ بيدي فأقامني من وراء ظهره على الشق الأيمن، فجعلت إذا أغفيت يأخذ شحمة أذني وهذا يشعر بأن الفتل كان لإيقاظه، وأن الإدارة كانت بالأخذ بيده. وقوله: "فصلى ركعتين ثم ركعتين" ليس في الكتاب ذكر الركعتين إلا خمس مرات (¬2)، وفي "الموطأ" و"الصحيحين" وسائر ¬

_ (¬1) في "الأصل": ذهب. خطأ. (¬2) بل في رواية الكتاب ذكره ست مرات.

الأصول ذكر الركعتين ست مرات ثم أوتر، ويوافق الأول ما رواه مسلم عن محمَّد بن رافع، عن ابن أبي فديك، عن الضحاك، عن مخرمة، عن كريب قال: فصلى إحدى عشرة ركعة، ثم احتبى حتى إني لأسمع نفسه راقدًا (¬1) ويوافق الثاني ما في كثير من روايات "الصحيح" فصلى تلك الليلة ثلاث عشرة ركعة. وعن زيد بن خالد الجهني أنه قال: قلت لأرمقن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم الليلة، فصلى ركعتين خفيفتين، ثم صلى ركعتين طويلتين طويلتين طويلتين، ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما، ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما، ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما، ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما، ثم أوتر، فذلك ثلاث عشرة ركعة (¬2) وعن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي فيما بين أن يفرغ من صلاة العشاء -وهي التي يدعو الناس العتمة- إلى الفجر إحدى عشرة ركعة، يسلم من كل ركعتين، ويوتر بواحدة (¬3) وعنها قالت: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة منها الوتر وركعتا الفجر (¬4) وعن مسروق قال: سألت عائشة عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالليل، فقالت: سبع وتسع وإحدى عشرة سوى الفجر (¬5). وقد تفهم هذِه الروايات عن عائشة أن من قال إحدى عشرة لم يحسب ركعتي الفجر، ومن قال ثلاث عشرة أراد مع ركعتي الفجر، وعن رواية عبد ربه بن سعيد عن مخرمة عن كريب فصلى تلك الليلة ثلاث عشرة ركعة ثم نام حتى نفخ، ثم أتاه المؤذن فخرج فصلى ولم يتوضأ فلم يذكر ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (763/ 185). (¬2) رواه مسلم (764/ 195). (¬3) رواه مسلم (736/ 122). (¬4) رواه مسلم (737/ 124). (¬5) رواه البخاري (1139).

الركعتين بعد مجيء المؤذن والاستيقاظ، وقد يفهم مما روي عنها أنه - صلى الله عليه وسلم - كان ينقصها تارة ويزيدها أخرى على ما يتفق ويقتضيه الحال. وقوله: "ثم أوتر" أي جعلها وترًا وليس المقصود أن الركعات التي قدمها خارجة عن الوتر؛ لما روي عن عائشة قالت: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يوتر بثلاث عشرة فلما كبر وضعف أوتر بسبع (¬1). وقوله: "ثم اضطجع حتى جاء المؤذن" وفي غير هذِه الرواية: ثم اضطجع فنام حتى نفخ وكان إذا نام نفخ ثم أتاه بلال فآذنه بالصلاة فخرج وصلى الصبح ولم يتوضأ. قال سفيان: وكان ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - خاصة، لما بلغنا؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تنام عيناه ولا ينام قلبه. وقوله: "فصلى ركعتين خفيفتين" يريد ركعتي الفجر، وفي الحديث أنه نام من أول الليل وصلّى آخره، ويروى عن عائشة "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان ينام أول الليل ويحيي آخره" (¬2). وأنه يستحب قراءة الآيات العشر عند الانتباه، وأنه إذا لم يحضر إلا مأموم واحد ينبغي أن يقف على يمين الإِمام فإن لم يفعل حوله الإِمام إلى اليمين، وأنه لا يضر الفعل اليسير في الصلاة، وأنه تجوز الجماعة في صلاة التطوع، وأنه قد يشرع الإنسان في الصلاة منفردًا ثم يصير إمامًا، ويتبيَّن فيه رشد ابن عباس -رضي الله عنه- في حداثة سنِّه حيث تقيل (¬3) رسول الله صلى الله عليه وسلم في القيام من النوم والوضوء والصلاة. ¬

_ (¬1) رواه مسلم (746/ 139). (¬2) رواه مسلم (739/ 129). (¬3) يقال: تقيل فلان أباه وتقيضه تقيلًا وتقيضًا إذا نزع إليه في الشبه. "لسان العرب" مادة: قيل.

الأصل

الأصل [249] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا ابن عيينة، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي صلاته من الليل وأنا معترضة (¬1) بينه وبين القبلة كاعتراض الجنازة (¬2). [250] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن مالك بن مغول، عن [عون بن أبي جحيفة] (¬3) عن أبيه أنه قال: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأبطح وخرج بلال بالعنزة فركزها فصلى إليها والكلب والحمار والمرأة يمرون بين يديه" (¬4). الشرح مالك: هو ابن مغول بن عاصم، أبو عبد الله البجلي الكوفي. سمع: طلحة بن مصرّف، والشعبي، وعطاء. وروى عنه: الثوري، ووكيع، وأبو نعيم. مات سنة تسع وخمسين ومائة (¬5). وعون: هو ابن وهب أبي جحيفة بن عبد الله السوائي. سمع: أباه، والمنذر بن جرير. وروى عنه: الثوري، وشعبة، وعمر بن أبي زائدة، وأبو ¬

_ (¬1) زاد في "الأصل": و. مقحمة، وهي ليست في "المسند". (¬2) "المسند" ص (59). (¬3) في "الأصل": عثمان بن جحيفة تحريف، والمثبت من "المسند". (¬4) "المسند" ص (59). (¬5) انظر "التاريخ الكبير" (7/ ترجمة 1339)، و"الجرح والتعديل" (8/ ترجمة 961)، و"التهذيب" (27/ ترجمة 5753).

العميس (¬1). وأبوه أبو جحيفة يقال له: وهب الخير نزل الكوفة وابتنى بها دارًا. سمع: النبي - صلى الله عليه وسلم -، وروى عن: علي، والبراء بن عازب. روى عنه: سلمة بن كهيل، وأبو إسحاق السبيعي، والشعبي. وكان حين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يبلغ الحلم (¬2). والحديث الأول صحيح أخرجه البخاري (¬3) عن يحيى بن بكير عن الليث عن عقيل عن الزهري، ومسلم (¬4) عن أبي بكر بن أبي شيبة وعمرو الناقد وزهير بن حرب عن سفيان، وأخرجا (¬5) الحديث الثاني أيضًا من طرق عن عون بن أبي جحيفة. وقوله: "معترضة كاعتراض الجنازة" أي كما توضع الجنازة عرضًا للصلاة عليها. والأبطح يضاف إلى مكة وإلى منى وهو إلى منى أقرب، وعن ابن دريد أن الأبطح والبطحاء: الرمل المنبسط على وجه الأرض، والعنزة: عصا في طرفها زجٌّ، وقيل: هي قدر نصف رمح أو أقل لها سِنَانٌ كسِنَان الرمح، وقيل: العنزة ما دُوِّرَ نصله، والحربة العريضة النصل. واحتجت عائشة بما ذكرته على أن مرور المرأة بين يدي المصلي ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (7/ ترجمة 63)، و"الجرح والتعديل" (6/ ترجمة 2139)، و"التهذيب" (22/ ترجمة 4549). (¬2) انظر "معرفة الصحابة" (5/ ترجمة 2955)، و"الإصابة" (6/ ترجمة 9172). (¬3) "صحيح البخاري" (383). (¬4) "صحيح مسلم" (512/ 267). (¬5) "صحيح البخاري" (633)، و"صحيح مسلم" (503/ 249 - 253).

لا يبطل صلاته، ففي "الصحيح" عن عروة بن الزبير قال: قالت عائشة: ما يقطع الصلاة؟ فقلت: المرأة والحمار. فقالت: إن المرأة امرأة سوء لقد رأيتني بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم معترضة كاعتراض الجنازة وهو يصلي" (¬1) وروي أنها قالت: "كنت أنام بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجلاي في قبلته، فإذا سجد غمزني فقبضت رجلي، وإذا قام بسطتهما قالت: والبيوت يومئذ ليس فيها مصابيح" (¬2). وإنما كانوا يقولون: إن المرأة والحمار يقطعان الصلاة؛ لما روي في "الصحيح" عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا قام أحدكم يصلي فإنه يستره إذا كان بين يديه مثل آخرة الرحل، فإذا لم يكن بين يديه مثل آخرة الرحل، فإنه يقطع صلاته الحمار والمرأة والكلب الأسود" (¬3). وعن أبي هُرَيْرَةَ قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يقطع الصلاة المرأة والحمار والكلب، ويبقي ذلك مثل مؤخرة الرحل" (¬4). ويؤيد قول عائشة وبه قال عثمان، وعلي، وابن عمر -رضي الله عنه-: ما روي في "الصحيح" عن ابن عباس أنه قال: "صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمنى إلى غير جدار فجئت راكبًا على حمار لي وأنا يومئذ قد راهقت الاحتلام، فمررت بين يدي بعض الصف فنزلت وأرسلت الحمار ترتع ودخلت مع الناس، فلم ينكر ذلك عليّ أحد" (¬5). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (512/ 267). (¬2) رواه البخاري (382)، ومسلم (512/ 272) من طريق سالم أبي النضر، عن أبي سلمة عنها. (¬3) رواه مسلم (510/ 265). (¬4) رواه مسلم (511/ 266). (¬5) رواه البخاري (76).

قال الشافعي: قوله: "إلى غير جدار" يعني إلى غير سترة، وعن الفضل بن عباس "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى ليس بين يديه سترة والحمار والكلب يعبثان بين يديه فما بالى بذلك" (¬1) وعن أبي سعيد الخدري أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يدرأ الصلاة شيء وادرءوا ما استطعتم فإنه شيطان" (¬2). وأول الشافعي حديث القطع في "كتاب حرملة" على أن الالتفات إليها والاشتغال بها يقطع الذكر ويخلّ بالخشوع، وأما حديث أبي جحيفة فإنه لا يعارض حديث أبي ذر وأبي هُرَيْرَةَ؛ لأن قوله "والكلب والحمار والمرأة يمرون بين يديه" يعني من وراء العنزة، يدل عليه في بعض روايات "الصحيح" "وكان يمر من ورائهما الحمار والمرأة" وفي بعضها "ورأيت الناس والدواب يمرون بين يدي العنزة" وقطع الصلاة في حديثهما شرط بما إذا لم يكن سترة. وفي الحديث أن المصلي ينبغي أن يصلي إلى سترة، روي عن ابن عمر "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج يوم العيد أمر بالحربة فتوضع بين يديه فيصلي إليها والناس وراءه، وكان يفعل ذلك في السفر فمن ثم اتخذها الأمراء" (¬3) ولتكن السترة بقدر آخرة الرحل لما مر، وعن طلحة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا وضع أحدكم بين يديه مثل مؤخرة الرحل فليصل ولا يبال من مرّ وراء ذلك" (¬4). ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (718) بنحوه. (¬2) رواه أبو داود (719) بنحوه. والحديثان ضعفهما الألباني رحمه الله في "ضعيف أبي داود". (¬3) رواه البخاري (494)، ومسلم (501/ 245، 246). (¬4) رواه مسلم (499/ 241، 242).

الأصل

وآخرة الرحل ومؤخرته: عودٌ في مؤخره وهو ثلثا ذراع إلى ذراع، ويستحب للمصلي أن يدنو من السترة أن يجعلها على حاجبه الأيمن أو الأيسر. الأصل [251] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا ابن عيينة، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن همام قال: صلى بنا حذيفة على دكان مرتفع يسجد عليه، فجبذه أبو مسعود فتابعه حذيفة، فلما قضى صلاته قال أبو مسعود أليس نهي عن هذا؟ فقال له حذيفة: ألم ترني تابعتك (¬1). الشرح إبراهيم: هو ابن يزيد بن عمرو، وقيل: ابن يزيد بن الأسود بن عمرو بن ربيعة، أبو عمران الكوفي النخعي. سمع: علقمة بن قيس، والأسود بن يزيد، وأبا عبيدة بن عبد الله ابن مسعود، وهمام بن الحارث. وروى عنه: الحكم، ومنصور، والأعمش. مات سنة خمس أو ست وتسعين (¬2). وهمام: هو ابن الحارث النخعي الكوفي. ¬

_ (¬1) "المسند" ص (59). والحديث رواه أبو داود (597)، وابن الجارود (313)، وابن خزيمة (1523)، وابن حبان (2143)، والحاكم (1/ 329). قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود". (¬2) انظر "التاريخ الكبير" (1/ ترجمة 1052)، و"الجرح والتعديل" (2/ ترجمة 473)، و"التهذيب" (2/ ترجمة 265).

كتاب الجمعة

سمع: حذيفة، وجرير بن عبد الله، وعمارًا، وعدي بن حاتم، والمقداد بن الأسود. توفي في ولاية الحجاج (¬1). وحذيفة: هو ابن اليمان حسيل بن عمرو بن ربيعة، أبو عبد الله العبسي الكعكي من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم المشهورين. روى عنه: أبو وائل، وأبو إدريس الخولاني، وربعي بن حراش، وقيس بن أبي حازم، وعبد الرحمن بن أبي ليلى. مات بالمدائن سنة خمس وثلاثين قبل عثمان رضي الله عنهما بأربعين ليلة (¬2). وفيه أن المستحب أن يستوي موضع الإِمام والمأمومين، وكأن حذيفة نسي ذلك فلما ذكّر عاد إلى المستحب، قال الشافعي (¬3): نعم لو أراد الإِمام أن يعلم القوم أفعال الصلاة فصلى على الشيء المرتفع ليريهم ركوعه وسجوده فعل كما صلى النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر مرّة للتعليم كما تقدم. والسابق إلى الفهم من اللفظ أن الجبذ ومتابعة حذيفة كان في خلال الصلاة، وقد يستدلّ به على أن الفعل القليل لا يفسد الصلاة، وعلى أنه يحسن المبادرة إلى النصيحة وقبولها. الأصل من كتاب الجمعة ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (8/ ترجمة 2848)، و"الجرح والتعديل" (9/ ترجمة 452)، و"التهذيب" (30/ ترجمة 6599). (¬2) انظر "معرفة الصحابة" (2/ ترجمة 566)، و"الإصابة" (2/ ترجمة 1649). (¬3) "الأم" (1/ 172) بتصرف.

الشرح

[252] أبنا الربيع بن سليمان، أبنا الشافعي، أبنا إبراهيم بن محمَّد، حدثني صفوان بن سليم، عن نافع بن جبير وعطاء بن يسار، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "شاهد يوم الجمعة، ومشهود يوم عرفة" (¬1). [253] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا إبراهيم، حدثني شريك بن عبد الله بن أبي نمر، عن عطاء بن يسار، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله (¬2). [254] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا إبراهيم بن محمَّد، حدثني عبد الرحمن بن حرملة، عن ابن المسيب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله (¬3). الشرح شريك بن عبد الله بن أبي نمر: هو أبو عبد الله القرشي، ويقال: الليثي. سمع: أنسًا، وعطاء بن يسار، وكريبًا. وروى عنه: سعيد المقبري، ومالك بن أنس، وغيرهما. توفي سنة أربعين ومائة (¬4). والحديث مرسل من الروايات الثلاث، ورواه الحسن بن محمَّد أبو علي الزعفراني صاحب الشافعي في "تفسيره" مرفوعًا عن روح بن عبادة عن موسى بن عبيدة، عن أيوب بن خالد، عن عبد الله بن رافع، عن أبي هُرَيْرَةَ عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ورواه كذلك حميد بن زنجويه عن عبيد الله ابن موسى عن موسى بن عبيدة، وروي ذلك عن أبي هُرَيْرَةَ موقوفًا وهو ¬

_ (¬1) "المسند" ص (60). (¬2) "المسند" ص (60). (¬3) "المسند" ص (60). (¬4) انظر "التاريخ الكبير" (4/ ترجمة 2645)، و"الجرح والتعديل" (4/ ترجمة 1592)، و"التهذيب" (12/ ترجمة 2737).

الأصل

أصح عند الأئمة (¬1)، وتكلموا في موسى بن عبيدة (¬2). والمقصود بيان فضل يوم الجمعة وذلك أن الله تعالى أقسم بشاهد ومشهود، وفسّر الأكثرون كما في الخبر الشاهد بيوم الجمعة، والمشهود بيوم عرفة، وذكروا أنه سمي يوم الجمعة شاهدًا؛ لأنه يشهد لكل عامل بما عمل فيه، ويوم عرفة المشهود؛ لأنه يشهد الناس فيه موسم الحج وتشهده الملائكة. الأصل [255] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا ابن عيينة، عن عبد الله بن طاوس، عن أبيه، عن أبي هُرَيْرَةَ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نحن الآخرون ونحن السابقون بيْد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا، وأوتيناه من بعدهم، فهذا اليوم الذي اختلفوا فيه فهدانا الله له، فالناس لنا تبع اليهود غدًا والنصارى بعد غدٍ" (¬3). [256] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هُرَيْرَةَ مثله إلا أنه قال: بأيدٍ أنهم (¬4). [257] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا إبراهيم بن محمَّد، حدثني محمَّد ابن عمرو بن علقمة، عن أبي سلمة، عن أبي هُرَيْرَةَ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "نحن الآخرون السابقون يوم القيامة بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا وأوتيناه من بعدهم، هذا يومهم الذي فرض الله عليهم يعني الجمعة ¬

_ (¬1) رواه أحمد (2/ 298)، والبيهقي (3/ 170). ورجح أبو حاتم وقفه في "العلل" (رقم 1688). (¬2) توجد حاشية مطموسة في "الأصل". (¬3) "المسند" ص (60). (¬4) "المسند" ص (60).

الشرح

فاختلفوا فيه، فهدانا الله له فالناس لنا تبع السبت والأحد" (¬1). الشرح هذا حديث صحيح أخرجه البخاري (¬2) عن أبي اليمان عن شعيب عن أبي الزناد وقال: "ثم هذا يومهم الذي فرض الله عليهم فاختلفوا فيه" وأخرجه مسلم (¬3) عن عمرو الناقد عن سفيان عن أبي الزناد وقال: "ثم هذا اليوم الذي كتبه الله علينا" ورواه عن ابن أبي عمر عن سفيان من طريق أبي الزناد عن الأعرج وابن طاوس عن أبيه معًا، وأحال المتن على ما أورده من رواية الناقد، وذكر أن الثابت من رواية ابن أبي عمر "كتب الله عليهم فاختلفوا فيه" دون كتب الله علينا وكذلك رواه مالك وموسى بن عقبة وشعيب بن أبي حمزة عن أبي الزناد، ويوافقه الرواية الثالثة للشافعي، وروى الحديث الأعمش عن أبي صالح عن أبي هُرَيْرَةَ، وكذلك رواه معمر (¬4) عن همام بن منبه عن أبي هُرَيْرَةَ. وقوله: "ونحن الآخرون السابقون" أي الآخرون في الزمان، والسابقون في الفضل والكرامة. وقوله: "بيد أنهم" أي غير أنهم، وقيل: إلا أنهم، وقيل: على أنهم، وقد يكون بمعنى من أجل كما في قوله صلى الله عليه وسلم: "بيد أني من قريش" (¬5)، ويروى هذا عن الشافعي، "وميْدَ" بالميم لغة في بيد، وروى بعضهم في "صحيح مسلم" في رواية الناقد ثم في رواية قتيبة عن جرير ¬

_ (¬1) "المسند" ص (61) وأعاد في الأصل هذا الحديث في آخر الجزء مرة أخرى. (¬2) "صحيح البخاري" (876). (¬3) "صحيح مسلم" (855/ 19). (¬4) ومن طريقي الأعمش ومعمر أخرجه مسلم (855/ 20، 21). (¬5) هو جزء من حديث "أنا سيد ولد آدم .... " قال ابن الملقن في "الخلاصة" (2174): غريب.

عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هُرَيْرَةَ "بأيْد" بدل "بيد" وهو وهم عند جماعة، وصححه بعضهم وقال: معناه بقوة أعطانا الله تعالى وفضلنا بها، وعلى هذا فيكون "إنهم" مكسورًا؛ لأنه ابتداء كلام والمشهور ما سبق. وقوله: "هذا يومهم الذي فرض الله عليهم" أي فرض عليهم تعظيمه والعبادة فيه، وتركته اليهود ومالت إلى يوم السبت للفراغ فيه من الخلق، ومالت النصارى إلى يوم الأحد؛ لأن الله تعالى ابتدأ فيه بالخلق، فهدانا الله تعالى للجمعة ووفقنا لتعظيمها فنحن السابقون عليهم كما أن الجمعة سابقة على السبت والأحد، ويوضح ذلك ما روي عن أبي حازم عن أبي هُرَيْرَةَ، وعن ربعي بن حراش عن حذيفة قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أضل الله عن يوم الجمعة من كان قبلنا، فكان لليهود يوم السبت، وللنصارى يوم الأحد، فجاء الله بنا فهدانا ليوم الجمعة، فجعل الجمعة والسبت والأحد، وكذلك هم لنا تبع يوم القيامة" (¬1). آخر الجزء ويتلوه فيما يليه: أبنا الربيع، أبنا الشافعي أبنا إبراهيم بن محمَّد والحديث: "تجب الجمعة على كل مسلم". الحمد لله حق حمده. ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (856/ 22).

الرواة سوى من سبق

الرواة سوى من سبق: سلمة الخطمي، محمَّد بن كعب، عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز، أبو عبيد مولى ابن أزهر، خالد بن رباح، المطلب بن حنطب، يوسف بن ماهك، عبد الله بن عبد الرحمن، جدة جابر بن عتيك، عطارد التميمي، ابن السبّاق، ثعلبة بن أبي مالك، سليك الغطفاني، عياض بن عبد الله، طفيل بن أبيّ، أبوه، أم هشام بنت حارثة، محمَّد بن أبي بكر بن حزم، محمَّد بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة، أبو بكر بن حزم، الحسن بن محمَّد بن علي، أبان بن صالح، عبد العزيز بن رفيع، تميم بن طرفة، عدي بن حاتم، هشام بن حسان، محمَّد بن أبي يحيى، سليمان بن موسى، معبد بن خالد، سمرة بن جندب، عكرمة، عبيدة بن سفيان، أبو الجعد الضمري، صالح بن كيسان، أبو طوالة الأنصاري، موسى بن عبيدة، معاوية بن إسحاق، عبيد الله بن عمير، إبراهيم بن أبي الجعد، عمرو بن شرحبيل بن سعد بن عبادة، أبوه، جده -رضي الله عنهم -.

الأصل

بسم الله الرحمن الرحيم الأصل [258] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا إبراهيم بن محمَّد، حدثني سلمة بن عبد الله الخطمي، عن محمَّد بن كعب، أنه سمع رجلًا من بني وائل يقول: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "تجبُ الجُمُعَةُ عَلَى كُلِّ مسلمٍ إلا امْرأة أو صبي أو مملُوك" (¬1). الشرح سلمة الخطمي: سمّى الربيعُ أباه عبد الله، وروى المزني الحديث في "مختصره" عن الشافعي قال: سلمة بن عبيد الله وهما متقاربان (¬2). ومحمد: هو ابن كعب بن سليم القرظي أبو حمزة المديني: يقال أنه ولد في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأن أباه كان ممن لم يُنبت يوم قريظة فترك. سمع: ابن عباس، وزيد بن أرقم. وسمع منه: الحكم بن عتيبة، وابن عجلان. مات بالمدينة بعد المائة (¬3). والحديث مرسل لكن له شواهد وآثار يقوى بها. ¬

_ (¬1) "المسند" ص (61). (¬2) انظر "التاريخ الكبير" (4/ ترجمة 2025)، و"الجرح والتعديل" (4/ ترجمة 732)، و"التهذيب" (11/ ترجمة 2459). ونسبه البخاري وابن أبي حاتم: ابن عبيد الله بن محصن، ولم يذكرا فيه جرحًا ولا تعديلًا. وكذا نسبه ابن حبان في "الثقات". وقال أحمد: لا أعرفه، كما في "بحر الدم" (385). (¬3) انظر "التاريخ الكبير" (1/ ترجمة 679)، و"الجرح والتعديل" (8/ ترجمة 303)، و"التهذيب" (26/ ترجمة 5573).

فلا جمعة على النساء بالاتفاق، ولا على الصبيان والمجانين (¬1)، وكذا لا جمعة على الرقيق عند أكثر أهل العلم، وليس في الحديث تعرض للمسافر وهو مستثنى أيضًا فلا جمعة عليه، وإن كان يسمع النداء، وروى الدارقطني بإسناده في "السنن" (¬2) عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ليس على المسافر جمعة" ومن عدا هؤلاء فعليهم الجمعة؛ إلا أن يكون هناك عذر. وقد روى أبو داود في "سننه" (¬3) عن العباس بن عبد العظيم، حدثني إسحاق بن منصور، ثنا هريم، عن إبراهيم بن محمَّد بن المنتشر، عن قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الجمعة حق واجب على كل مسلم في جماعة إلا أربعة: عبد مملوك، أو امرأة، أو صبي، أو مريض". ثم قال أبو داود: وطارق هذا يعد في الصحابة؛ لأنه رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - ولكن لم يسمع منه شيئًا. وعلى هذا فالحديث مرسل من هذه الرواية أيضًا، لكن الحافظ أبا الحسن الدارقطني روى بإسناده عن أبي الزبير عن جابر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فعليه الجمعة يوم الجمعة؛ إلا مريض، أو مسافر، أو امرأة، أو صبي أو مملوك" (¬4). ¬

_ (¬1) انظر "الإجماع" لابن المنذر (52، 53). وقال الخطابي في "معالم السنن": أجمع الفقهاء على أن النساء لا جمعة عليهن؛ فأما العبيد فقد اختلفوا فيهم ... (¬2) "سنن الدارقطني" (2/ 4 رقم 4) من طريق عبد الله بن نافع، عن أبيه. (¬3) "سنن أبي داود" (1067). وقال: طارق بن شهاب قد رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يسمع منه شيئًا. (¬4) "سنن الدارقطني" (2/ 3 رقم 1 باب من تجب عليه الجمعة).

الأصل

الأصل [259] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا إبراهيم بن محمَّد، حدثني عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز، عن أبيه، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، قال: كل قرية فيها أربعون رجلًا فعليهم الجمعة (¬1). الشرح عبد العزيز: هو ابن عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم القرشي. سمع: أباه، ونافعًا. وسمع منه: وكيع، وأبو نعيم، ويحيى بن سعيد (¬2). ويؤيد هذا الأثر بما روي عن جابر قال: "مضت السنة أن في كل أربعين فما فوقها جمعة" أورده الدارقطني في "السنن" (¬3)، وفي كتب الفقه عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إذا اجتمع أربعون رجلًا فعليهم الجمعة" (¬4) وعن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا جمعة إلا ¬

_ (¬1) "المسند" ص (61). (¬2) انظر "التاريخ الكبير" (6/ ترجمة 1558)، و"الجرح والتعديل" (5/ ترجمة 1810)، و"التهذيب" (18/ ترجمة 3464). (¬3) "سنن الدارقطني" (2/ 3 رقم 1 - باب ذكر العدد في الجمعة)، ورواه البيهقي (3/ 177) وضعفه، كلاهما من طريق عبد العزيز بن عبد الرحمن، عن خصيف، عن عطاء عنه. قال الحافظ في "التلخيص" (622): وعبد العزيز: قال أحمد: اضرب على حديثه فإنها كذب أو موضوعة، وقال النسائي: ليس بثقة، وقال الدارقطني: منكر الحديث، وقال البيهقي: هذا الحديث لا يحتج بمثله. وقال الألباني في "الإرواء" (603): ضعيف جدًّا. (¬4) قال ابن الملقن في "الخلاصة" (722): غريب.

الأصل

بخمسين" (¬1) وفي اعتبار الخمسين اعتبار الأربعين. وقال الشافعي في "الأم" (¬2): سمعت عددًا من أصحابنا يقولون: تجب الجمعة على أهل دار مقام إذا كانوا أربعين رجلًا؛ فقلنا به، وكان أقل ما علمناه، ولم يجز عندي أن أدع القول فيه، وقد روي "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جمع حين قدم المدينة بأربعين رجلًا" ولا يثبته أهل الحديث، ثم قال: أبنا الثقة، عن سليمان بن موسى أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى أهل المياه فيما بين الشام إلى مكة جمعُوا إذا بلغتم أربعين رجلًا. الأصل [260] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن ابن شهاب، عن أبي عبيد مولى ابن أزهر، قال: شهدت العيد مع علي - رضي الله عنه - وعثمان - رضي الله عنه - محصور (¬3). الشرح أبو عبيد: هو سعد بن عبيد، مولى عبد الرحمن بن أزهر الزهري القرشي، ويقال: مولى عبد الرحمن بن عوف، وكانا ابني عم، فقيه من أهل المدينة. روى عن: عمر، وعثمان، وعلي، وأبي هريرة. وروى عنه: الزهري، وسعيد بن خالد القارظي (¬4). ¬

_ (¬1) قال ابن الملقن في "الخلاصة" (723): غريب، والمعروف عنه ما رواه الدارقطني والبيهقي مرفوعًا "على خمسين جمعة ... " وهو ضعيف بمرة، قال البيهقي: لا يصح إسناده. (¬2) "الأم" (1/ 190). (¬3) "المسند" ص (61). (¬4) انظر "التاريخ الكبير" (4/ ترجمة 1960)، و"الجرح والتعديل" (4/ ترجمة 390)، و"التهذيب" (10/ ترجمة 2219).

الأصل

ومقصود الأثر أن الجمعة والعيد وسائر الشعائر تؤدى خلف من يقوم بها من أمير ومنصوب من جهته ومتغلب على البلد وغير متغلب، وفيه دليل على أنه إذا لم ييسر للإمام الخروج ولا بعث من ينوب عنه للعيدين وغيرهما، فيستحب للقوم القيام بها وتأدية الشعائر المشروعة في الدين، وليتصدّ له كبير مرموق بين القوم كما فعل علي -رضي الله عنه-. الأصل [261] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا إبراهيم بن محمَّد، حدثني خالد بن رباح، عن المطلب بن حنطب "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي الجمعة إذا فاء الفيء قدر ذراع أو نحوه" (¬1). [262] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن يوسف بن ماهك قال: قدم معاذ بن جبل على أهل مكة وهم يصلون الجمعة والفيء في الحجر، فقال: لا تصلوا حتى تفيء الكعبة من وجهها (¬2). الشرح خالد بن رباح بالباء والحاء. حدث عن: المطلب بن عبد الله بن حنطب. وروى عنه: أبو بكر بن عبد الله بن أبي سبرة المديني، وقضيّة ما ذكر أهل العلم بالرواة أنه ليس بخالد بن رباح الهذلي البصري (¬3). والمطلب: هو ابن عبد الله بن حنطب المدني. ¬

_ (¬1) "المسند" ص (61). (¬2) "المسند" ص (61). (¬3) انظر "تعجيل المنفعة" (1/ 112 رقم 225).

سمع: أبا موسى، وأم سلمة، وعائشة. وروى عنه: عمرو بن أبي عمرو، وكثير بن زيد (¬1). ويوسف: هو ابن ماهك المكي، فارسي الأصل. سمع: أم هانيء، وابن عباس، وابن عمر. وروى عنه: جعفر بن إياس، وإبراهيم بن المهاجر (¬2). وقوله: "إذا فاء الفيء" أي: رجع الظل إلى جهة الشرق، ويقال: الفيء ما كان شمسًا فنسخها الظل، والظل ما لم يغشه الشمس، وأصل الفيء الرجوع يسمى الظل بعد الزوال فيئًا؛ لرجوعه من جهة الغرب إلى جهة الشرق. وقول معاذ: "لا تصلوا حتى تفيء الكعبة من وجهها". قال الشافعي: وجهها: الباب (¬3)، والمراد: حتى تزول الشمس. والمقصود من الخبر والأثر: أن الجمعة إنما تقام بعد الزوال، وكذلك الخطيب لا يبتديء بالخطبة إلا بعد الزوال، والخبر وإن كان مرسلًا لكن معناه مسند موصول ففي "الصحيح" عن أنس بن مالك: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي الجمعة حين تميل الشمس" (¬4) وعن عبد الله بن مسعود، وابن الزبير جواز تقديم الجمعة على الزوال، وبه قال أحمد، واستشهد لذلك بما روي عن سهل بن مسعد أنه قال: "ما كنا نقيل ولا نتغدى إلا بعد الجمعة" (¬5) وعن سلمة بن الأكوع قال: "كنا ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (8/ ترجمة 1942)، و"الجرح والتعديل" (8/ ترجمة 1643)، و"التهذيب" (28/ ترجمة 6006). (¬2) انظر "التاريخ الكبير" (8/ ترجمة 3379)، و"الجرح والتعديل" (9/ ترجمة 961)، و"التهذيب" (32/ ترجمة 7150). (¬3) "الأم" (1/ 194). (¬4) رواه البخاري (904). (¬5) رواه البخاري (905)، ومسلم (859/ 30).

الأصل

نصلي مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم نرجع فلا يرى للحيطان فيء يُستظل به" (¬1). ونحن نحمل ذلك على أنهم كانوا يعجلون ولا يتراخون بها. وحديثا سهل [يدل] (¬2) على أنهم كانوا يبكرون إلى الجمعة ويؤخرون الغداء والقيلولة؛ كيلا يعوقهم الاشتغال بهما عن التبكير، ويشعر به ما روي عن حميد عن أنس قال: "كنا نبكر بالجمعة، ونقيل بعد الجمعة" (¬3). الأصل [263] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا الثقة، عن الزهري، عن السائب بن يزيد: أن الأذان كان أوله للجمعة حين يجلس الإِمام على المنبر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر، فلما كان خلافة عثمان كثر الناس، فأمر عثمان بأذان ثان وأذن به، فثبت الأمر على ذلك. وكان عطاء ينكر أن يكون أحدثه عثمان ويقول: أحدثه معاوية -والله أعلم (¬4). الشرح هذا حديثا صحيح أخرجه البخاري (¬5) عن آدم عن ابن أبي ذئب عن الزهري وقال: فلما كان عثمان وكثر الناس زاد النداء الثالث على الزوراء (¬6). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (4168)، ومسلم (860/ 32). (¬2) ليست في "الأصل" والسياق يقتضيها. (¬3) رواه البخاري (905). (¬4) "المسند" ص (61). (¬5) "صحيح البخاري" (912). (¬6) كُتب في الحاشية: فائدة: الزوراء موضع عند سوق المدينة قرب المسجد، وقال الدراوردي: هو مرتفع كالمنارة.

وأيضًا (¬1) رواه عن أبي نعيم عن عبد العزيز بن أبي سلمة عن الزهري عن السائب "أن الذي زاد التأذين الثالث يوم الجمعة عثمان حين كثر أهل المدينة، ولم يكن للنبي - صلى الله عليه وسلم - إلا مؤذن واحد، وكان التأذين يوم الجمعة حين يجلس الإِمام على المنبر". وروى الحديث الشافعي في "القديم" فقال: أخبرني بعض أصحابنا عن ابن أبي ذئب عن الزهري فروى ما في الكتاب بالمعنى، وقال في آخره: "ثم أحدث عثمان الأذان الأول على الزوراء" ويشبه أن يريد ببعض الأصحاب ابن أبي فديك؛ فإنه رواه عن ابن أبي ذئب، وبالثقة ها هنا روايته عن ابن أبي ذئب عن الزهري، واعلم أن الأذان المحسوب للجمعة هو الذي يتأخر عن الزوال كالأذان المحسوب للظهر، فلو تقدم على الزوال لم يعتد به. ثم في الحديث مباحثتان: إحديهما: (¬2) أن رواية الكتاب: "فأمر عثمان بأذان ثانٍ" وفي رواية "الصحيح": "زاد النداء الثالث على الزوراء" وحكينا عن "القديم" أنه قال: "ثم أحدث عثمان النداء الأول على الزوراء". فكيف وصف بكونه أولًا وثانيًا وثالثًا؟ والجواب: أن الروايات متفقة على أن الأذان للجمعة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر كان الذي ينادي به حين يجلس الإِمام على المنبر، وأن الذي زيد أذانٌ قبل الجلوس على المنبر، ألا ترى أن الشافعي قال في "الأم" (¬3): الأمر الذي كان في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلى، وإن أذن جماعة من المؤذنين والإمام على المنبر وأذن كما ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (913). (¬2) كذا بالأصل والجادة: إحداهما. (¬3) "الأم" (1/ 195).

يؤذن اليوم أذان قبل أذان المؤذنين إذا جلس الإِمام على المنبر كرهت ذلك. وإذا عرف ذلك فالأذان والإقامة كل واحدٍ منهما نداء بالصلاة وإعلام، وكان المعهود في العصر الأول نداءان: نداء إذا جلس الإِمام على المنبر، ونداء إذا قامت الصلاة وهو الإقامة، فزيد نداء آخر قبل جلوس الإِمام على المنبر، فإن اعتبر النداء بمطلقه كان المعهود نداءين فالذي زيد ثالث، وعلى هذا تحمل رواية "الصحيح"، وإن اعتبر الأذان بخصوصه كان المعهود واحدًا فالذي زيد ثان وعلى هذا تحمل رواية الكتاب، ثم الذي زيد سابق بالزمان على المعهودين، فيصح أن يسمى النداء الأول لتقدمه بالزمان، ويوضح هذه الجملة ما روى ابن عبد الحكم، عن ابن أبي فديك، عن ابن أبي ذئب، عن الزهري، عن السائب بن يزيد: أن النداء يوم الجمعة كان أوله إذا خرج الإِمام في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي زمان أبي بكر وعمر وإذا قامت الصلاة، حتى كان زمان عثمان فأكثر الناس فزاد النداء الثالث على الزوراء (¬1). والزوراء: موضع في سوق المدينة قريب من المسجد، ويقال: كان فيه ارتفاع، وفي "سنن ابن ماجه" (¬2) أن الزوراء كانت دارًا في السوق. والثانية: أنهم عند الاقتصار على الأذان عند جلوس الإِمام على المنبر متى كانوا يؤدون سنة الجمعة المتقدمة على فرضها، والظاهر ¬

_ (¬1) رواه البيهقي (3/ 192) من طريقه، ورواه الترمذي من طريق حماد بن خالد، عن ابن أبي ذئب (516) وقال: حسن صحيح. (¬2) "سنن ابن ماجه" (1135).

أنهم كانوا يقدمونها على الأذان وجلوس الإِمام؛ لأن الإِمام يشتغل بالخطبة عند تمام الأذان والقوم بالاستماع، وإذا حصل الفراغ من الخطبة فلا يعدل عن الفريضة إلى غيرها؛ لأن الموالاة واجبة أو مستحبة. وما ذكره عطاء من نسبة الزيادة إلى معاوية خلاف الروايات الصحيحة المشهورة.

الأصل

الأصل [264] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِذَا كَانَ يَوْمُ الجُمُعَةِ كَانَ عَلَى كُلِّ بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ المَسْجِدِ مَلاَئِكَةٌ يَكْتُبُونَ النَّاسَ عَلَى مَنَازِلِهِمُ الأوَّلَ فَالأَوَّلَ، فَإِذَا خَرَجَ الإِمَامُ طُويت الصُّحُفُ، وَاسْتَمَعُوا الخُطْبَةَ، والْمُهَجِّرُ إِلَى الصَّلاَةِ كَالْمُهْدِي بَدَنَةً، ثُمَّ الذِي يَلِيهِ كَالمُهْدِي بَقَرَة، ثُمَّ الذِي يَلِيهِ كَالمُهْدِي كَبْشًا"، حَتَّى ذَكَرَ الدَّجَاجَةَ وَالْبَيْضَةَ (¬1). [265] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مَالِكٌ، عن سُمَيٍّ، عن أبي صالح السمَّان، عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَنِ اغتسلَ يَوْمَ الجُمُعَةِ غُسْلَ الجَنَابَةِ ثُمَّ رَاحَ فَكَأنّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً، وَمَنْ رَاحَ في السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَأنّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً، وَمَنْ رَاحَ في السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ فَكَأنّمَا قَرَّبَ كَبْشًا أَقْرَنَ، وَمَنْ رَاحَ في السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ فَكَأنّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً، وَمَنْ رَاحَ في السَّاعَةِ الخَامِسَةِ فَكَأنّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً، فَإِذَا خَرَجَ الإِمَامُ حَضَرَتِ المَلاَئِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ" (¬2). الشرح الحديث الأول اختلف فيه على الزهري فرواه سفيان عنه عن سعيد عن أبي هريرة، ورواه معمر وابن أبي ذئب وإبراهيم بن سعد ويونس بن يزيد عن الزهري عن أبي عبد الله الأغر عن أبي ¬

_ (¬1) "المسند" ص (62). (¬2) "المسند" ص (62).

هريرة، وأشار الشافعي في بعض كتبه إلى ترجيح رواية الزهري عن الأغر؛ لأن رواتها أكثر، وهم إلى الحفظ والضبط أقرب، وعلى ذلك جرى البخاري في "الصحيح" (¬1) فأخرج رواية الزهري عن الأغر ولم يخرج رواية الزهري عن سعيد، وأخرج مسلم (¬2) روايتي الزهري جميعًا: فروى عن يحيى بن يحيى وعمرو الناقد عن سفيان كما في الكتاب، وعن أبي الطاهر وغيره عن ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب عن الأغر، وحكم بصحة الروايتين وسماع الزهري منهما جميعًا: عليّ بن المديني، وغيره. والحديث الثاني رواه البخاري (¬3) عن عبد الله بن يوسف، ومسلم (¬4) عن قتيبة بروايتهما جميعًا عن مالك. وفي الحديثين بيان فضل التبكير إلى الجمعة. وقوله: "إِذَا كَانَ يَوْمُ الجُمُعَةِ ... " إلى آخره: يعني: أن الملائكة يكتبون ثواب الساعين إلى الجمعة على مراتب مبادرتهم، فإذا خرج الإِمام من مكانه وتصدى للخطبة طووا الصحف واستمعوا الخطبة، ثم بين بقوله: "والمهجرّ إلى الصلاة ... " إلى آخره تفاوت الدرجات ومقاديرها، والتهجير إلى الصلاة: قيل هو التبكير إليها، لغة حجازية، وقيل: هو السعي إليها في الهاجرة، والهاجرة والهجير: نصف النهار. واختلفوا بحسب التفسيرين في أن السعي إلى المسجد لصلاة الجمعة من أول النهار أفضل أم من وقت الزوال؟ وسنذكر مثله في الرواح في الحديث الثاني. وقوله: "من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة" قيل: كغسله ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (929). (¬2) "صحيح مسلم" (850/ 24). (¬3) "صحيح البخاري" (877). (¬4) "صحيح مسلم" (850/ 10).

للجنابة، ويدل عليه أن اللفظ في "مسند عبد الرزاق" (¬1) من رواية سمي عن أبي صالح عن أبي هريرة "إذا كان يوم الجمعة فاغتسل أحدكم كما يغتسل عن الجنابة ... " وقيل: معناه جامَعَ فيه واغتسل عن الجنابة، وهذا كأحد المعاني المقولة فيما روي أنه صلى الله عليه وسلم قال: "من غسل واغتسل، ثم بكر وابتكر، ومشى ولم يركب، ودنا من الإِمام فاستمع ولم يلغ؛ كان له بكل خطوة عمل سنة أجر صيامها وقيامها" (¬2). قيل: هو من قولهم: غسل الرجل امرأته أي: جامعها، ورواه بعضهم: "غسل" بالتشديد. وقال صاحب "الغريبين" (¬3): ذهب كثير من الناس إلا أنه المجامعة قبل الخروج إلى الصلاة؛ لأنه يجمع غضَّ الطرف والاغتسال. وقيل معناه: اغتسل بعد الجماع ثم اغتسل للجمعة. وقيل أراد بقوله: "غسَّل" غسل الرأس، وبقوله: "اغتسل" غسل ما بقي من الجسد. وقيل: أراد بالأول: غسل أعضاء الوضوء، وبالثاني غسل الباقي. وقيل: هما واحد وتكرير اللفظ للتأكيد، وكذا "بكر وابتكر" وهما كقوله: "ومشى ولم يركب" وقيل: "بكر" أي: أتى الصلاة لوقتها، "وابتكر" أي: أدرك باكورة الخطبة: وهي أولها. ¬

_ (¬1) "المصنف" (5565). (¬2) رواه أبو داود (345)، والترمذي (496)، والنسائي (3/ 95)، وابن ماجه (1087)، وابن حبان (2781)، والحاكم (1/ 418) من حديث أوس بن أوس الثقفي. قال الترمذي: حسن، وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (372). (¬3) انظر "النهاية في غريب الحديث" مادة: غسل.

واختلفوا في الرواح: قيل الرواح لا يكون إلا بعد الزوال، يقال: غدا الرجل لحَاجَةِ كذا إذا خرج لها في صدر النهار، وراح لها إذا خرج في النصف الثاني من النهار، وعلى هذا فالمراد من الساعات لحظات لطيفة بعد الزوال، كما يقال: رأيت فلانًا ساعةً وكلمته ساعة ويراد اللحظة اللطيفة، ويروى هذا عن مالك، وقيل -وهو الأظهر- لا يختص ذلك بما بعد الزوال وإن كان الرواح في الأصل لذلك، بل يقال: راح القوم إذا ساروا في أي وقت كان. وذكر بعضهم أن تسميته قبل الزوال رواحًا سببها: أنه يخرج لأمر يؤتى به بعد الزوال، وفرّعُوا على قولنا: "أنه لا يختص ذلك بما بعد الزوال" شيئين: أحدهما: أن الساعات المذكورة من أوّل طلوع الفجر تعتبر، أو من أول طلوع الشمس، وفيه وجهان عن الأصحاب أظهرهما: الأول: فإن النهار يحتسب من طلوع الفجر شرعًا. والثاني: قيل المراد أن الجائين يتقاربون في الفضيلة والثواب، وليس المراد الساعات التي يدور عليها حساب الليل والنهار؛ لأنه لو أريدت تلك الساعات لكان الجائيان في الساعة الواحدة على مرتبة واحدة من الفضل مع تلاحقهما وتعاقبهما وهذا بعيد، ويجوز أن يقال: يشتركان في الفضيلة المذكورة ويختص السابق بمزيد يعطيه الله -تعالى. وقوله: "فكأنما قرب بدنة ... وبقرة ... " من قولهم: قرب قربانًا، والقربان: ما يقرب به إلى الله تعالى، وفي إضافة اللفظ إلى الدجاجة والبيضة ما يبين أن التقريب لا يختص بما يصلح للتضحية. وقوله: "يستمعون الذكر" أي: الخطبة على ما هو مبين في الحديث الأول.

الأصل

الأصل [266] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا إبراهيم بن محمَّد، حدثني عبد الله بن عبد الرحمن بن جابر بن عتيك، عن جده جابر بن عتيك صاحب النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا خرجتَ إلى الجمعةِ فامشِ على هينتك" (¬1). الشرح عبد الله بن عبد الرحمن بن جابر بن عتيك: لم أجد له ذكرًا فيما تناله يدي من الكتب، وإنما الذي ذكروه: عبد الله بن عبد الله بن جابر بن عتيك، وقالوا: أنه روى عن أبيه عن جده -والله أعلم (¬2). وجابر: هو ابن عتيك بن أوس بن حارثة، ويقال (¬3): جبر بن عتيك- الأنصاري المعاوي من بني معاوية بن مالك بن عوف من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وعده محمَّد بن إسحاق فيمن شهد بدرًا. روى عنه: ابناه: عبد الله وأبو سفيان، وعتيك بن الحارث بن عتيك (¬4). والأثر يدل على أن من أتى الجمعة يمشي إليها، ويكون مشيه في تؤدة وسكون ما لم يضيق الوقت، وليس المراد من قوله تعالى: {فَاسْعَوْا ¬

_ (¬1) "المسند" ص (62). (¬2) قلت: أصاب الإِمام الرافعي رحمه الله. قال الحافظ في "تعجيل المنفعة" (556): لا علم لي به؛ إنما هو عبد الله بن عبد الله بن جابر بن عتيك، وقد ذكر في "التهذيب". (¬3) بل هما اثنان كما جزم بذلك الحافظ في "تهذيب التهذيب" في ترجمته، وذكر ترجمة لجبر هذا، وقال فيها: وقد جعلهما المزي في أطرافه ترجمة واحدة وهو وهم. (¬4) انظر "معرفة الصحابة" (2/ ترجمة 499)، و"الإصابة" (1/ ترجمة 1031).

الأصل

إِلَى ذِكْرِ اللهِ} (¬1) أن يشتد ويعدو، بل الجمعة في ذلك كسائر الصلوات وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: "إذا أتيتم الصَّلاَةَ فَلاَ تأْتُوهَا تَسْعَوْنَ وَأْتُوهَا تَمْشُونَ وَعَلَيْكُمُ السَّكِينَةُ فَمَا أَدْرَكتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتكُمْ فَاقْضُوا" (¬2). وقوله: "على هينتك" يقال: افعل كذا على هينتك، كما يقال: على رسلك، أي: أتئد فيه ولا تعجل. الأصل [267] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابن عُمَرَ: أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- رأى حُلَّةً سِيَرَاءَ عِنْدَ بَابِ المَسْجِدِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللهِ لَوِ اشتريت هذِهِ فَلَبِسْتَهَا يَوْمَ الجُمُعَةِ وَللْوفود إذا قدموا عليكَ. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِنَّمَا يَلْبَسُ هَذِهِ مَنْ لاَ خَلاَقَ لَهُ في الآخِرَةِ" ثم جاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منها حُلَلٌ فَأَعْطَى عمر منها حلة، فقال عمر: يا رسول الله كسوتنيها وقد قلت في حلة عطارد ما قلت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لَمْ أَكسُكَهَا لِتَلْبَسَهَا" فكساها عمرُ أخًا له مشركًا بمكةَ (¬3). الشرح عطارد المذكور في متن الحديث تميمي ويروى الخبر أو نحو منه من روايته. والحديث صحيح أخرجه الشيخان (¬4) وأقرانهما في كتبهم من رواية مالك. والحلة: ثوبان رداء وإزار سمّيا حلة؛ لأن أحدهما يحل على ¬

_ (¬1) الجمعة: 9. (¬2) سبق تخريجه من حديث أبي هريرة. (¬3) "المسند" ص (62). (¬4) رواه البخاري (886)، ومسلم (2068/ 6).

الآخر، ولا يقال للثوب الواحد حلة. وقوله: "حلة سيراء" الأظهر في الكلمة الإضافة، ومنهم من يقول: حلة سيراء على الصفة، وذكر أن السيراء: الحرير الصافي، والمعنى حلة حرير، وعن مالك: أن السيراء وشي من حرير، وقال الخطابي: السيراء: ضرب من البُرود سمّي به لما فيه من الخطوط التي تشبه السيور، وفي "الصحاح": أنه بُردٌ فيه خطوط صفر. وفيه دليل على أنه يستحب لمن أتى الجمعة أن يلبس أحسن ما يجد من ثيابه، وأنه يحسن أن يشتري الأجود إذا لم يكن عنده، وأنه لا بأس بالشرى لهذا الغرض فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم ينكر على ما قاله عمر -رضي الله عنه- من هذِه الوجوه؛ وإنما تعرض لمانع اللبس في تلك الحلة، وعلى أنه يحسن التجمل للوفود لإكرامهم ولغير ذلك من الأغراض "الصحيحة" وعلى أنه إنما يلبسها من لا خلاق له في الآخرة، وهذا ظاهر على تفسير من فسر السيراء بحرير، وهو كقوله - صلى الله عليه وسلم - في آنية الذهب والفضة: "فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة" (¬1) وأما على قول من فسر بضرب من البرود فيجوز أن يكون امتناعه لكونها من ثياب الشهرة والزينة وقد ورد النهي عن لبس ما يشهر من الثياب، وعلى أن ثياب الحرير لا يمنع من بيعها وشرائها، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر على قول عمر: "لو اشتريت هذِه" وأيضًا ففي بعض الروايات أنها كانت تباع عند باب المسجد، وعلى أن الأدب لمن أعطاه كبير ملبوسًا أن يلبسه، ولذلك قال عمر -رضي الله عنه- "كسوتنيها وقد قلت ما قلت" كأنه يقول كان من حقي أن ألبسها إذا أعطيتنيها وكيف ألبسها وقد قلت في مثلها ما قلت. وفي قوله "كسوتنيها". ¬

_ (¬1) رواه البخاري (5632)، ومسلم (2067/ 4) من حديث حذيفة.

الأصل

وقوله: "لم أكسكها لتلبسها" ما بين أن من أعطى غيره كسوة صح أن يقال: كساه وإن لم يلبس، وفيه أنه يجوز الإحسان والإهداء إلى المشرك، وأن شرك القريب لا يمنع من البر إليه. الأصل [268] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عَنِ ابن شِهَابٍ عَنِ ابن السَّبَّاقِ أَنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال في جُمُعَةٍ مِنَ الجُمَع: "يَا مَعْشَرَ المُسْلِمِينَ إِنَّ هذا يَوْمٌ جَعَلَهُ اللهُ عِيدًا للمسلمين فَاغْتَسِلُوا وَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ طِيبٌ فَلاَ يَضُرُّهُ أَنْ يَمَسَّ مِنْهُ وَعَلَيْكُمْ بِالسِّوَاكِ" (¬1). الشرح ابن السباق: اسمه عبيد أحد التابعين من أهل الحجاز. سمع: زيد بن ثابت، وابن عباس، وجويرية زوج النبي - صلى الله عليه وسلم -. وروى عنه: الزهري، وأبو أمامة بن سهل (¬2). والحديث على إرساله مودع في "الموطأ" (¬3)، ورواه ابن ماجه في "سننه" (¬4) عن عمَّار بن خالد الواسطي، عن علي بن غراب، عن صالح بن أبي الأخضر، عن الزهري، عن عبيد بن السبَّاق، عن ابن عباس موصولًا، ويروى معناه عن مالك عن سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة، وعن صالح بن كيسان عن سعيد كذلك، ومن وجه آخر عن أبي سلمة عن أبي هريرة وأبي سعيد عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. ¬

_ (¬1) "المسند" ص (263). (¬2) انظر "التاريخ الكبير" (5/ ترجمة 1460)، و"الجرح والتعديل" (5/ ترجمة 1886)، و"التهذيب" (19/ ترجمة 3717). (¬3) "الموطأ" (1/ 65 رقم 144). (¬4) "سنن ابن ماجه" (1098). =

وروي عن سعيد، عن أبيه، عن ابن وديعة، عن سلمان الفارسي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من اغْتسلَ يوم الجمعة وتطهر بما استطاع من طهرٍ، ثم ادهن أو مسَّ من طيب، ثم راح فلم يفرق بين اثنين فصلى ما كتب له، ثم إذا خرج الإِمام أنصت غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى". وهذا رواه البخاري في "الصحيح" (¬1) عن عبدان، عن ابن المبارك، عن ابن أبي ذئب، عن المقبري. وفي الحديث تسمية الجمعة عيدًا، ويقال: سمّي العيد عيدًا لعوده وتكرره لوقته، وقيل: لعوده بفرح المسلمين، وقيل: سمّي به تفاؤلًا ليعود ثانيةً، وهذِه الوجوه حاصلة في الجمعة فلا بُعد في تسميتها عيدًا، وفيه الأمر بالاغتسال للجمعة والأحاديث فيه مشهورة: فعن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من جاء منكم الجمعة فليغتسل" (¬2). واحتج البخاري بهذِه اللفظة على من لا يشهد الجمعة من النساء والصبيان لا يغتسل، وهو ظاهر المذهب، وعن أبي سعيد الخدري أنه - صلى الله عليه وسلم -[قال] (¬3) "غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم" (¬4) وحمل الواجب على الثابت المؤكد، والمحتلم على البالغ، وفيه الأمر بالاستياك، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من رواية أبي هريرة وأبي سعيد أنه قال: "من اغتسل يوم الجمعة، واستاك ولبس أحسن ثيابه، وتطيب بطيب إن وجده، ثم جاء ولم يتخط الناس فصلى ما شاء الله أن يصلي، ¬

_ قال المنذري (1058): إسناد حسن، وحسنه الألباني في "التعليق الرغيب" (1/ 253). (¬1) "صحيح البخاري" (910). (¬2) رواه البخاري (894)، ومسلم (844/ 1، 2). (¬3) سقط من "الأصل". (¬4) رواه البخاري (857)، ومسلم (846/ 5).

الأصل

وإذا خرج الإِمام سكت؛ فذلك كفارة إلى الجمعة الأخرى" (¬1). وقوله: "من كان عنده طيب فلا يضره أن يمس منه" فيه إرشاد إلى التطيب، وقد يفهم من السياق أن الاستحباب في الغسل والاستياك آكد منه في التطيب، وفي "الصحيح" (¬2) عن طاوس قال: "قلت لابن عباس ذكروا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اغتسلوا يوم الجمعة وأصيبوا من الطيب؟ قال ابن عباس: أما الغسل فنعم، وأما الطيب فلا أدري". ويستحب للنساء التنظيف كما للرجال، ويكره لهن التطيب. الأصل [269] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا إبراهيم بن محمَّد، حدثني إسحاق بن عبد الله، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الصَّلاة نصف النهارِ حتى تزولَ الشمسُ إلا يوم الجمعة" (¬3). [270] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك عن ابن شهاب، عن ثعلبة بن أبي مالك، أخبره أنهم كانوا في زمان عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يصلون حتى يخرج عمر بن الخطاب، فإذا خرج الإِمام وجلس على المنبر وأذن المؤذن جلسوا يتحدثون، حتى إذا سكت المؤذن وقام عمر سكتوا فلم يتكلم أحد (¬4). ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (343)، وابن حبان (2778)، والحاكم (1/ 419)، والبيهقي (3/ 192). قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (6066). (¬2) رواه البخاري (844). (¬3) "المسند" ص (63). وضعفه الحافظ في "التلخيص" (273). (¬4) "المسند" ص (63).

الشرح

[271] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا ابن أبي فديك، عن ابن أبي ذئب، عن ابن شهاب، قال: حدثني ثعلبة بن أبي مالك أن قعود الإِمام يقطع السبحة وأن كلامه يقطع الكلام، وأنهم كانوا يتحدثون يوم الجمعة وعمر -رضي الله عنه- جالس على المنبر، فإذا سكت المؤذن قام عمر فلم يتكلم أحد حتى يقضي الخطبتين كلتيهما، فإذا قامت الصلاة ونزل عمر تكلموا (¬1). الشرح ثعلبة بن أبي مالك: هو القرظي المدني. سمع: عمر، وحارثة بن النعمان، وابن عمر. وسمع منه: ابن الهاد، والزهري (¬2). والحديث يدل على أنه لا تكره الصلاة في وقت الاستواء يوم الجمعة بخلاف سائر الأيام، وروي مثله عن أبي سعيد الخدري عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. وروى ليث بن أبي سليم، عن مجاهد، عن أبي الخليل، عن أبي قتادة عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أنه كره الصلاة نصف النهار إلا يوم الجمعة وقال: إن جهنم تسجر إلا يوم الجمعة". رواه أبو داود في "السنن" (¬3) عن محمَّد بن عيسى عن حسان بن إبراهيم عن ليث، ثم قال: أبو الخليل لم يلق أبا قتادة. ويقوي هذه الروايات ما ورد في الأحاديث الصحيحة في ترغيب ¬

_ (¬1) "المسند" ص (63). (¬2) انظر "التاريخ الكبير" (2/ ترجمة 2102)، و"الجرح والتعديل" (2/ ترجمة 1875)، و"التهذيب" (4/ ترجمة 846). (¬3) "سنن أبي داود" (1083).

الأصل

النبي - صلى الله عليه وسلم - في التبكير إلى الجمعة، وفي الصلاة إلى خروج الإِمام من غير تقييد واستثناء، ويدل عليه ما رواه الشافعي عن فعل الصحابة، والتابعين في عهد عمر -رضي الله عنه- كانوا يصلون إلى أن يجلس الإِمام على المنبر، فإذا جلس تركوا الصلاة وربما تكلموا لحاجاتهم والمؤذن يؤذن فإذا قام عمر وشرع في الخطبة سكتوا، وعبر عن ذلك ثعلبة بقوله في الرواية الأولى: "إن قعود الإِمام يقطع السبحة" يعني: الصلاة "وأن كلامه يقطع الكلام". وقوله: "فإذا قامت الصلاة ونزل عمر تكلموا" سببه: أن الإنصات للاستماع فإذا تمت الخطبة فلا حجر في الكلام إلى الشروع في الصلاة، ويروى "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يتكلم بالحاجة إذا نزل عن المنبر" (¬1)، "وأنه كان يكلمه غيره في حاجته" (¬2). ثم ذكر الأصحاب خلافًا في أن ارتفاع الكراهة عند الاستواء يوم الجمعة مطلق أو يختص ذلك بمن بكر إلى الجمعة وكان النعاس يغلبه، والأرجح الأول، وذكروا وجهين أيضًا في أن الصلاة هل تكره يوم الجمعة في غير حالة الاستواء من أوقات الكراهة؟ والظاهر الكراهة. الأصل [272] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان بن عيينة، عن عمرو ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (517) من طريق جرير بن حازم، عن ثابت، عن أنس، وقال: لا نعرفه إلا من حديث جرير، وسمعت محمدًا يقول: وهم جرير في هذا الحديث. وقال الألباني في "ضعيف الترمذي": شاذ. (¬2) رواه الترمذي (518) من طريق معمر، عن ثابت عن أنس وقال: حسن صحيح.

بن دينار، عن جابر بن عبد الله، قال: دخل رجل يوم الجمعة المسجد والشعبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب فقال له: "أصليت؟ قال: لا، قال: فصل ركعتين" (¬1). [273] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن أبي الزبير، عن جابر، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بمثله وزاد في حديث جابر: وهو سليك الغطفاني (¬2). [274] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن ابن عجلان، عن عياض بن عبد الله بن سعد بن أبي سرح، قال: رأيت أبا سعيد الخدري جاء ومروان يخطب فقام فصلى ركعتين، فجاء إليه الأحراس ليجلسوه فأبى أن يجلس حتى صلى ركعتين، فلمَّا قضينا الصلاة أتيناه، فقلنا: يا أبا سعيد كاد هؤلاء أن يفعلوا بك، فقال: ما كنت لأدعها لشيء بعد شيءٍ رأيته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، رأيت النبي صلى الله عليه وسلم جاء رجل وهو يخطب فدخل المسجد بهيئةٍ بذةٍ، فقال: "أصليت"؟ قال: لا، قال: "فصَلِّ رَكعَتَيْنِ" قال: ثم حث الناس على الصدقة فألقوا ثيابًا فأعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم منها الرجل ثوبين، فلما كانت الجمعة الأخرى جاء الرجل والشعبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أصليت"؟ قال: لا، قال: "فصَلِّ رَكْعَتَيْنِ" ثم حثَّ الناسَ على الصدقة فطرح أحد ثوبيه فصاح به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال: "خُذه" فأخذه، ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "انظروا إلى هذا جاءَ تلكَ الجمعة بِهَيْئَةٍ بَذَّةٍ فأشرتُ النَّاسَ بالصدقةِ فطرحوا ثيابًا فَأَعْطَيْتُهُ منها ثَوْبَيْنِ، فلمَّا جاءت الجمعة أمرتُ النَّاسَ بالصدقةِ فجاء فألقى أَحَدَ ثَوْبَيْهِ" (¬3). ¬

_ (¬1) "المسند" ص (63). (¬2) "المسند" ص (64). (¬3) "المسند" ص (64) وفيه اختلاف.

الشرح

الشرح سليك المذكور في المتن يقال: هو ابن عمرو، ويقال ابن هدبة الغطفاني ذكر أنه روى عنه: جابر، وأبو هريرة، وأنس، ومنهم من لم يصحح رواية جابر عنه (¬1). وعياض بن عبد الله بن سعد بن أبي سرح: هو القرشي العامري، يعد من أهل المدينة. سمع: أبا سعيد الخدري. وروى عنه: زيد بن أسلم، وداود بن قيس، وسعيد المقبري، وبكير بن الأشج، ومحمد بن عجلان (¬2). وحديث سفيان عن عمرو مخرج في "الصحيحين" (¬3) رواه البخاري عن علي، ومسلم عن إسحاق بن إبراهيم بروايتهما عن سفيان. وحديث أبي الزبير رواه مسلم (¬4)، وأخرجه ابن ماجه (¬5) من الروايتين جميعًا، ورواه عن عمرو بن دينار: ابن جريج، وحماد بن زيد أيضًا، وأخرجه البخاري من رواية حماد أيضًا، وقال: "صليت يا فلان؟ قال: لا، قال: قم فاركع" ورواه عن جابر كما رواه عمرو وأبو الزبير: أبو سفيان (¬6)، ورواه الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. ¬

_ (¬1) انظر "معرفة الصحابة" (3/ ترجمة 1355)، و"الإصابة" (3/ ترجمة 3432). (¬2) انظر "التاريخ الكبير" (7/ ترجمة 94)، و"الجرح والتعديل" (6/ ترجمة 2284)، و"التهذيب" (22/ ترجمة 4607). (¬3) "صحيح البخاري" (930)، و"صحيح مسلم" (875/ 55). (¬4) "صحيح مسلم" (875/ 58). (¬5) "سنن ابن ماجه" (1112). (¬6) ومن روايته أخرجه مسلم (875/ 59).

وحديث أبي سعيد الخدري أخرجه أبو عيسى (¬1) عن ابن أبي [عمر] (¬2)، ومحمد بن ماجه (¬3) عن محمَّد بن صباح، بروايتهما عن سفيان. وقوله: "وزاد في حديث جابر" لفظ الشافعي في "الأم" (¬4) ولم يسبق إلا حديث جابر فكأنه يريد بزيادة أبي الزبير أنه قال أن جابرًا قال في حديثه وهو سليك الغطفاني، وليس ذلك من كلام من بعده من الرواة. وقوله: "فجاء إليه الأحراس" كأنه جمع حرس وهم حرس السلطان، الواحد حرسي. وقوله: "كاد هؤلاء أن يفعلوا بك" أي: يعنفوا ويؤذوا، وفي بعض الروايات: "كادوا ليقعوا بك". وقوله: "بهيئةٍ بذةٍ" أي رثةٍ يقال: رجل باذ الهيئة، وفي هيئته بذاذة وبذة: وهي الرثاثة وسوء الحال. وفيما رواه دلالة على أنه لا بأس للخطيب بالكلام في الخطبة وبأن يرمق الداخلين ويتأمل حالهم، وعلى أن من ترك مندوبًا فيحسن أن يؤمر به ويدعى إليه، وإن ترك ثانيًا تكرر الأمر عليه ثانيًا؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - أمره في الجمعة الثانية أيضًا، وعلى أن من دخل في خلال الخطبة يصلي ركعتين قبل أن يقعد خلافًا لأبي حنيفة حيث قال: يقعد ولا يصلي، وعلى أن التحية ركعتان، وعلى أنه إذا قعد قبل أن يصلي فينبغي أن يقوم إلى التدارك؛ لأن قوله - صلى الله عليه وسلم - "أصليت؟ " يشبه أن يكون بعدما ¬

_ (¬1) "جامع الترمذي" (511)، وقال: حسن صحيح. (¬2) في "الأصل": عمرو. خطأ، وقد سبق التنبيه عليه. (¬3) "سنن ابن ماجه" (1113). (¬4) "الأم" (1/ 197).

الأصل

قعد، ويوضحه قوله صلى الله عليه وسلم في الرواية الأخرى قال: "قم فاركع" وعلى أنه يجوز تأخير الإتيان للجمعة إلى أن يشرع الخطيب في الخطبة وإلا لأنكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم، وعلى أنه لا بأس بالحث على الصدقة والسؤال للمحتاجين في الخطبة، وعلى أن ما يجتمع عنده يفرقه كما يراه، وعلى أن من رُئي بهيئة رثةٍ تحسن مواساته وإن لم يسأل، وعلى أن المحتاج لا يندب إلى البذل. الأصل [275] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، قال: كان ابن عمر يقول للرجل إذا نعس يوم الجمعة والإمام يخطب أن يتحول منه (¬1). الشرح الأثر مؤيد بما روي عن محمَّد بن إسحاق، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا نعس أحدكم يوم الجمعة فليتحول من مجلسه ذلك" أخرجه أبو عيسى (¬2) عن أبي سعيد الأشج، عن عبدة بن سليمان، عن ابن إسحاق. واستحب الشافعي لذلك لمن نعس والإمام يخطب يوم الجمعة أن يقوم ويتحول إن وجد مجلسًا آخر ولم يتخط الرقاب؛ ليطرد النعاس ولا يفوته استماع الخطبة وتفهمها، وأيضًا فلئلا ينتهي الأمر إلى انتقاض ¬

_ (¬1) "المسند" ص (64). (¬2) "جامع الترمذي" (526)، ورواه أيضًا أبو داود (1119)، وابن خزيمة (1819)، وابن حبان (2792)، والحاكم (1/ 428). قال الترمذي: حسن صحيح، وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم. وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (809).

الأصل

الوضوء، وكره له أن يثبت في مجلسه جالسًا. وقوله: "كان يقول للرجل أن يتحول" أي ليتحول، أو المعنى: كان يقول له تحول، وفيه دلالة على أنه لا يحرم الكلام في الخطبة، ويجوز أن يحمل قوله "يقول" على "يشير" أي: كان يشير إليه بالتحول. الأصل [276] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا عبد المجيد بن عبد العزيز، عن ابن جريج قال: أخبرني أبو الزبير، أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خطب استند إلى جذع نخلة من سواري المسجد، فلما صنع له المنبر فاستوى عليه اضطربت تلك السارية كحنين الناقة حتى سمعها أهل المسجد، حتى نزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاعتنقها فسكنت" (¬1). [277] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا إبراهيم بن محمَّد، أخبرني عبد الله بن محمَّد بن عقيل، عن الطُّفَيْلِ بْنِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، عَنْ أَبِيهِ قال: "كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي إِلَى جِذْعٍ إِذْ كَانَ المَسْجِدُ عَرِيشًا وَكَانَ يَخْطُبُ إِلى ذَلِكَ الجِذْعِ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ: يا رسول الله هل لك أن نجعل لك منبرًا تقوم عليه يوم الجمعة ويستمع الناس يوم الجمعة خطبتك؟ قال: "نَعَم"، فصنع له ثلاث درجات هي اللاتي على المنبر، فلما صنع المنبر ووضع موضعه الذي وضعه فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بدا للنبي - صلى الله عليه وسلم - أن يقوم على ذلك المنبر فيَخْطُبُ عليه (فمرَّ إليه خَارَ) (¬2) حَتَّى تَصَدَّعَ ¬

_ (¬1) "المسند" ص (64). (¬2) كذا في "الأصل"، وفي "المسند"، و"الأم": فلما جاوز ذلك الجذع الذي كان يخطب إليه خار.

الشرح

وَانْشَقَّ، فَنَزَلَ النبي - صلى الله عليه وسلم - لما سمع صوتَ الجذعِ فمسحه بيده ثم رجع إلى المنبر، فَلَمَّا هُدِمَ المَسْجِدُ أَخَذَ ذَلِكَ الجِذْعَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ فكَانَ عِنْدَهُ في بَيْتِهِ حَتَّى بَلِيَ فَأَكَلَتْهُ الأَرَضَةُ وَعَادَ رُفَاتًا" (¬1). الشرح الطفيل: هو ابن أبي بن كعب بن المنذر، ويقال: ابن كعب بن قيس بن عبيد بن يزيد بن معاوية بن عمرو بن مالك بن النجار النجاري الأنصاري. روى عن: أبيه، وعن ابن عمر. وروى عنه: عبد الله بن محمَّد بن عقيل (¬2). وأبوه أبي بن كعب سيّد القراء أبو المنذر، ويقال: أبو الطفيل. سمع: النبي - صلى الله عليه وسلم -، ويقال: أنه شهد بدرًا. وروى عنه: أبو أيوب الأنصاري، وأبو موسى الأشعري، وابن عباس، وأبو عثمان النهدي، وزر بن حبيش، وسويد بن غفلة. مات سنة اثنتين وعشرين وقيل غيره (¬3). والقصة صحيحة تشتمل عليها أصول الكتب، والبخاري (¬4) أخرجها من رواية جابر وابن عمر. وقوله: "كحنين الناقة" في بعض الروايات "سمعنا للجذع مثل أصوات العشار" وفي رواية أُبي "خار حتى تصدع" وصوت الناقة ضعيف في الغالب والخوار أقوى، فلعله كان ضعيفًا ثم قوي حتى انشق ¬

_ (¬1) "المسند" ص (65). (¬2) انظر "التاريخ الكبير" (4/ ترجمة 3159)، و"الجرح والتعديل" (4/ ترجمة 2151)، و"التهذيب" (13/ ترجمة 2965). (¬3) انظر "معرفة الصحابة" (1/ ترجمة 79)، و"الإصابة" (1/ ترجمة 32). (¬4) رواه البخاري (3583 عن ابن عمر، 3584 - 3585 عن جابر).

الأصل

الجذع فعبر بعضهم عن الابتداء وبعضهم عن الانتهاء. وفيه دلالة ظاهرة على صدق النبي صلى الله عليه وسلم وعظم قدره، وفي نزوله ومبادرته إلى تسكين السارية دلالة على حسن خلقه ورأفته، ورجاء للأمة في قيامه بأمرهم وشفاعته لهم إذا عظمت الأهوال في القيامة. وقوله: "كان يصلي إلى جذع إذ كان المسجد عريشًا وكان يخطب إلى ذلك الجذع" معناه: أنه كان يصلي مستقبلًا لذلك الجذع ويخطب مستدبرًا، ومعنى كونه عريشًا كونه مظللًا بجريد ونحوه غير مسقف. وفي القصة دلالة على جواز الاستناد للخطبة؛ لأنه قال: "كان إذا خطب استسند إلى جذع نخلة" وكذا الحكم في الصلاة لا بأس بالاستناد بعد حصول الانتصاب على وجه ظاهر للأصحاب، وعلى أنه ينبغي للخطيب أن يخطب على المنبر ولو خطب على الأرض جاز، وعلى أنه إذا نزل عن المنبر وعاد لحاجة تدعو إليه فلا بأس، وأما أخذ أُبيّ الجذع وحفظه في البيت فلعل سببه خروجه عن أن ينتفع به جذعًا، وربما أثر فيه تصدعه وانشقاقه فكان أُبيّ -رضي الله عنه- يحفظه ويتذكر به الآية التي ظهرت فيه. الأصل [278] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا إبراهيم بن محمَّد، حدثني جعفر بن محمَّد، عن أبيه، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة، وكانت لهم سوق يقال لها: البطحاء كانت بنو سليم يجلبون إليها الخيل والإبل والغنم والسمن، فقدموا فخرج الناس إليهم وتركوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكان لهم لهو إذا تزوج أحدهم من الأنصار ضربوا بالكبر فعيرهم الله تعالى بذلك فقال: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْ وَا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} (¬1). ¬

_ (¬1) "المسند" ص 65.

الشرح

الشرح الحديث من رواية محمَّد الباقر مرسل في الكتاب ورأيت وصله في "الأم" (¬1) فقال: حدثني جعفر عن أبيه عن جابر قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب". والله أعلم. روى مسلم في ""صحيحه" (¬2) عن إسحاق بن إبراهيم، عن جرير، عن حصين، عن سالم بن أبي الجعد، عن جابر بن عبد الله: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يخطب يوم الجمعة قائمًا، فجاءت عير من الشام فانفتل الناس إليها؛ حتى لم يبق معه إلا اثنا عشر رجلًا، فأنزل الله تعالى: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا}. ورواه زائدة بن قدامة ومحمد بن فضيل، عن حصين عن سالم، عن جابر قال: "بينما نحن نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة إذ أقبلت عير ... " وكذلك رواه البخاري (¬3) وجمع بينهما يحمل الصلاة في الرواية الثانية على الخطبة التي هي من مقدماتها أو قائمة مقام بعضها، وقد اتفق المفسرون على أن ذلك كان في الخطبة. ثم رواية "الصحيحين" "أنه جاءت عير من الشام" والمذكور في حديث الكتاب قدوم بني سليم، فربما أقبلوا من طرف الشام، وربما أقبلت معهم عير، وفي بعض الروايات أنهم استقبلوا العير بالدفوف، وقد يفهم ذلك أنه المراد باللهو في قوله تعالى: {أَوْ لَهْوًا} (¬4) والأقرب خلافه، ويدل عليه قوله في حديث الكتاب: "وكان لهم" إلى قوله: "بالكبر" والكبر: الطبل والجمع أكبار، والمعنى أنه كان يغلب فيما ¬

_ (¬1) "الأم" (1/ 199). (¬2) "صحيح مسلم" (863/ 36). (¬3) ومن روايته أخرجه البخاري (936). (¬4) الجمعة: 11.

بينهم اللهو وكانوا يضربون في النكاح بالطبل، وكان فيهم من يخرج لذلك فمنعهم الله تعالى. وقوله: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْ وَا} (¬1) يوضحه أن أبا عليّ الزعفراني روى في "تفسيره" عن إسماعيل بن أبي أويس، عن سليمان بن بلال، عن جعفر بن محمَّد، عن أبيه: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب قائمًا ثم يجلس فيخطب خطبتين، فكان الجواري إذا أنكحن مررن [يضربن] (¬2) بالكبر والمزامير، فيشتد الناس إليهم ويدعون النبي - صلى الله عليه وسلم - قائمًا، فعاتبهم الله تعالى على ذلك بقوله: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا} ". تبين أنهم كانوا ينفضون للَّهو وحده، وقد يتعجب من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - مع إخباتهم وصدق نياتهم وصفاء أوقاتهم أن ينفضوا لتجارة أو لهوٍ ويدعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومثل هذا لا يفعله اليوم على فساد الزمان -إلا ضعفاء العقول، ويكسر سَوْرة التعجب ما روى أبو داود السجستاني في كتابه المعروف "بالمراسيل" (¬3) عن محمود بن خالد، عن الوليد، عن أبي معاذ بكير بن معروف، عن مقاتل بن حيان قال: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي الجمعة قبل الخطبة مثل العيدين، حتى كان يوم جمعة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب وقد صلى الجمعة، فدخل رجل يقال له دحية بن خليفة قدم بتجارته وكان إذا قدم تلقاه أهله بالدفاف، فخرج الناس لم يظنوا إلا أنه ليس في ترك الخطبة شيءٍ، فأنزل الله تعالى {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا} الآية، فقدم النبي - صلى الله عليه وسلم - الخطبة يوم الجمعة وأخر الصلاة، فكان لا يخرج أحد لرُعاف أو أحداث بعد النهي حتى يستأذن النبي - صلى الله عليه وسلم -" فتبين أنه كان سبيل خطبة الجمعة سبيل خطبة ¬

_ (¬1) الجمعة: 11. (¬2) تحرف في "الأصل" إلى يضرن. (¬3) "المراسيل" (62).

الأصل

العيدين. وقد روي عن عبد الله بن السائب قال: شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العيد فلمَّا قضى الصلاة قال: "إنا نخطب فمن أحب أن يجلس للخطبة فليجلس، ومن أحب أن يذهب فليذهب" (¬1). الأصل [279] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا إبراهيم بن محمَّد، أخبرني جعفر بن محمَّد، عن أبيه، عن جابر بن عبد الله قال: "كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب يوم الجمعة خطبتين قائمًا يفصل بينهما بجلوس" (¬2). [280] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا إبراهيم بن محمَّد، حدثني عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بمثله (¬3). [281] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا إبراهيم، عن صالح مولى التوءمة، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان -رضي الله عنهم- "أنهم كانوا يخطبون يوم الجمعة خطبتين على المنبر قيامًا يفصلون بينهما بجلوس، حتى جلس معاوية في الخطبة الأولى فخطب جالسًا وخطب في الثانية قائمًا" (¬4). ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (1155)، والنسائي (3/ 185)، وابن ماجه (1290)، والحاكم (1/ 434) من طريق الفضل بن موسى، عن ابن جريج، عن عطاء عنه. قال أبو داود: فهذا مرسل عن عطاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، وفي "نصب الراية" (2/ 220) وقال النسائي: هذا خطأ والصواب مرسل، ونقل البيهقي عن ابن معين أنه قال: غلط، وإنما هو عن عطاء مرسل. (¬2) "المسند" ص (65). (¬3) "المسند" ص (66). (¬4) "المسند" ص (66).

الشرح

الشرح مقصود الحديث صحيح وهو من رواية ابن عمر مخرج في "الصحيحين" (¬1) برواية الشيخين عن عبيد الله بن عمر القواريري، عن خالد بن الحارث، عن عبيد الله بن عمر واللفظ "كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب يوم الجمعة ثم يجلس ثم يقوم فيخطب مثلما يفعلون اليوم". وفي الباب عن ابن عباس وجابر بن سمرة. وفيه بيان أنه يخطب الإِمام للجمعة خطبتين، وأنه يقوم فيهما ويفصل بينهما بالجلوس، والقيام فيهما والجلوس بينهما واجبان عند القدرة، وإذا عجز الإِمام عن القيام فالأولى أن ينيب غيره، وعند أبي حنيفة وأحمد: لا يجب القيام فيهما، ويروى عن مالك مثله، وقالوا: لا يجب الجلوس بينهما، وعن بعض الأصحاب وجه مثل مذهبهم، وما فعله معاوية يشعر بأنه لم ير القيام واجبًا. الأصل [282] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا عبد المجيد بن عبد العزيز، عن ابن جريج، قال: قلت لعطاء: "أكان النبي صلى الله عليه وسلم يقوم على عصا إذا خطب؟ قال: نعم، كان يعتمد عليها اعتمادًا" (¬2). الشرح هذا الذي روي عن عطاء مؤيد بما روي عن عامر بن عبد الله بن ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (920)، و"صحيح مسلم" (861/ 33). (¬2) "المسند" ص (66).

الزبير عن أبيه: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب بمخصرة" (¬1) وبما روي عن مقسم، عن ابن عباس قال: "كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يخطبهم في السفر متوكئًا على قوس قائمًا" (¬2) وبما روى أبو داود في "السنن" عن سعيد بن منصور، عن شهاب بن خراش، عن شعيب بن رزيق الطائفي، قال: جلست إلى رجل له صحبة من النبي صلى الله عليه وسلم يقاله له: الحكم بن حَزْن فذكر "أنه شهد يوم الجمعة مع رسول الله فقام متوكئًا على عصا أو قوس" (¬3). ويروى أنه - صلى الله عليه وسلم -: "كان إذا خطب في الحرب خطب على قوس، وإذا خطب في الجمعة [خطب] (¬4) على عصا" (¬5). فاستحب الأصحاب لذلك أن يعتمد الخطيب على سيف أو قوس أو عصا، فإن لم يجد شيئًا سكن يديه بأن يضع اليمنى على اليسرى أو يقرهما مرسلتين ولا يعبث بهما، وإذا شغل إحدى يديه بسيف أو عصا فليشغل الأخرى بحرف المنبر، وفي لفظ المتولي في بعض الروايات ما يوضح أنه لا بأس يكون الخطيب مستندًا غير مُتكٍ كما ها هنا. ¬

_ (¬1) قال الهيثمي (2/ 187): رواه الطبراني في "الكبير" والبزار، وفيه ابن لهيعة وفيه كلام. وضعفه الألباني في "الضعيفة" (2/ 380). (¬2) قال الهيثمي (2/ 187) رواه الطبراني في "الكبير" وفيه أبو شيبة وهو ضعيف. وضعفه الألباني أيضًا في "الضعيفة" (2/ 380). (¬3) "سنن أبي داود" (1096). قال الحافظ في "التلخيص" (648): إسناده حسن، وحسنه الألباني في "الإرواء" (616). (¬4) في "الأصل": خطبه، والمثبت من التخريج. (¬5) رواه ابن ماجه (1107)، والبيهقي (3/ 206) من حديث سعد القرظي. قال صاحب "مصباح الزجاجة" (398): إسناد ضعيف. وضعفه الألباني في "ضعيف الجامع" (4384).

الأصل

الأصل [283] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا إبراهيم بن محمَّد، حدثني عبد الله بن أبي بكر بن حزم، عن خبيب بن عبد الرحمن بن إساف، عن أم هشام بنت حارثة بن النعمان: "أنها سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ بقاف وهو يخطب على المنبر يوم الجمعة، وأنها لم تحفظها إلا من النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم الجمعة وهو على المنبر من كثرة ما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ بها يوم الجمعة على المنبر" (¬1). [284] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا إبراهيم بن محمَّد، حدثني محمَّد بن أبي بكر بن حزم، عن محمَّد بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة، عن أم هشام بنت حارثة بن النعمان مثله. قال إبراهيم: ولا أعلمني إلا سمعت أبا بكر بن حزم يقرأ بها يوم الجمعة على المنبر. قال إبراهيم: سمعت محمَّد بن أبي بكر يقرأ بها وهو يومئذٍ قاض على المدينة على المنبر (¬2). الشرح أم هشام: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم، وأبوها حارثة بن النعمان معدود فيمن شهد بدرًا. وروى عنها: عبد الله بن محمَّد بن معن، ويحيى بن عبد الله بن عبد الرحمن (¬3). ¬

_ (¬1) "المسند" ص (66). (¬2) "المسند" ص (66). (¬3) انظر "معرفة الصحابة" (6/ ترجمة 4198)، و"الإصابة" (8/ ترجمة 12289).

ومحمد بن أبي بكر: هو محمَّد بن أبي بكر بن محمَّد بن عمرو بن حزم الأنصاري، أبو عبد الملك قاضي المدينة، وكان أكبر من أخيه عبد الله بن أبي بكر. سمع: أباه، وعباد بن تميم، وعبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث. وروى عنه: شعبة، والثوري، وابن عيينة. مات سنة اثنين وثلاثين ومائة (¬1). ومحمد بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة، هكذا سمَّاه ونسبه إبراهيم بن محمَّد، وروي نحو منه عن يحيى بن أبي كثير (¬2). وروى الحديث محمَّد بن إسحاق بن يسار، عن عبد الله بن أبي بكر بن محمَّد بن عمرو بن حزم، عن يحيى بن عبد الله بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة، عن أم هشام بنت حارثة بن النعمان قالت: "لقد كان تنورنا وتنور رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واحدًا سنتين أو سنة وبعض سنة وما أخذت {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} إلا عن لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأها كل يوم جمعة على المنبر إذا خطب الناس" وهكذا رواه مسلم (¬3) في "الصحيح" عن عمرو الناقد، عن يعقوب بن إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن محمَّد بن إسحاق. وقولها: "لقد كان تنورنا وتنور رسول الله صلى الله عليه وسلم واحدًا" يعني: هذا ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (1/ ترجمة 93)، و"الجرح والتعديل" (7/ ترجمة 1176)، و"التهذيب" (24/ ترجمة 5096). (¬2) انظر "التاريخ الكبير" (8/ ترجمة 3016)، و"الجرح والتعديل" (7/ ترجمة 1714)، و"التهذيب" (25/ ترجمة 5399). (¬3) "صحيح مسلم" (873/ 52).

الذي يخبز فيه وكأنها تشير به إلى قرب الجوار والأثبت في اسم الرجل ونسبه ما ذكره محمَّد بن إسحاق وكذلك أورده البخاري في "التاريخ" (¬1) وذكر أن بعضهم قال: ابن أسعد بن زرارة وعدّه وهمًا. وأبو بكر بن حزم: هو أبو بكر بن محمَّد بن عمرو بن حزم بن زيد بن لوذان بن حارثة يقال: إن اسمه أبو بكر وكنيته أبو محمَّد. سمع: عمر بن عبد العزيز، وعمرة بنت عبد الرحمن، وغيره. وروى عنه: ابنه عبد الله، ويزيد بن الهاد، وغيرهما. توفي بالمدينة سنة عشرين ومائة، وكان قاضيها زمن سليمان وعمر بن عبد العزيز (¬2). والحديث صحيح لكن رواية خبيب عن هشام يشبه أن تكون مرسلة، فإن شعبة رواه عن خبيب عن عبد الله بن محمَّد بن معن، وكذلك أخرجه مسلم (¬3). وفيه بيان أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ في الخطبة، وفي مداومته على قراءة هذِه السورة ما يقتضي استحباب قراءتها للخطيب، وعلى ذلك جرى أبو بكر بن حزم وابنه محمَّد بن أبي بكر لكنها لا تتعين؛ ففي "الصحيح" (¬4) عن يعلى بن أمية قال: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ على المنبر: {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} ". ¬

_ (¬1) "التاريخ الكبير" (8/ ترجمة 3016). (¬2) انظر: "الجرح والتعديل" (9/ ترجمة 1492)، و"التهذيب" (23/ ترجمة 7254). (¬3) "صحيح مسلم" (873/ 51). (¬4) رواه البخاري (3230).

الأصل

الأصل [285] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا إبراهيم بن محمَّد، حدثني محمَّد بن عمرو بن حلحلة، عن أبي نعيم وهب بن كيسان، عن حسن بن محمَّد بن علي بن أبي طالب أن عمر -رضي الله عنه- كان يقرأ في خطبته يوم الجمعة: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} حتى بلغ: {عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ} ثم يقطع السورة (¬1). [286] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن هشام، عن أبيه: أن عمر قرأ بذلك على المنبر (¬2). الشرح الحسن بن محمَّد بن علي بن أبي طالب. سمع: جابرًا، وعبيد الله بن أبي رافع، وأباه ابن الحنفية. وسمع منه: عمرو بن دينار، والزهري. مات في زمان عبد الملك بن مروان، وقيل غيره (¬3). واختيار عمر -رضي الله عنه- هذِه السورة لاشتمالها على ذكر أحوال القيامة وأهوالها ليتذكر الناس ويتأهبوا، وفيه أنه يجوز الاقتصار على بعض السورة. قال الشافعي في "الأم" (¬4): والذي أحب أن يقرأ سورة {ق} في الخطبة الأول وما قرأ أجزأه، ولا تتم الخطبتان إلا بأن يقرأ في ¬

_ (¬1) "المسند" ص (66). (¬2) "المسند" ص (67). (¬3) انظر "التاريخ الكبير" (2/ ترجمة 2560)، و"الجرح والتعديل" (3/ ترجمة 144)، و"التهذيب" (6/ ترجمة 1273). (¬4) "الأم" (1/ 201).

الأصل

إحديهما آية، ويروى أن عليًّا -رضي الله عنه- كان يقرأ على المنبر: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} و {قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ}. الأصل [287] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا إبراهيم بن محمَّد، حدثني إسحاق بن عبد الله، عن أبان بن صالح، عن كريب مولى ابن عباس، عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب يومًا فقال: "إن الحَمْدَ لله نستعينه ونستغفره ونستهديه ونستنصره، وَنَعُوذُ باللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أنْ لاَ إلَه إِلّا اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَأشهدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فقد غوى حتى يفيء إلى أمر الله" (¬1). [288] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا إبراهيم بن محمَّد، حدثني عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب يومًا فقال في خطبته: "ألا إن الدنيا عرض حاضر يأكل منه البر والفاجر، ألا وإن الآخرة أجل صادق يقضي فيها ملك قادر، ألا وإن الخير كله بحذافيره في الجنة، ألا وإن الشر كله بحذافيره في النار، ألا فاعملوا وأنتم من الله على حذر، واعلموا أنكم [معروضون] (¬2) على أعمالكم، {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)} (¬3). ¬

_ (¬1) "المسند" ص (67). (¬2) في "الأصل": معرضون تحريف. والمثبت من "المسند". (¬3) "المسند" ص (67).

الشرح

الشرح أبان: هو ابن صالح بن عمير. روى عن: الحسن بن مسلم. وروى عنه: محمَّد بن إسحاق، وغيره (¬1). والخطبة التي نقلها ابن عباس أورد مسلم في "الصحيح" (¬2) طرفًا منها من رواية سعيد بن جبير، وأيضًا (¬3) طرفًا من رواية جعفر بن محمَّد عن أبيه عن جابر، ويروى قريب منها عن ابن مسعود عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. وقوله: "حتى يفيء إلى أمر الله" أي: يرجع ويتوب. وقوله في الخطبة الثانية: "يحكم (¬4) فيها ملك قادر" أي: ينفرد بالحكم؛ وهو كقوله تعالى: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}. وحذافير الشيء: نواحيه وأعاليه، جمع حِذْفارٍ، ويقال: هي جمع حُذْفُور، وهو الجانب، والمعنى: أن الخير كله يوجد ثوابه في الجنة، والشر كله يوجد عقابه في النار، ويمكن أن يحمل على أن كل مكروه في النار وكل محبوب في الجنة ففيها ما تشتهي الأنفس. وقوله: "وأنتم من الله على حذر" أي: لا تتكلوا فلعلها لا تقبل منكم. وقوله: "وأنتم معروضون على أعمالكم" من المقلوب، المعنى: وأعمالكم معروضة عليكم، تقول العرب: عرضت الناقة على الحوض، أي: الحوض على الناقة. ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (1/ ترجمة 1443)، و"الجرح والتعديل" (2/ ترجمة 1091)، و"التهذيب" (2/ ترجمة 137). (¬2) "صحيح مسلم" (867/ 45). (¬3) "صحيح مسلم" (868/ 46). (¬4) سبقت في الحديث: يقضي.

الأصل

الأصل [289] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا إبراهيم بن محمَّد، حدثني عبد العزيز بن رفيع، عن تميم بن طرفة، عن عدي بن حاتم، قال: خطب رجل عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فقد غوى، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "اسكت فبئس الخطيب أنت" ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من يُطعِ الله ورسوله فقد رشد، ومَنْ يعصي الله ورسوله فقد غوى ولا تقل ومن يعصهما" (¬1). الشرح عبد العزيز بن رفيع، أبو عبد الله المكي الأسدي، سكن الكوفة. سمع: أنس بن مالك، وابن عباس، وابن الزبير، وعطاء بن أبي رباح، وتميم بن طرفة. وروى عنه: الثوري، وجرير بن عبد الحميد، وشعبة، والأعمش، وابن عيينة. ويقال أنه كان على كبر السنن منكاحًا لا يصبر عن النساء (¬2). وتميم بن طرفة طائي كوفي. سمع: جابر بن سمرة، وعدي بن حاتم. وروى عنه: سماك بن حرب، والمسيب بن رافع. مات سنة ثلاث أو أربع وتسعين (¬3). ¬

_ (¬1) "المسند" ص (67). (¬2) انظر "التاريخ الكبير" (6/ ترجمة 1523)، و"الجرح والتعديل" (5/ ترجمة 1782)، "التهذيب" (18/ ترجمة 3446). (¬3) انظر "التاريخ الكبير" (2/ ترجمة 2019)، و"الجرح والتعديل" (2/ ترجمة 1765)، و"التهذيب" (4/ ترجمة 804).

وعدي بن حاتم الطائي يكنى أبا طريف نزل الكوفة، ويقال أنه مات بها زمن المختار، ويقال: بقرقيسيا سنة سبع وستين، ويقال: سنة ثمان وستين. سمع: النبي صلى الله عليه وسلم، وعمر -رضي الله عنه-. وروى عنه: قيس بن أبي حازم، والشعبي، وهمام، وسعيد بن جبير. وأبوه حاتم هو الذي يضرب به المثل في الجود (¬1). والحديث صحيح أخرجه مسلم (¬2) عن أبي بكر بن أبي شيبة وابن نمير، عن وكيع، عن سفيان وهو الثوري، عن عبد العزيز بن رفيع. وخطبة الرجل عند النبي صلى الله عليه وسلم يشبه أن تكون الخطبة التي يسن تقديمها على الحاجات لا خطبة الجمعة والعيدين، وكره الشافعي لهذا الحديث أن يقول القائل: "ومن يعصهما"، وأحب أن يفرد اسم الله تعالى، ثم يذكر بعده اسم رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا يقل: "ومن يعصهما" نهي إرشاد وتنزيه؛ يدل عليه ما روى أبو داود في "السنن" (¬3) عن ابن مسعود؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا تشهد قال: "الحمد لله نستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيرًا ونذيرًا بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فإنه لا يضرّ إلا نفسه ولا يضرّ الله شيئًا". وفي قوله: "اسكت بئس الخطيب أنت" والحال ما ذكرنا ما بين أنه يجوز المنع من الإتيان بالمكروه وتغليظ القول لمن يتعاطاه. ¬

_ (¬1) انظر "معرفة الصحابة" (4/ ترجمة 2283)، و"الإصابة" (4/ ترجمة 5479). (¬2) "صحيح مسلم" (870/ 48). (¬3) "سنن أبي داود" (1097).

الأصل

الأصل [290] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك بن أنس، عن ابن شهاب، عن ابن المسيب، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا قلت لصاحبك أنصت والإمام يخطب فقد لغوت" (¬1). [291] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا قلت أنصت والإمام يخطب يوم الجمعة فقد لغوت" (¬2). [292] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان بن عيينة، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثل معناه إلا أنه قال: "لغيت". قال ابن عيينة: "لغيت" لغة أبي هريرة (¬3). الشرح هذا الحديث صحيح أودعه مالك في "الموطأ" (¬4) وأخرجه البخاري (¬5) من طريق الزهري: عن يحيى بن بكير عن الليث عن عقيل عن ابن شهاب، ومسلم (¬6) عن قتيبة ومحمد بن رمح عن الليث، وأبو عيسى (¬7) عن قتيبة، وأخرجه مسلم (¬8) من طريق أبي الزناد عن ابن أبي [عمر] (¬9) عن سفيان عنه. ¬

_ (¬1) "المسند" ص (68). (¬2) "المسند" ص (68). (¬3) "المسند" ص (68). (¬4) "الموطأ" (1/ 103 رقم 232). (¬5) "صحيح البخاري" (934). (¬6) "صحيح مسلم" (851/ 11). (¬7) "جامع الترمذي" (512). (¬8) "صحيح مسلم" (851/ 12). (¬9) في الأصل: عمرو. خطأ، والمثبت من "مسلم"، وهو محمَّد بن يحيى بن أبي عمر من شيوخ الإِمام مسلم.

الأصل

وفي الباب عن جابر وابن [أبي] (¬1) أوفى. ومقصود الحديث المنع من الكلام في حال الخطبة، والدعاء إلى الإنصات وهو أن يسكت سكوت المستمعين، واحتج بعضهم بالحديث على وجوب الإنصات لقوله: "فقد لغوت" وقالوا: اللغو: الإثم، لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ} (¬2) وبالوجوب قال الشافعي في "القديم"، وقوله في الجديد أن الإنصات مستحب وليس بواجب؛ لما روي أن رجلًا دخل والنبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب يوم الجمعة فسأل النبي صلى الله عليه وسلم متى الساعة (¬3) فأجابه ولم ينكر عليه الكلام. واللغو من الكلام: ما لا فائدة فيه أو هو غير واقع في موضعه، وفي الخبر بيان أن الكلام وإن كان يسيرًا فهو مخل بالإنصات، وقد ذكر أهل العلم لهذا الخبر أنه إن تكلم غيره والإمام يخطب فينبغي أن لا ينكر عليه إلا بالإشارة. وقوله: قال ابن عيينة: "لغيت لغة أبي هريرة" يعني أنها لغة دوس، وأبو هريرة دوسي وفي "صحيح مسلم" نسبة هذا الكلام إلى أبي الزناد ولعل سفيان أخذه عن أبي الزناد ثم أرسل ذكره. ويقال: لغوت ألغو وألغى لغوًا، ولغيت ألغى لغيًا. الأصل [293] أبنا الربيع، أبنا الشافعي [أبنا] (¬4) مالك، عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله، عن مالك بن أبي عامر؛ أن عثمان بن عفان -رضي الله عنه- كان يقول في خطبه قلَّما ما يدع ذلك إذا خطب: إذا قام الإِمام أن يخطب يوم الجمعة ¬

_ (¬1) سقط من الأصل. (¬2) المؤمنون: 3. (¬3) رواه البيهقي (3/ 221) من حديث أنس بن مالك. (¬4) سقط من "الأصل".

الشرح

فاستمعوا وأنصتوا، فإن للمنصت الذي لا يسمع من الحظ مثل ما للسامع المنصت، فإذا قامت الصلاة فاعتدلوا الصفوف وحاذوا المناكب، فإن اعتدال الصفوف من تمام الصلاة، ثم لا يكبر عثمان حتى يأتيه رجال كان قد وكلهم بتسوية الصفوف فيخبرونه أن قد استوت فيكبر (¬1). الشرح في الأثر شيئان: أحدهما: الأمر بالإنصات. وقوله: "إذا قام الإِمام أن يخطب" كذا هو في بعض النسخ، وفي بعضها: "يخطب" بحذف: "أن" فإن حذف فذاك، وإلا فالمعنى: إذا قام لأن يخطب، وكان عثمان -رضي الله عنه- يكرر الأمر بالإنصات في خطبه تذكيرًا وتأكيدًا، وبين بقوله: "فإن للمنصت الذي لا يسمع ... إلى آخره" أن استحباب الإنصات يشمل الساكتين وغيرهم. والثاني: الأمر بتسوية الصفوف وهي محبوبة على الإطلاق. روي عن أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "سوّوا صفوفكم فإن تسوية الصفوف من تمام الصلاة" (¬2) ولكن اللائق بالسياق أن قوله: "فإذا قامت" أراد به صلاة الجمعة وهي أجدر برعاية الآداب. وقوله: "فاعتدلوا الصفوف" كذا هو في النسخ، والمطابق للغرض أن يقال: فاعتدلوا في الصفوف أو فعدلوا الصفوف. وما روي أن عثمان كان لا يكبر حتى يأتيه رجال ... إلى آخره فقد روي مثله عن عمر وعلي -رضي الله عنهما-. ¬

_ (¬1) "المسند" ص (68). (¬2) رواه البخاري (723)، ومسلم (433/ 124).

الأصل

الأصل [294] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا إبراهيم، عن هشام، عن الحسن، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا عطس الرجل والإمام يخطب يوم الجمعة فشمته" (¬1). الشرح هشام: هو ابن حسان أبو عبد الله البصري. سمع: عطاء، والحسن البصري -ويقال: أنه جاوره عشر سنين- ومحمد بن سيرين. وروى عنه: يزيد بن زريع، وزائدة، وغيرهما. مات سنة سبع أو ثمان وأربعين ومائة (¬2). والحديث مرسل، وحكى أبو عيسى الترمذي (¬3) اختلاف العلماء في تشميت العاطس ورد السلام في الخطبة، فذكر أن بعضهم رخص ومنهم أحمد وإسحاق، وأن بعضهم منع منهما، وبه قال الشافعي. وقول الشافعي فيهما يتفرع على قوليه في أن الإنصات واجب أو مستحب: فعلى قوله القديم وهو الوجوب لا يرد السلام، والأظهر أنه لا يشمت العاطس أيضًا. وعلى قوله الجديد: يشمت العاطس ويرد السلام. ¬

_ (¬1) "المسند" ص (68). (¬2) انظر "التاريخ الكبير" (8/ ترجمة 2689)، و"الجرح والتعديل" (9/ ترجمة 229)، و"التهذيب" (30/ ترجمة 6572). (¬3) "جامع الترمذي" (باب ما جاء في كراهية الكلام والإمام يخطب الحديث 512).

الأصل

وتشميت العاطس يذكر بالسين والشين، قال أبو عبيد: والشين المعجمة أعلى اللغتين وأشهرهما [و] (¬1) هو الذي يرويه أكثر المحدثين، وعن ثعلب: أن الاختيار السين؛ لأنه من السمت، وهو الطريق والقصد أيضًا، يقال: سمت يسمت. الأصل [295] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان بن عيينة، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يقيمن أحدكم الرَّجل من مجلسه ثم يخلفه فيه، ولكن تفسحوا وتوسعوا" (¬2). [296] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا إبراهيم بن محمَّد، حدثني سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا قام أحدكم من مجلسه يوم الجمعة ثم رجع إليه فهو أحق به" (¬3). [297] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا إبراهيم، حدثني أبي، عن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يعمد الرجل إلى الرجل فيقيمه من مجلسه ثم يقعد فيه" (¬4). [298] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا عبد المجيد، عن ابن جريج، قال: قال سليمان بن موسى، عن جابر بن عبد الله أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يقيمن أحدكم أخاه يوم الجمعة ولكن يقول: أفسحوا" (¬5). ¬

_ (¬1) ليست في "الأصل" والسياق يقتضيها. (¬2) "المسند" ص (68). (¬3) "المسند" ص (68). (¬4) "المسند" ص (69). (¬5) "المسند" ص (69).

الشرح

الشرح والد إبراهيم شيخ الشافعي هو: محمَّد بن أبي يحيى سمعان مولى أسلم، ويقال: مولى خزاعة. سمع: أباه. وروى عنه: يحيى القطان، وقال: ليس به بأس، وله أخوان: أنيس وعبد الله ابنا أبي يحيى ولكل منهما رواية (¬1). ورواية محمَّد عن ابن عمر يشبه أن تكون مرسلة؛ لأنه لم يعرف بالرواية إلا عن أبيه. وسليمان بن موسى: هو أبو أيوب الدمشقي. سمع: عطاء، وعمرو بن شعيب. وروى عنه: ابن جريج. مات سنة تسع عشرة ومائة، ذكر البخاري أن عنده مناكير (¬2). وحديث نافع عن ابن عمر أخرجه البخاري (¬3) واللفظ: نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يقيم الرجل أخاه من مقعده ويجلس فيه. قيل لنافع: الجمعة؟ قال: الجمعة وغيرها". وحديث سليمان بن موسى عن جابر مرسل كذلك ذكره البيهقي وغيره من الحفاظ، لكن أخرجه مسلم (¬4) من حديث أبي الزبير عن جابر واللفظ: "لا يقيمن أحدكم أخاه يوم الجمعة ثم يخالف إلى مقعده فيقعد ¬

_ (¬1) انظر "الجرح والتعديل" (7/ ترجمة 1522)، و"التهذيب" (27/ ترجمة 5696). (¬2) انظر "التاريخ الكبير" (4/ ترجمة 1888)، و"الجرح والتعديل" (4/ ترجمة 615)، و"التهذيب" (12/ ترجمة 2571). (¬3) "صحيح البخاري" (911). (¬4) "صحيح مسلم" (2178/ 30).

الأصل

فيه، ولكن ليقل: أفسحوا". وفقه الحديث أن من جلس في موضع من المسجد للصلاة كان أحق بذلك الموضع في الصلاة التي حضر لها جمعة كانت أو غيرها، وليس لغيره إزعاجه عنه، وإن فارقه لحاجة عرضت من تجديد وضوءٍ أو رعاف أو غيرهما لم يبطل اختصاصه على ظاهر المذهب، ولا فرق بين أن يترك إزاره فيه أو لا يترك، ولا بين أن يطرأ العذر المحوج إلى المفارقة بعد الشروع في الصلاة أو قبله. وفيه أنه يستحب للداخل أن يطلب من القوم التفسح ولهم أن يتفسحوا ويمكنوه من الدخول في الصف، وقد قال الله تعالى: {إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا في الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا} (¬1). الأصل [299] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا إبراهيم بن محمَّد، حدثني عبد الله بن أبي لبيد، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قرأ في ركعتي الجمعة بسورة الجمعة والمنافقين (¬2). [300] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا عبد العزيز بن محمَّد، عن جعفر بن محمَّد، عن أبيه، عن [عبيد الله] (¬3) بن أبي رافع، عن أبي هريرة: أنه قرأ في الجمعة بسورة الجمعة و {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ} قال [عبيد الله] (¬4) فقلت له: قد قرأت بسورتين كان علي -رضي الله عنه- يقرأ بهما في الجمعة. ¬

_ (¬1) المجادلة: 11. (¬2) "المسند" ص 69. (¬3) في "الأصل": عبد الله. تحريف، والمثبت من "المسند"، وسيأتي في كلام المؤلف على الصواب. (¬4) في الأصل: عبد الله. وسبق التنبيه عليه.

الشرح

فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ بهما (¬1) ". [301] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا إبراهيم بن محمَّد، حدثني مسعر بن كدام، عن معبد بن خالد، عن سمرة بن جندب عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أنه كان يقرأ في الجمعة بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} و {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} (¬2). الشرح معبد بن خالد: هو الجدلي الكوفي، يقال: أنه كان يقرأ كل ليلة سبع القرآن. سمع: حذيفة بن أسيد، وعبد الله بن شداد، وقيس بن سعد. وروى عنه: الثوري، وشعبة، ومسعر، وغيرهم. مات بين سنة عشرين وست وعشرين ومائة (¬3). وسمرة: هو ابن جندب بن هلال بن خديج بن مرة بن عمرو الفزاري، حليف الأنصار أبو سعيد أو أبو عبد الرحمن، يعد في البصريين من الصحابة. روى عنه: الحسن، و [سوادة] (¬4) بن حنظلة، وابنه سليمان بن سمرة. مات سنة ثمان وخمسين أو تسع أو ستين (¬5). ¬

_ (¬1) "المسند" ص (69). (¬2) "المسند" ص (69). (¬3) انظر "التاريخ الكبير" (7/ ترجمة 1744)، و"الجرح والتعديل" (8/ ترجمة 1284)، و"التهذيب" (28/ ترجمة 6070). (¬4) في "الأصل": سواد. خطأ، وسوادة: هو القشيري البصري، ترجمته في "تهذيب الكمال" (13/ ترجمة 2634). (¬5) انظر "معرفة الصحابة" (3/ ترجمة 1321)، و"الإصابة" (3/ ترجمة 3477).

وحديث أبي هريرة من رواية عبيد الله بن أبي رافع صحيح، أخرجه مسلم (¬1) عن قتيبة عن عبد العزيز بن محمَّد الدراوردي، ومن طرق أخر، وأبو عيسى الترمذي (¬2) عن قتيبة عن حاتم بن إسماعيل عن جعفر بن محمَّد، وابن ماجه (¬3) عن أبي بكر بن أبي شيبة عن هاشم، وأبو داود (¬4) عن القعنبي عن سليمان بن بلال عن أبيه عن ابن أبي رافع. وحديث سمرة رواه شعبة وغيره عن معبد بن خالد عن زيد بن عقبة عن سمرة، وكذلك رواه أبو داود في "السنن" (¬5) عن مسدد عن يحيى عن شعبة، ويروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثل رواية سمرة من رواية النعمان بن بشير، وأبي عنبة الخولاني وحديث النعمان مخرج في "صحيح مسلم" (¬6)، ومثل رواية أبي هريرة من رواية سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مع زيادة وذلك أنه قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في صلاة الفجر يوم الجمعة: (أَلَم تَنزِيل) السجدة، و {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ} وفي صلاة الجمعة سورة الجمعة والمنافقين. وحديث ابن عباس هذا مخرج في "صحيح مسلم" (¬7) أيضًا. ويحكى عن الشافعي في "القديم" أنه أخذ بما رواه سمرة والنعمان، واختار في "الجديد" ما رواه أبو هريرة لوجوه: ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (877/ 61). (¬2) "جامع الترمذي" (519) وقال: حسن صحيح. (¬3) "سنن ابن ماجه" (1118). (¬4) "سنن أبي داود" (1124). (¬5) "سنن أبي داود" (1125). (¬6) "صحيح مسلم" (878/ 62). (¬7) "صحيح مسلم" (879/ 64).

الأصل

أحدها: [أنه] (¬1) أشهر وأكثر رواة. والثاني: أنه تأيد بفعل علي وأبي هريرة رضي الله عنهما بمشهدٍ من الصحابة والتابعين، وكانت قراءة أبي هريرة السورة في الجمعة حين استخلفه مروان على المدينة فصلى بالناس. والثالث: أنه سليم عن الاختلاف في الإسناد والمتن، وفي حديث سمرة بعض الاختلاف في الإسناد كما عرفت، وحديث النعمان في بعض الروايات: أنه كان يقرأ في الأولى سورة الجمعة وفي الثانية: {هَلْ أَتَاكَ}. ويحكى هذا عن مالك، ويحسن أن يقال: إن لم يتيسر قراءة الجمعة والمنافقين فأولى ما يقرأ السورتان الأخرتان؛ لصحة الخبر فيهما. واحتج الشافعي بالحديث على أن صلاة الجمعة ركعتان، وعلى أنه يجهر فيها بالقراءة، وفيه دليل على أن لا يكره تعيين سورة يقرأ بها في الصلاة خلافًا لأبي حنيفة. الأصل [302] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن الزهري عن أبي سلمة، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة" (¬2). ¬

_ (¬1) ليست في "الأصل" والسياق يقتضيها. (¬2) "المسند" ص (69).

الشرح

الشرح الحديث مخرج في "الصحيحين" (¬1) من رواية مالك عن الزهري، ورواه أبو داود (¬2) عن القعنبي عنه، والترمذي (¬3) عن نصر بن علي، وابن ماجه (¬4) عن أبي بكر بن أبي شيبة بروايتهما عن سفيان. واحتج بالحديث على أن من أدرك ركعة من الجمعة كان مدركًا لها، ومن لم يدرك ركعة يصلي الظهر أربعًا. وقد روى ابن ماجه (¬5) عن محمَّد بن الصباح، عن عمر بن حبيب، عن ابن أبي ذئب، عن الزهري، عن أبي سلمة وابن المسيب، عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من أدرك من الجمعة ركعة فليصل إليها أخرى". وعن أبي معاوية، عن الأعمش، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن عبد الله أنه قال: إذا أدركت ركعة من الجمعة فأضف إليها أخرى، وإذا فاتك الركوع فصل أربعًا (¬6). وإلى هذا ذهب أكثر أهل العلم منهم: ابن عمر، وأنس، وابن المسيب، وعلقمة، والأسود، وعروة، والحسن، والزهري، والثوري، ومالك، وابن المبارك، والأوزاعي، وأحمد، وإسحاق. الأصل [303] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا إبراهيم بن محمَّد، حدثني ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (580)، و"صحيح مسلم" (607/ 161). (¬2) "سنن أبي داود" (1121). (¬3) "جامع الترمذي" (524). (¬4) "سنن ابن ماجه" (1122). (¬5) "سنن ابن ماجه" (1121). (¬6) أخرجه البيهقي (3/ 204).

الشرح

صفوان بن سليم، عن إبراهيم بن عبد الله بن معبد (¬1)، عن أبيه، عن عكرمة، عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من ترك الجمعة من غير ضرورة كتب منافقًا في كتاب لا يمحى ولا يبدل" وفي بعض الحديث: "ثلاثًا" (¬2). [304] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا إبراهيم بن محمَّد، حدثني محمَّد بن عمرو، عن عبيدة بن سفيان الحضرمي، عن أبي الجعد الضمري، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "لا يترك أحد الجمعة ثلاثًا تهاونًا بها إلا طبع الله على قلبه". قال الشافعي: في بعض الحديث "ثلاثًا" (¬3). [305] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا إبراهيم، عن صالح بن كيسان، عن عبيدة بن سفيان (¬4) قال: سمعت عمرو بن أمية يقول: لا يترك رجل مسلم الجمعة ثلاثًا تهاونًا لا يشهدها إلا كتب من (المنافقين (¬5)) (¬6). الشرح عكرمة مولى ابن عباس، أبو عبد الله من علماء التابعين. سمع: مولاه، وابن عمر، وأبا سعيد، وعائشة. وروى عنه: أبو الزبير، والشعبي، وأيوب. ¬

_ (¬1) وضع فوقها علامة لحق وكتب في الحاشية: سعيد، وعليها علامة نسخة، قلت: معبد هو الصواب إن شاء الله. (¬2) "المسند" ص (70). (¬3) "المسند" ص (70). (¬4) وضع بعدها في الأصل علامة لحق وكتب بالحاشية: الحضرمي. وعليها علامة نسخة. (¬5) وضع فوقها علامة لحق وثم كلمة مطموسة في الحاشية، وفي "المسند": الغافلين وكذا "الأم". (¬6) "المسند" ص (70).

مات سنة أربع أو خمس أو سبع ومائة (¬1). وعبيدة -بفتح العين- ابن سفيان بن الحارث بن الحضرمي، يعدّ في أهل المدينة. روى عن: أبي الجعد الضمري، وأبي هريرة. وروى عنه: ابنه عمر بن عبيدة، ويقال عمرو، وإسماعيل بن أبي حكيم، ومحمد بن عمرو بن علقمة (¬2). وأبو الجعد الضمري معدود في الصحابة (¬3)، قال أبو عيسى (¬4) الترمذي: وسألت محمدًا -يعني البخاري- عن اسمه فلم يعرفه، وقال: لا أعرف له إلا هذا الحديث الواحد. وروى عتبة، عن محمَّد بن عمرو، عن عبيدة، عن أبي الجعد، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا تُشدُّ الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: مسجدي، والمسجد الحرام، والمسجد الأقصى، ومن ترك ثلاث جُمَع تهاونًا بها طبع الله على قلبه" (¬5) فزاد هذِه الزيادة. وصالح بن كيسان أبو محمَّد، ويقال: أبو الحارث الغفاري مولاهم، مؤدّب ولد عمر بن عبد العزيز، ويُعدّ في التابعين؛ لأنه رأى ابن عمر وروى عنه. ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (7/ ترجمة 218)، و"الجرح والتعديل" (7/ ترجمة 32)، و"التهذيب" (20/ ترجمة 4009). (¬2) انظر "التاريح الكبير" (6/ ترجمة 1778)، و"الجرح والتعديل" (6/ ترجمة 467)، و"التهذيب" (19/ ترجمة 3755). (¬3) انظر "معرفة الصحابة" (5/ ترجمة 3148)، و"الإصابة" (7/ ترجمة 9681). ونقل ابن حجر كلام البخاري هذا. (¬4) "جامع الترمذي" (500). (¬5) رواه أبو داود (1052)، والترمذي (500)، والنسائي (3/ 88)، وابن ماجه (125)، وابن الجارود (228)، والحاكم (1/ 415) جميعًا من طريق محمَّد بن عمرو بدون الجزء الأول.

سمع: الزهري، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة، والأعرج، وسليمان بن يسار. روى عنه: مالك، وابن عيينة، وإبراهيم بن سعد، وسليمان بن بلال. مات بعد المائة والأربعين (¬1). والتشديد في ترك الجمعة روي من رواية جابر بن عبد الله كما روي من رواية ابن عباس وأبي الجعد. وقوله: "عن أبيه عن عكرمة" كذلك هو في غير نسخة من "المسند" وفي غير هذا الكتاب: عن أبيه أو عن عكرمة وهو الأقرب، وكذلك اللفظ في "الأم" (¬2). وحديث أبي الجعد رواه الترمذي (¬3) عن علي بن خشرم عن عيسى بن يونس عن محمَّد بن عمرو، وابن ماجه (¬4) عن أبي بكر بن أبي شيبة وغيره عن محمَّد بن عمرو، وأبو داود (¬5) عن مسدد عن يحيى عن محمَّد بن عمرو. وقوله: "كتب منافقًا" أي ممن يعمل عمل المنافقين؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "ثلاث من كن فيه فهو منافق" (¬6). ويجوز أن يريد أن الترك والتهاون يؤديان به إلى النفاق حقيقة. وقوله: "في بعض الحديث ثلاثًا" يعني: روي في بعض الروايات ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (4/ ترجمة 2848)، و"الجرح والتعديل" (4/ ترجمة 1808)، و"التهذيب" (13/ ترجمة 2834). (¬2) "الأم" (1/ 208) ولفظه مثل لفظ "المسند". (¬3) "جامع الترمذي" (500). (¬4) "سنن ابن ماجه " (1125). (¬5) "سنن أبي داود" (1052). (¬6) أخرجه مسلم (59) من حديث أبي هريرة.

الأصل

"من ترك الجمعة ثلاثًا" وأما في حديث أبي الجعد فقد ذكر الثلاث ثم قال: "في بعض الحديث ثلاثًا" يعني أن ذكر الثلاث جرى في بعض الروايات، وبعضهم ترك ذكر الثلاث، ثم أيد الخبرين بالأثر عن عمرو بن أمية الضمري -رضي الله عنه-. الأصل [306] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا إبراهيم بن محمَّد، أخبرني صفوان بن سليم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا كان يوم الجمعة وليلة الجمعة فأكثروا الصلاة عليَّ" (¬1). [307] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا إبراهيم بن محمَّد، أخبرني عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أكثروا الصلاة عليَّ يوم الجمعة" (¬2). الشرح عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر: هو أبو طوالة الأنصاري النجاري المدني. سمع: أنس بن مالك، وسعيد بن يسار، وعامر بن سعد. وروى عنه: الدراوردي، ومالك، وسليمان بن يسار. توفي في خلافة أبي جعفر (¬3). والحديثان مرسلان لكن الترغيب في الطاعات وأعمال البر يتساهل في أسانيده، وأيضًا فقد ورد مسندًا في سائر الروايات: روي ¬

_ (¬1) "المسند" ص (70). (¬2) "المسند" ص (70). (¬3) انظر "التاريخ الكبير" (5/ ترجمة 383)، و"الجرح والتعديل" (5/ ترجمة 436)، و"التهذيب" (15/ ترجمة 3385).

الأصل

عن أوس بن أوس الثقفي قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أفضل أيامكم يوم الجمعة فأكثروا عليَّ من الصلاة فيه فإن صلاتكم معروضة عليَّ" قالوا: وكيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمْتَ -يقولون: بليت- فقال: "إن الله قد حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء" (¬1). قوله: "أَرِمْتَ" أصله: أرممت، وأدغمت إحدى الميمين في التاء، وفيما ذكر الخطابي أنه أرمت وأصله أرممت كما يقال: أحست بمعنى أحسست، يقال: أرم العظم ورَمَّ إذا صار رميمًا. الأصل [308] أبنا الربيع، أبنا الشافعي أبنا [إبراهيم بن محمَّد] (¬2) حدثني موسى بن عبيدة، حدثني أبو الأزهر معاوية بن إسحاق بن طلحة، عن عبد الله بن عمير، أنه سمع أنس بن مالك يقول: "أتى جبريل عليه السلام بمرآة بيضاء فيها وكتة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما هذه؟ فقال: هذِه الجمعة فضلت بها أنت وأمتك، فالناس لكم فيها تبع اليهود والنصارى، ولكم فيها خير، وفيها ساعة لا يوافقها مؤمن يدعو بخير إلا استجيب له وهو عندنا يوم المزيد، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: يا جبريل ما يوم المزيد؟ فقال: إن ربك اتخذ في الفردوس واديًا أفيح فيه كثب مسك، ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (1047)، والنسائي (3/ 91)، وابن ماجه (1085)، وابن خزيمة (1733)، وابن حبان (910)، والحاكم (1/ 413). قال أبو حاتم: منكر. العلل (565). (¬2) في "الأصل": محمَّد بن إبراهيم. سبق قلم، والمثبت من "المسند".

الشرح

فإذا كان يوم الجمعة أنزل الله ما شاء من ملائكته، وحوله منابر من نور عليها مقاعد النبيين وحفَّ تلك المنابر بمنابر من ذهب مكللة بالياقوت والزبرجد عليها الشهداء والصديقون، فجلسوا من ورائهم على تلك الكثب، فيقول الله تعالى: أنا ربكم قد صدقتكم وعدي فسلوني أعطكم، فيقولون: ربنا نسألك رضوانك، فيقول: قد رضيت عنكم ولكم عليَّ ما تمنيتم ولكن لدي مزيد، فهم يحبون يوم الجمعة لما يعطيهم فيه ربهم من الخير، وهو اليوم الذي استوى فيه ربكم على العرش، وفيه خلق آدم، وفيه تقوم الساعة" (¬1). [309] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا إبراهيم، حدثني أبو عمران (¬2) إبراهيم بن الجعد، عن أنس شبيهًا به وزاد عليه: ولكم فيه خير من دعا فيه بخير وله قسم أعطيه، وإن لم يكن له قسم ذخر له ما هو خير له منه، وزاد فيه أيضًا أشياء (¬3). الشرح موسى بن عبيدة بن نشيط بن عبيد بن الحارث، أبو عبد العزيز الربذي منسوب إلى الربذ، مولى بني عامر بن لؤي، يضعف في الحديث، تكلم فيه أحمد بن حنبل وغيره (¬4). ¬

_ (¬1) "المسند" ص (75). (¬2) وضع علامة لحق وكتب في الحاشية بخط مغاير: ابن. وهي مقحمة. (¬3) "المسند" ص (71). (¬4) انظر "التاريخ الكبير" (7/ ترجمة 1242)، و"الجرح والتعديل" (8/ ترجمة 686)، و"التهذيب" (29/ ترجمة 6280). ونقل البخاري تضعيف أحمد والقطان له.

ومعاوية بن إسحاق بن طلحة، سبط طلحة بن عبيد الله التيمي القرشي. سمع: سعيد بن جبير. وسمع منه: الثوري، وشعبة (¬1). وعبد الله بن عمير: إما عبد الله بن عمير الذي يروي عنه ابن أبي ذئب، أو عبد الله بن عمير أخو عبد الملك بن عمير، والله أعلم. وإبراهيم بن أبي الجعد، ويقال: ابن الجعد. روى عنه: الحسن بن عبيد الله النخعي (¬2). والحديث مذكور في الكتب (¬3) في فضائل الجمعة بروايات مختلفة عن أنس بن مالك، وممن أخرجه حميد بن زنجويه أورده في "الترغيب" بإسناده عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أتاني جبريل وفي يده كالمرآة البيضاء ... " وذكر الحديث. وتشبيه الجمعة بالمرآة البيضاء من الإشارات فيه أن المرآة تحفظ عن الشوائب المكدرة ليبقى صفاؤها فيرى الإنسان بالنظر فيها نفسه فيرتاح به، وكذلك الجمعة حقها أن تصفى عن الشواغل المانعة من القيام بوظائفها ليرى الإنسان بما عمل فيه ما يرتاح بها في الآخرة. ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (7/ ترجمة 1429)، و"الجرح والتعديل" (8/ ترجمة 1747)، و"التهذيب" (28/ ترجمة 6044). (¬2) انظر "التاريخ الكبير" (1/ ترجمة 895)، و"الجرح والتعديل" (2/ ترجمة 236)، و"تعجيل المنفعة" (1/ ترجمة 6). وقال ابن حجر: صوابه أخو عمران -وليس أبو عمران- كذلك ذكر البخاري في ترجمته. (¬3) أخرجه الطبراني في "الأوسط" (2084). قال المنذري (1037): إسناد جيد.

وقوله: "فيها وكتة" الوَكْتُ: الأثر اليسير، يقال: وكَّتت البُسْرة إذا ظهر فيها بعض الإِرطاب، والوكتة كالنكتة، وفي كثير من الروايات: "فيها كالنكتة السوداء". ثم في رواية حميد: "قلت: فما هذِه النكتة السوداء فيها يا جبريل؟ قال: هذِه الساعة تقوم في يوم الجمعة" كأنه أشير به إلى أهوال ذلك اليوم وظلماته، وفي بعض الروايات: "فقلت يا جبريل: ما هذِه النكتة السوداء؟ قال: هذِه الساعة التي في يوم الجمعة، لا يوافقها مسلم يسأل الله فيها خيرًا إلا أعطاه إياه" وعلى هذا فالتشبيه من حيث أن السواد والبياض النقي يستحسن في المنظر. وقوله: "لا يوافقها مؤمن إلا استجيب له" هكذا أطلق في هذِه الرواية" وفصل الاستجابة في غيرها؛ فقال: "لا يوافقها فيه مسلم يسأل الله فيها خيرًا إلا أعطاه إياه أو ذخر له مثله يوم القيامة أو صرف عنه من السوء مثله" وإلى هذا يرجع قوله في الرواية الثانية من الكتاب: "من دعا فيه بخير وله قسم" أي: حظ ونصيب "أعطيه .. " إلى آخره. والوادي الأفيحُ: الواسع. وفي الخبر على اختلاف الروايات أن الجمعة تسمَّى يوم المزيد؛ لأنه يزاد في نعمة أهل الجنة في كل جمعة، ولعل ذلك على سبيل التقدير بالأسبوع في الدنيا كما قيل في قوله تعالى: {وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا} (¬1) ويجوز أن يريد بالمزيد: الرؤية، كما في قوله تعالى: {وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} (¬2) وفي بعض روايات الحديث ما يفهم ذلك. ¬

_ (¬1) مريم: 62. (¬2) ق: 35.

الأصل

وقوله: "وهو اليوم الذي استوى فيه ربكم على العرش" الكلام في الاستواء وتنزيله مشهور وليس هذا موضعه، وقد يحمل ذلك على إتمام المخلوقات فيه على ما ورد في الخبر: "أنه خلق يوم الأحد كذا ويوم الاثنين كذا إلى يوم الجمعة" (¬1). الأصل [310] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا إبراهيم، حدثني عبد الله بن محمَّد بن عقيل، عن عمرو بن شرحبيل بن سعد، عن أبيه، عن جده؛ أن رجلًا من الأنصار جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله، أخبرنا عن الجمعة ماذا فيها من (1/ ق 122 - ب) الخير؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "فيه خمس خلال: فيه خلق آدم، وفيه أهبط الله آدم إلى الأرض، وفيه توفي الله آدم، وفيه ساعة لا يسأل الله العبد فيها شيئًا إلا آتاه إياه ما لم يسأل مأثمًا أو قطيعة رحم، وفيه تقوم الساعة فما من ملك مقرب ولا سماء ولا أرض ولا جبل إلا وهو (¬2) مشفق من يوم الجمعة" (¬3). الشرح عمرو بن شرحبيل من ولد سعد بن عبادة الأنصاري الخزرجي. ¬

_ (¬1) رواه مسلم (2789/ 27) من حديث أبي هريرة: "خلق الله عَزَّ وجَلَّ التربة يوم السبت ... ". (¬2) وضع الناسخ بعدها علامة لحق وكتب بالحاشية: "شفق" وعليها علامة نسخة. (¬3) "المسند" ص (71). والحديث رواه أحمد (5/ 284)، والبزار (3738) وقال البزار: إسناده صالح. وروى مسلم من حديث أبي هريرة (854/ 18): "خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه أدخل الجنة، وفيه أخرج منها، ولا تقوم الساعة إلا في يوم الجمعة".

روى عن: أبيه. وروى عنه: ابن عقيل (¬1). وأبوه شرحبيل: قيل: هو شرحبيل بن سعد بن عبادة، وقيل: شرحبيل بن سعيد بن سعد بن عبادة. وقيل: شرحبيل بن قيس بن سعد بن عبادة. روى عن: سعد بن عبادة (¬2). وعامة الروايات متطابقة على أن شرحبيل روى الحديث عن سعد بن عبادة: فإن كان شرحبيل بن سعد فالكناية في قوله في الكتاب: "عن جده" راجعة إلى عمرو، وإن كان ابن ابنه فالكناية راجعة إلى شرحبيل. وسعد: هو ابن عبادة بن دليم بن حارثة، أبو ثابت شهد بدرًا. روى عنه: ابن عباس، وأنس، وغيرهما. توفي بالشام في خلافة أبي بكر، وقيل: في خلافة عمر -رضي الله عنه- (¬3). وقوله: "فيه خمس خلال" لا يقتضي أن تكون الخلال كلها من الخير، والفضيلة التي سئل عنها حيث قيل: "ماذا فيها من الخير" بل يكفي للفضيلة اشتمال اليوم على ساعة الإجابة، وعدَّ معها خلالًا تختص باليوم. آخر الجزء ويتلوه في الذي يليه: أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن أبي الزناد، عن ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (6/ ترجمة 2575)، و"الجرح والتعديل" (6/ ترجمة 1321)، و"التهذيب" (22/ ترجمة 4382). (¬2) انظر "التاريخ الكبير" (4/ ترجمة 2697)، و"الجرح والتعديل" (4/ ترجمة 1489)، و"التهذيب" (12/ ترجمة 2715). (¬3) انظر "معرفة الصحابة" (3/ ترجمة 1097)، و"الإصابة" (3/ ترجمة 3175).

الأعرج، والحديث: "فيه ساعة لا يوافقها إنسان مسلم". الحمد لله حق حمده.

شَرحُ مسند الشافعي تَأليفُ الإمامِ العَلَّامَةِ حُجَّةِ الإسلَامِ عَبْدِ الكَرِيمِ محمَّدِ بْنِ عبدِ الكَرِيمِ بْنِ اَلفَضلِ بْنِ اَلحَسَنِ اَلقَزْوِينيِّ أَبِي اَلقَاسِمِ الرَّافِعيِّ الشَّافِعيِّ المتوفى سنة 623 هـ حَقَّقَه أَبُو بَكر وَائل محَمَّد بَكر زَهْران (دار الفلاح للبحث العلمي وتحقيق التراث) المجَلَّدُ الثَّاني إصدَارَات وِزَارَةُ الأَوْقَافِ وَالشُّؤُوْنِ الإِسْلَامِيَّة إدَارَةُ الشُّؤُوْنِ الإِسْلَامِيَّةِ دَوْلةِ قَطَر

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

شَرحُ مُسنَد الشَّافِعيِّ

حُقُوق الطَّبْع مَحفُوظَة لوزارة الأوقاف والشؤون الإِسلامية إدارة الشؤون الإِسلامية دولة قطر الطَبْعَة الأولى / 1428 هـ - 2007 م

الرواة سوى من سبق

الزمان، نُصرت بالصَّبا، إن الله يرسل الرياح فتحمل الماء من السماء، حفصة وعائشة أصبحتا صائمتين. الرواة سوى من سبق: عبد الله بن سلام، عبد الله بن عطاء، يزيد بن أبي عبيد، عمرو بن حزم، عمار بن ياسر، معاذ بن عبد الرحمن بن عثمان، أبوه، جده، عدي بن ثابت، عمرو بن أبي عمرو، عبد الملك بن كعب، أبو بكر بن عمر بن عبد العزيز، عمر بن نافع، عبد الله بن يزيد الخطمي، عثمان بن عروة بن الزبير، أبو أيوب، زيد بن ثابت، ضمرة بن سعيد المازني، أبو واقد الليثي، ليث بن سلمان، عبد الرحمن بن عبد، إبراهيم بن عبد الله، إبراهيم بن عقبة، أبو موسى الأشعري، صفوان بن عبد الله، سليمان بن عبد الله، المقدام بن شريح بن هانيء، أبوه، العلاء بن راشد، ثابت بن قيس، إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة، محمَّد بن زيد بن المهاجر، صالح بن عبد الله بن الزبير, كعب الأحبار، المسيب بن حزن، أبوه، موسى بن جبير، يوسف بن عبد الله بن سلام، المنهال بن عمرو، قيس بن السكن الأسدي، حفصة بنت عمر، عائشة بنت طلحة -رضي الله عنهم-.

الأصل

بسم الله الرحمن الرحيم الأصل [311] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذكر يوم الجمعة فقال: "فيه ساعة لا يوافقها إنسان مسلم وهو قائم يصلي يسأل الله فيه شيئًا إلا أعطاه إياه". وأشار النبي - صلى الله عليه وسلم - بيده يقللها (¬1). [312] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الهَادِ، عن محمَّد بن إبراهيم بن الحارث، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ فِيهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الجُمُعَةِ فِيهِ خُلِقَ آدَمُ وَفِيهِ أُهْبِطَ وَفِيهِ تِيبَ عَلَيْهِ وَفِيهِ مَاتَ، وَفِيهِ تَقُومُ السَّاعَةُ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا وَهِي مُسِيخَةٌ (¬2) يَوْمَ الجُمُعَةِ مِنْ حِينَ تُصْبحُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ شَفَقًا مِنَ السَّاعَةِ إِلَّا الجِنَّ وَالإِنْسَ وَفِيهِ سَاعَةٌ لاَ يُصَادِفُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ يسأل الله شيئًا إلا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ". قال أبو هريرة: قال عبد الله بن سلام: هي آخِرُ سَاعَةٍ مِنْ يَوْمِ الجُمُعَةِ. فقلت له: وكيف تكون آخر ساعة وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ يُصَادِفُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ وَهُوَ يُصَلِّي" وتلك ساعة لا يصلى فيها؟! فقال ابن سلام: ألم يقل النبي - صلى الله عليه وسلم -: من جَلَسَ مَجْلِسًا يَنْتَظِرُ الصَّلاَةَ فَهُوَ في صَلاَةٍ حَتَّى يُصَلِّي؟ (¬3). ¬

_ (¬1) "المسند" ص (71). (¬2) وضع بهدعا الناسخ علامة لحق وكتب بالحاشية: "من". ووضع فوقها علامة نسخة. (¬3) وضع بهدعا الناسخ علامة لحق وكتب بالحاشية: "قال". ووضع فوقها علامة نسخة.

الشرح

قلتُ: بلى. قال: فهو ذلك (¬1). الشرح عبد الله بن سلام بن الحارث: من بني إسرائيل من ولد يوسف بن يعقوب عليهما السلام، أبو يوسف، كان من أحبار اليهود، ويذكر أنه كان اسمه الحصين، فسماه النبي - صلى الله عليه وسلم - حين أسلم عبد الله، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - شهد له بالجنة. روى عنه: قيس بن عباد، وخرشة بن الحرُ، وغيرهما. توفي في سنة ثلاث وأربعين بالمدينة (¬2). والحديث الأول صحيح أخرجه البخاري (¬3) عن القعنبي، ومسلم (¬4) عن قتيبة بروايتهما عن مالك، والحديث الثاني: صحيح أيضًا مودع في "الموطأ" (¬5) جمع زيادات. وقوله: "وهي مُسيخةٌ": أي: مستمعة مصغية، والإِساخة والإصاخة بمعنى واحد. وقوله: "شفقًا من الساعة" أي: خوفًا كأنها أعلمت أنها تقوم يوم الجمعة، فتخاف هي قيامها كل جمعة. وقوله: "حتى تطلع الشمس" يدل على أنها إذا طلعت عرفت الدواب أنه ليس بذلك اليوم. وقوله: "لا يصادفها" أي: لا يجدها ولا يوافيها، وهو كقوله في ¬

_ (¬1) "المسند" ص (72). (¬2) انظر "معرفة الصحابة" (3/ ترجمة 1649)، و"الإصابة" (4/ ترجمة 4728). (¬3) "صحيح البخاري" (935). (¬4) "صحيح مسلم" (852/ 13). (¬5) "الموطأ" (1/ 108 رقم 240).

الحديث الأول: "لا يوافقها" في الحديث الأول. وقوله: "وأشار بيده يقللها" أي: يبين لهم ويعلمهم أن تلك الساعة خفيفة، وقد جاء في بعض الروايات "يزهدها" واختلفوا في ساعة الإجابة (¬1): فعن أبي ذر -رضي الله عنه- أنها حين ترتفع الشمس بقدر شبر إلى ذراع، وعن عائشة أنها عند أذان المؤذن، وعن أبي أمامة أنها ترجى إذا أذن المؤذن، أو إذا جلس الإِمام على المنبر أو عند الإقامة. ويروى عن عمرو بن عوف؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سئل عنها فقال: "هي حين تقام الصلاة الأولى إلى الانصراف عنها" (¬2). قال الراوي: يعني صلاة الجمعة، وقال جماعة: هي بعد العصر؟. ويروى عن أنس؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "التمسوا الساعة التي ترجى في يوم الجمعة بعد العصر إلى غيبوبة الشمس" (¬3). وقيد بعضهم بالساعة الأخيرة وبهذا قال عبد الله بن سلام وغيره من الصحابة، واعترض أبو هريرة عليه بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يصادفها عبد مسلم وهو يصلي" وتلك الساعة لا يصلى فيها، وأجاب عبد الله بن سلام بتنزيله على انتظار الصلاة، لما ورد أن المنتظر للصلاة في ¬

_ (¬1) توسع الحافظ ابن حجر رحمه الله في ذكر الاختلاف فيها في "الفتح" (باب الساعة التي في يوم الجمعة). فليراجع منه. (¬2) رواه الترمذي (490)، وابن ماجه (1138) من طريق كثير بن عبد الله بن عمرو عن أبيه عن جده. قال الحافظ في "الفتح" (2/ 419): وقد ضَعّف كثيرٌ رواية كثيرٍ. وقال الألباني في "ضعيف الجامع" (1890): ضعيف جدًّا. (¬3) رواه الترمذي (489). قال الترمذي: غريب، وقال الحافظ في "التلخيص" (1630): وسنده ضعيف.

الشرح

الصلاة، ويدل على هذا القول ما روي عن أبي سعيد الخدري أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الساعة التي يستجاب فيها الدعاء يوم الجمعة آخر ساعة من يوم الجمعة" (¬1). وعن أبي هريرة أنه قال: "التمسوا الساعة التي ترجى يوم الجمعة فيما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، وما بين أن ينزل الإِمام إلى أن يكبر، وما بين صلاة العصر إلى غروب الشمس" (¬2). الأصل [313]، أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا إبراهيم بن محمَّد، ثنا عبد الرحمن بن حرملة، عن ابن المسيب؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "سيد الأيام يوم الجمعة" (¬3). [314]، أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا إبراهيم بن محمَّد، أخبرني [أبي] (¬4) أن ابن المسيب قال: أحب الأيام إليَّ أن أموت فيه ضحى يوم الجمعة (¬5). الشرح الحديث من رواية ابن المسيب مرسل، لكن ورد مسندًا من رواية أبي لبابة بن عبد المنذر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "يوم الجمعة سيد الأيام ¬

_ (¬1) رواه الأصبهاني كما في "الترغيب" (1052) وسكت عليه. (¬2) رواه حميد بن زنجويه في "الترغيب" من طريق عطاء بن قرة، عن عبد الله بن ضمرة، عنه، كما عزاه له الحافظ في "الفتح" (2/ 417). (¬3) "المسند" ص (72). (¬4) سقط من الأصل والمثبت من "المسند". (¬5) "المسند" ص (72).

كتاب العيدين

وأعظمها، وهو أعظم عند الله من يوم الفطر والأضحى" (¬1) وهو قريب المعنى مما ذكرنا من رواية أوس بن أوس؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أفضل أيامكم يوم الجمعة". وأما الأثر عن ابن المسيب فعن السلف أنهم كانوا يحبون وقوع التوفي يوم الجمعة وليلتها؛ لما روي عن عبد الله بن عمرو قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من مات يوم الجمعة أو ليلة الجمعة وفي فتاني القبر" (¬2). ويروى "فتنة القبر". الأصل من كتاب العيدين [315] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا إبراهيم بن محمَّد، حدثني عبد الله بن عطاء بن إبراهيم مولى صفية بنت عبد المطلب، عن عروة بن الزبير عن عائشة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "الفطر يوم تفطرون، والأضحى يوم تضحون" (¬3). الشرح عبد الله بن عطاء بن إبراهيم مولى صفية بنت عبد المطلب: يشبه أن يكون الذي يقال له: عبد الله بن عطاء بن إبراهيم مولى آل الزبير بن العوام القرشي. ¬

_ (¬1) رواه ابن ماجه (1084). قال صاحب "مصباح الزجاجة" (387): إسناد حسن، وكذا حسنه الألباني في "صحيح الجامع" (2279). (¬2) رواه الترمذي (1074) وقال: غريب، وليس إسناده بمتصل. (¬3) "المسند" ص (73).

الأصل

وقد حدث هو عن: أبيه عطاء بن إبراهيم. وروى عنه: محمَّد بن إسحاق (¬1). والحديث رواه أبو عيسى الترمذي في "جامعه" (¬2) عن محمَّد بن إسماعيل، عن إبراهيم بن المنذر عن إسحاق بن جعفر بن محمَّد، عن عبد الله بن جعفر، عن عثمان بن محمَّد، عن المقبري، عن أبي هريرة واللفظ: "الصوم يوم تصومون، والفطر يوم تفطرون، والأضحى يوم تضحون". واحتج الشافعي به على أنه إذا شهد الشهود بعد ما استكملنا صوم الثلاثين وأمسينا أن اليوم الثلاثين كان يوم الفطر: إما لرؤيتهم الهلال ليلة الثلاثين، أو لرؤيتهم هلال رمضان قبل رؤيتنا؛ لا تقبل شهادتهم ويصلى من الغد صلاة العيد؛ لظاهر قوله: "فطركم يوم تفطرون" والغد هو الذي يفطر فيه الناس، ويقرب من هذا ما حكى أبو عيسى الترمذي عن بعض أهل العلم في تفسير الحديث، وقال معناه: أن الصوم والفطر مع الجماعة ومعظم الناس، ويروى في الحديث أيضًا: "وعرفة يوم تعرّفون" واحتج به على أن الحجيج إذا غلطوا في الوقوف لم يلزمهم القضاء. الأصل [316] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا إبراهيم بن محمَّد، حدثني محمَّد بن عجلان، عن نافع، عن ابن عمر أنه كان إذا غدا إلى المصلى يوم العيد كبَّر فرفع صوته بالتكبير (¬3). ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (5/ ترجمة 520)، و"الجرح والتعديل" (5/ ترجمة 608). (¬2) "جامع الترمذي" (697) وقال: حسن غريب. (¬3) "المسند" ص (73).

الشرح

[317] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا إبراهيم بن محمَّد، أخبرني عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر أنه كان يغدو إلى المصلى يوم الفطر إذا طلعت الشمس يكبر حتى يأتي المصلى (ثم) (¬1) العيد، ثم يكبر بالمصلى حتى إذا جلس الإِمام ترك التكبير (¬2). الشرح التكبيرات المرسلة من غروب الشمس ليلة العيد مستحبة على ما قال تعالى: {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} (¬3) وفي الأثر عن ابن عمر أنه كان يكبر إذا غدا إلى المصلى ويرفع الصوت، وفي الرواية الثانية أن غدوه كان إذا طلعت الشمس، وأنه كان يكبر في ذهابه إلى المصلى وبعد وصوله إليه. وأما قوله: "حتى إذا جلس الإِمام ترك التكبير" فعن الشافعي اختلاف قول في أن الإتيان بهذِه التكبيرات إلى متى يستحب؟ ففي قول: يستحب إلى خروج الإِمام إلى المصلى، وهذا ما ذكره في "الأم" (¬4). والثاني: -هو الأظهر-: إلى أن يتحرم الإِمام بالصلاة؛ لأن الكلام مباح إلى تلك الغاية، فذكر الله تعالى ما يقع الاشتغال به. ويقرب تنزيل ما روي عن ابن عمر من ترك التكبير إذا جلس الإِمام على الأول؛ لأنه إذا أتى المصلى فالغالب أنه يجلس ليعلم القوم بحضوره يتأهبوا للصلاة، وقد سبق إلى الفهم من اللفظ جلوس الإِمام ¬

_ (¬1) كذا في "الأصل". وفي "المسند": يوم، وكذا "الأم". (¬2) "المسند" ص (73). (¬3) البقرة: 185. (¬4) "الأم" (1/ 231).

الأصل

على المنبر وهو قريب من قول ثالث حكي عن "القديم" وهو أن وقت التكبير يمتد إلى أن يفرغ الإِمام من الصلاة، وفراغه من الصلاة يعقبه الجلوس للخطبة فلا يبعد التعبير به عنه؛ لكن التكبير إلى الفراغ والترك بعده إنما يتحقق في حق من لا يصلي مع الإِمام وهو بعيد من حال ابن عمر -رضي الله عنه-. الأصل [318] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن نافع، عن ابن عمر أنه كان يغتسل قبل أن يغدو يوم الفطر (¬1). [319] أخبرنا إبراهيم بن محمَّد بن أبي يحيى الأسلمي، قال: أخبرني يزيد بن أبي عبيد مولى سلمة بن الأكوع، عن سلمة بن الأكوع أنه كان يغتسل يوم العيد (¬2). [320] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا إبراهيم بن محمَّد، حدثني جعفر بن محمَّد، عن أبيه؛ أن عليًّا -رضي الله عنه- كان يغتسل يوم العيدين ويوم الجمعة ويوم عرفة وإذا أراد أن يحرم (¬3). الشرح يزيد بن أبي عبيد مولى سلمة بن الأكوع. سمع: سلمة، وعميرًا مولى آبي اللحم. وروى عنه: بكير بن عبد الله بن الأشج، وأبو عاصم النبيل، ومكي بن إبراهيم، ويحيى القطان. ¬

_ (¬1) "المسند" ص (73). (¬2) "المسند" ص (73). (¬3) "المسند" ص (74).

الأصل

مات سنة ست أو سبع وأربعين ومائة (¬1). وفي الآثار دلالة على استحباب الغسل للعيد، ويروى ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وفيها أنهم كانوا يغتسلون في اليوم، وفي جواز تقديمه على الفجر قولان: أظهرهما: الجواز. وتعرّض في الرواية عن علي -رضي الله عنه- لغسل يوم الجمعة ويوم عرفة وإذا أراد أن يحرم، وكأن المراد غسل يوم عرفة للوقوف، فأما اليوم على العموم فلا ذكر له والله أعلم. وروى ابن ماجه في "السنن" (¬2) عن [جبارة] (¬3) بن المغلس، عن حجاج بن تميم، عن ميمون بن مهران، عن ابن عباس قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يغتسل يوم الفطر، ويوم الأضحى. وبإسناده عن الفاكه بن سعد وكانت له صحبة؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يغتسل يوم الفطر، ويوم النحر، ويوم عرفة، وكان الفاكه يأمر أهله بالغسل في هذِه الأيام. الأصل [321] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا إبراهيم بن محمَّد، قال: ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (8/ ترجمة 3278)، و"الجرح والتعديل" (9/ ترجمة 1177)، و"التهذيب" (32/ ترجمة 7028). (¬2) "سنن ابن ماجه" (الحديث 1315، 1316). قال الحافظ في "التلخيص" (676): وإسنادهما ضعيفان، وكذا أعلهما الزيلعي (1/ 85)، وكذا صاحب "مصباح الزجاجة" (468، 469). وضعفهما الألباني في "الإرواء" (146) وقال عن حديث الفاكه أنه موضوع. (¬3) في "الأصل": حبان. تحريف، والمثبت من "السنن".

الشرح

حدثني أبو الحويرث؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كتب إلى عمرو بن حزم وهو بنجران عجل الأضحى، وأخر الفطر وذكر الناس" (¬1). الشرح عمرو: هو ابن زيد بن لوذان من بني مالك بن النجار من الأنصار، يقال أنه شهد الخندق وهو ابن خمس عشرة سنة، وكان أول مشاهده. روى عنه: ابنه محمَّد بن عمرو، والنضر بن عبد الله السلمي، وغيرهما. وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - قد بعثه إلى اليمن (¬2). وقوله: "وهو بنجران" قد يوجد بدله: "وهو بالبحرين" والأثبت الأول. وفيه ما يشعر بأن الكتاب يعمل به، واستحب تأخير الخروج للإمام في عيد الفطر قليلًا ليقدم الناس إخراج الفطرة فهو المحبوب، وتقديم الخروج في عيد الأضحى ليبادروا إلى التضحية بعد الصلاة، والمستحب للناس أن يخرجوا إذا فرغوا من صلاة الصبح [ليبادروا] (¬3) مجالسيهم ويكبروا مظهرين للشعار؛ وإنما يخرج الإِمام إذا علم أنه يوافي المصلى وقد دخل وقت الصلاة ليشغل بها إذا حضر ولا ينتظر، روي؛ أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يغدو إلى الأضحى، والفطر حتى تطلع الشمس" (¬4). وقوله: "وذكّر الناس" يريد الخطبة. ¬

_ (¬1) "المسند" ص (74). ورواه البيهقي (3/ 282) وقال: مرسل. (¬2) انظر "معرفة الصحابة" (4/ ترجمة 2038)، و"الإصابة" (4/ ترجمة 5814). (¬3) في "الأصل": لبادروا. والمثبت الصواب إن شاء الله. (¬4) رواه البيهقي عن الحسن، وقال: مرسل.

الأصل

الأصل [322] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا إبراهيم بن محمَّد، أخبرني صفوان بن سليم؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يطعم قبل أن يخرج إلى الجبان يوم الفطر ويأمر به (¬1). الشرح مقصود الحديث صحيح، فقد روى البخاري (¬2) عن محمَّد بن عبد الرحيم، عن سعيد بن سليمان، عن هشيم، عن عبيد الله بن أبي بكر بن أنس، عن أنس قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات. وزاد بعضهم: ويأكلهن وترًا. وعن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يخرج يوم الفطر حتى يطعم ولا يطعم يوم الأضحى حتى يصلي (¬3)، ويروي: حتى يرجع فيأكل من ذبيحته. وعن علي أنه قال: من السنة أن يخرج إلى العيد ماشيًا وأن يأكل شيئًا قبل أن يخرج (¬4). وكثيرًا ما يروي الشافعي الأحاديث مرسلة لكنها تتفق مسندة في الغالب وربما لا تكون الرواية حاضرة عنده والغرض الاحتجاج بنفس الحديث. ¬

_ (¬1) "المسند" ص (74). (¬2) "صحيح البخاري" (953). (¬3) رواه الترمذي (542)، وابن ماجه (1756)، وابن خزيمة (1426)، وابن حبان (2812)، والحاكم (1/ 433). قال الترمذي: غريب، وقال الحاكم: صحيح الإسناد، وصححه ابن القطان كما في "التلخيص" للحافظ (688)، وأيضًا الألباني في "صحيح الجامع" (4845). (¬4) رواه الترمذي (530) وقال: حسن، وابن ماجه (1296).

الأصل

والجَبَّان والجَبَّانةُ: الصحراء. وفي الحديث أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي العيد في الصحراء، وأنه كان يطعم قبل الخروج، قال الشافعي في "الأم" (¬1): وأحب للمصلي أن يطعم ويشرب قبل الغدو إلى المصلى، فإن لم يفعل أمرته به في الطريق أو في المصلى إن أمكنه، ويكره له تركه ولا يؤمر بذلك يوم الأضحى، وإن طعم فلا بأس. وقوله: "ويأمر به" بعد قوله "كان يطعم" فيه مزيد تأكيد فإن [ما] (¬2) يفعله قد يختص به، وما يأمر به غيره قد يختص (¬3) به. الأصل [323] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا إبراهيم بن محمَّد، حدثني جعفر بن محمَّد، عن أبيه، عن جده؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يلبس برد حبرة في كل عيد (¬4). الشرح الحِبَرَة: بُرد اليمن، والجمع: الحِبَر والحِبَرات، ويقال: بُرد حِبَرة، والمحبّر: المزين. ويروى عن جابر؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يلبس برده الأحمر في العيدين والجمعة (¬5) وفي "صحيح البخاري" (¬6) من رواية سالم بن عبد الله أن عبد الله بن عمر قال: أخذ عمر -رضي الله عنه- جبة من استبرق تباع في السوق فأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: يا رسول الله ابتع هذِه وتجمل بها للعيد والوفود. فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إنما هذِه لباس من لا خلاق له". ¬

_ (¬1) "الأم" (1/ 233). (¬2) في الأصل: "لم" والمثبت هو الصواب إن شاء الله تعالى. (¬3) يعني: يختص غير النبي - صلى الله عليه وسلم - به. (¬4) "المسند" ص (74). (¬5) رواه البيهقي (3/ 280). (¬6) "صحيح البخاري" (948).

الأصل

وعن ابن عمر أنه كان يلبس في العيدين أحسن ثيابه (¬1). ويستحب التطيب يوم العيد والتنظُّف بحلق الشعور، وقلم الأظفار، وقطع الروائح الكريهة، ومن لم يجد إلا ثوبًا واحدًا فينبغي أن يغسله، ويستوي في جميع ما ذكرناه القاعد في بيته والخارج إلى صلاة العيد، ويتنظف العجائز إذا خرجن ولا يتطيبن ولا يلبسن من الثياب ما يشهرهن. الأصل [324] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا إبراهيم بن محمَّد، حدثني خالد بن رباح، عن المطلب بن عبد الله بن حنطب؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يغدو يوم العيد إلى المصلى من الطريق الأعظم، فإذا رجع رجع من الطريق الأخرى على دار عمار بن ياسر (¬2). [325] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا إبراهيم بن محمَّد، حدثني معاذ بن عبد الرحمن التيمي، عن أبيه، عن جده؛ أنه رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - رجع من المصلي في يوم عيد فسلك على التمارين في أسفل السوق، حتى إذا كان عند مسجد الأعرج الذي عند موضع البركة التي بالسوق قام فاستقبل فجّ أسلم فدعا ثم انصرف (¬3). الشرح عمار المذكور في المتن ابن ياسر بن مالك بن كنانة بن الحصين المخزومي حلفًا أو ولاءً، أبو اليقظان، ممن شهد بدرًا من السابقين الأولين، آخى النبي - صلى الله عليه وسلم - بينه وبين حذيفة. ¬

_ (¬1) رواه البيهقي (3/ 281). (¬2) "المسند" ص (74). (¬3) "المسند" ص (74).

روى عنه: أبو موسى الأشعري، وأبو وائل، وعبد الرحمن بن أبزى، وغيرهم. قتل بصفين مع علي رضي الله عنهما سنة سبع وثلاثين (¬1). ومعاذ: هو ابن عبد الرحمن بن عثمان القرشي التيمي حجازي. سمع: أباه، وحمران. وروى عنه: الزهري، ونافع بن جبير (¬2). وأبوه عبد الرحمن بن عثمان بن عبيد الله القرشي ابن أخي طلحة بن عبيد الله. روى عنه: السائب بن يزيد، ومحمد بن المنكدر، وابنته هند بنت عبد الرحمن. وروى عن: أبيه. ويقال أنه كان قد أدرك زمان النبي - صلى الله عليه وسلم -، وروى عن عثمان -رضي الله عنه- (¬3). وأبوه عثمان بن عبيد الله قضية الخبر كونه من الصحابة ولم أر ذكره في "معرفة الصحابة" (¬4). ومقصود الحديث صحيح ثابت برواية جماعة من الصحابة: فروى ¬

_ (¬1) انظر "الإصابة" (4/ ترجمة 5708). (¬2) انظر "التاريخ الكبير" (7/ ترجمة 1564)، و"الجرح والتعديل" (8/ ترجمة 1121)، و"التهذيب" (28/ ترجمة 6032). (¬3) انظر "التاريخ الكبير" (5/ ترجمة 794)، و"الجرح والتعديل" (5/ ترجمة 1181)، و"التهذيب" (17/ ترجمة 3898). (¬4) انظر "معرفة الصحابة" (4/ ترجمة 2025)، و"الإصابة" (4/ ترجمة 5449). قال ابن حجر: قال ابن حبان: له صحبة، وقال الذهبي: لا صحبة له ولا إسلام، بل الصحبة لولده عبد الرحمن، ثم عقب عليه ابن حجر فقال: وهو رد بغير دليل.

البخاري (¬1) عن محمَّد بن سلام، عن أبي تميلة، عن فليح بن سليمان، عن سعيد بن الحارث، عن جابر قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا كان يوم عيد خالف الطريق. ومنهم من رواه عن فليح عن سعيد عن أبي هريرة، وفي الباب عن ابن عمر وأبي رافع. ولمَ كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يفعل ذلك، أكان يتوخى أطول الطريقين في الذهاب وأقصرهما في العود، أو كان يريد أن يتبرك به أهل الطريقين، أو أن [يستثني] (¬2) فيهما، أو أن يتصدق على فقرائهما، أو أن لا تكثر الزحمة؟ كلٌّ قيل، والأول أظهر المعاني، ثم من شاركه - صلى الله عليه وسلم - من الأئمة في المعنى استحب له ذلك، وفيمن لم يشاركه وجهان: أظهرهما: أن الجواب كذلك، ويشبه أن يجيء الوجهان في سائر الناس، والذي نص عليه في "الأم" استحبابه للجميع. ولفظ الطريق يذكر ويؤنث ولذلك قال في الرواية الأولى "من الطريق الأعظم" ثم قال: "من الطريق الأخرى" ويشبه أن يقال أنه - صلى الله عليه وسلم - كان تختلف به الطرق ذهابًا ومجيئًا ولم يكن ذهابه ومجيئه في طريقين معينين أبدًا؛ وإنما المرعي مخالفة الطريق ذهابًا وعودًا، وليس في الحديث الثاني أنه خالف الطريق وإنما المذكور في أي طريق رجع، وعرَّف الطريق بالمواضع المذكورة. وقوله: "قام" أي: وقف كما في قوله تعالى {وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا} (¬3) واستحب الشافعي لهذا الحديث الثاني أن يقف الإِمام في موضع فيدعو الله مستقبل القبلة ذكره في "الأم" (¬4) وقد يفهم من هذا أنه إنما استقبل فجَّ أسلم لكونه في جهة القبلة. ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (986). (¬2) كذا في الأصل! (¬3) البقرة: 20. (¬4) "الأم" (1/ 234).

الأصل

الأصل [326] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا إبراهيم بن محمَّد، أخبرني عدي بن ثابت، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: صلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم العيد (¬1) لم يصل قبلها ولا بعدها شيئًا، ثم انفتل إلى النساء فخطبهن قائمًا وأمر بالصدقة، فجعل النساء يتصدقن بالقرط وأشباهه (¬2). [327] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا إبراهيم بن محمَّد، حدثني عمرو بن أبي عمرو، عن ابن عمر؛ أنه غدا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم العيد إلى المصلى ثم رجع إلى بيته لم يصل قبل العيد ولا بعده" (¬3). [328] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا إبراهيم بن محمَّد، أخبرني سعد بن إسحاق بن كعب بن عجرة، عن عبد الملك؛ أن كعب بن عجرة لم يكن يصلي قبل العيد ولا بعده (¬4). [329] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا إبراهيم بن محمَّد، حدثني عبد الله بن محمَّد بن عقيل، عن محمَّد بن علي بن الحنفية، عن أبيه أنه قال: كنا في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم الفطر والأضحى لا نصلي في المسجد حتى نأتي المصلى، فإذا رجعنا مررنا بالمسجد فصلينا فيه (¬5). الشرح عدي بن ثابت: هو الأنصاري الكوفي. سمع: البراء، وعبد الله بن يزيد الخطمي -وعبد الله جده أبو أمه- ¬

_ (¬1) وضع بعدها علامة لحق وكتب بالحاشية: "العيدين". وعليها علامة نسخة. (¬2) "المسند" ص (74). (¬3) "المسند" ص (75). (¬4) "المسند" ص (75). (¬5) "المسند" ص (75).

وسليمان بن صُرَد، وسعيد بن جبير. سمع منه: يحيى بن سعيد الأنصاري، وشعبة، ومسعر، والأعمش، وزيد بن أبي أنيسة (¬1). وعمرو بن أبي عمرو ميسرة مولى المطلب بن عبد الله المخزومي. سمع: أنسًا، والمطلب، وسعيد بن جبير، وسعيدًا المقبري، وعبد الرحمن الأعرج. ويقال أنه مات في أول خلافة المنصور. وروى عنه: سليمان بن بلال، ويعقوب بن عبد الرحمن، ومالك، والدراوردي، وابن الهاد (¬2). وعبد الملك كأنه عم سعد من بني كعب بن عجرة. روى عن: أبيه. والحديث الأول صحيح أخرجه البخاري (¬3) عن أبي الوليد عن شعبة عن عدي بن ثابت، ومسلم (¬4) عن محمَّد بن بشار عن يحيى بن سعيد عن شعبة، وبطرق أخر، وأبو داود (¬5) عن حفص بن عمر عن شعبة، والترمذي (¬6) عن محمود بن غيلان عن أبي داود الطيالسي عن ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (7/ ترجمة 196)، و"الجرح والتعديل" (7/ ترجمة 5) و"التهذيب" (19/ ترجمة 3883). (¬2) انظر "التاريخ الكبير" (6/ ترجمة 2633)، و"الجرح والتعديل" (6/ ترجمة 1398)، و"التهذيب" (22/ ترجمة 4418). (¬3) "صحيح البخاري" (989). (¬4) "صحيح مسلم" (884/ 13) عن محمَّد بن بشار عن غندر عن شعبة ولم أجده فيه عن يحيى بن سعيد، ولم يعزه المزي له والله أعلم. (¬5) "سنن أبي داود" (1159). (¬6) "جامع الترمذي" (537).

شعبة، وابن ماجه (¬1) عن محمَّد بن بشار عن يحيى بن سعيد عن شعبة. وحديث ابن عمر يوافقه وعن رواية عبد الله بن عمرو مثله وبموجبها قال أكثر أهل العلم من الصحابة فمن بعدهم، قالوا: لا يصلى قبل صلاة العيد ولا بعدها، وعن رافع بن خديج وأنس وسهل بن سعد أنهم كانوا يصلون قبل صلاة العيد وبعدها. وحديث ابن الحنفية يقتضي الفرق بين ما قبلها وما بعدها، ويوافقه ما روى ابن ماجه (¬2) بإسناده عن أبي سعيد الخدري أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان لا يصلي قبل العيد شيئًا، فإذا رجع إلى منزله صلى ركعتين. وقوله: "ثم انفتل إلى النساء فخطبهن قائمًا" يريد أنه أتى النساء بعد الصلاة والخطبة لما روي في "الصحيح" (¬3) عن جابر؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قام يوم الفطر فصلى ثم خطب الناس، فلما فرغ نزل وأتى النساء فذكرهن وهو يتوكأ على يد بلال، وفي رواية ابن عباس على ما سيأتي ما يشير إلى سبب إتيانهن وتخصيصهن بالذكر وذلك أنه قال: ثم خطب يعني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد الصلاة فرأى أنه لم يسمع النساء فأتاهن فذكرهن ووعظهن وأمرهن بالصدقة. وفيه أن النساء كن يحضرن العيد، وأنه لا بأس للمذكر بالسؤال والحث على الصدقة وقبولها إلى أن تفرق، واحتج به على أنه تجوز ¬

_ (¬1) "سنن ابن ماجه" (1291). (¬2) "سنن ابن ماجه" (1293). ورواه الحاكم (1/ 437) وقال: إسناد صحيح، وقال صاحب "مصباح الزجاجة" (455): إسناد حسن، وحسنه الألباني في "صحيح الجامع" (4859). (¬3) "المسند" ص (75).

الأصل

عطية المرأة من مالها بغير إذن الزوج خلافًا لما يروى عن مالك. الأصل [330] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان بن عيينة، عن أيوب السختياني، قال: سمعت عطاء بن أبي رباح يقول: سمعت ابن عباس يقول: أشهد على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه صلى قبل الخطبة يوم العيد ثم خطب فرأى أنه لم يسمع النساء، فأتاهن وذكرهن ووعظهن وأمرهن بالصدقة، ومعه بلال قائل بثوبه هكذا، فجعلت المرأة تلقي الخرص والشيء" (¬1). [331] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا إبراهيم بن محمَّد، حدثني أبو بكر بن عمر بن عبد العزيز، عن سالم بن عبد الله، عن ابن عمر؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبا بكر وعمر كانوا يصلون في العيدين قبل الخطبة (¬2). [332] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا إبراهيم بن محمَّد، حدثني عمر بن نافع، عن أبيه، عن ابن عمر، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر وعثمان بمثله. [333] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا إبراهيم بن محمَّد، حدثني داود بن الحصين، عن عبد الله بن يزيد الخطمي؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبا بكر وعمر وعثمان كانوا يبدءون بالصلاة قبل الخطبة، حتى قدم معاوية الخطبة، وفي بعض النسخ: حين (¬3) قدم معاوية فقدم الخطبة (¬4). [334] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا إبراهيم بن محمَّد، حدثني ¬

_ (¬1) "المسند" ص (75). (¬2) رواه البخاري (958)، ومسلم (884/ 02). (¬3) كذا في الأصل وفي "المسند": حتى. (¬4) "المسند" ص (75).

الشرح

محمَّد بن عجلان، عن عياض بن عبد الله بن سعد بن أبي سرح أن أبا سعيد الخدري قال: أرسل إلى مروان وإلى رجل قد سماه فمشى بنا حتى أتى المصلى فذهب ليصعد، فجبذته إلى، فقال: يا أبا سعيد ترك الذي تعلم. قال أبو سعيد: فهتفت ثلاث مرات وقلت: والله لا تأتون إلا شرًّا منه (¬1). [335] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا إبراهيم بن محمَّد، حدثني زيد بن أسلم، عن عياض بن عبد الله بن سعد بن أبي سرح، عن أبي سعيد الخدري قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي يوم الفطر والأضحى قبل الخطبة (¬2). [336] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا إبراهيم بن محمَّد، حدثني هشام بن حسان، عن ابن سيرين؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يخطب على راحلته بعدما ينصرف من الصلاة يوم الفطر والنحر (¬3). الشرح عمر: هو ابن نافع العدوي، مولى عبد الله بن عمر بن الخطاب. سمع: أباه نافعًا. وروى عنه: عبيد الله بن عمر، وإسماعيل بن جعفر، وروح بن القاسم. مات في خلافة أبي جعفر بالمدينة (¬4). ¬

_ (¬1) "المسند" ص (76). (¬2) "المسند" ص (76). (¬3) "المسند" ص (76). (¬4) انظر "التاريخ الكبير" (6/ 2168)، و"الجرح والتعديل" (6/ ترجمة 759)، و"التهذيب" (21/ ترجمة 4311).

وعبد الله بن يزيد الخطمي الأنصاري، يعد في أهل الكوفة، كان صغيرًا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. سمع: زيد بن ثابت، وأبا مسعود، والبراء، وحذيفة. وروى عنه: الشعبي، ومحارب بن دثار. مات زمن ابن الزبير (¬1). وحديث ابن عباس صحيح مخرج في الكتابين (¬2)، وكذلك حديث ابن عمر (¬3)، وأبي سعيد الخدري (¬4) على بسط واختصار. وقوله: "فرأى أنه لم يسمع النساء" يشبه أن يكون سببه بُعْد مجلسهن عن مجالس الرجال، ولما ظن ذلك لما يستجز حرمانهن فأتاهن ووعظهن. وقوله: "ومعه بلال قائل بثوبه" أي: باسط له، وكذلك ورد في بعض الروايات، والتعبير عن البسط بالقول من جهة أن القول يقام مقام الإشارة، فيقال: قال برأسه كذا، أو قال بثوبه كذا، أي: أشار، وبسط الثوب إشارة إلى الاستماحة والطلب وهو كمدّ السائل اليد، ورواه بعضهم "وبلال قابل بثوبه" أي: آخذ، من قولهم: قبلت القابلة المولود، أي: تلقته وأخذته، وقبلت الدلو من المستقي إذا أخذتها منه. وحديث عبد الله بن يزيد الخطمي صريح في أن معاوية أخر الصلاة عن الخطبة، وفي حديث أبي سعيد ما يدل على أن مروان هو الذي فعل ذلك وسياقه في "صحيح البخاري" أن أبا سعيد قال: كان ¬

_ (¬1) انظر "معرفة الصحابة" (4/ ترجمة 1792)، و"الإصابة" (4/ ترجمة 5036). (¬2) "صحيح البخاري" (962)، و"صحيح مسلم" (884/ 1، 2). (¬3) "صحيح البخاري" (957)، و"صحيح مسلم" (888/ 8). (¬4) "صحيح البخاري" (956)، و"صحيح مسلم" (889/ 9).

الأصل

النبي - صلى الله عليه وسلم - يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلى، فأول شيءٍ يبدأ به الصلاة، ثم ينصرف فيقوم مقابل الناس والناس جلوس على صفوفهم، فيعظهم ويوصيهم ويأمرهم. قال أبو سعيد: فلم يزل الناس على ذلك حتى خرجت مع مروان -وهو أمير المدينة- في أضحى أو فطر، فلما أتينا المصلى إذا منبر بناه كثير بن الصلت، فإذا مروان يريد أن يرتقيه قبل أن يصلي فجبذتُ بثوبه، فجبذني فارتفع فخطب قبل الصلاة. فقلت له: غيرتم والله. فقال: أبا سعيد ذهب ما تعلم. فقلت: ما أعلم والله خير مما لا أعلم. فقال: إن الناس لم يكونوا يجلسون لنا بعد الصلاة فجعلتها قبل الصلاة". وقوله: "فهتفت به ثلاث مرات" أي: صحت، وذلك إما للتعجب أو الإنكار. والأحاديث متطابقة على تقديم صلاة العيد على الخطبة. قال الشافعي: وفيها دلالة على أنه لا بأس بأن يخطب على الراحلة، وأنه إذا رأى أنه لم يسمع طائفة من القوم إما النساء أو النساء وبعض الرجال؛ فينبغي أن يأتيهم ويخطب لهم خطبة خفيفة، ولا يجب ذلك لأنه لم يرو عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك إلا مرة (¬1). الأصل [337] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا إبراهيم بن محمَّد، حدثني ¬

_ (¬1) "الأم" (1/ 236).

الشرح

جعفر بن محمَّد، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبا بكر وعمر كبروا في العيدين والاستسقاء سبعًا وخمسًا، وصلوا قبل الخطبة وجهروا بالقراءة (¬1). [338] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا إبراهيم بن محمَّد، حدثني إسحاق بن عبد الله، عن عثمان بن عروة، عن أبيه؛ أن أبا أيوب وزيد بن ثابت أمرا مروان أن يكبر في صلاة العيدين سبعًا وخمسًا (¬2). [339] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا إبراهيم بن محمَّد، حدثني جعفر بن محمَّد، عن أبيه، عن علي بن أبي طالب أنه كبر في العيدين والاستسقاء سبعًا وخمسًا وجهر بالقراءة (¬3). [340] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن نافع مولى ابن عمر، قال: شهدت الأضحى والفطر مع أبي هريرة فكبر في الركعة الأولى سبع تكبيرات قبل القراءة، وفي الآخرة خمس تكبيرات قبل القراءة (¬4). الشرح عثمان: هو ابن عروة بن الزبير بن العوام الأسدي القرشي. سمع: أباه. وروى عنه: أخوه هشام بن عروة، وسفيان بن عيينة، وعثمان بن حكيم (¬5). وأبو أيوب: هو خالد بن زيد بن كليب بن ثعلبة بن عوف بن غنم بن مالك بن النجار الأنصاري بدري. ¬

_ (¬1) "المسند" ص (76). (¬2) "المسند" ص (76). (¬3) "المسند" ص (76). (¬4) "المسند" ص (76). (¬5) انظر "التاريخ الكبير" (6/ ترجمة 2289)، و"الجرح والتعديل" (6/ ترجمة 886)، و"التهذيب" (19/ ترجمة 3845).

سمع: النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأبي بن كعب. وروى عنه: البراء بن عازب، وعروة بن الزبير، وعطاء بن يزيد، وابن أبي ليلى، وغيرهم. مات سنة اثنتين وخمسين زمن معاوية بالقسطنطينية (¬1). وزيد: هو ابن ثابت بن الضحاك بن زيد بن لوذان بن عمرو أبو خارجة، ويقال: أبو سعيد، ويقال: أبو عبد الرحمن الأنصاري، كاتب النبي - صلى الله عليه وسلم -. روى عنه: أبو سعيد الخدري، وأنس بن مالك، وعطاء بن يسار، وابنه خارجة بن زيد. مات سنة إحدى وخمسين، وقيل: سنة خمس وأربعين (¬2). وحديث جعفر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - منقطع، لكن نقل معناه موصولًا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، واللفظ: "كبر النبي - صلى الله عليه وسلم - في العيدين سبعًا وخمسًا، في الأولى سبعًا، وفي الآخرة خمسًا سوى تكبيرة الصلاة" (¬3). ومن رواية كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف المزني عن أبيه عن جده، واللفظ: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يكبر في العيدين في الركعة الأولى سبع تكبيرات، وفي الركعة الثانية خمس تكبيرات قبل ¬

_ (¬1) انظر "معرفة الصحابة" (2/ ترجمة 799)، و"الإصابة" (2/ ترجمة 2165). (¬2) انظر "معرفة الصحابة" (3/ ترجمة 1008)، و"الإصابة" (3/ ترجمة 2882). (¬3) رواه أبو داود (1152)، وابن ماجه (1278)، وابن الجارود (262)، والدارقطني (2/ 48 رقم 22). قال البخاري: صحيح. "علل الترمذي" (154).

الأصل

القراءة" (¬1) وفي الباب عن عائشة وابن عمر. وعن محمَّد بن إسماعيل البخاري أن حديث كثير عن أبيه عن جده أصح شيء في الباب، قال: وبه أقول. ثم أكد الشافعي الحديث بالأثر عن أبي أيوب وزيد بن ثابت وعلي وأبي هريرة، قال: ولو لم يكن عندنا إلا فعل أبي هريرة وبتكبيره في دار الهجرة والسنة وبين أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لكفى دليلًا على أنه لم يكبر بهم خلاف تكبير رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وإنما خص فعل أبي هريرة بالذكر لأن الأثر عنه أصح إسنادًا. وفيما رواه الشافعي بيان أن صلاة الاستسقاء كصلاة العيدين في التكبيرات السبع والخمس. وأنه يجهر بالقراءة في صلاة العيد، وأن التكبيرات قبل القراءة، وعند أبي حنيفة يكبر في كل ركعة ثلاثًا وتقدم على القراءة في الركعة الأولى، وتؤخر عنها في الثانية وتوالى بين القراءتين. الأصل [341] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، ثنا مالك، عن ضمرة بن سعيد المازني، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أن عمر بن الخطاب سأل أبا واقد الليثي ما كان يقرأ به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الأضحى والفطر؟ فقال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ بـ {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} و {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (1)} (¬2). ¬

_ (¬1) رواه ابن ماجه (1279)، وابن خزيمة (1439). قال البخاري: ليس في الباب شيء أصح من هذا، وبه أقول "العلل" للترمذي (153). (¬2) "المسند" ص (77).

الشرح

الشرح ضمرة بن سعيد المازني الأنصاري المديني. سمع: أبا سعيد الخدري، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة. وروى عنه: مالك، وابن عيينة، وفليح بن سليمان (¬1). وأبو واقد: هو الحارث بن عوف، وقيل: الحارث بن مالك، ويقال: عوف بن الحارث بن أسيد بن جابر الليثي المديني، صحب النبي - صلى الله عليه وسلم - وكان ممن شهد بدرًا. روى عنه: عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، ويزيد أبو مرّة مولى عقيل. مات بمكة سنة ثمان وستين، ودفن في مقبرة المهاجرين (¬2). والحديث صحيح أخرجه مسلم (¬3) عن يحيى بن يحيى، وأبو داود (¬4) عن القعنبي، والترمذي (¬5) عن إسحاق بن موسى عن معن بن عيسى، بروايتهم جميعًا عن مالك، وعن الشافعي في رواية حرملة أنه قال: الحديث ثابت إن لقي عبيد الله أبا واقد، وأشار به إلى ما ذكروا أنه لم يدرك عبيد الله أيام عمر -رضي الله عنه- وسؤاله أبا واقد، لكن مسلمًا (¬6) عقب هذِه الرواية بحديثه عن إسحاق بن إبراهيم، عن أبي عامر العقدي، عن فليح، عن ضمرة، عن عبيد الله عن أبي واقد، قال: "سألني عمر بن الخطاب ... " وذكر الحديث، ويروى عن النعمان بن بشير "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (4/ ترجمة 3044)، و"الجرح والتعديل" (4/ ترجمة 2049)، و"التهذيب" (13/ ترجمة 2939). (¬2) انظر "معرفة الصحابة" (6/ ترجمة 3483)، و"الإصابة" (7/ ترجمة 10695). (¬3) "صحيح مسلم" (891/ 14). (¬4) "سنن أبي داود" (1154). (¬5) "جامع الترمذي" (534). (¬6) "صحيح مسلم" (891/ 15).

الأصل

كان يقرأ في العيدين وفي الجمعة بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1)} و {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ (1)} " (¬1). واعلم أن في الأحاديث الواردة فيما يقرأ في الجمعة والعيدين وغيرهما، وفيما يتعلق بفضائل السور دلالة ظاهرة على أن السور المؤلفة من الآيات كانت معلومة مضبوطة على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأن الصحابة لم يؤلفوها برأيهم. الأصل [342] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا إبراهيم، حدثني ليث، عن عطاء؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا خطب يعتمد على عنزته اعتمادًا (¬2). الشرح ليث: هو ابن سلمان إن شاء الله - بياع السابري. سمع عطاء. وروى عنه: وكيع، وأبو نعيم، وابن مهدي، وأسباط بن محمَّد (¬3). والاعتماد على العنزة أو ما في معناها في خطبة الجمعة قد مر ذكره، ويروى عن يزيد بن البراء عن أبيه "في صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم أضحى، ثم استقبل بوجهه وأعطي قوسًا أو عصى، فاتكأ عليها فحمد الله وأثنى عليه" (¬4). ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (878/ 62). (¬2) "المسند" ص (77). (¬3) قلت: ليس هو ليث بياع السابري، وإنما هو ليث بن أبي سليم كما صرح بذلك ابن حجر في "التلخيص" (649). وليث بن أبي سليم ترجمته في "التاريخ الكبير" (7/ ترجمة 1051)، "والجرح والتعديل" (7/ ترجمة 1014)، و"التهذيب" (24/ ترجمة 5017). (¬4) رواه البيهقي (3/ 300).

الأصل

قال الشافعي: وأحب لمن خطب أي خطبة كانت أن يعتمد على شيء، وإن ترك الاعتماد، أحببتُ له أن يسكن يديه وجميع بدنه، ولا يعبث بيده إما أن يضع اليمنى على اليسرى وإما أن يسكنهما. الأصل [343] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا إبراهيم بن محمَّد [حدثني] (¬1) عبد الرحمن بن محمَّد بن عبد الله (1/ ق 130 - ب) عن إبراهيم بن عبد الله، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال: السنة أن يخطب الإِمام في العيدين خطبتين يفصل بينهما بجلوس (¬2). الشرح عبد الرحمن: هو ابن عبد الله بن عبد القاري. روى عن: أبيه، وإبراهيم بن عبد الله. وروى عنه: ابنه يعقوب، ومحمد بن عبد الله الأعشى (¬3). وإبراهيم: هو ابن عبد الله بن عبد القاري عم عبد الرحمن. روى عن: أبي هريرة، وابن عباس وروى عنه: الجعيد بن عبد الرحمن، وغيره (¬4). وقوله: "من السنة أن يخطب الإِمام إلى آخره ... " يشعر بأنه يقوم في الخطبتين ليفصل بينهما بالجلوس، والغالب من إطلاق الصحابة والتابعين إذا قالوا: "في السنة كذا" أنهم يعنون سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ¬

_ (¬1) في "الأصل": ابن. تحريف، والمثبت من "المسند". (¬2) "المسند" ص (77). (¬3) انظر "التاريخ الكبير" (5/ ترجمة 1097)، و"الجرح والتعديل" (5/ ترجمة 1337). (¬4) انظر "التاريخ الكبير" (1/ ترجمة 956)، و"الجرح والتعديل" (2/ ترجمة 310) و"التهذيب" (2/ ترجمة 193).

الأصل

والمراد ما بينه وشرعه، ويمكن أن يحمل ها هنا على السنة المقابلة للفريضة فإن القيام في خطبتي العيد يسن ولا يشترط، بخلاف خطبة الجمعة بل أصل الخطبة لا تشترط للاعتداد بصلاة العيد. وزاد الشافعي في "الأم" فروى بهذا الإسناد عن عبيد الله أنه قال: "السنة في التكبير يوم الأضحى والفطر على المنبر قبل الخطبة أن يبتديء الإِمام وهو قائم على المنبر بتسع تكبيرات [تترى (¬1) لا] يفصل بينهما بكلام، ثم يخطب ثم يجلس جلسة، ثم يقوم في الخطبة الثانية فيفتتحها بسبع تكبيرات" (¬2). الأصل [344] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا إبراهيم بن محمَّد، حدثني إبراهيم بن عقبة، عن عمر بن عبد العزيز، قال: اجتمع عيدان على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: من أحب أن يجلس من أهل العالية فليجلس في غير حرج (¬3). [345] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن ابن شهاب، عن أبي عبيد مولى ابن أزهر قال: شهدت العيد مع عثمان بن عفان -رضي الله عنه- فجاء فصلى ثم انصرف فخطب، فقال: إنه قد اجتمع لكم في يومكم هذا عيدان، فمن أحب من أهل العالية أن ينتظر الجمعة فلينتظرها، ومن أحب أن يرجع فليرجع فقد أذنت له (¬4). ¬

_ (¬1) سقط من الأصل والمثبت من "الأم". (¬2) "الأم" (1/ 238). (¬3) "المسند" ص (77). (¬4) "المسند" ص (77).

الشرح

الشرح إبراهيم: هو ابن عقبة بن أبي عياش مولى آل الزبير بن العوام، يعد في أهل المدينة. سمع: كريبًا، وغيره. وروى عنه: ابن المبارك، والثوري، وابن عيينة، وزهير بن معاوية (¬1). والحديث مرسل لكنه موصول من طرق أخر: فعن أبي هريرة وابن عباس أنه قال في يوم جمعة وعيد: قد اجتمع عيدان في يومكم هذا، فمن شاء أجزأه للجمعة وإنا مجمعون (¬2). وعن ابن عمر أنه قال: "اجتمع عيدان على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - فصلى بالناس ثم قال: من شاء أن يأتي الجمعة فليأتها، ومن شاء فليتخلف" (¬3). وفي الباب عن زيد بن أرقم. والأثر عن عثمان مخرج في "الصحيحين" (¬4) ومؤكد له، ثم ذلك ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (1/ ترجمة 968)، و"الجرح والتعديل" (2/ ترجمة 355)، و"التهذيب" (2/ ترجمة 214). (¬2) رواه أبو داود (1073)، وابن ماجه (1311)، وابن الجارود (302)، والحاكم (1/ 425) من حديث أبي هريرة، ورواه ابن ماجه من حديث ابن عباس. قال الحافظ في "التلخيص" (697): ورواه ابن ماجه عن ابن عباس وهو وهم نبه هو عليه، وضعفه ببقية، وكذا ابن عبد البر في "التمهيد" (10/ 272)، وقال الخطابي: في إسناده مقال. (¬3) رواه ابن ماجه (1312) عن جبارة بن المغلس، عن مندل. قال صاحب "مصباح الزجاجة" (465): إسناده ضعيف لضعف جبارة ومندل. (¬4) "صحيح البخاري" (5572)، ولم أجده في مسلم. والله أعلم.

الأصل

عند الشافعي ومعظم أهل العلم محمول على أهل القرى إذا شق عليهم الذهاب والإياب؛ فأمَّا أهل المصر فعليهم العود للجمعة بلا خلاف، وفي قوله: "من أحب أن يجلس من أهل العالية فليجلس ومن أحب أن ينتظر الجمعة فلينتظرها" ما يدل على أن المقصود أهل القرى. وقوله: "فليجلس في غير حرج" أي: من غير أن يضيق عليه الأمر، بل له الانصراف. وفيه أن يوم الجمعة يسمى عيدًا. والعالية: ما كان من جهة نجد من قرى المدينة، وأدنى العوالي على ثلاثة أميال من المدينة، وقيل: على أربعة، وأبعدها على ثمانية أميال. الأصل [346] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ قال: خَسَفَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - (¬1) والناس معه، فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلًا قال: نَحْوًا مِنْ سُورَةِ البَقَرَةِ قال: ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا، ثم رفع فقام قيامًا طويلًا وهو دون القيام الأول، ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا وهو دون الركوع الأول، ثم سجد ثم قام قيامًا طويلًا وهو دون القيام الأول، ثم ركع ركوعًا طويلًا وَهْوَ دُونَ الرّكُوعِ الأَوَّلِ، ثم رفع فقام قيامًا طويلًا وهو دون القيام الأول ثم ركع ركوعًا طويلًا وَهْوَ دُونَ الرُّكُوعِ الأَوَّلِ، ثم سجد، ثم انصرف، وقد تجلت الشمس، فقال: "إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللهِ لاَ ¬

_ (¬1) كذا في الأصل وفي "المسند": فصلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

الشرح

يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلاَ لِحَيَاتِهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَاذْكُرُوا الله" قالوا: يا رسول الله رأيناك تناولت في مقامك شيئًا، ثُمَّ رَأَيْنَاكَ كأنك تَكَعْكَعْتَ؟ قال: "إِنِّي رَأَيْتُ -أَوْ أُرِيتُ الجَنَّةَ- فَتَنَاوَلْتُ مِنْهَا عُنْقُودًا وَلَوْ أَخَذْتُهُ لأَكَلْتُمْ مِنْهُ مَا بَقِيَتِ الدُّنْيَا، وَرَأَيْتُ أو أريت النَّارَ فَلَمْ أَرَ كَالْيَوْمِ مَنْظَرًا وَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ" قالوا: لم يا رسول الله؟ قال: بكفرهن. قيل: "أيكفرن بالله؟ قال: يَكْفُرْنَ العَشِيرَ، وَيَكْفُرْنَ الإِحْسَانَ، لَوْ أَحْسَنْتَ إِلَى إِحْدَاهُنَّ الدَّهْرَ، ثُمَّ رَأَتْ مِنْكَ شَيْئًا قَالَتْ مَا رَأَيْتُ مِنْكَ خَيْرًا قَطُّ" (¬1). الشرح الحديث مودع في "الموطأ" (¬2) وفي "الصحيحين" (¬3) فرواه البخاري عن القعنبي، ومسلم عن محمَّد بن رافع عن إسحاق بن عيسى بروايتهما عن مالك، ورواه مختصرًا أبو محمَّد الدارمي في "مسنده" (¬4) عن البويطي عن الشافعي عن مالك. وفي الباب عن عائشة، وأبي موسى -وسيأتي حديثهما في الكتاب- وعن علي، وابن عمر، وجابر، وعبد الله بن عمرو، والنعمان بن بشير، والمغيرة بن شعبة، وأبي مسعود، وأبي بكرة، وسمرة، وأبي بن كعب -رضي الله عنه-. ¬

_ (¬1) "المسند" ص (77). (¬2) "الموطأ" (1/ 186 رقم 445). (¬3) أخرجه البخاري (1052)، ومسلم (907/ 17). (¬4) "سنن الدارمي" (1528).

وقوله: "وخسفت (¬1) الشمس" الخسوف والكسوف كل منهما يقال في الشمس والقمر جميعًا، وعن بعضهم أن الخسوف يختص بالشمس والكسوف بالقمر، ونص القرآن يبطله، وقال ثعلب: أجود الكلام: كسفت الشمس وخسف القمر (¬2)، وعن الليث بن سعد أن الخسوف فيهما والكسوف في الشمس خاصة، ويقال: كسفت الشمس كسوفًا وكسفها الله كسفًا فهي كاسفة ومكسوفة وأكسفها الله، ويقال أيضًا: انكسفت، وخسف المكان أيضًا خسوفًا: ذهب في الأرض، وخسف الله بفلان الأرض، ورضي فلان بالخسف أي: بالنقيصة. وقوله: "الشمس والقمر آيتان من آيات الله ... إلى آخره" ذكر له معنيان: أحدهما: أن أهل الجاهلية كانوا يزعمون أن كسوف الشمس والقمر يقتضي حدوث تغيرات في العالم من موت كبير وضرر عام كما يزعم المنجمون من تأثير الكواكب، فبين النبي - صلى الله عليه وسلم - أن ذلك باطل، وأن خسوفهما آيتان يريهما خلقه ليعلموا أنهما مسخرات لله تعالى لا يقدران على الدفع عن نفسهما ولا سلطان لهما على غيرهما، وأمر بالصلاة والذكر عند خسوفهما إبطالًا لقول الجهال في عبادتهما والسجود لهما، وفزعًا إلى الله تعالى المستحق للعبادة والتعظيم. والثاني: أنهما من الآيات التي تظهر قبيل قيام الساعة على ما قال تعالى: {فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ (7) وَخَسَفَ الْقَمَرُ (8)} (¬3) فيخوف اللهُ تعالى بخسوفهما عباده ويذكرهم أمر الساعة؛ ليفزعوا إلى الله تعالى بالتوبة ¬

_ (¬1) كذا، وسبق خسفت بدون الواو. وهو الصواب. (¬2) انظر "مختار الصحاح" مادة: خسف. (¬3) القيامة: 7.

والاستغفار والذكر، ويشهد له قوله تعالى: {وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا} (¬1). وفي رواية أبي بكرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "آيتان من آيات الله لا يكسفان لموت أحد ولكن يخوّف اللهُ بهما عباده" (¬2). وقيل: يحتمل أن يكون الأمر بالصلاة والذي عندهما فزعًا إلى الله تعالى لاستدفاع ما يوهم متوهمون حدوثه عند حدوثهما. وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "فإذا رأيتم ذلك فاذكروا الله تعالى" حمله الشافعي على الصلاة، واستشهد له بقوله تعالى: {وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى (15)} (¬3) وفي بعض الروايات: "فإذا رأيتموه فصلوا" وفي بعضها: "فكبروا وادعوا الله، وصلوا وتصدقوا". وقوله: "وتكعكعت" (¬4) يقال: كععته فتكعكع، أي: حبستُه فاحتبس، وتكعكع أيضًا: جبن، وهو راجع إلى الأول، ويقال: إن أصل تكعكع تكعع فأدخلت الكاف بينهما، وفي بعض روايات "الصحيح" "كففت" بدل "تكعكعت". وقوله: "إني رأيت أو أريت الجنة". كأنه شك من الراوي. وقوله: "فتناولت منها عنقودًا" كأن المعنى: فأردت أن أتناول؛ لأن في بعض روايات "الصحيح": "ثم جيء بالجنة وذلك حين رأيتموني تقدمت، ولقد مددت يدي وأنا أريد أن أتناول من ثمرها لتنظروا ¬

_ (¬1) الإسراء: 59. (¬2) أخرجه البخاري (1063). (¬3) الأعلى: 15. (¬4) كذا! وفي الحديث: تكعكعت بدون واو.

إليه ثم بدا لي أن لا أفعل، فما من شيء توعدونه إلا وقد رأيته في صلاتي هذِه" رواه جابر (¬1)، وأيضًا ففي رواية عائشة: "رأيت في مقامي هذا كل شيء وعدتم، حتى لقد رأيتني أريد أن آخذ قطفًا من الجنة حين رأيتموني أتقدم" (¬2). وقوله: "فلم أر كاليوم منظرًا" يريد لم أر منظرًا في البشاعة والفظاعة كما رأيت اليوم، ولفظ رواية البخاري في "الصحيح": "فلم أر منظرًا كاليوم قط أفظع". وقوله: "يكفرن العشير" يعني: الزوج، سميّ به لأنه يعاشرها وتعاشره، قال تعالى: {وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ} (¬3) والمعاشرة: المخالطة، ويقال: كفر كفورًا وكفرانًا أي: جحد النعمة. وفي الحديث أنه يصلى للخسوف بالجماعة لقوله: "فصلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والناس معه" وأنه يسن في قيامها وركوعها التطويل، واحتج الشافعي بقوله "نحوًا من سورة البقرة" على أنه لم يجهر بالقراءة؛ لأنه لو جهر وبلغهم الصوت لأشبه أن ينقل الراوي ما سمع ولا يقدر بالبقرة؛ وأما في خسوف القمر فيستحب الجهر. وقوله في الركعة الأولى: "ثم رفع فقام قيامًا طويلًا وهو دون القيام الأول، ثم ركع ركوعًا طويلًا وهو دون الركوع الأول" بين أنه ينبغي أن يكون القيام الأول أطول من الثاني، والركوع الأول أطول من الثاني، وقضية ما ذكره الأصحاب أنه يجعل القيام الأول في الركعة الثانية دون القيام الثاني في الأولى، والركوع الأول في الثانية دون الركوع الثاني في الأولى أن يحمل الأول في قوله: "دون القيام الأول" ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (904/ 9). (¬2) رواه مسلم (901/ 3). (¬3) الحج: 13.

و"دون الركوع الأول". والركعة الثانية على الذي يليه هذا الذي فيه الكلام، وهذِه الكيفية التي اشتمل عليها حديث ابن عباس أشهر والروايات بها أكثر، وفي "صحيح مسلم" (¬1) من رواية طاوس، عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى في الكسوف فقرأ ثم ركع، ثم قرأ ثم ركع، ثم قرأ ثم ركع، ثم قرأ ثم ركع، ثم سجد وفي الأخرى مثلها وبعبارة أخرى: صلى ثمان ركعات في أربع سجدات (¬2). وعن عبيد بن عمير، عن عائشة؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى ست ركعات وأربع سجدات (¬3). ويروى مثله من رواية جابر، وعن أبي بن كعب؛ أنه - صلى الله عليه وسلم - صلى ركعتين في كل ركعة خمس ركوعات (¬4). ويروى عن سمرة بن جندب عن النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ أنه صلى ركعتين في كل ركعة ركوع واحد كسائر الصلوات (¬5). وحمل بعضهم الروايات على أنه صلاها مرات وزاد ونقص بحسب مدة الخسوف، وإلى هذا ذهبت طائفة من أصحابنا. وقوله: "ثم انصرف وقد تجلت الشمس" يبين وقوع الخطبة بعد زوال الخسوف؛ فإن خطبة الكسوف مؤخرة عن الصلاة كخطبة العيد، ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (909/ 19). (¬2) "صحيح مسلم" (901/ 18). (¬3) "صحيح مسلم" (904/ 7). (¬4) رواه أبو داود (1182)، والحاكم (1/ 481). قال الحاكم: رواته صادقون، وقال الذهبي: خبر منكر، وضعفه الألباني في "الإرواء" (661). (¬5) لم أجده عنه. والله أعلم. وروى مسلم في "صحيحه" (913) مثله عن عبد الرحمن بن سمرة.

الأصل

وفي "صحيح البخاري" من رواية أسماء؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - انصرف وقد تجلت الشمس فخطب فحمد الله تعالى بما هو أهله (¬1). ورأى الشافعي أن قوله في حديث ابن عباس "إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله ... إلى آخره" أجراه في الخطبة، ويوضحه ما في رواية عائشة؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى وقد تجلت الشمس فخطب الناس فقال في كسوف الشمس والقمر: "إنهما آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتموهما فافزعوا إلى الصلاة" (¬2). وإنما قالوا: "رأيناك تناولت في مقامك شيئًا ... إلى آخره" لأنه - صلى الله عليه وسلم - قد ذكر في خطبته بعد حمد الله والثناء عليه: "ما من شيءٍ كُتب لم أره إلا رأيته في مقامي هذا حتى الجنة والنار" وكذلك رواية أسماء. وفيه أنهم كلموه في الخطبة، وأن تطويل العبادة وإدامتها تفيده المعارف فإنه - صلى الله عليه وسلم - لما أطال الصلاة اطلع على المغيبات، وفيه أن كفران النعمة من المنكرات الموجبة للعقوبات، وأن النساء أسرع إليه. واعلم أن هذا الحديث مع أحاديث بعده تتعلق بصلاة الخسوف ولم يترجم لها أبو العباس بابًا ولا لصلاة الاستسقاء بعدها واقتصر على سرد الأحاديث. الأصل [347] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا إبراهيم بن محمَّد، حدثني عبد الله بن أبي بكر بن محمَّد بن عمرو بن حزم، عن الحسن، عن ابن عباس أن القمر كسف وابن عباس بالبصرة فخرج ¬

_ (¬1) رواه البخاري (922). (¬2) سبق تخريجه.

الشرح

ابن عباس فصلى بنا ركعتين في كل ركعة ركعتين (¬1)، ثم ركب فخطبنا فقال: إنما صليت كما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي، وقال "إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللهِ لاَ يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلاَ لِحَيَاتِهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ شيئًا منهما خاسفًا فليكن فزعكم إلى الله" (¬2). الشرح فيه أنه يصلى لخسوف القمر كما يصلى لخسوف الشمس، وفيه إطلاق الكسوف في القمر، وفيه أن في كل ركعة ركوعين، وفيه رعاية الجماعة حيث قال: "فصلى بنا" وأنه خطب بعد الصلاة، وأنه خطب راكبًا. وقوله: "إنما صليت كما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي" يجوز أن يريد صلاته - صلى الله عليه وسلم - كسوف القمر، ويجوز أن يريد صلاته لخسوف الشمس ويقول: صليت لخسوف القمر كما رأيته يصلي لخسوف الشمس، وأنه - صلى الله عليه وسلم - أمر عند خسوفهما بالصلاة. وقوله: "فليكن فزعكم إلى الله تعالى" يعني: إلى طاعته من الذكر والصلاة وغيرهما، وفي "صحيح البخاري" (¬3) مسندًا عن أسماء قالت: لقد أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالعتاقة في كسوف الشمس. الأصل [348] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن يحيى بن سعيد، عن عمرة، عن عائشة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ أن الشمس كسفت فصلى رسول ¬

_ (¬1) كذا في "الأصل" وفي "المسند": ركعتان، وكذا "الأم". (¬2) "المسند" ص (78). (¬3) رواه البخاري (1054).

الشرح

الله - صلى الله عليه وسلم -، فوصفت صلاته ركعتين في كل ركعة ركعتين (¬1). [349] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله (¬2). [350] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا إبراهيم بن محمَّد، حدثني أبو سهيل بن نافع، عن أبي قلابة، عن أبي موسى الأشعري، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله (¬3). [351] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا إبراهيم بن محمَّد، حدثني عبد الله بن أبي بكر، عن عمرو أو صفوان بن عبد الله بن صفوان قال: رأيت ابن عباس صلى على ظهر زمزم لخسوف الشمس والقمر ركعتين في كل ركعة ركعتين (¬4). الشرح أبو سهيل: إن كان عم مالك بن أنس فهو نافع لا ابن نافع وقد سبق ذكره، لكن في أكثر النسخ أبو سهيل بن نافع، وفي بعضها أبو سهيل نافع (¬5). وأبو موسى: هو عبد الله بن قيس بن سليم بن حضار الأشعري اليماني، قدم على النبي - صلى الله عليه وسلم - بخيبر بعدما فتحها بثلاث مع أهل السفينة، وكان ممن نزل البصرة. روى عنه: أنس بن مالك، وابناه أبو بردة وأبو بكر، وطارق بن شهاب. ¬

_ (¬1) "المسند" ص (78). (¬2) "المسند" ص (78). (¬3) "المسند" ص (79). (¬4) "المسند" ص (79). (¬5) هو أبو سهيل نافع إن شاء الله، وهو كذلك في "الأم".

مات سنة أربع وأربعين (¬1). وصفوان: هو ابن عبد الله بن صفوان بن أمية بن خلف الجحمي القرشي المكي. سمع: ابن عمر، وأم الدرداء. وروى عنه: الزهري (¬2). وحديث عمرة عن عائشة وهشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أخرجهما البخاري في "الصحيح" (¬3) مطولين عن القعنبي عن مالك. وروى مسلم (¬4) الأول منهما عن ابن أبي عمر عن سفيان بن عيينة عن يحيى بن سعيد، والثاني عن قتيبة عن مالك. والشافعي أوردهما محتجًّا بهما على أن في كل ركعة من صلاة الخسوف ركوعين فاختصرهما واقتصر على محل الاحتجاج. وقوله في حديث أبي موسى: "مثله" يريد مثل حديث عمرة وعروة في أنه ركع في كل ركعة ركوعين، وحديث أبي موسى مخرج في "الصحيحين" (¬5) أيضًا من رواية ابنه أبي بردة، ولكن ليس فيه أنه ركع في كل ركعة ركوعين أو أقل أو أكثر، وفيه أنه طول السجود كما طول القيام وهو قول للشافعي، ثم أيَّد الأحاديث بالأثر عن ابن عباس. وفي رواية المزني أن الشافعي ذكره بإسناده عن صفوان من غير ¬

_ (¬1) انظر "معرفة الصحابة" (4/ 1734)، و"الإصابة" (4/ ترجمة 4901). (¬2) انظر "التاريخ الكبير" (4/ ترجمة 2924)، و"الجرح والتعديل" (4/ ترجمة 1850)، و"التهذيب" (13/ ترجمة 2885). (¬3) "صحيح البخاري" (1044). (¬4) "صحيح مسلم" (901، 903/ 1، 8). (¬5) أخرجه البخاري (1059)، ومسلم (912/ 24).

الأصل

شك والظن أن عمرًا هو ابن دينار، وقد ترجح به رواية من روى عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ أنه ركع في كل ركعة ركوعين على رواية طاوس عن ابن عباس؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - زاد على ذلك؛ لأن الظاهر أن الراوي لا يخالف ما رواه، وهذا آخر ما يتعلق بالخسوف. الأصل [352] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك بن أنس، عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر، عن أنس بن مالك قال: جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله هلكت المواشي وتقطعت السبل فادع الله، فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فمطرنا من جمعة إلى جمعة. قال: فجاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله تهدمت البيوت وتقطعت السبل وهلكت المواشي، فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "اللهم على رؤوس الجبال والآكام، وبطون الأودية ومنابت الشجر" فانجابت عن المدينة انجياب الثوب (¬1). الشرح الحديث صحيح أخرجه البخاري (¬2) عن عبد الله بن يوسف عن مالك، والبخاري (¬3) ومسلم (¬4) بطرق عن شريك مع زيادات. وقوله: "هلكت المواشي وتقطعت السبل" يعني: في المرة الأولى بسبب الجدب، وفي الثانية بسبب كثرة الأمطار والوحول وتعذر الرعي والمسير، ولو كان المتكلم في المرتين واحدًا لجاء لفظ الرجل ¬

_ (¬1) "المسند" ص (79). (¬2) "صحيح البخاري" (1019). (¬3) "صحيح البخاري" (1013، 1016). (¬4) "صحيح مسلم" (897/ 8).

في المرة الثانية معرَّفًا، لكنه لم يثبت ذلك ففي "الصحيحين" أن شريكًا قال: "فسألت أنسًا أهو الرجل الأول؟ قال: لا أدري". والآكام: جمع أكمة وهي التل المرتفع من الأرض. وقوله: "فانجابت عن المدينة" أي: انكشفت وتقطعت كالثوب الخلق يتقطع، وقيل: أي انفرجت مستدبرة حول المدينة فصارت المدينة فيها مثل الجَوْبَةِ (¬1) وهي التُّرْسُ، وأيضًا الوهدةِ (¬2) المنقطعة عما علا من الأرض حولها، ويذكر أن ذلك الحديث كان حين دعا النبي - صلى الله عليه وسلم - عليهم فقال: "اللهم اشدد وطأتك على مضر، اللهم اجعلها سنين كسني يوسف" (¬3). وكانت الشكاية من قلة المطر يوم الجمعة والنبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب، وكذلك الشكاية الثانية أفصحت الروايات بذلك في "الصحيحين"، وقوله: "من الجمعة إلى الجمعة" يشير إليه. وقوله: "فادع الله فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -" في "الصحيح" أنه رفع يديه وقال: "اللهم اسقنا، اللهم اسقنا، اللهم اسقنا" ويروى بدله: "اللهم أغثنا" ثلاث مرات. وفيه أنه يستحب الاستسقاء بالدعاء في خطبة الجمعة، وقد ذكر الأصحاب أن الاستسقاء أنواع منها: الدعاء المجرد من غير صلاة ولا خلف صلاة، ومنها: الدعاء عقيب الصلاة وفي خطبة الجمعة، ومنها: ¬

_ (¬1) الجوبة: الحفرة المستديرة الواسعة، أي: حتى صار الغيم والسحاب محيطًا بآفاق المدينة. "النهاية" مادة: جوب. (¬2) الوهدة: الهُوّةُ تكون في الأرض. "اللسان" مادة: وهد. (¬3) أخرجه البخاري (1006)، ومسلم (675/ 594) من حديث أبي هريرة.

الأصل

الاستسقاء بركعتين وخطبتين مفردتين كذلك، وأنه لا بأس [.. (¬1) ..] الخطيب، وأنه - صلى الله عليه وسلم - أقام الجمعة الثانية مع دوام المطر وذلك يدل على أن المطر وإن كان عذرًا في ترك الجمعة، فلا يحسن أن يتخلف جميع الناس ويعطلوا الجمعة. الأصل [353] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أخبرني من لا أتهم، عن سليمان بن عبد الله بن عويمر الأسلمي، عن عروة بن الزبير، عن عائشة قالت: أصابت الناس سنة شديدة على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فمرّ بهم يهودي فقال: أما والله لو شاء صاحبكم لمطرتم ما شئتم ولكنه لا يحب ذلك، فأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - بقول اليهودي فقال: "أو قدْ قال ذلك"؟ قالوا: نعم، قال: "إني لأستنصر بالسنة على أهل نجد، وإني لأرى سحابة خارجة من العين فأكرهها، موعدكم يوم كذا أستسقي لكم" قال: فلما كان ذلك اليوم غدا الناس فما تفرق الناس حتى أمطروا ما شاءوا، قال: فما أقلعت السماء جمعة (¬2). الشرح سليمان بن عبد الله بن عويمر الأسلمي: ذكره البخاري في "التاريخ" قال: روى عنه: ابن أبي الزناد (¬3). ¬

_ (¬1) كلمة غير واضحة في "الأصل" ولعلها: بمقاطعة. (¬2) "المسند" ص (79). (¬3) انظر "التاريخ الكبير" (4/ ترجمة 1831)، و"الجرح والتعديل" (4/ ترجمة 541)، و"التهذيب" (12/ ترجمة 2535).

الأصل

ومقصود الحديث قد أخرج بعضه أبو داود (¬1) من رواية يونس عن هشام عن أبيه عن عائشة. والسنة: القحط والمجاعة، يقال: أصابهم عام سنة أي: شدة ومجاعة. وقول اليهودي: "إن شاء صاحبكم لمطرتم ما شئتم" يجوز أن يريد أن سبب هذِه الشدة أنه سأل سبعًا كسبع يوسف، ويجوز أن يريد أنه لو استسقى لمطرتم والأول أظهر؛ لقوله: "إني لأستنصر بالسنة على أهل نجد". والعين: ما عن يمين قبلة العراق، يقال: نشأت السحابة من قبل العين وهي خليقة بالمطر، كأنه يقول إذا نشأت سحابة يرجى منها المطر كرهتها لئلا يمطر الذين دعوت عليهم (من) (¬2) بين موعد الاستسقاء لأصحابه واستسقى لهم. وقوله: "فما أقلعت" يقال: أقلع عنه أي: كفّ، وأقلعت الحمى: ذهبت، وأقلع المطر والسماءُ، قال تعالى: {وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي} (¬3). الأصل [354] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك بن أنس، عن عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم، أنه سمع عباد بن تميم يقول: سمعت عبد الله بن ¬

_ (¬1) "سنن أبي داود" (1173) ولفظه: "شكى الناس إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قحوط المطر ... ". قال أبو داود: غريب وإسناده جيد، وصححه ابن حبان وابن السكن كما في "التلخيص" للحافظ. وحسنه الألباني في "الإرواء" (668). (¬2) كذا في "الأصل" ولعل الصواب: ثم. (¬3) هود: 44.

الشرح

زيد المازني يقول: "خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المصلى فاستسقى وحول رداءه حين استقبل القبلة" (¬1). [355] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، ثنا عبد الله بن أبي بكر، سمعت عباد بن تميم، يخبر عن عمه عبد الله بن زيد [المازني] (¬2) قال: "خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المصلى يستسقي فاستقبل [القبلة] (¬3) وحول رداءه وصلى [ركعتين] (¬4) " (¬5). [356] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أخبرني من لا أتهم، عن صالح مولى التوءمة، عن ابن عباس؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استسقى بالمصلى فصلى ركعتين (¬6). الشرح الحديث من رواية عبد الله بن زيد صحيح أخرجه مسلم (¬7) عن يحيى بن يحيى عن مالك، وعن سفيان أيضًا، وأخرج البخاري (¬8) حديث سفيان عن علي بن عبد الله وغيره عنه، وأخرج أبو داود (¬9) حديث مالك عن القعنبي عنه. ¬

_ (¬1) "المسند" ص (79). وزاد في "الأصل" جملة: "وحول رداءه وصلى ركعتين" وهذا نتيجة سقط قد استُدرك في الحاشية، وهي في الحديث التالي. (¬2) طمس في "الأصل" والمثبت من "المسند". (¬3) طمس في "الأصل" والمثبت من "المسند". (¬4) طمس في "الأصل" والمثبت من "المسند". (¬5) "المسند" ص (80). (¬6) "المسند" ص (80). (¬7) "صحيح مسلم" (894/ 1، 2). (¬8) "صحيح البخاري" (1005). (¬9) "سنن أبي داود" (1167).

الأصل

وفيه أنه يستحب الخروج إلى المصلى للاستسقاء، والصلاة ركعتين، وتحويل الرداء واستقبال القبلة سنتان. وحديث عبد الله بن زيد قد يوهم تقديم التحويل والدعاء على الصلاة، بل في "صحيح البخاري" من رواية ابن أبي ذئب عن الزهري عن عباد بن تميم عن عمه قال: رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم خرج يستسقي قال: فحول إلى الناس ظهره، واستقبل القبلة يدعو ثم حول رداءه [ثم] (¬1) صلى لنا ركعتين جهر فيهما بالقراءة (¬2) وفي "صحيح مسلم" (¬3) نحو منه من رواية يونس عن الزهري، ولذلك ذهب جماعة منهم: عمر بن عبد العزيز وأبو بكر بن محمَّد بن عمرو بن حزم إلى أن في الاستسقاء تقديم الخطبة على الصلاة كما في الجمعة؛ والذي أورده أصحابنا "أن الصلاة تقدم كما في العيد، وأن الإِمام يستقبل القبلة ويحول رداءه في الخطبة الثانية" وربما دعا النبي - صلى الله عليه وسلم - واستقبل وحول أولًا إلا أن يتم اجتماع الناس، ثم فعل ذلك في الخطبة الثانية أيضًا. وقوله في حديث ابن عباس: "أخبرني من لا أتهم" يريد به إبراهيم بن محمَّد، وكذلك في الفصل السابق وسيأتي من بعد ما يبينه. الأصل [357] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا إبراهيم بن محمَّد، حدثني خالد بن رباح، عن المطلب بن حنطب أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول عند المطر: "اللهم سقيا رحمة ولا سقيا عذاب ولا بلاء ولا هدم ولا غرق، اللهم على الظراب ومنابت الشجر، اللهم حوالينا ولا علينا" (¬4). ¬

_ (¬1) سقط من "الأصل" والمثبت من "صحيح البخاري". (¬2) رواه البخاري (1025). (¬3) "صحيح مسلم" (894/ 4). (¬4) "المسند" ص (80).

الشرح

[358] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا عبد العزيز بن محمَّد الدراوردي، عن عمارة بن غزية، عن عباد بن تميم، قال: "استسقى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعليه خميصة (¬1) سوداء، فأراد أن يأخذ بأسفلها فيجعلها أعلاها، فلما ثقلت عليه قلبها على عاتقيه" (¬2). الشرح قوله: "عند المطر" أي: عند نزوله، وقد ورد في "الصحيح" في حديث أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما شكي إليه في الجمعة الثانية كثرة المطر قال: "اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الآكام والظراب ومنابت الشجر" (¬3). وقوله: "سقيا رحمة" أي: افعله أو اسقنا سقيا رحمة. والظراب: الجبال الصغار. وقوله: "حوالينا" فيه إضمار أي: اجعله أو أَنزله حوالي المدينة في موضع النبات لا في الأبنية، يقال: هم حَوْله وحَوْليه وحَواله وحَواليْه. والدعاء عند نزول المطر قريب من الإجابة، روي أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: "اطلبوا استجابة الدعاء عند التقاء الجيوش وإقامة الصلاة ونزول الغيث" (¬4). وأما الحديث الثاني فقد رواه الشافعي مرسلًا، ورواه جماعة عن ¬

_ (¬1) وضع بعدها علامة لحق وكتب بالحاشية: "له" وعليها علامة نسخة. (¬2) "المسند" ص (80). (¬3) رواه البخاري (1013)، ومسلم (897/ 8). (¬4) رواه الشافعي في "الأم" (1/ 253) من مكحول مرسلًا. وحسنه الألباني بشواهده في "الصحيحة" (3/ 453).

الأصل

عبد العزيز موصولًا فقالوا: عن عباد بن تميم عن عبد الله بن زيد، وكذلك رواه أبو داود في "السنن" (¬1) عن قتيبة عن عبد العزيز. ومقصوده بيان كيفية تحويل الرداء، قال الشافعي (¬2): آمر الإِمام أن ينكس رداءه فيجعل أعلاه أسفله، ويزيد مع نكسه فيجعل ما كان على منكبه الأيمن على منكبه الأيسر؛ والأول هو الذي همّ به النبي - صلى الله عليه وسلم - فتركه لثقله، والثاني: هو الذي فعله ويصنع الناس في ذلك مثلما صنع الإِمام، والمعنى فيه التفاؤل بتحويل الحال من الضيق إلى السعة، وفيه أنه لا بأس بأن يلبس الإِمام السواد. الأصل [359] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن صالح بن كيسان، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، عن زيد بن خالد الجهني قال: صلى لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة الصبح بالحديبية في إثر سماء كانت بالليل، فلما انصرف أقبل على الناس فقال: "هل تدرون ماذا قال ربكم؟ ". قالوا: الله ورسوله أعلم. [قال] (¬3) "قال: أصبح من عبادي مؤمن بي [و] (¬4) كافر، فأما من قال مطرنا بفضل الله وبرحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكواكب، وأما من قال: مطرنا بنوء كذا أو نوء كذا ¬

_ (¬1) "سنن أبي داود" (1164). وكذا رواه النسائي (3/ 156)، وابن خزيمة (1415)، وابن حبان (2867)، والحاكم (1/ 475)، والضياء في "المختارة" (329). وصححه الحاكم على شرط مسلم. (¬2) "الأم" (1/ 251) بتصرف. (¬3) من "المسند". (¬4) من "المسند".

الشرح

فذلك (¬1) كافر بي مؤمن بالكواكب" (¬2). الشرح هذا حديث صحيح ضمنه مالك "الموطأ" (¬3) والبخاري "صحيحه" (¬4) ورواه عن عبد الله بن مسلمة، ومسلم "صحيحه" (¬5) ورواه عن يحيى بن يحيى بروايتهما عن مالك. والحديبية مخففة الياء: وهي قرية ليست بالكبيرة سميت ببئر هناك، ومنها إلى مكة مرحلة وإلى المدينة تسع مراحل، وعن مالك أنها من الحرم، وقيل: إنها من الحل، وقيل: بعضها من الحل وبعضها من الحرم، وعلى تقدير الحل عُدّت من مواقيت العمرة. وقوله: "في إثر سماء" يقال: خرجت في إثره وأثره إذا خرجت عقيبه، والسماء: المطر، سمي سماءً لنزوله من السماء، وعلى ذلك حمل قوله -عليه السلام -: "فيما سقت السماء العشر" (¬6). وقوله: "مطرنا بنوء كذا" النوء عند العرب: سقوط نجم في المغرب وطلوع رقية، قال أبو عبيد: هي ثمانية وعشرون نجمًا معروفة المطالع في أزمنة السنة يسقط منها في كل ثلاث عشرة ليلة نجم في المغرب مع طلوع الفجر، ويطلع آخر يقابله من الشرق من ساعته وتنقضي السنة بانقضاء الثمانية والعشرين. وأصل النوء: النهوض، يقال: ناء ينوء نوءًا؛ لأنه إذا سقط ¬

_ (¬1) وضع علامة لحق وكتب في الحاشية بخط مغاير قوله. "فذاك" ووضع فوقها علامة نسخة يريد أن في نسخة "فذاك" بدل "فذالك". (¬2) "المسند" ص (80). (¬3) "الموطأ" (1/ 192 رقم 451). (¬4) "صحيح البخاري" (846). (¬5) "صحيح مسلم" (71/ 125). (¬6) أخرجه البخاري (1483) من طريق الزهري عن سالم عن أبيه.

الأصل

الساقط بالمغرب ناء الطالع من المشرق، وقد يكون النوء السقوط، ويوافقه ما حكي عن ابن الأعرابي: "أن الساقطة: الأنواء، والطالعة: هي البوارج، وكانوا يقولون: إذا سقط نجم وطلع آخر حدث مطر أو ريح، وكانوا يضيفون الحادث إليها فنهوا عن ذلك وأمروا بالإضافة إلى فضل الله ورحمته، ثم قال الشافعي (¬1) - وتابعه الأئمة: إنما غلظ النبي - صلى الله عليه وسلم - القول فيمن يجعل ذلك من فعل النجم ولا يرى السقيا من الله تعالى فأما من قال: مطرنا بنوء كذا وأراد أنهم مطروا في ذلك الوقت فهو كقوله مطرنا في شهر كذا. قال الشافعي في "الأم" (¬2): وقد روي عن عمر -رضي الله عنه- أنه قال يوم الجمعة وهو على المنبر: كم بقي من نوء الثريا؟ فقام العباس -رضي الله عنه- فقال: لم يبق منه شيء إلا العوَّاء، فدعا ودعا الناس [حتى] (¬3) نزل عن المنبر فمطر (¬4) وأراد كم بقي من وقت الثريا، لأنهم جربوا الأوقات التي قدر الله فيها الأمطار كأوقات الحر والبرد. الأصل [360] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا من لا أتهم، أخبرني خالد بن رباح، عن المطلب بن حنطب؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا برقت السماء أو رعدت عرف ذلك في وجهه، فإذا أمطرت سري عنه (¬5). [361] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا من لا أتهم، قال: قال المقدام ¬

_ (¬1) "الأم" (1/ 252). (¬2) "الأم" (1/ 252). (¬3) في "الأصل": حين. والمثبت من "الأم" وكذا "سنن البيهقي" (3/ 358). (¬4) رواه ابن سعد في "طبقاته" (3/ 321) بنحوه. (¬5) "المسند" ص (80).

الشرح

بن شريح، عن أبيه، عن عائشة قالت: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا [أبصرنا] (¬1) شيئًا من السماء يعني السحاب ترك عمله واستقبله، وقال: "اللهم إني أعوذ بك من شرّ ما فيه فإن كشفه الله حمد الله، وإن مطرت قال (¬2): "سقيا نافعًا" (¬3). [362] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا من لا أتهم، ثنا العلاء بن راشد، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: ما هبّت ريح قط إلا جثى النبي - صلى الله عليه وسلم - على ركبتيه [و] (¬4) قال: "اللهم اجعلها رحمة ولا تجعلها عذابًا، اللهم اجعلها رياحًا ولا تجعلها ريحًا". قال ابن عباس: في كتاب الله تعالى: {أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا} {إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمًا لرِّيحَ الْعَقِيمَ} وقال: {وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ} {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ}. سمعت الربيع يقول: كان الشافعي إذا قال أخبرني من لا أتهم يريد: إبراهيم بن أبي يحيى، وإذا قال أخبرني الثقة: يريد يحيى بن حسان (¬5). الشرح المقدام: هو ابن شريح بن هانيء الحارثي الكوفي. سمع: أباه. وسمع منه: الثوري، وشعبة، ومسعر (¬6). وأبوه: هو شريح بن هانيء بن يزيد بن كعب الحارثي. سمع: أباه، وعليًّا، وعائشة. ¬

_ (¬1) في "الأصل": بصرنا. والمثبت من "المسند". (¬2) وضع علامة لحق وكتب بالحاشية: "اللهم". وعليها علامة نسخة. (¬3) "المسند" ص (81). (¬4) من "المسند". (¬5) "المسند" ص (81). (¬6) انظر "التاريخ الكبير" (7/ ترجمة 1884)، و"الجرح والتعديل" (8/ ترجمة 1395)، و"التهذيب" (6163).

ويروى عن القاسم بن مخيمرة أنه أثنى خيرًا على شريح هذا، وقال: فما رأيت حارثيًّا أفضل منه (¬1). والعلاء بن راشد: هو الواسطي. [سمع من] (¬2): [حلام] (¬3) بن صالح الأزدي. وسمع منه: يزيد بن هارون (¬4). ويقال: رعدت السماء وبرقت، وأيضًا أرعدت وأبرقت، ورعدت المرأة وبرقت: إذا تحسنت وتزينت، ورعد الرجل وبرق: إذا تهدد وأوعد، وكأن ذلك لأن للرعد والبرق هيبة وزينة من جهة الإضاءة والإشراق، فاستعير اللفظ تارة للتهديد وأخرى للتزيّن، ويقال: مطرت السماء تمطر مطرًا وأمطرها الله، ومنهم من يقول: مطرت السماء وأمطرت بمعنى، وعلى هذا ينطبق قوله في الحديث: "فإذا أمطرت". ويقال: سُري عنه وانسرر عنه الهم: إذا انكشف. وقوله "سقيا نافعًا" أي: اجعله كذلك. والمقصود أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يتغير إذا تغير الهواء ويتفكر، فإذا نزل القطر سكن ما به لنزول الرحمة، وفي "الصحيح" (¬5) عن عطاء بن أبي ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (4/ ترجمة 2610)، و"الجرح والتعديل" (1459)، و"التهذيب" (12/ ترجمة 2729). (¬2) في "الأصل": سمع منه. تحريف. (¬3) في "الأصل": خلاد. خطأ، والمثبت من مصادر الترجمة. وحلام ترجمته في "طبقات ابن سعد" (6/ 347). (¬4) انظر "التاريخ الكبير" (6/ ترجمة 3160)، و"الجرح والتعديل" (6/ ترجمة 1960)، و"تعجيل المنفعة" (1/ 323 ترجمة 828). (¬5) "صحيح مسلم" (899/ 15).

الأصل

رباح عن عائشة قالت: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا عصفت الريح قال: "اللهم إني أسألك خيرها وخير ما فيها وخير ما أرسلت به، وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها وشر ما أرسلت به". [قالت] (¬1): وإذا تجلت (¬2) السماء تغير لونه، وخرج ودخل، وأقبل وأدبر، فإذا مطرت سري عنه فعرفت ذلك عائشة منه فسألته، فقال: لعله يا عائشة كما قال قوم عاد: {فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا} (¬3). وقوله في حديث ابن عباس: "اجعلها رياحًا ولا تجعلها ريحًا" أراد به ما بينه ابن عباس أن لفظ الرياح في القرآن ورد في الخير غالبًا، ولفظ الريح ورد في طرف الشر. وأما ما ذكر الربيع من مراد الشافعي بمن لا يتهم وبالثقة فقد زيد فيه وإذا قال: "قال بعض الناس" فيريد به أهل العراق، وإذا قال: "قال بعض أصحابنا" فيريد به أهل الحجاز، ثم قال الحاكم أبو عبد الله الحافظ: جرى الربيع فيما ذكره على الغالب وقد يريد الشافعي بالثقة غير ابن حسان كإسماعيل ابن علية وأبي أسامة وأحمد بن حنبل وهشام بن يوسف الصنعاني، وقد سبق هذا أو نحو منه في أول الكتاب. الأصل [363] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا من لا أتهم، أخبرني ¬

_ (¬1) في الأصل: قال. والمثبت من "مسلم". (¬2) في "صحيح مسلم": تخيلت. قال النووي في "شرح مسلم": قال أبو عبيد وغيره: تخيلت من المخيلة -بفتح الميم وهي سحابة فيها رعد وبرق يخيل إليه أنها ماطرة. (¬3) الأحقاف: 24.

الشرح

صفوان بن سليم (¬1) قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تسبوا الريح وعوذوا بالله من شرها" (¬2). [364] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا الثقة، عن الزهري، عن ثابت بن قيس، عن أبي هريرة قال: أخذت الناس ريح بطريق مكة وعمر -رضي الله عنه- حاج فاشتدت، فقال عمر لمن حوله: ما بلغكم في الريح؟ فلم يرجعوا إليه شيئًا، فبلغني الذي سأل عمر عنه من أمر الريح فاستحثثت راحلتي حتى أدركت عمر وكنت في مؤخر الناس، فقلت: يا أمير المؤمنين أخبرتُ أنك سألت عن الريح وإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "الريح من روح الله تأتي بالرحمة وبالعذاب، فلا تسبوها، وسلوا الله من خيرها، وعوذوا بالله من شرها" (¬3). الشرح ثابت بن قيس من التابعين زرقي أنصاري. روى عن: أبي هريرة. وروى عنه: الزهري (¬4). والحديث الأول المرسل بعضُ الثاني المسند، وقد رواه عن الزهري (¬5): الأوزاعي ويونس بن يزيد ومعمر. ¬

_ (¬1) وضُع علامة لحق وكُتب في الحاشية: "سلمان" وعليها علامة نسخة وهو خطأ. (¬2) "المسند" ص (81). (¬3) "المسند" ص (82). (¬4) انظر "التاريخ الكبير" (2/ ترجمة 2082)، و"الجرح والتعديل" (2/ ترجمة 1839)، و"التهذيب" (4/ ترجمة 828). (¬5) أخرجه البخاري في "الأدب" (720، 906)، وأبو داود (5097)، والنسائي في "الكبرى" (10767)، وابن حبان (1007، 5732)، والحاكم (4/ 318) جميعًا من طريقه. =

وقوله: "فلم يرجعوا إليه شيئًا" أي: يردوا عليه جوابًا. وقوله: "فاستحثثتُ راحلتي" أي: حثثتها، يقال: حثّهُ واستحثَّهُ وحَثَّثَه وحَثحثَهُ إذا حضضته وحملته على الشيء، والرَّوح والراحة من الاستراحة، ويومٌ روحٌ أي: طيب، والرَّوح نسيم، ومكان روحاني أي: طيب، وروح وريحان أي: رحمة ورزق. والمقصود النهي عن سبّ الريح، قال الشافعي (¬1): ولا ينبغي لأحد أن يسب الريح؛ فإنها خلق لله تعالى مطيع وجند من أجناده يجعلها رحمة إذا شاء ونقمة إذا شاء، ويروى؛ أن رجلًا شكى إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - الفقر، فقال: لعلك تسب الريح (¬2). ¬

_ = قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين. وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (3564). (¬1) "الأم" (1/ 253). (¬2) أخرجه الشافعي (1/ 253).

الأصل

الأصل [365] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أخبرني من لا أتهم، عن سليمان بن عبد الله، عن عويمر الأسلمي، عن عروة بن الزبير قال: إذا رأى أحدكم البرق أو الودق فلا يشير إليه وليصف ولينعت (¬1). الشرح قوله: عن سليمان بن عبد الله عن عويمر كذا يوجد في نسخ "المسند" والصواب (¬2): عن سليمان بن عبد الله بن عويمر، والعهد قريب بذكر هذا الرجل في "المسند". وقوله: "فلا يشير إليه" لفظه لفظ الخبر والمراد منه النهي، وبلفظ النهي يوجد في بعض النسخ. والوصف والنعت واحد، ويقال: نعته وانتعته إذا وصفه. قال الشافعي في "الأم" لم أزل أسمع عددًا من العرب يكره الإشارة إليه (¬3). ويشبه أن يكون هذا من جملة التفاؤلات. الأصل [366] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا من لا أتهم، حدثني عمرو بن أبي عمرو، عن المطلب بن حنطب أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما من ساعة من ليلٍ ¬

_ (¬1) "المسند" ص (82). (¬2) قال البيهقي في "السنن" (3/ 362): سمعناه من أبي زكريا وغيره عن سليمان بن عبد الله عن عويمر عن عروة، وفي "المبسوط" الذي سمعناه من أبي سعيد: ابن عويمر، والصحيح رواية أبي سعيد. (أي: الصحيح سليمان بن عبد الله عن عروة). (¬3) "الأم" (1/ 253).

الشرح

أو نهارٍ إلا السماء تمطر فيها يصرفه الله حيث يشاء" (¬1). [367] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، ثنا من لا أتهم، عن عبد الله بن أبي بكر، عن أبيه، أن الناس مطروا ذات ليلة، فلما أصبح النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬2) قال: "ما على الأرض بقعة إلا قد مطرت هذِه الليلة" (¬3). [368] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا من لا أتهم، عن سهيل بن [أبي] (¬4) صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ليس السنة بأن لا تمطروا، ولكن السنة أن تمطروا ثم تمطروا ولا تنبت الأرض شيئًا" (¬5). الشرح أورد الشافعي في "الأم" في هذا الموضع آثارًا وأحاديث لا تتعلق بالأحكام ولكنها تبين حال المطر قلة وكثرة وتفاوت الأمكنة الأرضية فيه؛ أما الأول ففيه أن السماء تمطر ليلًا ونهارًا والله تعالى يصرفه حيث يشاء من النواحي برًّا وبحرًا، ثم يمكن أن يجري هذا على إطلاقه، ويمكن أن يحمل على الأوقات التي تعهد فيها الأمطار، وفي الثاني ما يبين أن المطر قد يعم البلاد، والثالث أخرجه مسلم (¬6) من رواية يعقوب بن عبد الرحمن عن سهيل، وفيه أن عام القحط ليس الذي لا تمطر السماء فيه بل السماء تمطر ليلًا ونهارًا كما تقدم، ولكن تنقطع البركة ولا تنب الأرض مع دوام المطر فيحدث القحط. ¬

_ (¬1) "المسند" ص (82). (¬2) وضع علامة لحق وكتب بالحاشية: "غدا عليهم". وعليها علامة نسخة. (¬3) "المسند" ص (82). (¬4) سقط من الأصل والمثبت من "المسند". (¬5) "المسند" ص (82). (¬6) "صحيح مسلم" (2904/ 44).

الأصل

الأصل [369] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا من لا أتهم، حدثني إسحاق بن عبد الله، عن الأسود، عن ابن مسعود أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "المدينة بين عيني السماء عين بالشام وعين باليمن، وهي أقل الأرض مطرًا" (¬1). [370] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا من لا أتهم، أخبرني يزيد أو نوفل بن عبد الله الهاشمي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أسكنتُ أقلَّ الأرض مطرًا وهي بين عيني السماء يعني المدينة عين الشام وعين اليمن" (¬2). [371] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا من لا أتهم، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "يوشك أن تمطر المدينة مطرًا لا يكنُّ أهلها البيوت، ولا يكنهم إلا مظالُّ الشعر" (¬3). [372] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا من لا أتهم، أخبرني صفوان بن سليم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "يصيب أهل المدينة مطرًا لا يكنُّ أهلها بيتٌ من مدر" (¬4). الشرح إسحاق بن عبد الله رفع في بعض "النسخ" في نسبه فقيل: إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة كيسان، وإسحاق هذا يكنى بأبي سليمان وهو مولى عثمان بن عفان، من أهل المدينة. ¬

_ (¬1) "المسند" ص (82). (¬2) "المسند" ص (82). (¬3) "المسند" ص (83). (¬4) "المسند" ص 83. قال البخاري: تركوه، وقال أحمد: لا يحل عندي الرواية عنه، وقال الفلاس والنسائي وعلي بن الجنيد والدارقطني: متروك الحديث.

الأصل

روى عن: نافع، والزهري، وابن المنكدر. وروى عنه: عبد السلام بن حرب، ويحيى بن حمزة. وذكر أنه متروك، وأنه مات سنة ست وثلاثين [و] (¬1) مائة (¬2). ويزيد أو نوفل هكذا ذكره في "الأم" على الشك وكذلك هو في أكثر "نسخ الكتاب" وقد يوجد في بعضها يزيد بن نوفل بن عبد الله، ولا أتحقق الحال فيه. والمقصود من حديث ابن مسعود والذي بعده أن المدينة كانت أقل الأرض مطرًا وقعت بين مياه غزيرة بالشام واليمن متعلية عنهما، ومن حديث أبي هريرة والذي بعده أنها تمطر بعد ذلك. وقوله: "لا يكنُّ أهلها البيوت ... إلى آخره" كأن المراد أنهم لا يتجاسرون على المكث في البيوت من كثرة الأمطار، ويستترون بالأخبية والمظالّ. الأصل [373] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا من لا أتهم، أخبرني محمَّد بن زيد بن المهاجر، عن صالح بن عبد الله بن الزبير أن كعبًا قال له وهو يعمل زندًا بمكة: اشدد وأوثق [فإنا] (¬3) نجد في الكتب أن السيول ستعظم في آخر الزمان (¬4). ¬

_ (¬1) سقط من الأصل. (¬2) انظر "التاريخ الكبير" (1/ ترجمة 1260)، و"الجرح والتعديل" (2/ ترجمة 792)، و"التهذيب" (2/ ترجمة 367). قال البخاري: تركوه، وقال أحمد: لا يحل عندي الرواية عنه، وقال الفلاس والنسائي وعلي بن الجنيد والدارقطني: متروك الحديث. (¬3) في الأصل: بابًا. تحريف، والمثبت من "المسند". (¬4) "المسند" ص (83).

الشرح

[374] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن عمرو بن دينار، عن سعيد بن المسيب، عن أبيه، عن جده قال: جاء بمكة مرة سيل طبَّق ما بين الجبلين (¬1). [375] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا من لا أتهم، حدثني موسى (¬2) بن جبير، عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف، عن يوسف بن عبد الله بن سلام، عن أبيه قال: توشك المدينة أن يصيبها مطر أربعين ليلة لا يكنُّ أهلها بيتٌ من مدر (¬3). الشرح محمَّد: هو ابن زيد بن المهاجر بن قنفذ التيمي الجدعاني المديني. روى عن: ابن عمر. وروى عنه: مالك بن أنس. وذكر في "الأم" اسم أبيه على التردد، وقال: محمَّد بن يزيد أو زيد بن المهاجر (¬4). وصالح بن عبد الله أحد بني عبد الله بن الزبير من أكابر قريش (¬5). ¬

_ (¬1) "المسند" ص (83). (¬2) وضع عليها علامة لحق وكتب في الحاشية "يونس" وعليها علامة نسخة. كأنه يقصد: يونس بن جبير، وهو كذلك في "المسند" المطبوع، وفي "الأم": موسى بن جبير كما هو مثبت عندنا. وجعل ابن حجر الأثر في "الإتحاف" (6/ 7194) في مسند يونس بن جبير، عن أبي أمامة. (¬3) "المسند" ص (83). (¬4) انظر "التاريخ الكبير" (1/ ترجمة 229)، و"الجرح والتعديل" (7/ ترجمة 1401)، و"التهذيب" (25/ ترجمة 5227). (¬5) انظر "تعجيل المنفعة" (1/ 182 ترجمة 463).

وكعب: هو ابن ماتع الحميري، يقال له: الحبر، ويقال: الأحبار. سكن الشام وكان عنده علم كتب الأولين، ويكنى بأبي إسحاق. مات لسنة بقيت من خلافة عثمان -رضي الله عنه- (¬1). ووالد سعيد: هو المسيب بن حزن بن أبي وهب بن عمرو بن عائذ المخزومي القرشي المديني، شهد بيعة الرضوان. وروى عن: النبي - صلى الله عليه وسلم -. وسمع منه: ابنه سعيد (¬2). وحزن أبوه (¬3) من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -أيضًا، قتل يوم اليمامة، ويقال أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سأله عن اسمه. فقال: حزن فقال: أنت سهل، قال: لا أغيِّر اسمًا سمانيه أبي. قال سعيد: فما زالت فينا الحزونة (¬4). وموسى بن جبير: هو المديني مولى [بني] (¬5) سَلِمة. روى عن: أبي أمامة بن سهل، وعروة. وروى عنه: يحيى بن أيوب، وبكر بن مضر، وغيرهما (¬6). ويوسف (¬7): هو ابن عبد الله بن سلام الأنصاري الخزرجي. ¬

_ (¬1) انظر "معرفة الصحابة" (5/ ترجمة 2518)، و"الإصابة" (5/ ترجمة 7501). (¬2) انظر "التاريخ الكبير" (7/ ترجمة 1782)، و"الجرح والتعديل" (8/ ترجمة 1345)، و"التهذيب" (27/ ترجمة 5969). (¬3) انظر "معرفة الصحابة" (2/ ترجمة 736)، و"الإصابة" (2/ ترجمة 1703). (¬4) رواه البخاري (6190). (¬5) في "الأصل": أم. خطأ، والمثبت من التخريج. (¬6) انظر "التاريخ الكبير" (7/ ترجمة 1193)، و"الجرح والتعديل" (8/ ترجمة 627)، و"التهذيب" (29/ ترجمة 6246). (¬7) انظر "معرفة الصحابة" (5/ ترجمة 309)، و"الإصابة" (6/ ترجمة 9382). =

يروى عنه أنه قال: رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - أخذ كسرة من خبز شعير فوضع عليها تمرة وقال: "هذِه إدام هذِه" (¬1). وحديث كعب أورده أبو سليمان الخطابي في "غريبه" (¬2) ورواه عن الأصم وذكر أنه قال: "وهو يعمل زندًا" بتسكين النون، وأن الصواب الزند بفتح النون وهو المُسنَّاة، وأن بعضهم قال: إنما هو الربد يريد بناء من طين، قال: والربد الطين، والربَّاد الطيَّان في لغة أهل اليمن. وقد تجد أنت في "النسخ": "وهو يعمل وَتِدًا" (¬3) كأن من قال به ذهب إلى [القوابيل] (¬4) التي يستظهر بها للبناء فإنها كالأوتاد له وهو شبيه بتسمية الجبال أوتادًا، والثابت الزند وكذلك ذكره صاحب "الغريبين". وحديث سعيد عن أبيه عن جده رواه البخاري في "الصحيح" (¬5) عن علي بن عبد الله عن سفيان، ورواه الأزرقي في "كتاب مكة" عن جده عن ابن عيينة وقال: "جاء سيل في الجاهلية ... " ثم عدَّ سيولًا عظيمة وقعت بمكة في الإِسلام منها سيل أم نهشل في خلافة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، ومنها سيل الجُحاف في خلافة عبد الملك بن مروان سنة ثمانين، وسيل ابن حنظلة في خلافة المأمون سنة اثنين وثمانين، وآخر أعظم منه في سنة ثمان ومائتين. وأما حديث عبد الله بن سلام فهو نظير ما في الفصل السابق. ¬

_ = قال البخاري: له صحبة، وقال أبو حاتم: لا، له رؤية، ورجح ابن حجر كلام البخاري. (¬1) أخرجه أبو داود (3259). (¬2) "الغريب" (3/ 5). (¬3) وهي كذلك في "المسند" و"الأم". (¬4) كلمة غير واضحة في "الأصل" والمثبت أشبه بالرسم. (¬5) "صحيح البخاري" (3833).

الأصل

الأصل [376] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا من لا أتهم، أبنا عبد الله بن عبيدة، عن محمَّد بن عمرو، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "نصرتُ بالصَّبا وكانت عذابًا على من قبلي" (¬1). الشرح الحديث مرسل من هذِه الرواية، لكن في "الصحيحين" (¬2) من رواية شعبة عن الحكم، عن مجاهد، عن ابن عباس، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "نصرت بالصَّبا وأُهلكت عاد بالدبور" رواه البخاري عن آدم عن شعبة، ومسلم عن ابن المثنى عن محمَّد بن جعفر عنه. ويجوز أن يريد نصرت بالصَّبا وكانت الريح عذابًا على من قبلي ولا يريد خصوص الصّبا فيكون في المعنى، كما سبق أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: "الريح من رَوح الله تأتي بالرحمة وبالعذاب فلا تسبوها" (¬3). وعن عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا عصفت الريح قال: "اللهم إني أسألك خيرها وخير ما فيها وخير ما أرسلت به، وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها وشر ما أرسلت به" (¬4). الأصل [377] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا إبراهيم بن محمَّد ثنا سليمان، عن المنهال بن عمرو، عن قيس بن السكن، عن عبد الله بن ¬

_ (¬1) "المسند" ص (83). (¬2) "صحيح البخاري" (1035)، و"صحيح مسلم" (900/ 17). (¬3) سبق تخريجه قريبًا. (¬4) سبق تخريجه قريبًا.

الشرح

مسعود قال: إن الله تعالى يرسل الرياح فتحمل الماء من السماء، ثم (تمري) (¬1) السحاب حتى تدرّ كما تدر اللقحة، ثم تمطر (¬2). الشرح سليمان: هو الأعمش. والمنهال بن عمرو: هو الأسدي الكوفي. سمع: زرّ بن حبيش، وسعيد بن جبير. وروى عنه: الأعمش، ومنصور، وشعبة (¬3). وقيس بن السكن أسدي كوفي أيضًا، يعد في فقهاء التابعين من أصحاب عبد الله بن مسعود (¬4). وقوله: "ثم تمري السحاب" أي: تستدره، يقال: مريت الناقة أي: مسحت ضرعها لتدر، والمريّ على فعيل: الكثيرة اللبن من النوق، والدرّ: اللبن، ودرَّ الضرع يدرُّ درورًا، وأدرَّت الناقة فهي مدرّ: إذا درَّ لبنها، والريح قدر السحاب وتستدره أي: تستحلبه. و [اللقحة] (¬5): الناقة الحلوب، والجمع: لِقَح كقربة وقرب، ويقال لها لقُوح أيضًا، والجمع لقاح. ¬

_ (¬1) وضع عليها علامة لحق وكتب في الحاشية: وعليها علامة نسخة وهو كذلك في "المسند" و"الأم". (¬2) "المسند" ص (83). (¬3) انظر "التاريخ الكبير" (8/ ترجمة 1963)، و"الجرح والتعديل" (8/ ترجمة 1634)، و"التهذيب" (28/ ترجمة 6210). (¬4) انظر "التاريخ الكبير" (7/ ترجمة 649)، و"الجرح والتعديل" (7/ ترجمة 557)، و"التهذيب" (24/ ترجمة 4908). (¬5) تحرف في "الأصل" إلى اللحقة.

الأصل

والمعنى أن الريح تحمل الماء إلى السحاب ثم تمريه وتستحلبه فتدر وتمطر. الأصل [378] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مسلم بن خالد، عن ابن جريج، عن ابن شهاب الحديث الذي رويت عن حفصة وعائشة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -يعني أنهما أصبحتا صائمتين فأهدي لهما شيء فأفطرتا، فذكرتا ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "صوما يومًا مكانه". قال ابن جريج: فقلت له: أسمعته من عروة بن الزبير؟ قال: لا، إنما أخبرنيه رجل بباب عبد الملك بن مروان أو من جلساء عبد الملك بن مروان (¬1). [379] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان بن عيينة، عن طلحة بن يحيى بن طلحة بن عبيد الله، عن عمته عائشة بنت طلحة، عن عائشة أم المؤمنين قالت: دخل عليَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت: إنا خبأنا لك حيسًا. فقال لها: "إني كنت أريد الصوم، ولكن قرِّبيه" (¬2). الشرح حفصة ابنة عمر بن الخطاب القرشية العدوية، إحدى أمهات المؤمنين. روت عن: النبي - صلى الله عليه وسلم -. وروى عنها: أخوها عبد الله بن عمر، والمطلب بن أبي وداعة، وشتير بن شكل، وصفية بنت أبي عبيد. ¬

_ (¬1) "المسند" ص (84). (¬2) "المسند" ص (84).

وكانت قبل أن ينكحها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تحت خنيس بن حذافة السهمي ونكحها - صلى الله عليه وسلم - في السنة الثالثة من الهجرة، وقيل: في الثانية. وتوفيت سنة خمس وأربعين (¬1). وعائشة: هي بنت طلحة بن عبيد الله بن عثمان بن عمرو القرشية التيمية. سمعت: أم المؤمنين عائشة. وروى عنها: معاوية بن إسحاق، وطلحة بن يحيى بن طلحة، وفضيل بن عمرو، وغيرهم (¬2). واعلم أن هذا الفصل وما بعده لا يتعلق بالأبواب السابقة، لكن الشافعي -رضي الله عنه- عقد في "الأم" بابًا بعد صلاة العيدين ترجمه بكتاب الصلاة والصيام الواجب والتطوع. ومقصوده الكلام في أن الواجب لا يجوز الخروج منه، ومن خرج لزمه القضاء، وتطوع الصلاة والصوم يجوز الخروج منه، ومن خرج فلا قضاء عليه، وذكر فيه احتجاجه على من خالف فيه والجواب عن احتجاج المخالف، واستشهد فيه بمسائل متفرقة أيدها بآثار وأحاديث فأورد أبو العباس تلك الأحاديث والآثار في هذا الموضع واعتمد الشافعي في جواز الخروج حديث عائشة بنت طلحة عن عائشة أم المؤمنين، وهو صحيح أخرجه مسلم (¬3) عن أبي بكر بن أبي شيبة عن وكيع عن طلحة بن يحيى، ورواه كذلك عن طلحة: سفيان الثوري وشعبة وعبد الواحد بن زياد، وزاد بعضهم في الحديث أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: ¬

_ (¬1) انظر "معرفة الصحابة" (6/ ترجمة 3748)، و"الإصابة" (7/ ترجمة 11047). (¬2) انظر "الطبقات" لابن سعد (8/ 467)، و"التهذيب" (35/ ترجمة 7888). (¬3) "صحيح مسلم" (1154/ 170).

"سأصوم يومًا مكانه" قال الشافعي: وهذه الزيادة إن ثبتت فهي محتملة الاستحباب، ولو كان الإتمام واجبًا لما خرج النبي - صلى الله عليه وسلم -. والحَيْس: طعام يتخذ من أخلاط، قيل: إنه يصنع من الأقط والسمن والتمر، وقيل: من الزبد والتمر، وقيل: هو التمر ينزع نواه ويخلط بالسويق. واحتج من أوجب القضاء بما روي عن عائشة قالت: كنت أنا وحفصة صائمتين فعرض لنا طعام اشتهيناه فأكلنا منه، فجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فبدرتني إليه حفصة -وكانت بنت أبيها-[فقالت] (¬1): يا رسول الله إنا كنا صائمتين فعرض لنا طعام اشتهيناه فأكلنا منه فقال: "اقضيا يومًا آخر مكانه" (¬2). ويروى: "صوما يومًا مكانه" وهذا الحديث رواه جعفر بن برقان وصالح بن أبي الأخضر وغيرهما عن الزهري عن عروة عن عائشة، لكن الأكابر والحفاظ من أصحاب الزهري منهم مالك ومعمر ويونس بن يزيد وابن جريج ويحيى بن سعيد وعبيد الله بن عمر وسفيان بن عيينة رووه عنه عن عائشة مرسلًا، ثم روى الشافعي بالإسناد المذكور عن ابن جريج، عن الزهري التصريح بأنه لم يسمعه من عروة، وفيما رواه عنه ما يشعر بضعفه؛ فإنه أبهم ذكر الرجل الذي سمعه منه ولو عرفه لأشبه أن يسميه أو يوثقه، وبتقدير ثبوته فالأمر بالقضاء يحتمل الاستحباب، ووجهه أبو سليمان الخطابي بأن البدل يحل محل ¬

_ (¬1) في "الأصل": فقال. والمثبت من التخريج. (¬2) أخرجه أبو داود (2457)، والترمذي (735)، والنسائي في الكبرى (3291). قال ابن حجر في "الفتح" (4/ 212): وتوارد الحفاظ على الحكم بضعف حديث عائشة. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (423).

الأصل، فإذا كان مخيرًّا في الأصل كان مخيرًّا في البدل، والله أعلم. آخر الجزء، ويتلوه في الذي يليه: أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن ابن أبي لبيد: سمعت أبا سلمة بن عبد الرحمن يقول: قدم معاوية بن أبي سفيان المدينة" ... الحمد لله حق حمده.

ثمامة، أنس بن عياض، سفيان بن حسين، حميد بن قيس، بشر بن عاصم بن سفيان الثقفي، أبوه، جده، إسماعيل بن أمية القرشي، عمرو بن أبي سفيان الجمحي، جابر بن مسعر، أبوه، عمر بن حسين، عائشة بنت قدامة، أبوها، عراك بن مالك، مكحول، يزيد بن يزيد بن جابر، الحارث بن عبد الرحمن بن أبي ذباب، سعد بن أبي ذباب، عبد الرحمن بن القاسم، محمَّد بن صالح التمار، عبد الله بن رواحة -رضي الله عنهم-.

الأصل

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الأصل [380] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن ابن أبي [لبيد] (¬1) قال: سمعت أبا سلمة بن عبد الرحمن يقول: قدم معاوية بن أبي سفيان المدينة، فبينا هو على المنبر إذ قال: يا كثير بن الصلت اذهب إلى عائشة فسلها عن صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد العصر، قال أبو سلمة: فذهبت معه إلى عائشة وبعث ابن عباس عبد الله بن الحارث بن نوفل معنا، فأتى عائشة فسألها عن ذلك فقالت له: اذهب غسل أم سلمة، فذهبت معه إلى أم سلمة فسألها، فقالت أم سلمة: دخل عليَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم بعد العصر فصلى عندي ركعتين لم أكن أراه يصليهما [قالت أم سلمة: فقلت: يا رسول الله لقد صليت صلاة لم أكن أراك تصليها] (¬2)؟ قال: "إني كنت أصلي ركعتين بعد الظهر، وإنه قدم عليَّ وقد بني تميم أو صدقة فشغلوني عنهما فهما هاتان الركعتان" (¬3). الشرح كثير بن الصلت: حجازي كندي، ذكر أنه كان يسمى بقليل فسماه عمر -رضي الله عنه- كثيرًا، وأنه أدرك عثمان بن عفان -رضي الله عنه- (¬4). وعبد الله: هو ابن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب ¬

_ (¬1) تحرف في "الأصل" إلى البيد. والمثبت من "المسند". (¬2) سقط من "الأصل" والمثبت من "المسند". (¬3) "المسند" ص (84 - 85). (¬4) انظر "التاريخ الكبير" (7/ ترجمة 899)، و"الجرح والتعديل" (7/ ترجمة 855)، و"التهذيب" (24/ ترجمة 4946).

بن هاشم بن عبد مناف، أبو محمَّد الهاشمي تحول إلى البصرة وكان واليًا بها. سمع: أبي بن كعب، وحكيم بن حزام، والعباس بن عبد المطلب، وابن عباس، وميمونة. روى عنه: عبد الملك بن عمير، وأبو الخليل. مات سنة أربع وثمانين (¬1). والحديث صحيح، وقد رواه يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة مختصرًا، وكريب عن أم سلمة ومن روايته أخرجه البخاري (¬2) عن يحيى بن سليمان، ومسلم (¬3) عن حرملة، بروايتهما جميعًا عن ابن وهب، عن عمرو بن الحارث، عن بكير بن الأشج، عن كريب مولى ابن عباس، عن أم سلمة. وفي الحديث أن النوافل تقضى، وأنه لا بأس بالقضاء في وقت الكراهية، وأن الأشغال الحادثة قد تمهد العذر في تأخير الرواتب عن وقتها، وأن صلاة الوقت لا تؤخر لتقدم قضاء الراتبة، ثم عن عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أثبتها، ويروى أنها قالت: "ما ترك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ركعتين عندي بعد العصر قط" (¬4). ويروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (5/ ترجمة 155)، و"الجرح والتعديل" (5/ ترجمة 136)، و"التهذيب" (14/ ترجمة 3216). (¬2) "صحيح البخاري" (1233). (¬3) "صحيح مسلم" (834/ 297). (¬4) أخرجه البخاري (591)، ومسلم (835/ 299).

الأصل

قل" (¬1)، وعن عائشة أنها إذا عملت العمل لزمته (¬2). وإنما أورد الشافعي الحديث ها هنا مستشهدًا به على أن الشيء قد يقضى على سبيل الاستحباب كما أنه قضى الركعتين مع أنهما غير واجبتين في الأصل وقضاؤهما غير واجب، كذلك يجوز أن يكون قوله في "صُم يومًا مكانه" وقوله: "صومًا يومًا مكانه" على سبيل الاستحباب. الأصل [381] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن أيوب السختياني، عن نافع، عن ابن عمر "أن عمر -رضي الله عنه- نذر أن يعتكفَ في الجاهليةِ فسأل النبي - صلى الله عليه وسلم -، فأمره أن يعتكف في الإِسلام" (¬3). الشرح هذا حديث صحيح أخرجه البخاري (¬4) ومسلم (¬5) بطرق، فمنها رواية البخاري عن عبيد بن إسماعيل عن أبي أسامة عن عبيد الله بن عمر عن نافع، ورواية مسلم عن زهير بن حرب عن يحيى بن سعيد القطان عن عبيد الله واللفظ: أن عمر سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: كنت نذرت في الجاهلية اعتكاف ليلة في المسجد الحرام، قال: "فأوفِ بنذرِك". وفيه دليل على أنه كان لهم في الجاهلية اعتكاف، قال الشيخ الحسين البغوي في "شرح السنة": وفيه دليل على أن من نذر في حال كفره بما يجوز نذره في الإِسلام يصح نذره ويجب عليه الوفاء به بعد الإِسلام. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (6462)، ومسلم (783/ 218). (¬2) أخرجه مسلم (783/ 218). (¬3) "المسند" ص (85). (¬4) "صحيح البخاري" (2042). (¬5) "صحيح مسلم" (1656).

الأصل

وهذا ظاهر في تصحيح نذر الكافر لكن المشهور في المذهب أنه لا يصح نذره ولكن الوفاء به بعد الإِسلام مستحب، وعلى هذا ينطبق صنيع الشافعي -رضي الله عنه- في الباب؛ فإنه استشهد به لبيان أنه قد يؤمر بالشيء ليأتي المأمور به إن كان طالبًا للفضل ولا يتحتم ذلك عليه، واحتج بذكره الليلة وأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالوفاء على أن الصوم ليس بشرط في الاعتكاف؛ لأن الليالي لا تقبل الصوم. الأصل [382] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا عبد العزيز بن محمَّد الدراوردي، عن جعفر بن محمَّد، عن أبيه، عن جابر بن عبد الله "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صام في سفره إلا مكة عام الفتح في شهر رمضان وأمر الناس أن يفطروا، فقيل: إن الناس صاموا حين صمت، فدعا بإناء فيه ماء فوضعه على يده وأمر من بين يديه أن يحبسوا، فلما حبسوا ولحقه من (رآه) (¬1) رفع الإناء إلى فيه فشرب - وفي حديثهما أو حديث أحدهما: وذلك بعد العصر" (¬2). [383] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان بن عيينة، عن جعفر بن محمَّد، عن أبيه، عن جابر بن عبد الله قال: "خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - من المدينة حتى كان بكراع الغميم وهو صائم، ثم رفع إناءً فوضعه على يده وهو على الرحل فحبس من بين يديه وأدركه من وراءه، ثم شرب والناس ينظرون" (¬3). ¬

_ (¬1) كذا في "الأصل". وفي "المسند": ورائه. (¬2) "المسند" ص (85). (¬3) "المسند" ص (85).

الشرح

الشرح هذا حديث صحيح أخرجه مسلم (¬1) والترمذي (¬2) عن قتيبة عن عبد العزيز الدراوردي واللفظ: "حتى بلغ كراع الغميم فقيل له: إن الناس قد شق عليهم الصيام وإنما ينظرون فيما فعلت، فدعا بقدح من ماء بعد العصر فرفعه حتى نظر الناس إليه ثم شرب، فقيل له بعد ذلك: إن بعض الناس قد صام. فقال: أُولَئِكَ العُصَاةُ أُولَئِكَ العُصَاةُ". وكراع الغَمِيم: الغين منه مفتوحة والميم مكسورة، وقد تضم الغين وتفتح الميم، وذكر أنه وادٍ أمام عسفان، والكراع مضاف إليه وهو جبل أسود بطرف الحرة، وكراع كل شيء طرفه ومنه أكارع الدابة. وفيه أنه - صلى الله عليه وسلم - صام في السفر أيامًا ثم أفطر، فدل على جواز الصوم والإفطار، وسيأتي (¬3) في الصيام حديث حمزة بن عمرو الأسلمي أنه سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الصيام في السفر فقال: "إنْ شئتَ فصُم وإنْ شئتَ فأفْطر"، وعن أبي سعيد الخدري قال: "كنَّا نسافر مع رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - في رمضان فما يعاب على الصائم صومه ولا على المفطر إفطاره" (¬4) وعنه أيضًا قال: "كنَّا نغزو مع رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - في رمضان فمنَّا الصائم ومنا المفطر، فلا يجد الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم، يرون أن من وجد قوة فصام فإن ذلك حسن، ومن وجد ضعفًا فأفطر فإن ذلك حسن" (¬5). ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (1114/ 90) عن ابن المثنى. (¬2) "جامع الترمذي" (710) وقال: حسن صحيح. (¬3) سيأتي إن شاء الله برقم (501). (¬4) رواه مسلم (1116/ 93 - 95). (¬5) رواه مسلم (1116/ 96).

وفيه أنه يجوز للمسافر لو أتم الصوم المشروع فيه كان مؤديًا للفرض، والمتطوع لو أتم ما شرع كان مؤديًا للنفل فإذا جاز الخروج هناك فأولى أن يجوز ها هنا، وروي عن ابن عباس "أنه خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام الفتح في رمضان فصام حتى بلغ الكديد ثم أفطر" (¬1)، وفي رواية أخرى "حتى بلغ عسفان" (¬2)، والروايتان في "الصحيح". وقد يبحث عن الحال فيهما، وفي رواية "الكتاب" حيث قال: "حتى بلغ كراع الغميم". اعلم أنه قد قيل: إن الكديد على اثنين وأربعين ميلًا من مكة، وذكر البخاري في "الصحيح" أنه ماء بين عسفان وقديد، وقد قدَّمنا أن عسفان على ستة وثلاثين من مكة، وهذه المسافات متقاربة وربما انتهوا في اليوم الواحد إلى هذِه البقاع جميعًا فكل من الرواة ذكر بقعة، ثم عن الزهري "أن الفطر كان آخر الأمرين من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -" (¬3) وكان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتبعون الأحدث فالأحدث من أمره ويرونه الناسخ، وقد يؤيد هذا ما روي أنه لما قيل له: إن بعض الناس قد صام. فقال: "أولئك العصاة" (¬4) لكن المنع والتعصية كانا مخصوصين بتلك الحالة، يبينه ما في "الصحيح" عن أبي سعيد الخدري قال: سافرنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى مكة ونحن صيام فنزلنا منزلًا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إنكم قد دنوتم من عدوكم والفطر أقوى لكم" فكانت رخصة ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (1944)، ومسلم (1113/ 88). (¬2) أخرجه البخاري (1984)، ومسلم (1113/ 88). (¬3) هو في رواية مسلم السالفة من حديث ابن عباس. (¬4) سبق تخريجه قريبًا.

الأصل

فمنا من صام ومنا من أفطر، ثم نزلنا منزلًا فقال: "إنكم مصبِّحُوا عدوكم والفطر أقوى لكم فأفطروا" وكانت عزمة فأفطرنا، ثم لقد رأيتنا نصوم مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد ذلك في السفر (¬1). وقوله: "وفي حديثهما أو حديث أحدهما: وذلك بعد العصر" وقع من الروايتين وحقه أن يكون بعدهما؛ لأنه لا اختلاف ولا تعدد إلا في الدراوردي وسفيان ولا معنى لقوله: "في حديثهما أو في حديث أحدهما" ما لم يذكر حديثهما، ثم الكلمة من رواية الدراوردي قد نقلناها عن "الصحيح". الأصل [384] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مسلم بن خالد وعبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي روَّاد، عن ابن جريج، عن عطاء بن أبي رباح أن ابن عباس كان لا يرى بأسًا أن يفطر الإنسان في صيام التطوع، ويضرب لذلك أمثالًا: رجل طاف سبعًا ولم يوفه فله ما احتسب، أو صلى ركعة ولم يصل أخرى فله أجر ما احتسب (¬2). [385] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مسلم وعبد المجيد، [عن ابن جريج] (¬3)، عن عمرو بن دينار قال: كان ابن عباس لا يرى بأسًا بالإفطار في صيام التطوع (¬4). ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (1120/ 102). (¬2) "المسند" ص (85). (¬3) سقط من "الأصل". والمثبت من "المسند" وقد وضع علامة لحق عندها، ولم يظهر في الحاشية شيء. (¬4) "المسند" ص (86).

الشرح

[386] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مسلم وعبد المجيد [عن ابن جريج] (¬1)، عن أبي الزبير، عن جابر بن عبد الله أنه كان لا يرى بالإفطار في صيام التطوع بأسًا. [387] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا عبد المجيد، عن ابن جريج عن عطاء، عن أبي الدرداء أنه كان يأتي أهله حين ينتصف النهار أو قبله فيقول: هل من غداء فيجده أو لا يجده، فيقول: لأصومن هذا اليوم فيصومه، وإن كان مفطرًا وبلغ ذلك الحين وهو مفطر. قال ابن جريج: أبنا عطاء: وبلغنا أنه يفعل ذلك حين يصبح مفطرًا حتى الضحى أو بعده، ولعله أن يكون وجد غداءً أو لم يجده (¬2). الشرح هذِه آثار أيدَّ بها الشافعي القول بأن التطوع لا يلزم بالشروع، فروي عن ابن عباس وجابر أنهما كانا لا يريان بأسًا بالإفطار في صوم التطوع، وأن ابن عباس كان يضرب لذلك أمثالًا منها: رجل طاف سبعًا ولم يوفه -كأن المعنى أراد أن يطوف سبعًا ولم يتم السبع- له أجر ما احتسب، ومنها: صلى ركعة ولم يضف إليها أخرى له أجر ما احتسب، وهذا على قول من يعد الركعة الواحدة صلاة، وعن أبي الدرداء "أنه كان يأتي أهله فيسأل هل عندهم غداء فإن وجده أكله". وقوله: "هل من غداء فيجده" أي فيأكله "أو لا يجده" فيستمر على الصوم إن كان قد نواه، أو ينوي أن يصوم إن كان غير ناوٍ إلى ذلك الوقت. ¬

_ (¬1) سقط من "الأصل" والمثبت من "المسند". (¬2) "المسند" ص (86).

الأصل

وقوله: "وهو مفطر" أي غير ناوٍ كما شمل قوله: "وإن لم يجده" ما إذا كان قد نوى الصوم، وأما إذا لم ينو حتى قال: "وإن كان مفطرًا ... " إلى آخره فكذلك قوله: "فيجده" يشمل الحالتين، وقد ذكرنا أن المعنى: فيأكله، فيتبين به أنه كان قد يخرج من الصوم بعد النية. وقوله: "قال ابن جريج، أبنا عطاء ... إلى آخره" يعني: أبنا عن ابن عباس بما ذكرنا، وبلغنا أن عطاء كان يفعل مثل ذلك، وربما نوى الصوم وإن وجد الغداء، والله أعلم. الأصل [388] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا عبد المجيد، عن ابن جريج، أخبرني عتبة بن محمَّد بن الحارث، أن كريبًا مولى ابن عباس أخبره أنه رأى معاوية صلى العشاء ثم أوتر بركعة واحدة لم يزد عليها، فأخبر ابن عباس فقال: أصاب، أي بني ليس أحدٌ منا أعلم من معاوية هي واحدة أو خمس أو سبع إلى أكثر من ذلك، الوتر ما شاء (¬1). [389] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا عبد المجيد، عن ابن جريج، عن يزيد بن خصيفة، عن السائب بن يزيد أن رجلًا سأل عبد الرحمن التيمي عن صلاة طلحة، قال: إن شئت أخبرتك عن صلاة عثمان، قال: قلت: لأغلبن الليلة على المقام، فقمت فإذا رجل يزحمني متقنعًا فنظرت فإذا عثمان، قال: فتأخرت عنه فصلى فإذا هو يسجد سجود القرآن، حتى إذا قلت: هذه هو ذا الفجر فأوتر (ركعة) (¬2) لم يصل غيرها (¬3). ¬

_ (¬1) "المسند" ص (86). (¬2) كذا في "الأصل" وفي "المسند" بركعة. (¬3) "المسند" ص (86).

الشرح

الشرح عتبة: هو ابن محمَّد بن الحارث بن نوفل المكي. سمع: كريبًا. وسمع منه: ابن جريج، وقال ابن جريج: أدركته ولم يكن به بأس (¬1). ويزيد: هو ابن عبد الله بن خصيفة، مديني. سمع: السائب بن يزيد، ومحمد بن عبد الرحمن بن ثوبان. وسمع منه: الثوري، وابن جريج، وغيرهما (¬2). والأثر عن ابن عباس صحيح، وروى ابن أبي مليكة عن ابن عباس أنه قال حين أخبر بصنيع معاوية: أصاب إنه لفقيه (¬3). وروي أنه قال: دعه فإنه قد صحب النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهذه الرواية مخرجة في "صحيح البخاري" (¬4). والإيتار بركعة ثبت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من طرق: فعن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلى" (¬5). وعن أبي أيوب عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "الوتر حقٌّ على كلِّ مسلم، فمن ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (6/ ترجمة 3192)، و"الجرح والتعديل" (6/ ترجمة 2064) و"التهذيب" (19/ ترجمة 3784). (¬2) انظر "التاريخ الكبير" (8/ ترجمة 3261)، و"الجرح والتعديل" (9/ ترجمة 1153)، و"التهذيب" (32/ ترجمة 7012). (¬3) ومن طريقه أخرجه البخاري (3765). (¬4) "صحيح البخاري" (3764). (¬5) أخرجه البخاري (990)، ومسلم (749).

أحبَّ أن يوتر بخمس فليفعل، ومن أحب أن يوتر بثلاثٍ فليفعل، ومن أحب أن يوتر بواحدةٍ فليفعل" (¬1). ويروى ذلك عن فعل سعد بن أبي وقاص، وابن عمر، وأبي أيوب الأنصاري، وابن عباس، ومعاوية -رضي الله عنه-. وقوله: "ليس أحد منا أعلم من معاوية" يمكن أن يريد في الإيتار بركعة، ويجوز أن يقال أنه ذكره على مذهب التواضع. وتجوز الزيادة على خمس أيضًا وغاية ما نقل من عدد الوتر أحد عشر عند بعضهم وثلاثة عشر عند آخرين، وفي الزيادة على ما نقل وجهان للأصحاب: إن جوَّزنا الزيادة فقول ابن عباس: "الوتر ما شاء" مُجرى على ظاهره، وإن منعناها وهو الأصح فاللفظ مأول أي: ما شاء من الأعداد المنقولة. وأما الأثر عن عثمان -رضي الله عنه- فقد رواه عن عبد الرحمن بن عثمان: محمَّد بن المنكدر (¬2) أيضًا. وقوله: "قال: إن شئت أخبرتك عن صلاة عثمان" بعد [أن] (¬3) سأل السائل عن صلاة طلحة كأنه أراد: إن شئت أخبرتك عن صلاة عثمان فهي أول بأن يؤخذ بها لو أخبرتك عن صلاة عثمان أولًا. ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (1422)، والنسائي (3/ 238)، وابن ماجه (1190)، وابن حبان (2407). قال الحافظ في "التلخيص" (507): ورجح أبو حاتم والدارقطني في "العلل" (1005)، والبيهقي وغير واحد وقفه، وهو الصواب. (¬2) ومن روايته أخرجه الطحاوي في "شرح معاني الآثار" (1/ 294)، والدارقطني (2/ 34 رقم 15). ورواه عبد الرزاق (4653) من رواية السائب بن يزيد. (¬3) ليست في "الأصل" والسياق يقتضيها.

ثم قوله: "قال: قلت: لأغلبن على المقام ... إلى آخره" يجوز أن يقدر أنه أخبره في الحال ثم حضر المقام الذي كان يصلي فيه عثمان ليشاهد صلاته احتياطًا، ويحتمل أنه لم يخبره في الحال وتتبع صلاة عثمان ليخبره عن تحقق، على أن قوله: "قال: إن شئت أخبرتك عن صلاة عثمان" يمكن أن يجعل من كلام السائل عن صلاة طلحة ويقال: لما ذكر السائل له صلاة عثمان أراد أن يتتبعها ويتعرف حالها، ويبين من السياق أن المراد من صلاة طلحة وصلاة عثمان الوتر. وقوله: "فإذا هو يسجد سجود القرآن" يريد أنه يطيل القيام ولا يركع ولا يسجد إلا أنه إذا انتهى إلى آية سجدة سجد، وهذا ما يروى أن عثمان -رضي الله عنه- كان يحيي الليل بركعة واحدة هي وتره (¬1). وفي رواية محمَّد بن المنكدر عن عبد الرحمن التيمي: فلما انصرف قلت: يا أمير المؤمنين، إنما صليت ركعة! قال: هي وتري. وقوله: "هذِه، هو ذا الفجر" هكذا هو في بعض النسخ، وفي بعضها: "هو ذا" من غير "هذِه" فعلى الثاني المعنى: الفجر ذا، "وذا" كلمة يشار بها، وعلى الأول المعنى: هذِه علامات الفجر هو أي الفجر ذا، والمقصود الإخبار عن قرب طلوع الفجر. واعلم أن الشافعي أورد الأثرين في "الأم" (¬2) في خلال الاحتجاج في أن التطوع لا يلزم بالشروع، حيث انجرَّ الكلام إلى احتجاج المخالف بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "صلاةُ الليل والنهار مثنى مثنى يسلم من كلِّ ركعتين" وهذا يشعر بالمنع من التسليم مما دون الركعتين، وقال ¬

_ (¬1) أخرجه ابن أبي شيبة (1/ 323). (¬2) "الأم" (1/ 290).

الشافعي (¬1): هذا لمن أراد أن تجاوز صلاته ركعتين وليس المقصود المنع من الاقتصار على ما دون الركعتين يدل عليه قوله - صلى الله عليه وسلم -: "فإذا خشي أحدكم الصبح صلَّى واحدة توتر له ما قد صلَّى" ثم روى إيتار الصحابة بواحدة. ¬

_ (¬1) "الأم" (1/ 289).

كتاب الزكاة

الأصل ومن كتاب الزكاة [390] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان بن عيينة قال: سمعت جامع بن أبي راشد وعبد الملك بن أعين، سمعا أبا وائل، عن عبد الله بن مسعود يقول: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "ما مِنْ رجلٍ لا يؤدي زكاةَ ماله إلا مُثِّل له يومَ القيامةِ شُجَاعًا أَقْرَعَ يفر منه وهو يتبعه حتى يطوقه، ثم قرأ علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: {سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} (¬1). [391] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن عبد الله بن دينار، عن أبي صَالِحٍ السَّمَّانِ، عن أبي هريرة أنه كان يقول: "مَنْ كَانَ لَهُ مَالٌ لَمْ يُؤَدِّ زكَاتَهُ مُثِّلَ لَهُ يَوْمَ القِيَامَةِ شُجَاعًا أَقْرَعَ لَهُ زَبِيبَتَانِ يَطْلُبُهُ حَتَّى يُمْكِنَهُ يَقُولُ أَنَا كَنْزُكَ" (¬2). [392] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا ابن عيينة، عن ابن عجلان، عن نافع أن ابن عمر -رضي الله عنه- قال: كل مال تؤدى زكاته فليس بكنز وإن كان مدفونًا، وكل مال لا تؤدي زكاته فهو كنز وإن لم يكن مدفونًا (¬3). الشرح جامع بن أبي راشد: هو الصيرفي الكوفي أخو الربيع. روى عن: أبي وائل، وزيد بن أسلم. روى عنه: السفيانان (¬4). ¬

_ (¬1) "المسند" ص (87). (¬2) "المسند" ص (87). (¬3) "المسند" ص (87). (¬4) انظر "التاريخ الكبير" (2/ ترجمة 2323)، و"الجرح والتعديل" (2/ ترجمة 2203)، و"التهذيب" (4/ ترجمة 888).

وعبد الملك (¬1) بن أعين أخو حمران الكوفي، ينسب إلى التشييع. سمع منه: سفيان بن عيينة، وإسماعيل بن [سميع] (¬2). وأبو وائل: هو شقيق بن سلمة الأسدي الكوفي أحد بني مالك بن ثعلبة بن دودان، أدرك النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يسمع منه شيئًا. وسمع: عمر، وابن مسعود، وأبا مسعود الأنصاري، وحذيفة، وأبا موسى، ومسروقًا، وعمرو بن شرحبيل، وغيرهم. وروى عنه: عمرو بن مرة، ومنصور، والأعمش، والعلاء بن خالد (الباهلي) (¬3) وغيرهم، وهو من كبار التابعين (¬4). والحديث الأول أخرجه ابن ماجه (¬5) عن محمَّد بن أبي عمر العدني عن سفيان واللفظ: "إلا مثل له يوم القيامة شجاع أقرع" بالرفع وكذلك هو في بعض نسخ الكتاب، ثم قال: "حتى يطوق به عنقه، ثم قرأ علينا النبي - صلى الله عليه وسلم - مصداقه من كتاب الله تعالى: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمًا لله مِنْ فَضْلِهِ} (¬6) الآية. والحديث الثاني موقوف من طريق مالك عن عبد الله بن دينار، ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (5/ ترجمة 1308)، و"الجرح والتعديل" (5/ ترجمة 1619)، و"التهذيب" (18/ ترجمة 3514). (¬2) في "الأصل": سمع. تحريف، والمثبت من مصادر التخريج. (¬3) كذا في "الأصل". ونسبه في ترجمته: الكاهلي الأسدي. ينظر "الكامل" (5/ ترجمة 1374)، و"التهذيب" (22/ ترجمة 4563). (¬4) انظر "التاريخ الكبير" (4/ ترجمة 2681)، و"الجرح والتعديل" (4/ ترجمة 1613)، و"التهذيب" (12/ ترجمة 2767). (¬5) "سنن ابن ماجه" (1784) وفيه: "شجاعًا" مثل رواية الكتاب. قال ابن حجر في "الدراية" (2/ 292): إسناده صحيح. وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (5676). (¬6) آل عمران: 180.

وكذلك أخرجه في "الموطأ" (¬1) ورواه عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار عن أبيه عبد الله مرفوعًا، وأخرجه البخاري من ذلك الوجه في "الصحيح" (¬2) عن علي بن عبد الله عن هاشم بن القاسم عن عبد الرحمن. ويروى حديث أبي هريرة في الباب عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة، وعن زيد بن أسلم وسهيل عن أبي صالح عن أبي هريرة. وفي الباب عن أبي ذر وجابر بن عبد الله الأنصاري وهُلب الطائي. وقوله: "إلا مثل له يوم القيامة شجاعًا أقرع" منصوب على أنه مفعول ثان، أي: جعل ماله شجاعًا، ويؤيده أنه روي في بعض الروايات: "يجيء كنز أحدكم شجاعًا". ومن رفع فقال: "شجاع أقرع" فهو ظاهر. والشجاع: الحية الذكر، وقيل أنه يقع على كل حية، والجمع: شجعان -بالضم والكسر- وأشجعة. والأقرع: الذي انحسر الشعر عن رأسه، وقد يكون ذلك من كثرة السم. وفيه تهديد مانع الزكاة والوعيد بأن ماله يرى في صورة شجاع يتبعه وهو يفر منه حتى يُجعل طوقًا في عنقه. والزبيبتان: قيل هما زَبَدَتَان في جانبي (شدقه) (¬3) من كثرة السم كما يكون الإنسان من كثرة الكلام أو عند الغضب، وقيل: هما نكتتان ¬

_ (¬1) "الموطأ" (1/ 256 رقم 598). (¬2) "صحيح البخاري" (1403). (¬3) في "اللسان" مادة: زبب: شدقيه، وكذا "الفائق" مادة: شجع. وهو الأجود.

الأصل

سوداوان فوق العينين تكونان لأخبث الحيات وأوحشها. وقوله: "حتى يمكنه" أي يتمكن منه ويستولي عليه. وقوله: "أنا كنزك" قد فسر عبد الله بن عمر الكنز بالمال الذي لم تؤد زكاته، وبين أن ما أدي زكاته فليس هو بكنز وإن كان مدفونًا، وعلى ذلك ينطبق قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ} (¬1) الآية. الأصل [393] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن محمَّد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة المازني، عن أبيه، عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ليس فيما دون خمس ذود صدقة" (¬2). [394] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن عمرو بن يحيى المازني، عن أبيه قال: أخبرني أبو سعيد الخدري [أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -] (¬3) قال: "ليس فيما دون خمس ذود صدقة" (¬4). [395] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن عمرو بن يحيى المازني، عن أبيه قال: سمعت أبا سعيد الخدري يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ليس فيما دون خمس ذود صدقة" (¬5). الشرح محمَّد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة ويقال: ابن ¬

_ (¬1) التوبة: 34. (¬2) "المسند" ص (87). (¬3) سقط من "الأصل". والمثبت من "المسند". (¬4) "المسند" ص (88). (¬5) "المسند" ص (88).

صعصعة المازني، أبو عبد الرحمن النجاري الأنصاري. روى عن: أبيه، وسعيد بن يسار. وهو أخو عبد الرحمن بن عبد الله وقد تقدم ذكره وذكر أبيهما ولهما أخ آخر يقال له: أيوب (¬1). والحديث صحيح مودع في "الموطأ" (¬2) وأخرجه البخاري عن عبد الله بن يوسف عن مالك وزاد فقال: "ليس فيما دون خمسة أوسق من التمر صدقة، وليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة، وليس فيما دون خمس ذود من الإبل صدقة" (¬3). وأخرجه مسلم (¬4) من رواية سفيان بن عيينة عن عمرو الناقد، وفي الباب عن جابر وابن عمر وعبد الله بن عمرو، [و] (¬5) أبي هريرة -رضي الله عنه-. والذَّودُ من الإبل: ما بين الثلاث إلى العشر، وقيل: إلى التسع. وقال الخطابي: ما بين الثنتين إلى التسع، ويقال أن اللفظة مخصوصة بالإناث، وفي المثل: "الذود إلى الذود إبل" أي: إذا انضم القليل إلى القليل صار كثيرًا و"إلى" في المثل بمعنى مع، ذكر أهل اللغة أن لفظة الذود مؤنثة وأنه لا واحد لها من لفظها كالرهط والنفر، وأنها لا تقع على الواحد. وظاهر قوله: "ليس فيما دون خمس ذود صدقة" وقوعها على الواحد، لكن فيه كلامان: ¬

_ (¬1) انظر: "التاريخ الكبير" (1/ ترجمة 421)، و"الجرح والتعديل" (7/ ترجمة 1622)، و"التهذيب" (25/ ترجمة 5356). (¬2) "الموطأ" (1/ 244 رقم 577). (¬3) "صحيح البخاري" (1045). (¬4) "صحيح مسلم" (979/ 1). (¬5) سقط من "الأصل" والسياق يقتضيها.

الأصل

أحدهما: أن أبا عيسى الترمذي قال (¬1): معنى الحديث ليس فيما دون [خمس] (¬2) من الإبل صدقة فإذا بلغت خمسًا وعشرين ففيها بنت مخاض. وعلى هذا فالمراد من الذود خمس من الإبل، والمعنى: ليس فيما دون خمس وعشرين من الإبل صدقة من جنسها. والثاني: عن أبي عمر بن عبد البر أن بعض الشيوخ رواه: "خمسٍ ذود" على البدل دون الإضافة، ويؤيده ما في بعض روايات "الصحيح": "ليس في أقل من خمسة أوسق صدقة، ولا في أقل من خمسة من الإبل الذود صدقة" وعلى هذا فلا يلزم وقوع الذود على الواحد. الأصل [396] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا القاسم بن عبد الله، عن المثنى بن أنس أو ابن فلان بن أنس -الشافعي شك- عن أنس قال: هذِه الصدقة ثم تركت الغنم وغيرها وكرهها الناس: بسم الله الرحمن الرحيم هذِه فريضة الصدقة التي فرضها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على المسلمين التي أمر الله بها، فمن سئلها على وجهها من المسلمين فليعطها، ومن سئلها فوقها فلا يعط: في أربع وعشرين من الإبل فما دونها الغنم في كل خمس شاة، فإذا بلغت خمسًا وعشرين إلى خمس وثلاثين ففيها بِنْتُ مَخَاضٍ أنثى، فإن لم يكن فيها بِنْتُ مَخَاضٍ فابن لبون ذكر، [فإذا بلغت ستًّا وثلاثين إِلَى خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ ففيها ابنة لبون أنثى] (¬3) فإذا بلغت ستًّا ¬

_ (¬1) "جامع الترمذي" (3/ 22 رقم 627). (¬2) في "الأصل": خمس وعشرين. والمثبت من الترمذي. ولعله سبق نظر من الناسخ. (¬3) سقط من "الأصل" والمثبت من "المسند".

وأربعين إلى ستين ففيها حقة طروقة الجمل، فإذا بلغت إحدى وستين إلى خمس وسبعين فيها جذعة، فإذا بلغت ستًّا وسبعين إلى تسعين ففيها ابنتا لبون، فإذا بلغت إحدى وتسعين إلى عشرين ومائة ففيها حقتان طروقتا الجمل، فإذا زادت على عشرين ومائة ففي كل أربعين بنت لبون، وَفي كلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ. وأن بين أسنان الإبل في فريضة الصدقة: ومن بلغت عنده من الإبل صدقة الجذعة وَلَيْسَتْ عِنْدَه جَذَعَةٌ وَعِنْدَهُ حِقَّةٌ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ الحِقة ويجعل معها شاتين إن استيسرتا عليه أو عشرين درهمًا، وإذا بلغت عليه الحقة وليست عنده حقة وعنده جذعة؛ فَإنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ الجذعة ويعطيه المصدق عشرين درهمًا أو شاتين" (¬1). [397] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا عدة ثقات، كلهم عن حماد بن سلمة (¬2) عن ثمامة بن عبد الله بن أنس، عن أنس [بن] (¬3) مالك، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بمثل معنى هذا لا يخالفه إلا أني لا أحفظ فيه "ألا يعطى شاتين أو عِشْرِينَ دِرْهَمًا"، لا أحفظ "إن استيسر عليه". قال: وأحسب من حديث حماد عن أنس أنه قال: "دفع إليَّ أبو بكر -رضي الله عنه- كتاب الصدقة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وذكر هذا المعنى كما وصفتُ (¬4). ¬

_ (¬1) "المسند" ص (88). (¬2) وضع علامة لحق وكتب: "عن عامر" وعليها علامة نسخة، وهو خطأ، وهي ليست في "المسند". (¬3) سقط من "الأصل" والمثبت من "المسند". (¬4) "المسند" ص (84).

الشرح

[398] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مسلم بن خالد، عن ابن جريج قال: قال لي ابن طاوس: عند أبي كتاب من العقول نزل به الوحي، وما فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من العقول أو الصدقة فإنما نزل به الوحي" (¬1). الشرح القاسم بن عبد الله بن عمر بن حفص العمري من شيوخ الشافعي -رضي الله عنه- من أهل المدينة. روى عن: المثنى، وعبد الله بن محمَّد بن عقيل، وهو أخو عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر، وقد تكلموا فيهما جميعًا (¬2). والمثنى: هو ابن عبد الله بن أنس بن مالك وقد ينسب إلى جده فيقال: المثنى بن أنس، وذكره الشافعي على الشك روى عن: جده أنس (¬3). وثمامة بن عبد الله بن أنس بن مالك الأنصاري، قاضي البصرة. سمع: جده أنسًا. وروى عنه: حماد بن سلمة، وعبد الله بن عون، وعبد الله بن المثنى، وعبد الله بن أنس ابن أخيه (¬4). والحديث صحيح من رواية ثمامة بن عبد الله، ورواه عن حماد ¬

_ (¬1) "المسند" ص (89). (¬2) انظر "التاريخ الكبير" (7/ ترجمة 730)، و"الجرح والتعديل" (7/ ترجمة 643)، و"التهذيب" (23/ ترجمة 4798). وقال أحمد: كان يكذب، كان يضع الحديث، ترك الناس حديثه. (¬3) انظر "تعجيل المنفعة" (1/ 391 رقم 1006). (¬4) انظر "التاريخ الكبير" (2/ ترجمة 2116)، و"الجرح والتعديل" (2/ ترجمة 1893)، و"التهذيب" (4/ ترجمة 854).

عنه جماعة منهم: يونس بن محمَّد المؤدب، وسريج بن النعمان، والنضر بن شميل؛ وأورده البخاري (¬1) عن محمَّد بن عبد الله بن المثنى الأنصاري، عن أبيه عبد الله بن المثنى بن عبد الله، عن عمه ثمامة بن عبد الله بن أنس، واللفظ أن أنسًا حدثه أن أبا بكر كتب له هذا الكتاب لما وجهه إلى البحرين: بسم الله الرحمن الرحيم هذِه فريضة الصدقة التي فرضها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على المسلمين، التي أمر الله به رسوله، فمن سئلها من المسلمين على وجهها فليعطها ... إلى آخره" وذكر فيه صدقة الغنم وغيرها. وقول الشافعي بعد رواية حماد عن ثمامة: "وأحسب من حديث حماد عن أنس أنه قال: دفع إليَّ أبو بكر كتاب الصدقة" إشارة إلى الزيادة التي رواها البخاري من ذكر أبي بكر -رضي الله عنه-. والحديث معدود من مسند أبي بكر، وفي الباب عن عمر، وابنه عبد الله، وأبي سعيد الخدري، وعمرو بن حزم. وقوله: "هذِه الصدقة" ترجمة الكتاب وعنوانه كما يقال: هذا كتاب كذا ومحضر كذا ثم يبدأ بكتابته. وقوله: "ثم تركت الغنم وغيرها وكرهها الناس" روى المزني في "المختصر" حديث القاسم عن المثنى ولم يذكر هذِه الكلمات ونقلها أبو العباس عن "الأم" ولا يتنقح مقصودها ومعناها كما ينبغي، ويمكن أن يريد: هذِه فريضة الصدقة في الإبل والغنم على ما عرفت اشتمال الحديث على صدقة الغنم في سائر الروايات، وتركت الغنم وغيرها غير زكاة، وكره الناس الصدقة وتهاونوا في أدائها؛ ويمكن أن يريد: تركت الغنم وغيرها في هذِه الرواية" وقد تقرأ: تركتُ ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (1454).

والله أعلم. وقوله: "التي فرضها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -" قيل: أوجبها، وقيل: قدَّرها وهو أحسن؛ لأنه قد ذكر من بعدُ أن الله تعالى أمر بها. وقوله: "ومن سئل فوقها فلا يعط" قيل: معناه فلا يعطه شيئًا؛ لأن الساعي بطلب الزيادة يصير خائنًا وإذا ظهرت خيانته سقطت طاعته، وقيل: معناه فلا يعط الزيادة وهو الأصح. وبنت المخاض: التي تمت لها سنة ودخلت في الثانية، قيل لها: بنت مخاض؛ لأن أمها تحمل بولد آخر بعد حول فهي من أولاد النوق المخاض، وقيل: لقرب عهدها بمخاض أمها، والذكر: ابن مخاض. وبنت لبون: التي تمت لها سنتان ودخلت في الثالثة، سميت بنت لبون؛ لأن أمها تصير حينئذ لبُونًا بوضع الولد الثاني، وقيل: لقرب عهدها يكون الأم لبونًا (وأخذ بها) (¬1) اللبن، والذكر: ابن لبون. وذكر الأنوثة في قوله: "بنت مخاض أنثى" والذكورة في قوله: "فابن لبون ذكر" جرى على سبيل التأكيد، كما يقال: رأيت بعيني، وقيل: نبَّه به على أن الخنثى لا يجزيء، والأظهر الأول وإجزاء الخنثى. والحِقَّة: التي لها ثلاث سنين ودخلت في الرابعة، والذكر: حقّ؛ سمي به لاستحقاق العمل والركوب، وأيضًا فإن الذكر استحق أن ينزو والأنثى استحقت أن ينزى عليها. وقوله: "طروقة الجمل" أي: طرقها الفحل، وطروقة بمعنى مطروقة، وقرأ اللفظة بعضهم: "طروقة العمل" وقال: طُرقت للحمل عليها؛ والصحيح الأول، وقد ورد في بعض الروايات: "طروقة الفحل". ¬

_ (¬1) كذا في "الأصل" ولعل الصواب: وأخذها.

والجذعة: التي لها أربع سنين ودخلت في الخامسة، والذكر: جذع؛ لأنه يجذع السنن حينئذ أي يسقط. وقوله: "وأن بين أسنان الإبل في فريضة الصدقة من بلغت عنده من الإبل صدقة الجذعة" يريد أن بين الأسنان التي ذكرنا أنها واجبة من بلغت إبله التي عنده القدر الذي يجب فيه الجذعة، وفي بعض الروايات "فإذا تباين أسنان الإبل في فرائض الصدقات فمن بلغت عنده صدقة الجذعة ... " إلى آخره. وفي الحديث بيان نُصب الإبل وواجباتها، وأنه لا يزيد وجوب شيء بالأوقاص. وهل يتعلق الواجب بالوقص؟ فيه قولان للشافعي -رضي الله عنه- يبين في الفقه فائدتهما، وقد يحتج لأحدهما بقوله: "فإذا بلغت خمسًا وعشرين إلى خمس وثلاثين ففيها بنت مخاض" وللثاني بقوله: "في كل أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حقة". وقوله: "فإذا زاد على عشرين ومائة ففي كل أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حقة" فيه دلالة على أن الفريضة لا تستأنف بعد ذلك خلافًا لقول من يقول: إذا زادت خمس بعد ذلك وجبت مع الحقتين شاة، وكذا يجب في كل خمس شاة حتى تبلغ مائة وخمسًا وأربعين ففيها حقتان وبنت مخاض، فإذا بلغت مائة وخمسين ففيها ثلاث حقاق، ثم تستأنف الفريضة فيجب لكل خمس شاة حتى تبلغ مائة وخمسًا وسبعين ففيها بنت مخاض وثلاث حقاق، وبهذا قال أبو حنيفة. وفيه دليل على أن من وجب عليه سنٌّ ولم يكن في ماله يؤخذ سن دونها مع شاتين أو عشرين درهمًا أو سنٌّ فوقها ويُعطى شاتين [أو] (¬1) ¬

_ (¬1) في "الأصل": و.

الأصل

عشرين درهمًا خلافًا لقول من قال: أنه يجب على رب المال أن يحصِّل السنن الواجبة ويؤديها، وبه قال مالك. وعلى أن الجبران شاتان أو عشرون درهمًا خلافًا لقول من قال: يعطى شاتين أو عشرة دراهم، وبه قال الثوري. وقوله في آخر الحديث: "ويعطيه المصدق شاتين أو عشرين درهمًا" يعني: الساعي، والصاد من اللفظة مخففة، وأما المصّدق بتشديد الصاد فهو المتصدق؛ قال الله تعالى: {إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ} (¬1)، واحتج بشرعية النزول والصعود على أن القيم لا تؤخذ في الزكاة؛ إذ لو أخذت لما كان لنقل الفريضة إلى سن فوقها أو دونها مع الجبران معنى. وقول ابن طاوس: "عند أبي كتاب من العقول ... إلى آخره" يريد به أن التقدير في الديات وفي نصب الزكاة وواجباتها مأخوذ من الوحي لا يهتدي إليه الرأي والقياس. الأصل [399] أبنا الربيع، أبنا الشافعي قال: وأبنا أنس بن عياض، عن موسى بن عقبة، عن نافع، عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- أن هذا كتاب الصدقات فيه: في كل أربع وعشرين من الإبل فدونها الغنم في كل خمس شاة، وفيما فوق ذلك إلى خمس وثلاثين بنت مخاض فإن لم تكن بنت مخاض فابن لبون ذكر، وفيما فوق ذلك إلى خمس وأربعين بنت لبون، ¬

_ (¬1) الحديد: 18.

الشرح

وفيما فوق ذلك إلى ستين حقة طروقة الفحل، وفيما فوق ذلك إلى خمس وسبعين جذعة وفيما فوق ذلك إلى تِسْعِينَ ابنتَا لَبُونٍ، وفيما فوق ذلك إلى عشرين ومائة حقتان طروقتا الفحل، فما زاد على ذلك ففي كل أربعين بنت لبون وفي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ، وفي سائمة الغنم إذا كانت أربعين إلى أن تبلغ عِشْرِينَ وَمِائَةٍ شاة، وفيما فوق ذلك إلى مائتين شاتان، وفيما فوق ذلك إلى ثلاثمائة ثَلاَثُ شِيَاهٍ، فما زاد ففي كل مائة شاة، ولا يخرج في الصدقة هرمة ولا ذات عُوار ولا تيس إلا ما شاء مصدق، ولا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة، وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية، وفي الرقة ربع العُشر إذا بلغت رقة أحدهم خمس أواق. هذِه نسخة كتاب عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- التي كان يأخذ عليها. قال الشافعي: وبهذا كله نأخذ (¬1). [400] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أخبرني الثقة من أهل العلم، عن سفيان بن حسين، عن الزهري، عن سالم بن عبد الله بن عمر، عن أبيه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -لا أدري أدخل ابن عمر بينه وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - عمر في حديث سفيان بن حسين أم لا- في صدقة الإبل مثل هذا المعنى لا يخالفه ولا أعلمه، بل لا شك إن شاء الله إلا حدَّث بجميع الحديث في صدقة الغنم والخلطاء والرقة هكذا، إلا أني لا أحفظ إلا الإبل في حديثه (¬2). الشرح أنس: هو ابن عياض بن عبد الرحمن أبو ضمرة الليثي المدني. سمع: هشام بن عروة، وشريك بن عبد الله، وموسى بن عقبة، ¬

_ (¬1) "المسند" ص (89). (¬2) "المسند" ص (90).

وعبيد الله بن عمر وغيرهم. وروى عنه: محمَّد بن إسحاق المسيبي، وعلي بن خشرم، ويحيى بن يحيى، والإمام الشافعي. ولد سنة أربع ومائة ومات سنة مائتين وقيل: سنة ثمانين ومائة (¬1). وسفيان بن حسين: هو السلمي الواسطي. روى عن: الزهري، وابن المنكدر. وسمع منه: يزيد بن هارون، ومحمد بن يزيد الواسطي (¬2). وقول ابن عمر أولًا: "هذا كتاب الصدقات" وآخرًا: "هذِه نسخة كتاب عمر بن الخطاب" يعني كتاب رسول الله المحفوظ عند عمر -رضي الله عنه- وآله على ما سيبين. وحديث سفيان بن حسين قد أخرجه أبو داود في "السنن" (¬3) عن عبد الله بن محمَّد النفيلي عن عباد بن العوَّام عن سفيان، والترمذي (¬4) عن زياد بن أيوب البغدادي وغيره عن عباد عن سفيان بإسناده عن ابن عمر قال: كَتَبَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كِتَابَ الصَّدَقَةِ فَلَمْ يُخْرِجْهُ إلى عُمَّالِهِ حَتَّى قُبِضَ فَقَرَنَهُ بِسَيْفِهِ فَعَمِلَ بِهِ أَبُو بَكْرٍ -رضي الله عنه- حَتَّى قُبِضَ ثُمَّ عَمِلَ بِهِ عُمَرُ بن الخطاب -رضي الله عنه- حَتَّى قُبِضَ وكان فيه: في خمس من الإبل شاة ... وذكر معنى الحديث. ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (2/ ترجمة 1591)، و"الجرح والتعديل" (2/ ترجمة 1055)، "التهذيب" (3/ ترجمة 567). (¬2) انظر "التاريخ الكبير" (4/ ترجمة 2066)، و"الجرح والتعديل" (4/ ترجمة 974)، و"التهذيب" (11/ ترجمة 2399). (¬3) "سنن أبي داود" (1568). (¬4) "جامع الترمذي" (621) وقال: حديث حسن.

ورواه أيضًا أبو داود (¬1) عن عثمان بن أبي شيبة عن محمَّد بن يزيد الواسطي عن سفيان بإسناده ومعناه. وروى الحديث عن الزهري سليمان بن كثير كذلك ثم قال الزهري: "أقرأني سالم كتابًا كتبه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل أن يتوفاه الله -عزَّ وجلَّ- في الصدقة". ورواه ابن ماجه (¬2) عن بكر بن خلف، عن عبد الرحمن بن مهدي، عن سليمان. وعن أبي الرجال محمَّد بن عبد الرحمن الأنصاري قال: لما استخلف عمر بن عبد العزيز أرسل إلى المدينة يلتمس كتاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الصدقات وكتاب عمر -رضي الله عنه-، فوجد عند آل عمرو بن حزم كتاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى عمرو في الصدقات، وعند آل عمر - رضي الله عنه - في الصدقات مثل كتاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنسخ (¬3). واحتج الشافعي بقوله "في سائمة الغنم إذا كانت أربعين" على أنه لا زكاة في المعلوفة للتقييد بالسائمة. وقوله بعد الثلاثمائة: "فما زاد ففي كل مائة شاة" يعني بعد مجاوزة الثلاثمائة في كل مائة شاة فلا يجب بعد الثلاث شيء حتى تبلغ أربعمائة خلافًا لقول بعضهم: أنه إذا زادت على ثلاثمائة واحدة وجبت أربع شياة. وقوله: "ولا يخرج في الصدقة هرمة" يعني التي أزرى بها الكبر وعيبها. وقوله: "ولا ذات عوار" العوار بضم العين وفتحها: النقص ¬

_ (¬1) "سنن أبي داود" (1569). (¬2) "سنن ابن ماجه" (1798). (¬3) أخرجه الطحاوي في "شرح معاني الآثار" (4/ 373)، والبيهقي (4/ 91).

والعيب، ولا تؤخذ في الزكاة معيبة إذا كانت ماشيته سليمة أو كانت فيها سليمة. وقوله: "ولا تيس" هو فحل العنز. وقوله: "إلا ما شاء المصَّدِّق" ذكرنا في الفصل السابق أن المصدق بتخفيف الصاد: الساعي الذي يأخذ الصدقة، وأن المصدق بتشديد الصاد والدال: المتصدق، هذا هو المشهور، وذكر بعضهم أن المعطي يسمى مصدقًا أيضًا بتخفيف الصاد وأن طالب الصدقة يسمى مصدقًا. إذا عرف ذلك فإن الحافظ أبا موسى رحمه الله [قال] (¬1) إن اللفظة في الحديث المصدق بتشديد الصاد، والمعنى: إلا أن يشاء المعطي، وأن الاستثناء يرجع إلى التيس وحده؛ فأما الهرمة وذات العوار فلا يجوزان أصلًا، وكأن من قال أنه ظن أن الفحل إنما لا يؤخذ؛ لحاجة القطيع إليه وانقطاع رزق المالك بأخذه، كما لا يؤخذ خيار المال إلا إذا رضي المالك، لكن المشهور من الرواية تخفيف الصاد، وامتناع أخذ الفحل ليس لذلك لكن الذكر لا يؤخذ في الزكاة إذا كانت في الماشية أنثى إلا ابن لبون يؤخذ بدلًا عن بنت المخاض، وإلا التبيع في البقر فلا أثر لرضا المالك. واحتج الشيخ الحسين في "شرح السنة" بقوله: "إلا ما شاء المصدق" على أن له الاجتهاد ليأخذ ما هو أنفع للمساكين؛ لأنه نائب عنهم، وذكر غيره مثله. وهذا قول ثانٍ: للساعي أخذ الهرمة والمعيبة إذا رأى فيه نظرًا. وقوله: "لا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة" ¬

_ (¬1) سقط من "الأصل".

يدل على أن للاجتماع والاختلاط أثرًا في الصدقة، وأنه يجعل مال الرجلين كمال الرجل الواحد حتى إذا خلط رجلان أربعين بأربعين لم يلزمهما إلا شاة، ولولا الاختلاط كان على كل واحد منهما شاة، ولو خلطا عشرين بعشرين فعليهما شاة، ولولا الاختلاط لما لزمهما شيء فتؤثر الخلطة تارة في التخفيف وأخرى في التغليظ، ونُهي رب المال عن الجمع والتفريق بعد ما وجبت الصدقة قصدًا إلى التقليل، ونُهي الساعي عنهما طلبًا للتكثير. وقوله: "وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية" يعني أن ما أخذه الساعي من مال أحدهما عن واجب المالين يكون للمأخوذ منه الرجوع على صاحبه بحصته حتى يتساويا، وهذا في خلطة الجوار؛ فأما في خلطة الشركة كما إذا ورثا أو اشتريا النصاب معًا فما يأخذه الساعي يكون بينهما، نعم قد يكون الواجب من غير الجنس فيأخذه من أحدهما كشاة من خمس من الإبل مشتركة بينهما، فيكون الرجوع على ما ذكرنا. وقوله: "وفي الرقة ربع العشر" الرقة: الفضة مسكوكة كانت أو غير مسكوكة وكذلك الورق، وقيل: الورق المسكوك خاصة، والرقة تقع على النوعين. وقوله: "إذا بلغت رقة أحدهم خمس أواق" الأواق: جمع أوقية تخفف تارة وتشدد، وتصرف تارة ولا تصرف أخرى كأضحية وأضاحٍ وأضاحي، وقد يقال للأوقية: وقية، وهي على ما ورد في الخبر أربعون درهمًا، وجملة الخمس مائتا درهم وعن الخليل أن الأوقية سبعة مثاقيل ونصف، وحمل ذلك على اختلاف البلدان كما يختلف في المن وسائر المقادير.

الأصل

وقوله في رواية سفيان بن حسين: "لا أدري أدخل ابن عمر بينه وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - عمر أم لا" شكٌّ كان للشافعي ولا دخول لعمر -رضي الله عنه- في الإسناد كما بينا في رواية الأئمة. الأصل [401] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن طاوس أن معاذ بن جبل أتي بوقس البقر فقال: لم يأمرني فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - بشيء. قال الشافعي: والوقس ما لم يبلغ الفريضة (¬1). [402] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن حميد بن قيس، عن طاوس اليماني أن معاذ بن جبل أخذ من ثلاثين بقرة تبيعًا، ومن أربعين بقرة مسنة، وأتي بما دون ذلك فأبى أن يأخذ منه شيئًا، وقال: لم أسمع من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيه شيئًا حتى ألقاه فأسأله، فتوفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل أن يقدم معاذ بن جبل (¬2). الشرح حميد بن قيس: هو أبو صفوان مولى بني أسد بن عبد العزى المكي الأعرج. سمع: مجاهدًا، وعطاء. وروى عنه: مالك بن أنس، والثوري. وهو أخو عمرو بن قيس (¬3). ¬

_ (¬1) "المسند" ص (90). (¬2) "المسند" ص (90). (¬3) انظر "التاريخ الكبير" (2/ ترجمة 2719)، و"الجرح والتعديل" (3/ ترجمة 1001)، و"التهذيب" (7/ ترجمة 1535).

وقوله: "بوقس البقر" المشهور من رواية الربيع السين، وهو في رواية البويطي بالصاد وهو الأشهر، وكذلك رأيته في "الأم" (¬1) والسين والصاد يتعاقبان كما في سلق وصلق (¬2)، والأشهر أن الوقص ما بين الفريضتين كما بين الخمس من الإبل والعشر (¬3)، والجمع: الأوقاص وكذا الشَّنقُ، ومنهم من خصص الوقص بالبقر والشَّنقُ بالإبل. والمراد ها هنا من الوقص ما بينه الشافعي وهو الذي لم يبلغ الفريضة، وقد روي "أنه أتي معاذ بما دون ثلاثين من البقر فقال: لم أسمع فيه من النبي - صلى الله عليه وسلم - شيئًا". وقال الشافعي في "الأم" (¬4) لمَّا عرف أن رواية طاوس عن معاذ مرسلة: وطاوس عالم بأمر معاذ وإن كان لم يلقه على كثرة من لقيه ممن أدرك معاذًا من أهل اليمن فيما علمت، وأخبرني غير واحد من أهل اليمن عن عدد مضوا منهم أن معاذًا أخذ صدقة البقر فيهم كما روى طاوس. وروي عن سفيان، عن الأعمش، عن أبي وائل، عن مسروق، عن معاذ بن جبل قال: "بعثني النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى اليمن فأمر أن يأخذ من كل ثلاثين بقرة تبيعًا أو تبيعة، ومن كل أربعين مسنة ... " (¬5) ورواه ¬

_ (¬1) "الأم" (2/ 8)، وكذا مطبوع "المسند". (¬2) قال الأصمعي: الصلق بالصاد -هو الصوت الشديد، وقال غيره بالسين. "الغريب" لابن سلام (1/ 97). (¬3) انظر "مختار الصحاح" مادة: وقص. (¬4) "الأم" (2/ 9). (¬5) أخرجه أبو داود (1578)، والترمذي (623) والنسائي (5/ 26) وابن ماجه (1803) وابن الجارود (343)، وابن خزيمة (2268)، وابن حبان (4886)، والحاكم (1/ 398). قال الترمذي: حسن، وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين، وقال ابن عبد البر =

الأصل

بعضهم عن سفيان عن الأعمش عن أبي وائل عن مسروق "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث معاذًا إلى اليمن ... "، قال أبو عيسى الترمذي: وهذا أصح (¬1). والتبيع من البقر: ما تمت له سنة ودخل في الثانية، سمي به لأنه تبيع الأم، وقد يسمى العجل تبيعًا قبل أن يتم له سنة. والمسنة: التي تمت لها سنتان ودخلت في الثالثة، وتسمى ثنية أيضًا. وفي الباب عن ابن مسعود -رضي الله عنه-. الأصل [403] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان بن عيينة، أبنا بشر بن عاصم، عن أبيه أن عمر -رضي الله عنه- استعمل أباه سفيان بن عبد الله على الطائف ومخاليفها، فخرج مصدقًّا فاعتد عليهم بالغذيّ ولم يأخذ منهم، فقالوا له: إن كنت معتدًّا (¬2) بالغذيّ فخذه منا، فأمسك حتى أتى عمر -رضي الله عنه- فقال له: اعلم أنهم يزعمون أنا (¬3) نظلمهم نعتد عليهم بالغذي ولا نأخذ منهم، فقال له عمر -رضي الله عنه-: فاعتد عليهم بالغذي حتى بالسخلة يروح بها الراعي على يده، وقيل لهم: لا آخذ منكم الرُّبَّى ولا المخاض (¬4) ولا ذات الدرّ ولا الشاة الأكولة ولا فحل الغنم، وخذ العناق والجذعة والثنية؛ فذلك عدل بين غذاء المال وخياره (¬5). ¬

_ = في "التمهيد" (2/ 129): حديث صحيح، وصححه الألباني في "الإرواء" (3/ 268). (¬1) "جامع الترمذي" (623). (¬2) وضع علامة لحق وكتب على الحاشية، وعليها علامة نسخة. (¬3) وضع عليها علامة لحق وكتب بالحاشية: "أنك"، وعليها علامة نسخة، وهي كذلك في "المسند". (¬4) كذا في الأصل وكتب على الحاشية "المخاض" وعليها علامة نسخة. (¬5) "المسند" ص (90).

الشرح

الشرح بشر: هو ابن عاصم بن سفيان بن عبد الله الثقفي حجازي. روى عن: أبيه. وروى عنه: ابن عيينة، وثور بن يزيد. مات بعد سنة أربع وعشرين ومائة (¬1). وأبوه (¬2) عاصم بن سفيان. سمع: أبا أيوب، وعقبة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. وروى عنه: ابنه، وسفيان بن عبد الرحمن. وأبوه سفيان بن عبد الله بن ربيعة الثقفي، له صحبة وسماع من النبي - صلى الله عليه وسلم -، يكنى أبا عمرو، ويعدُّ في أهل البصرة، وقيل: في أهل الطائف. روى عنه: بنوه عمرو وعاصم وعبد الله، وعروة بن الزبير (¬3). والصواب "أن عمر -رضي الله عنه- استعمل أباه سفيان بن عبد الله" (¬4) يعني أبا عاصم، وفي أكثر نسخ "المسند" "استعمل أبا سفيان بن عبد الله" وكذلك رأيته في "الأم" ولا حجة له. وقوله: "ومخاليفها" المخاليف: كُورُ اليمن وقراها، واحدها: مخلاف. ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (2/ ترجمة 1748)، و"الجرح والتعديل" (2/ ترجمة 1373)، و"التهذيب" (4/ ترجمة 693). (¬2) انظر "التاريخ الكبير" (2/ ترجمة 3044)، و"الجرح والتعديل" (6/ ترجمة 1902)، و"التهذيب" (13/ ترجمة 3007). (¬3) انظر "معرفة الصحابة" (3/ ترجمة 1279)، والإصابة" (3/ ترجمة 3317). (¬4) وكذلك رواه البيهقي (4/ 100) عن الشافعي فقال: "أن عمر استعمل أباه سفيان ... ".

والغذيُّ: السخلة، والجمع: غذاء، كفصيل وفصال، وقد يروى: "فاعتد عليهم بالغذاء" بالجمع، والمعنى أنه كان يعدها عليهم؛ لأن النتاج يضم إلى الأصل في الحول، فقالوا: إذا كنت تعد الغذاء علينا فخذها عن الواجب علينا، فأمسك حتى أتى عمر -رضي الله عنه- فراجعه فيه فقال: أخبرهم أنا لا نأخذ منهم خيار المال، فكذلك لا نأخذ الغذاء وإنما نأخذ الوسط وهو العدل، هذا نظم الكلام. والرُّبَّى: الشاة الحديثة العهد بالنتاج، والرباب لها كالنفاس للنساء، وجمع الربّى: رُباب بالضم، وقيل: هي التي تربي ولدها، وقيل: الربّى التي يحمل عليها الراعي أداته، والمشهور الأول. والمَاخضُ: الحامل، وقد تقيد فيقال: التي دنت ولادتها. وذات الدرّ: اللبون. والأكولة: هي التي تسمَّن وتعدّ للأكل، فعولة بمعنى مفعولة، وقيل: هي الكثيرة الأكل، فعولة بمعنى فاعلة، وقيل: هي الخصية. والهرِمَة: العاقر (¬1). قوله: "وخذ العناق ... إلى آخره" في بعض الروايات: "وخذ الجذع والثنية" من غير ذكر العناق، وليحمل هذا على الجذعة من الضأن والثنية من المعز وهما المجزئتان في الضحايا؛ وأما على رواية إثبات العناق فقد يوجد: "وخذ العناق والجذعة والثنية" وقد يوجد: "وخذ العناق الجذعة والثنية" بطرح الواو. والعناق: يفسر في اللغة بولد المعز، ويقال: العناق الأنثى من ولد المعز، وقد تقيد بما لم يتم له سنة، وجمع العناق: عنوق وأعنق، ¬

_ (¬1) في "الأصل": العامر. تحريف.

الأصل

فإن اختص اسم العناق بما دون الجذعة والثنية حسن إثبات الواو، وحينئذ فليحمل ذلك على ما إذا كانت الماشية كلها صغارًا، ويجوز حينئذٍ أخذ الصغيرة على الأظهر، وإن وقع العناق على الجذعة من المعز أو عليها وعلى الثنية، فيدل عليه ما روي في حديث أبي بردة في الضحايا "عندي عناق جذعة" (¬1) فيحسن طرح الواو وتكون الجذعة بدلًا من العناق، وقد يتمسك به مالك فإنه جوَّز أخذ الجذعة من المعز، واحتج الأصحاب بما روي عن سويد بن غفلة قال: سمعت مصدق النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالجذعة من الضأن والثنية من المعز (¬2) وقد يحتج لمالك بقول أبي بكر -رضي الله عنه-: "لو منعوني عناقًا كانوا يؤدونه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -" (¬3) ويحمل العناق على الجذعة من المعز، وأجيب عنه بأن ما قاله على جهة المبالغة في التقليل، والمعنى: لو منعوني بما يساوي عناقًا أو عناقًا لو جاز أخذ العناق، والله أعلم. الأصل [404] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا إبراهيم بن محمَّد، عن إسماعيل ابن أمية، عن عمرو بن أبي سفيان، عن رجل سماه ابن ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (955) من حديث أبي بردة بن نيار. (¬2) قال ابن الملقن في "الخلاصة" (997): غريب كذلك. قلت: وأما حديث سويد بن غفلة في الباب هو ما رواه أبو داود (1579)، والنسائي (5/ 29). وذكره ابن قدامة في "المغني" عنه فذكره بلفظ المصنف. (¬3) أخرجه البخاري (1399)، ومسلم (20/ 32) ضمن حديث أبي هريرة: "أمرت أن أقاتل الناس ... " وعند مسلم: "عقالًا" بدل "عناقًا".

الشرح

(مسعر) (¬1) -إن شاء الله- عن (مسعر) (¬2) أخي بني عديّ قال: جاءني رجلان فقالا: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعثنا نصدق أموال الناس قال: فأخرجتُ لهما شاة ماخضًا أفضل (بما) (¬3) وجدت [فرداها] (¬4) علي وقالا: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهانا أن نأخذ الشاة الحبلى. قال: فأعطيتهما شاة من وسط الغنم فأخذاها (¬5). الشرح إسماعيل: هو ابن أمية بن عمرو بن سعيد بن العاص القرشي الأموي المكي. سمع: نافعًا، والزهري، وسعيد المقبري، ويحيى بن عبد الله بن صيفي، ومحمد بن يحيى بن حبان. وروى عنه: الثوري، وابن عيينة، ويحيى بن سليم، وروح بن القاسم، ومعمر. مات سنة تسع وثلاثين ومائة (¬6). وعمرو: هو ابن أبي سفيان الجمحي القرشي المكي. سمع: جابر بن مسعر. وروى عنه: الثوري، وابن المبارك. وهو أخو حنظلة بن أبي ¬

_ (¬1) (¬2) كذا في "الأصل": وفي "المسند": سعر. وهو الصواب. (¬3) كذا في "الأصل" وفي "المسند": ما. (¬4) في "الأصل": فردها. والمثبت من "المسند". (¬5) "المسند" ص (91). (¬6) انظر "التاريخ الكبير" (1/ ترجمة 1088)، و"الجرح والتعديل" (2/ ترجمة 535)، و"التهذيب" (3/ ترجمة 426).

سفيان الجمحي (¬1). وابن مسعر (¬2): هو جابر بن مسعر الدؤلي حجازي. روى عن: أبيه. وأبوه مسعر (¬3) الدؤلي معدود في الصحابة. روى عنه: مسلم بن شعبة، وذكر أنه مسعر بن ديسم، ثم في "تاريخ البخاري" (¬4) وغيره أنه من كنانة، وقال في الإسناد: عن مسعر أخي بني عدي؛ فإما أن تدخل إحديهما في الأخرى، أو تكون إحدى النسبتين لمخالفة. والحديث أورده أبو داود (¬5) وغيره مع زيادات. وقوله: "نصدق أموال الناس" أي: نأخذ صدقاتها، وقد قدمنا أن المصدق: الساعي. وفي الحديث أن الماخض لا تؤخذ في الزكاة كما مرّ في الأثر عن عمر -رضي الله عنه-، وفي "الصحيح" من رواية ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لمعاذ حين بعثه إلى اليمن: "وتوقَّ كرائم أموال الناس" (¬6). ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (6/ ترجمة 2568)، و"الجرح والتعديل" (6/ ترجمة 1300)، و"التهذيب" (22/ ترجمة 4375). (¬2) كذا في "الأصل" والصواب: ابن سعر. انظر "التاريخ الكبير" (2/ ترجمة 2206)، و"الجرح والتعديل" (2/ ترجمة 2038). (¬3) كذا في "الأصل" والصواب: سعر الدؤلي. انظر "معرفة الصحابة" (3/ ترجمة 1379) و"الإصابة" (3/ ترجمة 3246). (¬4) "التاريخ الكبير" (4/ ترجمة 2486). (¬5) "سنن أبي داود" (1581)، وكذا النسائي (5/ 32). والحديث ضعفه الألباني في "الإرواء" (3/ 272). (¬6) أخرجه البخاري (1458)، ومسلم (19/ 31).

الأصل

الأصل [405] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن نافع، عن ابن عمر قال: لا تجب في مال زكاة حتى يحول عليه الحول (¬1). [406] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن عمر بن حسين، عن عائشة بنت قدامة، عن أبيها قلت (¬2): كنت إذا جئت عثمان بن عفان أقبض منه عطائي سألني: هل عندك من مال وجبت فيه زكاة؟ فإن قلنا (¬3): نعم؛ أخذ من عطائي زكاة ذلك المال، وإن قلت: لا؛ دفع إلى عطائي (¬4). الشرح عمر بن حسين. روى عن: نافع، وعائشة بنت قدامة. وروى عنه: عبد العزيز بن [المطلب] (¬5) ومالك (¬6). وعائشة بنت قدامة بن إبراهيم. روت عن: أبيها (¬7). ¬

_ (¬1) "المسند" ص (91). (¬2) كذا في "الأصل" وكتب بالحاشية: "قال" وعليه رمز نسخة. (¬3) كذا في "الأصل" وكتب بالحاشية "قلت" وعليه رمز نسخة. (¬4) "المسند" ص (91). (¬5) في "الأصل": الخطاب. خطأ، والمثبت من التخريج. وعبد العزيز بن المطلب هو ابن عبد الله بن حنطب. وأما عبد العزيز بن المطلب فهو أبو الحسن الكوفي، سمع: القمي. (¬6) انظر "التاريخ الكبير" (6/ ترجمة 1983)، و"الجرح والتعديل" (6/ ترجمة 549)، و"التهذيب" (21/ ترجمة 4213). (¬7) انظر "الطبقات الكبرى" (8/ 468). قلت: وقد وهم المصنف رحمه الله في ترجمتها وترجمة أبيها: فعائشة هي بنت قدامة بن مظعون. تروي عن أبيها قدامة بن مظعون. يروي عنها ابنها قدامة بن إبراهيم بن محمَّد بن حاطب.

وأبوها قدامة (¬1) روى عن: عثمان، وابن عمر. وروى عنه: [قرة] (¬2) بن خالد، وابنه صالح بن قدامة. والأثر ثابت عن ابن عمر -رضي الله عنه- (¬3)، وروي عن أيوب عن نافع عن ابن عمر أنه قال: من استفاد مالًا فلا يزكيه حتى يحول عليه [الحول] (¬4). وعن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من استفاد مالًا فلا زكاة عليه حتى يحول عليه الحول". رواه أبو عيسى الترمذي (¬5) عن يحيى بن موسى عن هارون بن صالح الطلحي عن عبد الرحمن، والموقوف أصح عند الأئمة، ويروى مثله عن أبي بكر وعلي وعائشة -رضي الله عنه-. وفيه دليل على أن من عنده نصاب واستفاد في أثناء الحول من جنسه مالًا لا يضم إلا ما عنده في الحول، بل يعتبر له حول برأسه، وبه قال النخعي وعمر بن عبد العزيز، ولو بلغ ما عنده بالمستفاد نصابًا ¬

_ (¬1) قدامة هذا الذي يروي عنه ابنه صالح وقرة هو قدامة بن إبراهيم، وليس كذلك فإن قدامة الذي في الإسناد هو ابن مظعون بن حبيب بن وهب أبو عمرو، له صحبة. انظر ترجمته في "معرفة الصحابة" (5/ ترجمة 2742)، و"الإصابة" (5/ ترجمة 7093). (¬2) في "الأصل": مرة. تحريف. والمثبت من "الثقات" (5/ ترجمة 5033). (¬3) أخرجه مالك (1/ 246 رقم 582). (¬4) سقط من "الأصل" والمثبت من "جامع الترمذي" (632). (¬5) "جامع الترمذي" (631) مرفوعًا، ورواه (632) موقوفًا ثم قال: وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ضعيف في الحديث ضعفه أحمد بن حنبل، وعلي بن المديني وغيرهما وهو كثير الغلط، ورجح وقفه. قال ابن حجر في "التلخيص" (821): وكذا قال البيهقي وابن الجوزي وغيرهما أي رجحوا وقفه.

الأصل

انعقد عليه الحول من يوم التمام، ولا خلاف أن النتاج يضم إلى الأصل في الحول وكذا الأرباح في أموال التجارة، وأنه لا يعتبر الحول في المعشرات. والأثر عن عثمان أورده الشافعي في "الأم" ثم قال: والعطاء فائدة فلا زكاة فيه حتى يحول عليه الحول (¬1). كأنه يريد أنه أخذ الزكاة من المال الذي كان عنده ووجب فيه الزكاة ولم يأخذه من العطاء؛ لأنه مستفاد وهذا إنما يستمر إذا أعطاه ثم فرض تمام الحول عقيبه واسترداد زكاة ما عنده مما أعطي؛ فأما إذا تم الحول قبل تسليم العطاء فلا يكون العطاء مستفاد ذلك الحول، والله أعلم. الأصل [407] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك بن أنس، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي رافع "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استسلف من رجل بكرًا، فجاءته إبل من إبل الصدقة فأمرني أن أقضيه إياه" (¬2). الشرح صحيح أخرجه مسلم (¬3) عن أبي الطاهر، عن ابن وهب، عن مالك. وذكر العلماء أن استسلاف النبي - صلى الله عليه وسلم - كان لأهل الصدقة فلما جاءته الصدقة قضاه، قال الشافعي (¬4): وإذا رأى الوالي الخلة في أهل الصدقة كان له أن يستسلف لهم إما من صدقات أرباب الأموال أو ¬

_ (¬1) "الأم" (2/ 17). (¬2) "المسند" ص (91). (¬3) "صحيح مسلم" (1600/ 118). (¬4) "الأم" (2/ 20).

الأصل

من غيرها، ولا يجبر أرباب الأموال على التعجيل. فإن طابوا [بها] (¬1) نفسًا جاز التعجيل عند أكثر العلماء، ويروى "أن العباس سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في تعجيل صدقته قبل أن تحلّ فرخص له في ذلك" (¬2). الأصل [408] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك بن أنس وسفيان بن عيينة، كلاهما عن عبد الله بن دينار، عن سليمان بن يسار، عن عراك بن مالك، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة" (¬3). [409] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا ابن عيينة، عن أيوب بن موسى، عن مكحول، عن سليمان بن يسار، عن عراك بن مالك، عن أبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله (¬4). [410] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن يزيد بن يزيد بن جابر، عن عراك بن مالك، عن أبي هريرة مثله موقوفًا على أبي هريرة (¬5). ¬

_ (¬1) في "الأصل": بهما. خطأ، والمثبت الصواب إن شاء الله والمقصود بها الزكاة. (¬2) رواه أبو داود (1624)، والترمذي (678)، وابن ماجه (1795)، وابن الجارود (360)، والحاكم (3/ 332) جميعًا من طريق الحكم بن عتيبة، عن حجية، عن علي رضي الله عنه. قال أبو داود: روى هذا الحديث هشيم عن منصور بن زاذان، عن الحكم، عن الحسن بن مسلم عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وحديث هشيم أصح. وكذا رجح الدارقطني المرسل. (¬3) "المسند" ص (91). (¬4) "المسند" ص (91). (¬5) "المسند" ص (92).

الشرح

[411] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن عبد الله بن دينار قال: سألت سعيد بن المسيب عن صدقة البراذين فقال: وهل في الخيل صدقة (¬1). الشرح عراك بن مالك: هو الغفاري المديني. سمع: أبا هريرة، وعروة بن الزبير، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة، وأبا سلمة، وحفصة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر. روى عنه: جعفر بن ربيعة، ويزيد بن أبي حبيب، والحكم بن عتيبة. توفي بالمدينة في أيام يزيد بن عبد الملك (¬2). ومكحول: هو أبو عبد الله الهذلي مولاهم الدمشقي، يقال: كان عبدًا لسعيد بن العاص فوهبه من امرأة من هذيل فأعتقته بمصر وكان من فقهاء الشام. سمع: أنسًا، وواثلة، وعبد الله بن محيريز، وشرحبيل بن السمط، وسليمان بن يسار. روى عنه: عامر الأحول، وأيوب بن موسى، وغيرهما. مات: سنة ثلاث عشرة، وقيل: أربع عشرة ومائة (¬3). ويزيد: هو ابن يزيد بن جابر الأزدي الشامي. سمع: مكحولًا، والزهري. وروى عنه: الثوري، وغيره. ¬

_ (¬1) "المسند" ص (92). (¬2) انظر "التاريخ الكبير" (7/ ترجمة 395)، و"الجرح والتعديل" (7/ ترجمة 204)، و"التهذيب" (19/ ترجمة 3893). (¬3) انظر "التاريخ الكبير" (8/ ترجمة 2008)، و"الجرح والتعديل" (8/ ترجمة 1867)، و"التهذيب" (28/ ترجمة 6168).

مات سنة أربع وثلاثين ومائة (¬1). وحديث مالك عن عبد الله بن دينار مودع في "الموطأ" (¬2)، وأخرجه البخاري (¬3) عن آدم عن شعبة عن عبد الله بن دينار، ومسلم (¬4) عن يحيى بن يحيى عن مالك، وأبو داود (¬5) عن القعنبي عنه. وحديث سفيان عن أيوب أخرجه مسلم (¬6) عن عمرو الناقد عنه. وإذا صح الحديث مرفوعًا لم يضر وقفه في بعض الروايات فقد يحتج المحتج ويفتي المفتي بلفظ الحديث ولا يسنده إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. ودلالة الحديث على أنه لا زكاة في الخيل والرقيق ظاهرة، والمراد زكاة العين؛ فأما زكاة التجارة فإنها تشمل الأموال وكذلك يجب في الرقيق صدقة الفطر، ويروى عن مكحول عن عراك عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ليس في الخيل والرقيق زكاة إلا زكاة الفطر في الرقيق" وقد أورده أبو داود (¬7) بإسناده عن مكحول، وما روي عن جابر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "في الخيل السائمة في كل فرس دينار" (¬8) فقد ضعف الدارقطني وغيره إسناده. ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (8/ ترجمة 3359)، و"الجرح والتعديل" (9/ ترجمة 1262)، و"التهذيب" (32/ ترجمة 7063). (¬2) "الموطأ" (1/ 277 رقم 611). (¬3) "صحيح البخاري" (1464). (¬4) "صحيح مسلم" (982/ 8). (¬5) "سنن أبي داود" (1595). (¬6) "صحيح مسلم" (982/ 9). (¬7) "سنن أبي داود" (1594). (¬8) رواه الدارقطني (2/ 125 رقم 1)، والبيهقي (4/ 119) من طريق غورك، عن جعفر بن محمَّد، عن أبيه، عن جابر. وضعفاه بغورك هذا، ومن دونه. قال الحافظ في "التلخيص" (812): وإسناده ضعيف جدًّا. وقال الألباني رحمه الله في "ضعيف الجامع" (3997): موضوع.

الأصل

الأصل [411] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا أنس بن عياض، عن الحارث بن عبد الرحمن بن أبي [ذباب] (¬1) عن أبيه، عن سعد بن أبي [ذباب] (¬2) قال: قدمت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأسلمت ثم قلت: يا رسول الله اجعل لقومي ما أسلموا عليه من أموالهم، ففعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاستعملني عليهم، ثم استعملني أبو بكر، ثم عمر. قال: وكان سعد من أهل السراة قال: فكلمت قومي في العسل فقلت لهم: زكوه؛ لأنه لا خير في ثمرة لا تزكى. قالوا: كم؟ فقلت: العشر، فأخذت منهم العشر فأتيت عمر بن الخطاب فأخبرته بما كان قال: فقبضه عمر فباعه ثم جعل ثمنه في صدقات المسلمين (¬3). الشرح الحارث بن عبد الرحمن بن المغيرة بن أبي [ذباب] (¬4) الدوسي من أهل المدينة. روى عن: عبد الرحمن بن مهران مولى أبي هريرة، وعن عياض بن عبد الله بن سعد، وعبد الرحمن الأعرج، وعطاء بن مينا، وأبي سلمة. ¬

_ (¬1) في "الأصل": ذياب. والمثبت من "المسند" وهو الصواب. (¬2) في "الأصل": ذياب. والمثبت من "المسند" وهو الصواب. (¬3) "المسند" ص (92). (¬4) في "الأصل": ذياب. وسبق التنبيه عليه، وانظر "الإكمال" (3/ 308 - 309).

روى عنه: أنس بن عياض، وابن جريج (¬1). وأبوه عبد الرحمن ذكر الشافعي ومحمد بن عباد روايته عن سعد بن أبي ذباب. وسعد بن أبي [ذباب] (¬2) من أهل السراة حجازي له صحبة وبهذا الحديث يذكر (¬3). والحديث اختلف في إسناده فرواه الشافعي ومحمد بن عباد عن أنس بن عياض كما في الكتاب، ورواه الصلت بن محمَّد عن أنس عن الحارث بن أبي ذباب عن منير (¬4) بن عبد الله عن [عبد الله أبيه] (¬5) عن سعد بن أبي ذباب، وكذلك رواه الدراوردي ومحمد بن فليح وصفوان بن عيسى عن الحارث. ولم يصحح الأئمة في زكاة العسل حديثًا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬6). وقوله: "قلت: يا رسول الله اجعل لقومي ما أسلموا عليه من أموالهم" كأنه ظن أنهم إذا أسلموا أخذ منهم بعض أموالهم أو أسلموا بعد الاستيلاء عليهم وعلى أموالهم فسأل أن يسامحوا. ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (2/ ترجمة 2432)، و"الجرح والتعديل" (3/ ترجمة 365)، و"التهذيب" (5/ ترجمة 1026). (¬2) في "الأصل": ذياب. وسبق التنبيه عليه، وانظر "الإكمال" (3/ 308 - 309). (¬3) انظر "معرفة الصحابة" (3/ ترجمة 1118)، و"الإصابة" (3/ ترجمة 3152). (¬4) ومن طريقه أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 373)، وأحمد (4/ 79)، والطبراني (6/ 43)، والبزار كما في "المجمع" (3/ 77). قال الهيثمي: وفيه عبد الله بن منير وهو ضعيف. (¬5) في "الأصل": عبد الله عن أبيه. خطأ. والمثبت من التخريج. (¬6) قال الحافظ في "الفتح" (3/ 348): قال ابن المنذر: ليس في العسل خبر يثبت ولا إجماع.

وقوله: "وكان سعد من أهل السراة" في "كتاب البلدان" (¬1) أن السروات ثلاث: سراة بين تهامة ونجد أدناها بالطائف وأقصاها قرب صنعاء، والطائف [من] (¬2) سراة بني ثقيف وهي أدنى السروات إلى مكة. وبلاد (¬3) عدوان في برية العرب. ويشبه أن يكون الرجل من أدنى السروات إلى مكة. وقوله: "فكلمت قومي في العسل فقلت لهم: زكوه ... إلى آخره" قد يشعر بأنه ليست فيه زكاة واجبة لكنه ندبهم إلى أن يخرجوا عنه شيئًا لينمو ويكثر خيره وبركته، ويؤيده ما روي أنهم قالوا له: "كم؟ " وفي بعض الروايات: "كم ترى؟ " وكذلك هو في "الأم" فراجعوا رأيه ونظره، وأن عمر -رضي الله عنه- باع ما أخذه وجعل ثمنه في الصدقات، ولو وجبت الزكاة فيه لأشبه أن يقسمه بنفسه، وقد قال الشافعي (¬4) بعدما روى الحديث: وسعد بن أبي ذباب يحكي ما يدل على أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يأمره بأخذ الصدقة من العسل، وأنه شيء رآه فتطوع له به أهله. وهذا يجوز أن يريد به الإشعار الذي بيناه ويجوز أن يريد ضميمة بلغته، ويروى عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر قال: جاء كتاب من عمر بن عبد العزيز إلى أبي وهو بمنى: أن لا تأخذ من الخيل ولا من ¬

_ (¬1) "معجم البلدان" (3/ 205). (¬2) من معجم البلدان. قال: والسراة الثالثة: أرض عالية وجبال مشرفة على البحر من المغرب وعلى نجد من المشرق. (¬3) وهي السراة الثانية. (¬4) "الأم" (2/ 39) وقال: لا صدقة في العسل ولا في الخيل، فإن تطوع أهلها بشيء قبل منهم وجعل في صدقات المسلمين.

الأصل

العسل صدقة (¬1). وعن علي -رضي الله عنه- أنه قال: ليس في العسل زكاة (¬2). وهذا هو قول الشافعي في "الجديد" وعن "القديم" قول أنها تجب. الأصل [413] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا عبد المجيد، عن ابن جريج، عن يوسف بن ماهك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ابتغوا في مال اليتيم أو في أموال اليتامى لا تذهبها أو لا تستهلكها الصدقة" (¬3). [414] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه قال: كانت عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - تليني أنا وأخوين يتيمين في حجرها وكانت تخرج من أموالنا الزكاة (¬4). الشرح عبد الرحمن: هو ابن القاسم بن محمَّد بن أبي بكر الصديق التيمي المدني أبو محمَّد، يقال: كان أفضل أهل زمانة. سمع: أباه، وأسلم مولى عمر. وروى عنه: يحيى بن سعيد الأنصاري، وعبد العزيز بن أبي سلمة، وغيرهما. مات بالمدينة سنة ست وعشرين ومائة (¬5). ¬

_ (¬1) رواه البيهقي (4/ 119) من طريقه. (¬2) رواه البيهقي (4/ 127). وضعفه الحافظ في "التلخيص" (2/ 172)، وابن الملقن في "الخلاصة" (1046). (¬3) "المسند" ص (92). (¬4) "المسند" ص (92). (¬5) انظر "التاريخ الكبير" (5/ ترجمة 1086)، و"الجرح والتعديل" (5/ ترجمة 1323)، و"التهذيب" (17/ ترجمة 3931).

الأصل

والحديث مرسل، لكن عن المثنى بن الصباح، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خطب الناس فقال: "ألا من ولي يتيمًا له مال فليتجر فيه، ولا يتركه حتى تأكله الصدقة" أخرجه أبو عيسى الترمذي (¬1) عن محمَّد بن إسماعيل، عن إبراهيم بن موسى، عن الوليد بن مسلم، عن المثنى؛ لكن قال: إن المثنى ضعيف. وأما الأثر عن عائشة فهو ثابت (¬2)، وعن عمر -رضي الله عنه- أنه قال: ابتغوا في أموال اليتامى لا تستهلكها الزكاة (¬3). وعن على أنه كان يلي مال أيتام أبي رافع فكان يخرج الزكاة من أموالهم (¬4). وعن ابن عمر أنه كان يزكي مال اليتيم (¬5). وذهب إلى وجوب الزكاة في مال الصبي: جابر بن عبد الله وعطاء وطاوس وابن سيرين ومجاهد. ويجب العُشر فيما أخرجته أرضه بالاتفاق، وكذلك يخرج عنه صدقة الفطر. الأصل [415] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن نافع، عن ابن ¬

_ (¬1) "جامع الترمذي" (641) وقال: في إسناده مقال لأن المثنى يضعف في الحديث. قال أحمد بن حنبل عن هذا الحديث: ليس بصحيح، كما في "الزيلعي" (2/ 330). وضعفه الألباني في "الإرواء" (3/ 258). (¬2) رواه مالك (1/ 251 رقم 589). (¬3) رواه مالك بلاغًا عنه (1/ 251 رقم 588)، وعبد الرزاق (6990). (¬4) رواه عبد الرزاق (6986). (¬5) رواه عبد الرزاق (6992).

عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرض زكاة الفطر على الناس صاعًا من تمر أو صاعًا من شعير على كل حر وعبد ذكر وأنثى من المسلمين (¬1). [416] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا إبراهيم بن محمَّد، عن جعفر بن محمَّد، عن أبيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬2) فرض زكاة الفطر على الحر والعبد والذكر والأنثى ممن يَمُونون (¬3). [417] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن زيد بن أسلم، عن عياض بن عبد الله بن سعد، أنه سمع أبا سعيد الخدري يقول: كنا نخرج زكاة الفطر صاعًا من طعام، أو صاعًا من شعير، أو صاعًا من تمر، أو صاعًا من زبيب (¬4). [418] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن نافع، عن ابن عمر؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرض زكاة الفطر من رمضان على الناس صاعًا من تمر، أو صاعًا من شعير (¬5). [419] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن زيد بن أسلم، عن عياض بن عبد الله بن سعد بن أبي سرح، أنه سمع أبا سعيد الخدري يقول: كنا نخرج زكاة الفطر صاعًا من طعام، أو صاعًا من شعير، أو صاعًا من تمر، أو صاعًا من زبيب، أو صاعًا من أقط (¬6). [420] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا أنس بن عياض، عن ¬

_ (¬1) "المسند" ص (92). (¬2) زاد في "الأصل": عام. ووضع عليها علامة لحق وليس ثمة لحق، وهي مقحمة ليست في "المسند". (¬3) "المسند" ص (93). (¬4) "المسند" ص (93). (¬5) "المسند" ص (93). (¬6) "المسند" ص (93).

الشرح

داود بن قيس، سمع عياض بن عبد الله بن سعد يقول أن أبا سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ قال: كُنَّا نُخْرِجُ في زمان النبي - صلى الله عليه وسلم - صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ، أو صاعًا من أقط، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، فَلَمْ نَزَلْ نُخْرِجُهُ كذلك حَتَّى قَدِمَ مُعَاوِيَةُ حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا، فخطب الناس فَكَانَ فِيمَا كَلَّمَ النَّاسَ بِهِ أنه قال: إني أرى مدين مِنْ سَمْرَاءِ الشَّامِ تَعْدِلُ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ فَأَخَذَ النَّاسُ بِذَلِكَ. قال أبو العباس: وإنما خرَّجت هذِه الأخبار كلها وإن كانت معتادة الأسانيد؛ لأنها بلفظ آخر وفيها زيادة ونقصان (¬1). الشرح حديث مالك عن نافع يشتمل عليه "الموطأ" (¬2) و"الصحيحان" (¬3) رواه البخاري عن عبد الله بن يوسف، ومسلم عن يحيى بن يحيى، بروايتهما عن مالك. وحديث إبراهيم عن جعفر رواه حاتم بن إسماعيل عن جعفر عن أبيه عن علي عن النبي - صلى الله عليه وسلم -وهو غير متصل أيضًا (¬4). وحديث مالك عن زيد بن أسلم عن عياض أخرجاه في "الصحيحين" (¬5) هذا عن عبد الله بن يوسف، وهذا عن يحيى بن يحيى، عن مالك. وحديث أنس بن عياض عن داود بن قيس أخرجه مسلم (¬6)، وأبو ¬

_ (¬1) "المسند" ص (93). (¬2) "الموطأ" (1/ 284 رقم 626). (¬3) "صحيح البخاري" (1504)، ومسلم (984/ 12). (¬4) أخرجه البيهقي (4/ 161) وقال: مرسل. (¬5) "صحيح البخاري" (1505)، و"صحيح مسلم" (985/ 17). (¬6) "صحيح مسلم" (985/ 18).

داود (¬1) عن القعنبي عن داود، واللفظ في "كتاب مسلم": كُنَّا نُخْرِجُ إِذْ كَانَ فِينَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - زَكَاةَ الفِطْرِ عَنْ كُلِّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ حُرٍّ أوْ مَمْلُوكٍ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ فَلَمْ نَزَلْ نُخْرِجُهُ حَتَّى قَدِمَ عَلَيْنَا مُعَاوِيَةُ ... إلى آخره ثم قال: قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: أَمَّا أَنَا فَلاَ أَزَالُ أُخْرِجُهُ كَمَا كُنْتُ أُخْرِجُهُ أَبَدًا مَا عِشْتُ. واحتج بقوله: "فرض علي" أن صدقة الفطر فريضة خلافًا لقول من قال: هي واجبة لا فريضة، لكن يمكن أن يكون المراد منه التقدير. وبقوله: "على كل حر أو عبد" على وجوب فطرة العبد، ولا فرق بين أن يكون للخدمة أو للتجارة، ويشترط كونه مسلمًا لقوله: "من المسلمين". وبقوله: "والذكر والأنثى ممن تمونون" على وجوب فطرة الزوجة على الزوج، خلافًا لأبي حنيفة. وقوله: "تمونون" أي تحتملون مؤنتهم، يقال: مانه يمُونُه مونًا فهو ممُونٌ. عن ابن السكيت (¬2). وقوله: "صاعًا من طعام، أو صاعًا من زبيب ... إلى آخره" المراد من الطعام: البر، وهو استعمال شائع، ومن روى "صاعًا من طعام صاعًا من أقط، أو صاعًا من شعير ... إلى آخره" جعل ما بعد الطعام تفسيرًا وبيانًا له. وفي الرواية الأولى دليل على أنه يجب من البرّ صاع كما يجب من غير البرّ، خلافًا لأبي حنيفة حيث قال: يكفي من البر نصف صاع. ¬

_ (¬1) "سنن أبي داود" (1616). (¬2) انظر "لسان العرب" "مادة: مون".

الأصل

وقد بيَّن أبو سعيد أنهم كانوا يخرجون صاعًا، وأن التعديل كان من صنيع معاوية -رضي الله عنه-. والسَّمراءُ: البر، ويقال: البرّ الشامي. وفي الأحاديث يجوز إخراج الأقط، وهو الأصح من قولي الشافعي، ولا يتخير على ظاهر المذهب بين الأول؛ ولكن يجب إخراج القوت الغالب في البلد، وكلمة "أو" في قوله: "صاعًا من كذا أو صاعًا من كذا" محمول على بيان الأنواع لا على التخيير. الأصل [421] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا أنس بن عياض، عن أسامة بن زيد الليثي أنه سأل سالم بن عبد الله عن الزكاة فقال: أعطها أنت. فقلت: ألم يكن ابن عمر -رضي الله عنه- يقول: ادفعها إلى السلطان؟ قال: بلى، ولكن لا أرى أن تدفعها إلى السلطان (¬1). الشرح يجوز للمولى أن يفرق زكاة الأموال الباطنة بنفسه وهي النقدان وأموال التجارة والركاز، ويلحق بها زكاة الفطر؛ والأظهر من المذهب أنه يجوز ذلك في الأموال الظاهرة أيضًا: وهي المواشي والمعشرات والمعادن؛ وأن الدفع إلى السلطان أولى في النوعين وذلك إذا كان الإِمام عادلًا، فإن كان جائرًا فالأولى أن يفرق بنفسه، ويشبه أن يكون المنقول عن ابن عمر في حالة عدل السلطان، وأن ما ذكره سالم كان في وقت الجور. ¬

_ (¬1) "المسند" ص (94).

الأصل

وفي الأثر دليل على أنه لا يجب الدفع إلى السلطان، ولفظ الزكاة مطلق فيه، وأشار بعضهم إلى أن السؤال والجواب كان في زكاة الفطر خاصةً، والله أعلم. الأصل [422] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يبعث بزكاة الفطر إلى الذي تجمع عنده قبل الفطر بيومين أو ثلاثة (¬1). [423] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن نافع أن عبد الله بن عمر كان لا يخرج في زكاة الفطر إلا التمر إلا مرة واحدة فإنه أخرج شعيرًا (¬2). الشرح في الأثر الأول بيان أن صدقة الفطر يجوز تعجيلها قبل الوجوب، فإن وقت الوجوب استهلال شوال، والذي تجمع عنده الصدقات هو العامل. وأما الأثر الثاني فإن التمر كان غالب قوت أهل المدينة حينئذٍ فكان إخراج ابن عمر مستمرًّا، سواء قلنا بتعين القوت الغالب أو قلنا: يتخير؛ وأما إخراجه الشعير فهو ظاهر أيضًا على تقدير التخيير، وأما على تقدير التعيين فللأصحاب وجه جيد في أن الشعير أفضل وأصلح للاقتيات من التمر، والعدول إلى الأعلى جائز بالاتفاق. الأصل [424] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن محمَّد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة المازني عن ¬

_ (¬1) "المسند" (94). (¬2) "المسند" (94).

الشرح

أبيه، عن أبي سَعِيدٍ الخُدْرِيَّ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ مِن التمر صَدَقَةٌ" (¬1). [425] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن عمرو بن يحيى، عن أبيه أنه قال: سمعت أبا سعيد الخدري يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ" (¬2). [426] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان بن عيينة قال: سمعت عمرو بن يحيى المازني، يحدث عن أبيه، عن أبي سَعِيدٍ الخُدْرِيّ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ" (¬3). الشرح الحديث صحيح، والأسانيد الثلاثة هي أسانيد ما سبق (¬4) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ليس فيما دون خمس ذود صدقة" وهما مرويان في قرن واحد إلا أن الشافعي أورد كل واحدة من الجملتين في بابها فتابعه أبو العباس. والوسق: ستون صاعًا، والصاع: أربعة أمداد، والمد: رطل وثلث؛ فيكون الصالح خمسة أرطال وثلث رطل، والوسق: مائة وستين منًّا، والأوسق الخمسة ثمانمائة منٍّ، ويجمع الوسق على أوساق وقد تكسر واوه فيقال: وِسق، والوِسقُ في الأصل: الجمع والضم، وكل شيء جمعته فقد وسِقته، ووسِقت البعير حملت عليه وسقًا، ويقال: أوسقت أيضًا. ¬

_ (¬1) "المسند" ص (94). (¬2) "المسند" ص (94). (¬3) "المسند" ص (94). (¬4) مرت برقم (393 - 395).

الأصل

والحديث صريح في اعتبار النصاب في المعشرات، وفيه دليل على أن المبلغ المذكور ينبغي أن يحصل تمرًا. الأصل [427] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا عبد الله بن نافع، عن محمَّد بن صالح التمار، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، عن عتاب بن أسيد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال في زكاة الكرم: "يُخْرَصُ كمَا يُخْرَصُ النَّخْلُ وتُؤَدى زَكَاتُهُ زَبِيبًا كمَا تُؤَدى زَكَاةُ النَّخْلِ تَمْرًا" (¬1). [1/ 427] وبإسناده؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يبعثُ من يَخْرُصُ على النَّاسِ كرومَهم وثمارَهم (¬2). [428] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عَنِ ابن شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال ليهود خيبر حين افتتح خيبر: "أُقِرُّكُمْ مَا أقَرَّكُمُ اللهُ عَلَى أَنَّ الثَّمَرَ بَيْنَنَا وَبَيْنكُمْ"، قال: فَكَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَبْعَثُ عَبْدَ اللهِ بْنَ رَوَاحَةَ فَيَخْرُصُ عليهم ثُمَّ يَقُولُ: إِنْ شِئْتُمْ فَلَكُمْ وإِنْ شِئْتُمْ فلي؛ فَكَانُوا يَأْخُذُونَهُ (¬3). [429] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن ابن شهاب، عن سليمان بن يسار؛ أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يَبْعَثُ عَبْدَ اللهِ بْنَ رَوَاحَةَ فَيَخْرُصُ بينهُ وبينَ يهود (¬4). الشرح محمَّد بن صالح التمار مديني، روى عن: حميد بن نافع، وذكر ¬

_ (¬1) "المسند" ص (94). (¬2) "المسند" ص (94). (¬3) "المسند" ص (94). (¬4) "المسند" ص (95).

أنه رأى سعيد بن المسيب وعمر بن عبد العزيز (¬1). وعبد الله المذكور في المتن: هو ابن رواحة بن امريء القيس بن ثعلبة الأنصاري الخزرجي، شهد بدرًا وغيره. وروى عنه: عبد الله بن عباس، وأنس بن مالك، وقيس بن أبي حازم. قتل بمؤتة سنة ثمان على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬2). والحديثان من رواية عتاب أخرجهما أبو عيسى الترمذي (¬3) عن [مسلم بن عمرو] (¬4) الحذاء عن عبد الله بن نافع، وأخرج أبو داود (¬5) الأول عن محمَّد بن إسحاق السعدي عن عبد الله بن نافع، وابن ماجه (¬6) الثاني عن عبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقي والزبير بن بكار عن عبد الله بن نافع. والحديث صريح في شرعية الخرص، وبه قال أكثر العلماء وقالوا: يبعث الإِمام إذا بدا الصلاح في الرطب والعنب من يخرص، فينظر كم يجيء من ذلك الرطب التمر ومن ذلك العنب الزبيب، ويخلّي بينهما وبين أربابهما ليتصرفوا كما شاءوا، ثم يأخذ عشر المخروص منهم وقت الجفاف. ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (1/ ترجمة 340)، و"الجرح والتعديل" (7/ ترجمة 1558)، و"التهذيب" (25/ ترجمة 5293). (¬2) انظر "معرفة الصحابة" (3/ ترجمة 1627)، و"الإصابة" (4/ ترجمة 4679). (¬3) "جامع الترمذي" (644) وقال: حسن غريب. وضعفه الألباني في "الإرواء" (807). (¬4) في "الأصل": عمرو بن مسلم. والمثبت من "الجامع" وانظر التحفة حديث (9748). (¬5) "سنن أبي داود (1604) وقال: وسعيد لم يسمع من عتاب شيئًا. (¬6) "سنن ابن ماجه" (1819).

الأصل

وفيه احتياط لأهل السُّهمان ورفق بأرباب الأموال، فإن في منعهم من التصرف والأكل والانتفاع بالثمار إلى الجفاف ضررًا بينًّا. وفي الحديث الأول ما يبين أن الخرص في النخل أشهر وأظهر منه في الكرم؛ حيث شبه الكرم بالنخل، وأنه يؤخذ من الكرم الزبيب ومن النخل التمر. وقوله في الحديث الثاني: "وثمارهم" المراد منه ثمرة النخيل. قال الشافعي: وثمار الحجاز -فيما علمت- كلها تمر أو زبيب (¬1). وحديث الخرص عليّ أهل خيبر يتأكد به القول باعتبار الخرص. وقوله: "أقركم (على) (¬2) ما أقركم الله" لفظة أجراها النبي - صلى الله عليه وسلم - في موادعة يهود خيبر، ولا يجوز لغيره المهادنة بهذه اللفظة؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - يعرف ما عند الله بالوحي وغيره بخلافه. وقوله: "إن شئتم فلكم وإن شئتم فلي" قصد به إظهار إتمام النظر والاجتهاد والتبرؤ من الحيف. واحتج بالقصة عليّ أنه يكفي خارصٌ واحد وهو الأظهر من المذهب. الأصل [430] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا أنس بن عياض، عن موسى بن عقبة، عن نافع، أن عبد الله بن عمر كان يقول: صدقة الثمار والزرع بما كان من نخل أو كرم أو زرع أو شعير أو سلت، فما كان منه بعلًا أو يسقى بنهر أو يسقى بالعين أو عثريًّا بالمطر ففيه العُشر من كل عشرة واحد، ¬

_ (¬1) "الأم" (2/ 32). (¬2) كنا في "الأصل" وهي ليست في الحديث.

الشرح

وما كان منه يسقى بالنضح ففيه نصف العُشر في عشرين واحد (¬1). الشرح الأثر ثابت الإسناد، وقد روى الشافعي في "القديم" عن مالك عَنِ الثِّقَةِ عِنْدَهُ، عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ وسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ وَالْعُيُونُ وَالْبَعْلُ العُشْرُ، وَفِيمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ نِصْفُ العُشْرِ". ويروى موصولًا من رواية الحارث بن عبد الرحمن بن أبي ذباب، عن سليمان وبسر عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬2). وروى البخاريّ في "الصحيح" عن سَعِيد بْن أَبِي مَرْيَمَ، عن ابن وهب، عن يونس بن يزيد، عن ابن شهاب، عن سالم، عن أبيه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ والأنهار وَالْعُيُونُ أَوْ كَانَ عَثَرِيًّا العُشْرُ، وفيما سُقِيَ بِالنَّضْحِ نِصْفُ العُشْرِ" (¬3). ورواه مسلم (¬4) من حديث [أبي] (¬5) الزبير عن جابر عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. وقوله: "صدقة الثمار والزرع ما كان نخلًا أو كرمًا أو زرعًا أو شعيرًا" كأنه يعني بالزرع الحنطة، والمقصود أن الصدقة تجب في هذِه الأنواع وما في معناها. والبعل: ما لا يحتاج إلى السقي بل يشرب بعروقه من ماء قريب منه. واختلف في العثريّ: فقيل: هو البعل نفسه، والأظهر أن العثريّ ¬

_ (¬1) "المسند" ص (95). (¬2) رواه الترمذي (639)، وابن ماجه (1816). (¬3) "صحيح البخاري" (1483) وليس عنده: "والأنهار" وهي عند أبي داود (1596). (¬4) "صحيح مسلم" (981/ 7). (¬5) قطع في "الأصل" والمثبت من "صحيح مسلم".

الأصل

غير البعل، وهو الذي يدل عليه الأثر، وعلى هذا قيل أن العثري هو الذي يسقى بماء السماء، ويقال له: العذْي، وسكن بعضهم الثاء فقال: عثري. والنضح: الاستقاء بالسواني (¬1) وما في معناها، وفي بعض النسخ "أو سقيًّا بنهر" أي: مسقيًّا. الأصل [431] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن عمرو بن يحيي المازني، عن أبيه أنه قال؛ سمعت أبا سعيد الخدري يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "وليس فيما دون خمس أواقٍ صدقة" (¬2). [432] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، حدثني عمرو بن يحيى المازني بهذا الحديث (¬3). [433] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن محمَّد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة، عن أبيه، عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "وليس فيما دون خمس أواقٍ صدقة من الورق". الشرح قوله: "ليس فيما دون خمس أواقٍ صدقة" مذكور مع قوله: "ليس فيما دون خمس ذود صدقة"، وقوله: "ليس فيما دون خمسة أوسق من التمر صدقة" وهي مروية في قرن واحد بالمسانيد المذكورة (¬4)، لكن الشافعي روى كل جملة في بابها محتجًّا بالخبر، ¬

_ (¬1) السواني: هي الإبل التي يستقى عليها من الآبار إلى الحقول وهي النواضح بأعيانها. (¬2) "المسند" ص (95). (¬3) "المسند" ص (95). (¬4) مرت برقم (393 - 395).

فإما أبو العباس فإنه كان بسبيل من أن يجمع بينها ويستغني عن الإعادة، وقد ذكرنا معنى الأوقية من قبل. آخر الجزء ويتلوه في الذي يليه: أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه، في زكاة الحلي. الحمد لله حق حمده وصلواته على محمَّد وآله وصحبه.

الرواة سوى من سبق ذكره

الرواة سوى من سبق ذكره: عبد الله بن المؤمل، أذينة، داود بن شابور، يعقوب بن عطاء، عمرو بن شعيب، أبوه، عبد الله بن عمرو بن العاص، إسماعيل بن أبي خالد، عبد الله بن أبي سلمة الماجشون، أبو عمرو بن حماس، أبوه، رزيق بن حكيم، محمَّد بن سلمة، داود بن أبي هند، جرير بن عبد الله، محمَّد بن عثمان بن صفوان، أسلم، عبادة بن الصامت، [الحسن] (¬1) بن مسلم بن يناق، عبد الرحمن بن أيمن المخزومي، محمَّد بن إياس بن البكير، بكير بن عبد الله بن الأشج، النعمان بن أبي عياش، محمَّد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان، فاطمة بنت الحسين بن علي، خالد بن أسلم، أبو يونس مولى عائشة، عطاء بن أبي [مسلم] (¬2) الخراساني، حمزة بن عمرو الأسلمي. رحمهم الله. ¬

_ (¬1) في "الأصل": الحسين. تحريف، والمثبت من "المسند". (¬2) في "الأصل": سلم. تحريف.

الأصل

بسم الله الرحمن الرحيم الأصل [434] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة أنها كانت تلي بنات أخيها يتامى في حجرها لهنَّ الحلي فلا تخرج منه الزكاة (¬1). [435] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا عبد الله بن مؤمل، عن ابن أبي مليكة؛ أن عائشة كانت تحلي بنات أخيها الذهب وكانت لا تخرج زكاته (¬2). [437] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن عمرو بن دينار قال: سمعت رجلًا يسأل جابر بن عبد الله عن الحلي: أفيه الزكاة؟ فقال جابر: لا، فقال: وإن كان يبلغ ألف دينار؟ فقال جابر: كثير (¬3). الشرح عبد الله بن المؤمل: هو المخزومي المكي. سمع: عطاء، وعمرو بن شعيب. وروى عنه: الشافعي، ومعن بن عيسى (¬4). ¬

_ (¬1) "المسند" ص (95). (¬2) "المسند" ص (95). ولم يذكر المصنف أثر ابن عمر وهو: [436] أخبرنا مالك، عن نافع، عن ابن عمر "أنه كان يحلي بناته وجواريه الذهب، ثم لا يخرج منه الزكاة". وهو في الأم" (2/ 41). (¬3) "المسند" ص (96). (¬4) انظر "التاريخ الكبير" (5/ ترجمة 664)، و"الجرح والتعديل" (5/ ترجمة 821)، و"التهذيب" (16/ ترجمة 3599). قال أبو زرعة وأبو حاتم: ليس بقوي، وقال أبو داود: منكر الحديث، وقال النسائي: ضعيف.

الأصل

وقوله: "تلي بنات أخيها يتامى في حجرها" كأنها كانت تليهن بوصاية أو إقامة، وإلا فالعمومة لا تفيد الولاية. وقول جابر للسائل: "كثير" يجوز أن يريد به: إنك أكثرت في التصوير وكيف ما كان فلا زكاة فيه، ويجوز أن يحمل عليّ أنه إذا انتهى إلى حد الإسراف وجبت الزكاة، والأظهر عند الأصحاب أنه إذا اتخذ خلخال وزنه مائة دينار مثلًا تجب فيه الزكاة. والآثار متفقة على أنه لا زكاة في الحلي، ويروى ذلك عن أنس وأسماء بنت أبي بكر أيضًا. وعن عمر وابن مسعود وابن عباس أنه تجب الزكاة فيه. وللشافعي في ذلك قولان، والأظهر: المنع، ويروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ما فيه استدلال للقولين لكن بروايات ضعيفة؛ قال أبو عيسى الترمذي: لا يصح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الباب شيء (¬1). وهذا الخلاف في الحلي المباح؛ فأما المحظور فلا خلاف في وجوب الزكاة فيه. الأصل [438] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن عمرو بن دينار، عن أذينة، عن ابن عباس أنه قال: ليس في العنبر زكاة إنما هو شيء دسره البحر (¬2). [439] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن ابن طاوس، عن أبيه، عن ابن عباس أنه سئل عن العنبر فقال: إن كان فيه شيء ففيه الخمس (¬3). ¬

_ (¬1) "جامع الترمذي" بعد الحديث (637). (¬2) "المسند" ص (96). (¬3) "المسند" ص (96).

الشرح

الشرح أذينة سمع: ابن عباس. روى عنه: عمرو بن دينار، ومحمد بن الحارث. وليس هو بأذينة العبدي (¬1). والأثر يدل على أنه لا زكاة في العنبر وفي معناه سائر الجواهر النفيسة من اللؤلؤ والياقوت وغيرهما. وقوله: "دَسَره البحر" أي: لفظه ودفعه، أشار به إلى أنه ليس من جملة المعادن حتى يجب فيه الخمس، كأنه ذهب إلا أن في المعدن الخمس. وقوله: "إن كان فيه شيء ففيه الخمس" يمكن أن يقال أنه تردد في كونه من المعادن فقال ذلك، ثم تبين له أنه ليس كذلك فقال: لا زكاة فيه؛ وإنما هو شيء يدفعه البحر. عن الشافعي (¬2) أنه قال: سمعت من قال: رأيت العنبر نابتًا في البحر مثل عنق الشاة. ويقال أن أصله ينبت في البحر له رائحة زكية وفي البحر دويبة تقصده لزكاء رائحته وهو سمها فيقتلها ويلفظها فيخرج العنبر من جوفها. وفي الحديث ذكر دابة من دوابّ البحر عظيمة يقال لها: العنبر، ويمكن أن تكون هي تلك الدابة وبه سميت العنبر. والله أعلم. الأصل [440] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان بن عيينة، عن ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (2/ ترجمة 1687)، و"الجرح والتعديل" (2/ ترجمة 1256)، و"تعجيل المنفعة" (1/ ترجمة 1439). (¬2) نقله الماوردي عنه كما في "الفتح" (8/ 80).

الشرح

الزهري، عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة، عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "وفي الركاز الخمس" (¬1). [441] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "في الركاز الخمس" (¬2). [442] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن ابن شهاب، عن ابن المسيب وأبي سلمة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "في الركاز الخمس" (¬3). الشرح حديث سفيان عن الزهري أخرجه مسلم (¬4) عن يحيي بن يحيى عن سفيان، وتمام الحديث: "العجماء جرحها جبار، والمعدن جبار، والبئر جبار، وفي الركاز الخمس". وحديث سفيان عن أبي الزناد رواه الطحاوي عن المزني عن الشافعي عن مالك عن أبي الزناد لا عن سفيان، ورواية الربيع أشهر. وحديث مالك عن ابن شهاب وقع منقطعًا ها هنا ورواه الشافعي في كتاب "اختلاف الحديث" (¬5) موصولًا عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكذلك رواه مالك في "الموطأ" (¬6) والبخاري (¬7) عن عبد الله بن يوسف عن مالك، وأخرجه مسلم (¬8) عن يحيي بن يحيى، وغيره عن الليث عن ابن شهاب، وأبو عيسى (¬9) عن قتيبة عن الليث. ¬

_ (¬1) "المسند" ص (96). (¬2) "المسند" ص (96). (¬3) "المسند" ص (96). (¬4) "صحيح مسلم" (1710/ 45). (¬5) "اختلاف الحديث" (1/ 301). (¬6) "الموطأ" (2/ 869 رقم 1560). (¬7) "صحيح البخاري" (1499). (¬8) "صحيح مسلم" (1710/ 45). (¬9) "جامع الترمذي" (642).

الأصل

وقوله: "جرح العجماء جبار" الجبار: الهدر، والعجماء: البهيمة، وحمل ذلك على ما تتلفه البهيمة نهارًا وليس معها صاحبها كما إذا أفلتت. وقوله: "والمعدن جبار، والبئر جبار" أي: إذا استأجر أجيرًا لحفر معدن أو بئر فانهار عليه فلا ضمان، وقيل: هو البئر يحفرها في الموات لا ضمان فيما يتلف بها. والمشهور من معنى الركاز: المدفون في الأرض، ويجب فيه الخمس على ما دل عليه الحديث واتفق أهل العلم عليه، وقد يقع اسم الركاز على المعدن؛ لأن الله تعالى ركزه في الأرض. الأصل [443] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان بن عيينة، عن داود بن شابور ويعقوب بن عطاء، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في كنز وجده رجل في خربة جاهلية: "إن وجدته في قرية مسكونة أو سبيل ميتاء فعرِّفه، وإن وجدته في خربة جاهلية أو في خربة غير مسكونة؛ ففيه وفي الركاز الخمس" (¬1). [444] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان بن عيينة، ثنا إسماعيل بن أبي خالد، عن الشعبي قال: جاء رجل إلى علي -رضي الله عنه- فقال: إني وجدت ألفًا وخمسمائة درهم في خربة بالسواد، فقال علي: أما لأقضين فيها قضاءً بينًّا، إن كنت وجدتها في قرية تؤدي خراجها قريةٌ أخرى فهي لأهل تلك القرية، وإن كنت وجدتها في قرية ليس تؤدي خراجها قريةٌ أخرى ذلك أربعة أخماسه ولنا الخمس ثم الخمس لك (¬2). ¬

_ (¬1) "المسند" ص (96). (¬2) "المسند" ص (97).

الشرح

الشرح داود بن شابور المكي. سمع: مجاهدًا، وعطاء وسمع منه: ابن عيينة (¬1). ويعقوب: هو: ابن عطاء بن أبي رباح، حجازي. روى عن: أبيه، وغيره. وروى عنه: ابن عيينة (¬2). وعمرو: هو ابن شعيب بن محمَّد بن عبد الله بن عمرو بن العاص أبو إبراهيم السهمي القرشي. سمع: أباه، وسعيد بن المسيب، وطاوسًا. وروى عنه: أيوب، وابن جريج، وعطاء بن أبي رباح، والزهري، وعمرو بن دينار. قال البخاريّ في "التاريخ": ورأيت أحمد بن حنبل وعلي بن المديني والحميدي وإسحاق بن إبراهيم يحتجون بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه (¬3). وأبوه: شعيب بن محمَّد. سمع: جده عبد الله بن عمرو بن العاص (¬4). ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (3/ ترجمة 789)، و"الجرح والتعديل" (3/ ترجمة 1898)، و"التهذيب" (8/ ترجمة 1762). (¬2) انظر "التاريخ الكبير" (8/ ترجمة 3470) ظ، و"الجرح والتعديل" (9/ ترجمة 882)، و"التهذيب" (32/ ترجمة 7097). (¬3) انظر "التاريخ الكبير" (6/ ترجمة 2578)، و"الجرح والتعديل" (6/ ترجمة 1323)، و"التهذيب" (22/ ترجمة 4385). (¬4) انظر "التاريخ الكبير" (4/ ترجمة 2562)، و"الجرح والتعديل" (4/ ترجمة 1539)، و"التهذيب" (12/ ترجمة 2756).

وعبد الله: هو ابن عمرو: ابن العاص بن وائل بن [هاشم] (¬1) السهمي القرشي، أبو محمَّد، ويقال: أبو عبد الرحمن، من فقهاء أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وعبَّادهم، كان يسكن مكة ثم خرج إلى الشام ثم إلى مصر. روى عنه: مسروق، وأبو الخير مرثد، وأبو العباس الشاعر (¬2). مات سنة ثلاث وستين، وقيل: سنة خمس وهو ابن اثنين وسبعين (¬3). وإسماعيل بن أبي خالد: هو أبو عبد الله الأحمسي البجلي مولاهم الكوفي، واسم أبي خالد: سعد، ويقال: كثير، ويقال: هرمز. سمع: عبد الله بن أبي أوفى، وقيس بن أبي حازم، وزيد بن وهب، والشعبي، وأبا جحيفة. وروى عنه: الثوري، وابن عيينة، ويحيى القطان، وهشيم، وغيرهم. توفي سنة خمس أو ست وأربعين ومائة (¬4). وإنما يكون الكنز ركازًا مخمسًا إذا كان من دفين الجاهلية؛ فأما ما دفنه المسلمون فإن كان عليه آية من القرآن أو اسم ملك من ملوك الإِسلام فهو لقطة، ثم دفين الجاهلية إن وجد في موضع مملوك نظر إن كان ملك غير الواجد لم يملكه الواجد، بل هو لصاحب ذلك الموضع إن ادعاه، وإلا فهو لمن تلقى الملك عنه وهكذا إلى [أن] (¬5) ينتهي إلى ¬

_ (¬1) في "الأصل": هشام. والمثبت من مصادر ترجمته. (¬2) هو: السائب بن فروخ. (¬3) انظر "معرفة الصحابة" (3/ ترجمة 1699)، و"الإصابة" (4/ ترجمة 4850). (¬4) انظر "التاريخ الكبير" (1/ ترجمة 1108)، و"الجرح والتعديل" (2/ ترجمة 589)، و"التهذيب" (3/ ترجمة 439). (¬5) تحرف في "الأصل".

المحيي فيكون له وإن لم يدَّعه بالإحياء، كذلك ذكره الأصحاب. وإن كان الموضع للواجد فهو له إن أحياه، وإلا فلمن تلقى الملك عنه إن ادعاه على ما ذكرنا، وإن وجد في موضع لم يعمره المسلمون ولا المعاهدون كالموات والعمارات الجاهلية الخربة فهو ركاز يخمس، وإن وجد في شارع فالظاهر من كلام الأصحاب أنه لقطة وليس بركاز، وكذا إن وجد في مسجد. وقوله في الحديث: "إن وجدته في قرية مسكونة" يعني: معمور المسلمين ومسكونهم. وقوله: "أو طريق مئتاء" يدل على ما ذكرنا أنه الظاهر من كلام الأصحاب. والميتاء: مفعال من الإتيان، وهو الذي يُسلك ويؤتى كثيرًا، ويقال: طريق مأتي. وقوله: "في خربة جاهلية أو في قرية غير مسكونة" يعني: من قرى الجاهلية. وقوله: "ففيه وفي الركاز الخمس" كأن المراد في سائر أنواع الركاز وإلا فهو ركاز أيضًا، ويجوز أن يحمل قوله: "وإن وجدته في خربة جاهلية ... إلى آخره" على ما يوجد من أموال أهل الجاهلية ظاهرًا فوق الأرض، وقوله: "وفي الركاز" على المدفون في الأرض، ومن قال أن المعادن ركاز، وقال: زكاتها الخمس؛ فله أن يحمل قوله ها هنا: "وفي الركاز الخمس" على المعادن، ويروى هذا عن أبي حنيفة ويحتج له بما روي عن عبد الله بن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبيه عن جده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "في الركاز الخمس". قيل: وما الركاز يا رسول الله؟

الأصل

قال: "الذهب الذي خلقه الله في الأرض يوم خلق الأرض" (¬1) إلا أن عبد الله بن سعيد لم يوثقوه، وقالوا: حديث الركاز قد رواه عن أبي هريرة: أبو سلمة وسعيد وغير واحد من الثقات ولم يذكروا هذِه الزيادة. وقوله في أول الحديث: "في كنز وجده رجل في خربة جاهلية" هذا حكايه صورة الواقعة، وكأنه سئل عن رجل وجد كنزًا وأطلق السؤال إطلاقًا فلذلك فصَّل الجواب، فقال - صلى الله عليه وسلم -: "إن وجدته في قرية مسكونة" "وإن وجدته في خربة جاهلية ... " إلى آخرهما. وقول علي -رضي الله عنه-: "إن كنت وجدتها في قرية تؤدي خراجها قرية أخرى" كأنه يريد القرية التي لا ساكن فيها ولكن يدخلها أهل قرية أخرى ويزرعونها ويتصرفون فيها فهي في أيديهم وما فيها كذلك، وإن لم يعبر بها أحد وكانت عمارتها جاهلية فما يوجد فيها ركاز. وقوله: "ولنا الخمس ثم الخمس لك" أي: لك ولأمثالك من المسلمين إذا كانوا بصفة الاستحقاق، وهو كما روي أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما لي مما أفاء الله عليكم إلا الخمس والخمس مردود عليكم" (¬2). الأصل [445] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، ثنا يحيى بن سعيد، عن عبد الله بن أبي سلمة، عن أبي عمرو بن حماس أن أباه قال: مررت بعمر ¬

_ (¬1) رواه البيهقي (4/ 152)، وقال: تفرد به عبد الله بن سعيد المقبري وهو ضعيف جدًّا، جرحه أحمد بن حنبل ويحيى بن معين وجماعة من أئمة الحديث. (¬2) رواه النسائي (7/ 131)، وابن ماجه (2850) وليس عنده محل الشاهد، وابن حبان (4855)، قال صاحب "مصباح الزجاجة" (1013): إسناده حسن. وحسنه الضياء في "المختارة" (355). وصححه الألباني في "الإرواء" (5/ 73).

الشرح

بن الخطاب -رضي الله عنه- وعلى عنقي آدمة أحملها فقال [عمر] (¬1): ألا تؤدي زكاتك يا حماس؟ فقلت: يا أمير المؤمنين ما لي غير هذِه التي على ظهري وآهبة في القرظ، فقال: ذاك مال فضع، فوضعتها بين يديه فحسبها فوجدها قد وجبت فيها الزكاة فأخذ منها الزكاة (¬2). [446] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان بن عيينة، ثنا ابن عجلان، عن أبي الزناد، عن أبي عمرو بن حماس، عن أبيه مثله (¬3). [447] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا الثقة، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر أنه قال: ليس في العرض زكاة إلا أن يراد به التجارة (¬4). [448] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك بن أنس، عن يحيى بن سعيد، عن رزيق بن حكيم [أن] (¬5) عمر بن عبد العزيز كتب إليه: انظر من مرّ بك من المسلمين فخذ بما ظهر من أموالهم من التجارات من كل أربعين دينارًا دينارًا، فما نقص فبحساب حتى يبلغ عشرين دينارًا، فإن نقصت ثلث دينارٍ فدعها ولا تأخذ منها شيئًا (¬6). الشرح عبد الله بن أبي سلمة الماجشون مولى المنكدر ووالد عبد العزيز، ويقال: أن اسم أبي سلمة ميمون. ¬

_ (¬1) في "الأصل": عمرو. خطأ، والمثبت من "المسند". (¬2) "المسند" ص (97). (¬3) "المسند" ص (97). (¬4) "المسند" ص (97). (¬5) في "الأصل": ابن. تحريف، والمثبت من "المسند". (¬6) "المسند" ص (97).

روى عبد الله عن: عبد الله بن عبد الله بن عمر، والنعمان بن أبي عياش، ومعاذ بن عبد الرحمن. وروى عنه: يحيى بن سعيد الأنصاري، وبكير بن الأشج (¬1). وأبو عمرو (¬2): هو ابن حماس بن عمرو الليثي. روى عن: أبيه. وروى عنه: عبد الله بن أبي سلمة. وأبوه: حماس بن عمرو، يعد في أهل المدينة. روى عن: عمر -رضي الله عنه- (¬3). ورزيق -بتقديم الراء على الزاي- هو ابن حُكيم -بضم الحاء- الأيلي مولى بني فزارة. روى عن: القاسم بن محمَّد، وسعيد بن المسيب، وعمر بن عبد العزيز، ويقال أنه ولي لعمر. روى عنه: مالك بن أنس، ويونس الأيلي، وابنه حكيم بن زريق (¬4). وقوله: "وعلى عنقي آدمة" الآدمة جمع أديم كرغيف وأرغفة والأشهر في جمعه الأدم. وآهبة جمع إهاب كآلهة وإله، ذكره الأزهري، والأشهر في جمعة ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (5/ ترجمة 287)، و"الجرح والتعديل" (5/ ترجمة 331)، و"التهذيب" (15/ ترجمة 3314). (¬2) انظر "الجرح والتعديل" (9/ ترجمة 1984)، و"التهذيب" (34/ ترجمة 7532). (¬3) انظر "التاريخ الكبير" (3/ 439)، و"الجرح والتعديل" (3/ ترجمة 1402)، و"تعجيل المنفعة" (1/ 102 رقم 226). (¬4) انظر "التاريخ الكبير" (3/ ترجمة 1085)، و"الجرح والتعديل" (3/ ترجمة 2285)، و"التهذيب" (9/ ترجمة 1904).

الأُهَب والأهُب. والأثر يدل على وجوب الزكاة في أموال التجارة، إذ لا زكاة في عين الأديم بالاتفاق، وإلى وجوبها ذهب أكثر العلماء ويروى عن سمرة بن جندب أنه قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأمرنا أن نخرج الصدقة من الذي نعدّ للبيع (¬1). وقوله: "فحسبها فوجدها قد وجبت فيها الزكاة" يريد أنها قد بلغت نصابًا، ثم الكناية يجوز أن تعود إلى الآدمة التي كان يحملها ويجوز أن ترجع إليها وإلى الآهبة جميعًا، لكن أهل اللغة قالوا: الإهاب: الجلد ما لم يدبغ لا قيمة له قبل أن يدبغ فيحتاج اللفظ إلى التأويل على هذا التقدير. وأما عدم التعرض للحول والبحث عنه فيحتمل أنه عرف أن حوله قد تم؛ ولذلك قال: "ألا تؤدي زكاتك" ويحتمل أن يقال: قوله: "فحسبها" أي: قدرًا ووقتًا، ويحتمل أنه تعجل الزكاة، وفيه أن للإمام أن يطالب بزكاة الأموال الباطنة ويتفحص عن المال هل هو نصاب. ثم أيد الأثر عن عمر بالأثر عن ابن عمر ويروى مثله عن عائشة وابن عباس، ثم استأنس بالأثر عن عمر بن عبد العزيز، ورواه الشافعي في بعض كتبه عن رزيق بن حيان وكذلك هو في "الموطأ" (¬2) ورزيق (¬3) ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (1562). قال الهيثمي في "المجمع" (3/ 69): وفي إسناده ضعف. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود". (¬2) "الموطأ" (1/ 255 رقم 596). (¬3) انظر ترجمته في "التاريخ الكبير" (3/ ترجمة 1082)، و"الجرح والتعديل" (3/ ترجمة 2286) و"التهذيب" (9/ ترجمة 1905). وقال في "الإِمام" كما في "نصب الراية" (2/ 378): مختلف في تقديم الزاي فيه على =

الأصل

هذا رجل آخر يروي عن مسلم بن قرظة، ويقال أن اسمه سعيد وأن رزيقًا لقب وأنه يكنى أبا المقدام الفزاري، وعن يحيى بن معين أن رزيقًا هذا أقدم من رزيق بن حكيم وأنه كان واليًا لعمر بن عبد العزيز، وربما رويا جميعًا ذلك عنه، وسمع منهما يحيى بن سعيد. وقوله: "من كل أربعين دينارًا" ليحمل ذلك على ما إذا كان المال يقوم بالدنانير إما لأنها رأس المال أو لأنها النقد الغالب، فأمَّا إذا كان رأس المال الدراهم فيكون التقويم بها. وقوله: "فما نقص فبحسابٍ" يعني بحساب الدينار من الأربعين. وقوله: "حتى يبلغ عشرين" أي: يعود في النقصان إلى عشرين. وقوله: "فإن نقصت ثلث دينار" أي بثلث، ثم ذكر الثلث يحتمل أن يكون على سبيل المثال، ويحتمل أن يكون تقديرًا وعليه يدل كلام الشافعي، وعلى هذا فلعل العشرين كانت تروج رواج التام إذا نقصت هذا القدر، فإن زاد النقصان لم ترُج رواج التام، ويكون ذلك كما روي عن مالك أن النقصان القليل في النصاب لا يمنع وجوب الزكاة إذا كانت تروج رواج التام. الأصل [449] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عَنِ ابن شِهَابٍ، عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ، أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّان -رضي الله عنه- كَانَ يَقُولُ: هذا شَهْرُ زَكَاتِكُمْ فَمَنْ ¬

_ = الراء وبالعكس، فقيل: إن أهل مصر والشام يقدمون الزاي وأهل العراق يقدمون الراء، قال أبو عبيد: وأهل مصر والشام أعلم به، وذكره الدارقطني وعبد الغني بتقديم الراء.

الشرح

كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَلْيُؤَدِّ دَيْنَهُ حَتَّى تَحْصُلَ (¬1) أَمْوَالُكُمْ، فَتُؤَدُّونَ مِنْها الزَّكَاةَ (¬2). الشرح هذا حديث صحيح، أخرجه مالك في "الموطأ" (¬3)، والبخاري (¬4) من رواية شعيب بن أبي حمزة، عن الزهري. ومن كان له نصاب وعليه دين، فإن كان له من غير مال الزكاة ما يفي بدينه، أو كان يملك أكثر من نصاب وكان الزائد على النصاب وافيًا بالدين؛ فعليه الزكاة. وإن كان الدين يستغرق النصاب أو ينقص المال عن النصاب لو أدى الدين، فظاهر مذهب الشافعي وجوب الزكاة، وبه قال ربيعة وحماد بن أبي سليمان وابن أبي ليلى. ومنهم من قال: إنه يمنع وجوب الزكاة، وبه قال سليمان بن يسار وعطاء وطاوس، ويروى هذا عن عثمان -رضي الله عنه-، وبه يشعر هذا الأثر، وأوَّله الشافعي على أنه أمر بقضاء الدين قبل وجوب الصدقة بتمام الحول، وقال: قوله: "هذا شهر زكاتكم" يجوز أن يريد أنه الشهر الذي إذا مضى وجبت الزكاة كما يقال: شهر ذي الحجة، والحجة تقع بعد مضي أيام منه (¬5). ومنهم من فرق فقال: الدين يمنع الزكاة في الأموال الباطنة دون الظاهرة كالمواشي. ¬

_ (¬1) وضع علامة لحق وكتب في الحاشية: "تخلص" وعليها علامة نسخة. (¬2) "المسند" ص (97). (¬3) "الموطأ" (1/ 253 رقم 593). (¬4) "صحيح البخاري" (7338) عن الزهري أخبرني السائب بن يزيد "سمع عثمان بن عفان خطيبًا على منبر النبي - صلى الله عليه وسلم - ". ولم يزد على ذلك شيئًا. (¬5) "الأم" (2/ 50).

الأصل

الأصل [450] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن يحيى بن سعيد، عن مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ، عن القَاسمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنها قالت: مُرَّ عَلَى عُمَرَ بْنِ الخَطَّاب بِغَنَم مِنَ الصَّدَقَةِ فَرَأى فِيهَا شَاةً حَافِلًا ذَاتَ ضَرْع، فقال عمر: مَا هذَه الشَّاَةُ؟ فقالوا: شَاةٌ مِنَ الصَّدَقَةِ. فقال عمر: مَا أَعْطَى هذه أَهْلُهَا وَهُمْ طَائِعُونَ، لاَ تَفْتِنُوا النَّاسَ لاَ تَأحُذُوا حَزَرَاتِ المُسْلِمِينَ نَكِّبُوا عَنِ الطَّعَامِ (¬1). [451] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ أَنَّهُ قَالَ: أخبرني رَجُلاَنِ مِنْ أَشْجَعَ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ الأَنْصَارِيَّ كَانَ يأُتِيهِمْ مُصَدِّقًا فَيَقُولُ لِرَبِّ المَالِ: أَخْرِجْ إِلَيَّ صَدَقَةَ مَالِكَ فَلاَ يَقُودُ إِلَيْهِ شَاةً فِيهَا وَفَاءٌ مِنْ حَقِّهِ إِلَّا قَبِلَهَا (¬2). الشرح محمَّد بن مسلمة بن سلمة الحارثي الأنصاري، من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ممن شهد بدرًا أبو عبد الله، ويقال: أبو عبد الرحمن. روى عنه: عروة بن الزبير، والمسور بن مخرمة. مات بالمدينة سنة ست وأربعين وهو ابن سبع وسبعين (¬3). والأثران مرويان في "الموطأ" (¬4) وقال: "شاة حافلًا ذات ضرع عظيم". ¬

_ (¬1) "المسند" ص (98). (¬2) "المسند" ص (98). (¬3) انظر "معرفة الصحابة" (1/- ترجمة 11)، و"الإصابة" (6/ ترجمة 7811). (¬4) "الموطأ" (1/ 267 رقم 602، 603).

الأصل

والحافل: التي اجتمع اللبن في ضرعها حتى امتلأ منه، وتسمى المصراة محفَّلة. وحزرات المسلمين: خيار أموالهم، الواحدة: حزرة، ويقال: حرزات بتقديم الراء، والأول أشهر وهو مشتق من حزر الشيء وهو تقديره؛ لأن صاحبها لا يزال يحزرها، والثاني مشتق من الإحراز؛ لأن صاحبها يحرزها. وقوله: "نكبوا" يقال: نكبَه ونكبَ عنه أي: عدل واعتزله، وأصله من عطف المنكبين. وقوله: "نكبوا عن الطعام " أي: اتركوا ذات اللبن فلبنها طعام لأهلها، ويروى: "ونكب عن ذات الدرّ" (¬1). والمقصود أن الساعي لا يكلف أرباب الأموال إخراج الخيار، وذكر الشافعي (¬2) أن عمر -رضي الله عنه- توهم أن الساعي أخذها على كره من ربها فاحتاط بما ذكر، ولو تحقق أن الأمر كذلك لأشبه أن يردها على صاحبها، ويستحب للساعي أن يخفف على الناس فيأخذ عنهم ما يجزيء كما كان يفعل محمَّد بن مسلمة -رضي الله عنه-. الأصل [452] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ وَهُوَ يُسْأَلُ عَنِ الكَنْزِ فَقَالَ: هُوَ المَالُ الذِي لاَ تُؤَدى مِنْهُ الزَّكَاةُ (¬3). ¬

_ (¬1) جزء من حديث رواه مالك بلاغًا (2/ 932 رقم 1666) "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخل المسجد فوجد فيه أبا بكر الصديق وعمر بن الخطاب فسألهما فقالا: أخرجنا الجوع .... ". (¬2) "الأم" (2/ 56 - 57). (¬3) "المسند" ص (98).

الشرح

[453] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن عبد الله بن دينار، عن أبي صالح السمان، عن أبي هريرة أنه كان يقول: من كان له مال لم يؤد زكاته مثل له يوم القيامة شجاعًا أقرع له زبيبتان يطلبه حتى يمكنه يقول: أنا كنزك (¬1). الشرح هما مودعان في "الموطأ" (¬2) أيضًا وقد أوردهما في أول الزكاة، أما ما رواه عن أبي هريرة فبعينه إسنادًا ومتنًا؛ وأما المروي عن ابن عمر فبمعناه من رواية سفيان عن ابن عجلان عن نافع عنه، وتكلمنا فيما يتعلق بهما. الأصل [454] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن داود بن أبي هند، عن الشعبي، عن جرير بن عبد الله قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا أتاكم المصدق فلا يفارقكم إلا عن رضا" (¬3). الشرح داود بن أبي هند: أبو بكر، ويقال: أبو محمَّد القشيري مولاهم البصريّ، واسم أبي هند دينار وكان من خراسان، وعد الأئمة داود من متقني الرواة بالبصرة. سمع: سعيد بن المسيب، والشعبي، وعكرمة، والحسن، وابن ¬

_ (¬1) "المسند" ص (98). (¬2) "الموطأ" (1/ 256 رقم 597،598)، وروى حديث ابن عمر بعينه أيضًا إسنادًا ومتنًا. (¬3) "المسند" ص (98).

سيرين، وأبا عثمان النهدي. وروى عنه: حماد بن سلمة، وحفص بن غياث، وإسماعيل بن علية، والثوري. مات سنة تسع وثلاثين ومائة في طريق مكة، وقيل: سنة أربعين (¬1). وجرير: هو ابن عبد الله بن جابر بن مالك بن نصر بن ثعلبة الأحمسي البجلي. سمع: النبي - صلى الله عليه وسلم -، ويقال: أنه أسلم في السنة التي توفي فيها النبي - صلى الله عليه وسلم -. روى عنه: قيس بن أبي حازم، والشعبي، وزياد بن علاقة، والمنذر بن جرير، وغيرهم. نزل الكوفة ثم تحول إلى قرقيسيا، ومات بها سنة إحدى وخمسين (¬2). والحديث صحيح أخرجه مسلم (¬3) عن زهير بن حرب عن إسماعيل بن إبراهيم عن داود. وقوله: "إلا عن رضًا" يريد: عن رضا المصدق يبينه أن في "صحيح مسلم" (¬4) عن جرير بن عبد الله قال: جاء ناس من الأعراب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: إن ناسًا من المصدقين يأتوننا فيظلموننا قال: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أرضوا مصدقيكم" قال جرير: ما صدر عني ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (3/ ترجمة 780)، و"الجرح والتعديل" (3/ ترجمة 1881)، و"التهذيب" (8/ ترجمته 1790). (¬2) انظر "معرفة الصحابة" (2/ ترجمة 483)، و"الإصابة" (1/ ترجمة 1138). (¬3) "صحيح مسلم" (989/ 177). (¬4) "صحيح مسلم" (989/ 29).

الأصل

مصدق مذ سمعت هذا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا وهو عني راض. ويروى أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: "فإن عدلوا فلأنفسهم وإن ظلموا فعليها، فأرضوهم فإن تمام زكاتكم رضاهم وليدعو لكم" (¬1). ويجوز أن يقال: المعنى: إلا عن رضًا منه ومنكم وذلك بأن يؤدوا ما عليهم ولا يدافعوا، ولا يكلفهم هو ما ليس عليهم ولا يأخذ كرائم أموالهم. الأصل [450] (*) أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن الزهري، عن عروة بن الزبير، عن أبي حميد الساعدي قال: استعمل النبي - صلى الله عليه وسلم - رجلًا من الأسد يقال له ابن الأتبية على الصدقة، فلما قدم قال: هذا لكم وهذا أهدي [لي] (¬2) فقام النبي - صلى الله عليه وسلم - على المنبر فقال: "ما بال العامل نبعثه على بعض أعمالنا فيقول: هذا لكم وهذا أهدي إلي، فهلا جلس في بيت أبيه أو بيت أمه فينظر يهدى إليه أم لا؟! والذي نفسي بيده لا [يأخذ] (¬3) أحد منها شيئًا إلا جاء به يوم القيامة يحمله على رقبته، إن كان بعيرًا له رغاء، أو بقرة لها خوار، أو شاة تيعر، ثم رفع يديه حتى رأينا عفرة إبطيه ثم قال: اللهم هل ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (1588). قال الهيثمي في "المجمع" (3/ 79 - 80): رواه البزار ورجاله ثقات وفي بعضهم خلاف لا يضر. وضعفه الألباني في "ضعيف الجامع الصغير" (3297)، و"المشكاة" (1782). (¬2) سقط من "الأصل". والمثبت من "المسند". (¬3) في "الأصل": يأخذه. والمثبت من "المسند". (*) قال معد الكتاب للشاملة: من هنا خطأ في الترقيم.

الشرح

بلغت اللهم هل بلغت" (¬1). [455] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان بن عيينة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن أبي حميد الساعدي قال: بصر عيني وسمع أذني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسلوا زيد بن ثابت يعني بمثله (¬2). الشرح هذا حديث صحيح مدوَّن في المسانيد والصحاح (¬3). وقوله: "رجلًا من الأسد" هو بإسكان السين، وقد يوجد بدله: "من الأزد" (¬4) وهما واحد، [وصحح] (¬5) بعضهم السين، وفي "باب هدايا العمال" من "صحيح البخاريّ" (¬6) أنه رجل من بني أسد وهو معدود من الأوهام (¬7)، والصواب ما تقدم وهو مذكور في "الصحيح" على الصواب في غير ذاك الباب. وقوله: "يقال له [ابن] (¬8) الأتبية" بالهمزة المضمومة وفتح التاء، ¬

_ (¬1) "المسند" ص (98). وفيه وفي رواية "الأم": ابن اللتبية، وسيأتي كلام المصنف عليه. (¬2) "المسند" ص (99). (¬3) أخرجه البخاريّ (2597)، ومسلم (1832). (¬4) وهي في إحدى روايات مسلم. (¬5) في "الأصل": وصح. والمثبت الصواب إن شاء الله. (¬6) "صحيح البخاري" (7174). (¬7) قال الحافظ في "الفتح": ثم وجدت ما يزيل الإشكال إن ثبت وذلك أن أصحاب "الأنساب" ذكروا أن في الأزد بطنًا يقال لهم بنو أسد -بالتحريك- ينسبون إلى أسد بن شريك -بالمعجمة مصغرًا- بن مالك بن عمرو بن مالك بن فهم، وبنو فهم بطن شهير من الأزد، فيحتمل أن ابن الأتبية كان منهم، فيصح أن يقال فيه: الأزدي -بسكون الزاي- والأسدي بسكون السين، وبفتحها من بني أسد بفتح السين، ومن بني الأزد أو الأسد بالسكون فيهما. (¬8) ما سقط من "الأصل".

والأصح الأشهر أنه ابن اللتبية باللام المضمومة، ثم منهم من يفتح التاء ومنهم من يسكنها، ويقال أنه الصحيح وأن هذِه نسبة إلى بني لُتْب وهم بطن من العرب، ويذكر أن اسم الرجل عبد الله وكان قد استعمل على صدقات بني سليم. والرُّغاء: صوت البعير، والخوار: صوت البقر، واليُعار: صوت الشاة، يقال: يعرت الشاة تيعر، وفي بعض الروايات "شاة لها ثؤاج" وسيأتي من بعد. وقوله: "فهلا جلس في بيت أبيه أو بيت أمه" في بعض الروايات: "فهلا جلس في حفش أمه" (¬1) والحفش: الدرج، والجمع أحفاش، شُبِّه البيت به لصغره، وعن الشافعي أن الحفش: هو البيت القريب السمك وعن مالك أنه الصغير الخرب. والعفرة: البياض الذي لا يخلص ويضرب إلى الحمرة وهي لون الأرض، وقد يفهم من اللفظة أن الشعر كان مزالًا عن ذلك الموضع، ويروى "عُفرتي إبطيه". وفي الحديث بيان أن هدايا العمال والقضاة محظورة، وذلك إذا كان يهدى إلى العمال ليُغمضوا في الواجب وإلى القضاة ليحيفوا في الحكم، وفيه أنه يجوز أن يشهر حال مرتكب الحرام ويمنع ويحذر على ملأ من الناس إذا احتيج إليه؛ فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكر ذلك على المنبر بين الناس. وقوله: "هل بلغت" يريد أديت ما علي وما على الرسول الله البلاغ، وقوله في الرواية الثانية: "بصر عيني وسمع أذني ¬

_ (¬1) رواها البزار كما في "المجمع" (3/ 87).

الأصل

رسول الله - صلى الله عليه وسلم -" يعني: يقول ذلك وسلوا زيد بن ثابت فإن عنده مثل ما عندي، ورواه مسلم في "الصحيح" وقال: فإنه كان حاضرًا معي. الأصل [456] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا محمَّد بن عثمان بن صفوان الجمحي، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يخالط الصدقة مالًا إلا أهلكته" (¬1). الشرح محمَّد: هو ابن عثمان بن صفوان ابن أمية الجمحي القرشي يعد في أهل الحجاز، ومنهم [من عده] (¬2) في أهل مكة. روى عن: هشام بن عروة، والحكم بن أبان (¬3). والحديث رواه البخاري في "التاريخ" (¬4) عن إبراهيم بن حمزة عن محمَّد بن عثمان. وذكر الشافعي تفسير الحديث في "الأم" (¬5) فقال: يعني والله أعلم أن خيانة الصدقة تتلف المال المخلوط بالخيانة من الصدقة. ¬

_ (¬1) "المسند" ص (98). (¬2) ليست في "الأصل" والسياق يقتضيها. (¬3) انظر "التاريخ الكبير" (1/ ترجمة 549)، و"الجرح والتعديل" (8/ ترجمة 108)، و"التهذيب" (26/ ترجمة 5456). قال أبو حاتم: منكر الحديث ضعيف الحديث. (¬4) "التاريخ الكبير" (1/ ترجمة 549). قال البخاري -كما في "علل الترمذي" (188): لا أعلم أحدًا رفع هذا الحديث غيره (أي غير محمَّد بن عثمان). وضعفه الألباني في "ضعيف الجامع" (5057). (¬5) "الأم" (2/ 59).

الأصل

وأراد خيانة العمال في الصدقة ويمكن أن يحمل على خيانة المالك وامتناعه من إخراج الصدقة. الأصل [457] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك بن أنس، عن زيد بن أسلم، عن أبيه أنه قال لعمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: إن في الظَّهر ناقة عمياء. فقال: أمن نعم الجزية أم من نعم الصدقة؟ فقال أسلم: من نعم الجزية وقال: إن عليها ميسم الجزية (¬1). الشرح أسلم والد زيد: هو أبو خالد مولى عمر بن الخطاب من سبي اليمن، اشتراه عمر -رضي الله عنه- بمكة سنة إحدى عشرة وقد بعثه أبو بكر ليقيم للناس الحج. روى عنه: القاسم بن محمَّد، وابنه زيد. توفي وهو ابن أربع عشرة ومائة سنة، وصلى عليه مروان ابن الحكم (¬2). واختصر الشافعي الأثر في هذا الموضع وتمامه ما ذكره في "الأم" (¬3) في كتاب قسم الصدقات بهذا الإسناد وهو أن أسلم قال لعمر: إن في الظهر ناقة عمياء. فقال عمر: ندفعها إلى أهل بيت ينتفعون بها. قال: فقلت: وهي عمياء؟! ¬

_ (¬1) "المسند" ص (99). (¬2) انظر "التاريخ الكبير" (2/ ترجمة 1565)، و"الجرح والتعديل" (2/ ترجمة 1142)، و"التهذيب" (2/ ترجمة 407). (¬3) "الأم" (2/ 80).

فقال: يقطرونها بالإبل. قلت: كيف تأكل من الأرض؟ فقال عمر: أمن نعم الجزية أم من نعم الصدقة؟ قال: قلت لا، بل من نعم الجزية. فقال: أردتم أكلها. فقلت: إن عليها ميسم الجزية. قال: فأمر بها عمر فأتي بها فنحرت، وكانت عنده صحاف تسع لا تكون فاكهة ولا طريفة (¬1) إلا جعل منها في تلك الصحاف يبعث بها إلى أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - ويكون الذي يبعث بها إلى حفصة من آخر ذلك، فإن كان فيه نقصان كان في حظ حفصة. قال: فجعل في تلك الصحاف من لحم تلك الجزور فبعث بها إلى أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - وأمر بما بقي من اللحم فصنع فدعي عليها المهاجرون والأنصار. وقوله: "إن في الظهر ناقة عمياء" يكنى بالظهر عن الدواب التي يركب ظهرها، والناقة العمياء: يحتمل أنها عميت بعد الأخذ ويحتمل غير ذلك. وفيه أن الناقة كانت موسومة، والوسم جائز، ووسم نعم الصدقة والجزية مستحب عندنا. روي عن أنس قال: غدوت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعبد الله بن أبي طلحة ليحنكه فوافيته في يده الميسم يسم إبل الصدقة (¬2). وينبغي أن يكون الوسم على موضع ظاهر لا يكثر الشعر عليه، ¬

_ (¬1) قال الزرقاني في "شرح الموطأ" (2/ 188): طريفة -بطاء مهملة- تصغير طرفة بزنة غرفة: ما يستطرف أي: يستملح. (¬2) أخرجه البخاري (5470)، ومسلم (2119/ 109، 110).

الأصل

والأولى في الغنم الآذان، وفي البقر والإبل الأفخاذ. واحتج الشافعي بالأثر على أن عمر -رضي الله عنه- كان يسم وسمين وسم جزلة [و] (¬1) وَسْم صدقة، قال: وبه نأخذ (¬2). الأصل [458] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا ابن عيينة، عن ابن طاوس، عن أبيه قال: استعمل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عبادة بن الصامت على الصدمة فقال: "اتق يا أبا الوليد، لا تأتي يوم القيامة ببعير تحمله على رقبتك له رغاء، أو بقرة لها خوار، أو شاة لها ثؤاج". فقال: يا رسول الله، وإن ذا لكذا؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إي والذي نفسي في يده إلا من رحم الله". قال: والذي بعثك بالحق لا أعمل على اثنين أبدًا (¬3). الشرح عبادة: هو ابن الصامت بن قيس بن أصرم بن فهر بن غنم بن سالم بن عوف بن عمرو بن عوف بن الخزرج، أبو الوليد الأنصاري، من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - البدريين، وهو أخو أوس بن الصامت، سكن الشام. روى عنه: محمود بن الربيع، وابنه الوليد بن عبادة، وأبو إدريس ¬

_ (¬1) سقط من "الأصل" والمثبت من "الأم". (¬2) "الأم" (2/ 60). (¬3) "المسند" ص (99). وصححه الألباني في "الصحيحة" (2/ 537) فقال: إسناد صحيح لولا أنه مرسل، لكن قد وصله البيهقي في "السنن" (4/ 158) من طريق ابن أبي عمر فهذا إسناد صحيح على شرط مسلم، وهكذا أخرجه الطبراني موصولًا كما في المجمع (3/ 86) وقال: رجاله رجال الصحيح.

الأصل

الخولاني، وأبو الأشعث الصنعاني، وغيرهم. مات سنة أربع وثلاثين، قيل: بالرملة من الشام، والأشهر أنه بقبرس وبها يزار قبره (¬1). وقوله: "اتق يا أبا الوليد" يعني: في أمر الصدقة، ويدخل فيه قبول الهدايا المحظورة والخيانة في الصدقة المأخوذة، وأورد الشافعي قصة عبادة هذا في باب ترجمه بـ "الغلول في الصدقة". والثؤاج: صوت النعجة، وقد يطلق فيقال: صياح الغنم، وكذلك هو في "ديوان الأدب" يقال: ثأَجَتْ الغنم تثأجُ ثؤاجًا. وقوله: "إي والذي نفسي بيده" أي: نعم. وقوله: "إلا من رحم الله" يجوز أن يريد رحمه بالتوفيق للاحتراز عما يوجب تلك العقوبة، ويجوز أن يريد إلا من عفا عنه بعد ارتكاب الجريمة. وقوله: "والذي بعثك بالحق لا أعمل على اثنين أبدًا" كأنه أراد عمل الزكاة؛ لأنه روي أن عبادة مات بقبْرُس واليًا عليها من قبل عمر -رضي الله عنه-، والظاهر من حال الصحابة الوفاء بما قالوه وحلفوا عليه. الأصل [459] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان بن عيينة، عن ابن عجلان، عن سعيد بن يسار، عن أبي هريرة قال: سمعت أبا القاسم - صلى الله عليه وسلم - يقول: "والذي نفسي بيده ما من عبد يتصدق بصدقة من كسب طيب -ولا يقبل الله إلا طيبًا، ولا يصعد إليه إلا طيب- إلا ¬

_ (¬1) انظر "معرفة الصحابة" (4/ ترجمة 1973)، و"الإصابة" (3/ ترجمة 4500).

الشرح

كان إنما يضعها في يد الرحمن فيربيها له كما يربي أحدكم فلوه، حتى أن اللقمة لتأتي يوم القيامة وإنها لمثل الجبل العظيم، ثم قرأ {أَنَّ اللهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ} (¬1). الشرح هذا حديث متفق على صحته في فضائل الصدقة (¬2). وقوله: "ولا يقبل الله إلا طيبًا، ولا يصعد إلى السماء إلا طيب" من الكلام المعترض يعني: أن المقبول من الصدقة الطيب كالمقبول من سائر الأعمال واللفظة الثانية توافق قوله تعالى {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} (¬3). وقوله: "في يد الرحمن" محمول على القبول أو الإنعام (¬4)، كقوله: "يبسط يده لمسيء النهار" (¬5). وتربيتها: مضاعفة أجرها حتى تصير اللقمة كالجبل العظيم. والفلُوّ: المهر، سمي به لأنه يُفلى عن أمه، أي: يعزل، وفي رواية القاسم بن محمَّد عن أبي هريرة: "كما يربي أحدكم مهره أو فصيله حتى تصير اللقمة مثل أحد" (¬6). ¬

_ (¬1) "المسند" ص (100). (¬2) أخرجه البخاري (1410)، ومسلم (1014). (¬3) فاطر:10. (¬4) هذا تأويل من المصنف رحمه الله، ومذهب أهل السنة والجماعة إثبات ما أثبته الله لنفسه من غير تشبيه ولا تكييف ولا تعطيل ولا تحريف، قال تعالى: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ}، وقال تعالى {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}. (¬5) رواه مسلم (2759) من حديث أبي موسى مرفوعًا: "إن الله -عَزَّ وَجَلَّ- يبسط يده بالليل ... ". (¬6) رواها ابن حبان (3317). وهي أيضًا في رواية سعيد بن يسار عنه.

الأصل

الأصل [460] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مثل المنفق والبخيل كمثل رجلين عليهما جنتان أو جبتان من لدن ثدييهما إلى تراقيهما، فإذا أراد المنفق أن ينفق سبغت عليه الدرع أو مرت حتى تجن بنانه وتعفو أثره، وإذا أراد البخيل أن ينفق قلصت ولزمت كل حلقة موضعها حتى تأخذ بعنقه أو ترقوته فهو يوسعها ولا تتسع" (¬1). [461] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن ابن جريج، عن الحسن بن مسلم، عن طاوس، عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله، إلا أنه قال: "فهو يوسعها ولا تتوسع" (¬2). الشرح الحسن: هو ابن مسلم بن يناق المكي. سمع: مجاهدًا، وطاوسًا، وصفية بنت شيبة. روى عنه: عمرو بن مرة، وابن جريج، وإبراهيم بن نافع المخزومي (¬3). والحديث صحيح أخرجه البخاريّ (¬4) عن موسى عن وهيب عن ابن طاوس عن أبيه، وعن أبي اليمان عن شعيب عن أبي الزناد، وأخرجه مسلم (¬5) عن عمرو الناقد بالإسنادين (¬6) المذكورين في الكتاب. ¬

_ (¬1) "المسند" ص (100). (¬2) "المسند" ص (100). (¬3) انظر "التاريخ الكبير" (2/ ترجمة 2565)، و"الجرح والتعديل" (3/ ترجمة 155)، و"التهذيب" (6/ ترجمة 1275). (¬4) "صحيح البخاري" (1443). (¬5) "صحيح مسلم" (1021). (¬6) يعني عن سفيان بن عيينة بالإسنادين المذكورين في الكتاب.

وقوله: "جنتان أو جبتان" إشارة إلى اختلاف الرواة في الكلمتين؛ وحكى البخاريّ في "الصحيح" رواية ابن طاوس عن أبيه بالباء، وكذا رواية أبي الزناد، وكذا حكاه عن الحسن بن مسلم عن طاوس وذكر أن حنظلة رواه عن طاوس بالنون، وكذلك رواه الليث عن جعفر عن ابن هرمز -وهو الأعرج- عن أبي هريرة، والنون أكثر وأصوب، وفي بعض الروايات "جنتان من حديد" والجنة: الدرع، وما يستر الشيء فهو جنة، والجبة: ما قطع من الثياب مشمرًا. وقوله: "من لدن ثدييهما" كذلك هو في بعض الروايات، وفي بعض الروايات: "ثُديهما" وهو جمع ثَدي، كَحَلْي وَحُلِيّ، وقد يقرآن: "ثديهما" على الواحد، ويروى: "من لدن يديهما" ويستحسنه مستحسنون واستشهدوا له بما في رواية أبي أيوب الغيلاني في "صحيح مسلم": "قد اضطرت أيديهما إلى ثديهما". وقوله: "سبغت ... أو مرَّت" كأنه من اختلاف الرواة أو من تردد بعض الرواة في اللفظين. وقوله: "تجن بنانه" أي: تستر وتغطي، يقال: جنَّ عليه الليل وجنَّه وأجنَّهُ إذا أظلم عليه فستره، وفي بعض روايات البخاريّ: "حتى تخفي بنانه" والمشهور الأول. وقوله: "ويعفو أثره" أي: يمحوه ويذهب لسبوغها، يقال: عفت الريح الأثر، أي: محته. وقوله: "قلصت" أي: انضمت وانقبضت. وهذا مثل ضربه النبي - صلى الله عليه وسلم - للمنفق والبخيل، وأوضحه الإِمام الخطابي رحمه الله فقال: الدرع أول ما يلبس يقع على موضع الصدر والثديين إلى أن يسلك لابسها يده في الكمين ويرسل ذيلها على أسفل بدنه، يشبه النبي - صلى الله عليه وسلم - المنفق بالسليم المطلق اليد يلبس الدرع ويدخل

الأصل

يديه في كميه، فإذا كانت سابغة سقطت عليه وستر جميع بدنه وحضنيه، وشبه البخيل بالذي يلبس ويداه مغلولتان إلى عنقه فيمنعان من استرسال الدرع، وتجتمع عليّ عنقه وترقوته وتصير ثقلًا ووبالًا عليه من غير وقاية وتحصين للبدن. ومقصود المثل أن الجواد ينفق ويتسع صدره للنفقة وتمتد يداه بالعطاء وينتفع بحمده وثوابه، والبخيل يضيق صدره وتنقبض يداه ولا ينتفع بما يعطيه. وفي الحديث بيان استحباب الإنفاق وكراهية الإمساك. الأصل [462] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن أمه أسماء بنت أبي بكر قالت: أتتني أمي راغبة في عهد قريش فسألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أأصلها؟ قال: "نعم" (¬1). الشرح هذا حديث صحيح أخرجه البخاريّ (¬2) عن الحميدي عن سفيان، وأخرجه مسلم (¬3) من غير وجه عن هشام، ورواه عن هشام جماعة منهم: زيد بن أبي أنيسة، وأنس بن عياض، وحماد، وأبو معاوية، وغيرهم. وأم أسماء قتيلة بنت عبد العزى بن (عبد الأسد) (¬4) قرشية، وهي أم عبد الله بن أبي بكر أيضًا، ويقال أن أبا بكر -رضي الله عنه- كان قد طلقها في الجاهلية. ¬

_ (¬1) "المسند" ص (100). (¬2) "صحيح البخاريّ" (2620). (¬3) "صحيح مسلم" (1003). (¬4) كذا في "الأصل". وفي "طبقات ابن سعد" (3/ 169)، و"الاستيعاب" (4/ ترجمة 3226) و"طبقات ابن خياط" (1/ 333)، و"التهذيب" (35/ ترجمة 7780) في ترجمة أسماء ابنتها: عبد أسعد. فلعله تحرف هنا.

كتاب الصيام الكبير

وقولها: "راغبة" أي: طالبة طائعة، ويروى في "كتاب أبي داود" (¬1): "قدمت علي راغمة مشركة" أي: كارهة الإِسلام، وقيل: هاربة (¬2) منه، وفي رواية في "صحيح مسلم": "إن أمي قدمت عليّ وهي راغبة أو راهبة" ويجوز أن يريد وهي طائعة طالبة أو راهبة لشركها. وقولها: "في عهد قريش" يعني: حين عاهدهم النبي - صلى الله عليه وسلم -. ومقصود الحديث أنه يجوز صلة المشرك والتصدق عليه، وفيه أن شرك الوالدين لا يمنع من مطلق البر إليهما، ويروى عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن أبيه؛ أن أبا بكر طلق امرأته -قتيلة- في الجاهلية وهي أم أسماء فقدمت عليهم في المدة التي كانت بين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبين قريش فأهدت إلا أسماء قرطًا وأشياء، فكرهت أن تقبل منها حتى أتت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فذكرت ذلك له؛ فأنزل الله تعالى {لَا يَنْهَاكُمُ الله عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ في الدِّينِ} الآية" (¬3). الأصل من باب إباحة الطلاق ومن كتاب الصيام الكبير [463] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن نافع، عن ابن عمر؛ أنه طلق امرأته وهي حائض في زمان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قال عمر -رضي الله عنه-: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك، فقال: "مره فليراجعها، ثم ليمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر، ¬

_ (¬1) "سنن أبي داود" (1668). (¬2) زاد في "الأصل": و. مقحمة، وفي "الفتح": وقال ابن بطال: قيل: معناه هاربة من قومها، ورده بأنه لو كان كذلك لكان مراغمة. (¬3) رواه أحمد (4/ 40)، والبزار (2208).

الشرح

فإن شاء أمسكها وإن شاء طلقها قبل أن يمس، فتلك العدة التي أمر الله أن يطلق لها النساء" (¬1). [464] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مسلم وسعيد بن سالم، عن ابن جريج، أخبرني أبو الزبير، أنه سمع عبد الرحمن بن أيمن -مولى عزة- يسأل عبد الله بن عمر وأبو الزبير يسمع، فقال: كيف ترى في رجل طلق امرأته حائضًا؟ فقال: طلق عبد الله بن عمر امرأته حائضًا، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "مره فليراجعها فإذا طهرت فليطلق أو ليمسك". قال ابن عمر: وقال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ} في قبل عدتهن أو لقُبل عدتهن. الشافعي شك (¬2). [465] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مسلم وسعيد بن سالم، عن ابن جريج، عن مجاهد أنه كان يقرأها كذلك (¬3). [466] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن عبد الله بن دينار، عن عبد الله بن عمرة أنه كان يقرأ "إذا طلقتم النساء فطلقوهن لقبل عدتهن" (¬4). الشرح باب إباحة الطلاق دخل في هذا الموضع وغيره أليق به، ولا أدري لم أورده أبو العباس ها هنا، ولا أنه لم جمع بين إباحة الطلاق ¬

_ (¬1) "المسند" ص (101). (¬2) "المسند" ص (101). (¬3) "المسند" ص (101). (¬4) سقط الأثر من "المسند" وهو في "الأم" (5/ 180).

والصيام في قرن، وليس ذلك من ترتيب "الأم". وعبد الرحمن: هو ابن أيمن المخزومي مولى عزة، وقال بعضهم: مولى عروة، والصحيح عند الأئمة الأول. سمع: ابن عمر، ورأى أبا سعيد وأثنى عليه ابن عيينة (¬1). والحديث الأول مخرَّج في "الموطأ" (¬2) و"الصحيحين" (¬3)، والثاني أخرجه مسلم (¬4) من حديث حجاج بن محمَّد وغيره عن ابن جريج، وفيه: قال ابن عمر وقرأ النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن في قُبل عدتهن؟. والطلاق في حالة الحيض حرام إذا كانت المرأة مدخولًا بها ويسمى ذلك طلاقًا بدعيًّا، قال الله تعالى: {إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} (¬5) أي: إذا أردتم تطليق النساء للوقت الذي يشرعن في العدة وبقية الحيض لا يحسب من العدة، ويؤيده قراءة من قرأ "لقُبل عدتهن" أو "في قبل عدتهن" وقُبُل الشيء: أوله ومقدمه، يقال: كان ذلك في قبل الصيف ووقع السهم بقبل الهدف، ثم إن اتفق وقوع الطلاق في الحيض فيستحب للمطلق أن يراجعها لهذا الحديث، وفي قوله: "مره فليراجعها، دليل على وقوع الطلاق وإن كان بدعيًّا؛ لأن الرجعة تكون بعد الطلاق، وفي "الصحيحين" (¬6) عن يونس بن جبير ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (5/ ترجمة 824)، و"الجرح والتعديل" (5/ ترجمة 994)، و"التهذيب" (16/ ترجمة 3761). (¬2) "الموطأ" (2/ 576 رقم 1196). (¬3) "صحيح البخاري" (5251)، و"صحيح مسلم" (1471/ 1). (¬4) "صحيح مسلم" (1471/ 14). (¬5) النساء: 1. (¬6) "صحيح البخاري" (5252)، و"صحيح مسلم" (1471/ 9).

قال: سألت ابن عمر عن رجل طلق امرأته وهي حائض؟ قال: تعرف عبد الله بن عمر؟ قلت: نعم. قال: فإن عبد الله بن عمر طلق امرأته وهي حائض؟ فأتى عمر النبي - صلى الله عليه وسلم - فسأله، فأمره أن يراجعها ثم يطلقها في قبل عدتها. قلت: أيعتد بها. قال: فمه أرأيت إن عجز أو استحمق. يقول: كيف لا يعتد بها أيندفع الطلاق بأن فَعَل فِعْل العاجزين الحمقى فطلق الطلاق المحرم، ويوضحه ما روي عن يونس أنه قال: قلت لابن عمر: اعتددت بتلك الطلقة؟ قال: نعم، وما يمنعني أن أعتد بها وإن كنت أسأت واستحمقت (¬1). وقوله: "قبل أن يمس" إنما ذكره لأن الطلاق في طهرٍ مس المرأة فيه بدعي أيضًا، وفي قوله: "فتلك العدة التي أمر الله أن يطلق لها النساء" ما يشير إلى تخصيص المنع بالمدخول بها، فأما غير المدخول بها فلا عدة عليها، ولا فرق بين أن يطلقها في حال الحيض أو الطهر. ثم الحديث الأول يدل على أنه إذا راجع المطلقة في الحيض فينبغي أن يصبر حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر، ليتأدى الاستحباب بتمامه، ورواية أبي الزبير تدل على أن له أن يطلق إذا طهرت ولا حاجة إلى الصبر إلى طهر آخر، وفيه وجهان للأصحاب والأول أظهر؛ لأنه ¬

_ (¬1) رواه أبو عوانة (4521).

الأصل

وطئها بعد ما طهرت فكان الطلاق في ذلك الطهر بدعيًّا أيضًا، وإن لم يطأها تجردت الرجعة للطلاق، وكما ينهى عن النكاح للطلاق ينهى عن الرجعة للطلاق، وتكلموا في أن من ذكر "لقبل عدتهن" أو "في قبل عدتهن" ذكره تفسيرًا أو قراءة؟ وظاهر اللفظ الثاني، وعن ابن عباس أنه كان يقرأ كذلك أيضًا (¬1). الأصل [467] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن ابن شهاب، عن محمَّد بن عبد الرحمن بن ثوبان، عن محمَّد بن إياس بن البكير قال: طلق رجل امرأته ثلاثًا قبل أن يدخل بها، ثم بدا له أن ينكحها فجاء يستفتي، فسأل أبا هريرة وعبد الله بن عباس، فقالا: لا نرى أن تنكحها حتى تزوج زوجًا غيرك. فقال: إنما كان طلاقي إياها واحدة. وقال ابن عباس: إنك أرسلت من يدك ما كان لك من فضل (¬2). [468] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن يحيى بن سعيد عن بكير بن عبد الله بن الأشج، عن النعمان بن أبي عياش الزرقي، عن عطاء بن يسار قال: جاء رجل يسأل عبد الله بن عمرو بن العاص عن رجل طلق امرأته ثلاثًا قبل أن يمسها. قال عطاء بن يسار: فقلت: إنما طلاق البكر واحدة. فقال عبد الله بن عمرو: إنما أنت قاص، الواحدة تبتها والثلاث تحرمها حتى تنكح زوجًا غيره (¬3). ¬

_ (¬1) رواه عبد الرزاق (10928). (¬2) "المسند" ص (101). (¬3) "المسند" ص (102).

الشرح

الشرح محمَّد بن إياس بن البكير: هو الليثي المدني تابعي. روى عن: ابن عباس، وأبي هريرة، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وابن الزبير. وروى عنه: أبو سلمة بن عبد الرحمن، ومحمد بن ثوبان، وغيرهما (¬1). وبكير بن عبد الله بن الأشج مولى أشجع، وقيل: مولى بني مخزوم، وقيل غيره، أبو يوسف، ويقال: أبو عبد الله، كان من صلحاء أهل المدينة. سمع: نافعًا، وسليمان بن يسار، وبسر بن سعيد، وكريبًا، وعاصم بن [عمر] (¬2) وأبا سلمة بن عبد الرحمن، وأبا بردة. روى عنه: الليث، وعمرو بن الحارث، ومحمد بن عجلان، وسلمة بن كهيل. مات سنة سبع عشرة ومائة، وقيل غيره (¬3). والنعمان: هو ابن أبي عياش زيد بن الصامت الزرقي الأنصاري. سمع: أبا سعيد الخدري، وخولة بنت قيس، وجابر بن عبد الله، وسهيلًا، وأبا حازم. ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (1/ ترجمة 14)، و"الجرح والتعديل" (7/ ترجمة 1134)، و"التهذيب" (24/ ترجمة 5083). (¬2) في "الأصل": عمرو. خطأ، وعاصم: هو ابن عمر بن قتادة. (¬3) انظر "التاريخ الكبير" (2/ ترجمة 1876)، و"الجرح والتعديل" (2/ ترجمة 1585)، و"التهذيب" (4/ ترجمة 765).

وروى عنه: سمي، ومحمد بن أبي حرملة (¬1). والأثران مودعان في "الموطأ" (¬2) كما رواهما الشافعي، وخالف يحيى بن سعيد القطان، ويزيد بن هارون وعبدة (¬3) بن سليمان مالكًا في الأثر الثاني، فرووه عن يحيى بن سعيد الأنصاري، عن بكير بن عبد الله، عن عطاء بن يسار من غير توسيط النعمان، وعن مسلم بن الحجاج أنه عدّ ذكر النعمان بينهما وهمًا من مالك. ومقصود الأثرين أن المطلقة ثلاثًا وإن لم تكن مدخولًا بها تحرم حتى تنكح زوجًا آخر، كما هو قضية الإطلاق في قوله تعالى: {فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} (¬4). وقول الرجل: "إنما كان طلاقي إياها واحدة" كأنه ظن أن غير المدخول بها لا يقع عليها إلا طلقة، فقال ابن عباس: "إنك أرسلت من يدك ... " إلى آخره، كأن المعنى: أرسلت ما كان لك من فضل على الواحدة وأنه وقع وقوع الواحدة. وقوله: "إنما أنت قاص" أي: تحكي وتقص ولا فقه لك ولا استنباط. وقوله: "الواحدة تبتها" أي: تقطع نكاحها وتبينها ورأيت في غير واحدة من نسخ "الموطأ" "تبينها" بدل "تبتها". ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (8/ ترجمة 2229)، و"الجرح والتعديل" (8/ ترجمة 2039)، و"التهذيب" (29/ ترجمة 6445). (¬2) "الموطأ" (2/ 570 رقم 1180، 1181). (¬3) ومن طريقه أخرجه ابن أبي شيبة (4/ 66). (¬4) البقرة: 230.

الأصل

الأصل [469] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن عبد الله بن دينار، عن عبد الله بن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "الشهر تسع وعشرون، لا تصوموا حتى تروا الهلال ولا تفطروا حتى تروه، فإن غم عليكم فأكملوا العدد ثلاثين" (¬1). الشرح الأحاديث من ها هنا تتعلق بكتاب الصيام وقد يوجد في النسخ قبل هذا الحديث: "من كتاب الصيام الكبير". وهذا حديث صحيح رواه البخاريّ (¬2) عن عبد الله بن مسلمة عن مالك كما رواه الشافعي، وفي "الموطأ" (¬3) من رواية أبي مصعب وغيره: "فإن غم عليكم فاقدروا له" وكذلك رواه مسلم في "الصحيح" (¬4) عن يحيى بن يحيى ويحيى بن أيوب وغيرهما، عن إسماعيل بن جعفر، عن عبد الله بن دينار. وقوله: "الشهر تسع وعشرون" يعني أنه قد يكون تسعًا وعشرين وإذا كان تسعًا وعشرين فهو في الحكم كالشهر الكامل، حتى لو نذر أن يصوم شهرًا بعينه فخرج تسعًا وعشرين لم يلزمه غير ذلك، وعلى هذا المعنى حمل حاملون قوله - صلى الله عليه وسلم -: "شهرا عيدٍ لا ينقصان" (¬5) وقالوا: إذا خرجا أو خرج أحدهما تسعًا وعشرين لم ينقص الحكم ولا الثواب وإن نقص العدد، وتخصيص هذين الشهرين بالذكر لتعلق الصوم والعيد ¬

_ (¬1) "المسند" ص (103). (¬2) "صحيح البخاريّ" (1907). (¬3) "الموطأ" (1/ 286 رقم 631). (¬4) "صحيح مسلم" (1080/ 9). (¬5) رواه البخاريّ (1912)، ومسلم (1089).

والحج بهما، ويبين ما ذكرنا أن المراد أنه قد يكون تسعًا وعشرين: ما في "الصحيحين" (¬1) من حديث شعبة، عن الأسود بن قيس، عن سعيد بن عمرو، عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إنا أمة أمية لا نكتُب ولا نحسبُ الشهر هكذا [و] (¬2) هكذا" يعني: مرَّة تسعًا وعشرين ومرَّة ثلاثين. قوله: "فإن غم عليكم" أي: خفي لستر الغمام إياه، يقال: غممت الشيء أي: غطيته فهو مغموم، وفي بعض روايات مسلم: "فإن أغمي عليكم" ويروى: "فإن غمِّي" أي: لبس وستر من إغماء المريض، يقال: غمي عليه وأغمي، ورواه بعضهم: "فإن عمي عليكم" بعين غير معجمة أي: التبس، وفي بعض روايات "الصحيح للبخاري": "فإن غُبي عليكم" بالباء، ويروي: "فإن غَبي" أي: خفي. وقوله: "فاقدروا له" تكسر الدال منه وتضم وهو بمعنى التقدر، ويقال: قدرتُ الأمر أقدُرُه وأقدِرهُ تقدرًا إذا نظرت فيه وتدبرته، ومنه قوله في دعاء الاستخارة: "واقدر لي الخير" (¬3) ويروى ذلك بالضم والكسر أيضًا، ومنه قول عائشة: "فاقدروا قدر الجارية الحديثة السنن" (¬4) أي: انظروا وقدّروا طول مقامها بمثل ذلك، ثم المعنى عند المعظم: التقدير بإكمال العدد ثلاثين، وعلى هذا فقوله: "فاقدروا له" وقوله: "فأكملوا العدة ثلاثين" عبارتان عن معبر واحد، وقال بعضهم: المراد التقدير بحساب سير القمر في المنازل فإنه يتبين به ¬

_ (¬1) رواه البخاريّ (1913)، ومسلم (1080/ 15). (¬2) سقط من "الأصل". والمثبت من "الصحيح". (¬3) رواه البخاريّ (1166) من حديث جابر. (¬4) رواه البخاريّ (5236)، ومسلم (892/ 18).

الأصل

أن الشهر ثلاثون أو تسعة وعشرون، ويحكى هذا عن القاضي ابن سريج، والظاهر الأول، ويروى عن أبي هريرة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا رأيتم الهلال فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا، فإن غم عليكم فصوموا ثلاثين يومًا" (¬1). الأصل [470] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا عبد العزيز [بن] (¬2) محمَّد الدراوردي، عن محمَّد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان، عن أمه فاطمة بنت حسين؛ أن رجلًا شهد عند علي -رضي الله عنه- على رؤية هلال رمضان فصام، وأحسبه قال: وأمر الناس أن يصوموا، وقال: أصوم يومًا من شعبان أحب إليّ من أن أفطر يومًا من رمضان. قال الشافعي بعد: لا يجوز على رمضان إلا شاهدان (¬3). الشرح محمَّد: هو ابن عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان، أبو عبد الله القرشي المدني. روى عنه: الدراوردي، وابن إسحاق. وروى هو عن: أبي الزناد، وعن أمه. وكان محمَّد يسمى الديباج لغاية جماله، وكان كثير النكاح كثير الطلاق، فقالت امرأة من نسائه: إنما مثله مثل الدنيا لا يدوم نعيمها ولا ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1081). (¬2) سقط من "الأصل". والمثبت من "المسند". (¬3) "المسند" ص (103).

تؤمن فجائعها، قتله أبو جعفر المنصور وكان له نبل وقدر (¬1). وأمه فاطمة بنت الحسين بن علي بن أبي طالب. روت عن: أبيها، وعن ابن عباس (¬2). والأثر يدل على أن هلال رمضان يثبت بشاهد واحد، وهو أحد قولي الشافعي -رضي الله عنه- يدل عليه ما روي عن ابن عباس قال: جاء أعرابي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: إني رأيت الهلال فقال: "أتشهد أن لا إله إلا الله، أتشهد أن محمدًّا رسول الله؟ " قال: نعم. قال: "يا بلال، أذن في الناس أن يصوموا غدًا" أخرجه أبو عيسى الترمذي في "جامعه" (¬3)، وعن ابن عمر قال: ترائى الناس الهلال، فأخبرت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أني رأيته فصام وأمر الناس بالصيام أخرجه أبو داود في "السنن" (¬4). ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (1/ ترجمة 417)، و"الجرح والتعديل" (7/ ترجمة 1635)، و"التهذيب" (25/ ترجمة 5364). (¬2) انظر "الطبقات الكبرى" (8/ 473)، و"التهذيب" (35/ ترجمة 7901). (¬3) "جامع الترمذي" (691)، وقال: حديث ابن عباس فيه اختلاف، وروى سفيان الثوري وغيره عن سماك عن عكرمة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلًا، وأكثر أصحاب سماك رووا عن سماك عن عكرمة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلًا. والحديث رواه أبو داود (2340)، والنَّسائيّ (1/ 300)، وابن ماجه (1652). قال ابن الملقن في "التحفة " (598): وقال أبو داود: رواه جماعة عن سماك عن عكرمة مرسلًا، وقال النسائي: إنه أولى بالصواب، وإن سماك إذا انفرد بأصل لم يكن حجة؛ لأنه كان يلقن فيتلقن، ورده ابن حزم بسماك كعادته وقال: روايته لا يحتج بها. وصححه الحاكم (1/ 424) ووافقه الذهبي ورده الألباني فضعفه في "الإرواء" (4/ 15) وقال متعقبًا لتصحيحهما: فيه نظر فإن سماكًا مضطرب الحديث وقد اختلفوا عليه في هذا فتارة رواه موصولًا، وتارة مرسلًا وهو الذي رجحه جماعة من مخرجيه. (¬4) "سنن أبي داود" (2342). =

وسبيله على هذا القول سبيل الأخبار حتى يثبت بقول العبد والمرأة أيضًا أم سبيل الشهادة؟ فيه اختلاف والظاهر الثاني. والقول الثاني للشافعي: أنه لا يثبت إلا بشهادة عدلين كهلال شوال. وهذا ما أراد بقوله آخرًا: "قال الشافعي بعد: لا يجوز على رمضان إلا شاهدان" ومن قال بهذا قال: إن عليًّا -رضي الله عنه- أمر به على طريق المشاورة والاحتياط لا على طريق الإلزام، وقد يشعر به قوله: "لأن أصوم يومًا من شعبان أحب إلي من أن أفطر يومًا من رمضان". لكن هذا إنما يغني إذا أجزأ صوم يوم الشك عن رمضان، ويروى ذلك عن عائشة وأسماء رضي الله عنهما، وعن ابن عمر أنه كان يرى صومه عن رمضان إذا كان في السماء سحاب أو قترة دون ما إذا كانت مُصحيةٌ (¬1)، وبه قال أحمد، والذي عليه الأكثرون أن يوم الشك لا يصام عن رمضان، ومن صامه ثم بان أنه كان من رمضان لزمه القضاء، ويروى عن صلة بن زفر قال: كنا عند عمار -رضي الله عنه- فأتي بشاة مصلية، فقال: كلوا، فتنحى بعض القوم فقال: إني صائم. فقال عمار: من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم - صلى الله عليه وسلم - (¬2). ¬

_ = والحديث صححه ابن حبان (871)، والحاكم (1/ 423) على شرط مسلم، ووافقه الذهبي، وابن حزم (6/ 236)، وصححه الألباني في "الإرواء" (416). (¬1) أصحت السماء: انقشع عنها الغيم فهي مُصْحيَةٌ. "الصحاح" (صحو). (¬2) رواه أبو داود (2334)، والترمذي (686)، والنَّسائيّ (1/ 306)، وصححه ابن خزيمة (1914)، وابن حبان (878)، والحاكم (1/ 424) على شرطهما. وصححه الألباني في "الإرواء" (4/ 127).

الأصل

ولا ينبغي أن يصام عن غير رمضان أيضًا إلا أن يوافق وردًا له. الأصل [471] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن زيد بن أسلم، عن أخيه خالد بن أسلم أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أفطر في رمضان في يوم ذي غير ورأى أنه قد أمسى وغابت الشمس، فجاءه رجل فقال: يا أمير المؤمنين، قد طلعت الشمس، فقال عمر: الخطب يسير (¬1). الشرح خالد بن أسلم: أخو زيد بن أسلم مولى عمر بن الخطاب القرشي. روى عنه: الزهري، وزيد بن أسلم، وعبد الله بن سلمة الهذلي. وروى الأثر ابن عيينة عن زيد عن أخيه عن أبيه عن عمر (¬2). وفيه دليل ظاهر على أنه يجوز الأكل في آخر النهار بالاجتهاد ولا يعتبر اليقين. وقوله: "الخطب يسير" أي: لا إثم فإنا أفطرنا بالاجتهاد. ويقضي يومًا مكانه، ويروى القضاء والصورة هذِه عن ابن عباس، وحديث معاوية ويروى عن زيد بن وهب عن عمر في هذِه القصة أنه قال: والله ما نقضيه وما تجانفنا لإثم (¬3). وبه قال الحسن، والظاهر الأول. ¬

_ (¬1) "المسند" ص (103). (¬2) انظر "التاريخ الكبير" (3/ ترجمة 470)، و"الجرح والتعديل" (3/ ترجمة 1437)، و"التهذيب" (8/ ترجمة 1595). (¬3) أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 287) حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن زيد بن وهب، عن عمر.

الأصل

وكذلك لو أكل على ظن أن الفجر لم يطلع وبان خلافه يقضي، ويروى ذلك عن ابن مسعود وأبي سعيد الخدري وسعيد بن جبير وابن سيرين. الأصل [472] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن أبي حازم بن دينار، عن سهل بن سعد الساعدي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر" (¬1). [473] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن ابن شهاب، عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف؛ أن عمر وعثمان كانا يصليان المغرب حين ينظران إلى الليل الأسود، ثم يفطران بعد الصلاة، وذلك في رمضان (¬2). الشرح حديث سهل مشهور صحيح مدون في "الموطأ" (¬3) وأخرجه البخاريّ (¬4) عن عبد الله بن يوسف عن مالك، ومسلم (¬5) عن يحيى بن يحيى عن عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه، وفي الباب عن عائشة وأبي هريرة وأنس وابن عباس. وقال الشافعي بعد ما روى عن عمر وعثمان أنهما كانا يفطران بعد الصلاة: كأنهما يريان تأخير ذلك تواسعًا، لا أنهما يعمدان الفضل لتركه (¬6). ¬

_ (¬1) "المسند" ص (104). (¬2) "المسند" ص (104). (¬3) "الموطأ" (1/ 288 رقم 634). (¬4) "صحيح البخاريّ" (1957). (¬5) "صحيح مسلم" (1098). (¬6) "الأم" (2/ 97).

الأصل

يعني أن المستحب التعجيل، ولم يؤخرا لفضل في التأخير؛ ولكن رأياه واسعًا، ولعله لم ييسر الجمع بين تعجيل الصلاة وتعجيل الإفطار فرأيا تعجيل الصلاة أولى. وقوله: "حين ينظران إلى الليل الأسود" يعني: السواد المقبل من جانب الشرق، فإنه لا يقبل إلا بعد سقوط القرص، وفي "الصحيحين" (¬1) عن عبد الله بن أبي أوفى قال: كنا في سفر مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلما غربت الشمس قال لرجل: "انزل فاجدح لي". قال: يا رسول الله، لو أمسيت. ثم قال: "انزل فاجدح". قال: يا رسول الله، إن عليك نهارًا، ثم قال: "انزل فاجدح"؛ فنزل فجدح له في الثالثة، فشرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم أومأ بيده إلى المشرق فقال: "إذا رأيتم الليل قد أقبل من ها هنا فقد أفطر الصائم". قوله: "فاجدح لي" أي: حرك السويق بالماء لنفطر عليه، والمِجْدَحُ: العود الذي يحرك به للشراب (¬2) ليرق ويستوي. وقوله: "فقد أفطر الصائم" قيل: معناه دخل في وقت الفطر، كما يقال: أصبح وأمسى؛ وقيل: المعنى أنه مفطر في الحكم وإن لم يطعم، فإن الليل ليس محلًّا للصوم. الأصل [474] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن نافع، عن ابن عمر؛ أنه كان يحتجم وهو صائم ثم ترك ذلك (¬3). ¬

_ (¬1) "صحيح البخاريّ" (1955)، و"صحيح مسلم" (1101، 52). (¬2) كذا في "الأصل" والأليق: الشراب. (¬3) "المسند" ص (104).

الشرح

الشرح أورد البخاريّ (¬1) الأثر بلا إسناد وزاد في آخره: وكان يحتجم بالليل. واختلف الصحابة فمن بعدهم في الحجامة للصائم: فعن سعد بن أبي وقاص وابن مسعود وعائشة وزيد بن أرقم وأم سلمة أنهم لم يروا بها بأسًا، وبهذا قال أكثر الفقهاء. وكرهها آخرون منهم: الحسن وابن سيرين ومسروق. وعن أبي موسى وأنس وابن عمر أنهم كانوا يؤخرونها إلى الليل. ثم من هؤلاء من قال: إنها تفطر الصائم وبه قال أحمد؛ لما روي عن شداد بن أوس قال: كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - زمان الفتح فرأى رجلًا يحتجم لثمان عشرة خلت من رمضان فقال وهو آخذ بيدي: "أفطر الحاجم والمحجوم" (¬2) ويروى الحديث من رواية رافع بن خديج وثوبان وغيرهما، ورواه البخاريّ (¬3) عن الحسن عن غير واحد مرفوعًا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على تلون فيه، ويدل على ما ذهب إليه الأكثرون ما روي عن ابن عباس؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - احتجم وهو صائم محرم أخرجه البخاريّ ¬

_ (¬1) "صحيح البخاريّ" (ك. الصيام- باب الحجامة والقيء للصائم) تعليقًا. (¬2) رواه أبو داود (2369)، والنَّسائيّ في "الكبرى" (3138)، وصححه ابن حبان (3533)، والحاكم (1/ 590) على شرطهما. قال البخاريّ كما في "علل الترمذي" (1/ 122): ليس في الباب شيء أصح من حديث شداد بن أوس وثوبان. فقلت له (أي الترمذي) كيف بما فيه من الاضطراب فقال: كلاهما عندي صحيح ... قال أبو عيسى: وهكذا ذكروا عن علي بن المديني أنه قال: حديث شداد وثوبان صحيحان. (¬3) "صحيح البخاريّ" باب الحجامة تعليقًا.

في "الصحيح" (¬1). وتكلموا في قوله: "أفطر الحاجم والمحجوم" من وجوه: أحدها: عن أبي الأشعث الصنعاني أن الحاجم والمحجوب كانا يغتابان فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أفطر الحاجم والمحجوم" (¬2) أي: بطل أجر صومهما. والثاني: أراد أنهما تعرضا للإفطار، أما المحجوم فللضعف الذي يلحقه، وأما الحاجم فلأنه لا يؤمن أن يبدر شيء إلى جوفه عند الامتصاص، وهذا كما يقال لمن تعرض للمهالك هلك. والثالث: أنه مرّ بهما مساءً، فقال: أفطرا أي: دخلا في وقت الفطر، كما يقال: أصبح وأمسى وأضحى إذا دخل في هذِه الأوقات. والرابع: أن المعنى أنه حان لهما أن يفطرا كما يقال: احصد الزرع، إذا حان أن يحصد. والخامس: عن الشافعي أن قوله: "أفطر الحاجم والمحجوم" مقيد بزمان الفتح، ولم يصحب ابن عباس النبي - صلى الله عليه وسلم -وهو محرم إلا في حجة الوداع وهي متأخرة عن الفتح لسنتين فيشبه أن يكون ما رواه ابن عباس ناسخًا لقوله: "أفطر الحاجم والمحجوم" ويستحب للصائم ترك الحجامة توقيًا عن الخلاف. وأيضًا فلأنه يورث الضعف، وفي "الصحيح" عن ثابت البناني قال: سئل أنس بن مالك كنتم تكرهون الحجامة للصائم؟ قال: لا، إلا ¬

_ (¬1) "صحيح البخاريّ" (5694). (¬2) قال الحافظ في "الفتح" (4/ 178): أخرجه الطحاوي وعثمان الدارمي والبيهقي في "المعرفة" وغيرهم من طريق يزيد بن أبي ربيعة، عن أبي الأشعث عن ثوبان، ومنهم من أرسله ويزيد بن ربيعة متروك، وحكم علي بن المديني بأنه حديث باطل.

الأصل

من أجل الضعف (¬1). وعلى نحو ذلك تنزل ترك ابن عمر الحجامة في إثر الكتاب. الأصل [475] أبنا الربيع قال: قال الشافعي: ومن تقيأ وهو صائم وجب عليه القضاء، ومن ذرعه القيء فلا قضاء عليه (¬2). [476] وبهذا أبنا مالك، عن نافع، عن ابن عمر -رضي الله عنه- (¬3). الشرح هذا الأثر صحيح عن ابن عمر، ويروى مثله عن علي وزيد بن أرقم، وعن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "من ذرعه القيء وهو صائم فليس عليه قضاء، ومن استقاء فليقض" أخرجه أبو عيسى الترمذي (¬4) عن علي بن حُجر، عن عيسى بن يونس، عن هشام بن حسان، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة وقال: إنه غريب لا نعرفه إلا ¬

_ (¬1) رواه البخاريّ (1940). (¬2) "المسند" ص (104). (¬3) "المسند" ص (104). (¬4) "جامع الترمذي" (720) وقال: حسن غريب. والحديث رواه أبو داود (2380)، والنَّسائيّ في "الكبرى" (3130)، وابن ماجه (1676)، والدارقطني (2/ 184 رقم 20) وقال: رواته كلهم ثقات وصححه ابن الجارود (385) وابن خزيمة (1960)، وابن حبان (3518)، والحاكم (1/ 427) على شرطهما جميعًا من طريق عيسى بن يونس وصححه الألباني في "الإرواء" (4/ 51). وقال البخاري وغيره: أنه غير محفوظ؛ فقال الألباني: وإنما قال البخاريّ وغيره بأنه غير محفوظ؛ لظنهم أنه تفرد به عيسى بن يونس عن هشام كما تقدم عند الترمذي وما دام أنه قد توبع عليه من حفص بن غياث (أخرجه ابن ماجه وابن خزيمة) وكلاهما ثقة محتج بهما في "الصحيحين" فلا وجه لإعلال الحديث إذن.

الأصل

من حديث عيسى بن يونس. وقوله: "ذرعه القيء" أي: سبقه مسرعًا من قولهم: "أكلٌ ذريع" أي: مسرع، ويقرب منه قولهم: "موت ذريع" أي: فاش كثير، وما روي عن أبي الدرداء؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قاء فأفطر. قال ثوبان: صدق أنا صببت له وضوءه (¬1) محمول على الاستقاءة في صوم التطوع كذلك ذكروه، ويجوز فرض الاستقاءة في صوم الفرض عند دعاء الحاجة إليه، وما روي عن أبي سعيد الخدري أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ثلاث لا تفطر الصائم: الحجامة والقيء والاحتلام" (¬2) فقد قال الأئمة: أنه رواه عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد، وعبد الرحمن يضعَّف؛ وإنما رواه عبد الله بن زيد بن أسلم وغيره عن زيد مرسلًا لم يذكروا فيه أبا سعيد، ثم إنهم حملوه كيف ما قدر على ما إذا ذرعه القيء، جمعًا بين الأخبار وحملًا للمطلق على المفصل. الأصل [477] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر، عن أبي يونس -مولى عائشة- عن عائشة أن رجلًا قال ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (87)، والبيهقي (1/ 144) وضعفه، وقال الترمذي: وقد جود حسين المعلم هذا الحديث، وحديث حسين أصح شيء في الباب. والحديث صححه ابن الجارود (8)، وابن حبان (1097)، والحاكم (1/ 588) على شرطهما. قال الحافظ في "التلخيص" (884): قال ابن مندة إسناده صحيح متصل، وتركه الشيخان لاختلاف في إسناده. وصححه الألباني في "الإرواء" (1/ 147). (¬2) رواه الترمذي (719) وقال: حديث غير محفوظ. وضعفه ابن حجر في "التلخيص" (887)، والألباني في "ضعيف أبي داود" (409).

الشرح

لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهي تسمع: إني أصبح جنبًا وأنا أريد الصيام. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "وأنا أصبح جنبًا وأنا أريد الصيام فأغتسل ثم أصوم ذلك اليوم". فقال الرجل: إنك لست مثلنا قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، فغضب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال: "والله إني لأرجو أن أكون أخشاكم لله وأعلمكم بما أتقي" (¬1). الشرح أبو يونس مولى عائشة لا يعرف له اسم. روى عن: عائشة. وروى عنه: عبد الله بن عبد الرحمن أبو طوالة، والقعقاع بن حكيم (¬2). والحديث صحيح أخرجه مسلم (¬3) عن يحيى بن أيوب وغيره، عن إسماعيل بن جعفر، عن عبد الله بن عبد الرحمن. وفيه بيان أن الإصباح جنبًا لا يمنع صحة الصوم، وقد روي في "الصحيحين" (¬4) عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عن عائشة وأم سلمة؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصبح جنبًا من جماعة ثم يصوم وبهذا قال عامة العلماء، وما روي عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن من أدركه الفجر جنبًا فلا صوم له (¬5) ففي "الصحيح" (¬6) أن أبا هريرة روجع ¬

_ (¬1) "المسند" ص (104). (¬2) انظر "الطبقات الكبرى" (5/ 296)، و"التهذيب" (34/ ترجمة 7712). (¬3) "صحيح مسلم" (1110). (¬4) "صحيح البخاريّ" (1925)، و"صحيح مسلم" (1109/ 75). (¬5) "صحيح مسلم" (1109/ 75). (¬6) "صحيح مسلم" (1109/ 75).

الأصل

في ذلك وأخبر بما قالت عائشة وأم سلمة فقال: هما أعلم، لم أسمعه من النبي - صلى الله عليه وسلم -، إنما أخبرنيه الفضل بن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. وعن أبي بكر بن المنذر (¬1) وغيره: أن ما رواه أبو هريرة منسوخ وأن ذلك كان في ابتداء الإِسلام حين كان الجماع محرمًا بعد النوم في ليالي الصوم وكان أبو هريرة يفتي بما سمعه من الفضل بن عباس فلما بلغه ما روته عائشة وأم سلمة علم النسخ. وقد روي عن ابن المسيب؛ أن أبا هريرة رجع عن فتياه أن من أصبح جنبًا لا يصوم (¬2). ومنه (¬3) من حمل ما رواه على ما إذا أدركه الفجر وهو مجامع، وقد يُتأول على أنه لا يكمل صومه فإن الأحب تقديم الغسل على طلوع الفجر. وأما غضب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما قاله ذلك الرجل؛ فلأنه أوهم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما كان موعودًا بالمغفرة فربما يتبسط ويتساهل اعتمادا على الغفران، فبيَّن أنه أخشى الناس وأعلم بما يُتقى، وأنه يجتنب ما نهي عنه تعظيمًا لأمر الله تعالى وإن لم يخف مؤاخذة. الأصل [478] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت: إن كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليقبل بعض أزواجه وهو صائم. ثم تضحك (¬4). ¬

_ (¬1) ذكره البيهقي في "السنن" (4/ 215). (¬2) رواه ابن أبي شيبة (2/ 330). (¬3) كذا في "الأصل". والأليق: ومنهم. (¬4) "المسند" ص (104).

الشرح

[479] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار؛ أن ابن عباس سئل عن القبلة للصائم، فأرخص فيها للشيخ، وكرهها للشاب (¬1). الشرح حديث عائشة صحيح رواه البخاريّ في "كتابه" (¬2) عن القعنبي عن مالك، ومسلم (¬3) عن علي بن حجر عن سفيان عن هشام بن عروة، وفي الباب عن حفصة وأم سلمة، وفي "الصحيحين" عن عائشة؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقبل ويباشر وهو صائم، وكان أملككم لإربه (¬4) وهذه الكلمة تروى بفتح الهمزة والراء وكسر الهمزة وإسكان الراء: وهما الحاجة، ويقال: عندي أرْبٌ وأرَبٌ وإرْبَة ومَأْرِبةٌ ومَأْرَبَةٌ، أي: حاجة وبغية، والإرب أيضًا: العضو. والمقصود أنه كان أملك لنفسه وأضبط لشهوته منكم، ويروى أنه لما ذكرت أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يقبل قالت: "وأيكم يملك كما كان يملك إربه" (¬5) فأفهم كلامُها أن الأولى التحرز على الإطلاق، ولا كراهة في التقبيل لمن لا تحرك القبلة شهوته كالشيخ، وتكره لمن تحرك شهوته، وينطبق على هذا التفصيل الأثر عن ابن عباس. وعن أبي هريرة؛ أن رجلًا سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن المباشرة للصائم فرخص له، ثم سأله آخر فنهاه فإذا الذي رخصه شيخ وإذا الذي نهاه شاب (¬6). ¬

_ (¬1) "المسند" ص (104). (¬2) "صحيح البخاريّ" (1928). (¬3) "صحيح مسلم" (1106/ 62). (¬4) "صحيح البخاريّ" (1927)، و"صحيح مسلم" (1106). (¬5) رواه البخاريّ (302)، ومسلم (293) من حديثها قالت: كانت إحدانا إذا كانت حائضًا فأراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يباشرها ..... (¬6) رواه أبو داود (2387). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود".

الأصل

ويروى عن بعض الصحابة إطلاق القول بالكراهة وأن بعضهم زاد فجعلها مفسدة للصوم، ولو قبل أو باشر فأنزل فسد صومه وفاقًا، وذكروا وجهين في أن الكراهية في حق من تثبت له الكراهية كراهية تحريم أو تنزيه. وقوله: "ثم تضحك" أشارت بضحكها إلى أن التي قبلها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحكت عنه كانت هي، وفائدته: زيادة وثوق الراوي بصورة الحال لكنها استحيت عن التلفظ به وربما صرَّحت به إذا روت لبعض محارمها خاصة ففي "الصحيح" عن القاسم عن عائشة قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقبلني وهو صائم (¬1). وعن عمر بن عبد العزيز أن عروة بن الزبير أخبره أن عائشة أم المؤمنين أخبرته؛ أن رسول - صلى الله عليه وسلم - كان يقبلها وهو صائم (¬2). الأصل [480] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن ابن شهاب، عن حميد بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة؛ أن رجلًا أفطر في شهر رمضان فأمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعتق رقبة أو صيام شهرين (متتابعين) (¬3) أو إطعام ستين مسكينًا. قال: إني لا أجد، فأتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعرق تمر فقال: "خذ هذا فتصدق به". فقال: يا رسول الله، لا أجد أحوج مني، فضحك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى بدت ثناياه ثم قال: "كله". قال الشافعي وكان فطره بجماع (¬4). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1106/ 64). (¬2) رواه مسلم (1106/ 69). (¬3) كتبت بحاشية "الأصل" وعليها رمز نسخة. (¬4) "المسند" ص (105).

الشرح

[481] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن عطاء الخراساني، عن سعيد بن المسيب قال: أتى أعرابي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينتفُ شعرَهُ ويضرِبُ نحرَهُ ويقول: هلك الأبعد. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "وما ذاكَ؟ " قال: أصبتُ أهلي في رمضان وأنا صائم. فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "هل تستطيع أنْ تعتق رقبة؟ " قال: لا. قال: "فهل تستطيع أنْ تهدي بدنة؟ " قال: لا. قال: "فاجلس" فأتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعرق تمر فقال: "خُذ هذا فتصدَّق به". فقال: ما أجد أحدًا أحوج مني. قال: "فكُله وصُمْ يومًا مكان ما أصبتَ". قال عطاء: فسألت سعيدًا كم في ذلك العرق؟ فقال: ما بين خمسة عشر صاعًا إلى عشرين (¬1). الشرح عطاء الخراساني: هو عطاء بن أبي مسلم عبد الله، مولى المهلب بن أبي صفرة، من أهل بلخ سكن الشام. وسمع: عبد الله بن بريدة، وسعيد بن المسيب. ¬

_ (¬1) "المسند" ص (105).

وروى عنه: معمر، ومالك. مات سنة خمس وثلاثين ومائة (¬1). والحديثان مودعان في "الموطأ" (¬2) كما رواه الشافعي لكن حديث أبي هريرة اختصره بعض الرواة، [ونحو] (¬3) منه ما رواه البخاريّ (¬4) عن أبي اليمان عن شعيب، ومسلم (¬5) عن يحيى بن يحيى وأبي بكر بن أبي شيبة عن ابن عيينة، والترمذي (¬6) عن نصر بن علي الجهضمي وغيره عن ابن عيينة، وأبو داود (¬7) عن مسدد عن ابن عيينة، وابن ماجه (¬8) عن أبي بكر بن أبي شيبة عن ابن عيينة، بروايتهما -أعني شعيبًا وابن عيينة- عن الزهْرِيِّ، عن حميد بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة قال: جاء رَجُل فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ هَلَكْتُ. قال: "وما أهلكك؟ " قال: وقعت على امرأتي في رمضان وأنا صائم. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "هَلْ تَجِدُ رَقَبَةً تُعْتِقُهَا؟ " قال: لا. قال: "فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ؟ " قال: لا. قال: "فَهَلْ تَجِدُ ما تطعم سِتِّينَ مِسْكِينًا؟ " قال: لا. قال: فَمَكَثَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فأتي بِعَرَقٍ فِيهَ تَمر فقال: "خذ هذا فَتَصدَّقْ بِهِ". فَقَالَ الرَّجُلُ: أَعَلَى أَفْقَرَ مِنِّي يَا رَسُولَ اللهِ فَوَاللهِ مَا بَيْنَ لاَبَتَيْهَا أَهْلُ بَيْتٍ أَفْقَرُ مِنْ أَهْلِ بَيْتى، فَضَحِكَ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - حتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ، ثُمَّ قَالَ: "اذهب فأَطْعِمْهُ أَهْلَكَ". وإذا عرف تمام الحديث لم يخف أن قوله في رواية الكتاب: ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (6/ ترجمة 3027)، و"الجرح والتعديل" (6/ ترجمة 1850)، و"التهذيب" (20/ ترجمة 3941). (¬2) "الموطأ" (1/ 296 رقم 657، 658). (¬3) في الأصل: ونحا. والسياق يقتضي المثبت. (¬4) "صحيح البخاريّ" (1935). (¬5) "صحيح مسلم" (1111/ 8). (¬6) "جامع الترمذي" (724). (¬7) "سنن أبي داود" (2390). (¬8) "سنن ابن ماجه" (1671).

"فأمرَهُ بعتقِ رقبةٍ أو صيام شهرين أو إطعام ستين مسكينًا" المراد منه الترتيب كما يقال [كفارة] (¬1) الظهار الإعتاق أو الصيام أو الإطعام ويراد أن التكفير بإحدى الخصال، ثم لكل وقت وشرط، وعن مالك أن كفارة الوقاع في رمضان على التخيير. وقوله في الرواية الأخرى: "ينتف شعره ويضرب نحره" يبين استعظامهم الحرام وشدة خوفهم منه. وقوله: "هلك الأبعد" أي: الذي بعد من الخير والعصمة. والعَرق بفتح العين والراء فسر في الحديث بالمكتل: وهو الزنبيل المنسوج من الخوص، ويقال لكل مضفور عَرَق، ويقال بدل "العَرَق" عرْق وهو جمع عَرَقة وهي الضفيرة من الخوص، ثم في بعض الروايات: "فأتي بعرق فيه خمسة عشر صاعًا" (¬2) ويقرب منه ما في الرواية الثانية عن عطاء أنه قال: "سألت سعيدًا كم في ذلك العرق" كأنه يريد فيما بلغك ويروى لك، فقال: "ما بين خمسة عشر صاعًا إلى عشرين". وعن محمَّد بن إسحاق بن [يسار] (¬3) أن العَرَق مكتل تسعُ ثلاثين صاعًا (¬4)، وقيل: ستين صاعًا؛ والأشبه أن العرق كان في ذلك الوقت يختلف صغيرًا وكبيرًا على ما هو المعهود اليوم فإنه مكتل لا مكيال، وبتقدير أن يعدّ مكيالًا وإنما يقيد التقدير رواية من روى "أنه أتي بعرق تمر" دون رواية من روى "أنه أتي بعرق فيه تمر". وقوله: "فهل تستطيع أن تهدي بدنة" في الرواية الثانية لا ذكر له في الروايات الموصولة والأخذ بالموصول أولى من الأخذ بالمنقطع. ¬

_ (¬1) في الأصل: كفار. تصحيف. (¬2) رواه أبو داود (2393). (¬3) في الأصل: بشار. تصحيف. (¬4) رواه أبو داود (2215).

وقوله: "ما بين لابتيها" يريد طرفي المدينة وقد ورد التفسير في الحديث. وقوله: "حتى بدت ثناياه" كذا هو في رواية الشافعي، ورأيت مثله في "مسند أبي داود" ورواية الجمهور: "حتى بدت أنيابه" وكذا هو في "الموطأ". والثنايا: الأسنان الأربع في مقدم الفم، اثنتان من الأعلى واثنتان من الأسفل ويليها أربع يقال لها: رباعيات، ويليها الأنياب وهي جمع ناب، والأنياب أليق فإن المقصود أنه بالغ في الضحك، ومن روى "الثنايا" فالمعنى أنه ضحك بقدر ما بدت ثناياه وهو التبسم، وكان جلّ ضحكه - صلى الله عليه وسلم - التبسم (¬1). وقوله: "كله" وفي رواية: "أطعمه أهلك" قيل فيه: أنه كان يجوز صرف الكفارة إلى الأهل ثم نسخ، وقيل: كان التجويز مخصوصًا بذلك الرجل، والأحسن ما أشار إليه الشافعي وهو أن الرجل وجبت عليه الكفارة وكان عاجزًا عن جميع خصالها فأراد النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يعطيه ما يصرفه في الكفارة، فذكر أنه من أحوج الناس فلم ير له أن يتصدق به، وأمره بأن يتركه لنفسه وعياله وتكون الكفارة في ذمته إلى أن يقدر. قوله: "وصم يومًا مكان ما أصبت" يدل على أنه يجب القضاء مع الكفارة، وهو ظاهر المذهب، وعلى أن يومًا من رمضان يقضى يوم، وعن ربيعة أنه يقضي يومًا باثني عشر يومًا؛ لأن الله تعالى اختار الشهر من اثني عشر شهرًا، واحتج محتجون بالحديث على أنه يجوز للإمام ¬

_ (¬1) رواه الطبراني في "الكبير" (22/ 155 رقم 414) من حديث هند بن أبي هالة، قال الهيثمي في "المجمع" وفيه من لم يسم. وروى البخاريّ (4828)، ومسلم (89/ 14) من حديث عائشة قالت: "ما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قط مستجمعًا ضاحكًا حتى أرى منه لهواته، إنما كان يتبسم ... ".

الأصل

ترك التعزير في حقوق الله تعالى فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يعزر الرجل، وعلى أنه لا يجب بالجماع إلا كفارة واحدة، واحتج برواية من روى أنه كان في العرق خمسة عشر صاعًا على أنه يجب في الإطعام لكل مسكين مدّ لأن خمسة عشر صاعًا إذا قسمت على ستين حصل لكل واحد منهم؛ لأن الصاع أربعة أمداد؛ لكن لا قوة لهذا الاحتجاج؛ لأنه قال: "فتصدق به" ويجوز أن يكون الواجب أكثر من ذلك وأمر بالتصدق بذلك القدر على بعض الستين أو بتوزيعه على الستين إلى أن يجد الباقي، وقد ذهب بعضهم إلى أنه يجب لكل مسكين نصف صاع من الحنطة وصاع من سائر الحبوب، ومنهم من أطلق وجوب التصدق بصاع. الأصل [482] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة؛ أن حمزة بن عمرو الأسلمي قال: يا رسول الله، أصوم في السفر وكان كثير الصيام؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن شئتَ فصُم، وإنْ شئتَ فأفْطِر" (¬1). [483] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن حميد الطويل، عن أنس بن مالك قال: سافرنا مَعَ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - في رمضان فلم يَعِب الصائمُ على المفطرِ، ولا المفطر على الصائم (¬2). الشرح حمزة: هو ابن عمرو بن عويمر بن الحارث بن الأعرج بن سعد بن رزاح بن عدي بن سهم بن مازن بن الحارث بن ¬

_ (¬1) "المسند" ص (105). (¬2) "المسند" (ص 105).

سلامان بن أسلم بن أفصى بن حارثة الأسلمي، أبو صالح، وقيل: أبو محمَّد. روى عنه: أبو مراوح، وعروة، وسليمان بن يسار، وغيرهم مات سنة إحدى وستين وهو ابن ثمانين سنة (¬1). والحديثان صحيحان داخلان في "الموطأ" (¬2) وحديث عائشة أخرجه البخاريّ (¬3) عن عبد الله بن يوسف عن مالك، ومسلم (¬4) عن قتيبة عن الليث عن هشام، ورواه عن هشام كما رواه مالك: ابن جريج ويحيى بن سعيد الأنصاري وابن عجلان وأيوب السختياني وشعبة والحمادان وزائدة وأبو أويس، ورواه الدراوردي وعبد الرحيم بن سليمان عن هشام عن أبيه عن عائشة عن حمزة الأسلمي، ورواه محمَّد بن إبراهيم بن الحارث وغيره عن عروة بن الزبير عن حمزة الأسلمي، ورواه أبو أسود عن عروة عن أبي مراوح عن حمزة الأسلمي وقد أخرجه مسلم في "الصحيح" (¬5) من هذا الرواية أيضًا واللفظ: أنه قال: يا رسول الله أجد بي قوة على الصيام في السفر فهل عليّ جناح؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "هي رخصة من الله، فمن أخذ بها فحسن، ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليها". وحديث أنس أخرجه البخاريّ (¬6) عن القعنبي عن مالك، ومسلم (¬7) عن يحيى بن يحيى عن أبي خيثمة عن حميد، وفي الباب عن ¬

_ (¬1) انظر "معرفة الصحابة" (2/ ترجمة 564). (¬2) "الموطأ" (1/ 295 رقم 652، 653). (¬3) "صحيح البخاريّ" (1942). (¬4) "صحيح مسلم" (1121/ 103). (¬5) "صحيح مسلم" (1121/ 107). (¬6) "صحيح البخاريّ" (1947). (¬7) "صحيح مسلم" (1118/ 98).

الأصل

أبي سعيد الخدري (وعروة) (¬1). وقوله: "وكان كثير الصيام" يريد أنه كان لا يشق عليه الصوم لاعتياده. وفي الحديثين دلالة ظاهرة على أن الصوم والإفطار جائزان في السفر خلافًا لقول من قال: يسنُّ الإفطار ويروى ذلك عن ابن عمر وابن عباس، وأيهما أولى؟ ذهب جماعة إلا أن الإفطار أولى وبه قال الأوزاعي وأحمد و [ذهب] (¬2) آخرون إلى أن الصوم أولى وهم الأكثرون، هذا إذا أطاق الصوم؛ فأما من يجهده الصوم فالأولى له الإفطار، وفي مثله قال - صلى الله عليه وسلم -: "ليس من البر الصيام في السفر" (¬3) وما روي أنه بلغه أن [بعض الناس قد صام] (¬4) فقال -عليه السلام -: "أولئك العصاة" (¬5) فقد حمله الشافعي على من يصوم ردًّا للرخصة ولا يرى الفطر مباحًا، وقد قدمنا فيه غير هذا. الأصل [484] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن طلحة بن يحيى، عن عمته عائشة بنت طلحة، عن عائشة قالت: دخل عليَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقلت: إنا خبأنا لك حيسًا. قال: "أما إني كنت أريد الصوم ولكن قرِّبيه" (¬6). ¬

_ (¬1) كذا في الأصل! ولعلها: وغيره، فتحرفت؛ ففي الباب عن عبد الله بن عمرو، وأبي موسى، وعمران، وابن عمر. والله أعلم. (¬2) ليست في "الأصل" والسياق يقتضيها. (¬3) رواه البخاريّ (1946)، ومسلم (1115/ 92) من حديث جابر. (¬4) طمس في الأصل والمثبت من "صحيح مسلم". (¬5) رواه مسلم (1114/ 90). (¬6) "المسند" ص (106).

كتاب المناسك

الشرح هذا الحديث معاد (¬1)، مذكور مرة عقيب باب الاستسقاء وأتينا بما لا بد منه في شرحه. الأصل من كتاب المناسك [485] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا ابن عيينة، عن إبراهيم بن عقبة، عن كريب مولى ابن عباس، عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قفل، فلما كان بالروحاء لقي ركبًا فسلم عليهم وقال: "من القوم؟ " فقالوا: المسلمون، فمن القوم؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "رسول الله" فرفعت إليه امرأة صبيًّا لها من محفة فقالت: يا رسول الله ألهذا حج؟ قال: "نعم، ولك أجر" (¬2). [486] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن إبراهيم بن عقبة، عن كريب مولى ابن عباس، عن ابن عباس؛ أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - مرَّ بامرأة وهي في محفتها، فقيل لها: هذا رسول الله، فأخذت بعضد صبيٍّ كان معها فقالت: ألهذا حج؟ قال: "نعم، ولك أجر" (¬3). الشرح الحديث من رواية سفيان أخرجه مسلم في "الصحيح" (¬4) عن أبي ¬

_ (¬1) مرّ برقم (379). (¬2) "المسند" ص (107). (¬3) "المسند" ص (107). (¬4) "صحيح مسلم" (1336/ 409).

بكر بن [أبي] (¬1) شيبة عنه، وأبو داود (¬2) عن أحمد بن حنبل عنه، وهو من رواية مالك مودع في "الموطأ" (¬3). ورواه أبو مصعب عن مالك موصولًا كما رواه الشافعي، ومنهم من رواه منقطعًا لم يذكر فيه ابن عباس، وكذلك رواه الزعفراني في "القديم" عن الشافعي، وفي الباب عن جابر بن عبد الله، ومن روايته أخرج الحديث أبو عيسى (¬4) وابن ماجه (¬5) عن محمَّد بن طريف عن أبي معاوية عن محمَّد بن سوقة عن ابن المنكدر عنه. والقفول: الرجوع من السفر، والروحاء: على نحوٍ من أربعين ميلًا من المدينة وهي بين مكة والمدينة، وقيل: على ستة وثلاثين، وقيل: على ثلاثين، والرَّكب: جمع راكب، ويقال: إن اللفظ للعشرة فصاعدًا. وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يعرفهم ولا هم يعرفونه ومن معه، فسألهم أولًا فقالوا: قوم مسلمون، وسألوه فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أنا رسول الله. والمِحفَّةُ: من مراكب النساء، والميم مكسورة. وفي الحديث دليل على صحة حج الصبي، ومؤيده ما روي عن السائب بن يزيد قال: حج بي أبي مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع وأنا ابن سبع سنين (¬6). ثم إن كان الصبي مميزًا فيُحرم ويأتي بالأعمال، وإلا فيُحرم عنه الولي ويأمره بالطواف وغيره أو يطوف به. ¬

_ (¬1) سقط من الأصل. (¬2) "سنن أبي داود" (1736). (¬3) "الموطأ" (1/ 422 رقم 943). (¬4) "جامع الترمذي" (924) وقال: غريب. (¬5) "سنن ابن ماجه" (2910). (¬6) رواه البخاريّ (1858).

وقولك (¬1): "ولك أجر" أي: في إحجاجه، وليس في الخبر أن الصبي كان ابنها أو (¬2) لم يكن، ولا أنها كانت أحرمت عنه إن كان ابنها أو أحرم عنه أبوه أو كان مميزًا فأحرم بنفسه، وقيل: إن الظاهر أنه كان ابنها وأنها أحرمت عنه، واحتج به على أن للأم أن تحرم عن الصبي، وفيه أنه - صلى الله عليه وسلم - سلم عليهم قبل أن يعرفهم ويعرف حالهم. آخر الجزء، ويتلوه في الذي يليه: أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سعيد بن سالم، عن مالك بن مغول، عن أبي السفر. الحمد لله حق حمده. ¬

_ (¬1) كذا في الأصل، والجادة: وقوله. (¬2) زاد في الأصل: لو. وهي مقحمة.

الكوفي، أبو صالح الحنفي، عمرو بن أوس الثقفي، عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق، إسماعيل بن أمية، مزاحم المكي، عبد العزيز بن عبد الله بن خالد، محرش بن عبد الله الكعبي، ابن أبي جبير، صدقة بن يسار، القاسم بن معن، ليث بن أبي سليم. رحمهم الله.

الأصل

بسم الله الرحمن الرحيم الأصل (¬1) [487] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سعيد بن سالم، عن مالك بن مغول، عن أبي السفر، قال: قال ابن عباس: أيها الناس أسمعوني ما تقولون وافهموا ما أقول لكم: أيما مملوك حج به أهله فمات قبل أن يعتق فقد قضى حجه، وإن عتق قبل أن يموت فليحجج، وأيما غلام حج به أهله فمات قبل أن يدرك فقد قضي عنه حجته وإن بلغ فليحج (¬2). الشرح أبو السفر: هو سعيد بن [يحمد] (¬3) ويقال: ابن أحمد الثوري البكيلي الهمداني كوفي. سمع: ابن عباس، والبراء. وروى عنه: مطرف بن طريف، ومالك بن مغول، وأبو إسحاق. والفاء من أبي السفر مفتوحة (¬4). والأثر ثابت (¬5) عن ابن عباس، ورواه مطرف عن أبي السفر بمعناه، ويروى عن أبي ظبيان عن ابن عباس موقوفًا ومرفوعًا (¬6)، ¬

_ (¬1) كتب الناسخ في الحاشية الحديثين السابقين (485، 486) في حج الصبي! (¬2) "المسند" ص (107). (¬3) في الأصل: محمَّد. خطأ، والمثبت من التخريج. (¬4) انظر "التاريخ الكبير" (3/ ترجمة 1737)، و"الجرح والتعديل" (4/ ترجمة 307)، و"التهذيب" (11/ ترجمة 2375). (¬5) قال الحافظ في "الفتح" (4/ 61): إسناده صحيح. (¬6) رواه الحاكم (1/ 481)، والبيهقي (5/ 178) من طريق محمَّد بن المنهال، عن يزيد بن زريع، عن شعبة، عن الأعمش، عن أبي ظبيان عنه مرفوعًا. قال البيهقي: تفرد به محمَّد بن المنهال عن يزيد بن زريع عن شعبة، ورواه غيره عن =

الأصل

وأورده أبو داود السجستاني في "المراسيل" (¬1) بإسناده عن محمَّد بن كعب القرظي عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. والمقصود أن من حج في صباه أو في رقه ثم بلغ أو عتق لم يجزئه حجه عن حجة الإِسلام؛ بل عليه أن يحج إذا استطاع، وبهذا قال عامة العلماء. وقوله: "أسمعوني ما تقولون ... " إلى آخره كأنه يقول: أبلغوني كلامكم لأجيب عما تسألون، وافهموا ما أقول لكم لتعلموا أو تنقلوا على الصواب. وقوله: "فقد قضى حجه" فيه إشارة إلى أنه لا ينبغي لمن تيسر له أن يخلي عمره عن الحج إما فرضًا وإما سنة، فمن حج في الصبي أو الرق ومات قبل كمال الحال فقد حافظ على وظيفة العمر، وإن يبلغ حال الكمال فليتدارك، وفي ضمنه حكم بصحة الحج في الصبي والرق. الأصل [488] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا ابن عيينة، قال: سمعت الزهري يحدث، عن سليمان بن يسار، عن ابن عباس؛ أن امرأة من خثعم سألت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: إن فريضة الله في الحج على عباده أدركت أبي شيخًا كبيرًا لا يستطيع أن يستمسك على راحلته فهل ترى أن أحج عنه؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "نعم". قال سفيان هكذا حفظته عن الزهري (¬2). ¬

_ = شعبة موقوفًا وكذلك رواه سفيان الثوري عن الأعمش موقوفًا وهو الصواب. (¬1) "المراسيل" (134). (¬2) "المسند" ص (108).

[489] وأخبرني عمرو بن دينار، عن الزهري، عن سليمان بن يسار، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -[مثله] (¬1) وزاد فيه: فقالت: يا رسول الله فهل ينفعه ذلك؟ فقال: "نعم، كما لو كان عليه دين فقضيته" (¬2). [490] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن ابن شهاب، عن سليمان بن يسار، عن عبد الله بن عباس قال: كان الفضل بن عباس رديف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجاءته امرأة من خثعم تستفتيه، فجعل الفضل ينظر إليها وتنظر إليه، فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصرف وجه الفضل إلى الشق الآخر. فقالت: يا رسول الله إن فريضة الله في الحج على عباده أدركت أبي شيخًا كبيرًا لا يستطيع أن يثبت على الراحلة أفأحج عنه؟ قال: "نعم" وذلك في حجة الودع (¬3). [491] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مسلم بن خالد، عن ابن جريج قال: قال ابن شهاب: حدثني سليمان بن يسار، عن ابن عباس، عن الفضل بن عباس؛ أن امرأة من خثعم قالت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إن أبي قد أدركته فريضة الله عليه في الحج وهو شيخ كبير لا يستطيع أن يستوي على ظهر بعير. قال: "فحجي عنه" (¬4). ¬

_ (¬1) سقط من الأصل. والمثبت من "المسند". (¬2) "المسند" ص (108). (¬3) "المسند" ص (108). (¬4) "المسند" ص (108).

الشرح

الشرح الفضل: هو ابن عباس بن عبد المطلب بن هاشم أبو محمَّد، ابن عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. روى عنه: أخواه عبد الله وقثم، وأبو هريرة. توفي قبل أبيه سنة ثمان عشرة، وقيل: قتل باليرموك سنة خمس عشرة، وقيل غيرهما (¬1). والحديث صحيح رواه ابن عيينة عن الزهري وأيضًا عن عمرو بن دينار عن الزهري بزيادة الإلحاق بقضاء الدين، وليس في أكثر الروايات عن الشافعي ذكر ابن عباس في رواية عمرو بن دينار، ومنهم من ذكره في روايته وكذلك يوجد في "الأم" (¬2) وربما طرح من طرح اكتفاءً بالرواية السابقة. وأما من رواية مالك فهو داخل في "الموطأ" (¬3) ورواه البخاريّ (¬4) عن عبد الله بن يوسف والقعنبي، ومسلم (¬5) عن يحيى بن يحيى، وأبو داود (¬6) عن القعنبي، بروايتهم عن مالك. وأما من رواية ابن جريج فقد رواه البخاريّ (¬7) عن أبي عاصم عنه، ومسلم (¬8) من طريق آخر، وأبو عيسى (¬9) عن أحمد بن منيع عن ¬

_ (¬1) انظر "معرفة الصحابة" (4/ ترجمة 2398)، و"الإصابة" (5/ ترجمة 7007). (¬2) "الأم" (2/ 113). (¬3) "الموطأ" (1/ 359 رقم 798). (¬4) "صحيح البخاريّ" (1513). (¬5) "صحيح مسلم" (1334/ 407). (¬6) "سنن أبي داود" (1809). (¬7) "صحيح البخاريّ" (1513). (¬8) "صحيح مسلم" (1335/ 408). (¬9) "جامع الترمذي" (928) وقال: حسن صحيح.

روح بن عبادة عن ابن جريج، ورواه ابن ماجه (¬1) عن عبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقي عن الوليد بن مسلم عن الأوزاعي عن الزهري كما رواه ابن جريج. ثم الحديث من الروايتين الأوليين مروي عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومن رواية ابن جريج عن ابن عباس عن الفضل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وعن البخاريّ (¬2) أن أصح شيء في الباب حديث ابن عباس عن الفضل عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأنه يحتمل أن يكون ابن عباس سمعه من الفضل ومن غيره فتارةً أسنده وأخرى أرسله ولم يذكر من سمعه منه. ووراء ما ذكره احتمال وهو أن يكون ابن عباس حضر وشهد الحال ثم حدثه به الفضل فتارة روى عنه، وأخرى أخبر عما رأى. وقولها: "إن فريضة الله في الحج على عباده أدركت أبي شيخًا كبيرًا" فسَّر بأنه أسلم وهو شيخ كبير، ويجوز أن تريد أن فريضة الحج نزلت وهو شيخ كبير ولعله أسبق إلى الفهم. وفي الحديث دليل على أنه يجوز الحج عمن يعجز عن مباشرته لكبر أو زمانة خلافًا لقول مالك وأحمد حيث قالا: "يجوز الحج عن العاجز الحي، وعلى أنه يجوز حج المرأة عن الرجل خلافًا لقول بعضهم، واحتج به على أن العاجز إذا بذل ولده الطاعة في الحج عنه يلزمه الحج وإن لم يكن له مال؛ لأن أباها كان عاجزًا عن المباشرة وإن لم يجر ذكر المال، وإنما الذي جرى ذكر الطاعة، ولمنازع أن ينازع في هذا الاحتجاج ويقول: إنها لم تسأل إلا عن جواز الحج عنه، وفيه المنع عن النظر، وأن المنكر يمنع منه فعلًا وحسًّا كما يمنع عنه بالكلام. ¬

_ (¬1) "سنن ابن ماجه" (2909). (¬2) "علل الترمذي" (1/ 135 - 136).

الأصل

الأصل [492] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا عمرو بن أبي سلمة، عن عبد العزيز بن محمَّد، عن عبد الرحمن بن الحارث المخزومي، عن زيد بن علي بن الحسين، عن أبيه، عن عبيد الله بن أبي رافع، عن علي بن أبي طالب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "وكل منى منحر" ثم جاءته امرأة من خثعم فقالت: إن أبي شيخ قد أفند وأدركته فريضة الله على عباده في الحج ولا يستطيع أداءها، فهل يجزيء أن أؤديها عنه؟ قال: "نعم" (¬1). [493] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سعيد بن سالم، عن حنظلة، قال: سمعت طاوسًا يقول: أتت النبي - صلى الله عليه وسلم - امرأة فقالت: إن أمي ماتت وعليها حج. فقال: "حجي عن أمك" (¬2). الشرح عبد الرحمن: هو ابن الحارث بن عياش بن أبي ربيعة عمرو بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، أبو الحارث القرشي المخزومي. حدث عن: عمرو بن شعيب، وزيد بن علي. وسمع منه: الثوري، وسليمان بن بلال، وعبد العزيز بن محمَّد. مات سنة ثلاث وأربعين ومائة (¬3). ¬

_ (¬1) "المسند" ص (108). (¬2) "المسند" ص (109). (¬3) انظر "التاريخ الكبير" (5/ ترجمة 878)، و"الجرح والتعديل" (5/ ترجمة 1057)، و"التهذيب" (17/ ترجمة 3787).

وزيد: هو ابن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، أبو الحسين الهاشمي أخو محمَّد بن علي. روى عن: أبيه زين العابدين. وقتل سنة اثنتين وعشرين ومائة (¬1). وحنظلة: هو ابن [أبي] (¬2) سفيان الجمحي القرشي مكي. سمع: القاسم، ومجاهدًا، وطاوسًا. وسمع منه: الثوري، ووكيع. مات سنة إحدى وخمسين ومائة (¬3). وحديث علي رضي الله عنه هو الذي سبق من رواية عبد الله والفضل ابني عباس، وفي الباب عن بريدة وأبي رزين العقيلي وسودة وحصين بن عوف رضي الله عنهم. وقوله: "وكل منى منحر" معطوف على جُمل سبقت، وهي الوقوف بعرفة ثم الإفاضة منها إلى جمع ثم أتى المنحر فقال: "هذا المنحر" يريد موضع نحوه "وكل منى منحر" وقد أخرجها بتمامها الترمذي (¬4) عن أبي أحمد الزبيري عن سفيان عن عبد الرحمن المخزومي فكان غرض الرواية ها هنا قصة الخثعمية فأهمل ما قبلها. وأَفند الرجل: إذا ضعف رأيه من الكبر، والفَنَدُ: ضعف الرأي من الهرم، والإفناد: الكذب أيضًا. وحديث طاوس روي مقصوده موصولًا في "الصحيح" من رواية ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (3/ ترجمة 1341)، و"الجرح والتعديل" (3/ ترجمة 2578)، و"التهذيب" (10/ ترجمة 2120). (¬2) سقط من الأصل والمثبت من التخريج. (¬3) انظر "التاريخ الكبير" (3/ ترجمة 170)، و"الجرح والتعديل" (3/ ترجمة 1071)، و"التهذيب" (7/ ترجمة 1561). (¬4) "جامع الترمذي" (885) قال: حدثنا محمَّد بن بشار، حدثنا أبو أحمد الزبيري.

الأصل

سعيد بن جبير، فروى البخاريّ عن موسى بن إسماعيل، عن أبي عوانة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس؛ أن امرأة من جهينة جاءت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: إن أمي نذرت أن تحج ولم تحج حتى ماتت أفأحج عنها؟ قال: "حجي عنها، أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيةً، اقضوا الله فالله أحق بالوفاء" (¬1). وفيه بيان جواز الحج عن الميت، وأن حقوق الله تعالى لا تسقط بالموت بل تقضى كما تقضى ديون العباد. الأصل [494] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مسلم، عن ابن جريج، عن عطاء قال: سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - رجلًا يقول: لبيك عن فلان. فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إن كنت حججت فلبّ عنه وإلا فاحجج" (¬2). الشرح هذا الحديث وشاهده معاد من بعد وهناك نأتي بما يحتاج إليه من الشرح، وذكره الشافعي ها هنا مقطوعًا ومقصوده الاحتجاج به في جواز الحج عن الغير في الجملة. الأصل [495] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سعيد بن سالم، عن إبراهيم بن يزيد، عن محمَّد بن عباد بن جعفر قال: قعدنا إلى عبد الله بن عمر فسمعته يقول: سأل رجل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: ما الحاج؟ ¬

_ (¬1) "صحيح البخاريّ" (1852). (¬2) "المسند" ص (109).

الشرح

فقال: "الشعث التفل". فقام آخر فقال: يا رسول الله أي الحج أفضل؟ قال: "العج والثج". فقام آخر فقال يا رسول الله: ما السبيل؟ قال: "زاد وراحلة" (¬1). [496] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سعيد بن سالم، عن سفيان الثوري، عن طارق بن عبد الرحمن، عن عبد الله بن أبي أوفى صاحب النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: سألته عن الرجل لم يحجج أيستقرض للحج؟ فقال: "لا" (¬2). [497] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مسلم وسعيد، عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس؛ أن رجلًا سأله فقال أؤاجر نفسي من هؤلاء القوم لأنسك معهم المناسك ألي أجر؟ فقال ابن عباس: نعم {أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (202)} (¬3). الشرح إبراهيم بن يزيد: هو أبو إسماعيل الخوزي، قال الإِمام البخاريّ: مكي سكتوا عنه، يروي عن: محمَّد بن عباد بن جعفر، وعمرو بن دينار (¬4). وطارق بن عبد الرحمن ليس في "تاريخ البخاريّ" بهذِه الترجمة ¬

_ (¬1) "المسند" ص (109). (¬2) "المسند" ص (109). (¬3) "المسند" ص (109). (¬4) انظر "التاريخ الكبير" (1/ ترجمة 1058)، و"الجرح والتعديل" (2/ ترجمة 480)، و"التهذيب" (2/ ترجمة 267).

إلا رجل واحد وهو طارق بن عبد الرحمن بن القاسم، وذكر أنه قرشي. روى عنه: عكرمة بن عمار (¬1). وعبد الله بن أبي أوفى علقمة بن الحارث بن رفاعة بن ثعلبة، من أصحاب الشجرة أبو إبراهيم أو أبو معاوية أو أبو محمَّد. روى عنه: أبو إسحاق الشيباني، وعمرو بن مرة، وطلحة بن مصرف، وغيرهم. مات سنة سبع وثمانين بالكوفة، ويقال أنه آخر من مات بها من الصحابة (¬2). وحديث ابن عمر أخرجه ابن ماجه (¬3) عن هشام بن عمار عن مروان بن معاوية، وعن علي بن محمَّد عن وكيع، بروايتهما عن إبراهيم بن يزيد. ويقال: رجل شعثٌ وأشعث وشعر شعث وامرأة شعثة وشعثاء، والشَّعثُ: تلبّد الشعر المغبر، والتفل: الكريه الرائحة، ومنه قوله: ¬

_ (¬1) قلت: ليس هو ابن القاسم كما ذكر المصنف، وإنما هو البجلي الأحمسي وهو أيضًا في "تاريخ البخاريّ" يروي عن ابن أبي أوفى ويروي عنه الثوري، والله أعلم. انظر "التاريخ الكبير" (4/ ترجمة 3115)، و"الجرح والتعديل" (4/ ترجمة 2130)، و"التهذيب" (13/ ترجمة 2952). (¬2) انظر "معرفة الصحابة" (3/ ترجمة 1576)، و"الإصابة" (4/ ترجمة 4558). (¬3) "سنن ابن ماجه" (2896). ورواه أيضًا الترمذي (2998). قال الترمذي: هذا حديث لا نعرفه من حديث ابن عمر إلا من حديث إبراهيم بن يزيد الخوزي المكي وقد تكلم بعض أهل الحديث في إبراهيم بن يزيد من قبل حفظه. قلت: في "التهذيب": قال أحمد: متروك الحديث، وقال ابن معين: ليس بثقة وليس بشيء، وقال أبو زرعة وأبو عاصم: منكر الحديث ضعيف الحديث، وقال النسائي: متروك. والحديث قال الألباني فيه: ضعيف جدًّا، انظر ضعيف ابن ماجه (631).

"فليخرجن تفلات" (¬1) أي: غير متطيبات، والعُجُّ: رفع الصوت، يقال: عجَّ الرعد عجيجًا إذا صوَّت، والمقصود رفع الصوت بالتلبية، والثج: الصَّبُّ والمقصود نحر البدن وإراقة دمائها. وقوله: "ما الحاج" أي: ما نعته وما صفته أو من أفضل الحجيج، وكذا قوله: "أي الحج أفضل ... " إلى آخره فيه إضمار: أما في السؤال بأن يقال: أي أعمال الحج وخصاله أفضل، وأما في الجواب بأن يقال: المعنى الحج الذي فيه العج والثج. وقوله: "ما السبيل" يريد السبيل المذكور في قوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجًّا لْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} (¬2) وأورد الشافعي الحديث في بيان أنه لا يجب الحج ماشيًا، فقال في "الأم" (¬3): لا أحب ترك المشي إلى الحج لمن قدر عليه، ولا [يبين] (¬4) لي أن أوجبه؛ لأني لا أحفظ عن أحد من المفتين أنه أوجبه، وقد روي أحاديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - تدل على أنه لا يجب المشي إلى الحج غير أن منها منقطعة، ومنها ما يمتنع أهل الحديث من إثباته. قال الأئمة: أشار بما لا يثبته أهل الحديث إلى حديث إبراهيم بن يزيد الخوزي فإنهم ضعفوه، وقصد بالمنقطع نحو ما ذكر أنه روي عن شريك بن أبي نمر عمن سمع أنس بن مالك يحدث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "السبيل: الزاد والراحلة" وروى أبو داود في "المراسيل" (¬5) عن أحمد بن حنبل عن هشيم عن يونس عن الحسن أنه قال: لما نزلت الآية ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (565)، وصححه ابن الجارود (332)، وابن خزيمة (1679)، وابن حبان (2214). (¬2) آل عمران: 97. (¬3) "الأم" (2/ 116). (¬4) في الأصل: يبن. والمثبت من "الأم". (¬5) "المراسيل" (133).

قيل: يا رسول الله ما السبيل؟ قال: "الزاد والراحلة". ثم ما ذكرنا أنه لا يجب المشي إلى الحج أردنا في حق البعيد عن البيت؛ فأما من بينه وبين مكة ما دون مسافة القصر فيلزمه المشي إذا أطاق، وكما لا يجب المشي على البعيد وإن قدر عليه فلا يجب الاستقراض للحج وإن تمكن الشخص منه؛ لأنه قد لا ييسر له الرد، والأثر عن ابن أبي أوفى يدل عليه، ومن حج وهو يخدم غيره بإجارة جرت بينهما وهو ينفق من الأجرة أو كان المستأجر ينفق عليه أو كان يخدم من غير إجارة؛ فلا بأس ويجزئه حجه، وهذا كما أنه لا بأس بالتجارة في الحج، ويقال أن قوله تعالى: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ} (¬1) نزل في التجارة في الحج، وفي "سنن أبي داود" (¬2) عن أبي أمامة التيمي قال: كنت رجلًا أكري في هذا الوجه -يعني نفسي أو ظهري- وكان ناس يقولون: إنه ليس لك حج، فلقيت ابن عمر رضي الله عنه فذكرت ذلك له فقال: ألست تحرم وتلبي وتطوف بالبيت، وتفيض من عرفات وترمي الجمار؟ قلت: بلى. قال: فلك حج، جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسأله عن مثل ما سألتني عنه فسكت عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم يجبه حتى نزلت هذِه الآية: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ} فأرسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقرأ هذه الآية عليه وقال: "لك حج". ¬

_ (¬1) البقرة: 198. (¬2) "سنن أبي داود" (1733)، ورواه الحاكم (1/ 618)، والبيهقي (4/ 333). وقال الحاكم: صحيح الإسناد، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود".

الأصل

الأصل [498] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مسلم بن خالد، عن ابن جريج، عن عطاء قال: سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - رجلًا يقول: لبيك عن فلان. فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إن كنت حججت فلبّ عنه، وإلا فاحجج عن نفسك ثم احجج عنه" (¬1). [499] أبنا الربيع، أبنا الشافعي أبنا سفيان، عن أيوب، عن أبي قلابة قال: سمع ابن عباس رجلًا يقول: لبيك عن شبرمة. فقال ابن عباس: ويحك وما شبرمة؟ فذكر قرابة له. فقال: أحججت عن نفسك؟ قال: لا. قال: فاحجج عن نفسك ثم احجج عن شبرمة (¬2). الشرح حديث عطاء رواه الشافعي مرسلًا وكذلك رواه الثوري عن ابن جريج، ويروى عن ابن أبي ليلى عن عطاء عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرفوعًا (¬3)، وعن ابن أبي عروبة عن قتادة عن عزرة -وهو ابن عبد الرحمن الخزاعي- عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سمع رجلًا يقول: لبيك عن شبرمة. قال: "من شبرمة؟ " قال: أخ لي أو قريب لي. ¬

_ (¬1) "المسند" ص (109). (¬2) "المسند" ص (110). (¬3) رواه البيهقي (4/ 336).

قال: "حججت عن نفسك؟ " قال: لا. قال: "حج عن نفسك، ثم حج عن شبرمة" (¬1). ويروى الحديث عن غندر عن ابن أبي عروبة موقوفًا عن ابن عباس، وكذلك رواه الشافعي من رواية أبي قلابة موقوفًا، قال الحافظ أبو بكر البيهقي: إن صح حديث سعيد بن جبير مرفوعًا ففيه الدلالة على أن من لم يحج عن نفسه لا يحج عن غيره، وإن لم يصح فهو مروي مرسلًا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وصحيح عن ابن عباس من رواية غندر وغيره، وإذا انضمَّ قول الصحابي إلى المرسل قامت الحجة عند الشافعي. ويروى أيضًا عن عبد الوهاب [عن] (¬2) أيوب وخالد الحذاء عن أبي قلابة عن ابن عباس واللفظ: "فاجعل هذِه عن نفسك ثم حج عن شبرمة" (¬3) واحتج بقوله: "فاجعل هذِه عن نفسك" على أن الصرورة إذا أحرم عن غيره انقلب إلى فرضه والله أعلم، والاحتجاج بما يروى عن الحسن بن عمارة عن عمرو بن دينار عن عطاء عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سمع رجلًا يلبي عن شبرمة فدعاه فقال: "هل حججت؟ " قال: لا. قال: "هذِه عن نفسك ثم حج عن شبرمة" (¬4) أوضح وأقوى (¬5)، ويروى عن الحسن بن عمارة عن عبد الملك بن ميسرة عن ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (1811)، وابن ماجه (2903)، والبيهقي (4/ 336)، وصححه ابن الجارود (499)، وابن خزيمة (499) وابن حبان (962). وقال البيهقي: هذا إسناد صحيح ليس في الباب أصح منه. وقال ابن الملقن في "التحفة" (1056): إسناده على شرط الصحيح. وصححه الألباني في "الإرواء" (4/ 171). (¬2) في الأصل: وعن. خطأ، والمثبت من "سنن البيهقي". (¬3) رواه البيهقي (4/ 337). (¬4) رواه البيهقي (4/ 337). (¬5) كذا قال المؤلف - رحمه الله - والحسن بن عمارة متروك الحديث، ترجمته في "تهذيب الكمال" (6/ 265 - 277).

الأصل

طاوس عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: "هذِه عن شبرمة ثم حج عن نفسك" قال الحافظ أبو عبد الله بن منده: هذا وهم والصواب ما رواه الحسن وغيره عن عمرو بن دينار، وذكر الحافظ أن لشبرمة المحجوج عنه صحبة وأنه توفي في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم -. الأصل [500] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مسلم بن خالد، عن ابن جريج، عن عطاء وطاوس أنهما قا لا: الحجة الواجبة من رأس المال (¬1). الشرح مذهب الشافعي وبه قال عطاء وطاوس أن من مات وفي ذمته حق الله تعالى من حجٍّ أو كفارةٍ أو زكاةٍ أو نذر صدقة؛ يجب قضاؤها من رأس ماله ويكون مقدمًا على الوصايا والميراث، ولا فرق بين أن يوصي بذلك أو لا يوصي، بل سبيله سبيل ديون العباد، ويدل عليه ما سبق أن النبي - صلى الله عليه وسلم - شبه الحج الواجب بالدين حيث قال للجهنية: "أرأيت لو كان على أمك دين كنت قاضية". الأصل [501] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مسلم بن خالد وغيره، عن ابن جريج قال: أخبرني عطاء أنه سمع جابر بن عبد الله قال: قدم علي رضي الله عنه من سعايته فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: "بما أهللت يا علي"؟ فقال: بما أهل به النبي - صلى الله عليه وسلم -. قال: "فاهد وامكث حرامًا كما أنت". قال: وأهدى له علي هديًا (¬2). ¬

_ (¬1) "المسند" ص (110). (¬2) "المسند" ص (110).

[502] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مسلم بن خالد، عن ابن جريج، عن جعفر بن محمَّد، عن أبيه، عن جابر وهو يحدث عن حجة النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: خرجنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى إذا أتى البيداء فنظرت مدّ بصري من بين راكب وراجل بين يديه وعن يمينه وعن شماله ومن ورائه كلهم يريد أن يأتم به يلتمس أن يقول كما يقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا ينوي إلا الحج ولا يعرف (¬1) العمرة، فلما طفنا فكنا عند المروة قال: "يا أيها الناس من لم يكن معه هدي فليحلل وليجعلها عمرة، ولو استقبلت من أمري ما استدبرت ما أهديت، فحلّ من لم يكن معه هدي" (¬2). [503] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مسلم بن خالد، عن ابن جريج، عن منصور بن عبد الرحمن، عن صفية بنت شيبة، عن أسماء بنت أبي بكر قالت: خرجنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من كان معه هدي فليقم على إحرامه، ومن لم يكن معه هدي فليحلل" ولم يكن معي هدي فحللت، وكان مع الزبير هدي فلم يحلل (¬3). [504] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا ابن عيينة، عن يحيى بن سعيد، عن عمرة، عن عائشة قالت: خرجنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - لخمس بقين من ذي القعدة لا نرى إلا الحج، فلما كنا بسرف أو قريبًا منها أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - من لم يكن معه هدي يجعلها عمرة، فلما كنا بمنى أتيت بلحم بقر، فقلت: ما هذا؟ قالوا: ذبح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن نسائه البقر. ¬

_ (¬1) وضع علامة لحق وكتب في الحاشية: غيره، وعليها علامة نسخة، والمثبت يوافق ما في "المسند"، وفي "الأم": "لا ينوي إلا الحج ولا يعرف غيره ولا يعرف العمرة". (¬2) "المسند" ص (110). (¬3) "المسند" ص (110).

قال يحيى: فحدثت به القاسم بن محمَّد فقال: جاءتك والله بالحديث على وجهه (¬1). [505] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، [عن مالك] (¬2) عن يحيى عن عمرة والقاسم بمثل حديث سفيان لا يخالف معناه (¬3). [506] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة أنها قالت: خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حجة لا نرى إلا الحج حتى إذا كنا بسرف أو قريبًا منها حضت، فدخل عليّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا أبكي. فقال: "ما لك أنفست؟ " فقلت: نعم. فقال: "إن هذا أمر كتبه الله على بنات آدم، فاقضي ما يقضي الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت" ثم ضحى رسول الله عن نسائه البقر (¬4). [507] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، ثنا ابن طاوس وإبراهيم بن ميسرة وهشام بن حجير، سمعوا طاوسًا يقول: خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من المدينة لا يسمي حجًّا ولا عمرة ينتظر القضاء، فنزل عليه القضاء وهو بين الصفا والمروة، فأمر أصحابه من كان منهم أهل ولم يكن معه هدي أن يجعلها عمرة، وقال: "لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدي، ولكن لبَّدت رأسي وسقت هدي فليس لي محل دون محل هديي" فقام إليه سراقة بن مالك فقال: يا رسول الله اقض لنا قضاءَ قوم كأنما ¬

_ (¬1) "المسند" ص (111). (¬2) سقط من الأصل والمثبت من "المسند". (¬3) "المسند" ص (111). (¬4) "المسند" ص (111).

الشرح

ولدوا اليوم، أعمرتنا هذِه لعامنا هذا أم للأبد؟ قال: "بل للأبد دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة". قال: ودخل علي رضي الله عنه من اليمن فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: "بما أهللت؟ " قال أحدهما عن طاوس: إهلال النبي - صلى الله عليه وسلم -. وقال الآخر: لبيك حجة النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬1). الشرح هشام بن حجير. سمع: طاوسًا، ولم أجد ذكره في الكتب المشهورة وكان من حقه أن يذكر في كتب "المختلف والمؤتلف" في باب حجير وحجين (¬2). وسراقة: هو ابن مالك بن جعشم المدلجي، أبو سفيان، وقد يقال: سراقة بن جعشم. روى عن: النبي - صلى الله عليه وسلم -. وروى عنه: جابر، وابن عباس، وطاوس، وعطاء، والنزَّال بن سبرة (¬3). وحديث عطاء عن جابر أخرجه البخاريّ (¬4) ومسلم (¬5) في الكتابين ¬

_ (¬1) "المسند" ص (111). (¬2) قلت: ترجمته في: "الطبقات الكبرى" (5/ 484)، و"الجرح والتعديل" (9/ ترجمة 228)، و"التهذيب" (30/ ترجمة 6571). وقول المصنف: "لم أجد ذكره .. " لعله لأن البخاريّ لم يترجم له في "التاريخ الكبير" ولعله سقطت ترجمته منه أو أنه ترجم له في غيره. فقد قال المزي: قال البخاريّ عن علي بن المديني: له نحو خمسة عشر حديثًا، والله أعلم. (¬3) انظر "معرفة الصحابة" (3/ ترجمة 1326)، و"الإصابة" (3/ ترجمة 3117). (¬4) "صحيح البخاريّ" (1557). (¬5) "صحيح مسلم" (1216/ 41).

من طرق، وحديث محمَّد عن جابر أخرجه مسلم (¬1) عن أبي بكر بن [أبي] (¬2) شيبة عن حاتم بن إسماعيل عن جعفر عن أبيه. وحديث صفية عن أسماء أخرجه مسلم (¬3) عن زهير بن حرب عن روح بن عبادة عن ابن جريج. وحديث يحيى بن سعيد عن عمرة أخرجه البخاريّ (¬4) عن عبد الله بن يوسف عن مالك، ومسلم (¬5) عن القعنبي عن سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد. وحديث عبد الرحمن بن القاسم أخرجاه (¬6) (¬7) من طرق، وحديث طاوس وإن كان مرسلًا فهو ثابت من سائر الروايات المسندة ومعناه متفق على صحته. وقوله: "قدم علي رضي الله عنه من سعايته" أي: من ولايته على اليمن، ولم يرد من سعايته على الصدقة، وفي جواز كون الهاشمي عاملًا للصدقة اختلاف للأصحاب. والإهلال في الحج: رفع الصوت بالتلبية، ويقال: استهل المولود أي: رفع صوته، وسمي الهلال هلالًا لأن الناس يرفعون صوتهم بالإخبار عنه، والبيداء: أمام ذي الحليفة في طريق مكة وهي أقرب إلى مكة هكذا ذكر، وكل مفازة فهي بيداء. وقوله: "فليحلل" يقال: حل من إحرامه يحل وحل يُحل بالضم ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (1218/ 147). (¬2) سقط من الأصل. (¬3) "صحيح مسلم" (1236/ 191). (¬4) "صحيح البخاريّ" (1709). (¬5) "صحيح مسلم" (1211/ 125). (¬6) رواه البخاريّ (289)، ومسلم (1211/ 119 - 123). (¬7) رواه مسلم (1211/ 122).

إذا وجب ووقع، وكذلك حل بالمكان يحلّ. وقوله: "لو استقبلت من أمري ما استدبرت" أي: لو تأخرت عن رأيي الذي أراه الآن سوق الهدي الذي تقدم ما سقت. وسرف: على ستة أميال من مكة، وقيل: على سبعة، وقيل: تسعة، وقيل: اثني عشر. ونفست المرأة: حاضت، ونفُست فهي نفساء. ولبَّد رأسه أي: ألزق الشعر بعضه ببعض بصمغ أو خِطْميٍّ لئلا يشعث فلا يقع فيه الهوام وإنما يفعل ذلك إذا طال المكث في الإحرام هذا ما يتعلق بالألفاظ. وأما المعاني والأحكام فمن الظواهر: أن الحج والعمرة يؤديان على ثلاثة أوجه: أحدها: الإفراد وهو أن يحرم بالحج ويأتي بأعماله، ويعتمر بعد الفراغ من الحج. والثاني: التمتع وهو أن يحرم الآفاقي في أشهر الحج من الميقات، ثم يحج في ذلك العام من جوف مكة. والثالث: القرآن وهو أن يحرم بالحج والعمرة معًا، أو يحرم بالعمرة ثم يدخل عليها الحج قبل أن يطوف ويأتي بأعمال الحج فيحزئه عنهما جميعًا. ولا يجوز إدخال الحج عليها بعد الطواف، وأصح قولي الشافعي: أنه لا يجوز إدخال العمرة على الحج، واختلفت الرواية في كيفية أداء النبي - صلى الله عليه وسلم - لهما في حجة الودع: ففي "الصحيح" عن عائشة؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أفرد الحج (¬1) وعنها أنها قالت: "خرجت مع ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1211/ 122).

النبي - صلى الله عليه وسلم - عام حجة الودع فمنا من أهلَّ بعمرة، ومنا من أهل بالحج، ومنا من أهل بالحج والعمرة، وأهل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالحج" (¬1) ويدل عليه قول جابر في رواية جعفر بن محمَّد: "لا ينوي إلا الحج ولا يعرف غيره" وقول عائشة في رواية عمرة: "لا نرى إلا أنه الحج". وفي "الصحيح" (¬2) من رواية ابن عمر؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تمتع في حجة الودع بالعمرة إلى الحجة أهل بالعمرة ثم أهل بالحج. وعن سعد بن أبي وقاص (¬3) وابن عباس (¬4) وعمران (¬5) بن الحصين؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تمتع وتمتع الناس معه: وفي "الصحيح" (¬6) عن أبي قلابة عن أنس؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أهل بحج وعمرة وأهل الناس بهما. واحتج أبو سليمان الخطابي لكونه قارنًا بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - ساق الهدي معه، وقال لعلي وهو أهل بإهلال كإهلال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "اهد وامكث حرامًا كما أنت" (¬7) والهدي إنما يجب على القارن والمتمتع دون المفرد، ولو كان متمتعًا لما قال: "امكث حرامًا" لأن المتمتع يحل ثم ينشيء للحج إحرامًا، وعن جابر؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أحرم من ذي الحليفة إحرامًا موقوفًا ينتظر القضاء فنزل عليه الوحي وهو على الصفا، فأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - من لم يكن معه هدي أن يجعله عمرة ومن كان معه هدي أن يحج (¬8). ¬

_ (¬1) رواه البخاريّ (1562)، ومسلم (1211/ 118). (¬2) رواه البخاريّ (1691)، ومسلم (1227/ 174). (¬3) رواه الترمذي (823)، والنَّسائيّ (5/ 152)، وابن حبان (3939). وقال الترمذي: صحيح. (¬4) رواه الترمذي (822) وقال: حسن صحيح. (¬5) رواه البخاريّ (1572). (¬6) رواه البخاريّ (1551). (¬7) رواه البخاريّ (1557)، ومسلم (1216/ 141). (¬8) هذا لفظ رواية طاوس التي رواها الشافعي.

ويوافقه حديث طاوس المنقول في الكتاب، وروي مثله عن سعيد بن عبد الرحمن بن رقيش، وحاول محاولون الجمع بين الروايات بأن الفعل كما يضاف إلى الفاعل يضاف إلى الآمر، كما يقال: رجم النبي - صلى الله عليه وسلم - ماعزًا، وضرب الأمير درهمًا، وبنى فلان دارًا، وكان في أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - من أفرد ومنهم من تمتع ومنهم من قرن، وفعل كل منهم صدر عن أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - وتعليمه فأضيف ما فعلوه إليه، وذكر الإِمام أبو سليمان الخطابي أن الشافعي رضي الله عنه جمع بين الروايات هكذا في كتاب "اختلاف الحديث" وأنت إذا نظرت في الروايات وتأملت ألفاظها لم يتهيأ لك هذا الجمع، أليس قد روينا عن عائشة أنها قالت: "خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام حجة الودع فمنا من أهل بالعمرة، ومنا من أهل بالحج ومنا من أهل بهما، وأهل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالحج" وهذا ونحوه بعيد عما قيل في الجمع، على أني قد راجعت كتاب "اختلاف الحديث" غير مرة فلم أعثر على ما يشعر بذلك، ويمكن أن يقال -بناء على الأظهر من المذهب وهو أن الإفراد أفضل-: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أفرد وقول من قال: "جمع بينهما" محمول على أنه فعلهما جميعًا، وقصد الكعبة لهما، وذكرهما في تلبيته ليعرف أن كل واحد واجب مفعول، ومعلوم أن الاعتبار في الإحرام بالنية لا بالتلبية، ويحمل قول من قال: "تمتع" على أنه أمر به؛ وأما أنه أمرهم بأن يجعلوا إحرامهم عمرة ويحلوا فقد اتفقت الروايات عليه وذلك لا إشكال فيه على رواية من روى أنهم أحرموا إحرامًا مبهمًا، فإن من أبهم الإحرام له أن يصرفه إلى ما يشاء؛ وإنما أمرهم بأن يجعلوه عمرة تسهيلًا للأمر عليهم كيلا تطول مدة الإحرام، وقد ذكر الشافعي في "اختلاف الحديث" أن إبهامهم الإحرام أولى أن يكون محفوظًا من سائر الروايات، وأما على

رواية الإفراد فقد ذكر أنه أمرهم بأن يفسخوا الإحرام بالحج ويجعلوه عمرة، وفي الروايات ما يبين ذلك وفي "الصحيح" (¬1) عن جابر بن عبد الله "أنه حج مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم ساق البدن معه، وقد أهلوا بالحج مفردًا فقال: أحلوا من إحرامكم بطواف البيت وبين الصفا والمروة، وقصروا ثم أقيموا حلالًا، حتى إذا كان يوم التروية فأهلوا بالحج واجعلوا التي قدمتم بها متعة. فقالوا: كيف نجعلها متعة وقد سمينا الحج؟ فقال: أفعلوا ما آمركم به، فلولا أني سقت الهدي لفعلت مثل الذي أمرتكم به، ولكن لا يحل مني حرام حتى يبلغ الهدي محله ففعله" وترجم البخاريّ الباب بـ "باب التمتع والقران والإفراد في الحج وفسخ الحج" وفعل أبو عبد الله بن ماجه نحوًا من ذلك، ثم قال الأكثرون: كان فسخ الحج مخصوصًا بهم، يروى عن بلال بن الحارث أنه قال: قلت: يا رسول الله فسخ الحج لنا خاصة أو لمن بعدنا؟ قال: "لكم خاصة" (¬2). وسبب تجويزه لهم أنهم كانوا في الجاهلية يحرمون العمرة في أشهر الحج فأمرهم - صلى الله عليه وسلم - بالعمرة، وفسخ الحج صرفًا لهم عن عادة الجاهلية وطريقتها، ومنهم من جوز الفسخ لسائر الناس ويروى هذا عن أحمد، ومن قال: إنهم كانوا متمتعين فالمتمتع محلٌّ بالفراغ من العمرة، لكن فلا يتوجه أن يقال للمتمتع: اجعل إحرامك ¬

_ (¬1) رواه البخاريّ (1568)، ومسلم (1216/ 143). (¬2) رواه أبو داود (1808)، والنَّسائيّ (5/ 179)، وابن ماجه (2984)، والحاكم (3/ 593). وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (315).

عمرة، ومن قال: كانوا قارنين فلعله يجوز فسخ الحج والاقتصار على العمرة كما ذكرنا على رواية الإفراد، واستدامة النبي - صلى الله عليه وسلم - الإحرام إلى أن يبلغ الهدي محله ويفرغ من أعمال يوم النحر ظاهرة على قول من قال: أنه كان مفردًا أو قارنًا، وأما على رواية التمتع فقد ذهب ذاهبون إلى أن المتمتع إذا كان قد ساق الهدي لا يستبيح محظورات الإحرام حتى يفرغ من الحجة وبهذا قال أبو حنيفة؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لولا أني سقت الهدي لفعلت مثل الذي أمرتكم، ولكن لا يحل مني حرام حتى يبلغ الهدي محله" (¬1). وقال آخرون: لا فرق بين [من] (¬2) ساق الهدي ومن لم يسق، لكن يستحب التحرز عن محظورات الإحرام حتى يفرغ من الحج وهو قول الشافعي، واحتج من رأى التمتع أفضل بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدي ولجعلتها عمرة" وبقوله: "لو لم أسق الهدي لجعلتها عمرة" وقالوا: لولا أن التمتع أفضل لما تمناه النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأجيب عنه بأنه إنما ذكر ذلك استطابة لقلوب أصحابه فإنه كان يشق عليهم أن يحلوا وهو محرم، فبين لهم أن الأولى والأليق بالحال ما يأمرهم به، وأنه لولا سوق الهدي لوافقهم عليه، واحتج بإهلال علي بإهلال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحكاية الحال للنبي - صلى الله عليه وسلم - على أنه يجوز أن يهل الرجل بإهلال من هو غائب عنه وهو لا يعرف بم أهل، وفيه تجويز إبهام الإحرام. ¬

_ (¬1) سبق تخريجه، وهو متفق عليه من حديث جابر. (¬2) في الأصل: ما. والسياق يقتضي المثبت.

وقوله: "حتى إذا أتى البيداء ... إلى آخره" قد سبق في تفسير البيداء ما يشعر بخروجه عن حد ذي الحليفة وإذا كان كذلك فلا يكون إنشاء الإحرام منه؛ لأن الميقات ذو الحليفة، ولكن المراد أنه رفع الصوت بحيث يسمع الناس بالبيداء والإحرام كان بذي الحليفة، وفي "الصحيح" عن ابن عمر رضي الله عنه أنه قال: "بيداؤكم هذِه التي تكذبون على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيها ما أهلّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا من عند المسجد يعني مسجد ذي الحليفة" (¬1). وعن ابن عباس أنه قال: خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حاجًّا فلما صلى في مسجد ذي الحليفة ركعتيه أهل بالحج فسمع ذلك منه أقوام فحفظته، ثم ركب فأهل وأدرك ذلك منه أقوام ثم مضى، فلما علا على شرف البيداء أهلّ وأدرك ذلك منه أقوام فقالوا: إنما أهل حين علا على شرف البيداء (¬2). وشرف البيداء: ما أشرف منها. وحديث عمرة عن عائشة أورده البخاريّ في باب ترجمه بـ "ذبح الرجل البقر عن نسائه من غير أمرهن" وذكروا في المذهب أنه لا يجوز التضحية عن الغير بغير إذنه، وفي القصة ما يدل على أنه لا يجوز للحائض الطواف بالبيت. ¬

_ (¬1) رواه البخاريّ (1541) مختصرًا، ومسلم (1186/ 23، 24). (¬2) رواه أبو داود (1770)، والحاكم (1/ 260). قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم. وقال الحافظ في "الدراية" (2/ 9): هو من رواية خصيف، وفيه ضعف. وقال الزيلعي (3/ 21): وفيه ابن إسحاق فيه مقال وكذلك خصيف. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود".

الأصل

وقول سراقة: "اقض لنا قضاء قوم كأنما ولدوا اليوم" كأنه يقول بيّن لنا كما [تبين] (¬1) للجاهل المحض، والمولود حين يولد خالٍ عن العلوم. وفيه أن العمرة لا تجب في العمر إلا مرة. وقوله: "دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة" قيل: معناه أن الحج مغنٍ عنها وهذا قول من لا يوجب العمرة، ومن رآها واجبة قال: معناه أن أعمال العمرة تدخل في أعمال الحج عند القرآن، وقيل: معناه أن العمرة تدخل في وقت الحج خلافا لما كان أهل الجاهلية عليه من تخصيص العمرة بغير أشهر الحج. وقوله: "قال أحدهما عن طاوس: إهلال النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقال الآخر: لبيك حجة النبي - صلى الله عليه وسلم -"، يريد أن أحدهما حكى هذا اللفظ والآخر حكى هذا اللفظ، ولفظ الحج لا يزيل الإبهام فقد تسمى العمرة (¬2) الحج الأصغر، وأراد بالرجلين ابن طاوس وإبراهيم بن ميسرة دون هشام، فإن حديث طاوس رواه في كتاب "اختلاف الحديث" (¬3) من روايتهما ولم يذكر هشامًا وحكى اختلافهما في اللفظتين وهو على هذا النسق معاد في الكتاب من بعد. الأصل [508] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن أبي حازم، ¬

_ (¬1) في الأصل: بين: والسياق يقتضي المثبت. (¬2) زاد في الأصل: و. مقحمة. (¬3) "اختلاف الحديث" (1/ 304).

الشرح

عن سهل؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زوج امرأة بسورة من القرآن (¬1). [509] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مسلم وسعيد، عن ابن جريج، عن عطاء أن رجلًا سأل ابن عباس فقال: أؤاجر نفسي من هؤلاء القوم فأنسك معهم المناسك هل يجزيء عني؟ فقال ابن عباس: ئعم {أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ} (¬2). الشرح حديث مالك عن أبي حازم صحيح معاد (¬3) بتمامه في كتاب الصداق واختصره الشافعي ها هنا لأنه دخيل في هذا الموضع، وغرضه من إيراده أنه قال في "الأم" (¬4): ولا بأس بالإجارة على الحج والعمرة والخير، وهي على الخير أجوز منها على ما ليس بخير، واحتج بالحديث على جواز الإجارة على الخير، وقال: لا يجوز النكاح إلا بما له قيمة من الإجارات والأثمان. وحديث عطاء عن ابن عباس قد سبق (¬5) مرة لكن قال ها هنا: "هل يجزيء عني" بدل قوله: "ألي أجر" هناك وهكذا رواه الشافعي في "الأمالي" عن مسلم بن خالد وحده. الأصل [510] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا القداح، عن الثوري، عن زيد ¬

_ (¬1) "المسند" ص (112). (¬2) "المسند" ص (112). (¬3) يأتي في كتاب الصداق إن شاء الله برقم (1214). (¬4) "الأم" (2/ 128). (¬5) مرّ برقم (497).

الشرح

بن جبير قال: إني لعند عبد الله بن عمر وسئل عن هذه فقال: هذه حجة الإِسلام فليلتمس أن يقضي نذره يعني فيمن عليه الحج ونذر حجًّا (¬1). الشرح القداح: هو سعيد بن سالم وقد مرّ ذكره. وزيد بن جبير: هو الكوفي الجشمي من بني جشم بن معاوية. سمع: ابن عمر. وروى عنه: سفيان الثوري (¬2). وقوله: "سئل عن هذِه" يعني: الصورة أو المسألة وهي التي بيَّنها أبو العباس آخرًا فقال: يعني فيمن عليه الحج ونذر حجًّا. والأثر يوافق قول الشافعي: أن من نذر حجًّا وعليه حج الإِسلام فحج عن نذره ينصرف ما فعله إلى حج الإِسلام وعليه الوفاء بالنذر، ووجهه بأن حج الإِسلام كان واجبًا، والنذر لم يكن واجبًا عليه وإنما ألزمه نفسه فكان شبيهًا بدخوله في التطوع، وبالاتفاق لو حجّ بنية التطوع وعليه حج الإِسلام ينصرف إلى حجة الإِسلام، والاستفتاء من ابن عمر رضي الله عنه صدر من امرأة ففي غير هذِه الرواية أن زيدًا قال: كنت عند ابن عمر فجاءته امرأة فقالت: إني نذرت الحج إلى البيت ولم أحج حجة الإِسلام فقال: هذِه حجة الإِسلام وفي بنذرك (¬3). ¬

_ (¬1) "المسند" ص (112). (¬2) انظر "التاريخ الكبير" (3/ ترجمة 1298)، و"الجرح والتعديل" (3/ ترجمة 2527)، و"التهذيب" (10/ ترجمة 2092). (¬3) رواه ابن أبي شيبة (3/ 130).

الأصل

الأصل [511] أبنا الربيع، أبنا الشافعي قال: قال سعيد بن سالم: واحتج بأن سفيان الثوري أخبره، عن معاوية بن إسحاق، عن أبي صالح الحنفي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "الحج جهاد والعمرة تطوع" (¬1). الشرح أبو صالح الحنفي: قيل: اسمه ماهان، والأصح أنه عبد الرحمن بن قيس. سمع: عليًّا، وأبا مسعود، وحذيفة. وروى عنه: أبو [عون] (¬2) الثقفي، وابن أبي خالد (¬3). والحديث أورده الشافعي في "الأم" بعدما قال (¬4): إن بعض المشرقيين ذهب إلى أن العمرة تطوع وبه قال سعيد بن سالم واحتج بهذا الحديث، قال: فقلت له: أتثبت مثل هذا عن النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ فقال: هو منقطع لا تثبت به الحجة، وانتقل إلى كلام آخر. ويروى القول بوجوب العمرة عن: عمر وابن عمر وزيد بن ثابت وعطاء وطاوس ومجاهد وقتادة والحسن وابن سيرين وسعيد بن جبير، وعن ابن عباس أنه قال: إنها لقرينه الحج في كتاب الله {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ ¬

_ (¬1) "المسند" ص (112). (¬2) في الأصل: عثمان. تحريف، والمثبت من التخريج، وأبو عون هو محمَّد بن عبيد الله الثقفي. (¬3) انظر "التاريخ الكبير" (5/ ترجمة 1081)، و"الجرح والتعديل" (5/ ترجمة 1314)، و"التهذيب" (17/ ترجمة 3937). (¬4) "الأم" (2/ 132).

وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} (¬1) واحتج له بما روي عن أبي رزين العقيلي قال: سألت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقلت: إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الحج والعمرة؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "حج عن أبيك واعتمر" (¬2). وبأن الصُّبي بن معبد قال: إني وجدت الحج والعمرة مكتوبين عليّ (¬3) ولم ينكر عليه عمر رضي الله عنه، ولم يُصحَّح ما روي عن جابر مرفوعًا "أن الحج والعمرة واجبان" (¬4) ولا ما روي موقوفًا ومرفوعًا أنه سئل عن العمرة أواجبة هي؟ فقال: "لا، وأن تعتمر فهو خير لك" (¬5). ¬

_ (¬1) رواه البخاريّ تعليقًا بصيغة الحزم (باب وجوب العمرة وفضلها). (¬2) رواه أبو داود (1810)، والترمذي (930)، والنَّسائيّ (5/ 111)، وابن الجارود (500) وابن خزيمة (3040)، وابن حبان (3991)، والحاكم (1/ 564)، والدارقطني (2/ 283 رقم 209). قال الترمذي: حسن صحيح وقال الدارقطني: رواته ثقات. (¬3) رواه أبو داود (1799)، والنَّسائيّ (5/ 146)، وابن ماجه (2970)، وابن خزيمة (3069)، وابن حبان (985). قال الدارقطني في "العلل" (192): حديث صحيح، وذكره الحافظ في "الفتح" (3/ 597) وسكت عليه، وصححه الألباني في "الإرواء" (4/ 153). (¬4) رواه ابن عدي (4/ 150)، والبيهقي (4/ 350) وأعلاه بابن لهيعة، وكذا الحافظ في "الدراية" (2/ 47). (¬5) رواه الترمذي (931) من طريق الحجاج، عن محمَّد بن المنكدر، عن جابر به مرفوعًا. قال الترمذي: حسن صحيح. قال الحافظ في "التلخيص" (962): والحجاج ضعيف، قال البيهقي: المحفوظ عن جابر موقوف كذا رواه ابن جريج وغيره، وروي عن جابر بخلاف ذلك مرفوعًا يعني حديث ابن لهيعة السابق - وكلاهما ضعيف. وقال صاحب "الإِمام": وفي تصحيح الترمذي نظر كثير من أجل الحجاج فإن الأكثر على تضعيفه والاتفاق على أنه مدلس. =

الأصل

الأصل [512] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا ابن عيينة، أنه سمع عمرو بن دينار يقول: سمعت عمرو بن أوس يقول: أخبرني عبد الرحمن بن أبي بكر؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمره أن يردف عائشة فيعمرها من التنعيم (¬1). [513] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا ابن عيينة، عن إسماعيل بن أمية، عن مزاحم، عن عبد العزيز بن عبد الله بن خالد، عن محرش الكعبي؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خرج من الجعرانة ليلًا فاعتمر وأصبح بها كبائت (¬2). [514] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مسلم بن خالد، عن ابن جريج هذا الحديث بهذا الإسناد. قال ابن جريج: هو مخرش. قال الشافعي: وأصاب ابن جريج لأن ولده عندنا بنو مخرش (¬3). الشرح عمرو بن أوس الثقفي المكي. سمع: عبد الله بن عمر، وعبد الرحمن بن أبي بكر، وعبد الله بن أبي سفيان. وروى عنه: عمرو بن دينار، والنعمان بن سالم. قيل: أنه مات سنة خمس وتسعين (¬4). ¬

_ = وقال النووي: ينبغي أن لا يغتر بكلام الترمذي في تصحيحه فقد اتفق الحفاظ على تضعيفه، وقد نقل الترمذي عن الشافعي أنه قال: ليس في العمرة شيء ثابت أنها تطوع. أهـ. (¬1) "المسند" ص (112). (¬2) "المسند" ص (112). (¬3) "المسند" ص (113). (¬4) انظر "التاريخ الكبير" (6/ ترجمة 2500)، و"الجرح والتعديل" (6/ ترجمة 1219)، و"التهذيب" (21/ ترجمة 4329).

وعبد الرحمن: هو ابن أبي بكر الصديق أبو محمَّد التيمي، ذكر أنه أسلم عام الحديبية وأن اسمه كان عبد الكعبة فسماه النبي - صلى الله عليه وسلم - عبد الرحمن. سمع: النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأباه أبا بكر. وروى عنه: أبو عثمان النهدي، وغيره. مات سنة ثمان وخمسين، وقيل: ثلاث وخمسين (¬1). ومزاحم: هو ابن أبي مزاحم المكي. روى عن: عمر بن عبد العزيز، وعبد العزيز بن عبد الله. وروى عنه: ابنه سعيد، وإسماعيل بن أمية، وابن جريج (¬2). وعبد العزيز: هو ابن عبد الله بن خالد بن أسيد. روى عن: النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلًا عن مخرش الكعبي. وروى عنه: السفاح بن مطر (¬3). ومحرش: هو ابن عبد الله الكعبي الخزاعي معدود في الصحابة. قال أبو عيسى الترمذي (¬4): ولا نعرف له غير هذا الحديث. وهو من أهل الحجاز، واختلف في اسمه: فقيل: مُحرّش بضم الميم وبالحاء المهملة والراء المشددة والشين وكذلك رواه إسماعيل بن أمية ولم يذكر ابن ماكولا في "كتابه" (¬5) غير ذلك، وقيل: مخرش بكسر ¬

_ (¬1) انظر "معرفة الصحابة" (4/ ترجمة 1812)، و"الإصابة" (4/ ترجمة 5155). (¬2) انظر "التاريخ الكبير" (8/ ترجمة 2015)، و"الجرح والتعديل" (8/ ترجمة 1859)، و"التهذيب" (27/ ترجمة 5884). (¬3) انظر "التاريخ الكبير" (6/ ترجمة 1524)، و"الجرح والتعديل" (5/ ترجمة 1800)، و"التهذيب" (18/ ترجمة 3454). (¬4) "جامع الترمذي" (935). (¬5) "الإكمال" (7/ 175). وقال ابن قانع (1052): والصواب محرش.

الميم وبالخاء المعجمة الساكنة والراء المخففة وكذلك رواه ابن جريج وصوبه الشافعي وإلى ترجيحه يميل كلام الحافظ الدارقطني بعد ما حكى الاختلاف فيه (¬1). والحديث الأول مدون في "الصحيحين" (¬2) أخرجه البخاريّ عن علي بن عبد الله عن سفيان، ومسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة وابن نمير عن سفيان. والحديث الثاني أخرجه أبو داود (¬3) عن قتيبة عن سعيد بن مزاحم عن أبيه، وأبو عيسى (¬4) عن بندار عن يحيى بن سعيد عن ابن جريج عن مزاحم. والتنعيم: بين مكة وسرف، قيل: هي على فرسخين من مكة، وقيل: على أربعة أميال، وقيل: على فرسخ وهي من الحل، قال الشافعي (¬5): هي أقرب الحل إلى البيت. ويقال: إنما سميت التنعيم لأن على يمينها قبالًا (¬6) يقال له نعيم، ¬

_ (¬1) انظر "معرفة الصحابة" (5/ ترجمة 2782)، و"الإصابة" (5/ ترجمة 7754). (¬2) "صحيح البخاريّ" (1784)، و"صحيح مسلم" (1212/ 135). (¬3) "سنن أبي داود" (1996). (¬4) "جامع الترمذي" (935). قال ابن عبد البر في "التمهيد" (24/ 409): حديث صحيح، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1742). (¬5) "الأم" (2/ 133). (¬6) كذا في الأصل. وفي "اللسان": قابل الشيء بالشيء مقابلة وقبالًا: عارضه، وإذا ضممت شيئًا إلى شيء قلت: قابلته به. وفي "الفتح" (3/ 607): إنما التنعيم لأن الجبل الذي عن يمين الداخل يقال له ناعم، والذي عن اليسار يقال له: منعم.

وعلى شمالها آخر يقال له ناعم، وذكر الشافعي والأصحاب أن عائشة كانت قد أحرمت بالعمرة لما خرجت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم حاضت ولم يمكنها الطواف للعمرة، وخافت فوت الحج لو أخرت، فأمرها النبي - صلى الله عليه وسلم - بأن تهل بالحج وتدخله على العمرة، وتفعل ما يفعل الحاج سوى الطواف، فإذا طهرت طافت عنهما جميعًا، واستدلوا بذلك على جواز إدخال الحج على العمرة قبل الطواف، قالوا: ثم إنها أحبت أن تنصرف بعمرة غير مقرونة بحج، فأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بإعمارها من التنعيم يبينه ما في "صحيح مسلم" (¬1) عن جابر قال: أقبلنا مهلين مع النبي - صلى الله عليه وسلم - بحج مفرد وأقبلت عائشة مهلَّة بعمرة، حتى إذا كانت بسرف عركت حتى إذا قدمنا طفنا بالكعبة وبالصفا والمروة، فأمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يحل منا من لم يكن معه هدي، فواقعنا النساء وتطيبنا ولبسنا ثيابنا وليس بيننا وبين عرفة إلا أربع ليال، ثم أهللنا يوم التروية، ثم دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -[على عائشة] (¬2) فوجدها تبكي فقال: "ما شأنك؟ " قالت: شأني أني قد حضت وقد حل الناس ولم أحلل ولم أطف بالبيت، والناس يذهبون إلى الحج الآن. فقال: "إن هذا أمر كتبه الله على بنات آدم فاغتسلي ثم أهلي بالحج" ففعلت ووقفت المواقف حتى إذا طهرت طافت بالكعبة والصفا والمروة، ثم قال: "قد حللت من حجك وعمرتك جميعًا". فقالت: يا رسول الله إني أجد في نفسي أني لم أطف بالبيت حتى حججت. قال: "فاذهب يا أبا عبد الرحمن فأعمرها من التنعيم" وذلك ليلة الحصبة. ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (1213/ 136). (¬2) من "صحيح مسلم".

قوله: "عركت" أي: حاضت، يقال: عركت المرأة تَعْرُكُ عُرُوكًا، وليلة الحصبة: ليلة النفر من منى إلى مكة للتوديع، والتحصيب: أن تقيم بالشعب الذي مخرجه إلى الأبطح، ويقال لذلك الموضع: المُحصَّبُ. وفي الحديث دليل على أنه يستحب للحائض أن تغتسل للإحرام، وما روي في "الصحيحين" (¬1) عن عروة عن عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لعائشة: "انقضي رأسك وامتشطي وأهلي بالحج ودعي العمرة". قالت: ففعلت، فلما قضينا الحج أرسلني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع عبد الرحمن بن أبي بكر إلى التنعيم فاعتمرت. فقال: "هذِه مكان عمرتك". فهو محمول عند الشافعي على أنه أمرها بترك أعمال العمرة في الحال وبإدخال الحج عليها وإعمارها من التنعيم كان تطييبًا لقلبها لا قضاءً للعمرة. وقوله: "هذِه مكان عمرتك" أي: التي أحرمت بها مفردة، وذهب بعضهم إلى أنه أمرها بترك العمرة وفسخها وأن عمرتها من التنعيم كانت قضاءً. والجعرانة: بين الطائف ومكة، واللفظة بالتخفيف ثقلها بعضهم وقد يغلطون فيه. وقوله: "فأصبح بها كبائتٍ" أي: مثل من بات بها ولم يكن غائبًا عنها، وإلامَ ترجع الكناية في قوله: "بها"؟ ظاهر اللفظ عودها إلى الجعرانة فإنها المذكورة كأنه اعتمر ورجع إلى الجعرانة فأصبح بها، ¬

_ (¬1) "صحيح البخاريّ" (1556)، ومسلم (1211/ 111).

يدل عليه أن في رواية يحيى بن سعيد عن ابن جريج عن مزاحم: خرج من الجعرانة ليلًا معتمرًا فدخل مكة يقضي عمرته ثم خرج من ليلته فأصبح بالجعرانة كبائت فما زالت الشمس من الغد خرج في بطن سرف (¬1) لكن اللفظ في "سنن أبي داود" (¬2) عن محرش: دخل النبي - صلى الله عليه وسلم - الجعرانة فجاء إلى المسجد ركع ما شاء الله ثم أحرم ثم استوى على راحلته فاستقبل بطن سرف حتى لقي طريق المدينة فأصبح بمكة كبائت. وقد يؤيد هذا بما قيل: أن الجعرانة على ستة فراسخ من مكة ويستبعد قطع هذِه المسافة ذهابًا وإيابًا والاعتمار في ليلة واحدة والله أعلم، وإنما اعتمر النبي - صلى الله عليه وسلم - من الجعرانة في غزوة حنين ففي "الصحيح"؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - اعتمر أربع عمر: عمرة الحديبية حيث صده المشركون، وعمرة من العام المقبل في ذي القعدة حيث صالحهم، وعمرة الجعرانة حيث قسم غنائم حنين، وعمرة مع حجته (¬3) ويقال: أنه - صلى الله عليه وسلم - اعتمر من الجعرانة مرتين عمرة القضاء سنة سبع، ومرة عمرة هوازن (¬4). ورأى الشافعي لمن هو بمكة أفضل البقاع لإحرام العمرة: الجعرانة ثم التنعيم ثم الحديبية، وليس النظر في الترتيب إلى المسافة؛ فقد قيل: إن المسافة من الجعرانة ومن الحديبية إلى مكة واحدة، ولكن ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (935) وقد سبق تخريجه. (¬2) "السنن" (1996). (¬3) رواه البخاريّ (1778)، ومسلم (1253/ 217) من حديث أنس. (¬4) قال الحافظ في "التلخيص" (977): كذا وقع فيه (أي الشرح الكبير للرافعي) وهو غلط واضح فإنه - صلى الله عليه وسلم - يعتمر في عمرة القضاء من الجعرانة، وكيف يتصور أن يتوجه - صلى الله عليه وسلم - من المدينة إلى جهة الطائف حتى يحرم من الجعرانة ويتجاوز ميقات المدينة، وكيف يلتئم هذا مع قوله: قيل أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يحرم إلا من الميقات، بل في الصحيح من حديث أنس ... فساق الحديث السابق.

الأصل

النبي - صلى الله عليه وسلم - اعتمر من الجعرانة وأمر عائشة بالإحرام من التنعيم وصلى بالحديبية وأراد الدخول منها في العمرة، فصده المشركون فقدم ما فعله ثم ما أمر به ثم ما همَّ به. الأصل [515] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مسلم، عن ابن جريج، عن عطاء؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لعائشة: "طوافك بالبيت وبين الصفا والمروة يكفيك لحجك وعمرتك" (¬1). [516] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا ابن عيينة عن ابن أبي نجيح، عن عطاء، عن عائشة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (بمثله) (¬2)، وربما قال سفيان: عن عطاء عن عائشة، وربما قال: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لعائشة (¬3). الشرح الحديث ثابت من رواية عطاء عن عائشة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وربما كان يسنده سفيان وربما كان يرسله فيقول: عن عطاء أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لعائشة كما رواه مسلم عن ابن جريج عن عطاء، ويوافقه ما قدمنا من رواية جابر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لها بعد طوافها بالكعبة وبالصفا والمروة: "قد حللت من حجك وعمرتك جميعًا". وفيه دليل على أن القارن يكفيه للحج والعمرة طواف واحد وسعي ¬

_ (¬1) "المسند" ص (113). والحديث رواه موصولًا أبو داود (1897)، والدارقطني (2/ 269 رقم 125)، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (3917). (¬2) كتبت بحاشية "الأصل" وعليها رمز نسخة. (¬3) "المسند" ص (113).

الأصل

واحد كما ذهب إليه الشافعي، ويروى ذلك عن ابن عمر وعطاء ومجاهد والحسن وطاوس، وبه قال مالك، وذهب قوم منهم: الثوري وأبو حنيفة إلا أن القارن يطوف طوافين أحدهما عن العمرة قبل الوقوف والثاني عن الحج بعد الوقوف. الأصل [517] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا ابن عيينة، عن ابن أبي حسين، عن بعض ولد أنس بن مالك قال: كنا مع أنس بن مالك بمكة فكان إذا حمَّم رأسه خرج فاعتمر (¬1). [518] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا ابن عيينة، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهدة أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: في كل شهر عمرة (¬2). [519] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا ابن عيينة، عن يحيى بن سعيد، عن ابن المسيب؛ أن عائشة اعتمرت في سنة مرتين: مرة من ذي الحليفة، ومرة من الجحفة (¬3). [520] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان بن عيينة، عن صدقة بن يسار، عن القاسم بن محمد؛ أن عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - اعتمرت في سنة مرتين. قال صدقة: فقلت هل عاب ذلك عليها أحد؟ قال: سبحان الله أم المؤمنين! فاستحييت (¬4). ¬

_ (¬1) "المسند" ص (113). (¬2) "المسند" ص (113). (¬3) "المسند" ص (113). (¬4) "المسند" ص (113).

الشرح

[521] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا أنس، عن موسى بن عقبة، عن نافع قال: اعتمر عبد الله (بن عمر) (¬1) أعوامًا في عهد ابن الزبير عمرتين في كل عام (¬2). الشرح ابن أبي حسين: هو عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين المكي القرشي النوفلي. سمع: نوفل بن مساحق، ونافع بن جبير، وعطاء بن أبي رباح. روى عنه: شعيب بن أبي حمزة، ومالك، والثوري، وابن عيينة، وعبد الله بن حبيب بن أبي ثابت (¬3). وآخر يقال له: ابن أبي حسين وهو عمر (¬4) بن سعيد بن أبي حسين المكي القرشي النوفلي. سمع: ابن أبي مليكة. وروى عنه: ابن المبارك، وعيسى بن يونس، ويحيى القطان. وكأنهما ابنا عم (¬5). وصدقة بن يسار سكن مكة. ¬

_ (¬1) كتبت بالحاشية وعليها رمز نسخة. (¬2) "المسند" ص (113). (¬3) انظر "التاريخ الكبير" (5/ ترجمة 395)، و"الجرح والتعديل" (5/ ترجمة 449)، و"التهذيب" (15/ ترجمة 3379). (¬4) انظر "التاريخ الكبير" (6/ ترجمة 2021)، و"الجرح والتعديل" (6/ ترجمة 583)، و"التهذيب" (21/ ترجمة 4242). وغالب الظن أنه الأول، والله أعلم. (¬5) انظر "التاريخ الكبير" (4/ ترجمة 2872)، و"الجرح والتعديل" (4/ ترجمة 1884)، و"التهذيب" (13/ ترجمة 2871).

الأصل

روى عن: القاسم بن محمَّد، والزهري. وروى عنه: مالك، والثوري (¬1). وقوله: "حمَّم رأسه" يقال: حمَّم رأس فلان بعد الحلق إذا اسود، وحمَّم الفرخ: إذا شوك بعد التزغيب (¬2). واستشهد الشافعي بهذه الآثار على أن جميع السنة وقت العمرة، والإحرام بها يعم من بقي عليه عمل نسك قد أحرم به من قبل لا يحرم العمرة حتى يفرغ من عمل ذلك النسك، وعلى أنه تجوز العمرة في أشهر الحج، وعلى أنه يجوز في سنة واحدة عمرتان وأكثر، ويدل عليه ما مرّ من حديث عائشة فإنه حصل لها عمرة وحج في قرانها ثم أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بإعمارها من التنعيم ليلة الرابع عشر من ذي الحجة. وقول صدقة: "سبحان الله أم المؤمنين" يشير به إلى أنها لا تفعل على قربها من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكثرة عملها ما تعاب به. الأصل [522] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن سالم بن عبد الله، عن أبيه، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "يهل أهل المدينة من ذي الحليفة، ويهل أهل الشام من الجحفة، ويهل أهل نجد من قرن". وقال ابن عمر: ويزعمون أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ويهل أهل اليمن من يلملم" (¬3). ¬

_ (¬1) وهو كذلك إن شاء الله كما جزم به ابن أبي حاتم والمزى. (¬2) الزغب: الشعيرات الصفر على ريش الفرخ. "مختار الصحاح" (زغب). (¬3) "المسند" ص (114).

الشرح

[523] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر أنه قال: أمر أهل المدينة أن يهلوا من ذي الحليفة، ويهل أهل الشام من الجحفة، وأهل نجد من قرن. قال ابن عمر: أما هؤلاء الثلاث فسمعتهن من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأخبرت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ويهل أهل اليمن من يلملم" (¬1). [524] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مسلم، عن ابن جريج، عن نافع، عن ابن عمر قال: قام رجل من أهل المدينة بالمدينة في المسجد فقال: يا رسول الله من أين تأمرنا نهل؟ قال: يهل أهل المدينة من ذي الحليفة، ويهل أهل الشام من الجحفة، ويهل أهل نجد من قرن. قال لي نافع: ويزعمون أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ويهل أهل اليمن من يلملم". الشرح حديث الزهري عن سالم رواه البخاريّ (¬2) عن أحمد، ومسلم (¬3) عن حرملة بن يحيى بروايتهما عن ابن وهب عن يونس عن الزهري، وحديث عبد الله بن دينار أخرجه مسلم (¬4) عن قتيبة وغيره عن إسماعيل بن جعفر عن عبد الله واللفظ: "أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -" وكذلك رواه الشافعي في "القديم". وحديث نافع عن ابن عمر رواه البخاريّ (¬5) عن عبد الله بن ¬

_ (¬1) "المسند" ص (114). (¬2) "صحيح البخاريّ" (1527). (¬3) "صحيح مسلم" (1182/ 14). (¬4) "صحيح مسلم" (1182/ 15). (¬5) "صحيح البخاريّ" (1525).

يوسف، ومسلم (¬1) عن يحيى بن يحيى بروايتهما عن مالك عن نافع، ورواه أبو داود (¬2) عن القعنبي عن مالك [ورواه] (¬3) الترمذي (¬4) عن أحمد بن منيع عن إسماعيل بن إبراهيم عن أيوب عن نافع عن ابن عمر واللفظ أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: "يهل أهل المدينة من ذي الحليفة، وأهل الشام من الجحفة، وأهل نجد من قرن، وأهل اليمن من يلملم" ولم يحل توقيت يلملم إلى بلوغ وسماع من غيره. والحديث لبيان مواقيت الحج والعمرة للجائين من النواحي على قصد النسك: فميقات أهل المدينة ذو الحليفة، وقيل: أنه اسم ماء من مياه بني جشم وهو على ستة أميال، وقيل: على سبعة، وفي كتب الفقه أنه على ميل من المدينة والله أعلم. وميقات أهل الشام ومصر الجحفة وهي قرية جامعة واسمها في الأصل مهيعة، سميت الجحفة لأن السيل أجحفها وحمل أهلها وهي على ستة أميال من البحر وعلى ثمانية مراحل من المدينة. وميقات أهل نجد قرْن بسكون الراء، ويقال له: قرن المنازل وقرن أم الثعالب، وفتح بعضهم الراء منه ولم يصححه الأكثرون، وقالوا: قرن بفتح الراء اسم قبيلة من أهل اليمن. وميقات أهل اليمن يلملم وهو جبل من جبال تهامة على ليلتين من مكة، وقد يقال: له ألملم ويذكر أنه الأصل، والياء بدل من الهمزة. وقول ابن عمر: "ويزعمون أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال" وفي الرواية ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (1182/ 13). (¬2) "سنن أبي داود" (1737). (¬3) في الأصل: والرواة. تحريف. (¬4) "جامع الترمذي" (831) وفيه: "قال ويقولون: وأهل اليمن من يلملم".

الأصل

الثانية "وأخبرت" وقول نافع في الرواية الثالثة: "ويزعمون" بين أنهم كانوا قد يروون الشيء من غير تعيين الراوي وتسميته. الأصل [525] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مسلم وسعيد، عن ابن جريج قال: أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يسأل عن المُهل فقال: سمعته ثم انتهى أراه يريد النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "يهل أهل المدينة من ذي الحليفة والطريق الآخر من الجحفة وأهل [المغرب] (¬1) ويهل أهل العراق من ذات عرق، ويهل أهل نجد من قرن، ويهل أهل اليمن من يلملم" (¬2). [526] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سعيد بن سالم، أخبرني ابن جريج (قال) (¬3): أخبرني عطاء أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقت لأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل المغرب الجحفة، ولأهل المشرق ذات عرق، ولأهل نجد قرنًا، ومن سلك نجدًا من أهل اليمن وغيرهم (قرى المعاول) (¬4) ولأهل اليمن يلملم (¬5). [527] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مسلم وسعيد، عن ابن ¬

_ (¬1) في الأصل: العرب. والمثبت من "المسند" وكذا "الأم". (¬2) "المسند" ص (114). (¬3) كتبت بحاشية "الأصل" وعليها رمز نسخة. (¬4) كذا في الأصل. ووضع عليها علامة لحق وكتب في الحاشية وعليه رمز نسخة: قرن (كلمة مطموسة) وفي "المسند" وكذا "الأم": قرن المنازل. وكذا هو في "الصحيحين" من رواية ابن عباس، ولم أجد رواية فيها اللفظ المذكور. والله أعلم. (¬5) "المسند" ص (114).

الشرح

جريج: فراجحت فيه عطاء فقلت: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - زعموا لم يوقت ذات عرقٍ ولم يكن أهل مشرق حينئذ؟ قال: كذلك سمعت أنه وقت ذات عرق أو العقيق لأهل المشرق، قال: ولم يكن عراق ولكن لأهل المشرق ولم يعزه إلى أحد دون النبي - صلى الله عليه وسلم - ولكنه يأبى إلا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وقته (¬1). [528] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مسلم بن خالد، عن ابن جريج، عن ابن طاوس، عن أبيه قال: لم يوقت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات عرق ولم يكن حينئذ أهل مشرق، فوقت الناس ذات عرق. قال الشافعي: ولا أحسبه إلا كما قال طاوس والله أعلم (¬2). [529] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مسلم بن خالد، عن ابن جريج، عن عمرو بن دينار، عن أبي الشعثاء قال: "لم يوقت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأهل المشرق شيئًا فاتخذ الناس بحيال قرن ذات عرق" (¬3). الشرح حديث أبي الزبير عن جابر رواه مسلم في "الصحيح" (¬4) عن إسحاق بن إبراهيم عن روح بن عبادة عن ابن جريج، وعن محمَّد بن حاتم وعبد بن حميد عن محمَّد بن بكر عن ابن جريج، واللفظ في هذِه الرواية: سمع جابرًا يسأل عن المهل. فقال: أحسبه رفع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ... وليس في "كتاب مسلم": "وأهل المغرب". والمراد من المهل: موضع الإهلال. ¬

_ (¬1) "المسند" ص (115). (¬2) "المسند" ص (115). (¬3) "المسند" ص (114). (¬4) "صحيح مسلم" (1183/ 16، 18).

وقوله: "ثم انتهى" أي: أمسك فلم يذكر ممن سمعه، وظن الراوي أنه يريد النبي - صلى الله عليه وسلم -. وقوله: "ويهل أهل المدينة من ذي الحليفة والطريق الآخر من الجحفة" يفهم أن المتوجهين من المدينة لهم طريقان يمتد أحدهما إلى ذي الحليفة فمنه يهلون، والآخر يمتد إلى الجحفة فمنها يهلون، وهذا الطريق طريق أهل الشام [والمغرب] (¬1) وهو يهلون جميعًا من الجحفة. وقوله: "ويهل أهل العراق من ذات عرق" قيل: العراق: شاطيء النهر والبحر، وسمي العراق عراقًا لأنه على شاطيء دجلة والفرات حتى يتصل بالبحر، وقيل: العراق: الخرز الذي في أسفل القربة، وعلى هذا فمن قائل: أنه سمي عراقًا لاستفاله عن أرض نجد، ومن قائل: لامتداده كامتداد ذلك الخرز، ومن قائل: لإحاطته بأرض العرب كإحاطة ذلك الخرز بالقربة، وقيل: سمي عراقًا لكثرة عروق الشجر فيه، وقيل: إنه معرب إيران، وذكر أن ذات عراق سميت به لأن هناك عرقًا وهو الجبل الصغير كأنه عرق جبل آخر، والعقيق: موضع قبيل ذات عرق، والإحرام منه أحب. وقول عطاء: "وقت لأهل المدينة ذا الحليفة" أي: قدر وعين، وكثيرًا ما يطلق الشافعي التأقيت ويريد التقدير. وقوله: "ومن سلك نجدًا ... إلى آخره" يريد أن غير أهل نجد إذا انتهوا إليه وسلكوه يحرمون من قرن أيضًا كأهل نجد. وقوله: "قرى المعاول" (¬2) هكذا توجد النسخ "المعادل" أو ¬

_ (¬1) في الأصل: والعرب. والمثبت الصواب إن شاء الله. (¬2) كذا في الأصل وفي "المسند": قرن المنازل، وكذا في "الأم". وقد سبق التنبيه عليه في الحديث.

"المعاول" ولا أتحقق المعادل؛ فأما بالواو فيمكن حمله على ما ذكر صاحب "صحاح اللغة" أن المعاول: حي من أزد اليمن والله أعلم. ومقصود ما روي في الفصل أن أهل العلم اختلفوا في أن النبي - صلى الله عليه وسلم - هل حدّ ذات عرق لأهل المشرق؟ فمنهم من قال: نعم، كما حدّ ذا الحليفة والجحفة وغيرهما، ويروى هذا عن عروة بن الزبير وبه قال عطاء كما رواه الشافعي عنه، وذكر ابن جريج في الرواية الثانية أنه قال: "راجعت عطاء فيه وحكيت له قول من يقول أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يوقت ذات عرق ولم يكن أهل مشرق حينئذ" أي: لم يكونوا مسلمين "ولم تفتح العراق" فقد ثبت على ما قال، وقال: سمعنا أنه وقت ذات عرق أو العقيق. وقوله: "ولم يكن عراق ولكن لأهل المشرق" كأنه أراد وإن لم تفتح العراق، لكنه وقت لمن هو من أرض العرب في ناحية الشرق. قوله: "ولم يعزه" أي: لم ينسب توقيت ذات عرق إلى أحد غير النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبى أن يكون توقيتها من جهة غيره، وعلى هذا القول ينطبق ظن من ظن أن جابرًا روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ويؤيده ما روي عن أفلح بن حميد، عن القاسم بن محمَّد، عن عائشة؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وقت لأهل العراق ذات عرق (¬1). وعن محمَّد بن علي بن عبد الله بن عباس، عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وقت [لأهل] (¬2) المشرق العقيق (¬3). وقد رواهما ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (1739)، والنَّسائيّ (5/ 125). (¬2) في الأصل: لأن أهل. تحريف، والمثبت من "السنن". (¬3) رواه أبو داود (1740)، والترمذي (832)، قال الترمذي: حسن. وأعله ابن حجر في "التلخيص" (971) بالانقطاع، وكذا ابن الملقن في "الخلاصة" (1204)، وقال الألباني في "الإرواء" (4/ 180): منكر.

الأصل

أبو داود في "السنن". وقال آخرون: لم يوقت النبي - صلى الله عليه وسلم -، وإنما حدّ ذات عرق عمر رضي الله عنه بعدما فتح العراق، ويدل عليه ما روي في "الصحيح" (¬1) عن نافع، عن ابن عمر أنه قال: لما فتح هذان المصران أتوا عمر رضي الله عنه فقالوا: يا أمير المؤمنين إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حدّ لأهل نجد قرنًا وهو جور عن طريقنا، وإن أردناه شق علينا؟ قال: فانظروا (حذوًا) (¬2) من طريقكم فحدّ لهم ذات عرق. وبهذا قال طاوس وأبو الشعثاء كما رواه الشافعي عنهما، وبه أخذ حيث قال بعد قول طاوس: "ولا أحسبه إلا كما قال طاوس" وذكر في "الأم" (¬3) أن جابرًا لم يسم النبي - صلى الله عليه وسلم - فيجوز أن يكون سمع عمر بن الخطاب أو غيره من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -رضي الله عنهم، وحاول الحافظ أبو بكر البيهقي الجمع بين القولين فقال: يحتمل أن تكون الأخبار ثابتة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم تبلغ عمر رضي الله عنه فحدّ لهم ووافق تحديده توقيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. الأصل [530] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا ابن عيينة، عن ابن طاوس، عن أبيه قال: وقت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل الشام الجحفة، ولأهل نجد قرنًا، ولأهل اليمن يلملم، ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "هذِه المواقيت لأهلها ولكل آتٍ أتى عليها من غير أهلها ممن أراد الحج أو العمرة، ومن كان أهله من دون [ذلك] (¬4) الميقات فليهل من ¬

_ (¬1) رواه البخاريّ في "صحيحه" (1531). (¬2) في "صحيح البخاريّ": حذوها. (¬3) "الأم" (2/ 137). (¬4) من "المسند".

الشرح

حيث ينشيء حتى يأتي ذلك على أهل مكة" (¬1). [531] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا الثقة، عن معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه، عن ابن عباس، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في المواقيت بمثل حديث سفيان في المواقيت (¬2). [532] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سعيد بن سالم، عن القاسم بن معن، عن ليث، عن طاوس، عن ابن عباس أنه قال: وقت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل الشام الجحفة، ولأهل اليمن يلملم، ولأهل نجد قرنًا، ومن كان دون ذلك فمن حيث يبدأ (¬3). الشرح القاسم: هو ابن معن بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود الهذلي الكوفي، قاضي الكوفة. سمع: منصورًا، وابن جريج. وروى عنه: أبو غسان مالك بن إسماعيل، وغيره (¬4). وليث: هو ابن أبي سليم بن زنيم القرشي مولاهم أبو بكر، ويقال: أبو بكر الكوفي، واسم أبي سليم أنس. سمع: مجاهدًا، وطاوسًا، والشعبي. مات سنة إحدى وأربعين ومائة، وقيل: سنة اثنين (¬5). ¬

_ (¬1) "المسند" ص (15). (¬2) "المسند" ص (115). (¬3) "المسند" ص (116). (¬4) انظر "التاريخ الكبير" (7/ ترجمة 765)، و"الجرح والتعديل" (7/ ترجمة 687)، و"التهذيب" (23/ ترجمة 4827). (¬5) انظر "التاريخ الكبير" (7/ ترجمة 1051)، و"الجرح والتعديل" (7/ ترجمة 1014)، و"التهذيب" (24/ ترجمة 5017).

وحديث ابن طاوس عن أبيه مودع في "صحيح البخاريّ" (¬1) موصولًا روى (¬2) عن موسى بن إسماعيل، عن وهيب، عن ابن طاوس، عن أبيه عن ابن عباس؛ وأخرجه البخاريّ أيضًا عن مسدد، ومسلم (¬3) عن يحيى بن يحيى وقتيبة، بروايتهم جميعًا عن حماد بن زيد، عن عمرو بن دينار، عن طاوس، عن ابن عباس، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. وفيه وراء بيان المواقيت بيان حكمين: أحدهما: أنه لا فرق بين أن يكون المنتهي إلى الميقات وهو على قصد النسك من أهل الناحية التي هو ميقاتها أو من غيرهم، فالمدني إذا جاء من اليمن أحرم من قرن، واليماني إذا جاء من الشام أحرم من الجحفة. والثاني: أن من كان منزله دون الميقات يحرم من منزله حتى أن المكي يحرم الحجة من نفس مكة وكذا لو أراد القرآن. وقوله: "فليهل من حيث ينشيء" يعني: السير أو نحوه، واللفظ في "كتاب البخاريّ" في رواية ابن طاوس عن أبيه: "من كان دون ذلك فمن حيث أنشأ حتى أهل مكة من مكة" وفي رواية عمرو عن طاوس: "فمن كان دونهن فمن أهله حتى أن أهل مكة يهلون منها". آخر الجزء ويتلوه في الذي يليه: أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مسلم، عن ابن جريج، عن عطاء؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقت المواقيت قال: " [ليستمتع] (¬4) المرء بأهله وثيابه". الحمد لله حق حمده والصلاة على خير خلقه محمَّد وآله الطيبين أجمعين. ¬

_ (¬1) "صحيح البخاريّ" (1524، 1526). (¬2) كذا في الأصل. والجادة: رواه. (¬3) "صحيح مسلم" (1181/ 11). (¬4) تحرف في الأصل والمثبت من "المسند".

الأصل

بسما الله الرحمن الرحيم الأصل [533] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مسلم، عن ابن جريج، عن عطاء؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما وقت المواقيت قال: "يستمتع المرء بأهله وثيابه حتى يأتي كذا وكذا للمواقيت" (¬1). الشرح الحديث مرسل. واجتناب النساء والتجرد عن الثياب قبل الانتهاء إلى الميقات إن فرض بلا إحرام فلا استحباب فيه وقد يكره ذلك، وأما مع الإحرام فقد اتفقوا على جواز تقديم الإحرام على الميقات، واختلفوا في أنه هل يستحب؟ فمنهم من قال: لا يستحب بل يكره وبه قال الحسن وعطاء ومالك وأحمد، ويروى عن عمر رضي الله عنه أنه أنكر على عمران بن الحصين إحرامه من البصرة (¬2)، وعن عثمان رضي الله عنه أنه أنكر على عبد الله بن عامر إحرامه من نيسابور (¬3). والمعنى فيه أنه قد يعرض ما يفسد إحرامه لطول المدة والمسافة. ومنهم من استحب وهو ظاهر مذهب الشافعي، ويروى عن عمر وعلي أن إتمام الحج والعمرة أن يحرم الرجل بهما من دويرة أهله (¬4)، وعن ابن عمر أنه أهل من بيت المقدس (¬5). ¬

_ (¬1) "المسند" (116). (¬2) رواه ابن أبي شيبة (3/ 126). (¬3) رواه ابن أبي شيبة (3/ 125). (¬4) رواه ابن أبي شيبة (3/ 125) عن علي. (¬5) رواه ابن أبي شيبة (3/ 124).

الأصل

ومن قال بكراهة تقديم الإحرام على الميقات قال: معنى حديث عطاء أنه ينبغي أن يستمتع المرء بأهله وثيابه، وقد يوجد في نسخ الكتاب "فليستمتع". ومن حكم بالاستحباب قال: المعنى أنه خفف الأمر ببيان المواقيت ليستمتع الرجل بأهله وثيابه إن شاء، وقد روي عن طاوس أنه قال: من شاء أهل من بيته، ومن شاء استمتع بثيابه حتى يأتي ميقاته (¬1). وفي قوله: "حتى يأتي المواقيت" ما يبين أنه لا يؤخر الإحرام عن المواقيت. الأصل [534] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا ابن عيينة، عن [عمرو] (¬2) عن أبي الشعثاء أنه رأى ابن عباس يرد من جاوز الميقات غير محرم (¬3). الشرح من أتى الميقات وهو يريد الحج أو العمرة وجاوزه غير محرم فقد أساء وعليه أن يعود إلى الميقات ويحرم منه، ولذلك ردّ ابن عباس من جاوز الميقات غير محرم فإن لم يمكنه العود لخوف طريق أو لضيق الوقت أو لغيرهما أحرم ومضى على وجهه، ومهما لم يعد فعليه دم شاة، لما روي عن ابن عباس أنه قال: من نسي من نسكه شيئًا أو تركه فليهرق دمًا (¬4)، وروي عن عطاء أنه قال: ¬

_ (¬1) رواه الشافعي في "الأم" (2/ 139). (¬2) في الأصل: عمه. والمثبت من "المسند". (¬3) "المسند" ص (116). (¬4) رواه مالك (1/ 419 رقم 940) موقوفًا عليه. وقال الحافظ في "التلخيص" (972): روي مرفوعًا رواه ابن حزم من طريق علي بن =

الأصل

من أخطأ أن يهل بالحج من ميقاته أو عمد ذلك فليرجع إلى ميقاته فليهل منه إلا من يحبسه أمر يعذر به من وجع أو غيره أو يخشى أن يفوته الحج إن رجع فليهرق دمًا ولا يرجع (¬1). وإن عاد وأحرم من الميقات سقط عنه الدم، وإن أحرم وعاد إليه محرمًا فالظاهر أنه إن عاد قبل أن يأتي بنسك فلا دم عليه؛ لأنه قطع المسافة من الميقات محرمًا وأدى المناسك بعده، وإن عاد بعد ما أتى بنسك لم يسقط الدم عنه، ومن جاوز الميقات وهو لا يريد نسكا ثم بدا له أن يحرم أحرم من حيث بدا له ولا دم عليه، وعلى ذلك حمل الشافعي ما روي عن مالك عن نافع عن ابن عمر أنه أهل من الفرع. فقال (¬2): هذا عندنا والله أعلم أنه بميقاته لم يرد حجًّا ولا عمرة ثم بدا له من الفرع فأهل منه أو جاء الفرع من مكة أو غيرهما ثم بدا له الإهلال فأهل منها ولم يرجع إلى ذي الحليفة (¬3). والفُرع: موضع بأعالي المدينة واسع على طريق مكة فيه [....]، (¬4) للنبي - صلى الله عليه وسلم -. الأصل [535] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن ابن أبي لبيد، عن محمَّد بن كعب القرظي أو غيره قال: حج آدم فلقيته ¬

_ = الجعد، عن ابن عيينة، عن أيوب به وأعله بالراوي عن علي بن الجعد: أحمد بن علي بن سهل المروزي فقال أنه مجهول وكذا الراوي عنه مجهول. (¬1) رواه الشافعي في "الأم" (2/ 139). (¬2) "الأم" (2/ 140). (¬3) "الأم" (2/ 140). (¬4) كلمة غير مقروءة في الأصل. وفي "معجم البلدان" (4/ 287) أن بها عدة منابر ومساجد لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

الشرح

الملائكة فقالوا: برّ نسكك آدم لقد حججنا قبلك بألفي عام (¬1). الشرح هذا الأثر رواه الأزرقي في "كتاب مكة" عن ابن أبي لبيد المديني واللفظ: "بر حجك" ورواه بإسناده عن محمَّد بن المنكدر قال: أول شيء عمله آدم حين هبط من السماء طاف بالبيت الحرام فلقيته الملائكة فقالوا: بر نسكك يا آدم طفنا بهذا البيت قبلك بألفي سنة. فروى أيضًا عن عثمان بن ساج، عن سعيد أن آدّم حج على رجليه سبعين حجة ماشيًا وأن الملائكة لقيته بالمأزمين فقالوا: برّ حجك يا آدم أما إنا قد حججنا البيت قبلك بألفي عام. وقوله: "برّ نسكك" يقال: برّ حجه، وبرّ الله حجه برًّا، وأبرّ الله حجه لغة في برّ، والحج المبرور: الخالص الذي لا يخالطه مأثم. وفي الأثر بيان فضل البيت، وأنه لم يزل كان مزورًا محجوجًا، وأورده الشافعي في "الأم" في باب دخول مكة بغير إرادة حج وعمرة، وقال: الناس مندوبون إلى إتيان البيت بإحرام ولم يحك لنا عن أحد من النبيين ولا الأمم الخالية أنه جاء البيت إلا حرامًا، ولم يدخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما علمنا به مكة إلا حرامًا إلا في حرب الفتح (¬2). الأصل [536] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا الدراوردي وحاتم بن إسماعيل، عن جعفر بن محمَّد، عن أبيه قال [جئنا] (¬3) جابر بن عبد الله وهو يحدث عن حجة النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "فلما كنا بذي الحليفة ولدت أسماء ¬

_ (¬1) "المسند" ص (116). (¬2) "الأم" (2/ 140 - 141). (¬3) قطع بالأصل. والمثبت من "المسند".

الشرح

بنت عميس فأمرها بالغسل للإحرام" (¬1). الشرح أسماء: هي بنت عميس بن مغنم بن تيم بن مالك بن قحافة، كانت تحت جعفر بن أبي طالب وولدت له عبد الله وعونًا ومحمدًا، فلما استشهد خلف عليها أبو بكر الصديق فولدت له محمَّد بن أبي بكر وهو الذي ولدته بذي الحليفة، ثم خلف عليها علي بن أبي طالب فولدت له يحيى بن علي رضي الله عنهم، وكانت أختها زينب بنت عميس تحت حمزة بن عبد المطلب وميمونة بنت الحارث زوجة النبي - صلى الله عليه وسلم - وأم الفضل بنت الحارث زوجة العباس بن عبد المطلب أختاهما من الأم. روى عن أسماء: عبد الله بن عباس، وعبد الله بن صعير، وعبد الله بن شداد، وشهر بن حوشب (¬2). والحديث صحيح وهو الحديث الطويل في حكايته جابر حجة النبي - صلى الله عليه وسلم - أخرجه مسلم (¬3) عن أبي بكر بن أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم، جميعًا عن حاتم بن إسماعيل، وقال: حتى إذا أتينا ذا الحليفة فولدت أسماء بنت عميس محمَّد بن أبي بكر، فأرسلت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كيف أصنع؟ قال: "اغتسلي واستثفري [بثوب] (¬4) وأحرمي". وروى قصة ولادتها وأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - إياها بالغسل: يحيى بن ¬

_ (¬1) "المسند" (116). (¬2) انظر "معرفة الصحابة" (6/ ترجمة 3770)، و"الإصابة" (7/ ترجمة 10803). (¬3) "صحيح مسلم" (1218/ 147). (¬4) تصحف في الأصل إلى ثبوث. والمثبت من "الصحيح".

الأصل

سعيد، عن جعفر بن محمَّد، ورواها عبيد الله بن عمر، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة، والروايتان مخرجتان في "صحيح مسلم" (¬1) أيضًا. ودلالة الحديث على استحباب الغسل للنفساء ظاهرة وفي معناها الحائض، ومقصود هذا الغسل قطع الروائح الكريهة لدفع أذاها عن الناس عند اجتماعهم، واحتج به على استحباب الغسل لغيرهما بطريق الأولى؛ لأنه من أهل الطهارة وليستا من أهلها، وقد روي؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تجرد لإهلاله واغتسل (¬2). وقوله - صلى الله عليه وسلم - في الرواية الآخرى: "اغتسلي واستثفري بثوب" يقطع وهم من يقول: لعلها ولدت خفافًا وقصرت مدة نفاسها فأمرها بالغسل بعدما طهرت. الأصل [537] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن زيد بن أسلم، عن إبراهيم بن عبد الله بن حنين، عن أبيه أن ابن عباس والمسور بن مخرمة اختلفا بالأبواء، فقال ابن عباس: يغسل المحرم رأسه. وقال المسور: لا يغسل المحرم رأسه، فأرسلني ابن عباس إلا أبي أيوب الأنصاري فوجدته يغتسل بين القرنين وهو يستتر ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (1209، 1210). (¬2) رواه الترمذي (830)، وابن خزيمة (2595) من طريق ابن أبي الزناد، عن أبيه، عن خارجة بن زيد عن أبيه. قال الترمذي: حسن غريب. وحسنه الألباني في "الإرواء" (1/ 178) وذكر له شاهدين من حديث ابن عباس وابن عمر.

بثوب، قال: فسلمت عليه فقال: من هذا؟ فقلت: أنا عبد الله، أرسلني إليك ابن عباس يسألك كيف كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يغسل رأسه وهو محرم. قال: فوضع أبو أيوب يديه على الثوب فطأطأه حتى بدا لي رأسه ثم قال لإنسان يصب عليه: أصبب فصب على رأسه ثم حرك رأسه بيده فأقبل بهما وأدبر ثم قال: هكذا رأيته - صلى الله عليه وسلم - يفعل (¬1). [538] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سعيد بن سالم، عن ابن جريج قال: أخبرني عطاء أن صفوان بن يعلى أخبره، عن أبيه يعلي بن أمية أنه قال: بينما عمر بن الخطاب يغتسل إلى بعير وأنا أستر عليه بثوب إذ قال له عمر بن الخطاب: يا يعلى اصبب على رأسي. فقلت: أمير المؤمنين أعلم. فقال عمر بن الخطاب: والله ما يزيد الماء الشعر إلا شعثًا، فسمى الله ثم أفاض على رأسه (¬2). [539] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا ابن عيينة، عن عبد الكريم الجزري، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: ربما قال لي عمر بن الخطاب رضي الله عنه: تعالَ أباقيك في الماء أينا أطول نفسًا ونحن [محرمون (¬3)] (¬4). ¬

_ (¬1) "المسند" ص (116). (¬2) "المسند" ص (117). (¬3) في الأصل: محرومون. تحريف، والمثبت من "المسند". (¬4) "المسند" ص (117).

الشرح

الشرح إبراهيم (¬1) بن عبد الله بن حنين أبو إسحاق المديني مولى العباس بن عبد المطلب. سمع؛ أباه، وأبا مرة. وروى عنه: [زيد بن] (¬2) أسلم، ونافع مولى ابن عمر، والزهري، والوليد بن كثير. وأبوه عبد الله. سمع: علي بن أبي طالب، وابن عباس، والمسور بن مخرمة. وروى عنه: محمَّد بن المنكدر، وأبو بكر بن حفص (¬3). وصفوان بن يعلى بن أمية من حلفاء قريش. سمع: أباه يعلى وقد مرّ ذكره. وقد روى عنه: عطاء بن أبي رباح، ومحمد بن جبير (¬4). وعبد الكريم: هو ابن مالك أبو سعيد الجزري الأموي مولى عثمان بن عفان، وقيل: مولى معاوية بن أبي سفيان. سمع: مجاهدًا، وعكرمة، وطاوسًا، ومقسمًا، ومحمد بن المنكدر. ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (1/ ترجمة 953)، و"الجرح والتعديل" (2/ ترجمة 312)، و"التهذيب" (2/ ترجمة 192). (¬2) في الأصل: زين. تحريف، والمثبت من "التهذيب". (¬3) انظر "التاريخ الكبير" (5/ ترجمة 173)، و"الجرح والتعديل" (5/ ترجمة 177)، و"التهذيب" (14/ ترجمة 3237). (¬4) انظر "التاريخ الكبير" (4/ ترجمة 2932)، و"الجرح والتعديل" (4/ ترجمة 1854)، و"التهذيب" (13/ ترجمة 2895).

وروى عنه: الثوري، وابن جريج، وزهير بن معاوية. مات سنة سبع وعشرين ومائة (¬1). وحديث مالك عن زيد بن أسلم مخرج في "الصحيحين" (¬2) أخرجه البخاريّ عن عبد الله بن يوسف، ومسلم عن قتيبة، بروايتهما عن مالك. والأبواء: قرية من عمل الفُرْع من المدينة ذكر أن بينها وبين الجحفة مما يلي المدينة ثلاثة وعشرون ميلًا، وأنها سميت بذلك لتبوء السيول بها. واحتج الشافعي بالحديث على أن المحرم يغسل رأسه في دوام الإحرام، وفيه أنهم كانوا يتحاورون في مسائل الخلاف ويراجعون غيرهم ويبحثون عما فيه من النقل. وقوله: "فوجدته يغتسل بين القرنين" هما الدعامتان من البناء أو الخشب على رأس البئر تمد عليهما الخشبة التي تدور فيها البكرة، ويقال: قرنا البئر المبنيان من الحجارة أو المدر، فأما من الخشب فيهما (¬3). وفيه من الأدب التستر عند الغسل في الصحراء لئلا تقع عليه العيون، ولذلك اغتسل إلى جنب القرنين وجعل عليهما ثوبًا، وهذا كما أن من يقضي حاجته في الصحراء يتستر عن العيون، ولم يكن السلام عليه والسؤال عنه وهو مشغول بالغسل إخلالًا للأدب؛ لأن السؤال كان لائقًا بما كان [... (¬4) ..] ولذلك حط الثوب الحائل ليعاين السائل ما يأتي به، ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (6/ ترجمة 1794)، و"الجرح والتعديل" (6/ ترجمة 310)، و"التهذيب" (18/ ترجمة 3504). (¬2) "صحيح البخاريّ" (1840)، و"صحيح مسلم" (1205/ 91). (¬3) كذا في الأصل. وفي "اللسان" (قرن): فإذا كانا من خشب فهما دعامتان. (¬4) كلمة غير مقروءة في الأصل.

الأصل

وفيه أنه لا بأس للمحرم بذلك الشعر وتحريك الرأس باليد وإن كان يقرب فيه احتمال النتف، وفيه أنه استعان في الغسل بمن كان يصب عليه. وقول يعلى بن أمية: "بينما عمر رضي الله عنه يغتسل إلى (¬1) بعير" يعني: إلى جنب بعير يريد التستر به. وقوله: "فقلت: أمير المؤمنين أعلم" يحتمل أن يريد فقلت في نفسي، والظاهر أنه أظهر ذلك لعمر وكان يجد في نفسه شيئًا من اغتسال المحرم، فقال عمر: "والله ما يزيد الماء الشعر إلا شعثًا" أي: الماء البحت لا يزيل شعث الشعر بل يزيد فيه فلا يُمنع المحرم منه. وقوله: "أباقيك في الماء" مفاعلة من البقاء أي: أبقى وتبقى لننظر أينا أصبر على المكث، ويروى: "أما قلك" (¬2) والمقل: الغمس، وعن عطاء أن ناسًا تماقلوا بين يدي عمر بن الخطاب وهو بساحل من السواحل وعمر ينظر إليهم ولم ينكر عليهم (¬3). وعن مالك أنه كره أن يغيب المحرم رأسه في الماء. الأصل [540] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا ابن عيينة أنه سمع عمرو بن دينار يقول: سمعت أبا الشعثاء يقول: سمعت ابن عباس يقول: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخطب وهو يقول: "إذا لم يجد المحرم نعلين لبس خفين، وإذا لم يجد إزارًا لبس السراويل" (¬4). [541] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا ابن عيينة، عن الزهري، عن ¬

_ (¬1) زاد في الأصل: جنب، ولعلها سبق قلم فهي ليست في الأثر. (¬2) وهو في رواية "الأم" (2/ 205). (¬3) رواه الشافعي في "الأم" (2/ 146). (¬4) "المسند" ص (117).

الشرح

سالم، عن أبيه أن رجلًا أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فسأله: ما يلبس المحرم من الثياب؟ فقال له: "لا يلبس القميص ولا العمامة ولا البرانس ولا السراويل ولا الخفين إلا لمن لا يجد نعلين، فإن لم يجد نعلين فليلبس خفين وليقطعهما حتى يكونا أسفل من الكعبين" (¬1). [542] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن نافع، عن ابن عمر أن رجلًا سأل النبي - صلى الله عليه وسلم -: ما يلبس المحرم من الثياب؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يلبس المحرم القميص ولا السراويلات ولا العمائم ولا البرانس ولا الخفاف إلا أحد لا يجد نعلين فليلبس الخفين وليقطعهما أسفل من الكعبين" (¬2). الشرح هذِه أحاديث صحيحة: فحديث ابن عيينة عن عمرو عن أبي الشعثاء أخرجه البخاري (¬3) عن أبي نعيم، ومسلم (¬4) عن أبي بكر بن أبي شيبة، بروايتهما عن ابن عيينة، وأخرجه البخاري أيضًا عن أبي الوليد عن شعبة عن عمرو بن دينار. وحديث الزهري عن سالم رواه البخاري (¬5) عن أحمد بن يونس عن إبراهيم بن سعد عن الزهري، وأبو داود (¬6) السجستاني عن أحمد بن حنبل ومسدد، عن سفيان بن عيينة، عن الزهري. وحديث مالك عن نافع أخرجه البخاري (¬7) عن عبد الله بن ¬

_ (¬1) "المسند" ص (117). (¬2) "المسند" ص (118). (¬3) "صحيح البخاري" (5804). (¬4) "صحيح مسلم" (1178). (¬5) "صحيح البخاري" (134)، وأخرجه أيضًا مسلم (1177/ 2). (¬6) "سنن أبي داود" (1823). (¬7) "صحيح البخاري" (1542).

يوسف، ومسلم (¬1) عن يحيى بن يحيى، بروايتهما عن مالك , وفي الباب عن جابر. وليس [للمحرم] (¬2) بموجب هذِه الأحاديث وما في معناها لبس القميص ولا العمامة ولا السراويل ولا الخف، ولو لبس شيئًا منها من غير عذر لزمته الفدية؛ وإنما يلبس المحرم الإزار والرداء والنعلين، وإن احتاج إلى لبسها لحرٍّ أو بردٍ أو مداواةٍ عُذرَ ولزمته الفدية، أما إذا احتاج المحرم إلى الحلق لدفع الأذى يحلق ويفدي، ولو لم يجد الرداء لم يلبس القميص ولكنه يرتدي به، ولو لم يجد الإزار فله لبس السراويل، وهل من فرق بين أن يتأتى فتق السراويل وإيجاد إزار من المفتوق أو لا فرق؟ فيه وجهان للأصحاب، والظاهر أنه لا فرق لإطلاق قوله: "وإذا لم يجد الإزار لبس السراويل" وإن لم يجد نعلين لبس المكعب أو قطع الخف أسفل من الكتب ليصير كالمكعب ولبسه، ولو لبس الخفين ولم يقطعهما لزمته الفدية؛ لحديث ابن عمر: "وليقطعهما أسفل من الكعبين" وقال أحمد: لا يلزمه القطع لإطلاق خبر ابن عباس، لكن يجوز أن يكون المقصد في حديثه بيان أنه يجوز لبس الخف حينئذ في الجملة من غير التعرض لشرطه، وللأصحاب وجهان في أنه هل يجوز لبس المكعب والمقطوع مع وجدان النعلين؟ في وجه يجوز؛ لأنهما في معنى النعل، والأصح المنع لتقييد الخبر بما إذا لم يجد النعلين، وإذا جاز لبس السراويل والخفين فلا فدية؛ لأن قضية الإطلاق نفي المؤاخذة، وقد قال: "فليلبس الخفين" والسراويل يذكر ويؤنث ويجمع على سراويلات، وعن سيبويه أنه يصرف في النكرة كأنه ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (1177/ 1). (¬2) ليست في "الأصل" وأثبتها ليستقيم السياق.

الأصل

اسم واحد؛ فإن سمي به رجل لم يصرف، وقال غيره: لا يصرف في النكرة أيضًا, لأنه جمع سروال وسروالة وهو أعجمي معرب، قال الجوهري في "الصحاح" (¬1): والعمل على القول الأول، وسروله: ألبسه السراويل فتسرول، وحمامة مسرولة: في رجليها ريش. والبُرْنُس قيل: هو قلنسوة طويلة كان النساك يلبسونها في صدر الإِسلام، وقيل: البرنس كل ثوب رأسه ملتزق به دُرّاعةً كان أو جُبَّةً أو ممطرًا، وتبرنسَ الرجل إذا لبس البرنس، وجميع ما ذكرنا في حق الرجال؛ فأما النساء فلهن لبس القميص وغيره على ما سيأتي. الأصل [543] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن عبد الله بن دينار، عن عبد الله بن عمر؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى أن يلبس المحرم ثوبًا مصبوغًا بزعفران أو روس، وقال: " [فمن] (¬2) لم يجد نعلين فليلبس خفين وليقطعهما أسفل من الكعبين" (¬3). [544] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا ابن عيينة، عن عمرو، عن أبي جعفر قال: أبصر عمر بن الخطاب رضي الله عنه علي عبد الله بن جعفر [ثوبين] (¬4) مضرجين وهو محرم فقال: ما هذه الثياب؟ فقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: ما أخال أحد يعلمنا السنة، فسكت عمر رضي الله عنه (¬5). ¬

_ (¬1) "الصحاح" (سرول). (¬2) من "المسند". (¬3) "المسند" ص (118). (¬4) في الأصل: بثوبين. والمثبت من "المسند". (¬5) "المسند" ص (118).

الشرح

[545] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سعيد بن سالم، عن ابن جريج، عن أبي الزبير، عن جابر أنه سمعه يقول: لا تلبس المرأة ثياب الطيب وتلبس الثياب المعصفرة، لا أرى المعصفر طيبًا (¬1). الشرح عمرو: هو ابن دينار، وأبو جعفر: محمَّد بن علي الباقر، وقد سبق ذكرهما. وعبد الله: هو ابن جعفر الطيار بن أبي طالب عبد مناف بن عبد المطلب الهاشمي، أبو جعفر. سمع: النبي - صلى الله عليه وسلم -، وعلي بن أبي طالب. وروي عنه: سعد بن إبراهيم، وعروة بن الزبير، وغيرهما. وكانت ولادته بالحبشة، وتوفي بالمدينة سنة ثمانين (¬2). وحديث مالك عن عبد الله بن دينار مودع في "الصحيحين" (¬3) رواه البخاري عن عبد الله بن يوسف، ومسلم عن يحيى بن يحيى عن مالك. وإنما نهي المحرم عن لبس المصبوغ بالزعفران والورس؛ لأنهما طيبان وليس للمحرم مس الطيب واستعماله في بدنه وثيابه، ويجوز للمحرم لبس الثياب المعصفرة، والعُصفُر ليس بطيب، ورد فيه الخبر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من رواية نافع عن ابن عمر (¬4)، ويؤكده قول جابر، وعن أسماء بنت أبي بكر أنها كانت تلبس الثياب الموردة بالعصفر الخفيف ¬

_ (¬1) "المسند" ص (118). (¬2) انظر "معرفة الصحابة" (3/ ترجمة 1591)، و"الإصابة" (4/ ترجمة 4594). (¬3) "صحيح البخاري" (5847)، و"صحيح مسلم" (1177/ 3). (¬4) رواه أبو داود (1827)، والحاكم (1/ 661). قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (6680).

وهي محرمة (¬1). وقوله: "ثوبين مضرجين" يقال: ضَرَّجَت الثوب تضريجًا إذا صبغته بالحمرة وهو دون المشبّع وفوق المورد، وضرّج أنفه بالدم إذا أدماه، والمراد المصبوغ بما ليس بطيب، وكانوا يصبغون بالمغرة: وهي حجر رخو أحمر، ويقال له: المشقُ، والثوب المصبوغ به ممشّق. وقوله: "ما إخال أحد يعلمنا السنة" وفي بعض النسخ: "يعلمنا بالسنة" أحد مقطوع عما قبله، أي ما إخال الأمر هكذا، وفي بعض النسخ: "ما إخال أحدًا" بالنصب، والوجه حمل كلام علي رضي الله عنه على الملاطفة، والمعنى أنه لا يخفى علينا أن المحرم لا يحرم عليه لبس الثوب المعصفر، ونعرف أنك من أي وجه تنهى عنه، وكان عمر رضي الله عنه يكره لبس الثوب المصبوغ في الإحرام مخافة أن يراه الجاهل فيتوهم أن كل مصبوغ واحد فيلبس المصبوغ بالطيب، روي عن عبد الله بن عمر أن عمر رأى علي طلحة بن عبيد الله ثوبًا مصبوغًا وهو يحرم فقال له: ما هذا الثوب يا طلحة؟ فقال طلحة: يا أمير المؤمنين إنما هو مدر. فقال عمر: إنكم أيها الرهط اقتدى بكم الناس، فلو أن رجلًا جاهلًا رأى هذا الثوب [لقال] (¬2): إن طلحة بن عبيد الله قد كان يلبس الثياب المصبغة في الإحرام (¬3). ثُم لُبس الثياب المعصفرة وإن لم يحرم في الإحرام فقد ورد منه كراهية للرجال على الإطلاق. ¬

_ (¬1) رواه ابن أبي شيبة (5/ 160). (¬2) في الأصل: فقال. والمثبت من "الموطأ". (¬3) رواه مالك في "الموطأ" (1/ 326 رقم 710).

الأصل

ففي "صحيح مسلم" (¬1) أن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: رأى عليَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثوبين معصفرين فقال: "إن هذِه من ثياب الكفار فلا تلبسها" ويروى أنه كان محرمًا حينئذ، ويروى أنه قال: أتيت أهلي وهم يسجرون تنورًا لهم فقذفت الريطة فيه، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لما أتيته من الغد: "ما فعلت الريطة"؟ فأخبرته فقال: "أفلا كسوتها بعض أهلك فإنه لا بأس بذلك للنساء" (¬2) وعن علي رضي الله عنه ما يوهم تخصيص الكراهة به من بين الرجال. الأصل [546] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا ابن عيينة، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه أنه كان يفتي النساء إذا أحرمن أن يقطعن الخفين حتي أخبرته صفية عن عائشة أنها تفتي النساء أن لا يقطعن، فانتهى عنه (¬3). الشرح صفية: هي بنت أبي عبيد الثقفي زوجة عبد الله بن عمر بن الخطاب. سمعت: حفصة بنت عمر، وروت عن: عائشة أيضًا. روى عنها: زوجها ابن عمر (¬4). ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (2077/ 27). (¬2) رواه أبو داود (4066)، وابن ماجه (3603) من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه، جده. وحسنه الألباني في التعليق على السنن. (¬3) "المسند" ص (118). (¬4) انظر "الطبقات الكبرى" (8/ 472)، و"التهذيب" (35/ ترجمة 7875).

الأصل

ويجوز للمرأة لبس القميص والسراويل والخف وغيرها بخلاف ما سبق في حق الرجال، لما روي عن ابن عمر؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى النساء في إحرامهن عن القفازين والنقاب، وما مسّ الزعفران والورس من الثياب، قال: "ولتلبس بعد ذلك ما أحبت معصفرًا أو خزًّا أو [حليًّا] (¬1) أو سراويل أو قميصًا أو خفًّا" (¬2). وإذا لبست الخف لم يلزمها قطعه من أسفل الكعبين للأثر عن عائشة، وكان ابن عمر يفتي بخلاف ذلك فتركه لما بلغه عنها من فتواها واحتجاجها بترخيص النبي - صلى الله عليه وسلم - في لبس الخفين للنساء على الإطلاق، وفي "سنن أبي داود" (¬3) عن قتيبة، عن ابن أبي عدي، عن محمَّد بن إسحاق قال: ذكرته لابن شهاب فقال: حدثني سالم بن عبد الله أن عبد الله -يعني ابن عمر- كان يصنع ذلك يعني: يقطع الخفين للمرأة المحرمة، ثم حدثته صفية بنت أبي عبيد أن عائشة حدثتها؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان رخص للنساء في الخفين فترك ذلك. الأصل [547] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سعيد بن سالم، عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس قال: تدلي عليها من جلابيبها ولا تضرب به. قلت: وما لا تضرب به؟ فأشار لي كما تجلبب المرأة، ثم أشار إلا ما على خدها من الجلباب فقال: لا تغطيه فتضرب به على وجهها فذلك ¬

_ (¬1) في الأصل: جبة. والمثبت من التخريج. (¬2) رواه أبو داود (1827) والحاكم (1/ 661)، والبيهقي (5/ 52). وقد سبق تخريجه. (¬3) "سنن أبي داود" (1831).

الشرح

الذي يبقي عليها ولكن تسدلها على وجهها كما هو مسدولًا، (ولا) (¬1) تقلبه ولا تضرب به ولا تعطفه (¬2). الشرح مقصود الفصل أن المرأة لا تستر وجهها في الإحرام، واعلم أن الرجل لا يجوز له ستر رأسه في الإحرام، ويجوز له ستر وجهه، قال - صلى الله عليه وسلم - في المحرم الذي خرّ من بعيره ومات: "خمروا وجهه ولا تخمروا رأسه فإنه يبعث يوم القيامة ملبيًا" (¬3). وعند أبي حنيفة: لا يستر المحرم وجهه كما لا يستر رأسه، وأما المرأة فالوجه كالرأس في حق الرجل فليس لها أن تنتقب ولكن لها أن تسدل على وجهها ثوبًا متجافيًا عنه، وهذا معنى ما روي عن ابن عمر رضي الله عنه أنه قال: "إحرام المرأة في وجهها، وإحرام الرجل في رأسه" (¬4)، ويروى مرفوعًا أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: "ليس على المرأة حرم إلا في وجهها" (¬5) ولم يثبته الحفاظ. ¬

_ (¬1) كتبت بحاشية الأصل وعليها رمز نسخة. (¬2) "المسند" ص (118). (¬3) رواه البخاري (1267)، ومسلم (1206/ 93) من حديث ابن عباس، وليس عندهما: "خمروا وجهه"، وأما هذِه الزيادة فرواها الشافعي (1/ 357) من طريق إبراهيم بن أبي حرة، عن سعيد بن جبير، عنه. قال الحافظ في "التلخيص" (1081): وإبراهيم مختلف فيه، وقال ابن الملقن في "الخلاصة" (1369): إسناده حسن. (¬4) رواه البيهقي (5/ 47) موقوفًا عليه، وروي مرفوعًا وضعفه الأئمة. (¬5) رواه الدارقطني (2/ 294 رقم 259)، والبيهقي (5/ 47) واللفظ له. وضعفه البيهقي وقال: المحفوظ وقفه. وقال الدارقطني في "العلل": الصواب وقفه وكذا ضعفه ابن عدي والعقيلي كما في "التلخيص" (2/ 272). وضعفه الألباني في "ضعيف الجامع" (4894).

والتستر بالسدل منقول عن عائشة رضي الله عنها فعن مجاهد عنها أنها قالت: "كان الركبان يمرّون بنا ونحن مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحن محرمات، فإذا حاذوا بنا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها، فإذا جازوها كشفناه" (¬1) وإليه يرجع معنى الأثر المروي عن ابن عباس. والجلباب اختلفوا في تفسيره فقيل: هو الخمار، وقيل: ثوب واسع دون الرداء تغطي به المرأة صدرها وظهرها، وعن ابن شميل أنه ثوب أقصر من الخمار وأعرض تغطي به المرأة رأسها، وقال صاحب "الصحاح": الجلباب: الملحفة، والمصدر الجلببة (¬2). وقوله: "وما لا تضرب به؟ " يريد ما معنى قولك: لا تضرب به. وقوله: "فأشار لي كما تجلبب المرأة" أي: وصف بالإشارة جلببتها على الرأس ثم أشار إلى ما يحاذي الخدّ من الجلباب فقال: لا تغطيه، كأن المعنى أن الغطاء يثقله فيقع على الوجه. وقوله: "فتضرب به على وجهها" أي: تلقيه، قال تعالى: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} (¬3) أي: يلقين. وقوله: "فذلك الذي يبقى عليها" يجوز أن يقرأ "يُتَّقى" أي: يخشى منه عليها، ويجوز أن يقرأ "يبقى" أي: هو الذي يوقع الجلباب على الوجه ويبقيه عليه، ولكن تبقيه مسدولًا على وجهها غير مقلوب ولا معطوف. ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (1833)، وابن ماجه (2935) من طريق يزيد بن أبي زياد، عنه. قال البيهقي: وكذلك رواه أبو عوانة ومحمد بن فضيل وعلي بن عاصم عن يزيد بن أبي زياد، وخالفهم ابن عيينة فيما روي عنه عن يزيد فقال: عن مجاهد قال: قالت أم سلمة. وقال الحافظ في "الدراية" (482): وفي إسناده يزيد بن أبي زياد وهو ضعيف. وضعفه الألباني في "الإرواء" (1024). (¬2) "الصحاح" (جلب). (¬3) النور: 31.

الأصل

الأصل [548] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سعيد، عن ابن جريج، عن هشام بن حجير، عن طاوس قال: رأيت ابن عمر رضي الله عنه يسعي بالبيت وقد حزم على بطنه بثوب (¬1). [549] أبنا الربيع، أبنا الشافعي , أَبنا سعيد، عن إسماعيل بن أمية أن نافعًا أخبره أن ابن عمر لم يكن عقد الثوب عليه إنما غرز طرفيه على إزاره (¬2). [550] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سعيد، عن مسلم بن (جندب) (¬3) قال: جاء رجل يسأل ابن عمر وأنا معه فقال: أخالف بين طرفي ثوبي من ورائي ثم أعقده وأنا محرم؟ فقال عبد الله بن عمر: لا تعقد شيئًا (¬4). [551] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سعيد بن سالم، عن ابن جريج؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأى رجلًا محتزمًا بحبل أبرق فقال: "انزع الحبل مرتين" (¬5). الشرح مسلم بن جندب: هو الهذلي المديني. سمع: ابن عمر، ونوفل بن إياس، وأسلم مولى عمر. وروى عنه: زيد بن أسلم، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وغيرهما (¬6). ¬

_ (¬1) "المسند" ص (119). (¬2) "المسند" ص (119). (¬3) في "الأصل": حبيب. والمثبت من حاشية "الأصل" وعليه رمز نسخة وهو الصواب. (¬4) "المسند" ص (119). (¬5) "المسند" ص (119). (¬6) انظر "التاريخ الكبير" (7/ ترجمة 1088)، و"الجرح والتعديل" (8/ ترجمة 793)، و"التهذيب" (27/ ترجمة 5920).

الأصل

وقوله: "يسعى بالبيت" أي يطوف، وقد يسمى الطواف سعيًا؛ لأنه عمل ولما فيه من الرمل، كما يسمى طوافًا بين الجبلين لما فيه من التردّد من أحدهما إلى الآخر. وقوله: "وقد حزم على بطنه بثوب" أي شدّه، واستدل به على أنه لا بأس بالهميان، وأبان نافع في الثاني كيفية حزمه فقال: "لم يكن عقد الثوب عليه إنما غرز طرفيه على إزاره" ويؤيده قول ابن عمر في الأثر الثالث لذلك السائل: "لا تعقد شيئًا" وذكر لهذِه الآثار أنه يحسن للمحرم أن لا يعقد رداءه ولكن يغرز طرفيه في إزاره إن شاء، وأيّد من جهة المعنى بأنه إذا عقد صار في معنى المخيط لكن لا يظهر فرق بين العقد والغرز، وأيضًا فالإزار لا بدّ له من عقد وشد فما أفرق (¬1) بين الرداء والإزار. والحديث الذي رواه ابن جريج منقطع، قال الحافظ أبو بكر البيهقي (¬2): ورواه أيضًا ابن أبي ذئب، عن صالح بن أبي حسان، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيتقوى أحدهما بالآخر وبالأثر عن ابن عمر، لكن يجوز أن يكون النهي في الخبر بخصوص الحبل فإنه قد يشبه الزنار (¬3)، ويجوز أن يكون لخصوص كونه أبرق أيضًا، والأبرق: الذي فيه لونان كالسواد والبياض، والبرقاء: الشاة البيضاء التي يخالط بياضها سواد. الأصل [552] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سعيد، عن ابن جريج، أبنا الحسن بن مسلم، عن صفية بنت شيبة أنها قالت: كنت عند عائشة إذ ¬

_ (¬1) كذا، والجادة: الفرق. (¬2) "السنن الكبير" (5/ 51). (¬3) الزُّنار: حزام للنصارى. "مختار الصحاح" (زنر).

الشرح

جاءتها امرأة من نساء (بني) (¬1) عبد الدار يقال لها: تملك، قالت لها: يا أم المؤمنين إن ابنتي فلانة حلفت لا تلبس حليّها في الموسم. فقالت عائشة: قولي لها إن أم المؤمنين تقسم عليك إلا لبست حليك كله (¬2). الشرح أورد الشافعي الأثر لبيان أنه لا بأس للمحرمة بلبس العلي، ولا يلحق التحلي بالتطيب. وقوله: "إلا لبست حليك كله" يجوز تخفيف اللام من "إلا" علي معنى العرض والتحضيض، ويجوز تشديد اللام بمعنى هلّا وهو التحضيض أيضًا، وقد يراد به اللوم، وفيه أن الجائز لا يصير ممنوعًا عنه بالحلف، وأنها أقسمت عليها وإبرار المقسم مستحب علي ما ورد به الخبر (¬3). وقول عائشة: "إن أم المؤمنين" يجوز أن يقال أنها أخبرته جوابًا لقول السائلة يا أم المؤمنين ويكون سبيله سبيل الحكاية، ويجوز أن يقال أنها ذكرت على وجه التحديث بالنعمة وشكرها بإظهارها، كما سمّى خالد نفسه سيف الله، وكما كتب الخلفاء من فلان أمير المؤمنين. الأصل [553] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سعيد بن سالم، عن ابن جريج، عن أيوب بن موسي، عن نافع، عن ابن عمر أنه كان إذا رمد وهو ¬

_ (¬1) كتبت في حاشية "الأصل" وعليها رمز نسخة. (¬2) "المسند" (119). (¬3) رواه البخاري (1239)، ومسلم (2066) من حديث البراء بن عازب قال: "أمرنا النبي - صلى الله عليه وسلم - بسبع ونهانا عن سبع ... وفيه: وإبرار المقسم".

الشرح

محرم أقطر في عينيه الصبر إقطارًا، وأنه قال: يكتحل المحرم بأي كحل إذا رمد ما لم يكتحل بطيب ومن غير رمد، ابن عمر القائل (¬1). الشرح يجوز للمحرم الاكتحال بما لا طيب فيه كما ذكره ابن عمر وفعله عند الرمد، والإقطار كالتقطير، وهل يكره الاكتحال إذا لم يكن رمد؟ نقل عن "الإملاء" للشافعي أنه يكره، وبه قال أحمد، وعن غير "الإملاء" أنه لا بأس به، وقيل: الاكتحال بالإثمد وما فيه زينة يكره، وبالتُّوتياء (¬2) الأبيض لا يكره إذ لا زينة فيه، وروي عن ابن جريج كراهية الإثمد، وقال: "إنه زينة والوقت وقت تخشع وعبادة" (¬3). وقوله: "ابن عمر القائل" أي: هو الذي قال: "يكتحل المحرم ... إلى آخره" وليس ذلك من قول النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا من قول بعض الراوين. وكما يجوز تقطير الصبر في العينين يجوز أن يضمدها به، ففي "صحيح مسلم" (¬4) عن أبي بكر بن أبي شيبة وغيره، عن ابن عيينة، عن أيوب بن موسى، عن نبيه بن وهب قال: خرجنا مع أبان بن عثمان حتى إذا كنا بمللٍ اشتكى عمر بن عبيد الله عيينه، فلما كنا بالروحاء اشتد وجعه فأرسل إلى أبان بن عثمان يسأله , فأرسل إليه أن اضمدها بالصبر فإن عثمان رضي الله عنه حدث عن رسول - صلى الله عليه وسلم -[في] (¬5) الرجل إذا اشتكى عينيه وهو محرم ضمّدها بالصبر. ¬

_ (¬1) "المسند" ص (119). (¬2) التوتياء: حجر يكتحل به. "اللسان" (توت). (¬3) رواه الشافعي في "الأم" (2/ 150). (¬4) "صحيح مسلم" (1204/ 90). (¬5) في الأصل: من. والمثبت من "الصحيح".

الأصل

الأصل [554] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا ابن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن سالم بن عبد الله قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: إذا رميتم الجمرة فقد حل لكم ما حرم عليكم إلا النساء والطيب (¬1). [555] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا ابن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن سالم بن عبد الله قال: قالت عائشة: "أنا طيبت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -". وقال في كتاب "الإملاء": "لحله ولإحرامه". قال سالم: وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحق أن تتبع (¬2). [556] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة قالت: كنت أطيب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لإحرامه قبل أن يحرم، ولحله قبل أن يطوف بالبيت (¬3). [557] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، سمعت عائشة رضي الله عنها وبسطت يديها تقول: أنا طيبت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيدي هاتين لإحرامه حين أحرم، ولحله قبل أن يطوف بالبيت (¬4). [558] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة قال: طيبت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيدي هاتين لحرمه حين أحرم، ولحله قبل أن يطوف بالبيت (¬5). ¬

_ (¬1) "المسند" ص (120). (¬2) "المسند" ص (120). (¬3) "المسند" ص (120). (¬4) "المسند" ص (120). (¬5) "المسند" ص (120).

[559] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان بن عيينة، عن عثمان بن عروة قال: سمعت أبي يقول: سمعت عائشة تقول: طيبت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لحرمه ولحلّه فقلت له: بأي الطيب؟ فقالت: بأطيب الطيب. قال عثمان: ما روى هشام هذا الحديث إلا عني (¬1). [560] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن عطاء بن السائب، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة قالت: رأيت وبيص الطيب في مفارق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد ثلاث (¬2). [561] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سعيد بن سالم، عن ابن جريج، عن عمر بن عبد الله بن عروة، أنه سمع القاسم بن محمَّد وعروة يخبران عن عائشة أنها قالت: طيبت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيدي في حجّة الوداع للحل والإحرام (¬3). [562] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن محمَّد بن عجلان، أنه سمع عائشة بنت (¬4) سعد تقول: طيبت أبي عند إحرامه بالسك (¬5) والذرايرة (¬6). [563] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سعيد بن سالم، عن حسن بن زيد، عن أبيه قال: رأيت ابن عباس محرمًا وإن على رأسه لمثل الرب من الغالية (¬7). ¬

_ (¬1) "المسند" ص (120). (¬2) "المسند" ص (120). (¬3) "المسند" ص (120). (¬4) وضع فوقها علامة لحق وكتب كلمة في الحاشية، وهي مطموسة. والأثر كذلك في "المسند" و"الأم". (¬5) وضع فوقها علامة لحق وكتب كلمة في الحاشية، وهي مطموسة والأثر كذلك في "المسند" و"الأم". (¬6) "المسند" ص (121). (¬7) "المسند" ص (121).

الشرح

الشرح عثمان بن عروة بن الزبير بن العوام الأسدي القرشي المديني. سمع: أباه. وروى عنه: هشام أخوه، وسفيان بن عيينة. وتوفي في خلافة أبي جعفر (¬1). وعطاء: هو ابن السائب بن يزيد، وقيل: السائب بن مالك أبو زيد الثقفي الكوفي. سمع: سعيد بن جبير، وغيره. وروى عنه: هشام. مات سنة ست وثلاثين [ومائة (¬2)] (¬3). وعمر: هو ابن عبد الله بن عروة بن الزبير بن العوام الأسدي. سمع: جده عروة، والقاسم بن محمَّد. وروي عنه: ابن جريج (¬4). وعائشة: هي بنت سعد بن أبي وقاص الزهري. سمعت: أباها. وروى عنها: محمَّد بن عجلان، والجعد أو الجعيد بن عبد الرحمن. ماتت سنة سبع عشرة ومائة (¬5). والحسن: هو ابن زيد بن الحسن بن علي الهاشمي. روي عن: أبيه، وعكرمة. ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (6/ ترجمة 2289)، و"الجرح والتعديل" (6/ ترجمة 886)، و"التهذيب" (19/ ترجمة 3845). (¬2) في الأصل: ومائتين. خطأ، والمثبت من مصادر الترجمة. (¬3) انظر "التاريخ الكبير" (6/ ترجمة 3000)، و"الجرح والتعديل" (6/ ترجمة 1848)، و"التهذيب" (20/ ترجمة 3934). (¬4) انظر "التاريخ الكبير" (6/ ترجمة 2056)، و"الجرح والتعديل" (6/ ترجمة 634)، و"التهذيب" (21/ ترجمة 4268). (¬5) انظر "الطبقات الكبرى" (8/ 467)، و"التهذيب" (35/ ترجمة 7886).

وروى عنه: محمَّد بن إسحاق، وابن أبي الزناد، ومالك (¬1). وأبوه زيد بن الحسن بن علي. روى عن ابن عباس (¬2). وأحاديث الفصل ثابتة صحيحة، وحديث مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه مودع في "الموطأ" (¬3) ورواه البخاري (¬4) عن عبد الله بن يوسف، ومسلم (¬5) عن يحيى بن يحيى عن مالك، وحديث سفيان عن عبد الرحمن بن القاسم رواه الحسن بن محمَّد بن الصباح الزعفراني وعلي بن المديني عن سفيان كما رواه الشافعي، وأخرجه البخاري (¬6) من رواية علي بن المديني، وحديث سفيان عن الزهري عن عروة أخرجه مسلم (¬7) عن محمَّد بن عباد المكي عن سفيان، وحديث سفيان عن عثمان بن عروة: أخرجه البخاري (¬8) عن موسى عن وهيب عن هشام عن أخيه عثمان، ومسلم (¬9) عن أبي كريب عن أبي أسامة عن هشام، وأخرجه أيضًا عن أبي بكر بن أبي شيبة وغيره عن سفيان عن عثمان، ويقال: ليس لعثمان في "الصحيحين" إلا هذا الحديث الواحد، وحديث إبراهيم عن الأسود: رواه البخاري (¬10) عن محمَّد بن يوسف عن سفيان عن منصور عن إبراهيم، ومسلم (¬11) عن ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (2/ ترجمة 2517)، و"الجرح والتعديل" (3/ ترجمة 48)، و"التهذيب" (6/ ترجمة 1231). (¬2) انظر "التاريخ الكبير" (3/ ترجمة 1305)، و"الجرح والتعديل" (3/ ترجمة 2532)، و"التهذيب" (10/ ترجمة 2099). (¬3) "الموطأ" (1/ 328 رقم 719). (¬4) "صحيح البخاري" (1539). (¬5) "صحيح مسلم" (1189/ 33). (¬6) "صحيح البخاري" (1754). (¬7) "صحيح مسلم" (1189/ 31). (¬8) "صحيح البخاري" (5628). (¬9) "صحيح مسلم" (1189/ 36، 37). (¬10) "صحيح البخاري" (1538). (¬11) "صحيح مسلم" (1190/ 39).

قتيبة عن حماد بن زيد عن منصور، وحديث ابن جريج عن عمر بن عبد الله مخرج في "الصحيحين" (¬1) أيضًا. والمقصود من هذِه الأحاديث بيان شيئين: أحدهما: أنه يستحب التطيب للإحرام، ولا فرق بين أن يتطيب بما لا يبقى أثره وجرمه بعد الإحرام أو بما يبقى أثره، خلافًا لقول من كره التطيب بما يبقى جرمه وأثره؛ لقول عائشة: "رأيت وبيص الطيب في مفرق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد ثلاث" يعني من إحرامه وهو مصرح به في رواية "الصحيحين" ووبيص الشيء: بريقه على أيّ لون كان، يقال: وَبَصَ يَبِصُ وبيصًا، وبصَّ يبصُّ بصيصًا في معناه. والثاني: أن الحاج إذا حصل له التحلل الأول برمي جمرة العقبة يوم النحر إن لم نجعل الحلق نسكًا، أو بالرمي والحلق أو التقصير إن جعلنا الحلق نسكًا؛ يحل له التطيب وإن لم يأت مكة ولم يطف بعد طواف الركن، وهذا هو ظاهر مذهب الشافعي رضي الله عنه، بل يستحب له التطيب لقول عائشة: "ولحلّه قبل أن يطوف بالبيت" وفيه قول: أنه لا يحل له التطيب إلا بعد التحللين كما لا تحل له النساء إلا بعد التحللين، ويروى هذا عن عمر رضي الله عنه. وفي الصيد قولان: أصحهما: أنه يحل. الثاني: وهو قول مالك: أنه لا يحلّ، وكذا حكم التطيب عنده. والأثر المذكور أولًا في الأصل عن عمر رضي الله عنه وقد رواه عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سالم عن ابن عمر، عن عمر، ¬

_ (¬1) رواه البخاري (5930)، ومسلم (1189/ 35).

الأصل

ورواه أيضًا نافع عن ابن عمر عن عمر، ولما روي سالم قول عمر في ذلك حكى قول عائشة وتطيبيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال: "السنة أحق بالاتباع من قول عمر رضي الله عنه". وقوله: "وقال في الاملاء" يريد أنه صرح بذكر الحلّ والإحرام هناك في حكايته قولها، وأما في "الأم" فإنه قال: قالت عائشة: "طيبت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لإحرامه" (¬1) ولم يرو ذكر الحلّ وهو المقصود، وهو كما يذكر بعض الحديث ويشار به إلى باقيه. وقولها: "لحلّه" أي: لصيرورته حلالًا، ثم يجوز أن يحمل على صيرورته حلالًا في الحال من بعض الوجوه، ويجوز أن يكون المعنى لإشرافه على الحلّ المطلق وقرب حاله منه، ويقال: حلّ الرجل من إحرامه وأحلّ، وأنكر الأصمعي أحلّ، وحلّ الشيء: صار حلالًا، وحلت المرأة من عدتها: صارت حلالًا للنكاح، وحلّ الهدي: بلغ الموضع [الذي] (¬2) ينحر فيه، وحلّ عليه العذاب: وجب، والمستقبل فيها جميعًا: يحل بالكسر، وحلّ العقدة: فتحها، وحل في الدار حلولًا: نزل، وحلّ القوم وحل بهم والمستقبل فيها يحلُّ بالضم. وقولها في بعض الروايات: "لحرمه" أي: لإحرامه كما هو مبين في سائر الروايات، والحاء مضمومة وقد تكسر كالحاء من حلّه. والسُّكُّ: ضرب من الطيب، والرُّبُّ: الطلاء الخاثر. الأصل [564] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سعيد [بن] (¬3) سالم، ¬

_ (¬1) "الأم" (2/ 151). (¬2) من "مختار الصحاح" حلل. (¬3) في الأصل: و. تحريف، والمثبت من "المسند".

الشرح

عن ابن جريج، عن أبي الزبير، عن جابر رضي الله عنه؛ أنه سئل أيشم المحرم الريحان والدهن والطيب؟ فقال: لا (¬1). الشرح يقال: شمَّ يشُمّ ويشِمّ، ويحرم على المحرم تطييب البدن والثوب بما الغرض الأعظم منه التطيب واتخاذ الطيب، أو يظهر فيه هذا الغرض كالمسك والعنبر والكافور والصندل (¬2) والورد والياسمين والزعفران والورس، وليس من الطيب الفواكه وإن كانت لها رائحة طيبة كالسفرجل والتفاح، وكذا الأدوية كالقرنفل والدارصيني، وفي الريحان الفارسي وهو الضميران اختلاف قول الصحابة، وكذلك اختلف فيه قول الشافعي فقوله القديم: أنه لا بأس للمحرم شمّه، ويروى ذلك عن عثمان وابن عباس رضي الله عنهم، والجديد: المنع، وبه قال جابر ويروى عن ابن عمر أيضًا. وقوله: "والدهن" إما أن يحمل على الدهن المطيب، أو على تدهين الرأس واللحية فهو ممنوع منه، فأما تدهين ما سوى الرأس واللحية بما ليس بمطيب فجائز، لما روي "أنه - صلى الله عليه وسلم - ادّهن بزيت [غير] (¬3) مقتت" (¬4) أي: مطيب والتفسير في الحديث. ¬

_ (¬1) "المسند" ص (121). (¬2) الصّندل: شجر طيب الرائحة "مختار الصحاح" (صندل). (¬3) سقط من "الأصل" والمثبت من مصادر التخريج. (¬4) رواه الترمذي (962)، وابن ماجه (3083)، وابن خزيمة (2652) من طريق فرقد السبخي، عن سعيد بن جبير، عن ابن عمر. قال الترمذي: حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث فرقد السبخي عن سعيد بن جبير، وقد تكلم يحيى بن سعيد في فرقد السبخي. وقال ابن خزيمة: أنا خائف أن يكون فرقد السبخي واهمًا في رفعه هذا الخبر، فإن =

الأصل

الأصل [565] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن عمرو بن دينار، عن عطاء بن أبي رباح، عن صفوان بن يعلى بن أمية، عن أبيه قال: كنت عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالجعرانة، فأتاه رجل وعليه مقطعة -يعني: جبة- وهو متضمخ بالخلوق. فقال: يا رسول الله إني أحرمت بالعمرة وهذِه عليّ. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما كنت تصنع في حجّك"؟ قال: كنت أنزع هذه المقطعة وأغسل هذا الخلوق. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "فما كنت صانعًا في حجّك فاصنعه في عمرتك" (¬1). [566] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا إسماعيل الذي يعرف بابن علية، أخبرني عبد العزيز بن صهيب، عن أنس بن مالك؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى أن يتزعفر الرجل (¬2). الشرح عبد العزيز: هو ابن صهيب البناني البصري أبو حمزة، يقال أنه مولى أنس بن مالك. روى عن: أنس، وأبي نضرة. وروى عنه: شعبة، وعبد الوارث، وابن علية، وحماد بن زيد، ¬

_ = الثوري روى عن منصور عن سعيد بن جبير قال: "كان ابن عمر يدهن بالزيت حين يريد أن يحرم". وقال الألباني: ضعيف الإسناد. (¬1) "المسند" ص (121). (¬2) "المسند" ص (121).

وهشيم، وأبو عوانة (¬1). والحديثان مودعان في "الصحيحين": فالأول رواه البخاري (¬2) عن أبي نعيم وأبي الوليد عن همام (بن يحيى) (¬3) بن يحيى، ومسلم (¬4) عن شيبان بن فروخ عن همام، وأخرجه مسلم أيضًا عن ابن أبي عمر عن سفيان، والثاني رواه البخاري (¬5) عن مسدد عن عبد الوارث عن عبد العزيز، ومسلم (¬6) عن أبي بكر بن أبي شيبة وغيره عن إسماعيل بن علية. وفي الحديث الأول دليل على أن من أحرم في مخيط ينعقد إحرامه وينبغي أن ينزعه، ويروى أنه - صلى الله عليه وسلم - قال له: "اخلع عنك هذه الجبّة" (¬7). ويروى "انزع واغسل أثر الخلوق أو قال: أثر الصفرة" (¬8) وفيه دليل على أنه لا يلزمه أن يشقه عليه خلافًا لما روي عن إبراهيم النخعي، وأنه لا يمزق عليه خلافًا لما روي عن الشعبي، واستدل به على أن المحرم إذا لبس أو تطيب جاهلًا لا فدية عليه؛ لأن الرجل كان جاهلًا بالحكم قريب العهد بالإِسلام، ويشعر به ما في بعض الروايات أنه قال: "إني أحرمت بالعمرة وإن الناس يسخرون مني" (¬9) ولم يأمره النبي - صلى الله عليه وسلم - بالفدية، والناسي كالجاهل؛ وأما في الإتلافات كالحلق ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (6/ ترجمة 1534)، و"الجرح والتعديل" (5/ ترجمة 1794)، و"التهذيب" (18/ ترجمة 3453). (¬2) "صحيح البخاري" (1789). (¬3) تكررت في "الأصل" وهمام بن يحيى بن دينار العوذي ترجمته في "تهذيب الكمال" (30/ 302). (¬4) "صحيح مسلم" (1180/ 7, 6). (¬5) "صحيح البخاري" (5846). (¬6) "صحيح مسلم" (2101/ 77). (¬7) وهو في رواية البخاري. (¬8) وهو في رواية الشيخين. (¬9) رواه ابن خزيمة (2672).

الأصل

والقلم وقتل الصيد فلا فرق بين الجاهل والناسي وغيرهما. وقوله: "فما كنت صانعًا في حجّك فاصنع في عمرتك" يريد في اجتناب المحظورات لا في أعمال النسك، وذكر الشافعي في "الأم" (¬1) أن من منع التطيّب للإحرام بما يبقى أثره استروح إلى هذا الحديث، فإنه أخبر الرجل عن غسل الخلوق ولم ينكر النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال: "ما كنت صانعًا في حجّك فاصنع في عمرتك" وأيضًا ففي بعض الروايات أنه قال: "انزع عنك الجبّة واغسل عنك الصفرة" وأجاب أنه - صلى الله عليه وسلم - إنما أمره بغسل الخلوق؛ لأنه نهى عن التزعفر، وكذلك ترى حديث صفوان بن يعلى معقبًّا بحديث التزعفر، وبتقدير أن يكون الأمر بالغسل بما ذكره فإن ذلك كان عام الجعرانة وهو سنة ثمان وتطيب النبي - صلى الله عليه وسلم - كان في حجة الإِسلام سنة عشر فيكون ذلك ناسخًا لما أمر به، وتسمية الجبة مقطعة يجوز أن يكون باعتبار أنها قطع مختلفة وهي الطهارة والبطانة والحشو. الأصل [567] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مسلم وسعيد بن سالم [عن ابن (¬2) جريج]، عن أبي الزبير، أنه سمع جابر بن عبد الله يُسأل عن الرجل أيهل بالحج قبل أشهر الحج؟ فقال: لا. [568] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مسلم، عن ابن جريج قال: قلت لنافع: أسمعت عبد الله بن عمر يسمي أشهر الحج؟ فقال: نعم، كان يسمي شوال وذو القعدة وذو الحجة. قلت لنافع: فإن أهلّ إنسان بالحج قبلهن؟ ¬

_ (¬1) "الأم" (2/ 153). (¬2) سقط من الأصل. والمثبت من "المسند".

الشرح

قال: لم أسمع منه في ذلك شيئًا (¬1). الشرح أخذ الشافعي رضي الله عنه بظاهر المروي عن جابر وقال: لا ينعقد الإحرام بالحج قبل أشهر الحج، ويروي ذلك عن ابن عباس وعطاء وعكرمة، وإذا أحرم به كان عمرة، وقيل: يتحلل بعمل عمرة، والأول ظاهر المذهب ويروى ذلك عن عطاء، وشبهه الشافعي رضي الله عنه بما إذا أحرم بالمكتوبة قبل وقتها لا تكون صلاته مكتوبة وتكون نافلة؛ لأن الوقت وقت النافلة دون المكتوبة وهذا أحد قوليه في تلك المسألة، وفسر ابن عمر أشهر الحج بشوال وذي القعدة وذي الحجة، وتم كلام نافع عند قوله: "نعم كان يسمي" ثم ابتدأ شوال وذو القعدة أي: هي شوال وذو القعدة وذو الحجة، وهي المعنية بقوله تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} (¬2) ثم قيل: المعنى الحج يقع في أشهر معلومات من السنة، وقال الأكثرون: المعنى وقت الإحرام بالحج أشهر معلومات، وظاهر رواية الكتاب عن ابن عمر أن ذا الحجة كلها وقت الإحرام بالحج ويروى ذلك عن عروة بن الزبير ومالك، وفي غير هذِه الرواية: "شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة" (¬3) وروي معناه عن عمر وابن مسعود وابن الزبير وهو الصحيح المشهور، وقد يطلق لفظ الجمع على الاثنين وبعض الثالث كما في ¬

_ (¬1) "المسند" ص (121). (¬2) البقرة: 197. (¬3) رواه الحاكم (2/ 303)، والدارقطني (2/ 226 رقم 46). قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين. وفيه أيضًا عن ابن عباس وابن مسعود.

الأصل

قوله تعالى: "فعدتهن ثلاثة قروء" (¬1) بل لفظ الجمع يقع على الاثنين بلا زيادة، كما قيل في قوله تعالى: {أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ} (¬2) أن المراد عائشة وصفوان، وفي قوله: {وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ} (¬3) أن المراد داود وسليمان. وقال ابن الأنباري: العرب توقع الوقت الطويل على اليسير من ذلك الوقت، يقول القائل: أتيتك يوم الخميس وإتيانه يكون في ساعة واحدة من اليوم، وقتل ابن الزبير زمان الحجاج أمير وإنما قتل في يسير من ذلك الزمان. الأصل [569] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا إبراهيم بن محمَّد، عن سعيد بن عبد الرحمن بن رقيش أن جابر بن عبد الله قال: ما سمى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في تلبيته حجًّا قط ولا عمرة (¬4). الشرح سعيد: هو ابن عبد الرحمن بن رقيش المديني الأسدي. سمع: أنسًا. وروى عنه: يحيى بن سعيد، ومجمع بن يعقوب، ومالك (¬5). والحديث صريح في أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ما سمى في إحرامه حجًّا ولا ¬

_ (¬1) كذا في الأصل! وقد أدخل آية: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228] في آية: {فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ} [الطلاق: 4]، وفيه سقط والله أعلم. (¬2) النور: 26. (¬3) الأنبياء: 78. (¬4) "المسند" ص (122). (¬5) انظر "التاريخ الكبير" (3/ ترجمة 1642)، و"الجرح والتعديل" (4/ ترجمة 168)، و"التهذيب" (10/ ترجمة 2317).

عمرة، ويوافقه ما قدمنا أنه - صلى الله عليه وسلم - أحرم إحرامًا مطلقًا ينتظر القضاء، ويخالفه رواية من روى أنه أهل بالحج ومن روى أنه أهلّ بالعمرة ثم أهلّ بالحج، ومن روى أنه أهلّ بحج وعمرة وقد مرّ جميع ذلك، وينبغي للمحرم أن ينوي ويلبي، والصحيح أنه لا يكفي الاقتصار على التلبية ويكفي الاقتصار على النية، وإذا اختلفت النية والتلبية فالاعتبار بالنية حتى لو لبّى بالحج ونوى العمرة فهو معتمر والعكس بالعكس، ولو لبّى بأحدهما ونوى القرآن فهو قارن، ولو لبّى بهما ونوى أحدهما فهو محرم بما نوى، ويجوز أن يحرم إحرامًا مطلقًا ولا يقصد القرآن ولا أحدهما. وقول جابر "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ما سمى في تلبيته حجًّا ولا عمرة" يدل علي جواز الإحرام المطلق إن كان قد أطلق كما روي أنه أحرم مطلقًا ينتظر القضاء، وإن كان قد عين نسكًا بنيته أو نوى القرآن، وفيه دليل على أن النية كافية والتلفظ ليس بواجب، وللشافعي قولان في أن إطلاق الإحرام أفضل أو التعيين؟ والأصح أن التعيين أفضل، وبه قال أبو حنيفة، وإذا عيّن فهل يستحب التلفظ بما عيّن في التلبية؟ فيه اختلاف للأصحاب، والأظهر وهو المنصوص في "الأم" أنه لا يستحب؛ لحديث جابر ولما روي عن عائشة قالت: "خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا نذكر حجًّا ولا عمرة" (¬1). وعن نافع أن ابن عمر سمع رجلًا يقول: لبيك، فضرب في صدره، وقال: أتعلم الله ما في نفسك (¬2). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1211/ 129). (¬2) رواه البيهقي (5/ 40).

الأصل

الأصل [570] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن نافع، عن ابن عمر؛ أن تلبية رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لبيك اللهم لبيك [لبيك] (¬1) لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك. قال نافع: وكان عبد الله بن عمر يزيد فيها: لبيك لبيك وسعديك، والخير في يديك لبيك، والرغباء إليك والعمل (¬2). [571] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا بعض أهل العلم، عن جعفر بن محمَّد، عن أبيه، عن جابر بن عبد الله أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أهلّ بالتوحيد: "لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك" (¬3). [572] قال الشافعي: وذكر عبد العزيز بن عبد الله بن الماجشون، عن عبد الله بن الفضل، عن الأعرج، عن أبي هريرة قال: كان من تلبية رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لبيك إله الحق ليبك" (¬4). [573] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سعيد، عن ابن جريج، أخبرني حميد الأعرج، عن مجاهد أنه قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يظهر من التلبية: "لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك". قال: حتى إذا كان ذات يوم والناس يصرفون عنه كأنه أعجبه ¬

_ (¬1) سقط من الأصل والمثبت من "المسند". (¬2) "المسند" ص (122). (¬3) "المسند" ص (122). (¬4) "المسند" ص (122).

الشرح

ما هو فيه، فزاد فيها: لبيك إن العيش عيش الآخرة. قال ابن جريج: وحسبت أن ذلك يوم عرفة (¬1). [574] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سعيد، عن القاسم بن معن، عن محمَّد بن عجلان عن عبد الله بن أبي سلمة أنه قال: سمع سعد بن أبي وقاص بعض بني أخيه وهو يلبي: يا ذا المعارج. فقال سعد: المعارج إنه لذو المعارج، وما هكذا كنا نلبي على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬2). الشرح حميد الأعرج: هو حميد بن قيس، أبو صفوان مولى بني أسد بن عبد العزى المكي الأعرج. سمع: مجاهدًا، وعطاء، وسليمان بن عتيق. وروى عنه: مالك، والثوري، وابن عيينة. توفي في خلافة أبي العباس (¬3). وحديث مالك عن نافع مودع في "الموطأ" (¬4) وأخرجه البخاري (¬5) عن عبد الله بن يوسف، ومسلم (¬6) عن يحيى بن يحيى، وأبو داود (¬7) عن القعنبي، بروايتهم عن مالك، ورواه عن نافع كما رواه مالك (¬8): ¬

_ (¬1) "المسند" ص (122). (¬2) "المسند" ص (123). (¬3) انظر "التاريخ الكبير" (2/ ترجمة 2719)، و"الجرح والتعديل" (3/ ترجمة 1001)، و"التهذيب" (7/ ترجمة 1535). (¬4) "الموطأ" (1/ 331 رقم 730). (¬5) "صحيح البخاري" (1549). (¬6) "صحيح مسلم" (1184/ 19). (¬7) "سنن أبي داود" (1812). (¬8) كتب فوقها: عن. وهي مقحمة.

عبيد الله بن عمر، ومن روايته أخرجه أبو عبد الله ابن ماجه (¬1) عن علي بن محمَّد عن أبي معاوية وغيره عن عبيد الله، وأيوب والليث ومن روايتهما أخرجه أبو عيسى الترمذي (¬2)، ورواه عن ابن عمر كما رواه نافع: سالم وحمزة ابنا عبد الله بن عمر. وقول نافع: "وكان عبد الله يزيد فيها: لبيك لبيك ... إلى آخر الكلمات" يسبق إلى الفهم منه أن ابن عمر رضي الله عنه زادها من عند نفسه، وفي "جامع أبي عيسى الترمذي" ما يصرح بذلك، لكن مسلمًا روى في "الصحيح" (¬3) عن حرملة بن يحيى قال: أبنا ابن وهب، أبنا يونس، عن ابن شهاب، قال: [فإن] (¬4) سالم بن عبد الله بن عمر أخبرني، عن أبيه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يهلّ ملبّدًا يقول: "لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك" لا يزيد على هؤلاء الكلمات، وكان عبد الله بن عمر يقول: كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يهلّ بإهلال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من هؤلاء الكلمات ويقول: لبيك اللهم لبيك، لبيك وسعديك والخير في يديك، لبيك والرغباء إليك والعمل. وحديث جعفر بن محمَّد عن أبيه: رواه عنه يحيى بن سعيد وابنه محمَّد بن جعفر، وأخرجه أبو داود (¬5) عن أحمد بن حنبل عن يحيى. وحديث عبد العزيز، عن عبد الله بن الفضل رواه محمَّد بن عبد الله بن ¬

_ (¬1) "سنن ابن ماجه" (2918). (¬2) "جامع الترمذي" (825، 826). (¬3) "صحيح مسلم" (1184/ 21). (¬4) سقط من الأصل. والمثبت من "الصحيح". (¬5) "سنن أبي داود" (1813).

عبد الحكم عن ابن وهب عن عبد العزيز، وأخرجه ابن ماجه (¬1) عن أبي بكر بن أبي شيبة وعلي بن محمَّد، عن وكيع، عن عبد العزيز. وحديث حميد عن مجاهد مرسل، ويقرب من مقصوده ما روي عن عكرمة عن ابن عباس؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطب بعرفات فلما قال: "لبيك اللهم لبيك قال: إن الخير خير الآخرة" (¬2). وحديث القاسم (¬3) بن معن: رواه عنه المعافى بن سليمان أيضًا، وفي الباب عن عائشة وابن مسعود، وابن عباس، وأبي هريرة رضي الله عنهم. والتلبيةُ من لبيك كالتهليل من لا إله إلا الله، ولبيك في أشهر الأقوال مأخوذ من قولهم: ألبّ بالمكان إذا قام به ولزمه. ويقال: إن لبّ لغة فيه، أي: أنا مقيم على طاعتك ملازم لها. وقيل: إنه من قولهم: دار فلان تلبّ داري، أي: تحاذيها، والمعنى: أقصدك وأتوجه إليك. ¬

_ (¬1) "سنن ابن ماجه" (2920). والحديث رواه النسائي (5/ 161)، وصححه ابن خزيمة (2623)، وابن حبان (3800)، والحاكم (1/ 450). قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي. وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (5057). (¬2) رواه ابن الجارود (470)، وابن خزيمة (2831)، والحاكم (1/ 636). قال الحاكم: صحيح الإسناد. وقال الهيثمي (3/ 223) رواه الطبراني في الأوسط وإسناد حسن. وحسنه الألباني في "صحيح الجامع" (5058). (¬3) قال الهيثمي (3/ 223): رواه أحمد وأبو يعلى والبزار ورجاله رجال الصحيح إلا أن عبد الله لم يسمع من سعد والله أعلم.

وقيل: هو من الإلباب: وهو الطاعة والخضوع. وقيل: من قولهم: امرأة لبّة إذا اشتد حبها لولدها، أي: محبتي لك صادقة. وقيل: هو من لُبُّ الطعام ولبابُه وهو الخالص منه، أي: إخلاصي لك. وعلى اختلاف الأقوال كان ينبغي أن يقال: لبًّا لك أو إلبابًا، أي: ألب إلبابًا، إلا أنه ثنى على التأكيد والتكرير، كأنه يقول: أقيم إقامة بعد إقامة، كما يقال: حنانيك أي: رحمة بعد رحمة، والنصب على المصدر كما يقال: حمدًا لله وشكرًا، هذا قول الخليل والأكثرين، وعن يونس أن لبيك ليس تثنية لب؛ وإنما الكلمة لبّى مثل حرى، قلبت ألفه ياءً عند الإضافة إلى المضمر كما فعل بإليك وعليك ونحوهما، وأنشد سيبويه محتجًّا للقول الأول: دعوت لما نابني مسورًا ... فلبّي فلبّي يدي مسور ولو كان بمنزلة على وإلى لقال: فلبّي يدي كما تقول: على زيد إذا أظهرت الاسم. وقوله: "وسعديك" أي: ساعدت طاعتك مساعدة بعد مساعدة. وقوله: "والرغباء إليك" أي: الطلب والمسألة، والكلمة بفتح الراء والمد، وقد تضم الراء وتقصر، وعن بعض أهل اللغة أن في الكلمة لغة أخرى هي الرغبى على مثال الشكوى. وقوله: "أهلّ بالتوحيد" أي: لبّى نافيًا للشريك على الإطلاق، لا كما كان يفعله أهل الجاهلية فيقولون في تلبيتهم: لا شريك لك إلا كذا. وقوله: "كأنه أعجبه ما هو فيه فزاد فيها: لبيك إن العيش عيش

الأصل

الآخرة" يشعر بأن الكلمة معدودة من التلبية ملحقة بلواحقها، وعلى ذلك جرى الأصحاب وقالوا: إذا رأى شيئًا يعجبه أتى بهذِه الكلمة، وسياق كلام الشافعي رضي الله عنه في "الأم" يشعر بأنها ليست من لواحق التلبية، لكنه لما لبّى أخبر بأن العيش عيش الآخرة وقصد به كف النفس عن الرغبة في الدنيا وحملها على الرغبة في الآخرة، واستحب الشافعي أن لا يزيد على تلبية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويدل عليه خبر سعد حين سمع بعض بني أخيه يقول: "يا ذا المعارج" ولو زاد زائد شيئًا من تعظيم الله تعالى كما فعل ابن عمر رضي الله عنه لم يكره، ويروى في آخر حديث جعفر بن محمَّد عن أبيه عن جابر: "والناس يزيدون ذا المعارج ونحوه من الكلام والشعبي - صلى الله عليه وسلم - يسمع فلا يقول لهم شيئًا". الأصل [575] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن عبد الله بن أبي بكر بن محمَّد بن عمرو بن حزم، عن عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، عن خلاد بن السائب الأنصاري، عن أبيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "أتاني جبريل عليه السلام فأمرني أن آمر أصحابي أو من معي أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية أو بالإهلال" يريد أحدهما (¬1). الشرح عبد الملك بالنسب المذكور مخزومي مديني. سمع: أباه، وأبا هريرة. وروي عنه: الزهري، وابن جريج، ومحمد وعبد الله ابنا أبي بكر بن حزم، وعبد الرحمن بن حميد. ¬

_ (¬1) "المسند" ص (123).

مات في أول خلافة هشام بن عبد الملك (¬1). وخلاد: هو ابن السائب بن خلاد الأنصاري من بلحارث بن الخزرج. روى عنه: عبد الملك بن أبي بكر، وعطاء بن يسار (¬2). وأبوه السائب بن خلاد بن سويد بن ثعلبة بن عمرو بن حارثة بن امريء القيس الأنصاري من بلحارث بن الخزرج، يكنى أبا سهلة. روى عنه: ابنه خلاد بن السائب، وعطاء بن يسار. توفي سنة إحدى وتسعين كذلك حكاه أبو عبد الله بن منده عن الواقدي، وعدّ السائب وابنه خلاد معًا في الصحابة (¬3). والحديث مودع في "الموطأ" (¬4) وأخرجه أبو داود (¬5) عن القعنبي عن مالك، والترمذي (¬6) عن أحمد بن منيع عن ابن عيينة عن عبد الله بن أبي بكر وقال: إنه حديث حسن صحيح، هذا وفي كيفية روايته اختلاف كثير: فرواه مالك وابن عيينة كما قدمنا ووافقهما ابن جريج، وذكر البخاري في "التاريخ" (¬7) أن موسى بن عقبة رواه عن عبد الله بن أبي لبيد، عن المطلب بن عبد الله بن حنطب، عن خلاد بن السائب، عن زيد بن خالد ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (5/ ترجمة 1318)، و"الجرح والتعديل" (5/ ترجمة 1626)، و"التهذيب" (18/ ترجمة 3517). (¬2) انظر "معرفة الصحابة" (2/ ترجمة 834)، و"الإصابة" (2/ ترجمة 2279). (¬3) انظر "معرفة الصحابة" (3/ ترجمة 1263)، و"الإصابة" (3/ ترجمة 3064). (¬4) "الموطأ" (1/ 334 رقم 736). (¬5) "سنن أبي داود" (1814). (¬6) "جامع الترمذي" (829). قال الترمذي: وروى بعضهم هذا الحديث عن خلاد بن السائب عن زيد بن خالد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا يصح، والصحيح هو عن خلاد بن السائب عن أبيه. (¬7) "التاريخ الكبير" (4/ ترجمة 2285).

الجهني عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأن محمَّد بن يوسف رواه عن سفيان -يعني الثوري- عن عبد الله بن أبي بكر، عن خلاد بن السائب عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأن قبيصة رواه عن سفيان عن عبد الله بن أبي لبيد عن المطلب بن عبد الله بن حنطب عن خلاد بن السائب عن أبيه، وعن زيد بن خالد عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. وفي الباب عن أبي بكر الصديق، وعائشة، وابن عباس، وأبي هريرة رضي الله عنهم. والحديث يدل على استحباب رفع الصوت بالتلبية، ولا ينبغي أن يبالغ فيه بحيث يجهده؛ وإنما يستحب الرفع للرجال وأما النساء فإنهن يقتصرن على إسماع أنفسهن ولا يجهرن بالتلبية كما لا يجهرن بالقراءة في الصلاة، روي عن ابن عمر رضي الله عنه أنه قال: المرأة لا ترفع صوتها بالتلبية (¬1)، واحتج له بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "التسبيح للرجال والتصفيق للنساء" (¬2). وقوله: "أن آمر أصحابي أو من معي" شك في اللفظ، ورواه ابن عيينة وغيره: "أن آمر أصحابي" بلا شك، قال الشافعي في "الأم" (¬3): وفي الحديث دلالة على أن أصحابه هم الرجال دون النساء. وكأن المراد من الأصحاب الذي يجري معهم الصحبة والمخالطة. وقوله: "بالتلبية أو بالإهلال يريد أحدهما" يعني أنهما ليس أمرين ¬

_ (¬1) رواه الدارقطني (2/ 295 رقم 266)، والبيهقي (5/ 46). ورواه أيضًا ابن أبي شيبة (3/ 328) عن ابن عباس. (¬2) رواه البخاري (1203)، ومسلم (422/ 106) من حديث أبي هريرة. (¬3) "الأم" (2/ 156).

الأصل

مختلفين وإنما تردد الراوي في أنه ذكر هذِه اللفظة أو هذِه اللفظة، يبينه ما في "سنن أبي داود" "فأمرني أن يرفعوا أصواتهم بالإهلال أو قال: بالتلبية" يريد أحدهما، وفي بعض الروايات ذكر التلبية وحدها، وفي بعضها ذكر الإهلال وحده، وورد في رواية ابن وهب عن مالك: "فأمرني أن آمر أصحابي أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية أو بالإهلال أو أحدهما" وليحمل هذا على أن بعض الرواة شك في أن من فوقه قال بالتلبية أو بالإهلال فذكر اللفظين جميعًا أو اقتصر على أحدهما، والله أعلم. الأصل [576] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سعيد، عن محمَّد بن أبي حميد، عن محمَّد بن المنكدرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يكثر من التلبية (¬1). [577] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سعيد بن سالم، عن عبد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمرة أنه كان يلبّي راكبًا ونازلًا ومضطجعًا (¬2). الشرح محمَّد بن أبي حميد أبو إبراهيم المديني الزرقي، وقد يقال له: حماد بن أبي حميد (¬3). ¬

_ (¬1) "المسند" ص (123). (¬2) "المسند" ص (123). (¬3) انظر "التاريخ الكبير" (1/ ترجمة 168)، و"الجرح والتعديل" (3/ ترجمة 609)، و"التهذيب" (25/ ترجمة 5169). قال البخاري: منكر الحديث، وقال ابن معين وأبو زرعة: ضعيف الحديث.

وعبد الله: هو ابن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب أبو عبد الرحمن العدوي أخو عبيد الله بن عمر. يروي عن: نافع وغيره. تكلم فيه يحيى بن سعيد، وتكلموا في محمَّد بن أبي حميد أيضًا (¬1). والمقصود أنه يستحب الإكثار من التلبية لما فيها من ذكر الله تعالى وإظهار شعار الإحرام، وهي عند الصعود والهبوط واضطمام الرفاق وحدوث الحوادث أفضل، روي؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يلبي في حجته إذا لقي راكبًا، أو علا أكمة، أو هبط واديًا، وفي أدبار المكتوبة، ومن آخر الليل (¬2). وعن عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن سابط قال: كان سلفنا لا يدعون التلبية عند أربع: عند اضطمام الرفاق حتى تنضم، وعند إشرافهم على الثِّنَي، وهبوطهم من بطون الأودية، وعند الصلاة إذا فرغوا منها (¬3). وتستحب التلبية في المساجد كما في غيرها، وفيما سوى المسجد الحرام ومسجد منى ومسجد إبراهيم عليه السلام - بعرفات قولٌ: أنها لا تستحب، وإذا قلنا باستحباب التلبية فيها فيرفع الصوت. وعن مالك أنه لا يرفع الصوت بالتلبية إلا في مسجد مكة ومنى. ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (5/ ترجمة 441)، و"الجرح والتعديل" (5/ ترجمة 499)، و"التهذيب" (15/ ترجمة 3440). (¬2) قال ابن الملقن في "الخلاصة" (1248): رواه عبد الله بن ناجية في فوائده بإسناد غريب لا يثبت مثله. وقال الحافظ في "التلخيص" (2/ 239): وفي إسناده من لا يعرف. (¬3) رواه الشافعي في "الأم" (2/ 156) وفيه "الشيء" بدل "الثني". قال في مختار "الصحاح" (ثنى): الثني مقصورًا - الأمر يعاد مرتين.

الأصل

الأصل [578] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا إبراهيم بن محمَّد، عن صالح بن محمَّد بن زائدة، عن عمارة بن خزيمة بن ثابت، عن أبيه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان إذا فرغ من تلبية سأل الله رضوانه والجنة، واستعفاه برحمته من النار (¬1). الشرح صالح بن محمَّد بن زائدة، أبو واقد الليثي المديني. روى عن: سالم بن عبد الله وغيره. وهو متروك عند سليمان بن حرب (¬2). وروى الحديث عن صالح كما رواه إبراهيم: عبد الله بن عبد الله الأموي، وعن القاسم بن محمَّد أنه كان يأمر من فرغ من التلبية أن يصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم -. واستحب الشافعي تعقيب التلبية بالصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأن يسأل الله تعالى الجنة ويتعوذ به من النار فإن ذلك أعظم ما يسأل ويسأل بعدها ما أحب. ¬

_ (¬1) "المسند" ص (123). والحديث ضعفه ابن حجر في "البلوغ" (1/ 151)، والألباني في "ضعيف الجامع" (4435). (¬2) انظر "التاريخ الكبير" (4/ ترجمة 2862)، و"الجرح والتعديل" (4/ ترجمة 1810)، و"التهذيب" (13/ ترجمة 2835). قال البخاري: منكر الحديث، وقال أبو زرعة وأبو حاتم: ضعيف الحديث.

الأصل

الأصل [579] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان بن عيينة، عن هشام بن عروة، عن أبيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مر بضباعة بنت الزبير فقال: "أما تريدين الحج"؟ فقالت: إني شاكية. فقال لها: "حجي واشترطي أن محلي حيث حبستني" (¬1). [580] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن هشام، عن أبيه قال: قالت لي عائشة: هل تستثني إذا حججت؟ فقلت لها: ماذا أقول؟ فقالت: قل اللهم الحج أردت وله عمدت، فإن يسرته فهو الحج، وإن حبسني حابس فهو عمرة (¬2). الشرح ضباعة: هي بنت الزبير بن عبد المطلب كانت تحت المقداد بن الأسود. روى عنها: ابن عباس، وعائشة، وسعيد بن المسيب، والأعرج وكريمة بنت المقداد بن الأسود، وأختها أم حكيم بنت الزبير ويقال: أم [الحكم (¬3)] (¬4). والحديث مرسل من رواية الشافعي ولإرساله قال في "الأم": لو ثبت حديث عروة في الاستثناء لم أعده إلى غيره (¬5). ¬

_ (¬1) "المسند" ص (123). (¬2) "المسند" ص (123). (¬3) انظر "معرفة الصحابة" (6/ ترجمة 3941)، و"الإصابة" (8/ ترجمة 11425). (¬4) في الأصل: الحكيم. والمثبت من مصادر الترجمة. (¬5) "الأم" (2/ 158).

وقد ثبت عند علماء الحديث من أوجه: فرواه عبد الجبار بن العلاء، عن سفيان، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة موصولًا، ورواه أبو أسامة حماد بن أسامة ومعمر، عن هشام عن أبيه عن عائشة، وأخرجه البخاري (¬1) عن عبيد بن إسماعيل عن أبي أسامة، ومسلم (¬2) عن أبي كريب عنه، وأخرجه مسلم أيضًا عن عبد بن حميد عن عبد الرزاق عن معمر عن هشام عن أبيه عن عائشة، وتروى قصة ضباعة من رواية ابن عباس وجابر وضباعة نفسها. وقوله: "أما تريدين الحج" قد يفهم ظاهره الترغيب في الحج والحث عليه، لكن في رواية عبد الجبار بن العلاء عن سفيان "أتريدين الحج؟ قالت: نعم" وفي رواية عبد الرزاق عن معمر: "دخل النبي - صلى الله عليه وسلم - على ضباعة فقالت: إني أريد الحج وأنا شاكية". وللشافعي اختلاف قول في أنه يجوز أن يشترط في الإحرام أن يتحلل إذا مرض، والأصح جوازه والحديث دل عليه، وإليه ذهب عُمر، وابن مسعود، وعائشة رضي الله عنهم، وخالفهم ابن عمر رضي الله عنه، وذكر الأصحاب وجهين في أنه لو قال: إن مرضت فأنا حلال هل يصير حلالًا [بنفس] (¬3) المرض أم يحتاج إلى التحلل؟ والأظهر الأول، وقد يشعر به قوله: "أن محلي حيث حبستني" ثم إذا تحلل فلا هدي عليه إن كان قد شرط في إحرامه التحلل بلا هدي، وكذا إن أطلق على الأصح، وإن كان قد شرط التحلل بالهدي لزمه الهدي. ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (5089). (¬2) "صحيح مسلم" (1207/ 104 , 105) (¬3) قطع في الأصل والمثبت أشبه بالرسم.

الأصل

وقوله: "أن محلي حيث حبستني" حمل على الحبس بالمرض لتعلقه بقولها "وأنا شاكية" ولكن قول عائشة "وإن حبسني حابس" مطلق، وفيه دلالة على أنه يجوز له شرط التحلل بسائر الأعذار الطارئة كنفاد النفقة وضلال الطريق والخطأ في العدد، كما يجوز شرطه بعذر المرض؛ وأما أنه لا يجوز للمحرم التحلل بسبب المرض إذا لم يشترط فسيأتي. الأصل [581] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن نافع، عن ابن عمرة أنه خرج إلى مكة زمن الفتنة معتمرًا فقال: إن صددت عن البيت صنعنا كما صنعنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قال الشافعي: يعني أحللنا كما أحللنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام الحديبية (¬1). [582] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن ابن شهاب، عن سالم بن عبد الله، عن أبيه أنه قال: من حبس دون البيت بمرضٍ فإنه لا يحل حتى يطوف بالبيت وبين الصفا والمروة (¬2). [583] أخبرنا الربيع، أخبرنا الشافعي، أخبرنا مالك، عن ابن شهاب، عن سالم، عن أبيه أنه قال: المحصر لا يحل حتى يطوف بالبيت وبين الصفا والمروة (¬3). [584] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن يحيى بن سعيد، عن سليمان بن يسار؛ أن ابن عمر ومروان وابن الزبير أفتوا ابن حزابة المخزومي- ¬

_ (¬1) "المسند" ص (124). (¬2) "المسند" ص (124). (¬3) "المسند" ص (124).

الشرح

وأنه صرع (¬1) ببعض طريق مكة وهو محرم- أن يتداوى بما لا بُدّ منه ويفتدي، فإذا صح اعتمر، فحل من إحرامه فكان عليه أن يحج عامًا قابلًا ويهدي (¬2). الشرح ابن حزابة رجل من التابعين، وهو معبد بن وهب بن عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم المخزومي (¬3). وحديث ابن عمر صحيح: أخرجه البخاري (¬4) عن عبد الله بن يوسف عن مالك، ومسلم (¬5) عن يحيى بن يحيى عنه. والمراد من زمن الفتنة زمان مجيء أهل الشام ونزولهم على ابن الزبير محاصرين. وتفسير الشافعي لقوله: "صنعنا كما صنعنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صحيح ما مفهوم من سائر الروايات، وقد روى البخاري في "الصحيح" (¬6) عن عبد الله بن محمَّد بن أسماء قال: ثنا جويرية، عن نافع أن عبيد الله بن عبد الله وسالم بن عبد الله أخبراه أنهما كلما عبد الله بن عمر ليالي نزل الجيش بابن الزبير فقالا: لا يضرك أن لا تحج العام أما تخاف أن يحال بينك وبين البيت، فقال: خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فحال كفار قريش دون البيت، فنحر النبي - صلى الله عليه وسلم - هديه وحلق رأسه، ¬

_ (¬1) كتب في الحاشية: صدع. وعليها رمز نسخة وهي في "المسند" وفي "الأم": صرع. كما هنا. وفي "مختار الصحاح" (صدع): الصَّدْع: الشق. (¬2) "المسند" ص (124). (¬3) روى مالك الأثر (1/ 362 رقم 806) فقال "أن سعيد بن حزابة المخزومي صرع ... ". وذكره ابن ماكولا (2/ 458) قال: معبد بن حزابة بن معبد بن وهب بن عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم. (¬4) "صحيح البخاري" (1806). (¬5) "صحيح مسلم" (1230/ 180). (¬6) "صحيح البخاري" (1807).

وأشهدكم أني قد أوجبت عمرة فأنطلق فإن خلّي بيني وبين البيت طفت، وإن حيل بيني وبينه فعلت كما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنا معه، فأهل بالعمرة من ذي الحليفة ثم سار ساعة ثم قال: إنما شأنهما واحد أشهدكم أني قد أوجبت حجة مع عمرتي، فلم يحلّ منهما حتى حل يوم النحر. وفي "الصحيح" عن ابن عمر رضي الله عنه قال: خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - معتمرين فحال كفار قريش دون البيت؛ فنحر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بدنه وحلق رأسه (¬1). وقصد الشافعي بإيراد الحديث ها هنا الاحتجاج لجواز التحلل بالإحصار، وقد قال تعالى في إحصار المشركين النبي - صلى الله عليه وسلم - عام الحديبية: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} (¬2) وفي "الصحيح" عن ابن عباس؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أحصر فحلق وجامع نساءه ونحر هديه حتى اعتمر من قابل (¬3). وعن جابر بن عبد الله قال: نحرنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالحديبية البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة (¬4). قال الشافعي: والحديبية بعضها من الحل وبعضها من الحرم وكان نحر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حد الحل منها, ولا قضاء على المحصر إذا تحلل بل حاله على ما كان عليه قبل الإحرام. وقال أبو حنيفة: يلزمه القضاء (¬5). واحتج الشافعي بأنه كان مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام الحديبية رجال معرفون بأسمائهم، ثم اعتمر رسول الله عمرة القضية وتخلف بعضهم، ولو لزمهم القضاء لأمرهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبيّنه لهم، قال: ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1812). (¬2) البقرة: 196. (¬3) رواه البخاري (1809). (¬4) رواه مسلم (1318). (¬5) "الأم" (2/ 159).

وتسميتها عمرة القضاء وعمرة القضية لقيامها مقام العمرة التي قصدها لا لوجوب القضاء (¬1). وقد روي عن ابن عمر أنه قال: لم تكن تلك العمرة قضاء ولكن كان شرطًا على المسلمين أن يعتمروا من قابل في الشهر الذي صدهم المشركون فيه. وعلى المحصر إذا تحلل دم شاة يريقه حيث أحصر، وفي قول ابن عمر: "إن صددت عن البيت صنعنا كما صنعنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -" ما يبين أن الإحصار من المسلمين في الحكم كالإحصار من المشركين، وفيما روي عن ابن عمر رضي الله عنه "من حبس دون البيت بمرض" دلالة على أنه لا يجوز التحلل بالمرض وسائر الأعذار سوى حصر العدو، بل يقيم المريض على إحرامه، فإن زال العذر بعد فوات الحج تحلل بعمل عمرة، وبهذا قال ابن الزبير وابن عباس حيث قالا: لا حصر إلا حصر العدو (¬2). وهو قول أكثر أهل العلم، وذهب آخرون إلى جواز التحلل بالمرض ونحوه؛ لما روي عن الحجاج بن عمرو الأنصاري أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من كسر أو جرح فقد حل" (¬3) والأولون ضعفوا الحديث وحملوه بتقدير الصحة على ما إذا شرط التحلل، وقالوا: لو ¬

_ (¬1) "الأم" (2/ 159). (¬2) رواه الشافعي (1/ 367) عن ابن عباس. قال الحافظ في "التلخيص" (1109): إسناده صحيح. (¬3) رواه أبو داود (1862)، والترمذي (940)، والنسائي (5/ 198)، وابن ماجه (3077)، والحاكم (1/ 642). قال الترمذي: حسن صحيح. وقال الحاكم: صحيح على شرط البخاري. وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (6521).

الأصل

جاز التحلل بغير شرط لما احتاجت ضباعة إلى الاشتراط، ولما أمرها النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك. وقوله في الأثر الذي بعده "المحصر لا يحل حتى يطوف بالبيت" قال الشافعي في "الأم": هو المحصر بالمرض والله أعلم (¬1). وقصة ابن حزابة تؤكد منع التحلل بالمرض ولها نظائر. الأصل [585] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا أنس بن عياض، عن موسى بن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنه أنه قال: من أدرك ليلة النحر من الحاج فوقف بحيال عرفة قبل أن يطلع الفجر فقد أدرك الحج، ومن لم يدرك عرفة فيقف بها قبل أن يطلع الفجر فقد فاته الحج فليأت البيت فليطف به سبعًا، ويطوف بين الصفا والمروة سبعًا، ثم ليحلق أو يقصر إن شاء، وإن كان معه هديه فلينحره قبل أن يحلق، فإذا فرغ من طوافه وسعيه فليحلق أو ليقصر ثم ليرجع إلى أهله، فإن أدركه الحج من قابل فليحج إن استطاع وليهد (حجّه) (¬2)، فإن لم يجد هديًا فليصم عنه ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله (¬3). [581] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن يحيى بن سعيد، أخبرني سليمان بن يسارة أن أبا أيوب خرج حاجًّا حتى إذا كان (بالنازية) (¬4) من طريق مكة أضلّ رواحله، وأنه قدم على عمر ¬

_ (¬1) "الأم" (2/ 164). (¬2) في "المسند" بدنة: وفي "الأم": وليهد في حجه بدنة. وسيأتي شرح المؤلف لها على ما في "الأصل". (¬3) "المسند" ص (124). (¬4) في "المسند" وكذا "الأم": بالبادية. وفي "الموطأ": بالنازية. كما عندنا.

الشرح

بن الخطاب رضي الله عنه يوم النحر فذكر ذلك له. فقال له: اصنع كما يصنع المعتمر ثم قد حللت، فإذا أدركت الحج قابل؛ حج واهد ما استيسر من الهدي (¬1). [587] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن نافع، عن سليمان بن يسار؛ أن هبار بن الأسود جاء وعمر رضي الله عنه ينحر بكره (¬2). الشرح هبار بن الأسود أبو الأسود القرشي المكي من بني أسد بن عبد العزى، يقال أنه أدرك النبي - صلى الله عليه وسلم -. وروى عن: عمر. روى عنه: عروة بن الزبير، وسليمان بن يسار (¬3). وهذِه الآثار مسوقة لبيان الحكم عند فوات الحج وفواته بفوات الوقوف بعرفة لا غير، ولذلك قال - صلى الله عليه وسلم -: " [الحج] (¬4) عرفات" ووقت الوقوف من الزوال يوم عرفة إلى طلوع الفجر يوم النحر، فمن وقف في هذا الوقت فقد أدرك الحج ومن لم يقف حتى طلع الفجر فقد فاته الحج". ¬

_ (¬1) "المسند" ص (125). (¬2) "المسند" ص (125). (¬3) انظر "معرفة الصحابة" (5/ ترجمة 3015)، و"الإصابة" (6/ ترجمة 8935). (¬4) ليست في الأصل، والحديث رواه أبو داود (1949)، والترمذي (889، 2975)، والنسائي (5/ 256)، وابن ماجه (3015)، وابن الجارود (468)، وابن خزيمة (2822)، وابن حبان (3892)، والحاكم (2/ 305) عن عبد الرحمن بن يعمر عنه - صلى الله عليه وسلم -: "الحج عرفات، الحج عرفات، الحج عرفات، أيام منى ثلاث ... ومن أدرك عرفة قبل أن يطلع الفجر فقد أدرك الحج". قال الترمذي: حسن صحيح. واللفظ له. وقال الحاكم: صحيح الإسناد. وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (3172).

وقول ابن عمر رضي الله عنه: "من أدرك ليلة النحر" إنما خص الليلة بالذكر لأنها الذي يقع في محل النظر والاشتباه، فأما الإدراك بالوقوف من وقت الزوال فهو مشهور واضح. وقوله: "بحيال عرفة" يجوز أن يقرأ بالجيم والباء، ويجوز أن يقرأ "بحبال عرفة" يقال: قعد حياله وبحياله أي: بإزائه. ثم لا يخفى أن المراد الحضور بها وإذا حضر في طرف منها كان بإزاء باقيها، ومن فاته الحج فعليه التحلل بعمل عمرة ولا يحسب ذلك من العمرة وعليه قضاء الحج من قابل ودم شاة، وحكم دم الفوات حكم دم التمتع في الترتيب والتقدير، وكلام ابن عمر يشتمل على جميع ذلك فإنه أمره بالطواف وبالسعي بين الجبلين وبالحلق أو التقصير وبالحج من قابل. وقوله: "وليهد حجه" أي لحجه وكأنه أراد دم الفوات فإنه يراق في الحجة المقضية على الأصح، فإن لم يجد هديًا صام عشرة أيام كالمتمتع ويوافق ذلك قصة أبي أيوب الأنصاري حيث فاته الوقوف وأتى عمر رضي الله عنه يوم النحر. والنازيّة: عين ثرّة بين مكة والمدينة قريبة من الصفراء وهي إلى المدينة أقرب. وأما ما رواه هبار بن الأسود فإنه ذكر صدره وترك الباقي، وتمامه ما روى الشافعي في "الأم" (¬1) بهذا الإسناد قال: إن هبار بن الأسود جاء وعمر بن الخطاب رضي الله عنه ينحر هديه، فقال له عمر: اذهب فطف ومن معك فانحروا هديًا إن كان معكم، ثم احلقوا أو قصروا، ثم ارجعوا فإذا كان قابل حجُّوا واهدوا، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في ¬

_ (1) "الأم" (2/ 166).

الأصل

الحج وسبعة إذا رجع. وكان هبار ومن معه قد فاتهم الوقوف. وقوله: "نحر بكره" البكر: الفتى من الإبل. الأصل [588] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن نافع، عن ابن عمر؛ أنه كان يغتسل لدخول مكة (¬1). الشرح من الأغسال المستحبة الغسل لدخول مكة ورد به الخبر والأثر، فروى البخاري في "الصحيح" (¬2) عن يعقوب بن إبراهيم، عن ابن علية، عن أيوب عن نافع "كان ابن عمر إذا دخل أدنى الحوم أمسك عن التلبية ثم [يبيت] (¬3) بذي طوى ثم يصلي به الصبح ويغتسل، ويحدث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يفعل ذلك" ورواه مسلم (¬4) عن أبي الربيع، عن حماد، عن أيوب. ويروى الغسل لدخول مكة عن علي بن أبي طالب وعائشة رضي الله عنهما. الأصل [589] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سعيد بن سالم، عن ابن جريج؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا رأى البيت رفع يديه وقال: "اللهم زد هذا البيت تشريفًا وتعظيمًا وتكريمًا ومهابة، وزد من شَرَّفه وَكَرَّمه ممن حجه واعتمره تشريفًا وتكريمًا وتعظيمًا وبرًّا" (¬5). [590] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سعيد بن سالم، عن ¬

_ (¬1) "المسند" ص (125). (¬2) "صحيح البخاري" (1573). (¬3) في الأصل: يثبت. والمثبت من "الصحيح". (¬4) "صحيح مسلم" (1259/ 277). (¬5) "المسند" ص (125).

الشرح

ابن جريج قال: حدثت عن مقسم مولى عبد الله بن الحارث، عن ابن عباس، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "ترفع الأيدي في الصلاة، وإذا رأى البيت، وعلى الصفا والمروة، وعشية عرفة، وبجمع وعند الجمرتين، وعلى الميت" (¬1). [591] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا ابن عيينة، عن يحيى بن سعيد، عن محمَّد بن سعيد بن المسيب، عن أبيه أنه كان حين نظر إلى البيت يقول: اللهم أنت السلام ومنك السلام فحينا ربنا بالسلام (¬2). الشرح مقسم أبو القاسم مولى عبد الله بن الحارث الهاشمي، ويقال: مولى ابن عباس. روى عنه. وروى عن مقسم: الحكم بن عتيبة، ويزيد بن أبي زياد (¬3). ومحمد بن سعيد بن المسيب بن حزن القرشي المديني. سمع: أباه. وروى عنه: عبيد الله بن عمر، وابنه عمران بن محمَّد (¬4). والحديث الأول منقطع ويتأكد بعض التأكد بما روي عن سفيان الثوري، عن أبي سعيد الشامي، عن مكحول قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا ¬

_ (¬1) "المسند" ص (125). (¬2) "المسند" ص (125). (¬3) انظر "التاريخ الكبير" (8/ ترجمة 2057)، و"الجرح والتعديل" (8/ ترجمة 1889)، و"التهذيب" (28/ ترجمة 6166). (¬4) انظر "التاريخ الكبير" (1/ ترجمة 254)، و"الجرح والتعديل" (7/ ترجمة 1434)، و"التهذيب" (25/ ترجمة 5246).

دخل مكة فرأى البيت رفع يديه وكبر وقال: "اللهم أنت السلام ومنك السلام فحينا ربنا بالسلام، اللهم زد هذا البيت تشريفًا وتعظيمًا وتكريمًا ومهابة، وزد من حجّه أو اعتمره تكريمًا وتشريفًا وتعظيمًا وبرًّا" (¬1). والثاني المروي عن مقسم فيه انقطاع أيضًا فإن ابن جريج لم يسمعه من مقسم فرواه بمعناه شعيب بن إسحاق عن مقسم، ورواه محمَّد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس، وعن نافع عن ابن عمر مرة موقوفًا عليهما ومرة مرفوعًا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - دون ذكر الميت. وقوله: "ترفع الأيدي في الصلاة" يريد المواضع التي يسن فيها رفع اليد. وقوله: "وبجمع" يعني: المزدلفة، ثم قد يوجد في الروايات: "وبجمع عند الجمرتين" والصواب "وبجمع وعند الجمرتين" بإدخال الواو بينهما، وكذلك هو في "الأم" (¬2) والمراد: الجمرتان اللتان يقف إذا رمي إليهما، ويدعو دون الثالثة التي إذا رمى إليها انصرف ولم يقف. وقوله: "وعلى الميت" أي في الصلاة عليه، وقد قال برفع اليدين عند رؤية البيت جماعة منهم: ابن عمر، وابن عباس، وكرهه جماعة لما روي عن جابر رضي الله عنه وقد سئل عن الرجل يرى البيت فيرفع يديه: "قد حججنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم نكن نفعله" (¬3). قال الأئمة: والمثبت أولى بالاتباع من النافي، ويؤكد الرفع ما سبق من رواية مكحول، ويؤكد حديثه أيضًا الذكر المأثور عن سعيد بن ¬

_ (¬1) رواه البيهقي (5/ 73). (¬2) "الأم" (2/ 169). (¬3) رواه أبو داود (1870)، والترمذي (855)، والنسائي (5/ 212). وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (326).

الأصل

المسيب، وروى يحيى بن معين عن سفيان بن عيينة عن إبراهيم بن طريف عن حميد بن يعقوب، سمع سعيد بن المسيب يقول: سمعت من عمر رضي الله عنه كلمة ما بقي أحد من الناس سمعها غيري، سمعته يقول إذا رأى البيت: اللهم أنت السلام ومنك السلام فحيّنا ربنا بالسلام (¬1). وقال الشافعي في "الأم": أستحب إذا رأى البيت أن يقول ما حكيت، وما قال من حسن أجزأه إن شاء الله تعالى (¬2). الأصل [592] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سعيد بن سالم، عن ابن جريج، عن عطاء قال: لما دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكة لم يلوِّ ولم يعرج (¬3). الشرح قوله: "لم يلوّ ولم يعرج" يريد على شيء سوى الطواف، يقال: لوى على كذا أي: عطف وعرّج. وروى الشافعي الحديث في "القديم" فزاد في إسناده مع سعيد مسلمًا وقال في متنه: "لما قدم مكة لم يعرج حتى طاف بالبيت". والمستحب للقادم أن يعجل الطواف ولا يشتغل بشيء آخر حتى يطوف إلا أن يدخل المسجد والإمام في المكتوبة فيصليها أولًا، أو يخاف فوت فريضة أو سنة مؤكدة فيقدمها ثم يطوف، وكذا المرأة الشريفة التي لا تبرز للرجال أو الجميلة تؤخر الطواف إلى الليل؛ وإنما ¬

_ (¬1) رواه البيهقي (5/ 73). (¬2) "الأم" (2/ 169). (¬3) "المسند" ص (125).

يستحب طواف القدوم لغير المعتمر المحض، فأما المعتمر فإذا طاف للعمرة أجزأه ذلك عن طواف القدوم؛ لأنه تحية البقعة فهو كما إذا دخل المسجد وصلى الفريضة أجزأه ذلك عن التحية، والحاج والقارن إن قدما الوقوف على دخول مكة فليس في حقهما طواف قدوم أيضًا بل هو مخصوص بما إذا قدما مكة قبل الدخول. وحديث عطاء مرسل، لكنه ورد مقصوده مسندًا في سائر الروايات ففي "الصحيح" عن عروة عن عائشة "أن أول شيء بدأ به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين قدم مكة أنه توضأ ثم طاف بالبيت" (¬1) وتمام الحديث ما رواه البخاري عن أحمد بن عيسى، عن ابن وهب، عن عمرو بن الحارث عن محمَّد بن عبد الرحمن بن نوفل القرشي أنه سأل عروة بن الزبير فقال: قد حج النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبرتني عائشة أن أول شيء بدأ به النبي - صلى الله عليه وسلم - حين قدم أنه توضأ ثم طاف بالبيت ثم لم تكن عمرة، ثم حج أبو بكر فكان أول شيء بدأ به الطواف بالبيت ثم لم تكن عمرة، ثم حج عمر مثل ذلك، ثم حج عثمان فرأيته أول شيء بدأ به الطواف ثم لم تكن عمرة، ثم معاوية وعبد الله بن عمر، ثم حججت مع أبى الزبير بن العوام فكان أول شيء بدأ به الطواف بالبيت ثم لم تكن عمرة، ثم رأيت المهاجرين والأنصار يفعلون ذلك ثم لا تكون عمرة، ثم آخر من رأيت فعل ذلك ابن عمر ثم لم ينقضها عمرة، وهذا ابن عمر عندهم فلا يسألونه ولا أحد ممن مضى ما كانوا يبدءون بشيء حين يضعون أقدامهم من الطواف بالبيت ثم لا يحلون، وقد رأيت أمي وخالتي حين ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1796)، ومسلم (1235/ 190).

تقدمان لا تبدآن بشيء أول من البيت تطوفان به، ثم إنهما لا تحلان، وقد أخبرتني أمي أنها أهلت وأختها والزبير وفلان وفلان بعمرة فلما مسحوا الركن حلّوا. ففيه مع حكايته فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - إطباق الصحابة بعده على رعاية طواف القدوم؛ وأما بقية مقصود الحديث فقد زعم بعضهم أن المحرم بالحج إذا طاف بالبيت وسعى يحلّ؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لأصحابه بعدما طافوا بالبيت وبين الجبلين: "من لم يكن معه هدي فليحلل وليجعلها عمرة" وعرض قول هذا القائل على عروة فأنكره قال: "النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يحلل حتى فرغ من أعمال الحج" وعلى هذا جرت الصحابة بعده، وقد مرّ فيما أمر به النبي - صلى الله عليه وسلم - تأويل أن إحرامهم كان مبهمًا وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - ينتظر الوحي، وما قيل أنه كان لهم نقض الحج وتحويله عمرة وأن ذلك كان مخصوصًا بذلك الوقت. والله أعلم. وقوله: "ثم لم تكن عمرة" أي لم يصر النسك عمرة، ويجوز أن يقرأ: "عمرة" بالرفع ويجعل "لم تكن" بمعنى لم يحدث، وفي "صحيح مسلم": "ثم لم يكن غيره" بدل "ثم لم تكن عمرة" أي: لم يكن غير الحج، والله أعلم. وحيث شرع طواف القدوم فلو أن القادم اشتغل بشيء آخر قبل الطواف لم يفت الطواف، روي أن عليًّا رضي الله عنه كان يأتي منزله قبل أن يطوف بالبيت.

الأصل

الأصل [593] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان بن عيينة، عن منصور، عن أبي وائل، عن مسروق، عن عبد الله بن مسعود أنه رآه بدأ فاستلم الحجر، ثم أخذ عن يمينه فرمل ثلاثة أطواف ومشى أربعة، ثم أتى المقام فصلى خلفه ركعتين (¬1). [594] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن ابن عباس قال: يلبي المعتمر حتى يفتتح الطواف مشيًا أو غير مشيٍ (¬2). الشرح منصور: هو ابن المعتمر بن عبد الله بن ربيعة السلمي أبو عتاب، وقيل: ابن المعتمر بن عباد بن فرقد من بني بهتة بن سليم. سمع: أبا وائل، وإبراهيم النخعي، وأبا الضحى. وروى عنه: شعبة، والثوري، وابن عيينة، وغيرهم. توفي سنة اثنين وثلاثين ومائتين (¬3). ومسروق: هو ابن الأجدع -ويقال: [ابن] (¬4) عبد الرحمن والأجدع لقب، ويقال أن عمر رضي الله عنه غير اسمه وسماه عبد الرحمن- بن مالك بن أمية بن عبد الله الهمداني الكوفي أبو عائشة. ¬

_ (¬1) "المسند" ص (126). (¬2) "المسند" ص (126). (¬3) انظر "التاريخ الكبير" (6/ ترجمة 1491)، و"الجرح والتعديل" (6/ ترجمة 778)، و"التهذيب" (28/ ترجمة 6201). (¬4) في الأصل أن. وهو خطأ.

سمع: ابن مسعود، وعبد الله بن عمرو، والمغيرة بن شعبة، وعائشة. وروى عنه: عبد الله بن مرة، والشعبي، وأبو الشعثاء، وأبو الضحى، وأبو وائل، وإبراهيم النخعي. توفي سنة ثلاث وستين، وقيل: سنة اثنتين (¬1). وحديث ابن مسعود ليس فيه تصريح بالرفع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - والأشبه بما سيق أن مسروقًا رأى ابن مسعود يطوف كذلك، ويجوز أن يكون المعنى أن ابن مسعود رأى النبي - صلى الله عليه وسلم -، وجملة ما في الحديث وهي الابتداء بالحجر واستلامه والأخذ عن اليمين والرمل، وإقامة ركعتي الطواف مروية عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بروايات صحيحة، فعن جابر بن عبد الله؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما قدم مكة أتى الحجر فاستلمه ثم مشى على يمينه [فرمل] (¬2) ثلاثًا ومشى أربعًا (¬3). وعن جابر: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرمل من الحجر الأسود حتى انتهى إليه ثلاثة أطواف (¬4). وعن ابن عمر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ أنه كان إذا طاف في الحج أو العمرة أول ما يقدم سعى ثلاثة أطواف ومشى أربعًا، ثم يصلي سجدتين، ثم يطوف بين الصفا والمروة (¬5). وأما الأثر عن ابن عباس، فقد رواه أبو العباس الأصم: يلبي ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (8/ ترجمة 2065)، و"الجرح والتعديل" (8/ ترجمة 1820)، و"التهذيب" (27/ ترجمة 5902). (¬2) في الأصل: رمل. والمثبت من "صحيح مسلم". (¬3) رواه مسلم (1218/ 150). (¬4) رواه مسلم (1263/ 235). (¬5) رواه البخاري (1616)، ومسلم (1261/ 232).

المعتمر حتى يفتتح الطواف مشيًا أو غير مشيٍ، وهو تصحيف منه، والصواب: مستلمًا أو غير مستلم، وكذلك هو في "الأم" (¬1) ويروى بالإسناد المذكور عن ابن عباس أنه قال في المعتمر: يلبّي حتى يستلم الركن (¬2). ويروى: حتى يستلم الحجر. وقصد الشافعي بإيراد الأثر في هذا الموضع بيان أن الطواف يبتدأ به من الحجر إما مع الاستلام أو دونه، وفيه أن المعتمر يلبّي من أول الإحرام حتى يبتديء بالطواف فإذا ابتدأ به قطعه، وروى الأثر عطاء عن ابن عباس أيضًا (¬3)، ورواه بعضهم عن عطاء عن ابن عباس مرفوعًا؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يلبي في العمرة حتى يستلم الحجر، وفي الحج حتى يرمي الجمرة (¬4). ويروى مثله عن أبي بكرة (¬5) عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. ¬

_ (¬1) "الأم" (2/ 170)، وسيأتي في المسند على الصواب. (¬2) رواه الشافعي (1/ 367). (¬3) رواه البيهقي (5/ 104). (¬4) رواه أبو داود (1817) من قوله، والترمذي (919) من فعله - صلى الله عليه وسلم -، كلاهما من طريق ابن أبي ليلى، عن عطاء، عنه. وليس عندهما "وفي الحج حتى ... " ورواه البيهقي بلفظه تمامًا (5/ 105). قال أبو داود: رواه عبد الملك بن أبي سليمان وهمام، عن عطاء، عن ابن عباس موقوفًا. قال الزيلعي (3/ 114): وفي إسناده ابن أبي ليلى وفيه مقال. وضعفه الألباني في "ضعيف الجامع" (6443). (¬5) رواه البيهقي (5/ 105) وقال: وإسناده ضعيف.

الأصل

الأصل [595] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سعيد بن سالم، عن ابن جريج، عن ابن (¬1) جعفر قال: رأيت ابن عباس جاء يوم التروية مسبدًّا رأسه فقبّل الركن ثم سجد عليه ثم قبله ثم سجد عليه ثلاث مرات (¬2). [596] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سعيد، عن ابن جريج، قال: قلت لعطاء: هل رأيت [أحدًا] (¬3) من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا استلموا قبلوا أيديهم؟ فقال: نعم، رأيت جابر بن عبد الله وابن عمر وأبا سعيد الخدري وأبا هريرة إذا استلموا قبلوا أيديهم. قلت: وابن عباس؟ قال: نعم، وحسبت وكثيرًا. قلت: هل تدع أنت إذا استلمت أن تقبل يدك؟ قال: فلِمَ استلمه إذًا؟ (¬4). الشرح ابن جعفر: هو محمَّد بن عباد بن جعفر، وقد سبق ذكره في أول الكتاب. ¬

_ (¬1) في "المسند" و"الأم": أبي. وسيأتي كلام المؤلف عليه. (¬2) "المسند" ص (126). (¬3) في الأصل: أحد. والمثبت من "المسند". (¬4) "المسند" ص (126).

وقد روى أبو داود الطيالسي (¬1) وأبو عاصم النبيل (¬2) عن جعفر بن عبد الله بن عثمان القرشي قال: رأيت محمَّد بن عباد بن جعفر قبّل الحجر وسجد عليه، ثم قال: رأيت ابن عباس يقبّله ويسجد عليه، وقال ابن عباس: رأيت عمر بن الخطاب قبله وسجد عليه، ثم قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعل هكذا ففعلت. ويوم التروية قيل: سمي بذلك لأن الناس [يرتوون] (¬3) فيه الري من الماء بمكة، وقيل: لأنهم يروون فيه عمل حجهم ويتحدثون فيه ويتعرفونه، والتسبيد: عن الأصمعي أنه الحلق واستئصال الشعر، وعن أبي عبيد أنه ترك التدهن وغسل الرأس، وهذا أليق باليوم. وتقبيل الحجر الأسود سنة مشهورة، وقد صح عن عمر رضي الله عنه من رواية عابس بن ربيعة النخعي عنه أنه جاء إلى الحجر فقبله، وقال: إني لأعلم أنك حجر ولا تنفع ولا تضر ولولا أني رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقبلك ما قبلتك (¬4). وأما السجود عليه ففيه ما قدمناه موقوفًا ومرفوعًا، وعن عكرمة ¬

_ (¬1) "المسند" (28). (¬2) ومن طريقه أخرجه ابن خزيمة (2714)، والحاكم (1/ 455)، والدارمي (1865)، والبزار (215). قال الحاكم: إنما هو جعفر بن عبد الله بن الحكم، وصحح إسناده ووافقه الذهبي. قال الحافظ في "التلخيص" (1022): ووهم فيه، فقد نص العقيلي على أنه غيره، وقال: في حديثه وهم واضطراب. وصححه مرفوعًا وموقوفًا -أي السجود على الحجر الأسود- الألباني في "الإرواء" (4/ 310). (¬3) في الأصل: يتروددن. تحريف، والمثبت من "النهاية"، و"مختار الصحاح" (روي). (¬4) رواه البخاري (1597)، ومسلم (1270/ 251).

عن ابن عباس قال: "رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يسجد على الحجر" (¬1). ولا يتأتى السجود على الحجر كما هو تمام السجود وهو مركّب في موضعه، فكأن المراد وضع الجبهة والخدّ عليه، وقد ورد وضع الخدّ على الركن اليماني في بعض الروايات وحمل ذلك على الأسود لأنهما جميعًا يسميان يمانيين. واستلام الحجر في الطواف محبوب وبه يفتتح، ففي "الصحيحين" (¬2) عن ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين يقدم مكة يستلم الركن الأسود أول ما يطوف يخب (¬3) ثلاثة أطواف من السبع. وفي قصة إسلام أبي ذر: كنت بين الكعبة وأستارها فدخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المسجد فبدأ بالحجر فاستلمه، ثم طاف بالبيت سبعًا، وصلى خلف المقام ركعتين (¬4). والاستلام افتعال من السلام وهو التحية كأنه تحيته (¬5) بذلك، ويذكر أن أهل اليمن يسمون الركن الأسود المحيا؛ لأن الناس يحيونه، وقيل: هو افتعال من السِّلام -بكسر السين- وهي الحجارة، والمراد: ¬

_ (¬1) رواه البيهقي (5/ 75) من طريق ابن يمان، عن سفيان، عن ابن أبي حسين عنه. وقال: لم يروه عن سفيان إلا ابن يمان. قال الحافظ في "التقريب" (7679): يحيى بن يمان صدوق عابد يخطيء كثيرًا وقد تغير. وصحح الألباني رحمه الله السجود على الحجر الأسود مرفوعًا وموقوفًا والله أعلم. (¬2) "صحيح البخاري" (1603)، و"صحيح مسلم" (1261/ 232). (¬3) قال النووي في "شرح مسلم": خب هو الرمل -بفتح الراء والميم، فالرمل والخبب بمعنى واحد وهو إسراع المشي مع تقارب الخطا ولا يثب وثبًا. (¬4) رواها مسلم (2473). (¬5) كذا في الأصل والأليق: يُحييه.

الأصل

لمسه كما يقال: اكتحل من الكحل، وإذا منعت الزحمة من التقبيل وأمكنه الاستلام فيستلمه ويقبل يده بعد الاستلام كما رواه عطاء عن غير واحد من الصحابة، وفي "صحيح مسلم" (¬1) عن أبي بكر بن أبي شيبة عن أبي خالد الأحمر عن عبيد الله بن عمر عن نافع قال: رأيت ابن عمر استلم الحجر بيده وقبّل يده وقال: ما تركته منذ رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يفعله. وقوله: "وحسبت وكثيرًا" أي: وحسبته قال: وكثيرًا. الأصل [597] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سعيد، عن موسى بن عبيدة، عن محمَّد بن كعب، أن رجلًا من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يمسح الأركان كلها ويقول: لا ينبغي لبيت الله أن يكون شيء منه مهجورًا، وكان ابن عباس يقول: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ في رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} (¬2). [598] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سعيد بن سالم، عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس قال: إذا وجدت على الركن زحامًا فانصرف ولا تقف (¬3). [599] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سعيد بن سالم، عن عمر بن سعيد بن أبي حسين، عن منبوذ بن أبي سليمان، عن أمه أنها كانت عند عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - أم المؤمنين فدخلت عليها مولاة لها فقالت: يا أم المؤمنين طفت بالبيت سبعًا واستلمت الركن مرتين أو ثلاثًا. ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (1268/ 246). (¬2) "المسند" ص (126). (¬3) "المسند" ص (126).

الشرح

فقالت لها: لا آجرك الله لا آجرك الله، تدافعين الرجال ألا كبّرت ومررت (¬1). [600] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سعيد، أخبرني موسى بن عبيدة الربذي، عن محمَّد بن كعب أن ابن عباس كان يمسح على الركن اليماني والحجر وكان ابن الزبير يمسح الأركان كلها ويقول: لا ينبغي لبيت الله أن يكون شيء منه مهجورًا، وكان ابن عباس يقول: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ في رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} (¬2). الشرح موسى: هو ابن عبيدة بن نشيط بن عبيد بن الحارث الربذي، مولى بني عامر بن لؤي، يقال له: أبو عبد العزيز. روى عن: أخيه عبد الله بن عبيدة الربذي وغيره، وقد تكلم أحمد بن حنبل في موسى (¬3). وعمر: هو [ابن] (¬4) سعيد بن أبي حسين القرشي النوفلي المكي. سمع: ابن أبي مليكة. وسمع منه: الثوري، وابن المبارك، والضحاك بن مخلد (¬5) ومنبوذ بن أبي سليمان، ويقال: ابن سليمان مكي. ¬

_ (¬1) "المسند" ص (127). (¬2) "المسند" ص (127). (¬3) انظر "التاريخ الكبير" (7/ ترجمة 1242)، و"الجرح والتعديل" (8/ ترجمة 686)، و"التهذيب" (29/ ترجمة 6280). قال أحمد: منكر الحديث، وقال القطان: كنا نتقيه تلك الأيام. (¬4) في الأصل: أبو. تحريف. (¬5) انظر "التاريخ الكبير" (6/ ترجمة 2021)، و"الجرح والتعديل" (6/ ترجمة 583)، و"التهذيب" (21/ ترجمة 4242).

روى عن: أمه، ويقال أنه مولى بني عامر بن لؤي القرشي (¬1). ومقصود هذه الآثار مسألتان: إحديهما: فيما يمسح ويستلم من الأركان، وقد ثبت عن ابن عمر رضي الله عنه، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان لا يستلم من البيت إلا الركنين اليمانين، (¬2) ويروى "إلا الحجر والركن اليماني" (¬3) وحديثه مودع في "الصحيحين" من طرق، وروى ابن عباس مثل ذلك وحديثه مودع في "صحيح مسلم" (¬4). وعن يعلى بن أمية قال: طفت مع عمر رضي الله عنه، فلما بلغنا الركنين الغربيين قلت: ألا تستلم؟ فقال: ألم تطف مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قلت: بلى، قال: أفرأيته يستلم؟ قلت: لا، قال: ذلك في رسول الله أسوة حسنة (¬5). وكان ابن الزبير يستلم الأركان كلها (¬6). والرجل المبهم (¬7) ذكره أولًا المراد منه ابن الزبير على ما هو مبين آخرًا، ويروى عن معاوية أنه كان يستلمها جميعًا أيضًا ويقول: ليس ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (8/ ترجمة 2165)، و"الجرح والتعديل" (8/ ترجمة 6173)، و"التهذيب" (28/ ترجمة 6173). (¬2) رواه البخاري (1609)، ومسلم (1267/ 242). (¬3) رواه مسلم (1267/ 244). (¬4) "صحيح مسلم" (1269/ 247). (¬5) رواه أحمد (378)، وعبد الرزاق (8945)، والبيهقي (5/ 77). قال الزيلعي (3/ 47): قال في "التنقيح": وفي صحة هذا الحديث نظر. (¬6) رواه مالك (1/ 366 رقم 817). (¬7) أي في الأثر الذي ذكره الرافعي أولًا من "المسند".

شيء منها مهجور (¬1). والأحب عند الشافعي ما صح في رواية ابن عمر وابن عباس، قال: وترك الاستلام ليس بهجران بدليل ما بين الأركان (¬2). والفرق بين الركنين اليمانيين وبين اللذين يليان الحجر أن اللذين يليان الحجر ليسا على قواعد إبراهيم على ما سيأتي. والثانية: في الاستلام عند الزحام: وإنما يؤمر بالاستلام إذا تيسر فأما إذا كان هناك زحام وكان يؤذي ويتأذى لو اشتغل بالاستلام فلا يؤمر به، روي أنه - صلى الله عليه وسلم - قال لعبد الرحمن بن عوف: "وكيف صنعت يا أبا محمَّد في استلام الركن الأسود"؟ فقال عبد الرحمن: استلمت وتركت، فقال - صلى الله عليه وسلم -: "أصبت" (¬3). قال الشافعي: أراد استلمت في غير الزحام وتركت في الزحام. وروي أنه - صلى الله عليه وسلم - قال لعمر رضي الله عنه: "يا أبا حفص إنك رجل قوي فلا تزاحم على الركن فإنك تؤذي الضعيف، ولكن إن وجدت خلوة فاستلم، وإلا فكبِّر وامض" (¬4). ويوافق ذلك الأثر عن ابن عباس وعائشة رضي الله عنهما. ¬

_ (¬1) رواه الحاكم (3/ 624)، والبيهقي (5/ 76). قال الحاكم: صحيح الإسناد. (¬2) "الأم" (2/ 171). (¬3) رواه مالك (1/ 366 رقم 816)، وابن حبان (3823)، والحاكم (3/ 346)، والبيهقي (5/ 80) جميعًا من طريق هشام بن عروة، عن أبيه، عن عبد الرحمن. قال الحاكم: لست أشك في لقي عروة بن الزبير عبد الرحمن بن عوف، فإن كان سمع منه هذا الحديث فإنه صحيح على شرط الشيخين. وقال البيهقي: مرسل. (¬4) رواه أحمد (1/ 28)، والبيهقي (5/ 80).

الأصل

وقولها: "تدافعين" أي: الناس. الأصل [601] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سعيد بن سالم القداح، عن ابن جريج، عن يحيى بن عبيد مولى السائب، عن أبيه، عن عبد الله بن السائب، أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - (يقول) (¬1) فيما بين ركن بني جمح والركن الأسود: " {رَبَّنَا آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} " (¬2). الشرح يحيى بن عبيد يعد في أهل مكة، روى عن: أبيه، وروى عنه: ابن جريج (¬3). وأبوه عبيد، روى عن: عبد الله بن السائب ويشبه أن يكون السائب المضاف إليه بأنه مولاه والد عبد الله (¬4). وعبد الله: هو ابن السائب بن أبي السائب المخزومي القاري -من بني قارة- العابديّ أبو عبد الرحمن، من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -. روى عنه: عبد الله بن عمرو، وابن أبي مليكة، وغيرهما. مات زمن ابن الزبير، ويقال أن كنيته أبو السائب (¬5). ¬

_ (¬1) كتبت بحاشية الأصل وعليها رمز نسخة. (¬2) "المسند" ص (127). (¬3) انظر "التاريخ الكبير" (8/ ترجمة 3050)، و"الجرح والتعديل" (9/ ترجمة 705)، و"التهذيب" (31/ ترجمة 6879). (¬4) انظر "التاريخ الكبير" (6/ ترجمة 1507)، و"الجرح والتعديل" (6/ ترجمة 31)، و"التهذيب" (19/ ترجمة 3750). (¬5) انظر "معرفة الصحابة" (3/ ترجمة 1660).

وأبوه السائب صحابي أيضًا، وهو الذي يقال أنه كان شريك النبي - صلى الله عليه وسلم -، واسم أبي السائب صيفي بن عابد بن عبد الله بن مخزوم. والحديث (¬1) رواه عن ابن جريج كما رواه سعيد بن سالم: أبو عاصم وعبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي روَّاد، ورواه البخاري في "التاريخ" (¬2) معلقًا كذلك، ومنهم من رواه عن سفيان عن ابن جريج عن يحيى بن عبيد عن أبيه عن السائب بن عبد الله عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومنهم من رواه عن ابن جريج عن يحيى بن عبيد عن أبيه عن عبد الله بن السائب عن أبيه السائب قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - ... ، والصحيح من الروايات الأولى. وركن بني جمح: هو اليماني، وفي بعض روايات الحديث: "بين الركن اليماني والحجر". واستحب الشافعي أن يقول في رمَله: اللهم اجعله حجًّا مبرورًا، وذنبًا مغفورًا، وسعيًا مشكورًا، وأن يقول في الأشواط الأربعة: اللهم اغفر وارحم واعف عمَّا تعلم فأنت الأعز الأكرم، ربَّنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار (¬3). ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (1892)، والنسائي في "الكبرى" (3934)، وصححه ابن الجارود (456)، وابن خزيمة (2721)، والحاكم (1/ 625) جميعًا من طريق ابن جريج. قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم. وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود". (¬2) "التاريخ الكبير" (8/ ترجمة 3050). (¬3) "الأم" (2/ 210).

الأصل

الأصل [602] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سعيد بن سالم، عن حنظلة، عن طاوس أنه سمعه يقول: سمعت ابن عمر يقول: أقلُّوا الكلام في الطواف فإنما أنتم في الصلاة (¬1). [603] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سعيد بن سالم، عن ابن جريج، عن عطاء قال: طفت خلف ابن عمر وابن عباس فما سمعت واحدًا منهما متكلمًا حتى فرغ من طوافه (¬2). الشرح قوله: "أقلّوا الكلام" يفهم شيئين: أحدهما: أن أصل الكلام لا يبطل الطواف، ويروى عن إبراهيم بن نافع الأعور قال: طفت مع طاوس فكلمته في الطواف وكلمني (¬3)، قال الشافعي: وبلغنا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تكلم في الطواف وكُلِّم (¬4). والثاني: أنه يستحب أن يقل الكلام ويشتغل بتلاوة القرآن وذكر الله تعالى تعظيمًا للبيت ورجاءً للثواب، وإن ترك الكلام أصلًا وأقبل على الذكر والتلاوة كان أولى. وقوله: "فإنما أنتم في صلاة" أراد به ما روي عن عطاء بن السائب عن طاوس عن ابن عباس موقوفًا ومرفوعًا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - "إن الطواف بالبيت صلاة إلا أنه قد أذن فيه بالنطق، فمن استطاع أن لا ينطق إلا بخير فليفعل" (¬5). ¬

_ (¬1) "المسند" ص (127). (¬2) "المسند"ص (127). (¬3) رواه الشافعي في "الأم" (2/ 173). (¬4) "الأم" (2/ 173). (¬5) رواه الترمذي (960)، وابن الجارود (461)، وابن خزيمة (2739)، وابن حبان =

الأصل

والمعنى فيه أنه يعتبر فيه طهارة الحدث والخبث وستر العورة كما في الصلاة. الأصل [604] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سعيد بن سالم، عن ابن جريج، أخبرني أبو الزبير المكي، عن جابر بن عبد الله الأنصاري أنه سمعه يقول: طاف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع على راحلته بالبيت وبين الصفا والمروة ليراه الناس وليشرف لهم أن الناس غشوه (¬1). [605] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سعيد، عن ابن أبي ذئب، عن ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طاف بالبيت على راحلته واستلم الركن بمحجنه (¬2). [606] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سعيد بن سالم، عن ابن أبي ذئب، عن شعبة مولى ابن عباس، عن ابن عباس، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بمثله (¬3). [607] أبنا سعيد، عن ابن جريج، أخبرني عطاء؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ¬

_ = (3836)، والحاكم (1/ 459، 2/ 267) جميعًا من طريق عطاء بن السائب، عن طاوس، عن ابن عباس مرفوعًا. قال الترمذي: وقد روي هذا الحديث عن ابن طاوس وغيره عن طاوس عن ابن عباس موقوفًا، ولا نعرفه مرفوعًا إلا من حديث عطاء بن السائب. وقال الحاكم: صحيح الإسناد، وقد أوقفه جماعة، ووافقه الذهبي وصححه الألباني في "الإرواء" (121) وقال: وعطاء بن السائب كان قد اختلط، لكن سفيان الثوري روى عنه قبل الاختلاط كما قال يحيى بن معين، ونقل أيضًا عن الحافظ أنه قال: حديث حسن في "الأربعين العاليات" رقم (42). (¬1) "المسند" ص (128). (¬2) "المسند" (129). (¬3) "المسند" (129).

الشرح

طاف بالبيت وبالصفا والمروة راكبًا، فقلت: ولِمَ؟ قال: لا أدري، قال: (ثم) (¬1) نزل فصلي ركعتين (¬2). [608] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن الأحوص بن حكيم رأيت أنس بن مالك يطوف بين الصفا والمروة على حمار (¬3). الشرح شعبة مولى عبد الله بن عباس. روى عنه: داود بن الحصين، وبكير بن الأشج، وابن أبي ذئب، وذكر البخاري في "التاريخ" أن مالك بن أنس سئل عنه فقال: ليس بثقة (¬4). والأحوص هو: ابن حكيم بن عمير (الشيباني) (¬5). روى عن: أبيه، وعن أنس بن مالك، وطاوس، وخالد بن معدان. وروى عنه: ابن عيينة، وعيسى بن يونس، وزهير بن معاوية (¬6). وحديث أبي الزبير عن جابر رواه مسلم في "الصحيح" (¬7) عن أبي بكر بن أبي شيبة عن علي بن مسهر عن ابن جريج، وأبو داود (¬8) عن ¬

_ (¬1) كتبت بحاشية "الأصل" وعليها رمز نسخة. (¬2) "المسند" (129). (¬3) "المسند" (129). (¬4) انظر "التاريخ الكبير" (4/ ترجمة 2671)، و"الجرح والتعديل" (4/ ترجمة 1604)، و"التهذيب" (12/ ترجمة 2741). وقال أبو زرعة ضعيف الحديث، وقال أبو حاتم: ليس بقوي. (¬5) كذا في الأصل. وفي "التاريخ" و"المجروحين" (1/ ترجمة 110): الشامي. ولم أجد من نسبه هكذا. والله أعلم. (¬6) انظر "التاريخ الكبير" (2/ ترجمة 1680)، و"الجرح والتعديل" (2/ ترجمة 1252)، و"التهذيب" (2/ ترجمة 287). (¬7) "صحيح مسلم" (1273/ 254). (¬8) "سنن أبي داود" (1880).

أحمد بن حنبل عن يحيى عن ابن جريج وقال: "ليراه الناس وليشرف ويسألوه فإن الناس غشوه". وحديث عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس أخرجه البخاري (¬1) وأبو داود (¬2) عن أحمد بن صالح عن ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب، ومسلم (¬3) عن أبي الطاهر عن ابن وهب، وفي الباب [عن] (¬4) عائشة وأبي الطفيل وصفية بنت شيبة. وفي الفصل بيان أن النبي - صلى الله عليه وسلم - طاف راكبًا، وأن الطواف راكبًا جائز وإن كان الأفضل أن يطوف ماشيًا، بل أطلق الشافعي في "الأم" (¬5) القول بكراهة الطواف راكبًا من غير عذر. ولمَ ركب النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ قيل: لمرض كان به، ويروى عن عكرمة عن ابن عباس؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قدم مكة وهو يشتكي فطاف بالبيت على راحلته، كلما أتى على الركن استلمه بمحجن معه، فلما فرغ من طوافه أناخ وصلى ركعتين (¬6). وحديث جابر (¬7) على أنه إنما ركب ليشرف على الناس فيسألوه ويستفتوا منه، وكانوا قد ازدحموا عليه. وقوله: "أن الناس غشوه" أي غطوه لازدحامهم، يقال: غشيت ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (1607). (¬2) "سنن أبي داود" (1877). (¬3) "صحيح مسلم" (1272/ 253). (¬4) سقط من الأصل. والسياق يقتضيه. (¬5) "الأم" (2/ 174). (¬6) رواه أبو داود (1881)، والبيهقي (5/ 99) من طريق يزيد بن أبي زياد عن عكرمة عن ابن عباس. قال البيهقي: وهذِه زيادة تفرد بها يزيد بن أبي زياد (أي قوله: وهو يشتكي). وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود". (¬7) كذا! ولعله سقط: يدل.

العجاجة (¬1) القوم إذا غطتهم وعلت عليهم، والغشاوة: الغطاء، ثم يجوز أن يقرأ إن الناس بكسر الهمزة على الابتداء والأحسن أن تقرأ بالفتح ذهابًا إلى التعليل؛ أي لأن الناس غشوه، ويوافقه رواية من روى: "فإن الناس غشوه" وهذا المعنى الثاني أصح ويقويه ما روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: طاف النبي - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع حول الكعبة علي بعيره يستلم الركن كراهية أن يصرف الناس عنه (¬2)، ويروى "أن يضرب بين يديه الناس" ومعناه أن الماشي إذا ازدحم عليه الناس تدعو الحاجة إلى صرف بعضهم بالضرب والزجر، وكان لا يضرب الناس بين يديه فركب لئلا يحتاج إليه. وعن أبي الطفيل قال: قلت لابن عباس: يزعم قومك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد طاف بين الصفا والمروة على بعيره وأن ذلك سنة؟ فقال: صدقوا وكذبوا، قلت: ما صدقوا وكذبوا؟! قال: صدقوا؛ قد طاف على بعيره، وكذبوا؛ ليس بسنة إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان لا يدفع عنه الناس ولا يصرفون فطاف على بعيره ليروا مكانه ولا تناله أيديهم (¬3). فاختلفت الرواية عن ابن عباس وبقي حديث جابر وعائشة سليمين عن المعارض. ¬

_ (¬1) العجاج بالفتح: الغبار والدخان أيضًا، والعجاجة أخص منه. "مختار الصحاح" (عجج). (¬2) رواه مسلم (1274/ 256) وفيه: "يُضْرَبَ" بدل "يصرف". قال النووي في "شرحه": هكذا هو في معظم النسخ، وفي بعضها يصرف، وكلاهما صحيح. (¬3) رواه مسلم (1264) بنحوه، وأبو داود (1885).

الأصل

وفي حديث عبيد الله عن ابن عباس استلام الركن بالمحجن، والمِحْجَنُ: عود معقَّف الرأس يحرك الراكب به راحلته ويتناول الشيء ويجره إلى نفسه، يقال: حَجَنْتُ الشيء واحْتَجنته إذا جذبته وضممته إلى نفسك، فيستحب للراكب أن يضع ما في يده على الحجر إذا انتهى إليه في كل طوفة، أو يشير به ثم يقبل الذي في يده. وقول عطاء وقد سئل: لم ركب النبي - صلى الله عليه وسلم - في طوافه وسعيه: "لا أدري" كأنه صدر عن توقف منه في أن ركوبه كان لمرض أو للزحمة على ما بيَّناه، وقد يستدل بقوله: "ثم نزل فصلى ركعتين" على وجوب ركعتي الطواف؛ لأنه لولا الوجوب لأشبه أن يصليهما على الراحلة، وكأن علته أن الزحمة عند السير أشق من الزحمة في وقت المكث والإقامة؛ لما في السَّير من تواصل الحركات وتصادم السائرين، فلعله لذلك ركب في الطواف ونزل في حالة السكون والإقامة ليؤدي الركعتين على الوجه الأفضل. ولا يخفى عليك إذا تأملت في ألفاظ الفصل أن السعي بين الصفا والمروة يسمَّى طوافًا بينهما وقد ورد به القرآن، قال الله تعالى: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} (¬1). الأصل [609] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا ابن عيينة، عن ابن طاوس، عن أبيه؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر أصحابه أن يهجِّروا بالإفاضة، وأفاض في نسائه ليلًا على راحلته يستلم الركن بمحجنه -أحسبه قال: ويقبل طرف المحجن (¬2). ¬

_ (¬1) البقرة: 158. (¬2) "المسند" ص (128).

الشرح

الشرح التهجير: السير في الهاجرة، والهاجرة والهجير: نصف النهار، وفسر بعضهم التهجير إلى الصلاة بالتبكير إليها. واستدل الشافعي بالحديث مع إرساله على أن ركوب النبي - صلى الله عليه وسلم - كان في طواف الإفاضة يوم النحر، وذكر أنه في طواف القدوم رمل ومشى لما روي؛ أنه - صلى الله عليه وسلم - رمل فيه ثلاثًا ومشى أربعًا (¬1). وإنما يظهر هذا الاستدلال إذا قيل أن الراكب لا يزيد بتحريك الدابة، وفيه اختلاف العلماء، قال الحافظ أبو بكر البيهقي: والذي روي أنه - صلى الله عليه وسلم - كان بين الصفا والمروة راكبًا فالمراد منه -والله أعلم- سعيه بعد طواف القدوم ولم يحفظ أنه طاف بين الجبلين بعد طواف الإفاضة (¬2). ومن سعى بعد طواف القدوم لا يعيد السعي بعد طواف الإفاضة، ودلت الآثار على أنه مشى في بعض أعداد سعيه بعد طواف القدوم ماشيًا فلما كثر عليه الناس وازدحموا ركب في باقيه. وأما قوله: "وأفاض في نسائه ليلًا ... إلى آخره" فإن ظاهره أن النبي - صلى الله عليه وسلم - طاف طواف الإفاضة ليلًا وذلك جائز؛ فإن طواف الإفاضة يدخل وقته بانتصاف ليلة النحر، لكن الثابت من فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه رمى جمرة العقبة ضحوة وأتى مكة بعد ذلك وطاف، والله أعلم. الأصل [610] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سعيد، عن ابن جريج، ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1218/ 150) من حديث جابر. (¬2) "السنن الكبير" (5/ 101).

الشرح

عن ابن أبي مليكة أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه استلم الركن ليسعا ثم قال: لمن نبدي الآن مناكبنا ومن نرائي، قد أظهر الله الإِسلام، والله على ذلك لأسعين كما سعى (¬1). [611] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سعيد بن سالم، عن عبد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر أنه كان يرمُل من الحجر إلى الحجر ثم يقول: هكذا يفعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬2). [612] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سعيد بن سالم، عن ابن جريج عن عطاء؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سعى في عُمره كلهن الأربع بالبيت وبالصفا والمروة إلا أنهم ردوه في الأولى والرابعة من الحديبية (¬3). [613] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سعيد، عن ابن جريج، عن عطاء؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رمَل من سبعةٍ ثلاثة أطوافٍ خببًا ليس بينهن مشي (¬4). [614] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سعيد، عن ابن جريج، عن عطاء قال: سعى أبو بكر في حجه عام حجَّ إذ بعثه النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ثم أبو بكر وعمر وعثمان والخلفاء هلم جرّا يسعون كذلك (¬5). الشرح من الهيئات المسنونة في الطواف الرمل والاضطباع، والرَّمَل: الإسراع في المشي مع تقارب الخطى، ويقال له: الخبب أيضًا ولا ¬

_ (¬1) "المسند" ص (128). (¬2) "المسند" ص (128). (¬3) "المسند" ص (129). (¬4) "المسند" ص (129). (¬5) "المسند" ص (129).

ينتهي ذلك إلى العدو والوثوب، والاضطباع: أن يدخل رداءه تحت منكبه الأيمن ويلقي طرفيه على منكبه الأيسر ويترك المنكب الأيمن مكشوفًا، ويقال له: التأبط أيضًا. أما استحباب الرمل فلحديث ابن عمر وفي رواية "الكتاب" اختصار، وإنما يستحب الرمل في الأشواط الثلاثة الأولى؛ ففي "صحيح مسلم" من رواية عبيد الله بن عمر أخي عبد الله عن نافع عن ابن عمر قال: رمل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الحجر إلى الحجر ثلاثًا ومشى أربعًا (¬1). وعن [سريج] (¬2) بن النعمان [عن] (¬3) فليح عن نافع عن ابن عمر قال: سعى النبي - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة أشواط ثم مشى أربعة في الحج والعمرة (¬4). وعن كثير بن فرقد عن نافع أن ابن عمر كان يخب في طوافه حين يقدم في حج أو عمرة ثلاثًا ويمشي أربعًا، قال: وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصنع ذلك (¬5). وعن جابر بن عبد الله قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرمل من الحجر الأسود حتى ينتهي إليه ثلاثة أطواف (¬6). وللشافعي قولان في أن الرمل يختص بطواف القدوم، أو هو مسنون في كل طواف يعقبه السعي؟ أظهرهما عند أكثر الأصحاب الثاني. وأما الاضطباع فعن يعلى بن أمية قال: رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يطوف ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1626/ 233، 234). (¬2) في الأصل: شريح. تصحيف، والمثبت من "صحيح البخاري". (¬3) في الأصل: على. تحريف. (¬4) رواه البخاري (1604). (¬5) رواه البخاري (1604). (¬6) رواه مسلم (1263/ 235).

بالبيت مضطبعًا (¬1). وعن ابن عباس؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه اعتمروا من الجعرانة فرملوا بالبيت فاضطبعوا أرديتهم تحت آباطهم وعلى عواتقهم (¬2). ولا يختص الاضطباع ببعض الأشواط بخلاف الرمل، بل يديمه إلى آخر السعي بين الصفا والمروة، وكان سبب الرمل والاضطباع في الأصل أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه قدموا مكة وقد وهَّنتهم الحمى، فقال المشركون: يقدم عليكم غدًا قوم قد وهَّنتهم الحمى ولقوا منها شدة، فأمرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - بالرمل والاضطباع ليرى المشركون جلدهم. قال ابن عباس: ولم يمنعه أن يأمرهم أن يرملوا في الأشواط كلها إلا الإبقاء عليهم (¬3). وإلى هذا المعنى يتوجه قول عمر رضي الله عنه: "لمن نبدي الآن مناكبنا ومن نرائي" ويروى أنه قال: ما لنا وللرمَل وإنما كنا نرائي به المشركين وقد أهلكهم الله تعالى ثم قال: شيء صنعه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلا نحب أن نتركه (¬4). ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (1883)، والترمذي (859)، وابن ماجه (2954). قال الترمذي: حسن صحيح. وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود" (1645). (¬2) رواه أبو داود (1884). قال ابن الملقن في "التحفة" (1113): إسناده صحيح. وقال المنذري: حديث حسن كما في "نصب الراية" (3/ 43). وصححه الألباني في "الإرواء" (4/ 292). (¬3) رواه البخاري (1602)، ومسلم (1266/ 240) من حديث ابن عباس. (¬4) رواه البخاري (1605).

وهذا معنى قوله: "والله على ذلك لأسعين كما سعى" أي: والله مع ذلك لأقتدين بسعي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأرمُلن كرمله. وقوله: "استلم الركن ليسعى" يمكن أن يحمل على الاستلام المسنون في آخر الطواف ويحمل على السعي بين الصفا والمروة، ويمكن أن يحمل على الاستلام المسنون في أول الطواف ويحمل السعي على الرمل، وهو الأشبه والأوفق للمراد من السعي في الآثار المذكورة في الفصل. وقول عطاء: "سعي في عُمره كلهن الأربع" أراد به ما اشتهر من اعتمار النبي - صلى الله عليه وسلم - ففي "الصحيح" (¬1) عن قتادة قال: قلت لأنس بن مالك: كم من حجة حجها النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: حجة واحدة، واعتمر أربع عُمَر: عمرته [التي (¬2) صده] المشركون عن البيت، والعمرة الثانية حين صالحوه فرجع من العام المقبل، وعمرة من الجعرانة حين قسم غنائم حنين، وعمرة مع حجته. وقوله: "إلا أنهم ردوه في الأولى الرابعة" كأنه سمَّاها أولى لتقدمها زمانًا، وهي رابعة إذا وقع العدّ من الطواف الأول، وكان قد خرج - صلى الله عليه وسلم - معتمرًا فلذلك تعد عمره أربعًا إلا أنه صدَّ عن الأولى فلم يأت بأعمالها فلذلك قال عطاء: سعى منها إلا أنهم ردّوه في (الأولى) (¬3)، والمراد من السعي: الإسراع في الأشواط الثلاثة وبين الجبلين في موضعه. وقوله: "رمَل من سبعة" يعني من الأشواط السبعة، والخبب ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1778)، ومسلم (1253/ 217)، والبيهقي (4/ 342) واللفظ له. (¬2) في الأصل: صدّ. والمثبت من "سنن البيهقي". (¬3) كذا في "الأصل" ولعل في العبارة سقطًا، يفهم من السياق تقديره: ثم استثنى منها إلا أنهم ... إلى آخره، والله أعلم.

الأصل

كالرمل كما قدمنا، يقال منه: خبَّ يخبُّ خبًّا وخببًا وخبيبًا. وقوله: "ليس بينهن مشي" فيه ما يدل على أن الثلاثة الأولى تستوعب بالرمَل، وعن الشافعي قول: أنه يترك الرمَل في كل طوفة بين الركنين اليمانيين، والظاهر الأول. قوله: "وسعى أبو بكر ... إلى آخره" أراد به الإسراع المذكور في الطواف بالبيت وبين الجبلين. وقوله: "والخلفاء هلم جرًّا" لا يريد ممن بعدهم إلى الآن كما يقال: كان ذلك عام كذا وهلم جرًّا. الأصل [615] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سعيد، عن ابن جريج، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنه أنه قال: ليس على النساء سعي بالبيت ولا بين الصفا والمروة (¬1). الشرح عنى بالسعي الإسراع المذكور، ولا يستحب ذلك للنساء تسترًّا وتحرزًّا عن المصادمة، وروي عن عائشة رضي الله عنها أنها رأت نساءً يسعين بالبيت فقالت: أما لكُنَّ فينا أسوة، ليس عليكن سعي (¬2). وعن عطاء أنه سئل عن السعي للنساء فأنكره إنكارًا شديدًا. وفي قول ابن عمر وعائشة: "ليس على النساء سعي" ما يدل على صحة القول بأن على الرجال سعيًا، وفيه تصحيح القول بأن على المكلف الإتيان بالسنة كما أن عليه الإتيان بالواجب. ¬

_ (¬1) "المسند" ص (129). (¬2) رواه الشافعي في "الأم" (2/ 176).

الأصل

الأصل [616] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن ابن شهاب، عن سالم بن عبد الله [أن] (¬1) عبد الله بن محمَّد بن أبي بكر، أخبر عبد الله بن عمر، عن عائشة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ألم تري أن قومك حين بنوا الكعبة اقتصروا على قواعد إبراهيم - صلى الله عليه وسلم -"؟ فقلت: يا رسول الله أفلا (تردها) (¬2) على قواعد إبراهيم؟ قال: "لولا حدثان قومك بالكفر لرددتها على ما كانت". قال ابن عمر: لئن كانت عائشة سمعت هذا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما أرى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ترك استلام الركنين اللذين يليان الحجر إلا أن البيت لم يتم على قواعد إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - (¬3). [617] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا ابن عيينة، أبنا هشام، عن طاوس -فيما أحسب أنه قال- عن ابن عباس أنه قال: الحجر من البيت، وقال الله تعالى: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} وقد طاف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من وراء الحجر (¬4). [618] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، أبنا عبيد الله بن أبي يزيد، أخبرني أبي قال: أرسل عمر رضي الله عنه إلى شيخ من بني زهرة فجئتُ معه إلى عمر وهو في الحجر، فسأله عن ولاد من ولاد الجاهلية؟ فقال الشيخ: أما النطفة فمن فلان، وأما الولد فعلى فراش فلان، فقال عمر: صدقت، ولكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى بالولد للفراش، فلما ولَّى ¬

_ (¬1) في الأصل: ابن. تحريف، والمثبت من "المسند". (¬2) في "الأصل": تردوا. والمثبت من نسخة بحاشية الأصل و"المسند". (¬3) "المسند" ص (129). (¬4) "المسند" ص (129).

الشرح

الشيخ دعاه عمر فقال: أخبرني عن بناء البيت. فقال: إن قريشًا كانت تقوّت لبناء البيت فعجزوا فتركوا بعضها في الحجر، قال له عمر: صدقت (¬1). الشرح عبد الله هو ابن محمَّد بن أبي بكر الصديق التيمي. سمع: عائشة. وروى عنه: سالم، ونافع مولى ابن عمر (¬2). وهشام هو ابن حجير، وقد مرَّ له ذكر. وعبيد الله بن أبي يزيد: هو المكي مولى أهل مكة، وقيل: آل قارظ بن شيبة حلفاء بني زهرة. سمع: ابن عباس، ومجاهدًا، ونافع بن جبير. وروى عنه: ابن عيينة، وحماد بن زيد، وابن جريج. ومات سنة ست وعشرين ومائة (¬3). وأبوه أبو يزيد. سمع: عمر بن الخطاب، وسباع بن ثابت (¬4). وحديث عبد الله بن محمَّد بن أبي بكر مودع في "الموطأ" (¬5). وأخرجه البخاري (¬6) عن القعنبي، ومسلم (¬7) عن يحيى بن يحيى ¬

_ (¬1) "المسند" ص (130). (¬2) انظر "التاريخ الكبير" (5/ ترجمة 580)، و"الجرح والتعديل" (5/ ترجمة 708)، و"التهذيب" (16/ ترجمة 3530). (¬3) انظر "التاريخ الكبير" (5/ ترجمة 1302)، و"الجرح والتعديل" (5/ ترجمة 1594)، و"التهذيب" (19/ ترجمة 3697). (¬4) انظر "التهذيب" (34/ ترجمة 7707). (¬5) "الموطأ" (1/ 363 رقم 807). (¬6) "صحيح البخاري" (1583). (¬7) "صحيح مسلم" (1333/ 399).

بروايتهما عن مالك، وروى معنى الحديث عن عائشة كما رواه عبد الله بن محمَّد بن أبي بكر: عبد الله وعروة ابنا الزبير، والحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة، والأسود بن يزيد، واللفظ في رواية عبد الله بن الزبير: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "يا عائشة لولا أن قومك حديثوا عهد بشرك لهدمت الكعبة فألزقتها بالأرض، وجعلت لها بابين بابًا شرقيًّا وبابًا غربيًّا، وزدت فيه ستة أذرع من الحجر، فإن قريشًا اقتصرت بها حين بنت الكعبة" (¬1). وفي رواية عروة: "لولا حداثة قومك بالكفر لنقضت البيت ثم لبنيته على أساس إبراهيم، فإن قريشًا استقصرت بناءه وجعلت له خلفًا قال هشام بن عروة: يعني بابًا من خلفه يخرج منه الناس إذا دخلوا البيت من وجهه (¬2). وفي رواية الأسود بن يزيد قالت عائشة: سألت النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الجَدْرِ: أمن البيت هو؟ قال: نعم. قلتُ: فلمَ لم يدخلوه البيت؟ قال: إن قومك قصرت بهم النفقة. قلتُ: فما شأن بابه مرتفعًا؟ قال: فعل ذلك قومك؛ ليدخلوا من شاءوا ويمنعوا من شاءوا، ولولا أن قومك حديث عهد بالجاهلية فأخاف أن تنكر قلوبهم لنظرت أن أدخل الجَدْر في البيت وأن ألصق بابه بالأرض (¬3). و"الصحيح" يشتمل على هذِه الروايات. ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1333/ 401)، والبيهقي (5/ 89) واللفظ له. (¬2) رواه البخاري (1585). (¬3) رواه البخاري (7243)، ومسلم (1333/ 405).

والأثر عن ابن عباس رواه الحميدي (¬1) عن سفيان من غير تردد وذكر حسبان. وأما متن الحديث فقوله: "إن قومك" يريد قريشًا، ونسب القوم إليها لأنها منهم، وكما أن الواحد من القبيلة ينسب إليها فقد تنسب القبيلة إلى الواحد، فيقال: هم قبيلته ورهطه. وقوله: "اقتصروا عن قواعد إبراهيم" أي نقصوا منها وحبسوا عن بنائه فقنعوا بما بنوه، يقال: قصر من الشيء واقتصر واستقصر أي: نقص، وقصرتُ الشيء أقصره قصرًا: حبسته، وقصرت عن الشيء قصورًا: عجزتُ عنه فلم أبلغه، يقال: قصر السهم عن الهدف، وقصرت الشيء على كذا إذا لم تجاوزه إلا غيره، واقتصرتُ على كذا: قنعت به ولم أطلب غيره. وقوله: "لولا حدثان قومك بالكفر" أي: حداثة عهدهم به كما صرح به في رواية عروة، وهو مصدر حدّث، وحدثان السيل: أوله، ويقال: افعل كذا بحدثانه وحداثته أي: في أوله وطراءته. وفي إخبار عبد الله بن محمَّد بن أبي بكر عبد الله بن عمر بما سمع من عائشة ما يبين أن التابعين كانوا ربما حدثوا الصحابة وكان الصحابة يتعرفون منهم ما لم يبلغهم، ولما سمعه ابن عمر استنبط منه المعنى الفارق بين الركنين اليمانيين وبين اللذين يليان الحجر حيث استلمهما النبي - صلى الله عليه وسلم - تبرُّكًا بأساس إبراهيم ولم يستلم الآخرين لقصورهما. وقوله: "لئن كانت عائشة سمعت هذا" يشبه أن لا يريد به الشك والتردد، بل يريد إذ سمعت أو نحوه. ¬

_ (¬1) ومن طريق الحميدي أخرجه الحاكم (1/ 630) وقال: صحيح الإسناد.

واحتج بالحديث على أنه يجوز أن يترك ما هو المختار والأفضل خشية إنكار الناس ووقوعهم في الفتنة. وقول ابن عباس: "الحجر من البيت" يقتضي ظاهره كون جميع الحجر من البيت، وكذا ظاهر ما رواه الأسود "أنه سئل عن الجدْر: أمن البيت هو؟ قال: نعم" فالجَدْر: الجدار، وأرادت به الحجر لكن جميعه ليس من البيت، بل الذي هو من البيت قدر ستة أذرع على ما سبق في رواية ابن الزبير، وفي رواية عطاء عن ابن الزبير عن عائشة "خمسة أذرع" (¬1) وفي رواية عبد الله بن عبيد بن عمير عن الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة عن عائشة "قريبًا من سبعة أذرع" (¬2). والأشهر الستة. قال الشافعي: سمعت عددًا من أهل العلم من قريش يذكرون أنه ترك من الكعبة في الحجر نحو من ستة أذرع (¬3). وعن جرير بن حازم، عن يزيد بن رومان قال: رأيتُ حين هدم ابن الزبير الكعبة بنيان إبراهيم حجارة كأسنمة الإبل، فقال جرير: فقلت له: أين موضعه؟ قال: أريكه الآن، فأدخلني الحجر وقال: ها هنا مشيرًا إلى مكان فحرزت من الحجر ستة أذرع أو نحوها. واستُدل بقوله في رواية ابن الزبير: "فألزقتها بالأرض وجعلت لها بابين" على أن الناس ينبغي أن لا يحجبوا عن البيت، ويمكَّنوا من دخوله متى شاءوا، كما أن من أراد دخول الحجر الذي بعضه من البيت لا يجوز منعه منه. ¬

_ (¬1) رواها مسلم (1333/ 402). (¬2) رواها مسلم (1333/ 403). (¬3) "الأم" (2/ 176).

قال الشيخ الحسين الفراء: وما يأخذه السّدنة (¬1) من الناس على إدخالهم البيت لا يطيبُ لهم، وإنما يجب أجرهم على ما يتولونه من القيام بمصالحه في بيت المال، وعلى هذا القياس أمر المساجد والمشاهد والرِّباطات والمنازل التي ينتابها الناس لعبادة أو ارتفاق، والآبار والحياض المسبَّلة في المفاوز ليس لأحد أن يأخذ ممن يأتيها شيئًا إلا أن يستأجره رجل أو يعطيه شيئًا على قيامه بمصالحه من سقي ماءٍ أو تنظيف مكانٍ أو نحوهما. وقوله في أثر عمر رضي الله عنه: "يسأله عن ولاد من ولاد الجاهلية" الولاد: الولادة، كأنه سأله عن ولادة جماعة وحالهم في أنسابهم لمعرفة ذلك الشيخ بها إما لقيافة (¬2) أو غيرها، فقال الرجل: كان الماء لفلان ولكن المرأة كانت على فراش فلان فقال عمر رضي الله عنه: الولد للفراش، ثم سأله عن بناء البيت وكيفيته فقال: إن قريشًا كانت تقوِّت لبناء البيت، كأنه يريد أنها اجتمعت وتقوى بعضهم ببعض يقال: قوي فلان وتقوى بمعنى. وقوله: "فعجزوا فتركوا بعضها في الحجر" يريد عجزوا عما ينفقونه فيه، ويقال أنهم كانوا ينفقون من وجوه طيبة معدَّة لها فلم تفِ بعمارة الجميع، وكانوا لا يرتضون سائر الأموال، والكناية في قوله: "بعضها" مردودة إلى الكعبة أو البنية، ولو ساعدت الرواية فقرئت اللفظة "تقرَّت لبناء البيت" أي: تتبعت الوجوه التي ينفقون منها على ¬

_ (¬1) السّادن: خادم الكعبة، والجمع: السدنة. "مختار الصحاح" "سدن". (¬2) القيافة: أن يعرف بفطنة وصدق فراسة أن هذا ابن فلان أو أخوه، وكانت في بني مدلج. "الفائق" (1/ 174).

الأصل

العمارة لكان حسنًا مناسبًا لما بعده، يقال: قرى واقترى واستقرى: تتبَّع، وتقريت المياه: تتبعتها. الأصل [619] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن إبراهيم، عن كريب مولى ابن عباس، عن ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مرَّ بامرأة وهي في محفتها، فقيل: هذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأخذت بعضُد صبيٍّ كان معها وقالت: ألهذا حج؟ قال: "نعم، ولك أجر" (¬1). الشرح إبراهيم: هو ابن عقبة. والحديث معاد سبق في أول المناسك بما يحتاج إليه من الشرح والإيضاح (¬2). الأصل [620] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سعيد بن سالم، عن مالك بن مغول، عن أبي السفر قال: قال ابن عباس: أيها الناس أسمعوني ما تقولون وافهموا ما أقول لكم: أيما مملوك حجَّ به أهله فمات قبل أن يعتق فقد قضى حجته، وإن [عتق] (¬3) قبل أن يموت فليحج، وأيّما غلام حج به أهله فمات قبل أن يدرك فقد قضي عنه حجه، فإن بلغ فليحج (¬4). ¬

_ (¬1) "المسند" ص (130). (¬2) سبق برقم (482). (¬3) سقط من الأصل والمثبت من "المسند". (¬4) "المسند" ص (130).

الشرح

الشرح هذا أيضًا قد سبق بعينه ولا فائدة في الإعادة (¬1). الأصل [621] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك وعبد العزيز، عن جعفر، عن أبيه، عن جابر. ح أبنا الربيع، أبنا الشافعي قال: أبنا أنس بن عياض، عن موسى بن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ أنه كان إذا طاف في الحج أو العمرة أول ما يقدم سعى ثلاثة أطواف بالبيت ومشى أربعًا، ثم يصلي سجدتين ثم يطوف بين الصفا والمروة (¬2). الشرح حديث جابر تتضمنه "الصحاح" (¬3) وهو من الحديث الطويل في صفة حجة النبي - صلى الله عليه وسلم - يورد بتمامه تارة وتفرق جمله بحسب الحاجة أخرى. وحديث ابن عمر أخرجه البخاري (¬4) عن إبراهيم بن المنذر، عن أنس بن عياض، ومسلم (¬5) من وجه آخر عن موسى بن عقبة. وفيه أن القادم للحج والعمرة يطوف سبعًا، وأنه يرمل في ثلاث ويمشي في أربع، وأنه يصلي بعد الطواف ركعتين، ويسعى بعدهما بين الصفا والمروة، ويستحب أن يأتي بركعتي الطواف خلف المقام، وأن يقرأ في الأولى بعد الفاتحة {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1)} وفي الثانية: ¬

_ (¬1) سبق برقم (487). (¬2) "المسند" ص (130). (¬3) رواه مسلم (1218). (¬4) "صحيح البخاري" (1616). (¬5) "صحيح مسلم" (1261/ 231).

الأصل

{قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ (1)} رواه جابر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬1). الأصل [622] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا ابن عيينة، عن سليمان الأحول، عن طاوس، عن ابن عباس قال: كان الناس ينصرفون من كل وجه، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا ينفرن أحد من الحاج حتى يكون آخر عهده بالبيت" (¬2). [623] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا ابن عيينة، عن ابن طاوس، عن أبيه، عن ابن عباس قال: أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت، إلا أنه رخَّص للمرأة الحائض" (¬3). [624] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن نافع، عن ابن عمر أنه قال: لا يصدرنّ أحد من الحاج حتى يكون آخر عهده بالبيت فإن آخر النسك الطواف بالبيت (¬4). الشرح سليمان: هو ابن أبي مسلم الأحول خال عبد الله بن أبي نجيح المكي. سمع: طاوسًا، وأبا سلمة بن عبد الرحمن، وأبا المنهال، وسعيد بن جبير، ومجاهدًا. روى عنه: ابن جريج، وابن عيينة، وعثمان بن الأسود، وإبراهيم بن نافع (¬5). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1218) ضمن حديثه الطويل في الحج. (¬2) "المسند" ص (131). (¬3) "المسند" ص (131). (¬4) "المسند" ص (131). (¬5) انظر "التاريخ الكبير" (4/ ترجمة 1883)، و"الجرح والتعديل" (4/ ترجمة 620)، و"التهذيب" (12/ ترجمة 2563).

وروى الشافعي في "الإملاء" الحديث من روايته ووثقه، وقد أخرجه مسلم (¬1) عن سعيد بن منصور وزهير بن حرب عن سفيان بن عيينة. وحديث ابن طاوس عن أبيه أخرجه البخاري (¬2) عن مسدد، ومسلم (¬3) عن أبي بكر بن أبي شيبة وغيره بروايتهم عن سفيان واللفظ في كتابهما: "إلا أنه خفف عن الحائض". وأما الأثر عن ابن عمر ففي بعض الروايات: "حتى يطوف بالبيت" بدل قوله: "حتى يكون آخر عهده بالبيت"، ورواه بعضهم عن مالك عن نافع عن ابن عمر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه (¬4). وقوله: "لا ينفرن أحد من الحاج" أي: لا ينصرفن ولا ينطلقن، وهو يوم النفر والنفور والنفير، ويقال للقوم الذين ينهضون لحرب وغيره: النفير. والمقصود أن من فرغ من النسك وأراد الخروج من مكة فينبغي أن يطوف بالبيت طواف الوداع وليؤخر عن جميع الأشغال بحيث يعقبه الخروج، ولو تركه وخرج ينبغي أن يعود إن لم ينتهِ بعد إلى مسافة القصر، ويروى أن عمر رضي الله عنه رد رجلًا لم يكن ودَّع البيت من مرِّ الظهران (¬5). وفي وجوب طواف الوداع ولزوم جبره بالدم قولان للشافعي، وقد يحتج للوجوب بظاهر قوله: "لا ينفرن أحد" وبقول ابن عباس: "أُمر ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (1327/ 379). (¬2) "صحيح البخاري" (1755). (¬3) "صحيح مسلم" (1328/ 380). (¬4) وكذلك هو في "الموطأ" (1/ 369 رقم 823) عن عمر رضي الله عنه. (¬5) رواه مالك (1/ 370 رقم 824).

الأصل

الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت" والظاهر المشهور أن طواف الوداع لا يختص بصاحب النسك، بل يؤمر به كل من يخرج من مكة مكيًّا كان أو غريبًا. وقوله: "لا ينفرن أحدٌ من الحاج" ليس لاختصاص الحكم بهم، لكنهم كانوا ينصرفون ويتركون الوداع حينئذٍ فلذلك خصهم بالذكر. وتعذر الحائض في ترك طواف الوداع ولا تؤمر بالصبر إلى أن تطهر فتطوف تخفيفًا. الأصل [625] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا ابن عيينة، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة أنها قالت: حاضت صفية بعدما أفاضت فذكرتُ حيضتها لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "أحابستنا هي"؟ فقلت: يا رسول الله إنها قد حاضت بعدما أفاضت. قال: "فلا إذًا" (¬1). [626] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن عبد الرحمن بن القاسم نحوه (¬2). [627] أخبرنا ابن عيينة، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة أن صفية [حاضت يوم النحر فذكرت عائشة رضي الله عنها] (¬3) للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "أحابستنا" فقلت: إنها قد كانت أفاضت ثم حاضت بعد ذلك. قال: "فلتنفر إذًا" (¬4). ¬

_ (¬1) "المسند" ص (131). (¬2) "المسند" ص (131). (¬3) بياض في الأصل والمثبت من "المسند". (¬4) "المسند" ص (131).

[628] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذكر صفية بنت حييّ فقيل: إنها قد حاضت. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لعلها حابستنا". قيل: إنها قد أفاضت. قال: "فلا إذًا". قال مالك: قال هشام: قال عروة، قالت عائشة: ونحن نذكر ذلك فَلِمَ يقدم الناس نساءهم إن كان لا ينفعهم، ولو كان الذي يقول لأصبح بمنى أكثر من ستة [آلاف] (¬1) امرأة حائض (¬2). [629] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سعيد بن سالم، عن ابن جريج، عن الحسن بن مسلم، عن طاوس قال: كنت مع ابن عباس إذ قال له زيد بن ثابت: أتفتي أن تصدر الحائض قبل أن يكون آخر عهدها بالبيت؟ قال: نعم، قال: فلا تفت بذلك. فقال ابن عباس: إمَّا لي فسل فلانة الأنصارية: هل أمرها بذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: فرجع زيد بن ثابت يضحك وقال: ما أراك إلا قد صدقت (¬3). [630] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن أبي الرجال، عن أمه عمرة أنها أخبرته أن عائشة كانت إذا حجت معها نساء تخاف أن يحضن قدمتهن يوم النحر فأفضن، فإن حضن بعد ذلك لم تنتظر بهن أن يطهرن تنفر بهن وهن حُيَّض (¬4). ¬

_ (¬1) في الأصل: ألف. والمثبت من "المسند". (¬2) "المسند" ص (131). (¬3) "المسند" ص (132). (¬4) "المسند" ص (132). ولم يذكر المصنف رحمه الله أثر عائشة وهو: =

الشرح

[632] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا ابن عيينة، عن عمرو بن دينار وإبراهيم بن ميسرة، عن طاوس قال: جلست إلى ابن عمر فسمعته يقول: لا ينفرن (أحدكم) (¬1) حتى يكون آخر عهده بالبيت. فقلتُ: ما له، أما سمع ما سمع أصحابه، ثم جلست إليه من العام المقبل فسمعته يقول: زعموا أنه رخص للمرأة الحائض (¬2). الشرح صفية: هي بنت حيي بن أخطب بن سعية بن ثعلبة بن عبيد بن كعب بن الخزرج بن أبي حبيب، من ولد هارون بن عمران أخي موسى عليهما السلام، زوج النبي - صلى الله عليه وسلم -. اصطفاها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونكحها منصرفه من خيبر وأولم عليها وكانت تحت كنانة بن أبي الحقيق فقتل. روى عنها: علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب. وتوفيت سنة خمسين (¬3). وأبو الرجال هو محمَّد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن حارثة بن النعمان الأنصاري، يقال أن كنيته أبو عبد الرحمن، واشتهر بأبي الرجال بأولاده وكانوا عشرة رجال. سمع: أمه عمرة بنت عبد الرحمن. وروى عنه: يحيى بن سعيد ¬

_ = [631] أخبرنا ابن عيينة، عن أيوب، عن القاسم بن محمد؛ أن عائشة رضي الله عنها كانت تأمر النساء أن يعجلن الإفاضة مخافة الحيض. (¬1) في نسخة بحاشية الأصل: أحدكم. (¬2) "المسند" ص (132). (¬3) انظر "معرفة الصحابة" (6/ ترجمة 3755، 3934)، و"الإصابة" (7/ ترجمة 11401).

الأنصاري، وسعيد بن أبي هلال، ومالك، والثوري، وابنه حارثة بن أبي الرجال (¬1). وحديث عائشة في حيض صفية صحيح أخرجه البخاري (¬2) عن عبد الله بن يوسف عن مالك، ومسلم (¬3) عن زهير بن حرب عن سفيان بن عيينة، والترمذي (¬4) عن قتيبة عن الليث، بروايتهم جميعًا عن عبد الرحمن بن القاسم، ومن طريق الزهري عن عروة أخرجه البخاري (¬5) عن أبي اليمان عن شعيب عن الزهري، وابن ماجه (¬6) عن أبي بكر بن أبي شيبة عن سفيان بن عيينة عن الزهري، ومسلم (¬7) عن قتيبة ومحمد بن رمح عن الليث عن الزهري، ومن طريق مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أخرجه أبو داود (¬8) عن القعنبي عن مالك. ورواه عن عائشة: أبو سلمة، والأسود بن يزيد، وعمرة بنت عبد الرحمن، وفي الباب عن ابن عمر وابن عباس وأم سليم رضي الله عنهم. وقصة ابن عباس مع زيد بن ثابت أخرجها مسلم (¬9) عن محمَّد بن حاتم عن يحيى بن سعيد عن ابن جريج عن الحسن. وحديث طاوس عن ابن عمر رواه البخاري (¬10) عن مسلم يعني ابن إبراهيم، عن وهيب، عن ابن طاوس، عن أبيه واللفظ عن ابن عباس قال: رخَّص للحائض أن تنفر إذا أفاضت قال: وسمعت ابن عمر ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (1/ ترجمة 444)، و"الجرح والتعديل" (7/ ترجمة 1717)، و"التهذيب" (25/ ترجمة 5395). (¬2) "صحيح البخاري" (1757). (¬3) "صحيح مسلم" (1211/ 383). (¬4) "جامع الترمذي" (943). (¬5) "صحيح البخاري" (4401). (¬6) "سنن ابن ماجه" (3072). (¬7) "صحيح مسلم" (1211/ 382). (¬8) "سنن أبي داود" (2003). (¬9) "صحيح مسلم" (1328/ 381). (¬10) "صحيح البخاري" (329).

يقول: إنها لا تنفر، ثم سمعته يقول بعدُ: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رخَّص لهن. وفي الحديث دلالة على أن الحائض لها أن تنفر وتترك طواف الوداع ولا يلزمها بذلك شيء، وبه قال عامَّة العلماء، وعلى أن طواف الإفاضة واجب لا سبيل إلى تركه؛ لأنه جعلها حابسة إلى أن تطوف حتى أُخبر بأنها قد أفاضت، وعلى أنه يجوز تأخيره؛ لأنه كان على أن يتوقف لو لم تطف إلى أن تطهر فتطوف، وفيه ما يوضح حسن فعله - صلى الله عليه وسلم - فإنه كان على أن يتوقف ويمكث هناك لو لم تطف، وفيه فضيلة صفية، وفيه استفتاء بعض أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - لبعض، واطلاع بعضهن بعضًا على أحوالها وذلك من حسن المعاشرة. وقول عائشة: "فلم يقدم الناس نساءهم" توكيد لمقصود الحديث أي: لو احتاجت الحائض إلى الصبر لما كان لتقديم النساء وأمرهن بالتعجيل فائدة. وقوله: "ولو كان الذي يقول" أي أنها لا تنفر حتى تطهر فتطوف؛ لاحتبس بمنى الخلق الكثير من الحيَّض إلى أن يطهرن فيدخلن مكة للطواف. وقول ابن عباس: "إمَّا لي" أي إمَّا لا، لكنهم يستعملون لا في الكلمة ممالةً، وتكتب بالياء إشارة إلى الإمالة، وأصلها أن لا و"ما" صلة، والمعنى إن لم يكن ذلك الأمر فافعل كذا. وقوله: "فاسأل فلانة" أراد به أم سليم، وفي بعض الروايات التصريح باسمها، فسئلت فأخبرت بقصة صفية. الأصل [633] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مسلم وسعيد، عن ابن

الشرح

جريج قال: قلت لعطاء: قول الله تعالى: {لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا} قال: قلت له: فمن قتله خطأ أيغرم؟ قال: نعم، يعظم بذلك حرمات الله ومضت به السنن (¬1). [634] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مسلم وسعيد، عن ابن جريج، عن عمرو بن دينار وقال: رأيت الناس يغرمون في الخطأ (¬2). [635] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سعيد، عن ابن جريج قال: كان مجاهد يقول: {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا} غير ناسٍ لحرمة ولا مريدًا غيره وأخطأ به فقد أحل وليست له رخصة، ومن قتله ناسيًا لحرمة وأراد غيره فأخطأ به فذلك العمد المكفِّر عليه النعم (¬3). الشرح مقصود الفصل أنه لا فرق في جزاء الصيد بين أن يبلغه المحرم عمدًا أو خطأً، واحتج الشافعي له بوجوب الكفارة في القتل في العمد والخطأ، وبأن الضمان في إتلاف الأموال التي هي حقوق للآدميين لا يفرق بين العمد والخطأ، ويروى عن عمر رضي الله عنه أنه أوجب الجزاء على من ذبح ظبيًا وهو ناسٍ وروي مثله عن عبد الرحمن بن عوف وسعد وعبد الله بن مسعود. وقوله: "يعظِّم بذلك حرمات الله" يعني بتغريم المخطيء والتسوية بينه وبين العامد. وقوله: "ومضت به السنن" أي سنن السالفين. ¬

_ (¬1) "المسند" ص (132). (¬2) "المسند " ص (133). (¬3) "المسند" ص (133).

الأصل

وعن الشافعي قول آخر: أنه لا كفارة على المخطيء , وعن أحمد رواية مثله , والظاهر: الأول , وقال مجاهد: المعتمد الذي لم ينس الإحرام وقصد الصيد بعينه لا يحكم عليه بالكفارة على من خالط فعله خطأ بأن نسي الإحرام وقصد غير الصيد فأصابه. قال الشافعي: وقوله: "أحلّ" أي عقوبة الله بنفسه (¬1). وقوله: "ليست له رخصة" كأنه يريد أن العقوبة لا تخفف عنه ولا ترتفع بالتكفير. وقوله: " ولا مريدًا غيره وأخطأ به" أي مخطئًا به. وقوله: "فذلك العمد المكفر عليه النعم" أي هو العمد الذي يكفَّر , فعلى صاحبه النعم. الأصل [636] أبنا الربيع , أبنا الشافعي , أبنا سعيد , عن ابن جريج قال: قلتُ لعطاء: {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ} قال: من أجل أنه أصابه في حرم -يريد البيت- كفارة ذلك عند البيت (¬2). الشرح الدماء الواجبه على المحرم سوى دم الإحصار وما يلزم المحصر من دماء المحظورات تختص بالحرم , فتفرق لحومها على من فيه من المساكين يستوي فيه القاطنون والغرباء. ¬

_ (¬1) "الأم" (2/ 183). (¬2) "المسند" ص (133).

الأصل

وفي اختصاص ذبحها بالحرم قولان: أصحهما: الاختصاص؛ حتى لا يجوز أن نذبح خارج الحرم وننقل اللحم إليه، ولا فرق في هذا بين جزاء الصيد وغيره، وأشار عطاء إلى المعنى فيه فقال: أن الدم لزمه وهو محرم قاصد للبيت، فأمر بالتكفير عنده ليكون أبلغ في التعظة وأقرب إلى القبول، ولو كان يكفر بالإطعام دون الدم فرَّقه على مساكين الحرم أيضًا خاصة، وأما الصوم إذ كفر به فإنه لا يختص الحرم وهكذا يروى عن ابن عباس رضي الله عنه. الأصل [637] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سعيد، عن ابن جريج، عن عمرو بن دينار، في قول الله تعالى: {فِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} له أيتهن شاء. وعن عمرو بن دينار قال: كل شيء في القرآن "أو" أوله: أيه شاء. قال ابن جريج: إلا قول الله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللهَ} فليس مخير فيها. قال الشافعي كما قال ابن جريج وغيره في المحارب، وغيره في هذِه المسألة أقول (¬1). الشرح جزاء الصيد على العين والتعديل، فإن شاء ذبح المثل وتصدق بلحمه، وإن شاء قوَّم المثل دراهم والدراهم طعامًا، ثم إن شاء تصدق بالطعام وإن شاء صام عن كل مدٍّ يومًا، قال الله تعالى: {هَدْيًا بَالِغَ ¬

_ (¬1) "المسند" ص (133).

الأصل

الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا} وكلمة "أو" تقتضي التخيير. قال عمرو بن دينار: وعلى ذلك استمر الحكم في مواضع ورود مثل هذِه الكلمة في القرآن، واستثني عن ذلك آية المحاربة فليست هي على التخيير، وساعده الشافعي على ما ذكره، ويروى التخيير بين الخصال والاستدلال عليه بنظم الآية عن معاذ، وذهب بعضهم إلى أنه يصوم عن كل مدٍّ يومين ولا يكفيه يوم واحد ويروى ذلك عن ابن عباس، وفي العلماء من جعل كفارة الصيد على الترتيب وقال: مهما قدر على ذبح المثل لم يعدل إلى الصيام، والجمهور على الأول، وروي عن عطاء أنه قال: قال الله تعالى في جزاء الصيد: {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا} وكل شيء في القرآن "أو" أو" فليختر منه صاحبه ما شاء (¬1). الأصل [638] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا إبراهيم يعني ابن سعد، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة في المتمتع إذا لم يجد هديًا ولم يصم قبل عرفة فليصم أيام منى (¬2). [639] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا [إبراهيم بن سعد] (¬3)، عن ابن شهاب، عن سالم، عن أبيه مثل ذلك (¬4). ¬

_ (¬1) رواه الشافعي في "الأم" (2/ 188). وروى ابن أبي شيبة (3/ 98) مثله عن ابن عباس وعكرمة وإبراهيم. (¬2) "المسند" ص (133). (¬3) في الأصل: سعيد. تحريف، والمثبت من "المسند". (¬4) "المسند" ص (133).

الشرح

الشرح من تمتع بالعمرة إلى الحج لزمه دم، فإن لم يجد فعليه صيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلا أهله ما نطق به الكتاب، والمستحب أن يصوم الأيام الثلاثة قبل يوم عرفة ليفطر يوم عرفة فإنه الأحب للحاج، وإنما يتأتى ذلك إذا تقدم إحرامه بالحج على اليوم السادس ليصوم الثلاثة ويفطر يوم عرفة، ويستحب للمتمتع أن يحرم كذلك فإن لم يتفق له صومها قبل يوم عرفة ولا مع يوم عرفة؛ فللشافعي قول: أنه يجوز له أن يصوم الثلاثة في أيام التشريق وهي أيام منى؛ للأثر المذكور عن عروة عن عائشة والأثر عن ابن عمر، وأيضًا فإنه يعد في تتمة أعمال الحج فهو في الحج، وهل لغير المتمتع صومها؟ إن فرعنا على هذا القول فيه وجهان: أصحهما: المنع. والقول الجديد: أنه ليس له أن يصومها؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن صومها كما نهى عن صوم يوم النحر، وأعمال منى ليست من نفس الحج وإنما الحج مردف بها، وكيف تعدّ منها وقد حصل التحللان جميعًا. الأصل [640] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سعيد بن سالم، عن سعيد بن بشير، عن قتادة، عن عبد الله بن الحصين، عن أبي موسى الأشعري أنه قال في بيضة النعامة يصيبها المحرم: صوم يوم أو إطعام مسكين (¬1). ¬

_ (¬1) "المسند" ص (133).

الشرح

[641] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سعيد [عن سعيد] (¬1) بن بشير، عن قتادة، عن أبي عبيدة، عن عبد الله بن مسعود مثله (¬2). الشرح سعيد بن بشير مولى بني [نصر] (¬3). روى عن: قتادة، ومطر الوراق. وسمع منه: الوليد بن مسلم، ومعن بن عيسى. تكلموا في حفظه. ورأى محمَّد بن إسماعيل البخاري أن سعيدًا هو الذي يقال له: أبو عبد الرحمن الدمشقي الذي روى هشيم عنه عن قتادة (¬4). وقتادة: هو قتادة بن دعامة بن قتادة بن عزيز بن عمرو بن ربيعة بن الحارث بن سدُوس بن شيبان بن ذهل السدوسي البصري الأعمى أبو الخطاب. سمع: أنسًا، وسعيد بن المسيب، وكان من أئمة المسلمين. روى عنه: التيمي (¬5)، ومسعر، وشعبة، وغيرهم. توفي سنة ثمان عشرة ومائة، وقيل: سنة سبع عشرة بواسط (¬6). ¬

_ (¬1) سقط من الأصل والمثبت من "المسند". (¬2) "المسند" ص (134). (¬3) في الأصل: نضير. تحريف، والمثبت من "التخريج". (¬4) انظر "التاريخ الكبير" (3/ ترجمة 1529)، و"الجرح والتعديل" (4/ ترجمة 20)، و"التهذيب" (10/ ترجمة 2243). (¬5) وهو: سليمان التيمي. (¬6) انظر "التاريخ الكبير" (7/ ترجمة 827)، و"الجرح والتعديل" (7/ ترجمة 756)، و"التهذيب" (23/ ترجمة 4848).

وعبد الله: هو ابن حصين، وقيل: ابن حصن، أبو مدينة السدوسي. سمع: ابن الزبير، وابن عباس، وعائشة. روى عنه: قتادة (¬1). وبيض الصيد مضمون على المحرم بالكسر والإتلاف خلافًا للمزني، وضمانه قيمته، فإن كانت البيضة مذرةً (¬2) لم يجب فيها شيء إلا في سنة الطعام فإن قشرها منتفع به ففيه القيمة، وضمان البيض القيمة، روي عن كعب بن عجرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ أنه قضي في بيض نعامة أصابه محرم بقدر ثمنه (¬3) ويروى: "بقيمته" وعن رواية أبي هريرة مثله (¬4)، وما رواه في الكتاب عن أبي موسى الأشعري "أن في بيضة النعامة صوم يوم أو إطعام مسكين" قد روي من حديث أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬5)، وأيضًا عن أبي الزناد عن عروة عن عائشة؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حكم في بيض النعام كسره محرم بصيام يوم لكل بيضة (¬6). ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (5/ ترجمة 179)، و"الجرح والتعديل" (5/ 175). (¬2) أي: فاسدة. (¬3) رواه الدارقطني (2/ 247 رقم 53)، والبيهقي (5/ 208). قال الحافظ في "التلخيص" (1089): وفيه حسين بن عبد الله وهو ضعيف. (¬4) رواه ابن ماجه (3086). قال الحافظ في "التلخيص" (1089): وفيه أبو المهزم وهو أضعف من حسين بن عبد الله. وكذا ضعفه صاحب "مصباح الزجاجة" (1075). (¬5) رواه البيهقي (5/ 207)، والدارقطني (2/ 249 رقم 60). وروى عبد الرزاق (8294) موقوفًا عن ابن عباس: "في بيض النعام يصيبه المحرم ثمنه". وصحح إسناده الحافظ في "الدراية" (2/ 43). (¬6) رواه البيهقي (5/ 207).

ويروي هذا عن عائشة نفسها، وهذا أصح، ذكره أبو داود السجستاني وأخرجه في "المراسيل" (¬1) واختلفت الرواية عن ابن مسعود فروي في الكتاب عنه مثل ما روي عن أبي موسى، وعن خصيف عن أبي عبيدة عن عبد الله "أنه قال في بيض النعام ثمنه" ويروى: "قيمته". ورأى أئمة الحديث الروايات في الباب مضطربة ولم تسكن نفسهم إليها، تارة لضعف رواتها، وأخرى لما فيها من الاختلاف والتعارض، والقياس القيمة فأخذ به عامة العلماء، ويروى ذلك عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وعن عطاء عن ابن عباس أنه جعل في كل بيضتين من بيض حمام الحرم درهمًا، ويروى ذلك عن عطاء نفسه. قال الشافعي: وأراه أراد به القيمة يومئذٍ. آخر الجزء ويتلوه في الذي يليه بتوفيق الله تعالى: أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سعيد، عن ابن جريج، عن عطاء أنه سمع ابن عباس يقول: "في الضبع كبش". والحمد لله رب العالمين، والصلاة على نبيه محمَّد وآله أجمعين. ¬

_ (¬1) "المراسيل" (138).

الأصل

بسم الله الرحمن الرحيم الأصل [642] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سعيد، عن ابن جريج، عن عطاء؛ أنه سمع ابن عباس يقول: في الضبع كبش (¬1). [643] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سعيد، عن ابن جريج، عن عكرمة مولى ابن عباس يقول: أنزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ضبعًا صيدًا وقضى فيها كبشًا (¬2). [644] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مسلم، عن ابن جريج، عن عبد الله بن عبيد (بن) (¬3) عمير، عن ابن أبي عمار قال: سألت جابر بن عبد الله عن الضبع: أصيدٌ هي؟ فقال: نعم. فقلت: أتؤكل؟ فقال: نعم، فقلت: أسمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فقال: نعم (¬4). الشرح عبيد: هو ابن عمير الليثي. روى عن: ابن عمر، وسمع أباه. سمع منه: الزهري، وغيره (¬5). وابن أبي عمار: هو عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي عمار، روى ¬

_ (¬1) "المسند" ص (134). (¬2) "المسند" ص (134). (¬3) وضع علامة لحق وكتب في الحاشية: عن، والمثبت هو الصواب. (¬4) "المسند" ص (134). (¬5) انظر "التاريخ الكبير" (5/ ترجمة 430)، و"الجرح والتعديل" (5/ ترجمة 467)، و "التهذيب" (15/ ترجمة 3406).

عن: جابر، ومعاذ، وقد مرَّ ذكره. وروى عنه: يوسف بن ماهك فقال عبد الله بن أبي عمار. وحديث عكرمة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - منقطع ولانقطاعه قال الشافعي في "الأم" (¬1) بعد روايته: مثل هذا الحديث لا يثبت لو انفرد، وأيده بحديث ابن أبي عمار، قال الأئمة: وحديثه مما تقوم به الحجة (¬2)، وسأل أبو عيسى الترمذي (¬3) عنه البخاري فحكم بصحته. وحديث عكرمة رواه بعضهم عنه عن ابن عباس موصولًا. وقوله: "أنزل ضبعًا صيدًا" أي أنزلها منزلة الصيود وعدَّها منها. وقوله: "وقضى فيها كبشًا" أي إذا أصابها المحرم، وذلك مصرَّح به في سائر الروايات. والحكم في الضبع بالكبش مروي عن عمر وعلي رضي الله عنهما أيضًا؛ أما عن عمر فقد روي مالك وابن عيينة وأيوب السختياني وسفيان الثوري والليث بن سعد، عن أبي الزبير، عن جابر بن عبد الله أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قضى في الضبع بكبش، وفي الغزال والعنز وفي الأرنب بعناق، وفي اليربوع بجفرة. وسيأتي ذلك في الكتاب. وأما عن عليّ فقد روى مجاهد وعامة أن عليًّا رضي الله عنه قال: ¬

_ (¬1) "الأم" (2/ 192). (¬2) قاله البيهقي (5/ 183). والحديث رواه أبو داود (3801) والترمذي (851) والنسائي (5/ 191)، وابن الجارود (438، 439)، وابن حبان (979)، والحاكم (1/ 425). قال الترمذي: حسن صحيح. (¬3) "علل الترمذي" (551).

الأصل

في الضبع كبشٌ (¬1). وعن الأجلح الكندي روايته عن أبي الزبير، عن جابر، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬2). وفي هذِه الأخبار والآثار دلالة على أن الضبع مأكول، وبه قال سعد بن أبي وقاص وابن عباس رضي الله عنهما. الأصل [645] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك وسفيان، عن أبي الزبير، عن جابر؛ أن عمر بن الخطاب قضى في الغزال بعنز (¬3). [646] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك وسفيان، عن أبي الزبير، عن جابر؛ أن عمر رضي الله عنه قضى في الأرنب بعناق، وأن عمر قضى في اليربوع بجفرة (¬4). [647] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا ابن عيينة، أبنا مخارق، عن طارق بن شهاب قال: خرجنا حُجَّاجًا فأوطأ رجل منا -يقال له: أريد- ضبًّا ففزر ظهره، فقدمنا على عمر رضي الله عنه فسأله أربد، فقال عمر: احكم يا أربد فيه، فقال: أنت خيرٌ مني يا أمير المؤمنين وأعلم، فقال عمر: (أنا) (¬5) أمرتك أن تحكم فيه ولم آمرك أن تزكيني، فقال أربد: أرى فيه جديًا قد جمع الماء والشجر، قال عمر: فذاك فيه (¬6). ¬

_ (¬1) رواه عبد الرزاق (8223). (¬2) رواه البيهقي (5/ 183). (¬3) "المسند" ص (134). (¬4) "المسند" ص (134). (¬5) في "المسند": إنما. (¬6) "المسند" ص (134).

الشرح

الشرح مخارق: هو ابن عبد الله بن جابر الأحمسي، ويقال له: مخارق بن خليفة. سمع: طارق بن شهاب. وسمع منه: الثوري، وشعبة، وغيرهما (¬1). وطارق (¬2) بن شهاب هو البجلي (الأعشى) (¬3) الكوفي أبو عبد الله، يقال أنه رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - وغزا في خلافة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما غزوات، وسمع منه: إسماعيل بن أبي خالد. وحديث جابر عن عمر في الغزال والأرنب واليربوع هو الذي ذكرناه في الفصل السابق. [وإنما] (¬4) فصل الشافعي بين الغزال وبين الأرنب وأعاد الإسناد؛ لأنه أراد إفراد كل واحد منهما بإيراد ما فيه من الآثار؛ فصدّر القول في الغزال بحديث عمر رضي الله عنه في "الأم" (¬5) ثم روى بإسناده عن الضحاك عن ابن عباس أنه قال: في الظبي تيسٌ أعفر، أو شاةٌ مُسنَّة. وعن عكرمة أن رجلًا بالطائف أصاب ظبيًا وهو محرم، فأتى عليًّا رضي الله عنه فقال: اهدْ كبشًا -أو قال: تيسًا- من الغنم. قال: وبهذا نأخذ لما وصفت قبله مما يثبت -يعني حديث عمر- ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (7/ ترجمة 1892)، و"الجرح والتعديل" (8/ ترجمة 1624)، و"التهذيب" (27/ ترجمة 5823). (¬2) انظر "معرفة الصحابة" (3/ ترجمة 1536)، و"الإصابة" (3/ ترجمة 4230). (¬3) كذا في الأصل! ولم أجد من نسبه كذلك فلعلها تحرفت من الأحمسي. والله أعلم. (¬4) قطع في الأصل. والمثبت أشبه به إن شاء الله. (¬5) "الأم" (2/ 193).

فأما هذا فلا يثبته أهل الحديث (¬1)، قال أهله (¬2): أشار بما ذكر إلى انقطاع ما بعده، فإن سماع الضحاك بن مزاحم عن ابن عباس لا يثبت، وعكرمة لم يدرك عليًّا رضي الله عنه. أما الأرنب فقد افتتح فيه بحديث عمر أيضًا. والعِناقُ [الأنثى] (¬3) من ولد المعز، والجمع أَعْنُق وعُنُوق، وقيل: العناق: الجذعة من المعز الذي قاربت الحمل. والجفرة: التي مضت عليها أربعة أشهر وقويت على الرعي، والذكر جفر، وقيل: الجفر الجَذع من ولد الضأن. ثم الذي يوجد في نسخ "الأم" (¬4) بعد الأثر عن عمر رضي الله عنه: عن ابن عباس "أنه قال في الأرنب شاة". ويقال أن الثابت عن ابن عباس "أن في الأرنب عناقًا" كما قال عمر رضي الله عنه، والقول بأن فيه شاة يروى عن عطاء: رواه سعيد عن ابن جريج عنه (¬5) وهو الذي أراده الشافعي، لكن دخل بحديث عطاء في حديث ابن عباس، وروي عن مجاهد مثل المروي عن عطاء. قال الشافعي: واسم الشاة يقع على الصغيرة والكبيرة، فإن كان عطاء ومجاهد يريدان الصغيرة فذاك وإن [أرادا] (¬6) الكبيرة فنخالفهما ونأخذ بقول عمر؛ فإنه أقرب إلى رعاية المماثلة (¬7). ¬

_ (¬1) "الأم" (2/ 193). (¬2) أي أهل الحديث. (¬3) بياض في الأصل والمثبت من "مختار الصحاح" عنف. (¬4) "الأم" (2/ 193). (¬5) رواه الشافعي في "الأم" (2/ 193) من طريقه، ورواه عبد الرزاق (8235) عن ابن جريج عنه. (¬6) في الأصل: أرد. والمثبت من "الأم". (¬7) "الأم" (2/ 193).

الأصل

على أن الرواية اختلفت عن عطاء؛ فقد روي عن الربيع بن صبيح عنه أنه قال: في الأرنب عناق أو حمل (¬1). وقوله: "فأوطأ رجل منا" يقال: وطئت الشيء برجلي أطأه، وأوطأته الشيء فوطئه، كأن المعنى: أوطأ مركوبه الضبَّ. وقوله: "ففزر ظهره" أي صدعه وشقه، يقال: تَفَزَّرَ الثوب إذا تقطع وبلي، وطريق فازرٌ: أي واسع، وفي الأثر أن في الضبِّ جديًا. وقوله: "قد جمع الماء والشجر" أي قوي وصار بحيث يرعى. وإنما قال: "احكم يا أربد فيه" لينضم نظره واجتهاده إلى اجتهاد عمر رضي الله عنه؛ فإنه يعتمد في المماثلة قول عدلين على ما قال تعالى: {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} (¬2)، وكأنه لم يكن في الحاضرين ممن يتأهل لذلك سواه. واستدل بالأثر على أنه يجوز أن يكون قاتل الصيد أحد الحكمين، وهو الظاهر من وجهي الأصحاب، وموضع الخلاف ما إذا لم يفسق بالقتل؛ بأن كان مخطئًا أو مضطرًّا، وفي الاستدلال تنزيل القصة على أنه كان مخطئًا أو مضطرًّا، والله أعلم. الأصل [648] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سعيد بن سالم، عن عمر بن سعيد بن أبي حسين، عن عبد الله بن كثير الداري، عن طلحة بن أبي خصفة، عن نافع بن عبد الحارث قال: قدم عمر بن الخطاب مكة فدخل دار الندوة في يوم الجمعة؛ وأراد أن يستقرب منها الرواح إلى المسجد ¬

_ (¬1) رواه الشافعي في "الأم" (2/ 193) عن سعيد بن سالم عنه. (¬2) المائدة: 95.

الشرح

فألقى رداءه على واقف في البيت، فوقع عليه طير من هذا الحمام فأطاره، فانتهزته حية فقتلته؛ فلما صلى الجمعة دخلتُ عليه أنا وعثمان بن عفان فقال: احكما عليَّ في شيء صنعته اليوم، إني دخلت هذِه الدار وأردت أن أستقرب منها الرواح إلى المسجد، فألقيت ردائي على هذا الواقف فوقع عليه طير من هذا الحمام، فخشيت أن يلطخه بسلحه فأطردته عنه فوقع على هذا الواقف الآخر، فانتهزته حية فقتلته، فوجدت في نفسي أني أطردته من منزل كان فيه آمنًا إلى موقعةٍ كان فيها حتفه، فقلت لعثمان بن عفان: كيف ترىة عنزٍ ثنيةٍ عفراء تحكم بها على أمير المؤمنين؟ فقال: أرى ذلك، فأمر بها عمر رضي الله عنه (¬1). [649] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سعيد، عن ابن جريج، عن عطاء أن عثمان بن عبيد الله بن حميد قَتَل ابن له حمامةً، فجاء ابن عباس فقال ذلك له، فقال ابن عباس: تذبح شاة فتتصدق بها، قال ابن جريج: فقلت لعطاء: أمن حمام مكة؟ قال: نعم (¬2). الشرح عبد الله: هو ابن كثير بن المطلب القرشي المكي، من بني عبد الدار، كان يقص بمكة. سمع: مجاهدًا، وسمع منه: ابن جريج، ورآه ابن عيينة في صغره وسمع قصصه، مات سنة عشرين ومائة (¬3). وطلحة بن أبي خصفة حضرمي. ¬

_ (¬1) "المسند" ص (135). (¬2) "المسند" ص (135). (¬3) انظر "التاريخ الكبير" (5/ ترجمة 567)، و"الجرح والتعديل" (5/ ترجمة 673)، و"التهذيب" (15/ ترجمة 3499).

روى عنه: عبد الله بن كثير، وروى هو عن: ابن عمر (¬1). ونافع بن عبد الحارث الخزاعي يعد فيمن له صحبة، كان عامل عمر رضي الله عنه على مكة. روى عنه: أبو سلمة بن عبد الرحمن، وغيره (¬2). وعثمان بن عبيد الله بن حميد أحد التابعين، وسمى بعضهم أباه عبد الله. والمقصود أنه يجب في الحمام شاة، روي ذلك عن عمر وعثمان ونافع بن عبد الحارث وابن عمر وسعيد بن المسيب وعطاء وغيرهم. واختلف أصحابنا في أنهم بنوا ذلك على ماذا؟ فأحد الوجهين: أنهم بنوه على ما بينهما من المشابهة؛ وذلك أن كلًّا منهما يألف البيوت ويستأنس به. وأصحهما: أنهم بنوه على نقل بلغهم فيه. وقوله: "فألقى رداءه على واقف في البيت" رأيت بعضهم فسره بالخشبة الشاخصة، إما بالنصب في الأرض أو بالغرز في الحيطان، وهي الأوتاد. وقوله: "فانتهزته حية" من انتهاز الفرصة وهو اغتنامها، أو من قولهم: "نهزه" إذا ضربه ودفعه. وقوله: "فأطردته عنه" يقال: طرده أي أبعده ونفاه، وهو طريد ومطرود، وأطرده: صيَّرهُ طريدًا، وأطرده أيضًا أمر بطرده. ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (4/ ترجمة 3091)، و"الجرح والتعديل" (4/ ترجمة 2085)، و"تعجيل المنفعة" (1/ ترجمة 490). (¬2) انظر "معرفة الصحابة" (5/ ترجمة 2879)، و"الإصابة" (6/ ترجمة 8663).

الأصل

وقوله: "من منزل كان فيه آمنًا" في بعض النسخ: "من منزلة كان فيها آمنًا" وهي بمعنى المنزل أيضًا، ويوافقها قوله: "إلى موقعة كان فيها حتفه". والحتف: الموت، والجمع: الحتوف، وقولهم: مات حتف أنفه أي على فراشه، كأن أنفه أماته بقطع النفس، وفي الكلمة إشارة إلى أن تنفير الطائر سبب الضمان إذا هلك، وأثر التنفير باقٍ حتى لو نفر طائرًا تنفيرًا أو أهلكه سبع أو انصدم بشجر ونحوه ومات؛ لزمه ضمانه، وإن هلك بعدما عاد إلى طبيعة السكون والاستقرار؛ فلا ضمان. وقوله: "ثنية عفراء" الأعفر: الذي لا يخلص ولا يشتد بياضه، وشاة عفراء: التي تعلوها حمرة؛ وكأن الحمامة التي هلكت كانت كذلك، فروعي مشابهة اللون. وقوله: "فقلت لعطاء: أمن حمام مكة" بحثٌ منه عن حال الواقعة، والحكم في حمام مكة وحمام غيرها إذا أتلفه المحرم واحد، وعن مالك أن الواجب في حمام الحرم: شاة، وفي حمام غير مكة: القيمة، والواجب فيما دون الحمام كالقُنبرة (¬1) والعصافير: القيمة، وفيما فوقه قولان للشافعي، والظاهر وجوب القيمة أيضًا أخذًا بالقياس. الأصل [650] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سعيد، عن ابن جريج، عن يوسف بن ماهك أن عبد الله بن أبي عمار أخبره أنه أقبل مع معاذ بن جبل وكعب الأحبار في أناس محرمين من بيت المقدس ¬

_ (¬1) القُبّرة: ضرب من الطير، واحدة القبرّ، والعامة تقول القنبرة. "مختار الصحاح" (قبر).

بعمرة، حتى إذا كنا ببعض الطريق وكعب على نار يصطلي بها، مرَّت به رجلٌ من جراد، فأخذ (جرادين) (¬1) فملهما ونسي إحرامه، ثم ذكر إحرامه فألقاهما، فلما قدمنا المدينة دخل القوم على عمر رضي الله عنه ودخلت معهم، فقصَّ كعب قصة (الجرادين) (¬2) على عمر، فقال عمر: ومن بذلك؟ لعلك بذلك يا كعب؟ قال: نعم، قال: إن حمير تحب الجراد. قال: ما جعلت في نفسك؟ قال: درهمين، قال: بخٍ، درهمان خير من مائة جرادة، اجعل ما جعلت في نفسك (¬3). [651] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سعيد، عن ابن جريج قال: سمعت عطاء يقول: سئل ابن عباس عن صيد الجراد في الحرم فقال: لا، ونهى عنه، قال: إمَّا قلتُ له أو رجل من القوم: فإن قومك يأخذونه وهم محتبون في المسجد؟ فقال: لا يعلمون (¬4). [652] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مسلم، عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس مثله، إلا أنه قال: منحنون. قال الشافعي: ومسلم أصوبهما، روى الحفاظ عن ابن جريج: "منحنون" (¬5). ¬

_ (¬1) في "المسند": جرادتين. (¬2) في "المسند": الجرادتين. (¬3) "المسند" ص (135). (¬4) "المسند" ص (136). (¬5) "المسند" ص (136).

الشرح

الشرح في الأثرين دلالة على أن المحرم لا يصيد الجراد ويتعلق به الجزاء، خلافًا لما روي عن بعض أهل العلم: أنه من صيد البحر ولا جزاء فيه. وقوله: "من بيت المقدس" إن كان متعلقًا بقوله: "محرمين" ففيه أنهم أحرموا قبل الانتهاء إلى الميقات. والرِّجْل من الجراد: الفرقة والطائفة. وقوله: "فملهما" يقال: مللت الخبزة ملًّا، وامتللتها إذا عملتها في المَلّة وهي الرماد الحار، وكذلك اللحم، ويقال لذلك الخبز: مليل ومملول. والمقصود أنه عرض الجرادين على النار وشواهما؛ وكان ناسيًا لإحرامه، فلما تذكره رماهما، وفيه ما يدل على أن الناسي كالعامد في الجزاء. وقول عمر رضي الله عنه: "درهمان خير من مائة جرادة" فيه إشارة إلى أنه لا يجب فيه إلا القيمة. قال الشافعي: وقوله: "اجعل ما جعلت في نفسك" معناه: إنك هممت بخير فافعله تطوعًا، لا أنه عليك (¬1). وقوله: "محتبون" يقال: احتبى الرجل إذا جمع ظهره وساقيه، وقد يحتبي بيديه، والاسم: الحَبوة والحُبوة، وأما قوله: "منحنون" فيجوز أن يريد الركوع والسجود، ورجَّح الشافعي هذِه الرواية وقال: رواها الحفاظ عن ابن جريج. ¬

_ (¬1) "الأم" (2/ 196).

الأصل

الأصل [653] أبنا الربيع، أبا الشافعي، أبنا سعيد، عن ابن جريج، أخبرني بكير بن عبد الله قال: سمعت القاسم يقول: كنت جالسًا عند ابن عباس فسأله رجل عن جرادة قتلها وهو محرم، فقال ابن عباس: فيها قبضة من طعام، ولتأخذن بقبضة جرادات، ولكن ولو. قال الشافعي: قوله: "ولتأخذن بقبضة جرادات" أي إنما فيها القيمة. وقوله: "ولو" يقول: تحتاط فتخرج أكثر مما عليك بعد أن أعلمتك أنه أكثر مما عليك (¬1). الشرح هذا الأثر يقوِّي ما سبق. وقوله: "فيها قبضة من طعام" أي تصرف قيمتها إلى قبضة من الطعام فيتصدق بها، وفي بعض الروايات أن ابن عباس قال: "تصدق بقبضة من طعام" وبيَّن الشافعي أن قوله: "ولتأخذن بقبضة جرادات" أراد به أن الواجب القيمة، وقد يوجد: "بقبضة طعام جرادات" والذي أمرت به من القبضة سلكت فيه مسلك الاحتياط، ويحسن أن تحتاط فتخرج أكثر مما عليك. الأصل [654] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا ابن عيينة، عن ابن أبي نجيح قال: سمعت ميمون بن مهران قال: كنت عند ابن عباس [و] (¬2) سأله رجل ¬

_ (¬1) "المسند" ص (136). (¬2) من "المسند".

الشرح

فقال: أخذتُ قملة فألقيتها ثم طلبتها فلم أجدها. فقال ابن عباس: تلك ضالة لا تبتغى (¬1). الشرح ميمون (¬2) هو ابن مهران أبو أيوب، مولى بني أسد البصري، يعد في أهل الجزيرة. سمع: ابن عباس، وابن عمر، وأم الدرداء. روى عنه: الأعمش، والحكم، وجعفر بن برقان. مات سنة سبع عشرة ومائة، وقيل: سنة ثمان عشرة. والمقصود أن المحرم لو ظهر القمل على بدنه أو ثوبه لم يكره له تنحيته، ولو قتله لم يلزم بقتله شيء، روي عن ابن عباس أنه قال: ما نهيتم إلا عن قتل الصيد (¬3)، ويروى عن ابن عمر أن رجلًا أتاه فقال: قتلت قملة وأنا محرم فقال: أهون قتل (¬4). واستحب الشافعي لمن قتل قملة أن يتصدق بشيء ولو بلقمة، وكذا لو أخرجها من رأسه وألقاها؛ لأنه أماط أذى، وقد روى الحُرُّ بن الصَّيَّاح عن ابن عمر رضي الله عنه أنه قال في القملة يقتلها المحرم: يتصدق بكسرة أو قبضة من طعام (¬5). ¬

_ (¬1) "المسند" ص (136). (¬2) انظر "التاريخ الكبير" (7/ ترجمة 1455)، و"الجرح والتعديل" له/ ترجمة 1053)، و"التهذيب" (29/ ترجمة 6338). (¬3) رواه البيهقي (5/ 213). قال الألباني في "الإرواء" (4/ 221): إسناده جيد. (¬4) رواه البيهقي (5/ 213) وفيه "أهون قتيل". (¬5) رواه البيهقي (5/ 213).

كتاب البيوع

الأصل من كتاب البيوع [655] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن نافع، عن عبد الله بن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "المتبايعان بالخيار، كل واحد [منهما] (¬1) على صاحبه ما لم يتفرقا إلا بيع الخيار" (¬2). [656] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أخبرنا عن ابن جريج قال: أملى عليَّ نافع مولى ابن عمر، أن ابن عمر أخبره أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا تبايع المتبايعان البيع، فكل واحد منهما بالخيار من بيعه، ما لم يتفرقا أو يكون بيعهما عن خيار". قال نافع: وكان ابن عمر إذا ابتاع البيع فأراد أن يوجب البيع مشى قليلًا ثم يرجع (¬3). [657] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا ابن عيينة، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر. وأبنا الربيع، أبنا الشافعي قال: وأبنا الثقة، عن حماد بن سلمة، عن قتادة، عن أبي الخليل، عن عبد الله بن الحارث، عن حكيم بن حزام قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا، فإن صَدَقا وبيَّنا وجبت البركة في بيعهما، وإن كذبا وكتما محقت البركة من بيعهما" (¬4). ¬

_ (¬1) في الأصل: منها. والمثبت من "المسند". (¬2) "المسند" ص (137). (¬3) "المسند" ص (137). (¬4) "المسند" ص (137).

الشرح

الشرح أبو الخليل: هو صالح بن أبي مريم الضبعي البصري. سمع: عبد الله بن الحارث بن نوفل. وروي عنه: قتادة، وأيوب، وأبو علقمة الهاشمي (¬1). وحكيم: هو ابن حزام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى أبو خالد القرشي. روى عنه: عروة بن الزبير، وعبد الله بن الحارث، وسعيد [بن] (¬2) المسيب، وموسى بن طلحة. ويقال أنه عاش في الجاهلية ستين سنة، وفي الإِسلام ستين، وتوفي سنة أربع وخمسين بالمدينة، وقيل غيره (¬3). وحديث مالك عن نافع عن ابن عمر أخرجه البخاري (¬4) عن عبد الله بن يوسف، ومسلم (¬5) [عن] (¬6) يحيى بن يحيى، وأبو داود (¬7) عن القعنبي، بروايتهم عن مالك. وحديث ابن جريح رواه المزني عن الشافعي عن سفيان عن ابن جريج، وأخرجه مسلم (¬8) عن ابن أبي عمر وغيره عن سفيان؛ وروى معنى الحديث عن نافع أيضًا: الليثُ بن سعد؛ وقد أخرجه البخاري (¬9) ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (4/ ترجمة 2855)، و"الجرح والتعديل" (4/ ترجمة 1826)، و"التهذيب" (13/ ترجمة 2837). (¬2) سقط من الأصل. (¬3) انظر "معرفة الصحابة" (2/ ترجمة 576)، و"الإصابة" (2/ ترجمة 1802). (¬4) "صحيح البخاري" (2111). (¬5) "صحيح مسلم" (1531/ 43). (¬6) في الأصل: و. خطأ. (¬7) "سنن أبي داود" (3454). (¬8) "صحيح مسلم" (1531/ 45). (¬9) "صحيح البخاري" (2112).

ومسلم (¬1) من روايته عن قتيبة عنه، وأخرجه ابن ماجه (¬2) عن محمَّد بن رمح عنه، وأيضًا أيوب: وقد أخرجه البخاري (¬3) عن أبي النعمان عن حماد بن زيد عن أيوب، ومسلم (¬4) عن أبي الربيع وأبي كامل، وأيضًا يحيى بن سعيد: وقد أخرجه البخاري (¬5) عن صدقة عن عبد الوهاب الثقفي عن يحيى، والترمذي (¬6) عن واصل بن عبد الأعلى عن ابن فضيل عن يحيى. وحديث ابن عيينة عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر أخرجه البخاري (¬7) عن الفريابي عن سفيان الثوري عن عبد الله بن دينار، ومسلم (¬8) عن يحيى بن يحيى عن إسماعيل بن جعفر عن عبد الله واللفظ -فيما روى المزني عن الشافعي: "البيعان كل واحد منهما بالخيار على صاحبه ما لم يتفرقا أو يكون بيعهما عن خيار، فإذا كان البيع عن خيار فقد وجب" واللفظ في "الصحيحين": "كل بيِّعين لا بيع بينهما حتى يتفرقا، إلا بيع الخيار". وحديث قتادة عن أبي خليل رواه شعبة عن قتادة، وأخرجه البخاري (¬9) من حديث شعبة وهمام عن قتادة، وأبو عيسى الترمذي (¬10) عن محمَّد بن بشار عن يحيى بن سعيد عن قتادة، وفي الباب عن ابن عباس وجابر وأنس وسمرة وعبد الله بن عمر، رضي الله عنهم. ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (1531/ 44). (¬2) "سنن ابن ماجه" (2181). (¬3) "صحيح البخاري" (2109). (¬4) "صحيح مسلم" (1531/ 43). (¬5) "صحيح البخاري" (2107). (¬6) "جامع الترمذي" (1245). (¬7) "صحيح البخاري" (2113). (¬8) "صحيح مسلم" (1531/ 46). (¬9) "صحيح البخاري" (2110). (¬10) "جامع الترمذي" (1246) عن محمَّد بن بشار، عن يحيى بن سعيد، عن شعبة، عن قتادة.

ويروى عن عبد الله بن المبارك أنه كان يقول: الحديث في أن البيِّعين بالخيار ما لم يتفرقا أثبت من هذِه الأساطين (¬1). وقوله: "المتبايعان بالخيار، كل واحد منهما على صاحبه بالخيار" وكذا هو في كثير من "نسخ الكتاب" بتكرار لفظة "بالخيار" وعلى هذا قصد بالأول وهو قوله: "المتبايعان بالخيار" جملة، والمقصود أن لهما خيارًا؛ والثاني جملة أخرى، والمقصود أن ذلك الخيار لا يختص بأحدهما بل يثبت لكل واحد منهما، وفي أكثر الروايات: "المتبايعان كل واحد منهما بالخيار على صاحبه" وهو واضح. ودلالة الأحاديث على ثبوت خيار المكان للمتبايعين ظاهرة، وبه قال أكثر أهل العلم من الصحابة فمن بعدهم، وخالف فيه جماعة، منهم: أبو حنيفة ومالك، وحملوا التفرق على التفرق بالرأي والكلام، وقالوا: كل واحد منهما بالخيار ما لم يتفرقا في الكلام حتى تم الإيجاب والقبول بينهما، وتعجب الشافعي من رواية مالك الحديث وترك القول بمقتضاه؛ فقال: رحم الله مالكًا، لست أدري من اتهم! اتهم نفسه أو نافعًا، وأعظم أن أقول: اتهم ابن عمر، وأجيب عن التأويل بوجوه: أحدهما: أن ابن عمر رضي الله عنه كان إذا أراد أن يوجب البيع الذي عنده مشى قليلًا على ما ذكرنا في رواية ابن جريج، والراوي أعرف بما سمعه ورواه. والثاني: أنه روى ثعلب عن ابن الأعرابي، عن المفضل أنه قال: الافتراق في الكلام، والتفرق في الأبدان. ¬

_ (¬1) رواه عنه البيهقي (5/ 272).

والثالث: أن اسم المتبايعين إنما يقع عليهما بالحقيقة بعد تمام البيع. وقوله: "إلا بيع الخيار" ذكر له تفاسير: أحدها: أن المعنى: إلا إذا اختارا إمضاء البيع وإلزامه بعدما تعاقدا، فلا يبقى الخيار فيه وإن لم يتفرقا بعد. والثاني: أن المعنى: إلا أن يشرطا الخيار يومًا أو يومين أو ثلاثة فلهما الخيار وإن تفرقا. والثالث: أن المعنى: إلا أن يشرطا نفي خيار المكان، فيلزم البيع ولا يثبت الخيار. فعلى الأول: الاستثناء من امتداد الخيار إلى التفرق، وعلى الثاني: من انتهائه بالتفرق، وعلى الثالث: من أصل الخيار. والظاهر التفسير الأول، ويوضحه ما في "الصحيحين" من رواية الليث بن سعد عن نافع عن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا تبايع الرجلان فكل واحد منهما بالخيار ما لم يتفرقا وكانا جميعًا، أو يخيّر أحدهما الآخر، فإذا خيَّر أحدهما الآخر وتبايعا على ذلك فقد وجب البيع، وإن تفرقا بعد أن تبايعا ولم يترك واحد منهما البيع فقد وجب البيع" (¬1). ويروى أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: "البيعان بالخيار ما لم يتفرقا أو يقول أحدهما للآخر: اختر". وقوله: "أو يكون بيعهما عن خيار" فسر بهذا أيضًا، وقيل: ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2112)، ومسلم (1531/ 44).

الأصل

المعنى أن يُخيِّر أحدهما الآخر فيقول له: اختر، فيقول: اخترت -يعني- استدامة البيع. وقول ابن عيينة: "عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر" يريد بمثل ما قدمنا، واللفظ في رواية ابن دينار ما ذكرناه. وقوله: "كل بيعين لا بيع بينهما" أي بصفة اللزوم أو نحوه. وقوله: "فإن صدقا وبيَّنا" أي صدقا في أوصاف العرض، وبيَّنا ما فيه من عيب وخلل "وجبت البركة" أي حقت وثبتت، وهذِه جملة أخرى مما يؤمر به في البيع لا تتعلق بقوله: "المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا". الأصل [658] أبنا الربيع، أبا الشافعي، أبنا الثقة، عن حماد بن زيد، عن جميل بن مرة، عن أبي الوضيء قال: كنا في غزاة، فباع صاحب لنا فرسًا من رجل، فلما أردنا الرحيل خاصمه إلى أبي برزة، فقال أبو برزة: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "البيعان بالخيار ما لم يتفرقا" (¬1). [659] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا ابن عيينة، عن عبد الله بن طاوس، عن أبيه قال: خيَّر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلًا بعد البيع، فقال الرجل: عمرك الله، ممن أنت؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "امرؤٌ من قريش". قال: فكان أبي يحلف: ما الخيار إلا بعد البيع (¬2). الشرح جميل بن مرَّة الشيباني يُعد في أهل البصرة. سمع: أبا الوضيء. ¬

_ (¬1) "المسند" ص (138). (¬2) "المسند" ص (138).

وروى [عنه] (¬1) هشام بن حسان، وحماد بن زيد (¬2). وأبو الوضيء: هو عبَّاد بن نسيب القيس البصري. سمع: عليًّا، وأبا برزة، وكان من فرسان عليّ رضي الله عنه (¬3). وأبو برزة: هو نضلة بن عبيد بن الحارث الأسلمي، سكن البصرة، ويروى عنه أنه غزا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سبع غزوات. روى عنه: أبو المنهال، وكنانة بن نعيم، وأبو الوازع، وأبو عثمان النهدي. قيل أنه مات بالبصرة، وقيل: بمرو، وقيل: في المفازة بين سجستان وهراة زمن يزيد بن معاوية (¬4). وحديث أبي الوضيء أخرجه أبو داود في "السنن" (¬5) عن مسدد عن حماد بن زيد عن جميل عن أبي الوضيء مبسوطًا فقال: غزونا غزوة لنا فنزلنا منزلًا فباع صاحب لنا فرسًا بغلام، ثم أقاما بقية يومهما وليلتهما، فلما أصبحا من الغد حضر (الرجل) (¬6) فقام إلى فرسه يُسْرِجُه وندم فأتى الرجل وأخذه بالبيع [فأبى] (¬7) الرجل أن يدفعه إليه فقال: بيني وبينك أبو برزة صاحب النبي - صلى الله عليه وسلم -، فأتيا أبا برزة في ناحية العسكر فقالوا له هذِه ¬

_ (¬1) سقط من الأصل. (¬2) انظر "التاريخ الكبير" (2/ ترجمة 2242)، و"الجرح والتعديل" (2/ ترجمة 2142)، و"التهذيب" (5/ ترجمة 969). (¬3) انظر "التاريخ الكبير" (6/ ترجمة 1590)، و"الجرح والتعديل" (6/ ترجمة 445)، و"التهذيب" (14/ ترجمة 3101). (¬4) انظر "معرفة الصحابة" (5/ ترجمة 2891)، و"الإصابة" (7/ ترجمة 9603). (¬5) "سنن أبي داود" (3457). (¬6) في "السنن": الرحيل. ورواه البيهقي (5/ 270) من طريق أبي داود وقال: "حضر الرجل". (¬7) في الأصل: فأتى. تصحيف، والمثبت من "السنن".

الأصل

القصة فقال: أترضيان أن [أقضي] (¬1) بينكما بقضاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قال - صلى الله عليه وسلم -: "البيعان بالخيار ما لم يتفرقا". قال هشام بن حسان: حدَّث جميل أنه قال: ما أراكما افترقتما. وحديث طاوس عن أبيه هو الذي رواه ابن جريج عن ابن الزبير عن جابر؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - اشترى من أعرابي حمل خبط، فلما وجب البيع قال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: "اختر" فقال الأعرابي: عمرك الله (¬2) أي: سألت الله أن يطيل عمرك، كأنه وافقه التخيير واستحسنه فدعا له. وقول طاوس: "ما الخيار إلا بعد البيع" يشير به إلا أن الخيار الذي أثبته النبي - صلى الله عليه وسلم - هو خيار المكان دون خيار القبول، على ما حكيناه عن تأويل النافين لخيار المكان. الأصل [660] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن ابن شهاب، عن مالك بن أوس بن الحدثان أنه التمس صرفًا بمائة دينار، قال: فدعاني طلحة بن عبيد الله فتراوضنا حتى اصطرف منِّي وأخذ الذهب يقلبها في يده، ثم قال: حتى يأتي خازني، أو حتى تأتي خازنتي من الغابة -قال الشافعي: أنا شككت- وعمر يستمع، فقال عمر رضي الله عنه: والله لا تفارقه حتى تأخذ منه، ثم قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الذهب بالذهب ربا إلا هاء وهاء، والبرُّ بالبر ربا إلا هاء وهاء، والتمر بالتمر ربا إلا هاء وهاء، ¬

_ (¬1) في الأصل: قضى. والمثبت من "السنن". (¬2) رواه ابن ماجه (2184)، والحاكم (2/ 56)، والدارقطني (3/ 21 رقم 73). قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم. وحسنه الألباني في "صحيح ابن ماجه".

الشرح

والشعير بالشعير ربا إلا وهاء وهاء". قال الشافعي: قرأته على مالك صحيحًا لا شك فيه، ثم طال عليَّ الزمان ولم أحفظه حفظًا، فشككت في خازنتي أو خازني، وغيري يقول عنه: خازني من الغابة فحفظت لا شك فيه (¬1). [662] أخبرنا ابن عيينة، عن ابن شهاب، عن مالك بن أوس، عن عمر بن الخطاب، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثل معنى حديث مالك وقال: حتى يأتي خازني. قال: فحفظت لا شك فيه (¬2). الشرح مالك: هو ابن أوس بن الحدثان بن عوف بن ربيعة النصري، أحد بني نصر بن معاوية، أدرك الجاهلية، وذكر بعضهم أن له صحبة. روى [عن] (¬3) عمر، وعثمان، وعلي، والزبير، وسعد، وعبد الرحمن بن عوف، والعباس بن عبد المطلب رضي الله عنهم. وروى عنه: الزهري، وابن المنكدر، ومحمد بن جبير بن مطعم، ومحمد بن عمرو بن عطاء، وأبو عمرو بن حماس. توفي سنة اثنتين وتسعين (¬4). والحديث مودع في "الموطأ" (¬5) وأخرجه البخاري (¬6) عن ¬

_ (¬1) "المسند" ص (138). (¬2) "المسند" ص (138). (¬3) سقط من الأصل. (¬4) انظر "التاريخ الكبير" (7/ ترجمة 1296)، و"الجرح والتعديل" (8/ ترجمة 896)، و"التهذيب" (27/ ترجمة 5729). قال البخاري وابن أبي حاتم: ولا يصح له صحبة. (¬5) "الموطأ" (2/ 636 رقم 1308). (¬6) "صحيح البخاري" (2173).

عبد الله بن يوسف عن مالك، ومسلم (¬1) عن قتيبة عن الليث بروايتهما عن ابن شهاب، واللفظ حتى "يأتي خازني من الغابة" بلا شك كما رواه الشافعي عن ابن عيينة، وإنما شك في قراءته على مالك في خازنتي وخازني كما بينَّه. والصرف: بيع النقد بالنقد، والمصارفة مفاعلة منه، والاصطراف افتعال، يقال: صرفت الدراهم بالدنانير، والصرف: فضل ما بين الدرهمين لجودة فضة أحدهما، والصيرفي: الصراف، والصيرف والصيرفيّ: المحتال المتصرف في الأمور، وصرَّفته في أمري تصريفًا فتصرف واصطرف في طلب الكسب. والتراوض والمراوضة: التساوم، مأخوذ من راضه يروضه؛ لأن كل واحد منهما يروض صاحبه لينقاد له ويجيبه إلى ما يريد. والغابة: الأجمة والشجر [الملتف] (¬2) والغابة: مال من أموال عوالي المدينة. وقوله: "إلا هاء وهاء" والرواية المشهورة في اللفظة: المد وفتح الهمزة، قال الخطابي: ويروى: هاءِ بكسر الهمزة، وروي بعضهم: ها وها مقصورين، قال أهل اللغة: ها أي: خذ، تقول للرجل: هاك، وللاثنين: هاكما , وللجميع: هاكم، وللمؤنث: هاكِ، هاكما، هاكنّ، وفيه لغة أخرى: وهي إقامة الهمزة مقام الكاف، في جميع ذلك تقول للرجل: هاءَ بفتح الهمزة، وللاثنين: هاؤما , وللجميع: هاؤم، قال تعالى: {هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ} (¬3) أي: خذوه وانظروا إلى ما فيه، وللمرأة: ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (1586/ 79). (¬2) في الأصل: المتلف. تصحيف. (¬3) الحاقة: 19.

هاءِ بالكسر بلا ياء، وللاثنين والجميع: هاؤما، وهاؤنَّ. ولغة ثالثة: وهي هاءْ بالهمزة والتسكين على مثال: خف وتقول للرجلين والمرأتين: هاءا مثل: خافا , وللمرأة الواحدة: هائي مثل خافي، وللرجال: هاءوا كخافوا , وللنساء: هأْن مثل خفن. ولغة رابعة: وهي "هاءَكَ" بالمد وفتح الهمزة وكاف بعد الهمزة، وبكسر الكاف للمؤنث فتقول: هاءَكِ، وتقول للرجل: "هاءِ" بالمد وكسر الهمزة أي: أعط وهو مثل هات، وللمرأة: "هائي" مثل هاتي، وللرجلين والمرأتين: هائيا مثل هاتيا , وللرجال: "هاءوا" مثل هاتوا، وللنساء: "هائين" مثل هاتين، الهمزة فيها [مقامة] (¬1) مقام التاء. إذا عرف ذلك فمقصود الحديث اعتبار التقابض في مجلس العقد، وهو كما في سائر أحاديث الربا إلا يدًّا بيد، فمن روى: هاءَ وهاءَ بفتح الهمزة فالمعنى أنه يقول كل واحد منهما للآخر: خذ، فيأخذه ويحصل التقابض، ومن رواهما بالكسر فالمعنى أنه يقول كل واحد منهما للآخر: أعط، فيعطيه الآخر، وقد قيل: إن معنى الحديث: خذ وأعط، وعلي هذا فيجوز أن تقرأ: هاءَ وهاءِ الأول بفتح الهمزة والثاني بكسرها. وفيه دليل على أن التقابض يعتبر في الصرف مع اختلاف الجنس؛ فإنه قال: "الذهب بالورق ربا" (¬2) أو يشبه أن يكون اصطراف مالك بن أوس هكذا؛ ولذلك تعرَّض لاختلاف جنس النقدين ولم يتعرَّض ¬

_ (¬1) في "الأصل": مقاومة. والمثبت هو الصواب إن شاء الله. (¬2) في الرواية السالفة من "المسند": "الذهب بالذهب" وستأتي هذِه الرواية عنه في "المسند" قريبًا إن شاء الله.

الأصل

للاختلاف في البرّ وغيره. وفيه دليل على اعتبار التقابض في بيع المطعوم بالمطعوم كاعتباره في بيع النقد بالنقد. الأصل [662] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن أيوب، عن قتادة، عن أبي حسان الأعرج، عن ابن عباس قال: أشهد أن السلف المضمون إلى أجل مسمى قد أحلَّه الله في كتابه وأذن فيه، ثم قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} (¬1). [663] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا ابن عيينة، عن ابن أبي نجيح، عن عبد الله بن كثير، عن أبي المنهال، عن ابن عباس؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قدم المدينة وهم يسلفون في التمر السنة والستين -وربما قال: والثلاث- فقال: "من سلَّف فليسلِّف في كيل معلوم ووزن معلوم وأجل معلوم". قال: حفظته كما وصفت من سفيان مرارًا (¬2). [664] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أخبرني من أصدقه، عن سفيان أنه قال كما قلت، وقال في الأجل: "إلى أجل معلوم" (¬3). الشرح أبو حسان الأعرج: هو مسلم بن عبد الله. روى عن: ابن عباس، وأبي هريرة، وعائشة، وعبيدة السلماني، ومخارق بن أحمد. ¬

_ (¬1) "المسند" ص (138). (¬2) "المسند" ص (139). (¬3) "المسند" ص (139).

روى عنه: قتادة، وأبو السليل (¬1). وأبو المنهال: هو عبد الرحمن بن مطعم، قال البخاري: الكوفي، وقال ابن أبي حاتم: المكي. روى عن: ابن عباس، وزيد بن أرقم، والبراء، وإياس بن عبد. روى عنه: عمرو بن دينار، وحبيب بن أبي ثابت، وأبو التياح، وسليمان الأحول، وعبد الله بن كثير (¬2). والأثر عن ابن عباس صحيح (¬3)، وقد رواه عن قتادة: شعبة كما رواه أيوب، ويروى عنه أنه قال في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى}: الحفظ في قيل معلوم (¬4). وقوله: "السلف المضمون" يعني الملتزم في الذمة. وحديث أبي المنهال عن ابن عباس رواه البخاري (¬5) عن صدقة وعلي بن المديني وأبي نعيم عن سفيان، وأيضًا عن عمرو بن زرارة عن إسماعيل بن علية عن ابن أبي نجيح، ومسلم (¬6) عن يحيى بن يحيى وعمرو الناقد عن سفيان، واللفظ في عامة روايات "الصحيحين": "إلى ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (7/ ترجمة 1090)، و"الجرح والتعديل" (8/ ترجمة 883)، و"التهذيب" (33/ ترجمة 7310). (¬2) انظر "التاريخ الكبير" (5/ ترجمة 1118)، و"الجرح والتعديل" (5/ ترجمة 1354)، و"التهذيب" (17/ ترجمة 3958). (¬3) رواه الحاكم (2/ 286)، والبيهقي (6/ 18). قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين. وصححه الألباني في "الإرواء" (5/ 213) على شرط مسلم فقط، فإنا أبا حسان لم يخرج له البخاري. (¬4) رواه البيهقي (6/ 18). (¬5) "صحيح البخاري" (2239). (¬6) "صحيح مسلم" (1604/ 127).

أجل معلوم" وكذلك رواه سفيان الثوري عن ابن أبي نجيح، وكذلك رواه الشافعي عمن أخبره بالحديث عن ابن عيينة، وبيَّن أن الذي سمعه وحفظه منه مرارًا إنما هو: "وأجل معلوم"، "إلى أجل معلوم" فكأن سفيان حدَّث مرة هكذا وأخرى هكذا. واحتج الشافعي بما قيل في تفسير الآية ثم بالحديث على أصل السلم، وقال: لا يختلف فيه أهل العلم فيما علمته (¬1). وقوله: "وهم يسلفون" يقال: سلَّف وأسلف وأسلم بمعنى واحد، واستحب ابن عمر رضي الله عنه لفظ السلف وكره أن يقال: أسلم في كذا، وقال: الإِسلام لله رب العالمين، وفي رواية أبي نعيم عن سفيان في "صحيح البخاري": "وهم يسلفون في الثمار في كيل معلوم". وفي الحديث دلالة على أن المسلّم فيه ينبغي أن يعلم قدره بالكيل أو الوزن، وليس قوله: "في كيل معلوم ووزن معلوم" لاشتراط الجمع بينهما، بل المراد في كيل معلوم أو وزن معلوم على ما هو مصرح به في بعض الروايات، بل قال الأصحاب: لو جمع بينهما لم يصح السلم؛ لأنه يندر اجتماعهما على ما تشارطا. وقوله: "في التمر السنة والسنتين" وفي بعض الروايات: "في الثمار". اللفظ يتناول الرطب واليابس علي قول الأكثرين، وقال بعض أهل اللغة أنه يختص بالرطب، وعلى التقديرين ففيه دلالة على أنه لا يشترط في السلم أن يكون المسلّم فيه موجودًا ومقدورًا عليه في جميع مدة الأجل؛ لأنه لا يوجد الرطب في جميع السنة والسنتين، واحتج بعضهم بقوله: "إلى أجل معلوم" على اشتراط الأجل في السلم، وأجيب ¬

_ (¬1) "الأم" (3/ 94).

الأصل

عنه بأن المقصود أنه إن أسلم مؤجلًا فليكن الأجل معلومًا، كما أن ذكر الكيل والوزن على معنى أنه إن أسلم في مكيل بالكيل أو موزون بالوزن فينبغي أن [يكون الأجل] (¬1) معلومًا، لا على سبيل اشتراط الكيل والوزن، ألا ترى أنه يجوز السلم فيما ليس بمكيل ولا موزون كالثياب والأخشاب. الأصل [665] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سعيد بن سالم، عن ابن جريج، عن عطاء أنه سمع ابن عباس يقول: لا نرى بالسلف بأسًا الورق في شيء الورق نقدًا (¬2). [666] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سعيد بن سالم، عن ابن جريج، عن عمرو بن دينار؛ أن ابن عمر كان يجيزه (¬3). [667] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سعيد بن سالم، عن ابن جريج، عن جعفر بن محمَّد، عن أبيه؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رهن درعه عند أبي الشحم اليهودي، رجل من بني ظفر (¬4). [668] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا إبراهيم بن محمَّد، عن يحيى بن سعيد، عن نافع، عن ابن عمر؛ أنه كان لا يرى بأسًا أن يبيع الرجل شيئًا إلى أجل ليس عنده أصله (¬5). [669] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سعيد، عن ابن جريج، عن نافع، عن ابن عمر مثله (¬6). ¬

_ (¬1) قطع في الأصل والمثبت أشبه بالرسم. (¬2) "المسند" ص (139). (¬3) "المسند" ص (139). (¬4) "المسند" ص (139). (¬5) "المسند" ص (139). (¬6) "المسند" ص (139).

الشرح

[670] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان بن عيينة، عن عبد الكريم، عن عكرمة، عن ابن عباس أنه قال: لا تبيعوا إلى العطاء، ولا إلى الأندر، ولا إلى الدياس (¬1). الشرح استشهد الشافعي بالأثر عن ابن عباس وابن عمر لجواز السلم، ويروى عن عبد الله بن أبي أوفي أنه قال: كنا نسلف علي عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما في الحنطة والشعير والتمر والزبيب (¬2). وقوله: "والورق في شيء الورق نقدًا" أي يجوز أن يسلم في شيء ويجعل الورق نقدًا، وفيه إشارة إلى أنه لا بد من تسليم رأس المال في المجلس. وحديثُ رَهْنِ الدرع -من غير هذِه الرواية- مخرج في "الصحيحين" فعن الأعمش قال: تذاكرنا عند إبراهيم الرهن والقبيل في السلف فقال: أبنا الأسود، عن عائشة؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اشترى من يهودي طعامًا إلى أجل، ورهنه درعه (¬3). واحتج به على جواز أخذ الرهن والكفيل في السلم، والقرض والثمن، واستدل بالأثر عن ابن عمر على أنه لا بأس بالسلم فيما ليس موجودًا في الحال إذا كان موجودًا عند المحل، وبالأثر عن ابن عباس على أن الأجل لا بد وأن يكون معلومًا، فلو أجل بما يختلف وقته كعطاء الأمير ووقت الحصاد والأندر والدِّياس (¬4) بطل العقد. ¬

_ (¬1) "المسند" ص (139). (¬2) رواه البخاري (2243). (¬3) رواه البخاري (2068)، ومسلم (1603). (¬4) الدائس: الذي يدوس الطعام ويدقه ليخرج الحب منه، وهو الدياس. "اللسان" (دوس).

الأصل

والأندر: البيدر (¬1) بلغة أهل الشام، والجمع الأنادر. الأصل [671] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن نافع، عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلًا بمثل، ولا تشفوا بعضها على بعض، ولا تبيعوا الورق بالورق إلا مثلًا بمثل يدًّا بيد ولا تشفوا بعضها علي بعض، ولا تبيعوا منها غائبًا بناجز" (¬2). الشرح هذا حديث صحيح مدوَّن في "الموطأ" (¬3) ورواه البخاري (¬4) في "الصحيح" عن عبد الله بن يوسف، ومسلم (¬5) عن يحيى بن يحيى، بروايتهما عن مالك. وقوله: "ولا تشفوا" أي لا تزيدوا ولا تفضلوا، يقال: أشف إذا أفضل، وشف يشف شفًّا إذا فضل، والشِّف بالكسر: الزيادة وكذا النقصان وهو من الأضداد. والناجز: الحاضر، يقال: نجز ينجز نجزًا إذا أحضر، وأنجز الوعد: أحضره. وفي الحديث بيان تحريم الفضل والنَّساء إذا باع أحد النقدين بجنسه، واستدل بظاهره على أنه إذا باع حلي الذهب بالذهب يجب رعاية المماثلة، ولا يجوز أخذ فضل للصياغة، ويروى أن صائغًا أتى ابن عمر رضي الله عنه فقال: يا أبا عبد الرحمن إني أصوغ الذهب ثم ¬

_ (¬1) البيدر: الموضع الذي يداس فيه الطعام، "مختار الصحاح" (بدر). (¬2) "المسند" ص (139). (¬3) "الموطأ" (2/ 632 رقم 1299). (¬4) "صحيح البخاري" (2177). (¬5) "صحيح مسلم" (1584/ 75).

الأصل

أبيع الشيء من ذلك بأكثر من وزنه، فأستفضل في ذلك قدر عمل يدي فنهاه، فجعل الصائغ يردد عليه المسألة، فقال عبد الله: الدينار بالدينار والدرهم بالدرهم لا فضل بينهما، هذا عهد نبينا إلينا وعهدنا إليكم (¬1). والذي رآه الشافعي الأصح من لفظ ابن عمر: "هذا عهد صاحبنا إلينا وعهدنا إليكم" وقال: أراد بالصاحب عمر بن الخطاب؛ لما روي عن نافع أنه قال: كان ابن عمر يحدث عن عمر في الصرف ولم يسمع فيه من النبي - صلى الله عليه وسلم - شيئًا (¬2). لكنه لا يبعد أن يقول: عهد إلينا النبي - صلى الله عليه وسلم - وإن لم يشافهه به. وقوله: "ولا تشفوا بعضها على بعض" كأن الكناية راجعة إلى أموال الربا المنصوص عليها في أحاديث الربا كحديث عبادة بن الصامت وغيره، وهي مذكورة في رواية أبي سعيد أيضًا، وإن وقع الاقتصار في هذِه الرواية على النقدين؛ ففي "الصحيح" (¬3) من رواية أبي المتوكل الناجي، عن أبي سعيد قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبرُّ بالبرِّ، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلًا بمثل يدًا بيد". وخبر عبادة مذكور في الكتاب من بعد. الأصل [672] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سعيد بن سالم، عن موسى بن عبيدة، عن سليمان بن يسار، عن ابن عباس , أنه كان يكره بيع الصوف على ظهر الغنم، واللبن في ضروع الغنم إلا بكيل (¬4). ¬

_ (¬1) رواه الشافعي (1/ 238) مختصرًا، والبيهقي (5/ 279). (¬2) رواه البيهقي (5/ 279). (¬3) رواه مسلم (1584/ 82). (¬4) "المسند" ص (140).

الشرح

الشرح روى الأثر أبو إسحاق، عن عكرمة، عن ابن عباس موقوفًا كما في رواية الكتاب (¬1)، وروي عن عمر بن فرُّوخ، عن حبيب بن الزبير، عن عكرمة، عن ابن عباس، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬2)، والوقف أصح عند الأئمة. وعن شهر بن حوشب، عن أبي سعيد الخدري؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع ما في بطون الأنعام حتى تضع، وعما في ضروعها إلا بكيل (¬3). وذكر أن المعنى في المنع من بيع الصوف على ظهر الغنم أنه كبيع جزء معيَّن منه، وبأنه يزيد شيئًا فشيئًا ولا يتأتى التميز، وفي اللبن في الضرع أنه مجهول، وأيضًا فإنه يزيد ويختلط، وعدَّ البيعان من بيوع الغرر، وقد ثبت؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع الغرر (¬4). قال الأئمة: فكل بيع كان المبيع مجهولًا فيه أو معجوزًا عنه فهو غرر، كبيع العبد الآبق والسمك في الماء والحمل في البطن واللبن في الضرع. ¬

_ (¬1) ومن طريقه أخرجه الدارقطني (2/ 213 رقم 36)، والبيهقي (5/ 340) وقال: هذا هو المحفوظ موقوف. وقال الحافظ في "البلوغ" (1/ 168): إسناد قوي. (¬2) رواه الدارقطني (3/ 14)، والبيهقي (5/ 340). قال البيهقي: تفرد برفعه عمر بن فروخ، وليس بالقوي. (¬3) رواه الترمذي (1563) مختصرًا، وابن ماجه (2196)، والبيهقي (6/ 338). قال الترمذي: غريب. وقال البيهقي: إسناد غير قوي. وأعله أبو حاتم الرازي (1108)، وعبد الحق في "أحكامه" كما في "نصب الراية" (4/ 14)، والحافظ في "البلوغ" (1/ 167)، وضعفه الألباني في "الإرواء" (5/ 132). (¬4) رواه مسلم (1513/ 4) من حديث أبي هريرة.

الأصل

وقوله: "إلا بكيل" قال الشيخ: معناه -والله أعلم- أنه يجوز أن يسلم في لبن الغنم كيلًا. الأصل [673] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن ابن طاوس، عن أبيه؛ أن ابن عباس سئل عن العنبر فقال: إن كان فيه شيء ففيه الخمس (¬1). [674] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا ابن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن أذينة أن ابن عباس قال: ليس في العنبر زكاة، إنما هو شيء دسره البحر (¬2). الشرح الأثران دخيلان في الباب، ثم هما معادان (¬3) قد سبق في باب الزكاة ما يتعلق بهما، وقد يقع في "النسخ" ها هنا "ابن أذينة" بدل "أذينة" والصواب أذينة كما مرَّ هناك. الأصل [675] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي رافع مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: استسلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم -[بكرًا] (¬4) فجاءته إبل من إبل الصدقة. قال أبو رافع: فأمرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أقضي الرجل بكره، فقلت: يا ¬

_ (¬1) "المسند" ص (140). (¬2) "المسند" ص (140). (¬3) مرّا برقم (438، 439). (¬4) في الأصل: بكر، والمثبت من "المسند".

الشرح

رسول الله لم أجد في الإبل إلا جملًا خيارًا رباعيًّا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أعطه إياه؛ فإن خيار الناس أحسنهم قضاءً" (¬1). [676] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا الثقة، عن سفيان الثوري، عن سلمة بن كهيل، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بمثل معناه (¬2). الشرح حديث أبي رافع قد سبق في كتاب الزكاة مختصرًا (¬3)، وحديث أبي هريرة مثله في المعنى، وهو أن رجلًا تقاضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأغلظ له، فَهَمَّ أصحابه به، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "دعوه؛ فإن لصاحب الحق مقالًا، واشتروا له بعيرًا فأعطوه إياه" قالوا: لا نجد إلا أفضل من سنه، قال: "اشتروه فأعطوه إياه؛ فإن خياركم أحسنكم قضاءً" أخرجه البخاري (¬4) عن أبي الوليد عن شعبة عن سلمة بن كهيل، ومسلم (¬5) عن محمَّد بن بشار عن محمَّد بن جعفر عن شعبة. والبَكرُ من الإبل كالغلام من الناس، والقلُوص بمنزلة الجارية، والرَّباعي من الإبل: الذي أتت عليه ست سنين، يقال: هو رَبَاعٌ، والأنثى: رَبَاعيةٌ. وقوله: "خيارًا" يقال: جمل خيار أي: مختار، وناقة خيار أي: مختارة. وفيه دلالة على جواز استقراض الحيوان، وعلى أن الإِمام إذا ¬

_ (¬1) "المسند" ص (140). (¬2) "المسند" ص (140). (¬3) سبق برقم (407). (¬4) "صحيح البخاري" (2035). (¬5) "صحيح مسلم" (1601/ 120).

عرف بالفقراء خلة وحاجة كان له أن يستقرض لهم، وقد مرَّ أن [استقراض] (¬1) النبي - صلى الله عليه وسلم - في القصة كان كذلك، وعلى أن إقراض [المتقومات] (¬2) لا يجب القيمة ولكن يجب المثل من جهة الصورة، وعلى أن من استقرض شيئًا ثم ردَّ أحسن مما استقرض أو أكثر كان محسنًا، وأن ذلك يحل للمقرض بخلاف ما إذا شرط عند الإقراض رد زيادة، ويدل عليه ما روي عن أبي هريرة قال: أتى رجل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسأله , فاستسلف له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شطر وسن فأعطاه [إياه]، (¬3) فجاء الرجل يتقاضاه فأعطاه وسقًا، وقال: "نصف لك قضاء، ونصف لك نائل من عندي" (¬4). وعن العرباض بن سارية قال: بعتُ من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بكرًا [فجئت] (¬5) أتقاضاه، فقلتُ: يا رسول الله أقضني ثمن بكري، قال: "نعم، لا أقضيكها إلا (بختية) " (¬6) ثم قضاني فأحسن قضائي، ثم جاء ¬

_ (¬1) في الأصل: استقرض. تحريف. (¬2) في الأصل: المتقوامات. تحريف. (¬3) في الأصل: إيا. والمثبت من "السنن". (¬4) رواه البزار كما في "المجمع"، والبيهقي (5/ 351). قال الهيثمي (4/ 141): وفيه أبو صالح الفراء لم أعرفه وبقية رجاله رجال الصحيح. وقال المنذري (2708): إسناده حسن. قلت: وأبو صالح الفراء: هو محبوب بن موسى من رجال "التهذيب". قال الحافظ: صدوق. "التقريب" (6495). (¬5) من "السنن". (¬6) عندهم إلا البيهقي: نجيبة. قال الزرقاني في "شرحه" (2/ 432): قال في "المشارق": إبل غلاظ لها سنامان، وفي "النهاية": جمال طوال الأعناق. وفي رواية: نجيبة: مؤنث نجيب واحد النجب، قال في "المشارق": هو ما اتخذ للسير والرحائل، وفي "النهاية": القوي من الإبل الخفيف السريع.

الأصل

أعرابي فقال: يا رسول الله اقضني بكري، فقضاه بعيرًا مسنًّا، وقال: "إن خير القوم خيرهم قضاءً" (¬1). وفي حديث أبي هريرة دليل على جواز التقاضي واستدل به على أنه يجوز التغليظ والتشديد بالقول على المديون الملي، ويشبه أن يقال: لا يجوز التغليظ والتشديد على المديون المليّ على الإطلاق؛ وإنما يجوز ذلك إذا وجد منه امتناع ومطل، فإنه حينئذٍ يكون متعديًّا على ما قال - صلى الله عليه وسلم -: "مطل الغني ظلم" (¬2). وقال: "لي الواجد يحل عرضه وعقوبته" (¬3) والنبي - صلى الله عليه وسلم لا يظلم فلم يكن الموضع موضع التشديد والتغليظ، إلا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - احتمله حلمًا وكرمًا منه. الأصل [677] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا الثقة (¬4) عن الليث، عن أبي الزبير، عن جابر قال: جاء عبد فبايع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الهجرة ولم يسمع أنه عبد، فجاء سيده يريده، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "بعه" فاشتراه ¬

_ (¬1) رواه النسائي (7/ 291)، وابن ماجه (2286)، والحاكم (2/ 35)، والبيهقي (5/ 351). قال الحاكم: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي. وصححه الألباني في "الإرواء" (5/ 224). (¬2) رواه البخاري (2287)، ومسلم (1564/ 33) من حديث أبي هريرة. (¬3) رواه أبو داود (3628)، والنسائي (7/ 316)، وابن ماجه (2427)، وابن حبان (5089)، والحاكم (4/ 102). قال الحاكم: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي. وحسنه الحافظ في "الفتح" (5/ 62)، وكذا الألباني في "الإرواء" (5/ 259). والليّ: المطل والتسويف، والواجد: الغني. (¬4) زاد في الأصل: عن الثقة. وهو سبق قلم.

بعبدين أسودين، ثم لم يبايع أحدًا بعده حتى يسأله أعبد هو أو حر (¬1). [678] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سعيد بن سالم [عن ابن جريج] (¬2) عن عبد الكريم الجزري، أخبره أن زياد بن أبي مريم مولى عثمان بن عفان أخبره , أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث مصدقًا له فجاءه بظهر مسنات، فلما رآه النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "هلكتَ وأهلكتَ"، فقال: يا رسول الله إني كنت أبيع البكرين والثلاثة بالبعير المسن يدًّا بيد وعلمت من حاجة النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى الظهر، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "فذاك إذًا". [679] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان بن عيينة، عن ابن طاوس، عن أبيه، عن ابن عباس أنه سئل عن بعير ببعيرين فقال: قد يكون البعير [خيرًا] (¬3) من البعيرين (¬4). [680] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك بن أنس، عن صالح بن كيسان، عن الحسن بن محمَّد بن علي، عن علي بن أبي طالب؛ أنه باع جملًا يدعى [عصيفير] (¬5) بعشرين بعيرًا إلى أجل. [681] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن نافع، عن ابن عمر, أنه اشترى راحلة بأربعة أبعرةٍ مضمونة عليها يوفيها صاحبها بالربذة (¬6). ¬

_ (¬1) "المسند" ص (140). (¬2) سقط من الأصل والمثبت من "المسند". (¬3) في الأصل: خير. والمثبت من "المسند". (¬4) "المسند" ص (141). (¬5) في الأصل: غضيفير. والمثبت من "المسند" وكذا "الأم". (¬6) "المسند" ص (141).

الشرح

الشرح زياد بن أبي مريم مولى عثمان بن عفان، في بعض الأسانيد ما يشعر بأن اسمه الجراح. سمع: أبا موسى، وعبد الله بن معقل. وروى عنه: خصيف، وميمون بن مهران، وعبد الكريم الجزري (¬1). وحديث أبي الزبير عن جابر صحيح أخرجه مسلم (¬2) عن يحيى بن يحيى وغيره عن الليث. واحتج الشافعي رضي الله عنه على أن ربا الفضل لا يجري في الحيوان ولا يعم جميع الأموال، ومحله عندنا النقدان والمطعومات، ويؤيد الحديث ما روى أنس , أن النبي - صلى الله عليه وسلم - اشترى صفية من دحية الكلبي بسبعة أرؤس (¬3). وحديث زياد بن أبي مريم منقطع (¬4). والظهر: دواب السفر التي تركب وتحمل الأثقال، والمسنة: الثنية. وقوله: "بظهر مسنات" يجوز أن تجعل المسنات نعتًا للظهر، ويجوز أن يضاف الظهر إلى المسنات. ومعنى: "هلكتَ وأهلكتَ" أثمت وأضررت بالناس، حيث ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (3/ ترجمة 1261)، و"الجرح والتعديل" (3/ ترجمة 2465)، و"التهذيب" (9/ ترجمة 2068). (¬2) "صحيح مسلم" (1602/ 123). (¬3) رواه مسلم (1365/ 87) ضمن حديث: "كنت ردف أبي طلحة يوم خيبر ... ". (¬4) قال الشافعي في "الأم" (3/ 117): وهذا منقطع لا يثبت مثله.

أخذت منهم ما ليس عليهم وأهلكت أموالهم. وقوله: "علمت من حاجة النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى الظهر" يريد ما يعطيه ابن السبيل من أهل الصدقة في سبيل الله، وكأن الساعي في القصة كان مأذونًا في البيع والتبديل، وفيه دليل على أنه لا ربا في الحيوان أيضًا. وقول ابن عباس: "قد يكون البعير خيرًا من البعيرين" أي قد يحتاج لذلك إلى تبديل بعير ببعيرين فيجوز، ولا يلحق ذلك بالأموال التي أمر الشرع برعاية المماثلة فيها. وفي أثر علي رضي الله عنه ما يدل على أنهم كانوا يلقبون الحيوانات، وفيه أنه لا يعتبر في بيع الحيوان بحديث التماثل، وأنه يجوز فيه التأجيل، ويوافقه الأثر عن ابن عمر رضي الله عنهما. واسم الراحلة يقع على الذكر والأنثى، والهاء في الذكر للمبالغة، ويقال: إن راحلة بمعنى محولة كعيشة راضية، يقال: رحلتُ البعير أي: شددت عليه الرحل. وقوله: "مضمونة عليها" أي: ملتزمة على تلك الراحلة وبسببها. والربذة: على ثلاث مراحل من المدينة. وما روي من رواية سمرة بن جندب، وابن عباس , أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة. (¬1) فلم يثبتوه موصولًا، وبتقدير ¬

_ (¬1) أما حديث سمرة بن جندب: فرواه أبو داود (3356)، والترمذي (1237)، والنسائي (7/ 292)، وابن ماجه (2270) وابن الجارود (611) من طريق قتادة، عن الحسن، عنه. قال الترمذي: حسن صحيح، وسماع الحسن من سمرة صحيح، هكذا قال علي بن المديني وغيره. وفي "نصب الراية" (4/ 48): قال البيهقي في "المعرفة": قال الشافعي: حديث النهي عن بيع الحيوان بالحيوان ثابت. =

الأصل

الصحة فهو محمول على بيع أحدهما بالآخر نسيئة من الجانبين فيكون بيع الدين بالدين. الأصل [682] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن ابن شهاب، عن أبي بكر بن عبد الرحمن، عن أبي مسعود الأنصاري, أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن ثمن الكلب، ومهر البغيّ، وحلوان الكاهن (¬1). [683] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن نافع، عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من اقتنى كلبًا إلا كلب ماشية أو ضاريًا؛ نقص من عمله كل يوم قيراطان" (¬2). [684] أبنا الربيع، أبنا الشا فعي، أبنا مالك، عن يزيد بن خصيفة أن السائب بن يزيد أخبر، أنه سمع سفيان بن أبي زهير -وهو رجل من أزد شنوءة من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من اقتنى كلبًا نقص من عمله كل يوم قيراطان". قالوا: أنت سمعت هذا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: إي ورب هذا المسجد (¬3). ¬

_ = والحديث صححه الألباني في "صحيح الجامع" (6930). وأما حديث ابن عباس: فرواه ابن حبان (5028) موصولًا، ورواه ابن الجارود (609، 61) مرسلًا وموصولًا. ورجح رواية عكرمة مرسلًا البخاري كما في "علل الترمذي" (319)، وأبو حاتم (1149). (¬1) "المسند" ص (141). (¬2) "المسند" ص (142). (¬3) "المسند" ص (141).

الشرح

[685] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن نافع عن ابن عمر؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر بقتل الكلاب (¬1). الشرح يزيد بن خصيفة منسوب إلى جدِّه، وهو يزيد بن عبد الله بن خصيفة المدني الكندي. سمع: السائب بن يزيد، ويزيد بن عبد الله بن قسيط، وبسر بن سعيد، وعروة بن الزبير. روى عنه: إسماعيل بن جعفر، ومالك بن أنس، وسليمان بن بلال، وسفيان بن عيينة (¬2). وسفيان: هو ابن أبي زهير الأزدي، ويقال: أن اسم أبي زهير القرد، وقيل: هو سفيان بن نمير بن مرارة بن عبد الله بن مالك بن نصر بن الأزد بن غوث، من أزد شنوءة. وروى عنه: عبد الله بن الزبير، والسائب بن يزيد. وهو من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬3). والحديث الأول مودع في "الموطأ" (¬4) و"الصحيحين" (¬5) رواه البخاري عن عبد الله بن يوسف، ومسلم عن يحيى بن يحيى (¬6)، عن مالك. ¬

_ (¬1) "المسند" ص 142. (¬2) انظر "التاريخ الكبير" (8/ ترجمة 3261)، و"الجرح والتعديل" (9/ ترجمة 1153)، و"التهذيب" (32/ ترجمة 7012). (¬3) انظر "معرفة الصحابة" (3/ ترجمة 1278)، و"الإصابة" (3/ ترجمة 3312). (¬4) "الموطأ" (2/ 656 رقم 1338). (¬5) "صحيح البخاري" (2237)، و"صحيح مسلم" (1567/ 39). (¬6) زاد في الأصل: و. مقحمة.

ومقصود الحديث الأول يروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من رواية أبي هريرة وأبي جحيفة ورافع بن خديج وابن عباس رضي الله عنهم أيضًا. ويروى تحريم ثمن الكلب وإبطال بيعه عن علي وابن مسعود وابن عمر وابن عباس وجابر وأبي هريرة رضي الله عنهم، وما روي في بعض الروايات أنه نهى عن ثمن الكلب والسنور إلا كلب صيد فقد تكلموا في ثبوت الاستثناء، وجوَّز الأكثرون بيع السنور، وحُمل المنع على ما إذا توحش وصار معجوزًا عن تسليمه. ومهر البغيّ: ما يعطيه [الفاجر] (¬1) المرأة ليفجر بها، والبغيّ: الزانية، والبغاء: الزنا. والحلوان: ما يأخذه الكاهن على التكهن، يقال: حلوته حلوانًا إذا أعطيته شيئًا، ويقال: إن الكلمة مأخوذة من الحلاوة، شبه المعطى بالشيء الحلو، يقال: حلوت فلانًا إذا أطعمته الحلو، كما يقال: عسلته إذا أطعمته العسل، وقد يقال للحلو: حلوان. وقوله: "من اقتنى كلبًا إلا كلب ماشية أو ضاريًا" في غير هذه الرواية "أو كلبًا ضاريًا" والكلب الضاري: هو الذي اعتاد الصيد، ويقال: أنا ضارٍ أي: أعتاد التخمير، والضراوة بالشيء: اعتياده، ويوضحه ما في بعض الروايات الصحيحة "إلا كلب صيد أو ماشية" ويروى: "أو كلب ضارٍ يصيد" على الإضافة، وهو وصف للصائد، ويروى: "أو كلب ضارية" وهو نعت للصائد أيضًا، وقيل: يجوز أن يريد كلب كلاب ضارية، وألحق في بعض روايات "الصحيح" (¬2) كلب الزرع بكلب الصيد والماشية. ¬

_ (¬1) في الأصل: الفاجرة. والمثبت الصواب إن شاء الله. (¬2) رواه مسلم (1574/ 56) من حديث ابن عمر.

وقوله: "كل يوم [قيراطان] (¬1) " في بعض روايات "الصحيح": "قيراط" [لا قيراطان] (¬2) ويجوز أن يرجع التفاوت إلى قصد المقتنى وكيفية إمساكه وقصده فيه. وحديث سفيان بن أبي زهير مطلق لا استثناء فيه، لكنه منزل على ما وراء المستثنى في الروايات الأخر، على أن الاستثناء مذكور في "الصحيحين" من رواية سفيان هذا واللفظ: "من اقتنى كلبًا لا يغني عنه زرعًا ولا ضرعًا نقص من عمله كل يوم قيراط" (¬3). وكذلك الحديث الأخير غير مجري على إطلاقه للتقييد الوارد في سائر الروايات، ففي "صحيح مسلم" عن يحيى بن يحيى، عن حماد بن زيد، عن عمرو بن دينار، عن ابن عمر قال: أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقتل الكلاب إلا كلب ماشية أو صيد" (¬4) وفيه عن محمَّد بن المثنى، عن وهب بن جرير، عن شعبة، عن أبي التياح، عن مطرف، عن عبد الله بن مغفل؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بقتل الكلاب، ثم قال: "ما بالي وللكلاب" (¬5). فرخص في كلب الرعاء وكلب الصيد، وفيه عن إسحاق بن منصور وغيره عن روح بن عبادة [حدثنا] (¬6) ابن جريج، أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقتل الكلاب، حتى أن ¬

_ (¬1) في الأصل: قيرطان. تحريف. (¬2) في الأصل: إلا قيرطان. تحريف. (¬3) "صحيح البخاري" (2323)، و"صحيح مسلم" (1576/ 61). (¬4) "صحيح مسلم" (1571/ 46). (¬5) "صحيح مسلم" (1573/ 49) واللفظ: "ما بالهم وبال الكلاب". واللفظ المذكور لفظ البيهقي، وهي عادة المصنف رحمه الله. (¬6) سقط من الأصل والمثبت من "صحيح مسلم".

الأصل

المرأة تقدم من البادية بكلبها فنقتله، ثم نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن قتلها وقال: "عليكم بالأسود البهيم ذي النقطتين , فإنه شيطان" (¬1). البهيم: الذي هو على لون واحد لا شية فيه. وقوله: "ذي النقطتين" ليحمل [على] (¬2) ما ورد في غير هذِه الرواية: "ولكن اقتلوا منها كل أسود بهيم ذي عينين بيضاوين" (¬3) ويروى "ذي الطفيتين" (¬4) وهما الخطان على ظهرها شبهًا بخوصة المُقل، ويقال لها: الطفية. الأصل [686] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من باع نخلًا بعد أن تؤبر فثمرها للبائع إلا أن يشترط المبتاع" (¬5). [687] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن نافع، عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من باع نخلًا [قد] (¬6) أُبرت فثمرها للبائع إلا أن يشترط المبتاع" (¬7). ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (1572/ 47). (¬2) ليست في "الأصل". والسياق يقتضيها. (¬3) رواه البيهقي (6/ 10). (¬4) رواه مسلم (2232) من حديث عائشة. (¬5) "المسند" ص (142). (¬6) في الأصل: فقد. والمثبت من "المسند". (¬7) "المسند" ص (142).

الشرح

الشرح حديث سفيان عن الزهري رواه مسلم في "صحيحه" (¬1) عن يحيى بن يحيى، عن سفيان. وحديث مالك عن نافع رواه البخاري (¬2) عن عبد الله بن يوسف، ومسلم (¬3) عن يحيى بن يحيى عن مالك، ورواه الليث بن سعد، عن نافع عن ابن عمر، وأخرجاه في "الصحيح" من رواية قتيبة عن الليث، ورواه الليث أيضًا عن الزهري عن سالم، وأخرجه البخاري من هذا الطريق عن عبد الله بن يوسف، ومسلم عن يحيى بن يحيى بروايتهما عن الليث، ورواه أيضًا عبد الله بن عمر وأيوب عن نافع عن ابن عمر. والتأبير: أن يشق أكمة طلع الإناث ويذر طلع الفحول فيها، وقد تنشق بنفسها فيوضع طلع الفحول فيها. والحديث بصريحه يدل على أن الثمرة المؤبَّرة لا تدخل في مطلق بيع النخلة، خلافًا لابن أبي ليلى حيث قال: "تدخل وإن لم يذكر ولم يشترط أنها للمبتاع" وبمفهومه يدل على أنها إذا لم تكن مؤبرة لا تبقى للبائع وتكون للمبتاع، وإن لم يجر شرطًا؛ لأنها لو كانت تبقى للبائع بكل حال لما كان للتقييد بالتأبير معنى، وقال أبو حنيفة: تبقى للبائع وإن لم تؤبر إلا أن يشترط للمشتري، كما أن الزرع لا يدخل في بيع الأرض إلا بالشرط، وشبَّه الأصحاب حالتي ظهور الثمرة واستتارها بظهور الولد واجتنانه، فيدخل الجنين في مطلق بيع الأم وبعد الانفصال لا يدخل. ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (1543/ 80). (¬2) "صحيح البخاري" (2204). (¬3) "صحيح مسلم" (1543/ 77).

الأصل

الأصل [688] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن سلمة بن موسى، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس (¬1). الشرح ورواية ابن عيينة عنه، واللفظ "بعض رأس ماله وبعض سلفه فهو من المعروف" (¬2). ومقصود الأثر على ما ذكره الأئمة أنه لا بأس بإقالة بعض السلم، وبأن يأخذ المسلم قسطًا من رأس المال وقسطًا من المسلم فيه، ويوضحه أن أبا العباس الأصم روى عن أبي يحيى زكريا بن يحيى بن أسد، عن سفيان، عن سلمة بن موسى، عن سعيد، عن ابن عباس أنه قال: إذا أسلمت في شيء فلا بأس أن تأخذ بعض سلمك وبعض رأس مالك فذلك المعروف (¬3). ويروى معنى قول ابن عباس عن عطاء وعمرو بن دينار، ويروى عن ابن عمر أنه كره ذلك، ولو أمهله في الثاني بعد الإقالة من رأس المال كان أبلغ في المعروف. الأصل [689] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن الزهري، عن ¬

_ (¬1) كذا في الأصل وها هنا سقط. وفي "المسند" ص (142)، وكذا "الأم" (3/ 132): عن ابن عباس قال: ذلك المعروف أن يأخذ بعضه طعامًا وبعضه دنانير. (¬2) كذا في الأصل وهذِه الرواية أخرج عبد الرزاق نحوها (14102) عن ابن عيينة. (¬3) رواه البيهقي (6/ 27) من طريقه.

سالم، عن أبيه؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع الثمر حتى يبدو صلاحه (¬1). [690] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن نافع عن ابن عمر؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها نهى البائع والمشتري. [691] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال ذلك (¬2). [692] أبنا الربيع، أبنا الشافعي أبنا مالك، عن حميد الطويل، عن أنس بن مالك؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع الثمار حتى تزهي، قيل: يا رسول الله وما تزهي؟ قال: "حتى تحمر"، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أرأيتم إذا منع الله الثمرة فَبِمَ يأخذ أحدكم مال أخيه" (¬3). [693] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا الثقفي، عن حميد، عن أنس بن مالك؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع [ثمرة النخل] (¬4) حتى تزهو. قيل: وما تزهو؟ قال: تحمر" (¬5). [694] أبنا الربيع أنبا الشافعي، أبنا مالك، عن أبي الرجال، عن عمرة؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع الثمار حتى [تنجو من العاهة (¬6). [695] أخبرنا ابن أبي فديك، عن ابن أبي ذئب، عن عثمان بن عبد الله بن سراقة، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما؛ أن ¬

_ (¬1) "المسند" ص (142). (¬2) "المسند" ص (142). (¬3) "المسند" ص (143). (¬4) في الأصل: النخل الثمرة. والمثبت من "المسند". (¬5) "المسند" ص (143). (¬6) "المسند" ص (143).

الشرح

النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع الثمار حتى] (¬1) تذهب العاهة، قال عثمان: فقلت لعبد الله: متى ذلك؟ قال: طلوع الثريا (¬2). [696] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن عمرو بن دينار، عن أبي معبد أظنه عن ابن عباس أنه كان يبيع الثمر من غلامه قبل أن يطعم، وكان لا يرى بينه وبين غلامه ربا (¬3). [697] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سعيد بن سالم، عن ابن جريج، عن عطاء، عن جابر -إن شاء الله؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع الثمر حتى يبدو صلاحه. قال ابن جريج: فقلت: أخصَّ جابر النخل أو الثمر؟ قال: بل النخل، ولا نرى كل ثمرة إلا مثله (¬4). [698] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا ابن عيينة، عن عمرو، عن طاوس سمع ابن عمر يقول: لا يبتاع الثمر حتى يبدو صلاحه، وسمعنا عن ابن عباس يقول: لا يباع الثمر حتى يطعم (¬5). الشرح حديث سفيان عن الزهري عن سالم، رواه مسلم في "صحيحه" (¬6) عن يحيى بن يحيى وغيره، عن ابن عيينة وممن رواه عن ابن عيينة: عبيد الله بن موسى. ¬

_ (¬1) لحق غير واضح بالأصل. والمثبت من "المسند". (¬2) "المسند" ص (143). (¬3) "المسند" ص (143). (¬4) "المسند" ص (143). (¬5) "المسند" ص (143). (¬6) "صحيح مسلم" (1534/ 57).

وحديث مالك عن نافع مودع في "الموطأ" (¬1) ورواه البخاري (¬2) عن عبد الله بن يوسف، ومسلم (¬3) عن يحيى بن يحيى، بروايتهما عن مالك. وحديث سفيان عن عبد الله بن دينار رواه مسلم (¬4) عن يحيى بن يحيى، عن إسماعيل بن جعفر عن عبد الله بن دينار، ورواه أيضًا عن محمَّد بن جعفر عن شعبة عن عبد الله بن دينار. وحديث مالك عن حميد رواه البخاري (¬5) عن عبد الله بن يوسف عن مالك، ومسلم (¬6) عن أبي الطاهر بن وهب عن مالك، ورواه بعضهم عن حميد وجعل تفسير "حتى تزهي" وقوله: "أرأيتم إن منع الله الثمرة ... " من كلام أنس. وحديث ابن أبي ذئب عن ابن سراقة عن ابن عمر رواه عنه عبيد الله بن موسى كما رواه ابن أبي فديك. وحديث جابر بالمعنى مخرَّج في "الصحيحين" (¬7) أما في "البخاري" فمن رواية سعيد بن ميناء، وأما في "مسلم" فمن رواية عطاء. وظاهر الأخبار تدل على المنع من مطلق بيع الثمار قبل بدوّ الصلاح، لكن بيعها بشرط القطع جائز بالاتفاق، فيعمل بدلالته فيما إذا باع مطلقًا وفيما إذا باع بشرط الإبقاء، وإذا بدا الصلاح فقد حصلت الغاية الممدود إليها المنع فيجوز البيع مطلقًا ويشترط الإبقاء، وعند أبي حنيفة يجوز البيع مطلقًا قبل بدوّ الصلاح وبعده ويؤمر بالقطع، ولا ¬

_ (¬1) "الموطأ" (2/ 618 رقم 1280). (¬2) "صحيح البخاري" (1486). (¬3) "صحيح مسلم" (1534/ 49). (¬4) "صحيح مسلم" (1535/ 52). (¬5) "صحيح البخاري" (2198) (¬6) "صحيح مسلم" (1555/ 15). (¬7) "صحيح البخاري" (1487)، و"صحيح مسلم" (1536/ 81).

يجوز البيع بشرط الإبقاء في الحالتين، وفي هذا رفع الفرق بين ما قبل بدوّ الصلاح وما بعده، وهو خلاف الحديث، وإلى الفرق ذهب جابر وابن عباس وأبو هريرة وزيد بن ثابت وغيرهم، والمعنى فيه أن الثمار قبل بدوّ الصلاح ضعيفة صغيرة الجرم، يتسارع إليها الفساد بالجوائح والآفات، وإذا بدا الصلاح فيها قويت واشتدت فلا تتأثر بالعاهات، وعند شرط القطع يؤمن الهلاك بالعاهة. وبدوّ الصلاح: أن تطيب الثمرة وتصير بحيث يعتاد أكلها، وذلك في الرطب بأن يقع فيه نقط العمرة والسواد، وفي العنب بأن يأخذ في الاحمرار والاسوداد، فإن كان أبيض فبأن يثمره وتحدث فيه بعض الحلاوة، وفي المشمش والخوخ والتفاح بأن يطيب أكله، وفي القثاء والباذنجان بأن يكبر بحيث يجتنى في العادة الغالبة. وقوله: "نهى البائع والمشتري" إنما نهى البائع لئلا يأخذ شيئًا في مقابلة ما هو بصدد أن يملك، ولا يحصل منه شيء للمشتري فيكون آكلًا للمال بالباطل، وإليه أشار بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "أرأيتم إن منع الله الثمرة، فبم يأخذ أحدكم مال أخيه؟ ". وإنما نهى المشتري لما فيه من المخاطرة والتغرير بالمال. وفي قوله: "حتى يبدو صلاحها" دلالة على أنه لا يكتفي بوقت بدوّ الصلاح، بل لا بد من نفس بدوّ الصلاح في جملة الثمار أو بعضها. وقوله: "حتى تزهي" وفي الرواية الأخرى "حتى تزهو" اللفظتان مفسرتان في الحديث، يقال: أزهت النخلة وزهت بمعنى واحد، ولم يصحح بعضهم في النخل إلا الإزهاء، وعن ابن الأعرابي أنه قال: زهت الثمر إذا ظهرت، وأزهت إذا احمرت أو اصفرت. وقوله: "حتى تنجو من العاهة" العاهة: الآفة، يقال: أرض

معيوهة، وعِيه الزرع وأيف، وأعاه القوم: إذا أصاب ماشيتهم العاهة، وكذلك اعْوَهوا. وقوله: "حتى تذهب العاهة" وتأقيته بطلوع الثريا ظاهره يقتضي ارتفاع المنع بطلوع الثريا، وقد ذهب إليه بعضهم، والظاهر أن الاعتبار بنفس بدوّ الصلاح لا بالزمان. قالوا: وإنما ذكر طلوع الثريا, لأن الصلاح يبدو في الغالب إذا طلعت الثريا وتنقطع العاهات، ويروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إذا طلع النجم لم يبق في الأرض من العاهة شيء إلا رفع" (¬1). والنجم: الثريا، قال ابن قتيبة في كتاب "الأنواء": أراد بذلك عاهة الثمار, لأنها تطلع بالحجاز وقد أزهى البُسر وأُمنتْ عليه الآفة. وقوله: "قبل أن يطعم" أي قبل أن يؤكل منه على الاعتياد، والذي ذكر أنه كان يبيع الثمر من غلامه، كما أن المقصود أنه كان يدفعه إليه ليبيعه ويتجر فيه وكفل عليه خراجًا معينًا، وإلا فالسيد لا يبيع ماله من عبده، وإذا لم يكن الموضع موضع البيع لم يكن موضع الربا. وقول ابن جريج لعطاء: "أخص جابر؟ " وجواب عطاء يشعران بأن جابرًا خص ما نقله بالنخيل أو ثمار النخيل ثم قال عطاء: "وكل ثمرة مثلها" فينظر في صلاحها عند البيع وعدم الصلاح، ويروى أن ابن جريج قال لعطاء: فكل ثمرة كذلك لا تباع حتى يؤكل منها؟ قال: نعم. ¬

_ (¬1) رواه أحمد (2/ 341, 388)، والطحاوي في "المشكل" (3/ 92). وضعفه الألباني في "ضعيف الجامع" (5096).

الأصل

الأصل [699] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا [سفيان (¬1) بن] عيينة، عن حميد بن قيس، عن سليمان بن عتيق، عن جابر, أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع السنين (¬2). [700] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن أبي الزبير، عن جابر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله (¬3). الشرح سليمان بن عتيق حجازي. روى عن: [ابن] (¬4) الزبير، وعن جابر رضي الله عنه، وعن طلق بن حبيب (¬5). والحديث صحيح من رواية سليمان عن جابر، أخرجه مسلم (¬6) عن أبي بكر بن أبي شيبة وغيره، عن سفيان، وكذلك من رواية أبي الزبير عن جابر، وقد روى مسلم عن عبيد الله بن عمر القواريري، عن حماد بن زيد، عن أيوب، عن أبي الزبير وسعيد بن يسار عن جابر؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن المحاقلة والمزابنة والمخابرة والمعاومة (¬7) كذلك قاله أحدهما، وقال الآخر: "وبيع السنين وعن الثنيا في البيع". ¬

_ (¬1) سقط من الأصل. والمثبت من "المسند" (¬2) "المسند" ص (144). (¬3) "المسند" ص (144). (¬4) في الأصل: أبي. تحريف، والمثبت من التخريج. (¬5) انظر "التاريخ الكبير" (4/ ترجمة 1857)، و"الجرح والتعديل" (4/ ترجمة 581)، و"التهذيب" (12/ ترجمة 2549). (¬6) "صحيح مسلم" (1536/ 101). (¬7) "صحيح مسلم" (1536/ 85).

الأصل

والمعاومة وبيع السنين واحد، والمراد أن يبيع ثمرة نخيله ثلاث سنين أو أربعًا، هذا هو التفسير المشهور ويبينه أن في بعض روايات الخبر "أنه نهى عن بيع الثمر سنين" ومنهم من قال: بيع السنين هو أن يقول: بعتك سنة أو سنتين على أنه إذا انقضت المدة فلا بيع بيننا وترد المبيع وأرد الثمن، والمراد من الثنيا أن يبيع ثمرة حائطه إلا جزءًا مجهولًا، فلا يصح البيع، وبمثله أجيب فيما إذا قال: إلا صاعًا، وكذا لو قال: بعتك هذِه الصُّبْرة (¬1) إلا صاعًا وهي مجهولة الصيعان؟ قالوا: لا يصح، وادعى الماوردي أن المراد من النهي عن الثنيا في البيع إنما هو هذِه الصورة. وأما المحاقلة والمزابنة والمخابرة فسيأتي القول فيها. الأصل [701] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه, أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع الثمر حتى يبدو صلاحه، وعن بيع الثمر بالثمر. قال عبد الله: وحدثني زيد بن ثابت , أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أرخص في بيع [العرايا] (¬2) (¬3). [702] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن عمرو بن دينار، عن إسماعيل الشيباني -أو غيره- قال: بعت ما في رءوس نخلي بمائة وسق، إن زاد فلهم وإن نقص فعليهم، فسألت ابن عمر فقال: نهى ¬

_ (¬1) الصُّبرة: ما جمع من الطعام بلا كيل ولا وزن بعضه فوق بعض. "اللسان" (صبر). (¬2) في الأصل: العريا. والمثبت من "المسند". (¬3) "المسند" ص (144).

الشرح

رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن هذا إلا أنه أرخص في العرايا (¬1). [703] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن نافع، عن عبد الله بن عمر، عن زيد بن ثابت؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أرخص لصاحب العرية أن يبيعها بخرصها (¬2). [704] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن داود بن الحصين، عن أبي سفيان مولى ابن أبي أحمد، عن أبي هريرة؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أرخص في بيع العرايا فيما دون خمسة أوسق أو في خمسة [أوسق] (¬3) شك داود قال خمسة أوسق أو دون خمسة أوسق (¬4). [705] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن يحيى بن سعيد، عن بشير بن يسار قال: سمعت سهل بن [أبي] (¬5) حثمة يقول: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بيع التمر بالتمر، إلا أنه أرخص في العرية أن تباع بخرصها تمرًا يأكلها أهلها رطبًا. [706] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان عن ابن جريج، عن عطاء، عن جابرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن المزابنة -والمزابنة [بيع] (¬6) التمر بالتمر- إلا أنه أرخص في العرايا (¬7). الشرح إسماعيل: هو ابن إبراهيم الشيباني، ويقال: السلمي، حجازي. ¬

_ (¬1) "المسند" ص (144). (¬2) "المسند" ص (144). (¬3) طمس في الأصل والمثبت من "المسند". (¬4) "المسند" ص (144). (¬5) سقط من الأصل والمثبت من "المسند". (¬6) من "المسند". (¬7) "المسند" ص (144).

روى عن: ابن عمر، وابن عباس، وأبي هريرة، وامرأة رافع بن خديج وكان قد خلف عليها. روى [عنه (¬1)] عمرو بن دينار، ويعقوب [بن] (¬2): خالد، وحجاج بن أبي عبد الله (¬3). وأبو سفيان مولى ابن أبي أحمد، ويقال: مولى ابن أحمد، والصواب الأول، يقال: إن اسمه قزمان، ومنهم من لم يثبت له اسمًا. روى عن: أبي هريرة، وأبي سعيد الخدري. وروى عنه: داود بن الحصين. وابن أبي أحمد الذي نسب أبو سفيان هو عبد الله بن أبي أحمد بن جحش بن رئاب الأسدي، أتي به النبي - صلى الله عليه وسلم - لما ولد فسماه عبد الله، وأبو أحمد -أبوه- قيل: اسمه عبد، من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، يعد في أهل الحجاز، وهو أخو عبد الله بن جحش الأسدي (¬4). وبُشير -بضم الباء- ابن يسار المدني مولى الأنصار. سمع: ابن أبي حثمة، ورافع بن خديج، وأوس بن مالك، وسويد بن النعمان. روى عنه: يحيى بن سعيد الأنصاري، والوليد بن كثير، وغيرهما (¬5). وسهل بن أبي حثمة من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، أنصاري حارثي، وكنيته أبو يحيى، وقيل: أبو محمَّد، وفي كتاب "الجرح والتعديل" (¬6) ¬

_ (¬1) سقط من الأصل. (¬2) سقط من الأصل. (¬3) انظر "التاريخ الكبير" (1/ ترجمة 1073)، و"الجرح والتعديل" (2/ ترجمة 515)، و"التهذيب" (2/ ترجمة 152). (¬4) انظر "الجرح والتعديل" (9/ ترجمة 1777)، و"التهذيب" (33/ ترجمة 7403). (¬5) انظر "التاريخ الكبير" (2/ ترجمة 1945)، و"الجرح والتعديل" (2/ ترجمة 1540)، و"التهذيب" (4/ ترجمة 734). (¬6) "الجرح والتعديل" (4/ ترجمة 864).

لابن أبي حاتم أن كنيته أبو عبد الرحمن، واسم أبي حثمة -على ما حكاه الحافظ أبو نعيم عن الواحدي- عامر بن [ساعدة] (¬1) بن عامر بن خثيم، وعن غيره أنه عبد الله بن ساعدة بن عامر، وذكر بعضهم أنه كان دليل النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى أُحد وأنه شهد المشاهد كلها سوى بدر، وآخرون أنه قبض النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو ابن ثمان سنين لكنه قد حفظ وروى عنه، ولا يتأتى الجمع بين القولين. روى عنه: نافع بن جبير بن مطعم، وبُشير بن يسار، وصالح بن خوَّات، وغيرهم (¬2). وحديث سالم عن أبيه عن زيد رواه مسلم (¬3) في "الصحيح" عن زهير بن حرب عن سفيان، والبخاري (¬4) عن يحيى بن بكير عن الليث عن عقيل عن الزهري. وحديث عمرو عن إسماعيل الشيباني رواه الزعفراني والمزني عن الشافعي ولم يقولا: أو غيره، وفي رواية الكتاب عن إسماعيل الشيباني أو غيره، وهذا يجوز أن يريد به: أو رجل آخر، ويجوز أن يشير به إلى اختلاف وقع في اسم الرجل واسم أبيه , فقد ذكر بعضهم أنه إبراهيم بن إسماعيل لا إسماعيل بن إبراهيم. وحديث نافع عن ابن عمر عن زيد بن ثابت مدون في "الموطأ" (¬5) ورواه البخاري (¬6) عن عبد الله بن مسلمة، ومسلم (¬7) عن يحيى بن يحيى ¬

_ (¬1) في الأصل: سحدة. والمثبت من مصادر التخريج. (¬2) انظر "معرفة الصحابة" (3/ ترجمة 1184)، و"الإصابة" (3/ ترجمة 3525). (¬3) "صحيح مسلم" (1534/ 57). (¬4) "صحيح البخاري". (¬5) "الموطأ" (2/ 619 رقم 1284). (¬6) "صحيح البخاري" (2173). (¬7) "صحيح مسلم" (1539/ 60).

بروايتهما عن مالك، واللفظ في رواية يحيى بن يحيى: "أن يبيعها بخرصها من التمر". وحديث داود بن الحصين عن أبي سفيان أخرجه مسلم (¬1) عن يحيى بن يحيى، والبخاري (¬2) عن غيره، بروايتهما عن مالك. وحديث بُشير عن ابن أبي حثمة أخرجه البخاري (¬3) عن يحيى بن قزعة عن سفيان، ومسلم (¬4) عن عمرو الناقد وابن نمير بروايتهم عن سفيان. وحديث ابن جريج عن عطاء عن جابر مخرّج في "الصحيحين" (¬5) أيضًا. وقوله في الحديث الأول: "نهى عن بيع الثمر حتى يبدو صلاحه" هذِه جملة قد سبق القول فيه. وقوله: "عن بيع الثمر بالثمر" المراد بالثمر الرطب، وقد ذكر الأصحاب في الأيمان أنه إذا حلف لا يأكل الثمار يختص الثمر بالرطبة حتى لا يحنث بالفواكه اليابسة، وورد في بعض الروايات "عن بيع الثمرة بالثمرة" وهذا في المعنى كما روي , أنه - صلى الله عليه وسلم - سئل عن شراء الرطب بالتمر فقال - صلى الله عليه وسلم -: "أينقص الرطب إذا يبس؟ " قالوا: نعم، فنهى عن ذلك (¬6). ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (1541/ 71). (¬2) "صحيح البخاري" (2190). (¬3) "صحيح البخاري" (2191). (¬4) "صحيح مسلم" (1540/ 69). (¬5) "صحيح البخاري" (2381)، و"صحيح مسلم" (1536/ 81). (¬6) رواه أبو داود (3359)، والترمذي (1225)، والنسائي (7/ 268)، وابن ماجه (2264)، وابن الجارود (657)، وابن حبان (5003)، والحاكم (2/ 44 - 45)، والضياء (951) جميعًا من طريق عبد الله بن يزيد، عن زيد أبي عياش، عن سعد بن أبي وقاص، قال الترمذي: حسن صحيح. وقال الحاكم: صحيح، وقال الضياء: إسناده صحيح. وصححه الألباني في "الإرواء" (5/ 199).

وقوله: "وحدثنا زيد بن ثابت أنه أرخص في العرايا" فيه إشارة إلى أنه استثنى ذلك عن بيع الرطب بالتمر تخفيفًا ورخصة، ويوضحه أن في رواية الليث عن عقيل عن ابن شهاب عن سالم: لا تبيعوا الثمر بالتمر. قال: وأخبرني عبد الله عن زيد بن ثابت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رخص بعد ذلك في بيع العرية. وعد استثناء العرايا من بيع الرطب بالتمر كاستثناء السلم من بيع ما ليس عند الإنسان. وقوله: "بعت ما في رءوس نخلي بمائة وسن " أي من التمر إن زاد ما حصل منه فهو لهم وإن نقص فعليهم، ولما سأل ابن عمر عنه بيَّن رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن ذلك، إلا أنه أرخص في العرايا وليس الصورة صورة العرايا لكثرة القدر، وبيع الرطب على رأس النخل بالثمر على وجه الأرض يسمى "مزابنة" على ما بيَّن التفسير في حديث جابر، واللفظة مأخوذة من الزبن وهو الدفع، ومهما ظهر غبن في العقد سعى المغبون في فسخه والغابن في إمضائه، فيتزابنان أي: يدفع كل واحد منهما الآخر عما يرومه، وتقدير ما على رأس الشجر إنما يكون بالخرص وهو حدس وتخمين يكثر فيه الغلط ويظهر الغبن فخص لذلك باسم المزابنة، وقيل: الزبن: الغبن، وبيع المزابنة: بيع المغابنة فيما لا يجوز فيه الغبن والزيادة لكونه ربا. ولو باع على رأس الشجر بجنس آخر على وجه الأرض فلا بأس, لأنه لا يشترط المماثلة حينئذ، وقبض ما على رأس الشجر يكون بالتخلية وقبض ما على وجه الأرض بالنقل، والعرايا المستثناة عن مطلق بيع الرطب بالتمر، وعن بيع الرطب على رأس النخيل بالتمر

المخصوص باسم المزابنة: هي بيع قدر مخصوص من الرطب بقدر ما تجيء منه من التمر، يخرص ذاك ويكال هذا. وواحد العرايا: عرية، سميت عرية لأنها عريت عن التحريم أي: خرجت، أو لأنها عريت عن سائر ما في الحائط بالخرص والبيع، فعيلة بمعنى فاعلة، وقيل: هي من قولهم: أعريت الرجل النخلة أي: أطعمته، فهو يعروها متى شاء أي: يأتيها فيأكل رطبها، يقال: عروت الرجل إذا أتيته بطلب معروفه فأعراني أي: أعطاني، كما يقال: سألني فأسألته، وعلى هذا فهي فعيلة بمعنى مفعولة، هذا قول الشافعي. وقال مالك: العرية هي النخلة أو النخلات يمنح صاحبها ثمرة العام الآخر، ثم يتأذى بدخوله حائطه فرخص له في شرائها منه بخرصها تمرًا إلى الجداد، سميت عرية لأنها مخرجة من ماله، أو من تحريم بيع الرطب بالتمر، أو من اشتراط التقابض فعيلة بمعنى مفعولة، وقيل: لأنها خرجت فعيلة بمعنى فاعلة، وقيل: لأن تمرتها عُرّيت من أصلها أو عَريت. وقال بعضهم: العرية النخلة تكون لرجل في حائط آخر يتأذى صاحب الحائط بدخوله ملكه فرخص له في شرائها منه دفعًا للأذى، وسميت عرية لانفرادها، يقال: أعريت هذِه النخلة إذا أفردتها ببيع أو هبة. وقال أبو حنيفة: العرية أن يمنحه ثمر نخلات ثم يبدو له، فيبطل منحته ويعطيه مكان الرطب تمرًا، واحتج الأصحاب عليه بأن العرايا مستثناة عن بيع الرطب بالتمر، وبأن في حديث زيد بن ثابت أنه أرخص بيع العرايا، وأيضًا أرخص لصاحب العرية أن يبيعها خرصًا، وكذلك

جرى لفظ البيع في حديث أبي هريرة وسهل بن أبي حثمة وليس فيما ذكره أبو حنيفة بيع، وبما روي عن بعض الصحابة أنه قيل له: ما عراياكم هذِه؟ فقال: وسمى رجالًا محتاجين من الأنصار أنهم شكوا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الرطب يأتي ولا نقد بأيديهم يبتاعون به رطبًا يأكلونه مع الناس وعندهم فضول من قوتهم من التمر، فرخص لهم أن يبتاعوا العرايا بخرصها من التمر الذي في أيديهم يأكلونها رطبًا (¬1). وفهم بعض الأصحاب من هذا الحديث اختصاص بيع العرايا بالمحتاجين، والأظهر تعميم الجواز، وإذا جاز فلا بد من التقابض بالتخلية فيما على رأس الشجر، والنقل من التمر. وقوله: "فيما دون خمسة أوسق" في حديث أبي هريرة، يبيِّن القدر الذي استثني بيعه عن النهي، ولم يسق في "المسند" ما رواه مالك بتمامه، وتمامه ما رواه المزني في "المختصر" فقال: قال الشافعي: أبنا مالك، عن داود بن الحصين، عن أبي سفيان مولى ابن أبي أحمد، عن أبي هريرة؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رخص في بيع العرايا فيما دون خمسة أوسق أو في خمسة- الشك من داود. فيجوز بيع العرايا فيما دون خمسة أوسق ولا يجوز فيما زاد ¬

_ (¬1) قال الزيلعي (4/ 13): هذا ليس في شيء من الكتب المشهورة، ولم أجد له سندًا بعد الفحص البالغ، ولكن الشافعي ذكره في كتابه في باب العرايا بغير إسناد. وكذا ذكر الحافظ في "التلخيص" (3/ 29) وذكر أن البيهقي في "المعرفة" ذكره عن الشافعي معلقًا أيضًا، وقد أنكره محمَّد بن داود على الشافعي، ورد عليه ابن سريج إنكاره ولم يذكر له إسنادًا.

الأصل

عليها، وفي قدر خمسة أوسق قولان، وقد يحتج للجواز بإطلاق خبر سهل بن أبي حثمة، والأظهر المنع , لأنه قد يقرب المنع عن بيع الرطب والتمر، ولم يتحقق الاستثناء إلا فيما دون خمسة أوسق، ويجوز بيع العرايا في العنب كما يجوز في ثمرة النخيل، وفي سائر الثمار الأصح المنع. الأصل [707] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن حميد بن قيس، عن سليمان بن عتيق، عن جابر بن عبد الله , أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع السنين وأمر بوضع الجوائح". قال الشافعي: سمعت سفيان يحدث هذا الحديث في طول مجالستي له ما لا أحصي ما سمعته يحدثه من كثرته، لا يذكر فيه "أمر بوضع الجوائح" لا يزيد على "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع السنين" ثم روى بعد ذلك "وأمر بوضع الجوائح". قال سفيان: وكان حميد يذكر بعد بيع السنين كلامًا قبل وضع الجوائح لا أحفظه وكنت أكف عن ذكر وضع الجوائح؛ لأني لا أدري كيف كان الكلام، وفي الحديث أمر بوضع الجوائح (¬1). [708] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن أبي الزبير، عن جابر، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله (¬2). [709] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن أبي الرجال، عن أمه عمرة أنه سمعها تقول: ابتاع رجل ثمر حائط في زمان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ¬

_ (¬1) "المسند" ص (145). (¬2) "المسند" ص (145).

الشرح

فعالجه وأقام عليه حتى تبيَّن له النقصان، فسأل رب الحائط أن يضع، فحلف أن لا يفعل، فذهبت أم المشتري إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكرت ذلك له، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "تألى أن لا يفعل خيرًا" فسمع بذلك رب المال فأتى إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله هو له (¬1). الشرح حديث جابر من رواية سليمان بن عتيق أخرجه مسلم مفصلًا، فروى النهي عن بيع السنين عن أبي بكر بن أبي شيبة وغيره عن سفيان كما قدمنا (¬2)، وروى وضع الجوائح عن بشر بن الحكم وعمرو الناقد عن سفيان (¬3)، وقد سبق مرة رواية الشافعي النهي عن بيع السنين كما رواه ها هنا من غير ذكر وضع الجوائح (¬4)، ورواه أيضًا عن سفيان عن أبي الزبير عن جابر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يرد به النهي عن بيع السنين وحده، بل أراد معه الأمر بوضع الجوائح بظاهر قوله: مثله، وقد روى علي بن عبد الله المديني أن سفيان حدثهم عن أبي الزبير عن جابر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - الأمر بوضع الجوائح، وفي "صحيح مسلم" (¬5) عن أبي الطاهر عن ابن وهب، وعن الحسن الحلواني عن أبي عاصم، بروايتهما عن أبي الزبير عن جابر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن بعت من أخيك تمرًا فأصابته جائحة، فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئًا، بم تأخذ مال أخيك بغير حق" ويروى: "لا يحل لك أن تأخذ من ثمنه شيئًا" والمراد من الجوائح: الآفات التي تصيب الثمار فتهلكها، ويقال: جاحهم الدهر يجوحهم ¬

_ (¬1) "المسند" ص (145). (¬2) "صحيح مسلم" (1536/ 101). (¬3) "صحيح مسلم" (1554/ 17). (¬4) سبق برقم (699). (¬5) رواه مسلم (1554/ 14).

واجتاحهم إذا أصابهم بمكروه، وأصابه ما اجتاح ماله أي: استأصلهم. ومن باع الثمار على رءوس الأشجار وأصابتها جائحة من برْد أو برَد أو جراد قبل التخلية بينها وبين المشتري, فهي من ضمان البائع بلا خلاف، وإن أصابتها الجائحة بعد التخلية ففيه اختلاف العلماء: قال أكثرهم وفيهم أبو حنيفة: هي من ضمان المشتري، وبه قال الشافعي في الجديدة لأن التخلية فيها قبض، والمبيع قبل القبض في ضمان المشتري. وقال آخرون منهم أحمد: هي من ضمان البائع وعليه أن يضع ثمن ما اجتيح، لقوله "وأمر بوضع الجوائح" وبهذا قال الشافعي في القديم. وتوسط مالك بين القولين فقال: إن كانت الجائحة قدر الثلث فصاعدًا أوجب وضعها، وإن كانت دون الثلث لم يجب. وقوله الشافعي: "سمعت سفيان يحدث هذا الحديث كثيرًا في طول مجالستي له ... " إلى آخره أراد به أن سفيان وهَّن أمر وضع الجوائح؛ لأنه قال: كان حميد يذكر شيئًا قبل وضع الجوائح لم أحفظه، وامتنع لذلك من [رواية] (¬1) "وضع الجوائح" مدة، فيحتمل أن ذلك الذي لم يحفظه هو التصريح بالاستحباب والندب إلى الوضع من طريق البر والمعروف، وأيد كلامه في "الجديد" بشيئين: أحدهما: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع الثمرة حتى تنجو من العاهة وقال: "أرأيت إذا منع الله الثمرة، فبم يأخذ أحدكم مال أخيه؟ " على ما تقدم، فلو كان يلزم البائع أن يضع ثمن ما أصابته الجائحة لم يكن على المشتري ضرر في بيعها قبل أن تنجو من العاهة (ضرر) (¬2) ولم يكن للمنع من البيع معنى. ¬

_ (¬1) في الأصل: رواه. والمثبت الصواب إن شاء الله. (¬2) كذا في الأصل وهي زائدة.

والثاني: قال: إن ثبت حديث عمرة -فإنه مرسل ونحن لا نحتج بالمراسيل- ففيه دلالة على أن الجائحة لا توضع؛ لأنه قال: "تألى أن لا يفعل خيرًا" ولو كانت الجائحة من ضمان البائع لأشبه أن يقول: يلزمه الوضع حلف أو لم يحلف. ومعنى "تألى": حلف، والأَلِيّةُ: اليمين. وقد روي حديث عمرة موصولًا عن عائشة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬1)، وهذا أحسن، لكنه ليس في حديث عمرة تعرض للجائحة. واحتج أيضًا للقول الجديد بما رواه مسلم (¬2) عن يونس بن عبد الأعلى، عن ابن وهب، عن عمرو بن الحارث، عن بكير بن الأشج، عن عياض بن عبد الله، عن أبي سعيد الخدري قال: أصيب رجل في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ثمار ابتاعها فكثر دينه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "تصدقوا عليه" فتصدقوا عليه فلم يبلغ ذلك وفاء دينه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "خذوا ما وجدتم وليس لكم إلا ذلك" (¬3). وقد يحمل ذلك "وأمر بوضع الجوائح" على الاستحباب بهذه الأدلة من غير التعرض لكلام حميد وامتناع سفيان من الرواية، لكن هذا لا يتوجه فيما قدمنا من رواية أبي الزبير عن جابر أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: "فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئًا" ومنهم من حمل ذلك على ما إذا أصابت ¬

_ (¬1) قال البيهقي في "السنن" (5/ 305): أسنده حارثة بن أبي الرجال فرواه عن أبيه عن عمرة عن عائشة إلا أن حارثة ضعيف لا يحتج به، وأسنده يحيى بن سعيد عن أبي الرجال إلا أنه مختصر ليس فيه ذكر الثمر. قلت: وحديث يحيى بن سعيد متفق عليه، رواه البخاري (2705)، ومسلم (1557/ 19). (¬2) رواه مسلم (1556/ 18). (¬3) رواه مسلم (1556/ 18).

الأصل

الجائحة قبل التخلية أو كان البيع قبل بدو الصلاح. الأصل [710] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا ابن عيينة، عن ابن جريج، عن عطاء، عن جابرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن المخابرة والمحاقلة والمزابنة. والمحاقلة: أن يبيع الرجل الزرع بمائة فرق حنطة. والمزابنة: أن يبيع التمر في رءوس النخل بمائة فرق تمر. والمخابرة: كراء الأرض بالثلث والربع (¬1). [711] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سعيد، عن ابن جريج، عن أبي الزبير أنه أخبره، عن جابر بن عبد الله أنه سمعه يقول: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الصبرة من التمر لا يعلم مكيلتها بالكيل المسمى من التمر (¬2). [712] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن نافع، عن ابن عمرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن المزابنة. والمزابنة: بيع الثمر بالتمر كيلًا، وبيع الكرم بالزبيب كيلًا (¬3). [713] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن داود بن الحصين، عن أبي سفيان مولى ابن أبي أحمد، عن أبي سعيد الخدري، أو عن أبي هريرة؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن المزابنة والمحاقلة. والمزابنة: اشتراء الثمر بالتمر في رءوس النخل، والمحاقلة: استكراء الأرض بالحنطة. ¬

_ (¬1) "المسند" ص (145). (¬2) "المسند" ص (145). (¬3) "المسند" ص (146).

الشرح

[714] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب , أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن المزابنة والمحاقلة والمزابنة: اشتراء الثمر بالتمر، والمحاقلة: اشتراء الزرع بالحنطة. قال ابن شهاب: فسألت عن استكراء الأرض بالذهب والفضة؟ فقال: لا بأس بذلك (¬1). الشرح حديث ابن جريج عن عطاء عن جابر مخرج في "الصحيحين" (¬2) مختصرًا من حديث سفيان، رواه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة عن سفيان، والبخاري عن غيره عنه. وحديث ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر رواه مسلم (¬3) عن إسحاق بن إبراهيم، عن روح بن عبادة، عن ابن جريج. وحديث مالك عن نافع عن ابن عمر أخرجه البخاري (¬4) عن عبد الله بن يوسف، ومسلم (¬5) عن يحيى بن يحيى، بروايتهما عن مالك، وروياه (¬6) عن قتيبة عن الليث عن نافع عن ابن عمر، واللفظ: "نهى عن المزابنة، والمزابنة: أن يبيع ثمر حائطه -إن كان نخلًا- بتمر كيلًا، وإن كان كرمًا أن يبيعه بزبيب كيلًا ... ". وحديث مالك عن داود بن الحصين رواه البخاري (¬7) عن عبد الله ¬

_ (¬1) "المسند" ص (146). (¬2) "صحيح البخاري" (2381)، و"صحيح مسلم" (1536/ 81). (¬3) "صحيح مسلم" (1530/ 42). (¬4) "صحيح البخاري" (2171). (¬5) "صحيح مسلم" (1542/ 72). (¬6) رواه البخاري (2205)، ومسلم (1542/ 76). (¬7) "صحيح البخاري" (2186).

ابن يوسف، ومسلم (¬1) من حديث ابن وهب عن مالك، وقالا: عن أبي سعيد الخدري بلا شك، وكذلك رواه الحسن بن محمَّد الزعفراني وأحمد بن حنبل عن الشافعي، والشك في الكتاب من الربيع. وحديث ابن المسيب مرسل، لكنه لا يضر لحصول الاتصال من الروايات الآخر، وربما سمعه من أبي هريرة؛ فقد روى النهي عن المزابنة والمحاقلة: سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬2)، وفي الباب عن ابن عباس وزيد بن ثابت ورافع بن خديج وغيرهم. والمخابرة والمحاقلة والمزابنة مفسرة كلها في الحديث الأول، وسئل سفيان حين روى الحديث عن التفسير، أهو في حديث ابن جريج؟ فقال: نعم. ويروى عن الشافعي أنه قال: يحتمل أن تكون التفاسير منصوصة من جهة النبي - صلى الله عليه وسلم -، ويحتمل أن تكون من قول بعض الرواة. أما المخابرة فهي مفسرة بكراء الأرض بالثلث والربع أي: ببعض ما يخرج منها من ثلث أو ربع أو غيرهما، وإذا كانت الأرض مكتراة ببعض ما يخرج منها فيكون البذر من مكنز يؤدي الزرع ليصير الجزء المشروط من الربع أجرة الأرض، فإن كان البذر لمكتري الأرض وشرط للزارع شيئًا مما تخرجه فهذا أكثر للزارع ويختص ذلك باسم المزارعة، ومن أصحابنا من جعل المخابرة والمزارعة عبارتين عن معبر واحد وقال: هما مجرد المعاملة على الأرض ببعض ما يخرج ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (1546/ 105). (¬2) رواه مسلم (1545/ 104).

منها، ثم لفظ المخابرة قيل: إنه مأخوذ من الخَبار والخبر وهو الأرض اللينة، ويسمى الأَكّارُ خبيرًا لعلمه فيها، وقيل: من الخُبْرة وهي النصيب، وعن ابن الأعرابي أنه من خيبر, لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أقرها في أيدي أهلها على النصف فقيل: خابرهم أي عاملهم في خيبر. ولو اكترى الأرض ببعض ما يخرج من غيرها فهو فاسد أيضًا, للجهل، ولو اكتراها بطعام معلوم جاز كما لو اكتراها بذهب أو فضة على ما حكاه ابن شهاب في آخر الفصل، وعن مالك أنه لا يجوز اكتراء الأرض بالطعام مطلقًا. والكلام في المخابرة يعود من بعد. وأما المحاقلة: فهي مأخوذة من الحقل وهو المزرعة، يقال للأقرحة مزارع ومحاقل، والحقل: الزرع الأخضر أيضًا , سميت هذِه المعاملة محاقلة لتعلقها بما يخرج من المحاقل أو بالمحاقل، ولها تفسيران: أشهرهما وهو الذي يشتمل عليه حديث جابر وحديث ابن المسيب: أنها بيع الزرع في الأرض في السنابل أو قبل ذلك بقدر معلوم من جنس ذلك الزرع، وروى الشافعي عن سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عطاء أنه قال: المحاقلة في الحرث كالمزارعة في النخل، قال ابن جريج: قلت لعطاء: أفسر لكم جابر المحاقلة كما أخبرتني؟ فقال: نعم (¬1). والثاني وهو المذكور في حديث داود بن الحصين: أن المحاقلة استكراء الأرض بالحنطة، ويروى: كراء الأرض بالطعام. ¬

_ (¬1) "الأم" (3/ 62).

الأصل

وعلى هذا فالمحاقلة والمخابرة عبارتان عن معبر واحد، ومالك - رحمه الله - في منع اكتراء الأرض بالطعام مطلقًا يستدل بظاهر التفسير الثاني. وأما المزابنة فقد تقدم معناها وأن اللفظة [...] (¬1). وقوله: "بمائة فرق حنطة ومائة فرق تمر" جرى على سبيل المثال، والفرق: قدر ثلاثة أصوع وقد مرَّ ذلك. وكما لا يجوز بيع الرطب على رءوس النخل بالقدر المعلوم من التمر بعد استثناء العرايا، لا يجوز بيع الصبرة من الرطب أو التمر على الأرض بالقدر المعلوم من التمر على ما بينه في حديث أبي الزبير عن جابر, لأن المماثلة غير معلومة فإن لم يكونا من جنس واحد فلا بأس. الأصل [715] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن عمرو، عن جابر قال: نهيت ابن الزبير عن بيع النخل معاومة (¬2). الشرح سبق في الكتاب من رواية سليمان بن عتيق عن جابر، ثم من رواية أبي الزبير عنه؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع السنين. وذكرنا هناك في الشرح أن مسلمًا أخرجه في "الصحيح" من رواية أبي الزبير وسعيد بن ميناء عن جابر, أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع المعاومة كذا قال أحدهما، وقال الآخر: "عن بيع السنين" وبيَّنا مقصود اللفظتين هناك (¬3). ¬

_ (¬1) كلمة غير مقروءة في الأصل. (¬2) "المسند" ص (146). (¬3) سبق برقم (699، 707، 708).

الأصل

وقول جابر: "نهيت ابن الزبير" كأنه يريد رويت له الخبر الناهي عنه، أو أفتيت له بموجب الخبر. الأصل [716] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا ابن عيينة، عن الزهري، عن مالك ابن أوس بن الحدثان، عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "الذهب بالورق ربا إلا هاء وهاء، والبُرّ بالبرّ ربا إلا هاء وهاء، والتمر بالتمر ربا إلا هاء وهاء، والشعير بالشعير ربا إلا هاء وهاء" (¬1). [717] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا عبد الوهاب الثقفي، عن أيوب، عن مسلم بن يسار ورجل آخر، عن عبادة بن الصامت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تبيعوا الذهب بالذهب، ولا الورق بالورق، ولا البر بالبر، ولا الشعير بالشعير، ولا التمر بالتمر، ولا الملح بالملح، إلا سواء بسواء عينًا بعين يدًا بيد، ولكن بيعوا الذهب بالورق، والورق بالذهب، والبر بالشعير، والشعير بالبر، والتمر بالملح، والملح بالتمر، يدًا بيد كيف شئتم". قال: ونقص أحدهما التمر أو الملح. قال أبو العباس الأصم: في كتابي: أيوب، عن ابن سيرين، عن مسلم ثم ضرب عليها ينظر كتاب الشيخ (¬2). الشرح مسلم بن يسار أبو عبد الله البصري، مولى بني أمية القرشي. ¬

_ (¬1) "المسند" ص (147). (¬2) "المسند" ص (147).

روى عن: أبي الأشعث. وروى عنه: أبو قلابة، ومحمد بن سيرين، وابنه عبد الله (¬1). وحديث مالك بن أوس عن عمر مذكور من قبل بما لا بد منه من الشرح (¬2)، وأما الحديث الثاني ففي "المسند" روايته عن أيوب عن مسلم بن يسار ورجل آخر، وقال أبو العباس: في كتابي عن أيوب عن ابن سيرين عن مسلم، لكن ضرب عليه في كتاب الشيخ -يعني الربيع- فترك ذكر ابن سيرين، والصواب إثباته، وقد رواه المزني في "المختصر" (¬3) فقال: قال الشافعي: أبنا عبد الوهاب، عن أيوب، عن محمَّد بن سيرين، عن مسلم بن يسار ورجل آخر، عن عبادة بن الصامت وساق الحديث، وقال بعد قوله: "ونقص أحدهما التمر أو الملح": وزاد الآخر: "فمن زاد أو استزاد فقد أربى" ويروى: "فمن زاد وازداد فقد أربى". والحديث صحيح، أخرجه مسلم (¬4) مع قصة، فروى عن عبيد الله ابن عمر القواريري، عن حماد بن زيد، عن أيوب، عن أبي قلابة قال: كنت بالشام في حلقة فيها مسلم بن يسار، فجاء أبو الأشعث فقالوا: أبو الأشعث أبو الأشعث، فجلس فقلت له: حدِّث أخانا حديث عبادة بن ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (7/ ترجمة 1166)، و"الجرح والتعديل" (8/ ترجمة 868) و"التهذيب" (27/ ترجمة 5949). (¬2) سبق برقم (660). (¬3) "مختصر المزني" (). قلت: وكذا رواه الشافعي في "اختلاف الحديث" ص (202)، وكذا رواه المزني عنه في "السنن المأثورة" ص (268). (¬4) "صحيح مسلم" (1587/ 80).

الصامت قال: نعم، غزونا غزاة وعلى الناس معاوية، فغنمنا غنائم كثيرة فكان فيما غنمنا آنية من فضة، فأمر معاوية رجلًا أن يبيعها في أعطيات الناس فسارع الناس في ذلك فبلغ عبادة بن الصامت فقام فقال: إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينهى عن بيع الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح إلا سواء بسواء عينًا بعين فمن زاد أو [ازداد] (¬1) فقد أربى، فرد الناس ما أخذوا فبلغ ذلك معاوية فقام خطيبًا فقال: ما بال رجال يتحدثون عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحاديث قد كنا نشهده ونصحبه ولم نسمعها منه، فقام عبادة فأعاد القصة ثم قال: لنحدثنَّ بما سمعنا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإن كره معاوية ما أبالي أن لا أصحبه في جنده ليلة سوداء. وروى أيضًا مسلم (¬2) عن أبي بكر بن أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم، عن وكيع، عن سفيان الثوري، عن خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن أبي الأشعث، عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبُّر بالبُّر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح، مثلًا بمثل، سواءً بسواء، يدًا بيد، فإذا اختلفت هذِه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدًا بيد". والرجل الآخر المذكور في رواية الشافعي يقال: هو عبد الله بن عبيد المعروف بابن هرمز، روي عن يزيد بن زريع عن سلمة بن علقمة عن محمَّد بن سيرين أن مسلم بن يسار وعبد الله بن عبيد قالا: جمع المنزل بين عبادة ومعاوية في بيعة أو [كنيسة] (¬3) ... وذكر حديث ¬

_ (¬1) في الأصل: أزاد. والمثبت من "صحيح مسلم". (¬2) "صحيح مسلم" (1587/ 81). (¬3) في الأصل: كنيسته. تحريف، والمثبت من التخريج.

الصرف بطوله (¬1). وقوله: "ونقص أحدهما التمر والملح" يريد أن أحد الروايتين من مسلم ومن الرجل الآخر لم يذكر: "أو الملح" في الرواية وقد لا يوجد في نسخ "المسند": "ولا التمر بالتمر" في سياق الخبر. وقوله: "وزاد الآخر" أي الذي لم ينتقص التمر أو الملح. وقوله: "فمن زاد أو استزاد" قيل: هو شك من بعض الرواة، وقيل: هما منقولان من لفظ النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأراد من أعطى الزيادة من طلبها وأخذها، وشبهه بما روي أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: "الراشي والمرتشي في النار" (¬2). وذكر الأئمة أن مسلمًا لم يسمع الحديث من عبادة وإنما سمعه من أبي الأشعث الصنعاني عن [عبادة] (¬3) وبه تُشعر القصة المذكورة. واتفق جمهور العلماء على أن الربا لا يختص بالأشياء الستة المنصوص عليها في الخبر، ثم اختلفوا فقيل: يتعدى إلى جميع الأموال بعموم المالية، وامتنع منه المعظم وعللوا الربا في النقدين بمعنى وفي المطعومات الأربعة بمعنى؛ أما في النقدين فقد قيل: المعنى جوهرية الأثمان وبه قال مالك والشافعي، وعلل آخرون [بالوزن] (¬4) وبه قال أبو حنيفة وأجرى الربا في كل ما يعتاد وزنه ¬

_ (¬1) رواه النسائي (7/ 274، 275)، وابن ماجه (2254)، والطحاوي (4/ 5) من طريق يزيد وغيره. (¬2) رواه الطبراني في "الأوسط" (2026) من حديث عبد الله بن عمرو. قال ابن الملقن في "الخلاصة" (1462): إسناده حسن. وقال المنذري (3348): رواته ثقات معروفون. (¬3) في الأصل: أبي عبادة. خطأ. (¬4) في الأصل: بالورق. تصحيف.

كالحديد والقطن، واحتج عليهم بأن إسلام الدراهم في الموزونات جائز بالاتفاق، ولو كان المعنى الوزن لما جاز كإسلام الذهب في [....] (¬1) والبرّ في الشعير. وأما المطعومات الأربعة فقد قيل: المعنى فيها الكيل وبه قال أبو حنيفة وأجرى الربا في الجصّ والنورة، وقيل: الطعم مع التقدير بالكيل أو الوزن وبه قال سعيد بن المسيب والشافعي في "القديم" وعلل في "الجديد" بمجرد الطعم. وإذا بيع ربوي بربوي نظيران تجانسا كالذهب (¬2)، والبر بالبر لم يجز إلا بشرط التساوي في المعيار الشرعي وهو الكيل في المكيلات والوزن في الموزونات وبشرط الحلول وبشرط التقابض في مجلس العقد، فإن تفرقا قبل التقابض فسد العقد وإن لم يتجانسا، فإن لم يتوافقا في المعنى كالذهب بالبر فهو كبيع الربوي بغير الربوي أو غير الربوي بغير الربوي؛ فلا يشترط شيء من هذِه الشروط، وإن توافقا كالذهب بالورق والبر بالشعير لم يشترط التساوي ولكن يشترط الحلول والتقابض، واستفيد اشتراط التساوي من قوله: "سواءً بسواء" ولا تغني رعاية التقابض عن رعاية التساوي، وكان في أول قدوم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة يجوز البيع مع التفاضل إذا روعي الحلول والتقابض وعلى ذلك أطلق النبي - صلى الله عليه وسلم - قوله: "إنما الربا في النسيئة" ثم نسخ ذلك فروي عن عثمان -رضي الله عنه- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الدينار بالدينار لا فضل بينهما، والدرهم بالدرهم لا فضل بينهما" (¬3). وعن أبي سعيد؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع ¬

_ (¬1) كلمة غير واضحة في الأصل، ولعلها: الورق. (¬2) أي: كالذهب بالذهب. (¬3) هذا لفظ حديث أبي هريرة، وليس لعثمان وأما حديث عثمان في الباب فهو ما رواه =

الذهب بالذهب وبيع الورق بالورق إلا سواء بسواء. وكل هذا مروي في "الصحيح" (¬1). وروى الشافعي (¬2) عن مالك عن عطاء بن يسار؛ أن معاوية بن أبي سفيان باع سقاية من ذهب أو من ورق بأكثر من وزنها، فقال له أبو الدرداء: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينهى عن مثل هذا إلا مثلًا بمثل، فقال معاوية: ما أرى بهذا بأسًا. فقال له أبو الدرداء: من يعذرني من معاوية! أخبره عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويخبرني عن رأيه! لا أساكنك بأرض أنت بها، ثم قدم على عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- فذكر له ذلك، فكتب عمر إلى معاوية: أن لا تبع إلا مثلًا بمثل. وذكر الشافعي لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "الربا في النسيئة" تنزيلًا آخر فقال: يحتمل أنه سئل عن الربا في جنسين مختلفين ربويين بمعنى واحد كالذهب والورق فقال: الربا في النسيئة ويعني: والصورة هذِه، فأدى الراوي قول النبي - صلى الله عليه وسلم - وترك السؤال. واستفيد اشتراط الحلول من قوله: "عينًا بعين" وأيضًا فقد قال لهما: "الربا في النسيئة" وأيضًا فقد سبق في حديث أبي سعيد الخدري: "ولا تبيعوا غائبًا منها بناجز". واستفيد اشتراط التقابض من قوله: "يدًا بيد" وقوله: "ولكن بيعوا الذهب بالورق" إلى أن قال: "يدًا بيد كيف شئتم" يدل على ¬

_ = مسلم (1585/ 78): "لا تبيعوا الدينار بالدينارين، ولا الدرهم بالدرهمين" فلعل المصنف رحمه الله خلط بينهما، والله أعلم. وحديث أبي هريرة رواه مسلم أيضًا (1588/ 85، 86). (¬1) رواه البخاري (2177)، ومسلم (1584). (¬2) "المسند" ص (242).

اشتراط التقابض مع اختلاف الجنس، وعلى أنه لا فرق في ذلك بين بيع النقد بالنقد والمطعوم بالمطعوم؛ لأن قوله: "يدًا بيد" يتعلق بالجميع، وعند أبي حنيفة: لا يشترط التقابض في الأموال الربوية إلا في بيع النقد بالنقد. وفي قوله: "كيف شئتم" دلالة على أنه لا بأس بالتفاضل عند اختلاف الجنس. وفي حديث عبادة من رواية أبي الأشعث الصنعاني عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "الذهب بالذهب تبره وعينه، وزنًا بوزن، والفضة بالفضة تبرها وعينها وزنًا بوزن ... إلى أن قال: "ولا بأس ببيع الشعير بالبرِّ يدًا بيد والشعير أكثرهما" (¬1). والتِّبر: قطع الذهب والفضة قبل أن تضرب وتطبع دراهم، الواحدة: تِبرة، والعين: المضروب من الدراهم والدنانير. ذكره أبو سليمان الخطابي (¬2). وما روي (و) (¬3) قصة حديث عبادة "أن معاوية أمر رجلًا أن يبيعها في أعطيات الناس" يحتمل أنه كان يبيعها بأكثر من وزنها، وكان على أن يضرب الثمن إلى أعطيات الناس، فأنكر عبادة ذلك؛ لاشتراط التماثل، ويحتمل أنه أراد أنه كان يبيعها بأكثر مؤجلًا إلى العطاء فأنكره لاشتراط الحلول، وفي بعض الروايات أن عبادة شهد الناس يتبايعون آنية الذهب والفضة إلى الأعطية فروى لهم الحديث. ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (3349)، والنسائي (7/ 276)، والدارقطني (3/ 18 رقم 59) وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (3443). (¬2) "الغريب" (1/ 247). (¬3) كذا في الأصل والأليق: في.

الأصل

الأصل [718] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن عبد الله بن يزيد مولى الأسود بن سفيان أن زيدًا أبا عياش أخبره أنه سأل سعد بن أبي وقاص عن البيضاء بالسلت؟ فقال له سعد: أيتهما أفضل؟ فقال: البيضاء، فنهاه عن ذلك، وقال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يُسأل عن شرى التمر بالرطب؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أينقص الرطب إذا يبس؟ " فقالوا: نعم، فنهاه عن ذلك (¬1). الشرح زيد أبو عياش: تابعي. سمع: سعد بن أبي وقاص. وروى عنه: عمران بن أبي أنس، وعبد الله بن يزيد. وتكلم بعضهم في أبي عياش وقالوا أنه مجهول، وحكى أبو سليمان الخطابي عن الشافعي أنه قال: ليس الأمر على ما توهموه، بل هو مولى لبني زهرة معروف. وروى عنه: مالك في "الموطأ" وهو لا يروي عن متروك (¬2). وروى الحديث في بيع الرطب بالتمر عن زيد أبي عيَّاش كما رواه عبد الله بن يزيد: عمران بن أبي أنس، وعن عبد الله بن يزيد كما رواه مالك: إسماعيل بن أمية والضحاك بن عثمان وأسامة بن زيد، وعن ¬

_ (¬1) "المسند" ص (147). (¬2) انظر "تهذيب الكمال" (10/ ترجمة 2124).

مالك كما رواه الشافعي: [أبو عبد الرحمن] (¬1) القعنبي، ومن روايته أخرجه أبو داود (¬2)، وعن أبي عيسى الترمذي أنه حكم بصحته، ورواه عبد الله بن جعفر المديني عن مالك عن داود بن الحصين عن عبد الله بن يزيد، وربما سمعه من داود ثم سمعه من عبد الله فترك داود، يوضحه أن يحيى بن سعيد القطان وعبيد الله بن عبد المجيد روياه عن مالك فقالا: قال حدثني عبد الله بن يزيد. وقوله: "عن البيضاء بالسُّلت" قيل: البيضاء نوع من البرِّ فيه رخاوة يكون ببلاد مصر، والسُّلت غير البرّ، وقيل: المراد بالبيضاء: الرطب من السلت، قال في "شرح السنة": وهذا أليق بالحديث , فإنه شبَّه الصورة بالرطب والتمر، ولو اختلف الجنس لم يختلف التشبيه وليكن التصوير على هذا فيما إذا بقي في البيضاء من النداوة ما يؤثر زواله في الكيل، وإلا فلا بأس ببيع الحديث بالعتيق من التمر والحبوب. وقوله: "أينقص الرطب إذا يبس" لفظه لفظ الاستفهام ومقصوده التقرير والتنبيه على علة الحكم. والحديث يدل على أن بيع المطعوم بجنسه واحدهما رطب ¬

_ (¬1) في الأصل: أبو مصعب! ولم أجد من كناه كذلك، وهو شيخ الإِسلام عبد الله بن مسلمة القعنبي. (¬2) "سنن أبي داود" (3359). ورواه أيضًا الترمذي (1225)، والنسائي (2/ 219)، وابن ماجه (2264)، وصححه ابن حبان (4997)، والحاكم (2/ 38). قال الترمذي: حسن صحيح، وقال الحاكم: صحيح الإسناد. وقال الضياء (951): إسناده صحيح.

الأصل

والآخر يابس لا يجوز، وذلك مثل بيع العنب بالزبيب، واللحم الطري بالمقدد، وبه قال مالك وأحمد، وخالف فيه أبو حنيفة. ولم يجوز الشافعي بيع الرطب بالرطب أيضًا؛ لأنه فهم من الحديث اعتبار التماثل حالة الجفاف والتماثل بينهما حينئذٍ مجهول، وكذلك لا يجوز بيع اللحم الطري بالطري فإن كانا مقددين جاز كالتمر بالتمر. وفي الحديث أنهم كانوا يلحقون الصورة بالصورة ويقيسون للاشتراك في المعنى، وأنه يحسن من المفتي أن ينبه على علة الحكم الذي يجيب به ليطمئن نفس السائل إلى الجواب وليلحق بالصورة المسئول عنها غيرها. الأصل [719] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا عبد العزيز بن محمَّد الدراوردي، عن جعفر بن محمَّد، عن أبيه، رهن رسول الله درعه عند أبي الشحم اليهودي (¬1). [720] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا محمَّد بن إسماعيل بن أبي فديك، عن ابن أبي ذئب، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يغلق الرهن، الرهن من صاحبه الذي رهنه، له غنمه وعليه غرمه". قال الشافعي: غنمه زيادته وغرمه هلاكه ونقصه (¬2). [721] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا الثقة، عن يحيى بن أبي ¬

_ (¬1) "المسند" ص (148). (¬2) "المسند" ص (148).

الشرح

أنيسة، عن ابن شهاب، عن ابن المسيب، عن أبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بمثله أو مثل معناه لا يخالفه (¬1). الشرح يحيى بن أبي أنيسة: هو الجزري أخو زيد بن أبي أنيسة. روى عن: عمرو بن شعيب، والزهري. قال البخاري: ليس بذاك (¬2). والحديث الأول (¬3) قد سبق (¬4) مرَّة من رواية الشافعي عن سعيد عن ابن جريج عن جعفر بن محمَّد عن أبيه، لكن لا يضر انقطاعه؛ فإنه قد ثبت موصولًا من غير هذِه الرواية، ففي "الصحيحين" عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - اشترى طعامًا من يهودي نسيئة ورهنه درعًا له من حديد (¬5). وروى البخاري (¬6) عن محمَّد ابن كثير عن سفيان عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت: توفي النبي - صلى الله عليه وسلم - ودرعه مرهونة عند يهودي بثلاثين صاعًا من شعير، وروى عن مسلم بن إبراهيم عن هشام عن قتادة عن أنس قال: مشيت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بخبز شعير وإِهَالة (¬7) سَنخَة، ولقد رهن درعه ¬

_ (¬1) "المسند" ص (148). (¬2) انظر "التاريخ الكبير" (8/ ترجمة 2929)، و"الجرح والتعديل" (9/ ترجمة 550)، و"التهذيب" (31/ ترجمة 6789). وقال أبو حاتم وأبو زرعة: ليس بالقوي. (¬3) زاد في الأصل: و. مقحمة. (¬4) سبق برقم (667). (¬5) "صحيح البخاري" (2068) , و"صحيح مسلم" (1603). (¬6) "صحيح البخاري" (2916). (¬7) قال الحافظ في "الفتح": والإهالة: ما أذيب من الشحم والالية، وقيل: هو كل دسم جامد، وقيل: ما يؤتدم به من الأدهان. وسنخة أي المتغيرة الريح، ويقال فيها بالزاي أيضًا.

بشعير (¬1). واحتج بالقصة على جواز الرهن بالثمن وجواز الرهن في الحضر وإن كانت آية الرهن متعرضة للسفر، وعلى جواز الشراء نسيئة، وعلى جواز معاملة أهل الذمة وإن كان لا يؤمن في مالهم الربا وثمن الخمر، وعلى جواز رهن السلاح منهم. وقول عائشة: "بثلاثين صاعًا من شعير" وقول أنس: "بشعير" كأن الثمن مضمر فيهما، ويحتمل أنه استقرض ذاك وكان هذا رهنًا آخر. والحديث الثاني مرسل (¬2) من الرواية الأولى وكذلك رواه سفيان الثوري عن ابن أبي ذئب والأوزاعي ويونس بن يزيد ومعمر عن الزهري، وموصول من الرواية الثانية، وكذلك [رواه] (¬3) إسماعيل (¬4) بن عياش عن ابن أبي ذئب، وزياد (¬5) بن سعد عن الزهريّ وجعل بعض الرواة آخر الحديث، وهو قوله: "له غُنمه وعليه غُرمه" من كلام ابن المسيب (¬6). ويقال: غلق الرهن أي بقي محبسًا لا يفتكّ، قال زهير: فارقتك برهن لا فكاك له ... يوم الوداع فأمسى الرهن قد غلقا ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (2069). (¬2) قال الحافظ في "التلخيص" (1232): ورجح أبو داود والبزار والدارقطني وابن القطان إرساله، ورجح ابن عبد البر وعبد الحق وصله. قلت: وكذا رجح إرساله الألباني في "الإرواء" (5/ 239). (¬3) سقط من الأصل. (¬4) ومن طريقه أخرجه الحاكم (2/ 51)، والدارقطني (3/ 33 رقم 127). (¬5) ومن طريقه أخرجه ابن حبان (5934)، والحاكم (2/ 50). (¬6) قال الحافظ في "التلخيص" (1232): قيل إنها مدرجة من قول ابن المسيب. ونقل عن أبي داود في "المراسيل" أنه قال أنه من كلام ابن المسيب نقله عنه الزهري، وكذا نقله الزيلعي (4/ 320).

كتاب اليمين مع الشاهد الواحد

ثم قيل: معناه أن الرهن لا يستغلق بحيث لا يعود إلى الراهن، بل له أن يؤدي الحق متى شاء ويأخذ المرهون، وقيل: معناه أن المرتهن لا يستحقه بأن يقول الراهن: إن جئتك بحقك وقت كذا فذاك وإلا فهو لك بحقك، ويروى هذا عن إبراهيم النخعي ومالك. وقوله: "الرهن من صاحبه" قيل: أي لصاحبه، وقيل أنه من ضمان صاحبه، واحتج به على أنه إذا هلك لا يسقط من الدين شيء؛ لأنه لو سقط لكان قد هلك من مال المرتهن لا من مال صاحبه. واحتج بقوله: "له غُنمة" على أن زوائد المرهون للراهن لا حق فيها للمرتهن، وعلى أن المنافع للراهن ولا تعطل عليه. وبقوله: "وعليه غرمه" على أن النفقة والمؤنة عليه، وفي "الصحيح" من حديث أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الظهر يركب بنفقته إذا كان مرهونًا, ولبن الدرِّ يشرب إذا كان مرهونًا بنفقته، وعلى الذي يركب ويشرب النفقة" (¬1). الأصل من كتاب اليمين مع الشاهد الواحد [722] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا عبد الله بن الحارث بن عبد الملك المخزومي، عن سيف بن سليمان المكي، عن قيس بن سعد، عن عمرو بن دينار، عن ابن عباس , أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى باليمين مع الشاهد. قال عمرو: في الأموال (¬2). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2512). (¬2) "المسند" ص (149).

[723] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا إبراهيم بن محمَّد، عن ربيعة بن عثمان، عن معاذ بن عبد الرحمن، عن ابن عباس ورجل آخر سمَّاه فلا يحضرني ذكر اسمه من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى باليمين مع الشاهد (¬1). [724] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا إبراهيم، عن عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب، عن ابن المسيب , أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى باليمين مع الشاهد (¬2). [725] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا عبد العزيز بن محمَّد بن أبي عبيد الدراوردي، عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن، عن سعيد بن عمرو بن شرحبيل ابن سعيد بن سعد بن عبادة، عن أبيه، عن جده قال: وجدنا في كتب سعد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى باليمين مع الشاهد (¬3). [726] أبنا الربيع، أبنا الشافعي قال: وذكر عبد العزيز بن المطلب، عن سعيد بن عمرو، عن أبيه قال: وجدنا في كتب سعد بن عبادة يشهد سعد بن عبادة , أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر عمرو بن حزم أن يقضي باليمين مع الشاهد (¬4). [727] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا عبد العزيز بن محمَّد، عن ربيعة ابن عبد الرحمن، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة , أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى باليمين مع الشاهد. قال عبد العزيز: فذكرت ذلك لسهيل فقال: أخبرني ربيعة وهو عندي ثقة أني حدثته إياه ولا أحفظه. ¬

_ (¬1) "المسند" ص (149). (¬2) "المسند" ص (149). (¬3) "المسند" ص (149). (¬4) "المسند" ص (150).

الشرح

قال عبد العزيز: وقد كان أصاب سهيلًا علة أذهبت بعض عقله ونسي بعض حديثه وكان سهيل بعد يحدّثه عن ربيعة عنه عن أبيه (¬1). [728] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن جعفر بن محمَّد، عن أبيه؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قضى باليمين مع الشاهد (¬2). [729] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مسلم بن خالد، حدثني جعفر ابن محمَّد قال: سمعت الحكم بن عتيبة يسأل أبي وقد وضع يده على جدار القبر ليقوم: أقضى النبي - صلى الله عليه وسلم - باليمين مع الشاهد؟ قال: نعم، وقضى بها علي - رضي الله عنه - بين أظهركم. قال مسلم: قال جعفر: في الدَّين (¬3). [730] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا [مسلم بن خالد (¬4)] عن ابن جريج، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في الشهادة: "فإن جاء بشاهد حلف مع شاهده" (¬5). [731] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان بن عيينة، عن خالد بن أبي كريمة، عن أبي جعفر, أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى باليمين مع الشاهد (¬6). الشرح الأحاديث من هذا الموضع منتشرة لا تختص بباب ولا تدخل تحت ضبط، ومنها ما يتعلق بالأبواب التي سبقت. ¬

_ (¬1) "المسند" ص (150). (¬2) سقط ذكره في "المسند" وهو في "الأم" (6/ 255). (¬3) "المسند" ص (150). (¬4) في الأصل: سفيان بن عيينة. وهو سبق نظر، والمثبت من "المسند". (¬5) "المسند" ص (150). (¬6) "المسند" ص (150).

وعبد الله (¬1) بن الحارث بن عبد الملك المخزومي، مكي. روى عن: محمَّد بن عبد الله بن [إنسان] (¬2) وسيف بن سليمان. وروى عنه: الشافعي، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن إبراهيم الحنظلي، والحميدي. وسيف بن سليمان ويقال: ابن أبي سليمان، المكي المخزومي مولاهم. سمع: مجاهدًا، وقيس بن [سعد] (¬3). وروى عنه: الترمذي، وأبو نعيم الفضل بن دكين، وابن نمير، وزيد بن الحباب، ويحيى بن سعيد القطان. وذكر أنه كان حيًّا سنة خمسين ومائة، وأنه كان ممن يصدق ويحفظ (¬4). وقيس بن سعد: هو المكي الحبشي أبو عبد الله. يقال أنه مولى نافع بن علقمة، وقيل: مولى أم علقمة. سمع: عطاء بن أبي رباح، وطاوسًا، وعمرو بن دينار، ويزيد بن هارون. وروى عنه: هشام بن حسان، وعمران القصير، وجرير بن حازم. توفي سنة عشرة ومائة (¬5). ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (5/ ترجمة 166)، و"الجرح والتعديل" (5/ ترجمة 147)، و"التهذيب" (14/ ترجمة 3214). (¬2) في الأصل: يسار. خطأ، والمثبت من التخريج، وابن إنسان من رجال "التهذيب". (¬3) في الأصل: سعيد. تحريف، والمثبت من التخريج. (¬4) انظر "التاريخ الكبير" (4/ ترجمة 2373)، و"الجرح والتعديل" (4/ ترجمة 1185)، و"التهذيب" (12/ ترجمة 2674). (¬5) انظر "التاريخ الكبير" (7/ ترجمة 689)، و"الجرح والتعديل" (7/ ترجمة 562)، و"التهذيب" (24/ ترجمة 4907).

وربيعة: هو ابن أبي عبد الرحمن فرُّوخ أبو عثمان التيمي، مولى المنكدر بن عبد الله يعرف بربيعة الرأي. سمع: أنسًا، ويزيد مولى المنبعث، وحنظلة بن قيس الزرقي، ومحمد بن يحيى بن حبان. وروى عنه: مالك، والثوري، وسليمان بن بلال، وسعيد بن أبي هلال، والأوزاعي، وعمارة بن غزية. مات سنة ست وثلاثين ومائة (¬1). وسعيد بالنسب المذكور من ولد سعد بن عبادة الأنصاري لخزرجي. روى عن: أبيه عن جده. وروى عنه: عمارة بن غزية، وعبد العزيز بن المطلب، منهم من قال: هو سعد بن عمرو والصحيح الأول (¬2). وعبد العزيز: هو ابن المطلب بن عبد الله بن حنطب المخزومي المديني. سمع: عبد الله بن أبي بكر بن حزم. وسمع منه: إسماعيل بن أبي أويس (¬3). وخالد بن أبي كريمة كوفي. روى عن: معاوية بن قرة، وعبد الله بن [مسور] (¬4). ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (3/ ترجمة 976)، و"الجرح والتعديل" (3/ ترجمة 2131)، و"التهذيب" (9/ ترجمة 881). (¬2) انظر "التاريخ الكبير" (3/ ترجمة 1661)، و"الجرح والتعديل" (4/ ترجمة 211)، و"التهذيب" (11/ ترجمة 2335). (¬3) انظر "التاريخ الكبير" (6/ ترجمة 1559)، و"الجرح والتعديل" (5/ ترجمة 1828)، و"التهذيب" (18/ ترجمة 3475). (¬4) في الأصل: مستور. تحريف، والمثبت من التخريج.

وروى عنه: سفيان بن عيينة، وعبد الواحد بن زياد، ويقال أن كنيته أبو عبد الرحمن (¬1). وحديث عمرو بن دينار عن ابن عباس صحيح رواه عن عمرو كما رواه قيس بن سعد: محمَّد بن مسلم الطائفي، ورواه عن سفيان كما رواه عبد الله بن الحارث: زيد بن الحباب، وأخرجه مسلم في "صحيحه" (¬2) عن أبي بكر بن أبي شيبة، ومحمد بن عبد الله بن نمير عن زيد بن الحباب، وأبو داود (¬3) السجستاني عن عثمان بن أبي شيبة وغيره عن زيد بن الحباب، ورواه عن عبد الله بن الحارث كما رواه الشافعي: أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه، وتؤيده الرواية الأخرى عن ابن عباس، وآخر من الصحابة. ثم حديث ابن المسيب وهو إن كان مرسلًا فمراسيل [ابن] (¬4) لمسيب قوية عند أهل العلم. وحديث سعيد بن عمرو بن شرحبيل قد ذكره البخاري في "التاريخ" (¬5) فروي عنه أنه قال: وجدت في كتاب سعيد بن سعد عن عمارة بن حزم وعمرو بن حزم والمغيرة بن شعبة؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قضى باليمين مع الشاهد الواحد قال: وقال ابن أبي أويس: أبنا عبد العزيز ابن المطلب، عن سعيد بن عمرو بن شرحبيل، عن أبيه عن جده قال: وجدت في كتاب سعيد بن سعد أن عمارة شهد على قضاء النبي - صلى الله عليه وسلم -. وروى ابن وهب، عن ابن لهيعة ونافع بن يزيد، عن عمارة بن ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (3/ ترجمة 576)، و"الجرح والتعديل" (3/ ترجمة 1575)، و"التهذيب" (8/ ترجمة 1647). (¬2) "صحيح مسلم" (1711). (¬3) "سنن أبي داود" (3608). (¬4) سقط من الأصل. (¬5) "التاريخ الكبير" (3/ ترجمة 1661).

غزية الأنصاري، عن سعيد بن عمرو بن شرحبيل بن سعد بن عمارة أنه وجد في كتب آبائه: هذا ما رفع أو ذكر عمرو بن حزم والمغيرة بن شعبة قالا: بينا نحن عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ دخل رجلان يختصمان مع أحدهما شاهد له على حقه، فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يمين صاحب الحق مع شاهده فاقتطع بذلك حقه (¬1). وحديث ربيعة عن سهيل عن أبيه أخرجه أبو داود (¬2) عن أبي مصعب الزهري عن الدراوردي عن سليمان بن بلال عن ربيعة، وأيضًا عن الربيع بن سليمان عن الشافعي، وأخرجه ابن ماجه (¬3) عن أبي مصعب ويعقوب بن إبراهيم الدورقي عن الدراوردي. ونسيان الراوي لا يضر ويعتمد على رواية من روى عنه من الثقات وكان سهيل يرويه من بعدُ عن ربيعة عنه، وروى أبو داود (¬4) السجستاني أن سليمان بن بلال. قال: لقيت سهيلًا فسألته عن هذا الحديث فقال: ما أعرفه، فقلت له: إن ربيعة أخبرني به عنك، قال: فإن كان ربيعة أخبرك عني فحدث به عن ربيعة عني، وهذا كما أن عمرو بن دينار روى عن أبي معبد عن ابن عباس قال: كنت أعرف انقضاء صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالتكبير، قال عمرو: ثم ذكرته لأبي معبد بعدُ فقال: لم أحدثنك وقد حدثنيه وكان من أصدق موالي ابن عباس (¬5). وقد روى الحديث المغيرة بن عبد الرحمن عن أبي الزناد عن ¬

_ (¬1) رواه البيهقي (10/ 171). قال الألباني في "الإرواء" (8/ 296): رجاله ثقات لكنه منقطع. (¬2) "سنن أبي داود" (3610). (¬3) "سنن ابن ماجه" (2368). (¬4) "سنن أبي داود" (3611). (¬5) سبق في "المسند" برقم (184).

الأعرج عن أبي هريرة. وحديث جعفر بن محمَّد عن أبيه رواه الشافعي ها هنا مرسلًا، ورواه عبد الوهاب الثقفي عن جعفر بن محمَّد عن أبيه عن جابر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - موصولًا، وستأتي روايته في "المسند" من بعد، ورواه عن عبد الوهاب: علي بن المديني وإسحاق بن إبراهيم الحنظلي وغيرهما، وقد أخرجه ابن ماجه (¬1) القزويني عن محمَّد بن بشار عن عبد الوهاب. وحديث عمرو بن شعيب، ذكر أن مطرف بن مازن رواه عن ابن جريج عن أبيه عن جده (¬2). وحديث [أبي] (¬3) جعفر محمَّد بن علي يوافق ما رواه ابنه. ودلالة الحديث على اعتضاد بعض الروايات ببعض ظاهرة على جواز القضاء بالشاهد واليمين، ويروى ذلك عن عمر بن عبد العزيز والشعبي وشريح ويحيى بن يعمر وأبي سلمة بن عبد الرحمن وسليمان ابن حبيب قاضي المدينة والزهري وغيرهم، وبه قال مالك وأحمد. وموضع القضاء بالشاهد واليمين للأموال وحقوقها كالرهن والأجل والعقود التي يقصد بها المال كالبيع والهبة والقراض ونحوها، والجنايات التي توجب المال، واعتُمد فيه قول عمرو بن دينار وذلك في الأموال، وقول الراوي في تفسير ما يرويه ويخصصه متبع. وفي حديث سعيد بن عمر بن شرحبيل الاعتماد على ما يوجد في الكتاب. ¬

_ (¬1) "سنن ابن ماجه" (2369). (¬2) ومن طريقه رواه البيهقي (10/ 172) وضعفه بمطرف هذا. (¬3) في الأصل: ابن. تحريف، وأبو جعفر هو محمَّد بن علي بن حسين.

الأصل

الأصل [732] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن زينب بنت أبي سلمة، عن أم سلمة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إنما أنا بشر، وإنكم تختصمون إليَّ، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، فأقضي له على نحو ما أسمع منه، فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذنه؛ فإنما أقطع له قطعة من النار" (¬1). الشرح هذا حديث صحيح، أخرجه البخاري (¬2) عن القعنبي عن مالك، ومسلم (¬3) من وجه آخر عن هشام بن عروة، وأبو داود (¬4) عن محمَّد بن كثير عن سفيان عن هشام. وقوله: "إنما أنا بشر" أي لا أعرف الغيب إلا ما يوحى إليّ، وإنما أحكم بالظاهر. وقوله: "ألحن بحجته" أي: أفطن، واللحَن: الفطنة، واللحْن بسكون الحاء الخطأ، وقد تفتح الحاء في المعنى الثاني، وقد تسكن في الأول، ومنه: "خير الحديث ما كان لحنًا". والمقصود أنه قد يكون أقدر على الإيراد وإظهار الحجة، واحتج الشافعي بالحديث على أن حكم القاضي يجري على ظاهر الأمر، ولا يحل حرامًا في الباطن ولا يحرم حلالًا , حتى لو أقام مدعٍ ببينة زور ¬

_ (¬1) "المسند" ص (150). (¬2) "صحيح البخاري" (2680). (¬3) "صحيح مسلم" (1713/ 4). (¬4) "سنن أبي داود" (3583).

الأصل

بدين على غيره وحكم بها القاضي لم يحل له أخذه، ولو حكم ببينة زور قامت على نكاح لم يحل للمحكوم له، ولو حكم ببينة على طلاق لم يحرم على المحكوم عليه الوطء، وبهذا قال مالك وأحمد، ويروى عن شريح أنه كان يقول للرجل: إني أقضي لك وإني لأظنك ظالمًا, ولكن لا يسعني إلا أن أقضي بما يحضرني من البينة، وإن قضائي لا يحل لك حرامًا. وقال أبو حنيفة: ينفذ حكمه في العقود والفسوخ ظاهرًا وباطنًا حتى يحل للمحكوم له الوطء بالبينة الكاذبة في النكاح، ويحرم على المحكوم عليه بالطلاق بالبينة الكاذبة، وسلّم أنه لا ينفذ حكمه باطنًا في الأملاك المطلقة، وأما ما ينشئه الحاكم كالفسخ بالعيب وبالإعسار والتفريق بين المتلاعنين مما يترتب على أصل غير ثابت، كما لو أقيمت بينة زور على العيب وفسخ بناء عليها فالحكم على ما ذكرنا في التنفيذات يترتب على أصل ثابت، فهو نافذ ظاهرًا وباطنًا إن لم يكن في محل اختلاف المجتهدين، وإن كان مختلفًا فيه فكذلك الحكم، أو لا ينفذ باطنًا في حق من لا يعتقده؟ فيه اختلاف الأصحاب، والأولى الأول. الأصل [733] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان بن عيينة، حدثني سالم أبو النضر، عن عبيد الله بن أبي رافع، عن أبيه، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا ألفين أحدكم متكئًا على أريكته يأتيه الأمر من أمري مما أمرت به أو نهيت عنه فيقول: ما أدري، ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه" (¬1). ¬

_ (¬1) "المسند" ص (151).

الشرح

الشرح أبو رافع أسلم، ويقال: إبراهيم، ويقال: ثابت ويقال: هرمز، مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، كان للعباس بن عبد المطلب فوهبه من النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلما بشر النبي - صلى الله عليه وسلم - بإسلام العباس أعتقه وكان قبطيًّا. سمع: النبي - صلى الله عليه وسلم -، وروى عن: عبد الله بن مسعود. وروى عنه: عمرو بن الشريد، وعبد الرحمن بن المسور، وسليمان بن يسار، وعطاء بن السائب. مات [في (¬1) خلافة] علي - رضي الله عنه - (¬2). والحديث ثابت أورده إسحاق بن إبراهيم الحنظلي في "مسنده" عن سفيان عن أبي النضر، ورواه أبو داود (¬3) السجستاني عن أحمد بن حنبل، وعبد الله بن محمد النفيلي عن سفيان. وقوله: "لا أُلفين" أي لا أجدن ولا أصادفن، والأريكة: قيل: هي السرير، وقيل: سرير [منجد] (¬4) في قبة. وفي الحديث بيان أن سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - متبعة وطاعته واجبة، قال الله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (¬5)، وقال: ¬

_ (¬1) سقط من الأصل والمثبت من مصادر الترجمة. (¬2) انظر "معرفة الصحابة" (5/ ترجمة 3201)، و"الإصابة" (7/ ترجمة 9880). (¬3) "سنن أبي داود" (4605). وكذا أخرجه الترمذي (2663)، وابن ماجه (13) وابن حبان (13)، والحاكم (1/ 190). قال الترمذي: حسن صحيح، وقال الحاكم: صحيح على شرطهما. وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (7172). (¬4) في الأصل: متخذ. تصحيف، والمثبت من "مختار الصحاح" و "اللسان" (أرك). (¬5) الحشر:7.

{فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ} (¬1) وقال تعالى: {لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ} إلى أن قال: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (¬2). وعن المقدام بن معدي كرب عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه، ألا يوشك رجل يستلقي على أريكته يقول: عليكم بهذا القرآن، فما وجدتم حلالًا فأحلوه وما وجدتم حرامًا فحرموه" (¬3). وما روي أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الحديث [سيفشو] (¬4) عني، فما أتاكم عني يوافق القرآن فهو عني، وما أتاكم عني يخالف القرآن فليس عني" (¬5). فقد قال الشافعي (¬6): ليس يخالف الحديث القرآن، ولكنه بيَّن المعنى والمراد خاصًّا وعامًّا، وناسخًا ومنسوخًا، ثم الناس يلزمهم ما بينه، فمن قبل عن رسول الله فعن الله قبل، قال الله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (¬7). على أن الحديث المذكور غير ثابت، فعن زكريا بن يحيى الساجي، عن يحيى بن معين أنه قال: هذا حديث وضعه الزنادقة. وقوله: "يأتيه الأمر من أمري" يحسن حمله على الشأن والخطب ¬

_ (¬1) النساء: 65. (¬2) النور: 63. (¬3) رواه أبو داود (4604)، وابن ماجه (12). وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (2643). (¬4) في الأصل: سيسفوا. تحريف، والمثبت من التخريج. (¬5) رواه الشافعي في "الأم" (7/ 339) لكنه منقطع كما نقله السيوطي في "مفتاح الجنة" ص (22) عن البيهقي. (¬6) "الأم" (7/ 340). (¬7) الحشر: 7.

الأصل

أي: يأتيه أمر من أموري مما أمرت به أو نهيت عنه. الأصل [734] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مسلم بن خالد، عن ابن جريج، عن ليث بن أبي سليم، عن طاوس، عن ابن عباس ليس لها إلا نصف المهر ولا عدة عليها، يعني لمن قال الله: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً}، وقول الله تعالى: {ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} (¬1). الشرح الأثر مختصر وتمامه قد رواه الشامعي (¬2) أن ابن عباس - رضي الله عنه - قال في الرجل يتزوج المرأة فيخلو بها ولا يمسها ثم يطلقها: [ليس] (¬3) لها إلا نصف الصداق؛ لأن الله تعالى يقول: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً}. وعن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى: {إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا}: هذا الرجل يتزوج المرأة ثم يطلقها قبل أن يمسها، فإذا طلقها واحدة بانت منه ولا عدة عليها، تزوج من شاءت (¬4). وهذا يوافق قول الشافعي في "الجديد": أن الخلوة لا تقرر المهر ولا توجب العدة، واستدل ابن عباس على الحكمين بالاثنين، ويروى مثل ذلك عن ابن مسعود وشريح، وعن عمر وعلي رضي الله عنهما أن ¬

_ (¬1) "المسند" ص (151). (¬2) "الأم" (5/ 215). (¬3) في الأصل: لا. والمثبت من "الأم". (¬4) رواه البيهقي (7/ 255).

الأصل

الخلوة تقرر المهر وتوجب العدة، وبه قال الشافعي في "القديم". الأصل [735] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن أبي يحيى، عن ابن عباس قال: المؤلي الذي يحلف لا يقرب امرأته أبدًا (¬1). [736] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان بن عيينة، عن يحيى بن سعيد، عن سليمان بن يسار قال: أدركت بضعة عشر من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - كلهم يقول: يوقف المؤلي. قال الشافعي: فأقل بضعة عشر أن يكونوا ثلاثة عشر وهو يقول: من الأنصار (¬2). الشرح الأشبه أن أبا يحيى: هو مصدع الأعرج، ويقال له: المعرقب الأنصاري، مولى معاذ بن عفراء. سمع: ابن عباس، وعائشة. وروى عنه: سعد بن أوس، وشمر بن عطية، وهلال بن يساف. قال عمرو بن دينار: وكان صديقًا لي (¬3). وآخر يقال [له] (¬4): أبو يحيى، يروي عن ابن عباس، اسمه زياد وهو مولى قيس بن مخرمة، ويقال: مولى للأنصار. ¬

_ (¬1) "المسند" ص (151). (¬2) "المسند" ص (151). (¬3) انظر "التاريخ الكبير" (8/ ترجمة 2176)، و"الجرح والتعديل" (8/ ترجمة 1962)، و" التهذيب" و (28 / ترجمة 5978). (¬4) ليست في الأصل والسياق يقتضيها.

ومن آلى عن امرأته أمهل أربعة أشهر، ثم لها أن تطالبه بالفيئة أو الطلاق، قال الله تعالى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)} (¬1). قال الشافعي: ظاهر الكتاب دل على أن له أربعة أشهر، ومن كان له مدة أجلًا لم يطالب حتى ينقضي الأجل، فإذا انقضت الأشهر فإما أن يطلق وإما أن يفي ولا يلزمه بمضي المدة طلاق. وعند أبي حنيفة: إذا مضت الأشهر من غير أن يطأها بانت منه بطلقة، وإن وطئها قبل ذلك حنث وسقط الإيلاء، ويروى ذلك عن ابن عباس وابن مسعود. واستأنس الشافعي بعد الاحتجاج بالآية بأن عثمان وعليًّا وعائشة وزيد بن ثابت وأبا ذر وأبا الدرداء - رضي الله عنه - قالوا: لا تقع بمضي المدة طلقة، ولكن يوقف المؤلي إلى أن يفي أو يطلق، وروي عن سليمان بن يسار أنه أدرك بضعة عشر من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - كلهم يذهب إلى وقف المؤلي وذكر أنه قال: وهم من الأنصار. قال قائل: بضعة عشر ثلاثة عشرة لأن البضع من الثلاث إلى التسع، وقيل: إلى السبع، وعن ثابت بن عبيد مولى زيد بن ثابت عن اثني عشر من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الإيلاء لا يكون حتى يوقف. وأجاب الشافعي عمن تمسك بقول أبي حنيقة بما روي عن ابن عباس وابن مسعود بأن قال: إنكم أولاء لا تأخذون بقول ابن عباس في الإيلاء، فإنكم صححتم الإيلاء وإن حلف على الامتناع عن الوطء أربعة أشهر أو دونهما، وقد قال ابن عباس: المؤلي الذي ¬

_ (¬1) البقرة: 226.

الأصل

يحلف لا يقرب امرأته أبدًا، وهو الأثر المذكور في الكتاب أولًا وعن ابن طاوس عن أبيه أن الإيلاء أن يحلف أن لا يمسها أبدًا أو أكثر من أربعة أشهر، ثم قال: الأخذ بقول بضعة عشر من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أولى من الأخذ بالقبول بقول واحد أو اثنين. الأصل [737] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا ابن عيينة، قال: سمعت الزهري قال: زعم أهل العراق أن شهادة القاذف لا تجوز، فأشهد لأخبرني سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال لأبي بكرة: تب تقبل شهادتك، أو إن تبت قبلت شهادتك (¬1). [738] أبنا الربيع، أبنا الشافعي قال [وسمعت]، (¬2) سفيان بن عيينة يحدث به هكذا مرارًا، ثم سمعته يقول: شككت فيه. قال الشافعي: قال سفيان: أشهد لأخبرني فلان، ثم سمى رجلًا فذهب علي حفظ اسمه، فسألت فقال لي عمر بن قيس: عن سعيد بن المسيب، وكان سفيان لا يشك أنه سعيد بن المسيب. قال الشافعي: وغيره يرويه عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن عمر. [739] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان بن عيينة، أخبرني الزهري: فلما قمت سألت فقال لي [عمر] (¬3) بن قيس ¬

_ (¬1) "المسند" ص (151). (¬2) في الأصل: مالك. خطأ، والمثبت من "المسند". (¬3) في الأصل: عمرو. تحريف.

الشرح

وحضر المجلس معي: هو سعيد بن المسيب. قلت لسفيان: أشككت حين أخبرك أنه سعيد بن المسيب؟ قال: لا، هو كما قال، غير أنه قد كان دخلني الشك (¬1). [740] قال الشافعي: وأخبرني من أثق به من أهل المدينة، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب , أن عمر بن الخطاب لما جلد الثلاثة استتابهم، فرجع اثنان فقبل شهادتهما، وأبى أبو بكرة أن يرجع فردَّ شهادته (¬2). الشرح عمر بن قيس أبو الصباح. روى عنه: الثوري وزائدة. يعد في الكوفيين (¬3). وآخر يقال له: عمر (¬4) بن قيس [أخو] (¬5) حميد المكي، منكر الحديث (¬6). إلى قوله: {وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا} (¬7)، كما يرجع إلى قوله: {وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (¬8). ¬

_ (¬1) "المسند" ص (152). (¬2) "المسند" ص (152). (¬3) بل هو عمر بن قيس المكي أخو حميد، فقد روى المزني الحديث عن الشافعي في "السنن المأثورة" (426) وقال أبو جعفر الطحاوي: عمر هذا هو عمر بن قيس أخو حميد بن قيس الذي يروي عنه مالك وهو ضعيف الحديث. (¬4) انظر "التاريخ الكبير" (6/ ترجمة 2122)، و"الجرح والتعديل" (6/ ترجمة 703)، و"التهذيب" (21/ ترجمة 4297). (¬5) في الأصل: أبو. تحريف، وحميد أخوه هو ابن قيس من رجال التهذيب. (¬6) كذا في الأصل وهنا سقط في المخطوط، فالله المستعان. (¬7) النور: 4. (¬8) النور: 4.

وعند أبي حنيفة: لا تقبل شهادته والاستثناء يختص بالجملة الأخيرة. واستدل لقبول الشهادة بما اشتهر أنه شهد على المغيرة بن شعبة عند عمر - رضي الله عنه - أبو بكرة ونافع ونفيع ولم يصرح به زياد، فجلد الثلاثة واستتابهم فرجع اثنان فقبل شهادتهما، وأبى أبو بكرة أن يرجع فرد شهادته (¬1). وروي أنه قال لأبي بكرة: إن تبت قبلت شهادتك. واعلم أن في وجوب حد القذف إذا كانت النسبة إلى [...] (¬2) على صورة الشهادة ولم تقم البينة قولين للشافعي - رضي الله عنه -، أظهرهما: الوجوب، ويوافقه جلد عمر - رضي الله عنه - الثلاثة. ثم بيَّن الشافعي أن سفيان بن عيينة روى عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن عمر قبول الشهادة بعد التوبة، وأنه أخبر عن شك عرض بمن روى عنه الزهري. قال: قال الزهري: أشهد لأخبرني فلان -سمى رجلًا لم أحفظ اسمه- فلما قمنا قال لي عمر بن قيس: هو سعيد بن المسيب، فعرفت أنه كما قال وزال الشك. قوله: "ثم سمعته يقول: شككت فيه" خبر عن الشك المتقدم. وقوله: "قال سفيان: أشهد لأخبرني فلان" أي قال حكاية عن الزهري: أشهد. ¬

_ (¬1) قال الحافظ في "تلخيص الحبير" (1769): الروايات متفقة على أنهم (أي الذين شهدوا بالزنى على المغيرة) أبو بكرة ونافع وشبل بن معبد، وقوله (أي الرافعي) نفيع بدل شبل وهم؛ فنفيع اسم أبي بكرة لم يختلف في ذلك أصحاب الحديث. والحديث رواه الحاكم مطولًا (3/ 507). (¬2) بياض في "الأصل" بمقدار كلمة.

الأصل

وقوله: "كان سفيان لا يشك أنه سعيد بن المسيب" يعني في آخر الأمر، وأيد الشافعي ذلك بأن غير سفيان روى عن الزهري عن سعيد عن عمر مثل ذلك، فقال: وغيره يرويه عن ابن شهاب عن سعيد، وقال آخرًا: وأخبرني من أثق به من أهل المدينة ... إلى آخره. واعلم أن كلام الشافعي في الفصل ذكره في كتب ومواضع متفرقة [وجمع] (¬1) أبو العباس بينهما، وفي بعضها غنية عن بعض. ويروى مثل قولنا في المسألة عن ابن عباس وعطاء وطاوس ومجاهد وسعيد بن المسيب وسليمان بن يسار والشعبي وابن أبي نجيح وابن شهاب وأبي الزناد وغيرهم. الأصل [741] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مسلم، عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس وابن الزبير - رضي الله عنهم - أنهما قالا: لا يلحق المختلعة الطلاق في العدة , لأنه طلق ما لا يملك (¬2). الشرح قال الشافعي (¬3): المختلعة لا يلحقها الطلاق وإن كانت بعدُ في العدة، واحتج عليه بأنها ليست زوجة فلا يلحقها الطلاق كالأجنبية، والدليل على أنها ليست زوجة له أنه لو قذفها بعد الخلع لم يمكن من اللعان، وقد قال تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} (¬4) الآية، ولو آلى منها لم يصح، وقد قال تعالى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} (¬5)، ولو ظاهر لم ¬

_ (¬1) في الأصل: ومجمع تحريف. (¬2) "المسند" ص (152). (¬3) "الأم" (7/ 30). (¬4) النور: 6. (¬5) البقرة: 226.

الأصل

يصح، وقد قال: {الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ} (¬1)، ولو ماتت لم يرثها، وقد قال لما تعالى: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ} (¬2). ولما قال له من حاجه: إن بعض التابعين ذهب إلى أن يلحقها الطلاق في العدة، ويروى ذلك عن الشعبي وإبراهيم النخعي , قال: قول التابعي لا تقوم به حجة، ثم لا يترك قول الصحابي بقول التابعي، وروي عن ابن عباس وابن الزبير: لا يلحقها الطلاق. وقوله: "لأنه طلق ما لا يملك" أي: المملوك هو طلاق الزوجة وليست هذِه بزوجة، ويجوز أن يحمل "ما" (¬3) على "من". الأصل [742] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن نافع، عن ابن عمر، أنه قال: لكل مطلقة متعة، إلا التي فرض لها الصداق ولم يدخل بها فحسبها نصف المهر (¬4). الشرح المطلقة قبل الدخول إن وجب لها مهر بالعقد أبو بالفرض بعد العقد؛ فيكفيها شطر ما وجب ولا متعة لها، ومن الأصحاب من حكى قولًا آخر ضعيفًا: أن لها المتعة وإن لم يجب لها شيء وهي المفوضة إذا طلقها قبل الفرض فلها المتعة، قال تعالى: {وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ} (¬5). ¬

_ (¬1) المجادلة: 2. (¬2) النساء: 12. (¬3) أي: كلمة "ما" في الأثر. (¬4) "المسند" ص (152). (¬5) البقرة: 236.

وأما المطلقة بعد الدخول فهل تستحق؟ فيه قولان للشافعي: القديم: وبه قال أبو حنيفة: [لا] (¬1) لأنها والحالة هذِه تستحق جميع المسمى أو مهر المثل، ووجوب شطر المهر قد أغنى المتعة، فوجوب جميعه أولى بأن يغني عنها. والجديد: نعم، لقوله تعالى: {فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ} (¬2). وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - قد دخل بهن، ويدل عليه قول ابن عمر - رضي الله عنه -: "لكل مطلقة متعة ... " إلى آخره. فإن قلنا بالقول الضعيف في التي ينشطر مهرها فلا استثناء، ويوافقه ظاهر قوله تعالى: {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} (¬3). وقدر المهر: ما يتراضيان عليه، فإن تشاحا، فالظاهر أن الحاكم يقدرها باجتهاده، ويعتبر فيه حال الزوجين معًا. واستؤنس أيضًا لاستحقاق المدخول بها المتعة بما روي عن سويد بن غفلة قال: كانت الخثعمية تحت الحسن بن علي رضي الله عنهما، فلما قتل علي - رضي الله عنه - وبويع للحسن قالت له: لتهنك الخلافة. فقال الحسن: أظهرت الشماتة بقتل علي، أنت طالق ثلاثًا، فتلففت في ثوبها وقالت: والله ما أردت هذا، فمكثت حتى انقضت عدتها وتحولت، فبعث إليها الحسن بن علي ببقية من صداقها وبمتعة عشرين ألف درهم، فلما جاءها الرسول ورأت المال قالت: متاع قليل من حبيب مفارق، فأخبر الرسول الحسن بن علي فبكى وقال: لولا أني سمعت أبي يحدث عن جدي النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ¬

_ (¬1) سقط من الأصل. (¬2) الأحزاب: 28. (¬3) البقرة: 241.

الأصل

"من طلق امرأته ثلاثًا لم تحل له حتى تنكح زوجًا غيره لراجعتها" (¬1). الأصل [743] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن نافع، عن ابن عمرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجم يهوديين زنيا (¬2). الشرح الحديث مختصر ما هو مخرج في "الصحيحين" (¬3) وفي رواية: "رجم يهوديًّا ويهودية زنيا". وروى الشافعي عن عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد، عن ابن جريج، عن أبي الزبير، عن جابر؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجم رجلًا من اليهود وامرأة. وأخرجه مسلم (¬4) من رواية ابن جريج، وعن عبد الله بن الحارث ابن جزء, أن اليهود أتوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرجما (¬5). وفي الباب عن ابن عمر وابن عباس وأبي هريرة - رضي الله عنه -. والحديث يدل على أن الذميّ يرجم، ولا يشترط في الإحصان الإِسلام خلافًا لأبي حنيفة. ¬

_ (¬1) رواه الدارقطني (4/ 30 رقم 82)، والبيهقي (7/ 257). قال الألباني في "الضعيفة" (3/ 353): إسناد ضعيف جدًّا. (¬2) "المسند" ص (152). (¬3) "صحيح البخاري" (6841)، و"صحيح مسلم" (1699). (¬4) "صحيح مسلم" (1701). (¬5) رواه البيهقي (8/ 215). قال الحافظ في "التلخيص" (1750): وإسناده ضعيف.

الأصل

الأصل [744] أبنا الربيع، سمعت الشافعي يقول: سئل أبو حنيفة عن الصائم يأكل ويشرب ويطأ إلى اطلاع الفجر -وكان عنده رجل نبيل- فقال: أرأيت إن (اطلع) (¬1) الفجر نصف الليل؟ فقال: الزم الصمت يا أعرج (¬2). الشرح أورد الحافظ أبو بكر الخطيب الحكاية في ترجمة أبي حنيفة من "تاريخ بغداد" (¬3) في "باب ما يدل على فقهه وورعه" فقال: أبنا الجوهري، أبنا محمد بن عبد الله الأبهري، ثنا أبو عروبة الحراني، ثنا سليمان بن سيف، سمعت أبا عاصم يقول: قال رجل لأبي حنيفة: متى يحرم الطعام على الصائم؟ قال: إذا طلع الفجر، فقال له السائل: فإن طلع نصف الليل؟ قال: قم يا أعرج. وفي الروايتين تفاوت واختلاف. وأشار بقوله: "يا أعرج" إلى ما في كلامه من الخلل والعوج كما في رجل الأعرج، وأمره بالصمت؛ لأن السؤال إذا كان عن محال فلا يجاب عنه وحق السائل تركه، ولا اختصاص للحكاية بهذا الموضع. الأصل [745] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أخبرني عبد الله بن مؤمِّل، ¬

_ (¬1) كذا في الأصل وفي "المسند": طلع. (¬2) "المسند" ص (152). (¬3) "تاريخ بغداد" (3/ 352 ترجمة 7297).

الشرح

عن [ابن] (¬1) أبي مليكة قال: كتبت إلى ابن عباس من الطائف [في] (¬2) جاريتين ضربت إحديهما الأخرى ولا شاهد عليهما، فكتب إليَّ أن احبسهما بعد صلاة العصر ثم أقرأ عليهما: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا} ففعلت فاعترفت (¬3). الشرح التغليظ مشروع في الأيمان الجارية في الدعاوى توكيدًا للأمر ومبالغة في الزجر، وللتغليظ وجوه، منها: التغليظ بالزمان وهو بأن يؤخر اليمين إلى ما بعد العصر؛ فإن اليمين الفاجرة حينئذٍ أشد عقوبةً، وعن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ثلاثة لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم ولهم عذاب أليم ... وذكر منهم: من حلف على يمين بعد صلاة العصر: لقد أعطى بسلعة كذا وهو كاذب" (¬4). وفسر قوله تعالى: {تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ} (¬5) بصلاة العصر. والأثر عن ابن عباس يدل على هذا التغليظ، وكأن الجاريتين وقع منهما أو من إحديهما إجهاض من ضرب، وكانت كل واحدة منهما تحيل الجناية على الأخرى. وقوله: "ففعلت، فاعترفت" أي: الجانية منهما، واستحب الشافعي لهذا الأثر ونحوه أن يقرأ الحاكم على الحالف قوله تعالى: ¬

_ (¬1) سقط من الأصل والمثبت من "المسند". (¬2) بياض في الأصل والمثبت من "المسند". (¬3) "المسند" ص (153). (¬4) رواه البخاري (2358)، ومسلم (108). (¬5) المائدة: 106.

{إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا} الآية (¬1)، واستحب التغليظ أيضًا بإحضار المصحف ووضعه في حجر الحالف، ويروى ذلك عن ابن الزبير - رضي الله عنه -. تم الجزء، ويتلوه في الذي يليه بتوفيق الله تعالى: أبنا الربيع أبنا الشافعي، أبنا محمد بن علي بن شافع، عن عبد الله بن علي بن السائب، عن نافع بن عجير بن عبد يزيد, أن ركانة بن عبد يزيد طلق امرأته ... الحديث. والحمد لله رب العالمين، والصلاة على سيد الخلق محمد وآله أجمعين. ¬

_ (¬1) آل عمران: 77.

إماء الله مساجد الله، من جاء منكم الجمعة فليغتسل، إن كان ليكون عليَّ الصوم من رمضان.

الأصل

بسم الله الرحمن الرحيم الأصل [746] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا محمد بن علي بن شافع، عن عبد الله بن علي بن السائب، عن نافع بن عجير بن عبد يزيد؛ أن ركانة بن عبد يزيد طلق امرأته، ثم أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: إني طلقت امرأتي البتة ووالله ما أردت إلا واحدة؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "والله ما أردت إلا واحدة"؟ فقال ركانة: والله ما أردت إلا واحدة، فردها إليه (¬1). الشرح محمد (¬2) بن علي بن شافع القرشي الشافعي من عمومة الشافعي - رضي الله عنه -، وروى الحديث الشافعي عنه في "الأم" (¬3) وقال: حدثني عمِّي محمد بن علي بن شافع. روى عن: عبد الله بن علي بن السائب. وعبد الله: هو ابن علي بن السائب بن عبيد بن عبد يزيد بن هاشم ابن المطلب بن عبد مناف المطلبي القرشي من رهط الشافعي، وأن عليًّا أبوه أخو شافع جدُّ الشافعي. روى عن: نافع بن عجير، وذكر أنه روى عن عثمان. وأنه روى عنه: عمر مولى غفرة، وسعيد بن أبي هلال (¬4). ¬

_ (¬1) "المسند" ص (153). (¬2) انظر "التهذيب" (26/ ترجمة 5483). (¬3) "الأم" (7/ 35). (¬4) انظر "التاريخ الكبير" (5/ ترجمة 455)، و"الجرح والتعديل" (5/ ترجمة 522)، و"التهذيب" (15/ ترجمة 3435).

ونافع: هو ابن عجير بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب من رهط الأوَّلين، يقال: روى عن: علي، وروى عنه: ابنه محمد (¬1). وركانة: هو ابن عبد يزيد بن هشام بن المطلب بن عبد مناف القرشي، صارع النبي - صلى الله عليه وسلم - فصرعه فأسلم، نزل المدينة ومات بها في خلافة معاوية. روى عنه: ابنه يزيد، وسبطه علي بن يزيد بن ركانة، وأخوه طلحة. وركانة أخو عبيد بن عبد يزيد الذي يقع في أجداد الشافعي (¬2). والحديث ثابت مشهور، رواه الشافعي في "الأم" (¬3) في "أحكام القرآن"، وسمى المرأة فقال: "طلق امرأته سهيمة المزنيَّة البتة" وقال في آخره: "فطلقها الثانية في زمان عمر والثالثة في زمان عثمان رضي الله عنهما" وأخرجه أبو داود في "السنن" (¬4) عن ابن [السرح] (¬5) وأبي ثور إبراهيم بن خالد عن الشافعي، وأيضًا عن محمد بن يونس عن عبد الله ابن الزبير عن محمد بن إدريس الشافعي، وروى الحديث الزبير بن سعيد الهاشمي عن عبد الله بن علي بن يزيد بن ركانة عن أبيه عن جدِّه طلق امرأته البتة، وأخرجه من روايته أيضًا أبو داود (¬6) عن أبي الربيع سليمان بن داود عن جرير بن حازم عن الزبير بن سعيد، وأبو عبد الله بن ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (8/ ترجمة 2264)، و "الجرح والتعديل" (8/ ترجمة 2080)، و"التهذيب" (29/ ترجمة 6366). (¬2) انظر "معرفة الصحابة" (2/ ترجمة 979)، و"الإصابة" (2/ ترجمة 2691). (¬3) "الأم" (7/ 296). (¬4) "سنن أبي داود" (2206، 2207). (¬5) في الأصل: السراح. تحريف، والمثبت من "السنن". (¬6) "السنن" (2208).

ماجه (¬1) عن أبي بكر بن أبي شيبة وعلي بن محمد عن وكيع عن جرير بن حازم، وأبو عيسى الترمذي (¬2) عن هناد عن قبيصة عن جرير. واختلف الصحابة فمن بعدهم فيمن طلق امرأته البتة، فعن عمر - رضي الله عنه - أنها تطلق واحدة، وعن علي - رضي الله عنه - أنها تطلق ثلاثًا، ويروى عن مالك أنها تطلق ثلاثًا إن كانت مدخولًا بها، وقال بعضهم: إن نوى واحدة أو اثنتين طلقت واحدة، وإن نوى الثلاث طلقت ثلاثًا وبه قال أبو حنيفة. وقال الشافعي: إن نوى واحدة أو لم ينو شيئًا وقعت واحدة، وإن نوى اثنتين أو ثلاثًا وقع ما نواه. والحديث يدل على أنه لا يقع الثلاث، واحتج الشافعي بالحديث على أنه إذا لم يستوف الزوج عدد الطلاق والمرأة مدخول بها ثبتت له الرجعة؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - ردَّاها إليه، والمقصود أنه مكنها من الرجعة، وبتقدير أن يكون المراد الرد بنكاح جديد ففيه دليل على جواز التجديد إذا لم يستوف العدد. واحتج به أيضًا في مسألتين أخرتين: إحديهما: أن اليمين المحسوبة في الدعاوى هي الواقعة بعد تحليف القاضي دون ما يبتديء به الحالف , فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكتف بقول ركانة أولًا: "والله ما أردت إلا واحدة" حتى حلفه، وقد قيل: إن المرأة كانت تنازعه وتدعي أنه نوى الزيادة على الواحدة. والثانية: دخول اليمين في دعوى الطلاق خلافًا لأبي حنيفة؛ حيث قال: لا يجري التحليف في الطلاق بالنكاح، وقد روي عن نافع ¬

_ (¬1) "السنن" (2051). (¬2) "جامع الترمذي" (1177) وقال: وسألت محمدًا عن هذا الحديث فقال: فيه اضطراب.

الأصل

عن ابن عمر أنه قال: إذا ادعت المرأة الطلاق على زوجها فتناكرا فيمينه بالله ما فعل (¬1). الأصل [747] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن هاشم بن هاشم بن عتبة ابن أبي وقاص، عن عبد الله بن نسطاس، عن جابر بن عبد الله أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من حلف على منبري هذا بيمين آثمة تبوأ مقعده من النار" (¬2). [748] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك بن أنس، عن داود بن الحصين أنه سمع أبا غطفان بن طريف المرِّي قال: اختصم زيد بن ثابت وابن مطيع إلى مروان بن الحكم في دار، فقضى باليمين على زيد بن ثابت على المنبر فقال زيد: احلف له مكاني. فقال مروان: لا والله إلا عند مقاطع الحقوق، فجعل زيد يحلف أن حقه لحق ويأبى أن يحلف على المنبر، فجعل مروان يعجب من ذلك. قال مالك: كره زيد صبر اليمين (¬3). الشرح [هاشم] (¬4) بن [هاشم] (¬5) بن عتبة بن أبي وقاص الزهري يعد في أهل المدينة. سمع: عامر بن سعد، وسعيد بن المسيب. روى عنه: مروان الفزاري، ويحيى بن أبي زائدة، وأبو أسامة، ¬

_ (¬1) رواه البيهقي (10/ 182). (¬2) "المسند" ص (153). (¬3) "المسند" ص (153). (¬4) في الأصل: هشام. تحريف. (¬5) في الأصل: هشام. تحريف.

وأبو بدر شجاع بن الوليد (¬1). وعبد الله بن نسطاس. ذكر أبو داود السجستاني أنه من آل كثير بن الصلت الكندي، وقال بعضهم: نسطاس غلام كثير. روى عن: جابر بن عبد الله، وغيره (¬2). وأبو غطفان بن طريف المرِّيّ يقال أن اسمه يزيد وهو ممن اشتهر بالكنية. وروى عنه: داود بن الحصين وغيره (¬3). وابن مطيع: هو عبد الله بن مطيع بن الأسود العدوي القرشيّ. سمع: أباه عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. وروى عنه: محمد بن أبي موسى، وغيره (¬4). وحديث ابن نسطاس عن جابر أخرجه أبو داود السجستاني في "السنن" (¬5) عن عثمان بن أبي شيبة عن ابن نمير عن [هاشم] (¬6)، وأبو عبد الله بن ماجه (¬7) عن عمرو بن رافع عن مروان بن معاوية عن ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (8/ ترجمة 2838)، و"الجرح والتعديل" (9/ ترجمة 434)، و"التهذيب" (30/ ترجمة 6542). (¬2) انظر "التهذيب" (16/ ترجمة 3615). (¬3) انظر "الجرح والتعديل" (9/ ترجمة 2076)، و"التهذيب" (34/ ترجمة 7565). (¬4) انظر "التاريخ الكبير" (5/ ترجمة 626)، و"الجرح والتعديل" (5/ ترجمة 702)، و"التهذيب" (16/ ترجمة 3578). (¬5) "سنن أبي داود" (3246). (¬6) في الأصل: هشام. تحريف، والمثبت من "السنن" وقد سبق التنبيه عليه في ترجمته. (¬7) "سنن ابن ماجه" (2325). والحديث صححه ابن الجارود (927)، وابن حبان (1192)، والحاكم (4/ 296) وقال: صحيح الإسناد، وصححه الألباني في "الإرواء" (8/ 313).

[هاشم] (¬1) وزادا: "ولو على سواك أخضر". ويروى مثله عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬2). والمقصود أن من وجوه تغليظ اليمين التغليظ بالمكان، وذلك بأن يحلف في أشرف مواضع البلد وهو بمكة بين البيت والمقام، وبالمدينة عند منبر النبي - صلى الله عليه وسلم - ويقال: على المنبر، وببيت المقدس عند الصخرة، وفي سائر البلاد في المقصورة عند المنبر، ومن أصحابنا من لم يعتبر في سائر البلاد موضع المنبر. واختلف قول الشافعي في أن هذا التغليظ مستحق أو مستحب، والظاهر الثاني، وإنما يجري التغليظ في دعوى الدم والنكاح والطلاق والرجعة وسائر ما ليس بمال ولا المقصود منه المال، وأما الأموال فيشرع التغليظ في الكثير منها دون القليل, لما روي أن عبد الرحمن بن عوف رأى قومًا يحلفون بين المقام والبيت فقال: أعلى دم؟ قالوا: لا، قال: أفعلى عظيم من المال؟ قالوا: لا، قال: لقد خشيت أن يبهى الناس بهذا المقام (¬3). يقال: بهأت بالشيء إذا أنست به حتى سقطت هيبته من قلبك. ويشبه أن تكون الدار في خصومة زيد بن ثابت وابن مطيع من حد ¬

_ (¬1) في الأصل: هشام. تحريف، والمثبت من "السنن" وقد سبق التنبيه عليه في ترجمته. (¬2) رواه ابن ماجه (2326)، والحاكم (4/ 297). قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين، وقال الذهبي: صحيح. وقال صاحب "مصباح الزجاجة" (821): إسناده صحيح رجاله ثقات. وصححه الألباني في "الإرواء" (8/ 313). (¬3) رواه الشافعي في "الأم" (7/ 34)، والبيهقي (10/ 176). قال الحافظ في "التلخيص" (4/ 212): وإسناده منقطع.

الكثير، والكثير ما يبلغ قدر عشرين دينارًا أو مائتي درهم بالعين أو القيمة، وذكر المنبر في حديث جابر يدل على اختصاص اليمين الفاجرة على المنبر بمزيد الإثم. ورواه شجاع بن الوليد وغيره عن هاشم بن هاشم وقال: "عند المنبر" ولم يقل: "عند منبري" وذلك يوافق وجه اعتبار المنبر في سائر البلاد، وفي قصة زيد بن ثابت ومروان ما يدل على التغليظ بالتحليف على المنبر، ولولا أنه مشروع لقال زيد: ليس علي الحلف كما تقول. وقوله: "إلا عند مقاطع الحقوق" يجوز أن يريد الموضع الذي تبين فيه الأحكام والحدود، وتنفصل بالبيان فيه الحقوق فتمتاز وتنقطع بعضها عن بعض. وقول مالك: "كره زيد صبر اليمين" الصبر: الحبس، ويمين الصبر: هي التي يلزم ويجبر عليها الحالف، والمعنى أنه كان يبتديء باليمين على أنه محقق ولكنه أبى أن يحلف بتحليف الحاكم تورُّعًا عن اليمين الصادقة إذا ألزم بها، وهو كما يروى أن عثمان - رضي الله عنه - ردَّت عليه اليمين على المنبر فاتقاها وافتدى منها وقال: أخاف أن يوافق قدر بلاء فيقال بيمينه (¬1)، ويجوز أن يشير مالك بما ذكره إلى أن امتناعه عن اليمين لم يكن لأن مروان كان يحلفه على المنبر، ولكنه لم يرد الحلف بالتحليف، وذهب مالك إلى التحليف على المنبر في ربع دينار فصاعدًا. وقال أبو حنيفة وأحمد: لا تغليظ بالمكان ولا بالزمان. ¬

_ (¬1) رواه البيهقي عن الشافعي (10/ 177) بلاغًا عن عثمان - رضي الله عنه -.

الأصل

الأصل [749] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك بن أنس، عن أبي ليلًا بن عبد الله بن عبد الرحمن بن سهل، أن سهل بن أبي حثمة أخبره ورجال من كبراء قومه؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لحويصة ومحيصة وعبد الرحمن: "تحلفون وتستحقون دم صاحبكم"؟ قالوا: لا، قال: "فتحلف يهود" (¬1). [750] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان بن عيينة والثقفي، عن يحيى بن سعيد، عن بشير بن يسار، عن سهل بن أبي حثمة؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بدأ للأنصاريين فلما لم يحلفوا ردَّ الأيمان على اليهود (¬2). [751] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك بن أنس، عن ابن شهاب، عن سليمان بن يسار أن رجلًا من سعد بن ليث أجرى فرسًا فوطيء على أصبع رجل من جهينة فترى فيها فمات، فقال عمر - رضي الله عنه - للذين ادُّعي عليهم: تحلفون خمسين يمينًا ما مات منها، فأبوا وتحرجوا من الأيمان، فقال للآخرين: احلفوا أنتم فأبوا (¬3). الشرح أبو ليلى (¬4): هو ابن عبد الله بن عبد الرحمن بن سهل بن حثمة ¬

_ (¬1) "المسند" ص (153). (¬2) "المسند" ص (153). وقد سقط ذكر الححيث رقم [751] من الأصل وهو في "المسند" أخبرنا مالك، عن يحيى، عن بشير بن يسار، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بمثله. (¬3) "المسند" ص (154). (¬4) انظر "التاريخ الكبير" (5/ ترجمة 284)، و"الجرح والتعديل" (9/ ترجمة 2143)، و" التهذيب" (34/ ترجمة 7592).

الأنصاري الحارثي. سمع: سهل بن أبي حثمة. وروى عنه: مالك. وعن محمد بن إسحاق أن أبا ليلى هو عبد الله ابن سهل بن عبد الرحمن بن سهل أبي حثمة. وروى الحديث بعضهم عن مالك فقال: عن ابن أبي ليلًا عبد الله ابن سهل (¬1). وحويصة (¬2) ومحيصة (¬3) المذكوران في متن الخبر ابنا مسعود الأنصاري الحارثي، ولمحيصة رواية عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. روت عنه: ابنته، وابنه سعد. والياء من محيصة تشدد وتخفف، وفتح بعضهم الميم وكسر الحاء فقال: محيصة وعد ذلك وهمًا. وعبد الرحمن: هو ابن سهل الأنصاري، مذكور في الصحابة وله رواية عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وغزا في زمان عثمان - رضي الله عنه - في ناحية الشام. روى عنه: سهل بن أبي حثمة (¬4). وحديث مالك عن أبي ليلى مودع في "الموطأ" (¬5) ورواه البخاري (¬6) عن عبد الله بن يوسف، ومسلم (¬7) عن إسحاق بن منصور عن بشر بن عمر، بروايتهما عن مالك. ¬

_ (¬1) وكذا رواه أحمد (4/ 3). (¬2) انظر "معرفة الصحابة" (2/ ترجمة 775)، و"الإصابة" (2/ ترجمة 1883). (¬3) انظر "معرفة الصحابة" (5/ ترجمة 2783)، و"الإصابة" (6/ ترجمة 7830). (¬4) انظر "معرفة الصحابة" (4/ ترجمة 1832)، و"الإصابة" (4/ ترجمة 5140). (¬5) "الموطأ" (2/ 877 رقم 1565). (¬6) "صحيح البخاري" (7192). (¬7) "صحيح مسلم" (1669/ 6).

وحديث بشير بن يسار عن سهل أخرجه مسلم (¬1) عن محمد بن المثنى عن عبد الوهاب الثقفي، وهو معاد في "المسند" بتمام قصة القسامة، واختصره الشافعي من الروايتين وعرضه في موضع الاختصار للاحتجاج بها على أن اليمين قد يحول ويرد ممن توجهت عليه إلى غيره، ولا يحكم بالنكول فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - بدأ بالأنصار وعرض عليهم، فلما امتنعوا ردَّها على اليهود، وعرض عمر - رضي الله عنه - اليمين على الليثيين يبرئون بها فلما أبوا حولها إلى الجهنيين، ويروى عن نافع عن ابن عمر, أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ردَّ اليمين على طالب الحق (¬2). وعن عمر وعلي رضي الله عنهما أنهما قالا برد اليمين. وقوله: "فنزى فيها" أي سال دمه حتى مات، ورواه بعضهم "فنزف" بالفاء وهو قريب. وأما ما يتعلق بالحديث من القسامة فسيأتي من بعد إن شاء الله تعالى. ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (1669/ 2). (¬2) رواه الدارقطني (4/ 213 رقم 34)، والحاكم (4/ 100) من طريق محمد بن مسروق، عن إسحاق بن الفرات، عن الليث بن سعد عنه. قال الحاكم: صحيح الإسناد، وقال الذهبي: لا أعرف محمدًا، وأخشى أن يكون الحديث باطلًا. وقال الحافظ في "البلوغ" (2/ 292): في إسناده ضعف، وفي "التلخيص" (2139): محمد لا يعرف، وإسحاق مختلف فيه. وضعفه الألباني في "الإرواء" (8/ 268).

دولة قطر وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية شرحُ مُسْنَد الشَّافِعيِّ تأليفُ الإِمام العلَّامة حُجَّة الإِسلام عبد الكريم بن محمَّد بن عبد الكريم بن الفضل بن الحسن القزويني أبي القاسم الرافعي الشافعي المتوفى سنة 623هـ حقّقه أبو بكر وائل محمَّد بكر زهران (دار الفلاح للبحث العلمي وتحقيق التراث) المجلد الثالث إصدارات وزارة الأوقاف والشؤون الإِسلامية إدارة الشؤون الإِسلامية دولة قطر

بسم الله الرحمن الرحيم

شرحُ مسند الشافعي

حُقُوق الطَّبع مَحفُوظَة لوزارة الأوقاف والشئون الاسلامية إدارة الشئون الإسلامية دولة قطر الطبعة الأولى /1428هـ-2007م

كتاب اختلاف الحديث

الأصل ومن كتاب اختلاف الحديث [753] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن سالم بن عبد الله؛ أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - نهى عن الطيب قبل زيارة البيت وبعد الجمرة. قال سالم: فقالت عائشة: طيبت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيدي لإحرامه قبل أن يحرم، ولحله قبل أن يطوف بالبيت، وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحق (¬1). الشرح أورد أبو العباس ها هنا الأحاديث التي ضمَّنها الشافعي - رضي الله عنه - كتابه المعروف بـ "اختلاف الحديث" ومنها [ما] (¬2) قد سبقت روايته، لكنه أعاده لمزيد في الإسناد أو المتن. وحديث سفيان عن عمرو عن سالم مما هو مرويّ من قبل (¬3)، فروي عن عمر - صلى الله عليه وسلم -، أنه منع من التطيب قبل الطواف بالبيت وحصول التحلل الثاني. وألحق الطيب بالجماع، وروي عن عائشة خلافه عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. وقوله: "وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحق" أي بأن تتبع وهو مصرح فيما تقدم، وبين هناك أن هذِه الكلمة من قول سالم، وأورد الشافعي الأثر والخبر في "اختلاف الحديث" محتجًّا به على أن خبر الواحد مقبول، وأنه يترك به الأثر فقال: ترك سالم قول جده عمر - رضي الله عنه - في إمامته، وقبل ¬

_ (¬1) "المسند" ص (155). (¬2) ليست في الأصل. والسياق يقتضيها. (¬3) سبق برقم (554).

الأصل

خبر عائشة وحدها وأعلم من حدثه أن خبرها وحدها سنة وأن سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحق. قال: وصنع ذلك الذين بعد التابعين المتقدمين مثل ابن شهاب ويحيى بن سعيد وعمرو بن دينار والذين لقيناهم (¬1). وقضية قولها: "طيبت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيدي لإحرامه قبل أن يحرم، ولحله قبل أن يطوف بالبيت" أنه لا يمنع من مطلق اللمس قبل تمام التحلل. الأصل [754] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا ابن عيينة، عن زياد بن علاقة، عن عمه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في الصبح: {وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ}. قال [الشافعي - رضي الله عنه -: يعني بقاف (¬2). [755] أخبرنا سفيان، عن مسعر بن كدام، عن الوليد بن سريع، عن عمرو بن حريث قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في الصبح] (¬3) {وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ (17)}. قال الشافعي: يعني قرأ في الصبح: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (1)} (¬4). [756] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مسلم بن خالد وعبد المجيد بن عبد العزيز عن ابن جريج قال: أخبرني محمد بن عباد بن جعفر، أخبرني أبو سلمة بن سفيان وعبد الله بن عمرو العابدي، عن ¬

_ (¬1) "اختلاف الحديث" ص (241). (¬2) "المسند" ص (155). (¬3) قطع في الأصل والمثبت من "المسند". (¬4) "المسند" ص (155).

الشرح

عبد الله بن السائب قال: صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصبح بمكة فاستفتح سورة المؤمنين حتى إذا جاء ذكر موسى وهارون أو ذكر عيسى أخذت النبي - صلى الله عليه وسلم - سعلة، فحذف فركع. قال: وعبد الله بن السائب حاضر ذلك (¬1). الشرح زياد: هو ابن علاقة بن مالك الثعلبي الكوفي، أبو مالك. سمع: المغيرة بن شعبة، وأسامة بن شريك، وعمه، وجرير بن عبد الله، وعمرو بن ميمون. وروى عنه: السفيانان، وأبو عوانة، ومسعر، وشريك، وشعبة، وزائدة، وأبو الأحوص، وأبو بكر النهشلي (¬2). وعمه: هو قطبة بن مالك من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، سكن الكوفة (¬3). والوليد بن سريع كوفي. سمع: عمرو بن حريث. وروى عنه: مسعر، وخلف بن خليفة، وإسماعيل بن أبي خالد، والمسعودي (¬4). وعمرو: هو ابن حريث بن عمرو بن عثمان بن عبد الله بن عمر بن ¬

_ (¬1) "المسند" ص (155). (¬2) انظر "التاريخ الكبير" (3/ ترجمة 1234)، و"الجرح والتعديل" (3/ ترجمة 2437)، و"التهذيب" (9/ ترجمة 2061). (¬3) انظر "معرفة الصحابة" (4/ ترجمة 2469)، و"الإصابة" (5/ ترجمة 7127). (¬4) انظر "التاريخ الكبير" (8/ ترجمة 2502)، والجرح والتعديل" (9/ ترجمة 25)، و"التهذيب" (31/ ترجمة 6705).

مخزوم القرشي أبو سعيد، سكن الكوفة. سمع: النبي - صلى الله عليه وسلم -، وعدي بن حاتم، وعبد الله بن مسعود، وسعيد ابن زيد. وروى عنه: عبد الملك بن عمير، والحسن العرني. وعن أبي إسحاق السبيعي أنه قال: سمعت عمرو بن حريث يقول: كنت في بطن المرأة يوم بدر، ويقال أنه مات سنة خمس وثمانين (¬1). وأبو سلمة: هو ابن سفيان بن عبد الأشهل المخزومي المكي، ممن يعرف بالكنية. سمع: عبد الله بن السائب، وعبد الله بن عمرو. وروى عنه: محمد بن عباد بن جعفر (¬2). وعبد الله بن عمرو يعد في أهل الحجاز. سمع: عبد الله بن السائب. وروى عنه: محمد بن عباد بن جعفر (¬3). وحديث زياد عن عمه صحيح أخرجه مسلم (¬4) عن أبي بكر بن أبي شيبة عن ابن عيينة، وأبو عبد الله بن ماجه (¬5) عن أبي بكر بن أبي شيبة عن [شريك] (¬6) وسفيان، عن زياد. ¬

_ (¬1) انظر "معرفة الصحابة" (4/ ترجمة 2054)، و"الإصابة" (4/ ترجمة 5812). (¬2) انظر "التاريخ الكبير" (5/ ترجمة 293)، و"التهذيب" (/ 15 ترجمة 3310). (¬3) انظر "التاريخ الكبير" (5/ ترجمة 470)، و"الجرح والتعديل" (5/ ترجمة 533)، و"التهذيب" (15/ ترجمة 3451). (¬4) "صحيح مسلم" (457/ 166). (¬5) "السنن" (816). (¬6) قطع في الأصل والمثبت من "السنن".

وحديث عمرو بن (¬1) حريث أخرجه مسلم أيضًا في "الصحيح" (¬2) من حديث وكيع وغيره عن مسعر، ورواه عن عمرو بن حريث أيضًا: مولاه أصبغ، ومن روايته أخرجه أبو داود (¬3) السجستاني عن إبراهيم بن موسى عن عيسى عن إسماعيل عن أصبغ، وابن ماجه (¬4) عن محمد بن عبد الله بن نمير عن أبيه عن إسماعيل بن أبي خالد عن أصبغ. وحديث عبد الله بن السائب أورده مسلم (¬5) أيضًا من حديث ابن جريج، ورواه ابن ماجه (¬6) عن هشام بن عمار عن ابن عيينة عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن عبد الله بن السائب وقال: "فلما أتى على ذكر عيسى ... " ولم يبد شكًّا، والشك في رواية الكتاب منسوب إلى محمد بن عباد بن جعفر، كذلك حكاه البخاري في "التاريخ" (¬7). وفي الحديث الأول والثاني التعبير ببعض السورة عن جميعها على ما فسره الشافعي، وفي الحديث الثالث أن السورة التي تقرأ بعد الفاتحة لا يتعين كونها من المفصل. وقد يستدل بقوله: "صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصبح بمكة فاستفتح سورة المؤمنين " على أن سورة المؤمنين مكية وهو الأشهر، ولمن خالف فيه أن يقول: لعل صلاته بهم كان بعد الفتح أو في حجة الوداع. وفي الخبر إشارة إلى أنه كان على أن يتم السورة، حيث قال: "فحذف فركع" وفيه دليل على أن العبادة المعزوم عليها وقد تترك ¬

_ (¬1) زاد في الأصل: أبي. خطأ. (¬2) "صحيح مسلم" (456/ 164). (¬3) "سنن أبي داود" (817). (¬4) "سنن ابن ماجه" (817). (¬5) "صحيح مسلم" (455/ 163). (¬6) "السنن" (820). (¬7) "التاريخ الكبير" (5/ 152).

الأصل

لعارض يعرض. قال الشافعي: وليس يعد ما في هذِه الأحاديث اختلافًا, لأنه - صلى الله عليه وسلم - قد صلى الصلوات عمره، فيحفظ الرجل قراءته يومًا والرجل (¬1) قراءته يومًا غيره، وروي عن هشام بن عروة عن أبيه أن أبا بكر الصديق صلى الصبح فقرأ فيها بسورة البقرة في الركعتين، وعن عمر بن الخطاب أنه قرأ في الصبح بسورة يوسف وسورة الحج، وعن الفرافصة الحنفي أنه قال: ما أخذت سورة يوسف إلا من قراءة عثمان بن عفان إياها في الصبح من كثرة ما كان يرددها. وستأتي هذِه الآثار في الكتاب. الأصل [757] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، أبنا أبو [يعفور] (¬2)، عن مسلم، عن مسروق، عن عائشة قالت: من كل الليل قد أوتر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فانتهى وتره إلى السحر (¬3). الشرح أبو [يعفور] (¬4): هو وقدان -ويقال: واقد ووقدان لقب له- العبدي الكوفي. سمع: عبد الله بن أبي أوفى، ومصعب بن سعد، وأبا الضحى. وروى عنه: شعبة، وأبو عوانة، والثوري، وإسرائيل، وأبو ¬

_ (¬1) زاد في الأصل: و. مقحمة. (¬2) في الأصل وكذا مطبوع "المسند": يعقوب. تحريف، والمثبت الصواب، وهو على الصواب في "الأم" (1/ 142)، وانظر: "الإكمال" لابن ماكولا (7/ 336). (¬3) "المسند" ص (156). (¬4) في الأصل: يعقوب. تحريف، وقد سبق التنبيه عليه.

الأحوص، وسفيان بن عيينة (¬1). ومسلم: هو ابن صبيح -بضم الصاد- أبو الضحى الكوفي مولى آل سعيد بن العاص القرشي. سمع: ابن عباس، وشتير بن [شكل] (¬2) وعبد الرحمن بن هلال. وروى عنه: الأعمش، ومنصور، وحصين، وسعيد بن مسروق. توفي في خلافة عمر بن عبد العزيز (¬3). والحديث صحيح أخرجه مسلم (¬4) عن يحيى بن يحيى عن سفيان، والبخاري (¬5) من طريق آخر عن مسلم بن صبيح، ورواه يحيى بن وثاب عن مسروق عن عائشة وقال: "من أول الليل وأوسطه وآخره فانتهى وتره إلى السحر" (¬6). وعن عائشة أنها سئلت عن وتر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت: "ربما أوتر من أول الليل وربما أوتر من آخره" (¬7). والمقصود أن جميع الليل وقت الوتر بعد الإتيان بصلاة العشاء، وروي أن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما تذاكرا الوتر عند رسول الله ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (8/ ترجمة 2658)، و"الجرح والتعديل" (9/ ترجمة 207)، و"التهذيب" (30/ ترجمة 6694). (¬2) في الأصل: شكيل. تحريف. (¬3) انظر "التاريخ الكبير" (7/ ترجمة 1116)، و"الجرح والتعديل" (8/ ترجمة 815)، و"التهذيب" (27/ ترجمة 5931). (¬4) "صحيح مسلم" (745/ 136). (¬5) "صحيح البخاري" (966). (¬6) رواه مسلم (745/ 137). (¬7) روه أبو داود (1437)، والترمذي (2924)، وابن خزيمة (1081)، وابن حبان (2447). قال الترمذي: حسن غريب، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1291).

الأصل

- صلى الله عليه وسلم -، فقال أبو بكر: أما أنا فأوتر في أول الليل، فقال عمر: أما أنا فأوتر في آخر الليل، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "حذر هذا وقوي هذا" (¬1). واختار الشافعي في "حرملة" الوتر في آخر الليل وحمل حديث أبي يعفور حيث قال: "انتهى وتره إلى آخر الليل" على أن أمر وتره استقر على التأخير إلى آخر الليل، ويدل عليه خبر ابن عباس في مبيته عند خالته ميمونة وحكايته صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - بالليل وقد سبق، ويروى عن جابر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من خاف أن لا يستيقظ آخر الليل فليوتر أول الليل ثم ليرقد، ومن طمع أن يستيقظ من آخر الليل فليوتر من آخر الليل؛ فإن قراءة آخر الليل محضورة وذلك أفضل " (¬2). ثم من أوتر أولًا ونام ثم قام للتهجد؛ فقد قال بعض أصحابنا: أنه يشفع وتره بركعة ويعيد الوتر في آخر تهجده، ويروى ذلك عن ابن عمر - رضي الله عنه -، وسيأتي الأثر عنه في الكتاب، والظاهر أنه لا يشفع وتره ولا يعيده، وبه قال أبو بكر وابن عباس وعمار بن ياسر وأبو هريرة - رضي الله عنه -. الأصل [758] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا ابن أبي فديك، عن ابن أبي ذئب، عن الحارث بن عبد الرحمن، عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان، عن أبي هريرة؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قرأ بالنجم فسجد وسجد الناس معه إلا رجلين. قال: أرادا الشهرة (¬3). ¬

_ (¬1) رواه الشافعي في "السنن المأثورة" (181) عن ابن المسيب مرسلًا، ورواه بعضهم عنه عن أبي هريرة. قال الدارقطني في "العلل" (35) والمرسل الصواب. (¬2) رواه مسلم (755). (¬3) "المسند" ص (156).

الشرح

[759] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا ابن أبي فديك، عن ابن أبي ذئب، عن يزيد بن عبد الله بن قسيط، عن عطاء بن يسار، عن زيد بن ثابت؛ أنه قرأ عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالنجم فلم يسجد فيها (¬1). [760] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا إبراهيم بن محمد، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار؛ أن رجلًا قرأ عند النبي - صلى الله عليه وسلم - السجدة فسجد، فسجد النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم قرأ عنده آخر السجدة فلم يسجد النبي - صلى الله عليه وسلم -. فقال: يا رسول الله قرأ فلان عندك السجدة فسجدت، وقرأت عندك السجدة فلم تسجد؟! فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -:"كنت إمامًا فلو سجدتَ سجدتُ" (¬2). الشرح الحارث بن عبد الرحمن الأقرب أنه خال ابن أبي ذئب الذي يروي عن: سالم، وأبي سلمة، ومحمد بن جبير بن مطعم وهو من أهل الحجاز. روى عنه: ابن أبي ذئب (¬3). واحتج الشافعي بهذِه الأحاديث على أن سجدة التلاوة غير واجبة، أما دلالة الحديث الثاني والثالث فظاهرة، وأما الأول فقد قال: الرجلان لا يدعان الفرض إن شاء الله ولو كان فرضًا وتركاه لأمرهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأن يسجدا (¬4). ¬

_ (¬1) "المسند" ص (156). (¬2) "المسند" ص (156). (¬3) انظر "التاريخ الكبير" (2/ ترجمة 2434)، و "الجرح والتعديل" (3/ ترجمة 366)، و"التهذيب" (5/ ترجمة 1027). (¬4) "الأم" (1/ 136).

الأصل

ويدل على عدم الوجوب ما روي أن عمر - رضي الله عنه - قرأ سجدة وهو على المنبر فنزل وسجد وسجدوا معه، ثم قرأ الجمعة الآخرى فتهيأ الناس للسجود فقال: أيها الناس على رسلكم إن الله لم يكتبها علينا إلا أن نشاء، فقرأها فلم يسجد ومنعهم أن يسجدوا (¬1). ويروى المصير إلى عدم الوجوب عن ابن عباس وعائشة وعمران ابن الحصين. وفي الحديث الأول بيان أن في سورة النجم سجدة خلافًا لقول من قال: إنه لا سجدة في المفصل، وما يروى عن يونس عن الحسن؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سجد في النجم بمكة ثم تركه بالمدينة" ليحمل على أنه سجد فيها تارة ولم يسجد أخر على ما تقدم، لا على أنه ترك استحبابها، ويبينه ما روي عن عمر - رضي الله عنه - أنه قرأ: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1)} فسجد فيها ثم قام فقرأ بسورة أخرى (¬2)، وعن علي - رضي الله عنه - أنه قال: عزائم السجود {الم (1) تَنْزِيلُ} و {حم (1) تَنْزِيلٌ} و {النَّجْمِ} و {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} (¬3). والحديث الثالث يدل على أنه إذا سجد القاريء فلا ينبغي للمستمع أن يترك السجود، بل يوافقه كما يوافق المأموم الإِمام، ولو سجد المستمع فقد أحسن ولا يلزمه أن يترك لترك القاريء. وروى حديث عطاء بن يسار: إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة عن زيد بن أسلم عن عطاء عن أبي هريرة موصولًا، والرواية المرسلة أصح وأثبت. الأصل [761] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا عبد الوهاب، عن أيوب السختياني، عن محمد بن سيرين، عن ابن عباس قال: سافر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ¬

_ (¬1) رواه مالك (1/ 206 رقم 484). (¬2) رواه مالك (1/ 206 رقم 483). (¬3) رواه ابن أبي شيبة (1/ 369).

الشرح

بين مكة والمدينة آمنًا لا يخاف إلا الله تعالى، يصلي ركعتين (¬1). [762] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة قالت: أول ما فرضت الصلاة ركعتين ركعتين، فزيد في صلاة الحضر وأقرت صلاة السفر. قلتُ: فما شأن عائشة كانت تتم الصلاة؟ قال: إنها تأولت ما تأول عثمان رضي الله عنهما (¬2). الشرح حديث ابن عباس قد مرَّ (¬3) في الكتاب من وجهين: منقطع وموصول، وبيَّنا هناك أنه صحيح موصول. وقوله: "يصلي ركعتين" يريد الصلوات المقصورة. وحديث عائشة مخرَّج في "الصحيحين" (¬4) من رواية سفيان. وقولها: "وأقرت صلاة السفر" قال الشافعي: أرادت أنها أقرت على ركعتين إن شاء المسافر وأخذ برخصة القصر، واحتج عليه بأن عائشة كانت تصلي في السفر أربعًا، روى هشام بن عروة عن أبيه أن عائشة كانت تصلي في السفر أربعًا، قال: فقلت لها: لو اقتصرت على ركعتين فقالت: يا ابن أختي إنه لا يشق علي (¬5). ولو أرادت لزوم الاقتصار على ركعتين لما صلت أربعًا. ¬

_ (¬1) "المسند" ص (156). (¬2) "المسند" ص (156). (¬3) سبق برقم (196، 197). (¬4) "صحيح البخاري" (1090)، و"صحيح مسلم" (685/ 3). (¬5) رواه البيهقي (3/ 143). قال الحافظ في "الفتح" (2/ 571): إسناده صحيح.

الأصل

وقول عروة "أنها تأولت ما تأول عثمان" أي: رأت أن القصر جائز والإتمام جائز، فاختارت الإتمام كما فعل عثمان فأتم بمنى بعدما قصر شطرًا من خلافته وساعدته الصحابة فأتموا, ولو لم يجز الإتمام لما فعلوا، وعاب ابن مسعود إتمام الصلاة بمنى ومع ذلك أتم موافقةً للإمام، وروي عن الأعمش عن إبراهيم عن عبد الرحمن بن يزيد قال: صلى عثمان بمنى أربعًا، فقال عبد الله: صليت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ركعتين ومع أبي بكر - رضي الله عنه - ركعتين ومع عمر - رضي الله عنه -، ثم تفرقت بكم الطرق (¬1). قال الأعمش فحدثني معاوية بن قرة أن عبد الله صلاها بعدُ أربعًا فقيل له: عبت على عثمان وتصلي أربعًا؟! فقال: الخلاف شر (¬2). وبهذه القصة تضعف قول من قال: إن عثمان - رضي الله عنه - إنما أتم لأنه نوى الإقامة على ما قدمنا؛ لأنه لو كان كذلك لما كان للعيب والاعتراض معنى، وعن ابن عمر أنه كان يصلي وراء الإِمام بمنى أربعًا، فإذا صلى لنفسه صلى ركعتين. وسيأتي هذا الأثر في الكتاب. الأصل [763] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج عام الفتح في رمضان فصام حتى بلغ الكديد ثم أفطر [فأفطر] (¬3) الناس معه، وكانوا ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1084)، ومسلم (695/ 19) مختصرًا والبيهقي (3/ 143) واللفظ له، وهي عادة المصنف رحمه الله. (¬2) رواه أبو داود (1960). (¬3) تحرف في الأصل. والمثبت من "المسند".

يأخذون [بالأحدث] (¬1) فالأحدث من أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬2). [764] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا عبد العزيز محمد، عن عمارة بن غزية، عن محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن سعد بن معاذ قال: قال جابر ابن عبد الله: كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زمان غزوة تبوك ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسير بعد أن أضحى إذا هو بجماعة في ظل شجرة، فقال: "ما هذه الجماعة"؟ قالوا: رجل صائم أجهده الصوم أو كلمة نحوها. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ليس [من] (¬3) البر الصوم في السفر" (¬4). [765] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن الزهري، عن صفوان بن عبد الله، عن أم الدرداء، عن كعب بن عاصم الأشعري أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ليس من البر الصيام في السفر" (¬5). [766] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن سمي مولى أبي بكر ابن عبد الرحمن، عن بعض أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر الناس في سفره عام الفتح بالفطر وقال: "تقوّوا لعدوكم"، وصام النبي - صلى الله عليه وسلم -. قال أبو بكر -يعني: ابن عبد الرحمن- قال الذي حدثني به: لقد رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - بالعرج يصب فوق رأسه الماء من العطش أو من الحر، فقيل: يا رسول الله إن طائفة من الناس صاموا حين صمت، فلما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالكديد دعا بقدح فشرب فأفطر الناس (¬6). ¬

_ (¬1) تحرف في الأصل والمثبت من "المسند". (¬2) "المسند" ص (157). (¬3) من "المسند". (¬4) "المسند" ص (157). (¬5) "المسند" ص (157). (¬6) "المسند" ص (157).

الشرح

[767] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا عبد العزيز بن محمد، عن جعفر ابن محمد، عن أبيه، عن جابر؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج إلى مكة عام الفتح في رمضان فصام حتى بلغ كراع الغميم، فصام الناس معه. فقيل له: يا رسول الله إن الناس قد شق عليهم الصيام، فدعا بقدح من ماء بعد العصر فشرب والناس ينظرون، فأفطر بعض الناس وصام بعض، فبلغه أن ناسًا صاموا، فقال: "أولئك العصاة" (¬1). [768] أبنا الربيع، أبنا الشافعي قال: وفي حديث الثقة، عن الدراوردي، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابر: خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام الفتح في رمضان إلى مكة فصام وأمر الناس أن يفطروا، وقال: "تقوّوا لعدوكم". فقيل: إن الناس أبوا أن يفطروا حين صمت، فدعا بقدح من ماء فشربه ... ثم ساق الحديث (¬2). [769] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا الثقة، عن حميد، عن أنس قال: سافرنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فمنا الصائم ومنا المفطر، فلم يعب الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم (¬3). الشرح محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله بالنسب المذكور في الإسناد يقرب إلى الفهم أنه من ولد سعد بن معاذ الأنصاري، والأشبه أن المقصود في الإسناد غيره على ما سنذكر (¬4). ¬

_ (¬1) "المسند" ص (158). (¬2) "المسند" ص (158). (¬3) "المسند" ص (158). (¬4) قال ابن حجر في "تعجيل المنفعة" (1/ ترجمة 952): إنما جد أبيه سعد بن زرارة لا سعد بن معاذ، وهو مذكور في "التهذيب".

وأم الدرداء هي الكبرى واسمها خيرة -وقيل: جبرة- بنت أبي حدرد أخت عبد الله بن أبي حدرد، لها صحبة، وروت عن: أبي الدرداء. وروى عنها: ميمون بن مهران، وصفوان بن عبد الله، وسهل بن معاذ بن أنس، وعبد الله بن بابا (¬1). وأم الدرداء الصغرى لا صحبة لها واسمها هجيمة بنت حيي، ويقال: جهيمة الأوصابية، ويقال: الوصابية بطن من حمير الشام. روت عن: أبي الدرداء أيضًا وكانتا جميعًا تحته (¬2). وكعب بن عاصم: هو أبو مالك الأشعري كذلك كناه البخاري عن إسماعيل بن أبي أويس، يعدُّ في أهل الشام. روى عنه: جابر بن عبد الله، و [عبد الرحمن] (¬3) بن غنم، وخالد ابن أبي مريم، وأم الدرداء. وكان قد شهد فتح مصر (¬4). وحديث الزهري عن عبيد الله عن ابن عباس صحيح أخرجه البخاري (¬5) عن عبد الله بن يوسف عن مالك، ومسلم (¬6) عن قتيبة عن الليث عن الزهري. وحديث جابر الذي يليه رواه البخاري (¬7) عن آدم عن شعبة عن ¬

_ (¬1) انظر "معرفة الصحابة" (6/ ترجمة 3864)، و"الإصابة" (7/ ترجمة 11137). (¬2) انظر "التهذيب" (35/ ترجمة 7974). (¬3) في الأصل: عبد الرحيم. تحريف. (¬4) انظر "معرفة الصحابة" (5/ ترجمة 2501)، و"الإصابة" (5/ ترجمة 7421). (¬5) "صحيح البخاري" (1944). (¬6) "صحيح مسلم" (1113/ 88). (¬7) "صحيح البخاري" (1946).

محمد بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة الأنصاري -ويقال: ابن أسعد ابن زرارة- عن محمد بن عمرو بن حسن بن علي بن أبي طالب عن جابر بن عبد الله، ورواه مسلم (¬1) عن أحمد بن عثمان النوفلي عن أبي داود عن شعبة كذلك. وربما وقع في إسناد الكتاب، حيث قال: محمد بن عبد الرحمن ابن عبد الله بن سعد بن معاذ وهمٌ (¬2)؛ فإن البخاري روى الحديث في "التاريخ" (¬3) من رواية عبد العزيز بن محمد عن عمارة بن غزية عن محمد بن عبد الرحمن بن سعد بن زراة عن جابر ولم يذكر في الإسناد محمد بن عمرو بن حسن، ويوافقه ما رأيته في كتاب "اختلاف الحديث" للشافعي - رضي الله عنه -، فإنه قال: أبنا عبد العزيز بن محمد، عن عمارة ابن غزية، عن محمد بن عبد الرحمن بن سعد، قال: قال جابر بن عبد الله ولم يزد على هذا، وهذِه الأحاديث منقولة من "اختلاف الحديث" كما مرَّ، فلا يؤمن أن يكون من أبي العباس وهم. وحديث كعب بن عاصم ثابت رواه أبو عبد الله بن ماجه (¬4) عن أبي بكر بن أبي شيبة ومحمد بن الصباح عن سفيان بن عيينة. وحديث أبي بكر بن عبد الرحمن يوافق حديث ابن عباس المذكور في الفصل أولًا، وحديث جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر المذكور على إثره على ما فيها من زيادة ونقصان. ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (1115/ 92). (¬2) قال الحافظ في "التعجيل" (1/ ترجمة 952): إنما جد أبيه سعد بن زرارة لا سعد بن معاذ. (¬3) "التاريخ الكبير" (1/ ترجمة 189). (¬4) "السنن" (1664).

وحديث جعفر عن أبيه عن جابر أخرجه مسلم (¬1) عن قتيبة عن عبد العزيز بن محمد. وحديث حميد عن أنس معاد قد سبق (¬2) في الكتاب من رواية الشافعي عن مالك عن حميد. وفي حديث ابن عباس وما بعده ما يبين أنه لا بأس للمسافر بأن يصوم أيامًا ثم يفطر. وقوله: "وكانوا يأخذون بالأحدث فالأحدث من أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -" من كلام الزهري، كذلك بينه معمر ويونس بن يزيد، وكأنه مال إلى أن الإفطار أفضل؛ لأن فطره كان بعد الصوم والأخذ بآخر الأمرين أولى، وقد قدمنا أن من الناس من قال: يتعين الإفطار في السفر، وإن من المجوزين للصوم اختلفوا في أن الصوم أفضل أو الإفطار في السفر، وعلى أن من أصبح صائمًا في السفر جاز له أن يفطر، وعلى أن من أنشأ السفر في رمضان يجوز له أن يفطر كمن دخل شهر رمضان وهو مسافر، وخالف فيه بعض أهل العلم. وفيها ما يبين أن قوله: "ليس من البر الصيام في السفر" أراد به من يجهده الصوم ويشق عليه، وأن ترغيبهم في الإفطار عام الفتح كان ليتقووا على العدو، ولمَّا لم تطب نفسهم بالإفطار وهو صائم وافقهم فيه، ولما أخبر بأن قومًا صاموا بعد ذلك سماهم عصاة؛ لمخالفتهم ما رغَّب فيه ووافقهم عليه، ورغبتهم عن الأخذ بالرخصة. والكديد: يقال أنه على اثنين وأربعين ميلًا من مكة، والعرج: أول تهامة وهي قرية [جامعة] (¬3) من عمل فُرع (¬4) على نحو من ثمانية ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم " (1114/ 91). (¬2) سبق برقم (483). (¬3) في الأصل: جامة. تحريف. (¬4) كذا، والجادة: الفُرْع.

الأصل

وسبعين ميلًا من المدينة، وكراع الغميم: المشهور من اللفظ فتح الغين وكسر الميم، ومنهم من ضم الغين وفتح الميم: وهو واد أمام عسفان بثمانية أميال، وقد مرَّ أن عسفان على ستة وثلاثين من مكة. والكراع مضاف إليه وهو جبل أسود بطرف الحرَّة، والكراع ما سال من أنف الجبل أو الحرة، وكراع كل شيء: طرفه. وفي بعض هذه الأحاديث أنه أفطر بالكديد، وفي بعضها ما يشعر بأنه أفطر بكراع الغميم، ولكن الموضعين متجاوران أو متقاربان على ما بيَّنا مسافتهما، وكأنه انتهى إليهما في يوم واحد فبعضهم ذكر هذا وبعضٌ ذاك. الأصل [770] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا عبد الوهَّاب بن عبد المجيد، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن أبي المهلب، عن عمران بن حصين قال: أسر أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلًا من بني عقيل وكانت ثقيف قد أسرت رجلين من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ففداه النبي - صلى الله عليه وسلم - بالرجلين اللذين أسرتهما ثقيف (¬1). الشرح أبو المهلب: هو الأزدي الجرمي البصري عم أبي قلابة، واسمه عبد الرحمن بن عمرو، وقيل: هو معاوية بن عمرو، وقيل: عمر بن معاوية، وقيل: النضر بن عمرو، وقيل: عبد الرحمن بن معاوية. سمع: عمران بن الحصين. ¬

_ (¬1) "المسند" ص (158).

وروى عنه: الحسن، وأبو قلابة، وعوف (¬1). والحديث صحيح أخرجه مسلم في "الصحيح" (¬2) مع زيادات عن إسحاق بن إبراهيم عن عبد الوهاب، وهو مدوَّن في مسند إسحاق واللفظ في "المسند": أسر أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - رجلًا من بني عقيل فأوثقوه وطرحوه في الحرة فمر به النبي - صلى الله عليه وسلم - فناداه فأتاه، فقال: "ما شأنك؟ ". قال: فيما أخذتني قال: "أخذتك بجريرة حلفائكم من ثقيف"، وكانت ثقيف أسرت رجلين من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ففداه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالرجلين اللذين أسرتهما ثقيف. وفي الحديث دليل على أن الأسير من الكفار يجوز أن يفدى، وعلى أنه لا يجب رعاية التسوية في عدد من يفدى ويفدى به، ويتخير الإِمام عندنا فيمن أسره من رجال الكفار بين أربعة أمور: أن يقتله صبرًا، كما قتل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم بدر عقبة بن أبي معيط والنضر بن الحارث. وأن يمنَّ عليه بتخلية سبيله، كما منَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ثمامة بن أثال الحنفي. وأن يفاديه بالمال أو الرجال. وأن يرقه. وليس هذا الخيار على التشهي ولكن يجتهد ويأتي بما فيه الحظ والمصلحة، وعند أبي حنيفة يتخير بين القتل والاسترقاق لا غير. ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (5/ ترجمة 1031)، و"الجرح والتعديل" (6/ ترجمة 1434)، و"التهذيب" (34/ ترجمة 7656). (¬2) "صحيح مسلم" (1641/ 8).

الأصل

الأصل [771] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا غير واحد من ثقات أهل العلم، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن أبي أيوب الأنصاري، عن أبي بن كعب قال: قلت: يا رسول الله، إذا جامع أحدنا فأكسل؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "يغسل ما مسَّ المرأة منه وليتوضأ ثم ليصلِّ" (¬1). [772] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب أن أبا موسى الأشعري أتى عائشة أم المؤمنين فقال: لقد شق عليّ اختلاف أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - في أمرٍ إني لأعظم أن أستقبلك به. قالت: ما هو؟ ما كنت سائلًا عنه أمك فاسألني عنه. فقال لها: الرجل يصيب أهله ثم يكسل ولا ينزل؟ قالت: إذا جاوز الختان الختان فقد وجب الغسل. فقال أبو موسى: لا أسأل عن هذا أحدًا بعدك أبدًا (¬2). [773] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا إبراهيم بن محمد، حدثني إبراهيم بن محمد بن يحيى بن زيد بن ثابت، عن خارجة بن زيد، عن أبيه، عن أبي بن كعب أنه كان يقول: ليس على من لم ينزل غسل، ثم نزع عن ذلك أبي قبل أن يموت (¬3). [774] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا الثقة، عن يونس، عن ¬

_ (¬1) "المسند" (158). (¬2) "المسند" ص (158). (¬3) "المسند" ص (159).

الشرح

الزهري، عن سهل بن سعد الساعدي. قال بعضهم عن أبيّ بن كعب، ووقفه بعضهم على سهل بن سعد قال: كان الماء من الماء شيء في أول الإِسلام، ثم ترك ذلك بعدُ وأمروا بالغسل إذا مس الختان الختان (¬1). [775] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن علي بن زيد، عن سعيد بن المسيب أن أبا موسى الأشعري سأل عائشة عن التقاء الختانين. فقالت عائشة: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا التقى الختانان، أو مَسَّ الختان الختان فقد وجب الغسل" (¬2). [776] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا إسماعيل بن إبراهيم، أبنا علي ابن زيد، عن سعيد بن المسيب، عن عائشة قالت: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إذا قعد بين الشُّعب الأربع ثم ألزق الختان بالختان فقد وجب الغسل" (¬3). [777] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا الثقة، عن الأوزاعي، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه أو يحيى بن سعيد، عن القاسم، عن عائشة قالت: "إذا التقى الختان بالختان فقد وجب الغسل" قالت عائشة: "فعلته أنا والنبي - صلى الله عليه وسلم - فاغتسلنا" (¬4). الشرح إبراهيم بن محمد بن يحيى المنسوب في الإسناد إلى زيد بن ثابت لم أجد له ذكرًا في "تاريخ البخاري" ولا في "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم (¬5). ¬

_ (¬1) "المسند" ص (159). (¬2) "المسند" ص (159). (¬3) "المسند" ص (159). (¬4) "المسند" (159). (¬5) قال الحافظ في "تعجيل المنفعة" (1/ ترجمة 19): ذكر الدمياطي في نسب الخزرج =

وخارجة: هو ابن زيد بن ثابت أبو زيد الأنصاري النجاري. سمع: أباه، وعمه يزيد بن ثابت. وسمع منه: الزهري، وعبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، ويزيد بن عبد الله بن قسيط، وغيرهم. مات سنة تسع وتسعين (¬1). وعلي: هو ابن زيد بن عبد الله بن جدعان التيمي القرشي أبو الحسن الأعمى البصري، ويقال: المكي، نزل البصرة. سمع: أنس بن مالك، وأبا عثمان، وسعيد بن المسيب، ويوسف ابن مهران. وسمع منه: الثوري، وعبيد الله بن عمر، وغيرهما (¬2). وحديث أبي أيوب عن أبيّ بن كعب صحيح أخرجه البخاري (¬3) عن مسدد عن يحيى بن سعيد عن هشام، ومسلم (¬4) من وجوه أخر عن هشام. وحديث يحيى بن سعيد عن ابن المسيب عن أبي موسى رواه عن [ابن المسيب] (¬5) كما رواه يحيى: شعبة وحماد بن زيد وأبو معاوية ¬

_ = في ذرية زيد بن ثابت: إبراهيم بن يحيى بن زيد بن ثابت وقال: روى عن جدته أم سعد بنت سعد بن الربيع، ثم ذكر إبراهيم بن محمد بن يحيى ولم يزد على ما في رواية الشافعي المذكورة؛ فإن كان محفوظًا فإبراهيم الثاني. أهـ. (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (3/ ترجمة 696)، و "الجرح والتعديل" (3/ ترجمة 1707)، و"التهذيب" (8/ ترجمة 1589). (¬2) انظر "التاريخ الكبير" (6/ ترجمة 2389)، و"الجرح والتعديل" (6/ ترجمة 1021)، و"التهذيب" (20/ ترجمة 4070). (¬3) "صحيح البخاري" (289). (¬4) "صحيح مسلم" (346/ 84، 85). (¬5) في الأصل: هشام. خطأ.

وغيرهم، ورواه علي بن زيد عن ابن المسيب مرفوعًا كما هو مذكور من بعد، وأخرجه مسلم في "الصحيح" (¬1) من غير رواية ابن المسيب، فروى عن محمد بن المثنى عن محمد بن عبد الله الأنصاري عن هشام ابن حسان عن [حميد] (¬2) بن هلال عن أبي بردة عن أبي موسى أنه أتى عائشة فقال: إني أريد أن أسألك عن شيء وأنا أستحييك. فقالت: لا تستحيي أن تسألني عن شيء كنت سائلًا عنه أمك التي ولدتك إنما أنا أمك. قال: فقلت: ما يوجب الغسل؟ قالت: على الخبير سقطت، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا جلس بين شعبها الأربع ومَسَّ الختان الختان وجب الغسل". وحديث الزهري عن سهل بن سعد رواه يونس (¬3) بن يزيد وعمرو (¬4) بن الحارث عن الزهري عن سهل عن أبيّ، وكذلك رواه أبو حازم عن سهل عن أبيّ، ورواه معمر عن الزهري موقوفًا على سهل. وحديث القاسم عن عائشة (¬5) منقول في رواية الربيع عن الأوزاعي ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (349/ 88). (¬2) في الأصل: عبد الحميد. خطأ، والمثبت من "الصحيح". (¬3) ومن طريقه أخرجه الترمذي (110) وقال: حسن صحيح، وابن ماجه (609). (¬4) ومن طريقه رواه أبو داود (214) عن ابن شهاب قال: حدثني بعض من أرضى أن سهل بن سعد أخبره أن أبي بن كعب ... فذكره. قال الحافظ في "التلخيص" (1/ 135): وجزم موسى بن هارون والدارقطني بأن الزهري لم يسمعه من سهل، وقال ابن خزيمة: هذا الرجل الذي لم يسمه الزهري (أي في رواية أبي داود) هو أبو حازم ثم ساقه من طريق أبي حازم عن سهل عن أبي بن كعب. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (207، 208). (¬5) رواه الترمذي (108)، والنسائي في "الكبرى" (196، 9127)، وابن ماجه =

عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه أو عن يحيى بن سعيد عن القاسم بالشك، ورواه المزني عن الشافعي فقال: عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه بلا شك، وكذلك رواه حرملة عن الشافعي. والإكسال: أن يعرض للمجامع فتور وتوقف فلا ينزل، ويقال له: الإقحاط أيضًا، ويقال أيضًا: كَسِلَ يكسَل. وأعظم الشيءَ: عَدَّه عظيمًا، وأراد: إني أستحيي من السؤال عنه كما تبيَّن في الرواية الأخرى. وقوله: "بين الشعب الأربع" النواحي، والمراد بين يديها ورجليها في قول بعضهم، وبين رجليها وشفريها في قول آخرين. والمقصود أن في ابتداء الإِسلام كان لا يجب الغسل بالجماع إلا إذا أنزل الرجل وهو الظاهر من معنى قوله - صلى الله عليه وسلم -: "الماء من الماء" أي: إنما يجب الاغتسال بالماء إذا وجد إنزال الماء، وقد روى ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: علي والزبير وطلحة وأبو سعيد الخدري وزيد بن خالد الجهني وغيرهم - رضي الله عنهم -، وذكر أبو سليمان الخطابي أنه قد بقي على القول به جماعة من الصحابة منهم: سعد بن أبي وقاص وأبو أيوب الأنصاري وأبو سعيد الخدري ورافع بن خديج وزيد بن خالد، وإليه ذهب سليمان ¬

_ = (608)، وابن حبان (1185). قال الترمذي: حسن صحيح كما في التحفة (حديث 17499). وقال البخاري في "العلل" (1/ 57): هذا حديث خطأ، إنما يرويه الأوزاعي عن عبد الرحمن بن القاسم مرسلًا. قال الحافظ في "التلخيص" (1/ 134): وصححه ابن القطان وأعله البخاري (كما ذكرت)، وأجاب من صححه بأنه يحتمل أن يكون القاسم كان نسيه ثم تذكر فحدث به ابنه أو كان حدث به ابنه ثم نسي. وقال الألباني في "الإرواء" (1/ 121): وسنده صحيح وقد أعل بما لا يقدح.

الأصل

الأعمش، ومن المتأخرين داود بن علي، لكن الجمهور قالوا: إن ذلك قد نسخ وتقرر الأمر على تعلق الغسل بمجرد التقاء الختانين [لا تعلقه] (¬1) بمجرد الإنزال كما روته عائشة رضي الله عنها، وعن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا التقى الختانان وجب الغسل أنزل أو [لم] (¬2) ينزل" (¬3) وفيما روي عن سهل بن سعد تصريح النسخ. قال الشافعي: فرجوع أبيّ عن قوله: "إن الماء من الماء" لا يكون إلا بخبر يثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - على خلافه، وحكي عن ابن عباس أنه أوَّل قوله: "الماء من الماء" على الاحتلام أي: إذا رأى في منامه شيئًا ولم ينزل فلا غسل عليه. وقوله: "يغسل ما مسَّ المرأة منه" يشعر بنجاسة رطوبة الفرج. والقول في معنى التقاء الختانين يستوفى في الفقه وعلى مثله تنزل لفظتا المجاوزة والإلزاق. الأصل [778] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة قالت: كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في بعض أسفاره فانقطع عقدٌ لي فأقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على التماسه وليس معهم ماء فنزلت آية التيمم (¬4). ¬

_ (¬1) في الأصل: لتعلقه. خطأ. (¬2) في الأصل: ما. تحريف، والمثبت من "السنن". (¬3) رواه البخاري (291)، ومسلم (348/ 87)، والبيهقي (1/ 163) واللفظ له، وهي عادة المصنف. (¬4) "المسند" ص (160).

الشرح

[779] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن أبيه، عن عمار بن ياسر قال: تيممنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى المناكب (¬1). [780] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا الثقة، عن معمر، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن أبيه، عن عمار بن ياسر قال: كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في سفر فنزلت آية التيمم، فتيممنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى المناكب (¬2). [781] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا إبراهيم بن محمد، عن أبي الحويرث عبد الرحمن بن معاوية، عن الأعرج، عن ابن الصمَّة قال: مررت بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يبول فتمسَّح بجدار ثم يمم وجهه وذراعيه (¬3). الشرح عبد الله والد عبيد الله: هو ابن [عتبة] (¬4) بن مسعود الهذلي أبو عبد الرحمن، سكن الكوفة. سمع: عمر بن الخطاب، وابن مسعود. وروى عنه: حميد بن عبد الرحمن، وأبو إسحاق السبيعي، وعون بن عبد الله ابنه (¬5). وحديث عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه [عن] (¬6) عائشة صحيح ¬

_ (¬1) "المسند" ص (160). (¬2) "المسند" ص (160). (¬3) "المسند" ص (160). (¬4) في الأصل: عيينة. تحريف، والمثبت من التخريج. (¬5) انظر "التاريخ الكبير" (5/ ترجمة 485)، و"الجرح والتعديل" (5/ ترجمة 569)، و "التهذيب" (15/ ترجمة 3412). (¬6) سقط من الأصل.

مخرَّج في الكتابين (¬1) من رواية مالك، وما في "المسند" مختصر عما رواه البخاري ومسلم وتمامه أن عائشة رضي الله عنها قالت: خرجت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في بعض أسفاره حتى إذا كنا بالبيداء أو بذات الجيش انقطع عقدٌ لي، فأقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على التماسه وأقام الناس معه وليسوا على ماء وليس معهم ماء، فأتى الناس إلى أبي بكر الصديق فقالوا: ألا ترى ما صنعت عائشة، أقامت برسول الله وبالناس وليسوا على ماء وليس معهم ماء. قالت: فجاء أبو بكر - رضي الله عنه - ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - واضع رأسه على فخذي قد نام فقال: حبست رسول الله وليس وليسوا على ماء وليس معهم ماء، قالت: فعاتبني أبو بكر وقال ما شاء الله أن يقول وجعل يطعن بيده في خاصرتي، فلا يمنعني من التحرك إلا مكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على فخذي، فنام رسول الله حتى أصبح على غير ماء، فأنزل الله تعالى آية التيمم، قال أسيد بن حضير -وهو أحد النقباء- ما هي بأول بركتكم يا آل أبي بكر. قالت عائشة: فبعثنا البعير الذي كنت عليه فوجدنا العقد تحته. وحديث عمار بن ياسر رواه ابن عيينة تارة عن الزهري، وأخرى عن عمرو بن دينار عن الزهري (¬2)، يقال أنه كان سمعه من عمرو ثم من الزهري فترك بعد ذلك ذكر عمرو، واختلف الرواة عن الزهري في الإسناد ورواية ابن عيينة عنه فربما قال ابن عيينة: عن عبيد الله بن عبد الله عن أبيه عن عمار كما رواه الشافعي، وكذلك رواه أبو أويس المدني ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (334)، و"صحيح مسلم" (367/ 108). (¬2) رواه ابن ماجه (566) من هذا الطريق.

عن الزهري، وجويرية عن مالك عن الزهري (¬1) وربما قال: عن عبيد الله عن عمار من غير توسيط أبيه وكذلك رواه ابن أبي ذئب ويونس بن يزيد الأيلي والليث بن سعد وجعفر بن برقان عن الزهري، واختلفت الرواية عن معمر عن الزهري، فأثبت الشافعي في روايته عن الثقة عن معمر ذكر أبيه، ورواه عبد الرزاق عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس عن أبيه (¬2). وحديث ابن الصمة مختصر وقد سبق (¬3) في الكتاب أكمل مما أورده ها هنا بهذا الإسناد وذكرنا ما يتعلق به. وقصد الشافعي بإيراد الحديثين أن حديث عمار يشعر بأن اليدين في التيمم تمسحان إلى المناكب والآباط، وليس في حديث ابن الصمة إلا ذكر الذراعين فقال: ليس في حديث عمار أنهم تيمموا كذلك بأمر النبي - صلى الله عليه وسلم -, ولعلهم لما سمعوا ذكر الأيدي في الآية مطلقة أخذوا بالاحتياط، فإن اسم اليد يقع على ما بين مناط المنكب إلى أطراف الأصابع فاستوعبوها بالمسح محتاطين، وبتقدير أن يكون ذلك بأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - فقد قيَّد عمار ما فعلوه بأول نزول الآية فإن ثبت خلافه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان ناسخًا لما فعلوه أولًا، وفي "الصحيح" (¬4) من رواية ¬

_ (¬1) رواه النسائي (1/ 168)، وابن حبان (1310) من طريقة جويرية. قال أبو حاتم وأبو زرعة لما سئلا عنه (61): رواه مالك وابن عيينة، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن أبيه، عن عمار وهو الصحيح، وهما أحفظ. وصححه الألباني في "صحيح ابن ماجه" (566). (¬2) كذا في الألباني وفي "المصنف" (827): عن معمر، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله أن عمار بن ياسر. (¬3) سبق برقم (30). (¬4) رواه البخاري (338)، ومسلم (368/ 112)، والبيهقي (1/ 209) واللفظ له وهي عادة المصنف رحمه الله.

الأصل

الحكم بن عتيبة عن ذرّ عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه قال: جاء رجل إلى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فقال: أجنبت فلم أجد الماء؟ فقال عمار بن ياسر لعمر بن الخطاب: أما تذكر أنا كنا في سفر فأجنبت أنا وأنت، فأما أنت فلم تصل وأما أنا فتمعكت فصليت، فأتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكرت ذلك له فقال: إنما كان يكفيك هكذا وضرب النبي - صلى الله عليه وسلم - بكفيه الأرض فنفخ فيهما ثم مسح بهما وجهه وكفيه. وقضية هذا الحديث أنه لا يجب في التيمم مسح ما وراء الكفين، وقد قال كثير من أهل العلم: فما ظنك بوجوب مسح ما وراء المرفقين، قال أبو سليمان الخطابي: ولم يصر إلى ذلك أحد من أهل العلم، وفي بعض روايات هذا الحديث "ومسح بهما وجهه وكفيه إلى المرفقين أو الذراعين". وفي بعض الروايات "إلى المرفقين". ويروى القول بوجوب المسح إلى المرفقين عن ابن عمر والحسن وإبراهيم النخعي، ثم ذكر الشافعي وجهًا آخر فقال: قد اختلفت الرواية عن عمار في كتاب التيمم، وحديث ابن الصمة -ولم يوافقه- لا اختلاف فيه وهو أشبه بالقياس؛ لأن البدل يحكى حكايته الأصل، واليد في الوضوء تغسل إلى المرفق، وأيضًا فإنه أحوط فالأخذ به أولى. الأصل [782] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا الثقة يحيى بن حسان، أبنا حماد بن سلمة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان وجعًا فأمر أبا بكر أن يصلي بالناس، فوجد النبي - صلى الله عليه وسلم - خفةً فجاء فقعد إلى

الشرح

جنب أبي بكر، فأمَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبا بكر وهو قاعد، وأمَّ أبو بكر الناس وهو قائم. [783] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا عبد الوهاب بن عبد المجيد، عن يحيى بن سعيد، عن ابن أبي مليكة، عن عبيد بن عمير، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثل معناه لا يخالفه (¬1). [784] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا عبد الوهَّاب الثقفي، عن يحيى ابن سعيد، عن أبي الزبير، عن جابر أنهم خرجوا يشيعونه وهو مريض فصلى جالسًا وصلوا خلفه [جلوسًا] (¬2). الشرح حديث عائشة بالإسناد المذكور معاد قد مرَّ مرة في "المسند" (¬3) ومعناه بأكمل منه مخرَّج في "الصحيحين" من رواية الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة، رواه البخاري (¬4) عن قتيبة عن أبي معاوية، ومسلم (¬5) عن أبي بكر بن أبي شيبة عن أبي معاوية ووكيع، بروايتهما عن الأعمش. وحديث عبيد بن عمير على إرساله مذكور من قبل أيضًا بتمامه (¬6)، واقتصر ها هنا على أنه بمعنى حديث عروة عن عائشة، ويقال: إن عبيدًا رواه عن عائشة. وحديث عروة عن عائشة صريح في أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمَّ أبا بكر وروى ¬

_ (¬1) "المسند" ص (160). (¬2) في الأصل: جلسوا. تحريف، والمثبت من "المسند" ص (161). (¬3) سبق برقم (115). (¬4) "صحيح البخاري" (664). (¬5) "صحيح مسلم" (418/ 95). (¬6) سبق برقم (116).

شبابة بن سوَّار عن شعبة عن نعيم بن أبي هند عن أبي وائل عن مسروق عن عائشة قالت: صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مرضه الذي مات فيه خلف أبي بكر قاعدًا (¬1). وجمع بين الروايتين بأن قيل: أمَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - أبا بكر في صلاة الظهر، واقتدى بأبي بكر في صلاة الصبح يوم الاثنين وهي آخر صلاة صلاها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أما أن إمامة النبي - صلى الله عليه وسلم - وإقتداء أبي بكر به كانت في صلاة الظهر؛ لأن في "الصحيحين" (¬2) من رواية عبيد الله بن عتبة عن عائشة؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أرسل إلى أبي بكر أن يصلي بالناس في مرضه فصلى بهم أبو بكر في تلك الأيام، ثم إنه - صلى الله عليه وسلم - وجد خفة من نفسه فخرج بين رجلين أحدهما العباس لصلاة الظهر وأبو بكر يصلي بالناس، فلما رآه أبو بكر ذهب ليتأخر، فأومأ إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - أن لا يتأخر، وقال لهما: أجلساني إلى جنبه، فأجلساه إلى جنب أبي بكر فجعل أبو بكر يصلي بصلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو قائم، والناس يصلون بصلاة أبي بكر ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - قاعد. وذكر الحافظ أبو بكر البيهقي أن ذلك كان يوم السبت أو الأحد. وأما أن ائتمام النبي - صلى الله عليه وسلم - بأبي بكر كان في صلاة الصبح؛ فلأن موسى بن عقبة روى في المغازي؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أقلع عنه الوعك ليلة الاثنين فغدا إلى صلاة الصبح يتوكأ على الفضل بن عباس وغلام له وقد صلى أبو بكر - رضي الله عنه - بالناس ركعة فصلى معه الركعة الثانية، فلمَّا سلَّم أبو بكر أتم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاته. وقد أشار الشافعي إلى هذا الجمع ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (362)، والنسائي (2/ 79). وقال الترمذي: حسن صحيح غريب. (¬2) "صحيح البخاري" (687)، و"صحيح مسلم" (418/ 90).

وذكرناه على الاختصار من قبل. وقوله: "فقعد إلى جنب أبي بكر" في رواية الأسود عن عائشة: "فجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى جلس يسار أبي بكر". واحتج به على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إمامًا، فإنه جعل أبا بكر على يمينه وهو موقف المأموم. وقوله: "وأمَّ أبو بكر الناس" ليس على معنى أن أبا بكر كان مأمومًا وإمامًا معًا، ولكن المراد أنهم كانوا يعتمدون أبا بكر - رضي الله عنه - في الانتقالات إذ كان لا يبلغهم صوت النبي - صلى الله عليه وسلم - لضعفه، ولا يرى أكثرهم شخصه؛ لأنه كان جالسًا، ويوضحه أن علي بن مسهر روى القصة عن الأعمش بإسناده الذي سبق وفيه: "فكان النبى يصلي بالناس وأبو بكر يسمعهم التكبير" (¬1). واستدل الشافعي - رضي الله عنه - بالقصة على أن الإمام إذا قعد لعذر يصلي المأمومون خلفه قيامًا، ورآها ناسخة لما رواه أنس وغيره أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " وإذا صلى قاعدًا فصلوا قعودًا" (¬2) لأن القصة تتعلق بآخر أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - والآخر ينسخ الأول، وحمل ما روي عن جابر "أنه صلى جالسًا والقوم خلفه جلوسًا" على أنه لم يعرف النسخ فعمل بما عمله أولًا. وفي القصة دليل على أنه يجوز للمريض أن يؤم خلافًا لمالك، وعلى أنه لا بأس أن يقف أحد المأمومين يجنب لأمر يعرض [للإمام] (¬3) ولا يتخنس إلى خلف ليدخل الصف. ¬

_ (¬1) رواه مسلم (418/ 96). (¬2) رواه البخارى (689)، ومسلم (411/ 77) من حديث أنس. (¬3) كلمة مطموسة في الحاشية، والمثبت أشبه برسمها.

الأصل

الأصل [785] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، (¬1) أبنا ابن أبي فديك، عن ابن أبي ذئب، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصوم عاشوراء ويأمر بصيامه (¬2). [786] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة أنها قالت: كان يوم عاشوراء يوم تصومه قريش في الجاهلية، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصومه في الجاهلية، فلما قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة صامه وأمر بصيامه، فلما فرض رمضان كان هو الفريضة وترك يوم عاشوراء، فمن شاء صامه ومن شاء تركه (¬3). [787] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن الزهري، عن حميد ابن عبد الرحمن قال: سمعت معاوية بن أبي سفيان يوم عاشوراء وهو على المنبر منبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد أخرج من كمه قصة من شعر يقول: أين علماؤكم يا أهل المدينة؟ لقد سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن مثل هذه ويقول: "إنما هلكت بنو إسرائيل حين اتخذها نساؤهم" ثم قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مثل هذا اليوم يقول: "إني صائم فمن شاء منكم فليصم" (¬4). [788] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن ابن شهاب، عن حميد بن عبد الرحمن أنه سمع معاوية بن أبي سفيان عام حجه وهو ¬

_ (¬1) زاد في الأصل: أبنا مالك. وهو سبق قلم، وهو ليس في "المسند" ولا "اختلاف الحديث" ص (101). (¬2) "المسند" ص (161). (¬3) "المسند" ص (161). (¬4) "المسند" ص (161).

الشرح

على المنبر يقول: يا أهل المدينة أين علماؤكم؟! سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول لمثل هذا اليوم: "هذا يوم عاشوراء لم يكتب الله عليكم صيامه وأنا صائم، فمن شاء منكم فليصم ومن شاء فليفطر" (¬1). [789] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا يحيى بن حسان، عن الليث -يعني ابن سعد- عن نافع، عن ابن عمر قال: ذكر عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم عاشوراء، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "كان يومًا يصومه أهل الجاهلية، فمن أحب منكم أن يصومه فليصمه، ومن كرهه فليدعه" (¬2). [790] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا ابن عيينة أنه [سمع] (¬3) عبيد الله بن أبي يزيد يقول: سمعت ابن عباس يقول: ما علمت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -[صام] (¬4) يومًا يتحرى صيامه على الأيام إلا هذا اليوم -يعني يوم عاشوراء (¬5). الشرح حديث ابن أبي ذئب عن الزهري عن عروة مختصر ما رواه على إثره من حديث هشام عن أبيه. وهو صحيح، أخرجه البخاري (¬6) وأبو داود (¬7) عن القعنبي عن مالك، ومسلم (¬8) من وجه آخر عن هشام. ¬

_ (¬1) "المسند" ص (161). (¬2) "المسند" ص (161). (¬3) سقط من الأصل والمثبت من "المسند". (¬4) سقط من الأصل والمثبت من "المسند". (¬5) "المسند" ص (162). (¬6) "صحيح البخاري" (2002). (¬7) "سنن أبي داود" (2442). (¬8) "صحيح مسلم" (1125/ 113، 114).

وحديث حميد عن معاوية أخرجه البخاري (¬1) عن القعنبي، ومسلم (¬2) عن أبي الطاهر عن عبد الله بن وهب، بروايتهما عن مالك. وحديث نافع عن ابن عمر أخرجه مسلم (¬3) عن قتيبة وغيره عن الليث. وحديث عبيد الله بن أبي يزيد أخرجه البخاري (¬4) عن عبيد الله بن موسى، ومسلم (¬5) عن أبي بكر بن أبي شيبة بروايتهما عن ابن عيينة، ورواه مسلم أيضًا عن محمد بن رافع عن عبد الرزاق عن ابن جريج عن عبيد الله بن أبي يزيد. وفي حديث عائشة إشعار بأن صوم عاشوراء كان واجبًا ثم نسخ، ويعضده ما في "الصحيحين" (¬6) من حديث يزيد بن أبي عبيد عن سلمة ابن الأكوع أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث رجلًا من أسلم يوم عاشوراء إلى قومه يأمرهم بأن يصوموا هذا اليوم، ومن طعم منهم فليصم بقية يومه. ومن حديث بشر بن المفضل عن خالد بن ذكوان عن الربيع بنت معوذ بن عفراء قالت: أرسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صبيحة عاشوراء إلى قرى الأنصار حول المدينة: "من كان أصبح صائمًا فليتم صومه، ومن كان أصبح [مفطرًا] (¬7) (فليصم) (¬8) بقية يومه" وكنا نصومه بعد ذلك ونصوم صبياننا الصغار ونجعل لهم اللعبة من [العِهْنِ] (¬9) ونذهب ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (2003). (¬2) "صحيح مسلم" (1129/ 126). (¬3) "صحيح مسلم" (1126/ 118). (¬4) "صحيح البخاري" (2006). (¬5) "صحيح مسلم" (1133/ 132). (¬6) "صحيح البخاري" (1924)، و"صحيح مسلم" (1135/ 35). (¬7) في الأصل: مفطر. والمثبت من "الصحيح". (¬8) في "الصحيح": فليتم. (¬9) كلمة غير مقروءة في الأصل والمثبت من "الصحيح". قال النووي في "شرح مسلم": العهن: هو الصوف مطلقًا، وقيل: الصوف المصبوغ.

بهم إلى المسجد، فإذا بكى أحد منهم على الطعام أعطيناه ذلك (¬1). وفي "كتاب مسلم" (¬2) من حديث أبي معاوية عن الأعمش عن عمارة بن كثير عن عبد الرحمن بن يزيد عن عبد الله أنه قال في يوم عاشوراء: إن كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صامه قبل أن ينزل رمضان، فلما نزل رمضان ترك. ومن حديث عبد الله بن نمير عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صامه والمسلمون قبل أن يفرض رمضان، فلما فرض رمضان قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن عاشوراء يوم من أيام الله، فمن شاء صامه ومن شاء تركه" (¬3). وروى الأمر بصيامه: أبو موسى الأشعري وجابر بن سمرة وابن عباس. وفي حديث معاوية إشعارٌ بأنه لم يكن واجبًا قط؛ فإنه قال: "لم يكتب الله عليكم صيامه". وحديث نافع عن ابن عمر المذكور في الأصل إلى هذا الاحتمال أقرب، ومن قال بالأول فلا يشكل عليه أن يقول: المعنى لم يكتب الله عليكم صيامه الآن، لكن الشافعي - رضي الله عنه - مال إلى أن صومه لم يكن واجبًا قط، ورأى أن يحمل قول عائشة: "وترك يوم عاشوراء" على ترك استحبابه، كأنه يريد الاستحباب المؤكد واستقرار الأمر على أصل الاستحباب، وقد يفهم هذا المعنى من حديث جابر بن سمرة - رضي الله عنه - وهو ¬

_ (¬1) رواه البخارى (1960)، ومسلم (1136/ 136). (¬2) "صحيح مسلم" (1127/ 122) عن عبد الرحمن بن يزيد قال: دخل الأشعث بن قيس على عبد الله وهو يتغذى ... (¬3) رواه مسلم (1126/ 117).

الأصل

مخرج في "كتاب مسلم" قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأمرنا بصيام عاشوراء ويحثنا عليه ويتعاهدنا عنده، فلما فرض رمضان لم يأمرنا ولم ينهنا ولم يتعاهدنا عنده (¬1). وقوله: "وقد أخرج من كمه قصة من شعر" في رواية "الصحيح": "وقد تناول قصة من شعر كانت في يد حرسي". والقصة من الشعر: ما أقبل على الجبهة من شعر الرأس سمي قصة؛ لأنه يقص، وقيل: كل خصلة من الشعر قصة، وأراد النهى عن وصل الشعر. وقوله: "أين علماؤكم" يحتمل أن يريد: ليشهدوا لما أقول، ويحتمل أن يريد: ليتعلموا ما أقول فقد غفلوا عنه. الأصل [791] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن الزهري، عن الحسن وعبد الله ابني محمد بن علي -قال: وكان الحسن أرضاهما عن أبيهما؛ أن عليًّا - رضي الله عنه - قال لابن عباس؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى من نكاح المتعة، وعن لحوم الحُمر الأهلية (¬2). [792] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبى حازم قال: سمعت ابن مسعود يقول: كنا نغزو مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وليس معنا نساء، فأردنا أن نختص، فنهانا من ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم رخص لنا أن ننكح المرأة إلى أجلٍ بالشيء (¬3). ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (1128/ 125). (¬2) "المسند" ص (162). (¬3) "المسند" ص (162).

الشرح

الشرح عبد الله: هو ابن محمد بن علي بن أبي طالب أبو هاشم بن محمد ابن الحنفية. سمع: أباه. وروى عنه: الزهري. وتوفي في خلافة سليمان بن عبد الملك (¬1). وقوله: "وكان الحسن أرضاهما" من كلام الزهري، وحكى ابن عيينة عنه في غير هذا الموضع أنه قال: "كان الحسن أوثقهما في أنفسنا" ويقال: كان عبد الله يتبع السبائية. والحديث الأول صحيح، أخرجه البخاري (¬2) عن مالك بن إسماعيل، ومسلم (¬3) عن جماعة، بروايتهم عن ابن عيينة، وفي بعض روايات الصحيح (¬4): نهى عن متعة النساء يوم خيبر وعن أكل لحوم الحمر الإنسية. والحديث الثاني مخرَّج في "الكتابين" من وجوه عن إسماعيل بن أبي خالد. ونكاح المتعة: هو أن ينكح الرجل المرأة إلى مدة فإذا انقضت بانت منه، وكان ذلك جائزًا في أول الإِسلام ثم حرِّم، وحديث ابن مسعود خبرٌ عن أول الأمر، وحديث علي - رضي الله عنه - ناسخ له، واحتج له بأن ما ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (5/ ترجمة 582)، و"الجرح والتعديل" (5/ ترجمة 711)، و"التهذيب" (16/ ترجمة 3544). (¬2) "صحيح البخاري" (5115). (¬3) "صحيح مسلم" (1407/ 30). (¬4) "صحيح البخاري" (4615)، و"صحيح مسلم" (1404).

الأصل

حكاه ابن مسعود كان أمرًا شائعًا لا يشتبه مثله على علي، وقد أنكر على ابن عباس الرخصة في نكاح المتعة وأخبره أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عنه، فدل على أنه علم النسخ، ويروى عن الربيع بن سبرة عن أبيه أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "يا أيها الناس قد كنت أذنت لكم في الاستمتاع من هذِه النساء إلا أن الله قد حرَّم ذلك إلى يوم القيامة" (¬1). وقوله: "إن عليًّا قال لابن عباس رضي الله عنهما" أشار به إلى ما روي عن ابن عباس أنه كان يرخص فيه للمضطر بطول السفر، ويقال إن ابن عباس رجع عما كان يقوله. وفي قوله: "فأردنا أن نختصي" ما يبين قوة ورعهم وشدة احتياطهم، حيث عزموا على الخِصاء ولم يبالوا بما يلحقهم منه خوفًا من الوقوع في الحرام، وفيه النهي عن الخصاء. الأصل [793] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه، عن عامر بن ربيعة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا رأيتم الجنازة فقوموا لها حتى تخلِّفكم أو توضع" (¬2). [794] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك بن أنس، عن يحيى بن [سعيد] (¬3) عن واقد بن عمرو بن سعد بن معاذ، عن نافع بن جبير، عن مسعود بن الحكم، عن علي بن أبي طالب , أن رسول الله كان يقوم في الجنائز ثم جلس (¬4). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1406/ 21). (¬2) "المسند" ص (162). (¬3) في الأصل: سعد. تحريف، والمثبت من "المسند". (¬4) "المسند" ص (162).

الشرح

الشرح عامر: هو ابن ربيعة بن عمرو بن وائل بن قاسط، ويقال: عامر بن ربيعة بن مالك بن عامر بن ربيعة العدوي، أبو عبد الله حليف الخطاب والد عمر - رضي الله عنه -، شهد بدرًا. وروى عنه: عبد الله بن عمر بن الخطاب، وابنه عبد الله بن عامر. مات قبل قتل عثمان بأيام (¬1). وواقد: هو ابن عمرو بن سعد بن معاذ بن النعمان بن امريء القيس الأشهلي الأنصاري أبو عبد الله. سمع: نافع بن جبير. وروى عنه: يحيى بن سعيد الأنصاري (¬2). وروى الحديث الليث بن سعد عن يحيى بن سعيد الأنصاري، وقال: واقد بن عبد الله بن سعد بن معاذ. ومسعود بن الحكم: هو أبو مروان الأنصاري الزرقي، يقال أنه ولد في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -. سمع: عليًّا - صلى الله عليه وسلم -. وروى عنه: نافع بن جبير، ومحمد بن المنكدر (¬3). والحديث الأول صحيح، مودع في "الكتابين" (¬4) من حديث سفيان ¬

_ (¬1) انظر "معرفة الصحابة" (4/ ترجمة 2130)، و"الإصابة" (3/ ترجمة 4384). (¬2) انظر "التاريخ الكبير" (8/ ترجمة 2606)، و"الجرح والتعديل" (9/ ترجمة 146)، و "التهذيب" (30/ ترجمة 6669). (¬3) انظر "التاريخ "الكبير" (7/ ترجمة 1857)، و "الجرح والتعديل" (8 / ترجمة 1293)، و"التهذيب" (27/ ترجمة 5909). (¬4) "صحيح البخاري" (1307، 1308)، ومسلم (958/ 73، 74).

ابن عيينة، وأيضًا من رواية الليث بن سعد عن نافع عن ابن عمر عن عامر ابن ربيعة، وفي الباب عن أبى هريرة وأبي سعيد وجابر بن عبد الله وأبي موسى الأشعري وعبد الله بن عمرو بن العاص وسهل بن حنيف. والحديث الثاني أخرجه مسلم (¬1) عن قتيبة عن الليث عن يحيى بن سعيد، وأيضًا من حديث شعبة عن محمد بن المنكدر عن مسعود بن الحكم, وفي الباب عن ابن عباس والحسن بن علي - رضي الله عنه -. وقوله: "أو توضع" أي: عن مناكب الرجال، ويروى: "أو توضع في اللحد"، ورأى الشافعي حديث علي - رضي الله عنه - ناسخًا للأول، وقال: الحجة في الآخر من أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقد ترك القيام بعدما كان يقوم، فإن كان الأول واجبًا فالآخر من أمره ناسخ له، وان كان استحبابًا فالآخر هو الاستحباب، وإن كان مباحًا فلا بأس بالقيام والقعود، والقعود أحب إليّ؛ لأنه الآخر من فعله. ولم كان يقوم أولًا؟ في رواية جابر بن عبد الله أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرت به جنازة فقام لها فقلنا: يا رسول الله إنها جنازة يهودي فقال: "إن الموت فزع فإذا رأيتم جنازة فقوموا لها" (¬2). وفي رواية عبد الله بن عمرو بن العاص أنه سأل رجل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: تمر بنا جنازة الكفار فنقوم لها؟ فقال: "نعم قوموا لها فإنكم لستم تقومون لها، إنما تقومون إعظامًا لمن يقبض النفوس" (¬3). ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (962). (¬2) رواه مسلم (960/ 78). (¬3) رواه أحمد (2/ 168)، وابن حبان (3053)، والحاكم (1/ 509). وقال الحاكم: صحيح الإسناد. وقال الهيثمي (3/ 27): ورجال أحمد ثقات.

الأصل

وفي رواية أبي موسى الأشعري: "نقوم لمن معها من الملائكة". وعن [الحسن] (¬1) بن علي رضي الله عنهما؛ أنه مرَّ بجنازة يهودي على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان - صلى الله عليه وسلم - على طريقها -فقام حتى طلعت؛ كراهية أن تعلو على رأسه (¬2). الأصل [795] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك بن أنس، عن أبي الزبير، عن جابر بن عبد الله؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن كل لحوم الضحايا بعد ثلاث، ثم قال بعد: "كلوا وتزودوا وادَّخروا" (¬3). [796] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن عبد الله بن أبي بكر، عن عبد الله بن واقد بن عبد الله أنه قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أكل لحوم الضحايا بعد ثلاث، قال عبد الله بن أبي بكر: فذكرت ذلك لعمرة فقالت: صدق، سمعت عائشة تقول: دفَّ ناس من أهل البادية حضرة الأضحى في زمان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " ادَّخروا الثلث وتصدقوا بما بقي". قالت: فلما كان بعد ذلك قيل: يا رسول الله لقد كان الناس ينتفعون من ضحاياهم، يجملون منها الودك، ويتخذون منها الأسقية. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "وما ذاك؟ " أو كما قال. قالوا: يا رسول الله نَهَيْتَ عن كل لحوم الضحايا بعد ثلاث. ¬

_ (¬1) في الأصل: الحسين. تحريف، والمثبت من "السنن". (¬2) رواه أحمد (4/ 413). (¬3) "المسند" ص (162).

الشرح

فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إنما نهيتكم من أجل الدافَّة التي دفَّت حضرة الأضحى، فكلوا وتصدقوا وادَّخروا" (¬1). الشرح عبد الله: هو ابن واقد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب. سمع: عبد الله بن عمر. وروى عنه: عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، وعمر بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب (¬2). وحديث أبي الزبير عن جابر أخرجه مسلم (¬3) عن يحيى بن يحيى عن مالك، وحديث عائشة أخرجه أيضًا (¬4) من رواية روح عن مالك. وقوله: "دفَّ ناس من أهل البادية" ودفت، الدفُّ: سير ليس بالسريع في جماعة. وقوله: "حضرة الأضحى" الرواية المشهورة إسكان الضاد ويروى: "حضَرة الأضحى" بفتح الضاد، يقال: كلمته بحضرة فلان وبحضرته، وحضرة الرجل: فناؤه، والمعنى بحضرة الأضحى أو إلى حضرة الأضحى. وقوله: "يجملون الودك" بفتح الياء وضمها، يقال: جمل الشحم وأجمله إذا أذابه، ويروى: "يجعلون منها الودك" ويروى: "ويحملون" من الحمل. ¬

_ (¬1) "المسند" ص (163). (¬2) انظر "التاريخ الكبير" (5/ ترجمة 712)، و"الجرح والتعديل" (5/ ترجمة 881)، و"التهذيب" (16/ ترجمة 3636). (¬3) "صحيح مسلم" (1972/ 29). (¬4) "صحيح مسلم" (1971).

الأصل

والمقصود أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان قد نهى عن أكل لحم الأضحية بعد ثلاث وادِّخاره، روى في "الصحيح" (¬1) عن علي - رضي الله عنه - موقوفًا ومن روايته مرفوعًا: "لا يأكلن أحدكم من نسكه [بعد] (¬2) ثلاث" ثم رخص في ذلك على ما بينه حديث جابر. واشتمل حديث عائشة على بيان سبب النهي وهو إرفاق الدافَّة، ثم قال الشافعي: يحتمل أن يكون النهي والرخصة راجعين إلى حالين مختلفين، فإذا دفُّت الدافَّة ثبت النهي عن الإمساك فوق ثلاث، وإذا لم تكن دافَّة ثبتت الرخصة، قال: ويشبه أن يكون النهي وإن دفت الدافة على معنى الاختيار لا على سبيل الفرض، وقد روى عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: كنُّا نملِّح منه ونقدِّم المدينة فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا تأكلوا منه بعد ثلاثة أيام" وليست بعزيمة، ولكن أراد أن يطعموا منه (¬3). وفي قوله - صلى الله عليه وسلم -: "وما ذاك أو كما قال" ما يشعر باستمرار الرخصة ويبين أن النهي كان على التنزيه. الأصل [797] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن يحيى بن سعيد، عن النعمان بن مرَّة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما تقولون في الشارب والزاني والسارق"وذلك قبل أن تنزل الحدود؟ فقالوا: الله ورسوله أعلم، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "هنَّ فواحش ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1969)، والبيهقي أيضًا (9/ 292) مرفوعًا واللفظ له، وأما الموقوف فرواه البيهقي أيضًا (9/ 292). (¬2) في الأصل: بعده. والمثبت من "السنن". (¬3) رواه البخاري (5570).

وفيهن عقوبة وأسوأ السرقة الذي يسرق صلاته ... " ثم ساق الحديث (¬1). [798] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس أنه قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول: الرجم في كتاب الله تعالى حقٌّ على من زنا إذا أحصن من الرجال والنساء , إذا قامت عليه البينة أو كان الحبل أو الاعتراف (¬2). [799] أبنا الربيع، أنا الشافعي، أبنا مالك، عن يحيى بن سعيد أنه سمع ابن المسيب يقول: قال عمر بن الخطاب - صلى الله عليه وسلم -: إياكم أن تهلكوا عن آية الرجم، أن يقول قائل: لا نجد حدَّين في كتاب الله تعالى، لقد رجم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورجمنا، فوالذي نفسي بيده لولا أن يقول الناس: زاد عمر في كتاب الله لكتبتها: "الشيخ والشيخة فارجموهما البتة" فإنا قد قرأناها (¬3). [800] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك وابن عيينة، عن ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبد الله، عن أبي هريرة وزيد بن خالد -وزاد سفيان وشبل- أن رجلًا ذكر أن ابنه زنا بامرأة رجل، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لأقضين بينكما بكتاب الله، فجلد ابنه مائةً وغرَّبه عامًا، وأمر أنيس أن يغدو على امرأة الآخر فإن اعترفت فارجمها فاعترفت فرجمها (¬4). [801] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا عبد الوهاب، عن يونس، عن الحسن، عن عبادة -يعني: ابن الصامت- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "خذوا عني خذوا عني، قد جعل الله لهنَّ سبيلًا، البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم". ¬

_ (¬1) "المسند" ص (163). (¬2) "المسند" ص (163). (¬3) "المسند" ص (163). (¬4) "المسند" ص (164).

الشرح

[801/ 1] أبنا الربيع، أبنا الشافعي قال: وقد حدثني الثقة أن الحسن كان يدخل بينه وبين عبادة حطان الرقاشي، ولا أدري أدخله عبد الوهاب بينهما فزلَّ من كتابي حين حولته وهو في الأصل أولًا والأصل يوم كتبت هذا الكتاب غائب عني (¬1). الشرح النعمان بن مرة: هو الزرقي الأنصاري. روى عن: علي - رضي الله عنه - (¬2). وشبل: هو ابن خليد. روى عنه: عبيد الله بن عبد الله بن عتبة (¬3). وحطان بن عبد الله الرقاشي البصري. سمع: عليًّا، وأبا موسى، وعبادة بن الصامت. سمع منه: الحسن (¬4). والحديث الأول مرسل، وفي رواية غير الشافعي في آخره قالوا: وكيف يسرق صلاته يا رسول الله؟ قال: "لا يتم ركوعها ولا سجودها". وقوله: "وفيهن عقوبة" يجوز أن يريد الحدود ويكون المعنى ¬

_ (¬1) "المسند" ص (164). (¬2) انظر "التاريخ الكبير" (8/ ترجمة 2231)، و "الجرح والتعديل" (8/ ترجمة 2052)، و"التهذيب" (29/ ترجمة 6446). (¬3) انظر "التاريخ الكبير" (4/ ترجمة 2725)، و "الجرح والتعديل" (4/ ترجمة 1658)، و"التهذيب" (12/ ترجمة 2687). (¬4) انظر "التاريخ الكبير" (3/ ترجمة 394)، و "الجرح والتعديل" (3/ ترجمة 1354)، و "التهذيب" (6/ ترجمة 1384).

أن الله تعالى ينزل فيهن عقوبة، ويجوز أن يريد التعزيرات التي كانت حينئذ، وعلى هذا حمله الشافعي ومثلها بالحبس والأذى في الزِّنا على ما قال تعالى: {وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا} (¬1) وقال تعالى: {فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ} (¬2) إلى أن أنزل الله تعالى الحدّ في الزِّنا. وحديث [عبيد الله] (¬3) عن ابن عباس عن عمر صحيح: أخرجه البخاري (¬4) عن عبد العزيز بن عبد الله، عن إبراهيم بن سعد، عن صالح، عن ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن ابن عباس قال: قال عمر - رضي الله عنه -: إن الله بعث محمدًا بالحق وأنزل عليه الكتاب، فكان فيما أنزل الله آية الرجم فقرأناها [وعقلناها] (¬5) ووعيناها، رجم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورجمنا بعده، فأخشى إن طال بالناس [زمان] (¬6) أن يقول: والله ما نجد آية الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله تعالى، والرجم في كتاب الله تعالى حق على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء إذا قامت البينة أو كان الحبل والاعتراف. وقوله في الرواية الأخرى: "إياكم أن تهلكوا عن آية الرجم" كقوله في رواية البخاري "فيضلوا". وقوله: "لا نجد حدّين في كتاب الله" أي لا نجد في الكتاب الرجم على بعض الزناة والجلد على بعضهم , وإنما الذي نجده مطلق قوله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا} الآية (¬7). ¬

_ (¬1) النساء: 16. (¬2) النساء: 15. (¬3) في الأصل: عبد الله. خطأ. (¬4) "صحيح البخاري" (6830). (¬5) في الأصل: وعقلنا. والمثبت من "الصحيح". (¬6) في الأصل: رمل. تحريف، والمثبت من "الصحيح". (¬7) النور: 2.

وقوله: " أو كان الحبل والاعتراف" ليس لاشتراط الحبل في ثبوت الرجم، ولكن الاعتراف عند ظهور الحبل وإكشاف الأمر أغلب وقوعًا، فكان التعرّض له إنما وقع لذلك. وحديث عبيد الله عن أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني مودع في "الموطأ" (¬1) ورواه البخاري في "الصحيح" (¬2) عن عبد الله بن يوسف عن مالك، وأخرجه هو ومسلم (¬3) من طرق عن ابن شهاب واللفظ: [أن] (¬4) رجلين اختصما إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال أحدهما: يا رسول الله اقض بيننا بكتاب الله، وقال الأخر -وكان أفقههما- أجل يا رسول الله فاقض بيننا وائذن لي في أن أتكلم، فقال: تكلم. قال: إن ابني كان عسيفًا على هذا فزنى بامرأته فأخبروني أن على ابني الرجم فافتديت منه بمائة شاة وبجارية لي، ثم إني سألت أهل العلم فأخبروني أن ما على ابني جلد مائة وتغريب سنة، وإنما الرجم على امرأته، فقال رسول الله: "أما والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله، أما غنمك وجاريتك فردّ عليك" وجلد ابنه مائة وغرّبه عامًا، وأمر أنيسًا الأسلمي أن يأتي امرأة الآخر فإن اعترفت رجمها، فاعترفت فرجمها. وقوله: "وزاد سفيان: وشبل" هذِه الزيادة غير مذكورة في "الصحيحين" وقال أبو بكر البيهقي الحافظ: يزعمون أن سفيان أخطأ في ذكر شبل (¬5). ¬

_ (¬1) "الموطأ" (2/ 822 رقم 1502). (¬2) "صحيح البخاري" (6842، 6843). (¬3) "صحيح البخاري" (2724)، و"صحيح مسلم" (1697/ 25). (¬4) سقط من الأصل والمثبت من "الصحيح". (¬5) "السنن الكبير" (8/ 222).

وكان ابن الرجل السائل بكرًا وامرأة الآخر ثيبًّا، ففرق النبي بينهما في الحدّ. واحتج بالحديث على وجوب التعزير مع الجلد، وعلى أنه تجوز الفتوى في زمان النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه يجوز الفتوى مع حضور الأعلم بالفتيا فإنه قال: "سألت أهل العلم" والنبي - صلى الله عليه وسلم - مقيم بينهم، وعلى أن الإنسان يؤاخذ بما اعترف به وأقرّ على نفسه، وعلى أن الاعتراف بالزنا يكفي مرة واحدة ولا يعتبر فيه التكرار، وعلى أن حضور الإمام ليس بشرط في الرجم؛ فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر أنيسًا فرجمها، وذهب بعضهم إلى أنه يشترط حضور الإمام إن ثبت الزنا بالإقرار، وعلى جواز الإجارة فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم ينكر قوله: "إن ابني كان عسيفًا على هذا" والعسيف: الأجير كذلك فسره مالك، وعلى أن المأخوذ بالجهة الفاسدة مردود، فإنه قال: "أما غنمنك وجاريتك فرد عليك" وعلى أنه ليس من شرط الرجم إحصان الزانيين معًا بل المحصن يرجم كيف كان الآخر، وفي القصة أنه كان قد يجري في زمان النبي - صلى الله عليه وسلم - خلاف الصواب قولًا وفعلًا: إما عن جهل مخبرًا، وإما عن ظنٍّ خطأ؛ فإنهم أخبروه أن على ابنه الرجم واقتدى وأخذ منه الفداء، واحتج ببعث النبي أنيسًا لإقامة الحدّ على جواز التوكيل بإقامة الحدّ، وقد يستدل به على جواز إقامته في غيبة الموكل، وذكر الشافعي أن بعث أنيسٍ لم يكن لطلب إقرار المقذوف بالزّنا؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - عن [... (¬1) ..] ما يوجب الحد ¬

_ (¬1) قطع في الأصل بمقدار ثلاث كلمات.

فالأولى أن يستر على نفسه ولكن [بعثه] (¬1) ليطلعها على أن الرجل الآخر قذفها ليطالبه بحدّ القذف إن لم تعترف بالزّنا، واحتج به على أن من قذف إنسانًا بين يدي الحاكم كان له أن يبعث إلى المقذوف فيخبره ليطلب حدّ القذف إن شاء، ولو لم يعيّن القاذف بل قال: سمعت الناس يقولون أن فلانًا؛ لا يبعث إليه ولا يبحث عن حاله. وقوله: "لأقضين بينكما بكتاب الله" قيل: ليس المراد منه القرآن فلا ذكر للرجم في القرآن، بل المراد منه الفرض أي: إنما أوجبه تعالى وفرضه، وقد يجيء الكتاب بمعنى الفرض كقوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ} (¬2)، {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ} (¬3) أي: فرضنا، أو المراد الحكم كقوله تعالى: ({أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ} (¬4)، وقيل: المراد القرآن، والرجم إن لم يكن منصوصًا عليه فإنه مذكور على سبيل الإجمال حيث قال: {فَآذُوهُمَا} (¬5) والرجم نوع من الأذى، وأيضًا فقد قال تعالى {أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا} (¬6) وقد بيّن النبي - صلى الله عليه وسلم - السبيل في حق البكر والثيب، وأيضًا فالرجم كان متلوًّا في القرآن بخصوصه على ما سبقت روايته عن عمر - رضي الله عنه -. وحديث عبادة بن الصامت رواه الشافعي بإسناده عن الحسن عن عبادة، وذكر أن منهم من قال: عن الحسن عن حطان الرقاشي عن ¬

_ (¬1) في الأصل: بعثها. والمثبت الصواب إن شاء الله. (¬2) البقرة: 178. (¬3) المائدة: 45. (¬4) الطور: 41. (¬5) النساء: 16. (¬6) النساء: 15.

الأصل

عبادة، ورواه مسلم (¬1) في "الصحيح" كذلك، وظاهر الحديث يقتضي الجمع في حق الثيب بين الجلد والرجم وقد أخذ به آخذون، وقال الأكثرون: كان ذلك في الابتداء حين بين النبي - صلى الله عليه وسلم - السبيل المبهم في القرآن، ثم نسخ الجلد في حق الثيب؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - رجم ماعزًا والغامدية واليهوديين ولم يجلد واحدًا منهم، وقال لأنيس: "فإن اعترفت فارجمها" ولم يذكر الجلد، والمراد من البكر: الذي لم يصب بالنكاح، ويشترط فيه اجتماع التكليف والحرية، ومن الثيب الذي أصاب في نكاح صحيح، ويشترط فيه أيضًا التكليف والحرية. وقوله: "أدخله عبد الوهاب ... إلى آخره" يريد أن منهم من أدخل الرقاشي بين الحسن وبين عبادة، ولا أدري أفعل عبد الوهاب كذلك وسقط اسمه حين نسخت الحديث من أصل كتابي أم كيف الحال وكان الأصل غائبًا عنه. الأصل [802]، أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن قبيصة بن ذؤيب أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن شرب الخمر فاجلدوه" (¬2). [803]، أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا الثقة وهو يحيى بن حسان، عن حماد، عن يحيى بن سعيد، عن أبي أمامة بن سهل، عن عثمان بن عفان -رضي الله عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: "لا يحل دم امريء مسلم إلا من إحدى ثلاث: كفر بعد إيمان، أو زنًا بعد إحصان، أو قتل نفس بغير نفس" (¬3). ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (1690/ 12). (¬2) "المسند" ص (164). (¬3) "المسند" ص (164).

الشرح

الشرح قبيصة: هو ابن ذؤيب بن حلحلة بن عمرو بن كليب الخزاعي أبو إسحاق، ويقال: أبو سعيد، سكن الشام وكان من فقهاء المدينة، يقال: إنه ولد في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -. وسمع: أبا هريرة، وأم سلمة. وروى عنه: الزهري، وأبو قلابة. مات سنة ست وثمانين (¬1). وحديث قبيصة مرسل وغير تام، وقد رواه أبو داود بتمامه في "السنن" (¬2) عن أحمد بن عبدة الضبي عن سفيان عن الزهري عن قبيصة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من شرب الخمر فاجلدوه، فإن عاد فاجلدوه، فإن عاد فاقتلوه في الثالثة والرابعة، فأتي برجل قد شرب الخمر فجلده، ثم أتي [به] (¬3) فجلده، ثم أتي به فجلده، ورفع القتل وكانت رخصة" ويروى: "ووضع القتل". وقصد الشافعي بالحديث أن يبيّن أن الأمر بالقتل في الرابعة الذي ورد إن كان ثابتًا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ منسوخ، وذلك كما روي عن أبي صالح عن معاوية بن أبي سفيان قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا شربوا الخمر فاجلدوهم، ثم إن شربوا فاجلدوهم، ثم إن شربوا فاجلدوهم، ثم ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (7/ ترجمة 784)، و"الجرح والتعديل" (7/ ترجمة 713)، و"التهذيب" (23/ ترجمة 4842). (¬2) "سنن أبي داود" (4485). (¬3) سقط من الأصل والمثبت من "السنن".

إن شربوا فاقتلوهم" (¬1). ويؤيد حديث قبيصة ما روي عن محمَّد بن إسحاق، عن محمَّد بن المنكدر، عن جابر، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن شرب الخمر فاجلدوه، فإن عاد في الرابعة فاقتلوه، ثم أتي النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد ذلك برجل قد شرب الخمر في الرابعة فضربه ولم يقتله" (¬2). وحديث عثمان - رضي الله عنه - رواه سليمان بن حرب، عن حماد بن زيد، عن يحيى، عن أبي أمامة قال: كنت مع عثمان وهو محصور في الدار فقال: بم يقتلونني وقد سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... الحديث" (¬3) ومعناه منقول من رواية عبد الله بن مسعود في "الصحيحين". فرواه البخاري (¬4) عن عمر بن حفص عن أبيه، ومسلم (¬5) عن أبي بكر بن [أبي] (¬6) شيبة عن حفص بن غياث وأبي معاوية ووكيع، بروايتهم عن الأعمش، عن عبد الله بن مرّة، عن مسروق، عن ابن مسعود. ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (4482)، والترمذي (1444)، والنسائي في "الكبرى" (5299)، وابن ماجه (2573). قال الترمذي: حديث معاوية هكذا روى الثوري أيضًا عن عاصم عن أبي صالح عن معاوية عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وروى ابن جريج ومعمر من سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. وقال: سمعت محمدًا يقول حديث أبي صالح عن معاوية في هذا أصح من حديثه عن أبي هريرة. وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (6309). (¬2) رواه النسائي في "الكبرى" (4/ 415). (¬3) رواه أبو داود (4502)، وابن الجارود (836). (¬4) "صحيح البخاري" (6878). (¬5) "صحيح مسلم" (1676/ 25). (¬6) سقط من "الأصل".

الأصل

واحتج الشافعي بهذا الحديث على أن شارب الخمر لا يقتل في الرابعة فإنه لم يوجد منه واحدة من الخصال الثلاث، ثم قال: ولا نعلم أحدًا من أهل الفتيا يخالف في أن من أقيم عليه حد في شيء أربع مرات ثم أتي به خامسة وسادسة أقيم عليه ذلك الحد فلم يقتل، وفي ذلك دليل على أن الأمر بالقتل إن كان ثابتا فهو منسوخ. الأصل [804] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا الثقة، عن ابن أبي ذئب، عن الثقة عنده، عمن حدثه أو عن عبيد الله بن عبد الرحمن العدوي، عن أبي سعيد الخدري أن رجلًا سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: إن بئر بضاعة يطرح فيها الكلاب والمحيض فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إن الماء لا ينجسه شيء" (¬1). [805] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا ابن عيينة، عن أبي الزناد، عن موسى بن أبي عثمان، عن أبيه، عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-[قال] (¬2): "لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ثم يغتسل منه" (¬3). [806] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مسلم بن خالد، عن ابن جريج بإسناد لا يحضرني ذكره أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -قال: "إذا كان الماء قلتين لم يحمل نجسًا". وفي هذا الحديث بقلال هجر. قال ابن جريج: وقد رأيت قلال هجر فالقلة تَسَعُ قربتين أو قربتين وشيئًا (¬4). ¬

_ (¬1) "المسند" ص (165). (¬2) من "المسند". (¬3) "المسند" ص (165). (¬4) "المسند" ص (165).

الشرح

الشرح عبيد الله بن عبد الرحمن العدوي هكذا سماه ونسبه ابن أبي ذئب، وزاد سليط بن أيوب في روايته عنه فقال: عبيد الله بن عبد الرحمن بن رافع الأنصاري ثم العدوي، ومنهم [من] (¬1) قال: هو عبد الله بن عبد الرحمن. وروى عنه: محمَّد بن كعب القرظي فقال: عبيد الله بن عبد الله بن رافع بن خديج، وقيل: هو عبد الله بن رافع. سمع: أبا هريرة، وجابر بن عبد الله (¬2). وموسى: هو ابن أبي عثمان [التبان] (¬3). روى عن: أبيه. وروى عنه: أبو الزناد (¬4). وأبوه أبو عثمان مولى المغيرة بن شعبة. روى عن: أبي هريرة (¬5). وحديث بضاعة يروى عن أبي سعيد الخدري عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من وجوه منها: رواية أبي أسامة عن الوليد بن كثير عن محمَّد بن كعب القرظي عن عبيد الله بن عبد الله بن رافع بن خديج عن أبي سعيد الخدري، ومن هذا الوجه أخرجه أبو داود في "السنن" (¬6) فرواه ¬

_ (¬1) ليست في الأصل وأثبتها ليستقيم السياق. (¬2) انظر "التاريخ الكبير" (5/ ترجمة 1249)، و "الجرح والتعديل" (5/ ترجمة 1523)، و"التهذيب" (19/ ترجمة 3657). (¬3) قطع في الأصل والمثبت من التخريج. (¬4) انظر: "التاريخ الكبير" (7/ ترجمة 1237)، و"الجرح والتعديل" 8/ ترجمة 690)، و"التهذيب" (29/ ترجمة 6281). (¬5) انظر "التهذيب" (34/ ترجمة 7504). (¬6) "سنن أبي داود" (66).

عن محمَّد بن العلاء عن أبي أسامة. والنهي عن البول في الماء الراكد أورده البخاري (¬1) من حديث أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة، ومسلم في "الصحيح" (¬2) من رواية همام بن منبه عن أبي هريرة، بروايته عن محمَّد بن رافع عن عبد الرزاق عن معمر عن همام، ومن حديث أبي الزبير عن جابر (¬3) بروايته عن يحيى بن يحيى عن الليث بن سعد عن أبي الزبير، ورواه أبو داود في "السنن" (¬4) عن مسدد عن يحيى عن محمَّد بن عجلان عن أبيه عن أبي هريرة واللفظ "لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ولا يغتسل فيه من الجنابة". وقوله: "يطرح فيها الكلاب والمحيض" وفي بعض الروايات "الحيض" وفي بعضها "المحائض" وفسرت بخرق الحيض، قال أبو سليمان الخطابي: وليس المقصود أنهم كانوا يعتادون إلقاءها فيها، فإن الناس قديمًا وحديثًا ينزهون مياههم ويصونونها عن القاذورات، ولكن كانت هذه البئر في الحدود من الأرض وكانت السيول تكسح هذِه الأقذار من الطرق والأقبية وتحملها فتلقيها فيها، وذكر غيره أنه يحتمل أن المنافقين كانوا يطرحونها فيها. وقوله: "إن الماء لا ينجسه شيء" قال الشافعي: أراد مثل الماء المسول عنه وكانت بئر بضاعة واسعة كثيرة الماء، وكان ما يطرح فيها من الأنجاس لا يغيّر ماءها، وقد ذكرنا هذا في أول الكتاب، وروى أبو داود السجستاني، عن قتيبة بن يعيد قال: سألت قيم بئر بضاعة عن عمقها؟ فقلت: أكثر ما يكون الماء فيها؟ ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (236). (¬2) "صحيح مسلم" (282/ 96). (¬3) "صحيح مسلم" (281/ 94). (¬4) "سنن أبي داود" (70).

قال: إلى العانة. قلت: فإذا نقص؟ قال: دون العورة. قال أبو داود: وقدرت بئر بضاعة بردائي مددته عليها ثم ذرعته فإذا عرضها ستة أذرع، وسألت الذي فتح لي باب البستان وأدخلني هل غيّر بناؤها عما كانت عليه؟ فقال: لا (¬1). واعلم أن الماء إذا تغير بالنجاسة نجس بالانقلاب قليلًا كان أو كثيرًا، وإن لم يتغير وإن كان قليلًا نجس بملاقاة النجاسة، وعليه نزل الشافعي حديث ولوغ الكلب؛ لأن الأواني [التي] (¬2) يشرب ويتوضأ منها ويجلب منها ويحلب فيها صغارٌ غالبًا، وإن كان كثيرًا لم ينجس؛ لحديث بئر بضاعة. وقوله: "لا يبولن أحدكم في الماء الدائم" قال الشافعي: إن كان المراد منه القليل الذي حمل النجاسة فسبب النهي أن فيه نجاسة وتفويت الانتفاع به، وإن أراد به كل ماء دائم، فيشبه أن يكون النهي على الاختيار؛ لأن من رأى البول في ماء راكد عافَ الشرب منه والوضوء به، وهذا كالنهي عن التغوط على ظهر الطريق والظل؛ لأنه يتأذى به الناس. قال الخطابي: وفي الحديث إشارة إلا أن حكم الجاري غير حكم الراكد، والمعنى فيه أن الراكد لا يدفع النجاسة عن نفسه، والبخاري إذا لاقته النجاسة خلفهُ الطاهر الذي لم يحمل النجاسة وخالطه وغلب على النجاسة (¬3) ستهلك فيه، ويدل على الفرق بين القليل والكثير في قبول النجاسة ودفعها حديث القلتين، وهو مذكور في ¬

_ (¬1) "السنن" (67). (¬2) ليست في الأصل وأثبتها ليستقيم السياق. (¬3) كذا بالأصل.

الأصل

أول "المسند" (¬1) من رواية الشافعي، عن الثقة، عن الوليد بن كثير، عن محمَّد بن عباد بن جعفر، عن عبد الله بن عبد الله بن عمر، عن أبيه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ورواه ها هنا عن مسلم عن ابن جريج بإسناد لم يحضره، وبيّنا في أول الكتاب أن ذلك الإسناد هو ما روى ابن جريج عن محمَّد أن يحيى بن عقيل أخبره أن يحيى بن يعمر أخبره أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا كان الماء قلتين لم يحمل نجسًا ولا بأسًا". قال: فقلت ليحيى بن عقيل: قلال هجر؟ قال: قلال هجر. ويروى عن محمد أنه قال: فرأيت قلال هجر فأظن كل قلة تأخذ قربتين. ومحمد الذي روى عنه ابن جريج فيما روي عن أبي أحمد الحافظ: هو محمَّد بن يحيى يحدث عن يحيى بن أبي كثير ويحيى بن عقيل، ورواه الشافعي أن ابن جريج قال "رأيت قلال هجر فالقلّة تسع قربتين وشيئًا". وحمل الشافعي الشيء على النصف احتياطًا وجعل القلتين خمس قرب، وقال: قرب الحجاز كبار لعزة الماء عندهم (¬2). وعن عاصم بن المنذر أن القلال الخوابي العظام (¬3). وعن هشيم تفسير القلتين بالجرّتين من الجرار الكبار. الأصل [807] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن محمَّد بن ¬

_ (¬1) سبق برقم (2). (¬2) "اختلاف الحديث" ص (106). (¬3) رواه الدارقطني (1/ 24 رقم 27).

يحيى بن حبان، عن الأعرج، عن أبي هريرة؛ أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس، وعن الصلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس (¬1). [808] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن نافع، عن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يتحرى أحدكم فيصلي عند طلوع الشمس ولا عند غروبها" (¬2). [809] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن عبد الله الصنابحي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الشمس تطلع ومعها قرن الشيطان، فإذا ارتفعت فارقها، فإذا استوت قارنها، فإذا زالت فارقها، فإذا دنت للغروب قارنها، فإذا غربت فارقها" ونهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الصلاة في تلك الساعات (¬3). [810] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن ابن شهاب، عن ابن المسيب؛ أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نام عن الصبح فصلاها بعدما طلعت [الشمس]، (¬4)، ثم قال: "من نسي الصلاة فليصلها إذا ذكرها فإن الله تعالى، يقول: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} (¬5). [811] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن عمرو -يعني- بن دينار، عن نافع بن جبير، عن رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: كان رسول الله في سفر فعرس، فقال: "ألا رجل صالح يكلؤنا الليلة لا نرقد ¬

_ (¬1) "المسند" ص (166). (¬2) "المسند" ص (166). (¬3) "المسند" ص (166). (¬4) من "المسند". (¬5) "المسند" ص (167).

عن الصلاة"؟ فقال بلال: أنا يا رسول الله. قال: فاستند بلال إلى راحلته واستقبل الفجر، فلم يفزعوا إلا بحرّ الشمس في وجوههم. فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: يا بلال. فقال بلال: يا رسول الله أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك. قال: فتوضأ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم صلى ركعتي الفجر ثم اقتادوا شيئًا. قال: ثم صلى الفجر (¬1). [812] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن أبي الزبير المكي، عن عبد الله بن باباه، عن جبير بن مطعم أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "يا بني عبد مناف من ولي منكم من أمر الناس شيئًا فلا يمنعن أحدًا طاف هذا البيت وصلى أي ساعة شاء من ليل أو نهار" (¬2). [813] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مسلم بن خالد وعبد المجيد، عن ابن جريج، عن عطاء، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله أو مثل معناه لا يخالفه، وزاد عطاء: يا بني عبد المطلب، أو يا بني هاشم، أو يا بني عبد مناف (¬3). [814] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن عبد الله بن أبي لبيد قال: سمعت أبا سلمة قال: قدم معاوية المدينة فبينا هو على المنبر إذ قال: يا كثير بن الصلت اذهب إلى عائشة أم المؤمنين فاسألها عن صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - الركعتين بعد العصر. ¬

_ (¬1) "المسند" ص (167). (¬2) "المسند" ص (167). (¬3) "المسند" ص (167).

الشرح

قال أبو سلمة: فذهبت معه وبعث ابن عباس عبد الله بن الحارث بن نوفل معنا فقال: اذهب فاسمع ما تقول أم المؤمنين. قال: فجاءها فسألها، فقالت له عائشة: لا علم لي، ولكن اذهب إلى أم سلمة فاسألها. قال: فذهبت معه إلى أم سلمة فقالت: دخل علي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذات يوم بعد العصر صلى عندي ركعتين لم أكن أراه يصليهما. فقلت: يا رسول الله لقد صليت صلاة لم أكن أراك تصليها. فقال: "إني كنت أصلي الركعتين بعد الظهر وأنه قدم عليّ وقد بني تميم أو صدقة فشغلوني عنهما فهما هاتان الركعتان" (¬1). [815] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن ابن قيس، عن محمَّد بن إبراهيم التيمي، عن جده قيس قال: رآني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأنا أصلي ركعتين بعد الصبح فقال: "ما هاتان الركعتان يا قيس"؟ فقلت: إني لم أكن صليت ركعتي الفجر، فسكت عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬2). الشرح عبد الله الصنابحي كذلك سماه ونسبه مالك، وذكر الحافظ أبو عبد الله بن منده أن محمَّد بن جعفر بن أبي كثير وخارجة بن مصعب رويا عن زيد بن أسلم مثله، وروى حديثه معمر بن راشد عن زيد بن أسلم عن عطاء وقال: عن أبي عبد الله الصنابحي، قال أبو عيسى الترمذي: والصحيح رواية [معمر] (¬3) وأبو عبد الله الصنابحي: هو عبد ¬

_ (¬1) "المسند" (167). (¬2) "المسند" ص 167. (¬3) في الأصل: عمر. تحريف.

الرحمن بن [عسيلة] (¬1) من أهل اليمن، وذكر البخاري وغيره أنه لم يسمع من النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأنه قدم المدينة مهاجرًا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد موته بخمسة أيام (¬2). وابن قيس: هو سعد بن سعيد بن قيس الأنصاري أخو يحيى وعبد ربه ابني سعيد. سمع: أنس بن مالك، والقاسم بن محمَّد، وعمر بن كثير بن أفلح. وروى عنه: محاضر بن المورع، وسليمان بن بلال، وعبد الله بن نمير، وإسماعيل بن جعفر، وأبو أسامة، وعبد الله بن المبارك. مات سنة إحدى وأربعين ومائة (¬3). وقيس جد سعد بن سعيد: وهو فيما رواه عبد الله بن نمير وغيره قيس بن قهد -بالقاف- وقيل: هو قيس بن عمرو بن سهل بن ثعلبة بن الحارث، وهذا أصح عند البخاري (¬4). روى عنه: محمَّد بن إبراهيم التيمي، وغيره (¬5). وحديث مالك عن محمَّد بن يحيى بن حبان رواه في "الصحيح" مسلم (¬6) عن يحيى بن يحيى عن مالك، وأخرجه الشيخان (¬7) من غير ¬

_ (¬1) في الأصل: عسلة. تحريف. (¬2) انظر "التاريخ الكبير" (5/ ترجمة 1021)، و"الجرح والتعديل" (5/ ترجمة 1241)، و"التهذيب" (17/ ترجمة 3905). (¬3) انظر "التاريخ الكبير" (4/ ترجمة 1948)، و""الجرح والتعديل" (4/ ترجمة 370)، و"التهذيب" (10/ ترجمة 2208). (¬4) "التاريخ الكبير" (7/ ترجمة 639). (¬5) انظر: "الإصابة" (5/ ترجمة 7216). (¬6) "صحيح مسلم" (825). (¬7) رواه البخاري (584)، ومسلم (1511/ 1) مختصرًا، وليس عنده محل الشاهد.

هذا الطريق من رواية أبي هريرة، وأيضًا من رواية عمر (¬1) بن الخطاب، وأبي سعيد الخدري (¬2) أيضًا - رضي الله عنه -. وحديث مالك عن نافع أخرجه البخاري (¬3) عن عبد الله بن يوسف، ومسلم (¬4) عن يحيى بن يحيى، بروايتهما عن مالك. وحديث الصنابحي يروى معناه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في "الصحيح" (¬5) من رواية عقبة بن عامر الجهني. وحديث ابن المسيب مرسل من رواية الكتاب، لكن رواه مسلم (¬6) عن حرملة، وأبو داود (¬7) عن أحمد بن صالح، بروايتهما عن ابن وهب، عن يونس، عن ابن شهاب، عن ابن المسيب، عن أبي هريرة متصلًا وقال: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي}. قال يونس: وكان ابن شهاب يقرأها "للذكرى". وقصة التعريس ثابتة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من رواية أبي هريرة وغيره. وحديث عبد الله بن باباه، عن جبير بن مطعم: رواه عن سفيان كما رواه الشافعي: الحميدي وأبو بكر بن أبي شيبة وغيرهما (¬8)، وأيَّده ¬

_ (¬1) رواه البخاري (581)، ومسلم (826). (¬2) رواه البخاري (586)، ومسلم (827). (¬3) "صحيح البخاري" (585). (¬4) "صحيح مسلم" (828/ 289). (¬5) رواه مسلم (831/ 293) من حديثه قال: "ثلاث ساعات كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينهانا أن نصلي فيهن ... ". (¬6) "صحيح مسلم" (680/ 309). (¬7) "سنن أبي داود" (435). (¬8) ومن طريق سفيان رواه أبو داود (1894)، والترمذي (868)، والنسائي (1/ 284)، وابن ماجه (1254)، وابن خزيمة (1280)، وابن حبان (1552)، والحاكم (1/ 617). قال الترمذي: حسن صحيح، وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم. وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (7900).

الشافعي برواية عطاء على إرسالها، وفي الباب عن أبي ذر - رضي الله عنه -. وحديث ابن [أبي] (¬1) لبيد عن أبي سلمة مذكور من قبل في الكتاب (¬2) وبيّنا هناك أنه صحيح وأن كريبًا رواه عن أم سلمة وأخرجه الشيخان من روايته. وحديث قيس: رواه الحميدي عن سفيان كما رواه الشافعي، ورواه عبد الله بن نمير عن سعد بن سعيد بن قيس، وأخرجه أبو داود في "السنن" (¬3). والمقصود الأوقات التي تكره فيها الصلاة خمسة: وقتان يتعلق النهي فيهما بالفعل وهما ما بعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس، وما بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس وهو المراد من الحديث الأول؛ وثلاثة يتعلق النهي فيها بالزمان وهي عند طلوع الشمس حتى ترتفع ويقوى شعاعها، وعند الاستواء حتى تزول، وعند اصفرار الشمس حتى تغرب ويدل عليه الحديث الثاني والثالث. وقوله: "ومعها قرن الشيطان" قيل: أي قومه ومتبعوه من أهل الكفر والضلال وهم عبدة الشمس، وقيل: أي قومه و [.. (¬4) ..]، وقيل: أراد قرني رأسه وهما جنباه كأنه يدني رأسه من ¬

_ (¬1) سقط من الأصل. (¬2) سبق برقم (380). (¬3) "سنن أبي داود" (1267)، وكذا رواه الترمذي (422)، وابن ماجه (1154). قال الترمذي: وإسناده ليس بمتصل، محمَّد بن إبراهيم لم يسمع من قيس. قال ابن الملقن في "الخلاصة" (301): وأعله الترمذي وعبد الحق بالانقطاع، ورواه الحاكم وابن حبان بطريق ليس فيها انقطاع. قلت: هي عند ابن خزيمة (116)، وابن حبان (1563)، والحاكم (1/ 409) من طريق يحيى بن سعيد عن أبيه عن جده. (¬4) كلمة غير واضحة في الأصل.

الشمس ليكون الساجد للشمس هو ساجد له. ثم بين الشافعي -رضي الله عنه- أن النهي في هذِه الأوقات لا يعمّ كل صلاة؛ وإنما هو في التطوعات المطلقة، فإذا تذكر فائتة في هذه الأوقات فلا منع من قضائها، ففي "الصحيح" من رواية أنس -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من نسي صلاة أو نام عنها فإن كفارتها أن يصليها إذا ذكرها" (¬1). والاستدلال بحديث ابن المسيب بقوله تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} ظاهر على قراءة من قرأ "للذكرى" أي: لذاكرها، ويمكن أن تقرأ مع طرح اللام فتفتح الراء تنزيلًا على هذا المعنى، وإنما على القراءة المشهورة فالملائم لمقصود الحديث أن يجعل المعنى لذكر أمري بها وإيجابي لها، فإذا تذكر فائتة فقد تذكر إيجاب الله تعالى الإتيان بها. والتعريس: النزول والنوم في آخر الليل، وقيل: النزول للقيلولة أيضًا تعريس، ومنهم من قال: النزول في أي وقت كان للنوم تعريس. وفي الحديث دليل على أنه لا بأس بالنوم وإن قرب وقت الصلاة المستقبلة ولم يؤمن فواتها بدوام النوم، وعلى أنه يستحب أن يُوكَّل من يراقب الوقت لينبّه النائمين، وعلى أن الراتب يقضى، وعلى أنه لا بأس بالفصل بين ركعتي الفجر ومكتوبته، وعلى أنه لا يجب القضاء على الفور. وقوله: "فلم يفزعوا إلا بحرّ الشمس" قال الخطابي: أي لم ينتبهوا، يقال: أفزعته ففزع، أي: أنبهته فانتبه، ويجوز أن يحمل على خوفهم لفوات الصلاة من المؤاخذة أو نقصان الثواب. ¬

_ (¬1) رواه البخاري (597)، ومسلم (684).

ولمَ أخّر الصلاة إلى أن اقتادوا الرواحل شيئًا؟ قيل: إنما أخر لترتفع الشمس ولا يقع القضاء في وقت الكراهية، وعلى هذا يجري أبو حنيفة حيث يقول: لا تقضى الفوائت في أوقات الكراهية، لكن في الحديث ما يدفع ذلك فإنه قال: "توضأ فصلى ركعتي الفجر ثم اقتادوا" ولو كان التأخير لخروج وقت الكراهية لما صلى ركعتي الفجر أيضًا. وقيل: أراد التحول عن المكان الذي أصابتهم فيه الغفلة والنسيان، وسأل بعضهم فقال: قد روي "أنه - صلى الله عليه وسلم - كان تنام عيناه ولا ينام قلبه فكيف ذهب الوقت ولم يشعر به؟ وأجيب عنه بأن معرض الحديث يتعلق [... (¬1) ...] ما يوحى إليه في منامه لم يخف عليه الحديث، ومعرفة الوقت تدرك (بالتغير) (¬2) الظاهر، وكانت عيناه تنامان، وكما لا بأس بقضاء الفائتة المعروضة في وقت الكراهية فكذلك الراتبة إذا خرجت عن وقتها؛ لحديث أم سلمة "فإنه شغل عن الركعتين بعد الظهر فقضاهما بعد صلاة العصر". وقولها: "دخل ذات يوم بعد العصر فصلى ركعتين" أي بعد صلاة العصر وهو أحد أوقات الكراهية، يدل عليه ما في "الصحيح" من رواية كريب عن أم سلمة أنها قالت: "صلى العصر ثم دخل علي". وقوله: "وفد بني تميم أو صدقة" يريد أو صدقة بني تميم. وكذا الراتبة المتقدمة على الصبح لو تأخرت عنها بعذر أو بغير عذر لم يكره الإتيان بها بعد الصلاة؛ لحديث قيس، وحديث جبير بن ¬

_ (¬1) قطع في الأصل بمقدار نصف سطر. (¬2) غير واضحة بالأصل والمثبت أشبه بالرسم.

الأصل

مطعم يشعر باستثناء مكة عن الكراهية، وفي بعض الروايات: "فلا يمنعن أحدًا طاف بهذا البيت أو صلى". وعن أبي ذر - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا صلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس، ولا بعد العصر حتى تغرب الشمس إلا بمكة إلا بمكة (¬1) ". وهذا أظهر في المذهب، ومن الأصحاب من لم يفرق بين مكة وغيرها وحملوا قوله "وصلى" على ركعتي الطواف، وبهذا قال أبو حنيفة ومالك. الأصل [816] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مسلم بن خالد، عن ابن جريج، عن هشام بن عروة، عن أبيه أن يحيى بن حاطب حدثه قال: توفي حاطب فأعتق من صلى من رقيقه وصام، وكانت له أمة نوبية قد صلت وصامت وهي أعجمية لم تفقه، فلم ترعه إلا بحبلها وكانت ثيِّبًا، فذهب إلى عمر - رضي الله عنه - فحدثه، فقال عمر: لأنت الرجل لا يأتي بخير فأفزعه ذلك، فأرسل إليها عمر فقال: أحبلت؟ فقالت: نعم من مرعوش بدرهمين، فإذا هي تستهل بذلك لا تكتمه، قال: وصادف علي وعثمان وعبد الرحمن بن عوف -رضي الله عنهم- فقال: أشيروا علي. قال: وكان عثمان جالسًا فاضطجع. فقال علي وعبد الرحمن: وقع عليها الحد. ¬

_ (¬1) رواه أحمد (5/ 165)، والدارقطني (1/ 425 رقم 6)، والبيهقي (2/ 461) من طريق مجاهد عنه. قال ابن الملقن في "الخلاصة" (304): إسناده ضعيف ومنقطع.

الشرح

فقال: أشر علي يا عثمان. فقال: قد أشار عليك أخواك. فقال: أشر علي أنت. فقال: أراها تستهل به كأنها لا تعلمه، وليس الحد إلا على من علمه. فقال: صدقت، والذي نفسي بيده ما الحدّ إلا على من علمه، فجلدها عمر مائة وغربها عامًا (¬1). الشرح يحيى بن حاطب كأنه يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب ابن أبي بلتعة، نسب إلى جده، فإن كان كذلك فقد روى: عن أبيه، وابن الزبير. وروى عنه: عروة، وهشام بن عروة، وغيرهما (¬2). وحاطب: هو ابن أبي بلتعة عمرو بن عمير بن سلمة أبو محمَّد حليف بني أسد بن عبد العزى بن قصي، شهد بدرًا وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم-[بعثه] (¬3) إلى المقوقس ملك الإسكندرية. وروى عنه: جابر، وابن عمر، وابنه عبد الرحمن. وتوفي سنة ثلاثين وهو ابن خمس وستين سنة (¬4). وقوله: "توفي حاطب فأعتق من صلى من رقيقه" يجوز أن يريد أنه ¬

_ (¬1) "المسند" ص (168). (¬2) قلت: هو كذلك إن شاء الله كما جزم بذلك ابن حجر في "تعجيل المنفعة" (1/ ترجمة 1161). وانظر "التاريخ الكبير" (8/ ترجمة 3031)، و"الجرح والتعديل" (9/ ترجمة 685)، و"التهذيب" (31/ ترجمة 6896). (¬3) سقط من الأصل. (¬4) انظر "معرفة الصحابة" (2/ ترجمة 570)، و "الإصابة" (2/ ترجمة 1540).

أعتقهم عند الموت، ويجوز أن يريد به أوصى بأن يعتقوا، وكان فيهم أمة نوبية قد صلت وصامت، وذكر الصلاة والصيام يحتمل أن يراد به عنهما ويكون المقصود من يواظب عليها، ويحتمل أن يكنى بهما عن الإِسلام وقبول الأحكام، وكانت الأمة المذكورة أعجمية لا فقه عندها ولا علم بالأحكام فزنت عن جهل منها وحبلت من الزنا، ولما سئلت قالت: "نعم من مرعوش" أي: حبلت منه. وقوله: "فلم ترعه إلا بحبلها" أي لم ترع يحيى بن حاطب. وقوله: "فإذا هي تستهل بذلك لا تبالي به ولا تكتمه" يقال: استهل المولود، أي: رفع صوته، وسمي الهلال هلالًا لأنه يرفع الصوت إذا رؤي. وقوله: "وصادف علي وعثمان وعبد الرحمن" أي صادفوا عمر -رضي الله عنهم-، وفي بعض النسخ: "وصادف عليًّا وعثمان وعبد الرحمن" أي صادفهم عمر، ولما شاورهم لم يجبه عثمان، واضطجاعه بعد الجلوس يمكن أن يكون لمرض أو إعياء، ويمكن أن يكون قصد تقية التورع عن الجواب فقد كانوا يكِلون الفتيا إلى غيرهم. وقوله: "وقع عليه الحد" أي على هذا الأمر أو نحوه، ويروى: "وقع عليها الحد" أي على الأمة. وفي الأثر أن عثمان -رضي الله عنه- رأى درء الرجم عنها لشبهة الجهل ووافقه عمر رضي الله عنهما، قال الحافظ أبو بكر البيهقي: وكأنه لما درأ عنها الرجم رأى الحد هنا حد الإنكار تعزيرًا فجلدها وغربها، وفي هذا إشكالان: أحدهما: الكلام في أن التعزير حينئذ يجوز أن يبلغ حد الحد. والثاني: أن الجهل الذي يعذر به الشخص كما يدرأ

الأصل

الحدّ يدرأ التعزير، ويحتمل أن يقال: أنها كانت لا تعرف الرجم وتظن حد كل زانٍ الحدّ والتغريب؛ وإنما لم تكتم زناها لأنها لم تستعظم الجلد والتغريب فدرأ عنها الرجم وعاملها بموجب ظنها. الأصل [817]، أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن نافع، عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سئل عن الضبّ فقال: "لست آكله ولا محرّمه" (¬1). [818] أبنا الربيع، أبنا الشافعي أبنا سفيان، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - نحوه. [819] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن ابن شهاب، عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف، عن ابن عباس. قال الشافعي: أشك أقال مالك عن ابن عباس عن خالد بن الوليد، أو عن ابن عباس وخالد بن المغيرة أنهما دخلا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - بيت ميمونة، فأتي بضبٍّ محنوذ فأهوى إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال بعض النسوة اللاتي في بيت ميمونة: (أخبري) (¬2) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بما يريد أن يأكل. فقالوا: هو ضبٌّ يا رسول الله، فرفع رسول الله- صلى الله عليه وسلم - يده. فقلت: أحرام هو يا رسول الله؟ فقال: "لا، ولكنه لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه". قال خالد: فاجتررته فأكلته ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينظر (¬3). ¬

_ (¬1) "المسند" ص (168). (¬2) في "المسند": أخبروا. (¬3) "المسند" ص (168).

الشرح

الشرح خالد: هو ابن الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، أبو سليمان القرشي المخزومي من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المشهورين بالإمارة والشجاعة والآثار الحميدة، ولقبه النبي - صلى الله عليه وسلم - بسيف الله. روى عنه: ابن عباس، وقيس بن حازم. توفي في خلافة عمر -رضي الله عنه- بحمص ودفن في قرية على ميل منها (¬1). وحديث نافع عن ابن عمر: أخرجه مسلم (¬2) من حديث الليث وغيره عن نافع، وحديث عبد الله بن دينار مخرج في "الصحيحين" (¬3) أيضًا، وحديث ابن عباس صحيح (¬4) أيضًا ورواه القعنبي عن مالك فقال: "عن ابن عباس عن خالد بن الوليد أنه دخل ... " وأخرجه البخاري من رواية القعنبي، وكذلك رواه عن مالك: ابن أبي أويس و [يونس] (¬5) بن يزيد وصالح بن كيسان عن الزهري، ورواه يحيى بن يحيى عن مالك فقال: "عن ابن عباس قال: دخلت أنا وخالد بن الوليد" وأخرجه مسلم في كتابه عن يحيى بن يحيى، ورواه يحيى بن بكير عن مالك فقال: "عن عبد الله بن عباس وخالد بن الوليد أنهما دخلا ... " وذكر أن مالكًا كان يشك فيه، وربما كان كل منهما مرويًّا، وشكّ الشافعي أيضًا فيما سمعه من مالك، وهو مبين في الإسناد. ¬

_ (¬1) انظر "معرفة الصحابة" (2/ ترجمة 798)، و"الإصابة" (2/ ترجمة 2203). (¬2) "صحيح مسلم" (1943/ 40، 41). (¬3) "صحيح البخاري" (5391)، و"صحيح مسلم" (1943/ 39). (¬4) رواه البخاري (5391)، ومسلم (1946/ 44). (¬5) تصحفت في الأصل.

الأصل

وخالد بن المغيرة: هو خالد بن الوليد نسب إلى جده. والمحنوذ: المشوي، ثم قيل: هو الذي شوي على الحجارة المحماة بالنار، وقيل: هو الذي لم يبالغ في نضجه. وفي الحديث بيان أن الضبّ حلال فإنه قال: "ولا محرّمه" ولو كان حرامًا لحرمه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وإنما قال: "لست آكله" لما بيّن في حديث ابن عباس أنه كان يعافه، وحديث ابن عباس يدل على حلّه أيضًا من وجوه: أحدها: أنه قيل: أحرام هو يا رسول الله؟ فقال: لا. والثاني: أنه علل رفع اليد عنه بالعيافة، ولو كان حرامًا لكان تركه لتحريمه. والثالث: أن خالدًا -رضي الله عنه- أكله بين يدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولم ينكر عليه، قال ابن عباس رضي الله عنهما: لو كان حرامًا لما أكل مائدة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وفيه أنه لا بأس بترك الطعام للعيافة، وما روي من قول بعض النسوة الحاضرات هناك: "أخبري رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بما يريد أن يأكل" يشعر بأنهن كن قد عرفن أنه - صلى الله عليه وسلم - لا يأكل الضبّ، وقد قصد أكل ما قدم إليه فعرّفته أنه ضب. الأصل [820] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا عبد العزيز بن محمَّد، عن محمَّد بن عمرو، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا أزال أقاتل الناس حتى

يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوها فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله" (¬1). [821] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا الثقة، عن ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبد الله، عن أبي هريرة أن عمر قال لأبي بكر فيمن منع الصدقة: أليس قد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا أزال أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوها فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله"؟ فقال أبو بكر: هذا من حقها يعني: منعهم الصدقة (¬2). [822] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا الثقة، عن محمَّد بن أبان، عن علقمة بن مرثد، عن سليمان بن بريدة، عن أبيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا بعث جيشًا أمر عليهم أميرًا وقال: "فإذا لقيت عدوًا من المشركين فادعهم إلى ثلاث خلال أو ثلاث خصال -شكّ علقمة- ادعهم إلى الإِسلام فإن أجابوك فاقبل منهم وكفّ عنهم، ثم ادعهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين، وأخبرهم إن هم فعلوا أن لهم ما للمهاجرين وأن عليهم ما عليهم، وإن اختاروا المقام في دارهم أنهم كأعراب المسلمين يجري عليهم حكم الله كما يجري على المسلمين، وليس لهم في الفيء شيء إلا أن يجاهدوا مع المسلمين، فإن لم يجيبوك فادعهم إلى أن يعطوا الجزية عن يد، فإن فعلوا فاقبل منهم ودعهم، وإن أبوا فاستعن بالله وقاتلهم" (¬3). ¬

_ (¬1) "المسند" ص (169). (¬2) "المسند" ص (169). (¬3) "المسند" ص (169).

الشرح

الشرح محمَّد بن أبان كأنه محمَّد بن أبان بن صالح بن عمير الذي يقال له: الجعفي. روى عن: أبي إسحاق، وحماد بن أبي سليمان، وهو ممن تكلموا في حفظه (¬1). وعلقمة: هو ابن مرثد الحضرمي الكوفي. سمع: سعد بن عبيدة، وسليمان بن بريدة، ومقاتل بن حيان، والمغيرة اليشكري. وروى عنه: شعبة، والثوري، وغيلان بن جامع، ومسعر (¬2). وسليمان: هو ابن بريدة بن الحصيب بن عبد الله بن الحارث بن الأعرج بن [سعد] (¬3) بن رزاح بن عدي بن سهم بن مازن المازني الأسلمي، ولد هو وأخوه عبد الله توأمين على عهد عمر -رضي الله عنه-. سمع: أباه. وروى عنه: عبد الله بن عطاء المكي. مات سنة خمس ومائة (¬4). وأبوه بريدة بن الحصيب أبو عبد الله، ويقال: أبو ساسان، ويقال: أبو سهل، من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، سكن المدينة ثم تحول إلى ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (1/ ترجمة 50)، و "الجرح والتعديل" (7/ ترجمة 1119)، و"تعجيل المنفعة" (1/ ترجمة 922). (¬2) انظر "التاريخ الكبير" (7/ ترجمة 180)، و"الجرح والتعديل" (6/ ترجمة 2269)، و"التهذيب" (20/ ترجمة 4018). (¬3) انظر "التاريخ الكبير" (4/ ترجمة 1761)، و"الجرح والتعديل" (4/ ترجمة 458)، و"التهذيب" (11/ ترجمة 2495). (¬4) في الأصل: سعيد. والمثبت من التخريج من ترجمة أبيه.

البصرة ثم خرج إلى خراسان ومات بمرو سنة اثنتين أو ثلاث وستين، [روى] (¬1) عنه: ابناه، وأبو المليح، والشعبي (¬2). وحديث أبي هريرة صحيح (¬3)، وكذلك ما حكاه من محاجة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، واستدلال عمر -رضي الله عنه- بظاهر قوله - صلى الله عليه وسلم -: "حتى يقولوا: لا إله إلا الله"كان معلقًا بصدر اللفظ قبل التأمل في آخره، فبين أبو بكر -رضي الله عنه- أن العصمة موقوفة على إيفاء [...] (¬4)، ففي "الصحيح" من رواية ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إلله إلا الله وأن محمدًا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإِسلام وحسابهم على الله" (¬5). وفي "سنن أبي داود" السجستاني من رواية أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله، وأن يستقبلوا قبلتنا، وأن يأكلوا ذبيحتنا، وأن يصلوا صلاتنا، فإذا فعلوا ذلك حرمت علينا دماؤهم وأموالهم إلا بحقها، لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين" (¬6). وذكر الإِمام أبو سليمان الخطابي أن في الحديث دلالة على أن الكفار مخاطبون بالصلاة والزكاة وسائر العبادات؛ لأنه بين أنهم ¬

_ (¬1) في الأصل: رواه. (¬2) انظر "معرفة الصحابة" (1/ ترجمة 333)، و "الإصابة" (1/ ترجمة 632). (¬3) رواه البخاري (1399)، ومسلم (20/ 32). (¬4) قطع في الأصل بمقدار سطرين. (¬5) رواه البخاري (25)، ومسلم (22). (¬6) "سنن أبي داود" (2641).

مقاتلون عليها، وأن قوله: "وحسابهم على الله" يعني فيما يستسرون به دون ما يخلون به من الأحكام الواجبة عليهم في الظاهر، وأن فيه دليلًا على أن المستسر بكفره لا يتعرض له إذا كان ظاهره الإِسلام وتقبل توبته إذا أظهر [... (¬1) ..] كان يستسر به، وبين الشافعي -رضي الله عنه- في كتابه "اختلاف الحديث" (¬2) أن قوله: "لا أزال أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله" من الكلام الذي مخرجه عام ويراد به الخاص، والمقصود منه أهل الأوثان، فأما أهل الكتاب فإنهم يقاتلون إلى أن يؤمنوا أو يعطوا الجزية عن يدٍ على ما فصله في حديث بريدة، وهذا كما أن الله تعالى قال: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ الله وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} الآية (¬3). فنزل عليه مطلق قوله تعالى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ} الآية (¬4). وحديث بريدة صحيح أيضًا: أخرجه مسلم (¬5) من رواية سفيان الثوري عن علقمة بن مرثد، ورواه أبو داود في "السنن" (¬6) عن محمَّد بن سليمان الأنباري عن وكيع عن سفيان عن علقمة بن مرثد. فظاهر الحديث يدل على أنه لا بد من تقديم الإنذار والدعاء على القتال، قال أبو سليمان الخطابي: وبهذا قال مالك بن أنس. وقال الحسن البصري، والثوري، والشافعي، وأحمد بن حنبل، وإسحاق: لا حاجة إليه إذا كانوا ممن بلغتهم الدعوة، واحتج الشافعي -رضي الله عنه- بقتل ابن أبي الحقيق، وأما من لم تبلغه الدعوة فيجب إعلامه بإنذاره أولًا بلا خلاف. ¬

_ (¬1) قطع بمقدار ثلاث كلمات. (¬2) "اختلاف الحديث" (1/ 132). (¬3) النمل: 37. (¬4) التوبة: 5. (¬5) "صحيح مسلم" (1731/ 2، 3). (¬6) "سنن أبي داود" (2612).

الأصل

وقوله: "وأخبرهم إن هم فعلوا أن لهم ما للمهاجرين" فالمقصود منه ما ذكره الإِمام الخطابي أن المهاجرين تركوا أوطانهم وهجروها في طاعة الله وسكنوا المدينة وليس لهم أو لأكثرهم بها زرع ولا ضرع، فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينفق عليهم مما أفاء الله عليه ولم يكن للأعراب وساكني البدو حظ في ذلك إلا من قاتل منهم، فبين أنهم إن نزلوا عن ديارهم وسكنوا المدينة سلك بهم سبيل المهاجرين. وقوله: "وعليهم ما على المهاجرين" يعني به الجهاد، والتفسير: وكان المهاجرون لا يتخلفون إذا دعوا والأعراب إن لم يخرجوا لم يكن عليهم عنت إذا كان في المهاجرين كفاية، ولا شيء لهم إذا لم يخرجوا. وقوله: "فادعهم إلى أن يعطوا الجزية" ظاهره جواز أخذ الجزية من كل مشرك كتابيًّا كان أو غير كتابي، وقد ذهب إليه بعض العلماء، والأكثرون خصصوا التقرير بالجزية بمن له كتاب أو شبه كتاب، واحتج لامتناع أخذها من كل مشرك بأن عمر -رضي الله عنه- لم يكن يأخذ الجزية من المجوس حتى روى له عبد الرحمن بن عوف الأخذ منهم على ما سيأتي. الأصل [823] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن عمرو بن دينار أنه سمع بجالة يقول: لم يكن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أخذ الجزية من المجوس حتى شهد عبد الرحمن أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخذها من مجوس هجر (¬1). [824] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن أبي سعد سعيد بن المرزبان، عن نصر بن عاصم قال: قال فروة بن نوفل الأشجعي: على ما ¬

_ (¬1) "المسند" ص (170).

الشرح

تؤخذ الجزية من المجوس وليسوا بأهل الكتاب، فقام إليه المستورد فأخذ بلببه، فقال: يا عدو الله تطعن على أبي بكر وعمر وعلى أمير المؤمنين -يعني عليًّا -رضي الله عنه- وقد أخذوا منهم الجزية، فذهب به إلى القصر فخرج عليهم علي -رضي الله عنه- فقال: أتئدا فجلسا في ظل القصر، فقال علي: أنا أعلم الناس بالمجوس كان لهم علم يعلمونه وكتاب يدرسونه، وإن ملكهم سكر فوقع على ابنته أو أخته فاطلع عليه بعض أهل مملكته، فلما صحا جاءوا يقيمون عليه الحدّ، فامتنع منهم فدعى أهل مملكته فقال: تعلمون دينًا خيرًا من دين آدم، قد كان آدم ينكح بنيه من بناته فأنا على دين آدم، ما يرغب بكم [عن] (¬1) دينه، فتابعوه وقاتلوا الذين خالفوهم حتىة قتلوهم، فأصبحوا وقد أسري على كتابهم فرفع من بين أظهرهم وذهب العلم الذي في صدورهم، وهم أهل الكتاب، وقد أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر وعمر منهم الجزية (¬2). الشرح بجالة: هو ابن عبدة التميمي البصري، ويقال: بجالة بن كعب، وكان كاتب جزء بن معاوية التميمي البصري. روى عن كتاب عمر بن الخطاب، ويقال: أنه سمع عمران بن الحصين. وسمع منه: عمرو بن دينار، وقشير بن عمرو (¬3). ¬

_ (¬1) سقط من الأصل والمثبت من "المسند". (¬2) "المسند" ص 170. (¬3) انظر "التاريخ الكبير" (2/ ترجمة 1997)، و"الجرح والتعديل" (2/ ترجمة 1737)، والتهذيب" (4/ ترجمة 637).

وسعيد بن المرزبان: هو أبو سعد البقال الأعور مولى حذيفة. سمع: أنسًا، وعكرمة (¬1). ونصر بن عاصم في الرواة: هو الليثي البصري. سمع: سبيع بن خالد اليشكري، وغيره. وسمع منه: حميد بن هلال، وقتادة (¬2). وذكر أئمة الحديث أن الصواب في هذا الإسناد عيسى بن عاصم: وهو عيسى بن عاصم الأسدي [سمع] (¬3) زرًّا. وروى عنه: سلمة بن كهيل، ومعاوية بن صالح (¬4). وفروة بن نوفل الأشجعي يعد في الكوفيين. روى عن: عائشة. وروى عنه: هلال بن يساف، وعبد الملك بن عمير، وأبو إسحاق (¬5). ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (3/ ترجمة 1717)، و"الجرح والتعديل" (4/ ترجمة 264)، و"التهذيب" (11/ ترجمة 2351). قال الحافظ (2389): ضعيف مدلس. (¬2) انظر "التاريخ الكبير" (8/ ترجمة 2333)، و"الجرح والتعديل" (8/ ترجمة 2129)، و"التهذيب" (29/ ترجمة 6399). (¬3) سقط من الأصل والمثبت من التخريج. (¬4) انظر "التاريخ الكبير" (6/ ترجمة 2756)، و"الجرح والتعديل" (6/ ترجمة 1568)، و"التهذيب" (22/ ترجمة 4633). قال الزيلعي (3/ 449): ومن طريق الشافعي البيهقي في "المعرفة" وقال: أخطأ ابن عيينة في قوله: نصر بن عاصم؛ وإنما هو عيسى بن عاصم هكذا رواه ابن فضيل والفضل بن موسى عن سعيد بن المرزبان عن عيسى بن عاصم ... ثم أسند البيهقي عن أبي داود وأبي زرعة أنهما قالا: ما علمنا للشافعي حديثًا أخطأ فيه والله أعلم. (¬5) انظر "التاريخ الكبير" (7/ ترجمة 570)، و"الجرح والتعديل" (7/ ترجمة 469)، و"التهذيب" (23/ ترجمة 4722).

وأشهر المسمّين بالمستورد: هو المستورد بن شداد الفهري صحابي. روى عنه: قيس بن أبي حازم (¬1). وحديث بجالة صحيح: أورده البخاري (¬2) من حديث سفيان، ورواه أبو داود في "السنن" (¬3) عن مسدد عن سفيان؛ وأما الحديث الثاني فقد رواه الفضل بن موسى وابن فضيل عن أبي سعد سعيد بن المرزبان وقالا: عيسى بن عاصم، وهو الذي عدَّ صوابًا، وعن محمَّد بن إسحاق بن خزيمة أنه قال: توهمت أن الشافعي أخطأ في هذا الاسم حتى رأيت الحميدي تابعه على ذلك فعلمت أن الخطأ من ابن عيينة. والمقصود أنه يجوز أخذ الجزية من المجوس، ويروى أن عمر -رضي الله عنه- أخذها من مجوس السواد، وأن عثمان -رضي الله عنه- أخذها من مجوس البربر (¬4). واختلف في أنه هل كان لهم كتاب؟ قيل: لم يكن، وعلى هذا جرى كلام فروة بن نوفل، واستدل له بما روي أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: "سنوا بهم سنة أهل الكتاب" (¬5) فإنه يشعر بأنهم ¬

_ (¬1) انظر "معرفة الصحابة" (5/ ترجمة 2780)، و"الإصابة" (6/ ترجمة 7934). (¬2) "صحيح البخاري" (3156). (¬3) "سنن أبي داود" (3043). (¬4) رواه ابن أبي شيبة (6/ 429) عن الزهري مرسلًا، ورواه الترمذي عنه عن السائب بن يزيد به موصولًا وقال: وسألت محمدًا عن هذا فقال: هو مالك عن الزهري عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. (¬5) رواه مالك (1/ 278 رقم 616) عن جعفر بن محمَّد بن علي عن أبيه عن عمر. قال الحافظ في "التلخيص" (1532): منقطع؛ لأن محمَّد بن علي لم يلق عمر. وضعفه الألباني في "الإرواء" (5/ 88).

الأصل

ليسوا بأهل كتاب، وقيل: كان فأسري به على ما بينه علي -رضي الله عنه-. واحتج الشافعي بالقصة على أن الجزية لا تؤخذ إلا من أهل الكتاب؛ لأنه لو كانت الجزية مأخوذة من غير أهل الكتاب لقال علي -رضي الله عنه-: تؤخذ الجزية منهم سواء كان أهل كتاب أو لم يكونوا، وروي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "سنوا بهم سنة أهل الكتاب غير ناكحي نسائهم ولا آكلي ذبائحهم" (¬1). الأصل [825] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس قال: أقبلت راكبًا على أتان وأنا يومئذ قد راهقت الاحتلام ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي بالناس، فمررت بين يدي الصف، فنزلت فأرسلت حماري يرتع ودخلت الصف، فلم ينكر ذلك عليّ أحد (¬2). الشرح هذا حديث صحيح، رواه البخاري (¬3) عن إسماعيل بن أبي أويس وعن عبد الله بن يوسف وعن القعنبي، ومسلم (¬4) عن يحيى بن يحيى بروايتهم جميعًا عن مالك، وفي الروايات زيادة ونقصان وقد قدمنا بعضها في كتاب الصلاة. ¬

_ (¬1) قال الحافظ في "الدراية" (535): لم أجده هكذا، وقال الزيلعي (3/ 170): غريب بهذا اللفظ. قال ابن الملقن في "الخلاصة" (1971): رواها البيهقي من رواية الحسن بن محمَّد عن علي قال: "كتب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى مجوس هجر ... وفيه: على أن لا يؤكل لهم ذبيحة، ولا ينكح لهم امرأة". ثم قال: قال عبد الحق: وهذا مرسل، ثم قال: وهو معلول أيضًا بقيس بن الربيع. (¬2) "المسند" ص (171). (¬3) "صحيح البخاري" (493). (¬4) "صحيح مسلم" (504/ 254).

الأصل

وقوله: "راهقت الاحتلام" أي: دنوت منه، وأرهقني الشيء: دنا مني، وأرهقنا الصلاة أي: أخرناها حتى كادت تدنو من الأخرى (¬1). والحديث يدل على أن مرور الإنسان والحمار بين يدي المصلي لا يقطع صلاته، وما ورد في الحديث من أنه يقطع الصلاة فقد ذكرنا طرفًا منه في كتاب الصلاة، وبينا تنزيله وتأويله. الأصل [826] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا بعض أهل العلم، عن محمَّد بن عمر وبن علقمة، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تمنعوا إماء الله مساجد الله، وإذا خرجن فليخرجن تفلات" (¬2). [827] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان عن الزهري، عن سالم، عن أبيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تمنعوا إماء الله مساجد الله" (¬3). [828] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن سعيد بن أبي سعيد، عن أبي هريرة، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تسافر مسيرة يوم وليلة إلا مع ذي محرم" (¬4). [829] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن عمرو بن دينار، عن أبي معبد، عن ابن عباس قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخطب يقول: "لا يخلون رجل بامرأة، ولا يحل لامرأة أن تسافر إلا ومعها ذو محرم" فقام رجل فقال: يا رسول الله إني اكتتبت في غزوة كذا وكذا وإن امرأتي انطلقت حاجَّة. ¬

_ (¬1) زاد في الأصل: وأرهقنا الصلاة سبق نظر. (¬2) "المسند" ص (171). (¬3) "المسند" ص (171). (¬4) "المسند" ص (171).

الشرح

فقال: "انطلق فاحجج بامرأتك" (¬1). [830] أبنا الربيع أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن يحيى بن سعيد، عن أبي سلمة أنه سمع عائشة تقول: إن كان ليكون عليّ الصوم من رمضان فما أستطيع أن أصومه حتى يأتي شعبان (¬2). الشرح حديث "لا تمنعوا إماء الله مساجد الله" صحيح مخرج في "الصحيحين" (¬3) من رواية سالم عن أبيه: رواه البخاري عن علي بن المديني، ومسلم عن زهير بن حرب وعمرو الناقد، بروايتهم عن سفيان واللفظ "إذا استأذنت أحدكم امرأته إلى المسجد فلا يمنعها". وقوله: "تفلات" أي: غير متطيبات لئلا يحرّك ريح الطيب الشهوات، والتَّفل: الرائحة الكريهة، ويقال منها: تفل يتفل تفلًا، والتفل أيضًا: البزاق، ويقال منه: تفل يتفل تفلًا إذا رمى بالقليل منه. وحمل النهي عن المنع على الاستحباب؛ لما روي عن محمَّد بن عبد الرحمن بن أبي لبيبة -ويقال: أم لبيبة- عن القاسم بن محمَّد، عن عائشة قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لأن تصلي المرأة في بيتها خير لها من أن تصلي في حجرتها، ولأن تصلي في حجرتها خير لها من أن تصلي في الدار، ولأن تصلي في الدار خير لها من أن تصلي في المسجد" (¬4) ثم موضع الاستحباب ما إذا لم تُخف سوءًا ولم تكن زينة، وقد ¬

_ (¬1) "المسند" ص (171). (¬2) "المسند" ص (171). (¬3) "صحيح البخاري" (5238)، و"صحيح مسلم" (442/ 134، 135). (¬4) رواه البيهقي (3/ 132). وحسنه الألباني في "صحيح الجامع" (5039).

روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: لو رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما أحدث النساء بعده لمنعهن المساجد كما منعت نساء بني إسرائيل (¬1). وقوله: "إذا خرجن فليخرجن تفلات" يشير إلى هذا المعنى، وفي "الصحيح" من رواية أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "أيما امرأة أصابت بخورًا فلا تشهد معنا العشاء الآخرة" (¬2) ويمكن أن يقال: مقصود الخبر أن النساء لا يمنعن جملة من دخول المساجد والاعتكاف فيها؛ وذلك لأن المساجد بنيت للجمعات والجماعات، والجمعة يختص وجوبها بالرجال، والجماعة في سائر الصلاة لا تستحب للنساء استحبابها للرجال، فقد يتوهم لذلك أن المساجد تختص بالرجال؛ ويقطع هذا الوهم بقوله: "لا تمنعوا إماء الله مساجد الله". ورأى الشافعي -رضي الله عنه- حمل الحديث على المسجد الحرام، وليس لأحد منعها من إتيان المسجد الحرام لإقامة فرض الحج، واحتج لذلك بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تسافر مسيرة يوم وليلة إلا مع ذي محرم" وهذا حديث صحيح أخرجه مسلم (¬3) عن يحيى بن يحيى، عن مالك، وأيضًا عن زهير بن حرب عن يحيى بن سعيد، والبخاري (¬4) عن آدم، بروايتهما عن ابن أبي ذئب، عن سعيد المقبري، عن أبيه، عن أبي هريرة، وأخرى عن أبيه عن أبي هريرة؛ وأيضًا لحديث ابن عباس المذكور بعده وهو صحيح أيضًا: أخرجه البخاري (¬5) عن قتيبة ¬

_ (¬1) رواه البخاري (869)، ومسلم (445). (¬2) رواه مسلم (444/ 143). (¬3) "صحيح مسلم" (1339/ 420، 421). (¬4) "صحيح البخاري" (1088). (¬5) "صحيح البخاري" (1862).

بن سعيد، ومسلم (¬1) عن أبي بكر بن أبي شيبة، بروايتهما عن سفيان. ووجه الاحتجاج أن في هذين الخبرين منعها من السفر بلا محرم، ومعلوم أنها إذا أرادت السفر لإتيان مسجد لم يجب على المحرم أن يخرج معها فهي إذًا ممنوعة عن أكثر المساجد، فعلم أنه ليس المراد من الحديث ظاهره، وفي معنى المحرم الزوج؛ لما روي في "الصحيح" عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تسافر امرأة سيرًا ثلاثة أيام فصاعدًا إلا مع ابنها أو أبيها أو أخيها أو زوجها أو ذي محرم" (¬2) واستدل بالحديث على أن المرأة إذا لم تجد من يخرج معها لم يلزمها الحج، وأقام مالك والشافعي النسوة الثقات مقام المحرم لحصول الأمن بهن. وقوله: "تسافر مسيرة يوم وليلة" يبين أن المنع من السفر بلا محرم لا يختص بالسفر الطويل وعند أبي حنيفة إذا لم يكن مع المرأة محرم ولا زوج فلا تخرج إلى الحج إلا أن تكون المسافة بينها وبين مكة دون ثلاثة أيام، وقد أطلق في حديث ابن عباس المنع، واستثني عن الحديث الكافرة إذا أسلمت في دار الكفر والمسلمة إذا تخلصت من الأسر، وقيل: يلزمها الخروج بلا محرم إذا اجترأت ولم تخف الوحدة. وحديث عائشة في تأخير قضاء الصوم صحيح مودع في "الموطأ" (¬3) وأخرجه الشيخان (¬4) عن أحمد بن عبد الله بن يونس عن ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (1341). (¬2) رواه مسلم (1340/ 423). (¬3) "الموطأ" (1/ 308 رقم 680). (¬4) "صحيح البخاري" (1950)، و"صحيح مسلم" (1146/ 151).

الأصل

زهير عن يحيى بن سعيد وفي آخره: "الشغل من النبي أو بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وأورده الشافعي في هذا الموضع مؤيدًا به كلامه في جواز المنع من الخروج إلى أكثر المساجد أي: إذا كان للزوج أن يمنعها من المبادرة إلى قضاء الصوم مع وجوبه، فأولى أن يجوز له المنع من الخروج إلى المسجد الذي ليس هو بواجب، والحديث يدل على أنه يجوز تأخير القضاء، وأنه لا يجوز التأخير إلى أن يدخل رمضان السنة القابلة وإن أخر من غير عذر حتى دخل رمضان السنة القابلة فعليه مع القضاء أن يطعم لكل يوم مسكينًا يروى ذلك عن ابن عباس وأبي هريرة، وبه قال الزهري ومالك والشافعي وأحمد، ومنهم من قال: يقضي ولا فدية عليه، وبه قال أبو حنيفة، وقيل: يطعم ولا قضاء عليه. الأصل [831] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من جاء منكم الجمعة فليغتسل" (¬1). [832] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك وسفيان، عن صفوان بن سليم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم" (¬2). [833] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان بن عيينة، عن يحيى بن سعيد، عن عمرة، عن عائشة قالت: كان الناس عمال أنفسهم وكانوا يروحون بهيآتهم فقيل لهم: لو اغتسلتم (¬3). ¬

_ (¬1) "المسند" (171). (¬2) "المسند" (172). (¬3) "المسند" (172).

الشرح

الشرح حديث سالم عن أبيه مخرج في "الصحيحين" (¬1) من أوجه عن الزهري عن سالم، ورواه نافع عن ابن عمر أيضًا، وأخرجه البخاري (¬2) من رواية عبد الله بن يوسف عن مالك عن نافع، ومسلم (¬3) من رواية الليث بن سعد عن نافع. وحديث أبي سعيد: رواه البخاري في "كتابه" (¬4) عن القعنبي عن مالك، وعن علي بن المديني عن سفيان، ومسلم (¬5) عن يحيى بن يحيى عن مالك. وكلام عائشة مخرج في "الصحيحين" (¬6) من حديث يحيى بن سعيد. وقوله: "من جاء منكم الجمعة فليغتسل" احتج به على اختصاص الغسل بمن أتى الجمعة على ما قدمنا. وقوله: "فليغتسل" ظاهره يقتضي الإيجاب بناءً على أن الأمر الوجوب، وقد صرح بلفظ الوجوب في حديث أبي سعيد، قال الشافعي في كتابه "اختلاف الحديث": قوله: "واجب" احتمل أنه لا يجزيء غيره، واحتمل واجب في الأخلاق وواجب في الاختيار والنظافة، ونفي الرائحة الكريهة عند اجتماع الناس كما يقول الرجل للرجل: وجب حقك إذا رأيتني موضعًا لحاجتك (¬7). ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (895)، ومسلم (844/ 2). (¬2) "صحيح البخاري" (877). (¬3) "صحيح مسلم" (844/ 1). (¬4) "صحيح البخاري" (857). (¬5) "صحيح مسلم" (846/ 5). (¬6) "صحيح البخاري" (903)، و"صحيح مسلم" (847). (¬7) "اختلاف الحديث" (1/ 149).

وقد قام الدليل على أن المراد غير المعنى الأول، واحتج بما روى "أن رجلًا دخل المسجد يوم الجمعة وعمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يخطب، فقال عمر: أية ساعة هذِه" وقد تقدمت روايته في "المسند" (¬1) وروي أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: "من توضأ فيها ونعمت ومن اغتسل فالغسل أفضل" (¬2) وبينت عائشة المعنى في الغسل وهو قطع الروائح الكريهة والتنظيف. وقولها: "عمال أنفسهم" أي ما كان لهم من يستخدمونه فكانوا يكدحون ويسعون بأنفسهم في أشغالهم. وقوله: "لو اغتسلتم" أي كان خيرًا وأحسن أو ما أشبه ذلك. آخر الجزء ويتلوه في الذي يليه: أبنا الربيع أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن عبد الله بن الفضل، عن نافع بن جبير، عن عبد الله بن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "الأيم أحق بنفسها من وليها" وبه تم المجلد الأول على يدي أضعف عباد الله عبد الرحمن بن عمر بن أحمد الكرخي القزويني في العشرين من جمادي الأولى سنة خمس وخمسين وستمائة. ¬

_ (¬1) سبق برقم (60). (¬2) رواه أبو داود (354)، والترمذي (497)، والنسائي (3/ 94)، وابن الجارود (285)، وابن خزيمة (1757) من طريق قتادة عن الحسن عن سمرة. قال الترمذي: حديث حسن، ورواه بعضهم عن قتادة عن الحسن عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. وصححه أبو حاتم في "العلل" (575)، وصححه ابن الملقن في "الخلاصة" (764) على شرط البخاري، وكذا حسنه الألباني في "صحيح الجامع" (6180).

والغنم، من ابتاع طعامًا فلا يبيعه حتى يستوفيه، من سلف فليسلف في كيل معلوم، لا يقتل مؤمن بكافر، عن كسب الحجام فنهاه عنه، البينة على المدعي، طلقت امرأتي مائة، تريدين أن ترجعي إلى رفاعة؟ لا حتى يذوق عسيلتك وتذوقي عسيلته، طلق عبد الله بن عمر امرأته وهي حائض، من أعتق شركًا له في عبد، فأقرع بينهم فأعتق ثلثهم، ناقة للبراء بن عازب دخلت حائطًا لقوم فأفسدت فيه، ثم أذن في الناس بالحج.

الأصل

بسم الله الرحمن الرحيم الأصل [833] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن عبد الله بن الفضل، عن نافع بن جبير، عن عبد الله بن عباس؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "الأيم أحق بنفسها [من] (¬1) وليها، والبكر تستأذن في نفسها، وإذنها صماتها" (¬2). [834] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عبد الرحمن ومجمع ابني يزيد بن جارية، عن خنساء بنت خذام؛ أن أباها زوجها وهي ثيب فكرهت ذلك، فأتت النبي - صلى الله عليه وسلم - فرد نكاحها (¬3). [835] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة قالت: تزوجني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا بنت سبع، وبنى بي وأنا ابنة تسع، وكنت ألعب بالبنات، وكنّ جوار يأتينني فإذا رأين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتقمعن منه، فكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يسرِّ بهن إلي (¬4). الشرح عبد الرحمن (¬5) أبو محمَّد، ومجمع (¬6): ابنا يزيد بن جارية بن ¬

_ (¬1) سقط من "الأصل". والمثبت من "المسند". (¬2) "المسند" ص (172). (¬3) "المسند" ص (172). (¬4) "المسند" ص (172). (¬5) انظر "التاريخ الكبير" (5/ ترجمة 1151)، و"الجرح والتعديل" (5/ ترجمة 1417)، و"التهذيب" (18/ ترجمة 3993). (¬6) انظر "معرفة الصحابة" (5/ ترجمة 2715)، و"الإصابة" (5/ ترجمة 5790).

عامر بن مجمع بن العطاف الأنصاري، من بني عمرو بن عوف، ولأبيهما صحبة ورواية عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وجدهما حارثة من المنافقين من أهل مسجد الضرار. روى عبد الرحمن عن: عمه مجمع بن جارية الأنصاري، وعن بعضهم أنه قال: ما رأيت بعد الصحابة أفضل من عبد الرحمن، يقال: أنه ولد في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - ومات بالمدينة سنة ثلاث وتسعين، وقيل: سنة ثمان. سمعا: خنساء بنت خذام. وخنساء: هي بنت خذام بن خالد، من نساء الصحابة، وأبوها من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - من الأنصار (¬1). وحديث نافع بن جبير عن ابن عباس مخرج في "الموطأ" (¬2) ورواه مسلم في "صحيحه" (¬3) عن يحيى بن يحيى عن مالك، وأخرجه الشيخان (¬4) من رواية أبي هريرة. وحديث خنساء أخرجه البخاري (¬5) عن إسماعيل عن مالك. وحديث عائشة أخرجه البخاري (¬6) عن محمَّد بن يوسف عن سفيان، وأخرجاه (¬7) من طرق عن هشام بن عروة. وقوله: "الأيم أحق بنفسها" اسم من [أيم] (¬8) والأيمة: التي مات ¬

_ (¬1) انظر "معرفة الصحابة" (6/ ترجمة 3857)، و"الإصابة" (7/ ترجمة 11104). (¬2) "الموطأ" (2/ 524 رقم 1092). (¬3) "صحيح مسلم" (1421/ 66). (¬4) رواه البخاري (5136)، ومسلم (1419). (¬5) "صحيح البخاري" (5138). (¬6) "صحيح البخاري" (5133). (¬7) رواه البخاري (3894)، ومسلم (1422). (¬8) في "الأصل": يم. خطأ.

عنها زوجها أو طلقها أشهر، وتسمى البكر التي لا زوج لها أيمًا أيضًا، وأراد ها هنا: الثيب أحق بنفسها من وليها ثم ليس المقصود أنها تباشر العقد بنفسها إذ لا نكاح إلا بولي، ولكن المراد أنها لا تزوج إلا بإذنها، ولو زوجها الولي دون إذنها فالنكاح باطل، ويوضحه حديث خنساء. ومعنى قوله: "فرد نكاحها" أنه حكم بأنه غير منعقد لا أنه رفعه بعد انعقاده، ولو كانت الثيب صغيرة لم يكن لها في الصغر إذن، فلا بد من الصبر حتى تبلغ فتأذن في التزويج؛ وأما البكر فإن كانت صغيرة فلا خلاف في أنه يجوز تزويجها للأب والجد، ويدل عليه حديث عائشة رضي الله عنها. وقولها: "يتقمعن" ويروى "ينقمعن" وهما أي: يتغيبن ويتعين رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والانقماع والتقمع: الدخول في بيتٍ وسترٍ ونحوهما، ويروى بدلهما "يتقنعن" بالنون. وقولها: "يسرِّ بهن إلي" أي: يوجههن ويسرحهن. ولو كانت يتيمة فعند الشافعي لا يزوجها غير الأب والجد احتجاجًا بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "تستأمر" ومعلوم أنه لا عبرة بإذنها قبل البلوغ، فكأنه قال: ولا تنكح حتى تبلغ فتستأمر. وإن كانت البكر بالغة فقد ذهب ذاهبون إلى أنها لا تزوج حتى تستأذن لقوله: "والبكر تستأذن في نفسها". وقال آخرون منهم: القاسم بن محمَّد، وسالم بن عبد الله، ومالك، والشافعي، وأحمد: يجوز أن يزوجها الأب والجد من غير استئذانها، وقالوا: مقصود الحديث استطابة نفسها بالاستئذان كما أن الله تعالى أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بمشاورة أصحابه، فقال تعالى: {وَشَاوِرْهُمْ في

الْأَمْرِ} (¬1) استطابة لنفوسهم، وكما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لنعيم: "وأمر أم ابنتك في نكاحها" (¬2). ويمكن أن يقال في الخبر: قوله: "الثيب أحق بنفسها من وليها" أي: من كل ولي أبًا كان أو جدًّا أو غيرهما، فلا يزوجها أحد إلا بإذنٍ، والبكر تستأذن في الجملة وليست أحق بنفسها من كل ولي، وحيث يعتبر الاستئذان ففي حق الثيب يعتبر الإذن نطقًا، وفي حق البكر يكفي السكوت؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "وإذنها صماتها". وروت عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "البكر تستأذن" قالت: قلت: إن البكر تستحي. قال: "إذنها صماتها" (¬3). وللأصحاب وجه آخر أنه يشترط نطقها أيضًا. وقول عائشة: "وبنى بي" كناية عن الزفاف، يقال: بنى بأهله وعلى أهله، والأصل فيه أنهم كانوا إذا أرادوا الدخول على الأهل بنوا قبة أو بناءً يدخلا بها. وقولها: "ألعب بالبنات" هي اللعب المشبهة بالجواري تلعب بها الصبايا، وفي "صحيح مسلم" عن عائشة؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تزوجها وهي بنت سبع سنين، وزفت إليه وهي بنت تسع سنين ولعبها معها، ومات عنها وهي بنت ثمان عشرة (¬4). وفيه أنه لا بأس بتمكين الصبيان من اللَّعب باللُّعب، فإن كانت مصورة فقد يتساهل معهن لصباهن كما يتساهل بإلباس ذكور الأطفال ¬

_ (¬1) آل عمران: 159. (¬2) لم أجده بلفظه وروى البيهقي في "السنن" (7/ 116) في قصة خطبة ابن عمر لابنة نعيم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لنعيم: "أرضها وأرض ابنتها". وروى أبو داود (2095) عن ابن عمر مرفوعًا: "وآمرو النساء في بناتهن". والله أعلم. (¬3) رواه البخاري (5137). (¬4) "صحيح مسلم" (1422/ 71).

الأصل

الحرير على الأظهر، وفيه أنه لم يمنع من اجتماعهن للملاعبة، وأنه لاطف عائشة ولاطفهن بتسريهن إليها. الأصل [836] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن نافع، عن ابن عمر؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن النجش (¬1). [837] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن ابن شهاب، عن ابن المسيب، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تناجشوا". [838] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان ومالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله (¬2). [839] أبنا الربيع، أبنا الشافعي قال: وأبنا سفيان، عن أيوب عن ابن سيرين، عن أبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -[مثله] (¬3). الشرح حديث ابن عمر مما يشتمل عليه "الموطأ" (¬4) وأخرجه البخاري (¬5) عن عبد الله بن سلمة، ومسلم (¬6) عن يحيى بن يحيى، بروايتهما عن مالك. وحديث ابن المسيب عن أبي هريرة أخرجه البخاري (¬7) عن علي بن عبد الله عن سفيان عن الزهري، ومسلم عن محمَّد بن رافع عن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري، ورواه أبو داود في "السنن" (¬8) عن ابن ¬

_ (¬1) "المسند" ص (172). (¬2) "المسند" ص (172). (¬3) سقط من "الأصل". والمثبت من "المسند" ص (173). (¬4) "الموطأ" (2/ 684 رقم 1367). (¬5) "صحيح البخاري" (2142). (¬6) "صحيح مسلم" (1516). (¬7) "صحيح مسلم" (1413/ 53). (¬8) "سنن أبي داود" (3438)

الأصل

[السرح] (¬1) عن سفيان، وابن ماجه (¬2) عن هشام بن عمار وغيره عن سفيان. والنجش: أن يزيد في ثمن السلعة المعروضة للبيع وهو لا يريد شراءها ليرغب غيره فيها فيزيد في الثمن، قيل: أصله المدح؛ لأن الذي يزيد في ثمن السلعة يمدحها، وقيل: أصله تنفير الوحش من مكان إلى مكان؛ لأن الناجش يقصد تنفيره عن غير تلك السلعة (¬3). والناجش عاصٍ بفعله؛ لما فيه من الخديعة لكن الشرى صحيح، ولا خيار للبائع إذا كان النجش من غير مواطأة، وإن واطأه الناجش ففي ثبوت الخيار وجه. والتناجش: أن يزيد في ثمن سلعة غيره عند البيع ليزيد هو أيضًا في ثمن سلعته عند البيع، وحيث ورد في الخبر: "لا تباغضوا ولا تناجشوا" (¬4) فالمراد منه التنفير، أي: لا ينفر بعضكم بعضا. الأصل [840] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن نافع، عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يبع بعضكم على بيع بعض" (¬5). [841] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا [سفيان، عن الزهري] (¬6)، ¬

_ (¬1) في "الأصل": السراج. تحريف، والمثبت من "السنن". وابن السرح: هو أحمد بن عمرو بن السرح. (¬2) "سنن ابن ماجه" (2174). (¬3) انظر: "النهاية" مادة (نجش). (¬4) رواه البخاري (6066)، ومسلم (2564/ 32). (¬5) "المسند" ص (173). (¬6) في "الأصل": مالك وسفيان. وهو سبق نظر، والمثبت من "المسند" وكذا "اختلاف الحديث".

الشرح

عن ابن المسيب، عن أبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -قال: "لا يبيع الرجل على بيع أخيه" (¬1). [842] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك وسفيان، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله (¬2). الشرح حديث نافع عن ابن عمر أخرجه البخاري (¬3) عن عبد الله بن يوسف، ومسلم (¬4) عن يحيى بن يحيى، بروايتهما عن مالك. وحديث ابن المسيب عن أبي هريرة أخرجاه بالطريق السابق في النجش، وقد يقرن في الرواية بين النهي عن التناجش والبيع على بيع الأخ وبيع الحاضر للبادي. وحديث أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أخرجه البخاري ومسلم كل منهما بالطريق الذي ذكرنا في حديث ابن عمر. والمقصود بالنهي: أن يشتري الرجل شيئًا من غيره وهما بالخيار -إما شرطًا، أو [لكونهما] (¬5) في مجلس العقد- ويأتي إنسانٌ البائع فيطلب ما باعه منه بأكثر من الثمن الذي باع به ترغيبًا له [في] (¬6) الفسخ والبيع منه؛ أو يأتي المشتري ويعرض عليه مثل ما اشتراه أو أجود ¬

_ (¬1) "المسند" ص (173). (¬2) "المسند" ص (173). ولم يذكر المصنف الحديث رقم (843) أخبرنا سفيان، عن أيوب، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. (¬3) "صحيح البخاري" (2165). (¬4) "صحيح مسلم" (1412/ 7). (¬5) في "الأصل": لكونها. والمثبت الأليق بالسياق. (¬6) ليست في "الأصل". والسياق يقتضيها.

الأصل

بأرخص من ذلك الثمن ليفسخ ذلك ويشتري سلعته، وهذا كالنهي عن السوم على سوم الغير والخطبة على خطبة الغير. الأصل [844] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن نافع، عن ابن عمر؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم -[قال] (¬1) "لا يبيع حاضر لباد" (¬2). [845] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن أبي الزبير، عن جابر؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يبيع حاضر لباد، دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض" (¬3). الشرح المنع من بيع الحاضر للبادي صحيح ثابت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من رواية ابن عمر (¬4) وأبي هريرة (¬5) وابن عباس (¬6) وأنس (¬7). وحديث أبي الزبير عن جابر أخرجه مسلم (¬8) عن أحمد بن يونس، عن زهير بن معاوية، عن أبي الزبير. وكان أهل البادية يحملون إلى البلد أمتعتهم فيبيعونها بسعر اليوم ويسعون في الرجوع إلى أماكنهم لئلا تكثر عليهم المؤنة في البلد، فربما جاء بعضهم البلدي ويقول له: ارجع وضع متاعك عندي ولا تربص به ¬

_ (¬1) سقط من "الأصل". والمثبت من "المسند". (¬2) "المسند" ص (173). (¬3) "المسند" ص (173). (¬4) سبق تخريجه في بيع النجش. (¬5) سبق تخريجه في بيع النجش. (¬6) رواه البخاري (2158)، ومسلم (1521/ 19). (¬7) رواه البخاري (2161)، ومسلم (1523). (¬8) رواه مسلم (1522/ 20).

وأبيعه بأعلى مما تبعه رفق أهلٍ، فنهى النبي - صلى الله عليه وسلم - وأشار إلى هذا المعنى بقوله: "دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض" فإن كان لا يؤثر ذلك لرخص الأسعار أو لقلة المتاع فقد قيل: لا بأس؛ لأنه لا ضرر. وقيل بالمنع؛ لإطلاق النهي. ولو التمس البدوي من الحضري أن يتربص بسلعته فهل ينهى عن إجابته؟ فيه خلاف أيضًا، ثم قيل: النهي يختص بالبيع، فأما شرى البلدي للبدوي فلا بأس به، وهذا ما حكاه الشيخ الفراء في "شرح السنة" عن الحسن البصري، قال: وذهب إليه الشافعي (¬1). ومنهم من قال: لا يجوز أن يشتري له كما لا يجوز أن يبيع، له واسم البيع يقع على الابتياع أيضًا كما يقع اسم الشرى على البيع وهما من الأضداد، ويروى هذا عن ابن سيرين وإبراهيم النخعي، وهذا ما أورده أبو سليمان الخطابي، وقد احتج له بما روي أن ابن عباس لما روى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى أن يبيع حاضر لباد، قيل له: ما بيع حاضر لباد؟ قال: لا يكون له سمسارًا (¬2). والسمسار: الذي يبيع ويشتري للناس. وفي قوله: "دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض" ما يدل على أن بيع الحضري للبدوي وإن كان مبهمًا فهو صحيح؛ لأنه لو كان فاسدًا لم يكن فيه تفويت الرفق والرزق على الناس. ¬

_ (¬1) "شرح السنة " (8/ 122 - 123). (¬2) رواه البخاري (2158)، ومسلم (1521/ 19).

الأصل

الأصل [846] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -[قال] (¬1) "لا تلقوا السلع" (¬2). الشرح الحديث صحيح داخل في "الموطأ" (¬3) وأخرجه البخاري (¬4) عن عبد الله بن يوسف عن مالك، ومسلم (¬5) عن يحيى بن يحيى عنه، واللفظ: "لا تلقوا الركبان للبيع". وأخرجه أبو داود (¬6) عن القعنبي عن مالك، وقال: "لا تلقوا السلع حتى تهبط الأسواق". وصورته أن يبليغ الركبان قبل أن يقدموا البلد ويعرفوا سعر أمتعتهم ويخبرهم بكسادها ويشتريها منهم بما دون سعر البلد، وسبب النهي ما فيه من الخديعة، ولصاحب السلعة الخيار إذا قدم البلد وعرف كذب المبلغ؛ لما روي عن ابن سيرين عن أبي هريرة؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن تلقي الجلب، فإن تلقاه متلقٍ فاشتراه فصاحب السلعة بالخيار إذا ورد السوق (¬7). وخصص أبو سعيد الإصطخري (¬8) الخيار بما إذا ابتاع بدون سعر البلد دون ما إذا ابتاعه به أو بأكثر منه، حكاه أبو سليمان الخطابي وذكر ¬

_ (¬1) سقط من "الأصل" والمثبت من "المسند". (¬2) "المسند" ص (173). (¬3) "الموطأ" (2/ 683 رقم 1366). (¬4) "صحيح البخاري" (2150). (¬5) "صحيح مسلم" (1515/ 11). (¬6) "سنن أبي داود" (3443) ولفظه مثل لفظ "الصحيحين"؛ وأما اللفظ المذكور فرواه ابن حبان (4959) من حديث ابن عمر. (¬7) رواه مسلم (1519) مختصرًا، وأبو داود (3437) والترمذي (1221). (¬8) هو الحسن بن أحمد بن يزيد بن عيسى، أبو سعيد الإصطخري، شيخ الشافعية ببغداد، من أكابر أصحاب الوجوه في المذهب. انظر: "طبقات الشافعية" لابن قاضي شهبة (1/ 55).

الأصل

أن أبا حنيفة لم يكره التلقي ولا جعل لصاحب السلعة الخيار. الأصل [847] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان أو مالك، عن ابن شهاب، عن حميد بن عبد الرحمن، وعن محمَّد بن النعمان بن بشيرة أن أباه أتى به إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -[فقال] (¬1) إني نحلت ابني هذا غلامًا كان لي، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أُكلّ ولدك نحلت مثل هذا"؟ [فقال: لا] (¬2) فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "فارجعه". قال أبو العباس: كان عند أصحابنا كلهم: [مالك] (¬3) وكان عندي سفيان؛ فلذلك جعلته بالشك (¬4). [848] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مسلم بن خالد، عن ابن جريج، عن الحسن بن مسلم، عن طاوس؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم -[قال] (¬5) "لا يحل لواهب أن يرجع فيما وهب إلا الوالد من ولده" (¬6). الشرح محمَّد: هو ابن النعمان بن بشير بن سعد الأنصاري، سكن دمشق. سمع: أباه، وروى عنه: الزهري (¬7). ¬

_ (¬1) سقط من "الأصل". والمثبت من "المسند". (¬2) سقط من "الأصل". والمثبت من "المسند". (¬3) سقط من "الأصل". والمثبت من "المسند". (¬4) "المسند" ص (174). (¬5) سقط من "الأصل". والمثبت من "المسند". (¬6) "المسند" ص (174). (¬7) انظر "التاريخ الكبير" (1/ ترجمة 797)، و"الجرح والتعديل" (8/ ترجمة 464)، و"التهذيب" (26/ ترجمة 5659).

وأبوه: النعمان بن بشير بن سعد بن ثعلبة بن جلاس بن زيد بن مالك بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج الأنصاري أبو عبد الله، كان يلي الكوفة. سمع: النبي - صلى الله عليه وسلم -. وروى عنه: الشعبي، وأبو إسحاق السبيعي، وسالم بن أبي الجعد، وسماك (¬1). وحديث النعمان صحيح رواه البخاري (¬2) عن عبد الله بن يوسف عن مالك، ومسلم (¬3) عن يحيى بن يحيى عنه، ورواه عن النعمان: عروة بن الزبير والشعبي. وفي رواية حصين عن الشعبي عن النعمان قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم" قال: فرجع فردّ عطيته (¬4).2 وفي رواية داود بن أبي هند عن الشعبي: "فأشهد على هذا غيري" ثم قال: "أيسرك أن يكونوا إليك في البر سواء"؟ قال: بلى. قال: "فلا إذًا" (¬5). وفي رواية أبي حيان عن الشعبي قال: "فلا تشهدنى إذًا؛ فإني لا أشهد على جور" (¬6). وبيّن أبو العباس أنه لِمَ قال: أبنا سفيان أو مالك بالشك، والمشهور في الحديث رواية الشافعي عن مالك وكذلك هو في كتاب "اختلاف الحديث" (¬7) وغيره. ¬

_ (¬1) انظر "معرفة الصحابة" (5/ ترجمة 2858)، و"الإصابة" (6/ ترجمة 8734). (¬2) "صحيح البخاري" (2586). (¬3) "صحيح مسلم" (1623/ 9). (¬4) رواه مسلم (1623/ 13). (¬5) رواه مسلم (1623/ 17). (¬6) رواه البخاري (2650)، ومسلم (1623/ 14). (¬7) "اختلاف الحديث" ص (159).

وحديث طاوس مرسل، لكن أخرجه أبو داود (¬1) بإسناده عن طاوس عن ابن عمر وابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقصة نحلة النعمان رواها أيضًا أبو الزبير عن جابر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬2). وقوله: "نحلتُ" أي: أعطيت، يقال: نَحلْتهُ أَنْحَلهُ نُحلًا، ومن القول نَحلًا بالفتح، والنّحل: العطية بغير عوض، ويروى أنه - صلى الله عليه وسلم - قال له: "هل لك معه ولد؟ " قال: نعم. قال: "فهل أبنت كل واحد منهم مثل الذي أبنت هذا؟ " قال: لا (¬3). أي: هل أعطيت كل واحد منهم مالًا تبينه به، والاسم البائنة، يقال: طلب فلان إلى أبيه البائنة إذا طلب إليه مالًا يفرده به، وأبانه أبواه حتى بان يبين بيونًا، ويقال: إن البائنة لا تكون إلا من الوالدين أو أحدهما. والقصة تدل على استحباب التسوية بين الأولاد إذا كانوا ذكورًا أو إناثًا في النّحل وأنواع الإكرام، والمعنى فيه أن التفضيل قد يؤثر في نفس المفضول فيمنعه من البرّ ويفسد ما بينه وبين سائر الأولاد، وفي الذكر والأنثى وجهان: أحدهما: أنه لا بأس بأن يجعل العطية بينهما على قضية الميراث. وأظهرها: أنه يسوي أيضًا، ويدل عليه قوله: "أيسرك أن يكونوا في البرّ سواء" فإنه لم يفرق بين الذكر والأنثى. ¬

_ (¬1) "سنن أبي داود" (3539). وكذا رواه الترمذي (1299)، والنسائي (6/ 265)، وابن ماجه (2377)، وابن الجارود (994)، وابن حبان (5123)، والحاكم (2/ 53). قال الترمذي: حسن صحيح، وقال الحاكم: صحيح الإسناد. وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (7655). (¬2) رواه مسلم (1624/ 19) من طريق زهير، عن أبي الزبير، عنه. (¬3) رواه ابن حبان (5104) وفيه: "آتيت" بدل: "أبنت".

الأصل

ويدل على أنه إذا فضل بعضهم على بعض تقذف الهبة وإن عدل عن المأمور خلافًا لسفيان الثوري وداود؛ لأنه قال: "فارجعه" ولو لم ينفذ تصرفه وبقي المال على ملكه لما احتاج إلى أن يرجع، وأيضًا فقد قال: "أشهد على هذا غيري" ولو كان لغوًا لما أمر بالإشهاد عليه، وتسميته جورًا لما فيه من الميل والعدول عن الأفضل والأحسن، وتدل أيضًا على أن للأب أن يرجع فيما وهب من ولده، والأولى أن لا يفعل ذلك إلا لغرض صحيح ويدل عليه حديث طاوس. وفيه دليل على أن الأجنبي لا يرجع فيما وهب من الأجنبي، وقد روي عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "العائد في هبته كالعائد في قيئه" (¬1). والعود في القيء حرام، وفرق بين الأب والأجنبي بأن يدّ الولد كيدّ الوالد؛ ألا ترى أنه لا حدّ بوطء جاريته، ولا يقطع بسرقة ماله؛ فكان الوالد في الهبة من الولد في معنى من وهب ولم يقبض. الأصل [849] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة؛ أنها قالت: جاءتني بريرة فقالت: إني كاتبت أهلي على تسع أواقٍ في كل عام أوقية فأعينيني، فقالت لها عائشة: إن أحب أهلك أن أعدها لهم عددتها ويكون ولاؤك لي فعلت، فذهبت بريرة إلى أهلها فقالت لهم ذلك فأبوا عليها، فجاءت من عند أهلها ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالس، فقالت: إني عرضت عليهم فأبوا إلا أن يكون الولاء لهم، فسمع ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فسألها النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبرته عائشة، فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "خذيها ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2621)، ومسلم (1622).

الشرح

واشترطي لهم الولاء فإن الولاء لمن أعتق" ففعلت عائشة، ثم قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: "أما بعد: فما بال رجال يشترطون شروطًا ليست في كتاب الله، ما كان من شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط، قضاء الله أحق وشرطه أوثق وإنما الولاء لمن أعتق" (¬1). [850] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن يحيى بن سعيد، عن عمرة، عن عائشة مثله (¬2). الشرح بريرة مولاة عائشة رضي الله عنها. روت عن: النبي - صلى الله عليه وسلم -. وروى عنها: عروة بن الزبير، وعبد الملك بن مروان (¬3). والحديث صحيح أخرجه البخاري (¬4) عن عبد الله بن يوسف عن مالك، وأيضًا عن عبيد بن إسماعيل، ومسلم (¬5) عن أبي كريب، بروايتهما عن أبي أسامة، عن هشام بن عروة، واللفظ في رواية عبيد: إن أحب أهلك أن أعدها لهم عدة واحدة وأعتقك فعلت فيكون ولاؤك لي، وفي "الصحيح" من رواية قتيبة عن الليث عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة أن بريرة جاءت تستعينها في كتابتها ولم تكن قضت من كتابتها شيئًا. قالت لها عائشة: ارجعي إلى أهلك فإن أحبوا أن أقضي عن كتابتك ويكون ولاؤك لي فعلت، فذكرت بريرة لأهلها فأبوا، وقالوا: إن شاءت أن تحتسب عليك فلتفعل ويكون [لنا] (¬6) ولاؤك، ¬

_ (¬1) "المسند" ص (174). (¬2) "المسند" ص (174). (¬3) انظر "الإصابة" (7/ ترجمة 10928). (¬4) "صحيح البخاري" (2168). (¬5) "صحيح مسلم" (1504/ 8). (¬6) رواه البخاري (2561)، ومسلم (1504/ 6).

فذكرت ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "ابتاعي وأعتقي فإنما الولاء لمن أعتق" (¬1). وقولها: "إن أحب أهلك أن أعدها لك" يقال: إنما ذكر لفظ العدّ لأن أهل المدينة كانوا يتعاملون بالدراهم عددًا وقت مقدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى أن أرشدهم - عليه السلام - وجعل العيار وزن أهل مكة، ثم اللفظ في نُسخ "المسند" "إن أحب أهلك أن أعدها [لهم] (¬2) عددتها ويكون ولاؤك لي" وهذا النظم يحتاج إلى تأويل وتكلف، والأحسن إن تطَّوع فعلت، وكذلك هو في بعض الروايات، ويروى "أن أعدها لك [عددتها] (¬3) " وهو واضح. واحتج بالحديث من جوز بيع المكاتب، وبه قال مالك؛ فإن بريرة كانت مكاتبة وقد جاءت عائشة تستعين بها في كتابتها، ثم إنها اشترتها، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "خذيها" وفي الرواية الأخرى: "ابتاعي". ومن منع بيعه -وهو الظاهر من مذهب الشافعي- قال: كان شرى بريرة برضاها، ألا تراها سفرت (¬4) بين عائشة وبين أهلها تساوم نفسها لعائشة، والكتابة جائزة من جهة المكاتب فكان ذلك فسخًا للكتابة منها، وإلى هذا ذهب محمَّد بن إسماعيل البخاري حيث أورد الحديث في باب ترجمه بـ "بيع المكاتب إذا رضي" وأبو داود حيث أورده في باب ترجمه بـ "بيع المكاتب إذا فسخ الكتابة". وزعم زاعمون أنهم كانوا باعوا نجوم كتابتها لا رقبتها، وقد أجاز ¬

_ (¬1) في "الأصل": لها. تحريف، والمثبت من "الصحيح". (¬2) في "الأصل": لك. والمثبت من "المسند" وكذا هو في اختلاف الحديث، و"الأم". (¬3) في "الأصل": عدتها. تحريف. (¬4) يقال: سفرت بين القوم أسفر سفارة إذا سعيت بينهم في الإصلاح. النهاية (سفر).

قوم بيع نجوم الكتابة، وبه قال مالك وتمسكوا بقول عائشة: "إن أحبوا أن أقضي عنك كتابتك". ومن لم يجوِّز بيعها [قال] (¬1): أرادت الثمن الذي تعطيهم عوضًا عن الرقبة، ألا ترى أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: "ابتاعي وأعتقي" وفي رواية عمرة بنت عبد الرحمن: إن أحب أهلك أن أصبّ لهم ثمنك صبة واحدة وأعتقك فعلت سمَّت المدفوع ثمنًا. واحتج الشافعي بالحديث على أنه يجوز بيع الرقيق بشرط العتق مصيرًا إلى أنهم كانوا قد شرطوا العتق في ضمن شرط الولاء، والمبيع بشرط العتق جائز على ظاهر المذهب، ولو شرط البائع أن يكون الولاء له فالظاهر بطلان البيع، وفيه قول: أنه يصح ويلغو الشرط؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "خذيها واشترطي لهم الولاء"، وقال: "الولاء لمن أعتق" فألغى الشرط، والقائلون بظاهر المذهب قالوا: إن أهل بريرة لم يشرطوا الولاء في نفس البيع، ولكنهم رغبوا في بيعها للعتق وطمعوا في أن يكون الولاء لهم جاهلين بأن الولاء للمعتق خاصة، فلما انتقل الملك إلى عائشة وأعتقتها، بيّن النبي - صلى الله عليه وسلم - لهم أن الولاء لا يكون إلا للمعتق. وتكلموا في قوله: "واشترطي لهم الولاء" على منهاجين: أحدهما: أنه تفرد بهذه الكلمة هشام بن عروة، قال الشافعي: وأحسبه غلط فيها (¬2). وقد روى ابن شهاب عن عروة عن عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ابتاعي وأعتقي فإنما الولاء لمن أعتق". وعن عمرة عن عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ابتاعيها وأعتقيها فإن ¬

_ (¬1) في "الأصل": قالت. خطأ. (¬2) "اختلاف الحديث" ص (163).

الولاء لمن أعتق". وروى القاسم عن عائشة: "اشتريها وأعتقيها" ولم يذكر أحد منهم: "واشترطي لهم الولاء" وروايتهم أولى؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يأمر بالإجابة إلى اللغو والباطل ولا يأذن فيما ينكر عليهم، وفي "الصحيحين" عن نافع عن ابن عمر أن أهلها قالوا لعائشة: نبيعَكِها على أن ولاءها لنا، فذكرت ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "لا يمنعنك ذلك؛ فإن الولاء لمن أعتق" (¬1). قال الأئمة: فلعل هشامًا لما سمع أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يمنعك ذلك" فأطلق اللفظ أطلقها. والثاني: التأويل من ثلاثة أوجه: أحدها: أن المراد لا تعتاد ولا تنال بما يقولون، فإن الولاء لا يكون إلا للمعتقين، ويشعر به ما روي عن عبد الواحد بن أيمن، عن أبيه، عن عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم -[قال] (¬2) "اشتريها وأعتقيها ودعيهم يشترطون ما شاءوا" (¬3). والثاني: عن المزني تنزيل "لهم" على "عليهم" كما قال تعالى: {أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ} (¬4) أي: عليهم. والثالث: أن قوله: "اشترطي لهم الولاء" مسبوق على معنى الوعيد الذي ظاهره الأمر وباطنه النهي، كقوله تعالى: {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ} (¬5). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2169)، ومسلم (1504/ 4). (¬2) سقط من "الأصل": والمثبت من "الصحيح". (¬3) رواه البخاري (2565). (¬4) الرعد: (25). (¬5) فصلت: (40).

الأصل

واحتج بقوله: "إنما الولاء لمن أعتق" على أن من أسلم على يديه رجل لا ولاء له عليه غير معتق، وعلى أنه لا يثبت الولاء بالموالاة والمخالفة. وقوله: "ما كان من شرط ليس في كتاب الله" أي: ليس هو على حكم كتابه وموجب أمره، وليس المعنى أنه غير منصوص عليه في الكتاب، وما يبينه النبي - صلى الله عليه وسلم - فالأخذ به واجب بحكم الكتاب، قال الله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} (¬1). وأما رواية [عمرة] (¬2) في الإسناد الذي ساقه الشافعي آخرًا فهي مسندة في "اختلاف الحديث" (¬3) وأرسلها في مواضع، فقال: عن عمرة أن بريرة جاءت تستعين عائشة (¬4)، وكذلك رواه البخاري في "الصحيح" (¬5) وهو الأثبت عند الأئمة عن مالك، ورواه سفيان عن يحيى بن سعيد موصولًا. الأصل [851] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا إسماعيل بن إبراهيم ابن علية، عن عبد العزيز بن صهيب، عن أنس؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بكبشين أملحين (¬6). [852] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، أبنا عبد الرحمن بن حميد، عن سعيد بن المسيب، عن أم سلمة قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا دخل العشر فأراد أحدكم أن يضحي فلا يمس من شعره ولا من بشره شيئًا" (¬7). ¬

_ (¬1) الحشر: (7). (¬2) في "الأصل": عمر. تحريف. (¬3) "اختلاف الحديث" ص (163). (¬4) رواه كذلك في "الأم" (6/ 185). (¬5) "صحيح البخاري" (2564). (¬6) "المسند" ص (174). (¬7) "المسند" ص (175).

الشرح

الشرح عبد الرحمن: هو ابن حميد بن عبد الرحمن بن عوف الزهري. سمع: السائب بن يزيد، وسعيد بن المسيب، وإبراهيم بن محمَّد بن طلحة. روى عنه: حاتم بن إسماعيل، وسفيان بن عيينة، وصالح بن كيسان. مات في آخر خلافة أبي جعفر (¬1). حديث عبد العزيز عن أنس صحيح [رواه] (¬2) البخاري عن آدم عن شعبة عن عبد العزيز، لكن ليس فيه ذكر "أملحين"، وإنما قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يضحي بكبشين. قال أنس: وأنا أضحي بكبشين (¬3). وهكذا رواه إسحاق الحنظلي عن إسماعيل بن إبراهيم عن عبد العزيز (¬4)، وروى المزني في "المختصر" الحديث عن الشافعي كذلك ولم يذكر: "الأملحين"، ثم قال: قال أنس في غير هذا الحديث: ضحى النبي - صلى الله عليه وسلم - بكبشين أملحين (¬5). وربما أراد رواية قتادة؛ ففي "الصحيحين" من رواية شعبة، عن قتادة، عن أنس؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ضحى بكبشين أملحين (¬6). أو رواية حميد، عن أنس؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين أملحين. ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (5/ ترجمة 884)، و"الجرح والتعديل" (5/ ترجمة 1059)، والتهذيب" (17/ ترجمة 3803). (¬2) سقط من "الأصل". والسياق يقتضيه. (¬3) "صحيح البخاري" (5553). (¬4) ومن طريق إسحاق رواه النسائي (7/ 219). (¬5) "مختصر المزني" مع الحاوي (15/ 67). (¬6) رواه البخاري (5565)، ومسلم (1966/ 18).

وروي ذلك من رواية محمَّد بن سيرين عن أنس أيضًا. وحديث أم سلمة أخرجه مسلم (¬1) عن ابن أبي [عمر] (¬2) عن سفيان. والكبش الأملح: الذي يخالط بياضه حمرة، وقيل: الذي يعلو سواده حمرة، وعن ابن الأعرابي أنه النقي البياض، وعن الكسائي أنه الذي فيه بياض وسواد وبياضه أكثر. وعن عبد الله بن محمَّد بن عقيل، عن أبي سلمة، عن عائشة أو عن أبي هريرة قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا ضحى أتي بكبشين أقرنين أملحين موجئين فذبح أحدهما عن أمته من شهد [لله] (¬3) بالتوحيد وشهد له بالبلاغ، ويذبح الآخر عن محمَّد وآل محمَّد (¬4). وعن جابر بن عبد الله قال: شهدت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الأضحى بالمصلى، فلما قضى خطبته نزل من منبره وأتي بكبش فذبحه بيده، قال: "بسم الله والله أكبر، هذا عني وعمن لم يضح من أمتي" (¬5). قوله: "موجئين" أي: منزوعي الخصية، واستأنس به من قال بجواز خصاء البهائم، وبه قال عروة بن الزبير والحسن وابن سيرين ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (1977/ 29). (¬2) في "الأصل": عمرو. خطأ. (¬3) في "الأصل": لفظ الجلالة الله. والمثبت من "السنن". (¬4) رواه ابن ماجة (3122)، والبيهقي (9/ 267). قال صاحب "مصباح الزجاجة" (1089): إسناده حسن. وصححه الألباني في التعليق على "سنن ابن ماجة". (¬5) رواه أبو داود (2810)، والترمذي (1521)، والحاكم (4/ 254). قال الترمذي: غريب من هذا الوجه، وقال الحاكم: صحيح الإسناد. وصححه الألباني في "الإرواء" (1138).

وعمر بن عبد العزيز. وذبحه - صلى الله عليه وسلم - الكبش عن أمته وعن نفسه وآله، ذكر الأصحاب فيه أن الشاة الواحد وإن كان لا يضحي بها إلا واحد، لكن إذا ضحى بها من أهلٍ تأدى الشعار والسنة لجميعهم، وكما أن الفرض ينقسم إلى: فرض عين وفرض على الكفاية، فكذلك السنة، والتضحية مسنونة على الكفاية لكل أهل بيت وهذا ظاهر في آله المخصوصين به، وأما في الأمة فلأن رابطة الإِسلام تجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - والأمة كأهل بيت واحد، قال تعالى: {وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا} (¬1). واحتج الشافعي بالحديث الثاني على أن التضحية غير واجبة؛ لأنه علقها بالإرادة فقال: "فأراد أحدكم أن يضحي" ولو كانت واجبة لأشبه أن يقول: فلا يمس من شعره ولا من بشره حتى يضحي، وروي أن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما كانا لا يضحيان كيلا يظن الوجوب (¬2)، وعن أبي مسعود الأنصاري: إني لأترك الأضحى وإني لموسر كراهية أن يرى أهلي وجيراني أنه حتم (¬3). وقوله: "من شعره ولا بشره" حكى أقضى القضاة الماوردي عن الشافعي له تأويلين: أحدهما: أن المراد من الشعر: شعر الرأس، ومن البشر: شعر البدن، وذكر أن على هذا لا يكره تقليم الأظفار. والثاني: أن المراد من البشر تقليم الأظفار. ¬

_ (¬1) نوح: (28). (¬2) رواه البيهقي (9/ 265) عن أبي سريحة الغفاري. وصححه الحافظ في "الدراية" (2/ 215)، والألباني في "الإرواء" (4/ 355). (¬3) رواه البيهقي (9/ 265)، وصححه أيضًا الألباني في "الإرواء" (4/ 355).

الأصل

ثم المنع على سبيل الكراهة دون التحريم، واحتج له بأن عائشة رضي الله عنها قالت: كنت أفتل قلائد هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - ويقلدها هو بيده، ثم يبعث بها فلا يحرم عليه شيء أحله الله تعالى له حتى ينحر الهدي (¬1). والمعنى فيه شيئان: أحدهما: التشبه بالحاج. والثاني: أن التضحية سبب الغفران والعتق من النار، فاستحب أن يكون على كمال الأجر العتق من النار. وعند أبي حنيفة: لا يستحب ترك الحلق والقلم. الأصل [853] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا محمَّد بن أبي فديك، عن ابن أبي ذئب، عن عمران بن بشير بن محرز، عن سالم سبلان مولى النصريين، قال: خرجنا مع عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - مكة وكانت تخرج بأبي يصلى بها. قال [فأتى] (¬2) عبد الرحمن بن أبي بكر بوضوء، فقالت عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم -: يا عبد الرحمن أسبغ الوضوء فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: تأويل للأعقاب من النار يوم القيامة" (¬3). [854] أخبرنا سفيان، عن ابن عجلان، عن سعيد بن أبي سعيد، عن أبي سلمة، عن عائشة رضي الله عنها؛ أنها قالت لعبد الرحمن: أسبغ الوضوء فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "ويل للأعقاب من النار" (¬4). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1700)، ومسلم (1321). (¬2) سقط من "الأصل". والمثبت من "المسند". (¬3) "المسند"ص (175). (¬4) "المسند" ص (175).

الشرح

الشرح عمران بن بشير بن محرز عرف برواية ابن أبي ذئب عنه، وبروايته عن سالم سبلان (¬1). وسالم يعرف بسبلان أبو عبد الله مولى النصريين مدني، وقد يقال له: الدوسي، ويقال أنه مولى شداد بن الهاد الليثي. روى عن: عائشة، وأبي هريرة، وسعد بن أبي وقاص، وأبي سعيد الخدري. وروى عنه: يحيى بن أبي كثير، وبكير بن الأشج، ونعيم المجمر، وعمران بن بشير (¬2). والحديث مخرج في "صحيح مسلم" (¬3) من رواية عائشة، وفي "الصحيحين" (¬4) من رواية عبد الله بن عمرو، وفي الباب عن أبي هريرة وعبد الله بن الحارث الزبيدي. وقوله: "فكانت تخرج بأبي" في بعض الروايات "تأتني" وهو أشبه. والحديث يدل على وجوب غسل الرجلين؛ لأن الوعيد بالعذاب لا يكون إلا على ترك الواجب، وتدل عليه الأحاديث الواردة في صفة وضوء رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وما روي عن علي رضي الله عنه أنه في حكاية وضوء النبي - صلى الله عليه وسلم - أدخل يديه جميعًا فأخذ حفنة من ماء فضرب بها على ¬

_ (¬1) انظر: "التاريخ الكبير" (6/ ترجمة 2809)، و"الجرح والتعديل" (6/ ترجمة 1629)، و" تعجيل المنفعة" (1/ ترجمة 811). (¬2) انظر: "التاريخ الكبير" (4/ ترجمة 2136)، و"الجرح والتعديل" (4/ ترجمة 798)، و"التهذيب" (10/ ترجمة 2150). (¬3) "صحيح مسلم" (240). (¬4) "صحيح البخاري" (165)، و"صحيح مسلم" (241).

الأصل

رجله وفيها النعل والأخرى مثل ذلك (¬1)، وقد تكلم في صحته أهل الحديث، وبتقدير الصحة قالوا: يحتمل أن يصل المأخوذ باليدين إلى المغسول من الرجل وذلك إذا استعمل برفق. وفي الحديث أن عائشة رضي الله عنها تحافظ على الجماعة في السفر. الأصل [855] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن ابن عجلان، عن عاصم بن عمر بن قتادة، عن [محمود] (¬2) بن لبيد، عن رافع بن خديج؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أسفروا بالفجر، فإن ذلك أعظم لأجوركم" أو قال: "للأجر" (¬3). [856] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة قالت: كن نساء من المؤمنات يصلين مع النبي - صلى الله عليه وسلم - متلفعات بمروطهن ثم يرجعن إلى أهلهن ما يعرفن من الغلس (¬4). الشرح عاصم: هو ابن عمر بن قتادة بن النعمان الظفري الأوسي أبو عمرو، ويقال: أبو عمر الأنصاري. سمع: جابر بن عبد الله، وعبيد الله الخولاني. روى عنه: بكير بن الأشج، وعبد الرحمن بن الغسيل. مات سنة ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (117). قال الترمذي: سألت محمَّد بن إسماعيل فضعفه، وقال: ما أدري ما هذا. وقال المنذري: في هذا الحديث مقال. كما في "عون المعبود" (1/ 139). (¬2) في "الأصل": محمَّد. خطأ، والمثبت من "المسند" وكذا "اختلاف الحديث". (¬3) "المسند" ص (175). (¬4) "المسند" ص (175).

تسع وعشرين ومائة (¬1). ومحمود: هو ابن لبيد بن رافع بن امريء القيس بن زيد الأشهلي الأنصاري، يعد في الكوفيين. سمع: عثمان بن عفان، وغيره. وروى عنه: جعفر بن عبد الله بن الحكم الأنصاري. توفي سنة ست وتسعين بالمدينة (¬2). وحديث رافع أخرجه أبو داود السجستاني (¬3)، عن إسحاق بن إسماعيل عن سفيان، واللفظ: "أصبحوا". وحديث عائشة قد سبق مرة في الكتاب (¬4)، وأوردنا ما يبينه مما يتعلق به. ورجح الشافعي حديث عائشة بأن رجاله أثبت، وبأنه روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - همّ زيد بن ثابت وأنس بن مالك وسهل بن سعد ما يوافقه. وعن جابر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي الصبح بغلس (¬5). وعن أبي مسعود الأنصاري أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى الصبح ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (6/ ترجمة 3040)، و"الجرح والتعديل" (6/ ترجمة 1913)، و"التهذيب" (13/ ترجمة 3020). (¬2) انظر "التاريخ الكبير" (7/ ترجمة 1762)، "الجرح والتعديل" (8/ ترجمة 1329)، و"التهذيب" (27/ ترجمة 5820). (¬3) "سنن أبي داود" (424). وكذا رواه الترمذي (154)، والنسائي (1/ 272)، وابن ماجه (672)، وابن حبان (1490). قال الترمذي: حسن صحيح، وصححه الألباني في "الإرواء" (1/ 281). (¬4) سبق برقم (111). (¬5) رواه البخاري (560)، ومسلم (646).

الأصل

بغلس، ثم صلاها يومًا فأسفر بها، ثم لم يعد إلى الإسفار حتى قبضه الله تعالى (¬1). وروي عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وابن مسعود وأبي موسى الأشعري وأنس بن مالك رضي الله عنهم أنهم كانوا يغلسون بالصبح. وقيل: أراد بقوله: "أسفروا بالفجر" صلوها بعد تبين وقتها بانتشار ضوء الفجر، ولا تبادروا فتغلطوا أو تقدموها على الفجر، ويروى عن ابن عمر وأبي موسى الأشعري أنهما قدَّما الصلاة على الفجر غلطا ثم [أعادا] (¬2). الأصل [857] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه، قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا افتتح الصلاة رفع يديه حتى يحاذي منكبيه، وإذا أراد أن يركع [و] (¬3) بعدما [يرفع] (¬4) رأسه من الركوع، ولا يرفع بين السجدتين (¬5). [858] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن عاصم بن كليب، ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (394) ضمن حديثه في المواقيت، وابن خزيمة (352)، وابن حبان (1449). وهو في "الصحيحين" رواه البخاري (521)، ومسلم (610) بلفظ مختصر ليس فيه محل الشاهد. (¬2) في "الأصل": أعاد. خطأ. (¬3) سقط من "الأصل". والمثبت من "المسند". (¬4) في "الأصل": رفع، والمثبت من "المسند". (¬5) "المسند" ص (176).

الشرح

قال: سمعت أبي يقول: حدثني وائل بن حجر قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا افتتح الصلاة رفع يديه حذو منكبيه وإذا ركع وبعدما يرفع رأسه. قال وائل: ثم أتيتهم في الشتاء فرأيتهم يرفعون أيديهم في البرانس (¬1). [859] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن يزيد بن أبي زياد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن البراء بن عازب قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا افتتح الصلاة رفع يديه، قال سفيان: ثم قدمت الكوفة فلقيت يزيد فسمعته يحدث بها، وزاد فيه: ثم لا يعود فظننت أنهم لقنوه. قال سفيان: هكذا سمعت يزيد يحدثه، ثم سمعته بعد يحدثه هكذا ثم يزيد فيه: ثم لا يعود. قال الشافعي: وذهب سفيان إلى أن يغلط يزيد في هذا الحديث، ويقول: كأنه لقن الحرف الآخر فلقنه، ولم يكن سفيان يرى يزيد بالحفظ كذلك (¬2). الشرح عاصم: هو ابن كليب بن شهاب الجرمي كوفي. سمع: أباه، وعبد الرحمن بن الأسود. وروى عنه: الثوري، وشعبة، وابن عيينة (¬3). وأبوه: كليب بن شهاب بن [المجنون] (¬4) الجرمي، يعد في الكوفيين أيضًا. سمع: عمر، وعليًّا. روى عنه: إبراهيم بن مهاجر (¬5). ¬

_ (¬1) "المسند" ص (176). (¬2) "المسند" ص (176). (¬3) انظر "التاريخ الكبير" (6/ ترجمة 3063)، و"الجرح والتعديل" (6/ ترجمة 1929)، و"التهذيب" (13/ ترجمة 3024). (¬4) ليست في "الأصل". والمثبت من "التخريج". (¬5) انظر: "التاريخ الكبير" (7/ ترجمة 986)، و"الجرح والتعديل" (7/ ترجمة 946)، و"التهذيب" (24/ ترجمة 4991).

ويزيد بن أبي زياد أبو عبد الله مولى بني هاشم. سمع: عبد الرحمن بن أبي ليلى، وعبد الله بن الحارث بن نوفل، ومجاهدًا، وعكرمة. وروى عنه: الثوري، وشعبة، وابن عيينة. مات سنة ست وثلاثين ومائة أو نحوها (¬1). وحديث سالم عن أبيه قد مرَّ مرة في الكتاب، وذكرنا في شرحه ما هو أهم (¬2). وحديث وائل بن حجر يوافقه في أن الرفع إلى حذو المنكبين، وقد قدمنا أن عن وائل رواية أخرى وهي الرفع إلى حذو الأذنين. والبرانس: جمع برنس، وهو كل ثوب رأسه ملتزق به ممطرًا كان أو غيره، وعن ابن دريد: أنه نوع من الطيالسة يلبسه العباد وأهل الخير. وقول وائل: "ثم أتيتهم في الشتاء ... إلى آخره" فيه جواب عن قول إبراهيم النخعي حيث حاول تأويلًا لحديث وائل، فقال: لعل النبي - صلى الله عليه وسلم - فعل ذلك مرة ثم تركه، وادعى أبو جعفر الطحاوي في حديث ابن عمر النسخ فيما سوى الرفع عند الاحتياج، واحتج عليه بما روي عن أبي بكر بن عياش فيما رواه، فروى طاوس وسالم ونافع ومحارب بن [دثار] (¬3) وغيرهم قالوا: رأينا ابن عمر رضي الله عنه يرفع يديه إذا كبر، إذا ركع، وإذا رفع. وروى الربيع بن صبيح والليث، عن مجاهد؛ أنه كان [يرفع] (¬4) ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (8/ ترجمة 3220)، و"الجرح والتعديل" (9/ ترجمة 1114)، و"التهذيب" (32/ ترجمة 6991). (¬2) سبق برقم (136). (¬3) في "الأصل": دينار. تحريف. (¬4) في "الأصل": يرجع. تحريف.

الأصل

يديه إذا ركع وإذا رفع رأسه من الركوع. وحديث يزيد بن أبي زياد قد تكلم عليه الشافعي بما رواه عن سفيان. وقوله: "ولم يكن سفيان يرى يزيد بالحفظ كذلك" أي: كما ينبغي، ويروى: "بالحافظ". وعن أحمد بن حنبل أنه قال: هذا حديث واه كان يزيد بن أبي زياد يحدث به برهة من دهره لا يذكر فيه: "ثم لا يعود" فلما لقن أخذه فكان يذكره فيه، واستدل على أنه لقن الكلمة أن أصحابه القدماء لم يأتوا بها عنه كسفيان الثوري وشعبة بن الحجاج وهشيم وزهير بن معاوية وعبد الله بن إدريس وغيرهم، وإنما أتى بها من سمع منه بأخرة وكان قد تغير وساء حفظه. وعن يحيى بن معين أنه كان يضعفه. وبتقدير الثبوت فأحاديث الرفع أشهر وأظهر ورواتها أثبت وأكثر عددًا، فالأخذ بها أولى. الأصل [860] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان بن عيينة، عن حصين، أظنه عن هلال بن يساف، قال: أخذ بيدي زياد بن [أبي] (¬1) الجعد فوقف بي على شيخ بالرقة يقال له: وابصة بن معبد فقال: أخبرني [هذا] (¬2) أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلًا يصلي خلف الصف وحده فأمره أن يعيد الصلاة (¬3). ¬

_ (¬1) سقط من "الأصل". والمثبت من "المسند". (¬2) سقط من "الأصل". والمثبت من "المسند". (¬3) "المسند" ص (176).

الشرح

[861] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن أنس بن مالك أن جدته مليكة دعت النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى طعام صنعته له فأكل منه، ثم قال: "قوموا فلأصلي لكم". قال أنس: قمت إلى حصير لنا قد اسود من طول ما لبس فنضحته بماء، فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصففت أنا واليتيم وراءه، والعجوز من ورائنا، فصلى لنا ركعتين ثم انصرف (¬1). [862] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن إسحاق بن عبد الله، أنه سمع عمه أنس بن مالك يقول: صليت أنا ويتيم لنا خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بيتنا وأم سليم خلفنا (¬2). الشرح هلال بن يساف أبو الحسن. أدرك عليًّا رضي الله عنه، وسمع غيره من الصحابة. وسمع منه: منصور بن المعتمر، وحصين بن عبد الرحمن (¬3). وزياد: هو ابن رافع أبي الجعد الغطفاني أخو سالم وعبيد وعبد الله. سمع: وابصة بن معبد، وعمرو بن الحارث بن المصطلق. وسمع منه: هلال بن يساف، وعبيد بن أبي الجعد (¬4). ¬

_ (¬1) "المسند" ص (176). (¬2) "المسند"ص (177). (¬3) انظر "التاريخ الكبير" (8/ ترجمة 2712)، و"الجرح والتعديل" (9/ ترجمة 278)، و"التهذيب" (30/ ترجمة 6634). (¬4) انظر "التاريخ الكبير" (3/ ترجمة 1177)، و"الجرح والتعديل" (3/ ترجمة 2399)، و"التهذيب" (9/ ترجمة 2031).

ووابصة: هو ابن معبد الأسدي، أسد خزيمة، له صحبة ويذكر أن وابصة بن معبد بن عتبة بن الحارث بن مالك بن بشير بن كعب بن الحارث بن ثعلبة بن دودان بن أسد بن خزيمة، وأنه يكنى أبا سالم (¬1). وحديث وابصة قد اختلف في إسناده برواية ابن عيينة كما في الكتاب، وكذلك رواه الثوري عن حصين بن عبد الرحمن، ورواه أبو معاوية وجماعة عن الأعمش عن شمر بن عطية عن هلال بن يساف عن وابصة ولم يدخلوا أحدًا بين هلال ووابصة، ورواه عمرو بن مرة عن هلال بن يساف عن عمرو بن راشد عن وابصة فجعل عمرو بن راشد مكان زياد بن أبي الجعد، ورواه جماعة منهم: شعبة وعمرو بن قيس الملائي، عن حصين بن عبد الرحمن فقالوا: عن حصين وابن راشد عن زياد بن أبي الجعد عن وابصة، وقد تعرض الشافعي لبعض هذِه الاختلافات فقال في كتاب "اختلاف الحديث" بعدما روى حديث [وابصة] (¬2) عن سفيان بن عيينة: وقد سمعت من أهل العلم من يذكر أن بعض المحدثين من يدخل بين هلال ووابصة رجلًا، ومنهم من يرويه عن هلال عن وابصة سمعه منه، وسمعت بعض أهل العلم منهم كأنه يوهنه بما وصفت (¬3). يعني: اختلاف الروايات، ولذلك لم يخرجه البخاري ولا مسلم. وأما الحديثان من رواية إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس فقد سبقا في الكتاب، وأتينا ببعض ما يتعلق بهما (¬4). واحتج الشافعي بهما على أن صلاة المنفرد الشاذ عن الصف ¬

_ (¬1) انظر "معرفة الصحابة" (5/ ترجمة 2959)، و"الإصابة" (6/ ترجمة 9091). (¬2) تحرف في "الأصل" إلى: واسمه. (¬3) "اختلاف الحديث" ص (181). (¬4) سبقا برقم (243، 246).

الأصل

صحيحة؛ فإن العجوز كانت منفردة، وحجتها (¬1) على حديث وابصة بقوة الرواية وسلامة الإسناد عن الاختلاف، وجمع بعضهم بين الأحاديث يحمل الأمر بالإعادة على تدارك بعض ما فات من فضيلة الجماعة بالوقوف منفردًا، وأيضًا فلئلا يعتاد ترك السنة ولا يركب (¬2) المكروه. وقوله: "والعجوز من ورائنا" يسبق إلى الفهم من السياق أن المراد من العجوز مليكة على ما قدمنا، ولكن قال في الرواية التي تليه: "وأم سليم خلفنا" فإن كانت القصة واحدة فالمراد من العجوز أم سليم لا مليكة، وإلا فهما قصتان. الأصل [863] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن يزيد بن رومان، عن صالح بن خوات، عمن صلى مع النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم ذات الرقاع صلاة الخوف أن طائفة صفت معه وطائفة وجاه العدو، فصلى بالذين معه ركعة، ثم ثبت قائمًا وأتموا لأنفسهم، ثم انصرفوا فصفوا وجاه العدو، وجاءه الطائفة الأخرى فصلى بهم الركعة التي بقيت عليه، ثم ثبت جالسًا وأتموا لأنفسهم، ثم سلم بهم (¬3). [846] قال: وأبنا من سمع عبد الله بن عمر بن حفص، يذكر عن أخيه عبيد الله، عن القاسم بن محمَّد، عن صالح بن خوات بن جبير عن خوات بن جبير، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثل معناه لا يخالفه (¬4). ¬

_ (¬1) أي: حجة الحديثين السالفين من رواية أنس رضي الله عنه. (¬2) كذا، والجادة: يرتكب. (¬3) "المسند" ص (177). (¬4) "المسند" ص (177).

الشرح

الشرح يزيد بن رومان أبو روح الأسدي المديني مولى آل الزبير بن العوام. سمع: صالح بن خوات، وعروة بن الزبير. روى عنه: مالك، ومعاوية بن أبي مزود، وأبو حازم، وجرير بن حازم، وغيرهم. مات سنة ثلاثين ومائة (¬1). وصالح: هو ابن خوات بن جبير بن النعمان الأنصاري. سمع: سهل بن أبي حثمة، وأباه خواتًا. وروى عنه: القاسم بن محمَّد (¬2). وخوات الأنصاري أبو عبد الله، ويقال: أبو صالح، شهد بدرًا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وروى عن: سهل بن أبي حثمة. مات سنة أربعين، وهو ابن أربع وسبعين (¬3). وحديث صالح عمن صلى مع النبي - صلى الله عليه وسلم - صحيح أخرجه البخاري (¬4) عن قتيبة، ومسلم (¬5) عن يحيى بن يحيى، وأبو داود (¬6) عن القعنبي، بروايتهم جميعًا عن مالك. وحديثه عن أبيه خوات رواه عبد العزيز الأويسي عن عبد الله عن أخيه عبيد الله عن القاسم، ورواه عبيد الله بن معاذ عن أبيه عن شعبة عن ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (8/ ترجمة 3207)، و"الجرح والتعديل" (9/ ترجمة 1098)، و"التهذيب" (32/ ترجمة 6986). (¬2) انظر "التاريخ الكبير" (4/ ترجمة 2795)، و"الجرح والتعديل" (4/ ترجمة 1746)، و"التهذيب" (13/ ترجمة 2803). (¬3) انظر "معرفة الصحابة" (2/ ترجمة 846)، و"الإصابة" (2/ ترجمة 2300). (¬4) "صحيح البخاري" (4129). (¬5) "صحيح مسلم" (842/ 310). (¬6) "سنن أبي داود" (1238).

عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن صالح عن سهل بن أبي حثمة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ورواه هكذا مسلم في "الصحيح" (¬1) عن عبيد الله بن معاذ، ورواه البخاري (¬2) عن مسدد عن يحيى القطان عن شعبة عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن صالح بن خوات عن سهل بن أبي حثمة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولم يسق المتن. وذات الرقاع: بقعة تضاف الغزوة إليها، وقيل: شجرة، وقيل: كان القتال في صفح جبل فيه جددٌ بيض وحمر وصفر كالرقاع، وقيل: سميت ذات الرقاع برقاع جعلوها في ألويتهم، وقيل (¬3): كان في الصحابة حفاة لفوا على أرجلهم الخرق والجلود لئلا تحترق. واعلم أن صلاة الخوف تؤدى على أنواع، وذلك بحسب ما يقتضيه الحال، فإن اشتد الخوف ولم يمكن ترك القتال لأحد فيصلون رجالًا وركبانًا، مستقبلي القبلة وغير مستقبليها كما يتيسر، ولا يجوز تأخير الصلاة عن الوقت، وإن لم يبلغ الخوف هذا الحد فينظر إن [كان] (¬4) العدو في جهة القبلة فيرتب الإِمام الناس صفين ويحرم بهم جميعًا ويصلون معه إلى أن (أتى) (¬5) إلى السجود فيسجد معه أحد الصفين ويحرسه الصف الآخر، فإذا قام الإِمام سجد الذين لم [يسجدوا] (¬6) ولحقوه وصلى الجميع معه الثانية، فإذا انتهى إلى السجود حرس من سجد معه في الركعة الأولى وسجد معه من حرس ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (841). (¬2) "صحيح البخاري" (4132). (¬3) قال النووي في "شرح مسلم": هذا هو الصحيح في سبب تسميتها، وقد ثبت هذا في الصحيح عن أبي موسى الأشعري. (¬4) في "الأصل": كانت. تحريف. (¬5) كذا في "الأصل". والجادة: يأتي. (¬6) في "الأصل": يسجدوه. خطأ.

في الأولى، ويروى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - هكذا صلى للخوف بعسفان. وإن لم يكن العدو في جهة القبلة فيجوز للإمام أن يجعل الناس فرقتين ويصلي بإحدى الفرقتين والفرقة الأخرى تحرس في وجه العدو، فإذا سلم ذهب الذين صلى بهم إلى وجه العدو، وجاء الحارسون فصلى بهم مرة أخرى، وهكذا فعل النبي - صلى الله عليه وسلم -[في] (¬1) بطن النخل (¬2). ويجوز أن يصلي بهم على النحو المنقول في الكتاب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه صلى بذات الرقاع وهو أولى؛ لأنه أعدل بين الطائفتين، وفي "الصحيح". من رواية جابر بن عبد الله؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم -[صلى] (¬3) بذات الرقاع بطائفة ركعتين، ثم تأخروا فصلى بالطائفة الأخرى ركعتين، فكانت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -[أربع] (¬4) ركعات وللقوم ركعتان (¬5). وربما صلى هكذا مرة وهكذا مرة، ورجح الشافعي رضي الله عنه ما رواه صالح بن خوَّات على الكيفية التي رواها ابن عمر رضي الله عنه وهي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى بمن معه ركعة وسجدتين ثم انصرفوا فكانوا مكان الطائفة التي لم تصلّ، وجاءت الطائفة [التي] (¬6) لم تصل وركع النبي - صلى الله عليه وسلم - بهم ركعة وسجدتين، ثم سلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم قام هؤلاء فقضوا ركعتهم وهؤلاء فقضوا ركعتهم؛ فإن ما رواه صالح أوفق لظاهر القرآن وأعدل بين الطائفتين؛ ليكون قد افتتح الصلاة بهؤلاء وتحلل ¬

_ (¬1) ليست في "الأصل". والسياق يقتضيها. (¬2) رواه مسلم (843/ 312) من حديث جابر. (¬3) سقط من "الأصل". والمثبت من "الصحيح". (¬4) سقط من "الأصل". والمثبت من "الصحيح". (¬5) رواه البخاري (4138)، ومسلم (843/ 311). (¬6) ليست في "الأصل". والسياق يقتضيها.

عنها بهؤلاء، ولأنهم أبعد من أن يصيب المشركون من المسلمين غرة، ومع ذلك فيجوز أن يصلي الإِمام والقوم كما رواه ابن عمر على أصح القولين؛ لصحة الرواية. وما روي عن حذيفة؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى صلاة الخوف فقام صف خلفه وصف موازي العدو، فصلى بهم ركعة ثم ذهب هؤلاء إلى مصافهم، وجاء أولئك فصلى بهم ركعة، ثم سلم بهم. ويروى: "ولم يقضوا" (¬1). ويروى أنه - صلى الله عليه وسلم - صلى بذي قرد بطائفة ركعة ثم سلموا، وبطائفة ركعة ثم سلموا (¬2). فكانت للإمام ركعتين ولكل واحدة ركعة؛ فمنها ما تكلموا في إسناده، ومنها ما أولوه على صلاة عسفان، وقالوا: المعنى: ولكل واحدة ركعة مؤداة مع الإِمام. وقال الشافعي: جميع الأحاديث في صلاة الخوف مجتمعة على أن المأمومين عليهم من عدد الصلاة ما على الإِمام، وأصل فرض الصلاة على الناس واحد في العدد، فالأخذ بما يوافق هذا الأصل أولى (¬3). ورأى بعض الناس جواز الاقتصار على ركعة واحدة في شدة الخوف، وحمل ما ورد من الركعة الواحدة عليه. ¬

_ (¬1) رواه النسائي (3/ 168)، وابن خزيمة (1343)، وابن حبان (2425)، والحاكم (1/ 485)، وعندهم جميعًا: "ولم يقضوا". قال الحاكم: صحيح الإسناد، وصححه الألباني في التعليق على "سنن النسائي". (¬2) رواه النسائي (3/ 169)، وابن حبان (2871)، والحاكم (1/ 485). قال الحاكم: صحيح الإسناد، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1133). (¬3) "اختلاف الحديث" ص (186).

الأصل

وعن أحمد بن حنبل: أنه يجوز العمل بمقتضى كل ما ورد في الأحاديث من أنواع صلاة الخوف. الأصل [865] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن ابن عباس قال: خسفت الشمس فصلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فحكى ابن عباس أن صلاته ركعتين في كل ركعة ركعتين، ثم خطبهم فقال: "إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله -عَزَّ وَجَلَّ- لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى ذكر الله" (¬1). [866] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن هشام [بن] (¬2) عروة، عن أبيه، عن عائشة. أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن يحيى بن سعيد، عن عمرة، عن عائشة قالت: خسفت الشمس فصلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فحكت أنه صلى ركعتين في كل ركعة ركعتين (¬3). [867] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا الثقة، عن معمر، عن الزهري، عن كثير بن عباس بن عبد المطلب؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى في كسوف الشمس ركعتين في كل ركعة ركعتين (¬4). [868] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، عن أبي مسعود الأنصاري ¬

_ (¬1) "المسند" ص (177). (¬2) في "الأصل": عن. تحريف، والمثبت من "المسند". (¬3) في "المسند" (ص 177). (¬4) "المسند" ص (178).

الشرح

قال: انكسفت الشمس يوم مات إبراهيم ابن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال [الناس] (¬1) انكسفت الشمس لموت إبراهيم. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى ذكر الله وإلى الصلاة" (¬2). [869] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن سليمان الأحول، يقول: سمعت طاوسًا يقول: خسفت الشمس، فصلى بنا ابن عباس في صفة زمزم ست ركعات ثم أربع سجدات (¬3). الشرح كثير بن عباس بن عبد المطلب، أبو تمام الهاشمي. سمع: أباه العباس، وأخاه عبد الله بن عباس. وروى عنه: الزهري، والأعرج (¬4). وحديث زيد بن أسلم عن عطاء عن [ابن عباس] (¬5) صحيح، اختصره ها هنا وهو بتمامه مذكور في "المسند" من قبل مع ما لا بد منه من الشرح (¬6). وحديث عروة عن عائشة أيضًا قد أورده البخاري بتمامه في "الصحيح" (¬7) عن القعنبي، ومسلم (¬8) عن قتيبة، بروايتهما عن مالك. ¬

_ (¬1) سقط من "الأصل". والمثبت من "المسند". (¬2) "المسند" ص (178). (¬3) "المسند" ص (178). (¬4) انظر: "التاريخ الكبير" (7/ ترجمة 905)، و"الجرح والتعديل" (7/ ترجمة 856)، و"التهذيب" (24/ ترجمة 4947). (¬5) في "الأصل": عائشة خطأ. (¬6) سبق برقم (346). (¬7) "صحيح البخاري" (1044). (¬8) "صحيح مسلم" (901/ 1).

وحديث كثير بن عباس أورده مرسلًا، وقد رواه يونس عن الزهري عن كثير عن أخيه عبد الله بن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - موصولًا، أخرجه البخاري (¬1) عن أحمد بن صالح عن عنبسة عن يونس عن الزهري. وحديث أبي مسعود رواه مسلم في "الصحيح" (¬2) عن ابن أبي عمر عن سفيان، والبخاري (¬3) من وجه آخر عن إسماعيل بن أبي خالد، ويروى معناه من حديث عبد الله بن عمر وعائشة والمغيرة بن شعبة وأبي بكرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. واحتج الشافعي بحديث ابن عباس وعائشة على أن في كل ركعة من صلاة الكسوف فيها ركعتان، خلافًا لقول من قال: هي ركعتان كسائر الصلوات. وقوله: " أن صلاته ركعتين" أي: كانت ركعتين. وقوله: "ثم خطبهم" يبين أن الخطبة بعد الصلاة، ويشير إلى أنه صلى في جماعة ثم خطبهم بعدما صلى بهم. وقوله: "لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته" قصد به الرد عليهم، حيث كانوا يقولون في الجاهلية: إن كسوف الشمس والقمر يدل على موت كبيرٍ أو ضررٍ عام؛ وأيضًا فلأن الكسوف اتفق في يوم موت إبراهيم ابن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقد قال الناس أن سبب موته الكسوف، فرد عليهم مقالتهم. وكانت وفاة إبراهيم على ما حكى الواقدي وعن الزبير بكار: يوم الثلاثاء لعشر خلون من ربيع الأول سنة عشر، واحتج بذلك على أنه ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (1046). (¬2) "صحيح مسلم" (911/ 23). (¬3) "صحيح البخاري" (1041).

يجوز اجتماع العيد والكسوف في يوم واحد. وفي "صحيح مسلم" (¬1) من رواية عائشة وجابر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى ست ركعات في أربع سجدات، ويوافقه ما رواه سليمان الأحول عن طاوس عن فعل ابن عباس، وفيه أيضًا من رواية ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى الكسوف ثمان ركعات في أربع سجدات (¬2). ورجح الشافعي رواية ركوعين في ركعة بكثرة الرواة وقوتهم، وذكر في الأثر عن ابن عباس أن الرواية مختلفة في فعله (¬3)، فعن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن ابن عباس، وعن صفوان بن عبد الله والحسن عن ابن عباس؛ أنه ركع في كل ركعة ركوعين. فالأخذ بروايتهم أولى لزيادة العدد ولموافقته الروايات. وساعد الشافعي محمَّد بن إسماعيل البخاري فروى أبو عيسى الترمذي عنه أنه قال: أصح الروايات عندي في صلاة الكسوف أربع ركعات في أربع سجدات (¬4). وعن إسحاق بن راهويه تصحيح الروايات جميعًا وتجويز الجميع. وكأنه - صلى الله عليه وسلم - كان يزيد وينقص بحسب امتداد الكسوف وسرعة الانجلاء، وبهذا قال محمَّد بن إسحاق بن خزيمة وأبو بكر أحمد بن إسحاق [الضبعي] (¬5) وأبو سليمان الخطابي، واختاره محمَّد بن إبراهيم بن المنذر. والله أعلم. ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (901/ 7، 904/ 10). (¬2) "صحيح مسلم" (908/ 18). (¬3) "اختلاف الحديث" ص (191). (¬4) "علل الترمذي" ص (97). (¬5) في "الأصل": الضبع. خطأ.

الأصل

الأصل [870] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن [عبد الله] (¬1) بن عبد الرحمن بن معمر الأنصاري، عن أبي يونس مولى عائشة أم المؤمنين، عن عائشة أن رجلًا قال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو واقف على الباب وأنا أسمع: يا رسول الله، إني أصبح جنبًا وأنا أريد الصوم، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "وأنا أصبح جنبًا وأنا أريد الصوم، فأغتسل وأصوم ذلك اليوم" (¬2). [871] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن سمي مولى أبي بكر، سمع أبا بكر بن عبد الرحمن يقول: كنت أنا وأبي عند مروان بن الحكم وهو أمير المؤمنين، فذكر له أن أبا هريرة يقول: من أصبح جنبًا أفطر ذلك اليوم، فقال مروان: أقسمت عليك يا عبد الرحمن لتذهبنَّ إلى [أم] (¬3) المؤمنين عائشة وأم سلمة فلتسألنهما عن ذلك، فقال أبو بكر: [فذهب] (¬4) عبد الرحمن وذهبت معه حتى دخلنا على عائشة، فسلم عليها عبد الرحمن فقال: يا أم المؤمنين، إنا كنا عند مروان فذكر له أن أبا هريرة قال: من أصبح جنبًا أفطر ذلك اليوم. فقالت عائشة: ليس كما قال أبو هريرة يا عبد الرحمن، أترغب عما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يفعله؟! قال عبد الرحمن: لا والله، فقالت عائشة: فأشهد على رسول الله إن كان ليصبح جنبًا من جماع غير احتلام ثم يصوم ذلك اليوم. ¬

_ (¬1) تحرف في "الأصل". والمثبت من "المسند". (¬2) "المسند" ص (178). (¬3) في "الأصل": أمي. والمثبت من "المسند". (¬4) في "الأصل": فذهبت تحريف، والمثبت من "المسند".

الشرح

قال: ثم خرجنا حتى دخلنا على أم سلمة فسألها عن ذلك، فقالت مثل ما قالت عائشة، فخرجنا حتى جئنا مروان، فقال له عبد الرحمن ما قالتا فأخبره، فقال مروان: أقسمت عليك يا أبا محمَّد لتركبن دابتي بالباب فلتأتين أبا هريرة فلتخبرنه بذلك، فركب عبد الرحمن وركبت معه حتى أتينا أبا هريرة فتحدث معه عبد الرحمن ساعة ثم ذكر له ذلك، فقال أبو هريرة: لا علم لي بذلك، إنما أخبرنيه مخبر (¬1). [872] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، أبنا سمي مولى أبي بكر، عن أبي بكر بن عبد الرحمن [بن] (¬2) الحارث، عن عائشة؛ أنها قالت: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يدركه الصبح وهو جنب فيغتسل ويصوم يومه (¬3). الشرح حديث أبي يونس عن عائشة قد سبق مرة في الكتاب مع زيادات (¬4). وقصة مروان أخرجها البخاري (¬5) عن القعنبي عن مالك، وأيضًا عن أبي اليمان عن شعيب بن أبي حمزة عن الزهري عن أبي بكر بن عبد الرحمن، وأخرجها مسلم (¬6) عن محمَّد بن رافع عن عبد الرزاق عن ابن جريج عن عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث عن أبيه، وقال: قال أبو هريرة: سمعت ذلك من الفضل بن عباس. وحديث سمي عن أبي بكر بن عبد الرحمن عن عائشة، رواه ¬

_ (¬1) "المسند" ص (178). (¬2) في "الأصل": عن. تحريف، والمثبت من "المسند". (¬3) "المسند" ص (179). (¬4) سبق برقم (477). (¬5) "صحيح البخاري" (1925). (¬6) "صحيح مسلم" (1109/ 75).

الأصل

البخاري (¬1) عن القعنبي عن مالك عن سمي، ورواه مسلم (¬2) عن يحيى بن يحيى عن مالك عن عبد ربه بن سعيد، بروايتهما عن أبي بكر بن عبد الرحمن. ورجحت رواية عائشة وأم سلمة في الباب على رواية أبي هريرة؛ لأنهما زوجتا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهما أعلم بالحال. وقد قدمنا أن منهم من قال: كان الحكم كما ذكر أبو هريرة ثم نسخ ولم يبلغ النسخ أبا هريرة، فلما أخبر به عن زوجتي النبي - صلى الله عليه وسلم - رجع إليه، وأن منهم من أوله. وفي القصة أنهم كانوا يبحثون في الفتاوى ويراجعون فيه، وأنهم كانوا يعتمدون خبر الواحد. الأصل [873] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا عبد الوهاب، عن خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن أبي الأشعث، عن شداد بن أوس قال: كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زمان الفتح، فرأى رجلًا يحتجم لثمان عشرة خلت من رمضان، فقال [وهو] (¬3) آخذ بيدي: "أفطر الحاجم والمحجوم" (¬4). [874] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن يزيد بن أبي زياد، عن مقسم، عن ابن عباس؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - احتجم محرمًا صائمًا (¬5). ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (1925، 1926). (¬2) "صحيح مسلم" (1109/ 78). (¬3) تحرف في "الأصل": والمثبت من "المسند". (¬4) "المسند" ص (179). (¬5) "المسند" ص (179).

الشرح

الشرح أبو الأشعث: هو شراحيل بن آدة، ويقال: ابن كليب بن آدة الصنعاني صنعاء الشام، وقيل: هو شرحبيل بن شرحبيل الشامي. سمع: عبادة بن الصامت، وثوبان، وشداد بن أوس، وأبا أسماء الرحبي. وروى عنه: أبو قلابة الجرمي (¬1). وشداد: هو ابن أوس بن ثابت بن المنذر بن حرام بن عمرو بن زيد بن مناة بن عدي بن عمرو بن مالك بن النجار الأنصاري الخزرجي أبو يعلى ابن أخي حسان بن ثابت. سمع: النبي - صلى الله عليه وسلم -. وروى عنه: بشير بن كعب، وغيره. ونزل بيت المقدس ومات بها سنة أربع وستين وقبره مشهور يزار (¬2). وحديث شداد ثابت، أخرجه أبو داود (¬3) عن موسى بن إسماعيل عن وهيب عن أيوب عن أبي قلابة، ورواه عاصم الأحول عن أبي قلابة عن أبي الأشعث عن أبي أسماء الرحبي عن شداد (¬4)، ورواه يحيى بن أبي كثير عن أبي قلابة عن أبي أسماء الرحبي عن ثوبان عن النبي - صلى الله عليه وسلم - واللفظ: خرجت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ثمان عشرة ليلة خلت من رمضان، فإذا رجل يحتجم بالبقيع، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أفطر الحاجم ¬

_ (¬1) انظر: "التاريخ الكبير" (4/ ترجمة 2717)، و"الجرح والتعديل" (4/ ترجمة 1627)، و"التهذيب" (12 / ترجمة 2712). (¬2) انظر "معرفة الصحابة" (3/ ترجمة 1396)، و"الإصابة" (3/ ترجمة 3851). (¬3) "سنن أبي داود" (2369). (¬4) ومن طريق عاصم رواه ابن حبان (3533).

والمحجوم" (¬1). وعن علي بن المديني أنه قال: لا أرى الحديثين إلا صحيحين، ويمكن أن يكون أبو أسماء سمعه منهما (¬2). ويروى "أفطر الحاجم والمحجوم": من رواية يونس عن الحسن عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬3)، ومن رواية قتادة عن الحسن عن ثوبان (¬4)، ومن رواية عطاء بن السائب عن الحسن عن معقل بن يسار (¬5)، ومن رواية مطر عن الحسن عن علي رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬6)، ومن رواية أشعث عن الحسن عن أسامة بن زيد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬7)، وفي الباب عن رافع بن خديج وأبي موسى الأشعري وعائشة رضي الله عنهم. وصحح الكبار من علماء الحديث حديث ثوبان وشداد وأبي ¬

_ (¬1) ومن طريق يحيى رواه ابن ماجه (1680)، وابن الجارود (386)، وابن حبان (3532) والحاكم (1/ 590). وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين. (¬2) وكذا صححهما البخاري، كما في "علل الترمذي" ص (122). (¬3) رواه النسائي في "الكبرى" (3172). (¬4) رواه أبو داود (2367)، والنسائي في "الكبرى" (3137)، وابن ماجه (1680)، وابن الجارود (386)، وابن حبان (3532)، والحاكم (1/ 590) من طريق أبي قلابة، عن أبي أسماء الرحبي، عن ثوبان. قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين. قال البخاري: ليس في الباب أصح من حديث شداد وثوبان، كلاهما عندي صحيح. كما نقله الترمذي عنه في "العلل" ص (122). وفي "نصب الراية" (2/ 472): وصححه أحمد وابن المديني وغيرهما. (¬5) رواه النسائي في "الكبرى" (3167). (¬6) رواه النسائي في "الكبرى" (3164). (¬7) رواه النسائي في "الكبرى" (3165).

موسى، وقد قدمنا فيما سبق أن الأكثرين لم يروا بأسًا بالحجامة للصائم وتمسكوا بما رواه ابن عباس؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - احتجم وهو صائم. أخرجه البخاري (¬1) عن أبي معمر عن عبد الوارث عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس، وعن مقسم عن ابن عباس قال: احتجم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين مكة والمدينة وهو صائم محرم (¬2). وتكلموا في قوله: "أفطر الحاجم والمحجوم" من وجهين: أحدهما: أن حديث ابن عباس أولى بأن يؤخذ به؛ لأنه أمثل إسنادًا، ولأن فيهما ما يشعر بأن حديث ابن عباس ناسخ لقوله: "أفطر الحاجم والمحجوم"؛ وذلك لأن حديث شداد مؤرخ بعام الفتح، وفي حديث ابن عباس ذكر الإحرام ولم يصحبه ابن عباس في إحرامه قبل حجة الإِسلام، فيتقدم تاريخ حديث شداد على حجة الإِسلام بسنتين، وقد روي عن أنس بن مالك بإسناد وثق الحافظ أبو الحسن الدارقطني رواته أنه قال: أول ما كرهت الحجامة للصائم [أن] (¬3) جعفر بن أبي طالب احتجم وهو صائم، فمر به النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "أفطر هذان" ثم رخص النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد في الحجامة للصائم فكان أنس رضي الله عنه يحتجم وهو صائم (¬4). وعن أبي سعيد الخدري أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رخص في الحجامة ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (1939). (¬2) رواه أبو داود (2373)، والترمذي (775) والنسائي في "الكبرى" (3228)، وابن ماجه (1682). قال الترمذي: حسن صحيح. (¬3) في "الأصل": ابن. خطأ، والمثبت من "السنن". (¬4) رواه الدارقطني (2/ 182 رقم 7) وقال: رواته ثقات ولا أعلم له علة.

الأصل

للصائم (¬1). والترخص يشعر بسبق المنع. والثاني: تأويل لفظ الإفطار من وجوه، قدمناها في باب الصائم. الأصل [875] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن عمرو بن دينار، عن ابن شهاب، أخبرني يزيد بن الأصم؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نكح وهو حلال. قال عمرو: فقلت لابن شهاب: أتجعل يزيد بن الأصم إلى ابن عباس (¬2). [876] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن أيوب بن موسى، عن نبيه بن وهب، عن أبان بن عثمان، عن عثمان رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "المحرم لا ينكح ولا يخطب" (¬3). [877] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن نافع، عن نبيه بن وهب -أحد بني عبد الدار- عن أبان بن عثمان، عن عثمان رضي الله عنه؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " لا ينكح المحرم ولا يُنكح ولا يخطب" (¬4). [878] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن [عن سليمان] (¬5) بن يسار؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث أبا رافع مولاه ورجلًا من الأنصار فزوجاه ميمونة والنبي - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة. ¬

_ (¬1) رواه الطبراني في "الأوسط" (7797). وصحح الترمذي وقفه في "العلل" (215). (¬2) "المسند" ص (180). (¬3) "المسند" ص (180). (¬4) "المسند" ص (180). (¬5) سقط من "الأصل". والمثبت من "المسند".

الشرح

[879] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سعيد بن مسلمة، عن إسماعيل بن أمية، عن سعيد بن المسيب قال: وهل فلان، ما نكح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ميمونة إلا وهو حلال (¬1). الشرح يزيد بن الأصم: هو يزيد [بن] (¬2) عبد عمرو الأصم بن عدس بن معاوية بن عبادة بن البكاء بن عامر بن ربيعة بن عامر بن صعصعة، أبو عوف ابن أخت ميمونة بنت الحارث الهلالية، زوج النبي - صلى الله عليه وسلم -. سمع: ميمونة، وأبا هريرة، معاوية بن أبي سفيان، وابن عباس. وروى عنه: جعفر بن برقان، والزهري، وأبو فزارة راشد بن كيسان (¬3). ونبيه بن وهب الكعبي من بني عبد الدار، حجازي. سمع: أبان بن عثمان. وروى عنه: أيوب بن موسى، ونافع، وسعيد بن هلال (¬4). وأبان بن عثمان بن عفان أبو سعيد القرشي الأموي، أخذ الفقه وأحكام القضاء من أبيه، وسمع الحديث منه. وروى عنه: الزهري (¬5). ¬

_ (¬1) "المسند" ص (180). (¬2) سقط من "الأصل". والمثبت من "التخريج". (¬3) انظر "التاريخ الكبير" (8/ ترجمة 3157)، و"الجرح والتعديل" (9/ ترجمة 1055)، و"التهذيب" (32/ ترجمة 6961). (¬4) انظر: "التاريخ الكبير" (8/ ترجمة 2433)، و"الجرح والتعديل" 8/ ترجمة 2250)، و "التهذيب" (29/ ترجمة 6383). (¬5) انظر "التاريخ الكبير" (1/ ترجمة 1440)، "والجرح والتعديل" (2/ ترجمة 1084)، و"التهذيب" (2/ ترجمة 141).

وسعيد: هو ابن مسلمة بن هشام بن عبد الملك بن مروان الأموي. روى عن: إسماعيل بن أمية، وعن جعفر بن محمَّد، وعبد الله بن حسن. ضعفه البخاري (¬1). وقول يزيد "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نكح وهو حلال" يريد أنه نكح ميمونة وهو حلال، ولم يقله عن نفسه إنما نقله عن ميمونة، ففي "صحيح مسلم" عن أبي بكر بن [أبي] (¬2) شيبة عن يحيى بن آدم عن جرير بن حازم عن أبي فزارة عن يزيد بن الأصم قال: [حدثتني] (¬3) ميمونة بنت الحارث؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تزوجها وهو حلال. قال: وكانت خالتي وخالة ابن عباس (¬4). وهكذا رواه ميمون بن مهران عن يزيد عن ميمونة. وقول عمرو لابن شهاب: "أتجعل يزيد بن الأصم إلى ابن عباس" يريد أتضمه إليه وتقابله به، وذلك أن عمرًا قال لابن شهاب: أخبرني أبو الشعثاء عن ابن عباس؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نكحها وهو محرم. فروى الزهري عن يزيد أنه - صلى الله عليه وسلم - نكحها وهو حلال، فحاول عمرو ترجيح رواية ابن عباس بما قاله إشارة إلى أن ابن عباس أفضل وأولى ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (3/ ترجمة 1724)، و"الجرح والتعديل" (4/ ترجمة 281)، و"التهذيب" (11/ ترجمة 2357). وكذا ضعفه ابن معين وأبو حاتم الرازي والنسائي. (¬2) سقط من "الأصل". (¬3) في "الأصل": حدثني. تحريف، والمثبت من "صحيح مسلم". (¬4) رواه مسلم (1411/ 48).

بأن يؤخذ بقوله وروايته، ولكن الشافعي رجح ما رواه يزيد؛ لأنه رواه عن ميمونة وحديث ابن عباس مرسل؛ فإنه لم يصحب النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا بعد السفر الذي نكح فيه ميمونة، وكان قد نكحها في عمرة القضية. قال: ولئن كان لابن عباس قرابة منها به منها فليزيد قرابة مثلها، وسليمان بن يسار مولاها أيضًا فيكونان واقفين على الحال (¬1). ويؤيده حديث عثمان وهو صحيح أورده مسلم (¬2) من رواية سفيان ومالك جميعًا، وروي عن عمر وعلي رضي الله عنهما رد نكاح المحرم، وبمثله قال زيد بن ثابت، ويؤيده أن سعيد بن المسيب نسب ابن عباس فيه إلى الخطأ. وقوله: "وهل فلان" يريده، ويجوز في "وهل" كسر الهاء وفتحها، يقال: وهلت في الشيء وعن الشيء أوهل وهلًا إذا غلطت فيه وسهوت، ووهلت بالفتح [أوهل] (¬3) وهلًا إذا ذهب وهمك إليه وأنت تريد غيره، ووهل يوهل أيضًا: فزع، والوهل: الفزع. وحديث سليمان بن يسار قد رفعه بعضهم، فروى أبو نعيم عن حماد بن زيد عن مطر عن ربيعة عن سليمان بن يسار عن أبي رافع قال: تزوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ميمونة حلالًا وبنى بها حلالًا، وكنت أنا الرسول بينهما (¬4). ¬

_ (¬1) "اختلاف الحديث" ص (200 - 201). (¬2) "صحيح مسلم" (1409/ 41، 44). (¬3) في "الأصل": أهل. خطأ. (¬4) رواه الدارمي (1825) عن أبي نعيم، ورواه الترمذي (841)، وابن حبان (4130) من طرق أخر عن حماد بن زيد. قال الترمذي: حسن. وقال الحافظ في "التلخيص" (1258): وأعله ابن عبد البر بالانقطاع، ورجح ابن القطان اتصاله.

الأصل

وقوله: "بعث أبا رافع مولاه ورجلًا من الأنصار فزوجاه ميمونة والنبي - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة" المعنى بعثهما وهو بالمدينة، فأما النكاح فإنه جرى والنبي - صلى الله عليه وسلم - بسرف؛ لأن في رواية ميمون بن مهران عن يزيد بن الأصم عن خالته ميمونة بنت الحارث زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - أنها حدثته أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تزوجها حلالًا وبنى بها حلالًا، تزوجها وهو بسرف (¬1). وقوله: "فزوجاه ميمونة" أي: جعلاها زوجًا له وذلك يحتمل من جهة اللفظ أن يراد به تسببهما إليه بالرسالة والخطبة للنبي - صلى الله عليه وسلم -، ويحتمل أن يراد به مباشرتهما النكاح بالوكالة، وقد روي أن أبا رافع كان وكيلًا من جهة النبي - صلى الله عليه وسلم - في نكاحها، واحتج به على جواز التوكيل في النكاح. الأصل [880] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، أنه سمع عبيد الله بن [أبي] (¬2) يزيد يقول: سمعت ابن عباس يقول: أخبرني أسامة بن زيد، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إنما الربا في النسيئة" (¬3). [881] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا عبد الوهاب، عن أيوب بن أبي [تميمة] (¬4) عن محمَّد بن سيرين، عن مسلم بن يسار ورجل آخر، عن عبادة بن الصامت؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تبيعوا الذهب بالذهب، ولا الورِق بالورِق، ولا البرّ بالبرّ، ولا الشعير بالشعير، ولا التمر بالتمر، ولا الملح بالملح إلا سواءً بسواء، عينًا بعين يدًا بيد، ¬

_ (¬1) رواه البيهقي (5/ 66). (¬2) سقط من "الأصل". والمثبت من "المسند". (¬3) "المسند" ص (180). (¬4) في "الأصل": تميم. خطأ، والمثبت من "المسند".

ولكن بيعوا الذهب بالورق، والورق بالذهب، والبرّ بالشعير، والشعير بالبرّ، والتمر بالملح، والملح بالتمر، يدًا بيد كيف شئتم". ونقص أحدهما: [الملح (¬1) أو] التمر، وزاد أحدهما: "من زاد أو ازداد فقد أربى" (¬2). [882] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن [موسى بن أبي تميم] (¬3) عن سعيد بن يسار، عن أبي هريرة؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "الدينار بالدينار، والدرهم بالدرهم لا فضل بينهما" (¬4). [883] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن نافع، عن أبي سعيد الخدري، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلًا بمثل [ولا تشفوا بعضها على بعض، ولا تبيعوا الورق بالورق إلا مثلًا بمثل، ولا تشفوا بعضها على بعض (¬5)] ولا تبيعوا غائبًا منها بناجز" (¬6). [884] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك؛ أنه بلغه عن جده مالك بن أبي عامر، عن عثمان، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تبيعوا الدينار بالدينارين ولا الدرهم بالدرهمين" (¬7). ¬

_ (¬1) في "الأصل": من زاد. سبق نظر، والمثبت من "المسند". (¬2) "المسند" ص (180). (¬3) في "الأصل": نافع بن إبراهيم. تحريف، والمثبت من "المسند" وكذا "اختلاف الحديث". (¬4) المسند ص (181). (¬5) سقط من "الأصل". والمثبت من "المسند" وكذا "اختلاف الحديث". (¬6) "المسند" ص (181). (¬7) سقط من "الأصل" والمثبت من "المسند" وكذا اختلاف الحديث.

الشرح

الشرح موسى بن أبي تميم من أهل المدينة. سمع: سعيد بن يسار. وروى عنه: مالك، وسليمان بن بلال (¬1). وحديث ابن عباس عن أسامة صحيح، أخرجه مسلم (¬2) عن أبي بكر بن أبي شيبة وغيره عن سفيان، ورواه أيضًا مع زيادات عن محمَّد بن عباد، عن سفيان، عن عمرو بن دينار، عن أبي صالح السمان، عن أبي سعيد الخدري، عن ابن عباس، عن أسامة، وأخرجه البخاري (¬3) من حديث ابن جريج عن عمرو. وحديث عبادة قد مرَّ في الكتاب مرة، وذكرنا هناك ما لا بد من معرفته فيه (¬4). وحديث سعيد بن يسار، عن أبي هريرة أخرجه مسلم (¬5) عن القعنبي، وعن أبي الطاهر عن ابن وهب عن مالك. وحديث نافع عن أبي سعيد الخدري قد سبق (¬6). وحديث مالك بن أبي عامر عن عثمان رواه مالك مرسلًا، وهو صحيح مرفوعًا، وقد رواه مسلم في "كتابه" (¬7) عن أحمد بن عيسى، عن ابن وهب، عن مخرمة بن بكير، عن أبيه، عن سليمان بن يسار؛ أنه سمع مالك بن أبي عامر يحدث عن عثمان، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. وظاهر قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إنما الربا في النسيئة" حصر الربا فيه، وهو ¬

_ (¬1) انظر: "الجرح والتعديل" (8/ ترجمة 623)، و"التهذيب" (29/ ترجمة 6243). (¬2) "صحيح مسلم" (1596/ 101، 102). (¬3) "صحيح البخاري" (2178). (¬4) سبق برقم (717). (¬5) "صحيح مسلم" (1588/ 85). (¬6) سبق برقم (671). (¬7) "صحيح مسلم" (1585/ 78).

متروك للأحاديث [المذكورة] (¬1) بعده، قال الشافعي: والنفس على حديث الأكثر أطيب؛ لأنهم أشبه أن يحفظوا من (الأول) (¬2) وكان عثمان بن عفان وعبادة أسن وأقدم صحبة من أسامة، وكان أبو هريرة وأبو سعيد أكثر حفظًا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما علمنا من أسامة (¬3). ويروى عن أبي الجوزاء؛ أن رجلًا أتى ابن عباس يسأله عن درهم بدرهمين، فصاح ابن عباس وقال: إن هذا يأمرني أن أطعمه الربا، فقال ناس حوله: إنا كنا لنعمل هذا بفتياك. فقال ابن عباس: قد كنت أفتي بذلك حتى حدثني أبو سعيد وابن عمر؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عنه؛ فأنا أنهاكم عنه (¬4). ووراء هذا الحديث أسامة (¬5) من التنزيل والتأويل ما قدمته، وقد يبحث في حديث عبادة فيقال: لم قال: "ولكن بيعوا الذهب بالورق والورق بالذهب، والبر بالشعير والشعير بالبر ... إلى آخره" والمقصود الترخيص في المقابلة عند اختلاف الجنس، وإذا قوبل الذهب بالفضة فقد قوبلت الفضة بالذهب، وكذا في سائر المقابلات فهلا اكتفى بذكر أحد الطرفين عن الآخر؟ ¬

_ (¬1) تحرف في "الأصل" إلى: التي كورة. (¬2) "اختلاف الحديث" ص (204)، وتمام كلامه: فأخذنا بهذه الأحاديث التي توافق حديث عبادة وكانت حجتنا في أخذنا بها، وتركنا حديث أسامة بن زيد إذا كان ظاهره يخالفها قول من قال: إن النفس على حديث الأكثر ... أهـ. (¬3) في "اختلاف الحديث": الأقل. (¬4) رواه البخاري في "التاريخ الكبير" (8/ 399)، والبيهقي (5/ 282). وأخرج الحاكم عنه أنه قال قبل موته بثلاث: "اللهم إني أتوب إليك مما كنت أفتي الناس في الصرف" وقال: هو من أجلّ مناقب ابن عباس. (¬5) كذا! وهو يقصد: حديث أسامة.

الشرح

والجواب: أنه قد قيل أن ما اتصل به حرف الباء في المبايعة هو الثمن والعوض للآخر مثمن، فيجوز أن يكون المقصود أنه لا بأس في مقابلة الذهب بالفضة بجعل هذا ثمنًا ولا يجعل الآخر ثمنًا. الأصل [885] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "الشفعة فيما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود فلا شفعة" (¬1). [886] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا الثقة، عن معمر، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن جابر بن عبد الله، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مثله أو مثل معناه لا يخالفه (¬2). [887] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سعيد بن سالم، أبنا ابن جريج، عن أبي الزبير، عن جابر بن عبد الله، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "الشفعة فيما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود فلا شفعة" (¬3). [888] أبنا الربيع، أبنا الشافعي: فإن سفيان أخبره، عن إبراهيم بن ميسرة، عن عمرو بن الشريد، عن أبي رافع؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "الجار أحق (بشفعته) (¬4) ". الشرح عمرو: هو ابن الشريد. عن: أبي رافع أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مولى ¬

_ (¬1) "المسند" ص (181). (¬2) "المسند" ص (181). (¬3) "المسند" ص (181). (¬4) في "المسند" ص (182)، وكذا اختلاف الحديث: بسقبه، وسيأتي كلام المصنف عليه في "الشرح".

النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬1)، وأباه الشريد. روى عنه: إبراهيم بن ميسرة، ويعلى بن عطاء، وعبد الله بن عبد الرحمن الطائفي (¬2). وقوله: "الشفعة فيما لم يقسم" رواه مالك في "الموطأ" (¬3) من رواية ابن شهاب عن ابن المسيب وأبي سلمة مرسلًا كما رواه الشافعي، ورواه عبد الملك بن عبد العزيز الماجشون ويحيى بن عبد الرحمن بن أبي قتيلة وأبو عاصم الضحاك بن مخلد عن مالك فرفعوه وقالوا: عن سعيد [و] (¬4) أبي سلمة عن أبي هريرة (¬5). وفي بعض الروايات عن أبي عاصم عن سعيد أو أبي سلمة. قال الحافظ أحمد البيهقي: كأن ابن شهاب كان لا يشك في رواية أبي سلمة عن جابر موصولًا كما سنذكر من رواية غيره، ولا يشك في رواية ابن المسيب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلًا، وإنما كان يشك في روايتهما جميعًا عن أبي هريرة (¬6). والحديث من رواية معمر عن الزهري عن أبي سلمة عن جابر، أخرجه البخاري (¬7) عن محمود بن غيلان عن عبد الرزاق، وعن مسدد ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (6/ ترجمة 2579)، و"الجرح والتعديل" (6/ ترجمة 1322)، و"التهذيب" (22/ ترجمة 4384). (¬2) كذا في "الأصل" وهو سهو من الناسخ، والمقصود: أنه روى عن أبي رافع مولى النبي - صلى الله عليه وسلم. (¬3) "الموطأ" (2/ 718 رقم 1395). (¬4) في "الأصل": ابن. خطأ. (¬5) رواه ابن ماجه (2497) من طريق أبي عاصم، وابن حبان (5185) من طريق الماجشون، والبيهقي (6/ 103) من طريق الثلاثة. ورواه أبو داود (3515) من طريق ابن جريج عن الزهري به. (¬6) "السنن الكبير" (6/ 104). (¬7) "صحيح البخاري" (2213، 2215).

عن عبد الواحد بن زياد، بروايتهما عن معمر. ويشبه أن يريد الشافعي بالثقة: محمَّد بن عبد الرحمن الجندي؛ فقد روى الزبير بن عبد الواحد الحافظ الأسد أباذي، عن عبد الوهاب، عن يحيى بن عثمان، عن عائذ بن يحيى البلخي، عن الشافعي، عن محمَّد بن عبد الرحمن الجندي، عن معمر عن الزهري، ووافق صالح بن أبي الأخضر معمرًا فرواه عن الزهري عن أبي سلمة عن جابر، ويتأكد ذلك بأن عكرمة بن عمار رواه عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن جابر. وحديث ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر أخرج معناه مسلم (¬1) عن محمَّد بن عبد الله بن نمير وغيره عن عبد الله بن إدريس عن ابن جريج. وحديث أبي رافع أخرجه البخاري في "الصحيح" (¬2) ورواه أبو داود في "السنن" (¬3) عن عبد الله بن محمَّد النفيلي عن سفيان. والحديث الأول بطرقه يدل على أن الشفعة تختص بالمشاع، وأنه لا شفعة للجار، وبه قال عمر وعثمان وسعيد بن المسيب وسليمان بن يسار وعمر بن عبد العزيز وربيعة ومالك والأوزاعي والشافعي وأحمد وأبو ثور رضي الله عنهم. وأما حديث أبي رافع فالأشهر من الرواية "الجار أحق بسقبه" والسَّقَبُ: القرب والجوار، ويقال: الصقب بالصاد، وعلى هذا فيحتمل أن يريد به الشفعة، ويحتمل أن يريد أنه أحق بالبر والإحسان، ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (1608/ 134). (¬2) "صحيح البخاري" (2258). (¬3) "سنن أبي داود" (3516).

الأصل

كما روي عن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت: يا رسول الله إن لي جارين فإلى أيهما أهدي؟ فقال: "إلى أقربهما منك بابًا" (¬1). ثم اسم الجار قد يقع على الشريك لمجاورته ومساكنته الشريك، ولذلك تسمى الزوجة جارة كما قال الأعشى: أجارتنا بيني فإنك طالقة. فليحمل عليه توفيقًا بين الخبرين. ومن الأصحاب من رجح الخبر بأن أسانيده قويمة لا اضطراب فيها، وفي إسناد حديث أبي رافع نوع اضطراب؛ فروي عن عمرو بن الشريد عن أبي رافع كما في الكتاب، وروي عن عمرو عن أبيه الشريد، قال أبو سليمان الخطابي (¬2): وأرسله بعضهم، وقال: قتادة، عن عمرو بن شعيب، عن الشريد. واحتج بقوله: "الشفعة فيما لم يقسم" على أن ما لا تدخله القسمة ولا تحتملها كالبئر ونحوها لا شفعة فيه، وأثبت أبو حنيفة الشفعة فيه، وبه قال ابن سريج، واختاره أبو سليمان الخطابي. الأصل [889] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك بن أنس، عن عبد الله بن أبي بكر، عن أبيه، عن عمرة؛ أنها سمعت عائشة وذكر لها أن عبد الله بن عمر يقول: إن الميت ليعذب ببكاء الحي، فقالت: أما إنه لم يكذب، ولكنه أخطأ أو نسي، إنما مر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على يهودية وهي يبكى عليها، فقال: "إنهم ليبكون عليها وإنها لتعذب في قبرها" (¬3). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2259). (¬2) "معالم السنن" (9/ 311). (¬3) "المسند" ص (182).

[890] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا عبد المجيد بن عبد العزيز، عن ابن جريج، أخبرني ابن أبي مليكة قال: توفيت ابنة لعثمان بن عفان بمكة فجئنا نشهدها، وحضرها ابن عباس وابن عمر فقال: إني جالس بينهما جلست إلى أحدهما ثم جاء الآخر فجلس إليَّ، فقال ابن عمر [لعمرو] (¬1) بن عثمان: ألا تنهى عن البكاء فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه". فقال ابن عباس: قد كان عمر رضي الله عنه يقول بعض ذلك، ثم حدث ابن عباس قال: صدرت مع عمر بن الخطاب من مكة حتى إذا كنا بالبيداء إذا أناس ركب تحت ظل شجرة، قال: اذهب فانظر من هؤلاء الركب، فإذا صهيب، قال: ادعه، فرجعت إلى صهيب فقلت: ارتحل فالحق بأمير المؤمنين، فلما أصيب عمر رضي الله عنه سمعت صهيبًا يبكي ويقول: واأخياه، واصاحباه. فقال عمر: يا صهيب أتبكي عليَّ وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه كما قال: فلما مات عمر ذكرت ذلك لعائشة، فقالت: يرحم الله عمر، والله ما حدث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن الله ليعذب المؤمن ببكاء أهله عليه، ولكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الله يزيد الكافر عذابًا ببكاء أهله عليه" فقالت عائشة: حسبكم القرآن {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} وقال ابن عباس عند ذلك: والله أضحك وأبكى. قال ابن أبي [مليكة] (¬2): فوالله ما قال ابن عمر [من] (¬3) شيء (¬4). ¬

_ (¬1) في "الأصل": لعمر. خطأ، والمثبت من "المسند" وكذا "اختلاف الحديث". (¬2) في "الأصل": المليكة. والمثبت من "المسند". (¬3) من "المسند". (¬4) "المسند" ص (182).

الشرح

الشرح عمرو بن عثمان بن عفان القرشي الأموي. سمع: أسامة بن زيد. وروى عنه: علي بن الحسين. وهو أخو أبان وسعيد، يعد في أهل المدينة (¬1). وحديث عمرة عن عائشة مما يشتمل عليه "الصحيحان" (¬2). فرواه البخاري عن عبد الله بن يوسف، ومسلم [عن] (¬3) قتيبة، بروايتهما عن مالك. وما اقتص ابن أبي مليكة عن عائشة رواه البخاري (¬4) عن عبدان، ومسلم (¬5) عن محمَّد بن رافع، بروايتهما عن عبد الرزاق عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة. والذي ذكر لعائشة أن ابن عمر يقول: إن الميت ليعذب ببكاء الحي: يريد ما كان يقوله ابن عمر مسندًا له إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تارة بتوسيط أبيه، ففي "الصحيحين" (¬6) من رواية شعبة، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب، عن ابن عمر، عن عمر؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الميت [يعذب] (¬7) بما نيح عليه [في] (¬8) قبره". ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (6/ ترجمة 2612)، و"الجرح والتعديل" (6/ ترجمة 1368)، و"التهذيب" (22/ ترجمة 4412). (¬2) "صحيح البخاري" (1286)، ومسلم (932/ 27). (¬3) في "الأصل": ابن. خطأ. (¬4) "صحيح البخاري" (1285). (¬5) "صحيح مسلم" (928). (¬6) "صحيح البخاري" (1289)، و"صحيح مسلم" (927/ 17). (¬7) سقط من "الأصل". والمثبت من "الصحيحين". (¬8) في "الأصل": من. والمثبت من "الصحيحين".

وتارة من غير واسطة، فروى مسلم في "الصحيح" (¬1) عن حرملة، عن عبد الله بن وهب، عن عمر بن محمد؛ أن سالمًا (¬2) حدثه عن عبد الله بن عمر؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الميت ليعذب ببكاء الحي". وقولها: "إنه لم يكذب" أي: متعمدًا. وقوله: "إنهم يبكون عليها وإنها تعذب في قبرها" أي: تعذب هي بكفرٍ لها، وهم يبكون لأغراض فاسدة ولا يدرون ما هي فيه، وأرادت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما قال هكذا ففهم بعض من سمعه أنها تعذب لبكائهم فروى أن الميت يعذب ببكاء الحي. وقوله: "جلست إلى أحدهما ثم جاء الآخر فجلس إليَّ" يشعر بأنهم كانوا لا يبغون التفرق ويجلسون حيث انتهوا ووجدوا فراغًا. وقول صهيب: "واأخياه واصاحباه" تصغير تعظيم، ويروى: "واأخاه" ويروى: "واحباه" والحبَّ: الحبيب، وكأنه قصد بحكاية استحضار عمر رضي الله عنه للاستشهاد لما كان بينهما من المصافاة. وقوله: "إن الله يزيد الكافر عذابًا" فقد قال الشافعي (¬3) رضي الله عنه: إن معناه أنه يزيده عذابًا بكفره إذا بكوا عليه، والمعنى عند بكاء أهله عليه. وعن المزني قال: بلغني أنهم كانوا يوصون بالبكاء والندب والنياحة ويأمرون به، فإذا عمل بأمره جاز أن يزاد في عذابه، كما أن من أمر بطاعة فعمل بها زيد في ثوابه. وتكلم الشافعي في الحديثين من وجه آخر. فقال (¬4): حديث ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (929). (¬2) زاد في "الأصل": لما. خطأ، وهي ليست في "صحيح مسلم". (¬3) "اختلاف الحديث" ص (255). (¬4) "اختلاف الحديث" ص (225).

الأصل

عائشة أشبه أن يكون محفوظًا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لموافقته الكتاب والسنة، فالكتاب قوله تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}. والسنة أن رجلًا قال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "هذا ابنك؟ " قال: نعم. قال: "أما إنه لا يجني عليك ولا تجني عليه" (¬1). فبين أن جناية كل امريء تختص به. وقول ابن عباس عند ذلك: "والله أضحك وأبكى" كأنه يشير به إلى أن الضحك والبكاء قد يغلبان فلا يكون للإنسان فيهما (¬2) وحينئذٍ فلا يكون الباكي مؤاخذًا بما هو مغلوب عليه فكيف يعذب به غيره. الأصل [891] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن الزهري، عن عطاء بن يزيد الليثي، عن أبي أيوب الأنصاري، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه نهى أن تستقبل القبلة بغائط أو بول، ولكن شرقوا أو غربوا، قال: فقدمنا الشام فوجدنا مراحيض قد بنيت قبل القبلة فننحرف ونستغفر الله تعالى (¬3). [892] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن يحيى بن سعيد، عن محمَّد بن يحيى بن حبان، عن عمه واسع بن حبان، عن عبد الله بن عمر؛ أنه كان يقول: إن ناسًا يقولون: إذا قعدت على حاجتك فلا تستقبل القبلة ولا بيت المقدس. قال عبد الله بن عمر: لقد ارتقيت على ظهر بيت لنا فرأيت ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (4495)، والنسائي في "الكبرى" (7036)، وابن الجارود (700)، وابن حبان (5995)، والحاكم (2/ 641). قال الحاكم: صحيح الإسناد، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (1317). (¬2) كذا! والمقصود أنه قد يغلبان عليه فلا يكون له دخل بهما. (¬3) "المسند" ص (183).

الشرح

رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على لبنتين مستقبل بيت المقدس لحاجته (¬1). الشرح حديث أبي أيوب أخرجه البخاري (¬2) عن علي بن المديني، ومسلم (¬3) عن يحيى بن يحيى، وأبو داود (¬4) عن مسدد، بروايتهم جميعًا عن سفيان. وحديث ابن عمر رواه البخاري (¬5) عن عبد الله بن يوسف، وأبو داود (¬6) عن القعنبي، بروايتهما عن مالك، ويروى في حديث أبي أيوب: "لا تستقبلوا القبلة بغائط ولا بول ولا تستدبروها". وفي حديث أبي هريرة مثله، وقد سبق في أول الكتاب (¬7). وقوله: "شرقوا أو غربوا" قال الخطابي وغيره: هذا خطاب مع أهل المدينة ومن قبلته على سمت قبلتهم، فأما من كانت قبلته إلى جهة المشرق أو المغرب فإنه لا يغرِّب ولا يشرِّق (¬8). والمراحيض: جمع مرحاض وهو موضع الفراغ، أخذت اللفظ من الرّحض وهو الغسل. واستقبال القبلة واستدبارها محرمان في الصحراء على مال هو قضية ظاهر النهي، وذلك إذا لم يستتر بشيء، فإن استتر ارتفع التحريم، روي عن مروان الأصفر قال: رأيت ابن عمر رضي الله عنه أناخ راحلته مستقبل القبلة، ثم جلس يبول إليها، فقلت: يا أبا عبد الرحمن ¬

_ (¬1) "المسند" ص (183). (¬2) "صحيح البخاري" (394). (¬3) "صحيح مسلم" (264/ 59). (¬4) "سنن أبي داود" (9). (¬5) "صحيح البخاري" (145)، وكذا رواه مسلم (266). (¬6) "سنن أبي داود" (12). (¬7) سبق برقم (37). (¬8) "معالم السنن" (1/ 16).

أليس قد نهي [عن] (¬1) هذا؟! قال: بلى، نهي عن ذلك في الفضاء، فإذا كان بينك وبين القبلة شيء يسترك فلا بأس (¬2). وروي عن أبي أيوب أن الحكم في البنيان كما هو في الصحراء من غير فرق، ويشعر به قوله: "فقدمنا الشام فوجدنا مراحيض بنيت قبل القبلة ... إلى آخره". ورأى ابن عمر، وبه قال مالك والشافعي تخصيص التحريم بالصحاري؛ فأما في البنيان فالأدب ترك الاستقبال والاستدبار أيضًا ولكن لا تحريم؛ لحديث ابن عمر، فإن من استقبل بيت المقدس بالمدينة فقد استدبر الكعبة وهذا طريق يحصل به الجمع بين الحديثين، وقد ذكرنا غير ذلك في أول الكتاب. وقول ابن عمر: "إن ناسًا يقولون: إذا قعدت لحاجتك فلا تستقبل القبلة ولا بيت المقدس" يجوز أن يريد: ولا تستدبرها، ويجوز أن يقال: أنه نهى عن استقبال بيت المقدس لتضمنه استدبار الكعبة لمن بالمدينة، وفرَّق بين الصحراء والبنيان بأن الفضاء من الأرض موضع الصلاة ومتعبد الملائكة والجن، فمستقبل القبلة ومستدبرها فيه مستهدف الأبصار، والأمر في البنيان بخلافه، ويروى عن جابر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن [أن] (¬3) نستقبل القبلة ببول، ثم رأيته قبل أن يقبض ¬

_ (¬1) سقط من "الأصل". والمثبت من "التخريج". (¬2) رواه أبو داود (11)، وابن خزيمة (60)، والدارقطني (1/ 58 رقم 1)، والحاكم (1/ 256). قال الحاكم: صحيح على شرط البخاري، وقال الدارقطني: صحيح رجاله ثقات، وحسنه الحازمي كما في "نصب الراية" (2/ 107)، وكذا حسنه الألباني في التعليق "سنن أبي داود". (¬3) سقط من "الأصل". والمثبت من "التخريج".

الأصل

بعام يستقبلها (¬1). وقوله: "على لبنتين" كأنه قصد به التحرز عن الرشاش. الأصل [893] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان بن عيينة، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يصلين أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء" (¬2). [894] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن عبد الله بن شداد، عن ميمونة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي في مرطٍ بعضه عليَّ وبعضه عليه وأنا حائض (¬3). الشرح عبد الله: هو ابن شداد ابن الهاد الليثي. سمع: أباه، وعمر بن الخطاب. وروى عنه: الشعبي، وإسماعيل بن محمَّد بن سعد، وعكرمة بن خالد (¬4). والحديث صحيح أخرجه مسلم (¬5) عن أبي بكر بن أبي شيبة وغيره ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (13)، والترمذي (9)، وابن ماجه (325)، وابن خزيمة (58) وابن الجارود (31)، وابن حبان (1420)، والحاكم (1/ 257). قال البخاري: صحيح، كما في "نصب الراية" (2/ 105). وقال الترمذي: حسن غريب، وقال النووي في "شرح مسلم": إسناده حسن وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود" (10). (¬2) "المسند" ص (183). (¬3) "المسند" ص (183). (¬4) انظر: "التاريخ الكبير" (5/ ترجمة 342)، و"الجرح والتعديل" (5/ ترجمة (373)، و"التهذيب" (15/ ترجمة 3330). (¬5) "صحيح مسلم" (516/ 277).

عن سفيان، والبخاري (¬1) عن أبي عاصم عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج، وأبو داود (¬2) عن مسدد عن سفيان. يستحب للرجل أن يصلي في عمامة وقميص ورداء، فإن اقتصر على ثوبين فالأولى قميص ورداء أو قميص وسراويل، وتصلي المرأة في خمار ودرع وإزار، فإن كان الدرع سابغًا أغنى عن [الإزار] (¬3) ويجوز الاقتصار على الثوب الواحد، ففي "الصحاح" عن أبي هريرة؛ أن سائلًا سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -[عن الصلاة] (¬4) في الثوب الواحد فقال: "أو لكلكم ثوبان؟ " (¬5). وعن جابر أنه صلى في إزار عقده من قبل قفاه وثيابه موضوعة على [المشجب] (¬6). فقال له [قائل] (¬7) أتصلي في ثوب واحد؟ قال: أما إني إنما صنعت ذلك ليراني أحمق مثلك، وأينا كان له ثوبان في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬8). ثم الثوب الواحد إن كان مخيطًا كالقميص والسراويل فلا يخفى أنه كان يلبس، وإلا فإن كان واسعًا التحف به وخالف بين طرفيه كما يفعل القصار في الماء، وإن كان ضيقًا عقده فوق سرته، روي عن جابر ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (359). (¬2) "سنن أبي داود" (626). (¬3) في "الأصل": الإزراء خطأ. (¬4) سقط من "الأصل". والمثبت من "الصحيح". (¬5) رواه البخاري (358)، ومسلم (515). (¬6) في "الأصل": الشجب. والمثبت من "البخاري". والمشْجَبُ: عيدانٌ يضم رءوسها ويفرج بين قوائمها وتوضع عليها الثياب "اللسان" (شجب). (¬7) في "الأصل": فإنك: تحريف، والمثبت من "صحيح البخاري". (¬8) رواه البخاري (352).

الأصل

في "الصحيح" أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا صليت وعليك ثوب واحد فإن كان واسعًا ... " (¬1). فلا ينبغي أن يشد طرفيه على حقويه ولكن يأتزر به ويرفع طرفيه ويخالف بينهما ويشدهما على عاتقيه فيكون بمنزلة الإزار والرداء جميعًا. قال الشافعي (¬2): وهذا على سبيل الاختيار، ويجوز أن يشده في وسطه ولا يجعل على عاتقه شيئًا؛ لحديث ميمونة (¬3) فإن بعض مرطها إذا كان عليها يسترها مضطجعة، فالظاهر أن الباقي لا يصلح إلا للائتزار به. الأصل [895] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن عاصم بن أبي النجود، عن أبي وائل، عن عبد الله قال: كنا نسلم على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو في الصلاة قبل أن نأتي أرض الحبشة فيرد علينا وهو في الصلاة، فلما رجعنا من أرض الحبشة أتيته لأسلم عليه فوجدته يصلي [فسلمت] (¬4) عليه فلم يرد عليَّ، فأخذني ما قرب وما بعد، فجلست حتى إذا قضى صلاته أتيته فقال: ¬

_ (¬1) كذا في الأصل، والحديث رواه البخاري (361) وفيه: "فإن كان واسعًا فالتحف به، وإن كان ضيقًا فاتزر به". وكذا رواه ابن خزيمة (767) واللفظ بتمامه له. (¬2) "اختلاف الحديث" ص (229). (¬3) رواه أبو داود (369)، وابن ماجه (653)، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (493، 693). ورواه مسلم (514) من حديث عائشة. (¬4) في "الأصل": فلم سلمت. تحريف، والمثبت من "المسند" وكذا "اختلاف الحديث".

"إن الله -عَزَّ وَجَلَّ- يحدث من أمره ما يشاء، وإن مما أحدث الله تعالى أن لا تكلموا في الصلاة" (¬1). [896] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن أيوب السختياني، عن محمَّد بن سيرين، عن أبي هريرة؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - انصرف من اثنتين، فقال ذو اليدين: أقصرت الصلاة أم نسيت يا رسول الله؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أصدق ذو اليدين؟ " فقال الناس: نعم، فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فصلى اثنتين أخريين ثم سلم ثم كبَّر فسجد مثل سجوده أو أطول، ثم رفع ثم كبر فسجد مثل سجوده أو أطول ثم رفع (¬2). [897] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن داود بن الحصين، عن أبي سفيان مولى ابن أبي أحمد قال: سمعت أبا هريرة يقول: صلى لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة العصر فسلم في ركعتين، فقام ذو اليدين فقال: أقصرت الصلاة أم نسيت يا رسول الله؟ فأقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الناس فقال: "أصدق ذو اليدين؟ " فقالوا: نعم، فأتم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما بقي من الصلاة ثم سجد سجدتين وهو جالس بعد التسليم (¬3). [898] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا عبد الوهاب الثقفي، عن خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن أبي المهلب، عن عمران بن حصين قال: سلم النبي - صلى الله عليه وسلم - في ثلاث ركعات من العصر، ثم قام فدخل الحجرة، فقام الخرباق رجل بسيط اليدين فنادى: يا رسول الله أقصرت الصلاة؟ ¬

_ (¬1) "المسند" ص (183). (¬2) "المسند" ص (184). (¬3) "المسند" ص (184).

الشرح

فخرج مغضبًا يجرّ رداءه، فسأل فأخبر، فصلى تلك الركعة التي كان ترك، ثم سلم ثم سجد سجدتين، ثم سلم (¬1). الشرح ذو اليدين صحابي من بني سليم، يقال: هو الخرباق السلمي، أسلم في آخر زمان النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكان ينزل بذي خشب من ناحية المدينة. روى عنه: ابن سيرين (¬2). وحديث عبد الله رواه أبو داود الطيالسي (¬3) عن شعبة، عن عاصم، عن أبي وائل، وأبو داود (¬4) السجستاني عن موسى بن إسماعيل عن أبان عن عاصم. وقال الحافظ أبو بكر البيهقي (¬5): هذا الحديث قد رواه جماعة من الأئمة عن عاصم بن أبي النجود، وتداوله الفقهاء إلا أن صاحبي "الصحيح" [يتوقيان] (¬6) رواية عاصم لسوء حفظ، لكنهما أخرجا الحديث ببعض معناه من طريق آخر، فرويا (¬7) عن محمَّد بن عبد الله بن نمير وغيره عن محمَّد بن فضيل عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال: كنا نسلم على النبي - صلى الله عليه وسلم - في الصلاة فيرد علينا، فلما رجعنا من عند النجاشي سلمنا [عليه] (¬8) فلم يرد علينا، فقلنا: يا رسول الله كنا ¬

_ (¬1) "المسند" ص (184). (¬2) انظر: "معرفة الصحابة" (2/ ترجمة 895)، و"الإصابة" (2/ ترجمة 2483). (¬3) "مسند الطيالسي" (245). (¬4) "سنن أبي داود" (923). (¬5) نقله عنه الزيلعي في "نصب الراية" (2/ 69). (¬6) تحرف في "الأصل". والمثبت من "نصب الراية". (¬7) رواه البخاري (3875)، ومسلم (538). (¬8) في الأصل": علقم. تحريف، والمثبت من "الصحيح".

نسلم عليك في الصلاة فترد علينا، قال: "إن في الصلاة شغلًا". وفي "الصحيح" عن جابر قال: أرسلني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حاجة فجئت وقد قضيتها فسلمت عليه [فلم يرد علي] (¬1) فوقع في قلبي ما الله أعلم به، فقلت في نفسي: لعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجد علي أني أبطأت عليه، ثم سلمت عليه فلم يرد عليَّ فوقع في نفسي أشد من المرة الأولى، ثم سلمت عليه فرد عليَّ، فقال: "إنه لم يمنعني أن أرد عليك إلا أني كنت أصلي". وكان على راحلته متوجهًا لغير القبلة (¬2). وفي الباب عن زيد بن أرقم، ومعاوية بن الحكم السلمي. وحديث محمَّد عن أبي هريرة أخرجه البخاري (¬3) عن القعنبي عن مالك، ومسلم (¬4) من حديث ابن عيينة عن أيوب، ورواه أبو داود (¬5) عن محمَّد بن عبيد عن حماد بن زيد عن أيوب عن محمَّد وقال: صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إحدى صلاتي العشي الظهر أو العصر، قال: فصلى بنا ركعتين، ثم سلم ثم قام إلى خشبة في مقدم المسجد فوضع يديه عليها إحديهما على الأخرى ... وذكر الحديث. وحديث أبي سفيان عن أبي هريرة أخرجه مسلم (¬6) عن قتيبة عن مالك. وحديث أبي المهلب عن عمران أخرجه مسلم (¬7) عن إسحاق بن ¬

_ (¬1) سقط من "الأصل". والمثبت من "البخاري". (¬2) رواه البخاري (1217)، ومسلم (540/ 38). (¬3) "صحيح البخاري" (714). (¬4) "صحيح مسلم" (573/ 97). (¬5) "سنن أبي داود " (1008). (¬6) "صحيح مسلم" (573/ 99). (¬7) "صحيح مسلم" (574/ 102).

إبراهيم عن عبد الوهاب الثقفي. وقول عبد الله: "فأخذني ما قرب وما بعد" في رواية أبي داود السجستاني "فأخذني ما قدم وما حدث" يريد به شدة الحزن، أي: عاودني قديم الأحزان وانضم إليه حديثها، وقس على هذا ما قرب وما بعد. وفي الحديث دليل على أن المصلي إذا سلم عليه لا يرد السلام نطقًا، ويروى خلاف ذلك عن جابر وأبي هريرة والحسن وابن المسيب. ويحسن أن يرد بالإشارة فعن صهيب أنه قال: مررت برسول الله - صلى الله عليه وسلم -وهو يصلي فسلمت عليه فرد إشارة (¬1). ويحسن أيضًا الرد بعد السلام، فقد روي في آخر حديث ابن مسعود: "وأن الله قد أحدث أن لا تكلموا في الصلاة" ورد علي السلام. وذكر الشافعي محتجًّا بحديث ابن مسعود أن أحدًا لا يتعمد الكلام في الصلاة وهو ذاكر لها، فإن خالف بطلت صلاته وعليه الاستئناف لحديث ابن مسعود، ولا أعلم فيه مخالفًا ممن لقيت من أهل العلم. قال: ومن تكلم فيها وهو ناسٍ لكونه في الصلاة أو عنده أنه قد أكملها لم تبطل صلاته؛ لحديث ذي اليدين. وحكى في "اختلاف الحديث" (¬2) عمن يخالفه في الكلام في الصلاة ناسيًا أن حديث ذي اليدين منسوخ بحديث ابن مسعود، وأجاب ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (925)، والترمذي (367)، والنسائي (3/ 5)، وابن الجارود (216)، وابن حبان (2259). قال الترمذي: حسن، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (858). (¬2) "اختلاف الحديث" ص (232 - 233).

عنه بأن ابن مسعود رجع من هجرة الحبشة إلى مكة ثم هاجر منها إلى المدينة وشهد بدرًا، وحديث أبي هريرة في قصة ذي اليدين متأخر عن ذلك بمدة فإن أبا هريرة أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو بخيبر وصحبه ثلاث سنين أو أربعًا، وقد قال: صلى لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ويروى: صلى بنا، وفي رواية يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة: بينما أنا أصلي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... فذكر قصة ذي اليدين، ومعلوم أن المتقدم لا [...] (¬1) المتأخر. وروي عن معمر عن الزهري عن أبي سلمة وأبي بكر بن سليمان عن أبي هريرة أن الذي ذكر للنبي - صلى الله عليه وسلم - سهوه، وقال: أقصرت الصلاة أم نسيت إنما هو ذو الشمالين بن عبد عمرو حليف لبني زهرة، والأصح عند علماء الحديث الأول، وقالوا: ذو الشمالين بن عبد عمرو بن نضلة من فضلة من خزاعة من بني عسفان، وكان حليفًا لبني زهرة قتل يوم بدر شهيدًا ولم يعقب، وذو اليدين بقي بعد وفاة النبي، يروي شعيب بن مطير عن أبيه مطير عن ذي اليدين، وذكر أنه لقيه بذي خشب. وقوله: "أقصرت الصلاة" وتروى بضم القاف من القصر، وتروى "أقصرت" بفتح القاف وضم الصاد، ويوافق الأول ما في بعض الروايات: "أخففت الصلاة". وكان ذو اليدين مترددًا في بقائه في الصلاة حين قال: "أقصرت" لأنه كان الزمان زمان نزول الوحي، فقال: لعل الصلاة قد خففت، فلم يكن كلامه مبطلًا لصلاته، وأما كلام القوم فله تنزيلان: أحدهما: أن الراوي توسع في حكايته القول عنهم وأراد أنهم ¬

_ (¬1) كلمة غير واضحة في "الأصل". ولعلها: ينسخ.

أشاروا، كما يقال: قال فلان برأسه كذا، يدل عليه أن في بعض الروايات "فأومئوا أي نعم" أخرجه أبو داود في "السنن" (¬1). والثاني: أن جواب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واجب وإن كان المخاطب في الصلاة ولا تبطل الصلاة به، وقد روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرّ على أبي بن كعب وهو في الصلاة فدعاه فلم يجبه ثم اعتذر إليه بأنه كان في الصلاة، فقال - صلى الله عليه وسلم -: "ألم تسمع الله تعالى يقول: {اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ} (¬2) " ويجوز أن يكون كلامه لترددهم في قصر الصلاة أيضًا. والروايات الثلاث المذكورة في سهو النبي - صلى الله عليه وسلم - متوافقة على أن سجدتي السهو كانتا بعد السلام، وبه قال أبو حنيفة وجماعة، والظاهر من قول الشافعي رضي الله عنه تقديم سجدتي السهو على [السلام] (¬3) لما روي عن عبد الله بن بحينة -وقد مرَّ في الكتاب (¬4) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى بهم الظهر فقام في الركعتين الأولتين لم يجلس فقام الناس معه، حتى إذا قضى الصلاة وانتظر الناس تسليمة كبَّر فسجد سجدتين قبل أن يسلم ثم سلم. وله قول آخر، وبه قال مالك: أن السهو إن كان بزيادة فالسجدتان بعد السلام؛ لقصة ذي اليدين فإن النبي - صلى الله عليه وسلم -[سلم] (¬5) وتكلم ومشى، وإن كان بنقصان كترك التشهد الأول فالسجدتان قبل السلام؛ لحديث ابن بحينة. ¬

_ (¬1) "سنن أبي داود" (1008). (¬2) رواه الترمذي (2875)، والنسائي في "الكبرى" (11205)، وابن خزيمة (861)، والحاكم (1/ 745). قال الترمذي حسن صحيح. (¬3) في "الأصل": السلمة. خطأ. (¬4) سبق رقم (173). (¬5) ليست في "الأصل". والسياق يقتضيها.

وعن الزهري أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سجد قبل السلام وبعده، وآخر الأمرين السجود قبل السلام. وقوله: "فسجد مثل سجوده أو أطول" يعني: مثل سجود صلب الصلاة. واحتج بعض أصحابنا بمراجعة النبي - صلى الله عليه وسلم - الناس وبناء الأمر على قولهم: نعم، لتجويز الاعتماد على قول الجمع إذا كثروا، والأظهر المنع؛ لأن المتردد في فعل نفسه لا يرجع إلى قول غيره كالحاكم إذا تردد في حكمه، وعلى هذا فالنبي - صلى الله عليه وسلم - ظهر له الحال فعرفها بعد المراجعة فعمل بعمله. وفي القصة أن المشروع للسهو سجدتان، وأنه يكبر فيهما هويًّا وارتفاعًا، وفي الرواية الأخيرة أنه إذا سجد بعد السلام يسلم عن السجدتين، وأن من سلَّم ثم علم أنه ترك ركنًا أو ركعة يبني على صلاته إذا لم يطل الفصل، وأن تحلل الكلام واستدبار القبلة لا يمنع البناء، وأن تعدد السهو لا يقتضي تكرير السجدتين فإن النبي - صلى الله عليه وسلم كان قد سلم وتكلم واستدبر الكعبة ولم يزد على سجدتين، وأن سهو الإِمام يلحق المأمومين ويوافقونه في [السجود] (¬1)، ثم في رواية أبي هريرة أنه - صلى الله عليه وسلم -[سلم] (¬2) من اثنتين، وفي رواية عمران: "من ثلاث" والظاهر أن القصة واحدة، والرواية الأولى أشهر وأظهر. وقوله: "رجل بسيط اليدين" أي: طويلهما، وفي بعض الروايات أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يسميه لطول يديه ذي اليدين. وقوله: "فخرج مغضبًا" يمكن أن يكون غضبه لتأذيه مما وقع من ¬

_ (¬1) في "الأصل": السجد. خطأ. (¬2) سقط من "الأصل". والسياق يقتضيه.

الأصل

السهو فيكون كهيئة الغضب، ويمكن أن يكون لأنه لم يطلب له قوله: "أقصرت الصلاة" ويمكن أن يكون بسبب آخر وافق تلك الحالة. وقوله: "يجر رداءه" يشير إلى أنه كان يسرع في المشي ليتعرف الحال ويتدارك. الأصل [899] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أخبرني بعض أهل العلم، عن جعفر بن محمَّد، عن أبيه أنه قال: لما انتهى إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - قتل أهل بئر معونة أقام خمس عشرة ليلة كلما رفع رأسه من الركعة الأخيرة من الصبح قال: "سمع الله لمن حمده ربنا لك الحمد اللهم افعل ... فذكر دعاءً طويلًا ثم كبَّر فسجد (¬1). [900]، أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن الزهري، عن ابن المسيب، عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما رفع رأسه من الركعة الثانية قال: "اللهم أنج الوليد بن الوليد وسلمة بن هشام وعياش بن أبي ربيعة والمستضعفين بمكة، اللهم اشدد وطأتك على مضر واجعلها عليهم سنين كسنيّ يوسف" (¬2). الشرح الوليد (¬3): هو ابن الوليد بن المغيرة المخزومي، ممن دعا له النبي - صلى الله عليه وسلم - في قنوته، ويروى أنه كان يفزع في نومه فشكى ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "إذا أويت إلى فراشك فقل: أعوذ بكلمات الله التامة من غضبه ¬

_ (¬1) "المسند" ص (184). (¬2) "المسند" ص (185). (¬3) انظر: "معرفة الصحابة" (5/ ترجمة 2960)، و"الإصابة" (6/ ترجمة 9157).

وعقابه، ومن شر عباده، ومن همزات الشياطين، وأن يحضرون" فقالها فذهب ذلك (¬1). وسلمة هو ابن هشام بن المغيرة المخزومي، قتل في خلافة عمر رضي الله عنه يوم أجنادين (¬2). وعياش: هو ابن [أبي] (¬3) ربيعة المخزومي القرشي أبو عبد الله، هاجر مع عمر رضي الله عنه إلى المدينة وكان أخا أبي جهل لأمه فرده أبو جهل وأوثقه، ومات بالشام في خلافة عمر رضي الله عنه (¬4). وحديث جعفر مرسل، لكن القصة مشهورة منقولة في "الصحاح" (¬5) بأسانيد متصلة. وحديث سفيان عن الزهري رواه البخاري في "الصحيح" (¬6) عن أبي نعيم، ومسلم (¬7) عن عمرو الناقد وغيره، بروايتهم عن سفيان. وبئر معونة: بين مكة وعسفان وأرض هذيل، وفي "الصحيح" (¬8) ¬

_ (¬1) رواه أحمد (4/ 57) من طريق محمَّد بن يحيى بن حبان عنه. قال الهيثمي (10/ 123): رجاله رجال الصحيح إلا أن محمَّد لم يسمع من الوليد. ورواه أبو داود (3893)، والترمذي (3528)، والحاكم (1/ 733)، والنسائي في "الكبرى" (10601) جميعًا من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وليس عندهم تحديد الذي كان يفزع. قال الترمذي: حسن غريب، وقال الحاكم: صحيح الإسناد. وحسنه الألباني في "صحيح الجامع" (701). (¬2) انظر "معرفة الصحابة" (3/ ترجمة 1234)، و"الإصابة" (3/ ترجمة 3405). (¬3) سقط من "الأصل". (¬4) انظر: "معرفة الصحابة" (4/ ترجمة 2334)، و"الإصابة" (4/ ترجمة 6127). (¬5) رواها البخاري (2814)، ومسلم (677/ 297) من حديث أنس. (¬6) "صحيح البخاري" (803). (¬7) "صحيح مسلم" (675/ 594). (¬8) رواه البخاري (4089)، ومسلم (677).

عن أنس رضي الله عنه أن رعلًا وذكوان وعصية وبنو لحيان استمدوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عدوًّا فأمدهم بسبعين من الأنصار كنا نسميهم القراء في زمانهم كانوا يحتطبون بالنهار ويصلون بالليل حتى إذا كانوا ببئر معونة [قتلوهم] (¬1) وغدروا بهم، فبلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - فقنت شهرًا يدعو في صلاة الصبح على أحياء من أحياء العرب على رعل وذكوان وعصية وبني لحيان. ورعل: قبيلة من سليم، واللام من بني لحيان تفتح وتكسر وهم قبيلة من هذيل، وفي "الصحيح" من رواية مسلم عن أبي الطاهر وحرملة، عن ابن وهب، عن يونس بن يزيد، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول في صلاة الفجر حين يكبر ويرفع رأسه: "سمع الله لمن حمده ربنا لك الحمد" ثم يقول وهو قائم: "اللهم أنج الوليد بن الوليد وسلمة بن هشام وعياش بن أبي ربيعة، والمستضعفين من المؤمنين، اللهم اشدد وطأتك على مضر، واجعلها عليهم سنين كسنيّ يوسف، اللهم العن لحيان و [رعلًا] (¬2) وذكوان وعصية عصت الله ورسوله" ثم بلغنا أنه ترك ذلك لما أنزل: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ} (¬3). وقوله [في رواية جعفر بن محمَّد] (¬4): "أقام خمس عشرة ليلة" كذلك هو في رواية حميد الطويل وعلقمة بن أبي علقمة عن أنس، والأثبت وهو الذي رواه قتادة وعبد العزيز بن صهيب وأبو مجلز ¬

_ (¬1) في "الأصل": قتلوه. والمثبت من "الصحيح". (¬2) في "الأصل": رعلان. تحريف. (¬3) رواه مسلم (675/ 594). (¬4) في "الأصل": وفي رواية جعفر بن جعفر. والمثبت الصواب إن شاء الله.

وأنس بن سيرين وموسى بن أنس وعاصم بن سليمان الأحول عن أنس رضي الله عنه: "أنه قنت ودعا عليهم شهرًا". والمذكور في روايتي الكتاب صلاة الصبح، لكن القنوت إذا نزلت نازلة لا يختصر بصلاة الصبح، وفي "الصحيحين" من رواية شيبان بن عبد الرحمن، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بينما هو يصلي العشاء إذ قال: "سمع الله لمن حمده". ثم قال قبل أن يسجد: "اللهم أنج عياش بن أبي ربيعة، اللهم نجّ سلمة بن هشام، اللهم نجّ الوليد بن الوليد، اللهم نجّ المستضعفين من المؤمنين، اللهم اشدد وطأتك (عن) (¬1) مضر" (¬2). وعن أبي هريرة: أنه كان يقنت في الركعة الأخيرة من صلاة الظهر والعشاء الآخرة والصبح (¬3). وعن البراء بن عازب؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقنت في الصبح والمغرب (¬4). وعنه أيضًا؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان لا يصلي صلاة مكتوبة إلا قنت فيها (¬5). ¬

_ (¬1) في الصحيحين: على. (¬2) رواه البخاري (4598)، ومسلم (675/ 295). (¬3) رواه البخاري (797)، ومسلم (676/ 296) وتمامه: أنه قال: والله لأقربن بكم صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فكان يقنت في الظهر ... ". (¬4) رواه مسلم (678/ 305، 306). (¬5) رواه الطبراني في "الأوسط" (9450)، والدارقطني (2/ 37 رقم 4)، والبيهقي (2/ 198). قال الذهبي في "الميزان" (6/ 75): الصواب موقوف.

وقوله في حديث جعفر بن محمَّد: "قال: سمع الله لمن حمده ربنا لك الحمد" يدل على أن الإِمام يجمع بين الكلمتين، خلافًا لقول من خالف فيه، ويؤيده ما ذكرنا من رواية ابن المسيب وأبي سلمة عن أبي هريرة. وفي القصة أنه يحسن القنوت في الصلوات إذا نزلت بالمسلمين نازلة، وأنه قنت بعد الركوع، وما روي من التقيد بمدة وأنه ترك بعد ذلك فهو محمول عند الشافعي رضي الله عنه على الترك فيما سوى الصبح، وعلى ترك الدعاء لقوم معينين وعلى قوم معينين في صلاة الصبح، وروي نحو منه عن عبد الرحمن بن مهدي، فأما أصل القنوت في صلاة الصبح فإنه لم يتركه؛ لما روي عن الربيع بن أنس -وكان من تابعي البصرة، روى عنه: سليمان التيمي، وعبد الله بن المبارك، وغيرهما، ووثقه أبو زرعة وأبو حاتم فيما رواه ابن أبي حاتم (¬1) -عن أنس بن مالك؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قنت شهرًا يدعو عليهم ثم ترك، فأما في الصبح فلم يزل يقنت حتى فارق الدنيا (¬2). وعن قتادة عن أنس قال: صليت خلف النبي - صلى الله عليه وسلم - فقنت وخلف عمر فقنت وخلف عثمان رضي الله عنهما فقنت (¬3). ¬

_ (¬1) "الجرح والتعديل" (3/ ترجمة 2054)، ولم أجد فيه توثيق أبي زرعة. (¬2) رواه الدارقطني (2/ 39 رقم 10)، والبيهقي (2/ 201)، والضياء (2128). قال الضياء: إسناده حسن. وقال ابن الملقن في "الخلاصة" (417): وصححه البلخي، والحاكم في "أربعينه" لا في "مستدركه" فقال: صحيح سنده رواته ثقات. (¬3) رواه البيهقي (2/ 202). قلت: فيه خليد بن دعلج، قال الحافظ في "التقريب" (1740): ضعيف.

الأصل

وعن طارق قال: صليت خلف عمر الصبح فقنت (¬1). ويروى القنوت في الصبح عن أبي بكر وعمر وعثمان، وهو عن علي رضي الله عنهم أشهر، وعن البراء: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقنت في الصبح. ويروى ذلك عن فعل البراء أيضًا. وقوله: "اشدد وطأتك" أي: أخذك وعقوبتك، قال الخطابي: وأراد ضيق المعيشة، واللفظ مأخوذ من وطء الدابة الشيء، ويقال: وطئهم العدو وطأً شديدة (¬2) إذا أثخن فيهم. والله أعلم. الأصل [901] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن عمرو بن دينار، عن سالم بن عبد الله وربما قال: عن أبيه، وربما لم يقله، قال: قال عمر رضي الله عنه: إذا رميتم الجمرة وذبحتم وحلقتم فقد حلّ لكم كل شيء حرم عليكم إلا النساء والطيب. قال سالم: وقالت عائشة: أنا طيبت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لإحرامه قبل أن يحرم، ولحله بعد أن رمى الجمرة، وقبل أن يزور. فقال سالم: وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحق أن تتبع (¬3). الشرح هذا الأثر عن عمر رضي الله عنه، وحديث عائشة رضي الله عنها مذكوران من قبل في الكتاب (¬4)، إلا أن هناك روي الأثر مرسلًا، ¬

_ (¬1) رواه البيهقي (2/ 203)، صححه. (¬2) كذا، والجادة: شديدًا. (¬3) "المسند" ص (185). (¬4) سبقا برقم (554، 555).

الأصل

وها هنا بيّن أن سالمًا تارة أرسله وأخرى أسنده، ذكرنا هناك ما يحتاج إليه من الشرح. والمقصود أن عند عمر لا يحل التطيّب بالتحلل الأول كالجماع، والظاهر من مذهب الشافعي أنه يحل؛ لحديث عائشة وهو أولى بأن يتبع ويؤخذ به على ما ذكره سالم بعدما رواهما. الأصل [902]، أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن الزهري، عن عبيد الله، عن ابن عباس، عن الصعب بن جثامة؛ أنه أهدى لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحشيًّا وهو بالأبواء أو بودّان فرده عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما في وجهي قال: "لم نرد عليك إلا أنّا حرم" (¬1). [903]، أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مسلم وسعيد بن سالم، عن ابن جريج. [903/ 1] وأخبرني مالك، عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله التيمي، عن نافع مولى أبي قتادة، عن أبي قتادة الأنصارى؛ أنه كان مع النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا كان ببعض طريق مكة تخلف مع أصحاب له محرمين وهو غير محرم، فرأى حمارًا وحشيًّا فاستوى على فرسه فسأل أصحابه أن يناولوه سوطه فأبوا، فسألهم رمحه فأبوا، فأخذ رمحه فشد على الحمار فقتله، فأكل منه بعض أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبى بعضهم، فلما أدركوا النبي - صلى الله عليه وسلم - سألوه عن ذلك فقال: "إنما هي طعمة أطعمكموها الله" (¬2). [904] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن زيد بن ¬

_ (¬1) "المسند" ص (185). (¬2) "المسند" ص (185).

الشرح

أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي قتادة في الحمار الوحشي مثل حديث [أبي] (¬1) النضر إلا أن في حديث زيد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "هل معكم من لحمه شيء" (¬2). [905] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا إبراهيم بن محمَّد، عن عمرو بن أبي عمرو، عن المطلب بن حنطب، عن جابر بن عبد الله أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لحم الصيد لكم في الإحرام حلال ما لم تصيدوه أو يصاد لكم" (¬3). [906] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا من سمع سليمان بن بلال، يحدث عن عمرو بن أبي عمرو بهذا الإسناد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - هكذا (¬4). [907]، أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا عبد العزيز بن محمَّد الدراوردي، عن عمرو بن أبي عمرو، عن رجل من بني سلمة، عن جابر، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - هكذا. قال الشافعي: وابن أبي يحيى أحفظ من الدراوردي وسليمان مع ابن أبي يحيى (¬5). الشرح الصعب: هو ابن جثامة بن قيس بن ربيعة بن عبد الله بن يعمر بن عون بن عامر بن ليث المديني أخو محلِّم بن جثامة من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -. روى عنه: ابن عباس، ومات في خلافة أبي بكر رضي الله عنه (¬6). ¬

_ (¬1) سقط من "الأصل". (¬2) "المسند" ص (186). (¬3) "المسند" ص (186). (¬4) "المسند" ص (186). (¬5) "المسند" ص (186). (¬6) انظر "معرفة الصحابة" (3/ ترجمة 1477)، و "الإصابة" (3/ ترجمة 4069).

ونافع: هو أبو محمَّد الأنصاري، مولى أبي قتادة الحارث بن ربعي ويقال: هو مولى عقيلة بنت طلق الغفارية. سمع: أبا قتادة، وأبا هريرة. وروى عنه: الزهري، وصالح بن كيسان، وسالم أبو النضر، وعمر بن كثير بن أفلح (¬1). وسليمان بن بلال: هو أبو أيوب مولى ابن [أبي] (¬2) عتيق بن أبي بكر الصديق. سمع: صالح بن كيسان، ويحيى بن سعيد. وروى عنه: ابن أبي أويس، وخالد بن مخلد. توفي سنة سبع وسبعين ومائة (¬3). وحديث الصعب أخرجه البخاري (¬4) عن عبد الله بن يوسف، ومسلم (¬5) عن يحيى بن يحيى، بروايتهما عن مالك. وحديث أبي قتادة من رواية مالك عن أبي النضر وروايته عن زيد بن أسلم معًا، أخرجه البخاري (¬6) عن إسماعيل، ومسلم (¬7) عن قتيبة بن سعيد، بروايتهما عن مالك. وحديث جابر أخرجه أبو داود (¬8) عن قتيبة عن يعقوب ¬

_ (¬1) انظر: "التاريخ الكبير" (8/ ترجمة 2259)، و"الجرح والتعديل" (8/ ترجمة 2073)، و"التهذيب" (29/ ترجمة 6361). (¬2) سقط من "الأصل". والمثبت من "التخريج". (¬3) انظر: "التاريخ الكبير" (4/ ترجمة 1763)، و"الجرح والتعديل" (4/ ترجمة 460)، و"التهذيب" (11/ ترجمة 2496). (¬4) "صحيح البخاري" (1825). (¬5) "صحيح مسلم" (1193/ 50). (¬6) "صحيح البخاري" (1823). (¬7) "صحيح مسلم" (1196/ 56). (¬8) "سنن أبي داود" (1851). =

الإسكندراني عن عمرو بن أبي عمرو، عن الشافعي أنه أحسن حديث روي في هذا الباب، لكن قال أبو عيسى الترمذي: لا يعرف للمطلب سماعًا من جابر. والأبواء: قرية من عمل الفُرع من المدينة، بينها وبين الجحفة ثلاثة وعشرون ميلًا، وبها توفيت أم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، يقال: سميت به لتبوء السيول بها. وودّان: قرية من عمل الفُرع أيضًا، بينها وبين الأبواء ثمانية أميال، والفُرع: موضع واسع بأعالي المدينة على طريق مكة. واستدل بحديث الصعب على أنه لا يجوز للمحرم قتل الصيد إذا كان حيًّا كما لا يجوز له شراه. وقال الشافعي: إن كان الصعب أهدى الحمار حيًّا فليس للمحرم ذبح الحمار الوحشي، وإن كان أهدى له لحمًا فيحتمل أنه قد علم أنه اصطاد فرده فإنه لا يحل للمحرم ما صيد له (¬1). فأما ما لم يصده المحرم ولا صيد له ولا بإعانته فيجوز أكله لحديث أبي قتادة وجابر، وكأن الشافعي أشار بالترديد الذي ذكره إلى اختلاف الرواية، فروى أكثرهم أنه أهدي لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - حمارًا وحشيًّا، وفي بعض الروايات الصحيحة أنه أهدى [شق] (¬2) حمار ¬

_ = ورواه أيضًا الترمذي (846)، والنسائي (2827)، وابن الجارود (437)، وابن حبان (3971)، والحاكم (1/ 621) من طريق عمرو. وقال النسائي: عمرو بن أبي عمرو ليس بالقوي وإن كان روى عنه مالك. وضعفه الألباني في "ضعيف الجامع" (3524). (¬1) "اختلاف الحديث" ص (245). (¬2) في "الأصل": أسق. والمثبت من "صحيح مسلم".

وحش، ويروى: عجز حمار. وقوله: "فلما رأى ما في وجهي" أي: من الحزن والتغير برد الهدية. وقوله: "إلا أنَّا حرم" أي: لأنا حرم. ويدل على أن له الأكل إذا لم يصد ولا صيد له أيضًا ما روى مسلم في "الصحيح" من حديث يحيى القطان، عن ابن جريج، عن محمَّد بن المنكدر، عن معاذ بن عبد الرحمن بن عثمان التيمي، عن أبيه قال: كنا مع طلحة بن عبيد الله في طريق مكة ونحن محرمون، فأهدوا لنا لحم صيد وطلحة راقد، فمنا من أكل ومنا من تورع فلم يأكل، فلما استيقظ قال للذين أكلوا: أصبتم، وقال للذين لم يأكلوا: أخطأتم؛ [فإنا] (¬1) قد أكلنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحن حرم (¬2). وامتناعهم في حديث أبي قتادة عن مناولة السوط والرمح لئلا يعاونوه على الصيد وهم محرمون، وفي "الصحيحين" من رواية أبي حازم، عن عبد الله بن أبي قتادة، عن أبيه قال: كنت يومًا جالسًا مع وهي من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - في منزل في طريق مكة ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - نازل أمامنا والقوم محرمون وأنا غير محرم، قال: فأبصر القوم حمارًا وحشيًّا وأنا مشغول أخصف نعلي فلم يؤذنوني به، فالتفت فأبصرته فقمت إلى فرسي فأسرجته ثم ركبته ونسيت السوط والرمح، فقلت لهم: ناولوني السوط والرمح. فقالوا: لا نعينك عليه بشيء، فنزلت فأخذتهما وركبت فشددت ¬

_ (¬1) في "الأصل": فإنك. خطأ، والمثبت من "سنن البيهقي". (¬2) "صحيح مسلم" (1197/ 65)، وكذا رواه البيهقي (5/ 188) واللفظ له، وهي عادة المصنف.

عليه فقتلته، ثم جئت به أجرّه فوقعوا فيه يأكلونه، ثم إنهم شكّوا في أكلهم إياه وهم حرم فرحنا وخبأت العضد معي، فأدركت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسألناه عن ذلك فقال: "معكم منه شيء؟ " قلت: نعم، فناولته العضد فأكلها وهو محرم حتى تعرقها (¬1). وهذا الذي ذكرنا من مذهب عطاء بن أبي رباح ومجاهد وسعيد بن جبير، وبه قال مالك وأحمد وإسحاق والأكثرون، وعن ابن عباس أن لحم الصيد حرام على المحرم بكل حال، وبه قال طاوس وسفيان الثوري. ونختم الفصل بكلامين: أحدهما: رواية الشافعي عن مسلم وسعيد بن سالم عن ابن جريج بين حديث الصعب وحديث أبي قتادة غير مسوقة بتمامها، وذكر الحافظ أبو بكر البيهقي أن بعضهم توهم أنه طريق لحديث أبي قتادة وليس كذلك، وإنما أراد ما قدمنا من حديث طلحة بن عبيد الله الذي رواه ابن جريج عن محمَّد بن المنكدر عن معاذ بن عبد الرحمن التيمي (¬2)، وكان الشافعي بمصر، وربما كتب في كتابه بعض الإسناد ويترك الباقي، أو الإسناد وبعض المتن ويبيض الموضع أو يُعلّم عليه ليتمه من بعد، فإن كتبه كانت غايته عنه ثم لم يتفق له ذلك في بعض المواضع. والثاني: قول الشافعي آخرًا أن ابن يحيى أحفظ من الدراوردي وسليمان معه قصد به ترجيح رواية إبراهيم بن محمَّد بن يحيى المذكورة أولًا وهي أنه روى عن عمرو بن أبي عمرو عن المطلب عن جابر، فسمى الرجل، والدراوردي أرسل فروى عن عمرو عن رجل من ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2854)، ومسلم (1196/ 63). (¬2) "بيان خطأ من أخطأ على الشافعي" (1/ 230).

الأصل

بني سلمة عن جابر، فرجح رواية إبراهيم فإنه أحفظ وأن سليمان وافقه فيكون أقرب إلى الصواب. الأصل [908] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن نافع، عن ابن عمر؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه" (¬1). [909] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله. وقد زاد بعض المحدثين: "حتى يأذن أو يترك" (¬2). [910] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن عبد الله بن يزيد مولى الأسود بن سفيان، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن فاطمة؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لها في عدتها من طلاق زوجها: فإذا حللت فآذنيني. قالت: فلما حللت أخبرته أن معاوية وأبا جهم خطباني، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أما معاوية فصعلوك لا مال له، وأما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه، انكحي أسامة". قالت: فكرهته، قال: "انكحي أسامة" فنكحته فجعل الله فيه خيرًا واغتبطت به (¬3). الشرح فاطمة بنت قيس بن وهب بن شيبان بن محارب بن فهر الفهرية أخت الضحاك بن قيس. سمعت: النبي - صلى الله عليه وسلم -. ¬

_ (¬1) "المسند" ص (186). (¬2) "المسند" ص (186). (¬3) "المسند" ص (186).

وروى عنها: أبو سلمة بن عبد الرحمن، وعبيد الله بن عبد الله، والشعبي، وعروة بن الزبير. وكانت من المهاجرات الأول (¬1). ومعاوية المذكور في الحديث هو معاوية بن أبي سفيان، وقد ذكر في بعض روايات الحديث بنسبه، ومنهم من قال: المراد غيره. وأما أبو جهم ففي الصحابة أبو جهم بن حذيفة العدوي أسلم يوم الفتح وشهد فتح مصر، قال أبو عبد الله ابن منده الحافظ: ولا نعرف له رواية، وهو الذي بعث إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - يطلب أنبجانية يصلي عليها، واسمه عامر، ويقال: عبيد وهو الذي أرادته فاطمة (¬2). وحديث ابن عمر صحيح أخرجه البخاري (¬3) عن عبد الله بن يوسف، ومسلم (¬4) عن يحيى بن يحيى، بروايتهما عن مالك، وكذلك [حديث] (¬5) أبي هريرة أخرجاه (¬6) من رواية سفيان بن عيينة عن الزهري عن ابن المسيب عن أبي هريرة، ورواه مسلم (¬7) أيضًا عن علي بن [حجر] (¬8) عن إسماعيل بن جعفر عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة. ¬

_ (¬1) انظر "معرفة الصحابة" (6/ ترجمة 3979)، و"الإصابة" (8/ ترجمة 11604). (¬2) انظر "معرفة الصحابة" (5/ ترجمة 3145)، و"الإصابة" (7/ ترجمة 19691). (¬3) "صحيح البخاري" (5142) من حديث ابن جريج عن نافع، وليس كما ذكر المصنف. (¬4) "صحيح مسلم" (1412) من حديث الليث وعبيد الله عن نافع، وليس كما ذكر المصنف. (¬5) ليست في "الأصل". والسياق يقتضيها. (¬6) رواه البخاري (2140)، ومسلم (1413/ 51). (¬7) "صحيح مسلم" (1413/ 54). (¬8) تحرف في "الأصل". والمثبت من "صحيح مسلم".

وحديث فاطمة بنت قيس أخرجه مسلم (¬1) عن يحيى بن يحيى عن مالك. وقوله: "لا يخطب أحدكم" يقرأ على النهي، ويقرأ على الخبر ويكون المراد منه النهي أيضًا. وقول الشافعي: "وقد زاد بعض المحدثين: حتى يأذن أو يترك" كأنه أراد ما رواه ابن جريج عن نافع عن ابن عمر فقال: "حتى يترك الخاطب قبله أو يأذن له الخاطب" وقد أخرجه البخاري في "الصحيح" (¬2) عن مكي بن إبراهيم عن ابن جريج، وأورد مسلم (¬3) نحوًا منه عن زهير بن حرب عن يحيى القطان عن عبيد الله عن نافع. وذكر الشافعي أن موضع النهي ما إذا أجابت الخاطب وأظهرت الرغبة في نكاحه أو [أجابه] (¬4) أولياؤها إن كانت المرأة ممن لا يعتبر إذنها؛ لحديث فاطمة فإنها أخبرت أن معاوية وأبا جهم خطباها، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "انكحي أسامة" لأنها لم تجب الخاطبين، وأيضًا فالظاهر أن خطبتها كانت على الترتيب ولم ينه الآخر [منهما] (¬5) عما فعل، وذكر بعضهم أنه أمرها بنكاح أسامة لأنه لم يعلم أنها أجابت أم لا، واحتج به على جواز الهجوم على الخطبة لمن لم يعلم أنها خطبت أو لم يعلم أنها أجابت الخاطب أم لا. وقوله: "لا يضع عصاه عن عاتقه" قيل: كنى به عن سوء الخلق وكثرة الضرب، وقيل: عن كثرة السفر، وقوله: "لا يضع ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (1480/ 36). (¬2) "صحيح البخاري" (5142). (¬3) "صحيح مسلم" (1412/ 50). (¬4) في "الأصل": أجابها. خطأ. (¬5) في "الأصل": منها. خطأ.

الأصل

عصاه عن عاتقه" مع العلم بأنه يضع في الأغلب يدل على جواز إطلاق اللفظ عند الكثرة، وللشافعي مسألة معروفة استدل فيها بهذا اللفظ. واحتج بالحديث على جواز التعريض بخطبة المعتدة، وعلى جواز نكاح المولى القرشيةَ، وعلى أن للمال اعتبارًا في الكفاءة، وعلى أن للزوج تأديب امرأته، وعلى أن المستشار له أن يذكر مساويء الخاطب نصيحة [للمخطوبة] (¬1) وإرشادًا لها إلى ما فيه الحظ، ولا يدخل ذلك في الغيبة المأثوم بها. قال أبو سليمان الخطابي: وفي قوله: "على خطبة أخيه" دليل على أنه إنما نهى عن الخطبة على خطبة المسلم، فأما الخطبة على خطبة الذميّ (في الذميَّات فلا بأس بها، وذكر الأصحاب في الفقه أن الخطبة على خطبة الذميّ) (¬2) كهي على خطبة المسلم، وحكوا ما قاله الخطابي عن أبي عبيد بن حربويه (¬3). الأصل [911] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا إبراهيم بن [سعد] (¬4) بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، عن ابن شهاب، عن سالم، عن أبيه؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا رأيت من الهلال فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا، فإن غم عليكم فاقدروا له". ¬

_ (¬1) في" الأصل": المخطوبة. (¬2) تكرر في "الأصل". (¬3) هو: علي بن الحسين بن حرب بن عيسى البغدادي القاضي، أبو عبيد بن حربويه، قاضي مصر، أحد أصحاب الوجوه المشهورين. انظر "طبقات الشافعية" لابن قاضي شهبة (2/ 96). (¬4) في "الأصل": سعيد. خطأ، والمثبت من "المسند".

الشرح

وكان عبد الله يصوم قبل الهلال بيوم، قيل لإبراهيم بن سعد: يتقدمه؟ قال: نعم (¬1). [912] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن عمرو بن دينار، عن محمَّد بن (حنين) (¬2) عن ابن عباس قال: عجبت ممن يتقدم الشهر وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تصوموا حتى تروه ولا تفطروا حتى تروه" (¬3). [913] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا عبد العزيز بن محمَّد، عن محمَّد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تقدموا الشهر بيوم ولا بيومين إلا أن يوافق ذلك صومًا كان يصومه أحدكم، صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم فعدوا ثلاثين" (¬4). [914] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا عمرو بن أبي سلمة، عن الأوزاعي، حدثني يحيى بن أبي كثير، حدثني أبو سلمة، عن أبى هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تتقدموا بين يدي رمضان بيوم ولا يومين، إلا رجل كان يصوم صومًا فليصم" (¬5). الشرح محمَّد بن حنين عرفه الحافظ أبو الحسين الدارقطني بروايته عن ابن عباس ورواية عمرو بن دينار عنه (¬6)، وفي بعض "النسخ": محمَّد ¬

_ (¬1) "المسند" ص (187). (¬2) كذا في الأصل، وفي "المسند" وكذا "اختلاف الحديث": جبير. وسيأتي كلام "المصنف" عليه في "الشرح". (¬3) "المسند" ص (187). (¬4) "المسند" ص (187). (¬5) "المسند" ص (187). (¬6) قال المزي في "التهذيب" (25/ 120): هو خطأ، والصواب محمَّد بن جبير وهو ابن مطعم.

بن جبير، ومحمد (¬1) بن جبير بن [مطعم] (¬2) تابعي مشهور يكنى أبا [سعيد] (¬3) سمع: أباه، ومعاوية بن أبي سفيان. وروى عنه: الزهري، وعمرو بن دينار، وسعد بن إبراهيم، وغيرهم. وحديث سالم عن أبيه أخرجه البخاري (¬4) من حديث عقيل عن الزهري، ومسلم (¬5) عن حرملة عن ابن وهب عن يونس عن الزهري. وحديث يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة رواه مسلم عن حرملة عن يحيى بن [بشر] (¬6) عن معاوية بن سلام عن يحيى، وأيضًا عن أبي بكر بن [أبي] (¬7) شيبة عن وكيع عن علي بن المبارك عن يحيى بن أبي كثير، وأخرجه البخاري (¬8) وأبو داود (¬9) عن مسلم بن إبراهيم عن هشام عن يحيى بن [أبي] (¬10) كثير. وفي الباب عن عمر بن الخطاب وابن عباس وحذيفة بن اليمان وطلق بن علي رضي الله عنهم وغيرهم. وكره أهل العلم لهذِه الأحاديث استقبال رمضان بيوم أو بيومين إلا أن يوافق صومًا كان يصومه تطوعًا بأن كان يصوم صوم داود - عليه السلام -، ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (1/ ترجمة 109)، و"الجرح والتعديل" (7/ ترجمة 1212)، و"التهذيب" (24/ ترجمة 5113). (¬2) في "الأصل": مطعوم. خطأ. (¬3) في "الأصل": سعد. خطأ، والمثبت من "التخريج". (¬4) "صحيح البخاري" (1900). (¬5) "صحيح مسلم" (1080/ 8). (¬6) "صحيح مسلم" (1082/ 21). (¬7) في "الأصل": بشير. خطأ، والمثبت من "صحيح مسلم". (¬8) سقط من "الأصل". (¬9) "صحيح البخاري" (1914). (¬10) سقط من "الأصل".

الأصل

أو كان يصوم الأثانين، أو صامه عن نذر أو قضاء، والذي روي عن ابن عمر وإن كان مطلقًا في رواية الكتاب فقد روي عن حماد بن زيد عن أيوب عن نافع؛ أن ابن عمر كان إذا مضى من شعبان تسعة وعشرون يومًا نظر له، فإن ربي فذاك، وإلا ولم يحل بين منظره سحابة ولا قترة أصبح مفطرًا، وإن حال أصبح صائمًا، وكان يفطر مع الناس ولا يأخذ بهذا الحساب (¬1). وكان ذلك منه ضربًا من الاحتياط، ويروى مثله عن أحمد، وعن ابن عون أنه قال: ذكرت فعل ابن عمر لمحمد بن سيرين فلم يعجبه. وما روي عن عمران بن حصين؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لرجل: "هل صمت من سرر شعبان شيئًا؟ " قال: لا، قال: "فإذا أفطرت فصم يومًا أو يومين" (¬2) محمول على من أوجبه على نفسه بنذر فأمره بالقضاء لما ترك الواجب، أو على من اعتاد صيام أواخر المشهور فاستحب له أن يقضي تداركًا لما فات. وسرر الشهر وسره وسراره: آخره، سمي بذلك لاستسرار القمر فيه، هكذا ذكره الخطابي، ويحكى عن أبي عبيد، وقيل: سرار كل شيء: وسطه وأفضله، فكأنه أراد أيام البيض، وعلى هذا فالحديث لا يخالف الأحاديث المانعة من الاستقبال. الأصل [915] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن ابن شهاب، عن ابن المسيب أو أبي سلمة، عن أبي هريرة -الشك من ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (2320). (¬2) رواه البخاري (1983)، ومسلم (1161).

سفيان- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "الولد للفراش وللعاهر الحجر" (¬1). [916] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة أن عبد بن زمعة وسعدًا اختصما إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ابن أمة زمعة ذكره، فقال سعد: يا رسول الله أوصاني أخي إذا قدمت مكة أن أنظر إلى ابن أمة زمعة فأقبضه فإنه ابني، فقال عبد بن زمعة: أخي وابن أمة أبي ولد على فراش أبي، فرأى شبهًا بيِّنًا بعتبة، فقال: "هو لك يا عبد بن زمعة، الولد للفراش واحتجبي منه يا سودة" (¬2). [917] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن نافع، عن ابن عمر؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرَّق بين المتلاعنين وألحق الولد بالمرأة (¬3). [918] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان بن عيينة، عن عبيد الله بن أبي يزيد، عن أبيه قال: أرسل عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلا شيخ من بني زهرة كان يسكن دارنا، فذهبت معه إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فسأله عن ولاد من الجاهلية، فقال: أما الفراش فلفلان، وأما النطفة فلفلان، فقال عمر: يعني: ابن الخطاب: صدقت، ولكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى بالفراش (¬4). [919] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا إبراهيم بن سعد، عن ابن شهاب، عن سهل بن سعد، وذكر حديث المتلاعنين، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أبصروها فإن جاءت به أسحم أدعج العينين عظيم الأليتين فلا أراه إلا قد صدق، وإن جاءت به أحمر كأنه وحرة فلا ¬

_ (¬1) "المسند" ص (187). (¬2) "المسند" ص (188). (¬3) "المسند" (188). (¬4) "المسند" (188).

الشرح

أراه إلا كاذبًا" فجاءت به على [النعت] (¬1) المكروه (¬2). [920] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن سعيد بن المسيب وعبيد الله بن عبد الله، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا جاءت به أصيفر سبطًا فهو لزوجها، وإن جاءت [به] (¬3) أديعج جعدًا فهو [للذي] (¬4) يتهم" فجاءت به أديعج (¬5). الشرح عبد بن زمعة: أخو سودة بنت زمعة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم -، يروى عن عائشة رضي الله عنها أنه نكح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سودة فلما قدم أخوها عبد جعل يحثي التراب على رأسه، فلما أسلم كان يقول: لعمري إني لسفيه يوم أحثي التراب على رأسي (¬6). وحديث أبي هريرة أورده مسلم في "الصحيح" (¬7) عن عبد الأعلى بن حماد عن سفيان، وأيضًا عن سعيد بن منصور عن سفيان عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة، والبخاري (¬8) عن آدم عن شعبة عن محمَّد بن زياد عن أبي هريرة. وحديث عائشة أخرجه البخاري (¬9) عن إسماعيل عن مالك عن ¬

_ (¬1) في "الأصل": المنعت. والمثبت من "المسند" وكذا "اختلاف الحديث". (¬2) "المسند" ص (188). (¬3) سقط من "الأصل". والمثبت من "المسند". (¬4) سقط من "الأصل". والمثبت من "المسند". (¬5) "المسند" ص (188). (¬6) انظر "معرفة الصحابة" (4/ ترجمة 1933)، و"الإصابة" (4/ ترجمة 5277). (¬7) "صحيح مسلم" (1458/ 37). (¬8) "صحيح البخاري" (6818). (¬9) "صحيح البخاري" (2421).

الزهري، ومسلم (¬1) عن قتيبة بن سعيد عن ليث عن الزهري، وأبو داود (¬2) عن سعيد بن منصور ومسدد عن سفيان عن الزهري. وحديث ابن عمر أورده البخاري (¬3) عن يحيى بن بكير، ومسلم (¬4) عن يحيى بن يحيى وقتيبة، بروايتهم جميعًا عن مالك. وقوله: "الولد للفراش" أي: لصاحب الفراش وهو الزوج وسيد الأمة؛ لأنهما يفترشان المرأة بالاستحقاق، ويقال: [افترش] (¬5) فلان فلانة إذا نكحها. وقوله: "وللعاهر الحجر" العاهر: الزاني، ومعنى قوله: له الحجر، أي: له الخيبة والحرمان وليس له في النسب حظ، كما تقول لمن خيبته وآيسته: ليس لك إلا التراب وما في يدك إلا الحجر، وقد روي "وللعاهر الكثكث" (¬6). وقيل: المراد منه أنه يرجم بالحجر وذلك إذا كان محصنًا، وقيل: ذكره على سبيل السبّ، كما يقال: بفيه الحجر. وأما اختصام عبد وسعد فقد ذكر العلماء أنهم كانوا في الجاهلية يقتنون الولائد ويضربون عليهن الضرائب فكن يكتسبن بالفجور وكانوا يثبتون النسب بالزنا، وإذا وطيء سيد الأمةِ الأمةَ ووطئت بالزنا أيضًا وولدت وادعاه الزاني ألحقوه به، وإن تنازعا عرضوه على القائف، فأبطل الشرع ذلك وحكم بأن الولد لصاحب الفراش وأن الزنا لا نسب به. ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (1457/ 36). (¬2) "سنن أبي داود" (2273). (¬3) "صحيح البخاري" (5315). (¬4) "صحيح مسلم" (1494/ 8). (¬5) في "الأصل": افتراش. خطأ. (¬6) الكَثْكَثُ والكِثْكِثُ: دقاق التراب، وقيل: التراب عامة. "اللسان": كثث.

وكان لزمعة أمة يلمّ بها وقد ضرب عليها ضريبة وأصابها عتبة بن أبي وقاص أيضًا وظهر بها حمل، وكان يظن عتبة أنه منه فهذا (¬1) إلى أخيه سعد بن أبي وقاص أن يتتبع حمل أمة زمعة ويستلحقه، فاختصم إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - عبد بن زمعة وسعد، فقال سعد: هو ابن أخي على ما كانوا يجرون عليه في الجاهلية، وقال عبد: هو أخي ولد على فراش أبي على ما هو قضية الإِسلام، فقضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعبد وأبطل ما كانوا عليه في الجاهلية، وفي مثل ذلك قال الشيخ الذي سأله عمر رضي الله عنه: أما الفراش لفلان وأما النطفة لفلان. قال الإِمام أبو سليمان الخطابي: وفي الحديث من الفقه: إثبات الدعوى في النسب كما في المال، وأن الأمة تصير فراشًا بالوطء حتى إذا أقر السيد بوطء أخته وأتت بولد يمكن أن يكون منه فإنه يلحقه من غير استلحاق، وأن للورثة أن يقروا على الميت بالنسب ويلحقوا لمورثهم أو (¬2) عرض على نفسه فإن المعتبر إقرار جميع الورثة وليس في الحديث إلا ذكر خصومة عبد ولم يكن هو حائز فإن سودة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - كانت بنت زمعة، وأجاب بأن زمعة مات كافرًا وكانت قد أسلمت سودة في حياته فلم يكن يرثه إلا عبد، وبتقدير أن تكون سودة وارثة فربما وكلت أخاها بالخصومة أو أقرت بذلك عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإن لم يجر لها ذكر في القصة. وقوله: "احتجبي [منه يا] (¬3) سودة" فهو على سبيل الاستحباب والتنزيه، وذلك لما رأى فيه من شبه عتبة والاحتراز في موضع الشبه ¬

_ (¬1) كذا في "الأصل". (¬2) كذا في "الأصل". وهنا سقط. (¬3) في "الأصل": منها. تحريف.

الأصل

حسن، ويروى أنه ما رآها حتى لقيت الله -عَزَّ وَجَلَّ-. والحديث يدل على أن المشابهة المجردة لا اعتبار بها، ومما يدل على أن المرأة تصير فراشًا بالإقرار بالوطء ما روي عن عمر رضي الله عنه قال: ما بال رجال يطئون ولائدهم ثم يدعونهن، يخرجن، لا تأتيني وليدة يعترف سيدها أن قد ألمّ بها إلا ألحقت به ولدها فأرسلوهن بعد أو أمسكوهن (¬1). قوله في الحديث الأخير: "إن جاءت به أصيفر" وفي بعض "النسخ": "أميغر" وسيأتي إن شاء الله تعالى. وحديث اللعان من رواية (¬2) يختصر ها هنا وهو عائد بتمامه في الكتاب من بعد، وقصد بذكره ها هنا الرد على من زعم أن الولد لا ينفى باللعان تمسكًا بقوله: "الولد للفراش" وجمع بينه وبين حديث اللعان بوجهين: أحدهما: أن المعنى أن الولد للفراش ما لم ينفه صاحب الفراش باللعان. والثاني: أنه إذا تنازع رب الفراش والعاهر في الولد [فالولد] (¬3) لرب الفراش. الأصل [921] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سعيد بن سالم، عن ابن أبي ذئب، عن مخلد بن خفاف، عن عروة، عن عائشة، أن ¬

_ (¬1) رواه مالك (2/ 742 رقم 1422، 1423). (¬2) كذا في "الأصل" وهنا سقط. وهو من رواية ابن عمر كما مر، وسيأتي بتمامه برقم (1252). (¬3) في "الأصل": كالولد. تحريف.

الشرح

رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى أن الخراج بالضمان (¬1). [922] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مسلم بن خالد، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "الخراج بالضمان" (¬2). الشرح مخلد يقال: هو ابن خفاف بن أيماء بن رحضة الغفاري. سمع: عروة. وروى عنه: ابن أبي ذئب. وعن البخاري أنه قال: لا أعرف لمخلد غير هذا الحديث (¬3). وقد أورد الحديث أبو داود في "السنن" (¬4) من طريق مخلد عن أحمد بن يونس عن ابن أبي ذئب، ومن طريق هشام عن إبراهيم بن مروان الدمشقي [عن أبيه] (¬5) عن مسلم بن خالد، وابن ماجه (¬6) من الطريق الأول عن أبي بكر بن [أبي] (¬7) شيبة وعلي بن محمَّد عن وكيع عن ابن أبي ذئب، ومن الطريق الثاني عن هشام بن عمار عن مسلم بن خالد، وأورده البخاري في "التاريخ" من رواية آدم عن ابن أبي ذئب وقال: في الحديث نظر، وعن أبي عيسى الترمذي قال: ¬

_ (¬1) "المسند" ص (189). (¬2) "المسند" ص (189). (¬3) انظر "التاريخ الكبير" (7/ ترجمة 1908)، و"الجرح والتعديل" (8/ ترجمة 1590)، و"التهذيب" (27/ ترجمة 5839). (¬4) "سنن أبي داود" (3508، 3510). وقال عن الطريق الثاني: إسناده ليس بذاك. (¬5) سقط من "الأصل". والمثبت من "السنن". (¬6) "سنن ابن ماجه" (2242، 2243). (¬7) سقط من "الأصل". والمثبت من "السنن".

قلت للبخاري حين ضعف هذا الحديث، وقال: لا أعرف لمخلد رواية غيره: قد روي هذا عن هشام بن عروة عن أبيه فقال: إنما رواه مسلم بن خالد وهو ذاهب الحديث (¬1). والخراج: الدخل والمنفعة، وإذا ضرب السيد على عبده ضريبة يؤديها إليه؛ قيل: إنه خارجه، ويسمى الحاصل منه خراجًا. والمقصود أن دخل المبيع وفائدته يملكها المشتري؛ لأنه ضامن للرقبة لو تلف في يده حتى يستقر عليه الثمن فكانت فوائده له، فإذا اشترى شيئًا واستغله كالدابة يركبها والدار يسكنها والعبد يستكسبه أو يؤجرها ويأخذ أجرتها ثم وجد به عيبًا قديمًا فله الرد والغلة تسلم له، وكذا الحكم في ولد الجارية المبيعة وثمرة الشجرة ونتاج البهيمة وصوفها ولبنها. وقال أبو حنيفة: غلة الدار والدابة والعبد لا تمنع الرد بالعيب وتسلم للمشتري إن كان الرد بعد القبض، وترد الغلة مع الأصل إن كان قبله، والولد والثمرة يمنعان الرد بالعيب. وقال مالك: لا يرد الصوف مع البهيمة ويرد الولد. واستدل أصحاب أبي حنيفة بالحديث على أن الغاصب لا يضمن منفعة المغصوب؛ لأنه ضامن للمغضوب فيكون الخراج في مقابلته، وأجاب الأصحاب بأن الحديث ورد في البيع، ففي رواية هشام عن أبيه عن عائشة؛ أن رجلًا ابتاع غلامًا وأقام عنده ما شاء الله أن يقيم ثم وجد به عيبًا، فخاصمه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال الرجل: يا رسول الله قد استعمل غلامي، فقال: "الخراج بالضمان". ¬

_ (¬1) "علل الترمذي" (337، 338)، وقال البخاري: هذا حديث منكر.

الأصل

والبيع: عقد تراض فلا يلحق به التعدي واليد الباطلة. الأصل [923] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تصروا الإبل والغنم فمن ابتاعها بعد ذلك فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها، إن رضيها أمسكها وإن سخطها ردها وصاعًا من تمر" (¬1). [924] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن أيوب، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله، إلا أنه قال: "ردها وصاعًا من تمر لا سمراء" (¬2). الشرح حديث مالك عن أبي الزناد أخرجه البخاري (¬3) عن عبد الله بن يوسف، ومسلم (¬4) عن يحيى بن يحيى، وأبو داود (¬5) عن القعنبي، بروايتهم عن مالك، وأورد مسلم (¬6) الحديث من طريق محمَّد بن سيرين، عن أبي هريرة: عن ابن أبي عمر عن سفيان عن أيوب عن ابن سيرين، وأبو داود (¬7) عن موسى بن إسماعيل عن حماد عن أيوب، وابن ماجه (¬8) عن أبي بكر بن أبي شيبة وعلي بن محمَّد عن أبي أسامة عن هشام بن حسان عن محمَّد بن سيرين. ¬

_ (¬1) "المسند" ص (189). (¬2) "المسند" ص (189). (¬3) "صحيح البخاري" (2150). (¬4) "صحيح مسلم" (1515/ 11). (¬5) "سنن أبي داود" (3443). (¬6) "صحيح مسلم" (1524/ 26). (¬7) "سنن أبي داود" (3444). (¬8) "سنن ابن ماجه" (2239).

وفي الباب عن ابن مسعود وابن عمر وابن عباس وأنس بن مالك. والتصرية في تفسير الشافعي: أن تربط أخلاف الناقة وضرع الشاة ويترك حلبها يومًا ويومين حتى يجتمع اللبن ثم تباع فيظنها المشتري كثيرة اللبن ويزيد في ثمنها. وأصل الكلمة: الحبس والجمع، يقال: صريت الماء وصرَّيته بالتخفيف والتشديد: إذا حبسته وجمعته، وروى اللفظ بعضهم: "لا تصروا الإبل" من صرى يصري إذا جمع، ويروى: "لا تصر الإبل" وأيضًا "لا تصروا الإبل" و [هما] (¬1) مأخوذان من صرَّ يصرُّ إذا شد وربط [ومنه] (¬2) الصُّرّة. وجوز أبو سليمان الخطابي أن يكون أصل مصراة: مصررة، أبدلت إحدى الراءات ياء، كقولهم: تقضى البازي (¬3) وأصله التقضض. فإذا عرف المشتري التصرية فهو بالخيار بين أن يمسك، وبين أن يرد ويرد صاعًا من التمر؛ لظاهر الحديث، وبهذا قال مالك وأحمد وأبو عبيد. وفي مدة الخيار وجهان للأصحاب: أحدهما: أنه يمتد ثلاثة أيام؛ لما روي في "الصحيح" عن سهل بن أبي صالح عن أبيه عن [أبي] (¬4) هريرة، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من ابتاع شاة مصراة فهو بالخيار ثلاثة أيام إن شاء أمسكها وإن شاء ردها وردّ معها صاعًا من تمر" (¬5). وأظهرهما: أنه يكون على الفور كخيار العيب. ¬

_ (¬1) في "الأصل": هو تحريف. (¬2) في "الأصل": فيه. تحريف. (¬3) البازي: واحد البزاة التي تصيد. (¬4) سقط من "الأصل". (¬5) رواه مسلم (1524/ 24).

وذكر الثلاث جرى على الغالب؛ لأن الغالب أنه لا يحصل الوقوف على التصرية فيما دون الثلاث؛ إذ يحمل النقصان الذي يجده المشتري على اختلاف العلف فيبدل الأيدي والمكان ونحوها، فعلى هذا لو عرف التصرية قبل الثلاث فالخيار على الفور، وعلى الأول: يمتد إلى آخر الثلاث؛ ولو عرفها في آخر الثلاثة أو بعد انقضائها، فعلى الأول: لا خيار له، وعلى الثاني: يثبت ويكون على الفور. ثم إن ظهرت التصرية قبل الحلب رد المصراة بحالتها ولا شيء عليه، وإن ظهرت بعد الحلب واللبن باق فلا يكلف المشتري برده معها؛ لأن ما حدث بعد البيع ملك له وقد اختلطا وتعذر التميز، وحينئذٍ فيكون الحكم كما لو تلف. وإن أراد رده فالظاهر أنه لا يكلف البائع أخذه لذهاب طراءته، وإن كان اللبن تالفًا ردَّ معها صاعًا من برّ، والأظهر عند الأصحاب: أنه يتعين التمر ولا معدل عنه، واحتج له بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا سمراء" أي: لا يعطي غير التمر، والسمراء: الحنطة، فإن رضي البائع بغير التمر؛ فالأظهر: الجواز، والظاهر أن الواجب صاع قلَّ اللبن أو كثر. والمعنى فيه أن اللبن الموجود عند البيع يختلط بالحادث بعده ويتعذَّر التمييز، وقد يتنازع المتبايعان في القدر الموجود وحينئذ فتولى الشارع تعيين بدل له قطعًا للخصومة بينهما، كما جعل دية النفس مائة من الإبل مع اختلاف أحوال النفوس في القوة والضعف والأخلاق والأوصاف، وسوى بين الأصابع في الدية مع اختلاف منافعها، وأوجب الغرة في الجنين مع اختلاف الأجنة ذكورة وأنوثة، والأرش في الموضحة مع اختلافها في الصغر والكبر.

الأصل

وحكم التصرية فيما يحل لبنه من الحيوانات كحكمها في الإبل والغنم وكذلك في الجارية والأتان على الأصح؛ لأن غزارة لبنهما مقصود أيضًا لكن لا يرد معهما شيئًا من اللبن على الأظهر، أما في الجارية فإن لبن الآدميات لا يعتاض عنه غالبًا، وأما في الأتان فلنجاسته. وذهب أبو حنيفة إلى أنه لا ردّ بالتصرية بعد الحلب، ولكن يمسكها ويرجع على البائع بالأرش، وعند أبي يوسف يردها ويرد معها قيمة اللبن. قال أبو سليمان الخطابي: وفي حديث المصراة دليل على أنه لا يجوز بيع شاة في ضرعها لبن بلبن، ولا بشاة في ضرعها لبن؛ لأنه جعل للبن قسطًا من الثمن، فهو كما لو باع لبنًا بلبن ومعهما أو مع أحدهما شيء آخر. الأصل [925] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن نافع، عن ابن عمر؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من ابتاع طعامًا فلا يبيعه حتى يستوفيه" (¬1). [926] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من ابتاع طعامًا فلا يبيعه حتى يقبضه" (¬2). [927] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن عمرو بن دينار، عن طاوس، عن ابن عباس قال: أما الذي نهى عنه ¬

_ (¬1) "المسند" ص (189). (¬2) "المسند" (189).

الشرح

رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهو الطعام أن يباع حتى يستوفى، فقال ابن عباس برأيه، ولا أحسب كل شيء إلا مثله (¬1). الشرح حديث مالك عن نافع أخرجه البخاري (¬2) وأبو داود (¬3) عن القعنبي، ومسلم (¬4) عنه وعن يحيى بن يحيى، بروايتهما عن مالك. وحديث عبد الله بن دينار عن ابن عمر أورده البخاري (¬5) عن أبي الوليد، ومسلم (¬6) عن يحيى بن يحيى وغيره عن إسماعيل بن جعفر عن عبد الله بن دينار. وحديث ابن عباس رواه البخاري (¬7) عن علي بن عبد الله، ومسلم (¬8) عن ابن [أبي] (¬9) عمر بروايتهما عن سفيان، وفي الباب عن جابر وحكيم بن حزام رضي الله عنهما. وقوله: "فلا يبيعه" لفظه الخبر ومعناه النهي، وبعضهم يرويه: "فلا يبعه" على صيغة النهي. واتفق العلماء على أنه لا يجوز لمن اشترى طعامًا أن يبيعه قبل القبض. واختلفوا فيما سوى الطعام: فقال ابن عباس: "كل مبتاع في معناه" وإنما صار إليه لما روي؛ أنه - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع ما لم يقبض (¬10). ¬

_ (¬1) "المسند" ص (189). (¬2) "صحيح البخاري" (2126). (¬3) "سنن أبي داود" (3492). (¬4) "صحيح مسلم" (1526/ 32). (¬5) "صحيح البخاري" (2133). (¬6) "صحيح مسلم" (1526/ 36). (¬7) "صحيح البخاري" (2135). (¬8) "صحيح مسلم" (1525/ 29). (¬9) سقط من "الأصل". (¬10) رواه أبو داود (3499)، وابن حبان (4984)، والحاكم (2/ 46) وصححه، من حديث زيد بن ثابت.

وهو مطلق أو بالقياس على الطعام، وبهذا قال الشافعي ومحمد بن [الحسن] (¬1). وقال أبو حنيفة وأبو يوسف: كل منقول في معنى الطعام، وأما إذا اشترى عقارًا فله بيعه قبل القبض. وقال سعيد بن المسيب والحسن البصري والأوزاعي وأحمد وإسحاق: كل مكيل وموزون في معنى الطعام وما سواهما يجوز بيعه قبل القبض. وقال مالك: يختص الحكم بالطعام وقبض كل شيء على ما يليق به ويعتاد فيه. وإذا اشترى مكايلة أو موازنة فالقبض بأن يفعله بعد الكيل أو الوزن، ولو قبضه جزافًا فهو فاسد، ولو ابتاع طعامًا كيلًا وقبضه ثم باعه من غيره كيلًا لم يجز تسليمه بالكيل الأول، بل يكيله عليه ثانيًا؛ لما روي أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا بعت فكل فإذا ابتعت فاكتل" (¬2). وروي أنه - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع الطعام حتى يجري فيه الصاعان صاع البائع وصاع المشتري (¬3). ¬

_ (¬1) في "الأصل": الحسين. تحريف. (¬2) رواه الدارقطني (3/ 8 رقم 23)، والبيهقي (5/ 315) من حديث عثمان بن عفان. قال الحافظ في "مقدمة الفتح" (1/ 19): حديث حسن. وصححه الألباني في "الإرواء" (5/ 179). (¬3) رواه ابن ماجه (2228) من حديث جابر. قال الحافظ في "الدراية" (790): وفيه ابن أبي ليلى، وكذا ضعفه به صاحب "مصباح الزجاجة" (787). ورواه البزار كما في "المجمع" (4/ 99) من حديث أبي هريرة. وحسنه الحافظ في "الدارية"، وكذا الألباني في "صحيح الجامع" (6935).

الأصل

وكذا لو أسلم في طعام وقبل السلم عن غيره في مثله يقبض بالكيل لنفسه ثم يكيله على من قبل السلم منه، هذا حكم المبيع؛ وأما المسلّم فيه فلا يجوز الاستبدال عنه ولا بيعه من غيره؛ لما روي أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: "من أسلف في شيء فلا يصرفه إلى غيره" (¬1). وجوَّز مالك بيع المسلم فيه من المسلم إليه ومن غيره إلا أن يكون طعامًا، والثمن إن كان معينًا فحكمه حكم البيع، وإن كان في الذمة فالظاهر جواز الاستبدال عنه كدين القرض والإتلاف، وذهب أبو سلمة بن عبد الرحمن وجماعة إلى أنه لا يجوز كبيع المبيع قبل القبض، وقال قوم: يجوز أن يقتضي أحد النقدين عن الآخر، ولا يجوز الإبدال بشيء آخر. الأصل [928] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن عبد الله بن كثير، عن أبي المنهال، عن [ابن] (¬2) عباس قال: قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة وهم يسلفون في التمر السنة والسنتين والثلاث، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من سلف فليسلف في كيل معلوم وززن معلوم وأجل معلوم أو إلى أجل معلوم" (¬3). [929] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا الثقة، عن أيوب، عن ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (3468)، وابن ماجه (2283) من حديث أبي سعيد الخدري. قال الحافظ في "التلخيص" (1203): وفيه عطية بن سعد العوفي وهو ضعيف، وأعله أبو حاتم والبيهقي وعبد الحق وابن القطان بالضعف والاضطراب. قلت: وكذا ضعفه ابن الملقن في "الخلاصة" (1528)، والألباني في "الإرواء" (5/ 215). (¬2) سقط من "الأصل". (¬3) "المسند" ص (190).

الشرح

يوسف بن ماهك، عن حكيم بن حزام قال: نهاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بيع ما ليس عندي (¬1). الشرح الحديث الأول قد مرَّ في الكتاب بإسناده ومتنه (¬2). والحديث الثاني أخرجه أبو عيسى الترمذيّ (¬3) عن قتيبة عن حماد بن زيد عن أيوب، وأبو داود (¬4) عن مسدد عن أبي عوانة عن أبي بشر عن يوسف بن ماهك وقال: قال حكيم: يا رسول الله يأتيني الرجل فيريد مني البيع ليس عندي، فأبتاعه من السوق؟ قال: "لا تبع ما ليس عندك". قال الشافعي وغيره من العلماء: هذا في بيع الأعيان، وأما في السلم فلا بأس بأن لا يكون الموصوف عنده، ويدخل في هذا النهي بيع العبد الآبق والطير المفلت والشيء الضال وبيع المبيع قبل القبض وبيع مال الغير من غير إذنه، فقد روي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أرسل عتاب بن أسيد إلى أهل مكة "أن أبلغهم عني أربع خصال: أنه لا يصلح شرطان في بيع، ولا بيع وسلف، ولا بيع ما لم يملك، ولا ربح ما لم يضمن" (¬5). ¬

_ (¬1) "المسند" ص (190). (¬2) سبق برقم (663). (¬3) "جامع الترمذي" (1233)، وقال: حديث حسن. (¬4) "سنن أبي داود" (3503). (¬5) رواه الترمذي (1234)، والنسائي (7/ 295)، وابن ماجه (2188) مختصرًا، وابن الجارود (601)، والحا كم (2/ 21). قال الترمذي: حديث حسن صحيح، وقال الحاكم: صحيح على شرط جملة من أئمة المسلمين.

الأصل

الأصل [930] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مسلم [عن] (¬1) ابن أبي حسين، عن عطاء وطاوس أحسبه قال: ومجاهد والحسن؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال يوم الفتح: "لا يقتل مؤمن بكافر" (¬2). [931] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن مطرف، عن الشعبي، عن أبي جحيفة قال: سألت عليًّا رضي الله عنه: هل عندكم من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيء سوى القرآن؟ فقال: [لا] (¬3) والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إلا أن يعطي الله تعالى عبدًا فهمًا في كتابه وما في الصحيفة، قلت: وما في الصحيفة؟ قال: العقل وفِكاك الأسير، ولا يقتل مسلم بكافر. وفي موضع آخر: ولا يقتل مؤمن بكافر (¬4). الشرح مطرف: هو ابن طريف الحارثي الكوفي أبو بكر، ويقال: أبو عبد الرحمن. سمع: الشعبي، وأبا السفر، والحكم بن عتيبة. وروى عنه: ابن عيينة، وجرير بن عبد الحميد، والثوري، والزهري [ومحمد بن] (¬5) فضيل، وغيرهم. مات سنة ثلاث وثلاثين ومائة (¬6). ¬

_ (¬1) سقط من "الأصل". والمثبت من "المسند" وكذا "اختلاف الحديث". (¬2) "المسند" ص (190). (¬3) سقط من "الأصل" والمثبت من "المسند". (¬4) "المسند" ص (190). (¬5) سقط من "الأصل". والمثبت من "التخريج". (¬6) انظر "التاريخ الكبير" (7/ ترجمة 1734)، و"الجرح والتعديل" (8/ ترجمة 1448)، و"التهذيب" 28 (/ ترجمة 6000).

والحديث الأول مرسل، لكنه (¬1) من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه، عن جده عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬2)، وذكر الشافعي أنه مستفيض عند أهل المغازي فيما تكلم به النبي - صلى الله عليه وسلم - في خطبته يوم الفتح. والحديث الثاني أخرجه البخاري (¬3) عن صدقة [بن] (¬4) الفضل عن سفيان بن عيينة، ورواه عن مطرف كما رواه سفيان: زهير، وأخرجه البخاري (¬5) من روايته أيضًا، فرواه عن أحمد بن يونس عن زهير. وقوله: "وبرأ النسمة" عن الخليل: أن النسمة الإنسان، والمعنى والذي خلق الإنسان، ويقال أن النسمة تكون بمعنى الروح وتكون بمعنى البدن. وقوله: "إلا أن يعطي الله عبدًا فهمًا في كتابه" قال الإِمام أبو سليمان الخطابي: يعني ما يفهم من فحوى كلامه ويستدرك من باطن معانيه، ويدخل في ذلك جميع وجوه القياس والاستنباط. وقوله: "العقل" أراد به ما تحمله العاقلة من دية القتل خطأ، وذلك لأن ظاهره يخالف الكتاب وهو قوله تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} (¬6) لكنه ثبت ذلك في المسنة وأريد به المعونة وقصد فيه المصلحة. وفكاك الأسير: نوع من البر والمعونة زائد على الحقوق الموظفة ¬

_ (¬1) كتب في "الأصل" كلمة وضرب عليها، والجادة إثبات كلمة: روي. وقد رواه أبو داود (2751) من طريقه. (¬2) رواه أبو داود (2751، 4506)، وابن ماجه (2659)، وابن الجارود (1052، 1073)، وابن خزيمة (2280). وفي "نصب الراية" (4/ 334): قال في "التنقيح": إسناده حسن. وصححه الألباني في "الإرواء" (2208). (¬3) "صحيح البخاري" (6903). (¬4) سقط من "الأصل". (¬5) "صحيح البخاري" (3047). (¬6) الأنعام: 164.

في الأموال. قال: وأما قوله: "ولا يقتل مسلم بكافر" فإنما أدخله في جملة المستثنى عن ظاهر القرآن؛ لأن عمومه حيث قال: {النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} (¬1) يقتضي وجوب القود وإن كان القتيل كافرًا، وعن الحسن عن قيس بن [عباد] (¬2) قال: أتينا عليًّا رضي الله عنه أنا [و] (¬3)، جارية بن قدامة السعدي، فقلنا: هل معك عهد من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فقال: لا، إلا ما في قراب سيفي، فأخرج إلينا منه كتابًا فقرأه فإذا فيه: "المسلمون تتكافأ دماؤهم يسعى بذمتهم أدناهم وهم يد على من سواهم، ألا [لا] (¬4) يقتل مسلم بكافر، ولا ذو عهد في عهده" (¬5). ويمكن أن يكون هذا الكتاب والصحيفة المذكورة في الرواية السابقة شيئًا واحدًا وكان فيها عهود وأحكام حكي بعضها لبعضهم وبعضًا لبعضهم. وقوله: "تتكافأ دماؤهم" أي: في القود والعصمة حتى يقاد الشريف بالوضيع والعالم بالجاهل. وقوله: "وهم يد على من سواهم" أي: في نصرة بعضهم بعضًا. وقوله: "يسعى بذمتهم أدناهم" يعني: أن أدناهم كالعبد والمرأة إذا كان كافرًا وآمنه حرم دمه على المسلمين كافة. وقوله: "لا يقتل مسلم بكافر" يقتضي نفي قتل المسلم بالكافر ¬

_ (¬1) المائدة: 45. (¬2) في "الأصل": عبادة. تحريف، والمثبت من "السنن". (¬3) سقط من "الأصل". والمثبت من "السنن". (¬4) سقط من "الأصل". والمثبت من "السنن". (¬5) رواه أبو داود (4530)، والبيهقي (8/ 29)، واللفظ له.

الأصل

حربيًّا كان أو ذميًّا، وبه قال عمر وعثمان وزيد بن ثابت، ويروى مثله عن علي رضي الله عنهم. وقوله: "ولا ذو عهد في عهده" أي: لا يتعرض له ويوفى له بعهده، وكأنه لما أسقط القود عن المسلم بقتل الكافر أشعر ذلك بتوهين حرمة دمه معقبه ببيان أنه معصوم بعهده، وأنه لا يجوز التعرض له ما دام مقيمًا عليه زجرًا لمن يتسارع إلى قتله وتنبيهًا له. الأصل [932] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا [سفيان] (¬1) عن الزهري، عن حرام بن سعد بن محيصة؛ أن محيصة سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن كسب الحجام فنهاه عنه، فلم يزل يكلمه حتى قال: "أطعمه رقيقك واعلفه ناضحك" (¬2). [933] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن الزهري، عن حرام بن سعد بن محيصة، عن أبيه؛ أنه استأذن النبي - صلى الله عليه وسلم - في إجارة الحجام فنهاه عنها، فلم يزل يسأله ويستأذنه حتى قال: "اعلفه ناضحك ورقيقك" (¬3). [934] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن حميد، عن أنس قال: حجم أبو طيبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأمر له بصاع من تمر وأمر أهله أن يخففوا عنه من خراجه (¬4). [935] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا عبد الوهاب الثقفي، عن حميد، عن أنس؛ أنه قيل له: احتجم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ ¬

_ (¬1) في "الأصل": مالك. وهو سبق نظر، والمثبت من "المسند" و"اختلاف الحديث". (¬2) "المسند" ص (190). (¬3) "المسند" ص (190). (¬4) "المسند" ص (190).

الشرح

فقال: نعم، حجمه أبو طيبة، فأعطاه صاعين وأمر مواليه أن يخففوا عنه من ضريبته، وقال: "أمثل ما تداويتم به الحجامة والقسط البحري لصبيانكم من العذرة، ولا تعذبوهم بالغمز" (¬1). [936] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا عبد الوهاب، عن أيوب، عن ابن سيرين، عن ابن عباس. [937] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، أخبرني إبراهيم بن ميسرة، عن طاوس: احتجم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقال للحجام: "اشكموه" (¬2). الشرح حرام بن سعد بن محيصة: هو الأنصاري الحارثي. روى عنه: الزهري، وقد يقال له: حرام بن ساعدة (¬3). وأبو طيبة (¬4) الحجام ذكر فيمن لا يعرف اسمه من الصحابة، وروى عنه: عبد الله بن عباس، وأنس بن مالك، فعن عبد الوارث عن أنس قال: مرَّ بنا أبو طيبة في شهر رمضان، فقلنا: من أين أقبلت؟ فقال: حجمت النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬5). وحديث محيصة أخرجه أبو داود في "السنن" (¬6) عن القعنبي، عن مالك، عن الزهري، عن ابن محيصة عن أبيه. والرواية الأولى صريحة في أن محيصة هو الذي سأل عنها ¬

_ (¬1) "المسند" ص (191). (¬2) "المسند" ص (191). (¬3) انظر: "التاريخ الكبير" (3/ ترجمة 350)، و"الجرح والتعديل" (3/ ترجمة 1258)، و"التهذيب" (5/ ترجمة 1154). (¬4) انظر: "معرفة الصحابة" (5/ ترجمة 3295)، و"الإصابة" (7/ ترجمة 10166). (¬5) رواه أبو يعلى (4225). (¬6) "سنن أبي داود" (3422).

رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقضية ما روي ثانيًا عن حرام بن سعد بن محيصة عن أبيه أن يكون سعد بن محيصة هو الذي استأذن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه، والثابت الأول، وقد روى يحيى بن بكير، عن الليث، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي عفير الأنصاري، عن محمَّد بن سهل بن أبي حثمة، عن محيصة بن مسعود الأنصاري؛ أنه كان له غلام حجام يقال له: نافع، فانطلق إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسأله عن خراجه، فقال: لا تقربه، فرده على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "اعلف به الناضح واجعله في كرشه" (¬1). وقد يوجد في "نسخ الكتاب" فيما روي ثانيًا: "عن حرام بن محيصة" نسبة له إلى جده. وحديث مالك عن حميد عن أنس أخرجه البخاري (¬2) عن عبد الله بن يوسف عن مالك، والحديث الذي يليه أخرجه الشيخان (¬3) في الكتابين من أوجه عن حميد. وما رواه عبد الوهاب، عن أيوب، عن ابن سيرين، عن ابن عباس منقطع المتن، والمراد منه ما اشتهر عن ابن عباس؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - احتجم وأعطى الحجام أجره، ولو كان خبيثًا لم يعطه (¬4). وهذا رواية البخاري في "الصحيح" (¬5) عن مسدد، عن يزيد بن زريع، عن خالد، عن عكرمة، عن ابن عباس. ¬

_ (¬1) رواه البيهقي (8/ 337) من طريق يحيى، ورواه أحمد (5/ 435) عن حجاج بن محمَّد، عن الليث. (¬2) "صحيح البخاري" (2102). (¬3) رواه البخاري (2280)، ومسلم (1577). (¬4) وكذا رواه الشافعي في "السنن المأثورة" (275). (¬5) "صحيح البخاري" (2279).

ورواية ابن سيرين عن ابن عباس مرسلة. واختلف الناس في كسب الحجام: فقال بعضهم: إنه حرام، لما روي عن رافع بن خديج؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "كسب الحجام خبيث، وثمن الكلب خبيث" (¬1). وقال قوم: إن كان الحجام حرًّا فهو حرام، وإن كان عبدًا صرفه مالك العبد إلى نفقة رقيقه وعلف دوابه؛ لحديث محيصة. وقال الجمهور: هو حلال؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أعطى الحجام أجرة، ولو كان حرامًا لما أعطاه، ولأنه قال: "أطعمه رقيقك واعلفه ناضحك" والحرام لا يجوز التصرف فيه بالإطعام والعلف، وما ورد فيه من النهي فهو على سبيل التنزيه عن الكسب الدنيء والترغيب فيما هو أطيب وأولى من المكاسب، ومن هذا الوجه سماه خبيثًا، وهو كما في قوله تعالى: {وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} (¬2). وقوله: "إن أمثل ما تداويتم به الحجامة" يدل على فضل الحجامة وكثرة فائدتها، ويروى: "إن أمثل ما تداويتم أو خير ما تداويتم به الحجامة". وعاد جابر بن عبد الله بعضهم فقال: لا أبرح حتى تحتجم فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إن فيه شفاءً" (¬3). وعن أبي هريرة؛ أن أبا هند حجم النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "إن كان في شيء مما تتداوون به شفاءً فالحجامة" (¬4). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1568). (¬2) البقرة: (267). (¬3) رواه البخاري (5697)، ومسلم (2205). قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم. وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (1430). (¬4) رواه أبو داود (2102) وابن ماجه (3476) مختصرًا وابن حبان (6078)، والحاكم (4/ 454).

الأصل

والقُسط البحري ويقال له الهندي أيضًا: بخور معروف، وربما قيل: الكسب. والعذرة: وجع الحلق، ويقال: اللهاة. وأراد بالغمز: رفع اللهاة بالإصبع. وقوله: "أشكموه" أي: أعطوه أجره، والشُّكم بالضم: الجزاء. الأصل [938] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مسلم بن خالد، عن ابن جريج، عن ابن أبي مليكة، عن ابن عباس؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "البينة على المدعي" وأحسبه ولا أثبته أنه قال: "واليمين على المدعى عليه" (¬1). [939] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي، عن يحيى بن سعيد، عن بشير بن يسار، عن سهل بن أبي حثمة، أن عبد الله بن سهل ومحيصة بن مسعود خرجا إلى خيبر فتفرقا لحاجتهما، فقتل عبد الله بن سهل فانطلق هو وعبد الرحمن أخو المقتول وحويصة بن مسعود إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكروا له قتل عبد الله بن سهل، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "تحلفون خمسين يمينًا وتستحقون دم قاتلكم أو صاحبكم؟ " فقالوا: يا رسول الله لم نشهد ولم نحضر، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "فتبرئكم يهود بخمسين يمينًا" قالوا: يا رسول الله كيف نقبل أيمان قوم كفار، فزعم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - عقله من عنده. قال بشير بن يسار: قال سهل: لقد ركضتني فريضة من تلك الفرائض في مربدٍ لنا (¬2). ¬

_ (¬1) "المسند" ص (191). (¬2) "المسند" ص (191).

الشرح

الشرح اختلفت الرواة في الحديث الأول عن ابن جريج: فروى ابن وهب وعبد الله بن عطاء عنه عن ابن أبي مليكة عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لو يعطى الناس بدعواهم لادّعى ناس دماء قوم وأموالهم، ولكن اليمين على المدعى عليه" وأخرجه مسلم في "الصحيح" (¬1) هكذا عن أبي الطاهر عن ابن وهب، وروى نحوًا منه عبد الله بن داود عن ابن جريج، وأخرجه البخاري (¬2) من هذا الطريق عن نصر بن علي عن عبد الله بن داود. ورواه عبد الله بن إدريس والوليد بن مسلم عن ابن جريج وقالا: " ... ولكن البينة على المدعي واليمين على من أنكر"، وكذلك رواه عثمان بن الأسود عن ابن أبي مليكة (¬3) نافع بن عمر الجمحي، واختلف الرواة عنه فلم يتعرض أكثرهم للبينة، وكذلك رواه البخاري ومسلم في الكتابين، ورواه الفريابي عن سفيان الثوري عن نافع، وقال: "البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه" (¬4). وإذا تأملت هذه الروايات وجدتها متفقة على ذكر اليمين ومختلفة في ذكر البينة، وقضيته أن يكون ذكر اليمين أولى بالجزم من ذكر البينة على عكس ما في الكتاب، والله أعلم. وحديث بشير عن سهل بن أبي حثمة قد سبق في الكتاب على ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (1711/ 1). (¬2) "صحيح البخاري" (4552). (¬3) كذا في "الأصل". وهنا سقط، وقد رواه نافع عن ابن أبي مليكة، وروايته غير رواية عثمان بن الأسود عن ابن أبي مليكة، وقد رواه البخاري من طريقه (2514). (¬4) رواه البيهقي (10/ 252).

اختصار من الشافعي لغرض قد بيناه، وتمام الحديث ما أورده ها هنا (¬1)، وقد أخرجه مسلم (¬2) من رواية عبد الوهاب، وأيضًا رواه عن قتيبة عن الليث وعن عبيد الله القواريري عن بشر بن المفضل، بروايتهما عن يحيى بن سعيد، وأخرجه البخاري (¬3) عن مسدد عن بشر بن المفضل. وعلى هذِه القصة بناء القسامة على أصل الشافعي رضي الله عنه، وصورتها: أن يوجد قتيل لا يعرف قاتله ويدعي الولي قتله على واحد أو جماعة ويقترن بالواقعة ما يشعر بصدق المدعي، ويقال له: اللوث، فيحلف المدعي خمسين يمينًا، ويخالف سائر الدعاوي حيث لا يبدأ فيها بيمين المدعي، فللشارع أن يخص كما له أن يعم، وكان اللوث حاصلًا في قصة عبد الله بن سهل فإن أهل خيبر كانوا أعداءً للأنصار، ومن أظهر أنواع اللوث أن يوجد قتيل في قرية بينه وبين أهلها عداوة. وساعد مالك وأحمد والشافعي على البداية بيمين المدعي أخذًا بالحديث، وقال أبو حنيفة: لا اعتبار باللوث، ولا يبدأ بيمين المدعي، فإذا وجد قتيل في محلة أو قرية وادعى وليه قتله على رجل أو جماعة اختار الإِمام -ويقال: الولي- خمسين رجلًا من صلحاء تلك البقعة ويحلفون خمسين يمينًا أنهم ما قتلوه ولا عرفوا قاتله، فإذا حلفوا وجبت الدية على عاقلة من بني تلك الخطة، فإن لم يعرف الثاني أو لم تكن له عاقلة أخذت الدية من سكان ذلك الموضع الحالفين وغيرهم في ثلاث سنين، فإن لم يحلفوا حبسوا حتى يحلفوا أو يقروا؛ وفيما ذكره تحليف غير المدعى عليه والحبس لليمين وتغريم من لم تقم عليه حجة، ¬

_ (¬1) سبق برقم (750). (¬2) "صحيح مسلم" (1669/ 1، 2). (¬3) "صحيح البخاري" (3173).

وقد حلفوا على أنه لا شيء عليه. وقال الإِمام أبو سليمان الخطابي: في الحديث دليل على أن المدعى عليهم إذا حلفوا برئوا من الدم، وهو قوله: "فتبرئكم يهود بخمسين يمينًا". وعلى أن الحكم بين المسلم والذمي كالحكم بين المسلمين في الاحتساب باليمين، وعلى أن يمين المشرك مسموعة على المسلم، وقال مالك: لا تسمع أيمانهم على المسلمين كشهاداتهم. قال: وفيه من الفقه: جواز الوكالة في طلب الحدود، وجواز وكالة الحاضر؛ وذلك لأن ولي الدم هو أخو القتيل عبد الرحمن وحويصة ومحيصة ابنا عمه؛ وليس هذا الاحتجاج بواضح. وروى الحديث حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد، وقال: "يقسم خمسون منكم على رجل [منهم] (¬1) " وقال: "فتبرئكم يهود بأيمان خمسين منهم". والاعتماد على رواية الجمع الكثير أول من اتباع رواية الواحد، والوثوق بحفظهم أتم. وحديث سفيان بن عيينة بالحديث (¬2) عن يحيى بن سعيد كما تقدم، قال الشافعي: وربما قال: لا أدري أبدأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالأنصار أم باليهود، فيقال له: إن الناس يحدثون أنه بدأ بالأنصار فيقول: فهو ذلك، وربما حدثه ولم يشك فيه. وحديث ابن عباس "أن اليمين على المدعى عليه" عام، وحديث القسامة خاص، والخاص يقضي على العام، وقد روي من حديث ¬

_ (¬1) في "الأصل": منكم. والمثبت من "صحيح مسلم" (1669). (¬2) كذا!

عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "البينة على من ادعى واليمين على من أنكر إلا في القسامة" (¬1). وقوله: "وتستحقون دم قاتلكم، أو صاحبكم" يشعر ظاهره بتعلق القصاص بالقسامة، وهو قول مالك وأحمد، ويروى ذلك عن ابن الزبير وعمر بن عبد العزيز، وبه قال الشافعي في القديم والجديد من قوله، وبه قال أبو حنيفة وإسحاق بن راهويه. ويروى عن ابن عباس والحسن البصري أنه لا يقاد بالقسامة وإنما تجب بها الدية، وحمل لفظ الدم على الدية؛ لأنها تؤخذ بسبب الدم فجاز أن تسمى دمًا، وقد روي في بعض الروايات "إما أن يدوا صاحبكم وإما أن تؤذنوا بحرب" (¬2). وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: القسامة توجب العقل ولا تشيط الدم (¬3)، وعن مكحول مرسلًا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يقض في القسامة بالقود. ولما لم يحلف الأنصار ولا رضوا بأيمان اليهود لم يحب النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يهدر دم القتيل فوداه من عنده للإصلاح بينهم. وقوله: "فركضتني منها فريضة" أي: ناقة، سميت بذلك لأنها ¬

_ (¬1) رواه الدارقطني (3/ 111 رقم 99)، والبيهقي (8/ 123) من طريق مسلم بن خالد، عن ابن جريج، عنه. قال الحافظ في "التلخيص" (1721): قال ابن عبد البر: إسناده لين، وقد رواه عبد الرزاق عن ابن جريج عن عمرو مرسلًا وعبد الرزاق أحفظ من مسلم وأوثق، ورواه ابن عدي والدارقطني من حديث أبي هريرة وهو ضعيف أيضًا، وقال البخاري: لم يسمع ابن جريج من عمرو بن شعيب؛ فهذِه علة أخرى. (¬2) هو في رواية مسلم (1669/ 6). (¬3) رواه عبد الرزاق (10/ 41)، وابن أبي شيبة (5/ 443)، والبيهقي (8/ 129).

الأصل

مقدرات أو لأنها ألزمت وأوجبت، وهو كما روي: أن في كل أنملة ثلاث فرائض وثلث فريضة (¬1). وقوله: "من مربد لنا" المربد: الموضع الذي تحبس فيه الإبل والغنم، وأيضًا الموضع الذي يوضع فيه التمر إذا جدّ لييبس، والكلمة من الإقامة، يقال: ربد بالمكان وتربد إذا أقام به. الأصل [940] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مسلم وعبد المجيد، عن ابن جريج، عن ابن طاوس، عن أبيه؛ أن أبا الصهباء قال لابن عباس رضي الله عنه: إنما كانت الثلاث على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تجعل واحدة وأبي بكر، وثلاث من إمارة عمر، فقال ابن عباس: نعم (¬2). [941] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مسلم وعبد المجيد، عن ابن جريج قال: [عن مجاهد قال: قال رجل لابن عباس] (¬3) طلقت امرأتي مائة، قال: تأخذ ثلاثًا وتدع سبعًا وتسعين (¬4). [942] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، عن مسلم وعبد المجيد، عن ابن جريج قال: أخبرني عكرمة بن خالد، أن سعيد بن جبير أخبره؛ أن رجلًا جاء إلى ابن عباس، فقال: طلقت امرأتي ألفًا، قال: تأخذ ثلاثًا وتدع تسعمائة وسبعًا وتسعين (¬5). ¬

_ (¬1) رواه مالك (2/ 860) عن سعيد بن المسيب. (¬2) "المسند" ص (192). (¬3) في "الأصل": أخبرني عكرمة بن خالد أن سعيد بن جبير أخبره أن رجلًا جاء إلى ابن عباس. وهو سبق نظر من التالي. والمثبت من "المسند" وكذا اختلاف الحديث ص (257). (¬4) "المسند" ص (192). (¬5) هذا الأثر ساقط من "المسند" وهو في "اختلاف الحديث" ص (256).

الشرح

[943] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه قال: كان الرجل إذا طلق امرأته ثم ارتجعها قبل أن تنقضي عدتها كان ذلك له، وإن طلقها ألف مرة فعمد رجل إلى امرأة له فطلقها ثم أمهلها حتى إذا شارفت انقضاء عدتها ارتجعها ثم طلقها وقال: والله لا آويك إلي ولا تحلين أبدًا؛ فأنزل الله تعالى {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} فاستقبل الناس الطلاق جديدًا من يومئذٍ من كان منهم طلق أو لم يطلق (¬1). الشرح أبو الصهباء هو صهيب رجل من أهل البصرة. سمع: عليًّا، وابن مسعود، وابن عباس. وروى عنه: سعيد بن جبير، وطاوس، ويحيى بن الجزار. وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم: أبو الصهباء صهيب الذي يروي عن ابن عباس لا أدري أهو الذي يحدث عن ابن مسعود أم لا (¬2)؟ وعكرمة (¬3): هو ابن خالد بن العاص بن هشام بن المغيرة بن عبد الله بن [عمر] (¬4) بن مخزوم المخزومي القرشي. سمع: ابن عمر، وسعيد بن جبير. وسمع منه: حنظلة بن أبي سفيان، وابن جريج، وروى عنه: ابن طاوس. ¬

_ (¬1) "المسند" ص (192). (¬2) انظر "التاريخ الكبير" (4/ ترجمة 2964)، و"الجرح والتعديل" (4/ ترجمة 1951)، و"التهذيب" (13/ ترجمة 2906). (¬3) في "الأصل": عمرو. والمثبت من "التخريج". (¬4) انظر "التاريخ الكبير" (7/ ترجمة 221)، و"الجرح والتعديل" (7/ ترجمة 34)، و"التهذيب" (20/ ترجمة 4004).

مات بعد عطاء ومات عطاء سنة خمس عشرة أو أربع عشرة ومائة (¬1). وحديث أبي الصهباء صحيح، رواه مسلم (¬2) عن محمَّد بن رافع، وأبو داود عن أحمد بن صالح بروايتهما عن عبد الرزاق عن ابن جريج، عن ابن طاوس. وظاهر الحديث يخالف قول الجمهور واختلف في وجهه، فقال أبو سليمان الخطابي: ذهب بعضهم إلى أن الأمر كان على ذلك في الصدر الأول ثم نسخ، قال: وهذا لا وجه له؛ لأن النسخ إنما يكون في زمان النبي - صلى الله عليه وسلم - لا في زمان عمر وقد استقرت الأحكام وانقطع الوحي، ووراءه وجوه من التأويل: أحدها: حمله على طلاق البتة؛ وذلك أنهم اختلفوا فيمن قال لامرأته: أنت طالق البتة، فمنهم من قال: هي طلقة واحدة وبه قال الشافعي، ويدل عليه حديث ركانة وقد تقدم في الكتاب، وعن علي رضي الله عنه أنه يقع الثلاث، ويروى هذا عن ابن عمر وسعيد بن المسيب وعروة وعمر بن عبد العزيز والزهري، وكان عمر رضي الله عنه [يرى] (¬3) وقوع (¬4) واحد بها ولكنه رأى الناس يتتابعون فيها فألزمهم الثلاث، وهذا كما أن شارب الخمر كان حدّه أربعين فلما رأى عمر رضي الله عنه استحقارهم عقوبتها بلغها عقوبة المفتري وهي ثمانون جلدة. والثاني: عن أبي زرعة الرازي أنه قال: معنى هذا الحديث عندي ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (1472/ 16). (¬2) "سنن أبي داود" (2200). (¬3) في "الأصل": يروي. خطأ. (¬4) زاد في "الأصل": بها. خطأ.

أن ما تطلقون أنتم ثلاثًا كانوا يطلقون واحدة في زمان النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما (¬1). وهذا لأن الجمع بين الثلاث مكروه أو محرم، فكأن المراد أنهم كانوا يقتصرون على طلقة واحدة وأنتم لا تبالون بالمكروه أو المحرم فتطلقون ثلاثًا. والثالث: عن أبي العباس ابن سريج (¬2) حمله على ما إذا قال: أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق، كانوا في العصر الأول يحلفون على إرادة التوكيد ولا يوقعون إلا طلقة واحدة، ثم إن عمر رضي الله عنه رأى في زمانه أمورًا ظهرت وأقوالًا تغيرت فلم يعتمد قولهم وألزمهم الثلاث. والرابع: حمله على ما إذا لم تكن المرأة مدخولًا بها، وقد ذهب جماعة إلى أن الرجل إذا طلق امرأته التي لم يدخل بها ثلاثًا لم تقع إلا طلقة واحدة، وفي الجماعة: سعيد بن جبير وطاوس وأبو الشعثاء وعمرو بن دينار، فيستمر التأويل على مذهبهم والجمهور حكموا بوقوع الثلاث إذا جمع بينها، ونزلوا الحديث على ما إذا قال: أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق، فإنها تبنى بالأول ويلغو ما بعده من الألفاظ، واحتج الشافعي رضي الله عنه على أن ظاهر الحديث متروك بأن راويه وهو ابن عباس قد اشتهر منه الفتوى بوقوع الثلاث مجموعة والظاهر أن الراوي لا يخالف ما رواه، فمن ذلك ما رواه عن مجاهد وسعيد بن ¬

_ (¬1) رواه البيهقي عنه (7/ 338). (¬2) هو أحمد بن عمر بن سريح القاضي أبو العباس البغدادي، حامل لواء الشافعية في زمانه. انظر "طبقات الشافعية" لابن قاضي شهبة (898).

جبير عن ابن عباس، وعن عطاء بن أبي رباح أن رجلًا قال لابن عباس: طلقت امرأتي مائة، قال: تأخذ ثلاثًا وتدع سبعًا وتسعين. وعن عمرو بن دينار أن ابن عباس سئل عن رجل طلق امرأته عدد النجوم، فقال: يكفيك رأس الجوزاء (¬1). ومما يدل على أن الثلاث ليست كالواحدة حديث هشام بن عروة عن أبيه في سبب نزول قوله تعالى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ} (¬2). أي: الطلاق الذي يملك فيه الرجعة ثنتان، فإن طلقها ثالثة فلا تحل له حتى تنكح زوجًا غيره. وقوله: "فلا تحلين أبدًا" يعني: للأزواج. والحديث في الرواية المذكورة موقوف على عروة، وروى يعلى بن شبيب المكي، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة قالت: كان الرجل يطلق امرأته ما شاء أن يطلقها ويرجع وإن طلقها مائة أو أكثر، فأنزل الله تعالى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ} فاستأنف الناس الطلاق، من شاء طلق ومن شاء لم يطلق (¬3). والمعنى أنهم عرفوا أن الطلاق الثلاث قاطعة للرجعة، فمن أراد الإبانة طلق ثلاثًا، ومن لا فلا. وقول عروة: "فاستقبل الناس الطلاق جديدًا" يرجع إلى هذا ¬

_ (¬1) رواه ابن أبي شيبة (4/ 63)، والبيهقي (7/ 337). (¬2) البقرة: (229). (¬3) رواه الترمذي (1192)، والحاكم (2/ 307)، والبيهقي (7/ 333)، واللفظ له. قال الترمذي: حدثنا أبو كريب .. فرواه موقوفًا على عروة، ثم قال: وهذا أصح من حديث يعلى بن شبيب. وضعفه الألباني في "ضعيف الترمذي".

الأصل

المعنى، أي: استأنفوا حكم الطلاق لما عرفوا انحصار تجدده، فمن طلق ثلاثًا لم يرجع بعده ولم يطلق وأراد الرجعة إذا طلق لم يستوعب العدد. الأصل [944] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا [سفيان] (¬1) عن الزهري، عن عروة، عن عائشة؛ أنه سمعها تقول: جاءت امرأة رفاعة القرظي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت: إني كنت عند رفاعة فطلقني فبت طلاقي، فتزوجت بعده عبد الرحمن بن الزبير وإنما معه مثل هدبة الثوب، فتبسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال: "تريدين أن ترجعي إلى رفاعة، لا حتى يذوق عسيلتك وتذوقي عسيلته" وأبو بكر رضي الله عنه عند النبي - صلى الله عليه وسلم - وخالد بن سعيد بن العاص بالباب ينتظر أن يؤذن له، فنادى: "يا أبا بكر، ألا تسمع ما تجهر به هذِه عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم -" (¬2). الشرح امرأة رفاعة هي تميمة بنت أبي عبيد القرظية، كذلك سماها قتادة، وقيل: هي سهيمة بنت وهب بن عبيد (¬3). ورفاعة: هو ابن السموءل من بني قريظة معدود في الصحابة. روت عنه: عائشة. وروى [عنه] (¬4) أيضًا عبد الرحمن بن الزبير، وابنه علي بن ¬

_ (¬1) في "الأصل": مالك. سبق نظر، والمثبت من "المسند". (¬2) "المسند" ص (192). (¬3) انظر "معرفة الصحابة" (6/ ترجمة 3807)، و"الإصابة" (7/ ترجمة 10955). (¬4) في "الأصل": عنها. خطأ.

رفاعة (¬1). وعبد الرحمن: هو ابن الزبير -بفتح الزاي- بن زيد بن أمية بن زيد بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس. أحد أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -. وروى عنه: ابنه الزبير-بضم الزاي- ويقال: هو عبد الرحمن بن الزبير بن باطاء من بني قريظة، كان الزبير يهوديًّا وأسلم ابنه عبد الرحمن (¬2). وخالد: هو ابن أبي أحيحة سعيد بن العاص الأموي القرشي، متقدم الإِسلام، هاجر مع أخيه عمرو إلى أرض الحبشة ومعه امرأته أميمة الخزاعية، وولدت له بالحبشة سعيد بن خالد، وأمة بنت (¬3)، وقيل في خلافة عمر رضي الله عنه بأرض الشام وهو ابن خمسين سنة (¬4). والحديث صحيح مشهور، أخرجه البخاري (¬5) عن أبي اليمان عن شعيب (¬6) ومسلم عن عمرو الناقد عن سفيان، بروايتهما عن الزهري. وقولها: فبت طلاقي أي: قطع الوصلة بالكلية واستوعب الثلاث. ¬

_ (¬1) انظر "معرفة الصحابة" (2/ ترجمة 935)، و"الإصابة" (2/ ترجمة 2671). (¬2) انظر "معرفة الصحابة" (4/ ترجمة 1857)، و"الصحابة" (4/ ترجمة 5125). (¬3) كذا في "الأصل" وهنا سقط. وأمة هي أم خالد بنت حباب الثقفية من السابقين الأولين، قال ابن حجر قيل استشهد يوم مرج الصفر، وقيل يوم أجنادين. (¬4) انظر "معرفة الصحابة" (4/ ترجمة 1857)، "والإصابة" (4/ ترجمة 5125). (¬5) "صحيح البخاري" (2639). (¬6) "صحيح مسلم" (1433/ 111).

الأصل

وقوله: "إنما معه مثل هُدْبة الثوب" أي: لا يقوى على الجماع، ومثلت ذكره في ضعفه واسترساله بهُدْبة الثوب. والعسيلة: تصغير العسل، وقد قيل أن العسل يذكر ويؤنث، وقيل: أنث على معنى النطفة، وقيل: على معنى اللذة، وقيل: على معنى القطعة من العسل. والحديث يدل على أن المطلقة ثلاثًا لا تحل للزوج الأول حتى يصيبها الثاني في نكاحه ثم يفارقها، واحتج ابن المنذر بالحديث على أنه [إذا] (¬1) وطئها الثاني وهي نائمة أو مغمى عليها لم يكف؛ لأنها لم تحس باللذة، وفيه أنهم كانوا يدخلون على النبي - صلى الله عليه وسلم - بالإذن، وأن الإذن للبعض لا يكون إذنًا للكل. [وقوله لخالد (¬2)]: "ألا تسمع ما تجهر به هذه" يجوز أن يكون استنكارًا لما ذكرته عند النبي - صلى الله عليه وسلم - ورأى الأحسن أن تستفتي بواسطة، ويجوز أن يكون الذي استنكره الجهر بالكلمة حتى بلغته وهو بالباب وربما قصد أن يعرف حضوره وانتظاره. ويؤكد الحديث ما في "الصحيح" (¬3) عن القاسم، عن عائشة أن رجلًا طلق ثلاثًا فتزوجت فطلق -يعني الثاني- فسئل النبي - صلى الله عليه وسلم - أتحل للأول؟ قال: "لا، حتى يذوق [عسيلتها] (¬4) كما ذاق الأول". الأصل [945] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا عبد المجيد بن عبد العزيز، ¬

_ (¬1) ليست في "الأصل". والسياق يقتضيها. (¬2) في "الأصل": وقول خالد. والمثبت الصواب إن شاء الله. (¬3) رواه البخاري (5261)، ومسلم (1433/ 115). (¬4) في "الأصل": عسلها. والمثبت من "الصحيح".

الشرح

عن ابن جريج، أخبرني أبو الزبير أنه سمع عبد الله بن أيمن يسأل ابن عمر وأبو الزبير يسمع: كيف ترى في رجل طلق امرأته حائضًا؟ فقال: طلق عبد الله بن عمر امرأته وهي حائض على عهد رسول الله، فسأل عمر رضي الله عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مره فليراجعها" فردها علي ولم يرها شيئًا، وقال: "إذا طهرت فليطلق أو ليمسك" (¬1). [946] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن نافع، عن ابن عمر؛ أنه طلق امرأته وهي حائض في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - فسأل عمر رضي الله عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مره فليراجعها ثم ليمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر، ثم إن شاء أمسك وإن شاء طلق قبل أن يمس، فتلك العدة التي أمر الله تعالى أن يطلق لها النساء" (¬2). [947] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مسلم، عن ابن جريج؛ أنهم أرسلوا إلى نافع يسألونه: هل حسبت تطليق ابن عمر على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: نعم (¬3). الشرح عبد الله بن أيمن كذا يوجد في نسخ "المسند" وكذلك رأيته في كتاب [اختلاف] (¬4) الحديث والرجل: عبد الرحمن بن أيمن المخزومي المكي مولى عزة. ¬

_ (¬1) "المسند" (ص 193). (¬2) "المسند" (ص 193). (¬3) "المسند" (ص 193). (¬4) سقط من "الأصل" وهو فيه (ص260).

سمع:. ابن عمر، ورأى أبا سعيد. وروى عنه: هشان بن يحيى، وعمرو بن دينار، وأثنى عليه ابن عيينة (¬1). وحديث أبي الزبير رواه مسلم في "الصحيح" (¬2) عن هارون بن عبد الله عن حجاج بن محمَّد عن ابن جريج، وأبو داود (¬3) عن أحمد بن صالح، عن عبد الرازق، عن ابن جريج. وحديث مالك عن نافع، رواه البخاري (¬4) عن إسماعيل عن أبي يونس، ومسلم (¬5) عن يحيى بن يحيى، وأبو داود (¬6) عن القعنبي، بروايتهم عن مالك، ورواه عن (¬7) نافع كما رواه مالك: عبيد الله بن عمر والليث بن سعد، ورواه الليث أيضًا عن [عقيل] (¬8) عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه، ورواه عن ابن عمر: عبد الله بن دينار، كما رواه نافع ومسلم. ولهذه القصة قال العلماء: الطلاق في حال الحيض إذا كانت ممن تعتد بالأقراء طلاق بدعة، ويستحب له أن يراجعها، وقال مالك: يجب أن يراجعها. ثم إذا راجعها وأراد أن يطلق فالمستحب أن يصبر حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر، ولا يطلقها في الطهر الأول لئلا تكون الرجعة للطلاق، كما أنه يكره أن يكون النكاح للطلاق، وقيل: لا بأس ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (5/ ترجمة 824)، "والجرح والتعديل" (5/ ترجمة 994)، "والتهذيب" (16/ ترجمة 3761). (¬2) "صحيح مسلم" (1471/ 14). (¬3) "سنن أبي داود" (2185). (¬4) "صحيح البخاري" (5251). (¬5) "صحيح مسلم" (1471/ 1). (¬6) "سنن أبي داود" (2179). (¬7) زاد في "الأصل": مالك. خطأ. (¬8) في "الأصل": عقل. خطأ.

بالطلاق في الطهر الأول، وقد روى يونس بن جبير وأنس بن سيرين عن ابن عمر، ولم يقولا: "ثم تحيض ثم تطهر". وقوله: "وإن شاء طلق قبل أن يمس" يدل على أن الطلاق في طهر جامعها فيه طلاق بدعة أيضًا. وقوله: "مره فليراجعها" يدل على وقوع الطلاق وإن كان بدعيًّا، وإلا لما كان للمراجعة معنا، وفي "الصحيح" من رواية محمَّد بن سيرين عن يونس بن جبير قال: سألت ابن عمر، قلت: رجل طلق امرأته وهي حائض؟ فقال: أتعرف عبد الله بن عمر؟ قلت: نعم، قال: فإن عبد الله بن عمر طلق امرأته وهي حائض، فأتى عمر رضي الله عنه فسأله فأمره أن يراجعها ثم يطلقها في قبل عدتها، قال: فقلت: فتعتد بتلك التطليقة؟ قال: فمه أرأيت إن عجز واستحمق (¬1). والمعنى أرأيت إن عجز وفعل فعل الحمقى أيسقط الطلاق عجزه أو حمقه فحذف الجواب. وقوله في رواية [أبي] (¬2) الزبير: "فردها علي ولم يرها شيئًا" تكلم الشافعي عليه من وجهين: أحدهما: أن نافعًا أثبت عن ابن عمر من أبي الزبير، والأثبت من الحديثين أولى أن يقال به، كيف وقد وافق نافعًا غيرُه من الأثبات، وقال أبو داود السجستاني: جاءت الأحاديث كلها بخلاف [ما] (¬3) رواه أبو الزبير. ¬

_ (¬1) رواه البخاري (5333)، ومسلم (1471/ 9). (¬2) في "الأصل": ابن. خطأ. (¬3) سقط من "الأصل". والمثبت من "السنن" (2185).

الأصل

والثاني: أنه يجوز أن يكون المعنى أنه لم يره شيئًا باتًّا يمنع من الرجعة، أو لم يره شيئًا جائزًا في السنة مختارًا، وقد قال لغير الصواب: هذا ليس بشيء. وقوله: "فردها علي" يحتمل أن يريد أنه رد المسألة ولم يستحسنها، واحتج بقوله: "فتلك العدة التي أمر الله تعالى أن يطلق لها النساء" على أن الأقراء التي يعتد بها هي الأطهار؛ وذلك لأنه - صلى الله عليه وسلم - بين أن وقت الطلاق وهو زمان الطهر، ثم قال "فتلك العدة التي أمر الله تعالى أن يطلق لها النساء" أي: فيها، وأراد به قوله تعالى: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} (¬1) أي: في وقت عدتهن. الأصل [948] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن نافع، عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من أعتق شركًا له في عبد فكان له مال يبلغ ثمن العبد، قوم عليه قيمة العدل فأعطي شركاؤه حصصهم وعتق عليه العبد، وإلا فقد عتق منه ما عتق" (¬2). [949] أبنا الربيع، أبنا الشافعي [أخبرنا سفيان] (¬3)، عن عمرو بن دينار، عن سالم بن عبد الله، عن أبيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "أيما عبد كان بين اثنين فأعتق أحدهما نصيبه، فإن كان موسرًا فإنه يقوم عليه بأعلى القيمة أو قيمة عدل ليست بوكس ولا شطط، ثم يغرم لهذا حصته" (¬4). ¬

_ (¬1) الطلاق: 1. (¬2) "المسند" (ص 194). (¬3) سقط من "الأصل". والمثبت من "المسند". (¬4) "المسند" (ص 194).

الشرح

الشرح حديث مالك عن نافع أخرجه البخاري (¬1) عن عبد الله بن يوسف، ومسلم (¬2) عن يحيى بن يحيى، وأبو داود (¬3) عن القعنبي، وابن ماجه (¬4) عن يحيى بن حكيم عن عثمان بن عمر، بروايتهم عن مالك، ورواه عن نافع كما رواه مالك: الليث [بن] (¬5) سعد وإسماعيل بن أمية وأسامة بن زيد وموسى بن عقبة وابن أبي ذئب. وحديث سالم عن أبيه رواه البخاري (¬6) عن علي بن عبد الله عن سفيان. ومن أعتق بعض عبده عتق كله، روي عن [قتاده] (¬7) عن أبي المليح أن رجلًا من قومه أعتق ثلث غلامه، فرفع ذلك إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "هو حر كله ليس لله شريك" (¬8). وإن كان العبد مشتركًا بين اثنين فأعتق أحدهما نصيبه نظر إن كان موسرًا بقيمة نصيب الشريك قوم عليه نصيبه تكميلًا للعتق فيه، وإن كان معسرًا اقتصر العتق على نصيبه لحديث ابن عمر رضي الله عنه، ومتى يعتق نصيب الشريك إذا كان المعتق موسرًا؟ أظهر أقوال (¬9) رضي الله عنه: أنه يعتق في الحال، ويدل عليه ما روى أيوب عن نافع عن ابن ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (2522). (¬2) "صحيح مسلم" (1501/ 1). (¬3) "سنن أبي داود" (3940). (¬4) "سنن ابن ماجه" (2528). (¬5) في "الأصل": و. خطأ. (¬6) "صحيح البخاري" (2521)، وكذا رواه مسلم (1501/ 50). (¬7) في "الأصل": أبي قتادة. خطأ، والمثبت من "التخريج". (¬8) رواه أحمد عن أبي المليح، عن أبيه (5/ 75)، والبيهقي (10/ 274) عنه. قال ابن الملقن في "الخلاصة" (2061): إسناده على شرط الصحيح. (¬9) كذا في "الأصل". ولعله سقط: الشافعي، وانظر "المهذب" (2/ 3).

عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من أعتق نصيبًا له في مملوك أو شركًا من عبد فكان له من المال ما يبلغ قيمة بقية العبد فقد عتق" ويروى "فهو عتيق" (¬1) وفي "الصحيحين" من رواية ابن أبي ذئب عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من أعتق شقصًا له في مملوك فكان للذي يعتق منهما نصيبه مبلغ ثمنه فقد عتق كله" (¬2). والقول الثاني: أنه يعتق بدفع القيمة إلى الشريك، ويدل عليه ما روي عن عمرو بن سعيد عن نافع عن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أيما رجل كان له نصيب في عبد فأعتق نصيبه فعليه أن يكمل عتقه بقيمة عدل" (¬3). وعن ليث عن طاوس عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من أعتق شركًا في مملوك له فقد ضمن عتقه، يقوم العبد ثم يعتق" (¬4). والقول الثالث: أنه يبين بدفع القيمة حصول العتق من وقت إعتاقه نصيبه. وقوله: "وإلا فقد عتق منه ما عتق" يدل على اقتصار العتق على نصيب المعتق إذا كان معسرًا، وزيد في بعض الروايات: "ورقَّ منه ما رقّ". وما روي عن أيوب أنه لما روى الحديث عن نافع قال في آخره: قال نافع: وإلا فقد عتق منه ما عتق، ولا أدري أهو شيء قاله نافع، أو هو في الحديث؟ ¬

_ (¬1) رواه البيهقي (10/ 276). (¬2) رواه البخاري (2525)، ومسلم (1501). (¬3) رواه البيهقي (10/ 277). (¬4) رواه الدارقطني (4/ 129 رقم 14)، والبيهقي (10/ 277).

وروي عنه أنه قال: ربما قال نافع: "وإلا فقد عتق منه ما عتق" وربما لم يقله، وأكثر ظني أنه شيء كان يقوله نافع برأيه، فإن [شكًّا] (¬1) وقع لأيوب في الكلمة، ولا يقدح ذلك في رواية من رواه في الحديث بلا شك، وقد رواه مالك وهو أحوط من أيوب عند علماء الحديث، وقد وافقه على رواية الكلمة: عبيد الله بن عمر وجرير بن حازم وغيرهما. وقال أبو حنيفة: لا سراية ولا تقويم، ولكن إن كان الشريك المعتق موسرًا فيتخير الشريك الآخر بين ثلاثة أمور: أن يعتق نصيب نفسه، وأن يستسعي العبد حتى يؤدي قيمة نصيبه، وعلى التقديرين يكون ولاء العبد بينهما، وأن يضمن المعتق قيمة نصيبه. ثم المعتق يستسعي العبد لما غرم، فإذا أداه عتق وكان جميع الولاء له، وإن كان معسرًا لم يضمنه الشريك ويخير بين الأمرين الأولين، واحتج للاستسعاء بما في "الصحيحين". من رواية سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن النضر بن أنس، عن بشير بن نهيك، عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من كان له شرك في مملوك فعليه خلاصه في ماله إن كان له مال، وإن لم يكن له مال استسعى العبد في الثمن رقبة غير مشقوق عليه" (¬2) ومن رواية جرير بن حازم عن قتادة بالإسناد المذكور أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من أعتق شقصًا له في مملوك فكان له من المال ما يبلغ قيمته أعتق من ماله، فإن لم يكن له مال استسعى العبد غير مشقوق عليه" (¬3). ¬

_ (¬1) في "الأصل": شك. والمثبت الصوابط (¬2) رواه البخاري (24921)، ومسلم (1503/ 3)، والبيهقي (10/ 280) واللفظ له. (¬3) رواه البخاري (2502)، ومسلم (1503/ 4).

الأصل

وذكر في الحديث وجوه من الكلام منها: أن شعبة بن الحجاج وهشامًا الدستوائي رويا هذا الحديث عن قتادة ولم يذكرا فيه الاستسعاء وهما أحفظ، ورواه همام عن قتادة بإسناده عن أبي هريرة قال: أن رجلًا أعتق شقصًا له في مملوك فغرمه النبي - صلى الله عليه وسلم - ثمنه. قال همام: فكان قتادة يقول: إن لم يكن له مال استسعى. وقد ذكر أبو بكر ابن المنذر وغيره أن الاستسعاء من قول قتادة لا من متن الحديث ومنها يرجح حديث ابن عمر بقوة الرواية، روي عن محمَّد بن إسحاق الثقفي قال: سألت محمَّد بن إسماعيل البخاري عن أصح الأسانيد فقال: مالك عن نافع عن ابن عمر. ومنها: الحمل على ما إذا رغب العبد فيه، وقد يشعر به قوله: "غير مشقوق عليه" فإن في إجباره على السعاية مع إبائه مشقة عظيمة، وقد يقال: الحديث يقتضي تخصيص الاستسعاء. وقوله: "بأعلى القيمة" تقرأ بالعين والغين وهما متقاربان، وفي حديث الرقاب "أعلاها ثمنًا" تروى بالعين والغين، وقد يستدل به بوجوب أقصى القيمة من يوم الإعتاق إلى يوم الموت على قولنا أن العين لا تحصل في الحال، ويشبه أن يريد بأعلى القيمة: القيمة التي هي عدل، ألا تراه قال: "بأعلى القيمة أو قيمة عدل ليست بوكس ولا شطط" أي: ليس فيها نقصان ولا زيادة. الأصل [950] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا عبد المجيد، عن ابن جريج، أخبرني قيس بن سعد أنه سمع مكحولًا يقول: سمعت ابن المسيب يقول:

الشرح

أعتقت امرأة أو رجل ستة أعبد لها ولم يكن لها مال غيره، فأتي النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك فأقرع بينهم فأعتق ثلثهم. قال الشافعي: كان ذلك في مرض المعتق الذي مات فيه (¬1). [951] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا عبد الوهاب، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن أبي المهلب، عن عمران بن حصين أن رجلًا من الأنصار أوصى عند موته فأعتق ستة مماليك وليس له مال غيرهم، أو قال: أعتق عند موته ستة مماليك له وليس له شيء غيرهم، فبلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال فيه قولًا شديدًا، ثم دعاهم فجزأهم ثلاثة أجزاء فأقرع بينهم فأعتق اثنين وأرق أربعة (¬2). الشرح حديث سعيد بن المسيب مرسل معتضد بالحديث المسند على إثره، وقد روى مقصوده عطاء الخراساني عن سعيد بن المسيب وأيوب عن محمَّد بن سيرين، عن عمران بن حصين، فلعله ما أرسله سعيد في رواية الكتاب اعتمد فيه على ما أسنده في غير هذِه الرواية. وحديث أبي المهلب عن عمران رواه مسلم في "الصحيح" (¬3) عن إسحاق بن إبراهيم وابن أبي عمر عن عبد الوهاب، واللفظ: أن رجلًا من الأنصار أوصى عند موته فأعتق ستة مملوكين له ليس له شيء غيرهم، ويذكر أن عبد الوهاب كان يشك في اللفظتين المذكورتين في رواية الكتاب، ورواه إسماعيل بن علية عن أيوب فقال: أن رجلًا أعتق ستة مملوكين عند موته لم يكن له مال غيرهم وهكذا رواه الشافعي في ¬

_ (¬1) "المسند" (ص 194). (¬2) "المسند" (ص 194). (¬3) "صحيح مسلم" (1668/ 57).

"القديم" عن إسماعيل، ورواه مسلم في "الصحيح" (¬1) عن علي بن [حجر] (¬2) عن إسماعيل، [ورواية] (¬3) حماد بن زيد عن أيوب كذلك، وروى الحديث عن عمران بن حصين: محمَّد بن سيرين والحسن البصري أيضًا. وفي الباب عن أبي هريرة. ومن روى أنه أوصى عند موته فأعتق ستة مملوكين كأنه أراد أنه أوصى بإعتاقهم أو أوصى بأمور وأعتق المملوكين، وكأن ذلك في مرض الموت يعتبر من الثلث فلما لم يكن للمعتق مال غيرهم رد العتق إلى الثلث ولم يحكم بعتق الثلث من كل واحد منهم، بل أقرع تحرزًا عن تبعض الرق في كل واحد منهم، وكانوا متساوين في القيمة فأعتق اثنين وأرقّ أربعة وهذا إذا وقع إعتاقهم معًا بأن قال: هؤلاء أحرار، أو أعتقهم أو وكّل بإعتاق كل واحد وكيلًا فتلفظوا بالإعتاق معًا، فأما إذا أعتق على الترتيب فنفذ الأول فالأول إلا [أن] (¬4) يتم الثلث. وعند أبي حنيفة: لا قرعة بل يعتق من كل واحد ثلثه ويستسعى في الباقي، والحديث حجة عليه، ويروى الإقراع في العتق عن أبان بن (عون) (¬5) وخارجة بن زيد بن ثابت وعمر بن عبد العزيز. ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (1668/ 56). (¬2) تحرف في "الأصل". والمثبت من "صحيح مسلم". (¬3) في "الأصل": برواية. والمثبت الصواب إن شاء الله. وقد خرج مسلم روايته أيضًا، وقال: بمثل رواية ابن علية. (¬4) ليست في "الأصل". والسياق يقتضيها. (¬5) كذا في "الأصل"! ولعل الصواب: أبان بن عثمان، فلم أجد ذكرًا للمذكور. والله أعلم.

الأصل

وقوله: "قال فيه قولًا شديدًا" أي: في إعتاق الكل، وهو كإنكاره على الوصية بما زاد على الثلث. الأصل [952] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك بن أنس، عن ابن شهاب، عن ابن المسيب وأبي سلمة، عن أبي هريرة [أن] (¬1) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "العجماء جرحها جبار" (¬2). [953] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك بن أنس، عن ابن شهاب، عن حرام بن سعد بن محيصة أن ناقة للبراء بن عازب دخلت حائطًا لقوم فأفسدت فيه، فقضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أهل الأموال حفظها بالنهار، وما أفسدت المواشي بالليل فهو ضامن على أهلها (¬3). [954] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا أيوب بن سويد، أبنا الأوزاعي، عن الزهري، عن حرام بن محيصة، عن البراء بن عازب أن ناقة للبراء بن عازب دخلت حائط رجل من الأنصار فأفسدت فيه، فقضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أهل الحوائط حفظها بالنهار وعلى أهل الماشية ما أفسدت ماشيتهم بالليل (¬4). الشرح أيوب بن سويد: هو الرملي أبو مسعود الحميري السيباني. روى عن: يحيى بن أبي عمرو، والأوزاعي، يقال أنه ¬

_ (¬1) سقط من "الأصل"، والمثبت من "المسند". (¬2) "المسند" (ص 195). (¬3) "المسند" (ص 195). (¬4) "المسند" (ص 195).

غرق في البحرِ سنة ثلاث وتسعين (¬1). وحديثُ العَجْماء صحيحٌ، أورده البخاري (¬2) عن عبدِ الله بن يوسف، ومُسلم عن محمَّد بن رافع عن إسحاق بن عيسى، بروايتهما عن مالك، ورواه الشافعيُّ في "القديم" عن ابن عُيينة عن ابن شهاب عن ابن المسيب وأبي سلمة عن أبي هُريرةَ عن النَّبي - صلى الله عليه وسلم -، وأورده مسلم (¬3) عن يحيى بن يحيى وغيره عن سُفيان. وحديثُ ناقةِ البراء غيرُ موصولٍ من روايةِ مالك، وموصول من رواية أيوب بن سويد، كذلك رواه أبو داود (¬4) عن محمود بن خالد عن الفريابي عن الأوزاعي، وكذلك رَواه مُحمد بنُ مُصعب عن الأوزاعي ورواه معاوية بن هشام ومؤمل بن إسماعيل عن الثوري عن عبد الله بن عيسى عن الزهري، ووصلاه فقالا: عن حرام عن البراء أنَّ ناقةً للبراء .. ورواه إبراهيم بن طهمان عن محمَّد بن ميسرة عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن البراء بن عازب فوصله أيضًا. والعَجْماء (¬5): البهيمة، سميت به لأنها لا تتكلم، والجبار: الهدر الذي لا قود فيه ولا دية. وقوله: "والعَجْماء جرحها" وإن كان مُطْلقًا، لكن الحديث الآخر خاص يقضي عليه ويُقيده، فلو أفلتت الدابة أو انهدم جدار الإسطبل ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (1/ ترجمة 1333)، و"الجرح والتعديل" (2/ ترجمة 891)، و"التهذيب" (3/ ترجمة 616). (¬2) "صحيح البخاري" (1499). (¬3) "صحيح مسلم" (1710/ 45). (¬4) "سنن أبي داود" (3570). قال الشافعي في "اختلاف الحديث" (ص301): أخذنا به لثبوته باتصاله ومعرفة رجاله. وصححه الألباني في "الصحيحة" (1/ 423). (¬5) زاد في "الأصل": و. مقحمة.

فجرحت من غير اختيار صاحبها فلا ضمان، وإن أرسلها صاحبها فما أتلفته بالنهار من زرع ونحوه فهو غير مضمون عليه، وما أتلفته بالليل يضمنه قضية للحديث، وأراد بالأموال: الزروع والبساتين. وقوله: "فهو ضامن على أهلها" أي: مضمون، كقولهم: سرٌّ كاتم، أي: مكتوم، وعيشة راضية: أي: مرضية، والمعنى فيه أن العادة الغالبة أن أرباب المزارع والباستين يحفظونها نهارًا بالنواطير (¬1) والحفظة، وأن المواشي ترسل نهارًا ولا تترك منتشرة بالليل، ولو انعكست هذِه العادة في بعض النواحي فالظاهر انعكاس الحكم، ولو كان للبستان باب يغلق أو كان الزرع في محوط له باب فتركه صاحبه مفتوحًا فهو المضيع ولا ضمان على صاحب البهيمة على الأصح وإن أفسدت بالليل، ولو كانت المراعي متوسط للمزارع فلا يعتاد إرسال البهائم فلا رقيب، ومن أرسلها وخلاها فهو مقصر ضامن لما أفسدته بالنهار أيضًا، وحيث يجب الضمان على صاحب البهيمة فلو كان صاحب الزرع حاضرًا وقدر على تنفير البهيمة وتهاون فهو المقصر ويسقط الضمان عن صاحب الدابة. ولم يفرق أبو حنيفة بين ما تتلف البهائم بالليل وبين ما تتلفه بالنهار، ونفى بالضمان الحالتين، والحديث حجة عليه، ولو كان صاحب الدابة معها ضمن ما تتلفه من نفس ومال سواء فيه الراكب والسائق والقائد من غير فرق بين الليل والنهار؛ لأنها تحت يده وتصرفه وعليه حفظها. ¬

_ (¬1) النواطير: جمع ناطور وهو حافظ الكرم. "مختار الصحاح" (نظر).

الأصل

الأصل [955] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا عبد العزيز الدراوردي، عن جعفر بن محمَّد، عن أبيه، عن جابر بن عبد الله قال: أقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة تسع سنين لم يحج، ثم أذن في الناس بالحج، فتدارك الناس بالمدينة ليخرجوا معه، فخرج فانطلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وانطلقنا لا نعرف إلا الحج وله خرجنا ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين أظهرنا ينزل القرآن وهو يعرف [تأويله] (¬1) وإنما يفعل ما أمر به، فقدمنا مكة فلما طاف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالبيت وبالصفا وبالمروة قال: "من لم يكن معه هدي فليجعلها عمرة، فلو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي ولجعلتها عمرة" (¬2). [956] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن ابن طاوس وإبراهيم بن ميسرة، أنهما سمعا طاوسًا يقول: خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يسمى حجًّا ولا عمرة ينتظر القضاء، قال: فنزل عليه القضاء وهو يطوف بين الصفا والمروة، وأمر أصحابه أن من كان منهم أهل بالحج ولم يكن معه هدي أن يجعلها عمرة، فقال: "لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدي، ولكني لبدّت رأسي وسقت هديي وليس لي محل إلا محل هديي". فقام إليه سراقة بن مالك فقال: يا رسول الله اقض لنا قضاء قوم كأنما ولدوا اليوم، أعمرتنا هذه [لعامنا] (¬3) هذا أم للأبد؟ فقال ¬

_ (¬1) في "الأصل": تأويل. والمثبت من "المسند". (¬2) "المسند" (ص 195). (¬3) في "الأصل": لعامتنا. تجريف.

الشرح

رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "بل للأبد، دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة". قال: فدخل عليٌّ من اليمن رضي الله عنه وسأله النبي - صلى الله عليه وسلم - يعني: "بما أهللت"؟ فقال أحدهما: لبيك إهلال كإهلال النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقال الآخر: لبيك حجة كحجة النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬1). [957] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أفرد الحج (¬2). [958] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة قالت: فأهل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالحج (¬3). [959] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن نافع، عن ابن عمر، عن حفصة أنها قال: يا رسول الله ما شأن الناس حلوا بعمرة ولم تحلل أنت من عمرتك؟! قال: "إني لبدت رأسي وقلدت هديي فلا [أحل] حتى أنحر". والله (¬4). الشرح حديث جابر هو الحديث الطويل في صفة حجة الوداع وقد سبق بهذا الإسناد قطع منه، وقد أورده مسلم بتمامه في "الصحيح" (¬5) من رواية جعفر عن أبيه. واحتج بقوله: "أقام بالمدينة تسع سنين لم يحج" على أن الحج ¬

_ (¬1) "المسند" (ص 196). (¬2) "المسند" (ص 196). (¬3) في "الأصل" أحر. والمثبت من "المسند". (¬4) كذا في "الأصل" ولعله يقصد: والله أعلم. (¬5) "صحيح مسلم" (1218).

على التراخي. وقوله: "فتدارك الناس" أي: تلاحقوا تابعين له، يقال: تدارك القوم إذا تلاحقوا فلحق آخرهم أولهم، ومنه قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا} (¬1) أصله: تداركوا، وهو معنى ما روي في غير هذه الرواية: فاجتمع بالمدينة بشر كثير كلهم يريد أن يأتم [برسول الله] (¬2) - عليه السلام - ويعمل مثل عمله. وقول: "وانطلقنا لا نعرف إلا الحج وله خرجنا ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين أظهرنا ... " إلا آخره، كأنه يقول: كنا لا نقصد إلا الحج ولا نعرف العمرة إلا أنا نعرف أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيننا والوحي ينزل عليه، وعلينا أن نفعل ما يأمرنا به من الحج وغيره، ويقرب قوله: "ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين أظهرنا .... " إلى آخره مما في رواية طاوس "ننتظر القضاء فنزل عليه القضاء". وحديث طاوس قد سبق في الكتاب وشرحناه بما تيسر (¬3). وحديث القاسم عن عائشة أورده مسلم (¬4) عن يحيى بن يحيى عن مالك. وحديث حفصة أورده البخاري (¬5) عن عبد الله بن يوسف، ومسلم (¬6) عن محمَّد بن عبد الله بن نمير عن خالد بن مخلد، بروايتها عن مالك. وذكر الشافعي في قول حفصة للنبي - صلى الله عليه وسلم -: "ولم تتحلل أنت من ¬

_ (¬1) الأعراف: 38. (¬2) في "الأصل": بالمدينة، خطأ، والمثبت من "صحيح مسلم". (¬3) سبق برقم (507). (¬4) "صحيح مسلم" (1211/ 122). (¬5) "صحيح البخاري" (1566). (¬6) "صحيح مسلم" (1229/ 176).

عمرتك" يعني: من إحرامك الذي ابتدأت به، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لبدت رأسي وقلدت هديي، فلا أحلّ حتى أنحر" قال (¬1): يعني -والله أعلم- حتى [يحل] (¬2) الحاج؛ لأن القضاء نزل عليه أن يجعل من كان معه هدي إحرامه حجًّا. وأعلم أن الكلام في هذِه الأحاديث كثير وقد أتينا من قبل بما فيه بلاغ إن شاء الله تعالى. آخر الجزء ويتلوه فيما بعده: الأصل: من كتاب جراح العمد والله الموفق للصواب ¬

_ (¬1) "اختلاف الحديث" (ص 307). (¬2) سقط من "الأصل". والمثبت من "اختلاف الحديث".

كان يزكي مال اليتيم، نهى عن بيع الولاء وهبته، إنما الولاء لمن أعتق، فقضى لأخيه بولاء الموالي، أن طارق أعتق أهل بيت سوائب فأتى بميراثهم فقال عمر: أعطوه ورثة طارق، المكاتب عبد ما بقي عليه درهم، أن ابن عمر كاتب غلامًا على ثلاثين ألفًا ثم جاءه فقال: إني عجزت، كان يغزوا بالنساء ولم يكن يضرب لهن بسهم، نحن الفرارون قال: بل أنتم العكارون، إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده، عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإِسلام، سنوا بهم سنة أهل الكتاب، كتب إلى أهل اليمن أن على كل إنسان منكم دينارًا في كل سنة يعني أهل الكتاب، ما تحل لنا ذبائحكم، أخذ من النبط العشر، إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة، صلى لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ركعتين ثم قام فلم يجلس، وإذا صلى جالسًا فصلوا جلوسًا، كان إذا افتتح الصلاة رفع يديه حذو منكبيه، إذا أمَّن الإِمام فأمنوا، قرأ لهم: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ (1)} فسجد فيها، كان يصلي بالليل إحدى عشرة ركعة يوتر منها بواحدة، قرأ من إثر سورة الجمعة {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ}، يقرأ في الأضحى والفطر بقاف واقتربت الساعة، صلى الظهر والعصر والمغرب والعشاء جميعًا، إذا جئت فصل الناس وإن كنت قد صليت، قرأ في المغرب بالطور، إذا صلى وحده يقرأ في الأربع في كل ركعة بأم القرآن وسورة من القرآن، صلى الصبح فقرأ في الركعتين سورة البقرة، أن امرأة تهراق الدم، نعى النجاشي، صلى على قبر مسكينة توفيت، إن أبي قد كبر ولا يستطيع أن يحج أفأحج عنه؟ فقال: نعم، احتجم وهو محرم، خمس من الدواب ليس على المحرم في قتلهن جناح، لم أشعر فنحرت قبل أن أرمي؟ قال: ارم ولا حرج، البدنة عن سبعة.

كتاب جراح العمد

بسم الله الرحمن الرحيم الأصل من كتاب جراح العمد: [960] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا الثقة، عن حماد، عن يحيى بن سعيد، عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف، عن عثمان رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يحل دم امريء مسلم إلا بإحدى ثلاث: كفر بعد إيمان، أو زنا بعد إحصان، أو قتل نفس بغير نفس" (¬1). [961] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا عبد العزيز، عن محمَّد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا أزال أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوها فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله" (¬2). الشرح انتهت الأحاديث التي نقلها أبو العباس رحمه الله واستخرجها من كتاب "اختلاف الحديث" وباب جراح العمد والأحاديث التي نشرع فيها الآن من كتاب "الأم"، وكان الأولى به والأحسن أن لا يدخل كتابًا في كتاب. وحديث عثمان رضي الله عنه فقد قدمت (¬3) مرة، ورواه جماعة من الأئمة عن حماد بن زيد، منهم أبو داود الطيالسي (¬4)، وفي روايته أن أبا أمامة بن سهل قال: كنا عند عثمان وهو في الدار محصور، فقال: بم ¬

_ (¬1) "المسند" (ص 197). (¬2) "المسند" (ص 197). (¬3) كذا! وقد سبق برقم (802). (¬4) "مسند الطيالسي" (رقم 72).

يقتلونني وقد سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لا يحل دم امريء مسلم إلا بإحدى ثلاث: رجل كفر بعد (إسلام) (¬1) أو زنى بعد إحصانه، أو قتل نفسًا بغير نفس" فوالله ما زنيت في جاهلية ولا إسلام، ولا أحببت بديني هذا بدلًا بعد أن هداني الله، وما قتلت نفسًا، علام يريد هؤلاء قتلي؟! وأورد [صاحبا] (¬2) "الصحيحين" الحديث من رواية عبد الله بن مسعود على ما قدمنا، واللفظ "لا يحل دم رجل يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والثيب الزاني، والتارك لدينه المفارق للجماعة". وقوله: "إلا بإحدى ثلاث" أي: ثلاث خصال أو نحوها. وقوله: "أو زنا بعد إحصان أو قتل نفس" بيان لإحدى الثلاث، ولو قال: وزنا وقتل نفس لأفاد وكان بيانًا للثلاث. والحديث الثاني قد سبق ذكره أيضًا (¬3)، وأورده مسلم من رواية الأعمش، وقد رواه الأعمش عن أبي سفيان، عن جابر بن عبد الله وعن أبي صالح عن أبي هريرة، واللفظ: "منعوا مني دماءهم". وقد يستدل بالحديث الأول من يقول بأن تارك الصلاة لا يقتل، لكن الخبر الثاني يبين أن العصمة مشروطة بالمحافظة على الحقوق، حيث قال: "إلا بحقها" والصلاة من حقوقها، وقد روى البخاري في "الصحيح" (¬4) عن عبد الله بن محمَّد المسندي، عن حرميّ بن عمارة، عن شعبة، عن واقد بن محمَّد، عن أبيه، عن ابن عمرة أن ¬

_ (¬1) في "المسند": إسلامه. (¬2) في "الأصل": صاحب. خطأ. (¬3) سبق برقم (819). (¬4) "صحيح البخاري" (25).

الأصل

رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإِسلام وحسابهم على الله". وأورد مسلم (¬1) نحوًا منه عن أبي غسان، عن عبد الملك بن الصباح، عن شعبة. واحتجاج عثمان رضي الله عنه بالحديث الأول يدل على جواز الاحتجاج بما ترك ظاهره في غير موضع الترك، وباللفظية المقتضية للانحصار وإن علم بتثبيت الانحصار؛ وذلك لأن حل الدم ثابت في قاطع الطريق وفي الصائل والباغي وغيرهم على خلاف قضية الظاهر. الأصل [962] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا يحيى بن حسان، عن الليث، عن ابن شهاب، عن عطاء بن يزيد الليثي، عن عبيد الله بن عدي بن الخيار، عن المقداد أنه أخبره أنه قال: يا رسول الله أرأيت إن لقيت رجلًا من الكفار فقاتلني فضرب إحدى يدي بالسيف فقطعها ثم لاذ مني بشجرة فقال: أسلمت لله، أفأقتله يا رسول الله بعد أن قالها؟ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تقتله" فقلت: يا رسول الله إنه قطع يدي، ثم قال ذلك بعد أن قطعها أفأقتله؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تقتله فإن قتلته فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله، وإنك بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قال" (¬2). الشرح عبيد الله بن عدي بن الخيار بن عدي بن نوفل بن عبد مناف ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (22). (¬2) "المسند" (ص 197).

المديني القرشي، من فقهاء قريش. روى عن: عثمان بن عفان، والمقداد بن الأسود. وروى عنه: عروة، وحميد بن عبد الرحمن بن عوف، وإبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، وعطاء بن يزيد الليثي. مات زمن الوليد بن عبد الملك (¬1). والحديث مودع في "كتاب البخاري" (¬2) من رواية الزهري، ورواه مسلم (¬3) وأبو داود (¬4) عن قتيبة عن الليث. وقوله: "فقال: أسلمت لله ... إلى آخره" يقتضي صيرورته مؤمنًا بهذِه الكلمة، وقد قال الحليمي في "المنهاج": إذا قال الكافر: آمنت بالله أو أسلمت لله، ينظر إن لم يكن على دين من قبل صار مؤمنًا بالله، وإن كان يشرك بالله غيره لم يكن مؤمنًا حتى يقول: آمنت بالله وحده أو أسلمت وكفرت بما كنت أشرك به. وقوله: "إنك بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قال" يحمله الذين يُكَفِّرُون بالكبائر على أن بقتله يصير بمنزلته في الكفر، قال أبو سليمان الخطابي: وهو تنزيل فاسد، والمعنى: أنك بمنزلته في إباحة الدم؛ فإنه كان مباح الدم بالكفر فإذا قتله قاتل بعدما أسلم كان القاتل مباح الدم نحو القصاص، ويروى هذا عن الشافعي رضي الله عنه. والحديث يدل على أنه لا شيء عليه بقطع اليد في الكفر، وعلى أنه إذا تكلم الكافر بكلمة الإيمان يجب التوقف عن قتله وإن وقع ذلك ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (5/ ترجمة 1258)، "والجرح والتعديل" (5/ ترجمة 1554)، "والتهذيب" (19/ ترجمة 3664). (¬2) "صحيح البخاري" (6865). (¬3) "صحيح المسلم" (95/ 155). (¬4) "سنن أبي داود" (2644).

الأصل

في حالة الخوف وقدرة المؤمن عليه؛ لأن اللياذ بالشجرة يشعر بكونه مغلوبًا، وفي "الصحيحين" (¬1) من رواية أبي ظبيان حصين بن جندب، عن أسامة بن زيد رضي الله عنه قال: بعثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سرية إلى الحرقات فنذروا بنا فهربوا فأدركنا رجلًا، فلما غشيناه قال: لا إله إلا الله، فضربناه حتى قتلناه، فعرض في نفسي شيء (¬2) من ذلك فذكرته لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -[فقال] (¬3) "من لك بلا إله إلا الله يوم القيامة؟ " فقلت: يا رسول الله إنما قالها مخافة السلاح والقتل، فقال: "أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم قال من أجل ذلك أم لا؟! من لك بلا إله إلا الله يوم القيامة" قال: فما زال يقول حتى وددت أني لم أسلم إلا يومئذ. وهذا الحديث واللذان قبله [رواها] (¬4) الشافعي في "الأم" قاصدًا بها الاحتجاج على تحريم قتل المؤمن من جهة السنة. الأصل [963] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا ابن عيينة، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن ثابت بن الضحاك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من قتل نفسه بشيء (¬5) في الدنيا عذب به يوم القيامة" (¬6). ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (6872)، "وصحيح مسلم" (96/ 158)، والبيهقي (8/ 19) واللفظ له. (¬2) زاد في "الأصل": و. مقمحة. (¬3) سقط من "الأصل". والمثبت من "السنن". (¬4) طمس في "الأصل". والمثبت أشبه بالرسم. (¬5) زاد في "الأصل": و. مقحمة. (¬6) "المسند" (ص 198).

الشرح

الشرح ثابت: هو ابن الضحاك بن أمية بن ثعلبة بن جشم بن مالك بن سالم بن عمرو بن عوف بن الخزرج الأنصاري، وهو أخو أبي جبيرة بن الضحاك. سمع: النبي - صلى الله عليه وسلم -، وعد في أصحاب الشجرة. روى عنه: أبو قلابة، وعبد الله بن المغفل. وكان ابن ثمان سنين أو نحوها وقت وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وتوفي زمن الزبير (¬1). والحديث صحيح، أخرجه البخاري (¬2) عن موسى بن إسماعيل عن وهب عن أيوب، ومسلم (¬3) من وجه آخر عن أيوب. وقوله: "من قتل نفسه بشيء عذب به" مفسر في غير هذِه الرواية، فعن الأعمش في "الصحيحين" (¬4) عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من قتل نفسه بحديدة، فحديدته في يده يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا، ومن قتل نفسه بسمٍّ فسمه في يده في جهنم يتحساه في نار جهنم خالدًا مخلدًا، ومن تردى من جبل فهو يتردى في جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا". وفيه ما يبين أنه كما يحرم قتل المؤمن لحقه يحرم قتله لحق الله تعالى، ولذلك حرم عليه أن يقتل نفسه كما حرم على غيره أن يقتله. ¬

_ (¬1) انظر "معرفة الصحابة" (1/ ترجمة 378)، و"الإصابة" (1/ ترجمة 894). (¬2) "صحيح البخاري" (1363). (¬3) "صحيح مسلم" (110/ 177). (¬4) "صحيح البخاري" (5778)، "وصحيح مسلم" (109/ 175).

الأصل

الأصل [964] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا إبراهيم بن محمَّد، عن جعفر بن محمَّد، عن أبيه، عن جده قال: وجد في قائم سيف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كتاب أن (أعد) (¬1) الناس على الله تعالى القاتل غير قاتله، والضارب غير ضاربه، ومن تولى غير مواليه فقد كفر [بما أنزل] (¬2) الله تعالى على محمَّد - صلى الله عليه وسلم - (¬3). [965] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا ابن عيينة، عن محمَّد بن إسحاق قال: قلت لأبي جعفر محمَّد بن علي: ما كان الصحيفة التي كانت في قراب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فقال: كان فيها: لعن الله القاتل غير قاتله، والضارب غير ضاربه، ومن تولى غير ولي نعمته فقد كفر بما أنزل على محمَّد - صلى الله عليه وسلم -. [966] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن ابن أبي ليلى، عن الحكم أو عن عيسى بن أبي ليلى، عن ابن أبي ليلى قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من اعتبط مؤمنًا بقتل فهو قود يده إلا أن يرضى ولي المقتول، فمن حال دونه فعليه لعنة الله وغضبه، لا يقبل منه صرف ولا عدل" (¬4). [967] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا ابن عيينة، عن عبد الملك بن سعيد بن أبجر، عن إياد بن لقيط، عن أبي رمثة قال: دخلت مع أبي على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فرأى أبي الذي بظهر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: دعني أعالج الذي بظهرك فإني طبيب، فقال: "أنت رفيق". ¬

_ (¬1) في "المسند" وكذا "الأم": أعدى. (¬2) في "الأصل": على ما نزل. والمثبت من "المسند". (¬3) "المسند" (ص 198). (¬4) "المسند" (ص 198).

الشرح

[وقال [(¬1) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "من هذا معك؟ " قال: ابني أشهد به. فقال: "أما إنه لا يجني عليك ولا تجني عليه" (¬2). الشرح وعبد الملك: هو ابن سعيد بن حيان بن أبجر الكناني، ويقال: الهمداني الكوفي. سمع: الشعبي، وواصل بن حيان، وطلحة بن مصرف، وأبا الطفيل. وروى عنه: ابنه عبد الرحمن بن عبد الملك، وسفيان بن عيينة، و [عبيد الله] (¬3) الأشجعي، وزهير بن معاوية (¬4). وإياد بن لقيط: هو السدوسي الكوفي. روى عن: البراء. روى عنه: الثوري، ومسعر، وابنه عبيد الله الكوفي (¬5). وأبو رمثة: هو رفاعة بن يثربي التيمي، يعد في أهل الكوفة. ويقال: هو يثربي بن عوف، ويقال: هو عمارة بن يثربي، ويقال: اسمه خشخاش. ¬

_ (¬1) في "الأصل": فقال. والمثبت من "المسند". (¬2) "المسند" (ص 198). (¬3) في "الأصل": عبد الله. خطأ، وعبيد الله: هو ابن عبيد الرحمن ويقال ابن عبد الرحمن الأشجعي، أبو عبد الرحمن الكوفي، من رجال "التهذيب". (¬4) انظر "التاريخ الكبير" (5/ ترجمة 1350)، "والجرح والتعديل" (5/ ترجمة 1661)، "والتهذيب" (18/ ترجمة 3529). (¬5) انظر "التاريخ الكبير" (2/ ترجمة 1718)، و"الجرح والتعديل" (2/ ترجمة 1313)، "والتهذيب" (3/ ترجمة 584).

روى عنه: إياد بن لقيط، وثابت بن منقذ (¬1). وقوله: "وجد في قائم سيف رسول الله - صلى الله عليه وسلم -" وفي الرواية الثانية: "في الصحيفة التي كانت في قراب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -" لا تنافي بينهما؛ فإن القراب وعاء يجعل فيه راكب البعير سيفه مغمدًا وقد يحمل فيه سوطه وبعض زاده، ويشبه أن تكون الصحيفة المذكورة هي التي سبق ذكرها من رواية أبي جحيفة عن علي رضي الله عنه. وقوله: "إن (أعد) (¬2) الناس" أي: أظلم وأشد عدوانًا، وفي رواية أبي شريح الخزاعي عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أعتى الناس على الله تعالى من قتل غير قاتله" (¬3) وهو من العتو، وعن عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة أنها قالت: وجد في قائم سيف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كتابان أن أشد الناس عتوًّا الرجل ضرب غير ضاربه، والرجل قتل غير قاتله، ورجل تولى غير أهل نعمته (¬4). والمقصود أن القود يتعلق بالقاتل ولا يجوز بسبب القتل التعرض لغير القاتل من أقربائه وذويه، وكانوا يفعلون ذلك تعديًّا، وقد روي عن ابن عباس في تفسير قوله تعالى: {فَلَا يُسْرِف في الْقَتْلِ}: لا يقتل اثنين بواحد (¬5). وعن زيد بن أسلم أن السرف أن يقتل غير قاتله. ¬

_ (¬1) انظر "معرفة الصحابة" (5/ ترجمة 3208)، "والإصابة" (7/ ترجمة 9898). (¬2) في "المسند" وكذا "الأم": أعدى. (¬3) رواه الحاكم (4/ 389) وقال: صحيح الإسناد. (¬4) رواه الداقطني (3/ 131 رقم 155)، والحاكم (4/ 389). قال الحاكم: صحيح الإسناد. (¬5) رواه البيهقي (8/ 25).

وكانوا في الجاهلية إذا قتل رجلًا شريفًا رجل غير شريف لم يرضوا بقتله، بل قتلوا مكانه شريفًا من قومه. ولا يجوز أن يتولى الرجل غير مواليه كما لا يجوز أن ينتسب إلى غير أبيه. وحديث ابن أبي ليلى مرسل، وعن أبي بكر بن محمَّد بن عمرو ابن حزم، عن أبيه، عن جده عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كتب معناه إلى أهل اليمن (¬1). وقوله: "من اعتبط مؤمنًا بقتل" أي: تعمد قتله بلا سبب، يقال: عبطت الناقة واعتبطتها: إذا ذبحتها وليست بها علة، وعبطته الداهية، أي: نالته، والعبط: الكذب الصراح من غير عذر، ومات فلان عبطة أي: صحيحًا شابًا. وقوله: "فهو قود يده" أي: يقاد منه بجناية يده، ويروى "فهو قود به". وقوله: "لا يقبل منه صرف ولا عدل" قيل: الصرف: التوبة، وقيل: الحيلة، وقيل: الفريضة. والعدل قيل: هو الفداء، وقيل: الفريضة. وحديث أبي رمثة (¬2) رواه يونس عن عبد الأعلى عن ابن عيينة بإسناده، وقال: أتيت مع أبي النبي - صلى الله عليه وسلم - فرأى الذي في ظهره، فقال له أبي: دعني أبطها فإني طبيب، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أنت رفيق والله الطبيب، من هذا معك؟ " قال: ابني، أشهد به. قال: "أما إنه لا يجني ¬

_ (¬1) رواه النسائي (8/ 57)، وابن حبان (6559)، والحاكم (1/ 553). وضعفه الألباني في "ضعيف الجامع" (2333). (¬2) زاد في "الأصل": و. مقحمة.

الأصل

عليك ولا تجني عليه". والمعنى أن جناية كل واحد منكما تختص به فلا يؤاخذ أحدكما بجناية الآخر مع ما بينكما من القرب والمشابهة، ويوضحه ما في رواية عبد الله بن إياد عن أبيه عن أبي رمثة قال: أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع أبي فتلقانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في طريقه، فقال لي: يا بني هل تدري من هذا المقبل؟ لا، قال: هذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فاقشعررت حين قال ذلك، وذلك أني ظننت أنه لا يشبه الناس، فسلم عليه أبي فرد -عليه السلام-، ثم قال: "ابنك هذا"؟ قال: إي ورب الكعبة، فتبسم - صلى الله عليه وسلم - من ثَبْت شَبَهِي بأبي ومِن حَلِفِ أبي علي، ثم قال: "أما إنه لا يجنى عليك ولا تجني عليه" ثم تلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}. الأصل [968] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا ابن عيينة، عن علي بن زيد بن جدعان، عن القاسم بن ربيعة، عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -[قال] (¬1) "ألا إن في قتيل العمد الخطأ بالسوط والعصا مائة من الإبل مغلظة منها أربعون خلفة في بطونها أولادها" (¬2). [969] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا الثقفي، عن خالد الحذاء، عن القاسم بن ربيعة، عن عقبة بن أوس، عن رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله" (¬3). ¬

_ (¬1) سقط من "الأصل". والمثبت من "المسند". (¬2) "المسند" (ص 198). (¬3) "المسند" (ص 198).

الشرح

الشرح القاسم: هو ابن ربيعة بن جوشن الغطفاني. روى عن: عبد الرحمن بن عوف، وابن عمر. وروى عنه: خالد الحذاء، وأيوب، وقتادة، وعلي بن زيد. ويروى عن الحسن أنه كان إذا سئل عن شيء من أمر النسب قال [عليكم] (¬1) بالقاسم بن ربيعة (¬2). وعقبة: هو ابن أوس السدوسي، وقد يقال: يعقوب بن أوس، يعد في البصريين. روى عن: عبد الله بن عمرو. يروي عنه: القاسم بن ربيعة. وعن العباس بن محمَّد عن يحيى بن معين أنه قال: يعقوب بن أوس وعقبة بن أوس واحد (¬3). وحديث علي بن زيد أخرجه أبو داود (¬4) عن مسدد عن عبد الوارث عنه، وابن ماجه (¬5) عن عبد الله بن محمَّد الزهري عن سفيان بن عيينة. قال أبو داود: ورواه حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن يعقوب السدوسي، عن عبد الله بن عمرو عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير"، (7/ ترجمة 719)، "والجرح والتعديل" (7/ ترجمة 632)، "والتهذيب" (23/ ترجمة 4787). (¬2) سقط من "الأصل". والمثبت من "تاريخ البخاري". (¬3) انظر "التاريخ الكبير" (6/ ترجمة 290)، "والجرح والتعديل" (6/ ترجمة 1717)، "والتهذيب" (20/ ترجمة 3970). (¬4) "سنن أبي داود" (4549). (¬5) "سنن ابن ماجه" (2628).

وذكر الحفاظ أن علي بن زيد كان يخلط فيه والحديث حديث خالد الحذاء، وتمامه ما رواه أبو داود في "السنن" (¬1) عن مسدد عن حماد بن زيد، عن خالد عن [القاسم بن] (¬2) ربيعة، عن عقبة بن أوس، عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطب يوم الفتح بمكة فكبر ثلاثًا ثم قال: "لا إله إلا الله وحده، صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، ألا إن كل مأثرة كانت في الجاهلية تذكر وتدعى من دم أو مال تحت قدمي هاتين إلا ما كان من سقاية الحاج وسدانة البيت" ثم قال: "ألا إن دية الخطأ شبة العمد ما كان بالسوط والعصا مائة من الإبل منها أربعون في بطونها أولادها". والمآثر: التي تؤثر وتذكر من المكارم والمفاخر. والمقصود من قوله: "تحت قدمي" إبطالها وإسقاطها. وسدانة البيت: خدمته والقيام بأموره، وكانت الحجابة في الجاهلية في بني عبد الدار، والسقاية في بني هاشم فأقرهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فصار بنو شيبة يحجبون البيت، وبنو العباس يسقون الحجيج. والحديث يدل على إثبات شبه العمد خلافًا لقول من صار إلى أنه ليس إلا العمد المحض أو الخطأ المحض، ويروى هذا [عن] (¬3) مالك، وعلى أن الديه تكون مغلظة تارة ومخففة، وعلى أن الحمل يضبط ويعرف حيث قال: "أربعون خلفة في بطونها أولادها"، والخلفة: ¬

_ (¬1) "سنن أبي داود" (4547) وكذا رواه ابن الجارود (773)، وابن حبان (6011) قال ابن القطان: حديث صحيح، كما في "الدراية" للحافظ (1007). وحسنة الألباني في "صحيح أبي داود". (¬2) سقط من "الأصل". والمثبت من "السنن". (¬3) ليست في "الأصل". والسياق يقتضيها.

الناقة الحامل. وقوله: "في بطونها أولادها" تفسير الخلفة والجمع [الخلفات] (¬1) وذكر أنه يقال لها: خلفة إلى [أن] (¬2) يمضي نصف أمد حملها ثم هي عشراء، وقيل: اسم الخلفة يقع على الحامل وعلى التي ولدت وولدها تبيعها، فقصد بقوله: "في بطونها أولادها" تبيين أن الواجب الحامل. ولم يصف في الحديث السنين الواجبة مع الخلفات، وذكر الشافعي أنه تجب ثلاثون حقة وثلاثون جذعة، ويروى ذلك عن مجاهد عن عمر رضي الله عنه، وروي عن زيد بن ثابت والمغيرة بن شعبة وأبي موسى الأشعري أنهم قالوا: الدية المغلظة ثلاثون حقة وثلاثون جذعة وأربعون ثنية خلفة. وعند أبي حنيفة وأحمد: دية شبة العمد أرباع بنات مخاض وبنات لبون وحقاق وجذاع، ويروى ذلك عن ابن مسعود رضي الله عنه. وقال أبو سليمان الخطابي (¬3): يشبه أن يكون الشافعي إنما جعل الدية في العمد [أثلاثًا بهذا الحديث، وذلك أنه ليس في العمد] (¬4) حديث مفسر والعمد أولى بالتغليظ من شبه العمد فحمل عليه، قال: وقد يستدل بالحديث على جواز السلم في الحيوان مؤجلًا؛ لأن الإبل تلزم العاقلة في ثلاث سنين. وقوله: "ألا إن في قتيل العمد الخطأ بالسوط أو العصا" كالتمثيل ¬

_ (¬1) في "الأصل": الخلفا. خطأ. (¬2) ليست في "الأصل". والسياق ويقتضيها. (¬3) "معالم السنن" (12/ 190). (¬4) سقط من "الأصل". والمثبت من "معالم السنن".

الأصل

للقتل الخطأ، وقد قال الفقهاء في تفسير العمد الخطأ: هو أن يضربه عمدًا بما لا يموت الشخص منه غالبًا فمات منه كالسوط أو العصا. وقوله: "عن عقبة بن أوس عن رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -" قد ذكرنا من قبل ما بين أن ذلك الرجل عبد الله بن عمرو، والله [أعلم] (¬1). الأصل [970] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا معاذ بن موسى، عن بكير بن معروف، عن مقاتل بن حيان، قال مقاتل: أخذت هذا التفسير عن نفر حفظ معاذ منهم: مجاهدًا والحسن والضحاك بن مزاحم في قوله تعالى: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} الآية. قال: كتب على أهل التوراه: من قتل نفسًا بغير نفس حق أن يقاد بها ولا يعفى عنه ولا تقبل منه الدية، وفرض على أهل الإنجيل أن يعفى عنه ولا يقتل، ورخص لأمة محمَّد - صلى الله عليه وسلم -إن شاء قتل وإن شاء أخذ الدية وإن شاء عفا، فذلك قوله: {ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ} يقول: الدية تخفيف من الله إذ جعل الدية ولا يقتل، ثم قال: {فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ} يقول: من قتل بعد أخذه الدية فله عذاب أليم، وقال في قوله: {وَلَكُمْ في الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (179)} يقول: لكم في القصاص حياة ينتهي بها بعضكم عن بعض مخافة أن يقتل (¬2). [971] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان بن عيينة، أبنا عمرو بن دينار قال: سمعت مجاهدًا يقول: سمعت ابن عباس يقول: كان في بني إسرائيل القصاص ولم تكن فيهم الدية، فقال الله تعالى لهذِه الأمة: ¬

_ (¬1) سقط من "الأصل". (¬2) "المسند" (ص 199).

الشرح

{كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ في الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ} قال: العفو أن تقبل الدية في العمد {فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ} مما كتب على من كان قبلكم {فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (¬1). الشرح معاذ بن موسى: هو أبو سعيد الجعفري الخراساني، مذكور في شيوخ الشافعي رضي الله عنه. يروي عن: بكير بن معروف (¬2). وبكير: أبو معاذ قاضي نيسابور. يروي عن: يحيى بن سعيد الأنصاري، وأبي حنيفة، ومقاتل بن حيان. روى عنه: عبدان بن عثمان، وحفص بن عبد الله النيسابوري. وذكر الحاكم أبو عبد الله في "التاريخ" أنه قرأ في بعض الكتب أنه توفي سنة ثلاث وستين ومائة، وأن أبا بكر محمَّد بن أحمد بن بالويه حدثه: سمعت عبد الله بن أحمد بن حنبل، سمعت أبي يقول: بكير بن معروف قاضي نيسابور ذاهب الحديث، وفي "تاريخ البخاري" (¬3): قال أحمد: ما أرى به بأسًا (¬4). ومقاتل بن حيان: هو أبو بساط مولى بكر بن وائل، ويقال: مولى ¬

_ (¬1) "المسند" (ص 199). (¬2) انظر "تعجيل المنفعة" (1/ ترجمة 1048)، ولم يذكر الحافظ عنه شيئًا. (¬3) انظر "التاريخ الكبير" (2/ ترجمة 1886)، "والجرح والتعديل" (2/ ترجمة 1597)، "والتهذيب" (4/ ترجمة 772). (¬4) وكذا في "الجرح والتعديل".

تيم الله، ويقال: مولى بني شيبان. كان يقيم ببلخ، ويقال له: النبطي. روى عنه: علقمة بن مرثد. وسمع: مسلم بن هيصم (¬1). والضحاك بن مزاحم: هو أبو القاسم الهلالي، ويقال: أبو محمَّد، كان يقيم بسمرقند وبلخ، توفي سنة اثنتين ومائة، وقيل: سنة خمس (¬2). وأورد الشافعي الأثر في تفسير الآية لبيان تعلق القصاص بالقتل العمد، ويخير الولي بين القصاص والدية. والأثر [عن] (¬3) ابن عباس أورده البخاري في "الصحيح" (¬4) عن قتيبة عن سفيان. وقد نقل علماء التفسير أن قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ في الْقَتْلَى} الآية نزلت في حيّين أحدهما أشرف من الآخر، فقتل الأوضع قتلى من الأشرف، فقال الأشرف: لنقتلن الحر بالعبد ... (¬5) وأيضًا بحقن الجراح وأمر برعاية المماثلة، فعم قتل الذكر بالأنثى لقوله تعالى: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ}. روي عن ابن شهاب أنه قال: "لما نزلت هذِه الآية أقيدت المرأة ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (8/ ترجمة 1972)، و"الجرح والتعديل" (8/ ترجمة 1629)، "والتهذيب" (28/ ترجمة 6160). (¬2) انظر "التاريخ الكبير" (4/ ترجمة 3020)، "والجرح والتعديل" (4/ ترجمة 2024)، "والتهذيب" (13/ ترجمة 2928). (¬3) ليست في "الأصل". والسياق يقتضيها. (¬4) "صحيح البخاري" (6881). (¬5) كذا في الأصل! وها هنا سقط.

الأصل

من الرجل" (¬1). قال - صلى الله عليه وسلم -: "المسلمون تتكافأ دماؤهم" (¬2). وروي [في] (¬3). كتاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي بعث به إلى أهل اليمن مع عمرو بن حزم: وأن الرجل يقتل بالمرأة (¬4). وقوله: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ} أي ترك، وهو أن [يعفو] (¬5) الولي أو بعض الأولياء عن القود {فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} أي: على العافي أن يتبع القاتل بالمعروف وهو أن يطالبه بالمال من غير تشديد وأذى {وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} أي: على المعفو عنه أن يؤدي المال من غير مطل وتسويف، {ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ} أي: التخيير بين القصاص والدم والعفو، ولم يكن ذلك إلا لهذِه الأمة. وقوله: "إذ جعل الدية ولا يقتل" أي: شرعها وأوجبها فتؤخذ. ولا يقتل القاتل، ولو روي: "فلا تقتل" لكان أوضح، والمقصود من باقي الأثر ظاهر. الأصل [972] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا محمَّد بن إسماعيل بن أبي فديك، عن ابن أبي ذئب، عن سعيد المقبري، عن أبي شريح الكعبي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الله حرم مكة ولم يحرمها الناس، فلا يحل لمن كان يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دمًا، ولا يعضد بها شجرًا، فإن ¬

_ (¬1) رواه البيهقي (8/ 27). (¬2) سبق تخريجه. (¬3) ليست في "الأصل". والسياق يقتضيها. (¬4) رواه النسائي (8/ 57)، والحاكم (1/ 553). (¬5) في "الأصل": العفو. خطأ.

الشرح

ارتخص أحد فقال: أحلت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ فإن الله أحلها لي ولم يحلها للناس، وإنما أحلت لي ساعة من النهار، ثم هي حرام كحرمتها بالأمس، ثم أنتم يا خزاعة قد قتلتم هذا القتيل من هذيل وأنا والله [عاقله] (¬1)، من قتل بعده قتيلًا فأهله بين خيرتين، إن أحبوا قتلوا، وإن أحبوا أخذوا العقل" (¬2). الشرح أبو شريح الكعبي: هو خويلد بن عمرو، ويقال له: الخزاعي أيضًا، وذكر أن كعبًا من خزاعة من صحابة الحجاز. روى عنه: سعيد المقبري، ونافع بن جبير، وسفيان بن أبي العوجاء، وعطاء بن يزيد الليثي. توفي بالمدينة سنة ثمان وستين (¬3). والحديث صحيح، أخرجه الشيخان (¬4) عن قتيبة عن الليث عن سعيد المقبري، وليس في روايتهما ذكر قتيل خزاعة، وأخرجاه من رواية أبي هريرة (¬5) وفيها ذكر قتيل خزاعة وزيادة وهي أنه قام أبو شاة رجل من اليمن فقال: اكتبوا لي يا رسول الله، فقال - صلى الله عليه وسلم -: "اكتبوا لأبي شاة" يريد: هذِه الخطبة، وأورد أبو داود (¬6) في باب الديات من "السنن" ذكر قتيل خزاعة خاصة عن مسدد عن يحيى بن سعيد، عن ابن أبي ذئب. ¬

_ (¬1) في "الأصل": عاقل. والمثبت من "المسند". (¬2) "المسند" ص (200). (¬3) انظر "معرفة الصحابة" (2/ ترجمة 831)، و"الإصابة" (7/ ترجمة 10097). (¬4) رواه البخاري (104)، ومسلم (1354/ 446). (¬5) رواه البخاري (112)، ومسلم (1355). (¬6) "سنن أبي داود" (4504).

وقوله: "فلا يحل لمن كان يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دمًا" ظاهره يقتضي تحريم سفك الدم وإن كان حلالًا خارج الحرم، ومن العلماء من قال: من ارتكب خارج الحرم ما يوجب القتل ثم التجأ إلى الحرم جاز قتله فيه؛ لما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - "أن [الحرم] (¬1) لا يعيذ عاصيًا ولا فارًّا بدم، ولا فارًّا بحزبة" وبه قال الشافعي. وقوله: "ولا يعضد بها شجرًا" أي: يقطعه، والعضد: القطع، وظاهر اللفظ يقتضي التسوية بين ما ينبت بنفسه كالطرفاء والآراك، وبين ما يغرسه الآدميون كالأشجار المثمرة والخلاف (¬2) والصنوبر، وهذا أظهر قول الشافعي رضي الله عنه، وله قول آخر: وهو أن التحريم يختص بقطع ما ينبت بنفسه، كما أن المحرم ممنوع عن قتل الصيد دون ذبح الغنم والحيوانات الإنسية. وقوله: "فإن ارتخص أحد ... إلى آخره" يشير إلى أن الأصل في الأحكام التعميم إلى أن يعرف خلافه، وبين أن الإحلال مختص به. وقوله: "إنما أحلت لي ساعة من النهار" أراد به ساعة الفتح، ثم قيل: أبيح له إراقة الدم فيها دون الصيد وقطع الشجر، واستدل به من ذهب إلى أن مكة فتحت عنوة لا صلحًا، وقيل: أبيح له أن يدخلها من غير إحرام وقد دخلها - صلى الله عليه وسلم - وعليه عمامة سوداء. وقوله: "ثم أنتم يا خزاعة قد قتلتم هذا القتيل من هذيل" في رواية أبي هريرة "أن خزاعة قتلوا رجلًا من بني ليث عام فتح مكة بقتيل منهم قتلوه" كذلك رواه شيبان وحرب بن شداد عن يحيى بن أبي كثير عن أبي ¬

_ (¬1) سقط من "الأصل". والمثبت من "الصحيحين". (¬2) هو نوع من الأشجار.

الأصل

سلمة عن أبي هريرة، وفي رواية الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: لما فتحت مكة [قتلت] (¬1) هذيل رجلًا من بني ليث [بقتيل] (¬2) في الجاهلية. وقوله: "وأنا والله عاقله" يقال: عقلت فلانًا إذا أعطيت ديته، وعقلت عن فلان إذا لزمته دية فأعطيتها عنه. وفي الحديث دليل على أن ولي الدم بالخيار بين أن يقتص وبين أن يأخذ الدية، ويروى هذا عن ابن عباس وسعيد بن سعيد والشعبي وابن سيرين وعطاء، وبه قال الشافعي وأحمد. وقال أبو حنيفة ومالك: ليس له إلا القصاص فإن تركه فلا دية له إلا برضا القاتل. واحتج بقوله: "فأهله بين خيرتين" على أن القصاص يثبت لأهله جميعًا الرجال والنساء، وبقوله: "إن أحبوا قتلوا" على أنه يعتبر اجتماعهم على القتل وليس لبعضهم الانفراد إذا كان الباقون غيبًا أو أطفالًا، واحتج بإثبات التخيير على أنه إذا مات القاتل كان للولي أخذ المال من تركته، وقال أبو حنيفة: إذا مات لم يبق للولي شيء. الأصل [973] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك بن أنس، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب؛ أن عمر بن الخطاب قتل نفرًا خمسة أو سبعة برجل قتلوه غيلة. ¬

_ (¬1) تحرف في "الأصل" والمثبت من "المنتقى" لابن الجارود (508)، وابن حبان (3715) فقد رواه كل منهما من طريقه. (¬2) في "الأصل": بقتل. تحريف، والمثبت من التخريج.

الشرح

وقال عمر رضي الله عنه: لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلتهم جميعًا (¬1). الشرح أورد البخاري الأثر في "الصحيح" فقال: وقال لي ابن بشار أبنا يحيى، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر أن غلامًا قتل غيلة، فقال عمر رضي الله عنه: لو اشترك فيها أهل صنعاء لقتلتهم. قال: وقال مغيرة بن حكيم عن أبيه أن أربعة قتلوا صبيًّا فقال عمر مثله (¬2). والنفر: ما بين الثلاثة إلى العشرة، والنفر: رهط الرجل الذين ينصرونه، والغيلة: الاغتيال، يقال: قتله غيلة وهو أن يخدعه فيذهب به إلى موضع فإذا صار إليه قتله، وتمالئوا على الأمر: اجتمعوا عليه وتعاونوا، ومالأته على الأمر، أي: ساعدته عليه. وسبب ذكر أهل صنعاء؛ ما روى جرير بن حازم أن المغيرة بن حكيم الصنعاني حدثه [عن] (¬3) أبيه أن امرأة بصنعاء غاب عنها زوجها وترك في حجرها ابنا له من غيرها وهو غلام [يقال] (¬4) له أصيل، فاتخذت المرأة بعد زوجها خليلًا، فقالت له: إن هذا الغلام يفضحنا فاقتله فأبى، فامتنعت منه فطاوعها، واجتمع على قتله الرجل ورجل آخر والمرأة وخادمها فقتلوه ثم قطعوه أعضاءً وجعلوه في عيبة (¬5) من أدم فطرحوه في ركيّة (¬6) ليس فيها ماء، ثم صاحت المرأة فاجتمع ¬

_ (¬1) "المسند" ص (200). (¬2) "صحيح البخاري" (6896). (¬3) في "الأصل": على. خطأ. (¬4) سقط من "الأصل". والمثبت من "السنن". (¬5) قال الحافظ في "الفتح" (12/ 228): هي وعاء من أدم. (¬6) قال الحافظ في "الفتح" (12/ 228): هي البئر لم تطو في ناحية القرية ليس فيها ماء.

الأصل

[الناس] (¬1) فخرجوا يطلبون الغلام، قال: فمر رجل بالركية فخرج منها الذباب الأخضر، فقلنا: والله إن في هذه لجيفة ومعنا خليلها، فأخذته رعدة فذهبنا به وحبسناه، وأرسلنا رجلًا فأخرج الغلام واعترفت المرأة والرجل والرجل الآخر والخادم، فكتب يعلى وهو يومئذٍ أمير لشأنهم، فكتب إليه عمر بقتلهم، وقال: والله لو أن أهل صنعاء شركوا في قتله لقتلتهم أجمعين (¬2). والمقصود أن الجماعة يقتلون بالواحد، ويروى ذلك عن علي والمغيرة بن شعبة أيضًا رضي الله عنهما، وبه قال سعيد بن المسيب والشعبي وأبو سلمة بن عبد الرحمن والحسن البصري. وكما تقتل الجماعة بالواحد يقاد منهم إذا قطعوا يد واحد، روي عن الشعبي أن رجلين أتيا عليًّا رضي الله عنه فشهدا على رجل أنه سرق فقطع علي يده، ثم أتيا بآخر فقالا: هذا الذي سرق وأخطأنا على الأول، فلم يجز شهادتهما على الآخر وغرمهما دية الأول، وقال: لو أعلمكما تعمدتما لقطعتكما (¬3). الأصل [974] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مسلم، عن ابن جريج، أظنه عن عطاء، عن صفوان بن يعلى بن أمية، عن يعلى بن أمية قال: غزوت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - غزوة، قال: وكان يعلى يقول: وكانت تلك الغزوة أوثق عملي في نفسي. ¬

_ (¬1) سقط من "الأصل" والمثبت من "السنن". (¬2) رواه البيهقي (8/ 41). (¬3) رواه الشافعي في "الأم" (7/ 181).

الشرح

قال عطاء: قال صفوان: قال يعلى: كان لي أجير فقاتل إنسانًا فعض أحدهما يد الآخر، فانتزع المعضوض يده من فيّ العاض فذهبت إحدى ثنيتيه، فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأهدر ثنيته. قال عطاء: فحسبت أنه قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أيدع يده في فيك تقضمها كأنها في فيّ فحل يقضمها". قال عطاء: وأخبرني صفوان أيهما عض فنسيته (¬1). [975] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مسلم، عن ابن جريج، أن ابن أبي مليكة أخبره [أن أباه أخبره (¬2)] أن إنسانًا جاء إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه وعضه إنسان فانتزع يده منه فذهبت ثنيته، فقال أبو بكر: بعدت ثنيته (¬3). الشرح حديث يعلى صحيح، أخرجه البخاري (¬4) عن أبي عاصم، عن ابن جريج عن عطاء بلا تمثل، وأخرجه مسلم (¬5) من وجه آخر عن ابن جريج، وروى البخاري (¬6) القصة أيضًا عن آدم بن أبي إياس عن شعبة عن قتادة عن زرارة بن أوفى عن عمران بن حصين، وأورده مسلم (¬7) من حديث غندر عن شعبة. ¬

_ (¬1) "المسند" ص (200). (¬2) سقط من "الأصل" والمثبت من "المسند" وكذا "الأم". (¬3) "المسند" ص (200). (¬4) "صحيح البخاري" (6893)، وكذا روى قصة أبي بكر أيضًا (2266). (¬5) "صحيح مسلم" (1674/ 23). (¬6) "صحيح البخاري" (6892). (¬7) "صحيح مسلم" (1673/ 18).

الأصل

وقوله: "كان لي أجير" أي: في تلك الغزوة. والقضم: قطع طرف الشيء بالأسنان، والغزوة التي ذكرها يعلى في الحديث كانت غزوة العسرة. ومهما عض إنسان يد غيره أو عضوًا آخر من أعضائه فللمعضوض يده فك لحييه والضرب في شدقه ليوسل، فإن نزع يده فسقطت ثنيته فلا شيء على المعضوض؛ لأن العاض متعدٍّ والمعضوض دافع، وأورد الشافعي الحديث في "الأم" (¬1) في هذا الموضع في باب ترجمه بـ "ما يسقط القصاص من العمد". الأصل [976] أبنا الربيع، أبنا الشافعي أبنا مالك، عن سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة أن سعدًا قال: يا رسول الله أرأيت إن وجدت مع امرأتي رجلًا أمهله حتى آتي بأربعة شهداء؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "نعم" (¬2). الشرح سعد هذا: هو سعد بن عبادة الأنصاري. والحديث صحيح أخرجه مسلم (¬3) من رواية مالك، وروى عن قتيبة عن عبد العزيز بن محمَّد عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة أن سعد بن عبادة الأنصاري قال: يا رسول الله الرجل يجد مع امرأته رجلًا أيقتله؟ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا"، قال سعد: بلى والذي أكرمك بالحق، ¬

_ (¬1) "الأم" (6/ 29). (¬2) "المسند" ص (201). (¬3) "صحيح مسلم" (1498/ 15).

الأصل

فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اسمعوا إلى ما يقول سيدكم". ورواه أبو داود في "السنن" (¬1) عن قتيبة وعبد الوهاب بن نجدة عن عبد العزيز. ومن وجد رجلًا يقصد امرأته أو غيرها بالفجور فعليه دفعه، فإن لم يمكنه [الدفع] (¬2) إلا بقتله حل له قتله ولا شيء عليه، لكن لو نازعه الوارث في أنه قتله لذلك فعليه البينة، فإن لم تكن بينة حلف واستحق القصاص على ما دل عليه الحديث. قال أبو سليمان الخطابي: يشبه أن تكون مراجعة سعد النبي - صلى الله عليه وسلم - طمعًا في الرخصة، فلما أبى ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنكر عليه سكت سعد وانقاد. وروي عن علي رضي الله عنه أنه قال: إن لم يأت بأربعة شهداء فليعط برمته (¬3). والرمة: الحبل، أي: دفع إليه مقيدًا ليستوفى منه القود. وعن عمر بن الخطاب أنه أهدر دمه ولم ير فيه قصاصًا. الأصل [977] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا ابن عيينة، عن الزهري، عن طلحة بن عبد الله بن عوف، عن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ومن قتل دون ماله فهو شهيد" (¬4). الشرح طلحة: هو ابن عبد الله بن عوف بن عبد عوف أبو عبد الله القرشي ¬

_ (¬1) "سنن أبي داود" (4532). (¬2) في الأصل": الرفع. تصحيف. (¬3) رواه مالك (2/ 737 رقم 1416). (¬4) "المسند" ص (201).

الزهري ابن أخي عبد الرحمن بن عوف، من الفقهاء، وكان يقال له من كرمه: طلحة الندى. سمع: أبا هريرة، وابن عباس، وروى عن: عبد الرحمن بن عوف، وعثمان. وروى عنه: الزهري، وسعد بن إبراهيم. مات سنة تسع وتسعين (¬1). وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل أبو الأعور العدوي، أحد العشرة المبشرين بالجنة، وجده عمرو والخطاب والد عمر رضي الله عنه كانا أخوين لأب وهما بنا نفيل بن عبد العزى بن رياح بن عبد الله بن قرط ابن رزاح بن عدي لم يشهد بدرًا لغيبته وضرب له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بسهمه. روى عنه: عمرو بن حريث، وعروة، وقيس بن أبي حازم، وغيرهم. وتوفي بالعقيق سنة إحدى وخمسين، وقيل: سنة اثنتين، وحمل على أعناق الرجال فدفن بالبقيع (¬2). والحديث ثابت مخرج في "صحيح البخاري" (¬3) من رواية عكرمة عن عبد الله بن عمرو عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وفي "صحيح مسلم" (¬4) من رواية ثابت مولى عمر بن عبد الرحمن عن عبد الله بن عمرو، وأورده أبو عبد الرحمن النسائي (¬5) وغيره من حديث سعيد بن زيد، وفي ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (4/ ترجمة 3074)، و"الجرح والتعديل" (4/ ترجمة 2078)، و"التهذيب" (13/ ترجمة 2973). (¬2) انظر "معرفة الصحابة" (1/ ترجمة 9)، و"الإصابة" (3/ ترجمة 3263). (¬3) "صحيح البخاري" (2480). (¬4) "صحيح مسلم" (141). (¬5) "سنن النسائي" (7/ 115)، وكذا رواه أبو داود (4772)، والترمذي (1418)، وابن ماجه (2580). وقال الترمذي: حسن صحيح.

الأصل

بعض الروايات عنه: "من قتل دون أهله، أو دون دمه أو دون دينه فهو شهيد". وفي الباب عن أبي هريرة. وفيه دليل على جواز الدفع عن النفس والأهل والمال، وعلى أنه لو قتل في الدفع نال درجة الشهداء. الأصل [978] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لو أن امرءًا اطلع عليك بغير إذن فحذفته بحصاة ففقأت عينه ما كان عليك جناح" (¬1). [979] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، أبنا الزهري قال: سمعت سهل بن سعد يقول: اطلع رجل من جحر في حجرة النبي - صلى الله عليه وسلم - ومع النبي - صلى الله عليه وسلم - مدري يحك به رأسه، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لو أعلم أنك تنظر لطعنت به في عينك، إنما جعل الاستئذان من أجل البصر" (¬2). [980] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا الثقفي، عن حميد، عن أنس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان في بيته رأى رجلًا اطلع عليه، فأهوى له بمشقص في [يده] (¬3) حتى كأنه لو لم يتأخر لم يبال أن يطعنه (¬4). الشرح حديث أبي هريرة رواه البخاري في "الصحيح" (¬5) عن علي، ¬

_ (¬1) "المسند" (ص 201). (¬2) "المسند" (ص 201). (¬3) في "الأصل": يد. والمثبت من "المسند". (¬4) "المسند" (ص 201). (¬5) "صحيح البخاري" (6902).

ومسلم (¬1) عن ابن أبي [عمر] (¬2) بروايتهما عن سفيان. وحديث سهل رواه البخاري (¬3) عن علي، ومسلم (¬4) عن أبي بكر بن أبي شيبة وغيره عن سفيان، ورواه البخاري أيضًا عن قتيبة عن الليث عن الزهري، ومسلم من وجه آخر عن معمر عن الزهري. وحديث أنس رواه البخاري (¬5) عن أبي النعمان، ومسلم (¬6) عن يحيى بن يحيى وغيره عن حماد بن زيد عن عبيد الله بن أبي بكر بن أنس عن أنس. وقوله: "فخذفته" رواه بعضهم بالحاء المهملة والأشهر الخاء، والخذف: أن يرمي بين السبابتين أو بين الإبهام والسبابة بحصاة أو نواة. والمدري والمدراة: حديدة تصلح بها الماشطة الشعر، وقيل: هي مجموع أعواد محددة كالمشط. والمشقص: نصل السهم الطويل غير العريض، وقيل: هو الطويل العريض. وقوله: "لو أعلم أن تنظر" في بعض الروايات "أنك تنظر" وفي بعضها "أنك تنظرني" وهي صحيحة، وتروى "أنك تنتظرني" (¬7) وليس بواضح المعنى. ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (2158/ 44). (¬2) في "الأصل": عمرو. خطأ. (¬3) "صحيح البخاري" (5924). (¬4) "صحيح مسلم" (2156/ 41). (¬5) "صحيح البخاري" (6242). (¬6) "صحيح مسلم" (2157/ 42). (¬7) قال النووي في "شرح مسلم" عن الروايتين: قال القاضي: الأول رواية الجمهور (وهي: تنتظرني) والصواب الثاني (وهي: تنظرني) ويحمل الأول عليه.

الأصل

ومن نظر في صير (¬1) باب غيره أو من كوة في الدار بغير إذنه فلصاحب الدار دفعه في حصاة (¬2) ونحوها إلى عينه، وإن ذهبت عينه فيه فلا ضمان. وهل يحتاج إلى تقديم النهي بالكلام والإنذار؟ فيه وجهان للأصحاب، وظاهر الأحاديث تدل على أنه لا حاجة إليه وينبغي أن يرمي بشيء خفيف كالمدري، ولا يرمي إليه الشيء الثقيل ولا السكين. وقوله: "إنما جعل الاستئذان من أجل البصر" يريد أن الغرض من الاستئذان أن لا يقع البصر على ما لا يراد كشفه، وكذلك أمر المستأذن بأن لا يستقبل الباب إذا كان مفتوحًا، ولكن يقف عن يمين الباب أو يساره، ولو نظر الناظر من الباب وهو مفتوح أو من كوة واسعة ففي جواز رميه وجهان: أصحهما: المنع، لتقصير صاحب الدار بفتح الباب وتوسيع الكوة. الأصل [981] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن يحيى بن سعيد، عن [عمرو] (¬3) بن شعيب أن رجلًا من بني مدلج يقال له: قتادة خذف ابنه بسيف فأصاب ساقه فنزى في جرحه فمات، فقدم سراقة بن جعشم على عمر بن الخطاب رضي الله عنه فذكر ذلك له، فقال عمر: اعدد لي [على] (¬4) قدير عشرين ومائة بعير حتى أقدم عليك، فلما قدم عمر أخذ من تلك الإبل ثلاثين حقة وثلاثين جذعة وأربعين خلفه، ثم ¬

_ (¬1) هو شق الباب. (¬2) كذا في "الأصل". (¬3) في "الأصل": عمر. تحريف. (¬4) سقط من "الأصل" والمثبت من "المسند".

الشرح

قال: أين أخو المقتول؟ قال: ها أنا ذا، قال: خذها فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ليس لقاتل شيء" (¬1). الشرح الحديث منقطع، لكنه روي موصولًا، فروى الحافظ الدارقطني (¬2) عن ابن مخلد، عن محمَّد بن مسلم بن وارة، والإمام أبو بكر البيهقي عن الأستاذ أبي طاهر، عن علي بن إبراهيم بن معاوية النيسابوري عن ابن [وارة] (¬3) قال: حدثني محمَّد بن سعيد بن سابق، أبنا عمرو يعني ابن [أبي] (¬4) قيس، عن منصور يعني ابن المعتمر عن محمَّد بن عجلان، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رجلًا من بني مدلج قتل ابنه فانطلق في نفر من قومه إلى عمر رضي الله عنه فقال: يا عدو نفسه أنت الذي قتلت [ابنك] (¬5) لولا أني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لا يقاد الأب من ابنه" لقتلتك، هلم ديته قال: فأتاه بعشرين أو ثلاثين ومائة بعير، فاختار منها مائة فدفعها إلى ورثته وترك أباه. وقوله: "خذف ابنه بسيف أي: رماه به، يقال: خذفه بالسيف والعصا. وقوله: "فنزى في جرحه" أي: سال منه الدم حتى مات. وسراقة بن جعشم مدلجي فأتى عمر رضي الله عنه في الواقعة لرفع ¬

_ (¬1) "المسند" (ص 201). (¬2) "سنن الدارقطني" (3/ 140 رقم 179). (¬3) تحرف في "الأصل" والمثبت من "السنن". (¬4) سقط من "الأصل". (¬5) في "الأصل": نفسك. والمثبت من "السنن".

الحال إليه. وقديد: موضع قريب من المدينة. وقوله: "اعدد لي على قدير عشرين ومائة بعير" أمره بإعداد هذا العدد، وعدَّ لا ليأخذ الكل بل ليختار منها السليم المجزيء على ما بين في الرواية الأخرى، وفيه ما يدل على وقوع اسم البعير على الناقة فإنه قال: "عشرين ومائة بعير" ثم قال: "أخذ من تلك الإبل ثلاثين حقه وثلاثين جذعة وأربعين خلفة". وفيه بيان أن القاتل لا يرث، وأن دية القتل العمد ثلاثون حقه وثلاثون جذعة وأربعون خلفة، وأن الأب لا يقاد منه وتؤخذ الدية، وقد روي عن الحكم بن عتيبة عن رجل يقال له: عرفجة، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "ليس [على] (¬1) الوالد قود من ولد" (¬2). وعن عمرو بن دينار، عن طاوس، عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تقام الحدود في المساجد، ولا يقاد الوالد بالولد" (¬3). وخروج عمر رضي الله عنه كأنه قصد به سهولة النظر إليها واختبارها في الصحراء، وأيضًا لم يحوجهم إلى إدخالها العمران، وفي اللفظ ما يشعر بطلبه الدية قبل أن يطالب بها مستحقوها، ولعله أراد بيان الحكم لهم أو تفخيم شأن (¬4) باستيفاء الدية إذ لم يجب القصاص. ¬

_ (¬1) سقط من "الأصل" والمثبت من "السنن". (¬2) رواه البيهقي (8/ 39). (¬3) رواه الترمذي (1401)، وابن ماجه (2599)، والحاكم (4/ 410) وسكت عليه، وحسنه الألباني في "صحيح الجامع" (7381). (¬4) كذا "بالأصل"!

الأصل

الأصل [982] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مروان، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم قال: لجأ قوم إلى خثعم فلما غشيهم المسلمون استعصموا بالسجود فقتلوا بعضهم، فبلغ النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "أعطوهم نصف العقل لصلاتهم" ثم قال عند ذلك: "ألا إني بريء من كل مسلم مع مشرك" قالوا: يا رسول الله، لم؟ قال: "لا تراءى ناراهما" (¬1). [983] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مطرف، عن معمر، عن الزهري، عن عروة قال: كان أبو حذيفة بن اليمان شيخًا كبيرًا فرفع في الآطام مع النساء يوم أحد فخرج يتعرض للشهادة، فجاء من ناحية المشركين فابتدره المسلمون فتوشقوه بأسيافهم وحذيفة يقول: أبي أبي، فلا يسمعونه من شغل الحرب حتى قتلوه، فقال حذيفة: يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين، فقضى النبي - صلى الله عليه وسلم - بديته (¬2). الشرح مروان: هو ابن معاوية الفزاري، ذكره الحافظ أبو الحسن الدارقطني في شيوخ الشافعي، ويقال له: عبد الله، كوفي سكن مكة. وسمع: الأعمش، وابن أبي خالد، وعاصمًا الأحول: مات قبل التروية بيوم سنة ثلاث وتسعين ومائة فجاءة (¬3). ومطرف في شيوخه: هو مطرف بن مازن الكناني الصنعاني. روى ¬

_ (¬1) "المسند" (ص 202). (¬2) "المسند" (ص 202). (¬3) انظر "التاريخ الكبير" (7/ ترجمة 1598)، "والجرح والتعديل" (8/ ترجمة 1246)، "والتهذيب" (27/ ترجمة 5877).

عن: معمر، وابن جريج، ويعلى بن مقسم، وتكلم فيه بعضهم (¬1). وحديث قيس مرسل، لكنه روي موصولًا من رواية أبي معاوية عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس، عن جرير بن عبد الله قال: بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى خثعم فاعتصم ناس بالسجود ... وقال: "أنا بريء من مسلم مقيم بين أظهر المشركين" (¬2). وقصة والد حذيفة أورد البخاري طرفًا منها في "الصحيح" (¬3) عن فروة عن علي بن مسهر عن هشام بن عروة عن أبيه، وعن محمَّد بن حرب عن يحيى بن أبي زكريا الواسطي عن هشام، وعن إسحاق عن أبي أسامة عن هشام. ولمَّا روى الشافعي الحديث الأول قال (¬4): إن كان هذا يثبت فأحسب النبي - صلى الله عليه وسلم -والله أعلم-[أعطى] (¬5) من أعطى منهم متطوعًا، وأعلمهم أنه بريء من كل مسلم مع مشرك [في دار الشرك] (¬6) ليعلمهم أن لا دية لهم ولا قود. وقال أبو سليمان الخطابي: إنما لم يكمل لهم الدية وأمر لهم بنصفها؛ لأنهم قد أعانوا على نفسهم بمقامهم بين الكفار فكانوا كمن ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (7/ ترجمة 1737)، "والجرح والتعديل" (8/ ترجمة 1452)، "وتعجيل المنفعة" (1/ ترجمة 1044). (¬2) رواه أبو داود (2645)، والترمذي (1604). قال أبو داود: رواه هشيم ومعمر وخالد الواسطي وجماعة لم يذكروا جريرًا. ورواه الترمذي مرسلًا أيضًا وقال وهو أصح، وقال أيضًا: سمعت محمدًا يقول: الصحيح حديث قيس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسل. (¬3) "صحيح البخاري" (6883). (¬4) "الأم" (6/ 35). (¬5) من "الأم". (¬6) في "الأصل": وفي دار مشترك. والمثبت من "الأم".

هلك بجناية نفسه وجناية غيره. واعلم أن من قتل رجلًا في دار الحرب وهو يظنه كافرًا فبان مسلمًا فلا قصاص في قتله وتجب الكفارة، وفي الدية قولان: أصحهما: أنها لا تجب أيضًا؛ لأن دار الحرب مباحة، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يغير عليهم بعد ما بلغتهم الدعوة. وقول الشافعي: "أعطى من أعطى منهم متطوعًا" جرى على هذا القول الأصح، واحتج له بأن الله تعالى ذكر الدية والكفارة حيث قال: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} (¬1)، وذكرهما أيضًا في قتل من بيننا وبينه ميثاق فقال: {وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} (¬2)، وقال فيما بينهما: {فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} أي: في قوم عدو لكم، فذكر الكفارة ولم يذكر الدية، وكان ذلك ظاهرًا في أنه لا دية فيه. قال: ويحتمل أنه أعطى الدية قبل نزول الآية فلما نزلت قال: "أنا بريء من كل مسلم مع مشرك"، وقد يقال: إن الحكم ينفي القصاص والدية على القول الأصح فيما إذا كان المقتول على زي أهل الشرك. وفي الحديث أنهم استعصموا بالسجود والصلاة وهذا هيئة المسلمين لا ينبغي أن تنفى الدية، وقد يستدل بقوله: "أعطوهم نصف العقل لصلاتهم" على أن الكافر لا يحكم بإسلامه بسبب إتيانه بالصلاة. وقوله: "لا تراءى ناراهما" أي: لا ينزل المسلم بالموضع الذي تراءى ناره نار المشرك إذا أوقد أي: تقابله وتحاذيه، يقال: منازلهم تتراءى أي: يقابل بعضها بعضًا، وقيل: "لا تراءى ناراهما" أي: لا ¬

_ (¬1) النساء: 92. (¬2) النساء: 92.

الأصل

يتسم المسلم بسمة المشرك ولا يتشبه به في هديه وشكله ولا يتخلق بأخلاقه من قولك: ما نار نعمك، أي: ما سمتها ذكره في "الغريبين". وأما إذا قتل في غير دار الحرب من ظَنّه مشركًا فكان مسلمًا وجبت الدية، إذ ليس الغالب في أهل ذلك الموضع الشرك وعليه يدل حديث والد حذيفة. والآطام: الأبنية المرتفعة، واحدها: أطم. وقوله: "يتعرض للشهادة" أي: يطلبها ويقصد. وقوله: "فتوشقوه بأسيافهم" كأنه يريد أنهم قطعوه، من قولهم: وشقت اللحم أشقه وشقًا واتشقته إذا قطعته للتقديد، والوشيق والوشيقة: اللحم يغلى إغلاءة ثم يقدد ويحمل في الأسفار. ويقال أن حذيفة لما قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بدية أبيه تصدق بها على المسلمين فزاده ذلك عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. الأصل [984] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا يحيى بن حسان، أبنا الليث بن سعد، عن ابن شهاب، عن ابن المسيب، عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قضى [في] (¬1) جنين امرأة من بني لحيان (سقطًا) (¬2) ميتًا بغرة عبد أو أمة، ثم إن المرأة التي قضى عليها بالغرة توفيت فقضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأن ميراثها لبنيها وزوجها [و] (¬3) العقل على عصبتها (¬4). ¬

_ (¬1) في "الأصل": من. والمثبت من "المسند". (¬2) في "المسند": سقط. وسيأتي كلام المصنف عليه في الشرح. (¬3) سقط من "الأصل" والمثبت من "المسند". (¬4) "المسند" (ص 202).

الشرح

الشرح هذا حديث صحيح، رواه البخاري في "كتابه" (¬1) عن عبد الله بن يوسف، ومسلم (¬2) عن قتيبة، بروايتهما عن الليث، ورواه مالك عن ابن شهاب عن أبي سلمة عن أبي هريرة: أن امرأتين من هذيل رمت احداهما الأخرى فطرحت جنينها، فقضى فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بغرة عبد أو أمة (¬3). [و] (¬4) هذا رواه البخاري في "الصحيح" (¬5) عن عبد الله بن يوسف، ومسلم (¬6) عن يحيى بن يحيى عن مالك، ورواه الشافعي (¬7) عن مالك وقال: بغرة عبد أو وليدة. وروى مالك عن ابن شهاب عن ابن المسيب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى في الجنين يقتل في بطن أمة بغرة عبد أو أمة، فقال الذي قضي عليه: كيف أغرم من لا شرب ولا أكل ولا نطق ولا استهل، ومثل ذلك بطل؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن هذا من إخوان الكهان" (¬8). هكذا رواه الشافعي عن مالك مرسلًا، ورواه البخاري في "الصحيح" (¬9) عن قتيبة عن مالك كذلك، ورواه يونس بن يزيد عن الزهري عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة عن أبي هريرة قال: اقتتلت امرأتان من هذيل فرمت إحداهما الأخرى فقتلتها وما في بطنها، ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (6740). (¬2) "صحيح مسلم" (1681/ 35). (¬3) "الموطأ" (2/ 855 رقم 1551) وفيه: "وليدة" بدل "أمة". (¬4) ليست في "الأصل" والسياق يقتضيها. (¬5) "صحيح البخاري" (6904). (¬6) "صحيح مسلم" (1681/ 34). (¬7) "الأم" (6/ 107). (¬8) "الموطأ" (2/ 855 رقم 1552). (¬9) "صحيح البخاري" (5758).

فاختصموا في الدية إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقضى أن دية جنينها غرة عبد أو أمة، وقضى بديتها على عاقلتها وورثها ولدها ومن معهم، فقال حمل بن [النابعة] (¬1) الهذلي: كيف أغرم من لا شرب ولا أكل ولا نطق ولا استهل، فمثل ذلك يُطَلُّ (¬2)، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إن هذا من إخوان الكهان" من أجل سجعه الذي سجع (¬3). وفي الباب عن جابر بن عبد الله وابن عباس ومحمد بن مسلمة والمغيرة بن شعبة، وحمل بن مالك بن النابعة؛ فروى الشافعي عن سفيان، عن عمرو بن دينار عن طاوس أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: أذكر الله امرءًا سمع من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الجنين شيئًا؟ [فقام] (¬4) حمل بن مالك بن النابعة، فقال: كنت بين جاريتين لي فضربت إحداهما الأخرى بمسطح فألقت جنينًا ميتًا، فقضى فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بغرة، فقال عمر: إن عندنا أن نقضي في مثل هذا برأينا (¬5). ورواية من روى "أن امرأتين من هذيل رمت إحداهما الآخرى ... " لا تخالف رواية من روى "أنه قضى في جنين امرأة من بني لحيان" قبيلة من هذيل، واللام من لحيان تفتح وتكسر. وقوله: "سقطًا ميتًا" كذا هو في بعض الروايات، وفي بعضها: ¬

_ (¬1) تحرف في "الأصل" والمثبت من "الصحيح". (¬2) قال النووي في "شرح مسلم": روي في "الصحيحين" وغيرهما بوجهين: أحدهما: "يطل" بضم الياء المثناة وتشديد اللام ومعناه يهدر ويلغى ولا يضمن. والثاني: "بطل" بفتح الموحدة وتخفيف اللام على أنه فعل ماض من البطلان وهو بمعنى الملغي أيضًا. (¬3) رواه البخاري (6910)، ومسلم (1681/ 36). (¬4) في "الأصل": فقال. خطأ. (¬5) "المسند" (ص 241).

"سقط ميتًا". وقوله: "بغرة عبد أو أمه" أكثر الرواة يضيف الغرة إلى ما بعدها، ومنهم من نون الغرة وجعل بدلًا عنها، ثم قيل: الغرة: النسمة كيف كانت وأصلها غرة الوجه، وقيل: الغرة أنفس الشيء، ويقرب منه قول من يقول أن الغرة الخيار، وعن [أبي] (¬1) عمرو بن العلاء أن الغرة عبد أبيض أو أمة بيضاء، وأنه لا يؤخذ في الجنين عبد أسود ولا أمة سوداء. وقوله: "و [العقل] (¬2) على عصبتها" يريد دية المرأة على ما ذكرنا في رواية يونس: أنه رمت إحدى المرأتين الأخرى فقتلتها وما في بطنها ثم قال: فقضى أن دية جنينها غرة عبد أو أمة، وقضى بديتها على عاقلتها. وفي الحديث بيان أن الجاني إذا مات وقد ضربت الدية على عاقلته تؤخذ منهم ويكون ماله لورثته، وفي رواية الشعبي عن جابر بن عبد الله أن امرأتين من هذيل قتلت إحداهما الأخرى ولكل واحدة [منهما] (¬3) زوج وولد، فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دية المقتولة على عاقلة القاتلة وبرأ زوجها وولدها. فقال عاقلة المقتولة: ميراثها لنا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا، ميراثها لزوجها" (¬4). واحتج بقوله: "جعل دية المقتولة على عاقلة القاتلة وبرَّأ زوجها وولدها" على أن الولد ليس من العاقلة. ¬

_ (¬1) في "الأصل": ابن. خطأ. (¬2) في "الأصل": القتل. تجريف. (¬3) في "الأصل": منها. والمثبت من "التخريج". (¬4) رواه أبو داود (4575)، وابن ماجه (2648). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود".

الأصل

وذكر الإِمام أبو سليمان الخطابي (¬1) أن قوله: "ومثل ذلك بطل" يروى على وجهين: أحدهما: بطل، على الفعل الماضي من البطلان. والثاني: يطل على الفعل الغابر من قولهم: طل دمه إذا هدر. وأن قوله: "هذا من إخوان الكهان من أجل سجعه" ليس تعييبًا بمجرد السجع وإنما عابه بالسجع في الباطل وشبهه بالكهان الذين يروجون الباطل بأسجاع تروق السامعين، فأما السجع في الحق فلا بأس به وقد تكلم به - صلى الله عليه وسلم - في مواضع، والقضاء بالدية على العاقلة في الواقعة يشعر بأن القتل كان شبه عمد. وقوله في حديث حمل: "فضربت إحداهما الأخرى بمسطح" يشعر به أيضًا؛ فإن المسطح: عود من عيدان الخباء، والقتل به قريب بالعصا، لكن أبا داود روى في "السنن" (¬2) عن محمَّد بن مسعود، عن أبي عاصم، عن ابن جريج عن عمرو بن دينار عن طاوس عن ابن عباس أن عمر رضي الله عنه سأل عن قضية النبي في ذلك، فقام حمل بن مالك بن النابغة فقال: كنت بين امرأتين فضربت إحداهما الأخرى بمسطح فقتلتها وجنينها، فقضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في جنينها بغرة وأن تقتل. وهذا خلاف ما في عامة الروايات، ويذكر أن عمرو بن دينار شك فيه بعدما رواه. والله أعلم. الأصل [985] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن محمَّد بن ¬

_ (¬1) "معالم السنن" (12/ 205). (¬2) "سنن أبي داود" (4572).

الشرح

المنكدر أن رجلًا جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: إن لي مالًا وعيالًا، وإن لأبي مالًا وعيالًا وإنه يريد أن يأخذ مالي فيطعمه عياله، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أنت ومالك لأبيك" (¬1). الشرح روى الشافعي هذا الحديث في "الرسالة" مرسلًا هكذا، ويروى موصولًا عن عبد الله بن نافع الصائغ عن المنكدر بن محمَّد عن أبيه عن جابر بن عبد الله (¬2)، وروى أبو داود في "السنن" (¬3) عن محمَّد بن كثير عن سفيان عن منصور عن إبراهيم عن عمارة بن عمير، عن عمته عن عائشة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه وولده من كسبه". ويروى عن عمارة بن عمير عن أمه عن عائشة (¬4)، وعن أبي معاوية عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه، وولده من كسبه" (¬5)، وعن يزيد بن زريع عن حبيب المعلم، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه عن جده أن رجلًا أتى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: يا رسول الله إن لي مالًا وولدًا، وإن والدي يجتاح مالي، قال: "أنت ومالك لوالدك، إن أولادكم من أطيب كسبكم فكلوا من كسب أولادكم" أورده أبو داود في ¬

_ (¬1) "المسند" (ص 202). (¬2) رواه البيهقي (7/ 481). ورواه موصولًا أيضًا ابن ماجه (2291). قال الزيعلي (3/ 337): قال ابن القطان: إسناده صحيح. وصححه الألباني في "الإرواء" (838). (¬3) "سنن أبي داود" (3528). (¬4) رواه أبو داود (3529). (¬5) رواه النسائي (7/ 241)، وابن ماجه (2137)، وابن حبان (4261).

"السنن" (¬1) عن محمَّد بن المنهال عن يزيد بن زريع. واستدل بهذِه الأخبار على وجوب نفقة الوالدين، قال الخطابي: وقوله: "يجتاح مالي" أي: يستأصله ويأتي عليه، يقال: جاحهم الزمان واجتاحهم: إذا أتى على أموالهم، قال: ويشبه أن يكون ما ذكره من اجتياح والده ماله إنما هو بسبب النفقة وأن مقدار ما تحتاج إليه النفقة شيء كثير لا يسعه فضل ماله بل يجتاح أصله، فلم يرخص له في ترك النفقة عليه وقال: "أنت ومالك لوالدك" أي: إذا احتاج إلى مالك أخذه وإن اجتاحه، وليس المراد أنه يباح له ماله على الإطلاق، ولا أعلم أحدًا ذهب إليه من الفقهاء، ويروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "كل أحد أحق بماله من ولده ووالده والناس أجمعين" (¬2). وعن قيس بن أبي حازم قال: سمعت أبا بكر الصديق رضي الله عنه وقد جاءه رجل فقال: إن أبي يريد أن يأخذ مالي كله فيجتاحه، فقال لأبيه: إن لك من ماله ما يكفيك، فقال: يا خليفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أليس قد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أنت ومالك لأبيك" فقال: ارض منه بما رضي -عَزَّ وَجَلَّ- (¬3). ¬

_ (¬1) "سنن أبي داود" (3530). (¬2) رواه الدارقطني (4/ 235 رقم 112)، والبيهقي من طريقه (10/ 319) من طريق هشيم، عن عبد الرحمن بن يحيى، عن حبان بن أبي جبلة. قال البيهقي: هذا مرسل، وضعفه الألباني في "ضعيف الجامع" (4210). وقال المناوي في "فيض القدير" (5/ 9): أشار المنصف لصحته (أي: السيوطي) وهو ذهول، فقد استدرك عليه الذهبي في المهذب فقال: لم يصح مع انقطاعه. قلت: ورواه سعيد بن منصور (2293) عن حبان، عن الحسن مرفوعًا. (¬3) رواه الطبراني في "الأوسط" (806) من طريق إسماعيل بن أبي خالد عن قيس، وقالد: لم يروه عن إسماعيل إلا المنذر بن زياد. قال الهيثمي (4/ 156): وهو متروك.

الأصل

ويروى: "فقال: نعم". وإنما يعني بذلك النفقة. الأصل [986] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان بن عيينة، عن مطرف، عن الشعبي، عن أبي جحيفة قال: سألت عليًّا رضي الله عنه: هل عندكم من النبي - صلى الله عليه وسلم - شيء سوى القرآن؟ فقال: لا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إلا أن يؤتي الله عبدًا فهمًا في القرآن وما في الصحيفة. قلت: وما في الصحيفة؟ قال: العقل، وفكاك الأسير، ولا يقتل مؤمن بكافر (¬1). الشرح قد سبق الحديث وما تيسر من الكلام فيه (¬2). والحديث في أن لا يقتل مؤمن بكافر يروى من رواية عائشة وعمران بن الحصين ومعقل بن يسار وغيرهم رضي الله عنهم، ويروى العمل بمقتضاه عن عمر وعثمان رضي الله عنهما. الأصل [987] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن عبد الله بن أبي بكر بن محمَّد بن عمرو بن حزم، عن أبيه أن في الكتاب الذي كتبه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعمرو بن حزم: "وفي كل إصبع مما هناك عشر من الإبل" (¬3). ¬

_ (¬1) "المسند" (ص 202). (¬2) سبق برقم (931). (¬3) "المسند" (ص 203).

الشرح

[988] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أخبرني إسماعيل ابن علية بإسناده عن أبي موسى قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "في الأصابع عشر عشر" (¬1). الشرح الكتاب المذكور كتبه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعمرو بن حزم وبعث به معه، فعن ابن شهاب قال: قرأت كتاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي كتبه لعمرو بن حزم حين بعثه إلى أهل نجران، وكان الكتاب عند أبي بكر بن حزم كتب في: هذا بيان من الله -عَزَّ وَجَلَّ- ورسوله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} حتى بلغ {إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} ثم كتب: هذا كتاب الجراح: في النفس مائة من الإبل ... (¬2) واندفع في ذكر ديات الأعضاء. وعن سليمان بن داود عن الزهري عن أبي بكر بن محمَّد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كتب إلى أهل اليمن بكتاب فيه الفرائض والسنن والديات وبعث به عمرو بن حزم فقرئت على أهل اليمن ... (¬3) وحكى ما كان فيه. وقوله: "مما هناك" أشار به إلى اليدين والرجلين، فقد روي عن نظم الكتاب وترتيبه: "وفي اليد خمسون من الإبل، وفي كل إصبع مما هناك عشر من الإبل". والمقصود أن الأصابع تستوي في الدية وإن اختلف منافعها وفوائدها، وهذا كما أن الصغير والكبير والعيل والضعيف يستوون في ¬

_ (¬1) "المسند" (ص 203). (¬2) رواه النسائي (8/ 59). (¬3) رواه ابن حبان (6559)، والحاكم (1/ 553).

الدية، ولا يتبع ما في الناس من الخصال والمعاني، فإن النظر فيها يطول ولا ينضبط، وما روي عن عمر رضي الله عنه أنه كان يفاوت بينهما، فيجعل في الإبهام خمس عشرة، وفي السبابة والوسطى عشرًا عشرًا، وفي البنصر تسعًا، وفي الخنصر ستًّا؛ فعن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب أنه قضى بذلك لما رأى فيها من التفاوت إلى أن وجد الكتاب عند آل عمرو بن حزم فأخذ بما فيه (¬1). وروي أن ابن عباس كان يقول في الأصابع عشر عشر، فأرسل مروان إليه قال: أتفتي في الأصابع بهذا وقد بلغك عن عمر ما بلغك! فقال ابن عباس: رحم الله عمر، قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحق أن يتبع من قول عمر (¬2). وحديث أبي موسى لم [يسق] (¬3) الشافعي إسناده في هذا الموضع، ورواه المزني (¬4) عن الشافعي عن إسماعيل عن غالب التمار عن مسروق بن أوس عن أبي موسى الأشعري، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وكذلك ¬

_ (¬1) رواه عبد الرزاق (9/ 384) عن الثوري عن يحيى بن سعيد، عن ابن المسيب، عنه، وفيه: حتى وجدنا كتابًا عند آل حزم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن الأصابع كلها سواء فأخذ به. قال ابن كثير في "تحفة الطالب" ص (229): والإمام الشافعي رحمه الله نقل هذا عن عمر إلا أنه لم ينقل أنه رجع عنه، ففي "الرسالة" أنه قال: ولم يقبلوا كتاب آل ابن حزم حتى ثبت لهم أنه كتاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... إلى أن قال: ولو بلغ هذا عمر لصار إليه كما صار إلى غيره مما بلغه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بتقواه الله. (¬2) رواه البيهقي (8/ 93). (¬3) في "الأصل": يسبق. والمثبت من "الصواب". (¬4) "السنن المأثورة" (619).

الأصل

رواه علي بن المديني وغيره، ورواه سعيد بن أبي عروبة عن إسماعيل، فأدخل بين غالب ومسروق: حميد بن هلال. ويؤيد الحديثين ما روى البخاري في "الصحيح" عن آدم بن أبي إياس عن شعبة عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "هذِه وهذِه سواء" يعني: الخنصر والإبهام (¬1). وروي عن يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس قال: جعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أصابع اليدين والرجلين سواء (¬2). وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "في الأصابع عشر عشر" (¬3). ويروى التسوية بينهما عن: عثمان، وعلي وزيد بن ثابت رضي الله عنهم. الأصل [989] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك بن أنس، عن عبد الله بن أبي بكر [عن أبيه] (¬4) أن في الكتاب الذي كتبه النبي - صلى الله عليه وسلم - ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (6895). (¬2) رواه أبو داود (4561)، والترمذي (1391)، وابن الجارود (780)، وابن حبان (6012). وعندهم جميعًا إلى عند أبي داود زيادة: "عشرة من الإبل لكل إصبع". قال الترمذي: حسن صحيح غريب من هذا الوجه. وصححه ابن القطان كما في "نصب الراية" (4/ 372). (¬3) رواه أبو داود (4562)، والنسائي (8/ 57)، وابن الجارود (781). (¬4) سقط من "الأصل". والمثبت من "المسند".

الشرح

لعمرو بن حزم: "وفي الموضحة خمس" (¬1). الشرح قال الشافعي: الموضحة: هي الشجة التي تبلغ الجلدة الرقيقة بين اللحم والعظم فتشقها حتى يبدو وضح العظم، والواجب فيها خمس من الإبل للحديث، وروى عبد الرزاق وغيره عن معمر عن عبد الله بن أبي بكر عن أبيه عن جده عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "في المواضع خمس من الإبل" (¬2). ويروى ذلك عن علي [و] (¬3) زيد بن ثابت، ولا فرق بين الصغيرة والكبيرة اتباعًا للاسم، والموضحة في الوجه والرأس سواء، يروى ذلك عن أبي بكر وعمر وزيد بن ثابت رضي الله عنهم، وأما الموضحة على سائر البدن فواجبها الحكومة. الأصل [990] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب كان يقول: الدية للعاقلة، ولا ترث المرأة من دية زوجها شيئًا، حتى أخبره الضحاك بن سفيان أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كتب إليه أن يورث امرأة أشيم الضبابي من ديته فرجع إليه عمر (¬4). ¬

_ (¬1) "المسند" ص (203). (¬2) "المصنف" (9/ 306). (¬3) في "الأصل": ابن. خطأ. وروى ابن أبي شيبة عن علي في ذلك (5/ 349)، وعبد الرزاق عن زيد بن ثابت (9/ 305). (¬4) "المسند" ص (203).

الشرح

[991] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن ابن شهاب؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كتب إلى الضحاك بن سفيان، أن يورث امرأة أشيم الضبابي من ديته. قال ابن شهاب: وكان أشيم قتل خطأ (¬1). الشرح الضحاك: هو ابن سفيان بن عوف بن كعب بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة الكلابي، له صحبة، استعمله النبي - صلى الله عليه وسلم - على الأعراب، وكان ينزل البادية بناحية البصرة. روى عنه: سعيد بن المسيب، والحسن بن أبي الحسن (¬2). وأشيم الضبابي أورده الحافظ أبو موسى المديني في "زيادات معرفة الصحابة" والضبابيون منسوبون إلى ضباب بن كلاب بن ربيعة بن عامر (¬3). والحديث رواه عن سفيان: الحسن بن محمَّد الزعفراني، وأحمد بن صالح وأخرجه أبو داود (¬4) من روايته، وأبو بكر بن أبي شيبة وأخرجه ابن ماجه في "السنن" (¬5) من روايته. ومقصوده بيِّن، وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "الدية ميراث ¬

_ (¬1) "المسند" (ص 203). (¬2) انظر "معرفة الصحابة" (3/ ترجمة 1504)، و"الإصابة" (3/ ترجمة 4170). (¬3) انظر "الإصابة" (1/ ترجمة 207). (¬4) "سنن أبي داود" (2927). (¬5) "سنن ابن ماجه" (2642). ورواه الترمذي (1415)، والنسائي في "الكبرى" (6363)، وابن الجارود (966). وقال الترمذي: حسن صحيح.

الأصل

على كتاب الله عَزَّ وَجَلَّ" (¬1). وعن عبادة بن الصامت، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى لحمل بن مالك الهذلي بميراثه من امرأته التي قتلتها امرأته الأخرى (¬2). واحتج أبو سليمان الخطابي بتوريث الدية على أنه يجوز عفو القتيل عن الدية في ثلث ماله؛ لأن التوريث منه يدل على أنه ملكه. الأصل [992] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه قال: كانت عائشة رضي الله عنها تليني وأخًا لي يتيمين في حجرها، وكانت تخرج من أموالنا الزكاة (¬3). [993] [أخبرنا] (¬4) سفيان، عن عمرو بن دينار؛ أن عمر بن الخطاب قال: ابتغوا في أموال اليتامى لا تستهلكها الزكاة (¬5). [994] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر؛ أنه كان يزكي مال اليتيم (¬6). [995] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن أيوب بن موسى ويحيى بن سعيد وعبد الكريم بن أبي المخارق، كلهم يخبره عن القاسم بن ¬

_ (¬1) رواه البيهقي (8/ 134). (¬2) رواه ابن ماجه (2643). قال صاحب "مصباح الزجاجة" (937): إسناده منقطع، وله شاهد من حديث الضحاك. وصححه الألباني بهذا الشاهد في التعليق على سنن ابن ماجه. (¬3) "المسند" ص (203). (¬4) سقط من الأصل والمثبت من "المسند". (¬5) "المسند" ص (204). (¬6) "المسند" ص (204).

الشرح

محمَّد قال: كانت عائشة تزكي أموالنا لأنه ليتجر بها في البحرين (¬1). الشرح فرغ مما استخرجه من كتاب جراح العمد من "الأم" وهذِه آثار أوردها الشافعي في "الأم" في "باب زكاة مال اليتيم". وعبد الكريم بن أبي المخارق هو أبو أمية البصري المعلم، ويقال: هو عبد الكريم بن قيس. روى عن: طاوس، ومجاهد، ومكحول، وحسان بن بلال. سمع منه: ابن جريج، والثوري، ومالك، وشعبة. توفي سنة سبع وعشرين (¬2). والأثر الأول مكرر وقد سبق ذكره في أبواب الزكاة. ورواية عمرو بن دينار عن عمر مرسلة، [ورواه] (¬3) محمَّد بن مسلم عن عمرو بن دينار عن عبد الرحمن بن السائب عن عمر (¬4)، ورواه أيضًا حسين المعلم عن عمرو بن شعيب عن سعيد بن المسيب عن عمر. وقوله: "ابتغوا في أموال اليتامى" أي: خيرًا أو ربحًا. ويروى القول بوجوب الزكاة في مال الصبي عن علي بن الحسن بن علي، وجابر بن عبد الله -رضي الله عنهم-. وفي الأثر الأخير دلالة على أنه يجوز المسافرة بمال اليتيم للتجارة عليه. ¬

_ (¬1) "المسند" ص (204). (¬2) انظر "التاريخ الكبير" (6/ ترجمة 1797)، و"الجرح والتعديل" (6/ ترجمة 311)، و"التهذيب" (18/ ترجمة 3506). (¬3) في الأصل: ورواية. تحريف. (¬4) رواه البيهقي من طريق محمَّد بن مسلم (6/ 2).

الأصل

الأصل [996] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك بن أنس وسفيان، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع الولاء وهبته (¬1). [997] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، عن سفيان، عن ابن [أبي] (¬2) نجيح، عن مجاهد أن عليًّا -رضي الله عنه- قال: الولاء بمنزلة الحلف أقره حيث جعله الله (¬3). [998] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن نافع، عن ابن عمر، عن عائشة أنها أرادت أن تشتري جارية تعتقها، فقال أهلها: نبيعكها على أن ولاءها لنا، فذكرت ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: "لا يمنعك ذلك فإنما الولاء لمن أعتق" (¬4). [999] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن يحيى بن سعيد، عن عمرة [بنحوه] (¬5) لم يقل: عن عائشة. وذلك مرسل. [1000] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، عن مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة أنها قالت: جاءتني بريرة فقالت: إني كاتبت أهلي على تسعة أواقٍ في كل عام أوقية فأعينيني، فقالت لها عائشة: إن أحب أهلك أن أعدها لهم ويكون ولاؤك لي فعلت، فذهبت بريرة إلى أهلها ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالس، فقالت: إني قد عرضت ذلك عليهم فأبوا إلا أن يكون الولاء لهم، فسمع ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسألها فأخبرته عائشة، فقال ¬

_ (¬1) "المسند" ص (204). (¬2) سقط من "الأصل". (¬3) "المسند" ص (204). (¬4) "المسند" ص (204). (¬5) سقط من "الأصل". والمثبت من "المسند".

الشرح

رسول الله: "خذيها واشترطي لهم الولاء فإنما الولاء لمن أعتق" ففعلت عائشة، ثم قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الناس فحمد الله ثم قال: "أما بعد، فما بال رجال يشترطون شروطًا ليست في كتاب الله، ما كان من شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن [كان] (¬1) مائة شرط فقضاء الله أحق وشروطه أوثق، فإنما الولاء لمن أعتق" (¬2). الشرح حديث عبد الله بن دينار عن ابن عمر أخرجه مسلم (¬3) عن أبي بكر بن أبي شيبة وغيره عن ابن عيينة عن عبد الله بن دينار، ورواه البخاري (¬4) عن أبي نعيم عن سفيان الثوري عن عبد الله بن دينار، وأورده مسلم من حديث الثوري أيضًا، ورواه عن عبد الله بن دينار: شعبة وعبيد الله بن عمر وإسماعيل بن جعفر وسليمان بن بلال والضحاك وغيره. وأثر علي -رضي الله عنه- من رواية مجاهد رواه الشافعي: الولاء بمنزلة الحلف. ورواه العباس بن الوليد [النرسي] (¬5) عن سفيان، وقال: "الولاء بمنزلة النسب لا يباع ولا يوهب [أقره] (¬6) حيث جعله الله" (¬7). وعن عبد الله بن معقل عن علي أنه قال: الولاء شعبة من النسب (¬8)، ويروى أنه سئل عن بيع الولاء فقال: أيبيع الرجل نسبه (¬9). ¬

_ (¬1) في "الأصل": كأنه. تحريف، والمثبت من "المسند". (¬2) "المسند" ص (204). (¬3) "صحيح مسلم" (1506/ 16). (¬4) "صحيح البخاري" (6756). (¬5) تحرف في "الأصل". (¬6) في "الأصل": وقره. والمثبت من " السنن". (¬7) رواه البيهقي (10/ 294). (¬8) رواه عبد الرزاق (9/ 4). (¬9) رواه البيهقي (10/ 294)، ورواه ابن أبي شبيبة (6/ 299) عن ابن مسعود.

الأصل

وكأنه وقع ذكر الحلف في رواية الشافعي؛ لأنهم كانوا يتوارثون بالنسب ثم نسخ ذلك، وعن سعيد بن المسيب عن عمر -رضي الله عنه- أنه قال: الولاء كالنسب لا يباع ولا يوهب (¬1)، وعن ابن مسعود أنه قال: لا يباع الولاء (¬2). وحديث نافع عن ابن عمر رواه البخاري في "الصحيح" (¬3) عن ابن أبي أويس، ومسلم (¬4) عن يحيى بن يحيى، بروايتهما عن مالك. وقوله: أبنا مالك عن يحيى بن سعيد، عن عمرة ... إلى آخره، يريد أنها روت قصة بريرة المذكورة على الإثر، وأورد روايتها على الإرسال وأسند في غير هذا الموضع فقال: عن عمرة، عن عائشة، وقد مر ذلك. وحديث هشام عن أبيه عن عائشة قد تقدم بإسناده ومتنه وشرحه (¬5). الأصل [1001] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن عبد الله بن أبي بكر، عن عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، عن أبيه أنه أخبره أن العاص بن هشام هلك وترك بنين له ثلاثة [اثنان] (¬6) لأم ورجل لعلة، فهلك أحد اللذين لأم وترك مالًا وموالي فورثه أخوه الذي لأمه وأبيه ماله وولاء مواليه، ثم هلك الذي ورث المال وولاء الموالي ¬

_ (¬1) رواه البيهقي (10/ 294). (¬2) رواه ابن أبي شيبة (6/ 299). (¬3) "صحيح البخاري" (2169). (¬4) "صحيح مسلم" (1504/ 5). (¬5) سبق برقم (849). (¬6) سقط من "الأصل". والمثبت من "المسند".

الشرح

وترك ابنه وأخاه لأبيه، فقال ابنه: قد أحرزت ما كان أبي أحرز من المال وولاء الموالي، وقال أخوه: ليس كذلك إنما أحرزت المال، فأما ولاء الموالي فلا، أرأيت لو هلك أخي اليوم ألست أرثه أنا؟ فاختصما إلى عثمان فقضى لأخيه بولاء الموالي (¬1). الشرح قوله: "وترك بنين له ثلاثة" هذا هو الصواب، وقد يوجد في النسخ "بنين ستة". وقوله: "ورجل لعلة" أي: لضرة، وأولاد العلات: أولاد الضرات من رجل واحد، أي: اثنان من أم والثالث من أم. وإثبات الولاء للأخ دون الابن بعد هلاك الأخ الثاني هو معنى قولهم: الولاء للكبر، والكبر: جمع أكبر كحمر وأحمر، أي: الأقرب إلى الأب المعتق، وتروى هذه اللفظة عن عمر وعلي وعبد الله وزيد بن ثابت -رضي الله عنهم- (¬2). وعن الزهري مرسلًا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "المولى أخ في الدين وأحق الناس بميراثه أقربهم من المعتق" (¬3). وتوريث الأخ من الأبوين من الميت الأول دون الأخ من الأب يوافق الصحيح في المسألة ويدل عليه، ولنا قول آخر: أن الأخ من الأبوين والأخ من الأب يتساويان؛ لأن قرابة الأم لا أثر لها في الولاء بحال. ¬

_ (¬1) "المسند" ص (205). (¬2) رواه عنهم ابن أبي شيبة (6/ 294). (¬3) رواه الدرامي (3006)، والبيهقي (10/ 304).

الأصل

وقوله: "أرأيت لو هلك أخي اليوم ألست أرثه" أي: لو مات الأخ المعتق وخلفني وإياك وأنا أخوه من الأب، وأنت ابن أخيه من الأبوين لورثته أنا دونك، وأخذ الأصحاب من ذلك عبارة [ضابطة لمن] (¬1) يرث بولاء المعتق إذا لم يكن المعتق حيًّا فقالوا: "يرث العتيق بولاء المعتق ذكر هو عصبة للمعتق لو مات المعتق يوم موت العتيق بصفة العتيق" حتى لو مات العتيق وللمعتق ابن وبنت أو أب وأم، فالميراث للذكر، ولو أعتق عبدًا ومات عن ابنين فصار ولاء العتيق لهما، ثم مات أحدهما عن ابن؛ فولاء العتيق لأخيه وإن كان ميراثه لابنه؛ لأنه لو مات المعتق يوم موت العتيق كان عصبته ابنه دون ابن ابنه. ولو مات المعتق عن ابنين ثم مات أحدهما عن ابن والآخر عن ابنين؛ فالولاء بينهم أثلاثًا؛ لأنه لو مات المعتق يومئذ ورثوه كذلك. ولو أعتق مسلم عبدًا كافرًا ومات عن ابنين مسلم وكافر ثم مات العتيق، فميراثه للابن الكافر؛ لأنه الذي يرث المعتق. ولو مات المعتق بصفة الكفر ولو أسلم العتيق ثم مات فميراثه للابن المسلم، ولو أسلم الابن الكافر ثم مات العتيق مسلمًا فميراثه بينهما. الأصل [1002] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان بن عيينة، عن ابن جريج، عن عطاء بن أبي رباح؛ أن طارق بن المرقع أعتق أهل بيتٍ سوائب، فأتي بميراثهم، فقال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: أعطوه ورثة طارق، ¬

_ (¬1) في "الأصل" ضبطه لم. تحريف، والمثبت من "روضة الطالبين" (12/ 175) فقد نقله بتمامه.

الشرح

فأبوا أن يأخذوه، فقال عمر: فاجعلوه في مثلهم من الناس (¬1). الشرح كان أهل الجاهلية يسيبون السوائب، فيقول أحدهم إذا نذر: ناقتي سائبة ويسرحها فلا ينتفع بها ولا تمنع من ماء ولا مرعى، ويعتق أحدهم عبده فيقول: أعتقتك سائبة، أو أنت سائبة، يريد أنه عتق لا ولاء عليه، فيعتق العبد ويكون له الولاء؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إنما الولاء لمن أعتق". وروى هزيل بن شرحبيل أن رجلًا جاء إلى عبد الله بن مسعود فقال: إني أعتقت غلامًا لي وجعلته سائبة فمات وترك مالًا، فقال عبد الله: إن أهل الإِسلام لا يسيبون، إنما يسيب أهل الجاهلية، وأنت وارثه وولي نعمته (¬2). وقوله في الأثر "فأعطوه ورثة طارق" كذا هو في هذه الرواية، ورواه الشافعي (¬3) عن مسلم وسعيد بن سالم عن ابن جريج عن عطاء، وقال فأمر عمر -رضي الله عنه- أن يدفع إلى طارق أو ورثة طارق. قال الشافعي: أنا شككت فيه. وإباؤهم عن الأخذ سبيله سبيل التنزه وترك الانتفاع بما جعل [لله] (¬4) تعالى. وقوله: "فاجعلوه في مثلهم من الناس" أي: في مصالح سائر ¬

_ (¬1) "المسند" (ص 205). (¬2) رواه البخاري (6753) مختصرًا، ورواه عبد الرزاق (9/ 25)، والبيهقي (10/ 300) بتمامه. (¬3) "المسند" (ص 332). (¬4) في الأصل: لفظ الجلالة "الله". والمثبت الصواب إن شاء الله.

كتاب المكاتب

المسلمين، ويحتمل أن يقال أنهم كانوا فقراء، فإذ أبوا أخذه أُمر بالصرف إلى أمثالهم، ويروى في مثل هذِه الحادثة أن عمر -رضي الله عنه- جعله في بيت مال المسلمين. ويروى أن ابن عمر -رضي الله عنه- أتي بمال مولى كان له فقال: إنما كنا أعتقناه سائبة، فأمر أن يشترى به رقاب فيعتقونهم (¬1). الأصل من كتاب المكاتب [1003] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا ابن عيينة، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد أن زيد بن ثابت قال في المكاتب: عبد ما بقي عليه درهم (¬2). الشرح هذا الأثر روي عن الشعبي أيضًا عن زيد، وروى عبيد الله عن نافع عن ابن عمر، وسليمان بن يسار عن عائشة رضي الله عنها مثله، وعن معبد الجهني عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- مثله، وروي عن عمر خلافه وهو أنه إذا أدى المكاتب النصف لم يسترق، وحمل على أنه أراد أنه قرب حاله من الرق فينبغي أن يمهل ولا يرد إلى الرق بالتعجيز، وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "المكاتب عبد ما بقي عليه من المكاتبة درهم" (¬3). قال الشافعي: وهو قول عامة من لقيت، والمراد أنه عبد في أكثر الأحكام كشهادته وميراثه وحدوده والجناية عليه وجنايته، فلا ¬

_ (¬1) رواه البيهقي (10/ 302). (¬2) "المسند" (ص 206). (¬3) رواه أبو داود (3926). قال الحافظ في "البلوغ" (1/ 295): إسناده حسن، وحسنه الألباني في "الإرواء" (6/ 119).

الأصل

[تعقلها] (¬1) قرابته ولا عاقلة سيده، وليس كالعبد في أن يبيعه سيده أو يأخذ أكسابه (¬2). الأصل [1004] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا عبد الله بن الحارث، عن ابن جريج، عن إسماعيل بن أمية أن نافعًا أخبره أن عبد الله بن عمر كاتب غلامًا على ثلاثين ألفًا، ثم جاءه فقال: إني قد عجزت. فقال: إذًا أمحو كتابتك. فقال: قد عجزت فامحها أنت. قال نافع: فأشرت إليه أمحها وهو (¬3) يطمع أن يعتقه، فمحاها العبد وله ابنان أو ابن فقال: فقال ابن عمر: اعتزل جاريتي. قال: فأعتق ابن عمر ابنه بعده (¬4). الشرح أورد الشافعي القصة لبيان المكاتب إذا عجز نفسه كان للسيد فسخ الكتابة ولا يحتاج إلى الحاكم. وقوله: "إذًا أمحو كتابتك" كأن الكتابة كانت مثبتة في صحيفة فقال: أمحوها وأفسخ الكتابة، أو كنى بمحوها عن الفسخ، وتروى القصة من وجوه: فعن أبي عوانة عن إسحاق مولى عبد الله بن عمر أن أباه كاتبه عبد الله بن عمر على ثلاثين ألفًا فعجز فرده إلى الرق وقد أدى النصف أو قريبًا من النصف، فطلب إليه أن يعتق ولده -وكانوا ولدوا من مكاتبته- فأعتقه وأعتق ولده (¬5). ¬

_ (¬1) في الأصل: تحملها. والمثبت من "الأم". (¬2) "الأم" (8/ 53). (¬3) زاد في الأصل: أن. سبق قلم. (¬4) "المسند" (ص 206). (¬5) رواه البيهقي (10/ 342).

كتاب الجزية

وعن ابن عون عن نافع أن ابن عمر كاتب غلامًا له وولده وأم ولده، وأنه أتى ابن عمر فإنال له: إني قد عجزت فاقبل كتابتي، فقال ابن عمر: إني لم أقبله منك حتى تأتيني بهم، قال: فأتاه بهم فردهم إلى الرق، فلما كان بعد ذلك إما بيوم وإما بثلاثة أعتقهم (¬1). ويروى أن عبد الله بن عمر كاتب غلامًا له فأدى خمسة عشر ألفًا، فجاءه إنسان فقال: مجنون أنت! تعذب نفسك وعبد الله بن عمر يشتري الرقيق يمينًا وشمالًا ثم يعتقهم، ارجع إليه فقل له: قد عجزت، فجاء إليه بصحيفة فقال: يا أبا عبد الرحمن قد عجزت وهذه صحيفتي فامحها، فقال: لا، ولكن امحها إن شئت فمحاها، ففاضت عينا عبد الله بن عمر وقال: اذهب فأنت حر. قال: أصلحك الله، أحسن إلى ابنيّ. فقال: هما حران. فقال: أصلحك الله، أحسن إلى أمي ولديّ. فقال: هما حرتان، فعتق خمستهم في مقعد (¬2). وليس للمكاتب إن وطيء جاريته (¬3) ولو أولدها ففي ثبوت الاستيلاد اختلاف قول، وبتقدير ثبوته فلو عجز فهي رقيقة للسيد. وقوله: "اعتزل جاريتي" يمكن حمله على ذلك، ويمكن أن يكون المراد غيره بمقتضى الروايات. والله أعلم. الأصل من كتاب الجزية [1005] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا عبد العزيز بن محمَّد، ¬

_ (¬1) رواه البيهقي (10/ 342). (¬2) رواه البيهقي (10/ 341). (¬3) كذا! وهنا سقط الله أعلم به.

الشرح

عن جعفر بن محمَّد، عن أبيه، عن يزيد بن هرمز أن نجدة الحروري كتب إلى ابن عباس: هل كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يغزو بالنساء، وهل كان يضرب لهن بسهم؟ فقال: قد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يغزو بالنساء فيداوين الجرحى، ولم يكن يضرب لهن بسهم، ولكن يحذين من الغنيمة (¬1). الشرح يزيد بن هرمز الفارسي، مولى بني ليث. روى عن: أبي هريرة، وابن عباس. وسمع منه: الزهري، والحارث بن عبد الرحمن بن أبي ذباب، وعمرو بن دينار، وغيرهم (¬2). ونجدة هو ابن عامر الحنفي، من رؤساء الخوارج المعروفين بالحرورية وسيأتي ذكره، عن ابن عباس أنه قال: إن ناسًا يقولون: إن ابن عباس يكاتب الحرورية، ولولا أني أخاف أن أكتم علمًا لم أكتب إليه ... (¬3). والحديث صحيح، رواه مسلم (¬4) عن أبي بكر بن أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم، عن حاتم بن إسماعيل، عن جعفر بن محمَّد، عن أبيه، ورواه الشافعي (¬5) في بعض كتبه عن حاتم بن إسماعيل. وفيه دليل على أنه يجوز الغزو بالنساء في الجملة. ¬

_ (¬1) "المسند" ص (207). (¬2) انظر "التاريخ الكبير" (8/ ترجمة 3353)، و"الجرح والتعديل" (9/ ترجمة 1255)، و"التهذيب" (32/ ترجمة 7062). (¬3) يأتي برقم (1482). (¬4) "صحيح مسلم" (1812/ 138). (¬5) رواه كذلك في "المسند" ص (319).

الأصل

وقوله: "فيداوين الجرحى" يشعر بأنهن وإن حضرن فلا يلين القتال، ولكن يتعهدن المرضى ويداوين الجرحى ويحفظن الرحل، وعن أنس قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يغزو بأم سليم ونسوة من الأنصاري يسقين الماء ويداوين الجرحى (¬1). وما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن نسوة خرجن معه، فأمر بردهن؛ فقد قيل: إن سببه أنه لم يأمن من غلبة العدو هناك، أو كن ذوات جمال وحداثة سن فلم يأمن الفتنة. وفيه دليل على أنه لا يكمل لهن سهم الغنيمة خلافًا لقول بعضهم، وعلى أنه يرضخ لهن ويعطين شيئًا دون السهم خلافًا لقول مالك فيما رواه أبو سليمان الخطابي أنه لا يرضخ لهن، وفيه دليل على أن ما يرضخن به من الغنيمة خلافًا لقول من قال: إنه لا يرضخ لهن من الغنيمة، ولكن يرضخ من خمس الخمس سهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وقوله: "يحذين من الغنيمة" أي: يعطين، يقال: حذوته وأحذيته أي: أعطيته، والاسم الحذوة. وقوله: "من كتاب الجزية"، هكذا ترجم الشافعي في "الأم" الكتاب، لكنه لم يقصره على ما يتعلق بالجزية، بل أورد فيه أبواب السير. الأصل [1006] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن عمرو بن دينار، عن ابن عباس قال: لما نزلت هذه الآية: {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} فكتب عليهم أن لا يفرّ العشرون من المائتين، فأنزل الله ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1810).

الشرح

تعالى: {الْآنَ خَفَّفَ الله عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} فخفف عنهم وكتب عليهم ألا يفر مائة من مائتين (¬1). [1007] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا ابن عيينة، عن يزيد بن أبي زياد، عن عبدا لرحمن بن أبي ليلى، عن ابن عمر قال: بعثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سرية فلقوا العدو فحاص الناس حيصة، فأتينا المدينة ففتحنا بابها، وقلنا: يا رسول الله نحن الفرارون. قال: "بل أنتم العكارون وأنا فئتكم" (¬2). الشرح كلام ابن عباس في تفسير الآية أخرجه البخاري في "الصحيح" (¬3) عن علي بن عبد الله، عن سفيان. وكان يجب في ابتداء الإِسلام أن يقاوم الواحد عشرة ولا يفرّ منهم. وقوله تعالى: {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} (¬4) لفظه لفظ الخبر والمراد الأمر كقوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ} (¬5) وبقي الأمر على ذلك مدة، وشق ذلك على الصحابة فنسخه الله تعالى بعد مدة، وأنزل قوله: {الْآنَ خَفَّفَ الله عَنْكُمْ} إلى آخره. وقول ابن عباس: "فكتب عليهم" يبين أن المراد من اللفظ الأمر، وعن الزبير بن الخريت عن عكرمة عن ابن عباس في قوله تعالى: {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ} (¬6) قال: فرض عليهم أن لا يفر الرجل من ¬

_ (¬1) "المسند" ص (207). (¬2) "المسند" ص (207). (¬3) "صحيح البخاري" (4652). (¬4) الأنفال: 65. (¬5) البقرة: 228. (¬6) الأنفال: 65.

عشرة ولا قوم من عشرة أمثالهم فجهد ذلك الناس وشق عليهم فجاء التخفيف فقال: {الْآنَ خَفَّفَ الله عَنْكُمْ} (¬1) الآية، فلما خفف الله عنهم من العدة نقص من الصبر بقدر ما خفف عنهم (¬2). وإذا لم يزد عدد الكفار على الضعف فالفرار من الزحف من الكبائر، ففي "الصحيح" عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "اجتنبوا السبع الموبقات ... " (¬3) وذكره فيهن، ويستثنى ما إذا أول متحرفًا لقتال أو متحيزًا إلى فئة، على ما قال تعالى: {إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ}، (¬4) والمتحرف للقتال: هو الذي ينصرف ليهجم أو يتحول من مضيق إلى متسع أو من جهة إلى جهة أخرى، والمتحيز إلى فئة: هو الذي ينصرف على قصد أن يذهب إلى طائفة يستنجد بها للقتال، ويدل عليه حديث ابن عمر وقد أخرجه أبو داود (¬5) عن أحمد بن يونس عن زهير عن يزيد بن أبي زياد، وقال بعد قوله: "بل أنتم العكارون": فدنونا فقبلنا يده فقال: "أنا فئة المسلمين". وقوله: "فحاص الناس" أي: عدلوا منهزمين، يقال: حاص يحيص إذا حاد على طريقه وانصرف إلى جهة أخرى، ويروى في مثله "فجاض" بالجيم والضاد المعجمة وهو بمعنى حاص بالحاء والصاد المهملتين. وقوله: "بل أنتم العكارون" أي: العاطفون على القتال والعائدون إليه، يقال: عكرت على الشيء إذا عطفت عليه وانصرفت إليه بعد ¬

_ (¬1) الأنفال: 66. (¬2) رواه البخاري (4653). (¬3) رواه البخاري (2766)، ومسلم (89). (¬4) الأنفال: 16. (¬5) "سنن أبي داود" (2647).

الأصل

الذهاب عنه، ويروى عن عمر -رضي الله عنه- أنه قال: أنا فئة كل مسلم (¬1). وقضية ظاهر اللفظ لا يفترق الحال بين أن تكون الفئة قريبة يمكن الاستنجاد بها في هذا القتال. الأصل [1008] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا ابن عيينة، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده، وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده، والذي نفسي بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل الله" (¬2). الشرح هذا حديث صحيح أخرجه مسلم (¬3) عن عمرو الناقد وغيره عن سفيان، والبخاري (¬4) ومسلم من حديث يونس عن الزهري، ورواه البخاري (¬5) عن إسحاق بن إبراهيم، ومسلم (¬6) عن قتيبة، بروايتهما عن جرير عن عبد الملك بن عمير عن جابر بن سمرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وروى البخاري (¬7) عن محمَّد بن الحكم عن النضر بن شميل عن إسرائيل عن سعد الطائي عن محل بن [خليفة] (¬8) عن عدي بن حاتم قال: "بينا أنا عند النبي - صلى الله عليه وسلم - ... " فذكر الحديث، وقال فيه: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ولئن طالت بك حياة لتفتحن كنوز كسرى" قلت: يا رسول الله، كسرى بن هرمز؟! ¬

_ (¬1) رواه عبد الرزاق (9524). (¬2) "المسند" ص (208). (¬3) "صحيح مسلم" (2918/ 75). (¬4) "صحيح البخاري" (3618). (¬5) "صحيح البخاري" (3121). (¬6) "صحيح مسلم" (2919/ 77). (¬7) "صحيح البخاري" (3595). (¬8) تحرف في "الأصل". والمثبت من "صحيح البخاري".

قال: "كسرى بن هرمز".؟ قال عدي: وكنت فيمن افتتح كنوز كسرى بن هرمز. وأورد الشافعي الحديث في باب ترجمه "بإظهار دين النبي - صلى الله عليه وسلم - على الأديان" وافتتح الباب بقوله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ} (¬1) وجمع بين هذا الحديث وبين ما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث بكتابه إلى كسرى، فلما قرأه كسرى مزقه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ممزقٌ ملكه" وأن قيصر أكرم كتاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وأثنى عليه ووضع كتابه في مسك، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ثبت ملكه". بأن قال (¬2): كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد وعد أصحابه فتح فارس والشام، وكانت قريش تنتاب الشام انتيابًا كثيرًا وكان كثير من معاشها منها وتأتي العراق، فيقال أنها لما دخلت في الإِسلام ذكرت للنبي - صلى الله عليه وسلم - خوفها من انقطاع معاشها بالتجارة من الشام والعراق مع مخالفة ملك الشام والعراق لأهل الإِسلام، فقال - صلى الله عليه وسلم -: "إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده" فلم يكن بأرض العراق كسرى يثبت له أمر بعده، وقال: "إذا هلك قيصر فلا قيصر بعده" فلم يكن بأرض الشام قيصر بعده، وقال في كسرى: "يمزق ملكه" لم يبق للأكاسرة ملك، ولما قال في قيصر؛ ثبت ملكه ببلاد الروم، وحقق الله ما أخبر به رسوله، ففتح أبو بكر -رضي الله عنه- بعض الشام وتم فتحها في زمان عمر -رضي الله عنه- وفتح العراق وفارس، وأظهر الله دينه. والكاف من "كسرى" تفتح وتكسر، ويروى عن الأصمعي أنه أنكر الفتح. ¬

_ (¬1) الفتح: 28. (¬2) "الأم" (4/ 171).

الأصل

الأصل [1009] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا عبد العزيز بن محمَّد، عن محمَّد ابن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا أزال أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوا: لا إله إلا الله فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله" (¬1). [1010] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن عبد الملك بن نوفل بن مساحق، عن ابن عصام، عن أبيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا بعث سرية قال: "إذا رأيتم مسجدًا أو سمعتم مؤذنًا فلا تقتلن أحدًا" (¬2). [1011] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن ابن شهاب أن عمر ابن الخطاب قال لأبي بكر رضي الله عنهما: أليس قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله؟! ". قال أبو بكر: هذا من حقها، لو (أوضعوني) (¬3) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقاتلتهم عليه (¬4). [1012] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا الثقة، عن معمر، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن أبي هريرة أن عمر قال لأبي بكر هذا القول أو معناه (¬5). [1013] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا الثقة يحيى بن حسان، عن ¬

_ (¬1) "المسند" ص (208). (¬2) "المسند" ص (208). (¬3) في "المسند" منعوني. (¬4) "المسند" ص (208). (¬5) "المسند" ص (208).

الشرح

محمَّد بن أبان، عن علقمة بن مرثد، عن سليمان بن بريدة، عن أبيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم -[كان] (¬1) إذا بعث جيشًا أمر عليهم أميرًا ... وذكر الحديث. الشرح عبد الملك بن نوفل بن مساحق: هو أبو نوفل القرشي، يعد في أهل الحجاز. سمع: ابن عصام المزني، وروى عنه: سفيان بن عيينة (¬2) وابن عصام رجل من مزينة. روى عن: أبيه (¬3). وأبوه عصام المزني له صحبة، وحديثه في أهل الحجاز (¬4). وحديث أبي سلمة عن أبي هريرة قد سبق بإسناده (¬5) ومتنه .. (¬6). [1235] أخبرنا مالك، عن نافع مولى ابن عمر، عن نبيه بن وهب أخي بني عبد الدار أن عمر بن عبيد الله أراد (¬7) أن يزوج ¬

_ (¬1) في الأصل: قال. خطأ، والمثبت من "المسند". (¬2) انظر "التاريخ الكبير" (5/ ترجمة 1414)، و""الجرح والتعديل" (5/ ترجمة 1740)، و"التهذيب" (18/ ترجمة 3571). (¬3) انظر "التهذيب" (34/ ترجمة 7746). (¬4) انظر "الإصابة" (4/ ترجمة 5548). (¬5) سبق برقم (819). (¬6) تحول المخطوط إلى الورقة التالية إلى شرح أثر عثمان بن عفان "لا ينكح المحرم ولا يُنكح ... ". وبذلك يكون حدث سقط يشتمل على: كتاب "اختلاف مالك والشافعي"، كتاب "الرسالة"، كتاب "الصداق والإيلاء"، كتاب "الصرف"، كتاب "الرهون"، وبعض كتاب "الشغار". فالله المستعان. (¬7) من "المسند".

طلحة [بن] (¬1) عمر بنت شيبة بن جبير، فأرسل إلى أبان بن عثمان ليحضره ذلك وهما محرمان، فأنكر ذلك عليه أبان وقال: سمعت عثمان بن عفان - صلى الله عليه وسلم - يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا ينكح المحرم ولا يُنكح ولا يخطب" (¬2). [1236] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا ابن عيينة، عن أيوب بن موسى، عن نبيه بن وهب، عن أبان بن عثمان، عن عثمان، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثل معناه (¬3). [1237] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن ربيعة، عن سليمان بن يسار أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث أبا رافع مولاه ورجلًا من الأنصار فزوجاه ميمونة بنت الحارث وهو بالمدينة قبل أن يخرج (¬4). [1238] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن عمرو، عن يزيد ابن الأصم وهو ابن أخت ميمونة؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نكح ميمونة وهو حلال (¬5). [1239] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سعيد بن [مسلمة] (¬6) عن إسماعيل بن أمية، عن سعيد بن المسيب قال: وهم الذي روى أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نكح ميمونة وهو محرم، ما نكحها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا وهو حلال (¬7). [1240] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن داود بن ¬

_ (¬1) في الأصل: بنت. تحريف. (¬2) "المسند" ص (253). (¬3) "المسند" ص (254). (¬4) "المسند" ص (254). (¬5) "المسند" ص (254). (¬6) في الأصل: سلمة. خطأ، والمثبت من "المسند". (¬7) "المسند" ص (254).

الشرح

الحصين، عن أبي غطفان بن طريف المري، أنه أخبره أن أباه طريفًا تزوج امرأة وهو محرم، فرد عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - نكاحه (¬1). [1241] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن نافع، أن ابن عمر قال: لا ينكح المحرم ولا يُنكح، ولا يخطب على نفسه ولا على غيره (¬2). الشرح عمر: هو ابن عبيد الله بن معمر، أبو حفص التيمي القرشي، وطلحة ابنه كان يخطب له (¬3). وشيبة بن جبير: كذا هو في رواية مالك، ورواه أيوب عن نافع فقال: شيبة بن عثمان وهو الذي عدَّ الأئمة صوابًا (¬4)، وكأنه شيبة (¬5) بن عثمان بن طلحة بن أبي طلحة عبد الله بن عبد العزى بن عثمان بن عمر ابن الخطاب. وروى عنه: ابنه مصعب، [وأبو] (¬6) وائل، وعكرمة. ¬

_ (¬1) "المسند" ص (254). (¬2) "المسند" ص (254). (¬3) انظر "التاريخ الكبير" (6/ ترجمة 2081)، و"الجرح والتعديل" (6/ ترجمة 646)، و"تعجيل المنفعة" (1/ ترجمة 773). (¬4) قال النووي في "شرح مسلم": زعم أبو داود في "سنن" أن الصواب شيبة بن عثمان وأن مالكًا وهم فيه، وقال الجمهور: بل قول مالك هو الصواب؛ فإنها بنت شيبة بن جبير بن عثمان الحجبي، كذا حكاه الدارقطني عن رواية الأكثرين. قال القاضي: ولعل من قال: شيبة بن عثمان نسبه إلى جده فلا يكون خطأ؛ بل الروايتان صحيحتان إحداهما حقيقة والأخرى مجاز. (¬5) انظر "الإصابة" (3/ ترجمة 3949) وفيه: شيبة بن عثمان بن أبي طلحة. قال المزي في "التهذيب" (12/ ترجمة 2789): ومن قال في نسبه: شيبة بن عثمان بن طلحة بن أبي طلحة فقد وهم، فإن عثمان بن طلحة ابن عمه لا أبوه. (¬6) في الأصل: وابن. خطأ.

توفي سنة تسع وخمسين. وحديث عثمان مع قصة عمر بن عبيد الله بن معمر أخرجه مسلم (¬1) عن يحيى بن يحيى عن مالك، وأيضًا عن محمَّد بن أبي بكر المقدمي عن حماد بن زيد عن أيوب عن نافع، وقد مرَّ في الكتاب مرة مجردًا عن القصة. وحديث سليمان بن يسار ويزيد بن الأصم وسعيد بن المسيب قد تقدم ثلاثتها (¬2) أيضًا، [و] (¬3) ذكرنا بعض ما يتعلق بالباب. وقول سعيد: "وهم الذي روى" يقال: وهم بالكسر يوهم إذا غلط، ووهم بالفتح إلى كذا يهم: إذا ذهب وهمُه إليه، وأراد ابن عباس؛ ففي "الصحيحين" من روايته أنه تزوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ميمونة وهو محرم (¬4). ورجح الشافعي ما رواه يزيد بن الأصم لما سبق أنه رواه عن ميمونة نفسها، وكذلك رواه أبو رافع، وبأن الصحابة أخذوا بما يوافق تلك الرواية فرد عمر -رضي الله عنه- نكاح طريف في الإحرام، وقال ابن عمر: لا ينكح المحرم ولا يُنكح، وعن علي وزيد بن ثابت مثله، ولا نعرف لهم مخالف، على أن من الأصحاب من قال: ينعقد نكاح النبي - صلى الله عليه وسلم - في حالة الإحرام وعده من خواصه في النكاح (¬5)، وعلى هذا فيجب العمل ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (1409/ 41، 42). (¬2) تقدمت بأرقام (875، 878، 879). (¬3) ليست في "الأصل". والسياق يقتضيها. (¬4) "صحيح البخاري" (4258)، و"صحيح مسلم" (1410). (¬5) قال النووي في "المجموع" (7/ 257): وهو قول أبي الطيب ابن سلمة وغيره من أصحابنا، والمسألة مشهورة في الخصائص من أول كتاب النكاح.

الأصل

[بحديث] (¬1) عثمان في حق غيره وإن حُدث أنه نكح ميمونة محرمًا، وذهب أبو حنيفة إلى أن الإحرام لا يمنع صحة النكاح أصلًا. الأصل [1242] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا ابن عيينة، عن الزهري، عن عبد الله والحسن ابني محمَّد بن علي [وكان الحسن أرضاهما] (¬2) عن أبيهما، عن علي بن أبي طالب. وأبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن ابن شهاب، عن عبد الله والحسن ابني [محمَّد (¬3) بن] علي، عن أبيهما، عن علي بن أبي طالب؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن متعة النساء يوم خيبر، وعن أكل لحوم الحمر الإنسية (¬4). [1243] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا ابن عيينة، عن الزهري، عن الربيع بن سبرة، عن أبيه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن نكاح المتعة (¬5). الشرح الربيع: هو ابن سبرة الجهني. سمع: أباه. وروى عنه: الليث بن سعد، وعمارة بن غزية، وعبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز، وعبد العزيز وعبد الملك ابنا الربيع بن سبرة، والزهري، وعمر بن عبد العزيز (¬6). ¬

_ (¬1) في "الأصل": الحديث. تحريف. (¬2) في "الأصل": عن الحسن أيضًا هما!. تحريف، والمثبت من "المسند". (¬3) سقط من "الأصل". والمثبت من "المسند". (¬4) "المسند" ص (254). (¬5) "المسند" ص (255). (¬6) انظر "التاريخ الكبير" (3/ ترجمة 930)، و"الجرح والتعديل" (3/ ترجمة 2075)، و"التهذيب" (9/ ترجمة 1862).

وأبوه سبرة بن معبد الجهني، وقيل: سبرة بن عوسجة بن حرملة ابن سبرة بن خديج بن مالك بن عمرو بن ذهل بن ثعلبة، يعدُّ في أهل مضر من الصحابة، ويكنى أبا ثريّة، وقيل: أبا ثلجة، وقيل: أبا سريحة (¬1). وحديث علي -رضي الله عنه- من رواية سفيان قد سبق في الكتاب مرة من غير ذكر يوم خيبر، وهو من رواية سفيان ومالك مخرج في "الصحيحين" (¬2). وحديث سبرة رواه مسلم في "الصحيح" (¬3) عن زهير بن حرب وغيره عن سفيان، ورواه الحميدي عن سفيان، وقال: نهى عن نكاح المتعة عام الفتح (¬4)، وفي بعض الروايات أنه نهى عنها عام حجة الوداع، وعام الفتح أثبت ورواته أكثر، وروى مسلم في "الصحيح" (¬5) عن إسحاق بن إبراهيم عن يحيى بن آدم عن إبراهيم بن سعد عن عبد الملك بن الربيع بن سبرة عن أبيه عن جده قال: أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالمتعة عام الفتح حين دخلنا مكة، ثم لم نخرج حتى نهانا (عنه) (¬6). ويوافقه ما في "الصحيح" من رواية سلمة بن الأكوع؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رخص في متعة النساء عام أوطاس ثلاثة أيام ثم نهى عنها بعده (¬7). وغزوة أوطاس كانت بعد الفتح بيسير، وكانا معًا في عام واحد. وقضية الأحاديث الواردة في الباب أن نكاح المتعة كان جائزًا أولًا، ثم حرم عام خيبر ثم رخص فيه ثم حرم واستمر تحريمه، وقد ¬

_ (¬1) انظر "معرفة الصحابة" (3/ ترجمة 1322)، و"الإصابة" (3/ ترجمة 3089). (¬2) "صحيح البخاري" (4216، 5115)، و"صحيح مسلم" (1407/ 29، 30). (¬3) "صحيح مسلم" (1406/ 24) عن عمرو الناقد وابن نمير، وليس عن زهير. (¬4) "مسند الحميدي" (846). (¬5) في "صحيح مسلم": عنها. (¬6) "صحيح مسلم" (1406/ 22). (¬7) رواه مسلم (1405/ 18).

كتاب الظهار واللعان

روي في حديث الربيع بن سبرة عن أبيه؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن المتعة وقال: "إنها حرام من يومكم هذا إلى يوم القيامة" (¬1). الأصل ومن كتاب الظهار واللعان [1244] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، حدثني ابن شهاب، أن سهل بن سعد الساعدي أخبره أن عويمر العجلاني جاء إلى عاصم بن عدي الأنصاري فقال له: أرأيت يا عاصم لو أن رجلًا وجد مع امرأته رجلًا، أيقتله فتقتلونه أم كيف يفعل؟ سل لي يا عاصم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك، فسأل عاصم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك، فكره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المسائل وعابها حتى كبر على عاصم ما سمع من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلما رجع عاصم إلى أهله جاءه عويمر [فقال: يا عاصم ماذا قال لك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فقال عاصم لعويمر: لم تأتني بخير، قد كره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المسألة التي سألته عنها. فقال عويمر: (¬2)] والله لا أنتهي حتى أسأله عنها، فأقبل عويمر حتى أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسط الناس فقال: يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أرأيت رجلًا وجد مع امرأته رجلًا، أيقتله فتقتلونه أم كيف يفعل؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "قد أنزل الله فيك وفي صاحبتك، فاذهب فأت بها" فقال سهل بن سعد: فتلاعنا وأنا مع الناس عند رسول الله ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1406/ 28). (¬2) سقط من "الأصل". والمثبت من "المسند".

- صلى الله عليه وسلم -، فلما فرغا من تلاعنهما قال عويمر: كذبت عليها يا رسول الله إن (أمسكها) (¬1) فطلقها ثلاثًا قبل أن يأمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قال ابن شهاب: فكانت تلك سنة المتلاعنين (¬2). [1245] أبنا البربيع، أبنا الشافعي، أبنا إبراهيم بن سعد، عن ابن شهاب، عن سهل بن سعد أخبره، قال: جاء عويمر العجلاني إلى عاصم بن عدي فقال: يا عاصم بن عدي سل لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن رجل وجد مع امرأته رجلًا فقتله أيقتلونه أم كيف يصنع؟ فسأل عاصم النبي - صلى الله عليه وسلم -، فعاب النبي [المسائل] (¬3) فلقيه عويمر فقال: ما صنعت؟ قال: صنعت أنك لم تأتني بخير، سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعاب المسائل. قال عويمر: والله لآتين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلأسألنه، فأتاه فوجده قد أنزل عليه فيهما، فدعاهما فلاعن بينهما، فقال عويمر: لئن انطلقت بها لقد كذبت عليها ففارقها قبل أن يأمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "انظروها، فإن جاءت به أسحم أدعج عظيم الأليتين فلا أراه إلا قد صدق، وإن جاءت به أحيمر كأنه وحرةٌ فلا أراه إلا كاذبًا" فجاءت به على النعت المكروه. قال ابن شهاب: فصارت سنة المتلاعنين (¬4). [1246] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا عبد الله بن نافع، عن ابن أبي ¬

_ (¬1) في "المسند": أمسكتها. (¬2) "المسند" ص (256). (¬3) في الأصل: للمسائل. والمثبت من "المسند". (¬4) "المسند" ص (257).

ذئب، عن ابن شهاب، عن سهل بن سعد أن عويمرًا جاء إلى عاصم فقال: أرأيت رجلًا وجد [مع] (¬1) امرأته رجلًا فقتله أتقتلونه؟ سل لي يا عاصم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فسأل النبي - صلى الله عليه وسلم -، فكره رسول الله - صلى الله عليه وسلم -[المسائل] (¬2) وعابها، فرجع عاصم إلى عويمر فأخبره أن النبي - صلى الله عليه وسلم -[كره] (¬3) المسائل وعابها، فقال عويمر: والله لآتين رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فجاء وقد نزل القرآن خلاف عاصم، فسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "قد نزل فيكما القرآن" فتقدما فتلاعنا، ثم قال: كذبت عليها إذا (أمسكها) (¬4) ففارقها وما أمره النبي - صلى الله عليه وسلم -، فمضت سنة المتلاعنين، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "انظروها فإن جاءت به أحمر قصيرًا كأنه وحرة فلا أحسبه [إلا قد كذب عليها، وإن جاءت به أسحم أعين ذا أليتين فلا أحسبه] (¬5) إلا قد صدق عليها" فجاءت به على النعت المكروه (¬6). [1247] أبنا الربيع، أبنا الشافعي قال: سمعت إبراهيم بن سعد يحدث، عن أبيه، عن سعيد بن المسيب وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن جاءت به أشقر سبطًا فهو لزوجها، وإن جاءت به أديعج فهو للذي [يتهمه] (¬7). قال: فجاءت به أديعج" (¬8). ¬

_ (¬1) سقط من الأصل. والمثبت من "المسند". (¬2) سقط من الأصل. والمثبت من "المسند". (¬3) سقط من الأصل. والمثبت من "المسند". (¬4) في "المسند": أمستكتها. (¬5) في "المسند": أمسكتها. (¬6) سقط من "الأصل". والمثبت من "المسند". (¬7) في الأصل: يتهما. والمثبت من "المسند". (¬8) "المسند" ص (257).

الشرح

[1248] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سعيد بن سالم، عن ابن جريج، عن ابن شهاب، عن سهل بن سعد أخي بني ساعدة؛ أن رجلًا من الأنصار جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله أرأيت رجلًا وجد (¬1) مع امرأته رجلًا أيقتله فتقتلونه، أم كيف يصنع؟ فأنزل الله تعالى في شأنه ما ذكر في القرآن من أمر المتلاعنين، قال: فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: "قد قضي فيك وفي امرأتك" قال: فتلاعنا وأنا شاهد، ثم فارقها عند النبي - صلى الله عليه وسلم -، فكانت سنة بعدهما أن يفرق بين المتلا عنين، وكانت حاملًا فأنكرها، فكان ابنها يدعى إلى أمه (¬2). [1249] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن أبي الزناد، عن القاسم بن محمَّد قال: شهدت ابن عباس فحدث بحديث المتلاعنين، فقال له ابن شداد: أهي التي قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لو كنت راجمًا أحدًا بغير بينة رجمتها؟ ". قال ابن عباس: لا، تلك امرأة كانت قد أعلنت. الشرح عويمر العجلاني الأنصاري من بني عمرو بن عوف، ابن عم عاصم بن عدي. رواه عنه: عاصم، وسهل بن سعد (¬3). وعاصم بن عدي بن الجد بن عجلان بن ضبيعة الأنصاري الأوسي العجلاني أخو معن بن عدي، شهد بدرًا. وروى عنه: سهل، وابنه أبو البداح بن عاصم، وكان سيد بني ¬

_ (¬1) زاد في الأصل: رجلًا. خطأ. (¬2) "المسند" ص (258). (¬3) انظر "معرفة الصحابة" (4/ ترجمة 2203)، "الإصابة" (4/ ترجمة 6118).

العجلان (¬1). وحديث مالك عن ابن شهاب، رواه البخاري (¬2) عن عبد الله بن يوسف وابن أبي أويس، ومسلم (¬3) عن يحيى، وأبو داود (¬4) عن القعنبي، بروايتهم عن مالك. وحديث إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب أخرجه أبو عبد الله بن ماجه (¬5) عن أبي مروان محمَّد بن عثمان عن إبراهيم. وحديث ابن أبي ذئب عن ابن شهاب أخرجه البخاري (¬6) عن آدم ابن أبي إياس عن ابن أبي ذئب. وابن شداد: هو عبد الله بن شداد بن الهاد الليثي. سمع: عمر بن الخطاب، وأباه. وروى عنه: الشعبي، وعكرمة بن خالد، وغيرهما (¬7). وحديث ابن جريج عن ابن شهاب أخرجه البخاري (¬8) عن يحيى، ومسلم (¬9) عن محمَّد بن رافع، بروايتهما عن عبد الرزاق عن ابن جريج. وحديث القاسم عن ابن عباس مخرج في "الصحيحين" (¬10) بزيادات على ما في الكتاب، فروى البخاري عن سعيد بن عفير عن الليث عن يحيى بن سعيد، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن القاسم بن ¬

_ (¬1) انظر "معرفة الصحابة" (4/ ترجمة 2227)، "الإصابة" (3/ ترجمة 4356). (¬2) "صحيح البخاري" (5259). (¬3) "صحيح مسلم" (1492/ 1). (¬4) "سنن أبي داود" (2245). (¬5) "سنن ابن ماجه" (2066). (¬6) "صحيح البخاري" (7304). (¬7) انظر "التاريخ الكبير" (5/ ترجمة 342)، و"الجرح والتعديل" (5/ ترجمة 373)، و"التهذيب" (15/ ترجمة 3330). (¬8) "صحيح البخاري" (423). (¬9) "صحيح مسلم" (1492/ 3). (¬10) "صحيح البخاري" (5310)، و"صحيح مسلم" (1497).

محمَّد، عن ابن عباس أنه ذكر التلاعن عند النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال عاصم بن عدي في ذلك قولًا ثم انصرف، فأتاه رجل من قومه يشكو إليه أنه وجد مع أهله رجلًا، فقال عاصم: ما ابتليت بهذا إلا لقولي، فذهب به إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبره بالذي وجد عليه امرأته، وكان ذلك الرجل مصفرًا قليل اللحم سبط الشعر، وكان الذي ادعى عليه أنه وجد عند أهله آدم خدلًا (¬1) كثير اللحم، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "اللهم بينهما، فجاءت شبيهًا بالرجل الذي ذكر زوجها أنه وجده، فلاعن النبي - صلى الله عليه وسلم - بينهما، فقال رجل لابن عباس في المجلس: هي التي قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لو رجمت أحدًا بغير بينة رجمت هذِه؟ " فقال: لا، تلك امرأة كانت تظهر في الإِسلام السوء. ويروى أنه قال: لا، تلك امرأة قد أعلنت في الإِسلام. وقوله: "ومن كتاب الظهار واللعان" هكذا ترجم الكتاب، لكنه ليس فيه إلا الأحاديث المتعلقة باللعان. وقوله: "سل لي يا عاصم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -" يدل على أنهم كانوا يسألون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على لسان غيرهم وإن قدروا على مراجعته ورفع الواسطة، وفيه ما يدل على أنهم كانوا يعتمدون قول الواحد الذي يعبر (¬2) للسؤال. وقوله: "فكره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المسائل وعابها" قال أبو سليمان الخطابي: كان عاصم يسأل لغيره ولم يكن به حاجة إليه، وكان فيه هتك الحرمة؛ فأظهر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الكراهة إيثارًا لستر العورات. قال: والمسائل على وجهين: ¬

_ (¬1) هو الممتليء الساق. (¬2) كذا! والأجود: يعتبر.

منها ما يقع على وجه التعليم فيما يحتاج إليه، وذلك جائز وقد يجب. ومنها ما يقع على وجه التكلف والتعنت، وهو مكروه، ومنه قوله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي} (¬1)، ومنه سؤال بني إسرائيل في قصة البقرة فإنهم كانوا في غنية منه. وذكر الشافعي -رضي الله عنه- في "الأم" (¬2) أن عويمرًا لم يخبر عن وقوع الواقعة، والسؤال عما لم يقع في زمان نزول الوحي مكروه؛ لأنه قد يوافق السؤال نزول الوحي على ضرب من التغليظ والتشديد، وروى ما سيأتي في "المسند" عن عامر بن سعد، عن أبيه، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أعظم المسلمين في المسلمين جرمًا من سأل عن شيء لم يكن، فحرم من أجل مسألته، وقال تعالى: {لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} (¬3) " لكن الأشبه بسياق القصة أن عويمرًا كان قد ابتلي بذلك، وأن عاصمًا ذكرها لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو تفرسها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مما ذكر، ألا ترى أنه قال لعويمر حين أتاه فسأله: "قد أنزل الله تعالى فيك وفي صاحبتك فاذهب فأت بها". واستدل الشافعي بقول سهل: "فتلاعنا وأنا مع الناس" على أنه ينبغي أن يجري اللعان بحضور جماعة من المؤمنين، كما أن الحد يقام بمحضر جماعة من الناس، وبقوله: "فطلقها ثلاثًا" على أن الجمع بين الطلقات الثلاث لا يكون بدعة؛ لأنه لو كان كذلك لأنكر النبي - صلى الله عليه وسلم -. واختلف العلماء في وقت حصول الفرقة باللعان. ¬

_ (¬1) الإسراء: 85. (¬2) "الأم" (5/ 127 - 128) بتصرف. (¬3) يأتي برقم (1296).

فقال قائلون: يحصل بفراغ الزوج من اللعان، وبه قال الشافعي. وقال آخرون: تلاعنهما جميعًا، وبه قال مالك وأحمد. وقال آخرون: يحصل بتفريق القاضي بينهما بعد تلاعنهما؛ حتى لو طلقها قبل قضاء القاضي بالتفريق وقع الطلاق، وبهذا قال أبو حنيفة، وقد يحتج له بأن العجلاني طلقها ثلاثًا، ولو كانت الفرقة حاصلة لما كان للتطليق معنى، لكن يحتمل أنه كان جاهلًا بحكم اللعان، وقد ازداد غيظه لما رأى جرأتها على اليمين فأظهر الرغبة في فراقها وتلفظ بالطلقات الثلاث. وقوله: "فكانت تلك سنة المتلاعنين" يريد الفرقة بينهما، والكلمة في رواية مالك وإبراهيم بن سعد منسوبة إلى ابن شهاب، وفي رواية ابن أبي ذئب وابن جريج ما يدل على أنها من كلام سهل، وفي "سنن أبي داود" من رواية عياض بن عبد الله الفهري عن ابن شهاب عن سهل بن سعد: فطلقها ثلاث تطليقات عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأنفذه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان ما صنع عن النبي - صلى الله عليه وسلم - سنة. قال سهل: حضرت هذا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فمضت السنة بعد في المتلاعنين أن يفرق بينهما ثم لا يجتمعان أبدًا (¬1). قال أبو سليمان الخطابي: قوله: "فأنفذه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -" يحتمل وجهين: أحدهما: إيقاع الطلاق وإنفاذه، وهذا قول من يقول: إن اللعان لا يوجب الفرقة. ¬

_ (¬1) "سنن أبي داود" (2250).

والآخر: أن يكون المعنى إنفاذ الفراق الدائم المتأبد حتى لا تصلح للملاعن وإن كذب نفسه، وهذا قول الشافعي ومالك والأوزاعي والثوري وأحمد، ويدل عليه قوله: "ثم لا يجتمعان أبدًا". وقوله: "أن يفرق بينهما"، وفي رواية ابن جريج "أن يفرق بين المتلاعنين" قد يتمسك به من يقول أن الفرقة تحصل بتفريق الحاكم وسنتكلم في مثل هذه اللفظة من بعد. وقوله: "فإن جاءت به أسحم أدعج" الأسحم: الشديد السواد، ويقال: هو الذي لونه لون الغراب، والدعج: شدة سواد العين، والوحرة: دويبة تشبه الوزغة تلصق بالأرض، وقيل: مع الوزغة، وقيل: نوع من وزغ الصحاري وجمعها وحر، ومن ذلك وحر الصدر: وهو الحقد والغيظ؛ لأنه يتشبث بالقلب ويدب فيه كدبيب الوحرة، وأشار بهذا التشبيه إلى القصر، وقد بينه في رواية ابن أبي ذئب فقال: "أحمر قصيرًا كأنه وحرة". وقوله: "ذو أليتين" أي: هو ذو أليتين، والمراد عظمهما على ما ذكر في رواية إبراهيم بن سعد. وقوله في رواية ابن المسيب و [عبيد الله] (¬1) بن عبد الله: "إن جاءت به أشقر سبطًا" والشقرة: قريبة من الحمرة، وقد سبق الحديث من روايتهما في الكتاب وبينا أن بعضهم رواه: "أصفر"، وهذه الألوان كلها بعيدة من شدة السواد، فكأنه قصد ما يضادها، وفي بعض الروايات: "أميغر" وهو تصغير الأمغر (¬2)، والأمعر والمعر: القليل ¬

_ (¬1) في "الأصل": عبد الله. خطأ. (¬2) الأمغر: الأحمر. ولا أدري لم ترك المصنف الأمغر وشرح الأمعر.

الشعر، ويقال: تمعر شعره أي: تساقط، ويقال أيضًا: تمعر لونه أي: تغير. وأما السبط فيقال: شعر سبط، أي: مسترسل ليس فيه تثنِّ وتكسر، ويقال: هو سبط الجسم أي: حسن القدّ والاستواء، وذكر في حديث اللعان أن اللفظ يحتملهما جميعًا، والظاهر الأول؛ لأنه قد وقع التعرض للشعر في بعض الروايات السابقة، ولأنه وصفه بالقصر في سائر الروايات وذلك يناقض سباطة الجسم. واستدل بالحديث على جواز الاستدلال بالأشباه، وعلى أنه وإن جاز الاستدلال بها لا يحكم بها إذا عارضها ما هو أقوى منها؛ لأنه لم يوجب عليها الحد بالأشباه؛ لأن اللعان أقوى منها، وعلى أن المرأة إذا كانت حاملًا [و] (¬1) لاعن علي نفي العمل جاز، وبه قال مالك والأوزاعي، وعند أبي حنيفة: لا يجوز اللعان على نفي الحمل، لكن إن فعل صح وتعلق به أحكامه غير أن الولد يلزمه ولا يمكنه نفيه بعده. وقوله: "شهد ابن عباس فحدث بحديث المتلاعنين" يشبه أن يريد به ما حكيناه عن "الصحيح" من رواية القاسم بن محمَّد عن ابن عباس على أن ابن عباس روى في اللعان الحديث على وجه يفارق حديث سهل بن سعد، فيمكن أن يراد به ذلك، ولنورد ذلك الحديث ففيه أغراض أخر، روى البخاري في "الصحيح" عن محمَّد بن بشار عن ابن أبي عدي عن هشام بن حسان عن عكرمة عن ابن عباس؛ أن هلال بن أمية قذف امرأته عند النبي - صلى الله عليه وسلم - بشريك بن سحماء، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "البينة أو حدًّا في ظهرك". ¬

_ (¬1) في "الأصل": أو. خطأ.

قال: يا رسول الله إذا رأى أحدنا على امرأته رجلًا ينطلق يلتمس البينة؟ فجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "البينة وإلا حدًّا في ظهرك". فقال هلال: والذي بعثك بالحق إني لصادق، فلينزل الله سبحانه ما يبريء ظهري من الحد، فنزل جبريل وأنزل الله تعالى عليه: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ} فقرأ حتى بلغ: {إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ} فانصرف النبي - صلى الله عليه وسلم - فأرسل إليها فجاء هلال فشهد والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إن الله يعلم أن أحدكما كاذب، فهل منكما تائب"؟ ثم قامت فشهدت، فلما كانت عند الخامسة وقفوها وقالوا: إنها [موجبة] (¬1). قال ابن عباس: فتلكأت ونكصت حتى ظننا أنها ترجع، ثم قالت: لا أفضح قومي سائر اليوم، فمضت وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أبصروها فإن جاءت به أكحل العينين سابغ الأليتين خدلج الساقين، فهو لشريك بن سحماء" فجاءت به كذلك، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لولا [ما] (¬2) مضى من كتاب الله -عَزَّ وَجَلَّ- لكان لي ولها شأن" (¬3). وفي بعض الروايات: "أبصروها فإن جاءت به أثيبج أصيهب أريسح حمش الساقين فهو لهلال، وإن جاءت به خدلج الساقين سابغ الأليتين أورق جعدًا جماليًا فهو للذي رميت به" (¬4). وفي "صحيح مسلم" (¬5) عن أنس بن مالك أنه قال: إن هلال بن أمية قذف امرأته بشريك بن سحماء وكان أول من لاعن، فلاعن ¬

_ (¬1) في الأصل: بموجبة. والمثبت من "صحيح البخاري". (¬2) من "صحيح البخاري". (¬3) رواه البخاري (5316). (¬4) رواه أحمد (1/ 238)، والبيهقي (7/ 394). (¬5) "صحيح مسلم" (1496/ 11).

رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعني بينهما، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أبصروها فإن جاءت [به] (¬1) أبيض سبطًا قضيء العينين فهو لهلال بن أمية، وإن جاءت به أكحل جعدًا حمش الساقين [فهو لشريك بن سحماء ...] (¬2). وهلال بن أمية: هو الواقفي الأنصاري، وذكر أنه أحد الثلاثة الذين تخلفوا وتيب عليهم على ما قال تعالى: {وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا} (¬3). روى عنه: جابر بن عبد الله، وابن عباس. وشريك بن السحماء ذكر في الصحابة. والسحماء: قيل: هو اسم أمه، وقيل: صفة لها؛ لأنها كانت سوداء، والكحل: سواد الحدقة. وقوله: "سابغ الأليتين" قيل: قبيحهما، يقال: عجيزة سابغة أي: قبيحة، وقيل: سبوغ الأليتين: عظمهما، ومنه ثوب سابغ، ويوافقه ما سبق في بعض الروايات "عظيم الأليتين" وما ورد في بعضها: "إن كان مستهًّا" والمسته والأسته: العظيم الأليتين. وخدلج الساقين: غليظهما، ويروى: "خدل الساقين" وهو بمعناه. والأثيبج تصغير الأثبج: وهو الناتيء الثَّبجَ ما بين الكاهل ووسط الظهر. والأصيهب: تصغير الأصهب، والصهبة: قريبة من الشقرة. والأريسح تصغير الأرسح: وهو الخفيف الأليتين، وفي بعض الروايات "أريصح" وهو بمعناه أبدلت السين صادًا، قال أبو سليمان الخطابي (¬4): وقد يكون تصغير الأرصع أبدلت العين منه حاء، وحكي ¬

_ (¬1) من "صحيح مسلم". (¬2) من "صحيح مسلم". (¬3) التوبة: (118). (¬4) "غريب الحديث" (1/ 375).

عن الأصمعي أن الأرصع الأرسح. وحمش الساقين: دقيقهما. والأورق: الذي لونه يضرب إلى الخضرة كلون الرماد، وقيل: إلى السواد، وهو الورقة. والجعد: هو المجتمع الحلق، ويحتمل أن يريد به جعودة الشعر، وهو كما ذكرنا في السبط. والجمَاليّ: العظيم الخلق، شبه خلقه بخلق الجمل. وقضيء العين -على فعل فاسدها- يقال: قضئت عينه: إذا احمرت واسترخت لحم آماقها. والروايات متوافقة في الدلالات والأشبه المذكورة على اختلاف العبارات، وما فيها من الزيادة والنقصان لا اختلاف فيها إلا أن غلظ الساق في أكثر الروايات من أمارات أن الولد [للذي] (¬1) رميت به، وضده وهو الحمش من أمارات أنه من الزوج، وفي رواية أنس المذكورة آخرًا جعلت الحموشة من أمارات [أنه للذي رميت به] وكأن بعض الرواة غلط فأدخل هذه الصفة في غير موضعها أو تأول على إرادة الغلظ في أحدهما [وإرادة] (¬2) الحموشة في الطرف الآخر. وفي حديث ابن عباس دلالة على أن قذف الزوجة يوجب الحد كقذف الأعيان، إلا أنه يسقط بطريقين: البينة واللعان، وعلى أنه إذا قذف زوجته بمعين ثم لاعن؛ يسقط حد القذف لذلك المعين كما يسقط الحد للزوجة، فإن لم يسمه في اللعان ففي سقوط الحد له قولان ¬

_ (¬1) في الأصل: الذي. تحريف. (¬2) طمس في "الأصل". والمثبت أشبه بالرسم.

للشافعي، وقد يحتج للسقوط بأنه لم يرو أنه جرى في اللعان ذكر شريك، وإذا قلنا: لا يسقط، فله أن يعيد اللعان لإسقاطه، وعلى أنه يبدأ في اللعان بالرجل، وعلى أنه يستحب أن يوقف الملاعن عند الكلمة الخامسة، ويقال له: أنها موجبة أي: للغضب في حق المرأة واللعن في حق الرجل. واحتج بقوله عند الخامسة "أنها موجبة" على أن اللعان لا يتم إلا باستيفاء الكلمات الخمس، خلافًا لأبي حنيفة حيث قال: يكفي أكثرها، وبقوله: "الله يعلم أن أحدكما كاذب فهل من تائب؟ " على أن الإِمام يحكم بالظاهر والسرائر موكولة إلى الله تعالى، وعلى أن الظاهر لا يزال بالأشباه التي تخيل خلافه على ما قال - صلى الله عليه وسلم -: "لولا ما مضى من كتاب الله لكان لي ولها شأن". ثم في أحاديث اللعان كلامان: أحدهما: أن ابن عباس وأنسًا رويا أن الملاعن كان هلال بن أمية، وأنه رمى امرأته بشريك بن السحماء، وفي حديث سهل تسمية الملاعن بعويمر ونسبته إلى بني العجلان، وليس فيه ذكر المرمي به (¬1) في أكثر الروايات، وعويمر وهلال رجلان مذكوران في الصحابة، وظاهر الحديثين يشعر بأنهما قضيان ولعانان، لكنه يشكل من وجهين: الأول: أن في بعض الروايات ذكر عويمر مع الرمي بشريك، فروى الواقدي عن الضحاك بن عثمان عن عمران بن أبي أنس قال: سمعت عبد الله بن جعفر يقول: حضرت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين لاعن بين عويمر العجلاني وامرأته، فرجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من تبوك وأنكر حملها ¬

_ (¬1) زاد في "الأصل": و. مقحمة.

الذي في بطنها وقال: هو من ابن السحماء، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "هات امرأتك فقد نزل القرآن فيكما، فلاعن بينهما" (¬1). وروى أبو الزناد عن القاسم بن محمَّد، عن ابن عباس مثل ذلك، ويبعد أن تفرض قصتان مختلفتان ولعانان، والمرمي به فيهما شخص واحد. والثاني: أن الأشباه في الروايات متقاربة، ويبعد اشتراك الزوجين بتقدير تعدد الواقعة في الأشباه والهيئات، وقال الشافعي -رضي الله عنه- في "الإملاء": وقد قذف العجلاني امرأته بابن عمه وابن عمه شريك بن السحماء، والتعن العجلاني فلم يحد النبي - صلى الله عليه وسلم - شريكًا بالتعانه، ولم يحد العجلاني القاذف لشريك، فجعل القاذف العجلاني والمرمي به شريكًا. قال الحافظ أبو بكر البيهقي: عندي أن الشافعي ذهب إلى أن القصة واحدة واعتمد في اسم القاذف على حديث سهل بن سعد لفضل حفظ الزهري، وفي اسم المرمي به على رواية ابن عباس وأنس. قال: وبتقدير أن يكونا قصتين فكان عاصمًا سأل لعويمر ثم ابتلي به هلال بن أمية أيضًا ونزلت الآية فلاعن كل واحد منهما، فأضاف بعض الرواة نزول آيات اللعان إلى قصة هذا وآخرون إلى قصة هذا. والثاني: رواية سهل بن سعد وابن عباس وأنس موافقة في الدلالة على أن المرأة كانت حاملًا عند اللعان، وصرح به فليح وابن جريج ويونس بن يزيد الأيلي في روايتهم عن الزهري، وقد يوهم ما سبق من رواية سعيد بن عفير عن الليث عن يحيى بن سعيد عن عبد الرحمن بن ¬

_ (¬1) رواه الدارقطني (3/ 277 رقم 119)، والبيهقي (7/ 398).

الأصل

القاسم تقدم الوضع على اللعان، والظاهر الأول، وفي تلك الرواية قدم حكاية الوضع على حكاية اللعان. وما ذكر في ذلك الحديث "أنه ذكر التلاعن" وفي بعض الروايات ذكر "الملاعنين" بدل "التلاعن" وأن [عاصمًا] (¬1) قال فيه [قولًا] (¬2) ثم انصرف ... إلى آخره فيه إشكال أيضًا من وجهين: أحدهما: أن التلاعن إنما عرف من نزول آيات اللعان، والآيات نزلت بعد الواقعة ومراجعة النبي - صلى الله عليه وسلم -، فكيف يتقدم ذكر التلاعن على وقوع الواقعة ورفعها إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -. والثاني: أن فيما سبق من الروايات أن عويمرًا أتى عاصمًا ليسأل له رسول الله وذلك لا يناسب ما في رواية عبد الرحمن بن القاسم أن عاصمًا قال قولًا ثم انصرف ... إلى آخره، وقد يجاب عنهما تفريعًا على تعدد القصة بأنه ربما وردت آيات اللعان بعد واقعة هلال ثم إنهم ذكروا التلاعن، فقال فيه عاصم ما قال، ثم جاءه عويمر ليسأل له. الأصل [1250] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا عبد العزيز بن محمَّد، عن يزيد ابن الهاد، عن عبد الله بن يونس أنه سمع المقبري يحدث القرظي، قال المقبري: حدثني أبو هريرة أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول لما نزلت آية الملاعنة قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أيما امرأة أدخلت على قوم من ليس منهم؛ فليست من الله في شيء، ولم يدخلها الله جنته، وأيما رجل جحد ولده وهو ينظر إليه احتجب الله منه وفضحه على رءوس الخلائق في ¬

_ (¬1) في الأصل: تخاصمًا. تحريف. (¬2) في الأصل: قولان. خطأ.

الشرح

الأولين والآخرين" (¬1). الشرح عبد الله بن يونس عرف برواية يزيد بن الهاد عنه، وروايته عن سعيد المقبري (¬2). والقرظي: هو محمَّد بن كعب. وروى الحديث عمرو بن الحارث عن ابن الهاد عن عبد الله عن سعيد المقبري عن أبي هريرة، ثم قال عبد الله بن يونس: فقال محمَّد بن كعب القرظي وسعيد يحدث بهذا الحديث: بلغني هذا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وقوله: "قال النبي - صلى الله عليه وسلم -" في النظم المذكور غير محتاج إليه. وقوله: "احتجب الله منه" كأن المراد منه: منعه الله رحمته وحرمه منها، وكما يحرم على الرجل أن يجحد ولده يحرم عليه أن ينتسب إلى غير أبيه؛ ففي "الصحيحين" من رواية أبي بكرة؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم أنه غير أبيه فالجنة عليه حرام" (¬3) والله أعلم. ¬

_ (¬1) "المسند" ص (258). والحديث رواه أبو داود (2263)، والنسائي (6/ 179)، وابن حبان (4108)، والحاكم (2/ 202). قال الحافظ في "التلخيص" (1621): وصححه الدارقطني في "العلل" مع اعترافه بتفرد عبد الله بن يونس، وأنه لا يعرف إلا بهذا الحديث. وضعفه الألباني في "الإرواء" (2367). (¬2) انظر "التاريخ الكبير" (5/ ترجمة 762)، و"الجرح والتعديل" (5/ ترجمة 958)، و"التهذيب" (16 / ترجمة 3674). (¬3) "صحيح البخاري" (6766)، و"صحيح مسلم" (63).

الأصل

الأصل [1251] أبنا الربيع، أبنا الشافعي قال: سمعت سفيان بن عيينة يقول: أبنا عمرو بن دينار، عن سعيد بن جبير، عن ابن عمر؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال للمتلاعنين: "حسابكما على الله أحدكما كاذب لا سبيل لك عليها". قال: يا رسول الله مالي؟ قال: "لا مال لك، إن كنت صدقت عليها فهو بما استحللت من فرجها، وإن كنت كذبت عليها فذلك أبعد لك منه" (¬1). [1252] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن أيوب، عن سعيد بن جبير قال: سمعت ابن عمر يقول: فرق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين أخوي بني العجلان، وقال هكذا بإصبعيه المسبحة والوسطى فقرنهما الوسطى والتي تليها -يعني المسبحة- وقال: "الله يعلم أن أحدكما كاذب، فهل منكما تائب" (¬2). [1253] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن نافع، عن ابن عمر؛ أن رجلًا لاعن امرأته في زمان النبي - صلى الله عليه وسلم - وانتفى من ولدها، ففرق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بينهما وألحق الولد بالمرأة (¬3). الشرح حديث عمرو بن دينار عن سعيد، رواه البخاري (¬4) عن علي بن عبد الله وقتيبة، ومسلم (¬5) عن يحيى بن يحيى وغيره، وأبو ¬

_ (¬1) "المسند" ص (258). (¬2) "المسند" ص (259) (¬3) "المسند" ص (259). (¬4) "صحيح البخاري" (5312). (¬5) "صحيح مسلم" (1493/ 5).

داود (¬1) عن أحمد بن حنبل بروايتهم جميعًا عن ابن عيينة. وحديث أيوب عن سعيد مخرج في "الصحيحين" (¬2) من رواية سفيان بن عيينة، وكذلك حديث مالك أخرجه البخاري (¬3) عن يحيى بن بكير، ومسلم (¬4) عن يحيى بن يحيى وقتيبة، وأبو داود (¬5) عن القعنبي، بروايتهم عن مالك. واستدل بقوله: "لا سبيل لك عليها" على حصول الفرقة باللعان، وعلى أن فرقة اللعان متأبدة؛ لأنه أطلق، ولو كان لها عليه سبيل إذا كذب نفسه لأشبه أن يقول: إلا أن تكذب نفسك، وقد روي عن محمَّد بن زيد عن سعيد بن جبير عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "المتلاعنان إذا تفرقا لا يجتمعان أبدًا" (¬6). وروى الأوزاعي عن الزبيدي عن الزهري عن سهل بن سعد في حديث المتلاعنين قال: فتلاعنا ففرق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بينهما وقال: "لا يجتمعان أبدًا". وعن عمر وعلي رضي الله عنهما أن المتلاعنين لا يجتمعان أبدًا. ويروى عن سعيد بن المسيب أنه إذا كذب نفسه ارتفع تحريم العقد، وكان له أن ينكحها. وبه قال أبو حنيفة. ¬

_ (¬1) "سنن أبي داود" (2257). (¬2) "صحيح البخاري" (5311)، و"صحيح مسلم" (1493/ 6). (¬3) "صحيح البخاري" (5315). (¬4) "صحيح مسلم" (1494/ 8). (¬5) "سنن أبي داود" (2259). (¬6) رواه الدارقطني (3/ 276 رقم 116). قال الحافظ في "الدارية" (586): إسناده لا بأس به.

الأصل

وعن سعيد بن جبير أنها تعود منكوحة له. وقوله: "لا مال لك" يدل على أن زوج الملاعنة لا يرجع عليها بالمهر، وذلك إذا كانت مدخولًا بها، وفي قوله: "بما استحللت من فرجها" ما يشعر به؛ فأما قبل الدخول فلها إذا تلاعنا نصف المهر، وبه قال الحسن وسعيد بن جبير ومالك والأوزاعي، وقال الحكم وحماد: لها المهر كاملًا، وعن الزهري أنه لا مهر لها. وقوله: "أبعد لك منها أو منه" أي: أبعد لك منها أي: لإتباعها ومطالبتها بالمال، أو منه أي: من المال. واحتج من لم ير حصول الفرقة في اللعان إلا بتفريق الحاكم بظاهر قوله: "فرق رسول الله - صلى الله عليه وسلم -" في الخبر الثاني والثالث، وقال الشافعي: معناه أنه بين حصول الفرقة بينهما باللعان وحكم بها، ولما جرى التلاعن بحضرة النبي - صلى الله عليه وسلم - أضيف التفريق إليه كما قال في الخبر الثاني "وألحق الولد بالمرأة" أي: خصص الإلحاق بها، وحكم بانقطاعه عن الملاعن، ومعلوم أن انقطاع النسب يحصل باللعان من غير صنع من الحاكم. الأصل [1254] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا ابن عيينة، عن الزهري، عن ابن المسيب؛ أن بنت محمَّد بن مسلمة كانت عند رافع بن خديج فكره منها أمرًا إما كبرًا أو غيره، فأراد طلاقها فقالت: لا تطلقني وأمسكني واقسم لي ما بدا لك، فأنزل الله تعالى: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا} الآية (¬1). ¬

_ (¬1) "المسند" ص (260).

الشرح

[1255] أبنا الربيع، أبنا الشافعي قال: وأبنا مسلم، عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - توفي عن تسع نسوة وكان يقسم لثمان (¬1). الشرح القصة في [... (¬2)] ثابتة، وروى أبو اليمان، عن شعيب بن أبي حمزة، عن الزهري قال: أخبرني سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار؛ أن رافع بن خديج الأنصاري -وكان من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -[كانت (¬3)] عنده امرأة حتى إذا كبرت تزوج عليها فتاة شابة فآثر عليها الشابة، فناشدته الطلاق فطلقها تطليقة ثم أمهلها حتى إذا كادت تحل راجعها، ثم عاد فآثر الشابة عليها فناشدته الطلاق فطلقها تطليقة أخرى ثم أمهلها حتى إذا كادت تحل راجعها، ثم عاد فآثر الشابة عليها فناشدته الطلاق، فقال لها: ما شئت إنما بقيت لك طلقة واحدة فإن شئت استقررت على مأثرة، وإن شئت فارقتك، فقالت: لا، بل أستقر على الأثرة، فأمسكها على ذلك فكان ذلك صلحهما ولم ير رافع عليه إثمًا حين رضيت بأن تستقر عنده على الأثرة (¬4). وعن عكرمة عن ابن عباس قال: خشيت سودة أن يطلقها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله لا تطلقني وأمسكني واجعل يومي لعائشة ففعل؛ فنزلت هذه الآية: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا} ¬

_ (¬1) "المسند" ص (260). (¬2) طمس بمقدار كلمتين في "الأصل". (¬3) سقط من "الأصل". والمثبت من "السنن". (¬4) رواه البيهقي (7/ 296) من طريقه، ورواه الحاكم (2/ 338) من طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري، وقال: صحيح على شرط الشيخين.

قال: فما اصطلحا عليه من شيء فهو جائز (¬1). وعن هشام بن عروة عن أبيه قال: أنزل في سودة وأشباهها {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا} (¬2). وفي "الصحيحين" من رواية [أبي] (¬3) معاوية عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أنها قالت في قوله تعالى: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا} أنزلت في المرأة تكون عند الرجل لا يستكثر منها فيريد أن يطلقها ويتزوج غيرها، فتقول: لا تطلقني وأمسكني وأنت في حل من النفقة [علي] (¬4) والقسمة لي (¬5). والمقصود أن الزوج إذا كان لا يمنعها حقها ولكنه يكره صحبتها لمرض أو كبر ولا يدعوها إلا فراشه ويهم بطلاقها؛ فيحسن منها أن تستميل قلبه بترك بعض حقها لتثبت على نكاح. وقوله: "إما كبرًا أو غيره" المراد منه كبر السنن على ما بين في سائر الروايات، وقد يتوهم أنه الكبر بسكون الباء. وقوله "أو غيره" أي: غير الكبر، وقيده بعضهم: "أو غيره" وهو صحيح المعنى. وقوله: "فأنزل الله تعالى: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ} يشعر بأن سبب ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (3040) وقال: حسن غريب. وقال الحافظ في "الإصابة" (7/ 720): إسناده حسن. (¬2) رواه البيهقي (7/ 297) مرسلًا كذلك، وقال: ورواه أحمد بن يونس عن أبي الزناد موصولًا كما سبق ذكره في أول كتاب النكاح. (¬3) سقط من الأصل والمثبت من "البخاري". (¬4) من "صحيح البخاري". (¬5) رواه البخاري (5206) من طريق أبي معاوية، ومسلم (3021/ 14) من طريق أبي أسامة، كلاهما عن هشام.

نزول الآية قصة رافع وامرأته، والرواية عن ابن عباس تشعر بأن سبب نزولها قصة سودة، وقد يستدل بهما على أن الآية الواردة في بعض الأبواب يجوز إضافة نزولها إلى الواقعة المعينة وكذلك إضافة نزولها إلى أخواتها، وأطلقت عائشة رضي الله عنها فقالت: أنزلت في المرأة تكون عند الرجل ... إلى آخره. وحديث عطاء عن ابن عباس أخرجه البخاري (¬1) عن إبراهيم بن موسى عن هشام بن يوسف، ومسلم (¬2) عن إسحاق بن إبراهيم عن محمَّد بن بكر، بروايتهما عن ابن جريج. وفي الحديث والأثر عن ابن المسيب دلالة على شرعية القسم، إذا كان تحت الرجل أكثر من امرأة واحدة وجب عليه التسوية بينهن في القسم، ولا مؤاخذة بميل القلب، روي أنه - صلى الله عليه وسلم - كان كان يقسم بين نسائه فيعدل ويقول: "اللهم هذِه قسمتي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك" (¬3). واختلفوا في أن القسم كان واجبًا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو كان يقسم [... (¬4)] وكيف كان فإنما كان يقسم لثمان و [هن] (¬5) تسع، لما روى زهير عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة؛ أن سودة بنت زمعة ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (5067). (¬2) "صحيح مسلم" (1465/ 51). (¬3) رواه أبو داود (2134)، والترمذي (1140)، والنسائي (7/ 63)، وابن ماجه (1971)، وابن حبان (4205)، والحاكم (2/ 204). قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم. قال الحافظ في "التلخيص" (1466): أعله النسائي والترمذي والدارقطني بالإرسال، وقال أبو زرعة: لا أعلم أحدًا تابع حماد بن سلمة على وصله. وضعفه الألباني في "ضعيف الجامع" (4593). (¬4) طمس في "الأصل" بمقدار كلمتين. (¬5) في "الأصل": هي. تحريف.

الأصل

وهبت يومها لعائشة، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقسم لعائشة بيومها ويوم سودة. رواه البخاري (¬1) عن مالك بن إسماعيل، ومسلم (¬2) عن عمرو الناقد عن الأسود بن عامر، بروايتهما عن زهير. وللزوج أن لا يرضى بالهبة ويدخل على الواهبة، ولو وهبت نوبتها من الزوج ولا من الضرة فتخرج الواهبة من القسم ويسوي بين الضرائر وللواهبة الرجوع مهما شاءت. الأصل [1256] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن عبد الله ابن أبي بكر بن محمَّد بن عمرو بن حزم، عن عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -[حين] (¬3) تزوج أم سلمة وأصبحت عنده قال: "ليس بك على أهلك هوان [إن] (¬4) شئت سبعت عندك وسبعت عندهن، وإن شئت ثلثت عندك ودرت". قالت: ثلث (¬5). [1257] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا عبد المجيد، عن ابن جريج، عن حبيب بن أبي ثابت؛ أن عبد الحميد بن عبد الله بن أبي عمرو والقاسم ابن محمَّد بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام أخبرا أنهما سمعا أبا بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، يحدث عن أم سلمة، أنها أخبرته أنها لما قدمت المدينة أخبرتهم أنها ابنة أبي أمية بن المغيرة ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (5212). (¬2) "صحيح مسلم" (1463/ 47). (¬3) سقط من "الأصل". والمثبت من "المسند". (¬4) سقط من "الأصل". والمثبت من "المسند". (¬5) "المسند" ص (261).

فكذبوها، وقالوا: ما أكذب الغرائب، حتى أنشأ إنسان منهم بالحج فقالوا: أتكتبين إلى أهلك فكتبت معهم فرجعوا إلى المدينة. قالت: فصدقوا وازددت عليهم كرامة، فلما حللت جاءني رسول الله - صلى الله عليه وسلم -[فخطبني] (¬1) فقلت له: ما مثلي نكح، أما أنا فلا ولد لي، وأنا غيور ذات عيال. قال: "أنا أكبر منك، وأما المغيرة فيذهبها الله، وأما العيال فإلى الله ورسوله" فتزوجها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجعل يأتيها ويقول: "أين زناب؟ " حتى جاء عمار بن ياسر فاختلجها، قال: وهذه تمنع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكانت ترضعها، فجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "أين زناب؟ " فقالت قريبة بنت أبي أمية [ووافقها] (¬2) عندما أخذها عمار بن ياسر. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إني آتيكم الليلة". قالت: فقمت فوضعت ثفالي وأخرجت حبات من شعير كانت في جرٍّ وأخرجت شحمًا فعصدته أو صعدته. قالت: فبات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصبح فقال حين أصبح: "إن لك على أهلك كرامة فإن شئت سبعت لك وإن أسبع أسبع لنسائي" (¬3). [1258] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن حميد، عن أنس أنه قال: للبكر سبع وللثيب ثلاث (¬4). والله [أعلم] (¬5). ¬

_ (¬1) في "الأصل". فخطب. والمثبت من "المسند". (¬2) تحرف في "الأصل". والمثبت من "المسند". (¬3) "المسند" ص (261). (¬4) "المسند" ص (261). (¬5) سقط من "الأصل".

الشرح

الشرح عبد الحميد بن عبد الله بن أبي عمرو، قال البخاري: أراه المخزومي من أهل المدينة. سمع: أبا بكر بن عبد الرحمن. وروى عنه: حبيب بن أبي ثابت (¬1). والقاسم بن محمَّد بالنسب المذكور: هو القرشي المخزومي. سمع: عمه أبا بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام. وروى عنه: حبيب بن أبي ثابت (¬2). وزناب: هي زينب بنت أبي سلمة بن عبد الأسد، ربيبة النبي - صلى الله عليه وسلم -، كان اسمها برة فسماها النبي - صلى الله عليه وسلم - زينب، وقد مرّ ذكرها. وقريبة بنت أبي أمية أخت أم سلمة من الصحابيات (¬3). وحديث مالك عن عبد الله بن أبي بكر مودع في "الموطأ" (¬4)، ورواه مسلم (¬5) عن يحيى بن يحيى عن مالك، ورواه مسلم (¬6) موصلًا عن أبي بكر بن أبي شيبة وغيره عن يحيى القطان عن سفيان الثوري عن محمَّد بن أبي بكر عن عبد الملك بن أبي بكر عن أبيه عن أم سلمة، وأخرجه مسلم (¬7) أيضًا عن أبي كريب عن حفص بن غياث عن عبد ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (6/ ترجمة 1672)، و"الجرح والتعديل" (6/ ترجمة 70)، و"التهذيب" (16/ ترجمة 3723). (¬2) انظر "التاريخ الكبير" (7/ ترجمة 733)، و"الجرح والتعديل" (/ ترجمة)، و"التهذيب" (23/ ترجمة 4823). (¬3) انظر "معرفة الصحابة" (6/ ترجمة 3995)، و"الإصابة" (8/ ترجمة 11645). (¬4) "الموطأ" (2/ 529 رقم 1102). (¬5) "صحيح مسلم" (1460/ 42). (¬6) "صحيح مسلم" (1460/ 41). (¬7) "صحيح مسلم" (1460/ 43).

الواحد بن أيمن عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث عن أم سلمة. وحديث ابن جريج رواه عنه روح بن عبادة أيضًا (¬1). وقوله: "ليس [بك] (¬2) على أهلك هوان" الذي رأيت فيه أن المعنى أنه لا يعلق بك ولا يصيبك ولا يلحقك مني هوان، وإن خرجت قبل استكمال سبع فالعدل في القسمة ذلك لا أني أريد هوانك، وأراد [بالأهل] (¬3) نفسه - صلى الله عليه وسلم -، ويجوز أن يريد بأهلها عشيرتها، وأن يكون المعنى أنه لا يلحقهم بسببك هوان، وجعل الكلمة مقدمة تخييرها في قدر ما يبيت عندها وهو ضرب من الإكرام. وقوله: "حتى أنشأ إنسان منهم" في رواية روح: "حتى أنشأ ناس منهم الحج" وفيه ما يبين [شرف] (¬4) نسبها. وقولها: "فلما حللت جاءني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فخطبني" في رواية روح: "فلما وضعت زينب جاءني" كأنها حامل فانقضت عدتها بالوضع. وقولها: "ما مثلي نكح" أي: لست ممن يحبب إلى النكاح إذا خطبت، وكان يقال لأم خارجة: خطب، فتقول: نكح، ويقال: خطب، ونكح أي: لست مثلها، وفي بعض النسخ "ما مثلي تنكح"، ويجوز أن تشير به إلى كبر السن، وقد يشعر به قولها: "أما أنا فلا ولد لي" أي: لا يولد لي من بعد، وقوله - صلى الله عليه وسلم - في الجواب: "أنا أكبر منك" وفي رواية روح "فلا ولد فيّ". ¬

_ (¬1) رواه ابن حبان (4065) من طريقه. (¬2) في "الأصل": لك. والمثبت من الحديث. (¬3) في "الأصل": بالأول. تحريف. (¬4) في "الأصل": شر. تحريف، ففي "الاستيعاب" (4/ ترجمة 4111): أن أباها كان أحد أجواد قريش المشهورين بالكرم، وكان يعرف بزاد الراكب.

وقوله: "فجعل يأتيها ويقول: أين زناب ... إلى آخره" كانت أم سلمة ترضع الصغيرة وتشغلها، وكأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يتوخى فراغها ويقول: إلى أين تحول زينب، ففطن له عمار فأخذها، فلما ذكر له ذلك قال: "إني آتيكم الليلة". والثفال: جلدة تبسط تحت الرحى (¬1). وأخرجت ما كان عندها من الشعير ليطحن، وفي لفظ "الحبات" ما يفهم قلته. وقوله: "كانت في جرّ" في بعض الروايات بدله: "في جريب". وقولها: "وأخرجت شحمًا فعصدته أو صعدته" كذا هو في نسخ "المختصر" (¬2)، وهو بتقديم العين قريب، فيجوز أن يكون ما بعده ضادًا معجمة، والعضد: القطع، وأن يكون صادًا مهملة، يقال: عصد العصيدة: إذا لواها؛ وأما تقديم الصاد والعين فهو بعيد، ورأيت لبعضهم: "فعصرته" ((¬3). وفقه الفصل: أنه إذا نكح الرجل امرأة جديدة يبيت عندها سبع ليال إن كانت بكرًا، وثلاثًا إن كانت ثيبًا، ولا يقضي ذلك لمن عنده، وإن اختارت الثيب أن يبيت عندها سبعًا فله أن يجيبها إليه ثم يقضي جميع [نسائه] (¬4) السبع، وبهذا قال مالك وأحمد، وعند أبي حنيفة: يقضي ما بات عند الجديدة لمن عنده، واحتج الشافعي بقوله: "وإن شئت ثلثت عندك ودرت" وقال: المعنى درت بالقسم الأول من غير قضاء؛ لأنه لو كانت الثلاث مقضية كالسبع لأشبه أن يقول: "وثلثت ¬

_ (¬1) كذا! (¬2) كذا في "الأصل" والصواب: نسخ "المسند". (¬3) هي في رواية أبي عوانة (4303). (¬4) ليست في "الأصل". والسياق يقتضيها.

الأصل

عندهن" كما قال: "وسبعت عندهن" ويدل عليه ما روي عن أنس أنه قال: "للبكر سبع" غير قضاء؛ لأنه لو كانت الثلاث مقضية لم يكن لتخصيص السبع بالبكر معنى، وفي "الصحيحين" من رواية أبي قلابة عن أنس قال: من السنة إذا تزوج البكر على الثيب أقام عندها سبعًا وقسم، وإذا تزوج الثيب أقام عندها ثلاثًا ثم قسم. قال أبو قلابة: لو شئت قلت أن أنسًا رفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬1). وقولها: "جاءني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فخطبني ... إلى آخره" ظاهر في أنه - صلى الله عليه وسلم - خطبها بنفسه، وفيه دليل على أنه لا بأس بأن يخطب الخاطب بنفسه ويكلم المخطوبة ويزيح عللها في التوقف. الأصل [1259] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا عمي محمَّد بن علي بن شافع، عن ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبد الله، عن عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - أنها قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد سفرًا أقرع بين نسائه فأيتهن خرج سهمها خرج بها (¬2). الشرح الحديث مخرج في "الصحيحين" (¬3) مدرجًا في قصة الإفك، وقد رواها البخاري ومسلم عن أبي الربيع الزهراني، عن فليح بن سليمان، عن ابن شهاب، عن عروة وابن المسيب وعلقمة بن وقاص وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن عائشة، ورواها الشافعي في ¬

_ (¬1) رواه البخاري (5213)، "ومسلم" (1461). (¬2) "المسند" ص (261). (¬3) "صحيح البخاري" (2661)، و"صحيح مسلم" (2770/ 57).

الأصل

"الإملاء" وزاد: فخرج سهمها في غزوة بني المصطلق فخرج بها. ولا يجوز لمن أراد سفرًا أن يستصحب بعض نسائه بلا قرعة ولو فعل قضى للباقيات، وإذا استصحب بعضهن بالقرعة فلا يقضي للباقيات مدة السفر ولا مدة المكث في المقصد إذا لم يزد على مدة المسافرين، وإن زاد مكثه على مدة المسافرين قضى تلك المدة وهذا في سفر الحاجة؛ فإما في سفر النقلة فلا يخص بعضهن بالاستصحاب لا بالقرعة ولا دونها بل يستصحبهن جميعًا أو يتركن جميعًا، وإذا سافر باثنتين بالقرعة سوى بينهما، وعماد القسم في السفر من وقت النزول إلى الارتحال ليلًا كان أو نهارًا. الأصل [1260] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا ابن عيينة، عن الزهري، عن عبد الله بن عبد الله بن عمر، عن إياس بن عبد الله بن أبي ذباب قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تضربوا إماء الله". قال: فأتاه عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- فقال: يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذئر النساء على أزواجهن فأذن في ضربهن، فأطاف بآل محمَّد نساء كثير كلهن يشكون أزواجهن، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لقد أطاف بآل محمَّد سبعون امرأة كلهن يشتكين أزواجهن ولا تجدون أولئك خياركم" (¬1). الشرح إياس بن عبد الله بن أبي ذباب، دوسي. وروى عنه: عبد الله بن عبد الله بن عمر. قال الإِمام محمَّد بن ¬

_ (¬1) "المسند" ص (262).

إسماعيل البخاري في "التاريخ": ولا يعرف له صحبة، وذكر الحافظ أبو عبد الله بن منده أنه إياس بن عبد الله بن أبي ذباب المزني، وهو مختلف في صحبته، ويلزم من هذا الاختلاف: الاختلاف في أن الحديث مسند أو مرسل؟ وقد رواه عن الزهري معمر وغيره. وقد ورد النهي عن ضرب النساء كما قال في أول الحديث: "لا تضربوا إماء الله" ففي "الصحيحين" (¬1) من رواية عبد الله بن زمعة قال: وعظ النبي - صلى الله عليه وسلم - الناس في النساء فقال: "يضرب أحدكم امرأته ضرب العبد ثم يعانقها آخر الليل" (¬2). وفي حديث لقيط بن صبرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا تضربن ظعينتك ضربك أميتك" (¬3) ثم أذن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الضرب، وقد ورد القرآن به. وقوله في آخره: "ثم لا تجد أولئك خيارهم" يشعر بأن تركه أولى، قال الأئمة: كان النهي كان متقدمًّا على نزول الآية، ثم لما ذئر النساء واحتيج إلى تأديبهن أذن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه ونزل به القرآن، ثم لما أمعنوا في الضرب بين أن التحمل والصبر على سوء أخلاقهن أولى وأجمل. وقوله: "ذئر النساء" أي: اجترأن ونشزن، ويقال منه: امرأة ذئرة، وقيل: الذائر المغتاظ على الخصم المستعد للشر، ويقال: أطاف به أي: ألمّ به، ويشبه أن يكون ذكر السبعين لبيان كثرتهن لا على سبيل التحقيق. ¬

_ (¬1) "التاريخ الكبير" (1/ ترجمة 1411)، وفي "الجرح والتعديل" (2/ ترجمة 1008): أن له صحبة. (¬2) "صحيح البخاري" (6042)، و"صحيح مسلم" (2855). (¬3) رواه أبو داود (142)، وابن حبان (1054)، والحاكم (1/ 248). ورواه الترمذي (788)، والنسائي (1/ 79)، وابن ماجه (448) وليس عندهم محل الشاهد.

الأصل

الأصل [1261] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا الثقفي، عن أيوب، عن ابن سيرين، عن عبيدة أنه قال في هذِه الآية: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا} قال: جاء رجل وامرأة إلى علي -رضي الله عنه- ومع كل واحد فئام من الناس، فأمرهم علي فبعثوا حكمًا من أهله وحكمًا من أهلها، ثم قال للحكمين: تدريان ما عليكما؟ إن رأيتما أن تجمعا أن تجمعا [وإن رأيتما] (¬1) أن تفرقا أن تفرقا. قال: قالت المرأة: رضيت بكتاب الله بما علي فيه ولي، وقال الرجل: أما الفرقة فلا. فقال علي -رضي الله عنه-: كذبت والله حتى تقر بمثل الذي أقرت به (¬2). [1262] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مسلم، عن ابن جريج، عن ابن أبي مليكة، سمعه يقول: تزوج عقيل بن أبي طالب فاطمة بنت عتبة فقالت: اصبر لي وأنفق عليك، فكان إذا دخل عليها تقول: أين عتبة وشيبة، فسكت عنها فدخل عليها يومًا برمًا، قالت: أين [عتبة] (¬3) بن ربيعة وأين شيبة بن ربيعة؟ وقال: على يسارك في النار إذا دخلت، فشدت عليها ثيابها فجاءت عثمان بن عفان -رضي الله عنه- فذكرت ذلك له، فأرسل ابن عباس ومعاوية، فقال ابن عباس: لأفرقن بينهما، وقال معاوية: ما كنت لأفرق بين شيخين من بني عبد ¬

_ (¬1) تحرف في "الأصل". والمثبت من "المسند". (¬2) "المسند" ص (262). (¬3) في "الأصل": عتيبة. تحريف، والمثبت من "المسند".

الشرح

مناف، قال: فأتياهما فوجداهما قد شدا عليهما أثوابهما وأصلحا أمرهما (¬1). الشرح عبيدة: هو ابن عمرو السلماني المرادي الكوفي -وسلمان: حي من مراد- أبو مسلم، ويقال: أبو عمرو، من أئمة التابعين، وكان قد أسلم قبل وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - بسنتين وصلى، لكنه لم يره ولم يهاجر إليه. سمع: علي بن أبي طالب، وابن مسعود. وروى عنه: محمَّد بن سيرين، وإبراهيم النخعي. ومات سنة اثنتين وسبعين، وقيل: سنة ثلاث (¬2). وعقيل بن أبي طالب: هو أبو يزيد الهاشمي ابن عم النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأخوه علي وجعفر. روى عن: النبي - صلى الله عليه وسلم -. وروى عنه: موسى بن طلحة، والحسن البصري، وابنه محمَّد بن عقيل (¬3). وإذا اشتد الشقاق بين الزوجين وكانا يتشاتمان ويتضاربان، فيبعث القاضي حكمًا من أهله وحكمًا من أهلها لينظرا في شأنهما ويصلحا بينهما أو يفرقا إذا لم يمكن الإصلاح، كما قال تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا} الآية (¬4)، أي: علمتم، وللشافعي قولان في أن المبعوثين حاكمان أو وكيلان من جهة الزوجين: ¬

_ (¬1) "المسند" ص (262). (¬2) انظر: "التاريخ الكبير" (6/ ترجمة 1777)، و"الجرح والتعديل" (6/ ترجمة 466)، و"التهذيب" (19/ ترجمة 3756). (¬3) انظر "معرفة الصحابة" (4/ ترجمة 2372)، و"الإصابة" (4/ ترجمة 5632). (¬4) النساء: 35.

أحدهما وبه قال مالك: أنهما حاكمان موليان من جهة القاضي؛ لأن الله تعالى سماهما حكمين. وأصحهما وبه قال أبو حنيفة وأحمد: أنهما وكيلان من جهة الزوجين؛ لأنهما رشيدان، فلا يول عليهما. واحتج بأثر علي -رضي الله عنه- للقول الأول؛ فإنه جعل الجمع والتفريق إليهما، وللقول الثاني بأنه اعتبر رضاهما وإقرارهما. وقوله: "حتى تقر" على القول الأول معناه: عليك [أن] (¬1) تنقاد لحكم الله تعالى كما انقادت. وإذا جعلناهما حكمين جاز بعثهما بدون رضا الزوجين، ولحكم الزوج أن يطلق إذا رآه، وأن يخالع إذا ساعده (¬2) حكم المرأة؛ وإذا جعلناهما وكيلين فيبعثان برضا الزوجين، ويوكل الزوج حكمه بالطلاق وقبول العوض في الخلع، والمرأة حكمها بقبول الطلاق على العوض. وقصة عقيل مذكورة في "الأم" (¬3) مع زيادة تحسن الكلام ويتم وهي أنه قال: فكان إذا دخل عليها قالت: "أين عتبة بن ربيعة؟ أين شيبة بن ربيعة؟ " فيسكت، حتى دخل عليها يومًا وهو برم، فقالت: أين عتبة ابن ربيعة أين شيبة بن ربيعة؟ فقال: "على يسارك في النار". وقولها: "اصبر لي" كأنها تلتمس منه أن لا يتزوج عليها يقنع بها لتنفق عليه، ثم كان يشق عليها الإنفاق فتؤذيه بقولها: "أين عتبة أين شيبة". وقوله: "فشدت عليها ثيابها" أي: لتحتجب بها إذا خرجت. وقوله: "لأفرقن بينهما" فيه إشعار باستقلال الحكمين بالتفريق. ¬

_ (¬1) ليست في "الأصل". والسياق يقتضيها. (¬2) زاد في "الأصل": و. مقحمة. (¬3) "الأم" (5/ 116).

الأصل

الأصل [1263] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن يحيى بن سعيد، عن عمرة أن حبيبة بنت سهل أخبرتها أنها كانت عند ثابت بن قيس بن شماس، وأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج إلى صلاة الصبح فوجد حبيبة بنت سهل عند بابه في الغلس، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من هذِه؟ " فقالت: أنا حبيبة بنت سهل يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فقال: "ما شأنك؟ " قالت: لا أنا ولا ثابت لزوجها، فلما جاء ثابت بن قيس قال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "هذِه حبيبة بنت سهل قد ذكرت ما شاء الله أن تذكر". فقالت حبيبة: يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كل ما أعطاني عندي. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "خذ منها" فأخذ منها وجلست في أهلها (¬1). [1264] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان بن عيينة، عن يحيى بن سعيد، عن عمرة، عن حبيبة بنت سهل؛ أنها أتت النبي - صلى الله عليه وسلم - في الغلس وهي تشكو شيئًا بيدها وهي تقول: لا أنا ولا ثابت بن قيس، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يا ثابت خذ منها" فأخذ منها وجلست (¬2). الشرح حبيبة بنت سهل، يقال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - همّ بنكاحها قبل أن يزوجها ثابت بن قيس. روت عنها: عمرة بنت عبد الرحمن (¬3). ¬

_ (¬1) "المسند" ص (262). (¬2) "المسند" ص (263). (¬3) انظر "معرفة الصحابة" (6/ ترجمة 3827)، و"الإصابة" (7/ ترجمة 11026).

وثابت بن قيس بن شماس بن ثعلبة بن زهير بن امريء القيس بن مالك بن الحارث بن الخزرج، أبو محمَّد الأنصاري، شهد له النبي - صلى الله عليه وسلم - بالجنة واستشهد باليمامة. روى عنه: أنس بن مالك، ومحمد وقيس وإسماعيل بنوه (¬1). وحديث حبيبة من رواية مالك عن يحيى، أخرجه أبو داود في "السنن" (¬2) عن القعنبي عن مالك ولم يذكر أن حبيبة أخبرت عمرة ولكن قال: عن عمرة بنت عبد الرحمن أنها أخبرته عن حبيبة، وكذلك رواه الشافعي في غير "كتاب الخلع" وهو الصحيح عند الأئمة. وروى البخاري في "الصحيح" (¬3) عن محمَّد بن عبد الله بن المبارك، عن قراد أبي نوح، عن جرير بن حازم، عن أيوب، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: جاءت امرأة ثابت بن قيس بن شماس إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما أنقم على ثابت في دين ولا خلق غير أني أخاف الكفر في الإِسلام. فقال: "أتردين عليه حديقته؟ " قالت: نعم، فردت عليه وأمره ففارقها. وروى أيضًا عن أزهر بن جميل، عن عبد الوهاب الثقفي، عن خالد، عن عكرمة مثله (¬4)؛ ولم يسم المرأة في الروايتين. وروى عبد الأعلي بن عبد الأعلى، عن سعيد بن أبي عروبة، عن ¬

_ (¬1) نظر "معرفة الصحابة" (1 ترجمة 376)، و"الإصابة" (1/ ترجمة 905). (¬2) "سنن أبي داود" (2227). وكذلك رواه النسائي (6/ 169)، وابن الجارود (749)، وابن حبان (4280). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1929). (¬3) "صحيح البخاري" (5275). (¬4) "صحيح البخاري" (5273).

قتادة، عن عكرمة، عن ابن عباس؛ أن جميلة بنت السلول أتت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: بأبي أنت وأمي ما أنقم على ثابت بن قيس في خلق ولا دين ولكني لا أطيقه بغضًا وأكره الكفر في الإِسلام. فقال: "تردين عليه حديقته؟ " فقالت: نعم، فأمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يأخذ منها ما ساق إليها ولا يزداد. أخرجه أبو عبد الله بن ماجه في "السنن" (¬1) عن أزهر بن مروان عن عبد الأعلى، وروى الحافظ أبو عبد الله بن منده حديثها مرسلًا ومتصلًا، قال: هي جميلة بنت أبيّ بن سلول أخت عبد الله. ولم يتكلموا في أن الشاكية المختلعة امرأة واحدة، واختلفت الرواية في اسمها أو هما امرأتان، وبتقدير أن تكونا امرأتين لم يذكروا أكانتا جميعًا تحته معًا أو على التعاقب واختلعتا، أم الرواية مختلفة في أن الشاكية المختلعة هذِه أم هذِه؟ وفي "سنن ابن ماجه" (¬2) شيء آخر وهو أن مريم المغالية كانت تحت ثابت بن قيس فاختلعت منه، والله أعلم. وفي القصة دليل على جواز الخلع، وعلى أنه يجوز الخلع على جميع ما أعطاها، وعن سعيد بن المسيب أنه لا بد وأن يترك لها شيئًا، وعلى أنه يجوز الخلع في الحيض وفي الطهر الذي جامعها فيه؛ لأنه لم يبحث ولم يستفصل ولولا جوازه في جميع الأحوال لأشبه أن يستفصل، وعلى أنه يجوز الترغيب في الخلع والفراق إذا عرف الشقاق والوحشة بين الزوجين، وعلى أن من جاء لرفع الظلامة يحتمل منه أن ينال من المشكو بالسوء ويدعو عليه، ولا يدخل ذلك في الغيبة ¬

_ (¬1) "سنن ابن ماجه" (2056). (¬2) "سنن ابن ماجه" (2058).

كتاب إبطال الاستحسان

واستماعها، وعلى أن المرأة تعذر في الخروج بالغلس عند الحاجة. الأصل ومن كتاب إبطال الاستحسان [1265] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن هشام بن عروة: وجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العجلاني وهو أحيمر سبي نضو الخلق فقال: يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأيت شريك بن السحماء -يعني ابن عمه- وهو رجل عظيم الأليتين أدعج العينين [حال] (¬1) الخلق يصيب فلانة -يعني امرأته- وهي حبلى وما قربتها مذ كذا، فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شريكًا فجحده ودعا المرأة فجحدت؛ فلاعن بينها وبين زوجها وهي حبلى، ثم قال: "تبصروها فإن جاءت به أدعج عظيم الأليتين فلا أراه إلا قد صدق عليها، وإن جاءت به أحيمر كأنه وحرة فلا أراه إلا قد كذب" فجاءت به أدعج عظيم الأليتين، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما بلغنا: "إن أمره لبين، لولا ما قضى الله" يعني: أنه لمن زنا "لولا ما قضى الله من ألا يحكم على أحد إلا بإقرار أو باعتراف على نفسه لا يحل بدلالة غير واحد منهما وإن كانت بينة" فقال: "لولا ما قضى الله لكان لي فيها قضاء غيره" ولم يعرض لشريك ولا للمرأة، والله أعلم، وأنفذ الحكم وهو يعلم أن أحدهما كاذب ثم علم بعد أن الزوج هو الصادق (¬2). الشرح يحكى عن أبي حنيفة القول بالاستحسان، وفسره متقدموا أصحابه ¬

_ (¬1) في "المسند": حاد. وكذا هو في "الأم". (¬2) "المسند" ص (264).

بمجرد ما يميل الطبع إليه ويقع في النفس، وأنكر الجمهور المصير إليه وقالوا: لم يبعث الأنبياء إلا للمنع من اتباع هوى النفوس، ورد الشافعي عليه فقال: من استحسن فقد شرع، واحتج أيضًا بما ضمه هذا الباب؛ وأما المتأخرون من أصحابه فإنهم استبشعوا ذلك وفسروا الاستحسان بما لا يخالفون فيه. وقوله: عن هشام بن عروة: وجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العجلاني قال الحافظ أبو بكر البيهقي (¬1): توهم أبو عمرو بن مطر أو من خرج "المسند" من "المبسوط" أن قوله: "وجاء العجلاني من قول هشام فركبه على إسناد حديث مالك، وليس للحديث أصل من رواية مالك عن هشام؛ وإنما أراد الشافعي حديث مالك عن هشام عن أبيه عن زينب بنت أبي سلمة عن أم سلمة المذكور في الباب من بعد، لكنه انقطع في هذا الموضع إما لخلل وقع في نسخة الأصل، أو لقطع الشافعي لكراهيته إثباته من الحفظ، وقصده الرجوع إلى أصله، ثم كتب بلا إسناد "وجاء العجلاني". وفي بعض النسخ العتيقة الأصل بين قوله: عن هشام بن عروة، وبين قوله: "وجاء العجلاني" بدائرة. ثم ما ذكر أن العجلاني قذف امرأته بشريك قد مر أن الروايات المشهورة لا تشتمل عليه، وأن لذلك ذكرًا في رواية الواقدي وغيره. وقوله: "حال الخلق" كأن المراد حليل الخلق ضخم الأعضاء. وقوله: "فدعا شريكًا فجحد" غير مذكور في الروايات الموصولة، ¬

_ (¬1) "بيان خطأ من أخطأ على الشافعي" (1/ 270 - 272).

الأصل

نعم روي ذلك عن تفسير مقاتل بن حيان، قال الحافظ أبو بكر البيهقي: ويحتمل أن الشافعي أخذه منه فإنه كان مسموعًا له، وذكر في "الأم" في قصة العجلاني أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يحضر المرمي به. وقوله: "إن أمره لبين" يعني: أمر الولد، فإنه من الزنا، لكن الله تعالى قضى باللعان بأنه لا حد إلا ببينة [أو] (¬1) اعتراف. وقوله: "إلا بإقرار أو اعتراف على نفسه" قيل: أنه غلط، والصواب إلا ببينة أو اعتراف. وقوله: "وإن كانت بينة" أي: وإن كانت الحال ظاهرة بالأشباه والأمارات، والمقصود أن الحكم يجري على ظاهر الحال والله. وإن كان يستحسن المصير إليها والعمل بمقتضاها. الأصل [1266] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مسلم بن خالد، عن ابن جريج، عن ابن طاوس، عن أبيه؛ أن عنده كتابًا من العقول نزل به الوحي وما فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من صدقة وعقول، فإنما نزل به الوحي. وقيل: لم يسن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئًا قط إلا بوحي الله، فمن الوحي ما يتلى ومنه ما يكون وحيًا إلى رسوله، فيسن به (¬2). والله أعلم. الشرح العقول جمع عقل وهو الدية، وبين طاوس أن أقدار الديات والصدقات مأخوذة من الوحي، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يقدر شيئًا منها برأيه واستحسانه، وإذا لم يبين النبي - صلى الله عليه وسلم - الأمر على الرأي والاستحسان مع ¬

_ (¬1) في الأصل: و. (¬2) "المسند" ص (264).

الأصل

قوة نظره وكرم خلقه فغيره أولى بأن لا يأخذ به. وقوله: "وقيل: لم يسن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -" الأشبه بالسياق أنه من كلام طاوس، ويحتمل أن يكون من كلام الشافعي (¬1). وقوله: "فمن الوحي ما يتلى" المراد منه القرآن. وقوله: "ومنه ما يكون وحيًا إلى رسوله" المراد منه غير ذلك، والوحي أنواع: منه ما كان يأتيه مثل [صلصلة] (¬2) الجرس، ومنه ما يتمثل له الملك ويشافهه به (¬3)، ومنه نفث الروع (¬4)، والأحاديث ناطقة بهذِه الأنواع جميعًا. الأصل [1267] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن هشام [عن أبيه] (¬5)، عن زينب بنت أبي سلمة، عن أم سلمة، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إليّ، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له على نحو ما أسمع منه؛ فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذ منه؛ فإنما أقطع له قطعة من النار" (¬6). ¬

_ (¬1) في رواية "الأم" (7/ 299) التصريح بأنه كلام الشافعي. (¬2) في الأصل: صاحبة. تحريف. (¬3) روى في ذلك البخاري (2)، ومسلم (2333) من حديث عائشة أن الحارث بن هشام سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كيف يأتيك الوحي. (¬4) روى الحاكم (2/ 5) من حديث ابن مسعود أن جبريل - عليه السلام - ألقى في روعي أن أحدًا منكم لن يخرج من الدنيا حتى يستكمل رزقه. والحديث صححه الألباني في "الصحيحة" (6/ 865). (¬5) سقط من "الأصل". والمثبت من "المسند". (¬6) "المسند" ص (265).

الشرح

الشرح قد سبق الحديث بشرحه (¬1)، وفيه دلالة على أنه يحكم بالدليل الظاهر ولا يترك، وإن توهم واستحسن خلافه. الأصل ومن كتاب أحكام القرآن ثلاثة أجزاء: [1268] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان بن عيينة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة؛ أن [هندًا] (¬2) بنت عتبة أتت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن أبا سفيان رجل شحيح وليس لي منه إلا ما يدخل علي. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف" (¬3). الشرح هند بنت عتبة بن ربيعة والدة معاوية وزوجة أبي سفيان بن حرب. روت عنها: عائشة. وحديث مجيئها إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وبيعتها إياه مشهور (¬4). والحديث صحيح، أخرجه مسلم (¬5) عن علي بن حجر عن علي بن مسهر عن هشام، والبخاري (¬6) عن محمَّد بن المثنى عن يحيى، ¬

_ (¬1) سبق برقم (732). (¬2) تصحف في "الأصل". والمثبت من "المسند". (¬3) "المسند" ص (266). (¬4) انظر "معرفة الصحابة" (6/ ترجمة 4039)، و"الإصابة" (8/ ترجمة 11856). (¬5) "صحيح مسلم البخاري" (1714/ 7). (¬6) "صحيح البخاري" (5364).

الأصل

بروايتهما عن هشام، واللفظ "ليس يعطيني ما يكفيني وولدي إلا ما أخذت منه وهو لا يعلم" والباقي كما سبق. وقوله: "ومن كتاب أحكام القرآن" هذا من كتب "الأم" ضمنه الكلام في آيات كثيرة ناطقة بالأحكام الفقهية، وهو في قدر ثلاثة أجزاء. وفي الحديث دلالة على وجوب نفقة الزوجة والولد، وعلى أن نفقة الولد على الكفاية، وقد يستدل به لقولٍ روي عن الشافعي؛ أن نفقة الزوجة أيضًا على الكفاية، والظاهر خلافه، واستدل به على أنه يجوز لمن منع حقه أن يشكو ويتظلم، وعلى أنه يجوز أن يذكره بالسوء على غيبته، وعلى أن للمرأة أن تخرج من بيتها للاستفتاء والتظلم، وعلى أنه يجوز الإصغاء إليها ولا يجعل صوتها عورة، وعلى أن من له حق على غيره وهو ممتنع له أن يأخذ من ماله من غير شعوره، وعلى أنه لا فرق بين أن يكون من جنس حقه أو من غير جنسه؛ فإنه أطلق، وعلى أن الأم يجوز أن تقوم بأمر الولد؛ لأنه جوز لها الأخذ والإنفاق في حياة الأب لامتناعه فكذلك بعد موته، وهذا وجه الأصحاب، والظاهر خلافه، وعلى أنه يجوز للقاضي أن يقضي على الغائب وأن يقضي بعلمه، لكن قيل أنه أفتى ولم يقض، والله أعلم. الأصل [1269] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن محمَّد بن عجلان، عن سعيد بن أبي سعيد، عن أبي هريرة قال: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عندي دينار. قال: "أنفقه على نفسك" قال: عندي آخر.

الشرح

قال: "أنفقه على ولدك". قال: عندي آخر. قال: "أنفقه على أهلك". قال: عندي آخر. قال: "أنفقه على خادمك". قال: عندي آخر. قال: "أنت أعلم". قال سعيد: ثم يقول أبو هريرة إذا حدث بهذا الحديث: يقول ولدك: أنفق علي، إلى من تكلنُي، تقول زوجتك: أنفق علي أو طلقني، يقول خادمك: أنفق علي أو بعني (¬1). الشرح أخرج أبو داود الحديث في "السنن" (¬2) عن محمَّد بن كثير عن سفيان عن محمَّد بن عجلان بإسناده، واللفظ: أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالصدقة، فقال رجل: يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عندي دينار. قال: "تصدق به على نفسك". قال: عندي آخر. قال: "تصدق به على ولدك". قال: عندي آخر. قال: "تصدق به على زوجتك". قال: عندي آخر. قال: "تصدق به على خادمك". قال: عندي آخر. قال: "أنت أبصر". ¬

_ (¬1) "المسند" ص (266). (¬2) "سنن أبي داود" (1691). والحديث رواه النسائي (5/ 62)، وابن حبان (3337)، والحاكم (1/ 415). قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم، ووافقه الذهبي؛ وتعقبهما الألباني بأن محمَّد بن عجلان لم يخرج له مسلم إلا في الشواهد، وحسنه في "الإرواء" (895).

الأصل

وكأن المعنى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حث على صدقة التطوع فراجعه الرجل فيما عنده، فبين له أن الإنفاق في هذه الجهات أهم فإنها واجبة؛ وإنما يندب إلى الصدقة التطوع بعد أداء الواجبات، ثم قال أبو سليمان الخطابي: إذا تأملت الترتيب المذكور علمت أنه - صلى الله عليه وسلم - قدم الأولى فالأولى، فأمره أن يبدأ بنفسه ثم بولده؛ لأنه بعضه ولو ضيعه لم يجد من ينوب عنه في الإنفاق، وأخر الزوجة لأنه إذا لم يجد ما ينفقه عليها يفرق بينهما وكان لها من يمونها من زوج ومحرم ثم ذكر الخادم الذي يباع عند الإعسار فينفق عليه من يبتاعه، قال: وقياس هذا أن يقدم في صدقة الفطر الولد على الزوجة، والمعنى فيه أن نفقة الولد تجب بحق النسب، ونفقة الزوجة بحق النكاح، والنكاح قد ينقطع بالطلاق والنسب لا ينقطع. وقول أبي هريرة "تقول زوجتك: أنفق علي أو طلقني" ذكر الشافعي أن فيه إشارة إلى أن لها أن تطلب التفريق بتعذر النفقة، ولا يمكن من إمساكها بلا نفقة كما لا يمكن من إمساك الخادم بلا نفقة. الأصل [1270] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن أبي الزناد قال: سألت سعيد بن المسيب عن الرجل لا يجد ما ينفق على امرأته؟ قال: يفرق بينهما. قال أبو الزناد: قلت: سنة؟ قال سعيد: سنة. قال الشافعي: والذي يشبه قول سعيد: "سنة" أن تكون سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬1). ¬

_ (¬1) "المسند" ص (266).

الشرح

[1271] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مسلم بن خالد، عن عبيد الله ابن عمر، عن نافع، عن ابن عمر؛ أن عمر بن الخطاب كتب إلى أمراء الأجناد في رجال غابوا عن نسائهم، فأمرهم أن يأخذوهم بأن ينفقوا أو يطلقوا، فإن طلقوا بعثوا بنفقة ما حبسوا (¬1). الشرح الرواية عن سعيد بن المسيب صحيحة، وقد روى إسحاق بن منصور عن حماد بن سلمة عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أيضًا أنه قال في الرجل لا يجد ما ينفق على امرأته: يفرق بينهما (¬2). ولفظ السنة عند الإطلاق يحمل على سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - على ما ذكره الشافعي، سيما إذا وقع [في] (¬3) كلام الصحابة والتابعين، ويؤيد ما ذكره أن إسحاق بن منصور روى عن حماد بن سلمة عن عاصم بن بهدلة عن أبي صالح عن أبي هريرة؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في الرجل لا يجد ما ينفق على امرأته: "يفرق بينهما" (¬4). وروى سعيد بن أبي أيوب، عن محمَّد بن عجلان، عن زيد بن أسلم، عن أبي صالح؛ عن أبي هريرة، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "خير الصدقة ما كان منها عن ظهر غنى، واليد العليا خير من اليد ¬

_ (¬1) "المسند" ص (267). (¬2) رواه الدارقطني (3/ 297 رقم 193). (¬3) ليست في "الأصل". والسياق يقتضيها. (¬4) رواه الدارقطني (3/ 297 رقم 194). وأعله أبو حاتم (1293) بأن إسحاق وهم فيه. وقال ابن عبد الهادي في "التنقيح" (3/ 329): هذا حديث منكر. وضعفه الألباني في "الإرواء" (2161).

الأصل

السفلى، وابدأ بمن تعول". قيل: ومن أعول يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: "امرأتك تقول: أطعمني وإلا فارقني، خادمك يقول: أطعمني واستعملني، ولدك يقول: إلى من تتركني" (¬1). وثبت عن عمر -رضي الله عنه- القضاء بأن يفرق بين الزوج وامرأته إذا لم ينفق عليها، وفي الأثر المنقول عنه دلالة عليه، وعلى أن الزوج إذا غاب عن زوجته لا تسقط نفقتها، بل تصير دينًا عليه يؤخذ به خلافًا لأبي حنيفة، حيث قال: نفقة الزوجة لا تصير دينًا في الذمة إلا بفرض القاضي، وفيه إشارة إلى أن وجوب النفقة عليه لحبسه إياها. الأصل [1272] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا عبد العزيز بن محمَّد الدراوردي، عن محمَّد بن عمر، عن محمَّد بن إبراهيم بن الحارث، عن ابن عباس في قوله تعالى: {إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} قال: أن تبذو على أهل زوجها فإذا بذت فقد حل إخراجها (¬2). ¬

_ (¬1) رواه النسائي في "الكبرى" (9211)، والدارقطني (3/ 296 رقم 190)، والبيهقي (7/ 470). قال البيهقي: هكذا رواه سعيد بن أبي أيوب عن ابن عجلان، ورواه ابن عيينة وغيره عن ابن عجلان عن المقبري عن أبي هريرة وجعل آخره من قول أبي هريرة وكذلك جعل الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة. قلت: ورواه البخاري في "صحيحيه" من طريق الأعمش عن أبي صالح عنه فذكره، ثم في آخره: قالوا: يا أبا هريرة سمعت هذا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: لا، هذا من كيس أبي هريرة. (¬2) "المسند" ص (267).

الشرح

الشرح لا خلاف في أن المطلقة الرجعية تستحق النفقة والسكنى، وفي البائنة ثلاث مذاهب: فعن ابن عباس: أنه لا نفقة لها ولا سكنى إلا أن تكون حاملًا، وبه قال الحسن وعطاء بن أبي رباح والشعبي وأحمد وإسحاق، واحتجوا بما روي عن الشعبي عن فاطمة بنت قيس أن زوجها طلقها ثلاثًا فلم يجعل لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سكنى ولا نفقة وأمرها أن تعتد عند ابن أم مكتوم فاعتدت عنه (¬1). وعن عمر وابن مسعود أن لها السكنى والنفقة حاملًا كانت أو حائلًا كالرجعية، وبه قال النخعي وسفيان وأبو حنيفة. وقال آخرون: لها السكنى بكل حال ولا نفقة لها إلا أن تكون حاملًا ويحكى هذا عن ابن المسيب والزهري، وبه قال مالك والأوزاعي والشافعي، ويدل على وجوب السكنى قوله تعالى: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} (¬2). وقال تعالى: {لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} (¬3). وتكلموا في قصة فاطمة بنت قيس من وجهين: أحدهما: عن عروة، عن عائشة أن فاطمة كانت في مكان وحش فخيف على ناحيتها، فلذلك رخص لها النبي - صلى الله عليه وسلم - في الانتقال. والثاني: عن سعيد بن المسيب أن فاطمة إنما نقلت لطول لسانها ¬

_ (¬1) سبق تخريجه. (¬2) الطلاق: 6. (¬3) الطلاق: 1.

الأصل

على أحمائها. وفسر ابن عباس "الفاحشة" في قوله تعالى: {إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} على بذاءة اللسان، ويقال: بَذُأَ يَبْذَؤُ: إذا فحش. وعن ابن عباس تفسير "الفاحشة" بالزنا. وقال: المراد أنها إذا زنت تخرج لإقامة الحد عليها، وأنكرت عائشة وابن المسيب [على] (¬1) فاطمة بنت قيس حيث أطلقت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يجعل لها سكنى ولا نفقة من غير أن تذكر السبب الذي نقلت به من بيت زوجها (¬2). الأصل [1273] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مسلم، عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبض عن تسع نسوة وكان يقسم منهن لثمان (¬3). [1274] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن هشام، عن أبيه أن سودة وهبت يومها لعائشة (¬4). [1275] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا ابن أبي رواد، عن ابن جريج، عن أبي بكر بن عبد الرحمن، عن أم سلمة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطبها فساق نكاحها وبناءه بها، وقوله لها: إن شئت سبعت عندك وسبعت عندهن (¬5). ¬

_ (¬1) في "الأصل": عن. تحريف. (¬2) سبق كلام المصنف على حديث فاطمة بنت قيس في "كتاب العدد" قريبًا. (¬3) "المسند" ص (267). (¬4) "المسند" ص (267). (¬5) "المسند" ص (267).

الشرح

الشرح حديث عطاء عن ابن عباس قد مرَّ مرَّة وذكرنا هناك أن سودة وهبت نوبتها (¬1). وحديث ابن جريج عن أبي بكر، وقوله: "فساق نكاحها ... إلى آخره" إشارة إلى ما تقدم من رواية ابن جريج عن حبيب بن أبي ثابت عن عبد الحميد بن عبد الله والقاسم بن محمَّد بن عبد الرحمن عن أبي بكر بن عبد الرحمن في خطبتها ونكاحها وزفافها وذكر التسبيع، وكأن رواية ابن جريج عن أبي بكر ها هنا مرسلة. الأصل [1276] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن جمهان مولى الأسلميين، عن أم بكرة الأسلمية؛ أنها اختلعت من زوجها عبد الله بن أسيد ثم أتيا عثمان في ذلك فقال: هي تطليقة إلا أن تكون سميت شيئًا فهو ما سميت (¬2). الشرح جمهان مولى الأسلميين، يكنى أبا العلاء. روى عن: عثمان، وسعد. وروى عنه: عروة بن الزبير. وعن الشافعي أنه قال: لا أعرف جمهان ولا أم بكرة بشيء يثبت به خبرهما، وعن أحمد بن حنبل أنه قال: لا أعرف جمهان (¬3). ¬

_ (¬1) سبق برقم (1254). (¬2) "المسند" ص (267). (¬3) انظر "التاريخ الكبير" (2/ ترجمة 2359)، و"الجرح والتعديل" (2/ ترجمة 2269)، و"التهذيب" (5/ ترجمة 963).

وعبد الله بن أسيد يمكن أن يكون هو الخولاني الحدادي الذي شهد فتح مصر، ويمكن أن يكون عبد الله بن أسيد بن عبد الرحمن بن قيس بن سيار بن جابر الذي كان على صدقات بكر بن وائل. وقضية الأثر أن الخلع طلاق ينتقص به العدد لا فسخ. وقوله: "إلا أن تكون سميت شيئًا" أي: هو طلقة واحدة إلا إذا سميت عددًا فيقع ذلك العدد. ويروى القول بأن الخلع طلاق عن علي وابن مسعود أيضًا، وعن عباد بن كثير عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جعل الخلع تطليقة بائنة (¬1). لكن أحمد بن حنبل ويحيى بن معين والبخاري ضعفوا عبادًا وتكلم فيه شعبة أيضًا، وعن أبي بكر بن المنذر أن أحمد بن حنبل ضعف حديث عثمان، وأن في إسناد حديث علي وابن مسعود مقالًا، وأن أصح شيء في الباب حديث ابن عباس، وأراد به ما رواه عنه طاوس أنه قال في رجل طلق امرأته تطليقتين ثم اختلعت منه أنه يتزوجها. وعن عكرمة أيضًا أن الخلع فسخ، وهو قول الشافعي في "القديم". ¬

_ (¬1) رواه الدارقطني (4/ 45 رقم 134)، والبيهقي (7/ 316). قال البيهقي: وكيف يصح ذلك ومذهب ابن عباس وعكرمة بخلافه، على أنه يحتمل أن يكون المراد به إذا نوى به طلاقًا أو ذكره، والمقصود منه قطع الرجعة، والله أعلم. وضعفه الحافظ في "الدراية" (580) وقال: وقد صح عن ابن عباس "الخلع فرقة وليس بطلاق" وعند أبي داود والترمذي من وجه آخر عن ابن عباس "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر امرأة ثابت بن قيس أن تعتد بحيضة" وهذا يدل على أن الخلع ليس بطلاق.

الأصل

الأصل [1277] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مسلم بن خالد، عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس وابن الزبير؛ أنهما قالا في المختلعة يطلقها زوجها قالا: لا يلزمها طلاق؛ لأنه طلق ما لا يملك (¬1). الشرح قد سبق هذا [الأثر والقول] (¬2) والأثر فيه. الأصل [1278] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا عمي محمَّد بن علي بن شافع، عن عبد الله بن علي بن السائب، عن نافع بن عجير بن عبد يزيد؛ أن ركانة ابن عبد يزيد طلق امرأته سهيمة المزنية البتة، ثم أتى رسول - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله إني طلقت امرأتي سهيمة البتة، ووالله ما أردت إلا واحدة [فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لركانة: "والله ما أردت إلا واحدة؟ " فقال ركانة: والله ما أردت إلا واحدة] (¬3)، فردها إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فطلقها الثانية في زمان عمر، والثالثة في زمان عثمان (¬4). [1279] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا ابن عيينة، عن عمرو، سمع محمَّد بن عباد بن جعفر يقول: أخبرني المطلب بن حنطب؛ أنه طلق امرأته البتة ثم أتى عمر بن الخطاب فذكر له ذلك، فقال: ما حملك على ذلك؟ ¬

_ (¬1) "المسند" ص (267). (¬2) في "الأصل": القول والأثر. سبق قلم. وقد سبق برقم (741). (¬3) سقط من "الأصل". والمثبت من "المسند". (¬4) "المسند" ص (268).

الشرح

قال: قلت: قد فعلت. قال: فقرأ: {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا} ما حملك على ذلك؟ قال: قد فعلت. قال: أمسك عليك امرأتك فإن الواحدة تبت (¬1). [1280] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن عمرو بن دينار، عن عبد الله بن أبي سلمة، عن سليمان بن يسار؛ أن عمر بن الخطاب قال للتوءمة مثل قوله للمطلب (¬2). الشرح حديث ركانة قد سبق بالإسناد المذكور ها هنا على زيادة ونقصان في القصة، وبينا هناك اختلاف أهل العلم فيمن طلق امرأته البتة، وأن عمر -رضي الله عنه- قال: إنها تطلق واحدة إلا أن ينوي زيادة وتلك الطلقة تكون رجعية إذا كانت هي مدخولًا بها، والأثر المذكور ها هنا يبينة. وقولة عمر: "ما حملك على ذلك" يجوز أن يريد به أصل الطلاق فهو مكروه في الجملة، ويجوز أن يريد لفظ البتة، فقد روي عن شريح أنه سئل عن [رجل] (¬3) قال لامرأته: أنت طالق البتة. فقال: أما الطلاق فسنة وأما البتة فبدعة، فقلدوها إياه ودينوه فيها (¬4). وقوله: "أمسك عليك امرأتك" كأنه يريد: راجعها إن شئت. ¬

_ (¬1) "المسند" ص (268). (¬2) "المسند" ص (268). (¬3) سقط من "الأصل". والمثبت من "الأم". (¬4) رواه الشافعي في "الأم" (5/ 119، 260).

الأصل

وقوله: "فإن الواحدة تبت" أي: وصف الطلقة بالبتة لا يقتضي الإبانة؛ فإن البت القطع، وطلقة بتة وباتة أي: قاطعة، والطلقة الواحدة تقطع الحل فليس من ضرورة اللفظة الثلاث، ولا تجوز الطلقة الثانية، وروي عن عطاء أنه سئل عن البتة، فقال: يدين، إن أراد الثلاث فثلاث وإلا فهي واحدة. [و] (¬1) عن سعيد بن جبير مثله. الأصل [1281] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن ربيعة، عن القاسم بن محمَّد، عن عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - أنها قالت: كانت في بريرة ثلاث سنن، فكانت في إحدى السنن أنها أعتقت فخيرت في زوجها (¬2). [1282] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن نافع، عن ابن عمر؛ أنه كان يقول في الأمة تكون تحت العبد فتعتق: أن لها الخيار ما لم يمسها، فإن مسها فلا خيار لها (¬3). [1283] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن ابن شهاب، عن عروة بن الزبير؛ أن مولاة لبني عدي بن كعب يقال لها: زبراء أخبرته أنها كانت [تحت] (¬4) عبد وهي أمة يومئذٍ فعتقت، قالت: فأرسلت إلى حفصة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - فدعتني فقالت: إني مخبرتك خبرًا ولا أحب أن تصنعي شيئًا، إن أمرك بيدك ما لم يمسك زوجك. قالت: ففارقته ثلاثًا (¬5). [1284] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن أيوب بن أبي ¬

_ (¬1) ليست في "الأصل". والسياق يقتضيها. (¬2) "المسند" ص (268). (¬3) "المسند" ص (268). (¬4) سقط من "الأصل". والمثبت من "المسند". (¬5) "المسند" ص (269).

الشرح

تميمة، عن عكرمة، عن ابن عباس أنه ذكر عنده زوج بريرة، فقال: كان ذلك مغيث عبد بني فلان، كأني أنظر إليه يتبعها في الطريق وهو يبكي (¬1). [1285] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، وأبنا القاسم بن عبد الله بن عمر بن حفص، عن عبد الله بن دينار، عن عبد الله بن عمر؛ أن زوج بريرة كان عبدًا (¬2). الشرح زبراء مولاة لبني عدي. روت عن: حفصة. وروى عنها: عروة بن الزبير (¬3). ويقال أنها كانت أمة نوبية، وفي بعض الروايات في حديث حفصة بدل: "وهي أمة يومئذٍ": "وهي أمة نوبية". ومغيث زوج بريرة كان عبدًا أسود، ويروى أنه كان مملوكًا لآل أبي أحمد. والقاسم بن عبد الله العمري ممن تكلموا فيه (¬4). وقول عائشة رضي الله عنها: "كانت في بريرة ثلاث سنن" تريد به ما روي في "الصحيحين" (¬5) من حديث غندر عن شعبة عن عبد الرحمن ابن القاسم عن أبيه عن عائشة أنها أرادت أن تشتري بريرة فتعتقها وأراد مواليها أن يشترطوا الولاء، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "اشتريها وأعتقيها فإن ¬

_ (¬1) "المسند" ص (269). (¬2) "المسند" ص (269). (¬3) انظر "تعجيل المنفعة" (1/ ترجمة 1643). (¬4) انظر "التاريخ الكبير" (7/ ترجمة 730)، و"الجرح والتعديل" (7/ ترجمة 643)، و"التهذيب" (23/ ترجمة 4798). (¬5) "صحيح البخاري" (2587)، و"صحيح مسلم" (1504/ 12)، واللفظ للبيهقي (7/ 220).

الولاء لمن أعتق". قالت: وأتي بلحم فقال: "ما هذا"؟ قالوا: هذا أهدته إلينا بريرة تصدق به عليها. فقال - صلى الله عليه وسلم -: "هو لها صدقة ولنا هدية" وخيرت حين عتقت. وروى مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن حسين بن علي، عن زائدة، عن سماك، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة أنها اشترت بريرة من أناس من الأنصار واشترطوا الولاء، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الولاء لمن ولي النعمة" وخيرها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكان زوجها عبدًا، وأهدت لعائشة لحمًا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لو صنعتم لنا من هذا اللحم"؟ قالت عائشة: تصدق به على بريرة. فقال: "هو لها صدقة ولنا هدية" (¬1). وصنف الإِمام محمَّد بن إسحاق بن خزيمة كتابًا في القضايا المتعلقة ببريرة. ولا خلاف في أن الأمة إذا أعتقت وهي تحت عبد أن لها الخيار بين أن تقيم النكاح وبين أن تفسخه، وإن أعتقت وهي تحت حر فعند الأوزاعي ومالك وابن أبي ليلى والشافعي وأحمد وإسحاق: "لا خيار لها" وعند الشعبي والنخعي وسفيان الثوري وأبو حنيفة: "لها الخيار" واحتجاجًا (¬2) بما روي عن الأسود عن عائشة أنها قالت: كان زوج بريرة حرًّا، فخيرها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬3). ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (1504/ 11). (¬2) كذا في "الأصل"، والأليق: واحتجوا. (¬3) رواه الترمذي (1155). قال البخاري في "الصحيح" (6758): وقول ابن عباس رأيته عبدًا أصح. وقال الألباني: شاذ بلفظ "حرًّا" والمحفوظ "عبدًا".

لكن رواية عكرمة عن ابن عباس تدل على أنه كان عبدًا، وقد روى البخاري في "الصحيح" عن قتيبة عن عبد الوهاب الثقفي عن أيوب، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: كان زوج بريرة عبدًا أسود، وكان يقال له: مغيث عبد لبني فلان، كأني أنظر إليه يطوف خلفها في سكك المدينة يبكي (¬1). وروى أيضًا في "الصحيح" عن محمَّد، عن عبد الوهاب، عن خالد، عن عكرمة، عن ابن عباس؛ أن زوج بريرة كان عبدًا يقال له: مغيث، كأني أنظر إليه يطوف خلفها يبكي ودموعه تسيل على لحيته. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - للعباس: " ألا تعجب من حب مغيث بريرة وبغض بريرة مغيثًا". فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لو راجعتيه فإنه أبو ولدك". قالت: يا رسول الله تأمرني؟ قال: "لا، إنما أشفع". قالت: فلا حاجة لي فيه (¬2). وروى ابن أبي ليلى، عن نافع، عن ابن عمر؛ أن زوج بريرة كان عبدًا (¬3). ورواية الأسود، عن عائشة تعارضها رواية عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة وقد ذكرناها، [و] (¬4) رواية عروة عن عائشة أنها قالت: كان زوجها عبدًا، فخيرها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولو كان حرًّا لم يخيرها. ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (5280). (¬2) "صحيح البخاري" (5283). (¬3) رواه الدارقطني (3/ 293 رقم 178)، والبيهقي (7/ 222). (¬4) ليست في "الأصل". والسياق يقتضيها.

رواه مسلم في "الصحيح" (¬1) عن أبي خيثمة زهير بن حرب، عن جرير، عن هشام بن عروة، عن أبيه. ورجحت روايتهما؛ فإنها خالة عروة وعمة القاسم، وكانا يدخلان عليها ويسمعان من غير حجاب، والأسود يسمع منها من وراء حجاب، وكانت روايتهما أبعد من الغلط، وروت أيضًا عمرة عن عائشة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خيرها وكان زوجها مملوكًا (¬2). وعن صفية بنت [أبي] (¬3) عبيد أن زوج بريرة كان عبدًا (¬4). على أن أبا حذيفة روى عن الثوري، عن منصور، عن إبراهيم. وأبا جعفر الرازي روى عن الأعمش [عن إبراهيم] (¬5) عن الأسود، عن عائشة أن زوج بريرة كان عبدًا (¬6). قال الشافعي: ولا يمكن قياس ما إذا عتقت تحت عبد؛ لأن العبد لا يكافئها بعد كمالها بالعتق، ولا يقدر على الإحسان إليها، ولا ينفق على ولدها منه، ولا يرث ولا يورث، والحر بخلافه، واستدل بإثبات الخيار على أن زوال الملك عنها لا يخرجها عن ملك الزوج حتى يفسخ، وقال (¬7): إذا لم يوجب خروجها عن ملك السيد بالعتق زوال النكاح، فانتقالها من مالك إلى مالك أولى أن لا يجب زواله، وردَّ بذلك على من قال: "أن بيع الأمة طلاقها". قال: وبريرة قد خرجت من رق مالكها إلى ملك عائشة، ومن ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (1504/ 9). (¬2) رواه الدارقطني (3/ 292 رقم 176). (¬3) في "الأصل": أبو. خطأ. (¬4) رواه البيهقي (7/ 222) وقال: إسناده صحيح. (¬5) سقط من "الأصل". والمثبت من "سنن البيهقي". (¬6) رواه البيهقي (7/ 224) وقال: وليس ذلك بشيء من هذين الوجهين، فرواية الجماعة عن الثوري والأعمش بخلاف ذلك، والاعتماد على ما سبق ذكره. (¬7) "الأم" (5/ 122) بتصرف.

الأصل

ملك عائشة إلى العتق فجمعت الخروجين من الرق إلى الرق ومن الرق إلى العتق، ثم خيرها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعدهما. ثم خيار العتق على الفور في القول الأظهر للشافعي حتى إذا أخرت الفسخ مع الإمكان بطل حقها، وفيه قول: أن لها الخيار ما لم تمكن الزوج من الوطء، لحديث حفصة، ويروى عن الشافعي أنه قال في "أمالي النكاح": ولا أعلم في توقيت الخيار شيئًا يتبع إلا قول حفصة، وفي تركها إياه أن يمسها كالدلالة على ترك الخيار. وقولها: "ولا أحب أن تصنعي شيئًا" كأنها تريد: ولا أحب أن تفارقيه ولا آمرك به، لكن أخبرك أن لك ذلك. وقولها: "ففارقته ثلاثًا" يجوز أن تريد به بعد ثلاث، ويجوز أن تريد مفارقة مؤكدة كالمفارقة بالطلقات الثلاث، ويجوز أن تريد فسألته الطلاق ففارقته ثلاث طلقات، وسيأتي ما يدل على التنزيل الثالث، وأثر ابن عمر في التوقيت بالمسيس يوافق ما ذكرته حفصة، ويروى في بعض الروايات عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة في قصة بريرة؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خيرها وقال لها: "إن قربك فلا خيار لك" (¬1). الأصل [1286] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا ابن عيينة، عن عاصم بن كليب، عن أبيه، عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حين لاعن بين المتلاعنين أمر رجلًا أن يضع يده على فيه عند الخامسة وقال: "إنها موجبة" (¬2). ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (2236). وضعفه الألباني في "الإرواء" (6/ 321) بعنعنة ابن إسحاق. (¬2) "المسند" ص (269).

الشرح

[1287] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن ابن شهاب، عن سهل بن سعد قال: شهدت المتلاعنين عند النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنا ابن خمس عشرة سنة ... ثم ساق الحديث فلم يتقنه إتقان هؤلاء (¬1). [1288] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سعيد بن سالم، عن ابن جريج، أن يحيى بن سعيد حدثه، عن القاسم بن محمَّد، عن ابن عباس أن رجلًا جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله ما لي عهد بأهلي منذ عفار النخل -قال: وعفارها: أنها إذا كانت تؤبر تعفر أربعين يومًا لا تسقى بعد الإبار- قال: فوجدت مع امرأتي رجلًا، قال: وكان زوجها مصفرًا، حمش الساقين، سبط الشعر، والذي رميت به خدلًا إلى السواد، جعدًا، قططًا، مستهًّا. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اللهم بيِّن" ثم لاعن بينهما، فجاءت برجل يشبه الذي رميت به (¬2). الشرح كليب والد عاصم: هو ابن شهاب الجرمي، يعد في الكوفيين. سمع: عمر، وعليًّا. وروى عنه: ابنه عاصم، وإبراهيم بن مهاجر (¬3). وحديث ابن عباس الأول أخرجه البخاري في "الصحيح" (¬4) من رواية عكرمة عنه فقال في خلال قصة هلال بن أمية: فلما كان عند الخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين. قالوا لها: إنها موجبة. ¬

_ (¬1) "المسند" ص (269). (¬2) "المسند" (ص 269). (¬3) انظر "التاريخ الكبير" (7/ ترجمة 986)، و"الجرح والتعديل" (7/ ترجمة 946)، و"التهذيب" (24/ ترجمة 4991). (¬4) "صحيح البخاري" (5316).

قال ابن عباس: فتلكأت ونكصت حتى ظننا أنها سترجع. فيستحب وقف الزوجين عند الكلمة الخامسة وتذكيرهما بالله -عَزَّ وَجَلَّ -، وأن يضع رجل يده على فم الملاعن عند الخامسة، وامرأةٌ يدها على فم المرأة فلعل الكاذب منهما [يرجع] (¬1). وقوله: "فإنها موجبة" أي: للعذاب وشدة عقوبة الكاذب. وحديث سهل بن سعد قد سبق بروايات. وقوله: "ثم ساق الحديث فلم يتقنه إتقان هؤلاء" من كلام الشافعي ذكره بعدما روى الحديث من رواية مالك وإبراهيم بن سعد وعبد الله بن نافع عن ابن أبي ذئب، أي لم يتقن سفيان القصة كما أتقن الأولون، وكان الأولى لمخرج "المسند" أن يذكر هذِه الرواية عقيب تلك الروايات أو يترك هذِه الكلمة ها هنا. قال الشافعي (¬2): ولما حكى سهل بن سعد شهود المتلاعنين مع حداثته، وحكاه ابن عمر؛ استدللنا على أن اللعان لا يكون إلا بمحضر من طائفة من المؤمنين. وحديث ابن عباس الأخير روى بعضهم (¬3) سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد عن عبد الرحمن بن القاسم عن القاسم عن ابن عباس. وقوله: "منذ عفار النخل" قد فسر العفار في الخبر، ويقال: عفرته في التراب أعفره أي: مرغته، وفي "كتب اللغة" أن عفار النخل: إصلاحها وتلقيحها، والإبار: تلقيح النخل، على وزن الإزار، وسائر ¬

_ (¬1) ليست في "الأصل ". وأثبتها ليستقيم السياق. (¬2) "الأم" (5/ 129). (¬3) كذا في الأصل! ولعل المقصود: أن بعضهم رواه عن سليمان بن بلال، عن يحيى ... ولكني لم أجد هذا الطريق، والله أعلم.

الأصل

ما يحتاج إلى معرفته قد مرّ في أحاديث اللعان. الأصل [1289] أبنا الربيع، أبنا الشافعي أبنا إبراهيم بن سعد، عن ابن شهاب، عن عامر بن سعد، عن أبيه؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أعظم المسلمين في المسلمين جرمًا من سأل عن شيء لم يكن فحرم من أجل مسألته" (¬1). [1290] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا ابن عيينة، عن ابن شهاب، عن عامر بن سعد، عن أبيه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بمثل معناه (¬2). الشرح هذا الحديث قد ضمناه شرح أحاديث اللعان، وبينا المعرض الذي أورده الشافعي فيه، ويشبه أن لا يكون المراد من الجرم الذنب، وأن يكون المعنى: أشد ما اكتسبه وأشقه على المسلمين، فقال: جرم، واجترم أي: اكتسب. الأصل [1291] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن ابن شهاب، عن ابن المسيب، عن أبي هريرة؛ أن رجلًا من أهل البادية أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: إن امرأتي ولدت غلامًا أسود، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: "هل لك من إبل"؟ قال: نعم. فقال: "ما ألوانها"؟ قال: حمر. قال: "هل فيها من أورق"؟ قال: نعم. ¬

_ (¬1) "المسند" ص (270). (¬2) "المسند" ص (270).

الشرح

قال: "أنى ترى ذلك"؟ قال: عرق نزعه. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "فلعل هذا نزعه عرق" (¬1). [1292] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن ابن شهاب، عن ابن المسيب، عن أبي هريرة؛ أن أعرابيًّا من بني فزارة أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: إن امرأتي ولدت غلامًا أسود؟! فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "هل لك من إبل"؟ قال: فعم. قال: "فما ألوانها"؟ قال: حمر. قال: "هل فيها من أورق"؟ قال: إن فيها أورقًا. قال: "فأنى أتاها ذلك"؟ قال: لعله نزعه عرق. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "وهذا [لعله] (¬2) نزعه عرق" (¬3). والله أعلم. الشرح حديث مالك رواه البخاري في "الصحيح" (¬4) عن ابن أبي أويس عنه، وحديث سفيان رواه مسلم (¬5) عن قتيبة وغيره عنه، ورواه معمر عن الزهري وزاد فيه: وهو يعرِّض بأن ينفيه عنه (¬6)، ورواه أبو داود (¬7) عن ابن أبي خلف عن سفيان. ¬

_ (¬1) "المسند" ص (270). (¬2) سقط من "الأصل". والمثبت من "المسند". (¬3) "المسند" ص (270) (¬4) "صحيح البخاري" (6847). (¬5) "صحيح مسلم" (1500/ 18). (¬6) رواه "مسلم" (1500/ 19). (¬7) "سنن أبي داود" (2260).

الأصل

والأورق: الذي لونه لون الرماد، يقال: إبل (¬1) أورق وحمامة ورقاء. وقوله: "عرق نزعه" أي: جذبه إلى الشبه بمن خرج شبيهًا به، يقال: نزع أهله وإلى أهله أي: حنوا إليه وحن إليهم، ورامٍ شديد النزع أي: قوي الجذب للوتر، وما لي أنازع بالقرآن أي: أجاذب قراءته في الصلاة. واحتج بالحديث على أن من أتت امرأته بولد يمكن أن يكون منه لا يحل له نفيه، وإن لم يشبهه في اللون والشكل، وعلى أن الحدّ لا يجب بالتعريض وإنما يجب بالقذف الصريح، وعلى إثبات القياس حيث جوز تعليل اختلاف اللون في الإبل بنزع العرق وقاس عليه اختلاف اللون في الآدميين. الأصل [1293] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن عبد الله بن يزيد مولى الأسود بن سفيان، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن فاطمة بنت قيس؛ أن أبا عمرو بن حفص طلقها البتة وهو غائب بالشام، فبعث إليها وكيله بشعير فسخطت. فقال: والله ما لك علينا من شيء، فجاءت النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكرت ذلك له. فقال: "ليس لك عليه نفقة" (¬2). ¬

_ (¬1) كذا في الأصل والأليق: جمل أورق. (¬2) "المسند" ص (270).

الشرح

الشرح أبو عمرو: هو ابن حفص بن المغيرة المخزومي زوج فاطمة، قيل: اسمه أحمد، وقيل: عبد الحميد، قال الحافظ أبو عبد الله بن منده: روى عنه: عمر بن الخطاب، وناشرة بن سمي، وزوجته فاطمة بنت قيس (¬1). والحديث مدون في "الموطأ" (¬2) وأخرجه مسلم (¬3) عن يحيى بن يحيى عن مالك وتمام الحديث بعد قوله: "ليس لك عليه نفقة": وأمرها أن تعتد في بيت أم شريك، ثم قال: "تلك امرأة يغشاها أصحابي فاعتدي عند ابن أم مكتوم؛ فإنه رجل أعمى تضعين ثيابك، فإذا حللت فآذنيني". قالت: فلما حللت ذكرت له أن معاوية وأبا جهم خطباني ... إلى آخره. وهذِه البقية من قوله: "فإذا حللت فآذنيني" قد مر في الكتاب بالإسناد المذكور ها هنا. وقوله: "طلقها البتة" أي: طلقها ثلاثًا، ويقال: أنه كان قد طلقها طلقتين ثم طلقها الثالثة، وفي رواية أبي سلمة بن عبد الرحمن أن فاطمة بنت قيس أخبرته أنها كانت عند أبي عمرو بن حفص بن المغيرة فطلقها آخر ثلاث تطليقات. والحديث يدل على أن المطلقة ثلاثًا لا نفقة لها في العدة، وكان ¬

_ (¬1) انظر "معرفة الصحابة" (1/ ترجمة 78، 6/ ترجمة 3326) و"الإصابة" (7/ ترجمة 10285). (¬2) "الموطأ" (2/ 580 رقم 1210). (¬3) "صحيح مسلم" (1480/ 36).

الأصل

الوكيل متطوعًا بما بعث إليها، نعم لو كانت حاملًا فلها النفقة على ما قال تعالى: {وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ} (¬1). ويروى أن أبا عمرو طلق فاطمة ثلاثًا بكلمة واحدة (¬2). واحتج الشافعي بهذِه الرواية على أن الجمع بين الثلاث ليس بمحرم؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - ما عاب ذلك ولا أنكر عليه. الأصل [1294] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن ابن شهاب، عن محمَّد بن عبد الرحمن بن ثوبان، عن محمَّد بن إياس بن البكير قال: طلق رجل امرأته ثلاثًا قبل أن يدخل [بها] (¬3)، ثم بدا له أن ينكحها فجاء يستفتي، فذهبت معه أسأل له، فسأل أبا هريرة وعبد الله بن عباس عن ذلك، فقالا: لا نرى أن تنكحها حتى تنكح زوجًا غيرك. قال: إنما كان طلاقي إياها واحدة. فقال ابن عباس: إنك أرسلت من يدك ما كان من فضل. قال الشافعي: وما عاب ابن عباس ولا أبو هريرة عليه أن يطلق ثلاثًا (¬4). [1295] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن يحيى بن سعيد، عن بكير، عن النعمان بن أبي عياش الأنصاري، عن عطاء بن يسار قال: جاء رجل يستفتي عبد الله بن عمرو عن رجل طلق امرأته ثلاثًا قبل أن يمسها. ¬

_ (¬1) الطلاق: 6. (¬2) رواه الدارقطني (4/ 10 رقم 29)، والبيهقي (7/ 329). (¬3) من "المسند". (¬4) "المسند" ص (271).

قال عطاء: فقلت: إنما طلاق البكر واحدة. فقال عبد الله بن عمرو: إنما أنت قاص، الواحدة تبتها والثلاث تحرمها حتى تنكح زوجًا غيره. قال الشافعي: ولم يقل له عبد الله: بئس ما صنعت حين طلقت ثلاثًا (¬1). [1296] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن يحيى بن سعيد، عن بكير أخبره، عن ابن أبي عياش أنه كان جالسًا مع عبد الله بن الزبير وعاصم بن عمر قال: فجاءهما محمَّد بن إياس بن البكير فقال: إن رجلًا من أهل البادية طلق امرأته ثلاثًا قبل أن يدخل بها، فماذا تريان؟ فقال ابن الزبير: إن هذا الأمر ما لنا فيه قول، اذهب إلى ابن عباس وأبي هريرة فإني تركتهما عند عائشة [فسلهما] (¬2) ثم ائتنا فأخبرنا فذهب فسألهما، قال ابن عباس لأبي هريرة: أفته يا أبا هريرة فقد جاءتك معضلة. فقال أبو هريرة: الواحدة تبتها والثلاث تحرمها حتى تنكح زوجًا غيره، وقال ابن عباس مثل ذلك. قال الشافعي: ولم يعيبا عليه الثلاث، ولا عائشة (¬3). [1297] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن ابن شهاب، عن عروة؛ أن مولاة لبني عدي يقال لها: زبراء أخبرته أنها كانت تحت عبدٍ وهي أمة يومئذٍ فعتقت، قالت: فأرسلت إلى حفصة فدعتني فقالت: إني ¬

_ (¬1) "المسند" ص (271). (¬2) في "الأصل": فسلها. والمثبت من "المسند". (¬3) "المسند" ص (271).

الشرح

مخبرتك خبرًا ولا أحب أن [تصنعي] (¬1) شيئًا، إن أمرك بيدك ما لم يمسك زوجك، قالت: ففارقته ثلاثًا. قال الشافعي: ولم تقل لها حفصة: لا يجوز أن تطلقي ثلاثًا (¬2). الشرح ابن أبي عياش الجالس مع عبد الله بن الزبير: هو معاوية بن أبي عياش الزرقي الأنصاري أخو النعمان بن أبي عياش. روى عنه: محمَّد بن إسحاق، وبكير بن الأشج (¬3). وعاصم بن عمر بن الخطاب بن نفيل القرشي العدوي (¬4). روى عنه: عروة بن الزبير، وابنه حفص. وسمع هو: أباه، ويكنى أبا عمر، وقيل: أبا عمرو. توفي سنة [سبعين] (¬5). وقد قدمنا أن بعض العلماء ذهب إلى أن من طلق امرأته قبل الدخول ثلاثًا لا تقع إلا واحدة، وحملوا على ذلك رواية طاوس أن أبا الصهباء قال لابن عباس: إنما كانت الثلاث على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تجعل واحدة، فقال: نعم (¬6). ¬

_ (¬1) تحرف في "الأصل". والمثبت من "المسند". (¬2) "المسند" ص (272). (¬3) انظر "التاريخ الكبير" (7/ ترجمة 1423)، و"الجرح والتعديل" (8/ ترجمة 1743). (¬4) في الأصل: سبع. خطأ، والمثبت من "التخريج". (¬5) انظر "التاريخ الكبير" (6/ ترجمة 3038)، و"الجرح والتعديل" (6/ ترجمة 1912)، و"التهذيب" (13/ ترجمة 3018). (¬6) رواه مسلم (1472).

وسألت عليه أهل العلم قالوا بوقوع الثلاث، وأولوا ما قاله ابن عباس، فكأن الذي طلق امرأته ثلاثًا قبل الدخول ثم أراد أن ينكحها فيما رواه محمَّد بن إياس بن البكير يظن أنه لا تقع إلا واحدة، فسأل أبا هريرة وابن عباس فحكما بوقوع الثلاث. وقول ابن عباس: "أرسلت من يدك ما كان من فضل" أي: أرسلت التطليقات معًا، ويروى عن الشعبي عن ابن عباس في رجل طلق امرأته ثلاثًا قبل أن يدخل بها قال: عقدة كانت بيده أرسلها جميعًا وإذا كانت تترى فليس بشيء (¬1). يريد أنه إذا قال: أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق، لا تقع الثلاث، بل تبين بالأولى. وأما الأثر عن عبد الله بن عمرو، فعن مسلم بن الحجاج أن إدخال النعمان بن أبي عياش في الإسناد وهم من مالك، ورواه يحيى بن سعيد القطان ويزيد بن هارون وعبدة بن سليمان عن يحيى بن سعيد عن بكير بن عبد الله بن الأشج عن عطاء من غير توسيط النعمان. وفتوى عبد الله بن [عمرو] (¬2) توافق فتوى أبي هريرة وابن عباس. وقوله: "إنما أنت قاص" أي: ليس لك فقه وقوة نظر. وقوله: "الواحدة تبتها" أي: تبينها، وكذلك هو في بعض الروايات، ويؤيد ذلك [ما (¬3) روي] عن ابن الزبير وعاصم، وفيه أنه لما [لم (¬4)] يكن عندهما جواب المسألة أفصحا به ولم يستحييا، ثم دلا له على من يعرف الجواب، ثم أمراه بأن يخبرهما بالجواب حرصًا على ¬

_ (¬1) رواه عبد الرزاق (11070). (¬2) في الأصل: عمر. تحريف. (¬3) ليست في "الأصل". والسياق يقتضيها. (¬4) ليست في "الأصل". والسياق يقتضيها.

الأصل

العلم، وفيه أنهم كانوا يعتمدون خبر الواحد. وقول ابن عباس لأبي هريرة: "أفته" يدل على منزلة أبي هريرة في العلم وتوقير الناس إياه، ثم وافقه ابن عباس على جوابه، وروى الأثر حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد وزاد فيه: فتابعتهما عائشة. وأثر حفصة قد مرّ عن قريب. واستدل الشافعي بهذِه الآثار ونحوها على أن الجمع بين الطلقات الثلاث لا يحرم فقال: ما عاب أبو هريرة ولا ابن عباس ولا عبد الله بن عمرو ولا عائشة ولا حفصة الجمع بينها، ولو حرم ذلك لأشبه أن يعيبوه وينكروا عليه، ألا ترى إلى ما روي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في رجل طلق امرأته ألفًا، فقال: أما ثلاث فتحرم عليك امرأتك، وبقيتهن عليك وزر اتخذت آيات الله هزوًا (¬1). فعاب عليه ما لم يجعلها الله إليه. الأصل [1298] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا أنس بن عياض، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن زينب ابنة أم سلمة، عن أم حبيبة بنت أبي سفيان قالت: يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هل لك في أختي ابنة أبي سفيان؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "فاعل ماذا قالت تنكحها [قال] (¬2) أختك"؟ قالت: نعم [قال: أو تحبين ذلك؟ قالت (¬3): نعم]. لست [بمخلية] (¬4) لك وأحب من شركني في ¬

_ (¬1) رواه الدارقطني (4/ 13)، والبيهقي (7/ 332). (¬2) تحرف في "الأصل". والمثبت من "المسند". (¬3) سقط من "الأصل". والمثبت من "المسند". (¬4) تحرف في "الأصل". والمثبت من "المسند".

الشرح

خيرٍ أختي، قال: "فإنها لا تحل لي". فقلت: والله لقد أخبرت أنك تخطب ابنة أبي سلمة؟ قال: "بنت أم سلمة؟ " قالت: نعم. قال: "فوالله لو لم تكن ربيبتي في حجري ما حلت لي إنها لابنة أخي من الرضاعة، أرضعتني وأباها ثويبة، فلا تعرض علي بناتكن ولا أخواتكن" (¬1). الشرح أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية القرشية أم المؤمنين، كانت تحت عبد الله بن جحش فتنصر وهلك بأرض الحبشة، فنكحها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سنة ست من الهجرة. سمعت: النبي - صلى الله عليه وسلم -، وزينب بنت جحش. وروى عنها: عنبسة أخوها، وحبيبة ابنتها، وزينب بنت أبي سلمة، وأنس بن مالك، ومعاوية بن خديج. وتوفيت سنة اثنتين وأربعين (¬2). وثويبة مولاة لأبي لهب كان أبو لهب أعتقها فأرضعت النبي - صلى الله عليه وسلم -، ويقال: أن أبا لهب رؤي في المنام بشرّ حِيبة، أي: بشر حال، والحِيبة: الهم والحاجة، فقال: لم ألق خيرًا غير أني سقيت في هذِه بعتاقي ثويبة. قيل: أشار بقوله: "في هذه" إلى [...]، (¬3) التي بين الإبهام والسبابة. ¬

_ (¬1) "المسند" ص (272). (¬2) انظر "الإصابة" (7/ ترجمة 11185). (¬3) كلمة غير مقروءة في "الأصل". وذكر ابن سعد القصة في "طبقاته" (1/ 108) وفيه: وأشار إلى النقيرة التي بين الإبهام والسبابة.

الأصل

وذكر الحافظ أبو عبد الله بن منده أنه اختلف في إسلامها. والحديث صحيح، أخرجه البخاري (¬1) عن الحميدي عن سفيان، ومسلم (¬2) عن أبي كريب عن أبي أسامة، بروايتهما عن هشام بن عروة، وبطرق أخر عن الزهري عن عروة. وقولها: "لست بمخلية لك" أي: منفردة، ويقال: أخلى وخلا بمعنى واحد. وأخت أم حبيبة يقال: اسمها عزة، وبنت أبي سلمة اسمها درة، وفي بعض الروايات ذكر اسمها. وقوله: "أرضعتني وأباها" يريد أبا سلمة، وصحف بعضهم هذه اللفظة فقال: "أرضعتني وإياها" ولو كان كذلك لكانت أخته من الرضاعة لا بنت أخيه، وقد قال: "إنها لابنة أخي". وقوله: "لو لم تكن ربيبتي في حجري ما حلت لي" أي: اجتمع فيها سببا تحريم: كونها ربيبة، وكونها بنت أخ من الرضاعة. واحتج به على أن حرمة الرضاع تثبت من جهة الفحل؛ فإنه - صلى الله عليه وسلم - أثبت عمومة الرضاع، لكنه لما أرضعت ثويبة النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبا سلمة كانا أخوين من الأم وإن لم يثبت التحريم من جهة الأم، ويتفرع على أخوة الأم من الرضاع عمومة الأم وذلك كافٍ في التحريم، وفيه أنه لا بأس بما يجيء في الكلام من الحلف بالله تعالى للتوكيد. الأصل [1299] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا ابن عيينة، عن محمَّد بن عجلان، عن أبيه، عن أبي هريرة؟ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -قال: ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (5106). (¬2) "صحيح مسلم" (1449/ 15).

الشرح

"ذروني ما تركتكم فإنه إنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فما أمرتكم بأمر فائتوا منه ما استطعتم، وما نهيتكم عنه فانتهوا" (¬1). [1300] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا ابن عيينة، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثل معناه (¬2). الشرح الحديث مخرج في "الصحيحين" (¬3) من رواية أبي الزناد عن الأعرج. وقوله: "ذروني ما تركتكم" أي: لا تتعرضوا بالسؤال والبحث فقد يوافق ذلك إلزامًا وتشديدًا، وخذوا بظاهر ما أمرتم به ولا تستكشفوا كما فعلت بنو إسرائيل وقد قيل لهم: اذبحوا بقرة، فشق الأمر عليهم. وقوله: "فما أمرتكم بأمر فائتوا منه ما استطعتم ... إلى آخره" يشير إلى أن المأمور قد يستطاع منه الشيء دون الشيء، فينبغي أن يأتي المأمور بالقدر المستطاع؛ وأما المنهي فحقه أن يترك كله فإنه مستطاع، وذكر الشافعي أن الأمر في الكتاب والسنة وكلام الناس قد يكون لإحلال ما حرم من قبل كقوله تعالى: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} (¬4)، وقوله: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا في الْأَرْضِ} (¬5). وقد تكون دلالة على ما فيه الرشد كقوله تعالى: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ} إلى قوله: {إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ الله مِنْ فَضْلِهِ} (¬6) وقد يكون للحتم والإلزام. ¬

_ (¬1) "المسند" ص (272). (¬2) "المسند" ص (273). (¬3) "صحيح البخاري" (7288)، و"صحيح مسلم" (1337/ 131). (¬4) المائدة: 2. (¬5) الجمعة: 10. (¬6) النور: 32.

الأصل

قال (¬1): وقال بعض أهل العلم: إن الأمر كله على الإباحة والدلالة على الرشد حتى يوجد دليل أنه للحتم والإلزام، وما نهى الله تعالى عنه فهو محرم حتى يقوم الدليل على أنه لغير التحريم. الأصل [1301] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن عمرو بن دينار؛ أن ابن عمر أراد أن لا ينكح، فقالت له حفصة: تزوج فإن ولد لك ولد فعاش من بعدك دعوا لك (¬2). والله أعلم. الشرح مقصود الأثر الترغيب في النكاح، وقد قال الشافعي: أحب النكاح لمن تاقت (¬3) نفسه إليه لوفور منافعه وقد روي أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: "تناكحوا تكثروا فإني أباهي بكم حتى بالسقط" (¬4)، وأيضًا "من أحب فطرتي فليستن بسنتي، ومن سنتي النكاح " (¬5). وعن ابن المسيب عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يموت لأحد من المسلمين [ثلاثة] (¬6) من الولد فتمسه النار إلا تحلة القسم" (¬7). ¬

_ (¬1) "الأم" (5/ 143). (¬2) "المسند" ص (273). (¬3) أي: اشتاقت إليه. (¬4) قال الحافظ في "التلخيص" (1434): أخرجه صاحب "مسند الفردوس" من طريق محمَّد بن الحارث، عن محمَّد بن عبد الرحمن البيلماني، عن أبيه، عن ابن عمر ... قال: والمحمدان ضعيفان. قال: وذكره الشافعي بلاغًا وزاد في آخره: "حتى بالسقط". قلت: هو في "الأم" (5/ 144). (¬5) رواه عبد الرزاق (10378)، وأبو يعلى (2748) عن عبيد بن سعد مرسلًا. (¬6) سقط من "الأصل". والمثبت من "الصحيحين". (¬7) رواه البخاري (6656)، ومسلم (2632).

الأصل

وعن أبي صالح عن أبي هريرة؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن العبد يوم القيامة ليرفع له الدرجة لا يعرفها فيقول: يا رب أنى لي هذا؟ فيقال: هذا باستغفار ابنك لك" (¬1). وعن إبراهيم بن ميسرة قال: قال لي طاوس: لتنكحن أو لأقولن لك ما قال عمر رضي الله عنه لأبي الزوائد. قلت: وما قال عمر لأبي الزوائد؟ قال: قال له: ما يمنعك عن النكاح إلا عجز أو فجور (¬2). قال (¬3): ومن لم تتق نفسه إلى النكاح فأحب له أن يدع النكاح ويتخلى لعبادة الله تعالى، وقد ذكر الله تعالى عبدًا أكرمه فقال: {وَسَيِّدًا وَحَصُورًا} (¬4). والحصور: الذي لا يأتي النساء، ولم يندبه إلى النكاح، ويروى هذا التفسير عن ابن مسعود وابن عباس وغيرهما. الأصل [1302] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن يحيى، عن سعيد بن المسيب قال: هي منسوخة نسختها {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ} فهي من أيامى المسلمين، يعني: قوله: {الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً} الآية (¬5). [1303] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن عبيد الله بن أبي ¬

_ (¬1) رواه ابن ماجه (3660). قال صاحب "مصباح الزجاجة" (1279): إسناده صحيح رجاله ثقات. وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (1617). (¬2) رواه عبد الرزاق (10384)، وابن أبي شيبة (3/ 453). (¬3) "الأم" (5/ 144). (¬4) آل عمران: 39. (¬5) "المسند" ص (273).

الشرح

[يزيد] (¬1) عن بعض أهل العلم أنه قال في هذه الآية: هو حكم بينهما (¬2). [1304] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مسلم بن خالد، عن ابن جريج، عن مجاهدة أن هذه الآية نزلت في بغايا من بغايا الجاهلية كانت على منازلهن رايات (¬3). الشرح قال الله تعالى: {الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (3)} (¬4) واختلف في تفسير الآية فقال أكثرهم: كانت بالمدينة بغايا ظاهرات الفجور لهن في منازلهن علامات كعلامات البياطرة، فلما قدم المهاجرون المدينة لم يكن لهم مساكن ولا عشائر، وكأن بعضهم همَّ بنكاح بعضهن ليرتفق بمساكنهن وما عندهن من المال، فنهوا عن ذلك وحرم [عليهم (¬5)] أن ينكحوا تلك البغايا المعلنات وبين أن المتزوج بهن زان، والتحريم على هذا القول كان مخصوصًا بهم، وهذا هو الذي رواه الشافعي عن مجاهد آخرًا، ويقرب منه ما رواه عن بعض أهل العلم أنه قال: هو حكم بينهما أي: بين البغايا وبين أولئك القوم، ويذكر أن سعيد بن منصور روى هذا الأثر عن سفيان عن عبيد الله عن ابن عباس، وأن الشافعي كأنه شك فيه فأجمل ذكره. وذهب سعيد بن المسيب إلى أن الآية عامة، وأنه كان يحرم نكاح الزانية ثم نسخ ذلك بقوله تعالى: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ ¬

_ (¬1) في "الأصل": زيد. خطأ، والمثبت من "المسند". (¬2) "المسند" (273). (¬3) "المسند" ص (273). (¬4) النور: 3. (¬5) في "الأصل": عليهن. خطأ.

عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ} (¬1) وهي من أيامى المسلمين، وهذا أشبه عند الشافعي. ويروى أن رجلًا نكح امرأة ولها بنت من غيره وله ابن من غيرها، ففجر الغلام بالجارية [فظهر بها حبل] (¬2) فلما قدم عمر مكة رفع ذلك إليه [فسألهما] (¬3) فاعترفا فجلدهما عمر رضي الله عنه وحرص أن يجمع بينهما فأبى الغلام (¬4). وسئل (¬5) ابن عمر عن رجل فجر بامرأة أينكحها؟ قال: نعم (¬6). ويروى جواز ذلك عن أبي بكر وجابر وأبي هريرة رضي الله عنهم. ومن كانت في نكاحه امرأة ففجرت لم تحرم عليه ولم يرتفع النكاح بينهما، قال أبو عبيد: وينبغي أن يطلقها وتخاف عليه الأئمة في إمساكها، قال: وما روي عن ابن عباس أن رجلًا ذكر لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن له امرأة لا ترد يدّ لامس. فقال له: "طلقها". قال: لا أصبر عنها؟ قال: "فأمسكها" (¬7). ¬

_ (¬1) النور: 32. (¬2) سقط من "الأصل". والمثبت من "المسند". (¬3) سقط من "الأصل". والمثبت من "المسند". (¬4) رواه الشافعي (1/ 290) عن سفيان، عن عبيد الله بن أبي يزيد، عن أبيه. (¬5) زاد في الأصل: وسئل الغلام. سبق قلم. (¬6) رواه سعيد بن منصور (886)، والبيهقي من طريقه (7/ 155) عن ابن عباس. ولم أجده عن ابن عمر. والله أعلم. (¬7) رواه أبو داود (2049)، والنسائي (6/ 169) من طريق عكرمة عنه. قال الحافظ في "التلخيص" (1620): واختلف في إسناده وإرساله، قال النسائي: =

ويروى: "فاستمتع بها" لا يكاد يثبت، وإن ثبت فالمراد وصفها بالخرف وتضييع المال، وأنها لا تمنعه من طالب ولا تحفظه من سارق. تم الجزء، ويتلوه في الذي يليه حديث "يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولادة" إن شاء الله -عَزَّ وَجَلَّ- ¬

_ = والمرسل أولى بالصواب، وقال في الموصول: إنه ليس بثابت، لكن رواه هو أيضًا وأبو داود من رواية عكرمة عن ابن عباس نحوه، وإسناده أصح، وأطلق النووي عليه الصحة، ولكن نقل ابن الجوزي عن أحمد بن حنبل أنه قال: لا يثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا الباب شيء. أ. هـ.

انبذوا كل واحد منهما، نهى عن نبيذ الجر، كل مسكر حرام، نهى عن أن ينبذوا من الدباء والمزفت، نهى أن ينبذوا التمر والبسر جميعًا، إن الذي حرم شربها حرم بيعها، إني لا آمركم أن تبيعوها ولا تبتاعوها، فقال رجال من أهل الأرض: هل لك أن نجعل لك من هذا الشراب شيئًا لا يسكر فقال: نعم فطبخوه حتى ذهب منه الثلثان، إن شرب فاجلدوه ثم إن شرب فاجلدوه ثم إن شرب فاقتلوه، أتي النبي عليه الصلاة والسلام بشارب قال: اضربوه بالأيدي والنعال، لا أوتى برجل شرب خمرًا ولا نبيذًا مسكرًا إلا جلدته، جلد الوليد بسوط له طرفان، أن يجلد قدامة اليوم، اختلعت من زوجها بكل شيء لها، نخرج زكاة الفطر صاعًا من تمر، خذي ما يكفيك، خيَّر غلامًا بين أبيه وأمه، سئل عن الأختين من ملك اليمين هل يجمع بينهما؟ الزاني لا ينكح إلا زانية، فيهم امرأة ثيب فولَّت رجلًا منهم أمرها فزوجها رجلًا فجلد عمر، إذا نكح الوليان فالأول [حق] زوج فإن المرأة لا تلي عقدة النكاح، لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه، أمسك أربعًا، عن علي رضي الله عنه في رجل طلق امرأته ثم يشهد على رجعتها، تحل لك حتى تذوق العسيلة، سئل عمر عن رجل طلق امرأته طلقة أو طلقتين ثم انقضت عدتها، سئل ابن الزبير عن رجل طلق امرأته فبتها ثم يموت وهي في عدتها، من أذن لعبده أن ينكح فالطلاق بيد العبد، ثلاثة قروء، حاضت حيضة ثم توفي حبان قبل أن تحيض الثالثة فاعتدت عدة المتوفى عنها زوجها وورثته، في الرجل يتزوج المرأة فيخلو بها ولا يمسها ثم يطلقها ليس لها إلا نصف الصداق، ينكح العبد أمتين ويطلق تطليقتين، في أم الولد يتوفى عنها سيدها تعتد بحيضة، سئل عن المتوفى عنها زوجها وهي حامل، ليس للمتوفى عنها

زوجها نفقة، لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت، طلقها البتة فنكحت في عدتها فضربها عمر رضي الله عنه، قالت عائشة: اتق الله يا فاطمة فقد علمت في أي شيء كان، نفقة المطلقة ما لم تحرم، في امرأة المفقود أنها لا تتزوج، طلق ابن عمر امرأته وهي في مسكن حفصة، كان الرجل إذا طلق امرأته ثم ارتجعها قبل أن تنقضي عدتها كان ذلك له وإن طلقها ألف مرة، للمملوك طعامه وكسوته، أراه فلانًا لعم حفصة من الرضاع، أما علمت أن حمزة أخي من الرضاع، سئل عن رجل كانت له امرأتان فأرضعت، نزل القرآن لعشر رضعات، سئل عن رضاعة الكبير، ملك عمر مائة سهم من خيبر، إني تصدقت على أمي بعبد. والله أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب.

الأصل

بسم الله الرحمن الرحيم الأصل [1305] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن عبد الله بن دينار، عن سليمان بن يسار، عن عروة بن الزبير، عن عائشة؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولادة" (¬1). الشرح الحديث صحيح داخل في "الموطأ" (¬2) وفي "الصحيحين" (¬3) من رواية عائشة وعلي وابن عباس رضي الله عنهم عن النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ أن الرضاعة تحرم ما يحرم من الولادة. والخبر معمول بإطلاقه في عامة الصور، حتى تحرم أمهات الرضاع وهن كل امرأة أرضعتك أو أرضعت من أرضعتك أو ولدت من أرضعتك أو الفحل المنسوب إليه اللبن، أو أرضعت [من (¬4)] ولدتها، وكذلك بناتها، وعلى هذا قياس الأخوات وبنات الأخ والأخت والعمات والخالات، ويستثنى من قولنا: "يحرم من الرضاع ما يحرم من الولادة" أربع صور: إحداها: أما الأخ والأخت في النسب حرام؛ لأنها إما أم أو زوجة أب، وفي الرضاع إذا أرضعت أجنبية أخاك أو أختك لا تحرم عليك. ¬

_ (¬1) "المسند" ص (273). (¬2) "الموطأ" (2/ 607 رقم 1268). (¬3) "صحيح البخاري" (2644، 2645)، و"صحيح مسلم" (1444 - 1447)، وليس عند البخاري حديث علي. والله أعلم. (¬4) ليس من "الأصل". والسياق يقتضيه.

الأصل

والثانية: أم النافلة في النسب حرام؛ لأنها إما بنتك أو زوجة ابنك، وإذا أرضعت أجنبية نافلتك لا تحرم عليك. والثالثة: جدة ولدك في النسب حرام عليك؛ لأنها إما أمك أو أم زوجتك، وإذا أرضعت أجنبية ولدك فأمها جدة الولد ولا تحرم عليك فليست بأمك ولا أم زوجتك. والرابعة: أخت ولدك في النسب حرام عليك؛ لأنها إما بنتك أو ربيبتك، وإذا أرضعت أجنبية ولدك فبنتها أخت الولد وليست لك بنت ولا ربيبة. الأصل [1306] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يجمع بين المرأة وعمتها، ولا بين المرأة وخالتها" (¬1). الشرح أخرجه البخاري في "الصحيح" (¬2) عن عبد الله بن يوسف، ومسلم (¬3) عن القعنبي بروايتهما عن مالك، وأخرجاه (¬4) أيضًا من رواية قبيصة بن ذؤيب عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأخرجه مسلم (¬5) من رواية أبي سلمة ومحمد بن سيرين وعراك عن أبي هريرة أيضًا. وفي الباب عن علي وابن مسعود وابن عمر وابن عباس وجابر ¬

_ (¬1) "المسند" ص (273). (¬2) "صحيح البخاري" (5109). (¬3) "صحيح مسلم" (1408/ 33). (¬4) رواه البخاري (5110)، ومسلم (1408/ 35، 36). (¬5) "صحيح مسلم" (1408/ 34، 37، 38).

الأصل

وعبد الله بن عمر وأبي سعيد الخدري وأنس وعائشة رضي الله عنهم. وكما يحرم الجمع بين المرأة وعمتها، والجمع بين المرأة وخالتها، يحرم الجمع بين الأختين على ما قال تعالى: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ} (¬1). وسواء كانتا أختين من النسب أو الرضاع فلو نكحهما معًا بطل النكاحان، ولو نكح واحدة ثم نكح الأخرى فنكاح الثانية باطل، وإذا أبان امرأته بطلاق قبل الدخول أو بعد الدخول وانقضت العدة حل له نكاح أختها، وكذلك قبل انقضاء العدة عند الشافعي ومالك خلافًا لأبي حنيفة، ولا تنكح أخت الرجعية حتى تنقضي عدتها بالاتفاق، ويجوز أن يجمع بين المرأة وزوجة ابنها وبينها وزوجة أبيها، وقد جمع عبد الله بن جعفر بين بنت علي أم كلثوم وبين امرأته ليلى بنت مسعود النهشلية، إنما المحرم الجمع بين امرأتين بينهما قرابة أو رضاع؛ لو كانت إحداهما ذكرًا حرم عليه نكاح الأخرى، وليست هاتين قرابة ولا رضاع. الأصل [1307] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه أنه كان يقول في قول الله تعالى: {وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ}: أن يقول الرجل للمرأة في عدتها من وفاة زوجها: إنك علي لكريمة، وإني فيك لراغب، وإن الله لسائق إليك خيرًا ورزقًا، ونحو هذا من القول (¬2). [1308] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن حميد، ¬

_ (¬1) النساء: 23. (¬2) "المسند" ص (273).

الشرح

عن أنس؛ أن عبد الرحمن بن عوف تزوج على وزن نواة (¬1). [1309] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن أبي الزناد ومحمد بن يحيى بن حبان، عن الأعرج، عن أبي هريرة؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه" (¬2). [1310] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن نافع، عن ابن عمر؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه" (¬3). [1311] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن عبد الله بن يزيد مولى الأسود بن سفيان، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن فاطمة بنت قيس؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لها: "فإذا حللت فآذنيني". [قالت] (¬4): فلما حللت أخبرته أن معاوية وأبا جهم خطباني. فقال: "أما معاوية فصعلوك لا مال له، وأما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه، انكحي أسامة" فنكحته فجعل الله فيه خيرًا واغتبطت به (¬5). الشرح الأصل يتعلق بالخطبة إلا ما روي عن أنس أن عبد الرحمن تزوج على نواة فهو دخيل في الأصل وقد مرّ ذلك من قبل، وفي الخطبة جملتان: أحداهما: أن التصريح بخطبة المعتدة حرام؛ وأما التعريض فهو جائز في عدة الوفاة، قال تعالى: {وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ ¬

_ (¬1) "المسند" ص (274). (¬2) "المسند" ص (274). (¬3) "المسند" ص (274). (¬4) من "المسند". (¬5) "المسند" ص (274).

الأصل

خِطْبَةِ النِّسَاءِ} (¬1)، ومثل القاسم التعريض بأن يقول: إنك علي لكريمة وسائر ما ذكر، ومن التعريض أن يقول: إذا حللت فآذنيني، ورب راغب فيك، ومن يجد مثلك، ومثلهُ عطاء بأن يقول: إن لي حاجة، وأبشري، وأنت بحمد الله نافقة (¬2). وقال ابن عباس: يقول: إني أريد التزويج، ولوددت أنه تيسر لي امرأة صالحة (¬3). وأما المعتدة عن فرقة الحياة فلا يجوز التعريض بخطبتها إن كانت رجعية، وإلا فإن كانت ممن لا تحل للذي بانت منه كالمطلقة ثلاثًا والملاعنة فيجوز التعريض بخطبتها، وإن كانت تحل ففيه قولان للشافعي. والجملة الثانية: أنه تحرم الخطبة على خطبة الغير بعد الإجابة، وقد سبق ما أورده ها هنا من حديث أبي هريرة وابن عمر، لكن زاد ها هنا في إسناد حديث أبي هريرة: محمَّد بن يحيى بن حبان، وكذلك حديث فاطمة بنت قيس. الأصل [1312] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا الثقة أحسبه إسماعيل بن إبراهيم، عن معمر، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه؛ أن غيلان بن سلمة الثقفي أسلم وعنده عشرة نسوة، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: " أمسك أربعًا وفارق سائرهن" (¬4). [1313] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا بعض أصحابنا، عن ابن أبي الزناد، عن عبد المجيد بن سهيل بن عبد الرحمن بن عوف، عن عوف بن الحارث، عن نوفل بن معاوية الديلي قال أسلمت وتحتي خمس نسوة ¬

_ (¬1) البقرة: 235. (¬2) رواه عبد الرزاق (12150). (¬3) رواه البخاري (5124). (¬4) "المسند" ص (274).

الشرح

فسألت النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: "فارق واحدة وأمسك أربع" فعمدت إلى أقدمهن عندي عاقر منذ ستين سنة ففارقتها (¬1). [1314] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا ابن أبي يحيى، عن إسحاق بن عبد الله، عن أبي وهب الجيشاني، عن أبي خراش، عن [الديلمي (¬2)] أو ابن [الديلمي] (¬3) قال: أسلمت وتحتي أختان، فسالت النبي - صلى الله عليه وسلم - فأمرني أن أمسك أيتهما شئت وأفارق الأخرى (¬4). الشرح غيلان بن سلمة الثقفي، ذكر أبو عبد الله بن منده أنه يعد في أهل الحجاز وأنه روى عنه: عبد الله بن عمر بن الخطاب، وعروة بن غيلان، وبشر بن عاصم، ونافع أبو السائب مولى غيلان، ولم يذكره البخاري في "تاريخه" (¬5). وعوف بن الحارث: إما أبو حازم البجلي الكوفي والد قيس بن أبي حازم، وقد رأى النبي - صلى الله عليه وسلم -، وروى عنه: ابنه قيس. وإما عوف (¬6) بن الحارث بن الطفيل بن سخبرة بن [جرثومة] (¬7) الأزدي. ¬

_ (¬1) "المسند" ص (274). (¬2) في الأصل: الديملي. تحريف، والمثبت من "المسند". (¬3) في الأصل: الديملي. تحريف، والمثبت من "المسند". (¬4) "المسند" ص (275). (¬5) انظر "معرفة الصحابة" (4/ ترجمة 2387)، و"الإصابة" (5/ ترجمة 6929). (¬6) انظر "التاريخ الكبير" (7/ ترجمة 261)، و"الجرح والتعديل" (7/ ترجمة 66)، و"التهذيب" (22/ ترجمة 4546). والأشبه أنه هذا. (¬7) تحرف في "الأصل". والمثبت من "التخريج".

وقد روى عن: عائشة، وأم سلمة، وابن الزبير. سمع منه: عامر بن عبد الله، والزهري، وبكير بن الأشج. والله أعلم. وأبو وهب الجيشاني (¬1)، روى عبد الرحمن بن أبي حاتم عن يحيى بن معين أن اسمه الهويشع بن الديلم، وعن أحمد بن حنبل أن اسمه الديلم بن الهوشع وأنه شامي، وأن جيشان من اليمن، وأنه روى عن: عبد الله بن عمرو، والضحاك بن فيروز. وروى عنه: يزيد بن أبي حبيب. وقال أبو عبد الله بن منده في "معرفة الصحابة": سمعت عبد الرحمن بن أحمد بن يونس بن عبد الأعلى يقول: أبو وهب الجيشاني اسمه عبيد بن [شرحبيل (¬2)] كذا سمعت شيوخنا بمصر، وسماه أحمد بن حنبل ويحيى بن معين: ديلم بن الهويشع، قال ما قاله أهل مصر، ثم عد أبو عبد الله أبا وهب في باب الكنى من الصحابة وقال: يقال أن اسمه ديلم، وقد تقدم ذكره في باب الدال، ولم يورد في باب الدال ما يقتضي كونه من الصحابة. وأبو خراش ذكر في بعض أسانيد الحديث نسبته إلى رعين، وذكر أنه روى عنه: أبو الخير مرثد بن عبد الله، وغيره (¬3). وأما الديلمي (¬4) أو ابن الديلمي ففي كتاب ابن منده أن ديلم بن ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (3/ ترجمة 857)، و"الجرح والتعديل" (3/ ترجمة 1973)، و"التهذيب" (34/ ترجمة 7695). ولم أجد كلام ابن معين فيه في الجرح والتعديل. والله أعلم. (¬2) في الأصل: شراحيل. والمثبت من "الإصابة" (2/ 392) فقد ذكره عن ابن يونس. (¬3) انظر "التهذيب" (33/ ترجمة 7340). (¬4) انظر "الإصابة" (2/ ترجمة 2412) وراجع كلام الحافظ فقد ذكر تفصيلًا جيدًا فيه.

فيروز الحميري الرعيني ممن وفد على النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأنه روى عنه: الضحاك وعبد الله ابناه، وأبو الخير مرثد بن عبد الله، وروى يحيى بن يحيى عن ابن لهيعة عن أبي وهب الجيشاني عن الضحاك بن فيروز عن أبيه أنه أسلم وتحته أختان فأمره النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يختار إحداهما. ولا يتضح كل الوضوح أن صاحب القصة ديلم أو فيروز، وأن الواقعة كانت لواحد أو لاثنين. وحديث غيلان بن سلمة (¬1) رواه موصلًا عن معمر كما رواه إسماعيل بن إبراهيم: سعيد بن أبي عروبة، ويزيد بن زريع، ومحمد بن جعفر غندر، وسفيان الثوري، وعبد الرحمن بن محمَّد المحاربي، وعيسى بن يونس، ويحيى بن أبي كثير، والفضل بن موسى السيناني، ورواه عبد الرزاق عن معمر فقال: عن الزهري أن غيلان بن سلمة أسلم وعنده عشر نسوة، فأمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يختار منهن أربعًا. فأرسله، كذلك رواه مالك بن أنس وابن عيينة عن الزهري. ورواه يونس بن يزيد، عن الزهري عن محمَّد بن أبي سويد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لغيلان بن سلمة حين أسلم وتحته عشر نسوة: "اختر منهن أربعًا وفارق سائرهن" (¬2). ويؤيد الوصل أن سرار بن مجشر روى قصة غيلان بن سلمة عن أيوب، عن نافع وسالم، عن ابن عمر (¬3). ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (1128)، وابن ماجه (1953)، وابن حبان (4157)، والحاكم (2/ 211) من طريق الزهري عن سالم عن أبيه موصلًا. قال ابن الملقن في "الخلاصة" (1965): وصححه البيهقي وابن القطان. وصححه الألباني في "الإرواء" (6/ 291) وقد فصل فيه، فراجعه إن شئت. (¬2) رواه الدارقطني (3/ 270 رقم 96). (¬3) رواه الدارقطني (3/ 271 رقم 104).

وحديث نوفل بن معاوية رواه الشافعي في غير هذا الموضع فقال: أخبرني من سمع ابن أبي الزناد. وقوله: "وبعض أصحابنا" يريد أصحاب الحديث، وربما أطلقه وأراد مالكًا، ويوافقها ما روي عن عروة بن مسعود قال: أسلمت وتحتي عشرة نسوة، فقال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اختر منهن أربعًا وفارق سائرهن، واخترت منهن أربعًا، منهن ابنة أبي سفيان (¬1). والحديث الأخير رواه يحيى بن أيوب عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي وهب الجيشاني عن الضحاك بن فيروز الديلمي، عن أبيه، وكذلك رواه ابن لهيعة عن أبي وهب كما قدمنا من غير توسيط أبي خراش وذكر أبي خراش من زيادة إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة (¬2). وفي الأحاديث أن المشرك إذا أسلم وتحته أكثر من أربع نسوة وأسلمن معه أو تخلفن وهنَّ كتابيات؛ فإنه يختار منهن أربعًا ويفارق البواقي، وإطلاق الحديث يدل على أنه لا فرق بين أن يكون قد نكحهن معًا أو على التعاقب، وأنه إذا نكحهن على التعاقب يجوز له إمساك الأخريات، وكذلك لو أسلم على أختين يختار واحدة منهما، وبه قال مالك وأحمد، وقال أبو حنيفة: إن نكحهن معًا فليس له إمساك واحدة منهن، وإن نكحهن على التعاقب فيمسك أربعًا من الأوليات ويفارق الأخريات، وكذلك في الأختين. ¬

_ (¬1) رواه البيهقي (7/ 184). (¬2) رواه أبو داود (2243)، وابن حبان (4155) من طريق يحيى بن أيوب، والترمذي (1129، 1130) من الطريقين. قال الترمذي: حديث حسن. وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود".

الأصل

الأصل [1315] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سعيد بن سالم، عن ابن جريج، عن سليمان بن موسى، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل ثلاثًا، فإن أصابها فلها المهر بما استحل من فرجها، فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له" (¬1). الشرح قد سبق صدر الحديث من رواية الشافعي عن مسلم وعبد المجيد، عن ابن جريج، وأتينا هناك بما لا غنى عنه من الشرح (¬2). الأصل [1316] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان بن عينة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة أنها قالت: تزوجني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا ابنة سبع سنين، وبنى بي وأنا ابنة تسع سنين (¬3). [1317] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مسلم بن خالد، عن ابن جريج؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أمر نعيمًا أن يؤامر أم ابنته فيها (¬4). ¬

_ (¬1) "المسند" ص (275). (¬2) سبق في "كتاب اختلاف مالك والشافعي" وهو ساقط من النسخة. والحديث رواه أبو داود (2083)، والترمذي (1102)، وابن ماجه (1979)، وابن الجارود (700)، وابن حبان (4074)، والحاكم (2/ 82) من طريق ابن جريج. قال الترمذي: حسن، وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين. (¬3) "المسند" ص (275). (¬4) "المسند" ص (275).

الشرح

الشرح الحديث صحيح، أخرجه البخاري عن محمَّد بن يوسف عن سفيان، وأخرجه البخاري ومسلم من طرق عن هشام بن عروة، وزادا: "وكنت ألعب بالبنات وكن جوار يأتينني، فإذا رأين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتقمعن منه، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يسرّ بهن إلي" ومر الحديث في الكتاب من هذِه الزيادة (¬1). وقولها: "وبنى بي" تريد الزفاف، وفي رواية الزهري عن عروة عن عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تزوجها وهي بنت سبع، وزفت إليه وهي بنت تسع. يقال: بنى بأهله وبنى على أهله، ومنهم من لم يثبت الأول والحديث يرد عليه. وفي الحديث دليل على أن للأب تزويج البكر الصغيرة، وقد اتفق عليه أهل العلم، واختلفوا في أن البكر البالغة هل يزوجها أبوها من غير استئذانها على ما قدمناه، وذكر أن قوله: "والبكر تستأذن" حمل على استطابة نفسها بالاستئذان كما أمر بالمشاورة، وكما ورد أنه - صلى الله عليه وسلم - أمر نعيمًا بمؤامرة أم ابنته في نكاحها، ومعلوم أن ذلك لاستطابة نفس الأم، وجواز نكاح البنت لا يتوقف على إذن الأم بالاتفاق؛ وإنما أورد الشافعي حديث نعيم ها هنا استئناسًا واستشهادًا. ونعيم: هو ابن عبد الله بن أسيد بن عبد الله بن عوف بن عبيد بن عويج بن عدي بن كعب العدوي، ويقال له: نعيم النحام، وربما قيل: نعيم بن النحام ثم قيل: نعيم بن النحام بن عبد الله، وقيل: نعيم بن عبد الله بن النحام أسلم بمكة، وقتل يوم أجنادين في زمان عمر ¬

_ (¬1) سبق برقم (835).

الأصل

ابن الخطاب رضي الله عنه. وحديثه من رواية ابن جريج منقطع، لكنه روي موصولًا بروايات، فمنها: عن محمَّد بن راشد، عن مكحول، عن سلمة بن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبيه أن عبد الله بن عمر خطب إلى نعيم بن عبد الله -وكان يقال له: النحام أحد بني عدي- ابنته وهي بكر، فقال له نعيم: إن في حجري يتيمًا لي لست مؤثرًا عليه أحدًا، فانطلقت أم الجارية امرأة نعيم إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت: ابن عمر خطب ابنتي وإن نعيمًا رده وأراد أن ينكحها يتيمًا له، فأرسل إلى نعيم فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أرضها وأرض ابنتها" (¬1). وذكر أن اليتيم كان ابن أخيه، وأنه أراد أن يزوجها منه، وروى إسماعيل بن أمية عن الثقة عن ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "وآمروا النساء في بناتهن" (¬2). الأصل [1318] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن نافع أن عبد الله بن عمر أرسل إلى عائشة فسألها: هل يباشر الرجل امرأته وهي حائض؟ فقالت: لتشدد إزارها على أسفلها ثم يباشر إن شاء (¬3). الشرح هذا موقوف، وقد روي مرفوعًا مرسلًا من رواية مالك عن زيد بن ¬

_ (¬1) رواه البيهقي (7/ 116). (¬2) رواه أبو داود (2095). وضعفه الألباني في "ضعيف الجامع" (14)، و"الضعيفة" (3/ 677) لجهالة الثقة. (¬3) "المسند" ص (275).

الأصل

أسلم أن رجلًا سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: ما يحل لي من امرأتي وهي حائض؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لتشد عليها إزارها ثم شأنك بأعلاها" (¬1). وموصولًا من رواية أبي النضر، عن أبي سلمة، عن عائشة؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سئل: ما يحل للرجل من المرأة -يعني: الحائض؟ قال: "ما فوق الإزار" (¬2). وروى البخاري في "الصحيح" (¬3) عن أبي النعمان، عن عبد الواحد، عن سليمان الشيباني، عن عبد الله بن شداد، عن ميمونة قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد أن يباشر المرأة من نسائه وهي [حائض] (¬4) أمرها فائتزرت. وفي ذلك دليل على أنه يحرم الاستمتاع بما بين السرة والركبة من الحائض وهو موضع الإزار. وقال مالك وأحمد: لا يحرم إلا الجماع، وهو وجه لأصحابنا. الأصل [1319] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا محمَّد بن علي بن شافع، أخبرني عبد الله بن علي بن السائب، عن عمرو بن أحيحة بن الجلاح -أو عمرو بن فلان بن أحيحة، قالي الشافعي: أنا شككت- عن خزيمة بن ثابت؛ أن رجلًا سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن إتيان النساء في أدبارهن، أو إتيان الرجل امرأته في دبرها. ¬

_ (¬1) "الموطأ" (1/ 57 رقم 124). (¬2) رواه البيهقي (7/ 191). (¬3) "صحيح البخاري" (302). وروى مسلم أيضًا من حديث عائشة قالت: كانت إحدانا إذا كانت حائضًا أمرها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتأتزر بإزار ثم يباشرها. (¬4) سقط من "الأصل". والمثبت من "الصحيح".

الشرح

فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "حلال" فلما ولى الرجل دعاه أو أمر به فدعي، فقال: "كيف قلت"؟ في أي الخربتين أو في أي الخرزتين أو في أي الخصفتين، أمن دبرها في فبلها فنعم، أمن دبرها في دبرها فلا، إن الله لا يستحيي من الحق، لا تأتوا النساء في أدبارهن". قال الشافعي: قال: فما تقول؟ قلت: عمي ثقة، وعبد الله بن علي ثقة، وقد أخبرني محمَّد عن الأنصاري المحدث به أنه أثنى عليه خيرًا، وخزيمة ممن لا يشك عالم في ثقته فلست أرخص فيه بل أنهى عنه (¬1). الشرح عمرو (¬2) الذي روى عنه عبد الله بن علي بن السائب شك الشافعي في نسبه أهو عمرو بن أحيحة بن الجلاح، أو عمرو بن فلان بن أحيحة بن الحلاج، وروى الحديث عن محمَّد بن علي بن شافع: إبراهيم بن محمَّد بن العباس الشافعي، فقال: عمرو بن أحيحة بن الجلاح ولم يشك، وكأنه الأنصاري الذي ذكر الشافعي أنه أثنى عليه. وقد وثق الشافعي رواة الحديث وحكم بمقتضاه، وبروى عن سعيد بن أبي هلال أن عبد الله بن علي بن السائب حدثه أن حصين بن محصن الخطمي حدثه [أن هرمي الخطمي حدثه] (¬3) أن خزيمة بن ثابت حدثه أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إن الله لا يستحيي من الحق، لا ¬

_ (¬1) "المسند" ص (275). (¬2) انظر "الإصابة" (4/ ترجمة 5762). (¬3) سقط من "الأصل". والمثبت من "التخريج".

تأتوا النساء في أدبارهن" (¬1). وعن [هرمي] (¬2) بن عبد الله الواقفي، عن خزيمة بن ثابت، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إن الله لا يستحيي من الحق، لا تأتوا النساء في أعجازهن" (¬3) ويروى: "في أدبارهن". وعن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه [قال (¬4)] "تلك اللوطية الصغرى" (¬5) يعني: إتيان المرأة في دبرها. وعن الحارث بن مخلد، عن أبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا ينظر الله إلى رجل يوم القيامة أتى امرأة في دبرها" (¬6). وعن أبي تميمة الهجيمي، عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من أتى امرأة في دبرها، ومن أتى امرأة حائضًا فقد بريء مما أنزل الله على محمَّد" (¬7). ¬

_ (¬1) رواه النسائي في "الكبرى" (8989)، وابن حبان (4200)، والبيهقي (7/ 196). (¬2) في الأصل: هرمز. تحريف، والمثبت من "التخريج". (¬3) رواه النسائي في "الكبرى" (8983). (¬4) سقط من "الأصل". (¬5) رواه النسائي في "الكبرى" (8996) مرفوعًا، ورواه (8999) أيضًا من قوله. (¬6) رواه أبو داود (2162)، والنسائي في "الكبرى" (9012، 9013)، وابن ماجه (1923)، ولفظ أبي داود: "ملعون من أتى امرأته في دبرها". قال صاحب "مصباح الزجاجة" (690): إسناده صحيح. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1878). (¬7) رواه الترمذي (135)، والنسائي في "الكبرى" (9016)، وابن ماجه (639)، وابن الجارود (135) من طريق حماد بن سلمة عن حكيم الأثرم عنه. قال الترمذي: وضعف محمَّد هذا الحديث من قبل إسناده. وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (5942).

الأصل

وعن علي بن طلق قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن تأتوا النساء في أدبارهن (¬1). ويروى تحريمه والنهي عنه عن علي وعبد الله بن مسعود وابن عباس وأبي الدرداء رضي الله عنهم. وقوله: "في أي الخُرْبَتَين أو في أي الخُرْزَتَين أو في أي الخُصْفتين" ذكر أبو عبيد الهروي هذِه الألفاظ في "الغريبين"، وقال بعدها: "كلٌ قد روي" فرد التردد إلى اختلاف الرواية" ثم قال: الخُرْبة: كل ثقب مستدير، وحكي عن أبي عبيد أنه قال: الذي تعرفه العرب أن الخربة: هي عروة المزادة، سميت خُرْبَة لاستدارتها، وكل ثقب مستدير فهو خربة. قال: والخُرْزَة مثل الخُرْبة، والخُصْفة مثل الخرزة، من خصفت النعل. الأصل [1320] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا إسماعيل يعني: ابن علية، عن ابن أبي عروبة، عن قتادة، عن الحسن، عن رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: إذا نكح الوليان فالأول [حق] وإذا باع المجيزان فالأول أحق (¬2). الشرح روى الشافعي الحديث في "الإملاء" عن إسماعيل، عن ابن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن عن عقبة بن عامر عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وستأتي هذِه الرواية من بعد في الكتاب، وأبهم في كتاب "أحكام القرآن" فقال: ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (1164)، والنسائي في "الكبرى" (9023)، وابن حبان (4199)، وقال الترمذي: حديث حسن. (¬2) "المسند" ص (276).

عن رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - عن النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ ولعل سببه أن سعيد بن أبي عروبة اختلفت روايته: فروى أبو بحر البكراوي عنه عن قتادة عن الحسن عن عقبة بن عامر قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أيما امرأة زوَّجها وليان فهي للأول منهما" (¬1). وروى عبد الوهاب بن عطاء، عن سعيد، عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة بن جندب، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "أيما رجل باع من رجلين بيعًا فهو للأول منهما، وأيما امرأة زوجها وليان فهي للأول" (¬2). وعن أبي عاصم، عن سعيد، عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة أو عقبة؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا نكح الوليان فالأول أحق، وإذا باع المجيزان فالأول أحق" (¬3). وذُكر أن رواية من رواه عن سمرة أصح (¬4)، ويؤيده أن معاذ بن هشام روى عن أبيه عن قتادة عن الحسن عن سمرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أيما امرأة زوجها وليان فهي للأول، وأيما رجلين ابتاعا بيعًا فهو للأول منهما" (¬5)، وأن أشعث بن عبد الملك روى عن الحسن عن سمرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا نكح المجيزان فالأول أحق" (¬6). ¬

_ (¬1) رواه البيهقي (7/ 140). (¬2) رواه الحاكم (2/ 191) والبيهقي (7/ 140). (¬3) رواه البيهقي (7/ 141) وقال: والصحيح رواية من رواه عن سمرة بن جندب. (¬4) ذكر ذلك البيهقي (7/ 141) والمصنف كثيرًا ما يعقل عن البيهقي مع إبهام ذلك. (¬5) رواه الحاكم (2/ 190)، والبيهقي (7/ 141) من طريقه، ورواه أبو داود (2088)، والترمذي (1110)، والنسائي (7/ 314)، وابن الجارود (622)، والحاكم (2/ 41) من طرق أخر عن قتادة عن الحسن عن سمرة. قال الترمذي: حسن، وقال الحاكم: صحيح على شرط البخاري. (¬6) رواه البيهقي (7/ 141).

الأصل

وفقه الحديث أن المرأة إذا كان لها وليان كأخوين مثلًا فزوجها كل واحد منهما من رجل وعرف السابق من النكاحين فهو الصحيح والثاني باطل، سواء دخل بها الثاني أو لم يدخل. وعن مالك: إن دخل بها الثاني فهي للثاني، وإن وقع النكاحان معًا أو لم يُدرى وقعا معًا أو سبق أحدهما الآخر فهما باطلان، والاحتياط في الصورة الثانية أن يأمرهما الحاكم بالطلاق أو يطلقها أحدهما ويتزوجها الآخر، وإن عرف السابق ثم اشتبه وقف الأمر إلى التبين، وإن عرف سبق أحدهما على الآخر ولم يعرف السابق فكذلك الحكم أو يقضى ببطلانهما؟ فيه قولان للشافعي. وقوله: "وإذا باع المجيزان فالأول أحق" وفي بعض الروايات: "إذا نكح المجيزان فالأول أحق" فقد جمع بين اللفظتين أبو عبيد الهروي في "كتابه" ونسبهما إلى حديث شريح، وقال: المجيز: الولي، والمجيز: القيم بأمر اليتيم، والمجيز: العبد المأذون له في التجارة. الأصل [1321] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن الزهري، عن ابن المسيب، أن علي بن أبي طالب قال: إذا طلق الرجل امرأته فهو أحق برجعتها حتى تغتسل من الحيضة [الثالثة] (¬1) في الواحدة والاثنتين (¬2). ¬

_ (¬1) سقط من "الأصل". والمثبت من "المسند". (¬2) "المسند" ص (276).

الشرح

الشرح قال الله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} (¬1). اتفق أهل العلم على أن الرجل إذا طلق امرأته وهي حائض لا يحسب بقية الحيض قرءًا، وإن طلقها وهي طاهر فبقية الطهر يحسب قرءًا عند من قال: "الأقراء: الأطهار"، حتى إذا شرعت في الحيضة الثالثة فتبين منه ولا يملك الزوج الرجعة، وبه قالت عائشة. وعن مالك، عن نافع وزيد بن أسلم، عن سليمان بن يسار؛ أن الأحوص هلك بالشام حين دخلت امرأته في الدم من الحيضة الثالثة وكان قد طلقها، فكتب معاوية بن أبي سفيان إلى زيد بن ثابت يسأله عن ذلك فكتب إليه زيد أنها إذا دخلت في الدم من الحيضة الثالثة فقد برئت منه وبريء منها، ولا ترثه ولا يرثها (¬2). وعن ابن عمر مثله، وبه قال القاسم بن محمَّد وسالم بن عبد الله وأبو بكر بن عبد الرحمن وسليمان بن يسار. وأما من قال: "إن الأقراء هي الحيض" فبقية الطهر لا يحسب قرءًا عنده، وتبقى العدة والرجعة إلى انقضاء الحيضة الثالثة، وأثر علي رضي الله عنه يوافقه، وشرط أبو حنيفة أن تغتسل أيضًا إن لم يبلغ دمها أكثر الحيض، وظاهر لفظ الأثر اشتراط الغسل مطلقًا، ويروى مثله عن عثمان وابن مسعود رضي الله عنهما. وقوله: "في الواحدة والاثنتين" يبين أن موضع الرجعة ما إذا لم يستوعب الثلاث. ¬

_ (¬1) البقرة: 228. (¬2) "الموطأ" (2/ 577 رقم 1199).

الأصل

الأصل [1322] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن يحيى بن سعيد، عن ابن المسيب؛ أن علي بن أبي طالب سئل عن رجل وجد مع امرأته رجلًا فقتله أو قتلها. فقال: إن لم يأت بأربعة شهداء فليعط برمته (¬1). الشرح قوله: "فليعط برمته" قيل: معناه: يسلم إلى أولياء القتيل ليقتصوا منه، وقيل: المراد إعطاء البعير برمته أي: إبل الدية، وعلى هذا فليقرأ: "فليعطِ" أي: يعطي هو، والرمة: الحبل، وقد يقيد به الأسير وقد يقاد به البعير. ومقصود الأثر أن من قتل رجلًا وجده مع امرأته أو قتل المرأة يقتص منه إلا أن يقيم البينة على زناه وإحصانه، وهذا كما أنه لو قتل رجلًا ثم ادعى أنه كان مورثه يحتاج إلى البينة، وعن أحمد أنه تكفيه البينة على أنه وجد مع امرأته في بيته، وروي عن عمر رضي الله عنه أنه أهدر دمه، وأوَل على أنه أراد فيما بينه وبين الله تعالى إذا تحقق زناه وإحصانه لا في ظاهر الحكم، ويؤيد الأثر ما رواه مالك عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن سعد بن عبادة قال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أرأيت لو وجدت مع امرأتي رجلًا، أمهله حتى آتي بأربعة شهداء؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "نعم" (¬2). ¬

_ (¬1) "المسند" ص (276). (¬2) رواه مسلم (1498/ 15).

الأصل

الأصل [1323] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مسلم بن خالد، عن ابن جريج، عن عطاء أنه قال: لا يجوز شهادة النساء لا رجل معهن في أمر النساء أقل من أربع [عدول (¬1)]. [1324] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن عمرو بن دينار، عن ابن أبي مليكة، عن ابن عباس في شهادة الصبيان: لا تجوز. وزاد ابن جريج، عن ابن أبي مليكة، عن ابن عباس: لأن الله تعالى يقول: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} (¬2). الشرح مقصود الأثر الأول أن ما تقبل فيه شهادة النساء الخلص كالولادة وعيوب النساء لا بد فيه من العدد، خلافًا لقول من قال: تقبل شهادة القابلة وحدها؛ وذلك لأن شهادة امرأتين بشهادة رجل على ما قال تعالى {فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} (¬3) فما لا يقبل فيه إلا بشهادة رجلين لا يقبل فيه إلا شهادة أربع نسوة. وقوله: "أقل من أربع عدول" أي: من أربع نسوة، والعدل يستوي في الوصف به الذكر والأنثى، وما روي عن علي رضي الله عنه "أنه أجاز شهادة القابلة وحدها" (¬4) فقد قال الشافعي: لو ثبت صرنا إليه، ¬

_ (¬1) سقط من "الأصل". (¬2) الأثر سقط من "الأصل". وهو في "الأم" (7/ 89). (¬3) البقرة: 282. (¬4) رواه البيهقي (10/ 151) وقال: لا يصح، وقال أيضًا: قال إسحاق الحنظلي: لو صحت شهادة القابلة عن علي لقلنا به ولكن في إسناده خلل.

وأشار به إلى أنه رواه جابر الجعفي عن عبد الله بن يحيى عن علي، وجابر ضعيف ضعفه ابن عيينة وغيره، وعبد الله بن نجي مجهول (¬1). ورواه أيضًا سويد بن عبد العزيز، عن غيلان بن جامع، عن عطاء ابن أبي مروان، عن أبيه، عن علي، لكنهم ضعفوا سويدًا. وروي عن محمَّد بن عبد الملك الواسطي، عن أبي عبد الرحمن المدائني، عن الأعمش، عن أبي وائل، عن حذيفة؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أجاز شهادة القابلة (¬2). قال الحافظ أبو الحسن الدارقطني: أبو عبد الرحمن رجل مجهول. وقد روى مسلم في "الصحيح" (¬3) عن محمَّد بن رمح، عن الليث، عن ابن الهاد، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال للنساء: "ما رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب لذي لبٍّ منكن". قيل: يا رسول الله وما نقصان العقل والدين؟ قال: "أما نقصان العقل فشهادة امرأتين تعمل شهادة رجل، فهذا نقصان العقل، وتمكث الليالي ما تصلي وتفطر في شهر رمضان فهذا نقصان الدين". وأما الأثر الثاني فشهادة الصبيان غير مقبولة عند جمهور أهل العلم، واستؤنس له بقوله تعالى: {شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} (¬4) ¬

_ (¬1) قال الحافظ في "التهذيب" (6/ 50): قال البخاري وابن عدي: فيه نظر، وقال النسائي: ثقة، وقال الشافعي في مناظرته مع محمَّد بن الحسن في الشاهد واليمين: عبد الله بن نجي مجهول، روينا ذلك في الألقاب للشيرازي بسنده إلى الشافعي. (¬2) رواه الدارقطني (4/ 232 رقم 100 - 101). (¬3) "صحيح مسلم" (79). (¬4) البقرة: 282.

الأصل

وأيضًا بقوله: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} (¬1) والصبي ليس بمرضٍ، وعن شريح أنه كان يجيز شهادة الصبيان بعضهم على بعض، وقال مالك: تقبل شهادتهم في الجراح التي تقع في موضع ما لم يتفرقوا، ولا تقبل في غيرها. الأصل [1325] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا ابن عيينة، عن عبد الملك بن [عمير (¬2)] عن عبد الرحمن بن أبي بكرة، عن أبيه؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يحكم الحاكم أو لا يقضي القاضي بين اثنين وهو غضبان" (¬3). الشرح عبد الرحمن بن أبي بكرة نفيع الثقفي البصري أبو يحيى. سمع: أباه. وروى عنه: محمَّد بن سيرين، وعبد الملك بن عمير، وعلي بن زيد. ويقال: إن عبد الرحمن أول مولود ولد بالبصرة (¬4). والحديث صحيح، أخرجه البخاري (¬5) عن آدم، ومسلم (¬6) عن محمَّد بن المثنى عن محمَّد بن جعفر، بروايتهما عن شعبة عن عبد الملك بن عمير، وأبو داود (¬7) عن محمَّد بن كثير عن سفيان. ¬

_ (¬1) البقرة: 282. (¬2) في الأصل: عمر. تحريف، والمثبت من "المسند". (¬3) "المسند" ص (276). (¬4) انظر "التاريخ الكبير" (5/ ترجمة 838)، و"التهذيب" (17/ ترجمة 3771). (¬5) "صحيح البخاري" (7158). (¬6) "صحيح مسلم" (1717/ 16). (¬7) "سنن أبي داود" (3589).

الأصل

وقوله: "لا يحكم الحاكم أو لا يقضي القاضي" شك من بعض الرواة في اللفظ، ورواه الحاكم أبو عبد الله الحافظ عن أبي العباس بإسناده، وقال: "لا يقضي القاضي" ولم يشك. قال الشافعي (¬1): ومعقول من الحديث أن المراد أن القاضي لا ينبغي أن يحكم في الحالة التي يتغير فيها عقله وخلقه، وأنه يلتحق بالغضب المرض والحزن والفرح والجوع والنعاس والملال، وسائر ما يغير الخلق والطبع، ولكن يتوقف ويتأنى حتى يثوب إليه عقله. قال الشافعي (¬2): وقد روي عن الشعبي -وكان قاضيًا- أنه رؤي يأكل خبزًا بجبن، فقيل له فيه، فقال: آخذ حكمي. قال: كأنه يريد أن الطعام يسكن حر الطبيعة، والجوع يحرك حرها وتتوق النفس إلى المأكل فتشغل عن الحكم. ولفظ الحديث يمكن أن يقرأ على النهي وأن يقرأ على الخبر، ثم المقصود منه النهي أيضًا. والله أعلم. الأصل [1326] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا ابن عيينة، عن الزهري قال: قال أبو هريرة: ما رأيت أحدًا أكثر مشاورة لأصحابه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قال الشافعي: قال الله تعالى: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} (¬3). الشرح يستحب للقاضي المشاورة، وقد ندب الله تعالى إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: {وَشَاوِرْهُمْ في الْأَمْرِ} (¬4) وجرى على ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وروي ¬

_ (¬1) "الأم" (7/ 194). (¬2) "الأم" (7/ 194). (¬3) "المسند" ص (277). (¬4) آل عمران: 159.

الأصل

[عن] (¬1) الحسن البصري أنه قال: والله ما كان يحتاج إليهم ولكن أحب أن يستن به الحكام بعد. (¬2) وفائدة المشاورة استمالة القلوب واجتماع الكلمة، وأن ينبهه من يشاوره على من يخشاه يغفل عنه ويدله على ما يجهله، وإنما يشاور العالمُ الأمين دون الجاهل والخائن، وقوله تعالى: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} (¬3). الأصل [1327] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا ابن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن عمرو بن أوس قال: كان الرجل يؤخذ بذنب غيره، حتى جاء إبراهيم فقال الله تعالى: {وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى (37) أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى (38)} (¬4). الشرح عمرو بن أوس الثقفي. روى عنه: عبد الله بن عبد الرحمن بن يعلى. مات قبل مقتل سعيد بن جبير (¬5). وقال الشافعي في قوله: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} (¬6): الذي سمعت فيه أن لا يؤخذ أحد بذنب غيره في نفس ولا مال، وإنما يعاقب كل أحد بعمل نفسه إلا ما خص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من هذا الأصل وهو ¬

_ (¬1) ليست في "الأصل". والسياق يقتضيها. (¬2) رواه البيهقي (10/ 109). (¬3) الشورى: 38. (¬4) "المسند" ص (277). (¬5) انظر "التاريخ الكبير" (6/ ترجمة 2500)، و"الجرح والتعديل" (6/ ترجمة 1219)، و"التهذيب" (21/ ترجمة 4329). (¬6) فاطر: (18).

فضائل قريش

ضرب الدية على العاقلة (¬1). والأثر يبين أنه كان يؤاخذ الرجل بذنب غيره قبل إبراهيم - عليه السلام - حتى منع منه في شريعته على ما قال الله تعالى: {أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا في صُحُفِ مُوسَى (36) وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى (37)} (¬2). الأصل ومن كتاب الأشربة وفضائل قريش [1328] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، حدثني ابن أبي فديك، عن ابن أبي ذئب، عن ابن شهاب أنه بلغه؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "قدموا قريشًا ولا تقدموها، وتعلموا منها ولا تعالموها أو تعلموها" شك ابن أبي فديك (¬3). الشرح الأشربة وفضائل قريش أمرانا متباعدان، وأحاديث الأشربة مفردة من بعد بترجمة، فالوجه طرح لفظ الأشربة ها هنا. وروى مضمون الحديث عمرو بن أبي [عمرو] (¬4) مولى المطلب، عن المطلب بن عبد الله بن حنطب، عن جبير بن مطعم، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - واللفظ: قال: "يا أيها الناس لا تقدموا قريشًا فتهلكوا، ولا تخلفوا عنها فتضلوها، وتعلموا منها فإنهم أعلم منكم، لولا أن تبطر قريش لأخبرتها بالذي لها عند الله عز وجل" (¬5) وروى أبو اليمان عن شعيب بن أبي حمزة، عن الزهري قال: كان أبو بكر بن سليمان بن أبي حثمة -وكان من علماء قريش- يقول: بلغنا ¬

_ (¬1) "الأم" (7/ 95). (¬2) النجم: 36. (¬3) "المسند" ص (278). (¬4) في "الأصل": عمر خطأ. (¬5) رواه ابن أبي عاصم في "السنة" (2/ 638).

الأصل

أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تعلموا قريشًا وتعلموا منها، ولا تقدموها ولا [تأخروا] (¬1) عنها" (¬2) ورواه محمَّد بن الوليد، عن الزهري، عن عبد الله ابن واقد، عن أبي بكر بن سليمان، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬3)، قال الحافظ أبو بكر البيهقي: وهو مرسل جيد. وقوله: "ولا تعالموها" أي: لا تفاخروها بالعلم، وذكر أن الشافعي أملى أحاديث الباب في فضائل قريش والأنصار وسائر قبائل العرب، وقصد بذلك ترجيح معرفتهم بالسنن على معرفة غيرهم. الأصل [1329] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا ابن أبي فديك، عن ابن أبي ذئب، عن حكيم بن أبي حكيم، أنه سمع عمر بن عبد العزيز وابن شهاب يقولان: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من أهان قريشًا أهانه الله" (¬4). [1330] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا ابن أبي فديك، عن ابن أبي ذئب، عن الحارث بن عبد الرحمن أنه قال: بلغنا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لولا أن تبطر قريش لأخبرتها بالذي لها عند الله" (¬5). الشرح حكيم بن أبي حكيم عرفه البخاري في "التاريخ" بروايته عن الزهري وعمر بن عبد العزيز، وبرواية ابن أبي ذئب عنه (¬6). ¬

_ (¬1) في "الأصل": تأخروها. تحريف. (¬2) رواه البيهقي (3/ 21) من طريق الزهري، وقال: هذا مرسل، وروي موصولًا وليس بالقوي. (¬3) قال البخاري في "التاريخ" (5/ 219): لا يصح. (¬4) "المسند" ص (278). (¬5) "المسند" ص (278). (¬6) انظر "تعجيل المنفعة" (1/ ترجمة 222). ولم أجد ترجمته في "التاريخ" للبخاري ولا "الجرح والتعديل". والله أعلم.

الأصل

والحديث الأول رواه أبو عيسى الترمذي في "الجامع" (¬1) عن عبد ابن حميد، عن يعقوب بن إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن صالح بن كيسان، عن ابن شهاب، عن محمَّد بن أبي سفيان بن العلاء الثقفي، عن يوسف بن الحكم والد الحجاج بن يوسف، عن محمَّد بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، واللفظ "من يرد هوان قريش أهانه الله" وقال: هذا حديث غريب. والحديث الثاني قد ذكرنا أن المطلب بن عبد الله بن حنطب رواه عن جبير بن مطعم عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ورواه أبو بكر بن أبي حثمة عن أبيه عن ابن عباس عن علي رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. الأصل [1331] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا ابن أبي فديك، عن ابن أبي ذئب، عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر، عن عطاء بن يسار؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لقريش: "أنتم أولى الناس بهذا الأمر ما كنتم مع الحق إلا أن تعدلوا عنه فتلحون كما تلحا هذِه الجريدة" يشير إلى جريدة في يده (¬2). الشرح يقال: لحوت العصا ألحوها لحوًا: إذا قشرتها، وكذلك لحيتها ألحاها لحيًا واللحاء: قشر الشجر، والجريد: سعف النخل. ¬

_ (¬1) "جامع الترمذي" (3905). ورواه الحاكم (4/ 84)، والضياء (1044). قال الضياء: إسناده حسن، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (1613). (¬2) "المسند" ص (278).

الأصل

والحديث يدل على تقديم قريش للإمامة والإمارة. وقد روى البخاري في "الصحيح" (¬1) عن أبي الوليد، ومسلم (¬2) عن أحمد بن عبد الله بن يونس، بروايتهما عن عاصم بن محمَّد بن زيد، عن أبيه، عن ابن عمر؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي اثنان". وقوله: "إلا أن تعدلوا عنه ... إلى آخره" يوهم أنهم إذا عدلوا يفوض الأمر إلى غيرهم، ولكن روى أنس وغيره عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "الأئمة من قريش" (¬3). واتفق الجمهور على اشتراط النصب في الإمامة، فليحمل ذلك على نقل الأمر من شخص، وروى معاوية عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إن هذا الأمر في قريش، لا يعاديهم أحد إلا كتبه الله على وجهه ما أقاموا الدين" (¬4). الأصل [1332] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا يحيى بن سليم، عن عبد الله ابن عثمان بن خثيم، عن إسماعيل بن عبيد بن رفاعة الأنصاري، عن أبيه، عن جده رفاعة؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نادى: "أيها الناس إن قريشًا أهل أمانة، من بغاها العواثر أكبّه الله لمنخريه" يقولها ثلاث مرات (¬5). ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (3501). (¬2) "صحيح مسلم" (1820). (¬3) رواه النسائي في "الكبرى" (5942) عن أنس. وصحح الحديث الألباني في "الإرواء" (2/ 298). (¬4) رواه البخاري (3501). (¬5) "المسند" ص (279).

الشرح

الشرح قوله: "أمانة" يجوز أن يريد أنهم يؤتمنوا للتقدم والإمامة، ويجوز أن يريد أن توقيرهم ومحبتهم لمكانهم من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمانة ائتمن عليها الناس، ويحتمل أن يريد قوة أمانتهم وكمالها؛ ففي حديث علي رضي الله عنه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن أمانة الأمين من قريش تعدل أمانة اثنين من غيرهم. وقوله: "من بغاها العواثر" أي: طلب عثراتها، يقال: بغاه كذا أي: بغاه له. وقوله: "أكبّه الله" كذا هو في أكثر "النسخ"، والصواب: كبّه الله، يقال: كبّه لوجهه أي: صرعه فأكب هو على وجهه، وعده أهل اللغة من النوادر، فإن الغالب أن يكون أفعلت غيري وفعلت إياه، هذا على العكس، ثم يحتمل أن يجعل: "كبّه الله" خيرًا، ويحتمل أن يجعل دعاءً، وروى الحديث وكيع عن سفيان الثوري عن ابن خيثم وقال: "كبّه الله" (¬1). الأصل [1333] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا عبد العزيز بن محمَّد، عن يزيد ابن الهاد، عن محمَّد بن إبراهيم بن الحارث التيمي أن قتادة بن النعمان وقع بقريش فكأنه نال منهم، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مهلًا يا قتادة لا تشتم قريشًا، فإنك لعلك ترى منهم رجالًا أو يأتي منهم رجال تحقر عملك مع أعمالهم، وفعلك مع أفعالهم، وتغبطهم إذا رأيتهم، لولا أن تطغى قريش لأخبرتها بالذي لها عند الله" (¬2). ¬

_ (¬1) رواه ابن أبي شيبة (6/ 402). (¬2) "المسند" ص (279).

الشرح

الشرح قتادة بن النعمان من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ظفري أنصاري. روى عنه: محمود بن لبيد، وغيره (¬1). وروى الحديث المطلب بن عبد الله بن حنطب كما رواه محمَّد بن إبراهيم [التيمي] (¬2)، وجعل بعضهم مكان قتادة بن النعمان: أبا قتادة، فروى الليث عن ابن الهاد، عن إبراهيم بن سعد، عن محمَّد بن عكرمة، عن عبد الله بن أبي مليكة؛ أن أبا قتادة السلمي قال لخالد بن الوليد يوم الفتح: هذا يوم يدك الله فيه قريشًا، فقال بعض أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ألا تسمع ما يقول أبو قتادة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "مهلًا يا أبا قتادة، فإنك لو وزنت رأيك برأيهم لحقرت رأيك مع رأيهم، ولا تعلموا قريشًا وتعلموا منها، فلولا أن تبطر لأخبرتهم بما لهم عند الله رب العالمين". الأصل [1334] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مسلم بن خالد، عن ابن أبي ذئب بإسناد لا أحفظه، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال في قريش شيئًا من الخير لا أحفظ، وقال: "شرار قريش خيار شرار الناس" (¬3). الشرح قوله: "قال في قريش شيئًا من الخير" أي: أثنى عليهم ووصفهم بالفضل إلا أني لا أحفظ ما ذكره، وحفظ أنه قال: "شرار قريش خيار ¬

_ (¬1) انظر "معرفة الصحابة" (4/ ترجمة 2463)، و"الإصابة" (5/ ترجمة 7081). (¬2) في "الأصل" التميمي. خطأ. (¬3) "المسند" ص (279).

الأصل

شرار الناس" وذلك أن قريشًا خيار الناس، فشرارهم شرار الخيار، وروى مسلم في "الصحيح" (¬1) عن يحيى بن [حبيب الحارثي] (¬2) عن روح، عن ابن جريج، عن أبي الزبير، عن جابر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الناس تبع لقريش في الخير والشر"، وفي "الصحيحين" (¬3) من رواية أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "الناس تبع لقريش في هذا الأمر، خيارهم تبع لخيارهم وشرارهم تبع لشرارهم". الأصل [1335] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "تجدون الناس معادن، فخيارهم في الجاهلية خيارهم في الإِسلام إذا فقهوا" (¬4). الشرح روياه في "الصحيح" (¬5) عن قتيبة بن سعيد، عن المغيرة بن عبد الرحمن الحزامي، عن أبي الزناد مع زيادة في أول وأخرى في آخره، أما في أوله فهي "إن الناس تبع لقريش في هذا الشأن، مسلمهم تبع لمسلمهم، وكافرهم تبع لكافرهم". وأما في آخره فهي: "تجدون من خير الناس أشد الناس كراهية لهذا الشأن حتى يقع فيه". ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (1819/ 3). (¬2) في "الأصل": الحارث. والمثبت من "صحيح مسلم". (¬3) "صحيح البخاري" (3495)، و"صحيح مسلم" (1818)، ورواه أحمد (2/ 261) واللفظ له، ولفظ "الصحيحين": "مسلمهم تبع لمسلمهم، وكافرهم تبع لكافرهم". (¬4) "المسند" ص (279). (¬5) "صحيح البخاري" (3496)، و"صحيح مسلم" (2526/ 199).

وقوله: "خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإِسلام إذا فقهوا" معناه أن من كان له شرف ومأثرة إذا أسلم وفقه؛ جاز إلى ذلك ما استفاده بحق الدين، ومن لم يسلم فقد ضيع شرفه. وقوله: "الناس تبع لقريش" أي: في الإمامة والإمارة. وقوله: "مسلمهم تبع لمسلمهم" أي: المسلم يتبع من ولي منهم ولا يخرج عليه. وقوله: "كافرهم تبع لكافرهم" أي: هكذا كانوا في الجاهلية. وقوله: "تجدون من خير الناس أشد الناس كراهية لهذا الشأن" أي: أن خيارهم يكرهون الإمارة ويخافون من الدخول فيها. وقوله: "حتى يقع فيه" ذكر أبو سليمان الخطابي فيه احتمالين: أحدهما: أنه يكرهه، فإذا رغب فيه وحرص عليه زال عنه حسن الاختيار كما في الحديث: "ستحرصون على الإمارة وستكون ندامة ... " (¬1). والثاني: أنه إذا وقع فيه قام بحقه ولم يكرهه؛ لأن من كره الشيء تغافل عنه ولم يقم بالواجب فيه. ويمكن أن يفهم من لفظ المعادن شيئان: أحدهما: اختلاف الناس في الغرائز والطبائع كاختلاف المعادن في الجواهر. والثاني: رسوخ الأخلاق وانغراسها في النفوس كرسوخ عروق المعادن فيها. ¬

_ (¬1) رواه البخاري (7148) من حديث أبي هريرة.

الأصل

الأصل [1336] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا عمي محمَّد بن العباس، عن الحسن بن القاسم الأزرقي قال: وقف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ثنية تبوك، فقال: "من ها هنا شام" وأشار بيده إلى جهة الشام "ومن ها هنا يمن" وأشار بيده إلى جهة المدينة (¬1). الشرح محمَّد: هو ابن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبيد عم الشافعي رضي الله عنه. وذكره البخاري في "التاريخ" فقال: محمَّد بن العباس بن عثمان الشافعي القرشي. وروى عن: أبيه، وسمع منه: ابنه إبراهيم، والحسن (¬2). وقد قدمنا القول في تبوك، والحديث يدل على أن ثنيتها الحد الفاصل بين الشام واليمن، ويروى عن الشافعي أنه قال لذلك: مكة والمدينة يمانيتان. والله أعلم. الأصل [1337] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة قال: جاء الطفيل بن عمرو الدوسي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: إن دوسًا قد عصت وأبت فادع الله عليها، فاستقبل ¬

_ (¬1) "المسند" ص (279). (¬2) انظر "التاريخ الكبير" (1/ ترجمة 605)، و"التهذيب" (25/ ترجمة 5326).

الشرح

رسول الله - صلى الله عليه وسلم - القبلة ورفع يديه، فقال الناس: هلكت دوس فقال رسول الله: "اللهم اهد دوسًا وائت بهم" (¬1). الشرح الطفيل بن عمرو الدوسي، يعد في أهل الحجاز. روى عنه: جابر بن عبد الله، وأبو هريرة، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعثه إلى دوس يدعوهم إلى الإِسلام (¬2). والحديث أخرجه البخاري (¬3) من رواية سفيان، ورواه عن أبي الزناد أيضًا: صالح بن كيسان، والثوري، وورقاء، ونافع بن أبي نعيم، ورواه أيضًا محمَّد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة. ودوس: قبيلة معروفة من اليمن مخصوصون بالفضائل، واعتنى النبي - صلى الله عليه وسلم - لهم، وقد سئل أن يدعو عليهم، وفيه أنه يحسن في الدعاء استقبال القبلة ورفع اليد. الأصل [1338] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا عبد العزيز بن محمَّد، عن محمَّد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لولا الهجرة لكنت امرءًا من الأنصار، ولو أن الناس سلكوا واديًا أو شعبًا لسلكت وادي الأنصار أو شعبهم" (¬4). ¬

_ (¬1) "المسند" ص (279). (¬2) انظر "معرفة الصحابة" (3/ ترجمة 1541)، و"الإصابة" (3/ ترجمة 4258). (¬3) "صحيح البخاري" (4392). (¬4) "المسند" ص (280).

الشرح

[1339] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا عبد الكريم بن محمَّد الجرجاني، حدثني ابن الغسيل، عن رجل سماه، عن أنس بن مالك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج في مرضه فخطب فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: "إن الأنصار قد قضوا الذي عليهم وبقي الذي عليكم، فاقبلوا من محسنهم وتجاوزوا عن مسيئهم". وقال الجرجاني في حديثه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "اللهم اغفر للأنصار، ولأبناء الأنصار، ولأبناء أبناء الأنصار". وقال في حديثه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حين خرج بهش إليه النساء والصبيان من الأنصار فرقّ لهم ثم خطب فقال هذِه المقالة (¬1). الشرح عبد الكريم بن محمَّد الجرجاني أحد شيوخ الشافعي رضي الله عنه. روى عن: المسعودي، وغيره (¬2). وابن الغسيل: هو أبو سليمان عبد الرحمن بن سليمان بن عبد الله ابن حنظلة غسيل الملائكة، وقد رأى سهل بن سعد وأنس بن مالك. وروى عن: عكرمة، وحمزة بن أبي أسيد. روى عنه: أبو أحمد الزبيري، وأبو نعيم، ويحيى بن عبد الحميد الحماني (¬3). ¬

_ (¬1) "المسند" ص (280). (¬2) انظر "الجرح والتعديل" (6/ ترجمة 323)، و"التهذيب" (18/ ترجمة 3505). (¬3) انظر "التاريخ الكبير" (5/ ترجمة 939)، و"الجرح والتعديل" (5/ ترجمة 1134)، و"التهذيب" (17/ ترجمة 3840).

وحديث أبي هريرة مخرج في "الصحيحين" (¬1) من طرق. وقوله: "لولا الهجرة لكنت امرءًا من الأنصار" قال الأئمة: ليس المراد منه النسب الولادي فإن الانتقال منه حرام، وكيف ونسب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أشرف، وإنما المراد النسب البلادي أي: لولا أن الهجرة كانت بسبب الدين، ونسبة الهجرة دينية لا تترك لانتسبت إلى بلادكم. وقوله: "ولو أن الناس سلكوا واديًا أو شعبًا" قيل: معناه أن أرض الحجاز كثيرة الأودية والشعاب، فإذا ضاق الطريق عن الجميع وسلك رئيس شعبًا اتبعه قومه حتى يفضوا إلى اتخاذه، وقيل: أبو هريرة أراد الرأي والمذهب كما يقال: فلان في واد وأنا في واد. وحديث أنس مخرج أيضًا في "الصحيحين" (¬2) مع زيادات، ورواه أبو هريرة أيضًا، وروى البخاري في "الصحيح" (¬3) عن أبي نعيم، عن عبد الرحمن بن سليمان بن حنظلة، عن عكرمة عن ابن عباس قال: خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مرضه الذي مات فيه بملحفة قد عصب بعصابة (سحماء) (¬4) أي: بعمامة سوداء - حتى جلس على المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد، إن الناس يكثرون ويقل الأنصار حتى يكونوا في الناس بمنزلة الملح في الطعام، فمن ولي منكم شيئًا يضر فيه قومًا وينفع فيه آخرين فليقبل من محسنهم ويتجاوز عن مسيئهم ¬

_ (¬1) رواه البخاري (7244)، ولم أجده في مسلم من حديث أبي هريرة، وإنما هو من حديث أنس وعبد الله بن زيد (1059/ 133، 1061). والله أعلم. (¬2) "صحيح البخاري" (3801)، و"صحيح مسلم" (2510). (¬3) "صحيح البخاري" (3628). (¬4) في "صحيح البخاري": دسماء. قلت: وكلاهما بمعنى السواد.

الأصل

وكان آخر مجلس جلس فيه - صلى الله عليه وسلم -. وقوله: "اللهم اغفر للأنصار ولأبناء الأنصار ولأبناء أبناء الأنصار" وقد رواه علي بن الجعد عن المبارك بن فضالة عن ثابت عن أنس عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو مخرج في "الصحيحين" (¬1) من رواية زيد بن أرقم. وقوله: "بهش إليه النساء والصبيان" يقال لمن نظر إلى الشيء فأعجبه واشتهاه وأسرع إليه ليتناوله: بهش إليه. وفي الحديث أنه كان يُدلِع لسانه للحسن فإذا رأى الصبي حمرة لسانه بهش إليه (¬2). الأصل [1340] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة قال: أتاكم أهل اليمن، هم ألين قلوبًا وأرق أفئدة، الإيمان يمان، والحكمة يمانية. الشرح هكذا روي موقوفًا في هذِه الرواية، وهو مخرج في "الصحيحين" (¬3) من رواية أبي صالح، عن أبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرفوعًا، وكذلك رواه ابن عوف عن ابن سيرين عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (4906)، و"صحيح مسلم" (2506). (¬2) رواه ابن حبان (5596، 6975). وحسن إسناده الألباني في "الصحيحة" (1/ 110). (¬3) "صحيح البخاري" (4388)، و"صحيح مسلم" (52/ 90).

الأصل

وقوله: "ألين قلوبًا وأرق أفئدة" أراد به حسن قبولهم وسرعة خلوص الإيمان إلى قلوبهم، ثم قيل: الجمع بين اللفظتين للتأكيد، وقيل: الفؤاد: غشاء القلب، والقلب: الحبة (¬1) السويداء، وإذا رق الغشاء أسرع النفوذ إلى ما في الجوف. وقوله: "الإيمان يمان" قيل: أراد به أنه مكي، أي: بدأ منها، ومكة من تهامة وتهامة من اليمن، وقيل: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكر ذلك وهو بتبوك، ومكة والمدينة بينه وبين اليمن فأشار إلى ناحية اليمن وهو يريد مكة والمدينة، وقيل: أراد الأنصار وهم يمانه فنسب الإيمان إليهم؛ لأنهم نصروه، وفسرت الحكمة في قوله: "والحكمة يمانية" بالفقه، وبعض الروايات: "والفقه يمان" (¬2). الأصل [1341] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا الدراوردي، عن محمَّد بن عمرو، عن أبي سلمة [عن أبي هريرة] (¬3) أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "بينا أنا [أنزع] على بئر أستقي" قال الشافعي: يعني في النوم ورؤيا الأنبياء وحي قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "فجاء ابن أبي قحافة فنزع ذنوبًا أو ذنوبين وفيه ما فيه من ضعف والله يغفر له، ثم جاء عمر بن الخطاب فنزع حتى استحالت في يده غربًا، فضرب الناس بعطن، فلم أر عبقريًا يفري فريه" (¬4). ¬

_ (¬1) زاد في الأصل: و. مقحمة. (¬2) هي في رواية ابن سيرين عن أبي هريرة عند مسلم (52/ 82). (¬3) سقط من الأصل والمثبت من "المسند". (¬4) "المسند" ص (280).

الشرح

الشرح الحديث مخرج في "الصحيحين" (¬1) بطرق عن أبي هريرة، منها: رواية الزهري، عن ابن المسيب، عن أبي هريرة. وقوله: "أنزع على بئر" أي: أستقي باليد، ويقال: نزعت الدلو أنزعها. وقول الشافعي: "يعني في النوم" مصرح به في غير هذِه الرواية، ففي "الصحيحين" (¬2) من رواية ابن المسيب عن أبي هريرة "بينا أنا نائم رأيتني على قليب عليها دلو، فنزعت منها ما شاء الله"، وفي رواية همام بن منبه عن أبي هريرة "بينا أنا نائم رأيت أني أنزع ... ". وقوله: "فجاء ابن أبي قحافة" يدل على أنه لا بأس بأن يترك تسمية الرجل ويعرف بالنسبة إلى أبيه. و"الذنوب": الدلو إذا كانت مليء من الماء، قال ابن السكيت: أو كان فيها ماء قريب من الملء، ولا يقال لها وهي فارغة: ذنوب، والجمع أذنبة وذنائب كقلوص وقلائص. وقوله: "وفيه ما فيه من ضعف"، ويروى: "وفي نزعه ضعف": قال الأئمة: ليس المراد نسبة الصديق رضي الله عنه إلى التقصير في القيام بالأمر، فإنه جدّ وتحمل الأعباء وأتعب من بعده كما ذكر عمر رضي الله عنه، ولكنه أشار به إلى أن الفتوح لم تكثر في مدة ولايته لقصرها ولاشتغاله بقتال المرتدين، وهذا حسن إذا ذكر لقوله ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (3664)، و"صحيح مسلم" (2392). (¬2) "صحيح البخاري" (3664)، و"صحيح مسلم" (2392).

: "والله يغفر له" وجه يناسبه. وقوله: "حتى استحالت في يده غربًا" الغرب (¬1): دلو السائبة وهي أكبر من الذنوب، أي: انتقلت في يد عمر رضي الله عنه من الصغر إلى الكبر، وأشار به إلى كثرة الفتوح وقوة الدين في زمانه. وقوله: "فضرب الناس بعطن" أعطان الإبل: مباركها عند الماء إذا شربت، وقد يقال لغيرها: أعطان، والمعنى أنهم رووا ورويت إبلهم حتى أناخوها واتخذوا لها أعطانًا، ويقال أيضًا: ضربت الإبل بعطن: إذا تركت، وفي بعض الروايات: "فلم ينزع رجل نزعه حتى ولي الناس والحوض يتفجر" (¬2). والعبقري: الماضي الذي ليس فوقه شيء، ويوصف به كل شيء بلغ النهاية في فنه، وعبقري القوم: سيدهم وكبيرهم وقويهم. وقوله: "يَفْري فَرْيه" أي: يعمل عمله ويقوى قوته، يقال: تركته يفري الفري: إذا عمل عملًا فأجاد وبالغ، ومنه {شَيْئًا فَرِيًّا} هو (¬3) أي: عظيمًا، وروى بعضه: "يَفْري فَرِيه" أي: يقطع قطعه، ومنه فري الأوداج، والله أعلم بالصواب (¬4). ¬

_ (¬1) وفي "الصحاح" وغيره أن الغرب: الدلو العظيمة. (¬2) هي في رواية همام عنه، رواها أحمد (2/ 318). (¬3) مريم: (27). (¬4) قال النووي في "شرح مسلم": وهما لغتان صحيحتان.

كتاب الأشربة

الأصل ومن كتاب الأشربة [1342] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "كل شراب أسكر فهو حرام" (¬1). [1343] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن ابن شهاب، عن أبي سلمة، عن عائشة قالت: سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن البتْع فقال: "كل شراب أسكر فهو حرام" (¬2). والله أعلم. الشرح الحديث من رواية سفيان مخرج في "الصحيحين" (¬3)، وكذلك من رواية مالك، فرواه البخاري (¬4) عن عبد الله بن يوسف، ومسلم (¬5) عن يحيى ابن يحيى بروايتهما عن مالك، ورواه أبو داود (¬6) عن القعنبي عن مالك. والتاء من البتع ساكنة في الروايات وهو المشهور في اللغة، ومن أهل اللغة من فتحها: وهو شراب العسل، وقد ورد التفسير في الحديث عن أبي موسى الأشعري قال: بعثني رسول - صلى الله عليه وسلم - ومعاذًا إلى اليمن، فقلت: يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن شرابًا يصنع بأرضنا يقال له: المزر من الشعير، وشراب يقال له: البتع من العسل، فقال: "كل مسكر حرام" (¬7). ¬

_ (¬1) "المسند" ص (281). (¬2) "المسند" ص (281). (¬3) "صحيح البخاري" (242)، و"صحيح مسلم" (2001/ 69). (¬4) "صحيح البخاري " (5585). (¬5) "صحيح مسلم" (2001/ 67). (¬6) "سنن أبي داود" (3682). (¬7) رواه البخاري (4343)، ومسلم (1733/ 70).

والحديث يدل على تحريم كل مسكر، ويؤيده ما روى مسلم في "صحيحه" (¬1) عن أبي الربيع العتكي عن حماد بن زيد عن أيوب عن نافع عن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "كل مسكر خمر، وكل مسكر حرام، ومن شرب الخمر في الدنيا فمات وهو يُدمنها لم يتب؛ لم يشربها في الآخرة". وروى أيضًا (¬2) عن قتيبة بن سعيد، عن عبد العزيز الدراوردي، عن عمارة بن غزية، عن أبي الزبير، عن جابر، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "كل مسكر حرام، إن على الله عهدًا لمن شرب المسكر أن يسقيه من طينة الخبال" قالوا: يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما طينة الخبال؟ قال: "عَرَق أهل النار أو عصارة أهل النار". وقوله: "كل شراب أسكر" يمكن أن يراد به أسكر في جنسه كقولنا: "الماء مرو والسقمونيا مسهل"، ويمكن أن يراد أسكر قدره، ويدل على الأول ما روي عن محمَّد بن المنكدر عن جابر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما أسكر [كثيره فقليله] (¬3) حرام" (¬4) ويروى مثله عن محمَّد بن إسحاق وأبي معشر عن نافع عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬5)، وعن موسى ابن عقبة عن سالم عن أبيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬6)، وعن حسين بن عبد الله بن ضميرة، عن أبيه، عن جده، عن علي بن أبي طالب، عن ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (2003/ 73). (¬2) "صحيح مسلم" (2002/ 72). (¬3) في الأصل: قليله فكثيره. خطأ. (¬4) رواه أبو داود (3681)، والترمذي (1865)، وابن ماجه (3393)، وابن الجارود (860)، وابن حبان (5382). قال الترمذي: حسن غريب من حديث جابر، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (5530). (¬5) رواه البيهقي (8/ 296). (¬6) رواه البيهقي (8/ 296).

الأصل

النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬1)، وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬2). وروى بكير بن عبد الله بن الأشج عن عامر بن سعد عن أبيه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "أنهاكم [عن قليل] (¬3) ما أسكر كثيره" (¬4). وعن القاسم بن محمَّد عن عائشة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "كل مسكر حرام، وما أسكر منه الفرق فملء الكف منه حرام" (¬5). الأصل [1344] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سئل عن الغبيراء فقال: "لا خير فيها" ونهى عنها. قال مالك: قال زيد: هي السكركة (¬6). الشرح الرواية مرسلة، فروى (¬7) موصولًا عن أم حبيبة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - أن ناسًا من أهل اليمن قدموا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقالوا: يا رسول الله إن لنا شرابًا نصنعه من القمح والشعير فقال: "الغبيراء؟ " قالوا: نعم. ¬

_ (¬1) رواه البيهقي (8/ 296). (¬2) رواه النسائي (8/ 300). قال ابن الملقن في "التحفة" (1603): إسناده صحيح. (¬3) سقط من "الأصل". والمثبت من التخريج. (¬4) رواه النسائي (8/ 301)، وابن حبان (5370). (¬5) رواه أبو داود (3687)، والترمذي (1866)، وابن الجارود (861)، وابن حبان (5383). قال الترمذي: حسن، وصححه الألباني في "الإرواء" (8/ 44). (¬6) "المسند" ص (281). (¬7) كذا! والأليق: وروي.

الأصل

[قال] (¬1): "لا تطعموه" (¬2). وعن يزيد بن أبي حبيب، عن مرثد بن عبد الله اليزني، عن ديلم الحميري قال: سألت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقلت: يا رسول الله إنا بأرض باردة نعالج فيها عملًا شديدًا، وإنا نتخذ شرابًا من هذا القمح نتقوى به على أعمالنا وعلى برد بلادنا. قال: "هل يسكر"؟ قلت: نعم. قال: "فاجتنبوه" (¬3). وفي "الصحاح" (¬4) أن الغبيراء: شراب تتخذه الحبشة من الذرة يسكر، وذكر في "ديوان الأدب" مثله، فقال: والغبيراء: السكركة، وهي شراب يتخذ من الذرة، ثم قال في باب فعلل: والسكركة: نبيذ التمر، وربما تقع السكركة عليها جميعًا. الأصل [1345] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن نافع، عن ابن عمر، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من شرب الخمر في الدنيا ثم لم يتب منها حرمها في الآخرة" (¬5). ¬

_ (¬1) سقط من "الأصل". والمثبت من "التخريج". (¬2) رواه ابن حبان (5367)، والبيهقي (8/ 292) من طريق عمرو بن الحارث، عن أبي السمح، عن عمر بن الحكم، عنها. (¬3) رواه أبو داود (3683). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود". (¬4) "الصحاح" (غير). قال الحافظ في "التلخيص" (4/ 202): واختلف في تفسير الغبيراء، فقيل: الطنبور، وقيل: العود، وقيل: البربط، وقيل: السكركة بضم الكاف الأولى وتسكين الراء: مزر يصنع من الذرة أو من القمح. (¬5) "المسند" ص (281).

الشرح

الشرح مخرج في "الصحيحين" (¬1)، رواه البخاري عن عبد الله بن يوسف، ومسلم عن يحيى بن يحيى، بروايتهما عن مالك. وذكر أن في الحديث وعيدًا؛ فإن شارب الخمر المدمن لا يدخل الجنة؛ لأن من شراب أهل الجنة الخمر التي لا يصدعون عنها ولا ينزفون، ومن دخل الجنة لا يمنع من شرابها، وقد ورد من رواية أبي سعيد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "لا يدخل الجنة منان، ولا عاق، ولا مدمن" (¬2)، وعن سالم بن عبد الله بن عمر، عن أبيه، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة: العاق لوالديه، ومدمن الخمر، والمنان بما أعطى" (¬3). إلا أن المؤمن لا يخلد في النار فلا بد من تأويل قوله: "لا يدخل الجنة" بأن يقال: المعنى أنه لا يدخلها إلى مدة طويلة، وأنه يناله شؤمه حتى يقضي أمره إلى الشقاوة فلا يدخلها أبدًا ونحو ذلك، وما ينزل عليه قوله: "لا يدخل الجنة" ينزل عليه قوله: "حرمها في الآخرة". الأصل [1346] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن إسحاق بن عبد الله ابن أبي طلحة، عن أنس بن مالك قال: كنت أسقي أبا عبيدة بن الجراح وأبا ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (5575)، و"صحيح مسلم" (2003/ 76). (¬2) رواه أحمد (3/ 28) من حديثه، ورواه النسائي (8/ 318)، وابن حبان (3383) من حديث عبد الله بن عمرو. (¬3) رواه النسائي (5/ 80)، وابن حبان (7340)، والحاكم (4/ 163). ولفظ النسائي: "ثلاثة لا يدخلون الجنة ... ". قال الحاكم: صحيح الإسناد، وصححه الألباني في "الصحيحة" (2/ 289).

الشرح

طلحة الأنصاري وأبي بن كعب شرابًا [من (¬1)] فضيخ وتمر، فجاءهم آتٍ فقال: إن الخمر قد حرمت. فقال أبو طلحة: يا أنس قم إلى هذه الجرار فاكسرها. قال أنس: فقمت إلى مهراس لنا فضربتها بأسفله حتى تكسرت (¬2). الشرح أبو عبيدة: هو عامر بن عبد الله بن الجراح الفهري القرشي، أحد العشرة المشهود لهم بالجنة، والذي قال فيه النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لكل أمة أمين وأمين هذِه الأمة أبو عبيدة بن الجراح". توفي في عهد عمر رضي الله عنه بالشام (¬3). وقد أخرج مسلم (¬4) الحديث عن أبي الطاهر عن ابن وهب عن مالك، فروى (¬5) البخاري (¬6) عن إسماعيل بن أبي أويس عن مالك عن إسحاق عن أنس قال: كنت أسقي أبا عبيدة وأبا طلحة وأبي بن كعب من فضيخ زهو وتمر، فجاءهم آت فقال: إن الخمر قد حرمت. فقال أبو طلحة: قم يا أنس فاهرقها فأهرقتها. والفضيخ: بسر يشدخ ويفضخ وينبذ في وعاء حتى يسرع اشتداده، وقد يلقى عليه الماء وقد يفضخ التمر وينبذ في الماء، والفضخ: الكسر. والمهراس: الذي يدق به الشيء، يقال ذلك للحجر المنقور ¬

_ (¬1) من "المسند". (¬2) "المسند" ص (281). (¬3) انظر "معرفة الصحابة" (1/ ترجمة 10/، 4/ ترجمة 2129)، و"الإصابة" (3/ ترجمة 4403). (¬4) "صحيح مسلم" (1980/ 9). (¬5) كذا في "الأصل". (¬6) "صحيح البخاري" (5582).

الأصل

وغيره، والهرس: الدق. وفي الحديث ما يدل على وقوع اسم الخمر على الأنبذة، أو على اعتمادهم على القياس وأخذهم به في الأحكام الشرعية؛ فإن الذي أتاهم أخبرهم أن الخمر قد حرمت؛ فأراقوا بقوله ما كان عندهم من الفضيخ، فإن كان اسم الخمر يقع على الأنبذة فقد أخذوا بإطلاق اللفظ، وإلا فإنهم قاسوا ما سوى الخمر على الخمر، وفيه أنهم كانوا يعملون بخبر الواحد؛ وأما كسر الجرار فإن الظروف والأوعية في ابتداء التحريم كانت تكسر مبالغة في الزجر، فإما أن كان الذي أتاهم بخبر التحريم أخبرهم أيضًا الأمر بكسر الجرار، وإما أن كانوا قد عرفوا من قبل أنه إذا نزل التحريم كسرت الظروف، وكانوا يتحدثون بشأن الخمر ويراجع في تحريمها بعضهم بعضًا كالمنتظرين لنزول التحريم. الأصل [1347] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان بن عيينة، عن محمَّد بن إسحاق، عن معبد بن كعب، عن أمه وكانت ممن صلت بالقبلتين؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الخليطين وقال: "انبذوا كل واحد منهما على حدته" (¬1). الشرح معبد: هو ابن كعب بن مالك الأنصاري السلمي. روى عن: أبي قتادة، وجابر. وروى عنه: محمَّد بن إسحاق (¬2). ¬

_ (¬1) "المسند" ص (282). (¬2) انظر "الجرح والتعديل" (8/ ترجمة 1279) و"التهذيب" (28/ ترجمة 6075).

وأمه من نساء الأنصار صلت القبلتين مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وذكرت في نساء الصحابة ولم تسم (¬1). والنهي عن الخليطين ثابت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من رواية جابر (¬2)، وفي "الصحيحين" (¬3) من رواية عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه قال: "نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يجمع بين التمر والزهو، والتمر والزبيب، لينبذ كل واحد منهما على حدة". وقد أخذ بظاهر الحديث جماعة منهم: عطاء وطاوس، وقالوا بتحريم الخليطين وإن لم يكن الشراب المتخذ منهما مسكرًا، فإن اشتد وصار مسكرًا اجتمع للتحريم جهتان، وبهذا قال مالك وأحمد. وقال الأكثرون: لا بأس بشرب الخليطين قبل الاشتداد، ويدل عليه ما روي عن عائشة أنها قالت: كنت آخذ قبضة من تمر وقبضة من زبيب فألقيه في إناء فأمرسه ثم أسقيه النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬4). وعن الليث بن سعد أنه إنما كره أن ينبذا جميعًا لأن كل واحد منهما يشد صاحبه، وذكر الحافظ البيهقي في كتاب "السنن الكبير" (¬5) أن النهي عن الخليطين يحتمل أمرين: أحدهما: أن يكون النهي للخلط سواء بلغ حد الإسكار أو لم يبلغ. ¬

_ (¬1) انظر "الإصابة" (8/ ترجمة 12262). (¬2) رواه البخاري (5602)، و (1986). (¬3) "صحيح البخاري" (5602)، و"صحيح مسلم" (1988/ 24). (¬4) رواه أبو داود (3708). قال الحافظ في "الدراية" (990): إسناده ضعيف، وكذا الألباني في "ضعيف أبي داود". (¬5) "السنن الكبير" (8/ 307).

الأصل

والثاني: أن يكون النهي عن شرب الخليطين لقربهما من الاشتداد لتقوية كل واحد منهما الآخر، وعلى هذا لا يحرم ما لم يبلغ حالة الاشتداد ويدل عليه حديث عائشة الذي تقدم، واستدل عليه أيضًا بما رواه قتادة عن أنس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى أن يخلط التمر والزهو ثم يشرب، وأن ذلك كان عامة خمورهم يوم حرمت الخمر (¬1). وقال: فيه دلالة على أنه إنما نهى عنه لكونه خمرًا، والخمر: ما خامر العقل، ثم قال (¬2): وعلى (أنا نستحب) (¬3) ترك الخليطين وإن لم يكن مسكرًا لثبوت الأخبار في النهي عنه وهي أقوى مما استدل به [في] (¬4) الإباحة. الأصل [1348] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن ابن أبي أوفى قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن نبيذ الجر الأخضر والأبيض والأحمر (¬5). [1349] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن سليمان الأحول، عن مجاهد، عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: لما نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الأوعية، قيل له: ليس كل الناس يجد سقاءً، فأذن لهم في الجرّ غير المزفت (¬6). [1350] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬7) قال: "لا تنبذوا في الدباء والمزفت". ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1981/ 8). (¬2) "السنن الكبير" (8/ 308) بتصرف. (¬3) في "السنن الكبير": أنه يستحب. (¬4) سقط من "الأصل". (¬5) "المسند" ص (282). (¬6) "المسند" ص (282). (¬7) زاد في "الأصل": أنه. مقحمة.

الشرح

ثم يقول أبو هريرة: واجتنبوا الحناتم والنقير (¬1). [1351] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، سمعت الزهري يقول: سمعت أنسًا يقول: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الدباء والمزفت أن ينبذ فيه (¬2). الشرح سليمان الأحول: هو سليمان بن أبي مسلم، خال عبد الله بن أبي نجيح المكي. سمع: طاوسًا، وأبا سلمة بن عبد الرحمن، وسعيد بن جبير، ومجاهدًا. روى عنه: ابن جريج، وابن عيينة، وعثمان بن الأسود (¬3). وحديث ابن أوفى صحيح، رواه البخاري (¬4) عن موسى بن إسماعيل عن عبد الواحد بن زياد عن سفيان، وقال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن نبيذ الجر الأخضر. قلت: أشرب في الجرار البيض؟ قال: "لا". وحديث عبد الله بن عمرو أخرجه البخاري (¬5) ومسلم (¬6) عن جماعة عن سفيان، لكن قالا: عن سليمان، عن مجاهد، عن أبي عياض، عن عبد الله بن عمرو، وسقط من رواية الشافعي ذكر أبي عياض: وهو قيس بن ثعلبة، ويقال: عمرو بن الأسود أبو عياض العبسي الكوفي. ¬

_ (¬1) "المسند" ص (282). (¬2) "المسند" ص (282). (¬3) انظر "التاريخ الكبير" (4/ ترجمة 1883)، و"الجرح والتعديل" (4/ ترجمة 620)، و"التهذيب" (12/ ترجمة 2563). (¬4) "صحيح البخاري" (5596). (¬5) "صحيح البخاري" (5593). (¬6) "صحيح مسلم" (2000/ 66).

سمع: عبد الله بن عمرو، وكان حيًّا [في] (¬1) ولاية معاوية. وحديث أبي سلمة عن أبي هريرة، وحديث الزهري عن أنس مخرجان في "الصحيحين" (¬2) أيضًا. والنهي عن هذِه الأوعية ثابت أيضًا من رواية علي وابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم، في "الصحيح" من رواية سعيد بن جبير عن ابن عمر وابن عباس؛ أنهما شهدا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الدباء والحنتم والنقير والمزفت (¬3). وعن سعيد، عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حرم نبيذ الجر. فقلت: وأي شيء نبيذ الجر؟ قال: "كل شيء يصنع من المدر" (¬4). والدباء: القرع، الواحدة دباءة، وأما الحنتم ففي رواية أبي صالح عن أبي هريرة تفسيره بالجرار الخضر، وفي رواية زاذان عن ابن عمر تفسيره بالجرة بلا تقييد، وقيل: هي الجرار البيض، وقيل: الخضر والبيض وهي التي طليت بالزجاج ونحوه، وقيل: الفخار كله، وقيل: هي الجرار المزفتة، وعلى هذا فالجمع بين الحنتم والمزفت كان المقصود منه أن يتناول النهي ما زفت من غير الجرار كالأسقية وغيرها. والنقير: أصل النخلة ينقر ويلقى فيه التمر والماء للانتباذ، وفي "صحيح مسلم" من رواية زاذان عن ابن عمر أنه قال في تفسير النقير: أنه النخلة تنسح نسحًا وتنقر نقرًا (¬5). ¬

_ (¬1) في "الأصل": من. والمثبت من "تاريخ البخاري" (7/ ترجمة 667)، وغيره. (¬2) بل هما في مسلم فقط (1992، 1993). والله أعلم. (¬3) رواه مسلم (1997/ 46). (¬4) رواه مسلم (1997/ 47). (¬5) "صحيح مسلم" (1997/ 57). قال النووي في "شرح مسلم": والنسخ بسين وحاء مهملتين أي: تقشر ثم تنقر فتصير نقيرًا.

الأصل

أي: ينحى قشرها عنها ويحفر فيها. وسبب النهي عن الانتباذ في هذِه الأوعية؛ أنها متينة ولها ضراوة، فربما اشتد فيها النبيذ وصاحبها لا يشعر باشتداده فيكون على غرر من شربها؛ فأما الأسقية فهي رقيقة إذا اشتد فيها النبيذ تقطع أو ظهر أثره من خارج فلا يخفى الأمر فيه، وكان الانتباذ فيها والشرب منها حرامًا في صدر الإِسلام، ثم اختلفوا: فذهب بعضهم إلى استمراره، ويروى ذلك عن ابن عمر وابن عباس، وبه قال مالك وأحمد. وقال الأكثرون: إن التحريم منسوخ، ويدل عليه حديث عبد الله بن عمرو، وحديث جابر الذي سيأتي من بعد، وحديث بريدة الأسلمي؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "نهيتكم عن الأشربة إلا في ظروف الأدم؛ فاشربوا في كل وعاء ولا تشربوا مسكرًا" رواه مسلم في "الصحيح" (¬1) عن أبي بكر بن أبي شيبة عن وكيع عن مُعرّف بن واصل عن محارب بن دثار عن سليمان ابن بريدة عن أبيه. الأصل [1352] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن ابن طاوس، عن أبيه أن أبا وهب الجيشاني سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن البتع، فقال: "كل مسكر حرام" (¬2). الشرح الحديث على إرساله يؤكد ما تقدم في البتع، ويروى عن سفيان، عن ابن طاوس، عن أبيه قال: تلا النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو على المنبر -يعني: آية ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (977/ 65). (¬2) "المسند" ص (282).

ذكر فيها الخمر- فقام إليه أبو وهب الجيشاني فسأله عن المزر. قال: "وما المزر"؟ قال: شيء يصنع من الحب. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - "كل مسكر حرام" (¬1). وعن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي الخير مرثد بن عبد الله، عن ديلم الجيشاني قال: أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت: يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إنا بأرض باردة شديدة البرد نصنع بها شرابًا من القمح، أفيحل يا نبي الله؟ فقال: "أليس بمسكر"؟ قالوا: بلى، قال: "فإنه حرام" (¬2). وروى مسلم في "الصحيح" عن قتيبة بن سعيد، عن عبد العزيز بن محمَّد، عن عمارة بن غزية، عن أبي الزبير، عن جابر بن عبد الله أن رجلًا قدم من جيشان -وجيشان من اليمن- فسأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن شراب يشربونه بأرضهم من الذرة يقال له: المزر. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ومسكر هو"؟ قالوا: نعم. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "كل مسكر حرام ... " (¬3). وقد قدمنا القول في اسم أبي وهب الجيشاني، وفي أنه هل هو من الصحابة؟ وفي هذه الأحاديث ما يدل على أنه من الصحابة. ¬

_ (¬1) رواه البيهقي (8/ 292) من طريقه، ورواه النسائي من طريق إبراهيم بن نافع، عن ابن طاوس، عن أبيه، عن ابن عمر. وصححه الألباني في "صحيح النسائي". (¬2) رواه البيهقي (8/ 292). (¬3) "صحيح مسلم" (2002/ 72).

الأصل

الأصل [1353] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن أبي الزبير، عن جابر، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان ينبذ له في سقاء، فإن لم يكن فتور من حجارة (¬1). [1354] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن نافع، عن ابن عمر، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خطب الناس في بعض مغازيه، فقال عبد الله بن عمر: فأقبلت نحوه فانصرف قبل أن أبلغه، فسألت: ماذا قال؟ قالوا: نهى أن ينبذوا في الدباء والمزفت (¬2). [1355] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن العلاء، عن أبيه، عن أبي هريرة؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى أن ينبذ في الدباء والمزفت (¬3). الشرح حديث جابر أخرجه مسلم في "الصحيح" (¬4) من وجه آخر، وحديث ابن عمر أخرجه (¬5) عن يحيى بن يحيى عن مالك. والتور: إناء من حجارة يشرب فيه، وحديث جابر مما يدل على الرخصة في الأوعية بعد النهي، فروى البخاري في "الصحيح" عن يوسف بن موسى، عن أبي أحمد الزبيري، عن سفيان، عن منصور، عن سالم بن أبي الجعد، عن جابر بن عبد الله قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الظروف، فقالت الأنصار: إنه لا بد لنا منها. قال: "فلا إذًا" (¬6). ¬

_ (¬1) "المسند" ص (282). (¬2) "المسند" ص (283). (¬3) "المسند" ص (283). (¬4) "صحيح مسلم" (1999). (¬5) "صحيح مسلم" (1997/ 48). (¬6) "صحيح البخاري" (5592).

الأصل

وعن عبد الله بن مسعود؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إني كنت نهيتكم عن هذه الأوعية، ألا إن وعاء لا يحرم شيئًا، وكل مسكر حرام" (¬1). وفي الباب عن عائشة وأبي سعيد الخدري. وفي حديث ابن عمر ما يشعر بحرصه على العلم، ويدل على أن من لم يدرك راوي الأصل ينبغي أن يسمع ممن سمعه منه. الأصل [1356] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى أن ينبذ التمر والبسر جميعًا، والتمر والزهو جميعًا (¬2). الشرح هذا المرسل يوافق ما مرّ مسندًا من النهي عن الخليطين، وقد سبق ما يتعلق به. الأصل [1357] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن زيد بن أسلم، عن ابن وعلة المصري؛ أنه سأل ابن عباس عما يعصر من العنب، فقال ابن عباس: أهدى رجل لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - راوية خمرٍ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أما علمت أن الله حرمها"؟ ¬

_ (¬1) رواه ابن ماجه (3406)، وابن حبان (5409)، والحاكم (1/ 531). قال صاحب "مصباح الزجاجة" (1186): إسناده حسن، وصححه الألباني في التعليق على ابن ماجه. (¬2) "المسند" ص (283).

الشرح

فقال: لا، فسارّ إنسانًا إلى جنبه، فقال: "بم ساررته"؟ فقال: أمرته أن يبيعها. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الذي حرم شربها حرم بيعها" ففتح المزادتين حتى ذهب ما فيهما (¬1). [1358] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن عمرو بن دينار، عن طاوس، عن ابن عباس قال: بلغ عمر بن الخطاب أن رجلًا باع خمرًا فقال: قاتل الله فلانًا باع الخمر! أما علم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "قاتل الله يهودًا حرمت عليهم الشحوم فجملوها فباعوها" (¬2). الشرح الحديث الأول مخرج في "صحيح مسلم" (¬3) من رواية مالك، والحديث الثاني مخرج في "الصحيحين" (¬4) من رواية سفيان. والراوية: القربة الكبيرة التي تروي وهي المزادة، وقيل: الراوية: البعير، والوعاء الذي فيه الماء مزادة؛ سمي بذلك لزيادة جلد ثالث منها على جلدين. وقوله: "فجملوها" أي: أذابوها، يقال: جمل الشحم وأجمله: إذا أذابه. ومقصود الحديثين أن الخمر كما يحرم شربها يحرم بيعها، والبيع الذي أبطلت منفعته وأمر بإتلافه واجتنابه على الإطلاق لا يجوز أخذ ¬

_ (¬1) "المسند" ص (283). (¬2) "المسند" ص (283). (¬3) "صحيح مسلم" (1579/ 68). (¬4) "صحيح البخاري" (2223)، و"صحيح مسلم" (1582/ 72).

الأصل

العوض عنه، وهذا كما روي أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: "الكلب خبيث، خبيث ثمنه" (¬1). الأصل [1359] أبنا الربيع، [أبنا الشافعي (¬2)] أبنا سفيان قال: سمعت أبا الجويرية يقول: إني لأول العرب سأل ابن عباس وهو مسند ظهره إلى الكعبة، فسألته عن الباذق. فقال: سبق محمَّد - صلى الله عليه وسلم -، الباذق ما أسكر فهو حرام (¬3). [1360] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن نافع، عن ابن عمر؛ أن رجالًا من أهل العراق قالوا له: إنا نبتاع من ثمر النخل والعنب فنعصره خمرًا فنبيعها، فقال عبد الله: إني أشهد الله عليكم وملائكته ومن سمع من الجن والإنس، إني لا آمركم أن تبيعوها ولا تبتاعوها ولا تعصروها ولا تسقوها؛ فإنها رجس من علم الشيطان (¬4). ¬

_ (¬1) رواه الحاكم (1/ 257)، والدارقطني (1/ 63 رقم 4) من حديث ابن عباس، ولفظه: "ثمن الكلب خبيث وهو أخبث". وضعفه الدارقطني بيوسف بن خالد السمتي، وقال الألباني في "ضعيف الجامع" (2618): ضعيف جدًّا. وروى مسلم في "صحيحه" (1568) من حديث رافع بن خديج قال: "ثمن الكلب خبيث". (¬2) سقط من "الأصل". (¬3) "المسند" ص (283). ولم يذكر المصنف رحمه الله أثر ابن عمر: [1360/ 1] أخبرنا مالك، عن نافع، عن ابن عمر أنه قال: "كل مسكر خمر وكل مسكر حرام". وذكره في الشرح، فلعله سقط من الناسخ. (¬4) "المسند" ص (284).

الشرح

الشرح أبو الجويرية: هو حطان بن خفاف بن زهير بن عبد الله بن رمح الجرمي، وجرم من اليمن. روى عن: ابن عباس، ومعن بن يزيد السلمي. فروى عنه: الثوري، وابن عيينة، وزهير، وأبو عوانة، وغيرهم (¬1). وحديث أبي الجويرية عن ابن عباس، رواه البخاري في "الصحيح" (¬2) عن محمَّد بن كثير عن سفيان الثوري عنه، ورواه أبو خيثمة عن أبي الجويرية قال: قلت لابن عباس: أفتني رحمك الله في الباذق. فقال: سبق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الباذق، ما أسكر فهو حرام. قلت: أفتني رحمك الله في الباذق فإنا نشربه. قال: سبق محمَّد - صلى الله عليه وسلم - إلى الباذق، ما أسكر فهو حرام. فقال رجل من القوم: إنا نعمد إلى العنب فنعصره ثم نطبخه حتى يكون حلالًا طيبًا؟ قال: سبحان الله سبحان الله، اشرب الحلال الطيب، فإنه ليس بعد الحلال الطيب إلا الحرام الخبيث (¬3). وحديث ابن عمر "كل مسكر خمر" رواه مالك في أكثر الروايات عنه موقوفًا، ورواه روح بن عبادة عن مالك مرفوعًا (¬4)، وقد رواه مسلم ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (3/ ترجمة 395)، و"الجرح والتعديل" (3/ ترجمة 1355)، و"التهذيب" (6/ ترجمة 1383). (¬2) "صحيح البخاري" (5598). (¬3) رواه البيهقي (8/ 294). (¬4) رواه البيهقي (8/ 293).

في "الصحيح" (¬1) عن إسحاق بن إبراهيم وغيره عن روح، ويروى أيضًا مرفوعًا من رواية أيوب وموسى بن عقبة وعبيد الله عن نافع مرفوعًا، وروايتهم مخرجة في "صحيح مسلم" (¬2). والباذق معرب: وهو الطِّلاء المطبوخ من عصير العنب. وقوله: "سبق محمَّد - صلى الله عليه وسلم -" أي: سبق حكمه فيه بتحريمه كل مسكر وإنه مسكر، ويقال أن أول من صنع ذلك وسماه بنو أمية وقصدوا رفع اسم الخمر عنه، فيحتمل أن يريد أن تحريم النبي - صلى الله عليه وسلم - وزمانه سبق هذِه الصنعة وهذا الاسم، وفيه دليل على أن الطبخ لا يرفع تحريم السكر، وعلى أنه لا بأس بإسناد الظهر إلى البيت. وقوله: "كل مسكر خمر" يجوز أن يريد أنه كالخمر في التحريم، وهذا قول من يخصص اسم الخمر بالمعتصر من العنب، ويجوز أن يريد وقوع اسم الخمر عليه، وهذا قول من لا يخصص ويسمي كل مسكر خمر؛ لأنه يخامر العقل. وفي "الصحيح" أن عمر رضي الله عنه قام خطيبًا على منبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد فإن الخمر نزل تحريمها يوم نزل وهي من خمسة: من العنب والتمر والعسل والحنطة والشعير، والخمر: ما خامر العقل (¬3). وعن النعمان بن بشير؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن من التمر خمرًا، وإن من الزبيب خمرًا، وإن من البر خمرًا، وإن من الشعير خمرًا، وإن ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (2003/ 74) من طريق روح بن عبادة، عن ابن جريج، عن موسى بن عقبة، عن نافع عن ابن عمر. (¬2) "صحيح مسلم" (2003/ 73، 75). (¬3) رواه البخاري (4619)، ومسلم (3032).

الأصل

من العسل خمرًا" (¬1). وما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الخمر من هاتين الشجرتين: النخلة والعنب" (¬2) فقد ذكر أن المراد منه المعظم، فإن الغالب من عادات الناس اتخاذ الخمور منهما. والأثر الأخير يشتمل على المبالغة في المنع من بيع الخمر وابتياعها وعصرها وسقيها، وقد روي عن ابن عباس أنه أتاه قوم فسألوه عن بيع الخمر فقال: أمسلمون أنتم؟ قالوا: نعم. قال: فإنه لا يصلح بيعها وشراؤها ولا التجارة فيها لمسلم، إنما مثل من فعل ذلك منكم مثل بني إسرائيل، حرمت عليهم الشحوم فلم يأكلوها وباعوها فأكلوا ثمنها (¬3). الأصل [1361] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن داود بن الحصين، عن واقد بن عمرو بن سعد بن معاذ وعن سلمة بن عوف بن سلامة، أخبراه عن محمود بن لبيد الأنصاري؛ أن عمر بن الخطاب حين قدم الشام فشكا إليه أهل الشام وباء الأرض وثقلها، وقالوا: لا يصلحنا إلا هذا الشراب. فقال عمر رضي الله عنه: اشربوا العسل. ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (3676)، والترمذي (1872)، وابن ماجه (3379)، والحاكم (4/ 164). قال الترمذي: غريب، وقال الحاكم: صحيح الإسناد، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (2217). (¬2) رواه مسلم (1985/ 13) من حديث أبي هريرة. (¬3) رواه مسلم (2004/ 83) مختصرًا بدون: "إنما مثل من فعل ... إلخ".

فقالوا: لا يصلحنا العسل. فقال رجال من أهل الأرض: هل لك أن نجعل لك من هذا الشراب شيئًا لا يسكر؟ فقال: نعم، فطبخوه حتى ذهب منه الثلثان وبقي الثلث، فأتوا به عمر فأدخل عمر فيه إصبعه ثم رفع يده فتبعها يتمطط، فقال: هذا الطلاء هذا مثل الطلاء للإبل، فأمرهم عمر أن يشربوه، فقال له عبادة بن الصامت: أحللتها والله. فقال عمر: كلا والله إني لا أحل لهم شيئًا حرمته عليهم، ولا أحرم عليهم شيئًا أحللته لهم (¬1). [1362] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن ابن شهاب، عن السائب بن يزيد أنه أخبره أن عمر بن الخطاب أخرج، (¬2) عليهم فقال: إني وجدت من فلان ريح شراب، فزعم أنه شراب الطلاء وأنا سائل عما شرب، فإن كان مسكرًا جلد به، فجلده عمر الحد تامًّا (¬3). [1363] أخبرنا مسلم بن خالد الزنجي، عن (¬4) ابن جريج قال: قلت لعطاء: أتجلد في ريح الشراب؟ فقال عطاء: إن الريح ليكون من الشراب الذي ليس به بأس، فإذا اجتمعوا جميعًا على شراب واحد فسكر أحدهم جلدوا جميعًا الحد تامًّا. قال الشافعي: وقول عطاء مثل قول عمر بن الخطاب لا يخالفه (¬5). [1364] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن الزهري، عن ¬

_ (¬1) "المسند" ص (284). (¬2) في "الأصل": حرم. تحريف، والمثبت من "المسند". (¬3) "المسند" ص (284). (¬4) زاد في "الأصل": يحيى. خطأ. (¬5) "المسند" ص (285).

الشرح

السائب بن يزيد؛ أن عمر بن الخطاب خرج يصلي على جنازة فسمعه السائب يقول: إني وجدت من عبيد الله وأصحابه ريح شراب، وأنا سائل عما شربوا، فإن كان مسكرًا حددتهم (¬1). [1365] أبنا الربيع، أبنا الشافعي قال: قال سفيان: فأخبرني معمر، عن الزهري، عن السائب بن يزيد أنه حضره يحدهم (¬2). الشرح سلمة بن عوف بن سلامة (¬3). وقوله: "ثم رفع يده فتبعها يتمطط" كأنه يريد: فتبعها بالنظر إليها فرأى ما لصق منه بإصبعه يتمطط أي: يتمدد. وقوله: "هذا الطلاء" الطلاء: ما طبخ حتى ذهب ثلثاه وبقي ثلثه، سمي بذلك لمشابهته طلاء الإبل في الثخن والسواد وهو القطران، ويقال: أن الطلاء الخمر بعينها، ويحتج بقول عبيدة بن الأبرص: "هي الخمر تكنى الطلاء كما الذئب يكنى أبا جعدة". وقوله: "فأمرهم عمر أن يشربوه" أي: رخص لهم فيه كأنه ظن أنه لا يسكر؛ لأنهم قالوا: نجعل من هذا الشراب شيئًا لا يسكر، ولأنه رأى المطبوخ متغيرًا عن الهيئة التي كانت في اللون والرقة، فلما قال عبادة: "أحللتها والله" يريد: الخمر؛ عرف عمر [أو ظن] (¬4) أن الأمر على خلاف ما أوهموه فقال: "لا أحل لهم شيئًا حكمت بتحريمه من المسكرات" يبينه قوله في الأثر الثاني: "وأنا سائل عما شرب، فإن كان ¬

_ (¬1) "المسند" ص (285). (¬2) "المسند" ص (285). (¬3) كذا في الأصل لم يذكر المصنف عنه شيئًا، وانظر "تعجيل المنفعة" (1/ ترجمة 293). (¬4) كلمة غير مقروءة، والمثبت أقرب له.

يسكر جلدته" وأراد بفلان: عبيد الله أو بعض أصحابه على ما هو مبين في رواية سفيان من بعد. وقول عطاء: "إن الريح ليكون من الشراب الذي ليس به بأس" يشير إلى أن مجرد الرائحة لا تكفي لإقامة الحد؛ لأن الرائحة قد تكون من الشراب الذي لم ينته إلى حد الإسكار، وأيضًا فربما شربه مكرهًا أو جاهلًا بالحال. والذي قال الشافعي أن قول عطاء مثل قول عمر لا يخالفه أي: في أنه لم يعتمد على الرائحة وتوقف ليعرف أنه من شراب يسكر أو من غيره، وما روي في "الصحيحين" (¬1) عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة قال: قال عبد الله: كنت جالسًا بحمص فقالوا لي: اقرأ، فقرأت سورة يوسف. فقال رجل من القوم: والله ما هكذا أنزلها الله. فقلت: ويحك، لقد قرأتها على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "أحسنت" وأنت تقول لي ما تقول! قال: فبينا أنا أكلمه إذ وجدت منه ريح الخمر، فقلت: تكذب بكتاب الله وتشرب الخمر! أما والله لا ترجع إلى أهلك حتى أجلدك الحد (¬2). حمل على أنه ثبت الشرب بالبينة أو باعتراف الرجل. وقوله: "فإذا اجتمعوا جميعًا على شراب واحد فسكر أحدهم جلدوا جميعًا" معناه أن الناس يختلفون في سرعة السكر وبطئه، ومدار الأمر كونه مسكرًا في الجملة، فإذا سكر منه بعضهم حد الجميع، ويروى أن أبا مسلم الخولاني حج فدخل على عائشة رضي الله عنها ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (5001)، و"صحيح مسلم" (801). (¬2) "صحيح البخاري" (5001)، و"صحيح مسلم" (801).

الأصل

فجعلت تسأله عن الشام وبردها، فقال: يا أم المؤمنين إنهم يشربون شرابًا يقال له: الطلاء، فقالت: صدق الله وبلغ حِبِّي، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إن أناسًا من أمتي يشربون الخمر يسمونها بغير اسمها" (¬1). الأصل [1366] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن الزهري، عن قبيصة بن ذؤيب؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن شرب فاجلدوه، ثم إن شرب فاجلدوه [ثم إن شرب فاجلدوه] (¬2)، ثم إن شرب فاقتلوه" لا يدري الزهري أبعد الثالثة أو الرابعة، فأتي برجل قد شرب فجلده، ثم أتي به قد شرب فجلده، ثم أتي به قد شرب فجلده، ووضع القتل، وصارت رخصة (¬3). [1367] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، قال الزهري لمنصور ومخول: كونا وافدي العراق بهذا الحديث (¬4). الشرح منصور (¬5) بن المعتمر بن عبد الله بن ربيعة، ويقال: ابن المعتمر ابن عتاب بن عبد الله، أبو عتاب السلمي من بني بهثة بن سليم الكوفي. ¬

_ (¬1) رواه الحاكم (4/ 164)، والبيهقي (8/ 294) من طريق سعيد بن أبي هلال، عن محمَّد بن عبد الله بن مسلم "أن أبا مسلم حج ... ". وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين، وتعقبه الذهبي بأن محمَّد بن عبد الله هذا مجهول. (¬2) سقط من "الأصل". والمثبت من "المسند". (¬3) "المسند" ص (285). (¬4) "المسند" ص (285). (¬5) انظر "التاريخ الكبير" (7/ ترجمة 1491)، و"الجرح والتعديل" (8/ ترجمة 778)، و"التهذيب" (28/ ترجمة 6201).

سمع: أبا وائل، وإبراهيم النخعي، وأبا الضحى. وروى عنه: شعبة، والثوري، وابن عيينة، وحماد بن زيد. توفي سنة اثنتين وثلاثين ومائة. ومخول: هو ابن راشد أبو راشد، ويقال: مخول بن أبي المجالد النهدي، مولاهم الكوفي. سمع: أبا جعفر محمَّد بن علي، ومسلمًا البطين. وروى عنه: شعبة، والثوري (¬1). وحديث قبيصة أخرجه أبو داود (¬2) عن أحمد بن عبدة الضبي عن سفيان، وهو مرسل؛ لكن كل واحد من طرفيه: "الأمر بالقتل، وتركه" قد ورد في روايات مسندة. أما الأمر بالقتل [فعن] (¬3) عاصم عن أبي صالح عن معاوية بن أبي سفيان قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا شربوا الخمر فاجلدوهم، ثم إن شربوا فاجلدوهم، ثم إن شربوا فاجلدوهم، ثم إن شربوا فاقتلوهم" (¬4). وعن حميد بن يزيد عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال مثله. قال: وأحسبه قال في الخامسة: "إن شربها فاقتلوه" (¬5). ¬

_ (¬1) انظر: "التاريخ الكبير" (8/ ترجمة 2044)، و"الجرح والتعديل" (8/ ترجمة 1830)، و"التهذيب" (27/ ترجمة 5846). (¬2) "سنن أبي داود" (4485). (¬3) في الأصل: وعن. (¬4) رواه أبو داود (4482)، والترمذي (1444)، وابن ماجه (2573)، وابن حبان (4446)، والحاكم (4/ 413). قال الترمذي: قال محمَّد (أي: البخاري): حديث أبي صالح عن معاوية في هذا أصح من حديث أبي صالح عن أبي هريرة، وإنما كان هذا في أول الأمر ثم نسخ بعد هكذا. وسكت عليه الحاكم، وصححه الذهبي، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (629). (¬5) رواه أبو داود (4483).

وعن يزيد بن هارون، عن ابن أبي ذئب، عن الحارث بن عبد الرحمن، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا سكر فاجلدوه، ثم إن سكر فاجلدوه، ثم إن سكر فاجلدوه، فإن عاد الرابعة فاضربوا عنقه" (¬1). وكذا رواه سهيل، عن أبي صالح، عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. وأما ترك القتل، فقد روي مسندا عن محمَّد بن المنكدر عن جابر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬2). وقوله: "لا يدري الزهري أبعد الثالثة أو الرابعة كذلك هو في رواية الشافعي، وروى سعدان بن نصر عن سفيان عن الزهري عن قبيصة بن ذؤيب قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من شرب الخمر فاجلدوه، ثم إذا شرب الخمر فاجلدوه، ثم إذا شرب الخمر فاجلدوه، ثم إذا شرب في الرابعة فاقتلوه" (¬3). فعين الرابعة من غير تردد، وقد مرّ أن بعض الرواة قال: "وأحسبه قال في الخامسة: إن شربها فاقتلوه" وروايات الرابعة أشهر وأظهر، فروي من حديث عمرو بن شعيب؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من أقيم عليه حد في شيء أربع مرات أو ثلاث مرات ثم أتي به الرابعة أو الخامسة قتل" ذكره على الشك. ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (4484) من طريقه، ورواه النسائي (8/ 313)، وابن ماجه (2572)، وابن الجارود (831)، وابن حبان (4447)، والحاكم (4/ 412) من طرق أخر عن ابن أبي ذئب. وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم. (¬2) رواه النسائي في "الكبرى" (5302). (¬3) رواه البيهقي (8/ 314).

والرجل الذي أتي به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجلده ولم يقتله وهو نعيمان، فقد روى محمَّد بن إسحاق عن الزهري عن قبيصة بن ذؤيب قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا شرب الخمر فاجلدوه، فإن عاد فاجلدوه، فإن عاد فاجلدوه، فإن عاد فاقتلوه" فأتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - برجل من الأنصار يقال له: نعيمان، فضربه أربع مرار فرأى المسلمون أن القتل قد أخر وأن الضرب قد وجب. وروى زياد بن عبد الله، عن محمَّد بن إسحاق بن يسار، عن محمَّد بن المنكدر، عن جابر بن عبد الله، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من شرب الخمر فاجلدوه، فإن عاد فاجلدوه، فإن عاد فاجلدوه، فإن عاد الرابعة فاقتلوه". قال: وضرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - النعيمان أربع مرات. قال: فرأى المسلمون الحد قد رفع القتل حين ضرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أربع مرات (¬1). والمقصود أن القتل قد رفع ونسخ باقتصار النبي - صلى الله عليه وسلم - على جلد ذلك الرجل، ولم يذهب أحد من أهل العلم إلى أن شارب الخمر يقتل، وأيد الشافعي ما دل على النسخ بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يحل دم امريء مسلم إلا بإحدى ثلاث ... " الحديث (¬2). وقول الزهري: "كونا وافدي العراق بهذا الحديث" يريد بلغوا أهل العراق هذا الحديث ليعرفوا به أن القتل منسوخ. ¬

_ (¬1) رواه البيهقي (8/ 314). (¬2) رواه البخاري (6878)، ومسلم (1676) من حديث ابن مسعود.

الأصل

الأصل [1368] أبنا الربيع، أبنا الشافعي قال: أخبرنا عن معمر، عن الزهري، عن عبد الرحمن بن أزهر قال: رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - عام حنين يسأل عن رحل خالد بن الوليد، فجريت بين يديه أسأل عن رحل خالد، حتى أتاه (جذعًا) (¬1) وأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - بشارب قال: "اضربوه" [فضربوه] (¬2) بالأيدي والنعال وأطراف الثياب وحثوا عليه التراب. ثم قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "بكتوه" فبكتوه، ثم أرسله. قال: فلما كان أبو بكر رضي الله عنه سأل من حضر ذلك المضروب فقومه أربعين، فضرب أبو بكر في الخمر أربعين حياته. ثم عمر رضي الله عنه حتى تتابع الناس في الخمر فاستشار، فضربه ثمانين (¬3). [1369] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن ثور بن زيد الديلي؛ أن عمر بن الخطاب استشار في الخمر يشربها الرجل، فقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: نرى أن تجلده ثمانين؛ فإنه إذا شرب سكر، وإذا سكر هذى، وإذا هذى افترى أو كما قال، قال: فجلد عمر ثمانين في الخمر (¬4). الشرح عبد الرحمن: هو ابن أزهر بن عوف أبو جبير الزهري القرشي، ابن عم عبد الرحمن بن عوف، مذكور في الصحابة، شهد مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ¬

_ (¬1) في "المسند" وكذا "الأم": جريحًا. (¬2) سقط من "الأصل". والمثبت من "المسند". (¬3) "المسند" ص (286). (¬4) "المسند" ص (286).

حنينًا، وروى عنه. وحدث عنه: ابنه عبد الحميد، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، والزهري، وغيرهم (¬1). وثور (¬2) بن زيد: هو الديلمي المديني. سمع: أبا الغيث سالمًا، والزهري. فروى عنه: مالك، وسليمان بن بلال، وعبد العزيز الدراوردي. مات سنة ثلاث وخمسين [ومائة] (¬3). وحديث عبد الرحمن بن أزهر رواه هشام بن يوسف الصنعاني عن معمر كما رواه الشافعي (¬4)، ورواه أسامة بن زيد عن الزهري، عن عبد الرحمن أيضًا ورواه من هذا الطريق أبو داود في "السنن" (¬5) عن سليمان ابن داود المهري عن ابن وهب عن أسامة بن زيد. وحديث ثور بن زيد منقطع ومختصر، ورواه يحيى بن فليح أخو محمَّد بن فليح عن ثور عن عكرمة عن ابن عباس؛ أن الشُّراب كانوا يضربون على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالأيدي والنعال والعصيّ، وكانوا في خلافة أبي بكر رضي الله عنه أكثر منهم في عهد نبي الله - صلى الله عليه وسلم - فقال أبو بكر: لو فرضنا لهم حدًّا فتوخى نحوًا مما كانوا يضربون في عهد رسول ¬

_ (¬1) انظر "معرفة الصحابة" (4/ ترجمة 1817)، و"الإصابة" (4/ ترجمة 5081). (¬2) انظر "التاريخ الكبير" (2/ ترجمة 2125)، و"الجرح والتعديل" (2/ ترجمة 1903)، و"التهذيب" (4/ ترجمة 860). (¬3) في "الأصل": ومائتين. خطأ. (¬4) لم يروه الشافعي عن معمر، وإنما رواه عن رجل عن معمر ففي رواية "المسند" قال: أخبرنا عن معمر، ورواه في "الأم" عن سفيان عن معمر. (¬5) "سنن أبي داود" (4487). وصححه الألباني في "المشكاة" (3640).

الله - صلى الله عليه وسلم - فكان أبو بكر يجلدهم أربعين حتى توفي، ثم كان عمر يجلدهم أربعين، إلى أن استشار فيه فقال علي: نرى أنه إذا شرب سكر وإذا سكر هذى وإذا هذى افترى، وعلى المفتري ثمانين جلدة، فأمر عمر بثمانين (¬1). وقول عبد الرحمن: "رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - عام حنين يسأل عن رحل خالد بن الوليد، فجريت بين يديه أسأل عن رحل خالد" فيه أدب المرافقة وإعانة الطالب ودلالته على ما يبغيه، وكان عبد الرحمن من الأحداث، فقد روى البخاري في "التاريخ" (¬2) بعض هذا الحديث وقال: "فسعيت بين يديه وأنا محتلم"، وفي بعض الروايات: "وأنا غلام شاب". ويحسن من الأحداث إعانة الأكابر والقيام بخدمتهم. وقوله: "أتاه جذعًا" كأنه يريد أتاه وهو أول من أتاه أو قويًّا قبل أن يتعب من كثرة السير، والأصل فيه سنن الدواب، ويقال: الدهر جذع أبدًا أي: شاب لا يهرم، ويقال أيضًا: فلان في هذا الأمر جذع إذا أخذ فيه حديثًا. وقوله: "وأتي النبي - صلى الله عليه وسلم - بشارب" لا يقتضي أن يكون الإتيان بالشارب بعدما أتى [خالد] (¬3) نعم لو قال: فأتي بشارب بالفاء لأشعر بذلك، وفي رواية أسامة بن زيد عن الزهري عن عبد الرحمن: رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين وهو يتخلل الناس يسأل عن منزل خالد بن الوليد، ¬

_ (¬1) رواه النسائي في "الكبرى" (5289) بنحوه، والبيهقي (8/ 320) بأتم منه. (¬2) "التاريخ الكبير" (5/ 240). (¬3) في "الأصل": خالدًا. والمثبت الصواب.

فأتي بسكران، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لمن عنده: "اضربوه" فضربوه بما في أيديهم. وقوله: "فضربوه بالأيدي والنعال وأطراف الثياب وحثوا عليه التراب" هكذا كان يضرب الشارب في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ففي "الصحيحين" من رواية شعبة، عن قتادة، عن أنس؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ضرب في الخمر بالجريد والنعال (¬1). وفي بعض الروايات عن عبد الرحمن بن أزهر: فضربوه بما في أيديهم، فمنهم من يضرب بالسوط، ومنهم من يضرب بالعصا، وحثا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عليه بالتراب. وقوله: "بكتوه" في "الغريبين": التبكيت يكون تقريعًا باللسان، يقال له: يا فاسق أما استحييت، أما اتقيت، ويكون باليد والعصا ونحوهما، وليحمل اللفظ على التوبيخ باللسان فإنه أمر بالتبكيت بعد الضرب. وقوله: "سأل من حضر ذلك المضروب فقومه أربعين". أي: قدّر ما جرى بأربعين جلدة بالاجتهاد والتخمين، وفي "الصحيح" من رواية قتادة عن أنس؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يضرب في الخمر بالنعال والجريد أربعين، وأبو بكر ضرب أربعين (¬2). وأيضًا؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أتي برجل شرب الخمر فضربه بجريدتين نحوًا من أربعين ثم صنع أبو بكر مثل ذلك (¬3). وأظهر وجهي الأصحاب: أنه لو لم يجلد الشارب واقتصر على ضربه أربعين بالنعال وأطراف الثياب كفى وإن قدر ما جرى بأربعين جلدة، ¬

_ (¬1) رواه البخاري (6773) من طريقه، ورواه مسلم (1706) من طريق هشام عن قتادة. (¬2) رواه مسلم (1706/ 36، 37). (¬3) رواه مسلم (1706/ 35).

ويدل عليه ما رواه البخاري في "الصحيح" (¬1) عن السائب بن يزيد قال: كنا نؤتى بالشُّراب في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفي إمرة أبي بكر الصديق وصدرًا من إمرة عمر فنضربهم بأيدينا وأرديتنا ونعالنا، حتى مضى صدر من إمرة عمر فجلد أربعين حتى إذا عتوا فيه وفسقوا جلد ثمانين. وقوله: "حتى تتابع الناس في الخمر" أي: تهافتوا، يقال لمن يرمي بنفسه في الأمر سريعًا: تتابع في كذا. وقوله: "فاستشار فضربه ثمانين" استشار عمر. وقول علي رضي الله عنهما: "إذا شرب سكر" رواه ثور بن زيد عن عكرمة عن ابن عباس، وروي عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي وبرة الكلبي قال: أرسلني خالد بن الوليد إلى عمر رضي الله عنه، فأتيته ومعه عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف وعلي وطلحة والزبير، وهم معه متكئون في المسجد، فقلت: إن خالد بن الوليد أرسلني إليك وهو يقرأ عليك السلام ويقول: إن الناس قد [انهمكوا] (¬2) في الخمر وتحاقروا العقوبة، فقال عمر: هم هؤلاء عندك فسلهم، فقال علي: نراه إذا سكر هذى، وإذا هذى افترى، وعلى المفتري ثمانون. فقال: أبلغ صاحبك ما قال. قال: فجلد خالد ثمانين، وجلد عمر ثمانين. قال: وكان عمر إذا أتي بالرجل الضعيف التي كانت منه الزلة جلده أربعين، قال: وجلد عثمان أيضًا ثمانين وأربعين (¬3). ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (6779). (¬2) في "الأصل": انماعكوا. تحريف، والمثبت من التخريج. (¬3) رواه الحاكم (4/ 417)، والدارقطني (3/ 157 رقم 223)، والبيهقي (8/ 320). وقال الحاكم: صحيح الإسناد.

الأصل

وفي "الصحيحين" (¬1) من رواية قتادة عن أنس؛ أن عمر رضي الله عنه لما ولي استشار فيه، فقال عبد الرحمن بن عوف: نرى أن تجعله كأخف الحدود، فجلده عمر ثمانين. ويحتمل أن الاستشارة جرت مرتين فأشار علي بالثمانين في مرة وعبد الرحمن في أخرى، ويحتمل أنها اتفقت مرة واحدة وأشارا معًا بالثمانين فمنهم من روى قول هذا ومنهم من روى قول هذا. واحتج بقوله: "إذا سكر هذى، وإذا هذى افترى" على أن مظنة الشيء تقام مقام ذلك الشيء، وإذا تأملت ما في الفصل من الأحاديث تبين ذلك أن حد الخمر في الأصل أربعون، وبهذا قال الشافعي. وقال أبو حنيفة ومالك: حد الشرب ثمانون. والقائلون بالأربعين جوزوا الزيادة إذا رآها الإِمام؛ لفعل الصحابة، ثم اختلفوا فيها: فقال أكثرهم: إن الزيادة تعزير مضموم إلى الحد. وقال آخرون: إنها من الحد، وحد الشرب قسمان: متحتم، ومتعلق باجتهاد الإِمام ونظره. الأصل [1370] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا إبراهيم بن أبي يحيى، عن جعفر بن محمَّد، عن أبيه؛ أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: لا أوتى برجل شرب خمرًا ولا نبيذًا [مسكرًا (¬2)] إلا جلدته الحد (¬3). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (6776) مختصرًا ليس فيه كلام ابن عوف، ومسلم (1706). (¬2) في الأصل: سكر. والمثبت من "المسند". (¬3) "المسند" ص (286).

الشرح

الشرح هذا الأثر يبين ذهاب علي رضي الله عنه إلى أن كل مسكر حرام موجب الحد كما قدمناه، ولما كان مدار التحريم الإسكار الذي منه ينشأ الفساد لم يحرم من الأشربة ما لا يسكر، وفي "الصحيح" (¬1) من رواية سهل بن سعد؛ أن أبا أسيد الساعدي دعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في عرسه، وكانت امرأته يومئذٍ خادمهم وهي العروس. قال سهل: تدرون ما سقت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ أنقعت له تمرات من الليل فلما أكل سقته إياه. وعن ثمامة بن حزن القشيري قال: سألت عائشة عن النبيذ فدعت جارية حبشية فقالت: سل هذِه فإنها كانت تنبذ لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فسألتها، فقالت: كنت أنبذ لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سقاء من الليل وأوكيه، فإذا أصبح شرب منه (¬2). وعن ابن عباس قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينبذ له نبيذًا فيشربه اليوم، والغد وليلته، واليوم الثالث، فإذا أمسى سقاه الخدم (¬3). الأصل [1371] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن أبي جعفر محمَّد بن علي؛ أن علي بن أبي طالب جلد الوليد بسوط له طرفان (¬4). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (5176)، ومسلم (2006/ 86). (¬2) رواه مسلم (2005/ 84). (¬3) رواه مسلم (2004/ 79). (¬4) "المسند" ص (286).

الشرح

الشرح الوليد: هو ابن عقبة بن أبي معيط أبان بن أبي عمرو بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف أبو وهب القرشي الأموي، أخو عثمان بن عفان رضي الله عنه لأمه، وهي أروى بنت كريز بن ربيعة، وله صحبة ورواية، وولي الكوفة لعثمان (في) (¬1) شهد عليه أهل الكوفة بالشرب فحد وخرج منها فنزل الرقة ومات بها (¬2). وقصة جلده مذكورة في "الصحيح" (¬3)، وروى يزيد بن هارون، عن سعيد بن أبي عروبة، عن عبد الله الداناج، عن حضين بن المنذر بن الحارث بن وعلة، وقال: صلى الوليد بن عقبة بالناس الفجر أربعًا وهو سكران فالتفت إليهم وقال: أزيدكم، فرفع ذلك إلى عثمان فقال عثمان لعلي رضي الله عنهما: دونك ابن عمك فاجلده، فقال علي للحسن: قم فاجلده. فقال الحسن: فيما أنت من ذلك. فقال: بل عجزت وضعفت، قم يا عبد الله بن جعفر فاجلده، فجعل يجلده وعلي يعد حتى بلغ أربعين، فقال: أمسك، جلد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أربعين وجلد أبو بكر أربعين، وجلد عمر ثمانين، وكلٌّ سنة. وزاد بعضهم: وهذا أحب إلي، يعني: الأربعين (¬4). وهذِه الرواية ونحوها تبين أن قوله: "أن عليًّا جلد الوليد" معناه: أنه أمر بجلده لا أنه باشره. ¬

_ (¬1) كذا! وهي زائدة. (¬2) انظر "معرفة الصحابة" (5/ ترجمة 2961)، و"الإصابة" (6/ ترجمة 9153). (¬3) رواها مسلم (1707/ 38). (¬4) رواه البيهقي (8/ 318) من طريقه.

الأصل

وما ذكره علي رضي الله عنه يبين أن حد الشرب أربعون، ومن قال أنه ثمانون قال: إنه ضرب بسوط له طرفان، أي: رأسان. وقد روي أنه جلده به أربعين فتكون ثمانين؛ وأجيب عنه بأنه يحتمل أنه ضرب به عشرين فقال الراوي: جلد أربعين، أي: عشرين بهذا الطرف وعشرين بهذا الطرف، يدل عليه أن في بعض الروايات عن حضين بن المنذر: فأمر به علي فجلد أربعين جلدة، ثم قال: أمسك، جلد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أربعين ... إلى آخره. الأصل [1372] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن عمرو بن دينار، عن أبي جعفر؛ أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: إن يجلد قدامة اليوم فلن يترك أحد بعده، وكان قدامة بدريًّا. سمعت الربيع، سمعت الشافعي يقول وهو يحتج في ذكر المسكر وكان كلامًا قد تقدم لا أحفظ، فقال: أرأيت إن شرب عشرة ولم يسكر، فإن قال: حلال [قيل] (¬1) أفرأيت إن خرج فأصابته الريح فسكر، فإن قال: حرام، قيل له: أفرأيت شيئًا قط شربه وصار إلى جوفه حلالًا ثم صيرته الريح حرامًا. قال الشافعي: ما أسكر كثيره فقليله حرام (¬2). الشرح قدامة: هو ابن مظعون أبو عثمان الجمحي القرشي، شهد بدرًا مع ¬

_ (¬1) سقط من "الأصل". والمثبت من "المسند". (¬2) "المسند" ص (286).

الأصل

رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان خال عبد الله بن عمر وحفصة. روى عن: أخيه عثمان، وروى عنه: عبد الله بن عمر، وعبد الله ابن عامر بن ربيعة (¬1). وكان عمر بن الخطاب استعمل قدامة على البحرين فقدم الجارود سيد عبد القيس على عمر وقال: يا أمير المؤمنين إن قدامة شرب فسكر وإني رأيت حدًّا من حدود الله حقًّا عليّ أن أرفعه إليك وأفضى الأمر إلى أن جلد قدامة، ثم حجّ عمر رضي الله عنه وقدامة معه وكان مغاضبًا له، فلما قفلا من حجهما ونزل عمر بالسقيا فنام واستيقظ من نومه فقال: عجلوا علي بقدامة فلقد أتاني في منامي آت، فقال: سالم قدامة فإنه أخوك، فأتاه وكلمه واستغفر له وتصالحا. وأشار الشافعي بالكلام الذي ذكر إلى أن الناس يختلفون في سرعة السكر وبطئه ويؤثر فيه السريح والهواء وغيرهما، وكيف يصح أن يقال: إنه كان حلالًا فلما أصابته الريح صار حرامًا. الأصل [1373] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن نافع، عن مولاة لصفية بنت أبي عبيد؛ أنها اختلعت من زوجها بكل شيء لها، فلم ينكر ذلك عبد الله بن عمر (¬2). الشرح هذا والذي بعده خارج عن باب الأشربة، واتفق وقوعهما في آخره. ¬

_ (¬1) انظر "معرفة الصحابة" (4/ ترجمة 2472)، و"الإصابة" (5/ ترجمة 7093). (¬2) "المسند" ص (286).

الفصل

والمقصود أن المخالعة جائزة على ما تراضى به الزوجان من المال قلّ أم كثر عند عامة أهل العلم، ولا بأس بأن تزيد على قدر ما أعطاها صداقًا، وكأن المعنى بالأثر أنها اختلعت بكل شيء لها مما أعطاها الزوج ومن غيره. وعن سعيد بن المسيب: أنه لا يأخذ منها جميع ما أعطاها بل يترك شيئًا، وذهب قوم أنه لا يجوز أن تزيد على الصداق الذي ساق إليها، كما روي؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كره أن يأخذ منها أكثر مما أعطى. وقد قيل: أنه مرسل من رواية عطاء، وعن ابن جريج أنه أنكر هذا اللفظ وقال: الثابت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أتردين عليه حديقته"؟ قالت: نعم، وزيادة. قال: "أما الزيادة فلا". وحمل ذلك على أن الزوج كان راضيًا بما أعطي غير طالب للزيادة (¬1). الفصل [1374] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن زيد بن أسلم، عن عياض بن عبد الله بن سعد؛ أنه سمع أبا سعيد الخدري يقول: كنا نخرج زكاة الفطر صاعًا من طعام، صاعًا من شعير، صاعًا من تمر، صاعًا من زبيب أو صاعًا من أقط (¬2). الشرح هذا بعض حديث قد مرّ في كتاب الزكاة وذكرنا ما يتعلق به، ¬

_ (¬1) سبق هذا الكلام في "كتاب الخلع". (¬2) "المسند" ص (287).

كتاب عشرة النساء

ورأيت في بعض نسخ "المسند" أن الربيع روى عن الشافعي من أول فضائل قريش إلى هذِه [...] (¬1) بلفظ التحديث، فقال أبنا الشافعي، ثنا الشافعي. الأصل كتاب عشرة النساء [1375] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا أنس بن عياض، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، أنها حدثته أن هندًا أم معاوية جاءت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله إن أبا سفيان رجل شحيح، وإنه لا يعطيني ما يكفيني وولدي إلا ما أخذت منه سرًّا وهو لا يعلم، فهل علي في ذلك من شيء؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف" (¬2). الشرح الحديث قد تقدم من رواية سفيان عن هشام، وذكرنا مما يتعلق به ما يسر الله تعالى، واللفظ ها هنا روايته أقرب إلى لفظ رواية "الصحيحين" المذكورة هنالك. الأصل [1376] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا ابن عيينة، عن [زياد] (¬3) بن سعد، قال أبو محمَّد: أظنه عن هلال بن أبي ميمونة، عن أبي هريرة؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خيَّر غلامًا بين أبيه وأمه (¬4). ¬

_ (¬1) كلمة غير مقروءة في "الأصل". (¬2) "المسند" ص (288). (¬3) في "الأصل": زيادة. خطأ، والمثبت من "المسند". (¬4) "المسند" ص (288).

الشرح

[1377] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا ابن عيينة، عن يونس بن عبد الله الجرمي، عن عمارة الجرمي قال: خيرني علي رضي الله عنه بين [أمي] (¬1) وعمي ثم قال لأخ لي أصغر مني: وهذا أيضًا لو قد بلغ مبلغ هذا لخيرته. قال الشافعي: قال إبراهيم عن يونس، عن عمارة، عن علي مثله. وقال في الحديث: وكنت ابن سبع أو ثمان (¬2). الشرح زياد بن سعد: هو أبو عبد الرحمن الخراساني، شريك ابن جريج. روى عن: الزهري، وضمرة بن سعيد، وأبي الزبير. روى عنه: ابن جريج، وابن عيينة، وأبو معاوية. وقد وثقه أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وأبو زرعة (¬3). وهلال بن أبي ميمونة: هو هلال بن علي بن أسامة، ويقال: هلال بن أسامة القرشي. سمع: أنسًا، وعطاء بن يسار (¬4). وأبو ميمونة ليس بوالد هلال، إنما هو سليم الفارسي، وسماه بعضهم سلمي. سمع: أبا هريرة. ¬

_ (¬1) في "الأصل": أخي. والمثبت من "المسند" وكذا "الأم". (¬2) "المسند" ص (288). (¬3) انظر "التاريخ الكبير" (3/ ترجمة 1207)، و"الجرح والتعديل" (3/ ترجمة 2408)، و"التهذيب" (9/ ترجمة 2048). (¬4) انظر "التاريخ الكبير" (8/ ترجمة 2720) و"الجرح والتعديل" (9/ ترجمة 300)، و"التهذيب" (30/ ترجمة 6626).

وروى عنه: هلال بن أبي ميمونة (¬1). ويونس بن عبد الله الجرمي. سمع: عمارة بن ربيعة، ودينارًا الحجام. وروى عنه: الثوري، وابن عيينة، وسمع منه: شعبة، ويعلى بن عبيد الكوفي (¬2). وعمارة هو ابن ربيعة الجرمي، كذلك نسبه ابن المبارك. روى عن: علي رضي الله عنه (¬3). وحديث أبي هريرة في رواية الربيع مختصر، ورواه حرملة عن الشافعي مبسوطًا، ويقرب منه ما رواه أبو داود في "السنن" (¬4) عن الحسن بن علي، عن عبد الرزاق وأبي عاصم، عن ابن جريج، قال: أخبرني زياد، عن هلال بن أسامة؛ أن أبا ميمونة سلمى مولى من أهل المدينة رجل صدق قال: سمعت أبا هريرة يقول: سمعت امرأة جاءت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله إن زوجي يريد أن يذهب بابني وقد سقاني من بئر أبي عنبة وقد نفعني. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "هذا أبوك وهذِه أمك فخذ بيد أيهما شئت" فأخذ بيد أمه فانطلقت به. ورواه هارون بن معروف عن سفيان مختصرًا كما رواه الربيع عن الشافعي. ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (4/ ترجمة 2203) و"الجرح والتعديل" (4/ ترجمة 1913)، و"التهذيب (34/ ترجمة 7664). (¬2) انظر "التاريخ الكبير" (8/ ترجمة 3498) و"الجرح والتعديل" (9/ ترجمة 1014)، و"تعجيل المنفعة" (1/ ترجمة 1214). (¬3) انظر "التاريخ الكبير" (6/ ترجمة 3098) و"الجرح والتعديل" (6/ ترجمة 2014)، و"تعجيل المنفعة" (1/ ترجمة 762). (¬4) "سنن أبي داود" (2277).

وإذا كان أبوا الطفل مصطحبين مجتمعين على النكاح [قائمًا] (¬1) بكفايته الأب بالإنفاق والأم بالحضانة ومؤنتها على الأب، وإن [حدث] (¬2) بينهما فراق بفسخ أو طلاق فالأم أولى بحضانته إن رغبت فيه ما لم تنكح؛ لما روي عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده عبد الله بن عمرو؛ أن امرأة قالت: يا رسول الله إن ابني هذا كان بطني له [وعاءً] (¬3) وثديي له سقاء، وحجري له حواء، وان أباه طلقني وأراد أن ينزعه مني. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أنت أحق به ما لم تنكحي" (¬4). ويشترط لاستحقاقها أن تكون جامعة لصفات: الإِسلام، والعقل، والحرية، والعدالة. وهذا في الطفل الذي لا يميز، والمجنون في معناه؛ وأما المميز فيخير بين أبويه ذكرًا كان أو أنثى ويكون عند من اختاره؛ لحديث أبي هريرة، وعن عبد الرحمن بن غنم؛ أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خير غلامًا بين أبيه وأمه (¬5). ونفى أبو حنيفة ومالك التخيير، ثم قال أبو حنيفة: الأم أحق بالغلام حتى يستقل بأن يأكل ويلبس وحده ثم يسلم إلى الأب، وهي أحق بالغلام حتى تنكح أو يختص. ¬

_ (¬1) في "الأصل": فأما. خطأ، والمثبت أليق بالسياق. (¬2) ليست في "الأصل". والسياق يقتضيها. (¬3) سقط من "الأصل". والمثبت من "السنن". (¬4) رواه أبو داود (2276)، والحاكم (2/ 225). قال الحاكم: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي، وحسنه الألباني في "الإرواء" (7/ 244). (¬5) رواه البيهقي (8/ 4).

الأصل

وقال مالك: الأم أحق بالغلام حتى يبلغ وبالجارية وإن حاضت حتى تتزوج. وقال أحمد: يخير الغلام ولا تخير الجارية، بل الأم أولى بها. وإنما يخير المميز بين الأبوين إذا جمعا صفات: الإِسلام، والعقل، والحرية، والعدالة، فإن فقد في إحدهما بعض هذِه الصفات فالحضانة للآخر ولا تخيير إذا لم تنكح الأم، فإن نكحت فالحضانة للأب. وكما يخير المميز بين الأبوين يخير بين الأم والجد؛ وأظهر الوجهين للأصحاب: أنه يخير بين الأم وبين الأخ والعم أيضًا، ويدل عليه الأثر عن علي رضي الله عنه. وقوله في الرواية الأخرى: "وكنت ابن سبع أو ثمان" يريد أني بلغت التمييز أو سن التمييز في الغالب سبع أو ثمان، والاعتبار بنفس التمييز لا بسنه؛ وما ذكرنا أن الأم أحق بغير المميز وأن المميز يخير، مفروض فيما إذا كان الأبوان مقيمين في بلد واحد، فإن أراد أحدهما سفرًا نظر إن كان سفر نقلة فيجعله الأب مع نفسه احتياطًا للنسب، فإن رافقته الأم في الطريق والمقصد فالحكم كما لو كانا مقيمين في البلد الواحد. الأصل [1378] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن ابن شهاب، عن قبيصة بن ذؤيب؛ أن رجلًا سأل عثمان بن عفان رضي الله عنه عن الأختين من ملك اليمين هل جمع بينهما؟ فقال عثمان: أحلتهما آية وحرمتهما آية، وأما أنا فلا أحب أن أصنع هذا.

قال: فخرج من عنده فلقي رجلًا من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: لو كان لي من الأمر شيء ثم وجدت أحدًا فعل ذلك جعلته نكالًا. قال مالك: قال ابن شهاب: أراه علي بن أبي طالب. قال مالك: وبلغني عن الزبير بن العوام مثل ذلك (¬1). [1379] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن أبيه؛ أن عمر بن الخطاب سئل عن المرأة وابنتها من ملك اليمين: هل توطأ إحداهما بعد الأخرى؟ فقال عمر: ما أحب أن (أخبرهما) (¬2) جميعًا (¬3). [1380] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبا سفيان، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن أبيه قال: سئل عمر عن أم وابنتها من ملك اليمين. فقال: ما أحب أن يجيزهما جميعًا. قال عبيد الله: قال أبي: فوددت أن عمر كان أشدّ في ذلك مما هو [فيه] (¬4). [1381] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مسلم وعبد المجيد، عن ابن جريج قال: سمعت ابن أبي مليكة يخبر أن معاذ بن عبيد الله بن معمر جاء عائشة رضي الله عنها فقال: إن لي سرية أصبتها، وإنها قد بلغت لها ابنة جارية لي أفأستسرّ ابنتها؟ ¬

_ (¬1) "المسند" ص (288). (¬2) في "المسند": أجيزهما. وكذا "الأم" وسيأتي كلام المصنف عليها في الشرح. (¬3) "المسند" ص (289). (¬4) من "المسند".

الشرح

فقالت: لا. قال: فإني والله لا أدعها إلا أن [تقولي] (¬1) لي: حرمها الله. فقالت: لا يفعله أحد من أهلي ولا أحد أطاعني (¬2). الشرح معاذ بن عبيد الله بن معمر: هو التميمي القرشي، يعدّ في أهل المدينة. سمع: عثمان، وعائشة. وروى عنه: عبد الله بن أبي مليكة، وغيره (¬3). وقوله: "أن رجلًا سأل عثمان" كأن المراد منه نيار الأسلمي؛ فقد روى الليث عن يونس عن ابن شهاب أنه سئل عن الجمع بين الأختين مما ملكت اليمين فقال: أخبرني قبيصة بن ذؤيب أن نيارًا الأسلمي سأل رجلًا من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الأختين مما ملكت اليمين فقال: أحلتهما آية وحرمتها آية ... (¬4). وقوله: "هل يجمع بينهما" أي: في الوطء، أما جمعهما في الملك فلا منع منه. وقوله: "أحلتهما آية" [أراد] (¬5) قوله تعالى: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} (¬6)، وقوله: "وحرمتهما آية" أراد قوله تعالى: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ} (¬7). وذكر أن عثمان رضي الله عنه كان متوقفًا في المسألة لتعارض الآيتين. ¬

_ (¬1) في "الأصل": تقول. (¬2) "المسند" ص (289). (¬3) انظر "التاريخ الكبير" (7/ ترجمة 1560)، و"الجرح والتعديل" (8/ ترجمة 1120). (¬4) رواه البيهقي (7/ 164). (¬5) ليست في "الأصل". وهي أليق للسياق. (¬6) المعارج: 70. (¬7) النساء: 23.

وقوله: "وأما أنا فلا أحب أن أصنع هذا" مع التوقف سلوك لسبيل الاحتياط، وأغلب أهل العلم قالوا بتحريمه، ورأوا قوله تعالى: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ} (¬1) أخص في هذا الحكم من قوله تعالى: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} (¬2)؛ لأن قوله تعالى {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ} (¬3) مسوق لبيان المحرمات، وقوله {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} (¬4) مذكور في معرض الثناء على المحافظين لحدود الله تعالى بحفظ فروجهم، ومثل ذلك لا يقصد به التعميم، وأيضًا فإن الجمع بينهما في الوطء يوجب الوحشة وقطيعة الرحم، فكان كالجمع (¬5) في النكاح. وإلى التحريم ذهب علي بن أبي طالب والزبير بن العوام، وبالغ فيه علي رضي الله عنه فقال (¬6): لو كان لي من الأمر شيء ... إلى آخره ويروى عن موسى بن عقبة، عن عمه، عن علي رضي الله عنه أنه سأله رجل له أمتان أختان وطيء إحداهما ثم أراد أن يطأ الأخرى فقال: لا، حتى يخرج الأولى عن ملكه (¬7). على أنه قد روي عنه ما يشعر بالتوقف كما روي عن عثمان رضي الله عنه، فعن حنش أن علي بن أبي طالب سئل عن الرجل تكون له جاريتان أختان فيطأ إحديهما، أيطأ الأخرى؟ فقال: أحلتهما آية وحرمتهما آية، وأنا أنهى نفسي عنها وولدي (¬8). ¬

_ (¬1) النساء: 23. (¬2) المعارج: 70. (¬3) النساء: 23. (¬4) المعارج: 70. (¬5) زاد في "الأصل": و. مقحمة. (¬6) زاد في "الأصل": لي. سبق قلم. (¬7) رواه البيهقي (7/ 164). (¬8) رواه البيهقي (7/ 164).

واحتج بالأثر على أنه يجوز للمجتهد إبداء التوقف في المسألة عند تعارض الدليلين إلى أن يتبين الترجيح، وعلى هذا تنزل قول الشافعي رضي الله عنه في مسائل معدودة هي على قولين أو تحتمل قولين أو فيها قولان. وكما يحرم الجمع في الوطء بين الأختين المملوكتين يحرم الجمع في الوطء بين الأمة وابنتها المملوكتين، وإذا وطيء إحديهما حرمت الأخرى على التأبيد. وقوله عمر رضي الله عنه: "ما أحب أن أخبرهما" أي: أخبرهما بالوطء، فقال (¬1): يقال: خبَرَهُ يخْبرُه خُبرًا وخُبْرة إذا بَلاه واختبره. هذِه هي الرواية المعتمدة، فروى بعضهم "أن أجيزهما" كأنه يريد أن أجوز وطئها، وفي رواية سفيان "أن يجيزهما" أي: الرجل المسئول له عن الجمع. وودّ عبد الله بن عتبة بن مسعود أن يكون عمر رضي الله عنه أشدّ في المسألة ومبالغته فيه أتم، ونسب أبو إبراهيم المزني في "المختصر" ما حكي عن ابن عتبة عن ابن عمر، وعدّ ذلك من أوهامه. وحديث عائشة يوافق حديث عمر بن الخطاب. وقوله: "أفأستسر" يريد به: التسري، وقد قيل: إن أصل تسرى: تسرر من السرور، فأبدلوا من إحدى الراءات ياءً كما قالوا في تقضض وتقضى، ورأيت لبعضهم: "أفأستسري" كأنه جوز أن يقال بدل تسرى: استسرى. ¬

_ (¬1) كذا بدون ذكر صاحب الكلام، وهو عند الجوهري في "صحاحه" والمصنف كثير النقل عنه، والكلام أيضًا برمته في "لسان العرب".

الأصل

الأصل [1382] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن يحيى بن سعيد، عن ابن المسيب في قوله تعالى: {الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً} الآية، قال: هي منسوخة، نسختها: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ} فهي من أيامي المسلمين (¬1). [1383] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن هارون بن رئاب، عن عبد الله بن [عبيد بن عمير] (¬2) قال: أتى رجل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله إن لي امرأة لا تردّ يدّ لامس. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "طلقها". قال: إني أحبها. قال: "فأمسكها إذًا" (¬3). [1384] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، حدثني عبيد الله بن أبي يزيد، عن أبيه؛ أن رجلًا تزوج امرأة ولها ابنة من غيره وله ابن من غيرها، ففجر الغلام بالجارية فظهر بها حبل، فلما قدم عمر مكة فرفع ذلك إليه فسألهما فاعترفا؛ فجلدهما عمر الحدّ وحرص أن يجمع بينهما فأبى الغلام (¬4). الشرح هارون بن رئاب: هو الأسيدي البصري يوسف بالزهد. روى عن: أنس بن مالك، وكنانة بن نعيم، ومجاهد بن جبر. ¬

_ (¬1) "المسند" ص (289). (¬2) في "الأصل": عمير بن. تحريف، والمثبت من "المسند". (¬3) "المسند" ص (290). (¬4) "المسند" ص (290).

وروى عنه: أيوب السختياني، والأوزاعي، وشعبة، والثوري، وابن عيينة (¬1). وعبد الله بن عبيد بن عمير الليثي. روى عن: ابن عمر، وسمع: أباه. وسمع منه: الزهري، وغيره (¬2). والأثر عن ابن المسيب قد سبق مرة في الكتاب. وحديث عبد الله بن عبيد منقطع. وروي عن حماد بن سلمة، عن عبد الكريم بن أبي المخارق وهارون بن رئاب، عن عبد الله بن عبيد بن عمير قال حماد: قال أحدهما: عن ابن عباس؛ أن رجلًا قال: يا رسول الله إن عندي بنت عم لي جميلة، وإنها لا ترد يد لامس. قال: "طلقها". قال: لا أصبر عنها، قال: "فأمسكها إذًا" (¬3). ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (8/ ترجمة 2779)، و"الجرح والتعديل" (9/ ترجمة 367)، و"التهذيب" (30/ ترجمة 6510). (¬2) انظر "التاريخ الكبير" (5/ ترجمة 430)، و"الجرح والتعديل" (5/ ترجمة 467)، و"التهذيب" (15/ ترجمة 3406). (¬3) رواه النسائي (6/ 67) وقال: هذا الحديث ليس بثابت وعبد الكريم ليس بالقوي، وهارون بن رئاب أثبت منه وقد أرسل الحديث وهارون ثقة وحديثه أولى بالصواب من حديث عبد الكريم. قال ابن حجر في "التلخيص" (1620): لكن رواه هو أيضًا (أي: النسائي) وأبو داود من رواية عكرمة عن ابن عباس نحوه، وإسناده أصح، وأطلق النووي عليه الصحة، ولكن نقل ابن الجوزي عن أحمد بن حنبل أنه قال: لا يثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا الباب شيء، وليس له أصل. قلت: وقد سبق الكلام عليه قريبًا.

وقال أبو داود في "السنن" (¬1) كتب إليَّ الحسين بن حريث، أبنا الفضل بن موسى، ثنا الحسين بن واقد، عن عمارة بن أبي حفصة، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: "جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ... " فذكر نحوًا منه، ويروى معنى الحديث من رواية أبي الزبير عن جابر أيضًا (¬2). والمقصود أن نكاح الزانية جائز، ولو زنت امرأة وهي في نكاح رجل لم يرتفع النكاح بينهما ولم يلزم الزوج أن يفارقها وإن كان الأولى المفارقة، واستدل بقوله: "فأمسكها" على أنه لا تجب المفارقة، وحمل قوله: "لا تردّ يد لامس" على أنها تطاوع من أرادها، وذكر بعضهم أن المعنى فيه أن لا يتشتت همه بمفارقتها مع محبته لها، ولأبي عبيد في الحديث كلام آخر قد قدمناه. وأثر عمر رضي الله عنه ظاهر الدلالة على جواز نكاح الزانية، وما روي عن ابن مسعود أنه قال فيمن ينكح الزانية: هما زانيان ما اجتمعا (¬3). يعارضه ما روي عن علقمة بن قيس؛ أن رجلًا أتى ابن مسعود فقال: رجل زنى بامرأة ثم تابا وأصلحا، له أن يتزوجها؟ فتلا هذِه الآية: {ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} قال: فرددها عليه مرارًا حتى ظن أنه قد أرخص فيه (¬4). ¬

_ (¬1) "سنن أبي داود" (2049). (¬2) رواه الطبراني في "الأوسط" (4707)، والبيهقي (7/ 155). (¬3) رواه عبد الرزاق (12798)، والبيهقي (7/ 156). (¬4) رواه البيهقي (7/ 156).

الأصل

الأصل [1385] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مسلم وسعيد، عن ابن جريج، أخبرني عكرمة بن خالد قال: جمعت الطريق رفقة فيهم امرأة ثيب، فولت رجلًا منهم أمرها فزوجها رجلًا، فجلد عمر رضي الله عنه الناكح والمنكح ورد نكاحها (¬1). [1386] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا ابن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن عبد الرحمن بن معبد بن عمير؛ أن عمر رد نكاح امرأة نكحت بغير ولي (¬2). [1387] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مسلم وعبد المجيد، عن ابن جريج، قال: قال عمرو بن دينار: نكحت امرأة من بني بكر بن كنانة يقال لها: بنت أبي ثمامة عمر بن عبد الله بن مضرس، فكتب علقمة بن علقمة العتواري إلى عمر بن عبد العزيز إذ هو والي المدينة إني وليها وإنها نكحت بغير أمري، فردّه عمر وقد أصابها. قال: فأي امرأة نكحت بغير إذن وليها فلا نكاح لها؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "فنكاحها باطل"، وإن أصابها فلها صداق مثلها بما أصاب منها بما قضى لها به النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬3). الشرح عبد الرحمن بن معبد بن عمير: ابن أخي عبيد بن عمير الليثي. روى عن: علي، وعمر. ¬

_ (¬1) "المسند" ص (290). (¬2) "المسند" ص (290). (¬3) "المسند" ص (290).

وروى عنه: عمرو بن دينار المكي (¬1). والأثر الأول رواه الشافعي في "القديم" فقال: عن ابن جريج عن عبد الحميد بن جبير، عن عكرمة بن خالد، وكذلك هو في رواية غيره (¬2). وقوله: "فولت رجلًا منهم أمرها" يحتمل من جهة اللفظ التحكيم والتوكيل، فإن لم يجوز التحكيم فذاك، وإن جوزناه فهو محمول على التوكيل. واحتج بجلد عمر رضي الله عنه على أن من نكح بغير ولي وهو عالم بأنه لا يجوز يعزر. وقول عبد الرحمن بن معبد: "أن عمر رد نكاح امرأة" يمكن أن يريد التي نكحت في الطريق، ويمكن أن يريد غيرها، وقد اشتهر منع عمر رضي الله عنه عن النكاح بغير ولي، وعن معاوية بن سويد بن مقرن، عن علي رضي الله عنه أنه قال: أيما امرأة نكحت بغير إذن ولي فنكاحها باطل، لا نكاح إلا بإذن ولي (¬3). وعن الشعبي أن عمر وعليًّا وشريحًا ومسروقًا قالوا: لا نكاح إلا بولي. ويوافق أقوالهم ما روي عن عمر بن عبد العزيز. ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (5/ ترجمة 1108)، و"الجرح والتعديل" (5/ ترجمة 1357). (¬2) كذا رواه عبد الرزاق (10486)، وسعيد بن منصور (530)، والدارقطني (3/ 225 رقم 20). ورواه ابن أبي شيبة (3/ 456) بمثل رواية "المسند". وقال الحافظ في "التلخيص" (3/ 160): فيه انقطاع؛ لأن عكرمة لم يدرك ذلك. (¬3) رواه الدارقطني (3/ 229 رقم 34) من طريق النزال، عن علي.

الأصل

وقوله: "قال: فأي امرأة نكحت بغير إذن وليها ... " إلى آخره، ليس من تمام الأثر؛ وإنما هو كلام الشافعي، ولو جرد الأثر وترك كلامه في هذا الموضع لكان أولى. الأصل [1388] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا إسماعيل بن إبراهيم المعروف بابن علية، عن ابن أبي عروبة، عن قتادة، عن الحسن، عن عقبة بن عامر؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا نكح الوليان فالأول أحق". الشرح قد سبق الحديث مع زيادة إلا أنه لم يسم عقبة بن عامر هناك (¬1). الأصل [1389] أبناء الربيع، أبنا الشافعي، أبنا الثقة، عن ابن جريج، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه قال: كانت عائشة يخطب إليها المرأة من أهلها فتشهد، فإذا بقيت عقدة النكاح قالت لبعض أهلها: زوج فإن المرأة لا تلي عقدة النكاح (¬2). [1390] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا ابن عيينة، عن هشام، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة قال: لا تنكح المرأة المرأة، فإن البغي إنما تنكح نفسها (¬3). [1391] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مسلم بن خالد وسعيد، ¬

_ (¬1) سبق برقم (1320). (¬2) "المسند" ص (291). (¬3) "المسند" ص (291).

الشرح

عن ابن جريج، عن عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن سعيد بن جبير ومجاهد، عن ابن عباس قال: لا نكاح إلا بشاهدي عدل وولي مرشد. وأحسب مسلمًا قد سمعه من ابن خثيم (¬1). [1392] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن ابن أبي الزبير، قال: أتي عمر رضي الله عنه بنكاح لم يشهد عليه إلا رجل وامرأة، فقال: هذا نكاح السرّ ولا أجيزه، ولو كنت تقدمت فيه لرجمت (¬2). الشرح قوله في الأثر الأول: "فتشهد" ويروى: "فتتشهد" أي: تخطب، يريد أنه إذا خطبت امرأة من أهلها فأجابت الخاطب هيَّأت أسباب النكاح وخطبت، ثم أمرت الرجال بالعقد ذهابًا منها إلى أن المرأة لا تلي عقد النكاح، وعلى ذلك حمل ما روي عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه، عن عائشة أنها زوجت حفصة بنت عبد الرحمن [من] (¬3) المنذر بن الزبير وعبد الرحمن غائب بالشام، فلما قدم قال: مثلي يصنع هذا به [ويفتات] (¬4) عليه، فكلمت المنذر بن الزبير فقال: كان ذلك بيد عبد الرحمن. فقال عبد الرحمن: ما كنت لأردّ أمرًا قضيته (فقرر) (¬5) حفصة عند المنذر ولم يكن ذلك طلاقًا (¬6). ¬

_ (¬1) "المسند" ص (291). (¬2) "المسند" ص (291). (¬3) في "الأصل": ابن. تحريف، والمثبت من التخريج. (¬4) تحرف في "الأصل". والمثبت من التخريج. (¬5) في "الموطأ"، و"السنن": فقرت. (¬6) رواه مالك (2/ 555 رقم 1160)، والبيهقي (7/ 112). قال الحافظ في "الدراية" (2/ 60): إسناده صحيح.

فقيل: إن المعنى أنها مهدت أمر تزويجها وهيأت أسبابه فأضيف التزويج إليها (¬1). وحديث أبي هريرة رواه ابن عيينة عن هشام بن حسان عن ابن سيرين عنه موقوفًا، وكذلك رواه الأوزاعي عن ابن سيرين؛ ورفعه مخلد بن الحسين. وروي عن هشام بن حسان عن محمَّد بن سيرين عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تزوج المرأة المرأة، ولا تزوج المرأة نفسها، إن البغي التي تزوج نفسها". وكذلك رواه محمَّد بن مروان العقيلي عن هشام بن حسان (¬2)، ورواه عبد السلام بن حرب عن هشام بن حسان عن محمَّد بن سيرين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تنكح المرأة المرأة ولا تنكح المرأة نفسها". قال أبو هريرة: كنا نعد التي تنكح نفسها هي الزانية (¬3). فرفع ووقف. وحديث ابن عباس قد تقدم، وفيه ما يدل على اعتبار الشهود في النكاح، وعلى اعتبار العدالة في الشهود وكذا في الولي. ¬

_ (¬1) وهو قول البيهقي في "السنن" (7/ 112). (¬2) رواه ابن ماجه (1882)، والبيهقي (7/ 110). وقال البيهقي: هذا موقوف، وعبد السلام بن حرب قد ميز المسند من الموقوف، فيشبه أن يكون حفظه والله أعلم. وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (7298) دون الجزء الأخير فضعفه في "ضعيف الجامع" (6214). (¬3) رواه الدارقطني (3/ 227 رقم 26)، والبيهقي (7/ 110). وقال الألباني في "الإرواء" (1841): إسناده صحيح على شرط الشيخين.

كتاب التعريض بالخطبة

وعن جابر بن [زيد] (¬1)، عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "البغايا اللاتي ينكحن أنفسهن بغير بينة" (¬2). وحديث عمر رضي الله عنه يؤكد اعتبار الشهود، وقد صح عن قتادة عن الحسن وسعيد بن المسيب أن عمر رضي الله عنه قال: لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل (¬3). الأصل ومن كتاب التعريض بالخطبة [1393] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن الزهري، أخبرني سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ولا يخطب أحدكم على خطبة أخيه" (¬4). [1394] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا محمَّد بن إسماعيل، عن ابن أبي ذئب، عن مسلم الخياط، عن ابن عمر؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى أن يخطب الرجل على خطبة أخيه حتى ينكح أو يترك (¬5). والله أعلم. الشرح مسلم: هو ابن أبي مسلم الخياط المكي. سمع: ابن عمر، وأبا هريرة، ورأى سعد بن أبي وقاص. روى عنه: ابن أبي ذئب، وسفيان بن عيينة (¬6). ¬

_ (¬1) في "الأصل": يزيد. تحريف، والمثبت من "جامع الترمذي". (¬2) رواه الترمذي (1103، 1104) ورجح وقفه. (¬3) رواه البيهقي (7/ 126) وقال: إسناده صحيح. (¬4) "المسند" ص (292). (¬5) "المسند" ص (292). (¬6) انظر "التاريخ الكبير" (7/ ترجمة 1152)، و"الجرح والتعديل" (8/ ترجمة 857)، و"تعجيل المنفعة" (1/ ترجمة 1035).

الأصل

والحديث من رواية سفيان عن الزهري مخرج في "الصحيحين" (¬1) وهو (¬2) قد سبق في الكتاب من حديث مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عنه، ومن رواية ابن عمر من حديث مالك عن نافع عنه، وقد تكلمنا فيه (¬3). وقوله هنا في حديث أبي هريرة: "ولا يخطب على خطبة أخيه" كأنه معطوف على قوله: "لا يبيع الرجل على بيع أخيه" وقد تقدم ذلك في الكتاب بالإسناد المذكور ها هنا (¬4). الأصل [1395] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن ابن شهاب؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقال لرجل من ثقيف أسلم وعنده عشر نسوة: "أمسك أربعًا وفارق سائرهن" (¬5). والله أعلم. الشرح روى الحديث مالك عن الزهري مرسلًا، وكذلك رواه ابن عيينة عنه، وعبد الرزاق عن معمر عنه، ووصله غيرهم. والرجل الثقفي هو غيلان بن سلمة على ما مرّ. ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (2140)، و"صحيح مسلم" (1413/ 51). (¬2) زاد في "الأصل": أبو هريرة. مقحمة. (¬3) سبقا في الكتاب برقم (908، 909). (¬4) سبق برقم (842). (¬5) "المسند" ص (292).

شرحُ مسند الشافعي تأليف الإِمام العلامة حُجَّة الإِسلام عبد الكريم بن محمَّد بن عبد الكريم بن الفضل بن الحسن القزويني أبي القاسم الرافعي الشافعي المتوفى سنة 623هـ حققه أبو بكر وائل محمَّد بكر زهران (دار الفلاح للبحث العمي وتحقيق التراث) المجلد الرابع إصدارات وزارة الأوقاف والشؤون الإِسلامية إدارة الشؤون الإِسلامية دولة قطر

الأصل ومن كتاب الرجعة

الأصل ومن كتاب الرجعة [1396] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا يحيى بن حسان، عن عبيد الله بن عمرو، عن عبد الكريم بن مالك الجزري، عن سعيد بن جبير، عن علي بن أبي طالب في الرجل يطلق امرأته ثم يشهد على رجعتها ولم تعلم بذلك، قال: هي امرأة الأول دخل بها الآخر أو لم يدخل (¬1). الشرح عبيد الله بن عمرو: هو أبو وهب الرقي الأسدي. سمع: عبد الملك بن عمير، وزيد بن أبي أنيسة. يقال: أنه مات سنة ثمانين ومائة (¬2). ومقصود الأثر أن الرجعية إذا راجعها زوجها وأشهد على الرجعة إما لاشتراط الشهادة فيها أو ليتوسل به إلى الإثبات، ولم تعلم المرأة بالحال فنكحت زوجًا آخر؛ فهذا النكاح باطل وهي زوجة للأول. قال الشافعي (¬3): ولا يبطل ما جعله الله له منها بباطل من نكاح غيره، ولا بدخول لم يكن يحل، ولو عرفاه في الابتداء لكانا محدودين عليه. ¬

_ (¬1) "المسند" ص (293). (¬2) انظر "التاريخ الكبير" (5/ ترجمة 1262)، و"الجرح والتعديل" (5/ ترجمة 1551)، و"التهذيب" (19/ ترجمة 3671). (¬3) "الأم" (5/ 245).

الأصل

الأصل [1397] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن المسور بن رفاعة القرظي، عن الزبير بن عبد الرحمن بن الزبير؛ أن رفاعة طلق امرأته تميمة بنت وهب في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاثًا، فنكحها عبد الرحمن بن الزبير، فاعترض عنها فلم يستطع أن يمسّها ففارقها، فأراد رفاعة أن ينكحها وهو زوجها الأول الذي طلقها، فذكر للنبي - صلى الله عليه وسلم - فنهاه أن يتزوجها وقال: "لا تحل لك حتى تذوق العسيلة" (¬1). [1398] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا ابن عيينة، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - سمعها تقول: جاءت امرأة رفاعة القرظي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: إني كنت عند رفاعة فطلقني فبتَّ طلاقي، فتزوجت عبد الرحمن بن الزبير وإنما معه مثل هدبة الثوب، فتبسم النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال: "أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة؟ لا، حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك" قال: وأبو بكر عند النبي - صلى الله عليه وسلم -، وخالد بن سعيد بن العاص بالباب ينتظر أن يؤذن له، فنادى: "يا أبا بكر ألا تسمع ما تجهر [به] (¬2) هذِه عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم -" (¬3). ¬

_ (¬1) "المسند" ص (293). (¬2) من "المسند". (¬3) "المسند" ص (293).

الشرح

الشرح المسور بن رفاعة القرظي المديني. سمع: ابن عباس. وروى عنه: ابن إسحاق، ومالك، وسعيد بن أبي هلال (¬1). والزبير بن عبد الرحمن بن الزبير. روى عن: أبيه. وروى عنه: المسور بن رفاعة (¬2). والحديث من رواية عائشة رضي الله عنها قد تقدم (¬3) مرتين، وأما من الرواية الأولى فهو منقطع، وكذلك هو في "الموطأ" (¬4)، وكذلك رواه يحيى بن بكير عن مالك، ورواه ابن وهب عن مالك فقال: عن الزبير بن عبد الرحمن بن الزبير عن أبيه؛ أن رفاعة .... وفي الرواية أن امرأة رفاعة: تميمة بنت وهب، وقد قدمنا فيه خلافًا، وذكرنا ما لا بدّ من معرفته في شرح الحديث. وقوله: "فاعترض عنها" كأنه كنى به عن العنَّة، يقال: اعترض على الدابة، أي: نام معترضًا غير منتصب، والله أعلم. الأصل [1399] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا ابن عيينة، عن الزهري، ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (7/ ترجمة 1800)، و"الجرح والتعديل" (8/ ترجمة 1368)، و"التهذيب" (27/ ترجمة 5966). (¬2) انظر "التاريخ الكبير" (3/ ترجمة 1366)، و"الجرح والتعديل" (3/ ترجمة 2640)، و"التهذيب" (9/ ترجمة 1966). (¬3) سبق برقم (944). (¬4) "الموطأ" (2/ 531 رقم 1105).

الشرح

عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة وسليمان بن يسار، أنهم سمعوا أبا هريرة يقول: سألت عمر بن الخطاب عن رجل من أهل البحرين طلق امرأته تطليقة أو تطليقتين، ثم انقضت عدتها فتزوجها رجل غيره، ثم طلقها أو مات عنها، ثم تزوجها زوجها الأول. قال: هي عنده على ما بقي (¬1). الشرح الأثر يوافق قول الشافعي في أن الزوج الثاني لا يهدم الطلقة والطلقتين، وتعود إلى الأول بما بقي، ورواه الحميدي عن سفيان بن عيينة كما رواه الشافعي، وروى مثل ذلك الحكم بن عتيبة عن مجاهد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبي بن كعب (¬2)، وابن سيرين عن عمران بن حصين (¬3). وروى أبو بكر بن المنذر مثله عن زيد ومعاذ وعبد الله بن عمرو بن العاص. وقال أبو حنيفة: الزوج الثاني يهدم الطلقة والطلقتين كما يهدم الثلاث. ويروى ذلك عن ابن عباس وعن علي رضي الله عنهما؛ والأثبت عن علي مثل مذهبنا. الأصل [1400] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا [ابن أبي رواد] (¬4) ومسلم بن ¬

_ (¬1) "المسند" ص (294). (¬2) رواه البيهقي (7/ 365). (¬3) رواه البيهقي (7/ 365). (¬4) تحرف في "الأصل". والمثبت من "المسند".

الشرح

خالد، عن ابن جريج قال: أخبرني ابن أبي مليكة أنه سأل ابن الزبير عن الرجل يطلق امرأة فيبتها، ثم يموت وهي في عدتها. فقال عبد الله بن الزبير: طلق عبد الرحمن بن عوف تماضر بنت الأصبغ [الكلبية] (¬1) فبتها، ثم مات وهي في عدتها فورثها عثمان. قال ابن الزبير: وأما أنا فلا أرى أن ترث مبتوتة (¬2). [1401] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن ابن شهاب، عن طلحة بن عبد الله بن عوف. قال: وكان أعلمهم بذلك -وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف أن عبد الرحمن بن عوف طلق امرأته البتة وهو مريض فورثها عثمان منه بعد انقضاء عدتها (¬3). الشرح طلحة (¬4) بن عبد الله بن عوف ابن أخي عبد الرحمن بن عوف، قرشي مديني. سمع: أبا هريرة، وروى عن: عبد الرحمن بن عوف، وعثمان. سمع منه: سعد بن إبراهيم، والزهري. ولا خلاف في أن الطلاق الرجعي لا يمنع التوارث، بل ترث الرجعية إذا مات الزوج قبل انقضاء العدة، وكذلك يرث الزوج منها إذا ماتت؛ وأما المبتوتة فإن كان الطلاق في صحة الزوج فلا توارث، وإن ¬

_ (¬1) تحرف في "الأصل". والمثبت من "المسند". (¬2) "المسند" ص (294). (¬3) "المسند" ص (294). (¬4) انظر "التاريخ الكبير" (4/ ترجمة 3074)، و"الجرح والتعديل" (4/ ترجمة 2078)، و"التهذيب" (13/ ترجمة 2973).

الأصل

طلقها في مرض الموت لم يرث منها إن ماتت قبله، وهل ترث هي من الزوج؟ اختلف فيه العلماء: فعن عبد الرحمن بن عوف وابن الزبير: أنها لا ترث؛ لارتفاع النكاح بالطلاق. وهذا أظهر قولي الشافعي. ومنهم من قال: ترثه. ويروى ذلك عن عثمان وعلي رضي الله عنهما، وبه قال الزهري وأبو حنيفة ومالك. ثم عند أبي حنيفة: إنما ترثه إذا مات قبل انقضاء العدة، فإن مات بعده لم ترث. وقال مالك: ترث وإن مات بعد انقضاء العدة وبعد نكاح زوج آخر. والرواية الأولى تدل على أن عثمان ورث زوجة عبد الرحمن وقد مات في العدة، والرواية الأخرى تدل على أنه ورثها وقد مات بعد انقضاء العدة، ورجح الشافعي رواية ابن الزبير؛ لأنها متصلة ورواية ابن شهاب منقطعة لكن لها شواهد من رواية غيره. الأصل [1402] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، حدثني نافع؛ أن ابن عمر كان يقول: من أذن لعبده أن ينكح فالطلاق بيد العبد، ليس بيد غيره من طلاقه شيء (¬1). ¬

_ (¬1) في "الأصل": آخذ. والمثبت من "المسند".

الشرح

[1403] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، حدثني عبد ربه بن سعيد، عن محمَّد بن إبراهيم بن الحارث التيمي؛ أن نفيعًا مكاتبًا لأم سلمة استفتى زيد بن ثابت فقال: إني طلقت امرأة لي حرة تطليقتين، فقال زيد: حرمت عليك (¬1). [1404] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، حدثني أبو الزناد، عن سليمان بن يسار؛ أن نفيعًا مكاتبًا لأم سلمة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - وعلى آله وسلم [أو عبدًا (¬2) لها] كانت تحته امرأة حرة فطلقها اثنتين، ثم أراد أن يراجعها، فأمره أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يأتي عثمان بن عفان يسأله عن ذلك، فذهب إليه فلقيه عند الدّرج [آخذًا] (¬3) بيد زيد بن ثابت فسألهما فابتدراه جميعًا، فقالا: حرمت عليك (¬4). [1405]، أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، حدثني ابن شهاب، عن ابن المسيب؛ أن نفيعًا مكاتبًا لأم سلمة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - طلق امرأة حرّة تطليقتين، فاستفتى عثمان بن عفان، فقال عثمان: حرمت عليك (¬5). الشرح أثر ابن عمر -رضي الله عنه- يدل على أن العبد يستقل بالطلاق وإن كان يحتاج في النكاح إلى إذن السيد. وقصة نفيع مقصودها بيان أن العبد لا يملك إلا طلقتين، وإذا طلق امرأته طلقتين كان كما لو طلق الحرّ ثلاثًا، ولا فرق بين أن تكون المرأة ¬

_ (¬1) "المسند" (ص 294). (¬2) في "الأصل": له عبد. تحريف، والمثبت من "المسند". (¬3) "المسند" ص (294). (¬4) "المسند" ص (295). (¬5) "المسند" ص (295).

كتاب العدد

حرّة أو أمة، ثم في رواية محمَّد بن إبراهيم أن زيد بن ثابت أفتى بذلك نفيعًا، وفي رواية ابن المسيب أن عثمان -رضي الله عنه- أفتاه به، وفي رواية سليمان بن يسار أنهما جميعًا أفتياه به. وقوله: "عند الدرج" كأنه كان يصعد درجًا أو ينزل منها حينئذٍ. وعن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة قال: حدثني نفيع أنه كان مملوكًا وعنده حرة، فطلقها تطليقتين [فسأل] (¬1) عثمان و [زيد] (¬2) بن ثابت رضي الله عنهما فقالا: طلاقك طلاق عبد، وعدتها عدة حرة (¬3). ويروى عن ابن عمر مرفوعًا وموقوفًا طلاق الأمة اثنتان وعدتها حيضتان (¬4)، والصحيح الوقف. وعن ابن عباس أنه قال: الطلاق بالرجال والعدة بالنساء، وعن سعيد بن المسيب مثله، وعن ابن عمر أن الطلاق ينقص برق أحد الزوجين أيهما كان، وعند أبي حنيفة الاعتبار فيه بالرجال. الأصل ومن كتاب العدد إلا ما كان معادًا [1406] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة؛ أنها انتقلت حفصة بنت عبد الرحمن حين دخلت ¬

_ (¬1) تحرف في "الأصل". والمثبت من "السنن". (¬2) تحرف في "الأصل". والمثبت من "السنن". (¬3) رواه البيهقي (7/ 369). (¬4) رواه ابن ماجه (2079)، والبيهقي (7/ 369)، والدارقطني (4/ 38) مرفوعًا، ورواه البيهقي (2/ 574 رقم 1193) موقوفًا عليه. وصحح الدارقطني والبيهقي الموقوف، وكذا ضعفه الألباني مرفوعًا في الإرواء (7/ 201)، قال: والصواب وقفه على ابن عمر.

في الدم من الحيضة الثالثة. قال ابن شهاب: فذكرت ذلك لعمرة بنت عبد الرحمن فقالت: صدق عروة، وقد جادلها في ذلك ناس وقال: إن الله عزَّ وجلَّ يقول: {ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ}. فقالت عائشة: صدقتم، وهل تدرون ما الأقراء؟ الأقراء: الأطهار (¬1). [1407] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن ابن شهاب قال: سمعت أبا بكر بن عبد الرحمن يقول: ما أدركت أحدًا من فقهائنا إلا وهو يقول هذا، يريد الذي قالت عائشة رضي الله عنها (¬2). [1408] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن الزهري، عن [عمرة] (¬3) عن عائشة قالت: إذا طعنت المطلقة في الدم من الحيضة الثالثة فقد برئت منه (¬4). [1409] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن نافع وزيد بن أسلم، عن سليمان بن يسار؛ أن الأحوص هلك بالشام حين دخلت امرأته في الدم من الحيضة الثالثة، وقد كان طلقها، فكتب معاوية إلى زيد بن ثابت فسأله عن ذلك فكتب إليه زيد أنها إذا دخلت في الدم من الحيضة الثالثة فقد برئت منه وبريء منها، ولا ترثه ولا يرثها (¬5). [1410] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن الزهري، قال: حدثني سليمان بن يسار، عن زيد بن ثابت قال: إذا طعنت المطلقة ¬

_ (¬1) "المسند" ص (296). (¬2) "المسند" ص (296). (¬3) في "الأصل": عروة خطأ، والمثبت من "المسند". (¬4) "المسند" ص (296). (¬5) "المسند" ص (296).

الشرح

في الحيضة الثالثة فقد برئت منه وبريء منها، ولا ترثه ولا يرثها (¬1). الشرح حفصة: هي بنت عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق، كانت تحت المنذر بن الزبير. سمعت: عائشة عمتها. وروى عنها: عراك بن مالك (¬2). والأحوص ذكر في كتاب "معرفة السنن" للحافظ البيهقي: أنه يعني ابن حكيم، وهو الأحوص بن حكيم بن عمير، وقد سبق ذكره. ومقصود الآثار أن عائشة ذهبت إلى [أن] (¬3) المراد من القروء المذكورة في القرآن، حيث قال تعالى: "فعدتهن ثلاثة قروء" (¬4) إنما هي الأطهار، وبه قال مالك والشافعي، واحتج الشافعي بقوله تعالى: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} (¬5) والمعنى: في زمان عدتهن، كقوله تعالى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} (¬6) أي: فيه، وحذف لفظ الزمان؛ لأن العدة تستعمل مصدرًا، وقد يعبر بالمصادر عن أزمنتها كما يقال: فعلت كذا مقدم الحجيج، فكانت الآية إذنًا في الطلاق في زمان العدة. ¬

_ (¬1) "المسند" ص (297). ولم يذكر المصنف أثر ابن عمر: [1410/ 1] أخبرنا مالك، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: إذا طلق الرجل امرأته فدخلت في الدم من الحيضة الثالثة فقد برئت منه وبريء منها، ترثه ولا يرثها. (¬2) انظر "التهذيب" (35/ ترجمة 7816). (¬3) ليست في "الأصل". وأثبتها ليستقيم السياق. (¬4) كذا في الأصل أدخل المصنف آية: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} في آية: {إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ} وقد سبق ذلك مرة. (¬5) الطلاق: 1. (¬6) الأنبياء: 47.

ومن المعلوم أن الطلاق في حال الحيض حرام، فينصرف الإذن إلى زمان الطهر ويتصف زمان الطهر بكونه زمان العدة. وعند أبي حنيفة: المراد من الأقراء: الحيض. ويترتب على هذا الخلاف قدر مدة العدة، فمن حمل الأقراء على الأطهار قال: إذا طلقها وهي طاهر فحاضت ثم طهرت ثم حاضت ثم طهرت ثم حاضت؛ فقد تمت العدة، وإن طلقها وهي حائض فإذا دخلت في الحيضة الرابعة؛ فقد تمت العدة. وهل يحكم بانقضاء العدة [برؤية] (¬1) الدم للحيضة الثالثة أو الرابعة، أم يعتبر مضي يوم وليلة؟ فيه قولان للشافعي: أحدهما: أنه يعتبر ليعلم أن الذي ظهر دم الحيض، وأن القرء الثالث قديم. وأظهرهما: أنه يحكم به ولا يعتبر مضي يوم وليلة، ويكتفى بظاهر الحال، وتدل عليه الآثار المذكورة في الفصل فإنهم قالوا حين دخلت في الحيضة الثالثة: وإذا طلعت في الحيضة الثالثة وإطلاقهم "الحيضة الثالثة" أجروه فيما إذا طلقها للسنة وهو الطلاق في حال الطهر. وقوله: "انتقلت" وضعه موضع "نقلت"، ويمكن أن تكون لغة كقوله: مدح وامتدح. وقوله: "فقد برئت منه وبريء منها" أي: حصلت البينونة وتأكدت الفرقة وانقطعت المسرات. ومن قال أن الأقراء: الحيض، قال: إذ طلقت في الطهر لم تنقضِ ¬

_ (¬1) تحرف في "الأصل". والمثبت هو الصواب إن شاء الله.

الأصل

العدة ما لم تطهر من الحيضة الثالثة، وإذا طلقت في الحيض لم تنقض ما لم تطهر من الحيضة الرابعة، واشترط أبو حنيفة مع ذلك إن انقطع دمها لما دون أكثر الحيض أن تغتسل أو تيمم إذا عجزت عن استعمال الماء، ويؤكد الأيام المذكورة ما رواه أيوب عن نافع عن ابن عمر قال: إذا دخلت في الحيضة الثالثة فلا رجعة له عليها (¬1). وعن سليمان بن يسار قال: قال زيد بن ثابت: إذا رأت المطلقة قطرة من الدم في الحيضة الثالثة فقد انقضت عدتها (¬2). ويروى مثل ذلك عن القاسم بن محمَّد وسالم بن عبد الله وأبي بكر بن عبد الرحمن وسليمان بن يسار وابن شهاب. قال مالك: وذلك الأمر الذي أدركت عليه أهل العلم ببلدنا. الأصل [1411] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن محمَّد بن يحيى بن حبان أنه كان عند جدّه هاشمية وأنصارية، فطلق الأنصارية وهي ترضع، فمرت بها سنة ثم هلك ولم تحض. فقالت: أنا أرثه، لم أحض؛ فاختصموا إلى عثمان -رضي الله عنه- فقضى للأنصارية بالميراث، فلامت الهاشمية عثمان. فقال: هذا عمل ابن عمك هو أشار علينا بهذا، يعني: علي بن أبي طالب (¬3). [1412] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سعيد بن سالم، عن ابن ¬

_ (¬1) رواه البيهقي (7/ 415). (¬2) رواه البيهقي (7/ 415). (¬3) "المسند" ص (297).

جريج، عن عبد الله بن أبي بكر، أخبره أن رجلًا من الأنصار يقال له: حبان بن منقذ طلق امرأته وهو صحيح وهي ترضع ابنته، فمكثت سبعة عشر شهرًا لا تحيض يمنعها الرضاع أن تحيض، ثم مرض حبان بعد أن طلقها سبعة أشهر أو ثمانية. فقلت له: إن امرأتك تريد أن ترث. فقال لأهله: احملوني إلى عثمان، فحملوه إليه، فذكر له شأن امرأته وعنده علي بن أبي طالب وزيد بن ثابت، فقال لهما عثمان: ما تريان؟ [فقالا] (¬1): نرى أنها ترثه إن مات ويرثها إن ماتت (¬2)، فإنها ليست من القواعد اللاتي قد يئسن من المحيض وليست من الأبكار [اللاتي] (¬3) لم يبلغن المحيض، ثم هي على عدة حيضها ما كان من قليل أو كثير، فرجع حبان إلى أهله فأخذ ابنته، فلما فقدت الرضاع حاضت حيضة ثم حاضت حيضة أخرى، ثم توفي حبان قبل أن تحيض الثالثة، فاعتدت عدة المتوفى عنها زوجها وورثته (¬4). [1413] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن يحيى بن سعيد ويزيد بن عبد الله بن قسيط، عن ابن المسيب أنه قال: قال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: أيما امرأة طلقت فحاضت حيضة أو حيضتين ثم رفعتها حيضة فإنها تنتظر تسعة أشهر، فإن بان بها حمل فذلك، وإلا اعتدت بعد التسعة ثلاثة ¬

_ (¬1) في "الأصل": قال. تحريف، والمثبت من "المسند". (¬2) زاد في "الأصل": قال. وهي ليست في "المسند" ولا "الأم"، والكلام لعلي وزيد رضي الله عنهما. (¬3) في "الأصل": التي. والمثبت من "المسند". (¬4) "المسند" ص (297).

الشرح

أشهر ثم حلّت (¬1). الشرح حبان: هو ابن منقذ بن عمرو بن مالك الأنصاري المازني، من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، شهد أحدًا وما بعدها، وهو والد واسع بن حبان ويحيى بن حبان، والحاء من حبان مفتوحة (¬2). والأثر الأول رواه الشافعي عن مالك عن محمَّد بن يحيى بن حبان، ورواه غيره عن مالك عن يحيى بن سعيد عن محمَّد بن يحيى، وهو مختصر ما رواه ابن جريج عن عبد الله بن أبي بكر. وروى الشافعي (¬3) عن سعيد بن [سالم عن] (¬4) ابن جريج أنه بلغه عن عمر بن عبد العزيز في قصة حبان مثلما رواه عبد الله بن أبي بكر. والمقصود أن غير الحامل من المطلقات إن كانت آيسة تعتد بثلاثة أشهر، وكذا إن لم تحض قط، قال الله تعالى: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} (¬5). وذات الأقراء تعتد بثلاثة أقراء على ما قال تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} (¬6) فإن تباعدت حيضتهما نظر إن كان ذلك لسبب ظاهر من رضاع أو نفاس أو مرض فتصبر إلى أن تحيض فتعتد بالأقراء، أو إلى أن تبلغ سن اليأس فتعتد بالأشهر ولا تبالي بطول مدة الانتظار، ومن هذا القبيل قصة امرأة حبان، وفيها انتقلت بموته إلى عدة الوفاة، وإن لم يكن له سبب ظاهر ففيه قولان للشافعي: ¬

_ (¬1) "المسند" ص (298). (¬2) انظر "الإصابة" (2/ ترجمة 1556). (¬3) "الأم" (5/ 212). (¬4) سقط من "الأصل". (¬5) البقرة: 228. (¬6) الطلاق: 4.

الأصل

قال في "القديم": تتربص زمان غالب الحمل لتعرف فراغ الرحم، ثم تعتد بثلاثة أشهر؛ لأن الانتظار إلى سن اليأس شديد الضرر، وهذا مذهب عمر -رضي الله عنه-، وفي بعض الروايات: "ثم ارتفعت حيضتها" بدل قوله "ثم رفعتها حيضة" وإليه ذهب مالك وأحمد. وقال في "الجديد": تصبر إلى أن تحيض أو تبلغ سن اليأس كما لو انقطع دمها لعارض معلوم، وبهذا قال عطاء وأبو الشعثاء والزهري وأبو حنيفة. وروي عن إبراهيم، عن علقمة، أنه طلق امرأته تطليقة أو تطليقتين، فحاضت حيضة أو حيضتين ثم ارتفع حيضها سبعة عشر شهرًا أو ثمانية عشر شهرًا ثم ماتت، فجاء إلى ابن مسعود فسأله فقال: حبس الله عليك ميراثها فورثه منها (¬1). ويقال أن الشافعي حمل قول عمر بن الخطاب في "الجديد" على التي نقولها إلى سن اليأس تسعة أشهر (¬2). الأصل [1414] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مسلم، عن ابن جريج، عن ليث بن أبي سليم، عن طاوس، عن ابن عباس، أنه قال في الرجل ¬

_ (¬1) رواه عبد الرزاق (11104)، وابن أبي شيبة (4/ 168)، والبيهقي (7/ 419) واللفظ له. (¬2) قال البيهقي في "السنن" (7/ 419): إلى ظاهر هذا (أي مذهب عمر) كان يذهب الشافعي في القديم ثم رجع عنه في الجديد إلى قول ابن مسعود، وحمل كلام عمر على كلام عبد الله فقال: قد يحتمل قول عمر أن يكون في المرأة قد بلغت السنن التي من بلغها من نسائها يئسن من المحيض، فلا يكون مخالفًا لقول ابن مسعود، وذلك وجه عندنا.

الشرح

يتزوج المرأة فيخلو بها ولا يمسها ثم يطلقها: ليس لها إلا نصف الصداق؛ لأن الله تعالى يقول: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} (¬1). الشرح إذا طلق امرأته قبل المسيس تشطر المهر وإن خلا بها، ولا يتقرر المهر بالخلوة؛ قال تعالى: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} الآية (¬2)، وبهذا حكم ابن عباس واحتج بظاهر الآية، ويوافقه ما روي عن ابن مسعود أنه قال: لها نصف الصداق وإن جلس بين رجليها (¬3). وعن شريح؛ أن رجلًا تزوج امرأة فأغلق الباب وأرخى الستر ثم طلقها ولم يمسها فقضى لها شريح بنصف الصداق (¬4). وهذا قول الشافعي في "الجديد"، وقال في القديم: لها جميع الصداق؛ لما روي عن عمر بن الخطاب؛ أنه قضى بجميع الصداق إذا أرخيت الستور (¬5). وعن عمر وعلي أنهما قالا: إذا أغلق بابًا وأرخى سترًا، فلها الصداق كاملًا (¬6). ويروى مثله عن زيد بن ثابت، وبه قال أبو حنيفة وشرط أن لا يكون بها مانع شرعي كالحيض والنفاس والإحرام، ولا حسّي كالرتق والقرن، وربما حمل قول عمر -رضي الله عنه- على وجوب تسليم ¬

_ (¬1) "المسند" ص (298). (¬2) البقرة: (237). (¬3) رواه ابن أبي شيبة (3/ 520)، والبيهقي (7/ 255) من طريق فراس عن الشعبي عنه. قال البيهقي: وفيه انقطاع بين الشعبي وبين ابن مسعود. (¬4) رواه البيهقي (7/ 255). (¬5) رواه مالك (2/ 528 رقم 1100). (¬6) رواه عبد الرزاق (10863).

الأصل

المهر وتنزيل الخلوة منزلة قبل المبيع. الأصل [1415] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن محمَّد بن عبد الرحمن مولى آل طلحة، عن سليمان بن يسار، عن عبد الله بن عتبة، عن عمر بن الخطاب أنه قال: ينكح العبد امرأتين، ويطلق تطليقتين، وتعتد الأمة حيضتين، فإن لم تكن تحيض فشهرين أو شهرًا ونصفًا. قال سفيان: وكان ثقة (¬1). [1416] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن عمرو بن دينار، عن عمرو بن أوس الثقفي، عن رجل من ثقيف، أنه سمع عمر بن الخطاب يقول: لو استطعت لجعلتها حيضة ونصفًا، فقال رجل: فاجعلها شهرًا ونصفًا؟ فسكت عمر (¬2). الشرح محمَّد: هو ابن عبد الرحمن بن عبيد مولى آل طلحة بن عبيد القرشي كوفي، وثقه ابن عيينة. سمع: السائب بن يزيد، وعيس ابن طلحة. وروى عنه: الثوري، وإسرائيل، وشعبة (¬3). وفي الأثر أحكام: أحدها: أن العبد لا يجمع بين أكثر من امرأتين في النكاح، ¬

_ (¬1) "المسند" ص (298). (¬2) "المسند" ص (298). (¬3) انظر "التاريخ الكبير" (1/ ترجمة 437)، و"الجرح والتعديل" (7/ ترجمة 1721)، و"التهذيب" (25/ ترجمة 5402).

الأصل

ويروى عن علي -رضي الله عنه- أنه قال: ينكح العبد اثنتين لا يزيد عليهما (¬1). وعن الحكم قال: أجمع أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أن المملوك لا يجمع من النساء فوق اثنتين (¬2). والثاني: العبد لا يملك إلا طلقتين، ويدل عليه ما مرّ من قصة نفيع مكاتب أم سلمة. والثالث: أن الأمة تعتد بحيضتين، وقد سبقت الرواية فيه عن ابن عمر، فإن لم تكن من ذوات الأقراء فتعتد بشهرين بدلًا عن القرأين أو بشهر ونصف؛ لأن الأصل فيما يبعض بالرق التشطير، والطهر والحيض لا ينضبط حين ينشطر أما الشهر فهو مضبوط، أو بثلاثة أشهر؛ لأن الماء لا يظهر أثره في الرحم ولا يعرف العمل إلا في هذه المدة؟ فيه ثلاثة أقوال للشافعي، وبالثاني قال أبو حنيفة، ورجحه كثير من الأصحاب. وقوله: "فشهرين أو شهرًا ونصفًا" كأنه أجراه مترددًا فيه. وقول الرجل في الرواية الأخرى: "فاجعلها شهرًا ونصفًا" وسكوت عمر عقيبه يمكن أن يكون رضا منه بما قاله الرجل ودفعًا للتردد، ويمكن أن يكون التردد باقيًا، وأن يكون السكون لأنه لم يره بعيدًا. الأصل [1417] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن نافع، عن ابن عمر، أنه قال في أم الولد يتوفى عنها سيدها: تعتد بحيضة (¬3). ¬

_ (¬1) رواه البيهقي (7/ 158). (¬2) رواه ابن أبي شيبة (3/ 465). (¬3) "المسند" ص (298).

الشرح

الشرح إذا عتقت المستولدة بموت السيد لزمها الاستبراء؛ لهذا الأثر، ووجه ذلك من جهة المعنى بأنها كانت فراشًا للسيد، وزوال الفراش يقتضي التربص لزوال الفراش عن الحرة، والأثر يدل على الاكتفاء بقرءٍ واحد، وعلى أن القرء في الاستبراء: الحيض؛ فإنه الذي يدل على براءة الرحم. وقال أبو حنيفة: تستبريء بثلاثة أقراء؛ لأنها حرة حينئذٍ. وعن أحمد رواية: أنها تعتد عدة الوفاة. ولو أعتق السيد مستولدته أو أمته التي وطئها وجب الاستبراء أيضًا، ولو كانت المستولدة عند موت السيد منكوحة أو في عدة نكاح لم يلزمها الاستبراء. الأصل [1418] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن عبد ربه بن سعيد بن قيس، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: سئل ابن عباس وأبو هريرة عن المتوفى عنها زوجها وهي حامل. فقال ابن عباس: آخر الأجلين، وقال أبو هريرة: إذا ولدت فقد حلت، فدخل أبو سلمة على أم سلمة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - فسألها عن ذلك. فقالت: ولدت سبيعة الأسلمية بعد وفاة زوجها بنصف شهر فخطبها رجلان شاب وكهل، فخطبت إلى الشاب، فقال الكهل: لم تحلل وكان أهلها غيبًا ورجا إذا جاء أهلها أن يؤثروه بها، فجاءت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "قد حللت فانكحي من شئت" (¬1). ¬

_ (¬1) "المسند" ص (299).

الشرح

[1419] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن يحيى بن سعيد، عن سليمان بن يسار؛ أن ابن عباس وأبا سلمة اختلفا في المرأة تنفس بعد وفاة زوجها بليال، فقال ابن عباس: آخر الأجلين. وقال أبو سلمة: إذا نفست فقد حلت. قال: فجاء أبو هريرة فقال: أنا مع ابن أخي -يعني: أبا سلمة- فبعثوا كريبًا مولى ابن عباس إلى أم سلمة يسألها عن ذلك، فجاءهم فأخبرهم أنها قالت: قد ولدت سبيعة الأسلمية بعد وفاة زوجها بليال، فذكرت ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال لها: "قد حللت فانكحي" (¬1). [1420] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن المسور بن مخرمة؛ أن سبيعة الأسلمية نفست بعد وفاة زوجها بليال، فجاءت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاستأذنته في أن تنكح فأذن لها (¬2). [1421] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن نافع، عن ابن عمرة أنه سئل عن المرأة يتوفى عنها زوجها وهي حامل؟ فقال ابن عمر: إذا وضعت حملها فقد حلت، فأخبره رجل من الأنصار أن عمر بن الخطاب قال: لو ولدت وزوجها على سرير لم يدفن لحلت (¬3). الشرح عبد ربه بن سعيد بن قيس: هو النجاري الأنصاري أخو يحيى بن سعيد، ويقال له: عبد رب أيضًا. ¬

_ (¬1) "المسند" ص (299). (¬2) "المسند" ص (299). (¬3) "المسند" ص (299).

روى عن: عمران بن أبي أنس، وغيره. وروى عنه: عطاء بن أبي رباح، وشعبة، وحماد بن سلمة (¬1). وحديث سبيعة قد سبق في الكتاب من رواية الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن أبيه عن سبيعة مرسلًا، وذكرنا أنه مخرج في "الصحيحين" (¬2) موصولًا، وهو من رواية أم سلمة مخرج فيهما أيضًا، رواه مسلم (¬3) عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن يزيد بن هارون عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار، وأخرجه البخاري (¬4) من وجه آخر، وأخرجه البخاري (¬5) من رواية المسور بن مخرمة، عن يحيى بن قزعة عن مالك. والقصة دالة على أن الحامل المتوفى عنها زوجها تنقضي عدتها بوضع الحمل، وبه قال أكثر أهل العلم من الصحابة فمن بعدهم، ويروى عن ابن مسعود أنه قال: من شاء لاعنته، ما نزلت {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} إلا بعد آية المتوفى عنها زوجها، إذا وضعت المتوفى عنها فقد حلت (¬6). يريد بآية المتوفى عنها: قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا} (¬7) كأنه أشار إلى أن تلك الآية ناسخة لهذِه، ويروى أنه قال: ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (6/ ترجمة 1760)، و"الجرح والتعديل" (6/ ترجمة 213)، و"التهذيب" (16/ ترجمة 3739). (¬2) "صحيح البخاري" (3991)، ومسلم (1484/ 56). (¬3) "صحيح مسلم" (1485/ 57). (¬4) "صحيح البخاري" (4909). (¬5) "صحيح البخاري" (5320). (¬6) رواه النسائي (6/ 197) من طريق علقمة بن قيس عنه بلفظه، ورواه أبو داود (2307)، والنسائي (6/ 197)، وابن ماجه (2035) من طريق مسروق عنه بلفظ آخر. (¬7) البقرة: 234.

الأصل

أتجعلون عليها التغليظ ولا تجعلون لها الرخصة (¬1). أي: أن قد يمتد حملها تسعة أشهر فصاعدًا ولا يحكم بانقضاء عدتها ما لم تضع، فإذا ألزمت هذا التغليظ جاز أن يحكم لها بانقضاء العدة ويخفف الأمر عليها إذا وضعت قبل أربعة أشهر وعشر، وهذا مذهب عمر وابن عمر رضي الله عنهما على ما يبينه الأثر الذي رواه نافع، وعن علي وابن عباس رضي الله عنهما أنهما قالا: تتربص آخر الأجلين وأربعة أشهر وعشر. الأصل [1423] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا عبد المجيد، عن ابن جريج، عن أبي الزبير، عن جابر أنه قال: ليس للمتوفى عنها زوجها نفقة، حسبها الميراث (¬2). [1423] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن هشام، عن أبيه أنه قال في المرأة البادية يتوفى عنها زوجها: أنها تنتوي حيث ينتوي أهلها (¬3). [6424] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا عبد المجيد، عن ابن جريج، عن هشام، عن أبيه وعن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة مثله أو مثل معناه لا يخالفه (¬4). الشرح للشافعي -رضي الله عنه- قولان في أن المعتدة المتوفى عنها زوجها هل تستحق السكنى؟ وقد ذكرناهما من قبل في شرح حديث فريعة بنت مالك. ¬

_ (¬1) رواه البخاري (4532). (¬2) "المسند" ص (300). (¬3) "المسند" ص (300). (¬4) "المسند" ص (300).

وأما النفقة فإنها لا تستحقها حاملًا كانت أو حائلًا عند أكثر أهل العلم، ومنهم جابر المروي عنه الأثر، قال الحافظ أبو بكر البيهقي (¬1): والوقف على جابر هو المحفوظ، ورواه بعضهم عن أبي الزبير عن جابر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرفوعًا أنه قال في الحامل المتوفى عنها زوجها: "لا نفقة لها" (¬2). وعن عمرو بن دينار أن ابن الزبير كان يعطي لها النفقة حتى بلغه أن ابن عباس قال: لا نفقة لها، فرجع عن قوله (¬3). وقوله: "حسبها الميراث" كأنه أشار به إلى ما ذكر أن آية الميراث تفرض لها الربع أو الثمن لها نسخت ما كان لها من النفقة، وقد ذكر المفسرون في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا} (¬4): أن في ابتداء الإِسلام إذا مات الرجل لم يكن لامرأته من الميراث شيء إلا السكنى والنفقة سنة ما لم تخرج من بيت زوجها، وكان المتوفى يوصي بذلك لها، وكان يجب عليها الصبر عن التزوج سنة، ثم نسخ ذلك بالربع والثمن، وتعددت عدة الوفاة بأربعة أشهر وعشر. وقوله: {وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ} من رفع قال: المعنى فعليهم وصية لأزواجهم، ومن نصب قال: المعنى فليوصوا وصية. وقوله: {مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ} أي: متعوهن متاعًا من غير إخراج. وأما الأثر الثاني: ففي بعض النسخ "المرأة البدوية" بدل "البادية". ¬

_ (¬1) "السنن الكبير" (7/ 430). (¬2) رواه الدارقطني (4/ 22 رقم 61) من طريق محمَّد بن عبد الله الرقاشي، عن حرب بن أبي العالية، عنه. (¬3) رواه البيهقي (7/ 431). (¬4) البقرة: 234.

الأصل

وقيل: تنتوي أي: تنتقل وتتحول وقد تفسر بتقصد، وانتوى ونوى بمعنى واحد، والمقصود أن موضع نزول البدوية مسكنها فلا تفارقه، نعم إذا ارتحل أهلها فتعد في الارتحال معهم، والأثر يؤيد القول الصائر إلى أن المتوفى عنها زوجها تستحق السكنى. الأصل [1425] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن عبد الله بن أبي بكر بن محمَّد بن عمرو بن حزم، عن حميد بن نافع، عن زينب بنت أبي سلمة أنها أخبرته هذه الأحاديث الثلاثة: قالت زينب: دخلت على أم حبيبة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - حين توفي أبو سفيان، فدعت بطيب فيه صفرة خلوق أو غيره فدهنت منه جارية، ثم مسحت بعارضيها، ثم قالت: والله ما لي بالطيب من حاجة غير أني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحدّ على ميت فوق ثلاث ليال إلا على زوج أربعة أشهر وعشرًا". وقالت زينب: دخلت على زينب بنت جحش حين توفي أخوها عبد الله فدعت بطيب فمسّت منه، ثم قالت: ما لي بالطيب من حاجة غير أني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول على المنبر: "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحدّ على ميت فوق ثلاث ليال، إلا على زوج أربعة أشهر وعشرًا". قالت زينب: وسمعت أمي أم سلمة تقول: جاءت امرأة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله، إن ابنتي توفي عنها زوجها، وقد اشتكت عينيها، أفنكحلها؟

الشرح

فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا" مرتين أو ثلاثًا كل ذلك يقول: لا، ثم قال: "إنما هي أربعة أشهر وعشرًا، قد كانت إحداكن في الجاهلية ترمى بالبعرة على رأس الحول". قال حميد: فقلت لزينب وما ترمى بالبعرة على رأس الحول؟ فقالت زينب: كانت المرأة إذا توفي عنها زوجها دخلت حفشًا ولبست شرّ ثيابها ولم تمسّ طيبًا ولا شيئًا حتى تمرّ بها سنة، ثم تؤتى بدابةٍ حمارٍ أو شاةٍ أو طير فتقبص به فقلما تقبص بشيء إلا مات، ثم تخرج فتعطى بعرة فترمي بها ثم تراجع بعد ما شاءت من طيب أو غيره. قال الشافعي: الحفش: البيت الصغير الذليل من الشعر والبناء وغيره، والقبص: أن تأخذ من الدابة موضعًا بأطراف أصابعها، والقبض: الأخذ باليد كلها (¬1). [1426] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن نافع، عن صفية بنت أبي عبيد، عن عائشة وحفصة، أو عائشة أو حفصة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر [أن] (¬2) تحدّ على ميتٍ فوق ثلاث ليال، إلا على زوج أربعة أشهر وعشرًا" (¬3). الشرح حميد (¬4) بن نافع مديني. ¬

_ (¬1) "المسند" ص (300). (¬2) من "المسند". (¬3) "المسند" ص (301). (¬4) انظر "التاريخ الكبير" (2/ ترجمة 2702)، و"الجرح والتعديل" (3/ ترجمة 1008)، و"التهذيب" (7/ ترجمة 1540).

روى عن: زينب بنت أبي سلمة. وروى عنه: يحيى بن سعيد الأنصاري، وأيوب بن موسى، وعبد الله بن أبي بكر بن محمَّد بن عمرو بن حزم، وشعبة. وعن شعبة أن حميدًا هذا هو حميد بن نافع أبو أفلح الأنصاري مولى صفوان بن خالد، وقد روى عن ابن عمر. وروى عنه: عبد الرحمن بن القاسم، وأفلح المديني. ويقال أنه غيره (¬1). وأم حبيبة: هي رملة بنت أبي سفيان صخر بن حرب الأموية إحدى أمهات المؤمنين. روت عن: النبي - صلى الله عليه وسلم - وعن زينب بنت جحش. وروى عنها: عنبسة أخوها، وحبيبة ابنتها، وزينب بنت أبي سلمة. وكانت قبل أن يزوجها النبي - صلى الله عليه وسلم - تحت عبيد الله بن جحش، وكان قد هاجر بها إلى أرض الحبشة فتنصر هناك ومات على التنصر، وتزوجها النبي - صلى الله عليه وسلم - سنة ست من الهجرة، وتوفيت سنة أربع وأربعين (¬2). وزينب بنت جحش بن رئاب بن يعمر بن صبرة بن مرة بن كبير بن غنم بن دودان بن أسد بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر الأسدي، إحدى أمهات المؤمنين. وكان اسمها برّة فسماها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زينب، وأمها أميمة بنت عبد المطلب، وتزوجها النبي - صلى الله عليه وسلم - سنة خمس من الهجرة، وكانت تحت ¬

_ (¬1) جعلهما البخاري اثنان وميز بينهما؛ وأما أبو حاتم الرازي فجعلهما واحدًا. والله أعلم. (¬2) انظر "معرفة الصحابة" (6/ ترجمة 3749، 4065)، و"الإصابة" (7/ ترجمة 11185).

زيد بن حارثة قبله (¬1). وعبد الله أخوها: هو ابن جحش بن رئاب الأسدي، كان مجاب الدعوة وشهد بدرًا. روى عنه: سعد بن أبي وقاص. وقد يفهم سياق الحديث أن وفاته كان بعد زمان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، لكن عن محمَّد بن إسحاق وغيره أنه ممن استشهد يوم أحد (¬2). والأحاديث الثلاثة من رواية حميد عن زينب في قرن واحد، رواها البخاري في "الصحيح" (¬3) عن عبد الله بن يوسف، ومسلم (¬4) عن يحيى بن يحيى، بروايتهما عن مالك، وقالا: فتفتض به فقلما تفتض بشيء إلا مات. وكذلك هو في "الموطأ" (¬5) من رواية أبي مصعب، وقال في حديث أم حبيبة: "ثم مست [بعارضيها] (¬6) ". ورواه أيوب بن موسى عن حميد فقال: "فمسحت عارضيها وذراعيها". وحديث نافع عن صفية بنت أبي عبيد أخرجه مسلم في "الصحيح" (¬7) عن قتيبة عن الليث عن نافع على الشك في الرواية عنهما ¬

_ (¬1) انظر "معرفة الصحابة" (6/ ترجمة 3741، 3882)، و"الإصابة" (7/ ترجمة/1122). (¬2) انظر "معرفة الصحابة" (3/ ترجمة 1592)، و"الإصابة" (4/ ترجمة 4586). (¬3) "صحيح البخاري" (5335) (¬4) "صحيح مسلم" (1486/ 58). (¬5) "الموطأ" (2/ 597 رقم 1247). (¬6) في "الأصل": به بطنها. تحريف، والمثبت من "الموطأ". وعارضيها: هما جانبا الوجه فوق الذقن إلى ما دون الأذن. (¬7) "صحيح مسلم" (1490/ 63).

أو عن إحديهما، ورواه (¬1) عن محمَّد بن المثنى عن عبد الوهاب عن يحيى ابن سعيد عن نافع، عن صفية بنت أبي عبيد، عن حفصة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من غير شك، ورواه سفيان بن عيينة عن الزهري عن عروة عن عائشة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. وفي الباب عن أم عطية عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. وقوله: "تحدّ على ميت" يروى: تحُدّ وتحِدّ، ويقال: حدّت المرأة وأحدّت حدادًا وإحدادًا، أي: امتنعت من الزينة والتطيب، وأصل الكلمة المنع. وقوله: "فوق ثلاث" يوهم أو يشعر بأنه لا بأس بالحداد مدة الثلاث فما دونها. وقوله: "إلا على زوج أربعة أشهر وعشرًا" لا يقتضي إيجاب الحداد على الزوج في هذه المدة؛ وإنما الذي يقتضيه سياق الحديث نفي التحريم، وقد يحتج للوجوب بأنه - صلى الله عليه وسلم - منع من أن تكحل المرأة مع اشتكاء العين، فظاهر المنع والنهي التحريم، وتحريم التزين يتضمن وجوب الحداد، وجوز الأصحاب في المذهب [الاكتحال] (¬2) بسبب الرمد عند الحاجة، فلعل النبي - صلى الله عليه وسلم - منع لأنه عرف أنه ليس الموضع موضع الحاجة. والحفش: فسره الشافعي بالبيت الصغير الذليل (¬3) القريب السَّمْكِ، وعن مالك أنه الصغير الخرب، وأصله الدُّرْج، والجمع: ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (1490/ 64). (¬2) قطع في "الأصل". والمثبت الصواب إن شاء الله. (¬3) زاد في "الأصل": إلى. مقحمة.

أحفاش، شبه به البيت الصغير، وقيل: هو شبه القفة تجمع المرأة فيه غزلها ونحوه. وقوله: "فتقبص به" رواه الشافعي بالقاف والباء والصاد وفسره، وقرأ بعضهم: "فقبصت قبصة من أثر الرسول" بالصاد، والمشهور: "فتفتض" على ما قدمنا، أي: تمسح به قبلها فتموت الدابة لقذارتها وقبح ريحها، سمي ذلك افتضاضًا؛ لأنه كسر لعدتها وما كانت فيه من قبل، والفضّ: الكسر، أو لأنها كانت تزيل به عن نفسها ما كانت فيه وتزول عن مكانها الذي اعتدت فيه، والفضّ: التفريق، والانفضاض: التفرق، وقيل: تفتض، أي: تمسح بيدها على ظهره كأنها تتنظف به وتغتسل بعده وتنتقي من درنها حتى تصير كالفضة، ونقل اللفظة بعضهم: "فتقبص" بالقاف والباء والصاد. ولم كانت [المرأة] (¬1) ترمي بالبعرة بعد الحول؟ أشير فيه إلى معنيين: أحدهما: أن جلوسها في البيت وحبسها نفسها سنة في ضيق من العيش كان أهون عليها من رمي هذِه البعرة. والثاني: أن تحمل جميع ذلك حقير في جنب ما يجب من حق الزوج مثل حقارة البعرة. وقوله: "قد كانت إحداكن في الجاهلية ترمي بالبعرة على رأس الحول" يبين أنهن كن يعتددن في الجاهلية بحول، وكذلك كان الأمر في ابتداء الإِسلام، حتى نسخ بقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ} الآية (¬2). ¬

_ (¬1) تحرف في "الأصل" والمثبت الصواب إن شاء الله. (¬2) البقرة: 234.

الأصل

الأصل [1427] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن ابن شهاب عن ابن المسيب وسليمان بن يسار؛ أن طليحة كانت تحت رشيد الثقفي فطلقها البتة، فنكحت في عدتها فضربها عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وضرب زوجها بالخفقة ضربات وفرق بينهما، ثم قال عمر بن الخطاب: أيما امرأة نكحت في عدتها فإن كان زوجها الذي تزوجها لم يدخل بها فرق بينهما، ثم اعتدت بقية عدتها من زوجها الأول، وكان خاطبًا من الخطاب؛ وإن كان دخل بها فرق بينهما ثم اعتدت بقية عدتها من الزوج الأول، ثم اعتدت من الآخر، ثم لم ينكحها أبدًا. قال سعيد: ولها مهرها بما استحل منها (¬1). [1428] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا يحيى بن حسان، عن جرير، عن عطاء بن السائب، عن زاذان أبي عمر، عن علي -رضي الله عنه-[أنه] (¬2) قضى في التي تزوج في عدتها: أنه يفرق بينهما ولها الصداق بما استحلّ من فرجها، وتكمل ما أفسدت من عدة الأول وتعتد من الآخر (¬3). الشرح جرير بن حازم، أبو النضر العتكي الأزدي البصري. سمع: الحسن، وابن سيرين. وروى عنه: ابنه وهب، والثوري، وابن المبارك. ¬

_ (¬1) "المسند" ص (301). (¬2) في "الأصل": قال. سبق قلم. والمثبت من "المسند". (¬3) "المسند" ص (301).

مات سنة سبعين ومائة (¬1). وزاذان أبو عمر، وقيل: أبو عبد الله مولى كندة. سمع: عليًّا، وابن مسعود، وابن عمر. وروى عنه: ذكوان أبو صالح، وأبو رجاء الأحمسي، وعمرو بن مرة (¬2). وفقه أثر عمر - رضي الله عنه - أن المعتدة لا تنكح، وضرب عمر الزوجين تعزيرًا لهما وفرق بينهما. وقوله: "ثم اعتدت بقية عدتها من زوجها الأول" يشير إلى أن زمان استفراش الثاني لها لا يحسب من العدة. قوله: "وكان خاطبًا من الخطاب" يريد أن الزوج الثاني إذا لم يدخل بها فله إذا كملت عدة الأول أن يخطبها وينكحها. وقوله: فيما إذا كان قد دخل بها: "ثم لم ينكحها أبدًا" يقال: أنه مذهب تفرد به عمر -رضي الله عنه-كأنه عامله لمّا استعجل بنقيض قصده، كما أن القاتل يحرم الميراث معاقبة له بنقيض قصده. وفيه أن العدتين من شخصين لا يتداخلان بل تكمل العدة من الأول إذا فرق بينهما ثم تعتد من الثاني، وبه قال علي وابن مسعود وعمر بن عبد العزيز، وذهب بعضهم إلى تداخلهما، وبه قال أبو حنيفة ومالك؛ وعلى هذا إذا انتقضت الأقراء من وقت مفارقة الثاني فقد تمت عدتها منهما، وهذا كله فيما إذا لم يكن حمل؛ فإن كان فتقدّم عدّة ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (2/ ترجمة 2234)، و"الجرح والتعديل" (2/ ترجمة 2079)، و"التهذيب" (4/ ترجمة 913). (¬2) "التاريخ الكبير" (3/ ترجمة 1455)، و"الجرح والتعديل" (3/ ترجمة 2781)، و"التهذيب" (9/ ترجمة 1945).

الأصل

الحمل، فإن كان الحمل من الأول استأنفت العدّة للثاني من وقت الوضع، وإن كان من الثاني أكملت بقية العدّة الأولى بعد الوضع. الأصل [1429] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا عبد المجيد، عن ابن جريج، عن ابن شهاب، عن سالم بن عبد الله، عن عبد الله أنه كان يقول: لا يصلح للمرأة أن تبيت ليلة واحدة إذا كانت في عدة وفاةٍ أو طلاقٍ إلا في بيتها (¬1). [1430] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، (¬2) عن عبد العزيز، عن محمَّد بن عمرو، عن محمَّد بن إبراهيم، أن عائشة رضي الله عنها كانت تقول: اتقي الله يا فاطمة، فقد علمت في أي شيء كان ذلك (¬3). [1431] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن عبد الله بن يزيد مولى الأسود بن سفيان، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن فاطمة بنت قيس؛ أن أبا عمرو بن حفص طلقها البتة وهو غائب بالشام ... ، فذكر الحديث وقال فيه: فجاءت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكرت ذلك له، فقال: "ليس لك عليه نفقة" وأمرها أن تعتد في بيت أم شريك، ثم قال: "تلك امرأة يغشاها أصحابي، فاعتدِّي عند ابن أم مكتوم فإنه رجل أعمى تضعين ثيابك" (¬4). [1432] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا إبراهيم بن أبي يحيى، عن عمرو بن ميمون بن مهران، عن أبيه قال: قدمت المدينة فسألت عن أعلم ¬

_ (¬1) "المسند" ص (302). (¬2) زاد في "الأصل": أبنا مالك. وهو سبق نظر. (¬3) "المسند" ص (302). (¬4) "المسند" ص (302)

أهلها، فدفعت إلى سعيد بن المسيب، فسألته عن المبتوتة فقال: تعتد في بيت زوجها. فقلت: أين حديث فاطمة بنت قيس؟! فقال: هاه، ووصف تغيظه، وقال: إنه فتنت فاطمة الناس، وكانت للسانها ذرابة فاستطالت على أحمائها، فأمرها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن تعتد في بيت ابن أم مكتوم (¬1). [1433] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن يحيى بن سعيد، عن القاسم وسليمان بن يسار؛ أنه سمعهما يذكران أن يحيى بن سعيد بن العاص طلق ابنة عبد الرحمن بن الحكم البتة، فانتقلها عبد الرحمن بن الحكم، فأرسلت عائشة إلى مروان بن الحكم -وهو أمير المدينة- فقالت: اتق الله يا مروان واردد المرأة إلى بيتها. فقال مروان في حديث سليمان: إن عبد الرحمن غلبني، وقال مروان في حديث القاسم: أوما بلغك شأن فاطمة بنت قيس؟! فقالت عائشة: لا عليك، ألا تذكر من شأن فاطمة؟ فقال: إن كان إنما بك الشرُّ فحسبك ما بين هذين من الشر (¬2). [1434] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن نافع؛ أن ابنة سعيد بن زيد كانت عند عبد الله فطلقها البتة فخرجت فأنكر عليها ابن عمر (¬3). والله أعلم. ¬

_ (¬1) "المسند" ص (302). (¬2) "المسند" ص (302). (¬3) "المسند" ص (302).

الشرح

الشرح عمرو بن ميمون بن مهران الجزري. روى عن: أبيه، وعن عمر بن عبد العزيز. وروى عنه: الثوري، وشريك، وكان يكنى بأبى عبد الله. مات سنة سبع وأربعين ومائة (¬1). وأبوه ميمون: أبو أيوب مولى بني أسد، يعدّ في أهل الجزيرة. سمع: ابن عمر، وابن عباس، وأم الدرداء. روى عنه: الأعمش. ولد سنة أربعين، ومات سنة ثمان عشرة ومائة، [وقيل] (¬2) سنة سبع عشرة (¬3). ويحيى بن سعيد بن العاص: هو الأموي القرشي. سمع: أباه، ومعاوية. وروى عنه: أشرس بن [عبيد] (¬4)، والزهري، وكان يكنى بأبي أيوب (¬5). ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (6/ ترجمة 2660)، و"الجرح والتعديل" (6/ ترجمة 1423)، و"التهذيب" (22/ ترجمة 4457). (¬2) سقط من "الأصل". (¬3) انظر "التاريخ الكبير" (7/ ترجمة 1455)، و"الجرح والتعديل" (8/ ترجمة 1053)، و"التهذيب" (29/ ترجمة 6338). (¬4) في "الأصل": عتيك. تحريف، وأشرس: هو ابن عبيد بن صهيب مولى سعيد بن العاص. (¬5) انظر "التاريخ الكبير" (8/ ترجمة 2979)، و"الجرح والتعديل" (9/ ترجمة 621)، و"التهذيب" (31/ ترجمة 6833).

وعبد الرحمن بن الحكم كأنه الثقفي الذي روى عن عثمان بن عفان. وعبد الله المذكور في الأثر آخرًا: هو عبد الله بن عمرو بن عثمان الأموي (¬1). وقد قدمنا أن أكثر العلماء وفيهم الشافعي -رضي الله عنه- على أن المبتوتة تستحق السكنى كالرجعية، وعلى المطلقة أن تعتد في بيت زوجها لا تنتقل عنه إلا لضرورةٍ هدمٍ أو حريقٍ، وإن لم تكن ضرورة وأرادت الخروج لشغل لم يجز إن كانت رجعية، وإن كانت [مبتوتة] (¬2) لجاز الخروج بالنهار دون الليل، واحتج له بما روي عن جابر قال: طلقت خالتي ثلاثًا فخرجت تجدّ نخلًا لها فلقيها رجل فنهاها، فأتت النبي - صلى الله عليه وسلم - وذكرت ذلك له، فقال لها: "اخرجي فجُدّي نخلك لعلك تصدقي [منه] (¬3) أو تفعلين خيرًا" (¬4). والجداد يقع في النهار غالبًا. وقول ابن عمر -رضي الله عنه-: "لا يصلح للمرأة أن تبيت" فيه إشارة إلى أنها تخرج بالنهار ولكن لا تبيت. وقال أبو حنيفة: لا تخرج المبتوتة ليلًا ولا نهارًا كالرجعية. وقوله: "إذا كانت في عدّة وفاةٍ" مصير منه إلى وجوب السكنى للمعتدة عن الوفاة وهو أظهر قول العلماء كما سبق. ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (5/ ترجمة 466)، "والجرح والتعديل" (5/ ترجمة 537)، و"التهذيب" (15/ ترجمة 3452). (¬2) ليست في "الأصل". والسياق يقتضيها. (¬3) في "الأصل": له. والمثبت من التخريج. (¬4) رواه مسلم (1483/ 55)، وأبو داود (2297).

وقول عائشة "اتقي الله يا فاطمة" تريد في قولها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يجعل لها سكنى ولا نفقة، وقد روى الشعبي عنها أن زوجها طلقها ثلاثًا فلم يجعل لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سكنى ولا نفقة، وأمرها أن تعتد عند ابن أم مكتوم فاعتدت عنده (¬1). فعابت عائشة عليها أن لا تذكر السبب الذي به رخص لها في الانتقال عن بيت زوجها، وتطلق اللفظ فإنه يوهم السامع أن لها أن تعتد حيث شاءت. وحديث أبي سلمة عن فاطمة قد مر صدره في الكتاب بهذا الإسناد. وقوله: "فذكر الحديث" إحالة عليه، وقد رواه مسلم في "الصحيح" (¬2) عن يحيى بن يحيى عن مالك. وفيه أنه لا نفقة للمطلقة، وأنهم كانوا يدخلون على العجائز، وأشارت عائشة إلى أن تركها الاعتداد في بيت زوجها كان لاستطالتها على أحمائها. وحديث سعيد بن المسيب وقوله: "إنها فتنت الناس" يوافق قول عائشة في إنكارها على فاطمة حيث سكتت عن سبب تجويز التحول، وفي أن سبب التحول كانت بذاءة لسانها. وذرابة اللسان: حدته، يقال: ذرب لسانه ذربًا وذرابةً. والأحماء: أقارب الزوج. وحديث [يحيى بن سعيد] (¬3) عن القاسم وسليمان أخرجه ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1480/ 42). (¬2) "صحيح مسلم" (1480/ 36). (¬3) في "الأصل": سعيد بن المسيب. سبق قلم.

الأصل

البخاري (¬1) عن إسماعيل بن أبي أويس عن مالك، ومسلم (¬2) من طرق عن القاسم بن محمَّد. وقوله: "فانتقلها" أي نقلها، وقد يجيء انتقل بمعنى نقل. وقول عائشة: "لا عليك أن لا تذكر من شأن فاطمة" تريد أن خروجها كان بسبب بذاءة اللسان وسوء الخلق، وأجاب مروان أن هذا السبب حاصل في الواقعة، وأراد بالشرّ: سوء الخلق وما كان بينهما من الوحشة والإيذاء. وقوله: "إن كان إنما بك الشر" كأنه يريد إن كان عندك اعتبار الشر، وفي "الصحيح" (¬3) عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أنها قالت: "إن فاطمة كانت في مكان وحش فخيف على ناحيتها، فلذلك أرخص لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -" وبحسب اختلاف الروايات حكى الأئمة خلافًا في أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رخص لها في الخروج، فمن قائل: إن العذر استطالتها وبذاء لسانها، ومن قائل: إن العذر كون الموضع مخوفًا، وكأنه اجتمع المعنيان في الواقعة فأحال بعضهم الرخصة على هذا وآخرون على ذلك، وكل واحد عذر مستقل. الأصل [1435] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا عبد المجيد، عن ابن جريج، أخبرني أبو الزبير، عن جابر بن عبد الله أنه سمعه يقول: نفقة المطلقة ما لم تحرم، فإذا حرمت فمتاع بالمعروف (¬4). [1436] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا عبد المجيد، عن ابن ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (5321، 5322). (¬2) "صحيح مسلم" (1481). (¬3) رواه البخاري (5326). (¬4) "المسند" ص (303).

الشرح

جريج، قال: قال عطاء: ليست المبتوتة الحبلى منه في شيء إلا أنه ينفق عليها من أجل الحبل، فإذا كانت غير حبلى فلا نفقة لها (¬1). الشرح قال الإِمام أبو سليمان في "المعالم" وغيره: اختلف العلماء في أن المطلقة ثلاثًا هل تستحق النفقة والسكنى؟ فقالت طائفة: لا نفقة لها ولا سكنى إلا أن تكون حاملًا. ويروى ذلك عن ابن عباس، وهو قول الحسن وعطاء بن أبي رباح والشعبي وبه قال أحمد وإسحاق. وقال آخرون: لها السكنى والنفقة حائلًا كانت أو حاملًا. ويروى هذا عن عمر بن الخطاب وابن مسعود وبه قال إبراهيم النخعي وسفيان وأبو حنيفة. وقال آخرون: لها السكنى بكل حال، ولا نفقة إلا أن تكون حاملًا. ويروى هذا عن ابن المسيب والزهري، وبه قال مالك والليث بن سعد والأوزاعي وابن أبي ليلى والشافعي. واستدل الأولون بما روي عن فاطمة بنت قيس أنها قالت: "لم يجعل لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سكنى ولا نفقة" لكن الأمر في السكنى على ما مرّ، واستدل من أوجب السكنى لعموم قوله تعالى: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} (¬2)، وقال تعالى: {وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} (¬3)، وفي "الصحيح" (¬4) عن عبد الرزاق عن معمر عن ¬

_ (¬1) "المسند" ص (303). (¬2) الطلاق: 6. (¬3) الطلاق: 6. (¬4) رواه مسلم (1480/ 41).

الأصل

الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال: أرسل مروان إلى فاطمة فسألها فأخبرته أن زوجها بعث إليها من اليمن بتطليقة كانت بقيت لها، وأمر عياش بن أبي ربيعة والحارث بن هشام أن ينفقا عليها فقالا: والله ما لها نفقة [إلا] (¬1) أن تكون حاملًا. ولم ينكر النبي - صلى الله عليه وسلم - عليها. وقول جابر: "نفقة المطلقة ما لم تحرم" كأنه يريد ما لم تبن ولم تحرم رجعتها، فإذا بانت وحرمت الرجعة لم تجب النفقة، فإن واساها بشيء فهو من البر والمعروف. وقول عطاء: "ليست الحبلى منه في شيء" أي: لا سبيل له عليها بالرجعة، وإنما ينفق إذا كانت حاملًا للحمل. الأصل [1437] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا يحيى بن حسان، عن أبي عوانة، عن منصور بن المعتمر، عن المنهال بن عمرو، عن عباد بن عبد الله الأسدي، عن علي - رضي الله عنه -؛ أنه قال في امرأة المفقود أنها لا تتزوج (¬2). [1438] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا يحيى بن حسان، عن هشيم بن بشير، عن سيار أبي الحكم، عن علي في امرأة المفقود إذا قدم وقد تزوجت امرأته: هي امرأته إن شاء طلق، وإن شاء أمسك، ولا تخير (¬3). الشرح أبو عوانة: هو الوضاح، يقال: ابن عبد الله الكندي الواسطي، ¬

_ (¬1) سقط من "الأصل". والمثبت من "صحيح مسلم". (¬2) "المسند" ص (303). (¬3) "المسند" ص (303).

كان مولى ليزيد بن عطاء البزاز، وقيل: كان مولى ابنه عطاء. روى عن: الحكم بن عتيبة، وقتادة، ومعاوية بن قرة، وبكير بن [الأخنس] (¬1). وروى عنه: يزيد بن زريع، ووكيع، وأبو نعيم، ومسلم بن إبراهيم، وحجاج الأنماطي، وقتيبة. ولد سنة اثنتين وتسعين، وتوفي سنة ست وسبعين ومائة (¬2). وعباد بن عبد الله بن الزبير بن العوام الأسدي. سمع: أباه، وعائشة. روى عنه: ابنه يحيى، ومحمد بن جعفر، وهشام، وعبد الواحد بن حمزة (¬3). وهشيم: هو ابن بشير بن القاسم بن دينار الواسطي أبو معاوية السلمي مولاهم، أصله من بلخ ونزل جده القاسم واسطًا للتجارة. سمع: حميدًا الطويل، وأبا إسحاق الشيباني، وإسماعيل بن أبي خالد. وروى عنه: عمرو الناقد، وعمرو بن زرارة، وعلي بن المديني، وقتيبة، ويحيى بن يحيى، وأحمد بن منيع، وعثمان بن أبي شيبة. ولد سنة أربع ومائة، ومات سنة ثلاث وثمانين ومائة (¬4). ¬

_ (¬1) في "الأصل": الأخفش. تحريف. (¬2) انظر "التاريخ الكبير" (8/ ترجمة 2628)، و"الجرح والتعديل" (9/ ترجمة 173)، و"التهذيب" (30/ ترجمة 6688). (¬3) انظر "التاريخ الكبير" (6/ ترجمة 1592)، و"الجرح والتعديل" (6/ ترجمة 419)، و"التهذيب" (14/ ترجمة 3086). (¬4) انظر "التاريخ الكبير" (8/ ترجمة 2867)، و"الجرح والتعديل" (9/ ترجمة 486)، و"التهذيب" (30/ ترجمة 6595).

وسيار: هو ابن وردان، ويقال له: سيار بن أبي سيار أبو الحكم الواسطي. ذكر البخاري أنه سمع طارق بن شهاب. وسمع منه: عبيد الله بن عمر، وبشير بن سلمان، وهشيم. ونوزع في سماعه من طارق، ويقال: أن سيار هذا أخو مساور الوراق لأمه (¬1). وإذا غاب زوج المرأة وانقطع خبره لم يكن لها أن تنكح حتى يبلغها خبر وفاة الزوج أو طلاقه إياها عند أكثر أهل العلم، وبه قال الشافعي في الجديد، ويوافقه الأثر المنقول عن علي -رضي الله عنه- وروى مثله حنش وسعيد بن جبير عن علي -رضي الله عنه-، وقد روي في حديث مسندٍ عن المغيرة بن شعبة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "امرأة المفقود امرأته حتى يأتيها البيان" (¬2) إلا أن في رواته من لا يحتج به عند أهل الحديث. وعن عمر -رضي الله عنه- أن امرأة المفقود تتربص أربع سنين ثم تعتد أربعة أشهر وعشرًا، ثم لها أن تنكح. ويروى مثله عن عثمان -رضي الله عنه-، وإليه ذهب الشافعي في القديم. وعن عمر -رضي الله عنه-؛ أنها إذا نكحت ثم جاء زوجها الأول فإنه يخير بين المرأة وصداقها، فإن اختار الصداق فهو على الزوج الثاني، وإن اختار ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (4/ ترجمة 2333)، و"الجرح والتعديل" (4/ ترجمة 1103)، و"التهذيب" (12/ ترجمة 2670). (¬2) رواه الدارقطني (3/ 312 رقم 255)، والبيهقي (7/ 445) من طريق سوار بن مصعب عن محمَّد بن شرحبيل عنه. وضعفه الحافظ في "التلخيص" (1642) وقال: وضعفه أبو حاتم والبيهقي وعبد الحق وابن القطان وغيرهم. وكذا ضعفه الألباني في "ضعيف الجامع" (1253).

الأصل

المرأة اعتدت ورجعت إلى الأول ولها مهرها على الثاني (¬1) ويروى مثل ذلك عن عثمان. وقول علي في الأثر الثاني: "ولا تخير" أراد به الرد على ما ذكراه. الأصل [1439] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن نافع، عن ابن عمر؛ أنه طلق امرأته وهي في مسكن حفصة وكانت طريقه إلى المسجد فكان يسلك الطريق الآخر من أدبار البيوت كراهية أن يستأذن عليها حتى راجعها (¬2). الشرح الرجعية محرمة الوطء كالمبتوتة عندنا، والأثر يبين أن ابن عمر -رضي الله عنه- كان ينأى ويتباعد عن مطلقته الرجعية حتى كان يسلك غير طريقه المعهود احتياطًا. وقوله: "فكانت طريقه إلى المسجد" يجوز أن يكون التأنيث على قصد الدار، ويجوز أن يريد أن المرأة كانت على طريقه إلى المسجد. الأصل [1440] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن هشام، عن أبيه قال: كان الرجل إذا طلق امرأته ثم ارتجعها قبل أن تنقضي عدتها كان ذلك له وإن طلقها ألف مرة، فعمد رجل إلى امرأته فطلقها حتى إذا شارفت انقضاء عدتها ارتجعها، ثم طلقها، ثم قال: والله لا آويك إليّ ولا تحلين أبدًا، فأنزل الله تعالى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} فاستقبل ¬

_ (¬1) رواه مالك (2/ 575 رقم 1195). (¬2) "المسند" ص (303).

الشرح

الناس الطلاق جديدًا من كان منهم طلق ومن لم يطلق (¬1). الشرح الأثر مكرر، وقد ذكرنا ما يتعلق به. الأصل ومن كتاب القرعة والنفقة على الأقارب [1441] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان بن عيينة، عن محمَّد بن عجلان، عن بكير بن عبد الله بن الأشج، عن عجلان أبي محمَّد، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "للمملوك طعامه وكسوته بالمعروف، ولا يكلف من العمل إلا ما يطيق" (¬2). [1442] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا ابن عيينة، عن إبراهيم بن أبي خداش، عن عتبة بن أبي لهب أنه سمع ابن عباس يقول في المملوكين: أطعموهم مما تأكلون واكسوهم مما تلبسون (¬3). [1443] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا كفى أحدكم خادمه طعامه [حرّه] (¬4) ودخانه فليدعه فليجلسه، فإن أبى فليروغ له لقمة فيناوله إياها، أو يعطيه إياها أو كلمة هذا معناه" (¬5). ¬

_ (¬1) "المسند" ص (304). (¬2) "المسند" ص (305). (¬3) "المسند" ص (305). (¬4) في "الأصل": وشرابه. والمثبت من "المسند". (¬5) "المسند" ص (305).

الشرح

الشرح المروي في الفصل لا يتعلق بالترجمة المذكورة لكن يشتمل عليه الباب الذي ترجمه الشافعي بتلك الترجمة. وعجلان مولى فاطمة بنت عتبة بن ربيعة القرشي. سمع: أبا هريرة، وروى عن: فاطمة بنت عتبة، يعد في أهل المدينة. روى عنه: ابنه محمَّد، وبكير بن عبد الله بن الأشج (¬1). وقوله: "عن عجلان أبي محمَّد" يجوز أن يريد كنيته، ويجوز أن يريد أنه والد محمَّد لا أنه يكنى به. وإبراهيم (¬2) بن أبي خداش: هو الهاشمي اللهبي المكي. سمع: ابن عباس. وروى عنه: سفيان بن عيينة، وابن جريج، وهو إبراهيم بن أبي خداش بن عتبة بن أبي لهب بن عبد المطلب، والذي يوجد في "نسخ الكتاب" عن إبراهيم بن أبي خداش عن عتبة بن أبي لهب، والصواب (¬3) إبراهيم أبي خداش بن عتبة، وعتبة بن أبي لهب لم يذكر في الرواة ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (7/ ترجمة 277)، و"الجرح والتعديل" (7/ ترجمة 90)، و"التهذيب" (19/ ترجمة 3878). وهو والد محمَّد بن عجلان. (¬2) انظر "التاريخ الكبير" (1/ ترجمة 916)، و"الجرح والتعديل" (2/ ترجمة 268)، و"تعجيل المنفعة" (1/ ترجمة 10). (¬3) وكذلك هو في "المسند" المطبوع، وقد رجح الحافظ ذلك أيضًا في "التعجيل" وقال: إنه تصحيف.

وكيف وعتبة بن أبي لهب كان قد زوجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ابنته رقية فأمره أبو لهب أن يطلقها ففعل ودعا عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "اللهم سلط عليه كلبًا من كلابك" فافترسه الأسد في بعض أسفاره (¬1). وحديث عجلان عن أبي هريرة، رواه عمرو بن الحارث عن بكير بن الأشج، وأخرجه مسلم في "الصحيح" (¬2) عن أبي الطاهر عن ابن وهب عن عمرو. وقول ابن عباس: "أطعموهم مما تأكلون" قد ثبت معناه عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ففي "الصحيحين" (¬3) من حديث الأعمش عن المعرور عن أبي ذر؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في المماليك: "هم إخوتكم، جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل وليلبسه مما يلبس ولا يكلفه ما يغلبه فإن كلفه فليعنه". وحديث الأعرج عن أبي هريرة أخرجه البخاري (¬4) من رواية محمَّد بن زياد عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال: "فليناوله أكلة أو أكلتين" ومسلم (¬5) من رواية موسى بن يسار عن أبي هريرة وقال: "فإن كان الطعام قليلًا فليضع في يده أكلة أو أكلتين" والأكلة: اللقمة. وقوله: "طعامه وكسوته بالمعروف" أي: على ما يليق بأمثاله في ¬

_ (¬1) رواه الحاكم (2/ 588) دون قصة رقية، من طريق أبي نوفل بن أبي عقرب عن أبيه. قال الحاكم: صحيح الإسناد، وحسنه الحافظ في "الفتح" (4/ 39). (¬2) "صحيح مسلم" (1662). (¬3) "صحيح البخاري" (6050)، و"صحيح مسلم" (1661/ 38). (¬4) "صحيح البخاري" (5460). (¬5) "صحيح مسلم" (1663).

البلدة، فالجارية ذات الجمال تكسى كسوة أحسن من كسوة التي دونها. وقوله: "ولا يكلف من العمل إلا ما يطيق" قال الشافعي (¬1): يعني والله أعلم ما يطيق الدوام عليه لا ما يطيق يومًا ويومين وثلاثة ونحوها ثم يعجز، وجمع الشافعي بين قوله: "للمملوك طعامه وكسوته بالمعروف" وبين قوله: "فليطعمه مما يأكل" فإن هذا في حق العرب الذين يقرب طعامهم وطعام عبيدهم بعضها من بعض في الخشونة ورداءة النوع، وذاك في حق المترفهين الذين ينعمون في الطعام واللباس، ويجوز أن يحمل الأول على بيان ما يجب من النفقة والثاني على الاستحباب، ويدل على أنه لا يجب التسوية الحديث الثالث حيث قال: "فليروغ له لقمة فيناوله إياها" وقوله: "فليناوله أكلة أو أكتلين". وقوله: "إذا كفى أحدكم خادمه طعامه [حرّ] (¬2) ودخانه". وقوله: "فليروغ له لقمة" يقال: روّغ اللقمة إذا روّاها دسمًا. وقوله: "فليدعه فليجلسه" أي: ليأكل معه فيشبع، وفيه إكرامه بالإجلاس، فإن لم ييسر إما لقلة الطعام أو لأنه يبسط ويسيء أدبه لو أجلسه مع نفسه كل يوم فيقتصر على مناولة لقمة. والله أعلم. ¬

_ (¬1) "الأم" (5/ 102). (¬2) سقط من "الأصل".

كتاب الرضاع

الأصل ومن كتاب الرضاع [1444] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن عبد الله بن أبي بكر، عن عمرة بنت عبد الرحمن أن عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبرتها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان عندها وأنها سمعت صوت رجلٍ يستأذن في بيت حفصة، قالت عائشة: فقلت: يا رسول الله هذا رجل يستأذن في بيتك، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أراه فلانًا" لعم حفصة من الرضاعة فقلت: يا رسول الله لو كان فلان حيًّا -لعمها من الرضاعة- يدخل عليّ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "نعم، إن الرضاعة تحرم ما تحرم الولادة" (¬1). الشرح الحديث مودع في "الموطأ" (¬2) وفي "الصحيحين" (¬3) فرواه البخاري عن إسماعيل بن أبي أويس، ومسلم عن يحيى بن يحيى، بروايتهما عن مالك. وفيه دليل على أن الرضاع يثبت التحريم من جهة الفحل كالولادة، وهذا يوافق ما سبق من حديث أفلح أخي أبي القعيس، وروى مالك مختصرًا عن عبد الله بن دينار عن سليمان بن يسار عن عروة بن الزبير عن عائشة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولادة" وقد مرّ ذلك. ¬

_ (¬1) "المسند" ص (306). (¬2) "الموطأ" (2/ 601 رقم 1254). (¬3) "صحيح البخاري" (5099)، و"صحيح مسلم" (1444/ 1).

الأصل

الأصل [1445] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا ابن عيينة قال: سمعت ابن جدعان، سمعت ابن المسيب يحدث، عن علي بن أبي طالب أنه قال: يا رسول الله [هل لك] (¬1) في بنت عمك ابنة حمزة فإنها أجمل فتاة في قريش؟ فقال - صلى الله عليه وسلم -: "أما علمت أن حمزة أخي من الرضاعة، وأن الله حرم من الرضاعة ما حرم من النسب" (¬2). [1446] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا الدراوردي، عن هشام بن عروة، عن أبيه، أعن عائشة، (¬3) عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في ابنة حمزة مثل حديث سفيان (¬4). الشرح حديث بنت حمزة صحيح من رواية علي رضي الله عنه أخرجه مسلم في "الصحيح" (¬5) من طريق أبي عبد الرحمن السلمي عنه، ومن رواية جابر بن زيد عن ابن عباس وهو مخرج من ذلك الوجه في "الصحيحين" (¬6)، ومن رواية حميد بن عبد الرحمن عن أم سلمة وقد أخرجها مسلم (¬7). ودلالة الحديث على أن لبن الفحل يحرم ظاهرة، وفيه أنه يجوز ¬

_ (¬1) في "الأصل": هلك. والمثبت من "المسند". (¬2) "المسند" ص (306). (¬3) سقط من "الأصل". والمثبت من "المسند". (¬4) "المسند" ص (306). (¬5) "صحيح مسلم" (1446). (¬6) "صحيح البخاري" (2645)، و"صحيح مسلم" (1447). (¬7) "صحيح مسلم" (1448).

الأصل

ترغيب الإنسان في النكاح بأن توصف المعروضة عليه بالجمال البارع. الأصل [1447] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن ابن شهاب، عن عمرو بن الشريد، أن ابن عباس سئل عن رجل كانت له امرأتان فأرضعت إحداهما غلامًا وأرضعت الأخرى جارية، فقيل له: هل يتزوج الغلام الجارية؟ فقال: لا، اللقاح واحد (¬1). الشرح عمرو بن الشريد بن سويد. سمع: أباه، وابن عباس. وروى عنه: صالح بن دينار، والزهري، وإبراهيم بن ميسرة (¬2). وقوله: "اللقاح واحد" اللام منه مفتوحة، وجوز بعضهم كسرها، والمعنى أن ماء الفحل الذي حملت به المرضعة واحد، ويجوز أن يكون اللقاح بمعنى الإلقاح، يقال: ألقح الفحل الناقة إلقاحًا ولقاحًا، واستعيرت اللفظة في بني آدم، ويقال لما تلقح به النخلة: لقاح، واللقاح أيضًا: ذوات الدرّ من الإبل، يقال لها بعد الولادة بشهر وشهرين وثلاثة، ثم هي لبون، الواحدة: لقحة بكسر اللام، وقد يقال: لقحة بالفتح. والأثر يؤكد ثبوت التحريم من جهة الفحل. ¬

_ (¬1) "المسند" ص (306). (¬2) انظر "التاريخ الكبير" (6/ ترجمة 2579)، و"الجرح والتعديل" (6/ ترجمة 1322)، و"التهذيب" (22/ ترجمة 8384).

الأصل

الأصل [1448]، أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن يحيى بن سعيد، عن عمرة، عن عائشة أنها كانت تقول: نزل القرآن لعشر رضعات معلومات يحرمن، ثم صيرن إلى خمس يحرمن، فكان لا يدخل على عائشة رضي الله عنها إلا من استكمل خمس رضعات (¬1). [1449] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن الحجاج بن الحجاج، أظنه عن أبي هريرة قال: لا يحرم من الرضاعة إلا ما فتق الأمعاء (¬2). [1450] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن هشام، عن أبيه، عن عبد الله بن الزبير أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تحرم [المصة] (¬3) ولا المصتان، ولا الرضعة ولا الرضعتان" (¬4). الشرح الحجاج: هو ابن الحجاج بن مالك الأسلمي، من أهل الحجاز. روى عن: أبيه، وعن أبي هريرة. وروى عنه: عروة بن الزبير. ولأبيه الحجاج بن مالك صحبة ورواية عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬5). وحديث عائشة قد سبق في الكتاب من رواية الشافعي عن مالك ¬

_ (¬1) "المسند" ص (307). (¬2) "المسند" ص (307). (¬3) في "الأصل": المص. والمثبت من "المسند". (¬4) "المسند" ص (307). (¬5) انظر "التاريخ الكبير" (2/ ترجمة 2810)، و"الجرح والتعديل" (3/ ترجمة 676)، و"التهذيب" (5/ ترجمة 1114).

الأصل

عن عبد الله بن أبي بكر بن محمَّد بن عمرو عن عمرة. وحديث ابن الزبير كذلك من رواية الشافعي عن أنس بن عياض عن هشام، وذكرنا ما يتعلق بهما. وحديث الحجاج بن الحجاج رواه موقوفًا، وكذلك رواه الزهري عن عروة عن الحجاج عن أبي هريرة موقوفًا، وذكر البخاري في "التاريخ" أن محمَّد بن حميد حدث عن [جرير] (¬1) عن محمَّد بن إسحاق عن إبراهيم بن عقبة قال: كان عروة يحدث عن الحجاج بن الحجاج عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا تحرم الرضاعة إلا ما فتق الأمعاء من اللبن، ولا تحرم المصة والمصتان" وكأن المعنى أن القليل لا يؤثر وإنما المؤثر الكثير الذي ينبت اللحم ويفتق الأمعاء. الأصل [1451] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن ابن شهاب، عن عروة؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر امرأة أبي حذيفة أن ترضع سالمًا خمس رضعات تحرمن بلبنها ففعلت، وكانت تراه [ابنًا] (¬2). [1452] أبنا الربيع أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن ابن شهاب أنه سئل عن رضاعة الكبير فقال: أخبرني عروة بن الزبير أن أبا حذيفة بن عتبة بن ربيعة وكان من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان قد شهد بدرًا، وكان قد تبنى الذي يقال له: سالم مولى أبي حذيفة كما تبنى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زيد بن حارثة، وأنكح أبو حذيفة سالمًا وهو يرى أنه ابنه فأنكحه ابنة أخيه فاطمة ¬

_ (¬1) في "الأصل": جريج. والمثبت من "التاريخ الكبير" (2/ 372). (¬2) سقط من "الأصل". والمثبت من "المسند".

بنت الوليد بن عتبة بن ربيعة وهو يومئذٍ من المهاجرين الأول [وهي] (¬1) يومئذٍ من أفضل أيامى قريش، فلما أنزل الله تعالى في زيد بن حارثة ما أنزل قال: {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ في الدِّينِ} رد كل أحد من أولئك (¬2) تبنى إلى أبيه، فإن لم يعلم أباه رده إلى الموالي، فجاءت سهلة بنت سهيل وهي امرأة أبي حذيفة وهي من بني عامر بن لؤي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله كنا نرى سالمًا ولدًا وكان يدخل علي وأنا فضل (¬3) وليس لنا إلا بيت واحد، فماذا ترى في شأنه؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -فيما بلغنا-: "أرضعيه خمس رضعات فيحرم بلبنها" ففعلت وكانت تراه ابنا من الرضاعة فأخذت بذلك عائشة فيمن كانت تحب أن يدخل عليها من الرجال، فكانت تأمر أختها أم كلثوم وبنات أختها يرضعن لها من أحبت أن يدخل من الرجال والنساء وأبى سائر أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يدخل عليهن بتلك الرضاعة أحد من الناس، وقلن: ما نرى الذي أمر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سهلة بنت سهيل إلا رخصة في سالم وحده من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، لا يدخل علينا بهذِه الرضاعة أحد، فعلى هذا من الخبر كان أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - في رضاعة الكبير (¬4). ¬

_ (¬1) تحرف في "الأصل". والمثبت من "المسند". (¬2) كذا في "الأصل". وفي "الأم": من تبنى. (¬3) قال الخطابي: أي مبتذلة في ثياب مهنتي، يقال: تفضلت المرأة إذا تبذلت في ثياب مهنتها. (¬4) "المسند" ص (307).

الشرح

الشرح أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس، شهد مع النبي - صلى الله عليه وسلم - بدرًا، وقتل يوم اليمامة. روى عنه: ابن عباس، وعائشة (¬1). وفاطمة بنت الوليد بن عتبة في الحديث بيان فضلها وشرفها. والقصة من روايتي الكتاب المختصرة والمطولة مرسلة، وقد سبقت الرواية المختصرة من قبل وذكرنا هناك أن البخاري رواها في "الصحيح" (¬2) عن عروة عن عائشة مسندة، لكن قال: "أن أبا حذيفة [أنكحه] (¬3) ابنة أخيه هند بنت الوليد بن عتبة" فربما أنكحه ابنتين، وبتقدير أن تكون المنكحة واحدة فيحتمل أن يكون لها اسمان ويحتمل أن يكون الاسم واحدًا واختلفت فيه الرواية. وبيَّنا ما يتعلق بالقصة من الفقه. وقوله: "فعلى هذا من الخبر كان أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬4) في رضاعة الكبير" كأن المعنى: فعلى هذا التنزيل والتأويل، وهو التخصيص بالواقعة كان أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - من خبر سهلة في رضاعة الكبير، والله أعلم. الأصل [1453] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن عبد الله بن ¬

_ (¬1) انظر "معرفة الصحابة" (5/ ترجمة 3163)، و"الإصابة" (7/ ترجمة 9748). (¬2) "صحيح البخاري" (5092). (¬3) في "الأصل": أنكحها. والمثبت من "الصحيح". (¬4) زاد في "الأصل": كان. مقحمة.

الشرح

عمر، عن نافع، عن ابن عمر أن عمر ملك مائة سهم من خيبر اشتراها فأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله إني أصبت مالًا لم أصب مثله قط وقد أردت أن أتقرب [به] (¬1) إلى الله، فقال: "حبس الأصل وسبل الثمرة" (¬2). [1454] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا ابن حبيب القاضي وهو عمر بن حبيب، عن ابن عون، عن نافع، عن ابن عمر قال: أن عمر (¬3) قال: يا رسول الله إني أصبت من خيبر مالًا لم أصب مالًا قط أعجب إليّ وأعظم عندي منه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن شئت حبست أهله وسبلت ثمره" فتصدق به عمر بن الخطاب ثم حكى صدقته به (¬4). الشرح عمر بن حبيب قاضي البصرة. روى عن: ابن جريج، وهو ممن تكلموا فيه (¬5). وآخر يقال له عمر بن حبيب، قال ابن عيينة: كان صاحبًا لنا حافظًا. روى عن: عمرو بن دينار، والزهري. وروى عنه: زيد بن رباح، يعدّ في المكيين. ¬

_ (¬1) سقط من "الأصل". والمثبت من "المسند". (¬2) "المسند" ص (308). (¬3) زاد في "الأصل": ملك. سبق نظر. (¬4) "المسند" ص (308). (¬5) انظر "التاريخ الكبير" (6/ ترجمة 1987)، و"الجرح والتعديل" (6/ ترجمة 553)، و"التهذيب" (21/ ترجمة 4211). والظاهر والله أعلم أنه الأول.

وابن عون: هو عبد الله بن عون بن [أرطبان] (¬1) أبو عمرو المزني، مولاهم، يقال: كان أرطبان مولى عبد الله بن مغفل. سمع: ابن سيرين، ومجاهدًا، وغيرهما. وروى عنه: النضر بن شميل، وحماد بن زيد، ويزيد بن هارون، وسليم بن أخضر. يقال: أنه مات سنة إحدى وخمسين ومائة (¬2). والحديث من رواية ابن عون عن نافع مخرج في "الصحيحين" (¬3)، وروى البخاري عن قتيبة بن سعيد عن محمَّد بن عبد الله الأنصاري عن ابن عون، ومسلم عن محمَّد بن المثنى عن ابن أبي عدي عن ابن عون قال: أنبأني نافع، عن ابن عمر أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أصاب أرضًا بخيبر فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - يستأمره فيها فقال: يا رسول الله إني أصبت أرضًا بخيبر لم أصب مالًا قط أنفس عندي منه فما تأمر به؟ قال: "إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها". قال: فتصدق بها عمر -رضي الله عنه- أنه لا تباع ولا توهب ولا تورث، وتصدق بها في الفقراء وفي القربى وفي الرقاب وفي سبيل الله وابن السبيل والضيف، لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف ويطعم غير متمول. و [في] (¬4) بعض الروايات: قال ابن عون: فحدثت به ابن سيرين ¬

_ (¬1) في "الأصل": أرطلان. خطأ. (¬2) انظر "التاريخ الكبير" (5/ ترجمة 512)، و"الجرح والتعديل" (5/ ترجمة 605)، و"التهذيب" (15/ ترجمة 3469). (¬3) "صحيح البخاري" (2737)، و"صحيح مسلم" (1632/ 15). (¬4) ليست في "الأصل". والسياق يقتضيها.

الأصل

فقال: غير متأثل مالًا أي: جامع، وكل شيء له أصل قديم وأجمع حتى يصير له أصل فهو مؤثل، وأَثْلةُ الشيء: أصله. والحديث أصل في الوقف، وكان [للمهاجرين] (¬1) والأنصار أوقاف بالمدينة وغيرها، ولم ينقل عن أحد منهم إنكار ذلك، واستدل به على جواز وقف الشائع؛ لأن قوله: "ملك مائة سهم من خيبر" يقتضي ظاهره الشيوع، ويروى أن ابن عمر جعل نصيبه من دار عمر سكنًا لذوي الحاجة من آل عبد الله (¬2)، وعلى أنه يجوز لمن يتولَّ أمر الوقف أن يأكل منه لما ذكر في رواية "الصحيحين"، وعلى أنه يجوز للواقف أن ينتفع بوقفه لأنه جوز الأكل لمن وليه وقد يليه الواقف، ويروى؛ أن أنسًا وقف دارًا بالمدينة وكان إذا حجّ مرّ بالمدينة فنزلها (¬3). وقوله: "فتصدق به عمر بن الخطاب ثم حكى صدقته به" أي: حكي الراوي كيفية صدقته بذلك المال، وكأنه أشار به إلى ما في رواية "الصحيحين": أنه لا يباع ولا يوهب ... إلى آخره. الأصل [1455] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا الثقة أو سمعت مروان بن معاوية يحدث، عن عبد الله بن عطاء المدني، عن ابن بريدة الأسلمي عن أبيه؛ أن رجلًا سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: إني تصدقت على أمي بعبد وإنها ماتت؟ ¬

_ (¬1) في "الأصل": كالمهاجرات. تحريف. (¬2) رواه ابن سعد في "الطبقات" (4/ 162). (¬3) رواه البيهقي (6/ 161).

الشرح

فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "قد وجبت صدقتك وهي لك (كميراثك) (¬1) " (¬2). [1456] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أخبرني عمي محمَّد بن علي بن شافع، أخبرني عبد الله بن حسن بن حسن، عن غير واحد من أهل بيته وأحسبه قال: زيد بن علي؛ أن فاطمة ابنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تصدقت بمالها على بني هاشم وبني المطلب، وأن عليًّا - رضي الله عنه - تصدق عليهم وأدخل معهم غيرهم (¬3). [1457] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن، عن القاسم بن محمَّد، عن عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل فقربت خبزًا وأدم البيت. فقال: "ألم أر برمة لحم؟! " فقالت: ذاك شيء تصدق به على بريرة. فقال: "هو لها صدقة وهو لنا هدية" (¬4). الشرح عبد الله بن عطاء: هو ابن عطاء مولى المطلب، يقال له: المكي، ويقال: المديني. سمع: عبد الله وسليمان ابني بريدة. وروى عنه: علي بن مسهر، والثوري، وعبد الله بن نمير (¬5). ¬

_ (¬1) في "المسند": بميراثك. (¬2) "المسند" ص (308). (¬3) "المسند" ص (309). (¬4) "المسند" ص (309). (¬5) انظر "التاريخ الكبير" (5/ ترجمة 521)، و"الجرح والتعديل" (5/ ترجمة 609)، و"التهذيب" (15/ ترجمة 3429).

و [ابن] (¬1) بريدة: هو عبد الله بن بريدة بن الحصيب الأسلمي، هو وأخوه سليمان كانا توءمين، وولد عبد الله قبل سليمان. وسمع: سمرة بن جندب، وعبد الله بن مغفل، وعمران بن الحصين، ويحيى بن يعمر. وروى عنه: حسين المعلم، وسعيد الجريري، ومطر الوراق، وغيرهم (¬2). وعبد الله: هو ابن حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب الهاشمي. رآه عبد الرزاق، وروى عنه: ليث بن أبي سليم، وابن علية، وابن أبي الموال. روى عن: أمه فاطمة بنت الحسين، وأبي بكر بن حزم (¬3). وحديث بريدة أخرجه مسلم في "الصحيح" (¬4) من أوجه عن عبد الله بن عطاء، ورواه أبو داود في "السنن" (¬5) عن أحمد بن يونس عن زهير عن عبد الله بن عطاء عن عبد الله بن بريدة عن أبيه وقال: أن امرأة أتت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت: كنت تصدقت على أمي وليدة وإنها ماتت وتركت تلك الوليدة، قال: "قد وجب أجرك ورجعت إليك في الميراث". ¬

_ (¬1) في "الأصل": أبو. خطأ. (¬2) انظر "التاريخ الكبير" (5/ ترجمة 110)، و"الجرح والتعديل" (5/ ترجمة 61)، و"التهذيب" (14/ ترجمة 3179). (¬3) انظر "التاريخ الكبير" (5/ ترجمة 180)، و"الجرح والتعديل" (5/ ترجمة 150)، و"التهذيب" (14/ ترجمة 3225). (¬4) "صحيح مسلم" (1149). (¬5) "سنن أبي داود" (1656).

وهذِه الرواية تخالف رواية الكتاب من وجهين: أحدهما: أن في رواية الكتاب أن رجلًا أتى النبي - صلى الله عليه وسلم -، وفي هذه الرواية أن امرأة أتت. والثاني: أن في رواية الكتاب التصدق بعبد، وفي هذه الرواية التصدق بوليدة وهي الجارية المملوكة. وكيفما قدر فليس المراد من التصدق في الحديث الوقف، وإنما المراد العطية على سبيل صدقة التمليك وعلى سبيل البر والصلة. وقوله: "قد وجبت صدقتك" أي: أجر صدقتك كما في الرواية الأخرى. وقوله: "هي لك كميراثك" أي: يرجع ما تصدقت به إليك بالإرث كسائر ما تركته، والمعنى أن رجوعه بالإرث لا يخل بمقصود الصدقة وفائدتها. قال أبو سليمان الخطابي: وفيه دليل على أن من تصدق على فقير بشيء يجوز له أن يتملكه منه بشرى وغيره وإن كان الأولى أن لا يرجع فيه. وأما حديث زيد بن علي فإن الشافعي ذكر أوقاف الصحابة وشهرتها بين المهاجرين والأنصار كوقف عمر ماله بثمغ -الميم ساكنة، ومنهم من يفتحها- وداره عند المروة، ووقف عثمان - رضي الله عنه - بئر رومة، ووقف سعد بن أبي وقاص داره بالمدينة، ووقف عمرو بن العاص بالرهط من الطائف، وذكر في جملتها وقف فاطمة رضي الله عنها على بني هاشم وبني المطلب، ووقف علي رضي الله عنه أرضه بينبع. وحديث بريرة بالإسناد المذكورة قد أشار إليه في الكتاب، حيث

روى عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: "كانت في بريرة ثلاث سنن" وذكرنا هناك أن إحدى السنن ما أورده ها هنا. والمتصدق عليه إذا أهدى ما تصدق به أو باعه لم يكن له حكم الصدقة. والله أعلم. آخر الجزء ويتلوه في الذي يليه إن شاء الله تعالى: ومن كتاب ذكر الله تعالى على غير وضوء

فلم ندر ما سارَّه به حتى جهر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، لا ينبغي لأحد أن يعذب بعذاب الله، رجل كفر بعد إيمانه، فما فعلتم به؟ قال: قربناه وضربنا عنقه، قضى باليمين مع الشاهد، كانت أموال بني النضير مما أفاء الله على رسوله مما لم يوجف عليه المسلمون بخيل ولا ركاب، قال جابر: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لو جاءني مال البحرين أعطيتك هكذا وهكذا فتوفي رسول الله، بعث سرية فيها عبد الله بن عمر قبل نجدٍ فغنموا إبلًا كثيرة، فادى رجلًا برجلين ضرب للفرس بسهمين وللفارس بسهم، إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد هكذا وشبك بين أصابعه، لقيت عليًّا عند أحجار الزيت فقلت: بأبي وأمي ما فعل أبو بكر وعمر رضي الله عنهما في حقكم أهل البيت من الخمس، عن ابن عمر أنه قال: عرضت على النبي عليه الصلاة والسلام عام أحد وأنا ابن أربع عشرة سنة فردني، لما دون الدواوين، أحاديث المدبر، أحاديث التفليس، فقضى للذي في يديه، كان يشترط على الذي يكريه أرضه، أن رجلين تداعيا ولدًا فدعا له عمر رضي الله عنه القافة، في شهادة النساء على الشيء، فإني لا أحل لهم إلا ما أحل الله لهم، أن طارق أعتق أهل أبيات، نهى عن بيع السنين، القطع في ربع دينار، لا قطع في ثمر، قال صفوان: إني لم أرد هذا هو عليه صدقة، لا قطع في ثمر معلق، خرجت عائشة إلى مكة ومعها مولاتان، أن رجلًا من أهل اليمن أقطع اليد والرجل قدم على أبي بكر، في قطاع الطريق، الرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا أحصن، ووضع الطعام فمد ابن عمر يده وقال: خذوا بسم الله وقبض يده وقال: أنا صائم، الولاء لمن أعتق، نهى عن بيع الولاء وهبته، من نذر أن يطيع الله، نذر أن لا يستظل، احبس أصله وسبل ثمره، وما تحل لنا

ذبائحهم، أحلت لنا ميتتان، ما أنهر الدم وذكر عليه اسم الله فكلوا، سئل عن الضبع: أصيد هي؟ قال: نعم، العمرى للوارث، عقل العبد في ثمنه، لا يحدث عن النبي عليه الصلاة والسلام إلا الثقات، أن مروان بن الحكم يسأله ما في الضرس، من قتل له قتيل فأهله بين خيرتين، أن رجلًا من المسلمين قتل رجلًا من أهل الذمة، لا يقتل مسلم بكافر، قضى بالجنين على العاقلة، من قتل في عمية، كنت أفرك المني، فسلم عليه رجل فلم يرد السلام حتى مسح، فقدم عمر تلك الدية على أهل القرى بألف دينار، قضى في الجنين يقتل في بطن أمه بغرة، تقيم الإبل على أهل القرى أربعمائة دينار، في الأنف إذا أوعى جدعًا مائة من الإبل، لا سبق إلا في حافر أو نصل أو خف، أنتم والله قتلتموه، إن القمر كسف، سئلت عائشة رضي الله عنها عن {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ في أَيْمَانِكُمْ} لا نذر في معصية الله، لولا أني قاسم مسئول لتركناكم، سئل عن ذبائح نصارى العرب.

ذكر الله تعالى على غير وضوء، والحيض

بسم الله الرحمن الرحيم الأصل ذكر الله تعالى على غير وضوء، والحيض [1458] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة أنها قالت: قدمت مكة وأنا حائض ولم أطف بالبيت ولا بين الصفا والمروة، فشكوت ذلك إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "افعلى ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري" (¬1). الشرح هذا حديث صحيح أخرجه البخاري (¬2) عن عبد الله بن يوسف عن مالك، وأخرجه هو ومسلم (¬3) من طرق عن عبد الرحمن بن القاسم، وقد تقدم مقصوده في الكتاب من رواية سفيان بن عيينة عن عبد الرحمن (¬4). ودلالة الحديث على أن الحائض لا يجوز لها أن تطوف بالبيت، وأن لها أن تأتي بما سواه من أعمال الحج ظاهرة، وبموجبه قال عامة أهل العلم. الأصل [1459] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة أنها قالت: [قالت] (¬5) فاطمة بنت أبي حبيش ¬

_ (¬1) "المسند" ص (310). (¬2) "صحيح البخاري" (1650). (¬3) "صحيح مسلم" (1211). (¬4) سبق برقم (506). (¬5) سقط من "الأصل". والمثبت من "المسند".

الشرح

لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: يا رسول الله إني لا أطهر أفأدع الصلاة؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إنما ذلك عرق وليس بالحيضة، فإذا أقبلت الحيضة [فاتركي] (¬1) الصلاة، فإذا ذهب قدرها فاغسلي الدم عنك وصلي" (¬2). الشرح فاطمة بنت أبي حبيش من الصحابيات، تعرف بهذا الحديث (¬3). وهو صحيح أخرجه البخاري (¬4) عن عبد الله بن يوسف عن مالك، ومسلم (¬5) عن أبي بكر بن أبي شيبة عن وكيع عن هشام، وأبو داود (¬6) عن محمَّد بن المثنى عن ابن أبي عدي عن محمَّد بن عمرو عن ابن شهاب عن عروة وقال: فقال لها النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إذا كان دم الحيض فإنه دم أسود يعرف، فإذا كان ذلك فأمسكي عن الصلاة، وإذا كان الآخر فتوضئي وصلي فإنما هو عرق"، ورواه سفيان بن عيينة وحماد بن زيد وعبد العزيز بن محمَّد وأبو معاوية وجرير بن عبد الحميد وجماعة عن هشام وقالوا: "فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلي" ورواه أبو أسامة عن هشام وقال: "إذا أدبرت فاغتسلي وصلي". ومهما جاوز دم المرأة أكثر الحيض وهو مميزه بأن يُرى بعض الدم قويًّا وبعضه ضعيف فإنها تتحيض في أيام القوي وتدع الصلاة ¬

_ (¬1) في "الأصل": فاترك. والمثبت من "المسند". (¬2) "المسند" ص (310). (¬3) انظر "معرفة الصحابة" (6/ ترجمة 3975)، و"الإصابة" (8/ ترجمة 11588). (¬4) "صحيح البخاري" (306). (¬5) "صحيح مسلم" (333). (¬6) "سنن أبي داود" (286).

والصوم، وتستحاض في أيام الضعيف فتغتسل [كلما] (¬1) ضعف الدم وتصوم وتصلي وتحتاط للنجاسة، وإنما يؤخذ بالتمييز إذا كان الدم القوي لا ينقص عن أقل الحيض ولا يزيد على أكثره وإذا كان الضعيف لا ينقص عن أكثر الحيض، فإن فقد أحد هذِه الشروط فالحكم كما إذا لم يكن لها تمييز أصلًا، واعتمد في العمل بالتمييز على حديث فاطمة وقالوا: إنها كانت مميزة، ألا ترى أنه قال: "إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، وإذا ذهبت فاغسلي عنك الدم وصلي" وإقبال الدم: قوته، وإدباره: ضعفه، وأيضًا فإنه قال: "إن دم الحيض أسود يعرف" وأيضًا فقد روي أنه قال: "إن لدم الحيض دفعات وإن له رائحة، فإذا كان ذلك فدعي الصلاة وإذا كان الآخر فاغتسلي وصلي" (¬2). وروى البخاري في "الصحيح" (¬3) عن أحمد بن أبي رجاء عن أبي أسامة عن هشام أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لفاطمة: "دعي الصلاة قدر الأيام التي كنت تحيضين فيها ثم اغتسلي وصلي" وهذا يدل على أنها كانت معتادة، لكن الروايات السابقة أشهر ورواتها أكثر فهي أول بالترجيح، وأيضًا فقد روى محمَّد بن كرامة الكوفي وهارون بن عبد الله عن أبي أسامة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لها: "ولكن دعي الصلاة الأيام التي كنت تحيضين فيها ثم اغتسلي وصلي أو كما قال" (¬4) وهذِه اللفظة تشعر بضرب شك وتردد، وأيضًا فقد روي عن أبي أسامة موافقة الجماعة، ¬

_ (¬1) في "الأصل": كما. والسياق يقتضي المثبت. (¬2) رواه الطبراني في "الكبير" (4/ 115) من حديث ابن عباس. قال الهيثمي في "المجمع" (1/ 280): وفيه حسين بن عبد الله وهو ضعيف. (¬3) "صحيح البخاري" (325) من حديث هشام عن أبيه عن عائشة. (¬4) رواه البيهقي (1/ 324).

الأصل

وجمع الشيخ أبو محمَّد الجويني بين الروايات الدالة على أنها كانت مميزة وبين الرواية الدالة على أنها كانت معتادة فقال: كأنها في ابتداء استحاضتها لم تكن مهتدية إلى التمييز. وقوله: "إنما ذلك عرق" أي: ليس هو بدم الحيض الذي يقذفه الرحم لميقات معلوم، وإنما هو علة حدثت من تصدع العروق. وقوله: "فإذا ذهب قدرها" أي: قدر الحيضة بإدبار الدم وضعفه، وعلى الرواية الدالة على أن فاطمة كانت معتادة قوله: "فإذا ذهب قدرها" أي: قدر الحيضة المعتادة، وقوله: "فإذا أقبلت الحيضة" أي: الحيضة المعتادة، وإذا انقطعت الحيضة وصارت المرأة مستحاضة احتاجت إلى الاغتسال وإزالة النجاسة بقدر الإمكان، ورواية من روى: "فاغسلي عنك الدم" ورواية من روى: "فاغتسلي وصلي" واقعتان في موضعهما. الأصل [1460] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا إبراهيم بن محمَّد، حدثني عبد الله بن محمَّد بن عقيل، عن إبراهيم بن محمَّد بن طلحة، عن عمه عمران بن طلحة، عن أمه حمنة بنت جحش قالت: كنت أستحاض حيضة كبيرة شديدة، فجئت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - أستفتيه فوجدته في بيت أختي زينب، فقلت: يا رسول الله إن لي إليك حاجة وإنه لحديث ما منه بدّ وإني لأستحيي منه، قال: "فما هو ياهنتاه؟ " قالت: إني امرأة أستحاض حيضة كبيرة شديدة فما ترى فيها فقد منعتني من الصلاة والصوم؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إني أنعت لك الكرسف فإنه يذهب الدم". قالت: هو أكثر من ذلك.

الشرح

قال النبي - صلى الله عليه وسلم - "فتلجمي". قالت: هو أكثر من ذلك، قال: "فاتخذي ثوبًا". قالت: هو أكثر من ذلك إنما [أثج] (¬1) ثجًّا. قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "سآمرك بأمرين أيهما فعلت أجزأك من الآخر، فإن قويت عليهما فأنت أعلم" قال لها: "إنما هي ركضة من ركضات الشيطان فتحيضي ستة أيام أو سبعة في علم الله ثم اغتسلي حتى إذا رأيت أنك قد طهرت واستنقيت فصلي أربعًا وعشرين ليلة وأيامها أو ثلاثًا وعشرين ليلة وأيامها وصومي فإنه يجزئك، وكذلك فافعلي في كل شهر [كما] (¬2) تحيض النساء وكما يطهرن ميقات حيضهن وطهرهن" (¬3). الشرح [إبراهيم] (¬4): هو ابن محمَّد بن طلحة بن عبيد الله التيمي القرشي، أبو إسحاق. سمع: عائشة، وأبا هريرة، وعبد الله بن شداد وعمه عمران بن طلحة. وعمران: أحد بني طلحة بن عبيد الله التيمي، من أهل الحجاز. ¬

_ (¬1) قطع في "الأصل". والمثبت من "المسند". (¬2) سقط من "الأصل". والمثبت من "المسند". (¬3) "المسند" ص (311). (¬4) سقط من "الأصل". وانظر "التاريخ الكبير" (1/ ترجمة 993)، و"الجرح والتعديل" (2/ ترجمة 385)، و"التهذيب" (2/ ترجمة 229).

سمع: عليًّا - رضي الله عنه -، وأمه حمنة (¬1). وحمنة: هي بنت جحش الأسدية أخت زينب بنت جحش زوجة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. ومنهم من يقول: هي أم حبيبة بنت جحش والأصح الأول، وأم حبيبة بنت جحش التي يأتي ذكرها وذكر استحاضتها من بعد: أختهما، وادعى بعضهم أن حمنة هي أم حبيبة، وأن حمنة اسم وأم حبيبة كنية، والأظهر الأول، وأن حمنة كانت تحت طلحة وأم حبيبة تحت عبد الرحمن بن عوف (¬2). والحديث أخرجه أبو داود في "السنن" (¬3) عن زهير بن حرب عن عبد الملك بن عمرو عن زهير بن [محمَّد] (¬4) عن عبد الله بن محمَّد بن عقيل، وأبو عيسى الترمذي في "جامعه" (¬5) وزادا بعد قوله: "ميقات حيضهن وطهرهن": "وإن قويت على أن تؤخري الظهر وتعجلي العصر فتغتسلين وتجمعين بين الصلاتين الظهر والعصر، وتؤخرين المغرب وتعجلين العشاء، ثم تغتسلين وتجمعين بين الصلاتين، وتغتسلين مع الفجر فافعلي، فصومي إن قدرت على ذلك". قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "وهذا أعجب الأمرين إليَّ" والشافعي أورد هذه الرواية في كتابه، لكن خلل بينها وبين ما سبق: قوله: وهذا يدل ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (6/ ترجمة 2833)، و"الجرح والتعديل" (6/ ترجمة 1661)، و"التهذيب" (22/ ترجمة 4492). (¬2) انظر "معرفة الصحابة" (6/ ترجمة 3826)، و"الإصابة" (7/ ترجمة 11054). (¬3) "سنن أبي داود" (287). (¬4) في "الأصل": حرب. خطأ. (¬5) "جامع الترمذي" (128)، وقال: حسن صحيح.

على أنها كانت تعرف أيام حيضها ستًّا أو سبعًا فلذلك قال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما قال (¬1). فيقال: أن أبا العباس حسب أن ما بعد هذِه الكلمة من كلام الشافعي أيضًا ولم ينقله في "المسند"، وحكى أبو عيسى الترمذي عن أحمد بن حنبل أنه حكم بصحة الحديث، وعن البخاري (¬2) أنه قال: هو حديث حسن إلا أن إبراهيم بن محمَّد بن طلحة قديم فلا أدري أسمع منه عبد الله بن محمَّد بن عقيل أم لا؟. وقوله: "يا هنتاه" أي: يا هذِه وقد [تسكن منه] (¬3) النون وهي كلمة يكنى بها عن الشيء، يقال للمذكر: هن، وللمؤنث هنة. وقوله: "أنعت لك الكرسف" [أي: أصفه] (¬4) لك لتستعمليه وتدفعي به الدم، والكرسف: القطن. وقوله: "تلجمي" أي: شدي عليك اللجام وهو ما تشده الحائض عليها، وذكر أن اللجام فارسي معرب. والثج: الصب، أي: أصب صبًّا. وقوله: "إنما هي ركضة من ركضات الشيطان" قال أبو سليمان الخطابي: أراد أن الشيطان قد لبَّس عليها أمر دينها في صلاتها وصيامها وكأنه ركضها، وأصل الركض: الضرب بالرجل والإصابة بها وذلك سبب الإضرار والإفساد. واختلفوا في أن حمنة كانت معتادة أو مبتدأة فقال: ما يكون (¬5) كانت معتادة. ¬

_ (¬1) "الأم" (1/ 60). (¬2) "علل الترمذي" (1/ 58). (¬3) قطع في "الأصل". والمثبت أشبه بالرسم. (¬4) قطع في "الأصل". والمثبت أشبه بالرسم. (¬5) كذا في "الأصل" والمقصود: أن بعضهم قال: أنها كانت معتادة والله أعلم.

وقوله: "تحيضي ستًّا أو سبعًا" كأنه - صلى الله عليه وسلم - عرف أن عادتها السابقة أحج العددين ولم يعرف عينه فقال: تحيضي ستًّا إن كانت عادتك الست، وسبعًا إن كانت عادتك السبع، أو عرف أنها شكت في أن عادتها هذا العدد فقال: إن لم تتذكري فتحيضي ستًّا أخذًا باليقين وإن تذكرت أنها كانت سبعًا فتحيضي سبعًا، أو عرف أن عادتها كانت تختلف فربما حاضت ستًّا وربما حاضت سبعًا فقال: انظري في الشهر الذي تلته الاستحاضة إن حضت فيه ستًّا فتحيضي ستًّا وإن حضت سبعًا فتحيضي سبعًا. وقال آخرون: مبتدأة لا تمييز لها، وردَّها النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى غالب عادات نسائها فقال: إن كانت عادة نسائك ستًّا فتحيضي ستًّا، وإن كانت عادتهن سبعًا فتحيضي سبعًا. وقوله: "في علم الله" أي: فيما علمك الله من عادتك أو عادة نسائك. ومن الأصحاب من جعل قول الشافعي في أن المبتدأة التي لا تمييز لها ترد إلى الأقل والغالب ناشئين من الخلاف في حال حمنة، إن قلنا: أنها كانت مبتدأة؛ رددنا المبتدأة إلى الغالب أخذًا بالحديث، وإن قلنا: كانت معتادة؛ رددنا المبتدأة إلى الأقل اقتصارًا على اليقين. وقوله: "حتى إذا رأيت أنك قد طهرت واستيقنت فصلي أربعًا وعشرين ليلة وأيامها أو ثلاثًا وعشرين ليلة وأيامها" يدل إذا قلنا: أنها كانت مبتدأة على أن المبتدأة كما ترد في الحيض إلى الغالب ترد في الطهر إلى الغالب، وهو وجه للأصحاب. وأما الزيادة على ما في الكتاب وهي قوله: "وإن قويت ... إلى آخره ... " (¬1). ¬

_ (¬1) كذا!

واعلم أن المستحاضة الناسية لعادتها وقتًا وعددًا يجب عليها أن تغتسل لكل فريضة؛ لأنه يحتمل أن يكون انقطاع دمها قبيل تلك الصلاة فلا تدخل فيها إلا بعد الغسل، وما روي عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة؛ أن سهلة بنت سهيل استحيضت فأتت النبي - صلى الله عليه وسلم - فأمرها أن تغتسل عند كل صلاة، فلما جهدها ذلك أمرها أن تجمع بين الظهر والعصر بغسل، والمغرب والعشاء بغسل، وتغتسل للصبح (¬1). ويروى أنها أمرت أن تعجل العصر وتؤخر الظهر وتغتسل لهما غسلًا واحدًا، وأن تؤخر المغرب وتعجل العشاء وتغتسل لهما غسلًا واحدًا، وتغتسل لصلاة الصبح غسلًا (¬2). قال أبو سليمان الخطابي: لما رأى أن الأمر طال عليها وشق رخص لها في الجمع بين الصلاتين بغسل واحد كالمسافر الذي رخص له في الجمع بين الصلاتين لما يلحقه من مشقة السفر، ويمكن أن يعد هذا الترخيص والتخفيف من خصائص تلك المرأة. وأما ذكر الاغتسال والجمع بين الصلاتين بغسل واحد في حديث حمنة ففيه إشكال سواء قدرت معتادة أو مبتدأة؛ أما على تقدير أنها كانت معتادة فلأنها لم تكن ناسية مطلقة وإنما نسيت أن عادتها كانت ستًّا أو سبعًا على ما تقدم؛ وأما على تقدير أنها كانت ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (295) من طريق محمَّد بن إسحاق، عن عبد الرحمن. قال المنذري: ومحمد بن إسحاق قد اختلف في الاحتجاج به. وفي "نيل الأوطار" (1/ 304) أن الحافظ قال: قيل أن ابن إسحاق وهم فيه. وضعفه الألباني في التعليق على "سنن أبو داود". (¬2) رواه النسائي (1/ 122) من طريق شعبة عن عبد الرحمن بن القاسم "إن امرأة مستحاضة .. " وليس فيه ذكر سهيلة. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (305).

الأصل

مبتدأة فلأن المبتدأة لا تحتاط بعد خمسة عشر يومًا من أول الدورة؛ والأصح من القولين أنها لا تحتاط بعد ما ردت إليه من الأقل والغالب إلى تمام خمسة عشر أيضًا. الأصل [1461] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن نافع مولى ابن عمر، عن سليمان بن يسار، عن أم سلمة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - أن امرأة كانت تهراق الدم على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاستفتت لها أم سلمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "لتنظر عدد الليالي والأيام التي كانت تحيضهن من الشهر قبل أن يصيبها الذي أصابها فلتترك الصلاة قدر ذلك من الشهر، فإذا (خلف) (¬1) ذلك فلتغتسل ولتستثفر بثوب ثم لتصل" (¬2). الشرح الحديث مودع في "الموطأ" (¬3)، وأخرجه أبو داود في "السنن" (¬4) عن القعنبي عن مالك، وذكر أن سليمان بن يسار لم يسمعه من أم سلمة وإنما هو عن رجل عن أم سلمة (¬5)، هكذا رواه الليث بن سعد وعبيد الله بن عمر وإسماعيل بن إبراهيم بن عقبة وصخر بن جويرية وجويرية بن أسماء عن نافع، ورواه موسى بن عقبة عن نافع عن سليمان بن يسار عن مرجانة عن أم سلمة، لكن في "تاريخ (¬6) البخاري" وغيره عند ذكر ¬

_ (¬1) في "المسند": خلفت. (¬2) "المسند" ص (311). (¬3) "الموطأ" (1/ 62 رقم 136). (¬4) "سنن أبي داود" (274). (¬5) قاله البيهقي (1/ 332). وقال ابن الملقن في "الخلاصة" (251): رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه وغيرهم بأسانيد صحيحة على شرط الصحيح، وأعله البيهقي وغيره بالانقطاع وظهر اتصاله. (¬6) "التاريخ الكبير" (4/ ترجمة 1901)، و"الجرح والتعديل" (4/ ترجمة 643).

سليمان بن يسار: أنه سمع أم سلمة، فيجوز أن يكون قد سمعه منها وسمعه من رجل عنها. وقوله: "كانت تهراق الدم" ويروى: "الدماء" وذكر أن النصب على التشبيه بالمفعول به أو على التمييز، وأنه يجوز أن يقال أنه مفعول بـ "تهراق"؛ لأن معناه تهريق الدماء، لكنهم عدلوا بالكلمة إلى وزن ما هي في معناها وهو: تستحاض. وقوله: "ولتستثفر" أي: لتشد خرقة على فرجها، واللفظة مأخوذة من ثَفَرِ الدابة: وهو الذي يكون تحت ذنبها، وقيل: من الثّفر وهو الفرج، وأصله في السباع ثم استعير لغيرها، وهو في المعنى كقوله في الحديث السابق: "فتلجمي". والحديث يدل على أن المعتادة إذا استحيضت ترد إلى عادتها في الحيض ويحكم لها بالطهر بعد ذلك خلافًا لمالك حيث قال: لا اعتبار بالعادة، وإطلاق اللفظ يقتضي أن ترد إلى العادة وإن كانت مميزة وهو وجه للأصحاب، لكن أحاديث التمييز أيضًا مطلقة، كما روي أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: "دم الحيض أسود يعرف" (¬1). وهذا يقتضي الرد إلى التمييز وإن كانت معتادة، ورجح الأصحاب الرد إلى التمييز بأنه صفة حاضرة والعادة دلالة قد مضت. وقوله: "التي كانت تحيض من الشهر قبل أن يصيبها الذي أصابها". يجوز أن يحمل الشهر على الحبس أي: الذي كانت تحيضهن في كل شهر، ويكون الكلام جاريًا على الغالب في أن الشهر الواحد دور ¬

_ (¬1) سبق تخريجه قريبًا.

الشرح

يجمع حيضًا وطهرًا، ويجوز أن يقدر قوله: "أن يصيبها الذي أصابها" متعلقًا بالشهر: أي الشهر الذي [تلته] (¬1) الاستحاضة، وعلى هذا حملوه حيث احتجوا به على أن العادة تثبت بمرة واحدة، وقالوا: أنه اعتبر الشهر المتقدم على الاستحاضة. وفيه دليل على أن المستحاضة تعالج نفسها بما يسدّ المسلك ويرد الدم بحسب الإمكان، فإذا أتت به وقطر مع ذلك الدم أو سال صحت صلاتها ولا إعادة عليها. [1462] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا ابن عيينة، أخبرني الزهري، عن عمرة، عن عائشة؛ أن أم حبيبة بنت جحش استحيضت سبع سنين، فسألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "إنما هو عرق وليست بالحيضة" وأمرها أن تغتسل وتصلي، فكانت تغتسل لكل صلاة وتجلس في [المركن] (¬2) فيعلو الدم (¬3). الشرح روى (¬4) مسلم في "الصحيح" (¬5) عن محمَّد بن المثنى عن ابن عيينة، وأيضًا عن محمَّد بن جعفر بن زياد عن إبراهيم بن سعد عن الزهري، وأخرجه أيضًا من حديث عمرو بن الحارث عن الزهري عن عروة وعمرة، جميعًا عن عائشة، [و] (¬6) أخرجه البخاري (¬7) من حديث ¬

_ (¬1) في "الأصل": تلتها. (¬2) في "الأصل": الركن. والمثبت من "المسند". (¬3) "المسند" ص (311). (¬4) كذا في "الأصل" والجادة: رواه. (¬5) "صحيح مسلم" (334). (¬6) ليست في "الأصل". والسياق يقتضيها. (¬7) "صحيح البخاري" (327).

ابن أبي ذئب عن الزهري (جميعًا) (¬1). واعلم أن في المستحاضات من تؤمر بالغسل لكل فريضة وهي التي كانت لها عادة قبل الاستحاضة فنسيت قدر عادتها القديمة وموضعها من الشهر، ولا مانع في اللفظ من أن يقدر لأم حبيبة بنت جحش هذِه الحالة، ويقوي هذا الاحتمال أنه روي عن محمَّد بن إسحاق بن يسار عن الزهري عن عروة عن عائشة في حديث أم حبيبة بنت جحش: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمرها بالغسل لكل صلاة، وكذلك رواه (¬2) سليمان بن كثير في بعض الروايات عن الزهري، وعن يزيد بن عبد الله بن الهاد عن أبي بكر بن محمَّد بن عمرو بن حزم عن عمرة عن عائشة مثل ذلك، وروى أبو داود في "السنن" (¬3) عن هناد عن عبدة عن [ابن] (¬4) إسحاق عن الزهري، عن عائشة مثل ذلك، وقرن أبو سليمان الخطابي حال أم حبيبة من التنزيل المذكور، لكن الشافعي قال: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمرها أن تغتسل وتصلي، ولم يأمرها بأن تغتسل لكل صلاة وكان ذلك تطوعًا منها (¬5)، وكذلك ذكره عامة أهل الحديث وقالوا: ليس في أكثر الروايات عن الزهري أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمرها بالغسل لكل صلاة، فروى الليث بن سعد الحديث عنه ثم قال: لم يذكر ابن شهاب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر أم حبيبة بنت جحش أن تغتسل عند كل صلاة ولكنه شيء فعلته هي (¬6). ورواه عراك بن مالك عن عروة بن الزبير عن عائشة فقال: قالت ¬

_ (¬1) كذا! وهي زائدة. (¬2) زاد في "الأصل": أبو. خطأ. (¬3) "سنن أبي داود" (292) من طريق الزهري عن عروة عن عائشة. (¬4) في "الأصل": أبي. خطأ، والمثبت من "السنن". (¬5) "الأم" (1/ 62). (¬6) رواه مسلم (334/ 63).

الأصل

[إن] (¬1) أم حبيبة بنت جحش التي كانت تحت عبد الرحمن بن عوف شكت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال لها: "امكثي قدر ما كانت تحبسك حيضتك ثم اغتسلي" قال: وكانت تغتسل عند كل صلاة من عند نفسها (¬2). الأصل [1463] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، قال: أخبرنا ابن علية، عن الجلد بن أيوب، عن معاوية بن قرة، عن أنس بن مالك أنه قال: قرء المرأة أو قرء حيض المرأة ثلاث وأربع حتى انتهى إلى عشر. قال الشافعي: قال لي ابن علية: الجلد أعرابي لا يعرف الحديث (¬3). الشرح الجلد بن أيوب بصري. روى عن: معاوية بن قرة، وأيضًا عن أبيه عن جده. عن عبد الله بن المبارك: أن أهل البصرة كانوا يضعفون الجلد، وعن سفيان بن عيينة إساءة القول فيه أيضًا (¬4). ومعاوية: هو ابن قرة بن إياس، أبو إياس المزني البصري. سمع: أباه، وأنس بن مالك. ¬

_ (¬1) سقط من "الأصل". والمثبت من "صحيح مسلم". (¬2) رواه مسلم (334/ 66)، والبيهقي (1/ 350) واللفظ له، وليس عند مسلم: "من عند نفسها". (¬3) "المسند" ص (311). (¬4) انظر "التاريخ الكبير" (2/ ترجمة 2382)، و"الجرح والتعديل" (2/ ترجمة 2278)، و"تعجيل المنفعة" (1/ ترجمة 143).

الأصل

وروى عنه: شعبة، والأعمش (¬1). وإنما قال: "أخبرنيه" لأن بعض من كلم الشافعي - رضي الله عنه - في أكثر الحيض، وادعى أنه عشرة تمسك بحديث الجلد، فقال الشافعي: نعم أخبرنيه ابن علية، ثم ذكر أن ابن علية ضعفه، وروي مثله عن حماد بن زيد وسليمان بن حرب وأحمد بن حنبل وإسحاق بن إبراهيم والبخاري ولا يرونه بموضع الحجة، واعتمد الشافعي في أقل الحيض وأكثره على ما وجد وبلغه من حال النساء على مرِّ القرون، وما ذكر أنه قال: "قرء المرأة أو قرء حيض المرأة" كأن الإشارة بهذِه اللفظة أن اسم القرء يقع على الحيض والطهر، والمقصود ها هنا: القرء الذي هو حيض. الأصل [1464] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا إبراهيم بن محمَّد، أخبرني محمَّد بن عجلان، عن عبد الله بن رافع، عن أم سلمة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سئل عن الثوب يصيبه دم المحيض فقال: "تحته ثم تقرصه بالماء ثم تصلي فيه" (¬2). الشرح عبد الله بن رافع: الأشبه أنه أبو رافع مولى أم سلمة. روي: عنها، وعن أبي هريرة. ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (7/ ترجمة 1413)، و"الجرح والتعديل" (8/ ترجمة 1734)، و"التهذيب" (28/ ترجمة 6065). (¬2) "المسند" ص (312).

كتاب قتال أهل البغي

وروى عنه: سعيد المقبري، وأفلح بن سعيد (¬1). ومقصود الحديث صحيح من رواية أسماء بنت أبي بكر رضي الله، عنه وقد تقدم ذلك في أوائل الكتاب (¬2) وأتينا بما تيسر من الكلام فيه، وروي عن مجاهد قال: قالت عائشة: ما كان لإحدانا إلا ثوب واحد تحيض فيه فإن أصابه شيء من دم بلته بريقها ثم قصعته بظفرها (¬3). أي: فركته وقطعته، ومن قصع القملة أي: قتلها، والقصع: فضخ الشيء بين الظفرين. وهذا حمله الأئمة على القدر اليسير الذي يعفى عنه، فأما الكثير فلابدّ من غسله بالماء، واعلم أن بلَّ الدم بالريق يزيد في النجاسة فليفرض ذلك فيما إذا كان الدم مع ما ازداد بالبلِّ من النجاسة يسيرًا معفوًا عنه، وله نظر إلى أن القدر المعفو عنه لا يفرق بين أن يقصد التلوث به وبين أن يتفق ذلك من غير قصده. الأصل ومن كتاب قتال أهل البغي [1465] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا ابن عيينة، عن الزهري، عن طلحة بن عبد الله بن عوف، عن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من قتل دون ماله فهو شهيد" (¬4). الشرح قد سبق الحديث بهذا الإسناد من قبل (¬5). ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (5/ ترجمة 244)، و"الجرح والتعديل" (5/ ترجمة 247)، و"التهذيب" (14/ ترجمة 3255). (¬2) سبق برقم (8). (¬3) رواه البخاري (312). (¬4) "المسند" ص (313). (¬5) سبق برقم (977).

الأصل

الأصل [1466] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا إبراهيم بن محمَّد، عن جعفر بن محمَّد، عن أبيه؛ أن عليًّا قال في ابن ملجم بعدما ضربه: أطعموه واسقوه وأحسنوا أساره، فإن عشت فأنا ولي دمي أعفو إن شئت وإن شئت استقدت، وإن مت فقتلتموه [فلا] (¬1) تمثلوا (¬2). الشرح فيه الأمر بالإحسان إلى الأسير والمحبوس، والنهي عن المثلة. وقوله: "فإن عشت فأنا ولي دمي" أي: أنا الذي ألي أمر نفسي. وقوله: "وإن شئت استقدت" كأنه يعني من الجراحات فيما دون النفس كالمواضح، وقد روي أن ابن ملجم ضرب عليًّا على رأسه، ولفظ القود فيه مثل ما روي عن الشافعي أنه قال: "قتل ابن ملجم عليًّا متأولًا فأقيد به"، والتأول ما ذكر أن امرأة من الخوارج كان قد قتل أبوها في قتال علي مع الخوارج فوكلت ابن ملجم بالاقتصاص وهما يزعمان أن عليه قصاصًا (¬3)، واحتج الشافعي به على أن الذين يخالفون الإِمام بتأويل وليست لهم ¬

_ (¬1) في "الأصل": ولا. والمثبت من "المسند". (¬2) "المسند" ص (313). (¬3) قال الحافظ في "التلخيص" (4/ 44 - 45) معلقًا على كلام الإِمام الرافعي: وأما ما ذكره من أمر ابن ملجم في تأويله فهو كما قال، وأما قصة قتله لعلي وسببها فقد رواها الحاكم بإسناد فيه انقطاع وهي مشهورة بين أهل التاريخ، وأما ما ذكره في قصة قطام (وهي المرأة من الخوارج التي قتل أبوها) فظاهره مخالف للواقع لأن المحفوظ أنها شرطت ذلك عليه مهرًا.

الأصل

شوكة وامتناع لقلة عددهم يلزمهم ضمان ما أتلفوا من نفس، وقال (¬1): سيما إذا لم يكن قتال ولولاه لقال: لا تقتلوه فإنه متأول. قال الشافعي (¬2): وقد قتله الحسن بن علي وفي الناس بقية من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا نعلم أن أحدًا أنكر قتله ولا عابه. وقضية هذا كله أن ابن ملجم لم يكن كافرًا ويؤيد ما يروى عن الشافعي أنه قال في "القديم": وبلغني أن علي بن أبي طالب أتي بابن ملجم وقد بلغه أنه يريد قتله فخلاه وقال: أقتله أقتله قبل أن يقتلني. لكن أصحابنا [لما] (¬3) احتج عليهم في أن وجود الصغار في الورثة لا يمنع القصاص بأن الحسن [قتله] (¬4) وكان لعلي أولاد صغار؛ أجاب بعضهم بأنه لم يقتله قصاصًا وإنما قتله لكفره، والله أعلم. الأصل [1467] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن الزهري، عن ابن كعب بن مالك، عن عمه؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى الذين بعث إلى ابن أبي الحقيق عن قتل النساء والولدان (¬5). [1468] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن الزهري، عن عبيد الله يعني: ابن عبد الله، عن ابن عباس، عن الصعب بن جثامة ¬

_ (¬1) "الأم" (4/ 216). (¬2) "الأم" (4/ 216). (¬3) في "الأصل": لم. والمثبت أليق بالسياق. (¬4) قطع في "الأصل". والمثبت أشبه بالرسم. (¬5) "المسند" ص (314).

الشرح

الليثي؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سئل عن أهل الدار من المشركين يبيتون فيصاب من نسائهم وأبنائهم، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "هو منهم"، وربما قال سفيان في الحديث: "هم من آبائهم" (¬1). [1469] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا عمر بن حبيب، عن عبد الله بن عون، أن نافعًا كتب إليه يخبره؛ أن ابن عمر أخبره؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أغار على بني المصطلق وهم غارون في نعمهم بالمريسيع، فقتل المقاتلة وسبي الذرية (¬2). الشرح ابن أبي الحقيق المذكور في المتن يهودي كان يسكن أرض الحجاز، يقال له: عبد الله بن أبي الحقيق، ويقال: سلام بن أبي الحقيق، ويكنى أبا رافع، بعث إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجالًا من الأنصار فقتله عبد الله بن عتيك، وقيل: ضربه عبد الله بن أنيس ودفف (¬3) عليه ابن عتيك وعمر. الأول مذكور في الكتاب مرة، ورواه عن الزهري كما رواه (¬4) عن أبي الحقيق عن قتل النساء، ورواه عنبسة عن يونس عن الزهري عن عبد الرحمن بن كعب عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكذلك رواه ابن المبارك عن يونس عن الزهري، وإبراهيم بن سعد عن الزهري، وهو مرسل من هذِه الروايات، ورواه ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب عن عبد الرحمن ¬

_ (¬1) "المسند" ص (314). (¬2) "المسند" ص (314). (¬3) أي: أجهز عليه. (¬4) كذا في "الأصل" وها هنا سقط، وقد رواه عن الزهري كما رواه ابن عيينة: عقيل، ويونس، ومالك، وابن إسحاق، وإبراهيم بن سعد.

بن كعب عن أبيه؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن قتل النساء والصبيان؛ فإن أراد بأبيه كعبًا فقد أسنده. وحديث ابن عباس عن الصعب أخرجه البخاري (¬1) عن علي بن المديني، ومسلم (¬2) عن يحيى بن يحيى وغيره، وأبو داود (¬3) عن أحمد بن عمرو بن السرح، بروايتهم جميعًا عن سفيان. وحديث ابن عمر رواه البخاري في "الصحيح" (¬4) عن علي بن الحسن بن شقيق عن ابن عون، ومسلم (¬5) عن يحيى بن يحيى عن سليم بن أخضر عن ابن عون. والمقصود أنه لا يجوز قصد النساء والصبيان بالقتل، وفي "الصحيحين" (¬6) من رواية الليث بن سعد عن نافع عن ابن عمر، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأى في بعض مغازيه امرأة مقتولة، فأنكر ذلك ونهى عن قتل النساء والصبيان. وعن سمرة بن جندب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "اقتلوا شيوخ المشركين واستحيوا شرخهم" (¬7) أي: اتركوهم أحياءً، والشرخ جمع شارخ كصاحب وصحب: وهو الحديث السن، وشرح الشباب: أوله. وحديث ابن كعب بن مالك محمول على هذِه الحالة وهو أن ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (3012). (¬2) "صحيح مسلم" (1745/ 26). (¬3) "سنن أبي داود" (2672). (¬4) "صحيح البخاري" (2541). (¬5) "صحيح مسلم" (1730/ 1). (¬6) "صحيح البخاري" (3015)، و"صحيح مسلم" (1744/ 24). (¬7) رواه أبو داود (2670)، والترمذي (1583) من طريق الحسن عن سمرة. قال الترمذي: حسن صحيح غريب. قال ابن الملقن في "الخلاصة" (2529): ضعفه عبد الحق. وضعفه الألباني في "ضعيف الجامع" (1063).

الأصل

يكونوا متميزين فقصدوا بالقتل، فأما إذا لم يتميز النساء والصبيان فلا بأس بالحرب وبالتبييت عليهم وإن [أصبتهم] (¬1) هم؛ لحديث الصعب بن جثامة. وقوله: "هم منهم" أي: في حكم الدين وإباحة الدم، وفي أنه لا تمتنع الغارة على ديارهم بسببهم. وفي الحديثين الآخرين دليل على جواز التبييت والإغارة، وعلى جواز الهجوم وهم غافلون. وقوله: "والولدان" جمع وليد: وهو المولود الصغير. وقوله: "وهم غارون"أي: غافلون، والغر والغرير: الغافل الذي لا علم عنده بالأمور. والمريسيع: ماء لبني المصطلق. وفي بعض "نسخ المسند" قبل حديث ابن كعب بن مالك زيادة وهي: "ومن قتال المشركين" ولا بأس به. الأصل [1470] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن ابن عباس قال: من فرّ من ثلاثة فلم يفرّ، ومن فرَّ من اثنين فقد فرّ (¬2). الشرح رواية ابن أبي نجيح عن ابن عباس مرسلة، ويقال أنه سقط من الإسناد بينهما عطاء بن أبي رباح (¬3). ¬

_ (¬1) في "الأصل": أصبتك. والمثبت الأليق بالسياق. (¬2) "المسند" ص (314). (¬3) رواه سعيد بن منصور في سننه (1001)، والبيهقي (9/ 76) من طريق ابن أبي نجيح عن عطاء عن ابن عباس موقوفًا. =

الأصل

وقوله: "من فرَّ من ثلاثة فلم يفر" أي: لم يفر الفرار المحرم المعدود من الكبائر لزيادة عدد الكفار على الضعف، ومن فرّ من اثنين فقد تعرض للوعيد إلا أن يكون متحرفًا لقتال أو متحيزًا إلى فئة على ما قال تعالى: {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} (¬1). وعن الحسن أنه قال: ليس الفرار من الزحف من الكبائر، إنما كان ذلك يوم بدر. الأصل [1471] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا أبو ضمرة، عن موسى بن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حرق أموال بني النضير (¬2). [1472] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا إبراهيم بن سعد، عن ابن شهاب؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حرق أموال بني النضير، فقال قائل: وَهَانَ على سراةِ بني لُؤي ... حريقٌ بالبُويرة مستطيرُ (¬3) الشرح أبو ضمرة: هو أنس بن عياض. والحديث قد أخرجه البخاري في "الصحيح" (¬4) عن قتيبة، ¬

_ = وصححه الألباني في "الإرواء" (4/ 28). ورواه الطبراني (11151) من طريق الحسن بن صالح، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن ابن عباس مرفوعًا. قال الهيثمي (5/ 328): ورجاله ثقات. (¬1) الأنفال: 16. (¬2) "المسند" ص (314). (¬3) "المسند" ص (315). (¬4) "صحيح البخاري" (4884).

ومسلم (¬1) عنه وعن يحيى بن يحيى وابن رمح، بروايتهم عن الليث عن نافع عن ابن عمر، واللفظ "حرق نخل بني النضير وقطع وهي البويرة، فأنزل الله تعالى: {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ} (¬2). وأخرجه البخاري أيضًا عن محمَّد بن كثير عن سفيان الثوري عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر. والشعر المذكور في الرواية الأخرى لحسان بن ثابت، فروى مسلم في "الصحيح" (¬3) عن هناد بن السري عن عبد الله بن المبارك عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قطع نخل بني النضير وحرّق، ولها يقول حسان بن (¬4) ثابت: وهان على سراة بني لؤي ... حريق بالبويرة مستطير وفي هذا نزلت هذه الآية: {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا}. وقوله: "حرق نخل بني النضير وقطع، أو قطع وحرق" أراد حرق بعضًا وقطع بعضًا، فقد روى إسماعيل بن إبراهيم عن نافع عن ابن عمر؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حرق بعض نخل بني النضير وقطع بعضًا، وقيل في ذلك: وهان على سراة بني لؤي ... حريق بالبويرة مستطير تركتم قدركم لا شيء فيها ... وقدر القوم حامية تفور (¬5) ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (1746/ 29). (¬2) الحشر: 5. (¬3) "صحيح مسلم" (1746/ 30). (¬4) زاد في "الأصل": أبي. خطأ. (¬5) رواه البيهقي (9/ 83) من طريقه.

الأصل

والسراة: جمع السري وهو الشريف، ويجمع على أسرياء وسريين أيضًا، والسروة: المروءة. ولؤي: هو ابن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة. والبويرة: موضع من بلد بني النضير، والمستطير: المنتشر، واللينة من النخيل: ما سوى البرني والعجوة، ويسميها أهل المدينة الألوان. وفي الحديث دليل على جواز قطع أشجار أهل الحرب وتحريق أموالهم، وفي معناه تخريب دورهم، وإلى ذلك ذهب الشافعي ومالك وأبو حنيفة، وكرهه أحمد إلا لحاجة، وذهب الأوزاعي وجماعة إلى أنه لا يجوز لأن أبا بكر - رضي الله عنه - نهى عن قطع الأشجار وتخريب العامر (¬1). ومن قال بالأول قال: كان قد سمع من النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه وعد لهم فتح الشام وأراد إبقاءها للمسلمين، ولا يجوز تجريق الكافر بعد وقوعه في الأسر ولا تحريق المرتد. الأصل [1473] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا ابن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن صهيب مولى عبد الله بن عامر، عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من قتل عصفورًا فما فوقها بغير حقها سأله الله عن قتله". قيل: يا رسول الله وما حقها؟ قال: "أن يذبحها فيأكلها، ولا يقطع رأسها فيرمي بها" (¬2). [] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا إبراهيم بن أبي يحيى، عن جعفر، ¬

_ (¬1) رواه مالك (2/ 447 رقم 965). (¬2) "المسند" ص (315).

الشرح

عن أبيه، عن علي بن حسين قال: لا والله ما سمل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عينًا، ولا زاد أهل اللقاح على قطع أيديهم وأرجلهم (¬1). الشرح صهيب مولى ابن عامر، يقال له: الحذاء. وعرف بروايته عن عبد الله بن عمرو، ورواية عمرو بن دينار عنه (¬2). واحتج الشافعي بحديث العصفور على أنه يحرم قتل ما له روح سواء كان لنا أو لهم إلا بأن يذبح فيؤكل، وبه قال الأوزاعي وأحمد، ويدل عليه ما روي عن أبي بكر أنه بعث جيشًا إلى الشام فقال في وصيته: لا تعقرن شاة ولا بعيرًا إلا لمأكلة، ونهى في هذِه الوصية عن قطع الأشجار وتحريقها أيضًا (¬3). لكن تركناه لما سبق من الحديث، ولذي الروح من الحرمة ما ليس لغيره من الأموال، وعن عمر بن عبد العزيز أنه نهى عن عقر الدابة إذا هي قامت. وعن قبيصة أن فرسه قام عليه بأرض الروم فتركه ونهى عن عقره. وجوز أبو حنيفة ومالك إتلافها؛ لئلا يظفر بها العدو، وروي أن جعفر بن أبي طالب اقتحم له شقراء في غزاة مؤتة فعقرها ثم قاتل القوم حتى قتل (¬4). ¬

_ (¬1) "المسند" ص (315). (¬2) انظر "التاريخ الكبير" (4/ ترجمة 2966)، و"الجرح والتعديل" (4/ ترجمة 1954)، و"التهذيب" (13/ ترجمة 2907). (¬3) رواه مالك (2/ 447 رقم 965). (¬4) رواه أبو داود (2573) وقال: ليس بالقوي.

وتوقف الشافعي في ثبوت ذلك من جهة النقل، وربما لم يبلغ النهي جعفرًا - رضي الله عنه -. وأما ما ذكر علي بن حسين فقد ورد النهي عن المثلة بالروايات الصحيحة، وروى أنس بن مالك أن ناسًا من عرينة قدموا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة فاجتووها، فقال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن شئتم أن تخرجوا إلى إبل الصدقة فتشربون من ألبانها وأبوالها" ففعلوا فصحوا ثم مالوا على الرعاء فقتلوهم واستاقوا ذود رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فبلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - فبعث في إثرهم، فأتي بهم فقطع أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم وتركهم في الحرة حتى ماتوا (¬1). فأخذ علي بن الحسين بالنهي عن المثلة وأنكر ما رواه أنس أنه - صلى الله عليه وسلم - سمل أعينهم، لكن حديث أنس صحيح عند علماء الحديث، وروى مثله ابن عمر، ثم الإشكال باق في قطع اليد والرجل وقد سلمه علي بن الحسين، ولكن الأقرب فيه أحد وجهين: أولهما: ما روي عن ابن سيرين أنه كان ذلك قبل أن تنزل الحدود وتستقر العقوبات. وثانيهما: أنهم كانوا قد فعلوا بالرعاة من القطع والسمل مثل ما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - بهم، ويروى هذا عن قتادة وغيره. وقوله: "فاجتووها" أي: كرهوها لما أصابهم بها من المرض. وقوله: "سمل أعينهم" أي: كحلها بالمسامير المحماة، ويروى "سمر" بالراء، وثقَّل بعضهم الميم من "سمر". ¬

_ (¬1) رواه البخاري (3018)، ومسلم (1671) واللفظ لمسلم.

الفصل

الفصل [1474] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن الحسن بن محمَّد، عن عبيد الله بن أبي رافع قال: سمعت عليًّا يقول: بعثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنا والزبير والمقداد فقال: "انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها ظعينة معها كتاب" فخرجنا تعادي بنا خيلنا فإذا نحن بظعينة، فقلنا: أخرجي الكتاب، فقالت: ما معي كتاب، فقلنا: لتخرجن الكتاب أو لنلقين الثياب، فأخرجته من عقاصها، فأتينا به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإذا فيه: من حاطب بن أبي بلتعة إلى ناس من المشركين ممن بمكة يخبر ببعض أمر النبي - صلى الله عليه وسلم -. فقال: "ما هذا يا حاطب؟ " قال: لا تعجل عليّ، كنت امرءًا ملصقًا في قريش ولم أكن من أنفسها، وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون بها قرابتهم ولم يكن لي بمكة قرابة إذ فاتني ذلك أن أجد عندهم يدًا، والله ما فعلت شكًّا في ديني ولا رضًا بالكفر بعد الإِسلام. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إنه قد صدق". فقال عمر: يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إنه قد شهد بدرًا، وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم" ونزلت {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ} (¬1). ¬

_ (¬1) "المسند" ص (316).

الشرح

الشرح حاطب: هو ابن أبي بلتعة وهو ابن عمر بن عمير بن سالمة أبو محمَّد حليف بني أسد بن عبد العزى بن قصي. روى عنه: جابر، وابن عمر، وابنه عبد الرحمن. وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -[بعثه] (¬1) إلى المقوقس ملك الإسكندرية. توفي سنة ثلاثين وهو ابن خمس وستين سنة (¬2). والحديث مدون في "الصحاح" (¬3) من رواية سفيان بن عيينة، وأخرجه البخاري (¬4) ومسلم (¬5) من حديث عبد الله بن إدريس أيضًا عن حصين عن سعد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن السلمي عن علي رضي الله عنه، وقال: "فبعثني ومعي الزبير بن العوام وأبا مرثد الغنوي" ولم يذكر المقداد، ويمكن أن يكون المقداد وأبو مرثد معًا من المبعوثين فذكر هذا في رواية وهذا في رواية. وروضة خاج: موضع بقرب حمراء الأسد من المدينة، وقيل: موضع قريب من مكة؛ والأول أظهر، ويقال: أن أبا عوانة وهم فيه فقال: روضة خاج جعل آخر الكلمة جيمًا. والظعينة: المرأة، والأصل فيها الهودج الذي تكون فيه المرأة، وقيل: لا تسمى المرأة ظعينة إلا إذا كانت راكبة. وقوله: "تعادي بنا خيلنا" أي: تجري، يقال: عدت الخيل تعدو ¬

_ (¬1) سقط من "الأصل". والمثبت من التخريج. (¬2) انظر "معرفة الصحابة" (2/ ترجمة 570)، و"الإصابة" (2/ ترجمة 1540). (¬3) رواه البخاري (3007)، و"صحيح مسلم" (2494/ 61). (¬4) "صحيح البخاري" (3983). (¬5) "صحيح مسلم" (2494/ 61).

عدوًا وعدوًّا إذا جرت. وقوله: "لتخرجن الكتاب أو لنلقين الثياب" يريد تهديدها بالتجريد. والعقاص: ما وصل به الشعر ليبقا ملتويًا، والعقص: ليّ الشعر على الرأس وتداخل أطرافه في أصوله. وفي رواية أبي عبد الرحمن السلمي: أنها كانت قد جعلته في إزارها أو في ذؤابة من ذوائبها، وأن اسم تلك المرأة سارة (¬1). وقوله: "يخبر ببعض أمر النبي - صلى الله عليه وسلم -" هو أنه كتب أن محمدًا يريد أن يغزوكم بأصحابه فخذوا حذركم. وفي القصة معجزة للنبي - صلى الله عليه وسلم - من حيث أنه اطلع على الأمر المكتوم وأخبر أنهم يلحقونها في موضع كذا فكان كذلك، ودلالة على فضيلة أصحاب بدر وأنهم غفر لهم ما يعملون، وعلى صلابة عمر رضي الله عنه. وقال الإِمام أبو سليمان الخطابي: وفيه من الفقه: أن حكم المتأول في استباحة المحظور عليه خلاف حكم المتعمد لاستباحته من غير تأويل، وأنه إذا تعاطى شيئًا من المحظور وادعى أمرًا يحتمله التأويل كان القول فيه قوله وفي [.. (¬2) ..]، قال: وفيه دليل على أن الجاسوس لا يقتل إذا كان مسلمًا، وأورد أبو داود السجستاني الحديث في باب هذا ترجمته. قال الخطابي: واختلفوا فيما يفعل به، فقيل: [.. (¬3) ..] عقوبته ¬

_ (¬1) هو في رواية البيهقي (9/ 147). (¬2) طمس بمقدار ثلاث كلمات. (¬3) طمس في "الأصل" بمقدار كلمة.

الأصل

[.. (¬1) ..] حبسه، وقيل: إن كان مسلمًا عاقبه الإِمام بما ينكله ويغربه، وإن كان ذميًّا انتقض عهده. وقال الشافعي (¬2): قد ورد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - (أنه) (¬3) قال: "تجافوا لذوي الهيئات" (¬4) وقيل في الحديث: "ما لم يكن حدًّا" وكان حاطب من ذوي الهيئة وفعل ما فعل بجهالة ولم يتهمه النبي - صلى الله عليه وسلم -، وغير ذوي الهيئة يعزره الإِمام كما يراه. قال الخطابي: وفي الحديث من الفقه أنه يجوز النظر إلى ما ينكشف من النساء لإقامة حدٍّ وإقامة شهادة في إثبات حق، وقد يستدل به على جواز إطلاق اسم المنافق على من صدر منه ما يشبه أفعال المنافقين وأحوالهم وإلا لأنكر النبي - صلى الله عليه وسلم - على عمر - رضي الله عنه - تسميته منافقًا. الأصل [1475] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا الثقفي، عن حميد، عن أنس قال: حاضرنا تستر فنزل الهرمزان على حكم عمر - رضي الله عنه -، فقدمت به على عمر فلما انتهينا إليه قال له عمر: تكلم. ¬

_ (¬1) طمس في "الأصل" بمقدار كلمة. (¬2) "الأم" (4/ 250). (¬3) كذا! وهي زائدة. (¬4) رواه الشافعي ص (363). ورواه أبو داود (4375)، والنسائي في "الكبرى" (7294)، وابن حبان (94) بلفظ "أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم إلا في الحدود" وليس عند ابن حبان الاستثناء، وعنده "زلاتهم" بدل "عثراتهم". قال ابن الملقن في "الخلاصة" (2466): قال ابن عدي: منكر الإسناد، وقال أبو زرعة: ضعيف، وقال العقيلي والمنذري: روي من أوجه ليس منها شيء يثبت. وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (1185).

الشرح

قال: كلام حيٍّ أو كلام ميتٍ؟ قال: تكلم لا بأس. قال: إنا وإياكم معاشر العرب ما خلَّى الله بيننا وبينكم، كنا نتعبدكم ونقتلكم ونغضبكم؛ فلما كان الله معكم لم يكن لنا يدان. فقال عمر: ما تقول؟ فقلت: يا أمير المؤمنين تركت بعدي عدوًّا كثيرًا وشوكة شديدة فإن قتلته ييأس القوم من الحياة ويكون أشدّ لشوكتهم. فقال عمر: استحيى قاتل البراء بن مالك ومجزأة بن ثور، فلما خشيت أن يقتله قلت: ليس إلى قتله سبيل، قد قلت له: تكلم لا بأس. فقال عمر: إن [ارتشيت] (¬1) وأصبت منه؟ فقلت: والله ما ارتشيت ولا أصبت منه. قال: لتأتيني على ما شهدت به بغيرك أو لأبدأن بعقوبتك. قال: فخرجت فلقيت الزبير بن العوام فشهد معي وأمسك عمر وأسلم وفرض له (¬2). الشرح الهرمزان أحد المذكورين من فرسان العجم وأمرائهم في الحروب. والوقائع الجارية في عهد عمر، ثم إنه أسلم وقتله عبيد الله بن عمر بن الخطاب لما استشهد عمر - رضي الله عنه - فيمن قتله من العجم، وقال: لا أدع عجميًّا إلا قتلته، ويقال: أن عليًّا ¬

_ (¬1) تحرف في "الأصل". والمثبت من "المسند". (¬2) "المسند" ص (317).

أراد أن يقتل عبيد الله بمن قتل منهم فهرب وأتى معاوية. والبراء (¬1) بن مالك: أخو أنس بن مالك لأبيه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال فيه: "كم من ضعيف متضعف ذي طمرين لو أقسم على الله لأبرَّ قسمه، منهم: البراء بن مالك" (¬2). وحدث أبو الفضل الصقلي عن أبي بكر الأرجاني قال: زرت تربة البراء بن مالك بتستر، وهي في قبة عليها مشبك للوضوء، فدخل منه تراب وغبار كثير واجتمع على التربة؛ فعزمت أن أسد ذلك المشبك، فرأيت البراء بن مالك في النوم فقال: أتسلبني تاجًا توجنيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -يعني: قوله - صلى الله عليه وسلم -: "رب أشعث أغبر ذي طمرين". ومجزأة: هو ابن ثور بن عفير بن زهير بن كعب بن زهير بن كعب بن عمرو بن سدوس السدوسي أخو منجوف بن ثور. قتل في عهد عمر رضي الله عنه، قال أبو عبد الله بن منده: ذكره البخاري في الصحابة ولا يثبت (¬3). وفي القصة أن الهرمزان نزل على حكم عمر رضي الله عنه وهو كنزول بني قريظة في زمن [.. (¬4) ..]. وقوله: "تكلم لا بأس" أي: لا بأس عليك، وهذِه الكلمة تعبير عن الأمان، كقوله: لا خوف عليك أو لا تخف، وهي في الصرائح أو الكنايات؟ في كلام الأصحاب ضرب تردد فيه؛ والظاهر الأول. ¬

_ (¬1) انظر "معرفة الصحابة" (1/ ترجمة 274)، و"الإصابة" (1/ ترجمة 620). (¬2) رواه الترمذي (3854) وقال: صحيح حسن. (¬3) انظر "التاريخ الكبير" (8/ ترجمة 2075)، و"الجرح والتعديل" (8/ ترجمة 1898). (¬4) طمس في "الأصل" بمقدار خمسة أسطر.

الأصل

وكان الهرمزان أسيرًا حينئذٍ، لكن يجوز للإمام أمان الأسير كما يجوز له المنّ؛ وإنما الآحاد لا يؤمنون الأسير لتعلق حق المسلمين، ويخير الإِمام فيه للحظ لهم. وقوله: "أمسك عمر ... إلى آخره" أي عن قتله، وأسلم الهرمزان وفرض له. الأصل [1476] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أخبرني الثقفي، عن حميد، عن موسى بن أنس، عن أنس بن مالك؛ أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه سأله: إذا حاصرتم المدينة كيف تصنعون؟ قال: نبعث الرجل إلى المدينة ونصنع له هنة من جلود. قال: أرأيت إن رمى بحجر. قلت: إذًا يقتل. قال: فلا تفعلوا؛ فوالذي نفسي بيده ما يسرني أن تفتحوا مدينة فيها أربعة آلاف مقاتل بتضييع رجل مسلم (¬1). [1477] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن يزيد بن خصيفة، عن السائب بن يزيد؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ظاهر يوم أحد بين درعين (¬2). الشرح موسى: هو ابن أنس بن مالك الأنصاري قاضي البصرة. سمع: أباه. وروى عنه: مكحول، وحميد الطويل. ¬

_ (¬1) "المسند" ص (317). (¬2) "المسند" ص (317).

الأصل

مات بعد أخيه النضر بن أنس (¬1). وحديث السائب بن يزيد رواه أبو إسحاق إبراهيم بن بشار الرمادي عن ابن عيينة فقال: عن رجل من بني تميم عن يزيد عن السائب عن طلحة بن عبيد الله عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو كما رواه بشر بن السري عن ابن عيينة فقال: عن يزيد عن السائب عمن حدثه عن طلحة. وقوله: "هنة من جلود" أي: آلة يتستر ويتوقى بها، "وهنَّ" كلمة يكنى بها عن الشيء، ويقال للمؤنث: هنة. والمقصود أن الإِمام يحتاط عند الغزو ويراعي مصالح الجند ولا يحمل المسلمين على المهالك، وإلى هذا أشار عمر رضي الله عنه بقوله: "ما يسرني أن تفتحوا مدينة ... إلى آخره" فأما من أقدم بنفسه واقتحم الخطر فلا يمنع، قال الشافعي (¬2): حمل رجل من الأنصار حاسرًا على جماعة المشركين يوم بدر بعد إعلام النبي - صلى الله عليه وسلم - إياه بما في ذلك من الخير فقتل. ويدل على جواز اختيار التحرز: ما روي أنه - صلى الله عليه وسلم - ظاهر بين درعين. ومعناه أنه لبس درعًا فوق درع، وقيل: طارق بينهما، وقيل: عاون أي: قرى إحدى الدرعين بالأخرى في التوقي، والظهر: العون. الأصل [1478] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا عبد الوهاب الثقفي، عن حميد، عن أنس قال: سار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى خيبر فانتهى إليها ليلًا، ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (7/ ترجمة 1183)، و"الجرح والتعديل" (8/ ترجمة 602)، و"التهذيب" (29/ ترجمة 6237). (¬2) "الأم" (4/ 252) بتصرف.

الشرح

وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا طرق قومًا لم يغر عليهم حتى يصبح؛ فإن سمع أذانًا أمسك، وإن لم يكونوا يصلون أغار عليهم [حين] (¬1) يصبح فلما أصبح ركب وركب المسلمون، وخرج أهل القرية ومعهم مكاتلهم ومساحيهم، فلما رأوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالوا: محمَّد والخميس. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الله أكبر خربت خيبر، إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين". قال أنس: وإني لردف لأبي طلحة وإن قدمي لتمس قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬2). الشرح صحيح أخرجه البخاري (¬3) عن قتيبة عن إسماعيل بن جعفر عن حميد، وعن القعنبي عن مالك عن حميد، ومسلم (¬4) من طرق عن أنس. وطرقه: أتاه ليلًا، والخميس: الجيش؛ سمي خميسًا لأنه مقسوم على خمسة: المقدمة والساقة والميمنة والميسرة والقلب، وقيل: لأنهم يخمسون الغنائم، فعلى الأول هو فعيل بمعنى مفعول، وعلى الثاني: فعل بمعنى فاعل. وذكر الشافعي أن ترك الإغارة بالليل لم يكن لتحريمها بالليل، بل هي جائزة ليلًا ونهارًا، وهي جائزة والقوم غارون على ما سبق، ولكنه يمتنع عن الإغارة ليلًا في الغالب احتياطًا لئلا يؤتوا من حيث لا يشعرون ليبصروا من يغيرون ويقتلون؛ خوفًا من أن يصيب بعض ¬

_ (¬1) في "الأصل": حتى. والمثبت من "المسند". (¬2) "المسند" ص (317). (¬3) "صحيح البخاري" (610). (¬4) "صحيح مسلم" (1365).

الأصل

المسلمين بعضًا، وفيه أن الأذان شعار الدين وفي إظهاره حقن الدماء وعصمة الأموال، وفي بعض الروايات: "لم [يغر] (¬1) عليهم حتى يصبح فينظر؛ فإن سمع أذانًا كف عنهم، وإن لم يسمع أذانًا أغار عليهم". وقوله: "فلما أصبح ركب وركب المسلمون، أي: أصبح ولم يسمع أذانًا، كذلك هو في بعض الروايات. وقوله: "ومعهم مكاتلهم ومساحيهم" (¬2) أي: خرجوا لعمارة الأرضين ومعهم [.. (¬3) ..] العمارة، والمقصود أنهم كانوا غازين. وقوله: "الله أكبر" أصلٌ في التكبير عند لقاء العدو. وقوله: "خربت خيبر" يجوز أن يعدّ دعاء، ويجوز أن يجعل خبرًا لقرب حالها من الخراب؛ إما لأنه أوحي إليه بذلك، أو على سبيل حسن الظن بنصرة الله تعالى إياهم. وفيه أنه لا بأس [بالإرداف] (¬4) وأنهم كانوا قد يدنون من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على رعايتهم شرط التعظيم؛ إما للمباسطة أو للازدحام الذي يقع في السير. الأصل [1479] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا الثقفي، عن أيوب، عن ¬

_ (¬1) في "الأصل": يغير. والمثبت من "صحيح البخاري". (¬2) المكاتل: جمع مكتل وهو القفة والزنبيل. والمساحي: جمع مسحاة وهي المجرفة من الحديد، والميم زائدة لأنه من السحو: الكشف والإزالة. (¬3) طمس بمقدار كلمة. (¬4) قطع في "الأصل". والمثبت أشبه بالرسم.

أبي قلابة، عن أبي المهلب، عن عمران بن حصين قال: أسرَ أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلًا من بني عقيل فأوثقوه فطرحوه في الحرة، فمرّ به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحن معه، أو قال: أتى عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحن معه، أو قال: أتى عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -وهو على حمار وتحته قطيفة فناداه: يا محمَّد، يا محمَّد، فأتاه النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "ما شأنك؟ ". قال: فيم أخذت وفيم أخذت سابقة الحاج؟ قال: "أخذت بجريرة حلفائكم ثقيف" وكانت ثقيف أسرت رجلين من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتركه ومضى، فناداه: يا محمَّد، يا محمَّد، فرحمه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرجع إليه. فقال: "ما شأنك؟ ". قال: إني مسلم. فقال: "لو قلتها وأنت تملك أمرك أفلحت كل الفلاح". قال: فتركه ومضى، فناداه: يا محمَّد، يا محمَّد، فرجع إليه، فقال: إني جائع فأطعمني، قال: وأحسبه قال: إني عطشان فاسقني. قال: "هذِه حاجتك؟ " ففداه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالرجلين اللذين أسرتهما ثقيف وأخذ ناقته تلك (¬1). [1480] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا عبد الوهاب الثقفي، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن أبي المهلب، عن عمران بن حصين قال: سبيت امرأة من الأنصار وكانت الناقة قد أصيبت قبلها -قال الشافعي: كأنه يعني ناقة النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لأن آخر الحديث يدل على ذلك- قال عمران بن ¬

_ (¬1) "المسند" ص (318).

الشرح

حصين: فكانت تكون فيهم، وكانوا يجيئون بالنعم إليهم، فانفلتت ذات ليلة من الوثاق فأتت الإبل فجعلت كلما أتت بعيرًا منها فمسته رغا فتتركه، حتى أتت تلك الناقة فمستها فلم ترغ وهي ناقة هدرة، فقعدت في عجزها ثم صاحت بها فانطلقت، فطلبت من ليلتها فلم يقدر عليها، فجعلت لله عليها أن الله إن أنجاها عليها لتنحرنها، فلما قدمت عرفوا الناقة وقالوا: ناقة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فقالت: أنها قد جعلت لله عليها لتنحرنها. قالوا: والله لا تنحريها حتى نؤذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأتوه فأخبروه أن فلانة قد جاءت على ناقتك وأنها قد جعلت لله عليها إن أنجاها الله عليها لتنحرنها. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "بئسما جزتها إن أنجاها الله عليها لتنحرنها، لا وفاء لنذر في معصية الله، ولا وفاء لنذر فيما لا يملك العبد" أو قال: "ابن آدم" (¬1). الشرح الحديث الأول قد سبق مختصرًا بالإسناد المذكور، وذكرنا بعض ما يتعلق به، وفيه بيان شفقة النبي - صلى الله عليه وسلم - ورحمته حيث ناداه الأسير مرة بعد أخرى ويجيئه ويأتيه ويصغي إليه، وأن الأسير من الكفار يجوز أن يقيد ويعذب، وأن جريرة بعض الحلفاء والمعاهد تؤثر في حق الآخرين، وفي كلام الشافعي أنه ليس جهة التأثير مؤاخذة الإنسان بذنب غيره؛ فلا تزر وازرة وزر أخرى، ولكن شرك المشرك يقتضي ¬

_ (¬1) "المسند" ص (318).

إباحة التعرض لدمه وماله إلا أن الحال قد يقتضي المسامحة والإمهال، فإذا سالمناهم وعهدنا على أن يمتنعوا فلا يجوز واحد منهم وفينا ما وفوا، فإذا خان بعضهم فقد فات شرط الوفاء فجاز لنا أن نعود إلى أسر الباقين وقتلهم لشركهم. وقوله: "لو قلتها وأنت تملك أمرك أفلحت كل الفلاح" أي: لو كان إسلامك قبل الأسر لعصمك عن القتل والإرقاق جميعًا، فأما بعد الأسر فإنه لا يوجب التخلية ولا منع الإرقاق. واحتج بعضهم بالحديث على أن الكافر إذا قال: "أنا مسلم" لا يحكم بإسلامه؛ لأنه قد يريد أنه منقاد مستسلم، بل لا بد وأن يشهد بالوحدانية والرسالة، ولو كان محكومًا إسلامه لما رده إلى الكفار، ولكن ذكر الشافعي في "الأم": إنما رده لعلمه بأنهم لا يتعرضون لشرفه فيهم، أو لأن قومه يحمونه، وهذا مصير الحكم بإسلامه، ويجوز أن يقال: أنه تلفظ بما لابدّ منه ثم قال: أنا مسلم، وقوله: "لو قلتها وأنت تملك أمرك ... إلى آخره" يشعر أيضًا بالحكم بإسلامه. وقوله: "فيم أخذت و [فيم (¬1)] أخذت سابقة الحاج" قد يسبق إلى الفهم منه أنه يعني نفسه ويقول: أنا من سابقة الحاج فِلمَ أخذت، لكن روى مسلم في "الصحيح" (¬2) عن أبي الربيع العتكي، عن حماد بن زيد، عن أيوب، عن أبي قلابة بإسناده وقال: "كانت العضباء لرجل من بني عقيل وكانت من سوابق الحاج، وكان ثقيف حلفاء لبني عقيل، فأسرت ثقيف رجلين من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأسر أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلًا من بني عقيل وأصابوا معه العضباء فأتى عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ¬

_ (¬1) سقط من "الأصل". (¬2) "صحيح مسلم" (1641/ 8).

الأصل

[وهو في الوثاق، قال: يا محمَّد ... " (¬1)] الحديث، وهذا يبين أن قوله: "وفيم أخذت سابقة الحاج" يريد: العضباء. وقول [.. (¬2) ..] أي: فداه وأمسك ناقته تلك. والحديث الثاني مخرج في "الصحيحين" (¬3) وقد يجمع بين القصتين ويعدّان حديثًا واحدًا. وقوله: "وهي ناقة هدرة" أي: صائحة، يقال: هدر البعير إذا صاح أي: لم ترغ في تلك الحالة مع كونها هدرة، ويروى: "وكانت مجرّسة" أي: مجربة في الركوب والسير. وفيه دليل على أن الكفار لا يملكون أموال المسلمين بالاستيلاء عليها فإنهم كانوا قد [أحرزوا] (¬4) الناقة ثم أحرزتها المرأة، وقد أشار بقوله: "ولا وفاء لنذر فيما لا يملك العبد أو ابن آدم" إلا أنها لا تملك الناقة. الأصل [1481] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا حاتم -يعني- ابن إسماعيل، عن جعفر -يعني - ابن محمَّد، عن أبيه، عن يزيد بن هرمز؛ أن نجدة كتب إلى ابن عباس رضي الله عنه يسأله عن خلال، فقال ابن عباس: إن ناسًا يقولون أن ابن عباس يكاتب الحرورية، ولولا أني [أخاف] (¬5) أن أكتم علمًا لم أكتب إليه، فكتب نجدة إليه: أما بعد فأخبرني ¬

_ (¬1) طمس في "الأصل". والمثبت من "الصحيح". (¬2) طمس في "الأصل" بمقدار ثلاث كلمات. (¬3) بل رواه مسلم (1641/ 8) ولم يروه البخاري. والله أعلم. (¬4) تحرف في "الأصل". والمثبت الصواب إن شاء الله. (¬5) في "الأصل": أفارق. والمثبت من "المسند".

الشرح

هل كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يغزو بالنساء. وهل كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يضرب لهن بسهم؟ وهل كان يقتل الصبيان؟ ومتى ينقضي يتم اليتيم؟ وعن الخمس لمن هو؟ فكتب إليه ابن عباس: إنك كتبت تسألني: هل كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يغزو بالنساء؟ وقد كان يغزو بهن فيداوين المرضى ويحذين من الغنيمة؛ وأما السهم فلم يضرب لهن بسهم، وأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يقتل الولدان فلا تقتلهم إلا أن تكون تعلم منهم ما علم الخضر من الصبي الذي قتل فتميز بين المؤمن والكافر فتقتل الكافر وتدع المؤمن. وكتبت: متى ينقضي يتم اليتيم؟ ولعمري إن الرجل لتشيب لحيته وإنه لضعيف الأخذ ضعيف الإعطاء، فإذا أخذ لنفسه من صالح ما يأخذ الناس فقد ذهب عنه اليتم. وكتبت تسألني عن الخمس، وإنا كنا نقول: هو لنا؛ فأبى ذلك علينا قومنا فصبرنا عليه (¬1). الشرح قد سبق طرف من الحديث من قبل برواية الشافعي عن عبد العزيز بن محمَّد عن جعفر (¬2). وقول ابن عباس: "إن ناسًا يقولون: إن ابن عباس يكاتب الحرورية ... إلى آخره" الحرورية: جماعة من الخوارج [نسبوا] (¬3) إلى ¬

_ (¬1) "المسند" ص (319). (¬2) سبق برقم (1005). (¬3) في "الأصل": نصبوا. خطأ.

حروراء قرية تعاقدوا بها على رأيهم. وأراد إنما ذكر إبداء العذر في مكاتبتهم فقال: حق المبتدع أن يهجو وأن يحترز عن مجالسته ومكاتبته، إلا أن نجدة سأله عن مسائل علمية فكاتبه ليجيب عنها، وجملة ما سأله عنها مسائل خمس: إحداها: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - هل كان يغزو بالنساء؟ والثانية: أنه هل كان يسهم لهن من الغنيمة؟ وقد سبق ما يتعلق بهما. والثالثة: أنه هل كان يقتل صبيان الكفار؟ وأجاب [بأنه] (¬1) كان لا يقتلهم، ثم إنه أوصاه ونهاه عن قتلهم، وأكد الأمر بقوله: "إلا أن تعلم المؤمن من الكافر في المستقبل كما علم الخضر -عليه السلام- فقتل ذلك الصبي" أي: أنك لا تعلم ذلك فلا تتعرض لهم. والرابعة: أن يتم اليتيم متى ينقضي؟ وأجاب بأن الإنسان قد يكبر ويشيب وهو غير رشيد في التصرفات أخذًا وإعطاءً فإذا [استرشد] (¬2) تصرفه فقد ذهب عنه اليتم، كأنه أراد أن حكم اليتم يبقى ما لم يوجد الرشد، وإن كان لا يتم بعد [الحلم] (¬3). ويروى عن ابن عباس في جواب نجدة: "وكتبت إليَّ تسألني عن الصبي متى يخرج من اليتم؟ وإنه يخرج من اليتم إذا احتلم" (¬4). والخامسة: البحث عن حال خمس خمس الغنيمة هل يصرف إلى ¬

_ (¬1) في "الأصل": بأنهم. والمثبت أليق بالسياق. (¬2) قطع في "الأصل". والمثبت أشبه بالرسم. (¬3) قطع في "الأصل". والمثبت أشبه بالرسم. (¬4) رواه أبو يعلى (2631).

الأصل

ذوي القربى؟ وجواب ابن عباس يتضح من بعد في حديث عن علي رضي الله عنه مروي في الكتاب [.. (¬1) ..] لتعريف مقصوده أن من الناس من ذهب إلى سقوط سهم ذوي القربى وفيهم أبو حنيفة، وقالوا: يقسم خمس الغنيمة اليوم على ثلاثة أسهم: لليتامى والمساكين وابن السبيل، وكأنه أنكر عليهم، وروى أبو داود في "السنن" (¬2) عن عثمان بن أبي شيبة عن ابن نمير عن [هاشم] (¬3) بن البريد عن حسين بن ميمون عن عبد الله بن عبد الله عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: سمعت عليًّا يقول: اجتمعت أنا والعباس وفاطمة وزيد بن حارثة عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فقلت: يا رسول الله أرأيت أن (تولينا) (¬4) حقنا من هذا الخمس في كتاب الله فأقسمه في حياتك كيلا ينازعني أحد بعدك فافعل. قال: ففعل ذلك، فقسمته حياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم ولانيه أبو بكر رضي الله عنه حتى كان آخر سنة من سنة عمر رضي الله عنه فإنه أتاه مال كثير فعزل حقنا ثم أرسل إليّ فقلت: بنا عنه العام غنى وبالمسلمين إليه حاجة فاردده عليهم، فرده عليهم ثم لم يدعني إليه أحد بعد عمر، فلقيت العباس بعدما خرجت من عند عمر، فقال: يا عليّ حرمت الغداة شيئًا لا يرد علينا أبدًا وكان رجلًا داهيًا. الأصل [1482] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا أنس بن عياض، عن ¬

_ (¬1) كلمة غير مقروءة في "الأصل". (¬2) "سنن أبي داود" (2984). (¬3) في "الأصل": هشام. خطأ، والمثبت من "السنن". (¬4) في "السنن": توليني.

الشرح

موسى بن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قطع نخل بني النضير وحرق وهي البويرة (¬1). [1483] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا إبراهيم بن سعد، عن ابن شهاب؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حرق أموال بني النضير فقال قائل: وهان على سراة بني لؤي ... حريق بالبويرة مستطير (¬2) [1484] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا بعض أصحابنا، عن عبد الله ابن جعفر الأزهري قال: سمعت ابن شهاب يحدث، عن عروة، عن أسامة بن زيد قال: أمرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أغير صباحًا على أهل أبنا وأحرق (¬3). الشرح عبد الله بن جعفر الأزهري (¬4). والحديث الأول والثاني قد سبقا بإسنادهما ومتنهما عن قريب ولا فائدة في الإعادة. وحديث أسامة رواه صالح بن أبي الأخضر عن الزهري أيضًا وهو مما يدل على جواز التحريق والتخريب. "وأبنا": موضع، وقد يكتب بالياء. ¬

_ (¬1) "المسند" ص (320). (¬2) "المسند" ص (320). (¬3) "المسند" ص (320). (¬4) كذا في "الأصل" ولم يعلق عليه المصنف رحمه الله. قال الحافظ في "التعجيل" (1/ ترجمة 529): قلت: هو الزهري المترجم في "التهذيب" والأزهري تصحيف في النسخة. قلت: وهو عبد الله بن جعفر بن عبد الرحمن بن المسور، انظر ترجمته في "التاريخ الكبير" (5/ ترجمة 147)، و"الجرح والتعديل" (5/ ترجمة 100)، و"التهذيب" (14/ ترجمة 3203).

الأصل

وعن أبي مسهر أنه قال: نحن أعلم هو بينا فلسطين (¬1). ويروى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حاصر أهل الطائف، ونصب عليهم المنجنيق (¬2)، وأن عمرو بن العاص نصب المنجنيق على أهل الإسكندرية (¬3)، وأنهم كانوا يرمون قيسارية كل يوم بستين منجنيقًا في زمن عمر رضي الله عنه حتى فتحها الله على يدي معاوية وعبد الله بن عمرو (¬4)، وما روي أن أبا بكر رضي الله عنه قال: لا تقطعوا شجرًا مثمرًا (¬5). فقد قيل: ليس سبب النهي حرمة القطع والتحريق والتخريب، ولكنه كان قد سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يخبر أن بلاد الشام تفتح على المسلمين فأراد استبقاء الأشجار لهم. الأصل [1485] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن ابن شهاب، عن عطاء بن يزيد الليثي، عن عبيد الله بن عدي بن الخيار؛ أن رجلًا سارّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم ندر ما سارّه به حتى جهر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإذا هو يستأمره في قتل رجل من المنافقين. ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (2617). (¬2) رواه البخاري (4325)، ومسلم (1778) من حديث عبد الله بن عمرو: "أنه حاصر أهل الطائف .. " وليس فيه نصب المنجنيق. وأما نصب المجانيق؛ فقد رواه أبو داود في "مراسيله" (335، 336) عن مكحول، وعن يحيى بن أبي كثير قصة الحصار فقط، وفيه أن الأوزاعي قال ليحيى: أبلغك أنه رماهم بالمجانيق فأنكر ذلك، قال: ما يعرف هذا. وقال الحافظ في "البلوغ" (1/ 270): ووصلها العقيلي بإسناد ضعيف عن علي. (¬3) رواه الحارث بن أبي أسامة في "مسنده" "زوائد الهيثمي" (666). (¬4) رواه البيهقي (9/ 84). (¬5) رواه مالك (2/ 447 رقم 965).

الشرح

فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أليس يشهد أن لا إله إلا الله"؟ قال: بلى, ولا شهادة له. قال: "أليس يصلي"؟ قال: نعم، ولا صلاة له. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أولئك الذين نهاني الله عنهم" (¬1). [1486] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن الزهري، عن أسامة بن زيد قال: شهدت من نفاق عبد الله بن أُبيّ ثلاثة مجالس (¬2). الشرح إظهار النبي - صلى الله عليه وسلم - ما كان يسارّه الرجل به يشعر بأنه لم يستحسن المسارة في ذلك الأمر، أو أراد أن يعرفهم الحال ويبين لهم الحكم، وفيه بيان أن الحكم منوط بالظاهر، وأنه نهي عن قتل من يظهر الإِسلام وعلام الغيوب هو المطلع على ما في القلوب، وهذا يوافق قوله - صلى الله عليه وسلم -: "فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم (¬3) " فإنه علق العصمة بالقول. وقول السائل: "بلى ولا شهادة له"، "نعم ولا صلاة له" يريد أنه يأتي بصورتهما وليس عنده حقيقة وضمير صحيح، وفي استعمال لفظتي: بلى ونعم في جواب: "أليس" ما يدل على أنه يقام إحداهما مقام الآخر، وفيه كلام مشهور مقول في قوله تعالى: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} (¬4). وفيما إذا قال لغيره: أليس لي عليك كذا؟ فقال في الجواب: بلى أو نعم. ¬

_ (¬1) "المسند" ص (320). (¬2) "المسند" ص (320). (¬3) جزء من حديث صحيح متفق عليه: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا ......... ". وقد سبق في الكتاب. (¬4) الأعراف: 172.

الأصل

وقول أسامة: "شهدت من نفاق عبد الله بن أبيّ ... إلى آخره" أي: اطلعت عليه وعرفته في مجالس، وكان يعامل بما يظهره من الإِسلام ولا يتعرض له. الأصل [1487] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان بن عيينة، عن أيوب بن أبي تميمة، عن عكرمة (عن ابن عباس) (¬1) قال: لما بلغ ابن عباس أن عليًّا رضي الله عنهما حرق المرتدين أو الزنادقة قال: لو كنت أنا لم أحرقهم ولقتلتهم؛ لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من بدل دينه فاقتلوه" ولم أحرقهم؛ لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا ينبغي لأحد أن يعذب بعذاب الله" (¬2). [1488] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن زيد بن أسلم؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من غيَّر دينه فاضربوا عنقه" (¬3). الشرح حديث عكرمة أخرجه البخاري في "الصحيح" (¬4) عن علي بن عبد الله عن سفيان، وأيضًا عن أبي النعمان عن حماد بن زيد عن أيوب، ورواه عبد الوهاب الثقفي عن أيوب وزاد: "فبلغ عليًّا فقال: صدق ابن عباس". واشتمل حديث ابن عباس على جملتين: إحديهما: أن من بدل دينه يقتل، ويوافقه حديث زيد بن أسلم المرسل مع التنصيص على طريق القتل، وقضية عموم اللفظ أن تقتل ¬

_ (¬1) ليست في "المسند" وكذا "الأم". وهي زائدة. (¬2) "المسند" ص (320). (¬3) "المسند" ص (321). (¬4) "صحيح البخاري" (3017).

المرأة إذا ارتدت، وهو قول الشافعي وأحمد، وعند أبي حنيفة: تحبس ولا تقتل، ويروى هذا عن ابن عباس، ويدل على المذهب الأول ما روي عن جابر؛ أن امرأة يقال لها: أم مروان ارتدت عن الإِسلام، فأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يعرض عليها الإِسلام فإن رجعت وإلا قتلت (¬1). وعن أبي بكر رضي الله عنه أنه قتل امرأة يقال لها: أم قرفة في الردة (¬2). وعن خالد بن الوليد؛ أنه قتل امرأة سبَّت النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬3). ولا يخفى أن في لفظ الخبر إضمارًا، المعنى: من بدل دينه وأصرّ أو ولم يسلم، وقد يحتج به للقول الصائر إلى أن اليهودي إذا تنصر يقتل إن لم يسلم. والجملة الثانية: أنه لا ينبغي أن يُعذب بعذاب الله. ويروى عن أبي هريرة في "الصحيح" أنه قال: بعثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بعث وقال: "إن وجدتم فلانًا وفلانًا" لرجلين من قريش "فأحرقوهما بالنار"، ثم قال حين أردنا الخروج: "إني كنت أمرتكم أن تحرقوا فلانًا وفلانًا بالنار، وإن النار لا يعذب بها إلا الله، فإن وجدتموهما فاقتلوهما" (¬4). ويروى مثله عن حمزة بن عمرو الأسلمي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬5). ¬

_ (¬1) رواه الدارقطني (3/ 118 رقم 122)، والبيهقي (8/ 203). وضعفه الحافظ في "التلخيص" (1740)، وابن الملقن في الخلاصة (2357). (¬2) رواه الدارقطني (3/ 114 رقم 110). قال الحافظ في "الدراية" (744): إسناده منقطع، وكذا الزيلعي (3/ 459). (¬3) رواه البيهقي (8/ 202). (¬4) رواه البخاري (2954). (¬5) رواه أبو داود (2673).

الأصل

ولا يخالف ذلك حديث أسامة حيث أمره - صلى الله عليه وسلم - بالتحريق؛ لأن ذلك في المشركين الممتنعين، وهذا بعد أسر المشرك والقدرة عليه، وشبهه الشافعي بأن الصيد يحل رميه ما دام ممتنعًا، فإذا أخذ ذبح ولم يتخذ غرضًا. الأصل [1489] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن عبد الرحمن بن محمَّد بن عبد الله بن عبد القاري، عن أبيه أنه قدم على عمر بن الخطاب رضي الله عنه رجل من قبل أبي موسى فسأله عن الناس فأخبره، ثم قال: هل فيكم من مغربة خبر؟ فقال: نعم، رجل كفر بعد إسلامه. [قال] (¬1): فما فعلتم به؟ قال: قربناه فضربنا عنقه. قال عمر: فهلا حبستموه ثلاثًا وأطعمتموه كل يومٍ رغيفًا واستتبتموه ولعله يتوب ويراجع أمر الله، اللهم إني لم أحضر ولم أرض ولم آمر إذ بلغني (¬2). الشرح عبد الرحمن بن محمَّد بالنسب المذكور يروي عن: إبراهيم بن عبد الله، وعن أبيه. روى عنه: ابنه يعقوب، ومحمد بن عبد الله الأعشى (¬3). ¬

_ (¬1) سقط من "الأصل". والمثبت من "المسند". (¬2) "المسند" ص (321). (¬3) انظر "التاريخ الكبير" (5/ ترجمة 1097)، و"الجرح والتعديل" (5/ ترجمة 1337).

وأبوه محمَّد بن عبد الله بن عبد. روى عن: أبيه، وغيره (¬1). والأثر داخل في "الموطأ" (¬2). وقوله: "هل فيكم من مغربة خبر" هذا مثل، يقال: هل من مغربة خبر أي: هل عندكم خبر عن حادثة تستغرب، وقيل: هل من خبر جديد جاء من بلد بعيد، يقال: غريب الرجل إذا بعد، وغرب أيضًا بالتخفيف، وشأوٌ مُغرَّب ومغرَّب أيضًا أي: بعيد، وشيوخ "الموطأ" فتحوا الغين وكسروا الراء وشددوها وأضافوا، وقد تفتح الراء وقد تسكن الغين، وجوز بعضهم نصب الخبر على المفعول من معنى الفعل في مغربة. ويستتاب رجلًا ارتد أربع مرات، واستتاب أبو بكر رضي الله عنه امرأة كانت قد ارتدت، وهذِه الاستتابة واجبة أو مستحبة؟ فيه قولان أو وجهان للأصحاب: أحدهما - ويحكى عن أبي حنيفة: أنها مستحبة كما في حق الكافر الأصلي. وأظهرهما: أنها واجبة؛ لأنه كان محترمًا بالإِسلام، وربما عرضت له شبهة فيسعى في إزالتها ورده إلى ما كان عليه. وفي مدة الاستتابة مستحبة كانت أو واجبة قولان: أحدهما - وبه قال مالك وأحمد: أنه يستتاب ثلاثًا؛ لأثر عمر رضي الله عنه. ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (1/ ترجمة 375)، و"الجرح والتعديل" (7/ ترجمة 1626) و"التهذيب" (25/ ترجمة 5357). (¬2) "الموطأ" (2/ 737 رقم 1414).

الأصل

وأظهرهما: أنه يستتاب في الحال فإن تاب وإلا قتل، ويروى هذا عن معاذ وأبي موسى، ويحبس في مدة الإمهال ولا يخلى، ولو قتل قبل الاستتابة أو قبل تمام مدة الإمهال فهو مهدر بلا خلاف. وقوله: "ولم أرض ولم آمر إذ بلغني" كذا هو في بعض النسخ، وفي بعضها: "ولم آمر ولم أرض إذ بلغني" وهو الأحسن. الأصل [1490] أبنا الربيع، أبنا الشافعي [أنه قال] (¬1) لبعض من يناظره قال: فقلت له: روى الثقفي وهو ثقة، عن جعفر بن محمَّد، عن أبيه، عن جابر؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قضى باليمين مع الشاهد (¬2). الشرح روي الحديث من قبل عن جعفر بن محمَّد عن أبيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلًا، وذكره ها هنا لبعض من كان يناظره من رواية عبد الوهاب مسندًا وقد قدمناه بطرقه، والله أعلم. الأصل من كتاب قسم الفيء [1491] أبنا الربيع، أبنا الشافعي قال: سمعت ابن عيينة يحدث عن الزهري، أنه سمع مالك بن أوس بن الحدثان يقول: سمعت عمر بن الخطاب والعباس وعلي رضي الله عنهم يختصمان إليه في أموال النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال عمر: كانت أموال بني النضير مما أفاء الله على رسوله مما لم يوجف ¬

_ (¬1) من "المسند". (¬2) "المسند" ص (321).

عليه المسلمون بخيلٍ ولا ركاب فكانت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - خالصة دون المسلمين، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينفق منها على أهله نفقة سنة، فما فضل جعله في الكراع والسلاح عدة في سبيل الله، ثم توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فوليها أبو بكر الصديق بمثل ما وليها به رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم وليتها بمثل ما وليها به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر الصديق، ثم سألتماني أن أوليكماها فوليتكماها على أن تعملا فيه بمثل ما وليها به رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم وليها به أبو بكر، ثم وليتها به، فجئتماني تختصمان، أتريدان أن أدفع إلى كل واحد منكما نصفًا، أتريدان مني قضاءً، أتريدان غير ما قضيت به بينكما أولًا؟ فلا والذي بإذنه تقوم السماوات والأرض لا أقضي بينكما قضاءً غير ذلك، فإن عجزتما عنها فادفعاها إلى أكفكماها. قال الشافعي: فقال لي سفيان: لم أسمعه من الزهري، ولكن أخبرنيه عمرو بن دينار عن الزهري. قلت: كما قصصت؟ قال: نعم (¬1). [1492] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يقتسمن ورثتي دينارًا، ما تركت بعد نفقة أهلي ومؤنة عاملي فهو صدقة" (¬2). [1493] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة بمثل معناه (¬3). ¬

_ (¬1) "المسند" ص (322). (¬2) "المسند" ص (323). (¬3) "المسند" ص (323).

الشرح

الشرح حديث مالك بن أوس عن عمر صحيح أخرجه البخاري (¬1) أبسط مما في "المسند" عن إسحاق بن محمَّد الفروي عن مالك عن الزهري، ومسلم (¬2) عن عبد الله بن محمَّد بن أسماء عن [جويرية] (¬3) عن مالك، وأبو داود (¬4) عن محمَّد بن يحيى بن فارس وغيره عن بشر بن عمر الزهراني عن مالك، وفي روايتهم: أن عمر رضي الله عنه قال لعثمان بن عفان، وعبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام وسعد بن أبي وقاص رضي الله عنهم وكانوا حضورًا عنده: أنشدكم بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض هل تعلمون أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا نُورَثَ، ما تركناه صدقة؟ " فقالوا: نعم، وأنه قال لعلي والعباس رضي الله عنهما مثل ذلك. ولما تقرر هذا الأصل ذكر أن أبا بكر تصرف فيها بمثل ما تصرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم قال: كنت أتصرف فيها في صدر إمارتي بمثل ذلك ثم دفعتها إليكما لا إرثًا, ولكن لتعملا فيه بمثل ما عمل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -[ثم وليها] (¬5) أبو بكر، ثم أنا، ثم جئتماني لأقضي [بينكما] (¬6) بغير ذلك ووالله إني لا أقضي لكما بغير ذلك. قال أبو داود السجستاني بعد روايته: وإنما سألاه أن يجعلها بينهما نصفين (¬7). ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (2904). (¬2) "صحيح مسلم" (1757/ 49). (¬3) في "الأصل": جويرة. خطأ، والمثبت من "صحيح مسلم". (¬4) "سنن أبي داود" (2963). (¬5) في "الأصل": قال. والمثبت من مضمون الحديث. (¬6) في "الأصل": بينهما. والمثبت من مضمون الحديث. (¬7) "السنن" (2963) وتمامه: إنما سألاه أن يكون يصيره بينهما نصفين، لا أنهما جهلا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا نورث؛ ما تركنا صدقة" فإنهما كانا لا يطلبان إلا الصواب.

واستحسنه أبو سليمان الخطابي وقال: لا يجوز أن يقال أنهما طالبا إرثًا فإن ذلك الكلام قد انقطع في زمان أبي بكر رضي الله عنه واستسلما للحديث في أن الأنبياء لا يورثون، ولكن أراد أن ينفرد كل واحد منهما بالتصرف في نصف تلك الأموال فلم يجبهما عمر رضي الله عنه تحرزًا عن اسم القسمة؛ لئلا يتخذ ذلك ذريعة إلى التملك في سائر الأعصار؛ ولأن اجتماعهما على التصرف وإمضاء الأمر بالشركة رآه أقرب إلى الاحتياط اعتمادًا على أمانتهما وكفايتهما جميعًا. وفيه أن ابن عيينة أرسله عن الزهري ثم أسنده. وقول عمر رضي الله عنه: "فكانت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - خالصة": قال الخطابي: فيه دلالة على أن أربعة أخماس الفيء كانت في حياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خاصة، وبعده اختلف قول الشافعي فيها: ففي قول: سبيلها سبيل المصالح تصرف إلى الأهم فالأهم من مصالح المسلمين. وفي قول: هي للمقاتلة تدفع إليهم بحسب حاجاتهم، وهذا إذا قلنا أن الفيء يخمس، وفيه كلام سيأتي من بعد. وحديث أبي هريرة مخرج في "الصحيحين" (¬1) من رواية مالك، وأخرجه مسلم من رواية سفيان أيضًا. وفي بعض النسخ: "ومؤنة عيالي" والمشهور: "عاملي" ثم قيل: أراد أجرة حافر قبره، وقيل: أراد أجرة عامل صدقاته، وقيل: أراد مؤنة الخليفة بعده، وقد قيل: إن أربعة أخماس الفيء للأئمة كما كانت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -. ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (3096)، و"صحيح مسلم" (1760/ 50).

الأصل

الأصل [1494] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا ابن عيينة، عن محمَّد بن المنكدر، عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لو جاءني مال البحرين أعطيتك هكذا وهكذا" فتوفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يأته، فجاء أبا بكر الصديق رضي الله عنه فأعطاني حين جاء. قال الربيع: بقية الحديث: حدثني غير الشافعي من قوله: لو جاءني (¬1). الشرح مخرج في "الصحيحين" (¬2) من حديث سفيان أتم مما في "المسند". وأراد بمال البحرين: جزية أهلها، واحتج بالحديث على أن أربعة أخماس الفيء كانت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - يمضيها [حيث] (¬3) أراه الله تعالى، وفيه أن أبا بكر نفذ ما همّ به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تحقيقًا لخلافته. وقوله: "قال الربيع ... إلى آخره" أراد به أن الربيع ذكر أن الشافعي روى له للإسناد وأشار للحديث ولم يسقه، وسمع الربيع المتن من غير الشافعي. الأصل [1495] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن نافع، عن ابن ¬

_ (¬1) "المسند" ص (323). (¬2) "صحيح البخاري" (2296)، و"صحيح مسلم" (2314). (¬3) ليست في "الأصل". وهي أليق بالسياق.

الشرح

عمر؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث سرية فيها عبد الله بن عمر قبل نجد فغنموا إبلًا كثيرة، فكانت سهمانهم اثني عشر بعيرًا أو أحد عشر [بعيرًا] (¬1) ثم نفلوا بعيرًا بعيرًا (¬2). الشرح أخرج البخاري (¬3) الحديث عن عبد الله بن يوسف، ومسلم (¬4) عن يحيى بن يحيى، بروايتهما عن مالك. والسهمان: جمع سهم وهو النصيب. ونفله أي: غنمه، والأنفال: الغنائم والعطايا، الواحد: نفل، وأصله: الزيادة، ومنه نافلة الصلاة وهي الزيادة على الفرائض، وسميت الغنائم أنفالًا؛ لأن الله تعالى زادها لهم فيما أحل مما حرم على غيرهم. وذكر الشافعي في "الأم" (¬5) أن الأنفال على ثلاثة أوجه: أحدها: السلب وهو زائد على سهم الغنيمة. والثاني: ما تدعو الحاجة إليه، وذلك بأن يكثر العدو وتشتدّ شوكتهم فيحتاج إلى استمالة الناس، أو يتعاطى بعض الغازين فعلًا (مخطرًا) (¬6) فيحتاج إلى تخصصه بمزيد (¬7) المعروف والحالة هذِه تكون من خمس الخمس. قال الشافعي: وحديث ابن عمر يشعر بأنه أعطاهم ما أصابهم من ¬

_ (¬1) في "الأصل": بعير. والمثبت من "المسند". (¬2) "المسند" ص (323). (¬3) "صحيح البخاري" (3134). (¬4) "صحيح مسلم" (1749/ 35). (¬5) "الأم" (4/ 142 - 144) بتصرف. (¬6) كذا في "الأصل". (¬7) زاد في "الأصل": و. زائدة.

الأصل

الغنيمة ثم زادهم بعيرًا بعيرًا، وإنما زادهم من خمس الخمس على ما روي عن ابن المسيب: "وكان ذلك خالصًا يضعه حيث أراه الله". والثالث: قال: ذهب بعض أهل العلم إلى أن الإِمام إذا بعث سرية وقال لهم: من غنم شيئًا فهو له بعد الخمس فذلك لهم على ما شرط؛ لأنهم على ذلك غزوا وبه رضوا، واحتجوا في ذلك بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال يوم بدر: "من أخذ شيئًا فهو له". قال: وهذا كان قبل نزول الخمس والله أعلم، ولا [أعلمه] (¬1) سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ لأن الغنيمة تخمس فيجعل أربعة أخماسها [بين] (¬2) من حضر القتال، ويصرف أربعة أخماس الخمس إلى أهلها، وخمس الخمس كان للنبي - صلى الله عليه وسلم - خاصة يضعه حيث رآه، ويقال: أن غنائم بدر كانت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - يفعل فيها ما يشاء. الأصل [1496] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا ابن عيينة، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن أبي المهلب، عن عمران بن حصين؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - فادى رجلًا برجلين (¬3). الشرح هذا قد سبق مبسوطًا تارة وغير مبسوط أخرى. الأصل [1497] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا الثقة من أصحابنا، عن ¬

_ (¬1) في "الأصل": أعلم. والمثبت الأليق بالسياق. (¬2) من "الأم". (¬3) "المسند" ص (323).

الشرح

إسحاق الأزرق، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ضرب للفرس بسهمين وللفارس بسهم (¬1). [1498] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا ابن عيينة، عن هشام بن عروة، عن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير؛ أن الزبير بن العوام كان يضرب في المغنم بأربعة أسهم: سهمًا له وسهمين لفرسه وسهمًا في ذوي القربى. قال الشافعي: [يعني] (¬2) والله أعلم بسهم ذوي القربى: سهم صفية أمه، وقد شك سفيان أحفظه عن هشام عن يحيى سماعًا, ولم يشك سفيان أنه من حديث هشام عن يحيى هو ولا غيره ممن حفظه عن هشام (¬3). الشرح إسحاق: هو ابن يوسف الأزرق الواسطي، أبو محمَّد. سمع: الأعمش، والجريري، والثوري. مات سنة خمس وتسعين ومائة، وقيل: سنة أربع (¬4). ويحيى بن عباد سبط عبد الله بن الزبير بن العوام القرشي الأسدي. روى عن: أبيه (¬5). وحديث نافع عن ابن عمر رواه البخاري في "الصحيح" (¬6) عن ¬

_ (¬1) "المسند" ص (323). (¬2) من "المسند". (¬3) "المسند" ص (323). (¬4) انظر "التاريخ الكبير" (1/ ترجمة 1300)، و"الجرح والتعديل" (2/ ترجمة 841)، و"التهذيب" (2/ ترجمة 395). (¬5) انظر "التاريخ الكبير" (8/ ترجمة 3041)، و"الجرح والتعديل" (9/ ترجمة 710)، و"التهذيب" (31/ ترجمة 6853). (¬6) "صحيح البخاري" (2865).

عبيد بن إسماعيل عن أبي أسامة، ومسلم (¬1) عن يحيى بن يحيى عن سليم بن أخضر بروايتهما عن عبيد الله، واللفظ في رواية أبي أسامة "أسهم للفرس سهمين ولصاحبه سهمًا" وفي رواية سليم: "قسم في النفل للفرس سهمين وللرجل سهمًا" ورواه سفيان الثوري عن عبيد الله وقال: "أسهم للرجل ثلاثة أسهم: للرجل سهم وللفرس سهمان" ورواه أبو معاوية عن عبيد الله وقال: "أسهم للرجل ولفرسه ثلاثة أسهم: سهمًا له وسهمين لفرسه". قال أبو سليمان الخطابي: اللام في قوله: "له" لام الملك، وفي قوله: "لفرسه" لام التسبب، والمعنى أنه أعطى للفارس ثلاثة أسهم: سهمًا له [و] (¬2) سهمين من أجل فرسه، وذلك لكثرة مؤنته وحصول الفناية في الحرب، وإلى هذا ذهب الشافعي ومالك وأحمد، وقال أبو حنيفة: للفارس سهمان وللراجل سهم؛ لأن عبد الله بن عمر روى عن نافع عن ابن عمر؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قسم يوم خيبر للفارس سهمين وللراجل سهم، وذكر [أن] (¬3) عبد الله بن عمر العمري كان كثير الوهم. وقال الشافعي: لا شك في أن عبيد الله أحفظ من أخيه عبد الله؛ فالأخذ بروايته أولى. ولا فرق بين أن يكون الفرس عربيًّا أو غيره؛ لأن لزوم المؤنة وحصول الفناء لا يختلفان. وحديث الزبير يؤيد إثبات السهمين للفرس، وبيَّن الشافعي أن سهم ذوي القربى كان يتولى أخذه؛ لأنه صفية بنت عبد ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (1762). (¬2) ليست في "الأصل". والسياق يقتضيها. (¬3) ليست في "الأصل". والسياق يقتضيها.

الأصل

المطلب عمة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وشك سفيان في حفظ الحديث عن هشام، ولم يشك في أنه من حديث هشام عن يحيى، ورواه محمَّد بن بشر عن هشام كما رواه ابن عيينة، ورواه محاضر بن المورع عن هشام عن يحيى بن عبد الله عن عبد الله بن الزبير فوصله، وكذلك رواه سعيد بن عبد الرحمن عن هشام. ولم يثبت الشافعي حديث مكحول مرسلًا أن [الزبير] (¬1) حضر خيبر بفرسين فأعطاه النبي - صلى الله عليه وسلم - خمسة أسهم: "سهمًا له، وأربعة أسهم لفرسيه". وروي عن عبد الوهاب الخفاف عن العمري؛ أن الزبير وافى بأفراس يوم خيبر فلم يسهم له إلا لفرس واحد. الأصل [1499] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مطرف بن مازن، عن معمر بن راشد، عن ابن شهاب قال: أخبرني محمَّد بن جبير بن مطعم، عن أبيه قال: لما قسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سهم ذي القربى بين بني هاشم وبني المطلب أتيته أنا وعثمان بن عفان فقلنا: يا رسول الله هؤلاء إخواننا من بني هاشم لا ننكر فضلهم لمكانك الذي وضعك الله منهم، أرأيت إخواننا من بني المطلب أعطيتهم وتركتنا أو منعتنا، وإنما قرابتنا وقرابتهم واحدة؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد هكذا" وشبك بين أصابعه (¬2). [1500] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا أحسبه داود بن عبد الرحمن ¬

_ (¬1) في "الأصل": النبي - صلى الله عليه وسلم -. سبق قلم. (¬2) "المسند" ص (324).

الشرح

العطار، عن ابن المبارك، عن يونس، عن الزهري، عن جبير بن مطعم قال القاضي أبو بكر آخرًا، وفي نسخة أخرى: عن ابن المسيب، عن جبير بن مطعم، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثل معناه (¬1). [1501] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا الثقة، عن محمَّد بن إسحاق، عن ابن شهاب، عن ابن المسيب، عن جبير بن مطعم، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثل معناه. قال الشافعي: فذكرت ذلك لمطرف بن مازن: أن يونس وابن إسحاق رويا حديث ابن شهاب عن ابن المسيب فقال: أبنا معمر كما وصف، فلعل ابن شهاب رواه عنهما معًا (¬2). [1502] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أخبرني محمَّد بن علي بن شافع، عن علي بن حسين، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مثله، وزاد: "لعن الله من فرق بين بني هاشم وبني المطلب" (¬3). [1503] أبنا الربيع، أبنا الشافعي قال: أخبرنا عن ابن شهاب، عن ابن المسيب، عن جبير بن مطعم قال: قسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سهم ذي القربى بين بني هاشم وبني المطلب، ولم يعط منه أحدًا من بني عبد شمس ولا بني نوفل شيئًا (¬4). الشرح داود (¬5) بن عبد الرحمن العطار: هو أبو سليمان المكي. ¬

_ (¬1) "المسند" ص (324). (¬2) "المسند" ص (324). (¬3) "المسند" ص (324). (¬4) "المسند" ص (324). (¬5) انظر "التاريخ الكبير" (3/ ترجمة 824)، و"الجرح والتعديل" (3/ ترجمة 1907)، و"التهذيب" (8/ ترجمة 1771).

سمع: ابن [جريج] (¬1) وابن خيثم. قال محمَّد بن إسماعيل البخاري في "التاريخ": وسمع منه ابن المبارك، وفي هذا الإسناد روايته عن ابن المبارك. وابن المبارك (¬2): هو عبد الله بن المبارك أبو [عبد الرحمن] (¬3) الحنظلي، مولاهم المروزي. سمع: معمر بن راشد، ويونس بن يزيد، وغير واحد. وروى عنه: عبد الرحمن بن مهدي، ومسلم بن إبراهيم، وأبو الربيع. ولد سنة ثمان عشرة ومائة، وتوفى منصرفًا من الغزو بهيت سنة إحدى وثمانين ومائة. ويونس: هو ابن يزيد القرشي الأيلي أبو يزيد، مولى معاوية بن أبي سفيان. سمع: الزهري، ونافعًا. وروى عنه: ابن وهب، والليث بن سعد، وسليمان بن بلال، وعبد الله بن رجاء. مات سنة تسع وخمسين ومائة (¬4). والحديث مما أخرجه البخاري في "الصحيح" (¬5) عن يحيى بن ¬

_ (¬1) في "الأصل": جرير. خطأ، والمثبت من التخريج. (¬2) انظر "التاريخ الكبير" (5/ ترجمة 679)، و"الجرح والتعديل" (5/ ترجمة 838)، و"التهذيب" (16/ ترجمة 3520). (¬3) في "الأصل": عبد الله. والمثبت من التخريج. (¬4) انظر "التاريخ الكبير" (8/ ترجمة 3496)، و"الجرح والتعديل" (9/ ترجمة 1042)، و"التهذيب" (32/ ترجمة 7188). (¬5) "صحيح البخاري" (3502).

بكير عن الليث عن يونس عن ابن شهاب عن ابن المسيب عن جبير بن مطعم. واستشهد برواية محمَّد بن إسحاق أيضًا فقال: وقال ابن إسحاق عن الزهري، عن سعيد بن المسيب. ورواه إبراهيم بن إسماعيل بن مجمع الأنصاري عن الزهري عن محمَّد بن جبير عن أبيه كما رواه مطرف بن مازن، وقد ذكر الشافعي أنه عرض على مطرف رواية يونس ومحمد بن إسحاق فقال: لعل ابن شهاب رواه عن محمَّد وسعيد جميعًا، وهو محتمل لكن مطرفًا وإبراهيم بن إسماعيل الأنصاري قد تكلم فيهما. وكان جبير بن مطعم من بني نوفل وعثمان من بني عبد شمس، فراجعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أنه لم ترك بني نوفل وبني عبد شمس وأعطى بني المطلب مع بني هاشم، وهاشم والمطلب وعبد شمس كلهم بنو عبد مناف. وقوله: "إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد" أشار به إلى شأن الصحيفة القاطعة التي كتبتها قريش وتبايعوا على أن لا يجالسوا بني هاشم ولا يناكحوهم ولا يبايعوهم، وبقوا على ذلك سنة لم يدخل بنو المطلب في تبعتهم بل وافقوا بني هاشم وخرجوا إلى بعض الشعاب، وفي بعض الروايات أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: "لم يفارقونا في جاهلية ولا إسلام". وأشار بالتشبيك بين أصابعه إلى اختلاطهم واشتباكهم، والمشهور من الرواية "شيء واحد" وعن رواية يحيى بن معين: سي، أي: مثل. يقال: هذا شيء هذا أي: مثيله ونظيره، والمعنى أن بعضهم مثل بعض، وصوب الخطابي هذِه الرواية (¬1)، ورواية "الصحيح": الشيء. ¬

_ (¬1) قال المناوي في "فيض القدير" (3/ 207): قال الخطابي: وهذِه الرواية أجود، ولم يبين وجهه.

الأصل

الأصل [1504] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا إبراهيم بن محمَّد، عن مطر الوراق ورجل لم يسمه كلاهما، عن الحكم بن عتيبة، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: لقيت عليًّا رضي الله عنه عند أحجار الزيت فقلت: بأبي [أنت] (¬1) وأمي ما فعل أبو بكر وعمر رضي الله عنهما في حقكم أهل البيت من الخمس؟ فقال علي: أما أبو بكر فلم يكن في زمانه أخماس وما كان فقد أوفاناه؛ وأما عمر فلم يزل يعطيناه حتى جاءه مال السوس والأهواز -أو قال: الأهواز، أو قال: فارس، أنا أشك- يعني الشافعي. فقال في حديث مطر أو حديث الآخر: فقال: في المسلمين خلة، فإن أحببتم تركتم حقكم فجعلناه في خلة المسلمين حتى يأتينا مال فأوفيكم حقكم منه. فقال العباس لعلي: لا تطمعه في حقنا، فقلت له: يا أبا الفضل ألسنا أحق من أجاب أمير المؤمنين ورفع خلة المسلمين، فتوفي عمر قبل أن يأتيه مال فيقضيناه. وقال الحكم في حديث مطر والآخر: أن عمر قال: لكم حق ولا يبلغ علمي إذ كثر أن يكون لكم كله، فإن شئتم أعطيتكم بقدر ما أرى لكم، فأبينا عليه إلا كلّه، فأبى أن يعطينا كله (¬2). [1505] أخبرنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن عمرو بن دينار، عن الزهري، عن مالك بن أوس أن عمر قال: ما أحد إلا وله من ¬

_ (¬1) من "المسند". (¬2) "المسند" ص (325).

الشرح

هذا المال حق أعطيه أو منعه إلا ما ملكت أيمانكم (¬1). [1506] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا إبراهيم بن محمَّد، عن محمَّد بن المنكدر، عن مالك بن أوس، عن عمر نحوه، وقال: إن عشت ليأتين الراعي بسرو حمير حقه (¬2). الشرح مطر (¬3): هو ابن طهمان الوراق، أبو رجاء الخراساني، سكن البصرة. روى عن: الحسن، والشعبي، وعمرو بن شعيب. وسمع منه: هشام الدستوائي، وحماد بن زيد. ويقال: أنه مات سنة خمس وعشرين ومائة. والحكم: هو ابن عتيبة بن النهاس أبو محمَّد، ويقال: أبو عبد الله مولى امرأة من كندة. سمع: أبا جحيفة، وإبراهيم النخعي، ومجاهدًا، وسعيد بن جبير، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، والقاسم بن مخيمرة. وروى عنه: مسعر، ومنصور، وشعبة، وعبد الملك بن أبي غنية، وحمزة الزيات. ولد سنة خمسين، ومات سنة خمس عشرة ومائة، وقيل: سنة ثلاث عشرة (¬4). ¬

_ (¬1) "المسند" ص (325). (¬2) "المسند" ص (325). (¬3) انظر "التاريخ الكبير" (7/ ترجمة 1752)، و"الجرح والتعديل" (8/ ترجمة 1319)، و"التهذيب" (28/ ترجمة 5994). (¬4) انظر "التاريخ الكبير" (2/ ترجمة 2654)، و"الجرح والتعديل" (3/ ترجمة 567)، و"التهذيب" (7/ ترجمة 1438).

وشاهد الحديث قد قدمناه عن "سنن أبي داود". وأحجار الزيت: موضع بالمدينة قريب من الزوراء، وهو موضع صلاة الاستسقاء. وفيه دليل على بقاء سهم ذوي القربى بعد النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لأن الخلفاء بعده أعطوهم، ولأنهم أعطوا السهم عوضًا عن الصدقة وتحريم الصدقة باق، وعن عمر رضي الله عنه تردد في أنه إذا كثر المال الخمس تامًّا أو يعطون بقدر حاجاتهم؟ وقوله: "لا يبلغ علمي إذا كثر أن يكون لكم كله" يشير إلى هذا التردد، هذا في خمس الغنيمة، وأما الفيء فذهب الشافعي إلى أنه يخمس أيضًا ويقسم خمسه على خمسة أقسام كخمس الغنيمة، وفي أربعة أخماسه قولان: أحدهما: أنها لمصالح المسلمين ويبدأ منها بالمقاتلة فيعطون منها قدر كفايتهم، ثم يصرف في الأهم فالأهم. وأظهرهما: أنها للمقاتلة. ومذهب عمر رضي الله عنه أن الفيء لا يخمس بل هو بأسره لجميع المسلمين يصرفه الإِمام إلى مصالحهم على ما يراه. وقوله: "ما أحد إلا وله في هذا المال حق أعطيه أو منعه" هو الذي أراد به، ويؤيده قوله: "لئن عشت ليأتين الراعي ... إلى آخره" يريد أني أعم العطاء حتى استوعب الذين بعدت ديارهم، وعن مالك بن أوس بن الحدثان قال: قرأ عمر بن الخطاب رضي الله عنه: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} الآية، فقال: هذِه لهؤلاء، ثم قرأ: {مَا أَفَاءَ الله عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى} حتى بلغ: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ} ثم قال: هذِه استوعبت المسلمين عامة، فلئن عشت فليأتين الراعي وهو بسرو

حمير نصيبه منها لم يعرق فيها جبينه (¬1). والسّرو مثل الخيف: وهو ما انحدر من غلظ الجبل وارتفع عن مسيل الماء، وسرو حمير: محلتهم ومنزلهم، وحمير أبو قبيلة من اليمن: وهو حمير بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان، ومنهم كانت الملوك في الدهر الأول، ويروى بدل هذِه اللفظة: "حتى يعدن". وقوله: "إلا ما ملكت أيمانكم" قال الشافعي (¬2): لم يختلف أحد ممن لقيته في أن ليس للمماليك في العطاء حق ولا للأعراب الذين هم أهل الصدقة. وما روي؛ أن ثلاثة مملوكين شهدوا بدرًا فكان عمر رضي الله عنه يعطي كل رجل منهم كل سنة ثلاثة آلاف ثلاثة آلاف (¬3). فقد يحتمل أنه خصصهم لشرفهم بشهود بدر، ويحتمل أنهم كانوا قد عتقوا وسموا مماليك باعتبار الحال السابقة، ويجيء الاحتمال الثاني فيما روي عن عائشة أنها قالت: كان أبي يقسم للحر والعبد (¬4) وما روي عن علي وعثمان أنهما كانا يرزقان أرقاء الناس (¬5) ويحتمل أن المراد أن ساداتهم أعطوا لهم ما يكفيهم، وذكر أبو سليمان الخطابي أن عامة الفقهاء تابعوا عمر رضي الله عنه في أن الفيء لا يخمس ولم يتابع الشافعي على ما قاله أحد، والمصير إلى قول الصحابي وهو الإِمام العدل المأمور ¬

_ (¬1) رواه معمر بن راشد في "جامعه" (11/ 101). (¬2) "الأم" (4/ 154). (¬3) رواه ابن أبي شيبة (6/ 455)، والبيهقي (6/ 347). (¬4) رواه أبو داود (2952). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود". (¬5) رواه ابن أبي شيبة (6/ 456)، والبيهقي (6/ 348).

الأصل

بالاقتداء به في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر" (¬1) أولى وأصوب. الأصل [1507] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا ابن عيينة، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر قال: عرضت على النبي - صلى الله عليه وسلم - عام أحد وأنا ابن أربع عشرة سنة فردني، ثم عرضت عليه عام الخندق وأنا ابن خمس عشرة سنة فأجازني. قال نافع: فحدثت بهذا الحديث عمر بن عبد العزيز فقال: هذا فرق بين المقاتلة والذرية، وكتب أن يفرض لابن خمس عشرة سنة في المقاتلة، ومن لم يبلغها في الذرية (¬2). الشرح الحديث مخرج في "الصحيحين" من طرق، منها رواية البخاري (¬3) عن عبيد بن إسماعيل عن أبي [أسامة] (¬4) عن عبيد الله، عن نافع، وفيها قال نافع: "فقدمت على عمر بن عبد العزيز وهو إذ ذاك ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (3662)، وابن ماجه (97) من حديث حذيفة قال الترمذي: حديث حسن. وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (1142). (¬2) "المسند" ص (326). (¬3) "صحيح البخاري" (2664) عن عبيد الله بن سعيد وليس عبيد بن إسماعيل. قال الحافظ في "النكت الظراف": أخرجه البخاري عن عبيد بن إسماعيل. وكذا في "الخلافيات" للبيهقي أخرجه من طريق محمَّد بن الحسين الخثعمي، عن عبيد بن إسماعيل. (¬4) في "الأصل": أمامة. والمثبت من "صحيح مسلم".

خليفة، فحدثت هذا الحديث فقال: إن هذا الحدّ بين الصغير والكبير، ثم كتب إلى عماله أن يفرضوا لمن بلغ خمس عشرة سنة، وما كان دون ذلك أن يجعلوه في العيال". ومنها رواية مسلم (¬1) عن أبي بكر بن أبي شيبة عن عبد الله بن إدريس عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر قال: عرضت على النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد وأنا ابن أربع عشرة سنة فاستصغرني، ثم عرضت عليه عام الخندق وأنا ابن خمس عشرة فأجازني. ورواه سعدان ابن نصر عن أبي معاوية عن أبي معشر عن نافع عن ابن عمر فزاد: وقال: عرضت على النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم بدر وأنا ابن ثلاث عشرة سنة فلم يجزني في المقاتلة ... ثم ذكر يوم أحد ويوم الخندق نحو ما سبق. ومقصود الحديث في هذا الموضع بيان من يجعل في المقاتلة ومن يجعل في الذرية التابعين للمقاتلة. قال الشافعي (¬2): ينبغي أن يحصى الإِمام جميع من في البلدان من المقاتلة وهم من قد احتلم أو استكمل خمس عشرة سنة من الرجال، ويحصي الذرية و [هم] (¬3) من لم يحتلم ولم يبلغ خمس عشرة سنة والنساء [صغيرهم وكبيرهن] (¬4)، ويعرف قدر نفقاتهم وما يحتاجون إليه من مؤناتهم بقدر معاش مثلهم في بلدانهم ثم يعطي المقاتلة في كل عام عطاءهم، وللذرية والنساء ما يكفيهم لسنتهم في كسوتهم ونفقتهم والعطاء الواجب في الفيء لا يكون إلا لبالغ يطيق مثله القتال. ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (1868/ 91). (¬2) "الأم" (4/ 154). (¬3) في "الأصل": منهم. والمثبت من "الأم". (¬4) من "الأم".

واحتج به على أن البلوغ يحصل بخمس عشرة سنة، وفي الحديث ما يدل على المدة المتخللة بين غزوة أحد والخندق، وقد روي عن عروة بن الزبير والزهري أن غزوة أحد كانت في شوال سنة أربع، وعن مالك أن غزوة الخندق كانت سنة أربع، وعن محمَّد بن إسحاق في غزوة أحد مثل قولهم، وقال في غزوة الخندق: أنها كانت سنة خمس، والأول الموافق لحديث ابن عمر. قال الحافظ أبو بكر البيهقي: وجمع بعضهم بين القولين فقال: كانت غزوة أحد لسنتين ونصف من الهجرة، والخندق لأربع سنين ونصف، فمن قال: سنة أربع أراد بعد تمام الأربع وقبل تمام الخامسة، ومن قال: سنة خمس أراد بعد تمام أربع والدخول في الخامسة. وقول ابن عمر في يوم أحد: "وأنا ابن أربع عشرة سنة" أي: طعنت في الأربع عشرة. وقوله في يوم الخندق: "وأنا ابن خمس عشرة سنة" أي: استكملتها وزدت عليها، إلا أن الزيادة لم تذكر ولم تنقل للعلم بتعلق الحكم بالخمس عشرة دون الزيادة، قال (¬1): هذِه الطريقة عندي أصح إلا أنها تخالف الاصطلاح المشهور، فإنا إذا قلنا: سنة أربع أردنا الرابعة، وإذا قلنا: سنة خمس أردنا الخامسة لا السادسة. وقول نافع: "وهو إذ ذاك خليفة" فيه تجويز إطلاق اسم الخليفة على الأئمة بعد الخلفاء الأربعة، وإن ورد قوله: "الخلافة بعد ثلاثون سنة" (¬2) وذلك محمول على الخلافة الكاملة. ¬

_ (¬1) كذا في "الأصل" بدون إيراد صاحب القول. (¬2) رواه أبو داود (4646، 4647)، والترمذي (2226)، وابن حبان (1534)، والحاكم (3/ 71). قال الترمذي: حسن. وصححه الألباني في "الصحيحة" (1/ 742).

الأصل [1508] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن عمرو بن دينار، عن أبي جعفر محمَّد بن علي؛ أن عمر رضي الله عنهم دون الدواوين قال: (لمن) (¬1) ترون أن أبدأ؟ فقيل له: ابدأ بالأقرب فالأقرب بك. قال: بل أبدأ بالأقرب فالأقرب برسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬2). الشرح الديوان أصله دوّان فقلبت إحدى الواوين ياءً ولذلك تجمع على دواوين. ويستحب للإمام أن يضع ديوانًا يحصي فيه المرتزقة من الفيء بأسمائهم، قال أبو نصر بن الصباغ (¬3): وهو الدفتر الذي يثبت فيه الأسماء، فإن عمر رضي الله عنه لما كثر المال في زمانه (¬4) اجتمع على أن يدون الدواوين، ويستحب أن يقدم في إثبات الاسم وفي الإعطاء قريشًا على ما قال - صلى الله عليه وسلم -: "قدموا قريشًا" (¬5). وقريش ولد النضر بن كنانة بن خزيمة بن مليكة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، هذا قول أكثر النسابين وبه قال الشافعي، ¬

_ (¬1) في "المسند": بمن. (¬2) "المسند" ص (326). (¬3) هو عبد السيد بن محمَّد بن عبد الواحد بن محمَّد أبو نصر ابن الصباغ البغدادي، فقيه العراق، قال ابن خلكان: وكان ثبتًا صالحًا له كتاب "الشامل" وهو من أصح كتب أصحابنا وأثبتها أدلة. انظر "طبقات الشافعية" لابن قاضي شهبة (2/ ترجمة 214). (¬4) زاد في "الأصل": و. مقحمة. (¬5) رواه الشافعي ص (278) عن الزهري بلاغًا.

ومن الناس من قال: هم ولد إلياس بن مضر، ومنهم من زاد فقال: ولد مضر بن نزار، ومنهم من نقص فقال: هم ولد فهر بن مالك بن النضر بن كنانة. ويُقدّم من قريش بني هاشم وبني المطلب، أما بنو هاشم فهو أقرب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من سائر قريش، وهو محمَّد بن عبد الله بن عبد المطلب بن [هاشم] (¬1) بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة؛ وأما بنو المطلب فقد سبق أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد". وكذلك فعل عمر رضي الله عنه سوى بين بني هاشم وبني المطلب وقدمهم على سائر قريش. ثم يقدم بني عبد شمس وبني نوفل وهما أخو هاشم والمطلب لأب وأم، وأمهم عاتكة بنت مرة ونوفل أخوهم من الأب دون الأم، وأمه واقدة بنت حرمل. ثم يقدّم بعدهم بني عبد العزى وبني عبد الرحمن وهما ابنا قصي، وأخوه عبد مناف، ويقدم منهما بني عبد العزى، كذلك فعل عمر رضي الله عنه لأمرين: أحدهما: أنهم أصهار رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ لأن خديجة رضي الله عنها منهم وهي خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى. والثاني: أن فيهم سابقين إلى الإِسلام فخديجة أول امرأة أسلمت، والزبير وهو ابن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى سبق إلى الإِسلام وصبر مع النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد وبايعه على الموت. ¬

_ (¬1) في "الأصل": هشام.

ثم بعد بني عبد العزى وبني عبد الدار يقدّم بني زهرة بن كلاب، وزهرة أخو قصي؛ ثم يقدّم بني تميم وبني مخزوم، وتيم أخو كلاب بن مرة ومخزوم ابن أخيه فهو مخزوم بن نقطة بن مرة والقبيلة اشتهرت به لا بنقطة وهما في القرب سواء، ويقدّم منهما بني تيم لمكان أبي بكر وعائشة وطلحة رضي الله عنهم. ثم يقدّم بني جمح وبني سهم وهما ابنا عمرو بن هصيص بن كعب، وبني عدي بن كعب وهصيص وعدي أخو مرة بن كعب، والقبيلتان اشتهرتا بجمح وسهم، وقدم عمر رضي الله عنه من هؤلاء بني جمح، قيل: إنما فعل ذلك لمكان صفوان بن أمية بن خلف بن وهب بن حذافة بن جمح وإعارته السلاح يوم خيبر، وسوى بين بني سهم وبني عدي، وأمر المهدي في زمانه بتقديم بني عدي على بني جمح وبني سهم لمكان عمر رضي الله عنه وما كان لدين الله تعالى من القوة والعزة بإسلامه وبخلافته وقد أحسن. ثم يقدّم بني عامر بن لؤي وهو أخو كعب، ثم بني الحارث بن فهر وهو أخو غالب، ثم البداية بعد قريش بالأنصار لمكانهم من الإِسلام، وقد ورد في ترتيبهم عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "خير دور الأنصار بنو النجار، ثم بنو عبد الأشهل، ثم بنو الحارث بن الخزرج، وبنو ساعدة - ويروى: ثم بنو ساعدة" (¬1). وفي الأثر ما يبين حسن أدب عمر رضي الله عنه ومبالغته في تعظيم النبي - صلى الله عليه وسلم - حيث قيل له: ابدأ بالأقرب فالأقرب بك، فقال: بل أبدأ بالأقرب فالأقرب برسول الله - صلى الله عليه وسلم -. ¬

_ (¬1) رواه البخاري (3789)، ومسلم (2511) من حديث أبي أسيد.

كتاب المدبر

الأصل ومن كتاب المدبر [1509] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مسلم بن خالد وعبد المجيد، عن ابن جريج، أخبرني أبو الزبير أنه جابرًا يقول: إن أبا مذكور -رجلًا من بني عذر- كان له غلام قبطي فأعتقه عن دبر منه، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - سمع بذلك العبد فباع العبد وقال: "إذا كان أحدكم فقيرًا فليبدأ بنفسه، فإن كان له فضل فليبدأ مع نفسه بمن يعول، ثم إن وجد ذلك فضلًا فليتصدق على غيرهم". وزاد مسلم بن خالد في الحديث شيئًا (¬1). [1510] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا يحيى بن حسان، عن حماد بن زيد، عن عمرو بن دينار، عن جابر؛ أن رجلًا أعتق غلامًا له عن دبر لم يكن له مال غيره، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من يشتريه مني؟ " فاشتراه نعيم بن عبد الله بثمانمائة درهم وأعطاه الثمن (¬2). [1511] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا يحيى بن حسان، عن حماد بن سلمة، عن عمرو بن دينار، عن جابر بن عبد الله، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -[نحوه] (¬3). [1512] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا يحيى بن حسان، عن الليث وحماد بن سلمة، عن أبي الزبير، عن جابر قال: أعتق رجل من بني عذرة عبدًا عن دبر، فبلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "ألك مال غيره؟ " فقال: لا. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من يشتريه مني؟ " فاشتراه نعيم بن عبد الله ¬

_ (¬1) "المسند" ص (327). (¬2) "المسند" ص (327). (¬3) من "المسند".

العدوي بثمانمائة درهم، فجاء بها النبي - صلى الله عليه وسلم - فدفعها إليه، ثم قال: "ابدأ بنفسك فتصدق عليها، فإن فضل عن نفسك شيء فلأهلك، فإن فضل شيء فلذوي قرابتك، فإن فضل عن ذوي قرابتك فهكذا وهكذا" يريد عن يمينك وشمالك (¬1). [1513] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا ابن عيينة، عن عمرو بن دينار وعن أبي الزبير، سمعا جابر بن عبد الله يقول: دبر رجل منا غلامًا له ليس له مال غيره، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من يشتريه مني؟ " فاشتراه [نعيم] (¬2) النحام. قال عمرو: فسمعت جابرًا يقول: عبدًا قبطيًّا مات عام أول في إمارة ابن الزبير. زاد أبو الزبير: يقال له: يعقوب. قال الشافعي: هكذا سمعته منه عامة دهري، ثم وجدت في كتابي: دبر رجل منا غلامًا له فمات؛ فإما أن يكون خطأ من كتابي أو خطأ من سفيان، فإن كان من سفيان فابن جريج أحفظ الحديث أبي الزبير من سفيان ومع ابن جريج حديث الليث وغيره، وأبو الزبير يحدُّ الحديث تحديدًا يخبر فيه حياة الذي دبره، وحماد بن زيد مع حماد بن سلمة وغيره أحفظ الحديث عمرو من سفيان وحده، وقد يستدل على حفظ الحديث من خطأه بأقل مما وجد في حديث ابن جريج والليث عن أبي الزبير، وفي حديث حماد عن عمرو، وغير حماد يرويه عن عمرو كما رواه حماد بن زيد. ¬

_ (¬1) "المسند" ص (327). (¬2) تحرف في "الأصل". والمثبت من "المسند".

الشرح

وقد أخبرني غير واحد ممن لقي سفيان بن عيينة قديمًا أنه لم يكن يدخل في حديثه "مات" وعجب بعضهم حين أخبرته أني وجدت في كتابي: "مات"، وقال: لعل هذا خطأ منه أو زللًا منه حفظتها عنه. الشرح أبو مذكور: مذكور في الصحابة معدود من الأنصار، ويقال: أنه روى عنه: جابر بن عبد الله (¬1). وغلامه يعقوب القبطي عدَّ في الصحابة أيضًا (¬2). ونعيم (¬3) بن عبد الله قرشي عدوي، قيل: هو نعيم بن عبد الله بن النحام بن أسيد وكذلك هو في "معرفة الصحابة" لأبي عبد الله ابن منده، وقيل: نعيم بن النحام بن عبد الله بن أسيد، وكذلك هو في "الإكمال" (¬4) لابن ماكولا الأمير، وذكر أن أهل الحديث يقولون: النحّام بفتح النون وتشديد الحاء، وقال ابن الكلبي: هو النحام بن عبد الله بضم النون وتخفيف الحاء، وحكى البخاري في "التاريخ" (¬5) عن ابن عقبة أنه قتل يوم أجنادين في خلافة عمر رضي الله عنه، وحكى غيره عن ابن الكلبي [أنه] (¬6) قتل يوم مؤتة، ثم قد يقال له: نعيم بن النحام، وقد يقال: نعيم النحام، وذكر بعضهم [أنه] (¬7) الصواب، وإنما سمي النحام لما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "دخلت الجنة ¬

_ (¬1) انظر "معرفة الصحابة" (6/ ترجمة 3438)، و"الإصابة" (7/ ترجمة 10512). (¬2) انظر "معرفة الصحابة" (5/ ترجمة 3086)، و"الإصابة" (6/ ترجمة 9364). (¬3) انظر "معرفة الصحابة" (5/ ترجمة 2869)، و"الإصابة" (6/ ترجمة 8782). (¬4) "الإكمال" (1/ 59). (¬5) "التاريخ الكبير" (8/ ترجمة 2307). (¬6) في "الأصل": أن. والمثبت أليق بالسياق. (¬7) في "الأصل": أن. والمثبت أليق بالسياق.

فسمعت نحمة نعيم" (¬1) والنحمة: السعلة، ويمكن أن يقال: كل منهما صواب، هذا باعتبار نحمته وذلك لوقوع الاسم في نسبه. والقصة صحيحة أخرجها البخاري (¬2) من طريق حماد بن زيد عن [عارم] (¬3) عنه، ومسلم (¬4) عن أبي الربيع عن حماد، وأخرجها من طريق الليث بن سعد عن أبي الزبير: مسلم، عن قتيبة ومحمد بن رمح، عن الليث. وحديث سفيان عن عمرو عن جابر رواه البخاري (¬5) عن قتيبة، ومسلم (¬6) عن أبي بكر بن أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم، بروايتهم عن سفيان. والحديث يدل على أن بيع المدبر جائز، ويروى ذلك عن مجاهد وعطاء وطاوس وعمر بن عبد العزيز، وقد سبق عن عائشة؛ أنها باعت مدبرة لها سحرتها (¬7)، وبه قال الشافعي وأحمد وإسحاق، وهو حجة على من منع من بيعه مطلقًا، ويروى ذلك عن سعيد بن المسيب والشعبي والنخعي والزهري، وبه قال أبو حنيفة والثوري، وعليّ منع منه في حياة السيد وجوَّز لوارثه بيعه إذا كان عليه دين يحيط بالتركة، ويروى ذلك عن مالك. قوله: "فباع العبد" وفي الروايات الأخر: "من يشتريه مني" حمل ¬

_ (¬1) ضعفه الحافظ في "الفتح" (5/ 166). (¬2) "صحيح البخاري" (6716). (¬3) في "الأصل": عارف. خطأ، وعارم بن الفضل هو أبو النعمان شيخ البخاري. (¬4) "صحيح مسلم" (997). (¬5) "صحيح البخاري" (2231). (¬6) "صحيح مسلم" (997/ 58). (¬7) رواه الدارقطني (4/ 140 رقم 53)، والحاكم (4/ 244) وقال: صحيح على شرطهما.

على تجويزه البيع وإذنه فيه، قال الشافعي (¬1): كأنه دبر وهو يرى أنه لا يجوز بيع المدبر، وأراد بيعه إما محتاجًا إليه أو غير محتاج وبلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - فأذن له في بيعه أو توكل عنه في البيع ودفع إليه الثمن. وفيه أن المحتاج ينبغي أن يمسك المال وينفق منه على نفسه، قال الشافعي: لئلا يحتاج إلى الناس، ثم ينفق على أهله وأقاربه، فإن فضل شيء فعلى سائر الناس، وقد روي عن عطاء عن جابر؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دفع ثمنه إليه، وقال: "أنت إلى ثمنه أحوج والله عنه غني" (¬2). وقولها: "بثمانمائة درهم" كذا هو في الأكثر، وروى مسدد، عن هشيم، عن عبد الملك بن أبي سليمان، عن عطاء. وعن إسماعيل بن أبي خالد، عن سلمة بن كهيل، عن عطاء، عن جابر؛ أن رجلًا أعتق غلامًا عن دبر منه ولم يكن له مال غيره، فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فبيع بتسعمائة أو بسبعمائة (¬3) كأنه جرى ذكر الثمن على التقريب، ومن قال بثمانمائة أراد ثمانمائة أو نحو ذلك. وفي قوله: "فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فبيع" ما يبين ما قدمنا أن المعنى أنه أذن في بيعه وجوزه. وقول الشافعي: وزاد مسلم بن خالد في الحديث شيئًا أراد به الزيادات المسوقة في رواية الليث بن سعد. وقوله: "هكذا سمعته منه عامة دهري ... إلى آخره" فالمراد منه أن الذي سمعته من سفيان غير مرة: أنه دبر رجل غلامًا ليس له مال غيره فقال - صلى الله عليه وسلم -: "من يشتريه مني" من غير حكاية موت الرجل، ثم رأيت في ¬

_ (¬1) "الأم" (8/ 27) بتصرف. (¬2) رواه أبو عوانة (5808)، والبيهقي (10/ 311). (¬3) رواه البيهقي (10/ 310).

كتابي "دبر رجل منا غلامًا له فمات" ورأى ذكر الموت في القصة خطأ وقع منه في الكتاب أو خطأ من سفيان، فإن اتفق في الكتاب وسفيان بريء فروايته كرواية غيره، وإن ذكره سفيان فاحتج على خطئه بأن ابن جريج والليث لم يذكرا عن أبي الزبير الموت، بل في رواية الليث ما يدل على أنه كان في حياة السيد؛ لأنه قال: "فدفعها إليه" ثم قال: "ابدأ بنفسك ... إلى آخره"، والحمادان في حديث عمرو لم يذكرا أيضًا الموت، وقالا: "فأعطاه الثمن". ورواه عن أبي الزبير كما رواه ابن جريج والليث: أيوب السختياني، وحماد بن سلمة، وزهير بن معاوية. ورواه شعبة عن عمرو بن دينار كما رواه الحمادان. ورواه عن سفيان: أحمد بن حنبل، وعلي بن المديني، والحميدي، وقتيبة، وأبو بكر بن أبي شيبة، وإسحاق بن راهويه، ولم يتعرضوا للموت، والذي رواه شريك عن سلمة بن كهيل، عن عطاء وأبي الزبير، عن جابر؛ أن رجلًا مات وترك مدبرًا ودينًا فأمرهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يبيعوه في دينه فباعوه بثمانمائة (¬1). خطأ من شريك عند أهل العلم بالحديث، وقد رواه حسين المعلم والأوزاعي وعبد المجيد بن سهيل عن عطاء عن جابر فقالوا: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخذ ثمنه فدفعه إلى صاحبه" وكذلك رواه الأعمش وإسماعيل بن أبي خالد عن سلمة بن كهيل. وقوله: "ولعل هذا خطأ منه أو زللًا منه حفظتها عنه" كذا هو في ¬

_ (¬1) رواه أحمد (3/ 365)، والدارقطني (4/ 139 رقم 52). ونقل الدارقطني عن أبي بكر النيسابوري أن شريك أخطأ فيه.

كتاب التفليس

نسخ الكتاب وفي "الأم" وكان المعنى أو اتفق أو وقع زللًا منه، ويحسن أن يقال: قوله: "خطأ منه" أي: من الكتاب، والمعنى أنه خطأ مما في الكتاب أو هو زلل من سفيان حفظتها عنه، ويوافق ذلك قوله أولًا: فإما أن يكون خطأً من كتابي أو خطأً من سفيان. الأصل ومن كتاب التفليس [1514] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن يحيى بن سعيد، عن أبي بكر بن محمَّد بن عمرو بن حزم، عن عمر بن عبد العزيز، عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "أيما رجل أفلس فأدرك الرجل ماله بعينه فهو أحق به" (¬1). [1515] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا عبد الوهاب الثقفي، أنه سمع يحيى بن سعيد يقول: أخبرني أبو بكر بن محمَّد بن عمرو بن حزم، أن عمر بن عبد العزيز حدثه، أن أبا بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام حدثه، أنه سمع أبا هريرة يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من أدرك ماله عند رجل بعينه قد أفلس فهو أحق به من غيره" (¬2). [1516] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا ابن أبي فديك، عن ابن أبي ذئب قال: حدثني أبو المعتمر ابن عمرو بن رافع، عن ابن خلدة الزرقي -وكان قاضي المدينة- أنه قال: جئنا أبا هريرة في صاحب لنا قد أفلس فقال: هذا الذي قضى فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أيما رجل مات أو أفلس ¬

_ (¬1) "المسند" ص (329). (¬2) "المسند" ص (329).

الشرح

فصاحب المتاع أحق بمتاعه إذا وجده بعينه" (¬1) الشرح أبو المعتمر بن عمرو. روى عنه: ابن أبي ذئب، واسم جده رافع في نسخ "المسند" وكذلك رواه حرملة عن الشافعي، وفي بعض الروايات عن الربيع: أن اسمه نافع بالنون، قال الحافظ أبو بكر البيهقي: وهو أصح (¬2). وابن خلدة: هو عمر بن خلدة الزرقي الأنصاري قاضي أهل المدينة، وقيل: هو عمرو بن خلدة؛ والأول أصح، وفي باب عمر أورده البخاري في "التاريخ" وذكر أنه سمع أبا هريرة وأنه روى عنه: أبو معتمر بن عمرو بن رافع، وأن بعضهم قال: هو عمر بن عبد الرحمن بن خلدة (¬3). والحديث من رواية يحيى بن سعيد رواه صاحبا "الصحيحين" (¬4) عن أحمد بن يونس، عن زهير عن يحيى، وأورده مالك في "الموطأ" (¬5)، وأخرجه أبو داود (¬6) عن القعنبي عن مالك، وابن ماجه (¬7) عن أبي بكر بن أبي شيبة عن سفيان وعن محمَّد بن رمح عن الليث، بروايتهما عن يحيى بن سعيد، وأبو عيسى (¬8) عن قتيبة عن الليث قال: ¬

_ (¬1) "المسند" ص (329). (¬2) انظر "الجرح والتعديل" (9/ ترجمة 2238)، و"التهذيب" (34/ ترجمة 7638). وعندهم: ابن رافع. (¬3) انظر "التاريخ الكبير" (6/ ترجمة 1999)، و"الجرح والتعديل" (6/ ترجمة 559)، و"التهذيب" (21/ ترجمة 4227). (¬4) "صحيح البخاري" (2402)، و"صحيح مسلم" (1559/ 22). (¬5) "الموطأ" (2/ 678 رقم 1358). (¬6) "سنن أبي داود" (3519). (¬7) "سنن ابن ماجه" (2358). (¬8) "جامع الترمذي" (1262).

وفي الباب عن سمرة وابن عمر. وحديث أبي المعتمر رواه أبو داود (¬1) الطيالسي عن ابن أبي ذئب، وأخرجه ابن ماجه (¬2) عن إبراهيم بن المنذر الحزامي وغيره عن ابن أبي فديك عن ابن أبي ذئب. وفيه دليل على أنه إذا أفلس المشتري بالثمن ووجد البائع عين ماله؛ له أن يفسخ البيع ويأخذ عين ماله، ويروى عن عثمان وعلي رضي الله عنهما أنهما قضيا بذلك، وبه قال عروة بن الزبير والأوزاعي ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق، وذهب النخعي وأبو حنيفة إلى أنه ليس له أن يأخذ عين ماله بل هو أسوة الغرماء، ومن قال به ربما حمل الحديث على الغصوب والودائع والعواري، لكنه تأويل ضعيف من وجهين: أحدهما: أنه رتب الحكم على الإفلاس، والإفلاس عدم الأثر في الرجوع (¬3) ... معمر، عن أيوب، عن عمرو بن دينار، عن هشام بن يحيى، عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا أفلس الرجل، فوجد البائع سلعته بعينها فهو أحق بها من الغرماء" (¬4). ولو مات مفلسًا فهو كما لو أفلس في حياته، وعن مالك أنه إذا أفلس أو مات مفلسًا وقد أخذ البائع شيئًا من الثمن فليس له إلا ¬

_ (¬1) "مسند الطيالسي" (2375)، ورواه أبو داود السجستاني في "سننه" من طريقه (2523). (¬2) "سنن ابن ماجه" (2360). (¬3) زاد في "الأصل": الغصوب والودائع والعواري لكنه تأويل ضعيف من وجهين. وها هنا سقط، الله أعلم به. (¬4) رواه الدارقطني (4/ 229 رقم 90)، ورواه مسلم (1559/ 24) من طريق قتادة عن النضر عن بشير بن سهيل عن أبي هريرة.

كتاب الدعوى والبينات

المضاربة مع الغرماء، وإن لم يأخذ شيئًا رجع إلى عين ماله، واعتمد فيه على حديث مرسل، ويروى عنه أنه لا يثبت الرجوع فيما إذا مات بحال. وظاهر قوله: "أيما رجل مات أو أفلس" ثبوت الرجوع بالموت وإن كان مال الميت وافيًا بالديون، وقد أخذ بهذا الظاهر أبو سعيد الإصطخري من أصحابنا، والأكثرون أولوه وقالوا: المعنى أيما رجل مات مفلسًا أو أفلس في حياته، وقالوا: إذا تيسر الوصول إلى الثمن وجب أن لا يثبت الرجوع كما في حال الحياة، وروي في بعض الروايات أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: "أيما رجل مات أو أفلس فصاحب المتاع أحق بمتاعه إذا وجده بعينه ما لم يخلف وفاءً" (¬1). وقوله: "هذا الذي قضى فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -" لم يرد به الإشارة إلى [عينه] (¬2) وإنما أراد الإشارة إلى الجنس، ونظيره: "هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به". وقوله: "إذا وجده بعينه" أي: وجده في ملك المشتري بحاله، فإن زال ملكه أو تغير بزيادة أو نقصان ففن الفقه يتكفل ببيان ذلك. الأصل ومن كتاب الدعوى والبينات [1517] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا ابن أبي يحيى، عن إسحاق بن أبي فروة، عن عمر بن الحكم، عن جابر بن عبد الله أن رجلين تداعيا دابة، فأقام كل واحد منهما البينة أنها دابته نتجها، فقضى بها ¬

_ (¬1) رواه الدارقطني (3/ 29 رقم 106)، والبيهقي (6/ 46). (¬2) في "الأصل": عيينه. والمثبت الصواب إن شاء الله.

الشرح

رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للذي هي في يديه (¬1). والله أعلم. الشرح عمر: هو ابن الحكم بن رافع، أبو حفص الأنصاري. سمع: جابر بن عبد الله (¬2). والحديث رواه الشافعي في "القديم" عن رجل عن إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة، ثم قال: وهذِه رواية صالحة ليست بالقوية ولا الساقطة، ولم نجد [أحدًا] (¬3) من أهل العلم يخالف في القول بهذا، وهذا مصير منه إلى أن ابن [أبي] (¬4) فروة غير متروك وإنما قال: ولم نجد أحدًا من أهل العلم يخالف هذا؛ لأن أبا حنيفة وإن كان لا يسمع بينة ذي اليد ويقضي للخارج ولكن ذلك في غير صورة التعريض للنتاج؛ فأما إذا قال كل واحد منهما: هذِه الدابة ملكي نتجتها؛ فيقضى بها لصاحب اليد بالاتفاق، ويؤيده ما روي عن الشعبي عن جابر؛ أن رجلين اختصما في ناقة، وكل واحد منهما قال: نتجت هذِه الناقة عندي، وأقام بينة؛ فقضى بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للذي هي في يده (¬5). ولو كان الشيء في أيديهما وتداعياه حلف كل واحد منهما على نفي ما يدعيه الآخر وجعل بينهما حكم اليد، ولو أقام كل واحد منهما بينة فكذلك. ¬

_ (¬1) "المسند" ص (330). (¬2) انظر "التاريخ الكبير" (6/ ترجمة 1979)، و"الجرح والتعديل" (6/ ترجمة 531)، و"التهذيب" (21/ ترجمة 4220). (¬3) في "الأصل": أحد. (¬4) سقط من "الأصل". (¬5) رواه الدارقطني (4/ 209 رقم 21)، والبيهقي (10/ 256).

ولو كان المدعى في يد ثالث وأقام كل واحد منهما بينة فيتساقطان ويبقى المدعى في يد صاحب اليد، أو يجعل بين المدعيين، أو يقرع ويقضى لمن خرجت قرعته، أو يوقف المدعى بينهما؟ فيه أقوال للشافعي رضي الله عنه: أظهرها: الأول. وقد روي عن أبي موسى الأشعري؛ أن رجلين أدعيا بعيرًا ولم يكن لواحد منهما بينة، فجعله النبي - صلى الله عليه وسلم - بينهما (¬1). قال الإِمام أبو سليمان الخطابي: يشبه أن يكون البعير في أيديهما معًا, ولو كان في يد غيرهما لم يستحقا بمجرد الدعوى شيئًا، وروي؛ أن [رجلين] (¬2) أدعيا بعيرًا على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - فبعث كل واحد منهما، فقسمه النبي - صلى الله عليه وسلم - بينهما نصفين (¬3). وهذا يجوز أن يكون مصورًا فيما إذا كان المدعى في يدهما ويكون جعله بينهما حكمًا بتساقط البينتين، ويجوز أن يكون مصورًا فيما إذا كان الشيء في يدّ غيرهما، وحينئذٍ فالحديث يدل على قول القسمة من الأقوال المذكورة. الأصل [1518] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا ابن أبي يحيى، عن ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (3613)، والحاكم (4/ 106). قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين، وقال ابن الملقن في "التحفة" (1804): رواته كلهم ثقات. وضعفه الألباني في "الإرواء" (2656). (¬2) في "الأصل": رجلًا. والمثبت من "السنن". (¬3) رواه أبو داود (3615)، والنسائي (8/ 248)، وابن ماجه (2330) من حديث أبي موسى. وضعفه الألباني في "الإرواء" (2656).

[عبد الله] (¬1) بن دينار، عن ابن عمر؛ أنه كان يشترط على الذي يكريه أرضه أن لا يعرها وذلك قبل أن يدع عبد الله الكراء (¬2). الشرح عرّ الأرض يعرها: إذا (سرقها) (¬3)، والعرة: البعر. وتسميد الأرض بالزبل جائز، ومنع ابن عمر رضي الله عنه يحتمل أنه كان احترازًا عن تلويث الأرض أو الزرع، أو كانت أرضه تتضرر به. وقوله: "وذلك قبل أن يدع عبد الله الكراء" أراد به ما روي عن ابن عمر أنه قال: كنا نخابر ولا نرى بذلك بأسًا، حتى زعم رافع؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عنها؛ فتركناها من أجل ذلك (¬4) وقد سبق الكلام فيه في الكتاب. الأصل [1519] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا ابن علية، عن حميد، عن أنس؛ أنه شك في ابن له فدعا له القافة (¬5). [1520] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا أنس بن عياض، عن هشام، عن أبيه، عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب؛ أن رجلين تداعيا ولدًا فدعا له عمر رضي الله عنه القافة فقالوا: قد اشتركا فيه. فقال عمر: وال أيهما شئت (¬6). ¬

_ (¬1) في "الأصل": عمرو. سبق قلم، والمثبت من "المسند". (¬2) "المسند" ص (330). (¬3) كذا في "الأصل". وفي اللسان: إذا سمدها. (¬4) رواه مسلم (1547/ 109). (¬5) "المسند" ص (330). (¬6) "المسند" ص (330).

[1521] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن يحيى بن سعيد، عن سليمان بن يسار، عن عمر مثل معناه (¬1). [1522] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مطرف بن مازن، عن معمر، عن الزهري، عن عروة بن الزبير، عن عمر بن الخطاب مثل معناه (¬2). الشرح يحيى: هو ابن عبد الرحمن بن حاطب بن أبي بلتعة، أبو محمَّد المديني. سمع: أباه، وابن الزبير، وعبد الرحمن بن عثمان التيمي. روى عنه: بكير بن الأشج، وعروة، وهشام بن عروة، وأسامة (¬3). وأثر أنس رضي الله عنه رواه المعتمر عن حميد عن بعض ولد أنس؛ أن أنسًا مرض مرضًا له فشك في حمل جارية له. فقال: إن مت فادعوا له القافة. [قال: فصح] (¬4). صح أي: من مرضه ذلك. ورواه يحيى بن أيوب عن حميد عن موسى بن أنس بن مالك عن أنس (¬5). وحديث عمر رضي الله عنه من رواية يحيى [بن] (¬6) عبد الرحمن بن حاطب غير موصول من هذا الطريق، ورواه [ابن أبي الزناد] (¬7) وأبو ¬

_ (¬1) "المسند" ص (330). (¬2) "المسند" ص (331). (¬3) انظر "التاريخ الكبير" (8/ ترجمة 3031)، و"الجرح والتعديل" (9/ ترجمة 685)، و"التهذيب" (31/ ترجمة 6869). (¬4) سقط من "الأصل". والمثبت من "سنن البيهقي" (10/ 264). (¬5) رواها البيهقي (10/ 264 - 265). (¬6) سقط من "الأصل". (¬7) في "الأصل": أبو الزناد. والمثبت من "سنن البيهقي".

أسامة عن هشام بن عروة عن أبيه عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب عن أبيه موصولًا (¬1)، وهو من طريق سليمان عن عمر، وعن عروة عن عمر مرسل حسن. ومهما تداعى اثنان مولودًا مجهول النسب، أو اشترك اثنان في وطء امرأة فأتت بولد لزمان الإمكان منهما، وادعى كل واحد أن الولد منه، والوطئان بحيث يتعلق بهما النسب؛ فلا يلحق الولد بهما معًا، بل يعرض على القائف، واعتمد فيه حديث مجزز المدلجي وهو مشهور (¬2)، والأثر عن عمر وأنس رضي الله عنهما وغيرهما، وذهب أبو حنيفة إلى أنه يلحق بهما ولا اعتبار بقول القائف. وقوله: "قد اشتركا فيه" يمكن أن يريد الإلحاق بهما، ويمكن أن يريد أنه أخذ الشبه منهما جميعًا، وأنه لا يدري أنه ولد هذا أو ذاك، وفي بعض الروايات أن القائف قال: "لقد أخذ الشبه منهما جميعًا فما أدري لأيهما هو". ومهما ألحق القائف الولد المعروض عليه بالمتداعيين أو أشكل الحال عليه أو لم يكن قائف؛ وقف الأمر حتى بلغ (¬3) الولد فحينئذٍ يؤمر بالانتساب إلى أحدهما, وليس الأمر فيه بالتشهي، بل يعول فيه على ميل الجبلة الذي يجده الولد إلى الوالد، وعلى هذا المعنى نزل قوله: "والِ من شئت". ¬

_ (¬1) رواها البيهقي (10/ 263). (¬2) رواه البخاري (6771)، ومسلم (1459/ 39) من حديث عائشة. (¬3) كذا في "الأصل" والجادة: يبلغ.

الأصل [1523] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مسلم، عن ابن جريج، عن عطاء أنه قال في شهادة النساء على الشيء من أمر النساء: لا يجوز فيه أقل من أربع (¬1). الشرح ما يختص بمعرفة النساء غالبًا كالولادة والبكارة والثيابة والحيض والرتق والقرن والرضاع والعيوب تحت الإزار، يقبل فيه شهادة النساء على الانفراد، روي عن الزهري أنه قال: "مضت السنة بأن تجوز شهادة النساء في كل شيء لا يليه غيرهن" (¬2). ولا يثبت شيء من ذلك بأقل من أربع نسوة تنزيلًا لكل اثنين منزلة رجل واحد وبه قال عطا، وعند أبي حنيفة: تثبت الولادة بشهادة القابلة وحدها، وعند أحمد: يثبت الرضاع بشهادة المرضعة وحدها، وذهب مالك إلى أنه يكفي فيما يختص بمعرفة النساء شهادة امرأتين، وما روي عن علي رضي الله عنه؛ أنه أجاز شهادة القابلة وحدها (¬3)؛ فهو ضعيف الإسناد، قال الشافعي وإسحاق بن راهويه: لو صح لقلنا به، وقد روى مسلم في "الصحيح" (¬4) عن محمَّد بن رمح، عن الليث بن سعد، عن ابن الهاد، عن عبد الله بن دينار، عن عبد الله بن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب لذي لبًّ منكن". ¬

_ (¬1) "المسند" ص (331). (¬2) رواه ابن أبي شيبة (4/ 329) بلفظ: " ... لا يطلع عليه غيرهن". (¬3) رواه البيهقي (10/ 151) وضعفه، ونقل تضعيف إسحاق والشافعي له. (¬4) "صحيح مسلم" (79).

كتاب صفة أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - والولاء الصغير

قيل: يا رسول الله. وما نقصان العقل والدين؟ فقال: "أما نقصان العقل فشهادة امرأتين تعدل شهادة رجل؛ فهذا نقصان العقل، وتمكث الليالي ما تصلي، وتفطر في رمضان؛ فهذا نقصان الدين". الأصل ومن كتاب صفة أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - والولاء الصغير (1524) أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا ابن عيينة بإسناده أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يمسكن الناس .... (¬1). فاعترف الأقطع أو شهد عليه، فأمر أبو بكر فقطعت يده اليسرى فقال أبو بكر: والله لدعاؤه على نفسه أشد عندي من سرقته (¬2). الشرح قوله: "فشكا إليه أن عامل اليمن ظلمه" أي: في قطع يده ورجله أو إحديهما وفي نسبته إلى السرقة، يبينه قول أبي بكر رضي الله عنه "ما ليلك بليل سارق". وقوله: "وأبيك" كأنه مما يقع في الكلام لا عن قصد، ولا يبعد أن يقال: ما يسبق إليه اللسان ولا يقصد به تحقيق الحلف لا يكون مخالفة للنهي عن الحلف بغير الله تعالى، كما أن لغو اليمين بالله تعالى لا ينعقد. ¬

_ (¬1) انتقل المخطوط إلى الورقة التالية إلى شرح حديث "أن رجلًا من أهل اليمن أقطع اليد والرجل قدم على أبي بكر فشكى له ... " وهو من كتاب القطع في السرقة، وبذلك يكون سقط: كتاب المزارعة، وبعض كتاب القطع. فالله المستعان. (¬2) "المسند" ص (336).

وقوله: "فوجدوا الحلي عند صائغ وأن الأقطع جاء به" في رواية "الموطأ": "وزعم أن الأقطع جاء به". وفي الأثر ما يدل على أن السارق في المرة الثالثة تقطع يده اليسرى، ولا خلاف في أن من سرق أول مرة تقطع يده اليمنى، فإن سرق ثانية تقطع رجله اليسرى، فإن سرق ثالثة فعندنا تقطع يده اليسرى، فإن سرق رابعة فتقطع رجله اليمنى، وبه قال أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، ويروى في القصة المذكورة؛ أن أبا بكر أراد أن يقطع رجله ويدع يده يستطيب بها، قال عمر (¬1): لا والذي نفسي بيده، لتقطعن يده الأخرى، فأمر أبو بكر به فقطعت يده (¬2). ويروى أن عمر قال: "السنة اليد" (¬3). وروي عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال في السارق: "إن سرق فاقطعوا يده، ثم إن سرق فاقطعوا رجله ثم إن سرق فاقطعوا يده، ثم إن سرق فاقطعوا رجله" (¬4). وقال أبو حنيفة: إذا سرق بعد قطع إحدى يديه ورجليه فيحبس ولا يقطع، ويروى ذلك عن علي رضي الله عنه، وروي عن جابر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قطع الأطراف والقتل في المرة (¬5) الخامسة. ¬

_ (¬1) في "الأصل": عمرو. خطأ، والمثبت من "سنن البيهقي". (¬2) رواه البيهقي (8/ 274). (¬3) رواه ابن أبي شيبة (5/ 490). (¬4) رواه الدارقطني (3/ 181 رقم 292). وضعفه ابن الملقن في "الخلاصة" (2422). (¬5) رواه أبو داود (4410)، والنسائي (8/ 90). قال النسائي: حديث منكر.

قال أبو سليمان الخطابي (¬1): ولا أعلم أحدًا من الفقهاء يبيح دم السارق وإن تكررت منه السرقة، إلا أنه قد يخرّج على مذهب بعضهم من حيث أنه من المفسدين في الأرض، وللإمام أن يزيد في زجر المفسد على التعزيز ويبلغ به القتل. الأصل [1525] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا إبراهيم، عن صالح مولى التوءمة، عن ابن عباس في قطاع الطريق إذا قتلوا وأخذوا المال؛ قُتلوا وصلبوا، وإذا قتلوا ولم يأخذوا المال؛ قتلوا ولم يصلبوا، وإذا أخذوا المال ولم يقتلوا؛ قطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف، وإذا أخافوا السبيل ولم يأخذوا مالًا؛ نفوا من الأرض (¬2). الشرح مقصود الأثر تفسير قوله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ في الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ} (¬3) وبيان أن العقوبات المذكورة منزلة على مراتب الجناية، وليست كلمة "أو" للتخيير بل للتنويع، كما يقال: الزاني يجلد أو يرجم. فإن قتل المحارب وأخذ المال جمع عليه بين القتل والصلب، وإن اقتصر على القتل قتل، وإن اقتصر على [أخذ] (¬4) المال قطعت يده ورجله من خلاف، وإن اقتصر على إخافة السبيل وإرعاب الرفقة فينفى، ذلك بأن يتبع إذا هرب من جيش الإِمام ليتفرق جمعهم وتبطل ¬

_ (¬1) "معالم السنن" (12/ 58). (¬2) "المسند" ص (336). (¬3) المائدة: 33. (¬4) في "الأصل": قتل. سبق قلم.

شوكتهم، ويروى مثل هذا التفسير عن قتادة وسعيد بن جبير وإبراهيم النخعي، وارتضاه الشافعي. الأصل [1526] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس أنه قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول: الرجم في كتاب الله حق على من زنا إذا أحصن من الرجال والنساء إذا قامت عليه البينة أو كان الحبل والاعتراف (¬1). [1527] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن يحيى بن سعيد، عن سليمان بن يسار، عن أبي واقد الليثي؛ أن عمر بن الخطاب أتاه رجل وهو بالشام فذكر له أنه وجد مع امرأته رجلًا، فبعث عمر بن الخطاب أبا واقد الليثي إلى امرأته يسألها عن ذلك، فأتاها وعندها نسوة حولها، فذكر لها الذي قال زوجها لعمر بن الخطاب وأخبرها أنها لا تؤخذ بقوله وجعل يلقنها أشباه ذلك لتنزع، فأبت أن تنزع وثبتت على الاعتراف، فأمر بها عمر بن الخطاب فرجمت (¬2). الشرح مقصود الأثرين بيان أن حدّ الثيب الزاني الرجم، وقد سبق في الكتاب حديث أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني فيه. والأثر الأول قد مرّ مرة بإسناده وتكلمنا فيه. وفي الثاني إرشاد المرأة إلى الامتناع من الإقرار على ما هو المستحب. ¬

_ (¬1) "المسند" ص (336). (¬2) "المسند" ص (336).

الأصل [1528] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا عبد الوهاب، عن أيوب، عن محمَّد بن سيرين أن أباه دعا نفرًا من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -يعني إلى الوليمة- فأتاه فيهم أبيّ بن كعب وأحسبه قال: فبارك وانصرف (¬1). [1529] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا ابن عيينة، سمع عبيد الله بن أبي يزيد يقول: دعا أبي عبد الله، فأتاه فجلس ووضع الطعام، فمدّ عبد الله بن عمر يده وقال: خذوا بسم الله وقبض عبد الله يده وقال: إني صائم (¬2). [1530] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن أنس [بن] (¬3) مالك؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أتى أبا طلحة وجماعة معه فأكلوا عنده، وكان ذلك في غير وليمة (¬4). الشرح روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب، فإن كان مفطرًا فليطعم، وإن كان صائمًا فليصل -يعني الدعاء" (¬5). قال الشافعي (¬6): إن كان المدعو صائمًا أجاب وبارك وانصرف، ولم نحتم عليه أن يأكل وأحب إليَّ لو فعل إن كان صومه غير واجب، إلا أن يأذن له رب الوليمة، وإذا لم يفطر فإن شاء انصرف كما فعل أبيّ، وإن شاء جلس معهم حتى يأكلوا كما فعل ابن عمر رضي الله عنه. وحديث أنس يدل على استحباب إجابة الدعوة وإن لم تكن ¬

_ (¬1) "المسند" ص (337). (¬2) "المسند" ص (337). (¬3) سقط من "الأصل". (¬4) "المسند" ص (337). (¬5) رواه أبو داود (2460). (¬6) "الأم" (6/ 181).

كتاب البحيرة والسائبة

وليمة، وفي "الصحيح" أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لو أهدي إليَّ ذراع لقبلت، ولو دعيت إلى كراع لأجبت" (¬1). وقوله: "وكان ذلك في غير وليمة" ذكر الحافظ أبو بكر البيهقي أنه من كلام الشافعي رضي الله عنه. الأصل ومن كتاب البحيرة والسائبة [1531] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن نافع، عن ابن عمر، عن عائشة أنها أرادت أن تشتري جارية تعتقها، فقال أهلها: نبيعكها على أن ولاءها لنا، فذكرت ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "لا يمنعك ذلك، إنما الولاء لمن أعتق" (¬2). [1532] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن يحيى بن سعيد، عن عمرة بنت عبد الرحمن؛ أن بريرة جاءت تستعين عائشة، فقالت عائشة: إن أحب أهلك أن أصب لهم ثمنك صبة واحدة وأعتقك فعلت، فذكرت ذلك بريرة لأهلها فقالوا: لا، إلا أن يكون ولاؤك لنا. قال مالك: قال يحيى: زعمت عمرة أن عائشة ذكرت ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "لا يمنعك ذلك فاشتريها فأعتقيها فإنما الولاء لمن أعتق" (¬3). الشرح كانوا في الجاهلية يبحرون البحيرة ويسيبون السائبة، والبحيرة: ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2568) من حديث أبي هريرة. (¬2) "المسند" ص (338). (¬3) "المسند" ص (338).

الناقة إذا نتجت خمسة أبطن آخرها ذكر كانوا يشقون آذانها بنصفين ولا يذبحونها ولا تركب ولا تمنع كلأ ولا ماءً يتقربون بذلك إلى الطواغيت، والبحر: الشق، وكانوا إذا نذروا قالوا: ناقتي سائبة فلا ينتفع بها ولا تمنع من ماء ولا مرعى، وقيل: كانت الناقة إذا تابعت بين اثني عشر أنثى ليس بينهن ذكر سيبت فلم تركب ولم تحلب ولم تنحر ولم يجز وبرها، ثم ما تلد من أنثى تبحر فتكون بحيرة بنت السائبة. وقيل: السائبة العبد يعتق سائبة وقد تقدم. وقصة بريرة قد (سبق) (¬1) في الكتاب من رواية مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة، وكذلك من رواية مالك عن نافع عن ابن عمر وهي المسوقة ها هنا أولًا، ومن رواية مالك عن يحيى بن سعيد، عن عمرة مرسلًا، وأيضًا عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة وهذِه الرواية هي المسوقة ها هنا ثانيًا إلا أنها إلى الإرسال أقرب، وذكرنا ما يتعلق بها. الأصل [1533] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك وابن عيينة، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع الولاء وعن هبته (¬2). [1534] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا محمَّد بن الحسن، عن يعقوب بن إبراهيم، عن عبد الله بن دينار، عن عبد الله بن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الولاء لحمة كلحمة النسب لا يباع ولا يوهب" (¬3). ¬

_ (¬1) كذا في "الأصل" ولعله يقصد: سبق ذكرها. (¬2) "المسند" ص (338). (¬3) "المسند" ص (338).

الشرح محمَّد: هو ابن الحسن بن فرقد الشيباني، مولاهم أبو عبد الله صاحب أبي حنيفة رحمه الله، يقال: أن أصله من دمشق، وقدم أبوه العراق فولده بواسط ونشأ بالكوفة وتفقه بها. وسمع الحديث من: أبي حنيفة، وأبي يوسف، ومالك بن مغول. وروى عنه: الشافعي، وأبو عبيد القاسم بن سلام، وأبو سليمان الجوزجاني، وإسماعيل بن توبة القزويني. وولاه الرشيد القضاء وخرج معه ومات بالري سنة تسع وثمانين ومائة (¬1). ويعقوب: هو ابن إبراهيم بن حبيب بن خنيس بن سعد بن حبتة الأنصاري، أبو يوسف القاضي، صاحب أبي حنيفة. كان من أصحاب الحديث ثم غلب الرأي عليه، أخذ الفقه عن ابن أبي ليلى وأبي حنيفة، وولي القضاء لهارون بن الرشيد وتوفي ببغداد سنة اثنتين وثمانين ومائة (¬2). وسعد بن حبتة جده صحابي وهو سعد بن بجير بن معاوية بن سلمى، وحبتة أمه (¬3). والحديث من الرواية الأولى مكرر، وأما الرواية الثانية فقد أوردها المزني في "المختصر" عن الشافعي أيضًا, وذكر أبو بكر بن زياد النيسابوري أن اللفظ التي فيها وهي قوله: "الولاء لحمة كلحمة النسب" ¬

_ (¬1) انظر "الجرح والتعديل" (7/ ترجمة 1253)، و"التعجيل" (1/ ترجمة 933). (¬2) انظر "التاريخ الكبير" (8/ ترجمة 3463)، و"الجرح والتعديل" (9/ ترجمة 841) , قال البخاري: تركوه. (¬3) انظر "الإصابة" (3/ ترجمة 3132).

لم يروها الثقات وإنما تروى بروايات ضعيفة، نعم رواها هشام بن حسان عن الحسن عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلًا، واللحمة: القرابة. الأصل [1535] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن طلحة بن عبد الملك الأيلي، عن القاسم، عن عائشة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من نذر أن يطيع الله فليطعه، [و] (¬1) من نذر أن يعصي الله فلا يعصه" (¬2). [1536] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا ابن عيينة وعبد الوهاب بن عبد المجيد، عن أيوب بن أبي تميمة السختياني، عن أبي قلابة، عن أبي المهلب، عن عمران بن الحصين أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا نذر في معصية الله ولا فيما لا يملك ابن آدم". وكأن الثقفي ساق الحديث ثم ذكره (¬3). الشرح طلحة (¬4) بن عبد الملك الأيلي. سمع: القاسم بن محمَّد. وروى عنه: مالك بن أنس، وعبد الله (¬5). وحديث عائشة أخرجه البخاري في "الصحيح" (¬6) عن أبي نعيم ¬

_ (¬1) سقط من "الأصل". (¬2) "المسند" ص (339). (¬3) "المسند" ص (339). (¬4) انظر "التاريخ الكبير" (4/ ترجمة 3089)، و"الجرح والتعديل" (4/ ترجمة 2098)، و"التهذيب" (13/ ترجمة 2974). (¬5) عبد الله هذا هو ابن عمر العمري المكبر. (¬6) "صحيح البخاري" (6696).

وأبي عاصم النبيل، عن مالك. وحديث عمران قد سبق في الكتاب. وقوله: "وكأن الثقفي ساق الحديث ثم ذكره" يريد به قصة سبي الأنصارية وأنها استاقت العضباء. واحتج بالحديث على أن من نذر طاعة يلزمه الوفاء به، وعلى أنه لا فرق بين أن يعلق الالتزام بشيء وبين أن يطلق فإنه نذر في الحالتين، وعلى أن من نذر معصية لا يجوز له الوفاء بما نذر، وما ليس بطاعة ولا معصية لا يلزم بالنذر، وما روي أن امرأة قالت: يا رسول الله إني نذرت أن أضرب على رأسك بالدف، فقال: "أوفي بنذرك" (¬1) فقد قال الخطابي: أنه لما اتصل به إظهار الفرح بسلامة مقدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من بعض غزواته وفيه مساءة الكفار وإرغام المنافقين صار ذلك كبعض القربة. الأصل [1537] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا ابن عيينة، عن عمرو، عن طاوس؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرَّ بأبي إسرائيل وهو قائم في الشمس فقال: "ما له؟ " فقالوا: [نذر] (¬2) أن لا يستظل ولا يقعد ولا يكلم أحدًا ويصوم؛ فأمره النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يستظل ويقعد وأن يكلم الناس ويتم صومه ولم يأمره بكفارة (¬3). ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (3312) من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، ورواه الترمذي (3690)، وابن حبان (4386) من حديث بريدة. وقال الترمذي: حسن صحيح غريب من حديث بريدة. وصححه الألباني في "الإرواء" (8/ 213). (¬2) في "الأصل": نظر. تحريف. (¬3) "المسند" ص (339).

الشرح هذا مرسل، وروى البخاري القصة في "الصحيح" (¬1) عن موسى بن إسماعيل عن وهيب عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس قال: "بينما النبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب إذا هو برجل قائم في الشمس" ولم يتعرض للكفارة في آخره، وعدّ أبو إسرائيل من الصحابة لذكره في هذا الحديث، وفي بعض الروايات أنه أبو إسرائيل بن قشير، ورواه الحسن بن عمارة عن حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس وقال في آخره: "ولم يأمره بالكفارة" ورواه محمَّد بن كريب عن أبيه عن ابن عباس وفي آخره الأمر بالكفارة (¬2)، ويوافقه ما روي عن أبي سلمة عن عائشة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "لا نذر في معصية وكفارته كفارة يمين" (¬3) لكن في إسناده اضطراب، ورويت فيه آثار مختلفة. وكان أبو إسرائيل قد نذر ما هو قربة وهو الصوم فأمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالوفاء به، وما ليس بقربة وهو القيام في الشمس وترك الكلام فمنعه من الوفاء به. الأصل [1538] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان بن عيينة، عن عبد الله بن عمر, عن نافع [عن عبد الله بن عمر] (¬4) قال جاء عمر رضي الله عنه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله إني أصبت مالًا لم أصب مثله قط، وقد أردت أن ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (6704). (¬2) قال البيهقي في "السنن" (10/ 75): ومحمد بن كريب ضعيف. (¬3) رواه الترمذي (1524)، والنسائي (7/ 26)، وابن ماجه (2125). قال الترمذي: حديث لا يصح؛ لأن الزهري لم يسمع هذا الحديث من أبي سلمة. (¬4) سقط من "الأصل". والمثبت من "المسند".

كتاب الصيد والذبائح

أتقرب به إلى الله، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "احبس أصله وسبل ثمره" (¬1). الشرح قد سبق الحديث من هذا الطريق وغيره، ويجوز أن يكون تخصيص لفظ التحبيس بالأصل والتسبيل بالثمرة؛ لأن التحبيس يتضمن الوقف والمنع من التصرف، والأصل هو الذي يوقف ويمنع من التصرف فيه، والتسبيل: جعل الشيء في سبيل الله وليس فيه توقيف وضع والثمرة كذلك. الأصل ومن كتاب الصيد والذبائح [1539] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا إبراهيم بن أبي يحيى، عن عبد الله بن دينار، عن سعد الفلجة مولى عمر أو ابن سعد الفلجة أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: ما نصارى العرب بأهل كتابٍ وما تحل لنا ذبائحهم، وما أنا بتاركهم حتى يسلموا أو أضرب أعناقهم (¬2). [1540] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا الثقفي، عن أيوب، عن ابن سيرين، عن عبيدة السلماني، عن علي رضي الله عنه أنه قال: لا تأكلوا ذبائح نصارى بني تغلب فإنهم لم يتمسكوا من دينهم إلا بشرب الخمر (¬3). الشرح سعد (¬4) الفلجة أو ابن سعد: هو سعد البخاري أو عبد الله بن سعد ¬

_ (¬1) "المسند" ص (340). (¬2) "المسند" ص (340). (¬3) "المسند" ص (340). (¬4) انظر "التاريخ الكبير" (5/ ترجمة 312)، و"الجرح والتعديل" (5/ ترجمة 294)، و"التعجيل" (1/ ترجمة 365).

وقد سبق ذكره عند رواية عمر رضي الله عنه من قبل، لكنه لم يذكر هذا اللقب. هناك، وأثر علي رضي الله عنه يوافقه، وفقه الأثرين ما تقدم. الأصل [1541] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا حاتم [و] (¬1) الدراوردي أو أحدهما، عن جعفر بن محمَّد، عن أبيه أنه قال: النون والجرادُ ذكيٌّ (¬2). [1542] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أحلت لنا ميتتان ودمان، الميتتان: الحوت والجراد، والدمان" أحسبه قال: "الكبد والطحال" (¬3). الشرح عبد الرحمن: هو ابن زيد بن أسلم مولى عمر بن الخطاب. روى عن: أبيه، وأبي حازم. ومات سنة اثنتين وثمانين. ضعفه علي بن المديني (¬4). وما رواه عن جعفر بن محمَّد عن أبيه قد رواه سفيان الثوري في "الجامع" عن جعفر عن أبيه عن علي رضي الله عنه، وعن قتادة عن جابر بن زيد أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: الجراد والنون ¬

_ (¬1) سقط من "الأصل". والمثبت من "المسند". (¬2) "المسند" ص (340). (¬3) "المسند" ص (340). (¬4) انظر "التاريخ الكبير" (5/ ترجمة 922)، و""الجرح والتعديل" (5/ ترجمة 1107)، و"التهذيب" (17/ ترجمة 3820).

ذكي كله (¬1). وحديث ابن عمر قد رواه إسماعيل بن أبي أويس عن عبد الرحمن وعبد الله وأسامة بن زيد بن أسلم كما رواه الشافعي مرفوعًا، ورواه سليمان بن بلال عن زيد بن أسلم عن ابن عمر موقوفًا عليه وهو أصح عند أهل الحديث. قال الحافظ أبو بكر البيهقي (¬2): وهو في معنى المرفوع، وقد سبق عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " البحر هو الطهور ماؤه الحل ميتته". وفي "الصحيح، أن عبد الله بن أبي أوفى سئل عن الجراد فقال: غزوت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ست غزوات أو سبع غزوات فكنا نأكله (¬3). والطافي من السمك وما لفظه البحر كغيره. الأصل [1543] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا ابن عيينة، عن ابن سعيد بن مسروق، عن أبيه، عن عباية بن رفاعة، عن رافع بن خديج قال: قلنا: يا رسول الله إنا لاقوا العدو غدًا وليس معنا مدى أنذكي بالليط؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ما أنهر الدم وذكر عليه اسم الله فكلوا، إلا ما كان من سنٍّ أو ظفر، فإن السنن عظم من الإنسان والظفر مدى الحبش" (¬4). والله أعلم. ¬

_ (¬1) رواه البيهقي (9/ 253). (¬2) "السنن الكبير" (1/ 254). (¬3) رواه البخاري (5495)، ومسلم (1952/ 52). (¬4) "المسند" ص (341).

الشرح ابن سعيد: هو عمر بن سعيد بن مسروق الثوري الكوفي، أخو سفيان الثوري. روى عن: أبيه، وعن الأعمش. وروى عنه: ابن عيينة (¬1). وأبوه: سعيد بن مسروق بن حبيب الثوري الكوفي. سمع: عباية بن رفاعة، وعبد الرحمن بن أبي نعيم، ومنذرًا الثوري، وأبا الضحى، وسلمة بن كهيل. وروى عنه: بنوه سفيان وعمر والمبارك، وأيضًا شعبة وأبو الأحوص وأبو عوانة. يقال: أنه مات سنة ثمان وعشرين ومائة (¬2). وعباية: هو ابن رفاعة بن رافع بن خديج، أبو رفاعة الأنصاري الحارثي. سمع: جده رافعًا، وأبا عبس بن جبر. وروى عنه: يزيد بن أبي مريم الشامي (¬3). وروى الحديث إسماعيل بن مسلم عن سعيد بن مسروق، ومن ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (6/ ترجمة 2024)، و"الجرح والتعديل" (6/ ترجمة 584)، و"التهذيب" (21/ ترجمة 4243). (¬2) انظر "التاريخ الكبير" (3/ ترجمة 1706)، و"الجرح والتعديل" (4/ ترجمة 278)، و"التهذيب" (11/ ترجمة 2355). (¬3) انظر "التاريخ الكبير" (7/ ترجمة 335)، و"الجرح والتعديل" (7/ ترجمة 154)، و"التهذيب" (14/ ترجمة 3149).

روايته أخرجه مسلم في "الصحيح" (¬1) فرواه عن ابن [أبي] (¬2) عمر عن إسماعيل، وأبو الأحوص عن سعيد عن عباية عن أبيه عن جده رافع ومن روايته أخرجه البخاري (¬3) فرواه عن مسدد عن أبي الأحوص، وأخرجاه من حديث سفيان الثوري عن أبيه سعيد. والمدى: جمع مُدية وهي السكين، وقد يقال: مَدية، وتكسر الميم من الجمع أيضًا. وقوله: "أنهر الدم" أي: أساله وأجراه. والليط: قشر القصب سمي ليطًا للصوقه، من قولهم: لاط يلوط إذا لصق، وكذلك قيل: إن أصله الواو، وروي: "أفنذبح بالقصب". وقوله: "فإن السن عظم من الإنسان" يشعر بأنه كان مشهورًا متقررًا عندهم أن [الذكاة] (¬4) لا تحصل بشيء من العظام، وبه قال عامة أهل العلم، ولا فرق بين أن يكون العظم بائنًا أو غير بائن. وقوله: "وأما الظفر فمدى الحبشة" معناه أن الحبشة يدقون مذابح الشاة ويخرجونها بأظفارهم فيقيمون ذلك مقام الذبح بالمدى، وذلك في معنى الخنق، ولا خلاف في أنه يجوز أن يذبح المسلم بمداهم التي تحصل بها الذكاة وهذا في ذبح الحيوان المقدور عليه بالسن والظفر؛ أما إذا قتل الكلبُ الصيد بسنه أو ظفره فهو حلال، وعن الخطابي أنه لو اتخذ الرامي نصلًا من عظم وقتل به صيدًا حلَّ، قال الشيخ الحسين (¬5) ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (1968/ 22) عن ابن أبي عمر عن سفيان عن إسماعيل. (¬2) سقط من "الأصل". (¬3) "صحيح البخاري" (2488). (¬4) في "الأصل": الذكورة. تحريف. (¬5) هو الحسين بن مسعود بن محمَّد العلامة محيي السنة، أبو محمَّد البغوي، ويعرف بابن الفراء تارة وبالفراء أخرى، وكان دينًا عالمًا عاملًا على طريقة السلف. انظر: "طبقات الشافعية" لابن قاضي شهبة (2/ ترجمة 248).

الفراء: والقياس خلافه بخلاف سن الكلب؛ فإنه لا يمكن الاحتراز عنه. الأصل [1544] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مسلم وعبد المجيد وعبد الله بن الحارث، عن ابن جريج، عن عبد الله بن عبيد بن عمير، عن ابن أبي عمار، قال: [سألت] (¬1) جابر بن عبد الله عن الضبع: أصيد هي؟ فقال: نعم. قلت: أتؤكل؟ قال: نعم. قلت: أسمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: نعم (¬2). الشرح عبد الله كأنه عبد الله بن الحارث بن عبد الملك المخزومي المكي. سمع: محمَّد بن عبد الله بن [إنسان] (¬3). وروى عنه: الحميدي (¬4). وعبد الله: هو ابن عبيد بن عمير الليثي. روى عن: ابن عمر، وسمع أباه. ¬

_ (¬1) سقط من "الأصل". والمثبت من "المسند". (¬2) "المسند" ص (341). (¬3) في "الأصل": يسار. خطأ، والمثبت من التخريج. (¬4) انظر "التاريخ الكبير" (5/ ترجمة 166)، و"الجرح والتعديل" (5/ ترجمة 147)، و "التهذيب" (14/ ترجمة 3214).

وسمع منه: الزهري (¬1). وابن أبي عمار: عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي عمار. روى عن جابر، وقد سبق ذكره، وقال بعضهم: هو عبد الله بن أبي عمار. وروى الحديث (¬2) عن ابن جريج: ابن وهب ويحيى بن أيوب أيضًا، ورواه عن عبد الله بن عبيد بن عمير كما رواه ابن جريج: إسماعيل بن أمية وجرير بن حازم، ويؤكده ما روي عن عمر وعلي وابن عباس رضي الله عنهم أنهم جعلوا في الضبع كبشًا إذا أصابه المحرم. وعن عطاء عن جابر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "الضبع صيد وجزاؤها كبش مسن ويؤكل" (¬3). وعن الشافعي أنه قال: ما يباع لحم الضباع إلا بين الصفا والمروة. الأصل [1545] سمعت الربيع يقول: سمعت الشافعي يقول: لولا مالك وسفيان لذهب علم الحجاز (¬4). ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (5/ ترجمة 430)، و"الجرح والتعديل" (5/ ترجمة 467)، و"التهذيب" (15/ ترجمة 3406). (¬2) والحديث رواه الترمذي (851)، والنسائي (5/ 191)، وابن ماجه (3236)، وابن الجارود (438)، وابن خزيمة (2645)، وابن حبان (3965)، والحاكم (1/ 622) جميعًا من طريق ابن جريج. قال الترمذي: حسن صحيح، وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين. (¬3) رواه ابن خزيمة (2648)، والحاكم (1/ 623). قال الحاكم: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي. وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (3899). (¬4) "المسند" ص (341).

[1546] سمعت الربيع يقول: مات الشافعي رحمه الله سنة أربع ومائتين في آخر يوم من رجب، وسئل عن سنه فقال: نيف وخمسون (¬1). الشرح لك أن تفضي العجب إذا انتهيت إلى هذين الفصلين، وتقول: ما الذي دعا جامع "المسند" إلى إيرادهما في الكتاب أولًا، وإلى إيرادهما في هذا الموضع ثانيًا. ثم النيف المبهم ذكره أربع سنين على الأشهر، وعلى هذا يستمر ما قيل أنه ولد سنة خمسين ومائة، وحكى الزعفراني عن أبي عثمان بن الشافعي أنه قال: مات أبي وهو ابن ثمان وخمسين. الأصل [1547] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن ابن جريج، عن عطاء، عن جابر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من أعمر شيئًا فهو له" (¬2). [1548] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن عمرو بن دينار، عن طاوس، عن حجر المدري، عن زيد بن ثابت، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "العمرى للوارث" (¬3). [1549] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن عمرو بن دينار وابن أبي نجيح، عن حبيب بن أبي ثابت قال: كنا عند عبد الله بن عمر فجاءه أعرابي فقال له: إني أعطيت بعض بنيّ ناقة حياته. ¬

_ (¬1) "المسند" ص (341). (¬2) "المسند" ص (341). (¬3) "المسند" ص (341).

قال عمرو في الحديث: وإنها تناتجت، وقال ابن أبي نجيح في حديثه: وإنها أضنت واضطربت. فقال: هي له حياته وموته، قال: فإني قد تصدقت بها عليه. قال: فذلك أبعد لك منها (¬1). الشرح الحديثان والأثر مذكورة من قبل بما فيها, ولا فائدة في الإعادة. الأصل [1550] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن الزهري، عن ابن المسيب أنه قال: عقل العبد في ثمنه (¬2). [1551] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا يحيى بن حسان، عن الليث بن سعد، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب أنه قال: عقل العبد في ثمنه كجراح الحر في ديته. وقال ابن شهاب: وكان رجال سواه يقولون: يقوم سلعة (¬3). الشرح قوله: "عقل العبد في ثمنه" ليس بكلام تام، وتمامه ما في الرواية الثانية وهو قوله: "كجراح الحر في ديته" ويروى "مثل عقل الحرّ في ديته" والمراد من الثمن القيمة. ومقصود الأثر أن ما يجب في أعضاء الحرّ والجراحات عليه من الأرش يجب في العبد بمثل نسبتها إلى الدية من القيمة، ففي لسانه ¬

_ (¬1) "المسند" ص (341). (¬2) "المسند" ص (342). (¬3) "المسند" ص (342).

كمال قيمته، وفي يده نصفها، وفي الموضحة عليه نصف عشر القيمة، وعلى هذا القياس، ويروى مثل ذلك عن شريح والشعبي والنخعي. وقوله: "وكان رجال سواه ... " إلى آخره معناه أن طائفة قالوا: يقوم العبد كالسلع، ويجب في الجناية عليه ما نقص من قيمته، وظاهر مذهب الشافعي ما ذكره ابن المسيب، وله قول مخرج كما ذكره الآخرون. الأصل [1552] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا عمي محمَّد بن علي، عن هشام بن عروة، عن أبيه أنه قال: إني لأسمع الحديث أستحسنه فما يمنعني من ذكره إلا كراهية أن يسمعه سامع فيقتدي به، أسمعه من الرجل لا أثق به قد حدثه عمن أثق به، وأسمعه من الرجل أثق به قد حدثه عمن لا أثق به. وقال سعد بن إبراهيم: لا يحدث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا الثقات (¬1). [1553] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن يحيى بن سعيد قال: سألت ابنا لعبد الله بن عمر عن مسألة فلم يقل فيها شيئًا، فقيل له: إنا لنعظم أن يكون مثلك ابن إمامي هدى تسأل عن أمر ليس عندك فيه علم! فقال: أعظم والله من ذلك عند الله وعند من عرف الله وعند من عقل عن الله أن أقول ما ليس لي به علم أو أخبر عن غير ثقة (¬2). الشرح الغرض من هذِه الآثار أن الحجة لا تقوم إلا برواية الثقة عن الثقة حتى ينتهي الإسناد إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وروي عن ابن عمر ¬

_ (¬1) "المسند" ص (342). (¬2) "المسند" ص (342).

قال: "كان عمر رضي الله عنه يأمرنا أن لا نأخذ إلا عن ثقة"، وعن محمَّد بن سيرين أنه قال: "إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذوا دينكم"، واحتاط عروة فقال: أسمع الحديث وأستحسنه ولا أذكره ولا أرويه؛ لأني لا أثق بجميع رواة إسناده كيلا يؤخذ به. وقول سعد بن إبراهيم: "لا يحدث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا الثقات" أي: هكذا ينبغي أن يكون ولا يعتمد إلا على ما رواته ثقات، وروى الحميدي (¬1) أن سفيان قال: أبنا الزهري قال: سمع أبا الأحوص يحدث عن [أبي ذر] (¬2) يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا قام أحدكم إلى الصلاة فإن الرحمة تواجهه فلا يمسح الحصى". قال سفيان: فقال سعد بن إبراهيم للزهري: من أبو الأحوص كالمغضب حين حدث الزهري عن مجهول لا يعرفه؟ فقال له الزهري: أما رأيت الشيخ الذي كان يصلي في الروضة مولي بني غفار، فجعل الزهري ينعته وسعد لا يعرفه. قال الشافعي: فلم يكتف سعد برواية الزهري عنه بل سأل عنه وعن حاله. وحديث ابن عبد الله بن عمر رواه الحميدي عن سفيان. والله [أعلم] (¬3). ¬

_ (¬1) "مسند الحميدي" (128). ورواه أيضًا أبو داود (945)، والترمذي (379)، والنسائي (3/ 6)، وابن ماجه (1027)، وابن الجارود (219)، وابن خزيمة (913)، وابن حبان (2273)، وقال الترمذي: حديث حسن. (¬2) في "الأصل": ابن شوذب. خطأ، والمثبت من التخريج. (¬3) ليست في "الأصل".

كتاب الديات والقصاص

الأصل ومن كتاب الديات والقصاص [1554] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا محمَّد بن الحسن، أبنا مالك، أبنا داود بن الحصين أن أبا غطفان بن طريف المري أخبره أن مروان بن الحكم أرسله إلى ابن عباس يسأله: ما في الضرس؟ فقال ابن عباس: فيه خمس من الإبل، فردني مروان إلى ابن عباس فقال: أتجعل مقدم الفم مثل الأضراس؟ فقال ابن عباس: (لو) (¬1) أنك لا تعتبر ذلك إلا بالأصابع، عقلها سواء. قال الشافعي: فهذا مما يدلك على أن الشفتين عقلهما سواء، وقد جاء في الشفتين سوى هذا آثارًا (¬2). الشرح هذا الأثر قد سمعه الشافعي من مالك فرواه عنه في كتاب "جراح الخطأ" وها هنا رواه عن محمَّد بن الحسن عن مالك في معرض محاجة ومناظرة احتج عليه بما سمعه منه. وقوله: "لو أنك لا تعتبر ذلك إلا بالأصابع" كأنه يقول: لو أنك نظرت وتأملت عرفت ما أقول لا يعتبر ذلك بالأصابع، أو يقول: لو أنك لم تعتبر ذلك إلا بالأصابع عرفت صحة ما أقول. وقد سبق ما يدل على التسوية بين الأصابع من الأخبار والآثار ¬

_ (¬1) في "المسند": لولا. وكذا في "الأم". (¬2) "المسند" ص (343).

وإن اختلفت منافعها، وما روي عن عمر - رضي الله عنه - أنه كان يفاوت بين الأصابع وبين الأسنان ثم لما بلغه الخبر في التسوية رجع إليه، قال الشافعي (¬1): والدية على العدد لا على المنافع، واستدل بما رواه في الضرس والأسنان على أن الشفتين أيضًا تستويان في الدية، خلافًا لسعيد بن المسيب حيث قال: في السفلى الثلثان، وقد روي عن كتاب عمرو بن حزم "أن في الشفتين الدية" (¬2). وعن عمرو بن شعيب أن أبا بكر قضى في الشفتين بالدية، وعن الشعبي أنه قال: فيهما الدية، وفي إحديهما النصف (¬3)، ويروى مثله عن زيد بن أسلم وهذِه الآثار هي التي ذكرها الشافعي مبهمة. الأصل [1555] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا ابن أبي فديك، عن ابن أبي ذئب، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبي شريح الكعبي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من قتل له قتيل فأهله بين خيرتين إن أحبوا فلهم العقل، وإن أحبوا فلهم القود" (¬4). [1556] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا الثقة، عن معمر، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله أو مثل معناه (¬5). ¬

_ (¬1) "الأم" (6/ 125). (¬2) رواه النسائي (8/ 57)، وابن حبان (6559)، والحاكم (1/ 552) وصححه. (¬3) رواه ابن أبي شيبة (5/ 362). (¬4) "المسند" ص (343). (¬5) "المسند" ص (343).

الشرح قد سبق الحديث بأتم من هذا، وزاد ها هنا رواية أبي هريرة -رضي الله عنه-، وذكرنا ما يتعلق به. الأصل [1557] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا محمَّد بن الحسن، أبنا إبراهيم بن محمَّد [عن محمَّد (¬1)] بن المنكدر، عن عبد الرحمن البيلماني؛ أن رجلًا من المسلمين قتل رجلًا من أهل الذمة، فرفع ذلك إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: أنا أحق من أوفى بذمته ثم أمر به فقتل (¬2). [1558] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا محمَّد بن الحسن، أبنا قيس بن الربيع، عن أبان بن تغلب، عن الحسن بن ميمون، عن عبد الله بن عبد الله مولى بني هاشم، عن أبي الجنوب الأسدي قال: أتي علي بن أبي طالب برجل من المسلمين قتل رجلًا من أهل الذمة. قال: فقامت عليه البينة فأمر بقتله فجاء [أخوه] (¬3) فقال: إني قد عفوت، قال: فلعلهم هددوك أو فرقوك أو فزعوك؟ قال: لا, ولكن قتله لا يرد علي أخي وعوضوني فرضيت، قال: أنت أعلم، من كان له ذمتنا فدمه كدمنا وديته كديتنا (¬4). [1559] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا محمَّد بن الحسن، أبنا محمَّد بن ¬

_ (¬1) سقط من "الأصل". والمثبت من "المسند". (¬2) "المسند" ص (343). (¬3) سقط من "الأصل". والمثبت من "المسند". (¬4) "المسند" ص (344).

يزيد، أبنا سفيان بن حسين، عن الزهري؛ أن ابن شاس الجذامي قتل رجلًا من أنباط الشام، فرفع إلى عثمان بن عفان -رضي الله عنه- فأمر بقتله، فكلمه الزبير وناس من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنهوه عن قتله. قال: فجعل ديته ألف دينار (¬1). [1560] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا محمَّد بن الحسن، أبنا محمَّد بن يزيد، أبنا سفيان بن حسين، عن الزهري، عن ابن المسيب قال: دية كل معاهد في عهده ألف دينار (¬2). الشرح عبد الرحمن [بن] (¬3) البيلماني، مولى عمر -رضي الله عنه-. سمع: ابن عمر. وروى عنه: سماك بن الفضل، وزيد بن أسلم (¬4). وقيس بن الربيع: هو أبو محمَّد الأسدي الكوفي. روى عن: أبي حصين، ويقال: أن وكيعًا كان يضعفه. توفي سنة سبع وستين ومائة (¬5). وأبان بن تغلب كوفي. سمع: الحكم، وفضيل بن عمرو، وأبا إسحاق الهمداني. ¬

_ (¬1) "المسند" ص (344). (¬2) "المسند" ص (344). (¬3) سقط من "الأصل". (¬4) انظر "التاريخ الكبير" (5/ ترجمة 848)، و"الجرح والتعديل" (5/ ترجمة 1018)، و"التهذيب" (17/ ترجمة 3774). (¬5) انظر "التاريخ الكبير" (7/ ترجمة 704)، و"الجرح والتعديل" (7/ ترجمة 553)، و"التهذيب" (24/ ترجمة 4903).

وروى عنه: شعبة، وابن عيينة، وحماد بن زيد، قاله البخاري (¬1). والحسن بن ميمون كأنه الحضرمي الذي روى عن: إياس بن معاوية وابن جريج. وروى عنه: أبو عاصم النبيل، ونصر بن علي (¬2). وأبو الجنوب الأسدي: هو عقبة بن علقمة. روى عن: علي -رضي الله عنه-. وروى عنه: النضر بن منصور العنزي (¬3). ومحمد بن يزيد يمكن أن يكون محمَّد بن يزيد بن أبي زياد الكوفي مولى بني هاشم الذي روى عنه: ابن فضيل، أو محمَّد بن يزيد الكوفي الذي سمع الوليد بن مسلم وضمرة بن ربيعة. والله أعلم (¬4). وحديث ابن البيلماني منقطع، وروي فيه أن القاتل كان عمرو بن أمية الضمري، وقد سبق في الكتاب أنه عاش بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - دهرًا وروي أن المقتول الكافر كان رسولًا فيكون مستأمنًا, ولا يقتل المسلم بالمستأمن بالاتفاق فكأنه منسوخ إن ثبت؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال عام الفتح: "لا يقتل مؤمن بكافر" وعلى أنه روي عن صالح بن محمَّد الحافظ أن حديث ابن البيلماني حديث منكر، وعن أبي الحسن الدارقطني أن ابن البيلماني ضعيف لا تقوم به حجة إذا وصل فكيف بمرسله؟! ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (1/ ترجمة 1445)، و"الجرح والتعديل" (2/ ترجمة 1090)، و"التهذيب" (2/ ترجمة 135). (¬2) هو مجهول كما في "تعجيل المنفعة" (1/ ترجمة 205). (¬3) انظر "الجرح والتعديل" (6/ ترجمة 1743)، و"التهذيب" (20/ ترجمة 3983). (¬4) قلت: بل هو محمَّد بن يزيد الواسطي. انظر "التاريخ الكبير" (1/ ترجمة 831)، و"الجرح والتعديل" (8/ ترجمة 568)، و"التهذيب" (27/ ترجمة 5704).

وحديث أبي الجنوب ضعفه الشافعي فقال في "القديم" في حديث أبي جحيفة، عن علي -رضي الله عنه- ما دلكم أن عليًّا لا يروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - شيئًا فيقول بخلافه، يريد حديث أبي جحيفة عن علي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الصحيفة "أنه لا يقتل مسلم بكافر" وقال الدارقطني: أبو الجنوب ضعيف الحديث. وأما حديث ابن شاس، فقد قال الشافعي (¬1) لمن احتج به: هذا حديث من يجهل فإن كان غير ثابت فدع الاحتجاج به، وإن كان ثابتًا فقد زعمت أنه أراد قتله فمنعه أناس من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرجع لهم، فهذا عثمان -رضي الله عنه- وأناس من الصحابة مجمعون على أنه لا يقتل مسلم بكافر، فكيف خالفتهم وقد سبق من الحديث ما يدل على أنه لا يقتل مؤمن بكافر، وإليه ذهب عمر وعثمان وعلي أبو عبيدة وزيد بن ثابت -رضي الله عنهم-، وبه قال عطاء وعكرمة والحسن وعمر بن عبد العزيز ومالك والثوري وابن شبرمة والأوزاعي وأحمد. وأما أنه جعل ديته ألفًا فسنعود إليه. الأصل [1561] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مسلم، عن ابن أبي حسين، عن عطاء وطاوس ومجاهد والحسن؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في خطبته عام الفتح: "لا يقتل مسلم بكافر". قال: هذا مرسل؟ قلت: نعم (¬2). [1562] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن صدقة بن ¬

_ (¬1) "الأم" (7/ 323 - 324). (¬2) "المسند" ص (344).

يسار، قال: أرسلنا إلا سعيد بن المسيب نسأله عن دية المعاهد. قال: قضى فيه عثمان بن عفان بأربعة آلاف، قال: فقلنا: فمن قبله؟ قال: فحصبنا. قال الشافعي: هم الذين سألوه آخرًا (¬1). الشرح صدقة بن يسار حرمي، سكن مكة. روى عن: ابن عمر، وعن الزهري عن ابن عمر، وسمع: أبا جعفر، والقاسم. وروى عنه: مالك والثوري (¬2). وحديث عطاء ومن معه مرسل، ويروى موصولًا عن عمران بن الحصين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬3)، ورواه الشافعي في موضع آخر فقال: عن ابن أبي حسين، عن عطاء وطاوس، وأحسبه قال: مجاهد والحسن، وقد مرّ حديث أبي جحيفة عن علي فيه بإسناد الصحيح (¬4). وقول الشافعي: "هم الذين سألوه آخرًا" قيل: أراد أن ابن المسيب كان يقول بخلاف ذلك ثم رجع إليه ومنعهم بالحصب من أن يختلفوا فيه ويبحثوا عما سواه. ¬

_ (¬1) "المسند" ص (344). (¬2) انظر "التاريخ" (4/ ترجمة 2872)، و"الجرح والتعديل" (4/ ترجمة 1884)، و"التهذيب" (13/ ترجمة 2871). (¬3) رواه الدارقطني (3/ 173 رقم 170)، والبيهقي (8/ 29). وضعف إسناده الإِمام الشافعي كما في "الدراية" للحافظ (2/ 112). (¬4) سبق برقم (931) وقد رواه البخاري (111).

الأصل [1562] أبنا الربيع، أبنا الشافعي قال: فإن قال قائل: ما الخبر بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قضى بالجنين على العاقلة؟ قال: إنما [أخبرنا] (¬1) الثقة هو يحيى بن حسان عن الليث بن سعد، عن ابن شهاب، عن ابن المسيب، عن أبي هريرة. والله أعلم. الشرح قد سبق الحديث بتمامه في الكتاب بهذا الإسناد، وقد أكثر جامع "المسند" من الإعادة فإن نسي جميع ذلك فهو عجيب، وإن تعمده فهو أعجب. الأصل [1563] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا ابن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن طاوس، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "من قتل في عمية في رميا تكون بينهم بحجارة أو جلد بالسوط أو ضرب بعصا فهو خطأ عقله عقل الخطأ، ومن قتل عمدًا فهو قود يده فمن حال دونه فعليه لعنة الله وغضبه، لا يقبل منه صرف ولا [عدل] (¬2) " (¬3). [1564] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا ابن عيينة، عن علي بن زيد بن جدعان، عن القاسم بن ربيعة، عن عبد الله بن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ألا إن في قتيل العمد الخطأ بالسوط أو العصا مائة من الإبل ¬

_ (¬1) سقط من "الأصل". والمثبت من "المسند". (¬2) في "الأصل": يقبل. والمثبت من "المسند". (¬3) "المسند" ص (345).

مغلظة، منها أربعون خلفة في بطونها أولادها" (¬1). الشرح الحديث الأول مرسل، ورواه سليمان بن كثير عن عمرو بن دينار عن طاوس عن ابن عباس موصولًا، وأخرجه أبو داود في "السنن" (¬2). والحديث الثاني مرَّ مرة بما فيه (¬3). وقوله: "في عمية" هي فعيلة من العمى. والرميا: الترامي، يقال: كان بينهم رمّيّا فصاروا إلى حِجّيزى أي: تراموا ثم تحاجزوا، والمعنى أن يترمى القوم فيوجد بينهم قتيل لا يدرى من قتله ويعمى أمره، واختلفوا فيه: فعند الشافعي هو من صور القسامة إن ادعى الولي إلى رجل بعينه أو على جماعة وإلا فلا عقل ولا قود. وقال أبو حنيفة: ديته على عاقلة الذين وجد فيهم إذا لم يدّع الأولياء على غيرهم. وقوله: "فهو خطأ، عقله عقل الخطأ" قيل: أراد أنه شبه خطأ عقله عقله إذا ثبت القتل على واحد، وذلك عند قصد الضرب بما لا يقتل غالبًا، ويحتمل أن يريد الخطأ المحض وذلك إذا كان يرمي إلى غيره ¬

_ (¬1) "المسند" ص (345). (¬2) "سنن أبي داود" (4540). وكذا رواه النسائي (8/ 40)، وابن ماجه (2635). قال الصنعاني في "سبل السلام" (3/ 241): إسناده قوي. وصححه الألباني في "صحيح ابن ماجه". (¬3) سبق برقم (968).

فأصابه، وفيه أن من استحق عليه القصاص فلا يجوز أن يحال بينه وبين المستحق ويمنع من استيفاء حقه. وقوله: "لا يقبل منه صرف ولا عدل" قيل: توبة ولا فدية، وقيل: الصرف: النافلة، والعدل: الفريضة. الأصل [1565] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا ابن عيينة، عن منصور، عن إبراهيم، عن همام بن الحارث، عن عائشة قالت: كنت أفرك المني من ثوب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬1). [1566] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا يحيى بن حسان، عن حماد بن سلمة، عن حماد بن أبي سليمان، عن إبراهيم، عن علقمة والأسود، عن عائشة قالت: كنت أفرك المني من ثوب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم يصلي فيه (¬2). [1567] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن عمرو بن دينار وابن جريج، كلاهما يخبره عن عطاء (¬3)، عن ابن عباس أنه قال في المني [يصيب] (¬4) الثوب، قال: أمطه عنك. قال أحدهما: بعود أو إذخرة فإنما هو بمنزلة البصاق أو المخاط (¬5). [1568] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا الثقة، عن جرير بن عبد الحميد، عن منصور، عن مجاهد، أخبرني مصعب بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه أنه كان إذا أصاب ثوبه المنيُّ إذا كان رطبًا مسحه، وإن ¬

_ (¬1) "المسند" ص (345). (¬2) "المسند" ص (345). (¬3) زاد في "الأصل": و. وليست في "المسند" وكذا "الأم". (¬4) في "الأصل": يصيبه. والمثبت من "المسند". (¬5) "المسند" ص (345).

كان يابسًا حتّه ثم صلى فيه (¬1). الشرح حماد بن أبي سليمان مسلم أبو إسماعيل، مولى آل أبي موسى، يعدّ في الكوفيين. سمع: أنس بن مالك، وإبراهيم. وسمع منه: الثوري، وشعبة. مات سنة عشرين ومائة، وقيل: تسع عشرة (¬2). وجرير بن عبد الحميد: هو الضبي الرازي كوفي الأصل. سمع: منصورًا، والمغيرة. مات سنة سبع وثمانين ومائة، وقيل: سنة ثمان (¬3). ومصعب بن سعد، أبو زرارة القرشي الزهري. سمع: علي بن أبي طالب، وابن عمر. وروى عنه: عبد الملك بن عمير، وسماك بن حرب، وعاصم بن بهدلة (¬4). وأصل الحديث قد تقدم (¬5) من رواية الشافعي عن عمرو بن أبي سلمة عن الأوزاعي، وهو من رواية سفيان، وأخرجه مسلم (¬6) أيضًا من ¬

_ (¬1) "المسند" ص (345). (¬2) انظر "التاريخ الكبير" (3/ ترجمة 75)، و"الجرح والتعديل" (3/ ترجمة 642)، و"التهذيب" (7/ ترجمة 1483). (¬3) انظر التاريخ الكبير" (2/ ترجمة 2235)، و"الجرح والتعديل" (2/ ترجمة 2080)، و"التهذيب" (4/ ترجمة 918). (¬4) انظر "التاريخ الكبير" (7/ ترجمة 1514)، و"الجرح والتعديل" (8/ ترجمة 1403)، و"التهذيب" (28/ ترجمة 5982). (¬5) سبق برقم (79). (¬6) "صحيح مسلم" (288).

كتاب جراح الخطأ

رواية إبراهيم النخعي عن علقمة والأسود عن عائشة. وحديث عطاء عن ابن عباس الصحيح عند الأئمة فيه الوقف كما رواه الشافعي (¬1)، وروي عن شريك، عن ابن أبي ليلى، عن عطاء عن ابن عباس مرفوعًا، وعن محارب بن دثار عن عائشة؛ أنها كانت تحتّ المني من ثياب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو في الصلاة (¬2). الفصل [1569] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا إبراهيم، عن يحيى بن سعيد، عن سليمان بن يسار؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ذهب إلى بئر جمل لحاجة ثم أقبل، فسلم عليه رجل فلم يرد عليه حتى مسح يده بجدار ثم رد -عليه السلام- (¬3). الشرح هذا مرسل، والقصة مذكورة في أوائل الكتاب مسندة من رواية ابن عمر وابن الصمة (¬4). الأصل ومن كتاب جراح الخطأ [1570] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك بن أنس، عن عبد الله بن أبي بكر، عن أبيه أن في الكتاب الذي كتبه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعمرو بن حزم: في النفس مائة من الإبل (¬5). ¬

_ (¬1) قال البيهقي في "السنن" (2/ 418): هذا صحيح عن ابن عباس من قوله، وقد روي مرفوعًا ولا يصح رفعه. (¬2) رواه ابن خزيمة (290). (¬3) "المسند" ص (346). (¬4) سبق برقم (29، 30). (¬5) "المسند" ص (347).

الشرح

[1571] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مسلم بن خالد، عن ابن جريج عن عبد الله بن أبي بكر في الديات في كتاب النبي - صلى الله عليه وسلم - لعمرو بن حزم: وفي النفس مائة من الإبل. قال ابن جريج: فقلت لعبد الله بن أبي بكر: أفي شك أنتم من أنه كتاب النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: لا (¬1). [1572] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا ابن عيينة، عن ابن طاوس، عن أبيه، يعني بذلك (¬2). الشرح الكتاب المذكور قد وصفناه من قبل، ودية الحر المسلم مائة من الإبل بالاتفاق، ثم في العمد المحض تجب في مال القاتل حالة مغلظة، وفي شبه العمد تجب على العاقلة مؤجلة مغلظة، وفي الخطأ تجب على العاقلة مؤجلة مخففة، والتغليظ والتخفيف يرجعان إلى سن الإبل، فالمغلظة ثلاثون حقة وثلاثون جذعة وأربعون خلفة، روي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من قتل متعمدًا دفع إلى أولياء القتيل، فإن شاءوا قتلوه، وإن شاءوا أخذوا الدية وهي ثلاثون حقة وثلاثون جذعة وأربعون خلفة" (¬3). وعقل شبه العمد مثل عقل العمد، ويروى ذلك عن عمر وزيد بن ثابت وأبي موسى الأشعري والمغيرة بن شعبة، وبه قال عطاء ¬

_ (¬1) "المسند" ص (347). (¬2) "المسند" ص (347). (¬3) رواه الترمذي (1387)، وابن ماجه (2626). قال الترمذي: حسن غريب، وحسنه الألباني في "الإرواء" (7/ 259).

والشافعي، وقال ابن مسعود: الدية المغلظة خمس وعشرون بنت مخاض، وخمس وعشرون بنت لبون، وخمس وعشرون حقة، وخمس وعشرون جذعة. وبه قال سليمان بن يسار والزهري وربيعة وأبو حنيفة ومالك وأحمد. وأما المخففة فهي عشرون من بنات المخاض، ومثلها من بنات اللبون، ومن بني اللبون، ومن الحقاق، والجذاع. كذلك روي عن سليمان بن يسار والزهري وعمر بن عبد العزيز وربيعة، وبه قال مالك والشافعي. ومنهم من أبدل بني اللبون ببني المخاض يروى ذلك عن ابن مسعود، وبه قال أبو حنيفة وأحمد. وقال آخرون: الدية المخففة خمس وعشرون من بنات المخاض، ومثلها من بنات اللبون، ومن الحقاق، والجذاع. يروى ذلك عن علي، وبه قال الشعبي والنخعي والحسن البصري. الأصل [1573] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مسلم، عن عبيد الله بن عمر، عن أيوب بن موسى، عن ابن شهاب وعن مكحول وعطاء قالوا: أدركنا الناس على أن دية المسلم الحر على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مائة من الإبل، فقدم عمر بن الخطاب تلك الدية على أهل القرى ألف دينار أو اثني عشر ألف درهم، ودية الحرة المسلمة إذا كانت من أهل القرى خمسمائة دينار أو ستة آلاف درهم، فإذا كان الذي أصابها من الأعراب

فديتها خمسون من الإبل [ودية الأعرابية إذا أصابها الأعرابي خمسون من الإبل] (¬1) لا يكلف الأعرابي الذهب ولا الورق (¬2). الشرح الأصل في الدية الإبل، وذهب الشافعي في "القديم" أن الواجب عند الإعواز ألف دينار أو اثنا عشر ألف درهم كما قدر عمر -رضي الله عنه-، وقد روي عن عكرمة عن ابن عباس؛ أن رجلًا من بني عدي قتل، فجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - ديته اثني عشر ألفًا (¬3). وقال في الجديد: يجب عند الإعواز قيمتها بالغة ما بلغت، وأوّلَ حديث عمر على أن قيمة الإبل كانت في زمانه ألف دينار أو اثني عشر ألف درهم؛ يبينه أن أبا داود السجستاني (¬4) روى عن يحيى بن حكيم عن عبد الرحمن بن عثمان عن حسين المعلم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: كانت قيمة الدية على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثمانمائة دينار أو ثمانية آلاف درهم، وكان ذلك كذلك حتى استخلف عمر فقام خطيبًا فقال: إن الإبل قد غلت، قال: ففرضها عمر على أهل الذهب ألف دينار، وعلى أهل الورق اثني عشر ألف درهم، وعلى أهل البقر مائتي بقرة، وعلى أهل النساء ألفي شاة، وعلى أهل ¬

_ (¬1) سقط من "الأصل". والمثبت من "المسند". (¬2) "المسند" ص (348). (¬3) رواه أبو داود (4546)، والترمذي (1388)، والنسائي (8/ 44)، وابن ماجه (2629). قال النسائي: الصواب مرسلًا، وضعفه الألباني في "الإرواء" (2245). (¬4) "سنن أبي داود" (4542). وحسنه الألباني في "الإرواء" (2247).

الحلل مائتي حلة. وقال قائلون: ليست الإبل بأصل وإنما الواجب مائة من الإبل أو ألف دينار أو اثنا عشر ألف درهم، ويروى ذلك عن عروة بن الزبير والحسن البصري، وبه قال مالك وأحمد. وقال آخرون: الدية مائة من الإبل أو ألف دينار أو عشرة آلاف درهم، وبه قال سفيان وابن شبرمة وأبو حنيفة. وفي أثر عمر - رضي الله عنه - بيان أن دية المرأة على النصف من دية الرجل. وقوله: "لا يكلف الأعرابي الذهب والورق" كأن المعنى أنه ليس الحال حال الإعواز لوجدان الأعراب الإبل. الأصل [1574] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك بن أنس، عن ابن شهاب، عن ابن المسيب؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قضى في الجنين يقتل في بطن أمه بغرة عبد أو وليدة، فقال الذي قضي عليه: كيف أغرم ما لا شرب ولا أكل ولا نطق ولا استهل ومثل ذلك يطل؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إنما هذا من إخوان الكهان" (¬1). [1575] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن عمرو، عن طاوس؛ أن عمر بن الخطاب قال: أذكر الله امرءًا عمن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الجنين شيئًا. فقام حمل بن مالك بن النابغة فقال: كنت بين جاريتين لي فضربت إحداهما الأخرى بمسطح فألقت جنينًا ميتًا، فقضى فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ¬

_ (¬1) "المسند" ص (348).

بغرةٍ، فقال عمر: إن عندنا أن نقضي في مثل هذا برأينا (¬1). الشرح حديث مالك عن ابن شهاب مرسل قد ذكرناه مع الرواية الموصولة فيما تقدم من الكتاب، وأدرجنا في الشرح ما رواه الشافعي ها هنا عن سفيان، عن عمرو، عن طاوس، وأتينا بالمحتاج إليه هناك. الأصل [1576] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مسلم بن خالد، عن ابن جريج، عن عمرو بن شعيب قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقيم الإبل على أهل القرى أربعمائة دينار أو عدلها من الورق ويقيمها على أثمان الإبل، فإذا غلت رفع في قيمتها وإذ هانت نقص من ثمنها على أهل القرى الثمن ما كان (¬2). الشرح هذا منقطع، وربما روي عن عمرو بن شعيب، عن أبيه عن جده وفي هذِه الرواية "كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقوم الإبل" وفيها: "ويقسمها على أثمان الإبل" بدل "ويقيمها" وفي آخره: "وبلغت على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما بين أربعمائة دينار إلى ثمانمائة دينار" (¬3). وهذا يقوي القول الجديد: أن الواجب عند الإعواز قيمة الإبل كما كانت، وعن ابن جريج عن عمرو بن شعيب قال: قضى أبو بكر -رضي الله عنه- حين كثر المال وغلبت الإبل فأقام مائة من الإبل ستمائة دينار إلى ¬

_ (¬1) "المسند" ص (348). (¬2) "المسند" ص (348). (¬3) رواه أبو داود (4564)، والنسائي (8/ 42)، وابن ماجه (2630). وحسنه الألباني في "الإرواء" (2199).

ثمانمائة دينار (¬1). الأصل [1577] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك بن أنس، عن عبد الله بن أبي بكر، عن أبيه أن في الكتاب الذي كتبه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعمرو بن حزم: في الأنف إذا أوعى جدعًا مائة من الإبل، وفي المأمومة ثلث النفس، وفي الجائفة مثلها، وفي العين خمسون، وفي اليد خمسون، وفي الرجل خمسون، وفي كل إصبع مما هنالك عشر من الإبل، وفي السنن خمس، وفي الموضحة خمس (¬2). الشرح سبق طرف من الحديث، ورواه ابن وهب عن يونس بن يزيد، عن ابن شهاب قال: قرأت كتاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي كتبه لعمرو بن حزم حين بعثه إلى نجران، فذكرنا في رواية الكتاب مع زيادات. وقوله: " إذا أوعى" في بعض الروايات: "إذا أوعب" والمقصود جدع كله، وقد روي عن أبي بكر بن عبد الله بن عمر بن الخطاب عن أبيه عن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "في الأنف إذا استوعب جدعه الدية" (¬3). والمأمومة: هي الجراحة الواصلة إلى أم الدماغ، والجائفة: الواصلة إلى الجوف. وقوله: "ثلث النفس" أي: ثلث دية النفس، وروي عن عمرو بن ¬

_ (¬1) رواه عبد الرزاق (9/ 295). (¬2) "المسند" ص (348). (¬3) رواه البزار (261). وضعفه الحافظ في "التلخيص" (1707).

كتاب السبق والرمي والقسامة والكسوف

شعيب عن أبيه عن جده قال: قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المأمومة بثلث العقل ثلاث وثلاثين من الإبل، وثلث في الجائفة كمثل ذلك، وفي العين الواحدة خمسون من الإبل، وفي العينين تمام الدية. وفي حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى في اليد إذا قطعت بنصف العقل، وفي الرجل بنصف العقل (¬1). والله أعلم. الأصل ومن كتاب السبق والرمي والقسامة والكسوف [1578] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا ابن أبي فديك، عن ابن أبي ذئب، عن نافع، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا سبق إلا في نصل أو حافر أو خف" (¬2). [1579] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا ابن أبي فديك، عن ابن أبي ذئب، عن عباد بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا سبق إلا في حافر أو خف" (¬3). [1580] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن نافع، عن ابن عمر؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سبق بين الخيل التي أضمرت (¬4). الشرح نافع بن أبي نافع، مولى أبي أحمد. روى عن: أبي هريرة. ¬

_ (¬1) سبق تخريجه قريبًا. (¬2) "المسند" ص (349). (¬3) "المسند" ص (349). (¬4) "المسند" ص (349).

وروى عنه: ابن أبي ذئب (¬1). وعباد: هو ابن أبي صالح ذكوان السمان. سمع: أباه. وروى عنه: ابن جريج، وموسى الزمعي، وعمرو بن دينار. وضعفه علي بن المديني (¬2). والحديث الأول من رواية نافع بن أبي نافع رواه أبو داود الطيالسي وزيد بن الحباب كما رواه ابن أبي فديك (¬3). والحديث الثاني رواه البخاري في "الصحيح" (¬4) عن عبد الله بن يوسف، ومسلم (¬5) عن يحيى بن يحيى بروايتهما عن مالك، وتمامه: "سابق بالخيل التي لم تضمر من الثنية إلى مسجد بني زريق". والأثبت من الرواية: "لا سَبَق" وهو المال المشروط للسابق، ويروى: "لا سبق" بتسكين الباء و [هو] (¬6) مصدر سبق يسبق. واسم النصل يشمل السهام العربية والعجمية، ويقع الاسم على المزاريق والرايات أيضًا؛ ولذلك جوزنا المسابقة عليها في أظهر الوجهين وكذلك المسابقة على التردد بالسيوف والرماح. ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (8/ ترجمة 2260)، و"الجرح والتعديل" (8/ ترجمة 2074)، و"التهذيب" (29/ ترجمة 6370). (¬2) انظر "التاريخ الكبير" (6/ ترجمة 1617)، و"الجرح والتعديل" (6/ ترجمة 403)، و"التهذيب" (15/ ترجمة 3338). (¬3) والحديث رواه أبو داود (2574)، والترمذي (1700)، والنسائي (6/ 226)، وابن حبان (4690) من طريق ابن أبي ذئب عنه. الترمذي: حديث حسن. (¬4) صحيح البخاري (420). (¬5) "صحيح مسلم" (1870/ 75). (¬6) ليست في "الأصل". والسياق يقتضيها.

ويدخل في الحافر الحمار والبغل، والأرجح عند أكثر الأصحاب جواز المسابقة عليهما، ويدخل في الخف الفيل، وأصح الوجهين جواز المسابقة عليه. واحتج بالحديث على أنه لا يجوز المسابقة على الطيور وعلى الأقدام وعلى الطيارات .. (¬1). المصلحة في الأراضي المغنومة أن يجعلها وقفًا على المسلمين فيستطيب أنفس الغانمين ويجعلها وقفًا إلا أن لا ييسر له ذلك، روي عن نافع مولى ابن عمر أنه قال: أصاب الناس فتح بالشام فيهم بلال -وأظنه ذكر معاذ بن جبل- فكتبوا إلى عمر بن الخطاب أن هذا الفيء الذي أصبنا: لك خمسه ولنا ما بقي، ليس لأحد منه شيء كما صنع النبي - صلى الله عليه وسلم - بخيبر، فكتب عمر: إنه ليس على ما قلتم، ولكني أقفها للمسلمين، فراجعوه الكتاب وراجعهم يأبون ويأبى، فلما أبوا قام عمر فدعا عليهم فقال: اللهم اكفني بلالًا وأصحاب بلال، قال: فما جاء الحول عليهم حتى ماتوا جميعًا (¬2). وقوله: "إنه ليس على ما قلتم" لا يريد به إنكار ما احتجوا به من قسمة خيبر، فإن قسمتها ثابتة في الحديث وإنما أراد به أنه ليست المصلحة في قسمتها وإنما المصلحة في الوقف، وجعل يأبى قسمتها لما كان يرجو من تطييب قلوبهم، وجعلوا يأبون لحقهم فيها، فلما أبوا ما رأى فيه المصلحة دعا عليهم (¬3). ¬

_ (¬1) انتقل المخطوط إلى الصفحة التالية إلى شرح أحاديث "كتاب السير" وبذلك يكون سقط بعض كتاب السبق، وكتاب الكسوف، وكتاب الكفارات والنذور. فالله المستعان. (¬2) رواه البيهقي (9/ 138). (¬3) نقله المصنف بتمامه عن البيهقي في "السنن الكبير" (9/ 138).

الأصل [1581] أبنا الربيع، أبنا الشافعي قال: والذي يروى من حديث ابن عباس في إحلال ذبائحهم إنما هو من حديث عكرمة، أخبرنيه ابن الدراوردي وابن أبي يحيى، عن ثور الديلي، عن عكرمة، عن ابن عباس أنه سئل عن ذبائح نصارى العرب فقال قولًا حكيا هو إحلالها، وتلا: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} ولكن صاحبنا سكت عن اسم عكرمة. وثور لم يلق ابن عباس (¬1). [1582] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا الثقة سفيان أو عبد الوهاب أو هما، عن أيوب، عن محمَّد بن سيرين، عن عبيدة السلماني قال: قال علي بن أبي طالب: لا تأكلوا ذبائح نصارى بني تغلب؛ فإنهم لم يتمسكوا من نصرانيتهم أو من دينهم إلا بشرب الخمر. الشك من الشافعي (¬2). الشرح المنع من ذبائح نصارى العرب قد سبقت روايته عن عمر وعلي رضي الله عنهما. وأثر علي المعاد ها هنا هكذا رواه في كتابه على سير الواقدي. وقوله: "الشك من الشافعي" يمكن أن يريد في أنه أخبره سفيان أو الثقفي أو هما، ويمكن أن يريد في لفظ النصرانية والدين، وقد قدمنا ¬

_ (¬1) "المسند" ص (353). (¬2) "المسند" ص (353).

روايته في كتاب الصيد والذبائح عن الثقفي واللفظ لفظ الدين بلا شك (¬1)، ورواه في "كتاب تحريم الجمع" (¬2) عن الثقفي ولم يجاوز به عبيدة، وشك في تبليغه عليًّا وهو ثابت عن علي كما أجزم به في سائر المواضع. وعن ابن عباس أنه سئل عن ذبائح نصارى العرب فقال: لا بأس، وقرأ: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} (¬3)، أي: من انتقل من العرب إلى اليهودية والنصرانية فحكمهم حكمهم، وتكلم الشافعي على هذا الذي روي عن ابن عباس فقال بعدما رواه عن ابن الدراوردي وإبراهيم بن أبي يحيى بإسنادها: لكن صاحبنا سكت عن اسم عكرمة، يريد بالصاحب: مالكًا، ويقول أنه رواه عن ثور عن ابن عباس، وثور لم يلق ابن عباس، ويقال: أنه لم ير الاحتجاج بعكرمة فلذلك لم يذكر اسمه في "الموطأ"، وروى الأثر: ابن وهب عن مالك عن ثور عن عكرمة عن ابن عباس فسماه، وبتقدير الصحة فقول ابن عباس معارض بقول عمر وعلي. وقوله: "فقال قولًا حكيا هو إحلالها" أي: قولًا حكاه الراويان هو إحلالها، وفي بعض الروايات: "قولًا حكياه هو إحلالها". آخر الجزء ويتلوه الذي يليه ¬

_ (¬1) سبق برقم (1540). (¬2) رواه في "الأم" (5/ 7). (¬3) رواه مالك (2/ 489 رقم 1042).

الأصل أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان وعبد الوهاب، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن أبي المهلب، عن عمران بن حصين؛ أن قومًا أغاروا فأصابوا امرأة من الأنصار وناقة للنبي ... الحديث.

زوجًا فردها، إذا زنت أمة أحدكم، متلفعات بمروطهنّ، كان يجمع بين الظهر والعصر، صلاة الليل مثنى مثنى، رأيت النبي عليه الصلاة والسلام ساجدًا فرأيت بياض إبطه، تقصر الصلاة إلى عسفان، كان لا يسجد في "ص"، في الصلاة على الجنازة، لا وقت ولا عدد، أفرد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الحجّ، حجي واشترطي، أمر بإفراد الحج، ما أخرجك الساعة؟ قال: بكران من إبل الصدقة تخلفا، لبى على الصفا.

بسم الله الرحمن الرحيم الأصل [1583] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان وعبد الوهاب، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن أبي المهلب، عن عمران بن حصين؛ أن قومًا أغاروا فأصابوا امرأة من الأنصار وناقة للنبي، وكانت المرأة والناقة عندهم، ثم انفلتت المرأة فركبت الناقة فأتت المدينة فعرفت ناقة النبي - صلى الله عليه وسلم -. فقالت: إني نذرت لئن أنجاني الله عليها لأنحرنها، فمنعوها أن تنحرها حتى يذكروا ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم -. قال: "بئس ما جزيتها أن نجاك الله عليها أن تنحريها! لا نذر في معصية الله، ولا في ما لا يملك ابن آدم". وقالا معًا أو أحدهما في الحديث: وأخذ النبي -عليه السلام- ناقته (¬1). الشرح القول في الحديث ما أسلفناه (¬2). الأصل [1584] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا فضيل بن عياض، عن منصور، عن ثابت، عن سعيد بن المسيب [أن] (¬3) عمر بن الخطاب قضى في اليهودي والنصراني أربعة آلاف، وفي المجوسي بثمانمائة (¬4). ¬

_ (¬1) "المسند" ص (354). (¬2) سبق الحديث مختصرًا برقم (1536). (¬3) في "الأصل": عن. والمثبت من "المسند". (¬4) "المسند" ص (354).

[1585] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان بن عيينة، عن صدقة بن يسار قال: أرسلنا إلى سعيد بن المسيب نسأله عن دية اليهودي والنصراني فقال سعيد: قضى فيه عثمان بأربعة آلاف (¬1). الشرح فضيل: هو ابن عياض بن مسعود التميمي اليربوعي، ولد بسمرقند ونشأ بأبيورد وكتب الحديث بالكوفة وتحول إلى مكة وأقام بها إلى أن مات سنة سبع وثمانين ومائة يوم عاشوراء وقبره بها مشهر. سمع: منصور بن المعتمر، والأعمش، وهشام بن حسان. وروى عنه: القعنبي، وقتيبة، ويحيى بن يحيى، وأحمد بن عبدة، وغيرهم (¬2). وثابت: هو ابن هرمز أبو المقدام الحداد الكوفي مولى بكر بن وائل. سمع: سعيد بن المسيب، وسعيد بن جبير، وزيد بن وهب. وسمع منه: الثوري، وغيره (¬3). وأثر عمر رواه يحيى بن سعيد عن ابن المسيب، وأيضًا ابن أبي عروبة عن قتادة عن ابن المسيب. وأثر عثمان أقوم إسناد مما سبق [وقد سبق] (¬4)؛ أن ابن شاس قتل ¬

_ (¬1) "المسند" ص (354). (¬2) انظر "التاريخ الكبير" (7/ ترجمة 550)، و"الجرح والتعديل" (7/ ترجمة 416)، و"التهذيب" (23/ ترجمة 4763). (¬3) انظر "التاريخ الكبير" (2/ ترجمة 2094)، و"الجرح والتعديل" (2/ ترجمة 1854)، و"التهذيب" (4/ ترجمة 833). (¬4) ليست في "الأصل". السياق يقتضيها، وهو قد سبق في "المسند" برقم (1559).

كتاب جماع العلم

رجلًا من أنباط الشام فجعل عثمان ديته ألف دينار. ولأهل العلم في دية اليهودي والنصراني إذا كان ذميًّا أو معاهدًا ثلاثة مذاهب: أحدها: أنه كدية المسلم، يروى ذلك عن ابن مسعود، وبه قال الشعبي والنخعي ومجاهد والثوري وأبو حنيفة. والثاني: أنها نصف دية، وبه قال عروة وعمر بن عبد العزيز ومالك وابن شبرمة. والثالث: أنها ثلثها، وبه قال عمر وعثمان وابن المسيب والحسن وعكرمة والشافعي وإسحاق. وروي عن علي وابن مسعود في دية المجوسي مثل قول عمر، وعن سليمان بن يسار أن الناس كانوا يقضون في المجوس بثمانمائة درهم. الأصل ومن كتاب جماع العلم [1586] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا عبد العزيز بن محمَّد بن أبي عبيد الدراوردي، عن يزيد بن عبد الله بن الهاد [عن محمَّد (¬1) بن إبراهيم] عن بسر بن سعيد، عن أبي قيس مولى عمرو بن العاص، عن عمرو بن العاص أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إذا حكم الحاكم واجتهد فأصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر". قال يزيد بن الهاد: فحدثت هذا الحديث أبا بكر بن محمَّد بن عمرو ¬

_ (¬1) سقط من "الأصل". والمثبت من "المسند".

الشرح

بن حزم فقال: هكذا حدثني أبو سلمة عن أبي هريرة (¬1). الشرح الحديث من الطريق الأول والثاني قد مرَّ في الكتاب (¬2). الأصل ومن كتاب الجنائز والحدود [1587] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن أيوب السختياني، عن ابن سيرين، عن أم عطية أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لهن في غسل ابنته: اغسلنها ثلاثًا أو خمسًا أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك بماءٍ وسدرٍ، واجعلن في الآخرة كافورًا أو شيئًا من كافور (¬3). [1588] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا بعض أصحابنا، عن ابن جريج، عن أبي جعفر؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غسل ثلاثًا (¬4). [1589] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن جعفر بن محمَّد، عن أبيه؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غسل في قميص (¬5). ¬

_ (¬1) "المسند" ص (355). (¬2) هما في كتاب الرسالة وهو ساقط من "الشرح". والحديث رواه البخاري (7352)، ومسلم (1716/ 15) كلاهما من طريق يزيد بن عبد الله بن الهاد. وقال النووي في "شرح مسلم": قال العلماء: أجمع المسلمون على أن هذا الحديث في حاكم عالم أهل للحكم، فإن أصاب فله أجران: أجر باجتهاده وأجر بإصابته، وإن أخطأ فله أجر باجتهاده، وفي الحديث محذوف تقديره إذا أراد الحاكم فاجتهد، قالوا: فأما من ليس بأهل للحكم فلا يحل له الحكم، فإن حكم فلا أجر له بل هو عاصٍ في جميع أحكامه سواء وافق الصواب أم لا. (¬3) "المسند" ص (356). (¬4) "المسند" ص (356). (¬5) "المسند" ص (356).

الشرح

[1590] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا الثقة من أصحابنا، عن هشام بن حسان، عن حفصة بنت سيرين، عن أم عطية الأنصارية قالت: ضفرنا شعر بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ناصيتها وقرنيها ثلاثة قرون فألقيناها خلفها (¬1). الشرح أم عطية: هي نسيبة بنت كعب الأنصارية. سمعت: النبي - صلى الله عليه وسلم -. وروى عنها: محمَّد، وحفصة ولدا سيرين (¬2). وحفصة بنت سيرين أخت محمَّد بن سيرين. سمعت: أنس بن مالك. وروى عنها: عاصم الأحول، وأيوب، وخالدًا الحذاء، وهشام بن حسان (¬3). وحديث أم عطية أخرجه البخاري (¬4) عن إسماعيل بن عبد الله، ومسلم (¬5) عن قتيبة، بروايتهما عن مالك، وزاد: "فإذا فرغتن فآذنني قالت: فلما فرغنا آذناه فأعطانا حقوه، فقال: أشعرنها إياه -تعني إزاره". وحديث ابن جريج عن أبي جعفر مرسل، وكذلك حديث جعفر عن أبيه، ويروى ذلك عن محمَّد بن إسحاق عن يحيى بن عباد بن ¬

_ (¬1) "المسند" ص (356). (¬2) انظر "الإصابة" (8/ ترجمة 12167). قال الحافظ: وهي بنت الحارث، وقيل: بنت كعب، وأنكره أبو عمر؛ لأن نسيبة بنت كعب أم عمارة. (¬3) انظر "التهذيب" (35/ ترجمة 7815). (¬4) "صحيح البخاري" (1253). (¬5) "صحيح مسلم" (939/ 38).

عبد الله بن الزبير عن أبيه عن عائشة موصولًا (¬1)، ومن حديث ابن بريدة عن أبيه موصولًا (¬2). وحديث حفصة عن أم عطية أخرجه البخاري (¬3) عن مسدد عن يحيى بن سعيد، ومسلم (¬4) عن عمرو الناقد عن يزيد بن هارون، بروايتهما عن هشام بن حسان. والحقو: [معقد] (¬5) الإزار، وسمي الإزار حقوًا لأنه يشدّ عليه، والجمع حقى وأحق وأحقاء. وقوله: "أشعرنها إياه" أي: اجعلنه شعارًا لها، والشعار: الثوب الذي يلي الجسد. وفي الفصل بيان وظائف تتعلق بالغسل، منها: التثليث في الغسل. قال الشافعي (¬6): أقل ما يجزيء من غسل الميت الإنقاء، وأقل ما ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (3141)، وابن الجارود (517)، وابن حبان (6627 , 6628)، والحاكم (3/ 61). قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم، وحسنه الألباني في "الإرواء" (702) وقال: ابن إسحاق إنما أخرج له مسلم متابعة. (¬2) رواه ابن ماجه (1466)، والحاكم (1/ 505، 515) من طريق أبي معاوية، عن أبي بردة، عن علقمة بن مرثد، عن ابن بريدة، عنه. قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين. قال صاحب "مصباح الزجاجة" (526): إسناده ضعيف، لضعف أبي بردة واسمه عمرو بن يزيد التيمي، وقال: وقال الحاكم: أبو بردة هذا هو بريد بن عبد الله بن أبي بريدة محتج به في "الصحيحين" وقول الحاكم هنا غير صحيح. وقال الألباني في التعليق على ابن ماجه: حديث منكر. (¬3) "صحيح البخاري" (1462). (¬4) "صحيح مسلم" (939/ 41). (¬5) في "الأصل": مقعد. تحريف. (¬6) "الأم" (1/ 281).

أحب أن يغسل الثلاث، فإن لم يبلغ بإنقائه ما يريد الغاسل فخمس، فإن لم يبلغ فسبع. ومنها: أن يستعان بشيء من السدر وما في معناه من الأشنان وغيره، سيما إذا كان على يديه شيء من الدّرن، وذكر الأصحاب في الفقه أن ذلك يكون في الغسلة الأولى ثم يصب عليه الماء القراح (¬1)، وقوله: "إن رأيتن ذلك" يمكن أن يعلق بما قبله وأن يعلق بما بعده. ومنها: أن يُجعل في الآخرة كافور، وذكر الأصحاب أنه يجعل في كل غسلة شيء يسير من الكافور. ومنها: أن يغسل في قميص. ومنها: أن يضفر شعر المرأة ويجعل قرونًا. وبنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المقصودة في الحديث أم كلثوم، وفي اللفظ ما يشعر بأنه كان يغسلها عدد من النسوة. الفصل [1591] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كفن في ثلاثة أثواب بيضٍ سحولية ليس فيها قميص ولا عمامة (¬2). الشرح أخرج البخاري (¬3) الحديث عن إسماعيل بن أبي أويس عن مالك، ومسلم (¬4) من وجه آخر عن هشام. والسَّحولية: قيل: هي منسوبة إلى سحول قرية باليمن، وقيل: ¬

_ (¬1) الماء القراح: الذي لا يشوبه شيء. (¬2) "المسند" ص (356). (¬3) "صحيح البخاري" (1472). (¬4) "صحيح مسلم" (941/ 45).

سحولية أي: نقية تامة البياض. قال أبو عيسى الترمذي (¬1): قد روي في كفن النبي - صلى الله عليه وسلم - روايات مختلفة، وحديث عائشة هذا أصح الروايات. ويستحب التكفين في ثلاثة أثواب لفائف بيض من القطن، ويجوز الاقتصار على ثوب واحد يستر جميع البدن، ويستحب أن تكفن المرأة في خمسة أثواب إزار وخمار وثلاث لفائف، ومنهم من يبدل لفافة بقميص. الأصل [1592] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن نافع، عن ابن عمر؛ أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- غسّل وكفّن وصلي عليه (¬2). [1593] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا بعض أصحابنا، عن الليث بن سعد، عن ابن شهاب، عن عبد الرحمن [بن كعب] (¬3) بن مالك عن جابر بن عبد الله الأنصاري؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يصلِّ على قتلى أحد ولم يغسلهم (¬4). [1594] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا بعض أصحابنا، عن أسامة بن زيد، عن الزهري، عن أنس؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يصلِّ على قتلى أحد ولم يغسلهم (¬5). [1595] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن الزهري وثبته معمر، عن ابن أبي الصعير؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أشرف على قتلى أحدٍ، ¬

_ (¬1) "جامع الترمذي" بعد الحديث (997). (¬2) "المسند" ص (356). (¬3) من "المسند". (¬4) "المسند" ص (357). (¬5) "المسند" ص (357).

فقال: شهدت على هؤلاء فزملوهم بدمائهم وكلومهم (¬1). الشرح ابن أبي الصعير: هو ثعلبة، ويقال: هو ثعلبة بن صعير بن عمرو بن زيد بن سنان. روى عنه: الزهري. وحديث عبد الرحمن عن جابر أخرجه البخاري (¬2) عن عبد الله بن يوسف وعن قتيبة، عن الليث مع زيادات فقال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يجمع بين الرجلين من قتلى أحد في الثوب الواحد ويسأل: أيهما أكثر أخذًا للقرآن؟ فإذا أشير له إلى أحدهما قدمه في اللحد، وقال: "أنا أشهد على هؤلاء يوم القيامة" وأمر بدفنهم بدمائهم، ولم يصل عليهم ولم يغسلوا. وحديث أسامة حيث خالف الليث فرواه عن الزهري عن أنس تكلم فيه محمَّد بن إسماعيل البخاري، فقال أبو عيسى الترمذي في كتاب "العلل" (¬3): سألت محمدًا عن هذا الحديث -يعني: إسناده- فقال: حديث عبد الرحمن عن جابر حسن، وحديث أسامة غير محفوظ، غلط أسامة. وروى الحديث عبد الرحمن بن عبد العزيز الأنصاري عن الزهري عن عبد الرحمن بن كعب، عن أبيه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. وحديث ابن أبي صعير رواه الحسن بن محمَّد بن الصباح الزعفراني عن سفيان كما رواه الشافعي، وقال في آخره: قال سفيان بن ¬

_ (¬1) "المسند" ص (357). (¬2) "صحيح البخاري" (1343). (¬3) "علل الترمذي" (1/ 145 - 146).

عيينة: وثبتني في هذا الحديث معمر، ولهذا قال الشافعي: أبنا سفيان، عن الزهري وثبته معمر، ورواه محمَّد بن حماد الأبيوردي، عن عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، عن ابن أبي صعير، عن جابر، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - موصولًا (¬1). وقوله: "شهدت على هؤلاء" مثل قوله: "أشهد على هؤلاء يوم القيامة" كما تقدم، ومثل قوله تعالى: {وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا} والكلوم: الجراحات. واتفق العلماء على أن المقتول في معركة الكفار لا يغسل، وذهب أكثرهم إلى أنه لا يصلى عليه أيضًا كما دلّ عليه الحديث، وبه قال مالك والشافعي وأحمد. وقال آخرون: يصلى عليه؛ لما روي أنه - صلى الله عليه وسلم - صلى على حمزة (¬2). وأوله الأولون على الدعاء. ومن قتل ظلمًا في غير القتال يغسل ويصلى عليه وإن كان شهيدًا في الثواب كما فعل بعمر -رضي الله عنه-، وروي أن الحسن صلى على علي رضي الله عنهما. الأصل [1596] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا الثقة من أصحابنا، عن إسحاق بن يحيى بن طلحة، عن عمه عيسى بن طلحة قال: رأينا عثمان بن عفان يحمل بين عمودي سرير أمه، فلم يفارقه حتى وضعه (¬3). ¬

_ (¬1) رواه البيهقي (4/ 11). (¬2) جمع الحافظ طرق أحاديث الصلاة على حمزة وعلق عليها في "الدراية" (1/ 243 - 244) فراجعها منه. (¬3) "المسند" ص (357).

[1597] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا بعض أصحابنا، عن ابن جريج، عن يوسف بن ماهك؛ أنه رأى ابن عمر في جنازة رافع قائمًا بين قائمتي السرير (¬1). [1598] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا بعض أصحابنا، عن عبد الله بن ثابت، عن أبيه قال: رأيت أبا هريرة يحمل بين عمودي سرير سعد بن أبي وقاص (¬2). [1599] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا بعض أصحابنا، عن شرحبيل ابن أبي عون، عن أبيه قال: رأيت ابن الزبير يُحمل بين عمودي سرير المسور ابن مخرمة (¬3). الشرح عيسى: هو ابن طلحة بن عبيد الله التيمي القرشي. روى عن: أبيه، وعثمان، وسمع ابن عمر. وسمع منه: الزهري، وطلحة بن يحيى (¬4). وأم عثمان -رضي الله عنه-: هي أروى بنت كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس بن عبد مناف (¬5). ورافع: هو ابن خديج. والجنازة تحمل بطريقين: ¬

_ (¬1) "المسند" ص (357). (¬2) "المسند" ص (357). (¬3) "المسند" ص (357). (¬4) انظر "التاريخ الكبير" (6/ ترجمة 2719)، و"الجرح والتعديل" (6/ ترجمة 1550)، و"التهذيب" (22/ ترجمة 4631). (¬5) انظر "معرفة الصحابة" (6/ ترجمة 3790)، و"الإصابة" (7/ ترجمة 10787).

أحدهما: التربيع: وهو أن يتقدم رجلان ويتأخر رجلان ويأخذ كل منهم بطرف من أطرافها. والثاني: بالحمل بين العمودين، وهو أن يجعل رجل الخشبتين الشاخصتين المقدمتين على عاتقيه، ويجعل رأسه بينهما، ويحمل المؤخرة رجلان. ويستحب لمن حضر أن يحمل الجنازة من الجوانب الأربعة فيبدأ بياسرتها المقدم (¬1) فيضعها على عاتقه الأيمن ثم يأتي ياسرتها المؤخرة، ثم يأتي بيامنتها المقدمة فيضعها على عاتقه الأيسر، ثم يأتي يامنة المؤخرة؛ والظاهر عند الأصحاب أن العمل بين العمودين أولى من التربيع، روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حمل جنازة سعد بن معاذ بين العمودين (¬2). وعن سعد بن أبي وقاص أنه حمل سرير عبد الرحمن بن عوف بين العمودين. ويوافقه الآثار المذكورة. والله أعلم. الأصل [1600] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، قال: سمعت سعيد بن جبير يقول: سمعت ابن عباس يقول: كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فخرَّ رجل عن بعيره فوقص فات، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "اغسلوه بماءٍ وسدرٍ وكفنوه في ثوبيه، ولا تخمروا رأسه". قال سفيان: وزاد إبراهيم بن أبي حرة، عن سعيد بن جبير، عن ابن ¬

_ (¬1) كذا، والجادة: المقدمة. (¬2) قال الزيلعي (2/ 286): قال النووي في "الخلاصة": رواه الشافعي بإسناد ضعيف.

عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "وخمروا وجهه ولا تخمروا رأسه ولا تمسوه طيبًا، فإنه يبعث يوم القيامة ملبيًا" (¬1). [1601] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سعيد بن سالم، عن ابن جريج، عن ابن شهاب؛ أن عثمان بن عفان صنع نحو ذلك (¬2). الشرح إبراهيم بن أبي حرة رأى ابن عمر، وروى عن: سعيد بن جبير، ومصعب بن سعد. وروى عنه: منصور ومعمر بن راشد وابن عيينة، ويقال: كان أصله من نصّيبين، سكن مكة، وقد وثقه يحيى بن معين وأحمد بن حنبل (¬3). والحديث رواه مسلم في "الصحيح" (¬4) عن أبي بكر بن أبي شيبة عن سفيان، ورواه عن عمرو كما رواه سفيان بن عيينة: ابن جريج والثوري، وأخرجه مسلم (¬5) عن علي بن خشرم عن عيسى بن يونس، عن ابن جريج, وعن أبي كريب عن وكيع عن الثوري (¬6)، ولكن قال: "ولا تخمروا وجهه ولا رأسه"، ورواه حماد بن زيد عن عمرو قال: "وكفنوه في ثوبين، أو قال: في ثوبيه" وزاد: "ولا تحنطوه" (¬7) ولم يذكر الوجه. ¬

_ (¬1) "المسند" ص (357). (¬2) "المسند" ص (358). (¬3) انظر "التاريخ الكبير" (1/ ترجمة 906)، و"الجرح والتعديل" (2/ ترجمة 261)، و"تعجيل المنفعة" (1/ ترجمة 7). (¬4) "صحيح مسلم" (1206/ 93). (¬5) "صحيح مسلم" (1206/ 96). (¬6) "صحيح مسلم" (1206/ 98). (¬7) رواه البخاري (1265)، ومسلم (1206/ 94). قال النووي في "شرح مسلم": والحنوط بفتح الحاء، ويقال له الحِناط بكسر الحاء: وهو أخلاط من طيب تجمع للميت خاصة لا تستعمل في غيره.

ورواه أبو بشر عن سعيد بن جبير كما رواه ابن عيينة عن عمرو عنه أخرجه البخاري (¬1) عن يعقوب الدورقي، ومسلم (¬2) عن يحيى بن يحيى، بروايتهما عن هشيم عن أبي بشر، وقال مسلم: "فإنه يبعث يوم القيامة ملبّدًا". وقوله: "فوقص" أي: دقّ عنقه، يقال: وقصه وأوقصه، وهو كسر العنق، ومنه الأوقصُ للقصير العنق. وقوله: "كفنوه في ثوبيه ولا تخمروا رأسه" وروي: "ولا تحنطوه" ذكر فيه أنه استبقى للمحرم شعار الإحرام من كشف الرأس واجتناب الطيب تكرمة له كما استبقى للشهداء شعار الجهاد فلم يغسلوا ودفنوا بدمائهم، وظاهر النهي يدل على أن حكم الإحرام لا ينقطع بالموت، حتى لا يجوز تخمير رأسه ولا أن يقرب طيبًا، وبه قال الثوري والشافعي وأحمد. وقال مالك وأبو حنيفة: ينقطع ويفعل به ما يفعل بسائر الموتى. وقوله: "وخمروا وجهه ولا تخمروا رأسه" في رواية ابن أبي حرة يشعر بأن إحرام الرجل في رأسه دون وجهه، وذكرُ الوجه في رواية من رواه غريب. واستدل بالحديث على أن المحرم إذا مات لا يؤدى عنه بقية الحج؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يأمره به، وما روي أن عثمان صنع نحو ذلك فيشبه أن يكون المراد منه ما روي عن قتيبة عن الليث عن عقيل عن الزهري أن عبد الله بن عبد الله بن الوليد جدّ أيوب بن سلمة توفي بالسقيا في زمن عثمان بن عفان وهو محرم فلم يخمر رأسه (¬3). ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (1851). (¬2) "صحيح مسلم" (1206/ 99). (¬3) رواه البيهقي (3/ 393).

الأصل [1602] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نعى للناس النجاشي اليوم الذي مات فيه، وخرج بهم إلى المصلى فصف بهم وكبر أربع تكبيرات (¬1). الشرح سبق الحديث بإسناده ومتنه وشرحه وما فيه من الفقه (¬2). الأصل [1603] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن ابن شهاب، أن أبا أمامة بن سهل بن حنيف أخبره أن مسكينة مرضت، فأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - بمرضها -قال: وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعود المرضى ويسأل عنهم- فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " إذا ماتت فآذنوني بها" فخرج بجنازتها ليلًا، فكرهوا أن يوقظوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلما أصبح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخبر بالذي كان من شأنها. ¬

_ (¬1) "المسند" ص (358). (¬2) تقدم في "كتاب اختلاف مالك والشافعي" وهو ساقط من "الأصل". والحديث رواه البخاري (1245) عن عبد الله بن يوسف، ومسلم (951/ 62) عن يحيى بن يحيى، كلاهما عن مالك. وقال النووي في "شرح مسلم": فيه إثبات الصلاة على الميت، وأجمعوا على أنها فرض كفاية، والصحيح عند أصحابنا أن فرضها يسقط بصلاة رجل واحد، وقيل: يشترط اثنان، وقيل: يشترط ثلاثة، وقيل: أربعة. وفيه أن تكبيرات الجنازة أربع وهو مذهبنا ومذهب الجمهور، وفيه دليل للشافعي وموافقيه في الصلاة على الميت الغائب، وفيه معجزة ظاهرة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - لإعلامه بموت النجاشي وهو في الحبشة في اليوم الذي مات فيه، وفيه استحباب الإعلام بالميت لا على صورة نعي الجاهلية بل مجرد إعلام الصلاة عليه وتشييعه وقضاء حقه في ذلك. أ. هـ.

فقال: "ألم آمركم أن تؤذنوني بها؟ " فقالوا: يا رسول الله كرهنا أن نوقظك ليلًا، فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى صفّ بالناس على قبرها وكبَّر أربع تكبيرات (¬1). الشرح وهذا أيضًا قد مرَّ مختصرًا، وبينا هناك ما يتعلق به (¬2). الأصل [1604] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا إبراهيم بن محمَّد، عن عبد الله بن محمَّد بن عقيل، عن جابر بن عبد الله؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كبَّر على الميت أربعًا، وقرأ بأم القرآن بعد التكبيرة الأولى (¬3). [1605] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن طلحة بن عبد الله بن عوف قال: صليت خلف ابن عباس على جنازة فقرأ فاتحة الكتاب، فلما سلم سألته عن ذلك فقال: سنة وحق (¬4). [1606] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا ابن عيينة، عن محمَّد بن عجلان، عن سعيد بن أبي سعيد قال: سمعت ابن عباسر يجهر بفاتحة الكتاب على الجنازة ويقول؛ إنما فعلت ليعلموا أنها سنة (¬5). الشرح طلحة بن عبد الله بن عوف بن عبد عوف، أبو عبد الله الزهري ¬

_ (¬1) "المسند" ص (358). (¬2) سبق أيضًا في كتاب اختلاف مالك والشافعي، وهو ساقط من "الأصل". والحديث رواه النسائي (4/ 40)، وصححه الألباني. (¬3) "المسند" ص (358). (¬4) "المسند" ص (358). (¬5) "المسند" ص (359).

القرشي ابن أخي عبد الرحمن بن عوف، كان يقال له: طلحة الندى لكرمه. سمع: عبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر. وروى عنه: الزهري، وسعد بن إبراهيم. مات سنة تسع وتسعين (¬1). والذي رواه في الفصل عن ابن عباس أخرجه البخاري في "الصحيح" (¬2) من حديث الثوري وشعبة، عن سعد بن إبراهيم. وقوله: "سنة وحق" أي: طريقة متبعة. وفي الخبر والأثر ما يدل على أنه يقرأ في صلاة الجنازة بفاتحة الكتاب، وإليه ذهب ابن مسعود وابن عباس وعبد الله بن عمرو بن العاص وسهل بن حنيف، وتابعهم الشافعي وأحمد، وعن الشعبي والنخعي (¬3) أنه لا قراءة فيها، وإنما هي ثناء على الله تعالى وصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - ودعاء للميت فيه. قال الثوري وأبو حنيفة: ولا خلاف لهما تحرمًا وتحللًا، وأنه يشترط فيهما الطهارة. وقوله: "إنما فعلت ليعلموا أنها سنة" يدل على أنه يجوز ترك السنة لغرض تعليم الغير فإن الإسرار سنة. الأصل [1607] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مطرف بن مازن، عن ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (4/ ترجمة 3074)، و"الجرح والتعديل" (4/ ترجمة 2078)، و"التهذيب" (13/ ترجمة 2973). (¬2) "صحيح البخاري" (1335). (¬3) زاد في "الأصل": إلى. مقحمة.

معمر، عن الزهري قال: أخبرني أبو أمامة بن سهل أنه أخبره رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أن السنة في الصلاة على الجنازة أن يكبر الإِمام، ثم يقرأ بفاتحة الكتاب بعد التكبيرة الأولى سرًّا في نفسه، ثم يصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم -، ويخلص الدعاء للجنازة في التكبيرات لا يقرأ في شيء منهن، ثم يسلم سرًّا في نفسه (¬1). [1608] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبا مطرف بن مازن، عن معمر، عن الزهري قال: حدثني محمَّد الفهري، عن الضحاك بن قيس أنه قال مثل قول أبي أمامة (¬2). [1609] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا بعض أصحابنا، عن ليث بن سعد، عن الزهري، عن أبي أمامة قال: السنة أن يقرأ على الجنازة بفاتحة الكتاب (¬3). [1610] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا إبراهيم بن محمَّد، عن إسحاق بن عبد الله، عن موسى بن وردان، عن عبد الله بن عمرو بن العاص؛ أنه كان يقرأ بأم القرآن بعد التكبيرة الأولى على الجنازة (¬4). الشرح محمَّد: هو ابن سويد الفهري القرشي. سمع: الضحاك بن قيس. وروى عنه: الزهري (¬5). وموسى بن وردان مصري. ¬

_ (¬1) "المسند" ص (359). (¬2) "المسند" ص (359). (¬3) "المسند" ص (359). (¬4) "المسند" ص (359). (¬5) انظر "التاريخ الكبير" (1/ ترجمة 304)، و"الجرح والتعديل" (7/ ترجمة 1512)، و"التهذيب" (25/ ترجمة 5276).

سمع: أبا هريرة، وأبا سعيد، وروى عنه: عمارة بن غزية، والحسن بن ثوبان، وضمام بن إسماعيل المصريان (¬1). وحديث أبي أمامة رواه أيضًا الحجاج بن أبي منيع عن جده عبيد الله بن زياد الرصافي عن الزهري (¬2). وحديث الضحاك رواه ابن وهب عن يونس عن الزهري، وقال: فذكرت الذي أخبرني أبو أمامة من السنة في الصلاة على الميت لمحمد بن سويد فقال: وأنا سمعت الضحاك بن قيس يحدث عن حبيب بن مسلمة بمثل الذي حدث أبو أمامة (¬3). والرجل الذي روى عنه أبو أمامة يمكن أن يريد أباه؛ فقد حدث محمَّد بن إبراهيم عن أبي أمامة عن عبيد بن السباق قال: صلى بنا سهل بن حنيف على جنازة، فلما كبَّر التكبيرة الأولى قرأ بأم القرآن حتى أسمع من خلفه (¬4). وفيه أنه يقرأ الفاتحة سرًّا، وأنه يصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم -. وقوله: "ويخلص الدعاء للجنازة في التكبيرات لا يقرأ في شيء منهن". لا يمكن أن يريد نفي قراءة الفاتحة في التكبيرات الأربع، فإن ذلك يناقض أول الكلام، ويشبه أن يريد به أنه لا يقرأ سورة أخرى سوى الفاتحة، وقد روي في بعض الروايات؛ أن ابن عباس قرأ بفاتحة الكتاب وسورة. ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (7/ ترجمة 1268)، و"الجرح والتعديل" (8/ ترجمة 733)، و"التهذيب" (29/ ترجمة 6312). (¬2) رواه البيهقي (4/ 39). (¬3) رواه البيهقي (4/ 39). (¬4) رواه الدارقطني (2/ 73 رقم 10)، والبيهقي (4/ 39).

أو يريد أنه لا يقرأ الفاتحة في التكبيرات الثلاث لا كركعات سائر الصلوات، ويخلص فيها الدعاء للميت، والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - في الثانية مقدمة يتبرك بها الدعاء للميت وهي مستحبة في ابتداء الأدعية على الإطلاق. وقوله: "ثم يسلم سرًّا في نفسه" أي: تسليمًا خفيًّا لا يسمعه غيره، ويروى ذلك عن ابن عباس، وعن ابن عمر؛ أنه كان يسلم (¬1) حتى يسمع من يليه (¬2). الأصل [1611] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا محمَّد بن عمر -يعني: الواقدي- عن عبد الله بن عمر بن حفص، عن نافع، عن ابن عمر؛ أنه كان يرفع يديه كلما كبر على الجنازة (¬3). الشرح محمَّد بن عمر الواقدي مديني، كان قاضيًا ببغداد. روى عن: معمر، وغيره. وتركه أحمد وابن نمير على شهرته بالحافظ وسعة العلم، توفي سنة سبع ومائتين أو بعدها بقليل (¬4). وروى الأثر عن نافع: عبد الله بن عمر، وعن أنس بن مالك؛ أنه كان يرفع يديه كلما كبَّر على الجنازة، ويروى مثل ذلك ¬

_ (¬1) زاد في "الأصل": كان. سبق قلم. (¬2) رواه مالك (1/ 230 رقم 543). (¬3) "المسند" ص (359). (¬4) انظر "التاريخ الكبير" (1/ ترجمة 543)، و"الجرح والتعديل" (8/ ترجمة 92)، و"التهذيب" (26/ ترجمة 5501).

عن سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير وقيس بن أبي حازم وعطاء بن أبي رباح وعمر بن عبد العزيز والحسن وابن سيرين. قال الشافعي: وهو القياس على السنة في الصلاة، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - رفع يديه في كل تكبيرة كبرها في الصلاة وهو قائم (¬1). الأصل [1612] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن نافع، عن ابن عمر؛ أنه كان يسلم في الصلاة على الجنازة (¬2). الشرح عن علقمة والأسود عن عبد الله بن مسعود (¬3)، وعبد الله بن أبي أوفى (¬4) أنه يسلم تسليمتين ورفعا ذلك إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، وروي عن أبي هريرة مرفوعًا تسليمة واحدة (¬5)، ويروى ذلك عن علي وابن عمر وابن عباس وجابر. الأصل [1613] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مسلم بن خالد وغيره، عن ابن جريج، عن ابن شهاب، عن سالم، عن أبيه؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبا بكر ¬

_ (¬1) "الأم" (1/ 271). (¬2) "المسند" ص (360). (¬3) رواه البيهقي (4/ 43) من طريق حماد عن إبراهيم، عنهما، عن ابن مسعود. (¬4) رواه البيهقي (4/ 43) من طريق شريك، عن إبراهيم الهجري، عن ابن أبي أوفى. (¬5) رواه الدارقطني (2/ 72 رقم 1)، والحاكم (1/ 513)، والبيهقي (4/ 43) من طريق أبي العنبس عن أبيه عن أبي هريرة. قال الحاكم: وقد صحت الرواية فيه عن علي، وابن عمر، وابن عباس، وابن أبي أوفى، وجابر، وأبي هريرة؛ أنهم كانوا يسلمون على الجنازة تسليمة واحدة.

وعمر وعثمان كانوا يمشون أمام الجنازة (¬1). [1614] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن محمَّد بن المنكدر، عن ربيعة بن عبد الله بن الهدير أنه أخبره أنه رأى عمر بن الخطاب تقدم الناس أمام جنازة زينب بنت جحش (¬2). [1615] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا ابن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن عبيد مولى السائب قال: رأيت ابن عمر وعبيد بن عمير يمشيان أمام الجنازة، فتقدما فجلسا يتحدثان، فلما حاذت بهما قاما (¬3). الشرح ربيعة: هو ابن عبد الله بن الهدير التيمي القرشي عمّ محمَّد بن المنكدر. سمع: عمر بن الخطاب، وسمع منه: محمَّد بن المنكدر. وعن ابن أبي مليكة أن ربيعة كان من خيار الناس (¬4). وحديث سالم عن أبيه رواه جعفر بن عون عن ابن جريج كما رواه مسلم بن خالد، ورواه الشافعي عن ابن عيينة عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبا بكر وعمر كانوا يمشون أمام الجنازة (¬5). وليس فيه ذكر عثمان، وروى الحديث جماعة عن الزهري مرسلًا منهم: مالك. ¬

_ (¬1) "المسند" ص (360). (¬2) "المسند" ص (360). (¬3) "المسند" ص (360). (¬4) انظر "التاريخ الكبير" (3/ ترجمة 965)، و"الجرح والتعديل" (3/ ترجمة 2118)، و"التهذيب" (9/ ترجمة 1879). (¬5) وكذا رواه أبو داود (3179)، والترمذي (1007، 1008)، والنسائي (4/ 56)، وابن ماجه (1482)، وابن حبان (3045، 3046) من طريق سفيان بدون ذكر عثمان. وصححه الألباني في "الإرواء" (739) وفصّل فيه.

قال الشافعي في "القديم": أبنا مالك، عن ابن شهاب قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يمشي أمام الجنازة وعبد الله بن عمر والخلفاء هلم جرَّا. ومنهم من رواه عن الزهري عن سالم ثم أرسله فحكى فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه من قول سالم فروجع سفيان بن عيينة فيه، وقيل له: إن جماعة يرسلونه عن الزهري فثبت عن (¬1) الوصل، فقال: إن الزهري حدثنيه مرارًا لست أحصيه سمعته من فيه يعيده ويبديه عن سالم عن أبيه، ويؤيده الأثر عن عمر وابن عمر، ويروى مثله عن أبي بكرة والحسن بن علي وأبي قتادة و [أبي] (¬2) أسيد وأبي هريرة وابن الزبير -رضي الله عنهم-، وعن زياد بن قيس الأشعري قال: أتيت المدينة فرأيت أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من المهاجرين [والأنصار] (¬3) يمشون أمام الجنازة (¬4). وذهب قوم منهم الثوري والأوزاعي وأبو حنيفة إلى أن المشي خلفها أفضل، ويروى ذلك عن فعل علي -رضي الله عنه-، وهذا في الماشي؛ فأما الراكب فالمستحب له أن يسير خلفها بالاتفاق، ويكره الركوب إلا لعذر، ولا بأس بالركوب عند الانصراف. الأصل [1616] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مسلم بن خالد وغيره، عن ابن جريج، عن عمران بن موسى؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سل من قبل رأسه (¬5). ¬

_ (¬1) كذا والجادة: على. (¬2) في "الأصل": ابن. تحريف. وروى البيهقي من طريق ابن أبي ذئب عن صالح مولى التوءمة أنه رأى أبا هريرة وابن عمر وأبا أسيد الساعدي وأبا قتادة يمشون أمام الجنازة. (¬3) من "السنن الكبير". (¬4) رواه البيهقي (4/ 24). (¬5) "المسند" ص (360).

[1617] أبنا الربيع أبنا الشافعي، أبنا الثقة، عن عمر بن عطاء، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: سلّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من قبل رأسه (¬1). الشرح عمران بن موسى: يقال: أنه أخو أيوب بن موسى. سمع: عمر بن عبد العزيز، وروى عنه: ابن جريج، وغيره (¬2). وعمر ... (¬3) والمستحب أن توضع الجنازة عند رجل القبر ويسلُّ الميت من قبل رأسه، وروى أبو داود (¬4) بإسناده؛ أن الحارث أوصى أن يصلي عليه عبد الله بن يزيد، فصلى عليه ثم أدخله القبر من قبل رجل القبر وقال: هذا من السنة. وحكى الشافعي، عن أبي الزناد وربيعة وأبي النضر؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سلّ من قبل القبلة. وبه قال أبو حنيفة. قال العلماء: والأول هو المشهور عند أهل الحجاز (¬5). ¬

_ (¬1) "المسند" ص (360). (¬2) انظر "التاريخ الكبير" (6/ ترجمة 2856)، و"الجرح والتعديل" (6/ ترجمة 1696)، و"التهذيب" (22/ ترجمة 4507). (¬3) بياض بمقدار ثلاث كلمات، وعمر: هو ابن عطاء بن وراز ضعفه ابن معين وأبو زرعة، والحافظ في "التقريب". انظر "التاريخ الكبير" (6/ ترجمة 2106)، و"الجرح والتعديل" (6/ ترجمة 685)، و"التهذيب" (21/ ترجمة 4287). (¬4) "سنن أبي داود" (3211)، ورواه البيهقي (4/ 54) وقال: إسناده صحيح. وكذا صححه الألباني في "أحكام الجنائز" (150). (¬5) وهو قول البيهقي في "السنن" (4/ 54).

الأصل [1618] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا إبراهيم بن محمَّد، عن جعفر، عن أبيه؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رشّ على قبر إبراهيم ابنه ووضع عليه حصباء، والحصباء لا تثبت إلا على قبر مسطح (¬1). الشرح قال الشافعي (¬2): يسطح القبر ويرش عليه الماء وتوضع عليه حصباء، واستدل بوضع النبي - صلى الله عليه وسلم - الحصب على قبر ابنه على أن القبر كان مسطحًا، وعن القاسم بن محمَّد قال: رأيت قبور النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما مسطحة (¬3)، وعن سفيان التمار قال: رأيت قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - مسنمًا (¬4). وحملوا ذلك إذا صحت الرواية على أنه غير عما كان عليه قديمًا، وقد سقط جداره في زمان الوليد بن عبد الملك، وقيل: في زمان عمر بن عبد العزيز فأصلح، والاعتبار بالأول (¬5). قال الحافظ أبو بكر البيهقي (¬6): وقد استحب بعض أهل العلم من أهل الحديث التسنيم في هذا الزمان لكونه جائزًا بالإجماع، وأن التسطيح صار شعارًا لأهل البدع لئلا تطول الألسنة فيمن فعل ذلك بقبره وهو بريء عنه. ¬

_ (¬1) "المسند" ص (360). (¬2) "الأم" (1/ 282). (¬3) رواه أبو داود (3220)، والحاكم (1/ 524). قال الحاكم: صحيح الإسناد، وقال ابن الملقن في "الخلاصة" (948): إسناده صحيح. وضعفه الألباني في "أحكام الجنائز" (154 - 155). (¬4) رواه البخاري (1390). (¬5) نقل المصنف الكلام بتمامه عن البيهقي في "السنن" (4/ 3). (¬6) "السنن الكبير" (4/ 3).

الأصل [1619] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا إبراهيم بن محمَّد، عن عبد الله بن أبي بكر، عن الزهري، عن عروة بن الزبير، عن عائشة قالت: لو استقبلنا من أمرنا ما استدبرنا ما غسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا نساؤه (¬1). [1620] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا إبراهيم بن محمَّد، عن عمارة، عن أم محمَّد بنت محمَّد بن جعفر بن أبي طالب، عن جدتها أسماء بنت عميس؛ أن فاطمة بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أوصت أن تغسلها إذا ماتت هي وعلي، فغسلتها هي وعلي -رضي الله عنه- (¬2). الشرح عمارة: هو ابن المهاجر، يعد في أهل المدينة. روى [عن] (¬3) أبي بكر بن حزم وأم عون بن محمَّد. وروى عنه: عبد العزيز بن محمَّد، وعون بن محمَّد (¬4). وأم محمَّد من ولد جعفر بن أبي طالب. روت عن: جدتها أسماء أم محمَّد بن جعفر. وحديث عائشة (¬5) يبين أنه يجوز للزوجة غسل زوجها فإنها تلهفت ¬

_ (¬1) "المسند" ص (360). (¬2) "المسند" ص (361). (¬3) سقط من "الأصل". (¬4) انظر "التاريخ الكبير" (6/ ترجمة 3124)، و"الجرح والتعديل" (6/ ترجمة 2034). (¬5) رواه أبو داود (3141)، وابن ماجه (1464)، وابن الجارود (517)، والحاكم (3/ 61) من طريق محمَّد بن إسحاق، عن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه، عنها. قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم، وقال الحافظ في "التلخيص" (1643): إسناده صحيح. وحسنه الألباني في "الإرواء" (702) وعقب على الحاكم بأن ابن إسحاق لم يخرج له مسلم إلا متابعة.

عليه، ولا يتلهف إلا على ما يجوز، وروي أن أسماء بنت عميس غسلت زوجها أبا بكر وقد أوصى بذلك وأنها ضعفت عنه فاستعانت بعبد الرحمن (¬1). وحديث فاطمة رواه عن عمارة أيضًا عون بن محمَّد بن علي بن أبي طالب لكن قال: عن أم جعفر بن محمَّد بن علي، عن أسماء، وفيه دليل على أن للزوج أن يغسل زوجته، ويروى أن ابن مسعود غسل زوجته، وعن ابن عباس أنه قال: الرجل أحق بغسل امرأته (¬2). ويروى تجويزه عن علقمة وجابر بن زيد وأبي قلابة. وقال أبو حنيفة: ليس للزوج غسل زوجته. وفي القصة ما يشعر بأن الوصية بالغسل اعتبارًا، وأن من أوصي إليه يكون أولى من غيره. الأصل [1621] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا إبراهيم بن سعد بن إبراهيم، عن ابن شهاب؛ أن قبيصة بن ذؤيب كان يحدث أن رسول - صلى الله عليه وسلم - أغمض أبا سلمة (¬3). الشرح هذا مختصر، وقد أخرج مسلم في "الصحيح" (¬4) عن زهير، عن معاوية بن عمرو، عن أبي إسحاق الفزاري، عن خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن قبيصة بن ذؤيب، عن أم سلمة قالت: دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ¬

_ (¬1) قال ابن الملقن في "الخلاصة" (2142): رواه البيهقي بإسناد واهٍ. (¬2) رواه ابن أبي شيبة (2/ 456). (¬3) "المسند" ص (361). (¬4) "صحيح مسلم" (920/ 7).

على أبي سلمة وقد شق بصره فأغمضه ثم قال: "إن الرّوح إذا قبض تبعه البصر" فضجّ ناس من أهله، فقال: "لا تدعوا على أنفسكم إلا بخير فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون" ثم قال: "اللهم اغفر لأبي سلمة وارفع درجته في المهديين، واخلفه في عقبه في الغابرين، واغفر لنا وله يا رب العالمين، وأفسح له في قبره ونوِّر له فيه" فظاهر اللفظ يدل على أن الإغماض لا يختص بالمحارم والأقارب. الأصل [1622] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا إبراهيم بن محمَّد، عن جعفر بن محمَّد، عن أبيه؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حثا على الميت ثلاث حثيات بيديه جميعًا (¬1). الشرح قال الشافعي (¬2): يحثى من على شفير القبر ثلاث حثيات؛ لحديث جعفر عن أبيه، وروي في "المراسيل" (¬3) عن أبي المنذر؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى في قبر ثلاثًا، وروي من وجه ضعيف موصولًا، ويروى ذلك عن علي وابن عباس وأبي أمامة. الأصل [1623] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن (¬4) ربيعة بن أبي عبد الرحمن، عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ونهيتكم عن زيارة القبور فزوروها ولا تقولوا: هجرًا" (¬5). ¬

_ (¬1) "المسند" ص (361). (¬2) "الأم" (1/ 276). (¬3) رواه أبو داود في "مراسيله" (420). (¬4) زاد في "الأصل": أبي. سبق قلم. (¬5) "المسند" ص (361).

الشرح قال الأئمة: هذا مرسل؛ لم يدرك ربيعة أبا سعيد، وروي عن أبي سعيد موصولًا من وجه آخر، وذلك أن [ابن] (¬1) وهب حدث عن أسامة بن زيد، عن محمَّد بن يحيى بن حبان عن واسع بن حبان عن أبي سعيد قال: "كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإن فيها عبرة" (¬2)، وعن ابن جريج عن أيوب بن هانيء عن مسروق بن الأجدع عن ابن مسعود أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروا القبور فإنها تزهد في الدنيا وتذكر الآخرة" (¬3)، وعن عمرو بن عامر وعبد الوارث، عن أنس قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "كنت نهيتكم عن زيارة القبور ثم بدا لي، فزوروها فإنها ترق القلب وتدمع العين وتذكر الآخرة، فزوروا ولا تقولوا: هجرًا" (¬4). وروى مسلم في "الصحيح" (¬5) عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن محمَّد بن عبيد، عن يزيد بن كيسان، عن أبي حازم، عن أبي هريرة قال: زار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبر أمه فبكى وأبكا من حوله. فقال: "استأذنت ربي أن أستغفر لها فلم يأذن لي، واستأذنته في أن أزور قبرها فأذن لي، فزوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة". ¬

_ (¬1) سقط من "الأصل". (¬2) رواه الحاكم (1/ 530)، والبيهقي عنه من طريق ابن وهب. قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم. (¬3) رواه ابن ماجه (1571)، وابن حبان (981)، والحاكم (1/ 531). وضعفه الألباني في "ضعيف الجامع" (4279)، وقال في التعليق على ابن ماجه: صح دون جملة التزهيد. (¬4) رواه البيهقي (4/ 77). (¬5) "صحيح مسلم" (976/ 106) وعنده: "فإنها تذكر الموت".

وروى بإسناده (¬1) عن [ابن] (¬2) بريدة عن أبيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها". ومثل الشافعي الهجر المذكور في الحديث بأن يدعو عندها بالويل والثبور والنياحة ونحوها. الأصل [1624] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا القاسم بن عبد الله بن عمر، عن جعفر بن محمَّد، عن أبيه، عن جده قال: لما توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجاءت التعزية سمعوا قائلًا يقول: إن في الله عزاء من كل مصيبة وخلفًا من كل هالك ودركًا من كل ما فات، فبالله فثقوا وإياه (فارجوه) (¬3) فإن المصاب من حرم الثواب (¬4). الشرح القاسم بن عبد الله بن عمر العمري. روى عن: عبد الله بن محمَّد بن عقيل، قال البخاري: سكتوا عنه (¬5). وروي معنى الحديث من وجه آخر عن جعفر عن أبيه عن جابر، ومن وجه آخر عن أنس بن مالك. قال الحافظ البيهقي: وفي إسنادها ضعف (¬6). وبالجملة فتعزية أهل الميت مستحب، ومعناها حملهم على الصبر، وتسكينهم بالوعد بالأجر، وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "من ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (977/ 107). (¬2) في "الأصل": أبي. تحريف. (¬3) في "المسند": فارجوا. (¬4) "المسند" ص (361). (¬5) سبقت ترجمته. (¬6) "السنن الكبير" (4/ 60).

عزى أخاه المؤمن من مصيبته كساه الله تعالى حلل الكرامة يوم القيامة" (¬1) وعن علي بن عاصم، عن محمَّد بن سوقة، عن إبراهيم، عن الأسود، عن ابن مسعود قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من عزى مصابًا فله مثل أجره" (¬2). الأصل [1625] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان بن عيينة، عن جعفر بن محمَّد، عن أبيه، عن عبد الله بن جعفر قال: لما جاء نعي جعفر قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اجعلوا لآل جعفر طعامًا فإنه قد جاءهم أمر يشغلهم، أو ما يشغلهم" شك سفيان (¬3). الشرح وقع في الإسناد جعفر بن محمَّد، وإنما الذي يروي سفيان الحديث عنه: جعفر بن خالد بن سارة، كذلك رواه الحميدي وغيره عن سفيان (¬4). ¬

_ (¬1) رواه ابن ماجه (1601) من حديث عمرو بن حزم. وحسنه الألباني في "صحيح الجامع" (5752/ 1). (¬2) رواه الترمذي (1073)، وابن ماجه (1602)، والبيهقي (4/ 59). قال الترمذي: غريب لا نعرفه مرفوعًا إلا من حديث علي بن عاصم، وروى بعضهم عن محمَّد بن سوقة بهذا الإسناد مثله موقوفًا ولم يرفعه. وقال البيهقي: تفرد به علي بن عاصم وهو أحد ما أنكر عليه. وضعفه الألباني في "الإرواء" (765). (¬3) "المسند" ص (361). (¬4) قال البيهقي في "بيان خطأ من أخطأ على الشافعي" (1/ 198): هكذا وجد هذا الحديث في كتاب الأصم وهو خطأ، وقد رواه غيره عن الربيع عن الشافعي عن سفيان عن جعفر، بن خالد عن أبيه عن عبد الله بن جعفر وهو الصحيح. =

وجعفر بن خالد هذا مخزومي مكي. سمع: أباه. وروى عنه: ابن جريج، وابن عيينة (¬1). وأبوه: خالد بن سارة، ويقال: خالد بن عبيد الله بن سارة المخزومي. سمع: ابن عمر، وعبد الله بن جعفر، وكان صديقًا لعبد الله (¬2). ويقال: إن الشافعي روى الحديث على الصحة في غير رواية الأصم، فالوهم من غيره. واستحب الشافعي وغيره لهذا الحديث أن يوجه بطعام إلى الذين أوجعتهم المصيبة وشغلتهم. الأصل [1626] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا إبراهيم بن سعد بن إبراهيم، عن أبيه، عن [عمر] (¬3) بن أبي سلمة، أظنه عن أبيه، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه" (¬4). ¬

_ = قلت: رواه أبو داود (3132)، والترمذي (998)، وابن ماجه (1610)، والحاكم (1/ 527) جميعًا من طريق ابن عيينة عن جعفر بن خالد بن سارة، عن أبيه، عنه. قال الترمذي: حسن صحيح، وقال الحاكم: صحيح الإسناد. وحسنه الألباني في "صحيح الجامع" (1015). (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (2/ ترجمة 2153)، و"الجرح والتعديل" (2/ ترجمة 1946)، و"التهذيب" (5/ ترجمة 938). (¬2) انظر "التاريخ الكبير" (3/ ترجمة 526)، و"الجرح والتعديل" (3/ ترجمة 1508)، و"التهذيب" (8/ ترجمة 1615). (¬3) في "الأصل": عمرو. خطأ، والمثبت من "المسند". (¬4) "المسند" ص (361).

الشرح عمر بن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف الزهري. روى عن: أبيه. فروى عنه: سعد بن إبراهيم، وأبو عوانة، وهشيم، وموسى بن يعقوب (¬1). وروى الحديث الفضل بن دكين عن سفيان عن سعد بن إبراهيم عن عمر بن أبي سلمة عن أبيه من غير تردد، وكذلك رواه عن سعد: شعبة (¬2)، ورواه زكري ابن أبي زائدة عن سعد بن إبراهيم عن أبي سلمة عن أبي هريرة (¬3). واستحب لهذا الحديث أن يبتديء من يلي أمر مال الميت بقضاء ديونه بعد الفراغ من تجهيزه ودفنه. الأصل [1627] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن يحيى بن سعيد، عن واقد بن عمرو بن سعد بن معاذ، عن نافع بن جبير، عن ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (6/ ترجمة 2054)، و"الجرح والتعديل" (6/ ترجمة 635)، و"التهذيب" (21/ ترجمة 4247). (¬2) وكذلك رواه الترمذي (1079)، وابن ماجه (2413) من طريق سعد بن إبراهيم. ورواه ابن حبان (3061) من طريق معمر عن الزهري عن أبي سلمة عنه. قال الترمذي: حسن. وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (6779). (¬3) رواه الترمذي (1078) من طريقه، ثم رواه من الطريق السابق وقال: هو أصح من الأول (أي: من حديث زكريا بن أبي زائدة). وقد تابع زكريا عليه: صالح بن كيسان، رواه الحاكم (2/ 32) وقال: صحيح على شرط الشيخين.

مسعود بن الحكم، عن علي بن أبي طالب؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقوم في الجنازة ثم جلس بعد ذلك (¬1). [1628] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا إبراهيم بن محمَّد، عن محمَّد بن عمرو بن علقمة بهذا الإسناد أو شبيه بهذا فقال: قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأمرنا بالقيام، ثم جلس وأمرنا بالجلوس (¬2). الشرح الحديث مودع في "الموطأ" (¬3)، ورواه مسلم (¬4) عن محمَّد بن رمح عن الليث، عن يحيى بن سعيد، ورواه قتيبة عن الليث وقال: واقد بن عبد الله بن سعد، وقد سبق ذلك في "الكتاب" (¬5) مع حديث سفيان عن الزهري عن سالم عن أبيه عن عامر بن ربيعة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا رأيتم الجنازة فقوموا لها حتى تخلفكم أو توضع". وروى البخاري (¬6) عن مسلم بن إبراهيم، ومسلم (¬7) عن علي بن حجر عن إسماعيل بن علية، بروايتهما عن هشام الدستوائي، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي سعيد، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا رأيتم الجنازة فقوموا". وقد تكلمنا هناك فيه وفي حديث علي -رضي الله عنه-. وقوله: "عن محمَّد بن عمرو بن علقمة بهذا الإسناد" يريد أن محمدًا رواه عن واقد بن عمرو أيضًا بإسناده. ¬

_ (¬1) "المسند" ص (362). (¬2) "المسند" ص (362). (¬3) "الموطأ" (1/ 232 رقم 551). (¬4) "صحيح مسلم" (962/ 82). (¬5) سبقا برقم (793، 794). (¬6) "صحيح البخاري" (1310). (¬7) "صحيح مسلم" (959/ 77).

الأصل [1629] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن عبد الله بن عبد الله بن جابر بن عتيك، عن عتيك بن الحارث بن عتيك، أخبره عن عبد الله بن عتيك؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جاء يعود عبد الله بن ثابت فوجده قد غلب، فصاح فلم يجبه، فاسترجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال: "غلبنا عليك يا أبا الربيع" فصاح النسوة وبكين، فجعل ابن عتيك يسكتهن. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "دعهن فإذا وجب فلا تبكين باكية". قال: وما الوجوب يا رسول الله؟ قال: "إذا مات" (¬1). الشرح عبد الله بن عبد الله بن جابر بن عتيك الأنصاري. روى عن: أبيه، وسمع: ابن عمر، وأنس بن مالك. ومنهم من يجعل اسم جده: جبر بن عتيك، وهو من بني معاوية (¬2). وعتيك بن الحارث بن عتيك بن قيس المعاوي الأنصاري جد عبد الله بن جابر بن عتيك أبو أمه (¬3). ¬

_ (¬1) "المسند" ص (362). والحديث رواه أبو داود (3111)، والنسائي (4/ 13)، وابن حبان (3189، 3190)، والحاكم (1/ 503). قال الحاكم: صحيح الإسناد، وصححه ابن الملقن في "الخلاصة" (967)، والألباني في "أحكام الجنائز" (39 - 40). (¬2) انظر "التاريخ الكبير" (5/ ترجمة 374)، و"الجرح والتعديل" (5/ ترجمة 415)، والتهذيب" (15/ ترجمة 3362). (¬3) انظر "التاريخ الكبير" (7/ ترجمة 405)، و"الجرح والتعديل" (7/ ترجمة 229)، و"التهذيب" (19/ ترجمة 3790).

وعبد الله بن عتيك غلط وقع في "الكتاب"، والصحيح (¬1) جابر بن عتيك (¬2)، ويقال: جبر بن عتيك وهو معاوي أنصاري. سمع: النبي - صلى الله عليه وسلم -. وروى عنه: ابناه عبد الله وأبو سفيان، وعتيك بن الحارث بن عتيك. وعدَّه محمَّد بن إسحاق فيمن شهد بدرًا. وعبد الله بن ثابت أبو الربيع الظفري أنصاري (¬3). وليس (¬4) المقصود من الحديث المنع من البكاء بعد الموت على الإطلاق؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - نعى جعفرًا وزيدًا وابن رواحة قبل أن يجيء خبرهم وعيناه تذرفان (¬5)، وزار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبر أمه فبكى وأبكى من حوله (¬6). وعن أبي هريرة؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مر عليه بجنازة ونساء يبكين عليها فزبرهن عمر -رضي الله عنه- وانتهرهن، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: "دعهن يا عمر فإن العين دامعة والنفس مصابة والعهد حديث" (¬7). ولكن خبر ابن عتيك محمول على كراهية اجتماعهن بعد الموت للبكاء، فإن ذلك يجدد الحزن ويكلف المؤن. ¬

_ (¬1) وهو على الصواب في "مطبوع المسند". وانظر "بيان خطأ من أخطأ على الشافعي" (1/ 200). (¬2) انظر "الإصابة" (1/ ترجمة 1031). (¬3) انظر "الإصابة" (4/ ترجمة 4575). (¬4) زاد في "الأصل": و. مقحمة. (¬5) رواه البخاري (3431) من حديث أنس بن مالك، وليس فيه ابن رواحة. (¬6) رواه مسلم (976/ 106) من حديث أبي هريرة. (¬7) رواه النسائي (4/ 19)، وابن ماجه (1587)، وابن حبان (3157)، والحاكم (1/ 537)، والبيهقي (4/ 70) واللفظ له، من طرق عنه. قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين. وضعفه الألباني في "ضعيف الجامع" (2987).

الأصل [1630] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن عمرو بن دينار، عن الحسن بن محمَّد بن علي؛ أن فاطمة بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حدَّت جارية لها زنت (¬1). الشرح هذا مما يدل على أن السيد يقيم الحدّ على مملوكه، وعلى أن المرأة في ذلك كالرجل، وهو أظهر الوجهين للأصحاب، وقد صح أن رجلًا أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: إن جاريتي زنت، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - "اجلدها" (¬2)، وروي أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: "أقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم" (¬3). قال الشافعي (¬4): وكان الأنصار ومن بعدهم يحدون إماءهم، وابن مسعود يأمر به، وأبو برزة حدَّ وليدته. واستشهد بضرب الرجل امرأته عند النشوز، وقال (¬5): إذا أباحه فيما ليس بحدٍّ مقدر ففي المحدود المقدَّر أولًا. وعن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: أدركت بقايا الأنصار ¬

_ (¬1) "المسند" (362). (¬2) رواه البخاري (2555)، ومسلم (1704/ 33) من حديث أبي هريرة، وزيد بن خالد بأتم من ذلك. (¬3) رواه أبو داود (4473)، والنسائي في "الكبرى" (7239)، ضمن حديث لعلي بن أبي طالب. وضعفه الألباني في "ضعيف الجامع" (1084). (¬4) "الأم" (6/ 135). (¬5) "الأم" (6/ 135).

ويضربون الوليدة من ولائدهم إذا زنت (¬1). الأصل [1631] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن يحيى بن سعيد وأبي الزناد كلاهما، عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف أن رجلًا، قال أحدهما: أحبن. وقال الآخر: مقعد كان عند جوار سعد، فأصاب امرأة حبل فرمته به فسئل فاعترف به، فأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - به- قال أحدهما: فجلد بأثكال النخل، وقال الآخر: بأثكول النخل (¬2). الشرح هذا مرسل، ويروى موصولًا بذكر أبي سعيد فيه (¬3)، وقيل: عن أبي الزناد عن أبي أمامة عن أبيه (¬4)، وروى يعقوب بن عبد الله بن الأشج، عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن سعيد بن سعد بن عبادة قال: كان بين أبياتنا رجل مخدج ضعيف وجد على أمة من إمائهم يخبث بها، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "خذوا له عثكالًا فيه مائة شمراخ فاضربوه به ضربة" (¬5). والأحبن صاحب الاستسقاء، والمُخْدجُ: ناقص الخلق. وقوله: "يخبث بها" أي: يزني. ¬

_ (¬1) رواه البيهقي (8/ 245). (¬2) "المسند" ص (362). (¬3) رواه الطبراني في "الكبير" (5446)، والدارقطني (3/ 100 رقم 65). (¬4) رواه الدارقطني (3/ 100 رقم 67). (¬5) رواه النسائي في "الكبرى" (7309)، وابن ماجه (2574). وصححه الألباني في "الصحيحة" (6/ 1215).

والإِثكال، والأُثكول، والعثكال والعُثكول واحد، وأغصانه من شماريخ، واحدها: شمراخ. وبمقتضى الحديث أخذ الشافعي وغيره من أهل العلم، وقالوا: من به مرض لا يرجو زواله إذا وجب عليه الجلد يضرب بعثكال عليه مائة شمراخ بحيث تمسه الشماريخ كلها ويسقط عنه الحدّ، وذهب مالك وأبو حنيفة إلا أنه لا يضرب بالشماريخ، وإن كان المرجو بحيث يرجى زواله انتظر البرء. والله أعلم. الأصل [1632] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب؛ أن رجلًا بالشام وجد مع امرأته رجلًا فقتله أو قتلها، فكتب معاوية إلى أبي موسى الأشعري بأن يسأل له عن ذلك عليًّا -رضي الله عنه-، فسأله فقال علي: إن هذا ليس مما هو بأرض العراق، عزمت عليك لتخبرني، فأخبره فقال علي: أنا أبو حسن، إن لم يأت بأربعة شهداء فليعط برمته (¬1). الشرح قد مرَّ حديث سعد بن عبادة أنه قال: يا رسول الله، إن وجدت مع امرأتي رجلًا أمهله حتى آتي بأربعة شهداء؟ قال: "نعم" وذكرنا معه كلام علي هذا (¬2). وقوله: "أنا أبو حسن" يحتمل أن يشير به إلى أني أنا الذي أُسأل عن المعضلات، ويحتمل أن يشير به إلى ما تفرسه من حال الواقعة وأنها لم تكن بالعراق. ¬

_ (¬1) "المسند" ص (362). (¬2) سبق برقم (976).

الأصل [1633] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن أبي إدريس، عن عبادة بن الصامت قال: كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مجلس فقال: "بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئًا، فقرأ عليهم الآية، وقال: فمن وفى منكم فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك شيئًا فعوقب عليه فهو كفارة له، ومن أصاب من ذلك شيئًا فستره الله عليه فأمره [إلى] (¬1) الله إن شاء غفر له وإن شاء عذبه" (¬2). [1634] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا إبراهيم بن محمَّد، عن عبد العزيز بن عبد الله بن عبد الله بن عمر، عن محمَّد بن أبي بكر بن محمَّد بن عمرو بن حزم، عن عمرة بنت عبد الرحمن، عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "تجافوا لذوي الهيئات عن عثراتهم". قال محمَّد بن إدريس: سمعت من أهل العلم من يعرف هذا الحديث ويقول: يتجافى الرجل ذي الهيئة عن عثراته ما لم يكن حدًّا (¬3). الشرح عبد العزيز (¬4): هو ابن عبد الله بن عبد الله بن عمر بن الخطاب العدوي. ¬

_ (¬1) سقط من "الأصل". والمثبت من "المسند". (¬2) "المسند" ص (363). (¬3) "المسند" ص (363). (¬4) انظر "التاريخ الكبير" (6/ ترجمة 1529)، و"الجرح والتعديل" (5/ ترجمة 1801)، و"التهذيب" (18/ ترجمة 3456).

سمع: محمَّد بن أبي بكر بن عمرو بن حزم. وروى عنه: عبد العزيز الماجشون، وابن أبي ذئب، وابن المبارك. وحديث عبادة مخرج في "الصحيحين" (¬1) عن جماعة عن سفيان بن عيينة. وفيه أن الحدود كفارات، وقد روي عن أبي جحيفة عن علي -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من أصاب (¬2) ذنبًا في الدنيا فستره الله عليه وعفا عنه فالله أكرم من أن يعود في شيء قد عفا عنه" (¬3). وعن خزيمة بن ثابت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من أصاب ذنبًا فأقيم عليه حد ذلك الذنب فهو كفارته" (¬4)، والذي رواه عبد الرزاق عن معمر عن ابن أبي ذئب عن سعيد المقبري عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما أدري أذو القرنين كان نبيًّا أم لا؟ وما أدري الحدود كفارات لأهلها أم لا؟ " (¬5) فيحتمل أنه كان لا يدري ثم بين له أنها كفارات. ويروى عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أن عليًّا -رضي الله عنه- أقام على رجل ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (3892)، و"صحيح مسلم" (1709/ 41، 42). (¬2) زاد في "الأصل": في الدنيا. سبق قلم. (¬3) رواه الترمذي (2626)، وابن ماجه (2604). قال الترمذي: حسن غريب. وضعفه الألباني في "ضعيف الجامع" (5423). (¬4) رواه الدارقطني (3/ 214 رقم 398)، والبيهقي (8/ 328). وحسنه الحافظ في "الفتح" (12/ 84)، وكذا حسنه الألباني في "الصحيحة" (5/ 408). (¬5) رواه أبو داود (4674)، مختصرًا ليس فيه محل الشاهد، والحاكم (1/ 92، 2/ 17). قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين. وصححه الألباني في "الصحيحة" (2217).

حدًّا فجعل الناس يسبونه ويلعنونه فقال علي: أما عن ذنبه هذا فلا يسأل (¬1). وحديث عائشة رواه جماعة عن محمَّد بن أبي بكر بن عمرو بن حزم: "أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم" (¬2)، ورواه عبد الملك بن زيد عن محمَّد بن أبي بكر عن أبيه عن عمرة عن عائشة (¬3). قال الشافعي (¬4): وذوو الهيئات الذين تقال عثراتهم الذين ليسوا يعرفون بالشر فيزل أحدهم الزلة، قال: ويتجافى عن عثرتهم ما لم تكن حدًّا. وقد روي في بعض الروايات عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم إلا حدًّا من حدود الله" (¬5). وإذا ظهر ما يوجب الحدّ فلا يدعه الإِمام ولا ينبغي لأحد أن يشفع فيه، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأسامة بن زيد: "يا أسامة أتشفع في حدٍّ من حدود الله عَزَّ وَجَلَّ" (¬6) وليستر من أصاب ذنبًا بستر الله تعالى وليتب إلى الله، روي أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: "من أصاب منكم من هذِه القاذورات شيئًا ¬

_ (¬1) رواه البيهقي (8/ 329). (¬2) رواه أبو داود (4375)، والنسائي في "الكبرى" (7293)، وابن حبان (94) جميعًا من طرق عن محمَّد، عن عمرة، عنها. وعند أبي داود: "إلا في الحدود". قال ابن الملقن في "الخلاصة" (2466): قال ابن عدي: منكر الإسناد، وقال أبو زرعة: ضعيف، وقال العقيلي والمنذري: روي من أوجه ليس منها شيء يثبت. وصححه الألباني في "الصحيحة" (2/ 234). (¬3) رواه الدارقطني (3/ 207 رقم 370). (¬4) "الأم" (6/ 145). (¬5) هو في رواية عبد الملك بن زيد عن محمَّد بن أبي بكر المتقدمة. (¬6) رواه البخاري (3475)، ومسلم (1688).

فليستر بستر الله فإنه من يبد لنا صفحته نقم عليه كتاب الله" (¬1). ويستحب لغيره أن يستر عليه، قال - صلى الله عليه وسلم -: "من ستر على مسلم ستره الله يوم القيامة" (¬2)، وروي في قصة ماعز أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: "يا هزال لو سترته بثوبك كان خيرًا لك مما صنعت" (¬3)، وعن عقبة بن عامر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -[قال] (¬4) "من ستر عورة مؤمن فكأنما استحيا موءودة من قبرها" (¬5). الأصل [1635] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن أبي الرجال، عن أمه عمرة بنت عبد الرحمن؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم -[لعن] (¬6) المختفي والمختفية. قال محمَّد بن إدريس: وقد رويت أحاديث مرسلة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في العقوبات وتوقيتها تركناها لانقطاعها (¬7). الشرح هذا مرسل، ورواه يحيى بن صالح وأبو قتيبة، عن مالك، عن أبي الرجال، عن عمرة، عن عائشة موصولًا؛ والأصح المرسل. والمختفي: النباش، يقال: اختفى الشيء أي: أخرجه، وخفاه يخفيه: أظهره. ¬

_ (¬1) رواه مالك (2/ 825 رقم 1508) عن زيد بن أسلم مرسلًا. (¬2) رواه البخاري (2442)، ومسلم (2580/ 58) من حديث ابن عمر. (¬3) رواه أبو داود (4377) من حديث يزيد بن نعيم، عن أبيه. (¬4) سقط من "الأصل". (¬5) رواه أحمد (4/ 147)، والبيهقي (8/ 331). (¬6) سقط من "الأصل". والمثبت من "المسند". (¬7) "المسند" ص (363).

كتاب الحج من الأمالي

وعن عامر الشعبي أنه قال: يقطع أمواتنا كما يقطع في أحيائنا (¬1). الأصل من كتاب الحج من الأمالي [1636] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا أنس بن عياض، عن موسى بن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر -رضي الله عنه-؛ أنه أهلَّ من بيت المقدس (¬2). الشرح هذا الكتاب المنقول من "الإملاء" سمعه الربيع من الشافعي إملاءً فهو يقول في جميع ما فيه: حدثنا. وقد رأيت في بعض النسخ: "من كتاب الحج من الأمالي يقول في جميع ذلك: حدثنا". والإحرام مما [فوق] (¬3) الميقات جائز، وفي استحبابه مذهبان ذكرناهما فيما سبق من "كتاب الحج" بشواهدهما. قال الشافعي (¬4): وكيف يكره ما اختاره ابن عمر لنفسه مع أنه روى حديث المواقيت. الأصل [1637] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا عبد الوهاب الثقفي، عن أيوب بن أبي تميمة وخالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن ابن عباس أنه سمع رجلًا يقول: لبيك عن شبرمة. ¬

_ (¬1) رواه البيهقي (8/ 269). (¬2) "المسند" ص (364). (¬3) في "الأصل": فرق. والمثبت الصواب إن شاء الله. (¬4) "الأم" (7/ 254).

فقال: ويلك! وما شبرمة؟ فقال أحدهما: قال: أخي، وقال الآخر: فذكر قرابة. قال: أفحججت عن نفسك؟ فقال: لا. قال: فاجعل هذه عن نفسك، ثم احجج عن شبرمة (¬1). والله أعلم. الشرح تقدم الحديث في الكتاب من رواية عطاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلًا (¬2)، ومن رواية أيوب عن أبي قلابة عن ابن عباس موقوفًا عليه، وها هنا ضمَّ خالدًا إلى أيوب ورواه موقوفًا، والقول فيه ما سلف. الأصل [1652] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مسلم، عن ابن جريج، عن عطاء، عن صفوان بن يعلى بن أمية، عن أبيه؛ أن أعرابيًّا أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - وعليه: إما قال: قميص، وإما قال: جبة، وبه أثر صفرة. فقال: أحرمت وهذا عليَّ. فقال: "انزع" إما قال: "قميصك" وإما قال: "جبتك، واغسل هذه الصفرة عنك، وافعل في عمرتك ما تفعل في حجك" (¬3). الشرح الحديث مسوق في "الكتاب" من قبل أتم من هذا من رواية الشافعي عن سفيان عن عمرو بن دينار عن عطاء بن أبي رباح مع الكلام عليه (¬4). ¬

_ (¬1) "المسند" ص (364). (¬2) سبق برقم (498، 499). (¬3) "المسند" ص (364). (¬4) سبق برقم (565).

الأصل [1653] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا يحيى بن سليم، عن عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من خير ثيابكم البياض، فليلبسها أحياؤكم وكفنوا فيها موتاكم" (¬1). والله أعلم. الشرح روى الحديث يحيى بن يحيى عن بشر بن المفضل عن عبد الله بن عثمان بن خثيم بإسناده وقال: "البسوا من ثيابكم البياض فإنها من خير ثيابكم" (¬2). واستحب الشافعي أن يلبس الرجل للإحرام ثوبين أبيضين جديدين أو غسيلين، وفسر الثوبين في موضع آخر فقال (¬3): ويلبس الإزار والرداء. الأصل [1638] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن طاوس وعطاء أحدهما أو كليهما، عن ابن عباس؛ ¬

_ (¬1) "المسند" ص (364). (¬2) رواه البيهقي (5/ 33) من طريقه. وروى الحديث أبو داود (3878، 4061)، والترمذي (994)، وابن ماجه (1472، 3566)، وابن حبان (5423)، والحاكم (1/ 506) من طرق عن ابن خثيم. قال الترمذي: حسن صحيح، وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم. وصححه ابن القطان كما في "التلخيص" للحافظ (661). وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (1236). (¬3) "الأم" (2/ 219).

أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - احتجم وهو محرم (¬1). [1639] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا ابن أبي يحيى، عن أيوب بن أبي تميمة، عن عكرمة، عن ابن عباس؛ أنه دخل حمامًا وهو بالجحفة وهو محرم وقال: ما يعبأ الله بأوساخنا شيئًا (¬2). [1640] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن أيوب بن موسى، عن نافع، عن ابن عمر؛ أنه نظر في المرآة وهو محرم (¬3). [1641] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن محمَّد بن المنكدر، عن ربيعة بن عبد الله بن الهدير؛ أنه رأى عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يفرد بعيرًا له في طين بالسقيا وهو محرم (¬4). الشرح حديث الاحتجام مما تقدم بشرحه (¬5). وأما دخول الحمام فقد مرّ أنه لا بأس للمحرم بالاغتسال، ولا منع من إزالة الدرن بالحمام، ويروى؛ أن الزبير بن العوام توسخ في ظهره فحكّ وهو محرم (¬6). وأما النظر في المرآة فالمحرم غير ممنوع منه سواء نظر لحاجة أو لغير حاجة، وكان نظر ابن عمر لشكاةٍ بعينه. وأما الأثر الأخير فالتقدير نزع القردان من البهيمة وقد يكون ذلك باليدّ وقد يكون بالطين، ويهلك فيه، ولا بأس به فإن القُراد مؤذٍ أيضًا، فإن المحرم إنما يمنع مما يؤكل. ¬

_ (¬1) "المسند" ص (365). (¬2) "المسند" ص (365). (¬3) "المسند" ص (365). (¬4) "المسند" ص (365). (¬5) سبق في آخر كتاب اختلاف الحديث. (¬6) رواه البيهقي (5/ 64).

والسُّقيا: قرية جامعة من عمل الفُرع، وروي [أن] (¬1) ابن عباس قال لعكرمة: قم فقرد هذا البعير. فقال: إني محرم. قال: قم فانحره، فنحره، فقال له ابن عباس: كم تراك الآن قتلت من قراد ومن حلمة ومن حمنانة (¬2). حكى أبو عبيد عن الأصمعي أنه يقال للواحدة من القراد أصغر ما تكون قمقامة، فإذا كبرت فهي حمنانة، فإذا عظمت فهي حلمة (¬3). الأصل [1641] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن عمرو بن دينار، عن ابن أبي عمار قال: رأيت ابن عمر يرمي غرابًا بالبيداء وهو محرم (¬4). [1643] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا عبد الوهاب الثقفي، عن يحيى بن سعيد، عن عبد الله بن عياش بن ربيعة قال: صحبت عمر بن الخطاب في الحج فما رأيته مضطربًا فسطاطًا حتى رجع (¬5). الشرح ابن أبي عمار كأنه عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي عمار، وقد سبق له ذكر. وعبد الله بن عياش، أبو الحارث القرشي المخزومي. روى عن: عمر. ¬

_ (¬1) سقط من "الأصل". (¬2) رواه عبد الرزاق (8406)، والبيهقي (21215) واللفظ له. (¬3) انظر "لسان العرب" (12/ 147). (¬4) "المسند" ص (365). (¬5) "المسند" ص (365).

وروى عنه: نافع، والحارث بن عبد الله (¬1). والغراب من الفواسق كما تقدم يقتل في الحلّ والحرم، وروي عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يقتل المحرم الحية والعقرب ويرمي الغراب الأبقع" (¬2). وأما أثر عمر -رضي الله عنه- فالمقصود أن المحرم غير ممنوع من الاستظلال بما شاء، روي عن أم الحصين قالت: حججت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - حجة الوداع فرأيت أسامة وبلالًا أحدهما آخذ بخطام ناقته والآخر رافع ثوبه يستره من الحرّ حتى رمى جمرة العقبة (¬3). وعمر وإن لم يضرب فسطاطًا لكنه استظل بالكساء ونحوه. عن الشافعي (¬4) في بعض الروايات أنه قال بعد رواية الأثر: وأظنه قال في حديثه أو غيره: كان ينزل تحت الشجرة ويستظل بنطع أو بكساء والشيء. واستحب ابن عمر أن يكون المحرم ضاحيًا للشمس. الأصل [1644] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان بن عيينة، عن عبد الكريم الجزري، عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود، عن أبيه؛ أنه قضى ¬

_ (¬1) انظر "الإصابة" (4/ ترجمة 4880). (¬2) رواه أبو داود (1848)، والترمذي (838)، وابن ماجه (3089) بأتم منه، والبيهقي (5/ 210) واللفظ له. قال الترمذي: حسن. وضعفه الحافظ في "التلخيص" (1090)، وكذا الألباني في "الإرواء" (4/ 266). (¬3) رواه مسلم (1298/ 312). (¬4) حكاه عنه البيهقي في "سننه" (5/ 70).

في اليربوع بجفر أو جفرة (¬1). [1645] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن مطرف بن طريف، عن أبي السفر أن عثمان -رضي الله عنه- قضى في أم حبين بحلان من الغنم (¬2). الشرح أثر ابن مسعود يوافقه قضاء عمر -رضي الله عنه- في اليربوع وقد سبق (¬3). وأم حبين: دابة على خلقة الحرباء عظيمة البطن، وربما قيل: هي نوع من الضبّ. والحُلان والحلام: الجدي حين ينفصل من أمه، وقد يفسر بالحمل. وفيه ما يدل على أنه يجوز أكل أم حبين. الأصل [1646] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا إبراهيم بن أبي يحيى، عن عبد [الله] (¬4) بن أبي بكر؛ أن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تقدموا في عمرة القضية متقلدين السيوف وهم محرمون (¬5). الشرح يجوز للمحرم لبس المنطقة (¬6) وتقلد السيف، وفي "الصحيحين" (¬7) من حديث شعبة عن أبي إسحاق عن البراء قال: لما ¬

_ (¬1) "المسند" ص (365). (¬2) "المسند" ص (365). (¬3) سبق برقم (646). (¬4) سقط لفظ الجلالة من "الأصل" والمثبت من "المسند". (¬5) "المسند" ص (366). (¬6) هي ما يشدّ به الوسط. (¬7) "صحيح البخاري" (2698)، و"صحيح مسلم" (783/ 90).

صالح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مشركي قريش كتب بينهم كتاب الصلح، واشترطوا عليه أن يقيموا ثلاثًا ولا يدخلوا مكة بسلاح إلا حُلُّبان السلاح. قال أبو إسحاق: هو السيف بقرابه. وقد يقال: حُلْبان السلاح بإسكان اللام والتخفيف: وهو الوعاء كالجراب يحمل فيه السيف مغمودًا أو يطرح الراكب فيه سوطه ويعلقه من آخرة الرحل. وأرادوا أن لا يدخلوا بسلاح ظاهر دخول المحارب القاهر. وعمرة القضية وعمرة القضاء من القضاء بمعنى الأصل وهي التي تقاضوا وفصلوا الأمر عليها، والقضية: النازلة المقضي فيها، وجوَّز بعضهم أن تكون تسميتها بعمرة القضاء [.. (¬1) ..] عن التي صدَّ عنها، وإن لم يلزم الشرع في الصدّ قضاء. الأصل [1647] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا إبراهيم بن سعد بن إبراهيم، عن ابن شهاب، عن أبي بكر بن عبد الرحمن، عن مروان بن الحكم، عن عبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن من الشعر حكمة" (¬2). [1648] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا إبراهيم، عن هشام بن ¬

_ (¬1) كلمتان غير مقروءتين، فلعلهما تحرفا. وفي "الفتح" (7/ 500): واختلف في تسميتها عمرة القضاء: فقيل: المراد ما وقع من المقاضاة بين المسلمين والمشركين من الكتاب الذي كتب بينهم بالحديبية، وقال السهيلي: سميت عمرة القضاء؛ لأنه قاضى فيها قريشًا لا لأنها قضاء عن العمرة التي صدّ عنها؛ لأنها لم تكن فسدت حتى يجب قضاؤها بل كانت عمرة تامة. (¬2) "المسند" ص (366).

عروة، عن أبيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "الشعر كلام، حسنه كحسن الكلام وقبيحه كقبيحه" (¬1). [1649] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا عبد الرحمن بن الحسن بن القاسم الأزرقي، عن أبيه؛ أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- ركب راحلة له وهو محرم فتدلت، فجعلت تقدم يدًا وتؤخر أخرى. قال الربيع: أظنه قال عمر: كأن راكبها غصنٌ بمروحةٍ ... إذا تدلت به أو شاربٌ ثمل. ثم قال: الله أكبر الله أكبر (¬2). الشرح عبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث، قرشي حجازي. سمع: أبي بن كعب، وعمرو بن العاص، وعائشة. وروى عنه: سليمان بن يسار، ومروان بن الحكم (¬3). وعبد الرحمن بن الحسن بن القاسم الأزرقي مكي. روى عن: أبيه (¬4). والحديث الأول رواه الشافعي عن إبراهيم بن سعد مرسلًا، ورواه أبو داود (¬5) عن إبراهيم موصولًا، وكذلك رواه شعيب بن أبي حمزة عن الزهري موصولًا بذكر أبي بن كعب فيه، وأخرجه البخاري (¬6) عن أبي ¬

_ (¬1) "المسند" ص (366). (¬2) "المسند" ص (366). (¬3) انظر "التاريخ الكبير" (5/ ترجمة 816)، و"الجرح والتعديل" (5/ ترجمة 987)، و"التهذيب" (16/ ترجمة 3756). (¬4) انظر "تعجيل المنفعة" (1/ ترجمة 615). (¬5) "سنن أبي داود" (5010) من طريق يونس عن الزهري، وليس إبراهيم. (¬6) "صحيح البخاري" (6145).

اليمان عن شعيب. والحديث الثاني منقطع. قال الشافعي: وأحب للمحرم والحلال أن يشتغلا بذكر الله تعالى، ويكون كلامهما فيما تعود إليهما منفعته في دين أو دنيا, ولا يضيق على واحد منهما أن يتكلم بما لا يأثم به، والشعر وغير الشعر سواء في ذلك، ووصل بهذا الكلام أن في الشعر حكمة وأن حسنه كحسن الكلام وقبيحه كقبيحه، وأن عمر -رضي الله عنه- لما ركب راحلة سيئة تمثَّل بالبيت المعروف. والمروحة بفتح الميم: المفازة، والجمع: المراويح وهي المواضع التي تخترق فيها الرياح؛ والمروحة بكسر الميم: التي يتروح بها، والجمع: المراوح. تمثل بالبيت ثم عاد إلى الذكر. الأصل [1650] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن عمرو بن دينار، عن عطاء؛ أن غلامًا من قريش قتل حمامة من حمام (من) (¬1) مكة، فأمر ابن عباس أن يفدي عنه بشاة (¬2). الشرح يجب في الحمام شاة، وبه قال جماعة من الصحابة والتابعين ذكرنا بعضهم في كتاب المناسك قبل هذا، وروينا فيه قصة لعمر -رضي الله عنه- وأثرًا عن ابن عباس. وكل ما عبَّ (¬3) من الطائر عبًّا فهو معدود من الحمام، وعن ابن ¬

_ (¬1) ليست في "المسند". (¬2) "المسند" ص (366). (¬3) العبُّ: شرب الماء من غير مصٍّ.

أبي عروبة عن قتادة أنه قال: إن أصاب المحرم حمامة خارج الحرم فعليه شاة. الأصل [1651] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مسلم بن خالد، عن ابن جريج، عن أبي الزبير، عن جابر بن عبد الله وذكر حجة النبي - صلى الله عليه وسلم - وأمره إياهم بالإحلال، وأنه - صلى الله عليه وسلم - قال لهم: "إذا توجهتم إلى منى رائحين فأهلوا" (¬1). الشرح [.. (¬2) ..] الأصل [1652] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن أبي الزبير، عن جابر قال: نحرنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام الحديبية البدنة عن سبعة، والبقرة عن سبعة (¬3). الشرح وهذا مما تقدم أيضًا (¬4). ¬

_ (¬1) "المسند" ص (366). (¬2) يوجد بياض بمقدار سطرين، وحديث جابر هذا في حجة النبي - صلى الله عليه وسلم - قد سبق بعضه والكلام عليه في كتاب المناسك، وهو حديث طويل أخرجه مسلم مطولًا. (¬3) "المسند" ص (367). (¬4) تقدّم في كتاب اختلاف مالك والشافعي، وهو ساقط من "الأصل". والحديث رواه مسلم (1318/ 350). قال النووي في شرحه: وفيه دلالة لجواز الاشتراك في الهدي، وفي المسألة خلاف بين العلماء: فمذهب الشافعي جواز الاشتراك في الهدي سواء كان تطوعًا أو واجبًا، =

الأصل [1653] أبنا الربيع، أبنا الشافعي قال: وأبنا سفيان بن عيينة، عن ابن طاوس، عن أبيه، عن ابن عباس. وعن عمرو بن دينار، عن ابن عباس أنه قال: لا حصر إلا حصر العدو، وزاد أحدهما: ذهب الحصر الآن (¬1). الشرح مقصود الأثر أن الإحصار هو الذي يفيد جواز التحلل، فأما سائر الأعذار كالمرض وضياع النفقة وغيرهما فإنه لا يجوز التحلل، بل يقيم المعذور على إحرامه، فإذا فات الحج تحلل بعمل، وقد اندرج هذا في بعض فصول المناسك. وقوله: "ذهب الحصر الآن" أي: قوي الإِسلام وبطلت شوكة المشركين. الأصل [1654] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مسلم بن خالد وسعيد بن سالم، عن ابن جريج، عن عطاء، عن عبد الله بن عباس قال: أخبرني الفضل ابن عباس؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أردفه من جمع إلى منى فلم يزل يلبي ¬

_ = وسواء كانوا كلهم متقربين أو بعضهم يريد القربة وبعضهم يريد اللحم، ودليله هذا الحديث، وبهذا قال أحمد وجمهور العلماء. وقال داود وبعض المالكية: يجوز الاشتراك في هدي التطوع دون الواجب. وقال مالك: لا يجوز مطلقًا. وقال أبو حنيفة: يجوز إن كانوا كلهم متقربين وإلا فلا. (¬1) "المسند" ص (367).

حتى رمى الجمرة (¬1). [1655] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن ابن عباس في المعتمر يلبي حتى يستلم الركن (¬2). [1656] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مسلم وسعيد، عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس قال: يلبي المعتمر حتى يفتتح الطواف مستلمًا أو غير مستلم (¬3). الشرح حديث الفضل بن عباس رواه البخاري في "الصحيح" (¬4) عن الضحاك بن مخلد، ومسلم (¬5) عن إسحاق بن إبراهيم عن عيسى بن يونس، بروايتهما عن ابن جريج. والأثر الثاني عن ابن عباس مذكور في الكتاب مرّة. والمقصود أن الحاج لا يزال يلبي إلى رمي جمرة العقبة ثم يقطعها, لكن اختلفوا: فعند الشافعي وأبي حنيفة والثوري: يقطعها مع أول حصاة يرميها. وقال أحمد: يلبي إلى أن يتم رميها, ولفظ الحديث إلى هذا أقرب. وأما المعتمر فيقطع التلبية إذا افتتح الطواف؛ لأنه من أسباب التحلل على ما دل عليه أثر ابن عباس وبه قال الشافعي والثوري وأحمد. ¬

_ (¬1) "المسند" ص (367). (¬2) "المسند" ص (367). (¬3) "المسند" ص (367). (¬4) "صحيح البخاري" (1685). (¬5) "صحيح مسلم" (1281/ 267).

وقال بعضهم: إذا انتهى إلى بيوت مكة يقطع التلبية. وعن ابن عمر وابن الزبير أنه يقطعها إذا دخل الحرم. الأصل [1657] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن ابن أبي حسين، عن أبي علي الأزدي قال: سمعت ابن عمر يقول للحالق: يا غلام ابلغ العظم. وإذا قصر أخذ من جانبه الأيمن قبل جانبه الأيسر (¬1). [1658] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن عمرو بن دينار قال: أخبرني حجام؛ أنه قصر ابن عباس فقال: أبدأ بالشق الأيمن (¬2). الشرح أبو علي الأزدي (¬3). وقوله: "ابلغ العظم" الناتيء عند منقطع الصدغين، كذلك ذكره الشافعي. ¬

_ (¬1) "المسند" ص (367). وقال البيهقي في "بيان خطأ من أخطأ على الشافعي" (1/ 222): قوله: "وإذا قصر ... " هو من كلام الشافعي، وليس من كلام ابن عباس. (¬2) "المسند" ص (367). (¬3) كذا في "الأصل" ولم يعينه المصنف رحمه الله. وفي طبقته عبيد بن علي أبو علي الأزدي قال في "التقريب": مقبول، لكن ذكر العلماء أنه يروى عن: أبي ذر، ولم يذكروا أنه يروي عن ابن عمر. وكنت ظننته: علي الأزدي وأنه تحرف، وعلي الأزدي: هو ابن عبد الله البارقي يروي عن ابن عمر، من رجال التهذيب؛ لكن البيهقي روى الحديث في "سننه"، وكذا في "بيان خطأ من أخطأ على الشافعي" (1/ 222) من طريق الربيع عن الشافعي مثل رواية "المسند". فالله أعلم.

ومقصود الأثرين أنه يستحب في التقصير البداية بالشق الأيمن كما يستحب ذلك في الحلق، وقد روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يحب التيامن في الأمر كله (¬1). وفي "الصحيحين" (¬2) من رواية ابن سيرين عن أنس بن مالك، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتى منى فأتى الجمرة فرماها ثم أتى منزله بمنى ونحر ثم قال للحلاق: "خذ" وأشار إلى جانبه الأيمن ثم الأيسر، ثم جعل يعطيه الناس. وفي رواية: ناول الحلاق شقه الأيمن فحلقه، ثم دعا أبا طلحة الأنصاري فأعطاه إياه، ثم ناوله الشق الأيسر فقال: احلق، فحلقه فأعطاه أبا طلحة فقال: اقسمه بين الناس (¬3). واستحباب البداية في التقصير بالشق الأيمن يتضمن استحباب التقصير من الشقين، ويحكى عن لفظ الشافعي (¬4) أنه قال: وإذا قصر أخذ من جانبه الأيمن قبل جانبه الأيسر. الأصل [1659] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان بن عيينة، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد أن عليًّا -رضي الله عنه- قال: في كلِّ شهر عمرة (¬5). [1660] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان بن عيينة، عن صدقة بن يسار، عن القاسم بن محمد؛ أن عائشة رضي الله عنها اعتمرت ¬

_ (¬1) رواه البخاري (168)، ومسلم (268) من حديث عائشة. (¬2) "صحيح مسلم" (130/ 323) ولم أجده في البخاري. (¬3) رواها مسلم (1305/ 326) من حديثه. (¬4) وهو قول الشافعي في الأثر السالف، كما قال البيهقي في "بيان خطأ من أخطأ على الشافعي" (1/ 223)، فقال: إنه من قوله لا من قول ابن عباس. (¬5) "المسند" ص (367).

في سنة مرتين، أو قال: مرارًا. قال: قلت: أعاب ذلك عليها؟ قال: فقال القاسم: أم المؤمنين! فاستحييت (¬1). [1661] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا أنس بن عياض، عن موسى بن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر؛ أنه اعتمر في سنة مرتين، أو قال مرارًا (¬2). [1662] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، أنه سمع عمرو بن دينار يقول: أخبرني ابن أوس الثقفي قال: سمعت عبد الرحمن بن أبي بكر يقول: أمرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أعمر عائشة، فأعمرتها من التنعيم. قال هو أو غيره في الحديث: ليلة الحصبة (¬3). الشرح أثر علي وأثر [عائشة] (¬4) على إثره وأثر ابن عمر -رضي الله عنهم- مذكورة (¬5) في "الكتاب" مجموعة من قبل. وحديث عبد الرحمن مودع في "الصحيحين" وقد سبقت روايته في الكتاب (¬6)، وزاد ها هنا ذكر ليلة الحصبة وهي مذكورة في رواية جابر على ما حكيناها من قبل عن "صحيح مسلم". وفيها دلالة على أنه لا بأس بالعمرة في سنة واحدة مرتين ومرارًا، وعلى أنه لا بأس بالعمرة في أشهر الحج خلافًا لما كانوا يقولونه في ¬

_ (¬1) "المسند" ص (368). (¬2) "المسند" ص (368). (¬3) "المسند" ص (368). (¬4) تحرف في "الأصل". (¬5) سبقت في كتاب المناسك بأرقام (518، 520، 521). (¬6) سبق برقم (512).

الجاهلية، وعلى أنه يجوز العمرة والإحرام بها في جميع السنة، وفي "الصحيحين" (¬1) من رواية قتادة عن أنس؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اعتمر أربع عمر كلهن في ذي القعدة إلا التي مع حجته: عمرة من الحديبية في ذي القعدة، وعمرة من العام المقبل في ذي القعدة، وعمرة من الجعرانة حيث قسم غنائم في ذي القعدة، وعمرة مع حجته". وأيضًا (¬2) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لامرأة من الأنصار: "اعتمري في رمضان، فإن عمرة في رمضان تعدل حجة". وعن ابن المسيب؛ أن عائشة كانت تعتمر في آخر ذي الحجة من الجحفة، وتعتمر في رجب من المدينة وتهل من ذي الحليفة (¬3). وقد قدمنا ما يحتاج إلى معرفته في حديث عبد الرحمن بن أبي بكر وفي الآثار المذكورة قبله. وقوله: "أعاب ذلك عليها" الرواية في المرة التي سبقت: "أعاب ذلك عليها أحد" فيجوز أن يريد ها هنا مثله وحذف لفظ "الأحد"، ويجوز أن يريد: أصار ذلك عيبًا عليها، فإنَّ عاب متعدٍّ ولازم، يقال: عاب فلان فلانًا، وعاب المتاع أي: تعيب. الأصل [1663] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مسلم بن خالد، عن ابن جريج، عن محمَّد بن عباد بن جعفر قال: رأيت ابن عباس أتى الركن الأسود مسبدًا فقبله، ثم سجد عليه ثم قبله، ثم سجد عليه ثم قبله، ثم سجد عليه (¬4). ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (1778)، و"صحيح مسلم" (1253). (¬2) "صحيح البخاري" (1782)، و"صحيح مسلم" (1256). (¬3) رواه البيهقي (4/ 344). (¬4) "المسند" ص (368).

الشرح قد سبق الأثر على اختصار في الإسناد والمتن وذكرنا ما يتعلق به (¬1). الأصل [1664] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن نافع، عن ابن عمر قال: دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الكعبة هو وبلال وعثمان بن طلحة وأحسبه قال: وأسامة، فلما خرج سألت بلالًا: كيف صنع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: جعل عمودًا عن يمينه وعمودين عن يساره وثلاثة أعمدة وراءه ثم صلى، وكان البيت يومئذٍ على ستة أعمدة (¬2). الشرح قد مرَّ الحديث في أوائل الكتاب بهذا الإسناد، وجزم هناك بأن أسامة كان مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وها هنا قال: وأحسبه. وذكر هناك: "جعل عمودًا عن يساره وعمودًا عن يمينه"، وكذلك رواه البخاري (¬3) عن عبد الله بن يوسف وغيره عن مالك، وذكر ها هنا أنه جعل عمودًا عن يمينه وعمودين عن يساره وكذلك رواه مسلم (¬4) عن يحيى بن يحيى عن مالك، وروى البخاري (¬5) عن إسماعيل بن أبي أويس عن مالك وقال: "جعل عمودًا عن يساره وعمودين عن يمينه" وكأن الأمر اشتبه فيه على الرواة [...] (¬6) فيما تقدم أن الصحيح هذا ¬

_ (¬1) سبق برقم (595). (¬2) "المسند" ص (368). (¬3) "صحيح البخاري". (¬4) "صحيح مسلم" (1329/ 388). (¬5) "صحيح البخاري" (484). (¬6) كلمة غير مقروءة بالأصل.

الأخير، ويؤيده ما في "صحيح البخاري" (¬1) من رواية مجاهد عن ابن عمر أنه قال: "سألت بلالًا فقلت: صلى النبي - صلى الله عليه وسلم - في الكعبة؟ فقال: نعم، ركعتين بين الساريتين اللتين على اليسار إذا دخلت" واقتصر بعضهم على القدر المشترك، فروى البخاري في "الصحيح" (¬2) عن موسى بن إسماعيل عن جويرية عن نافع عن ابن عمر أنه قال: سألت بلالًا: أين صلى؟ فقال: بين العمودين المقدمين. وقد ذكرنا بعض فوائد الحديث من قبل، واحتج البخاري به على أنه لا بأس بالصلاة بين الساريتين وإن لم يكن في جماعة، وأشار به إلى أن الأولى للمفرد أن يصلي إلى السارية، فعن [عمر] (¬3) رضي الله عنهما أن رجلًا [كان] (¬4) يصلي بين أسطوانتين فأدناه إلى سارية فقال: صل إليها (¬5). ومع هذِه الأولوية فلا كراهية في الوقوف بينهما، وأما في الجماعة فالوقوف بين الساريتين كالصلاة إلى السارية، وفيه أنهم كانوا يبحثون عن أحوال النبي - صلى الله عليه وسلم - وأفعاله إذا لم يشهدوها، وأنهم كانوا يراجعون غيره فيها مع إمكان مراجعته. والأعمدة: الخشب التي يرفع بها السوق، واحدها: عماد ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (388). (¬2) "صحيح البخاري" (482). (¬3) في "الأصل": ابن عمر. خطأ، والمثبت من التخريج. (¬4) ليست في "الأصل". والسياق يقتضيها. (¬5) رواه ابن أبي شيبة (2/ 146) من طريق معاوية بن قرة، عن أبيه قال: "رآني عمر وأنا أصلي بين أسطوانتين فأخذ بقفائي فأدناني إلى سترة فقال: صل إليها". وعلقه البخاري (باب الصلاة إلى الأسطوانة) بصيغة الجزم.

وعمود، وتجمع على عمد وعمد أيضًا. الأصل [1665] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا ابن عيينة، عن سليمان الأحول وهو سليمان بن أبي مسلم خال ابن أبي نجيح وكان ثقة، عن طاوس، عن ابن عباس قال: كان الناس ينصرفون لكل وجه فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يصدرنّ أحدكم حتى يكون آخر عهده بالبيت" (¬1). الشرح الحديث أصل في طواف الوداع، وقد تقدم مرة في الكتاب (¬2) إلا أنه لم يذكر هناك حال سليمان الأحول وتوثيقه، وهو بهذِه منقولة عن "الإملاء" وقد أشرنا إليه هناك. الأصل [1666] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن عمرو بن دينار قال: أخبرني من رأى ابن عباس يأتي عرفة بسحر (¬3). الشرح يستحب للإمام أن يخطب بمكة في اليوم السابع من ذي الحجة ويأمر الناس بالخروج من الغد -وهو يوم التروية- إلى منى ويخبرهم بما بين أيديهم من المناسك، كذلك روي عن صنع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم يخرج بهم يوم التروية بعد صلاة الصبح إلى منى بحيث يوافون الظهر بمنى ويبيتون بها ليلة عرفة، وعن بعض الأصحاب قول: أنهم يوم ¬

_ (¬1) "المسند" ص (368). (¬2) سبق برقم (622). (¬3) "المسند" ص (369).

التروية يوجهوا إلى منى، وصلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمنى الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح (¬1)، وعن مالك عن نافع؛ أن ابن عمر كان يصلي الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح بمنى، ثم يغدو من منى إذا طلعت الشمس إلى عرفات (¬2). وليس المبيت بها ليلة عرفة بنسك مجبور بالدم، وإنما الغرض منه أن يستريحوا ويسيروا من الغد إلى عرفات بلا تعب، وكذا لا يلزم أن يقع المسير منها إلى عرفات بعد طلوع الشمس، بل يجوز أن يسير قبله، ويدل عليه أثر ابن عباس -رضي الله عنه-. ¬

_ (¬1) هو في حديث جابر الطويل في صفة حجة النبي - صلى الله عليه وسلم -، رواه مسلم (1218). (¬2) رواه مالك (1/ 400 رقم 897).

الأصل [1667] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن محمَّد بن المنكدر، عن سعيد بن عبد الرحمن بن يربوع، عن جويبر بن حويرث قال: رأيت أبا بكر -رضي الله عنه- واقفًا على قزح وهو يقول: أيها الناس أسفروا، ثم دفع فكأني أنظر إلى فخذه مما يحرش بعيره بمحجنه (¬1). [1668] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مسلم بن خالد، عن ابن جريج، عن محمَّد بن قيس بن مخرمة قال: خطب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "إن أهل الجاهلية كانوا يدفعون من عرفة حين تكون الشمس كأنها عمائم الرجال في وجوههم قبل أن تغرب، ومن المزدلفة بعد أن تطلع الشمس حتى تكون كأنها عمائم الرجال في وجوههم، وإنا لا ندفع من عرفة حتى تغرب الشمس، وندفع من المزدلفة قبل أن تطلع الشمس، هدينا مخالف لهدي [أهل] (¬2) الأوثان والشرك" (¬3). [1669] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن ابن طاوس، عن أبيه قال: كان أهل الجاهلية يدفعون من عرفة قبل أن تغيب الشمس، ومن المزدلفة بعد أن تطلع الشمس ويقولون: أشرق ثبير كيما نغير، فأخّر الله تعالى هذه وقدم هذِه (¬4). والله أعلم. الشرح سعيد بن عبد الرحمن بن يربوع. روى عن: أبيه، وجبير بن حويرث. ¬

_ (¬1) "المسند" ص (369). (¬2) من "المسند". (¬3) "المسند" ص (369). (¬4) "المسند" ص (369).

وروى عنه: ابن المنكدر (¬1). وجويبر كذا وجدت هذا الاسم فيما حصر من نسخ "المسند" والصواب [جبير] (¬2) بن الحويرث كذلك أورده عبد الرحمن بن أبي حاتم (¬3) قال أنه روى عن أبي بكر الصديق. وروى عنه: سعيد بن عبد الرحمن بن يربوع، سمعت أبي يقول ذلك. ومحمد: هو ابن قيس بن مخرمة بن المطلب قرشي حجازي. سمع: أبا هريرة، وعائشة (¬4). وإذا انتهى الحجيج إلى عرفات فيقيمون بها إلى أن تغرب الشمس يوم يدفعون منها إلى المزدلفة، روى جابر في صفة حجة النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ أنه لم يزل واقفًا حتى غربت الشمس وذهبت الصفرة قليلًا، ¬

_ (¬1) انظر "تعجيل المنفعة" (1/ ترجمة 376). وذكر اللفظ حديثه هذا، ثم قال: وقع عند غيره (أي: غير الشافعي): عبد الرحمن بن سعيد بن يربوع. قلت: وعبد الرحمن بن سعيد هذا ترجم له البخاري في تاريخه (5/ ترجمة 938)، وابن أبي حاتم (5/ ترجمة 1131)، والمزي (17/ ترجمة 3835)، ووثقه ابن سعد. وأما سعيد بن عبد الرحمن بن يربوع فلم أجد من ترجم له من الكتب المشهورة. وقال الدارقطني في "العلل" (64): وهم ابن عيينة في قوله سعيد بن عبد الرحمن بن يربوع؛ وإنما هو عبد الرحمن بن سعيد بن يربوع. وكذا قال الحافظ في "التعجيل" (1/ ترجمة 153) وقال: وقد ذكرت في كتابي في الصحابة ما يدل على صحبته وسقت هناك نسبه. فانظر "الإصابة" (1/ ترجمة 1266). (¬2) في "الأصل": جوير. خطأ. (¬3) "الجرح والتعديل" (2/ ترجمة 2115). (¬4) انظر "التاريخ الكبير" (1/ ترجمة 665)، و"الجرح والتعديل" (8/ ترجمة 280)، و"التهذيب" (26/ ترجمة 5563).

ثم دفع حتى أتى المزدلفة (¬1). ويجمعون بالمزدلفة بين الصلاتين المغرب والعشاء تأخيرًا ويبيتون بها، وهذا المبيت نسك مجبور بالدم، والمزدلفة متوسطة بين منى وعرفات منها إلى كل واحدة منهما فرسخ، ولا يمكثون في مسيرهم من منى إلى عرفات، وإذا أصبحوا صلّوا بها صلاة الصبح مغلسين وأخذوا في السير إلى منى، فإذا انتهوا إلى المشعر الحرام وهو من المزدلفة بعد [أن] (¬2) وقفوا على قزح: وهو جبل من المشعر، ويقال: هو المشعر، يذكرون الله تعالى ويدعون إلى الإسفار، ثم يسيرون وعليهم السكينة، نعم إذا انتهوا إلى وادي محسر حركوا دوابهم وأسرع الماشون قدر رمية بحجر، ثم يعودون إلى السكينة ويسيرون فيوافون منى عند طلوع الشمس. وأثر أبي بكر -رضي الله عنه- فيه جريان على سنة الوقوف على قزح، ويقال: إنه كان موقوف قريش في الجاهلية بدلًا عن عرفات، وكانوا لا يقفون بعرفات ويقولون: لا نخرج من الحرم. وقوله: "أيها الناس أسفروا" أي: قفوا واصبروا حتى تسفروا. وقوله: "ثم دفع" سمى انصراف القوم من المكان إلى المكان دفعًا؛ لأنهم إذا انصرفوا ازدحم بعضهم بعضًا. ويقال: حرش بعيره يحرشه إذا ضربه بالمحجن واجتذبه، وفلان يحرش لعياله أي: يكسب. وقوله: "فكأني أنظر إلى فخذه مما يحرش" يريد حركته ونعته النفر للسير. ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1218). (¬2) ليست في "الأصل". وهي أليق للسياق.

وحديث محمَّد بن قيس مرسل، وكذلك رواه عبد الله بن إدريس عن ابن جريج (¬1)، ورواه عبد الوارث بن سعيد عن ابن جريج عن محمَّد بن قيس عن المسور بن مخرمة قال ... (¬2). [وفي] (¬3) الأثر بعده بيان أن أهل الجاهلية كانوا يدفعون من عرفات قبل غروب الشمس، ومن المزدلفة بعد طلوع الشمس، فجاء الإِسلام بمخالفتهم وأمر بتأخير ما كانوا يقدمونه وتقديم ما كانوا يؤخرونه، وفي "الصحيح" (¬4) عن عمرو بن ميمون قال: شهدت عمر -رضي الله عنه- صلى بجمعٍ الصبح، ثم وقف فقال: إن المشركين كانوا لا يفيضون حتى تطلع الشمس ويقولون: أشرق ثبير، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - خالفهم وأفاض قبل أن تطلع الشمس. وقوله: "حين تكون الشمس كأنها عمائم الرجال في وجوههم قبل أن تغرب" يشير إلى دنوها من الغروب؛ لأن الشمس إذا انحطت ودنت من الأفق لم يبق شعاعها إلا على رءوس الحيطان والمواضع المرتفعة، وإذا كان الناس قيامًا بقي الشعاع في رءوسهم ووجوههم فشبهه بالعمائم البيض والتلثمّ بها، وعلى عكسه في أول الطلوع يقع الشعاع على الرءوس والمواضع المرتفعة. وقوله: "أشرق" أي: أدخل في الشروق وهو ضوء الشمس وهو كما يقال: أجنب إذا دخل في الجنوب، وأشمل إذا دخل في الشمال، ¬

_ (¬1) رواه أبو داود في "مراسيله" (151). (¬2) رواه الحاكم (2/ 304، 3/ 601)، وقال: صحيح على شرط الشيخين. وأشار الحافظ في "الدراية" (2/ 21 - 22) إلى انقطاعه. (¬3) ليست في "الأصل" والسياق يقتضيها. (¬4) رواه البخاري (1684).

ويقال أيضًا: أشرقت الشمس إذا طلعت وأشرقت إذا أضاءت. وثبير: جبل المزدلفة على يسار السائر إلى منى. وقوله: "كيما نغير" أي: نسرع في الدفع، يقال: أغار إغارة الثعلب إذا أسرع في عدوه.

الأصل [1670] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، أنه عبيد الله بن أبي يزيد يقول: سمعت ابن عباس يقول: كنت فيمن قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من ضَعَفَةِ أَهْلِهِ من المُزْدَلِفَةِ إلى مِنى (¬1). [1671] أبنا الربيع، أبنا الشافعي أبنا، عن داود بن عبد الرحمن العطار وعبد العزيز بن محمَّد الدراوردي، عن هشام بن عروة، عن أبيه قال: دار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى أمِّ سلمة يوم النحر فأمرها أنْ تُعجِّلَ الإفاضة مِنْ جَمْعٍ حتى تأتيَ مكةَ فتُصلّيَ بها الصبح، وكان يومُها فأحب أن توافيه (¬2). [1672] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أخبرني مَنْ أثق به من المشرقيين، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن زينب بنت أم سلمة، عن أمِّ سلمةَ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله (¬3). الشرح داود بن عبد الرحمن العطار: هو أبو سليمان المكي. سمع: ابن جريج، وابن خثيم. وسمع منه: ابن المبارك. وذكر ابن أبي حاتم أنه روى عن داود: قتيبة بن [سعيد] (¬4) وعبد الأعلى النرسي [و] (¬5) أن يحيى بن معين وثقه (¬6). ¬

_ (¬1) "المسند" ص (369). (¬2) "المسند" ص (369). (¬3) "المسند" ص (369). (¬4) في الأصل: سعد. تحريف. (¬5) ليست في الأصل والسياق يقتضيه. (¬6) انظر "التاريخ الكبير" (3/ ترجمة 824)، و"الجرح والتعديل" (3/ ترجمة 1907)، و"التهذيب" (8/ ترجمة 1771).

وحديث ابن عباس صحيح، أخرجه البخاري (¬1) عن علي بن عبد الله، ومسلم (¬2) عن أبي بكر بن أبي شيبة، وعن عبيد الله بن [أبي] (¬3) يزيد عن ابن عباس قال: بَعَثَني النَّبي - صلى الله عليه وسلم - في الثَّقَلِ (¬4) مِنْ جَمْعٍ بِلَيْلٍ (¬5). واستحب لهذا الحديث تقديم النساء والضعفة بعد انتصاف الليل من المزدلفة إلى منى لئلا يتأذوا بزحمة الناس، ويروى عن عبد الله بن عمر أنه كان يقدم نساءه و [صبيانه] (¬6) من المزدلفة إلى حتى يصلوا الصبح بمنى قبل أن يأتي الناس (¬7)، وأما أصحاب القوة فالأولى أن يقيموا إلى أن يصبحوا أو يصلوا بالمزدلفة كما قدمنا, ولا شيء على من دفع بعد انتصاف ليلة النحر، ويدخل وقت رمي جمرة العقبة بانتصافها؛ لما روي عَنِ الضَّحَّاكِ بْن عُثْمَانَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: "أَرْسَلَ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - بِأُمِّ سَلَمَةَ لَيْلَةَ النَّحْرِ فَرَمَتِ الجَمْرَةَ قَبْلَ الفَجْرِ ثُمَّ مَضَتْ فَأَفَاضَتْ وَكَانَ ذَلِكَ اليَوْمُ الذِي يَكُونُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عِنْدَهَا" (¬8) وهذا هو الحديث المذكور في الكتاب عقيب حديث ابن عباس، لكن رواية الشافعي مرسلة. وقوله: "دار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى أمِّ سلمة" يعني: انتهت نوبة القسم ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (1678). (¬2) "صحيح مسلم" (1293/ 301). (¬3) سقط من الأصل. (¬4) هو المتاع ونحوه. (¬5) رواه البخاري (1856)، ومسلم (1293/ 300). (¬6) تحرف في الأصل والمثبت من "الموطأ". (¬7) رواه مالك (1/ 391 رقم 873). (¬8) رواه أبو داود (1942)، والدارقطني (2/ 276 رقم 188)، والحاكم (1/ 641). قال الحاكم: صحيح على شرطهما. وضعفه الألباني في "الإرواء" (1077).

إليها فقدمها لتوافيه بمكة [وليمنعها] (¬1) زحمة الناس، ويروى: "فأحب أن توافقه"، والأولى أن يكون الرمي إلى جمرة العقبة بعد طلوع الشمس، لما روي عن ابن عباس قال: قدمنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة المزدلفة أُغَيلمة بني عبد المطلب على حُمُرات، وجعل يَلْطَحُ أفخاذنا ويقول: أبيني لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس (¬2). والأغيلمة: تصغير الغلمة، واللطح: الضرب، ويقال: الضرب الخفيف ببطن الكف ونحوه، وأبيني: تصغير بني. والله أعلم. الأصل [1673] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا ابن أبي يحيى، عن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز، عن الحسن بن مسلم بن يناق قال: وافقَ يومُ الجمعة يومَ التَّرْوِيَةِ في زمانِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فوقف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بفناء الكعبة فأمر الناس أن يروحوا وراح إلى منى فصلى بمنى الظهر (¬3). الشرح الحديث منقطع، والذي ذكره الأصحاب في المذهب أنه إذا وافق يوم التروية يوم الجمعة فالمستحب أن يخرج الإِمام بالناس قبل طلوع الفجر؛ لأن الخروج يوم الجمعة إلى حيث لا تقام الجمعة حرام أو مكروه، وكانوا لا يصلون الجمعة بمنى. ¬

_ (¬1) في الأصل: ولا يمنعها. والمثبت الصواب إن شاء الله. (¬2) رواه أبو داود (1940)، والنسائي (5/ 270)، وابن ماجه (3025)، وابن حبان (3869) من طريق سلمة بن كهيل، عن الحسن العرني، عنه. وصححه الألباني (4/ 276). (¬3) "المسند" ص (307).

قال الشافعي: فإن بني بها قرية واستوطنها أربعون من أهل الكمال أقاموا الجمعة والناس معهم. ويتوجه أن يقال: إن ذلك المنع في السفر المباح، فأما السفر الواجب والمندوب فلا منع منهما، والخروج إلى منى يومئذ من الأسفار المحبوبة، وعلى تقدير أن يكون الأمر كما ذكروه فالحديث محمول على أنه أمر الناس بالخروج قبل طلوع الفجر. الأصل [1674] أبنا الربيع، أبنا الشافعي قال: والذي قلت بعرفة من أذان وإقامتين شيء: أبنا ابن أبي يحيى، عن جعفر بن محمَّد، عن أبيه، عن جابر بن عبد الله، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬1). الشرح قد سبق (¬2) هذا في خلال أحاديث الأذان من كتاب الصلاة، وبينا أن ظاهر المذهب أن من جمع بين الصلاتين بالتقديم كما يفعله الحجيج بعرفة يؤذن للأولى منهما ويقيم ويقتصر للثانية على الإقامة، واحتج له الشافعي بحديث جابر وهو مسوق بمتنه هناك. الأصل [1675] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن ابن طاوس، عن أبيه قال: دفع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من المزدلفة فلم ترفع ناقته يدها واضعة حتى رمي الجمرة (¬3). ¬

_ (¬1) "المسند" ص (370). (¬2) تقدم برقم (121). (¬3) "المسند" ص (370).

الشرح قال الشافعي في "المختصر الكبير": وأحب أن يحرك دابته في بطن محسر قدر رمية بحجر. وفي "الصحيح" (¬1) من رواية جعفر بن محمَّد عن أبيه عن جابر في صفة حجة النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: حتى إذا أتى محسرًا حرك قليلًا، وعن أبي الزبير، عن جابر أنه - صلى الله عليه وسلم - (¬2) وقد أخذ [به] (¬3) عمر وابن عمر وابن مسعود وعائشة وابن الزبير والحسن بن علي -رضي الله عنهم-. وعن ابن عباس وعطاء وآخرين أنه لا يستحب ذلك وإليه ذهب طاوس، وقالوا: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يفعله، وإليه يميل كلام الشافعي في "الإملاء" فإنه لم يزد على أن قال: ولا أكره للرجل أن يحرك راحلته في بطن محسر و [لم] (¬4) يتعرض للاستحباب. قال الأئمة (¬5): وقول المثبت أقوى من قول النافي. وقوله: "واضعة" أي: مسرعة في السير، يقال: وضع البعير أي: أسرع في عدوه، والإيضاع: حمل الركاب على العدو السريع، ويقال: الإيضاع: سير مثل الخبب. ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1218). (¬2) كذا في الأصل! ولعل المصنف قصد ما رواه أبو داود (1944)، والنسائي (5/ 258)، وابن ماجه (3023) من طريق أبي الزبير عن جابر قال: أفاض النبي - صلى الله عليه وسلم - ... وفيه: وأوضع في وادي محسر. (¬3) ليست في الأصل والسياق يقتضيها. (¬4) في الأصل: لو. خطأ. (¬5) وهو قول البيهقي في "السنن" (5/ 127).

الأصل [1676] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سعيد بن سالم القداح، عن أيمن بن نابل قال: أخبرني قدامة بن عبد الله بن عمار الكلابي قال: رأيتُ النبي - صلى الله عليه وسلم - يرمِي الجمرةَ يوم النحر عَلَى نَاقَةٍ صَهْبَاءَ ليس ضرْبَ وَلاَ طَرْدَ وليس قيل: إليك إليك (¬1). الشرح أيمن بن نابل: هو أبو عمران المكي. روى عن: قدامة بن عبد الله، وأبي الزبير المكي، وأم كلثوم. وروى عنه: الثوري، ومعتمر بن سليمان، وأبو عاصم النبيل، ووكيع (¬2). وقدامة بن عبد الله صحابي يعد في أهل الحجاز. روى عنه: حميد بن كلاب ابن أخيه (¬3). والحديث مشهور (¬4) رواه الثوري عن أيمن، وأورده البخاري في "التاريخ" (¬5) واللفظ: لا ضرب ولا طرد ولا إليك إليك. والصهباء: التي يخالط بياضها حمرة وهو أن يحمر أعلى الوبر ¬

_ (¬1) "المسند" ص (370). (¬2) انظر "التاريخ الكبير" (2/ ترجمة 1577)، و"الجرح والتعديل" (2/ ترجمة 1212)، و"التهذيب" (3/ ترجمة 599). (¬3) انظر "معرفة الصحابية" (4/ 2473)، و"الإصابة" (5/ ترجمة 7089). (¬4) رواه الترمذي (903)، والنسائي (5/ 207)، وابن ماجه (3035)، والحاكم (1/ 638). قال الترمذي: حسن صحيح، وقال الحاكم: صحيح على شرط البخاري. (¬5) "التاريخ الكبير" (7/ ترجمة 795).

وتبيضَّ أجوافه، ورجل أصهب: إذا كان في شعر رأسه شقرة، وفي بعض روايات الحديث: "عَلَى ناقةٍ حَمراء". وقوله: "ليس ضَرْبَ وَلاَ طَرْدَ .. إلى آخره" أي: لا يضرب هناك أحد ولا يطرد ولا يقال: إليك إليك. وقولهم: إليك إليك كقولهم: الطريق الطريق، وكأن المراد إذًا: ضمم إليك نفسك وخلِّ الطريق. وفي الحديث دليل على جواز الرمي راكبًا، وأورد مسلم في "الصحيح" (¬1) من رواية أبي الزبير، عن جابر بن عبد الله أنه قال: رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يرمي على راحلته يوم النحر. وذهب ذاهبون إلى أنه الأفضل، وقيل: المشي إلى الجمار أفضل؛ وإنما ركب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليرى فيقتدى به، وفضل بعضهم بين رمي يوم النحر وبين رمي أيام التشريق؛ لما روي عن نافع عن ابن عمر أنه كان يأتي الجمار في الأيام الثلاثة بعد يوم النحر ماشيًا ذاهبًا وراجعًا، ويخبر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يفعل ذلك (¬2). الأصل [1677] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سعيد بن سالم القداح، عن سعيد، عن قتادة، عن أبي حسان الأعرج، عن ابن عباس أنَّ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - أشْعَرَ في الشِّقِّ الأَيْمَنِ (¬3). [1678] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مسلم، عن ابن جريج، عن نافع، عن ابن عمر "أنه كان لا يبالي في أي الشقين أشعر في الأيْسر أو ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (1297/ 310). (¬2) رواه أبو داود (1969). (¬3) "المسند" ص (370).

في الأَيْمَنِ (¬1) الشرح أبو حسان قد أخرج حديثه مسلم في "الصحيح" وتمامه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -[صلى] (¬2) بذي الحليفة الظهر، ثم أتي ببدنة فأشعر صفحة سنامها الأيمن، ثم سلت الدم عنها، ثم قلدها نعلين، ثم أتي براحلته، فلما استوت على البيداء أهل بالحج. وفي الحديث دليل على استحباب إشعار البدن، وقال أبو حنيفة: هو بدعة. والإشعار: أن يطعن الإبل في صفحة سنامها بحديدة حتى يسيل دمها فيكون ذلك علامة أنها هدي، والشعار: العلامة، والأحب أن يشعرها باركة مستقبلة القبلة، والأولى أن يشعر في الشق الأيمن من السنام؛ لحديث ابن عباس، وعن مالك أنه يشعر في الشق الأيسر؛ لما روي عن نافع عن ابن عمر أنه كان إذا أهدى هديًا من المدينة قلده وأشعره بذي الحليفة، يقلده قبل أن يُشعره، ويُشعره من الشقِّ الأيسر (¬3)، والأخذ بحديث النبي - صلى الله عليه وسلم - أولى، ويمكن أن يحمل قوله: "أنه كان لا يبالي في أي الشقين أشعر" على حصول أصل السنة. وفي الحديث والأثر عن ابن عمر ما يدل على أن الإشعار غير التقليد خلافًا لقول من قال: إن الإشعار هو التقليد، ثم في حديث ابن عباس تقديم الإشعار على التقليد، وفي الأثر عن ابن عمر تقديم التقليد كأنه لا استحباب في الترتيب، والبقر كالإبل في الإشعار. ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (1243/ 205). (¬2) سقط من الأصل والمثبت من "مسلم". (¬3) رواه مالك (1/ 379 رقم 848).

وقال مالك: إن كانت لها أسنمة أشعرت وإلا فلا. والغنم لا تشعر؛ لأنها لا تحتمل الجراحة لضعفها؛ ولأن الدم يخفى لكثرة شعرها, لكنها تقلد [قرب] (¬1) القرن. وقال مالك وأبو حنيفة: لا تقلد أيضًا. ¬

_ (¬1) في الأصل: خرب.

كتاب مختصر الحج الكبير

الأصل ومن كتاب مختصر الحج الكبير [1679] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مسلم بن خالد وسعيد بن سالم، عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس قال: أخبرني الفضل بن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أرْدَفَهُ مِنْ جَمْعٍ إلى مِنَى فَلَمْ يَزَلْ يُلَبِّي حَتَّى رَمَى الجَمْرَةَ (¬1). [1680] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن محمَّد بن أبي حرملة، عن كريب، عن ابن عباس، عن الفضل، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬2). الشرح محمَّد بن أبي حرملة: هو أبو عبد الله القرشي المدني مولى عبد الرحمن بن أبي سفيان بن حويطب بن عبد العزى. سمع: كريبًا، وأبا سلمة، وسالم بن عبد الله، وسليمان بن يسار. وروى عنه: إسماعيل بن جعفر (¬3). والحديث من الرواية الأولى قد سبق (¬4)، وذكرنا أنه مخرج في "الصحيحين"، وأخرجه مسلم (¬5) من رواية ابن أبي حرملة أيضًا. وجمع: هو المزدلفة سميت به؛ لجمع العشائر فيها. ¬

_ (¬1) "المسند" ص (371). (¬2) "المسند" ص (371). (¬3) انظر "التاريخ الكبير" (1/ ترجمة 129)، و"الجرح والتعديل" (7/ ترجمة 1322)، و"التهذيب" (25/ ترجمة 5139). (¬4) تقدم برقم (1654). (¬5) "صحيح مسلم" (1280/ 266).

وفقه الحديث أن الحاج يلبي إلى رمي جمرة العقبة، وبه قال أكثر العلماء من الصحابة فمن بعدهم. وعن علي، وبه قال مالك أنه يلبي إلى أن تزول الشمس يوم عرفة ثم يقطعها، وعن عائشة أنها كانت تقطع التلبية إذا راحت إلى الموقف، وعن ابن عمر أنه كان يقطعها إذا غدا من منى إلى عرفات. ثم القائلون بالأول اختلفوا، فقال أحمد: يلبي حتى يتم رمي جمرة العقبة ثم يقطعها. وبه قال محمَّد بن إسحاق بن خزيمة؛ لأنه روى في [حديث] (¬1) الفضل في بعض الروايات فلم يزل يلبي حتى رمى الجمرة، يكبر مع كل حصاة، ثم قطع التلبية مع آخر حصاة (¬2). وقال الشافعي وأبو حنيفة: يقطعها مع أول حصاة؛ لما روي عن أبي وائل عن عبد الله قال: رمقت النبي - صلى الله عليه وسلم - فلم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة بأول حصاة (¬3). الأصل [1681] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أخبرني الثقة، عن حماد بن سلمة، عن زياد مولى بني مخزوم، وكان ثِقَةً أنَّ قومًا حرمًا أصابوا صيدًا، فقال لهم ابن عمر: عليكم جزاء، فقالوا: على كل واحد منا جزاء أو علينا كلنا جزاء [واحد] (¬4)؟ ¬

_ (¬1) في الأصل: الحديث. والمثبت الأليق. (¬2) "صحيح ابن خزيمة" (2887)، وقال: فهذا الخبر يصرح أنه قطع التلبية مع آخر حصاة لامع أولها. (¬3) رواه ابن خزيمة (2886). (¬4) في الأصل: واحدًا. والمثبت من "المسند".

فقال ابن عمر: إنه لمعزز بكم، بل عليكم كلكم جزاء واحد (¬1). الشرح زياد مولى بني مخزوم روى عن أبي هريرة. وسمع منه ابن أبي خالد. وقد وثق في الإسناد، قال البخاري: يعد في الكوفيين (¬2). ويروى الأثر عن يزيد بن هارون عن حماد بن سلمة عن عمار مولى بني هاشم عن ابن عمر، ورواه عبد الرحمن بن مهدي، عن حماد، عن عمار بن أبي عمار، عن رباح عن ابن عمر. والمقصود أنه إذا اشترك جماعة في قتل صيد فعلى جميعهم جزاء واحد، ويروى عن ابن عباس وعطاء مثل قول ابن عمر، وبه قال الشافعي. وعند مالك: على كل واحد منهم جزاء، كما قتل جماعة رجلًا يجب على كل واحد منهم كفارة. وقوله: (لمعزز بكم) أي: مشدد عليكم إن كان على كل واحد منكم جزاء، من قولهم: عز يعز إذا اشتد، ويقال للعليل إذا اشتدت به العلة: قد استعز به وعزرته أي: قويته وشددته، ويمكن أن يقرأ: (لمعزِّز بكم) بكسر الزاي، أي: إيجاب جزاء على كل واحد منكم مشدد عليكم، ولو كان اللفظ: إنكم لمعزَّز بكم تعين فتح الزاي، وكذلك أورد اللفظ صاحب "الغريبين". ¬

_ (¬1) "المسند" ص (371). (¬2) انظر "التاريخ الكبير" (3/ ترجمة 1249)، و"الجرح والتعديل" (3/ ترجمة 2480) و"التعجيل" (1/ ترجمة 345).

الأصل [1682] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مسلم وسعيد، عن ابن جريج، عن بكير بن عبد الله، عن القاسم، عن ابن عباس أن رجُلًا سأله عن مُحْرم أصابَ جرادةً، فقال: يتصدق بقبضة من الطعام. وقال ابن عباس: وليأخذنَّ بقبضةِ جرادات، ولكن على ذلك رأيي. الشرح قد سبق (¬1) هذا الأثر في آخر كتاب الحج من رواية سعيد وحده، وفي آخره: وليأخذنَّ بقبضة جرادات، ولكن ولو، وقال ها هنا: "ولكن على ذلك رأي" قال الحافظ أبو بكر البيهقي: كأن هذا لفظ حديث مسلم بن خالد، وذاك لفظ حديث سعيد بن سالم. والمقصود أن القبضة من الطعام حتى من جرادات، ولكن هذا ما رأيته لمن يحتاط. الأصل [1683] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن ميمون بن مهران قال: جلست إلى ابن عباس فجلس إليه رجل لم أر رجلًا أطول شعرًا منه. فقال: أحرمتُ وعليَّ هذا الشعر؟ فقال ابن عباس: اشتمل على ما دون الأذنين منه. قال: قبَّلتُ امرأةً ليست بامرأتي؟ قال: زَنَا فُوك. ¬

_ (¬1) تقدم برقم (653).

قال: رأيتُ قملة فطرحتها؟ قال: تلك الضالة لا تبتغى (¬1). الشرح تقدم (¬2) طرف من هذا الأثر بهذا الإسناد. وقوله: "اشتمل على ما دون الأذنين منه" يمكن أن يريد اشتمل بهذا الشعر على ما دون الأذنين، والاشتمال على المنكبين: التوشح، وقيل: الاشتمال: التحلل بالكساء ونحوه، وكأنه أشار بما ذكر إلى كثرة شعره وأرشده إلى أنه لا يتعين الحلق ويكفيه التقصير. والله أعلم. وقوله: "زنى فوك" مثل ما ورد في الخبر من زنا الأعضاء كقوله - صلى الله عليه وسلم -: "زنا العينين النظر" (¬3). ثم يحتمل أن يريد إني قبلت في حال الإحرام، ويحتمل غيره؛ وأما طرح القملة فقد قدمنا ما يتعلق به. الأصل [1684] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا عبد الله بن مؤمل العائذي (¬4) عن عمر بن عبد الرحمن بن [محيصن] (¬5) عن عطاء بن أبي رباح، عن صفية بنت شيبة قالت: أخبرتني بنت أبي تجراة إحدى نساء بني عبد الدار قالت: "دخلتُ مع نِسْوةٍ مِنْ قُريش دار آل أبي حُسين ننظرُ إلى رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -وهو يَسْعَى بين الصفا والمروة، فرأيتُهُ يَسْعَى وإنَّ مئزره ليدورُ من شدَّةِ السَّعْي، حتى أقول: إنِّي لأرى رُكبتيه، وسمعتُه يقول: ¬

_ (¬1) "المسند" ص (372). (¬2) سبق برقم (654). (¬3) رواه البخاري (6243)، ومسلم (2657/ 20) من حديث أبي هريرة. (¬4) زاد في الأصل: عمر بن مؤمل العائذي. وهو سهو من الناسخ. (¬5) في الأصل: محيصين. تحريف، والمثبت من "المسند".

اسْعَوا فإنَّ الله كَتَبَ عليكُمُ السَّعْيَ" (¬1). الشرح عبد الله بن المؤمل: هو العائذي المخزومي. سمع عطاء، وعمرو بن شعيب. وروى عنه: معن بن عيسى، والشافعي، ويونس بن محمَّد المؤدب، ومعاذ بن هانيء (¬2). وعمر بن عبد الرحمن بن محيصن: هو أبو حفص السهمي القرشي المكي أحد القراء المعروفين. روى عن: عطاء، وصفية بنت شيبة. وروى عنه: عبد الله بن مؤمل، وابن عيينة، وابن جريج (¬3). وبنت أبي تجراة اسمها حبيبة، من بني عبد الدار، مذكورة في الصحابيات. روت عنها: صفية بنت شيبة. وقيل: هي [برة بنت أبي] (¬4) تجراة (¬5). وروى الحديث عن الشافعي: أحمد بن حنبل والزعفراني، وعن ابن المؤمل: يونس بن محمَّد ومعاذ بن هانيء. ¬

_ (¬1) "المسند" ص (372). (¬2) انظر: "التاريخ الكبير" (5/ ترجمة 664)، و"الجرح والتعديل" (5/ ترجمة 821)، و"التهذيب" (16/ ترجمة 3599). (¬3) انظر: "التاريخ الكبير" (6/ ترجمة 2073)، و"الجرح والتعديل" (6/ ترجمة 656)، و"التهذيب" (21/ ترجمة 4275). (¬4) في الأصل: مرة بنت. خطأ. (¬5) انظر "معرفة الصحابة" (6/ ترجمة 3829)، و"الإصابة" (7/ ترجمة 11019).

واحتج به على أن السعي بين الصفا والمروة واجب، فإنه قال: "اسعوا فإن الله كتب عليكم السعي" وإلى وجوبه ذهب ابن عمر وعائشة وجابر، وبه قال مالك والشافعي وأحمد، وقالوا: لا يحصل التحلل عن الحج والعمرة ما لم يأت به. وعن ابن عباس أنه تطوع، وبه قال الثوري وأبو حنيفة، وعلقا الدم بتركه. واعلم أن الاحتجاج بالحديث على الوجوب حملٌّ للسعي على أصل المرور وقطع المسافة، وقد يطلق السعي بمعنى العدو، وهو المفهوم من قولها: "وإن مئزره ليدور من شدة السعي" وهو الذي أراده ابن عمر فيما روي عنه أنه قال: "إِنْ أَسْمعَ بيْنَ الصَّفا والمروةَ فَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يسْعَى، وإنْ أَمْشِ فَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَمْشِي وَأَنَا شَيْخٌ كَبِيرٌ" (¬1). وعن جابر "أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا نَزلَ من الصفا يمشي حتى إذا انصبت قَدَماهُ في بطْنِ الوادي سَعَى حتى يخرج منه" (¬2). لكن [العدو] (¬3) بين الجبلين ليس بواجب بالاتفاق؛ وإنما هو مستحب في قدر مضبوط مما بينهما، فحملوا قوله: "إنَّ اللهَ كتبَ عليكم السَّعي" على أصل قطع المسافة. وفي الحديث ما يدل على أن النساء كن ينظرن إلى الرجال، وأنهن كن يجتمعن للنظارة. ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (1904)، والنسائي في "الكبرى" (3971)، وابن ماجه (2988) وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1662). (¬2) هو في حديث جابر الطويل، رواه مسلم (1218). (¬3) في الأصل: العد. خطأ.

وقولها: "حتى أقول إني لأرى رُكبتيه" يمكن أن تيد أني أكاد أراهما، ويمكن أن يجعل إخبارًا عن رؤيتهما, ولا بأس بها فالركبة ليست بعورة؛ والأصح في المذهب أن للمرأة أن تنظر إلى جميع بدن الرجل إلا ما بين السرة والركبة. الأصل [1685] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سعيد بن سالم القداح، عن ابن أبي ذئب، عن ابن شهاب، عن عبيد الله، عن ابن عباس "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - طاف بِالْبَيْتِ عَلَى رَاحِلَتِهِ يَسْتَلِمُ الرُّكْنَ بِمِحْجَنِهِ" (¬1). [1686] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن ابن طاوس، عن أبيه "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر أصحابه أن يهجروا بالإفاضة وأفاض في نسائه ليلًا، وأطاف بالبيت فاسْتَلِمُ الرُّكْنَ بِمِحْجَنِهِ. أظنه قال: ويُقبِّلُ طَرَفَ المِحْجن" (¬2). الشرح الحديثان المسند والمرسل مذكوران (¬3) في كتاب الحج من قبل ولكن في حديث طاوس هناك: "وأفاضَ في نسائه ليلًا على راحلته يستلم الركنَ بِمِحْجَنِهِ" وزاد ها هنا: "وأطاف بالبيتِ"، وذكرنا أن ظاهر المذكور هناك أنه طاف ليلًا، والمذكرر ها هنا يشعر بأنه أفاض إلى مكة ليلًا، والثابت أنه - صلى الله عليه وسلم - أفاض إلى مكة وطاف نهارًا؛ وإنما أفاض ليلًا بعض نسائه بإذنه على ما تقدم. ¬

_ (¬1) "المسند" ص (372). (¬2) "المسند" ص (372). (¬3) سبقا برقم (605، 609).

ويقال: أطاف بالشي: ألمَّ به. الأصل [1687] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن ابن طاوس، عن أبيه. قال الشافعي: وأبنا مسلم، عن ابن جريج، عن محمَّد بن قيس بن مخرمة -زاد أحدهما على الآخر واجتمعا في المعنى- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "كانُ أهلُ الجاهليةِ يَدْفَعُونَ مِنْ عرفةَ قبلَ أن تغيبَ الشَّمْسُ، ومن المزدلفةِ بعد أنْ تطلع الشمسُ، ويقولونَ: أبرِق ثيبر كيما نغير، فأخَّرَّ الله عَزَّ وَجَلَّ هذه [وقدم هذِه] (¬1) يعني قدَّم المزدلفة قبل أنْ تطلع الشمسُ، وأخَّرَّ عرفةَ إلى أن تغيبَ الشمسُ" (¬2). الشرح العهد قريب (¬3) بهذا مفصولًا كلام محمَّد بن قيس عن كلام طاوس، وقال ها هنا: "أبرق ثيبر" ويجوز أن يقرأ: ابرق من قولهم: برق يبرق: إذا لمع وتلألأ، ويجوز أن يقرأ: أبرق بقطع الألف، يقال: أبرق بسيفه إذا لمع به. الأصل [1688] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن محمَّد بن المنكدر، عن سعيد بن عبد الرحمن بن يربوع، عن أبي الحويرث قال: رأيت أبا بكر الصديق واقفًا عَلَى قُزَحٍ وَهُوَ يَقُولُ: أَيُّهَا النَّاسُ أَصْبِحُوا، ¬

_ (¬1) في الأصل: وتقدم. والمثبت من "المسند". (¬2) "المسند" ص (372). (¬3) سبق برقم (1669).

أَيُّهَا النَّاسُ أَصْبِحُوا، ثُمَّ دَفَعَ فَرأيتُ فَخِذَهُ مِمَّا يُحَرِّشُ بَعِيرَهُ بِمِحْجَنِهِ (¬1). الشرح أثر أبي بكر -رضي الله عنه- معاد أيضًا (¬2)، لكن أبدل "أسفروا" بـ "أصبحوا". وأما الرواية عن جابر فقد ذكر الحافظ أبو بكر البيهقي أن السياق يوهم أن جابرًا روى عن أبي بكر مثل ما روى أبو الحويرث، قال: وعندي أنه ذكر إسناد حديث جابر ثم شك في شيء من متن حديثه فتركه وصار إلى حديث أبي بكر، ولجابر رواية في دفع النبي - صلى الله عليه وسلم - من المزدلفة حين أسفر جدًّا فيشبه أن يكون حديث أبي الزبير في معناه، أو أراد حديث أبي الزبير عن جابر في إفاضة النبي - صلى الله عليه وسلم - وعليه السكينة، وأمره بها أن يرموا الجمار بمثل حصى الخذف وإيضاعه في وادي محسر. قال: وقد روى الشافعي على الأثر بهذا الإسناد عن جابر "أنه رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - رمى بمثل حصى الخذف" فربما أراد ذكره واحتاج إلى مراجعته كتابه فراجعه وذكر الإسناد والمتن وأعرض عما ذكر من الإسناد أولًا، فغلط الراوي وضمه إلى إسناد حديث أبي بكر. الأصل [1689] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا الثقة ابن أبي يحيى أو سفيان أو هما، عن هشام بن عروة، عن أبيه أن عمر -رضي الله عنه- كان يحرك في محسر ويقول: إليك تعدو قلقًا وضينها ... مخالفًا دين النصارى دينها (¬3). ¬

_ (¬1) "المسند" ص (373). (¬2) تقدم برقم (1667). (¬3) "المسند" ص (373).

الشرح القول في أنه هل يستحب تحريك الدابة في وادي محسر قد تقدم (¬1)، وممن استحبه: عمر -رضي الله عنه-. وروى الأثر القعنبي، عن أبيه مسلمة بن قعنب، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن المسور بن مخرمة أن عمر بن الخطاب كان يوضع ويقول: إليك تغدو والوضين: بطان منسوح بعضه على بعض. ومنه قيل للدروع: موضونة، أي: مداخلة الحلق في الحلق، وأراد اضطراب البطان وحركته لشدة سيرها، والكناية ترجع إلى الناقة أو النوق. وقوله: "مخالفًا دين النصارى دينها" كأنه أشار به إلى أن اليهود والنصارى لا يحجون على ما قال - صلى الله عليه وسلم - "فليمت إن شاء يهوديًّا وإن شاء نصرانيًّا" فدينها وعادتها في السير إلى متوجهها يخالف دينهم وعادتهم. الأصل [1690] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مسلم، عن ابن جريج، عن أبي الزبير، عن جابر "أنه رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - رمى الجمار مثل حَصَى الخَذْفِ" (¬2). [1691] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن حميد بن ¬

_ (¬1) تقدم في شرح الحديث (1668). (¬2) رواه الدارمي (1785)، والبيهقي (4/ 334) من طريق شريك، عن ليث، عن عبد الرحمن بن سابط، عن أبي أمامة. قال الحافظ في "التلخيص" (957): وليث ضعيف، وشريك سيء. الحفظ، وقال أيضًا: قال العقيلي والدارقطني: لا يصح فيه شيء.

قيس، عن محمَّد بن إبراهيم بن الحارث التيمي، عن رجل من قومه من بني تيم يقال له: معاذ أو ابن معاذ "رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - ينزل الناس بمنى منازلهم وهو يقول: ارْمُوا بِمِثْلِ حَصَى الخَذْفِ" (¬1). الشرح قوله: "يقال له: معاذ أو ابن معاذ" شك من بعض الرواة، والواقع من المتردد فيه هو ابن معاذ، وهو عبد الرحمن بن معاذ التيمي من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -. وقد روى الحديث عبد الوارث وخالد بن عبد الله، عن حميد، عن محمَّد بن إبراهيم التيمي عن عبد الرحمن بن معاذ، ورواه أيضًا إبراهيم بن طهمان عن الحسن بن عمارة عن حميد الأعرج عن محمَّد بن عباد عن عبد الرحمن بن معاذ. وذكر الحافظ أبو عبد الله بن منده أن محمَّد بن إبراهيم التيمي لم يدرك عبد الرحمن وإن روى عنه. وحديث أبي الزبير عن جابر أخرجه مسلم (¬2) عن محمَّد بن حاتم عن محمَّد بن بكر عن ابن جريج. والخذف: رمي الحصاة أو النواة المأخوذة بين السبابتين، وكذا [المرمي] (¬3) ما بين السبابة والإبهام بمخذفة من خشب. ويستحب أن يكون ما يرمى إلى الجمرات في الحدّ المذكور، وأن يؤخذ من المزدلفة ويعد الرمي، روى ابن عباس عن الفضل بن ¬

_ (¬1) "المسند" ص (373). (¬2) "صحيح مسلم" (1299/ 313). (¬3) في الأصل: المامي. تحريف، والمثبت الصواب إن شاء الله.

العباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غداة يوم النحر: "هات والقط لي حصى، فلقطت له حصيات مِثْل حَصَى الخَذْفِ، فوضعهنَّ في يده فقال: بأمثالِ هؤلاء بأمثالِ هؤلاء، وإيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ فإنَّما أهْلَكَ مَنْ كان قبلكُم الغلوُّ في الدين" (¬1). وقوله: "ينزل الناس بمنى منازلهم" يبين أن للأمير نطرًا في إنزال الجيوش وتهيئة المنازل لهم. الأصل [1692] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا يحيى بن سليم، عن عبيد الله بن عمر، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رخص لأهلِ السِّقاية من أهلِ بيتِهِ أن يبيتوا بِمَكَّةَ لَيَالِيَ مِنًى" (¬2). [1693] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مسلم، عن ابن جريج عن عطاء مثله، وزاد عطاء: "مِنْ أَجْلِ سِقَايَتِهِم" (¬3). الشرح هذا حديث رواه البخاري في "الصحيح" (¬4) عن محمَّد بن عبد الله بن نمير عن أبيه، ومسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن أبي [أسامة] (¬5) ¬

_ (¬1) رواه الطبراني في "الكبير" (18/ رقم 742)، والبيهقي (5/ 127) من حديث ابن عباس عن الفضل. ورواه النسائي (5/ 268)، وابن خزيمة (2867)، وابن حبان (1711) والحاكم (1/ 637) من حديث ابن عباس. قال الحافظ في "التلخيص" (1067) عن الرواية الأولى: هي الصواب؛ لأن الفضل هو الذي كان مع النبي - صلى الله عليه وسلم - حينئذ. (¬2) "المسند" ص (373). (¬3) "صحيح البخاري". (¬4) "صحيح مسلم" (1315/ 346). (¬5) في الأصل: أمامة. تحريف.

بروايتهما عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عمرو، واللفظ: "أَنَّ العَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ المُطَّلِبِ اسْتَأذَنَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يَبِيتَ بِمَكَّةَ لَيَالِيَ مِنًى، مِنْ أَجْلِ سِقَايَتِهِ فَأَذِنَ لَهُ". ويجب على الحاج أن يبيت بمنى الليلة الأولى والثانية من أيام التشريق، ويرمي كل يوم إحدى وعشرين حصاة إلى الجمرات الثلاث، ثم إذا رمى في اليوم الثاني فله أن ينفر قبل غروب الشمس ويسقط عنه حينئذٍ مبيت الليلة الثالثة ورمي يومها، وإن بقي هناك حتى غربت الشمس لزمه أن يبيت بها تلك الليلة ويرمي في اليوم الثالث، قال تعالى: {فَمَنْ تَعَجَّلَ في يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ}. ورخص النبي - صلى الله عليه وسلم - لأهل سقاية الحاج أن يتركوا المبيت بمنى ليالي أيام التشريق؛ لقيامهم بأمر السقاية، ولهم أن يجمعوا رمي يومين من أيام التشريق في يوم واحد، وليس لهم أن يتركوا رمي يومين على التوالي، وخصص بعضهم هذه الرخصة بالعباس -رضي الله عنه- وأولاده، عندنا لا تختص بهم (¬1)، وذكرهم في الحديث حكايته عما اتفق، ورخص أيضًا في ترك المبيت لرعاة الإبل وفي معناهم من له متاع يخاف عليه، أو مريض يحتاج إلى تعهده. ¬

_ (¬1) قال النووي في "شرح مسلم": ولا يختص ذلك عند الشافعي بآل العباس بل كل من تولى السقاية كان له هذا، وكذا لو أحدثت سقاية أخرى كان للقائم بشأنها نزل المبيت، هذا هو الصحيح. وقال بعض أصحابنا: تختص الرخصة بسقاية العباس، وقال بعضهم: تختص بآل العباس، وال بعضهم: تختص ببني هاشم من آل العباس وغيرهم. وأصحها الأول. والله أعلم.

الأصل [1694] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن سليمان الأحول، عن طاوس، عَنِ ابن عَبَّاسٍ قال: "أُمِرَ النَّاسُ أَنْ يَكُونَ آخِرَ عَهْدِهِمْ بِالْبَيْتِ، إلا أنه رخَّصَ للمرأةِ الحائض" (¬1). الشرح هذا اللفظ عن ابن عباس قد تقدم (¬2) بعينه في كتاب الحج، لكنه مروي هناك عن ابن عيينة عن ابن طاوس عن أبيه، ورواه ها هنا عن ابن عيينة عن سليمان الأحول عن طاوس، والمذكور عن رواية سليمان عن طاوس هناك سياق آخر. ¬

_ (¬1) "المسند" ص (373). (¬2) تقدم برقم (622).

كتاب النكاح من الإملاء

الأصل من كتاب النكاح من "الإملاء" [1795] أبنا الربيع، أبنا الشافعي (¬1) هو محمَّد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبيد بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معدّ بن عدنان بن الهميسع ابن عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: أبنا مالك بن أنس، عن نافع، عن ابن عمر. ومسلم بن خالد، عن ابن جريج، عن أبي الزبير، عن جابر، كلاهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - "أنه نَهَى عَنِ الشِّغَارِ". وزاد مالك في حديثه: والشِّغَارُ أن يزوج الرجل ابنته على أن يزوجه ابنته. الشرح اتفق ها هنا ذكر نسب الشافعي -رضي الله عنه-، كأن جامع "المسند" رآه مثبتًا في الكتاب المنقول منه الحديث فساقه، والشافعي يلتقي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في عبد مناف فإنه صلوات الله عليه: محمَّد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، وكنت نظمت نسبه إلى عبد مناف ليستعان به على حفظه فقلت: محمَّد إدريس عباس ... ومن بعدهم عثمان ثم شافع ¬

_ (¬1) زاد في الأصل: أبنا. خطأ.

وسائب ثم عبيد بعدهم ... عبد يزيد ثامن والتاسع هاشم المولود من مطلب ... عبد مناف للجميع تابع. وهاشم المذكور في نسب الشافعي أخوان، لكن أم عبد يزيد بن هاشم بن المطلب أخت عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، فلذلك يقال: إن الشافعي ولده الهاشمان: ابن المطلب وابن عبد مناف، ولم يختلف أهل العلم بالأنساب في هذا النسب المسوق إلى عدنان وكثر اختلافهم فيمن فوقه، والهميسع ليس بأبي عدنان بل بينهما آباء على اختلاف في عددهم وأسمائهم، فيقال: هو عدنان بن أدّ بن أدد بن الهميسع، ويقال: هو عدنان بن أدّ بن أدد بن السميدع بن عابر بن شالخ بن الهميسع. وقولهم: إن الشافعي ابن عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتفرع على أصلين: أحدهما: أن ابن الابن يسمى ابنا. والثاني: أن عم الأب والجد يسمى عمًّا. والكلام في نسب الشافعي وفضائله وأحواله مبسوط في الكتب المصنفة في مناقبه. والحديث من رواية ابن عمر وجابر جميعًا قد سبق (¬1)، وأتينا بما ¬

_ (¬1) قد سبق في أول كتاب الشغار، وأوله ساقط من الأصل. والحديث من رواية ابن عمر: رواه البخاري (5112)، ومسلم (1415/ 57)، ومن رواية جابر: رواه مسلم (1417/ 62). قال النووي في "شرح مسلم": الشِّغار أصله في اللغة الرفع، يقال: شغر الكلب إذا رفع رجله ليبول، كأنه قال: لا ترفع رجل بنتي حتى أرفع رجل بنتك، وقيل: هو من شغر البلد إذ خلال؛ لخلوه عن الصداق. وأجمع العلماء على أنه منهي عنه، لكن اختلفوا هل هو نهي يقتضي إبطال النكاح أم لا؟ فعند الشافعي: يقتضي إبطاله، وحكاه الخطابي عن أحمد وإسحاق وأبي عبيد. =

لا بد منه من شرحه، لكنه فيما تقدم رواه عن عبد المجيد عن ابن جريج، وها هنا عن مسلم عن ابن جريج. الأصل [1796] ربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان بن عيينة، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب قال: كانت بنت محمَّد بن مسلمة عند رافع بن خديج فكره منها شيئًا إما كبرًا وإما غيره فأراد أن يطلقها فقالت: لا تطلقني وأنا أحل لك، فنزل في ذلك: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا} الآية. قال: فمضت بذلك السنة (¬1). الشرح هذا أيضًا قد سبق (¬2) مرة على إثر أحاديث اللعان، وذكرنا ما يتعلق به، وزاد ها هنا قوله: "فمضتْ بذلكَ السُّنَّة". الأصل [1797] سمعت الربيع يقول: كتب إلى أبو يعقوب البويطي: أن أصبر نفسك للغرباء، وأحسن خلقك لأهل حلقتك، فإني لم أزل أسمع الشافعي (¬3) يكثر أن يتمثل بهذا البيت: أهين لكم نفسي لكي يكرمونها ... ولن تكرم النفس التي لا تهينها. ¬

_ = وقال مالك: يفسح قبل الدخول وبعده، وفي رواية عنه: قبله لا بعده. (¬1) "المسند" ص (374). (¬2) تقدم برقم (1245). (¬3) زاد في الأصل: يقول. ليست في "المسند" وهي مقحمة.

قال أبو العباس: فرغنا من سماع كتاب الشافعي -رحمة الله عليه- يوم الأربعاء للنصف من شعبان سنة ست وستين ومائتين، سمعناه من أوله إلى آخره من الربيع بن سليمان قراءة عليه، وهذا مكتوب على ظهر كتاب الوصايا عن الشافعي بخط أبي يعقوب بن يوسف رحمه الله وكتب فيه: سمعناه ومحمد معنا ولا أعلم فاتنا من كتاب الشافعي شيء والحمد لله رب العالمين، نفعنا الله وإياه به. الشرح أبو يعقوب البويطي: هو يوسف بن يحيى، من كبار أصحاب الشافعي -رضي الله عنه-، يروى عنه أنه قال: ليس أحد أحق بمجلسي من يوسف بن يحيى، وليس أحد من أصحابي أعلم منه. وعن الربيع بن سليمان أنه قال: كان البويطي يحرك شفتيه بذكر الله تعالى أبدًا، وما رأيت أحدًا أنزع للحجة من كتاب الله تعالى منه. مات ببغداد سنة إحدى وثلاثين ومائتين في السجن والقيد في رجله وكان قد حمل من مصر في فتنة القرآن فأبى أن يقول بخلقه (¬1). ويعقوب بن يوسف: هو والد أبي العباس الأصم، وهو أبو الفضل يعقوب بن يوسف بن معقل بن سنان الأموي النيسابوري. سمع بالحجاز ومصر والشام والعراق والري وخراسان، وكان من أحسن الناس، توفي سنة سبع وسبعين ومائتين. والحكاية والشعر المذكوران لا أعرف لذكرهما سببًا في هذا الموضع إلا أن يكون ذهب مذهب أهل الحديث في ختم المجلس الذي ¬

_ (¬1) انظر "سير أعلام النبلاء" (12/ ترجمة 13).

يملونه بحكاية وشعر، وربما لم يراعوا المناسبة بينهما وبين ما تقدمهما. وفي الحكاية الوصية برعاية الغرباء، وحسن الخلق معهم والصبر على مجالستهم وإفادتهم ليقضوا أوطارهم، ولم يزل أهل العلم والحديث يسعون في إكرام الغرباء المحصلين ويتحملون منهم، وورد في ذلك أخبار وآثار كثيرة ليس هذا موضع ذكرها. وقوله: "أهين لكم نفسي" أي: بحمل (¬1) المشاق وأصبر معهم ليكرموني بالاحترام والدعاء، والنفس التي لا تحمل المتاعب ولا تراض بالمشاق لا تكاد تكرم، قيل لبعضهم وقد رؤي مرارًا على بعض الأبواب واقفًا في الشمس: لقد طال قيامك في الشمس! فقال: ليطول قعودي في الظل. وأما ذكر سماعه من الربيع بن سليمان فكأنه وحد طبقة السماع قريبًا من موضع المنقول منه الحكاية فأثبته، ويشبه أن يكون المراد من كتاب الشافعي "الأم" سمعه أبو العباس مع أبيه في التاريخ المذكور وقد استجاب الله تعالى دعاء أبيه ونفعه في سماعه وتحصيله ونفع به الناس، قال الحاكم أبو عبد الله في "تاريخ نيسابور": حدث أبو العباس في الإِسلام ستًّا وسبعين سنة على الصحة والإتقان، وما رأينا الرحالة في طلب الحديث في بلد من بلاد الإِسلام أكثر من المجتمعين عليه، فقد رأيت جماعة من أهل الأندلس والقيروان وبلاد المغرب على بابه، وجماعة من أهل طراز وأسفيحان وأهل المشرق على بابه، وجماعة من أهل المنصورة ومولتان وبست وسجستان، وجماعة من أهل فارس وخوزستان، فناهيك شرفًا وقبولًا في بلاد المسلمين. والله أعلم. ¬

_ (¬1) كذا، والأجود: أتحمل.

الأصل [1798] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مسلم بن خالد وسعيد عن ابن جريج، عن عكرمة بن خالد أن ابن أم الحكم سأل امرأة له أن يخرجها من ميراثها منه في مرضه فأبت، فقال: لأدخلن عليك فيه من ينقص حقك أو يضرُّ به، فنكح ثلاثًا في مرضه أصدق كل واحدة منهن ألف دينار، فأجاز ذلك عبد الملك بن مروان وشرك بينهن في الثمن. قال الشافعي: أرى ذلك صداق مثلهن. وقال سعيد بن سالم: إن كان ذلك صداق مثلهن جاز، وإن كان أكثر ردت الزيادة، وقال في المحاباة كما قلت (¬1). [1799] أبنا الربيع في كتابِ الوصايا الذي لم يسمع منه قال: قال الشافعي: ثنا سعيد، عن ابن جريج، عن عمرو بن دينار أنه عكرمة بن خالد يقول: أراد عبد الرحمن بن أم الحكم في شكواه أن يخرج امرأته من ميراثها فأبت، فنكح عليها ثلاث نسوة وأصدقهن ألف دينار كل امرأة منهن، فأجاز ذلك عبد الملك بن مروان وشرك بينهن في الثمن. قال الربيع: هذا قول الشافعي (نص) (¬2) قال الشافعي: أرى ذلك صداق مثلهن، ولو كان أكثر من صداق مثلهن جاز النكاح، ويبطل ما زاد على صداق مثلهن إن مات في مرضه ذلك؛ لأنه في حكم الوصية، والوصية لا تجوز لوارث (¬3). [1800] أبنا الربيع في كتاب الوصايا قال: قال الشافعي: ثنا ¬

_ (¬1) "المسند" ص (376). (¬2) ليست في "المسند". (¬3) "المسند" ص (377).

سعيد بن سالم، عن ابن جريج، عن موسى بن عقبة، عن نافع مولى ابن عمر أنه قال: كانت بنت حفص بن المغيرة عند عبد الله بن أبي ربيعة فطلقها تطليقة، ثم إن عمر بن الخطاب تزوجها فحدث أنها عاقر لا تلد فطلقها قبل أن يجامعها، فمكث حياة عمر وبعض خلافة عثمان رضي الله عنهما، ثم تزوجها عبد الله بن أبي ربيعة وهو مريض لتشرك نساءه في الميراث، وكانت بينها وبينه قرابة (¬1). [1801] أبنا الربيع في كتاب النكاح من الإملاء، أبنا الشافعي، أبنا مسلم بن خالد، عن ابن جريج، عن نافع أن ابن أبي ربيعة نَكَحَ وهو مريض فجاز ذلك (¬2). الشرح ابن أم الحكم: هو عبد الرحمن بن عبد الله بن أم الحكم. روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلًا، وقيل: هو عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي الحكم (¬3). وفي القصتين دلالة على جواز نكاح المريض مرض الموت خلافًا لما يحكى عن مالك، ويؤيده أن معاذًا -رضي الله عنه- قال في مرض موته: زوجوني، لا ألقى الله عزبًا (¬4). وقوله: "سأل امرأة له أن يخرجها من ميراثها منه" كأنه أراد أن يرضيها لتسامح سائر ورثته ببذل نصيبها أو بعضه لهم، وما ذكر الشافعي أنه يشبه أن يكون ذلك صداق مثلهن؛ فلأنه لو كان أكثر من ذلك ¬

_ (¬1) "المسند" ص (377). (¬2) "المسند" ص (377). (¬3) انظر "التاريخ الكبير" (5/ ترجمة 981)، و"الجرح والتعديل" (5/ ترجمة 1189). (¬4) رواه الشافعي بلاغًا في "الأم" (4/ 103).

كتاب أدب القاضي

فتستحق كل واحدة منهن مهر المثل والزيادة تنزع على الوارث، وللشافعي فيه قولان: أحدهما: أنه لغو، فإن أجاز سائر الورثة فهو ابتداء عطية منهم. وأظهرهما: أن إجازة سائر الورثة تنفيذ وإمضاء لما فعله الموصي؛ لما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "لا وصية لوارث إلا أن يشاء الورثة" (¬1). فإن لم تكن [التي] (¬2) نكحها وارثة كالذمية فالزيادة محسوبة من الثلث فينفذ التبرع بها إن خرجت من الثلث. وفي القصة الثانية أنه لما حدث عمر -رضي الله عنه- بأنها عاقر فارقها؛ لأن النكاح يبتغي للولد، ونكاح الولد هو المستحب. الأصل ومن كتاب أدب القاضي [1802] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن عبد الملك بن عمير، عن عبد الرحمن بن أبي بكرة، عن أبيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لاَ يَقْضِي القَاضِي -أو لا يحكُم الحاكِمُ- بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَانُ" (¬3). الشرح قد مرَّ (¬4) الحديث إسنادًا ومتنًا بما تيسر من الشرح. ¬

_ (¬1) رواه الدارقطني (4/ 98 - 99)، والبيهقي (6/ 263) من حديث ابن عباس. قال الحافظ في "الفتح" (5/ 372): رجاله ثقات إلا أنه معلول. وضعفه الألباني في "الإرواء" (6/ 96). (¬2) ليست في الأصل والسياق يقتضيها. (¬3) "المسند" ص (378). (¬4) سبق برقم (1325).

الأصل [1803] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا الثقة وكيع بن الجراح أو ثقة غيره أوهما، عن زكري ابن إسحاق، عن يحيى بن عبد الله بن صيفي، عن أبي معبد، عن ابن عباس "أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال لمعاذ بن جبل حين بعثه: فإنْ أجابُوكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَتُرَدُّ في فُقَرَائِهِمْ" (¬1). [1804] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أخبرني الثقة وهو يحيى بن حسان، عن الليث بن سعد، عن سعيد بن أبي سعيد، عن شريك بن أبي نمر، عن أنس بن مالك "أن رجلًا قال: يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬2)، نشدتك بالله، آلله أمرك أن تأخُذَ الصدقةَ من أغنيائنا وتردها عَلَى فقرائنا؟ قال: اللهمَّ نَعَم" (¬3). الشرح وكيع: هو ابن الجراح بن مليح بن [فرس] (¬4)، أبو سفيان الرؤاسي الكوفي، من الأئمة المشهورين من قيس غيلان. سمع: الأعمش، والثوري وشعبة، وإسماعيل بن أبي خالد. روى عنه: إسحاق الحنظلي، ومحمد بن نمير، والحميدي، ومحمد بن [] (¬5)، وزهير، وابن أبي شيبة، وأبو كريب، وقتيبة. ولد سنة تسع وعشرين ومائة، ومات بفيد منصرفًا من الحج سنة سبع ¬

_ (¬1) "المسند" ص (378). (¬2) زاد في الأصل: صلى الله عليه. (¬3) "المسند" ص (378). (¬4) في الأصل: فراس. والمثبت من مصادر التخريج. (¬5) بياض بمقدار كلمة.

وتسعين ومائة، ويقال أن أصله من [أستوا] (¬1) من أعمال نيسابور (¬2). وزكريا بن إسحاق: هو المكي. سمع: عمرو بن دينار، ويحيى بن عبد الله بن صيفي، وأبا الزبير. وروى عنه: وكيع، وروح بن عبادة، وعبد الله بن المبارك، وعبد الرزاق (¬3). ويحيى: هو ابن عبد الله بن محمَّد بن صيفي، مول آل عثمان بن عفان مكي. سمع: أبا معبد مولى ابن عباس، وعكرمة بن عبد الرحمن. وروى عنه: إسماعيل بن أمية، وابن جريج (¬4). والحديثان صحيحان، (أخرج البخاري (¬5) -الأول منهما- عن يحيى بن موسى، ومسلم (¬6) عن إسحاق بن إبراهيم، وأبو داود (¬7) عن أحمد بن حنبل، بروايتهم عن وكيع (¬8). وأخرج البخاري (¬9) الثاني منهما عن عبد الله بن يوسف عن الليث، وهما معًا مختصران، فتمام الأول: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لَمَّا بَعَثَ ¬

_ (¬1) في الأصل: أسترا. خطأ. (¬2) انظر "التاريخ الكبير" (8/ ترجمة 2618)، و"الجرح والتعديل" (9/ ترجمة 168) و"التهذيب" (30/ ترجمة 6695). (¬3) انظر "التاريخ الكبير" (3/ ترجمة 1402)، و"الجرح والتعديل" (3/ ترجمة 2684) و"التهذيب" (30/ ترجمة 1990). (¬4) انظر "التاريخ الكبير" (8/ ترجمة 3017)، و"الجرح والتعديل" (9/ ترجمة 670)، و"التهذيب" (31/ ترجمة 6866). (¬5) "صحيح البخاري" (1395). (¬6) "صحيح مسلم" (19/ 29). (¬7) "سنن أبي داود" (1584). (¬8) مكررة في الأصل. (¬9) "صحيح البخاري" (63).

مُعَاذًا إِلَى اليَمَنِ قَالَ: "إِنَّكَ تَأْتي قَوْمًا أَهْلَ كِتَاب فَادْعُهُمْ إلى شَهَادَةِ أَنْ لاَ إله إِلَّا اللهُ فَإِنْ هُمْ أجابوكَ لِذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ الله قد افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ في كلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَإِنْ هم أَجابُوك لِذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ الله قد افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً في أَمْوَالِهِمْ تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فتُرَدُّ في فُقَرَائِهِمْ فَإِنْ هُمْ أَجابُوك لِذَلِكَ فَإيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ وإِيَّاكَ ودَعْوَة المَظْلُومِ فَإِنَّهَا لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللهِ حِجَابٌ". وتمام الثاني: أن أنسًا قال: بَيْنَا نَحْنُ مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جُلُوسٌ في المَسْجِدِ إذ جَاءَ رَجُلٌ عَلَى جَمَلٍ فَأَنَاخَهُ في المَسْجِدِ ثُمَّ عَقَلَهُ، ثم قَالَ لَهُمْ: أَيُّكُمْ مُحَمَّدٌ -وَرَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مُتكِيءٌ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ- فقُلْنَا: هذا الرَّجُلُ الأَبْيَضُ المُتَّكِئُ، فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: يَا ابن عَبْدِ المُطَّلِبِ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "قَدْ أَجَبْتُكَ". فَقَالَ الرَّجُلُ: يَا مُحَمَّدُ إِنِّي سَائِلُكَ فَمُشَدِّدٌ عَلَيْكَ في المَسْألَةِ فَلاَ تَجِدَنَّ عليَّ في نَفْسِكَ. فقَالَ "سَلْ مَا بَدَا لَكَ". فَقَالَ: نَشَدْتُكَ بِرَبِّكَ وَرَبِّ مَنْ قَبْلَكَ آللهُ أَرْسَلَكَ إِلَى النَّاسِ كُلِّهِمْ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "اللهُمَّ نَعَمْ". قَالَ: فَأنْشُدُكَ اللهَ [آلله] (¬1) أَمَرَكَ أَنْ تُصَلِّي الصَّلَوَاتِ الخَمْسَ في اليَوْمِ وَاللَّيْلَةِ؟ فقَالَ: "اللهُمَّ نَعَمْ". قَالَ: فَأَنْشُدُكَ اللهَ آللَهُ أَمَرَكَ أَنْ تَصُومَ هذا الشَّهْرَ مِنَ السَّنَةِ؟ قَالَ: "اللهم نَعَمْ". قَالَ: فَأَنْشُدُكَ اللهَ آللهُ أَمَرَكَ أَنْ تَأخُذَ هذه الصَّدَقَةَ مِنْ أَغْنيَائِنَا فَتَقْسِمَهَا عَلَى فُقَرَائِنَا؟ قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "اللهُمَّ نَعَمْ". ¬

_ (¬1) سقط من الأصل والمثبت من "صحيح البخاري".

قَالَ الرَّجُلُ: آمَنْتُ بِمَا جِئْتَ بِهِ فأَنَا رَسُولُ مَنْ وَرَائي مِنْ قَوْمِي وَأَنَا ضِمَامُ بْنُ ثَعْلَبَةَ أَخُو بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ. واحتجَّ بالحديثين على مَنْعِ نقلِ الصدقةِ من البلد إلى البلد، وعلى أنه يجوز صرفُ الصدقة إلى صنف واحد فإنه لم يذكر إلا الفقراء، وعلى أن الصدقة لا تصرف إلى الأغنياء، وعلى أن صدقة أموال المسلمين لا تصرف إلى غيرهم، وفي الحديث الأول الأمر بالدعوة إلى الحق على الترتيب، وتقديم الأهم فالأهم من الأصول، والنهي عن أخذ خيار الأموال والترهيب من الظلم ودعوة [المظلوم] (¬1). وفي الثاني أنه أناخ الجمل في المسجد، وأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اتكأ بين القوم، وأن الرجل نسب النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى جده بالنبوة، واحتج به على جواز القراءة والعرض على المحدث، ثم رواية المعروض عنه؛ فإن الرجل عرض وقرأ على النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم أخبر قومه. وقوله: "بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ" يقال: كنت بين ظهريهم وظهرانيهم أي: بينهم وبين أظهرهم. ونشدتك الله، أنشدك الله، أنشدك أي: سألتك بالله، وقيل: سألت الله يرفع نشيدي، والنشيد: الصوت. الأصل [1805] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا (ابن) (¬2) عيينة، عن هارون بن رئاب، عن كنانة بن نعيم، عن قبيضة بن الخارق الهلالي قال: "تحملتُ حمالةً فأتيتُ النبي - صلى الله عليه وسلم - فسألتُهُ فقال: نؤديها .. " وذكر الحديث (¬3). ¬

_ (¬1) ليست في الأصل والسياق يقتضيها. (¬2) ساقطة من الأصل. (¬3) "المسند" (378).

الشرح كنانة بن نعيم هو أبو نصر العدوي البصري. سمع: قبيصة بن المخارق، وأبا برزة الأسلمي (¬1). وقبيصة بن المخارق الهلالي صحابي. سمع: النبي - صلى الله عليه وسلم -. وروى عنه: أبو عثمان النهدي (¬2). والحديث صحيح، أخرجه مسلم (¬3) عن يحيى بن يحيى وقتيبة، عن حماد بن زيد، عن هارون بن رئاب، وتمامه: أن قبيصة قال: تَحَمَّلْتُ حَمَالَةً فَأَتَيْتُ النبي - صلى الله عليه وسلم - أسْأَلُهُ فِيهَا - صلى الله عليه وسلم -. "أَقِمْ يا قبيصة حَتَّى تَأْتِيَنَا الصَّدَقَةُ فَنَأْمُرَ لَكَ بِهَا". ثُمَّ قَالَ "يَا قَبِيصَةُ لاَ تَحِلُّ المَسْأَلةَ إِلَّا لثَلاثةٍ: رَجُلٍ تَحَمَّلَ حَمَالَةً فَحَلَّتْ لَهُ المَسْأَلةُ حَتَّى يُصِيبَهَا، وَرَجُلٍ أَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ فاجْتَاحَتْ مَالَهُ فَحَلَّتْ لَهُ المَسْأَلةُ حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ -أَوْ قَالَ سِدَادًا مِنْ عَيْشٍ- وَرَجُلٍ أَصَابَتْهُ فَاقَةٌ حَتَّى يَقُول ثَلاثةٌ مِنْ ذَوِي الحِجَا مِنْ قَوْمِهِ أن قَدْ أَصَابَتْ فُلانًا فَاقَةٌ فَحَلَّتْ لَهُ الصَّدقةُ حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ، فَمَا سِوى ذلكَ مِنَ المَسْأَلةِ يَا قَبِيصَةُ سُحْتًا يأكلُهَا الرجل سُحْتًا". قوله: "تَحَمَّلْتُ حَمَالَةً"، ويروى: "تَحَمَّلْتُ بحَمَالَةٍ" أي: تكفلت، والحمالة: الضمان، والحميل: الضامن، ويروى: رجل تحمل بحمالة ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (7/ ترجمة 1016)، و"الجرح والتعديل" (7/ ترجمة 964)، و"التهذيب" (24/ ترجمة 4999). (¬2) انظر "معرفة الصحابة" (4/ ترجمة 2457)، و"الإصابة" (5/ ترجمة 7066). (¬3) "صحيح مسلم" (1044/ 109).

بين قوم أي: تحمل الدية وأصلح بين قوم يخاف وقوع الحرب. وقوله: "اجْتَاحَتْ مَالَهُ" أي: استأصلته، والجائحة: الآفة والمصيبة. وقوله: "سِدَادًا مِنْ عَيْشٍ" أي: بلغة تسد خلته، وكل شيء سددت به خللًا فهو سداد بكسر السين، ومنه سداد الثغر، وسداد القارورة، والسَّداد بالفتح: الإصابة في المنطق والرمي وغيرهما. والسحت: الحرام؛ سمي به لأنه يسحت البركة أي: يذهب بها، يقال: سحته وأسحته. واحتج بالحديث على أنه إذا كان بين قوم تشاحن في دم أو مال فتحمل رجل حمالة وضمن مالًا وبذله في تسكين ثائرة الفتنة والإصلاح، يحل له المسألة ويعطى من الصدقات ما تبرأ به ذمته، ولا فرق في ذلك بين أن يكون غنيًّا أو فقيرًا. وحمل قوله: "وَرَجُلٍ أَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ .. إلى آخره" على ما إذا هلك مال الرجل بسبب ظاهر كبردٍ أفسد ثماره، أو نارٍ أحرقت متاعه؛ فله المسألة ويعطى من الصدقة ما يسدّ خلته، ولا يطالب ببينة تشهد على هلاك ماله. وقوله: "وَرَجُلٍ أَصَابَتْهُ فَاقَةٌ .. إلى آخره" على ما إذا ادعى هلاك ماله بسبب خفي كطروق لص أو خيانة مودع؛ فلا يعطى من الصدقة حتى يذكر جماعة من المختصين به والواقفين على حاله أن ماله قد هلك، وذكر بعض الأصحاب أنه لا تقبل في الشهادة على الإفلاس أقل من ثلاثة شهود احتجاجًا بهذا الخبر، وقال الجمهور: يكفي [شاهدان] (¬1). ¬

_ (¬1) قطع في الأصل والمثبت أشبه بالرسم.

والمقصود في الخبر تعرف الحال لتزول الريبة وتحصل الثقة، وليس سبيله سبيل الشهادات. والله أعلم. الأصل [1806] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان بن عيينة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عبيد الله بن عدي بن الخيار "أن رجلين أخبراه أنهما أتيا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسألاه من الصدقة، فصعد فيهما وصوب فقال: إنْ شئتما ولاحظَّ فيها لغني و [لا] (¬1) لذي قوةٍ مُكْتَسِبٍ" (¬2). الشرح أخرج أبو داود الحديث في "السنن" (¬3) عن مُسدَّد، عن عِيسَى بْن يُونُسَ عن هِشَامُ، واللفظ: أَخْبَرَني رَجُلاَنِ أَنَّهُمَا أَتيَا النبي - صلى الله عليه وسلم - في حَجَّةِ الوَدَاعِ وَهُوَ يَقْسِمُ الصدَقَةَ فَسَأَلاَهُ مِنْهَا فَرَفَعَ فِيهما النظر وَخَفَضَهُ فَرآنا جَلْدَيْنِ فَقَالَ: "إِنْ شِئْتُمَا أَعْطَيْتُكُمَا وَلاَ حَظَّ فِيهَا لِغَني وَلاَ لذي قوةٍ مُكْتَسِبٍ" وهذا يبين ما وقع في رواية الكتاب من حذف واختصار. واستدل به على أن من يسأل الصدقة بالفقر أو المسكنة لا يطالب بالبينة، وعلى أن الإِمام إذا لم يعلم حالهما ينبغي أن [ينذرهما] (¬4) ويكل الأمر إلى أمانتهما، وعلى أن القوي المكتسب الذي يغنيه كسبه لا تحل له الصدقة، وعلى أن مجرد القوة لا تكفي؛ فإنه - صلى الله عليه وسلم - اعتبر مع القوة الاكتساب؛ وذلك لأن الشخص قد يكون قويًّا إلا أنه أخرف لا كسب له، وعلى هذا الحديث نزل ما روي أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تحل ¬

_ (¬1) سقط من الأصل والمثبت من "المسند". (¬2) "المسند" ص (379). (¬3) "سنن أبي داود" (1633). (¬4) في الأصل: ينذروهما. والمثبت الصواب إن شاء الله.

الصدقة لِغَني وَلاَ لذي مرة سوي" (¬1) والمرة: القوة، وأصلها من شدة الفتل، يقال: أمررت الحبل إذا أحكمت فتله. وفيه دليل على أن الصدقة لا تحل للغني، وورد من رواية أبي سعيد الخدري استثناء بعض الأغنياء، فروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "لاَ تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنيٍّ إِلَّا لِخَمْسَةٍ: لِغَازٍ في سَبِيلِ اللهِ، أَوْ لِعَامِلٍ عَلَيْهَا، أَوْ لِغَارِمٍ، أَوْ لِرَجُلٍ اشْتَرَاهَا بِمَالِهِ، أَوْ لِرَجُل كانَ لَهُ جَارٌ مِسْكِينٌ فَتُصُدِّقَ عَلَى المِسْكِين فَأَهْدَاهَا المِسْكِينُ لِلْغَنيِّ" (¬2)، فيجوز للغازي الأخذ من الصدقة وإن كان غنيًّا، وكذا للعامل فإن ما يأخذه أجرة عمله، وحمل الغارم على الدين يستدين لإصلاح ذات البين دون من يستدين لنفسه؛ وأما الآخران فأمرهما ظاهر. والحديث ليس من المراسيل المختلف فيها فإن الصحابة كلهم عدول. الأصل [1807] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة أن سعدًا قال: يَا رَسُولَ اللهِ أرأيت إِنْ ¬

_ (¬1) رواه النسائي (8/ 99)، وابن ماجه (1839)، وابن الجارود (364)، وابن خزيمة (2387)، والحاكم (1/ 565) من حديث أبي هريرة. قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين. وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (7251). ورواه أبو داود (1634)، والترمذي (652) من حديث عبد الله بن عمرو. قال الترمذي: حديث حسن. (¬2) رواه أبو داود (1637)، وابن ماجه (1841)، وابن الجارود (365)، وابن خزيمة (2368)، والحاكم (1/ 566). قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين. وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (7250).

وَجَدْتُ مَعَ امْرَأَتي رَجُلًا أُمْهِلُهُ حَتَّى آتيَ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "نَعَمْ" (¬1). الشرح الحديث مكرر (¬2) بإسناده ومتنه، فليراجع. ¬

_ (¬1) "المسند" ص (379). (¬2) تقدم برقم (976).

كتاب الطعام والشراب وعمارة الأرضين

الأصل ومن كتاب الطعام والشراب وعمارة الأرضين مما لم يسمع الربيع من الشافعي وقال: أعلم أن ذا من قوله، وبعض كلامه هذا سمعته في كتابه الكبير المبسوط. [1808] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن ابن شهاب، عن أبي إدريس، عن أبي ثعلبة "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن كلِّ ذي نابٍ من السِّباع" (¬1). [1809] أبنا الربيع قال: قال الشافعي: أبنا سفيان، عن الزهري، عن أبي إدريس، عن أبي ثعلبة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله. أبنا الربيع، قال الشافعي: أبنا مالك، عن إسماعيل بن أبي حكيم، عن عبيدة بن سفيان الحضرمي عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "كلُّ ذي نابٍ من السِّباع حَرام" (¬2). الشرح هذا الأصل نقله الربيع من أبواب وكتب لم يسمعها من الشافعي، وفيه دليل على أنه يجوز أن يقال: قال فلان كذا، وروى فلان كذا نقلًا عن كتابه المعتمد وإن لم يسمع الحاكي منه ولا ممن رواه عنه. وقوله: وبعض كلامه هذا سمعته في كتابه الكبير المبسوط يريد به: "الأم". وحديث أبي ثعلبة الخشني قد سبق (¬3) في الكتاب من رواية ابن ¬

_ (¬1) "المسند" ص (380). (¬2) "المسند" ص (380). (¬3) تقدم في كتاب الرسالة وهو ساقط من الأصل. والحديث رواه البخاري (5530)، ومسلم (1932/ 12 - 14). قال النووي في "شرح مسلم": فيه دلالة لمذهب الشافعي وأبي حنيفة وأحمد وداود والجمهور أنه يحرم أكل كل ذي ناب من السباع. وقال مالك: يكره ولا يحرم. قال أصحابنا: المراد بذي الناب: ما يتقوى به ويصطاد. =

عيينة عن ابن شهاب، وزاد ها هنا رواية مالك عن ابن شهاب وحديث أبي هريرة قد تقدم أيضًا بإسناده ومتنه، لكن اللفظ هناك: "أكلُ كلِّ ذي نابٍ من السِّباع حرامٌ" وتكلمنا فيه. الأصل [1810] أبنا الربيع قال: قال الشافعي: أبنا سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار (عن) (¬1) جابر قال: "أطعمنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لحوم الخيل ونهانا عن لحوم الحمر" (¬2). [1811] أبنا الربيع قال: قال الشافعي: أبنا سفيان، عن هشام، عن فاطمة، عن أسماء قالت: "نحرنا فرسًا على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - فأكلنا" (¬3). [1812] أبنا الربيع قال: قال الشافعي: أبنا مالك بن أنس، عن ابن شهاب، عن عبد الله والحسن ابني محمَّد بن علي، عن أبيهما، عن علي "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عام خيبر عن نكاحِ المتعة، وعن لحوم الحمر الأهلية" (¬4). ¬

_ = واحتج مالك بقوله تعالى: {قُلْ لَا أَجِدُ في مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا} الآية. واحتج أصحابنا بالحديث وقالوا: الآية ليس فيها إلا الإخبار بأنه لم يجد في ذلك الوقت محرمًا إلا المذكورات في الآية ثم أوحى إليه بتحريم كل ذي ناب من السباع فوجب قبوله والعمل به. أ. هـ (¬1) في الأصل: قال. والحديث رواه مسلم (1933/ 15). (¬2) في الأصل: قال. والمثبت من "المسند". (¬3) "المسند" ص (380). (¬4) "المسند" ص (381).

الشرح حديث جابر صحيح، أخرجه البخاري (¬1) عن سليمان بن حرب، ومسلم (¬2) عن يحيى بن يحيى، بروايتهما عن حماد بن زيد، عن عمرو بن دينار، عن محمَّد بن علي، عن جابر بن عبد الله. وأبو سبط (¬3) محمَّد بن علي بن الحسين في رواية حماد [بين] (¬4) عمرو بن دينار وبين جابر ذكر بعضهم أن عَمْرًا لم يسمع هذا الحديث من جابر ويمكن خلافه. وحديث أسماء رواه البخاري (¬5) عن الحميدي عن سفيان، وأخرجه مسلم (¬6) من وجه آخر. وحديث علي قد مرَّ (¬7) في الكتاب. وقول جابر: "ونهانا عن لحوم الحمر" يعني: الأهلية منها، على ما هو مقيد في حديث علي -رضي الله عنه-، وكذلك هو (مقيد) (¬8) في بعض الروايات عن جابر. وفي حديثه وحديث أسماء ما يبين أن لحم الخيل مباح، وبه قال شريح والحسن وعطاء بن أبي رباح وسعيد بن جبير وحماد بن أبي سليمان وأحمد وإسحاق. ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (4219). (¬2) "صحيح مسلم" (1941/ 36). (¬3) كذا في الأصل ومحمد بن علي هو أبو جعفر الباقر. (¬4) في الأصل: بن. خطأ. (¬5) "صحيح البخاري" (5510). (¬6) "صحيح مسلم" (1942/ 38) من طرق عن هشام. (¬7) تقدم برقم (791). (¬8) في الأصل: (مقبل).

وذهب بعضهم إلى تحريمه، منهم: ابن عباس والحكم ومالك وأبو حنيفة. وقد روي عن خالد بن الوليد قال: "نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن لحوم الخيل والبغال والحمير وكل ذي ناب من السباع" (¬1) لكنه ضعيف الإسناد. والنهي عن لحوم الحمر الأهلية زمن خيبر يروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من رواية ابن عمر والبراء بن عازب وعبد الله بن أبي أوفى وسلمة بن الأكوع وأبي ثعلبة الخشني وأبي هريرة وأنس والمقدام بن معدي كرب -رضي الله عنهم-. وكما تحرم لحوم الحمر الأهلية تحرم لحوم البغال، روي عن عطاء بن أبي رباح عن جابر "أنهم كانوا يأكلون لحم الخيل على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ونهى عن لحوم البغال والحمير" (¬2). الأصل [1813] أبنا الربيع قال: قال الشافعي: أبنا سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس، عن الصعب عن ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (3790)، والنسائي (7/ 202)، وابن ماجه (3198)، والدارقطني (4/ 287) من طريق صالح بن يحيى بن المقدام بن معد يكرب، عن أبيه، عن جده عن خالد. قال الدارقطني: حديث ضعيف، وروى عن موسى بن هارون الحمال أن صالح بن يحيى لا يعرف ولا أبوه إلا بجده. وقال ابن الجوزي في "العلل المتناهية" (1095): قال أحمد: حديث منكر. وقال النووي في "شرح مسلم": قال البخاري: فيه نظر، وقال البيهقي: إسناده مضطرب، وقال الخطابي في إسناده نظر. (¬2) رواه النسائي (7/ 201 - 202)، وابن ماجه (3197) وضعفه الألباني في "ضعيف الجامع" (6034).

جثامة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا حِمَى إلا لله ورسوله" (¬1). [1814] أبنا الربيع قال: قال الشافعي: أبنا عبد العزيز بن محمَّد، عن زيد بن أسلم، عن أبيه أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- استعملَ مولى لَهُ يقالُ [له] (¬2): هني على الحمى، فقال: يا هني ضُمّ جناحَك للناسِ، واتق دعوةَ المظلومِ، فإنَّ دعوةَ المظلومِ مُجابة، وأدخِل ربَّ الصَّريمة وربَّ الغنيمة، وإياي ونِعم ابن عفان ونِعم ابن عوف؛ فإنهما إن تهلك ماشيتهما يرجعان إلى نخلٍ وزرعٍ، وإنَّ رب الغنيمة يأتي بعياله فيقول: يا أمير المؤمنين، يا أمير المؤمنين، أفتاركهم أنا لا أبا لك، فالماء والكلأ أهون من الدنانيرِ والدراهم، وايم الله لعلى ذلك إنهم ليرون أني قد ظلمتُهم، إنها لبلادهم قاتلوا عليها في الجاهلية، وأسلموا عليها في الإِسلام، ولولا المال الذي أحملُ عليه في سبيل الله ما حميتُ على المسلمين من بلادهم شبرًا (¬3). الشرح هني مولى لعمر بن الخطاب -رضي الله عنه-. سمع منه، وليس هو بهني بن نويرة الضبي (¬4). وحديث الصعب أورده البخاري في "الصحيح" (¬5) عن يحيى بن بكير عن الليث عن يونس عن الزهري، وأبو داود (¬6) عن ابن السرح عن ابن وهب عن يونس. ¬

_ (¬1) "المسند" ص (381). (¬2) سقط من الأصل والمثبت من "المسند". (¬3) "المسند" ص (381). (¬4) انظر "التاريخ الكبير" (8/ ترجمة 2879)، و"الجرح والتعديل" (9/ ترجمة 467)، و"التهذيب" (30/ ترجمة 6608). (¬5) "صحيح البخاري" (2370). (¬6) "سنن أبي داود" (3083).

وقصة عمر داخلة في "الموطأ" (¬1) رواها مالك عن زيد بن أسلم، وأوردها البخاري (¬2) عن إسماعيل بن أبي أويس عن مالك. والمراد من الحمى أن يحمي بقعة من الموات لمواشٍ خاصة، ويمنع مواشي سائر الناس منها، وكان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يحمي لخاصة نفسه لكنه لم يفعل، وحمى النقيع لمصالح الخيل المعدة في سبيل الله، ولما فضل من سهمان أهل الصدقة وما فضل من نعم الجزية، روي عن نافع عن ابن عمر "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حمى [النقيع] (¬3) لخيل المسلمين ترعى فيه" (¬4). والنقيع: موضع بالمدينة معروف، وهو مستنقع للماء ينبت فيه الكلأ إذا نضب الماء. قال الشافعي: وهو بلد ليس بالواسع الذي إذا حمي ضاقت البلاد على أهل المواشي (¬5). ولما روى الزهري حديث الصعب قال عقيبه: وبلغنا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حمى النقيع. وأما الأئمة بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - فليس لأحد منهم أن يحمي لنفسه خاصة، وهل يحمي لمصالح المسلمين؟ فيه قولان للشافعي: أحدهما: لا لظاهر قوله: "لا حمى إلا الله ورسوله". وأصحهما: نعم. ¬

_ (¬1) "الموطأ" (2/ 1003 رقم 1822). (¬2) "صحيح البخاري" (3059). (¬3) في الأصل: النقيل. تحريف. (¬4) رواه أحمد (2/ 155)، وابن حبان (4683)، والبيهقي (6/ 146). قال الحافظ في "الفتح" (5/ 45): وفي إسناده العمري وهو ضعيف. (¬5) "الأم" (4/ 47).

وهو قول أبي حنيفة ومالك والأكثرين؛ لأن عمر -رضي الله عنه- حمى السرف والربذة، وأولوا الحديث على أن يحمي لنفسه كما كانوا يفعلونه في الجاهلية، كان العزيز منهم إذا انتجع بلدًا متحصنًا أرقى بكلب على جبل أو نشز ثم استعوى الكلب فوقف له من يسمع منتهى صوته بالعواء، فإلى حيث انتهى صوته حماة لنفسه من كل ناحية ورعى فيما سواه لسائر الناس. وقوله: "ضم جناحك للناس" في بعض الروايات: "اضمم جناحك عن المسلمين"، وهما صحيحان، أي: لِنْ وتواضع لهم واكفف شرَّك عنهم. والصُّريمة: تصغير الصرمة، وهي القطعة القليلة من الإبل، ويقال: هي ما دون الأربعين. وأراد بالغنيمة: القطعة من الغنم. وقوله: "وإياي ونعم ابن عفان وابن عوف" كأنه يقول: كل أمر نعمهما إلى راغبين أنت بمواشي الضعفاء لئلا تهلك مواشيهم فأحتاج إلى الإنفاق عليهم من بيت المال، وقد يوجد: "وإياك ونعم ابن عفان" أي: لا تدخلها في الحمى. وقولهم: لا أبا لك، ولا أب لك: كلمة تذكر في معرض المدح والتلطف. وقوله: "وايم الله" قسم بقطع الألف ووصلها: وهو جمع أيمن جمع يمين، ثم حذفوا النون لكثرة اللفظ في الكلام. وقوله: "إنهم ليرون ... إلى آخره" أي: قد يظن بعضهم أني ظلمت بما حميت ولكن قصدي رعاية المسلمين ولولاها ما حميت شبرًا.

الأصل [1815] أبنا الربيع قال: قال الشافعي: أبنا ابن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن يحيى بن جعدة قال: "لما قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة اقطع الناس الدور، فقال حيٌّ من بني زهرة يقالُ لهم: بنو عبد [بن] (¬1) زهرة: نكب عنا ابن أم عبد. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: فلم ابتعثني الله إذًا؟! إن الله لا يُقدِّسُ أمةً لا يُؤخَذُ للضعيفِ فيهم حقه" (¬2). [1816] أبنا الربيع قال: قال الشافعي: أبنا ابن عيينة، عن هشام، عن أبيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أقطع الزبير أرضًا، وأن عمر بن الخطاب أقطع العقيق أجمع، وقال: أين المستقطعون؟ والعقيق قريب من المدينة (¬3). الشرح يحيى هو ابن جعدة بن هبيرة بن أبي وهب المخزومي القرشي. روى عنه: عمرو بن دينار، وحبيب بن أبي ثابت (¬4). والحديثان مرسلان، لكن لأصل (¬5) الإقطاع ثابت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالروايات الصحيحة المسندة، ففي الصحيحين (¬6) من رواية أبي ¬

_ (¬1) سقط من الأصل والمثبت من "المسند". (¬2) "المسند" ص (381). (¬3) "المسند" ص (381). (¬4) انظر "التاريخ الكبير" (8/ ترجمة 2941)، و"الجرح والتعديل" (9/ ترجمة 562)، و"التهذيب" (31/ ترجمة 6801). (¬5) كذا في الأصل والأجود: أصل. (¬6) "صحيح البخاري" (3153)، و"صحيح مسلم" (2182/ 34).

أسامة، عن هشام، عن أبيه عروة، عن أسماء بنت أبي بكر قالت: "كنت أنقل النوى من أرض الزبير التي أقطعه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على رأسي وهي مني على ثلثي فرسخ". وفي "صحيح البخاري" (¬1) عن أنس بن مالك قال: دعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الأَنْصَارَ ليقْطِعَ لَهُمُ البَحْرَيْنِ. فَقَالُوا: لاَ، حتى تُقْطِعَ لإِخْوَانِنَا مِنَ المُهَاجِرينَ مِثْلَ الذي تقطعنا. فقَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أما إنكم ستَلْقَوْنَ بَعْدِي أثرَةٌ فاصبروا حتى تلقوني". أي: يستأثر ويفضل غيركم عليكم، وعن علقمة بن وائل عن أبيه "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أقطعه أرضًا بحضرموت" (¬2)، وعن ابن عمر "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أقطع الزبير حُضْر فرسه" (¬3). ثم الإقطاع قد يكون لمجرد الارتفاق كما في مقاعد الأسواق المقطع يصير بالإقطاع أولى بها من غيره، وقد يكون الغرض منه التملك وذلك بأن يقطعه الإِمام مواتًا فيصير هو أولى بإحيائه وتملكه بالإحياء. قال الشافعي: والعامر لا يقطع. وما روي "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أقطع الدور بالمدينة" فقد قيل: إن الدور اسم لموات معين، وقيل: المعنى أنه أقطع ساحات من الموات ليتخذوها دورًا، وكان ما أقطعه بين النخيل والمنازل، واحتج به على أن الموات القريب من العمارات وبينهما إذا لم يكن من مرافق ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (3151). (¬2) رواه أبو داود (3058)، والترمذي (1381). وقال الترمذي: حديث حسن. (¬3) رواه أبو داود (3072). قال الحافظ في "التلخيص" (1301): فيه عبد الله بن عمر العمري وفيه ضعف.

العمارات كالموات البعيد، وحكى أبو سليمان الخطابي عن أبي إسحاق المروزي أن المعنى أنه أقطعهم الدور على سبيل العارية، قال: وما روي "أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - أقطع الزبير نخلًا" فيشبه أن يكون إنما أعطاه من الخمس الذي هو سهمه، ويمكن أن يكون هو المراد فيما عرضه على الأنصار من البحرين. وقوله: "حي من بني زهرة" هم رهط عبد الرحمن بن عوف وفي "مختصر المزني" بدله: "حي من بني عذرة" وعدّ ذلك غلطًا. وقولهم: "نكب عنا ابن أم عبد" أي: نحّه وبعده منا، وابن أم عبد هو عبد الله بن مسعود، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - أقطعه من الدور شيئًا فحافظ على حقه ولم يجبهم إلى ما سألوا، وقال: إنما بعثني الله تعالى بالعدل والإنصاف. والتقديس: التطهير. وفي الحديث ترغيب في إعانة الضعفاء والإحسان إليهم. وقوله: "أين المستقطعون" أي: الطالبون للإقطاع والسائلون له، وأما العقيق فقد ذكر الأئمة أن هذا الاسم يقع على مواضع مختلفة، فالعقيق: واد عليه أموال لأهل المدينة على ثلاثة أميال منها وقد يزاد وينقص وفيه بئر رومة، وهو العقيق الأصغر، وعقيق آخر أكبر منه وفيه بئر عروة، عقيق آخر أكبر منه وهو من بلاد مزينة، وهو الذي أقطعه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بلال بن الحارث، ثم أقطعه عمر -رضي الله عنه- وأبقى له ما راه كافيًا له، والعقيق الذي ورد فيه: "إنك بواد مبارك" (¬1) ببطن وادي ذي الحليفة، والعقيق المذكور في المواقيت من ذات عرق أو عندها. ¬

_ (¬1) قال المنذري (1885): رواه البزار من حديث عائشة بإسناد جيدٍ قوي.

الأصل [1817] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ مَنَعَ فَضْلَ الماءِ ليمنعَ به الكلأ منعه الله فضلَ رحمتِهِ يومَ القيامة" (¬1). الشرح معنى الحديث ثابت صحيح؛ روى البخاري (¬2) عن عبد الله بن محمَّد، ومسلم (¬3) عن عمرو الناقد، بروايتهما عن سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عن أبي هُرَيْرَةَ قال: أراه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "ثَلاثةٌ لاَ يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَلاَ يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ ولهم عذاب أليم، رَجُل حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ على مالِ مُسْلِمٍ فاقتطَعَهُ، وَرَجُل حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ بَعْدَ صلاةِ العَصْرِ أنَّه أُعطيَ بسلعَتِهِ أكْثَرَ مِمَّا أَعْطَى وَهْوَ كَاذِبٌ، وَرَجُلٌ مَنَعَ فَضْلَ مَاءٍ، فإنَّ الله تعالى يقول: اليَوْمَ أَمْنَعُكَ فَضْلِي، كمَا مَنَعْتَ فَضْلَ مَا لَمْ تَعْمَلْ يَدَاكَ". ولكن اللفظ المسوق في الكتاب لم يثبته أئمة الحديث بالإسناد المذكور فيه، بل قالوا (¬4): الصحيح بالإسناد المذكور: "لاَ يُمْنَعُ فَضلُ المَاءِ لِيُمْنَعَ بِهِ الكَلأُ". وكذلك رواه البخاري في "الصحيح" (¬5) عن عبد الله بن يوسف، ومسلم (¬6) عن يحيى بن يحيى، بروايتهما عن مالك؛ ¬

_ (¬1) "المسند" ص (382). (¬2) "صحيح البخاري" (7446). (¬3) "صحيح مسلم" (108/ 174). (¬4) وهو قول البيهقي في "بيان من أخطأ على الشافعي" (1/ 244 - 247) فراجعه منه. (¬5) "صحيح البخاري" (2353). (¬6) "صحيح مسلم" (1566/ 36).

وروى مسلم (¬1) عن أبي الطاهر عن ابن وهب عن يونس عن الزهري عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله، وروى البخاري عن يحيى بن بكير عن الليث عن عقيل عن الزهري عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا تمنعوا فَضْلَ المَاءِ لتمنَعُوا به الكَلأَ". قالوا (¬2): وإنما يروى اللفظ المسوق في الكتاب من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومن رواية الحسن عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلًا (¬3) وعن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من وجه ضعيف. قال الحافظ أبو بكر البيهقي: وقد رواه الزعفراني في القديم، والمزني وحرملة عن الشافعي على الصحة، والربيع نقل ما رواه عن كتاب إحياء الموات ولم يقرأ ذلك الكتاب على الشافعي ولا سمع منه وكأن الكاتب غلط، ولو قريء عليه لغيَّره. والله أعلم (¬4). ومعنى الحديث أن الماشية إنما ترعى بقرب الماء، فإذا منع الماء وليس هناك ماء آخر فقد منع من الكلأ وحازه لنفسه، وفوته على الناس. واعلم أن المياه أنواع: أحدها: المياه المباحة، كالأودية العظيمة، والعيون في الجبال، ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (1566/ 37). (¬2) وهو قول البيهقي في "بيان من أخطأ على الشافعي" (1/ 244 - 247) فراجعه منه. (¬3) زاد في الأصل: وعن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلًا. وهو سهو من الناسخ، والمصنف نقله برمته عن البيهقي كما ذكرت دون تبيين ذلك، وهي عادته، وهو ممال يعاب عليه. (¬4) "بيان من أخطأ على الشافعي" (1/ 244 - 247).

وسيول الأمطار؛ فالناس فيها سواء، فإن قلّ بعضها أو ضاق المشرع فالسابق أولى، فإن تساويا حكمت القرعة ويقدم من أراده للشرب على من أراده لسقي الأرض. والثاني: المياه المحرزة في الأواني المأخوذة من الأودية المباحة وهي مملوكة لمحرزها ليس لغيره أن يزاحمه فيها. والثالث: ماء البئر المحفورة في الموات للارتفاق، وصاحب البئر أولى به إلى أن يرتحل، وليس له منع ما فضل عمن يأخذه للشرب، ولا منع مواشيه، وله المنع من سقي الزرع به. والرابع: ماء البئر المحفورة في الملك أو في الموات للتملك، وهو مملوك على أظهر الوجهين، وسواء قلنا أنه مملوك أو غير مملوك فلا يجب بذل ما فضل عن حاجته لزرع الغير خلافًا لأحمد، ووافقه بعض أصحابنا، والظاهر أنه يجب بذله للماشية، ومنهم من لم يوجبه وحمل الحديث على الاستحباب أو على ماء بئر الارتفاق، وإذا قلنا بالوجوب فهل له أن يأخذ عليه عوضًا؟ فيه وجهان: أصحهما: المنع؛ لما روي "أنه - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع فضل الماء" (¬1). الأصل [1818] أبنا الربيع (¬2) قال: قال الشافعي: أبنا مالك، عن هشام، عن أبيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ أحيا مواتًا فهو له، وليس لعرق ظالم حق" (¬3). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1565) من حديث جابر بن عبد الله. (¬2) زاد في الأصل: أبنا الشافعي. وهو سهو من الناسخ. (¬3) "المسند" ص (382).

[1819] أبنا الربيع قال: قال الشافعي: أبنا سفيان، عن طاوس، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من أحيا مواتًا من الأرض فهو له، وعادي الأرضَ لله ولرسولِهِ، ثم هي لكُم مِنِّي" (¬1). [1820] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا عبد الرحمن بن الحسن بن القاسم الأزرقي، عن أبيه، عن علقمة بن نضلة أن أبا سفيان بن حرب قام بفناء داره فضرب برجله، وقال: سنام الأرض [إن] (¬2) لها سنامًا، زعم ابن فرقد الأسلمي أني لا أعرف حقي من حقه، لي بياض المروة وله سوادها, صلي ما بين كذا إلى كذا، فبلغ ذلك عمر بن الخطاب فقال: ليس لأحدٍ إلا ما أحاطت عليه جدرانه، إنَّ إحياء المواتِ ما يكونُ زرعًا أو حفرًا أو يحاط بالجدران، وهو مثل إبطاله التحجير بغير ما يعمر به مثل ما يحجر (¬3). الشرح علقمة: هو ابن نضلة بن عبد الرحمن بن علقمة الكناني. روى عنه: عثمان بن أبي سليمان (¬4). وأبو سفيان: هو صخر بن حرب بن أمية الأموي القرشي، والد معاوية من مشاهير قريش في الجاهلية والإِسلام. روى عنه: ابن عباس. يقال: إنه مات بالمدينة سنة إحدى وثلاثين (¬5). ¬

_ (¬1) "المسند" ص (382). (¬2) في الأصل: أي. والمثبت من "المسند". (¬3) "المسند" ص (382). (¬4) انظر "التاريخ الكبير" (7/ ترجمة 175)، و"الجرح والتعديل" (6/ ترجمة 2261)، و"التهذيب" (20/ ترجمة 4019). (¬5) انظر "معرفة الصحابة" (3/ ترجمة 1467)، و"الإصابة" (3/ ترجمة 4050).

وحديث مالك قد سبق (¬1) مرة، وروى يحيى بن آدم عن سفيان بن عيينة عن هشام بن عروة عن أبيه يرفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله وزاد: وقال هشام: العرق الظالم أن يأتي مال غيره فيحفر فيه (¬2). وروى أبو داود (¬3) الحديث مسندًا عن محمَّد بن المثنى عن عبد الوهاب عن أيوب عن هشام بن عروة عن أبيه عن سعيد بن زيد عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وروى البخاري في "الصحيح" عن يحيى بن بكير، عن الليث، عن عبيد الله بن أبي جعفر، عن محمَّد بن عبد الرحمن، عن عروة، عن عائشة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من عَمَّر أرضًا ليست لأحدٍ فهو أحق بها" قال عروة: [قضى] (¬4) بذلك عمر بن الخطاب في خلافته. وحديث طاوس مرسل أيضًا، ورواية سفيان عن طاوس مرسلة أيضًا، ورواه قبيصة عن سفيان عن ابن طاوس، وليث عن طاوس عن ابن عباس موقوفًا عليه (¬5)، ورواه معاوية بن هشام موصولًا مرفوعًا فقال: ثنا سفيان عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "موتان الأرض لله ولرسوله فمَنْ أحْيا شيئًا منها فهو له" (¬6). ¬

_ (¬1) تقدم في "كتاب اختلاف مالك والشافعي" وهو ساقط من النسخة. (¬2) رواه البيهقي (6/ 142) من طريق يحيى بن آدم. (¬3) "سنن أبي داود" (3073)، وكذا رواه الترمذي (1378) عن محمَّد بن بشار عن عبد الوهاب. قال الترمذي: حسن غريب. وصححه الألباني في "الإرواء" (1520). (¬4) في الأصل (يعني) وهو تحريف، والمثبت من "من صحيح البخاري". (¬5) رواه البيهقي (6/ 143). (¬6) رواه البيهقي (6/ 143)، وقال: تفرد به معاوية بن هشام موصولًا مرفوعًا. قال الحافظ في (التلخيص) (1293): وهو مما أنكر عليه.

وفي الأحاديث دلالة على أن الموات تملك بالإحياء، وإطلاقها يقتضي ثبوت الملك وإن لم يأذن السلطان، خلافًا لأبي حنيفة على ما قدمنا، وذكر أن قوله - صلى الله عليه وسلم -: "ثم هي لكم مني" خطاب مع المسلمين، واستدل به على أن الذمي لا يمكن من الإحياء في دار الإِسلام، وبينه ما في بعض الروايات: "موتان الأرض لله ولرسوله، ثم هي لكم مني أيها المسلمون" (¬1). وقوله: "ليس لعرق ظالم حق" قد فسره هشام، والمقصود أن يحفر في أرض غيره بغير إذنه فيغرس أو يزرع؛ فلصاحب الأرض قلع غراسه وزرعه، وتفسيره يبين أن اللفظ: "لعرق ظالم" على النعت؛ سماه ظالمًا لأن صاحبه ظلم، ويمكن أن يقرأ على الإضافة. وقوله: "عادي الأرض" يقال للشيء القديم: عادي نسبة إلى عاد الأولى. وإذا ملك الموات بالإحياء ملك ما حواليه بقدر ما يحتاج إليه للانتفاع بالمحيا، فليس لغيره التصرف فيه بالإحياء وغيره، وما جاوز ذلك فليس لمعمور ولا محتاج إليه في الانتفاع بالمعمور المحيا فيبقى على ما كان، ولذلك أنكر عمر -رضي الله عنه- على أبي سفيان قوله: "لي ما بين كذا إلى كذا" وكأنه كان قد [أحيا] (¬2) مواتًا وابن فرقد أحيا مواتًا آخر قريبًا منه فظن اتساع ملكيهما وتجاوزهما. وقوله: "إن أحياء الموات ما يكون زرعًا أو حفرًا ويحاط بالجدارات" مقصوده أن الإحياء إنما يحصل بالعمارة ويختلف باختلاف ¬

_ (¬1) قال الحافظ في "التلخيص" (1293): قوله في آخره: "أيها المسلمون" هو مدرج. (¬2) سقط من الأصل.

مقصود المحيي، فإن انحدر دارًا فلا بدّ من التحويط والتسقيف، وإن قصد الزراعة فلا بد من جمع التراب محيطًا بالأرض ومن الحراثة، وإن قصد بستانًا فلا بد من التحويط وشق النهر والغراس، وعلى هذا القياس. قال أبو بكر البيهقي الحافظ: وقوله: "إن إحياء الموات ... إلى آخره" أظنه من كلام الشافعي، فقد رواه الحميدي عن عبد الرحمن بن الحسن ولم يذكره (¬1). وأما قوله: "وهو مثل إبطاله التحجير بغير ما يعمر به مثل ما يحجر" فلا شبهة أنه من كلام الشافعي، وأراد أن التحجير لا يفيد الملك، وإذا لم يعمر الموضع عمارة تليق بمثل ما حجر له يبطل تحجيره. وقوله: "مثل ما يحجر" يمكن أن يجعل فعلًا مستقبلًا من التحجير، أي: مثل ما يحجر له ويقصده من دار وبستان، وغيرهما، ويمكن أن يقرأ: "مثل ما تحجر" والتحجير والتحجر متقاربان، وكأنه أشار بذلك إلى ما روي عن يحيى ابن آدم عن سفيان بن عيينة عن الزهري عن سالم بن عبد الله عن أبيه قال: كان الناس يتحجرون على عهد عمر -رضي الله عنه-، فقال عمر: من أحيا أرضًا مواتًا فهي له. قال مالك: كأنه لم يجعلها له بالتحجير حتى يحييها (¬2). ¬

_ (¬1) "السنن الكبير" (6/ 148). (¬2) رواه البيهقي (6/ 148)، وفيه أن يحيى هو القائل: كأنه لم يجعلها ... إلخ. وأن مالكًا زاد فيه: مواتًا. فلعل المصنف وهم فيه.

وعن ابن أبي نجيح عن عمرو بن شعيب أن عمر -رضي الله عنه- جعل التحجير ثلاث سنين، فإن تركها حتى يمضي ثلاث سنين فأحياها غيره فهو أحق بها (¬1). الأصل [1821] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان بن عُيَيْنَةَ، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "يَا عَائِشَةُ أَعَلِمْتِ أَنَّ الله قَدْ أفتَانِي فِيمَا اسْتَفْتَيْتُهُ فِيهِ -وقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكث كذا وكذا يخيل إليه أنه يأتي النساء فلا يأتيهن- أتاني رَجُلاَنِ فَجَلَس أَحَدُهمَا عِنْدَ رِجْلَيَّ، وَالآخَرُ عِنْدَ رَأْسِي، فَقَالَ الذِي عِنْدَ رجلي للذي عند رأسي مَا بَالُ الرَّجُلِ؟ قَالَ: مَطْبُوب. قَالَ: وَمَنْ طبَّهُ؟ قَالَ: لَبِيدُ بْنُ أَعْصَمَ، قَالَ: فِيمَ؟ قَالَ في جُفِّ طَلْعَةٍ ذَكَرٍ في مُشْطٍ وَمُشَاقَةٍ. تَحْتَ رَعُونَةٍ، أو رعوفة -شكَّ ربيع- في بِئْرِ ذَرْوَانَ". قال: فجاءها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "هذِه التي أُرِيتُهَا، كَأَنَّ رءوسَ نَخْلِهَا رُءُوسُ الشَّيَاطينِ، وكَأَنَّ مَاءَهَا نُقَاعَةُ الحِنَّاءِ" فأمر بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخرج. قالت عائشة: فقلت: يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬2) فهلا. قال سفيان: تعني تَنَشَّرْتَ. [قالت] (¬3) عائشة: فقال: "أَمَا والله فَقَدْ شَفَاني، وَأكرَهُ أَنْ أُثِيرَ عَلَى النَّاسِ منه شَرًّا". ¬

_ (¬1) رواه البيهقي (6/ 148). (¬2) زاد في الأصل: - صلى الله عليه وسلم -. (¬3) في الأصل: قال. والمثبت من "المسند".

قالت: ولُبيد بن أَعْصم رجل من بني زريق حليف ليهود (¬1). [1822] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن عمرو بن دينار أنه سمع بجالة يقول كتب عمر -رضي الله عنه-: أن اقتلوا كل ساحر وساحرة، قال: فقتلنا ثلاثَ سواحر. قال: وأخبرنا أن حفصة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - قتلت جارية لها سحرتها (¬2). الشرح حديث عائشة صحيح مشهور، رواه البخاري عن عبد الله بن محمَّد، وأخرجاه في الكتابين (¬3) عن هشام بن عروة من أوجه. وقوله: " أفتاني في أمر استفتيته فيه" أي: أجابني عن سؤال سألته، والاستفتاء: السؤال وطلب الفتوى؛ قال تعالى: {فَاَسْتَفْتِهِم} (¬4) أي: سلهم. وقوله: "مطبوب" أي: مسحور، وطبّه: سحره، وذكر أن الطب من الأضداد يقال لعلاج الداء: طب، وللسحر: طب، وهو أعظم الأدواء، وقيل لتسمية المسحور مطبوبًا تنزيلان: أحدهما: أنه مما يستعمل فيه الحذق والمهارة من قولهم: رجل طبٌّ بالأمور، أي: ماهر بها حاذق فيها. والثاني: التفاؤل، كما يسمي اللديغ سليمًا، أي: يعالج فيبرأ. والجفُّ: وعاء الطلع الذي ينفتق عنه، وقال الزمخشري: جفُّ الطلعة: وعاؤها إذا جف، ويروى: "في جب طلعة" ثم قيل: ¬

_ (¬1) "المسند" ص (382). (¬2) "المسند" ص (382). (¬3) رواه البخاري (3175) و (3268)، ومسلم (2189). (¬4) سورة الصافات: 11.

الجب والجف واحد، وقيل: جبها: جوفها، ومنه: جب البئر وهو جرابها من أعلاها إلى أسفلها. وقوله: "في مشط ومشاقة" كذا هو في هذه الرواية، وفي غيرها: "ومشاطة"، والمشاطة: ما ينفصل من الرأس واللحية عند التسريح بالمشط، والمشاقة: ما يمشي من الكتان، وقيل: هما سواء. وقوله: "تحت رعونة أو رعوفة -شك ربيع" الأشهر والأظهر في روايات الحديث: "تحت راعوفة" وفي تفسيرها أقوال: قيل: هي صخرة في قعر البئر تترك ناتئة عند الحفر ليقف عليها من ينقي البئر. وقيل: حجر لا يمكن قطعه لصلابته فيبقى في بعض البئر ناتئًا. وقيل: حجر على رأس البئر يستقي عليه المستقي. وقيل: حجر في طيَّها بارز يقف عليه المستقي والناظر، وقد يقال للراعوفة: راعوثة بالثاء أيضًا، وروي بعض روايات البخاري "رعوفة" ولم يقيد ما شك فيه الربيع والأشبه بما ذكرنا ويصوره الخط أن شكه في رعوثة ورعوفة. والله أعلم. وقوله: "في بئر ذروان" كذا هي في هذِه الرواية، ويروى "بئر أوان" (¬1)، ويروى: "بئر ذي أروان" وعن الأصمعي أنه الصواب (¬2)، وهي بئر كانت معروفة بالمدينة في بني زريق. ¬

_ (¬1) كذا في الأصل، وفي "الفتح": ووقع عند الأصيلي فيما حكاه عياض: "في بئر ذي أوان" بغير راء، قال عياض: وهو وهم فإن هذا موضع آخر على ساعة من المدينة. (¬2) قال النووي في "شرح مسلم": وكلاهما صحيح (أي: ذروان، وأروان) والأول أصح وأجود (أي: أروان). ونقل قول الأصمعي بصحته ونقله أيضًا عن ابن قتيبة.

وقوله: "كأن رءوس نخلها رءوس الشيطان" ويروى: "روس الشياطين" قيل: أراد أنها مستدقة كرءوس الحيات، وتسمى الحية: الشيطان. وقيل: أراد أنها قبيحة الهيئات وحشة كأنها رءوس الشياطين الهائلة المنظر. وقوله: "تنشرت" من النُّشرة وهي التطبب بنوع من الاغتسال، قال (¬1): هيئات مخصوصة بالتجربة، وقد أجازها قوم من العلماء وكرهها قوم، وبروى عن جابر قال: "سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن النشرة فقال: هو من عمل الشيطان" (¬2). قال الخطابي: النشر: ضرب من الرقية والعلاج يعالج به من يظن به مس الجن، ولو كانت الرواية: "هلا نشرت أو فسَّرت" بالتشديد لكان قريب بالمعنى مما روي في بعض روايات "الصحيح": "هلا أخرجته". وفيه دليل على أن للسحر حقيقة وأثرًا، وعلى أنه لا بأس بظهور أثره على الرسل، وسبيله سبيل ما يلحق من العلل والأمراض، وفيه بيان قوة النبي - صلى الله عليه وسلم - وصبره على الأذى وحمله. وأما ما روي أنه أمر عمر بقتل كل ساحر وساحرة. فقد قال الأصحاب: فعل السحر حرام بالإجماع، واعتقاد إباحته كفر، وإذا قال الرجل: أحسن السحر أو تعلمته استوصف، فإن وصفه بما هو كفر فهو كافر وإلا فلا، وفعل السحر أو تعلمه بمطلقه لا يوجب ¬

_ (¬1) كذا! بدون بيان صاحب القول. (¬2) رواه أبو داود (3868). وصححه الألباني في "المشكاة" (4553).

القتل؛ روي أن مدبرة لعائشة رضي الله عنها سحرتها استعجالًا للعتق فباعتها عائشة ممن يسيء ملكتها من الأعراب (¬1). وكان ذلك بمحضر من الصحابة ولم يقتلوها، وحديث عمر محمول على سحر هو كفر. ¬

_ (¬1) رواه الحاكم (4/ 244)، وقال: صحيح على شرط الشيخين. وصححه الحافظ في "التلخيص" (4/ 41).

كتاب الوصية الذي لم يسمع من الشافعي

الأصل ومن كتاب الوصية الذي لم يسمع من الشافعي [1823] أبنا الربيع قال: قال الشافعي: أبنا سفيان، عن هشام بن ححير، عن طاوس، عن ابن عباس أنه قيل له: كيف [تأمر] (¬1) بالعمرة قبل الحج والله تعالى يقول: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ}؟! فقال: كيف تقرءون: الدين قبل الوصية، أو الوصية قبل الدين؟ قالوا: الوصيةُ قَبْلُ الدَّيْنِ. قال: فبأيهما تبدءون؟ قالوا: الدَّين. قال: فهو ذلك. قال الشافعي: يعني أن التقديم جائز (¬2). الشرح تقديم العمرة على الحج جائز على صورة التمتع وعلى غير صورته، ولكن في كل واحد منهما كلام وشبهة: أما على صورة التمتع فقد روي عن عمر وعثمان رضي الله عنهما النهي عن التمتع، وعن أبي ذر -رضي الله عنه- أن المتعة في الحج كانت لأصحاب محمَّد - صلى الله عليه وسلم - خاصة. وأما على غير صورة التمتع، فقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - "أنه نهى عن ¬

_ (¬1) في الأصل: تأمره. والمثبت من "المسند". (¬2) "المسند" ص (384).

العمرة قبل الحج" (¬1) فكأن السائل بلغه ذلك فراجع ابن عباس فيه، واعتقد أن تقديم الحج على العمرة في قوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} (¬2) يقتضي تقديمها في الحصول والوجوب، فبين له ابن عباس أن التقديم في اللفظ لا يقتضي تقديمها في الحصول والوجوب، كما أن الوصية في لفظ القرآن مقدمة على الدين، والدين مقدم على الوصية، وقد روي عن ابن عباس أنه قال: "تمتع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر وعمر وعثمان، وأول من نهى عنه معاوية" (¬3). والنهي عن العمرة قبل الحج تكلموا في إسناده، وبتقدير ثبوته فهو محمول على أنه أولى وأهم؛ لأنه أعظم النسكين. الأصل [1824] أبنا الربيع قال: قال الشافعي: أبنا مالك، عن ابن شهاب، عن علي بن الحسين قال: إنما ورث أبا طالب عقيل وطالب، ولم يرثه علي ولا جعفر، قال: فلذلك تركنا نصيبنا من الشعب (¬4). الشرح في القصة دليل على أن أبا طالب مات كافرًا ولم يرثه علي وجعفر رضي الله عنهما؛ لأنهما كانا مسلمين، وورثه عقيل وطالب؛ لأن عقيلًا ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (1793). قال الزرقاني في "شرحه" (2/ 356): إسناده ضعيف ومنقطع. وقال الخطابي: في إسناده مقال، وكذا ابن قدامة في "المغني" (3/ 125). وضعفه الألباني في "ضعيف الجامع" (6051). (¬2) سورة البقرة: 196. (¬3) رواه الترمذي (822)، وقال: حسن صحيح. (¬4) "المسند" ص (384).

لم يكن أسلم بعد، وقد روى أسامة بن زيد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يرثُ الكافرُ المسلمَ ولا المسلمُ الكافِرَ" (¬1). وقوله: "ولذلك تركنا نصيبنا من الشِّعب" يريد دورهم ومساكنهم هناك، وقد روى الزهري عن علي بن الحسين، عن عمرو بن عثمان، عن أسامة بن زيد قال: "قلت: يا رسول الله أين تنزل غدًا في حجته؟ فقال: وهل تركَ عقيلٌ منزلًا" (¬2). واحتج الشافعي به على جواز بيع رباع مكة، فإن عقيلًا كان قد باع منازل آبائه، فرأى النبي - صلى الله عليه وسلم - بيعه جائزًا. الأصل [1825] أبنا الربيع قال: قال الشافعي: قلت: أبنا محمَّد بن الحسن أو غيره من أهل الصدق في الحديث أو هما، عن يعقوب بن إبراهيم (¬3)، عن هشام بن عروة، عن أبيه قال ابتاع عبد الله بن جعفر بيعًا. فقال علي -رضي الله عنه-: لآتين عثمان -رضي الله عنه- فلأحجرن عليك، فأعلم ذلك ابن جعفر الزبير. فقال: أنا شريكك في بيعك، فأتى علي عثمان فقال: احجر على هذا. فقال الزبير: أنا شريكه. قال عثمان: أحجر على رجل شريكه الزبير (¬4)! ¬

_ (¬1) رواه البخاري (6724)، ومسلم (1614/ 1). (¬2) رواه البخاري (15884)، ومسلم (1351). (¬3) "المسند" ص (384). (¬4) قلت: ويعقوب بن إبراهيم هو أبو يوسف القاضي صاحب أبي حنيفة، وقد سبقت ترجمته.

الشرح وعبد الله بن جعفر بن أبي طالب عبد مناف بن عبد المطلب الهاشمي أبو جعفر، أمه أسماء بنت عميس. سمع: النبي - صلى الله عليه وسلم -، وعمه عليًّا -رضي الله عنه-. وروى عنه: سعد بن إبراهيم، وعروة بن الزبير، وابن أبي مليكة، ومورق العجلي. ولد بأرض الحبشة ومات بالمدينة سنة (¬1). وروى القصة عن أبي يوسف: عمرو الناقد (¬2). واحتج الشافعي بها على أن البالغ قد حجر عليه بسبب السفه، وقال: علي لا يطلب الحجر إلا وهو يراه، وعثمان والزبير لو لم يرياه لقالا: لا نحجر على البالغ ولم يعللا بشركة الزبير (¬3). ويقال: إن عبد الله كان قد اشترى أرضًا بستمائة ألف درهم فكأنه عد مغبونًا في شرائه، فلقيه الزبير فقال: ما اشترى أحد أرخص مما اشتريت، ولو أن عندي مالًا لشاركتك. قال: فإني أقرضك نصف المال. قال: فأنا شريكك، فأتى الزبير عليًّا وعثمان وقال: أتحجران على رجل أنا شريكه؟ قالا: لا. ¬

_ (¬1) كذا في الأصل! وفيه اختلاف، قال الحافظ: والمشهور أنه مات سنة ثمانين. وانظر "معرفة الصحابة" (3/ ترجمة 1591)، و"الإصابة" (4/ ترجمة 4595). (¬2) قال ابن الملقن في "الخلاصة" (1576): رواها الشافعي والبيهقي بإسناد حسن. (¬3) "الأم" (3/ 220).

كتاب اختلاف علي وعبد الله رضي الله عنهما مما لم يسمع الربيع من الشافعي

قال: فأنا شريكه. هكذا رواه الزبير بن المديني عن هشام (¬1). وكان الزبير معروفًا بالحذق في البيع والشرى، وفي "صحيح البخاري" (¬2) أن ابن الزبير قال في بيع أو عطاء أعطته عائشة رضي الله عنها: لتنتهين عائشة أو لأحجرن عليها، فتأذت منه عائشة ولم تكلمه مدة حتى شفعت فيه. وذلك يدل على شيوع الحجر فيما بينهم. الأصل ومن كتاب اختلاف علي وعبد الله رضي الله عنهما مما لم يسمع الربيع من الشافعي. [1826] أبنا الربيع قال الشافعي: أبنا ابن علية، عن شعبة، عن عمرو بن مرة، عن زاذان قال: "سأل رجل عليًّا -رضي الله عنه- عن الغُسْلِ. قال: اغتسِل كلّ يومٍ إن شئت. فقال: لا، الغسل الذي هو الغسل؟ قال: يوم الجمعة، ويوم عرفة، ويوم النحر، ويوم الفطر" (¬3). الشرح عمرو: هو ابن مرة بن عبد الله بن طارق بن الحارث بن سلمة المرادي الأعمي أبو عبد الله. ¬

_ (¬1) رواه البيهقي (6/ 61) من طريق الزبير ابن المديني. (¬2) "صحيح البخاري" (6073). (¬3) "المسند" ص (385).

سمع: عبد الله بن أبي أوفى، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وأبا وائل. وروى عنه: شعبة، والثوري، والأعمش، ومسعر. مات سنة ست عشرة ومائة (¬1). وقوله: "اغتسل كل يوم إن شئت" يحتمل أن يريد إن وجد سببه، ويحتمل أن يريد تجديد الغسل على قول من يجعله كتجديد الوضوء. وقوله: "لا، الغسل الذي هو الغسل" أي لا أريد هذا أريد الغسل المؤكد المستحب فذكر له الأغسال الأربعة. الأصل [1827] أبنا الربيع قال: قال الشافعي: أبنا ابن عيينة، عن أبي السوداء، عن ابن عبد خير، عن أبيه قال: "توضأ علي -رضي الله عنه- فغَسَلَ ظهرَ قدميه، وقال: لولا أني رأيتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يمسح ظهر قدميه لظننتُ أنَّ باطنهما أحق" (¬2). الشرح أبو السوداء: هو عمرو بن عمران النهدي. روى عن: ابن ساقط، وابن عبد خير. وروى عنه: الثوري، وابن عيينة (¬3). ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (6/ ترجمة 2662)، و"الجرح والتعديل" (6/ ترجمة 1421)، و"التهذيب" (22/ ترجمة 4448). (¬2) "المسند" ص (385). (¬3) انظر "التاريخ الكبير" (6/ ترجمة 2634)، و"الجرح والتعديل" (6/ ترجمة 1389)، و"التهذيب" (22/ ترجمة 4419).

وابن عبد خير: هو المسيب بن عبد خير بن يزيد البجلي الكوفي. سمع منه: حصين بن عبد الرحمن (¬1). وأبوه عبد خير أبو عمارة البجلي. روى عن: علي -رضي الله عنه- وأدرك زمان النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يره، ويقال: إنه كان قد أتى عليه مائة وعشرون سنة (¬2). وروى الأثر عن ابن عيينة: إسحاق الحنظلي كما رواه الشافعي، ورواه الحميدي عن ابن عيينة وقال: "توضأ علي -رضي الله عنه- فمسح على ظهر قدميه" وليس المراد ظاهره كما تدعيه الشيعة ولكن فيه اختصار؛ والمراد ظهر القدمين من الخفين بدليل أن حفص بن غياث روى عن الأعمش، عن أبي إسحاق، عن عبد خير قال: قال علي -رضي الله عنه-: "لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه، ولقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مسح على ظهر خفيه" (¬3). وروى إبراهيم بن طهمان عن أبي إسحاق، عن عبد خير، عن علي قال: "كنت أرى باطن القدمين [أحق] (¬4) بالمسح من ظاهرهما حتى رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - توضأ ومسح على ظهر قدميه على خفيه" (¬5). ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (7/ ترجمة 1788)، و"الجرح والتعديل" (8/ ترجمة 1350)، و"التهذيب" (27/ ترجمة 5971). (¬2) انظر "التاريخ الكبير" (6/ ترجمة 1939)، و"الجرح والتعديل" (6/ ترجمة 2019)، و"التهذيب" (16/ ترجمة 3734). (¬3) رواه أبو داود (162). قال الحافظ في "الفتح" (13/ 289): إسناده حسن وفي "التلخيص" (1/ 60): إسناده صحيح، وصححه الألباني في "الإرواء" (103). (¬4) سقط من الأصل والمثبت من "السنن". (¬5) رواه البيهقي (1/ 292) من طريق ابن طهمان، ورواه أبو داود (163، 164) من =

وقد تمسك بذلك من رأى الاقتصار في المسح على مسح أعلى الخف، وقال: إنما ذكره علي -رضي الله عنه- إنكار لمسح الأسفل، وروي مثله عن عمر -رضي الله عنه-، وبه قال أبو حنيفة وأحمد، وعندنا الأكمل مسح الأعلى والأسفل، ثبت ذلك من فعل ابن عمر، وعن رواية المغيرة بن شعبة "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مسح أعلى الخف وأسفله" (¬1). الأصل [1828] أبنا الربيع قال: قال الشافعي: عن عمر بن الهيثم الثقة، عن شعبة، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عن نَاجِيَةَ بْنَ كَعْبٍ، عَنْ عَليٍّ قال: قلتُ: يا رسولَ الله بأبي أنت وأمي إن أبي قد مَاتَ. قَالَ: "اذْهَبْ فَوَارِهِ". قلت: إِنَّهُ مَاتَ مُشْرِكًا. قَالَ: "اذْهَبْ فَوَارِهِ". فَوَارَيْتُهُ ثم أتيتُه. قال: "اذهب فاغْتَسِلْ" (¬2). الشرح عمرو هو ابن الهيثم أبو قطن الزبيدي. روى عنه: مخلد بن مالك، وقتيبة. ¬

_ = طريق الأعمش عن أبي إسحاق. (¬1) رواه أبو داود (165)، والترمذي (97)، وابن ماجه (550)، وابن الجارود (84) من طريق ثور بن يزيد، عن رجاء بن حيوة، عن كاتب المغيرة، عنه. قال الترمذي: هذا حديث معلول لم يسنده عن ثور بن يزيد غير الوليد بن مسلم، وسألت أبا زرعة ومحمد بن إسماعيل عنه، فقالا: ليس بصحيح لأن ابن المبارك روى هذا عن ثور عن رجاء عن كاتب المغيرة مرسلًا. وضعفه الحافظ في "البلوغ" (1/ 14)، والألباني في "ضعيف أبي داود" (22). (¬2) "المسند" ص (385). والحديث رواه أبو داود (3214)، والنسائي (1/ 110)، وابن الجارود (550). قال ابن الملقن في "التحفة" (868): إسناده حسن. وصححه الألباني في "الإرواء" (717).

سمع: المسعودي، ويعد في البصريين (¬1). وناجية بن كعب: هو الأسدي، ويعد في الكوفيين. روى عن: علي، وعبد الله. وروى عنه: أبو إسحاق، وأبو حسان الأعرج (¬2). وفيه أنه لا بأس بأن يدفن المسلم قريبه المشرك ويتبع جنازته. قال الشافعي: ولا بأس بغسله أيضًا. وذكر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما أمر عليًّا -رضي الله عنه- بالغسل لأنه غسله (¬3)، والغسل من غسل الميت محبوب، روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "من غسل ميتًا اغتسل، ومن حمله توضأ" (¬4) في الباب عن عائشة، لكن علماء الحديث لم يصححوا في الباب شيئًا عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وصححوه عن أبي هريرة موقوفًا. ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (6/ ترجمة 2703)، و"الجرح والتعديل" (6/ ترجمة 1480)، و"التهذيب" (22/ ترجمة 4466). (¬2) انظر "التاريخ الكبير" (8/ ترجمة 2364)، و"الجرح والتعديل" (8/ ترجمة 2223)، و"التهذيب" (29/ ترجمة 6352). (¬3) قال الحافظ في "التلخيص" (2/ 114): ليس في شيء من طرق الحديث التصريح بأنه غسله إلا أن يؤخذ ذلك من قوله: "فأمرني فاغتسلت" فإن الاغتسال شرع من غسل الميت ولم يشرع من دفنه. (¬4) رواه الترمذي (993)، وابن ماجه (1463)، وابن حبان (1161) من طريق سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة. وصححه الألباني في "الإرواء" (144). وقال الحافظ في "التلخيص" (182): قال البيهقي: الصحيح أنه موقوف، وقال البخاري: الأشبه موقوف، وقال علي وأحمد: لا يصح في الباب شيء، وعلق الشافعي القول به على صحة الخبر في البويطي، وقال الذهلي: لا أعلم فيه حديثًا ثابتًا ولو ثبت للزمنا استعماله، وقال ابن المنذر: ليس في الباب حديث يثبت.

وفيه تصريح بكفر أبي طالب. الأصل [1829] أبنا الربيع قال: قال الشافعي، أبنا ابن عيينة، عن شبيب بن غرقدة، عن حبان بن الحارث قال: أتيت عليًّا -رضي الله عنه- وهو معسكر بدير أبي موسى فوجدته يطعم، فقال: ادن فكل. قلت: إني أريدُ الصومَ. قال: وأنا أريد، فدنوتُ فأكلتُ، فلما فرغ قال: يا ابن النباح أقم الصَّلاة (¬1). الشرح حبان بن الحارث: هو أبو عقيل، يعد في البصريين، سمع: عليًّا. وروى عنه: شبيب بن غرقدة، وهو حبان بالباء وكسر الحاء، كذلك ذكره الدارقطني وغيره، وذكره البخاري في باب حبان وفي باب حيان أيضًا، وذكر رواية شبيب عنه وتعرض في الموضعين للأثر الذي نحن فيه (¬2). وابن النباح من الموالي وكان مؤذن علي - رضي الله عنه -، وروى عنه: جعفر ¬

_ (¬1) "المسند" ص (382). (¬2) انظر "التاريخ الكبير" (3/ ترجمة 301)، و"الجرح والتعديل" (3/ ترجمة 1082، 1200). ولم أجده في "التاريخ الكبير" في باب حيان وهو في باب حبان فقط، وإنما هو في البابين في "الجرح والتعديل" وقد عزوت لهما. قال ابن حبان في الثقات (4/ ترجمة 2379): الصحيح حِبان.

ابن أبي ثوران (¬1). وقوله: "وهو يطعم" يريد السحور، وفضل التسحر مشهور، روي عن أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "تسحروا فإنَّ في السحورِ بركة" (¬2). وقوله: "إني أريدُ الصوم" أشار به إلى قرب طلوع الفجر واستبعد الأكل حيئذٍ للصائم، فقال علي -رضي الله عنه-: "وأنا أريد الصوم" ولا بأس بتأخير التسحر للصائم بل هو أفضل؛ روي عن زيد بن ثابت قال: "تسرحنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم قمنا إلى الصلاة. قلت: كم كان قدر ما بينهما؟ قال: قدر خمسين آية" (¬3). وقوله: "أقم الصلاة" لما فرغ من الأكل: يحتمل أن يريد به الأذان، والأذان للصبح قبل الفجر جائز، ويحتمل أنه طلع الفجر عقيب فراغه فأمر بالإقامة، وعلى الاحتمال الثاني نزله الشافعي -رضي الله عنه-، واستدل به على وقوع الأذان قبل الفجر. الأصل [1830] أبنا الربيع قال: قال الشافعي، أبنا ابن علية، عن شعبة، عن أبي إسحاق، عن عاصم بن ضمرة، عن علي -رضي الله عنه- قال: إذا ركعت فقلت: اللهم [لك] (¬4) ركعت، ولك خشعت، ولك أسلمت، وبك آمنت [وعليك] (¬5) ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (6/ ترجمة 2962)، و"الجرح والتعديل" (6/ ترجمة 1828). (¬2) رواه البخاري (1923)، ومسلم (1095). (¬3) رواه البخاري (575)، ومسلم (1097). (¬4) سقط من الأصل والمثبت من "المسند". (¬5) في الأصل: وعليه. والمثبت من "المسند".

توكلت؛ فقد تم ركوعك (¬1). [1831] أبنا الربيع قال: قال الشافعي: أبنا ابن علية، عن خالد الحذاء عن عبد الله بن الحارث [عن الحارث] (¬2) الهمداني، عن علي كان يقول بين السجدتين: اللهم اغفر لي وارحمني واهدني واجبرني (¬3). الشرح عاصم بن ضمرة هو السلولي، كوفي. يروي عن: علي. وروى عنه: الحكم بن عتيبة، وأبو إسحاق (¬4). وعبد الله بن الحارث يمكن أن يكون أبا الوليد البصري الأنصاري الذي روى عنه: عاصم الأحول، وخالد (¬5)؛ وأن يكون عبد الله بن الحارث الزبيدي المكتب الكوفي الذي حدث عن: عبد الله بن عمر، وزهير بن الأقمر. وروى عنه: عمرو بن مرة (¬6). والحارث الهمداني: هو الحارث بن عبد الله أبو زهير الخارفي ¬

_ (¬1) "المسند" ص (386). (¬2) سقط من الأصل والمثبت من "المسند". (¬3) "المسند" ص (386). (¬4) انظر "التاريخ الكبير" (6/ ترجمة 3052)، و"الجرح والتعديل" (6/ ترجمة 1910)، و"التهذيب" (13/ ترجمة 3012). (¬5) انظر "التاريخ الكبير" (5 ترجمة 158)، و"الجرح والتعديل" (5/ ترجمة 138)، و"التهذيب" (14/ ترجمة 3217). (¬6) انظر "التاريخ الكبير" (5/ ترجمة 156) و"الجرح والتعديل" (5/ ترجمة 137)، و"التهذيب" (14/ ترجمة 3219). قلت: والأشبه أنه الأول.

الأعور الكوفي، ويقال: الحارث بن عبيد. يروي عن: علي -رضي الله عنه- وقد نسبه إبراهيم والشعبي ومن بعدهما إلى الكذب (¬1). وروي عن الشافعي أنه قال بعد رواية ذكر الركوع: وهم يكرهون هذا وهو عندنا كلام حسن (¬2)، وأراد أن العراقيين يخالفون فيه عليًّا -رضي الله عنه-، ثم قال: وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - شبيه به (¬3)، وأراد ما سبق في الكتاب من حديث عطاء بن يسار عن أبي هريرة وحديث عبيد الله بن [أبي] (¬4) رافع [عن] (¬5) علي (¬6). وأما الأثر الثاني ففي بعض الروايات عن الشافعي: أبنا ابن علية، وفي بعضها: عن ابن علية، وقال [بعد] (¬7) روايته: وهم -يعني: العراقيين- يكرهون هذا ولا يقولون به (¬8)، وقد روي عن حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬9). وقوله: "بين السجدتين ... " هذه الألفاظ المروية عن علي، وزاد (¬10): "وارفعني وارزقني"، وزاد بعضهم: "وعافني". ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (2/ ترجمة 2437)، و"الجرح والتعديل" (3/ ترجمة 363)، و"التهذيب" (5/ ترجمة 1025). (¬2) "الأم" (7/ 165). (¬3) "الأم" (7/ 165). (¬4) سقط من الأصل. (¬5) سقط من الأصل. (¬6) سبقا برقم (153، 154). (¬7) ليست في الأصل والسياق يقتضيها. (¬8) "الأم" (7/ 165). (¬9) رواه أبو داود (850)، والترمذي (284)، وابن ماجه (898)، والحاكم (1/ 405). قال الحاكم: صحيح الإسناد. وصححه الألباني في التعليق على "السنن". (¬10) كذا في الأصل! وهي في رواية ابن عباس السالفة.

الأصل [1832] أبنا الربيع قال: قال الشافعي: أبنا سفيان بذلك، عن الزهري، عن سعيد، عن أبي هريرة: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قنت في الصبح قال: اللَّهُمَّ أَنْجِ الوَلِيدَ بْنَ الوَلِيدِ وَسَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ وَعَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ" (¬1). الشرح الحديث مختصر، وقد سبق (¬2) في الكتاب أتم من هذا بهذا الإسناد. الأصل [1833] أبنا الربيع قال: قال الشافعي: أبنا ابن علية، عن أبي هارون الغنوي، عن حطان بن عبد الله قال: قال علي: الوتر ثلاثة أنواع: فمن شاء أن يوتر من أول الليل أوتر ثم استيقظ فشاء أن يشفعها بركعة ويصلي ركعتين ركعتين حتى يصبح ثم يوتر فعل، وإن شاء صلى ركعتين ركعتين حتى يصبح، وإن شاء أوتر آخر الليل (¬3). الشرح أبو هارون الغنوي: هو إبراهيم بن العلاء البصري. سمع: حطان بن عبد الله. وروى عنه: شعبة، وحماد بن زيد (¬4). ¬

_ (¬1) "المسند" ص (386). (¬2) تقدم برقم (900). (¬3) "المسند" ص (386). (¬4) انظر "التاريخ الكبير" (1/ ترجمة 973)، و"الجرح والتعديل" (2/ ترجمة 367)، و"تعجيل المنفعة" (1/ ترجمة 1415).

وحطان بن عبد الله: هو الرقاشي البصري. سمع: عليًّا، وأبا موسى، وعبادة بن الصامت. وسمع منه: الحسن، ويونس بن جبير (¬1). والأحاديث والآثار في وقت الوتر قد سبقت، وذكرنا أن من أوتر من أول الليل ثم استيقظ فالأولى أن لا ينقض وتره ويمضي عليه، وخير علي -رضي الله عنه- في هذا الأثر بين أن يوتر المصلي من أول الليل وبين أن يصلي في آخره، وإذا أوتر في أول الليل ثم استيقظ وأراد أن يصلي فقد خيره بين أن يصلي ركعة يشفع بها ما صلى وهو نقض الوتر ويوتر من آخر الليل وبين أن يقتصر على وتره الأول وهو يتطوع بركعتين ركعتين فهذِه ثلاثة أنواع: الوتر في أول الليل ونقضه، والوتر في الأول وإمضاؤه، والوتر في آخر الليل. وقوله: "ويصلي ركعتين ركعتين حتى يصبح ثم يوتر" أي: حتى يقرب من أن يصبح؛ وأما قوله ثانيًا: "حتى يصبح" فيصح إجراؤه على ظاهره. الأصل [1834] أبنا الربيع قال: قال الشافعي: أبنا سفيان بن عيينة، عن عطاء بن السائب، عن عبد خير، عن علي -رضي الله عنه- في الرجل يتزوج المرأة ثم يموت ولم يدخل بها فلم يفرض [لها صداقًا] (¬2) أن لها الميراث وعليها العدة ولا صداق لها (¬3). ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (3/ ترجمة 394)، و"الجرح والتعديل" (3/ ترجمة 1354)، و"التهذيب" (6/ ترجمة 1384). (¬2) في الأصل: الصداقا. والمثبت من "المسند". (¬3) "المسند" ص (386).

الشرح صورة الأثر ما إذا نكح امرأة على وجه التفويض ومات قبل أن يدخل بها ويفرض لها صداقًا, ولا كلام في وجوب العدة وثبوت الميراث، وأما الصداق ففيه اختلاف. وقول علي -رضي الله عنه-: "أنه لا صداق لها" وبه قال زيد بن ثابت، وقد تقدم (¬1) في الكتاب الأثر فيه عن زيد، وذكرنا هناك قصة بروع بنت واشق (¬2)، وبيَّنا أن للشافعي في المسألة قولين. الأصل [1835] أبنا الربيع قال: قال الشافعي: أبنا سفيان، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم قال: سمعت ابن مسعود يقول: "كنا نغزو مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وليس معنا نساء فأردنا أن نختصي فنهانا عن ذلك، ثم رخص لنا أن ننكح المرأة إلى أجل بالشيء" (¬3). [1836] أبنا الربيع قال: قال الشافعي: أبنا سفيان، أبنا الزهري، أخبرني الربيع بن سبرة، عن أبيه قال: "نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن نكاح المتعة" (¬4). ¬

_ (¬1) سبق في كتاب الصداق وهو ساقط من النسخة. (¬2) رواها أبو داود (2114)، والترمذي (1145)، والنسائي (6/ 121)، وابن ماجة (1891)، وابن الجارود (718)، وابن حبان (4098)، والحاكم (2/ 196). قال الترمذي: حسن صحيح. وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم. وصححه الألباني في "الإرواء" (1939). (¬3) "المسند" ص (386). (¬4) "المسند" ص (387).

الشرح قد سبق الحديثان (¬1) في الكتاب بعينهما، أحدهما في موضع منه والآخر في آخر، وبيَّنا ما لا بد من ذكره. وقوله: "بالشيء" يشبه أن يريد به ما حضر وإن كان حقيرًا. الأصل [1837] أبنا الربيع قال: قال الشافعي: أبنا سفيان، عن الزهري، عن أبي سلمة أن عبد الرحمن بن عوف اشترى من عاصم بن عدي جارية، فأخبر أن لها زوجًا فردها (¬2). الشرح مقصود الأثر أن من اشترى جارية فخرجت ذات زوج ثبت له الخيار، والمعنى فيه فوات الاستمتاع وإحلال الاستخدام. الأصل [1838] أبنا الربيع قال: قال الشافعي: أبنا سفيان، عن أيوب بن موسى، عن سعيد بن أبي سعيد، عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم -[قال] (¬3): "إِذَا زَنَتْ أَمَةُ أحدِكم فَتَبَيَّنَ زِنَاهَا فَلْيَجْلِدها الحدَّ، وَلاَ يُثَرِّبْ عليها، ثُمَّ إِنْ عادتْ فزَنَتْ تبيَّن زِناها فَلْيَجْلِدها الحدّ، وَلاَ يُثَرِّبْ عليها، ثُمَّ إِنْ عادتْ فزَنَتِ تبيَّن زِناها فَلْيَبِعْهَا، وَلَوْ بِضفيرٍ مِنْ شَعَرٍ" يعني الحبل. (¬4). ¬

_ (¬1) سبق الأول منهما برقم (792)، والثاني برقم (). (¬2) "المسند" ص (387). (¬3) سقط من الأصل والمثبت من "المسند". (¬4) "المسند" ص (387).

الشرح هذا حديث صحيح أخرجه مسلم (¬1) من حديث سفيان، ورواه البخاري (¬2) عن عبد العزيز بن عبد الله، ومسلم (¬3) عن عيسى بن حماد، بروايتهما عن الليث، عن سعيد، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، واللفظ: "ولو بحبلٍ من شعر". وقوله: "فتبين زناها" أي: علمه، ويجوز أن يكون المعنى: وظهر له زناها. والتثريب: التعيير، قال تعالى: {لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ} (¬4). قيل: المعنى أنه لا يقتصر على التعيير والتبكيت بل يقيم عليها الحد، وقيل: أي: لا يعيرها فلا يؤذيها بعد إقامة الحدّ. والضفير: الحبل؛ سمي به لأنه مضفور، والضَّفْر: الفتل. وفيه دليل على أن للسيد أن يقيم الحد على مملوكه، ويروى ذلك عن فاطمة وابن مسعود وابن عمر -رضي الله عنهم-، وبه قال الحسن والزهري ومالك والثوري والأوزاعي وأحمد وإسحاق، واحتج بقوله: "فليبعها ولو بضفير من شعر" على أن بيع الزانية جائز، وعلى أن الزنا عيب يثبت الردّ به ولذلك حط من ثمنها، وعلى أن بيع غير المحجور بالغبن جائز، وعلى أن حدّ المماليك الجلد دون الرجم؛ لأنه أطلق الأمر بالجلد، وعن أبي ثور أنه يجب عليه البيع إذا زنت أربعًا لظاهر قوله: "فليبعها" وورد في بعض الروايات الأمر بالبيع في الرابعة فكأنه أخذ بالمستيقن، ويجلد المملوك في الزنا خمسين، يروى ذلك عن عمر - رضي الله عنه - وغيره من ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (1703/ 31). (¬2) "صحيح البخاري" (6837). (¬3) "صحيح مسلم" (1703/ 30). (¬4) سورة يوسف: 92.

الصحابة، وليس في الحديث تعرض للتغريب، وفيه اختلاف قول للشافعي: ففي قول: لا يغرب نظرًا للسيد، وفي قول: يغرب سنة، ولا تختلف المدة كمدة العنة، وفي قول: تشطر السنة كما يشطر الجلد، وهو الأظهر. وإطلاق قوله: "إذا زنت أمة أحدكم" يقتضي التسوية بين العدل والفاسق، والرجل والمرأة، والحر والمكاتب في إقامة الحدّ على مماليكهم؛ وهو الظاهر، والتسوية بين المزوجة وغيرها خلافًا لقول من قال: لا حد على من لم يتزوج من المماليك. الأصل [1839] أبنا الربيع قال: قال الشافعي: أبنا سفيان، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة قالت: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي الصبحَ فتنصرف النساءُ متلفعات بمروطِهنَّ ما يعرفن مِنَ الغَلس" (¬1). [1840] أبنا الربيع قال: قال الشافعي: أبنا مالك، عن يحيى بن سعيد، عن عمرة، عن عائشة مثله (¬2). [1841] أبنا الربيع قال: قال الشافعي: أبنا ابن علية، عن عوف، عن سيار بن سلامة أبي المنهال، عن أبي برزة الأسلمي "أنه سمعه يصف صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: كان يُصَلِّي الصبحَ ثم ينصرف وما يعرف الرجل منا جليسه، وكان يقرأُ بالستين إلى المائة" (¬3). ¬

_ (¬1) "المسند" ص (387). (¬2) "المسند" ص (387). (¬3) "المسند" ص (387).

الشرح عوف: هو ابن أبي جميلة بندويه، أبو سهيل، أو أبو عبد الله يعرف بالأعرابي، يعد في البصريين. وسمع: أبا رجاء العطاردي، والحسن، ومحمد بن سيرين، وسيار بن سلامة، والنضر بن شميل. مات سنة ست وأربعين ومائة (¬1). وسيار: هو ابن سلامة أبو المنهال الرياحي. سمع: أبا برزة الأسلمي. وروى عنه: شعبة، وخالد الحذاء، وسليمان التيمي، وحماد بن سلمة (¬2). وحديث عائشة من رواية مالك ومن رواية سفيان مذكوران (¬3) من قبل في الكتاب هذا في موضع وذاك في موضع آخر. وحديث أبي برزة صحيح مودع في الكتابين (¬4)، إلا أن قوله: "وما يعرف الرجل منا جليسه" يخالف ما في الروايات "الصحيحة" وتمام الحديث على ما رواه البخاري ومسلم من طرق عن سيار بن سلامة أنه قال: "دخلت أنا وأبي على أبي برزة الأسلمي، فقال له أبي: كيف كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلى المكتوبة؟ ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (7/ ترجمة 264)، و"الجرح والتعديل" (7/ ترجمة 71)، و"التهذيب" (22/ ترجمة 4545). (¬2) انظر "التاريخ الكبير" (4/ ترجمة 2327)، و"الجرح والتعديل" (4/ ترجمة 1101)، و"التهذيب" (12/ ترجمة 2667). (¬3) سبقا برقم (111، 856). (¬4) رواه البخاري (541)، ومسلم (647).

فقال: كان يصلي الهجير التي تدعونها الأولى حين تدحض الشمس، ويصلي العصر ثم يرجع أحدنا إلى رحل في أقصى المدينة والشمس حية، ونسيت ما قال في المغرب، وكان يستحب أن يؤخر العشاء التي تدعونها العتمة، وكان يكره النوم قبلها والحديث بعدها، وكان ينفتل من صلاة؛ الغداة حين يعرف الرجل جليسه، ويقرأ الستين إلى المائة". وقوله: "يصلي الهجير" أي: الظهر؛ سماها هجيرًا لأنها تؤدى في الهاجرة. وتدحض الشمس أي: تزول، يقال: دحضت رجله في الوحل أي [زلقت] (¬1). وحياة الشمس: بقاء قوتها في الحرة والإضاءة. وكره أكثر العلماء النوم قبل العشاء، ورخص جماعة [فيه] (¬2) ومن هؤلاء من خصص الترخيص برمضان، ولم يكره الأكثرون الحديث بعدها خاصة فيما لا بدّ منه. وقوله: "وكان ينفتل من صلاة الغداة حين يعرف الرجل جليسه" هو الذي يعتمد في الروايات، قال الحافظ البيهقي: والشافعي إنما أورد الحديث في كتاب اختلاف علي وعبد الله، وذلك الكتاب لم يُسمع منه ولم يُقرأ عليه فربما وقع في الكتاب غلط (¬3). وقوله: "ويقرأ بالستين إلى المائة" يبين استحباب إطالة القراءة في ¬

_ (¬1) في الأصل: زكت. والمثبت من "الصحاح" و"النهاية" و"غريب الخطابي". (¬2) في الأصل: فيهم. والمثبت الصواب إن شاء الله. (¬3) "بيان من أخطأ على الشافعي" (1/ 143 - 144).

صلاة الصبح، ويتجه به أنه كان انفتاله حين يعرف الرجل جليسه وإن كان الشروع في الصلاة بغلس، ولا يخالف هذا حديث عائشة رضي الله عنها "أن النساء كنّ ينصرفن فلا يعرفن من الغلس" (¬1) لأن السنة للإمام أن يمكث بعد السلام للذكر والدعاء، ولتنصرف النساء فلا يختلطن بالرجال فيتأخر انصرافه عن انصرافهن بزمان صالح، وأيضًا فإن الغلس الذي يمنع من معرفة النساء وهن بعيدات عن الرجال ومتلفعات بالمروط لا يلزم أن يمنع من معرفة الجليس. الأصل [1842] أبنا الربيع قال: قال الشافعي: أبنا مالك، عن نافع، عن ابن عمر قال: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا عجل به السير يجمع بين المغرب والعشاء" (¬2). [1843] أبنا الربيع قال: قال الشافعي: أبنا مالك، عن أبي الزبير، عن أبي الطفيل، عن معاذ بن جبل "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يجمع بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء في سفره إلى تبوك" (¬3). الشرح حديث ابن عمر قد سبق (¬4) في الكتاب من رواية سفيان عن الزهري عن سالم عن أبيه، ورواه مسلم (¬5) عن يحيى بن يحيى عن مالك عن نافع. ¬

_ (¬1) رواه البخاري (578)، ومسلم (645). (¬2) "المسند" ص (387). (¬3) "المسند" ص (387). (¬4) سبق برقم (98). (¬5) "صحيح مسلم" (703/ 42).

وحديث معاذ تقد تقدم (¬1) أيضًا أتم من هذا، وفي الباب عن أنس وابن عباس وغيرهما -رضي الله عنهما-. الأصل [1844] أبنا الربيع قال: قال الشافعي، أبنا مالك، عن نافع وعبد الله ابن دينار، عن ابن عمر "أن رجلًا سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن صلاة الليل، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة توتر له ما صلى" (¬2). [1845] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح أوتر بواحدة" (¬3). [1846] أبنا الربيع قال: قال الشافعي: أبنا سفيان، عن عمرو بن دينار، عن طاوس، عن ابن عمر، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله (¬4). الشرح الحديث متفق على صحته، أودعه مالك "الموطأ" (¬5) بروايته عن شيخيه، وأخرجه البخاري (¬6) عن عبد الله بن يوسف، ومسلم (¬7) عن يحيى بن يحيى، وأخرج مسلم (¬8) حديث سفيان عن الزهري، وحديثه (¬9) عن عمرو أيضًا. ¬

_ (¬1) تقدم برقم (113). (¬2) "المسند" ص (388). (¬3) "المسند" ص (388). (¬4) "المسند" ص (388). (¬5) "الموطأ" (1/ 123 رقم 267). (¬6) "صحيح البخاري" (990). (¬7) "صحيح مسلم" (749/ 145). (¬8) "صحيح مسلم" (749/ 146). (¬9) "صحيح مسلم" (749/ 146).

وقوله: "صلاةُ الليلِ مثنى" ليس لتخصيص التثنية بصلاة الليل بل الأحب في تطوعات النهار أيضًا أن تصلى مثنى مثنى، روي عن شعبة عن يعلى بن عطاء عن علي بن عبد الله البارقي عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "صلاة الليل والنهار مثنى مثنى" (¬1) وعن سعيد بن جبير قال: "كان ابن عمر لا يصلي أربعًا لا يفصل بينهن إلا المكتوبة". وفي الحديث تصحيح الإيتار بركعة والأمر بجعل الوتر آخر صلاة الليل، والإشارة إلى أن وقت [الوتر] (¬2) يبقى إلى طلوع الفجر فإذا اطلع الفجر ذهب وقته. الأصل [1847] أبنا الربيع قال: قال الشافعي: أبنا سفيان بن عيينة، عن داود ابن قيس، عن عبيد الله بن عبد الله بن أقرم الخزاعي، عن أبيه قال: "رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالقاع من نمرة ساجدًا فرأيت بياض إبطه" (¬3). [1848] أبنا الربيع قال: قال الشافعي: أبنا سفيان، ثنا عبد الله بن أخي يزيد الأصم، عن عمه، عن ميمونة أنها قالت: "كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا سجد لو أرادت بهيمة أن تمر من تحته لمرت مما يجافي" (¬4). ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (1295)، والترمذي (597)، والنسائي (3/ 227)، وابن ماجه (1322)، وابن الجارود (278)، وابن خزيمة (1210)، وابن حبان (2482). والحديث فيه خلاف بين علماء الحديث فمنهم من صححه كالبخاري ومنهم من ضعفه كابن معين، راجع "التلخيص الحبير" (543). (¬2) ليست في الأصل والسياق يقتضيها. (¬3) "المسند" ص (388). (¬4) "المسند" ص (388).

الشرح ابن أخي يزيد بن الأصم: هو أبو سليمان عبد الله بن عبد الله بن الأصم واسمه عبد عمرو العامري، ويقال: كنيته أبو العنبس. سمع: عمه يزيد. وروى عنه: سفيان، ومروان الفزاري، وعبد الواحد بن زياد (¬1). وله أخ يقال له: عبيد الله بن عبد الله. سمع عمه أيضًا، وروى عنه: سفيان، ومروان. وحديث ابن أقرم الخزاعي قد سبق (¬2) في الكتاب مع شك في نمرة، والحديث الثاني رواه الشافعي عن سفيان عن عبد الله، وكذلك رواه الحميدي عن سفيان، ورواه يحيى بن يحيى عن سفيان عن عبيد الله عن عمه، وأخرجه مسلم (¬3) من الطريقين، وقد سمع الحديث عبد الله وعبيد الله من عمهما، وسمعه سفيان منهما، وروى عن هذا مرة وعن هذا مرة. والبهيمة: الصغيرة من أولاد الإبل. ويستحب للحديث أن يجافي الرجل بين مرفقيه وجنبيه في السجود، وفي "الصحيحين" (¬4) من رواية ابن بحينة "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا صلى فرّج بين يديه حتى يرى بياض إبطيه". وفي الباب عن ابن عباس وجابر والبراء بن عازب وغيرهم. ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (5/ ترجمة 379)، و"الجرح والتعديل" (5/ ترجمة 420). (¬2) سبق برقم (162). (¬3) "صحيح مسلم" (496/ 237). (¬4) "صحيح البخاري" (390)، و"صحيح مسلم" (495).

وكذلك يستحب أن يفرج بين رجليه ويقل بطنه عن فخذيه. الأصل [1849] أبنا الربيع قال: قال الشافعي: أبنا ابن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن عطاء، عن ابن عباس أنه قال: تقصر الصلاة إلى عسفان وإلى الطائف وإلى جدة، وهذا كله من مكة على أربعة برد (¬1). [1850] أبنا الربيع قال: قال الشافعي: أبنا مالك، عن نافع، عن سالم، عن ابن عمر أنه خرج إلى ذات النصب فقصر الصلاة. قال مالك: وهي أربعة أبرد (¬2). الشرح قد سبق (¬3) الأثران في صدر الكتاب أولهما مرتين والثاني مرة، وذكرنا ما يتعلق بهما، وجَمَع البريد ها هنا على أبرد. والله أعلم. الأصل [1851] أبنا الربيع قال: قال الشافعي: أبنا ابن عيينة، عن عبدة، عن زر بن حبيش، عن ابن مسعود أنه كان لا يسجد في "ص"، ويقول: إنما هي توبة نبي (¬4). [1852] أبنا الربيع قال: قال الشافعي: [أبنا] (¬5) ابن عيينة، عن أيوب، عن عكرمة، عن ابن عباس، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه سجدها يعني: في "ص" (¬6). ¬

_ (¬1) "المسند" ص (388). (¬2) "المسند" ص (388). (¬3) سبقا برقم (93، 95). (¬4) "المسند" ص (388). (¬5) سقط من الأصل. (¬6) "المسند" (389).

الشرح عبدة: هو ابن أبي لبابة أبو القاسم الدمشقي مولى بني غاضرة من أسد، كان من أهل الكوفة فسكن الشام. وسمع: ابن عمر، والقاسم بن مخيمرة. وروى عنه: الثوري، وابن عيينة، ومحمد بن راشد (¬1). وحديث ابن عباس أخرجه البخاري (¬2) عن سليمان بن حرب عن حماد بن زيد عن أييب والترمذي (¬3) عن ابن أبي عمر عن سفيان عن أيوب، وتمامه: قال ابن عباس: "رأيتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فسجد في "ص". قال ابن عباس: وليست من عزائم السجود". وعَنْ أَبِي سعيدٍ الخُدْرِيِّ [أَنَّهُ] (¬4) قَالَ: قَرَأَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ عَلَى المِنْبَرِ فَلَمَّا بَلَغَ السَّجْدةَ نَزَلَ فَسَجَدَ وَسَجَدَ النَّاسُ مَعَهُ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمٌ آخَرُ قَرَأَهَا فَلَمَّا بَلَغَ السَّجْدة تهيَّأ النَّاسُ لِلسُّجُودِ فَقَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّمَا هِي تَوْبَةُ نَبِيٍ وَلَكِنِّي رَأَيْتُكم تَهيَّأتم لِلسُّجُودِ". فَنَزَلَ فَسَجَدَ وَسَجَدُوا (¬5). والأثر عن ابن مسعود رواه عاصم عن زر كما رواه عبدة، وعن مجاهد قال: سئل ابن عباس عن السجود في "ص" فقال: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى الله فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} وعن عمر وعثمان وابن عمر أنهم كانوا ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (6/ ترجمة 1877)، و"الجرح والتعديل" (6/ ترجمة 455)، و"التهذيب" (18/ ترجمة 3618). (¬2) "صحيح البخاري". (¬3) "جامع الترمذي" (577). (¬4) في الأصل: قال، مكررة. (¬5) رواه أبو داود (1410)، وابن حبان (2765)، والحاكم (1/ 421). قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين. وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (2378).

يسجدون فيها، ونظر الشافعي فيما روي فيها من الخبر والأثر فأثبت أصل استحبابها وجعل سبيلها سبيل سجدة الشكر ولم يجعلها من عزائم السجود على ما ذكره ابن عباس فيؤتى بها في غير الصلاة ولا يؤتى بها في الصلاة. الأصل [1853] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا ابن علية، عن داود بن أبي هند، عن الشعبي، عن علقمة، عن عبد الله في الصلاة على الجنازة لا وقت ولا عدد (¬1). [1854] أبنا الربيع قال: قال الشافعي: أبنا مالك، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - "أنه كبَّر علَى النجاشي أربعًا". الشرح حديث أبي هريرة قد سبق في الكتاب بإسناده، واختلف الصحابة فمن بعدهم في تكبيرات صلاة الجنازة: فذهب الأكثرون إلى أنها أربع، وبه [قال] (¬2) الثوري وأبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد وابن المبارك، وقالوا: إنه آخر ما فعله الرسول - صلى الله عليه وسلم - على ما أسلفناه. وقال آخرون: إنها خمس، وعن ابن عباس أنها ثلاث، وعن علي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يكبر على أهل بدر ستًّا وعلى سائر أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ¬

_ (¬1) "المسند" ص (389). (¬2) ليست في الأصل والسياق يقتضيها.

خمسًا، وعلى سائر الناس أربعًا، وعن ابن مسعود أنها لا تتقدر بعدد كما رواه الشافعي بإسناده، ويروى أنه قال: ليس له وقت كبر ما كبر الإمام، فإذا انصرف فانصرف. ومعظم مقصود الشافعي مما أورده في كتاب اختلاف علي وعبد الله من قولهما إلزام العراقيين الصور التي خالفوهما فيه مع ادعائهم اتباعهما والأخذ بقولهما، ويمكن أن يقال: إن ابن مسعود رجع عن ذلك، روي عن إبراهيم أنه قال: قدم رجل من أصحاب معاذ فكبر على جنازة خمسًا، فعجب منه أصحاب عبد الله، فقال عبد الله: ذلك قد كان أربعًا وخمسًا وستًّا وسبعًا، فاجتمعنا على أربع. الأصل [1855] أبنا الربيع قال: قال الشافعي: أبنا مالك، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة قالت: "وأفرد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الحج" (¬1). الشرح حديث عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أفرد الحج مدون في "الصحيحين" (¬2) من طرق، وروى الحديث سفيان عن ابن شهاب عن عروة، والقول فيه ما أتينا به في كتاب المناسك أولًا، وممن اختار الإفراد عبد الله بن مسعود على ما سيأتي على الأثر. الأصل [1856] أبنا الربيع قال: قال الشافعي: أبنا سفيان، عن هشام بن عروة، عن أبيه " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر ضباعة فقال: أما تريدين الحجَّ؟ ¬

_ (¬1) "المسند" ص (389). (¬2) رواه البخاري (299)، ومسلم (1211/ 122).

فقالت: إنِّي شاكية. فقال: حُجِّي وَاشْتَرِطي أنَّ مَحِلِّي حَيْثُ حَبَسْتَني" (¬1). [1857] أبنا الربيع قال: قال الشافعي: أبنا سفيان، عن هشام بن عروة، عن أبيه قال: قالت لي عائشة: يا ابن أخي هل تستثني إذا حججت؟ قلت: ماذا أقول؟ قالت: قل اللهمّ الحج أردت وله عمدت، فإن يسرته فهو الحج، وأن حبسني حابس فهي عمرة (¬2). الشرح الخبر والأثر مذكوران (¬3) بعينهما من قبل مع شرحهما. الأصل [1858] أبنا الربيع قال: قال الشافعي: أبنا ابن علية، عن أبي حمزة ميمون، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عبد الله، يعني؛ أنه أمر بإفراد الحج. قال: قلت: كان أحب أن يكون لكل واحد منهما شعث وسفر. وهم يزعمون أن القرآن أفضل وبه يفتون من استفتاهم، وعبد الله كان يكره القرآن (¬4). الشرح أبو حمزة ميمون: هو القصاب الأعور الكوفي. روى عن: إبراهيم النخعي، والحسن. وروى عنه: سفيان الثوري. ¬

_ (¬1) "المسند" ص (389). (¬2) "المسند" ص (389). (¬3) سبقا برقم (579، 580). (¬4) "المسند" ص (389).

قال محمَّد بن إسماعيل البخاري في "التاريخ": ليس بذاك (¬1). وقوله: "أحب أن يكون لكل واحد منهما" يريد النسكين، ويروى عنه أنه قال: نسكان أحب أن يكون لكل واحد منهما شعث وسفر (¬2). أي: تفرد كل واحد منهما بقطع مسافة وإحرام وأخذ بموجبه. وقوله: "وهم يزعمون .. إلى آخره" من كلام الشافعي يريد أن العراقيين لم يوافقوا عبد الله في اختياره الإفراد وكراهيته للقران، واحتج لترجيح الإفراد بأن أحدًا لم يكرهه وإن ذهب إلى غيره أفضل منه، والقران والتمتع فذكره كلًّا منهما كارهون. الأصل [1858] أبنا الربيع قال: قال الشافعي: أخبرني عمي محمَّد بن علي بن شافع، عن الثقة أحسبه محمَّد بن علي بن الحسين أو غيره، عن مولى لعثمان بن عفان قال: بينا أنا مع عثمان -رضي الله عنه- في ماله بالعالية في يوم صائف إذ رأى رجلًا يسوق بكرين وعلى الأرض مثل الفراش من الحر. فقال: ما على هذا لو أقام بالمدينة حتى يبرد ثم يروح، ثم دنا الرجل فقال: انظر من هذا؟ فقلت: أرى معممًا بردائه يسوق بكرين، ثم دنا الرجل فقال: انظر، فنظرت فإذا عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، فقلت: هذا أمير المؤمنين فقام عثمان فأخرج رأسه من الباب فآذاه لفح السموم، فأعاد رأسه حتى حاذاه، فقال: ما أخرجك الساعة؟ ¬

_ (¬1) انظر "التاريخ الكبير" (7/ ترجمة 1477)، و"الجرح والتعديل" (8/ ترجمة 1061)، و"التهذيب" (29/ ترجمة 346). (¬2) رواه ابن أبي شيبة (3/ 291).

قال: بكران من إبل الصدقة تخلفا، وقد مضى بإبل الصدقة فأردت أن ألحقهما بالحمى، وخشيت أن يضيعا فيسألني الله عنهما. فقال عثمان: يا أمير المؤمنين هلم إلى الماء والظل ونكفيك. فقال: عد إلى ظلك. فقلت: عندنا من يكفيك. فقال: عد إلى ظلك فمضى. فقال عثمان: من أحب أن ينظر إلى القوي الأمين فلينظر إلى هذا، فعاد إلينا فألقى نفسه (¬1). الشرح العالية: ما كان من جهة نجد من قرى المدينة. ويوم صائف أي: حار، وليلة صائف، وربما قيل: يوم صاف. وقوله: "حتى يبرد" يجوز أن يقرأ: يبرد بفتح الياء أي: يبرد الهواء، ويجوز أن تضم الياء من الإبراد، يقال: أبرد بالشيء: إذا أتى به في برد النهار. وقوله: "معممًا بردائه" يقال: عممته أي: ألبسته العمامة وتعمم بالعمامة واعتم بها، كأنه جعل طرف ردائه على رأسه من شدة الحر، ويجوز: معممًا أي: نفسه ومعممًا. ولفح النار والسموم: شدة حرهما. وفيه ذكر الحمى الذي حمى عمر -رضي الله عنه- لإبل الصدقة ونحوها، وبيان قوته وأمانته، وشدة خوفه من الله تعالى، وتواضعه وتحمل نفسه المشقة ¬

_ (¬1) "المسند" ص (390).

لمصالح المسلمين -رضي الله عنه-. الأصل [1859] أبنا الربيع قال: قال الشافعي: أبنا ابن عيينة، عن منصور، عن أبي وائل، عن مسروق، عن عبد الله أنه لبَّى على الصفا في عمرة بعدما طاف بالبيت (¬1). الشرح ذكرنا في كتاب المناسك أن المعتمر يلبِّي من أول إحرامه حتى يبتديء بالطواف عند ذكر الأثر فيه عن ابن عباس، ويروى عنه موقوفًا ومرفوعًا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "يلبِّي المعتمر حتى يستلم الحجر" (¬2) وبهذا قال الثوري وأبو حنيفة وأحمد وإسحاق، وروى الشافعي ما ذهب إليه ابن مسعود من إدامة التلبية بعد الطواف، وقصد به إلزام العراقيين مخالفة عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -. وهذا آخر المسند بشرحه واتفق ختمه على لفظ المسعود والله أسأل أن يحشرنا مع المقبولين المسعودين ولا يجعلنا من المبعدين المردودين والحمد لله رب العالمين ¬

_ (¬1) "المسند" ص (390). (¬2) سبق تخريجه.

§1/1