شرح مسند أبي حنيفة

الملا على القاري

مقدمة ([عن] الإمام أبو حنيفة رضي الله عنه وعلم الحديث) (80 - 150 هـ)

مقدمة ([عن] الإمام أبو حنيفة رضي الله عنه وعلم الحديث) (80 - 150 هـ) [تمسك الإمام بالسنة] بسم الله الرحمن الرحيم السنة هي الأصل الثاني بعد كتاب الله تعالى في استنباط الأحكام الشرعية وعليه إجماع الأمة .. وقد أثير لغط حول أمرين: أولهما: مدى اعتماد أبي حنيفة على السنة. والثاني: مقدار الأحاديث التي استدل بها أبو حنيفة .. أما مدى اعتماد الإمام على السنة فنتبينه من خلال منهجه في الاستنباط وشروط قبول الأخبار عنده .. ومن أصوله رحمه الله تعالى: -1 - قبول مرسلات الثقات إذا لم يعارضها ما هو أقوى منها، والاحتجاج بالمرسل كان سنة متوارثة جرت عليه الأمة في القرون الفاضلة حتى قال ابن جرير: رد المرسل مطلقاً بدعة حدثت في رأس المائتين. -2 - ومن أصوله عرض أخبار الآحاد على الأصول المجتمعة عنده بعد استقرائه موارد الشرع، فإذا خالف خبر الآحاد تلك الأصول يأخذ بالأصل عملاً بأقوى الدليلين، وَيعُد الخبر المخالف له شاذاً. وليس في ذلك مخالفة للخبر الصحيح، وإنما فيه مخالفة لخبر بدت علة فيه للمجتهد. وصحة الخبر فرعُ خلوه من العلل القادحة عند المجتهد. -3 - ومن أصوله: عرض أخبار الآحاد على عمومات الكتاب وظواهره فإذا خالف الخبر

عاماً أو ظاهراً في الكتاب، أخذ بالكتاب وترك الخبر عملاً بأقوى الدليلين، لأن الكتاب قطعي الثبوت، وظواهره وعموماته قطعية الدلالة عنده. أما إذا لم يخالف الخبر عاماً أو ظاهراً في الكتاب بل كان بياناً لمجمل فيه فيأخذ به حيث لا دلالة فيه بدون بيان. -4 - ومن أصوله في الأخذ بخبر الآحاد: أن لا يخالف السنة المشهورة سواء أكانت سنة فعلية أو قولية عملاً بأقوى الدليلين. -5 - ومن أصوله، أن لا يعارض خبر مثله، وعند التعارض يرجح أحد الخبرين على الآخر، بوجوه ترجيح تختلف أنظار المجتهدين فيها ككون أحد الراويين فقيهاً أو أفقه بخلاف الآخر. -6 - ومن أصوله أن لا يعمل الراوي بخلاف خبره، كحديث أبي هريرة في غسل الإناء من ولوغ الكلب سبعاً، فإنه مخالف لفتيا أبي هريرة فترك أبو حنيفة العمل به لتلك العلة. -7 - ومن أصوله. ردُّ الزائد - متناً كان أو سنداً - إلى الناقص احتياطاً في دين الله تعالى. -8 - ومن أصوله: عدم الأخذ بخبر الآحاد فيما تعمُّ به البلوى - أي فيما يحتاج إليه الجميع حاجة متأكدة مع كثرة تكرره - فلا يكون طريق ثبوت ذلك غير الشهرة أو التواتر، ويدخل في ذلك الحدود والكفارات التي تُدرأ بالشبهة. -9 - ومن أصوله: أن لا يترك أحد المختلفين في الحكم من الصحابة الاحتجاج بالخبر الذي رواه أحدهم. -10 - ومنها استمرار حفظ الراوي لمرويّه من آن التحمل إلى آن الأداء من غير تخلل نسيان. -11 - ومنها عدم مخالفة - الخبر للعمل المتوارث بين الصحابة والتابعين وبمقتضى هذه القواعد ترك الإمام أبو حنيفة رحمه الله العمل بأحاديث كثيرة من الآحاد ...

والحق أنه لم يخالف الأحاديث عناداً، بل خالفها اجتهاداً لحجج واضحة ودلائل صالحة، وله بتقدير الخطأ أجر، وبتقدير الإصابة أجران (¬1). هذا، وأما مقدار الأحاديث التي استدل بها في مذهبه .. فالجواب عليه ما ثبت في المسانيد الخمس عشرة المنسوبة إليه .. بل ومضافاً إليها من الأحاديث والآثار الثابتة في السند المتصل وهي بالآلاف والتي تصدى لجمعها في وقت مبكر غير واحد من العلماء والذي وصلنا منها ما جمعه الطحاوي في معاني الآثار ومشكل الآثار وهو من الفقهاء المتقدمين رتبة وتاريخاً في المذهب، وما جمعه أخيراً السيد محمد مرتضى الزبيدي في كتابه الموسوم بـ (عقود الجواهر المنيفة في أدلة مذهب الإمام أبي حنيفة مما وافق فيه الأئمة الستة أو أحدهم) والذي جاء في مقدمته: ما نصه: قصدت بهذا التألبف الردُّ على بعض المتعصبين ممن اعتسف عن واضح المشارع، ونسب إلى إمامنا أنه يقدم القياس على النص الثابت عن الشارع، ولعمري هذه النسبة إليه غير صحيحة، فإن الصحيح المنقول في مذهبه تقديم النص على القياس (¬2). والمقصود بالنص هنا هو الحديث الشريف بالجملة .. وإن كان عبارة النص تشمل الآية الكريمة عند العلماء .. وقد أجمعوا على أن القرآن مقدم على ما سواه. ولكن لماذا سيقت التهمة في مواجهة الإمام أبي حنيفة .. يجيب الزبيدي قائلاً: إن مذاهب الأئمة الأربعة رضوان الله عليهم منسوجة من الشريعة المطهرة سداها ولحمتها لا سيما مذهب إمامنا الأعظم، لكن وجوه استنباطه تدق عن إدراك عقول طلبة العلم، وما يوجد في بعضها مما يخالف ظاهر الأحاديث فهو بالنسبة إلى مدارك أفهامنا، وإلا فقد صح عنده من قوله صلى الله عليه وسلم أو فعله أو من آثار الصحابة ما قام عنده بمقام اليقين وجعله حجة، ثم أيده بالنظر فيه والاستكشاف لما يعارضه ويخالفه. ¬

(¬1) (الكوثري - تأنيب الخطيب - 223 - 225) (¬2) (الزبيدي - الجواهر المنيفة. المقدمة/5)

ولا يقول عاقل إن الإمام رضي الله عنه يجد في مسألة نصاً عن الشارع ويخالفه بقياس أو رأي .. حاشاه من رأي أو قياس يخالفان الشريعة. والذي أجمع عليه أهل مذهبه أنه رضي الله عنه يأخذ بخبر النبي صلى الله عليه وسلم ما جاء، فإن اختلف خبران وكان لأحدهما وجه في التأويل يوافق به الخبر الآخر الذي ليس له إلا وجه واحد في الظاهر وفق بينهما. فإن لم يجد خبراً عن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ من آثار الصحابة ما كان أقرب إلى كتاب الله وسنة نبيه ويسمى ذلك اجتهاداً (¬1) كما أثر عنه رضي الله عنه قوله: كذب والله وافترى علينا من يقول: إننا نقدم القياس على النص، وهل يحتاج بعد النص إلى قياس!! وقال نحن لانقيس إلا عند الضرورة الشديدة، وذلك أننا ننظر في دليل المسألة من الكتاب والسنة أو أقضية الصحابة، فإن لم نجد دليلاً قسنا حينئذ مسكوتاً عنه على منطوق به (¬2). وقال الحافظ محمد بن يوسف الصالحي الشافعي محدث الديار المصرية في (عقود الجمان): كان أبو حنيفة من كبار حفاظ الحديث وأعيانهم، ولولا كثرة اعتنائه بالحديث ما تهيأ له استنباط مسائل الفقه، وذكره الذهبي في طبقات الحفاظ - ولقد أجاد وأفاد. وفي سبب قلة الرواية عنه .. بالمقارنة مع بقية الفقهاء يقول الصالحي: إنما قلّت الرواية عنه -وإن كان متسع الحفظ - لاشتغاله بالاستنباط، وكذلك لم يرو عن مالك والشافعي إلا القليل بالنسبة إلى ما سمعاه للسبب نفسه. كما قلّت رواية أمثال أبي بكر وعمر من كبار الصحابة رضي الله عنهم إلى كثرة اطلاعهم. ¬

(¬1) (نفس المصدر 1/ 8) (¬2) (الميزان للشعراني /51)

- تشدد الإمام في الرواية

وقد كثرت رواية من دونهم بالنسبة إليهم (¬1). وعليه لا بد من الاعتراف بأن أبا حنيفة لم يكن من رواة مئات الآلاف من الأحاديث، وإنما كان عنده صناديق من الحديث انتقى منها نحو أربعة آلاف حديث. نصفه من حمَّاد بن أبي شيبة شيخه الخاص الذي تخرج به. ونصفه الآخر من باقي شيوخه، وكان يكتفي فيما سوى ذلك بالاطلاع على باقي الأحاديث من رواية أصحابه البارعين في شتى العلوم أركان المجمع الفقهي الذي كان يرأسه هو وتبحث فيه المسائل من كل ناحية ثم تثبت في الديوان (¬2). - تشدد الإمام في الرواية: وأما تشدده رحمه الله تعالى في شروط قبول الأحاديث التي تُروى آحاداً فكان مبعثه الاحتياط البالغ لدين الله، وذلك أن وضع الأحاديث في عصره قد كثر كثرة مزعجة من الزنادقة والمبتدعة فاضطره ذلك إلى تشدده في شرط الصحيح ولهذا قال العلماء: إن أبا حنيفة لم يخالف الأحاديث عناداً بل خالفها اجتهاداً لحجج واضحة ودلائل صالحة وله بتقدير الخطأ أجر، وبتقدير الإصابة أجران، والطاعنون عليه إما حسَّاد أو جهال بمواقع الاجتهاد (¬3). هذا وأن أبا حنيفة ممن تذكر آراؤهم في مصطلح الحديث، فكيف يكون قليل البضاعة فيه، ثم يعتبر عند علماء ذلك الفن من الأئمة الذين تدون آراؤهم في قواعد الحديث ورجاله، ويعتمد مذهبه بينهم ويعوَّل عليه رداً أو قبولاً؟. ولقد كتب أبو حنيفة عن أربعة آلاف شيخ، حتى عده الذهبي في تذكرته التي هي ثبت الحفاظ، وحدث عنه يحيى بن نصر فقال: دخلت عليه في بيت مملوء كتباً فقلت له: ما هذا؟ فقال: هذه الأحاديث ما حدثت منها إلا اليسير الذي ينتفع به. ¬

(¬1) (الكوثري - تأنيب الخطيب -228) (¬2) (التأنيب -221) (¬3) (أبو زهو - الحديث والمحدثون - 286)

- الإسناد

- الإسناد الإسناد مطلوب في الدين، رغَّبت إليه أئمة الشرع المتين، وجعلوه من خصائص أمة محمد سيد المرسلين، بل وحكموا عليه بكونه سنةً من سنن المرسلين. قال عبد الله بن المبارك: الإسناد من الدين، ولولا الإسناد لقال من شاء: ما شاء، وعنه رحمه الله - مثل الذي يطلب أمر دينه بلا إسناد كمثل الذي يرتقي السطح بلا سُلَّم (¬1). وقال سفيان الثوري: الإسناد سلاح المؤمن، فإذا لم يكن معه سلاح فبأي شيء يقاتل (¬2). وقال الشافعي رضي الله عنه: مثل الذي يطلب الحديث بلا إسناد كمثل حاطب ليلٍ (¬3). وقال أبو حاتم محمد بن ادريس الرازي: لم يكن في أمة من الأمم مُذ خلق الله آدم أمناء يحفظون آثار الرسل إلا في هذه الأمة (¬4). وهكذا فإن الإسناد خصيصة من خصائص هذه الأمة، وسنة بالغة من السنن المؤكدة، وليس لأحد من الأمم كلها قديمها وحديثها إسنادٌ موصول إنما هو صحف في أيديهم، وقد خلطوا بكتبهم أخبارهم (¬5). ¬

(¬1) (ابن أبي حاتم. الجرح والتعديل 1/ 16، وابن الصلاح في المقدمة 215) (¬2) (السخاوي. شرح الألفية /335) (¬3) (المناوي. فيض القدير 1/ 433) (¬4) (القسطلاني. المواهب 5/ 454) (¬5) (اللكنوي. الأجوبة 1/ 25 نقلاً عن الدقاق)

- مسانيد الإمام أبي حنيفة

ولم يصنف الإمام الأعظم رضي الله عنه كتاباً في الأخبار والآثار كما صنف الإمام مالك رضي الله عنه الموَطأ؛ وإنما كان يملي فروع الفقه على تلاميذه، فإذا احتاج إلى دليل مسألة حدَّثهم عن شيوخه من الأحاديث المرفوعة والموقوفة، وآثار التابعين: بالسند المتصل تارة وأخرى بلاغاً وتعليقاً أو انقطاعاً، ولم يجلس للتحديث كعادة المحدثين، ولهذا قلَّت روايته في الحديث، وإلا فهو من الحفاظ المكثرين المتقنين، كتب عن أربعة آلاف من أئمة الحديث وأحاديثه كثيرة. روي عن يحيى بن نصر قال: دخلت عليه في بيت مملوء كتباً: فقلت له ما هذا؟ فقال: هذه الأحاديث، ما حدثت بها إلا اليسير الذي ينتفع به .. وقد عُني تلاميذه، شكر الله سعيهم - بما سمعوه من الآثار، وجمعوها في تصانيف مفردة مرتبة على أبواب الفقه ... منهم: وجاء بعد هؤلاء أبو محمد عبد الله بن محمد البخاري الحارثي المتوفى سنة 340 هـ، فصنف مسنداً كبيراً حوى طرق أحاديثه فاجتهد وأجاد .. ثم اختصره القاضي الإمام صدر الدين موسى بن زكريا الحصكفي المتوفى سنة 650 هـ بالقاهرة، ثم رتبه الشيخ محمد عابد السندي المدني على أبواب الفقه وهو الشهير اليوم بمسند أبي حنيفة وشرحه العلامة والأستاذ محمد حسن السنبلي الهندي المتوفى سنة 1305 هـ - مسانيد الإمام أبي حنيفة جمع محمد بن محمود العربي محتداً، الخوارزمي مولداً في كتابه الموسوم: بجامع الإمام الأعظم - خمسة عشر من مسانيده التي جمعها له فحول علماء الحديث وهي: الأول: مسند له جمعه الإمام الحافظ أبو عبد الله بن محمد بن يعقوب بن الحارث الحارثي المعروف بعبد الله الأستاذ رحمه الله رحمة واسعة.

الثاني: مسند له جمعه الإمام الحافظ أبو القاسم طلحة بن محمد بن جعفر الشاهد العدل رحمه الله تعالى. الثالث: مسند له جمعه الإمام الحافظ أبو الحسين محمد بن مطهر بن موسى بن عيسى بن محمد رحمه الله تعالى. الرابع: مسند له جمعه الإمام الحافظ أبو نعيم أحمد بن عبد الله بن أحمد الأصفهاني رحمه الله تعالى. الخامس: مسند له جمعه الشيخ الإمام الثقة العدل أبو بكر محمد بن عبد الباقي ابن محمد الأنصاري رحمه الله تعالى. السادس: مسند له جمعه الإمام الحافظ صاحب الجرح والتعديل أبو أحمد عبد الله بن عدي الجرجاني رحمه الله تعالى. السابع: مسند له رواه عنه الإمام الحسن بن زياد اللؤلؤي رحمه الله تعالى الثامن: مسند له جمعه الإمام الحافظ عمر بن الحسن الأشناني رحمه الله تعالى. التاسع: مسند له جمعه الإمام الحافظ أبو بكر أحمد بن محمد بن خالد بن خلي الكلاعي رحمه الله تعالى. العاشر: مسند له جمعه الإمام الحافظ أبو عبد الله محمد بن الحسين بن محمد بن خسرو البلخي رحمه الله تعالى. الحادي عشر: مسند له جمعه الإمام أبو يوسف القاضي يعقوب بن إبراهيم الأنصاري رحمه الله تعالى ورواه عنه يسمى: نسخة أبي يوسف. الثاني عشر: مسند له جمعه الإمام محمد بن الحسن الشيباني رحمه الله تعالى ورواه عنه يسمى: نسخة محمد، مطبوع ومتداول. الثالث عشر: مسند له جمعه ابنه الإمام حمّاد بن أبي حنيفة ورواه عن أبيه رضي الله تعالى عنهما.

الرابع عشر: مسند له أيضاً جمعه الإمام محمد بن الحسن معظمه عن التابعين ورواه عنه يسمى: الآثار. مطبوع ومتداول. الخامس عشر: مسند له جمعه الإمام الحافظ أبو القاسم عبد الله بن محمد بن أبي العوام السغدي رحمه الله تعالى (¬1). هذا، واستخرج جميع ما في هذه المسانيد الإمام الخوارزمي ورتبها على أبواب الفقه في مجلدين طبعا في الهند سنة 1332 هـ. ¬

(¬1) (الخوارزمي، جامع المسانيد جـ1/ 5)

- ترجمة الشارح الملا علي القاري (1014 هـ) [للشيخ خليل محيي الدين الميس مدير أزهر لبنان]]

- ترجمة الشارح الملاّ علي القاري (1014 هـ) [للشيخ خليل محيي الدين الميس مدير أزهر لبنان] هو نور الدين علي بن سلطان بن محمد الهروي المكي الحنفي المعروف بالقاري. عرف بالقاري لأنه كان إماماً في القراءات، وأحد صدور العلم الأفاضل، وعمدة المحققين الأماثل، والإمام الفقيه المحدث الأصولي المفسر المقرىء المتكلم النّظار الفرضي الصوفي المؤرخ والنحوي والأديب. مولده: ولد ببهراة - أعظم مدن خراسان - ورحل إلى مكة المكرّمة واتخذها داراً وأخذ عن جماعة من المحققين. وكان سبق أن تلقى عن علماء هراة فجمع الفضل من أطرافه بتلقين العلم عن علماء العرب والعجم، وذكر أنه كان يكتب في كل عام مصحفاً بخطه الجميل، وعليه طرز من القراءات والتفسير فيبيعه فيكفيه قوته من العام إلى العام. وآتاه الله الذكاء النادر، والعقل الراجح، والفهم الدقيق، والصبر على التنقيح والتدقيق، والشغف العجب بالتحقيق، مع البيان السهل القريب .. وألَّف التآليف الفريدة التي أربت على 125 مؤلفاً ما بين كتاب يزيد على عشرة مجلدات ورسالة في ورقات في الفقه والحديث والتفسير والقراءات والأصول وعلم الكلام والفرائض والتصوف والتاريخ والطبقات والتراجم والأدب، واللغة والنحو وعلم الوضع وغيرها. بلغة سهلة ممتعة، وعبارات جامعة مانعة، واستيفاء للبحث نادر غريب. قال اللكنوي: وكل مؤلفاته نفيسة في بابها، فريدة مفيدة بلَّغَتهُ إلى مرتبة

المجددين على رأس الألف من الهجرة. مؤلفاته: أهمها: شرح المشكاة، وشرح الشمائل، وشرح الشفا، وشرح الشاطبية، وشرح الوقاية، وفتح باب العناية بشرح النقاية. شرع في تحقيقه العلامة الفاضل الشيخ عبد الفتاح أبو غدَّة وأنجز الجزء الأول ويا ليته يتم .. ، وله الثمار الجنية في أسماء الحنفية .. وغير ذلك قال العصامي في وصفه: الجامع للعلوم النقلية والعقلية والمتضلع من السنة النبوية أحد جماهير الأعلام ومشاهير أولي الحفظ والأفهام لكنه امتحن بالاعتراض على الأئمة لا سيما الشافعي وأصحابه واعتراضه على الإمام مالك في إرسال يديه .. وسبب له ذلك متاعب كثيرة .. ولكن الشوكاني ينتصر له بقوله: أقول: هذا دليل على علو منزلته، فإن المجتهد شأنه أن يبين ما يخالف الأدلة الصحيحة ويعترضه سواء كان قائله عظيماً أو حقيراً. وكانت وفاته رحمه الله تعالى 1014 أربع عشر وألف ودفن بالمعلاة. ولما بلغ خبر وفاته علماء مصر صلوا عليه بالجامع الأزهر صلاة الغائب في جمع هائل تقديراً منهم لإمامته في العلم والدين رحمه الله تعالى ونفعنا بعلمه. هذا: وأما ترجمة المصنف (الحصكفي) فقد وردت في مقدمة هذا المصنف من قبل الشارح فنحيل القارىء الكريم إليها، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. بيروت في 14 ذي القعدة سنة 1404 هـ 10 آب (اغسطس) سنة 1984 م الشيخ خليل محيي الدين الميس مدير أزهر لبنان

مقدمة [للإمام القاري]

بسم الله الرحمن الرحيم مقدمة [للإمام القاري] - الحمد لله الذي هدانا إلى الملة الحنيفة السمحاء، وبين لنا طرق الشريعة والحقيقة بواسطة الأنبياء والعلماء والأصفياء، والصلاة والسلام على سيد الرسل وسند الأولياء وعلى آله وأصحابه نجوم الاقتداء والاهتداء. أما بعد: فيقول عبد المعتصم بالكتاب القديم والحديث القويم المحتاج إلى ربه الكريم الباري علي بن سلطان محمد القاري: إن هذا فتح لطيف وشرح شريف للمسند المستند إلى الإمام الأعظم والهمام الأقدم أبي حنيفة النعمان بلَّغَهُ الله على [هكذا في نسختنا، ولعله "عَلِيّ". دار الحديث] غرف الجنان وتوالى عليه أنواع الغفران وأصناف الرضوان (بسم الله الرحمن الرحيم) الذي هو مفتاح كل كتاب كريم، (وعلى رسوله) في مقام التعظيم (الصلاة والتسليم)، وزيادة التشريف والتكريم، (الحمد لله) على كل آلائه ونعمائه (الذي شرع) أي بين، أو عين (لنا ديناً) نَتَديّنُ به قويماً دائماً ليس في أصله عوج، ولا في فرعه حرج، وهدانا إليه بفضله ومنته صراطاً مستقيماً موصلاً في الدنيا إلى حصول معرفته وقربته، وفي العقبى إلى وصول جنته ورحمته (وأحمده) بخصوص هذه النعمة الجزيلة والتحية الجميلة (وأشكره على أن جعل هذه الأمة المكرمة، متمسكين بأذيال الكتاب المستطاب، والسنة المعظمة) تعلماً في مقام الكمال وتعليماً في حال الإكمال، عن عيسى عليه السلام: من عَلِم وعملَ وعلّم يدعى في الملكوت

عظيماً. (وأشهد أن لا إله إلا الله وحده) أي منفرداً بالذات لا شريك له في الصفات، وإبراز المصنوعات، (وأشهد أن محمداً عبده القائم) بحقوق العبودية ورسوله المخبر عن الله بما يستحق من أوصاف الربوبية (بعموم الرسالة) المثقلين، بل لعموم أجزاء الكونين تشريفاً له وتكريماً، لأنه مظهراً الاسم الأعظم في وجه الأتم، الجامع لنعوت الكمال وصفات الجلال والجمال، (صلى الله عليه) بتواتر إيصال الرحمة والمنة والمنحة إليه، (وعلى آله) أي أقاربه (وأصحابه) ولو من أجانبه وأزواجه أمهات المؤمنين وأنصاره في إقامة الدين (وأتباعه) في مقام اليقين، (وذرياته) أي أولاده الطيبين، وأحفاده أجمعين (وسلم) أي الله (تسليماً) كثيراً إلى يوم الدين، وعلى سائر إخوانه من الأنبياء والمرسلين. (أما بعد) أي البسملة، والحمد له والتصلية التي يحصل بذكرها الطمأنينة والسكينة والتسلية (فهذا الكتاب) الذي سيذكر عن قريب بعون رب مجيب (مسند الإمام الأعظم) أي المقتدى الأقوم والمستند الأكرم الأفخر (أبي حنيفة النعمان) بن الثابت في ميدان البيان (رضي الله عنه)، وعليه الرضوان، وبلغه نهاية درجات الجنان ومناقبة كثيرة ومراتبه شهيرة غير محتاجة إلى البيان، وقد قام بحقها بعض الأعيان. (ولما كان) الإمام مشتغلاً باستخراج المسائل من الدلائل، وصار وسائل كل طالب وسائل في باب الدراية لم يظهر منه إلا قليل من رواية، وكذلك كان أجلاء

الصحابة كأبي بكر (¬1) وعمر (¬2) رضي الله عنهما مشتغلين بالعمل في غاية من الرعاية مشتغلين عن نقل الأحاديث والرواية، لأن العمل هو المقصود، والمعول في مقام الهداية والنهاية، وأنشد فارس بن االحسن في شعره المستحسن. يا طالب العلم الذي ... ذَهَبتُ بمدته الرواية كن في الرواية ذا العناية ... بالدراية والرعاية وارو القليل وراعه ... فالعلم ليس له نهاية ومن المعلوم أن [من] لم يكن محيطاً بعلم الكتاب والسنة لم يتصور أن يكون إماماً مقتدى للأمة، ويكون الفقهاء كلهم عيالاً له في تقويم الملة لا سيما في الصدر الأول مع وجود المجتهدين من الأئمة، وقال الطحاوي: حدثنا سليمان بن شعيب، حدثنا أبي قال: أملى علينا أبو يوسف، قال قال أبو حنيفة: لا ينبغي للرجل أن يحدث من الحديث إلا ما يحفظه من يوم سمعه إلى يوم يحدث به، وحاصله: أنه لم يجوِّز له الرواية بالمعنى، ولو كان مرادفاً للمبنى خلافاً للجمهور من المحدثين، فإنهم جوزوا رواية المعنى لا سيما عند نسيان المبنى. فقلت رواية أبي حنيفة لهذه العلة الشريفة، وله (¬3) رضي الله عنه مسانيد كثيرة وأسانيد شهيرة بلغت خمسة عشر مسنداً جمعها بعض الفضلاء واعتنى بضبطها طائفة من العلماء، وأخيرها هذا المسند المعتمد الذي هو من رواية الخصكفي بفتح الخاء ¬

(¬1) قال النووي: روى الصديق عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة حديث واثنين وأربعين حديثاً، قال في التعليقات الممجدة: فإن مرتبته (يعني الإمام الأعظم) في هذا تشابه المرتبة الصديقية، فإن كان هذا المعنى كان أبو بكر الصديق أفضل البشر بعد الأنبياء بالتحقيق مطعوناً فإنه أيضاً قليل الرواية بالنسبة إلى بقية الصحابة حاشاهم ثم حاشاهم عن هذه الوسمة. مشتاق أحمد. (¬2) قال في تاريخ الخلفاء: روي له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسمائة حديث وتسعة وثلاثون حديثاً، وروي لعثمان رضي الله تعالى عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة حديث وستة وأربعون حديثاً، ولعلي رضي الله عنه خمسمائة حديث وستة وثمانون حديثاً. (¬3) أقول: مراد الشارح أن مرويات الإمام الأعظم جمع كلها بعض العلماء في تصانيفهم حسب علمهم كما في مسند الخوارزمي لقاضي القضاة، وفي هذا المسند أعني الخصكفي وغيرهما لا أن الإمام رضي الله عنه صنف مسنداً بنفسه كما صنف الإمام مالك رضي الله عنه كتابه الموطأ، فما اعترض بعض أهل الزمان من أهل الظواهر أن نسبة المسند إلى الإمام الهمام غلط صدر عن قلة فهمه وشدة جهله. مشتاق أحمد.

المعجمة وسكون الصاد المهملة ففاء مفتوحة فكاف فياء نسبة كذا رأيته مضبوطاً بخط شيخنا مولانا عبد الله السندي رحمه الله. لكن في جواهر المضية في طبقات الحنفية للعلامة الشيخ عبد القادر القرشي الحصكفي بفتح الحاء المهملة وسكون الصاد المهملة وفتح الكاف، وفي آخرها الفاء نسبة إلى حصن (¬1) كيفا مدينة من ديار بكر، ونسبة موسى بن زكريا بن إبراهيم ابن محمد بن ساعدي القاضي الإمام العلامة صدر الدين روى كتاب الشمائل للترمذي عن الإمام افتخار الدين أبي هاشم عبد المطلب بن الفضل بن عبد المطلب الهاشمي بسماعه من أبي الفتح عبد الرشيد بن النعمان بن عبد الرزاق الولوالجي، وأبي الفتح عمر بن علي بن أبي الحسن الكرابيسي (¬2)، والصائب بن علي بن الحسن ابن بشير بن عبد الله النفاش، عن أبي شجاع عمر بن محمد بن عبد الله البستاني البلخي، عن أبي القاسم محمد بن عبد الله الخليلي، أنا الشريف أبو القاسم علي ابن أحمد الخزاعي، حدثنا أبو سعيد الهيثم بن كليب الشافعي حدثنا أبو موسى محمد ابن عيسى الترمذي: ولد سنة ثمانين وخمسمائة، وحدث بالقاهرة وصُلِبَ، سمع منه الدمياطي الحافظ، وذكره في معجم شيوخه، ومات بالقاهرة سنة خمسين وستمائة ودفن جوار السيدة نفيسة. واعلم (¬3) أن له مشايخ كثيرة من الصحابة والتابعين وأتباعهم وصلت جملتهم أربعة آلاف كما قال بعض أرباب الأنصاف في باب الاعتراف. ¬

(¬1) يقال لها بالعجمة حصن كيفا - بالأنساب للسمعاني. (¬2) هذا النسج بيع الثياب - أنساب السمعاني. (¬3) قال شيخ الإسلام ابن حجر المكي في الخيرات الحسان في ذكر مشايخ الإمام هم كثيرون لا يسع هذا المختصر ذكرهم، وقد ذكر منهم الإمام أبو حفص الكبير أربعة آلاف شيخ، وقال غيره: له أربعة آلاف شيخ من التابعين، فما بالك بغيرهم منهم: الليث بن سعد.

غدا مذهب النعمان خير المذاهب ... فذا القمر الوضّاح خير الكواكب ثلاثة آلاف وألف شيوخه ... وأصحابه مثل النجوم الثواقب فإن قلت: مشايخ البخاري ربما بلغ عشرة آلاف فلا تفاضل. قلت: ليس من يروى عنه الحديث كمن يروى عنه الفقه، فإن الذي يروى عنه الفقه لا بد أن يكون فقيهاً عالماً، والذي يروى عنه الحديث: لا يلزم أن يكون بهذه الصفة حتى كثر رواة الحديث وقل الفقهاء (¬1). والحاصل (¬2) أن أكثر مشايخ الإمام كانوا جامعين بين الرواية والدراية، وأكثر مشايخ البخاري بارز بعلو الإسناد في الرواية، وقد أشار صلى الله عليه وسلم إلى الأحسن في الوعاية حيث قال: "نَضَّر الله امرءٍ سَمِعَ مَقَالَتِي فَوَعَاها وأدَّاهَا كَمَا سَمِعَهَا فَرُبَّ حَامِلَ فِقهٍ غَيرَ فَقِيهٍ، ورُبَّ حَامِل فِقهٍ إلى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ" رواه الترمذي وغيره عن زيد بن ثابت. وقد ذكر الإمام النسفي صاحب المنظومة بإسناده إلى محمد بن سلمة قال: خرجت إلى البصرة في طلب الحديث فأخرج شيخ مسند الإمام وأملى فامتنع بعضهم عن الكتابة فأمسك الشيخ أياماً عن الحديث ثم قال: أدركت مجلسه وكان يحضره فلان وفلان وهؤلاء يكتبون حديثه فتشفعنا إليه بالله تعالى حتى حدثنا بأحاديث قيل وكان امتناع المتعنت عن الكتابة بناء على ظن أن الإكثار من الفقه يخل بحفظ الحديث فجعل المنقبة مثلبة، ثم هذا المسند المعتمد لم يذكر إلا بعض مشايخه الكرام من المحدثين الأعلام، ولهذا قال جامعه: ذكر إسناده (عن حماد بن أبي سليمان مسلم الأشعري) قال العلامة الكردري في مناقب الإمام، فذكر مشايخ الكرام حماد ¬

(¬1) أقول: قال الإمام الشعراني في ميزانه: إن تمسكات الإمام الأعظم بالأحاديث، والأحاديث أكثر من باقي الأئمة الثلاثة، كما يظهر لمن طالع كتابي المسمى بكشف الغمة إلى الحادي لأدلته للمذاهب الأربعة - انتهى. (¬2) قال في الخيرات الحسان: إن كثرة الرواية بدون رواية ليس فيه كثير مدح بل عقد له ابن عبد البر باباً في ذمه، ثم قال: الذي عليه فقهاء جماعة المسلمين وعلمائهم ذم الإكثار من الحديث بدون تفقه ولا تدبر، وقال ابن شبرقة: أقل الرواية تفقه ...

ابن مسلم أبو سليمان الأشعري مولى ابراهيم بن مَهُ أبي موسى الأشعري تابعي كوفي سمع إبراهيم النَّخَعِي وأعلم الناس برأيه، مات سنة عشرين ومائة، وقد قال أبو حنيفة، رحمه الله تعالى: ما رأيت أفقه من حماد ولا أجمع للعلوم من عطاء بن أبي رباح. وقال صاحب المشكاة في أسماء رجاله حماد بن أبي سليمان، واسم أبي سليمان مسلم: تابعي سمع جماعة، روى عنه شعبة والثوري وغيرهما، انتهى. وكان لا يكلم في حوائجه الدنيوية وفقه ما لم يفصل بين كلمتين من كلامه بتسبيحةٍ، وكان يقول: أستحي أن أجد في ديواني سطراً ليس فيه تسبيح. وكان يقول ربما انتهت رأي برأي أبي حنيفة رحمه الله وأقوالي بقوله. (أبو حنيفة) أي روى، (عن حماد) المذكور، (عن إبراهيم) أي النخعي وهو تابعي جليل، عن الأسود أي ابن يزيد، واعلم أن في اصطلاح المحدثين محمولة للسماع والإجازة لكن عنعنة المعاصر محمولة على السماع، سواء ثبت اللقاء بينهما أم لا عند الجمهور، خلافاً للبخاري حيث يشترط اللقاء، ولا شبهة في ثبوت اللقاء بين الإمام ومشايخه الكرام فتنبه لهذا المقام (إن عمر بن الخطاب دخل على النبي صلى الله عليه وسلم في شكاة) بكسر الشين المعجمة وفي آخره تاء، أي في مرض ومحنة (شكاها) أي تعب فيها من شدة أذاها فإذا للمفاجأة (هو) أي النبي عليه الصلاة والسلام (مضطجع على عباءة) بفتح أول أي كساء خشن (قطوانية) بفتح القاف والطاء المهملة نسبة إلى موضع بالكوفة وهي عباءة بيضاء قصيرة الخمل كما في النهاية (ومرفقه) (¬1) بكسر الميم وفتح الفاء فيجوز العكس وبهما قُرِىء في قوله تعالى: {وَيُهَيءُ لَكُمُ مِنْ أَمرِكُمْ مرْفقاً} (¬2) وفي القاموس المرفقة كمكنسة المخدة (من ¬

(¬1) مِرفقه بالهندي تكية. (¬2) الكهف 16.

صوف) أي وجهها صوف (حشوها إذْخِر) بكسر الهمزة وسكون الذال وكسر الخاء المعجمتين، وفي آخرها راء نبت معروف بمكة (فقال)، أي عمر (بأبي أنت وأمي)، أي فديتهما بك يا رسول الله والجملة معترضة إذ المقصود من المقول قوله (كسرى) بكسر الكاف وفتح الراء وإمالته لقب ملك الفرس، (وقيصر) كجعفر لقب ملك الروم (على الديباج) بكسر الدال المهملة معرب مشهور، أي هما ونحوهما قاعدون أو راقدون على الحرير فوق السرير (وأنت) مع كمال الجلالة في مقام الرسالة (على هذه الحالة) التي تورث الملالة فقال عليه الصلاة والسلام: (يَاعُمَر أنْت) في هذا المَقَام (أما تَرْضَى) القِسمة الإلهية "وَفَقَ الإرادة الأَزَليَّة (أنْ يكُون لهُما الدنْيَا) الفَانِية (وَلَنا الآخِرَةُ) البَاقِيَة". وذكر البغوي في تفسيره قوله تعالى: {وَلا َيغُرَّنَكَ تَقلبُ الذين كَفَروا في البِلاد مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْواهُم جَهَنَّمُ وبِئسَ المِهَادْ لَكِنَّ الَّذِينَ اتَّقُوا رَبَّهُم لَهُم جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِها الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلاً مِنْ عِندِ الله وَمَا عِنْدَ الله خَيرٌ لِلأبْرارِ} (¬1) أنها نزلت في المشركين وذلك أنهم كانوا في رخاء ولين، فقال بعض المؤمنين إن أعداء الله فيما ترى من النعماء ونحن في الجهد والبلاء فأنزل الله هذه الآية تسلية للأحياء. وفي البخاري عن ابن عباس أن عمر بن الخطاب، قال "جئت فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في مشربه أي غرفة، وإنه لعلى حصير ما بينه وبينه شيء وتحت رأسه وسادة من أدم حشوها ليف، وإن عند رجليه قرظا وهو ما يدبغ به حصوراً (¬2) وفي نسخة مصوباً ¬

(¬1) آل عمران 196. (¬2) مصبوراً.

وعند رأسه أُهُب معلقة جمع إهاب فرأيت أثر الحصير في جنبه فبكيت فقال صلى الله عليه وسلم: مَا يُبكِيكَ؟ فقلت: يا رسول الله إن كسرى وقيصر فيما هما فيه وأنت يا رسول الله فقال: "أما تَرْضى أنْ يكُون لهُما الدُّنيا ولَنا الآخرة" (ثم إنَّ عمر مسَّه) أي مسَّ النبي صلى الله عليه وسلم وجسَّه ليدرك بيده ما أحسَّه (فإذا هو في شدَّة الحمَّى) وغاية البلوى، كما روى ابن ماجه وابن أبي الدنيا روى الحاكم وقال: صحيح الإسناد كلهم من رواية أبي سعيد الخدري أنه عليه الصلاة والسلام كانت عليه قطيفة فكانت الحمى تصيب من يضع يده عليه من فوقها فقيل له في ذلك فقال: "إنَّا كَذَلِكَ يُشَدَّدُ عَلينَا البَلاَءُ ويضاعَفُ لَنَا الأجْر" (فقال) أي عمر (تحم) بضم التاء وفتح الحاء وتشديد الميم أي تصيبك الحمى، (هكذا) أي بهذه المثابة من الشدة في الإصابة، (وأنت رسول الله) والرسالة غاية الرتبة في المختبر ونهاية المرتبة في العزة (فقال: إِنَّ أَشَدَّ هَذِهِ الأمَةِ بَلاءَ نَبِيُّهَا ثُمّ الخَيِّرُ) بتشديد التحتية المكسورة أي المبالغ في الخير (ثم الخير) أي وهلم جرَا من أمته على مقدار خيريته بين خلق الله وبريته، (وكذلك كانت الأنبياء) عليهم السلام (قبلكم) أي مبتلين بأنواع البلاء على مقدار مراتبهم في مقام الولاء (والأمم) أي وكذا حال أممهم على قدر ألمهم. والمعنى أنه لن تجد لسنة الله تبديلاً، ولن تجد لسنة الله تحويلاً. وأخرج النسائي وصححه الحاكم من حديث فاطمة أخت حذيفة بن اليمان قالت أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في الشتاء تعوده فإذا يُقَطَّرُ عليه من شدة الحمى فقال: "إنَّ مِن أشد النَّاسِ بَلاَءً الأنبِيَاءَ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ َيلُونَهُمْ" وقد روى أحمد والبخاري والترمذي، وابن ماجه، عن سعد مرفوعاً " أشد النَّاس بلاءً الأنبياء ثُمَّ الأَمثَلُ [فالأمثل] يُبْتَلى الَّرجُلُ على حَسَبِ دينه فَإنْ كَانَ في دِينِه صَلباً اشْتَدَّ بَلاؤه وإن

كان في دينه دقة ابتلى على قدر دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض، وما عليه خطيئة" ورواه ابن ماجه في سننه وأبو يعلى في مسنده والحاكم في مستدركه عن أبي سعيد مرفوعاً بلفظ "أشد النَّاس بلاء الأنبياء ثم الصالحون لقد كان أحدهم يبتلى بالفقر حتى ما يجد إلا العباءة يُجوّبُها أي يحصل جيباً لها فيلبسها فيبتلى بالقمل حتى يقتله، ولقد كان أحدهم أشد فرحاً بالبلاء من أحدكم بالعطاء". ومجمل الكلام أن البلاء علامة الولاء فإنه إما سبب لإعلاء الدرجات كما في الأنبياء وإما لإمحاء السيئات كما في الأولياء مع أن هذه الدار مشوبة بالأكدار سواء فيها الفجار والأبرار كما أشار إليه قوله سبحانه: {إنْ تَكُونُوا تَألمُونَ فَإنَّهُمْ يَأَلمُونَ كَمَا تَأَلمُونَ وتَرجُونَ مِنَ الله مَا لاَ يَرجُونَ} (¬1). وبه أي بسند أبي حنيفة (عن حماد) أي ابن سليمان، (عن إبراهيم النخعي، عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه) أي الشأن (ليهون) بفتح اللام والياء وضم الهاء أي يسهل (عَليَّ المَوتُ) أي مجيئه وفي نسخة بضم الياء وفتح الهاء وتشديد الواو المكسورة أي ليخفف عَليَّ ألم الموت وشدته (إني رأيتك) أي أبصرتك حال كونك زوجتي أو عَلِمْتُكِ (في الجنة) في مقام قربتي وهذا يدل على غاية من المحبة التي أزاله (¬2) عنه نهاية من المحنة (وفي رواية إني رأيتك زوجتي في الجنة ثم التفت) أو قال في مجلس آخر (هون علي الموت لأني رأيتك بت عائشة في الجنة) أي معي في الجنة واستدل بهذا الحديث ونحوه ¬

(¬1) النساء 104. (¬2) أظن أنه أزالت عنه بصيغة المؤنث.

[شرح المسند]

على أنها أفضل من فاطمة لأنها إنما تكون مع علي كرم الله وجهه فيما له من المنزلة، وقد يؤخذ بظاهر الحديث أنها أفضل من خديجة أيضاً وبالأولى أن تكون أفضل من سائر النساء وقد أوضحت هذه المسألة في بعض التصانيف المفصلة، وقد ورد عنه عليه الصلاة والسلام أن الله سبحانه جعل زوجتي في الجنة مريم بنت عمران، وامرأة فرعون، وأخت موسى رواه الطبراني، عن سعد بن جنادة هذا. [شرح المسند] - عائشة أفضل من سائر النساء وفي حديث أخرجه العقيلي انه عليه الصلاة والسلام قال لها في مرضه: "آتيني بِسواك َرطْبٍ فأمْضِغِيه ثُم آتيني بِهِ أمْضَغُه لِكي يختلط ريقي بريقك لِكَي يَهُونَ عَليَّ عِندَ المَوت" قال الحسن لما كرهت الانبياء الموت أي كراهة طَبيعة هون الله ذلك عليهم بلقاء الله وبكل ما أحبوه من تحفة أو كرامة حتى أن نفس أحدهم لتنزع من بين جنبيه وهو محب لذلك لما قد ُمثِّلَ له. وفي المسند عن عائشة رضي الله تعالى عنها أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّهُ لَيهُونُ عَليَّ لأنِي رأيتُ بَياضَ كَفِّ عائِشَة رضِي الله تعالى عَنهَا في الجَنَّةِ" وخرجه ابن سعد وغيره مرسلاً أن صلى الله عليه وسلم قال: " لقَدْ رأيْنَا في الجَنَّة حَتَّى يَهُونَ عَليَّ بذَلِكَ مَوتي كأني أرَى كَفَّها" يعني عائشة. فلقد كان عليه الصلاة والسلام يحب عائشة حباً شديداً حتى لا يكاد يصبر عنها فمثلت له بين يديه في الجنة ليهون عليه موته، فإنَّ الموت إنما يطلب باجتماع الأحبة. (وبه) أي وبسند أبي حنيفة، (عن حماد) أي ابن أبي سليمان، (عن إبراهيم) أي النخعي، (عن الأسود، عن عائشة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن الله تَعَالى ليكتُبُ للإنْسَان) أي من أهل الإيمان (الدرجة العليا في الجنة)

العالية الغالية، (ولا يكون له من العمل) أي في الكلمة والكيفية (ما يبلغها) بتشديد اللام المكسورة وتخفيفها أي شيئاً يوصله إليها (فلا يزال يبتليه (¬1) الله بأنواع البلية حتى يبلغها) أي الله أو الابتلاء إلى الدرجة العلية، ويحتمل أن يكون بفتح الياء وضم اللام أي حتى يصل تلك المرتبة السنية، وقد ورد عنه عليه الصلاة والسلام أن الله تعالى ليبتلي المؤمن وما يبتليه إلا لكرامته عليه رواه الحاكم. وفي رواية البيهقي والطبراني، عن حذيفة مرفوعاً: إن الله تعالى ليتعاهد عبده المؤمن بالبلاء كما يتعاهد الوالد ولده للخير وإن الله تعالى ليحمي عبده المؤمن من الدنيا كما يحمي المريض أهله الطعام. وروى أحمد وغيره عن رجل من بني سليم مرفوعاً: "إِنَّ الله تعالى يَبتلي العَبدَ فيما أَعْطَاهُ فَإنْ رَضِيَ بِما قَسمَ الله لَهُ بُورِكَ لَهُ ووسعهُ، وإنْ لَمْ يَرضَ لَمْ يُبَارِكْ لَهُ وَلَمْ يَزِدْ عَلى ما كَتَبَ لَه". وروى الطبراني عن جبير بن مطعم مرفوعاً: إن الله تعالى يبتلي عبده المؤمن بالسقم حتى يكفر عنه كل ذنب. وفي رواية لأبي حنيفة (عن إبراهيم النخعي) وقد عُدَّ من مشايخ الإمام الكردَرِي سمع ابراهيم النخعي، وكان أعلم الناس برأيه مات سنة عشرين ومائة (عن الأسود عن عائشة رضي الله عنها قالت: "ما شبعنا) أهل بيت النُّبُوَّةِ (ثلاثة أيَامٍ وَليالِيها عَنْ خُبز) أي بُرٍّ أو شَعِير" كما في رواية (متتابعاً) أي متوالياً بل كان الشبع متراخياً من الخبز معدوماً أو مستمراً (حتى فارق محمد صلى الله عليه وسلم) وفيه تنبيه على أن الفقير ¬

(¬1) التلاه بليه. ??

الصابر أفضل من الغني الشاكر، وإن فقره عليه الصلاة والسلام كان اختيارياً لا اضطرارياً إذ عرضت عليه الدنيا بأسرها فأعرض عنها ولم يقبل شيئاً من أسرها، وقال، أجوع يوماً فأصبر وأشبع يوماً فأشكر ثم أتته الدنيا أيضاً بكثرها فلم يلتفت إلى جمعها ولم يرض بمنعها فقام في مقام الإيثار وبذلها على الفجار والأبرار (وما زالت الدنيا علينا كدرة وعسرة) بفتح وكسر فيهما أي متكدرة بحسب الصورة ومتعسرة بسبب الضرورة (حتى فارق صلى الله عليه وسلم الدنيا وانتقل) إلى الدار العليا، (فلما فارق محمد صلى الله عليه وسلم الدنيا) وتركنا في المحنة والبلايا (صُبًّت) بصيغة المجهول أي كبت الدنيا (علينا صباً كثيراً) ولم يكن هذا خيراً بالنسبة إلينا (وفي رواية صب الدنيا علينا صباً) أي بوضع الظاهر موضع المضمر (وفي رواية: "ما شَبِعَ آل مُحمد صلى الله عليه وسلم ثَلاثَة أيّامٌ مُتَوالِية مِنْ خُبزِ البُر) وهو لا ينافي ما سبق أن قيد يخبز الشعير، وإن كان المراد به البر، فهذا محمول على بعض الأوقات والله أعلم بالحالات. وروى أحمد والترمذي وابن ماجه، عن ابن عباس أنه عليه السلام كان يبيت الليالي المتتابعة طاوياً هو وأهله لا يجدون عشاءً، وكان أكثر خبزهم خبز الشعير وقد بسطنا الدلائل بفتح هذه الفضائل في شرح الشمائل. وبه (عَنْ حَماد عَنْ إبراهيم النخعي، عن علقمة) أي ابن أبي علقمة بلال مولى عائشة أم المؤمنين، روى عن أنس بن مالك، وعن أمه وعنه مالك بن أنس وسليمان بن بلال وغيرهما (عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسلَّم) حين انتهاء صلاته (عن يمينه) لكونها أشرف جهاته (قائلاً:

- حديث الاستخارة

السلام عليكم ورحمة الله) ناوياً من معه من مصلين والملائكة المقربين (حتى يرى) بضم الياء وفتح الراء ويبالغ في ميله حتى يبصر (شق وجهه) بكسر الشين أي طرف خده، (وعن يساره مثل ذلك) أي ويسلم عن جهة يساره كما تقدم فعلاً وقولاً وقصداً، وفي رواية حتى يرى بياض خده الأيمن فيه لطافة، (وعن شماله مثل ذلك) أي مثل ما ذكر هنالك. والحديث عن ابن مسعود رواه أصحاب السنن الأربعة، ولفظ النسائي كان يسلم عن يمينه السلام عليكم ورحمة الله حتى يرى بياض خده الأيمن، وعن يساره: السلام عليكم ورحمة الله حتى يرى بياض خده الأيسر، وصححه الترمذي وهو أرجح مِمَّا أخذ به مالك من رواية عائشة أنه عليه الصلاة والسلام كان يسلم في الصلاة بتسليمة واحدة تلقاء وجهه يميل إلى الشق الأيمن. - حديث الاستخارة وبه (عن حماد عن إبراهيم النخعي، عن علقمة عن عبد الله (¬1)). أي ابن مسعود فإنه المراد عند الإطلاق في مصطلح المحدثين وفيه إيماء إلى أنه أكمل وأفضل من سائر العبادلة، ولذا لم يعده في مقام المماثلة. (قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا معشر الصحابة الاستخارة) أي طلب الخير (في الأمر) أي في المهم المحتمل للخير والشر إذ لا استخارة في فعل نفس ¬

(¬1) عبد الله بن مسعود كان أفضل من سائر العبادلة

الطاعة ولا في ترك نفس المعصية، والمعنى أنه كان يبالغ في تعليمنا دعاء الاستخارة في ظهور الأمر والشأن (كما يعلمنا السورة من القرآن)، وقد ورد مختصراً اللهم خِرْ لي واختر لي، ولا تَكِلْني إلى اختياري، وفي رواية اللهم خِر لي، واجعل الخيرة فيه، وكذا ورد اللهم اهدني لأحسن الأعمال لا يهدي لأحسنها إلا أنت واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت، وقد جاء مطولاً كما بينه بقوله (¬1) (وفي روايته) عن ابن مسعود وغيره (قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد) أي إذا قصد. (وفي رواية إذا هم أحدكم أمراً) من الأمور ويكون متردداً فيه بين فعله وتركه لعدم معرفة خيره وشره في عالم الظهور (فليتوضأ) أي وضوء حسناً يستوعب فرائض وسنناً (وليركع من باب إطلاق الجزء على الكل، أي ليصل (ركعتين) أي شفعاً من الصلاة فإنه أقلها ويقرأ فيهما الكافرون والإخلاص أو آية {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ويَختَارُ مَا كَان لهُمْ الخِيرَةُ سُبحَانَ الله وَتَعالى عَمَّا يُشرِكُونَ} (¬2) وآية {ومَا كَانَ لِمُؤمِنٍ وَلا مُؤمِنةٍ إذا قَضَى الله ورَسُولُهُ أمراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الخيرَةُ مِن أمرِهِم ومَنْ يَعْصِ الله ورَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً مُبيِناً} (¬3). وفي رواية (من غير الفريضة) اهتماماً باستقلال هذه الفضيلة (ثم ليقل) بلسانه حاضراً بجنانه (اللهم) أي يا الله آمنّا بخير وادفع عنا كل ضير (إني أستخيرك) أي أطلب خيرك، وأطلب منك الخير والعلم به في هذا الأمر ¬

(¬1) قال في غنية المستعلي: والاستخارة في الحج والجهاد وجميع أبواب الخير يتحمل على تعيين الوقت لا على نفس الفعل وإذا استخار فهي لما ينشرح له صدره وينبغي أن يكررها سبع مرات لما روى ابن السني عن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أنس إذا هممت فاستخر ربك فيه سبع مرات، ثم انظر إلى الذي سبق إلى قلبك فإن الخير فيه. مشتاق أحمد .. (¬2) القصص 68. (¬3) الأحزاب 36.

(بعلمك) أي بسبب علمك المحيط بالخير والشر والنفع والضر كما أشار إليه قوله سبحانه وتعالى: {وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لكُم وَعَسَى أَنْ تُحِبُوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لكُمْ والله يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعلَمُون} (¬1) (وأستقدرك) أي أطلب منك أن تجعل لي على الخير قدرة وقوة (بقدرتك) أي بحولك وإرادتك والباء فيهما للاستعانة أي أطلب منك خيراً مستعيناً بعلمك وقدرتك أو للاستعطاف أي بحق علمك وحرمة قدرتك. وفي رواية النسائي وأستهديك بقدرتك وأسألك من فضلك أي العظيم كما في أكثر الروايات. وفي رواية البزار عن ابن مسعود وأسألك من فضلك برحمتك فإنهما بيدك لا يملكهما أحد سواك (فإنك تعلم ولا أعلم وتقدر ولا أقدر) بكسر الدال، وهو الرواية في أكثر الأصول فإنك تقدر ولا أقدر وتعلم ولا أعلم، والرواية الأولى تناسب ترتيب ما تقدم، والأخرى تلائم ما أخر من قوله (وأنت علام الغيوب) بضم الغين وكسرها، أي كثير العلم بما غاب من العباد، (اللهم إن كان هذا الامر) الذي يريده كما في رواية البزار (خيراً لي في معيشتي). وفي رواية البزار في ديني ودنياي، (وخيراً لي في عاقبة أمري فيسره لي) أي فسهله كما في رواية وفي رواية أخرى فوفقه أي اجعله وفق مقصودي وبارك لي فيه (وزاد) أي ابن مسعود في رواية كما في رواية البزار (وإن كان غيره) أي غير ذلك كما في رواية أي غير الأمر المذكور أو المحصور (خيراً) أي لي كما في رواية (فاقدر) بضم الدال أي فقدر لي الخير. وفي رواية فوفقني للخير (حيث كان) الخير (ثم رضني به) بتشديد الضاد ¬

(¬1) البقرة 216.

المكسورة أي أرضني كما في رواية، والحديث بطوله في البخاري والأربعة عن جابر ورواه ابن حيان، عن أبي هريرة وأبي سعيد الخدري، والحاكم، عن أبي أيوب بروايات مختلفة وعبارات مؤتلفة، وقد بسطت الكلام عليها في الحرز الثمين شرح حصن الحصين. وقد روى الحاكم والترمذي، عن سعيد بن أبي وقاص مرفوعاً من سعادة ابن آدم استخارته الله تعالى، ومن شقاوته تركه استخارة الله تعالى. وروى الطبراني في الأوسط عن أنس ما خاب من استخار، ولا ندم من استشار، وقال بعض الحكماء: من أعطي أربعاً لم يُمنع أربعاً من أعطي الشكر لم يمنع المزيد، ومن أعطي التوبة لم يُمنع القبول، ومن أعطي الاستخارة لم يُمنع الخير ومن أعطي المشورة لم يُمنع الصواب. وبه (عَنْ حَمَّاد عَنْ إبراهيم، عَنْ عَلقَمَة عَنْ عبد الله بن مسعود قال: جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله هل يبقى أحد من الموحدين) أي المؤمنين، أو غير المشركين ليشتمل الموحدين من أهل الجاهلية (في النار) أي في قعر دار البوار معذباً على وجه الإكثار (قال: نَعَم) يَبْقَى (رَجَلٌ يَكونُ فِي قَعْرِ جَهنّم يُنادِي بالحَنّان المنّان) إما بطريق الثناء، وإما على وجه النداء وهما بتشديد النون فيهما للمبالغة من الحنان بالخفة وهو الرحمة ومن المنة بمعنى العطية، وبمعنى الامتنان فإنه يمن على عباده بالنعمة كقوله تعالى: {بَل الله يَمُنُّ عَلَيْكُم} (¬1) الآية وعن علي كرم الله وجهه: الحنان من يقبل على من أعرض عنه والمنان من يبدأ ¬

(¬1) الحجرات 17.

بالنوال قبل السؤال، وقد عدا من الاسم الأعظم والله أعلم والمعنى أنه يبالغ في ذكرهما (ويرفع صوته بهما حتى يسمع صوته جبرائيل عليه السلام فيعجب) بفتح الجيم أي فيتعجب (من ذلك القنوت) في ذلك المقام، (فقال) أي جبرائيل (العجب) أي هذا العجب الذي منه ينبغي أن يتعجب (العجب) كرر للمبالغة، وروي بالنصب أي أعجب العجب أو أعجب لعجب، (ثم لم يصبر) أي جبرائيل (حتى يصير) أي يرجع ويسير (بين يدي عرش الرحمن) أي قدامه طالباً مرامه (ساجداً) لربه وحامداً أوعابداً (فيقول الله تبارك وتعالى) أي له مشاهداً لفعله، ومشاهداً لقوله (ارفع رأسك) حتى ادفع بأسك (يا جبرائيل) الأمين، فيرفع رأسه ذلك الحين (فيقول) أي الله (تعالى ما رأيت من العجائب أي شيء) علمت من الغرائب (والله أعلم) أي منه ومن غيره (بما رآه) في جميع المراتب (فيقول يا رب) أي يا ربي خصوصاً ورب العالمين عموماً (سمعت صوتاً) أي غريباً من قعر جهنم قريباً ينادي صاحب ذلك الصوت (بالحنان المنان فتعجبت من ذلك الصوت) البهي الشأن في ذلك المكان (فيقول الله) عز اسمه ومسماه (تبارك) خيراته ومبراته (وتعالى) ذاته وصفاته أن يشبهها مخلوقاته ومصنوعاته (يا جبرائيل اذهب إلى مالك) خازن النار هنالك، (وقل له أخرج منها العبد الذي ينادي بالحنان والمنان) في ذلك الزمان (فيذهب جبرائيل عليه السلام إلى باب من أبواب جهنم) لطلب المرام (فيضربه) أي فيدق الباب (فيخرج إليه مالك للجواب).

(فيقول جبرائيل عليه السلام: إن الله تبارك وتعالى يقول أخرج العبد الذي ينادي بالحنان والمنان، فيدخل) أي مالك في طبقات النار (فيطلب ذلك العبد) في تلك الدار (فلا يوجد) إشارة إلى كمال فنائه في مقام عنايته، (وإن مالكاً) أي والحال أن مالكاً (أعرف بأهل النار من الأم) أي الأمهات، ولو من الحيوانات (بأولادها) من الذكور والبنات فيخرج حيراناً (فيقول لجبرائيل) معتذراً (إن جهنم زفرت) بفتح الفاء يقال: زفر النار سمع لتوقدها صوتاً. والمعنى توقدت وصاحت زفرة عظيمة (لا أعرف الحجارة من الحديد) في تلك الحال، (ولا الحديد من الرجال فيرجع جبرائيل عليه السلام حتى يصير بين يدي عرش الرحمن ساجداً) ولإظهار العبودية وفق عابداً (فيقول تبارك وتعالى: ارفع رأسك يا جبرائيل)، فإنك رفيع القدرعند ربك الجليل (لم) أي لأي شيء (لم تجيء لعبد) أي باحضاره عندي فيقول (يا رب إن مالكاً يقول معذرة إن جهنم قد زفرت زفرة لا أعرف الحجر من الحديد) في المقام الشديد (ولا الحديد من الرجال) من شدة الأهوال (فيقول الله عز وجل قل لمالك) أي على لساني (إن عبدي في قعر كذا وكذا) من مكان البلايا، (وفي سر كذا وكذا) من

الخفايا (وفي زاوية كذا وكذا) من الزوايا (فيدخل) الفاء فصيحة أي فيجيء جبرائيل إلى مالك (فيخبره) بما تقرر هنالك (فيدخل) مالك ثانياً (فيجده في المحل الذي قيل له) إنه فيه مطروحاً منكوساً، أي مقلوباً معكوساً (مشدوداً) أي مربوطاً (ناصيته) منضمة (إلى قدميه ويداه إلى عنقه) أي معه مغلولاً أو مسلسلاً (واجتمعت عليه، الحيات والعقارب) وتعلقت به في جميع جهاته من المشارق والمغارب (فيجذبه جذبة) أي فيأخذه أخذة قوية توترة في المراتب حتى تسقط عنه الحيات والعقارب (ثم يجذبه جذبة أخرى) أقوى من الجذبة الأولى بإذن المولى (حتى تنقطع منه السلاسل والأغلال) ويرتفع عنه الأهوال (ثم يخرجه من النار فيصيره) أي فيجعله مغموساً في (الحياة) التي ليس بعدها الممات (ويدفعه) أي يسلمه (إلى جبرائيل) وهو الروح الأمين (فيأخذه) أي جبرائيل بناصيته ويمدّه مدّاً أي يجره جراً إلى ناصية (فما مر به) جبرائيل (على ملأ) أي على جمع أشراف (من الملائكة إلا وهم يقولون أف) بفتح الفاء المشدودة وبكسرها وقد تنون. وهذه الثلاث قراءات، وفيها أربعون لغات أي يتضجر (لهذا العبد حتى يصير) أي جبرائيل (بين يدي عرش الرحمن ساجداً فيقول الله تبارك وتعالى: ارفع رأسك يا جبرائيل) ليكون شاهداً مشاهداً (فيقول الله): أي لذلك العبد (عبدي) أي يا عبدي: (ألم أخلقك بخلق حسن) بفتح الخاء أي بصورة حسنة لقوله تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ في أَحْسَنِ تقْويم} (¬1)، (ألم أرسل إليك رسولاً) يدلك عليَّ (ألم ¬

(¬1) التين 4.

يقرأ) أي الرسول (عليك كتابي) ليهديك إليَّ (ألم يأمرك) أي الرسول (بالمعروف وينهك) أي ولم يمنعك (عن المنكر) تخويفاً لما لدي (حتى يقر العبد بذنبه) ويعترف بسوء نسبه وحلم ربه (فيقول الله تعالى: فلم فعلت كذا وكذا) من المناهي والملاهي (فيقول العبد: يارب ظلمت نفسي) ظلماً كثيراً في المعصية (حتى ألقيت في النار) بسببه (كذا وكذا خريفاً) أي سنةً، لكن مع هذا كله (لم أقطع رجائي منك) مع خوفي آخر أمري (بالحنان والمنان) لرفع عسري، (فأخرجتني بفضلك من دار الملامة فارحمني) برحمتك العامة وأدخلني دار السلامة (فيقول الله تبارك وتعالى: اشهدوا يا ملائكتي بأني رحمته أعطيته جنة فيها نعمة. وقد ذكر عند الحسن البصري أن آخر من يخرج من النار رجل يقال له هناد وبعدما عذب ألف عام ينادي يا حنان يا منان فبكى الحسن البصري وقال: ليتني كنت هناد فتعجبوا منه فقال: ويحكم أليس يوماً يخرج في الجملة ولا يخلد فيها كذا في منهاج العابدين للغزالي. وفي الشمائل للترمذي، عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني لأعلَمُ أول رَجُلٍ يَدخُلُ الجَنَّةَ، وآخر رَجُلٍ يَخرُجُ مِنَ النَّارِ يُؤْتى بالرَّجُل يَوْمَ القِيَامة فيقال: اعرضوا عليه صغار ذنوبه ومحونا عنه كبارها فيقال: عملت يوم كذا وكذا وهو مقر لا ينكر وهو مشفق من كبارها فيقول أعطوه مكان كل سيئة عملها حسنة،

- استلام الحجر

فيقول: إن [لي] ذنوباً ما أراه ههنا" قال أبو ذر: فلقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحك حتى بدت نواجذه. وعن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني لأَعرِفُ آخر أهل النَّار خُروجاً، رجلٌ يَخرجُ مِنْها زَحفْاً فيقال له: انطلق فادخل الجنَّة، قَال فَيذْهبُ لِيَدْخُلَ فَيَجِدُ النَّاس أخذُوا المنازل فيرجع فيقُولُ تَمَنَّ فَيَتمَنى فيُقالُ لَهُ فَإنَّ الذي تمنيْت وعَشَرةَ أضْعَافِ الدُّنْيَا قال فيقول: نَعَم أتسخر بي، وأَنْتَ المَلِك؟ " قَالَ فَلقَد رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحك حتى بَدتْ نَواجِذُهُ. - استلام الحجر وبه (عن حمَّاد عن إبراهيم عن علقمة عن ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما انتهيت إلى رُكنِ اليَمَاني) بالتخفيف والتشديد (إلا لقيت عنده جبرائيل عليه السلام"، وعن عطاء) وعطاء هذا ابن رباح وهو من مشايخ الإمام، فقد روى الترمذي في كتاب العلل من الجامع الكبير: حدثنا محمد بن غيلان عن جرير عن يحيى الجماني قال: سمعت أبا حنيفة يقول ما رأيت أكذب من جابر الجعفي، ولا أفضل من عطاء بن رباح. وفي الميزان للذهبي سمعت أبا حنيفة يقول ما رأيت أفضل من عطاء، ولا أكذب من جابر الجعفي ما أتيت لشيء إلا جاءني فيه بحديث، وزعم أن عنده كذا وكذا ألف حديث لم يظهرها قال: (قيل رسول الله صلى الله عليه وسلم تكثر من الاستلام الركن اليماني قال: مَا أَتيْتُ عَلَيْهِ قَط إلا وجبرائيل قائم عنده يستغفر لمن يستلمه) أخرجه الأزرقي.

- حديث بروع بنت واشق

وعن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: على الركن اليماني ملكان يُؤمِّنانِ على دعاء مَن مَرَّ بهما وإن على الحجر الأسود ما لا يحصى، أخرجه الأزرقي موقوفاً، ومثل ذلك لا يقال إلا عن توقيف ... فيكون في الحكم مرفوعاً ويؤيده ما أخرج أبو الشيخ، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَا مَرَرْتُ بِالرَّكْنِ اليَمَانِي إلاَّ وعِنْدَهُ ملك ينادي آمين آمين" فإذا مررتم به فقولوا: اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "وَكَّلَ الله بِهِ يعنِي الرَّكْنُ اليَمَانِي سَبْعِينَ مَلكاً مَنْ قَالَ اللهمَّ إني أسْألكَ العَفْوَ والعَافِيةَ في الدُّنيَا والآخرة ربَّنَا آتِنَا في الدُّنيَا الخ" قالوا آمين رواه ابن ماجه بإسناد ضعيف لكنه قوي حيث يعمل به في فضائل الأعمال والله أعلم بالأحوال. - حديث بروع بنت واشق وبه (عَنْ حَمَّاد عَنْ إبراهيم، عَنْ عَلقمَة، عن عبد الله بن مسعود في المرأة المعهودة) من نساء زمانه (توفي عنها زوجها ولم يفرض) أي: والحال أن زوجها لم يقدر (لها صداقها) بفتح الصاد وتكسر أي مهراً (ولم يكن دخل بها) أي يطأها ولم يحصل له خلوة صحيحة معها، واختلف الصحابة في حقها فقال ابن مسعود: (لها صُدَقة نسائها) بضم الصاد، وفتح الدال وكغرفة وصدقة بضمتين وفتحتين أي مهر أمثالها من نساء قومها (ولها الميراث) كاملاً (وعليها العدة) أي عدة الوفاة (فقال مَعقِلْ): بفتح الميم وكسر القاف (بن سنان) بكسر السين ممنوعاً (الأشجعي) منسوب إلى قبيلة من بني أشجع، شهد فتح مكة ونزل الكوفة وحديثه

فيهم وقتل يوم الحرة صبراً، روى عنه علقمة، والحسن، والشعبي، وغيرهم (أشهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى) أي حكم (في بروع) بكسر الموحدة عند المحدثين وبفتحها عند الفقهاء، وسكون الراء، وفتح واو وعين مهملة (بنت واشق) بكسر الشين المعجمة مثل ما قضيت الخطاب لابن مسعود. وفي تفسير المعالم عند قوله تعالى: {لاَ جُنَاحَ عَلَيكُمْ إنْ طَلّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمسُّوهُنَّ أوْ تَفْرضُوا لَهُنَّ فَرِيضةً} (¬1) ومن حكم الآية أن من تزوج امرأة بالغة برضاها على غير مهر يصح النكاح، وللمرأة مطالبة بأن يفرض لها صداقاً، فإن دخل بها قبل الفرض فلها عليه مهر مثلها، وإن طلقها قبل الفرض والدخول فلها المتعة، وإن مات أحدهما قبل الدخول والفرض، فاختلف أهل العلم في أنها هل تستحق المهر أم لا. فذهب جماعة إلى أن لا مهر لها، وهوقول عليٍّ وزيد بن ثابت، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس رضي الله عنهم، كما لو طلقها قبل الفرض والدخول. وذهب قوم إلى أن لها المهر، لأن الموت كالدخول في تقرير المسمى، كذلك في إيجاب مهر المثل إذا لم يكن في العقد مسمى. وهو قول الثوري وأصحاب الرأي واحتجوا بما روى علقمة، عن ابن مسعود أنه سئل عن رجل تزوج امرأة، ولم يفرض لها صداقاً ولم يدخل بها حتى مات فقال ابن مسعود: لها صداق نسائها لا وكْسَ ولاَ شطط، أي لا نقص ولا زيادة، وعليها العدة، ولها الميراث، فقام معقل بن سنان الأشجعي فقال قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بروع بنت واشق امرأة منا مثل ما قضيت، ففرح ابن مسعود غاية الفرح. قال الشافعي: فإن ثبت حديث بروع بنت واشق فلا حجة في قول أحد دون ¬

(¬1) البقرة 236.

النبي صلى الله عليه وسلم، وإن لم يثبت فلا مهر لها، ولها الميراث. وكان علي رضي الله عنه يقول في حديث بروع: لا يقبل قول أعرابي من أشجعي على كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم انتهى. قال شيخنا رئيس المفسرين في زمانه البُسحي عطية السلمي المكي الشافعي رحمة الله تعالى عليه: فقد ثبت حديثها، أخرجه أبو داود، والترمذي وصححه، وابن أبي شيبة وعبد الرزاق، ولم يتفرد به معقل بن سنان، بل قال هو وجماعة من أشجع لابن مسعود: نشهد أنك قضيت بما قضى به رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما رواه هؤلاء الأئمة وأحد قولي الشافعي قاله قياساً، ولو ثبت عنده الحديث لما خالف فيه وهو المرجح عند النووي والقول الثاني رجحه الشافعي. وبه (عَنْ حماد، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله بن مسعود. أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى صلاة إما الظهر، وإما العصر) شك من عند الرواة (فزاد في ركعة أو نقص، فلما فرغ وسلم فقيل له: أحدث) أي تجدد حكم (في الصلاة) أي في عدد ركعاتها (أم نسيت) في زيادتها ونقصانها؟ (قال: "أُنسَى كَمَا تُنسُون") بصيغة المجهول مخففين، وفي نسخة على بناء الفاعل فيهما ويجوز تشديد سينهما لكن يؤيد الأول (قوله فإذا أنسيت) بصيغة المفعول من الإنساء من باب الأفعال (فذكروني)، ولفظ الشيخ إنما أنا بشر أنسى كما تنسون، فإذا نسيت فذكروني، (ثم حول وجهه إلى القبلة)، وهذا كان قبل تحريم الكلام في الصلاة وإفساده به، وكذا الكلام في تحويل وجهه إن كان مع تغير صدره. واعلم أنه إذا تكلم في الصلاة أو سلم ناسياً أو جاهلاً بالتحريم، أو سبق لسانه

- شرب النبيذ

ولم يطل زمانه لم يبطله صلاته عند الثلاثة. وقال أبو حنيفة: يبطل بالكلام دون السهو، (وسجد سجدتي السهو، وتشهد فيها) أي عقب سجدة السهو، (ثم سلم عن يمينه، وعن شماله) ظاهره يوافق قول الشافعي في المشهور عنه أن موضع سجود السهو قبل السلام. وقال أبو حنيفة بعد السلام كما في رواية صحيحة عنه عليه السلام. واعلم أن الصحيح من الأحاديث الواردة في سهوه صلى الله عليه وسلم ثلاثة أحاديث. أولها حديث ذي اليدين كما رواه الشيخان عن أبي هريرة في السلام من اثنين في إحدى صلاتي العشاء أما الظهر أو العصر؟ فقال: ذو اليدين يا رسول الله أنسيت أم قصرت الصلاة؟ قال: لم أنس ولم أقصر فقال: أكما يقول ذو اليدين؟ فقالوا نعم فأتم، ثم سلم، ثم كبر وسجد، ثم رفع. قال ابن سيرين: ثبت أن عمران بن حصين قال: ثم سلم. وثانيهما حديث ابن بُحَيْنَة كما رواه مالك في القيام من اثنين. وثالثهما حديث ابن مسعود كما في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الظهر خمساً فقد أوضحنا هذا الحديث في شرح الشفاء، وما يتعلق به من بحث الحكمة في الإنساء. ومنها قوله عليه الصلاة والسلام كما رواه مالك في الموطأ بلاغاً إني لأنسى لأسنَّ وقد قال تعالى: {فَلاَ تَنسَى ... إلاّ ما شَاءَ الله} (¬1) أو المشيئة لا تكون إلا عن الحكمة. - شرب النبيذ وبه (عن حماد عن إبراهيم، عن علقمة قال: رأيت عبد الله بن مسعود ¬

(¬1) الأعلى 6 - 7.

- التعجب انفعال النفس

رضي الله عنه وهو يأكل طعاماً ثم دعا بنبيذ) أي نبذ فيه من نحو تمر أو زبيب أو حنطة، أو شعير ليحلو على ما في النهاية (فشرب) أي ماء (فقلت: رحمك الله تشرب) بتقدير همزة الاستفهام (النبيذ في مجلسك) والأمة تقتدي بك لقوله عليه السلام رضيت لأمتي ما رضي لها ابن أم عبد، كما رواه الحاكم عن ابن مسعود (فقال) ابن مسعود: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يشرب النبيذ، ولولا أني رأيته يشرب) أي منه (ما شربته)، وفي الشمائل للترمذي عن أنس قال: لقد سقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا القدح الشرب كله الماء والنبيذ والعسل واللبن. وفي صحيح مسلم كان ينبذ له أول الليل ويشربه أي الصبح يومه ذلك، والليلة التي تجيء والغد إلى العصر، فإن بقي شيء سقاه الخادم أو أمر به فصب، وهذا محمول على ما يطبخ. ففي الخلاصة نبيذ التمر أو نبيذ الزبيب إذا طبخ أدنى طبخة ثم اشتد، فإنه يجوز شربه دون السكر في قول أبي حنيفة، وأبي يوسف، إذا أراد به استمرار الطعام ولم يرد به اللهو. وقال محمد: لا يجوز شربه فقليله وكثيره حرام، قال الفقيه أبو الليث وبه نأخذ وأما إذا كان شربه للهو فقليله وكثيره حرام، وأما الوجه الذي هو حلال بالإجماع فكل شراب لم يمض عليه ثلاثة أيام وهو حلو أما نبيذ الذرة، فقد رواه الطبراني، عن ابن عباس مرفوعاً مدرجه كله حرام أبيضه وأحمره وأصفره وأخضره. - التعجب انفعال النفس وبه (عن حماد، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله بن مسعود

قال: جاء جبرائيل إلى النبي صلى الله عليه وسلم في صورة شاب) إشعاراً بأن تحصيل العلوم أولى في أوان الشباب. (ولم يعرفه أحد من الأصحاب) كما ورد لا يرى عليه أثر السفر ولا يعرفه منا أحد (عليه ثياب بيض) بالإضافة، أو بدونها أي ذات إيماء إلى أن تلبس البياض يناسب أهل العلم، فإنه أنظف وأطهر، وفي النظر أنور، وفي بعض الروايات: إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر، وبهذا تبين أنه لم يكن أمرداً (فقال السلام عليك يا رسول الله) في رواية مسلم خاطبه بيا محمد من دون السلام فيحمل على تعدد الواقعة، أو تكرر خطابه أو اقتصار بعض الرواة على أن الاعتماد على زيادة الثقاة (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وعليك السلام) والاقتصار عليه من باب الاكتفاء عملاً لبيان أقل الجواز في الجواب. (فقال: يا رسول الله ادنو) أي أقرب، ولا يكون تقصيراً في الأدب (فقال: ادنه) بهاء السكت أو بضمير راجعاً إلى المصدر بصيغة متكلم المفهوم من الفعل أي أدن الدنو كما قيل بهما في قوله تعالى: {فبهداهم اقتده} (¬1) على القراءتين فقال الفاء فصيحة أي (فدنا حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأسند ركبتيه ووضع كفيه على فخذيه) أي فخذي النبي صلى الله عليه وسلم كما في رواية النسائي (فقال: يا رسول الله ما الإيمان الشرعي؟ قال: الإيمان) وهو تصديق الجنان وإقرار اللسان (بالله) أي بوجود ذاته وصفاته وشهود توحيده في مصنوعاته (وملائكته) بأنهم عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون (وكتبه) المنزلة من غير تعين عددها (ورسله) إلى أممهم وإلى أنفسهم لتكون شاملة لأنبيائه، وفي بعض الروايات الصحيحة واليوم الآخر، (والقدر (¬2) خيره وشره) أي حلوه ومره. ¬

(¬1) الأنعام 90. (¬2) نقل الإمام النووي عن الخطابي أن ليس معنى القضاء والقدر إجبار الله سبحانه العبد وقهره على ما قدره وقضاه، بل معناه الإخبار عن تقدم علم الله سبحانه وتعالى بما يكون من اكتساب العبد، وصدور الأفعال عن تقدير منه، والقدر اسم لما صدر مقدراً عن فعل القادر. القضاء في هذا معناه: الخلق كقول الله تعالى: {فقضاهُنَّ سبع سموات في يومين} أي خلقهن انتهى.

وفي رواية لمسلم وبالقدر كله (قال: صدقت) أي فيما قلت، وحققت (فعجبنا لقوله صدقت) حيث يسأله ويصدقه (كأنه يدري) إذ سؤاله يقتضي عدم علمه وتصديقه يوجب خلاف حاله والتعجب انفعال النفس من الشيء الذي وقع خارج العادة وخفي سببه على أهل السعادة (ثم قال: يارسول الله فما شرائع الإسلام؟) أي معاملة التي تبنى عليها الأحكام؟ (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (إقام الصلاة) أي أداؤها بأركانها وشرائطها (وإيتاء الزكاة) أي إعطاؤها لمستحقيها (وصوم رمضان وغسل الجنابة) وفي أكثر الرواية الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً، ولعل الرواية السابقة وردت قبل فريضة الحج والشهادتين دخلتا في تعريف الإيمان الشرعي الذي عليه مدار الحكم الفرعي (قال: صدقت فعجبنا لقوله صدقت كأنه يدري) أي ويظهر من نفسه أنه لا يدري ويسمى تجاهل العارف (ثم قال: فما الإحسان) أي الإتقان والإيقان في الإسلام والإيمان (قال (¬1): أن تعمل الله) وهو أعم من الرواية المشهورة أن تعبد الله (كأنك تراه) ناظراً إليك، وشاهداً عليك، (فإن لم تكن تراه) للحجاب بين يديك (فإنه يراك) بلا شبهة لديك (قال: صدقت) وهو موافق لما في الترمذي من قوله: صدقت في المواضع الثلاثة خلافاً لأكثر الروايات من وقوعه في الأوليين من الحالات ¬

(¬1) قال العلماء: هذا من جوامع الكلم التي أوتيها صلى الله عليه وسلم لأنا لو قدرنا أن أحدنا قام في عبادة وهو يعاين ربه سبحانه وتعالى، لم يترك شيئاً مما يقدر عليه من الخضوع والخشوع وحسن السمت واجتماعه بظاهره وباطنه على الاعتناء يتممها على أحسن وجوهها إلاَّ أتى به.

(وقال: فمتى قيام الساعة؟) أي متى وقت وقوعها أي القيامة، والمراد بها النفخة الأولى (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما المسؤول (¬1) عنها) أي عن قيامها (بأعلم من السائل)؟ أي ليس من جنس المسؤول عنها بأعلم من جنس السائل منها، والمعنى أنهما متساويان في نفي العلم بوقتها، لأنه سبحانه وتعالى استأثر علمه بها لقوله تعالى: {إنَّ السَّاعة آتِيَة أكاد أُخفيها} (¬2) أي عن نفسي لو تصور إخفائها ولقوله سبحانه وتعالى: {يَسْئَلونَكَ عَنِ السَّاعة أَيّانَ مرْسَاهَا فيم أنْتَ مِن ذِكْراها إلى رَبّكَ مُنْتَهاها} (¬3) وفي بعض الروايات فأخبرني عن أماراتها الحديث بقوله: (فقفى) بتشديد الفاء أي فولَّى (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: علي بالرجل) أي نادوه وأُتوا به (فطلبنا) سعياً وجبراً (فلم نر له أثراً) فأخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم (فقال) أي السائل الجليل (جبرائيل عليه السلام، جاءكم) أي أتاكم كما في رواية (ليعلمكم معالم دينكم) أي الشريعة التي يرجع إليكم منافعه. والظاهر أنه عليه الصلاة والسلام أيضاً ما عرفه أولاً يؤيده ما في صحيح ابن حيان: والذي نفسي بيده ما شبهه عليّ منذ أتاني قبل مرته هذه، وما عرفته حتى ولا أعلم أن هذا الحديث ذكره النووي في أربعينه برواية عمر بن الخطاب وقد بسطنا الكلام في شرح ذلك الكتاب. والحديث رواه مسلم عنه وعن أبي هريرة نحوه، ولعل الواقعة متعددة لاختلاف الألفاظ الواردة (سفيان بن عيينة) وهو إمام عالم ثبت حجة زاهد ورع مجمع على صحة حديثه سمع الزهري وخلقاً كثيراً، روى عنه الأعمش والثوري ¬

(¬1) يستنبط من هذا أنه ينبغي للعالم والمفتي وغيرهما إذا سئل عما لا يعلم أن يقول: لا أعلم، وأن ذلك لا ينقصه، بل يستدل على ورعه وتقواه ووفور علمه. (شرح صحيح مسلم). (¬2) طه 15. (¬3) النازعات 42 - 44.

وشعبة والشافعي وأحمد وغيرهم، ولد بالكوفة للنصف من شعبان سنة سبع ومائة. قال في آخر حجة حجها وافيت هذا الموضع سبعين مرة في كل مرة أقول: اللهم لا تجعله آخر العهد من هذا المكان، وقد استحييت من الله من كثرة ما أسأله فتوفي في السنة الداخلة يوم السبت غرة رجب سنة ثمان وتسعين ومائة. ودفن بالحجون. وقد روى له الشيخان وهو ممن روى عن الإمام كما ذكره الكردري، وقد قال سفيان بن عيينة من أراد المغازي فالمدينة، ومن أراد المناسك فمكة، من أراد الفقه فالكوفة يلازم أصحاب أبي حنيفة، قال الصولي دخلت على سفيان بن عيينة، وبين يديه قرصان من شعير فقال: يا أبا موسى إنهما طعامي منذ أربعين سنة، وكان ينشد شعر: خلت الديار فسدت غير مسود ... ومن الشقا وتفردي بالسؤود وقال سويد بن سعيد، عن سفيان بن عيينة قال: أول من أقعدني للحديث أبو حنيفة قدمت الكوفة ولم يتم لي عشرون سنة. فقال أبو حنيفة: هذا أعلم الناس بحديث عمرو بن دينار فاجتمعوا علي فحدثتهم، وقال أبو سليمان الجوزجاني: سمعت حماد بن زيد يقول: ما عرفنا كنية عمرو بن دينار إلا بأبي حنيفة، كنا في المسجد الحرام، وأبو حنيفة مع عمرو ابن دينار فقال له: يا أبا حنيفة كلمة تحدثنا فقال: يا أبا محمد حدثهم، ولم يقل يا محمد وحماد بن زيد أحد الأعلام، روى له الأئمة الستة قال ابن مهدي: ما رأيت بالبصرة أفقه منه ولا أعلم منه عاش إحدى وثمانين سنة، وتوفي في رمضان سنة تسع وسبعين ومائة. وقد أخذ الفقه عن أبي حنيفة وهو الراوي عنه أن الوتر فريضة، وأما عمرو بن دينار ويكنى بأبي يحيى، فروى عن سالم بن عبد الله بن عمرو وغيره، وعنه الحمادان، ومعتمر وجماعته، ومن هو مشايخ الإمام من التابعين الكرام، وفي

- اجتماع أبي حنيفة والأوزاعي

شرح الوقاية للشمني أن الشافعي روى في مسنده، عن محمد بن الحسن، عن أبي يوسف عن أبي حنيفة عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر قال: قال رسول الله (الولاء كلحمة النسب لا يباع). - اجتماع أبي حنيفة والأوزاعي: قال ابن عيينة: (اجتمع أبو حنيفة والأوزاعي) وهو من أكابر المجتهدين ومن أجلاء التابعين حتى إذا ركب كان الثوري ومالك في ركابه أحدهما ليسوق، والآخر يقود (في دار الحناطين بمكة) أي مكان البياعين للحنطة واليوم يقال له: سوق الحبابين ولا يبعد أن يراد به دار العطارين على أن المراد بهم البياعون للحنوط بفتح وضم طيب بخلط للميت (فقال الأوزاعي لأبي حنيفة ما بالكم) والخطاب؟ بالجمع للتعظيم أو له ولأصحابه أو للكوفيين والمعنى ما شأنكم وحالكم (لا ترفعون أيديكم) في الصلاة (عند الركوع) أي حال إرادة الانخفاض إليه (وعند الرفع منه) كما يفعله أهل المدينة وغيرهم؟ (فقال أبو حنيفة: لأجل أنه لم يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه شيء) أي حديث غير معارض لغيره يجب به العمل، فإنما أطلق الكلام لأنه ادعى الإلزام، وإذا تعارض الحديثان تساقطا. والأصل عدم الرفع لأن مبنى الصلاة على السكون في الشرع، وما يقال بترجيح أحدهما (قال: كيف لا يصح) أي على الإطلاق أنه بحيث لا يعارض بما هو أرجح في مقام الوفاق، (وقد حدثني الزهري)، وهو محمد بن شهاب

أعلم الفقهاء والمحدثين والعلماء والأعلام من التابعين بالمدينة السكينة، روى عنه قتادة ومالك، ومكحول وغيرهم مات في شهر رمضان سنة أربع وعشرين ومائة (عن سالم) أحد فقهاء المدينة من سادات التابعين وثقاتهم مات بالمدينة سنة ست ومائة، (عن أبيه عبد الله بن عمر بن الخطاب) وترجمته مشهورة فيما بين الأصحاب قال جابر بن عبد الله ما منا أحد إلا مالت به الدنيا ومال هو بها ما خلا عمر وابنه عبد الله، قال نافع: ما مات ابن عمر حتى أعتق ألف ألف إنسان، وزادا (عن)، وفي نسخة (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه حذاء منكبيه) وهو مختار الشافعية، أو أذنيه وهو مختار الحنفية (إذا افتتح الصلاة) وهو سنة متفق عليها، وإن اختلفوا في هيئتها (وعند الركوع) أي قصده (وعند الرفع منه). وبه قال (¬1) مالك، والشافعي، وأحمد (فقال أبو حنيفة: وحدثنا حماد) أي ابن سليمان الأشعري (عن إبراهيم النخعي، عن علقمة، والأسود) كلاهما (عن ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يرفع يديه) أي في آخر أمره وانقضاء عمره (إلا عند افتتاح الصلاة، ولا يعود لشيء من ذلك) الرفع فيما هنالك، وبه يجمع بين الروايات بدليل الترجيح من جهة الثقات ويندفع ما يرد أن النفي غير معتبر في معرض الإثبات. (فقال الأوزاعي) ترجيحاً لسنده على معتمده (أحدثك عن الزهري، عن سالم، عن عبد الله) وهم أجلاء في الرواية مع قلة الواسطة فإن إسناده ثلاثي ¬

(¬1) أي في رواية غير مشهورة والأشهر منه عدم الرفع كما في النووي وغيره قال في التعليقات الممجد وعلى عدم الرفع جمهور أصحاب مالك رحمه الله.

(وتقول) في معارضتي: (حدثني حماد عن إبراهيم) وهما غير مشهورفي نقل السنة بالنسبة إلى ما تقدم مع كثرة الواسطة، فإن إسناده رباعي (فقال أبو حنيفة) معرضاً عن طول السند وقصره: فإنه لا يضر مع حجة طرقه، وربما يزيد قوة في تحققه (كان حماد أفقه) أي أعلم بمعنى الحديث (من الزهري)، وإن كان هو أشهد برواية السنة، (وكان إبراهيم أفقه من سالم) أيضاً بالمعنى المتقدم، (وعلقمة ليس بدون ابن عمر في الفقه)، وغير العبارة مراعاة للأدب معه، كما أشار إليه بقوله، (وإن كان لابن عمر صحبة) أي شرف الصحبة وهذا بالنسبة إلى ابن عمر وعلقمة. وأما بالنسبة إلى الأسود فبينه بقوله: (وله) أي لابن عمر (فضل صحبة) ليس فيه شبهة، (فالأسود له فضل) كثير من جهة الفقاهة (وعبد الله بن مسعود هوعبد الله) الذي فضله مشهور غير مجحود، والتركيب من قبيل قوله شعر: أنا أبو النجم وشعري شعري فلا يرد أن المبتدأ هو عين الخبر، ولا بد من المغايرة بينهما فتدبر (¬1)، (وسكت الأوزاعي) في ذلك المقام على طريق الإلزام أو قطعاً للمنازعة والخصام قال ابن ¬

(¬1) فرجح الإمام الأوزاعي أن حديث الرفع بعلو الإسناد ورجح الإمام الأعظم بفقه الرواة وهذا هو المقرر في أصول الحنفية وأجاب من هذا في مسك الختام أن عند أهل الرفع طرق أخرى سوى إسناد الأوزاعي قول أما أولاً إن عند الحنفية أيضاً طرق عديدة لثبوت عدم الرفع وثانياً إذا كان الدليل الواحد أقوى وأرجح وأوثق فلا يضعفه كثرة الدلائل من الجانب المقابل وإن شئت زيادة تحقيق هذه المسألة فارجع إلى رسالتي (قريرة العينين بتحقيق رفع اليدين).

الهمام فترجح الإمام بفقه الرواة كما رجح الأوزاعي بعلو الإسناد، وهو المذهب المنصور عندنا، انتهى. فمن زعم أن ما أورده البخاري من صحيحه في بابه لم يبلغ أبا حنيفة وأصحابه خرج عن حد الانصاف، ودخل في باب الاعتساف ثم مما يؤيد أكثر الفقه في مقام الترجيح ما ورد في الحديث الصحيح: "نَضَّرَ الله امرء سَمَعَ مِنَّا شَيئاً وبَلَّغَهُ كما سمعَهُ فَرُبَّ مُبَلَّغٍ أوعى مِنْ سامع" رواه أحمد والترمذي وابن حيان في صحيحه عن ابن مسعود مرفوعاً، وفي رواية رب حامل فقه غير فقيه ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه. هذا وروى الطحاوي، ثم البيهقي من حديث الحسن بن عباس بسند صحيح عن الأسود وقال رأيت عمر بن الخطاب رفع يديه في أول تكبيرة، ثم لا يعود. وروى الطحاوي وبسنده إلى علي رضي الله عنه أنه رفع يديه في أول التكبير ثم لم يعد وأما ما في الترمذي عن علي أنه عليه السلام كان إذا قام إلى الصلاة المكتوبة كبر ورفع يديه حذو منكبيه ويصنع مثل ذلك إذا [قضى] قراءته، وأراد أن يركع، ويصنعه إذا رفع من الركوع، ولا يرفع يديه في شيء من الصلاة وهو قاعد، وإذا قام من السجدتين رفع كذلك صححه الترمذي فمحمول على النسخ للاتفاق على نسخ الرفع عند السجود. والحاصل أن الأخبار والآثار متعارضة فلا بد من الجمع بينهما بأن يقال: بسنِّيَّةِ الأمرين كما قال بعضهم: وهو ظاهر، أو يترجح أحد الجانبين، فقد روى أبو حنيفة، عن حماد عن إبراهيم قال: ذكر عنده وائل بن حجر أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفع يديه عند الركوع وعند السجود: فقال أعرابي: لم يصل مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة أدى قط فهو أعلم من عباد الله وأصحابه حفظ ولم يحفظوا وفي رواية بشرائع وقد حدثني من لا أحصي عن عبد الله أنه رفع يديه في بدءِ الصلاة فقط، وحكاه عن النبي صلى الله عليه وسلم وعبد الله عالم بشرائع الإسلام وحدوده متفقدة الأحوال النبي صلى الله عليه وسلم وعبد الله عالم يلازم له في إقامته وأسفاره، وقد صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم ما لا يحصى، فيكون

- يجمع الله العلماء يوم القيامة

الأخذ به عند التعارض أولى إعاده صريحاً لتقدم ذكر سفيان جملة معترضة. - يجمع الله العلماء يوم القيامة (أبو حنيفة عن حماد عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يَجْمَعُ العُلمَاء يَوْمَ القيَامَةِ) أي في منزل الكرامة (فيقول: إني لم أجْعَلْ حكمتي) أي معرفتي كتابي وسنة نبي (في قلوبكم)، وفيه إيماء إلى أن الإعتبار بالعلم الداخل في القلب الموجب لتقوي الراء، وقد ورد العلم علمان: علم اللسان، فذلك حجة الله على ابن آدم، وعلم في القلب، فذلك العلم النافع. رواه ابن أبي شيبة والحاكم عن الحسن مرسلاً والخطيب عنه، عن جابر مرفوعاً وروى الديلم في مسند الفردوس، عن علي رضي الله عنه من ازداد علماً ولم يزد في الدنيا زهداً لم يزد من الله إلا بُعْداً (ألا وأنا أريد بكم الخير) في الدنيا والآخرة (اذهبوا إلى الجنة) والدرجات الفاخرة (فقد غفرت لكم) ما صدر عنكم (على ما كان منكم) من تقصير في عمل أو تطويل في أمل. (وبه عن حَمَّاد عن إبراهيم، عن علقمة عن ابن مسعود قال: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أكل من ذبيحة امرأة) أي مسلمة لقوله عليه الصلاة والسلام: "ذَبِيحةُ المُسلِم حَلالٌ" رواه أبو داود، في مراسيله، وقد أجمعوا على تحليل ذبيحة المسلم العاقل الذي يمكن منه الذبح سواء في ذلك الذكر والأنثى (ونهى) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم (عَن قَتل المرأة) أي إذا أسرت إلا إذا كانت ملكة، او ذات

رأي ملكة، وهذا باتفاق الأئمة. واختلفوا في قتل المرتدة عند عدم التوبة، فتحبس عند أبي حنيفة، وتقتل عند غيره، وقد أوضحت المسألة مع الأدلة في شرح الشفا، وأما في القصاص فلا خلاف أنه تقتل المرأة بالرجل، ولم يقل أحد بالمفهوم المخالف في قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ القَصَاصُ في القَتْلى الحُرُّ بِالحرِّ والعَبْدُ بالعَبْدِ والأُنْثَى بالأُنْثَى} (¬1). (وبه عن حماد، عن إبراهيم، عن علقمة عن عبد الله بن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يُعرف بالليل) أي يعرفه غيره في ظلمة الليل، أي إذا قيل يتوجه من بيته إلى المسجد، (بالريح الطيب الذي كان يفوح منه مع عدم تطيبه)، كما عرف من فضائله من جنس شمائله، والحديث رواه الدارمي والبيهقي، وأبو نعيم أنه لم يكن يمر بطريق فيتبعه أحد إلا عرف سلكه من طيب عرقه، وروى أبو يعلى والبزار بسند صحيح أنه كان إذا مر من طريق وجدوا منه رائحة الطيب وقال مرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا الطريق، وروى أحمد والبخاري عن أنس ما شممت ريحاً قط، ولا مسكاً ولا عنبر أطيب من ريح رسول الله صلى الله عليه وسلم. (وبه عن حمَّاد عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله بن مسعود قال: انكسفت الشمس) (¬2) أي تغيرت وانكدرت (يوم مات إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم) من ¬

(¬1) البقرة 178 (¬2) رد على ما زعم أهل الجاهلية أن كسوف الشمس والقمر يوجب حدوث تغير في العالم من موت وقحط وغيرها.

جارية قبطية اسمها مارية، وكان الناس يزعمون على طريق الجاهلية التابعين للحكماء والفلاسفة أن الشمس والقمر لا ينكسفان إلا لولادة عظيم أو لموته (فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فخطب) أي قائماً في مقام أو على منبره، وقف نظامه وأثنى بمحامد ربه في كلامه (فقال إنَّ الشَمْس والقَمَر آيتَان) عظيمتان من آيات الله الآفاقية، كما قال الله تعالى: {وَجَعَلْنَا الشَمْسَ وَالقَمَرَ آيتينِ} (لا تنكسفان) بالتأنيث لتغليب الشمس فإنها أقوى، وهو الأنسب وبالتذكير لتغليب القمر وهو أقرب والأصح أن الكسوف والخسوف يطلق على كل منهما إلا أن الكسوف في الشمس والخسوف في القمر أكثر ومنه قوله تعالى وخسف القمر، والحاصل أنهما لا يتغيران (لموت أحد ولا لحياته) أي ولادته، (فإذا رأيتم ذلك) أي ما ذكر من كسوف أو خسوف (فصلوا) أي بجماعة في الكسوف مع إمام الجمعة وفرادى في الخسوف على طريق السنة، ويصلى للكسوف فرادى كما يصلى جماعة بالاتفاق، والحديث في البخاري ورواه الترمذي في الشمائل، عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: انكسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام يصلي، ولما صلى ركعتين انجلت الشمس، وقد ركع في كل ركعة ركوعاً، وفي رواية النسائي فصلى بهم ركعتين كما يصلون، وروى ابن حيان أنه عليه الصلاة والسلام صلى في كسوف الشمس والقمر ركعتين مثل صلاتكم. وقد بسطت الكلام على هذا المقام في الحرز الثمين لشرح الحصن الحصين. (واحمدوا الله) على آلائه واشكروا على نعمائه (وكبروه) أي عظموه ووقروه (وسبحوه) أي تنزهوا عن كل ما لا يليق بذاته وصفاته (حتى ينجلي) أي تنكشف أيهما انكشفت وهذه الخطبة بمجرد الموعظة فقد قال أبو حنيفة رضي الله عنه وأحمد لا تُسنَ لِكُسُوفِ الشَمسِ وَلاَ لخُسوف القَمْرِ خُطْبَةٌ.

- صلاة السفر

وقال الشافعي: تسن لهما خطبتان، (ثم نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلى ركعتين) أي كصلاة الصبح عند أبي حنيفة، وقال مالك والشافعي وأحمد: ركعتان في كل ركعة منها قيامان، وقراءتان، وركوعان، وسجودان، ثم قال أبو حنيفة ومالك والشافعي: يخفي القراءة، وقال أحمد: يجهر بها. - صلاة السفر وبه (عَنْ حماد عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله بن مسعود قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في السفر) أي الشرعي المختلف حده في الفقه العرفي (ركعتين) أي قصراً للرباعي، والمواظبة المفهومة من كان الدالة على المداومة تفيد وجوب القصر كما قال أبو حنيفة، لا الرخصة كما قال به الأئمة الثلاثة، (وأبو بكر وعمر رضي الله عنهما) أي كذلك (لا يزيدون) أي الثلاثة عليه أي على ما ذكر من الركعتين (إلا في المغرب)، والجملة استئنافية بيانية أو حالية مؤكدة. - صلاة في الخمرة وبه (عن حماد، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها: ناوليني الخمرة) وهي بضم الخاء المعجمة، وسكون الميم حصيرة صغيرة منسوجة من سعف النخل وترمل بالخيوط، وقد صح عن ميمونة أنه عليه الصلاة والسلام كان يصلي على الخُمرة، رواه البخاري وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه، وقد روى أحمد وأبو داود والحاكم عن المغيرة أنه عليه الصلاة والسلام

كان يصلي على الحصيرة والفروة المدبوغة، وروى ابن ماجه عن ابن عباس أنه عليه الصلاة والسلام كان يصلي على بساط، وفيه رد على الرافضة حيث لا يجوزون الصلاة والسجدة إلا على الأرض، وجنسها وإن كان هو الأفضل اتفاقاً. وروي عَنْ مالك كراهة الصلاة على غير الأرض، وجنسها (فقالت) معتذرة بناء على ظنها أنه لا يجوز لها أن تتناول السجادة التي بمنزلة المسجد في مرتبة السعادة (إني حائض) يعني، وليس للحائض أن تدخل المسجد، فكذا ينبغي لها أن لا تأخذ السجادة، وإلا ظهر أنها توهمت أنها نجسة، وليس لها أن تمسك السجادة لئلا يتنجس (فقال عليه الصلاة والسلام: إنَّ حَيْضَتَكِ) بكسر الحاء اسم للحيض، وهو المراد هنا وأما بالفتح فالمدة منه (ليست في يدكِ) وهو كناية عن أن بدنها طاهر، إنما يمنع الحائض من الجماع فالنجاسة حكمية لا حقيقية، كما قالت اليهود والطائفة الرافضية. (وبه عن حماد عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اشترى من يهودي طعاماً) أي شعيراً، (ورهنه درعاً)، ومات صلى الله عليه وسلم وهي مرهونة وكان وصّى علياً بفكها منه. (وبه عن حماد، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة قالت: خيّرنا) أي معشر أمهات المؤمنين (رسول الله صلى الله عليه وسلم) بين موافقته ومفارقته (فاخترناه) أي جميعنا (إلا واحدة) اختارت الدنيا على الآخرة فرأوها في آخر العمرة تلقط البعر

(فلم يعد) أي، فلم يحسب النبي صلى الله عليه وسلم (ذلك) الاختيار (طلاقاً) في ذلك المقام. ورواه البخاري ولفظه: فاخترنا الله ورسوله، فلم يعد ذلك علينا شيئاً، واختلف أهل العلم في حكم التخيير فقال عمر بن مسعود وابن عباس: إذا خير الرجل امرأته فاختارت زوجها لا يقع شيء، ولو اختارت نفسها تقع طلقة واحدة، وهو قول أبي حنيفة، وعمر بن عبد العزيز وابن أبي ليلى، وسفيان، والشافعي إلا أن عند أبي حنيفة طلقة بائنة، وعند آخرين رجعية، وقال زيد بن ثابت: إذا اختارت الزوج يقع طلقة واحدة، وإذا اختارت نفسها فثلاث، وهو قول الحسن، وبه قال مالك. وروى عن علي رضي الله عنه أنها إذا اختارت زوجها يقع طلقة واحدة، وإذا اختارت نفسها فطلقة بائنة قال البغوي في تفسير قوله تعالى: {يا أيُها النبي قُلْ لأَزواجِكَ إنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الحَيَاةَ الدُّنْيَا وزِينَتُها فَتَعَالَينَ أمَتِعْكُنَّ} أي متعة الطلاق {وَأُسَرحكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً ... وإِن كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الله وَرَسُولَهُ والدارَ الآخرةَ فَإنَّ الله أَعَدَّ لِلمُحسنَات مِنْكُنَّ أجراً عظِيماً} (¬1) وفي صحيح مسلم قال: دخل أبو بكر يستأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد الناس جلوساً ببابه لم يؤذن لأحد منهم، قال: فأذن لأبي بكر فدخل ثم أقبل عمر فأذن له، فدخل فوجد النبي صلى الله عليه وسلم جالساً وحوله نساؤُهُ واجماً ساكتاً قال في نفسه: لأقولن شيئاً أضحك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله لو رأيت بنت خارجة سألتني النفقة، فقمت إليها فوجأت عنقها فضحك النبي صلى الله عليه وسلم "وقال: هن حولي كما ترى يسألنني النفقة، فقام أبو بكر إلى عائشة يجأ عنقها وقام عمر إلى حفصة: يجأ عنقها كلاهما يقول: تسألين رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً ليس عنده ثم اعتزلهنَّ شهراً أي كاملاً، أو تسعاً وعشرين يوماً، ثم نزلت هذه الآية قال: فبدأ بعائشة فقال يا عائشة إني أريد أن أعرض عليك أمراً أحب أن لا تعجلي فيه حتى تستشيري أبويك قالت: وما هو يا رسول الله؟ فتلا عليها الآية قالت: فيك يا رسول الله أستشير أبوي، بل ¬

(¬1) الأحزاب 28 - 29.

- فضائل الإمام زفر

أختار الله ورسوله، والدار الآخرة، وأسألك أن لا تخبر امرأة من نسائك بالذي قلت قال: لا تسألني امرأة منهن، إلا أخبرتها أن الله لم يبعثني معنتاً ولا متعنتاً ولكن بعثني معلماً ميسراً، وفي رواية كانت تحت رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ تسع نسوة، فلما نزلت آية التخيير بدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعائشة، وكانت أحبهن إليه فخيرها وقرأ عليها القرآن، فاختارت الله ورسوله، والدار الآخرة، ورؤي الفرح في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وتابعنها على ذلك. قال قتادة فلما اخترن الله ورسوله شكرهن الله على ذلك وقصره عليهن فقال: لا يحل لك النساء من بعد. - فضائل الإمام زفر زفر وهو ابن هزيل بن قيس الغبري البصري الكوفي كان يفضله الإمام ويقول: هو أقيس أصحابي، وقال أبو حنيفة في خطبة زواج زفر إمام من أئمة المسلمين، وعلم من أعلامه في شرفه وحسبه وعلمه، وكان أبوه من أهل أصبهان، وفي طبقات مجد الدين أن زفر حفظ القرآن في سنتين من آخر عمره، فرُئِيَ بعد موته في المنام فسئل ما حالك فقال: لولا السنتين لهلك زفر، وكان جامعاً بين العلم والعبادة، وصاحب الحديث والسُّنَّة روى عنه أبو نعيم وغيره، وذكر الإمام محمد بن الحسن الختني، عن إبراهيم بن سليمان كان إذا جالسناه لم تنفذ أن تذكر الدنيا بين يديه، وإذا ذكره واحد منا قام عن مجلسه وتركه، وكنا نحدث فيما بيننا أن الخوف قتله، وعن محمد بن عبد الله الأنصاري قال: أكره زفر على أن يلي القضاء، فأبى وهدم منزله، واختفى مدة، ثم خرج وأصلح منزله ثم هدم ثانياً واختفى كذلك حتى عفي عنه، كذا ذكره الكردري، ولعله هذا في آخر عمره فلا ينافي ذكره في الطبقات أنه تولى قضاء البصرة. ولد سنة عشر ومائة وتوفي بالبصرة سنة ثمان وخمسين ومائة، وله ثمان وأربعون سنة.

- لا نأخذ بالرأي ما دام أثر

- لا نأخذ بالرأي ما دام أثر روي عنه أنه قال: ما خالفت أبا حنيفة في قول إلا وقد كان أبو حنيفة يقول به وعن ابن المبارك قال سمعت زفر يقول نحن لا نأخذ بالرأي ما دام أثر فإذا جاء الأثر تركنا الرأي، وعن عصمت قال زفر: ما تمنيت البقاء قط، وما مال قلبي إلى الدنيا، وعن بشر بن القاسم سمعته يقول: لا أخلف بعد موتي شيئاً أخاف عليه الحساب، فلما مات زفر قدم ما في بيته فلم يبلغ ثلاثة دراهم. وعن عكرمة قال: لما قدم زفر البصرة نقل إليه جامع سفيان فقال: هذا كلامنا ينسب إلى غيرنا، وعن الحسن بن زياد كان زفر والداود متواخيين فترك داود الفقه وأقبل على العبادة، وأما زفر فجمع بينهما، وعن هلال بن يحيى جاء داود وقعد على مزبلة، ثم جاء زفر وقعد معه. - قول زفر وذكر الحافظ النيسابوري أن رجلاً جاء إلى الإمام فقال لا أدري أطلقت امرأتي أم لا قال: لا عليك حتى تتيقن بالطلاق، ثم سأل الثوري، فقال: لا تضرك الرجعة فسأل عن (¬1) شريك قال: طلقها ثم أرجعها فجاء إلى زفر، وحكى له الأقاويل، فقال: أما الإمام فقد أفتى بالفقه، والثوري بالورع، وأما شريك بالعقل، فأضرب لكم مثلاً: إن رجلاً شك أنه هل أصاب ثوبه نجس، أم لا فقال الإمام: لا عليك قبل العلم بالنجاسة، وأما الثوري فقال لو غسلته لا عليك، وأما شريك قال: بل عليك، ثم اغسله. (قال) أي زفر، (سمعت أبا حنيفة يقول) جملة حالية أي (سمعت حماداً) أي ابن أبي سليمان (يقول كنت) أي أنت (إذا نظرت إلى إبراهيم) أي النخعي، وكذا غيرك بدليل قوله (فكل من رأى هديه) بفتح فسكون، أي سمته ¬

(¬1) لعلها زائدة.

- نوم الجنب

في طريقه بدليل قوله (وسيرته) في متابعة شريعة وحقيقة (يقول: كان هديه هدي علقمة ويقول) أي إبراهيم (من هدي علقمة كان هديه هدي عبد الله) أي ابن مسعود، (يقول:) أي علقمة (من رأى هدي عبد الله (¬1) كان هديه هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم) لكثرة متابعة في أقواله وأفعاله وسائر أحواله الموجبة لكماله في عاجله ومآله. - نوم الجنب وبه (عن حماد، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن ينام وهو جنب) جملة حالية (توضأ وضوءه للصلاة) أي لتكون طهارة في الجملة، إذ ما لا يدرك كله لا يترك كله، والحديث رواه الشيخان، وأبو داود والنسائي، وابن ماجه، عن عائشة بلفظ: كان إذا أراد أن ينام وهو جنب غسل فرجه وتوضأ للصلاة، ويؤخذ منه أنه لو كسل أحد من الوضوء أيضاً تيمم، فإنه نوع طهارة، فهو خير من أن ينام على حدث، أو جنابة. ثم رأيت الطبراني في الأوسط روى عن عائشة كان إذا وقع بعض أهله فكسل أن يقوم ضرب يده على الحائط فتيمم انتهى، وكان أحياناً يغتسل وينام، وهذا كله مبني على الاستحباب إذ ورد في هذا الباب أنه عليه الصلاة والسلام كان ينام وهو جنب ولا يمس ماء، رواه أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه، عن عائشة رضي الله عنها. ¬

(¬1) روى البخاري عن حذيفة قال: إن أشبه الناس دلاً وسمتاً وهدياً برسول الله صلى الله عليه وسلم لابن أم عبد حين يخرج من بيته إلى أن يرجع إليه لا ندري ما يصنع في أهله إذا خلا. والمراد من ابن أم عبد: عبد الله بن مسعود، لأن أمه تكنى أم عبد.

- رفع القلم

- رفع القلم وبه (عن حماد عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: رُفِع الَقَلمُ) أي بكتابة الإثم عن ثلاثة أشخاص: (عن الصبي حتى يكبر) بفتح الموحدة أي يبلغ. (وعن المجنون حتى يفيق) بضم الياء وكسر الفاء حتى يعقل، (وعن النائم حتى يستيقظ) أي يتنبه. (وفي رواية) أي لأبي حنيفة (عن حماد عن سعيد بن جبير) أي الأسدي الكوفي أحد الأعلام التابعين قتله الحجاج في شعبان سنة خمسة وتسعين ومات الحجاج في رمضان بعده بخمسة عشر، وقد وقعت الأكلة في بطنه ولم يسلط بعد على أحد لدعاء سعيد: لا تسلطه على أحد يقتله بعدي، ودفن سعيد بظاهر واسط العراق، وقبره بها يزار (عن حذيفة) أي ابن اليمان صاحب سر رسول الله صلى الله عليه وسلم (قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رفع القلم) أي التكليف بالشرع الشريف (عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن المجنون حتى يفيق، وعن الصبي حتى يحتلم) أي يبلغ إما بالإحتلام أو بالسن أو بالإحبال، وقد روى أحمد وأبو داود الحاكم عن عمر وعلي ولفظهما: رفع القلم عن ثلاثة عن المجنون المغلوب على عقله حتى يتبر وعن النائم حتى يستيقظ وعن الصبي حتى يحتلم.

- إن أولادكم من كسبكم

- إن أولادكم من كسبكم (عن حماد عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أولادكم) ذكوراً وإناثاً (من كسبكم) أي من جملة مكسوباتكم، (وهبة الله لكم) كالتفسير لما قبله (يهب لمن يشاء إناثاً) قُدِّمْنَ تسلية لأهلهن وإيماء إلى تقدم بركتهن (ويهب لمن يشاء الذكور) استشهاداً واعتضاداً للحكم المذكور، والحديث رواه البخاري والترمذي، والنسائي وابن ماجه، عن عائشة بلفظ: أن أطيب أكلتكم من كسبكم وإن أولادكم من كسبكم. - قراءة في الوتر في ثلاث ركعاته وبه (عن حماد عن إبراهيم عن الأسود، عن عائشة: كان) أي النبي صلى الله عليه وسلم دائماً وغالباً (يوتر) أي يصلي الوتر (بثلاث) أي من السور على طريق الاستحباب من أن ضم السور مطلقاً عام في الإيجاب (يقرأ في الأولى) من الركعات (بعد الفاتحة {بسبح اسم ربك الأعلى}، وفي الثانية {بقل يا أيها الكافرون} وفي الثانية {بقل هو الله أحد} (وفي رواية) أي لأبي حنيفة، أو لعائشة (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في

- مواقيت الإحرام

الركعة الأولى من الوتر) أي من ركعات الثلاث (بأم الكتاب) وهي الفاتحة و {سبح اسم ربك الأعلى}، وفي الثانية بأم القرآن، و {قل يا أيها الكافرون} وفي الثالثة بأم الكتاب، و {قل هو الله أحد} والحديث رواه أبو داود، والترمذي والنسائي، وأحمد وابن ماجه، وابن حبان، عن جماعة من الصحابة بلفظ إذا صلى الوتر، ثلاثاً فيقرأ الأولى {سبح اسم ربك الأعلى}، وفي الثانية {قل يا أيها الكافرون}، وفي الثالثة {قل هو الله أحد}. وفي رواية لأبي حنيفة بسنده عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوتر بثلاث، وقد رواه النسائي وابن السني كلاهما عن ابن ابزي، وزاد ولا يسلم إلا في آخرهن، ورواه الحاكم وقال عثمان على شرطهما، عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه لا يسلم إلا في آخرهن، وكذا روى النسائي والحاكم وقال عثمان، على شرطهما، عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر بثلاث، ولا يسلم في ركعتي الوتر، وفي رواية لابن ماجه والنسائي أنه عليه الصلاة والسلام كان يوتر ويقنت قبل الركوع. - مواقيت الإحرام وبه (عن حماد، عن إبراهيم، عن الأسود بن يزيد أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خطب الناس) أي وعظهم (فقال من أراد منكم الحج) أي قصد إحرامه (فلا يحرمن إلا من الميقات) أي لا بعده إذ يجوز إجماعاً قبله بل هو أفضل بشرط، (والمواقيت) جمع ميقات وهو الوقت المعين استعير للمكان المبين،

والمواقيت (التي وقتها) بتشديد القاف أي عينها وبينها (لكم) أي لأجل إحرامكم (نبيكم) أي هو ينبىء وغيري من بعدكم (صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة) خبر مقدم (ومن مر بها) ولمن مر بها، أي ولمن وصل إليها (من غير أهلها) كأهل الشام وغيرهم (ذو الحليفة) مبتدأ مؤخر (ولأهل الشام) على عادتهم القديمة، (ومن مر بها) من غير أهلها كأهل مصر وغيرهم (الجحفة) بضم الجيم وسكون الحاء، وهو المسمى اليوم بالرابغ (ولأهل نجد ومن مر بها) من غير أهلها (قرن) بفتح القاف، وسكون الراء قرن المنازل وهو موضع معروف ووهم الجوهري في ضبطه بفتحتين فإنه قبيلة ينسب إليه أويس (ولأهل اليمن ومن مر بها غير أهلها) كأهل الهند (يلملم) ويقال المسلم، (ولأهل العراق) من الكوفيين والبصريين (ولسائر الناس) أي لمن مر على طريقهم (ذات عرق) بكسر فسكون، والحديث في الصحيحين من حديث ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقَّتَ لأهل المدينة ذو الحليفة، ولأهل الشام الجحفة ولأهل نجد قرن المنازل، ولأهل اليمن يلملم ممن هن لهن، ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن أراد الحج والعمرة، ومن كان دون ذلك، فمن حيث أنشأ حتى أهل من مكة. وأما توقيت ذات عرق ففي مسلم عن أبي الزبير، عن جابر قال: سمعت أحسبه رفع الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال مَهَلَّ أهل المدينة إلى أن قال ومهل أهل العراق من ذات عرق، وفيه شك من الراوي في رفعه هذه المرة، ورواه مرة أخرى على ما أخرجه ابن ماجه عنه ولم يشك، ولفظه ومهل أهل الشرق ذات عرق، وكذا أخرجه البزار في مسنده عن ابن عباس، وأخرج أبو داود عن عائشة أنه صلى الله عليه وسلم وقت لأهل العراق ذات عرق وكذا أخرجه عبد الرزاق عن نافع عن ابن عمر. وبه (عن حمَّاد بن أبي سليمان عن إبراهيم) عن الأسود عن عائشة قالت: كان رسول

الله صلى الله عليه وسلم) أي أحياناً (يخرج إلى صلاة الفجر) أي فرض الصبح لأهل الجماعة، (ورأسه) أي وشعره (يقظ) بضم القاف، أي يقطر (من غسل الجنابة) أي من أثر غسلها (باحتلام وجماع) الواو بمعنى التنويعية ويحتمل الترديدية، فإنه قد ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم محفوظ الاحتلام والأظهر أن يكون جماع عطف تفسيره بجنابة، ويؤيده ما سيأتي من رواية فيها بلفظ من جنابة من جماع، (ثم يظل) بفتح الظاء المعجمة أي يصير في نهاره (صائماً) للفرض أو النفل. والحديث رواه مالك وأصحاب الكتب الستة عن عائشة وأم سلمة بلفظ: كان يدرك الفجر وهو جنب من أهله ثم يغتسل ويصوم، وقد أجمعوا على أن من أصبح صائماً وهو جنب أن صومه صحيح، وأن المستحب أن يغتسل قبل طلوع الفجر، وعن بعض السلف أنه يبطل صومه ويمسك ويقضي، وعن الحسن إن أخره بغير عذر بطل، وعن النخعي إن كان نوى الفرض يقضي. وبه (عن حماد، عن إبراهيم عن علقمة، عن عائشة) أي بنت الصديق (أم المؤمنين) أي أحد الزوجات الطاهرات (قالت: لما أغمي) بصيغة المجهول ونائب الفاعل (على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: مروا أبا بكر) الخِطَابُ لأهل بيت النبوة أو لعائشة ولمن حولها أو بها وحدها والجمع لتعظيمها (فليصلِّ بالناس) أي إماماً لهم

في مقام الإيناس، وفيه إشارة إلى أنه أحق بالخلافة وكذا قال بعض (¬1) الصحابة: قد رضيه النبي صلى الله عليه وسلم لديننا أفلا نرضاه لدنيانا (فقيل) أي فقالت عائشة أو حفصة يا رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن أبا بكر رجل حصر) بفتح الحاء والصاد أي بخيل كما في النهاية، أو ضيق الصدر على ما في القاموس، (وهو) أي والحال أن أبا بكر (يكره أن يقوم مقامك)، أي لا يهون عليه أن يقف في مكانك، ويرى نفسه أن تخلفه في مقام شأنك، أو يغلب عليه البكاء. حين يتذكر الغيبة، عن الحضرة ويتصور انتقالك من دار الفناء إلى دار البقاء قال: (إفعَلوا مَا آمركُمْ به) ولا تعتذروا بمثل هذا المقالات في حقه، وفي بعض الروايات إنكن صواحبات يوسف يعني أن كيدكن عظيم، إذ قصدت عائشة بهذا لاسشآم الناس به بقيام مقامه في المحراب والله أعلم بالصواب، وقد بسطنا الكلام على هذا الحديث في كتابنا المرقاة شرح المشكاة. وبه (عن حماد عن إبراهيم، عن الأسود بن يزيد أنه سأل عائشة عما يقطع الصلاة) أي من المارين فقالت (يا أهل العراق) أرادت به بعض الكوفيين (تزعمون الحمار والكلب والسنور) بكسر السين المهملة وتشديد النون المفتوحة، أي الهرة (يقطعون الصلاة إذا مر بين يدي المصلي، ولم يكن له سترة)، وفيه تغليب ذوي الغفول على غيرهم قرنتمونا معشر النساء ¬

(¬1) قال في اللمعات شرح المشكاة، قال سيدنا علي كرم الله وجهه لأبي بكر رضي الله عنه: قد قدمك رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمر ديننا فمن الذي يؤخرك في دنيانا.

بهم) أي بالحمار والكلب والهرة ومثالهم. ولعل وجه صيغة جمع المذكر الموضوع لذوي العقول على طريق المشاكلة والمقابلة (أدرأ) بفتح أمر الخطاب العام لسائل وغيره من الأنام أي ادفع (المار) مطلقاً (ما استطعت)، بالإشارة أو اليد على وجه اللطافة؛ (فإن اندفع) فبها (وإلا فلا يضرك) من يمر إلا نفسه فإنه لا يقطع صلاتك شيء. والأحاديث الواردة في قطعها محمول على قطع كمال الحضور فيها فإن القلب يتشوش بمشاهدة شيء يمر بين يديه، وفي كتاب الرحمة في اختلاف الأئمة لو مر بين يدي المصلي مارٌّ لم تبطل صلاته، عند الثلاثة، وإن كان المار حائضاً أو حماراً أو كلباً أسود. وقال أحمد يقطع الصلاة الكلب الأسود، وفي قلبي من الحمار والمرأة شيء. وممن قال بالبطلان عند مرور ما ذكر ابن عباس وأنس والحسن البصري (كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي، وأنا نائمة إلى جنبه) أي في غاية من قربه، كما يشير إليه (عليه ثوب جانبه عَلَي)، وفيه دليل على أنه يجوز صلاة الرجل إلى جنب امرأة مطلقاً، كما قاله مالك والشافعي. وقال أبو حنيفة يبطل صلاة الرجل إلى جنبه إذا حاذته امرأة في صلاة مشتركة أداء وتحريمه بشروط آخر محل بسطها كتب الفقه وكأنها رضي الله عنها استدلت بهذا الحديث أنه لا فرق في مقام قرب المرأة بين أن يكون في جنب المصلي، أو بين يديه، (وفي رواية قالت، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا معترضة) أي نائمة أو مضطجعة بالعرض بينه وبين القبلة هذا أقوى في مقام القبلة لما سبق من المقالة، فإن بقائها معترضة أقوى من مرورها.

(وبه عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم عن الأسود، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم سلم قال الولد) ذكراً كان أو أَنْثى إذا حصل بِطَريق السفاح لاَ عَلى وَجهِ النِكَاحْ (لِلِفِرَاش) بكسر الفاء وهو ما يسترك كناية عن المرأة تكون محصنة (¬1) أو غيرها حُرَّة كانت أو أمة (وللعاهر) بكسر الهاء أي الرجل الزاني، إذا كان محصناً (الحجر) أي الرجم أو التراب كناية عن قتله، والحديث صحيح مشهور كاد أن يكون متواتراً، فقد روى البخاري ومسلم وأبو داود، والنسائي وابن ماجه، عن عائشة، والثلاثة عن أبي هريرة. وأبو داود، عن عثمان. والنسائي، عن ابن مسعود، وعن ابن الزبير. وابن ماجه، عن عمر وأبي أمامة. وبه (عن حماد، عن إبراهيم قال: قال عبد الله) أي ابن مسعود قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مَا بَيْنَ السُّرةِ إلى الرُّكْبَةِ عَوْرَةً) الحديث رواه الحاكم في مستدركه عن عبد الله بن جعفر، وروى الدارقطني، عن عطاء بن يسار، عن أبي أيوب قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما فوق الركبة من العورة، وما أسفل من السرة من العورة، ورواه أيضاً عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فإِن ما تحت سُرُّته إلى ركبته عورة، وعن علقمة، عن علي كرّم الله وجهه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الركبةُ مِنَ العَورَة" واعلم أن ستر العورة عن الأجنبي واجب الإجماع، وهو مشروع في الصلاة حتى عن نفسه إلا عند مالك، فإنه قال بوجوبه، كما قال به أئمتنا في حال طوافه، واتفقوا على أن السرة من الرجل ليست ¬

(¬1) بذا الحديث كاد أن يكون متواتراً

بعورة، وأما الركبة فقال مالك والشافعي وأحمد ليست من العورة، وقال أبو حنيفة إنها منها. وبه عن بعض الشافعية، وقيل العورة هي السوءتان وبه قال بعض أصحاب الظاهر وأصل ذلك كله قوله تعالى {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} (¬1) أي قبل ودبر. - الولاء لمن أعتق وبه (عن حماد عن إبراهيم، عن الأسود عن عائشة أنها أرادت أن تشتري بريرة) بفتح الموحدة وكسر الراء الأول وهي اسم جارية (لتعتقها فقالت مواليها) بفتح الميم أي أهلها: (لا نبيعها إلا أن تشترط) بصيغة المتكلم أو الغائبة، أو المجهول الغائب؛ أي تشترط (الولاء) بفتح الواو، وهي عبارة عن عصوبة مواخية، وعصوبة النسب يرث منها المعتق والمعنى: أن يكون الولاء لنا قالت عائشة: (فذكرت ذلك) بصيغة المتكلم والمعنى: سألت عن صحة ما صدر عنهم هنالك (النبي صلى الله عليه وسلم فقال: الوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ) سواء شرط، أو لم يشترط، فإن الشرط الذي يخالف الشرع باطل، والحديث المرفوع رواه أحمد والطبراني، عن ابن عباس، وقد جاء من عائشة ألفاظ مختلفة بطريق متعدد في بعضها أمور مشكلة تولينا بحلها في فتح الوفاء لشرح الشفاء. وبه (عن حماد عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم لما مرض المرض الذي فيه قبض) أي وجه الشريف (استحل) أي التمس من سائر نسائه (أن يكون في بيتي أيام مرضه) لعدم قدرته على القسم بينهن، ولوجود المشقة عليه ¬

(¬1) الأعراف 31.

في تردده إليهن (فأحللن له) أي أجزن له، (وجعلنه في حل) من جهة رضائه (قالت): أي عائشة (فلما سمعت ذلك)، أي إحلالهن في قيامه عندي (فقمت مسرعة فَكَنَستُ) أي أنظفت (بيتي) أي حجرتي (وليس لي خادم) أي من يخدمني، ويعينني (وفرشته فراشاً) بكسر الفاء أي ما يفرش للاضطجاع (حشو مرفقه) بكسر الميم وفتح الفاء أي مُخَدَّتُه (الإذْخِر) بكسر الهمزة وسكون الذال وكسر الخاء المعجمة نبت معروف بمكة المكرمة، (فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم يهادي) بضم الياء وكسر الدال أي يمشي بين رجلين معتمداً عليهما من قوة ضعفه، وكثرة تمايله (حتى وضع على فراش). وفي البخاري قالت عائشة لما ثقل مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم استأذن أزواجه أن يمرض في بيتي فأذنَّ له فخرج وهو بين الرجلين تخط رجلاه في الأرض بين عباس ابن عبد المطلب، وبين رجل آخر، قال عبد الله: فأخبرت عبد الله بالذي قالت عائشة، فقال لي عبد الله بن عباس: هل تدري من الرجل الذي لم تسم عائشة، قلت: لا، قال ابن عباس: هو علي بن أبي طالب الحديث. وفي رواية مسلم عن عائشة فخرج بين الفضل بن عباس ورجل آخر، وفي أخرى رجلين أحدهما أسامة. وعند الدارقطني أسامة والفضل، وعند ابن سعد الفضل وثوبان، وعند ابن حبان في أخرى بريرة ونوبة بضم النون وسكون الواو وموحدة اسم أمة، والجمع بين الروايات على تقدير ثبوتها عن الثقاة بأن يقال تعدد خروجه متعددة من اتكأ عليه. ولكن خروجه الأخير إلى بيت عائشة ما يتصور فيه التعدد إلا باعتبار أول

خروجه بين رجلين، وأول دخوله عند هاتين جاريتين ولا يبعد أن هذه الجماعة كلهم كانوا معه ومتقاربين حوله بحيث أشبه حالهم كما يشير إليه إبهام الرجل الآخر في قول عائشة، وإلا فحاشا أنها كانت نكرت علياً حتى ما أحبت أن تذكره بلسانها هذا. وكان ابتداءُ مرضه عليه الصلاة والسلام في بيت ميمونة أو زينب بنت جحش، أو ريحانة، والمعتمد هو الأول على أنه يحمع بالابتداء الحقيقي والإضافي نظراً إلى حال مرضه من شدته وضعفه، ويؤيده ما رواه أحمد والنسائي، عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى ذات يوم من جنازة بالبقيع وأنا أجد صداعاً في رأسي، وأنا أقول وارأساه قال: بل أنا وارأساه ثم قال: ما ضرك لو مت قبلي فغسلتك وكفنتك وصليت عليك، ودفنتك فقالت لكأني به والله لو فعلت ذلك لقد رجعت إلى بيتي فأعرست فيه ببعض نسائك فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم بدأ في وجعه الذي مات فيه. وروى أحمد عن عائشة أنه صلى الله عليه وسلم قال لنسائه أني لا أستطيع أن أدور في بيوتكن فإن شئتن أذنتن لي، وفي رواية هشام بن عروة، عن أبيه عند الاسمعيل كان يقول: أين أنا حرصاً على بيت عائشة، فلما كان يومي أذن له نساؤه. وذكر ابن سعد بإسناد صحيح، عن الزهري أن فاطمة هي التي خاطبت أمهات المؤمنين بذلك فقالت لهن: إنه يشق عليه الاختلاف ولامتنع من الجمعة، والله أعلم. وبه (عن حماد عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة قالت: كأني أنظر إلى بياض قدمي رسول الله صلى الله عليه وسلم وحيث أتى الصلاة في مرضه)، وفي البخاري من حديث أنس أن المسلمين بينما هم في صلاة الفجر يوم الإثنين، وأبو بكر يصلي بهم لم يفجأهم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد كشف سترة حجرة عائشة فنظر إليهم، وهم في صفوف الصلاة، ثم تبسم يضحك فنكص أبو بكر ليصل الصف، وظن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد أن يخرج إلى الصلاة، وهم المسلمون أن يفتنوا في صلاتهم

- تأكيد أمر الإمامة

فرحاً برسول الله صلى الله عليه وسلم فأشار إليهم صلى الله عليه وسلم أن أتموا صلاتكم، ثم دخل الحجرة وأرخى الستر. - تأكيد أمر الإمامة وفي رواية فتوفي من يومه وفيه إشارة إلى تأكيد أمر الإمامة المشير إلى حجة الخلافة للصديق وتقرير بمنصبه في مقام التحقيق والله ولي التوفيق. - خيار العتق وبه (عن حماد عن إبراهيم، عن عائشة أنها أعتقت بَرِيرة ولها زوج مولى) أي معتق لأبي أحمد (فخيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم فاختارت نفسها ففرق بينهما) بمجرد فسخها فإن خيار العتق لا يحتاج إلى القضاء بخلاف خيار البلوغ كما صرح به ابن الهمام، (وكان زوجها حراً) اعلم أن الأمة إذا أعتقت خيرت سواء كانت تحت حر أو عبد، وقال الشافعي لا خيار لها وزوجها حر، وبه قال مالك وأحمد ومنشأ الخلاف اختلاف الروايات في حرية زوج بريرة وعدمها فمما يدل على أنه حر ما رواه الجماعة إلا مسلماً من حديث إبراهيم،، عن الأسود، عن عائشة واللفظ للبخاري أنها قالت: يا رسول الله إني اشتريت بريرة لأعتقها، وإن أهلها يشترطون ولاءها فقال: أعتقيها فإنما الولاء لمن أعتقها قالت: فاشتريتها فأعتقتها، قال: وخيرت نفسها وقالت: لو أعطيت كذا، وكذا ما كنت معه، قال الأسود: وكان زوجها حراً. ورواه البخاري أيضاً من حديث الحكم، عن إبراهيم، وفي آخره قال الحكم: وكان زوجها حراً، ومما يدل على أنه عبداً ما روى الجماعة إلا مسلماً، عن عكرمة، عن ابن عباس أن زوج بريرة كان عبداً أسوداً يقال له مغيث كأني أنظر إليه يطوف خلفها يبكي دموعه تسيل على لحيته.

- حديث أهل النار

فقال النبي صلى الله عليه وسلم للعباس: "يَا عَبَّاسُ ألاَ تَعْجَبُ مِنْ شِدَّةِ حُبّ مُغِيث بَريرَة ومِنْ شِدَّة بُغْضها مُغيثاً" فقال لها عليه السلام لو راجعتيه فقالت يا رسول الله أتأمرني به فقال عليه الصلاة والسلام: إنّمَا أنَا شَافع، قالت: لا حاجة لي فيه. قال الطحاوي وإذا اختلفت الآثار وصحت الأخبار وجب التوفيق كما هو شأن أهل التحقيق فتقول: أنا وجدنا الحرية تعقب الرقبة، ولا تنعكس القضية، فيحمل على أنه كان حراً عندما خيرت عبداً قبله، ثم أسند عن طاوس أنه قال: للأمة الخيار إذا أعتقت ولو كانت تحت قرشي. وعن ابن سيرين والشعبي: تخير حراً كان زوجها أو عبداً، وعن مجاهد: تخير، وإن كانت تحت أمير المؤمنين. - حديث أهل النار وبه (عن حماد عن إبراهيم، عن الأسود، عن ربعي) بكسر راء وسكون موحدة وعين مهملة بعدها ياء النسبة من أجلاء التابعين (بن حراش) بكسر الحاء المهملة وفتح راء فألف معجمة، (عن حذيفة) أي ابن اليمان (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يخرج الله قوماً من الموحدين) أي من المؤمنين (من النار بعد ما امتحشوا) بصيغة الفاعل افتعال من المحش، بمهملة فمعجمة احتراق الجلد واللحم وظهور العظم أي احترق لحماً فصاروا فحماً أي كالفحم في سواده، (فيدخلهم الجنة) وفق مراده (فيستغيثون بالله) في إذهاب علامة كونهن في النار سابقاً (بما يسميهم) أي بسبب تسميتهم (أهل الجنة) إياهم الجهنميين، (فيذهب الله عنهم) تلك العلامة ويطيب عيشهم في دار السلامة من غير الملامة، والحديث رواه الحافظ أبو

نعيم كما ذكره القرطبي في حديث طويل يقول الله: يا جبرائيل انطلق فأخرج من النار من أمة محمد فيخرجهم وقد امتحشوا فيلقيهم في نهر على باب الجنة يقال له نهر الحيوان، فيمكثون فيه حتى يعودوا أنضر ما كانوا ثم يأمر بإدخالهم الجنة مكتوب على جباههم هؤلاء الجهنميون عتقاء الرحمن من أمة محمد عليه الصلاة والسلام فيعرفون من بين أهل الجنة بذلك فيتضرعون إلى الله تعالى أن يمحو عنهم تلك التسمية فيمحوها عنهم. وبه (عن حماد عن سعيد بن جبير، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم ضعفة أهله) بفتحتين جمع ضعيف، وأراد النساء والصغار (منهم من جمع) وهو من أسماء مزدلفة، ومنه قوله تعالى: {فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً} (¬1) (بليل) أي في ليلة بعد مضي أكثره، وهذا دليل على جواز ترك وقوف الصبح به، عن عذر، (وقال لهم: لا ترموا جمرة العقبة حتى تطلع الشمس) عملاً بالسنة، وإلا فيجوز بعد فجر النحر عند الأئمة الأربعة، وفيه دليل لنا على أنه لا يجوز رميه في الليل، كما لا يجوز طواف الإفاضة قبل الصبح، وبه قال مالك، وجاز عند الشافعي وأحمد بعد نصف الليل، وقال مجاهد والنخعي والثوري: ولا يجوز إلا بعد طلوع الشمس عملاً بظاهر الحديث، وقد روى أصحاب (¬2) السنن الأربعة، عن عطاء، عن ابن عباس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقدم ضعفاء أهله بغلس وأمرهم أن لا ترموا الجمرة إلا مصبحين ورواه الطحاوي، ولفظه لا ترموا الجمرة إلا مصبحين، ودليل الشافعي وأحمد ما أخرجه ابن أبي شيبة عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم ¬

(¬1) العاديات 5. (¬2) الترمذي والنسائي وأبو داود وابن ماجه.

- والليالي في الرمي تابعة للأيام السابقة دون اللاحقة

رخص الدعاء أن يرموا ليلاً، وذكره أيضاً في مصنفه عن عطاء مرسلاً. - والليالي في الرمي تابعة للأيام السابقة دون اللاحقة ورواه الدارقطني بسند ضعيف وزاد فيه وأية ساعة شاؤوا من النهار وحمله صاحب الهداية من أصحابنا على الليلة الثانية والثالثة لما عرف أن وقت رمي كل يوم إذا دخل من النهار وامتد إلى آخر الليلة التي يتلو ذلك النهار فيحمل على ذلك جمعاً بين الأخبار والليالي في الرمي تابعة للأيام السابقة، دون اللاحقة. - كسب الحلال فرض عين وبه (عن حماد عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا ماتَ أحدكم مغموماً) أي حزيناً بحيث يغمّ فؤاده (مهموماً) تأكيد لما قبله من سبب العيال وكسب الحلال الذي هو فرض عين عند أهل الكمال (كان) في تلك الحال (أفضل عند الله من ألف ضربة بالسيف في سبيل الله) فإنه فرض كفاية في غالب الأحوال. - طلب الحلال جهاد وقد روى القضاعي عن ابن عباس؛ وأبو نعيم في الحلية: طلب الحلال جهاد، وروى الطبراني عن ابن مسعود طلب الحلال فريضة. وروى الديلمي عن أنس طلب الحلال واجب على كل مسلم، وروى ابن عساكر، عن أنس من مات كالاً في طلب الحلال مات مغفوراً له. - أجمع العلماء على نجاسة الخمر إلا ما حكي عن داود فإنه قال بطهارتها وبه (عن حماد عن سعيد بن جبير عن ابن عمر قال، لعنت الخمر) يحتمل

- المؤمن ليس يتنجس

أن يكون بصيغة المتكلم المعلوم وأن يكون على بناء المجهول للمؤنث، وهو الأظهر الموافق لرواية الأكثر (وعاصرها وساقيها وشاربها وبائعها ومشتريها) ظاهره أنه موقوف، ولكنه في الحكم مرفوع، وقد رواه أبو داود والحكم، عن ابن عمر مرفوعاً: لعن الله الخمر وشاربها وساقيها وبائعها ومبتاعها وعاصرها ومعتصرها، وحاملها والمحصلة والمحمولة إليه وآكل ثمنها أو أجمع الأئمة على نجاسة الخمر إلا ما حكي عن داود أنه قال بطهارتها مع تحريمها. - المؤمن ليس يتنجس وبه (عن حماد، عن إبراهيم عن رجل) في جهالة الراوي أبحاث محله أصول الحديث، وقد شرحت شرح النخبة الذي هو عمدة أهل التحديث. (عن حذيفة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مد يده إليه) أي إلى حذيفة، ولعله أراد المصافحة به (فدفعها عنه) بأن جذب يد نفسه عن يد النبي صلى الله عليه وسلم كما يحس في رواية (فأمسكها عنه) رعاية للأدب حيث زعم أنه يتنجس بالجنابة ظاهراً فلا يكون طاهراً (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَا لَك) أي شَيْءٍ باعِث لَكَ على فِعلَكَ أو مانع لك عن أخذك (قال: إني جنب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرنا يدك) أي أعطنا إياها (فإن المؤمن ليس يتنجس") أي حقيقة لا ظاهراً ولا باطناً وإنما يتنجس حكماً في أحكام مخصوصة بخلاف الكافر فإنه نجس باطناً وقد يتنجس أيضاً ظاهراً كما يشير إليه قوله تعالى: {إِنَّمَا المُشْرِكُونَ نَجَسٌ} (¬1) وهذا قول الجمهور وقال ابن عباس أعيانهم ¬

(¬1) التوبة 28.

- صيد الكلب

نجاسة كالكلب والخنزير، وقال الحسن: هم نجس العين، فمن صافحهم وجبت عليه غسل يده، هذا وقوله يتنجس: يحتمل أن يكون بضم الجيم مضارعاً وأن يكون بفتحتين مصدراً بمعنى النجاسة أو بفتح وكسر متنجس ويؤيد الأول قوله، وفي رواية المؤمن لايتنجس. وبه (عن حماد عن حذيفة) وفي هذا الإسناد اللاحق أن جهالة الراوي في الإسناد السابق لا يضر مع احتمال انقطاع والله أعلم بالحقائق (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مد يده إليه فأمسكها عنه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن المسلم لا ينجس، وهذا الحديث مجمل ما تقدم، وفيه زيادة إفادة أن المؤمن والمسلم واحد شرعاً، وإن فرق بينهما لغة كما حقق في محله هذا، أو في الحديث الأول جمع بين الفعل والقول ليكون أدل على المقصود. - صيد الكلب وبه (عن حماد عن إبراهيم) أي النخعي، (عن همام) بفتح الهاء وتشديد الميم الأولى (بن الحارث) نخعي تابعي جليل سمع ابن مسعود وعائشة وغيرهما من الصحابة، (عن عدي بن حاتم) الطائي قدم علي بن أبي طالب وشهد صفين والنهروان، ومات بالكوفة سنة سبع وستين وهو ابن مائة وعشرين روى عنه جماعة قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا إجمال وبيانه (فقلت: يا رسول الله إنا نبعث) أي نرسل (الكلاب المعلمة) بفتح اللام المشددة وهي التي يوجد فيها ثلاثة أشياء إذا شليت أي أرسلت أشلشلت إذا زجرت انزجرت وإذا أخذت الصيد أمسكت ولم تأكل فإذا تعدد ذلك منها كانت معلمة وأقله مرتين عند أبي حنيفة وأحمد وثلاث مرات عند الشافعي ولا يشترط ذلك عند المالكية وقال الحسن يصير معلمة بالمرة الواحدة فيحل قتيلها إذا جرحت بإرسال صاحبها له (فنأكل مما أمسكت علينا فقال) أي النبي صلى الله عليه وسلم

(إذا ذكرت اسم الله عليه) أي عند إرسالها، وهذا شرط عند أبي حنيفة في حال الذكر، فإن تركها ناسياً حل أو عامداً فلا وقال الشافعي منه وقال داود والشعبي والنخعي وأبو ثور شرطي في الإباحة ممن تركها عامداً او ناسياً لم تؤكل ذبيحنه (ما لم يشتركها كلب غيرها) بتسمية أو بدونها (فأنت) أي كل منها، (وإن قتل) بعد إمساكهما من غير مشاركة غيرها (فلا تأكل وإن قتله يا رسول الله أحدنا يرمي بالمعرض) بكسر الميم سهم بلا ريش، (قال: إذا رميت) أي أردت أن ترمي (فسميت الله فخرق) أي جرح، (فكل، فإن أصاب بعرضه) أي ولم يخرق (فلا تأكل). وصدر الحديث رواه البخاري حدثنا موسى بن اسماعيل أخبرنا ثابت بن زيد عن عاصم، عن الشعبي، عن عدي بن حاتم، عن النبي صلى الله عليه وسلم: قال: إذا أرسلت كلبك وسميت، فأَمسَك، وقتل فكل وإن أكل فلا تأكل فإنما أمسك على نفسه، وإذا خالطَّهُ كلاباً لم يذكر اسم الله عليها فأمسكن وقتلن فلا تأكل فإنك لا تدري أيها قتل وإذا رميت الصيد، فوجدته بعد يوم أو يومين ليس به الأثر، (إلا أثر سهمك) فكل وإن وقع في الماء فلا تأكل (¬1) واعلم أن العلماء اختلفوا فيما إذا أخذت الصيد وأكلت منه شيئاً فذهب أكثر العلماء إلى تحريمه. وبه قال أبو حنيفة وعطاء وطاوس والثوري والشعبي وهو أصح قولي الشافعي لقوله عليه الصلاة والسلام: " وإِنْ أَكَلَ فَلاَ تَأْكُل فَإنَّمَا أمْسَكَ علَى نَفْسِهِ" ورخص بعضهم في أكله. ¬

(¬1) البخاري باب الصيد إذا غاب عنه يومين أو ثلاثة حديث رقم 16.

وبه قال مالك لما روي عن أبي الثعلبة الخشني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أرسلت كلبك وذكرت اسم الله فكل وإن أكل منه. وبه (عن حماد عن إبراهيم) أي النخعي (عن همام بن الحارث عن عائشة قالت كنت أفرك) بفتح الراء وقد يضم أي أدلك (المني) أي اليابس (من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم) وفي صحيح أبي عوانة عن عائشة قالت كنت أفرك المني من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا كان يابساً وأمسحه أو أغسله) شك الحُميدي (إذا كان رطباً) ورواه الدارقطني وأغسله من غير شك، وفي مسلم أنه عليه الصلاة والسلام كان يغسل المني، ثم يخرج إلى الصلاة في ذلك الثوب وأنا أنظر إلى أثر الغسل فيه وروى الدارقطني عن عمار بن ياسر قال أتى علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا على بئر أدلو في ماء ركوة قال يا عمار ما تصنع قلت يا رسول الله بأبي وأمي أغسل ثوبي من نجاسة أصابته فقال يا عمار إنما يغسل الثوب من خمس: من الغائط والبول والقيء والدم والمني يا عمار ما نخامتك ودموع عينك والماء الذي في ركوتك إلا سواء. فهذا كله يدل على كون المني نجساً وإن يابسه يطهر بالفرك، ورطبه بالغسل وهو قول أبي حنيفة. وقال مالك يغسل بالماء رطباً كان أو يابساً، والأصح من مذهب الشافعي وأحمد طهارة المني واستدلا بما روى الدارقطني موقوفاً على ابن عباس، روي مرفوعاً ولا ثبت أخرجه البيهقي من طريق الشافعي موقوفاً، وقال هو الصحيح. وبه (عن حماد، عن إبراهيم، عن همام بن الحارث أنه رأى جرير بن عبد

- حديث خزيمة

الله) أي البجلي قال: أسلمت قبل موت النبي صلى الله عليه وسلم بأربعين يوماً نزل الكوفة وسكنها زماناً ثم انتقل إلى فرضياء مات بها سنة إحدى وخمسين، روى عنه خلق كثير (توضأ ومسح على خفيه فسأله) أي همام (عن ذلك) أي جوازه حضراً أو سفراً (فقال: إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما صحبته بعد ما نزلت المائدة) فآية الوضوء فيها لم تكن ناسخة، بل المسح محمول على حال لبس الخف، كما أن الغسل محمول على حال كشف الرجل، وبه يجمع بين القراءتين فإن الآية في الجملة مجملة، وفعله عليه الصلاة والسلام، كأقواله لأحكام القرآن مبينة قال تعالى: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إليهم} (¬1) وأحاديث المسح على الخفين كاد أن يكون متواتراً، بل هو متواتراً في المعنى وقد أجمعوا على جواز المسح عليهما في السفر والحضر إلا مالك في رواية عنه أنه لا يجوز في الحضر وخالفهم الخوارج والروافض. - حديث خزيمة وبه (عن حماد عن إبراهيم عن أبي عبد الله خزيمة) بضم معجمة وفتح زاي مصغراً ابن ثابت، ويكنى أبا عمارة بضم العين الأنصاري الأوسي يعرف بذي الشهادتين شهد بدراً، وما بعدها كان مع علي يوم الصفين فلما قتل عمار بن ياسر جرَّد سيفه فقاتل حتى قتل روى عنه ابناه عبد الله وعمارة وجابر بن عبد الله (أنه مرَّ على رسول الله صلى الله عليه وسلم أعرابي) أي بدوي، والجملة حالية (يجحد بيعه) حال أخرى أو استئناف بيان أي ينكر أنه باع فرساً لرسول الله صلى الله عليه وسلم (فقال خزيمة: أشهد لقد ¬

(¬1) النحل 44.

بعته) والحال أنه لم يشهده (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أين علمته) أي كيف يظهر بيعه عندك حتى شهدت به عدم حضورك؟ (قال: تجيئنا بالوحي من السماء فنصدقك) والمعنى أنك صادق مصدوق ونصدقك في المغيبات وهذا من جملة تلك الحالات وهو مقتبس من قوله تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الهَوَى إنْ هُوَ إلاّ وَحيٌ يُوحى} (¬1) فالوحي إما جلي، وإما خفي (قال) أي الراوي أو جرير (فقوله فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم شهادته) بدل شهادتي نقلاً بالمعنى والتفاتاً في المبنى (شهادة رجلين) أي بدلها، وفي حكمها. (وفي رواية أنه مر بأعرابي) أي وهو ممن قال الله تعالى فيهم: {الأعراب أشَدُ كفراً ونفاقاً وأَجْدرُ أَلاَّ يَعْلمُوا حُدُودَ ما أنْزَلَ الله على رَسُولِهِ} (¬2) (وهو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي مقارناً له (وهو) أي الأعرابي (يجحد متعاقد عقده) أي ذلك البيع (مع رسول الله صلى الله عليه وسلم). فقال خزيمة أشهد أنك قد بعته (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أين علمت ذلك) أي مع أنك ما حضرت هنالك (فقال تجيئنا بالوحي من السماء فنصدقك فإذا ¬

(¬1) النجم 4. (¬2) التوبة 97.

جئت بخبر مما وقع في الأرض، فلا نصدقك؟ قال فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم شهادته بشهادة رجلين) في تلك القضية وغيرها (حتى مات) أي النبي صلى الله عليه وسلم يعني ولم ينسخ هذا الحكم بغيره والحديث رواه عبد الرزاق، عن خزيمة أن أعرابياً باع من النبي صلى الله عليه وسلم فرساً أنثى، ثم ذهب فزاد على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم جاحد أن يكون باعها فمر بهما خزيمة بن ثابت، فسمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ابتعتها منك (فقال خزيمة:) نشهد على ذلك فلما ذهب الأعرابي قال له النبي صلى الله عليه وسلم: أحضرتنا؟ قال: لا ولكن لما سمعتك تقول قد باعك علمت أنه حق إذ لا تقول إلا حقاً. قال: فشهادتك شهادة رجلين، (وفي رواية، أجاز شهادته بشهادة رجلين حتى مات صلى الله عليه وسلم) رواها ابن عساكر والدارقطني في الأفراد عنه أنه جعل شهادته بشهادة رجلين، وهذا من خصوصيات خزيمة لم يشاركه معه فيها أحد من أكابر الصحابة، وفيه دليل على أن أمر الشريعة مفوض إلى رأي النبي صلى الله عليه وسلم وتصرفه في حدود الله وأحكامه، ولو كانت في نصوص كلامه. وقد روى أبو يعلى وأبو نعيم وابن عساكر، عن خزيمة بن ثابت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اشترى فرساً من سوار بن قيس المحاربي فجحد، فشهد له خزيمة بن ثابت فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما حملك على الشهادة ولم تكن معنا حاضراً قال: صدقتك بما جئت به، وعلمت أنك لا تقول إلا حقاً فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: من شهد له خزيمة، أو شهد عليه فحسبه. وبه (عن حماد عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لسودة) أي بنت زمعة، وقد أسلمت قديماً، وبايعت، (وكانت تحت ابن عم لها) أسلم معها وهاجرا جميعاً إلى أرض الحبشة الهجرة الثانية، فلما قدما مكة مات زوجها فتزوج صلى الله عليه وسلم بمكة بعد موت خديجة (حين طلقها: اعتدي) أي بترك الزينة،

ولو كان لم يجز لها أن تتزوج غيره صلى الله عليه وسلم بعده لقوله تعالى: {وما كان لكم أن تُؤذوا رَسُول الله وَلاَ أَنْ تَنْكَحُوا أَزوَاجَهُ مِن بَعدِهِ أبداً} (¬1) وفي المواهب أن لما كبرت سودة أراد صلى الله عليه وسلم طلاقها فسألته أن لا يفعل وجعلت يومها لعائشة فأمسكها انتهى، ويمكن الجمع بأنه عليه الصلاة والسلام لما طلقها وما هان عليه فراقها راجعها وأبقاها في عقد نكاحه. ماتت سودة بالمدينة في شوال سنة أربعة وخمسين. وبه (عن حماد، عن إبراهيم، عن همام) أي ابن الحارث (أن رجلاً أضافته عائشة) أي تضيفه في دار ضيافتها (أم المؤمنين) بدل أو بيان، أو خبر مبتدأ مقدر، أو نصب على المدح (فأرسلت إليه بملحفة) بكسر الميم وسكون اللام، وفتح الحاء أي بلحاف يتغطى به دفعاً للبرد ونحوه (فالتحف بها الليل) أي ليلة، أو في تلك الليلة (فأصابته جنابة) أي من احتلام وتلطخ الملحفة بمنيه (فغسل الملحفة) كلها احتياطاً في حقها (فبلغ عائشة) أي غسلها (فقالت ما أراد بغسل الملحفة فإنه لم يكن يحتاج إلى غسلها إنما كان يجزئه) من الأجزاء مهموز اللام (يفركه) أي يدلكه (حين كان يابساً لقد كنت أفركه) أي المني (من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم يصلي فيه) أي ذلك الثوب، والظاهر أنه كان بعلم النبي صلى الله عليه وسلم ¬

(¬1) الأحزاب 53.

- جبة ضيقة الكمين

خصوصاً إذا تكرر منها مع التفاته صلى الله عليه وسلم إلى طهارة ثوبه وفحصه عن حاله. وبه (عن حماد، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج إلى الفجر) أي صلاته مع الجماعة (ورأسه يقطر) بضم الطاء أي يتقاطر شعر رأسه ماء لقربه من غسل الجنابة كائنة من جماع (ثم يظل صائماً)، وقد سبق الكلام عليه. وبه (عن حماد، عن إبراهيم، عن الأسود عن عائشة أنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل) أي صلاة التهجد على خلاف أنها فرض عليه خاصة، أو نسخ في حقه، وحق أمته عامة، (وأنا نائمة إلى جانبه وجانب الثوب) أي طرف ثوبه الذي كان يصلي به واقع (علي) أي على بدني لكمال قربي منه، وقد مر تحقيقه. - جبة ضيقة الكمين وبه (عن حماد عن الشعبي) بفتح الشين المعجمة وسكون العين المهملة من شعب همدان قبيلة وهو عامر بن شراحيل واشتهر به حتى سمي به، وقيل: إنه منسوب إلى شعبان فإن أهل الكوفة يقولون في النسبة إليه شعبي، وأهل الشام يقولون شعباني ولد في خلافة عمر رضي الله عنه قال: أدركت خمسمائة من الصحابة، وقال: ما كتبت سواداً في البياض قط ولا حدثت بحديث إلا حفظته قال ابن عُيينة: كان ابن عباس في زمانه وأشعث في زمانه والثوري في زمانه. قال الزهري: العلماء أربعة ابن المسيب بالمدينة، والشعبي بالكوفة والحسن بالبصرة ومكحول بالشام. مات سنة أربع ومائة، وله اثنان وثمانون سنة (عن

المغيرة بن شعبة الثقفي) أسلم عام الخندق، وقدم مهاجراً نزل الكوفة، ومات بها سنة خمسين وهو ابن سبعين وهو أمير لمعاوية بن أبي سفيان وفي الشمائل، عن عروة الشعبي بن مغيرة، عن أبيه قال: (وضأت رسول الله صلى الله عليه وسلم) بتشديد الضاد أي سكبت عليه ماء وضوئه، ففيه جواز الاستعانة في أمر العبادة، (وعليه جبة) وهي بضم الجيم وتشديد الموحدة ثوب معروف، وقد قيل: جبة البرجنة الردمية كذا في أكثر روايات الصحيحين، وقع في رواية الترمذي رومية ولأبي داود جبة من صوف من جبات الروم، ولا منافاة بينهما لأن الشام حينئذ كانت تحت ملك الروم ويبعد أن يكون نسبة هيئتها المعتاد لنسبها إلى إحداهما، ونسبة خياطتها أو قماشها إلى الأخرى (ضيقة الكمين) بحيث لم تقدر على كشف ساعديه ليغسلهما (فأخرج يديه من تحتها) أي من أسفل الجبة (ومسح على خفيه). وفي وراية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح على الخفين وعليه جبة شامية ضيقة الكمين فأخرج يديه من أسفل الجبة وفي رواية البخاري عنه قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فقال: أمعك ماء قلت: نعم، فنزل عن راحلته فمشى حتى توارى عني في سواد الليل، ثم جاء فأفرغت عليه الإداوة فغسل وجهه ويديه، وعليه جبة شامية من صوف فلم يستطع أن يخرج ذراعيه منها حتى أخرجهما من أسفل الجبة فغسلهما ومسح برأسه وعلى خفيه، وفي رواية مالك وأحمد وأبي داود وكان في غزوة تبوك، وفي الموطأ ومسند أبي داود أن ذلك كان عند صلاة الصبح وفي رواية لمسلم قال: فأقبلت معه حتى وقيه الناس قدموا عبد الرحمن بن عوف وصلى بهم فأدرك النبي صلى الله عليه وسلم الركعة الأخيرة، فلما سلم عبد الرحمن قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يتم صلاته فأفزع ذلك

- التشهد

الناس، وفي أخرى قال المغيرة: فأردت تأخير عبد الرحمن فقال صلى الله عليه وسلم دعه، وفي الحديث زوائد وفوائد كوامل ذكرتها في شرح الشمائل. - التشهد وبه (عن حماد، عن إبراهيم، عن أبي وائل بن أبي أسلم) وقد مر ذكره، (عن عبد الله بن مسعود قال: كنا إذا صلينا خلف النبي صلى الله عليه وسلم نقول: السلام على الله) وفي رواية زيادة بن عبادة السلام على جبرائيل وميكائيل فيهما قراءة مشهورة (فأقبل علينا النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن الله هو السلام) أي بذاته ولا يحتاج إلى الدعاء به من جانب مخلوقاته، (فإذا تشهد أحدكم) أي أراد أن يتشهد، وسمى هذا الدعاء تشهداً لاشتماله على الشهادتين مع زيادة الثناء عليه سبحانه وتعالى والسلام على رسوله والصالحين من خلقه (فليقل): أي وجوباً (التحيات لله) أي له خالصاً جميع الدعوات القولية (والصلوات) أي الطاعات البدنية (والطيبات) أي العبادات المالية (السلام عليك أيها النبي ورحمة الله) أي رأفته وعنايته وبركاته أي النعمة الكثيرة والمنحة العزيزة (السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين) من الأنبياء والمرسلين والملائكة المقربين والمؤمنين الكاملين القائمين بحقوق الله تعالى، وحقوق خلقه أجمعين (أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله) وفي رواية النسائي: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله،

ولم يقع في شيء من طرق حديث ابن مسعود، رواه الأئمة الستة بحذف اللام (¬1)، وإنما اختلف ذلك في حديث ابن عباس وهو من أفراد مسلم. وحديث ابن مسعود رواه الأئمة الستة عنه وهو أصح حديث روي في التشهد (¬2)، وعليه العمل عند أكثر أهل العلم من الصحابة ومن بعدهم على ما ذكره الترمذي وتبعه الحافظ العسقلاني والخلاف في الأفضل وإن أردت استيعاب لفظ التشهد بطرقها وما يتعلق بمبانيها مبسوطاً فعليك بشرحنا للحصن الحصين. (وفي رواية أنهم كانوا يقولون: السلام على جبرائيل السلام على رسول الله) الظاهر أنهم كانوا يقولون من تلقاء أنفسهم، وفيه إشكال يحتاج إلى تحقيق مقال (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تقولوا السَّلام على الله) أي فإن الله هو السلام كما سبق عليه الكلام، (ولكن قولوا: "التحيات لله والصلوات والطَّيبات" إلى آخر التشهد) أي المعروف على ما سبق. وفي رواية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم علمهم أي الصحابة وأنا من جملتهم والتحيات إلى آخر التشهد كما سبق. وفي رواية أن رسول الله علمنا أي معشر الصحابة وأنا من كلهم أو أكثرهم. وفي رواية البخاري ومسلم والأربعة عن ابن مسعود أنه عليه الصلاة والسلام ¬

(¬1) أي الألف واللام في لفظ السلام. (¬2) شرح فتح القدير، باب صفة الصلاة جـ1|222.

علمني وكفي بين كفيه التشهد كما يعلمني السورة من القرآن. وفي شرح الهداية لابن الهمام قال أبو حنيفة: أخذ حماد بن أبي سليمان بيدي، وعلمني التشهد وقال حماد: أخذ إبراهيم بيدي وعلمني التشهد وقال إبراهيم: أخذ علقمة بيدي وعلمني التشهد، وقال علقمة أخذ عبد الله بن مسعود بيدي وعلمني التشهد وقال عبد الله: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي وعلمني التشهد كما يعلمني السورة من القرآن، وكان يأخذ علينا بالواو والألف واللام أي بالواو في الصلوات والألف واللام في لفظي السلام، (وفي رواية قال) أي ابن مسعود: (كنا) أي في صدر الإسلام (إذا صلينا مع النبي صلى الله عليه وسلم نقول: إذا جلسنا في آخر الصلاة) أي خصوصاً كما في رواية النسائي إذا قعدتم في كل ركعتين فقولوا: التحيات إلى آخر (السلام على الله السلام على رسول الله) أي جنسه أو خصوصه (على ملائكة) أي عموماً (ما نسميهم من الملائكة) أي بعضهم خصوصاً كجبرائيل (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تقولوا كذا) فإنه ليس من الكلمات التامات، (وقولوا التحيات لله والصلوات والطيبات) أي إلى آخره. وبه (عن حماد عن الشعبي، عن إبراهيم بن موسى الأشعري، عن المغيرة بن شعبة أنه) أي المغيرة (خرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر إلى تبوك

- طلب العلم فريضة

فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي فذهب (إلى جانب الفضاء فقضى حاجته في الخلاء، ثم رجع وعليه جبة رومية ضيقة الكمين فرفعها) أي الجبة (رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي لإخراج ذراعيه منها (من ضيق كمها) أي من أجله، (قال المغيرة: فجعلت أصُبّ عليه من الماء من إداوة) بكسر أوله أي مِطهرة كائنة معي (فتوضأ وضوءه) أي كوضوء الصلاة المفروضة يعني وضوءاً كاملاً بفروضه وسننه، (ومسح على خفيه ولم ينزعهما) من رجليه، (ثم تقدم) من مكان وضوءه (وصلى) أي صلاة الصبح مع عبد الرحمن بن عوف كما تقدم. - طلب العلم فريضة وبه (عن حماد عن أبي وائل، عن عبد الله بن مسعود: طَلَبُ العِلمِ) أي ما لا بد منه (فريضة) أي عَيْنيَّة أو مطلق طلب علم الشريعة فريضة منها فرض عين ومنها فرض كفاية (على كل مسلم)، وفي معناه كل مسلمة والحديث رواه الطبراني، عن ابن مسعود والبيهقي، والخطيب عن علي وابن ماجه، عن أنس بزيادة، وواضع العلم عند غير أهله كمقلد الخنازير الجوهر واللؤلؤ والذهب، وابن عبد البر عنه.

- طالب العلم يستغفر له كل شيء

- طالب العلم يستغفر له كل شيء وزاد أن طالب العلم يستغفر له كل شيء حتى الحيتان في البحر، قال الديلمي: وروى أيضاً من حديث أبي بن كعب، وحذيفة وسلمان، وسمرة بن جندب، ومعاوية بن جدة وأبي أيوب وأبي هريرة، وعائشة بنت الصديق، وعائشة بنت قدامة، وأم هاني. قال السيوطي وقد ثبت مخرجها في الأحاديث المتواترة، وقال الزَّركشي: روي من أوجه في كل طرقه مقال، فالحديث حسن فاندفع به قول النووي: إنه ضعيف تبعاً للبيهقي في قوله: متن هذا الحديث مشهور، وإسناده ضعيف، وإن كان معناه صحيحاً. وقد قال تلميذه الحافظ جمال الدين المنيري، هذا الحديث روي من طرق تبلغ بنية الحسن. قال شارح الجامع الصغير: وهو كمال فإني رأيت له خمسين طريقاً جمعتها في جزء وحكمت بصحته لكن من القسم الثاني، وهو الصحيح لغيره. - المدعى عليه أولى باليمين وبه (عن حماد عن الشعبي عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم المُدْعَى عَلَيْهِ أَوْلَى بِاليَمِين) من المدعي (إذا لم يكن) أي لم يوجد (بَيّنَة) أي في القضية، رواه البيهقي، عن ابن عمر مرفوعاً ولفظه للمدعى عليه أولى باليمين، إلا أن تقوم عليه البينة أي فإنه لا يحتاج إلى اليمين. وقد روى الترمذي، عن ابن عمر مرفوعاً: البينة على المدعي، واليمي

- الصلاة في الكعبة

ن على المدعى عليه وفي رواية البيهقي، وابن عساكر عنه، واليمين على من أنكر إلا في القسامة وعن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لو يعطى الناس بدعواهم لادَّعى رجال أموال قوم ودماءهم، لكن البينة على المدعي، واليمين على من أنكر رواه البيهقي، وغيره بإسناد حسن. وفي الصحيحين ومسند أحمد وسنن ابن ماجه بلفظ لو يعطى الناس بدعواهم لادَّعى ناس دماء رجال وأموالهم، ولكن اليمين على المدعى عليه والحديث بسطنا عليه الكلام في شرح الأربعين، والله الموفق والمعين. - الصلاة في الكعبة وبه (عن حماد عن سعيد بن جبير، عن ابن عمر أن رجلاً سأله عن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في الكعبة) أي في جوفها (يوم دخلها) وهو عام الفتح أو حجة الوداع (فقال: صَلَّى في الكعبة أربع ركعات فقال) أي سعيد (له) أي لابن عمر: (أرني المكان الذي صلى فيه) أي أكون أصلي فيه إذا دخلتها (قال): أي سعيد (فبعث معه) نقل بالمعنى أو على الإلتفات في المبنى (ابنه) وهو سالم أو غيره (ثم ذهب تحت الاسطوانة) أي الوسطى كما في الرواية الآتية (بحيال الجدعة) بكسر الحاء أي بحذائها والجدعة بكسر الجيم أصل النخلة، ومنه قوله تعالى {وَهزِّي إليك بجِذعِ

- حديث طواف

النَّخْلَةِ} (¬1) وفي رواية أن ابن عمر قال صلى صلى الله عليه وسلم في الكعبة أربع ركعات قال) أي سعيد (قلت له) أي لابن عمر (أرني المكان الذي صلى فيه، فبعث معي ابنه فأراني الاسطوانة الوسطى تحت الجدعة)، واعلم أن ابن عمر لم يدخل مع النبي صلى الله عليه وسلم كما رواه الشيخان عنه أنه صلى الله عليه وسلم دخل الكعبة هو وأسامة، وعثمان بن طلحة الحجني وبلال ابن رباح فأغلقها عليه، ومكث فيها فسألت بلالاً حين خرج ماذا صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: جعل عموداً عن يساره وعمودين عن يمينه، وثلاثة أعمدة وراءه، وكان البيت يومئذ على ستة أعمدة ثم صلى أجمله، وحديث الإمام بينه، ورواه البخاري وأبو داود عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم المكة إلى أن يدخل البيت وفيه الآلهة فأمر بها فأخرجت فأخرج صورة إبراهيم واسماعيل عليهما السلام، وفي أيديهما الأزلام فقال صلى الله عليه وسلم قاتلهم الله لقد علموا أنهما ما استقسما قط ثم دخل للبيت فكبر في نواحي البيت، وخرج ولم يصل فيه ظاهره مناف لما سبق إلا أن يحمل على تعدد وإلا فالمثبت مقدم على النافي على أن حديث أسامة أصح من حديث ابن عباس مع ان أسامة كان معه عليه الصلاة والسلام، وهو أضبط لكونه كبيراً بخلاف ابن عباس، لأنه لم يكن معه عليه الصلاة والسلام، وكان صغيراً وإن أردت بسط هذا المبحث فعليك بشرحنا للمحصن الحصين. - حديث طواف وبه (عن حماد عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال طاف النبي صلى الله عليه وسلم بالبيت) أي بيت الله الحرام (وهو شاك) بتخفيف الكاف منوناً اسم فاعل كقاض جملة حالية أي والحال أنه مريض، وأنه يشكو وجعاً في رجله (على راحلة) متعلق بطاف ¬

(¬1) مريم 25.

(يستلم الأركان) أي الركنين اليمانيين إذ يكره استلام الآخرين فإنه بدعة عند الأئمة الأربعة وسببه أنهما ليس بركنين على بناء إبراهيم عليه السلام (بمحجنه) بكسر الميم وسكون الحاء المهملة وفتح الجيم بعده نون عصى معوّجة لديه، فكان يصيب بها الركن، أو يشير بها إليه ويقبلها صلى الله عليه وسلم. وفي مسند أحمد وصحيح البخاري وغيرهما أنه عليه الصلاة والسلام طاف على بعير كلما أتى على الركن أشار إليه بشيء في يده وكبر، وفي رواية لأحمد وأبي داود، عن ابن عمر كان عليه الصلاة والسلام لا يدع أن يستلم الحجر والركن اليماني في كل طوافه. وفي رواية مسلم عن أبي الطفيل رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يطوف على راحلة يستلم الحجر بمحجنة معه، ويقبل المحجنة، (وفي رواية قال: طاف النبي صلى الله عليه وسلم) أي سعى (بين الصفا والمروة وهو شاك على راحلة) وهذا بظاهره بيان عذره عليه الصلاة والسلام في عدم مشيه في طوافه وسعيه، لأنه عدّ من الواجبات عند علمائنا الكرام، لكن أخرج الستة إلا الترمذي، عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع على راحلته يستلم الحجر بمحجنة، لأن يراه الناس وليشرف وليسألوه فإن الناس غشوه، فهذا مانع آخر له عليه الصلاة والسلام من المشي في المشاعر العظام ولا منع من الجمع المعتبر عند الأعلام. هذا وقال في الآثار عن أبي حنيفة، عن حماد بن أبي سليمان أنه سعى بين الصفا والمروة مع عكرمة فجعل حماد يصعد الصفا وعكرمة لا يصعدها، فقال حماد: يا عبد الله ألا تصعد الصفا والمروة، فقال: هكذا كان طواف رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال حماد: فلقيت سعيد بن جبير، فذكرت له ذلك فقال: إنما طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم على راحلته وهو شاك لا يستلم الأركان إلا بمحجنة فطاف بين الصفا والمروة على

- حديث المسح

راحلته فمن أجل ذلك لم يصعد. - حديث المسح وبه (عن حماد، عن سالم بن عبد الله بن عمر) أي ابن الخطاب يكنى أبا عمر والقريشي العدوي المدنيّ أحد فقهاء المدينة من سادات التابعين وعلمائهم وثقاتهم وصلحائهم، مات بالمدينة ستة ومائة (أنه تنازع أبوه وسعد بن أبي وقاص)، وهو أحد العشرة المبشرة بالجنة قال: كنت ثالث الإسلام، وأنا أول من رمى بسهمه في سبيل الله، وكان مُجَاب الدعوات لقوله عليه الصلاة والسلام "اللهمَّ سدِّد (¬1) سهمه وأجب دعوته" مات في قصيرة بالعقيق قريباً من المدينة، فحمل على رقاب الرجال إلى المدينة، ودفن بالبقيع سنة خمس وخمسين وله سبع وسبعون سنة، وهو آخر العشرة موتاً، ولاه عمر وعثمان الكوفة. روى عنه خلق كثير من الصحابة والتابعين (في المسح على الخفين)، هل المسح أفضل أم الغسل أكمل؟ (فقال: سعد امسح) يحتمل الأمر وصيغة المتكلم وهو الأظهر، (وقال عبد الله: ما يعجبني) أي المسح بناء على أن الغسل أنظف وأطهر، (قال سعد: فاجتمعنا) أي أنا وابن عمر (عند عمر) أي وحكينا له بما جرى بينه وبين ولده (فقال عمر) أي لولده (عمك) أي أخو والدك في الدين (أفقه منك سنة) بالنصب، أي من جهة معرفة السنة، ويحتمل الرفع أي هذا المسح سنة أي ثابت بالسنة، فالعمل بها أبعد عن البدعة وأبرأه من التهمة. قال أبو حنيفة ما قلت بالمسح حتى جاء فيه مثل ضوء النهار، أي من كثرة ¬

(¬1) في الأصل: ثبدد.

- نفل صلى الله عليه وسلم على راحلته

الأخبار والآثار، وعنه أخاف الكفر على من لم ير المسح على الخفين لأن الآثار التي جاءت فيه في حيز التواتر. وروى ابن المنذر في آخرين عن الحسن البصري قال: حدثني سبعون رجلاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه عليه الصلاة والسلام مسح على الخفين. - نفل صلى الله عليه وسلم على راحلته وبه (عن حماد عن مجاهد) أي ابن جبير بفتح الجيم وسكون موحدة مولى عبد الله بن السائب المخزومي من طبقة الثانية من تابعي مكة وفقهائها، كان إماماً في القراءة والتفسير (أنه صحب عبد الله بن عمر من مكة) المعظمة إلى المدينة المكرمة (فصلى) أي ابن عمر (النوافل على راحلته) أي دابة حيث سارت كما أشار إليه بقوله: (قبل المدينة) بكسر القاف وفتح الموحدة أي جهتها وجانبها (يومىء) بضم ياء وسكون واو وكسر ميم فهمز (ويبدل) أي يشير (في ركوعه وسجوده إيماء) وإشارة يطيقه بحيث يخفض سجوده عن ركوعه (إلا المكتوبة والوتر) استثناء أي لكن المفروضة والوتر لا يصليها على راحلته (فإنه كان ينزل لهما عن دابته) لعلو رتبتهما عن النفل ورتبته ففيه دلالة على قول أبي حنيفة إن الوتر واجب، وهو فرض عملي لا اعتقادي لثبوته بدليل ظني بخلاف الصلاة المفروضة فإن دليلها قطعي (قال) مجاهد: (فسألته) أي ابن عمر (عن صلاته على راحلته) أي عن دليل جوازها عليها (ووجهه إلى المدينة) جملة حالية (فقال لي: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي على راحلته تطوعاً) أي غير الفرض والواجب فشمل

- لا يجهرون ببسم الله

السنن والنوافل (حيث كان وجهه) أين يتوجه إليه ولو لم يكن سمت الكعبة وقعا عليه (يومىء إيماء) أي من غير ضرورة لديه. - واقعة حال لا عموم لها وروى الطحاوي، عن حنظلة ابن أبي سفيان، عن نافع، عن ابن عمر أنه كان يصلي على راحلة ويوتر بالأرض، ويزعم أن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك؛ وأمَّا ما أخرجه الشيخان، عن ابن عمر أنه عليه الصلاة والسلام كان يوتر على البعير. فالجواب عنه أنه واقعة حال لا عموم لها فيجوز كون ذلك لعذر والاتفاق على أن الفرض يصلى على الدابة لعذر الطين والمطر، ونحوه لو كان قبل وجوبه هذه، قد قال ابن عمر رضي الله عنهما في قوله تعالى: {وَلله المَشْرِقُ وَالمَغْرِبُ فَأَينَما تُوَلّوا فَثَمَّ وَجهُ الله} (¬1) نزلت في المسافر يصلي التطوع حيث ما تَوجَهَت به، وفي صحيح مسلم وغيره عنه أنه عليه الصلاة والسلام يصلي على راحلته حيث ما توجهت به وقرأ هذه الآية. - لا يجهرون ببسم الله وبه (عن حماد عن أنس قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر رضي الله عنهما لا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم) وظاهره عموم بداية الفاتحة وغيرها من السور، ومفهومه أنهم كانوا يخفون بها، وروى ابن أبي شيبة عن أبي وائل، عن عبد الله بن مسعود أنه كان يخفي بسم الله الرحمن الرحيم والاستعاذة، وربنا لك ¬

(¬1) البقرة 115.

الحمد، لكنه معارض بما ثبت عن ابن عباس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم، رواه الحاكم، وقال صحيح بلا علة، وصححه الدارقطني إلا ان ابن نمير قال: روينا عن الدارقطني أنه قال: لم يصح من النبي صلى الله عليه وسلم في الجهر حديث، وقد روى الطحاوي، وابن عبد البر عن ابن عباس أن الجهر قراءة الأعراب، قال ابن الهمام: عن ابن عباس لم يجهر النبي صلى الله عليه وسلم بالبسملة حتى مات. فقد تعارض ما روى عن ابن عباس فإن سلم فهو محمول على وقوعه أحياناً وابتداء ليعلمهم تقرء فيها فلا يترك كما قال به مالك، وقد أوجب هذا الحمل صريح رواية مسلم عن أنس: صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان فلم أسمع أحداً منهم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم (¬1) لم يرد نفي القراءة كما استمسك بظاهره مالك، بل عدم السماع للاخفاء بدليل ما صرح به عن أنس فكانوا لا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم، رواه أحمد والنسائي بإسناد على شرط الصحيح. وعنه صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان فكلهم يخفون بسم الله الرحمن الرحيم، رواه ابن ماجه. وروى الطبراني عن الحسن، عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسر ببسم الله الرحمن الرحيم وأبا بكر وعمر وعثمان وعلياً، ومن تقدم من التابعين، وهو مذهب الثوري. وقال ابن عبد البر، وابن المنذر، وهو قول ابن مسعود، وابن الزبير، وعمار بن ياسر وعبد بن المغفل، والحسن بن أبي الحسن، والشعبي، والنخعي، والأوزاعي وعبد الله بن المبارك، وقتادة وعمر بن عبد العزيز، والأعمش، والزهري، ومجاهد، وحماد وأبي عبيد وأحمد، واسحق. وروى أبو حنيفة عن طريق بن شهاب أبي سفيان السعدي عن يزيد بن عبد الله ¬

(¬1) صحيح مسلم حـ2/ 12.

ابن مغفل عن أبيه انه صلى خلف إمام فجهر ببسم الله الرحمن الرحيم، فناداه عبد الله إني صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان فلم أسمع أحداً منهم يجهرون به. وبه (عن حماد عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم احتُجم وهو محرم) جملة حالية، وهو محمول على أن احتجامه كان في عضو ليس فيه شعر يحتاج إلى حلقه في الاحتجام، وعلى عذر في حقه عليه الصلاة والسلام. (عن حماد، عن إبراهيم، عن الأسود قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لا ندع كتاب ربنا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم بقول امرأة) وهي فاطمة بنت قيس (لا ندري) نحن معاشر الرجال من الصحابة (صدقت) أي تحققت (أو كذبت) فيما توهمت على ما سيأتي فنقول بظاهر الكتاب في السنة المحققة عندنا (المطلقة ثلاثاً لها السكنى والنفقة) أي في أيام العدة. واعلم أن المعتدة الرجعية تستحق النفقة والسكنى على الزوج ما دامت في العدة إجماعاً فأما المعتدة بالطلقات الثلاث فلها السكنى حاملاً كانت أو حائلاً عند أكثر أهل العلم، وهو قول الحسن وعطاء والشعبي والنخعي والثوري. وبه قال أبو حنيفة وأصحابه. وأما المعتدة عن وفاة الزوج لا نفقة لها حاملاً كانت أو حائلاً عند أكثر أهل العلم، وروي عن علي أن لها النفقة من التركة إن كانت

حاملاً حتى تضع وهو قول شريح والشعبي والنخعي، والثوري، واختلفوا في سكناها فقال بعضهم: لا سكنى لها بل تعتد حيث تشاء، وهو قول علي وابن عباس وعائشة. وبه قال عطاء والحسن وأحد قولي الشافعي، وقال بعضهم: لها السكنى وهو قول عمر وعثمان، وعبد الله بن مسعود، وعبد الله بن عمر وبه قال مالك وسفيان والثوري وأحمد وإسحاق وأحد قولي الشافعي. وبه قال أبو حنيفة، ويؤيده ما رواه مالك في الموطأ وأحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه والطحاوي والترمذي، وقال حسن صحيح أن فُرَيعة بنت مالك أخت أبي سعيد الخدري لما قتل زوجها جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالت: فسألته أن أرجع إلى أهلي فإن زوجي لم يترك لي مسكناً يملكه ولا نفقة قالت: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم قالت: فانصرفت حتى إذا كنت بالحجرة أو بالمسجد ناداني رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أمر لي فنوديت له فقال: كيف قلت؟ قالت: فرددت عليه القصة التي ذكرت من شأن زوجي قال: امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله قالت: فاعتددت فيه أربعة أشهر وعشراً قالت: فلما كان عثمان أرسل إلي فسألني عن ذلك فأخبرته فاتبعه، ولعل مراد عمر رضي الله عنه بالكتاب قوله تعالى: {وَلاَ تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلاَ يَخْرُجْنَ إلاّ أَنْ يَأتِينَ بفَاحِشة مُبَيِّنَةٍ} (¬1) وقوله تعالى: {أسكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ ولا تُضَارُّوهنَّ لِتُضَيِّقوا عَلَيهِنَّ} (¬2) وقوله تعالى: {لِيُنفِقَ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ} (¬3) {وَعَلى المولُود لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسوَتُهُنَّ بِالمَعْرُوفِ} (¬4). وبالسنة ما رواه مسلم وأبو داود من حديث جابر الطويل في حجة الوداع، وأن لهن عليكم نفقتهن وكسوتهن بالمعروف، وقال مالك والشافعي وأحمد في المشهور ¬

(¬1) الطلاق 1. (¬2) الطلاق 6. (¬3) الطلاق 7. (¬4) البقرة: 233.

- حديث الحج

عنه: لا نفقة للمطلقة ثلاثاً أو على عوض إلا إذا كانت حاملاً فبالإجماع، لما روى الجماعة إلا البخاري من حديث الشعبي عن فاطمة بنت قيس قالت: طلقني زوجي ثلاثاً فخاصمته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يجعل لي سكنى ولا نفقة، أمرني أن أعتد في بيت ابن أم مكتوم، الحديث. ولنا ما روي من حديث أبي إسحاق قال: حدث الشعبي بحديث فاطمة بنت قيس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا سكنى لها ولا نفقة، فأخذ الأسود كفاً من حصى فحصيه به، وقال: ويلك تحدث تختل هذا قال عمر لا نترك كتاب الله ولا سنة نبينا بقول امرأة لا ندري حفظت أم نسيت لها السكنى والنفقة قال الله تعالى: {لا تخرجوهن من بيوتهن} (¬1) وما روى مسلم من حديث عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه، عن عائشة أنها قالت: ما لفاطمة خبر أن تذكر هذا تعني قولها لا سكنى لك ولا نفقة، وفي لفظ البخاري قالت: ما لفاطمة أن لا تتقي الله تعني في قولها لا سكنى ولا نفقة. - حديث الحج وبه (عن حماد عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة أنها قدمت) أي من المدينة مع النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع (تمتعة) أي بأن نوت العمرة مفردة وأرادت أن تحج تلك السنة، (وهي حائض) جملة حالية (فأمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ترفض عمرتها وتتركها فرفضت) عمرتها (واستأنفت بالحج) أي أحرمتها به (حتى إذا فرغت حجها) أي أعماله، في نسخة بالنصب على نزع الخافض حجها (أمرها) ¬

(¬1) الطلاق 1.

أي النبي صلى الله عليه وسلم أن (تصدر) بضم الدال أي تخرج (إلى التنعيم مع أخيها عبد الرحمن) لتأتي عمرة وقضائها، والحديث رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي بلفظة: لما نزل صلى الله عليه وسلم بسرف خرج إلى الصحابة فقال: ومن لم يكن معه هدياً فأحب أن يجعلها عمرة، فليفعل، ومن كان معه هدي فلا. وحاضت عائشة فدخل عليها صلى الله عليه وسلم وهي تبكي فقال: ما يبكيكِ؟ قالت: سمعت قولك لأصحابك متعة العمرة فقال: وما شأنك قلت: لا أصلي قال: فلا يضرك إنما أنت امرأة من بنات آدم كتب الله عليك ما كتب عليهن فكوني في حجك، فعسى الله أن يرزقكيها إلى العمرة. وفي رواية "قالت خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نذكر إلا الحج حتى جئنا بسرف فطمثت فدخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي فقال: مايبكيكِ؟ فقلت والله لوددت أني لم أكن خرجت العام، فقال: مالك؟ لعلك نفست قلت: نعم، قال هذا شيءٌ كتبه الله على بنات آدم فافعلي ما يفعل الحاج، غير أن لا تطوفي حتى تطهري" الحديث، وقد اختلف فيما أحرمت به عائشة كما اختلف هل كانت متمتعة أم مفردة، وإذا كانت متمتعة فقيل إنها كانت أولاً أحرمت بالحج، وهو ظاهر هذا الحديث، لكن عند البخاري من طريق هشام بن عروة عن أبيه قال: وكانت فيمن أهلّ بعمرة، وزاد أحمد وصححه من وجه آخر عن الزهري: ولم أسق هدياً ويحتمل في الجمع أن يقال: أهَلَّت عائشة بالحج مفردة كما صنع غيرها من الصحابة، ثم أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن تفسخ الحج إلى العمرة ضعفاً، ففعلت عائشة ما صنعوا فصارت متمتعة، ثم لما دخلت مكة وهي حائض ولم تقدر على الطواف لأجل المحيض أمرها بالحج. وقال القاضي عياض واختلف في الكلام على حديث عائشة فقال مالك: ليس العمل على حديث عروة، عن عائشة عندنا قديماً ولا حديثاً، قال ابن عبد الرحمن يريد ليس العمل عليه في رفض العمرة، وجعلها حجاً بخلاف جعل الحج

عمرة فإنه وقع في الصحابة، واختلف في جوازه من بعدهم، لكن أجاب جماعة من العلماء عن ذلك باحتمال أن يكون معنى قوله: ارفضي عمرتك أي اتركي عمرتك أي اتركي التحلل منها، وأدخلي عليها الحج فتصير قارنة. ويؤيده قوله في رواية المسلم: وأمسكي عن العمرة أي عن أعمالها، وإنما قالت عائشة: وأرجع بحج لاعتقادها أن إفراد العمرة بالفعل بالعمل أفضل، كما وقع بغيرها من أمهات المؤمنين، واستبعد هذا التأويل لقولها في رواية عطاء عنها: وأرجع إلى بيتي بحجة ليس معها عمرة، أخرجه أحمد، قال صاحب المواهب وهذا يقوي قول الكوفيين إن عائشة تركت العمرة وحجت مفردة وتمسكوا في ذلك بقولها وهي عمرتك، وفي رواية أقضي عمرتك ونحو ذلك، واستدلوا به على أن المرأة إذا أهلت بالعمرة متمتعة فحاضت قبل أن تطوف أن تترك العمرة، وتهل بالحج مفردة كما صنعت عائشة قال: والرافع للإشكال في ذلك ما رواه مسلم من حديث جابر أن عائشة أهلت بعمرة حتى إذا كانت بسرف، حاضت فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أهلي بحج حتى إذا طهرت طافت بالكعبة ومتعت فقال: قد حللت من حجتك وعمرتك أي أحرمي فقالت: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إني أجد في نفسي أني لم أطف بالبيت حين حججت وقال فأعمرها من التنعيم قال فهذا صريح في أنها قارنة، وإنما أعمرها من التنعيم تطيباً لقلباً (¬1) لكونها لم تطف بالبيت لما دخلت معتمرة. وقد وقع في رواية مسلم وكان صلى الله عليه وسلم رجلاً سهلاً إذا هوت الشيء تابعها عليه انتهى. والمفهوم من كلام ابن الهمام أن الآفاقي إذا أحرم بعمرة قبل أن يطوف فأدخل عليها إحرام حجه كان قارناً، وإن أدخله بعد أن طاف الأكثر كان متمتعاً إن كان الطواف في أشهر الحج، وإن أدخله بعد أن طاف الأقل كان قارناً، وكل من رفض ¬

(¬1) لعله لقلبها بضمير المؤنث الراجع إلى عائشة رضي الله عنها.

- في بيان أكل الضب

نسكاً فعليه دم، لما روى أبو حنيفة عن عبد الملك بن مروان بن عمير، عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر لرفضها العمرة بدم قال: ومعنى حللت من حجتك من عمرتك لا يستلزم الخروج منها بعد قضاء قبل تمامها، بل يجوز ثبوت الخروج من العمرة قبل إتمامها ويكون عليها قضاءها قال الزهري إلى قولها في الرواية الأخرى في الصحيحين ينطلقون بحج وعمرة وانطلق بحج فأقرها على ذلك، ولم ينكر عليها وأمر أخاها أن يعمرها من التنعيم، وهذا لأنها إذا لم تطف للحيض حتى وقفت بعرفة صارت رافضة العمرة وسكوته عليه الصلاة والسلام إلى أن سألته غنما يقتضي تراخي القضاء لا عدم لزومها أصلاً. - في بيان أكل الضب وبه (عن حماد عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة أنه) أي الشأن (أهدي لها ضب) بفتح الضاد بالعجمة وتشديد الموحدة حيوان بري معروف من الحشرات قيل يعيش سبعمائة سنة فصاعداً إذ لا يشرب الماء ويبول في كل أربعين يوماً قطرة ولا تسقط له سمن، ومن شعر حاتم الأصم: وكيف أخاف الفقر والله رازقي ... ورازق هذا الخلق في العسر واليسر يكفل بالأرزاق للخلق كلهم، ... والضب في البيداء والحوت في البحر (فسألت) أي عائشة (النبي صلى الله عليه وسلم هل يحل أكله فنهى عن أكله فجاء سائل) من الفقراء (فأمرت) أي عائشة (له) أي للسائل (به) أي بالضب بأن يدفع إليه (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم) إنكاراً عليها (أتطعمين) غيرك من المسلمين (ما لا تأكلين) لقوله

- وتر صلى الله عليه وسلم في آخر الليل

تعالى: {لَنْ تَنَالُوا البِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} (¬1) وقوله تعالى {وَلاَ تَيَمَّمُوا الخَبِيثَ مِنهُ تُنْفِقُونَ} (¬2) والحديث "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه"، والحديث يدلُّ على تحريمه أو كراهته. وقد قال الدميري في حياة الحيوان إنه يحل أكل الضب بالإجماع. وروى الشيخان، عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قيل له أحرام هو؟ قال: لا لكن لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه. وفي سنن أبي داود لما رأى النبي صلى الله عليه وسلم الضبين المشويين بزق فقال خالد: يا رسول الله أراك تقذرته، وذكر تمام الحديث، وفي رواية المسلم لا آكله ولا أحرمه، وفي الأخرى كلوه فإنه حلال، ولكنه ليس من طعامي. قال فكل هذه الروايات صريحة في الإباحة ولا يكره أكله عندنا خلافاً لبعض أصحاب أبي حنيفة، وحكى القاضي عياض عن قوم تحريمه، وقال النووي: وما يظنه يصح عن أحمد قال في الاحياء: فالظن بأبي حنيفة أن هذه الأحاديث لم تبلغه ولو بلغته لقال بها قلت هذا من بعض الظن فإن حسن الظن بأبي حنيفة أنه أحاط بالأحاديث الشريفة من الصحيحة والضعيفة، لكنه ما رجح الحديث الدال على الحرمة أو حمله على الكراهة جمعاً بين الأحاديث وعملاً بالرواية والدراية. - وتر صلى الله عليه وسلم في آخر الليل وبه (عن حماد عن إبراهيم، عن عبد الله الجدلي) بجيم ودال مهملة بفتحتين ¬

(¬1) آل عمران 92. (¬2) البقرة 267.

إلى جديلة قبيلة (عن أبي مسعود)، وهو عقبة (بن عمرو الأنصاري) ويقال له البدري شهد العقبة الثانية، ولم يشهد بدراً عند جمهور أهل العلم باليسر وقيل: إنه شهدها، والأول أصح، وإنما نسب إلى ماء بدر لأنه نزله، فنسب إليه وسكن الكوفة ومات في خلافة علي وقتل سنة إحدى وأربعين. وروى عنه ابنه بشير وخلق، كثير سواه أنه (قال: وتر رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي الوتر (أول الليل) أي تارة (وأوسطه) أخرى، (وآخره) وهو الأكثر وإنما فعل ذلك (لكي يكون) أي والوتر (واسعاً على المسلمين أيُّ ذلك) بتشديد الياء أي أيُّ ذلك الوقت والفعل (أخذوا به كان صواباً) ويوجب ثواباً (غير أنه من طمع قيام الليل) أي واثقاً أنه يقوم في آخره (فليجعل وتره في آخر الليل، فإن ذلك) أي التأخير آخر الليل (أفضل) لكون ثوابه أكمل وبهذا ورد أمر الندب في حديث اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً، رواه الشيخان وأبو داود عن ابن عمر. (وفي رواية عن عبد الله الجدي عن عقبة بن عامر وأبي موسى) وهو عبد الله ابن قيس الأشعري أسلم بمكة، وهاجر إلى أرض الحبشة ثم سمع أهل السفينة ورسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر، ولاه عمر بن الخطاب ببصرة سنة عشرين ففتح أبو موسى الأهواز، ولم يزل على البصرة إلى صدر من خلافة عثمان، عزل عنها فانتقل إلى الكوفة بعد التحكيم فلم يزل بها إلى أن مات سنة اثنتين وخمسين أنهما قالا: كان رسول

- حديث المسح

الله صلى الله عليه وسلم يُوتر أحياناً أول الليل وأوسطه) أي أحياناً (وآخره) كذلك (ليكون) أي أمر الوتر (سعة) بفتحتين أي واسعة (للمسلمين)، ولا يكون ضيقاً وحرجاً للمتعبدين. - حديث المسح وبه (عن حماد، عن إبراهيم، عن أبي عبد الله الجدلي، عن خزيمة بن ثابت) سبق ترجمته (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال في المسح على الخفين)، وفي ذكره بلفظ التثنية إيماء إلى أنه لا يجوز المسح على أحدهما دون الآخر (للمقيم يوماً وليلة وللمسافر ثلاثة أيام وليالهن) وفيه حجة على مالك في قوله لا توقيت لمسح الخف بل يمسح لابسه مسافراً كان أو مقيماً ما بدا له ما لم ينزعه أو يصبه جنابة وهو القديم من قولي الشافعي لا ينزع خفيه جملة استئنافية، أي يجوز أن لا ينزعهما إذا لبسهما شرطية آخراً وتنبيه (وهو متوضىء) أي، والحال أنه طاهر وابتداء مدة المسح من الحدث بعد اللبس عند الجمهور، وفي رواية عن أحمد أنه من وقت المسح واختاره ابن المنذر قال النووي: وهو الراجح دليلاً وقال الحسن البصري: من وقت اللبس (وفي رواية المسح على الخفين) أي الصحيحين الطاهرين (للمسافر ثلاثة أيام) أي ولياليها كما مر (وللمقيم يوماً وليلة إن شاء) أي أراد تمام المدة، وفيه إيماء إلى أنه لا يجب عليه نزعهما قبل تمام المدة إذا توضأ أي تطهر قبل أن يلبسهما، والأحاديث في هذا الباب كثيرة، والروايات عند أهلها شهيرة منها ما رواه مسلم عن علي جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام وليالهن للمسافر، ويوماً وليلة للمقيم.

- ترك الكلام في الصلاة

وبه (عن حماد بن أبي وائل) وهو شقيق بن أبي سلمة الأسدي الكوفي أدرك الجاهلية والإسلام، وأدرك النبي صلى الله عليه وسلم ولم يره ولم يسمع منه، قال: كنت آتي بيت النبي صلى الله عليه وسلم ابن عشر سنين أرعى غنماً لأهلي بالبادية، وروى عن خلق من الصحابة منهم عمر بن الخطاب وابن مسعود، وكان خصيصاً به من أكابر أصحابه وهو كثير الحديث ثقة ثبت حجة مات زمن الحجاج، (عن أبي مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إِنَّ الله هُو السَّلامُ) أي من التغيرات والآفات والنقصان في الذات والصفات معطي السلام لمن يشاء من غير الملامة والسآمة، (ومنه السلام) أي يرجي ويُسْتَوْهب ويتوقع في كل من الزمان والمقام والحديث رواه مسلم والأربعة عن ثوبان بلفظ: اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام. قال شيخ مشايخنا الجزري في التصحيح أما ما يزيد بعد قوله ومنك السلام ومن نحو وإليك يرجع السلام فحينا ربنا بالسلام وأدخلنا دار السلام فلا أصل له عند علمائنا الكرام انتهى. وفي رواية المسلم والأربعة عن عائشة رضي الله عنها أنه عليه الصلاة والسلام كان إذا سلم لم يقعد إلا بمقدار ما يقول: اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام. - ترك الكلام في الصلاة وبه (عن حماد، عن إبراهيم عن أبي وائل عن عبد الله بن مسعود لما قدم من الحبشة سلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي) أي والحال أنه عليه الصلاة والسلام

يصلي فرضاً أو نفلاً (فلم يرد عليه السلام) كما كان في الصلاة قبل أن يحرم الكلام، (فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي عن صلاته (قال ابن مسعود): ظناً منه إنَّ عدم ردَّ سلامه نشأ من غضب له عليه السلام في مقامه (أعوذ بالله من سخط نعمة الله) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه عد نعمته ونعمة الله من أسمائه الكرام (قال النبي صلى الله عليه وسلم وما ذاك) أي وأي شيء سبب ذلك التعوذ (قال سلمت عليك) أي على عادتي، (فلم ترد علي) فظننت أنك غضبان علي في حالتي (قال: إن في الصلاة لشُغُلاً) بضمتين وليسكن الثاني وبفتحتين وفتحة أي مشغلة عن رد السلام وغيره من الكلام (قال ابن مسعود فلم نرد) أي نحن معشر الصحابة (السلام على أحد من يومئذٍ) ولا نسلم على أحد أيضاً من حينئذ، وقد روى الترمذي عن زيد بن أرقم قال كنا نتكلم خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة يكلم الرجل منا حاضراً إلى جنبه حتى نزلت: {وَقُوْمُوا لله قَانِتِين} (¬1) فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام فالقُنوت بمعنى السكوت وقيل الخضوع، والخشوع. هذا وقوله عليه الصلاة والسلام: إن في الصلاة لشغلاً رواه الشيخان وأبو داود وابن ماجه، عن ابن مسعود، وقد رواه مسلم من حديث معاوية بن الحكم السلمي قال: بينا أنا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعطس رجل من القوم فقلت له: يرحمك الله فرماني القوم بأبصارهم فقلت: واثكل أمَّيّاه ما شأنكم تنظرون إلي فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم فلما رأيتهم يصمتوني لكني سكت، فلما صلى رسول الله ¬

(¬1) البقرة 238.

- أوصاف زوجة؟؟

صلى الله عليه وسلم دعاني فبأبي وأمي ما رأيت معلماً قبله ولا بعده أحسن تعليماً منه فوالله ما كهرني ولا ضربني، ولا شتمني، ثم قال: إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن. - أوصاف زوجة؟؟ وبه (عن حماد عن إبراهيم قال: أخبرني شيخ من أهل المدينة، عن زيد بن ثابت) أي الأنصاري كاتب النبي صلى الله عليه وسلم وكان له حين قدم النبي عليه الصلاة والسلام المدينة إحدى عشرة سنة، وكان أحد فقهاء الصحابة الأجلة العالم بعلم الفرائض. وفي الحديث، وأفرض أمتي زيد بن ثابت، رواه الحاكم عن أنس وهو أحد من جمع القرآن وكتبه في خلافة أبي بكر، ونقله من المصحف في زمن عثمان روى عنه خلق كثير، مات بالمدينة سنة خمس وأربعين وله ست وخمسون سنة (أنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: هل تزوجت يا زيد قال لا قال تزوج تستعف مع عفتك) أي تستزيد العفة على العفة (ولا تزوجن) أي البتة (خمساً) أي من النسوة (قال: ماهن قال: لا تزوجن شهبرة) بفتح شين معجمة وسكون هاء وفتح موحدة (ولا نهبرة) بوضع النون موضع الشين (ولا لهبرة) باللام بدل النون (ولا هبدرة) بفتح الهاء وسكون الموحدة ودالٍ مهملة مفتوحة، (ولا لفوتاً) بفتح اللام وضم الفاء فواو ساكنة فوقية بعدها ألف مقصورة أو ممدودة. (فقال زيد: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم لاأعرف شيئاً مما قلت) من غرائب مبانيها

وعجائب معانيها؟ (قال: بلى تعرفها) لتعريفها (أما الشهبرة فالزرقاء البدينة) بصيغة الفعلية أي السمينة كالمدينة، ويحتمل أن يكون نسبة إلى البدن الزرقاء البدنية - زن كبود جشم فربه - فهذا ينبغي أن يشيبني من هويت السمان، وفي القاموس الشهبر الضخم الرأس وامرأة شهبرة مسمنة، وفيها باقية قوة، وفي النهاية الشهبرة والشهربة العجوز الكبيرة (وأما النهبرة فالطويلة المهزولة) زاد في القاموس، والمشرفة على الهلاك (وأما الهبرة فالعجوز المدبرة) أي إلى ورائها المعبر عنها بالمقطعة، ولم يذكر صاحب القاموس هذه المرأة ولا صاحب النهاية (وأما الهبدرة فالقصيرة الذميمة) بالدال المهملة أي القبيحة بالمعجمة هي المذمومة، بأن تكون في غاية القصر لا سيما إذا كانت في نهاية من السمن (فتكون كالمربعة)، وفي النهاية الهبدرة بالعجوز وبا اجكمة الكثيرة الكلام، (وأما اللفوت فذات الولد من غيرك) فهي لا تزال تلتفت إليه وتشتغل به عن الزوج، وكذا في النهاية، وقيده به لأن الولد منه يوجب زيادة المحبة له قال الشيباني: بفتح الشين المعجمة وسكون التحتية فموحدة بعدها ألف فنون نسبة إلى شيبان بن ذهل بن ثعلبة كذا في طبقات الحنيفة (حكى أبو حنيفة من هذا الحديث طويلاً) أي زماناً كثيراً في مجلس أو مجالس والله أعلم. والحديث رواه الديلمي، عن أبي هريرة ولفظه تزوج تزد عفةً إلى عفتك، ولا تزوج خمسة لا شهبرة ولا لهبرة ولا نهبرة ولا هبدرة، ولا لفوتاً قال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أدري ما قلت شيئاَ؟ قال: لستم عرباً أما الشهبرة، فالطويلة المهزولة، وأما

اللهبرة فالزرقاء البدينة وأما النهبرة فالقصيرة الذميمة، وأما الهبدرة فالعجوز المدبرة، وأما اللفوت فهي ذات الولد من غيرك في الجامع الكبير لشيخ مشايخنا جلال الدين السيوطي رحمه الله. وبه (عن حماد عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم لما مرض المرض) بالنصب على أنه مفعول، مطلق صفته (الذي قبض فيه) أي روحه (خف) أي بدنه (من الوجع) بفتحتين بأن سكن بعضه، (فلما حضرت الصلاة) أي الجماعة (قال لعائشة مري أبا بكر فليصل بالناس) فإنه أولى من غيره في مقام الإيناس، (فأرسلت) بصيغة المتكلم أو الغائبة (إلى أبي بكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن تصلي بالناس فأرسل إليها) أي أبو بكر متعذراً عن النيابة مخاطباً إياها (يا بنتاه) بسكون الهاء على صيغة الندبة فإنه في مقام الاستغاثة والاستعانة (إني شيخ كبير) في العمر (رقيق) بالقلب، (وإني متى لا أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في مقامه) المكرم أرق بكسر الراء وتشديد القاف أي أضنى (لذلك) وأبكي لفقده عليه الصلاة والسلام، فيما هنالك (فاجتمعي أنت وحفصة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فيرسل إلي عمر ليصلي بهم) فإنه أقوى قلباً مني فلعله يكفني هذا الأمر عَنّي (ففعلت) أي ما ذكر أبي بموافقة حفصة (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنتن) جمعاً تعظيماً

لهما أو الخطاب يعمهما من غيرهما (صواحب يُوسف) أي كصاحبات يوسف في دلالتكن في غير طريق الحق، والصواب بعدم علمكن بحقيقة هذا الباب (مري أبا بكر فَليُصلِّ بالنَّاس) أي إماماً لهم (فلما نودي بالصلاة) أي أقيم لها سمع النبي صلى الله عليه وسلم المؤذن وهو بلال أو غيره (وهو) أي والحال أن المؤذن (يقول حيَّ على الصلاة) أي أولاً أو ثانياً والمعنى هلموا إليها واحضروا لديها (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ارفعوني) أي عن مقامي وأعينوني على قيامي، (فإني أريد أروح إلى الصلاة) فإنها قرة عيني وراحة قلبي بلا ملال كما يشير إليه حديث أرحنا يا بلال فقالت عائشة (قد أمرت) أي أنت أو أنا بأمرك (أبا بكر أن يصلي بالناس، وأنت في عذر) عند الله ثم قال (ارفعوني فإنه جعلت قرة عيني) أي لذة لذاتي، وراحة حياتي (في الصلاة) أي في أدائها مع الجماعة فإنها مشيرة إلى مقام الجمع بين الواحدة والكثرة، وإنها معراج الأرواح، ومدراج الأشباح (قالت عائشة: فرفع بين اثنين) من خدامه، (وقدماه تخدان) بضم الخاء المعجمة وتشديد الدال أي تخدعان أي تشحان وتوشران في الأرض من كمال ضعفه حال قيامه، (فلما سمع أبو بكر مجيء رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي أدركه مجيئه وصوت رجله عليه الصلاة والسلام (تأخر) أي قبل شروعه، (فأومأ) بهمزتين أي فأشار (إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي بعدم التأخر (فجلس النبي صلى الله عليه وسلم عن يسار أبي بكر) أي لأنه جاء من جانب الحجرة، وليقيم أبو بكر بمنزلة الواحد عن يمينه.

(وكان النبي صلى الله عليه وسلم حذاءه) أي قبالته متقدماً عليه بعض التقديم (يكبر) أي تكبيرات الصلاة (ويكبر أبو بكر بتكبير النبي صلى الله عليه وسلم) على هيئة المبلغ كما يفعله المؤذن في زماننا هذا، (ويكبر الناس بتكبير أبي بكر) أي تبعاً (حتى فرغ) أي النبي صلى الله عليه وسلم (لم يصل بالناس غير تلك الصلاة حتى قبض وكان أبو بكر الإمام) فيما وراء ذلك من الأيام (والنبي صلى الله عليه وسلم وجع)، بفتح فكسر (حتى قبض). وقال الدمياطي: إن الصديق صلى بالناس سبع عشرة، والحديث رواه الشيخان، وأبو حاتم، واللفظ له عن عائشة لما اشتد به صلى الله عليه وسلم وجعه، قال: مروا أبا بكر فليصل بالناس فقالت له عائشة يا رسول الله إن أبا بكر رجل رقيق وفي رواية أسيف إذا قام مقامك لا سمَّع الناس من البكاء قال مروا أبا بكر فليصل بالناس فعادته مثل مقالتها، فقال إنكن صواحبات يوسف، مروا أبا بكر فليصل بالناس. وفي رواية للبخاري عنها قالت: لقد راجعته وما حملني على كثرة مراجعته إلا أنه لم يقع في قلبي أن يحب الناس بعده رجلاً قام مقامه ابداً، وإني كنت أرى أنه لن يقوم أحد مقامه إلا تشاءم الناس به. وفي حديث عروة عن عائشة عند البخاري قالت: قلت لحفصة قولي له إن أبا بكر إذا قام في مقامك لم يسمع الناس من البكاء فَمُر عمر فليصل بالناس، ففعلت حفصة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أنكس لأنتن صواحب يوسف مروا أبا بكر فليصل بالناس. هذا وفي الصحيحين عن عائشة لما ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أصلى الناس؟

قلنا لا هم ينتظرونك للصلاة قال: ضعوا لي ماء في المخضب ففعلنا فاغتسل فذهب لينوء فأغمي عليه ثم أفاق فقال لنا أصلى الناس: قلنا: لا هم ينتظرونك يا رسول الله قالت: والناس عكوف في المسجد ينتظرون رسول الله صلى الله عليه وسلم لصلاة العشاء الآخرة قالت: فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي بكر أن تصلي بالناس فأتاه الرسول وكان أبو بكر رجلاً رقيقاً فقال: يا عمر صل أنت فقال عمر أنت أحق بذلك، فصلى بهم أبو بكر ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وجد من نفسه خفة فخرج يهادى بين رجلين لصلاة الظهر وأبو بكر يصلي بالناس، فلما رآه أبو بكر ذهب ليتأخر فأومأ إليه أن لا يتأخر، وقال لهما: أجلساني إلى جنبه فأجلساه إلى جنب أبي بكر فكان أبو بكر يصلي وهو قائم بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم، والناس يصلون بصلاة أبي بكر والنبي صلى الله عليه وسلم قاعداً لكن روى الترمذي عن عائشة قالت صلى النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي توفى فيه خلف أبي بكر قاعداً، وقال: حسن صحيح. وأخرج النسائي عن أنس: آخر صلاة صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم مع القوم في ثوب واحد متوشحاً خلف أبي بكر. قال ابن الهمام والجواب من وجهين أما أولاً فلأنه لا يعارض ما في الصحيح، وأما ثانياً فقد قال البيهقي: لا تعارض فالصلاة التي كان فيها إماماً صلاة الظهر يوم السبت أو الأحد، والتي كان فيها مأموماً في الصبح من يوم الاثنين وهي آخر صلاة صلاها حتى خرج من الدنيا، ويخالف هذا ما ثبت عن الزهري عن أنس في صلاتهم يوم الاثنين وكشف الستر ثم إرخائه فإنه كان في الركعة الأولى ثم إنه عليه الصلاة والسلام وجد من نفسه خفة فأدرك معه الثانية قال فالصلاة التي صلاها أبو بكر مأموماً صلاة الظهر، وهي التي خرج فيها بين العباس وعلي والتي كان فيها إماماً صلاة الصبح، وهي التي خرج فيها بين الفضل بن عباس وغلام له حصل بذلك الجمع والله سبحانه وتعالى أعلم. والحديث حجة لأبي حنيفة ومن تابعه خلافاً لمحمد ومن وافقه، ومذهب أحمد أنه شرع قائماً ثم جلس صح اقتداء القائمين به وإن شرع جالساً فلا، وظاهر الحديث دليل لأن الظن به عليه الصلاة والسلام أنه كبر قبل الجلوس حيث كان قادراً عليه.

- حديث الحج

- حديث الحج وبه (عن حماد عن إبراهيم، عن الأسود عن عائشة أنها قالت: يا نبي الله) بتشديد الياء أو تخفيفها (يصدر الناس) بضم الدال أي يرجع الناس (بحجة وعمرة) أي جميعاً (وأصدر بحجة) أي (دون) عمرة (فأمر لي النبي صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن بن أبي بكر فقال انطلق بها إلى التنعيم فليهل) أي فليحرم بعمرة (ثم لتفرغ منها) أي عملها وهو طواف وسعي وحلق، (ثم لتعجل علي) أي تفرغ في ما أتاها إلي (فإني أنتظرها ببطن العقبة) بفتحتين. - نهى صلى الله عليه وسلم عن الشرب في آنية الذهب والفضة. وبه (عن حماد، عن حذيفة قال: نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نشرب) أي المشروبات (في آنية الذهب والفضة، وأن لا نأكل المأكولات فيها، وأن نلبس الحرير والديباج) بكسر الدال ويفتح الثياب المتخذة من الإبريسم وهو نوع من الحرير فارسي معرب وقال (وهي للمشركين في الدنيا ولكم في الآخرة) رواه الشيخان عن حذيفة بن اليمان ولفظه: لا تلبسوا الحرير ولا الديباج ولا تشربوا في آنية الذهب والفضة، ولا تأكلوا في صحافهما فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة. وفي رواية للشيخين عن عمر رضي الله عنه: لا تلبسوا الحرير فإنه من يلبسه في الدنيا لم يلبسه في الآخرة، ورواه الطبراني في الكبير عن معاوية ولفظه: نهى

- وأما حديث: كل مسكر حرام فكاد أن يكون متواترا

النبي صلى الله عليه وسلم عن الشرب في آنية الذهب والفضة، ونهى عن لبس الذهب والحرير، وروي عن مسلم عن أم سلمة مرفوعاً: أن الذي يأكل ويشرب في آنية الفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم أي يصوت زاد الطبراني إلا أن يتوب. (أبو حنيفة عن علقمة بن مرثد) بفتح الميم والثاء المثلثة، (وحماد بن أبي سليمان، عن عبد الله بن بريدة)، أي السلمي قاضي مرو تابعي مشهور ثقة معروف سمع أباه وغيره من الصحابة، روى عنه ابنه سهل وغيره، ومات بمرو وله أحاديث كثيرة (عن أبيه) وهو بريدة بن الحُصَيب بالتصغير السلمي أسلم قبل بدر ولم يشهدها وبايع بيعة الرضوان، وكان من ساكني المدينة ثم تحول إلى البصرة، ثم خرج منها إلى خراسان غازياً فمات بمرو سنة اثنتين وستين زمن يزيد بن معاوية، روى عن جماعة (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تشْرَبْ مُسْكراً) رواه ابن ماجه، عن أبي الدرداء مرفوعاً ولفظه: لا تشرب الخمر فإنه مفتاح كل شيء. - وأما حديث: كل مسكر حرام فكاد أن يكون متواتراً وروى أحمد وأبو دتود عن أم سلمة أنه عليه الصلاة والسلام نهى عن كل مسكر ومفتر وهو ما يرخي الأعضاء، وأما حديث: كل مسكر حرام فكاد أن يكون متواتراً فقد رواه أحمد والشيخان وأبو داود والنسائي، وابن ماجه، عن أبي موسى وأحمد والنسائي، عن أنس وأحمد وأبي داود والنسائي وابن ماجه، عن ابن عمر واحمد والنسائي وابن ماجه، عن أبي هريرة، وابن ماجه عن ابن مسعود، وفي رواية لأحمد ولمسلم والأربعة، عن ابن عمر بلفظ. كل مسكر خمر، وكل مسكر حرام، ومن شرب الخمر في الدنيا فمات وهو يدمنها ولم يتب لم يشربها في الآخرة.

- حديث الأضاحي

- حديث الأضاحي وبه (عن علقمة بن مرثد وحماد أنهما حدثاه) أي أبا حنيفة (عن عبد الله بن بريدة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إنما نهيتكم عن لحوم الأضاحي) بتشديد الياء وتخفيف جمع أضحية والمعنى عن إدخارها وعن أكلها (فوق ثلاثة أيام ليوسّع) بتشديد السين المكسورة، والمعنى لينفق (موسعكم) بتخفيف السين المكسورة أي غنيكم (على فقيركم)، ورواه الترمذي، عن بريدة أيضاً بلفظ: كنت نهيتكم عن لحوم الأضاحي فوق ثلاث ليتسع ذو الطول على من لا طول له فكلوا ما بدا لكم وأطعموا وادخروا. ورواه أبو داود، عن قتادة بن النعمان بلفظ: كنت أمرتكم أن لا تأكلوا لحوم الأضاحي فوق ثلاث ليسع الناس، وإني أحله لكم فكلوا ما شئتم، ورواه أحمد وعبد الله بن حميد والبيهقي وابن شيبة عن أبي هريرة ولفظه: إني نهيتكم عن لحوم الأضاحي وادخارها بعد ثلاثة أيام فكلوا وادخروا أي وتصدقوا، والمعنى افعلوا ما شئتم، فإنه لا حرج عليكم فقد جاء بالسعة أي بالرخاء والرفاهية التامة العامة. ورواه ابن حبان عن أبي سعيد يا أهل المدينة لا تأكلوا الأضاحي فوق ثلاثة أيام فشكوا إليه أن لهم عيالاً وخدماً فقال كلوا وأطعموه فأحبوا المستحب أن يأكل الثلث ويتصدق بالثلثين. وبه (عن علقمة وحماد أنهما حدثاه، عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه، عن

- زيارة القبور

النبي صلى الله عليه وسلم قال: اشربوا في كل ظَرف) أي وعاء من حنتم وحرمت ما فيه ونقير ودباء (فإن الظرف لا يحل شيئاً ولا يحرمه) أي، وإنما نهيتكم عن الشرب في بعض الظروف السابقة لكونها أسباباً لسرعة الإسكار فيها أو لأنها كانت أوعية الخمر لأهل الجاهلية. ورواه مسلم عن بريدة أيضاً، ولفظه: كنت نهيتكم عن الأشربة إلا في ظروف الأدم فاشربوا في كل وعاء غير أن لا تشربوا مسكراً، ورواه ابن ماجه عن بريدة أيضاً كنت نهيتكم عن الأوعية فانتبذوا واجتنبوا كل مسكر. - زيارة القبور وبه (عن علقمة بن مرثد وحماد أنهما حدثاه) أي أبا حنيفة، (عن عبد الله عن أبيه) أي بريدة (عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: كُنْتُ نَهَيْتُكُم عَنِ القُبُور أن تزورُها) بدل اشتمال (فزوروها فلا تقولوا هجراً) بضم الهاء وسكون الجيم فحشاً من الصياح والنياح، ورواه الحاكم في مستدركه عن أنس ولفظه: كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها، فإنها ترق القلب وتدمع العين، وتذكر الآخرة، ولا تقولوا هجراً. ورواه ابن ماجه عن ابن مسعود بلفظ: كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها فإنها تزهد في الدنيا وتذكر الآخرة. - قنوت الفجر وبه (عن حماد، عن إبراهيم، عن علقمة، عن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقنت في الفجر قط إلا شهراً واحداً لم ير) أي لم يوجد قنوته (قبل ذلك ولا بعده،

وإنما قنت في ذلك يدعو على ناس من المشركين)، وأما ما رواه الدارقطني وغيره من حديث أبي جعفر الرازي، عن أنس: ما زال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقنت في الصبح حتى فارق الحياة فمعارض بما ثبت عن عاصم ين سليمان قال: قلنا لأنس بن مالك: إن قوماً يزعمون أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يزل يقنت في الفجر فقال: كذبوا إنما قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم شهراً واحداً يدعو على أحياء من أحياء المشركين. ويؤيده ما رواه الطبراني، عن غالب بن فرقد الطحان قال كنت عند أنس شهرين فلم يقنت في صلاة الغدوة وأما ما في البخاري عن أبي هريرة أنه كان يقنت في الركعة الأخيرة من صلاة الصبح بعد ما يقول سمع الله لمن حمده فيدعو للمؤمنين، ويلعن الكفار فمحمول على قنوت الوتر والنوازل كما اختاره بعض أهل الحديث أنه عليه الصلاة والسلام لم يزل يقنت في النوازل، وهو وجه ظاهر للجمع بين الروايات. ويدلُّ ما أخرجه ابن حبان بسند صحيح عن أبي هريرة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقنت في صلاة الصبح إلا أن يدعو لقوم أو على قوم هذا وكيف يكون القنوت سنة راتبة جهرية، وقد صح حديث أبي مالك سعد بن طارق الأشجعي، عن أبيه: صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم فلم يقنت وصليت خلف أبي بكر فلم يقنت وصليت خلف عمر فلم يقنت وصليت خلف عثمان فلم يقنت، وصليت خلف علي فلم يقنت ثم قال: يا بني إنها بدعة، رواه النسائي وابن ماجه والترمذي. وقال هذا حديث حسن صحيح ولفظ ابن ماجه عن أبي مالك قال قلت لأبي: يا أبت إنك قد صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان وعلي بالكوفة نحواً من خمسين سنة أكانوا يقنتون في الفجر.

- يمين اللغو

قال أي بني محدث. وأخرج ابن أبي شيبة أيضاً، عن أبي بكر وعمر وعثمان أنهم كانوا لا يقنتون في الفجر. وأخرج عن علي أنه لما قنت في الصبح أنكر الناس عليه فقال: استنصرنا على عدونا. وقال محمد بن الحسن أنا أبو حنيفة، عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم النخعي عن الأسود بن يزيد أنه صحب عمر بن الخطاب سنين في السفر والحضر فلم يره قانتاً في الفجر. قال ابن الهمام (¬1) وهذا سند لا غبار عليه وبما ذكرناه نقطع بأن القنوت لم يكن سنة راتبة، ولو كان راتبة يفعله عليه الصلاة والسلام كل صبح يجهر به، وَيُؤَمِن من خلفه أو يسر به، كما قال مالك إلى أن توفاه الله تعالى، لم يتحقق هذا الاختلاف بل كان سبيله أن ينقل كنقل جهر القراءة ومخافنتها وأعداد الركعات. نعم قد روي عن الصديق رضي الله عنه أنه قنت عند محاربة الصحابة مسيلمة الكذاب وعند محاربة أهل الكتاب. وكذلك قنت عمر، وكذا علي في محاربة معاوية، ومعاوية في محاربته إلا أن هذا ينبىء لنا أن القنوت للنازلة مقرر لم ينسخ وبه قال جماعة من أهل الحديث. - يمين اللغو وبه (عن حماد، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة قالت: سمعت في ¬

(¬1) شرح فتح القدير جـ 1/ 308 باب الوتر.

قول الله عز وجل {لا يُؤَاخِذُكُمُ الله بالَّلغْو في أَيمَانِكُم} (¬1) أي هو اليمين اللغو (قول الرجل: لا والله، وبلى والله) أي من غير قصد قلبي في جعله يميناً في نفي شيء أو إثباته. والحديث رواه أصحاب السنن عن عائشة وكذا الشافعي، عن مالك عنها، ورفعه بعضهم وإلى هذا ذهب الشعبي وعكرمة. وبه قال الشافعي وهو رواية عن أحمد، ولعله رواية عن أبي حنيفة، وأما قول المعتمد في مذهبه، فهو أن يحلف على شيء يرى أنه صادق ثم تبين له خلاف ذلك، وهو مروي عن ابن عباس، وقول الزهري، والحسن، وإبراهيم النخعي ومكحول، وبه قال أحمد وقالوا لا كفارة فيه، ولا إثم (¬2). وقال هو على اليمين في الغضب أي بأن يحلف وهو غضبان، وبه قال طاووس. وبه (عن حماد عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله) أي ابن مسعود (أنه أتي) بصيغة المجهول (فقيل: صلى عثمان بمنى أربعاً) أي أتم المكتوبة في الرباعية (فقال) أي عبد الله: (إنا لله وإنا إليه راجعون) إيماء إلى أنه بدعة حادثة ومصيبة عارضة (صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين) أي قصراً، (ومع أبي بكر ¬

(¬1) البقرة 225. (¬2) شرح فتح القدير حـ3/ 309.

- صلاة السفر

ركعتين، ومع عمر ركعتين)، وهذا كله بمنى وبعضه في غيرها فإنكاره يدل على أنه رأى القصر عزيمة كما قال أبو حنيفة: لا رخصة كما قال به الشافعي (ثم حضر) أي عبد الله (الصلاة) أي الجماعة (مع عثمان فصلى) أي عبد الله (معه)، أي مع عثمان (أربع ركعات) تبعاً له لكونه إماماً، ولعله نوى نية مطلقة من غير تعين عدد الركعات لئلا يلزم المخالفة لو نوى ركعتين ولا يلزم ترك العزيمة لو نوى أربعاً فإنه يوجب الإساءة (فقيل له): أي لعبد الله (استرجعت) أي مبالغة في الإنكار، (وقلت ما قلت) من نقل الأخبار عن فعل الأخيار، (ثم صليت أربعاً) مع ذلك (قال: الخلافة) أي تقتضي ذلك، وكذا الإمامة توجب المتابعة هنالك، وفي نسخة ينصب الخلافة أي راعيتها وما خالفتها ولا يبعد أن يكون عثمان نوى الإقامة ونية الإتباع تبع له (ثم قال): أي عبد الله (وكان) أي عثمان رضي الله (أول من أتمها أربعاً بمنى) يصرف ولا تصرف، وسمي بها لأنها تدفق فيها الدّماء أو يتحصل بها أنواع المني. - صلاة السفر واعلم أن في حديث الصحيحين عن عائشة قالت: فرضت الصلاة ركعتين فأقرت صلاة السفر وزيد في صلاة الحضر، وفي رواية قال الزهري: قلت لعروة فما بال عائشة تتم في السفر؟ قال إنها تأوَّلت كما تأول عثمان. وقد أخرج البيهقي والدارقطني بسند صحيح، عن عروة عن أبيه، عن عائشة أنها كانت تصلي في السفر أربعاً فقلت لها: لو صليت ركعتين فقالت: يا ابن أخي إنه لا يشق علي، فالمعنى أنها تأولت أن الإسقاط مع الحرج، وفي صحيح البخاري عن ابن عمر: صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر أربعاً، فلم يزد على ركعتين حتى قبضه

الله تعالى، وصحبت عثمان فلم يزد حتى قبضه الله تعالى، وقد قال تعالى: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة} (¬1) قال ابن الهمام وهو معارض للمروي منه أن عثمان كان يتم، والتوفيق أن إتمامه المروي كان حين إقامته بمنى أيام منى، ولا شك أن حكم السفر مستمر على إقامة أيام فساغ إطلاق أنه أتم في السفر، ثم كان ذلك منه بعد مضي الصدر من خلافته لأنه تأهل بمكة على ما رواه أحمد أنه صلى بمنى أربع ركعات فأنكر الناس عليه فقال: يا أيها الناس إتي تأهلت بمكة مذ قدمت، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "مَنْ تَأَهَلَ في بَلَدٍ فَلْيُصَلِّ صَلاة المُقِيم" (¬2) وبه (عن حماد عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة قالت: تصدق) بصيغة المجهول لماضي (على بريرة) وهي جارية عائشة، واختلف أنها قبطية، أو حبشية (بلحم) نائب الفاعل (فرآه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: هو) أي اللحم (لها صدقة ولنا هدية) وأصل الحديث في الصحيحين، وفيه أنه عليه الصلاة والسلام قدَّم له خبز واعتذر بأنه ما عندهم من إدام فقال عليه الصلاة والسلام ألم أر البرمة فيها لحم. ولعل سبب سؤاله مع أنه كان متعتقاً في حاله ومقوضاً في مقام كماله اعتقادهم أنه لا يحل له ولو بعد تملكه بنحو هبة فأراد بيان سنته، وهي أنه إذا ملك المتصدق عليه الصدقة حل له أكلها هدية، وهم ظنوا خلاف ذلك إذا رآهم لم يقدموه إليه مع علمه أنهم لا يستأثرون به عليه، فبين لهم ما جهلوه من حكم لديه بقوله هو لها صدقة ¬

(¬1) الممتحنة 6. (¬2) شرح فتح القديرحـ /396 باب صلاة المسافر

- حديث الحج

ولنا هدية، ففيه مبادلة معنوية اختيارية واختلاف جبلية اعتبارية، فإن هذا اللحم بإهدائها إياه له انتقل من حكم تصدقه إلى حكم الهبة كما لو اشتراه غني منها أو ورثه عنها. - حديث الحج وبه (عن حماد، عن إبراهيم، عن الصبي) بضم الصاد المهملة وفتح الموحدة وتشديد التحتية تصغير صبي بن معبد بمفتوحة وسكون مهملة وفتح موحدة ومهملة (قال: أقبلتُ من الجزيرة) وهي أرض بالبصرة (حاجَّاً) أي حال كوني مريداً للحج (فمررت بسليمان بن ربيعة وزيد بن صوحان) بضم أوله (وهما شيخان) أي تابعان جليلان (بالعُذيبة) ظرف مررت والعذيبة مصغراً ماء (قال) أي الصبي (فسمعاني) أي الشيخان (أقول لبيك بعمرة وحجة فقال أحدهما: هذا الشخص أضل من بعيره)، أي أجهل (وقال الآخر هذا أضل) أي أغوى (من كذا وكذا) كناية عما لا يليق بذكره (قال: فمضيت) أي على طريقي، أو على حالي (حتى إذا قضيت نسكي) أي فرغت من إحرامي بهما (مررت بأمير المؤمنين عمر

فأخبرته) قائلاً: يا أمير المؤمنين (كنت رجلاً بعيد الشقة) بضم الشين المعجمة وبكسر وتشديد القاف الناحية يقصدها المسافر (قاصي الراء) عطف بيان أي بعيدها عن راء العلم (أذن الله) أي أمراً، وقدر أي في هذا (بوجه) أي القصد أو التوجيه إلى الكعبة (فأحببتُ أن أجمع عمرة إلى حجة فأهللت بهما جميعاً ولم أنس) من ذلك بل كان جمعهما من قصدي هنالك (فمررت بسليمان بن ربيعة، وزيد ين صوحان فسمعاني أقول لبيك بعمرة وحجة معاً) أي مقارنتين (فقال أحدهما هذا أضل من بعيره، وقال الآخر هذا أضل من كذا أو كذا أوصاني) سبب ذلك (قال): أي عمر (فصنعت ماذا) أي فماذا صنعت (قال: مضيت) أي فيما شرعت، والتزمت (فطفت طوافاً لعمرتي وسعيت سعياً لعمرتي، ثم عدت) أي رجعت إلى بيت ربي فعلت (مثل ذلك)، أي مثل طواف القدوم وسعيت بحجتي، (ثم بقيت حراماً) أي محرماً (أصنع كما يصنع الحاج) في أفعاله (حتى إذا قضيت آخر نسكي) أي حجي (قال: هديت لسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم). ورواه أبو داود والنسائي عن منصور وابن ماجه والأعمش كلاهما عن أبي وائل، عن الصبي بن معبد الثعلبي قال: هللت بهما معاً فقال عمر: هديت لسنة نبيك، وروى من طريق أخرى وصححه الدارقطني قال: وأصحه إسناد حديث منصور والأعمش عن أبي وائل، عن الصبي، عن عمر فهذا أحد الأدلة الواضحة على أن حجه عليه الصلاة والسلام كان قراناً وأن القارن يطوف طوافين ويسعى سعيين. (وفي رواية عن الصبي بن معبد قال: كنت حديث عهد بنصرانية)،

والمعنى أسلمت جديداً (فقدمت الكوفة أريد الحج في زمان عمر بن الخطاب فَأَهَلَّ سُليمان وزيد بن صوحان) أي إحراماً (بالحج وحده) أي مفرداً بناءً على ظنهما أن الإفراد أولى، وأن المتعة بالمعنى الأعم الشامل للقران والتمتع منهي عنهما، (وأهل الصبي) أي أحرم، وهو التفات في المبنى، أو نقل بالمعنى (بالحج والعمرة) الواو لمجرد الجمع فلا ينافي ما سبق من قوله: لبيك بعمرة وحجة وهو الأفضل في القول المطابق لترتيب الفضل، وأين فإن مرتبة الحج أقوى من منزلة العمرة، ولذا قال تعالى {وأتمُّوا الحَجّ والعُمرة لله} (¬1)، فإن الحج فرض إجماعاً بخلاف العمرة فإن الجمهور على أنها سنة إلا أن كلاً منهما يلزم بالشروع. فقوله: أتموا أمر وجوب بهذا الملاحظة اتفاقاً (فقالا) أي كلاهما (ويحك تمتعت) أي بالجمع بينهما، (وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المتعة) هذا غير محفوظ. والمشهور أن المنع عنها إنما كان من عمرة كما في رواية لمسلم والنسائي أن أبا موسى كان يفتي بالمتعة، فقال له عمر: قد علمت أن النبي صلى الله عليه وسلم قد فعله وأصحابه ولكني كرهت أن يظلوا مفرشين بهما في الأراك، ثم يرجعون في الحج تقطر رؤوسهم قال ابن الهمام: في هذا اتفاق على أنه عليه الصلاة والسلام كان متمتعاً. قلت الظاهر أن منع عمر إنما كان عن متعة يخرج فيها عن الإحرام، ولذا قرر فعل الصبي على ما تقدم وإنكارهما كان مبنياً على فهمهما أن المنهي هو الأعم، والله أعلم، وكان يريد أن يكون العمل بالأفضل وهو القران والتمتع الذي لا يحل من ¬

(¬1) البقرة 196.

إحرامه إما بسوق أو بغيره، وهذا اجتهاد منه رضي الله تعالى عنه، وإلا فإجماع الأمة على جواز الإفراد والقران والتمتع. وإنما القران الخلاف في أفضليته وحمل حجه عليه الصلاة والسلام على أكملها، ثم كان عثمان تبع عمر رضي الله عنهما، في هذا الحكم وخالفهما علي كرم الله وجهه، فقد روى النسائي عن مروان بن الحكم: كنت جالساً عند عثمان فسمع علياً يلبي بهما الحج والعمرة فقال: ألم تكن تنتهي عن هذا، ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبي بهما جميعاً فلم أدع فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم لقولك وهذا صريح أن حج النبي صلى الله عليه وسلم كان قراناً ويؤيده ما في أبي داود، عن البراء بن عازب قال: كنت مع علي رضي الله عنه حين أمرّ علي اليمين الحديث إلى أن قال فيه: قال: يعني علي فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقال لي: كيف صنعت قلت: أهللت بإهلال النبي صلى الله عليه وسلم قال: فإني سقت الهدي وقرنت وذكر الحديث ولا يبعد أن يكون النهي صدر عنه صلى الله عليه وسلم قبل حجه بناء على عرف أهل مكة من أن العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور، ثم لما حج صلى الله عليه وسلم أجاز التمتع بنوعيه الشرعي والعرفي وأنه يأتي في إدخال العمرة في الحج بأمره للصحابة أن كل من أفرد بالحج وساق الهدي أن يفسخه بالعمرة فصار النهي السابق منسوخاً بالعمل اللاحق. وقد روى الإمام أحمد من حديث سراقة بإسناد رجاله كلهم ثقات، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة قال: وقرن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، ومما يقويه ما في الصحيحين عن سعيد بن المسيب قال: اجتمع علي وعثمان بعسفان، فكان عثمان ينهى عن المتعة فقال علي: ما تريد إلى أمر فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم تنهى عنه: فقال عثمان دعنا عنك، فقال علي: إني لا أستطيع أن أدعك فلما رأى عليّ ذلك أهل بهما جميعاً فبهذا تبين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان مهلاً بهما.

والحاصل أنهما (قالا له والله لأنت أضل من بعيرك قال) أي الصبي (نقدم) بفتح الدال أي نحن ومن وافقنا (على عمر وتقدمون) أي أنتما ومن معكما (فلما قدم الصبي مكة طاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة لعمرته ثم رجع حراماً) أي حال كونه محرماً (لم يحلل من شيء ثم طاف بالبيت) أي القدوم (بين الصفا والمروة لحجته) أي بعد ما يسعى فإنه الأفضل للأفاقي اتفاقاً وإنما الخلاف في المكي حتى لم يجوزه الشافعي، (ثم أقام حراماً لم يحلل منه حتى أتى عرفات، وفرغ من حجه) أي من أعمالها كلها (فلما كان يوم أنه حل) أي أراد أن يحل (فأهرق دماً لمتعة) أي لقرانه (فلما صدروا) أي رجعوا (من حجهم مروا بعمر بن الخطاب) وهو في المدينة (فقال له زيد بن صوحان: يا أمير المؤمنين إنك نهيت عن المتعة وإن الصبي بن معبد قد تمتع قال) أي ملتفتاً عنه إلى صبي (صنعت ماذا يا صبي؟ قال: هللت يا أمير المؤمنين بالحج والعمرة) أي معاً (فلما قدمت مكة وطفت بالبيت) أي للعمرة (وطفت) أي سعيت (بين الصفا والمروة لعمرتي) قيد للطواف والسعي جميعاً (ثم رجعت حراماً) أي حال أن لم أحلل من شيء، جملة بيانية، (ثم طفت بالبيت) أي للقدوم (وبين الصفا والمروة لحجتي ثم أقمت

حراماً حتى كان يوم النحر فأهرقت دماً لمتعتي) أي لقراني وهو التمتع اللغوي (ثم أحللت) أي خرجت من إحرامي بحلق أو تقصير (قال) أي الراوي (فضرب عمر ظهري) تحسيناً لفعله. وقال هديت لسنة نبيك صلى الله عليه وسلم) وبهذا علم أيضاً أن نهي عمر إنما كان من تمتع يحل صاحبه بعد عمرته لما سبق من بيان علة. (وفي رواية عن الصبي قال: خرج هو وسليمان بن ربيعة ويزيد بن صوحان يريدون الحج قال) أي الراوي (فأما الصبي فقرن الحج والعمرة) أي جمع بينهما جميعاً (وأما سليمان ويزيد فأفردا الحج ثم أقبلا على الصبي يلومانه فيما صنع من القران، ثم قالا له: أنت أضل من بعيرك تقرن) تأتي القرن (بين الحج والعمرة وقد نهى أمير المؤمنين عن العمرة والحج) أي معاً (قال تقدمون على عمر وأقدم) أي عليه معكم فيحكم بيننا وبينكم. قال الراوي (فذهبوا) أي فذهبوا كلهم (حتى دخلوا مكة فطاف) أي الصبي (بالبيت لعمرته، ثم عاد فطاف بالبيت لحجته) أي الطواف القدوم وتحيته، (ثم

سعى بين الصفا والمروة لحجته) في تقدمته (ثم إذا أتم أدام حراماً كما هو)، أي حاله (لم يحل من شيء حرم عليه، حتى إذا كان يوم النحر ذبح ما استيسر من الهدي شاة) بيان لما وهو أدنى الهدى، (فلما قضوا نسكهم مروا بالمدينة فدخلوا على عمر فقال له سليمان ويزيد أمير المؤمنين إن (الصبي قرن بالحج والعمرة) يعني أنت منعت من المتعة. (قال ثم صنعت ماذا؟ قال: لما قدمت مكة طفت طوافاً) لعمرتي (ثم سعيت بين الصفا والمروة لعمرتي، ثم عدت فطفت بالبيت لحجتي) أي لسنتها (ثم سعيت بين الصفا والمروة لحجتي) أي تقدمت لها. (قال: ثم صنعت ماذا: قال: أقمت حراماً لم يحل لي شيء حرم علي من محظورات حتى إذا كان يوم النحر ذبحت ما استيسر من الهدي شاة) أي بعد الرمي قبل الحلق (قال) أي الصبي والراوي (فضرب عمر على كتفه) إعلاماً على تلطفه

- عدة المتوفى عنها زوجها

(ثم قال: هديت لسنة نبيك صلى الله عليه وسلم) أي طريقته التي اختارها في حجته الدالة على أنها أفضل بكثرة أدليته على حسن بهجته في محجته. - عدة المتوفى عنها زوجها وبه (عن حماد عن إبراهيم، عن الأسود أن سبيعة) وكانت تحت سعد بن خولة فتوفى عنها بمكة في سنة الوداع حديثها عن الكوفيين، روى عنها جماعة (مات عنها زوجها، وهي حامل) والحال أنها حبلى منه (ومكُثت) بضم الكاف وفتحها أي لبثت (خمساً وعشرين ليلة) وفي الترمذي أنها وضعت بعد وفاته بثلاث وعشرين أو خمسة وعشرين يوماً (ثم وضعت فمر بها أبو السنابل) بفتح السين مهملة خفة وخفة نون وكسر موحدة وبلام كنية (عمرو بن بعكك) بفتح موحدة وسكون عين مهملة وفتح أولى الكافين (فقال لتثوّقت) أي تزينت بالجهز وتطلعت إلى الجنة (وطمحت) أي طمعته زوج البصر (تريدين الباءة) بموحدة ممدودة أي النكاح والجملة حالية أو استئنافية بيانية (كلا) ردع لها عن ظنها أنها بمجرد وضع الحمل خرجت من العدة (والله) أكد الحكم بالقسم (إنه) أي الأمر (لأبعد الأجلين) أي أكثرهما مدة هي العدة الممتدة فلا بد من توفية عدد أربعة أشهر وعشر ليال (فأتت) أي سبيعة (النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك) المقول (له عليه السلام فقال: كَذَب) أي أخطأ القائل في قوله (إذا حضر فأذنيني) من المجرد، أو المزيد أي أعلميني به.

- رفع اليدين

ورواه مالك عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن المسور بن مخرمة أن سبيعة نفست بعد وفاة زوجها بليال فجاءت النبي صلى الله عليه وسلم فاستأذنته أن تنكح، فأذن لها فنكحت والحديث في الصحيحين أيضاً. وأخرجه أبو داود والنسائي، وابن ماجه عن ابن مسعود من شاء لاعنته نزلت سورة النساء القصرى بعد الأربعة (¬1) أشهر وعشراً ثم اعلم أنّ المتوفى عنها زوجها إذا كانت حاملاً فعدتها بوضع الحمل عند أكثر أهل العلم من الصحابة ومن بعدهم (¬2). وروى عن علي وعباس أنها تُنظر آخر الأجلين من وضع الحمل وأربعة أشهر وعشراً وقال ابن مسعود: نزلت سورة النساء القصرى بعد الطولى أراد بالقصرى سورة الطلاق، وبالطولى سورة البقرة وأراد أن قوله تعالى في سورة الطلاق أربعة أشهر وعشراً، فجملة على النسخ وعامة الفقهاء خصوا الآية بحديث سبيعة كذا ذكره البغوي وفيه أن التخصيص نوع من النسخ كما هو مقرر في الأصول وكان علياً ومن تبعه ذهبوا إلى الجمع بين الحكمين احتياطاً إذ لا تنافي بينهما لأن هذه الآية توجب العدة عليها بوضع الحمل والآية الأخرى توجب العدة بمعنى المدة. - رفع اليدين وبه (عن حماد عن إبراهيم أنه قال في وائل بن حجر) أي في حقه (أعرابي) أي هو يعني وائلاً بدوي (لم يصل مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة قبلها) أي قبل الصلاة التي صلاها مع النبي صلى الله عليه وسلم (قط) أي أبداً (أهو أعلم) أي بكيفية صلاة النبي صلى الله عليه وسلم وهيئتها (من عبد الله) أي ابن مسعود الذي كان حاضراً في خدمته سفراً ¬

(¬1) هو قوله تعالى {وَالَّذِينَ يُتَوفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزواجاً يَتَربَّصْنَ بأنفُسِهنَّ أَربعةَ أَشهرٍ وَعَشراً} البقرة 234. وفي سورة الطلاق (4) قال تعالى {وَأوُلاتِ الأَحْمالِ أَجَلَهُنَّ أَن يضعْنَ حَمْلَهُنَّ} (¬2) سنن أبي داود، باب عدة الحامل، الحديث رقم 2211.

وحضراً (وأصحابه) أي ومن أمثاله من الصحابة، أو رواته من التابعين (حفظ) أي حفظ وائلاً وحده (ولم يحفظوه) أي ابن مسعود وأصحابه (يعني رفع اليدين) أي عند الركوع وعند الرفع منه المعبر عنه عند السجود على ما سنأتي (وفي رواية عن إبراهيم أنه ذكر حديث وائل بن حجر بصيغة الفاعل والمفعول فقال أعرابي ما أدري صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة قبلها هو) أي أهو (أعلم من عبد الله) والمعنى لا يكون ذلك ولا يتصور مثله هنالك، (وفي رواية ذكر عند حديث وائل بن حجر أنه) أي النبي صلى الله عليه وسلم (رفع يديه عند الركوع وعند السجود فقال) أي إبراهيم (هو أعرابي لا يعرف شرائع الإسلام لم يصل مع النبي صلى الله عليه وسلم في ظني إلا صلاة واحدة) في مدة الأيام (وقد حدثني من لا أحصي) أي جمع كثير (عن عبد الله بن مسعود أنه رفع يديه في بدءِ الصلاة) أي وقت تكبير التحريمة (فقط) أي فحسبه (وحكاه) فعله (مرفوعاً عن النبي صلى الله عليه وسلم وعبد الله عالم بشرائع الإسلام وحدوده) أي من سائر الأحكام (متفقد لأحوال النبي صلى الله عليه وسلم) أي من أقواله وأفعاله وأخباره وأسراره (ملازم له في إقامته وفي أسفاره) بفتح الهمزة ويجوز كسرها (وقد صلى) أي ابن مسعود (مع النبي صلى الله عليه وسلم ما لا يحصى) أي من العدد.

- سوم على سوم غيره

- سوم على سوم غيره (وبه عن حماد عن إبراهيم، عن من لا أتهم) يعني عن الثقة عندي (عن أبي سعيد الخدري، وأبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لا يستام الرجل على سوم أخيه) نفي معناه نهي والمساومة المجاذبة بين البائع والمشتري على السلعة وسام يسوم سوماً واستام بها أي طلبها لشرائها. وصورة السوم على سوم أخيه المسلم أن يقول واحد للمشتري بعد تراضي المتعاقدين رد السلعة لا بيع منك خيراً منها، أو يقول للبائع استردها لأشتريها منك بأكثر من ثمنها، قيل ومجرد سكوت أحدهما لا يدل على رضاه، بل لا بد من تصريحه فإن وجد ما يدل على الرضا ففيه وجهان كذا قاله النووي ورواه، ابن الملك في شرح المشارق، والله أعلم بالحقائق. وقد روى الشيخان عن أبي هريرة لا يسم المسلم على أخيه المسلم، (ولا ينكح) أي الرجل (على خطبة أخيه) بكسر الخاء طلب المرأة ليتزوج، وروى البخاري ولفظه لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه، ويحتمل أن تكون لا ناهية، وأن تكون نافية بمعنى الناهية فإنها أبلغ في مقام الرفاهية. قيل هذا إذا تراضيا على صداق معلوم ولم يبق إلا العقد، وأما إذا لم يكن كذلك فيجوز خطبتها لما روى أن فاطمة ابنة قيس أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إن أبا معاوية وأبا جهم خطباني قال صلى الله عليه وسلم: انكحي أسامة، وقيل هذا إذا كان الخاطبان

متقاربين، أما إذا كان الخاطب الأول فاسقاً، والثاني صالحاً فلا يندرج تحت هذا النهي، ولكنه خلاف الظاهر والله أعلم بالسرائر. وقال الخطابي: الحديث يدل على جواز السوم والخطبة على سوم الكافر وخطبته لأن الله تعالى قطع الأخوة بين المسلم والكافر وذهب الجمهور إلى منعه وقالوا: التقييد بأخيه خرج على الغالب فلا يكون له مفهوم كما في قوله تعالى: {وربائبكم اللاتي في حُجُوركُمْ} (¬1) غير مقيد به ولو أريد ما هو الأعم وهو الأخوة من جهة كونهم بني آدم لحصل المقصود ولما احتيج إلى التقييد. قال النووي لو خطب على خطبة أخيه يكون عاصياً ويصح نكاحه، ولا يفسخ، وقال بعض المالكية لا يجوز (ولا تنكح المرأة) بصيغة المجهول نفياً أو نهياً أي لا تزوج (على عمتها، ولا على خالتها) رواه مسلم بهذا اللفظ عن أبي هريرة ورواه الشيخان عنه أيضاً ولفظه: لا تنكح العمة على ابنة أخيها ولا ابنة الأخت على الخالة أي لا يجوز الجمع بالنكاح بين العمة، وإن علت وبين ابنة أخيها وإن سفلت، ولا يجوز الجمع بالنكاح أيضاً بين ابنة الأخت وإن سفلت وبين الخالة وإن عَلَتْ قيل لأن ذلك يفضي إلى قطيعة الرحم. وكذا لا يجوز الجمع بينهما في الوطىء بملك اليمين قيل هذا الحديث مشهور يجوز به تخصيص عموم الكتاب وهو قوله تعالى: {وَأُحِلَّ لَكُمُ مَا وَرَاءَ ذَلِكُم} (¬2). ¬

(¬1) النساء 23. (¬2) النساء 24.

(ولا تتساءل) نفي أو نهي أي لا تطلب المرأة (طلاق أختها) أي من زوجها لا حقيقة ولا حكماً بأن تتمنى فراقها حتى تأخذ زوجها والمراد بأختها إحدى بنات آدم والله أعلم (لتكفأ) بفتح حرف المضارعة، وسكون الكاف، وفتح الفاء، والهمزة أي لتقلب ما (في جحفتها من الرزق) وترده إلى نفسها لعجزته عن نفقتهما. والمعنى لتحصل تلك المرأة قصعة أختها خالية عما فيها، وهذا كناية أن يصير لها ما كان يحصل لضرتها من نفقة غيرها (فإن الله هو رازقها) أي كما هو خالقها. وقد قال الله تعالى: {الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُم ثُم يُمِيتُكم} (¬1) ففيه تنبيه أن الرزق لا بد من أن يعقب الخلق قبل الموت ولا يموت أحد إلا بعد استيفاء الرزق واستقصاء الأجل. وقد ورد عنه صلى الله عليه وسلم لا تستبطؤا الرزق فإنه لم يكن عبد يموت حتى يبلغه آخر الرزق هو له فاتقوا الله وأجملوا في الطلب أخذ الحلال وترك الحرام، رواه الحاكم في مستدركه، والبيهقي في دلائله عن جابر رضي الله عنه وفي رواية للبيهقي، عن عمر رضي الله عنه موقوفاً ما من امرء إلا وله أثر هو وَاصِلُهُ ورزق هو آكله وأجل هو بالغه وحتف هو قاتله حتى لو أن رجلاً هرب من رزقه لاتبعه حتى يدركه كما أن الموت يدرك من هرب منه ألا فاتقوا الله وأجملوا في الطلب. والأحاديث المرفوعة والموقوفة كثيرة في هذا الباب لو ذكرناها يؤدي إلى الاطناب من جملتها ما في البخاري عن عائشة: لا تسأل المرأة طلاق أختها تستفرغ ¬

(¬1) الروم 40.

ما في جحفتها، وتنكح فإنما لها ما قدر لها فقوله لتنكح بالنصب على صيغة المعلوم يعني تنكح طالبة الطلاق زوج تلك المطلقة وإن كانت الطالبة والمطلوبة تحت رجل يحتمل أن يعود ضميره إلى المطلوبة يعني تنكح ضرتها زوجاً آخر فلا تشرك معها فيه. وروى عن صيغة المجهول حتى يفعل المنكوحة وله روي لتنكح بصيغة الأمر المعلوم أو المجهول عطفاً على قوله: لا تسأل (ولا تبايعوا) بحذف أحد التاءين أي لا يبيع بعضكم بعضاً (بإلقاء الحجر) أي برميه فوق الساحة بدلاً عن الإيجاب والسؤال والمعالجات في المقام والوصول والحصول فإنه خلاف المشروع من المنقول والمعقول (وإذا استأجرت أجيراً) أي أراد أن تأخذه (فأَعلِمْهُ أجره) أي قدر أجرته المرتبة على مقدار عمله ومحنته. والحديث رواه البيهقي عن أبي هريرة ولفظه: لا يستأوم الرجل على سوم أخيه ولا يخطب على خطبته ولا تناجشوا ولا تبايعوا بإلقاء الحجر ومن استأجر أجيراً فليعلمه أجره. وروى أحمد ومسلم والأربعة عن أبي هريرة أنه عليه الصلاة والسلام نهى عن بيع الحصاة. وروى أحمد عن أبي سعيد أنه عليه الصلاة والسلام نهى عن استيجار الأجير إلا حتى تبين له أجره.

- كثرة السجود

- كثرة السجود (عن حماد عن إبراهيم النخعي عن عبد الله) أي ابن مسعود (عن أبي ذر) وهو جندب بن جنادة الغفاري من أعلام الصحابة وزهادهم أسلم قديماً بمكة يقال كان خامساً في الإسلام ثم انصرف إلى قومه فأقام عندهم إلى أن قدم المدينة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد الخندق، ثم سكن ربذة إلى أن مات بها سنة اثنتين وثلاثين في زمن عثمان وكان يتنفَّذ (¬1). قبل بعث النبي صلى الله عليه وسلم. وروى عنه خلق كثير من الصحابة والتابعين (أنه صلى صلاة) أي نافلة (فخففها) أي لا يطيلها لكنه أتمها (وأكثر الركوع والسجود) أي فيها (فلما انصرف) أي عنها (قال له رجل) أي من التابعين، ولايبعد أن يكون من الصحابة (أنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي ملازمه قديماً في الأوقات (وتصلي هذه الصلاة) جملة حالية والمراد إنكار تخفيفه للصلاة زعماً منه أن الإطالة أفضل من ¬

(¬1) يتنفَّذ: يتنحى.

كثرة الركوع والسجود (فقال أبو ذر ألم أتم الركوع والسجود) أي بالاطمئنان والاعتدال في مقام الشهود، وفيه إيماء إلى ما ورد من أن أسوأ الناس سرقة الذي يسرق من صلاته لا يتم ركوعها وسجودها (قال بلى قال أبو ذر فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من سجد لله سجدة رفعه الله درجة في الجنة فأحببت أن تؤتى لي درجات) أي تعطى (أو تكتب لي درجات) أي تنالت. وحاصله أن زيادة العبادة من حيث الكمية أفضل من زيادتها من حيث الكيفية واختلف العلماء في هذه القضية. (وفي رواية) أي لأبي حنيفة (عن إبراهيم) أي النخعي (عن من حدثه أنه مر بأبي ذر بالربذة) بفتح الراء والموحدة والذال المعجمة موضع قريب من المدينة فيه مدفن أبي ذر (وهو يصلي صلاة خفيفة يكثر فيها الركوع والسجود، فلما أسلم أبو ذر) أي عن صلاته (قال له الرجل: تصلي) أي أتصلي (هذه الصلاة) أي الخفيفة؟ (وقد صحِبتَ رسول الله صلى الله عليه وسلم) جملة حالية (فقال أبو ذر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "مَنْ سَجَدَ لله سَجْدَةً رَفَعهُ الله بِهَا درجة في الجنة" فلذلك أكثر فيها) أي في صلاتي (السجود) والحديث رواه أحمد عن أبي ذر ولفظه: من سجد لله سجدة كتب له بها حسنة، وحطَّ عنه خطيئة، ورفع له بها درجة، ورواه الطبراني عن أبي أمامة مرفوعاً: استكثروا من السجود فإنه ما من عبد يسجد لله سجدة إلا رفعه الله بها درجة، ورواه أحمد والطحاوي والروياتي عن أبي ذر بلفظ: من ركع ركعة أو سجد سجدة رفعه الله بها

- صلاة خفيفة

درجة وحط عنه بها خطيئة. ورواه ابن ماجه وغيره عن عبادة بن الصامت ولفظه: ما من عبد يسجد لله سجدة إلا كتب الله له بها حسنة ومحا عنه بها سيئة ورفع له درجة فاستكثروا من السجود. - صلاة خفيفة وبه (عن حماد، عن إبراهيم قال: كان عبد الله بن مسعود،) ويكنى أبا عبد الرحمن (وحذيفة بن اليمان وأبو موسى) أي الأشعري (وغيرهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم اجتمعوا في منزل) أي لأحدهم، او لغيرهم، (فأقيمت الصلاة فجعلوا يقولون: تقدم يا فلان) كناية عن اسم لصاحب المنزل (فأبى) أي امتنع من التقديم عليهم (فقال:) أي لابن مسعود (تقدم أنت يا أبا عبد الرحمن،) وخص لأنه كان أفضلهم فقد قيل إنه أفقه الصحابة بعد الخلفاء الأربعة وقد ورد اجعلوا أئمتكم خياركم فإنهم وفدكم فيما بينكم وبين ربكم كما رواه الدارقطني والبيهقي، عن ابن عمر (فتقدم) أي للإمامة (فصلى بهم صلاة خفيفة) أي غير طويلة ثقيلة (وجيزة) صفة كاشفة (أتم الركوع والسجود) أي في صلاته، (فلما انصرف) أي بالسلام (قال القوم) شهادة في حقه (لقد حفظ أبو عبد الرحمن) أي ابن مسعود (صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم).

- إذا اختلف المتبايعان

وقد روى مالك والبخاري وأبو داود، والنسائي عن أبي هريرة مرفوعاً: إذا صلى أحدكم الناس فليخفف فإن فيهم الضعيف والسقيم، والكبير وإذا صلى أحدكم لنفسه فليطول ما شاء. - إذا اختلف المتبايعان (وبه عن حماد أن رجلاً حدثه أن الأشعث بن قيس) وهو ابن معد يكرب المكنى بأبي محمد الكندي بكسر فسكون منسوب إلى كندة قبيلة باليمن، قدم على النبي صلى الله عليه وسلم في وفد كندة، وكان رئيسهم وذلك في سنة عشر، وكان رئيساً في الجاهلية مطاعاً في قومه، وكان وجيهاً في الإسلام وارتد عن الإسلام لما مات النبي صلى الله عليه وسلم ثم راجع الإسلام في خلافة أبي بكر ونزل الكوفة، ومات بها سنة أربعين، وصلى عليه الحسن بن علي وروى عنه قوم كذا ذكره صاحب المشكاة في أسماء رجاله وعده من الصحابة على مقتضى مذهب الشافعي، في الأصح إن ردته لا تبطل صحبته خلافاً لأصحابنا في قضية (اشترى من عبد الله بن مسعود رقيقاً) أي مملوكاً عبداً، أو أمة (فتقاضاه عبد الله) أي طلب قضاء ثمنه (فقال الأشعث ابتعت) أي اشتريت الرقيق منك (بعشرة آلاف) أي درهم على ما هو الظاهر (وقال عبد الله بن مسعود بعت

- خطبة الجمعة قائما

منك بعشرين ألفاً فقال عبد الله اجعل) بصيغة الأمر أو المتكلم (بيني وبينك إن شئت) أي من العلماء حكماً (فقال الأشعث بن قيس أنت بيني وبينك) أي قاض عدل وحكم فصل لأنك أهل فضل (فقال عبد الله أخبرك بقضاء) أي بحكم (سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا اختلف البيِّعان) بتشديد التحتية المكسورة أي المتبايعان من البائع والمشتري في قدر الثمن (ولم يكن لهما) أو لأحدهما (بينة) أي شهود بائنة، (والسلعة قائمة) أي موجودة (غير هالكة) جملة حالية، (فالقول ما قال البائع) أي إن أراد المشتري بقاء البيع (أو يترادان) بتشديد الدال أي يتقايلان العقد، ورواه أبو داود والنسائي والحاكم، والبيهقي، عن ابن مسعود أيضاً بلفظ: إذا اختلف البيعان، وليس لهما بينة فهو ما يقول رب السلعة أو يتشاركان، وفي رواية للترمذي والبيهقي عنه بلفظ: إذا اختلف البيعان فالقول قول البائع والمبتاع. وفي رواية لابن ماجه عنه إذا اختلف البيعان وليس بينهما بينة والمبيع قائم بعينه فالقول ما قال البائع أو يترادان. - خطبة الجمعة قائماً وبه (عن حماد عن إبراهيم عن رجل أنه) أي الرجل (سأل عبد الله بن مسعود عن خطبة النبي صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة) أي كان قائماً أو قاعداً (فقال له: أما تقرأ سورة الجمعة) فإنها لأحكام الجمعة جامعة.

- تكبيرات الجنازة

(قال: بلى) أي أقرؤها، (ولكن لا أعلم) استخراج الحكم منها. (قال:) أي الراوي (فقرأ عليه) أي ابن مسعود على الرجل السائل {وإذا رأوا تجارة أو لهواً} أي يلهيهم عن ذكر الله من الطبل ونحوه، (انفضوا إليها) أي تفرقوا إلى تجارة ونحوها (وتركوك قائماً} (¬1) قال) أي ابن مسعود (أراد به الخطبة حين يقوم الجمعة قائماً)، وفي تفسير البغوي قال علقمة: سئل عبد الله أكان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب قاعداً أو قائماً؟ قال: أما تقرأ {وتركوك قائماً}، وذكره البغوي بإسناده عن جابر بن عبد الله قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة خطبتين قائماً يفصل بينهما بجلوس. وفي رواية لابن عساكر عن جابر بن سمرة قال من حدثك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب على المنبر جالساً كاذب فكذبه بأنا شهدته (كان يخطب قائماً) يجلس، ثم يقوم فيخطب أخرى. - تكبيرات الجنازة وبه (عن حماد عن إبراهيم عن غير واحد) أي كثير من التابعين (أن عمر بن الخطاب رحمه الله جمع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فسألهم عن التكبير) عن عدده (على جنازة) فاختلفوا في مقام العبادة، ولهذا (قال لهم: انظروا آخر جنازة كبر عليها ¬

(¬1) الجمعة 11.

النبي صلى الله عليه وسلم كم كان تكبيرها) فاعملوها فإن العمل الآخر كالناسخ للأول (فوجدوه) أي النبي صلى الله عليه وسلم (قد كبر أربعاً) على الجنازة (حتى قبض على ذلك) وما وجدت زيادة هنالك (قال عمر: فكبروا أربعاً) أي ولا تزيدوا عليه ولا تنقصوا منه أن تكبيرات الجنازة بإتفاق الأئمة أربع وحكى عن ابن سيرين أنها ثلاثة، وعن حذيفة بن اليمان خمس، قال ابن مسعود: كبر رسول الله صلى الله عليه وسلم على الجنازة بإتفاق الأئمة تسعاً وسبعاً وخمساً وأربعاً فكبروا ما كبر الإمام، فإن زاد على الأربع لم تبطل صلاته، ولو صلى خلف إمام فزاد على أربع لم يتابعه في الزيادة. وعن أحمد أنه يتابعه إلى تسع. وفي الجامع الصغير لشيخ مشايخنا السيوطي أنه عليه الصلاة والسلام أنه كان إذا أتي بإمرىء قد شهد بدراً والشجرة، كبر عليه تسعاً وإذا أتي به قد شهد بدراً، ولم يشهد الشجرة كبر، أو شهد الشجرة، ولم يشهد بدراً كبر سبعاً، وإذا أتي به ولم يشهد بدراً، ولا الشجرة كبر عليه أربعاً، رواه ابن العساكر عن جابر. وبه (عن حماد، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله) أي ابن مسعود (قال: من شاء باهلت) أي لاعنته وخالعته (أن سورة النساء القصرى)، وهي سورة الطلاق (تنزلت بعد سورة النساء الطولى) أي التي (¬1) بعد آل عمران. ¬

(¬1) هذا يناقض ما مرَّ عنه من أن المراد من سورة النساء الطولى سورة البقرة ومع قطع النظر عن التناقض لا يصح هذا التفسير فتفكر، أقول لعله تصحيف من الناسخين كتبوا كلمة بعد آل عمران مقام قبل آل عمران وإذا كان كذلك فلا تناقض في كلام الشارح العلام عليه الرحمة من ذي الجلال والإكرام.

- حسن الخلق

(وفي رواية عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: نسخت سورة النساء القصرى كل عدد) بكسر وفتح دال (أولى) أي كل عدة من عدد الوفاة، أو الطلاق من الحيض، والأشهر، وهي التي تشتمل على آية بينها بقوله: {وأولات الأَحْمَالِ أَجلَهُنَّ} (¬1) أي بينها مدة عدتهن {أن يضعن حملهن} أي سواء مات عنهن أزواجهن أو طلقهن وقد تقدم تفصيل حكمهن. - حُسنُ الخُلُق وبه (عن حماد عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن الرفق) بكسر الراء أي اللطف والخلق (خلق يرى) أي مخلوق محسوس (كما رُئي من خلق الله) أي من مخلوقاته خلق (أحسن منه ولو أن الخرق) بفتح الخاء المعجمة أي العنف وسوء الخلق (خلق يرى لما رئي من ¬

(¬1) الطلاق 4.

- خلقة النفس

خلق الله خلق أقبح منه)، ورواه الخرائطي في مكارم الأخلاق ومساويه، وعن عائشة بلفظ: لو كان حسن الخلق رجلاً يمشي في الناس لكان رجلاً صالحاً، ولو كان سوء الخلق يرى رجلاً يمشي في الناس لكان رجل سوء. وروى الطبراني في الأوسط عن ابن مسعود مرفوعاً: الرفق يمن، والخرق شؤم، زاد البيهقي عن عائشة، وإذا أراد الله بأهل بيت خيراً أدخل عليهم باب الرفق، فإن الرفق لم يكن في شيء قط إلا زانه، وإن الخرق لم يكن في شيء قط إلا شانه. - خلقة النفس وبه (عن حماد عن إبراهيم، عن علقمة والأسود) عن كليهما (أن عبد الله ابن مسعود سئل عن العزل) بفتح العين المهملة وسكون الزاء المراد عن الماء أي المني أي تجنيه عن قراره في فرج المرأة (قال: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لو أن شيئاً من مخلوقاته سبحانه أخذ الله ميثاقه) أي عهده في ظهوره (واستودع) بصيغة المجهول (صخرة) مفعول ثان (يخرج) أي يظهر في عالم الوجود، ورواه أحمد أيضاً عن أنس ولفظه: لو أن الماء الذي يكون منه الولد أهرقته على صخرة لأخرج الله تعالى منها، وليخلقن الله تعالى نفسها هو خالقها، ورواه النسائي عن أبي سعيد الزرقي

- خروج النساء إلى المصلى

إنما قَدَّر في الرحم سيكون ورواه مسلم عن جابر اعتزل عنها إني شئت فإنه سيأتيها ما قدر لها، ورواه أحمد ومسلم عن عائشة أنه عليه الصلاة والسلام سئل عن العزل؟ قال: ذلك الوأدُ الخفي، ورواه الحاكم عن وائل أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن العزل؟ فقال: لا تفعلوا فإنه ليس من النسمة أخذ الله ميثاقها إلا وهي كائنة فلا عليكم أن تفعلوا. - خروج النساء إلى المصلى وبه (عن حماد عن إبراهيم، عمن سمع أم عطية) وهي نُسيبة بالتصغير بنت كعب، وقيل بنت الحارث الأنصارية بلغت النبي صلى الله عليه وسلم، وكانت تمرض المرضى وتداوي الجرحى (تقول رخص) بصيغة المجهول أي رخص النبي صلى الله عليه وسلم (للنساء) أي جميعهن (في الخروج إلى العيدين) أي صلاتهما وحضور بركات صلاتهما (حتى لقد كانت البكران تخرجان في الثوب الواحد) بأن تلتف كل واحدة ببعضه (حتى لقد كانت الحائض تخرج إلى المصلى فتجلس في عرض الناس) بضم أوله أي جانبهم، وناحيتهم، يدعون إلى الله تعالى في أمرهن (ولا يصلين) لعذرهن. وعن جابر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يكاد يدع أحداً من أهل في يوم عيد إلا

- ترى المرأة ما يرى الرجل

أخرجه. رواه ابن عساكر، وعن أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه قال: حق على كل ذات نطاق الخروج إلى العيدين، رواه ابن أبي شيبة. وعن علي (كرم الله وجهه) قال: حق على كل ذات نطاق أن تخرج إلى العيدين، ولم يكن يرخص لهن شيء من الخروج إلاَّ إلى العيدين، أخرجه ابن أبي شيبة. - ترى المرأة ما يرى الرجل وبه (عن حماد، عن إبراهيم قال: أخبرني، من سمع أم سليم) بالتصغير تزوجها مالك بن النضر أبو أنس بن مالك فولدت له أنساً، ثم قتل عنها مشركاً، وأسلمت فخطبها أبو طلحة وهو مشرك فأبت، ودعته إلى الإسلام فقالت أتزوجك ولا آخذ منك صداقاً لإسلامك فتزوجها أبو طلحة بعدما أسلم، روى عنها خلق كثير (أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن المرأة) المراد جنسها (ترى ما يرى الرجل) أي من الإحتلام والبلل (فقال النبي صلى الله عليه وسلم: تغتسل) خبر بمعنى الأمر ورواه سموية عن أنس ولفظه إذا وجدت المرأة في المنام ما يجد الرجل فلتغتسل ورواه البيهقي وغيره عن عائشة: إذا استيقظ أحدكم من نومه فرأى بللاً، ولم ير أنه احتلم اغتسل، وإذا رأى أنه قد احتلم ولم ير بللاً فلا غسل عليه، ورواه النسائي عن أنس أن أم سُليم سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المرأة تحتلم فقال: إذا أنزلت المرأة فلتغتسل، ورواه مسلم عن أنس قال: سألت امرأة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل في منامه؟ فقال عليه الصلاة والسلام: إذا كان منها ما يكون في الرجل فلتغتسل.

- ذبح شاة قبل الصلاة

- ذبح شاة قبل الصلاة وبه (عن حماد عن إبراهيم والشعبي) أي عن كليهما (عن أبي بردة) واسمه هاني (بن نيار) بكسر نون وخفة ياء تحتية فألف فراء، شهد العقبة الثانية مع السبعين وشهد بدراً وما بعدها من المشاهد، وهو خال براء بن عازب ولا عقب له، مات في أول زمن معاوية بعد شهوده مع علي حروبه كلها. وروى عنه البكاء وجابر (أنه ذبح شاة قبل الصلاة) أي صلاة الأضحى، (فذكر ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال يجزىء عنك) أي هذه الأضحية الواقعة قبل الصلاة، (ولا يجزىء عن أحد بعدك) أي غيرك، فهذا من خصوصيات هذا الصحابي رضي الله عنه فقد روى أحمد والشيخان والثلاثة عن البراء أن أول ما يبدأ في يومنا هذا أن نصلي ثم نرجع فننحر، فمن فعل ذلك فقد أصاب سنتنا، ومن ذبح قبل ذلك فإنما هو لحم قدمه لأهله ليس من النسك في شيء. وروى أحمد والشيخان، والنسائي، وابن ماجه عن جندب من كان ذبح أضحية قبل أن يصلي فليذبح مكانها، ومن لم يكن ذبح فليذبح بسم الله الرحمن الرحيم. - خروج النساء وبه (عن حماد عن إبراهيم، عن الشعبي، عن ابن عمر رضي الله عنه أن

- طلاق النساء

النبي صلى الله عليه وسلم رخص في الخروج لصلاة الغدوة) أي الصبح والعشاء وخُصا لاشتمالهما على الظلم والغطاء، (فقال رجل) من الحاضرين (إذاً) بالتنوين أي حينئذ (يتخذونه) أي الناس خروجهن (دغلاً) بفتحتين أي فساداً أو خللاً، والمعنى أنهم يجدون الدغل، وأصل الدغل الشجر الملتف الذي يكمن أهل الفساد فيه، كذا في النهاية (فقال: ابن عمر أخبرك) أي أخبرك أنا (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي من أنه أجاز خروجهن (وتقول هذا) أي وتعارض المنقول بمجرد المعقول، وعن ابن عمر قال: كانت امرأة لعمر تشهد صلاة الصبح أو العشاء في جماعة في المسجد فقيل لها: لم تخرجين؟ وقد تعلمين أن عمر يكره ذلك ويغار؟ قالت: فما يمنعه أن ينهاني قالوا: يمنعه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا لا تمنعوا إماء الله مَسَاجِدَ الله" رواه ابن أبي شيبة، والبخاري، وابن ماجه، وعن يحيى بن سعيد، أن عاتكة بنت زيد بن عمر بن نفيل امرأة عمر بن الخطاب كانت تستأذنه الخروج إلى المسجد فيسكت فتقول لأخرجن إلا أن يمنعني، رواه مالك. - طلاق النساء وبه (عن حماد، عن إبراهيم عن رجل، عن ابن عمر رضي الله عنه أنه طلق امرأته، وهي حائض) جملة حالية (فعيب ذلك عليه) مجهول عاب، وفي نسخة من العتاب (فراجعها، فلما طهرت من حيضها طلقها وحسب بالطلقة التي كان أوقع

عليها، وهي حائض) أي اعتبرها ولم يجعلها لغواً غير معتد بها قال صاحب الهداية: وإذا طلق الرجل امرأته في حالة الحيض وقع الطلاق، وقال ابن الهمام: خلافاً لمن قدمنا النقل عنهم من الإمامية، ونقل أيضاً عن اسماعيل بن علية من المحدثين، ثم هو بهذا الإيقاع عاص بإجماع العلماء، ويستحب له أن يراجعها لقوله صلى الله عليه وسلم لعمر في حديث ابن عمر في الصحيحين "مُرْ ابْنَكَ فَليُراجِعْها حِينَ طَلَّقها في حالِ الحَيْضِ". ثم قال صاحب الهداية: وإذا طهرت وحاضت، ثم طهرت، فإن شاء طلقها، وإن شاء أمسكها، وذكر الطحاوي أن له أن يطلقها في الطهر الذي يلي الحيض التي طلقها وراجعها فيها. والأول هو ظاهر الرواية عن أبي حنيفة على ما في الكافي وبه قال الشافعي في المشهور ومالك وأحمد. وما ذكر الطحاوي، رواية عن أبي حنيفة على ما في الكافي، وهو وجه للشافعية. ووجه الأول من السنة ما في الصحيحين من قوله صلى الله عليه وسلم لعمر رضي الله عنه: "مُرْهُ فَلْيُراجِعْها ثُمَّ يُمْسِكْها حتى تَطْهُرَ ثُمَّ تُحِيض فَتَطْهُر فإن بدا له أن يطلقها فليطلقها قبل أن يلمسها فتلك العدة كما أمر الله تعالى وعز وجل". ووجه الثاني رواية سالم في حديث ابن عمر مره فليراجعها ثم ليطلقها طاهراً أو حاملاً والأولى هي الأولى لأنه أكثر تفسيراً بالنسبة إلى هذه الرواية وأقوى في الصحة والدراية. وبه (عن حماد عن إبراهيم، عن علقمة، عن عائشة أم المؤمنين قالت لما

أغمي) بصيغة المجهول ومرفوعة (على رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي في مرضه الذي توفى فيه (قال: مُرُوا أبَا بكرٍ فَلْيُصَلّ بالنّاسِ) أي نيابة عني وخلافة مني (فقيل له): والقائل عائشة أو حفصة: (يا رسول الله إن أبا بكر رجل حصير) بفتح الحاء وكسر الصاد المهملتين أي بخيل ضيق الصدر، (وهو يكره) أي يصعب عليه (أن يقوم مقامك)، ولا يرى أمامك المقام مقامك (فقال: مروا أبا بكر فليصل بالناس. يا صويحبات يوسف) بالتصغير والتنكير (وكرر) أي الأمر بذلك لعلمه أنه أفضل من هنالك، وقد سبق عليه الكلام والله أعلم بحقيقة المرام.

- ذكر إسناده عن عطاء بن أبي رباح

- ذكر إسناده عن عطاء بن أبي رباح -بفتح الراء فموحدة وقدمت ترجمته. - حديث القراءة في الصلاة أبو حنيفة أي روى (عن عطاء بن أبي رباح عن أبي هريرة قال نادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة لا صلاة) أي صحيحة (إلا بقراءة أقلها آية طويلة أو ثلاث آيات قصار ولو بفاتحة الكتاب) أي ولو في ضمن سورة الفاتحة فإنها واجبة يقوم مقام الفريضة. وقد روى مسلم عن أبي هريرة لا صلاة إلا بقراءة، وهذا يدل على أن القراءة ركن من أركان الصلاة لأن الأصل في المنفي نفي وجوده، وهي فريضة في الركعات كلها عند الشافعي، لأن كل ركعة صلاة، ولهذا من حلف أن لا يصلي فصلى ركعة حنث. وفريضة في ثلاث ركعات عند مالك إقامة للأكثر مقام الكل وفريضة في ركعتين عند أبي حنيفة وأصحابه، لأن الصلاة في الحديث مذكورة صريحاً فينصرف إلى

- حديث إذا طلع النجم

الكاملة، وهي ركعتان عرفاً، وفي مسألة اليمين لم تكن الصلاة مذكورة صريحاً فانصرفت إلى الواحدة. وأما الشفع الثاني في النافلة فصلاة على حدة والقيام إليه كتحريمة مبتدأة فوجب القراءة فيه كما في الشفع الأول، وأما الشفع الثاني في الفريضة فإنما جاز بدون القراءة لقوله عليه الصلاة والسلام: "القِرَاءةُ في الأُولَيَين قِراءةٌ في الأُخرَيَين" يعني تنوب عن تلك القراءة. وروى الشيخان عن عبادة بن الصامت ولفظه "لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب" واحتج به الشافعي على أن الفاتحة فريضة في الصلاة حتى في صلاة الجنازة لأن المراد نفي الجواز، وقال أبو حنيفة رضي الله عنه: فريضة القراءة إنما ثبت بقوله تعالى: {فاقْرَؤُوا ما تَيَسَّرَ من القُرآن} (¬1) وهذا الحديث خبر الواحد لا تثبت به الفريضة لثبوت الشبهة في نقله، فثبت به الوجوب عملاً بالدليلين، فيكون المراد نفي كمال الصلاة. - حديث إذا طلع النجم (وبه عن عطاء، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا طلع النجم اللام للعهد (رفعت العاهة) أي الآفة عن كل بلد من زرعها وثمارها (يعني الثريا) تفسير من أحد الرواة أي يريد النبي صلى الله عليه وسلم بالنجم المذكور الثريا، وهي بالتصغير مأخوذ من الثروة وهي العدد الكبير سمي به لكثرة كوكبه مع ضيق محله. ¬

(¬1) المزمل 20.

- قلنسوة

ورواه الطبراني في الصيفي عن أبي هريرة بلفظ: إذا طلعت الثريا يأمن الزرع من العاهة قال شيخ مشايخنا جلال الدين السيوطي في تلخيص النهاية: طلوع الثريا عند الصبح وذلك في العشر الأوسط من أبان وسقوطها مع الصبح في العشر الأوسط من تشرين الآخر ومدة مضيها بنصف وخمسين ليلة قال الخرقي: إنما أراد بهذا الحديث أرض الحجاز لأن في أبان يقع الحصاد بها وتدرك الثمار فيها وقال القبتي: أحسبه أراد عاهة الثمار خاصة. - قَلَنْسُوة وبه (عن عطاء عن أبي هريرة قال: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم قَلَنْسَوة) بفتح القاف واللام وسكون النون وفتح السين المهملة، وفي القاموس إذا فتحت ضممت السين وإذا ضممتها كسرتها والمراد ما يلبس في الرأس وتسمى الآن عراقية وكوفية وشامية منسوبة إليها. وبه (عن عطاء عن أبي هريرة قال: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم قلنسوة بيضاء شامية) وهذا الحديث كالتفسير لما قبله ورواه الطبراني عن ابن عمر أنه عليه الصلاة والسلام كان يلبس قلنسوة بيضاء، وفي رواية ابن عساكر عن عائشة كان يلبس قلنسوة بيضاء لاطية. وفي رواية ابن عساكر كان يلبس القلانس اليمانية وهي البيض المضربة، ويلبس قلنسوة ذات أذان في الحرب وكان ربما نزع قلنسوته فجعلها سترته بين يديه وهو يصلي.

- تعلموا من النجوم ما تهتدوا به

- تعلموا من النجوم ما تهتدوا به وبه (عن عطاء عن أبي هريرة قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم من النظر في النجوم) وفي رواية عن أبي هريرة مثل الناظر في النجوم كالناظر في عين الشمس كلما اشتد نظره فيها ذهب بصره، وروى ابن ملدويه والدارقطني في كتاب النجوم عن ابن عمر مرفوعاً "تَعَلَّمُوا من النُّجومِ ما تهتدونَ به في ظلمات البر والبحر" ثم انتهوا. وروى أحمد ومسلم وأبو داود عن ابن عباس مرفوعاً "من اقتبس علماً من النجوم اقتبس شعبة من السحر زاد ما زاد". - حديث الطلاق وبه (عن عطاء عن يوسف بن ماهك) لكسر الكاف مصروفاً (عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثَلاثٌ جِدُّهُنَّ جد وهزلهن جد: الطلاق والنكاح والرجعة) ورواه أحمد وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه، عن أبي هريرة إلا أنه بلفظ النكاح والطلاق والرجعة.

وفي رواية لأبي داود: والعتق بدال الرجعة، وقد ورد الحديث العتاق في مصتف عبد الرحمن من حديث أبي ذر مرفوعاً: "من طلق وهو لاعب فطلاقه جائز ومن أعتق وهو لاعب فعتقه جائز". وروى ابن عدي في الكامل في حديث أبي هريرة عنه عليه الصلاة والسلام قال: "ثلاثٌ ليس فيها لعب، من تكلم بشيء منهن لاعباً فقد وجب عليه الطلاق والعتاق والنكاح". وفي رواية عنهما أربع وزاد: النذر، قال ابن الهمام: ولا نشك أن اليمين في معنى النذر فيقاس عليه وأما لفظ الهداية كقوله عليه الصلاة والسلام "ثلاث جدهن جد وهزلهن جد: النكاح والطلاق واليمين" فغير محفوظ عند المحدثين. وبه (عن عطاء عن جابر بن عبد الله، رضي الله عنه، أن عبداً) أي مملوكاً كان (لإبراهيم بن نعيم) بالتصغير (النحام) بنون مفتوحة وشدة حاء مهملة عند المحدثين، وقال ابن الكلبي بمضمومة وخفته حاء وفي بعض النسخ نعيم بن النحام بزيادة ابن والصواب عدمه، وسمي بنعيم النحام لحديث سمعت نحمه نعيم أي تفعلة في التحنية ليلة الإسراء (فدبره) أي جعله مدبراً (ثم احتاج إلى ثمنه لكثرة دينه فباعه النبي صلى الله عليه وسلم بثمانمائة درهم). (وفي رواية أن النبي صلوات الله وسلامه عليه باع المدبَّر) اللام للعهد

- حديث كل معروف

يحتمل ما قبله وغيره بيع المدبر عند الأئمة الثلاثة جائزة. وقال أبو حنيفة لا يجوز إذا كان التدبير مطلقاً أي مصرحاً بما بعد الموت فالحديث عنده محمول على التدبير المقيد بأن يقول إن شفيت من مرضي أو إن قدمت من سفري فهو حر فله حينئذ جاز بيعه قبل شفائه، أو قدومه من سفره. أبو حنيفة (ومعد) بكسر الميم وفتح العين أي رويا كلاهما (عن عطاء عن جابر قال: نهى) أي النبي صلى الله عليه وسلم (عن نبيذ الزبيب والتّمر والبُسر والثمر). وفي الصحيحين عن أبي قتادة الحارث بن العي: لا تنبذوا الزهوي أي البسر والرطب جميعاً، ولا تنبذوا الرطب والنبيذ جميعاً، ولكن انبذوا كل واحد على حدة. وقال أحمد وبعض المالكية: النهي للتحريم حتى أن من شرب الخليطين قبل حدوث الشدة فهو به إثم بجهة واحدة وإن شرب بعده فأثم بالجهتين، وقال بعضهم للتنزيه، لأن الإسكار يسرع إليه بسبب الخليط قبل أن يتغير طعمه فيظن الشارب أنه ليس بمسكر وكان مسكراً. - حديث كل معروف أبو حنيفة رحمه الله أي روى وحده (عن عطاء بن جابر: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كل معروف فعلته إلى غني وفقير صدقة) ورواه الخطيب في

- صلاة في قميص واحد

الجامع، عن جابر وأحمد والطبراني، عن ابن مسعود بلفظ: كل معروف صدقة، وقد روى أحمد والبخاري، عن جابر وأحمد ومسلم وأبو داود، عن حذيفة وكل معروف صدقة وزاد وما تصدق به المرء المسلم بمرضه كتب له صدقة، وعند ابن حميد والحاكم عن جابر: وما أنفقه المسلم من نفقة على نفسه وأهله كتب له بها صدقة، وكل نفقة أنفقها المسلم فعلى الله خلفها، والله ضامن إلا نفقة في بنيان أو معصية. وفي رواية البيهقي عن ابن عباس كل معروف صدقة، والدالُّ على الخير كفاعله والله يحب إعانة اللهفاء (ضعيف). - صلاة في قميص واحد وبه (عن عطاء عن جابر أنه) أي جابر (أمَّهُمْ) أي صلى بجماعة إماماً (في قميص واحد) من غير رداء وسراويل تحته وعنده فضل ثياب يعني، ولم يكن من ضرورة القلة، بل لكونه يعرفنا أي يعلمنا معشر التابعين سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الواردة في مقام الرخصة، وعن أسماء بنت أبي بكر قالت: رأيت أبي يصلي في ثوب، فقلت: يا أبت أتصلي في ثوب واحد، وثيابك موضوعة فقال: يا بنية إن آخر صلاة صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم خلفي في ثوب واحد. رواه ابن أبي شيبة وأبو يعلى. وروى البيهقي عن أبي سعيد قال: اختلف أبيّ بن كعب وابن مسعود في الصلاة بثوب واحد فقال أبيّ: ثوب واحد.

وقال ابن مسعود: في ثوبين فجاز عليهم عمر بن الخطاب كلاً منهما، وقال إنه ليسوءني أن يختلف اثنان من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم في شيء واحد، ومن أي فُتْيَاكما يصدر الناس، أما ابن مسعود فلم نأل والقول ما قال أبيّ وعن أبيّ كنا نصلي في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الثوب الواحد ولنا ثوبان، رواه ابن خزيمة. ومنه قال: الصلاة في الثوب الواحد كنا نفعله مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يعاب عليه فقال ابن مسعود: إنما كان ذلك في الثياب قلة فأما إذا وسع الله تعالى فالصلاة في ثوبين أزكى، رواه عبد الله بن أحمد في رواية المسند. وعن الحسن أن أبيّ بن كعب وعبد الله بن مسعود اختلفا في الصلاة في الثوب الواحد فقال أبيّ: لا بأس به قد صلى النبي صلى الله عليه وسلم في ثوب واحد، فالصلاة فيه جائزة، وقال ابن مسعود إنما كان ذلك إذا كان الناس لا يجدون الثياب، وأما إذا وجدوها فالصلاة في ثوبين فقام عمر رضي الله عنه فوقف على المنبر فقال القوم ما قال أبي ولم نأل ابن مسعود. رواه عبد الرزاق في جامعه. وفي رواية له عن أبي هريرة أن رجلاً قال: يا رسول الله، يصلي الرجل في الثوب الواحد فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أو لكل منكم ثوبان. وبه (عن عطاء، عن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى قاعداً) أي بعذر في الفريضة وبغير عذر في النافلة، (وقائماً) أي أحياناً (ومحتبياً) الإحتباء ضم الساق إلى البطن بثوب أو باليدين، ومنه حديث: الإحتباء حيطان العرب، أي يقوم بالاستناد إلى الجدار، ولعله محمول على حالة العذر أو النافلة.

- حديث الجمعة

- حديث الجمعة وبه أي بسند أبي حنيفة (عن عطاء، عن ابن عباس) أي عبد الله (أن النبي صلى الله عليه وسلم لبى) أي في حجة الوداع (في أول إحرامه حتى رمى جمرة العقبة) أي قطع التلبية بأول رمية. ورواية الأئمة الستة، عن الفضل بن عباس أنه عليه الصلاة والسلام لم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة. - وفيه أن الجميل يحب الجمال (وفي رواية عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم أردف الفضل بن عباس رضي الله عنه وكان غلاماً حسناً) أي حسن الصورة (فجعل يلاحظ النساء) أي المحرمات التي وجوههن مكشوفات، وفيه أن الجميل يحب الجمال، (والنبي صلى الله عليه وسلم يصرف وجهه) أي عنهن خوفاً من الفتنة كما هو شأن أرباب الكمال (فلبى) أي النبي صلى الله عليه وسلم (حتى رمى جمرة العقبة) أي ابتدأ رميها. (وفي رواية ابن عباس) أي عبد الله (عن الفضل أحْسِبُهُ أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة).

- عمرة في رمضان تعدل حجة

- عمرة في رمضان تعدل حجة وبه (عن عطاء عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن عمرة في رمضان) أي أيامه ولياليه صدرت من أفاقي أو مكي كما يدل إطلاقه (تعدل حجة) أي تساويها وتقاربها ولفضيلة رمضان والعبادة فيه بوصف المضاعفة. ورواه أحمد والبخاري وابن ماجه عن جابر، ورواه أحمد والشيخان وأبو داود، وابن ماجه، عن ابن عباس والطبراني عن الزبير، ورواه سمويه عن عطاء عن أنس ولفظه: "عمرة في رمضان كحجة معي". وبه (عن عطاء عن أبي صالح) وهو ذكوان السمان المدني (الزيات) كان يجلب السمن والزيت إلى الكوفة وهو مولى جويرية بنت الحارث زوجة النبي صلى الله عليه وسلم وهو تابعي جليل مشهور، كثير الحديث واسع الرواية (عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كل عمل ابن آدم له حظ فيه إلا الصيام) بالنصب (فهو لي) أي خاصة وخالصة، (وأنا أجزي به)، وروى الطبراني عن أبي أمامة ولفظه: الصيام جنة وهو حصن من حصون المؤمن، وكل عمل لصاحبه إلا الصيام يقول الله الصيام لي وأنا أجزي به. وروى البيهقي في شعب الإيمان عن أبي هريرة مرفوعاً: الصيام لا رياء فيه

- رمل

قال الله تعالى: هو لي وأنا أجزي به، يدع طعامه وشرابه من أجلي. - رَمَل وبه (عن عطاء عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "البتيء) أي المسرع مع تقارب الخطى دون الوثوب والعدو، (من الحجر) أي الأسود والأسعد (إلى الحجر) بفتحتين أي كان الحجر مبدأ الرمل ومنتهاه لا كما قيل إنه لم يرمل بين الركنين، إذ لم يكن محاذياً لنظر الكفار. والمقصود من الرمل إظهار الجلادة في أعينهم، وبه قال الحسن البصري وسعيد بن جبير وعطاء ويؤيده ما في أبي داود إذا بلغوا الركن اليماني وتغيبوا عن قريش مسوا، ثم حيث يطلعونه عليهم فيرملون. والجمهور على خلاف ذلك، كما في مسلم وأبي داود والنسائي، وابن ماجه عن ابن عمر قال: رمل رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحجر إلى الحجر، فهذه الآثار تقدم على ما تقدم لأنها مثبتة، وذلك ناف على أنه يمكن الجمع بأن رملهم فيما بين الركنين كان أخف من سائر الجهات، فظن بعضهم أنهم مشوا ولم يرملوا والله أعلم بحقيقة الحالات. - حديث من عفى عن دم وبه (عن عطاء عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من عفى عن دم) أي دم

- فضيلة التكبيرة الأولى

مسلم يستحق أن يقتصّ منه (لم يكن له ثواب إلا الجنة) أي دخولها أولياً ورواه الخطيب، عن ابن عباس بعينه والحديث مقتبس من قوله تعالى: {فَمَنْ عَفَا وَأصْلَحَ فَأجْرُهُ عَلَى الله} (¬1) وبه (عن عطاء عن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من داوم) أي واظب (ولازم أربعين) ولازم أربعين يوماً (على صلاة الغدوة) أي الصبح (والعشاء في جماعة) أي مع طائفة ولو واحداً (في مسجد وغيره كتب له براءة)، أي ونزاهة (من النفاق)، وهو أن يكون ظاهره خلاف باطنه وبراءة من الشرك أي جليه وخفيه فيكون مرجُوّاً له حسن الخاتمة. - فضيلة التكبيرة الأولى ولعل الحكمة في عدد الأربعين أن الملازمة للطاعة في الدين إذا استمرت في هذه المدة المبينة، فالغالب أن يتلذذ بالعبادة، ويذهب عنه كلفة المجتهدين فتحصل له الاستقامة والله الموفق والمعين: وللأربعين حكم كثيرة وليس هذا محل بسطها وإنما خص الصلاتين لأنهما وقت الراحة ومحل الاستراحة فإذا داوم الشخص على ما هو أشق على النفس فبالأولى أن لا يترك الأهون، وأيضاً كان المنافقون لا يحضرونها حيث لا سمعة ولا رياء فيهما، ويؤيده ما رواه أحمد وأبو داود والنسائي، وابن ماجه وابن حبان، والحاكم عن أبي هريرة مرفوعاً: أن هاتين ¬

(¬1) الشورى 40.

الصلاتين يعني العشاء والصبح أثقل الصلاة على المنافقين ولو يعلمون فضل فيهما لأتوهما ولو حبواً، والحديث رواه الترمذي، عن أنس مرفوعاً، ولفظه: "من صلى لله أربعين يوماً جماعة يدرك التكبيرة الأولى كتب الله له براءتان: براءة من النار وبراءة من النفاق" والأصح أن من أدرك الإمام قبل تكبيرة الركوع فقد أدرك التكبيرة الأولى. ورواه البيهقي عن ابن عساكر بلفظ: من صلى في مسجد في جماعة أربعين ليلة لا تفوته الركعة الأولى كتب الله له براءة من النار، ورواه أبو الشيخ عن أنس "من أدرك التكبيرة الأولى مع الإمام أربعين صباحاً كتب له براءتان، براءة من النار وبراءة من النفاق". ورواه عبد الرزاق عن أنس ولفظه: "من لم يفته الركعة الأولى من الصلاة أربعين يوماً كتب له براءتان براءة من النار وبراءة من النفاق" ورواه ابن عدي عن أبي العالية بلفظ "من شهد الصلوات الخمس أربعين ليلة في جماعة يدرك التكبيرة الأولى وجبت له الجنة". ورواه الخطيب عن أنس ولفظه: "من صلى أربعين يوماً في جماعة ثم انفتل عن صلاة المغرب، فأتى بركعتين قرأ أول ركعة بفاتحة الكتاب و {قُل يَا أَيُّها الكَافِرُونْ} (¬1). وفي الثانية بفاتحة الكتاب و {قُلْ هُوَ الله أحَد} (¬2). خرج من ذنوبه كما تخرج الحية من سلخها. ¬

(¬1) الكافرون-1. (¬2) الإخلاص-1.

- لا يجوز إجبار البكر البالغة على النكاح

- لا يجوز إجبار البكر البالغة على النكاح وبه (عن عطاء عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يذكر لفاطمة رضي الله عنها أن علياً ما أكرهك) يعني في الخطبة، وفيه إشعار بأنه لا يجوز إجبار البكر البالغة على النكاح، ففي سنن أبي داود والنسائي وابن ماجه، ومسند الإمام أحمد من حديث ابن عباس أن جارية بكراً أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت أن أباها زوجها وهي كارهة فخير النبي صلى الله عليه وسلم. وأخرج الدارقطني عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم رد نكاح ثيب وبكر أنكحهما أبوهما وهما كارهتان، وفي صحيح مسلم وأبي داود والترمذي والنسائي ومالك في الموطأ: الأيم أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأذن في نفسها وإذنها صماتها. - حديث الوضوء وبه (عن عطاء، عن حمران) بمضمومة وسكون ميم فراء وهو ابن أبان (مولى عثمان رضي الله عنه أن عثمان توضأ) أي غسل أعضاء وضوئه (ثلاثاً ثلاثاً) أي غسل كل عضو ثلاث مرات بمياه جديدة، (وقال هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ) ورواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وأحمد وابن حبان،

والدارقطني، عن حمران قال: رأيت عثمان رضي الله عنه توضأ فأفرغ يديه ثلاثاً فغسلهما، ثم تمضمض ثلاثاً واستنشق ثلاثاً، ثم غسل وجهه ثلاثاً ثم غسل يده اليمنى إلى المرفق ثلاثاً ثم غسل اليسرى مثل ذلك، ثم مسح رأسه، ثم غسل قدمه اليمنى ثلاثاً ثم اليسرى ثلاثاً ثم قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم من نحو وضوئي هذا، ثم قال: من توضأ نحو وضوئي، ثم صلى ركعتين لا يُحدِّث فيهما نفسه غفر له ما تقدم من ذنبه. ورواه أبو نعيم في المعرفة بسند صحيح عن حمران قال: كنت عند عثمان فدعى بوضوء قتوضأ فلما فرغ قال توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم كما توضأت، ثم تبسم فقال: أتدرون لِمَ ضحكت؟ قلنا: الله ورسوله أعلم قال: "إن العبد المسلم إذا توضأ فأتم وضوءه، ثم دخل في صلاته فأتم صلاته خرج من الذنوب كما خرج من بطن أمه". وبه (عن عطاء عن ابن عباس، عن أسامة بن زيد) أي ابن حارثة القضاعي وأمه أم أيمن واسمها بركة، وهي حاضنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت مولاة لأبيه عبد الله بن عبد المطلب وأسامة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن مولاه وحبه وابن حبه قبض النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن عشرين، ونزل وادي القرى وتوفي به بعد قتل عثمان سنة أربع وخمسين. وروى عنه جماعة من الصحابة والتابعين (قال إنما الربا في النسيئة) فعيلة يجوز همزه وإبداله في التأخير (وما كان) من الربا (يداً بيد) أي مقبوضاً في المجلس (فلا بأس به)، وإن كان بالتفاضل.

- حديث الماء المستعمل

وقد روى صدر الحديث، وهو قوله: إنما الربا في النسيئة، أحمد ومسلم والنسائي، وابن ماجه عن أسامة. وروى البخاري وغيره عنه لا ربا إلاَّ في النسيئة. وفي رواية الطبراني عنه لا ربا في يد بيد إنما الربا في الدين، وهذا قول مخالف لما عليه الجمهور. ففي كتاب الرحمة في اختلاف الأئمة أجمع المسلمون على أنه لا يجوز بيع الذهب بالذهب منفرداً والورق بالورق منفرداً تبرها ومضروبها وحليها إلا مثلاً بمثل وزناً بوزن يداً بيد، وأنه لا يباع شيء منها غائباً بتأخير واتفقوا على أنه يجوز بيع الذهب بالفضة والفضة بالذهب متماثلين يداً بيد ويحرم نسيئة، وكذا سائر أموال الربوية من الموزون والمكيل كالحنطة والتمر والملح. والأحاديث في ذلك كثيرة منها مارواه أحمد ومسلم عن أبي سعيد مرفوعاً: لا تبيعوا الذهب بالذهب، ولا الورق بالورق إلا وزناً بوزن مثلاً بمثل سواء بسواء ومنها مارواه البخاري عن أبي بكر بلفظه لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا سواء بسواء والفضة بالفضة إلا سواء بسواء وتبيعوا الذهب بفضة والفضة بالذهب كيف شئتم أي يد بيد كما رواه الترمذي عن عبادة بن الصامت. هذا، وقال الخطابي: حديث أسامة محمول على أن أسامة سمع كلمة من آخر الحديث فحفظها ولم يدرك أوله، كان النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن بيع الجنسين متفاضلاً فقال صلى الله عليه وسلم: "إنما الربا في النسئة" يعني إذا اختلف الأجناس جاز فيها التفاضل إذا كانت يداً بيد، وإنما يدخلها الربا إذا كانت نسيئة. - حديث الماء المستعمل وبه (عن عطاء عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بئس البيت) أي المكان

- حديث سنة الفجر

(الحمام) مرفوع على الذم وبيانه (هو بيت لا يستر) أي العورة غالباً (وماءٌ لا يطهر) أي في الأكثر، وفي نسخة من التطهر فتدبر، وفيه دليل على نجاسة الماء المستعمل خلافاً لمالك في هذا العمل. والحديث بعينه رواه البيهقي عن عائشة، ورواه ابن عدي، عن ابن عباس ولفظه: بئس البيت الحمام ترفع فيه الأصوات وتكشف فيه العورات. وروى الترمذي والحاكم عن جابر مرفوعاً: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل حليلته الحمام، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجلس على مائدة يدار عليها بخمر. - حديث الصوم وبه (عن عطاء، عن عائشة قالت: كان يصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم جنباً من غير احتلام) أي بل من جماع أهله (ثم يتم صومه) وقد سبق عليه أي على وجه التمام. - حديث سنة الفجر وبه (عن عطاء، عن عبيد بن عمير) بالتصغير فيهما يكنى أبا عاصم الليثي

- حديث: أين الله؟

الحجازي قال أهل مكة: ولد في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقال رآه وهو معدود في كبار التابعين سمع جماعة من الصحابة، وروى عن نفر من التابعين (عن عائشة قالت: ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم على شيء من النوافل) الشاملة للسنن الكوامل (أشده معاهدة) أي مراعاة ومحافظة (على ركعتي الفجر) لأنها أقوى السنن، حتى روى الحسن عن أبي حنيفة: لو صلاها قاعداً من غير عذر لا يجوز، قالوا: العالم إذا صار مرجعاً للفتوى جاز له ترك سائر السنن لحاجة الناس إلا سنة الفجر، لأنها أقوى السنن الرواتب. والحديث رواه ابن رنجوية عن عائشة بلفظ على الركعتين أمام الصبح. - حديث: أين الله؟ وبه (عن عطاء أن رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم حدثوه) أي أخبروه (أن عبد الله بن رواحة) بفتح الراء الأنصاري الخزرجي أحد النقباء شهد العقبة وبدراً وأحداً والخندق والمشاهد بعدها إلا الفتح، وما بعده فإنه قتل يوم مؤتة شهيداً أميراً وفيها سنة ثمان وهو أحد الشعراء المحسنين. وروى عنه ابن عباس وغيره (كانت له راعية) جارية (ترعى) تتعاهد (غنمه) أي تراعيها (وأنه) أي ابن رواحة (أمرها تعاهد شاة) وفي نسخة بحرف الجر والإضافة أي بمحافظة شاة مخصوصة من بين الغنم فتعاهدتها (حتى سمنت الشاة واشتغلت الراعية ببعض الغنم) أي بتعهيد غيرها (فجاء الذئب فاختلس) أي اخْتَفَّ (الشاة المعهودة وقتلها فجاء عبد الله) أي ابن رواحة (وفقد الشاة) أي

- حديث الركاز

تفقدها فما وجدها (فأخبرته الراعية بأمرها فلطمها) أي ضرب بكفه على وجهها (ثم ندم على ذلك) أي على فعله بها، (فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فعظم النبي صلى الله عليه وسلم ذلك) أي الفعل الذي صدر منه من غير جرم بها هنالك. (وقال: ضربت وجه مؤمنة) أي لطمت وجه نفس مؤمنة من غير موجبة (فقال: إنها سوداء لا علم لها) بالله، وإيمانها، (فأرسل إليها النبي صلى الله عليه وسلم) أي فأتتهُ (فسألها: أين الله) أي أين معبودٍ هو إلهُك منسوب إلى أين أهو من آلهة الأرض أو الذي في السماء أمره وفي الأرض حكمه كما قال تعالى: {وَهْوَ الَّذي في السَّمَاءِ إله وَفي الأرضِ إله} (¬1) وقال عز وجل {وَهوَ الله في السَّماوَاتِ وفي الأرْضِ} (¬2) أولاً سبحانه منزه عن المكان والزمان وسائر حوادث الدوران (قال:) أي النبي صلى الله عليه وسلم: (فمن أنا قالت رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: إنها مؤمنة فأعتقها) أَمْرُ نَدْبٍ (فعتقها) أي كفارة لما صدر عنه. - حديث الركاز وبه (عن عطاء، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ¬

(¬1) الزخرف 84. (¬2) الأنعام 3.

- يقول الإمام أيضا ربنا لك الحمد في رواية

الركاز) بكسر الراء ما ركزه الله تعالى في المعادن، أي أحدثه وهو مبتدأ خبره (الذي ينبت) (¬1) بالنون وفي نسخة بالمثلثة في الأرض احتراز من دفين أهل الجاهلية فإنه قد يطلق عليه أيضاً والحديث بعينه رواه البيهقي، عن أبي هريرة، وفي رواية له: الركاز الذهب والفضة الذي خلق الله في الأرض يوم خلقت، وفي الحديث رواه ابن ماجه عن ابن عباس والطبراني في الكبير عن أبي ثعلبة. وفي الأوسط عن جابر عن ابن مسعود مرفوعاً: في الركاز الخمس. قال صاحب النهاية الركاز عند أهل الحجاز كنوز أهل الجاهلية المدفونة في الأرض وهي عند أهل العراق المعادن، والقولان تحتملهما اللغة، ولأن كلاً منهما مركوز أي ثابت. والحديث إنما جاء في التفسير الأول وإنما فيه الخمس لكثرة نفعه وسهولة مأخذه. - يقول الإمام أيضاً ربنا لك الحمد في رواية (قال ابن السبع) بفتح السين المهملة وضم الموحدة، وقد تسكن (ابن طلحة قال: رأيت أبا حنيفة يسأل عطاء) أي ابن أبي رباح (عن الإمام) أي إمام الجماعة (إذا قال: سمع الله لمن حمده) اللام زائدة والهاء ضمير كما في المستصفى وقيل للسكت، كما في الفوائد الحميدية، والمعنى أجاب، وقيل حمد لمن حمده ¬

(¬1) كتبت في الحديث ينبت وعلى الهامش يثبت.

فهو دعاء لقبول الحمد، واتفقوا أن المؤتَمَّ لا يذكر التسميع (أيقول) أي الإمام أيضاً (ربنا لك الحمد، قال: ماعليه) أي شيء، والمعنى لا بأس أن يقول ذلك ففي شرح الأقطع عن أبي حنيفة: يجمع بينهما الإمام والمأموم، وهو مذهب الشافعي في الأصح واختاره أبو يوسف ومحمد على ما ذكر ابن مالك في شرح المشارق. والمشهور في المذهب أن المفرد يجمع بينهما، وأما الإمام فيكتفي بالتسميع والمأموم بالتحميد. وبه قال الشافعي في قول واختاره بعض أصحابه وهو مذهب مالك وأحمد وأبو حنيفة يدل عليه حديث مسلم إذا قال الإمام سمع الله لمن حمده، فقولوا اللهم ربنا لك الحمد، لأن القسمة ينافي الشركة، كما يشير إليه قوله: (ثم روى) أي عطاء، (عن ابن عمر رضي الله عنه صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي إماماً، (فلما رفع رأسه من الركعة) أي الركوع (قال: سمع الله لمن حمده فقال رجل) أي من المأمومين: (ربنا لك الحمد) ثم زاد عليه (حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، فلما انصرف النبي صلى الله عليه وسلم) أي من صلاته (قال: من ذا المتكلم) أي بهذه الزيادة (قالها) أي هذه المقالة (ثلاث مرات) ولم يعترف به أحد مخافة أن يكون من السيئات ومناكر الحالات، (قال الرجل أنا يا نبي الله قال: فوالذي بعثني) أي أرسلني إلى الخلق (بالحق) أي بالثبات والصدق، (رأيت بضعة) بكسر الموحدة وبفتح أي بضعاً وثلاثين ملكاً يبتدرون) أي يتسارعون ويتبادرون (أيهم) بضم الياء (يكتبها لك وأول) أي وأيّهم أول (من يرفعها

- فضيلة صلاة الفجر والعشاء

لك) لكثرة ثوابها وعظمة حسابها. والحديث رواه أحمد والبخاري والنسائي، وابن حبان عن رفاعة بن رافع ولفظه قال: كنا نصلي يوماً وراء رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رفع رأسه من الركعة قال رجل وراءه: ربنا لك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، فلما انصرف قال من المتكلم آنفاً؟ قال رجل أنا، قال رأيت بضعة وثلاثين ملكاً يبتدرون أيهم يكتبها أولاً. - فضيلة صلاة الفجر والعشاء وبه (عن عطاء، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من شهد الفجر والعشاء في جماعة كانت له براءتان براءة من النفاق وبراءة من الشرك) سبق الكلام على نحوه، وفي الصحيحين: من صلى البردين دخل الجنة يعني: صلاة الغدوة والعشي ولازم أداءها في الوقت المختار لها استحق دخول الجنة دخولاً أولياً إن لم يكن له لائمة مانع يستحق به العقوبة. وخصا بالذكر لكونهما وقت التشاغل والتثاقل والتكاسل، ومن راعاهما راعى غيرها غالباً بالأولى، والله هو المولى.

- ذكر إسناده عن أبي الزبير محمد بن سالم المكي.

- ذكر إسناده عن أبي الزبير محمد بن سالم المكي. -ذكر إسناده عن أبي الزبير محمد بن مسلم المكي مولى حكيم بن حزام في الطبقة الثانية من تابعي مكة، سمع جابر بن عبد الله، وروى عنه جماعة كثيرة، مات سنة خمس وعشرين ومائة. أبو حنيفة أي روى (عن أبي الزبير عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يبولن أحدكم في الماء الدائم" أي الراكد الواقف (ثم يتوضأ منه") الحديث رواه مسلم عن أبي هريرة إلا أنه بلفظ: ثم يغتسل منه بدل أن يتوضأ، وهو إما مرفوع أو مجزوم، وثم ههنا للتراخي في المرتبة، ومعناه: تبعيد الاغتسال ما بال فيه، واعلم أن الماء الكثير مخرج عنه بالإجماع والماء الذي يكون مقدار القلتين تخرج عند الشافعي ومن تبعه، والماء الذي لم يتغير بالنجاسة مخرج عند مالك، ولكل منهم متمسك ليس هذا موضوع بسطه، وعلى كل تقدير فالنهي تحريمي، إن كان ينجس بوله الماء، وإلا فتنزيهي. وبه (عن أبي الزبير، عن جابر بن عبد الله) صحابيان جليلان أنصاريان تقدم ذكرهما (عن النبي صلى الله عليه وسلم أن رجلين اختصما إليه صلى الله عليه وسلم في ناقة) احتضرت بين يديه، (وقد أقام كل واحد منهما) أي بينة (أنها نتجت) بصيغة المجهول أي ولدت (عنده) أي تحت تصرفه، (فقضى بها الذي في يده) أي حال المنازعة.

- لا يكفر مرتكب الكبيرة

- لا يكفر مرتكب الكبيرة وبه (عن أبي الزبير قال: قلت لجابر بن عبد الله: ما كنتم تعدون الذنوب) أي بأي شيء كنتم تحسبون الكبائر من القتل والزنا والسرقة ونحوها (شركاً) أي كفراً، ويحتمل أن يكون ما نافية قيل إستفهام مقدر أو هو الأظهر كما نبه جوابه، (قال: لا) أي ما كنا نعد شيئاً من الذنوب كفراً، وفيه رد على الخوارج وعلى بعض أهل السنة ممن جعل ترك الصلاة كفراً (قال أبو سعيد) أي الخدري (قلت يا رسول الله هل في هذه الأمة) أي جماعة الإجابة (ذنب يبلغ الكفر؟) أي يصل إليه (قال: لا، إلا الشرك بالله) وكان إذا رد بالكفر إنكار الصانع، وبالشرك الإشراك به، والمراد بالشرك الرياء، فإنه الشرك الخفي، وهو قد يبلغ الكفر الجلي. - إن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى في ثوب واحد (عن أبي الزبير، عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى في ثوب واحد) سبق الكلام عليه (متوشحاً به) بكسر الشين، حال من ضمير الفاعل أي متلبساً به ومتعفياً بطرفه. وقد روى عبد الرزاق عن ابن مسعود بن حراش أن عمر بن الخطاب أمَّهم في ثوب واحد متوشحاً به، وروى مسدود عن محمد بن الحنفية أن علياً لا يرى بأساً أن يصلي الرجل في الثوب الواحد، وكان يصلي في الثوب الواحد وقد خالف بين طرفيه.

- نعم الإدام الخل

وروى ابن أبي شيبة عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في ثوب واحد خالف طرفيه، وروى عبد الرزاق، عن جابر بن عبد الله رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في ثوب واحد متوشحاً به، زاد ابن عساكر خلف أبي بكر. وروى ابن أبي شيبة عن عمار قال أمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثوب واحد متوشحاً به. وروى عبد الرزاق وابن أبي شيبة عن عمرو بن أبي سلمة قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في بيت أم سلمة في ثوب واحد متوشحاً واضعاً طرفيه على عاتقيه، وهذا كله دليل لبيان الجواز، وإلا فالأفضل أن يصلي في ثوبين لما تقدم والله أعلم. (فقال بعض القوم لأبي الزبير: أغير المكتوبة) بالنصب أي أصلى متوشحاً بثوب واحد غير الفريضة أم الفريضة؟ (قال: المكتوبة وغير المكتوبة) أي صلى كلاً منهما بهذه الحال. - نعم الإدام الخل وبه (عن أبي الزبير، عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نعم الإدام الخل") ورواه أحمد ومسلم والأربعة، عن جابر ومسلم والترمذي عن عائشة وقد ذكرنا ما له من الفضائل في شرح الشمائل. - طلاق رجعي وبه (عن أبي الزبير، عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لسودة) وهي بنت زمعة

أم المؤمنين أسلمت قديماً وكانت تحت ابن عم لها فلما مات زوجها تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم، ودخل بها في مكة، وذلك بعد موت خديجة قبل أن يعقد على عائشة، وهاجرت إلى المدينة فلما كبرت أراد طلاقها فسألته أن لا يفعل، وجعلت يومها لعائشة وتوفيت بالمدينة في شوال سنة أربع وخمسين، فقوله (حين طلقها) أي أراد طلاقها (اعتدي) أي تهيىء للمفارقة الناشئة عن العدة، ويمكن أن طلقها طلقة رجعية، ثم راجعها تطيباً لخاطرها. وبه (عن أبي الزبير، عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أمرت أن أقاتل الناس" أي الكفار جميعاً "حتى يقولوا لا إله إلا الله") (¬1) أي وأني رسول الله كما في رواية (فإذا قالوها) أي هذه الكلمة بشرائطها (عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها) أي مما يستحقون شيئاً عنهما وفق الشريعة الغراء (وحسابهم على الله تبارك وتعالى)، أي فيما يأتون ويذرون إخلاصاً ونفاقاً ورياء وسمعة. والحديث رواه الشيخان والأربعة، وكاد أن يكون متواتراً، وقد بسطت عليه الكلام المتين في شرح الأربعين. ¬

(¬1) وكاد أن يكون هذا متواتراً

- لا ربا في الحيوانات

- لا ربا في الحيوانات وبه (عن أبي الزبير عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اشترى عبداً بعبدين) يحتمل أن يكون ناجزاً أو نسيئة، فقد روى معمر عن الزهري عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة فقال: سئل ابن المسيب عنه فقال لا ربا في الحيوان. قال شيخ مشايخنا السيوطي في الجامع الكبير، أنبأنا معمر بن عيينة، عن أيوب، عن سعيد ين جبير، عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله، وفي الجامع الصغير له نهى عليه الصلاة والسلام عن بيع الحيوان نسيئة، ورواه أحمد والأربعة أيضاً عن سمرة. وروى مالك والشافعي والحاكم عن سعيد بن المسيب مرسلاً، والبزار عن ابن عمر مرفوعاً: نهى عن بيع اللحم بالحيوان. وفي رواية للحاكم والبيهقي عن سمرة نهى عن بيع الشاة باللحم، وروى عبد الرزاق عن ابن المسيب أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع اللحم بالشاة وهي حية لكن البخاري عن البراء بن عازب وزيد بن أرقم مرفوعاً: "لا تبيعوا الدينار بالدينار ولا الدرهم بالدرهمين ولا الصاع بالصاعين فإني أخاف عليكم الربا"، قيل يا رسول الله أحل بيع الفرس بالأفراس والبختيَّه بالإبل؟ قال: "لا بأس إن كان يداً بيد". وقال ربيعة كل ما تجب فيه الزكاة يحرم فيه الربا فلا يجوز بعير ببعيرين يعني إلا يداً بيد. وقال مالك: لا يجوز بيع الحيوان بحيوان من جنسه مقصدهما أمر واحد ذبح أو غيره.

- النهي عن بيع الثمر حتى يبدو صلاحها

وبه (عن أبي الزبير، عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يرث المسلم النصراني) أي منه، (إلا أن يكون) أي النصراني (عبده) أي عبد المسلم (أو أمته) أي جاريته، فإن مالهما له إذ لا يملكان شيئاً، والعبد وما في يده كان لمولاه، فمعنى لا يرث لا يأخذ بعد الموت إطلاقاً مجازياً، وإلا فالرق مانع من الإرث الحقيقي شرعاً. - النهي عن بيع الثمر حتى يبدو صلاحها وبه (عن أبي الزبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم: نهى أن يشتري ثمرة حتى يسفح) كذا في النسخة، ولم يظهر لي مادته من اللغة، وفي البخاري عن أنس وفي مسند أحمد، عن عائشة بلفظ: "نهى عن بيع الثمرة حتى يبدو صلاحها، وعن بيع النخل حتى تزهو"، وفي رواية مسلم وأبي داود والترمذي عن ابن عمر بيع النخل حتى تزهو، وعن السنبل حتى تبيض ويأمن من العاهة أي الآفة التي تصيبها فتفسدها. وفي رواية الطبراني عن زيد بن ثابت نهى عن بيع الثمار حتى ينجو من العاهة، وفي رواية أحمد وأبي داود عن بيع الثمرة قبل أن تدرك.

- يعرف النبي صلى الله عليه وسلم بريح الطيب

- يعرف النبي صلى الله عليه وسلم بريح الطيب وبه (عن أبي الزبير عن جابر قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يعرف بريح الطيب) أي الخلقي (إذا أقبل بالليل) أو أدبر في زقاق يعرف أنه مر به، وظهور ذلك الطيب بسببه وقد سبق الكلام على هذا الحديث مثله. - من قتل ضفدعاً فعليه شاة وبه (عن أبي الزبير، عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قتل ضفدعاً) وهو كزبرج وجعفر وجندب ودرهم، وهذا أقل أو مردود دابة بحرية وبرية، كذا في القاموس، (فعليه شاة محرماً كان أو حلالاً) والحديث بعينه في كامل ابن عدي في ترجمة عبد الرحمن بن سعد بن عثمان بن سعد القرظي مؤذن النبي صلى الله عليه وسلم عن جابر مرفوعاً، قال سفيان: يقال إنه ليس شيء أكثر ذكر الله منه. وفي كامل ابن عدي في ترجمة حماد بن عبيد أنه روى عن عكرمة، عن ابن عباس أن ضفدعاً ألقت نفسها في النار من مخافة الله تعالى فأثابهن الله تعالى برداً بماء، وجعل يعتقهن من التسبيح، وقال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل الضفدع، وفي مسند أبي داود الطيالسي وسنن أبي داود والنسائي والحاكم، عن عبد الرحمن بن

- الداء والدواء

عثمان التيمي، عن النبي صلى الله عليه وسلم أن طبيباً سأل أن يجعل ضفدعاً في دواء فنهاه صلى الله عليه وسلم عن قتلها فدل أن الضفدع يحرم أكلها وأنها غير داخلة فيما أبيح من دواب الماء. ولعل وجوب الشاة على قاتلها سواء كان محرماً أو حلالاً للزجر عن التعرض لها. وبه (عن أبي الزبير قال قرىء على رسول الله صلى الله عليه وسلم: {وصَدّقَ بِالحُسْنَى} أي في سورة الليل والمعنى بالكلمة الحسنى، (قال) أي فسرها عليه الصلاة والسلام: (بلا إله إلا الله) فاختاره أبو عبد الرحمن السلمي والضحاك، وهي رواية عطية، عن ابن عباس وفسرها مجاهد بالجنة، ولعل قوله عز وجل: {الذين أحسنوا الحسنى} ولا شك ان تفسير الأول هو الأتم والأكمل. - الداء والدواء (أبو حنيفة وقاتل بن سليمان) أي رويا كلاهما (عن أبي الزبير عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لكل داء) أي وجع وألم وبلاء (جعل الله دواء) أي علاجاً وشفاء (فإذا أصاب الداء) بالنصب على أنه مفعول وفاعله (دواؤه برىء بإذن (¬1) الله تعالى) أي شفي وتعافى بأمره وقضائه، وقدرته، فإن الأمر كله بيده خيره وشره ونفعه وضرره وحلوه ومره. ¬

(¬1) إنما أراد هذا القيد لدفع وهم واهم بهم أن الدواء مستقل في الشفاء.

- دخول الحمام بمئزر

ورواه أحمد ومسلم عن جابر مرفوعاً ولفظه: لكل داء دواء فإذا أصيب دواء الداء برىء بإذن الله تعالى. وفي رواية علي عند الحميدي في كتاب المسمى بطب أهل البيت: ما من داء إلا له دواء، فإذا كان كذلك بعث الله عز وجل ملكاً ومعه شر فجعله بين الداء والدواء فكلما شرب المريض من الدواء لم يقع على الداء فإذا أراد الله برءه أمر الملك دفع الشر، فكلما شرب المريض من الدواء لم يقع على الداء، فإذا أراد الله برءه أمر الملك، فرفع الشر، ثم يشرب المريض الدواء فينفعه الله تعالى به. وفي حديث ابن مسعود رَفَعَهُ: "أن الله لم ينزل داء إلا أنزل الله له شفاء علمه من علمه وجهله من جهله" رواه أبو نعيم وغيره، وفي الصحيحين من حديث عطاء، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما أنزل الله داء إلا أنزل الله له شفاء" وأخرجه النسائي وصححه ابن حبان، والحاكم، عن ابن مسعود بلفظ: ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء فتداووا، ولأبي داود عن أبي الدرداء رفعه: أن الله جعل لكل داء دواء فتداووا ولا تداووا بحرام. وعنه البخاري في الأدب المفرد وأحمد وأصحاب السنن، وصححه الترمذي وابن خزيمة والحاكم عن أسامة بن شريك رفعه: تداووا يا عباد الله فإن الله لم يضع داء إلا وضع له شفاء إلا داء واحد وهو الهرم، وفي لفظ إلا السلم وهو بمهملة مخففة الميم أي إلا الموت. - دخول الحمام بمئزر وبه (عن أبي الزبير، عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يحل لرجل

- بيع المزابنة والمحاقلة

يؤمن بالله واليوم الآخر أن يدخل الحمام إلا بمئزر") بكسر الميم وسكون الهمزة يجوز إبداله وبفتح الراء ما يتزر به وهو الإزار الذي يستر العورة، وظاهره الإطلاق سواء بكونه هناك أحد أجنبي أم لا، فإن الله تعالى أحق أن يُسْتَحَى منه، ولأن الحمام مجمع الشياطين، ولا يجوز التكشف عندهم ولذا أورد أنه إذا اضطر إلى كشف عورته يسمي الله تعالى فإنه ستر ما بين أعين الجن، وعورات بني آدم. (ومن لم يستر عورته) وهي من الرجل ما بين سرته وركبتيه (من الناس) أي غير امرأته وأمته (كان في لعنة الله والملائكة والخلق أجمعين) فإنهم كلهم يلعنون العاصي في أمر الدين، وقد روى الترمذي، والحاكم، عن جابر مرفوعاً: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل الحمام بغير إزار، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل حليلته الحمام وفي إطلاق الفرقة الثانية ما لا يخفى من النكتة الباهية في الجملة الناهية. - بيع المزابنة والمحاقلة وبه (عن الزبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن المزابنة) وهي بالزاي وبالموحدة والنون بيع الرطب في رؤوس النخل بالتمر، (وبالمحاقلة) وهي بالحاء المهملة والقاف واللام إكتراء الأرض بالبر، هكذا جاء مفسراً في الحديث، وقيل المزارعة على نصيب معلوم من الثلث، وقيل بيع الطعام في سنبلة بالبر، وقيل

- حديث الطيب

بيع الزرع قبل إدراكه كذا في النهاية والحديث بعينه رواه الشيخان، عن أبي سعيد. وبه (عن أبي الزبير، عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه) أي في حجة الوداع (أن يحلوا) بفتح الياء وكسر الحاء أي يخرجوا من إحرامهم (بالحج ويجعلوا عمرة) والحديث في الصحيحين، عن جابر، وهذا الحكم منسوخ عند الجمهور، وكان مخصوصاً بالصحابة أو في تلك السنة وعند الإمام أحمد حكمه باق والله أعلم. - حديث الطيب وبه (عن أبي الزبير عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه قال: إذا أُتي أحدكم) أي جيء (بطيب) وعرض على أحدكم (فليصب منه) أي من جملته ولا يمتنع عن كرامة له، وقد روى أبو داود عن أبي هريرة مرفوعاً من عرض عليه ريحان، وفي رواية طيب فلا يرده فإنه خفيف المحمل طيب الريح أي خفيف المنة وطيب الريح من الجنة.

- بيع المخابرة

(وبه عن أبي الزبير، عن جابر قال: أكل النبي صلى الله عليه وسلم مرقاً باللحم) أي مخلوطاً به أو حاصلاً به ويشير إلى المعنى قوله: أكل فتأمل، (ثم صلى) أي ولم يتوضأ فدل على أنه ما ورد من قوله عليه الصلاة والسلام توضأ مما مست النار منسوخ، أو محمول على الوضوء العرفي وهو غسل اليد والفم، أو على الشرعي على أن الأمر بالندب فيهما، وهذا الحديث لبيان الجواز في تركهما. وعن جابر في رواية ابن أبي شيبة مرفوعاً: إذا طبختم اللحم فأكثروا المرق فإنه أوسع وأبلغ للجيران ومن كلام بعض الحكماء المرق أحد اللحمين. - بيع المخابرة (وبه عن أبي الزبير عن جابر قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المخابرة) بالخاء المعجمة والباء الموحدة وهي المزارعة على نصيب معين من ثلث، أو ربع، أو خمس ونحوها والحديث بعينه رواه أحمد عن زيد بن ثابت. وبه (عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله الأنصاري، عن النبي صلى الله عليه وسلم: من باع نخلاً مؤبراً) بضم الميم ويجوز إبداله واواً وفتح موحدة مشدداً من التأبير وهو التلقيح (أو عبداً له مال) أي بيده أو على بدنه شيء مما ينتفع به (فالثمرة) أي ثمرة النخل (والمال) أي مال العبد بالإضافة المجازية، إذ لا مال له في الحقيقة الشرعية خلافاً للمالكية (للبائع) أي لبائعها (إلا أن يشترط المشتري) أي أنهما له،

- حديث قدر

وداخلان في شرائه. (وفي رواية: من باع عبداً له مال فالمال للبائع إلا أن يشترط المبتاع) أي المشتري أن المال للمشتري (ومن باع نخلاً موبراً فثمرته للبائع إلا أن يشترط المبتاع) أي المشتري أن ثمرته للمشتري والحديث رواه أحمد والبخاري والأربعة، عن ابن عمر بلفظ: من ابتاع نخلاً بعد أن تؤبر فثمرتها للبائع إلا أن يشترط المبتاع، ومن ابتاع عبداً وله مال فماله للذي باعه إلا أن يشترط المبتاع. - حديث قدر (وبه عن أبي الزبير، عن جابر، أن سراقة) بضم السين ابن مالك وهو ابن جعثم المدلجي الكسَّاني كان قد ينزل قديداً ويعد في أهل المدينة، روى عنه جماعة، مات سنة أربع وعشرين (قال: يا رسول الله حدثنا عن ديننا) أي عن حقيقة أمره من حكم ربنا وقضائه وقدره (وكنا ولدنا له) أي خُلِقْنَا لأجله (العمل لشيء قد جرت به المقادير) أي مضت به تقادير التقادير، (وجفت به الأقلام) أي فرغت من كتابته أقلام الأعلام (أم في شيء نستقبل به العمل) أي من الليالي والأيام (قال: بل في

شيء جرت به المقادير) أي وفق القضاء في التحارير (وجفت (¬1) به الأقلام) أي من كل عمل يصدر من الأنام (قال) أي سراقة (ففيم العمل) أي المطلوب منه شرعاً، مع أنه مخلوق في بني آدم طبعاً، (قال: اعملوا) أي لا بد من ظهور العمل وطي طومار الأمل إلى انتهاء الأجل (فكل ميسر) أي مهيء ومعد معه (لما خلق له) أي من الخير والشر، وما يترتب عليهما من الجنة والنار (ثم قرأ) أي النبي صلى الله عليه وسلم استشهاداً أو اعتضاداً {فأما من أعطى} أي المال لمرضاة الله أو الطاعة لمولاه {واتقى} أي المعاصي وما يتمناه من هوان، {وصدق بالحسنى} أي بكلمة التوحيد وما يتبعها من أمر الحميد، {فسنيسره لليسرى} أي فنسهله للطريق السهل الموصل إلى مقام التأبيد من الجنة المؤبدة، {وأما من بخل} بماله {واستغنى} بجماله، وظن أنه في مقام كماله {وكذب بالحسنى} أي بكلمة الشهادة وأعرض عن موجباتها من آثار السعادة {فسنيسره للعسرى} أي للطريق الصعب في الأخرى، وهي النار الموقدة. والحديث أخرجه أحمد ومسلم، وابن حبان والطبراني، وابن مردويه عن جابر أن سراقة قال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم في أي شيء نعمل ثبتت فيه المقادير وجرت فيه الأقلام أم في شيء نستقبل فيه العمل؟ قال: لا بل في شيء ثبتت فيه المقادير وجرت فيه الأقلام. قال سراقة: ففيم العمل إذاً يا رسول الله؟ قال: اعملوا فكل ميسر لما خلق له وقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية: {فأما من أعطى واتقى} إلى قوله {فسنيسره للعسرى} (¬2). ¬

(¬1) قال في المرقاة جف القلم كناية من جريان القلم بالمقادير وإمضائها والفراغ منها (¬2) الليل 5 - 6.

(وبه عن أبي الزبير عن جابر قال: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي أصحابه (بما أمر به في حجة الوداع) من نسخ الحج بالعمرة وإتيانها في أشهر الحج، دفعاً لما يزعم أهل الجاهلية أن العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور (قال سراقة بن مالك: يا رسول الله أخبرنا عن عمرتنا) أي عن جوازها في أشهر الحج (ألنا) معشر الصحابة (خاصة) في هذه السنة وغيرها أم للأبد فيكون عامة للأمة (قال: هي) أي جوازها (للأبد) أي جوازها أبد الدهر، والحديث في الصحيحين عن جابر.

- ذكر إسناده عن عمرو بن دينار وعن طاوس

- ذكر إسناده عن عمرو بن دينار وعن طاوس -ذكر إسناده عن عمرو بن دينار يكنى أبا يحيى روى عن مسالم بن عبد الله، وغيره، وعنه الحمّادان (¬1) ومعتمر وعدة ضعفوه، وكذا ذكره صاحب المشكاة في أسماء رجاله من التابعين. - حديث شراء الطعام أبو حنيفة أي روى (عن عمرو بن دينار عن طاوس) وهو ابن كيسان الخولاني اليماني الهمداني من أبناء فارس، وروى عن جماعة، وروى عنه الزهري وخلق سواه، قال عمرو بن دينار: ما رأيت أحداً مثل طاوس كان رأساً في العلم والعمل، مات بمكة سنة خمس ومائة. ¬

(¬1) أي حمّاد بن أبي سليمان وحمّاد بن يزيد.

(عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال: من اشترى طعاماً) أي شيئاً من الحبوب التي يجعل منه الطعام وهو ما يؤكل (فلايبعه حتى يستوفيه) أي يقبضه قبضاً وافياً، والحديث رواه أحمد والشيخان والنسائي، وابن ماجه، عن ابن عمرو وأصحاب الست، عن ابن عباس وأحمد ومسلم، عن أبي هريرة ولفظهم: من ابتاع طعاماً فلا يبعه حتى يستوفيه، ورواه مسلم عن جابر ولفظه: إذا بعت طعاماً فلا تبعه حتى تستوفيه. وفي رواية عن عمرو بن دينار عن ابن عباس قال: نهينا عن بيع الطعام حتى نقبض. قال ابن عباس: وأرى كل شيء مثل الطعام لا يجوز بيعه حتى يقبض، وهذا بحسب ما ظهر له من جهة القياس. ويؤيده ما رواه أحمد والنسائي وابن حبان عن حكيم بن حزام بلفظ: إذا اشتريت مبيعاً فلا تبعه حتى تقبضه، لكن قوله مبيعاً ليس نصاً في العموم، وعلى التنزل فهو قابل للتخصيص بما ورد في الأحاديث من التقييد بالطعام، ففي صحة القياس نظر. وقد روى البزار عن أبي هريرة أنه عليه الصلاة والسلام نهى عن بيع الطعام حتى تجري فيه الصاعان فيكون لصاحبه الزيادة، وعليه النقصان، فهذا التعليل يشير إلى أن المراد رفع النزاع وارتفاع الجهالة، نعم يدخل فيه كل مكيل وموزون أجمل في البيع فقيد الطعام إما غالبي أو اتفاقي لأن بيع ما لم يقبض منهي منقولاً كان أو عقاراً عند الشافعي ومحمد، وهو ظاهر رأي ابن عباس ومنهي في المنقول فقط عند أبي حنيفة وأبي يوسف، فقال مالك وأحمد: يجوز فيما سوى الطعام فقيد الطعام احترازي.

- حديث لباس المحرم

- حديث لباس المحرم (وبه عن عمرو بن دينار عن جابر بن زيد، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من يكن له إزار) أي ما يستر عورته من غير المخيط وهو محرم (فليلبس سراويلاً) أي سروالاً إذا لم يكن قابلاً أن يفتق ويجعل إزاراً، (ومن لم يكن له نعال) أي ينعل به في رجليه (فليلبس خفين)، لكن يجب أن يقطعهما من أسفل الكعبين إن أمكن، فقد روى البخاري عن ابن عمر مرفوعاً: من لم يجد نعلين فليلبس خفين وليقطعهما من أسفل الكعبين، ورواه أحمد ومسلم عن جابر ولفظه: من لم يجد نعلين فليلبس خفين، ومن لم يجد إزاراً فليلبس سراويل. وفي رواية عن ابن عباس السراويل لمن لم يجد الإزار والخف لمن لم يجد النعلين وفي رواية أحمد والشيخين وأبي داود والترمذي، وابن ماجه عن ابن عمر: لا يلبس المحرم القميص، ولا العمامة ولا السراويل، ولا الخفين إلا أن لا يجد النعلين فليلبس الخفين، وليقطعهما حتى يكونا من أسفل الكعبين. - حديث السجود -ذكر إسناده عن طاوس رضي الله عنه تقدمت ترجمته وهو يكتب بواو واحد ويقرأ بواوين كداود ومنع صرفه للعلمية والعجمية. (أبو حنيفة) أي روى (عن طاوس، عن ابن عباس، أو غيره من أصحاب

-حديث الفرائض

رسول الله صلى الله عليه وسلم) وهم كلهم عدول فلا يضر جهالة أحد منهم (قال: أُوحي إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن يسجد على سبعة أعظم) وهي: وجهه وكفاه وركبتاه وقدماه. ولعل الراوي سمع من النبي صلى الله عليه وسلم أنه أوصى إليه مضمون هذا الكلام. ورواه الشيخان وأبو داود والنسائي وابن ماجه بلفظ: "أمرت أن أسجد على سبعة أعظم الجبهة واليدين والركبتين وأطراف القدمين". اعلم أن العلماء اتفقوا على أن السجود على سبعة أعظم مشروع، وهي الوجه والركبتان، واليدان، وأطراف أصابع الرجلين، واختلفوا في المفروض من ذلك، فقال أبو حنيفة: الفرض جبهته وأنفه، وفي رواية وأطراف رجله، وقال الشافعي بوجوب الجبهة قولاً واحداً وفي باقي الأعضاء قولان أظهرهما يجب وهو المشهور من مذهب أحمد واختلف الرواية عن مالك واختار ابن القاسم أن الفرض يتعلق بالجبهة. -حديث الفرائض وبه (عن طاوس، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألحقوا) بفتح الهمزة وكسر الحاء أي أوصلوا (الفرائض) التي فرضها الله (بأهلها) من أرباب المواريث وتفصيلها في كتب الفرائض (فما بقي) أي فضل من أرباب الفرائض فرضها (فهو لأولى) أي أقرب (رجل ذكر) أي من العصبات وذكر ذكْر تأكيد واستدراك للإيماء بأن الكبير والصغير سواء، والحديث بعينه رواه أحمد والشيخان والترمذي عن ابن عباس.

- كبراء التابعين

- كبراء التابعين (أبو حمزة الأنصاري) ولعله أبو حمزة السكري سمع أبا حنيفة يقول: إذا جاء الحديث الصحيح الإسناد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذنا، وإذا جاء عن الصحابة تخيرنا ولم نخرج من قولهم وإذا جاء عن التابعين أحسسناهم، زاد غيرهم: فهم رجال ونحن رجال. وقد قال هذا الذي سمعته عن أبي حنيفة، وأحب إليَّ من مائة ألف، (قال سمعت عبد الله بن داود) أي ابن عامر بن الربيع (الجزيني) بضم الجيم وفتح الزاي فتحتية ساكنة فنون فياء نسبة سمع الثوري والأوزاعي وروى عن محمد بن يسار ومحمد ابن المثنى قال عمرو بن علي: سمعت الجزيني يقول: ما كذبت قط إلاَّ مرَّة في صغري قال لي أبي ذهبت إلى الكتاب قال: قلت بلى ولم أكن ذهبت. روى الجماعة: مات سنة ثلاث عشرة ومائتين. (يقول) جملة حالية (قلت لأبي حنيفة من أدركت من الكبراء التابعين) ومن استفهامية ومن بيانية (قال: القاسم) وهو ابن محمد بن أبي بكر الصديق أحد الفقهاء السبعة المشهورين بالمدينة من أكابر التابعين وكان أفضل أهل زمانه وروى عن جماعة من الصحابة منهم عائشة ومعاوية، وعنه خلق كثير، مات إحدى ومائة وله سبعون سنة، (وسالماً) وهو ابن عبد الله بن عمر بن الخطاب القرشي العدوي المدني أحد فقهاء المدينة، عن سادات التابعين وعلمائهم وثقاتهم، مات بالمدينة سنة ست ومائة، (وطاوس) تقدم ذكره، (وعكرمة) يعني مولى عبد الله بن عباس أصله من البربر، وهو أحد فقهاء مكة وتابعيها، سمع ابن عباس وغيره من الصحابة، وروى عنه خلق كثير، مات سنة سبع ومائة، وله ثمانون سنة، (ومكحولاً) وهو ابن عبد الله الشامي من سبى كابل وكان معلماً للأوزاعي. قال الزهري: العلماء أربعة ابن المسيب بالمدينة، والشعبي بالكوفة، والحسن البصري بالبصرة، ومكحول بالشام، ولم يكن في زمان مكحول أبصر بالفتيا منه، وكان لا يفتي حتى يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، هذا رأيي والرأي يخطىء ويصيب، وروى عن جماعة، وعنه خلق

كثير، مات سنة ثمان عشرة ومائة (وعبد الله ابن دينار والحسن البصري)، وهو ابن أبي الحسن أبي سعيد مولى زيد ين ثابت ولد الحسن بسنتين بقيتا من خلافة عمر بالمدينة، وحنكه عمر بيده، وكانت أمه تخدم أم سلمة أم المؤمنين، فربما غابت فتعطيه أم سلمة ثديها تعلله به إلى أن تجيء أمه فيدر عليه ثديها فيشربه وكانوا يقولون: إن الذي بلغه الحسن (¬1) من الحكمة كان من بركته، وقدم البصرة بعد مقتل عثمان ورأى عثمان وقيل إنه لقي علياً بالمدينة، وأما بالبصرة فإن رؤيته إياه لم يصح لأنه كان في وادي القرى متوجهاً نحو البصرة حين قدم علي بن أبي طالب البصرة وروى عن سبعين من الصحابة، وروى عنه خلق كثير من التابعين وهو إمام وقته في كل فن وعلم وزهد وورع وعبادة، مات في رجب سنة عشرة ومائة. (وعمرو بن دينار وأبا الزبير وعطاء) تقدم ذكرهم (وقتادة) أي ابن دعامة السدوسي الأعمر الحافظ قال بكر بن عبد الله المزني: من أراد أن ينظر إلى أحفظ أهل زمانه فلينظر إلى قتادة. ¬

(¬1) أي حكمة هي مقتبسة من مشكاة زجاجة محمدية انتشرت في جملة أولية عامة مرحومة لا سيما في سلسلة عالية عشيقية جشتية فالحق الراجح أنه رضي الله تعالى عنه لقي أمير المؤمنين علياً كرم الله وجهه كما حقق العلامة السيوطي في رسالة من رسائله، مشتاق أحمد حنفي جشتي عفى الله عنه

وقال قتادة ما سمعت أذناي شيئاً قط إلا وعاه قلبي، وقال: لا يقبل قول إلا بعمل، فمن أحسن العمل قبل الله قوله. وروى عن عبد الله بن سرجس، وأنس وخلقاً سواهما، وعنه أيوب وشعبة وأبو عوانة وغيرهم، مات سنة سبع ومائة، (وإبراهيم) أي النخعي (والشعبي)، وأبو عمر وتقدما (ونافعاً) وهو مولى ابن عمر من كبار التابعين، سمع ابن عمر وأبا سعيد روى عنه خلق كثير منهم الزهري، ومالك بن أنس وهو من المشهورين بالحديث، ومن الثقات الذين يؤخذ عنهم ويجمع حديثهم ويعمل به. مات سنة سبع عشرة ومائة (وأمثالهم) أي من التابعين، وأتباعهم كما سيأتي ذكر بعضهم وقد مرّ أن مشايخه رحمه الله بلغوا أربعة آلاف وثلاثمائة لا تعد ولا تحصى والله أعلم.

- ذكر إسناده عن عكرمة ومقسم موليا ابن عباس رضي الله عنهم

- ذكر إسناده عن عكرمة ومقسم موليا ابن عباس رضي الله عنهم وقد سبق ذكره آنفاً؛ أبو حنيفة أي روى (عن عكرمة عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سيد الشهداء) أي بعد الأنبياء أو سيد شهداء أحد (يوم القيامة) أي ظهور سيادته في شهادته وسعادته يوم يقوم الناس لرب العالمين (حمزة بن عبد المطلب) عم رسول الله صلى الله عليه وسلم أخوه من الرضاعة أرضعتهما ثويبة مولاة أبي لهب، وهو أسد الله، أسلم قديماً في السنة الثانية من البعث فأعز الله الإسلام بإسلامه، وشهد بدراً، واستشهد يوم أحد قتله وحشي بن حرب، روى عنه علي والعباس وزيد بن حارثة، (ثم كل رجل) أي بعده كل رجل (دخل إلى إمام) أي فاجراً وجائراً (فأمره) أي بالمعروف (ونهاه) أي عن المنكر. (وفي رواية سيد الشهداء يوم القيامة حمزة بن عبد المطلب، ورجل قام إلى إمام جائر) أي ظالم أو فاسق (فأمره ونهاه) فالحديث رواه الحاكم عن جابر والطبراني،

- السجدة على سبعة أعضاء والنهي عن كف شعر وثوب

عن علي، ولفظه: سيد الشهداء عند الله يوم القيامة حمزة بن عبد المطلب زاد الحاكم وأيضاً عن جابر ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله، وبهذا القدر يتم سعادة سيادة الشهادة. - السجدة على سبعة أعضاء والنهي عن كف شعر وثوب (وبه عن عكرمة عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمرت) أي أمرني ربي لا أمر له غيره (أن أسجد على سبعة أعظم) كما مر (ولا أكفَّ) أي، وأمرت أن لا أمنع (شعراً) أي من إرساله بأن أعقد، (ولا ثوباً) بأن أبعده عن الأرض، وأجمعه من الإنتشار يريد جمع الثوب باليدين عند الركوع والسجود، وكلا الأمرين مكروه، والحديث رواه الشيخان وأبو داود والنسائي وابن ماجه عن ابن عباس بلفظ: أمرت أن أسجد على سبعة أعظم على الجبهة واليدين والركبتين وأطراف القدمين ولا نكفت الثياب ولا الشعر والشعر بفتحتين أفصح من فتح فسكون. - حديث الغنيمة ذكر إسناده عن مِقسَم مولى ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وهو بكسر الأولى وسكون القاف وفتح السين المهملة أبو حنيفة أي روى (عن مقسم، عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقسم شيئاً من غنائم بدر إلا بعد مقدمه المدينة).

- حديث درء الحدود

وفي المواهب للقسطلاني أنه عليه الصلاة والسلام أقبل إلى المدينة ومعه الأسارى من المشركين، واحتمل النفل الذي أصيب منهم، وجعل عليه عبد الله بن كعب من بني مازن، فلما خرج من مضيق الصغر أقسم النفل بين المسلمين على السواء، والنَّفَل بفتح النون والفاء: الغنيمة، ولعل ابن عباس أراد بمقدمة ترجمه (¬1) وقد يعطى لما قارب الشيء حكم دخوله والله سبحانه وتعالى أعلم. - حديث درء الحدود (وبه مقسم عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إدرأوا) أي ادفعوا (الحدود بالشبهات) والحديث رواه ابن عدي عن ابن عباس بلفظ: إدرأوا الحدود بالشبهات، وأقيلوا للكرام عثراتهم إلا في حد من حدود الله تعالى. ورواه الدارقطني والبيهقي عن علي ولفظه: إدرأوا الحدود، ولا ينبغي للإمام تعطيل الحدود. ورواه ابن ماجه عن أبي هريرة مرفوعاً ادفعوا الحدود عن عباد الله ما وجدتم له مدفعاً. ورواه ابن أبي شيبة والترمذي والحاكم والبيهقي عن عائشة إدرأوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم فإن وجدتم مخرجاً فخلوا سبيله فإن الإمام لئن يخطىء في العفو خير من أن يخطىء في العقوبة. ¬

(¬1) أقول: لعل هذا اللفظ توجهه لا ترجمه

- ذكر إسناده عن نافع مولى ابن عمر

- ذكر إسناده عن نافع مولى ابن عمر -ذكر إسناده عن نافع مولى ابن عمر رضي الله تعالى عنه سبق ذكره (أبو حنيفة) أي روى (عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن المجثمة) أي عن أكلها، وهي بضم الميم الأولى، وفتح الجيم وتشديد المثلثة التي تربط ويرمى عليها بالنبل، والحديث رواه الترمذي عن أبي الدرداء بلفظ: نهى عن أكل المجثمة وهي التي تصبر بالنبل، والتفسير يحتمل أن يكون من الصحابي أو من بعده. - حديث عذر المسلم وبه (عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من اعتذر إليه أخوه المسلم) أي من جهة قول، أو فعل صدر عنه وتأذى منه (فلم يقبل منه عذره فوزره) أي فوزر من لم يقبل عذره منه (كوزر صاحب مكس) بفتح ميم وسكون كاف يعني (عشار) تفسير من الراوي وجره على أنه تفسيره صاحب مكس، ويحتمل أن يكون منصوباً أي يريده النبي صلى الله عليه وسلم بصاحب مكس عشار، أو المراد به الظالم في أخذ العشر على طريق العسر. والحديث رواه ابن ماجه وأيضاً عن جودان بلفظ: "من اعتذر إليه أخوه بمعذرة فلم يقبلها كان عليه من خطيئته مثل صاحب مكس".

- حديث فتح الإمام

- حديث فتح الإمام وبه (عن نافع، عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سن في الصلاة) أي شرع في حالها والاشتغال بها (إذا نابهم) أي المصلين من الرجال والنساء (فيه شيء) أي حديث بهم يحتاج إلى تنبه عليه بأن تنبها الإمام فيكون بدلاً من الكلام في ذلك المقام (التسبيح للرجال والتصفيق) وهو ضرب اليد على اليد (للنساء)، لأن صوتهن عورة، وقد رواه أحمد عن جابر مرفوعاً: التسبيح للرجال، والتصفيق للنساء. - حديث قتل المحرم وبه (عن نافع عن ابن عمر، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يقتل المحرم) خبر معناه أمر، ويعرف منه حكم الحلال بالأولى، وظاهره الإطلاق الشامل للحل والحرم (الفأرة) بسكون الهمزة وتبدل ألفاً (والحية والكلب العقور) أي الذي يعض الناس ويؤذيهم (والحدأة) طائر معروف، (والعقرب). والحديث رواه مسلم والنسائي وابن ماجه عن عائشة ولفظها: خمس فواسق

- حديث الغنيمة

يقتلن في الحل والحرم الحية والغراب الأبقع والفأرة والكلب العقور والحدأة. ورواه أبو داود عن أبي هريرة: خمس قتلهن حلال في الحرم الحية والعقرب والحدأة والفأرة والكلب العقور. ورواه أحمد عن ابن عباس: خمس كلهن فيهما فواسقة يقتلن في الحرم الفأرة والعقرب والحية، والكلب العقور والغراب. - حديث الغنيمة وبه (عن نافع عن عمر قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر) أي وقت فتحها (أن يباع الخمس) بضمتين وتسكين الميم (حتى يقسم) قال صاحب الهداية: ولا يقسم غنيمة في دار الحرب حتى تخرج إلى دار الإسلام، وقال الشافعي: لا بأس بذلك إذا انهزم الكفار. وأصله أن الملك للغانمين لا يثبت قبل الإحراز بدار الإسلام عندنا وعنده يثبت بالهزيمة. قال ابن الهمام: وأما الحديث الذي ذكر صاحب الهداية وهو أنه عليه الصلاة والسلام نهى عن بيع الغنيمة في دار الحرب فغريب جداً أي إسناده في مبناه، وأما مقتضاه في معناه فقد يؤخذ من الحديث الذي رواه الإمام والله سبحانه وتعالى أعلم.

- حديث وطء الحامل

- حديث وطء الحامل وبه (عن نافع عن ابن عمر قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن توطأ الحبالى) بفتح أي عن مجامعة الحوامل من الأسارى أو غيرهن (حتى يضعن ما في بطونهن) أي من أولادهن فإن الاستبراء والعدة لا تحصل إلا بوضعهن، وأما أزواجهن فيجوز لهم جماعهن، والنهي لئلا يسقي ماءه زرع غيره. - حديث قراءة السنة وبه (عن نافع عن ابن عمر قال: ومقت النبي صلى الله عليه وسلم) أي نظرت إليه وتفحصت ما لديه (أربعين يوماً أو شهراً) بدل من أربعين، والشك منه، أو من الراوي عنه (فسمعته يقرأ في ركعتي الفجر) أي سنة الصبح بـ {قل هو الله أحد} (¬1) وبـ {قل يا أيها الكافرون}) (¬2) الواو لمطلق الجمع، فلا يفيد الترتيب إذ الثابت في ¬

(¬1) الإخلاص-1. (¬2) الكافرون-1.

- حديث التربع

الأحاديث الواردة أنه عليه الصلاة والسلام كان يقرأ فيهما بعد الفاتحة: {قل يا أيها الكافرون} و {قل هو الله أحد} ومواظبته عليه الصلاة والسلام وقدر هذه المدة من الأيام يدل على استحباب قراءتهما على الدوام، ولعل وجه الاختصاص أنهما سورة الإخلاص وأن الأولى فيها نفي آلهة، والثانية فيها إثبات الله الواحد الأحد الصمد، ويحصل بها التوحيد الذي هو مدار أمر الدين على وجه التأبيد. - حديث التربع وبه (عن نافع، عن ابن عمر أنه سئل كيف كن النساء يصلين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي في زمانه صلى الله عليه وسلم (قال: كن يتربعن) أي في حال قعودهن (ثم أمرن أن يحتفزن) بالحاء المهملة والفاء والزاء، أي يضممن أعضاءهن بأن يتوركن في جلوسهن. وفي الجامع الكبير عن حنظلة قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فرأيته يصلي جالساً متربعاً، رواه أبو نعيم، ولعله كان في النفل، أو لضرورة به أو لبيان الجواز ففي مسند أبي هريرة، عن ابن عباس أنه كان يكره التربع في الصلاة رواه عبد الرزاق. - حديث الأسماء وبه (عن نافع، عن ابن عمر قال: أحب الأسماء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله

- حديث غسل الجمعة

وعبد الرحمن) ونحوهما من عبد الرحيم وعبد الكريم وأمثالهما، رواه مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه، عن ابن عمر مرفوعاً: أحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن. وفي رواية الطبراني أحب الأسماء إلى الله ما تعبد له. - حديث غسل الجمعة (أبو حنيفة والمنصور ومحمد بن بشر كلهم عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الغسل يوم الجمعة على من أتى الجمعة) أي واجب ولازم على من أراد أن يحضر صلاة الجمعة. ورواه أحمد والشيخان وأبو داود عن أبي سعيد ولفظه: الغسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم. ورواه الطبراني وأبو نعيم في الحلية عن ابن مسعود بلفظ: الغسل يوم الجمعة سنة. ورواه الطبراني عن ابن عباس: الغسل واجب على كل مسلم في سبعة أيام شعره وبشره وفي رواية من أتى الجمعة فليغتسل والأمر للاستحباب لما رواه أحمد والثلاثة وابن خزيمة عن سمرة مرفوعاً: "من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت ومن اغتسل فالغسل أفضل".

- صلوا في البيوت

- صلوا في البيوت وبه (عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم صلوا في بيوتكم) أي النوافل (ولا تجعلوها) أي بيوتكم (قبوراً) أي كالقبور خالية من العبادة، ويحتمل أن يكون المعنى لا تجعلوها أي مدافنكم، بل ادفنوا أنفسكم في مقابر المسلمين والحديث بعينه، رواه الترمذي والنسائي عن ابن عمر. ورواه الدارقطني في الأفراد عن أنس وجابر بلفظ: صلوا في بيوتكم، ولا تتركوا النوافل فيها. وفي رواية البخاري عن زيد بن ثابت: صلوا أيها الناس في بيوتكم فإن أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة. - حديث النذر وبه (عن نافع، عن ابن عمر قال: قال عمر بن الخطاب، نذرت أن أعتكف في المسجد الحرام في الجاهلية) أي في زمن أهل الجهل من الكفر والضلالة (فلما أسلمت سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي عن مقتضى نذري (فقال:

- الذنب لا ينسى

أوف بنذرك)، ورواه ابن أبي عاصم في الاعتكاف، عن عمر قال: عليَّ نذر في الجاهلية أن أعتكف عند البيت يوماً فلما وصل رسول الله صلى الله عليه وسلم مقبلاً من الطائف، قلت: يا رسول الله إنه كان علي نذر أن أعتكف عند هذا البيت أفأعتكف؟ قال: نعم اعتكف وأوف بنذرك. وفي رواية لأبي عاصم في الاعتكاف والدارقطني في الأفراد، ولابن ماجه في السنن عن عمر أنه قال النبي صلى الله عليه وسلم يوم الجعرانة أنه أي رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن علي يوماً أعتكفه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إذهب فاعتكف وصمه. - الذنب لا ينسى وبه (عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: البرُّ) أي الإحسان إلى الخلق والطاعة للحق (لا يبلى) أي لا يضيع، (والإثم لا ينسى) والمعنى: أنهما لا بد أن يذكرا في الدنيا والآخرة، ويجازى عليهما بالمثوبة الحسنى، أو بالعقوبة السوء. والحديث رواه عبد الرزاق عن أبي قلابة مرسلاً بلفظ: البر لا يبلى والذنب لا ينسى والديان لا يموت، اعمل ما شئت، كما تدين تدان.

- حديث بيع الغرر

- حديث بيع الغرر وبه عن نافع، عن ابن عمر قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر) بفتح الغين المعجمة والرائين، وهو ما كان له ظاهر بغير المشتري وباطن مجهول يعرفه البائع ويدخل فيه البيوع التي لا يحيط بكنهها المتبايعان من كل مجهول، والحديث بعينه رواه أحمد وأبو داود، عن علي كرم الله وجهه. - اخضبوا بالحناء وبه (عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اخضبوا) أي اصبغوا شعركم (بالحنا، وخالفوا أهل الكتاب) ورواه ابن عدي عن ابن عمر اخضبوا وافرقوا خالفوا اليهود، ورواه أبو يعلى والحاكم في الكنى، عن أنس: اختضبوا بالحنا فإنه طيب الريح يسكن الروع، ورواه البزار وأبو نعيم في الطب، عن أنس اختضبوا بالحناء، فإنه يزيد في شبابكم وجمالكم ونكاحكم. - القدرية مجوس هذه الأمة -وبه (عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: القدرية مجوس هذه الأمة) أي بمنزلتهم في سوء الحال، (وهم شيعة الدجال) أي أشياعه في الكفر وأتباعه في الفجر، ورواه أبو داود والحاكم في مستدركه عن ابن عمر بلفظ: القدرية مجوس هذه الأمة إن مرضوا فلا تعودوهم، وإن ماتوا فلا تشهدوهم.

- حديث حرمة المتعة

وبه (عن نافع، عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يجيء قوم يقولون لا قدر) أي لا قضاء ولا قدر في الأمر من الخير والشر والنفع والضر، (ثم يخرجون منه إلى الزندقة) فيظهرون الشريعة ويبطنون الكفر، وما يكون إليه الوسيلة والذريعة (فإذا لقيتموهم فلا تسلموا عليهم) زجراً لهم عما لديهم، لأنهم في الباطن كفار، وفي الظاهر فجار، (وإن مرضوا فلا تعودوهم) إذ لا ثواب في عيادتهم، (وإن ماتوا فلا تشهدوا جنائزهم) أي فلا تحضروها حيث لم تنفعهم عبادتهم (فإنهم شيعة الدجال) أي له بمنزلة المقدمة، (ومجوس هذه الأمة) لأنهم ينسبون أفعال العباد إليهم ولا يقولون بأن الله قضاها وقدرها وأمضاها عليهم فهم أنجس من المجوس لأنهم قائلون بتعدد الخالق على وجه الكثرة، والمجوس قائلون بالإثنينية، (وحقاً) أي حق حقاً وثبت صدقاً، ووجب عدلاً (على الله) بمقتضى ما قدره وقضاه (أن يلحقهم) أي القدرية (بهم) أي بالمجوس في حكم الدنيا، وعذاب العقبى. - حديث حرمة المتعة وبه (عن نافع عن ابن عمر قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر) أي وقت فتحها وهي بلدة معروفة قريبة من المدينة (عن المتعة) أي متعة النكاح.

- صلاة في الكعبة

والحديث رواه أحمد عن جابر والبخاري، عن علي: نهى عن المتعة وصورتها أن يقول بحضرة الشهود: متعني نفسك بكذا أو بذكر مدة من الزمان وقدراً من المال وقد كانت مباحة في صدر الإسلام، ثم نهى عنها في آخر الأيام، وذلك في حجة الوداع فكان تحريم تأبيد بالإجماع إلا طائفة من الشيعة أصحاب الابتداع. - صلاة في الكعبة وبه (عن نافع عن ابن عمر قال: سألت بلالاً) وهو ابن رباح مولى أبي بكر الصديق أسلم قديماً، وشهد بدراً وما بعدها من المشاهد، وسكن الشام آخراً، ومات سنة عشرين وله ثلاث وستون وكان أمية بن خلف الجمحي يعذبه على الإسلام، وكان من قدرة الله تعالى أن قتله بلال يوم بدر. قال جابر: كان عمر يقول: أبو بكر سيدنا، وأعتق سيدنا يعني بلالاً (أين صلى ركعتين مما يلي العمودين) أي الأسطوانتين اللتين تليان باب الكعبة المسدود والبيت إذ ذاك على ستة أعمدة. وفي رواية ابن عباس أنه عليه الصلاة والسلام دخل الكعبة وكبر في نواحيها الأربعة، ولم يصل فيها، فهو إما معدود على تعدد الدخول أو المثبت مقدم على الثاني، فعن عبد الله بن صفوان قال: قلت لعمر: كيف صنع النبي صلى الله عليه وسلم حين دخل الكعبة قال: صلى ركعتين، رواه أبو داود، وابن سعد، والطحاوي وغيرهم عن أسامة أنه عليه الصلاة والسلام صلى في الكعبة، رواه أحمد، وعن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في البيت ركعتين، رواه ابن البخاري.

- الكافر يأكل في سبعة أمعاء

- الكافر يأكل في سبعة أمعاء وبه (عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الكافر يأكل في سبعة أمعاء والمؤمن يأكل في معىً واحد) بكسر الميم وبفتح وهو منون مقصوراً ومعناه مشهور، والحديث بعينه رواه أحمد والشيخان والترمذي وابن ماجه، عن ابن عمر وهو كناية عن كمال انتفاع الكافر بالدنيا الموجب لحرمانه في العقبى، وإشارة إلى زيادة حرصه، وإلى قناعة المؤمن وزهده. - نهى صلى الله عليه وسلم عن الدِّبَاء وبه (عن نافع عن ابن عمر قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم: نهى عن الدِّبَاء والحنتم) وهي الجرة الخضراء والمراد النهي عن الانتباذ فيهما، وهذا كان في صدر الإسلام، ثم نسخ وأبيح للأنام. ففي حديث مسلم عن بريدة: "كنت نهيتكم عن الأشربة إلا في ظروف الأدم فاشربوا في كل وعاء غير أن لا تشربوا مسكراً". وفي رواية ابن ماجه عن بريدة: كنت نهيتكم عن الأوعية فانبذوا، واجتنبوا كل مسكر.

- حشرات الأرض

وبه (عن نافع عن ابن عمر، قال: ما تركت استلام الحجر) أي الأسود الأسعد (منذ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلمه) وهو يمسه ويقبله. واختلف في استحباب وضع الجبهة عليه، وعن عيسى بن طلحة عن رجل رأى النبي صلى الله عليه وسلم وقف عند الحجر، وقال: إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع فمسه وقبله، ثم حج أبو بكر فوقف عند الحجر، ثم قال: إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولكني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك، ولولا تقبلك ما قبلتك، رواه ابن أبي شيبة والدارقطني في العلل. وعن عباس بن ربيعة قال رأيت عمر أتى الحجر فقال: أما والله إني لأعلم أنك حجر لا تنفع ولا تضر ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قَبَّلك ما قبلتك، ثم دنا فقبل، رواه أحمد والشيخان وغيرهم. - حشرات الأرض وبه (عن نافع عن ابن عمر قال نهينا عن خشاش الأرض) أي عن أكلها وهو بكسر الخاء المعجمة وبمثلث، حشراتها من العصافير وصغار هوامها فيحرم أكلها، ولا يصح بيعها لعدم النفع بها، وبه قال أبوحنيفة، والشافعي، وأحمد، وداود، وقال مالك: حلال لقوله تعالى: {قُلْ لا أَجِدُ فيما أُوحِيَ إِليَّ محَرَّماً على طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إلا أَنْ يكُون ميْتَةً أو دماً مسفوحاً أو لحم خنزير} (¬1) الآية. ¬

(¬1) الأنعام 45.

- حديث الذبح

وقال الشافعي وغيره من العلماء معناه مما كنتم تأكلونه وتستطيبونه، فالحصر (¬1) إضافي، لا حقيقي والله أعلم. - حديث الذبح وبه (عن نافع عن ابن عمر أن كعب بن مالك) الأنصاري الخزرجي شهد العقبة الثانية والمشاهد بعدها غير تبوك وهو أحد الثلاثة الذين خلفوا. روى عنه جماعة مات سنة خمسين وهو ابن سبع وسبعين سنة بعد أن عمي، وكان أحد شعراء النبي صلى الله عليه وسلم (أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إن غُنَيْمَةَ) بالتصغير أي قطيعة من الغنم (كانت بها راعية) أي جارية، أو امرأة ترعاها (فخافت على شاة منها الموت فذبحها بمروة) بفتح الميم وسكون الراء وهي قطعة من حجارة بيض براقة توري النار أو أصلب الحجارة (فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بأكلها) أجمعوا على أن الزَّكاة تصح بكل ما ينحر الدم ويحصل القطع به من سكين وسيف وزجاج وحجر وقصب له حدة يتصنع به كما يتصنع بالسلاح المحدودة، واختلفوا في الزَّكاة بالسن والظفر فقال مالك والشافعي وأحمد: لا يصح الزَّكاة بهما وقال أبو حنيفة: يصح إذا كانا منفصلين. ¬

(¬1) فالحصر إضافي لا حقيقي في قوله تعالى: {قل لا أجد فيما أوحي إليَّ محرَّماًعلى طاعمٍ} الآية.

- حرمة الحمر الأهلية

- حرمة الحمر الأهلية وبه (عن نافع عن ابن عمر قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عام غزوة خيبر عن لحوم الحمر الأهلية) أي الإنسية، احتراز عن الوحشية (وعن متعة النساء،) والإضافة لإخراج متعة الحج فإن جوازها ثابت عند العلماء، وأما لحوم الحمر الأهلية فحرام عند أكثر أهل العلم. وادعى ابن عبد البر الإجماع الآن على تحريمها. - النسخ مرتان وفي الحديث المتفق عليه، عن جابر وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن لحوم الحمر الأهلية، وأفاد الحافظ عبد العظيم المنذري أن تحريم الحمر الأهلية نسخ مرتين، ونسخت القبلة مرتين ونسخ نكاح المتعة مرتين. - حديث زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم وبه (عن نافع عن ابن عمر قال من السنة (¬1)) أي سنة الصحابة ومن تبعهم من ¬

(¬1) قال الفاضل اللهنوي في شرح الموطأ: إن العلماء اتفقوا على أن زيارة قبره صلى الله عليه وسلم من أعظم القربات وأفضل المشروعات ومن نازع في مشروعيته فقد ضل وأضل فقيل إنه سنة، وقيل إنه واجب وقيل قريب من الواجب بحديث (من حج ولم يزرني فقد جفاني) وبالأحاديث الأخر المروية في الطبراني والدارقطني وابن عدي وغيرهما، وقد أخطأ ابن تيمية حيث ظن أن الأحاديث الواردة في هذا الباب كلها ضعيفة بل موضوعة. انتهى ملخصاً.

الأمة (أن تأتي) أيها المخاطب قبر النبي صلى الله عليه وسلم من قبل القبلة وتجعل ظهرك إلى القبلة وتستقبل القبر بوجهك) هذا تأكيد لما قبله، (ثم تقول: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته) وهذا أخص ما يكون من آداب الزيارة، وأما تفصيلها فمذكور في المناسك، ومسطور في باب الزيارة منفرداً أيضاً.

- ذكر إسناده عن سالم بن عبد الله بن عمر (رضي الله عنه) وعن سليمان وعطاء ابنا يسار

- ذكر إسناده عن سالم بن عبد الله بن عمر (رضي الله عنه) وعن سليمان وعطاء ابنا يسار ذكر إسناده عن سالم بن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما وقد سبق ترجمة سالم (أبو حنيفة عن سالم عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: لعن القدرية) أي جاحدي القدر ومنكري قضائه خالق القوى والقدر، (قال) أي النبي صلى الله عليه وسلم: (ما من نبي بعث الله تعالى قبلي إلا أحذر أمته منهم) أي من سوء عقيدتهم وفساد طينتهم، أي خصلتهم: ولعنهم أي دعا عليهم بالطرد من رحمة الله تعالى، والبعد عنه. وقد روى الدارقطني في العلل عن عليّ كرَّم الله وجهه مرفوعاً: لعنت القدرية على لسان سبعين نبياً. ذكر إسناده عن سليمان بن يسار وهو مولى ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم من أهل المدينة وكبار التابعين وكان فقيهاً فاضلاً ثقة عابداً زاهداً ورعاً حجة، وهو أحد الفقهاء السبعة، مات سنة سبع ومائة، وهو ابن ثلاث وسبعين سنة. - تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم أم سلمة في شوال أبو حنيفة، (عن سليمان بن يسار، عن أم سلمة)، وهي أم المؤمنين هندة

ذكر إسناده عن عطاء بن يسار

بنت أبي أمية، وكانت قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت أبي سلمة فلما مات أبو سلمة سنة أربع تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليال بقين من شوال من السنة التي مات فيها أبو سلمة، ماتت سنة تسع وخمسين ودفنت بالبقيع، وكان عمرها أربعاً وثمانين. روى عنها ابن عباس وعائشة وزينب بنتها وابن المسيب وخلق سواهم كثير من الصحابة والتابعين قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج) أي من بيته (إلى الفجر) أي إلى صلاة الصبح في مسجد مدينة (ورأسه يقطر) أي ينقطر من جماع بإحدى النساء (بغير احتلام) بدل عما قبله، (ويظل) أي ويصير ذلك (النهار صائماً) أي الفرض والنفل وقد سبق بعض الكلام عليه (وبإسناده) أي المذكور عنها: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يقبل النساء في رمضان) أي فضلاً عن غيره من الزمان، فدل على تقبيل الصائم إذا أمن على نفسه من الإنزال أو الجماع وإلا فيكره بالإجماع. والحديث له أصل ثابت، فقد روى أحمد والستة عن عائشة أنه عليه الصلاة والسلام كان يقبل وهو صائم وما يجدد وضوءه، فدل على أن مس المرأة مما لا ينقض الوضوء، ودعوى الاختصاص يحتاج إلى مخصص. والحديث له أصل ثابت صحيح، فقد روى أحمد وأبو داود والنسائي، عن عائشة أنه عليه الصلاة والسلام كان يقبل بعض أزواجه ثم يصلي ولا يتوضأ. ذكر إسناده عن عطاء بن يسار - وهو أخو سليمان بن يسار .. ومولى ميمونة من التابعين المشهور بالمدينة، كان كثير الرواية عن ابن عباس، مات سنة سبع وتسعين، وله أربع وثمانين.

- بيع الولاء

- بيع الولاء أبو حنيفة (عن عطاء بن يسار عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه: نهى عن بيع الولاء) بفتح الواو ممدوداً أي ولاء العتاقة وهبته، والحديث رواية أحمد والستة، عن ابن عمر بلفظ: نهى عن بيع الولاء وعن هبته، والمعنى أن الولاء لمن أعتق كما رواه أحمد والطبراني، عن ابن عباس مرفوعاً، فلا يجوز له أن يعطيه غيره لا بعوض ولا مجاناً. - فضيلة وصل صفوف الصلاة وبه (عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري) بضم الخاء المعجمة وسكون الدال المهملة، وهو سعد بن مالك الأنصاري كان من الحفاظ المكثرين والعلماء المعتبرين. روى عن جماعة الصحابة والتابعين، مات سنة أربع وثمانين ودفن بالبقيع (قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله وملائكته يصلون)، بتشديد اللام أي يثنون (على الذين يصلون) بفتح الياء وكسر الصاد وتخفيف اللام (الصفوف) بأن يراعوها ولا يقطعوها. وقد رواه أحمد وابن ماجه، وابن حبان، والحاكم عن عائشة، وزادت: ومن سد فُرجة رفعه الله بها درجة. وقد روى النسائي والحاكم عن ابن عمر مرفوعاً: من وصل صفاً وصله الله، ومن قطع صفاً قطعه الله.

- ذكر إسناده عن الزهري وعن أبي جعفر محمد بن الحسين بن علي بن أبي طالب (رضي الله عنه)

- ذكر إسناده عن الزهري وعن أبي جعفر محمد بن الحسين بن علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) -ذكر إسناده عن الزهري بضم الزاي منسوب إلى زهرة بن كلاب وهو محمد بن مسلم بن عبد الله بن شهاب أحد الفقهاء المحدثين والعلماء الأعلام التابعين بالمدينة، المشار إليه في فنون علوم الشريعة سمع نفراً من الصحابة، روى عنه خلق كثير منهم قتادة ومالك بن أنس، مات في شهر رمضان سنة أربع وعشرين ومائة. أبو حنيفة (عن الزهري عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم احتجم وهو صائم)، جملة حالية (في رواية قال أبو حنيفة أخبرني ابن شهاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم احتجم وهو صائم ولم يذكر أنساً). فالحديث مرسل لكنه حجة عند الجمهور، ومنهم أبو حنيفة خلافاً للشافعي، ثم يجوز للصائم فرضاً أو نفلاً أن يحتجم، خلافاً لأحمد، واستدل بقوله عليه الصلاة والسلام: "أفطَر الحاجم والمحجوم" رواه أحمد وأبو داود والنسائي، وابن ماجه، والحاكم وابن حبان، عن ثوبان. وأوَّله الجمهور بأن معناه تعرضاً للإفطار. وقيل جاز لهما أن يفطرا، وقيل: وهو على صحة التغليظ لهما فالدعاء عليهما. وبه (عن الزهري، عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم: نهى عن المتعة) أي متعة النساء، وقد تقدم ..

- حديث تعمد الكذب

- حديث تعمد الكذب وبه (عن الزهري عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من كذب عليّ) أي افترى بنسبة قول، أو فعل أي (متعمداً) أي لا سهواً وخطأ منه (فليتبوأ مقعده) أي فليتهيّأ مجلسه (من النار) أي في دار البوار. (ورواه أبو حنيفة) أي هذا الحديث أيضاً (عن يحيى بن سعيد) وهو الأنصاري المدني سمع أنس بن مالك، والسائب بن يزيد وخلقاً سواهما. ورواه هشام بن عروة ومالك بن أنس وشعبة والثوري وابن عُيَيْنة وابن المبارك وغيرهم، مات سنة ثلاث وأربعين ومائة، عن أنس. والحديث رواه العشرة المبشرة، وسبعون من الصحابة المعتبرة، وقد عُد من الأحاديث المتواترة. فقد روى أحمد والشيخان والترمذي والنسائي، وابن ماجه، عن أنس وأحمد والبخاري، وأبو داود والنسائي وابن ماجه، عن الزبير، والترمذي عن علي، وجماعة آخرين عن طائفة من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين. - إذا أقيمت الصلاة وحضر العشاء فابدأوا بالعشاء وبه (عن الزهري عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا نودي بالعشاء) بكسر العين أي بصلاة العشاء (وأذن المؤذن) إلى دخول الوقت فهو تأكيد

- حديث الدية

لما قبله، والمراد به الأذان الثاني بالإقامة ففيه إفادة المبالغة (فابدأوا بالعشاء) بفتح العين وهو ما يؤكل في العشية وهي آخر النهار ضد الغداء، وهو ما يؤكل في صدر النهار. والحديث مشهور بلفظ: إذا أقيمت الصلاة وحضر العشاء فابدأوا بالعشاء، ورواه أحمد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي، وابن ماجه، عن أنس والشيخان، عن ابن عمر، والبخاري وابن ماجه عن عائشة، والحكمة في ذلك أن لا يكون الخاطر مشغولاً به فالأكل المخلوط بالصلاة خير من الصلاة المخلوطة بالأكل، وهذا إذا كان الوقت واسعاً ويكون التوجه إلى الأكل شاغلاً. - حديث الدِّيَّة وبه (عن الزهري، عن سعيد بن المسيب) ولد لسنتين مضيتا من خلافة عمر، كان سيد التابعين وأفضلهم، جمع بين الفقه والحديث والزهد والعبادة، روى عنه جماعة كثيرة من الصحابة، وروى عنه الزهري، وكثير من التابعين حجة، ومات سنة ثلاث وتسعين (عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: دية اليهودي والنصراني مثل دية المسلم) ورواه الطبراني في الأوسط، عن ابن عمر ولفظه: دية الذمي دية المسلم، لكنه معارض بما رواه أبو داود عن ابن عمر وبسند ضعيف بلفظ: دية المعاهد نصف دية الحر. وفي رواية الترمذي عنه بلفظ: دية عقل الكافر نصف دية المسلم. واتفق العلماء على أن الدية للمسلم الحر مائة من الإبل في مال القاتل المعاهد إذا عدل إلى الدية.

- الصلاة في ثوب واحد

ثم اختلفوا هل هي حالَّة أو مؤجلة فقال مالك والشافعي وأحمد: هي حالَّة. وقال أبو حنيفة: هي مؤجلة في ثلاث سنين. واختلفوا في دية الكتابي اليهودي والنصراني فقال أبو حنيفة: ديته كدية المسلم في العمد والخطأ سواء من غير فرق، وقال أحمد: إن كان اليهودي أو النصراني عهد وقتله مسلم عمداً فديته كدية المسلم وإن قتله خطأ فروايتان إحداهما نصف دية المسلم، واختارها الخرقي، والثاني ثلث دية المسلم، فظاهر القرآن موافق أبا حنيفة حيث لم يفرق بين دية العمد والخطأ في المسلم والكافر والله أعلم بالسرائر. - الصلاة في ثوب واحد أبو قرة بضم القاف وتشديد الراء وهو مبتدأ خبره قال والجملة مقول أبي حنيفة رحمه الله، وأما مقول أبي قرة فقوله: (ذكر ابن جريج) بجيمين مصغراً، واسمه عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي الفقيه أحد الأعلام، روى عن مجاهد وابن أبي مليكة، وعطاء، وعنه جماعة قال ابن عيينة: سمعته يقول: ما دَوَّنَ العلم تدوين أحد مات سنة خمس ومائة. (عن الزهري، عن أبي سلمة) اسمه كنيته، وهو كثير الحديث سمع ابن عباس، وأبا هريرة، وابن عمر، وغيرهم. وقد روى عن عمر، عن عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف الزهري القرشي أحد الفقهاء السبعة المشهورين بالفقه في قول، ومن مشاهير التابعين وأعلامهم،

- حديث متعة النساء

روى عنه الزهري والشعبي، وغيرهما، مات سنة سبع وتسعين وله اثنتان وسبعون سنة. (عن عبد الرحمن) يحتمل أن يكون المراد ابن عوف، ولا يبعد أن يروي عن أبي هريرة، ويحتمل أنه أراد به أحداً من التابعين المسمى بعبد الرحمن، وهم جماعة كثيرة، ويحتمل أن يكون العاطف ساقطاً من النسخة بأن يروي عنهما (أن رجلاً قال: يا رسول الله يصلي) أي يصلي الرجل (في الثوب الواحد) بأن يكتفي بالإزار ويتوشح به (فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أولكلكم ثوبان) أي أو حاصل لكل منكم إزار ورداء حتى يقول لا يصلي إلا في ثوبين يجوز أن يصلي في ثوب واحد، وليس عليكم في الدين من حرج. (قال أبو قرة: فسمعت أبا حنيفة يذكر عن الزهري، عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم في الثوب الواحد: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ليس لكلكم يجد ثوبين) أي فلا حرج عليكم أن تصلوا في ثوب واحد، والتقييد في الحديث الأول بالرجل احتراز عن المرأة، فإن الثوب الواحد لا يكفي لصلاتها، إلا إذا التفَّت به في جميع أعضائها. - حديث متعة النساء وبه (عن الزهري، عن رجل من آل سبرة أن النبي صلى الله عليه وسلم: نهى عن متعة النساء

- صلاة الليل

يوم فتح مكة وفي رواية عام الفتح)، ومؤداهما واحد، وفيه تنبيه على أن النهي واقع آخر فيكون نسخاً لما سبق من كونه مباحاً. - صلاة الليل ذكر إسناده عن أبي جعفر محمد بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهو معروف بالباقر، سمع أباه زين العابدين، وجابر بن عبد الله، وروى عنه ابنه جعفر الصادق، وغيره ولد سنة ست وخمسين ومات بالمدينة سنة سبع عشرة ومائة، وهو ابن ثلاث وستين سنة، ودفن بالبقيع في قبة العباس مع جميع من أهل البيت وسمى الباقر لانه يتبقر في العلم أي توسع وتنجز. (أبو حنيفة عن أبي جعفر أن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم) أي التهجد (بالليل) أي في آخره (كانت) أي عدوها غالباً (ثلاث عشرة ركعة ثلاث ركعات الوتر) أي بسلام واحد على ما هو الأكثر، (وركعتا الفجر) وعدهما من صلاة الليل لقربهما منه، وفيه تنبيه على اتصالهما بصلاة الليل بصلاته صلى الله عليه وسلم، والحديث رواه الشيخان وأبو داود عن عائشة ولفظهما: كان صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة منها الوتر، وركعتا الفجر.

- ذكر إسناده عن محمد بن المنكدر

- ذكر إسناده عن محمد بن المنكدر ذكر إسناده عن محمد بن المنكدر رضي الله عنه وهو التيمي سمع جابر بن عبد الله، وأنس بن مالك، وابن الزبير وعمه ربيعة، روى عنه الثوري ومالك وغيرهما وله ست وسبعون سنة وهو تابعي كبير شهير جمع بين العلم والزهد والعبادة والدين المتين، والصدق واليقين. - صيد محرم أبو حنيفة (عن محمد بن المنكدر، عن عثمان بن محمد عن طلحة بن عبيد الله) من العشرة المبشرة، المسلم قديماً وشهد المشاهد كلها غير بدر عن عذر، ووقى النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد بيده فشلت إصبعه وجرح يومئذ أربعة وعشرين جراحة قتل في وقعة الجمل سنة ست وثلاثين ودفن بالبصرة (قال: تذاكرنا) أي نحن معشر الصحابة (لحم صيد يصيده الحلال) أي لنفسه، أو لغيره ولو كان محرماً (فيأكله المحرم) أي ونازعنا في جوار أكله منه، (ورسول الله صلى الله عليه وسلم نائم) أي مستغرق في النوم حتى ارتفعت أصواتنا أي حين اختلف جدالنا (فاستيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي استنبه (قال: فيم) أي في أيّ شيء (تتنازعون) أي تتباحثون؟. (فقلنا: في لحم صيد يصيده الحلال فيأكله الحرم قال: فأمرنا بأكله) أي جوز لنا أكله، وهذا مقيد عندنا بما لم يدله المحرم، ولا أمره بقتله ولا ساعده في أخذه لما في أبي داود والترمذي والنسائي، عن جابر مرفوعاً: لحم الصيد حلال

لكم وأنتم حرم ما لم تصيدوا أو يصاد لكم، هكذا بالألف في يصاد فالعطف بحسب المعنى، والتقدير أو ما يصاد لكم أي لأجل أمركم سيجيء تحقيقه. والحديث الأول أخرجه محمد في الآثار عن أبي حنيفة بسنده المذكور وأخرجه أبو نعيم عن محمد بن المنكدر قال حدثنا شيخ لنا عن طلحة بن عبيد الله قال: سألنا النبي صلى الله عليه وسلم عن لحم صيد صاده حلال لا يأكله المحرم قال: لا بأس به، أو قال نعم وزاده مسلم وابن جرير، وأبو نعيم، عن عبد الرحمن بن عثمان التيمي عن أبيه قال: كنا مع طلحة بن عبيد الله، ونحن محرم، فأهدي لنا لحم صيد، وهو راقد فمنا من أكل ومنا من تورع فاستيقظ طلحة فوافق من أكله، وقال أكلناه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. وبه (عن محمد بن المنكدر، عن أبي قتادة) وهو الحارث بن ربعي الأنصاري فارس رسول الله صلى الله عليه وسلم، مات بالمدينة سنة أربع وخمسين وهو ابن سبعين، (قال خرجت في رهط) أي جماعة دون العشرة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ليس في القوم حلال غيري بل كلهم محرمون (فنظرت نعامة) أي رأيت نعامة بفتح النون حيوان معروف يحل أكله إجماعاً (فسرت إلى فرسي) أي متوجهاً إليها (فركبتها وعجلتها عن سوطي) أي فلم آخذه من العجلة (فقلت لهم: ناولونيه) أي أعطوني سوطي بيدي (فأبوا) أي امتنعوا عن المناولة، فإنه يحرم على المحرم المساعدة في أخذ الصيد، وكذا الإشارة والدلالة، (فنزلت عنها) أي عن فرسي (فأخذت سوطي،

فطلبت النعامة) أي تَتَبَّعْتُهَا المعنى، (فأخذت منها لحماً، فأكلت وأكلوا). والحاصل أنه يحل للمحرم أكل ما صاده حلال، أو ذبحه من غير أمر محرم به ومساعدته، ولو بدلالته وإشارته وقال مالك والشافعي: إذا صاد حلال صيداً لأجل محرم لا يحل لمحرم أكله لظاهر حديث جابر المتقدم، وأجاب الطحاوي في حديث جابر بأن معناه أو يصيد لكم بأمركم توفيقه بين الأحاديث. قال ابن الهمام: فإن الغالب في عمل الإنسان لغيره أن يكون بطلب منه فليكن محتملة، وهذا دفعاً للمعارضة إلا أن الأولى أن يستدل على أصل المطلوبة بحديث أبي قتادة على وجه المعارضة على ما في الصحيحين، فإنهم لما سألوه عليه الصلاة والسلام لم يجب بحاله حتى سألهم عن موانع الحال أكانت موجودة أم لا فقال صلى الله عليه وسلم: "أمنكم أحد أمره أن يحمل عليها أو أشار إليها قالوا: لا قال: فكلوا إذاً، فلو كان من الموانع أن يصاد لهم لنظم في سلك ما يسأل عنه منها في التفحُّص عن الموانع ليجيب بالحكم عند خلوه عنها" وهنا المعنى، فسرت إلى فرسي أي متوجهاً إليها فركبتها أو عجلت عن سوطي أي فلم آخذه من العجلة، فقلت لهم: ناولونيه أي أعطوني سوطي بيدي أي كالتصريح في نفي كون الاصطياد لهم مانع، فيعارض حديث جابر، ومقدم عليه ومقدر بما يؤول إليه لقوة ثبوته إذ هو في الصحيحين وغيرهما من الكتب الستة بخلاف ذلك، بل قيل في حديث جابر: لحم الصيد إلى آخره انقطاع، وكذا في رجاله من فيه لين. هذا ويعارض الكل حديث الصعب بن جسَّامة في مسلم أنه أهدي إلى النبي صلى الله عليه وسلم لحم حمار فرده عليه، فلما رأى ما في وجهه قال: إنا لم نرده إليك إلا أنا محرم فإنه يقتضي حرمة أكل المحرم لحم الصيد مطلقاً سواء صيد له أو بأمره أو لا وهو مذهب نقل عن جماعة من السلف منهم علي كرم الله وجهه، ومذهبنا مذهب عمر وأبي هريرة وطلحة بن عبيد الله وعائشة أخرج عنهم ذلك الطحاوي.

- صلاة المريض

- صلاة المريض محمد بن بكير بالتصغير (قاضي الدامغان بخراسان قال: كتبت إلى أبي حنيفة) أي سؤالاً (في المريض) في حقه (إذا ذهب عقله) أي بالإغماء في مرضه (كيف يعمل به وقت الصلاة) أي في أوقاتها (فكتب إلي يخبرني) أي يحدثني. (عن محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد الله قال: مرضت فأعادني النبي صلى الله عليه وسلم) إذ في العيادة زيادة على العبادة (ومعه أبو بكر وعمر) في مقام الاستقامة، (وقد أغمي علي في مرضي وجاءت الصلاة) أي دخل وقتها (فتوضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم وصبَّ عليّ) أي على وجهي (من وضوئه) بفتح الواو أي ماء وضوئه (فقال: كيف أنت يا جابر ثم قال: صلِ ما استطعت) أي قائماً، أو قاعداً (ولو أن تومىء) أو تشير بالركوع والسجود. - أنت ومالك لأبيك وبه (عن محمد بن المنكدر عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنت ومالك

- فقال: إني لست أصافح النساء

لوالدك) بضم اللام وهو الرواية وهو أخص منه إذا كان بفتح اللام. والحديث بعينه رواه ابن ماجه، عن جابر والطبراني، عن سمرة وابن مسعود، ورواه أبو داود، وابن ماجه من حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه عن جده أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن لي مالاً ووالداً، وإن والدي يحتاج إلى مالي: فقال "أنت ومالك"، لوالدك، إن أولادكم من كسبكم فكلوا من كسب أولادكم. رواه أبو داود والترمذي. وقال حسن عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه وولده من كسبه". وفيه تنبيه على أن الأب يأخذ من مال ابنه نفقته بلا رضاء لصيانة نفسه. - فقال: إني لست أصافح النساء وبه (عن محمد بن المنكدر عن أميمة) بمضمومة الهمزة وفتح ميمين وسكون تحتية بينهما، أخت خديجة بنت رقيقة بضم الراء وفتح قافين بينهما تحتية ساكنة، (قالت: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم لأبايعه فقال إني لست أصافح النساء) أي الأجنبيات. وروى أحمد، عن ابن عمر أنه عليه الصلاة والسلام كان لا يصافح النساء في البيعة أي في بيعة النساء التي يتضمنها قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبيُّ إذا جَاءَكَ

-الجار أحق بالشفعة

المُؤمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ على أَنْ لا يُشْرِكْنَ بالله شيئاً ولاَ يَسْرِقْنَ ولاَ يَزنِينَ ولا يَقْتُلن أَوْلاَدَهُنَّ وَلاَ يَأتِينَ بِبُهتَانٍ يَفتَرينَهُ بَينَ أَيْدِيِهنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلاَ يَعصِينَكَ في مَعْرُوفٍ فَبَايعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ الله إنَّ الله غَفُورٌ رَحِيم} (¬1) وفي صحيح البخاري عن عائشة قالت، كان النبي صلى الله عليه وسلم يبايع النساء بالكلام بهذه الآية {لا يشركن بالله شيئاً} قالت وما مست يد رسول الله صلى الله عليه وسلم يد امرأة إلا امرأة يملكها. -الجار أحق بالشفعة (أبو محمد) أي قال: (كتب إليَّ ابن سعيد بن جعفر، عن سليمان بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الجارُ أحق بشفعته) رواه الطبراني عن سمرة بلفظ: جار الدار أحق بالشفعة، وفي رواية النسائي وأبي يعلى وابن حبان عن أنس، وأحمد وأبو داود والترمذي عن سمرة، ولفظه: جار الدار أحق بشفعته. واعلم أن الشفعة تثبت للشريك في الملك باتفاق الأئمة، ولا شفعة للجار عند مالك والشافعي وأحمد. وقال أبو حنيفة: تجب الشفعة بالجوار، ثم الشفعة عند أبي حنيفة على الفور، فمن أخر المطالبة مع الإمكان سقط حقه كخيار الرد، وتفصيل هذه المسألة في كتب الفقه. ¬

(¬1) الممتحنة 12.

- صلاة السفر

- صلاة السفر أبو حنيفة (عن محمد بن المنكدر، عن أنس بن مالك قال: صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر أربعاً) أي بالمدينة، قبل الخروج للسفر عن عمرانها (والعصر بذي الحليفة ركعتين) لأنهم كانوا مسافرين. (عن محمد بن المنكدر عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من يأتينا بالخبر) أي بخبر بني قريظة كما في رواية (ليلة الأحزاب) أي في غزوة الأحزاب أي في غزوة الخندق، (فينطلق الزبير فيأتيه بالخبر كان) أي ما ذكر من الانطلاق، والإتيان (ثلاث مرات، فقال) أي النبي صلى الله عليه وسلم: (لكل نبي) كعيسى عليه السلام وغيره (حواريّ) بتشديد التحتية مضمومة ويجوز تخفيفها أي صاحب خلص (وحواريي الزبير) ورواه ابن عساكر عن عبد الله بن الزبير أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم الخندق: "من رجل يذهب فيأتيني بخبر القوم" فركب الزبير فجاء بخبرهم من بين الناس كلهم فعل مرتين أو ثلاثاً، فلما ركب الزبير في آخر مرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لكل نبي حواري، وحواريي الزبير، وابن عمتي رواه ابن أبي شيبة نحوه.

- ذكر إسناده عن يحيى بن سعيد القطان

وبه (عن محمد بن المنكدر عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يتم) بضم تحتية وسكون فوقية (بعد الحلم) بضمتين أي بعد البلوغ، ورواه أبو داود عن علي رضي الله عنه لا يتم بعد الاحتلام، ولا ضحاة يوم إلى الليل وهو مستفاد من قوله تعالى: {وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح} (¬1) الآية. وبه (عن محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد الله أن عائشة زوجت يتيمة كانت عندها فجهزها رسول الله صلى الله عليه وسلم من عنده). - ذكر إسناده عن يحيى بن سعيد القطان -ذكر إسناده عن يحيى بن سعيد القطان بفتح القاف وتشديد، الظاهر أنه الأنصاري المدني سمع أنساً، والثابت بن يزيد وخلقاً سواهما، رواه عنه هشام بن عروة ومالك بن أنس، والشعبة، والثوري، وابن عيينة، وابن المبارك وغيرهم، مات سنة ثلاث وأربعين ومائة، كان إماماً في الحديث والفقه عالماً ورعاً صالحاً زاهداً. - غسل الجمعة أبو حنيفة، (عن يحيى عن عمرة) وهي بنت رواحة الأنصارية لها صحبة وهي أم النعمان بن بشير رواه عنها زوجها وابنها، (عن عائشة قالت: كانوا) أي الصحابة من الأنصار وغيرهم (يروحون إلى الجمعة) بضم الجيم والميم، وقد تسكَّن أي إلى صلاتها، (وقد عرقوا) بكسر الراء والجملة حالية (وتلطخوا بالطين) لأنهم أصحاب زراعة وأرباب عمارة (فقيل لهم) أي فقال لهم رسول ¬

(¬1) النساء 6.

- حديث بشارة خديجة رضي الله عنها

الله صلى الله عليه وسلم: (من راح إلى الجمعة) أي من أراد الروح إلى صلاة الجمعة على وجه الفلاح وطريق النجاح (فليغتسل) أمر استحباب وقيل إيجاب. (وفي رواية كان الناس) أي الأنصار (عمار أرضهم) بضم العين وتشديد الميم أي عامريها بالزراعة ونحوها (كانوا يروحون) أي إلى الجمعة (يخالطهم العرق والتراب) حال أو استئناف (فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا حضرتم الجمعة) أي أردتم حضورها (فاغتسلوا) أي لئلا تؤذوا ولا تتأذون أو لأن المبالغة في طهارة الظاهر له تأثير بليغ في صفاء الباطن. - حديث بشارة خديجة رضي الله عنها وبه (عن يحيى بن سعيد عن أنس بن مالك بشرت خديجة ببيت في الجنة)

- الأعمال بالنيات

أي عظيم في الكيفية والكمية (لا صخب فيها) بفتح الصاد والخاء المعجمة هو الصخبة واضطراب الأصوات، والمعنى كما في رواية لا لغو فيها (ولا نصب) بفتحتين أي لا وجع، ولا تعب. والحديث رواه مسلم عن أبي هريرة بلفظ: أتاني جبرائيل فقال يا رسول الله هذه خديجة قد أتتك معها إناء فيه إدام أو طعام أو شراب، فإذا هي قد أتتك فاقرأ عليها السلام من ربها ومني وبَشِّرها ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب. - الأعمال بالنيات وبه (عن يحيى، عن محمد بن إبراهيم التيمي) سمع علقمة بن وقاص وأبا سلمة (عن علقمة بن وقاص الليثي) ولد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وشهد الخندق ومات بالمدينة. (عن عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الأعمال بالنيات) كذا في بعض الروايات، وفي بعضها العمل بالنية. وفي بعضها إنما الأعمال بالنيات أي اعتبارها الشامل لصحتها وكمالها باختلاف الحالات، (ولكل امرء ما نوى) أي ما قصده من الخير والشر والإخلاص والرياء والسمعة ونحوها من مقاصد الدنيا والآخرة (فمن كانت هجرته إلى الله تعالى

- حديث بعثة النبي صلى الله عليه وسلم

ورسوله) أي إلى مرضاتهما (فهجرته إلى الله ورسوله) حقيقة في العقبى، والمعنى: فيكفيه أن هجرته إليهما وإقباله عليهما وتسليم أمره لديهما، (ومن كانت هجرته إلى الدنيا) أي إلى غرض من أغراضها وعرض من أعراضها حال كونه من قصده أنه (يصيبها) أي ينتفع بها ليس له إرادة غيرها بأن لا يجعل الدنيا وسيلة للأخرى، (أو امرأة ينكحها) بفتح الياء وكسر الكاف أي يتزوجها، كما في رواية، وهو من قبيل عطف الخاص على العام، وتنبيه على سبب وروى الحديث عنه عليه الصلاة والسلام حيث هاجر واحد من الصحابة بعد هجرة امرأة إلى المدينة ليصل إليها أو كان يسمى بمهاجر أم قيس (فهجرته إلى ما هاجر إليه) أي مما نواه وقصده ومفهومه أن هجرته مذمومة غير مقبولة. والحديث رواه جماعة من أصحاب السنن وغيرهم، وقد بسطنا الكلام عليه في شرح الأربعين للنووي. - حديث بعثة النبي صلى الله عليه وسلم وبه (عن يحيى بن سعيد، عن أنس قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي بعثه الله تعالى برسالة (على رأس أربعين سنة) أي بعد تكميلها على الأظهر (فأقام بمكة عشراً) أي عشر سنين بعد البعثة (وبالمدينة عشراً) بعد الهجرة فيكون زمن البعثة

عشرين وأيام عمره ستين سنة، كما صرح به في رواية الترمذي، لكن المعتمد عند الجمهور أنه سنة ثلاث وستون، وإنما ذكر أنس أصل العدد وألقى الكسر. وقال بعضهم كان عمره خمساً وستين، فالمحققون على أن هذا إنما هو على تقرير إدخال سنة الولادة، وسنة الوفاة جمعاً بين الأحاديث الواردة في هذا الباب والله أعلم بالصواب، وفي لحيته ورأسه شعرة بيضاء، بل أقل من ذلك، وإنما أقله الله في حقه ونشر هذه الوسائل إلى الفضائل في شرحنا للشمائل إلى الفضائل، وتوفي (¬1) رسول الله صلى الله عليه وسلم وما رأى الشيب في حقه مع أن الشيب نور ووقار لصاحبه، فإنه كان يحب النساء وهن يكرهن بالطبع ظهور الشيب المشعر بالعيب. وبه (عن يحيى أن نافعاً) أي مولى ابن عمر وقد مر أثره (قال: سمعت عبد الله بن عمر يقول: قام رجل فقال: يا رسول الله أين المهل) بضم الميم وفتح الهاء وتشديد اللام أي محل الحرام وميقاته لطواف الأنام (قال: يهل أهل المدينة من ذي الحليفة) موضع معروف يقال له: بئر علي، (ويهل أهل نجد من قرن) بفتح القاف وسكون الراء. والحديث رواه ابن جرير، وزاد ويهل أهلَّ عند العام (ويهل أهل العراق عن العقيق) وهو واد مشهور في طريق أهل الشرق، (ويهل أهل الشام،) وكذا ¬

(¬1) توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما رأى من الشيب في رأسه

- ذكر إسناده عن ربيعة بن أبي عبيدة الرحمن

أهل مصر (من الجُحفة) بضم الجيم وسكون الحاء موضع دون الرابغ بشيء قليل، (ويهل أهل اليمن من يلملم) وهذه المواقيت المكانية معروفة عند أهلها، والمراد هنَّ وما حاذاهُنَّ لأهلهنَّ، ومن مر بهن من غير أهلهن. - ذكر إسناده عن ربيعة بن أبي عبيدة الرحمن -ذكر إسناده عن ربيعة بن أبي عبيدة الرحمن تابعي جليل المرتبة وأحد فقهاء المدينة، سمع أنس بن مالك والسائب بن يزيد وروى عنه الثوري ومالك بن أنس، مات سنة ثلاثين ومائة. - سنة وفاته عليه السلام وأبي بكر وعمر أبو حنيفة (عن الهيثم وربيعة) وروى عن كليهما، (وهما عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبض) أي روحه الشريف (وهو) أي والحال أنه (ابن ثلاث وستين) كما مر، وقبض كلٌ من أبي بكر وعمر وهو ابن ثلاث وستين)، وفيه إيماء إلى كمال موافقة الشيخين له عليه الصلاة والسلام حتى في عدد الأيام كما جرت به الأقلام. وأما عثمان فقيل: وهو ابن ست وثمانين وأما علي فاختلف في سنة وفاته والأصح أنه قتل وله من العمر ثلاث وستون، فَلعَلَّهُ لم يذكر لكونه حياً إذ ذاك أو لاختلاف وقع هناك. وبه (عن ربيعة عن أبي البيلماني قال: قتل النبي صلى الله عليه وسلم مسلماً بمعاهد) بكسر

- ذكر إسناده عن عبد الرحمن

الهاء وفتحها أي ذمي يهودي، أو نصراني (فقال): أي النبي عليه الصلاة والسلام (أنا أحق من وفّى بذمته) أي عهده في قصاص رقبته أو أخذ ديته، وفيه إشارة إلى الفرق بين المستأمن والذمي، وإن كان لفظ المعاهد يشملها ولذا قال أبو حنيفة: يقتل المسلم بالذمي لا بالمستأمن وقال الشافعي وأحمد: إذا قتل مسلم ذمياً أو معاهداً لا يقتل به. وقال مالك كذلك، إلا أنه استثنى فقال: إن قتل مسلم ذمياً أو معاهداً أو مستأمناً غيلة قتله حتماً ولا يجوز للولي العفو لأنه تملك قتله بالافتئات على الإمام، وأما الكافر إذا قتل مسلماً قتل به اتفاقاً. - ذكر إسناده عن عبد الرحمن - كل مولود يولد على الفطرة ذكر إسناده عن عبد الرحمن رضي الله عنه أبو حنيفة (عن عبد الرحمن عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كل مولود) أي من بني آدم (يولد على الفطرة) أي فطرة الإسلام من التوحيد والعرفان والمعنى أنه لو خلى وطبعه لما اختار إلا طريق الإيمان على وجه الإحسان لما جبل عليه من الطبع المتهيء لقبول الشرع فلو ترك عليها لاستمر على لزومها ولم يفارقها مائلاً إلى غيرها. وقيل معناه: كل مولود يولد على معرفة الله تعالى، والإقرار به، فلا تجد أحداً إلا وهو يقرّ بأن الله صانع، وإن سماه غير إلهاً، وهذا يوافق قول أبي حنيفة من أنه يجب على كل مكلف أن يعرف

- أولاد الكفار

الله بمجرد عقله مع عدم علمه ببعثه الرسل، كما هو مقرر في محله (فَأبَوَاه يُهوِّدانهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ) بتشديد الواو والصاد، أي يجعلانه يهودياً او نصرانياً والمعنى أنه يقلدهما وهم يصيران سبباً لكفره مع أنهما من أهل الكتاب. وفي بعض الروايات زيادة "وَيُمَجِّسَانِهِ" أي يجعلانه مجوسياً كعبدة النار والأصنام وسائر طرق أرباب الحميات. - أولاد الكفار ولما كان الكفر الشرعي لا يعتبر إلا بعد البلوغ باختياره (قيل:) أي قال بعض الصحابة: (فَمَنْ مَاتَ صغيراً يا رسول الله) أي ما حكمه؟ هل يعد مؤمناً يدخل دار الثواب، أو كافراً يدخل دار العقاب؟ (قال: الله أعلم بما كانوا عاملين)، وقد روى صدر الحديث أصحاب الكتب الستة وغيرهم، عن الأسود ابن سريع ولفظه: "كُلُّ مَولُودٍ يُولَدُ على الفطرةِ حَتَّى يُعَبِّر عنْهُ لسانُهُ فأبواه يُهَوِّدانِهِ، أو يُنصِّرَانِه، أو يُمَجِّسانِهِ". وفي رواية الشيخين، عن عائشة: "مَا مِنْ مَولُودٍ إلا يُوَلَدُ على الفِطْرَة فأبواه يُهودَانِهِ أو يُنَصِّرَانِهِ أو يُمَجِّسَانِهِ". وفي رواية لهما عن أبي هريرة قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذراري المشركين قال: الله أعلم بما كانوا عاملين، أي الله أعلم، بما هم صائرون إليه من دخول الجنة أو النار.

- إذا تحيرتم في الأمور فاستعينوا من أهل القبور

وقد اختلف العلماء في ذلك. فقيل: إنهم من أهل النار تبعاً للأبوين في العقبى، كما في حكم الدنيا، وقيل: من أهل الجنة نظراً إلى أصل الفطرة، وقيل: خدام أهل الجنة. وبه ورد أحاديث في السنة، وقيل: من علم الله منه أنه يؤمن ويموت عليه إن عاش أدخله الجنة، ومن علم منه أنه يكفر أدخله النار. وقيل بالتوقف لعدم القطع بشيء من أمرهم، وهو منسوب إلى أبي حنيفة، وقيل: عليه أكثر أهل السنة، وقد بسطنا الكلام على هذه المسألة في المرقاة شرح المشكاة. - إذا تحيرتم في الأمور فاستعينوا من أهل القبور وبه (عن عبد الرحمن، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يَأتي عَلى النَّاس زَمَانٌ يختلفون) أي يَتَرَدَّدُونَ (إلى القُبُور) لما قيل: إذا تَحَيَّرتُم في الأُمُورِ فاستَعِينُوا من أهل القبور والمعنى: أنهم يزورونهم فيضعون بطونهم عليه أي على جنس القبر، (ويقولون: وددنا) بكسر الدال الأولى أي أحببنا (لو كنا) أي كل منا (صاحب القبر) أي نموت ونخلص من شر أهل العصر (قيل: يا رسول الله، وكيف يكون)؟ أي هذا الأمر بهذا القدر (قال: لشدة الزمان) أي لصعوبة المحن (وكثرة البلايا والفتن)، وهذا من إخبار الغيب الواقع في آخر الزمان.

- ذكر إسناده عن عبد الله بن دينار وأبي اسحاق

وفي الصحيحين: "لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل فيقول: ياليتني مكانه أي كنت ميتاً حتى أنجو من كثرة الكُرُبات ولا أرى ما أرى من تنوع البليات". وقد روى الترمذي عن أنس مرفوعاً: "يأتي على الناس زمان الصابر فيهم على دينه كالقابض على الجمرة". وروى ابن عساكر عنه أيضاً: يأتي على الناس زمان يكون المؤمن فيه أذل من شأنه، وفي رواية أحمد والبخاري والنسائي عنه أيضاً: "لا يأتي عليكم عام وَلاَ يَوْمٌ إلا والذي بعده شر منه حتى تلقوا ربكم". - ذكر إسناده عن عبد الله بن دينار وأبي اسحاق - جواب الأذان -ذكر إسناده عن عبد الله بن دينار رضي الله عنه، وهو من التابعين الأخيار. أبو حنيفة (عن عبد الله) أي ابن دينار (قال: سمعت ابن عمر يقول: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أذن المؤذن قال) أي النبي صلى الله عليه وسلم (مثل ما يقول المؤذن) أي من التكبير والشهادتين والحيعلتين، وفي الروايات الكثيرة منها ما في صحيح مسلم، عن عمر أنه عليه الصلاة والسلام كان يقول حينئذٍ: "لا حول ولا قوة إلا بالله". وقد روى أحمد عن أبي رافع أنه عليه الصلاة والسلام كان إذا سمع المؤذن قال مثل ما يقول، حتى إذا بلغ حيَّ على الصلاة حيَّ على الفلاح قال: "لا حول ولا قوة إلا بالله".

- الوتر أول الليل

وفي رواية أبي داود والحاكم، عن عائشة أنه عليه الصلاة والسلام كان إذا سمع المؤذن يتشهد قال: أنا وأنا. وفي رواية ابن السني عن معاوية، أنه عليه الصلاة والسلام كان إذا سمع المؤذن قال: حيَّ على الفلاح قال: "اللهم اجعلنا من المفلحين". - الوتر أول الليل وبه (عن عبد الله عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: الوتر) أي أداؤه (أول الليل) بالنصب أي في أوله (مسخطة الشيطان) بفتح الميم والخاء أي سبب سخطه وغضبه كدورته لأنه ييأس من قوته، وخص هذا إن لم يثق بالانتباه في آخر وقته وإلا فالتأخير أفضل، وثوابه أكمل، فقد ورد: "اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً" وثبت أنه عليه الصلاة والسلام كان يؤخر الوتر إلى آخر الليل (وأَكْلُ السَّحور) بفتح السين وقد يضم ما يتسحر به (مرضاة الرحمن) لأنه يتقوى على طاعته ويستعين به على عبادته، فكل ما يكون من لذات الدنيا معيناً على درجات العقبى، فهو سبب لرضاء المولى. فقد روى أحمد عن أبي سعيد مرفوعاً: "السحور أكله بركة فلا تدعوه، ولو أن تجرع أحدكم جرعة من ماء فإن الله وملائكته يصلون على المتسحرين".

- بلال يؤذن بليل

- بلال يؤذن بليل وبه (عن عبد الله عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن بلال ينادي بليل) أي أثناء ليل من رمضان، وغيره (فكلوا واشربوا)، وكذا حُكْمُ الجِماع (حتى ينادي ابن أم مكتوم) لقوله تعالى: {كُلُوا واشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لكم الخيطُ الأبيضُ مِنَ الخَيْطِ الأسودِ مِنَ الفَجْرِ} (¬1) والمراد به الفجر المعترض لا المستطيل، كما أشار إليه. رواه أحمد بقوله: (فإنه يؤذن وقد حل الصلاة)، وإذا حلت الصلاة حرم الأكل والشرب والجماع على من أراد الصوم. الحديث بعينه رواه أحمد والشيخان والترمذي والنسائي، عن ابن عمر بلفظ: "إن بلالاً يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم" وفي رواية لهم عن ابن مسعود بلفظ: "لا يمنعن أحدكم أذان بلال عن سحوره، فإنه يؤذن بليل ليرجع قائمكم وليتنبه نائمكم". وبه (عن عبد الله عن ابن عمر أن رجلاً نادى رسول الله صلى الله عليه وسلم) وكأنه ناداه بحسن الأدب ومراعاة أمر الرب (والنبي صلى الله عليه وسلم في منزله) جملة حالية (فقال: ¬

(¬1) البقرة 187.

- عليكم بالأبكار

لبيك) وهذا من غاية تواضعه عليه الصلاة والسلام وتعليماً للأنام في معاشر الكلام (قد جئتك) عَبّر بالماضي عن الاستقبال مبالغةً في الامتثال، (فخرج إليه) في الحال نظراً إلى الوعد بالمقال، والحديث رواه ابن السني. - عليكم بالأبكار وبه (عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: انكحوا) بهمزة الوصل وكسر الكاف أي تزوجوا (الجواري) أي البنات الشابات أي الأبكار والصغار (فإنهن أنتج أرحاماً) أي أسرع ولادة، (وأطيب أفواهاً) أي أحسن مكالمة أو أعذب ملايمة، (وأعز أخلاقاً) أي في باب المعاشرة والمباشرة. قد روى ابن ماجه والبيهقي، عن عويم بن ساعدة مرفوعاً: "عليكم بالأبكار فإنهن أعذب أفواهاً وأنتق أرحاماً وأرضى باليسير"، أي من العمل كما في رواية. وزيد في رواية: "وَأَقَلُّ خبّاً" أي خداعاً! وفي أخرى: "وأسخن أَقبالاً". - طلب العافية وبه (عن عبد الله عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس المؤمن) أي لا

- عمامة سوداء

ينبغي للمؤمن الكامل (أن يذل نفسه) أي يجعله ذليلاً فيما يكون على ضعف طاقته (قيل: يا رسول الله: وكيف يذل نفسه)؟ أي وكيف يتصور أن يذلها مع كل أحد يريد أن يعزها (قال: يعترض من البلاء ما لا يطيق) أي على تحمله بل ينبغي له أن يطلب العافية في الدين والدنيا والآخرة، فقد ورد: "ما سئل الله أحب إليه من أن يسأل العافية"، رواه الترمذي عن ابن عمر، وروى البزار عن أنس أنه عليه الصلاة والسلام مرَّ بقوم مبتلين فقال: "أما كان هؤلاء يسألون الله العافية". - عمامة سوداء وبه (عن عبد الله، عن ابن عمر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة على بعير أورق) في النهاية الأورق من الإبل ما فيه لون بياض إلى سواد، وهو ناقة القصواء (متقلداً بقوسٍ متعمماً بعمامة سوداء من وَبَر) بفتحتين أي صوف الإبل وقد صح عن جابر أنه عليه الصلاة والسلام دخل مكة وعليه عمامة سوداء، وفي مسلم: "أنه عليه الصلاة والسلام خطب الناس وعليه عمامة سوداء"، وكانت الخطبة عند باب الكعبة قال مالك: كما في رواية البخاري: ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ما نرى يومئذٍ محرماً. ويشهد له ما رواه مسلم من حديث جابر: دخل صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة وعليه عمامة سوداء بغير إحرام قلت: هذا الحكم الظاهر والأولى أن يقال: كان محرماً، ولبس بوجود العذر.

- الأصل في الأشياء الإباحة

وقد اختلف العلماء هل يجب الإحرام على من دخل مكة، أم لا؟ والمشهور عن الأئمة الثلاثة الوجوب مطلقاً. وفي رواية عن كل منهم لا يجب، واستثنى علماؤنا من كان داخل الميقات، فإنه لا يجب عليهم إلا إذا أراد أحد النسكين ولا يبعد أن يكون عدم إحرامه عليه الصلاة والسلام حينئذٍ من خصائصه كقتاله والله سبحانه وتعالى أعلم. - الأصل في الأشياء الإباحة وبه (عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر أن رجلاً قال: يا رسول الله ماذا يلبس) بفتح الموحدة، أي أي شيء يجوز أن يلبسه (المحرم من الثياب)، ولما كانت الإباحة هي الأصل في أكثرها يجوز استعمالها وإنما المنع عن بعضها وهو أقرب إلى ضبطه وأولى بحفظه (قال: لا يلبس) أي الرجل المحرم (القميص) أي وما في معناه من المخيط (ولا العمامة) بكسر العين، والمراد بها ههنا كل ما يغطي الرأس (ولا القبا) وكذا العباء إذا أدخل يديه في كميه وإلا فوضعهما على كتفيه مكروه وهذا كله إذا لبس القميص والقبا على المعتاد، وأما إذا قلبهما ولبسهما فلا بأس، (ولا السراويل) إلا إذا لم يجد شيئاً غيره ولم يمكن قبضه واتزاره فإنه (حينئذٍ) يلبسه.

- الحبة السوداء

واختلف في وجوب الدم عليه، وقد ورد: "من (إزار) فَليُلبِسُ السراويل" على ما أخرجه أحمد ومسلم، عن جابر، (ولا البُرنس) بضم الموحدة والنون قلنسوة طويلة أو كل ثوب ستر رأسه منه دراعة كانت أو جبة أو مطراً، (ولا ثوباً مسه ورس) نوع طيب (أو زعفران) والمعنى: لا يلبس المحرم ذكراً أو أنثى ثوباً صبغ بهما ونحوهما إلا إذا كان أذهب ريح الطيب عنهما (ومن لم يكن له نعلين) أي من الرجال (فليلبس الخفين) إلا أنه لا يلبسهما على حالهما بل يغيرهما كما أشار إليه بقوله: (وليقطعهما أسفل من الكعبين) ليكونا على منوال النعلين. والمراد بالكعب هنا وسط القدمين. والحديث رواه أحمد والشيخان وأبو داود والترمذي والنسائي عن ابن عمر. وبه (عن عبد الله، عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول، بين الركن) أي اليماني (والحجر الأسود:) الذي هو في مقام الأسود الأسعد (اللهم إني أعوذ بك من الكفر) أي جَليِّهِ وَخَفِيِّهِ (والفقر) أي فقر القلب والاحتياج إلى غير الرب، (والذل) أي المذلة عند الخلق (والخزي) أي الفضيحة في الدنيا والآخرة. - الحبة السوداء وبه (عن عبد الله، عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل الشفاء) أي

- المسح على الخفين

خلق الله الدواء لجميع الداء في أربعة من الأشياء (في الحبة السوداء) فقد ورد: "الحبة السوداء فيها شفاء من كل داء إلا الموت" على ما رواه أبو نعيم في الطب عن بريدة (والحجامة) بكسر الحاء، فقد ورد "الحجامة تنفع من كل داء ألا فاحتجموا" كما رواه الديلمي، عن أبي هريرة، (والعسل) فقد قال تعالى: {فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ} (¬1) (وماء السماء) أي المطر المسمى في القرآن ماءً مباركاً وماء طهوراً. - المسح على الخفين وبه (عن عبد الله عن ابن عمر رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يمسح على الخفين في السفر)، ولا ينافي ما رواه غيره أنه عليه الصلاة والسلام يمسح عليهما في الحضر (ولم يوقت) بتشديد القاف المكسورة، أي لم يعيِّن وقت المسحة، وأخذ بظاهره الإمام مالك، لكن من حفظ حجة على من لم يحفظ، ففي صحيح مسلم عن علي رضي الله عنه: جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر ويوماً وليلة للمقيم. - إسفار الصبُح وبه (عن عبد الله عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم: أسفروا (¬2) بالصبح، فإنه ¬

(¬1) النحل 69. (¬2) قال الإمام محمد بن الحسن الشيباني رحمة الله عليه في كتاب الحج: قد جاء في ذلك آثار مختلفة من التغلس والإسفار.

- ليس منا من غش في البيع والشراء

أعظم للثواب) ورواه الطبراني والشافعي، وعبد بن حميد والدارمي، عن رافع بن خديج ولفظه: "أسفروا بصلاة الصبح، فإنه أعظم للأجر" وفي رواية عنه: "أسفروا بالصبح فإنه أعظم للأجر" وفي رواية الترمذي وابن حبان عنه بلفظ: "أسفروا بالفجر فإنه أعظم للأجر" وفي رواية الطياليسي عنه: "أسفروا بصلاة الصبح حتى يرى القوم مواقع نبلهم". وجاء في طرق: "ما أسفرتم بالفجر، فإنه أعظم للأجر"، وهذه الأحاديث من جملة أدلة إمامنا الأعظم، وقد خالفه الشافعي، والله سبحانه بحقيقته أعلم. - ليس منا من غش في البيع والشراء وبه (عن عبد الله عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ليس منا) أي من طريقتنا أو من جماعتنا أو من الكمل في أمتنا (من غش في البيع والشراء)، وكذا في غيرهما من الأشياء. وقد روى أحمد وأبو داود، وابن ماجه، والحاكم عن أبي هريرة: "ليس منا من غش". وفي رواية الترمذي: "من غش فليس منا"، وفي رواية الطبراني وأبي نعيم في الحلية، عن ابن مسعود: "من غشنا فليس منا"، وفي أكثر طرقه أن ذلك بسبب طعام رآه النبي صلى الله عليه وسلم في السوق مبتلاً داخله، كما أخرجه الشيخان، عن أبي هريرة، وأشار إليه في الحديث الأصل بقوله في البيع والشراء إيماء إلى أنه سبب الورود، وإلا فالغش مطلقاً مذموم.

- ذكر إسناده عن أبي إسحاق

- ذكر إسناده عن أبي إسحاق -ذكر إسناده عن أبي إسحاق عمر بن عبد الله سبيعي رضي الله عنه بفتح السِّين وكسر الموحدة وهو الهمداني الكوفي، رأى علياً وابن عباس وغيرهما من الصحابة وسمع البراء بن عازب، وزيد بن أرقم، روى عنه الأعمش وشعبة والثوري وهو تابعي مشهور كثير الرواية، ولد لسنتين من خلافة عثمان ومات سنة تسع وعشرين ومائة. أبو حنيفة (عن أبي إسحاق) أي المذكور (عن الأسود) راوي المشهور، (عن الشعبي، عن عائشة قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصيب من أهله) أي يجامع بعض نسائه (من أول الليل) أي في أوائله (فينام) أي أحياناً (ولا يصيب ماء) أي والحال أنه لا يغتسل، (بل ولا يتوضأ) كما سبق، وقد روى أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه، عن عائشة أنه عليه الصلاة والسلام كان ينام وهو جنب، ولا يمس ماء (فإذا استيقظ من أخر الليل عاد) أي إلى الجماع ثانياً، واغتسل (أو اغتسل) من غير عودة إلى الجماع الآخر، وهذا بناء على الرخصة للأمة حالة الكسالة وإلا فالأفضل أن يغتسل أو يتوضأ أو يتيمم كما تقدم على ما عرف من أكثر أحواله صلى الله عليه وسلم. - جمع صلاتين في مزدلفة وبه (عن أبي إسحاق، عن عبد الله بن يزيد الحطمي، عن أبي أيوب) وهو

خالد بن زيد الأنصاري الخزرجي، وكان مع علي بن أبي طالب في حروبه كلها، ومات بالقُسطنطينية مرابطاً سنة إحدى وخمسين ودفن قريباً من سورها يزار ويتبارك به. روى عنه جماعة (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى المغرب والعشاء) أي جمع بين المغرب والعشاء جمع تأخير للنسك وللسفر عند الشافعي ومن تبعه (بجمع) أي مزدلفة في حجة الوداع (بأذان وإقامة واحدة)، ورواه ابن أبي شيبة. حدثنا حاتم بن اسماعيل، عن جعفر بن محمد عن جابر بن عبد الله أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى المغرب والعشاء بجمع بأذان واحد وإقامة واحدة، ولم يسبح بينهما لكنه متن غريب. والذي في حديث جابر الطويل الثابت في صحيح مسلم وغيره وإنه صلاهما بأذان وإقامتين. وعند البخاري عن ابن عمر أيضاً قال: جمع النبي صلى الله عليه وسلم بين المغرب والعشاء بجمع كل واحدة منهما بإقامة ولم يسبح بينهما ولا على أثر واحد منهما. ويؤيد الأول ما رواه أبو الشيخ عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى المغرب والعشاء بجمع بإقامة واحدة وهو ظاهر المذهب ومختار المتون. واختار ابن الهمام أداءهما بإقامتين والله أعلم. وبه (عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة) بضم الضاد المعجمة وضم الميم (قال: سألت علياً كرم الله وجهه عن صلاة العشاء، والوتر أحق هو) أي

ثابت أو واجب هو، (فقال: أما كحق الصلاة) أي كثبوت الصلاة المكتوبة ووجوب المفروضة (فلا) لأنه لم يثبت بدليل قطعي ليكون فرضاً جزماً بل ثبت بدليل ظني كما أشار إليه بقوله، (ولكن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي، ولكن حق يثبت بقوله عليه الصلاة والسلام وبفعله على المواظبة في الأيام (فلا ينبغي لأحدٍ) أي من الأنام (أن يتركه) فإنه فرض عملي لا اعتقادي. وقد ورد الوتر حق فمن لم يوتر فليس منا، رواه أحمد وأبو داود والحاكم عن بريدة. ورواه أبو داود والترمذي وابن ماجه والدارقطني، والحاكم عن خارجة بن حذافة مرفوعاً: "إن الله تعالى قد أَمَدَّكم بصلاةٍ هي خير لكم من حمر النعم ألا وهي الوتر جعلها الله تعالى لكم بين صلاة العشاء إلى أن يطلع الفجر" وفي رواية الحاكم والبيهقي عن أبي هريرة: "إذا أصبح أحدكم ولم يوتر فليوتر". وبه (عن أبي إسحاق عن البراء، عن النبي صلى الله عليه وسلم كَانَ يُعَلِّمُنَا التشهد) وهو التحياتُ لله الخ ... وقد روي بألفاظ مختلفة عنه، وعن غيره كما ذكر بعضها في الحصن الحصين وشرحنا في الحرز الثمين (كما يعلم السورة من القرآن) أي اهتماماً بشأنه في معرض البيان. وقد صح نحوه عن ابن مسعود فيما رواه أَصْحَاب الكتب السِّتَّة.

- لعن آكل الربا

- لعن آكل الربا وبه (عن أبي إسحاق عن الحارث) الظاهر أنه عبد الله الأعور (¬1) الحازي الهمداني ممن اشتهر بصحبة علي بن أبي طالب ويقال: إنه سمع منه أربعة أحاديث، وروى عن ابن مسعود عنه عمرو بن مرة والشعبي قال النسائي وغيره: ليس بالقوي، وقال ابن داود: كان أفقه الناس وأفرض الناس وأحسب الناس، مات بالكوفة سنة خمس وستين. (عن علي رضي الله عنه قال: لعن رسول الله عليه صلى الله عليه وسلم آكل الربا) أي آخذَهُ وطاعمه، (وموكله) أي معطيه (ومطعمه)، وفي معناه كل من تسبب في تصرفه ففي الطبراني، عن ابن مسعود مرفوعاً: "لعن الله الربا وآكله وشاهده وهم يعلمون". - إخراج التصاوير والكلب من البيت وبه (عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي كرم الله وجهه أنه كان) أي الشأن علق بصيغة المجهول (في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي على بابه، أو على ¬

(¬1) في الأصل: الأعقد.

بعض جدرانه (ستر) بكسر أوله وهو ما يستر به (فيه تماثيل) أي صور حيوانية، (فأبطأ جبرائيل عليه السلام) أي في نزوله المعتاد إليه صلى الله عليه وسلم (ثم أتاه) أي نزل لديه (فقال): أي النبي صلى الله عليه وسلم: (وما أبطأك عني) أي أيّ شيء عوّقك مني (قال: إنا) أي نحن معشر الملائكة المقربين وهو بالكسر استئناف فيه معنى التعليل (لا ندخل بيتاً فيه كلب، ولا تماثيل) أي جنس تصاوير، وقد اجتمعنا في بيتك من غير علمك (فابسط الستر) أي فافرشْه وامتهِنْه (ولا تعلِّقْه) ولا تعظمه، (واقطع) رأس التماثيل، وفي معنى القطع محوها (وأخرج) من بيتك (هذا الجرو) بكسر الجيم وسكون الراء وهو ولد الكلب كان للحسن أو الحسين ويلعب به مربوطاً في قائمة السرير في بيت أم سلمة. وعن علي أن جبرائيل أتى النبي صلى الله عليه وسلم، ثم رجع فقال: "لم سلمت؛ ثم رفعت؟ فقال: إني لا أدخل بيتاً فيه صورة ولا كلب" رواه مسدد وغيره. وقد روى أحمد والشيخان والترمذي والنسائي وابن ماجه، عن أبي طلحة مرفوعاً: "لا تَدْخُلُ الملائِكَةُ بَيْتَاً فِيْهِ كلبٌ، ولا صُوْرَةٌ". وبه (عن أبي إسحاق عن البراء قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل لحوم الحمر الأهلية) أي الإنسية احتراز عن الوحشية، وقد سبق الكلام عليه وما يتعلق به من القضية.

- ما بال قوم يلعبون بحدود الله

- ما بال قوم يلعبون بحدود الله وبه (عن أبي إسحاق، عن ابي بُرْدَةَ، عن أبيه) وقد تقدم ترجمتها (قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما بال قوم يَلْعَبونَ بِحُدُودِ الله؟) أي بحدوده ودينه وقد قال تعالى: {تِلْكَ حُدُودِ الله فَلاَ تَعْتَدُوهَا} (¬1) (ويقولون:) أي كل واحد منهم لامرأته (قد طلقتك) أي أولاً (قد راجعتك) أي ثانياً والمعنى أنهم لا يعلمون حدود الله في عدد الطلاق ومراعاة صفته من الرجعى، والبائن الكبرى والصغرى، وما يترتب على كل واحد من الأمور الشرعية والمسائل الفرعية وذلك كثير في البلاد المصرية في تعليقاتهم العرفية. - ذكر إسناده عن عبد الملك بن عمير -ذكر إسناده عن عبد الملك بن عمير (رضي الله عنه). بالتصغير الكوفي الفُرسي المنسوب إلى الفرس كان على قضاء الكوفة بعد الشعبي، وهو من مشاهير التابعين وثقاتهم، وروى عن جندب بن عبد الله وجابر بن سمرة، وعنه الثوري وشعبة، مات سنة ست وثلاثين ومائة. - لا يقتل الصغار أبو حنيفة (عن اسماعيل بن حماد وأبيه والقاسم بن معن) بفتح فسكون (وعبد ¬

(¬1) البقرة 229.

الملك)، أي روى عن الأربعة كلهم (عن عطية القرظي) بضم القاف، وفتح الراء وكسر الظاء المعجمة، وهو من سَبي بني قريظة قال ابن عبد البَرِّ: لم أقف على اسم أبيه، رأى النبي صلى الله عليه وسلم، وسمع منه، وروى عنه مجاهد وغيره. (قال: عرضنا) بصيغة المجهول أي عرضنا نحن أسارى بني قريظة (على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم قريظة) أي يوم فتحهم وهم قبيلة من اليهود كانوا ساكنين حول المدينة، وخالفوا فيما خالفوا فأمر بقتل كبارهم وسبي صغارهم (فمن أنبت) أي الشعر على عانته، وهو إحدى علامات البلوغ (قتل) لأنه يعد من المقاتلة (ومن لم، اسُتحيي) بصيغة المجهول أي استبقي ومنه قوله تعالى: {وَيَسْتَحْيُوُنَ نِساءَكُمْ} (¬1) (وفي رواية قال:) أي عطية (عرضت على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: انظروا) أي تأملوا وأبصروا (فإن كان) أي الأسير جنسه أو عطية بخصوصه (أنبت فاضربوا عنقه وإلا فلا فوجدوني ما أنبت فَخُلِّي سبيلي) بصيغة المجهول أي فتركوا قتلي. (وفي رواية: كنت من سبي قريظة) أي من جملتهم (فعرضوني) أي على النبي صلى الله عليه وسلم (ونظروا في عانتي فوجدوني لم أنبت فألحقوني بالسبي) من النساء والصغار. ¬

(¬1) البقرة 49.

وبه (عن عبد الملك عن قزعة) بفتح القاف وسكون الزاي وتفتح (عن أبي سعيد الخدري قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا يَبْتَاعُ أحدكُم) أي لا يشتري (عبداً) أي ولو كافراً (ولا أمة) أي جارية (فيه شرط) بفتحتين أي علامة (فإنه عقد أي ربط في الرق) أي لا ينحل عنه بالرق. وبه (عن عبد الملك عن ربعي) بفتح الراء وسكون الموحدة، ويفتح (بن حراش) بكسر المهملة (عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر برفضها العمرة) أي بسبب تركها إياها معاً أي جبر النقصان عملها، وفي الصحيحين عن جابر في حديث طويل، ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على عائشة، وهي تبكي فقال لها: ما شأنك قالت شأني أني حضت، وقد حل الناس، ولم أحُل ولم أطف بالبيت، والناس يذهبون إلى الحج الآن، فقال: إن هذا أمر كتبه الله تعالى على بنات آدم فاغتسلي ثم أهلي بالحج، ففعلت ووقفت المواقف، حتى إذا طَهُرت طفت بالكعبة، وبالصفا والمروة، ثم قال: قد حللت من حجتك وعمرتك جميعاً، قالت: يا رسول الله إني أجد في نفسي أن لم أطف بالبيت حتى حججت قال: فاذهب بها يا عبد الرحمن فاعمرها من التنعيم. انتهى. ومعنى حللت من حجتك وعمرتك لا يستلزم الخروج منهما بعد قضاء فعل كل منهما، بل يجوز ثبوت الخروج من العمرة قبل إتمامها ويكون عليها قضاؤها.

- اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر

ألا ترى إلى قولها في الرواية في الصحيحين: ينطلقون بحج وعمرة وأنطَلِق بحجٍ فأقرها على ذلك ولم ينكر عليها وأمر أخاها أن يعمرها من التنعيم، وهذا لأنها إذا لم تطف للحيض حتى مضت بعرفة صارت رافضة للعمرة وسكوته عليه الصلاة والسلام إلى أن سألته إنما يقتضي تراخي القضاء لا عدم لزومه أصلاً كما حقّقه الإمام ابن الهمام والله أعلم بحقيقة المرام. - اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر وبه (عن عبد الملك عن ربعي عن حذيفة بن اليمان) هو صاحب سر رسول الله صلى الله عليه وسلم، روى عنه عمر وعلي وأبو الدرداء وغيرهم من الصحابة والتابعين، مات بالمدائن وبها قبره سنة خمس وثلاثين (قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقتدوا) أي أيها الأمة الشاملة لبقية الصحابة (باللذَيْنِ مِنْ بَعْدِي) أي بسيرتهما (أبي بكر وعمر)، وفيه إخبار عن الغيب في أمرهما دلالة على حقيقة خلافتهما، وهذا أخص وأصرح من قوله في الصحيح: عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين (واهتدوا بهدي عمار) أي ابن ياسر واستدل به على أحقية خلافة علي، وكون معاوية باغياً لقوله عليه الصلاة والسلام: ويحك يا عمار يقتلك الفئة الباغية (وتمسكوا بعهد ابن أم عبد) وهو عبد الله بن مسعود، واحتج به على صحة خلافة الصديق، لأنه ممن دخل بيعته على التحقيق، والله ولي التوفيق. وفي الجامع الصغير: اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر، رواه أحمد

- لا يقضي الحاكم في الغضب

والترمذي، وابن ماجه، عن حذيفة، ورواه الترمذي عن ابن مسعود والروياني عن حذيفة وابن عدي، عن أنس بلفظ: اقتدوا باللذين من بعدي من أصحابي أبي بكر وعمر واهتدوا بهدي عمار، وتمسكوا بعهد ابن أم عبد. - لا يقضي الحاكم في الغضب وبه (عن عبد الملك عن أبي بكرة) وهو نفيع بن الحارث بضم النون وفتح الفاء وسكون التحتية يقال: تدلى يوم الطائف ببكرة أم لبكرة وأسلم فكناه النبي صلى الله عليه وسلم بأبي بكرة، ونزل البصرة، ومات بها سنة تسع وأربعين، روى عنه خلق كثير (أن أباه كتب إليه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يقضي الحاكم) أي لا يقضي القاضي ونحوه من الحكام، (وهو غضبان) حيث لا يأمن أن يحكم بالبطلان. - نهى عن صوم أيام التشريق وعن يوم الشك وبه (عن عبد الملك، عن قزعة، عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن صيام ثلاثة أيام التشريق) وهي الثاني، والثالث، والرابع، من أيام منى، سمي بالتشريق لأنهم كانوا يعدون لحوم الأضاحي في الشمس حال تشريقها.

- ماء الكمأة شفاء العين

وفي رواية الشيخين، عن عمرو، عن أبي سعيد: نهى عن صوم يوم الفطر والنحر، وفي رواية الطَّيَالِسِي، عن أنس: نهى عن صوم يوم الفطر والنحر، وفي رواية الطيالسي عن أنس: نهى عن صوم خمسة أيام من السنة ثلاثة أيام التشريق، ويوم الفطر والأضحى. (وبه) أي بسنده المذكور أيضاً (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن صيام الذي) أي عن صوم الذي (يشك فيه) أي في كونه من رمضان، أي من أوله ومن آخر شعبان. وفي رواية البيهقي عن أبي هريرة نهى عن صيام يوم قبل رمضان والأضحى والفطر، وأيام التشريق. أما صيام الأيام الستة فحرام عند جميع الأئمة، وكذا يوم الشك عند الشافعي حرام، وأما عند أحمد فواجب احتياطاً، وعندنا يستحب للخواص بنية النفل المجرد، وأما العوام فيستحب لهم الإمساك إلى نصف النهار. - ماء الكمأة شفاء العين وبه (عن عبد الملك عن عمرو الجرشي:) بجيم مضمومة وفتح راء معجمة فنسبية، (عن سعيد بن زيد) وهو أحد العشرة المبشرة بالجنة، وشهد المشاهد كلها مع النبي صلى الله عليه وسلم غير بدر، فإنه كان مع طلحة يطلبان خبر عير قريش، وضرب له النبي صلى الله عليه وسلم بسهم وكانت فاطمة أخت عمر تحته وبسببها كان إسلام عمر، مات بالعقيق، فحمل إلى المدينة ودفن بالبقيع سنة إحدى وخمسين، وله بضع وسبعون سنة.

- استعمال الحلال المحض يجلو البصر والبصيرة

روى عنه جماعة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (قال: "إن من المن") أي من جملة المن المذكور في كلامه سبحانه: {وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمُ المَنَّ والسَّلوَى} (¬1) (الكمأة) بفتح كاف فسكون ميم وفتح همزة، وهي نبات معروف لا ورق لها، ولا ساق يوجد في الأرض من غير أن يزرع (وماؤها شفاء العين)، أي دواء لوجعها وضعفها. ورواه أحمد والشيخان والترمذي عن سعيد بن زيد بلفظ: الكمأة من المن وماؤها شفاء العين، ورواه ابن نعيم عن أبي سعيد ولفظه: الكمأة من المن، والمن من الجنة، وماؤها شفاء للعين. وروى الطبراني من طريق ابن المنكدر، عن جابر قال: كثرت الكمأة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فامتنع قوم من أكلها، وقالوا: هو جدري الأرض فبلغه ذلك فقال: إن الكمأة ليست جدري الأرض ألا إن الكمأة من المن. واختلف في قوله من المن فقيل: من المن الذي أنزل الله على بني اسرائيل، وهو الطَّل الذي يسقط على الشجر فيجمع ويؤكل حلواً. ومنه الترنجبين فكأنه يشبه الكمأة بجامع ما بينهما من وجود كل منهما عفواً بغير علاج. - استعمال الحلال المحض يجلو البصر والبصيرة وقال الخطابي ليس المراد أنها نوع من المن الذي أنزل الله على بني اسرائيل، فإن الذي أنزل على بني اسرائيل كان الترنجبين الذي يسقط على الشجر، وإنما المعنى أن الكمأة شيء ينبت من غير تكلف ببذر ولا سقي. ¬

(¬1) البقرة 57.

- عدم جواز نفل بعد طلوع صبح

وإنما اختصت الكمأة بهذه الفضيلة لأنها من الحلال المحض الذي ليس في اكتسابه شبهة، ويستنبط منه أن استعمال الحلال المحض يجلو البصر والبصيرة. واختلفوا في طريق استعمالها مع اتفاقهم أنها لا تستعمل صرفاً في العين، وتفصيل هذه القضية في المواهب الّلدنِّية نقلاً عن ابن الجوزية. - عدم جواز نفل بعد طلوع صبح وبه (عن عبد الملك، عن قزعة، عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لاصلاة) أي نافلة وفي معناها الطواف فكل منهما مكروهة (بعد الغداة) أي صلاة الصبح أو بعد طلوع الفجر (حتى تطلع الشمس،) وأما حين طلوعها فتحرم الصلاة مطلقاً، (ولا بعد صلاة العصر) أي كذلك (حتى تغيب الشمس،) وأما حين غروبها فتحرم كل صلاة إلا عصر يومها. وقد روى الشيخان والنسائي، وابن ماجه عن أبي سعيد، وأحمد وداود، وابن ماجه عن عمر بلفظ: لا صلاة بعد الصبح حتى ترتفع الشمس، ولا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس، (ولا يصام هذان اليومان الأضحى) أي أول يوم النحر، وكذا بعده من بقية أيام النحر، وأيام التشريق، (والفطر) أي يوم عيده.

- لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد

- لا تشد الرِّحال إلا إلى ثلاثة مساجد (ولا تشد الرحال) أي لا ينبغي أن يسافر أحد للتبرك إلى المشاهد (إلا إلى ثلاثة مساجد: إلى المسجد الحرام، والمسجد الأقصى، وإلى مسجدي هذا،) ورواه أحمد والشيخان، وأبو داود والنسائي وابن ماجه عن أبي هريرة، وأحمد والشيخان والترمذي وابن ماجه عن أبي سعيد أيضاً، وابن ماجه عن ابن عمر وبلفظ: "لاتشدوا (¬1) الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى". - لاتسافر المرأة إلا مع ذي محرم "ولا تسافر المرأة يومين إلا مع ذي محرم" أي مع ذي رحم محرم، كابن أو أخ أوعم. ¬

(¬1) قال في فتح الباري شرح صحيح البخاري: قوله: إلا إلى ثلاثة مساجد - المستثنى منه محذوف، فإما أن نقدر عاماً فيصير: لا تشد الرحال إلى مكان في أمر كان إلا إلى الثلاثة، أو أخص من ذلك، لا سبيل إلى الأول لإفضائه إلى سن باب السفر للتجارة، وصلة الرحم، وطلب العلم وغيره فتعين الثاني، والأولى أن يقدر ما هو أكثر مناسبة وهو: لا تشد الرحال إلى مسجد للصلاة إلا إلى الثلاثة. وقريباً من هذا في القسطلاني وفي النووي في هذا الحديث فضيلة هذه المساجد الثلاثة، وفضيلة شد الرحال إليها، لأن معناه عند جمهور العلماء: لا فضيلة في شد الرحال إلى مسجد غيرها، وتفصيل هذه المسألة في اللمحات شرح المشكاة، وما ورد من منع أبو بصرة الغفاري أبا هريرة رضي الله عنهما حين ذهب إلى الطور مستدلاً بهذا الحديث، فمحمول على أن أبا هريرة رضي الله عنه لقصد أداء الصلاة في الطور، وهو الممنوع في الحديث ولا يفهم النهي بالسفر لقصد الزيارة أيضاً.

ورواه الشيخان عن قزعة عن أبي سعيد الخدري مرفوعاً: لا تسافر المرأة يومين إلا ومعها زوجها، أو ذو محرم منها. وفي لفظ المسلم ثلاث. وفي لفظة له فوق الثلاث. ورواه أحمد والشيخان وأبو داود، عن ابن عمر بلفظ: لا تسافر المرأة ثلاثة أيام إلا مع ذي محرم. وفي رواية لأبي داود والحاكم وابن حبان، عن أبي هريرة ولفظه: لا تسافر المرأة بريداً إلا معها محرم يحرم عليها. والبريد فرسخان واثنا عشر ميلاً على ما في القاموس. وفي رواية للطبراني في معجمه ثلاثة أميال فقيل له: إن الناس يقولون ثلاثة أيام، فقال وهو هو ورواه أحمد والشيخان عن ابن عباس بلفظ: لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم، ولا يدخل عليها إلا ومعها محرم، وهذا صريح بالمنع مطلقاً إن حمل السفر على المعنى اللغوي إذ السفر يطلق على ما دون يوم وليلة. وفي الصحيحين عن أبي هريرة مرفوعاً لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم وليلة إلا مع ذي محرم عليها. وفي لفظ مسلم مسيرة ليلة، وفي لفظ يوم. وقد روي عن أبي حنيفة، وأبي يوسف كراهة الخروج لها مسيرة يوم بلا محرم، لكن المذهب أنه يباح لها الخروج إلى ما دون مدة السفر، بغير محرم إذا كان لحاجة كما في الهداية.

- حديث شفاعة السقط

- حديث شفاعة السقط وبه (عن عبد الملك، عن رجل من أهل الشام) يحتمل أن يكون صحابياً أو تابعياً فيكون الحديث مسنداً أو مرسلاً حيث روى (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إنك) خطاب خاص، أو عام (لترى السقط) بتثليث السين والكسر أشهر ما يرى بعض خلقه والمعنى لتبصره يوم القيامة (مُحْبَنْطِئاً) بضم الميم وسكون الحاء وفتح الموحدة، وسكون النون وكسر الطاء، فهمزة ويبدل أي متغضباً متبطئاً للشيء. وقيل: ممتنع امتناع طلبة ودعاء لا امتناع إياه (يقال له: ادخل الجنة) فإنك معذور (فيقول لا) أي لا أدخل (حتى يدخل أبواي) أي أولاً أو معي. والمعنى أنه يشفع لهما في دخولهما الجنة إذا كانا مؤمنين، وسيأتي تتمة للحديث. وبه (عن عبد الملك عن رجل شامي، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:) أي الشامي (أتاه رجل) أي جاء رجل النبي (فقال:) أي بطريق المشاورة (يا رسول الله أتزوج فلانة؟) بتقدير الاستفهام (فنهاه عنها) إذا لم ير له مصلحة في زواجها فإن المستشار مؤتمن كما ورد (ثم أتاه أيضاً) وقال ما قال بها، فنهاه عنها (ثم أتاه فنهاه عنها،) وكان يمنع النبي إجمالاً، ولم يبين له إعلالاً (ثم قال) أي إكمالا:

- ذكر إسناده عن الشعبي والحكم بن عيينة

(سوداء) أي قبيحة في الصورة (وَلُودٌ) أي من شأنها أن تلد أو يرجى ولادتها لما في خاصية أمها وجداتها (أحب إلي من حسناء) أي بيضاء مستحسنة في الصورة (عاقر) أي في السيرة، بأن لم تلد ولو كانت صغيرة، فإن المقصود الشرعي من النكاح بقاء النسل، وكثرة المؤمنين، ولهذا ورد أحاديث كثيرة في فضل النكاح. وقد جمعت أربعين حديثاً ينتفع بها أهل الفلاح. والحديث رواه الطبراني عن معاوية بن حيدة ولفظه: سوداء وتولد خير من حسناء لا تلد، وإني مكاثر بكم الأمم حتى بالسقط مُحْبَنْطِئاً على باب الجنة به يقال: ادخل الجنة فيقول: يا رب وأبواي فيقال له: ادخل الجنة أنت وأبواك. - ذكر إسناده عن الشعبي والحكم بن عيينة - سبع خصال في عائشة -ذكر إسناده عن الشعبي وقد سبق ترجمته، وأنه من أجلاء التابعين. أبو حنيفة (عن الشعبي عن عائشة رضي الله عنها قالت: لقد كُنَّ) أي وجدن (فيَّ) بتشديد التحتية أي في حقي (خصال) أي خصال سبع، (لم يكنّ) يحتمل أن يكون بتشديد النون أي لم يوجد تلك الخصال كلّهنّ، ويحتمل أن يكون بتخفيفها أي لم يكن شيء منها (لأحد من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم: كنت أحبهن إليه أباً) تميز أي من جهة الأب، والمعنى: أن أباها كان أحب إليه صلى الله عليه وسلم من أب غيرها من أمهات المؤمنين، وقد سأله عليه الصلاة والسلام رجل فقال: أي الناس أحب إليك فقال

عائشة، فقال من الرجال؟ قال: أبوها، (وأحبهنَّ إليه نفساً) أي ذاتاً ونعتاً (وتزوجني بكراً)، ومن المعلوم أن البكارة تقتضي زيادة المحبة ولذا ورد: هلا بكراً تلاعبها وتلاعبك. وفي رواية عليكم بالأبكار، فإنهن أعذب أفواهاً، وقد فقدها عليه الصلاة والسلام في بعض نسائه، فقال: واعروساه، أخرجه أحمد (وما تزوجني حتى أتاه جبريل عليه السلام بصورتي) وفي الترمذي أن جبريل جاءه عليه السلام بصورتها في خرقة حرير خضراء، وقال: هذه زوجتك في الدنيا والآخرة وفي رواية قال جبريل، إن الله قد زوجك بابنة أبي بكر ومعه صورتها. وقد قال لها عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين: رأيتك في المنام ثلاث ليال جاءني بك الملك في خرقة من حرير فيقول: هذه امرأتك فأكشف عن وجهك فأقول: إن يك من عند الله يمضه، والخرقة بفتحتين فقاف شقة الحرير أو البيضاء، (ولقد رأيت جبريل) عليه الصلاة والسلام (وما رآه أحد من النساء) أي مطلقاً، أو نساء النبي صلى الله عليه وسلم، وهو الأظهر عندي. وإنما قيد بالنساء لأن بعض الرجال رآه على صورته كابن عباس، وكثيراً منهم رأوه على صورة دحية، أو صورة غيره (وكان يأتيه جبريل عليه السلام) أحياناً (وأنا معه في شعاره) أي لحافه، ولم يقع مثل ذلك لسائر أزواجه، (ولقد نزل في عذري) أي في حقي براءة من التهمة في الآيات المنزلة (كاد أن يهلك) بكسر اللام أي قارب أن يقع في البهتان الذي هو الهلاك والخسران (فئام) أي جماعات من الناس أي من المنافقين والموافقين، (ولقد قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي) أي

- حديث النكاح

بإشارته عليه الصلاة والسلام وبرضى أزواجهن في ذلك المقام، (وليلتي ويومي) أي على تقدير القسم بيني وبينهن، (وبين سحري ونحري) بفتح وسكون فيهما، وفي رواية بين حاقنتي وذاقنتي رواه البخاري والحاقنة بالحاء والقاف والنون أسفل من الذقن، والذاقنة طرف الحلقوم والسحر الصدر، والنحر محل الذبح، والمراد أنه عليه الصلاة والسلام توفي ورأسه بين حنكها وصدرها. وهذا لا يعارضه ما أخرجه الحاكم وابن سعد من طرق أنه صلى الله عليه وسلم مات ورأسه في حجر علي لأن كل طريق منها كما قال الحافظ ابن حجر لا يخلو من شيء، فلا يلتفت لذلك والله أعلم بما هنالك. - حديث النكاح وبه (عن الشعبي عن جابر بن عبد الله وأبي هريرة قالا): أي كل واحد منهما (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تُنْكَحُ المرأة) بصيغة المجهول نفياً أو نهياً (على عمتها) أي لا تزوج فوقها، (ولا على خالتها ولا تُنْكح الكُبرى) أي العمة، والخالة (على الصغرى)، وهي بنت الأخ وبنت الأخت، (ولا الصغرى على الكبرى)، أي وكذا العكس في القضية. وكرر النفي من الجانبين للتأكيد لرفع توهم جواز تزوج العمة على بنت أختها لفضيلة العمة والخالة، كما يجوز تزوج الحرة على الأمة دون العكس.

- حديث القصاص

والحاصل أنه لا يجوز الجمع بين امرأتين نكاحاً ووطئاً أيتهما فرضت ذكراً لم تحل له الأخرى، فلا يجوز الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها، أو بنت أختها أو بنت أخيها. والحديث رواه مسلم مفرقاً وأبو داود والنسائي والترمذي مجموعاً من حديث أبي هريرة مرفوعاً: لا تنكح الكبرى على الصغرى، ولا الصغرى على الكبرى. - حديث القصاص وبه (عن الشعبي عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يستقاد) بالقاف من القود أي لا يقتص (من الجراح) أي من أجلها وهي بكسر الجيم جمع الجراحة (حتى تبرأ) بفتح التاء والراء أي متى يحصل برؤها لتمكن الاقتصاص على وجه المماثلة، أولاً فإن القود يجب فيما دون النفس إن أمكن المماثلة لقوله تعالى: {والجُرُوحَ قصاصٌ} (¬1) أي ذات قصاص، ولفظ القصاص ينبىء عن المماثلة، ولا معتبر بكبر العضو وصغره، لأنه لا يوجب التفاوت في المنفعة، فلا قود في الجائفة، لأن الصحة فيها نادرة، فلا يمكن القصاص فيها على وجه يقع البرء. - حديث المسح وبه (عن الشعبي، عن المغيرة بن شعبة) ثقفي أسلم عام الخندق، وقَدِم ¬

(¬1) المائدة 45.

- حديث سؤر الهرة

مهاجراً نزل بالكوفة ومات سنة خمسين، وهو ابن سبعين سنة، وهو أميرها لمعاوية. روى عنه نفر (قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على الخفين) أي في الحضر والسفر، قال ابن المنذر روينا عن الحسن أنه قال: حدثني سبعون من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه مسح على الخفين. وروى أصحاب الكتب الستة من حديث جرير قال: رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم بال، ثم توضأ ومسح على خفيه. قال إبراهيم النخعي كان يعجبهم هذا الحديث، لأن إسلام جرير كان بعد نزول المائدة. - حديث سؤر الهرة وبه (عن الشعبي عن مسروق)، وهو ابن الأجدع الهمداني الكوفي أسلم قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وأدرك العصر الأول من الصحابة كأبي بكر وعمر وعثمان، وعلي وكان أحد العلماء الأعلام. قال محمد بن المنتشر إن خالداً بن عبد الله كان عاملاً على البصرة أهدى إلى مسروق ثلاثين ألفاً، وهو يومئذٍ محتاج إلى درهم، فلم يقبلها، يقال إنه سُرق ثم وجد فسُمي مسروقاً. روى عنه جماعة كثيرة ومات بالكوفة سنة ثمانية عشرة ومائة، (عن عائشة أن

- ذكر إسناده عن الحكم بن عيينة

رسول الله توضأ) أي أراد أن يتوضأ (ذات يوم) أي يوماً من الأيام فذات زيد للإبهام (فجاءت الهرة) أي واحدة من هذا الجنس معهودة أو منكرة (فشربت من الإناء) أي من الماء الذي في الإناء (فتوضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم منه) فدل على أن سؤر الهرة طاهر مطهر إذا لم يأكل نجاسة، أو أكلها ومكثت ساعة. وقيدنا بذلك لما في النوادر عن أبي حنيفة في هرة أكلت فأرة ثم شربت لا يتنجس الماء لأنها غسلت فمها بلعابها فيكون طاهراً وفي الحديث إنها ليست بنجسة إنها من الطَّوافين عليكم. وهذا منه صلى الله عليه وسلم لبيان الجواز، فلا ينافي ما ذكره علماؤنا من أن سؤره مكروه يعني الأولى ألا يتوضأ منه إلا إذا عدم غيره. وقد روى الطحاوي والدارقطني، عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصغي الهرة الإناء حتى تشرب منه. وفي كامل ابن عدي في ترجمة أبي يوسف صاحب أبي حنيفة أنه روى عن عائشة أنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا مرّ الهرة فيصغي لها الإناء فشرب منه، ثم يتوضأ بفضلها ورش ما بقي أي على الأرض لئلا يستعمله أحد لكرامته فيه. - ذكر إسناده عن الحكم بن عيينة ذكر إسناده عن الحكم بن عيينة (رضي الله عنه) الظاهر أنه من أتباع التابعين. - حديث توقيت المسح (أبو حنيفة عن الحكم عن القاسم بن محمد) مرّ ذكره (عن شريح) بالتصغير (بن هانىء) يهمز في آخره، وهو أبو المقدام الحارثي، أدرك زمن النبي

صلى الله عليه وسلم وكنى عليه الصلاة والسلام إياه هانىء بن زيد فقال: أنت أبو شُرَيح، وشريح من أجلة أصحاب علي (رضي الله عنه) وقد ظهرت فتواه في زمان الصحابة ولذا عده بعضهم في الصحابة. وقد روى عنه ابنه المقدام (عن علي كرم الله وجهه عن النبي صلى الله عليه وسلم يَمْسَحُ المُسَافِرُ على الخُفَّين ثَلاَثَةَ أيامٍ ولَيَالِيْهَا) أي وقت الحدث بعد اللبس على طهارة كاملة، والمقيم يوماً وليلة، وقد سبق الكلام عليه مرة بعد مرة. وبه (عن الحكم عن القاسم، عن شريح قال: سألت عائشة أمسح على الخفين) أي أمسح عليهما؟ قالت: المسح على الخفين ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم فلما كانت تعرفه أنه من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فلما كانت تعرفه من أصحاب علي، أو كان السؤال في زمن فيه علي كرم الله وجهه أعلم من هنالك (قالت: ايتِ علياً) أي احضر. (فأسأله) يحتمل اللغتين، والقراءتين فيه (فإنه كان) أي علي (يسافر مع النبي صلى الله عليه وسلم)، وفيه تنبيه على أن غالب مسحه عليه الصلاة والسلام، كان في السفر، ولم تدر عائشة أنه مسح في الحضر فضلاً عن غيره (قال شريح: فأتيت علياً) أي فسألته (فقال لي: امسح)، أي لأني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح أو يأمر بالمسح، وظاهره الإطلاق الشامل للحضر والسفر، كما يستفاد صريحاً من الحديث الذي تقدم.

- حديث الحجاب

- حديث الحجاب وبه (عن الحكم عن عراك) بمكسورة وخفة راء فكاف، ابن مالك، (عن عروة بن الزبير) أي ابن العوام سمه أباه وأمه أسماء وعائشة وغيرهم من أكابر الصحابة، روى عنه ابنه هشام والزهري وغيرهما، من أكابر التابعين وأحد فقهاء السبعة من أهل المدينة، (عن عائشة قالت: جاء أفلح بن أبي قعيس) بضم قاف وفتح عين مهملة وسكون تحتية وسين مهملة يستأذن أي يطلب الإذن بالدخول على عائشة، (فاحتجبت منه) بأن سَتّرت منه بعد إذنها له بالدخول أو بعدم الإذن بالدخول: (فقال: تحتجبين مني)؟ بتقدير استفهام الإنكار وأنا عمك أي بالرضاع، والجملة حالية (فقالت: فكيف ذلك) أي من ذلك وصلت العمومة هنالك (قال: أرضعتك امرأة أخي بلبن أخي) احتراز منه أن يكون اللبن لغيره فلا يكون عمامتها حينئذٍ قالت: (فذكرت لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: تَرَبَتْ يداك) أي خلتا عن الخير، وليس المراد به الدعاء، وإنما القصد لزجرها عن عدم علمها بما كان حقها ألا تجهل، كما أشار إليه صلى الله عليه وسلم بقوله: (أما تعلمين) بالاستفهام التوبيخي (أنه يحرم من الرضاع) بفتح الراء وكسرها أي الإرضاع (ما يحرم من النسب). والحديث مشهور رواه أحمد والشيخان، وأبو داود والنسائي، وابن ماجه عن عائشة، وكذا أحمد ومسلم والنسائي، وابن ماجه، عن ابن عباس بلفظ: يحرم

- حرمة لبس الحرير

من الرضاعة ما يحرم من النسب، وأصل ذلك قوله تعالى: {أُمَّهَاتُكُمْ الَّلاتي أَرْضَعْنَكُم وأَخَوَاتُكُم مِنْ الرَّضَاعةِ} (¬1). - حرمة لبس الحرير وبه (عن الحكم، عن أبي ليلى) أحد أئمة المجتهدين وأجلة التابعين، (عن حذيفة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن لبس الحرير) أي صفيه، (والديباج) بكسر أوله نوع منه، (وقال: إنما يفعل ذلك) أي يلبسه في الدنيا (من لا خلاق له) لا نصيب ولا حظَّ له (في العقبى). وفي رواية أحمد والشيخين وأبي داود والنسائي عن عمر بلفظ: إنما يلبس الحرير في الدنيا من لا خلاق له في الآخرة. وقد روى أحمد والشيخان والنسائي وابن ماجه عن أنس مرفوعاً: من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة. - حرمة آنية الذهب والفضة وبه (عن الحكم عن أبي ليلى قال: كنا) أي بعض معاشر التابعين (مع ¬

(¬1) النساء 23.

- يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب قليله وكثيره سواء

حذيفة) أي ابن اليمان (بالمدائن)، وهو بلدان قريب الكوفة كان تحت كسرى (فاستسقى دهقاناً) بكسر أوله وبضم أي طلب حذيفة منه ماء وهو زعيم (¬1) حي العجم، ورئيس الإقليم معرب (فأتاه به) أي بالماء (في جام فضة فرمى) أي حذيفة (به) أي بذلك الجام (ثم قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن آنية الذهب والفضة، وقال: هي لهم) أي للكفار والفجار (في الدنيا، ولكم) أيها المؤمنون الأبرار (في الآخرة). وفي رواية الطبراني عن معاوية أنه عليه الصلاة والسلام نهى عن الشرب في آنية الذهب والفضة، ونهى عن لبس الذهب والحرير، وفي رواية النسائي عن أنس أنه عليه الصلاة والسلام نهى عن الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة. - يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب قليله وكثيره سواء وبه (عن الحكم عن القاسم عن شريح عن علي، رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب)، وقد سبق مخرجه (قليله ¬

(¬1) فلاح.

- الولاء لمن أعتق

وكثيره)، أي يستويان في الحرمة، وهذه الزيادة مستفادة من الإطلاق، فيحتمل أن يكون مرفوعاً وموقوفاً وهو حجة على كل تقدير عندنا فالرضاع يثبت بمصة، وهو مذهب الجمهور للعلماء حكاه ابن المنذر، عن علي، وابن مسعود، وابن عمر، وابن عباس، وعطاء، وطاوس، والحسن، وابن المسيب، ومكحول، والزهري، وقتادة، والحكم، وحماد، ومالك، والثوري، والأوزاعي وقال الشافعي وأحمد وإسحاق: لا يثبت الرضاع إلا بخمس رضعات يكتفي الصبي بكل واحدة منها، لما روى مسلم عن عائشة أنها قالت: أنزل في القرآن عَشْرُ رضعات معلومات يحرمن فنسخ من ذلك خمس وصار إلى خمس رضعات، فتوفى رسول الله صلى الله عليه وسلم، والأمر على ذلك. ولنا إطلاق قوله تعالى: {أمَّهَاتُكُمْ الَّلاتِي أَرْضَعْنَكُم وأخواتكم مِنَ الرضاعة} (¬1) من غير تقييد بعدد، وكذا إطلاق ما في الصحيحين من حديث عائشة، وابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب. ونقل ابن الهمام عن ابن مسعود، وابن عباس أن التقييد كان أولاً ثم نسخ فبقي الإطلاق وهو الأحوط أيضاً، والله أعلم. - الولاء لمن أعتق وبه (عن الحكم عن عبد الله بن شداد) بِتَشْدِيْدِ الدال الأولى (أن ابنة الحمزة)، وهو ابن عبد المطلب عم النبي صلى الله عليه وسلم (أعتقت مملوكاً، فمات وترك ابنة ¬

(¬1) النساء 23.

- لا يجوز أخذ المال بدل الجيفة

فأعطى النبي صلى الله عليه وسلم) أي بطريق الإرث (لابنته) أي لابنة المملوك (النصف) أي على الفريضة (وأعطى ابنة حمزة النصف). أي على العصبية لحديث: الولاء لمن أعتق، رواه أحمد والطبراني عن ابن عباس. وفي النهاية: الولاء بفتح الواو والمد مشتق من الولاية، وهي المقاربة وفي الشريعة عبارة عن عصوبة متراخية عن عصوبة النسب منها يرث منها المعتق ويلي أمر النكاح والصلاة عليه. - لا يجوز أخذ المال بدل الجيفة (أبو حنيفة وابن أبي ليلى، عن الحكم) بفتحتين، (عن مقسم) بكسر الميم وفتح السين المهملة، (وعن ابن عباس أن رجلاً من المشركين يوم الخندق) وهو يوم الأحزاب (قتل في الخندق) أي في نفسه، أو غزوته، أو قتل ووقع في الخندق (فأعطى المشركون بجيفته) أي بسبب أخذ جيفته في مقابلها وبدلها (مالاً) أي كثيراً (فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك) أي عن أخذ ما دفعوا هنالك، وهل مكنوهم من أخذ جيفته أم لا احتمالان.

- ركعتين بعد الظهر

- ركعتين بعد الظهر وبه (عن الحكم عن مجاهد) كان إماماً في القراءة والتفسير، ومن الطبقة الثانية من تابعي مكة وفقهائها مات سنة مائة، وروى عنه جماعة، (عن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بعد الظهر) أي بعد أداء فرضه (ركعتين)، والمعنى أنه كان يواظب عليهما، وقل أن يتركهما، ولهذا قال علماؤنا: إنهما من سنن الرواتب المؤكدة، وفي الصحيحين عن ابن عمر كان يصلي قبل الظهر ركعتين وبعدها ركعتين. وفي رواية ابن ماجه عن أبي أيوب كان يصلي قبل الظهر أربعاً إذا زالت الشمس لا يفصل بينهن بتسليم ويقول: أبواب السماء تفتح إذا زالت الشمس. - ذكر إسناده عن محارب بن دِثار - عدم التكلف -ذكر إسناده عن (محارب) بضم ميم وكسر راء بن دثار بكسر مهملة وخفة مثلثة، وهو من أكابر التابعين (أبو حنيفة ومسعر) بكسر ميم وفتح عين مهملة (بن كدام) بكسر كاف وخفة دال مهملة، (عن محارب بن دثار، عن جابر أنه) أي

محارباً (دخل عليه) أي على جابر، (وقرَّب) أي وقدم (له خبزاً وخلاً) حيث لم يلق غيرهما (ثم قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهانا عن التكليف، أي تحمل الكلفة والمشقة بصرف النفقة زيادة على الطاقة. وفي البخاري عن أنس قال: نهينا عن التكلف، (ولولا ذلك) أي نهيه (لتكلفت لكم) أي لك ولأمثالك ويؤيده ما رواه الحاكم في مستدركه عن سلمان أنه عليه الصلاة والسلام نهى عن التكلف للضيف. ولعل وجه النهي حتى لا يكره نزوله. وفي التنزيل {وَمَنْ قُدِر عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتاه الله لا يُكَلِّفُ الله نفساً إلا مَا آتَاهَا} (¬1) وقد قال تعالى: {فَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ المتكلفين} (¬2). وفي مسند الفردوس من حديث الزبير بن العوام: ألا إني بريء من التكلف، وصالحو أمتي. وأخرجه ابن عساكر في تاريخه عن الزبير بن العوام بلفظ: اللهم إني وصالح أمتي براء من كل تكلف، وأخرجه عن الزبير بن أبي هالة، وهو ابن خديجة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ولفظه: وأنا وأمتي براء من التكلف. ¬

(¬1) الطلاق 7. (¬2) ص 86.

- نعم الإدام الخل وأخرجه الدارقطني بسند ضعيف بلفظ: أنا والأتقياء من أمتي بريئون من التكلف فقول النووي ليس بثابت ليس بثبت، (وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: نِعْمَ الإِدام الخلّ)، ورواه أحمد ومسلم، والأربعة عن جابر، ومسلم والترمذي عن عائشة. - غسل الرجلين وبه (عن محارب، عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ويلٌ للعراقيب من النّار) العرقوب، هو الوتر الذي خلف الكعبين بين مفصل الساق والقدم من ذوات الأربع، وهو من الإنسان فريق العقب، كذا في النهاية، وروى الشيخان وغيرهما عن ابن عمر بلفظ: "ويل للأعقاب من النار" وخص العقب بالعذاب، لأنه العضو الذي لم يغسل. وقيل: أراد صاحب العقب فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه، وإنما قال ذلك، لأنهم كانوا لا يستقصون غسل أرجلهم في الوضوء. ولذا قال: (فإذا غسلتم أرجلكم بلغوا الماء أصول العراقيب،) والمقصود

استيعاب غسل الرجلين. فقد روى أحمد والحاكم في مستدركه عن عبد الله بن الحارث ولفظه: "ويل للأعقاب بطون الأقدام من النار". - فضيلة نوافل أربعة بعد العشاء وبه (عن محارب عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من صلى أربعاً بعد العشاء،) وفي رواية ليلة الجمعة (لا يفصل بينهن بتسليم) فيه وأمثاله تنبيه على أن للأربع فضيلة في الملوين كما قال به الإمام أبو حنيفة (يقرأ في الركعة الأولى بفاتحة الكتاب وتنزيل) بالرفع على الحكاية، ويجوز جره بالإعراب، وفي رواية (وآلم) تنزيل السجدة بالجر على الإضافة، ويجوز رفعه على تقدير وهو ونصبه بتقدير أعني، (وفي الركعة الثانية بفاتحة الكتاب وحم الدخان) بفتح الميم ويجوز كسرها وإعراب الدخان كالسجدة، (وفي الركعة الثالثة بفاتحة الكتاب ويس) إما بالوقف والسكون وإما بالفتح (وفي الركعة الآخرة بفاتحة الكتاب وتبارك الذي بيده الملك بالوجوه الثلاثة كُتب له كمن قام ليلة القدر) أي جميعها أو كمن أدركها ولو بعضها (وشفع)

بضم شين وكسر فاء مشددة أي وقبل شفاعته (في أهل بيته كلهم ممن وجبت له النار) بارتكاب كبيرة، أو باكتساب صغيرة (وأُجير) بصيغة المفعول من الإجارة، وحفظ (من عذاب القبر) والحديث في هذا المسند وقع مرفوعاً وروي موقوفاً عن ابن عمر أي بسند آخر إلا أنه في حكم المرفوع ومثله: لا يقال من قبل الرأي، ونظير هذا الحديث جاء في صلاة حفظ القرآن. وقد رواه الترمذي، وقال: حسن غريب، والطبراني، وابن السني في عمل اليوم والليلة، وتفصيله في شرح الحصن الحصين، والله الموفق والمعين. وبه (عن محارب عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مَنْ صَلَّى بعد العشاء أربع ركعات قبل أن يخرج من المسجد عدلن) أي ساوين في الأجر (مثلهن) أي في العدد من (ليلة القدر،) أي لو فرض إدراكه بها، وفيه تنبيه على أنه يجوز أداء النوافل في المسجد وإن كان في البيت أفضل سوى المكتوبة. وبه (عن محارب عن ابن عمر قال: كان على النبي صلى الله عليه وسلم دين) أي بطريق المعاملة أو بالقرض والمحاملة (فقضاني، وزادني،) فدل على أن الزيادة بعد القضاء لا تعد من الربا بل من حسن الأداء وجميل الوفاء.

- حرم كل ذي ناب من السباع وبه (عن محارب عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل كل ذي ناب من السباع) كالأسد والذئب، والحديث بعينه رواه أصحاب الكتب الستة عن أبي ثعلبة. وفي رواية أبي داود والنسائي، وابن ماجه عن خالد بن الوليد أنه عليه الصلاة والسلام نهى عن أكل لحوم الخيل والبغال، والحمير، وعن كل ذي ناب من السباع. وبه قال أبو حنيفة، وقال أبو يوسف، ومحمد: لا بأس بأكل الخيل لما أخرجه البخاري في غزوة خيبر. ومسلم في الذبائح عن جابر بن عبد الله قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهلية، وأذن في لحوم الخيل. - حديث المتعة (وبه) أي بسنده المذكور على وجهه المسطور (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن

- ذكر إسناده عن سماك بن حرب

متعة النساء) احترازاً عن متعة الحج، وهذا مبين لرواية أحمد عن جابر ورواية البخاري عن علي أنه عليه الصلاة والسلام نهى عن المتعة. (وبه) أي بسنده المذكور وبصفته المزبور (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى يوم خيبر عن كل ذي مخلب من الطير) كالصقر والبازي، وقد رواه أحمد ومسلم وأبو داود وابن ماجه عن ابن عباس أنه عليه الصلاة والسلام نهى عن أكل كل ذي ناب من السباع وعن أكل كل ذي مخلب من الطير. - ذكر إسناده عن سماك بن حرب -ذكر إسناده عن سماك (¬1) بن حرب بكسر السين المهملة تابعي جليل يروي عن جابر بن سمرة، والنعمان بن بشير وعنه شعبة بن زائدة له نحو مائتي حديث وهو ثقة ساء حفظه، ضعَّفه ابن المبارك وشعبة وغيرهما. - دباغة جلد الميتة (أبو حنيفة عن سماك بن حرب، عن عكرمة، عن ابن عباس) أي عن مولاه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرّ بشاة ميتة) بتخفيف التحتية، ويجوز تشديدها (لسودة) أي كانت ملكاً لها وهي إحدى أمهات المؤمنين (فقال: ما على أهلها) ¬

(¬1) سماك ضعيف.

أي لابأس عليهم (لو انتفعوا بإهابها) أي بجلدها بعد دبغها (قال: فسلخوا جلدة الشاة) أي أخرجوه من لحمها (فجعلوه سقاً) بكسر أوله، وهو ما يسقى فيه، أو منه كالقربة ونحوها (في البيت) أي بيت سودة، (واستمر فيه حتى صار أي ذلك الجلد المدبوغ وذلك السقاء شناً) بفتح الشين المعجمة وتشديد النون أي صار خلقاً. وقد روى ابن خزيمة في صحيحه والحاكم وصححه عن ابن عباس قال: أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يتوضأ من سقاء فقيل له: إنه ميتة؟ فقال: دباغته يزيل خبثه أو نجسه أو رجسه. وبه (عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أيما إهاب) أي كل جلد ميتة (دبغ فقد طهر)، واستثنى العلماء جلد الخنزير لنجاسة عينه، والآدمي لكرامته، وفي الكلب خلاف، والحديث بعينه أخرجه أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه، عن ابن عباس. - حديث آداب الجلوس وبه (عن سماك، عن جابر بن سمرة قال: كنا) أي معشر الصحابة إذا أتينا

النبي صلى الله عليه وسلم) أي حضرنا مجلسه (قعدنا حيث انتهى بنا المجلس) وفي الشمائل للترمذي أنه عليه الصلاة والسلام كان إذا انتهى إلى قوم جلس حيث ينتهي به المجلس، ويأمر بذلك. وقد روى البغوي والطبراني والبيهقي عن شيبة بن عثمان مرفوعاً: "إذا انتهى أحدكم إلى المجلس فإن وُسِّعَ له فليجلس، وإلا فلينظر إلى أوسع مكان يرده فليجلس فيه". - حالة قوم لوط وبه (عن سماك عن أبي صالح) وهو ذكوان السمان الزيات المدني مولى أم هانىء يجلب السمن والزيت إلى الكوفة تابعي جليل واسع الرواية. روى عن أبي هريرة، وأبي سعيد، وعنه ابنه سهيل والأعمش، (عن أم هانىء) بكسر النون، فهمزة، اسمها فاضة بنت أبي طالب أخت علي، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبها في الجاهلية، وخطبها هبيرة بن أبي وهب فزوجها أبو طالب من هبيرة وأسلمت ففرق الإسلام بينها وبين هبيرة وخطبها النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: والله إن كنت لأحبك في الجاهلية فكيف في الإسلام ولكن امرأة عضيبة فسكت عنها. وقد روى عنها خلق كثير منهم عليّ، وابن عباس (قالت: قلتُ يا رسول الله ما كان) أي أيّ شيء كان (المنكر الذي كانوا) أي قوم لوط (يأتون) أي يفعلون

(في ناديهم) أي مجالسهم؟ (قال: كانوا يخذفون) بالخاء والذال المعجمتين أي يرمون الناس بالنواة والحصاة المأخوذة فيما بين الإصبعين (ويسخرون من أهل الطريق) أي من المارين عليهم من المسافرين والمجاوزين. والحديث رواه البغوي في تفسير بسنده ولفظه: عن أم هانىء قَالَت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله: وتأتون في ناديكم المنكر؟ قالت: ما المنكر الذي كانوا يأتون؟ قال صلى الله عليه وسلم: كانوا يخذفون أهل الطريق ويسخرون بهم، ويروى أنهم كانوا يجلسون في مجالسهم وعند كل رجل منهم قصعة فيها حصى، فإذا مرّ بهم عابر سبيل خذفوه فأيهم أصابه كان أولى به، فقيل: إنه كان يأخذ ما معه وينكحه ويغرمه ثلاثة دراهم، ولهم قاض بذلك. وقال القاسم بن محمد: كانوا يتضارطون في مجالسهم، وقال مجاهد: كان يجامع بعضهم بعضاً في مجالسهم، وعن عبد الله بن سلام كان يبزق بعضهم على بعض، وعن مكحول قال: من أخلاق قوم لوط مضغ العلك، وتطريق الأصابع بحناء، وحل الإزار، والصفير، والخذف، واللواطة. - حديث نكاح المحرم وبه (عن سماك عن ابن جبير عن ابن عباس قال: تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم ميمونة) بنت الحارث (وهو محرم).

والحديث بعينه رواه أصحاب الكتب الستة إلا البخاري، وبنى بها وهو حلال وماتت بسرف وقال مالك والشافعي وأحمد: لا يصح نكاح المحرم لما رواه الجماعة إلا البخاري، عن أبي عثمان بقوله: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا ينكح المحرم ولا ينكح". رواه مسلم وأبو داود، وفي رواية ولا يخطب وهو محمول على الكراهة عند الشافعي، وزاد ابن حبان، ولا يخطب عليه. وبه (عن سماك وعن عياش الأشعري، عن أبي موسى الأشعري) أسلم قديماً بمكة هاجر إلى أرض الحبشة، ثم قدم مع أهل السفينة ومنهم جعفر ورسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر (أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد في {ص}) أي في الآية المعروفة من سورته، كما هو مذهب أبي حنيفة خلافاً للشافعي. والحديث رواه النسائي أنه عليه الصلاة والسلام سجد في {ص} وقال: سجدها نبي الله داود توبة، ونحن نسجدها شكراً، فبين النبي صلى الله عليه وسلم السبب في حق داود، وفي حقنا وكونه شكراً لا ينافي الوجوب، فكل الفرائض والواجبات إنما وجبت شكراً لتوالي النعم. - جلوس بعد الفجر وبه (عن سماك عن جابر بن سمرة قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى الصبح) أي صلاته، (لم يبرح) بفتح الراء أي لم يزل، ولم يتحول (عن مكانه) أو موضعه، (حتى تطلع الشمس وتبيض) بتشديد الضاد أي ترتفع ويكثر ضياؤها. والحديث رواه الحاكم ومسلم والثلاثة عن جابر بن سمرة أنه عليه الصلاة والسلام كان إذا صلى الغداة جلس في مصلاه حتى تطلع الشمس.

- ذكر إسناده عن زياد بن علاقه

- ذكر إسناده عن زياد بن علاقه -ذكر إسناده عن زياد بن علاقه بكسر مهملة وخفة لام ثم قاف فهاء. - حديث قبلة المرأة في الصوم أبو حنيفة (عن زياد، عن عمر بن ميمون) وهو الأزدي أدرك الجاهلية وأسلم في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ولم يلقه وهو معدود من كبار التابعين من أهل الكوفة. روى عن عمر بن الخطاب، ومعاذ بن جبل، وابن مسعود، وسمع منه إسحاق، مات سنة أربع وسبعين (عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل) أي بعض نسائه (وهو صائم) فرضاً، أو نفلاً. والحديث بعينه رواه أحمد والشيخان والأربعة عن عائشة، وفي الصحيحين أنه عليه الصلاة والسلام كان يقبلها وهو صائم. وروى أبو داود بإسناد جيد عن أبي هريرة أنه عليه الصلاة والسلام سأله رجل عن المباشرة للصائم فرخص له، وأتاه آخر فنهاه فإذا الذي رخص له شيخ والذي نهاه له شاب. قال ابن الهمام: وهذا يفيد التفصيل الذي اعتبرنا من أنه إذا كان لا يأمن فمكروه، وإلا فلا.

وبه (عن زياد عن يزيد بن الحارث، عن أبي موسى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فناء أمتي بطعنٍ) أي القتل بالرمح، ونحوه (والطاعون) أي الوباء (قيل يا رسول الله: الطعن قد عرفناه) أي من لغة العرب، (فما الطاعون؟) فإنه لغة غريبة (قال: وخذ أعدائكم) بفتح الواو وسكون الخاء المعجمة فالذي طعن أعداؤكم (من الجن وفي كل) أي من القتلين ظلماً (شهادة) أي ثوابها حكماً. (وفي رواية: في كل) أي من النوعين (شهداء) والرواية الأولى رواها أحمد والطبراني عن أبي موسى. - قراءة الفجر (أبو حنيفة ومسعر عن زياد عن قطبة بن مالك) بضم القاف وسكون الطاء فموحدة فهاء (قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في إحدى ركعتي الفجر) أي فرض الصبح، (والنخل) بالنصب عطف على ما قبله من قوله تعالى: {وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّماءِ مَاءً مُبَاركاً فَأَنْبَتْنَا به جَنّاتٍ وحَبَّ الحَصِيدِ} (¬1) أي المحصود من الزرع {والنَّخل باسقاتٍ} (¬2) أي حال كونها طويلات لها طلع أي إحدى ركعتي الفجر. ¬

(¬1) ق 9. (¬2) ق 10.

- حديث ترغيب النكاح وبه (عن زياد عن عبد الله بن الحارث، عن أبي موسى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تزوجوا فإني مُكَاثِرُ بِكُم الأمم) رواه البيهقي عن أبي أمامة ولا تكونوا كرهبانية النصارى. ورواه أبو داود والنسائي عن مَعقَل بن يسار بلفظ: تزوجوا توددوا، تولدوا فإني مُكاثرٌ بكم. - فضيلة خلق حسن وبه (عن زياد، عن أسامة بن شريك) وهو الدنياني الثعلبي حديثه في الكوفيين، وعداده فيهم روى عنه زياد بن علاقة وغيره (قال: شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي حضرته (والأعراب) أي أهل البادية يسألونه أي سائل، من جملتها (قالوا: يا رسول الله ما خير ما أُعْطِيَ العبدُ) من العلوم والأعمال، والمعارف، والأحوال (قال: خُلُق) بضمتين، أو بضم فسكون (حسنٌ) أي مستحسن

يراعى فيه حق الله وحق عباده وكان له عليه الصلاة والسلام حظٌ جسيم في الخلق الكريم كما يشير إليه قوله تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} (¬1) والحديث رواه أحمد والنسائي وابن ماجه، والحاكم عن أسامة بن شريك، ورواه ابن أبي شيبة عن رجل من جهينة مرفوعاً، "خير ما أعطي الرجل المؤمن خلق حسن، وشر ما أعطي الرجل قلب سوء في صورة حسنة". وروى المستغفر في مسلسلاته، وابن عساكر عن الحسن البصري، عن الحسن بن علي، عن أبي الحسن، عن جد الحسن: أن أحسن الحسن الخلق الحسن. - حديث التهجد وبه (عن زياد عن المغيرة) أي ابن شعبة، وقد مرت له ترجمةٌ (قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم) أي لصلاة التهجد عامة الليل أي أكثره (حتى تورمت قدماه فقال له أصحابه: أليس) أي الشأن، (والله قد غفر لك) بصيغة المجهول، أو المعلوم (ما تقدم من ذنبك وما تأخر) أي من ذنبك اللائق بجنابك فإن حسنات الأبرار سيئات الأحرار والمعنى كما في رواية أتتكلف هذا والحال أن الله جعلك مغفوراً (قال: أَفلا أَكُونُ عبداً شكوراً) وقد سبق الكلام عليه مبنى ومعنى فراجعه. ¬

(¬1) القلم 4.

- ذكر إسناده عن أبي بردة

وبه (عن زياد يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم) فالحديث مرسل وهو حجة عند الجمهور، خلافاً للشافعي (أنه أمر) أي أصحابه أو أمته (بالنصح) أي بالنصيحة، وهو إرادة الخير للمنصوح له (لكل مسلم). وفي رواية مسلم عن تميم بن أوس الدارمي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الدِّينُ النصيحة" قلنا لمن؟ قال: "لله ولكتابه ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم"، وقد بسطنا الكلام عليه في شرح الأربعين والله الموفق والمعين. -ذكر إسناده إلى أبي بردة بن أبي موسى الأشعري أحد التابعين المشهورين المكثرين، سمع أباه وعلياً وغيرهما، كان على قضاء الكوفة بعد شريح، فعزله الحجاج. - ذكر إسناده عن أبي بردة - أمتي أمة مرحومة (أبو حنيفة عن أبي بردة، عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أمتي أمة مرحومة) أي في العقبى، (وإنما عذابها بأيديها) أي بأيدي بعضهم لبعض (في الدنيا) أي فيكون مكفراً لها في الأخرى، (زاد) أي الراوي (في رواية) أي أخرى (بالقتل) ومحله قبل قوله في الدنيا أو بعده والحديث رواه أبو داود والبيهقي،

والحاكم، والطبراني، عن أبي موسى بلفظ: أمتي هذه أمة مرحومة ليس عليها عذاب في الآخرة، إنما عذابها في الدنيا الفتن والزلازل والقتل والبلايا. - حديث سجدة يوم القيامة وبه (عن أبي بريدة، عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا كان) أي وقع (يوم القيامة) أي يوم يكشف عن ساق (ويدعون) أي الخلق (إلى السجود فلا يستطيعون)، أي الكفار أن يسجدوا (سجدت أمتي) أي جماعة الإجابة مرتين، كما كان في ملتهم من السجدة في صلاتهم كرتين إحداهما مقابلة الأمر والأخرى مقابلة الشكر قبل الأمم، أي قبل سجود سائر أمم الأنبياء من العلماء والأصفياء لحديث: نحن الآخرون السابقون (طويلاً) أي سجوداً طويلاً وزماناً كثيراً وثناءً جميلاً فقال: (فيقال: ارفعوا رؤوسكم فقد جعلت عدلكم) أي فداءكم (اليهود والنصارى)، أي كفار أهل الكتاب وأمثالهم (فداءكم) أي سبب خلاصكم من النار فيكون عذاب أهل الكتاب مضاعفاً في دار البوار عذاباً لضلالهم. وبه (عن أبي بردة عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن كان يوم القيامة يعطي كل رجل من المسلمين رجلاً من اليهود والنصارى فقال: هذا فداؤك من النار).

وفي رواية: إن هذه الأمة أمة مرحومة، عذابها بأيديها. وفي رواية مسلم، عن أبي موسى مرفوعاً: إذا كان يوم القيامة أعطى الله تعالى كل رجل من هذه الأمة رجلاً من الكفار فيقال له: هذا فداؤك من النار. وفي رواية إذا كان يوم القيامة دفع إلى كل رجل من هذه الأمة، أي المرحومة رجل من أهل الكتاب فقيل له: هذا فداؤك من النار. وفي رواية الطبراني والحاكم عن أبي موسى بلفظ: إذا كان يوم القيامة بعث الله تعالى إلى كل مؤمن ملكاً معه كافر فيقول الملك لمؤمن يا مؤمن هاك هذا الكافر فهذا فداؤك من النار. (وفي رواية: إن هذه الأمة أمة مرحومة، وعذابها بأيديها) كما أشار إليه قوله تعالى: {أو يَلْبِسكُم شِيَعاً وَيُذيقَ بعضَكُم بأْسَ بعضٍ} (¬1) وهذا أهون الأمرين المذكورين. قيل في قوله تعالى: {قُلْ هُوَ القَادِرُ عَلى أنْ يَبْعَثَ عَلَيكُمْ عَذَاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أو مِنْ تَحْتِ أرْجُلِكُمْ} ففي صحيح البخاري، عن جابر قال: لما نزل هذه الآية {قُلْ هُوَ القَادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيكُمْ عَذَاباً مِنْ فَوقِكُم} قال عليه الصلاة والسلام: أعوذ بوجهك {أو من تحت ارجلكم} قال: أعوذ بوجهك {أو يلبسكم شيعاً، ويذيق بعضكم بأس بعض} قال صلى الله عليه وسلم: هذا أهون وهذا أيسر. وفي رواية البخاري عن ابن عمر أنه عليه الصلاة والسلام دعا في سجدة ثلاثاً فأعطاه ثنتين ومنعة واحدة. سأله أن لا يسلط على أمته عدواً من غيرهم يظهر عليهم فأعطاه ذلك. وسأل أن لا يهلكهم بالسنين فأعطاه ذلك، وسأل ألا يجعل بأس بعضهم على بعض فمنعه ذلك. ¬

(¬1) الأنعام 65.

- ذكر إسناده عن علي بن الأقمر

- ذكر إسناده عن علي بن الأقمر - حديث سادل الثوب (وبه عن علي بن الأقمر، عن أبي جحيفة) بضم الجيم، وفتح الحاء المهملة فتحتية ساكنة فهاء وهو من صغار الصحابة، ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم توفى ولم يبلغ الحلم، ولكنه سمع منه، وروى عنه، مات بالكوفة سنة أربع وسبعين. روى عنه جماعة من التابعين (أن النبي صلى الله عليه وسلم مَرّ برجل سادل) بكسر الدال المهملة أي مسترخ (ثوبه) أي رداءه (فعطفه عليه) أي فرده على كتفه، وهذا من كمال تواضعه ومرحمته على أمته. (وفي رواية عن علي بن الأقمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم منقطعاً) هذا على اصطلاح المتقدمين وإلا فعلى طريق المتأخرين يكون مرسلاً، وعلى كل تقدير فهو عند أبي حنيفة وأتباعه حجة إذا كان الراوي ثقة. وبه (عن علي بن الأقمر، عن مسروق، عن عائشة قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم: إذا أراد أحدكم أن يضع خشبةً في حائطِهِ) أي على جداره أو على جدار جاره (فلا يمنعه) أي أحد، أو فلا تمنعه أيها المخاطب.

- حديث ذكر الله تعالى وبه (عن علي بن الأقمر عن النبي صلى الله عليه وسلم) مرسلاً (مرَّ بقوم يذكرون الله تعالى). وذكره سبحانه وتعالى أعم من التلاوة والتسبيح والتحميد والتهليل، وأمثال ذلك (فقال: أنتم) أيها القوم (من الذين أمرت أن أصبر نفسي) أي أحبسها (معهم) حيث قال تعالى: {واصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُوْنَ رَبَّهُمْ بالغداة والعشي يُرِيْدُونَ وَجْهَهُ} (¬1) (وما جلس عدلكم) بكسر العين أي مساويكم من الناس، وهو أقل الجمع (فيذكرون الله) أي يدعونه ويعبدونه (إلا حَفَّتهم الملائكة) بتشديد الفاء أي أحاطت بهم ملائكة الرحمة (بأجنحتها) إيماء إلى كمال قربهم بهم وتواضعهم معهم، (وغشيتهم الرحمة)، أي غطتهم الرحمة الإلهية الخاصة بالمتجردين لذكر الله، (وذكرهم الله فيمن عنده) من الملائكة المقربين مباهياً بهم. والحديث رواه الترمذي، وابن ماجه عن أبي هريرة وعن أبي سعيد بلفظ: "ما من قوم يذكرون الله تعالى إلا حفَّت بهم الملائكة وغشيتهم الرحمة ونزلت عليهم السكِيْنَة وذكرهم الله فيمن عنده". ¬

(¬1) الكهف 28.

- حديث الجنازة وعدم اتباع المرأة وبه (عن علي بن الأقمر، عن أبي عطية الوداعي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج في جنازة) بفتح الجيم وكسرها لغتان فيه (فرأى امرأة تتبع الجنازة فأمر بها) أي بطردها (فطردت) ومع هذا (فلم يكبر) أي على الجنازة (حتى لم يرها) أي حتى غابت عنه مبالغة لزجرها. - حديث الأكل وبه (عن علي بن الأقمر، عن أبي جحيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما) بتشديد الميم (أنا) أي بخلاف غيري، (فلا آكل متكياً)، أي حال كوني مائلاً إلى أحد جانبي، أو مستنداً إلى ما وراء ظهري، أو متربعاً في تمكن مقعدي، ثم استأنف بياناً فقال: (آكل كما يأكل العبد) أي على ركبتيه، أو برفعهما أو برفع إحداهما، (وأشرب كما يشرب العبد) تواضعاً إلى ربه، (وأعبد ربي حتى يأتيني اليقين) أي الموت، فإن المفسرين أجمعوا على تفسيره به، قوله تعالى: {واعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ اليَقيْنُ} (¬1). ¬

(¬1) الحجر 99.

- ذكر إسناده عن إبراهيم بن المبشر

وقد روى الترمذي عن أبي جحيفة صدر الحديث، وهو قوله أمّا أنا فلا آكل متكئاً، وقد أوضحت الكلام في جميع الوسائل بشرح الشمائل. - ذكر إسناده عن إبراهيم بن المبشر -بكسر الشين المعجمة المشددة بعد الموحدة على ما في الأصل، والظاهر أنه عن ميسرة بفتح ميم وسكون تحتية وفتح مهملة وهو الطائفي، يعد في التابعين، حديثه في أهل مكة صحيح الحديث ثقة. - حديث أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم وتواضعه مع أصحابه (أبو حنيفة عن إبراهيم، عن أنس قال: ما أخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ركبتيه بين يدي جليس له قط)، أي أبداً في جميع عمره، وهذا من كمال تواضعه، وحسن عشرته مع صحابته، وأنه لم يكن يتقدم على أحد منهم، بل يقعد مساوياً بهم في مجالسهم ومحافلهم، (ولا تناول) أي أخذ (أحدٌ يده قط فتركها) أي فنزعها (حتى يكون هو) أي المتناول (يدعها) بفتح الدال، أي يتركها (وما جلس إلى رسول الله

صلى الله عليه وسلم أحد قط، فقام) أي النبي صلى الله عليه وسلم (حتى يقوم) أي صاحبه (قبله) مراعاة بحاله (وما وجدت شيئاً) أي من عنبر ومسك وعبير ونحوها (قط) أي في حال من الأحوال (أطيب من ريح رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي التي جبل عليها. (وفي رواية قال: ما قام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، رجل في حاجة فانصرف عنه أي النبي صلى الله عليه وسلم قبله حتى يكون هو) أي ذلك الرجل (المنصرف) أي أولاً. (وفي رواية: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صافح أحداً لا يترك يده) أي يد صاحبه (إلا أن يكون هو الذي يترك) أي يده ابتداء، والحديث رواه ابن سعد، عن أنس ولفظه: كان عليه الصلاة والسلام إذا لقيه أحد من أصحابه، فقام معه قام معه، فلم ينصرف حتى يكون الرجل هو الذي ينصرف عنه، وإذا لقيه أحد من أصحابه فتناول يده ناوله إياه، فلم ينزع يده منه حتى يكون الرجل هو الذي ينزع يده منه، وإذا لقي أحداً من أصحابه فتناول أذنه ناولها إياه، ثم لم ينزعها حتى يكون الرجل هو الذي ينزعها عنه. وبه (عن إبراهيم عن أنس بن مالك قال: ما مست) بكسر السين الأولى وفتحها، أي ما لمست (بيدي خزاً) بفتح الخاء المعجمة وتشديد الزاء، أي نوعاً من الحرير، أو ما يعمل من صوف وحرير (ولا حريراً) أي خالصاً (ألين من كف رسول الله صلى الله عليه وسلم)، رواه الترمذي في شمائله للنبي قال: خدمت فما قال لي أفٍّ قط وما قال لشيء صنعته: لم صنعت، ولا لشيء تركته: لم تركته، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحسن الناس خلقاً، ولا مسست خزاً ولا حريراً، ولا شيئاً كان ألين من كف رسول الله صلى الله عليه وسلم

ولا شممت مسكاً قط، ولا عنبراً ولا عطراً كان أطيب من عرق رسول الله صلى الله عليه وسلم. (وفي رواية وما رؤي رسول الله صلى الله عليه وسلم مادّاً) أي مطولاً ومجاوزاً (ركبتيه بين جليس) أي مجالس (له قط) وقد سبق تحقيق معناه في حديث نظيره في مبناه. - حديث قراءة العيدين والجمعة وبه (عن إبراهيم عن أبيه عن حبيب بن سالم) هو مولى النعمان بن بشير وكاتبه، روى عنه محمد بن الميسرة وغيره، (عن النعمان) بضم أوله ابن بشير هو أول مولود ولد في الأنصار من المسلمين بعد الهجرة، قيل: مات النبي صلى الله عليه وسلم، وله ثمان سنين وسبعة أشهر، ولأبويه صحبة سكن الكوفة، وكان والياً عليها زمن معاوية، ثم وُلِّيَ حمص فدعا لعبد الله بن الزبير فطلبه أهل حمص فقتلوه سنة أربع وستين. روى عنه جماعة منهم ابنه محمد والشعبي (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في العيدين) أي عيد الفطر والأضحى، وهما عيدا العامَّة وظهورهما للأغنياء (ويوم الجمعة) وهو عيد الفقراء: {سَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الأعْلَى} (¬1) و {هَلْ أتَاك حديثُ الغاشِيَة} (¬2). ¬

(¬1) الأعلى 1. (¬2) الغاشية 1.

- حديث المحرم وبه (عن إبراهيم، عن أبيه قال: سألت ابن عمر: يتطيب المحرم) أي مريد الإحرام (قال: لأن أصبح أنضح) بفتح الضاد المعجمة، أي انفض (قطراناً) بفتح فكسر وبفتحتين وسكون وسط وفيه تلويح إلى قوله تعالى: {سَرَابيلُهُم مِنْ قَطرَانٍ} (¬1) وهو عصارة الأبهل، وهو حمل شجر كثير ورقه كالطرفاء وثمره كالنبق فيطبخ فيطلى به الإبل الجَرْبى، فيحرق الجرب بحدّته وهو أسود منتن تشتعل فيه النار بسرعة، وتطلى به جلود أهل النار كالقميص يستجمع عليهم لذع القطران، ودهشة لونه ونتن ريحه مع إسراع النار في جلودهم على أن التفاوت بين القطرانين كالتفاوت بين النارين. وعن يعقوب قطران والقطر النحاس أو الصفر المذاب، والآني المتناهي (أحب إلي من أصبح أنضح طيباً) أي نوعاً من الطيب، (فأتيت عائشة فذكرت لها فقالت: أنا طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم فطاف في أزواجه، ثُمَّ أصبَح) يعني تفسير من أحد الرواة أي تريد عائشة أن التقدير أصبح (محرماً) أي صار محرماً للحج أو العمرة. ويمكن الجمع بين الروايتين بأن يحمل كلام ابن عمر على استعمال طيب يبقى أثره بعد الوضوء، بخلاف فعله عليه الصلاة والسلام، والله أعلم بحَقِيقةِ المرام. ¬

(¬1) إبراهيم 50.

- حديث الخلق وبه (عن إبراهيم عن أبيه، عن مسروق أنه سأل عائشة عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي عن أخلاقه الكريمة وشمائله العظيمة مجملاً، (فقالت: أما تقرأ القرآن؟) أي فيه التفصيل والبيان، وإجماله (يقول الله تبارك وتعالى: {وَإنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} (¬1). تبارك أي كثرت بركته سبحانه وتعالى أي ظهر عظمته. وبه (عن إبراهيم، عن أبيه، عن مسروق إذا كان حدث عن عائشة) أي حديثاً أيَّ حديث كان (قال: حدثتني الصديقة) بكسر الصاد وتشديد الدال كثير الصدق والتصديق كأبيها، كما أشار إليه بقوله (بنت الصديق المبرأة) أي بالآيات القرآنية (حبيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي محبوبته. - صوم يوم العاشوراء وبه (عن إبراهيم، عن أبيه عن حميد بن عبد الرحمن الحميري) بكسر ¬

(¬1) القلم 4.

فسكون ففتح فتحتية نسبة إلى قبيلة، وهو من ثقات البصريين وأئمتهم، تابعي جليل القدر من قدماء التابعين. روى عن أبي هريرة، وابن عباس. (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل من أصحابه يوم عاشوراء) بالمد والقصر، وهو يوم العاشر من شهر محرم: (مُرْ قَوْمَكَ) أي أقَارِبَكَ (وأَهْلَ بَيْتِكَ فَلْيَصُومُوا هَذَا اليَوْمَ) أي فإنه يوم فضيلة وصومه كفارة سنة (قال: إنهم طعموا) أي كلوا واشربوا وهو ينافي أن يصوموا، (قال: وإن كان قد طعموا)، إن وصلية أي مرهم أن يصوموا ولو طعموا حرمة للوقت. والحديث مذكور في ثلاثيات البخاري، عن سلمة بن الأكوع أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث رجلاً ينادي في الناس يوم عاشوراء أن من أكل فليصم، ومن لم يأكل فلا يأكل. وفي رواية أن من أكل فليصم بقية يومه، ومن لم يكن أكل فليصم، فإن اليوم يوم عاشوراء، وفي صَحِيح مسلم عن جابر بن سمرة كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمرنا ويحثنا بصيام يوم عاشوراء، أو يتعاهدنا عنده، فلما فرض رمضان لم يتعاهدنا عنده. وفي رواية: فلما فرض رمضان، قال: من شاء صام عاشوراء ومن شاء لم يصمه، وقد بسطنا الكلام عليه في شرح الثلاثيات، والله أعلم بحقائق الجليات والخفيات.

- ذكر إسناده عن عطية بن سعد العوفي

- ذكر إسناده عن عطية بن سعد العوفي ذكر إسناده عن عطية بن سعد العوفي، وهو من أجلاء التابعين. - فإن الربا قد يكون بالنسيئة أبو حنيفة (عن عطية عن أبي سعيد الخدري، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الذهب بالذهب) أي يباع أو يبدل (مثلاً بمثل) أي حال كون الأول شبيهاً بالثاني في الوزن دون الوصف من غير زيادة، ولا نقصان (والفضل) من أحد الجانبين (ربا)، أي نوعاً من الربا المحرم لا أنه محصور فيه، فإن الربا قد يكون بالنسيئة (والفضة بالفضة وزناً بوزن، والفضل ربا)، ولا بد من زيادة قيد قبضهما في المجلس كما سيأتي في الحديث الآتي وفي معناهما كل موزون من النقود (والتمر بالتمر مثلاً بمثل) إما بالكيل، أو

بالوزن، (والفضل ربا، والشعير بالشعير مثلاً بمثل) أي في الكيل وكذا حكم الحنطة والأرز والدخن والذرة (والفضل ربا والملح بالملح مثلاً بمثل والفضل ربا)، وكذا الحكم في جميع المكيلات من المطعومات. وفي رواية (الذهب بالذهب وزناً بوزن يداً بيد) أي مقبوضين في مجلس واحد، (والفضل ربا والحنطة بالحنطة كيلاً بكيل يداً بيد والفضل ربا والتمر بالتمر)، وفي معناه الرطب بالرطب والعنب بالعنب، والزبيب بالزبيب، (والملح بالملح كيلاً بكيل) أي يداً بيد (والفضل ربا) رواه أحمد ومسلم وأبو دواد وابن ماجه، عن عبادة بن صامت ولفظه: الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبُر بالبُر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر والملح بالملح مثلاً بمثل سواء بسواء يداً بيد فإذا اختلفت هذه الأوصاف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد، وزاد في رواية أحمد ومسلم والنسائي عنه: الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر، والملح بالملح مثلاً بمثل، ويداً بيد فمن زاد أو استزاد فقد أربى والآخد والمعطي سواء. - عذاب من كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وبه (عن عطية عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مَنْ كذب علي متعمداً فَلْيَتَبوَّأْ مَقْعَدَه مِنَ النَّارِ).

(ورواه أبو حنيفة عن أبي روبه) بضم وسكون الواو فموحدة فهاء (شداد بن عبد الرحمن، عن أبي سعيد) فللإمام سندان لهذا الحديث، وتقدم أن هذا الحديث كاد أن يكون متواتراً. - حديث الشفاعة وبه (عن عطية عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: {عَسَى أنْ يبعثك رَبُّكَ} أي يتوقع لك أن يقيمك {مقاماً محموداً} (¬1)، أي يحمدك فيه الأولون والآخرون، (قال) النبي صلى الله عليه وسلم في تفسيره (المقام المحمود: الشفاعة) أي جنس شفاعته التي منها الشفاعة العظمى لجميع البرية، ومنها الشفاعة التي هي خاصة لبعض هذه الأمة (يعذب الله قوماً من أهل الإيمان بذنوبهم)، أي من الكبائر والصغائر، (ثم يخرجوا بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم) فيه وضع الظاهر موضع الضمير. ¬

(¬1) الإسراء 79.

وقد ورد في حديث صحيح: شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي (فيؤتى بهم نهراً) بفتح الهاء، وسكون الراء أي نهر من أنهار الجنة (يقال له الحيوان) بفتح الياء، أي نهر الحياة الأبدية والعيشة السرمدية (فيغمسون فيه) ليذهب عنهم جميع ما يكرهون من سواد اللون ونتن الريح، ونحو ذلك، (ثم يدخلون الجنة) أي جُرداً مرداً مطهرين (فيسمون) بفتح الميم المشددة أي فيقال لهم في الجنة الجهنميين لكتابة هؤلاء عتقاء الله من النار على جباههم، (ثم يطلبون إلى الله تعالى) أي متضرعين الله أن يذهب عنهم ما يُعرفون به، (فيذهب عنهم ذلك الاسم) برفع الكتابة المعهودة من سورة الجسم. (وفي رواية قال: يُخْرِجُ الله قَوْماً مِنْ أهْلِ النارِ) أي عصاة (من أهل الإيمان) وهو طائفة من أهل السنة والجماعة (والقبلة) يشتمل سائر أهل البدعة (بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم) أي العامة، (وذلك) أي المقام (هو المقام المحمود) عند الملك المعبود حتى فسر بجلوسه على الكرسي والعرش وبه يغبطه الأوَّلون والآخرون (فيؤتى بهم) أي بذلك القوم بعد قبول الشفاعة في حقهم نهراً يقال له: الحيوان على سبيل المبالغة فيلقون وهم كالفحم (فينبتون) أي فيتغير به أحوالهم وألوانهم وأشكالهم (كما ينبت الشعارير) بفتح المثلثة والعين المهملة صغار القثّاءة شبهوا بها لأنها تنبت سريعاً (ثم يخرجون عنه) بصيغة المعلوم والمجهول، وكذا في قوله: (ويدخلون الجنة فيسمون الجهنميين، ثم يطلبون إلى الله)، أي يدعونه (أن يذهب عنهم الاسم فيذهب عنهم) بصيغة المعروف، أو ضده.

وفي الجملة يكرهُ العار حتى في ذلك الدار، ولذا قال بعض الأحرار: النار ولا العار. (وفي رواية نحوه) أي بمعناه دون مبناه. (وزاد في آخره فيسمون عتقاء الله) أي فيفرحون بهذا اللقب للإضافة إلى الرب، ونظيره ما قيل: لا تدعني إلا بيا عبد الله فإنه أشرف أسمائنا. قال الجامع: (وروى أبو حنيفة هذا الحديث) أي يفسر أيضاً (عن أبي روبة شداد ابن عبد الرحمن، عن أبي سعيد). وللحديث طرق ثانية كما هي مذكورة في البُدُور السافرة في أحوال الآخرة. وبه (عن عطية عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يشكر الله) بالنصب على أنه مفعول بتقدير مضاف، أي نعمه وفاعله (مَن) وهي موصولة بمعنى الذي (لا يشكر الناس) أي إحسانهم، لأن من لم يشكر القليل لا يشكر الجزيل، أو لأن إحسانهم أيضاً من جملة إنعامه سبحانه حيث أجراه على أيديهم، وقد ورد: من أحسن إليه أحد معروفاً، فقال لقائله: جزاك الله خيراً، فقد بالغ في الثناء، والمعنى أنه قد خرج منه بهذا الشكر، وهذا أقل ما يقع مقابله في أمره.

والحديث رواه أحمد والترمذي والنسائي عن أنس، ولفظه: "من لم يشكر الناس لم يشكر الله". وفي رواية الترمذي عن أبي هريرة: "من لا يشكر الناس لا يشكر الله". - حديث الإمام العادل وبه (عن عطية عن أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن أرفع الناس يوم القيامة إمامٌ عَادِل) لِرِعَايَةِ حق الله في نَفْسِهِ وَعَدَالَتهِ في حَقِّ خَلْقِهِ. وفي الحديث رواه أحمد والترمذي، وابن ماجه، عن أبي إسحاق، عن أبي هريرة ثلاثة لا ترد دعوتهم: الإمام العادل، والصائم حين يفطر، ودعوة المظلوم. وفي رواية للحاكم والديلمي عن أبي سعيد: "ثلاثة يظلهم الله في ظله، يوم لا ظل إلاَّ ظله: التاجر الأمين، والإمام المقتصد، وراعي الشمس في النهار". وفي رواية لأحمد والترمذي والبيهقي عن أبي سعيد: أحب الناس إلى الله وأقربهم منه مجلساً يوم القيامة: إمام عادل، وأبغض الناس إلى الله يوم القيامة، وأشدهم عذاباً: إمام جائر. أبو حنيفة (عن عطية، عن ابي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مَنْ أرادَ الحجَّ) أيَّ ونحوه من العمرة، أو غيرها من العبادات (فليعجل) بفتح الجيم المخففة أي فليسرع؛ أو فليشرع؛ فإن في التأخير كثيراً من الآفات. والحديث رواه أبو داود وأحمد والحاكم في مستدركه، والبيهقي عن ابن عباس ولفظه: من أراد الحج فليتعجل. وفي رواية لأحمد وابن ماجه عن الفضل بلفظ: من أراد الحج فليعجل، فإنه قد يمرض المريض وتضل الضالة ويقرض لحاجة.

- حلة السمك وبه (عن عطية، عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما جزر) بفتح الجيم والزاي والراء أي كل حوت انكشف (عنه الماء) أي ماء البحر والنهر، (فَكُلْ) واعلم أنه لا يحل حيوان مائي سوى السمك لقوله تعالى: {وَيحَرِّم عليهم الخبائث} (¬1) وما سوى السمك خبيث، وأخرج أبو داود والنسائي، عن عبد الرحمن بن عثمان القرشي أن طبيباً سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الضفدع يجعلها في الدواء، فنهى عن قتلها. ورواه أحمد وأبو داود والطيالسي في مسانيدهم، والحاكم في مستدركه وقال: صحيح الإسناد، وقال المنذري: فيه دليل على تحريم أكل الضفدع، لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن قتله والنهي عن قتل الحيوان، إما لحرمة كالآدمي وإما لتحريم أكله والضفدع ليس بمحرم فالنهي منصرف إلى أكله. ثم قيد علماؤنا السمك بأن لم يطف أي لم يَعْلُ على الماء والسمك الطافي يكره أكله لما أخرجه أبو داود وابن ماجه من حديث جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما ألقاه البحر أو جزر عنه فكلوه، وما مات فيه فطفا فلا تأكلوه. وروى ابن أبي شيبة، وعبد الرزاق في مصنفهما كراهة أكل الطافي عن جابر ابن عبد الله وعلي، وابن عباس، وابن المسيب، والنخعي وطاوس والزهري. ¬

(¬1) الأعراف 157.

ثم حل أنواع السمك، وكذا الجراد بلا ذكاة، لما أخرجه ابن ماجه في كتاب الأطعمة من حديث ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ ودَّمَانِ أَمَّا المَيْتَتَان فالسَّمكُ والجَرادُ، وأمّا الدمان فالكبِدُ والطِّحال". وبه (عن عطية العوفي، عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تزوج المرأة على عمتها وخالتها) تقدم الحديث، وتفصيل مبناه وتحقيق معناه. - حديث القنوت في الفجر وبه (عن عطية، عن أبي سعيد، عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه لم يقنت) أي في صلاة الفجر (إلا أربعين يوماً) وهو لعارض أنه يعادي قوماً كما بينه بقوله: (يدعو على عصية) بالتصغير قبيلة (وذكوان) بفتح الذال المعجمة طائفة أخرى، (ثم لم يقنت إلى أن مات). ورواه البزار وابن أبي شيبة والطبراني والطحاوي، عن عبد الله قال: لم يقنت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا شهراً، ثم تركه لم يقنت قبله، ولا بعده، فدل على أن القنوت في الصبح منسوخ، أو مقيد بالنوازل. وأما ما رواه الدارقطني وغيره عن أنس: ما زال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقنت في الصبح حتى فارق الدنيا، فمعارض بأن شبابة، روى عن قيس بن ربيع، عن عاصم بن

سليمان، قال: قلنا لأنس بن مالك: إن قوماً يزعمون أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يزل يقنت في الفجر فقال: كذبوا إنما قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم شهراً واحداً يدعو على أحياء من أحياء المشركين. وروى الطبراني عن غالب بن مرقد الطحان، قال: كنت عند أنس ابن مالك شهرين، ولم يقنت في صلاة الغداة. وقد روى الخطيب عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يقنت إلا إذا دعا لقوم، أو دعا عليهم. وقد أخرجه أبو حنيفة، عن حماد بن أبي سليمان، عن إبراهيم عن علقمة، عن عبد الله بن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقنت في الفجر قط إلا شهراً واحداً لم ير قَبْلَ ذلك ولا بعده، وإنما قنت في ذلك الشهر يدعو على الناس من المشركين. وأخرج ابن حبان عن أبي هريرة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقنت في صلاة الصبح، وأخرج النسائي وابن ماجه والترمذي، وقال: حديث حسن صحيح عن أبي مالك سعد بن طارق الأشجعي، عن أبيه: صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم فلم يقنت، وصليت خلف أبي بكر فلم يقنت، وصليت خلف عمر فلم يقنت، وصليت خلف عثمان فلم يقنت، وصليت خلف علي، فلم يقنت، ثم قال: يا بني إنها بدعة وقال محمد بن الحسن، حدثنا أبو حنيفة عن حماد بن أبي سليمان، عن إبراهيم النخعي الأسود بن يزيد أنه صحب عمر بن الخطاب سنين في السفر والحضر، فلم يره قانتاً في الفجر قال ابن الهمام: هذا إسناد لا غبار عليه ولا غبر عليه .... - طلاق الأمة وبه (عن عطية عن ابن عمر قال: قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: طلاق الأمة) أي التي

تحيض، الطلاق والفسخ سواء كانت قناً أو مدبرة، أو أم ولد أو مكاتبة (ثنتان وعدتها حيضتان)، ورواه أبو داود والترمذي، وابن ماجه، والحاكم في مستدركه عن عائشة، وابن ماجه عن عمر بلفظ: طلاق الأمة تطليقتان وعدتها حيضتان. وفيه نص على أن المراد بالقرء الحيض، كما قال أئمتنا لا الطهر كما قال الشافعي. - صلاة الجمعة وبه (عن عطية، عن ابن عمر قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صعد المنبر يوم الجمعة) بضم الميم أفصح من سكونها (جلس قبل الخطبة) أي قبل شروعها (جلسة خفيفة)، أي حتى يؤذن المؤذن بين يديه صلى الله عليه وسلم. ورواه أبو داود عن ابن عمر بلفظ: كان عليه الصلاة والسلام يجلس إذا صعد المنبر حتى يفرغ المؤذن، ثم يقوم فيخطب. وبه (عن عطية، عن ابن عمر أنه قرأ على النبي صلى الله عليه وسلم) أي قوله تعالى:

- ذكر إسناده عن يزيد بن عبد الرحمن، أحد أجلاء التابعين.

{الله الَّذِي خَلَقَكُم من ضعَفٍ} (¬1) قرأ حمزة وشعبة وحفص عن ضعف (¬2) بفتح الضاد والباقون بضمها، والمعنى من نطفة أي من أدنى ضعف، والتقدير: من ماء ضعيف كما قال الله تعالى: {أَلَمْ نَخلُقُكمْ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ} (¬3) (ثم جعل من بعد ضعف قوة)، أي من بعد ضعف الطفولية شباباً، وهو وقت القوة، (ثم جعل من بعد قوة ضعفاً وشيبة) وكان القارىء قرأ بفتح الضاد، وهو لغة تميم فرد عليه وقال: قل من ضُعفٍ بضم الضاد، فإنه لغة قريش، والقارىء منهم، أو لكونه أفصح، أو لما سبق منه في صدر الأئمة من إشباع ميم الجمع، وإدغام القاف في الكاف فمنعه عن الفتح، لأنه يوجد التركيب بين القراءتين المختلفتين، أو كان هذا قبل العلم يجوز القراءة بضم الضاد والله أعلم بحقيقة المراد. - ذكر إسناده عن يزيد بن عبد الرحمن، أحد أجلاء التابعين. - قصة الوفاة أبو حنيفة (عن يزيد عن أنس أن أبا بكر رضي الله عنه رأى من رسول الله صلى الله عليه وسلم خفة) أي بصر منه خفة في مرضه الذي توفى فيه (فاستأذنه إلى امرأته) أي بالرواح إليها وهي كانت خارجة عند المدينة، وقوله: بنت خارجة بالنصب على أنها بدل من ¬

(¬1) الروم 54. (¬2) عن ضعف، ضعف ضعفاً بفتح الضاد في الثلاثة أبو بكر وغيره وبضم الضاد فيهن حفص في أحد وجهيه لكن الضم مختارة. سجاوند صفحة/301. (¬3) المرسلات 20.

امرأته، أو بتقدير أعني، أو يعني وكانت (في حوائط الأنصار) أي كانت امرأته في أحد بساتين بعض الأنصار بعارض من عوارض الدار ويُسمَّى ذلك الموضع السُّنُح بضم السين والنون، وقيل: بسكون، موضع بعوالي المدينة، (وكان ذلك) أي ما رأى فيه من الخفة (راحة الموت) يعني أن الله سبحانه يخفف عن المؤمن ألم شدة مرضه قرب موته، (ولا يشعر) أي بذلك أبو بكر والنبي صلى الله عليه وسلم، فإذا يحتمل مبنياً للفاعل والمفعول. (ثم توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الليلة) أي في غيبة الصديق تهويناً على الصديق، (فأصبح) أي أبو بكر والمعنى: دخل في الصباح (فجعل) أي فشرع يرى (الناس يترامسون) من الرمس، وهو كتمان الخبر، أي يتخافتون (فأمر أبو بكر غلاماً) أي ولداً مملوكاً (ليستمع) الخبر (ثم) واقطع (يخبره) أي يأتيه بأخبارهم، فذهب فجاءه (فقال: أسمعهم يقولون: مات محمد فاشتد أبو بكر) أي سعى في جريه أو اشتد في حزنه، (وهو يقول: واقطع ظهره، فما بلغ أبو بكر المسجد حتى ظنوا أنه لم يبلغ) من شدة بكائه، ووفور كآبته (وأرجف المنافقون) أي اضطربوا في أخبارهم وانقلبوا على إقرارهم فقالوا: لو كان محمد نبياً لم يمت، وهذا جهل واحتج منهم لموت الأنبياء قبلهم، نعم توهم بعض المؤمنين أنه أغمي عليه، أو عرج به كعيسى عليه السلام، أو أنه يعيش عمراً طويلاً كنوح، أو أنه خاتم الأنبياء فيبقى بين الخلق أجمعين إلى يوم الدين، ومات لكنّ الله سبحانه يرد عليه روحه في الحين. والحاصل أن موته لم يتحقق عند أكثر المؤمنين، وكان يترتب فتنة عظيمة من

إرجاف المنافقين (فقال): أي عمر، (وقد سل سيفه: لا أسمع رجلاً) أي شخصاً (يقول: مات محمد صلى الله عليه وسلم إلا ضربته بالسيف)، وكان يقول: إنما أرسل إليه كما أرسل إلى موسى، فلبث عن قومه أربعين ليلة، والله إني لأرجو أن شخصاً يقول: مات محمد صلى الله عليه وسلم إلا أقطع أيديهم وأرجلهم، (فكفوا) بفتح الكاف وتشديد الفاء المضمومة أي فامتنعوا (لذلك) أي لأجل قول عمر، (فلما جاء أبو بكر والنبي صلى الله عليه وسلم مسجى) بتشديد الجيم، أي مغطى ببرده (كشف) أي رفع (أبو بكر الثوب عن وجهه، ثم جعل يلثمه) بفتح المثلثة وكسرها يقبل فاه، وشم الريح، ثم سجاه ببرده ويقول: إن الله طيبك حياً وميتاً. ذكره الطبراني في الرياض. وفي رواية قبل جبينه، وفي أخرى وضع فاه بين عينيه، (فقال: ما كان الله ليذيقك من الموت مرتين) والمعنى أن هذا الموت محقق وتكراره أمر موهوم غير مصدق أنت أكرم على الله تعالى من ذلك، لأن تكرار الإماتة في الدنيا موجب لزيادة مشقة هنالك.

وفي رواية للبخاري قال: بأبي انت وأمي لا يجمع الله عليك موتتين، اما الموتة التي كنت عليها فقد مُتَّها، (ثم خرج أبو بكر فقال: يا أيها الناس من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات) أي فليس له إله فهو كافر وفيه تعريض للمنافقين، (ومن كان يعبد رب محمد) في دين اليقين كالمؤمنين المخلصين، (فإن رب محمد) تعالى شأنه وعظم برهانه (لا يموت)، فإن حياته أزلية أبدية، (ثم قرأ: {وَمَا مُحَمّدٌ إلاّ رَسُوْلٌ} (¬1) أي عبد أوحي إليه الحق، وبعثه إلى الخلق {قد خلت من قبله الرسل} أي مضوا وماتوا فيمضي ويموت مثلهم، كما أشار إليه تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الخُلْدَ أفإن مِتَّ فَهُمُ الخَالِدُوْنَ ... كُلُّ نَفْسٍ ذائقة الموت} (¬2). فالموت كأس وكل الناس شاربه والقبر باب وكل الناس داخله {أفإن مات} أي محمد على فراش السعادة {أو قتل} على سبيل الشهادة {انقلبتم على أعقابكم} الجملة محط همزة الإنكار، أي أرجعتم إلى ما ورائكم من الكفر، {ومن ينقلب على عقبيه} أي بارتداده، {فلن يضر الله شيئاً}، فإنما يضر نفسه، {وسيجزي الله الشاكرين} على إيمانهم وإيقانهم وإحسانهم. زاد البخاري فضج الناس يبكون (قال): أي أنس (فقال عمر: لكأنا) بتشديد النون (لم نقرأها) أي هذه الآية (قبلها)، أي قبل تلك الحالة (قط)، أي أبداً (فقال الناس مثل مقالة أبي بكر) من كرم السابق وقراءته اللاحِقِ. ¬

(¬1) آل عمران: 144. (¬2) الأنبياء 34 - 35.

- دفن صلى الله عليه وسلم آخر يوم الثلاثاء وفي رواية قال أنس: والله لكأن الناس لم يعلموا أن الله أنزل الآية حتى تلاها أبو بكر فتلقاها الناس كلهم فما سمعت بشراً من الناس إلا يتلوها (قال) أي أنس: (ومات ليلة الإثنين فمكث) بضم الكاف وفتحها أي لبث عندهم (ليلتين) أي تلك الليلة الإثنين (ويومين) وهما يوما الإثنين والثلاثاء (ودفن يوم الثلاثاء) أي في آخره (وكان أسامة بن زيد) أي ابن حارثة، وقد سبق ترجمته، (وأوس) بفتح فسكون (بن خولة) بفتح معجمة (يصبان الماء وعلي والفضل) أي ابن العباس (يغسلانه صلى الله عليه وسلم). والحديث ذكره الطبراني في الرياض له، وخرّج الترمذي معناه بتمامه، وقد غسل صلى الله عليه وسلم ثلاث غسلات الأولى بالماء القراح، والثانية بالماء والسدر، والثالثة بالماء والكافور وغسله علي، والعباس وابنه الفضل يعينانه، وقثم وأسامة وشقران مولاه صلى الله عليه وسلم يصبون الماء وأعينهم معصوبة من وراء الستر لحديث علي: لا يغسلني إلا أنت، فإنه لا يرى أحد عَوْرتي إلا طمِسَتْ عيناه، رواه البزار والبيهقي.

- ذكر إسناده عن موسى بن أبي عائشة

- ذكر إسناده عن موسى بن أبي عائشة -ذكر إسناده عن موسى بن أبي عائشة، وهو من أكابر التابعين. - اختلاف في نهي المقتدي عن القراءة خلف الإمام أبو حنيفة (عن موسى، عن عبد الله بن شداد، عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: مَنْ كَانَ له إِمامٌ) أي اقتدى به (فقراءة الإمام له قراءة) فلا يجب (¬1) على المأموم قراءة ولا يجوز له أن يقرأ وراءه وظاهره الإطلاق يعني سواء كان في الصلاة السرية والجهرية. وقال محمد: جاز له القراءة بالسر في السرية. وبه قال مالك، وأطلق الشافعي الجواز بعد إيجاب الفاتحة على المأموم والإمام. والحديث بعينه. رواه أحمد وابن ماجه وابن منبع وعبد بن حميد عن جابر. قال ابن الهمام: وقد روى من طرق عديدة مرفوعاً عن جابر بن عبد الله، وقد ¬

(¬1) قال الله عز وجل: {إذا قرىء القرآن فاستمعوا له وَأَنْصِتُوا لعلكم ترحمون} قال في فتح القدير: فإن المطلوب أمران: الاستماع والإنصات، فيعمل بكل منهما، والأول يخص بالجهرية، والثاني فيجري على إطلاقه، فيجب السكوت عند القراءة مطلقاً، قال في المدارك: ظاهره وجوب الاستماع والإنصات وقت قراءة القرآن في الصلاة وغيرها، وأيضاً قال عزّ وجل: {فاقرؤوا ما تيسر من القرآن} وقال صلى الله عليه وسلم للأعرابي وقت تعليم الصلاة فاقرأ ما تيسر معك من القرآن، فعلم أن الفرض في الصلاة مطلق القراءة فاتحة كانت أو غيرها، وهذا هو المذهب المنصور الموافق لكتاب الله، وأحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام من الرب الغفور.

ضعف واعترف المضعفون لرفعه كالدارقطني والبيهقي، وابن عدي بأن الصحيح أنه مرسل. وقد أرسلهُ مرة أبو حنيفة فيقول: المرسل حجة عند الأكثر على أن أبا حنيفة يرفعه بسند صحيح. روى محمد بن الحسن في موطئه أنا أبو حنيفة، حدثنا الحسن موسى بن عائشة، عن عبد الله بن شداد، عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: مَنْ صَلَّى خلف إمام فَإنَّ قراءة الإمام له قراءةٌ وقد روى الحاكم في مستدركه نحوه، وفي موطأ مالك، عن نافع، عن ابن عمر قال: إذا صلى أحدكم خلف الإمام فحسبه قراءة الإمام، وإذا صلى وحده فليقرأ وكان ابن عمر لا يقرأ خلف الإمام. هذا وقد روى ابن حبان عن أنس مرفوعاً أتقرأون خلف الإمام والإمام يقرأ فلا تفعلوا ليقرأ أحدكم بفاتحة الكتاب في نفسه وزِيْدَ في رواية سراً. وفي رواية أحمد وعبد بن حميد وأبي يعلى وابن ماجه وغيرهم: أتقرأون خلفي فلا تفعلوا إلا بأم القرآن وفي رواية زيادة سراً في أنفسكم. وفي رواية أبي داود عن عبادة بن الصامت: لا تقرأوا بشيء من القرآن إذا جهرت إلا بأم القرآن. وفي رواية الحاكم عن أبي هريرة: من صلى مكتوبة مع الإمام فليقرأ بفاتحة الكتاب في سكتاته، ومن انتهى إلى أم القرآن فقد أجزأه. وفي رواية لأبي داود والترمذي عن عبادة بن الصامت قال: كنا خلف رسول

الله صلى الله عليه وسلم في الفجر فقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فثقلت علي القراءة، فلما فرغ قال: لعلكم تقرأون خلف إمامكم؟ قلنا: نعم، قال: لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب، فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها. (وفي رواية أن رجلاً قرأ خلف النبي صلى الله عليه وسلم في الظهر والعصر) ولعله قرأ جهراً، (وأومأ إليه رجل) أي أشار (فنهاه)، أي فانتهى، (فلما انصرف) أي فرغ من الصلاة (قال: أتنهاني أن أقرأ خلف النبي صلى الله عليه وسلم فتذكرا ذلك) أي فتباحثا (هنالك حتى سمع النبي صلى الله عليه وسلم فقال: مَنْ صَلَّى خَلْفَ الإِمام فإِنَّ قراءة الإِمام له قراءة). ورواه الحاكم بسنده، عن أبي حنيفة، عن موسى بن أبي عائشة عن عبد الله ابن شداد بن الهاد، عن جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى ورجل خلفه يقرأ فجعل رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ينهاه عن القراءة في الصلاة، فلما انصرف أقبل عليه الرجل فقال: أتنهاني عن القراءة خلف النبي صلى الله عليه وسلم، فتنازعا حتى ذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال عليه الصلاة والسلام: "من صلى خلف إمام فإن قراءة الإمام له قراءة". (وفي رواية قال: قرأ رجل خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وزجل) أي جهراً (فنهاه رسول الله صلى الله عليه وسلم)، لأن جهر القراءة يشوش على ما هنالك.

وفي رواية: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس فقرأ رجل خلفه، فلما قضى الصلاة) أي أداها (قال: أيكم قرأ خلفي ثلاث مرات) ظرف (قال: فقال رجل أنا يا رسول الله، فقال: من صلى خلف الإمام فإن قراءة الإمام له قراءة وفي رواية قال: انصرف النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الظهر أو العصر فقال: من قرأ منكم سبح اسم ربك الأعلى فسكت القوم) أي عن الجواب حتى سأل عن ذلك مراراً (فقال رجل من القوم أنا يا رسول الله فقال: لقد رأيتك تنازعني، أو تخالجني القرآن) أي تخالِطُني فيه. وفيه إيماء إلى أن قراءته كانت جهرية والله أعلم. والحديث رواه عبد الرزاق بسند صحيح، عن عبد الرحمن بن الحصين ولفظه: أيكم قرأ سبح اسم ربك الأعلى؟ لقد عرفت أن بعضكم خالجنيها. ورواه الحاكم عن عبادة بن الصامت، ولفظه: هل قرأ معي أحد منكم سبح اسم ربك الأعلى؟ قلت: من هذا الذي ينازعني عن القرآن؟ إذا قرأ الإمام فلا تقرأوا إلا بأم القرآن فإنّه لا صلاة لمن لم يقرأها. ورواه الدارقطني وحسنه وابن ماجه، عن عبادة بن الصامت مرفوعاً، مالي أنازع القرآن؟ لا يقرأ أحد منكم شيئاً من القرآن إذا جهرت بالقراءة إلا بأم القرآن.

- ذكر إسناده عن عبد الله بن حبيب

- ذكر إسناده عن عبد الله بن حبيب - من شهد أن لا إله إلا الله دخل الجنة -ذكر إسناده عن عبد الله بن حبيب وهو من التابعين الأجلاء. أبو حنيفة (عن عبد الله قال: سمعت أبا الدرداء صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم) صفة كاشفة (قال: بينا) أي بين أوقات (أنا رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي راكب خلفه على دابة (فقال: يا أبا الدرداء) يكعب بلا ألف وقرأ بها، وقد يحذف (مَنْ شَهِدَ أَنْ لا إله إلا الله) أي أقر بوحدانيته (وأني رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي اعترف بنبوتي وانقاد لشريعتي ... (وجبت له الجنة) أي ثبت له، واستحق دخولها أولاً وآخراً ولابد له من حصولها قلت: (وإن زنى، وإن سرق)، وإن عمل الكبائر من حقوق الله، وحقوق عباده (قال): أي أبو الدرداء، (فسكت عني ساعة) لعلي أفهم إطلاق المرام من سياق الكلام (ثم سار ساعة) أي بسير دابته، (فقال: من شهد أن لا إله إلا الله) أي المنعوت بصفات الكمال من الجلال والجمال، (وأني رسول الله) الموصوف بحسن الشمائل، ومكارم الفضائل (وجبت له الجنة) سواء دخل النار لتعذيبه، أودخل الجنة ابتداء لتهذيبه (قلت وإن زنى، وإن سرق) أي وجبت له الجنة بمجرد هذه الشهادة، (قال: فسكت عني ساعة، ثم سار ساعة ثم قال:

"من شهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله وجبت له الجنة". قال: قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال وإن زنى، وإن سرق)، فلما لم يتبين له فهم المرام مع تدريج الكلام زجره بقوله: (وإن رغم أنف أبي الدرداء) أي التصق أنفه بالتراب حيث بالغ في طلب الجواب (قال): أي عبد الله الراوي (فكأني أنظر إلى إصبع أبي الدرداء) بتثلث الهمزة والباء (السبابة)، أي المسجة (يومىء) بهمز في آخره، ويبدل أي يشير (إلى أرنبة)، أي طرف أرنبته. وفي الحديث، رد على المعتزلة، والخوارج حيث يقولون: صاحب الكبيرة لا يدخل الجنة. والحديث بعينه رواه الطبراني عن أبي الدرداء مختصراً بلفظ: اخرج فنادي في الناس من قال: لا إله إلا الله دخل الجنة، وإن زنى، وإن سرق، على رغم أنف أبي الدرداء. ورواه أحمد وابن ماجه وابن حبان عن أبي الدرداء بلفظ: ما من رجل يشهد أن لا إله إلا الله إلاَّ دخل الجنة وإن زنى وإن سرق وإن رغم أنف أبي الدرداء. ورواه أحمد والشيخان عن أبي ذر: ما من عبد قال لا إله إلا الله، ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة، قال أبو ذر: قلت: وإن زنى، وإن سرق، قال: وإن زنى وإن سرق قال: في الرابعة وإن رغم أنف أبي ذر. ورواه الطبراني في الأوسط عن سلمة بن نعيم الأشجعي من قال لا إله إلا الله دخل الجنة وإن زنى وإن سرق. وفي رواية لأحمد عن أبي الدرداء: من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له دخل الجنة قال أبو الدرداء: وإن زنى وإن سرق ثلاثاً. قال في الثالثة: على رغم أنف أبي الدرداء. ورواه أحمد والترمذي والنسائي وابن حبان، وابن ماجه عن أبي ذر مرفوعاً: أتاني جبريل عليه السلام فقال: بشر أمتك أنه من مات لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة، قلت

- ذكر إسناده عن ظريف بن شهاب السعدي

يا جبريل وإن زنى وإن سرق قال: نعم قلت: وإن زنى وإن سرق قال: نعم وإن شرب الخمر. وصدر الحديث رواه البزار عن عمر ولفظه: من شهد أن لا إله إلا الله يعني، وأن محمداً رسول الله دخل الجنة. ورواه أحمد ومسلم والترمذي، عن عبادة بن الصامت بلفظ: من شهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله حرم الله عليه النار، فإنها بطريق التأبيد حرمت على أهل التوحيد. ورواه أحمد وابن ماجه، عن أنس: يا معاذ بن جبل ما من أحد يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله صدقاً من قلبه، إلا حرم الله عليه النار قال: يا رسول الله أفلا أخبر به الناس فيبشروا قال: إذاً يتكلوا. وفي رواية: وإنما أخبر به معاذ عند موته تأثماً أي خروجاً عن ارتكاب إثم كتم العلم. - ذكر إسناده عن ظريف بن شهاب السعدي -ذكر إسناده عن ظريف بفتح فكسر فتحتية ففاء ابن شهاب السعدي بفتح السين وضمها وسكون العين وفي آخره ياء النسبة أبو حنيفة عن (ظريف أبي سفيان) بدل مما قبله (عن أبي نضرة) وهو المنذر بن مالك العبدي سمع ابن عمر وأبا سعيد، وابن عباس وروى عن إبراهيم التيمي، وقتادة وسعيد بن يزيد، عداده في تابعي البصرة مات قبل الحسن بقليل. (عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الوضوء مفتاح الصلاة") أي شرطها الذي لا يمكن أن يدخل فيها إلا به، أو بما يقوم مقامه من الغسل والتيمم، (والتكبير تحريمها) وهو شرط ملاصق بأركانها، وقد عده بعض من

أركانها ويسمى تحريماً لأنه يحرم على المصلي حينئذٍ أفعال كانت حلالاً له قبل دخوله في الصلاة، (فالتسليم تحليلها) أي الخروج منها به، أو بما يقوم مقامه مما ينافي الصلاة، ولكن الواجب أن يكون بلفظ التسليم، كما أن الواجب أن يكون التحريم بلفظ: التكبير، وإن كان يقوم مقامه غيره من الحمد والتسبيح وكل ما يشعر به التعظيم (وفي كل ركعتين تسليم) أي على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى عباد الله الصالحين، فالمراد به التشهد الواجب المشتمل على التسليم المذكور، فهو في باب إطلاق الجزء وإرادة الكل (ولا يجزىء صلاة) أي كاملة (إلا بفاتحة الكتاب ومعها غيرها) من ضم سورة أو ثلاث آيات وكلاهما عد من الواجبات وأما الفرض فإنه طويلة أو ثلاث آيات قصار خلافاً للشافعي حيث قال بركنية الفاتحة وسنية ما يضم معها. (وفي رواية عن المقري عن أبي حنيفة مثله) أي مثل ما تقدم من الرواية وزاد أي المقري (في آخره، قلت لأبي حنيفة: ما يعني) أي شيء يريد الراوي (بقوله في كل ركعتين تسليم. قال:) يعني (التشهد) (وقال المقري: صدق) أي الراوي، أو أبو حنيفة. (وفي رواية نحوه، وزاد في آخره، ولا يجزي صلاة إلا بفاتحة الكتاب، ومعها شيء) أي من القرآن، ولو كانت آية، والحديث رواه ابن ماجه في القراءة، عن أبي سعيد بلفظ: الوضوء مفتاح الصلاة والتكبير تحريمها والتحليل تسليمها، ولا تجزىء صلاة إلا بفاتحة الكتاب ومعها غيرها، وفي ركعتين تسليم: ورواه ابن أبي شيبة وتقي بن مخلد، وابن جرير ورواه أبو يعلى وابن ماجه عن أبي سعيد زاد: وإذا ركع أحدكم فلا يدبح تدبيح الحمار ويقم صلبه، فإن الإنسان يسجد على سبعة أعظم جبهته وكفيه وركبتيه وصدور قدميه، وإذا جلس

فلينصب رجله اليمنى، وليخفض رجله اليسرى وفي رواية الطبراني عن أبي رفاعة بن رفاعة: مفتاح الصلاة الطهور وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم وفي كل ركعتين تسليم ولا صلاة لمن لا يقرأ في كل ركعة بالحمد، وسورة في فريضة وغيرهما. - السجدة على سبعة أعظم وبه (عن أبي سفيان عن أبي نضرة، عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الإنسان) أي المصلي في مقام الآيتان (يسجد على سبعة أعظم جبهته) بالجر على البدل (ويديه وركبتيه ومقدم قدميه) أي صدورهما (وإذا سجد أحدكم فليضع كل عضو موضعه)، أي ليعطي كل ذي حق حقه (وإذا ركع فلا يدبح) بتشديد الموحدة المكسورة بعد الدال المهملة (تدبيح الحمار)، وفي النهاية نهى أن يدبح في الصلاة وهو أن يطأطىء رأسه حتى يكون أخفض من ظهره، قال الأزهري: رواه الليث بالذال المعجمة وهو تصحيف. وبه (عن أبي سفيان عن أبي نضرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا سجد أحدكم فلا يمد رجليه فإن الإنسان يسجد على سبعة أعظم جبهته ويديه، وركبتيه ورجليه"). ورواه أحمد ومسلم والأربعة عن العباس مرفوعاً: إذا سجد العبد سجد معه سبعة آراب وجهه وكفاه وركبتاه وقدماه.

(وفي رواية إذا سجد أحدكم فلا يمد رجليه) وفي رواية قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يمد رجليه في سجوده. - لا فصْل في الوتر وبه (عن أبي سفيان، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا فصل في الوتر"). فيه دليل على أن الأفضل في الوتر عدم الفصل بتسليم بينهما وفي جوازه خلاف بين الفقهاء وبه. - عدم الجهر بالبسملة (عن أبي سفيان، عن يزيد بن عبد الله بن مغفل عن أبيه أنه صلى خلف إمام فجهر)، أي الإمام (ببسم الله الرحمن الرحيم، فلما انصرف) أي كل واحد منهما (قال): أي يزيد مخاطباً الإمام (يا عبد الله) يحتمل أن يكون علماً له أو أراد وصفه به (احبس) بكسر الموحدة، أي امتنع عنا (نغمتك) بفتح النون وسكون الغين المعجمة (هذه) أي نغمتك بالبسملة جهراً (فإني صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلف أبي بكر، وخلف عمر وعثمان، فلم أسمعهم يجهرون بها أي بالبسملة) أصلاً، وهذا يشير إلى أن يزيد هذا صحابي، وأن الحديث متصل مرفوع. قال الجامع: (وروت جماعة هذا الحديث عن أبي حنيفة، عن أبي سفيان، عن يزيد، عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم) أي إخباراً عن فعله عليه الصلاة والسلام (قيل): أي قال

- ذكر إسناده عن سفيان بن طلحة بن زياد

بعض المحققين من المحدثين: (وهو) أي هذا السنة (هو الصواب، لأن هذا الخبر مشهور عن عبد الله بن مغفل) أي لا عن أبيه وفيه أنه يكون الحديث بالسند منقطعاً وهو حجة عندنا إذا كان رجاله ثقة، ثم هو معارض بما وقع صريحاً عن ابن عباس: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم. وفي رواية جهر قال: الحاكم: صحيح بلا علة، وصححه الدارقطني، وهذان الحديثان أمثل حديث في الجهر. قال بعض الحفاظ: ليس حديث صريح في الجهر إلا وفي سنده مقال عند أهل الحديث ثم إن تم فهو محمول على وقوعه أحياناً في أول الأمر ليعلمهم أنها تقرأ فيها، ولهذا ما ورد الجهر بها عن الخلفاء، وإنما أوجب الحمل لصريح رواية مسلم عن أنس: صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان فلم أسمع أحداً منهم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم، لم يرد به نفي القراءة، كما تعلق مالك بهذه الرواية، بل المراد نفي السماع للإخفاء بدليل ما صرح به عن أنس فكانوا لا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم، رواه أحمد والنسائي بإسناد على شرط الصحيح. وعنه: صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر فكلهم يخفون بسم الله الرحمن الرحيم، رواه ابن ماجه وروى الطبراني عن أنس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسر ببسم الله الرحمن الرحيم، وأبا بكر وعمر وعثمان وعلياً ومن تقدم من التابعين. - ذكر إسناده عن سفيان بن طلحة بن زياد -ذكر إسناده عن سفيان بن طلحة بن زياد وهو من أكابر التابعين. أبو حنيفة (عن أبي سفيان عن أنس قال: احتجم النبي صلى الله عليه وسلم بعد ما قال: "أفطر الحاجم

والمحجوم") فيكون الحديث الأول منسوخاً، أو الحكم الأول مخصوصاً لكن الأصل عدم اختصاصه إلا بدليل صريح به واعلم أن الجماعة في مذهب أحمد تفطر لقوله عليه الصلاة والسلام: "أفطر الحاجم والمحجوم". رواه الترمذي وهو معارض بما سبق، وبما روي أنه عليه الصلاة والسلام احتجم وهو محرم، واحتجم وهو صائم، رواه البخاري وغيره. وقيل لأنس: أكنتم تكرهون الحجامة للصائم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: لا إلا من أجل الضعف رواه البخاري وقال أنس: أول ما كرهت الحجامة للصائم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أفطر هذان، ثم رخص عليه الصلاة والسلام في الحجامة بعد للصائم، وكان أنس يحتجم وهو صائم رواه الدارقطني. وقال في رواية: كلهم ثقات ولا أعلم له علة. - صلاة على الحصير وبه (عن أبي سفيان، عن جابر عن أبي سعد أنه دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجده يصلي على حصير ويسجد عليه) وفي صحيح البخاري وسنن أبي داود والنسائي وابن ماجه، عن ميمون أنه عليه الصلاة والسلام كان يصلي على الخُمرة وهي بضم الخاء المعجمة وسكون الميم والراء شيء ينسج من سعف النخل ويرمل بالخيوط وهو صغير على قدر ما يسجد عليه المصلي، كذا في النهاية. وروى أحمد وأبو داود والحاكم عن المغيرة أنه عليه الصلاة والسلام كان يصلي على الحصير، والفروة المدبوغة.

- ذكر إسناده عن عطاء بن السائب بن الماية

وروى ابن ماجه عن ابن عباس أنه عليه الصلاة والسلام كان يصلي على بساط، وفي هذه الأحاديث دلالة على جواز الصلاة على غير الأرض وإن كانت عليها أفضل خلافاً للمالكية والإمامية. (وبه عن أبي سفيان عن الحسن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: كان محتبياً) أي جالساً بالاحتباء (من رمد) أي من أجل رمد كان بعينه. - حديث أفضل الأعمال (وبه عن طلحة بن نافع عن جابر قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي وجه العمل أفضل قال: "الصلاة في مواقيتها") أي مطلقاً أو مقيدة بأوقاتها المختارة، والمعنى الأول أتم وأعم. وقد روى أحمد والشيخان وأبو داود والنسائي عن ابن مسعود مرفوعاً: أحب الأعمال إلى الله الصلاة لوقتها، ثم بر الوالدين، ثم الجهاد في سبيل الله. - ذكر إسناده عن عطاء بن السائب بن الماية - علامة القبر -ذكر إسناده عن عطاء بن السائب بن الماية أي ابن يزيد الثقفي مات سنة ثلاثين ومائة. أبو حنيفة (عن عطاء عن أبيه) يكنى أبا يزيد ولد في السنة الثانية من الهجرة (¬1) حين حجة الوداع مع أبيه، وهو ابن سبع سنين، روى عنه الزهري وغيره، مات سنة ثمانين (عن ابن عمر قال: انكسفت الشمس) أي تغيرت أو ¬

(¬1) لعله سقط من هذه العبارة كلمات

تسودت (يوم مات إبراهيم) وهو من جارية اسمها مارية أهداها له المقوقس صاحب مصر والاسكندرية (ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم) وقد ولد في ذي الحجة سنة ثمان من الهجرة وكانت سلمى زوجة أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قابلته، فبشر أبو رافع به النبي صلى الله عليه وسلم، فوهب له عبداً وعِقّ عنه يوم سابعه بكبشين وحلق رأسه يومئذ، وسماه النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ وتصدق بزنة شعره ورقاً على المساكين، ودفنوا شعره في الأرض وروى ابن أبي حاتم، عن أنس قال: ما رأيت أحداً أرحم بالعيال من رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان إبراهيم مسترضعاً في عوالي المدينة. فكان ينطلق ويحسن معه وكان ظئره قيناً فيأخذه فيقبله، ثم يرجع. وفي حديث جابر أخذ صلى الله عليه وسلم بيد عبد الرحمن بن عوف فأتى به النخل، فإذا ابنه إبراهيم يجود بنفسه فأخذه صلى الله عليه وسلم فوضعه في حجره، ثم ذرفت عيناه، ثم قال: إنّا بك يا إبراهيم من المحزونين تبكي العين ويحزن القلب ولا نقول ما يسخط الرب وتوفي وله سبعون يوماً، وقيل غير ذلك وصلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم بالبقيع وقال: مدفنه عند فرطنا عثمان بن مظعون ورش قبره وعلَّم بعلامة، وقال عليه الصلاة والسلام: إن له مرضعاً في الجنة، رواه ابن ماجه (فقال الناس انكسفت الشمس لموت إبراهيم فقام النبي صلى الله عليه وسلم) أي في الصلاة (قياماً طويلاً حتى ظنوا) أي الصحابة المقتدون به (أنه لا يركع) أي حتى ينجلي، (ثم ركع فكان ركوعه قدر قيامه) أي مقدار طوله، ثم رفع رأسه من الركوع، فكان قيامه أي قومته (قدر ركوعه، ثم سجد قدر قيامه)، أي مقدار قومته، (ثم جلس فكان جلوسه بين السجدتين قدر سجوده) أي الأول، ثم سجد قدر جلوسه، ثم صلى الركعة الثانية ففعل مثل ذلك أي المذكور

من الإطالة (حتى إذا كانت السجدة) أي الأخيرة فيها بكى (فاشتد بكاؤه فسمعناه وهو يقول: ألم تعدني أن لا تعذبهم وأنا فيهم) إيماء إلى قوله تعالى: {وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم} (¬1) (ثم جلس فتشهد ثم انصرف وأقبل عليهم بوجهه ثم قال: إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله) أي علامتان من دلالات قدرته (يخوف الله بهما عباده) من إظهار هيبته (لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا كان كذلك) أي فإذا وقع شيء من ذلك بخسوف قمر أو كسوف شمس هنالك (فعليكم بالصلاة). - صلاة الكسوف وفي رواية للبخاري والنسائي عن أبي بكر وعن ابن مسعود وغيرهما بلفظ: إن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد، ولا لحياته، ولكنهما آيتان من آيات الله يخوف الله بهما عباده، فإذا رأيتم ذلك فصلوا وادعوا حتى ينكشف ما بكم. وفي رواية أبي داود والنسائي عن قبيصة بن مخارق قال: كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج فزعاً يجر ثوبه، وأنا معه يومئذ بالمدينة فصلى ركعتين فأطال فيهما القيام، ثم انصرف وانجلت، ثم قال: إنما هذه الآيات يخوف الله بهما عباده فإذا رأيتموه فصلوا. وفي حديث البخاري عن أبي موسى: فقام فزعاً يخشى أن يكون الساعة وفي رواية عن عائشة مرفوعاً: فإذا رأيتم ذلك فادعوا الله وكبروا وصلوا وتصدقوا. وقد وقع في حديث النعمان بن بشير وغيره بلفظ: إن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته ولكنهما آيتان من آيات الله وإن الله تعالى إذا تجلى لشيء من خلقه خشع له، أخرجه أحمد والنسائي، وابن ماجه وصححه ابن خزيمة والحاكم (ولقد رأيتني) أي أبصرت نفسي، وحملت روحي (أدنيت) أي قربت (من الجنة حتى لو ¬

(¬1) الأنفال 33.

شئت أن أتناول غصناً من أغصانها) أي أغصان أشجارها المشتملة على أثمارها (فقلت: ولو رأيتني أدنيت من النار حتى جعلت أتقي) أي شرعت أحذر وأجتنب لهبها، أو شعلة نارها وظلمة دخانها وغبارها (عليّ وعليكم). - رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجنة والنار في الصلاة وفي رواية للشيخين قالوا: يا رسول الله رأيناك تناولت شيئاً في مقامك هذا ثم رأيناك تكفكفت قال: إني رأيت الجنة، فتناولت منها عنقوداً، ولو أصبته لأكلتم منه ما بقيت الدنيا. ورأيت النار فلم أر منظراً كاليوم أفظع منها ورأيت أكثر أهلها النساء قالوا: بِمَ يا رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: بكفرهن، قيل: أيكفرن بالله؟ قال: يكفرن الإحسان لو أحسنت إلى إحداهن الدهر كله، ثم رأت منك شيئاً، قالت: ما رأيت منك خيراً (ولقد رأيت سارق رسول الله) أي سارق متاعه صلى الله عليه وسلم (وفي رواية سارق بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي بعض ما في بيته صلى الله عليه وسلم (يعذب بالنار ولقد رأيت فيها) أي في النار (عبد بن دعدع سارق الحاج) المراد به جنس الحجاج (بمحجنة) بكسر الميم وسكون المهملة وفتح الجيم وهو عصا معوجة في رأسها حديدة تتعلق به الأمتعة. (ولقد رأيت فيها امرأة أدماء) أي سمراء في اللون (طويلة) في القامة (حمرية) بكسر أوله أي منسوب إلى قبيلة في اليمن (تعذب في

هرة لها ربطتها) إما عجبة منها، أو لتصييد الفأرة من بيتها (فلم تطعمها) أي من عندها، (ولم تدعها) أي لم تتركها تدور (وحينئذ تأكل من خشاش الأرض) بضم أولها هوامها وحشراتها روى بالمهملة وهو يابس النبات، فهو وهم كذا في النهاية. وفي رواية فرأيت امرأة توجد في بيتها هرة ربطتها حتى ماتت جوعاً أو عطشاً. وفي رواية نحوه أي بمعناه دون مبناه (وفيه) أي في هذا المروي: (ولقد رأيت عبد بن دعدع سارق الحاج بمحجنة مكسرة) في عمله كما بينه بقوله: (فكان إذا أخفى) أي المقر له (ذهب) أي بالمتاع (وإذا رآه أحد) أخذ تعللاً (تعلق بمحجني) من غير علمي وقصدي. وفي رواية كان إذا خفي له شيء ذهب به، وإذا ظهر عليه قال: إنما تعلق بمحجني. وفي رواية فرأى عمرو بن مالك يجد قصبه في النار وكان أول من غير دين إبراهيم عليه الصلاة والسلام وعند الإمام أحمد أنه لما أسلم حمد الله وأثنى عليه، وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبد الله ورسوله ثم قال: أيها الناس أنشدكم بالله هل تعلمون أني قصرت عن شيء من تبليغ رسالات ربي لما خيرتموني في ذلك؟ فقام رجل، فقال: نشهد أنك قد بلغت رسالات ربك ونصحت لأمتك وقضيت الدين عليك، ثم قال: وأيم الله لقد رأيت منذ قمت أصلي ما أنتم لاقوه من أمر دنياكم وآخرتكم، وأنه والله لا تقوم الساعة حتى يخرج ثلاثون كذاباً آخرهم الأعور الدجال من تبعه لم ينفعه صالح من عمله.

- حديث والدين وبه (عن عطاء عن أبيه عن ابن عمر قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم) أي جاءه (رجل يريد الجهاد فقال: "أحي والداك") أي أبوك وأمك ففيه تغليب (قال: نعم، قال: "ففيهما فجاهد") أي ففي حقهما وخدمتهما فاجتهد فإنه أولى في حقك إذا كانا محتاجين إلى خدمتك ونفقتك والحديث رواه أحمد والشيخان والأربعة عن عمر. - حديث وصية وبه (عن عطاء عن أبيه، عن سعد بن أبي وقاص) وهو أحد العشرة المبشرة (قال: دخل علي) أي لديّ بتشديد الياء (النبي صلى الله عليه وسلم) والمعنى أنه جاءني حال كونه (يعودني) في مرض عرض بي (فقلت: يا رسول الله أوصي بمالي كله)، أي أوصي بذلك؟ (قال: لا، قلت: فنصفه؟ قال: لا، قلت: فثلثه؟ قال: "والثلث كثير") - أي فينبغي أن يكون الإيصاء بأقل منه إذا كان أهله فقراء كما بينه عليه الصلاة والسلام بقوله: (لا تدع أهلك) أي لا تترك ورثتك (يتكففون الناس) أي يطلبون منهم، ويمدون كفهم إليهم طمعاً في مالهم. (وفي رواية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على سعد يعوده قال:) أي النبي

صلى الله عليه وسلم أوصيت؟ ") بتقدير الاستفهام (قال: نعم أوصيت بمالي كله) أي للفقراء والمساكين، ولما لم تجز الوصية زيادة على قدر الثلث منعه عن إيصاء كله، (فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يناقصه)، أي يعالجه في النقصان ويبالغه في هذا الشأن (حتى قال:) أي النبي صلى الله عليه وسلم عند قول سعد فبالثلث (الثلث)، أي جائز فقد ورد أن إعطاءكم لله ثلث أموالكم عند وفاتكم زيادة في أعمالكم على ما رواه الطبراني عن خالد بن عبيد السلمي ("والثلث كثير")، أي بالنسبة إليك. (وفي رواية عن عطاء عن أبيه عن جده)، وقد تقدم ذكرهما (عن سعد قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم) علي أو في بيتي (يعودني) أي يتفقدني بالعيادة التي هي الزيادة عن العيادة (فقلت: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أوصي بمالي كله؟ قال: لا قلت فبالنصف؟ قال: لا، قلت فبالثلث قال: فبالثلث). أي أوصي ("والثلث كثير")، أي والحال أنه كثير لأن أهلك فقراء (وإن تدع) أهلك أي تركك ورثتك (بخير) أي من بركتك (خير من أن تدعهم عالة) أي فقراء في مقام الإفلاس (يتكففون الناس). وفي رواية مسلم عن سعد بلفظ: الثلث والثلث كثير إن صدقتك من مالك صدقة، وإن نفقتك على عيالك صدقة، وإن تأكل امرأتك من مالك صدقة وإنك إن تدع أهلك بخير خير من أن تدعهم يتكففون الناس. وفي رواية لأحمد والشيخين والأربعة عن سعد: الثلث والثلث كثير إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أُجِرْتَ حتى ما تجعل في فيّ امرأتك.

- ذكر إسناده عن علقمة بن مرثد

- حديث النفقة وبه (عن عطاء عن أبيه عن سعد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنك لن تنفق نفقة تريد بها وجهه") أي الله رضاه لا غرض سواه (إلا أجرت عليها) بصيغة المفعول، أي أثبت على تلك النفقة جزيلة، أو قليلة (حتى اللقمة ترفعها إلى فيّ امرأتك) أي فمها ملاطفة بها أو استعانة لها حال ضعفها وقد سبق ما في معناه. - إياكم والظلم وبه (عن عطاء، عن محارب بن دثار، عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إياكم والظلم") أي اجتنبوا الظلم لا سيما بالتعدي على الغير ("فإن الظلم") أي حقيقته المشتمل على أنواعه ("ظلمات") أي موجب لكثرة الظلمات ("يوم القيامة"). وقد روى الشيخان عن ابن عمر: الظلم ظلمات يوم القيامة. - ذكر إسناده عن علقمة بن مرثد -ذكر إسناده عن علقمة بن مرثد بفتح ميم وسكون راء وفتح مثلثة فدال مهملة. أبو حنيفة (عن علقمة بن بريدة) بالتصغير (عن أبيه وهو بريدة) بن الحصيب

(الأسلمي)، وقد سبق ترجمتهما (قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الدال على الخير كفاعله") ورواه الطبراني والبزار عن ابن أبي مسعود، عن سهل بن سعد وزاد أحمد وأبو يعلى أيضاً عن بريدة والله يحب إعانة اللهفان، أي إعانة المكروب، وصحيح مسلم عن أبي مسعود رفعه: من دل على خير فله مثل أجر فاعله. - حديث القدر وبه (عن علقمة عن يحيى عن يعمر) على وزن ينصر (قال: بينما أنا مع صاحب لي بمدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ بصرنا) بضم الصاد والباء في (بعبد الله بن عمر) للتعدية كقوله: فبصرت به إذ أي رأيناه والمعنى فاجأنا روية (فقلت لصاحبي: هلاّ لك) أي رغبة (أن نأتيه فنسأله عن القدر) أي عن الإيمان من جهة إثباته ونفيه لاختلاف الناس في أمره؟ (قال: نعم فقلت دعني) أي اتركني (حتى أكون أنا الذي أسأله) بدلاً عنك (فإني أعرف به منك) أي أكثر معرفة وأزيد معاشرة (قال: فانتهينا إلى عبد الله فقلت يا أبا عبد الرحمن) وهو كنية (إنَّا) أي معشر التابعين (ننقلب في هذه الأرض) أي نسافر ونتردد في جنسها، أو بخصوص بعضها وهو الذي كثير لغات القدر فيها (فربما قدمنا البلدة) أي بلدة من بلادها (بها قوم يقولون: لا قدر) أي لا قضاء مقدراً وإنما يكون الأمر مستأنفاً ميسراً (فما نرد عليهم) أي فأي شيء نجيبهم ليكون القائل به مختبراً ومحترزاً، (قال: أبلغهم

مني) أي أوصلهم من جانبي وأخبرهم على لساني (إني بريء منهم) وفيه دليل على أن قول الصحابي حجة (¬1) كما أشار إليه قوله صلى الله عليه وسلم: "أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم" (ولو أني وجدت أعواناً) أي مساعدين (لجاهدتم) لترويج أمر الدين إذا كانوا في بلدة مجتمعين (ثم أنشأ) أي شرع وابتدأ (يحدثنا) أي عن النبي صلى الله عليه وسلم تقوية لما تقدم (قال: بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه رهط) أي جمع (من الصحابة) أي المخصوصين (إذ أقبل شاب) في السن والقوة (جميل) في الهيئة (أبيض) في الصورة (حسن اللمة) بكسر اللام وتشديد الميم، وهي الشعر الذي يلم بالمنكب (طيّب الريح، عليه ثياب بيض) بتنوينها وفي نسخة بإضافتها (فقال: السلام عليك يا رسول الله) أي خصوصاً (السلام عليكم) أي متلفتاً لأصحابه عموماً. (قال: فرد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي سلامه بأحسن رد، (ورددنا معه) أي كذلك، (فقال: ادنو) أي أقرب إليك (يا رسول الله قال "أدن") أي أقرب (فدناه دنوة أو دنوتين) أي قرب خطوة أو خطوتين (ثم قال): أي الرجل (موقراً) أي معظماً لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: (ادنو) يا رسول الله (فقال: "ادنه") بهاء السكت، (فدنا حتى التَصَقَ ركبتيه بركبة رسول الله صلى الله عليه وسلم)، في بعض الروايات ¬

(¬1) وفيه دليل على: أن قول الصحابة حجة. عن وهب بن جرير عن أبيه عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: أصحابي كالنجوم من اقتدى بشيء منها اهتدى انتهى. وقال في ترجمة زيد العمي نعيم بن حماد حدثنا عبد الرحيم بن زيد العمي عن أبيه عن سعيد بن المسيب عن عمر مرفوعاً: سألت ربي في ما اختلف فيه أصحابي من بعدي فأوحى الله إلي يا محمد إن أصحابك عندي بمنزلة النجوم بعضهم أضوء من بعض فمن أخذ بشيء مما هو عليه من اختلافهم فهو عندي على هدى هذا باطل. مفاتيح الأسرار التراويح صفحة 57.

وضع يديه على فخذيه صلى الله عليه وسلم إرادة لكمال التقرب إليه، مع غاية التأدب لديه، (فقال: أخبرني عن الإيمان) أي عن المؤمن به إجمالاً (قال: "أن تؤمن بالله") أي بذاته وصفاته (وملائكته وكتبه ورسله ولقائه") أي بالقبر أو البعث، أو برؤيته في الجنة (واليوم الآخر) من حشره ونشره (والقدر خيره وشره) أي حلوه ومره ونفعه، وضره (من الله) أي من قضائه وأمره بحيث لا يتصور تغيره بغيره، (فقال: صدقت، قال: فعجبنا من تصديقه لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقوله: صدقت) تفسير لما قبله، (كأنه يعلم) أي الحكم عياناً ويسأل عنه امتحاناً، وقال: (فأخبرني عن شرائع الإسلام) أي فرائضه وأركانه (ما هي؟) أي التي مدارها عليها وأساسها لديها ورجوع سائرها إليها (قال: "إقام الصلاة") أي إقامتها بشرائطها، وأركانها (وإيتاء الزكاة) أي إعطاء ما يجب من المال لمستحقها على وجه تمليكها، (وحج البيت) بفتح الحاء وكسرها أي قصد بيت الله الحرام وسائر المشاعر العظام (لمن استطاع إليه سبيلاً) بالزاد والراحلة ذهاباً وإياباً (وصوم رمضان) أي أيام شهره مع تعظيم أمره ورعاية قدره، (والاغتسال من الجنابة) أي لجميع أعضاء بدنه. وفي الروايات المشهورة بدل هذا الخامس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وهو كأنه أول أركانه، وهو الموافق لما ورد في الصحيح: "بني الإسلام على خمس" الحديث (قال: صدقت فعجبنا لقوله صدقت).

والحاصل أن السؤال الأول وجوابه تحقيق الإيمان، وتصديقه من جهة الباطني، والثاني انقياد الظاهر، وهذا فرق لغوي، وفي الاعتبار الشرعي مفهوم الإيمان والإسلام واحد، فكل مؤمن مسلم، كما أن كل مسلم مؤمن. نعم يدل الحديث على أن الإيمان في التحقيق مجرد التصديق، وأما الإقرار فشرط لإجراء أحكام الإسلام، وأما بقية الأعمال فمن باب الإكمال، والله أعلم بالأحوال. (قال: فأخبرني عن الإحسان)؟ أي تحسين الإيمان والإسلام في مقام المرام ما هو (قال: "الإحسان أن تعمل لله") وفي الرواية المشهورة أن تعبد الله (كأنك تراه) حاضراً لديك، وناظراً إليك، (فإن لم تكن تراه) أي تشاهده بهذا المنوال، (فإنه يراك) أي فاعلم أنه يراك في جميع الأحوال، فيجب عليك أن تحسن الأعمال (قال:) أي الراوي، (فإذا فعلت ذلك، فأنا محسن) في عمله، (قال: نعم، قال: صدقت، قال: فأخبرني عن الساعة) متى ينتهي أي أين وقت وقوعها؟ (قال: "ما المسؤول عنها بأعلم من السائل") أي كل مسؤول عنها عاجز من جوابه كالسائل عنها، فإنه سبحانه استأثر بعلمها، فلا يعلمها إلا هو، (ولكن لها أشراطاً) هي علامات تدل على قربها (فهي من الخمس التي استأثر الله بها)، وفي الصحيح مفاتيح الغيب الخمس، فقال: أي فقرأ استشهاداً أو فكر اعتقاداً {إن الله عنده} أي لا عند غيره {علم الساعة}، أي علم وقت قيام ساعة القيامة، {وينزل الغيث} في وقت يعلمه، {ويعلم ما في

الأرحام} أي لا يعلمه غيره {وما تدري نفس ماذا تكسب غداً} أي في المستقبل، {وما تدري نفس بأي أرض تموت} عند انتهاء الأجل {إن الله عليم خبير} (¬1)، بما أراده من الأنبياء والأولياء إلا علم الساعة، فإنه كما في قوله تعالى: {أكاد أخفيها} (¬2) أي عن نفسي لو أمكن، وهذا غاية المبالغة، أو أخفي إتيانها فضلاً عن بيان وقتها لحكمة اقتضت إخفاءها (قال: صدقت ثم انصرف) أي ذهب ونحن نراه، قال النبي صلى الله عليه وسلم علي بالرجل أي نادوه لي واطلبوه لأجلي، (فقمنا في أثره) بفتحتين وبكسر فسكون أي طالبين في عقبه (لا ندري أين توجه ولا رأينا شيئاً) أي مما يدل عليه، (فذكرنا) ذلك (للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: "هذا جبريل عليه السلام أتاكم يعلمكم معالم دينكم") أي مجملها أو طريق سؤالها ("والله ما أتاني في صورة") أي من دحية وغيره (إلا وأنا أعرفه فيها إلا هذه الصورة) وقد بسطنا في هذا الحديث المتين في شرح الأربعين، والله الموفق والمعين. - زيارة القبور وبه (عن علقمة، عن سليمان بن بريدة، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: نهيناكم عن زيارة القبور (فقد أذن) بصيغة المجهول (محمد في زيارة قبر أمه ¬

(¬1) لقمان 34. (¬2) طه آية 15.

فزوروها) أي قبوركم، فهذا الحكم ناسخ للأول، وهل يشتمل النساء أو لا فيه خلاف، (ولا تقولوا هجراً) بضم، فسكون أي فحشاً من الكلام كالنياحة وغيرها. وفي رواية ابن ماجه كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها فإنها ترق القلب وتدمع العين، وتذكر الآخرة ولا تقولوا هجراً، (وعن لحوم الأضاحي) أي نهيناكم عن (أن تمسكوها) أي تدخروها، وهو بدل اشتمال عما قبله، (فوق ثلاثة أيام، وإنما نهيناكم) أي أولاً (ليوسع موسركم) أي غنيكم (على فقيركم) رحمة على الفقراء وشفقة على الضعفاء، وزيادة مثوبة للأغنياء، (والآن قد وسع الله عليكم) بإيصال كثرة الخير إليكم، (فكلوا) أي بعضه، أو كله وتزودوا، أي ادخروا لزاد المعاش إن شئتم، لكن الأفضل أن يأكل ثلثه، ويطعم الفقراء ثلثه، ويهدي الجيران ونحوهم ثلثه، ليكون جامعاً بين علم المعاش وزاد المعاد. وفي رواية الترمذي عن بريدة: كنت نهيتكم عن لحوم الأضاحي فوق ثلاث ليتسع ذو الطول على من لا طول له، فكلوا ما بدا لكم وأطعموا وادخروا (وعن الشرب)، أي ونهيناكم عن الشرب (في الحنتم) أي الجرة الخضراء، (والمزفت) أي الظرف المطلي بالزفت وهو القير. وفي رواية عن النقير والدباء والنقير هو المنقور من الخشب والسبب في منعه أن هذه الظروف كانت معدة للخمر فأراد صلى الله عليه وسلم المبالغة في منعها، ومنع ملابستها، ثم أذن بقوله: ("فاشربوا") أي الآن (في كل ظرف شئتم) من هذه الظروف وغيرها، (فإن الظرف لا يحل شيئاً) أي حقيقة، (ولا يحرمه") لكن بالجر إلى صورة المعصية، فوجب الكراهية في قرب المعاهدة، (ولا تشربوا مسكراً) أي ولو لم يكن خمراً.

- ولا تشربوا مسكراً وفي حديث مسلم عن بريدة: كنت نهيتكم عن الأشربة إلا في ظروف الأدم، فاشربوا في كل ظرف شئتم من هذه الظروف وغيرها لأن الظرف لا يحل شيئاً في الحقيقة، ولا يحرم، لكن بالجر إلى صورة المعصية يوجب الكراهة في قرب المعادة، ولا تشربوا مسكراً أي ولو لم يكن خمراً. وفي حديث مسلم عن بريدة: كنت نهيتكم عن الأشربة إلا في ظروف الأدم فاشربوا في كل وعاء غير أن لا تشربوا مسكراً. وفي رواية ابن ماجه عن بريدة أيضاً كنت نهيتكم عن الأوعية فانبذوا، واجتنبوا كل مسكر. (وفي رواية) أي لأبي حنيفة عن بريدة (أنه قال: "إنا نهيناكم عن ثلاث، عن زيارة القبور فزوروها ونهيناكم أن تمسكوا لحوم الأضاحي فوق ثلاث أيام فامسكوها وتزودوا فإنما نهيناكم ليوسع غنيكم على فقيركم ونهيناكم أن تشربوا في الدباء) أي النبيذ الكائن في الدباء بالمد، والقصر. وفي رواية نحوه، وفيه: عن النبيذ؛ أي نهيناكم عن الانتباذ في الدباء والختم والمزفت، فاشربوا في كل ظرف، ولا تشربوا مسكراً (فاشربوا فيما بدا لكم) أي ظهر عندكم من الظروف (فإن الظرف) أي جنسه (لا يحل شيئاً ولا يحرمه، ولا تشربوا مسكراً) فإن الله حرمه.

وبه (عن علقمة عن ابن بريدة، عن أبيه قال: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في جنازة) أي معها ولأجلها (فأتى قبر أمه فجاء) أي فرجع (وهو يبكي أشد البكاء حتى كادت نفسه تخرج من بين جنبيه) أي من جميع أجزاء جسده، والمعنى أنه قرب أن يموت من شدة حزنه، (قال): أي بريدة، (قلنا): أي نحن معشر الصحابة الحاضرين (يا رسول الله ما يبكيك) أي، أيّ شيء سبب بكائك؟ (قال: "استأذنت ربي قي زيارة قبر أم محمد"). فيه وضع الظاهر موضع المضمر، أي قبر أمي (فأذن لي)، ولعل الحكمة في إذنه ليكون سبباً في تخفيف عذاب أمه (واستأذنته في الشفاعة) أي لرفع عذاب عنها من أجله (فأبى عليّ) أي لم يأذن ولم يقبل مني لقوله سبحانه: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لِمَن يشاء} (¬1) وهذا دليل صريح في أن أمه ماتت كافرة أنها في النار داخلة مخلدة، وهو الذي اعتقده أبو حنيفة، وذكره في فقهه الأكبر من أن والدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ماتا على الكفر وعارضه السيوطي في رسائل، وأتى ببعض الدلائل مما ليس تحتها شيء من الطائل، وقد جعلت رسالة مستقلة في تحقيق هذه المسألة، وتدقيق ما يتعلق بها من الأدلة. (وفي رواية لأبي حنيفة عن بريدة قال: استأذن النبي صلى الله عليه وسلم ربه) في زيارة قبر أمه، (فأذن له، فانطلق، وانطلق) معه (المسلمون حتى انتهوا إلى قريب من ¬

(¬1) النساء 48.

القبر، فمكث المسلمون) بضم الكاف وفتحه أي فلبثوا (ومضى النبي صلى الله عليه وسلم) إلى زيارة قبر أمه، فمكث طويلاً أي زماناً أو مكثاً، (ثم اشتد بكاؤه حتى ظننا أنه لا يسكن) أي من البكاء، (فأقبل وهو يبكي فقال له عمر: ما أبكاك يا نبي الله بأبي أنت وأمي) أي أفديك بهما (قال: "استأذنت ربي في زيارة قبر أمي فأذن لي فاستأذنته في الشفاعة فأبى فبكيت رحمة لها) أي بمقتضى الطبيعة، (وبكى المسلمون رحمة للنبي صلى الله عليه وسلم) أي بموجب الشريعة وهذا الحديث يبطل قول القائل: إنها من أهل الفترة وإنهم لا يعذبون في النار. - حديث عيادة الكافر وبه (عن علقمة عن ابن بريدة، عن أبيه، قال: كنا جلوساً) أي جالسين (عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لأصحابه) أي الحاضرين (انهضوا) بفتح الهاء أي قوموا بنا (نعود جارنا اليهودي)، فإنه أحد الجيران الثلاثة على ما رواه البزار وأبو الشيخ في الثواب وأبو نعيم في الحلية، عن جابر مرفوعاً: الجيران ثلاثة: فجار له حق واحد، وجار له حقان، وجار له ثلاثة حقوق. فأما الذي له حق واحد فجار مشرك له حق الجوار ..

وأما الذي له حقان فجار مسلم له حق الإسلام وحق الجوار. وأما الذي له ثلاثة حقوق فجار مسلم ذو رحم له حق الإسلام وحق الرحم وحق الجوار. (قال): أي بريدة، (فدخل) أي النبي صلى الله عليه وسلم أي على اليهودي، (فوجده في الموت)، أي في سكراته ومقدمة مماته (فسأله) أي عن حاله، ثم (قال: "أتشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله) رجاء أن يؤمن به ويجير من النار بسببه، (فنظر إلى أبيه) أي كالمستشير في أمره، (فلم يكلمه أبوه) إيماء إلى عدم رضائه، (فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "أتشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله فنظر إلى أبيه) أي متوقفاً إذنه فيه (فقال له أبوه) مراعاة لحاضرة: (وأشهد له) بالرسالة العامة، (فقال الفتى: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله) فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "الحمد لله الذي أنقذ) أي خلص، (ونجى) بي أي بسببي (نسمة) أي مخلوقاً ذا روح (من النار) أي من عذاب الكفار. (وفي رواية) أخرى (أنه) أي النبي صلى الله عليه وسلم (قال ذات يوم) أي يوماً من الأيام (لأصحابه) أي الكرام: (انهضوا بنا نعود جارنا اليهودي قال): أي الراوي، (فوجده في الموت فقال أتشهد أن لا إله إلا الله قال: نعم) لأنه كان من أهل الكتاب وغالبهم أهل التوحيد في هذا الباب (قال: أتشهد أني رسول الله) أي إلى العرب والعجم واليهود والنصارى وغيرهم (قال): أي الراوي (فنظر الرجل إلى أبيه)، وفيه إيماء إلى ميل قلبه إلى الإسلام، (قال: فأعاد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي

الكلام مرة بعد أخرى (فوصف) أي الراوي (الحديث) أي كلامه عليه السلام ثلاث مرات إلى آخره على هذه الهيئة المذكورة المتقدمة (إلى قوله فقال) أي أبوه له: (أشهد، فقال أشهد أنك رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الحمد لله الذي أنقذ بي نسمة من النار"). - حديث الجهاد وبه (عن علقمة عن ابن بريدة عن أبيه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بعث جيشاً) أي عسكراً كثيراً كأنه يجوش ويفور من قوة حركته (أو سرية) أي عسكراً قليلاً أقصاه أربعمائة كأنه يخفي في سيره من قلة ومدينة (أوصى أميرهم في خاصة نفسه) أي في ما يتعلق بأمر دينه ودنياه بتقوى الله، أي اكتساب أوامره واجتناب زواجره (وأوصى فيمن معه) أي في حق من سار معه (وتابعه من المسلمين خيراً) أي بالخير والإحسان (ثم قال لهم) أي جميعهم (اغزوا بسم الله) أي مستعيناً به (في سبيل الله) أي طالبين لرضائه (قاتلوا من كفر) أي بالله، لا بغير حق سواه (لا تَغلُّوا) بضم الغين المعجمة، واللام المشددة، أي لا تخونوا في الغنيمة (ولا تغدروا) بكسر الدال المهملة، أي لا تنقضوا العهد بالخديعة (ولا تمثلوا) بضم المثلثة أي لا تقطعوا الأطراف من الأنف والأذن وغيرهما، من هما من الأصناف، فإنه لا منفعة فيها، بل يوجب زيادة الغيظ بسببها، والسلب بمثلها (ولا تقتلوا وليداً) أي مولوداً

صغيراً دون البلوغ، إذ أسره أولى، ونفعه للمسلمين أعلى، لا سيما إذا كان أعلى، إلا إذا كان سلطاناً، أو ولده، فإن في وجوده خوف الفتنة والفساد في عروض شهوده. والحديث رواه مسلم والأربعة، عن بريدة. (وفي رواية) أي لأبي حنيفة، وكذا لأبي داود (شيخاً كبيراً) أي ممن لا يقدر، إلا أن يكون صاحب رأي، أو مدعي ملك. وزاد أبو داود، ولا امرأة، وهي مقيدة بما تقدم، والله أعلم. (فإذا لقيتم عدوكم) أي أعداءكم من الكفار، ولو من أهل الكتاب (فادعوهم إلى الإسلام) أولاً، (فإن أبوا) أي امتنعوا (فادعوهم إلى إعطاء الجزية) أي إن كانوا من أهلها (فإن أبوا، فقاتلوهم) أي بأمره وكونه (فإذا حاصرتم أهل حصنٍ فأرادوكم) أي طلبوا منكم (أن تنزلوهم على حُكْمِ الله) أي فيهم من القتل والسبي والمن (فلا تفعلوا) أي فلا تقبلوا، فإنكم (لا تَدْرونَ ما حُكْمُ الله) أي بخصوصه في حقهم (ولكن انزلوا على حكمكم) أي كلكم أو بعضكم (ثم أحكموا فيهم عابداً بالأنفس) أي بما ظهر لكم من الرأي فيهم (فإن أرادوكم) أي حاولوكم (أن تعطوهم ذمة الله) أي عهده وأمانه خوفاً أن يعجزوا عن القيام بحقه (فأعطوهم ذممكم وذمم

آبائكم) الظاهر أن الواو بمعنى أو (فإنكم إن تخفروا) بضم التاء وكسر الفاء، أي أن تهتكوا (بذمتكم أهون) أي أخف (من أن تخفروا بذمة الله أن تخفروا في رقبتكم). وفي رواية (فإن أرادوكم أن تعطوهم ذمة الله وذمة رسوله، فلا تعطوهم ذمة الله، ولا ذمة رسوله. ولكن أعطوهم ذممكم وذمم آبائكم، فإنكم إن تخفروا ذممكم وذمم آبائكم أيسر، فإن ذمة الله وذمة رسوله في مقام التعظيم أكبر). - حديث الأذان وبه: (عن علقمة، عن ابن بريدة، أن رجلاً من الأنصار) وهم المؤمنون من أهل المدينة (مر برسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، فرآه حزيناً) أي فرأى الرجل رسول الله صلى الله عليه وسلم محزوناً (وكان الرجل) أي الأنصاري، من صفته وعادته وكرمه، وسخاوته (إذا أطعم) أي تغدى، أو تعشى (يجتمع إليه) بصيغة المجهول أي يحضر بعض الفقراء لديه، (فانطلق) أي فذهب الرجل إلى غير محله (حزيناً بما رأى من حزن رسول الله صلى الله عليه وسلم) بضم الحاء وسكون الزاي، وبفتحتين، وبهما

قرأت في قوله سبحانه وتعالى {عَدُوَّاً وَحَزَناً} (¬1) (فترك طعامه) أي المهيأ له ولأصحابه كرامة (وما كان يجتمع إليه) من أهله وقرابته وفقراء جاره (ودخل مسجده) أي الكائن في محلته (يصلي) جملة حالية أو استئنافية (فبينما هو كذلك) أي حزيناً مصلياً (إذ نعس) أي في صلاته، أو بعد ما فرغ من مناجاته (فأتاه آت في النوم، فقال): أي الآتي (هل علمت مما حزن رسول الله صلى الله عليه وسلم) بكسر الزاي، أي وهو فعل لازم، بخلاف فتحها، فإنه متعد، ومضارع الأول مفتوح، والثاني مضموم، ومَنْ للتعليل، وما استفهامية، (قال) أي الرجل (لا) أي لا أعلم سببه، ولا أعرف موجبه (قال) أي الآتي (فهو) أي حزنه وهمه (لهذا التأذين) أي لأجل معرفته كيفية التأذين، وهو الإعلام بدخول وقت الصلاة، للمصلي (فآتِهِ) أمر من الإتيان فأحضره (فمره أن يأمر بلالاً أن يؤذن) أي للناس في أوقاتها (فعلم الأذان) أي بجميع كلماته (الله اكبر الله أكبر، مرتين، أشهد أن لا إله إلا الله، مرتين، أشهد ان محمداً رسول الله، مرتين) وفيه دلالة على عدم الترجيع، خلافاً للشافعي ومن تبعه، (حي على الصلاة، مرتين، حي على الفلاح، مرتين، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله) أي مرة كما هو المستفاد من السكوت عن التكرار. ¬

(¬1) القصص 8.

- الإقامة مثل الأذان (ثم علم الإقامة مثل ذلك) أي مثل الأذان الموصوف بالتكرار، وفيه دلالة على عدم إفراد الإقامة، خلافاً لما ذهب إليه الشافعي، وتبعه طائفة من أهل السنة والجماعة، (وقال في آخر ذلك) أي بعد حي على الفلاح فالمراد بآخره، ما قرب منه، (قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة) أي مرتين (الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله كأذان الناس وإقامتهم) فيه إشارة إلى أن هذا الموصوف من الأذان والإقامة، كان في زمن الصحابة والتابعين الذين هم أفاضل الناس في مقام الاستيناس (فأقبل الأنصاري) أي فخرج من مسجده (فقعد على باب النبي صلى الله عليه وسلم) أي ينتظر خروجه عليه الصلاة والسلام ليذكر له ما رآه في المنام، أو يحصل له إذن بالدخول، وما يترتب عليه من الكلام (فمر أبو بكر رضي الله عنه) وأراد الدخول إليه صلى الله عليه وسلم (فقال) الأنصاري (استأذن لي) أي بالدخول (وقد رأى) أي والحال أن أبا بكر أيضاً قد رأى (مثل ذلك) أي مثل ما رأى الأنصاري في المنام، فأخبر به النبي صلى الله عليه وسلم ليكون من أن يتيقن في كل مرتبة من مراتب اليقين (ثم استأذن الأنصاري، فدخل، فأخبر بالذي رأى، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: قد أخبرنا أبو بكر مثل ذلك)

وقد روى أن جماعة من الصحابة تواردوا على ما رأى هنالك، (فأُمر بلالاً يؤذن بذلك). (وفي رواية: أن رجلاً من الأنصار، مر برسول الله صلى الله عليه وسلم، فرآه حزيناً) أي محزوناً، قد ظهر عليه آثاره من كثرة حزنه (وكان الرجل ذا طعام يغشى) أي الناس معه (فانصرف) أي عن طريق نية انقلب نيته عن أكله، لنفور طبيعته (لما رأى من حزن رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي من آثار الحزن على طبيعته فترك طعامه، فدخل فوجده يصلي، لما ورد أنه صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة، ولعله مقتبس من قوله تعالى {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ} (¬1) الآية (فبينما هو كذلك، إذ نعس، فأتاه آتٍ في النوم فقال له: أتدري ما حزن رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي أتعلم ما سبب حزنه (قال: لا قال: هو النداء) أي عدم معرفته لتفسير الأذان من ألفاظ الثناء والدعاء (فأمره بأن يأمر بلالاً، قال الرجل، فعلمه الأذان) أي هكذا (الله أكبر الله أكبر، مرتين) أي باعتبار الجملتين، وإلا فباعتبار كل جملة، تصير أربع مرات (أشهد ان لا إله إلا الله، مرتين وأشهد أن محمداً رسول الله، مرتين، حي على الصلاة، مرتين حي ¬

(¬1) البقرة 45.

على الفلاح، مرتين، الله أكبر، أي مرة، لا إله إلا الله) أي مرة (ثم علمه الإقامة، كذلك) أي مرتين (ثم قال في آخر ذلك): أي قريباً من آخره، وهو بعد حي على الفلاح (قد قامت الصلاة، مرتين، كأذان الناس وإقامتهم) أي من غير زيادة ولا نقصان (فانتبه الأنصاري، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس الباب) أي باب بيته عليه الصلاة والسلام (فجاء أبو بكر فقال له الأنصاري: استأذن لي، فدخل أبو بكر، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر بمثل ذلك) أي بمثل ما رأى الأنصاري، لأنه قد رأى كذلك (ثم دخل الانصاري) أي بعد الاستيذان (فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بالذي رأى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد أخبرنا أبو بكر) هذا نظير قوله عليه الصلاة والسلام سبق عكاشة، (فقال) أي النبي صلى الله عليه وسلم: (مُرْ بِلاَلاً بمْثلِ ذَلِكَ) أي حتى يؤذن الناس في وقت، وضع لما هنالك. والحديث رواه الدارقطني، بسند فيه عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن معاذ بن جبل، قال: قام رجل من الأنصار عبد الله بن زيد، يعني إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، إني رأيت في النوم كأن رجلاً نزل من السماء، عليه بردان أخضران، نزل على حائط من المدينة، فأذن مثنى، ثم جلس، قال: علمها بلالاً، فقال عمر: رأيت مثل الذي، ولكنه سبقني. قال ابن الهمام، وعبد الرحمن، لم يسمع من معاذ، فإنه ولد لست بقين من

خلافة عمر، فيكون سنه سبع عشرة سنة من الهجرة، ومعاذ توفي سنة تسع عشرة من الهجرة أو ثماني عشرة، وهذا حجة عندنا بعد ثقة الرواة. ولأبي داود، وابن خزيمة، بسند متصل، نحوه، وقال الترمذي في علله الكبير: سألت محمد بن اسماعيل عن هذا الحديث، فقال: هو عندي صحيح. هذا وروى ابن أبي شيبة، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، بسند قال في الإمام: رجاله رجال الصحيحين، قال: حدثنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، أن عبد الله بن زيد الأنصاري، جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إني رأيت في المنام كأن رجلاً قام عليه بردان أخضران، فقام على حائط، فأذن مثنى مثنى، وأقام مثنى مثنى. قال الطحاوي: تواترت الآثار عن بلال أنه كان يثني الإقامة حتى مات، وعن إبراهيم النخعي، كانت الإقامة مثل الأذان، حتى كاد هؤلاء الملوك. فجعلوها واحدة، لسرعة إذا أخرجوا، يعني بني أمية، كما قال أبو الفرج بن الجوزي، كان الأذان مثنى مثنى، والإقامة كذلك، فلما قام بنو أمية، أفردوا الإقامة. واستدل الشافعي على إفرادها في البخاري؛ أن بلالاً يشفع الأذان، ويوتر الإقامة، إلا الإقامة. وفي رواية متفق عليها، بذكر الاستثناء. فأخذ بها مالك، ولا يخفي؛ إنما روينا أقوى، فإنه نص على العدد، على وجه الحكاية، كلمات الأذان، فانقطع الاحتمال بالكلية، بخلاف أمر أن يوتر الإقامة، فإن بعد كون الأمر أهون، أمدح، فالإقامة اسم لمجموع الذكر، والله اعلم. - حديث السخي وبه (عن علقمة، عن ابن بريدة، عن أبيه؛ عن النبي صلى الله عليه وسلم) أي مرفوعاً

(قال) أي بريدة (أتى رجل) أي جاءه صلى الله عليه وسلم (فاستحمله) أي طلب منه ما يحمله من دابة (فقال: "ما عندي ما أحملك عليه) ما الأولى نافية، والثانية موصولة، أو موصوفة (ولكن سأدلك على من يحملك) أي لأنه ذو جود، وهو في الكرم مشهور (انطلق إلى مقبرة بني فلان) بفتح الباء، وتضم أي محل قبورهم، وفناء دورهم (فإن فيها شاباً من الأنصار يترامى) أي يتغالب في باب الرمي (مع أصحاب له) أي من الرماة (ومعه بعير له) أي عنده، أو في تصرفه (فاستحمله) بصيغة الأمر، على سبيل الاستدعاء (فإنه سيحملك) أي لما فيه من شيم الكرم (فانطلق الرجل) أي فذهب إلى المقبرة المعروفة (فإذا) للمفاجأة (به) أي بذلك الشاب (يترامى مع أصحاب له؛ فقص عليه الرجل قول النبي صلى الله عليه وسلم، ففرح به) غاية الفرح، حيث شهد له صلى الله عليه وسلم بالجود، والكرم. (فاستحلفه بالله، قال: هذا) أي القول (رسول الله صلى الله عليه وسلم) اطمئناناً لقلبه (فحلف له مرتين أو ثلاثاً) زيادة لمطلوبه من إفادة مرغوبه (ثم حمله) أي علي بعيره (فمر به) أي بالمحمول (إلى النبي صلى الله عليه وسلم) أي عليه (قال) أي الراوي (فأخبره) أي الرجل للنبي (الخبر) أي خير عطائه (فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: إنطَلِقْ فإِنَّ الدَّالَ على الخَيْرِ كفاعِلِهِ) وقد روى البزار عن ابن مسعود والطبراني، عن سهل بن سعد، عن أبي مسعود مرفوعاً: الدال على الخير كفاعله.

وزاد أحمد وأبو يعلى في مسنديهما، وأيضاً عن بريدة، وابن أبي الدنيا في قضاء الحوائج، عن أنس: إن الله يحب إغاثة اللهفان، أي المكروب. (وفي رواية) أي أخرى لأبي حنيفة (أن رجلاً جاءه) أي جاء النبي صلى الله عليه وسلم (يستحمله، فقال: والله أقسم) تأكيداً (ما عندي من شيء) زيد من للاستغراق (أحملك عليه، ولكن انطلق إلى مقبرة بني فلان فإنك ستجد ثم) بفتح المثلثة، وتشديد الميم، هنالك (شاباً من الأنصار يترامى مع أصحاب له، فاستحمله، فإنه سيحملك، فانطلق الرجل حتى أتى المقبرة التي قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي أخبره بها (فقص) أي الرجل (عليه) أي على الأنصاري (القصة) أي المذكورة بتمامها (فاستحلفه، فقال:) أي الرجل (والله الذي لا إله إلا هو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسلني إليك) أي لأن أستحملك (فأعطاه بعيراً له، فانطلق به الرجل، فأتى به النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له) رسول الله صلى الله عليه وسلم (انطَلِقْ، فإِنَّ الدَّالَ على الخَيْر كَفَاعِلِهِ) والمقصود من تكرار الإسناد في المتن، فإن كان مؤداهما واحداً، تقوية الحديث، وتأكيد ثبوته. وبه (عن علقمة مرسلاً، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الحاجُّ مغْفُورٌ لَهُ") أي من

الصغائر، وفي تحت مشيئته الكبائر، إلا ما يمكن تداركه هنالك من قضاء صلاة وصوم ورد مظالم ونحو ذلك (ولمن استغفر) أي الحاج له (إلى انسلاخ المحرم) أي إلى فراغ شهر محرم الحرام، فإنه كان أبعد مسافة من مكة، في تلك الأيام. وقد روى أحمد في مسنده مرفوعاً: إذا لقيت الحاج فسلم عليه وصافحه وأمره أن يستغفر له قبل أن يبيته، فإنه مغفور له. وروى الديلمي في مسند الفردوس، عن أبي أمامة مرفوعاً الحاج في ضمان الله تعالى، مقبلاً ومدبراً. وروى البيهقي عن أنس مرفوعاً: الحاج والعمار وفد الله تعالى، دعاهم فأجابوه، وسألوه فأعطاهم ويخلف عليهم ما أنفقوا الدرهم ألف ألف. وزاد في رواية: والذي بعثني بالحق، الدرهم الواحد منها، أثقل من جبلكم هذا، وأشار إلى أبي قبيس. - حديث الرجم وبه (عن علقمة، عن أبي بريدة، عن أبيه، أن ماعز بن مالك) وهو الأسلمي، معدود في الكوفيين، وهو الذي رجمه النبي صلى الله عليه وسلم. وروى عنه عبد الله حديثاً واحداً، كذا ذكره صاحب المشكاة في أسماء رجاله (أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إن الآخر) أي المتأخر عن الخير، وفي معناه الأبعد، كما في رواية: وهو كناية عن نفسه بوصف ذمه لارتكاب (جرمه قد زنى، فأقم عليه الحد، فرده رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أتاه الثانية) أي في يوم أو في غده (فقال

له مثل ذلك) أي من الإقرار، والرد، كما فعل هنالك (ثم أتاه الثالثة والرابعة فقال: إن الآخر قد زنى، فأقم عليه الحد، فسأل عنه) أي عن حاله (أصحابه) أي أصحابه المخصوصين به العارفين بكسبه (هل تنكرون من عقله) أي شيئاً من حاله، فيكون مجنوناً، مخبوطاً أو معتوهاً (قالوا: لا، قال: انطلقوا به فارجموا) وذلك لأنه كان محصناً. (قال): أي الراوي (فانطلق به) بصيغة المجهول (فرجم بالحجارة) لكن ذلك المقام قليل الحجارة، فأتم له الرجم وحصل له زيادة الغم (فلما أبطأ عليه القتل) أي الموت بالرجم (انصرف) أي عن ذلك المكان (إلى مكان كثير الحجارة) تهويناً عليه وتسهيلاً لمن حضر لديه في رجمهم إليه، فقام فيه إتمام رجمه (فأتاه المسلمون) أي فتبعوه (فرجموه بالحجارة حتى قتلوه، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: هلا خليتم سبيله) أي هلا تركتم رجمه حين انصرف من محله، فيه إشعار بأنه لو رجع عن إقراره قبل الجلد، أو بعد ما أقيم عليه بعض حده، سقط، كما هو مذهبنا، وهو المسطور في كتب الشافعية. وعن أحمد كقوله: وعن مالك في قبول رجوعه روايتان، وعدم قبوله هو قول ابن أبي ليلى. ولنا أن الرجوع خبر يحتمله الصدق، وليس أحد يكذبه فيه، فيستحق به الشبهة في الإقرار السابق عليه، فيندرىء بالشبهة، لأنه أرجح من الإقرار السابق.

هذا ويستحب للإمام أن يلقن المقر الرجوع لقوله عليه الصلاة والسلام لماعز: لعلك مسستها، لعلك قبلتها. وعند البخاري: لعلك قبلت أو غمزت، أو نظرت، (فاختلف الناس فيه)، أي في حقه من جهة قدحه ومدحه، (فقال قائل: هذا ماعز أهلك نفسه) أي تسبب لهلاك نفسه بعدم ستره في ما وقع له من أمره (وقال قائل:) أي منهم النبي صلى الله عليه وسلم كما في رواية (أنا أرجو أن يكون) أي ما فعل في حقه (توبة) أي عظيمة مقبولة (لو تابها) أي لو تاب مثل هذه التوبة (فئام) بكسر الفاء فهمزة، وقد يبدل ياء أي جماعات (من الناس يقبل منهم) بصيغة المجهول. (فلما بلغ ذلك) الكلام الصادر عنه عليه الصلاة والسلام (قومه وطعموا فيه) أي في حقه من الثواب (فسألوا النبي صلى الله عليه وسلم ما يصنع بجسده) بصيغة المجهول، أو بالمتكلم، مع الغير معروفاً، قال اصنعوا به ما تصنعون بموتاكم من الكفن) أي من التكفين (والصلاة عليه) أي بعد غسله (والدفن) في قبور المسلمين (قال: فانطلق به أصحابه) أي قومه كما في رواية (فصلوا) وفي صحيح البخاري من حديث جابر، في أمر ماعز، قال: ثم أمر به فرجم، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم خيراً، وصلى عليه، ورواه الترمذي، وقال هذا حسن صحيح، ورواه غير واحد منهم أبو داود، وصححوه. وأما ما رواه أبو داود من حديث أبي برزة الأسلمي، أنه عليه الصلاة والسلام لم يصل على ماعز ولم ينه عن الصلاة عليه، ففيه مجاهيل، نعم، حديث جابر في الصحيحين في ماعز، وقال له خيراً، ولم يصل عليه معارض صريح في صلاته عليه، ولكن المثبت أولى من النافي.

وأما صلاته عليه الصلاة والسلام على الغامدية، فأخرجه الستة، إلا البخاري من عمران بن الحصين، أن امرأة من جهينة، أتت النبي صلى الله عليه وسلم، وهي حبلى من الزنا، فقالت: يا نبي الله، أصبت حداً، فأقمه علي، الحديث بطوله، إلى أن قال: ثم أمر بها فرجمت، ثم صلى عليها، فقال له عمر: أتصلي عليها يا نبي الله، وقد زنت، فقال: لقد تابت توبة لو قسمت على سبعين من أهل المدينة لوسعتهم، وهل وجدت توبة أفضل من أن جاءت إليه بنفسها. (وفي رواية) أي لأبي حنيفة (قال) أي بريدة (أتى ماعز بن مالك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأقر بالزنا فرده، ثم عاد فأقر بالزنا، فرده، ثم عاد فأقر بالزنا، فرده، ثم عاد الرابعة) أي في المرة الرابعة (فسأل النبي صلى الله عليه وسلم) أي أصحابه عن حاله (هل تنكرون من عقله شيئاً) أي من خلله، (قالوا: لا، قال: فأمر به) أي أن يرجم (فرجم موضع قليل من الحجارة، قال) أي الراوي (فأبطأ عليه الموت، فانطلق يسعى) أي يسرع (إلى موضع كثير الحجارة، واتبعه) بتشديد التاء، أي تبعه ولحقه (الناس، فرجموه حتى قتلوه، ثم ذكروا شأنه) أي حاله وما صنع من ذهابه (لرسول الله صلى الله عليه وسلم) متعلق بذكروا (فقال: لولا خليتم سبيله، قال: فاستأذن قومٌ رسول الله صلى الله عليه وسلم في دفنه والصلاة عليه) أي بعد غسله، والواو لمجرد الجمعية (فأذن لهم في

ذلك، قال) أي الراوي (وقال عليه الصلاة والسلام: لقد تَابَ) أي ماعز (توبة لو تابها فِئام مِنَ النَّاسِ قُبِلَ مِنْهُمْ). (وفي رواية: قال): أي الراوي، وهو بريدة (لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بماعز بن مالك أن يرجم، قام في موضع قليل الحجارة، فأبطأ عليه القتل فذهب به) أي بنفسه (مكاناً كثير الحجارة، واتبعه الناس) أي ورجموه (حتى رجموه) أي أتموا رجمه، يعني قتلوه (فبلغ ذلك) أي خبر ذهابه (النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ألاَّ) بفتح الهمزة وتشديد اللام لغة في هلا (خليتم سبيله)، واستدل به على إخراجه إلى أرض من فضاء. وفي الحديث الصحيح: فرجمناه، يعني ماعزاً، بالمصلى. وفي مسلم وأبي داود، فانطلقنا به إلى بقيع الغرقد، وكأن المصلى كان به، لأن المراد به مصلى الجنازة، فيتفق الحديثان، وأما ما في الترمذي من قوله: فأمر به في الرابعة، فأخرج إلى الحرة، فرجم بالحجارة، فإن لم يتناول كمل على أنه اتبع حين هرب حتى أخرج إلى الحرة، وإلا فهو غلط، لأن الصحاح والحسان متظافرة على أنه صار إليها هارباً، لا أنه ذهب إليها ابتداء ليرجم بها، ولأن الرجم بين الجدران يوجب عدواً من بعض الناس للبعض للضيق. (وفي رواية: قال: لما هلك) أي مات (ماعز بن مالك بالرجم، اختلف

الناس فيه) أي في ذمه ومدحه، (فقال قائل: هلك ماعز) أي بارتكاب ذنبه (وأهلك نفسه) بعدم ستره، (وقال قائل تاب) أي وله حسن مآب (فبلغ ذلك) أي ما ذكراه من نوعي الجواب (رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: لقد تاب توبة لو تابها صاحب مكس) أي عشار ظالم متعد بالجور على الناس (لقبل منه، أو تابها فئام الناس لقبل منهم) وأو إما للشك الراوي، أو للتنويع المروي. (وفي رواية قال: جاء ماعز بن مالك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس) جملة حالية، وفائدة ذكرها التنبيه على تنبيه الراوي بالقضية (فقال: يا رسول الله، إني زنيت، فأقم الحد علي، فأعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم، ففعل ذلك أربع مرات كل ذلك) أي في كل المراتب، هنالك (يرده النبي صلى الله عليه وسلم، ويعرض عنه) أي عن الحكم في حقه (فقال في الرابعة: أنكرتم) بهمزة الاستفهام، أو بتقديرها في الكلام (من عقل هذا شيئاً؟ قالوا: ما نعلم) أي ما نعرفه موصوفاً بحال (إلا عاقلاً، وما نعلم) أي في أفعاله (إلا خيراً: قال: فاذهبوا به فارجموه. قال: فذهبوا به فأتوا به في مكان قليل الحجارة، فلما أصابته الحجارة، جزع)، أي حين أبطأ عليه الموت (قال) أي

الراوي (فخرج) أي فذهب (يشتد) أي أسرع في المشي (حتى أتى الحرة) بفتح الحاء المهملة والراء المشددة، وهي موضع كثير الحجارة خارج المدينة (فثبت لهم) أي وقف لرجمهم قال: أي الراوي (فرموه بجلاميد بيدها) بفتح الجيم وجمع الجلمود، وهو الصخر كالجمة (حتى سكت) أي مات (قال): أي الراوي (فقالوا) أي بعض أصحابه (يا رسول الله، ماعز حين أصابته الحجارة جزع فخرج يشتد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لولا خليتم سبيله" قال): أي الراوي (فاختلف الناس في أمره، فقالت طائفة: هلك ماعز) أي بالإصرار (وأهلك نفسه) أي بالإقرار، فذموه بعدم ستره على نفسه، أي بالإقرار، وأنه ممن قال تعالى فيه {وَلاَ تُلْقُوا بِأَيدِيكُمْ إِلى التّهْلُكَة} (¬1) فأخطأوا في اجتهادهم في شأنه (وقالت طائفة: بل تاب الى الله توبة) أي مقبولة (لو تابها فئام من الناس لقبل منهم) أي فأصابوه، ووافقهم عليه الصلاة والسلام في مقالهم (قالوا: يا رسول الله فما نصنع به) أي هل نصنع به ما نصنع بالكفار، بلفه في خرقة وستره في حفرة أو نصنع به ما نصنع بالأبرار، من تكفينه وغسله والصلاة عليه ودفنه في قبور المسلمين وإنما سألوه، لأنه كان أول قضية، (قال: اصنعوا به كما تصنعون بموتاكم من الغسل والكفن والحنوط) أي أنواع الطيب، والصلاة عليه والدفن، فإنه من التائبين. ¬

(¬1) البقرة 195.

ولكون الزنا وغيره من الكبائر ما يخرج صاحبه من الإيمان، كما هو مذهب أهل السنة والجماعة خلافاً للخوارج والمعتزلة من المبتدعة. وقد روي هذا الحديث بروايات مختلفة، أي وعبارات مؤتلفة نحو ما تقدم أي في معناه وإن اختلف مبناه منها ما أخرجه أبو داود وعبد الرزاق في مصنفه بعد قوله، فيعرض عنه، فأقبل في الخامسة، فقال: أنكتها، قال نعم، قال: حتى غاب ذلك منك إلى ذلك منها، قال نعم، كما يغيب المرود في المكحلة، والرشاء في البير، قال: نعم، قال: فهل تدري ما الزنا؟ قال: نعم، أتيت منها حراماً مثل ما يأتي الرجل من امرأته حلالاً، قال: فما تريد بهذا القول؟ قال: أريد أن تطهرني، فأمر به، فرجم فسمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلين من أصحابه يقول أحدهما لصاحبه: انظر إلى هذا الذي ستر الله عليه فلم تدعه نفسه، حتى رجم رجم الكلب، فسكت عنهما، ثم ساره ساعة حتى مر بجيفة حمار شائل برجليه، فقال: أين فلان وفلان؟ فقالا: نحن ذان يا رسول الله، فقال: أقبلا وكلا من جيفة الحمار، فقال: أو من يأكل من هذا يا رسول الله؟ قال: فما نلتما من عرض أخيكما أنفاً أشد من أكل منه والذي نفسي بيده، إنه الآن لفي أنهار الجنة يتغمس فيها، واستدل بهذا الحديث على استفسار المقر وكذا الشاهد عن الكيفية، ومنها ما أخرجه أبو داود، عن يزيد بن نعيم بن هزال، عن أبيه، قال: كان ماعز بن مالك في حجر أبي، فأصاب جارية من الحي، فقال له أبي: إيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بما صنعت، لعله أن يستغفر لك، فأتاه، فقال: يا رسول الله، إني زنيت، فأقم علي كتاب الله، فأعرض عنه، فعاد حتى قالها أربع مرات، فقال عليه الصلاة والسلام، إنك قد قلتها أربع مرات فيمن قال بفلانة؟، قال: هل ضاجعتها، قال: نعم، قال: هل جامعتها؟ قال: نعم، قال: هل باشرتها؟ قال: نعم، فأمر به أن يرجم فأخرج إلى الحرة، فلما وجد من الحجارة، خرج يشتد، فلقيه عبد الله بن أنيس، وقد عجز أصحابه، فنزع بوظيف بعير، فرماه به،

فقتله، ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم وذكر ذلك له، فقال له: هلا تركتموه، لعله أن يتوب فيتوب الله عليه. ورواه عبد الرزاق في مصنفه، وقال فيه: فأمر به أن يرجم، فلم يقتل، حتى رماه عمر بن الخطاب بلحي بعير، فأصاب رأسه فقتله، واستدل به على استفسار المزنية، ثم اعلم أن الحكم قد اختلف في اشتراط تعدد الإقرار، فنفاه الحسن وحماد بن سليمان، ومالك والشافعي وأبو ثور. واستدل بحديث العسيف حيث قال عليه الصلاة والسلام: اغده يا أنيس على امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها، ولم يقل أربع مرات، ولأن الغامدية لم تقر أربعاً، وإنما ورد ماعز لأنه شك في أمره، فقال: أبك جنون؟. أين فلان وفلان - يرجم بعد إقرار أربع مرات وذهب كثير من العلماء إلى اشتراط الأربع، واختلفوا في اشتراط كونها في أربعة مجالس، أو مجلس، فقال به علماؤنا، ونفاه ابن أبي ليلى وأحمد فيما ذكر عنه، واكتفوا بالأربع في المجلس الواحد، وما في الصحيحين ظاهر فيه، وهو ما عن أبي هريرة، قال: أتى رجل من المسلمين رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في مسجد فقال: يا رسول الله، إني زنيت، فأعرض عنه فتنحى تلقاء وجهه، فقال: يا رسول الله إني زنيت، فأعرض عنه حتى بين ذلك أربع مرات، فلما أشهد على نفسه أربع شهادات، دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أبك جنون؟ قال لا، قال: هل أحصنت؟ قال: نعم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اذهبوا به فارجموه فرجمنا بالمصلَّى فما أزلقته الحجارة، وهرب فأدركناه بالحرة، فرجمناه. قال ابن الهمام، فهذا ظاهر في أنه كان في مجلس واحد، قلت: نعم، هو أظهر منه في إفادة أنها في مجالس ما في صحيح مسلم عن بريدة أن ماعزاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فرده، ثم أتاه الثانية من الغد، فرده، ثم أرسل إلى قوم، هل تعلمون بعقله شيئاً، فقالوا: ما نعلمه إلاَّ وفي العقل من صالحنا، فأتاه الثالثة، فأرسل

عليهم أيضاً، فسألهم، فأخبروه أنه لا بأس به، ولا بعقله فلما كان الرابعة، حفر له حفيرة فرجمه. وأخرج أحمد وإسحاق بن راهويه في مسنديهما، وابن أبي شيبة، في مصنفه: حدثنا وكيع، عن اسرائيل، عن جابر، عن عامر، عن عبد الرحمن بن ابزى، عن أبي بكر قال: أتى ماعز بن مالك النبي صلى الله عليه وسلم، فاعترف، وأنا عنده مرة، فرده، ثم جاء فاعترف عنده فرده، ثم جاء، فاعترف عنده، فرده، ثم جاء الثالثة، فرده، فقلت له، لو اعترفت الرابعة رجمك، قال: فاعترف الرابعة، فحبسه ثم سأل عنه فقالوا: لا نعلم إلا خيراً، فأمر به. قال ابن الهمام: فصرح بتعدد المجيء، وهو يستلزم غيبة، ونحن إنما قلنا أنه إذا تغيب، ثم عاد فهو مجلس آخر. وروى ابن حبان في صحيحه من حديث أبي هريرة قال: أنها جاء ماعز بن مالك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن الأبعد قد زنى، فقال له: ويلك، وما يدريك، وما الزنا، فأمر به، فطرد، فأخرج فقال: ثم أتاه الثانية، فقال مثل ذلك، فقال: أدخلت وخرجت؟ قال: نعم، فأمر به أن يرجم فهذا وغيره مما يطول ذكره، ظاهره في تعدد المجالس، فوجب أن يحمل الحديث الأول عليها، وأن قوله، فتنحى تلقاء وجهه، معدود مع قوله الأول إقرار واحد، لأنه في مجلس واحد، وقوله حتى بين ذلك أربع مرات، أي في أربعة مجالس، فإنه لا ينافي ذلك. وقد دلت الأحاديث على تعدد المجالس، فيحمل عليه، وأما كون الكلام مع المكتفين بمرة واحدة فنقول: الغامدية لم تقر إلا مرة واحدة ممنوع، بل أقرت أربعة. يدل عليه ما عند أبي داود، والنسائي، فإنه كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحدثون أن الغامدية، وماعز بن مالك لو رجعا بعد اعترافهما لم يطلبهما، وإنما رجمهما بعد الرابعة، فهذا تصريح في إقرارها أربعاً، غاية ما في الباب أنه لم ينقل

تفاصيلهما، والرواة كثيراً ما يحذفون بعض الصور الواقعة، على أنه روى البزار في مسنده، أنها أقرت أربع مرات، وهو يردها، ثم قال: اذهبي حتى تلدي، الحديث. غير أن فيه مجهولاً، تنجبر جهالته بما يشهد له من حديث أبي داود والنسائي، وأما كون رد ماعز أربعاً لاستربته في العقل، فإن سلم، لا يتوقف علم ذلك على الأربع، ومما يدل على ذلك، ترتيبه عليه السلام الحكم عليها، وهو مشعر بعليتها، وكذا الصحابة، فمن ذلك قوله في الحديث: هذا، لأنك قد قلتها أربعاً، فمبين، وهو حديث أخرجه أبو داود والنسائي، والإمام أحمد، عن يزيد بن نعيم ابن هزال عن أبيه قال، كان ماعز بن مالك في حجر أبي، فأصاب جارية من الحي، فقال: أيت رسول الله صلى الله عليه وسلم. وزاد فيه أحمد، قال هشام: فحدثني يزيد بن نعيم، عن أبيه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له حين رآه: والله يا هزال، لو كنت سترته بثوبك لكان خيراً لك مما صنعت به، ومن ذلك، في لفظ لأبي داود، عن ابن عباس: إنك شهدت على نفسك أربع مرات، وفي لفظ لابن أبي شيبة: أليس إنك قلتها أربع مرات؟ - اختصار الراوي وتقدم من مسند أحمد، عن أبي بكر أنه قال بحضرته عليه الصلاة والسلام، إن اعترفت الرابعة رجمك، وأما كونه روى في الصحيح، رده مرتين أو ثلاثاً، فمن اختصار الراوي، ولا شك أنه أقر أربعاً، وأما قوله في الحديث العسيف، فإن اعترفت فارجمها، فمعناه الاعتراف في الزنا بناء على أنه كان معلوماً بين الصحابة، خصوصاً لمن كان قريباً من الخاصة. وأما حديث أبي بريدة في استفسار ماعز أنه رجمه بعد الخامسة، فتأويله أنه عدا حد الإقرار، فإن منها إقرارين في مجلس واحد، كما قدمناه في الجمع، فكانت خمساً.

وأما ما روي أن الغامدية قالت له عليه الصلاة والسلام: أتردني كما رددت ماعزاً، والله إني لحبلى من الزنا، فليس فيه دليل لأحد، بل لما قالته، قال: أما لا فاذهبي حتى تلدي، فلما ولدته أتته بصبي في خرقة، قالت: هذا ولدته، قال فاذهبي فارضعيه حتى تفطميه، فأتت بالصبي في يده كسرة خبز، قالت: هذا يا نبي الله قد فطمته، وقد أكل الطعام، فدفع الصبي إلى رجل من المسلمين، ثم أمر بها فحفر بها إلى صدرها، وأمر الناس أن يرجموها، فقتلها خالد بن الوليد بحجر، فرمى رأسها، فنضح الدم على وجه خالد، فسبها، فسمع النبي صلى الله عليه وسلم سبه إياها، فقال: مهلاً يا خالد، فوالذي نفسي بيده لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس، لغفر له. - على الرجم إجماع الصحابة ثم اعلم أن الرجم عليه إجماع الصحابة، ومن تقدم من علماء الأمة، وإنكار الخوارج الرجم، باطل، لأنهم أنكروا حجية إجماع الصحابة فجهل مركب بالدليلين، من هو إجماع قطعي، وإن أنكروا وقوعه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم متواتراً، بمعنى كشجاعة على وجود حاتم، والآحاد في تفاصيل صورة خصوصياته. أما أصل الرجم فلا شك فيه، ولقد كوشف بهم عمر، وكاشف بهم حيث قال: حيث يطول بالناس زمان، حتى قال قائل: لا نجد الرجم في كتاب الله، فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله، أولاً، وأن الرجم حق على من زنى وقد أحصن إذا قامت البينة، أو كان الحبل، أو الاعتراف، رواه البخاري. وروى أبو داود أنه خطب، وقال: إن الله تعالى بعث محمداً صلى الله عليه وسلم بالحق، وأنزل عليه الكتاب، فكان فيما أنزل عليه آية الرجم، فقرأناها، ورجم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورجمنا من بعده، وإني خشيت أن يطول بالناس فيقول قائل: لا نجد الرجم، الحديث، وقال لولا أن عمر زاد في كتاب الله، لثبتناها على حاشية المصحف. وحاصله، أن آية الرجم، وهي قوله تعالى: وَالْشَّيْخُ وَالْشَّيْخَةُ إذَا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا ألبتَّة، {نَكَالاً مِنَ الله إنَّ الله عَزْيزٌ حَكِيم} (¬1) منسوخ المبنى محكم ¬

(¬1) المائدة 38.

المعنى، وفي الحديث الصحيح عن ابن مسعود مرفوعاً: لا يحل دم امرءٍ مسلم إلا بإحدى ثلاث، الزنى، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة. وروى الترمذي عن عثمان: أنه أشرف عليهم يوم الدار، وقال: آنشدكم بالله، أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يحل دم امرء مسلم إلا بإحدى ثلاث: زنا بعد إحصان، وارتداد بعد إسلام، وقتل نفس بغير حق، وقالوا: اللهم نعم، قال: فعلام تقتلوني، الحديث. قال الترمذي، حديث حسن. ورواه الشافعي في مسنده عن عثمان: لا يحل دم امرء مسلم إلا من احدى ثلاث، كفر بعد إسلام، وزنا بعد إحصان، وقتل نفس بغير نفس. ورواه البزار، والحاكم، وقال: صحيح على شرط الشيخين، والبيهقي، وأبي داود، وأخرجه البخاري عن فعله عليه السلام من قول أبي قلابة، حيث قال: والله ما قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم أحداً قط إلا في ثلاث خصال: رجل قتل بجريرة نفسه، فقتل، أو رجل زنى بعد إحصان، أو رجل حارب الله ورسوله، وارتد عن الإسلام، ولا شك في رجم عمر، وعلي رضي الله تعالى عنهما. ولا يخفى، أن أقول المخرج حسن أو صحيح في هذا الحديث يراد به المتن، من حيث هو واقع في ذلك السند، وذلك لا ينافي الشهرة وقطعية الثبوت بالتضافر، والقبول. والحاصل، أن إنكاره دليل قطعي بالاتفاق، فإن الخوارج يوجبون العمل بالتواتر معنى ولفظاً كسائر المسلمين، إلا أن انحرافهم عن الاختلاط بالصحابة والتابعين، وترك التردد عند العلماء المجتهدين، والرواة والمحدثين المتكلمين في علوم الدين، أوقعهم في جهالات كثيرة لخفاء السمع عليهم والشهرة. ولهذا لما عابوا على عمر بن عبد العزيز القول بالرجم، لأنه ليس في كتاب الله، ألزمهم بأعداد الركعات ومقادير الزكاة، فقالوا: ذلك لأنه فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم

والمسلمون، فقال لهم: وهذا أيضاً فعله هو والمسلمون. - حديث في حق المسجد وبه: (عن علقمة، عن بريدة، عن أبيه، أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلاً ينشد) بضم عينه، أي يطلب (جملاً في المسجد، فقال) دعا عليه (لا وجدت) أي الجمل أو البعير. (وفي رواية سمع رجلاً ينشد بعيراً فقال: لا وجدت، إن هذه البيوت) أي بيوت الله، وهي المساجد (بُنيت لما بنيت له) أي من الصلاة، وذكر الله، والتلاوة، ونحوها. (وفي رواية: أن رجلاً اطلع رأسه) بفتح همزة وسكون طاء، أي أدخله في المسجد، (فقال: من دعاء) أي من دعاني مشيراً (إلى الجمل الأحمر، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما وجدت: إنما بنيت هذه المساجد لما بنيت له). ورواه مسلم: أن رجلاً نشد في المسجد، فقال: من دعا إلى الجمل الأحمر، الخ. وفي الحصن الحصين للجزري، بلفظ: "وإن سمع من ينشد ضالة في المسجد، فليقل، لا ردها الله عليك، فإن المساجد لم يبن لهذا.

- رفع الصوت حرام في المسجد ولو بالذكر ورواه مسلم وأبو داود، وابن ماجه، كلهم عن أبي هريرة، ولفظ الحديث عندهم: "مَنْ سمع رجلاً ينشد، وهذا يدخل فيه كل أمر، لم يُبْنَ المسجد له، عن البيع والشراء، ونحو ذلك، من كلام الدنيا وأشغالها، من الخياطة والكتابة بالأجر، وتعليم الصبيان وأمثالها، وكذا كل ما يشغل المصلي ويشوش عليه، حتى قال بعض علمائنا: رفع الصوت حرام في المسجد، ولو بالذكر، بل قال بعضهم: إنه يحرم إعطاء السائل المعترض برفع الصوت، أو إلحاح، ومبالغة أو بمجاوزة صف أو خطوة على رقبة، أو في حال الخطبة، وأمثال ذلك تعظيماً هنالك. - الشؤم في ثلاث وبه: (عن علقمة، عن أبي بريدة، قال: تذاكروا) أي بعض الصحابة (الشؤم) بضم فسكون همزة، ويبدل، أي الشآمة، يعني هل لها أصل أم لا، وفيما تكون، وفيما لا تكون، وبأي معنى تكون (ذات يوم) أي يوماً من الأيام (عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: الشؤم) أي ثابت (في ثلاث: في الدار والفرس والمرأة) أي إجمالاً، وإما تفصيلاً (فشؤم الدار: أن يكون ضيقة) أي غير كافية لصاحبها (لها جيران سوء) أي من الظلمة والفسقة، أو غيره، وممن يتأذى به أهلها (وشؤم الفرس أن تكون جموحاً) أي اعترت فارسها عليه تمنع ظهرها عن ركوبه ابتداء، وعن ثبوته انتهاء، والفرس تذكر وتؤنث (وشؤم المرأة أن تكون عاقراً) أي لم تلد، ولو كانت شابة (زاد الحسن بن سفيان) أي في رواية (سوء الخلق) فالمعنى أن

يكون فيها عيبان كما في الدار، والظاهر أن كل عيب شؤم. (وفي رواية) أي لأبي حنيفة (أن يكون الشؤم في شيء) أي من الأشياء (ففي الدار والفرس والمرأة) أي يتصور وقوعها فيها (فأما الدار فشؤمها ضيقها، وأما المرأة فشؤمها سوء خلقها وعقر رحمها، وأما شؤم الفرس فأن يكون جموحاً). والحديث رواه مالك وأحمد والبخاري، وابن ماجه، عن سهل بن سعد، والشيخان عن ابن عمر، ومسلم والترمذي عن جابر بلفظ: إن كان الشؤم في شيء ففي الدار والمرأة والفرس. وفي رواية لأحمد وغيره عن عائشة مرفوعاً: الشؤم سوء الخلق، وحديث يمن المرأة تسهيل أمرها، وقلة صداقها، رواه ابن حبان. - حديث ثواب المريض وبه (عن علقمة، عن ابن بريدة، عن أبيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا مرض العبد وهو على طائفة) أي بعض خصال (من الخير) كصلاة إقامة، وأذكار وتلاوة وصيام وقيام وطواف واعتكاف ونحوها، وضعف عن القيام بها في أيام مرضه

وأوقات عرضه (قال الله تبارك وتعالى للملائكة) أي الكرام الكاتبين، والمراد بهم أصحاب اليمين (اكتبوا لعبدي مثل أجر ما كان يعمل) وهو صحيح، أي في حال صحته، بناء على تحسين نيته، وتزيين طويته. وقد أخرج ابن مردويه، عن أبي موسى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا كان العبد على طريقة من الخير، فمرض أو سافر، كتب الله له مثل ما كان يعمل، ثم قرأ: {فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُون} (¬1) وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: {فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُون} أي غير مقطوع، ما يكتب لهم صاحب اليمين من عمل خير كتب له صاحب اليمين، وإن ضعف عن ذلك، كتب له صاحب اليمين، وأمسك صاحب الشمال، فلم يكتب سيئة. (زاد) أي الراوي (في رواية) أي غير هذه (مع أجر البلاء) أي مع زيادة صبره على المرض والبلاء، وما يترتب من الداء. (وفي رواية: اكتبوا لعبدي ما كان يعمل) أي مثل ثوابه (وهو صحيح) جملة حالية. (وفي رواية: إذا مرض العبد وهو على عمل من الطاعة)، أي من أنواعها وأصنافها، (فلم يقدر في مرضه على العمل)، أي على القيام به لضعفه عنه (قال الله ¬

(¬1) التين 6.

تبارك وتعالى، يقول لحفظته) أي لحفظة أعمال ذلك العبد (اكتبوا لعبدي أجر ما كان يعمل وهو صحيح) وروى أحمد والبخاري وابن حبان عن أبي موسى، بلفظ: إذا مرض العبد أو سافر، كتب الله تعالى له من الأجر مثل ما كان يعمل صحيحاً مقيماً. وروى ابن عساكر عن مكحول مرسلاً، ولفظه: إذا مرض العبد يقال لصاحب الشمال: ارفع عنه القلم، ويقال لصاحب اليمين: اكتب له أحسن ما كان يعمل، فإني أعلم به، وأنا قيدته. أخرج الطبراني عن شداد بن أوس، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله تبارك وتعالى يقول: إذا ابتليت عبداً من عبادي مؤمناً، فحمدني على ما ابتليته، فإنه يقوم من مضجعه كيوم ولدته أمه من الخطايا، ويقول الرب عز وجل: إني أنا قيدت عبدي هذا، وابتليته، فأجروا له ما كنتم تجرون له قبل ذلك وهو صحيح. وبه (عن علقمة، عن سليمان بن بريدة، عن أبيه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ ومسح على الخفين، وصلى خمس صلوات) أي بذلك الوضوء، وفيه دفع توهم أنه ما مسح عليهما، وأنه أجمع عليه أهل السنة والجماعة، خلافاً لبعض المبتدعة. - نهى صلى الله عليه وسلم عن المثلة وبه (عن علقمة، عن ابن بريدة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: نهى عن المثلة) وهي بضم الميم: قطع الأطراف كالأنف والأذن واللسان وأمثالها. فالحديث بعينه رواه

الحاكم، في مستدركه عن عمران، والطبراني عن ابن عمر وعن المغيرة، وقد سبق حديث إيصائه عليه الصلاة والسلام لبعض أصحابه الكرام المتوجهين إلى دار الحرب لإعزاز الإسلام حيث قال: لا تمثلوا، ولا تغدروا، ولا تقتلوا وليداً ولا شيخاً كبيراً، الحديث. وروى أحمد والشيخان والنسائي عن ابن عمر أنه عليه الصلاة والسلام قال: لعن الله من مثل بالحيوان. - حديث القدرية وبه (عن علقمة، عن ابن بريدة، عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لعن الله القدرية) أي الجماعة المنكرة أن الأمور كلها بقضاء وقدر من خير وشر، وحلو ومر ونفع وضر، (وما نبي ولا رسول إلا لعنهم) أي دعا عليهم بالطرد، أو البعد عن رحمة الله الخاصة، لأمته الخاصة (ونهى أمته عن الكلام معهم) أي فضلاً عن السلام لهم. وقد روى الدارقطني في العلل عن علي كرم الله وجهه: لعنت القدرية على لسان سبعين نبياً. وروى أبو داود والحاكم، عن ابن عمر مرفوعاً: القدرية مجوس هذه الأمة، إن مرضوا فلا تعودوهم، وإن ماتوا فلا تشهدوهم. وقد روى الطبراني في الأوسط عن ابن عباس مرفوعاً: القدر نظام التوحيد، فمن وحد الله، وآمن بالقدر، فقد استمسك بالعروة الوثقى.

وروى الترمذي عن ابن عمر مرفوعاً: قدر الله المقادير قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة. وروى أبو يعلى في مسنده، بسند حسن عن أبي هريرة مرفوعاً: من لم يؤمن بالقدر خيره وشره فأنا منه بريء. - سؤال القبر أبو حنيفة (عن رجل، عن سعد بن عبادة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا وضع المؤمن) أي دفن في قبره، حقيقة أو حكماً، والمراد به مؤمن هذه الأمة (أتاه الملك) أي جليسه، فلا ينافي ما ورد من أنه أتاه ملكان أسودان أزرقان، يقال لأحدهما نكير، وللآخر منكر (فأجلسه) أي أحدهما، أو كل منهما (فقال: من ربك) الذي خلقك، ورزقك (فقال) أي المؤمن (الله) أي ربي، ويحتمل حذف المبتدأ والخبر، (قال: ومن نبيك؟ قال: محمد قال: وما دينك، قال الإسلام) والسؤال الثاني مؤكد للأول لتلازمها، قال: أي النبي صلى الله عليه وسلم (فيفسح) بصيغة المجهول، أي فيوسع له (في قبره) أي بعدما يحصل له ضغطه في بدو أمره، (ويرى) بصيغة المجهول، من الإراءة (مقعده) نصب على المفعولية ومن في (من الجنة) بيانية. وفي رواية، زيادة: مقعده من النار لو كان من الكفار، فيزيد سروراً على سرور في مشاهدة تلك الدار (فإذا كان) أي الميت، أو المدفون (كافراً، أجلسه الملك، فقال: من ربك؟ قال: هاه) بالسكون، كلمة توجع، والهاء الأولى مبدلة

من همزة، آه كما نقله السيوطي عن القرطبي، وفي رواية هاه هاه (لا أدري) أي لا أعلم، وقوله (كالمضل) جملة اعتراضية تشبيهية، هي الفاعل، ومفعوله، وهو (شيئاً) والأقرب أن يكون شيئاً مفعولاً للمضل، ولا أدري يكون منزلاً منزلة اللازم، أي ليس لي دراية (فيقول) أي الملك (من نبيك؟) لأن الإيمان بالنبي السعيد مستلزم للتوحيد (فيقول: هاه لا أدري، كالمضل شيئاً، فيقال: ما دينك؟ فيقول لا أدري، كالمضل شيئاً فيضيق عليه قبره) أي فيزداد في ضيق أمره (ويرى مقعده من النار). وفي رواية، زيادة، ومقعده من الجنة، لو كان من الأبرار، ليزيد حزناً على حزن، وهذا معنى قوله عليه الصلاة والسلام "القبر روضة من رياض الجنة، أو حفرة من حفر النيران" (فيضربه) أي الملك (ضربة) أي بمقمعة من نار، أو بمطرقة من حديد، كما في بعض الروايات، (يسمعه) أي صوت ضربه، أو صوت مضروبه، (كل شيء من المخلوقات إلا الثقلين الجن والإنس) وذلك لأنهم مكلفون بالإيمان الغيبي (ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي استشهاداً، أو اعتضاد {يُثَبِّتُ الله الَّذِينَ آمَنُوا بِالقَوْلِ الثَّابِتْ} وهو الإقرار اللساني المطابق للتصديق الجناني بالتوحيد الإلهي، والإرسال النبوي {في الحيوة الدنيا} يعني قبل الموت {وَفِي الآخِرَة} (¬1) في القبر، هذا قول أكثر أهل التفسير، وقيل {في الحياة الدُّنْيِا} في القبر عند السؤال {وفي الآخرة} عند البعث، والأول أصح كما صرح به البغوي، وفي البخاري عن البراء بن عازب، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: المسلم اذا سئل في ¬

(¬1) إبراهيم 27.

القبر، يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذلك قوله {يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا، وفي الآخرة} (¬1). وفي صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: {يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت} قال نزلت في عذاب القبر حين يقال ومن ربك؟ يقول: ربي الله، ونبيي محمد، فذلك {يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت} الآية. والأحاديث في ذلك كثيرة في المبنى، وقد تواترت بحسب المعنى، وأجمعوا عليه أهل السنة، خلافاً لبعض أهل البدعة، {ويضل الله الظالمين} أي لا يهدي المشركين في القبر إلى الجواب الصواب {ويفعل الله ما يشاء} من التوفيق والخذلان والإعطاء والحرمان، بمن يشاء من عباده في دار الامتحان. وبه (عن علقمة، عن ابن بريدة عن أبيه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً لأصحابه: "أترضون) أي تحبون (أن تكونوا ربع أهل الجنة؟ قالو: نعم، قال: أترضون أن تكونوا ثلث أهل الجنة) أي في الكثرة بالنسبة إلى سائر أمم الإجابة (قالوا: نعم، قال: أترضون أن تكونوا نصف أهل الجنة؟ قالوا: نعم قال: ¬

(¬1) سورة إبراهيم 27.

أبشروا، فإن أهل الجنة عشرون ومائة) وهو لغة في مائة وعشرين (صفاً صف أمتي أمتي من ذلك ثمانون صفاً) فيكونون ثلثي أهل الجنة. وأرجو أن ثلثي هذه الأمة في الجنة، جماعة الحنفية، لكثرتهم بالنسبة إلى المالكية والشافعية، والحنبلية، وإن كان الكل على ملة الحنيفية. والحديث رواه أحمد والترمذي وابن ماجه، عن ابن مسعود مرفوعاً، بلفظ: أترضون أن تكونوا ربع أهل الجنة، أترضون أن تكونوا شطر أهل الجنة؟ ورواه الطبراني عن أبي مالك الأشعري، ولفظه: أترضون أن تكونوا ربع أهل الجنة؟ أترضون أن تكونوا ثلث أهل الجنة؟ والذي نفسي بيده لأرجو أن تكونوا شطر أهل الجنة. وفي رواية لأحمد وعبد بن حميد في تفسيره، عن جابر، إني لأرجو أن يكون من تبعني من أمتي يوم القيامة ربع أهل الجنة. وفي رواية الطبراني عن بهز بن حكيم، عن أبيه، عن جده، أهل الجنة مائة وعشرون صفاً أنتم كانوا، والناس سائر ذلك، وأنتم وفاء سبعين أمة خيرها وأكرمها على الله. وفي رواية للطبراني والحاكم عن ابن مسعود: أهل الجنة مائة وعشرون صفاً، وأنتم منها ثمانون صفاً. وفي رواية لأحمد والطبراني، عن ابن مسعود، كيف أنتم، وربع الجنة لكم، ولسائر الناس ثلاثة أرباعها، كيف أنتم وثلثها، كيف أنتم والشطر، كيف أنتم وأهل الجنة يوم القيامة عشرون ومائة صف، أنتم منها ثمانون صفاً. وروى ابن أبي حاتم، عن عوف بن مالك: أمتي ثلاثة أثلاث، فثلث يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب وثلث يحاسبون حساباً يسيراً، ثم يدخلون الجنة، وثلث يمحصون ويكشفون، ثم تأتي الملائكة فيقولون: وجدناهم يقولون لا

إله إلا الله، فيقول الله: صدقوا، لا إله إلا أنا، فأدخلوهم الجنة بقول لا إله إلا الله. - من لم يقبل عذر مسلم يعتذر إليه فوزره كوزر صاحب مكسٍ: وبه (عن علقمة، عن ابن بريدة، عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من لم يقبل عذر مسلم يعتذر إليه) بناء على أنه واجب عليه أن يحسن الظن به في تحقيق عذره، وتصديق أمره (فَوْزرُهُ كَوِزْرِ صَاحِبَ مكسٍ) بفتح فسكون، أي ظلم ونقص، وهو بهذا المعنى، يشتمل كل معتد وجائر في حق الخلق، لكن الصحابة رضي الله عنهم فهموا أنه عليه الصلاة والسلام أراد فرداً خاصاً في هذا المقام. (فقيل: يا رسول الله، وَمَا صَاحِبُ مَكْس، قال: عشار) أي الظالم في أخذ عشره، والمعتدي في حق غيره، وإنما سمي عشاراً لأنه يأخذ من الحربي الذي مر عليه في طريق التجارة عشر ماله بشروط، ومن الذمي نصف عشره، ومن المسلم ربع عشره، وأما اليوم فترقى في ظلمه حتى يأخذ ربع المال، بل ثلثه، بل نصفه، بل كله. والحديث رواه ابن ماجه، والضيا عن جودان بلفظ: من اعتذر إليه أخوه بمعذرة فلم يقبلها، كان عليه من الخطيئة مثل صاحب مكس. - أفضل الجهاد وبه (عن علقمة: عن ابن بريدة، عن أبيه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أفضل

الجهاد، كلمة حق عند سلطان جائر) أي ذي جور وظلم. والحديث بعينه رواه ابن ماجه، عن أبي سعيد، وأحمد والطبراني، والبيهقي، عن أبي أمامة والنسائي وغيره، عن طارق بن شهاب في رواية ابن البخاري، عن أبي ذر: أفضل الجهاد أن يجاهد الرجل في نفسه وهواه، أقول، وهو الجهاد الأكبر، الذي يترتب عليه الجهاد الأصغر، ومنه كلمة الحق عند ظالم للخلق. - سلام أهل القبر وبه (عن علقمة عن ابن بريدة، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول إذا خرج إلى المقابر كالبقيع:) وقبور الشهداء (السلام على أهل الديار) أي سكان هذه الديار، وفي رواية: السلام أهل الديار (من المسلمين) الشامل للأبرار والفجار. وفي رواية، والمؤمنين (وإنا إن شاء الله بكم لاحقون). وفي رواية للاحقون، أي متصلون، فإنكم سابقون، والاستثناء للتبرك أو الخصوص لتلك المقبرة أو للموت على الإسلام تعليماً للأمة من خوف الخاتمة (نسأل الله لنا ولكم العافية) أي الخلاص من كل محنة وبلية، ومن العقوبة في الدنيا والآخرة. والحديث رواه بعينه مسلم، والنسائي، وابن ماجه، عن بريدة بن الحصيب. وزاد ابن ماجه في رواية، أنتم لنا فرط، وإنا بكم لاحقون اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنَا بعدهم.

وفي رواية لمسلم والنسائي، وابن ماجه عن عائشة، على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين. ويرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون. وفي رواية للنسائي: زيادة أنتم لنا فرط، ونحن لكم تبع. وفي رواية أخرى لمسلم والنسائي، عن عائشة أيضاً: السلام عليكم دار قوم مؤمنين وأتاكم ما توعدون غداً موجلون، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون. وفي رواية للترمذي عن ابن عباس: السلام عليكم يا أهل القبور، يغفر الله لنا ولكم، أنتم سلفنا، ونحن بالأثر، وقد أوضحنا معاني هذا الحديث في شرح الحصن الحصين. - حرمة نساء المجاهدين وبه (عن علقمة، عن ابن بريدة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: جعل الله حرمة نساء المجاهدين) أي في سبيل الله من الغزاة الغائبين (على القاعدين) أي على الرجال المتخلفين عن عذر (كحرمة أمهاتهم) فيجب عليهم أداء خدمتهن، والقيام بأمر معيشتهن، وحفظ حرمتهن، ورعاية حشمتهن (وما من رجل من القاعدين يخون أحداً من المجاهدين في أهله) أي من نسائه وجواريه وأقاربه وذريته، خيانة مالية أو غيرها (إلا قيل له يوم القيامة: اقتص) أي خذ حقك منه بأن تؤخذ حسناته وتوضع عليه سيئاته، وفي الحصر إشارة إلى أن هذه الخيانة لا تكفر في الدنيا، ولا تغفر في العقبى، ولا يتخلص منها إلا بالتوبة المتضمنة للفضيحة يوم القيامة (فما ظنكم) أي فأي شيء ظنكم (في المجاهدين)؟ أتظنونهم كغيرهم من القاعدين.

والحديث رواه أحمد ومسلم وأبو داود، عن بريدة، بلفظ حرمة نساء المجاهدين على القاعدين كحرمة أمهاتهم، وما من رجل من القاعدين يخلف رجلاً من المجاهدين في أهله فيخونه فيهم، إلا وقف يوم القيامة، وقيل له: من خلفك في أهلك بسوء، فخذ من حسناته ما شئت، فيأخذ من عمله ما شاء، فما ظنكم. وفي رواية أخرى عنهم، عن سليمان، عن بريدة، عن أبيه بلفظ: حرمة نساء المجاهدين على القاعدين كحرمة أمهاتهم، وما من رجل من القاعدين يخلف رجلاً من المجاهدين في أهله فيخونه فيهم، إلا وقف له يوم القيامة فقيل له، خلفك في أهلك بسوء، فخذ من حسناته ما شئت، فأخذ من عمله ما شاء، فما ظنكم، ما أرى يدع من حسناته. وقد روى الديلمي عن ابن عباس مرفوعاً، أقرب من درجة النبوة أهل الجهاد، وأهل العلم، لأن أهل الجهاد يُجَاهِدُونَ على ما جاءت به الرسل، وأما أهل العلم، فدلوا الناس على ما جاءت به الأنبياء، عليهم الصلاة والسلام. - صلى عليه السلام خمس صلوات بوضوء واحد وبه (عن علقمة، عن ابن بريدة، عن أبيه، أن النبي صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة) أي وقته أو عامه (صلى خمس صلوات بوضوء واحد) أي على خلاف عادته، من أنه كان يتوضأ لكل صلاة، أما عملاً بظاهر القرآن من قوله تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوا

إذا قُمْتُم إِلى الصَّلاَةِ} (¬1) الآية. والجمهور على تقدير: وأنتم محدثون، حملاً للأمر على الوجوب. وأما عملاً بالاستحباب، من تجد المعد من الأدب، وقيل: كان فرضاً عليه خاصة، ثم نسخ (ومسح على خفيه) أي على خلاف عادته أيضاً من غسل رجليه (فقال له عمر: ما رأينا صنعت هذا) أي مثل هذا الجمع بين الصلوات أو المسح على الخفين، وما ذكر من فعلين (قبل اليوم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: عمداً صنعته يا عمر) يعني ليتعرف أن تجديد الوضوء غير واجب، وليتبين أن المسح على الخفين جائز، وأن آية المائدة غير منسوخة، وأن الجمع بين القراءتين هو اختلاف العمل من غسل الرجلين، ومسحهما المحمولان على الحالتين، وهذا معنى قول الشافعي، نزل القرآن بالمسح، وجرت السنة بالغسل. والحاصل، أنه عليه السلام كان مبيناً لما أجمل من الأحكام. والحديث رواه أحمد ومسلم وغيرهما عن بريدة. وفي رواية لعبد الرزاق، وابن ابي شيبة، عن بريدة بن الحصيب الأسلمي، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ لكل صلاة، فلما كان يوم الفتح صلى الصلوات كلها بوضوء واحد. - حديث الوضوء (عن علقمة، عن ابن بريدة عن أبيه، أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ مرة مرة) أي غسل أعضاء وضوئه، ومسح رأسه مرة مرة، إيماء إلى أن الواجب هو المرة الواحدة، ¬

(¬1) المائدة 6.

وتثليث الغسل سنة، والجمهور على أن الرأس يمسح مرة واحدة، خلافاً للشافعي. وقد روى أحمد، عن ابن عمر مرفوعاً، من توضأ واحدة، فتلك وظيفة الوضوء التي لا بد منها، ومن توضأ اثنتين فله كفلان، ومن توضأ ثلاثاً فذلك وضوء الأنبياء قبلي. - ثلاث خصال وبه (عن علقمة، عن ابن الأقمر عن حمران) بضم مهملة وسكون ميم فراء، فألف فنون (قال: ما لقي) بصيغة المجهول، أي ما رؤي (ابن عمر قط) في خاصة الأحوال الماضية (إلا وأقرب الناس مجلساً منه حمران) فيه وضع الظاهر موضع المضمر، مع ما فيه من نوع التفات، (فقال) أي ابن عمر (ذات يوم) أي يوماً من الأيام (يا حمران، لا أُراك) بضم الهمزة، أي لا أظنك (تواظبنا) أي تداومنا وتلازمنا (إلا وأنت تريد لنفسك خيراً) أي من جهة خدمتنا وبركتنا (فقال) أي حمران (أجل) أي نعم (يا أبا عبد الرحمن) وهو كنية عبد الله بن عمر (قال) أي ابن عمر (وأما اثنتان) أي خصلتان (فإني أنهاك عنهما) بحسب اجتهادي فيهما (وأما واحدة) أي من تلك الخصال الثلاثة (يا أبا عبد الرحمن، قال: لا تموتن) أي لا يحضرنك موت (وعليك دين) جملة حالية (إلا ديناً تدع) أي تترك (به) أي بدله (وفاءه) أي ما تكون وافياً لقضائه احترازاً من حقوق العباد إلى المعاد، (ولا تسمعن) نهي مؤكد من التسميع، بمعنى الرياء،

ومن في قوله (من تلاوة آية) تبعيضية أو تقليلية (فإنه يسمع بك يوم القيامة، كما سمعت به) أي الناس، قصاصاً جزاء وفاقاً. وفي الحديث: من سَمَّع، سَمَّع الله به، ومن رَايَا، رَايَ الله به، كما رواه أحمد ومسلم، عن ابن عباس، والمعنى: من سمع حديثه الناس بما يفعله ليلاً ويقصد به الرياء والسمعة، فضحه الله يوم القيامة (ولا يظلم ربك أحداً) بزيادة عقاب، أو نقصان ثواب (وأما الذي آمرك به كما أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بركعتي الفجر)، لا تتركهما، بل واظب عليهما (فإن فيهما) أي في الإتيان بهما (الرغائب) أي أسباب الرغبة إلى المراتب، وسمو المطالب، وقد سبق أنهما السنن الرواتب، بل قيل إنهما واجبتان. - ذكر اللحد وبه: (عن علقمة، عن ابن بريدة، عن أبيه، قال: ألحد النبي صلى الله عليه وسلم) أي أدخل اللحد وأمر بالإدخال فيه (واحداً) أي من الصحابة، كأنه ما عرف باسمه (من قبل القبلة) بكسر القاف، وفتح الموحدة، أي من طرفها وجانبها، وقبالتها، كما هو مذهبنا، وذلك بأن توضع الجنازة في جانب القبلة من القبر، ويحمل الميت، فيوضع في اللحد، فيكون الآخذ له مستقبل القبلة حال الأخذ، لا من جانب رأس الميت، كما هو مذهب الشافعي، فإن عنده يسل سلاً، وهو: بأن يوضع السرير في مؤخر القبر حتى يكون رأس الميت بإزاء موضع قدميه من القبر، ثم يدخل رأس الميت القبر ويسل كذلك، أو يكون رجلاه موضع رأسه، ثم يدخل رجلاه ويسل كذلك، وقد قيل كل منهما.

والمروي للشافعي هو الأولى: قال: أخبرنا الثقة عن عمرو بن عطاء، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: سل رسول الله صلى الله عليه وسلم من قبل رأسه، قلنا، إدخاله عليه الصلاة والسلام مضطرب فيه كما روى ذلك روى خلافه، فقد أخرج أبو داود، في المراسيل، وكذا ابن أبي شيبة، في مصنفه، عن حماد بن أبي سليمان، عن إبراهيم النخعي: أن النبي صلى الله عليه وسلم أدخل القبر من قبل القبلة، ولم يسل. وزاد ابن أبي شيبة: ورفع قبره حتى يعرف. وأخرج ابن ماجه في سننه عن أبي سعيد أنه عليه الصلاة والسلام أخذ من قبل القبلة، واستقبل استقبالاً. ويؤيده ما رواه الترمذي عن وحشة عن ابن عباس أنه عليه الصلاة والسلام دخل ليلاً قبراً، فأسرج له سراجاً، فأخذه من القبلة، قال: رحمك الله إن كنت لأواهاً تلاءً للقرآن، وكبر عليه أربعاً، وما أخرجه ابن أبي شيبة: إن علياً كبر على يزيد بن المكفف أربعاً، وأدخله من قبل القبلة، وأخرج عن ابن الحنفية، أنه ولى ابن عباس، فكبر عليه أربعاً وأدخله من قبل القبلة. هذا، وفي الحديث، تنبيه يتنبه إلى ما ذهب إليه علماؤنا من أن السنة اللحد، إلا أن يكون رخوة من الأرض فيخاف أن يهال اللحد، فيصار إلى الشق. وقد ورد أنه عليه الصلاة والسلام لما توفي وكان بالمدينة رجل يلحد والآخر يضرح أي يشق فقالوا: نستخير ربنا، ونبعث إليهما، فأيهما سبق، تركناه، فأرسل إليهما، فسبق صاحب اللحد، فلحدوا للنبي صلى الله عليه وسلم، رواه الترمذي عن ابن عباس، وابن ماجه، عن أنس (ونصب عليه اللبن) بفتح اللام، وكسر الموحدة (نصباً) فقد روى مسلم عن سعد بن أبي وقاص، أنه قال في مرضه الذي مات فيه، ألحدوا لي لحداً، وانصبوا علي اللبن نصباً، كما صنع برسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو رواية من سعد أنه عليه الصلاة والسلام ألحد، وروى ابن حبان في صحيحه، عن جابر، أنه عليه الصلاة والسلام، ألحد ونصب عليه اللبن نصباً، ورفع قبره من الأرض بشبر.

- ما من ميت يموت وبه (عن علقمة، عن ابن بريدة، عن أبيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من ميت) من المسلمين (يموت) أي قبل موته (له ثلاثة من الولد) بفتحهما، وضم فسكون، اسم جنس، يشتمل المذكر والمؤنث، والمعنى أنه يصبر على مصيبتهم (إلا أدخله الجنة) أي بشفاعتهم (فقال عمر: أو اثنان) وهذا عطف تلقين، ومعناه التماس أن يقول، أو اثنان (فقال صلى الله عليه وسلم: أو اثنان) أي أو اثنان. والحديث رواه مسلم، وابن ماجه، عن عتبة بن عبد الله، بلفظ: ما من مسلم يموت له ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث، إلا تلقوه من أبواب الجنة الثمانية، من أيهما شاء دخل. وروى الترمذي في الشمائل عن ابن عباس، بحديث، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من كان له فرطان من أمتي أدخله الله تعالى بهما الجنة، فقالت له عائشة: فمن كان له فرط من أمتك؟ قال: ومن كان له فرط يا موفقة، قالت: فمن لم يكن له فرط من أمتك، قال: فأنا فرط لأمتي، لن يصابوا بمثلي. أبو حنيفة (قال: كنا مع علقمة وعطاء بن أبي رباح) بفتح الراء (فسأله علقمة، فقال): أي لهم، وهو من أكابر التابعين من أهل مكة، ولذا عظمه، وكناه بقول (يا محمد، إن ببلادنا) يعني الكوفة، وسائر العراق (لا يثبتون لأنفسهم الإيمان) أي بطريق الجزم والأمان (ويكرهون أن يقولوا، إنا مؤمنون) أي بطريق

إطلاق بل يقولون إنا مؤمنون إن شاء الله تعالى (فقال: ما لهم لا يقولون) أي وأي شيء مانع من إطلاق قولهم إنا مؤمنون، يشكون، ولا يترددون، بل يوقنون، قال علقمة: يقولون (إنا إذا أثبتنا لأنفسنا الإيمان جعلنا أنفسنا من أهل الجنة) والمعنى إن الله أخبر المؤمنين الجنة، فإذا ادعينا أنا مؤمنون، يلزم منه القول بأنا من أهل الجنة وأهل الجنة مهملون كما قال تعالى: {فَرِيْقٌ فِيْ الْجَنَّةِ وَفَرِيْقٌ فِيْ الْسَّعِير} (¬1) وكما ورد هؤلاء للجنة ولا أبالي، وهؤلاء للنار ولا أبالي، وفيه بحث، إذ السؤال عن قضية، والإشكال من جهة الإجمال في الاستقبال، ولذا قال المحققون حتى من الشافعية أن المخالفة لفظية لا حقيقة، فإن من قال أنا مؤمن يريد إيمان الحال، ومن قال: أنا مؤمن إن شاء الله تعالى، يريد الموافقات في الاستقبال، والله أعلم بحقيقة الأحوال (قال) أي عطاء (سبحان الله) تنزيه أريد به التعجب (هذا) أي التزام الذي (تصوره من خدع الشيطان) أي من تلبساته، وحبائله، أي إنكاره بأن يقربهم إلى التردد والشك في الإيمان، ولو صورة ليتوصل به إلى عدم الجزم والإيقان (ألجأهم) أي اضطرهم (إلى أن وفقوا لأعظم منة الله عَلَيْهِمْ، وهو الإسلام) أي الانقياد الظاهري والباطني الموجب للشكر المستوجب للمزيد من الثبات والدوام عليه المقتضي لدخول الجنة والقرب لديه. (وخالفوا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي حيث لم يرو عنه صلى الله عليه وسلم، استثناء في إيمانه، ولا أعلم أحداً يستثنى في إيقانه، بل قال تعال ¬

(¬1) الشورى 7.

ى (أولئك) هم المؤمنون حقاً (أولئك) هم الكافرون حقاً، ولا واسطة بينهما أصلاً وقطعاً في الحال المرتهنة مع احتمال تغير الحال باعتبار الخاتمة (رأيت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم) ورضي الله عنهم (يثبتون الإيمان لأنفسهم) أي من غير ترددهم في قولهم، ولا استثناء في مقولهم (يذكرون ذلك) أي يروون مثل ذلك (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي قولاً وفعلاً وتقريراً (أفعل بهم الله) للقوم المذكورين (يقولون): خبر معناه أي يقولوا، والمعنى ليقولوا (إنا مؤمنون، ولا يقولوا إنا من أهل الجنة) إذ لا يلزم ذلك من وجود ما هنالك (فإن الله لو عذب أهل سماواته) أي من الملائكة المقربين (وأهل أرضه) أي من الأنبياء والمرسلين (يعذبهم وهو غير ظالم لهم) إذ الظلم لا يتصور عنه سواء يكون بمعنى وضع الشيء في غير محله، أو بمعنى التعدي في ملك غيره. وقد قال تعالى: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِلعَبِيدِ} (¬1) وقال عز وجل: {لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وهُمْ يُسْأَلُونَ} (¬2). وقال أهل السنة والجماعة: إن الله سبحانه لا يجب عليه إثابة مطيع ولا عقوبة عاص (فقال له علقمة: يا أبا محمد إن الله لو عذب الملائكة الذين لم يعصوه) صفة كاشفة، أو احترز به من نحوها، روت وما روت (طرفة عين) أي غمضتها (عذبهم ¬

(¬1) فُصِّلت 46. (¬2) الأنبياء 23.

وهو غير ظالم بهم) وعلى هذا القياس، ولو عذب الأنبياء المعصومين، وإنما تركهم لظهور أمرهم في باب المقالية من علو قدرهم، فكان همزة الاستفهام مقدرة على قوله: عذبهم ليصح (قال) أي علقمة (نعم، قال) أي ثم قال علقمة (هذا) أي الذي ذكر إجمالاً (عندنا عظيم) أي أمره (فكيف نعرف هذا) أي تفصيلاً (فقال له با ابن أخي) أي في الدين، فإن المؤمنين أخوة في مقام اليقين (من هنا) أي هذا الباب الذي هو طريق التحقيق (ضل أهل القدر) المعتزلة، وسائر أهل البدعة (فإياك أن تقول بقولهم) أي في هذه المسألة (فإنهم أعداء الله) أي أعداء دينه (الرادون على الله) أي ما ورد في كلام وصح في حديث رسوله، بتمامه على وجه وضوحه ونظامه (أليس يقول الله للنبي) صلى الله عليه وسلم (قل فلله الحجة البالغة) أي البينة الواضحة، بلغت غاية المثابة والقوة على الثبات المدعى من الكتاب والسنة وإجماع الأمة. (فلو شاء لهداكم أجمعين) أي بالتوفيق بها والحمل عليها، ولكن شاء هداية قوم وضلالة آخرين، وقد اتفق كلمة السلف على ما ورد من قوله صلى الله عليه وسلم: ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، فسبحان الله أن يجري في ملكه إلا ما يشاء من الخير والفحشاء (فقال له علقمة: اشرح) أي أوضح (يا أبا محمد شرحاً) أي إيضاحاً (يذهب عن قلوبنا هذه الشبهة) أي بالكلية في قطع القضية (فقال: أليس الله تبارك وتعالى دال الملائكة على تلك الطاعة) أي هداهم إليها (وألهمهم إياها) أي وفقهم عليها

(وعزمهم عليها) في كثرة الطاعة والعصمة عن المخالفة (وجبرهم على ذلك) أي وقهرهم على هنالك بحيث لا يتصور أنهم يعصون الله ما آمرهم، ويفعلون ما يؤمرون (قال) أي علقمة (نعم، فقال) أي عطاء (وهذه) أي وهذه المذكورات (نعم) أي كثيرة تدخل في محظورات (أنعم الله بها عليهم قال: فلو طالبهم) أي الله (بشكر هذه النعم) أي القيام بأداء حقها، كما هو لائق لمنعمها (ما قدروا على ذلك) واعترفوا بقولهم ما عبدناك حق عبادتك، ولعجزوا عن الشكر وقصروا عن الذكر (وكان له) أي الله (سبحانه أن يعذبهم بتقصير الشكر، وهو غير ظالم لهم) ومضمون هذا الحديث الشريف روي موقوفاً عن بعض الصحابة، ومرفوعاً عن معتصم. فرواه أحمد وأبو داود، وابن ماجه عن ابن الديلمي، قال: أتيت أبي بن كعب، فقلت له، وقد وقع في نفسي شيء من القدر، فحدثني لعل الله أن يذهبه من قلبي، فقال: لو أن الله عذب أهل سمواته، وأهل أرضه، عذبهم وهو غير ظالم لهم، ولو كانت رحمته خيراً لهم من أعمالهم، ولو أنفقت مثل أحد ذهباً في سبيل الله ما قبل الله منك حتى تؤمن بالقدر، وتعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وأن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، ولو مت على غير هذا، لدخلت النار قال: ثم أتيت عبد الله بن مسعود، فقال مثل ذلك. ثم أتيت زيد بن ثابت، فحدثني عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك.

- ذكر إسناده عن عبد العزيز بن رفيع

- ذكر إسناده عن عبد العزيز بن رُفيع -ذكر إسناده عن عبد العزيز بن رُفيع بضم الراء، وفتح الفاء وسكون الياء، وهو الأسيدي المكي، سكن الكوفة، وهو من مشاهير التابعين، وثقاتهم، سمع ابن عباس، وأنس بن مالك، وأتى عليه نيف وتسعون سنة. - حديث قدر أبو حنيفة (عن عبد العزيز) أي المشار إليه (عن مصعب بن سعد بن أبي وقاص) بضم الميم وفتح العين، سمع أباه، وعلي بن أبي طالب، وابن عمر. وروى عنه سماك بن حرب، وغيره (عن أبيه) وهو أحد العشرة المبشرة بالجنة (قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من نفس) أي من نفس بني آدم (إلا وقد كتب الله مدخلها) مكان دخولها، وزمانه وسائر شأنه من أول ولادته إلى انتهاء نشأته (ومخرجها) أي مكان خروجها، وزمانه، وهو منتهى أجله، ومقتضى علمه، ومنقطع عمله (وما هي لاقية) أي ملاقية فيما بعد الحالتين من ابتداء البعث إلى الأبد، سواء يكون من أهل الجنة، أو العقوبة، وفيه إيماء إلى قوله تعالى: {يَا أيُّها

الإِنسَانُ إنَّكَ كَادِحٌ إلى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ} (¬1) والكدح، السعي (فقال رجل من الأنصار) ظناً منه أن العمل يوجب الثواب، ويقتضي العقاب في هذا الباب من غير ما سبق في هذا الكتاب (ففيم العمل إذاً) أي إذا كان الأمر مفروغاً إليه، وليس بمستأنف، مبني على خير العمل وشره (يا رسول الله) إيماء إلى أن هذا سؤال استفهام واستعلام لا إنكار، لما ورد من كلام (فقال: اعملوا) أي لا تتركوا العمل، فإنكم مأمورون بتحسين الأعمال وتزيين الأحوال (فكل ميسر) أي مسهل أو موفق (لما خلق) أي من الأعمال في الحال والاستقبال خيراً وشراً. وهذا مجمل الكلام، وأما تفصيل المرام، فقوله (أهل الشقاوة فيسروا بعمل أهل الشقاوة) من الكفر والمعصية (وأما أهل السعادة فيسروا عمل أهل السعادة) أي من الإيمان والطاعة (فقال الأنصاري: الآن حق العمل) أي ثبت ظهور فائدة العمل، ونتيجة الأمل. (وفي رواية: اعملوا، فكل ميسر) أي لعمل خاص (مَنْ كَانَ مِنْ أهْلِ الجَنَّة) أي في علم الله وكتابه (يُيَسَّرُ لِعَمَلِ أهْلِ الجَنَّة، وَمَنْ كَانَ مِنْ أهْلِ النَّارِ يُيَسَّرُ لِعَمَلِ أهْلِ النَّار، فَقَال الأَنْصَارِيُّ: الآنَ حَقَّ العَملُ)، ولِهَذَا قَالَ ابْنُ عَطَاء ¬

(¬1) الانشقاق 6.

فِي حُكْمِ: إذا أرَدْتَ أنْ تَعْرِفَ قَدَرَكَ عَنْهُ، فانْظُرْ فِيمَا ذَاكَ يُقَيِّمُكَ. - الأعمال بالخواتيم وقد ورد من أراد أن يعلم منزلته عنده، فلينظر كيف منزلة الله من قلبه. وهذا معنى قول بعض السلف: اعرض نفسك على كتاب الله من قوله عز وجل: {إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ ... وَإِنَّ الفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ} (¬1) وهذا أمر مطرد كلي، وهو لا ينافي تخلف فرد جزئي بانقلاب بره فجوراً، وبانعكاس فجوره براً، فإن الأعمال بالخواتيم. والحديث رواه الشيخان، عن علي كرم الله وجهه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما منكم من أحد إلا وقد كتب مقعده من النار ومقعده من الجنة، قالوا يا رسول الله، أفلا نتكل على كتابنا، وندع العمل؟ قال: اعملوا فكل ميسر لما خلق له، أما مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ السعادةِ، ثم قرأ {فَأَمَّا مَنْ أعْطى وَاتّقَى ... وَصَدَّقَ بِالْحُسِنَى} (¬2) الآية. وقد بسطت شرح هذا الحديث، وما قبله في المرقاة شرح المشكاة. - تفريق النكاح وبه (عن عبد العزيز، عن مجاهد، عن ابن عباس: أن امرأة توفي عنها زوجها) أي ولها ولد منه (ثم جاء عم ولدها) وهو أخو زوجها (فخطبها) أي هي تريده (فأبى الأب أن يزوجها) أي إياه، لأمر من الأهواء (وزوجها آخر) أي من ¬

(¬1) الانفطار 13 - 14. (¬2) الليل 5 - 6.

خاطب غيره، وهي مكرهة (فأتت النبي صلى الله عليه وسلم، فذكرت ذلك) أي المذكور من حال الزوجين (له) أي للنبي صلى الله عليه وسلم (فبعث إلى أبيها) أي ليحضر (فحضر، فقال: ما تقول هذه) أي المرأة أكاذبة في قولها أم صادقة؟ (قال: صدقت) أي في مقالتها (ولكن زوجتها ممن هو خير منه) أي من عم ولدها، إما حسباً أو نسباً أو غيرهما (ففرق بينهما) أي بين المرأة والزوج الآخر (وزوجها عم ولدها). (وفي رواية) أي أخرى (عن ابن عباس، أن أسماء) اسم امرأة (خطبها عم ولدها، ورجل آخر) أي أبيها متعلق بخطب (فزوجها) أي أبوها (من الرجل) أي الآخر (فأتت النبي صلى الله عليه وسلم، فاشتكت ذلك إليه) أي فرافعت خصومتها بين يديه (ضرعها من الرجل) إلى كله، ففسخها وفرقها، (وزوجها عم ولدها). (وفي رواية) أي أخرى، عن ابن عباس، أو غيره (أن امرأة توفي زوجها فخطبها عم ولدها، فزوجها أبوها بغير رضاها من رجل آخر، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم، قال: أزوجتها) أي بغير رضاها (قال: زوجتها

ممن هو خير منه) أي ممن تريده وتحبه (ففرق النبي صلى الله عليه وسلم بينها وبينه، وزوجها من عم ولدها). - الثيب أحق بنفسها من وليها (وفي رواية، أن امرأة توفي عنها زوجها، ولها منه ولد، فخطبها عم ولدها، وأبى أبوها، فقالت: زوجنيه، فأبى، وزوجها غيره بغير رضى منها، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم، فذكرت ذلك لهُ، فسأله) أي أباها (عن ذلك) أي إبائه (فقال: نعم، زوجتها من هو خير لها من عم ولدها، ففرق بينهما، وزوجها من عم ولدها) فهذا كله صريح في أن الثيب أحق بنفسها من وليها، ولو زوجها أبوها من كفء لها. وفي صحيح مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي ومالك، في الموطأ: الأيم أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأذن في نفسها، وإذنها صماتها، والأيم، بتشديد الياء المكسورة، من لا زوج لها بكراً كانت، أو ثيباً، وكذا لا يجوز إجبار البكر البالغة على النكاح عندنا، خلافاً للشافعي ومعنى الإجبار، أن يباشر العقد، فينفذ عليها، شاءت أو أبت. ومبنى الخلاف، أن علة ثبوت ولاية الإجبار هو الصغر، أو البكارة فعندنا

الصغر، وعند الشافعي البكارة فابتنى عليه ما إذا زوج الأب الصغيرة، فدخل وطلقت قبل البلوغ، لم يجز للأب تزويجها عنده، حتى تبلغ، فشاور بعدم البكارة. وعندنا له تزويجها لوجود الصغر. والحاصل، أن الكلام هنا في الكبيرة، أعم من البكر والثيب، فيشترط رضاها، أما الثيب، فقد سبق ذكرها وهو متفق عليه، أما البكر ففي سنن أبي داود والنسائي وابن ماجه، ومسند الإمام أحمد، من حديث ابن عباس، أن جارية بكراً أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكرت أن أباها زوجها وهي كارهة، خيرها النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا حديث صحيح، كما صرح به ابن الهمام، قال ابن القطان، حديث ابن عباس هذا صحيح، وليست هذه خنساء بنت خزام، التي زوجها أبوها وهي ثيب، فكرهته، فرد النبي صلى الله عليه وسلم نكاحه، فإن هذه بكر، وتلك ثيب، انتهى. على أنه روي أن خنساء أيضاً، كانت بكراً، أخرج النسائي في سننه حديثاً، وفيه أنها كانت بكراً، لكن رواية البخاري تترجح. ويحتمل تعددها، قال ابن القطان: والدليل على أنهما يثبتان لهما الخيار، ما أخرج الدارقطني عن ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم رد نكاح ثيب وبكر، أنكحهما أبوهما وهما كارهتان. - لا تسبوا الدهر وبه (عن عبد العزيز، عن ابن قتادة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تسبوا الدهر، فإن الله هو الدهر) أي خالقه ومصرفه في الخير والشر. وفي النهاية كان من شأن العرب تذم الدهر، وتسبه عند النوازل والحوادث، ويقولون آباءهم، وقد ذكره والدهر عنهم في كتابه العزيز، لقوله تعالى: {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ ونَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إلاَّ الدَّهْرُ} (¬1) والدهر اسم للزمان ¬

(¬1) المؤمنون 37.

- ذكر إسناده عن عبد الكريم بن أمية

الطويل، ومدة الحياة الدنيا، فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن ذم الدهر، وسبه، أي لا تسبوا فاعل هذه الأشياء، فإنهم إذا سبوه، وقع السب على الله تعالى، لأنه هو الفعال لما يريد، والحديث بعينه رواه مسلم عن أبي هريرة. - ذكر إسناده عن عبد الكريم بن أمية - خروج النساء إلى العيدين ذكر إسناده عن عبد الكريم بن أبي أمية، بضم، ففتح، فتشديد تحتية وهو من أجلاء التابعين. أبو حنيفة: (عن عبد الكريم، عن أم عطية) هي النُسَيْبَة، بضم النون وفتح السين المهملة، وسكون الياء وفتح الباء، بنت كعب، وقيل بنت الحارث الأنصارية، بايعت النبي صلى الله عليه وسلم، فَتُمَارِضُ المَرْضَى، وَتُدَاوِي الجرحى (قالت: كان) أي النبي صلى الله عليه وسلم (يرخص للنساء) أي جميعهن من الشوائب وغيرهن (في الخروج) أي جواز خروجهن (إلى العيدين) أي صلاتهما (من الفطر والأضحى) بيان لما قبلهما. وفي شرح الهداية، لابن الهمام، وتخرج العجائز للعيد لا الشوائب، يعني لفساد أهل الزمان من الرجال والنسوان. (وفي رواية: قالت: إن) مخففة من الثقيلة، أي قد كانت (الطامث) أي الحائض (لتخرج) أي إلى مصلى العيد (فتجلس في عرض النساء) بفتح العين، أي في جانب منهن، احترازاً من قطع صفهن (فتدعو) أي تارة (وتؤمن أخرى)

ليحصل لها البركة في العيدين. (وفي رواية، قالت: أمرنا) أي معشر النساء (رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن تخرج) بصيغة الغائبة، أو الغائب (يوم النحر ويوم الفطر) أي فيهما إلى مصلى هما (ذوات الخدر) أي المخدرات من وراء الأستار، كالأبكار (الحيض) بضم فتحتية مشددة مفتوحة، جمع الحائض، فأما الحيض (فيعتزلن الصلاة)، فإنهن ممنوعات منها (ويشهدن الخير) أي ويحضرن عبادة أهل الخير (ودعوة المسلمين) وترك القرينة بوضوح أمرهن في زيادة المشاركة من العبادة والطاعة (فقالت امرأة: يا رسول الله أفإن كانت إحدانا ليس لها جلباب) بكسر الجيم، أي إزار، وبرقع ونحوهما، يتعذر خروجها بدونه (قال: لتلبسها) بضم التاء، وكسر الباء، أي ينبغي أن تعيرها (أختها) في النسب أو الدين إذا كانت أغنى منها (من جلبابها) إذا تَعَذَّر عندها، أو إذا تعذر حضورها بنفسها. هذا، وروى أبو حنيفة عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر، عن أبيه، عن حبيب بن سالم، عن النعمان بن بشير عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه كان يقرأ في العيدين ويوم الجمعة بـ {سَبِّح اسمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} (¬1) و {هَلْ أَتَاكَ حَدِيْثُ الغَاشِيَة} (¬2). ورواه أبو حنيفة مرة في العيدين فقط كذا ذكره ابن الهمام. - شفعة الجار وبه: (عن عبد الكريم عن المسور) بكسر الميم، وفتح الواو (بن مخرمة) ¬

(¬1) الأعلى 1. (¬2) الغاشية 1.

بفتح الميم وسكون الخاء المعجمة فراء مفتوحة، يكنى أبا عبد الرحمن الزهري القرشي، وهو ابن أخت عبد الرحمن بن عوف، ولد بمكة بعد الهجرة بسنتين، وقدم به إلى المدينة في ذي الحجة سنة ثمان، وقبض النبي صلى الله عليه وسلم وله ثمان سنين، وسمع منه وحفظ عنه، وكان فقيهاً من أهل الفضل والدين، لم يزل بالمدينة إلى أن قتل عثمان، وانتقل إلى مكة، فلم يزل بها حتى مات معاوية، وكره بيعة يزيد، فثم مقيماً بمكة إلى أن بعث يزيد عسكره وحاصر مكة وبها ابن الزبير، فأصاب المسور حجر من حجارة المنجنيق وهو يصلي في الحجرة، فقتله، وذلك في مستهل ربيع الأول سنة أربع وستين. روى عنه خلق كثير (قال: أراد سعد) وهو ابن أبي وقاص (ببيع دار له، فقال لجاره: خذها بسبعمائة، فإني قد أعطيت بها) بصيغة المجهول أي أعطاني الناس بدلها (ثماني مائة درهم، ولكن أعطيتكها) أي بأنقص من قيمتها، واكتفيت بأصل ثمنها (لأني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "الجار أحق بشفعته" وهذا من كمال سخاوته، وجمال رحمته ورأفته. والحديث المرفوع، رواه أحمد والأربعة عن جابر، ولفظه: "الجار أحق بشفعة جاره، ينتظر بها، وإن كان غائباً إذا كان طريقهما واحداً". ورواه البخاري، وأبو داود والنسائي، وابن ماجه، عن أبي رافع، والنسائي، وابن ماجه، عن اليزيد بن سويد بلفظ، "الجار أحق بصقبه" بفتح المهملة، وقاف، أي بما يليه، وبقربه.

(وفي رواية عن المسور) يعني شيخ عبد الكريم (عن رافع بن خديج) بفتح الخاء المعجمة، وكسر الدال المهملة، وسكون التحتية، فجيم، يكنى أبا عبد الله الحارثي الأنصاري، أصابه سهم يوم أحد، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنا شهيد لك يوم القيامة، وانفضت جراحته زمن عبد الملك بن مروان، فمات سنة ثلاث وسبعين بالمدينة، وله ست وثمانون سنة. روى عنه خلق كثير (قال: عرض علي سعد بيتاً) أي شراء دار ملك له (فقال: خذه) أي خذ البيت بثمنه، ولا تتوقف في أخذه (أما) أي تنبيه (إني قد أعطيت به) أي بمقابلته (أكثر مما تعطي) وفق ما أطلبه منك، ولكنك أحق به فاخترتك على غيرك في أخذه (فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "الجار أحق بشفعته") أي من غيره، لكن بقيمته، وإنما سامح سعد رضي الله تعالى عنه في ترك زيادته لكمال مروءته، وسخاوته. (وفي رواية عن المسور، عن رافع، مولى سعد، أنه قال لرجل يعني) أي يريد بضمير، أنه سعداً، وقوله: خذ هذا البيت (بأربع مائة) مقول سعد (أَمَا) بتخفيف الميم للتنبيه (إني أعطيت به ثمان مائة درهم، ولكني أعطيتكه) وروى أنقص عن ثمنه (لحديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: "الجار أحق بشفعته").

(وفي رواية، عن سعد بن مالك) يعني ابن أبي وقاص (أنه عرض بيتاً له على جاره) أي الملاصق داره بداره (بأربعمائة) بناء على المسامحة (وقال: قد أعطيت به ثماني مائة، ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "الجار أحق بِصَقْبهِ") اعلم أن الشفعة شرعاً بملك العقار على مشتريه جبراً، بمثل ثمنه، وثبتت للخليط، وهو الشريك الذي يقاسم في نفس المبيع، ثم للخليطِ في حق المبيع، كالشرب والطريق خاصتين، ثم لجار ملاصق بالشروط المعروفة في الفقه فعندنا: الشفعة لكل واحد من هذه الثلاثة على هذا الترتيب، وهو قول سفيان الثوري، وعبد الله بن المبارك، كما ذكره الترمذي في جامعه، وقال مالك، والشافعي، وأحمد، لا شفعة للجار، لمروي البخاري عن أبي سلمة، عن جابر بن عبد الله، قال: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشفعة في كل ما يقسم، فإذا وقعت الحدود، وصرفت الطرق، فلا شفعة. ولنا: ما روى أبو داود، في البيوع، والترمذي في الأحكام، وقال: حسن صحيح، والنسائي في الشروط عن قتادة، عن الحسن بن سمرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "جار الدار أحق بدار الجار، أو الأرض. ورواه أحمد في مسنده، والطبراني في معجمه، وابن أبي شيبة في مصنفه، وفي بعض ألفاظهم، الجار أحق بشفعة الدار. فإن قيل: المراد بما رويتم، الجار الذي يكون شريكاً، لما أخرجه البخاري عن عمرو بن الثريد، قال: وقفت على سعد بن أبي وقاص، فجاء المسور بن مخرمة، فوضع يده على إحدى منكبي، إذ جاء أبو رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا سعد، أتبع مني بيتي في دارك، فقال: والله ابتاعهما فقال المسور: والله لتبتاعهما، فقال سعد: والله لا أزيد على أربعة آلاف منجمة، أو مقطعة،

قال أبو رافع: لقد أعطيت بهما خمسمائة دينار، ولولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "الجار أحق بصقبه" وفي رواية، بسقبة، ما أعطيتكها بأربعة آلاف درهم، وأنا أعطي بها خمسمائة دينار، فأعطاهما إياه. أجيب: بأن هذا معارض لما أخرجه النسائي وابن ماجه، عن عمرو بن الثريد، عن أبيه، أن رجلاً قال: يا رسول الله، أرضي ليس لي أحد فيها شريك، ولا قسم إلا الجوار، فقال: الجار أحق بصقبه. هذا وأجيب عن حديث جابر، بأن تخصيص ما لم يقسم بالذكر، لا يدل على نفي الحكم عما عداه، وقوله: استحقاق الشفعة للجار، مع ما روينا من وقوع الإخبار، ولو سلم أنه من كلام سيد الأبرار، فمعناه، لا شفعة بسبب القسمة لتوهم أن القسمة تثبت بها الشفعة كالبيع، لما فيها من معنى التمليك من كل واحد من الشريكين للآخر. - حديث ركوب الهدي وبه: أي بسند أبي حنيفة (عن عبد الكريم) أي ابن أمية المذكور (عن أنس، أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً) وهو مبهم لم يعرف (ليسوق هديه) أي يمشي وراءها ويزجرها، والمراد بها الإبل هنا (فقال: اركبها) لأنه عليه الصلاة والسلام علم أنه أتعبه السفر في ذلك المقام. والحديث في الصحيحين، عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً ليسوق هديه، فقال: اركبها قال، إنها هدية، قال: اركبها، قال: فرأيته راكبها يسار النبي صلى الله عليه وسلم، وقد اختلف في ركوب البدن الهدية المهداة، فعن بعضهم أنه واجب لإطلاق هذا الأمر، مع ما فيه من مخالفة لسيرة الجاهلية، وهو مجانبة السائبة

والوصيلة والحامي. ورد هذا بأنه عليه الصلاة والسلام لم يركب هديه، ولم يركبه، ولا أمر الناس بركوب هداياهم. ومنهم من قال له: أن يركبها مطلقاً من غير حاجة، تمسكاً بإطلاقه هذا. وقال أصحابنا والشافعي: لا يركبها إلا عند الحاجة حملاً للأمر المذكور على أنه كان لما رأى من حاجة الرجل إلى ذلك، ويؤيده ما في صحيح مسلم عن أبي الزبير، قال: سمعت جابر بن عبد الله يسأل عن ركوب الهدي، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: اركبها بالمعروف إذا ألجئت إليها. وفي الكافي للحاكم: فإن ركبها أو حمل متاعه عليها للضرورة ضمن ما نقصها ذلك، يعني أن نقصه ذلك ضمنه نقصان ما هنالك. - مرتكب الكبيرة لا يخرج من الإيمان وبه (عن عبد الكريم بن أبي المخارق) بضم ميم، فخاء معجمة، ثم راء مكسورة (عن طاوس) بالصرف إذ ليس فيه إلا العلمية بخلاف داود، فإن فيه زيادة، وهي العجمة، وهو ابن كيسان الخولاني الهمداني اليماني، من أبناء الفرس، روى عن جماعة من الصحابة، وعنه الزهري، وخلق سواه، وقال عمرو ابن دينار ما رأيت مثل طاوس، كان رأساً في العلم والعمل، مات بمكة سنة خمس ومائة. (قال: جاء رجل إلى ابن عمر، فسأله) أي سؤالاً علمياً (فقال: يا أبا عبد الرحمن) كناه تعظيماً له (أرأيت) أي أعلمت أو المعنى أخبرني عن حال الذين (يكسرون أغلاقنا) أي أقفالنا (ويفتحون أبوابنا، وينقبون بيوتنا) أي جدرانها

(ويغيرون على أمتعتنا) من الإغارة، أي ويأخذون أسبابنا على وجه التعدي (أكفروا) أي بهذه الأفعال ونحوها من الأحوال (قال: لا) فيه رد على الخوارج، حيث قالوا بكفر مرتكب الكبيرة من السرقة والغصب والظلم، خلافاً لمذهب أهل السنة والجماعة. وأعرب المعتزلة في قولهم: أنه يخرج من الإسلام ولم يدخل في الكفر (قال) أي الرجل السائل (أرأيت هؤلاء الذين يتاولون علينا) أي من الخوارج والبغاة (ويسفكون دماءنا) أي يريقونها، والمعنى: يبيحون قتلنا بتأويلات فاسدة، وآراء كاسدة (أكفروا به، قال: لا) أي لأنهم أخطأوا في اجتهادهم، ووقعوا في خلاف مرادهم فتوهموا أنا نستحق القتل لما صدر عنا من التقصير في الدين على زعمهم. والحاصل، أنهم وغيرهم لم يكفروا (حتى يجعلوا مع الله شيئاً) أي شريكاً، وفي معناه كل ما يوجب كفراً فأما المعاصي، فلا يخرج المؤمن عن إيمانه، وهذا كله مقتبس من قوله تعالى: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} (¬1) (قال طاوس: وأنا أنظر إلى إصبع ابن عمر، وهو يحركها) إشارة إلى التوحيد، ومقام التفريد (ويقول سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي هذا شريعته وطريقته (وهذا ¬

(¬1) النساء 4.

الحديث) وإن كان بظاهره (موقوفاً، لكن رواه جماعة) أي آخرون (فرفعوه) أي نقلوه (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم) بهذا المبنى أو المعنى. ولا يبعد أن يكون عن، بمعنى الباء لقوله تعالى: {وما ينطق عن الهوى} (¬1) - حديث مسح الخفين وبه (عن عبد الكريم بن أبي أمية، عن إبراهيم) أي النخعي (حدثني من سمع جرير بن عبد الملك) الظاهر أنه تابعي، إذ لم يذكره ابن عبد البر في الاستيعاب لتراجم الأصحاب، فالحديث مرسل، وهو حجة عندنا، وعند الجمهور (يقول: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح الخفين بعدما أنزلت سورة المائدة) في ذكرها، إن المسح عليهما بيان لقراءة الجر في أرجلكما، كما أن الغسل المستفاد من قراءة النصب مبين بغسل الرجلين الخاليين من الخفين. وحاصله، أن الآية باعتبار اختلاف الرواية مجملة بينها صاحب الرسالة صلى الله عليه وسلم ومن الفائدة البصيرة أن سورة المائدة آخر ما نزلت، فلا يجوز أن تكون منسوخة. ¬

(¬1) النجم 3.

- ذكر إسناده عن الهيثم بن حبيب الصرفي

- ذكر إسناده عن الهيثم بن حبيب الصرفي - إفطار صوم في السفر ذكر إسناده عن الهيثم بن حبيب الصرفي. أبو حنيفة، رحمه الله تعالى، (عن الهيثم بن حبيب الصرفي) أحد التابعين الأجلاء (عن أنس بن مالك، قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لليلتين اختلتا) أي بقيتا من شهر رمضان (من المدينة) متعلق بخرج (إلى مكة) أي يقصد فتحها (فصام حتى أتى قديداً) وهو بالتصغير، موضع بين الحرمين (مشى الناس إليه الجهد) بضم الجيم، وفتحها، أي المشقة من جهة الصوم في تلك الحالة، حيث لا يمكنهم مخالفته عليه السلام في العمل بالرخصة، وترك العزيمة (فأفطر) لما رأى بهم من الضرورة (فلم يزله بمفطر حتى أتى مكة) وفيه تنبيه على أن الصوم في السفر أفضل، لمن يكون له قوة، كما يشير إليه إطلاق قوله سبحانه وتعالى: {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} (¬1). وأما حديث "لَيْسَ مِنَ البِرِّ الصَّوْمُ فِي الْسَّفَر" فمحمول على حالة الضعف والضرورة، والحديث رواه عبد الرزاق في جامعه، ولفظه: "خرج رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح في شهر رمضان حتى مر بقديد في الطريق، وذلك في نحو الظهيرة، فعطش الناس، فجعلوا يمدون أعناقهم، وتتوق أنفسهم إليه، فدعى رسول الله صلى الله عليه وسلم بقدح ماء، فأمسكه على يده حتى رآه الناس ثم شرب، فشرب الناس". وَرَوَى أيقد، عن أبي جعفر، قال: لما أن كان النبي صلى الله عليه وسلم مخرجه للفتح بعسفان، أو بالكديد، نُووِلَ قدحاً، وهو على راحلته في شهر رمضان، فجعلت ¬

(¬1) البقرة 184.

الرفاق تمر به والقدح على يده، ثم شرب، فبلغه بعد ذلك أن أناساً صاموا، فقال: أولئك العاصون. وروى أحمد، عن ابن سعد والترمذي، بسند حسن، عن عمر، قال: غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوتين في رمضان، يوم بدر، ويوم الفتح، فأفطر فيهما. - وظيفة صبح وشام وبه (عن الهيثم، عن أبي صالح) وهو ذكوان السمان الزيات المدني، كان يجلب السمن والزيت إلى الكوفة وهو مولى جويرية بنت الحارث، زوج النبي صلى الله عليه وسلم وهو تابعي جليل، مشهور، كثير الحديث، واسع الرواية. روى عن أبي هريرة، وأبي سعيد، وعنه ابنه سهيل، والأعمش (عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من قال حين يصبح) أي يدخل في الصباح وهو أول النهار (أعوذ بكلمات الله التامات) أي الجامعات الكاملات وهي الآيات القرآنية المشتملة على المعجزات، وهي التامة، الكافيات للبليات والآفات (ثلاث مرات) أي متواليات على ما هو الظاهر (لم يضره عقرب حتى يمسي) أي يدخل في المساء، وهو أول الليل، وقيل آخر النهار، على اختلاف في أوله (ومن قال) أي كذلك (حين يمسي، لم يضره عقرب حتى يصبح). (وفي رواية، قال): أي النبي صلى الله عليه وسلم (من قال: أعوذ بكلمات الله التامات حين يصبح قبل طلوع الشمس ثلاث مرات، لم يضره عقرب يومئذ) أي في يوم ذلك

(وإذا قال حين يمسي) أي ثلاث مرات (لم يضره عقرب ليلته) أي في ليلة ذلك. والحديث رواه الطبراني في الأوسط، بلفظ: من قال حين يصبح وحين يمسي. وفي رواية، حين يمسي فقط، وكذا في رواية مسلم، والأربعة، والدارمي، وابن السني عن معقل بن يسار، وفي الأذكار للنووي، روينا في صحيح مسلم عن أبي هريرة، قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله ما لقيت من عقرب حتى لدغني البارحة، قال: أما لو قلت حين أمسيت أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، لم يضرك. وروينا في كتاب ابن السني، وقال فيه: من قال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، ثلاثاً لم يضره. انتهى. وفي رواية للترمذي بسند حسن: من قال حين يمسي ثلاث مرات لم يضره حية في تلك الليلة، قال سهيل: فكان أهلنا يقولونها كل ليلة، فلدغت جارية منهم، فلم تجد وجعها. هذا، وروى الحافظ أبو نعيم في تاريخ أصبهان، والمستغفري في الدعوات، والبيهقي في الشعب، عن علي أنه قال: لدغت النبي صلى الله عليه وسلم عقرب، وهو في الصلاة فلما فرغ قال: لعن الله العقرب، لا تدع مصلياً ولا غيره، ولا نبياً ولا غيره إلا لدغته، وتناول نعله فقتله بها، ثم دعا بماء وملح، وجعل يمسح عليها ويقرأ: {قُلْ هُوَ الله أَحدَ} والمعوذتين. وروى ابن أبي شيبة، عن جابر بن عبد الله، أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب الناس وهو عاصب إصبعه من لدغة عقرب. وبه (عن الهيثم عن عامر الشعبي، عن مسروق، عن عائشة، قالت: كان

رسول الله صلى الله عليه وسلم يصيب من وجهها) أي باللمس أو القبلة (وهو صائم) أي فرضاً أو نفلاً، والجملة حالية، تعني كلام أحد الروايات، أي تريد عائشة بهذه الإصابة القبلة، لما صرحت بها في رواية أخرى، فقد روى أحمد والشيخان، والأربعة، عن عائشة، أنه عليه الصلاة والسلام كان يقبل وهو صائم، وقد سبق بعض ما يتعلق به. وبه (عن الهيثم، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثمن كلب الصيد) وقد روى أحمد والنسائي، عن جابر أنه عليه الصلاة والسلام، نهى في ثمن الكلب، إلا الكلب المعلم. وفي رواية الترمذي، نهى عن ثمن الكلب إلا كلب الصيد. واعلم أن بيع العين الطاهرة صحيح بالاتفاق، وأما بيع العين النجسة في نفسها، كالكلب، والخنزير، والخمر، والسرجين هل تصح أم لا؟ قال أبو حنيفة: يصح بيع الكلب والسرجين، وأن يُوَكّلَ المسلمُ ذمياً في بيع الخمر وأتباعها واختلف أصحاب مالك في بيع الكلب، فمنهم من أجازه مطلقاً، ومنهم من كرهه، ومنهم من خص الجواز بالمأذون في إمساكه. وقال الشافعي وأحمد: لا يجوز بيع شيء من ذلك أصلاً، ولا قيمة للكلب إن قتل أو أتلف، كذا في اختلاف الأئمة. قال الدميري في حياة الحيوان: لا يصح بيع جميع الكلاب عندنا، خلافاً لمالك، فإنه أباح بيعها.

وقال أبو حنيفة: يجوز بيع غير العقور، انتهى، وفي فتاوي قاضي خان أن بيع الكلب المعلم عندنا جائز، ومفهومه، عدم جواز بيع الكلب، إذا لم يكن معلماً، وهو المطابق لرواية هذا الحديث، والله أعلم. - أكل الأرنب وبه: (عن الهيثم، عن الشعبي، عن جابر بن عبد الله، قال: خرج غلام من الأنصار قبل أحد) بكسر القاف، وفتح الموحدة، أي إلى جانب أحد، وهو بضمتين، جبل عظيم بقرب المدينة، وقد ورد في حقه، "أحد جبل يحبنا ونحبه"، (فمر) أي فذهب في طريقه (فاصطاد أرنباً) وهو حيوان يشبه العناق، قصير اليدين، طويل الرجلين، اسم جنس يطلق على الذكر والأنثى (فلم يجد) أي معه (ما يذبحها) أي من آلات الحديد، كالسكين ونحوه (فذبحها بحجر) أي حاد (فجاء بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قد علقها بيده، فأمره بأكلها). وفيه تنبيه على جواز الذبح بكل ما فيه حدة، إذ المقصود هو إخراج الدم، واستثنى السن والظفر القائمين، أي غير المنزوعين، إذ يموت الحيوان بذلك خنقاً، بخلاف ما إذا كانا منزوعين، فإنه يجوز الذبح بهما، لكنه يكره لما فيه من استعمال جزء الآدمي. (وفي رواية: أن رجلاً أصاب أرنبين، فذبحهما بمروة) بفتح الميم (يعني الحجر) أي الأبيض البراق، وهو أصلب الحجارة (فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بأكلها).

(وفي رواية: أصاب رجل من بني سلمة أرنباً، فأخذ، فلم يجد سكيناً، فذبحها بحجر، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بأكلها). واعلم، أنه يحل أكل الأرنب عند العلماء كافة، إلا ما حكى عن عبد الله بن عمرو بن العاص، وابن أبي ليلى، أنهما كرها أكلها. أما حجتنا، ما رواه الإمام الأعظم والهمام الأقدم، وقد روى الجماعة عن أنس، قال: أنفخنا أرنباً بمر الظهران فسعى القوم عليها، فغلبوا، فأدركتها، فأتيت بها أبا طلحة، فذبحها، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بوركها وفخذها، فقبله. وفي البخاري، في كتاب الهبة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبله وأكل منه. وروى أحمد والنسائي، وابن ماجه، والحاكم، وابن حبان، عن محمد بن صفوان، أنه صاد أرنبين، فذبحهما بمروتين وأتي النبي صلى الله عليه وسلم، فأمره بأكلها. واحتج ابن أبي ليلى، ومن وافقه بما روى الترمذي عن حبان بن جزء، عن أخيه خزيمة بن جزء، قال: قلت: يا رسول الله، ما تقول في الأرنب؟ قال: لا آكله، ولا أُحَرِّمُه، قال: قلت: ولم يا رسول الله؟ قال: فإني اجتنبت لأنها تدمى، أي تحيض، وغاية هذا الحديث استقذارها، مع جواز أكلها، وليس ما يدل على تحريمها، ولا تكريمها، ولا كراهتها. - إذا تعارضتا تساقطتا وبه (عن الهيثم، عن رجل، عن جابر بن عبد الله) أي الأنصاري، قال:

(اختصم رجلان في ناقة، كل واحد منهما يقيم البينة) أي الشهود (أنها ناقة نتجتها) أي أولدها (في ملكه، قضى بها النبي صلى الله عليه وسلم للذي في يده) ترجيحاً لجانبه. (وفي رواية: أن الرجلين أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم في ناقة) أي لأجل ناقة (تخاصما البينة أنه له فأقام هذا) أي أحدهما (أنه نتجتها، وأقام هذا) أي الآخر (بينة أنه نتجتها، فجعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم للذي في يده) فإن البيِّنتين لما تعارضتا، تساقطتا، فرجح صاحب اليد، لأن الأصل فيه أنها ملكه. - حج الحائض وبه: (عن الهيثم، عن رجل، عن عائشة رضي الله تعالى عنها، أنها قدمت) مع رسول الله صلى الله عليه وسلم (عام الفتح وهي متمتعة) أي ناوية للعمرة، في أشهر الحج (وهي حائض) أي فلم تقدر أن تطوف لعمرتها (فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم) أي برفض العمرة بالشروع في إحرام الحج (فرفضت عمرتها) أي فتركت أعمالها، فاستقبلت بأعمال الحج، وذبحت لرفضها كما سيأتي في الحديث الذي يليه.

وفي المواهب اللدنية، لما نزل صلى الله عليه وسلم بسرف خرج إلى أصحابه، فقال: من لم يكن معه هدي، وأحب أن يجعلها عمرة، فليفعل - ومن كان معه هدي فلا. وحاضت عائشة فخرج عليها صلى الله عليه وسلم وهي تبكي، فقال: ما يبكيك يا هنتاه؟ قالت: سمعت قولك لأصحابك، فطمثت العمرة، قال: وما شأنك؟ قالت: لا أصلي، قال: فلا يضرك، إنما أنت امرأة من بنات آدم، كتب الله عليك ما كتب عليهن، فكوني في حجك، فعسى الله أن يرزقكيها، أي العمرة، رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي. وفي رواية قالت: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يذكر إلاَّ الحج حين جئنا بسرف، فطمثت، فدخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي، فقال: ما يبكيك؟ فقالت: والله إني لوددت أني لم أكن خرجت العام، فقال: مالك، لعلك نفثت، أي حضت، قلت: نعم، قال: هذا شيء كتبه الله على ابن آدم، فافعلي ما يفعل الحاج، غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري، "الحديث". وقد اختلف فيما أحرمت به عائشة، كما اختلف، هل كانت متمتعة، أم مفردة؟ أم قارنة؟ وإذا كانت متمتعة، فقيل إنها أولاً أحرمت بالحج، هو ظاهر الحديث، لكن في حجة الوداع من المغازي عند البخاري من طريق هشام بن عروة، عن أبيه، قالت: وكنت فيمن أهل بعمرة، وزاد أحمد من وجه آخر، ولم أسق هدياً، وهذا يقوي قول الكوفيين أن عائشة تركت العمرة وحجت مفردة، وتمسكوا في ذلك بقوله عليه الصلاة والسلام لها: "دعي عمرتك". وفي رواية: ارفضي عمرتك لمسلم، أمسكي، أي عن عمرتك. وفي رواية: اقضي عمرتك، وقد استدل الكوفيون بذلك على أن للمرأة إذا أهلت بالعمرة متمتعة، فحاضت قبل أن تطوف أن تترك العمرة وتهل بالحج مفردة، كما صنعت عائشة.

وبه: (عن الهيثم، عن رجل، عن عائشة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذبح لرفضها العمرة بقرة) وهذا زيادة خير منها، وإلا كان ذبح الشاة تكفيها .. - البول في الماء يوجب الرسومة وبه: (عن الهيثم الصواف) أي بياع الصوف، وهو لا ينافي كونه ابن حبيب الصيرفي (عن محمد بن سيرين) هو من أجلاء التابعين (عن أبي هريرة قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبال) أي فضلاً أن يغاط، أو المراد بالبول، المعنى الأعم، والمراد، أن لا يلقى النجس (في الماء الدائم) أي الراكد الواقف (ثم يغتسل) بالنصب (منه أو يتوضأ) وهو عندنا محمول على ما إذا لم يكن عشراً في عشر، وعند غيرنا على ما عدا القلتين، وهذا إذا كان النهي تحريماً، ولا يبعد أن يكون تنزيهاً، فإنه ولو كان الماء كثيراً فإنه يوجب الوسوسة في الطهارة. وقد روى أبو داود عن مكحول مرسلاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يبول الرجل في مستحمه. والحديث الذي رواه الإمام أخرجه مسلم عن جابر بلفظه: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبال في الماء الراكد. ورواه الشيخان عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري، ثم يغتسل فيه. وفي رواية لمسلم قال: لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم، وهو جنب، قالوا: كيف يفعل يا أبا هريرة؟ قال: يتناول تناولاً. - جواز القراءة في الجهر وبه: (عن الهيثم، عن رجل، عن عبد الله بن مسعود، أن أبا بكر وعمر

رضي الله تعالى عنهما سمرا) بفتح الميم، أي سمرا في أول الليل، وتحدثا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم (ذات ليلة) أي ليلة من ليالي (قال) أي ابن مسعود، أو الرجل عنه (فخرجا) أي الشيخان (وخرج) أي النبي صلى الله عليه وسلم (معهما، فمروا) أي ثلاثتهم (بابن مسعود) فيه وضع الظاهر موضع الضمر، على أنه نوع التفات منه على الأول، فتأمل، (وهو يقرأ)، أي والحال، أن ابن مسعود يقرأ القرآن في صلاة أو غيرها بصوت حسن، وأداء مستحسن. وفي رواية ابن عبد الله: وافتتح بالنساء (فقال النبي صلى الله عليه وسلم: من سره) أي أعجبه (أن يقرأ القرآن كما أنزل) أي مرفَّلاً طرياً معدلاً، لا تغييراً ولا تبديلاً (فليقرأ) أي القرآن (على قراءة ابن أم عبد) يعني ابن مسعود، وفيه منقبة عظيمة في حضرة جماعة جسيمة، (وجعل) أي وشرع النبي صلى الله عليه وسلم يقول (لهُ) أي لابن مسعود وهو غائب عنه (سل) أي اطلب (ما شئت تعطيه) بصيغة المجهول (فأتاه أبو بكر وعمر) أي بعد مفارقتهما صلى الله عليه وسلم، إما في آخر الليل، وإما في أول النهار (يبشرانه) أي يريدان بإتيانهما إليه أن يبشراه بما صدر عن صدر الأنبياء من مدح قراءته، وأمره بالدعاء وإجابته (فسبق أبو بكر أو عمر إليه) أي في النزول عليه، وفي الكلام لديه (فبشره) أي إجمالاً (وأخبره) أي تفصيلاً (أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أمر بالدعاء، فقال) أي ابن مسعود (في دعائه: اللهم إني أسألك إيماناً دائماً) أي مستمراً مستقراً (لا يزول) تفسير لما قبله، أو تأكيد له، وفي رواية: إيماناً لا يرتد، وهذا يدل على كمال خوفه من سوء الخاتمة. (ونعيماً لا تنفذ) بفتح الفاء، فدال المهملة، أي لا يفنى ولا يحول، وهذا يشير إلى كمال زهده في الدنيا، ورغبته في نعيم العقبى (ومرافقة نبيك في جنة الخلد)

وهذا يشير إلى علو همته، ورفعة مرتبته، حيث أراد قرب المولى بوسيلة المصطفى. وفي رواية أبي عبد الله، وأحمد، والترمذي، والنسائي، وابن حزيم، وابن أبي داود، وابن الأنباري معاً، في المصحف وعبد الرزاق، وابن حبان، والدارقطني في الأفراد، وابن عساكر، وابن نعيم في الحلية، وأبي يعلى عن قيس ابن مروان أنه أتى عمر، فقال: جئت يا أمير المؤمنين من الكوفة وتركت بها رجلاً يملي المصاحف من ظهر قلبه، فغضب، وانتفخ حتى كاد يملأ ما بين شفتي الرجل، فقال: ومن هو ويحك؟ قلت: عبد الله بن مسعود، فقال: فما زال يطفأ ويسر عنه الغضب حتى عاد إلى حاله التي كان عليها، ثم قال: ويحك، والله ما أعلم بقي من الناس أحد هو أعلم بذلك منه، وسأحدثك عن ذلك: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يزال يسمر عند أبي بكر الليلة كذلك في الأمر من أمر المسلمين، وأنه سمر عنده ذات ليلة وأنا معه، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخرجنا معه، فإذا رجل قائم يصلي في المسجد، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمع قراءته، فلما كدنا أن نعرفه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من سره أن يقرأ القرآن رطباً كما أنزل، فليقرأ على قراءة ابن أم عبد" ثم جلس الرجل يدعو فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "سل تعط، قلت: والله لأغدون إليه فلأبشرنه، فغدوت إليه لأبشره فوجدت أبا بكر قد سبقني إليه، فبشره والله ما سابقته إلى خير إلا سبقني إليه". ورواه ابن عساكر، عن كميل، قال: قال عمر بن الخطاب: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعه أبو بكر، ومن شاء الله، فمررنا بعبد الله بن مسعود وهو يصلي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من هذا الذي يقرأ؟ فقيل له: هذا عبد الله بن أم عبد، فقال: إن عبد الله يقرأ القرآن غضاً كما أنزل، فأثنى عبد الله على ربه وحمده كأحسن ما أثنى عبد على ربه، ثم سأله، فاحتجى المسألة، وسأله كأحسن مسألة سألها عبد ربه، ثم قال: اللهم إني أسألك إيماناً لا يرتد، ويقيناً لا ينفد، ومرافقة محمد صلى الله عليه وسلم في أعلى عليين في جنات الخلد، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: سل تعطه، فانطلقت لأبشره، فوجدت أبا بكر قد سبقني، وكان سباقاً بالخير. قال ابن عساكر: وهذا غريب، والمحفوظ عن عمر ما تقدم أول، واشتهر

كذا في الجامع الكبير، ولا مانع من الجمع بالحمل على تعدد القضاء، والله سبحانه أعلم. (وفي رواية عن الهيثم، عن عبد الله) أي ابن مسعود، ولم يذكر رجلاً، فيحتمل أن الحديث موصُولاً من وجه، مقطوعاً من وجه آخر، فتدبر، وعلى كل تقدير، فهو معمول عندنا، (أن أبا بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما سمرا عند النبي صلى الله عليه وسلم) أي في ليلة المشاورة في قضية (فخرجا، وخرج معهما، فمروا بابن مسعود) أي في المسجد (وهو يقرأ القرآن في الصلاة) أي صلاة التهجد (فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أَحَبَ أَنْ يَقْرأَ الْقُرآنَ غَضّاً" أي طرياً (كما أنزل) أي من غير تغير من لحن وغيره (فليقرأ على قراءة ابن أم عبد الله) يعني ابن مسعود (وجعل) أي النبي صلى الله عليه وسلم عند دعاء ابن مسعود بعد فراغ قراءته (يقول) أي في حقه (سل تُعْطه) شهادة له أن قراءته مقبولة، ودعوته مستجابة (وذكر) أي الهيثم (تمام الأول) أي بقية الحديث السابق كما تقدم والله أعلم. - أكل الأرنب وبه (عن الهيثم، عن موسى بن طَلْحَة) يكنى بأبي عيسى التيمي، القرشي، سمع جماعة من الصحابة، مات سنة أربع مائة (عن أبي الحوكية) بفتح مهملة، وسكون واو وكسر قاف، وتحتية مشددة، أحد أجلاء التابعين (عن عمر

رضي الله عنه، قال: أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي جيء (بأرنب) بفتح الهمزة والنون، وهو حيوان يشبه العناق، قصير اليدين، طويل الرجلين، وهو اسم جنس، يقع على الذكر والأنثى، فأمر أصحابه، فأكلوا، فيه تنبيه على أنه أتي مطبوخاً، وليس فيه ما يدل صريحاً على أنه عليه الصلاة والسلام ما أكله، لكن رواه أبو دواد في سننه من حديث خالد بن الحويرث، عن عبد الله بن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في الأرنب: إنها تحيض، وخالد بن الحويرث قال ابن مسعود: لا أعرفه. وذكره ابن حبان في الثقات، ولا يعرف له إلا هذا الحديث. ويؤيده أنه روى البيهقي عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم جيء له بأرنب، فلم يأكلها، ولم ينه عنها، وزعم أنها تحيض، انتهى، والظاهر أن ضمير زعم، لابن عمر، فتدبر، ولو صح امتناعه عليه الصلاة والسلام عن أكله بمقتضى طبعه فحيث أمر أصحابه بأكله دل على أنه حلال في أصله (وقال للذي جاء بها: ما لك) أَيْ أَيُّ مانع لك حال كونك (لاتأكل منها) بمقتضى الطبع، أو لمانع من الشرع (قال: إني صائم، قال: وما صومك) أي فرض بقضاء، أو نذر، أو غيرهما (قال: تطوع) أي هو نافلة، وكان في غير الأيام الفاضلة، (قال: فهذا) أي اخترت (البيض) أي أيامها، باعتبار لياليها المقمرة، من الثلاث عشر والأربع عشر والخمسة عشر، وفيه ترغيب الأفضل والأكمل فتامل. واعلم أن أكل الأرنب يحل عند العلماء كافة، إلا ما حكي عن عبد الله بن عمرو بن العاص، وابن أبي ليلى، أنهما كرها أكلها، وحجة الجمهور ما رواه الجماعة، عن أنس، قال: أنفخنا أرنباً بمر الظهران، فسعى القوم عليها فغلبوا،

فأدركتها فأخذتها، فأتيت بها أبا طلحة، فذبحها، وبعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بوركها وفخذها، فقبله، زاد البخاري في كتاب الهبة، وأكل منه، ولفظ أبي داود: وكنت غلاماً خزوراً، بتشديد الزاء وتخفيفها، أي مرهقاً، فصدت أرنباً فشويتها، فبعث معي أبو طلحة بعجزها إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقد سئل صلى الله عليه وسلم فقال: هي حلال. وروى أحمد والنسائي، وابن ماجه، والحاكم، وابن حبان عن محمد بن صفوان، أنه صاد أرنبين، فذبحهما بمروتين وأتى النبي صلى الله عليه وسلم، فأمره بأكلها. واحتج ابن أبي ليلى، ومن وافقه، بما رواه الترمذي عن حبان بن جزء، عن أخيه خزيمة بن جزء، قال: قلت يا رسول الله، ما تقول في الأرنب؟ قال: لا آكله ولا أحرمه. قال: قلت: ولم يا رسول الله؟ قال: إني أحسب أنها تدمى، قال: قلت: يا رسول الله، ما تقول في الضبع، قال: ومن يأكل الضبع؟ قال الترمذي: وإسناده ليس بالقوي، ورواه ابن ماجه، عن أبي بكر بن أبي شيبة. وفي بعض الروايات، وسألته عن الذئب؟ فقال: لا يأكل الذئب أحد فيه خير، وليس في شيء من الأحاديث، وإن ضعفت، ما يدل على تحريم الأرنب، وغاية هذين الخبرين، استقذارها مع جواز أكلها. وبه (عن الهيثم، عن عامر) أي شراحيل (الشعبي) بفتح فسكون، وهو الكوفي، أحد الأعلام ولد في خلافة عمر، روى عن خلق كثير، وعنه أمم، قال: أدركت خمسمائة من الصحابة، وقال: ما كتبت سواداً في البيضاء قط، ولا حدثت بحديث إلا حفظته، قال ابن عيينة: كان ابن عباس في زمانه، والشعبي في زمانه، والثوري في زمانه. وقال الزهري: العلماء أربعة: ابن المسيب بالمدينة، والشعبي بالكوفة،

والحسن بالبصرة، ومكحول بالشام، مات سنة أربع ومائة، وله اثنتان وثمان سنة. (قال) أي الهيثم (كان) أي الشعبي (يحدث عن المغازي) أي غزوات النبي صلى الله عليه وسلم، وما يتعلق بها من سراياه، وما يجري مجراه (وابن عمر يسمعه قال) أي عمر (حين سمع حديثه) أي حديث الشعبي في المغازي (إنه) أي الشعبي، أو الشأن (يحدث) أي الشعبي (كأنه شهد القوم) أي حضر مع الذين كانوا في تلك الغزوات وشاهدوا تلك الحركات والسكنات. وبه (عن الهيثم، عن أم ثور، إحدى التابعيات، عن ابن عباس، أنه قال: لا بأس أن تصل المرأة شعرها بالصوف) أي ونحوه من الحرير، والكتان وأمثالهما (إنما نهى) أي وصلها إياه (بالشعر فإنه من باب الغش)، وروى من غشنا فليس منا. (وفي رواية) أي لها عنه (لا بأس بالوصل) أي بوصل الشعر (إذا كان) أي الموصول به (شعر بالرأس) أي بشعره، فعموم حديث: لعن الله الواصلة والمستوصلة، والواشمة والمستوشمة، على ما رواه أحمد، وأصحاب الكتب الستة عن ابن عمر، تكون مخصوصاً بهذا.

- أكبر بناته صلى الله عليه وسلم زينب رضي الله عنها، وقيل رقية رضي الله عنها. وبه (عن الهيثم عن) موسى (ابن كثير) أحد أكابر التابعين (أن عمر مر بعثمان رضي الله عنهما وهو) أي والحال أن عثمان (حزين) أي آثار الحزن ظاهر عليه (قال: ما يحزنك)؟ بضم الياء، فكسر الزاي، وبفتح الياء، وضم الزاي، أي شيء يوقعك في الحزن (قال: ألا أحزن) بفتح الهمزة والزاء، وهو لازم، أي لا أهتم (وقد انقطع الصهر) أي نعت التصاهر (بيني وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي بحسب الظاهر (وذلك) أي القول (حدثان) بفتح الحاء والدال، ونصب النون، أي أوائل (ماتت بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم) وهي رقية ولدت سنة ثلاث وثلاثين من مولده عليه الصلاة والسلام. وقد ذكر الزبير بن بكار، وغيره، أنها أكبر بناته عليه الصلاة والسلام، وصححه الجرجاني، والأصح الذي عليه الأكثرون، أن زينب أكبرهن (وكانت) أي رقية (تحته) أي في عصمة نكاح عثمان، فتوفيت، والنبي صلى الله عليه وسلم ببدر. وعن ابن عباس، لما أخبرني النبي عليه الصلاة والسلام برقية، قال: الحمد لله، دفن البنات من المكرمات، أخرجه الدولاني. (فقال له عمر: أزوجك حفصة ابنتي، فقال): أي عثمان (له حتى أستأمر) أي أستأذن (رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتاه) أي جاء عمر رسول الله صلى الله عليه وسلم (فقال له) أي لعمر (رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هل لك أن أدلك على صهر هو خير لك من عثمان، وأدل عثمان على صهر هو خير له منك، فقال):

أي عمر (نعم، فقال: "زوجني حفصة، وأزوج عثمان ابنتي) أي أم كلثوم فقال: (نعم، ففعل رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي كلا الأمرين. وفي رواية أخرجها الخجندي، أنه لما توفيت رقية، خطب عثمان ابنة عمر، فرده، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا عمر، أدلك على خير لك من عثمان، وأدل عثمان على خير له منك، قال: نعم يا نبي الله، فقال: تزوجني ابنتك، وأزوج عثمان ابنتي، انتهى. ولا يبعد أن يجمع بين الروايتين، أن عمر رده أولاً، ثم عرض عليه ثانياً، وكان تزويج عثمان بأم كلثوم سنة ثلاث من الهجرة، وماتت سنة تسع منها، وبهما لقب عثمان بذي النورين. وروي أنه عليه الصلاة والسلام، قال له: والذي نفسي بيده، لو أن عندي مائة بنت، يمتن واحدة بعد واحدة، لزوجتك أخرى، هذا جبرائيل أخبرني أن الله يأمرني أن أزوجكها. رواه الفضائلي. - أداء النافلة بالجماعة وبه (عن الهيثم، عن عكرمة، عن ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى برجل) أي إماماً له (فصلى) أي الرجل (خلفه) أي وراءه، ويحتمل أنه وقف عن يمينه

متأخراً، فتصرف عليه، وصلى وراءه (وامرأة) أي وصلت امرأة (خلف ذلك) أي الرجل، مراعاة لحق الصف، ولئلا تبطل صلاة الرجل، لو حاذته في صلاة مشتركة أداء، وتحريمه بشروط المذكورة في كتب الفقه (صلاتهم جماعة) جملة حالية، أو استئنافية. والظاهر، أن هذه الصلاة، كانت نافلة، فدل على جوازها إذا لم تكن علانية، وهذا وقد أجمعوا على أن أقل الجمع الذي ينعقد به صلاة الجماعة في الفرض والنفل، غير الجمعة اثنان، إمام ومأموم قائم عن يمينه، إلا أن عند أحمد، إذا كان المأموم واحداً، ووقف عن يسار الإمام، فإنه صلاته تبطل. ولعله استدل بما وقع لابن عباس في اقتدائه بالنبي صلى الله عليه وسلم في صلاة التهجد عند بيتوته في بيت ميمونة خالته أم المؤمنين، وقد وقف عن يساره عليه الصلاة والسلام، فأداره إلى يمينه الكريمة. والحديث رواه الشيخان وغيرهما. - حديث القدر وبه (عن الهيثم، عن نافع، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يجيء قوم يقولون: لا قدر) أي تقدير الله في الأشياء قبل خلقها، وقد قال تعالى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ في الأَرْضِ وِلاَ في أَنْفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتاَب مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها} (¬1). ¬

(¬1) الحديد 22.

- الزندقة هو الخروج عن الشريعة باطناً مع أنه يؤيدها ظاهراً وهذا دليل صريح على أن القدرية المذمومة هم النافون للقدر، لا المثبتون له (ثم يخرجون منه) أي من هذا الابتداع الناشىء عن ترك الاتباع (إلى الزندقة) وهي الخروج عن الشريعة، باطناً، مع انقيادها ظاهراً. (فإذا لقيتموهم فلا تسلموا عليهم) والظاهر أنهم إن سلموا علينا، لا يستحقوا الرد زجراً عليهم. فإن المبتدعة شر من الفسقة، وكان فرض الكفاية يسقط لأعذار شرعية كما يدل عليه قوله: "وإن مرضوا، فلا تعودوهم، وإن ماتوا فلا تشيعوهم" ومن جملة التشييع، الصلاة عليهم، وحضور دفنهم (فإنهم شيعة الدجال) أي أشياعه، وأتباعه، أو مقدمته (ومجوس هذه الأمة) أي أمة الدعوة، أو الإجابة، بناء على خلاف في كفرهم. وإنما شبهوا بالمجوس، لأن المجوس يقول بإلهين، وهم يقولون: بأن أفعال العباد مستقلة لهم، فكأنهم يقولون بتعدد الآلهة، لأن الله سبحانه وتعالى، وهو المنفرد، بأنه فعال لما يريد، ولا خالق سواه، هل من خالق غير الله (حق على الله) أي ثابت في حكمه أو واجب عليه بمقتضى أخباره، إذ لا خلف في وعده ووعيده (أن يلحقهم) أي القدرية (بهم) أي بالمجوس (في النار) ولو لم يكونوا مخلدين فيها كما يشير إليه الإلحاق، فإن النار أعدت للكافرين بالأصالة، وللفاجرين بالتبعية. والأحاديث في ذم القدرية من المعتزلة وغيرهم من أهل البدعة، مشهورة، وفي كتب الحديث مسطورة.

- عائشة رضي الله تعالى عنها مبشرة بالجنة وبه (عن الهيثم، عن عكرمة) وهو مولى ابن عباس، وسبق ذكره (عن ابن عباس أنه استأذن على عائشة) أي ليعودها في مرضها (فأرسلت إليه) أي اعتذرت (إني أجد غماً) أي هماً كثيراً (وكرباً) أي قبضاً كبيراً (فانصرف) أي ارجع، فإني لم أرد أن أقابلك في هذا الحال، وأكالمك على هذا المنوال (فقال للرسول: ما أنا بالذي ينصرف حتى أدخل) قصد أن يفرج كربها ويزيل غمها بما يلائم مقامها (فرجع الرسول، فأخبرها بذلك) أي بما صدر عن ابن عباس هنالك (فأذنت له) أي بالدخول (فدخل عليها) من وراء حجابها (فقالت: إني أجد غماً وكرباً) أي شديداً (وأنا مشفقة) أي خائفة (مما) أي عن حال (أخاف) أي أعلم وأظن (أن أهجم عليه) أي من الموت على ما صدر لي من بعض النقصان أو الفوت (فقال لها ابن عباس: أبشري، فوالله لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "عائشة في الجنة) ولا شك أن تكوني معه عليه الصلاة والسلام في الدرجة العالية (وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أكرم على الله أن يزوجه جمرة من جمر جهنم) فيه إشارة إلى بشارة عدم سبق العذاب لها على دخول الجنة لها (فقالت: فرجت عني) أي أزلت عني غمي وكربي (فرج الله عنك) أي كل كرب وغم، أو عند الموت، جزاءً وفاقاً، وقد ورد أحاديث كثيرة في

فضلها، منها: قوله عليه الصلاة والسلام لعائشة أما ترضين أن تكوني زوجتي في الدنيا والآخرة، رواه الحاكم في مسنده. ومنها قوله عليه الصلاة والسلام: "إني ليهوِّن عَليَّ الموتَ أني رأيتك زوجتي في الجنة"، رواه الطبراني في الكبير. - أداء الصلاة مع الجماعة بعد أدائها مفردة وبه (عن الهيثم، عن جابر بن الأسود، أو الأسود بن جابر، عن أبيه) أي جابر، وهو إذا أطلق، فالمراد به جابر بن عبد الله الأنصاري، والله سبحانه وتعالى أعلم، (أن رجلين) أي من أهل المدينة (صليا الظهر في بيوتهما) أي منفردين (على عهد النبي صلى الله عليه وسلم) أي في زمانه عليه الصلاة والسلام (وهما يريان) بضم أوله، أي يظنان (أن الناس قد صلوا) أي في المسجد جماعة (ثم أتيا في المسجد) أي بعد فراغ صلاتهما (فإذا) للمفاجأة (رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة) أي في أولها أو آخرها (فقعدا ناحية من المسجد، وهما يريان) أن يتوهمان الصلاة أي إعادتها والاقتداء بها نافلة، لا تحل لهما، حيث أنهما قد صليا (فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورآهما) أي على حالهما المشابه بحال المنافقين، أو الكافرين، (أرسل إليهما) أي بطلبهما (فجيء بهما وفرائصهما ترتعد) جمع فريصة، وهي أوداج العنق واللحمة بين الجنب والكتف، لا تزال ترتعد (مخافة أن يكون قد حدث) أي نزل (في أمرهما شيء) أي من الوحي الجلي أو الخفي، ويكون موجباً لغضبه عليه الصلاة

والسلام عليهما (فسألهما) أي عن وجه امتناع اقتدائهما (فأخبراه الخبر، فقال: إِذَا فَعَلْتُمَا ذَلِكَ فَصَلِّيا مع الناس، واجعلا الأولى هي الفريضة) أي والثانية نافلة. وفيه إشارة إلى أنه إنما يصلي نافلة، إذا لم يكن الوقت مكروهاً لأدائها، فلا يصلي بعد الصبح، ولا بعد العصر، ولا بعد المغرب، لامتناع ثلاث ركعات نفلاً، ولعدم اقتصاره على ركعتين، وازدياد على ثلاث، للزوم مخالفة الإمام. وعن ابن عمر قال: إن كنت قد صليت في أهلك، ثم أدركت الصلاة في المسجد مع الإمام، فصل معه غير صلاة الصبح، وصلاة المغرب، فإنهما لا يصليان مرتين، رواه عبد الرزاق، والعصر في حكم الصبح. وعن علي رضي الله تعالى عنه قال: إذا أعاد المغرب، يشفع بركعة، رواه ابن أبي شيبة، وهو محمول على فرض وقوعه، فإنه أولى من الاقتصار على الثلاثة، والله سبحانه وتعالى أعلم. وفي الحديث، دليل على أن الجماعة ليست شرطاً لصحة الصلاة، كما قاله أحمد، وإلا كانت الثانية فرضاً. وفيه تنبيه، على أن الإعادة ممنوعة، وأن القول بأن الثانية هي الفريضة، ضعيف. وكذا القول، بأنه مبهم مفوض إلى الله سبحانه وتعالى، إذ لا بد أن يكون الصلاة متعينة لتكون الأحكام عليها متفرعة. (قيل: قد روى هذا الحديث جماعة) أي من الرواة (عن أبي حنيفة، عن

الهيثم، فلم يجاوزوا الهيثم) أي في إسنادهم (فقالوا: عن الهيثم يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم) فيكون الحديث مرسلاً أو مقطوعاً، وهو حجة عندنا. وأصل الحديث، ورد عن يزيد بن الأسود، على ما رواه أبو داود والحاكم، والبيهقي، بلفظ: "إذا صلى أحدكم في رحله، ثم أدرك الإمام، ولم يصل، فليصل معه، فإنها نافلة". وفي رواية لأحمد، والترمذي، والنسائي، والبيهقي، عنه أيضاً بلفظ: "إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما مسجد الجماعة، فصليا معهم، فإنها لكما نافلة". وفي رواية للبيهقي عن ابن عمر، ولفظه: إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما الإمام فصليا معه، فيكون لكما نافلة، والتي في رحالكما فريضة. وعن ابن عمر أنه سئل عن الرجل يصلي الظهر في بيته، ثم يأتي المسجد والناس يصلون، فيصلي معهم، فأيتهما صلاته؟ قال: الأولى منهما صلاته، وعن علي في الذي يصلي وحده، ثم يصلي في الجماعة، قال: أيتهما صلاته: قال: الأولى منهما صلاته. وعن علي في الذي يصلي وحده، ثم يصلي في الجماعة، قال: صلاته الأولى، رواه ابن أبي شيبة. وأَمَّا مَا في أبي داود والنسائي، عن سليمان بن يسار، قال: أتيت ابن عمر على البلاط، وهم يصلون، قلت: ألا تصلي معهم؟ قال: قد صليت، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: "لاَ تُصَلُّوا صَلاَةً في يوم مرتين" فمحمول على أنه قد صلى تلك الصلاة جماعة، لما روى مالك في الموطأ، ثنا نافع، أن رجلاً سأل ابن عمر، يسأل، فقال: إني أصلي في بيتي، ثم أدركت

الصلاة مع الإمام، أفأصلي معه، فقال ابن عمر: نعم، فقال أيتهما أجعل صلاتي، فقال ابن عمر: ليس ذلك إليك؛ إنما ذلك إلى الله يجعل أيتهما شاء، وقال مالك: هذا من ابن عمر دليل على أن الذي روى عن سليمان بن يسار عنه، إنما أراد كلتيهما على وجه الفرض، إذا صلى في جماعة، فلا يعيد. قال ابن الهمام: وفيه نفي لقول الشافعية بإباحة الإعادة مطلقاً، وإن صلاها في جماعة. والله سبحانه وتعالى أعلم. - إذا دخل العشر الأواخر شد صلى الله عليه وسلم الميزر وبه: (عن الهيثم، عن رجل، عن عائشة، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل شهر رمضان نام) أي أحياناً، في أول الليل (وقام) أي للصلاة أحياناً، أو نام أول الليل وقام آخره، وهذه عادته المستمرة (وإذا دخل العشر الأواخر) وهو وقت الاعتكاف (شد الميزر) بكسر الميم، أي ربط الإزار ربطاً شديداً، أو كناية عن ترك الجماع، أو عن كثرة العبادة كما يعبر عنها بالتشمير أيضاً، ويشير إليه قوله (وأحيا الليل) أي غالبه، أو كله، والظاهر هو الأول، إذ لم يرو صريحاً أنه عليه الصلاة والسلام ترك المنام في الليل جميعه. والحديث رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي، عنها، بلفظ: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر الأواخر من رمضان، أحيا الليل، وأيقظ أهله، وجد، وشد الميزر.

وروى في حديث مسلم عنها، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتهد في رمضان ما لا يجتهد في غيره، وفي العشر الأواخر منه ما لا يجتهد في غيره. - حديث الإمارة وبه (عن الهيثم، عن الحسن) أي البصري، فإنه المراد إذا أطلق عند المحدثين (عن أبي ذر) سبق ذكره (قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أبا ذر الإِمرَة) بكسر الهمزة: الإمارة والحكومة (أمانة) أي عظيم، حيث يتعلق بها حقوق الله وحقوق عباده (فإتيانه فيها خير) ولعل هذا هو المعنى لقوله تعالى: {إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ} (¬1) الآية. ويؤيده قوله عليه الصلاة والسلام: "كُلُّكُمْ رَاعِ وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ" نعم، يتفاوت مراتب الرعاء (وهي) أي قبول هذه الأمانة الكبرى (يوم القيامة) وهي موقف الحساب والعذاب (خزي) أي فضيحة (وندامة) أي ليس فيها منفعة (إلا من أخذها من حقها) أي على وجه استحقاقها، علماً وحلماً، لا تسلطاً وظلماً (وأدَّى الذي عليه) أي من الواجب في حكومته عن العدالة (وأنَّى ذلك) استفهام استبعاد، أي يستبعد وجود ذلك غالباً فيها هنالك، فعلى العاقل أن لا يرمي نفسه في المهالك. (وفي رواية عن أبي حنيفة، عن أبي عَسَّال) بفتح العين، وتشديد السين ¬

(¬1) الأحزاب 72.

(عن الحسن، عن أبي ذر، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال لي: الإِمرةُ أمانةٌ، وهي يوم القيامة خزيٌ وندامة، إلا من أخذها من حقها، وأدى الذي عليه، وأنَّى ذلك يا أبا ذر). والحديث بعينه، إلا باختلاف تقديم يا أبا ذر، وتأخره، وهذا يدل على كمال ضبط الإمام وحفظه في اختلاف المتن، وتعدد الإسناد، فعلم أنه خير أمة، عالم واحد في إيراد المراد. - المستحب في اللحية، قدر القبضة وبه (عن الهيثم، عن رجل، أن أبا قحافة) بضم قاف، وخفة مهملة، ثم فاء، فهاء، وهو عثمان بن عامر، والد الصديق الأكبر القرشي التيمي الملكي، أسلم يوم الفتح، وعاش إلى خلافة عمر، ومات سنة أربع عشرة، وله تسع وتسعون سنة، روى عنه الصديق وأسماء بنت أبي بكر (أتى النبي صلى الله عليه وسلم ولحيته قد انتشرت) أي باعتبار كثرة شعرها (قال) أي الراوي (فقال) يعني النبي صلى الله عليه وسلم (لو أخذتم) أي لو أخذ بعضكم أيها الصحابة، لكان حسناً، ولو للتمني، ولا يحتاج إلى جواب (وأشار) أي النبي صلى الله عليه وسلم (بيده إلى نواحي لحيته) فالإشارة قامت مقام العبارة. فالتقدير: لو أخذتم نواحي لحيته طولاً وعرضاً، وتركتم قدر المستحب، وهو مقدار القبضة، وهي الحد المتوسط بين الطرفين المذمومين من إرسالهما مطلقاً، ومن حلقها

وقصها على وجه استئصالها، وفي حديث الترمذي، عن ابن عمر، أنه عليه الصلاة والسلام كان يأخذ من لحيته، من عرضها وطولها. - من مات يوم الجمعة وُقِيَ عذاب القبر وبه (عن الهيثم، عن الحسن، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ مَاتَ يوم الجمعة) أي مؤمناً، (وُقِيَ) بصيغة المجهول، أي حفظ (عذاب القبر) أي مطلقاً، أو شدته، أو بخصوصه، أو كل يوم جمعة. والحديث رواه ابن ماجه، عن عكرمة بن خالد المخزومي، قال: مَنْ مَاتَ يوم الجمعة أو ليلة الجمعة، أو ليلة القدر، وختم بخاتم الإيمان، وقي عذاب القبر. وأخرجه الترمذي، والطبراني، وأبو نعيم، عن عبد الله مرفوعاً: مَنْ مَاتَ يوم الجُمُعَةِ وُقِيَ من فتنة القبر. ورواه أبو نعيم. في الحلم، وعن جابر بلفظ: مَنْ مَاتَ يوم الجمعة، أو ليلة الجمعة أخر من عذاب القبر، وجاء يوم القيامة وعليه طابع الشهداء. ووقع في بعض الروايات، من مات يوم الجمعة كتب له أجر شهيد، ووقي من فتنة القبر. وفي رواية لأحمد والترمذي عن عائشة مرفوعاً، ما من مسلم مات يوم الجمعة، أو ليلة الجمعة، إلا وقاه الله تعالى فتنة القبر.

- حديث الدخان وبه (عن الهيثم، عن السبعي، عن مسروق، عن عبد لله) أي ابن مسعود، (قال: قد مضى الدخان والبطشة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم) لا أنهما يأتيان في آخر الزمان. اختلفوا في الدخان والبطشة المذكورين في قوله تعالى: {يَوْمَ تَأْتي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِين} (¬1) وقوله تعالى: {يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى} (¬2) ففي البخاري، سأل محمد بن كثير عن سفيان بن منصور، والأعمش عن أبي الضحى، عن مسروق، وقال بينما رجل يحدث في كندة، فقال يجيء دخان يوم القيامة، فيأخذ بأسماع المنافقين وأبصارهم، ويأخذ المؤمن منه كهيئة الزكام، ففزعنا، فأتيت ابن مسعود، وكان متكئاً، فنهض، فجلس، فقال من علم شيئاً فليقل، ومن لم يعلم فليقل الله أعلم، فإن من العلم أن يقول لما لا يعلم، لا أعلم، الله ورسوله أعلم فإن الله تعال قال لنبيه صلى الله عليه وسلم {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ المُتَكَلِّفين} (¬3) وإن قريشاً أبطأوا عن الإسلام، فدعا عليهم النبي صلى الله عليه وسلم فقال: اللهم أعني عليهم بسبع كسبع يوسف. فأخذتهم سنة حتى هلكوا فيها، وأكلوا الميتة، والعظام، ويرى الرجل ما بين السماء والأرض كهيئة الدخان، فجاء أبو سفيان فقال: يا محمد، جئت تأمر بصلة الرحم، وإن قومك قد هلكوا، فادع الله لهم، فقرأ: {فَارتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخّانٍ مُبِينٍ} إلى قوله {عائدون} فتكشف عنهم عذاب الآخرة إذا ¬

(¬1) الدخان 10. (¬2) الدخان 16. (¬3) سورة ص 86.

جاء، ثم عادوا إلى كفرهم، فذلك قوله {يَوْمَ نَبْطِشُ الَبطْشَةَ الكُبْرى} يعني يوم بدر. وقال البغوي: وهذا قول ابن مسعود، وأكثر العلماء، وقال الحسن {يوم نبطش البطشة الكبرى}، يوم القيامة، وروى عكرمة ذلك عن ابن عباس، قال: يوم الدخان يجيء قبل قيام الساعة، ولم يأت بعد، فيدخل في أسماع الكفار والمنافقين، ويقترن المؤمن كهيئة الزكام، وتكون الأرض كلها كبيت أوقد فيه النار، وهو قول ابن عباس وابن عمر، والحسن. وفي البخاري، عن ربعي بن حراش، قال: سمعت حذيفة بن اليمان يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أول آيات الدخان، ونزول عيسى بن مريم، ونار تخرج من قعر عدن اليمن تسوق الناس إلى المحشر تقيل معهم حيث قالوا، قال حذيفة: يا رسول الله، وما الدخان، فتلا هذه الآية {فَارْتَقِب يَوْمَ تَأتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ} تملأ ما بين المشرق والمغرب، تمكث أربعين يوماً وليلة، أما المؤمن، فيصيبه منه الزكام، وأما الكافر كهيئة السكران، يخرج من منخريه وأذنيه، ودبره، ولا يخفى أن قول ابن مسعود أصبح في تفسير الآية؛ إذ قوله تعالى: {إِنَّا كَاشِفُوا العَذَابَ قَليلاً إِنَّكُمْ عَائِدُون} (¬1) كالتصريح بمقصوده، فإنه لا يتصور كشف عذاب الآخرة لا قليلاً ولا كثيراً، وكذا عودهم إلى شدة الكفر غير متصور حينئذ. فتعيَّن أن يحمل على عذاب الدنيا، وأنهم عائدون في كفرهم نقضاً لعهدهم. ويؤيده أيضاً قوله: {يَومَ نَبْطُشُ البَطْشَةَ الكُبْرَى إنَّا منتقمون} إنه يوم بدر، ولا يبعد حمل الآية على المعنى الأعم، والله سبحانه وتعالى أعلم. - وهذه الكذبة: ربما إنها يقال ليست بمذمة من وجه وبه (عن الهيثم، عن الشعبي، عن مسروق، عن عبد الله قال: ما كذبت ¬

(¬1) الدخان 15.

منذ أسلمت، إلا واحدة) أي مرة أو كذبة واحدة، ثم بينها بقوله (كنت أرحِّل) بتشديد الحاء المهملة، أي أصنع رحل الدابة، وهي للبعير بمنزلة السرج للفرس. وفي القاموس: رحل البعير كمنع حُطَّ عليه الرحل (لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتى) أي جاء (المدينة رحال) بتشديد الحاء المهملة، أي صانع الرحل المشهور في صنعته العلم بطريقته (من الطائف) وهو موضع معروف من الحجاز (فقال) أي مشيراً إليَّ أو مستشيراً عليَّ (أي الراحلة) أي، أيُّ صاحبة الرحل، وإلا فقد يطلق الراحلة على الناقة الجيدة، مع قطع النظر عن رحلها، كما ورد الناس، كإبل مائة لا تجد فيها راحلة (أحبُّ إلى رسول الله) أي أعجب وأحسن لديه (قلت: الطائفية المكية) ومآلهما متحد في الكيفية (قال) أي ابن مسعود (كان) أي النبي صلى الله عليه وسلم (يكرهها) وإنما كان يحب المدينة، نظراً إلى حب أهلها في مقام رحلها (فلما رحل) أي الناقة لرسول الله صلى الله عليه وسلم (أتى بها) أي الراحلة (فلما رآها على غير حالها المعتاد في رحالها، قال: "من رحلنا هذه الراحلة") استفهام إنكار وتعجب (قال:) أي أحد من الحاضرين، او ابن مسعود على التفات (رحالك الذي أتيت به من الطائف) أي على زعم أن رحله مستحسن (فقال: "ردوا الراحلة لابن مسعود") أي ليرحل على معرفته بها، وهذه الكذبة ربما يقال إنها ليست مذمومة من وجه، إذ هي في سبيل الله ورضى رسوله صلى الله عليه وسلم، حيث خاف أن يفوته هذه الخدمة المعظمة. ونظير هذه القضية، أنه عليه الصلاة والسلام تزوج بامرأة، وهي من أجمل

النساء فخفن الأزواج المطهرات أن تغلبهن عليه، فقلن لها: إنه يحب إذا دنا منك أن تقولي: أعوذ بالله منك، فقالت ذلك، فقال: "قد عذت بمعاذ، وطلقها وسرحها إلى أهلها"، وكانت تسمي نفسها الشقية. - احتياط مال اليتيم وبه (عن الهيثم، عن الشعبي، عن مسروق، عن عائشة قالت: لما نزلت: {إنَّ الذينَ يأكُلُون أَمْوَالَ اليَتامَى ظُلماً}) أي متعدياً ({إِنَّمَا يَأْكُلُونَ في بُطُونِهم}) أي ملئها ({نَاراً}) والتقدير يأكلون ناراً واقعة في بطونهم، كما هي كائنة في ظهورهم، وسُمي مال اليتيم ناراً باعتبار مآله إذا أكل ظلماً ({وسيصلون}) بصيغة المعروف، أو المجهول، أي وسيدخلون ({سَعيراً}) (¬1) أي ناراً تُسَعَّرُ لَهُم وتتوقد عليهم (عدل) أي تأخر (من كان يتولى أموال اليتامى فلم يقربوها) أي خوفاً من وقوع الظلم الموجب لدخول النار (وشق عليهم حفظها) أي بلسان شق عليهم ضبطها بانفرادها (وخافوا الإثم على أنفسهم) أي في خلطها، أو مطلقاً (فنزلت الآية) أي الآتية، (فخفف عليهم) أي القضية، وهي قوله تعالى: ({يسألونك}) أي يتساءلون الحال أو بيان المقال ({عن اليتامى}) أي أخذ أموالهم والاختلاط معهم في أحوالهم ({قُلْ إصلاحٌ لهم}) أي لأموالهم ({خير}) أي من تركها الموجب لضياع ¬

(¬1) النساء 10.

أموالهم ({وإن تخالطوهم}) أي في حال الأكل، الآية ({فإخوانكم}) أي فهم إخوانكم حقيقة، أو حكماً، فإن المؤمنين أخوة، ولا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ({والله يعلم المفسد}) في أعماله ({من المصلح}) في أحواله، وفي هذا وعد ووعيد لمربي اليتيم وأمثاله ({ولو شاء الله لأَعْنَتَكُمْ}) (¬1) أي لأوقعكم في العنت، وهو المشقة والمحنة، بعدم جواز المخالطة. ولكن ما شاءها، فلم يقع العنت، لأنه سبحانه قال: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ فِي الدّينِ مِنْ حَرَج} (¬2) وقال تعالى: {يُريدُ الله بكُم اليُسْرَ وَلاَ يُريدُ بِكُمُ العُسْرَ} (¬3) وقال عز وجل: {لاَ يُكَلِّفُ الله نَفْسَاً إِلاَّ وُسْعَهَا} (¬4) أي طاقتها ({إنَّ الله عَزِيْزٌ}) أي غالب على أمره ({حَكيم}) في تدبيره. وفي تفسير البغوي، قال ابن عباس، وقتادة: "لما نزلت الآية: {وَلاَ تَقْرَبُوا مَالَ اليَتِيمِ إِلاَّ بالتي هِيَ أَحْسَنَ} (¬5) وقوله: {إِنَّ الذين يَأْكُلُون أَمْوَالَ اليتامى ظلْماً} (¬6) الآية تَحَرَّج المسلمون من أموال اليتامى تحرجاً شديداً، أي تحولوا اليتامى عن أموالهم، حتى كان يصنع لليتيم طعام، فيفضل منه شيء، فيتركونه، ولا يأكلونه حتى يفسد، فاشتد ذلك عليهم، فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تعالى هذه الآية: {قُلْ إِصْلاَحٌ لهم خَيْر} أي الإصلاح لأموالهم من غير أجرة ولا أخذ عوض خير وأعظم أجراً. قال مجاهد: يوسع عليه من طعام نفسه، ولا يتوسع من طعام اليتيم {وإن تخالطوهم}، هذا إباحة المخالطة، أي أن تشاركوهم في أموالهم وتخالطوهم بأموالكم في نفقاتكم ومساكنكم وخدمكم ودوابكم فتصيبوا من أموالهم عوضاً من قيامكم بأمورهم وتكافئوهم على ما تصيبون من أموالهم {فإخوانكم}، والإخوان يعين بعضهم بعضاً، ويصيب بعضهم من مال بعض على وجه الإصلاح، {والله يعلم ¬

(¬1) البقرة 220. (¬2) الحج 48. (¬3) البقرة 185. (¬4) النساء 4. (¬5) الأنعام 152. (¬6) البقرة 286.

المفسد} لأموالهم {من المصلح} لها، يعني الذي يقصد بالمخالطة الخيانة، وإفساد مال اليتيم وآكله بغير حق من الذي يقصد الإصلاح. وبه (عن الهيثم، عن عبد الرحمن بن سابط، عن جابر بن عبد الله، أن النبي صلى الله عليه وسلم ضحَّى) بتشديد الحاء (بكبشين) أي الحمل، او الأنثى، إذا طلعت رباعيته (أشعرين) أي شعرهما كثير (أملحين) الملحة بالضم، بياض يخالط سواداً (أحدهما عن نفسه) الشريفة، على خلاف في أن الأضحية كانت واجبة عليه، أو مستحبة مندوبة إليه، (والآخر) عمن شهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله (من أمته) أي ممن لم يقدر على التضحية. (وفي رواية نحوه) أي بمعناه أو بسنده (ولم يذكر جابر بن عبد الله) فيكون الحديث مرسلاً. - إسناده عن قيس بن مسلم - لبن البقر دواء ذكر إسناده عن قيس بن مسلم أحد أجلاء التابعين. أبو حنيفة: (عن قيس، عن طارق بن شهاب، عن عبد الله بن مسعود، عن

النبي صلى الله عليه وسلم قال: "عليكم بألبان البَقَر") جمع اللبن، باعتبار أنواعها، أو مقابلة الجمع بالجمع. والبقر اسم جنس، فيذكر ويؤنث، ولذا قال (فإنها) أو الضمير راجع إلى المفردة المفهومة من الجنس أي، فإن البقر (ترم) بضم الراء وكسرها، وتشديد الميم، أي تأكل وترعى (من كل شجرة) أي فيكون كالمعجون المركب المعتدل الموافق بمزاج كل أحد، وفيه تنبيه على الاحتراز من لبن البقرة الجلالة (وفيها) أي في ألبانها (شفاء) أي من كل داء، أو في الجملة، وظاهر الإطلاق الأول، فهو المنقول. ويؤيده رواية الحاكم، عن ابن مسعود، بلفظ: عليكم بألبان البقر، فإنها ترم من كل الشجر، وهو شفاء من كل داء. - لم ينزل الله داء إلا أنزل معه الدواء وبه (عن قيس، عن طارق، عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لم ينزل الله دَاءً إلاَّ أَنْزَلَ مَعَهُ الدَّوَاء") أي لذلك الداء "إلا الهرم" بفتحتين، وهو كبر السن وما يترتب عليه من ضعف القوى (فعليكم بألبان البقر، فإنها ترم من الشجر). والحديث رواه الحاكم عن ابن مسعود، بلفظ: إن الله لم ينزل داءً إلا أنزل له شفاء، الحديث. (وفي رواية: إن الله لم يجعل في الأراضي داءً إِلاَّ جعل له دواء، إلا الهرم والسأم) أي الموت. (فعليكم بألبان البقر فإنها) أي ألبانها (تخلط من كل شجر).

(وفي رواية: ما أنزل الله من داء إلا أنزل معه دواء إلا السأم والهرم، فعليكم بألبان البقر، فإنها) أي ألبانها (تخلط من كل الشجر) أي من كل نوع من جنسها. وروى ابن ماجه، عن أبي هريرة قال: ما أنزل الله داء إلا أنزل شفاء، وروى ابن السني، وأبو نعيم، والحاكم بسند صحيح، عن ابن مسعود: عليكم بألبان البقر فإنها دواء، وألبانها شفاء، وإياكم ولحومها، فإنها داء. وفي رواية لابن السني، وأبي نعيم، عن صهيب بلفظ: عليكم بألبان البقر، فإنها شفاء، وسمنها دواء، ولحمها داء. وفي رواية (إنَّ الله لم يَضَع في الأرض داءً، إلا وَضَعَ لَهُ شِفاءً، ودواءً، غَير السأم، فعليكم بألبان البقر، فإنها تخلط من كل الشجر). وفي رواية للحاكم عن ابن سعيد: أن الله تعالى لم ينزل داء إلا أنزل له شفاء علمه من علمه، وجهله من جهله، إلا السأم، وهو الموت. ورواه أحمد عن طارق بن شهاب، ولفظه: إن الله تعالى، لم يضع داء إلا وضع له شفاء، فعليكم ... الحديث. وفي رواية ابن عساكر، عن طارق بن شهاب، عليكم بألبان الإبل والبقر، فإنها تَرُمُّ الشجر كله، وهو دواء من كل داء.

- أفضل الحج العج والثج وبه: (عن قيس، عن طارق، عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفضل الحج العج والثج)، بتشديد الجيم في الكل (فأما العج فالعجيج) أي رفع الصوت بالتلبية (وأما الثج، فثج البُدن) بفتحتين، وهي الإبل، وكذا البقر عندنا، والمعنى سيلان دمائها. (قال بعضهم: فثج الدم) أي صبه وإراقته تقرباً إلى الله. وفي رواية: وأما الثح، فنهر الهدي، وهو شامل الإبل والبقر والغنم، ثم الظاهر أن التفسير من ابن مسعود، ولا يبعد أن يكون مرفوعاً. والحديث رواه الترمذي عن ابن عمر والبيهقي، عن أبي بكر، وأبي يعلى، عن ابن مسعود "أفضل الحج العج والثج". - تعرض الأعمال يوم الخميس ويوم الجمعة وبه (عن قيس، عن طارق، عن ابن مسعود، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من ليلة جمعة إلا وينظر الله عز وجل") أي بنظر الرحمة (إلى خلقه ثلاث مرات) الظاهر أن مرة في الثلث الأول، ومرة في الثلث الأوسط، والأخرى في

الثلث الأخير (يغفر الله لمن لا يشرك به شيئاً) أي من الأشياء، ومن الإشراك، فيشمل الشرك الجلي والخفي، فإن الرياء والسمعة شرك خفي. وروى ابن عساكر، عن أبي هريرة مرفوعاً، إن الأعمال تعرض يوم الخميس ويوم الجمعة فيغفر الله لكل عبد لا يشرك به شيئاً، إلا رجلين كانت بينهما شحناء. فإنه يقول أخروا هذين حتى يصطلحا.

- ذكر إسناده عن القاسم بن عبد الرحمن

- ذكر إسناده عن القاسم بن عبد الرحمن -ذكر إسناده عن القاسم بن عبد الرحمن، أي الشامي مولى عبد الرحمن بن الخالد، سمع أبا أمامة، روى عنه العلاء وابن الحارث، وغيره، قال عبد الرحمن ابن يزيد: ما رأيت أحداً أفضل من القاسم مولى عبد الرحمن، كذا في أسماء الرجال لصاحب المشكاة. والمفهوم مما سيأتي، أن القاسم هذا سبط ابن مسعود. - حديث اختلاف الثمن أبو حنيفة: (عن القاسم، عن أبيه، عن جده، أن عبد الله بن الأشعث بن قيس) أي ابن معد يكرب، كنيته أبو محمد الكندي، قدم على النبي صلى الله عليه وسلم في وفد كندة، وكان رئيسهم، وذلك في سنة عشر، وكان رئيساً في الجاهلية، مطاعاً في قومه، وكان وجيهاً في الإسلام، ولما مات النبي صلى الله عليه وسلم، ارتد عن الإسلام، ثم راجع في خلافة أبي بكر. ونزل الكوفة، ومات بها سنة أربعين، وصلى عليه الحسين بن علي، روى عنه نفر (اشترى من ابن مسعود رقيقاً) أي مملوكاً، وهو اسم جنس، يقع على المفرد وغيره، ولهذا قال: (من رقيق الإمارة) بكسر الهمزة، أي الخلافة (فتقاضاه) عبد الله، أي ثمنه (فاختلفا) أي في قدره (فقال الأشعث: اشتريت منك بعشرة آلاف درهم، وقال عبد الله: بعتك بعشرين ألفاً) أي ألف درهم (فقال عبد الله: اجعل بيني وبينك رجلاً) أي يكون حكماً يفصل بيننا بوجه شرعي من الكتاب أو السنة (فقال الأشعث: فإني أجعلك بيني وبين نفسك) أي حكماً عدلاً،

والمعنى أني أرضى بما تقول فيَّ، وتحكم عليَّ، فإنك عالم عامل، وحكم عادل (قال عبد الله: فإني سأقضي بيني وبينك بقضاء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا اختلف البيِّعان) بتشديد التحتية المكسورة، أي المتبايعان، وهما البائع والمشتري (في شيء) عن مقدار الثمن ونحوه، ولم يكن بينهما بينة يشهد لأحدهما له، أو عليه، فإنه لو اختلفا في قدر الثمن، حكم لمن برهن، وذلك لأن في الجانب الآخر، ليس إلا مجرد الدعوى، والبينة أقوى، وأما إذا لم يبرهن (فالقول ما قال البائع) فإما أن يرضى المشتري به (أو يترادان البيع) أي يفسخانه، وأما إذا برهنا، فلمثبت الزيادة وهو البائع، لأن البينة شرعت للإثبات، ولا تعارض في الزيادة. وفي المبسوط: وإن عجزا عن إقامة البينة، رضي كل بالزيادة، (وإلا تحالفا) أي حلف كل واحد منهما على الدعوى الآخر، إذا استحلف القاضي، والقياس: أن يكون الحلف على منكر الزيادة، لأنهما اتفقا على أصل البيع، وادعى البائع زيادة في الثمن، والمشتري منكر، فالقول قول المنكر مع يمينه، لكنا تركنا القياس بالحديث المشهور، وهو قوله عليه الصلاة والسلام: "إذَا اخْتَلَفَ المتَبايِعَان وَالسِّلْعَةَ قائمَةٌ بِعَيْنِها، تحالفا وترادا" انتهى، وصفة اليمين: أن يحلف البائع بالله ما باعه بألف، ويحلف المشتري، ما اشتراه بألفين، لكن لا يحلف المنكر بعد هلاك المبيع. (وفي رواية عن القاسم، عن أبيه) أي عبد الرحمن (عن جده) أي عبد الله (قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وإذا اخْتَلَف البيعان والسلعة") بكسر أوله، وهي

المبيع (قائمة) أي موجودة حاضرة (فالقول قول البائع، أو يترادان، زاد في رواية: البيع) وهو مفعول به ليترادان. (وفي رواية: إذا اختلف المتبايعان) أي المتعاقدان، في قدر الثمن (فالقول قول البائع، أو يترادان، وفي رواية عن عبد الله، أن الأشعث اشترى منه رقيقاً، فتقاضاه) أي عبد الله (واختلف في قدر الثمن، فقال عبد الله: بعشرين ألفاً) أي من الدرهم (بعته وقال الأشعث: بعشرة آلاف) أي من الدرهم (اشتريته، فقال عبد الله: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذَا اخْتَلَفَ البَيِّعَان فاَلْقَولُ للبائِع، أو يَتَرادَّان"). والحديث رواه أبو داود والنسائي والحاكم والبيهقي، عن ابن مسعود، مرفوعاً بلفظ: إذا اخْتَلَفَ البَيْعَانِ وَلَيْسَ بَيْنَهُما بَيِّنَة، فَهُوَ مَا يَقُولُ رَبُّ السلعة، أو يتتاركان. وفي رواية للترمذي والبيهقي عنه: إذا اختلف البيعان، فالقول قول البائع، والمتبايع بالخيار. وفي رواية لابن ماجه عنه: إذا اختلف البيعان، وليس بينهما بينة والمبيع قائم بعينه فالقول ما قال البائع، ويتركان المبيع.

- حديث السلام وبه (عن القاسم، عن أبيه) أي عبد الرحمن (عن عبد الله) وهو جده على ما تقدم، وأريد به ابن مسعود والله أعلم (قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسلم عن يمينه ويساره تسليمتين) يسلم عن يمينه تسليمة، وعن يساره أخرى. والحديث رواه أصحاب السنن الأربعة عن ابن مسعود، ولفظ النسائي: كان يسلم عن يمينه السلام عليكم ورحمة الله، حتى يرى بياض خده الأيمن، وعن يساره السلام عليكم ورحمة الله، حتى يرى بياض خده الأيسر، وصححه الترمذي، وهو أرجح ما أخذ به مالك، من رواية عائشة، أنه عليه الصلاة والسلام كان يسلم في الصلاة بتسليمة واحدة تلقاء وجهه يميل إلى الشق الأيمن، لتقدم الرجال خلف الإمام دون النساء، فالحال أكشف الرجال مع أن الثانية اختص من الأولى، فلعلها خصت عمن كان بعيداً، كذا قرره ابن الهمام، وفيه: أن عائشة ليست مما لا يخفى عليها إذا صلى النبي صلى الله عليه وسلم في بيتها، ولعل الجمع بينهما، أنه عليه الصلاة والسلام كان يفعل في بعض النوافل، مثل رواية عائشة وفي الفرائض، مثل رواية ابن مسعود، ثم بلغني عن مالك أنه حمل حديث عائشة على حال الانفراد، والله أعلم بالمراد. - قطع يد السارق وبه: (عن القاسم، عن أبيه، عن جده عبد الله قال: كان) أي كان الشأن (تقطع اليمين) أي يمين السارق (على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في عشرة دراهم، وفي

رواية إنما كان القطع) أي قطع اليد (في عشرة دراهم) وروى ابن ماجه عن أنس مرفوعاً: لا يقطع السارق في أقل من عشرة دراهم، ورواه أحمد عن ابن عمر ومرفوعاً: لا قطع فيما دون عشرة دراهم. - خطبة النكاح وبه (عن القاسم، عن أبيه، عن عبد الله قال: علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبة الحاجة) ولما كانت الحاجة عامة قال: (يعني النكاح) وهو تفسير من أحد الرواة (أن) بفتح الهمزة وكسرها (الحمد لله) أي ثابت مستمرة (نحمده) في جميع أحوالنا (ونشكره) على حمده وسائر أفعالنا (ونستعينه) على جميع أمورنا (ونستغفره) من تقصيرنا (ونستهديه) في طاعتنا ومهماتنا (ونعوذ بالله من شرور أنفسنا) أي من أخلاقنا الذميمة (من يهدي الله فلا مضل له) من شيطان ونفس (ومن يضلله فلا هادي له) من نبي وولي (ونشهد أن لا إله إلا الله وحده) لا شريك له (ونشهد أن محمداً عبده ورسوله) أي وحبيبه وخليله ({يا أيُّها الَّذينَ آمَنُوا اتَقُوا الله حَقَّ تُقَاتِهِ}) (¬1) وهو أن يطاع، فلا يعصى، ويذكر فلا ينسى، وقيل: إنه منسوخ بقوله تعالى: {فَاتَقوا الله مَا اسْتَطَعْتُمْ} (¬2) ({وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وأنْتُم مُسلِمُون}) أي ¬

(¬1) آل عمران 102. (¬2) التغابن 16.

منقادون لله، مطيعون، وقيل متزوجون ({واتَقُوا الله الذي تساءلون به}) أي يتساءلون به والمعنى، بعضكم بعضاً في حال التعاطف، والتراحم بالله سبحانه، بتشديد السين وتخفيفها ({والأرحام}) بالنصب واعطف على الجلال، أي واتقوا الأرحام أن تقطعوها، إذ أوجب عليكم أن تصلوها. وقرأ حمزة بالخفض، على أنه عطف على الضمير المجرور في به، وهو فصيح على الصحيح ({إن الله كان عليكم رقيباً}) (¬1) أي مراقباً على أفعالكم، ومحافظاً لأحوالكم، ومجازياً بأعمالكم ({يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله}) في جميع أحوالكم ({وقُولُوا قَولاً سديداً}) أي صواباً مستقيماً ({يصلح لكم أعمالكم}) فيه إيماء إلى أن سداد الأقوال سبب لصلاح الأعمال ({ويغفر لكم ذنوبكم}) ما صدر عنكم في بعض الأحوال ({ومَنْ يُطِع الله ورسوله}) في قوله وفعله ({فقد فاز فوزاً عظيماً}) (¬2) أي أفلح وظفر على مقصوده ظفراً جسيماً. والحديث رواه الأربعة والحاكم، وأبو عوانة، كلهم عن ابن مسعود، قال الترمذي: حسن، ورواه أحمد والدارمي أيضاً بألفاظ مختلفة، بينتها في شرح الحصن الحصين. وبه (عن القاسم، عن أبيه، عن عبد الله، قال: علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبة ¬

(¬1) النساء 10. (¬2) الأحزاب 70 - 71.

الصلاة) وهي الثناء على الله سبحانه (في القعدة) يعني يريد بها ابن مسعود (التشهد) أي المروي المشهور عنه، وقد سبق الكلام عليه رواية ودراية. - الاستثناء في الحلف وبه (عن القاسم، عن أبيه، عن عبد الله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ حَلَفَ على يمينٍ) أي محلوف عليه (واستثنى) أي قال: إن شاء الله، بلسانه متصلاً بيمينه (فله ثنياه) أي استثناه معتبر له. والحديث رواه أبو داود والنسائي والحاكم، بسند صحيح، عن ابن عمر، بلفظ "من حلف على يمين فقال: إن شاء الله، فقد استثنى" أي فصح استثناؤه، ولا يحنث إذا خالف. وبه (عن القاسم، عن أبيه، عن جده، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّداً، أَوْ قال ما لم أقل) أو للشك من الراوي؛ أو للتنويع في الرواية (فليتبوأ مَقْعَدَهُ مِنَ النار) هذا حديث مشهور، كاد أن يكون متواتراً، فقد رواه أحمد والشيخان والأربعة والحاكم والطبراني والدارقطني والخطيب وغيرهم بروايات متعددة عن الصحابة، فيهم العشرة المبشرة، بلفظ: "مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار، وفي بعض الروايات: مَنْ قال ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار.

- إسناده عن خالد بن علقمة إسناده، عن خالد بن علقمة؛ أحد أكابر المحدثين، شرحته. - مسح الرأس ثلاثاً وهو أبو حنيفة (عن خالد، عن عبد خير) من التابعين ابن يزيد يكنى أبا عمارة الداني، يقال إنه أدرك زمن النبي صلى الله عليه وسلم، أسلم إلا أنه لم يلقه، وصحب علياً، وهو من أصحابه، ثقة مأمون، سكن الكوفة، أتى عليه مائة وعشرون سنة (عن علي رضي الله عنه أنه دعا بماء) أي طلب ماء الوضوء (فغسل كفيه) أي إلى رسغيه (ثلاثاً، ومضمض ثلاثاً، واستنشق ثلاثاً) أي على حدة، كما هو الوجه المختار (وغسل وجهه ثلاثاً وذراعيه) أي إلى مرفقيه (ثلاثاً ومسح رأسه) أي كله على ظاهره (ثلاثاً) كما ذهب إليه الشافعي، ولا يبعد أن يحمل ثلاثاً على ثلاث أوقات، ليطابق ما صح من مسح الرأس مرة في عدة روايات (وغسل قدميه) أي إلى كعبيه (ثلاثاً) وفي هذا رد على مدعين من أشياعه، وحمله على التقية، ساقط في مقام تحقيق القضية (ثم قال: هذا وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي مثل وضوئه. - مسح الرأس مرة (وفي رواية) أي لأبي حنيفة (عن خالد، عن عبد خير، عن علي رضي الله عنه، أنه دعا بماء، فغسل كفيه ثلاثاً، ومضمض فاه ثلاثاً، واستنشق) أي أنفه

(ثلاثاً، وغسل وجهه ثلاثاً، وذراعيه، ومسح برأسه) مرة أي واحدة (وغسل قدميه ثلاثاً، ثم قال: هذا وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي صفة وضوءه صلى الله عليه وسلم (كاملاً) أي آتياً على وجه الكمال من مراعاة الفرض والسنة، وهذا لأنه عليه الصلاة والسلام، أحياناً غسل أعضاءه مرة مرة، وأحياناً مرتين مرتين، ولم يزد على ثلاث أبداً، بل ورد وعيد في الزيادة عليها ووعد من الإسراف، ولو على نهر جار. (وفي رواية أنه) يعني علياً (دعا بماء فأتي بإناء فيه ماء وهو طست) بسين مهملة، وروى بمعجمة، وهو إما عطف، تفسير لإناء، أو صحف، أو بالواو، ولما يأتي من أن الإناء كان مفتوحاً (قال عبد خير، ونحن) أي معشر أصحاب علي كرم الله وجهه (ننظر إليه) أي نظاراً عليه (لنطلع على ما يقع لديه، فأخذ بيده اليمنى الإناء، فأكفى) أي فأراق (على يده اليسرى ثم غسل يديه إلى رسغيه ثلاث مرات) أي خارجاً عن الإناء (ثم أدخل يده اليمنى الإناء، فملأ يده، ومضمض واستنشق فعل هذا) أي ما ذكر من المضمضة والاستنشاق، (ثلاث مرات) أي بمياه جديدة، مفصلات على ما هو الصحيح من روايات متعددات، (ثم غسل وجهه ثلاث مرات، ثم غسل يده) أي جنسها الشامل لليمنى واليسرى، وأراد ذراعيه (إلى المرافق) أي منتهياً إليها. وفيه رد على الشيعة، حيث عكسوا فيها (ثلاث مرات ثم أخذ الماء بيده، ثم مسح) أي

فمسح (بها رأسه مرة) واحدة (ثم غسل قدميه) أي كل واحدة منهما ولذا (قال: ثلاثاً، ثلاثاً) بالتكرار (ثم غرف) أي أخذ الماء بكفه (فشرب منه) أي من سؤر الوضوء، فإنه مستحب (ثم قال: من سره أن ينظر إلى طهور رسول الله صلى الله عليه وسلم) بضم التاء، أو فتحها، أي استعمال الطهارة (فهذا طهوره) أي مثله. (وفي رواية، أنه دعا بماء فغسل كفيه ثلاثاً، واستنشق ثلاثاً، وغسل وجهه ثلاثاً، وغسل ذراعيه ثلاثاً، ثم أخذ ماء في كفه) أي ولم يكتف بما في يده من البلل (فصبه) أي فوضعه (على صلعته) بفتحتين، وبضم فسكون، أي مقدم شعره، على رأسه، فإنه كرم الله وجهه كان صلعاً. وفي القاموس، الصلع محركة انحسار شعر مقدم الرأس، لنقصان مادة الشعر في تلك البقعة، وقصورها عنها، واستيلاء الجفاف عليها ولتطامن الدماغ عما يُماسُّه من القحف، فلا يسقيه سقيه إياه؛ وهو ملاق صلع كفرح، وهو أصلع، وهي صلعاء صلع وصلعان بضمهما، وموضع الصلع الصلعة، محركة أيضاً ويضم. (ثم قال) أي علي (من سره أن ينظر إلى طهور رسول الله صلى الله عليه وسلم فلينظر إلى هذا) أي طهوري، فإنه نظيره وعلى صفته. وفي رواية عن علي أنه توضأ، أي غسل أعضاء وضوئه ثلاثاً، وقال: هذا

وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي شرح ابن الهمام. قال أبو داود ورواه وكيع عن إسرائيل، قال: توضأ ثلاثاً ثلاثاً فقط، قال: وأحاديث عثمان الصحاح كلها يدل على أن المسح مرة واحدة، فإنهم ذكروا الوضوء ثلاثاً ثلاثاً. وقالوا: ومسح برأسه، ولم يذكروا عدداً. انتهى. - مسح الرأس بيد واحدة وروي عن أبي داود والطبراني، عن علي، في حكاية المسح ثلاثاً (قال عبد الله بن محمد) أحد رواة هذا الحديث (عن يعقوب) يعني يريد عبد الله، به عمن روى عن أبي حنيفة في هذا الحديث (عن خالد) أي بسنده المتقدم، أو بإسناد منقطع أو مرسل (إن النبي صلى الله عليه وسلم مسح رأسه ثلاثاً) أي بناء (على أنه وضع يده على يافوخه) أي مقدم رأسه (ثم مد يده إلى مؤخر رأسه، ثم إلى مقدم رأسه) أي ثم إلى مؤخر رأسه (فجعل ذلك) ما ذكر (ثلاث مرات) أي دفعات في الصورة، وهو في الحقيقة مرة واحدة، وإنما وقع مرات للاستيعاب، ولا يبعد أن يحمل على أنه وضع يديه على مقدم رأسه، ومده إلى مؤخره ثم مد يده اليمنى على طرفه الأيمن واليسرى على طرفه الأيمن، ويمكن أنه وضع يداً واحدة على مقدم رأسه، ومسحه إلى آخره، ثم وضعها على طرفه الأيمن ثم الأيسر ومسحها، ولا يضر الانفصال في المسح فإنه في حكم الإيصال على طرفه الأيمن، ثم الأيسر والله أعلم بالأحوال فقوله: (لأنه لم يباين يده) أي لم يفارق من رأسه لبيان الأفضل، ولهذا يمسح الأذنين بماء الرأس مع أنه يفصل نعم إلا أن يحمل أن يضع ثلاث أصابع وهي ما عدا المسبحة والإبهام، ثم يمسح بهما الأذنين على ما هو المعروف في وصفها، (ولا أخذ الماء ثلاث مرات)، كما يقول الشافعي: فإنه إذا تعدد المسح على موضع واحد صار غسلاً (فهو) أي ففعله

كرم الله وجهه "كمن جعل الماء في كفه ثم مد يده إلى كوعه" بضم الكاف، طرف الزند الذي يلي الإبهام، كالكاع أو هما طرف الزندين في الذراع مما يلي الرسغ على ما في القاموس، وهو المراد هنا. وأما الباع فقدر مد اليدين كالبوع بضم ويقال: فلان ما يعرف بوعه من كوعه، والمعنى إلى كوعه أولاً وإلى ذراعيه ثانياً ولا يسمى مرتين حقيقة بل صورة، وهذا التأويل لازم جمعاً بين الأحاديث. هذا وروى الحسن عن أبي حنيفة في مجرد إذا مسح ثلاثاً بماء واحد كان مسنوناً (ألا ترى أنه) أي علياً (بين الأحاديث التي روى عنه) أي بقية أصحابه (وهم الجارود ابن يزيد) أي العبدي قدم على النبي صلى الله عليه وسلم سنة تسع وأسلم مع وفد عبد القيس، ثم إنه سكن البصرة وقيل: بأرض فارس في خلافة عمر سنة إحدى وعشرين روى عنه جماعة (وخارجة بن مصعب) أي ابن الزبير وهو أحد الفقهاء السبعة من أهل المدينة (وأسد ابن عمر أن المسح كان مرة واحدة وبين) أي علي (أن معناه ما ذكرنا) أي على ما قدمناه. - الإمام قد يصيب، وقد يخطىء قال أبو حنيفة: وقد روى عن جماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كثيرة) بالجر صفة أصحاب (على هذا اللفظ) متعلق بروى (وبيانه أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح رأسه ثلاثاً منهم عثمان، وعلي وابن مسعود وغيرهم رضي الله عنهم) قال البيهقي: وقد روى من أوجه غريبة عن عثمان مكرراً للمسح إلا أنه مع

خلاف الحفاظ ليس بحجة عند أهل العلم (فهل كان معناه) أي معنى تثليث مسح الرأس (محمولاً إلا على ما ذكرنا) لا على ما فهم الشافعي وأصحابه (فمن جعل أبا حنيفة غالطاً في رواية المسح ثلاثاً) أي مع أنه يقل بظاهره (فقد وهم) أي أخطأ فيما وهم وسهى فيما فهم، (وكان هو) أي الملفظ (بالغلط أولى) أي أحق (وأخلق) أي أجدر وأليق (وقد غلط شعبة)، وهو إمام جليل يسمى أمير المؤمنين في علم الحديث، (وفي هذا الحديث) أي في إسناده (غلطاً فاحشاً) أي ظاهراً (عند الجمع)، أي جميع المحدثين، (وهو) أي غلط (رواية هذا الحديث عن مالك عن عرفة) بضم مهملة فسكون راء وضم فاء رواهما طاوس (عن عبد خير. عن علي فصحف) أي حرف شعبة (الإسمين في إسناده، فقال: بدل خالد مالك، وبدل علقمة عرفطة) وهما غلطان في الحقيقة، (ولو كان هذا الغلط أو نحوه من أبي حنيفة لنسبوه) أي أعداؤه من المحدثين، أو الفقهاء المحدثين (إلى الجهالة)، ما أي في الحديث، (ولقلة المعرفة) أي بالأسانيد، (ولأخرجوه من الدين) أي نقصاً من غير اليقين، مع أنه أفضل المجتهدين. (وهذا) أي ما ذكر من النسبة المذمومة (من قلة الورع) أي من عدم التقوى (واتباع الهوى) من جهة التعصب الذي عمه البلوى، وذلك لأن الإمام قد يصيب، وقد يخطىء والإنسان قد يسهو وينسى وكل أحد يقبل كلامه ويرد إلا المعصوم من جانب الله الأحد على أن الإنسان مأخوذ من النسيان، فسبحان من لا ينسى وقد رفع عن هذه الأمة الخطأ والنسيان وقال تعالى: {فَلاَ تَنْسَى ... إِلاَّ مَا شَاءَ الله} (¬1) ¬

(¬1) الأعلى 6 - 7.

- في كل من الطعن والطاعون شهادة وبه (عن خالد بن علقمة عن عبد الله بن الحارث) أحد أجلاء التابعين (عن أبي موسى) الأشعري، (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فَنَاءُ أُمتي) أي أكثر موتهم (بالطعن، والطاعون فقيل: يا رسول الله هذا الطعن قد علمناه) أي عرفناه في لغتنا أن المراد به طعن السلاح من نحو السيف والرماح (فما الطاعون؟) أي الدال على المبالغة في مقام الطعن حيث يقع الطعن ولا يرى ولا يمكن دفعه بالماعون (قال: وَخَزَ أَعْدَائِكم من الجِنّ) والوخز كالوعد الطعن بالرمح وغيره إلا أنه لا يكون نافذاً لكن الغالب يكون مهلكاً (وفي كل) أي من الطعن والطاعون (شهادة) أي إما حقيقة، أو حكماً. والحديث بعينه رواه أحمد والطبراني في الكبير، عن أبي موسى، وفي الأوسط عن ابن عمر. - إسناده عن الحارث بن عبد الرحمن - بين يدي الساعة ثلاثون كذاباً إسناده عن الحارث بن عبد الرحمن. أبو حنيفة، (عن الحارث) أي المذكور (عن أبي الجلاس) بضم الجيم وتخفيف اللام (قال: كنت ممن) أي من جمع (سمع من عبد الله الشيباني كلاماً عظيماً) بما يتعلق بذات الله تعالى أو صفاته أو نحو ذلك مما يعظم شأنه هنالك (فأتينا به علياً)

أي أحضرناه عند علي، (ونحن ننهى) أي نضرب وندق عنقه في طريقه، (فوجدنا علياً في الرحبة) بفتح الحاء وسكون أي رحبة مسجد الكوفة وهو ساحته وصنعة الموضع للطهارة والحكومة وأمثالها (مستلقياً على ظهره واضعاً إحدى رجليه على الأخرى) ثبت أنه عليه الصلاة والسلام استلقى على هذه الهيئة وجاء عنه أيضاً أنه نهى عنها وجمع بينهما أن النهي هو الذي يتوهم معه كشف بعض العورة (فسأله) أي علي (عن الكلام) أي الذي (نكلم به فتكلم به، فقال: أترويه عن الله) أي وحياً بادعاء النبوة أو إلهاماً بادعاء الولاية (أو عن كتابه) تصريحاً أو تلويحاً، (أو عن رسوله) بواسطة، أو بغيرها فإن طرق العلم منحصرة فيها (فقال: لا) أي لا رواية عن شيء من ذلك (قال: فعن ما) أي فعن من تروي؟ (قال: عن نفسي) أي من تلقاء نفسي، ومن جهة عقلي، (قال: أما) للتنبيه أنك (لو رويت عن الله تبارك وتعالى) أي بدعوى الوحي، أو الإلهام، (أو عن كتابه) أي بالزيادة عليه أو بتأويل لديه، (أو عن رسوله) بالافتراء عليه، (ضربت عنقك) أما سياسته أو لارتدادك، (ولو رويته عني أوجعتك عقوبة) أي تعزيراً (فكنت كاذباً) أي مردود الشهادة (ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: بين يدي الساعة ثلاثون كذاباً) أي دجالون، (وأنت منهم) هذا من كلام علي خطاباً له، فهذا من علامات النبوة في أشراط الساعة. والحديث المرفوع رواه أحمد ومسلم عن جابر بن سمرة ولفظه: إن بين يدي الساعة كذابين فاحذروهم. (وفي رواية عن أبي جلاس قال: كنت فيمن) أي في جملة من (سمع

من عبد الله الشيباني كلاماً عظيماً فأتينا به علياً، فوجدناه في الرحبة مستلقياً على ظهره واضعاً إحدى رجليه على الأخرى فسأله عن الكلام) أي عن كلام ذلك؛ (فتكلم) أي وفق ما هنالك (فقال: أترويه عن الله، أو عن كتابه، أو عن رسوله) ضربت عنقك إلى أن (قال: لا. قال: فعن من ترويه؟ قال: عن نفسي، قال: أما إنك لو رويت عن الله؛ أو عن كتابه، أو عن رسوله ضربت عنقك، ولو رويت عني أوجعتك عقوبة، فكنت كاذباً، ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "بين يدي الساعة ثلاثون كذاباً فأنت منهم"). وبه (عن الحارث عن أبي صالح) سبق أنه ذكوان السمان الزيات المدني تابعي جليل مشهور كثير الرواية واسع الدراية (عن أم هانىء) بكسر النون بعدها همزة أخت علي بن أبي طالب (أن النبي صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة) أي عنوة أو صلحاً، ويؤيد الأول قوله: (وضع لأمته) بسكون الهمزة وتخفيف أي أدرعه، (ودعا بماء) أي فأتى به (فصبه)؛ أي فأفاضه عليه أي على بدنه جميعاً. والمعنى أنه اغتسل، (ثم

دعا بثوب واحد) أي فلبسه واكتفى به (فصلى فيه) أي ركعتين (زاد) أي أبو صالح (في رواية) أي عنها (متوشحاً) أي حال. - حديث صلاة الضحى (وفي رواية أن النبي صلى الله عليه وسلم وضع لامته يوم فتح مكة، ثم دعا بماء فأتي به في جفنة) أي صحفة كبيرة (فيها خبز العجين) الظاهر أنه من مقلوب الكلام أي عجين الخبز، والمعنى فيها أثر عجين، وفيه دليل على أن الماء إذا اختلط بطاهر وتوضأ أي للتنظيف، أو لقصد الطواف ونحوه لم يضره إلا إذا أخرجه عن طبع الماء، (فاستتر بثوب فاغتسل ثم دعا بثوب فتوشح به، ثم صلى ركعتين). قال أبو حنيفة: (وهي الضحى) وهذه الصلاة صلاة الضحى، أو صلاته هي وقت الضحى، وإنما لم تحمل صلاته على شكر الوضوء فإنه ليس له صلاة على حدة كما حققه حجة الإسلام في الإحياء. وروى الترمذي في شمائله عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: ما أخبرني أحد أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى إلا أم هانىء، فإنها حدثت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل بيتها يوم فتح مكة، فاغتسل فسبح ثماني ركعات، ما رأيت صلاته قط أخف منها غير أنه كان يتم الركوع والسجود، وقد بسطت هذه المسألة في شرح الشمائل والعدد لا مفهوم له عند جميع أرباب الفهم فلا يتوهم التنافي بين ركعتين، وبين غيرهما. (وفي رواية أن النبي صلى الله عليه وسلم وضع يوم فتح مكة لامته، ودعا بماء فأتي به في جفنة

وفيها أثر عجين، فاغتسل) أي بالماء الذي فيه، (وصلى أربعاً أو ركعتين في ثوب واحد متوشحاً) يحتمل أن يكون كل منها قيداً واقعياً ويحتمل احترازياً فيه أن باقي صلاته كان بهيئة أخرى، أو في ثوبين. (وبه عن أبي هند عن عامر) أي الشعبي أنه كان (يحدث عن مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي صفات غزواته صلى الله عليه وسلم في حلقة بفتح الحاء واللام وتسكن (فيها ابن عمر) أي في داخلها أو قريباً منها (فقال ابن عمر: أنه) أي عامر (يحدث حديثاً) أي ثابتاً حديثاً صحيحاً (كأنه شهد القوم) أي حضرهم حال رحالهم وقتالهم وسائر أفعالهم وعرف رجالهم وبقية أحوالهم. - الشك في الإيمان كفر وبه (عن الحارث عن أبي مسلم الخولاني) وهو عبد الله بن الشوب الزاهد لقي أبا بكر وعمر ومعاذاً، روى عنه جماعة وله مناقب كثيرة، مات سنة اثنين وستين. وخولان بفتح المعجمة قبيلة باليمن (قال: لما نزل معاذ) أي ابن جبل (حمص) بكسر أوله اسم بلدة قريبة من دمشق الشام (أتاه رجل شاب فقال: ما ترى في رجل وصل الرحم وبرّ) أي وأحسن إلى الناس (وصدق الحديث) بتخفيف الدال أي

وصدق في كلامه، ولم يكذب (وأدى الأمانة) أي من غير الخيانة (وعفف بطنه وفرجه) أي صار عفيفاً من جهة بطنه، حيث لم يأكل الحرام ومن جهة فرجه فاحترز من الزنا ونحوه (وعمل ما استطاع من خير من) طاعة فرضاً أو نفلاً (غير أنه شك في الله) أي في توحيد ذاته وما يتعلق بتحقيق بعض صفاته (ورسوله) أي في نبوته أو معجزاته أو عموم رسالاته (قال): أي معاذ (إنها) أي الريبة التي مرادف (الشك يحبط ما كان سعيها من الأعمال) أي التي شرط في صحتها الإيمان المتحقق في الحال والمآل (قال) أي الرجل السائل (فما ترى في رجل ركب المعاصي) أي ارتكبها (وسفك الدماء) أي فعل ما هو أقبحها (واستحل الفروج) أي فروج المحرمات (والأموال) أي أموال الناس، المعنى عامل فيها معاملة المستحل في مباشرتهما وإلا فالاستحلال الحقيقي كفر بلا شبهة فيها (غير أنه شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله مخلصاً) أي أتيا بالخلاص من الشك والريبة، وعن الرياء والسمعة، (قال معاذ: أرجو) أي له النجاة لإيمانه، (وأخاف عليه) أي من جهة عصيانه، فإن الله لا يغفر أن يشرك به، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء، (وهذا) أي الذي صدر عن معاذ من الجوابين هو المطابق لمذهب أهل السنة والجماعة في المسألتين (قال الفتى: والله إن كانت) أي الريبة هي التي (أحبطت ما معها من عمل) أي من طاعات (ما يضر هذه) أي الشهادة مع الإخلاص (ما عمل معها) أي من المنكرات، (ثم انصرف فقال معاذ: ما أزعم أن رجلاً أفقه بالسنة) أي بالشريعة

(من هذا) أي الفتى. - مذهب المرجئة وفيه إشكال لأن ظاهر كلام الفتى مذهب المرجئة القائلين بأن المعصية لا تضر مع الإيمان، كما أن الطاعة لا تنفع مع الكفر، وزعمهم أن الواحد من المكلفين إذا قال: لا إله إلا الله محمد رسول الله، وفعل بعد ذلك سائر المعاصي لم يدخل النار أصلاً. وتحقيق هذه المسألة بسطته في شرح الفقه الأكبر، وبينت فيه أن إمامنا هو الإمام الأعظم والهمام الأقدم من أهل السنة والجماعة فلا ينبغي أن يتوهم أن هذا الكلام من معاذ مرضي له، ومستحسن عنده. ولعل تأويل كلام الفتى أن المعصية لا تضر ضرراً كلياً بحيث يبقى صاحبها في النار مخلداً ولا يدخل الجنة أبداً ولا بد من هذا التأويل في كلامه إذا لم يقل أحد من الصحابة بالإرجاء، بل أول من قال به الحسن بن محمد بن الحنفية بن علي بن أبي طالب على ما ذكره الدلجي في شرح الشفاء هذا. ووقع في الغنية (¬1) للقطب الرباني السيد عبد القادر الجيلاني أنه لما ذكر الفرق الضالة قال: وأما الحنفية ففرقة من المرجئة وهم أصحاب أبي حنيفة نعمان بن ثابت زعم أن الإيمان هو الإقرار والمعرفة بالله ورسوله وبما جاء من عنده جملة على ما ذكره البرقي هو في كتاب الشجرة انتهى، فقال بعض المحدثين: أدخل هذه الجملة في أثناء كلام الشيخ مع أن الإيمان هو المعرفة الناشىء عند التصديق سواء تكون تلك المعرفة صادرة عن الدليل والتصديق أو خارجة عن التحقيق، لكنها وقعت تقليداً لبعض أرباب التحقيق والتوفيق والاستدراك مقابلة لنعمة المعرفة بالله هو الجهل به، وينشأ عنه جميع أنواع الكفر ثم الإقرار بشرط أو شطر على خلاف بين علماء أهل السنة والجماعة، ولعل الشيخ لما كان معتقده أن الإيمان قول باللسان، ومعرفة بالجنان، وعمل بالأركان كما بينه في الغنية. ¬

(¬1) ما وقع في الغنية من نسبة الإرجاء إلى الحنفية، ليس من كلام وحضرة الغوث الأعظم، بل إدراج.

وقد رأى الإمام اقتصر على الأولين توهم أنه من المرجئة، وليس كذلك فإن العمل بالأركان هو من كمال الإيمان عند أهل السنة خلافاً للمعتزلة والخوارج، وجماعة من أهل البدعة، وإنما ذكرت هذا الكلام لأن غافلاً لا يطلع هذا المقام، فيحصل له الشبهة والريبة فيمن هو رئيس الفرقة الناجية، وأكثر أهل الإسلام تبع له في الأصول العلمية والفروع العملية المستفادة من القاعدة الشرعية والقواعد المرعية.

- إسناده عن يحيى بن عبد الله بن أبي ماجد. إسناده عن يحيى بن عبد الله بن أبي ماجد أحد أكابر التابعين المعروفين. - حد السكر أبو حنيفة (عن يحيى عن ابن مسعود قال: أتاه رجل بابن أخ له) أي لذلك الرجل (نشوان) أي سكران وزنا ومعنى، (قد ذهب عقله) أي بسبب سكره وفي فتاوى قاضي خان قال أبو حنيفة: السكران من لا يعرف الأرض من السماء ولا الرجل من المرأة، وقال صاحباه: إذا اختلط كلامه فصار غالب كلامه الهذيان فهو سكران، والفتوى على قولهم (وأمر به) أي بحبسه (فحبس) أي لأن يفيق ويدرك ألم الحد فيفيد في زجره عن عوده (حتى إذا أصح) أي دخل في الصحو وأفاق من السكر. إجماع الأئمة الأربعة على أنه لا يحد السكران حتى يزول عنه السكر تحصيلاً لمقصود الزجر (دعا) أي ابن مسعود (بالسوط)، ولعله كان أميراً أو مأموراً أو قاضياً حينئذٍ ولي القضاء بالكوفة، وثبت بأنها لعمر وصدراً من خلافة عثمان، ثم صار في المدينة فمات بها ودفن بالبقيع (فقطع ثمرته) أي قطع ثمرة السوط، وهي عقدة فدقت بين حجرين حتى يلين، فعن أبي عثمان النهدي قال: أتي عمر برجل في حد فأمر بسوط فجيء بسوط فيه شدة، فقال: أريد اللين من هذا فأتي بسوط فيه لين

فقال: أريد أشد من هذا فأريد بسوط بين السوطين، (فقال: اضرب به، ثم رقه ودعا جلاداً) بيان لما قبله (فقال) ابن مسعود: (اجلده) أي اضربه (على جلده) بالكسر أي بشرته مكشوفة، (وارفع يدك في جلدك) بالفتح أي في ضربك على جلده (ولا تبد) بضم أوله من الإبداء أي ولا تظهر (ضبعيك) بفتح أوله أي إبطيك والمعنى ارفع يدك رفعاً متوسطاً قال: أي الراوي، (وأنشأ) أي شرع (عبد الله) هو ابن مسعود يعد أي يحسب ضرب سوطه (حتى أكمل ثمانين جلدة فخلى سبيله) أي ترك حتى رام في طريقه، (فقال الشيخ) أي الرجل الذي أتى بابن أخيه: يا (أبا عبد الرحمن) خطاباً لابن مسعود، والله (إنه لابن أخي) أي حقيقة وأخي قد مات، (ومالي ولد غيره قال): أي ابن مسعود (بئس العم والي اليتيم أنت) مخصوص بالذم، (كنت) أي قبل ذلك، (والله ما أحسنت أدبه صغيراً، ولا سترته كبيراً) والمعنى أن الواجب كان عليك أن تؤدب بالعلم والعمل ليطلع صالحاً، والغالب أنك لو أدبته صغيراً ما كان يفسق كبيراً، ثم لما قدر أنه ارتكب حداً من حدود الله التي يتعلق بها حقوق العباد كان اللائق بك أن تستره، ولم يأت به الأمير أن يزجره. - حد السارق (قال): أي الراوي وهو يجيء (ثم أنشأ) أي شرع ابن مسعود (يحدثنا) أي أحاديث تناسب المقام، (فقال: إن أول حد أقيم في الإسلام) أي كان (لسارق أتي به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلما قامت عليه البينة) أي بشروطها البينة وقيودها المعينة،

(قال): أي النبي صلى الله عليه وسلم (انطلقوا به اقطعوه) أي يمينه (فلما انطلق به) بصيغة المجهول والمعنى إذ ذهبوا به (نظر) بصيغة المجهول، والمعنى نظر بعض الصحابة (إلى وجه النبي صلى الله عليه وسلم) أي فرآه (كأنما سعى عليه) بصيغة المجهول من باب التفعيل (والله) قسم معترض (الرماد) نائب الفاعل يقال سعت الريح التراب تسعيه درته وحملته (فقال بعض جلسائه): أي من أصحابه الذين كانوا من خلصائه (يا رسول الله فكأن) بتشديد النون أي عسى (هذا) أي قطع هذا السارق (قد اشتد عليك) أي صعب وصار سبب الحزن لديك؟ (قال وما يمنعني أن لا يشتد علي أن تكونوا) أي كونكم (أعوان الشيطان) أي معاونه في غرضه الكاسد وهو اشتهار الفسق بالعمل الفاسد (على أخيكم) فيه دليل على أن المؤمن وإن سرق لا يخرج عن الإيمان، كما هو مذهب أهل السنة والجماعة، خلافاً للخوارج والمعتزلة، (قالوا فلولا خليت سبيله) أي فهلا تركته بلا قطع (قال: أفلا كان هذا) أي تركه مغفوراً (قبل أن تأتوني به) أي فأما بعد أن تأتوني به، فلا (فإن الإمام إذا انتهى إليه حد) أي ثبت عنده، (فليس ينبغي له) أي لا يجوز له (أن يعطله) أي لم يقم بأمره لقوله تعالى: {تلك حدود الله فلا تعتدوها} (¬1) وقوله سبحانه وتعالى: {ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله} (¬2) الآية (قال): أي ابن مسعود (ثم تلا) أي النبي صلى الله عليه وسلم استشهاداً أو اعتضاداً إلى ¬

(¬1) البقرة 229. (¬2) النور 2.

ما سبق له في أن اللائق بهم فيما بينهم أن يتأثروا في حقوق الله تعالى، ({وليعفوا}) أي عن خصمائهم ({وليصفحوا}) أي أعرضوا عن تشنيع أفعالهم، وعن المعالجة في تشنيع أقوالهم، وأحوالهم ({ألا تحبون أن يغفر الله لكم}) (¬1) وهذا إعراض، والمعنى أن كل من يحب أن يغفر الله له فليعف وليصفح عن أخيه المسلم ولذا لما نزلت الآية قال أبو بكر: بلى ورجع على مسطح بالإحسان والإكرام وعن ابن عمر قال: أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بسارق، فلما نظر إليه تغير وجهه كأنما رُشَّ على وجهه حب الرمان فلما رأى القوم شدته قالوا: يا رسول الله لو علمنا مشقته عليك ما جئناك به، فقال: "كيف لا يشق علي وأنتم أعوان الشيطان على أخيكم" رواه الديلمي. (وفي رواية عن ابن مسعود أن رجلاً أتي بابن أخ له سكران) أي على زعم الرجل، (فقال) ابن مسعود لأصحابه: (ترتروه) بكسر الفوقانية الثانية أمر من ترتروا السكران أي حركوه، وزعزعوه (ومزمزوه) أي حركوه تحريكاً عنيفاً (واستنكهوه) أي استنشموه هل يجد منه ريح الخمر أم لا (فترتروه) أي بمبالغة وغيرها، (واستنكهوه فوجدوا منه ريح شراب) أي خمر، (فأمر بحبسه فلما صحا) أي أفاق عن سكره، ورجع عقله إليه فضحوه، (دعا به) دعا بسوط فأمر به فقطعت ثمرته) بصيغة المجهول، (وذكر الحديث) أي السابق إلى آخره. (وفي رواية عن ابن مسعود قال: إن أول حد أقيم في الإسلام أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ¬

(¬1) النور 22.

أتي بسارق فأمر به فقطعت يده، فلما انطلق به نظر) أي نظروا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (كأنما يسقى) أي يذر في (وجهه الرماد) أي من كثرة الحزن المؤثر في الفؤاد (فقال): أي قائل (يا رسول الله كأنه شق عليك فقال: "ألا يشق علي أن تكونوا أعواناً للشيطان على أخيكم" أي على إيصال ضرره وإرادة شره (قالوا أفلا ندعه؟) بالنون أو بتاء الخطاب أي نتركه (قال: "أفلا كان هذا قبل أن يؤتى به فإن الإمام إذا رفع إليه الحد، فليس ينبغي له أن يدعه") أي يتركه (حتى يمضيه) بضم أوله أي يقضيه، (ثم تلا: {وليعفوا وليصفحوا} إلى آخر الآية) أي المتقدمة. وفي الجامع الكبير لشيخ مشايخنا جلال الدين السيوطي عن أبي ماجد الحنفي أتاه رجل بابن أخ له، وهو سكران فقال: ترتروه ومزمزوه، واستنكهوه فوجدوا منه ريح شراب فأمر به عبد الله إلى السجن ثم أخرجه من الغد، ثم أمر بسوط فدقت ثمرته حتى افتت له، فخففه يعني صار خفيفاً، ثم قال للجلاد اضرب وارجع يديك، وأعط كل عضو حقه، فضربه ضرباً غير مبرح، وارجعه قيل: يا أبا ماجد ما المبرح؟ قال: ضرب الأمراء، قيل: فما قوله: ارجع يديك قال: لا يتمطى، ولا يرى إبطه قال: فأقامه في قباء وسراويل، ثم قال: بئس العم والله ولي اليتيم هذا ما أدبت، فأحسنت الأدب، ولا سترته الخزية. ثم قال عبد الله: إن الله عفو يحب العفو، وأن لا ينبغي لوالٍ أن يؤتي حداً إلاَّ أقامه، ثم أنشأ عبد الله يحدث قال: أول حد أقيم في الإسلام رجل قطع من المسلمين، رجل من الأنصار أتي به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكأنما سعّي في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم رماد يعني ذُر عليه رماد

فقالوا: يا رسول الله كأن هذا أشق عليك؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: وما يمنعني وأنتم أعوان الشيطان على صاحبكم، إن الله عفو يحب العفو، وإنه لا ينبغي لوالٍ أن يؤتى بحد إلا أقامه، ثم قرأ {وليعفوا وليصفحوا}. رواه عبد الرزاق، وابن أبي الدينار في ذم الغصب، وابن أبي حاتم والخرائطي في مكارم الأخلاق، والطبراني وابن مردويه والحاكم وغيره. قال ابن الهمام: فعن عبد الرزاق حدثنا سفيان الثوري عن يحيى بن عبد الله التيمي الجابري عن أبي ماجد الحنفي، قال: جاء رجل بابن أخ له سكران إلى عبد الله بن مسعود، فقال عبد الله: ترتروه، ومزمزوه، واستنكهوه ففعلوا ذلك، فرفعه إلى السجن، ثم عاد به من الغد، فدعا بسوط، ثم أمر به، فدقت ثمرته بين حجرين حتى صارت درة، ثم قال للجلاد: اجلد وارجع يدك؛ وأعط كل عضو حقه. ومن طريق عبد الرزاق، رواه الطبراني، ورواه إسحاق بن راهويه، أخبرنا جزء بن عبد الحميد، عن يحيى بن عبد الجابرية انتهى. وفي القاموس الدرة الذي يضرب بها انتهى لا يخفى أنه تعريف قاصر. - إسناده عن مسلم بن أبي عمران وآخرين - حرمة الشطرنج إسناده عن مسلم بن أبي عمران أحد مشايخ الحديث. أبو حنيفة، (عن مسلم، عن سعيد بن جبير) تقدم أنه من أجل التابعين، (عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله يكره لكم) أي حرم عليكم (الخمر) أي شربها واستعمالها، (والميسرة) أي المقامرة بأنواعها وأحوالها (والمزمار) أي جميع أعمالها، (والكوبة) بضم الكاف، وهى النرد والشطرنج (والبربط) وهو العود يعني آلة الغناء (والفهر") وهو بالتحريك والفتح أن يجامع امرأته وجاريته وفي البيت الأخرى تسمع حسه، قيل أن يجامعها ولا ينزل معها ثم ينتقل الى أخرى فينزل فيها.

- دعاء وقت العيادة (وبه عن مسلم عن إبراهيم النخعي، عن مسروق، عن عائشة قالت: لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتى بمريض يدعو له بقوله: أذهب البأس) بالهمزة الساكنة وتبدل ألفاً والمراد به الشدة (رب الناس) بحذف حرف النداء (أشف) أي صاحب هذا الداء (أنت الشافي) أي حقيقة (لا شفاء إلا شفاءك شفاء) مفعول مطلق لقوله أشف أي شفاء كاملاً مطلقاً شاملاً (لايغادر) أي لا يترك (سقماً) بضم، فسكون وبفتحتين أي مرضاً دائماً والحديث رواه البخاري ومسلم والنسائي. عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعود بعض أهله فيمسح بيده اليمنى، ويقول: اللهم رب الناس أذهب البأس اشفه أنت الشافي لا شفاء إلا شفاءك شفاء لا يغادر سقماً. - إسناده عن معن بن عبد الله بن عتبة بن مسعود إسناده عن معن بن عبد الله بن عتبة بن مسعود رضي الله عنه هو من أكابر التابعين. أبو حنيفة (عن معن عن ابن مسعود قال ما كذبتُ مذ أسلمت إلا كذبة واحدة كنت أرحل للنبي صلى الله عليه وسلم فأتى رحال من الطائف فسألني) أي الرحال (أي الراحلة أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت طائفية المكية وكان يكرهها رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما أُتِيَ بها) أي

جيء بالراحلة (قال: من رحل لنا هذا؟ قالوا: رحالك) أي الجديد (قال: مروا ابن أم عبد) أي ابن مسعود (فليرحل لنا فأعيدت إلى الراحلة) أي فأعدت رحلها وقد تقدم هذا الحديث بعينه إلا أنه بإسناد آخر. (وفي رواية قال عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم جيء برحال من أهل الطائف قال): أي عبد الله، (فجاءني الطائفي فقال: أي الراحلة أحب إلى رسول الله، قلت: الطائفية المكية، فخرج) أي النبي صلى الله عليه وسلم، (ورأى الراحلة) على صفة يكرهها (فقال: من صاحب هذه الراحلة؟ قيل الطائفي قال: لا حاجة لنا بها). - اشتروا متوكلاً على الله اشتروا متوكلاً على الله: - (وبه عن ابن مسعود) أي مرفوعاً (قال: اشتروا) أي بالنسيئة (متكلاً على الله) لا على ما سواه، فإن من توكل عليه كفاه، (قالوا: كيف ذلك) أي الأمر هنالك يا رسول الله (قال: تقولون بعنا) أي اشترينا مع أن البيع لفظ مشترك كالشراء يستعمل كل في معنى الآخر والمعنى لا تبايعوا حال كونكم تقولون (إلى مقاسمنا) أي مقاسم أرزاقنا (ومغانمنا) أي أوقات قسمة غنائمنا، فإن هذا أمر مبهم لا يعرف أحد أنه يصل إليها أم لا وإذا وصلت إليه لا تدري أيضاً أن تقدر على قضاء دينه منها أم لا فينبغي أن يكون الاعتماد على الله تعالى لا على ما سواه وهو

لا ينافي الأجل المقدر فتدبر كما أن أخذ الزاد في السفر لا ينافي التوكل على صاحب القضاء والقدر. - اتقوا مخاش النساء (وبه عن معن قال: وجدت بخط أبي عوف، عن عبد الله بن مسعود قال: نهينا) أي بالكتاب أو السنة (أن نأتي النساء) ولو حال حيضهن (في مخاشهن) بفتح الميم وتشديد الشين المعجمة أي أدبارهن أما الكتاب فقوله تعالى: {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم} (¬1) والفرج هو موضع الحرث يعني زراعة الولد لا الدبر إنه موضع الفرث وقد ورد اتقوا مخاش النساء رواه سمويه وابن عدي، عن جابر وروى أحمد وأبو داود، عن أبي هريرة: ملعون من أتى امرأة في دبرها. - إسناده عن عون بن عبد الله بن عتبة بن مسعود إسناده عن عون بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، عبد الله هذا ابن أخي عبد الله ابن مسعود الهذلي، مدني الأصل، سكن الكوفة أدرك زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو من كبار التابعين بالكوفة، سمع عمر بن الخطاب وغيره. روى عنه ابنه عبد الله ومحمد بن سيرين وغيرهما مات في ولاية بشر بن مروان بالكوفة. - فخر عائشة الصديقة (أبو حنيفة (عن عون، عن عامر الشعبي، عن عائشة قالت: فيّ) أي توجد ¬

(¬1) البقرة 223.

في ذاتي وصفاتي (سبع خصال) أي حميدة (ليست) كل واحدة منها (في واحدة من أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوجني وأنا بكر، ولم يتزوج أحداً من نسائه بكراً غيري) ومن المعلومات أن البكر أحب من الثيب عقلاً ونقلاً، فقد وردها بكراً. - تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم عائشة رضي الله عنها بمكة في شوال وقد تزوجها عليه الصلاة والسلام بمكة في شوال سنة عشرة من النبوة، وقبل الهجرة بثلاث ولها ست سنين، وأعرس بها في المدينة في شوال سنة اثنتين من الهجرة على رأس ثمان عشر شهراً ولها تسع سنين، وصداقها فيما قال ابن إسحاق: أربعمائة درهم. وفي الصحيحين عنها أنها قالت تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا بنت ست سنين وأسلموني إليه، وأنا يومئذ بنت تسع سنين، انتهى، وكان مدة مقامها معه عليه الصلاة والسلام أيضاً تسع سنين، (ونزل جبريل عليه السلام بصورتي) أي إليه قبل أن تزوجني، (ولم ينزل بصورة أحد من نسائه غيري) ففي الترمذي أن جبريل جاءه عليه السلام بصورتها في خرقة حرير خضراء، وقال: هذه زوجتك في الدنيا والآخرة. وفي رواية عنه قال جبريل: إن الله قد زوجك بابنة أبي بكر، ومعه صورتها وفي الصحيحين أنه عليه الصلاة والسلام قال لها: رأيتك في المنام ثلاث ليال جاءني بك الملك في خرقة من حرير، فيقول: هذه امرأتك فاكشف عن وجهها فأقول: إن يك من عند الله يمضيه، والخرقة بفتحتين شقة الحرير أو، والبيضاء (وأراني) أي النبي صلى الله عليه وسلم (جبريل ولم يره) بضم أوله (أحداً من أزواجه غيري) وهذا يشكل بما

ذكره ابن عبد البر في الاستيعاب، عن ابن إسحاق قال: حدثني إسماعيل بن أبي حكيم أنه بلغه عن خديجة أنها قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا بن عم أتستطيع أن تخبرني لصاحبك إذا جاء يعني جبريل عليه السلام فلما جاءه قال يا خديجة، هذا جبريل قد جاءني فقالت له: قم يا ابن عم، فاقعد على فخذي اليمنى ففعل فقالت له: هل تراه؟ قال: نعم، قالت فتحول إلى اليسرى، ففعل، فقالت هل تراه؟. فقال: نعم، قالت: فاجلس في حجري، ففعل، قالت: هل تراه؟ قال نعم. قال: فألقت خماراً وحسرت عن صدرها، فقالت له: هل تراه؟ قال: لا. قالت: أبشر فإنه والله ملك وليس بشيطان انتهى. وفيه أنه لا يلزم من قوله يا خديجة هذا جبريل أنها رأته، وعلى تقدير التسليم بما يقول يلزم أرادت عائشة رؤيته بعد البيعة بالرسالة، وأما قضية خديجة، فكانت أيام النبوة هذا. وقد روى الشيخان والترمذي، والنسائي وابن ماجه، عن عائشة: يا عائشة هذا جبريل يقرئك السلام. لكن في صحيح مسلم أتاني جبريل، فقال: يا رسول الله هذه خديجة قد أتتك ومعها إناء فيه إدام أو طعام أو شراب فإذا هي قد أتتك فاقرأ عليها السلام من ربها. ومن الحديث (وكنت من أحبهن إليه نفساً وأباً). ففي الصحيحين: أحب النساء إليَّ عائشة، ومن الرجال أبوها، ولا يبعد أن يقيد الأزواج بما عدا خديجة إذا أرادت من حيث المجموع في النيتين (ونزل فيّ) أي في براءتي (آيات من القرآن) وهي في أوائل سورة

النور من قوله سبحانه: {إن الذين جاؤوا بالإفك عصبة منكم} (¬1) إلى قوله عز وجل {أولئك مُبَرَّأون مما يقولون لهم مغفرة ورزق كريم} (¬2) (كاد يهلك) أي يكفر (فئام) أي جماعات (من الناس) أي رجالاً ونساء، (ومات) أي النبي صلى الله عليه وسلم (في ليلتي ويومي) أي في نوبتي وبيتي! (وتوفي بين سحري ونحري) بفتح فسكون فيهما، والسحر الروية والنحر الصدر. والمعنى مات وهو مستند إلى صدرها، وما يحاذي سحرها منه. (وفي رواية أنها قالت: إن فيَّ سبع خصال ما هن) أي مجموعهن، ولا واحدة منهن (في أحد من أزواجه تزوجن بكراً) حال من المفعول، (ولم يتزوج بكراً غيري، وأتاه جبريل بصورتي قبل أن تزوجني) أي بعد موت خديجة، (ولم يأته) أي جبريل (بصورة أحد من أزواجه غيري، وكنت أحبهن إليه نفساً وأباً، ونزل فيَّ) أي في براءتي (عذر كاد يهلك فئام من الناس) أي من جهة الإفك، (ومات في يومي وليلتي بين سحري ونحري، وأراني جبريل) بالنصب على أنه مفعول ثان، (ولم يره أحد من أزواجه غيري). وبه (عن عون، عن أبيه) أي عبد الله بن عتبة بن مسعود، (عن عبد الله) أي ابن مسعود وهو أساس الإسلام، ومن قدماء الصحابة الأعلام (أنه كان إذا دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بيته) أي عند إحدى أزواجه، ولم يمكن له اطلاع على أفعاله ليقتدي ¬

(¬1) النور 11. (¬2) النور 26.

به عليه الصلاة والسلام في جميع أحواله (أرسل الربة أم عبد) أي عبد الله بن مسعود (تدخل إلى النبي صلى الله عليه وسلم) في بيته (تنظر إلى هدي النبي صلى الله عليه وسلم) أي سيرته وطريقته في شريعته، (ودله) أي دلالته (وسمته) أي هيئته وحالته. وفي النهاية أن الدل والسمت شريعته، (ودله) أي دلالته (وسمته) أي هيئته وحالته. وفي النهاية أن الدل والسمت والهدي عبارة عن الحالة التي يكون عليها الإنسان من السكينة والوقار وحسن السيرة، والطريقة واستقامة المنظر والهيئة ودل المرأة حسن هيئتها، وقيل حسن حديثها. (فتخبره بذلك) أي بجميع ما رأته هنالك (فيتشبه به) أي في جميع أقواله وأفعاله، ويتبعه في حميع أحواله. وقد روي أن بعض الصحابة أسلم فظن أن ابن مسعود وأمه من أهل بيت النبوة من كثرة دخولهما وخروجهما عن الحضرة وآثار ظهورهما في مقام الخدمة. - الوتر ثلاث ركعات لا يفصل بسلام وفي الاستيعاب لابن عبد البر برواية حفص بن سليمان، عن أبان بن أبي عياش، عن إبراهيم النخعي، عن علقمة، عن عبد الله قال: أرسلت أمي لتبيت عند النبي صلى الله عليه وسلم فتنظر كيف يوتر فباتت عند النبي صلى الله عليه وسلم فصلى ما شاء أن يصلي حتى إذا كان آخر الليل، وأراد الوتر قرأ {سبح اسم ربك الأعلى} في الركعة الأولى وقرأ في الثانية {قل يا أيها الكافرون}، ثم قعد ثم قام ولم يفصل بينهما بسلام، ثم قرأ {قل هو الله أحد}، حتى إذا فرغ كبر، ثم قنت فدعا بما شاء الله أن يدعو، ثم كبر وركع. وقد روي عن ابن المدني قال حدثنا سفيان، حدثنا جامع بن أبي الأسند سمع حذيفة يحلف بالله ما أعلم أحداً أشبه دلاً، ولا هدياً برسول الله صلى الله عليه وسلم من حين يخرج من بيته إلى أن يرجع إليه من عبد الله بن مسعود قال ابن المدني. وقد روى هذا الحديث الأعمش، عن أبي وائل عن حذيفة، وقال محمد بن عبد، حدثنا الأعمش عن شقيق قال: سمعت حذيفة يقول: إن أشبه الناس هدياً ودلاَ وسمتاً بمحمد صلى الله عليه وسلم عبد الله بن مسعود من حين يخرج إلى أن يرجع لا أدري، ما يصنع في بيته.

قال ابن المدني بسند آخر: سمعت عبد الرحمن بن يزيد، قال: قلنا لحذيفة أخبرنا برجل قريب السمت والهدي والدل من رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نلزم قال: ما أعلم أحداً أقرب سمتاً ولا هدياً ولا دلاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى توارته جدار بيته من ابن أم عبد انتهى، ولهذا قدمه إمامنا على سائر الصحابة في الفقه ما عدا الخلفاء الأربعة. وبه (عن عون عن أبيه) أي المذكور، (عن عبد الله) أي ابن مسعود (أنه كان صاحب حصير رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي سجادته صلى الله عليه وسلم، وفي رواية كان صاحب عصا رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي رواية كان صاحب رداء رسول الله صلى الله عليه وسلم). (وفي رواية، كان صاحب الراحلة، لرسول الله صلى الله عليه وسلم) كما تقدم. (وفي رواية، كان صاحب سواك رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي في السفر، (وصاحب الميضاة) أي المطهرة، مبنى ومعنى، (وصاحب النعلين) وجاء في رواية، وصاحب الوسادة، قال ابن عبد البر، كان ابن مسعود يلج عليه ويلبسه نعليه ويمشي أمامه ويستره إذا اغتسل، ويوقظه إذا نام.

- إسناده عن إسماعيل بن عبد الله إسناده عن إسماعيل بن عبد الله، رضي الله عنه، أحد أكابر المحدثين. أبو حنيفة (عن إسماعيل عن أبي صالح عن أم هانىء) سبق ذكرهما (قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله تعالى خلق في الجنة مدينة) أي بلدة، عظيمة (من مسك اذفر) افعل وصف من الذفر محركة، وهو شدة ذكاء الريح، (ماؤها السلسبيل) اللام للعهد أي المذكور في قوله تعالى: {ويُسْقَوْنَ فيها كأساً كان مِزَاجُهَا زَنْجَبيلاً ... عَيْناً فيها تُسَمَّى سَلْسَبيلاً} (¬1). وفي القاموس: السَّلسبيل، اللين الذي لا خشونة فيه، والخمر وعين في الجنة، انتهى، ويقال، هو مركب من سلسبيل إليها لتطفى عليها، ويتنعم لديها (وشجرها خلقت من نور) أي فثمرتها في غاية من لذة، وسرر (فيها) أي في تلك المدينة (حور) أي بيض البدن، واسع الأعين، حسان في جميع أعضائهن (على كل واحدة سبعون ذؤابة) بضم أوله، وهي الناصية أو منبتها من الرأس، كذا في القاموس. والأظهر أن المراد بها هنا قطعة من الشعر حال كونها مُدَلاة، أعم من أن يكون مضفورة أم لا (لو أن واحدة منها) أي من جماعة الحوراء المذكورة (أشرقت في الأرض) أي طلعت فيها مع كشف وجهها أو شيء من بدنها (لأضاءت) أي لنورت، واستنارت (ما بين المشرق والمغرب ولملأت من طيب ريحها ما بين ¬

(¬1) الإنسان 17 - 18

السماء والأرض فقالوا يا رسول الله لمن هذا) أي المقام العالي، (قال لمن كان سمحاً) أي سهلاً ذا يسر ومسامحة (في التقاضي) أي في طلب قضاء حقه ديناً أو عيناً. (وفي رواية قال: لو أن واحدة من الحور العين أشرقت لأضاءت ما بين المشرق والمغرب ولملأت) أي ريحاً (ما بين السماء والأرض من طيبها). (وفي رواية قالت أم هانىء: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن لله مدينة) أي خالصة (خلقت من مسك اذفر معلقة تحت العرش) فإن عرش الرحمن سقف الجنة على ما رووها (وشجرها من النور وماؤها السلسبيل وحور عينها خلقت من بنات الجنان) بكسر الجيم جمع الجنة (على كل واحدة منها سبعون ذؤابة، لو أن واحدة منهن) أي من تلك الذوائب (علقت في المشرق لأضاءت) أي لنورت أهل المغرب. وقد روى الطبراني والضياء عن سعيد بن عامر مرفوعاً: لو أن امرأة من نساء أهل الجنة أشرقت إلى الأرض لملأت الأرض من ريح المسك، ولأذهبت ضوء الشمس والقمر. وروى أحمد والترمذي عن أبي سعيد الخدري مرفوعاً: لو أن ما يقبل مما في الجنة به، لتزخرفت له ما بين مواقف السموات والأرض والجبال ولو أن رجلاً من أهل الجنة أطلع قيد أساوره لطمس ضوء الشمس كما يطمس ضوء الشمس ضوء النجوم. وفي منهاج العابدين للغزالي: لقد حكي أن بعض أصحاب سفيان الثوري كلموه فيما كانوا يرون من خوفه واجتهاده ورثة حاله، فقالوا: يا أستاذ، لو نقصت

من هذه الجهد نلت مرادك أيضاً إن شاء الله تعالى، فقال سفيان: كيف لا أجتهد، وقد بلغني أن أهل الجنة يكونون في منازلهم فيتجلى لهم نور تضيء به الجنان الثمان، فيظنون أن ذلك نور من جهة الرب سبحانه، فيخرون ساجدين، فنودوا أن ارفعوا رؤوسكم فليس الذي تظنون إنما هو نور جارية تبسمت في وجه زوجها فأنشأ يقول: ما ضرَّ من كانت الفردوس مسكنه ... ماذا تحَّمل من بؤسٍ وإقتارِ تراه يمشي كئيباً، خائفاً، وَجِلاً ... إلى المساجد، يسعى بين أطمارِ يا نفس، مَالكِ من صبر على النارِ ... قد حان أن تُقبِلي من بعدِ إدبارِ - تقاضي الدين وبه (عن إسماعيل عن أبي صالح عن أم هانىء قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من شدد على أمتي في التقاضي إذا كان معسراً) أي فقيراً مفلساً (شدد الله عليه في قبره) وروى الطبراني في الأوسط عن أبي سعيد مرفوعاً: أفضل المؤمنين رجل سمح بيع سمح، السمح الاقتضاء الشرى، سمح القضا. وروى البخاري وابن ماجه عن جابر مرفوعاً: رحم الله عبداً سمحاً إذا اشترى سمحاً إذا باع سمحاً إذا قضى، سمحاً إذا اقتضى سمحاً. وروى القفاعي عن ابن عمر والديلمي عن أبي هريرة مرفوعاً: السماح رباح والعنبر شوم.

وروى ابن ماجه عن أبي هريرة مرفوعاً: من يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة. - العلم وبه (عن إسماعيل عن أبي صالح عن أم هانىء قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ياعائشة ليكن شوارك) وهو بفتح الشين المعجم، أي متاع بيتك، ولا يبعد أن يكون تصحيف شعارك (العلم والقرآن) تخصيص، والمراد به بالعلم الحديث، فإنه به يعلم القرآن وغيره، فلكونه أعم تقدم والله أعلم. - حديث الجوع وبه (عن إسماعيل عن أبي صالح عن أم هانىء: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نظر إلى علي كرم الله وجهه ذات يوم) أي نهاراً فرآه (جائعاً) أي مكاشفة أو ملاحظة ناشئة من آثار الجوع، كالضعف والصفرة، (فقال يا علي ما أجاعك) أي أيُّ شيء جعلك جائعاً أصوم أو تركُ أكلٍ اختياراً أو اضطراراً، (قال: يا رسول الله، إني لم أشبع منذ كذا وكذا) أي ولعل هذا ومتى على ترك الشبع أظهرت آثار الجوع على وجهي، (فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أبشر بالجنة) أي ونعيمها، وقد ورد: جوعوا أنفسكم لوليمة الفردوس، وأجوعكم في الدنيا أشبعكم في الآخرة.

- في القبر ثلاث خصال وبه (عن إسماعيل عن أبي صالح عن أم هانىء عن النبي صلى الله عليه وسلم: "في القبر ثلاث) أي خصال (سؤال) أي للملكين (عن الله تبارك وتعالى) أي عن دينه ونبيه (ودرجات في الجنان) أي مكشوفة معروضة على أهل الإيمان (وقراءة القرآن عند رأسك) أيها المخاطب المؤمن، وهي إما على لسان ملك أما يتصور على القرآن عند رأس القارىء محافظة له ومؤانسة معه، كما أشار إليه الشيخ الولي الشاطبي بقوله: وحيث الفتى يرتاع في ظلماته من القبر يلقا سناه تهللاً هنالك يهنيه مقيلاً وروضة من أجله في ذروة العز تجتلى - حديث الغفران وبه (عن إسماعيل عن أبي صالح عن أم هانىء قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من علم أن الله يغفر له. فهو مغفور") أصل الحديث رواه البخاري ومسلم والنسائي، عن أبي هريرة مرفوعاً، أن عبداً إذا أصاب ذنباً فقال: رب أذنبت ذنباً فاغفر لي، فقال ربه أعلم عبدي أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ به، غفرت لعبدي، ثم مكث ما شاء الله ثم أصاب ذنباً فقال: رب أذنبت ذنباً آخر فاغفر لي، فقال: أعلم عبدي أن له رباً يغفر الذنب، ويأخذ به، غفرت لعبدي، ثم مكث ما شاء الله، ثم

أصاب ذنباً فقال: رب أذنبت ذنباً آخر فاغفره لي، فقال: أعلم عبدي أنه له رباً يغفر الذنب ويأخذ به، غفرت لعبدي ثلاثاً، فليعمل ما شاء، وهذا مرتب على عادته المعروفة من الوقوع في المعصية والرجوع إلى التوبة، وليس المراد به العمل على وجه الإباحة بالمخالفة كما بينته في شرح الحصن الحصين، والله الموفق والمعين. وبه (عن إسماعيل عن أبي صالح، عن أم هانىء قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما مِن عبد جاع يوماً) أي ولم ينو صوماً (فاجتنب المحارم) أي ارتكاب المحرمات (ولم يأكل مال المسلمين) من الأيتام وغيرهم (باطلاً) أي ظلماً، وهذا تخصيص بعد التعميم، اعتناء بحقوق العباد زيادة على ما يختص بحقوق الله (إلا أطعمه الله تبارك وتعالى من ثمار الجنة) أي فواكه أشجارها التي لا ينقطع آثارها. وبه: أي الإسناد المذكور (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن يوم القيامة ذو حسرة وندامة) وهو مستفاد من قوله تعالى: {وأَنْذِرْهُم يَوْمَ الحَسْرَةِ} (¬1). وقد ورد، ليس يتحسر أهل الجنة يوم القيامة إلا على ساعة فوت بهم ولم يذكروا الله فيها، رواه الطبراني، والبيهقي، عن معاذ بن جبل. ¬

(¬1) مريم 39.

- إسناده عن منصور بن معتمر إسناده عن منصور بن معتمر أحد أجلاء المحدثين، وهو المشهور المنصور الأعمش. أبو حنيفة (عن منصور عن أبي وائل) وهو شقيق بن سلمة الأسندي الكوفي، أدرك الجاهلية والإسلام. وأدرك زمن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يرو ما لم يسمع منه، قال: كنت قبل أن يبعث النبي صلى الله عليه وسلم ابن عشر سنين أرعى غنماً لأهلي بالبادية، روى عنه خلق من الصحابة منهم عمر بن الخطاب، وابن مسعود، كان خصوصاً به، وهو كثير الحديث ثقة ثبت حجّه، مات زمن الحجاج، (عن حذيفة قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يبول على سباطة قوم) بضم السين، وهي كناسة يطرح ما في البيوت (قائماً) حال من رسول الله صلى الله عليه وسلم، والحديث رواه مسلم عن المغيرة، أنه عليه الصلاة والسلام توضأ ومسح بناصيته والخفين. ورواه ابن ماجه عنه أيضاً، أنه صلى الله عليه وسلم، أتى سباطة قوم، فبال قائماً، وفي نسخة، فتوضأ. - ليس للمعتوه طلاق وبه (عن منصور، عن الشعبي، عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يجوز للمعتوه) وهو كالمجنون، وقيل: هو قليل الفهم، المختلط الكلام، الفاسد التدبير، لكن لا يضرب ولا يشتم بلا سبب، بخلاف المجنون، وكذا حكم النائم والمدهوش والمغمى عليه (طلاق ولا بيع ولا شراء) أي نحوها من العقود الشرعية، تقصد بعض القيود المرعية.

قال ابن الهمام، وهذا لقوله عليه الصلاة والسلام: "كل طلاق جائز إلا طلاق الصبي والمجنون، والذي فيه شيء" رواه الترمذي عن أبي هريرة مرفوعاً: كل طلاق جائز إلا طلاق المعتوه والمغلوب على عقله وضعفه، وروى ابن أبي شيبة بسند عن ابن عباس. لا يجوز طلاق الصبي. وروي أيضاً عن علي كرم الله وجهه "كل طلاق جائز إلا طلاق المعتوه" وعلقه البخاري أيضاً، عن علي كرم الله وجهه، والمراد بالجواز، النفاذ، وروى البخاري عن عثمان رضي الله تعالى عنه أنه قال: ليس للمجنون ولا سكران طلاق. وبه (عن منصور، عن مجاهد، عن رجل من ثقيف) وهو قبيلة من قبائل أهل الحجاز (يقال له الحكم) بفتحتين، أو ابن الحكم (عن أبيه) قال ابن عبد البر: الحكم بن سفيان الثقفي، يقال سفيان بن الحكم، روى حديثه منصور عن مجاهد، فاختلف أصحاب منصور في اسمه، وهو معدود في أهل الحجاز له حديث واحد في الوضوء مضطرب الإسناد، يقال: إنه لا يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم، وسماعه عندي صحيح، لأنه نقله الثقات، منهم الثوري، ولم يخالفه من هو في الحفظ مثله وقال، قال ابن إسحاق: هو الحكم بن سفيان بن عثمان بن عامر بن معيب الثقفي. (قال: توضأ النبي صلى الله عليه وسلم، وأخذ حفته) بفتح الحاء، أي غرفة (من ماء فنفحه) أي رشه (في مواضع طهوره) أي فرجه، وهو يحتمل أن يكون فوقه، أو فوق إزاره فيما يحاذيه، وهذا لدفع الوسوسة فيما ينافيه. والحديث رواه أحمد وأبو داود والنسائي، وابن ماجه، والحاكم، عن الحكم ابن سفيان، ولفظه: أنه عليه الصلاة والسلام، كان إذا توضأ، أخذ كفاً من ماء

فنضح به فرجه. ورواه الترمذي وابن ماجه، عن أبي هريرة بلفظ: جاءني جبرائيل، فقال يا محمد إذا توضأت، فانتضح. - حمل الجنازة بجوانبها الأربعة وبه (عن منصور، عن سالم بن أبي الجعد) وهو رافع الكوفي، من مشاهير التابعين وثقاتهم، سمع ابن عمر وجابراً وأنساً، روى عنه المنصور والأعمش مات سنة سبع وتسعين (عن عبد الله بن بسطاس) بالموحدة في أوله، أو بالنون نسختان، أحد التابعين .. (عن ابن مسعود أنه قال: من السنة) وهذا اللفظ من الصحابي في حكم المرفوع، كما حققه أرباب أصول علم الحديث، (أن تحمل) أي أنت أيها المخاطب بالخطاب العام (بجوانب السرير) أي بأطرافه الأربعة، والمراد بالسرير نعش الميت (فما زدته على ذلك) أي ما ذكر من حمل الجوانب الأربعة، كل جانب أربعين خطوة، كما في رواية، (فهو نافلة) أي زيادة على الخير حاصلة، وتكون السنة بها كاملة. وقد روى ابن عساكر عن واثلة مرفوعاً: من حمل لجوانب السرير الأربع غفر له أربعين كبيرة، وفيه إشارة إلى ما قدمناه من اختيار أربعين خطوة، ليكون كل خطوة كفارة الخطيئة، وفيه إيماء إلى أن السنة حمل الجنازة بجوانبها الأربع، لا بين العمودين، كما اختاره الشافعي وأتباعه، واستدل ببعض الأحاديث الموقوفة القابلة للتأويل، مع أنها معارضة بأحاديث أصح منها، وأخرج في المقصود عنها، فقد روى ابن أبي شيبة، وعبد الرزاق في مصنفهما، ثنا هشيم بن أبي عطاء، عن علي الأزدي قال: رأيت ابن عمر في جنازة، فحمل بجوانب السرير الأربع.

وروى عبد الرزاق، أخبرني الثوري، عن عباد بن منصور، أخبرني أبو المهزم، عن أبي هريرة قال: من حمل الجنازة بجوانبها الأربع، فقد قضى الذي عليه، ثم قد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خلاف ما ذهبوا إليه، فقد روى عبد الرزاق، وابن أبي شيبة ثنا شعبة، عن منصور بن المعتمر، عن عبيد الله بن بسطاس، عن عبيدة، عن أبيه عبد الله بن مسعود، قال: من اتبع الجنازة فليأخذ بجوانب السرير الأربعة. وروى محمد بن الحسن، أنا أبو حنيفة، ثنا منصور بن المعتمر. قال من السنة حمل الجنازة بجوانبها الأربعة. ورواه ابن ماجه، ولفظه: من اتبع الجنازة، فليأخذ بجوانب السرير كلها، فإنه من السنة، وإن شاء فليدع. قال ابن الهمام: موجب الحكم، بأن هذا هو السنة، وأن خلافه إن تحقق من بعض السلف، ويعارض، لا يجب على المناظر بعينه، وقد يشاء، فيبدع محملات مناسبة تجويز لضيق المكان، أو كثرة الناس، أو قلة حاملين، وغير ذلك، انتهى. وقولنا: أو كثرة الناس، فيه نظر لا يخفى.

- إسناده عن مسلم بن سالم الجهني إسناده، عن مسلم بن سالم الجهني، بضم الجيم وفتح الهاء، نسبة إلى بني جهنية، قبيلة من العرب. - لا يجوز ضرب الجاهل قبل العلم أبو حنيفة (عن مسلم، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى) هو الأزدي، ولد لست سنين بقيت من خلافة عمر، قيل غرق بنهر البصرة سنة ثلاث وثمانين، حديثه في الكوفيين، سمع أباه وخلقاً كثيراً من الصحابة، وعنه الشعبي ومجاهد وابن سيرين، وخلق سواهم كثير، وهو في الطبقة الأولى من تابعي الكوفيين، وقد يقال ابن أبي ليلى أيضاً لولده محمد وهو قاضي الكوفة، إمام مشهور في الفقه، صاحب مذهب وقوله: إذا أطلق المحدثون ابن أبي ليلى، فإنما يعنون أباه، وإذا أطلق الفقهاء ابن أبي ليلى، فإنما يعنون محمداً، ولد محمد هذا سنة أربع وسبعين، ومات سنة ثمان وأربعين ومائة، قال: (نزلنا) أي ضيفاً (مع حذيفة بن اليمان) رضي الله عنه (على دهقان) بكسر الدال، ويضم زعيم فلاحي العجم، ورئيس الإقليم، معرب (بالمدائن) أي مدائن كسرى قرب بغداد سميت بها لكبرها، وإلا فهي جمع المدينة، وهي كل بلدة كبيرة، أو عظيمة، وضدها القرية، وهي أعم منها (فأتى) أي الدهقان (بطعام فطعمنا) بكسر العين، أي فأكلنا منه، (ثم دعا حذيفة بشراب) أي طلب منه، (فأتى بشراب في إناء فضة فضرب) أي حذيفة (به) أي بالإناء (وجهه) أي وجه الدهقان غضباً عليه (فساءنا) أي أوقعنا في

المساءة ما صنع من ضربه، من غير أن يعلم بأن هذا لا يجوز في الشريعة، فربما يكون جاهلاً بالمسألة، (فقال: أتدرون لما صنعت به هذا؟ قلنا: لا! فقال: إني نزلت) أي عليه (في العام الماضي، فدعوت بشراب فيه، فأخبرته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهانا أن نأكل في آنية الذهب والفضة، وأن نشرب فيها، وأن نلبس الحرير) أي جنسه (والديباج) بالكسر، ويفتح وهو نوع منه غليظ، (فإنها) أي المذكورات (للمشركين) أي لانتفاعهم (في الدنيا خاصة، وهي لنا في الآخرة) أي خالصة، وهذا لا ينافي كونها حراماً عليهم، فتأمل، فإنه في موضع زلل، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الأكل والشرب في إناء الذهب والفضة، رواه النسائي عن أنس، ونهى عن الديباج والحرير والإستبرق، رواه ابن ماجه عن البراء. - إسناده عن مسلم بن كيسان إسناده عن مسلم بن كيسان تابعي جليل. أبو حنيفة (عن مسلم، عن أنس قال: سافر النبي صلى الله عليه وسلم) في رمضان (يريد مكة) أي فتحها (فصام وصام الناس معه، ثم أفطر وأفطر الناس معه) كما تقدم بسنده السابق. (وفي رواية، خرج من المدينة إلى مكة في رمضان فصام حتى انتهى) أي

وصل (إلى بعض الطريق) فعند أحمد بإسناد صحيح، عن أبي سعيد قال: "خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح لليلتين خلتا من شهر رمضان، فصام حتى انتهى" أي وصل "إلى بعض الطريق" (فشكا الناس إليه الجهد) بضم الجيم وفتحها، أي المشقة والضيق (فأفطر وأفطروا، فلم يزل مفطراً حتى أتى مكة) وفي البخاري: "أفطر، فلم يزل مفطراً حتى انسلخ الشهر، وفي أخرى له أفطر وأفطروا، الحديث. (وفي رواية قال: سافر رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان يريد مكة، فصام وصام معه المسلمون، حتى إذا كان ببعض الطريق شكا بعض المسلمين الجهد، فدعا بماء، فأفطر وأفطر المسلمون). - حديث الضيافة والعبادة وبه (عن مسلم عن أنس قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجيب دعوة المملوك) أي العبد المعتق، وسمي مملوكاً باعتبار ما كان، أو يجيب سيده بدعوته من غير أن يحضر صاحبه، وهذا يدل على كمال تواضعه مع أصحابه، (ويعود المريض) أي لو كان فقيراً (ويركب الحمار) أي مع اقتداره على الخيل والناقة والبغل. وفي رواية ابن عساكر، عن أبي أيوب، كان يركب الحمار، ويخصف النعل ويرقع القميص، ويلبس الصوف، ويقول: "من رغب عن سنتي فليس مني".

وفي رواية لابن سعد عن همزة بن عبد الله بن عتبة مرسلاً كان يركب الحمار عرياناً ليس عليه شيء. وروى الحاكم عن أنس، كان يردف خلفه ويضع طعامه على الأرض، ويجيب دعوة المملوك، ويركب الحمار. ورواه الطبراني بسند حسن، عن ابن عباس كان يجلس على الأرض، ويأكل على الأرض، ويعتقل المشاة. ويجيب دعوة المملوك على خبز الشعير.

- إسناده عن أبي حصين عثمان بن عاصم الأسدي إسناده عن أبي حصين، عثمان بن عاصم الأسدي، من أكابر التابعين. أبو حنيفة: (عن أبي حصين، عن رافع بن خديج) يكنى أبا عبد الله الحارثي الأنصاري أصابه سهم يوم أحد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنا أشهد لك يوم القيامة، وانفضت جراحته زمن عبد الملك بن مروان، فمات سنة ثلاث وسبعين في المدينة، وله ثمانون سنة، روى عنه خلق كثير (عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه مر بحائط) أي بستان، (فأعجبه) أي استحسنه (فقال: لمن هذا؟ فقلت لي، فقال: أين هو لك) أي بأي سبب حصل لك (قلت: استأجرت قال: فلا تستأجره بشيء منه) أي: من محصوله، فإن فيه خطيراً.

(وفي رواية أن النبي صلى الله عليه وسلم، مر بحائط فقال: لمن هذا؟ فقلت: لي! وقد استأجرته، قال: فلا تستأجره بشيء)، والمقصود من تكرار المتن مع تغير يسير تعدد الإسناد، ليتقوى المراد عند الإيراد. - إسناده عن سعيد بن مسروق الثوري إسناده عن سعيد بن مسروق الثوري، وهو أبو سفيان، أحد أجلاء التابعين المحدثين. - جراحة النعم والوحش زكاة أبو حنيفة: (عن سعيد، عن قتادة، عن رافع بن خديج، أن بعيراً من إبل الصدقة أفَدَّ)، بتشديد الدال أي تفرد وشرد، (فطلبوه) أي فلم يقدروا عليه (فلما أعياهم أن يأخذوه) أي عجزهم أخذه (رماه رجل بسهم فأصاب مقتله) أي موضعاً منه كان سبباً لقتله (فسألوا النبي صلى الله عليه وسلم) أي هل يجوز أكله؟ من غير وقوع ذبحه، (فأمر بأكله، وقال: إن لها) أي للإبل (أوابد) أي شوارد (كأوابد الوحوش، فإذا خفتم منها) أي من شواردها أن يفوتكم (فاصنعوا مثل ما صنعتم بهذا البعير، ثم كلوه) وفي معناه البقر والدجاج، ونحوهما.

(وفي رواية أن بعيراً من إبل الصدقة. أفد، فرماه، رجل بسهم فقتله) أي: السهم حيث أصاب مقتله، (فسئل النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: كلوه، فإن لها أوابد كأوابد الوحش). - حديث المسح (وبه، عن سعيد، عن إبراهيم التيمي، عن عمرو بن ميمون الأروي، عن أبي عبد الله) الجدلي بفتحتين (عن خزيمة بن ثابت)، بضم الخاء وفتح الزاء؛ أنصاري يعرف بذي الشهادتين (أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن المسح) أي مدته (على الخفين، قال: للمسافر ثلاثة أيام بلياليهن وللمقيم يوم وليلة) وقد تقدم. وبه، (عن سعيد، عن إبراهيم، عن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مَنْ كَذَبَ على محمد متعمّداً فليتبوأ مقعده من النار) سبق الكلام عليه.

- إسناده عن عدي بن ثابت (أبو اليقظان) إسناده عن عدي بن ثابت، هو أبو اليقظان، قال الترمذي: سألت محمد بن إسماعيل، يعني البخاري عن جده عدي بن ثابت فقال: لا أدري ما اسمه، قال: وذكر يحيى بن معين، أن اسمه دينار. - لا يفطر الصوم بأكل طعام يكون على خرق العادة أبو حنيفة (عن عدي، عن أبي حازم، عن أبي الشعثاء) وهو سليم بن أسود المحاربي الكوني، من مشاهير التابعين وثقاتهم، مات زمن الحجاج، (عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم: نهى عن صوم الوصال) وهو المواصلة، بلا تخلل أكل وشرب، بأن لا يفطر يومين أو يوماً أو أياماً، ففي الصحيحين، عن ابن عمر، وأبي هريرة، وعائشة، أنه عليه الصلاة والسلام نهى عن الوصال، أي عن صومه. وفي الصحيحين، عن عائشة قالت: نهاهم صلى الله عليه وسلم عن الوصال رحمة لهم، فقالوا: إنك تواصل، فقال: إني لست كأحدكم. إني يطعمني ربي ويسقيني، أي من الجنة. وفيه إشارة إلى أنه لا يفطر طعام يكون على خرق العادة، ولا يكون من الوصال في العبادة مانعاً، أو معناه يقويني على الطاعة قوة تقوم مقامها من اللذة، إما من جهة العلم والمعرفة، وإما من جهة لذة الخدم (وصوم الصمت) ومن صوم يلتزم فيه أن يصمت عن الكلام مع الأنام كان مشروعاً في دين النصارى، ومنه قوله تعالى: {إني نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ اليَومَ إنْسِياً} (¬1) وإلا فقد روي من صمت نجا، وروى الترمذي وأحمد، عن ابن عمر، روى الديلمي عن ابن عمر مرفوعاً "صمْتُ الصائِم تسبيحٌ، ونومُهُ عِبادة، ودُعاؤُهُ مُستجاب، وعملُهُ مضاعف". ¬

(¬1) مريم 26.

قال ابن الهمام: يكره صوم الصمت، وهو أن يصوم، ولا يتكلم، يعني يلتزم عدم الكلام، بل يتكلم بخير، وبحاجة، ويكره صوم الوصال، ولو يومين، ويكره صوم الدهر، لأنه يضعفه، أو يصير طبعاً له، ومبنى العبادة على خلاف العادة. وبه (عن عدي، عن سعيد بن جابر، عن ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يوم العيد إلى المصلى) أي مسجد العيد، وهو خارج المدينة، (فلم يصل) من النوافل مطلقاً (قبل الصلاة) أي صلاة العيد، (ولا بعدها) أي في المصلى شيئاً، في الهداية، ولا يتنفل في المصلى قبل صلاة العيد، وعامة المشايخ على كراهة النفل قبلها في المصلى، وفي البيت، وبعدها في المصلى خاصة، كما في الكتب الستة، عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج فصلى بهم العيد، لم يصل قبلها ولا بعدها. وأخرج الترمذي، عن ابن عمر، أنه خرج في يوم عيد، فلم يصل قبلها ولا بعدها، وذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم فعله، صححه الترمذي. قال ابن الهمام: وهذا النفي بعد الصلاة محمول عليه في المصلى، لما روى ابن ماجه، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصلي قبل العيد شيئاً، فإذا رجع إلى منزله، صلى ركعتين. وبه (عن عدي، عن إبراهيم، قال: صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العشاء وقرأ) أي في إحدى الركعتين (بالتين والزيتون) بهذه السورة. وبه (عن عدي، عن عبد الله بن يزيد، عن أبي أيوب، قال: صليت مع

رسول الله صلى الله عليه وسلم المغرب والعشاء) في حجة الوداع (بالمزدلفة) أي جمعاً، وأصل الحديث في الصحيحين عن جابر. وبه (عن عدي، عن ابن جبير، عن ابن عباس، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم شرب لبناً فتمضمض) أي غسل فمه، (وصلى ولم يتوضأ) والحديث، رواه ابن ماجه، عن أم سلمة، بلفظ "إذا شربتم اللبن، فتمضمضوا منه، فإن له دسماً". - إسناده عن عاصم بن كليب الجدمي إسناده عن عاصم بن كليب الجدمي (¬1) رضي الله عنه، بفتح الجيم، تابعي جليل، كوفي، سمع أباه وغيره، ومنه الثوري وشعبة، وناهيك بهما حديثه في الصلاة، والحج، والجهاد. وقال ابن الهمام: القدح في العاصم بن كليب غير مقبول، فقد وثقه ابن معين، وأخرج له مسلم حديثه في الهدي، وغيره عن علي. - ضيافة النبي صلى الله عليه وسلم أبو حنيفة، (عن عاصم، عن أبي بردة) أو بريدة، وهو عامر بن عبد الله بن قيس بن أبي موسى الأشعري، أحد التابعين المشهورين، المكثرين سمع أباه وعلياً وغيرهما، كان على قضاء الكوفة بعد شريح، فعزله الحجاج (أن النبي صلى الله عليه وسلم زار قوماً ¬

(¬1) عاصم بن كليب الجرمي

من الأنصار) في ديارهم، أو في بيتهم بالمدينة، ومحلاتهم، (فذبحوا له شاة) أي لضيافته، (وصنعوا له طعاماً، فأخذ من اللحم، شيئاً، فلاكه) هو المضغ، أو مضغ صعب، على ما في القاموس، والمراد هنا، الأول، فتأمل، (فمضغه) أي فاستمر على مضغه (ساعة) أي زماناً قليلاً (لا يسيغه) أي لا يقدر على ابتلاعه، وإنزاله في حلقه (فقال: ما شأن اللحم) أي خبره وحاله، (قالوا: شاة لفلان، ذبحناها) أي بغير إذنه وعلمه، (وقصدنا حتى يجيء) أي يحضر (فنرضه من ثمنها، قال) أي الراوي (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أطعموها الأسراء") جمع أسير، وهم الفقراء من الكفار، والمحبوسون من المسلمين، وذلك بشبهة في أكله، وإلا فيحتمل أنهم عرفوا إرضاء صاحبهم البتة بهذا مجاناً، أومبادلاً، وفيه دلالة على أن الغاصب إذا ذبح شاة الغير، ضمنها، أو ملكها خبيثاً يجب عليه أن يتصدق بها. وفي رواية (عن عاصم بن كليب، عن أبيه، أن رجلاً من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم صنع طعاماً، وقمنا معه، فلما وضع الطعام، تناول النبي صلى الله عليه وسلم طعاماً فدعاه)، أي فطلب النبي صلى الله عليه وسلم لأكله. (فقام إليه النبي صلى الله عليه وسلم، وقمنا معه فلما وضع الطعام، تناول النبي صلى الله عليه وسلم لضغة) بفتح الموحدة، وبكسرها أي قطعة من ذلك اللحم، (فلاكها في فيه) أي فمه (طويلاً) أي مديداً زيادة على العادة (فجعل لا يستطيع أن

يأكلها) أي يبتلعها (فألقاها من فيه) أي فمه (وأمسك عن الطعام) أي عوده، (فلما رأينا النبي صلى الله عليه وسلم ذلك) أي ما ذكر من الإلقاء والإمساك (أمسكنا عنه) أي امتنعنا عن أكله نحن أيضاً (فدعا النبي صلى الله عليه وسلم صاحب الطعام، فقال: "أخبرني عن لحمك هذا، من أين هو؟) أي إذ فيه علة (قال: يا رسول الله شاة كانت لصاحب لنا، فلم يكن عندنا) أي كان غائباً عنا ولم يكن حاضراً (نشتريها منه، وعجلنا بها) أي بأخذها (وذبحناها وصنعناها لكي) أي طعاماً منها حتى (يجيء فنعطي ثمنها) أي إياه (فأمر النبي صلى الله عليه وسلم برفع الطعام) أي من المجلس (وأمر أن يطعمه الأسراء). (قال عبد الواحد: قلت لأبي حنيفة: من أين أخذت هذا؟) أي الحكم الذي بيانه (الرجل يعمل) أي التجارة (في مال الرجل بغير إذنه) أي من دون رضاه به (يتصدق بالربح) لأنه حصل ملكاً خبيثاً لا يصلح لأحدهما (قال: أخذته من حديث عاصم).

- رفع اليدين محاذاة شحمة الأذنين وبه: (عن عاصم بن وائل بن حجر) بضم الحاء، وسكون الجيم والراء، وهو الحضرمي، وقدم على النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه قبل قدومه، وقال: يأتيكم وائل بن حجر من أرض بعيدة من حضرموت طائعاً راغباً في الله عز وجل وفي رسوله. وهو بقية أبناء الملوك، فلما دخل عليه، رحب به وأدناه من نفسه وبسط له رداءه، فأجلسه، وقال اللهم بارك في وائل وولده، واستعمله على الاستقبال من حضرموت. روى عنه ابناه علقمة وعبد الجبار وغيرهما (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يده) أي حال تكبير الإحرام للصلاة، والمراد باليد، جنسها الشامل لليدين (يحاذي) أي يقابل (ويوازي بهما شحمة أذنيه) ظاهره، أنه غير تماس بهما. (وفي رواية "كان يرفع يديه) أي بالتثنية (حتى يحاذي بهما شحمة أذنيه) أي شحمتي أذنيه، (وفي رواية عن وائل أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم، يرفع يديه في الصلاة) أي أولها (حتى يحاذيا) أي اليدان (شحمة أذنيه) اعلم أن رواية وائل في صحيح مسلم، أنه رآه صلى الله عليه وسلم رفع يديه حتى دخل في الصلاة وكبر، ووضعهما حيال أذنيه. والرواية عن أنس في السنن الكبيرة للبيهقي: كان صلى الله عليه وسلم إذا افتتح الصلاة، كبر ثم رفع يديه حتى يحاذي بإبهاميه أذنيه.

قال أبو الفرج: إسناده كلهم ثقات، وفي البخاري عن أبي حميد الساعدي: رأيته صلى الله عليه وسلم إذا كبر جعل يديه حذاء منكبيه، قال ابن الهمام: ولا معارضة، فإن محاذاة الشحمتين بالإبهامين تسوغ حكاية محاذاة اليدين المنكبين والأذنين، لأن طرف الكف مع الرسغ، يحاذي المنكب، أو يقاربه، والكف نفسه يحاذي الأذن واليد، يقال علا بالإبهامين الكف، أي أعلاها، فالذي نص على محاذاة الإبهامين بالشحمتين، وفق في التحقيق بين الروايتين، فوجب اعتبارها. ثم رأيتها رواية أبي داود عن وائل، صريحة فيه، حيث قال: "إنه أبصر النبي صلى الله عليه وسلم حين قام إلى الصلاة، فرفع يديه حتى كانتا بحيال منكبيه، وحاذى بإبهاميه أذنيه"، انتهى. والأظهر، أنه كان صلى الله عليه وسلم يرفع يديه من غير تقييد إلى هيئة خاصة، فأحياناً كان يرفع إلى منكبيه، وأحياناً إلى شحمة أذنيه، وأحياناً إلى محاذى رأسه، وبهذا جعلها مالك أقوالاً، واختار، ما اختاره مالك، علماؤنا، وكأنهم نظروا إلى أكثر ما ورد، والله سبحانه وتعالى أعلم. وأجمعت الأمة على استحباب رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام، وأما فيما سواها، فقال الشافعي وأحمد: يستحب أيضاً رفعهما عند الركوع، وعند الرفع منه. وبه (عن عاصم، عن عبد الجبار بن وائل، عن أبيه) أي وائل بن حجر (قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفع يديه عند التكبير) أي كما تقدم (ويسلم عن يمينه ويساره) أي في آخر صلاته، إشارة إلى ما ورد أن التكبير للصلاة تحريمها، والسلام تحليلها. وبه: (عن عاصم، عن أبيه، عن وائل بن حجر، قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا

سجد") أي أراد أن يسجد (وضع ركبتيه قبل يديه، وإذا قام) أي أراد أن يقوم من ركعته (رفع يديه قبل ركبتيه) ورواه أبو داود من حديث وائل، قال: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه، وإذا نهض رفع يديه قبل ركبتيه". قال ابن الهمام في حديث وائل: إنه عليه الصلاة والسلام إذا نهض في الصلاة، والتوفيق بينه وبين ما روى أنه عليه السلام اعتمد على فخذيه، وعن ابن عمر أنه عليه الصلاة والسلام اعتمد على الأرض، إما بحمله على حال الكبر، أو لبيان الجواز، وقال الطحاوي: لا بأس بالاعتماد على الأرض. وقال الحواني، الخلاف في الأفضل، فتأمل. - نصب رجله اليمنى وبه: (عن عاصم، عن أبيه عن وائل بن حجر، قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جلس في الصلاة، اجتمع") أي فرش (رجله اليسرى وقعد عليها، ونصب رجله اليمنى") وفي الترمذي من حديث وائل، قلت: لأنظرنَّ إلى صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما جلس، يعني للتشهد، أفرش رجله اليسرى، الحديث. وروى أحمد، عن ابن مسعود، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم علمه التشهد، فكان إذا جلس في وسط الصلاة، وفي آخرها، جلس على وركه اليسرى، الحديث. وفي مسلم، عن عائشة، كان عليه الصلاة والسلام يفرش، وينصب رجله

اليمنى، وروى النسائي، عن ابن عمر أنه قال: من سنة الصلاة أن ينصب القدم اليمنى، ويستقبل بأصابعها القبلة، ويجلس على اليسرى. ورواه البخاري من غير ذكر استقبال القبلة بالأصابع، والله أعلم. - إسناده عن سلمة بن كهيل - شفاعة أهل الإيمان إسناده عن سلمة بن كهيل، بالتصغير. أبو حنيفة: (عن سلمة، عن أبي الزاعر، من أصحاب ابن مسعود) أي المخصوصين به، (قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ليخرجن بشفاعتي من أهل الإيمان) أي من فساقهم (من النار) أي بعد دخولهم فيها مدة من الزمان، حتى ورد أن آخر من يخرج من النار، لبث فيها سنة، لا من سنة يعد من عمر الدنيا (حتى لا يبقى فيها أحد إلا أهل هذه الآية) أي من الكفار الموصوف بما ذكر الله سبحانه في شأنهم، أن أهل الجنة يتساءلون عن المجرمين ({ما سَلَكَكُم}) أي أدخلكم على وجه الخلود ({في

سَقَرْ ... قالوا لم نَكُ مِنَ المُصَلِّين}) أي من المسلمين الذين كانوا يصلون ({ولَمْ نَكُ نُطْعِمُ المِسْكين}) أي كإطعام المؤمنين لرضاء رب العالمين ({وكُنَّا نَخُوضُ}) أي نسرح في الأقوال الباطلة ({مَعَ الخائضين}) أي مع المنافقين والكافرين ({وكُنَّا نُكَذْبُ بيَومِ الدِين}) أي بوقوعه ({حتَّى أتانا اليَقِين}) أي عين اليقين (إلى قوله {فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعةُ الشَّافِعِين}) (¬1) أي من الأنبياء والصالحين، لو فرض أنهم يشفعون، فكيف وهم لا يشفعون إلا لمن ارتضى، وهم من خشيته مشفقون. - الشفاعة برضاء الله تعالى (وفي رواية، عن ابن مسعود، قال: "يُعَذِّبُ الله أقواماً من أهل الإيمان) أي في نار جهنم (ثم يخرجهم بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم، حتى لا يبقى إلا من ذكر الله سبحانه وتعالى) أي صفتهم، والاستثناء منقطع ({ما سَلَكَكُمْ في سَقَرْ، قالوا لَم نَكُ مِنَ المَصَلِّين وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ المِسْكِين ... وَكُنَّا نَخُوضُ مع الخَائِضين}) أي المنافقين. - فساد قول المرجئة والأحاديث في هذا الباب كثيرة، وكادت أن تكون متواترة، كما أوردها شيخ مشايخنا جلال الدين السيوطي في البدور السافرة في أحوال الآخرة، وهو مقتدى أهل السنة والجماعة. وفساق أهل الإيمان يذلهم من عذاب النيران مدة من الزمان، ثم يدخلون الجنان فلا يخلدون في النار، غير طوائف الكفار، وهذا كله مستفاد من قوله {إنَّ الله لا يَغْفِرُ أن يُشْرَكَ به ويَغْفِرُ ما دُوْنَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاء} (¬2) فدل على بطلان قول الخوارج والمعتزلة، حيث يقولون بتخليد أهل الكبائر في النار، وعلى ¬

(¬1) المدثر 42 - 48. (¬2) النساء 48.

فساد قول المرجئة، إن من قال: لا إله إلا الله، لم يدخل النار، ولو كان من الفساق، وبهذا تبين صحة اعتقاد إمامنا الأعظم، وبطلان قول من نسبه إلى المرجئة على ما تقدم. - رمي الجمار وبه، (عن سلمة، عن الحسن العرفي، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه عَجَّل) بتشديد الجيم، أي أرسل عجلة (ضعفة أهله) بفتحتين، جمع ضعيف، والمراد، النساء وذريته من الصغار، (من المزدلفة إلى منى في الليل) خوف الزحام، (وقال لهم: "لا ترموا جمرة العقبة حتى تطلع الشمس) إرشاداً لهم بالأفضل، وهو أول وقت السنة للرمي، وإلا فبعد طلوع الصبح جاز، ولا يصح قبله، خلافاً للشافعي. وفي البخاري، عن ابن عمر، أنه كان يقدم ضَعَفَة أهله، فيقفون عند المشعر الحرام بالمزدلفة بليل، فيذكرون الله بأيديهم، ثم يرجعون قبل أن يقف الإمام، وقبل أن يدفع، فمنهم من تقدم منى لصلاة الفجر، ومنهم من تقدم بعد ذلك، فإذا أقدموا رموا الجمرة، وكان ابن عمر يقول: رخص في ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخرج أصحاب السنن الأربعة، عن ابن عباس، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقدم ضعفة أهله بغلس، ويأمرهم أن لا يرموا الجمرة حتى تطلع الشمس، وبهذا استدل على بطلان ركنية المبيت بمزدلفة، كما نسب إلى الشافعي والليث بن سعد وعلقمة، فإن الركن لا يسقط بعذر، بل إذا كان عذر يمنع أصل العبادة سقطت كلها أو أخرت أما إن شرع فيها، فلا يتم إلا بأركانها، وكيف وليست هي سوى أركانها، فعند عدم الأركان لم يتحقق مسمى تلك العبادة أصلاً.

- أبو بكر وعمر وبه (عن سلمة، عن أبي الزعراء، عن ابن مسعود، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "اقْتَدُوا بِالَّذينَ من بَعْدِي") أي بلا واسطة، فيكون إخباراً بالغيب (أبو بكر وعمر) ظاهره على البدلية أن يكون أبي بكر ويمكن حمله على نعت كما نقل عن أبي حنيفة، أنه قال: ولو مثل أبو قبيس. وروى عن علي كرم الله وجهه أنه كتب علي بن أبي طالب، وقرأ في الشواذ تبت يدا أبي لهب (¬1)، وعلى أنه خبر مبتدأ محذوف، أي هما أبو بكر وعمر. والحديث بعينه رواه أحمد والترمذي، وابن ماجه وغيرهم عن حذيفة. ووجه تخصيص الشيخين من بين الخلفاء الأربعة وسائر الصحابة، مع ورود حديث: اقتدوا بالخلفاء الراشدين المهديين، وحديث (¬2) (أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم) بينته في المرقاة شرح المشكاة. - أول من أسلم من النساء خديجة، وأبو بكر من الرجال، وبلال من الموالي وبه: (عن سلمة، عن أبي حية العربي، وهو الهمداني، من أصحاب علي كرم الله وجهه قال: سمعت علياً يقول أنا أول من أسلم) أي مطلقاً، أو من ¬

(¬1) لعله أبو لهب، بالواو، في القراءة الشاذة (¬2) هذا ليس بصحيح، وتفصيله في رسالة قلحفة (بنود الأنوار)

الغلمان، أو يكون الأولية مقيداً بكونه أسلم (وصلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم) وقد ورد أول من آمن خديجة، وأول من آمن أبو بكر، وأول من آمن بلال، وجمع بأن خديجة من النساء، وأبا بكر من الرجال، وبلالاً من الموالي، مع أن العبرة الكاملة بإيمان أبي بكر. قال العرب: ما كانوا يعتبرون النساء والصبيان والموالي. - سبب نزول {قل ياعبادي} وأبو حنيفة (عن مكي بن إبراهيم، عن ابن لهيعة) بفتح اللام وكسر الهاء وهو الحفر في الفقيه، اسمه عبد الله وكنيته أبو عبد الرحمن، قاضي مصر، روى عن عطاء وابن أبي ليلى وابن أبي مليكة، والأعرج، وعمرو بن شعيب، وعن يحيى بن كثير، وقتيبة المقري، قيل: إنه ضعيف الحديث، وقال أبو دواد: سمعت أحمد بن حنبل يقول: ما كان مثل ابن لهيعة بمصر في كثرة حديثه، وضبطه، وإتقانه، مات سنة أربع وسبعين ومائة. (عن أبي قبيل قال: سمعت أبا عبد الرحمن المزني، يقول: سمعت ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم) اشتراه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأعتقه، ولم يزل معه سفراً وحضراً إلى أن توفي النبي صلى الله عليه وسلم، فخرج الى الشام، فنزل الى الرملة، ثم انتقل إلى حمص، وتوفي بها سنة أربع وخمسين. روى عنه خلق كثير، (يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما أحب أن أغالي في الدنيا) أي لذاتها (بهذه الآية) أي بدلها، وفي مقابلها ({قُلْ يَا عِبَادِي}) بفتح الياء،

وإسكانها، وأراد به المؤمنين والمشركين ({الَّذِينَ أَسْرَفُوا على أَنْفُسِهِمْ}) أي المعاصي ({لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ الله}) بفتح النون وكسرها، أي تيأسوا ({مِنْ رحمة الله}) فإن القنوط من رحمته كفر. كما أن الأمن من مكره كفر، وبقية الآية ({إنَّ الله يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جميعاً}) (¬1) أي بالتوبة مطلقاً على العموم، وبدونها إن شاء لبعض العصاة من المؤمنين، كما يستفاد من قوله تعالى: {إنَّ الله لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ ويَغْفِرُ ما دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاء} (¬2) (فقال رجل: ومن أشرك) أي وما حكمه يا رسول الله، فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم (ثم قال:) أي الرجل، بالإعادة، بتأكيد الإفادة، (ومن أشرك؟ فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال:) أي الرجل (ومن أشرك؟ فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم) إما انتظاراً للوحي، أو اجتهاداً في اشتقاق الحكم من الكتاب، (ثم قال: إلا من أشرك) يحتمل أن يكون إلا للتنبيه، فتكون الواو العاطفة ساقطة، أو تقديره: من أشرك كذلك، والمعنى: إذا تاب وآمن فلا يستعظم ما صدر منه حال إشراكه من قتل النفس والزنى ونحوهما من القبائح. ويحتمل أن يكون إلاَّ استثنائية، وهو ظاهر، والأول أولى، كما لا يخفى لما ذكر المقربون أن ناساً من أهل الشرك كانوا قتلوا وأكثروا، فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: إن الذي تدعونا إليه لحسن، لو تخبرنا لما عملناه كفارة؟. فنزلت هذه الآية. ¬

(¬1) الزمر 53. (¬2) النساء 48 و 116.

أبو حنيفة: (عن محمد بن منصور، بن أبي ليلى سليمان البلخي، ومحمد بن عيسى، ويزيد الطوسي) أي بروايتهم (عن القاسم بن أبي الحذاء) بتشديد الذال المعجمة، (العدوي) بفتحتين. منسوب إلى بني عدي، (عن نوح بن قيس، عن يزيد بن الرقاشي عن أنس بن مالك، قال: قلنا: يا رسول الله لمن تشفع يوم القيامة؟ قال: لأهل الكبائر) أي من أمته، وهو محتمل أن يكون بعد دخول النار، أو قبله، ولا منع من الجمع (وأهل العظائم) أي الفواحش، عطف تفسير، ويمكن حمل الأول على حقوق الله تعالى، والثاني على حقوق العباد (وأهل الدماء) تخصيص بعد تعميم، تنبيهاً على أن قتل النفس أعظم الكبائر والعظائم، ومع هذا، لا يخرج صاحبه عن الإيمان، ويستحق الشفاعة في ذلك المكان والزمان. - حديث الشفاعة كاد أن يكون متواتراً وقد ورد في حديث، كاد أن يكون متواتراً، أنه عليه الصلاة والسلام قال: "شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي، رواه أحمد وأبو داود والترمذي، وابن حبان، والحاكم في مستدركه والترمذي، وابن ماجه، وابن حبان، والحاكم عن جابر والطبراني، عن ابن عباس والخطيب، عن ابن عمر، وعن كعب بن عجوة. وفي رواية للخطيب عن أبي الدرداء، بلفظ: "شفاعتي لأهْل الذُّنُوبِ مِنْ أُمَتي وَإنْ زَنى وَإنْ سَرَقْ عَلى رَغْمِ أَنْفِ أبي الدَّردَاء".

وفيه تنبيه على بطلان مذهب الخوارج والمعتزلة، وكذا على فساد معتقد المرجئة، كما تقدم. - فقد قيل أن سور التستر أول سور وضع بعد الطوفان أبو حنيفة: (عن سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي) بكسر الدال، وفتح الميم، ويكسر أي الشامي، (عن محمد بن عبد الرحمن التستري) منسوب إلى تستر، بضم التائين الفوقيتين بينهما سين مهملة، وروي بفتح التاء الثانية، وهو الأشهر، وأما ششتر، بالشينين المعجمتين، فلحن، كذا قال صاحب القاموس، والأظهر أنه لغة عجمية، وأن تستر معرب، فقد قيل إن سورها أول سور وضع بعد الطوفان (عن يحيى بن سعيد) وهو الأنصاري المدني، سمع أنس بن مالك والسائب بن يزيد وخلقاً سواهما، وروى عنه هشام بن عروة، ومالك بن أنس، وشعبة والثوري وابن عتبة، وابن المبارك وغيرهما، كان يتولى القضاء بمدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو من بني أمية، وأقدمه منصور العراق، وولاه القضاء بالهاشمية، مات سنة ثلاث وأربعين ومائة بها، كان إماماً من أئمة الحديث والفقه، عالماً ورعاً صالحاً زاهداً مشهوراً بالثقة والدين، (عن عبد الله بن عامر) الظاهر أن المراد به القرشي، خال عثمان بن عفان، ولد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتى به، فتفل عليه وعوذه وبرك له النبي صلى الله عليه وسلم، ومات عليه السلام وله ثلاث عشر سنة، وقيل: إنه لم يرو عن النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً، ولا حفظ عنه، ومات سنة تسع وخمسين. ولاَّه عثمان البصرة وخراسان، وأقام عليها إلى أن قتل عثمان، فلما أفضى الأمر إلى معاوية، رد فارس إليه ذلك، وكان شيخاً كريماً كثير المناقب، وهو افتتح خراسان، وقتل كسرى في ولائه. ولم يختلفوا أنه افتتح أطارف غاية خراسان وأصفهان وكرمان وحلوان، وهو

الذي شق نهر البصرة. وأحرم مرة من نيسابور وهو الذي عمل السقايات بعرفة شكر الله سعيه (عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا مات العبد والله يعلم منه شراً) أي فيما يكون شراً (ويقول الناس) أي ويشهد الصالحون في حقه (خيراً، قال الله للملائكة: قد قبلت شهادات عبادي) أي تزكيتهم (على عبدي) لأن الحكم في الشريعة على الظاهر والله أعلم بالسرائر (وغفرت علمي) أي ما علمت (من الشَّرِّ فيه) أي في حقه، وهذا يشير إلى معنى قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطَاً لِتَكُونوا شُهَداء عَلى النَّاسِ} (¬1). - أنتم شهداء الله في الأرض وروى الطبراني عن سلمة بن الأكوع، مرفوعاً: أنتم شهداء الله في الأرض والملائكة شهداء الله في السماء. - إسناده عن يزيد بن صهيب إسناده عن يزيد بن صهيب. بالتصغير، وهو من أجلاء التابعين. أبو حنيفة: (عن يزيد بن صهيب، عن جابر بن عبد الله) رضي الله عنهما (عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: يخرج الله مِنَ النَّارِ مِنْ أهل الإيمان) أي بعضهم المرتكبين للعصيان (بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم، قال: يزيد فقلت: إن الله تعالى ¬

(¬1) البقرة 143.

يقول {وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا} (¬1)) يعني وهو بظاهره يفيد أن كل من دخلها لا يخرج منها، كما توهم بعض المبتدعة (قال جابر: اقرأ ما قبلها) أي لتعلم تأويلها ({إن الذين كفروا} (¬2) إنما هي) أي الآية، نازلة (في الكفار) وأما حكم الفجار، فدخولهم تحت المشيئة كقوله تعالى {وَيَغْفِرُ مَا دُوْنَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاء} (¬3) وخروجهم منها لا بد منه، كما دل عليه الأدلة القاطعة من الأحاديث الشافية الساطعة، منها قوله عليه الصلاة والسلام: من قال "لا إله إلا الله دخل الجنة" أي ولو أخر، جمعاً بين الأدلة. (وفي رواية "يخرج قومٌ من أهل الإيمان) أي من النار، وكان دخولهم لأجل العصيان (بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم، قال يزيد: قلت: إن الله تعالى يقول: {وَمَا هُمْ بِخَارِجِين مِنْها} قال جابر: اقرأ ما قبلها {إن الذين كفروا} ذلك) أي الحكم المذكور (للكفار) أي في شأنهم، كما يدل عليه قوله سبحانه فيما بعده: {وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيم} أي دائم، بخلاف عذاب الفجار، فإن عاقبتهم النجاة من النار. ¬

(¬1) المائدة 37. (¬2) المائدة 36. (¬3) النساء 48 و 116.

- شفاعة أهل الإيمان من العصاة (وفي رواية عن يزيد قال: سألت جابراً عن الشفاعة) أي وقوعها في حق المؤمنين، (قال: يعذب الله قوماً من أهل الإيمان بذنوبهم) أي بأنواع من العصيان سوى الكفر، والكفران، (ثم يخرجهم بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم، فقلت: فأين قول الله عز وجل) أي أين محله في هذا المحل (فذكر الحديث إلى آخره). - مرتكب الكبيرة لا يكفر أبو حنيفة: (والسعودي) أي رويا كلاهما (عن يزيد، قال: كنت أرى رأي الخوارج) أي مذهبهم في أن أهل الكبائر كفار وأن الشفاعة ليست في حقهم، بقوله تعالى: {فَمَا تَنْفَعُهُم شَفَاعَةُ الشَّافِعِين} (¬1). وقوله سبحانه: {ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيم ولا شَفِيعٍ يُطَاع} (¬2) (فسألت بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم)، أي منهم جابر، كما سبق (فأخبرني) إفراد الضمير وهو محتمل أن يراد بالبعض فرد أو جمع لأنه مفرد للنبي (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:) أي شرح (بخلاف ما كنت أقول) أي من الرأي الفاسد، والمذهب الكاسد (فأنقذني الله بذلك) أي أخلصني الله بتحديثه هنالك. أبو حنيفة: (عن جبلة) بفتح الجيم والموحدة (ابن سجيم) بالتصغير ¬

(¬1) المدثر 48. (¬2) غافر (المؤمن) 18.

(عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ صَلَّى") أي فرضاً أو نفلاً (فلا يَفْتَرِشُ ذراعيهِ افْتِراشَ الكلب") وقد روى عبد الرزاق في مصنفه عن سفيان الثوري، عن آدم بن علي الكبري، قال: رآني عمي وأنا أصلي، لا أتجافى عن الأرض بذراعي، فقال: يا ابن أخي لا تبسط بسط السبع، وادَّعِم على راحتك، وأبد ضبعيك، ورواه ابن حبان والحاكم، وضحى مرفوعاً: "لا تبسط بسط السبع وادعم على راحتك" قوله وادعم بتشديد الدال وكسر العين المهملة، أي اتكىء، والضبع بسكون الموحدة العضد، وقيل وسطه، وفي الصحيحين من حديث عبد الله ابن مالك ابن بحينة، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجنح في سجوده حتى يرى فضح إبطيه، أي بياضهما، وقوله يجنح بالجيم وتشديد النون أي يجافي. وروى أحمد وأبو داود والنسائي، وابن ماجه، والحاكم عن عبد الرحمن بن شبل، أنه عليه الصلاة والسلام نهى عن نقرة الغراب، وافتراش السبع، وأن يوطن الرجل المكان في المسجد، كما يوطن البعير. - الأضحية وبه، (عن جبلة، عن ابن عمر، قال: جرت السنة من رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأضحية) أي ثبتت مشروعية الأضحية، إما وجوباً كما هو مذهبنا، أو ندباً، كما هو مذهب بعض الأئمة في الأحاديث النبوية. وبه: (عن جبلة عن ابن عمر قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم في النخل) أي في

بيع ثمرها (حتى يبدو) أي يظهر (صلاحه) ونوب فساده، وقد روى أحمد والشيخان عن جابر، أنه عليه الصلاة والسلام نهى عن بيع الثمر حتى يطيب. وفي رواية للبخاري عن أنس: نهى عن بيع الثمرة حتى تبدو صلاحها، وعن النخل حتى تزهو. - الخضاب بالسواد منهي عنه أبو حنيفة: (عن يحيى بن عبد الله الكندي) بكسر الكاف نسبة إلى قبيلة بني كندة (عن أبي الأسود، عن أبي ذر، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "إنَّ أَحسَن ما غَيرْتُمْ به الشَيْب، وفي رواية: هذا الشيب الحناء) بكسر الحاء وتشديد النون، ممدوداً ويقصر (والكتم) بفتح الكاف والتاء المخففة، وقد يشدد وهو الوسمة. والأظهر أن الواو بمعنى أو لأن الجمع بينهما يورث السواد، وهو منهي عنه، وقد بسطت ما يتعلق به من المسائل في شرح الشمائل، الحديث بعينه رواه أحمد والأربعة. وفي رواية: قال "أحسن ما غيرتم به الشعر) بفتحتين، ويسكن العين واللام للعهد، أي الشعر الأبيض من اللحية (الحناء والكتم. وفي رواية: من أحسن ما غيرتم به الشيب الحناء والكتم).

- حديث المزدلفة أبو حنيفة: (عن يحيى بن جثة بن أبي حبان، عن ثاني، عن ابن عمر قال:) أي يريد (أفَضْنَا) أي رجعنا (معه) أي مع ابن عمر (من عرفات، فلما نزلنا جمعاً) أي المزدلفة، قيل، ومنه قوله تعالى: {فَوَسَطْنَ به جَمْعَاً} (¬1) (أقام) أي نفسه، وأمر بإقامة الصلاة (فصلينا المغرب معه، ثم تقدم، فصلى ركعتين) أي من غير إقامة ثانية. وبه: قال بعض المشايخ، وأراد بهما صلاة العشاء لكونه مسافراً (ثم دعا بماء فصب عليه) إما دفعاً للحرارة، أو غسلاً، لكونه للمزدلفة، (ثم أوى) بقصر الهمزة، ويمد أي ذهب (إلى فراشه، فقعدنا ننظر الصلاة طويلاً) أي زماناً كثيراً، ظناً أن ركعتيه كانت سنة المغرب، أو نافلة، وذهابه إلى فراشه استراحة كاملة، ثم قلنا: يا أبا عبد الرحمن الصلاة، أي أدركها، (فقال:) أي الصلاة، (فقلنا: العشاء الآخرة فقال أما) بالتخفيف، ويحتمل أن يكون بالتشديد، (كما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد صليت). وتعلق الشافعي بظاهره حيث يقول: هذا الجمع بالمزدلفة، كما قبله بعرفة، محمول على جميع المسافر من نوع الجمع تقديم وتأخير. ¬

(¬1) العاديات 5.

وعندنا هذا الجمع للنسك يستوي فيه المسافر والمقيم. (وفي رواية عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين المغرب والعشاء)، يعني بالمزدلفة، والحديث في الصحيحين وغيرهما عن جابر وجماعة. - من سل علينا السيف وبه، (عن يحيى، عن حميد) تابعي جليل، (عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ سَلَّ السيف) أي شهر بالمقاتلة الباطلة (على أمتي) أي الإجابة (فإن لجهنم سبعة أبواب) كما نص عليه في الكتاب، (باب منها لمن سل السيف) أي على هذه الأمة من غير إذن في الشريعة. وقد روى أحمد ومسلم عن سلمة بن الأكوع مرفوعاً: "مَنْ سل علينا السيف فليس منا". أبو حنيفة (عن زبيد) بالتصغير (بن الحارث اليمامي) وفي نسخة الثاني (عن ابن عمر، عن عبد الرحمن بن أبزى بفتح الهمزة وسكون الموحدة، فزاء، وهو الخزاعي، مولى نافع بن عبد الحارث، سكن الكوفة، وأكثر روايته عن عمر بن الخطاب، وأبي بن كعب، وروى عنه ابناه سعيد، وعبد الله، وغيرهما، ومات

بالكوفة، (قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ) أي غالباً (في وتره {سبح اسم ربك الأعلى}) أي في الركعة الأولى بعد الفاتحة، (و {قل يا أيها الكافرون} في الثانية، و {قل هو الله أحد} في الثالثة) وقد تقدم نحوه عن ابن مسعود، عن أمه مرفوعاً. (وفي رواية: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الوتر في الركعة الأولى {سبح اسم ربك الأعلى} أي إلى آخره (وفي الثانية قل للذين) يعني أي يريد الراوي بقوله: قل للذين، {قل يا أيها الكافرون}، أي هذه السورة (فهكذا) أي قل للذين كفروا (في قراءة ابن مسعود) أي طبق ما في مصحفه، وهذه من جملة ما ارتفع تواتره وبقي شاذاً، وفي الثالثة {قل هو الله أحد} إلى آخره. (وفي رواية: أنه كان يقرأ في الوتر في الركعة الأولى، {سبح اسم ربك الأعلى}، وفي الثانية، {قل يا أيها الكافرون} وفي الثالثة {قل هو الله أحد} (¬1)). ¬

(¬1) عن الحسن، قد أجمع المسلمون على أن الوتر في ثلاث، لا يسلم إلا في آخرهن.

(وفي رواية، كان يوثر بثلاث ركعات) أي بتسليمة واحدة، كما روت عائشة، على ما رواه الحاكم عنها، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر بثلاث لا يسلم إلا في آخرهن. وكذا روى النسائي عنها، قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يسلم في ركعتي الوتر في مصنف ابن أبي شيبة بسنده، عن الحسن، قد أجمع المسلمون على أن الوتر في ثلاث لا يسلم إلا في آخرهن. (يقرأ فيها بـ {سبح اسم ربك الإعلى}، و {قل يا أيها الكافرون}، و {قل هو الله أحد} وروى الطحاوي بسنده، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر بثلاث، يقرأ في الأولى بـ {سبح اسم ربك الأعلى}، إلى آخره. وأما في حديث عائشة المروي في السنن الأربعة، وصحيح ابن حبان، والمستدرك، كان يقرأ في الركعة الأولى من الوتر بفاتحة الكتاب، و {سبح اسم ربك الأعلى}، وفي الثانية، بـ {قل يا أيها الكافرون}، وفي الثالثة، بـ {قل هو الله أحد} والمعوذتين، وظاهره الجمع بين السور الثلاث في الركعة الآخرة من الوتر، وهو خلاف سائر الروايات، على أنه يلزم منه تطويل الثالثة على الثانية. ولا يبعد أن يقال: الواو (¬1) بمعنى أو، وفي الثالثة {قل هو الله أحد} أحياناً، وبكل واحدة من المعوذتين أحياناً. قال ابن الهمام: واعلم أن فيما روينا قراءته عليه الصلاة ¬

(¬1) الواو بمعنى أو، قلت، وقد سبق هذا الحديث، رورى النسائي عن زيد الحسين بن أبزى، عن أبي بن كعب، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوتر بثلاث. يقرأ في الأولى {سبح اسم ربك الأعلى} وفي الثالثة {قل هو الله أحد}.

والسلام في الثالثة بسورة الإخلاص، والمعوذتين، ولم يذكر أصحابنا سوى قراءة الإخلاص، وذلك لأن أبا حنيفة روى في مسنده، عن حماد عن ابراهيم، عن الأسود، عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر بثلاث، يقرأ في الأولى بسبح اسم ربك الأعلى، وفي الثانية، قل يا أيها الكافرون وفي الثالثة قل هو الله أحد، ويقنت قبل الركوع، ولا يعرف من فعله صلى الله عليه وسلم أنه جمع بين السور في ركعة واحدة. قيل رواه ابن أبي شيبة عن بعض الصحابة مرفوعاً: "أعطى كل سورة حظها في الركوع والسجود". - لا تنكح البكر حتى تستأمر أبو حنيفة: (عن شيبان، عن ابن عبد الرحمن، عن يحيى ابن أبي كثير) يكنى أبا نصر اليماني، مولى الطي، أصله بصري، صار إلى اليمامة، رأى أنس بن مالك، وسمع عبد الله بن قتادة، وروى عنه عكرمة، والأوزاعي، وغيرهما، (عن المهاجر بن عكرمة، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تُنْكَحُ البكْر) أي البالغة (حتى تُسْتَأمَر) بصيغة المجهول، أي حتى يستأمر (ورضاها) القائم مقام أمرها (سُكُوتُها، ولا تُنْكَحْ الثيب) أي البالغة (حتى تستأذنَ، ولا بد من إذنها (صريحاً). (وفي رواية: حتى تشاور). (وفي رواية: لا تنكحْ البكر حتى تُسْتَأمر، وإذا سكتت فهو) أي سكوتها (إذنها) أي في حكم صريح إذنها، وسبب ذلك، أن الحياء غالب عليها، (ولا تنكح الثيب حتى تستأذن) والمعنى، أن سكوتها ليس يقوم مقام رضاها، كما يدل عليه حسن المقابلة، وفي صحيح مسلم وأبي داود والترمذي والنسائي ومالك في

الموطأ مرفوعاً: "الأيّم أحَقُّ بِنَفْسِها مِنْ وليها والبكر تستأذن في نفسها، وإذنها صماتها، وقوله الأيِّم بتشديد الياء المكسورة من لا زوج لها، بكراً كانت أو ثيباً لكنه في المعنى الثاني أظهر وأشهد فتدبر هذا. وفي سنن أبي داود والنسائي وابن ماجه ومسند الإمام أحمد من حديث ابن عباس أن جارية بكراً أتت النبي صلى الله عليه وسلم، فذكرت أن أباها زوجها، وهي كارهة، فخيرها النبي صلى الله عليه وسلم، قال ابن القطان: حديث ابن عباس هذا صحيح. وأخرج الدارقطني، عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم، رد نكاح ثيب وبكر أنكحهما أبوهما وهما كارهتان، واعلم أنه لا يجوز إجبار البكر البالغة على النكاح عندنا خلافاً للشافعي. ومعنى الإجبار: أن يباشر العقد، فينعقد عليها، شاءت أو أبت، ومبنى الخلاف، أن علة ثبوت ولاية الإجبار، أهو الصغر؟ أم البكارة؟ فعندنا الصغر، وعند الشافعي البكارة. وبه (عن شيبان، عن يحيى، عن المهاجر، عن أبي هريرة قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يزوج إحدى بناته) أي على إحدى (يقول: إن فلاناً يذكر فلانة) أي يخطبها، وهو كناية (ثم يزوجها) أي يجرد عرضها عليها، وتحقق سكوتها. (وفي رواية: عن أبي هريرة قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا زوج) أي أراد أن يزوج (إحدى بناته، أتى خدرها) بكسر الخاء المعجمة أي جاء وراء سترها (فيقول، إن فلاناً يذكر فلانة، ثم يزوجها).

(وفي رواية قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب إليه) بصيغة المجهول (ابنة من بناته أتى خدرها فقال إن فلاناً يذكر فلانة، ثم ذهب) أي عنها (فأنكح) أي في غيبتها. - نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم الصمت وصوم الوصال وبه: (عن شيبان، عن يحيى، عن المهاجر، عن أبي هريرة قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم الصَمْتِ وصَوْمِ الوِصَالِ) وقد سبق. - فوت صلاة العصر وبه: (عن شيبان، عن يحيى، عن أبي بريدة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ فَاتَتْهُ صَلاَةُ العَصْرِ) أي باختياره من دون نِسيَانِه واضطرارِه (فَكَأَنَّمَا وَتِرَ) بصيغة المجهول، أي نقص، من وتَر يتر، ومنه قوله تعالى: {وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُم} (¬1). وقوله (أهله وماله) ضبط برفعهما ونصبهما، بناء على أنه متعد إلى مفعول، أو مفعولين، وهو الظاهر من الآية. ¬

(¬1) محمد 35.

ورواه أحمد والبخاري والنسائي، عن بريدة بلفظ: "مَنْ تَرَكَ صَلاَةَ العَصْرِ حَبطَ عَمَلُهُ" أي كمال عمله. ولعل وجه التخصيص مع أنه ورد على ما رواه الطبراني عن ابن عباس، "مَنْ تَرَكَ صَلاَةً لَقِيَ الله وهُوَ عَلَيهِ غَضْبَان" بناء على القول المعتمد في الصلاة الوسطى، إنها العصر على ما حرر في محله. - تعجيل صلاة العصر وبه (عن شيبان عن يحيى عن ابن بريدة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "بكروا) أمر من التبكير، وهو المبادرة إلى الشيء، أي في بكور الوقت، أي أوله، والمعنى: أسرعوا (لصلاة العصر) أي لأدائها قبل فواتها، وسيأتي في الحديث الآتي أنه مقيد بيوم فيه غيم، وإلا فتأخيرها مستحب ما لم يصفر الشمس، فإنه يكره. (وفي رواية عن بريدة الأسلمي) أسلم قبل بدر، ولم يشهدها، وبايع بيعة الرضوان، وكان ساكن المدينة، ثم تحول إلى البصرة، ثم خرج منها إلى خراسان غازياً، فمات بمرور سنة اثنين وستين. روى عنه جماعة، (قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بكروا لصلاة العصر في يوم غيم، فإن مَنْ فاتَه صَلاَةَ العصْرِ) أي متعمداً (حتى تغرب الشمس) بيان لغاية الفوت (فقد حَبِطَ عَمَلُهُ) رواه أحمد وابن ماجه وابن حبان، عن يزيد بلفظ: "بكروا بالصلاة في يَومِ الغَيْم. فإنه من ترك صلاة العصر حبط عمله".

- دعاء جنازة وبه (عن شيبان، عن يحيى، عن أبي سلمة) أحد الفقهاء السبعة، وأجلاء التابعين في المدينة، وقد سبق ذكره (عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم: "كان يقول: إذا صلى على الميت) أي بعد التكبيرة الثالثة (اللهم اغفر لحينا وميتنا وشاهدنا) أي حاضرنا (وغائبنا) والمقصود المبالغة في الاستيعاب، (وصغيرنا) أي من سيفعل ذنباً (وكبيرنا) والمراد بها شابنا وشيخنا (وذكرنا وأنثانا) والمراد استيفاء أنواع المؤمنين والمؤمنات، والحديث في الحصن الحصين، رواه أبو داود والترمذي والنسائي وأحمد، وابن حبان والحاكم عن أبي هريرة. قال ابن الهمام: وفي حديث إبراهيم الأشهل، عن أبيه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى على الجنازة، قال: اللهم، اغفر لحينا وميتنا، وشاهدنا وغائبنا، وصغيرنا وكبيرنا، وذكرنا وأنثانا، رواه الترمذي والنسائي. ورواه أبو سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وزاد فيه: اللهم من أحييته منا، فأحيه على الإسلام، ومن توفيته منا فتوفه على الإيمان. وفي رواية لأبي داود، نحوه، وفي أخرى: ومن توفيته منا فتوفه على الإيمان اللهم لا تحرمنا أجره، ولا تضلنا بعده. انتهى. وفي رواية النسائي: ولا تَفْتِنَّا بَعْدَهُ، وروى زيادة، واغفر لنا وله. - حديث المشورة وبه (عن شيبان عن عبد الملك) الظاهر أنه ابن عمر الفرسي الكوفي المنسوب

إلى الفرس، ومن لا يدري، يقول: القرشي، نسبة إلى قريش، وليس كذلك، وإنما هو منسوب إلى فرسة كان على قضاء الكوفة بعد الشعبي، ومن مشاهير التابعين وثقاتهم، ومن كبار أهل الكوفة، روى عن جندب بن عبد الله، وجابر بن سمرة، وعنه الثوري وشعبة، مات سنة ست وثلاثين، أو نحوها، وهو ابن ثلاث وستين. (عن جده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنِ استشارك") أي طلب منك الدلالة على الرشد بطريق المشورة في الأمر الذي أراد، أمراً بقوله تعالى: {وأمْرُهُم شُوْرَى بَيْنَهُمْ} (¬1) وبما ورد من قوله عليه الصلاة والسلام: "ما خَابَ مَنْ استَشَار، وما نَدِمَ مَنْ استَخَار" (فَأَبْشِرْهُ برشد) بضم فسكون وبفتحتين أيضاً، أي فدله على الرشاد، وطريق الصلاح والسداد (فإن لم يفعل) أي لو سكت عنه ما علمك بما هو خير له (فقد خنته) في مقام المراد، وهو نوع من الفساد، والله رؤوف بالعباد. وروى ابن ماجه عن جابر مرفوعاً: " إذا اسْتَشَارَ أحَدُكُم أخاً فَلْيُشِرْ عَلَيْهِ". - لا نذر في معصية أبو حنيفة: (عن محمد بن الزبير الحنظلي، عن الحسن) أي البصري (عن عمران بن حصين) يكنى أبا نجيد بضم النون، وفتح الجيم وسكون تحتية، فدال ¬

(¬1) الشورى 38.

مهملة، الخزاعي، عن الكعب أسلم عام حنين، سكن البصرة إلى أن مات بها سنة اثنتين وخمسين. وكان من فضلاء الصحابة وفقهائهم، أسلم هو وأبوه، روى عنه أبو رجاء، ومصرف، وزارة بن أبي أوفى، (قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا نذر) أي لا يحل نَذْرٌ (في معصية الله) لكن لو نذر فيها، لا وفاء عليه (وكفارته كفارة يمين"). والحديث بعينه رواه الأربعة وأحمد عن عائشة والنسائي، عن عمران بن حصين. وبه (عن محمد بن الزبير، عن الحسن، عن عمران قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ نَذَرَ أن يطيع الله) سواء في واجب أو غيره (فليطعه، ومن نذر أن يعصيه) أي يعصي الله كما في رواية (فلا يعصه) أي بل كفر عن حنثه فيه كفارة يمين، (ولا نذر) أي في منعقد أي في حال شدته حيث لم يكن في شعوره من كمال حدثه. أو المعنى، لا نذر في فعل غضب ولا تركه، لأنه فعل جبلي لا اختياري، والأول أظهر. ولعل هذا مذهب علي حين قال في يمين اللغو: هو اليمين في الغضب، وتبعه طاووس. والحديث بعينه رواه أحمد والبخاري والأربعة عن عائشة، إلا أنه ليس في روايتها: ولا نذر في غضب.

- حرمت الخمر والسكر من كل شراب (أبو حنيفة: عن أبي عون محمد الثقفي الحجازي) الظاهر أنه محمد بن أبي بكر بن عوف الثقفي الحجازي، روى عن أنس بن مالك، وعنه جماعة (عن عبد الله بن شداد) بتشديد الدال الأولى (عن ابن عباس) أي موقوفاً: (أنه قال: حرمت الخمر) أي مطلقاً (قليلها) أي ولو قطرة مخلوطة أو غيرها (وكثيرها) وهو ما يبلغ حد السكر (وما بلغ السكر) أي وحرم قدر ما تبلغ السكر (من كل شراب) أي يكون غيرها. (وفي رواية عن ابن عباس قال: حرمت الخمر بعينها) أي بذاتها، قال ابن الهمام: والرواية المعروفة فيه بالباء لا باللام انتهى. ويفيد قوله بعينها، أنه يحرم شربها وبيعها وأكل ثمنها (قليلها وكثيرها) وهذا مستفاد من الكتاب والأحاديث المشهورة من السنة (والسكر من كل شراب) كذا في الأصل. وقال ابن الهمام: الرواية والمسكر من كل شراب، ولفط السكر تصحيف، والمعنى أن كل شراب غيرها، فما حرم بعينه، بل إذا بلغ حد سكر. وقد ورد كل مسكر حرام، ورواه أحمد والشيخان وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه عن أبي موسى، وأحمد، والنسائي، وابن عمر والنسائي وابن ماجه، عن ابن مسعود.

وفي رواية أحمد ومسلم والأربعة عن ابن عمر بلفظ: كل مسكر خمر، وكل مسكر حرام، ومن شرب الخمر في الدنيا فمات وهو يدمنها، ولم يتب، لم يشربها في الآخرة. وما رواه أبو داود والترمذي، عن عائشة رضي الله عنها، بلفظ: كل مسكر حرام، وما أسكر منه الفرق فملء الكف منه حرام. وفي لفظ الترمذي: الحُسُرَةُ منه حرام، قال الترمذي: حديث حسن، ورواه ابن حبان في صحيحه. وفي رواية النسائي وابن حبان: نهى عن قليل ما أسكر كثيره، فتعلق بظاهره الشافعي رحمة الله عليه، حتى قال أصحابه بحرمة أكل الجوز الهندي والزعفران، ونحوهما، ولو شيئاً قليلاً. قال ابن الهمام: والخلاف إنما يتعلق في غير الخمر من الأنبذة بالسكر، وفي الخمر بشرب قطرة واحدة، وعند الأئمة الثلاثة رحمهم الله: كل ما أسكر كثيره، حرم قليله وحد به، لقوله عليه الصلاة والسلام: كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ، وكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ، رواه مسلم. - التشبيه بحذف أداته وفي رواية أحمد، وابن حبان في صحيحه، وعبد الرزاق: وكل خَمرٍ حرام، لكن كلها محمولة على التشبيه بحذف أداته، فكل مسكر حرام، كزبد السكر، أي في حكمه، ثم لا يلزم من التشبيه عموم وجهه في كل صفة، فلا يلزم من ثبوت هذه الأحاديث، ثبوت الحد بالأشربة، التي هي غير الخمر، بل تصحيح الحمل المذكور فيها ثبوت حرمتها في الجملة، أما قليلها وكثيرها، أو كثيرها المسكر منها، وحمل بعضهم على ما به حصل السكر، وهو القدح الأخير. وقد أسند إلى ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: كل مسكر حرام هي الشربة

التي أسكرتك. أخرجه الدارقطني وكذا نقل عن إبراهيم النخعي، قيل، وإنما منع قليلها، لأنه يجر غالباً إلى كثيرها. فهو من قبل منع الأعمى حول الجب مخافة أن يقع فيه. هذا وروى الدارقطني في سننه: أن أعرابياً شرب من إداوة عمر نبيذاً فسكر منه، فضربه الحد، فقال الأعرابي: إنما شربته من إداوتك، فقال عمر: إنَّما جلَدْناكَ بالسكر. وروى ابن أبي شيبة في مصنفه عن حبان بن مخارق، قال: بلغني أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه سافر رجلاً في سفر، وكان صائماً، فلما أفطرا هوى إلى قربة لعمر معلقة فيه نبيذ، فشربه، فسكر. فضربه عمر الحد، فقال: إنما شربته من قربتك، فقال له عمر رضي الله عنه: إنما جلدناك لسكرك. وروى الدارقطني عن الشعبي، أن رجلاً شرب من إداوة علي بصفين، فسكر، فضربه الحد. ورواه ابن أبي شيبة في مصنفه بنحوه، وقال: فضربها به ثمانين. - تعدد الطرق يرقي الحديث إلى حد الحسن وروى ابن أبي شيبة بسنده عن عبد الله بن شداد، عن ابن عباس، قال في سكر النبيذ، ثمانين، فهذه الأحاديث، وإن ضعف بعضها، فبتعدد الطرق، يرتقي إلى حد الحسن، ثم هذا الذي ذكر من أن حد الخمر والسكر من غيرها ثمانون سوطاً، وهو مذهبنا، وهو قول مالك رحمه الله، وأحمد رحمه الله. وفي رواية عن أحمد، وهو قول الشافعي رحمه الله، أربعون، إلا أن الإمام لو رأى أن يجلده ثمانين، جاز على الأصح، وتحقيق هذا المرام، في شرح الهداية لابن الهمام.

- إسلام الوحشي أبو حنيفة: عن محمد بن السائب الكلبي، أحد أكابر المحدثين (عن أبي صالح) وهو ذكوان السمان، وتقدم ذكره، (عن ابن عباس رضي الله عنه أن وحشياً) أي ابن حرب النحشي من سودان مكة، مولى جبير بن مطعم (لما قتل حمزة رضي الله عنه) وهو ابن عبد المطلب عم النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك في غزوة أحد، وكان وحشي يومئذ كافراً (مكث) بفتح الكاف وضمها، أي لبث (زماناً) أي على كفره (ثم وقع في قلبه الإسلام) أي بعد الطائف، (فأرسل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي مخبراً (أنه) أي الشأن (قد وقع في قلبه الإسلام) أي محبته (وقد سمعتك) أي بلغني عنك (تقول عن الله تعالى) أي ناقلاً عن كتابه ({وَالّذِينَ لاَ يَدعُونَ مَعَ الله إلهاً آخَرَ}) أي يوحدون الله تعالى ({ولا يقتُلُونَ النَّفْسَ الّتي حَرَّمَ الله إِلاّ بالحَقِّ}) أي بأمره ({ولا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ}) أي ما ذكر من الشرك، وقتل النفس بغير الحق والزنا ({يَلْقَ أثاماً}) أي بالقصر والإشباع أي جزاء إثمه ({يُضاعَف}) بالجزم والرفع، ويضعف بالتشديد ({له العذاب يَوْمَ القيامة ويخلد}) أي يدوم ({فيه}) أي العذاب المخلد ({مهاناً}) (¬1) أي مذللاً (قال وحشي: فإني قد فعلتهن) أي الأفعال الثلاثة السابقة ¬

(¬1) الفرقان 68 - 69.

جميعاً (فهل لي من رخصة) أي للدخول في الإسلام (قال: فنزل جبرائيل، فقال:) يا محمد (قل له {إلا من تاب}) أي عن الشرك وسائر أنواع الكفر ({وآمن}) أي بجميع ما يجب به الإيمان ({وعمل عملاً صالحاً}) أي بعد إسلامه من صلاة وصوم وزكاة وحج ونحوها ({فأولئك}) أي التائبون الثابتون ({يبدل الله سيئاتهم}) أي السابقة ({حسنات}) أي لاحقة ({وكان الله غفوراً}) لمن تاب ({رحيماً}) (¬1) لمن آب. لا يقال ظاهر بأنه سكوت عن معرض البيان فإن استثناء التوبة لما معروف عند الأعيان في كثير منه، أي القرآن، ولا يبعد أن الاستثناء لما بلغ الوحشي، فاستثناء بما قبله من غير اطلاع على ما بعده، ومن اللطائف أن قلندرا قيل له: لم لا تصلِّ، فقال: لقوله تعالى: {ولا تَقْرَبُوا الصّلاَةَ} فأجيب، بأن اقرأ ما بعدها، {وأنتم سكارى} (¬2). ومن هذا القبيل الاشكال السابق في قوله سبحانه {وما هم بخارجين منها} (¬3) ودفعه باقرأ ما قبله. {إن الذين كفروا} (قال): أي ابن عباس (فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذه الآية) أي التي فيها الاستثناء إليه، (فلما قرأت عليه، قال وحشي: إن في هذه الآية شروطاً) وكان يظن أن العمل الصالح شرط صحة الإيمان، كما ذهب إليه بعض أهل البدعة، ولم يدر أنه شرط كمال الإيمان، وسبب الخلاص من الدخول في النيران والوصول ابتدأ إلى الدرجات العالية في الجنان، (وأخشى أن لا آتي بها) أي بالأعمال الصالحة من ارتكاب المأمورات واجتناب المحظورات ولما أحقق أن أعمل عملاً صالحاً، أم لا، أي بأن أعيش حتى أعمل عملاً صالحاً بعد الإسلام، أو أراد ¬

(¬1) الفرقان 70. (¬2) النساء 43. (¬3) المائدة 37.

عملاً مقبولاً، وهو غيب لا يدرى، (فهل عندك شيء ألين من هذا) أي أوفق، وأرجى، وأرفق، من هذا الكلام المذكور (يا محمد قال): أي الراوي، فنزل جبرائيل بهذه الآية، أي بنزولها وبإقرائها عليه ({إِنَّ الله لاَ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُوْنَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}) (¬1) أي بغير توبة في القضيتين، وإنما يكون هذا ألين لدلالته الصريحة على أن الأعمال الصالحة ليست بشرط الإيمان بل لكماله في مقام العرفان، وأنه إذا صدر عنه شيء من العصيان يكون تحت المشيئة بين الغفران وبين نوع من العذاب من غير خلود في النيران، قال: (فكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذه الآية، فبعث إلى وحشي قال: فلما قرأت له، قال إنه) أي الله سبحانه وتعالى (يقول: {إنَّ الله لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُوْنَ ذلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} وأنا لا أدري) أي لا أعلم الغيب (لعلي أن لا أكون) أي داخلاً (في مشيئته إن شاء لي المغفرة ولو كانت الآية: ويغفر ما دون ذلك، ولم يقل: لمن يشاء، كان ذلك) أي أوفق لما هنالك (فلعل عندك أوسع) أي في باب المغفرة (من ذلك، يا محمد، فنزل جبرائيل بهذه الآية: {قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أسْرَفُوا على أَنْفُسِهمْ لاَ تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ الله إنَّ ¬

(¬1) النساء 48 و 116.

الله يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيم}) (¬1) سبق بعض الكلام عليه (قال: فكتب رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم) أي هذه الآية (وبعث بها إلى وحشي فلما قرأت عليه قال: أما هذه الآية) أي بظاهرها، فنعم أوسع من غيرها، (ثم أسلم) ولا يتوهم أن الآية على عمومها، وأنها ناسخة لما قبلها، فإن آية {إنَّ الله لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ} إلى آخره، محكمة بإجماع الأئمة، مع أن الأخبار لا تنسخ عند العلماء الأحبار، فلابد في هذه الآية من قيد المشيئة إن كان الخطاب للمؤمنين لما سبق من الآية، أو من تقييد الذنوب لما سبق في حال الكفر، إن كان الخطاب للكافرين، لقوله تعالى: {قُلْ لِلِّذِْينَ كَفَرُوا إنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَف} (¬2) (فأرسل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، إني قد أسلمت فاذن لي في لقائك) أي ملاقاتك، أو في مشاهدة رؤيتك، (فأرسل إليه رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: وَارِ) من الموارات، أى استر (عني وجهك فإني لا أستطيع) أى بمقتضى الجبلة البشرية (أن أملأ عيني من قاتل حمزة عمي) والظاهر أنه ما رأى النبي صلى الله عليه وسلم وما رآه عليه السلام بعد الإسلام، فلا يعد من الصحابة الكرام. فذكره معهم مسامحة لبعض العلماء الأعلام. روي أنه عليه الصلاة والسلام خرج يوم أحد يلتمس حمزة، فوجده ببطن الوادي قد يفرز بطنه عن كبده، ومثل به فجُدع أنفه وأذناه، ونظر عليه الصلاة والسلام إلى شيء لم يُنظر إلى شيء أوجع لقلبه منه، فقال: رحمة الله عليك، ¬

(¬1) الزمر 53. (¬2) الأنفال 38.

لقد كنت فعولاً للخير، وموئلاً للرحمة، أما والله لأمثلن بسبعين منهم مكانك، فنزلت عليه خواتيم سورة النحل، فصبر وكَفَّرَ عن يمينه وأمسك عما أراد. وروى ابن السيرين مرفوعاً: "سَيِّدُ الشُّهَدَاء يَوْمَ القِيَامَةِ حَمْزة بن عَبْدِ المُطَّلِبْ". وعن أبي هريرة رضي الله عنه: وقف عليه الصلاة والسلام على حمزة وقد قتل ومثل به، فلم ير منظراً كان أوجع لقلبه منه. رواه صاحب الصفوة. وعند ابن هشام، أنه عليه الصلاة والسلام قال: لن أصاب بمثلك أبداً ما أوقفت موقفاً قط أغيظ لي من هذا. وعن ابن شاذان من حديث ابن مسعود رضي الله عنه: ما رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم باكياً قط أشد من بكائه على حمزة رضي الله عنه، وضعه في القبلة، ثم وقف على جنازته، وأنحب حتى نشغ، أي شهق، حتى بلغ به لغشي من البكاء يقول: يا حمزة ياعم رسول الله وأسد رسوله: ياحمزة يا فاعل الخيرات، ياحمزة يا كاشف الكرب، ياحمزة يا ذابّ عن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان صلى الله تعالى عليه وسلم إذا صلى على جنازة، كبر عليها أربعاً. وكبر على حمزة سبعين تكبيرة، رواه البغوي في معجمه. (قال): أي الراوي (فسكت وحشي حتى كتب مسيلمة) بضم الميم، وفتح السين المهملة وسكون التحتية، وفتح اللام، وهو المشهور بالكذاب (إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم) وهذه سورة الكتاب (من مسيلمة رسول الله، إلى محمد رسول الله) إشارة إلى المشاركة في ميدان الرسالة، كما صرح به في قوله (أما بعد) أي بعد

السلام (فقد أُشْرِكْتُ) بصيغة المجهول (في الأرض) أي معك في الرسالة (فلي) أي ولأتباعي (نصف الأرض ولقريش) أي ولك ولقومك (نصفها، غير أن قريشاً يعتدون) أي يتجاوزون عن الحد، (فيريدون أن يأخذوا الأرض كلها) وهذه كلمة حق أجرى الله على لسانه أنه أريد به الباطل، قال: (فقدم بكتابه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلان، فلما قرىء على رسول الله صلى الله عليه وسلم الكتاب، قال للرسولين) أي رسولي مسيلمة (لولا أنتما رسولان) أي الرسول العرفي لا يقتل عادة (لقتلتكما، ثم دعا بعلي بن أبي طالب رضي الله عنه، فقال: "اكتب بسم الله الرحمن الرحيم: من محمد رسول الله) أي الصادق في دعواه (إلى مسيلمة الكذاب) في دعوة النبوة والرسالة (السلام على من اتبع الهدى) أي طريق الحق، لا من اتبع الباطل والهوى (أما بعد) أي بعد ما ذكر (فإن الأرض لله) أي حقيقة (يورثها) أي يعطيها خلقاً بعد خلق (من يشاء من عباده) أي من المؤمنين والكافرين، كما يشير إليه قوله تعالى: {وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَالعَاقِبَةُ} (¬1) أي وآخرة الأمر، والعاقبة المحمودة، ¬

(¬1) آل عمران 140.

أو والدار الآخرة الباقية التي هي العاقبة بهذه الدار الفانية {للمتقين} أي من الشرك والمعاصي (وصلى الله على سيدنا محمد، قال: فلما بلغ وحشياً ما كتب مسيلمة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي من دعوى المشاركة معه في باب الرسالة (أخرج المذراع) الأظهر أنه الذراع، أو المراد به آلة الذرع، يعني الحربة الذي قتل به حمزة (فصقله) أي فحدده (وَهَمَّ بقتل مسيلمة، فلم يزل على عزمه من ذلك حتى قتل يوم اليمامة) فقال: قتلت خير الناس، وشر الناس بحربتي هذه، ونزل الشام ومات بحمص. روى عنه ابناه إسحاق وحيرب وغيرهما، وعن سعيد بن المسيب، كان يقول: أعجب لقاتل حمزة كيف ينجو، حتى أنه مات غريقاً في الخمر، رواه الدارقطني على شرط الشيخين. وقال ابن الهمام: بلغني أن وحشياً لم يزل يحد في الخمر حتى خلع من الديوان (¬1)، فكان ابن عمر يقول: لقد علمت أن الله تعالى لم يكن ليدع قاتل حمزة رضي الله عنه هذا، وتفصيل قصة مسيلمة في كتب السير مسطور، وعند أرباب الحديث المشهور. - حرمة الخمر أبو حنيفة (عن محمد بن قيس الهمداني، عن أبي عامر الثقفي، أنه كان ¬

(¬1) من الإيمان

ليهدي للنبي صلى الله عليه وسلم كل عام راوية من خمر) أي قبل تحريمها (وفي رواية، أن رجلاً من ثقيف يكنى أبا عامر كان يهدي للنبي صلى الله عليه وسلم كل عام راوية من خمر، فأهدى في العام الذي حرمت فيه الخمر راوية) أي منها على عادته (كما كان يهدي له قبل ذلك بها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أبا عامر إن الله تعالى قد حرم الخمر، فلا حاجة لنا في خمرك، قال: خذها فبعها فاستعن بثمنها على حاجتك، فقال: يا أبا عامر، إنَّ الله حَرَّمَ الخمر، وشُربَها وبَيْعَها وأكل ثمنها).

- إسناده عن محمول بن راشد النهد إسناده عن محمول بن راشد النهد، بفتح فسكون، أحمد بن محمد بن إسماعيل الكوفي. (عن يعقوب بن يوسف بن زياد، عن ابن جناد) بضم الجيم (عن إبراهيم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم: كان يقرأ في الجمعة) أي في ركعتي صلاة الجمعة: (سورة الجمعة والمنافقون) أي إيثاراً للمؤمنين، وإنذاراً للمنافقين. - فضيلة عشر ذي الحجة أبو حنيفة: (عن محمول بن راشد، عن مسلم البطين، عن سعيد بن جبير رضي الله عنه، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ("ما من أيام أفضل

عند الله من أيام عشر الأضحى") الظاهر أنها بعد العشر الأخير من رمضان ("فأكثروا فيهن من ذكر الله") أي أنواع طاعته، وأصناف عبادته. ورواه الترمذي، وابن ماجه، عن أبي هريرة بلفظ: ما من أيام أحب إلى الله تعالى أن يتقبل به فيها من عشر ذي الحجة، يعدل صيام كل يوم منها بصيام سنة، وقيام كل ليلة، بقيام ليلة القدر. - حديث القاضي أبو حنيفة: (عن الحسن بن عبد الله، عن حبيب بن الثابت، عن أبيه) أي ثابت، وهو من جماعة من الصحابة والتابعين، ولم أدر من المراد به (قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: القضاة) جمع قاض، وفي معناه المفتي (ثلاثة) أي أنواع (قاضيان) أي حاكمان شرعاً أو سياسة (في النار) أي في المال، أو باعتبار مباشرة أسبابها في الحال، كقوله تعالى: {إِنَّ الّذِيْنَ يَأْكُلُونَ أمْوَالَ اليَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ في بُطُونِهِمْ نَاراً} (¬1) وقوله سبحانه {إِنَّ الأَبْرَارَ لفِي نَعِيم ... وإِنَّ الفُجَّارَ لَفِي جَحِيم} (¬2) (قاض) أي أحدهما أو منهما قاض (يقضي في الناس بغير علم) أي من الكتاب والسنة، أو المأخوذ منهما (ويؤكل) أي يطعم (بعضهم مال بعض)، أي بالباطل بناء على غرضه الفاسد العاطل. ¬

(¬1) النساء 10. (¬2) الانفطار 13 - 14.

- السنة مبينة لأحكام الكتاب والمعنى أنه الجاهل (وقاض) أي ومنهما قاضي (عالم، إلا أنه يترك) علمه وراء ظهره، (ويقضي بغير الحق لأجل الرشوة) ونحوها (فهذان) أي القاضيان الموصوفان (في النار) هذا نتيجة، فذلك ذكرت تأكيداً للقضية، (وقاض يقضي بكتاب الله) أي بعلم الشريعة المستفاد من الكتاب والسنة التي هي مبينة لأحكامه والمعنى: يقضي بالحق عالماً به (فهو في الجنة) وهذا نادر في زماننا، نسأل الله العافية. ولعل هذا وجه تأخير ذكره. والحديث رواه الطبراني عن ابن عمر رضي الله عنهما، بلفظ: القضاة ثلاثة، قاضيان في النار وقاض في الجنة، قاض قضى بالهوى، فهو في النار، وقاض قضى بغير علم، فهو في النار، وقاض قضى بالحق، فهو في الجنة. رواه أصحاب السنن الأربعة والحاكم في مستدركه عن بريدة: القضاة ثلاثة، اثنان في النار وواحد في الجنة، رجل علم الحق فقضى به، فهو في الجنة، ورجل قضى للناس على جهل فهو في النار، ورجل عرف الحق فجار في الحكم، فهو في النار. - حديث القلب (عن الحسن) أي البصري (عن الشعبي) بفتح أوله تابعي جليل (عن النعمان بن بشير) بضم النون، يكنى أبا عبد الله الأنصاري، ولأبويه صحبة سكن

الكوفة، وقد سبق ذكره (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن في الإنسان) أي في جسده، كما في رواية (مُضْغَةً) أي قطعة لحم صنوبري (إذا صلحت) بفتح اللام وضمها (صلح بها سائر الجسد) أي بسببها ولأجلها، لأن مدار الأعمال على صحة العقيدة وحسن الأصول (فإذا سقمت) بكسر القاف، وضمها، أي فسدت، كما في رواية (سقم بها سائر الجسد) فهو بمنزلة الملك في الأعقار في مرتبة الرعايا (ألا) للتنبيه (وهي) أي تلك المضغة (القلب) وسمي به لتقلبه بين أصابع الرب. والحديث رواه أصحاب الكتب الستة، والمذكور بعض مرويهم، وقد بسطت الكلام عليه في شرح الأربعين، والله الموفق والمعين. - حديث الحب (عن الحسن، عن الشعبي، قال: سمعت النعمان يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "مثلُ المؤمنين في توادِّهم) بتشديد الدال، أي تحابهم وحبهم (كمثل جسد واحد إذا اشتكى الرأس) أي العضو، كما في رواية، وخص لأنه رئيس الأعضاء (تداعى له) أي وافقه (سائره) أي باقي الجسد (بالسهر) بفتحتين، أي عدم النوم (والحمى) بضم الحاء وتشديد الميم مقصوراً، أي بألمه وشدة حرارته.

والحديث بعينه رواه أحمد ومسلم عن النعمان، بلفظ: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى". - اتقاء الشبهات وبه: (عن الحسن، عن الشعبي، قال: سمعت النعمان يقول على المنبر) أي حال كونه خطيباً، أو واعظاً (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "الحلال بَيِّن) أي ظاهر مبين معين، (والحرام بَيِّن) أي يعرفه كل أحد من المسلمين، (وبين ذلك) أي ما ذكر من الأمرين (أمور مشتبهات) أي لها شبه إلى الحرمة، ولها شبه إلى الحلية لا يعلمهنَّ كثير من الناس، وإنما يعرف حكمهن العلماء (فمن اتقى الشبهات) أي وصار العمل من الأتقياء (استبرأ لدينه وعرضه) أي طلب البراءة لهما فلا أحد يقدر أن يطعن في ديانته، ولا في مروءته. والحديث بطوله، رواه الجماعة، على ما ذكر في الأربعين للنووي، وقد أوضحت الكلام عليه، كما قدمت الإشارة إليه، وفي حديث الطبراني عن عمر مرفوعاً: الحلال بيِّن والحرام بيِّن، فَدَعْ ما يُريبكَ إلى ما لا يُريبكَ .. وفي الترمذي وابن ماجه، والحاكم، عن سليمان: (الحلال ما أحل الله في كتابه، والحرام ما حرم الله في كتابه) وما سكت عنه فهو مما عفى عنه.

- صلة الرحم أبو حنيفة: (عن ناصح بن عبد الله، ويقال ابن عجلان) بفتح أوله لقلة العملي التابعين، ذكر له في باب الشفقة والرحمة، روى عن سماك، ويحيى بن كثير، وعنه يحيى بن يعلى، وإسحاق السلولي. وناصح، ضعفه بعضهم، وأبوه عبد الله بن محمد بن علي بن نفيل الحافظ. روى عن مالك، وعنه أبو ادود، وقال: ما رأيت أحفظ منه، وكان أحمد يعظمه، ومن أركان الدين، مات سنة أربع وثلاثين ومائتين، (عن يحيى ابن أبي كثير، عن أبي سلمة) سبق ذكرهما (عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس مما عُصِيَ الله به) بصيغة المجهول (شيء هو أعجل عقاباً) أي أسرع عقوبة (في الدنيا من البغي) وهو الخروج على السلطان بغير حق، أو مطلق الظلم والتعدي على الخلق (ومَا مِنْ شَيءٍ أطْيَع به أَسْرَع ثواباً) أي مثوبة في الدنيا (من الصلة) أي صلة الرحم (واليمين الفاجرة) أي الكاذبة لا سيما إذا أخذ بها مال مسلم (تدع الديار) أي تركه دار صاحبها (بلاقع) جمع بلقع، وبهاء القُفر، أي صحراء، وهو كناية عن خراب حاله، وسوء مآله. والحديث رواه البيهقي بإسناد حسن، عن أبي هريرة رضي الله عنه، ولفظه: ليس شيء أطيع الله تعالى فيه أعجل ثواباً من صلة الرحم، وليس شيء أعجل عقاباً من البغي، وقطيعة الرحم، واليمين الفاجرة تدع الديار بلاقع.

(وفي رواية: ليس شيء أعجل عقوبة من البغي وقطيعة الرحم، واليمين الفاجر تَدع الدِّيَار بَلاَقِع) أي فوارغ من أهلها. - وعيد قسم كاذب (وفي رواية: ما من عمل أطِيع الله فيه بأعجل ثواباً من صلة الرحم، وما من عمل عُصِيَ الله فيه بأعجل من عقوبة البغي، واليمين الفاجرة تدع الديار بلاقع). (وفي رواية: ما من شيء أعجل عقوبة مما يعصى الله فيه) أي من جملة المعاصي (من البغي) متعلق بأعجل، ورواه أحمد والبخاري في تاريخه، وأبو داود والترمذي، وابن ماجه، وابن حبان، والحاكم عن أبي بكرة، بلفظ: "ما مِنْ ذَنْبٍ أَجْدَرُ أن يَجعل الله لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخره له في الآخرة، من قطيعة الرحم، والخيانة، والكذب، وأن أعجل الطاعة ثواباً، صلة الرحم، حتى أن أهل البيت ليكونون فخرة، فتنموا أموالهم، ويكثر عددهم، إذا تواصلوا. وبه (عن ناصح، عن يحيى، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة رضي الله عنه

قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة) أي صلاتها ودعاءها (كما يعلمنا السورة من القرآن) سبق الكلام عليه. - طلب العلم فريضة على كل مسلم وبه: (عن ناصح، عن يحيى، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "طَلَبُ العِلمِ فريضَة على كُلِّ مُسْلِم") الحديث مشهور. رواه ابن عدي والبيهقي، عن أنس رضي الله عنه، والطبراني في الأوسط، والخطيب عن حسين رضي الله عنه بن علي رضي الله عنه. والطبراني في الأوسط، عن ابن عباس رضي الله عنه. وتمام، عن ابن عمر. والطبراني في الكبير، عن ابن مسعود والخطيب، عن علي والطبراني في الأوسط. عن ابن عباس رضي الله عنه، والبيهقي، عن أبي سعيد. وفي رواية لابن ماجه، عن أنس: "طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة، وواضع العلم عند غير أهله، كمقلد الخنازير الجوهر واللؤلؤ والذهب". وروى ابن عبد البر في العلم عن أنس رضي الله عنه، بلفظ: "طلب العلم فريضة على كل مسلم، وإن طالب العلم، يستغفر له كل شيء. حتى الحيتان في البحر". واعلم أن ورود الأحاديث من طرق كثيرة، وتعددها، يوجب القول بحسن الحديث، فلا ينافي ما قال البيهقي، من أن متنه مشهور، وإسناده ضعيف.

وقد روي من أوجه كلها ضعيفة، وسئل الإمام أحمد، فيما حكاه الجوزي عنه في العلل المتناهية، فقال: إنه لا يصح عندنا في هذا الباب شيء، أي لا يصح، وكذا قول إسحاق بن راهوية، إنه لم يصح، فإنه لا ينافى أنه يحسن هذا. وقال العراقي: وقد صحح بعض الأئمة بعض طرقه، وقال المزني: إن طرقه تبلغ به رتبة الحسن. وقال الديلمي: روى أيضاً من حديث أبي بن كعب، وحذيفة رضي الله عنه، وسلمان وسمرة بن جندب، ومعاوية بن جيده، وأبي أيوب، وأبي هريرة، وعائشة بنت الصديق. وعائشة بنت قدامة وأم هاني، وقد ثبت مخارجها في الأحاديث المتواترة، كذا ذكره شيخ مشايخنا، جلال الدين السيوطي. وقال الزركشي: روى من أوجه في كل طرقه مقال. وأخرجه ابن ماجه عن كثير بن شنظير، عن محمد بن سيرين بن كثير، مختلف فيه، والحديث حسن، وقال ابن عبد البر: روي من وجوه، كلها معلول، وقال ابن أبي داود: سمعت أبي يقول: ليس في طلب العلم فريضة أصح من هذا، يعني من سنده الذي ذكره هذا. وفي شرح الجامع الصغير للعلقمي، سئل النووي عن هذا الحديث، فقال: إنه ضعيف، وإن كان معناه صحيحاً. وقال تلميذه الحافظ: هذا الحديث روي من طرق تبلغ رتبة الحسن، وهو كما قال: فإني رأيت له خمسين طريقاً، جمعتها في جزء، وحكمت بصحته. لكنه من القسم الثاني، وهو الصحيح لغيره، قلت: وقد سبق أن بعضهم صحح بعض طرقه، فهو من القسم الثاني من الصحيح لذاته، ثم اعلم أن المراد بهذا العلم، هو الذي لا يسع البالغ العاقل، جهله، أو علم ما يطرأ له خاصة، أو أراد أنه فريضة على كل مسلم حتى يقوم به من فيه الكفاية.

ثم روي عن ابن المبارك أن سئل عن تفسير هذا الحديث، فقال: ليس هو الذي تظنون، إنما طلب العلم فريضة أن يقع الرجل في شيء من أمر دينه، فيسأل عنه حتى يعلمه. وقال البيضاوي: المراد بالعلم هنا، ما لا مندوحة للعبد عن تعلمه، كمعرفة الصانع، والعلم بوحدانيته، ونبوة رسوله، وكيفية الصلاة، فإن علمه فرض عين. وقال الشيخ السهروردي: قيل هو علم الإخلاص بمعرفته آفات النفوس، وما يفسد الأعمال، لأن الإخلاص مأمور به، وقيل: معرفة الخواطر، إذ به يعرف الفرق بين لمة الملك، ولمة الشيطان، وقيل هو طلب علم الحلال، حيث كان أكل الحلال فريضة، وقيل: هو علم البيع والشراء، والنكاح والطلاق، إذا أراد الدخول في شيء من ذلك يجب عليه طلب علمه، وقيل هو طلب علم الفرائض الخمس التي بني الإسلام عليها. وقيل هو علم التوحيد بالنظر والاستدلال، وقيل: هو طلب علم الباطن، وما يزداد به العبد يقيناً، والله سبحانه وتعالى أعلم. - حديث السواك أبو حنيفة (عن علي بن الحسن الردَّاد) بتشديد الراء (عن تمام) بتشديد الميم الأولى (عن جعفر بن أبي طالب) وهو ذو الجناحين، أسلم قديماً، وكان أكبر من أخيه علي بعشر سنين، وكان أشبه الناس خَلقاً وخُلقاً برسول الله صلى الله عليه وسلم، روى عنه ابنه عبد الله، وخلق كثير من الصحابة والتابعين، قتل شهيداً يوم مؤتة سنة ثمان، وله إحدى وأربعون سنة، فوجد فيما أقبل من جسده، تسعون ضربة، ما بين طعنة برمح وضربة بسيف (أن ناساً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخلوا على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "إني أراكم قُلَّحاً) بضم القاف وتشديد المفتوحة، وبالحاء المهملة، جمع

قالح من القلح محركة صفرة الأسنان (اسْتَاكُوا) أمر من الاستياك، وهو استعمال السواك (فلولا أن أشق على أمتي) أي بتكليف أمر صعب (لأمرتهم) أي وجوباً، وإلا فقد أمرتهم ندباً (بالسواك عند كل صلاة) أي عند وضوئها، كما في روايات أُخر، وهو الأحوط، لئلا ينقض وضوءه عند إرادة الصلاة، بخروج دمه عند استعمال السواك، وإلا فلا منع، ولا مانع من الجمع. وفي رواية: "مالي أراكم تدخلون عليَّ قُلحاً، اسْتَاكُوا" أي في أيِّ وقت كان. وفيه تنبيه على المبالغة، ليزول المقصود ويحصل النظافة. وقد روى أحمد عن ابن عمر مرفوعاً: "عليكم بالسِّواك فإنه مطيبة للفم، مرضاة للرب". وفي رواية عبد الجبار الخولاني رحمه الله، عن أنس رضي الله عنه بلفظ: "عليكم بالسواك، فنِعْمَ الشيء السِوَاك، يذهب بالخفرة، وهو صفرة، تعلو الأسنان، وَيَقْرَعُ البَلْغَم، وَيَجْلُو البَصَر، وَيَشُدُّ اللثَّة، ويذهب بالبَّخر، وُيصْلِحُ المَعدة، وَيَزيدُ دَرَجَاتِ الجَنَّةِ وَيَحمُدُ المَلاَئِكَةَ، وَيُرضي الرَّب، ويُسْخِطُ الشَيْطَان. (فلولا أن أشق على أمتي، لأمرتهم أن يستاكوا عند كل صلاة، أو عند كل وضوء) أو للتنويع، أو للشك، والله أعلم. والحديث رواه مالك وأحمد والشيخان والترمذي والنسائي وابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله عنه، وأحمد، وأبو داود، والنسائي عن زيد بن خالد. وفي رواية لمالك رحمه الله، والشافعي رحمه الله، والبيهقي، عن أبي

هريرة رضي الله عنه، بلفظ: "لَوْلاَ أَنْ أشُقَّ عَلَى أمَّتي لأَمَرْتهم بالسِّوَاكِ مع كُلِّ وُضُوء". وفي رواية لأحمد والنسائي، عن أبي هريرة بلفظ، لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم عند كل صلاة بوضوء ومع كل وضوء بسواك. ورواه الحاكم عن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه ولفظه: "لولا أن أشق على أمتي لفرضت عليهم الوضوء (أي وجوده) عند كل صلاة". وفي رواية للحاكم والبيهقي عن أبي هريرة رضي الله عنه: "لولا أن أشق على أمتي لفرضت عليهم السواك مع الوضوء". - المسح على الخفين ما سمع بهذا الأمر قبل هذه، ولذا أنكره أبو حنيفة: (عن أبي بكر الجهم) بفتح الجيم وسكون الهاء (عن ابن عمر، قال: قدمت على غزوة العراق) أي على أهلها، أو عسكرها (فإذا سعد بن مالك) وهو سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أحد العشرة المبشرة، وقد سبق ذكره (يمسح على الخفين، فقلت: ما هذا؟) أي المسح عليها، فكأنه ما رأى هذا الفعل، وما سمع بهذا الأمر قبل هذه، ولذا أنكره (فقال: يا ابن عمر إذا قدمت على أبيك فاسأله عن ذلك) أي فإنه أعرف بما هنالك، (قال: فأتيته)، أي أبي، (فسألته، فقال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح فمسحنا) أي تبعاً له، ولا نعرف وجهه، إذ لا يحتاج إلى دليله غير هذا، وهذا لا ينافي ما قال بعضهم، إن آية الوضوء مجملة، باعتبار

القراءتين، وفعله عليه الصلاة والسلام مبين لها، غسل الرجلين، ومسح على الخفين. (وفي رواية قال: قدمت العراق) أي بنية الغزو، (فإذا سعد بن مالك يمسح على الخفين، فقلت: ما هذا قال: إذا قدمت على عمر فاسأله؟ فقال: قدمت على عمر فسألته، فقال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يمسح فمسحت). (وفي رواية، قال: قدمت العراق، لغزوة جلولا) بفتح الجيم واللام، موضع ببغداد، ولها وقعة معروفة، (فرأيت سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، يمسح على الخفين) فقلت ما هذا يا سعد (قال: إذا لقيت أمير المؤمنين) يعني عمر رضي الله عنه، وهو أول من سمي بأمير المؤمنين (فاسأله: قال فلقيت عمر، فأخبرته بما صنع) أي سعد، من المسح (فقال عمر صدق سعد) أي في فعله المطابق لنقله (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنعه فصنعته).

(وفي رواية) أي عن ابن عمر (قدمنا على غزوة العراق، فرأيت سعد بن أبي وقاص، يمسح على الخفين، فأنكرت عليه، فقال لي: إذا قدمت على عمر فاسأله عن ذلك، قال ابن عمر: فلما قدمت عليه، سألته، وذكرت له ما صنع سعد، فقال: عمك) أي أخو أبيك في الدين (أفقه منك، رأينا) أي أنا وهو وغيره (رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح، فمسحنا) وهذا صريح في أن المسح ثابت أولاً، وليس بمنسوخ آخراً، وقد سبق تحقيق هذا المرام فيما سبق من الكلام. - صلاة الوتر أبو حنيفة (عن أبي يعقوب العبدي، عمن حدثه، عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله زادكم صلاة) أي على الصلوات الخمس المفروضة، فإن الزيادة لا بد أن يكون من جنس المزيد فيه (وهي وتر) أي صلاة وتر، فيكون فرضاً إلا أنه لما كان الدليل ظنياً، قال إمامنا بأنه واجب، أي اعتقاداً، وفرض عملاً.

وفي رواية: إن الله افترض عليكم، أى بالصلوات الخمس، وزادكم الوتر، أي صلاته. (وفي رواية: إنَّ الله زادَكُم صَلاَة الَوتر) وسبق عن الحسن نقل الإِجماع على أنه ثلا ث ركعات. (وفي رواية: إن الله زادكم صلاة، وهي الوتر، فحافظوا عليها) وقد قيل إن الصلاة الوسطى هي الوتر، وكان هذا الحديث مأخذه حيث خص بالمحافظة عليها طبق قوله سبحانه {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوّاتِ والصَّلاَةِ الوُسطى} (¬1) والحديث رواه جماعة من المحدثين، عن جمع من الصحابة، فرواه ابن راهويه في مسنده، عن عمرو بن العاص، وعقبة بن عامر، عنه عليه الصلاة والسلام، قال: "إن الله زادكم صلاة هي لكم خير من حمر النعم: الوتر، وهي لكم فيما بين العشاء إلى طلوع الفجر". ورواه الطبراني والدارقطني عن عكرمة، عن ابن عباس، رضي الله عنه، وأخرجه الدارقطني عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، وفيه أنه عليه الصلاة والسلام: أمرنا فاجتمعنا، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: إن الله تعالى زادكم صلاة، فأمرنا بالوتر. ورواه الحاكم، عن عمرو بن العاص، قال: سمعت أبا نضرة الغفاري يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الله تعالى زادكم صلاة وهي الوتر، فصلوها، ما بين العشاء إلى طلوع صلاة الصبح". ¬

(¬1) البقرة 238.

ورواه الحاكم وأبو داود والترمذي وابن ماجه: "خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إنَّ الله أمَرَكُمْ بصلاةٍ هيَ خيرٌ من حُمر النِّعَمِ، وهي الوتر، فجعلها لكم ما بين العشاء إلى طلوع الفجر". قال الحاكم: صحيح ولم يخرجاه، لتفرد التابعي عن الصحابي، يعني، وهو غير مضر، وقول الترمذي: غريب، لا ينافي الصحة، لما عرف في محله من الأصول، وكذا القول في كتابه، حسن صحيح غريب. وما نقل عن البخاري، من أنه أعله بقوله: لا يعرف سماع بعض هؤلاء من بعض، فبناءً على اشتراط العلم باللقى والصحيح اللقاء بإمكان اللقى هذا. وقد روى أبو داود عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الوتر حق، فمن لم يوتر، فليس مني، الوتر حق فمن لم يوتر فليس مني، الوتر حق، فمن لم يوتر فليس مني". - الوتر واجب على كل مسلم ورواه الحاكم وصححه، وأخرج البزار عن الأسود، عن عبد الله، عن النبي صلى الله عليه وسلم: "الوتر واجب على كل مسلم". وبه (عن أبي يعقوب، عمن حدثه، عن سعد بن مالك، قال: كنا نطبق) بتشديد الموحدة المكسورة، أي نجعل اليدين على الفخذين في الركوع (ثم أمرنا بالركب) بضم ففتح، جمع الركبة، أي بأخذها حال الركوع.

وقد روى الطبراني في معجمه عن أنس رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: "يا بني، وإذا ركعت فضع يديك على ركبتيك، وفرج بين أصابعك، وارفع يديك عن جنبيك". - نهى صلى الله عليه وسلم عن شرطين في بيع، وعن بيع وسلف وبه (عن أبي يعقوب، عمن حدثه، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم بعث عتاب) بتشديد الفوقية (بن أسيد) بفتح فكسر (إلى أهل مكة) أي أميراً، وهو قرشي أموي، أسلم يوم الفتح، يوم خروجه عليه الصلاة والسلام، إلى حنين، فولاه عليها، وقبض النبي صلى الله عليه وسلم، وهو عامل عليها، وأقره أبو بكر عليها، إلى أن مات بها في سنة ثلاث عشر، يوم موت أبي بكر، وكان من سادات قريش، خيراً صالحاً، قيل: نزلت فيه: {وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلياً واجْعَلْ لنَا من لَدُنْكَ نصيراً} (¬1) (فقال أنههم) أمر، من نهى ينهى (عن شرطين، في بيع، وعن بيع وسلف) في رواية الترمذي والنسائي، عن أبي هريرة، أنه عليه الصلاة والسلام نهى عن بيعين في بيعة. قال صاحب النهاية، هو أن يقول، بعتك هذا الثوب نقداً بعشرة، ونسيئة بخمسة عشر، فلا يجوز، لأنه لا يدري أيهما الثمن الذي يختاره، فيقع عليه العقد، قال: ومن صوره: أن يقول: بعتك هذا بعشرين، على أن بعتني ثوبك ¬

(¬1) النساء 75.

بعشرة، فلا يصح الشرط الذي فيه، ولأنه يسقط بسقوط بعض الثمن، فيصير الثاني مجهولاً، وقد نهى عن بيع وشرط، وبيع وسلف، وهما هذان الوجهان، انتهى. وهذا يفيد أن شرطاً في بيع أيضاً منهي عنه، إلا أن يكون شرطاً مما يقتضيه العقل، ومحل بسطه كتب الفقه، والتقييد بقول في بيع يفيد أن الشرط في النكاح غير مفسد، (وعن ربح ما لم يضمن) وهو بيع ما اشتراه قبل قبضه، فربح كذا في النهاية (وعن بيع ما لم يقبض). والحديث رواه الطبراني، عن حكيم بن حزام، ولفظه: نهى عن سلف وشرطين في بيع، وبيع ما ليس عندك، وربح ما لم تضمن. - الحجامة غير مفطر للصيام، كما هو مذهب الجمهور خلافاً لأحمد أبو حنيفة: (عن أبي السوَّاد) بتشديد الواو، ويقال: أبو السوداء، وهو السلمي (عن ابن حاجب، عن ابن عباس رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم احتجم بالقاحة) بالقاف والحاء المهملة، موضع بين مكة والمدينة (وهو صائم) أي فرضاً أو نفلاً، والجملة حالية، وفي رواية قال: احتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقاحة، وهو محرم، أي بالحج والعمرة، وهذا محمول على أن الاحتجام وقع في موضع لم يحتج إلى قطع شعره، أو على عذر ويوجب كفارة صائم، وهذا يدل على أن الحجامة غير مفطر للصيام، كما هو مذهب الجمهور، خلافاً لأحمد حيث تعلق بظاهر الحديث، أفطر الحاجم والمحجوم. رواه أحمد، وأبو داود والنسائي، وابن ماجه، وابن حبان، والحاكم، عن ثوبان، قال السيوطي في الجامع الصغير، وهو متواتر، أي معنى، وتأويله

المشهور، أنهما تعرضا للإفطار، وقيل إنه منسوخ. وقد روى الترمذي: ثلاث لا يفطرن الصيام، الحجامة، والقيء، والاحتلام، ورواه أكثر أيضاً من حديث ابن عباس رضي الله عنه، ولفظه: تقديم القيء، قال: وهذا من أحسنها إسناداً واجتهاداً. وروى البخاري وغيره، أنه عليه الصلاة والسلام احتجم وهو محرم. واحتجم وهو صائم. وقيل لأنس رضي الله عنه: كنتم تكرهون الحجامة للصائم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: لا، إلا من أجل الضعف، رواه البخاري. وقال أنس: أول ما كرهت الحجامة للصائم، ابن جعفر بن أبي طالب، احتجم وهو صائم، فمر برسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أفطر هذا، ثم رخص عليه الصلاة والسلام في الحجامة بعد للصائم، وكان أنس رضي الله عنه يحتجم وهو صائم، رواه الدارقطني. وقال في رواية: كلهم ثقات، لا أعلم له علة. - أجرة الحجام (وفي رواية: أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم، وأعطى الحجام أجرة) أي أجرته (ولو كان) أي أجر الحجام (خبيثاً) أي حراماً (ما أعطاه) وفيه رد لمن قال بكراهة أكله، وأنه ينبغي أن يطعم عبده، أو ذريته. وقد روى ابن ماجه، عن أبي مسعود، أنه عليه الصلاة والسلام: نهى عن كسب الحجام، فالنهي محمول على التنزيه، لا على التحريم، بدليل فعله عليه الصلاة والسلام.

- نهي متعة النساء أبو حنيفة: (عن يونس بن عبد الله، عن أبيه ربيع بن سبرة) بفتح السين وسكون الموحدة (الجهني، عن أبيه) أي هو سبرة بن معبد الجهني، سكن المدينة، روى عنه ابنه الربيع، وعداه في المصريين (قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن متعة النساء، يوم فتح مكة) وصورة النكاح المتعة، أن يقول الرجل لامرأة خالية من الموانع، أتمتع بك عشرة أيام، مثلاً، أو متعيني نفسك أياماً، أو عشرة أيام، لم يذكر أياماً، بكذا من المال. (وفي رواية: نهى عن المتعة) أي متعة النساء (عام الحج) أي سنة حجة الوداع، فيكون تأكيداً لما قبله، وإيذاناً بأنه ناسخ لما قبلها، ولما بينها من إباحتها، فإنه تعدد إباحتها وتحريمها. (وفي رواية: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن متعة النساء عام الفتح) في صحيح مسلم، أنه عليه الصلاة والسلام حرمها يوم الفتح. وفي الصحيحين، أنه عليه الصلاة والسلام حرمها يوم فتح خيبر، والتوفيق، أنها مرتين، المتعة ولحوم الحمر الأهلية، والتوجه إلى بيت المقدس في الصلاة. وقيل لا يحتاج إلى الناسخ، لأنه صلى الله عليه وسلم كان أباحها ثلاثة أيام، فبانقضائها، ينتهي الإباحة، وذلك لما قال محمد بن الحسن في الأصل: بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

أنه أحل المتعة ثلاثة أيام من الدهر في غزاة غزاها، اشتد على الناس فيها العزوبة، ثم نهى عنها. وفي صحيح مسلم عنه صلى الله عليه وسلم: كنت أذنت لكم في الاستمتاع من النساء، وقد حرم الله ذلك إلى يوم القيامة. والأحاديث في ذلك كثيرة مشهورة، وفي كتاب السير مسطورة، وابن عباس رضي الله عنه، صح رجوعه بعد ما اشتهر عنه من إباحتها. وقيل، إنما أباح للمضطر. والحاصل، أنه لا خلاف في تحريمها من الأئمة، إلا طائفة من الشيعة. - من نسب إباحة المتعة إلى الإمام مالك فقد أخطأ وأما في الهداية من قوله: وقال مالك رحمه الله هو جائز: فقال ابن الهمام: نسبته إلى مالك غلط، والله سبحانه وتعالى أعلم. - مسند حماد بن أبي حنيفة مسند حماد بن أبي حنيفة رحمه الله، هو حماد بن نعمان الإمام ابن الهمام، تفقه على أبيه، وأفتى في زمنه، وتفقه عليه ابنه إسماعيل، وهو في طبقة أبي يوسف، ومحمد، وزفر، والحسن بن زياد وكان الغالب عليه الورع. أبو حنيفة: قال الفضل بن دكين: تقدم حماد بن النعمان، إلى شريك بن عبد الله، في شهادة فقال له شريك: والله إنك لعفيف النظر والفرج خيار مسلم، توفي سنة ست وسبعين ومائة، لما توفي أبوه، كان عنده ودائع كثيرة من ذهب وفضة، وغير ذلك، وأربابها غائبون، وفيهم أيتام، فحملها ابنه حماد إلى القاضي لتسليمها منه، فقال له القاضي: لا نقبلها منك ولا نخرجها من عندك فإنك أصل لها وموضعها، فقال له حماد: زنها واقبضها، وتبرأ ذمته، أبي حنيفة رحمه الله، ثم افعل ما بدا لك، ففعل القاضي ذلك، وبقي في وزنها أياماً، فلما أكل وزنها،

استرد حماد، فلم يظهر، حتى دفعها إلى غيره. - حرمة الوطء من جانب الدبر (حماد) أي روى عن أبي حنيفة رحمه الله والده (عن أبي الهيثم) بفتح الهاء وسكون التحتية، وفتح المثلثة (المكي، عن أبي يوسف بن ماهك) بفتح الهاء بمنع الصرف، (عن حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم) وهي بنت عمر رضي الله تعالى عنه، تزوجها في سنة ثلاث، وطلقها تطليقة واحدة، ثم راجعها حيث نزل الوحي "راجع حفصة، فإنها صوامة قوامة، وإنها زوجتك في الجنة". وروى عنها جماعة من الصحابة والتابعين، ماتت سنة خمس وأربعين، وهي ابنة ستين وقد روى ابن عساكر، عن هند بن أبي هالة، مرفوعاً "إن الله أمرني أن لا أتزوج إلا أهل الجنة (أن امرأة أتتها) أي جاءتها (مستغيثة، فقالت: إن زوجي يأتيني) أي يجامعني (مجنبة) بضم الميم وكسر النون المخففة، أو بفتحها مشددة، أي حال كوني على جنبي، (فبلّغه) بتشديد اللام (تكرهه) أي فعله ذلك (فبلغ ذلك) أي الكلام (إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: لا بأس إذا كان) أي الجماع (في صمام واحد) بكسر الصاد، يقال صمام لقارورة بكسرها سدادها، كذا في القاموس، فهو كناية عن الفرج، واحتراز عن الدبر. وفي النهاية: الصمام المسلك، وهو طهر، فتدبر. وفي حديث الترمذي. عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنه،

قال: جاء عمر رضي الله تعالى عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، هلكت، قال حولت رحلي البارحة، فلم يزد عليه شيئاً، وأوحى الله: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} (¬1) يقول: أقبل وأدبر واتق الدبر والحيضة. - كنت أوسع على الموسر وبه: (عن أبيه، عن أبي مالك الأشجعي، قال: حدثني ربعي) بكسر الراء (بن حراس) بكسر الحاء (عن حذيفة رضي الله عنه) أي ابن اليمان (قال: يؤتى بعبد الله تعالى) إلى موضع حكمه (يوم القيامة) أي للمحاسبة (فيقول) أي العبد (أي رب) أي يا رب (ما عملت إلا خيراً) أي طاعة (ما أردت به) أي بذلك الخير (إلا لقاءك) أي ابتغاء رضائك لا سمعة، ولا رياء لسواك (فكنت أوسع على الموسر) أي على الغني زيادة في توسعه (وأندر) من الإندار بالدال المهملة (عن المعسر) أي أسقط الدين عنه والمعنى: لا تجاوزه وأسامحه (فيقول الله تعالى: أنا أحق بذلك) أي التجاوز منك (تجاوزوا) أمر للملائكة (عن عبدي) أي المتجاوز جزاء وفاقاً (فقال أبو مسعود الأنصاري) شهد العقبة الثانية، سكن الكوفة، ومات ¬

(¬1) البقرة 223.

في خلافة علي رضي الله تعالى عنه، روى عنه ابنه بشير، وخلق سواه، وأشهد على رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه رأى (حذيفة رضي الله عنه سمعه) أي الحديث السابق (عنه) أي الكوفي، سمعت عنه صلى الله عليه وسلم. - المقام المحمود والشفاعة الكبرى وبه (عن أبيه، عن عطية العوفي، قال: سمعت أبا سعيد الخدري رضي الله عنه) بضم الخاء المعجمة، وسكون الدال المهملة، نسبة إلى قبيلة بني خدرة، وهو سعيد بن مالك الأنصاري رضي الله عنه، كان من الحفاظ المكثرين، والعلماء، والفضلاء، والعقلاء. روى عنه جماعة من الصحابة والتابعين، مات سنة أربع وسبعين، ودفن بالبقيع، وله أربع وثمانون سنة (يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول): بقراءتي (عسى)، أتوقع (أن يبعثك ربك) أي يقيمك (مقاماً محموداً) أو يحشرك في مقام محمود، قال: يحتمل موقوفاً ومرفوعاً، (يخرج الله تبارك وتعالى قَوْماً من النَّارِ) أي جماعة شاملة من الرجال والنساء (من أهل الإيمان والقبلة) أي ملة أهل الإسلام (بشفاعة محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذلك) أي مقام شفاعته المذكور (هو المقام المحمود) أي من جملته، فإن حقيقته هو الشفاعة الكبرى الشاملة للخلق طراً (فيؤتى بهم) بإخراجين من النار (نهراً) بفتح الهاء وتسكين (ويقال له الحيوان) بفتح الحاء والياء، أي نهر الحياة الكاملة، ومنه قوله تعالى: {وإنَّ الدَّارَ الآخِرَة

لَهِيَ الحَيَوَانُ} (¬1) (فيلقون فيه) بصيغة المجهول، أو المعروف (فينبتون) أي نباتاً ثانياً (وينمون) نمواً سريعاً (كما ينبت التقادير) وهو صغار القثاء، شبهوا بها لأنها تثمر سريعاً (ثم يخرجون) بصيغة المجهول، والفاعل، وكذا قوله (فيدخلون الجنة) وأما قوله (فيسمون الجهنميين) والمجهول متعين (ثم يطلبون إلى الله تعالى) أي متضرعين إليه (أن يذهب عنهم ذلك الاسم)، يعني لكونهم مكتوبين على جباههم، هؤلاء العتقاء من النار (فيذهب عنهم) أي فيمحو ذلك الاسم من جباههم. ومن قلوب أهل الجنة، حتى يصيروا كواحد منهم، وقد سبق نحو ذلك فيما تقدم، والله سبحانه وتعالى أعلم. - القياس الكاسد وبه (عن أبيه، عن محمد بن قيس) وهو ابن مخرمة القرشي الحجازي، روى عن أبي هريرة رضي الله عنه وعائشة رضي الّه عنها، وعنه، عبد الله بن كثير، وغيره (قال: سألت ابن عمر أو ابن كثير) شك منه أو من غيره (عن بيع الشحم فقال: قاتل الله اليهود، حرمت عليهم الشحوم) كما نص الله سبحانه وتعالى بقوله: {وَمِنَ البَقَرِ والغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُوْمَهُمَا} (¬2) الآية (فحرموا أكلها ¬

(¬1) العنكبوت 64. (¬2) الأنعام 146.

واستحلوا بيعها وأكل ثمنها) مع أن الآية مطلقة، فقيدوها من تلقاء أنفسهم، فلا يرد أن قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ المَيْتَةُ} (¬1) محمول على أكلها، وجاز الانتفاع بجلدها، فإن هذا البيان استفيد من صاحب الشريعة، لا بالرأي الفاسد، والقياس الكاسد، وإن الذي حرم الخمر، حرم بيعها وأكل ثمنها، وقد سبق، بعض الحديث مرفوعاً. وقد روى أحمد والجماعة عن جابر، والشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه، وأحمد والشيخان، والنسائي، وابن ماجه، عن عمر مرفوعاً، بلفظ: "قاتل الله اليهود، إن الله عز وجل، لما حرم عليهم الشحوم جملوها" بالجيم "ثم باعوها وأكلوا ثمنها". قوله: جملوها: بالجيم، أي أذابوها. - العبرة بخواتيم الأعمال والأحوال (عن أبيه، عن عبد العزيز بن رفيع) بالتصغير، وهو الأسدي المكي، سكن الكوفة، وهو من مشاهير التابعين وثقاتهم، سمع ابن عباس، وأتى عليه نيّف وتسعون سنة، (عن مصعب) وهو ابن سعد بن أبي وقاص القرشي، سمع أباه وعلياً، وابن عمر. روى عنه سماك بن حرب وغيره (عن سعد) أحد العشرة المبشرة (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: "ما مِنْ نَفْسٍ) أي من نفوس بني آدم، لأن الكلام فيهم (إلا قد كتب الله عز وجل) أي في اللوح المحفوظ، أو أثبت في القضاء والقدر (مدخلها ¬

(¬1) المائدة 3.

ومخرجها) أي الطاعة والمعصية، وطلب الرزق وغيرهما، وهما يحتملان المصدر واسمي الزمان والمكان (وما هي لاقية) أي ملاقية في الدنيا والعقبى، (قيل: ففيم العمل) أي الآن، والحال أن الأمور كلها مفروغ منها في الأزل (يا رسول الله؟ قال: اعملوا) أي لا بد من العمل وظهوره إلى تمام الأجل (فكل ميسر) أي مسهل مهيأ (لما خلق له) أي قدر له من أسباب الأمل (فمن كان من أهل الجنة، يسر لعمل أهل الجنة) أي حتى يموت على عملهم، (ومن كان من أهل النار يُسِّرَ لِعَمَلِ أَهلِ النَّارِ) حتى يموت على عملهم، فإن العبرة بخواتيم الأعمال، والأحوال. (قال الأنصاري) أي بعض منهم (الآن) أي هذه الساعة (حق العمل) أي ظهر وجه حكمة الأمر بالعمل، وهذا نظير قول زليخا: الآن حصحص الحق، والأحاديث في هذا الباب كثيرة شهيرة، منها ما أورده صاحب المشكاة في أول كتابه، وقد شرحناها في بابه. - عذاب الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وبه: (عن أبيه، عن عطية العوفي، عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ كَذَبَ عَليَّ مُتعمداً فليتبوَّأ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ") قد سبق الكلام عليه، (قال عطية: وأشهد) أي وأحلف (أني لم أكذب على أبي سعيد، وأن أبا سعيد لم يكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم) في هذا الحديث وغيره.

- قيام الليل (وبه: عن أبيه، عن عبد الرحمن بن حزم) بفتح الحاء المهملة وسكون الزاء (عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَا زَالَ جبرائيل يوصيني بالجار) أي بالإحسان إليه والتعطف عليه (حتى ظننت) أي حسبت (أنه) أي الله تعالى (يورِّثه) بالتشديد والتخفيف، أي الجار، من مثله، والحديث بعينه، رواه أحمد والشيخان، وأبو داود، والترمذي، عن ابن عمر وأحمد، والستة، عن عائشة رضي الله عنها. ورواه البيهقي عن عائشة بلفظ الأصل مع زيادة: (وما زال يوصيني بالمملوك، حتى ظننت أنه يضرب له أجلاً ووقتاً إذا بلغه عتق، وما زال جبرائيل يوصيني بقيام الليل) أي للتهجد والعبادة والقراءة (حتى ظننت) أي علمت وتحققت (أن خيار أمتي لا ينامون إلا قليلاً) كما يدل عليه قوله سبحانه وتعالى: {كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ} (¬1) أي من قليل زمانه الذي فيه يرقدون. وفي تفسير قول آخر، وهو: أنهم كانوا قليلاً من الناس موصوفين بأنهم ما يهجعون مطلقاً، أو بعضه على أن ما نافية، وفي قليل من الليل عدم هجوعهم إذا ¬

(¬1) الذاريات 17.

كانوا يقومون ثلث الليل، أو نحوه، كما أشار إليه قوله تعالى: {قُم اللَّيْلَ إلاّ قَلِيلاً نِصفُهُ أو انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً أَوْ زِدْ عَلَيهِ} (¬1) الآية. وقوله عز وجل: {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أدْنَى مِنْ ثُلُثَي الليْلَ ونِصفَهُ وثُلُثهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الّذِينَ مَعَك} (¬2). وفي الحديث: أشرافُ أمتي حملة القرآن، وأصحاب الليل، رواه الطبراني والبيهقي. عن ابن عباس (عن أبيه، عن سلمة بن كهيل) بالتصغير (عن أبي عرا، عن ابن مسعود، قال: لا يبقى في النار) أي أحد من المؤمنين مخلداً (إلا من ذكر الله في هذا الآية {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَر ... قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ المُصَلِّين ... وَلَم نَكُ نُطْعِمُ المِسْكِين} إلى قوله {فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشافِعين} (¬3) سبق الكلام عليه. - الحقب وبه (عن أبيه، عن عاصم) لعله الإمام في القراءة، فإنه شيخ الإمام (عن أبي صالح) وهو ابن الذكوان الزيات السمان من أجلاء التابعين (قال: الحقب) وهو بضم، وبضمتين (ثمانون سنة) أو أكثر، هكذا في القاموس (منها) أي من ¬

(¬1) المزمل 2 - 3. (¬2) المزمل 20. (¬3) المدثر 42 - 48.

الثمانين سنة (أيام عدد أيام الدنيا) لعله أراد عدد أيام خلق أصول الدنيا، المفهوم من قوله سبحانه وتعالى {الَّذي خَلَقَ السّموَات والأرضَ فِي سِتَةِ أيَّامٍ} (¬1) وستة أيام عدد أيام الدنيا باعتبار ما مضى بالنسبة إلى القائل، وإلا فقد ثبت أن عمر الدُنيا سبعة أيام كل يوم ألف سنة، وإن آخر من يخرج من الناس من عصاة المؤمنين، من لبث فيها سبعة آلاف سنة، عمر الدنيا، ومع هذا قلنا: فلابد من اعتبار كسر فيها، فأنا نحن الآن في سنة اثني عشر بعد الألف الذي هو السابع، نعم يتجاوز عن خمسمائة، وإلا فلزم أن يكون ثمانية آلاف كما حققه شيخ مشايخنا السيوطي في رسالته الكشف في مجاوزة هذه الأمة من الألف، وخلاصته، أنه أراد الحقب ثمانون سنة، وكل سنة اثنتي عشر شهراً، وكل شهر ثلاثون يوماً، وكل يوم ألف سنة. وروى ذلك عن علي رضي الله تعالى عنه، كما في تفسير البغوي، لكن لا يخفى أنه لا يندفع به الاشكال الوارد بحسب الظاهر المتبادر في قوله سبحانه {إنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصاداً ... لِلطَاغِيْنَ مَآباً. لاَبِثِينَ فِيهَا أحقَاباً} (¬2) فإن قد يتوهم منه انقطاع العذاب بعد لبث الأحقاب. فالأظهر في الجواب، أن العدد لا مفهوم له، أو هو ليس ظرفاً لما قبله من قوله لابثين، بل لما بعده من قوله {لاَ يَذُوقُونَ فِيهَا بَرداً ولا شَرَاباً ... إلاَّ حَمِيماً وغَسَّاقاً} (¬3) فيفيد أنهم بعدها يذوقون أشياء أخر، من ضريع وزقوم، وصديد ونحوها، والمراد، التكثير لا التحديد، فقد قال الحسن: إن الله تعالى لم يجعل لأهل النار مدة، بل قال: {لابثين فيها أحقاباً} فوالله ما هو إلا أنه مضى حقب دخل إلى الأبد، فليس للأحقاب عدة إلا الخلود. ¬

(¬1) الحديد 4. (¬2) النبأ 21 - 23. (¬3) النبأ 24 - 25.

وروى السدي، عن حرة، عن عبد الله قال: "لو علم أهل النار، أنهم لابثون (يلبثون) في النار عدد حصى الدنيا، لفرحوا، ولو علم أهل الجنة عدد حصى الدنيا، لحزنوا. - حبس جبرائيل وبه (عن أبيه، عن زر) بكسر الزاء وتشديد الراء، وهو ابن حبيش الأسدي الكوفي، عاش في الجاهلية، ستين سنة، وفي الإسلام ستين سنة، وهو من أكابر القراء المشهورين، من أصحاب عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، سمع عمر رضي الله عنه، روى عنه خلق كثير من التابعين وغيرهم، (عن سعد بن جبير) وهو من سادات التابعين، كما سبق ذكره. (عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لجبرائيل عليه السلام: مَا لَكَ لاَ تَزُورَنَا أكثر مِما تَزُورهُ) فإنا نشتاق إلى لقائك ومشاهدة طلعتك هيأتك (فأنزلت بعد ليال) أي قليلة ({وَمَا نَتَنَزَّلُ إلا بِأمْرِ رَبِّكَ}) (¬1) كما هو مبين {لاَ يَعْصُون الله ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُون مَا يُؤْمَرُون} (¬2) ({له ما بين أيدينا وما خلفنا}) الآية أي ({وما بين ذلك وما كان ربك نسياً}) والحديث بعينه رواه البخاري، عن زر عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنه. ¬

(¬1) مريم 64. (¬2) التحريم 6.

وقال عكرمة، والضحاك، وقتادة، ومقاتل، والكلبي: احتبس جبرائيل عليه السلام عن النبي صلى الله عليه وسلم، حين سأله قومه عن أصحاب الكهف وذي القرنين والروح، فقال: "أخبركم غداً، ولم يقل إن شاء الله تعالى، حتى شَقَّ ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم نزل بعد أيام فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أبطأت عليّ حتى ساء ظني واشتقت إليك. فقال جبرائيل: كنت أشوق، ولكني عبد مأمور، إذا بعثت نزلت، وإذا حبست أجست، فأنزل الله تعالى: {وما نتنزل إلا بِأَمْرِ ربك} ونزل: {والضحى}، وقوله: {له ما بين أيدينا وما خلفنا}، أي علم ما بين أيدينا من الآخرة والثواب والعقاب، وما خلفنا ما مضى من الدنيا، {وما بين ذلك}، ما يكون من هذا الوقت إلى قيام الساعة. - ما بين النفختين أربعون سنة وقيل ما بين الدنيا من أمر العقبى، وما خلفنا من أمر الدنيا، وما بين ذلك، ما بين النفختين، وهو أربعون سنة، وقيل غير ذلك، قوله: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسيّاً} (¬1) أي ناسياً، وهو منزه عن النسيان، أو المعنى، أي ما نسيك ربك، أي ما تركك. - معنى إحسان يوسف عليه السلام وبه (عن أبيه، عن أبي سلمة بن سبط، قال: كنت عند الضحاك) بن مزاحم (فسأله رجل عن هذه الآية) أي من سورة يوسف {إنَّا نرَاكَ مِنْ المُحْسِنين} (¬2) قال ¬

(¬1) مريم 64. (¬2) يوسف 36 و 78.

أهل السجن له: (ما كان إحسانه) أي الذين كانوا يرونه (قال) أي الضحاك (كان) أي يوسف (إذا رأى رجلاً مضيقاً عليه) بتشديد التحتية المفتوحة (وسع عليه) أي بما قدر له من المقام والطعام (وإذا رأى مريضاً) أي لا يقوم بخدمته أحد (قام عليه) أي بنفسه، وبخدمته، (وإذا رأى محتاجاً سأل) أي عن حاجته (ولقضاء حاجته) أي وأما راحته. وفي تفسير البغوي، روي أن الضحاك بن مزاحم سئل عن قوله: {إنا نَرَاكَ مِنَ المُحْسِنِينَ} ما كان إحسانه؟ قال: كان إذا مرض إنسان في السجن عاده، وقام عليه، وإذا ضاق المكان وسع عليه، وإذا احتاج، جمع له شيئاً، وكان مع هذا يجتهد في العبادة، ويقوم الليل كله للصلاة، وكان يسليهم، ويقول: أبشروا واصبروا وتؤجروا. وقيل: إن المعنى {إنا نَرَاكَ من المحسنين}، في الرؤيا. - يدرس الإسلام وبه (عن أبيه، عن مالك الأشجعي، عن ربعي بن حراش، عن حذيفة قال: يدرس الإسلام) بصيغة المجهول: أي ينمحي آثاره ويندرس أقلامه (كما يدرس وشى الثوب) أي إذا عسق، وهو بفتح الواو وسكون الشين المعجمة، نقش الثوب، ويلون كل لون (ولا يبقى) أي ممن أدرك الإسلام (إلا شيخ كبير أو عجوز

فانية) شك من أحد الرواة، والمراد أحد هذين النوعين من جنس المتقدمين، (يقولون: قد كان قوم) أي من المسلمين قبل هذا (ويقولون لا إله إلا الله، وهم) أي هؤلاء الناقلون، (ما يقولون لا إله إلا الله، قال) أي الراوي (فقال: صلة بن زفر) بكسر الصاد وتخفيف اللام، أحد الحاضرين، (فما يغني عنهم يا عبد الله) الله أعلم بالمخاطب، أي أيُّ شيء ينفعهم (لا إله إلا الله) أي مجرد التوحيد، ولو كان مقروناً بإقرار النبوة، لأن هذه الكلمة علم للشهادتين، أو من باب الاكتفاء، لما علم من الدين، أن أحدهما لا يستغني عن الأخرى، وأنهما متلازمان في الاعتبار لمقام اليقين. (وهم لا يصومون ولا يصلون ولا يحجون ولا يصدقون) أي لا يزكون (قال: ينجون بها من النار) أي لقوله عليه الصلاة والسلام: "مَن قال لا إله إلا الله دخل الجنة". وفي رواية: حرم الله عليه النار، وهو: إما محمول على أنهم حينئذ لم يكونوا عالمين بوجوب هذه الأركان، أو ينجون بها في آخر الزمان، ولو كان بعد دخولهم النيران (ثم قال الثانية) أي في المرة الثانية، أو المقالة الثانية (يمد بها صوته، يا صلة ينجون بها من النار). - قيام الساعة وفي هذا الباب روايات كثيرة، وأحاديث شهيرة، منها ما رواه أحمد ومسلم والزهري، عن أنس رضي الله عنه مرفوعاً: "لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض الله الله". وفي رواية أحمد ومسلم، عن ابن مسعود رضي الله عنه: "لا تقوم الساعة إلا

على أشرار الناس ورواه الستة والحاكم، عن أبي سعيد رضي الله عنه: "ما تقوم الساعة حتى لا يحج البيت". وبه (عن أبيه، عن عبد الملك)، أي ابن عمر، وسبق ذكره (عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "يَدخُلُ قومٌ مِنْ أهْلِ الإِيمانِ يَوْمَ القِيامَةِ النَّارَ بذنوبِهِمْ) أي من الكبائر والصغائر، كما هو مقرر في عقيدة أهل السنة، (فيقول لهم المشركون: ما أغنى عنكم إيمانُكُمْ) أي نفعكم مجرد إيمانكم، حيث دخلتم النار بعصيانكم (ونحن) أي معاشر الكفار وأنتم جماعة الفجار (في دار واحدة نعذب) فهذا من جهلهم بحال عصاة المؤمنين، فإن تعذيبهم لتقريب الكافرين لا كمية ولا كيفية، بل تعذيبهم، إنما هو تأديبهم، وتهذيبهم، (فيغضب الله عز وجل لهم) أي فيظهر آثار غضبه سبحانه لأجل الإيمان، ولو صدر عنهم بعض العصيان. (فيأمر أن لا يبقى في النار أحد يقول لا إله إلا الله) أي ويعترف مع هذا بنبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم (فيخرجون، وقد احترقوا حتى صاروا كالحممة السوداء) الحمم كصرد الفحم، وهو الواحدة بها (إلا وجوههم، فإنه) أي الشأن (لا تزرق أعينهم، ولا يسود وجوههم) (¬1) بتشديد الراء والواو، على صيغة ¬

(¬1) لعله تسود، كما في قوله تعالى: {يوم تبيض وجوه وتسود وجوه}

المجهول، أو بتشديد القاف والدال، على صيغة المعروف فيهما (فيؤتى بهم نهراً على باب الجنة، فيغتسلون فيه، فيذهب عنهم كل فتنة) أي محنة، (وأذى)، أي أذية وبلية (ثم يدخلون الجنة، فيقول لهم الملك) أي واحد من هذا الجنس، أو بعضهم (طبتم) أي طاب باطنكم بالإيمان، وطهر ظاهركم بالنيران (فادخلوها) أي الجنة أو الجنان (خالدين) أي مقدرين الخلود، بلا غاية في الأزمان (فيسمون الجهنميين في الجنة، قال) أي النبي صلى الله عليه وسلم (ثم يدعون) أي يطلبون إزالة هذا الاسم عنهم حياء منهم (فيذهب عنهم ذلك الاسم فلا يدعون) بصيغة المجهول، أي فلا يسمون (به) أي بما ذكر أبداً (فإذا خرجوا) أي هؤلاء العصاة (من النار، قال الكفار: يا ليتنا كنا مسلمين، فذلك قول الله عز وجل) ({ربما}) بالتشديد والتخفيف، وهو التكثير، أو التقليل، وهو المناسب لهذا الحديث الجليل ({يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين}) (¬1) قال البغوي في تفسيره: اختلفوا في الحال الذي يتمنى الكافر هذا، قال الضحاك: حالة المعاينة، وقيل يوم القيامة، والمشهور، أنه حين يُخْرِجُ الله تعالى المؤمنين من النار. روي عن أبي موسى الأشعري، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "إذا اجتمع أهل النار في النار، ومعهم من شاء الله تعالى من أهل القبلة، قال الكفار لمن في النار من أهل القبلة: أَلَسْتُم مُسْلمين؟ قالوا: بلى، قالوا: فما أغنى عنكم إسلامكم وأنتم معنا في النار؟ قالوا: كانت لنا ذنوب، فأخذنا بها، فيغفر الله لهم بفضل رحمته، فيأمر ¬

(¬1) الحجر 2.

كل مَنْ كان مِنْ أهل القبلة في النار، فيخرجون منها، فحينئذ {يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين}. - اتقوا من فراسة المؤمن وبه: (عن أبيه، عن عطية) العوفي (عن أبي سعيد الخدري، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "اتَقُوا مِنْ فَرَاسَةِ المؤمن") بفتح الفاء، أي إدراكه الكامل (فإنه ينظر بنور الله تعالى، ثم قرأ) النبي صلى الله عليه وسلم، أو الصحابي، استشهاداً، أو اعتضاداً، {إنَّ في ذلك لآيات للمتوسمين} (¬1) للمؤتمنين، قال: يحتمل مرفوعاً، وموقوفاً المتفرسين. والحديث بعينه رواه البخاري في تاريخه، والترمذي في جامعه عن أبي سعيد والحاكم، وسمويه، والطبراني، وابن عدي، عن أبي أمامة، وابن جرير، عن ابن عمر، وحكي عن عثمان رضي الله تعالى عنه أنه دخل عليه بعض أصحابه، وتدركوا النظر إلى امرأة، فقال: يدخل أحدكم بعين زانية، فقال، أوَحياً بعد رسول الله، قال، لا، ولكن فراسة صادقة، وعلم للفراسة، كان للإمام فيه اليد الطولى، كما هو المشهور في مناقبه. وأما قوله تعالى للمتوسمين، فقال ابن عباس رضي الله عنه: الناظرين، وقال مجاهد للمتفرسين، وقال قتادة: للمعبرين، وقال مقاتل: للمتفكرين. ¬

(¬1) الحجر 75.

- أول من ضرب الدنانير وبه (عن أبيه، عن أبي سليمان قال: أول من ضرب الدنانير) أي السكة (على الذهب تبع) بضم التاء، وفتح الموحدة المشددة، وهو السعد بن كرب. في القاموس: التبابعة، ملوك اليمن الواحد ككسرى، ولا يسمى به إذا كانت له حمير وحضرموت، ودار التبابعة بمكة، ولد فيها النبي صلى الله عليه وسلم. وأما قوله تعالى: {أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ} (¬1) فله قصة طويلة، ذكرها البغوي في تفسيره. وذكر أبو حاتم، عن الرياشي، قال: كان أبو كرب، أسعد الحميري من التبابعة، آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم، قبل أن يبعث بسبعمائة سنة، وذكر لنا أن كعباً، كان يقول: ذم الله قومه ولم يذمه، وكانت عائشة تقول (لا تَسُبُّوا تُبَّعاً فإنه كان رجلاً صالحاً) وقال سعيد بن جبير: هو الذي كسا البيت، وأورد البغوي بسنده عن سهل ابن سعد، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: لا تسبوا تبعاً، فإنه قد كان أسلم. وأورد أيضاً بسنده المذكور فيه ابن أبي شيبة، وعبد الرزاق، من المخرجين عن المقري، عن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما أدري تبع، نبياً كان، أو غير نبي"، (وأول من ضرب الدراهم) أي سكه على الفضة (تبع الأصغر، أول من ضرب الفلوس) أي السكة على النحاس ¬

(¬1) الدخان 37.

(وأدارها في أيدي الناس، نمرود بن كنعان) في القاموس، نمرود، بالضم، من الجبابرة، ولعله أراد ضم الراء، وإلا فالمشهور على الألسنة، إنما هو فتح النون، وكنعان، وهو ابن سام بن نوح. - الفرق بين الكبرياء والعظمة وبه (عن أبيه، عن عطاء بن السائب) وهو ابن مزيد الثقفي، مات سنة ست وثلاثين ومائة، أو نحوه، لما ذكره صاحب المشكاة، في أسماء رجاله، في فضل التابعين (عن أبي مسلم الأغر) بالغين المعجمة، والراء المشددة (صاحب أبي هريرة رضي الله عنه) أي المخصوص به في النفل (عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: قال الله تعالى: الكِبْرِيَاءُ رِدَائِي، وَالعَظَمَةُ إِزَارِي) أي صفتان المخصوصتان بي ليس لأحد أن يشاركهما معي (فمن نازعني واحداً منها) بأن ادعى أنه موصوف بالكبر والتعظيم (ألقيه في جهنم) ولعل الفرق بينهما أن الكبرياء متعلق بالذات، والعظمة بالصفات. والحديث بعينه رواه أحمد، وأبو داود، وابن ماجه، عن أبي هريرة رضي الله عنه، وابن ماجه أيضاً، عن ابن عباس، ولفظهم: قذفته، بدل ألقيه. وفي رواية للحاكم عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه: قال الله تعالى: الكبرياء ردائي، فمن نازعني ردائي فضحته، ورواه السموية، عن أبي سعيد، وأبي هريرة رضي الله عنه: قال الله تعالى: الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري، فمن نازعني في شيء منهما عذبته.

وبه (عن أبيه، عن إبراهيم) أي النخعي (عن محمد بن المنكدر التيمي) سمع جابراً بن عبد الله وأنس بن مالك، وابن الزبير، وعمه ربيعة، وروى عنه جماعة، منهم الثوري، ومالك، مات سنة ثمانين ومائة، وله نيف وسبعون سنة، وهو تابعي كبير، من مشاهير التابعين وأجلتهم، جمع بين العلم والزهد والعبادة، والدين المتين، والصدق اليقين، (أنه بلغه) أي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو عن الصحابة موقوفاً، لكنه في حكم المرفوع (إن المتكبر رأسه بين رجليه) أي يجعله الله معكوساً، منكوساً، حيث كان يرتفع برأسه، ويتبختر برجله (في تابوت مقفل عليه) أي مغلق ومضيق، لا يرى وجه الخلق، ولا يرون وجهه، في مقابلة عبوسة وجهه، وإدارة خده عن الخلق، مع نظر في كبره إلى الخلق، (ولا يخرج من التابوت أبداً في النار) أي مادام فيها إن كان مصراً من عصاة أهل الإيمان، أو مخلداً فيها إن كان من أهل الكفر والكفران. وبه (عن أبيه، عن عبد الملك، عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله) أي في تفسيره {فوربك لنسألنهم أجمعين ... عما كانوا يعملون} قال: عن لا إله إلا الله) أي عما يعملون في حق هذه الكلمة، من القيام لحق الله سبحانه، وبمتابعة رسوله صلى الله عليه وسلم. وفي تفسير البغوي {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِين} (¬1) يوم القيامة، {عما كانوا ¬

(¬1) الحجر 92 - 93.

يعملون} في الدنيا، قال محمد بن إسماعيل، يعني البخاري، قال: عدة من أهل العلم: لا إله إلا الله، ثم هذا سؤال توبيخ وتقريع، فلا ينافي قوله سبحانه وتعالى: {فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْألُ عن ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلاَ جَان} (¬1) فإن المراد به سؤال استعلام. وقال عكرمة، عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه في الآية: إن يوم القيامة يوم طويل فيه مواقف، يسألون من بعضها. وبه (عن أبيه، عن حماد) أي ابن سليمان، كوفي، يعد في التابعين، سمع جماعة، روى عنه شعبة، والثوري وغيرهما، كان أعلم الناس، برأي إبراهيم النخعي، يقال: مات سنة عشرين ومائة، (عن إبراهيم) هو النخعي، من أكابر التابعين (قال: يؤم القوم) أي يجوز أن يؤمهم (ولد الزنا) أي ما ورد من أنه أشر الثلاثة (والعبد) مع أنه مملوك، والغالب عليه الجهل، (والأعرابي) وهو البدوي، وقد نزل في حقهم: {الأعراب أشد كفراً ونفاقاً وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله} (¬2) (إذا قرأ) أي الواحد منهم (القرآن) وكان من يقرأ القرآن في الصدر الأول عالماً بالسنة والفقه، المتعلق بالصلاة ونحوها. ولذا ورد: يؤمهم أقرأهم. وإنما قال بعض العلماء بكراهية الاقتداء خلف هؤلاء الثلاثة، لأن الغالب عليهم الجهل، بالقراءة والسنة، ولاستنكاف العامة عن الاقتداء بهم. وأما إذا تبين أنهم من أهل العلم، فجاز الاقتداء بهم بلا شبهة، بل ربما ¬

(¬1) الرحمن 39. (¬2) التوبة (براءة) 97.

يكونون أولى من غيرهم، ولذا أخلف النبي صلى الله عليه وسلم ابن أم مكتوم في المدينة، عند خروجه عليه الصلاة والسلام لبعض غزواته، ليؤم الناس، مع كونه أعمى، فإنه يكره إذا كان هنالك من هو أعلم منه، والله سبحانه وتعالى أعلم. - إتيان النساء نحو المجاش حرام وبه: (عن أبيه، عن حميد الأعرج، عن أبي ذر، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "إتيان النساء) كناية عن جماعهن (نحو المجاش) بفتح الميم، وتشديد الشين، أي الأدبار (حرام") وقد تقدم الكلام عليه. - دواء وبه: (عن أبيه، عن قيس، عن ابن مسلم، عن طارق بن شهاب) يكنى أبا عبد الله البجلي الكوفي، أدرك الجاهلية، ورأى النبي صلى الله عليه وسلم، وليس له سماع منه إلا شاذاً، غزا في خلافة أبي بكر وعمر، ثلاثاً وثلاثين، ومات سنة اثنين وثمانين، (عن ابن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله لم يضع داء إلا وضع له دواء، إلا السأم) أي الموت الأكبر (والهرم) وهو الموت الأصغر (فعليكم بألبان البقر، فإنها تخلط من كل شيء) تقدم الكلام عليه، فتدبر.

- وضوء وبه (عن أبيه، عن خالد بن علقمة، عن عبد، عن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه: أنه توضأ، فغسل كفيه ثلاثاً، وتمضمض ثلاثاً، واستنشق ثلاثاً، وغسل وجهه ثلاثاً، وذراعيه ثلاثاً، ومسح رأسه ثلاثاً، وغسل قدميه) أي ثلاثاً (وقال هذا وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم) وقد سبق التحقيق، والله ولي التوفيق. وبه: (عن أبيه، عن إسحاق، عن الأسود، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يصيب أهله) أي يجامع بعض نسائه (في أول الليل، ولا يصيب ماء) أي لا للغسل ولا للوضوء، وهذا لا ينافيه أنه كان يتيمم، وهذا أيضاً وقع أحياناً، وإلا فقد كان يغسل أول الليل، أو يتوضأ (فإذا استيقظ من آخر الليل، عاد) أي إلى الجماع إذا أراد (واغتسل). وهذا الحديث أيضاً تقدم، والله سبحانه أعلم. وبه: (عن أبيه، عن أبي فروة، عن عطاء بن السائب أبي الضحاك) تابعي ثقفي، (عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله عز وجل: {آلم}) في البقرة

وغيرها (قال: أنا الله أعلم) إيماء إلى أن الهمزة رمز إلى أنا، واللام إلى الجلالة، والميم إلى أعلم، أخذ من كل كلمة حرفاً، مشيراً من أوله، أو وسطه، وآخره إليها ودالاً عليه. وقيل: الهمزة رمز إلى الله تعالى، والميم إلى محمد، واللام إلى جبرائيل، والمعنى: أن الله تعالى أنزل على محمد بواسطة هذا الملك. وفي الأصل زيادة (وأرى) وهذا منقول، عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه، (في آلمر) أول الرعد. وهنا أقوال أخر، ولغيره من المفسرين، قيل: يبلغ سبعين، والمعتمد عند الجمهور منهم الخلفاء الأربعة في تفسير الحروف المقطعات، أن الله سبحانه وتعالى أعلم بمراده بذلك. - نهى صلى الله عليه وسلم أن يشرب في آنية فضة عن أبيه، عن أبي قودة، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى) تقدمت ترجمته في الحديث بعينه (قال: استسقى حذيفة بن اليمان من دهقان، فأتاه بشراب في إناء فضة، فأخذ الإناء، فضرب به وجهه، قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم "نهى أن يشرب في آنية الفضة").

وبه (عن أبيه، عن أبي المنهال) بكسر الميم (عن القعقاع الخششي) بضم الخاء وفتح الشينين المعجمتين، (عن ابن مسعود، أنه قال:) أي موقوفاً، وتقدم عنه مرفوعاً ("حرام أن تؤتى النساء في المجاش"). - لغو اليمين وبه: (عن أبيه، عن حماد، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة) في قول الله عز وجل: ({لاَ يُؤَاخِذكُمْ الله باللَّغْوِ في أَيمَانِكُمْ}) قالت: هو قول الرجل، لا والله) أي تارة (وبلى والله) ومعناهما كلا والله (ما يصل به كلامه) أي يجري على لسانه عجلة في بيانه لصلة كلام من غير قصد، وعقد كما بينه قوله (مما لا يعقد عليه قلبه حديثاً) أي من قصد اليمين، ولذا قال تعالى: {ولكن يُؤَاخِذكُمْ بما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ} (¬1). والحديث رواه الشافعي رحمه الله، أنبأنا مالك عن هشام ابن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها، أنها قالت، لغو اليمين قول الإنسان، لا والله، وبلى والله، ورفعه بعضهم. وإلى هذا ذهب الشعبي وعكرمة، وبه قال الشافعي. وقال الجمهور، هو أن يحلف على شيء يرى أنه صادق، ثم يتبين له خلاف ¬

(¬1) البقرة 225.

ذلك، وهو قول الزهري، والحسن والنخعي، وقتادة، ومكحول. وبه قال أبو حنيفة: وقالوا: لا كفارة فيه، ولا إثم، وقال على ما هو المبين في القضية. وبه قال طاوس، وقال سعيد بن جبير هو اليمين في المعصية، لا يؤاخذه الله بالحنث فيها بل يحنث ويكفر. وقال مسروق: ليس عليه كفارة، أيكفر خطوات الشيطان. وقال الشعبي في الرجل يحلف على المعصية: كفارته أن يتوب عنها، كذا في تفسير البغوي، واعلم أن الحديث رواه أصحاب السنن عن عائشة مرفوعاً، كما ذكره ابن الهمام، ولا يلزم من رواية ابن الهمام هذا أن يكون مذهبه، فإن المعتمد في المذهب أن يمين اللغو هو أن يحلف على أمر وهو يظن أنه كما قال، والأمر بخلافه، وهو مروي عن ابن عباس رضي الله عنه. وبه قال أحمد، ولا كفارة فيها، وهو قول أكثر أهل العلم منهم مالك رحمه الله، وأحمد رحمه الله، وقال الشافعي رحمه الله: فيها الكفارة. - إن شاء الله تعالى وبه (عن أبيه، عن القاسم بن عبد الرحمن) تابعي شامي (عن أبيه، عن ابن مسعود رضي الله عنه، قال: مَنْ حلف على يمين) أي محلوف عليه (وقال إن شاء تعالى) أي متصلاً بيمينه (فقد استثنى) أي فلا حنث عليه، وكذا إذا نذر، وقال: إن شاء الله تعالى متصلاً، لا يلزمه شيء، قال محمد: بلغنا ذلك عن ابن

مسعود، وابن عباس، وابن عمر رضي الله تعالى عنهم، وكذا قال موسى: {ستجدني إن شاء الله صابراً} (¬1) ولم يصبر، ولم يعد مخالفاً لوعده. وقال مالك رحمه الله: يلزمه حكم اليمين والنذر، لأن الأشياء كلها بمشيئة الله تعالى، فلا يتغير بذكره حكم. والجمهور على قوله عليه الصلاة والسلام: "مَنْ حَلَفَ على يمينٍ وقال إن شَاءَ الله فلا حنث عليه"، رواه أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه. وقال الترمذي: هذا حديث حسن، ثم شرط عمل الاستثناء في الإبطال الاتصال، فلو انقطع بتنفيس وسعال، ونحوه، لا يضر. - مسألة إيلاء وبه (عن أبيه، عن حماد، عن إبراهيم، عن علقمة، قال في المؤلى) بالهمزة، ويبدل، وهو المذكور في قوله تعالى: {يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِم تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، فإِنْ فَاؤوا فإنَّ الله غَفُورٌ رَحِيم} (¬2) والإيلاء لغة: اليمين، وفي الشرع: هو اليمين على تركِ قربان الزوجة أربعة أشهر (فيئة) أي رجعته المستفادة من قوله سبحانه: فإن فاؤوا (الجماع، إلا أن يكون له عذر) أي مانع من الجماع، كمرض أحدهما، أو امتناعها، أو جهالة مكانها، أو بينهما مسيرة أربعة أشهر (ففيئه باللسان) بأن يقول: فئت إليها، أو رجعت عما قلت، أو راجعتها، أو أبطلت إيلاءها. وكان إبراهيم النخعي يقول: الفيء باللسان على كل حال، فإذا فاء، فعليه ¬

(¬1) الكهف 69. (¬2) البقرة 226.

الكفارة بيمينه في قول الفقهاء، إلا الحسن وإبراهيم، وقتادة، فإنهم أسقطوا الكفارة إذا فاء، لقوله تعالى: {فإنَّ الله غفورٌ رَحيم}. وقال غيرهم: هذا في إسقاط العقوبة لا الكفارة. - مسألة خلع وبه (عن أبيه، عن أيوب السجستاني: أن امرأة ثابت بن قيس) أي ابن شماس الأنصاري، الخزرجي، شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة، وكان خطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخطيب الأنصار، وشهد يوم اليمامة مع مسيلمة الكذاب، سنة اثني عشرة، روى عن أنس بن مالك رضي الله عنه، وغيره (أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت لا أنا ولا ثابت) أي: لا أجتمع أنا معه، ولا هو معي، وهو كناية عن عدم إرادتها له (فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أتختلعين) أي تفتدين مِنْه (بِحَديقَتِهِ) أي أتردين عليه بستانه الذي جعله مهراً لك (فقالت: نعم وأزيد) أي عليه من عندي أيضاً، هذا من كمال كراهتها له، وقوله: أزيد، يحتمل فعلاً، وأفعل (قال) أي النبي صلى الله عليه وسلم (أما الزيادة فلا) أي فلا حاجة بها. والحديث رواه البخاري، عن ابن عباس رضي الله عنه، بأن امرأة ثابت بن قيس أتت النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله، ثابت بن قيس، لا أعيب عليه في دين ولا خلق، ولكن أكره الكفر في الإسلام، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتردين عليه حديقته، قالت: نعم! قال صلى الله عليه وسلم: "اقْبل الحَدِيقَة وطَلِّقها تَطْليقَة" انتهى. وليس فيه ذكر الزيادة، وقد رويت مرسلة، ومسندة فروى أبو داود في مراسيله، وعبد الرزاق كلهم عن عطاء، وأقرب الأسانيد، مسند عبد الرزاق، وقال: أخبرنا ابن

جريج عن عطاء جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تشكو زوجها، فقال: أتردين عليه حديقته التي أصدقها؟ قالت: نعم، وزيادة، قال: وأما الزيادة فلا. - المراسيل أصح وأخرجه الدارقطني، كذلك، والمراسيل أصح. وأخرج عن ابن الزبير، أن ثابت بن قيس بن شماس، كانت عنده زينب بنت عبد الله بن أبي سلول، وكان أصدقها حديقة، فكرهته، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أتردين عليه حديقته التي أعطاك؟ " قالت: نعم وزيادة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أما الزيادة فلا، ولكن حديقته التي أعطاكِ، قالت نعم"، فأخذها وخلى سبيلها. قال: سمعه أبو الزبير من غير واحد، ثم أخرج عن عطاء أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: لا يأخذ الرجل من المختلعة أكثر مما أعطاها. - المرسل حجة عندنا بانفراده وروى ابن ماجه، عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه، وفيه: فأمره أن يأخذ حديقته ولا يزداد، فقد علمت أن لا شك في ثبوت هذه الزيادة، لأن المرسل حجة عندنا بانفراده، وعند غيرنا، إذا اعتضد بمرسل آخر يرسل من روى غير رجال الأول بمسند كان حجة، وقد اعتضد بهما هنا جميعاً. هذا، وذكر عبد الرزاق، عن علي: لا يأخذ منها فوق ما أعطاها، ورواه وكيع، عن أبي حنيفة، عن عمران الهمداني، عن علي، أنه كره أن يأخذ منها أكثر مما أعطاها. وقال طاوس: لا يحل له أن يأخذ منها أكثر مما أعطاها.

- رؤية الله تعالى وبه: (عن أبيه عن إسماعيل بن أبي خالد، وبنيان بن بشر، عن قيس بن أبي حازم) هو الأضمني البجلي، أدرك زمن الجاهلية، وأسلم، وجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليبايعه، فوجده قد توفي، يعد في تابعي الكوفة، وقد ذكر في أسماء الصحابة مع اعترافهم بأنه لم ير النبي صلى الله عليه وسلم، وليس في التابعين من روى عن نفسه من العشرة إلا هو، وروى عنه جماعة كثيرة من التابعين، شهد النهروان مع علي، وطال عمره، حتى جاوز المائة، ومات سنة ثمان وتسعين، (قال: سمعت جرير ابن عبد الله) أي البجلي، وقد سبق ذكره (يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ) أي رؤية ظاهرة (كَمَا تَرَوْنَ هَذَا القَمَرَ لَيْلَةَ البَدْر) أي في كمال الظهور، منزهاً عن الجهة والمقابلة والصورة والهيئة (وَلاَ تَضَامُونَ في رؤيته) بتشديد الميم، مع فتح التاء على حذف أحد التائين، أو بضمها، أي لا تحتاجون أن يضم بعضكم إلى بعض كما هو العادة في رؤية الهلال، يعني يكون رؤية الله على وجه كل أحد في محله، ينظر الله بحسب ما يتجلى عليه. وفي رواية، بتخفيف الميم، من الضم، من هو الضر، وفتح حرف المضارعة، أي لا يضر بعضكم بعضاً في رؤيته، لأجل المزاحمة في مشاهدته، والمعنى السكون في رؤيته، (فانظروا) أي تفكروا واجتهدوا إن كنتم تريدون اللقاء على وجه الكمال والبهاء (أن لا تُغْلَبُوا) بصيغة المجهول، أي لا يغلبكم

الشيطان، ولا يشغلكم الأموال والأهل عن التهيؤ للعبادة في صلاة (قبل طلوع الشمس) فهي صلاة الفجر (وقبل غروبها") وهي صلاة العصر، أو العصر والظهر، وخصا بالذكر، لأن من داوم عليهما، يوفق للمواظبة بالأولى على غيرها (قال حماد) هو ابن الإمام على سياق الكلام (يعني) أي يريد عليه الصلاة والسلام من الصلاتين (الغداة) أي الفجر (والعشاء) أي الظهر والعصر، ولا يمكن تفسير العشى مما يشبههما، والمغرب والعشاء، لتقييدها في الحديث بما قبل الغروب. - والأحاديث في هذا الباب مشتهرة كادت أن تكون متواترة ولعل التقييد بالوقتين، للإيماء بأن اللقاء يكون في مقدارهما غالباً لعامة المؤمنين، كما يشير إليه قوله تعالى: {وَلَهُم رِزْقُهُمْ فيها بُكْرَةً وَعَشِيّاً} (¬1) والحديث رواه أحمد وأصحاب الكتب الستة، كلهم عن جرير، بلفظ: وإنكم سترون ربكم مثل هذا القمر لا تضامون في رؤيته، فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وصلاة قبل غروبها، فافعلوا". والأحاديث في هذا الباب مشتهرة، كادت أن تكون متواترة، فيا حسرةً على المعتزلة المنكرة. ¬

(¬1) مريم 62.

- إسناد أبي حنيفة رحمه الله عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم أجمعين. قال شيخ مشايخنا جلال الدين السيوطي رحمه الله: وقفت على فتيا رفعت إلى الشيخ الولي العراقي صورتها: هل رأى أبو حنيفة أحداً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وهل يعدُّ في التابعين، أم لا؟ فأجاب بما نصه: الإمام أبو حنيفة لم تصح له رواية عن أحد من الصحابة، وقد رأى أنس بن مالك، فمن يكتفي في التابعين بمجرد رؤية الصحابة، يجعله تابعياً، ومن لم يكتف بذلك، لا يعده تابعياً. ورفع هذا السؤال إلى الحافظ ابن حجر، يعني العسقلاني، فأجاب بما نصه: أدرك الإمام أبو حنيفة جماعة من الصحابة، لأنه ولد بالكوفة، سنة ثمانين من الهجرة، وبها يومئذ من الصحابة عبد الله بن أبي أوفى، فإنه مات بعد ذلك بالاتفاق، وبالبصرة يومئذ أنس بن مالك، ومات سنة تسعين أو بعدها. - الإمام الأعظم من التابعين وقد أورد ابن سعد بسند لا بأس به، أن أبا حنيفة رأى أنساً، وكان غير هذين من الصحابة في البلاد أحياء قد جمع بعضهم جزء فيما ورد من رواية أبي حنيفة من الصحابة، لكن لا يخلو إسناده من ضعف، والمعتمد على إدراكها ما تقدم، وعلى رؤيته من الصحابة، ما أورده ابن سعد في الطبقات وهو بهذا الاعتبار من طبقة التابعين، ولم يثبت ذلك لأحد من أئمة الأعصار للمعاصرين له، كالأوازعي بالشام، والحماد بالبصرة، والثوري بالكوفة، ومالك بالمدينة، ومسلم بن خالد الزنجي بمكة، والليث بن سعد بمصر، انتهى. وقال السخاوي في شرحه لألفية العراقي، والثنائيات في الموطأ، للإِمام مالك، والوحدان في حديث الإِمام أبي حنيفة، لكن بسند غير مقبول، إذ المعتمد، أنه لا رواية له عن أحد من الصحابة. وفي شرح المشكاة لابن حجر المكي، أدرك الإمام الأعظم ثمانية من الصحابة، منهم أنس وعبد الله بن أبي أوفى وسهل بن سعيد، وأبو الطفيل، انتهى، وقال: قال الكردري رحمه الله تعالى: جماعة من المحدثين أنكروا ملاقاته مع الصحابة، وأصحابه أثبتوه بالأسانيد الصحاح الحسان، وهم أعرف بأحواله

منهم، والمثبت العدل العالم أولى من النافي، وقد جمعوا مسنداته، فبلغ خمسين حديثاً، برواية الإمام عن الصحابة الكرام، وأنشد بعضهم شعر: كفى النعمان فخراً ما رواه من الأخبار من غرر الصحابة - يقلد التابعي كما يقلد الصحابي وإلى ما ذكرنا، أشار الإمام بقوله: ما جاءنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعلى الرأس والعين، وما جاءنا عن التابعين، فهم رجال، لأنه ممن زاحم التابعين في الفتوى، اللهم إذا كان التابعي يزاحم في الفتوى الصحابي، فإنه يقلد التابعي، كما يقلد الصحابي، وهذا سبب صالح لتقديم مذهبه على سائر المذاهب. - طلب العلم أبو حنيفة (عن أنس بن مالك) وهو آخر من مات بالبصرة من الصحابة، سنة أحد وتسعين، وقيل: ثلاث، وله يوم مات من السن مائة وثلاث، وقيل تسع وتسعون، فيكون الإمام يوم وفاته ابن ثلاث عشرة سنة، أو إحدى عشرة سنة، وقد تردد الإمام إلى البصرة، على أن إمكان اللقاء كفاية على الصحيح، (قال؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "طلب العلم فريضة على كل مسلم") سبق الكلام عليه، مستوفى مبنى ومعنى. - الدال على الخير كفاعله وبه (عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الدال على الخير كفاعله") ورواه البزار عن أنس وابن مسعود والطبراني، عن سهل بن سعد، وعن أبي مسعود، وذكره البارذي في مختصره جامع الأصول، ورواه الترمذي في كتاب العلم بلفظ:

إن الدال على الخير كفاعله، ورواه العسكري، والدارقطني، وغيرهما عن ابن عباس، مرفوعاً، ولفظه: كل معروف صدقة، والدال على الخير كفاعله، والله يحب إغاثة اللهفان. وفي صحيح مسلم ومسند أحمد، وسنن أبي داود، وجامع الترمذي، عن أبي مسعود، رفعه: من دل على خير فله مثل أجر فاعله، ورواه أحمد وأبو يعلى والضياعي، عن بريدة وابن أبي الدنيا هي قضاء الحوائج، عن أنس، بلفظ الدال على الخير كفاعله، والله يحب إغاثة اللهفان المكروب، وقد تقدم بسند آخر من الإمام، وسبق عليه الكلام. - الدال على الشر كفاعله وأما حديث الدال على الشر كفاعله، فقد أخرجه أبو منصور الديلمي، في مسند الفردوس، من حديث أنس رضي الله عنه، بإسناد ضعيف جداً، قاله العراقي في كتاب الشرق والمحبة والرضى، عن أنس رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الله يحب إغاثة اللهفان، تقدم من أخرجه، والظاهر، أن الإمام أسنده بسندين، بخلاف بقية الأئمة الأعلام، والله أعلم بالمراد، وقد أفرده ابن عساكر أيضاً، عن أبي هريرة هذا الحديث بعينه. - ولادة أبي حنيفة رحمه الله قال أبو حنيفة: (ولدت سنة ثمانين) هذا قول الأكثرين، وعلى قول الأقلين: سنة سبعين، (وقدم عبد الله بن أنيس) بتصغير أنس، صاحب رسول

الله صلى الله عليه وسلم (الكوفة سنة أربع وتسعين) وهو ممن شهد أحد، أو بعدها، وكان مهاجراً أنصارياً عقبياً (ورأيته وسمعت منه وأنا ابن أربع عشرة سنة، سمعته يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "حبك الشيء يعمي) من الإعماء (ويصم") من الإصمام، والحديث رواه أبو داود، من حديث أبي الدرداء، مرفوعاً، وقد وهم الصنعاني فحكم عليه بالوضع. قال السخاوي: ويكفينا سكوت أبي داود عليه، فليس بموضوع، ولا شديد الضعف وحسن، قلت وفي الجامع الصغير للسيوطي، رواه أحمد والبخاري في تاريخه، وأبو داود عن أبي الدرداء والخرايطي في اعتلال القلوب عن أبي بردة، وابن عباس، عن عبد الله بن أنيس، انتهى. وقد ذكر صدر الأئمة المكي، والسيد الحافظ الديلمي، وبرهان الإسلام الغزنوي، أن الإمام لقي عبد الله بن أنيس. وذكر الكردري: أنه ذكر في المناقب بالإسناد عن أبي داود الطيالسي، قال: سمعت الإمام يقول: قدم علينا بالكوفة عبد الله بن أنيس عام أربع وتسعين، وأنا ابن أربع عشرة سنة، سمعته يقول: قال صلى الله عليه وسلم: "حبك الشيء يعم ويصم" لكن في ملاقاة عبد الله بن أنيس، به إشكال، لأن أهل السير والتواريخ مجموعون على أنه مات بالمدينة عام أربع وخمسين قبل ولادة الإمام بسنتين، انتهى، فيحمل الرواية على نوع من المرسل، فتأمل. ثم اعلم أن الحب ربطة القلب بالشيء رغباً وانصباباً، الهم عليه، وانكباب الهمة إليه خالياً، ويتخلف باختلاف كدر القلب، وصفائه، قلوب المالئين إنائه، فمن محب للحق ومحب للباطل، ومحب للعلي الأعلى، ومن متعلق بالأقل،

فمحب الحق أبكم وأصم وأعمى من غير مولاه، ومحب الباطل، لا يبصر ولا يسمع، إلا عمن يهواه، ويتولاه، أهل الله، صم بكم عمي، عما لا يفهم في السر والعلن، مصروفة هممهم إلى تكميل الفرائض والسنن، وسرارهم طاهرة طيبة عن المخالفات، والأحسن، فهم إلى الله ذاهبون، صم بكم عمي، فهم لا يرجعون، أولئك لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، فيقول لهؤلاء المتدلين بغرور إني في بقيع الطيب مقبور، وما أنت بمسمع من في القبور، ومن تعلق قلبه بغير المولى، خلا عن هذا الصفات، وتولى، وبالهوى في النار هوى، فإنها لا تعمى الأبصار، ولكن تعمى القلوب التي في الصدور ومن لم يجعل الله له نوراً، فما له من نور. - تفقه قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى (ولدت سنة ثمانين، وحججت مع أبي سنة ست أو تسع وتسعين، وأنا ابن تسعة عشرة فلما دخلت المسجد الحرام، رأيت حلقة) بسكون اللام، وتفتح وتكسر، أي جماعة من الناس (عظيمة) أي كثيرة (فقلت لأبي: حلقة من هذا؟ فقال: حلقة عبد الله بن الحارث بن جزء) بفتح الجيم وسكون الزاء بعدها همزة (الزبيدي) بفتح الزاي، وكسر الموحدة (صاحب النبي صلى الله عليه وسلم، فتقدمت، فسمعته يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "مَنْ تَفَقَّه في دِينِ الله كَفَاهُ الله هَمَّهُ". وفي رواية: ما أهمه) أي في أمر دينه ودنياه، لما ورد: من جعل الهموم هماً واحداً كفاه الله ما أهمه من هم الدين والدنيا ورزقه من حيث لا يحتسب لقوله تعالى:

{وَمَنْ يتَّقِ الله يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً ويرزُقُهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبْ} (¬1) وقد ورد: إني إله، فإني أرزق عبد المؤمن من حيث لا يحتسب، رواه الديلمي في مسند الفردوس، والبيهقي عن علي رضي الله عنه. قال الكردري: وذكر في كتاب المناقب له بعض كتب الفقه أنه لقي عبد الله بن الحارث بن جزء، وهو مات بمصر، سنة خمس أو ست، أو سبع، أو ثمان وثمانين، فسنه إذن من خمس إلى ثمان، يوم موته على هذا، ألا يقتسم كلام أخطب الخطباء، بإسناده عن أبي بن سماعة، عن أبي يوسف رحمه الله، أن الإمام لقيه حتى حين حجه مع أبيه، وسمعته يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من تفقه" الحديث، لأن حجة الإمام مع والده، كانت سنة ست وتسعين فلا يتحقق الملاقاة. وذكر برهان الإسلام حسن بن علي الحسين الغزنوي، أنه مات سنة تسع وتسعين، فيمكن الرواية. والأقرب ما ذكره أبو منصور البغدادي بإسناده عن بلال بن أبي العلاء، عنه أنه قال: حملني أبي على عاتقته وذهب إلى عبد الله بن الحارث، فقال له: ما تريد؟ قال: أريد أن تحدث إلي، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إغاثة الملهوف فرض على كل مسلم، من تفقه في دين الله، الحديث، الصبي الذي على العاتق في العادة إذا كان ابن خمس له وقريباً منه، فيصح من الزمان. وأما من حيث المكان، فلو كان وفاته في آخر التسعين، يصح مكاناً، لكن الحمل على العاتق مشكل مخالف العادة إلا إذا فرض الملاقاة في غير الحرم، فيصح، وإذا كان وفاته في الثمانين، أقول: ولا يبعد أن أباه حمله على عاتقه للازدحام في المسجد الحرام، لا سيما في حلقة صحابي النبي صلى الله عليه وسلم، وقد أراد أنه يراه ويسمع عنه الكلام. والله أعلم بحقيقة المرام، ومثل هذا الحديث رواه ¬

(¬1) الطلاق 2.

الحسن، عن عمران بن الحصين مرفوعاً: "من انقطع إلى الله تعالى كفاه الله كل مؤنته، ورزقه من حيث لا يحتسب". - يكثر الصدقة ويكثر الاستغفار وبه (عن جابر، عن عبد الله رضي الله تعالى عنهما) مثل هو وأبوه العقبة الثانية، وشهد بدراً وما بعده من المشاهد، وقدم الشام ومصر، ووالده كان من النقباء الاثني عشر، ذلك بعمرة في آخر عمره، مات بالمدينة سنة سبع أو ثمان وسبعين، وصلى عليه أبان بن عثمان، وهو أميرها، قال الكردري: فلا يتصور الملاقاة إلا على قول من قال ولادة الإمام كانت سنة إحدى وسبعين، والأكثر على خلافه، والله تعالى أعلم. (أنه جاء رجل من الأنصار إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، ما رزقت) بصيغة المجهول أي ما رزقني الله تعالى (ولداً قط، ولا ولد لي) تأكيد لما قبله، والمراد ولا ولد أيضاً سقط (قال) أي النبي صلى الله عليه وسلم ("فأين أنت من كثرة الاستغفار) أي لأي شيء غفلت عنه، وأين ذهبت أنت من تكثيره (وكثرة الصدقة ترزق بها) واحدة من الخصلتين، أو بالصدقة، وتعرف ما قبله بالقائلة، فيكون من قبل قوله تعالى {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وِإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إلا عَلَى الخَاشِعِينَ} (¬1) (قال) أي جابر (فكان الرجل يكثر الصدقة. ويكثر الاستغفار) أي بعد ذلك (قال جابر، فولد له ¬

(¬1) البقرة 45.

تسعة ذكور) ولعله مقتبس من قوله تعالى حكاية عن نوح عليه السلام {فَقُلْتُ اسْتَغْفِروا رَبَّكُم إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنينَ} (¬1) وقد ورد: من أكثر الاستغفار، جعل الله له مِنْ كل غَمٍ فرجاً، ومِنْ كلِّ ضيقٍ مخرجاً، ورزقه من حيث لا يحتسب، رواه أحمد والحاكم عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، وقد ذكر أنه لقي جابر بن عبد الله، وقال سمعته يقول: بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة والنصيحة لكل مسلم. وبه (قال: سمعت عبد الله بن أبي أوفى قال ابن عبد البر) هو الأسلمي، شهد الحديبية وخيبر وما بعد ذلك من المشاهد، ولم يزل بالمدينة حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم تحول إلى الكوفة، وهو آخر من بقي بالكوفة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، مات سنة سبع وثمانين بالكوفة، وكان النبي هنا دارا في وسلم (¬2)، وكان قد كف بصره، وقيل: بل مات بالكوفة سنة ست وثمانين، وقال الكردري: سنة ست أو سبع وثمانين، فيكون سنه على قول الأكثرين يوم مات هذا الصحابي، ستاً أو سبعاً، وعلى قول الأقل، أربعاً وعشرين أو خمساً وعشرين، فعلى القولين يتحقق السماع، ويصح الرؤية والرواية، أما على قول الأقل فظاهر وأما على قول الأكثر، فروى ابن الصلاح، عن موسى بن هارون الجمالي، أحد الحفاظ؛ أنه قال: إذا فرق الصبي بين البقرة والحمار، جاز له سماع الحديث، وذكر القاضي الحافظ عياض بن موسى الخضي أن إلى أحد الحدثين حدوا أوله عن محمود بن الربيع، وذكروا حديث البخاري في صحيحه عنه بعد إذ ترجم متى تصح سماع الصبي؟ بإسناده عن محمود ابن الربيع، قال: عقلت سنه صلى الله عليه وسلم، فحدثتها في وجهي ابن خمس سنين من دنو. ¬

(¬1) نوح 10. (¬2) كذا في الأصل

- ابن أربع سنين قرأ القرآن وفي رواية، كان ابن أربع سنين، قال ابن الصلاح: بلغنا عن إبراهيم بن سعيد الجوهري، قال: رأيت صبياً ابن أربع سنين حمل إلى المأمون، وقد قرأ القرآن، ونظر في الذي عرضه، إذا جاع بكى. وعن القاضي أبي محمد الأصفهاني، قال: حفظت القرآن ولي خمس سنين، فإذا لا تنكر سماع الإمام من أبي أوفى، وقد ذكر سيد الحفاظ، والديلمي عنه أنه قال: سمعت عبد الله بن أبي أوفى، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "حبك للشيء يعمي ويُصم، والدال على الشر كمثله" "والله يحب إغاثة اللهفان" (يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "مَنْ بَنَى لله مَسْجِداً ولو مَفخَض قطاة) المفخض، بفتح الميم والخاء بينهما فاء: الوكر، والقطاة: طائر وأخطاه القطا طائر معروف، وسميت بها لحكاية صوتها، فإنها تقول ذلك. قيل: إن وكد بالشين بمحراب المسجد في استدارية، ولا يكون إلا في الأرض، فيناسب المسجد. وقيل: خرج ذلك مخرج الترغيب بالقليل مخرج الكثير، وهو الظاهر. (بَنى الله تعالى له بيتاً في الجنة) والحديث بعينه رواه ابن حبان وغيره من حديث أبي ذر وابن ماجه من حديث أنس وأحمد، عن ابن عباس بزيادة: لبيضها بعد قطاة، وفي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من بَنَى مسجداً بَنَى الله لَهُ بيتاً في الجنة مثله" ورواه ابن ماجه، مثله عن علي، ورواه أحمد والبخاري والترمذي وابن ماجه عن عثمان، ولفظه: "مَنْ بَنَى مَسْجداً بَنَى الله له بيتاً في الجنة".

ورواه الطبراني عن أبي أمامة، بلفظ: "من بنى لله مَسْجداً بنى الله له بيتاً في الجَنَّة أوسع منه". وبه: (قال: سمعت واثلة) بكسر المثلثة (بن الأسقع) بالقاف، وهو الليثي، أسلم، والنبي صلى الله عليه وسلم يجهز إلى تبوكَ، يقال له أنه خدم النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث سنين، وكان من أصحاب الصفة، نزل البصرة، ثم نزل الشام، وكان منزله على ثلاثة فراسخ من دمشق، بقرية يقال لها البلاط، ثم تحول إلى بيت المقدس، ومات بها وهو ابن مائة سنة، روى عنه جماعة، (يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تُظْهِرَنَّ) بالنون الثقيلة (شماتة) في القدح بالبلية (لأخيك) أي المسلم (فيعافيه الله ويبتليك) الظاهر أنهما منصوبان على جواب النهي، ولا يبعد أن يكونا مرفوعين على لغة معروفة مراعاة للسجع، أو المشاكلة. والحديث رواه الترمذي عن واثلة، بلفظ: "لا تُظْهِرَنَّ الشَّمَاتَةَ لأخيك فيرحَمُهُ الله ويبتليك". وفي المناقب، قال الإمام: سمعت واثلة بن الأسقع يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يَظُنُّ أَحَدُكُم أنه يُقرب إلى الله تعالى بأقرب من هذه الركعات" يعني الصلوات الخمس، وفي معناه، رواه البخاري عن أبي هريرة من الحديث القدسي: "ما تَقَرَّبَ إليَّ عبدٌ بشيءٍ أحبُّ إليَّ مما افترض عليه". - الجراد وبه (قال: سمعت عائشة بنت عجرة تقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أكثر جند

الله) أي أكثر خلقه في الأرض، فيه إيماء إلى قوله تعالى {ولله جُنُودُ السَمَواتِ والأرض} (¬1) وإشارة إلى كثرته في قوله سبحانه {يَخْرُجُونَ مِنَ الأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرادٌ مُنْتَشِر} (¬2) (الجراد لا آكله) أي لعدم موافقة طبعه له (ولا أحرمه) وأجمع المسلمون على إباحة أكله، وقد قال عبد الله بن أبي أوفى في غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع غزوات، نأكل الجراد، ورواه البخاري وأبو داود، وأبو نعيم، وفيه: يأكله معنا، يعني أحياناً، فلا ينافي ما تقدم من قوله، ولا آكله، أي دائماً، لا بهذا الوقت، ولا يبعد أن يحمل عدم أكله على الحضر، وأكله في السفر إما للضرورة وإما موافقة لمن حضر. وروى ابن ماجه عن أنس قال: إنه قال: كن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يتناوبن الجراد في الأطباق وذكره ابن المنذر أيضاً، وليس فيه ما يدل على أكله عليه السلام بيقين، ثم قال الأئمة الأربعة: يحل أكله سواء مات حتف أنفه، أو بذكوة، ونحوه، عن أحمد: إذا قتله البرد لم يوكل، وملخص مذهب مالك: إن قطعت رأسه حل، وإلا فلا. - أحلت لنا ميتتان والدمان وكان سعيد بن المسيب يكره أكل ميت الجراد، إلا إذا أخذ حياً ثم مات. والدليل على عموم حله، قوله عليه السلام "أحلت لنا ميتتان والدمان، أما الميتتان، الحوت والجراد. وأما الدمان، فالكبد والطحال" رواه أحمد والشافعي وابن ماجه والبيهقي والدارقطني عن ابن عمر مرفوعاً. واختلف العلماء في قتل الجراد إذا دخل بأرض قوم وأصيد، قيل لا يقتل، لأنه خلق عظيم بأرض الله يأكل رزق الله. ¬

(¬1) الفتح 4. (¬2) القمر 7.

ويؤيده قوله عليه السلام: لا تقتلوا الجراد فإنه جند الله الأعظم، رواه الطبراني والبيهقي في شعبه. وعامة الفقهاء: على أنه يحل قتله، لأن في تركه إفساد الأمور. ورخص صلى الله عليه وسلم بقتل المسلم إذا أخذ ماله. وأجابوا عن الحديث بأنه محمول على حال عدم إفساده. ثم اعلم أن المحدثين اتفقوا على أن أربعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا على عهد أبي حنيفة أحياء، وإن تنازعوا في روايته عنهم، وهم: أنس وعبد الله بن أبي أوفى. وقد سبق تاريخهما، وسهل بن سعد بن عدي، مات وهو ابن إحدى وتسعين. وقيل ثمان وتسعين، وهو آخر من مات من الصحابة بالمدينة. وأبو الطفيل، عامر بن واثلة الكناني، مات بمكة سنة اثنين ومائة. وهو آخر مَنْ مات مِنَ الصحابة في جميع الأرض، وعليه اتفق المحدثون. وأولُ حجٍ حجَّه الإمامُ مع والده عام ست وتسعين، وهو من كمال العبد العادي، أن قبله يكون موجوداً بمكة، ولم يره الإمام مع والده. وذكر جماعة: أن الإمام لقي معقل بن يسار المزني، وهو ممن بايع تحت الشجرة، وسكن البصرة بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم، وإليه ينسب نهي معقل بالبصرة. روى عنه الحسن وجماعة، ومات زمن عبد الله بن زياد بالبصرة بعد الستين، وقيل في آخر خلافة معاوية. وقد قيل إنه توفي أيام يزيد بن معاوية، وكذا ذكره ابن عبد البر، قيل فيكون موته سنة سبع وسبعين، وولادة الإمام سنة ثمانين، فيكون وفاة الصحابي قبل ولادة الإمام.

وأجيب بأن هذه الملاقاة تكون محمولة على قول الأقل، وهو أنه ولد سنة إحدى وستين، وأنه مات سنة سبع وستين، فيكون الإمام يوم السماع. ابن ست سنين، فتحقق السماع، مع أن الحمل على الإرسال هنا يمكن، فإن التابعي إذا استبان له الإسناد بطرق أرسل، وإذا قال: بطريق: أسند، وذكر إسناد السماع لا ينافي وجود الواسطة، وإن كان فيه نوع من النزاع. - علامات المؤمن وعلامات المنافق وذكر في المناقب انتقال معقلاً يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "علامات المؤمن ثلاثة، إذا قال صَدَقَ، وإذا وَعَدَ وَفى، وإذا ائتُمِنَ أدَّى، وعلامات المنافق ثلاث، إذا قال كَذَبَ، وإذا وَعَدَ خَلَف وإذا ائتُمِنَ خَان". وفي رواية الشيخين والترمذي والنسائي عن أبي هريرة: رقى صلى الله عليه وسلم أسترقى منه، وإنما رقى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمعوذتين حين طبه بسندين أعظم، فيعلم الله إما إعلاماً يكون الاشتغال بالسبب مأذوناً فيه، كما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض الأحيان الأفضل، ليعلم الجواز، وإما لأنه عليه السلام اطلع أن تقدير الله تعالى في الرقى، فكان ذلك امتثالاً للتقدير بالاشتغال، لا الأسباب والتدبير، وكل ما ورد من تداوي رسول الله صلى الله عليه وسلم، محمول على هذه الثانية. قال الكردري: وذكر سيد الحفاظ الديلمي وبرهان الإسلام الغزنوي بأسانيدهم إلى الصحابة عن الإمام أنه قال: سمعت أنساً يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قال لا إله إلا الله خالصاً مخلصاً مِنْ قَلْبِهِ دَخَلَ الجَنَّة، وَلو تَوَكَلْتُم على الله حق توكله، لرزقكم كَمَا يَرزُقُ الطَيْر، تَغْدُو خِمَاصاً وتروحُ بِطَاناً". أقول هذا الحديث: رواه البزار بسنده عن أبي سعيد، ولفظه: "من قال لا إله إلا الله مُخَلِصاً دَخَلَ الجَنَّة".

وفي رواية: إخلاصه أن يحجزه عن محارم الله تعالى، وأما آخره، فقد رواه أحمد والترمذي وابن ماجه، والحاكم، عن عمر ولفظه: "لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله، يرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصاً وتروح بطاناً". ورواه البيهقي عنه بلفظ: "توكلون على الله حَقَّ توكله، لرزقت كما يرزق الطير، تغذوا خماصاً وتروح بِطَاناً. وورد في حديث صحيح برواية الشيخين وغيرهما عن جماعة من الصحابة من ألفاظ مختلفة أن سبعين ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب، هم الذين لا يسترقون ولا يتطيرون ولا يكتوون وعلى ربهم يتوكلون. - التوكل نوعان قال الكردري: التوكل نوعان: الأول، وهو سكون النفس إلى ما سبق في القضاء بلا مبالاة لفوات نفع، أو دفع ضرر والاضطراب، وعدم مساواة الوصول والحرمان عنده بنفي وجود هذا النوع من التوكل، وكذلك الميل إلى الأسباب، والاشتغال بها يدفع هذا النوع إليه، أشاد عليه السلام بقوله: "لو توكلتم على الله حق توكله" لأن من المعلوم أن الطير لا يلتفت إلى حصول نفع ودفع ضرر، لا يبالي بالوصول، والحرمان. والتوكل فقال: لو كنتم على صفة غير مبالٍ بنيل أو فوات، وكنتم متوكلين حق التوكل أدركتم فأقسم لكم من غير حرث ولا زرع. وهذا هو المندوب المدعو إليه، والثاني، وهو مأذون في غير المدعو إليه، وهو ما يكون لرفع الضرر والمكاره، فإِنه أيضاً توكل، إلا أنه ناقص، ألا ترى أن عمر قال لما قال النبي صلى الله عليه وسلم عن الطير: "أَْرسِلْ نَاقَتي أم أقيد، وَأَتَوَكَلْ، قال: لاَ بَلْ قَيِّدْ وَتَوَكَّلْ". فإِن كان يريد بالتوكل التحرز من الآفات والبلاء، لا السكون إلى ما سبق من القضاء، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالنوع الذي وقع فيه المشورة إذ المستشار مؤتمن، ومثله ما

قال عليه السلام لكعب بن مالك المُتَخَلِّفْ عَنْ غَزْوَةِ تَبوك أَحَدُ الثلاثة: "أَنْفِق عليك مالك" حين قال: نيتي أن أتخلع من مالي، وقال لبلال: "أَنْفِقْ مالاً ولا تَخْشَ من ذي العَرْشِ إقلالاً" لأنه صلى الله عليه وسلم كان مستكمل التوكل على الله. ساكناً إلى ماله عند مولاه، غير ملتفت إلى حظه وهواه. وأما غيره، فكان مراده الاحتراز عن المكاره، والاحتمال لدفع المضار، وكذا قيل لأبي بكر الصديق: أن يدعى لك الطبيب. قال: الطبيب أمرضني. وإليه أشار الجليل بقوله: {وَإذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يُشْفِينِ} (¬1) والقيل إلى النوع الثاني عن سعد بن الربيع، كواه النبي صلى الله عليه وسلم، وأتى رحبه الدهني هناك، من هنا، فخرجها بمشقص. ثم اعلم أن الحسن بن زياد ذهب إلى أن التداوي لا يجوز، لأنه يمنع التوكل على الله تعالى {فَتَوَكّلُوا إنْ كُنْتُم مُؤْمِنين} (¬2) ¬

(¬1) الشعراء 80. (¬2) المائدة 23.

§1/1