شرح لمعة الاعتقاد - ناصر العقل

ناصر العقل

شرح لمعة الاعتقاد [1]

شرح لمعة الاعتقاد [1] لمعة الاعتقاد من أحسن متون العقيدة السلفية وأشملها، وقد ضمنها الموفق ابن قدامة رحمه الله كثيراً من القواعد الشرعية والأصول الدينية التي تفيد المسلم في معرفة طريقة السلف في التعامل مع النصوص المتعلقة بأسماء الله تعالى وصفاته.

كيفية طلب العلم

كيفية طلب العلم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، واجعل عملنا خالصاً لوجهك الكريم، وبعد: فلعل من أهم الأمور التي ينبغي أن يعنى بها المسلمون جميعاً وطلاب العلم على وجه الخصوص في هذا العصر هو العناية بالعلوم الشرعية على أصول صحيحة سليمة، ونحن نرى بحمد الله بوادر التفات المسلمين إلى العلم الشرعي في جميع بقاع الدنيا ولا سيما الشباب، وهذا أمر يبشر بخير، ولا شك أنه إن شاء الله من علامات الخير لهذه الأمة ونهضتها على فقه من دينه. ومع ذلك قد يعتري هذا التوجه شيء من الخلل والتقصير بسبب الفتور الذي حصل بين المسلمين في العصور الأخيرة في تحصيل العلم الشرعي، وبسبب استحداث وسائل لطلب العلم أكثرها مستمد عن غير المسلمين لا يخدم الفقه الشرعي ولا يؤدي إليه بطريق سليم، فمن هنا اختلطت على الناس الوسائل والمناهج والأساليب. ولعل من أهم الأمور التي ينبغي أن أنبه لها بمناسبة هذه الدورة أن مما يجهله كثير من طلاب العلم الأسلوب الصحيح لطلب العلم الشرعي على أسس سليمة تؤدي إن شاء الله إلى ثمار طيبة وسليمة. ومن هذه الأسس: أن العلم الشرعي الأصل فيه أن يُطلب على تدرج وأن يُطلب بالتلقي المباشر عن المشايخ الكبار ثم من دونهم ممن يتقنون ولو علماً من العلوم، ولا يشترط أن يتعلم جميع الشباب على الكبار؛ لأن هذا قد لا يتهيأ للجميع، المهم أن يُطلب العلم على أسس سليمة ومنها التلقي المباشر، ولا يُكتفى بمجرد الوسائل، أي الأخذ عن الكتب أو الأشرطة أو النشرات أو غيرها، فهذا لا يكفي، بل ربما يكون ضرره أكثر من نفعه، فعلى هذا لا بد من إعادة الأصول الصحيحة السليمة لتلقي العلم الشرعي. ومما كثر الخلل فيه أن كثيراً من طلاب العلم لا يتلقونه على أسلوب صحيح من حيث التدرج، والأصل في العلم الشرعي أن يؤخذ تدرجاً، فتؤخذ الأوليات والأصول من المتون الأساسية حفظاً واستيعاباً وهو الأصل، وإن لم يتوفر الحفظ فعلى الأقل لا بد من الاستيعاب للمتون الأساسية في كل علم، بحسب توجه الشخص وميوله وبحسب قدرته واستعداده، فمن عنده استعداد كبير ومواهب فهذا يأخذ أصول العلوم الشرعية واللغوية كلها، ومن ليس عنده قدرة أو استعداد أو وقت فليأخذ ما يناسبه أو ما يرى أنه يحتاجه أو تحتاجه الأمة في وقته. فعلى هذا لا بد من أخذ المتون أولاً، ثم بعد ذلك الشروح الوسيطة، ثم بعد ذلك الشروح البسيطة، وقد حرص كثير من طلاب العلم جزاهم الله خيراً في الآونة الأخيرة على أخذ هذا المنهج الذي كان عليه سلف الأمة، بمعنى أن يبدأ بالمتون حفظاً واستيعاباً، أو استيعاباً، ثم ما بعدها، ومن ذلك: هذه الدورة التي ستبدأ هذا اليوم إن شاء الله، ولا ننسى أن ندعو لمن تسبب في نشأتها وخروجها إلى حيّز التنفيذ، وعلى رأسهم إمام هذا المسجد جزاه الله خيراً، وجزى الله خيراً كل الإخوة والمشايخ الذين استعدوا لإلقاء هذه الدورة والإسهام فيها. أما عن هذا الدرس فهو في متن لمعة الاعتقاد في التوحيد، واللمعة من الكتب أو المتون الشاملة التي ينبغي أن يُعنى بها طلاب العلم. وعلم العقيدة توافرت له بحمد الله في هذا العصر مراجع ومتون وشروح كافية لمن أراد أن يطلبها، وهي متوفرة بأيدي طلاب العلم. والمفترض في طلب العلم للعقيدة أن يبدأ بمثل هذا المتن أو ما يسبقه ككتاب التوحيد لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب والأصول الثلاثة والمسائل الأربع، ونحوها من الكتب الموجزة، ثم مثل هذا المتن الجيد المركز، ومثله متن الطحاوية، ومثله أيضاً منظومة الشيخ حافظ الحكمي رحمه الله التي شرحها بمعارج القبول والمتون الشاملة أولى من غيرها، وأقصد بالمتون الشاملة المتون التي تشمل أصول عقيدة السلف الصالح من أولها إلى آخرها في الجملة، وذلك أن المتون على نوعين: متون تأخذ شعبة من شعب العلم، ومتون تكون شاملة، ومتون تكون في أكثر العلم أو بعضه أو نصفه أو ثلثه، ومتون تكون في جميع أصول العلم، ومنها هذا المتن لمعة الاعتقاد؛ فإنه في أصل علم العقيدة ويشمل الأصول المهمة جميعها، ومثله كما قلت متن الطحاوية ومنظومة الشيخ حافظ، فإن هذه المتون الثلاثة من أحسن المتون التي ينبغي أن يبدأ بها طالب العلم في تحصيل العقيدة السلفية الصحيحة.

التعريف بالموفق ابن قدامة

التعريف بالموفق ابن قدامة بسم الله الرحمن الرحيم، وبه نستعين. قال الشيخ الإمام العلامة موفق الدين أبو محمد عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي قدّس الله تعالى روحه. الشيخ الإمام موفق الدين أبو محمد من أعلام السنة، ومن مشاهير أئمة السلف، عاش في قرنين: القرن السادس وفي القرن السابع، وهو من الأئمة المجتهدين الذين نفع الله بهم الأمة، وهو مقدسي دمشقي، مقدسي من حيث النشأة والمولد فكان من أهل فلسطين، ولد قرب بيت القدس، ثم الدمشقي لأنه هاجر وهو صغير بسبب ما حدث من فتن وحروب واستيلاء النصارى على بيت المقدس فهاجر مع أسرته إلى دمشق وتلقى العلم فيها وفي بغداد، ثم استقر في دمشق وتعلم وعلّم فيها. وللشيخ رحمه الله جهود عظيمة في نصر السنة وفي التأليف، وكان مع علمه وفضله وإمامته في الدين كان مجاهداً في سبيل الله في حروب المسلمين ضد الصليبيين، كعادة العلماء الأئمة الأعلام. والشيخ رحمه الله له مصنفات عظيمة نفع الله بها الأمة إلى يومنا هذا وإلى أن تقوم الساعة، ومن أعظمها هذا الكتاب، وله كتب في الفقه ومن أشهرها وأعظمها كتاب المغني وهو مغن كاسمه، فهو موسوعة فقهية كبيرة وليس مجرد شرح، وهو صاحب روضة الناظر الكتاب المشهور في أصول الفقه الحنبلي.

قواعد في الأسماء والصفات

قواعد في الأسماء والصفات قال المصنف رحمه الله تعالى: [الحمد لله المحمود بكل لسان، المعبود في كل زمان، الذي لا يخلو من علمه مكان، ولا يشغله شأن عن شأن، جل عن الأشباه والأنداد، وتنزه عن الصاحبة والأولاد، ونفذ حكمه في جميع العباد لا تمثله العقول بالتفكير]. (لا تمثله): بمعنى لا تتوهم له شبيهاً ولا مثيلاً، وهذا يعني أن العقول لا يمكن أن تحيط بكيفية ذات الله عز وجل وأسمائه وصفاته وأفعاله، وأشار بهذا إلى أن الله عز وجل ليس كمثله شيء، واختياره هذه العبارة دليل على التزامه لنهج السلف، بل هو من أئمة السلف. قوله: (لا تمثله)، بمعنى أنها لا يمكن أن تحيط به ولا بمثله؛ لأن الله عز وجل ليس كمثله شيء.

قاعدة الإثبات والنفي في الأسماء والصفات

قاعدة الإثبات والنفي في الأسماء والصفات قال المصنف رحمه الله تعالى: [ولا تتوهمه القلوب بالتصوير، ليس كمثله شيء، وهو السميع البصير]. هنا ذكر الشيخ قاعدة ولعلنا نجعلها القاعدة الأولى؛ لأننا بإذن الله سنضبط أكثر القواعد التي أشار إليها الشيخ، بعضها ستأتي على شكل إشارات وبرقيات سريعة؛ لأن الإمام كان يكتب في وقته للناس وكانوا في استيعابهم للعقيدة أكثر من استيعاب المعاصرين، ونحتاج الآن في هذا العصر الذي كثر فيه تشقيق العلم وتفصيله إلى أن نيسر الانتفاع بهذه القواعد، ففي قوله: [ليس كمثله شيء وهو السميع البصير] إشارة إلى القاعدة التي قررها الله عز وجل في كتابه الكريم، وهي قاعدة في أسماء الله وصفاته كلها، وهي قاعدة الإثبات والنفي، وهنا بدأ بالنفي {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:11] لدفع توهم المشابهة قبل تقرير الإثبات، وهذا نهج تفرد به أهل السنة والجماعة والسلف عن بقية الفرق التي هلكت، بمعنى أنهم يقررون نفي المماثلة والمشابهة لئلا ينصرف الذهن عند سماع صفات الله وأسمائه وأفعاله إلى التشبيه والتمثيل، فإذا استقر في ذهن المسلم أن الله ليس كمثله شيء ثم سمع قوله عز وجل: {وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:11] اندفع التشبيه واندفع التمثيل وتوهم ذلك. فإذاً هذه قاعدة، وهي: أن الله عز وجل موصوف بالإثبات، أي إثبات ما أثبته لنفسه وما أثبته له رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونفي النقائص عن الله عز وجل جملة وتفصيلاً. فقوله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:11] فيها نفي للنقائص، وفيها نفي للمماثلة والمشابهة. وقوله: {وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:11] فيها إثبات، وهذه القاعدة الأساسية التي ينبني عليها توحيد الأسماء والصفات.

لله الأسماء الحسنى والصفات العلى

لله الأسماء الحسنى والصفات العلى قال المصنف رحمه الله تعالى: [له الأسماء الحسنى والصفات العلى]. هذه قاعدة ثانية تتفرع عن الأولى، وهو أن الله عز وجل له الأسماء الحسنى مطلقاً، وله الصفات العلى مطلقاً، فيتفرع عن هذه القاعدة أصول سيذكرها الشيخ بعد قليل؛ لأن الأسماء الحسنى قد يدخل البعض فيها أشياء يرى أنها حسنى وهي لا تليق بالله عز وجل، أو ينفي أشياء يرى أنها غير حسنى، وهي من الكمال، إذاً هنا لا بد من ضابط يُضبط به معنى الحسنى ومعنى العلى، وستأتي الإشارة إلى هذه الضوابط إن شاء الله. قال المصنف رحمه الله تعالى: [له الأسماء الحسنى والصفات العلى {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى * لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى * وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى} [طه:5 - 7] أحاط بكل شيء علماً، وقهر كل مخلوق عزة وحكماً]. قوله: (وقهر كل مخلوق عزة وحكماً) نرجعه إلى الأصل، وهو أن الله عز وجل موصوف بالكمال، وأن له الأسماء الحسنى وكذلك الصفات والأفعال، فكل شيء حسن وعلي وعظيم فالله عز وجل موصوف به، فمن هنا قوله: (قهر)، قد يتوهم بعض السامعين والقارئين أن القهر يراد به القهر الذي يكون فيه شيء من الظلم، والله عز وجل منزّه عن ذلك، فقهر الله عز وجل قهر ربوبية، وقهر العلم والعزة والحكم والكمال؛ لأن القهر الذي يتصف به المخلوق قد يكون فيه ظلم واعتداء، والله عز وجل ليس كالمخلوق بل له الكمال الكامل، فإذا جاءتنا مثل هذه العبارات التي يكون فيها عند المخلوق نوع من التفسير الذي لا يليق بالله عز وجل، فإذاً نحملها على معنى الكمال لله عز وجل، وأن قهر الله عز وجل قهر ربوبية، وهو مع ذلك رحيم ودود عليم حكيم.

وصف الله بما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم

وصف الله بما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم الملقي: [ووسع كل شيء رحمة وعلماً، {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا} [طه:110]. موصوف بما وصف به نفسه في كتابه العظيم، وعلى لسان نبيه الكريم]. هذه قاعدة ثالثة في الأسماء والصفات: وهو أن الله عز وجل إنما يوصف بما وصف به نفسه في كتابه، وبما وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم فيما صح من السنة، وهذا يعني أنه سيأتي شيء منها وأشير إلى بعضها الآن تتميماً للفائدة، وهو أن ما جاء في كتاب الله عز وجل وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم من الصفات والأسماء والأفعال لله سبحانه فهو الكمال المطلق الذي لا يمكن أن يأتي البشر بأفضل منه، وعلى هذا فإن أسماء الله وصفاته توقيفية، وعلى هذا فإن البشر لا يمكن أن يأتوا أو يتوهموا كمالاً إلا وفي الكتاب والسنة ما هو أعظم منه، فإذا نطق الناس بكمال أو تصوروا كمالاً من الكمالات فإنها لا بد أن تتضمنها أسماء الله وصفاته الواردة في الكتاب والسنة، خاصة الأسماء الشاملة مثل اسم الجلالة الله، ومثل الحي القيوم، والعلي العظيم، والأحد، والصمد، فإن هذه تشمل كل كمال يمكن أن ينطق به بشر، بأي لغة وبأي زمان وفي أي مكان، وتشمل كل كمال يمكن أن يتصور. بل يوجد مما حجبه الله على الخلق من أسماء الله وصفاته ما لا يمكن أن تتحمله عقول البشر، كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (أسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك) فمعنى هذا أن الله استأثر في علم الغيب عنده من أسمائه وصفاته ما لم يخطر على قلب بشر، ولم يوح الله به إلى أحد من خلقه حتى أكمل الخلق وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم. ويتبين هذا فيما جاء في حديث الشفاعة العظمى أنه صلى الله عليه وسلم يسأل ربه بمحامد يلهمه الله إياها كان لا يعرفها في الدنيا.

الإيمان بكل ما صح عن المصطفى عليه السلام من صفات الرحمن

الإيمان بكل ما صح عن المصطفى عليه السلام من صفات الرحمن قال المصنف رحمه الله تعالى: [وكل ما جاء في القرآن أو صح عن المصطفى عليه السلام من صفات الرحمن وجب الإيمان به]. هذه قاعدة رابعة، وهي: كل ما جاء في القرآن أو صح عن المصطفى صلى الله عليه وسلم من صفات الله عز وجل في ذاته وأسمائه وأفعاله وجب الإيمان به، بمعنى التسليم والتلقي بالقبول كما شرحه الشيخ، ومعنى التسليم أن يستقر هذا في القلب تصديقاً وإيماناً وتعظيماً لله عز وجل، وعدم مناقشة ولا اعتراض ولا تأويل ولا تعطيل ولا غير ذلك مما يزيد عن اللفظ الوارد في الشرع، فإن هذا معنى التسليم؛ لأن أسماء الله وصفاته غيبية، والغيب لا يتم الإيمان به إلا بالتسليم به، وكل من ناقش بقصد الاعتراض أو التشكيك فإنه لم يسلم، وكل من جادل بعد أن يُنهى ويتبين له النهي عن الجدال فإنه لم يسلم. إذاً: ما جاء في القرآن وصح عن المصطفى صلى الله عليه وسلم من أسماء الله وصفاته وأفعاله وذاته فلا بد من الوقوف عنده إيماناً وتسليماً وقبولاً، ثم يترتب على ذلك ما سيقوله الشيخ رحمه الله.

التسليم والقبول لما ورد من الأسماء والصفات وعدم التأويل والرد لها

التسليم والقبول لما ورد من الأسماء والصفات وعدم التأويل والرد لها قال المصنف رحمه الله تعالى: [وتلقيه بالتسليم والقبول، وترك التعرض له بالرد والتأويل والتشبيه والتمثيل]. وهذه قاعدة خامسة ترك التعرض له بالرد والتأويل والتشبيه والتمثيل، وقصده بذلك أن ما ورد من أسماء الله وصفاته يمر كما جاء مع الإيمان بأنه حق على حقيقته كما يليق بجلال الله عز وجل، ولا يُتعرض لألفاظ أسماء الله وصفاته وأفعاله، لا بتشكيك ولا باعتراض ولا بسؤال تعنّت ولا بسؤال عن الكيفية، ولا برد للفظ ولا للفظ والمعنى، ولا للمعنى، الرد يشمل اللفظ، ويشمل المعنى، ويشمل المعنى واللفظ جميعاً فإن من رد اللفظ وآمن بالمعنى فقد اختل تسليمه كما يفعل المؤولة والأشاعرة الماتريدية، فمثلاً إذا جاء قوله: {يَدُ اللَّهِ} [الفتح:10] قالوا: المقصود به النعمة، إذاً فقد نفوا كلمة (يد) فهم يردون اللفظ ويثبتون المعنى وهذا خلل، والعكس عند المفوضة إذ يقولون: نؤمن بأن هذا اللفظ قاله الله عز وجل لكن لا نعرف أن له معنى ولا له حقيقة، وهذا تفويض بمعنى التعطيل، وقد قال السلف بأنه كفر، والأول ضلالة وخطأ، أي التسليم بالمعنى دون اللفظ. إذاً: لا يُتعرض له برد، والرد -كما قلت- يشمل رد اللفظ، ورد اللفظ والمعنى، ورد المعنى. وكذلك التأويل وهو نوع من الرد، والتأويل بمعنى العدول عن إثبات ألفاظ أسماء الله وصفاته ومعانيها إلى معان أخرى يتوهمها المتكلم أو يتوهمها المؤول، وسيأتي لهذا أمثلة لكن لا مانع من ضرب مثال الآن من أجل الإيضاح. مثلاً: المؤولة لم يثبتوا أن الله عز وجل استوى على العرش، فإذا جاء قوله عز وجل: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:5] لا يثبتون الاستواء ويقولون: المقصود استولى، ويسمونه تأويلاً ويزعمون أنه لا بد منه، ولهم في ذلك شبهات، وما من صاحب ضلالة أثّرت في الأمة وبقيت في فرقة من الفرق إلا وله شبهة، بل أول معصية وقعت من إبليس لعنه الله كانت بشبهة، لكن الشبهة ليست حقاً، لكن بمعنى أنها تشتبه على خالي الذهن وعلى ضعيف العلم، وتشتبه على ضعيف الإيمان، وتشتبه على من ليس عنده ما يحصنه من عقيدة سليمة، فشبهتهم أنهم زعموا أن إثبات الاستواء يعني إثبات مماثلة المخلوقات، والله عز وجل ليس كمثله شيء، يستوي كما يليق بجلاله، المهم أنهم أولوا الاستواء إلى معان كثيرة، فمنهم من قال هو الاستيلاء، ومنهم من قال هو بمعنى الهيمنة، ومنهم من قال الاستواء بمعنى الحفظ والملك إلى آخر ذلك من معان لا تكاد تحصى. فإذاً التأويل هو رد يخالف قاعدة السلف، والتشبيه والتمثيل معروف، وإن كان بينهما شيء من الفرق، فالتمثيل ادعاء أن الله يماثله شيء من مخلوقاته أو يماثل شيئاً من مخلوقاته، وهو أبلغ من التشبيه، وسيأتي الكلام على التمثيل والتشبيه في مقام آخر، على جهة التفصيل.

القاعدة في فهم ما يشكل من الأسماء والصفات

القاعدة في فهم ما يشكل من الأسماء والصفات قال المصنف رحمه الله تعالى: [وما أشكل من ذلك وجب إثباته لفظاً وترك التعرض لمعناه، ونرد علمه إلى قائله، ونجعل عهدته على ناقله، اتباعاً لطريق الراسخين في العلم]. هذه قاعدة سادسة، وهي أن ما أشكل مما يتعلق بأسماء الله وصفاته وأفعاله على السامع أو القارئ يرد إلى قائله، وإلا فالأصل في الدين أنه لا يُشكل على الراسخين في العلم كما أشار الشيخ بعد ذلك، لكن قد يُشكل لأن مفاهيم الناس وإدراكاتهم تتفاوت، وفهمهم للغة يتفاوت، واستحواذ الشبهات والوساوس تختلف من شخص لآخر، فقد يُشكل على بعض الناس معنى أو لفظ من أسماء الله وصفاته وأفعاله، أو ترد عليه خواطر لا يستطيع دفعها، فهذه قاعدة فإذا أشكل أمر من هذه الأمور في أسماء الله وصفاته وأفعاله فلا بد من الرجوع إلى القاعدة الأصلية، وهي أن ما قاله الله عز وجل يُثبت على حقيقته كما يليق بجلال الله، فقوله عز وجل: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:5] نؤمن بأن هذا اللفظ حق لأن الله تكلم به، وأن معناه أيضاً حق. والشيخ عبّر بتعبير فيه إيهام وسيأتي إيضاحه إن شاء الله، فقوله: (وترك التعرض لمعناه)، أقول يجب إثبات لفظ الله عز وجل أو فعله أو وصفه الذي يرد في الكتاب والسنة، ثم إثبات أن هذا اللفظ له حقيقة تليق بجلال الله عز وجل، وله معنى أيضاً يليق بجلال الله عز وجل. اللفظ وحقيقته ومعناه لا بد من الإيمان بهما على ما يليق بجلال الله عز وجل مع استحضار القاعدة الأصلية وهي أن الله عز وجل ليس كمثله شيء سبحانه فقوله: (وجب إثباته لفظاً) أي: إقرار أن لفظه مقصود، وأن له معنى وحقيقة، لا كما يقول المؤولة بأن اللفظ غير مراد إنما هو من باب تقريب المعنى إلى الأذهان! فهذا غير صحيح؛ لأن الله عز وجل له الكمال المطلق، ويستطيع أن يعبّر لنا بتعبير لا يكون فيه هذا الإشكال الذي يرد ويوقع الناس في الحرج، ويوقعهم في تأويلات لا تنتهي، ويخرجون عن العقيدة السليمة إلى عقائد لا نهاية لها كما فعل المؤولة.

معنى قول المصنف: (وترك التعرض لمعناه)

معنى قول المصنف: (وترك التعرض لمعناه) قوله: (وترك التعرض لمعناه) قصده هنا ترك التعرض لمعنى الكيفية، يعني التعرض للصورة والشبه والخيالات والتحديد والتشخيص واللون والشكل والبعد والمسافة هذه الأشياء يجب أن نبعدها عن الأذهان في حق الله عز وجل، هذا معنى التعرض لمعناه، أي المعنى الغيبي الذي لا يعلمه إلا الله عز وجل، أما المعنى بمعنى الحقيقة فإنه لا بد من إثباتها لأن الله عز وجل لا يكلمنا إلا بحق، والقرآن حق، وكلام الله حق، وهو بلسان عربي مبين، يعني مبيّن، فلو كانت ألفاظاً ليس لها معان لما كان مبيناً ولا مبيّناً ولا يليق ذلك بكلام الله عز وجل. ثم قال: (ونرد علمه إلى قائله)، وذلك إذا بقي الإشكال في الذهن، كإنسان أشكل عليه لفظ من أسماء الله وصفاته وأفعاله فتأمل ولم يجد جواباً، ولم يعرف ما يقوله أهل العلم، فإنه يبقى على الأصل فيقول: الله أعلم بمراده، وأن الله عز وجل متصف بهذا الوصف ومسمى بهذا الاسم، لكن المعنى أرده إلى قائله، يعني: أسلّم بأني عجزت أن أثبت هذا المعنى، فعلى هذا أسلّم بأنه حق وصحيح، وأنه يليق بجلال الله عز وجل حتى ولو لم أدرك معناه، هذا من جانب من جانب آخر: رد العلم إلى القائل حتى عند الراسخين في العلم الذين يفهمون معاني أسماء الله وصفاته يردون العلم إلى عالمها من جانب الكيفية وذلك شامل لكل أصول الدين الغيبية، خاصة ما يتعلق بأسماء الله، وصفاته، وأفعاله، والقدر، وأخبار الغيب فالأصل فيها كلها أن ترد إلى عالمها، فإن كنا عرفنا حقائقها فلنؤمن بحقائقها، وإن لم نُدرك الحقائق نؤمن بأنها حق كما يليق، وأن الله ما أخبرنا إلا بشيء واقع ليس خيالاً ولا توهماً ولا مجرد تصورات تقريبية كما يقول الفلاسفة، إنما هي حق على مراد الله عز وجل. وقوله: (ونجعل عهدته على ناقله)، هذا فيما يتعلق باللفظ المنقول، فإذا كان منقولاً في القرآن فلا يحتاج إلى أن نقول عهدته على ناقله؛ لأنه متواتر، والقرآن كلام الله؛ لكن هذا يتعلق بالسنة، فالسنة قد يرد في أسماء الله وصفاته بعض الأحاديث الحسنة والضعيفة، أو آثار لم نجزم بثبوتها فنترك العهدة على الناقل، أما ما صح من كلام الله تعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم فلا يقال عهدته على ناقله، إنما العهدة على الأمة أن تؤمن به، فمن ثبت عنده شيء من الدين صارت عهدته عليه إن كان من الأمور العملية عمل بما يستطيعه، وإن كان من الأمور الاعتقادية وجب اعتقاده، ولا يسع أحداً أن يتخلص أو يتبرأ أو يتنصل مما ثبت عن الله تعالى وعن رسوله صلى الله عليه وسلم.

مراتب التأويل وأسبابه وعواقبه

مراتب التأويل وأسبابه وعواقبه قال المصنف رحمه الله: [اتباعاً لطريق الراسخين في العلم الذين أثنى الله عليهم في كتابه المبين بقوله سبحانه وتعالى: وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا)) [آل عمران:7]. وقال في ذم مبتغي التأويل لمتشابه تنزيله: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ} [آل عمران:7] فجعل ابتغاء التأويل علامة على الزيغ وقرنه بابتغاء الفتنة في الذم، ثم حجبهم عما أمّلوه وقطع أطماعهم عما قصدوه بقوله سبحانه: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ} [آل عمران:7]]. في هذا الكلام فائدة عظيمة أشار إليها الشيخ تتعلق بالتأويل وبأسبابه وبعواقبه. أما ما يتعلق بالتأويل فإن الله عز وجل ذكر التأويل هنا على سبيل الذم، ووصف أصحابه بأنهم أهل زيغ، والزيغ هنا على درجات، فإن كان التأويل تأويل تعطيل وإنكار وجحد كتأويل غلاة الجهمية فهو كفر بإجماع السلف، وإن كان التأويل تأويل تحريف وعدول عن ألفاظ كلام الله عز وجل ومعانيها المباشرة إلى معان أخرى، فهذا يتراوح بين الكفر والبدعة والخطأ بحسب نية قائله. الأول: لا يحتمل الخطأ ولا يحتمل أن يكون بدعة إلا بدعة الكفر. الثاني: درجات، فمنه ما يكون كفر كتأويل كثير من المعتزلة الذين أصروا على نفي معاني أسماء الله وصفاته. ومنه ما هو ضلالة وبدعة كتأويل المتكلمين الذين أُقيمت عليهم الحجة. ومنه ما هو خطأ كتأويل بعض أئمة السنة الذين اشتبه عليهم الأمر. هذا ما يتعلق بالتأويل، أما ما يتعلق بسبب التأويل فقد أشار الله عز وجل إلى أهم أسباب التأويل، وهي: ابتغاء الفتنة، وابتغاء تأويله إما أحد الأمرين أو كلاهما، قد يكون بعض الناس قصده بالتأويل الفتنة فعلاً كالجهمية وغلاة المعتزلة والزنادقة الذين بدءوا التأويل على المسلمين كالرافضة والباطنية والفلاسفة وغلاة المتكلمين هؤلاء لا شك أنهم ممن يبتغي الفتنة، فهم ما بين زنديق كافر أصلاً يدّعي الإسلام ويريد أن يحرف الأمة ويضلها، وما بين إنسان يحب الشهرة ويحب الارتقاء ولو على حساب العقيدة، وما بين ضال يريد أن يضل الناس معه، وما بين صاحب هوى إلى آخره فهؤلاء صنف واحد. ومنهم من يبتغي التأويل بمعنى أنه توهم أن التأويل ضروري، ويظن أنه لا يليق أن يوصف الله عز وجل بهذه الأسماء والصفات المباشرة، وأن الله يعني أمراً آخر تعبدنا بالبحث عنه، وهذه شبهة المتكلمين الذين ما كفّرهم السلف لكنهم بدّعوهم كمتكلمي الأشاعرة والماتريدية؛ فإنهم لا يبتغون الفتنة أصلاً في قصدهم والله أعلم، إنما يبتغون التأويل، يعني قصدوا التأويل إما تأثراً بالفلسفة والعقليات وهي تجر أصحابها إلى ويلات، وإما زعماً منهم أن ظاهر الألفاظ في الكتاب والسنة يقتضي المشابهة فأرادوا الخروج عن هذه الشبهة، وإما وإما إلى آخره من ابتغاء التأويل، ومنهم من يبتغي الأمرين، وهم غلاة المؤولة ما بين فلاسفة وما بين زنادقة، يبتغي الفتنة والتأويل جميعاً. وعلى أي حال فإن الوقوع في التأويل في صفات الله وأسمائه وأفعاله من علامات الزيغ، سواء كان هذا الزيغ كفراً أو ضلالة أو بدعة أو خطأ. الفائدة الثانية ما يتعلق بقوله: (ثم حجبهم عما أمّلوه)، فمن تأمل تاريخ المؤولة يجد أنهم قُطعوا عن مقاصدهم ورد الله كيدهم في نحورهم، سواء منهم من كان يقصد الفتنة في الإسلام أو من ضل عن حسن نية لكنه لا يصل إلى نتيجة إلا بالرجوع إلى الحق، أما الضالون الذين أرادوا الفتنة والتأويل فإنهم ما وصلوا بحمد الله إلى أن يؤثروا في عقيدة المسلمين، وهيأ الله لهم من أئمة الإسلام من تصدى لهم وكشف أساليبهم ووسائلهم وبين فضائحهم، وانجلى الأمر للأمة، وهلك من هلك عن بينة نسأل الله العافية، وحي من حي عن بينة نسأل الله أن يثبتنا على القول الثابت في الدنيا والآخرة. النوع الآخر ممن حجبوا عما أمّلوه هم من لم يكونوا أهل كفر وضلالة ولكنهم ممن استهوتهم الكلاميات والعقليات من المتكلمين، فإنهم ظنوا أنهم بهذا الأسلوب بأسلوب التأويل سيصلون إلى نتيجة تنزيه الله عز وجل، لكن ما وصل واحد منهم إلى نتيجة، بل كل واحد منهم يُعلن الإفلاس خاصة الكبار الذين بُني على جهودهم علم الكلام المنحرف، فكلهم وصلوا إلى القناعة بأن أسلوبهم خطأ وأعلنوا ذلك، ولنأخذ نماذج من ذلك. أبو الحسن الأشعري رحمه الله ولج علم الكلام وعايش المعتزلة ثم وجد أن هذا طريق مسدود لا يثبت تنزيهاً لله عز وجل، وأنه ليس هناك أفضل في تنزيه الله من الكتاب والسنة ومنهج السلف، ورجع إلى ذلك وصار حرباً على المؤولة حتى قال أئمة السنة: إنه الرجل الثاني في الحرب على المتكلمين والجهمية والمعتزلة بعد الإمام أحمد. إذاً إمام المؤولة رجع عن التأويل وأوصى كل من جاء بعده بأن يتركوه، ثم جاء بعده من الأئمة كـ الشهرستاني

قاعدة الإيمان بالسمعيات والتصديق بها

قاعدة الإيمان بالسمعيات والتصديق بها قال المصنف رحمه الله تعالى: [قال الإمام أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل رضي الله عنه في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله ينزل إلى سماء الدنيا) و (وإن الله يرى في القيامة) وما أشبه هذه الأحاديث: نؤمن بها ونصدق بها لا كيف ولا معنى، ولا نرد شيئاً منها، ونعلم أن ما جاء به الرسول حق، ولا نرد على رسول الله صلى الله عليه وسلم]. هذه قاعدة ليست من القواعد الأولى لكنها قاعدة أخرى تتعلق بالسمعيات جميعاً، تشمل الأسماء والصفات وغيرها، فهي قاعدة عامة في الغيبيات والسمعيات. والمقصود بالسمعيات هي الأمور التي أخبرنا الله بها ولا دخل للعقول فيها إثباتاً ولا نفياً لا يمكن للعقول أن يكون لها فيه قول؛ لأنها غيبية بحتة، جاءت وما عرفناها إلا من خلال الكتاب والسنة، وأكثر أمور العقيدة بهذه الصورة. فالأصل في السمعيات والغيبيات ما ذكره الإمام أحمد بن حنبل في هذه القاعدة، وهي الإشارة إلى النزول والرؤية، وهي أن الأصل فيها الإيمان بها أولاً، كما جاء في الكتاب والسنة، دون أي اعتبار لتوهم ولا لتصور ولا لشبهة، ولا التماس للمعاني البعيدة التي يرمي إليها أهل الشبهات والشهوات، فنقف عند حد النص ونقول: نؤمن بأن النزول حق فنؤمن به، ثم نصدّق بها، بمعنى ألا يرد مجال للتشكيك ولا للتكذيب ولا للشبهة ولا لأي معنى يلقيه الشيطان في قلوب مرضى القلوب نصدّق بأن كلام الله حق وأن ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حق، فلا ندع مجالاً يجعل القلب يروغ عن الحق.

معنى الإيمان بلا كيف ولا معنى

معنى الإيمان بلا كيف ولا معنى ثم قال: (ولا كيف) وهذه مرحلة ثالثة بعد الإيمان والتصديق، فالإيمان والتصديق يشملهما معنى التسليم. قوله: (ولا كيف)، بمعنى لا نسأل عن الكيفية، بل لا نعتقد الكيفية، ولا نتصورها ولا نتخيلها، ولا أقصد أننا نطردها من الأذهان، فالذهن لا بد أن يتخيل أو يتصور عند سماع النص، فهذا أمر لا ينفك منه عاقل، بل لا تستطيع أن تفهم كلام الله إلا بالتخيل، لكن العبرة فيما بعد التخيل، فإن الأصل في هذه الخيالات أنها مقربات للحقيقة، وإلا فالحقيقة غير ما تتخيله. مثلاً: سمعت عن نعيم الجنة، فلا بد أن تتخيل عن هذا الخبر خيال، وما تتخيله حق وحقيقة لكن ليس كما تتخيله من أمور الدنيا التي انطبعت في ذهنك، ففي الجنة ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، وإن تشابهت الأسماء والأشكال فإنها لا تتشابه الحقائق والطعوم والكيفيات. إذاً: فالمقصود بعدم الكيف ألا تعتقد الصورة التي تنقدح في ذهنك، أما أن تتصور فلا بد أن تتصور، لكن اعتقد أن هذه الصورة ليست هي الحقيقة. وفي أسماء الله وصفاته عندما تسمع نصوصها في القرآن وفي الحديث فلا بد أن يمر في ذهنك صورة، فاجزم أن هذه الصورة ليست الحقيقة التي عليها اسم الله عز وجل ولا صفته ولا فعله؛ لأن الله ليس كمثله شيء، وأن حقيقة أسماء الله وأفعاله أعظم من أن نتخيلها أو نتصورها. إذاً (لا كيف (بمعنى أنك لا تحدد الكيفية في ذهنك، ولا في اعتقادك، ولا بكلامك، ولا تعتقدها، ولا تتكلم بها، ثم لا يسأل أيضاً عن الكيفية، فلا ينبغي لأحد أن يسأل كيف، فإن سأل الجاهل أعلم بالضوابط الشرعية، أما إن سأل المتعنت فيؤدب فإن أمكن تعزيره عزر، وإلا فعلى الأقل يؤدب بالكلام فمن سأل عن كيفية أسماء الله وصفاته وأفعاله متعنتاً بعد بيان الحكم له ولا بد أن يؤدب، أما من سأل وهو جاهل فيعلم الأدب مع أسماء الله وصفاته وأفعاله، ويقال إن أفعال الله وأسماءه وصفاته تثبت بدون كيف لا بسؤال ولا بفعل ولا بتصور ولا بتوهم، ولا معنى، بمعنى ولا كيف فليس بينهما فرق، أي لا نكيف ولا نؤول فلا نكيف المعاني ولا نؤولها، وإلا فالمعنى العام لا بد أن نثبته، فقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله ينزل إلى سماء الدنيا) لا بد أن نثبت أن لها معنى، بمعنى أن الله ينزل كما يليق بجلاله، هذه حقيقة، فالمعنى أن الحقيقة تُثبت لكن الكيفية تُنفى. ثم قال: (ولا نرد شيئاً منها)، أي لا نرد النصوص، ثم لا نرد معاني النصوص وحقائق النصوص، فلا نرد النصوص لمجرد أننا لا نعلقها كما فعلت المعتزلة والجهمية فالجهمية ردوا النصوص الصحيحة الصريحة رغم أنها متواترة، مثل حديث الرؤية وأن المؤمنين يرون ربهم في الجنة يوم القيامة، فقد روي عن أكثر من ثلاثين صحابياً بألفاظ مترادفة كلها تدل على المعنى الحقيقي كما يليق بجلال الله، لكن المعتزلة ردوها وقالوا: الصحابة بشر، ويعتريهم كذا وكذا، إلى آخره فردوا الأحاديث الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم بدون أن يتحفظوا في الرد.

قاعدة أن الله لا يوصف بأكثر مما وصف به نفسه ووصفه به رسوله

قاعدة أن الله لا يوصف بأكثر مما وصف به نفسه ووصفه به رسوله قال المصنف رحمه الله تعالى: [ونعلم أن ما جاء به الرسول حق، ولا نرد على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا نصف الله بأكثر مما وصف به نفسه بلا حد ولا غاية]. هذه القاعدة السابعة، وهي: أن الله عز وجل لا يوصف بأكثر مما وصف به نفسه ووصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم، بمعنى: لا يأتينا متحذلق بألفاظ جديدة ويقول: هذه كمالات وأنا أثبت لله الكمالات، نعم الكمال يثبت لله لكن يرد إلى ألفاظ الشرع، ولنأخذ على هذا مثالاً: بعض المتكلمين زعموا أن من أسماء الله عز وجل الموجود، وزعموا أن من أسماء الله القديم، ونحن نقول: إن الله عز وجل موجود، لكن يُغنى عنها قوله عز وجل: {الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [البقرة:255] فلا داعي لكلمة موجود لأنها لم ترد في ألفاظ الشرع. كذلك القديم، والقديم ورد ما يغني عنها وزيادة وهو قوله عز وجل: {هُوَ الأَوَّلُ} [الحديد:3]، وشرحها النبي صلى الله عليه وسلم وفسّرها في حديث صحيح بمعنى الأول الذي ليس قبله شيء، فالأول تغني عن قديم؛ لأن كلمة قديم فيها معنى سلبي، فأحياناً يُطلق في لغة العرب على الشيء المتهالك المستخدم الذي تنتهي مدته، فلا يليق هذا. فكلمة (القديم) إن كانت بمعنى شرح اللفظ فلا مانع، أما بمعنى إثبات الاسم فلا يجوز، والسلف الذين أطلقوها قصدهم شرح معنى قول الله عز وجل: {هُوَ الأَوَّلُ} [الحديد:3] فيقال: إذا قال إنسان: ما معنى الأول؟ نقول: هو القديم الذي ليس قبله شيء في معنى شرح لمعنى الأول، لكن لا نثبتها مستقلة. إذاً: لا يوصف الله عز وجل إلا بما وصف به نفسه؛ لأن ألفاظ كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم في ذات الله وأسمائه وصفاته وأفعاله كافية، وما ورد من ألفاظ أخرى تدل على الكمال تؤخذ معانيها وترد إلى ألفاظ الكتاب والسنة، والألفاظ الجديدة المستحدثة تُبعد. قال المصنف رحمه الله تعالى: [{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:11] ونقول كما قال، ونصفه بما وصف به نفسه لا نتعدى ذلك ولا يبلغه وصف الواصفين. نؤمن بالقرآن كله مجمله ومتشابهه، ولا نزيل عنه صفة من صفاته لشناعة شنعت، ولا نتعدى القرآن والحديث، ولا نعلم كيف كنه ذلك إلا بتصديق الرسول صلى الله عليه وسلم وتثبيت القرآن. قال الإمام أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي رضي الله عنه: آمنت بالله وبما جاء عن الله على مراد الله، وآمنت برسول الله وبما جاء عن رسول الله على مراد رسول الله]. هذه قاعدة عظيمة عند الإشكال، فالإنسان إذا أشكل عليه معنى من معاني أسماء الله وصفاته وأفعاله، فليسلم على هذه القاعدة، آمنت بالله وبما جاء عن الله على مراد الله، هذا هو التفويض الصحيح السليم، بمعنى أنك تفوض أمرك إلى الله عز وجل، وتؤمن بما جاء عن الله على مراد الله، فأنت تؤمن بالحق والحقيقة التي أرادها الله. قال المصنف رحمه الله تعالى: [وعلى هذا درج السلف وأئمة الخلف رضي الله عنهم، كلهم متفقون على الإقرار والإمرار، والإثبات لما ورد من الصفات في كتاب الله وسنة رسوله من غير تعرض لتأويله، وقد أمرنا باقتفاء آثارهم والاهتداء بمنارهم]. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وآله، وصحبه أجمعين.

الأسئلة

الأسئلة

المقصود من قول المؤلف: (بلا حد ولا غاية)

المقصود من قول المؤلف: (بلا حد ولا غاية) Q ما المقصود من قول المؤلف رحمه الله تعالى: (بلا حد ولا غاية)؟ A هذا من الكلام المجمل الذي فصّل فيه السلف، وهو نفي الحد والغاية وكانت هذه الكلمة لا تُعرف في العصور الأولى قبل ظهور فرق أهل الكلام كالجهمية والمعتزلة، لكن بعد كثرة البلوى بها تكلم فيها السلف على نحو يقصدون فيه التنزيه لله عز وجل، ونفي المعنى الباطل الذي أراده الذين أطبقوا على كلمة (حد وغاية). فأول ما جاء الكلام عن الحد والغاية من الجهمية والمعتزلة، وكان ذريعة لنفي صفات الله عز وجل وأفعاله، فمثلاً قالوا في مسألة إثبات العلو الذاتي والفوقية والاستواء: إنها تقتضي الحد والغاية، وأن الله عز وجل محدود وله غاية، كذلك قالوا في الرؤية: إذا أثبتناها فإنها تعني أن لله عز وجل حداً وغاية، لأن الذي يُرى محدود! كذا زعموا، وزعموا أن الذي يستوي محدود، وأن الذي يكون في السماء محدود، وأن الذي ينزل يكون له حد وغاية إلى آخره، فباسم نفي الحد والغاية نفوا الصفات. ففصل السلف في معنى الحد والغاية، وقالوا: إن قصد بالحد ما يحد بالذهن والتصور من أن الله عز وجل يحيط به البصر، وأن من الممكن أن نصفه بنهاية كنهايات المخلوقات فهذا لا يمكن ولا يليق بالله عز وجل، وهذا هو الذي عناه ابن قدامة حينما قال: (بلا حد ولا غاية)، بمعنى أنه ليس للعقول أن تتصور لله حداً كما أن للمخلوقات حدوداً، ولا أن تتصور أن لله غاية ونهاية كما أن للمخلوقات غاية ونهاية، فإن الحد والغاية المفهومات في حق المخلوقات لا يليقان بالله عز وجل لأن الله ليس كمثله شيء وهو أعظم وأجل من أن تدركه أو تحيط به أو تحده العقول أو الأبصار. فهذا هو المعنى الذي نفاه المؤلف؛ لكن أيضاً من أجل الإيضاح هناك معنى آخر للحد والغاية يدخل فيه الكمال، فهذا لا ينفى من أجل ألا يُنفى أسماء الله وصفاته، فيقال لمن نفى الحد والغاية من أهل التأويل والتعطيل: ماذا تقصد بالحد والغاية؟ إن قصدت بالحد والغاية أن الله عز وجل ليس مختلطاً بالمخلوقات، له حد يفصله عنهم أو للمخلوقات حد يفصلها عن الله، أو أن الله عز وجل ليس هو مخلوقاته، وليس ممتزجاً بها، وأنه سبحانه مستو على عرشه كما يليق بجلاله فهذا حق لا ننفيه، لكن لا نسميه حداً، وإن سميته حداً فأنت مبطل. ويقال للنافي: وأنت إن نفيت هذه الأمور على أساس أنها حد وغاية فأنت ظالم ومبتدع وزائغ، فمن نفى الاستواء على أنه حد، ومن نفى الفوقية على أنها حد أو جهة أو غاية، ومن نفى كون الله عز وجل في السماء بمعنى أنه في العلو، ومن نفى أن الله يُرى يوم القيامة بدعوى أن هذه حدود وغايات، فهو مبطل ولا نوافق على كلامه هذا معنى قول الشارح (بلا حد وغاية)، بمعنى أن الله عز وجل ليس كالمخلوقات التي تحدها الحدود ولها نهايات كالنهايات التي ترى وتبصر وتلمس.

أفضل شروح لمعة الاعتقاد

أفضل شروح لمعة الاعتقاد Q ما هي أفضل الشروح على هذا المتن المبارك؟ A الشروح الميسورة الآن والمتبادلة في أيدي الناس أفضلها من حيث العنصرة والتبويب والترتيب، ومعالجة الكثير من القضايا التي يحتاجها طلاب العلم اليوم شرح فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين، وهو بحمد الله متوفر.

معنى قول الإمام أحمد: (لا كيف ولا معنى)

معنى قول الإمام أحمد: (لا كيف ولا معنى) Q ما معنى قول الإمام أحمد رحمه الله: (لا كيف ولا معنى)؟ A يقصد أن أسماء الله وصفاته مثل النزول والاستواء وكون الله يُرى نؤمن بها بدون أن نعتقد الكيفية، والكيفية هي أن نتصور شيئاً ونعتقد أنه هو الحقيقة اللائقة أو التي عليها صفات الله عز وجل فالمقصود بلا كيف من حيث الاعتقاد ولا من حيث التصور ولا من حيث السؤال، فلا نقول: كيف ينزل؟ ولا نتحكم بعقولنا في تصوير الكيفية التي ينزل بها الله عز وجل، ولا نثير الإشكال في الكيفية ونطمح إلى معرفة تفاصيلها.

القول الفصل في متقدمي الأشاعرة ومتأخريهم

القول الفصل في متقدمي الأشاعرة ومتأخريهم Q ما القول الفصل في متقدمي ومتأخري الأشاعرة، وما أصابهم من خلط، نريد جواباً شافياً كافياً؟ A متقدمو الأشاعرة إذا قُصد بهم من قبل البغدادي والشهرستاني والجويني فهم في الجملة أقرب إلى السنة، وأغلبهم أهل سنة وأهل حديث لكن وقعوا في بعض التأويلات التي قل أن يسلم منها من يتعلم علم الكلام أو يبدأ به أو يتتلمذ على المتكلمين وإن كان صاحب سنة. فمن بدأ حياته بكتب المتكلمين وما أشبهها من كتب التاريخ وكتب الفرق وكتب الأدب، فإنه لا يسلم في الغالب إلا النادر، والنادر لا حكم له، وكذلك من تلقى العلم في أول علمه وأول طلبه على غير أهل الاستقامة ففي الغالب أنه لا يسلم من الهفوات، وهذه قاعدة لا يستثنى منها إلا النادر والنادر لا حكم له. فإذاً الأئمة الكبار الأوائل من أئمة الأشاعرة كالإمام أبي الحسن الأشعري الذي تابع الكلابية في بعض المسائل بعد رجوعه إلى السنة، وتلميذه الطبري وليس المقصود بالطبري أبا جعفر الإمام، بل طبري آخر أظنه أبو الحسين وكـ البيهقي وابن فورك والباقلاني هؤلاء أئمة لهم اعتبارهم وإن كانوا يتفاوتون أيضاً، ولهم فضلهم وعلمهم وأغلب ما وقعوا فيه تابعوا فيه غيرهم ممن وقعوا في التأويل على غير قواعد، إنما نقلوه عن بعض الجهمية على سبيل الإعجاب بهذا الأسلوب، وظناً منهم أنه تنزيه لله عز وجل، وقد كان ابن الثلجي من أهل الحديث ثم أخذ ببعض تأويلات المريسي ولم يكن جهمياً خالصاً لكنه وقع في ذلك، ثم سار كثير من الكلابية والأشاعرة على نهج ابن الثلجي بسبب التمذهب أولاً لأن الأوائل منهم كلهم أحناف، ومنهم بعض الشافعية، هؤلاء الأئمة فيهم خير كثير، ومن الصعب أن نحكم عليهم بأنهم من الأشاعرة بالمعنى الجديد حينما ظهر أشاعرة المتكلمين، فنقول: إنهم أخطئوا وأولوا وهم أقرب إلى السنة منهم إلى أهل الكلام، بل إن أكثرهم لهم مؤلفات في ذم الكلام، مثل البيهقي فله كلام طيب في ذم الكلام، والخطابي له كلام طيب في ذم الكلام، ومع ذلك وقعوا في بعض التأويلات، فهؤلاء الأصل فيهم أن يُترحم عليهم وأن يُدعى لهم بالمغفرة ولا يُعتدى عليهم، لكن لا يوافقون فيما خالفوا فيه السنة وخالفوا فيه السلف، ويقال: أخطئوا في كذا وكذا، يدخل معهم من جاء بعدهم أمثال النووي وابن حجر وغيرهم فإنهم أئمة سنة وأئمة هدى لكنهم وقعوا في بعض التأويلات يغفر الله لنا ولهم، وهي بمثابة زلات العلماء التي تُغتفر لهم ولا يُقدح فيهم بسببها. الصنف الثاني: هم من أوائل الأشاعرة ويعتبرون من أهل الكلام ويذمون على كلامهم، ويقال: هؤلاء هم أصل الأشاعرة المتأخرين. الذين بدءوا بالأسس من أمثال ابن فورك والباقلاني؛ لكن الذين عمّقوا هذه الأسس وأصّلوا بعض المسائل الكلامية هم أمثال الشهرستاني والبغدادي وأبو المعالي الجويني والغزالي ويسمى بحجة الإسلام، والإيجي والآمدي فهؤلاء أساطين علم الكلام، والعجيب أنهم كلهم ما بين معلن لترك علم الكلام والإفلاس، وما بين متحير مات على حيرته وإن كان البغدادي لم يثبت عنه شيء بين، لكن ورد ما يدل على أنه اضطرب في آخر حياته، أما الشهرستاني فقد ثبت اضطرابه، وكذلك البقية كلهم ثبت ما بين رجوعهم إلى السنة وتسليم العجائز، وما بين إعلان الإفلاس، هؤلاء هم أهل الكلام وهم الذين أسسوا المذهب الكلامي الذي عليه الأشاعرة اليوم، والذي فتح باب التأويل على مصراعيه ووضع له قواعد كلامية مستمدة من قواعد الجهمية والفلاسفة والمعتزلة، وبعدهم سار الأشاعرة على هذا النهج إلى يومنا هذا.

الرد على من استدل على التفويض المذموم بكلام الإمام الشافعي

الرد على من استدل على التفويض المذموم بكلام الإمام الشافعي Q ما هو الرد على من استدل على التفويض المذموم بكلام الإمام الشافعي رحمه الله تعالى؟ A إن الإمام الشافعي من المثبتين للصفات على حقيقتها، وله في ذلك كلام، فيرد كلامه إلى كلامه. الأمر الثاني: أنه من أئمة السلف الذين لم يُعرفوا بالتفويض السلبي المذموم، بل عُرف بالإثبات، وعلى هذا لا يمكن أن يكون قصده التفويض السلبي الذي هو بمعنى عدم اعتقاد المعنى والحقيقة؛ لأن الشافعي من أئمة السلف، ولو كان قصده المعنى الآخر لما ترك، فلا بد أن ينبهه الآخرون. فإذاً: مراده مراد بقية السلف الذين قالوا هذا القول ويقصدون به على مراد الله من حيث الكيفية، ومن حيث الحقيقة الغيبية لا الحقيقة المعنوية بمعنى أنه يثبت المعنى والحقيقة على مراد الله عز وجل. ثم إن الاستدلال به على العكس هو الصحيح، وذلك أن الشافعي قال هذه الكلمة لما شكك المؤولة بألفاظ كلام الله وزعموا أن الله لا يريدها، قالوا في قوله عز وجل: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [المائدة:64] إن الله لا يريد اليدين، إذاً غيّروا مراد الله فأراد أن يثبت أنها على مراد الله، وحينما قالوا في قوله عز وجل: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:5] إن الله عز وجل لا يقصد معنى الاستواء الحقيقي إنما يقصد معنى آخر عبّر عنه تعبيراً بلاغياً فعدلوا عن مراد الله، أراد الشافعي أن يثبت أن الحق أن يثبت كلام الله على مراد الله، ومراد الله هو أن الله تكلم بهذا الكلام بحق على معنى حقيقي يليق بجلال الله؛ لأن الله عز وجل تكلم بلسان عربي مبين، وخاطبنا بلسان نفهمه. إذً المعنيان اللذان يريدهما الشافعي وهما الكيفية أو معنى إثبات الحقيقة هو ظاهر كلامه، أما المعنى التفويضي الذي هو بمعنى إنكار المعنى، أو عدم الإقرار به، أو التنصل منه كما يفعل المفوضة فهذا لا يليق أن يكون من الشافعي، ثم لو كان منه لا يمكن أن يتركه الأئمة بدون تنبيه.

معنى قول ابن قدامة: (الذي لا يخلو من علمه مكان)

معنى قول ابن قدامة: (الذي لا يخلو من علمه مكان) Q ما معنى قول ابن قدامة رحمه الله: (الذي لا يخلو من علمه مكان)؟ A بمعنى أن علم الله عز وجل شامل {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك:14] فإن الله عز وجل عالم بخلقه العلم الكامل وعلمه محيط بكل شيء من المخلوقات، هذا بدهي عند أصحاب الفطرة السليمة والعقول المستقيمة، لذلك فإن الإخوة السامعين بحمد الله كلهم لا يشكل عليهم أبداً أن الله عز وجل علمه في كل مكان، لكن لماذا قال الإمام موفق الدين وغيره من الأئمة هذه المقولة وهذه العقيدة وصرحوا بها؟ لأن هناك طائفة من الجهمية والمعتزلة تابعوا فلاسفة الصابئة والمجوس وفلاسفة اليونان والهند وغيرهم من الثنوية وغيرهم زعموا أن هناك خالقاً مع الله عز وجل له تصرف في بعض الكون علماً وتدبيراً وألوهية يستقل بها عن علم الله وتدبيره، وهذه في الأصل فكرة المجوس وانتقلت إلى طوائف من الصابئة، وإلى طوائف من النصارى، وإلى طوائف من الهنود والفلاسفة اليونان وغيرهم، ثم انتقلت إلى المسلمين عبر ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح (لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة شبراً بشبر وذراعاً بذراع) فمصداقاً لهذا الحديث وقعت نفس المقولة عند طوائف من القدرية الذين ورثتهم المعتزلة والجهمية فيما بعد. والقدرية زعموا أن للإنسان استقلالاً في بعض أفعاله أو في كل أفعاله، فمنهم من زعم أن للإنسان استقلالاً في كل أفعاله فعلى هذا يلزم أن الله لا يعلم أفعاله إلا إذا حدثت، فجعلوا هناك مساحة من أفعال الإنسان لا يعلمها الله ولم يقدرها إلا إذا حدثت، وعلى هذا يقدرون أن هناك من الأفعال ما يحدث في هذا الكون في زمان ما ومكان ما من بعض مخلوق -وهو الإنسان- لا يعلمه الله كذا زعموا، ولما واجههم السلف بقوة وعنف وكفّروهم أثبتوا العلم لكنهم أنكروا القدر. فرداً لهذه المقولة التي يزعم أصحابها أنه قد يحدث العباد أفعال الشر دون علم الله ولا تقديره، أراد أن ينفي هذه المقولة بمثل هذا القول أن الله علمه في كل مكان وفي كل زمان {أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا} [الطلاق:12] وأن الله عز وجل علم كل ما يكون، كيف يكون، ومتى يكون، وما هو كائن كذلك.

التفريق بين الفرق الزائغة ومراتبها

التفريق بين الفرق الزائغة ومراتبها Q ذكرت أن الزيغ قد يكون كفراً وقد يكون فسقاً، فما هي الفرق التي يكون زيغها كفراً، وما هي الفرق التي يكون زيغها فسقاً أو معصية؟ A أما زيغ الكفر فهو زيغ غلاة الرافضة؛ لأنهم يتأولون تأويلاً يخرجهم عن الملة، والباطنية وهم امتداد للرافضة، فزيغهم زيغ كفر، ثم غلاة الجهمية وغلاة المعتزلة زيغهم زيغ كفر، ثم الفلاسفة وأقصد بالفلاسفة المسمون بالإسلاميين زيغهم زيغ كفر، وغلاة المتصوفة زيغهم زيغ كفر، والمشبهة الممثلة زيغهم زيغ كفر. أما من زيغهم زيغ ضلالة وبدعة وفسق فهم أهل الكلام من متكلمة الأشاعرة والماتريدية والكلابية، والكرامية، ومن نحا نحوهم هؤلاء وقعوا حسب حكم السلف الذين عايشوهم وعاصروهم في البدعة والفسق والضلالة. أما الذين زيغهم زيغ الخطأ فهم المنتسبون للأشاعرة والماتريدية من أئمة الحديث وأئمة العلم، فلا يعتبرون زائغين بمعنى أنهم مبتدعة ولا ضُلّال، إنما زاغوا عن الحق بمعنى أخطئوا، فالخطأ درجات والفسق درجات والبدعة درجات والضلالة درجات، والزيغ درجات، والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه أجمعين.

شرح لمعة الاعتقاد [2]

شرح لمعة الاعتقاد [2] طلب العلم ضرورة ملحة في حق الشباب المسلم؛ حتى يتمكن من خدمة أمته ونفع نفسه ومجتمعه، وطلب العلم له أصول وضوابط وآداب، يجب على طالب العلم أن يعلمها ويعمل بها؛ حتى يكون علمه نافعاً له في دنياه وأخراه.

كيفية إحياء العلم الشرعي وبيان أهميته

كيفية إحياء العلم الشرعي وبيان أهميته الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. بادئ ذي بدء أنقل لكم سلام الشيخ الأخ الدكتور: عبد الرحمن بن صالح المحمود واعتذاره عن إقامة الدرس في هذا اليوم، مع- إن شاء الله- استئناف الدرس في الأسبوع القادم، وعذره وعكة بسيطة إن شاء الله أن يعافيه ويشفيه. وهو إن شاء الله بخير لكنه قد يصعب عليه أداء الدرس هذا اليوم، وعلى هذا رغب الإخوان المنظمين للحلقة جزاهم الله خيراً أن يعوض بعض الوقت ونسد الفراغ ولعلنا نتكلم عن بعض الأمور العامة حول هذه الحلقة وسائر الحلقات العلمية استكمالاً لما بدأنا أو بدأتم الحديث عنه في الدرس الماضي بالأمس. ولعل من أهم هذه الأمور ما يتعلق بطلب العلم الشرعي والفقه في الدين وبعض الضوابط والأصول التي تهم طالب العلم في هذا العصر، وما يتفرع عن ذلك من اللوازم العلمية والعملية التي يجب أن يتحلى بها الشباب، ولا مانع أن نترك وقتاً للأسئلة أطول حول هذه الأمور. أما الكلام عن الدرس الأصلي وهو كتاب العمدة وما حوله وكيفية أدائه وشرحه وحفظه، فهذا أتركه للشيخ حفظه الله معكم في الأسبوع القادم إن شاء الله.

طلب العلم ضروري لكل مسلم

طلب العلم ضروري لكل مسلم أما ما يتعلق بمسألة طلب العلم الشرعي، فأحب أن أشير إلى ضرورة طلب العلم الشرعي لكل شاب وطريقة السلف في هذا الأمر. فأولاً: نعرف أن الله عز وجل كلف كل مسلم أن يتعلم أمور دينه وعلى هذا فكل مسلم مطالب بأن يتعلم؛ لكن ما الحد الذي يتعلمه كل شخص؟ هذا مما يخفى على كثير من الناس. هناك من أمور الدين ما لا ينفع الجهل به لأحد من المسلمين ذكراً أو أنثى، وكل بالغ عاقل يستطيع أن يتعلم، وهي الأمور الأساسية للدين مثل أركان الإيمان وأركان الإسلام وأصول الإسلام القطعية، والحلال القطعي والحرام القطعي والعمليات المتعلقة بظواهر الدين وشعائره التي يستطيع كل مسلم أن يفهمها سواء عمل بها أو لم يعمل، بمعنى: سواء استطاع أن يعمل بها أو لم يعمل، لاسيما وأن كثيراً من أمور العقائد ليست من العمليات، لكن لابد من الإيمان بها. فعلى هذا فإن طلب حد أدنى من الأصول الشرعية أمر يجب أن يتعلمه كل مسلم، ويجب أن تسعى الأمة إلى تعليم أجيالها هذه الضروريات لكل وسيلة متاحة، وكان الناس على هذا أو كان المسلمون طيلة العصور السابقة على هذا الأصل لا يخلون به إلا في حالات نادرة، خاصة في البوادي والأرياف، فقد يكون هناك شيء من الإخلال غير المقصود عن جهل أو تفريط غير مقصود، حيث تعتري الناس ظروف معينة، وإلا فالمسلمون جميعاً كانوا يحرصون على تعليم أبنائهم الأصول الضرورية. فلذلك كان على كل مسلم أن يأخذ القدر الضروري من العلم الشرعي، وكان أهل العلم يبدءون تعليم الصغار في الكتاتيب فيعلمونهم أولاً القرآن الكريم والقراءة والكتابة، فكان كل طفل يوجه إلى الكتاتيب ويتعلم هذه الأساسيات ثم بعد ذلك يرتقي إلى دروس العلم الشرعية وما يتفرع عنها من علوم أخرى تنفع المسلمين. وما كانوا يرتبطون بسن معينة كما حصل الآن في أنظمة التعليم التي تربط التعليم بسن معين وبمراحل معينة تجعل الناس على وتيرة واحدة الذكي منهم والغبي، بل كان المعلمون يعلمون أبناء المسلمين هذه الأساسيات فإذا وجدوا عند بعضهم شيئاً من الاستعداد أقرءوه المتون الأساسية حفظاً وشرحاً، فإذا وجدوا منه استعداداً أكثر نقلوه إلى شرح المتون، فإذا وجدوا عنده استعداداً أكثر نقلوه إلى شروح الشروح وإلى ما نسميه الآن الموسوعات، وكتب السنن والآثار وكتب الفقه المطولة وكتب اللغة المطولة هذا أمر.

إحياء العلم الموسوعي عند طائفة من شباب المسلمين

إحياء العلم الموسوعي عند طائفة من شباب المسلمين الأمر الآخر: وهو مما يجهله كثير من طلاب العلم فضلاً عن عامة الشباب وعامة الأمة، وهو ضرورة السعي إلى إحياء العلم الموسوعي عند طائفة من شباب المسلمين، وأقصد بالعلم الموسوعي العلم الشرعي المنوع وما يخدم العلم الشرعي، وما يخدم الأمة من علوم أخرى. وذلك باصطفاء النابهين من أبنائنا والتعرف على مواهبهم والعناية بهم، بحيث يكونون علماء يتوسعون في العلوم الشرعية المتنوعة، وعلوم اللغة المتنوعة، والعلوم الأخرى المتنوعة التي تخدم الأمة، لاشك أن مناهج التعليم والمدارس تؤدي شيئاً من المطلوب، لكن لا تؤدي المطلوب كله؛ لأنها ربطت بوقت وبأنظمة معينة وجعلت على مستوى العموم من أبناء الأمة، الذكي والمتوسط وما دون المتوسط وما فوق الذكي. فعلى هذا فإن مناهج التعليم تخرج أناساً عندهم استعداد للعلم ولا تخرج علماء، نعم قد تخرج متخصصين في بعض شعب الحياة، وبعض التخصصات الشرعية في شعب معينة لا تفي بالغرض الذي تحتاجه الأمة، ولو استمر الأمر على هذا الوضع بأن يتكل الناس على هذا الأسلوب فإنهم سيفاجئون يوماً من الأيام بأنهم فقدوا العلماء المتبحرين الموسوعيين الذين يلبون طلب الأمة ويشبعون رغباتها في حاجاتها الشرعية والعلمية. ذلك أنه بحمد الله لا يزال عندنا بقية من العلماء والمشايخ الذين أخذوا العلم على أصوله الصحيحة؛ لكن لو استمر الأمر على ذلك ولم يستدرك، ستنقرض هذه الفئة ونخرج بفئات المتخصصين الذين ينفعون الأمة في تخصصات لكن ليس عندهم الشمول في النظر فقد نفاجأ بآراء عجيبة ومواقف شاذة واجتهادات بعيدة عن الصواب بسبب حجب كثير من المتعلمين على ضوء التخصصات عن العلوم الأخرى. فتجد الآن ظواهر هذا قد بدأت، تجد عندنا من هو متخصص في الفقه تخصصاً دقيقاً وقد يشبع رغبة الأمة في هذا الجانب؛ لكنه قد يجهل بدهيات اللغة ويجهل بدهيات العقيدة وقد يجهل بدهيات الحديث والتفسير إلى غير ذلك، فلا يكون سوياً في مواقفه ولا في أحكامه ولا في اجتهاداته، بل ربما تخرج عنه المواقف الغريبة الشاذة. وكذلك في العقيدة والحديث والتفسير، قد يخرج متخصص في التفسير لكنه ليس له علم بالحديث ولا الإيمان الضروري، وقد يخرج متخصص في الحديث لكنه غير ملم بالعقيدة والجوانب الأخرى وهكذا. فاستمرار الاتكال على التخصصات قد يؤدي إلى أمور لا تحمد عقباها، وكما قلت لا يعني هذا أني أستهين بجوانب التخصصات فهي تخدم الأمة، لكن تحتاج إلى الضوابط والروابط؛ لأن العلماء الموسوعيين الذين يجمعون بين هذه التخصصات يكونون المرجع الشامل العام للأمة ولأصحاب التخصصات على نمط أئمة الهدى ومشايخنا الكبار الذين تعلموا سائر العلوم على حد سواء. ولذا لابد من اعتماد برامج دقيقة في الدورات وحلق الذكر ومجالس العلم ودروس العلماء في تخريج طائفة من شباب الأمة يتعمقون في الفقه في الدين بسائر تخصصاته بحسب قدراتهم ومواهبهم، وذلك بالبدء على الطريقة التي بدأت تظهر الآن كثيراً في هذه البلاد، وهي تعليم الشباب العلوم الأساسية من خلال المتون، ثم معرفة من يتفوق منهم في هذه المتون وإعطائه أكبر قدر ممكن منها بحيث لا يتخصص في متن واحد أو متنين، بل يأخذ المتون الأساسية في القرآن وعلومه، وكذلك في الحديث وما يخدمه، ثم في العقيدة وما يخدمها، والفقه وما يخدمه، وفي اللغة وما يخدمها وهكذا. ثم يتوسع حتى فيما يسمى بالعلوم الأدبية والإنسانية بقدر ما تحتاجه الأمة وبقدر ما يقدر عليه هو كما كان عليه أئمتنا، ثم يصطفى من هؤلاء الشباب من عندهم المقدرة والموهبة على المواصلة في الشروح، فيأخذ في كل علم الشرح الذي يناسب لهذا المتن الذي قرأه، ولا مانع أن يقرأ في وقت واحد خمسة شروح لخمسة علوم أساسية أو أكثر من ذلك، أو عشرة شروح لعشرة علوم أساسية. ثم بعد ذلك يتوسع، فإذا وجد أنه موسوعي، بمعنى أن عنده من الذكاء والاستعداد ما يجعله يستوعب أكثر العلوم عني به حتى يصير مرجعاً للأمة هو ومن يشبهه ممن يسلكون هذا المنهج. وقد لا يتمكن من التوسع الكامل فليتوسع فيما يستطيعه، فإذا وجد أنه لا يستطيع التوسع إلا في علمين أو ثلاثة فليتوسع في ذلك، لكن نكون قد ضمنا أنه فهم بدهيات العلوم الأخرى، وهذه مسألة ضرورية، حتى لا يأتينا إنسان حاذق في علم يجهل أساسيات علوم شرعية أخرى فتفقد الأمة الثقة فيه أو تثق فيه على غير بصيرة، فيضل ويضل، وهذا مما كان العلماء يحذرون منه.

انتقاء الكتب والعلوم

انتقاء الكتب والعلوم وأمر آخر يتعلق بانتقاء الكتب وانتقاء العلوم: كثير من الشباب يسترسل مع ميل نفسه ومع خبراته المحدودة في اختيار الكتب واختيار العلوم، بمعنى أنه لا يستشير ولا يرجع إلى من هو أعلم منه من المشايخ وطلاب العلم في سلوك طريق العلم وما يناسب من العلوم والكتب وقد يسمع بكتاب من الكتب فيعجبه ما ذكر في هذا الكتاب فيقرؤه وهو قد لا يناسبه؛ لأن الثناء على أي كتاب لا يعني بالضرورة صلاحيته لكل شخص حتى وإن كان كتاباً موثوقاً لأنه قد يصلح لشخص ولا يصلح لشخص آخر، كأن يصلح للمتوسط ولا يصلح للمبتدئ وهكذا. فينبغي لكل سالك لطريق العلم أن يعرف كيف ينتقي العلم المناسب وكيف ينتقي الكتاب المناسب، ثم كيف يتدرج في هذا العلم وفي هذه الكتب.

الضابط لضمان تحصيل العلم على أصوله السليمة

الضابط لضمان تحصيل العلم على أصوله السليمة ويتفرع عن هذه المسألة أيضاً مسألة ثالثة، وهي: ما الضابط الشرعي لضمان تحصيل العلم على أصوله السليمة عما يعتري الإنسان أحياناً من التعالي والتعالم والغرور والإعجاب أو سوء الأدب أو الجهل بأدب العلم والعلماء، والأدب مع المشايخ ونحو ذلك، فما الذي يضمن لطالب العلم أن يأخذ بالضوابط الصحيحة السليمة لطلب العلم الشرعي. أقول كما قال أهل العلم: إنه من الضروري لطالب العلم الذي يريد أن يأخذ العلم على أصوله السليمة أن يتلقاه عن أهله ولا يستقل بنفسه في طلب العلم، ولا يكتفي بأخذ العلم عن أقرانه ومن هم في سنه أو أكبر منه قليلاً فإن هذا يؤدي إلى كوارث لها نماذج في التاريخ قد لا يتسع الوقت لذكرها، أعني كوارث تؤدي إلى الأهواء وإلى النزاعات وإلى الصدام بين الأمة، وإلى الاستهانة بالعلم وأهله، وإلى خرق عصا الجماعة والطاعة بين المسلمين. فمن هنا كان من الضروري لطالب العلم أن يكون طالب علم ينفع نفسه وينفع أمته وأن يطلب العلم على أهله كما جاء في الأثر وبعضهم رفعه حديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يحمل هذا العلم -وقيل: هذا الدين- من كل خلف عدوله) يعني: من كل عصر العدول فيه، والعدول هم الرجال الثقات العلماء المتبحرون. ثم إذا تدرج الشخص واستوفى ما عند طلاب العلم الكبار انتقل إلى المشايخ الكبار، إذا لم يمكنه أن يدرس عليهم ابتداء، ومع ذلك فإن هذه المسألة محسومة في عصرنا بكثرة طلاب العلم والمشايخ بقدر يقيم الحجة على الآخرين ولا يعتذر أحد من الناس بأن يقول: لا أجد من أتعلم على يديه، بل كثير من الدروس تشكو النقص والقلة، وكثير من المشايخ لو وجد طلاب العلم لجلس لهم. أما لماذا هذا؟ أولاً: لأنه سبيل المؤمنين وسبيل أهل العلم وأئمة السنة، والله عز وجل حذر من اتباع غير سبيل المؤمنين. والأمر الثاني: كما أشير في النصوص إلى أن العلم يؤخذ عن العلماء، والعلماء هم ورثة الأنبياء. والأمر الثالث: أن العلم ليس مجرد تحصيل وضبط في الذاكرة، إنما العلم أدب وسمت وهدي، وهذا لا يتم إلا بالقدوة الذي يؤخذ عنه العلم، ثم إنه ثبت أن من أعظم أسباب الانحراف في هذه الأمة والوقوع في الأهواء هو طلب العلم في معزل عن العلماء. إن أخذ العلم عن غير أهله كالأصاغر أو أهل البدع والأهواء أو بأخذ العلم عن مجرد الكتب والوسائل خطأ، فكثير من رءوس الأهواء الذين نعرفهم في التاريخ، والذين أضلوا الأمة وأحدثوا الافتراق كلهم معروفون بجفاء العلماء، وبأخذ العلم عن غير أهله، أو بطريقة غير سليمة، وارجعوا إلى التاريخ تجدوها ابتداء من أصول الشيعة الرافضة والخوارج الذين هم أول فرق نشأت، فنجد أن الأشخاص الذين تبنوا هذا الاتجاه وصاروا رءوساً في هذه الفرق الأوائل ممن كانوا يستهينون بالصحابة وبعلم الصحابة، بل كانوا يقدحون في علماء الصحابة ويزعمون أنهم متدينون وأنهم على صلاح واستقامة. بل ذكر النبي صلى الله عليه وسلم الخوارج منهم بأنكم تحقرون صلاتكم عند صلاتهم وصيامكم عند صيامهم ومع ذلك ضلوا بسبب الإخلال بهذه المسألة، وهي أنهم تركوا فقه الصحابة واستهانوا به واعتدوا بأنفسهم بزعمهم أئمة بأخذهم على الكتاب والسنة دون تلقيه عن رجال فهلكوا، ثم كبار الشيعة كذلك كلهم يرجعون إلى السبئية. أما القدرية الأوائل مثل معبد الجهني وغيلان الدمشقي فلم يعرف أنهم تلقوا عن العلماء بل كان عندهم شيء من الخروج عن سمت أهل العلم، ثم واصل بن عطاء وعمرو بن عبيد ما ظهروا ببدعتهم إلا عندما اعتزلوا شيخ الأمة في ذلك الوقت وعالمها وهو الحسن البصري ثم الجهم بن صفوان وصفه العلماء بأنه ممن عرف بعدم تلقي العلم عن أهله وبعدم مجالسة العلماء فقد نقل الذهبي وغيره أن من أهم سماته أنه لم يجالس العلماء. أقول: إن الوسائل التي هيأها الله عز وجل لنا في هذا الوقت وهي الأشرطة والكتب والنشرات والصحف وغيرها من الوسائل الأخرى لتعليم الشرع جيدة ومفيدة، لكن لا تخرج علماء، نعم تعلم الأمة دينها وتفقه الناس وتعلمهم الأساسيات والضروريات، وتساعد طالب العلم على أخذ العلم الشرعي، فهي رافد من الروافد، لكن أن تكون هي الأصل فهذه مزلة وخطورة نخشى على الأمة من عواقبها. وقد بدأت بوادر طلب العلم على غير أصوله تظهر من خلال بعض النزعات والاتجاهات عند طائفة من شباب الأمة وإن كانت قليلة؛ لكن نخشى أن تزيد هذه الظاهرة بسبب هذا التوجه، وهو التنكب عن سبيل العلماء والاستهانة بهم وترك التلقي عنهم وهكذا يستقل الطالب بنفسه كي يتعالى ويغتر ويخرج كل بمذهب. والمعروف من خلال التاريخ ومن خلال الواقع أن كل الذين تعلموا على غير العلماء لا يخضع بعضهم لبعض، بل كل واحد منهم يقول: أنا لها، ويخرج كل واحد بمذهب، وإذا التقوا في بعض الأصول فإنهم لا يخضع بعضهم لبعض كما حصل من أتباع الفرق، أتظنون أن الفرق على قلب رجل واحد؟ لا. فالخوارج يجتمعون في أصلين أو ثلاثة أما بقية ال

موقف طالب العلم من الخلاف بين العلماء

موقف طالب العلم من الخلاف بين العلماء هذه مسألة أيضاً بحمد الله محسومة عند أهل العلم، والخلاف على درجات، ويهمني ما يتعلق بنوع المخالف، فالأصل في الخلاف أنه إذا كان هناك اجتهاد سائغ من إنسان مستقيم على السنة أنه لا يؤدي إلى التباغض ولا إلى التعادي ولا إلى التحاسد ولا إلى التنافر ولا إلى البراء، أما إذا كان المخالف صاحب بدعة سواء كانت مخالفته صغيرة أو كبيرة فيجب أن يجتنب لمخالفته وأن يحذر منها. فمن باب أولى أن يكون الخلاف من العلماء أمراً تتسع له صدور الأمة، والعلماء لابد أن يختلفوا، والصحابة قد اختلفوا، ومن جاء بعدهم اختلفوا لكن لم يتنازعوا في الدين، بمعنى أن الخلاف لم يوصلهم إلى التباغض أو إلى شيء من الافتراق والخروج عن الجماعة، وإعلان البراء من بعضهم، وإعلان العداء بين الأمة أو بينهم وبين الآخرين، فهذا لم يحصل بين علماء الأمة المعتبرين من أهل السنة والجماعة قديماً وحديثاً، نعم قد يرد بعضهم على بعض وقد يرد بعضهم قول بعض لكن لا يصل الأمر عندهم إلى المنازعة في الدين. وهكذا يجب أن يكون المسلمون عموماً وطلاب العلم على وجه الخصوص، والشباب بصفة أخص، هكذا يجب أن يقفوا من الخلاف الحاصل بين العلماء المجتهدين من هذه الأمة الذين هم أهل الاستقامة وأهل الحق وأهل السنة. فالخلاف بينهم أمر ضروري ولا يضر، بل يوجب علينا أن نصبر على ما يحدث، وأن يناصح الجميع، وأن يبقى حق الجميع في القلوب، سواء كان هذا الخلاف في الأمور الفقهية أو في محدثات العصر أو في أمور الدعوة ووسائلها وأساليبها أو في مستجدات الحياة التي لا تزال محل اجتهاد، فإن هذه الأمور كلها لا تزال محل خلاف ولن تزال إلى أن تقوم الساعة؛ فلا نتصور أو نتوهم أن الناس سيكونون على قلب رجل واحد ويرجعون إلى مرجع واحد، فإن هذا يخالف سنن الحياة وسنن الله في خلقه. إذاً: الخلاف واقع لابد لكنه ما دام بين أهل الحق وأئمة الهدى من العلماء والمشايخ المعتبرين في عقيدتهم وفي استقامتهم من أهل السنة والجماعة فإنه يجب ألا يؤدي إلى شيء من الاستهانة بهم ولا التنقص من قدرهم ولا ترك التلقي عنهم، ولا يؤدي إلى البراء ولا إلى الجرأة على أعراضهم بسب أو لمز أو اتهام أو نحو ذلك مما قد يجرأ عليه بعض الجاهلين، وهو أمر يجب أن نستبعده، وإذا حدث فهو الحالقة التي تفرق بين المسلمين، وربما تعاقب الأمة بسبب هذا الاتجاه لو توجهت إليه لا قدر الله. يجب أن نحرص على جمع الكلمة وأن نعتذر للعلماء، وندعو لكل إنسان يريد الخير لهذه الأمة في غيابه وفي حضرته، فلا نجرؤ على أحد بمجرد ذنب أو لمجرد خطأ أو اجتهاد مهما كان هذا الاجتهاد، حتى ولو كان في ظاهره ضرر أو حيف أو نحو ذلك مما يتذرع به بعض الجاهلين للجرأة على العلماء أو الدعاة أو نحوهم. فإن هذه الخلافات طبيعية؛ لكن ليس من الطبيعي ولا من الجائز، وليس من الدين أن يؤدي ذلك إلى الفرقة ولا المنازعة ولا إلى العداء ولا إلى البراء ولا إلى التهاجر واستباحة الكلام في الأعراض والكلام في الأشخاص. بعض الناس لقلة فقهه لا يفرق بين الكلام في الشخص والكلام في المسائل المختلف عليها، وطالب العلم إذا كان الاجتهاد في مسائل تخالف الآخرين ثم أدى ما عليه وبلغ اجتهاده دون أن يشير إلى أحد من الناس أو يتهم أحداً، فإننا لا نلومه في ذلك؛ لأن هذا هو ما يرى أنه حق ما لم يتعلق بأمور فيها مفسدة أو تؤدي إلى مفسدة عظمى، أما ما عدا ذلك من الأمور الاجتهادية فلا نحجر على أحد ما لم يعتد على غيره أو يقدح أو يلمز المخالفين، فإذا قدح أو لمز المخالفين أو اغتابهم فإنه قد خرج عن الخط الشرعي السليم.

الأسئلة

الأسئلة

الموقف من الاختلاف بين الطحان والألباني

الموقف من الاختلاف بين الطحان والألباني Q ما رأيكم فيما حدث من اختلاف وجهة نظر بين بعض المشايخ المشهورين مثل الشيخ عبد الرحيم الطحان والشيخ الألباني؟ A سمعت بعض ما حدث في هذه المسألة وأرى أن فيه نوعاً من المبالغة من الناس، وكل هؤلاء فيهم خير، وإن كان قد يوجد بعض الأخطاء وجل من لا يخطئ، فالبشر معرض للأخطاء وليس معصوماً في الدين إلا النبي صلى الله عليه وسلم، فعلى هذا فإن هؤلاء كلهم لهم حقوق وكلهم فيهم خير، ولا ينبغي أن ينشغل الشباب بهذه المسائل؛ لأنها ليست مما كلفوا به شرعاً، إنما كلفوا بأن يهتموا بالعلم الشرعي ويهتموا بالدين ويتركوا المسائل التي ليست من اختصاصهم أو ليس بمقدورهم أن يتثبتوا فيها. وأعود وأقول: الأسماء التي ذكرت، سواء الشيخ عبد الرحيم الطحان أو الشيخ الألباني كلهم ممن لهم إسهام في نفع الإسلام والمسلمين والدعوة إلى الله عز وجل وفي العلم الشرعي، وكلهم لهم حق علينا بأن ندعو لهم بالغيب، وإن كان منهم من أخطأ فيكتب له في ذلك أو يناصح أو يراسل ويدعى له بالتوفيق والسداد، فليسوا أئمة ضلالة ولا بدعة، بل هم محسوبون من أهل الحق والخير. هذا ما أحسبه وما أعرفه.

الكتب التي ينصح طالب العلم باقتنائها

الكتب التي ينصح طالب العلم باقتنائها Q ما الكتب التي تنصحني باقتنائها بصفتي مبتدئاً في طلب العلم؟ A مسألة اقتناء الكتب تحتاج إلى شيء من التفصيل؛ لكن الغالب أن صاحب مثل هذا السؤال مبتدئ، بمعنى أنه بادئ في طلب العلم سواء كان صغير سن أو كبيره، فهذا يجب أن يستشير من حوله ممن يصاحبهم من أهل بيته أو جيرانه أو مشايخه أو أساتذته أو من طلاب العلم في الحي، فيستشيرهم خطوة بخطوة. وعلى أي حال فمن الضروري لكل طالب علم أن يكون عنده الكتب الأساسية في العلوم الأساسية، فبعد كتاب الله عز وجل لابد أن تكون عنده الكتب الأساسية في الحديث. طبعاً الكتب المطولة غالية، وقد لا يتمكن منها كل الناس؛ لكن هناك مختصرات، مثل مختصر صحيح البخاري ومختصر صحيح مسلم، وهناك كتب في الحديث شاملة ومفيدة يجب أن يقتنيها كل مسلم، مثل رياض الصالحين وفي التفسير يجب أن يكون عنده تفسير ابن كثير. ثم بعد ذلك يأتي بتفاسير أخرى مثل تفسير الطبري وتفسير ابن السعدي وتفسير البغوي وهكذا، ولا يلزم أن يكثر من كتب التفسير. وفي الفقه يحسن أن يكون عنده كتب تسهل مراجعته في الفقه مثل: الروض المربع أو الروض الندي أو العمدة أو غيره من الكتب المتوسطة، أو المختصرة جداً مثل زاد المستقنع ونحوه. وهكذا الكتب الأولية لابد منها في كل فن، بعد ذلك يرتقي الإنسان في شراء الكتب حسب الأولويات وحسب قدرته المادية. وإذا أراد أن يؤسس مكتبة فلابد أن ينوعها من كتب السنن والصحاح والتفاسير الأساسية التي ذكرتها، ومن كتب الفقه الأساسية أربعة أو خمسة، ثم من كتب الحديث وعلوم الحديث بعد كتب السنن، ومن كتب اللغة سواء كانت معاجم أو كتب اللغة التي تفصل النحو، والمعاجم ضرورية، ومن أفضلها في العصر الحاضر المعجم الوسيط الذي يجمع بين القديم والحديث، وهو معجم متوسط في ثلاثة مجلدات سهلة ويجمع بين كتب المعاجم القديمة وبين المصطلحات الحديثة، وعربت في مجامع اللغة وصدر عن مجمع اللغة في مصر. والحاصل أنه ينبغي أن ينوع فلا يسلك ما يسلكه بعض الشباب بأن يملأ مكتبته بنوع من التخصص وتكون فقيرة للتخصصات الأخرى، فهذا لا ينبغي.

الأمور التي تعين على طلب العلم

الأمور التي تعين على طلب العلم Q ما الأمور التي تعين على طالب العلم؟ وهل طلب العلم موهبة؟ وما هو الفتور في طلب العلم؟ A الأمور التي تعين على طلب العلم: أولها: قوة العزيمة، وثانيها: مخالطة طلاب العلم والبعد عن مجالس الثرثرة والمجالس الضائعة المتروكة وما أكثرها، وعن المغريات من وسائل اللهو وإضاعة الوقت ومجالس القيل والقال، فإن هذه في الغالب تصرف طالب العلم وتصرف قلبه، بل تجعله ينفر من العلم حتى وإن كان عنده رغبة لكنه يجد نفسه تنجذب إلى الملهيات وإلى المجالس الفارغة وغيرها، فينبغي أن يبتعد عن مثل هذه المجالس التي تضيع الأوقات. الأمر الثالث: كثرة دعاء الله عز وجل والاستعانة به في هذه الأمور، فيلح على الله عز وجل فإنه يسدده ويهديه ويرشده. ثم الدروس الجادة المفيدة، والدروس كلها مفيدة إن شاء الله لكن تتفاوت في جديتها وفي فائدتها، فبعض الدروس قد يكون نفعه عاماً لا يصلح لطالب العلم المتخصص الذي يريد علماً شرعياً، فإذا حضره قد يظن أنه كاف، فينصرف عن طلب العلم الجاد، فإذا أراد أن يطلب العلم بجدية لا يستطيع أن يروض نفسه عليها. ثم مما يعين على طلب العلم تنظيم الوقت تنظيماً جيداً دقيقاً؛ ولا يضيعه في المشغلات والملهيات من أمور الحياة وبهرجها، لأنها تجعل الإنسان متشاغلاً، وإن لم يكن مشغولاً فإنه يشعر أنه مشغول، وأظنكم تجدون هذا كلكم. والدنيا قد ضحكت للناس جميعاً فأشغلت قلوبهم وخواطرهم مما يجعلهم يشعرون بالتشاغل، نعم طلب العلم منه ما هو موهبة ومنه ما هو ضروري لكل مسلم. أما الاستمرار في العلم والتبحر فيه فلا شك أنه موهبة؛ لكن موهبة تغذيها قوة الاستعداد وقوة الإرادة والاستعانة بالله عز وجل، وكثرة دعائه ومجالسة طلاب العلم والصالحين.

التوفيق بين التخصص غير الشرعي وطلب العلم الشرعي

التوفيق بين التخصص غير الشرعي وطلب العلم الشرعي Q رجل يجد من نفسه حباً للعلم الشرعي وقدرة على طلبه، وهو مع ذلك متخصص دراسياً في علم اللغة والآداب وله في ذلك نفس طويل خاصة فيما يتعلق بالآداب الأجنبية، فبم تنصحه وهو لا يستطيع التوفيق بينهما؟ A إن شاء الله أنه يستطيع، والحقيقة أن هذه المسألة من المسائل التي تحتاج إلى علاج، وهي تعتبر مرضاً من أمراض المثقفين وأمراض كثير من شبابنا، وهذا المرض هو أن بعضهم قد تلجئه الحياة وطلب العلم في أول حياته إلى أن يسلك مسلكاً في طلب غير العلم الشرعي ويفاجأ أنه تخصص في هذا العلم وتبحر، لكنه بعيد عن العلم الشرعي، فيكون عنده إذا كبر شيء من القلق، وأقول: يحق له ذلك، مع أن الناس تحتاج إلى شيء من التوازن في دراسة هذه الظاهرة، ذلك أن الأمة بحاجة إلى سائر العلوم، فالذي يسلك الأدب تحتاج إليه الأمة في جانب والذي يسلك التاريخ تحتاجه الأمة في جانب والذي يسلك علم الاجتماع تحتاجه الأمة في جانب، والذي يسلك الطب تحتاجه الأمة في جانب، لكن لا يكون ذلك على حساب الإخلال بالجوانب الأخرى الضرورية، فليس من الضروري أن يكون كل شخص طالب علم شرعي، وليس من الضروري أن كل من سلك مسلكاً في العلوم الإنسانية أو العلوم الطبيعية أن يكون متبحراً في العلم الشرعي، لكن هناك قدر ضروري وهناك قدر نحتاجه فيما بعد. إذا استوفى الإنسان العلم الذي يخصه ووجد عنده فراغاً يجب أن يرجع إلى العلم الشرعي ولا يستمر على ما هو عليه، بل يخدم الأمة في العلم الذي تخصص به، ويرجع إلى طلب العلم الشرعي والتبحر فيه في نفس الوقت، هذا شيء. والشيء الآخر: لو قدر أنه لا يتمكن من أن يتبحر فلابد من الإيمان بالقدر الضروري من العلوم الشرعية؛ ليصبح طالب علم، فأنتم ترون أن كثيراً من الشباب يعجبه أن يكون مثقفاً، والمثقف هو الذي يلم من كل علم بطرف. فإذا تكلم الناس في أي علم من العلوم تكون عنده معلومات أساسية تجعله يشارك ولو بعض المشاركة فيتباهى بأنه مثقف يستطيع أن يشارك في كل علم. إذاً: من كان عنده هذه النزعة فليعرف أنه ينبغي أن يتفقه في العلم الشرعي وأن يكون عنده علم بالأساسيات، ما دام عنده وقت وعنده استعداد حتى ولو مضى من عمره سنون أو تورط بتخصص قد لا يعجبه فيما بعد. ومع ذلك أقول: على الذين تخصصوا في التخصصات غير الشرعية وأفادوا فيه الأمة ألا يندموا فإن الله سينفع بهم وعليهم أن يحتسبوا، أقول هذا لأني لاحظت بعض الشباب قد ينكص ويتراجع عن العلم الذي حصله ويندم عليه ويترك المجال الذي سلكه، ويترك فراغاً فيه فيرجع إلى العلم الشرعي من الصفر ويتخلى عن تخصصه الذي استعد له من قبل، وهذا لا يجوز بل ربما يكون من قبيل الفرار من الزحف. إنسان مثلاً: تعمق في الأدب وصار مدرساً في الأدب، ثم بدا له أن يترك الأدب لمجرد أنه ما سلك الطريق الذي يناسبه فيما بعد أو الذي يرضي نزعته الدينية، هذا غير صحيح، فليبق على ما هو عليه ويرجع إلى العلم الشرعي يتعلم منه ما يناسبه والذي يستطيعه أو يتبحر فيه، فيجمع بين حسنتين. إذاً: الأمر يحتاج إلى شيء من التوازن في النظرة، فلا يفرط في العلوم الشرعية ولا يفرط في العلم الذي حصله وأفاد فيه الأمة أو يمكن أن يفيدها فيها بدعوى أنه يريد أن يستأنف العلم الشرعي من جديد، وهذه الأمور كما قلت لا يمكن أن يحكم بها مثلي إلا باجتهاد عارض، لأنها قد تحتاج إلى دراسة متأنية وعلاج من محاضرات وندوات ومؤتمرات وكتب تطرح فيها الآراء وتناقش بين طلاب العلم.

البدء بالدراسة من أثناء الكتاب

البدء بالدراسة من أثناء الكتاب Q كثير من طلاب العلم يريد أن يبدأ الدراسة مع بعض المشايخ فيجده قد قطع شوطاً كبيراً في الدرس فما يصح في هذه المسألة؟ A هذه مسألة في الحقيقة تحتاج إلى علاج، فكثير من طلاب العلم يبدأ الدرس من نصفه، أقول: وهذا يختلف ما بين درس ودرس وما بين شخص وشخص، فإن كان هذا الشخص ممن لديه إلمام بالعلوم الشرعية أو خريج معاهد شرعية أو كليات شرعية فلا يضره أن يبدأ من منتصف الكتاب، وبعد ذلك يرجع إلى النصف الآخر، ما لم يكن الكتاب من الكتب التي يترتب آخرها على أولها، وهذه قليلة مثل: كتب أصول الفقه وبعض كتب علوم الحديث وكتب الفرائض، وبعض كتب علوم القرآن، وغيرها من الكتب المنهجية التي يترتب أولها على آخرها، أما الشروح وأشباه الشروح فإنه لا يضر طالب العلم أن يبدأ في منتصف الكتاب ثم يكمل النصف الأول وإن كان هذا غير طبيعي لكن أحسن من لا شيء، وإذا أمكنه أن يجد الكتاب من أوله أو يبدأ الكتاب من أوله فهذا أولى، ويصبر حتى ينتهي الكتاب الآخر ويبدأ به من أوله، لكن إذا لم يكن ذلك فكما قلت إن كان طالب علم عنده شيء من العلم الشرعي أو خريج المعاهد العلمية أو خريج شريعة أو كليات شرعية فلا مانع من أن يبدأ في الكتاب من منتصفه ما لم يكن من كتب المناهج والأصول، فهذه لابد من البدء بأولها.

دراسة المتن بدون شرح

دراسة المتن بدون شرح Q هل الأفضل لطالب العلم في مثل هذه الدروس الفقهية أن يحضر المتون المشروحة أم المتون فقط بدون شروح، أيضاً التعليقات التي تعلق على المتون الكثير منها موجود في المتون المشروحة؟ A أما غير لمعة الاعتقاد فالأولى أن يسأل أستاذ كل مادة عن الطريقة التي يراها، أما بالنسبة للمعة الاعتقاد فلا مانع من إحضار أحد الشروح، وطبعاً من أيسر الشروح وأكثرها تفصيلاً وعنصرة شرح الشيخ: محمد العثيمين.

أخذ العلم من الكتب دون التتلمذ على الشيوخ

أخذ العلم من الكتب دون التتلمذ على الشيوخ Q متى تنطبق القاعدة على طالب العلم: من كان شيخه كتابه كان خطؤه أكثر من صوابه؟ A هذه حكمة بليغة وجيدة، والواقع يدل على ذلك قديماً وحديثاً، وقد يندر نادر في التاريخ بل لا أعرف إلا مثالاً واحداً أن من طلب العلم في وقت متأخر على علماء أصغر منه سناً أو في سنه يعني: ليسوا أكبر منه إلا القليل منهم وأكثر طلبه للعلم على الكتب، ومع ذلك كثرت عنده الأخطاء رغم إمامته في الدين وذكائه وعبقريته، وهو ابن حزم رحمه الله، فإنه طلب العلم وهو كبير في السن فأخذ العلم عن الكتب وقليل طلبه على المشايخ، وهو ما ترك المشايخ لكنه قليل طلبه على المشايخ، فلذلك صار له نهج يخالف نهج سائر أئمة السلف في كثير من الأمور، وإن كان لا يعد من أئمة الضلالة لكن عنده أخطاء، خاصة في تعامله مع العلماء فتجده يعير المخالف ويلقبه بأشنع الألقاب وإن كان المخالف إماماً كبيراً من أئمة الدين، فتسلط لسانه رحمه الله على أهل العلم بسبب أنه ما تلقى العلم بأدبه ولا عن العلماء.

نصائح في قراءة كتب شيخ الإسلام

نصائح في قراءة كتب شيخ الإسلام Q نريد نصائح لمن أراد قراءة فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وهل صحيح ما يقال: ليس كل شخص يقرؤها من المبتدئين وغيرهم، بل أناس متبحرون في طلب العلم؛ لأن فيها شيئاً من الصعوبة؟ وما رأيكم هل الأفضل انتقاء بعض الكتب المتنوعة في العلوم المختلفة، أو الاقتصار على فتاوى شيخ الإسلام؟ A في الحقيقة كتب شيخ الإسلام مما ينبغي على طالب العلم المبتدئ ألا يستقل بقراءتها، وإن كان بعضها يصلح لذلك لكن من الصعب تمييزها، الفتاوى هي موسوعة لشيخ الإسلام ابن تيمية، فينبغي لمن أراد أن يقرأها أو يقرأ جزءاً منها أن يقرأها على طالب علم، هذا الأولى، لذلك نعرف بعض المشاهير الذين قرءوا فتاوى شيخ الإسلام أكثر من مرة، ليس عندهم هدي العلماء في تطبيق العلم الشرعي على الحياة والواقع وفي تأصيل العلم الشرعي؛ لأنه قرأها على غير عالم، قد يكون هناك بعض المثقفين من قرأها مرتين أو ثلاث، بل هناك مستشرقون قرءوا كتاب المغني وكتب شيخ الإسلام مرات وما استفادوا منها. والسبب أن التلقي على أسلوب غير صحيح، فتلقي هذه العلوم والتي تؤصل وترجع الأمور إلى مناهجها وأصول الاستنباط وأصول الاستدلال، يجب أن يكون على طلاب العلم والعلماء.

الموقف من جماعة التبليغ

الموقف من جماعة التبليغ Q هذا سؤال لن أجاوب عنه مباشرة لكن من المناسب أن أقول رأيي في مثل هذه الأمور كتوجيه عام لإخواني حسب ما أسمع من مشايخنا ومن المعنيين في هذه المسائل، طبعاً السؤال أقرأه عليكم لكن سأحيد عن الجواب بالتفصيل. يقول: ما رأيكم في جماعة التبليغ التي هنا في الرياض وخصوصاً في الحي الفلاني، وهم يحثون على الخروج إلى الدعوة ويجددون المدة إلى آخره؟ A جزى الله خيراً السائل؛ لأن كثيراً من الشباب في رأسه مثل هذه الأمور، ويحق له ذلك، لكن مع هذا اعذروني عن الجواب التفصيلي لكن سأجيب جواباً جماعياً فهذه المسائل تظل محل نزاع بين المشايخ وطلاب العلم، فيتفقون على الأخطاء العقدية والمنهجية في جماعة التبليغ؛ لكن يختلفون في تكوينها تفصيلاً وفي الموقف منها وفي التعامل مع المنتسبين إليها، وهذا الخلاف يرجع به إلى القاعدة التي ذكرتها من قبل، أنها خلاف بين طلاب العلم والمشايخ المعتبرين فمنهم من له رأي متسامح وتبريرات شرعية يرونها، وهناك رأي آخر متشدد بتبريرات شرعية يرونها، ورأي ثالث يتوسط ويفصل وله تبريرات شرعية. فأما من حيث الأصول العقدية والأخطاء في المناهج فهذا أمر لا يختلف عليه أهل العلم في هذا الباب، لكن يختلفون في كيفية التعامل معها، فهذه مسألة خلافية، واتركوا الناس على اجتهاداتهم، ولا مانع أن نؤجل هذه المسألة حتى يتروى في دراستها وتناقش مع المعنيين من العلماء وطلاب العلم ولو طال الوقت فلتتسع صدورنا؛ لأن الله أمرنا بالصبر ثم لا نتخذ موقفاً نتشنج به لا هنا ولا هناك، هذا الذي أنصحكم به، وأنتم معفيون من هذه المسألة إلا من تعرض بشخصه لهذه المسائل مواجهة لابد منها، فإذا واجه أحداً منهم بأمر لابد منه فيسأل طالب علم وإن لم يسأل فيتوكل على الله ويمشي على ما يرشده إليه.

حكم القول أن الله على ما يشاء قدير

حكم القول أن الله على ما يشاء قدير Q هل يصح القول أن الله عز وجل على ما يشاء قدير؟ A نعم يصح، ولا يتنافى مع أنه عز وجل على كل شيء قدير.

مذهب المعتزلة والمعطلة في الأسماء والصفات

مذهب المعتزلة والمعطلة في الأسماء والصفات Q ذكرت في كلامك بعض الطوائف مثل المعتزلة والمعطلة، فما هو مذهبهم في الأسماء والصفات؟ A الجهمية المعطلة ينكرون الأسماء والصفات جملة وتفصيلاً. والمعتزلة عندهم نوع تعطيل وهو إنكار الصفات وإثبات الأسماء.

أسماء الله توقيفية

أسماء الله توقيفية Q هذا سؤال عن درس الأمس يقول: أليس كلمة القديم فيها كمال الله وكذلك الوجود؟ A نعم كلمة القديم فيها جانب يدل على الكمال وكذلك كلمة الوجود، لكن أسماء الله توقيفية بمعنى أنها لا تؤخذ إلا عن الكتاب والسنة، والأمر الثاني أن المعاني التي فيها القديم ليست جديدة ويمكن أن ترجع إلى ما تكلم الله به، وهو الأول الذي ليس قبله شيء. وكذلك الوجود كلمة فيها معنى فاضل وهو معنى الكمال، لكن تغني عنه ألفاظ الشرع الأخرى، مثل: الله الحي القيوم، وسائر أسماء الله عز وجل. فالمقصود تجنب الألفاظ لا معانيها، وهذه قاعدة: كل معنى كامل يرد على ألسنة البشر فالله أحق به، لكن إن كان اللفظ لم يرد في الكتاب والسنة فإنه يرد معناه إلى ألفاظ الكتاب والسنة ويترك اللفظ لأنه لم يرد، ونحن نجزم بأن مما نتحدث به ما لم يتكلم به الله ولا رسوله صلى الله عليه وسلم لا يتضمن الكمال من جميع الوجوه وقد يكون فيه كمال ولو من وجه، فإذاً: نترك المشتبه ونكتفي بما ورد.

أفضلية الصحابة على غيرهم

أفضلية الصحابة على غيرهم Q قبل الدرس دار نقاش بيني وبين أحد الإخوة فقال: إن الأتقياء في هذا العصر أفضل من الصحابة؟ A أول شيء لماذا تتناقشون في مسألة ليس عندكم فيها علم، فإنه يظهر لي أنكم تناقشتم بغير علم، فمثل هذه القضايا الغيبية أو العلمية الخطيرة التي تتعلق بمصير المسلمين: هل الصحابة أفضل أم بعض أفراد الأمة الآن؟ هذه مسائل كبيرة تتعلق بما يسمى بالأسماء والأحكام، والعلماء المتبحرون يتورعون عن الكلام فيها، وإذا تكلموا تكلموا بحذر، فكيف تدور في مجالس الشباب ابتداء. الذي أعرفه في هذه المسألة أن الصحابة هم أفضل الأمة على الإطلاق بجملتهم ثم التابعون ثم تابعوهم. ثم بعد ذلك الأمة فيها فضلاء إلى قيام الساعة، لكن بعد القرون الثلاثة الفاضلة ليس هناك ما يدل على أن هناك عصراً أفضل من عصر ولا مكاناً أفضل من مكان بإطلاق، تفضيل الأمكنة والأزمنة جاء دون تحديد وقت، وجاءت تفضيلات معينة لكن ليس على سبيل الدوام إلى قيام الساعة؛ فهذا المكان الفاضل قد يصبح مفضولاً في يوم من الأيام، والمكان المفضول قد يصبح فاضلاً في يوم من الأيام وهكذا، وسائر النصوص التي فيها تفضيل لا يمكن أن تؤخذ على الإطلاق إلا بدلالة شرعية أخرى كتفضيل الصحابة والذين يلونهم والقرون الثلاثة هذه جاءت مطلقة ومفسرة ومبينة بأنها هذه العصور وما عداها فيس هناك دليل عليه. مسألة: هل يوجد أفراد من أتقياء الأمة في هذا العصر يفضلون عموم الصحابة؟ الجواب: لا. كما ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره: فلا يمكن أن يوجد ممن جاءوا بعد القرون الثلاثة من يكون أفضل من عموم الصحابة، لكن قد يوجد فاضل بعد القرون الثلاثة يفضل بعض أفراد القرون الثلاثة أو بعض أفراد الصحابة في جانب وليس من جميع الجوانب؛ لأن الصحابة لهم فضل الصحبة، بل الصحبة لا يمكن أن تأتى إلا لمن صحب النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا فضل آتاه الله هذا الجيل، والله يؤتي فضله من يشاء فليس لأحد هذه الأفضلية. لكن الفضل من حيث العمل قد يوجد، فقد يوجد من يعمل عملاً أفضل من عمل بعض الصحابة، كما ورد في الحديث أنه قد يوجد من هذه الأمة من يأتي في آخر الزمان ويكون أجره أجر خمسين من الصحابة، فهذا يتعلق بالأجر، والأجر لا يلزم منه مطلق الأفضلية كما ذكر شيخ الإسلام، واتفق أهل العلم في ذلك.

التوفيق بين طلب العلم ومتطلبات الحياة

التوفيق بين طلب العلم ومتطلبات الحياة Q كيف يوفق طالب العلم بين طلب العلم ومتطلبات هذه الحياة التي قد تشغل عن طلب العلم، سواء كانت هذه الأشغال خاصة بالأهل مثلاً، أو الدراسة ومتابعتها إلى غير ذلك من الأشغال؟ وما هي الطريقة المثلى لحفظ الوقت؟ A نعم، الغريب أنه يوجد شعور عند كثير من الناس بأن اليوم كانوا أكثر مشاغل من السابقين، وهذا صحيح من وجه لكن ليس صحيحاً من وجه آخر، أما أن يكون هذا العصر ومتطلبات الحياة مشغلة عن العبادات وطلب العلم الشرعي وضرورات الدين والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة فهذا غير صحيح، بل أنا أدعي أن هذا العصر توفرت فيه الوسائل التي تخدم هذه الأمور أكثر من ذي قبل. صحيح أن التشاغل بالمغريات وبهرجة الحياة وانشغال القلب والذهن والخاطر موجود، أما الوقت فإن الإنسان الجاد يستطيع أن يهيئ لنفسه من الوقت للعبادة وطلب العلم الشرعي والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة أكثر مما يتهيأ للسابقين، لتوفر وسائل الحياة التي تخدم الإنسان. ولنأخذ هذه المقارنة بين وسائل الحياة القديمة ووسائل الحياة الحديثة، فالإنسان يجد من وسائل النقل المريح وتهيئة الوقت ما لا يوجد في السابق، ولنضرب مثالاً بالرحلة لطلب العلم الشرعي. الآن يستطيع الجاد أن يتابع درساً أسبوعياً في الرياض وهو في جدة، وكان في السابق إذا أراد أن يرحل إلى عالم يقطع ما بين الرياض وجدة في عشرة أيام على الأقل، ثم يجلس نصف ساعة يتلقى حديثاً ويمشي، وقد يسافر شهراً كاملاً في الأصل، ومع ذلك بارك الله في وقتهم وجهدهم. كان طالب العلم في السابق يعد لنفسه الأكل ثلاث وجبات أو وجبتين في اليوم ويغسل ثيابه ويرتب كتبه ويقضي حوائج أهله الطويلة المدى، فقد كان يذهب للبحث عن ماء -أحياناً- فيظل نصف يوم كامل من أجل أن يجلب قربة ماء، أو يجلب القوت الضروري، وقد يسافر عشرة أيام أو عشرين يوماً لتوفير قوت شهر أو أقل من ذلك وهو طالب علم، اقرءوا السير تجدوا أكثر العلماء كانوا مشغولين بمشاغل الحياة ويكدون على أسرهم ومع ذلك تبحروا في العلم. فإن المسألة مسألة شعور في النفس وانشغال خواطر الناس بجوانب الحياة الفتانة، أما من ناحية الوقت فإن طالب العلم الجاد يستطيع أن يوفر من الوقت ما لا يستطيعه السابقون، فالحمد لله أن كل شيء متوفر حتى عوامل الطقس، فقد كان طالب العلم في السابق إذا اشتد البرد لا يستطيع أن يتلقى العلم؛ لأنه ليس عنده تدفئة فيبحث عن وسيلة، وإذا اشتد الحر لا يستطيع أن يواصل، أما الآن إذا اشتد عليه شيء من هذه الأمور ذهب إلى الوسائل المريحة واستعمل المكيف. وحتى لا أبعدكم كثيراً أخبركم عن أول نشأة في الدراسة النظامية في هذا البلد، فقد كان طلاب العلم أكثر تفوقاً وأكثر تبحراً بكثير من طلاب اليوم، مع أن وسائل الحياة غير متوفرة عندهم كاليوم، كان الواحد إذا خرج من الدراسة انشغل بإعداد الغداء إلى العصر، وقد يتوفر عنده وقت بين المغرب والعشاء، وبعد العشاء ينام مبكراً، ثم بعد صلاة الفجر يذهب إلى الدراسة فأين وقته. وكان يحتاج إلى أن يغسل ثيابه، وإلى أن يعد الحاجات الضرورية وغيرها بنفسه، ومع ذلك كان أكثر تحصيلاً وأكثر علماً وأبرك في اغتنام الوقت، أما اليوم فإن الطالب قد هيئ له السكن ووسائل النقل وأهله مخدومون، فغاية ما يحتاج أن يتصل بهم بالهاتف: هل أنتم طيبون ويطمئن على صحتهم، ومع ذلك فمعاذيره كثيرة ورسوبه كثير، وتخلفه عن الدراسة كثير، وتخلفه عن الامتحان كثير، وتحصيله هين. إذاً: المسألة مسألة شعور نفسي وعدم جدية في ضبط الوقت، ولو ضبط طالب العلم وقته في هذا العصر لوجد من الوقت الشيء الكثير ووجد عنده الفراغ الذي كان لا يوجد عند السابقين، هذا ما يظهر لي، والله أعلم.

الأمور المعينة على الجرأة في الإلقاء

الأمور المعينة على الجرأة في الإلقاء Q ما هي الأمور التي تعين على الجرأة في إلقاء الكلمات والإمامة الصعبة، وما هو العلاج لمرض الخوف والاستحياء؟ A أولاً: لا ينسى الشخص الذي يشعر بهذه الأمور أن يكثر من الدعاء لله عز وجل واللجوء إليه، وليدع بما يهمه من هذه الأمة، ومسألة الخطابة ينبغي أن يتدرج فيها، فيعلم الصبيان والحلقات موجودة في كل مسجد، فإن كان كبيراً فليتواضع وليسهم في الدروس المبسطة وحلق الذكر أو حلق تعليم القرآن وغيرها فيشارك فيها ويعلم الصغار؛ لأن الصغار ليس لهم هيبة، ثم يتدرج إلى من هم أكبر، ثم إلى المساجد التي ليس فيها أناس كثر أو بين زملائه ويتحدث بين عدد أكبر في المجالس العامة. وليتحدث أول الأمر بحديث لا يكون طويلاً، بل يأخذ آية ويعلق عليها أو حديثاً ويشرحه؛ لأن الحديث الطويل يشعر غير المعتاد عليه بالرهبة قبل أن يتكلم، لأنه يشعر بأنه قد ينفلت منه الحديث؛ لكن إذا قصر الكلام على جزء قليل فإنه بإذن الله يؤدي يحسن فيتشجع، ولا ينسى أن يستصعب الدعاء في كل خطوة يخطوها، فإذا أراد أن يقوم بخطوة فليدع الله عز وجل أن ييسر له وأن يوفقه وأن يهديه وأن يفتح قلبه، وإن شاء الله أنه سيعان، والدعاء سلاح المؤمن، لاسيما من يريد الخير، ولاشك أن صاحب مثل هذا السؤال قصده الخير ويريد أن ينفع من قد يعاني من هذه الأمور. هذه الأمور تعالج الحياء وتعالج القلق وتعالج الهيبة من المواقف الجريئة.

الموقف الصحيح من اختلاف العلماء في المسألة

الموقف الصحيح من اختلاف العلماء في المسألة Q ماذا يفعل طالب العلم إذا لم يترجح عنده مسألة من المسائل فأخذ يتردد بين الأقوال، مثل إرسال اليدين بعد الرفع من الركوع أو وضعهما على الصدر، فأخذ يفعل هذا تارة وهذا تارة؟ A هذا التذبذب دليل قلة الفقه في الدين، فعلى من هذا حاله أن يضع ثقته بعالم من العلماء أو طالب علم وإذا أفتاه بشيء واطمأن إليه شرعاً فعليه أن يذهب إلى قول من يطمئن إليه ويترك الرأي المخالف، ثم يعرف أن هذه مسائل خلافية، بمعنى أن كثيراً من المسائل الخلافية وإن كان فيها راجح ومرجوح فهذا لا يعني أن هناك باطلاً محضاً وحقاً محضاً، فليتسع صدره لهذه الأمور ولا يقلق، ويعمل بقول من يثق به من أهل العلم ويستريح ويترك عنه كلام الناس والجدال معهم، ولا عليه أن يقنع الآخرين، بل عليه أن يعمل بما يسعه شرعاً ولا يهمه الآخرون الذين يخالفونه ما دام ليس من أهل العلم المتمكنين.

سؤال الناس عن صفات الله

سؤال الناس عن صفات الله Q سؤال الناس عن العقيدة في صفات الله كأن يقال: أين الله وهل لله كذا من الصفات؟ A هذا في الحقيقة ينبغي ألا يثار علناً، وسبق أن قلت في مناسبة سابقة أن السؤال بأين الله لا ينبغي أن يبتدأ به المتعلمون والعوام وأشباه العوام، وأنه لا يكون إلا في دروس العلم المتخصصة في العقيدة، أما ما عدا ذلك فالناس يقرر لهم هذه الأمور بدون امتحان. أما سؤال النبي صلى الله عليه وسلم للجارية فله مناسبة كبيرة، ليعرف هل هي مؤمنة أم لا، وهل عقيدتها سليمة أو غير سليمة أو هل تفهم العقيدة أو لا تفهم، فإذا وجدت هذه المناسبة من عالم أو طالب علم فلا مانع، أما أن يفتن الناس وتلقى هذه الأسئلة على التلاميذ الصغار فهذا يوقعهم في حرج، ويوقعهم في أمر قد يضر بالعقيدة أكثر مما ينفعها. فلذلك لا أرى هذا السؤال ومثله في سائر الصفات، إنما تقر هذه الأمور تقريراً، إلا سؤال طالب العلم الذي يتعلم من أجل الفهم. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

شرح لمعة الاعتقاد [4]

شرح لمعة الاعتقاد [4] لقد دلت آيات القرآن وأحاديث السنة على ثبوت صفة الكلام لله عز وجل، فالله تعالى يتكلم بما شاء كما شاء متى شاء، والقرآن العظيم من كلام الله تعالى الذي تكلم به على الحقيقة، وقد أنكرت الفرق كثير من الفرق الكلامية صفة الكلام، وبعضهم أولوها وفسروها بمعانٍ تخالف ما عليه مذهب السلف.

كلام الله تعالى

كلام الله تعالى قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فصل في كلام الله عز وجل: ومن صفات الله تعالى أنه متكلم بكلام قديم، يسمعه من شاء من خلقه، سمعه موسى عليه السلام منه من غير واسطة، وسمعه جبريل عليه السلام ومن أذن له من ملائكته ورسله، وأنه سبحانه يكلم المؤمنين في الآخرة ويكلمونه، ويأذن لهم فيزورونه، قال الله تعالى: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً} [النساء:164]، وقال سبحانه: {يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاتِي وَبِكَلامِي} [الأعراف:144]، وقال سبحانه: {مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ} [البقرة:253]، وقال سبحانه: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلاَّ وَحْياً أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} [الشورى:51]، وقال تعالى: {فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي يَا مُوسَى * إِنِّي أَنَا رَبُّكَ} [طه:11 - 12]، وقال سبحانه: {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدْنِي} [طه:14]، وغير جائز أن يقول هذا إلا الله].

الكلام صفة من صفات الله تعالى

الكلام صفة من صفات الله تعالى في هذا المقطع إثبات لأصل من أصول أهل السنة والجماعة فيما يتعلق بكلام الله تعالى، وما ورد فيه من تفصيل في كتاب الله، وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما اتفق عليه سلف الأمة. فأولاً: ذكر أن من صفات الله تعالى أنه متكلم بكلام قديم، يعني: أن الله عز وجل يوصف بهذا الوصف، أي: أن الله متكلم كما يشاء على ما يليق بجلاله عز وجل. وقوله: (بكلام قديم)، يشير به إلى أن كلام الله عز وجل أزلي، من حيث إنه من صفاته، وصفات الله عز وجل أزلية؛ لأن الله عز وجل هو الأول الذي ليس قبله شيء، بذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله. وكلمة (قديم) لم تكن معهودة في عصر الصحابة ومن بعدهم إلى القرن الثاني، وفي منتصف القرن الثاني وما بعده جاء المتكلمون بمصطلحات جديدة لم يكن يعرفها المسلمون، ومن ذلك كلمة (قديم)، فزعموا أن صفات الله عز وجل لا تقبل أن ترتبط بمشيئة الله عز وجل. ومن ذلك كلامه، فمنهم من أنكر كلام الله إطلاقاً؛ كالجهمية والمعتزلة، ومنهم من أثبت كلام الله عز وجل؛ كطوائف من المعتزلة وأهل الكلام، لكنهم زعموا أن كلام الله معنىً وليس بحروف ولا أصوات، أما السلف فقد فصلوا في كلام الله عز وجل وقالوا: إن كلام الله من حيث هو أصل وصفة أزلي، قالوا: فهو أزلي النوع، أي: نوع الكلام، وهذه صفة كمال، فإن الله متصف بذلك منذ الأزل. ثم قالوا: إن الكلام حادث الآحاد، بمعنى أن الله يتكلم متى شاء بما شاء، أي أن كلام الله مرتبط بمشيئته، وقد وردنا شيء من آحاد كلام الله عز وجل على جهة التفصيل، فقد ورد إلينا على سبيل القطع أن الله عز وجل كلم موسى، وكلم محمداً صلى الله عليه وسلم. نرجع إلى كلمة (قديم)، فإنها لم تكن معهودة في عهد السلف، أي: وصف كلام الله، أو شيء من صفاته وأفعاله وأسمائه بأنه قديم، هذا لم يرد على ألسنة السلف الأوائل، لكنهم اضطروا إليه فيما بعد؛ بسبب أن هذه الكلمة صارت تحتمل معان، فمن معاني كلمة (قديم): أزلي، بمعنى أن الله متصف بصفات الكمال منذ الأزل، أي: أن صفاته لا أول لها سبحانه. وهناك معنىً آخر لكلمة (قديم) يرده السلف ويرفضونه، وينزهون الله عنه، وهو القديم بمعنى: المتهالك البالي. إذاً: كلمة (قديم) الأولى أن تستبدل بأزلي، أو لا أول له، أو ليس قبله شيء. قوله: يَسمَعه (من شاء من خلقه)، أو يُسمِعه، أي: يسمعه الله عز وجل من شاء من خلقه، فالله عز وجل قد أسمع موسى من غير واسطة، وسمعه جبريل عليه السلام، ومن أذن له من ملائكته، كما ورد في صحيح مسلم وغيره أن الملائكة يسمعون كلام الله عز وجل حينما يتنزل الوحي.

تكليم المؤمنين في الآخرة

تكليم المؤمنين في الآخرة قوله: (وأنه سبحانه يكلم المؤمنين في الآخرة)؛ هذا ورد في الصحيحين مقروناً بأحاديث الرؤية ومنفصلاً عنها. كما ورد أن الله عز وجل يكلم الخلائق يوم القيامة بكلام يسمعه من قرب كما يسمعه من بعد، وورد هذا في أحاديث حسنة أقرها السلف. كما ورد أنه يكلم عباده أفراداً المؤمن وغير المؤمن، يكلمهم بواحاً ليس بينه وبين أحدهم ترجمان، كما ورد في الأحاديث الصحيحة، وأنه يعاتب عباده ويقرر لهم أفعالهم في الدنيا: ألم تفعلوا كذا؟ ألم أنعم عليكم بكذا؟ ألم أقدر لكم كذا؟ فيقول أحدهم: بلى يا رب! بلى يا رب! هذا أيضاً تكليم خاص، لكنه عز وجل يكلم الكفار على جهة التوبيخ، فلا يشعرون بلذة هذا التكليم، ولا يهنئون به؛ لأنهم مذنبون، والمذنب يحس بذنبه أمام ربه. أما المؤمنون فإنهم ينعمون بهذا التكليم كما ينعمون برؤيته نسأل الله عز وجل أن يجعلنا جميعاً منهم. قوله: (ويأذن لهم فيزورونه)، هذا ورد في أحاديث بعضها موقوف وبعضها مرفوع، لكن أغلبها فيه ضعف، وفيها أحاديث حسنة، وقبل أن يورد الآيات أحب أن أذكر الخلاصة التالية بإيجاز: أولاً: أن كلام الله عز وجل -كما ذكرت- أزلي النوع، يعني: أنه متكلم سبحانه منذ الأزل؛ لأنه عز وجل الأول الذي ليس قبله شيء، بما في ذلك صفاته وأفعاله. أحاديث الآحاد لها تعلق بالكلام بمشيئة الله، ويعني ذلك: أن الله عز وجل يتكلم متى شاء بما يشاء سبحانه وتعالى، وأن كلامه بحروف وأصوات مسموعة. ثانياً: أن كلام الله يسمع من قبل من يكلمهم، يسمعه الله عز وجل من يشاء من عباده، فقد أسمع بعض رسله، وأسمع ملائكته، ويسمع عباده يوم القيامة، ويسمع من يشاء في الدنيا ممن ورد فيهم النص، أما دعوى السماع من الله عز وجل بغير نص فهي ضلالة، فمن ادعى أنه سمع من الله عز وجل بغير وحي فإنه بذلك كاذب، ومن ادعى أنه يسمع كلام الله عز وجل من غلاة الصوفية ونحوهم؛ فقد كذب على الله وأعظم عليه الفرية، إنما يثبت ما ورد في النصوص، وقد انقطع الوحي؛ فلا سبيل إلى إثبات ما لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم.

الأدلة على كلام الله

الأدلة على كلام الله أما ما ورد في دلالة الآيات فإن الآية الأولى: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء:164]، ومعنى هذا: أن الله عز وجل هو الذي كلم موسى، وليس موسى هو الذي كلم الله؛ هذا من ناحية. الناحية الأخرى: أن التكليم لا يمكن أن يحمل على معنىً آخر؛ لأن الآية قاطعة ومحكمة في التصريح بالتكليم؛ لأن الله عز وجل أشار إلى المصدر على جهة التأكيد فقال: ((وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى))، ثم قال: {تَكْلِيمًا} [النساء:164]؛ لئلا يقال: كلمه وحياً غير مباشر، أو كلمه إلهاماً، أو كلمه برؤيا، أو كلمه بالشجرة، أو كلمه بحروف وأصوات مخلوقة؛ كل ذلك -أي: ما تأول به المتأولون- باطل قطعاً بنص الآية وصريح نطقها. ثم قال: {قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاتِي وَبِكَلامِي} [الأعراف:144]، وهذا يعني أن الله عز وجل نادى موسى، وهذا ينفي أن يكون الكلام جاء من الشجرة؛ لأن المنادي هو الله، ولو كان الكلام كلام الشجرة، أو كلاماً خلقه الله في الشجرة، أو حروفاً وأصواتاً اجتمعت فتوافرت على الكلام؛ لكان المنادي هو هذا المخلوق، ولا يليق بأن يكون المنادي هو المخلوق باسم الله عز وجل؛ لأنه قال: {إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاتِي وَبِكَلامِي} [الأعراف:144]، والمرسل هو الله والمصطفي هو الله والمتكلم هو الله؛ إذاً لا يمكن أن يكون الكلام إلا كلام الله. كذلك قوله عز وجل: {مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ} [البقرة:253]، وهذا يعني أن الله خص البعض بالتكليم، ومعناها: منهم من كلمه الله، لا كما يفهم بعض المبتدعة بأن منهم من كلم ربه، فكل الناس يخاطبون ربهم بالدعاء والعبادة. وقوله: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} [الشورى:51]، بمعنى أن الله عز وجل يكلم بعض عباده بأنواع التكليم، منها ما هو وحي مباشر، ومنها ما هو من وراء حجاب، فكلام الله عز وجل لموسى من أنواع الوحي المباشر، وكلام الله لمحمد صلى الله عليه وسلم الأرجح أنه من وراء حجاب، أي كلامه له عند الإسراء والمعراج. وكذلك الآية التي بعدها: {فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى} [طه:11]، يعني: المنادي هو الله عز وجل، إذاً هو المتكلم؛ لأنه قال: {إِنِّي أَنَا رَبُّكَ} [طه:12]، فلو كان الكلام من الشجرة، أو من مخلوق، أو حروفاً وأصواتاً اجتمعت وهي مخلوقة؛ لما جاز أن تقول هذه الحروف وهذه المخلوقات: {إِنِّي أَنَا رَبُّكَ} [طه:12]، فلا بد أن يكون المتكلم هو الله عز وجل، وكذلك قوله: {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي} [طه:14]. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: إذا تكلم الله بالوحي سمع صوته أهل السماء، وروي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم. وروى عبد الله بن أنيس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يحشر الخلائق يوم القيامة حفاة عراة، فيناديهم بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب: أنا الملك أنا الديَّان)، رواه الأئمة، واستشهد به البخاري. وفي بعض الآثار: أن موسى عليه السلام ليلة رأى النار فهالته وفزع منها ناداه ربه: يا موسى! فأجاب سريعاً استئناساً بالصوت فقال: لبيك لبيك! أسمع صوتك ولا أرى مكانك فأين أنت؟ فقال: أنا فوقك وأمامك، وعن يمينك وعن شمالك؛ فعلم أن هذه الصفة لا تنبغي إلا لله تعالى، قال: فكذلك أنت يا إلهي! أفكلامك أسمع أم كلام رسولك؟ قال: بل كلامي يا موسى!]. في هذا المقطع أشار المؤلف رحمه الله إلى كلام ابن مسعود: إذا تكلم الله بالوحي سمعه أهل السماء، وروي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقوله: (روي) هو على وجوه: منها: ما ورد من أن الملائكة تسمع وحي الله عز وجل إذا نزل، وهذا ثابت، في أحاديث صحيحة، قال المحقق: ذكر البخاري تعليقه موقوفاً على ابن مسعود، باب قول الله تعالى: {لا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ} [طه:109]، بلفظ: سمع أهل السماوات شيئاً. وهذا اللفظ قد يكون فيه كلام وإسناده حسن، لكن المقصود بسماع كلام الله عز وجل من قبل أهل السماوات وخاصة الملائكة وارد في نصوص أخرى منها النص التالي الذي ورد في البخاري وغيره، فقد يوهم تضعيف الحديث أو القول بأنه حسن هنا عند بعض المعلقين هداهم الله يوهم أن أصل هذه العقيدة فيه كلام، بينما ليس فيه كلام من حيث إنه ورد بألفاظ أخرى صحيحة، وهو أن الله عز وجل إذا تكلم بالوحي سمعه أهل السماء -يعني الملائكة- فهذا ثابت عند البخاري وغيره. وما ورد هنا في آخر المقطع من القصة التي فيها أن موسى ليلة رأى النار فهالته إلخ، هذا

القرآن كلام الله تعالى

القرآن كلام الله تعالى قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ومن كلام الله تعالى القرآن العظيم، وهو كتاب الله المبين، وحبله المتين، وصراطه المستقيم، وتنزيل رب العالمين، نزل به الروح الأمين على قلب سيد المرسلين، بلسان عربي مبين، منزل غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود. وهو سور محكمات وآيات بينات وحروف وكلمات]. هنا بدأ يفصل في كلام الله عز وجل عموماً وفي القرآن على وجه الخصوص، فقال: (ومن كلام الله عز وجل القرآن العظيم)، أي أن القرآن كلام الله، وكذلك يعد من كلام الله عز وجل الكتب السابقة المنزلة على أنبيائه السابقين، وإن اختلفت طرق الوحي: فالتوراة من كلام الله عز وجل، والإنجيل أيضاً من كلام الله عز وجل قبل التحريف، والقرآن العظيم كلام الله لكن له خصائص كثيرة، ومنها: أنه محفوظ إلى يوم القيامة، وأنه معجز، وأنه نزل به جبريل عليه السلام على قلب محمد صلى الله عليه وسلم، فالقرآن كله نزل عن طريق جبريل إلى نبينا عليه الصلاة والسلام، أي نزل بطريقة واحدة من طرق الوحي، لأن طرق الوحي كثيرة نزل بها عموم الوحي، لكن القرآن نزل عن طريق جبريل إلى محمد صلى الله عليه وسلم، وجبريل عليه السلام سمعه من الله عز وجل. (منزل) بمعنى: من الله. (غير مخلوق)، بمعنى أنه كلام الله، وكلام الله صفته، وصفات الله لا يعقل أبداً ولا يجوز أن يقال بأنها مخلوقة. (منه بدأ) يعني أن الله تكلم به ابتداء. (وإليه يعود)، هذا إشارة إلى ما ورد من آثار بأن القرآن عند قيام الساعة، وعند انتهاء الدنيا، وعندما يعطل ويهجر يرفعه الله عز وجل من الصدور والمصاحف، فيصبح الناس ولا يجدون في صدورهم شيئاً، ولا في مصاحفهم شيئاً. (وهو سور محكمات وآيات بينات) بمعنى أنه بين يشرحه ما بعده، فهو آيات بينة، محكمات، يعني: أن آياتها بينة، محكمات من كل معاني الإحكام. (وحروف وكلمات)، وهذا فيه إشارة إلى أن الله تكلم بالقرآن بحرف وصوت على ما يليق بجلال الله عز وجل.

أجر قراءة القرآن وبعض صفات القرآن

أجر قراءة القرآن وبعض صفات القرآن قال المؤلف رحمه الله تعالى: [من قرأه فأعربه فله بكل حرف عشر حسنات، له أول وآخر، وأجزاء وأبعاض، متلو بالألسنة، محفوظ في الصدور، مسموع بالآذان، مكتوب في المصاحف، فيه محكم ومتشابه، وناسخ ومنسوخ، وخاص وعام، وأمر ونهي]. في النسخة التي أمامي تعليق للمعلق في قوله: (من قرأه فأعربه؛ فله بكل حرف عشر حسنات)، ذكر المعلق أن هذا مأخوذ من حديث ضعيف، وهذا كلام فيه إجمال كان ينبغي أن يفصل فيه، أما القول بأن من قرأ القرآن فله بكل حرف عشر حسنات مطلقاً فهذا ثابت في الأحاديث الصحيحة لا شك فيه، لكن يظهر أن قول المعلق هنا ينصرف إلى الإعراب: من قرأه فأعربه، ومعنى أعربه: أقامه على العربية لم يلحن به، والذي ذكره في الهامش يقول: (أعربوا القرآن؛ فإن من قرأ القرآن فأعربه فله بكل حرف عشر حسنات، وكفارة عشر سيئات، ورفع عشر درجات إلخ)، وذكر أن هذا الحديث ضعيف. نعم، هذا الحديث بهذا اللفظ ضعيف، لكن الأحاديث الواردة في أن من قرأ القرآن فله بكل حرف عشر حسنات ثابتة، بل ورد ما فيه أكثر من ذلك، وأن الله يضاعف لمن يشاء، أما الضعف فينصرف إلى اللفظ الذي يتعلق بإعراب القرآن؛ فينبغي للإنسان أن يتنبه لذلك، لأن من لا يعرف السنة أو لا يعرف الأحاديث يفهم أن الحديث الذي فيه أجر عشر حسنات لمن قرأ القرآن لكل حرف لا يصح، وهذا غير وارد، بل الوارد عكس ذلك. نعم. (له أول وآخر)، بمعنى أن كلام الله عز وجل له بدايات في نزوله ونهاية، وكذلك كل سورة لها أول وآخر، وكل آية لها أول وآخر، وكل كلمة لها أول وآخر، والقرآن له أول وآخر، سواء من حيث النزول، أو من حيث ترتيب السور، أو من حيث واقعه في المصحف وكتابته. (وأجزاء وأبعاض، متلو بالألسنة، محفوظ في الصدور، مسموع بالآذان مكتوب في المصاحف)؛ كل هذا إشارة إلى الرد على المتكلمين الذين تأثروا بمقولة الجهمية والمعتزلة الذين زعموا أن كلام الله مخلوق، فالمتكلمون ما قالوا: إن القرآن مخلوق، لكنهم قالوا بقول يؤدي باللزوم إلى مثل قول الجهمية والمعتزلة. فالمتكلمون الأشاعرة والماتريدية أو طوائف منهم خاصة غير أهل الحديث منهم زعموا أن كلام الله عز وجل معنى قائم بنفس الله عز وجل، لا يمكن أن يكون فيه حروف ولا أصوات، وأن هذا المعنى عبر عنه جبريل، أو عبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم، أو عبر عنه المعبرون بحسب ما أذن الله عز وجل لهم، فالقرآن من حيث هو معنى كلام الله، لكن من حيث هو حروف وأصوات، وبدايات ونهايات، وجمل وآيات، يزعمون أنه كلام المخلوقين؛ وهذا مرده قول المعتزلة والجهمية الذي أنكروا أن يكون القرآن كلام الله، لكنه قول مؤدب أرادوا أن لا يصادموا به النصوص، فزعموا أن كلام الله هو الكلام النفسي، وأول من قال هذا الكلام ممن ينتسبون إلى السنة ابن كلاب، وتابعه أبو الحسن الأشعري رحمه الله في أول أمره أو في مذهبه الأوسط قبل أن ينتقل لمذهب أهل السنة والجماعة جملة وتفصيلاً. ثم تابع أبا الحسن الأشعري تلاميذه الكبار من بعده، ثم توسعوا في هذا القول حتى قالوا بهذه اللوازم التي لم يقل بها أسلافهم. فقال: إن أصل كلام الله معنىً واحد، لما عبر عنه بالعبرية صار توراة، ولما عبر عنه بالعربية صار قرآناً، وهكذا، ففصلوا كلام الله بعضه عن بعض، فجعلوا أصل الكلام معنى، وحروفه وأصواته، وأوله وآخره، وأجزاؤه وأبعاضه، والمتلو منه كله زعموا أنه من فعل البشر. فلذلك أنكروا أن يكون لكلام الله أول وآخر، سواء كلام الله جملة، أو كلامه بالقرآن. كما أنهم أنكروا أن يكون لكلام الله أجزاء وأبعاضاً، كما أنكروا أن يكون هذا المتلو بالألسنة هو كلام الله، أو هذا المحفوظ في الصدور هو كلام الله، أو الذي نسمعه هو كلام الله، أو أن هذا المكتوب في المصاحف هو كلام الله؛ ولذلك لبسوا على الناس، فقالوا: لا يعقل أن يكون هذا الذي في المصحف كلام الله، كيف يعقل وهو بين أيدينا وهو حبر أسود وورق نراه ونلمسه. السلف يفرقون بين الكلام الذي هو كلام الله عز وجل، المكتوب المقروء والمتلو، وبين المادة التي كتب بها، والأوراق التي كتب عليها، والألسنة التي تلفظت، والصدور التي حفظت، لا شك أن الصدور من خلق الله، وأن الألسنة من خلق الله، وأن الأصوات من خلق الله، وأن الحبر من خلق الله، وأن الأوراق من خلق الله، لكن ليس هذا هو كلام الله، لو جئنا بهذه الأمور لوحدها ما عرفنا أنها قرآن، لكن لما كتبنا فيها كلام الله عز وجل عرفنا أن هذا كلامه، وأن المادة المخلوقة ليست هي كلام الله، إنما كلام الله هو ما نفهمه وما نتلوه وما نسمعه، فمن هنا يجب أن نفرق بين المتلو والمقروء والمكتوب، وبين المادة والوسائل التي كتب فيها وتلونا بها. فالوسائل والمادة لا شك أنها مخلوقة، أما المتلو والمقروء المسموع المحفوظ في الصدور فهو كلام الله عز وجل، لكنهم لبسوا على الناس في ذلك فوقع في مذاهبهم بعض من وقع من جهلة الناس وقليلي العلم وأصحاب الأهواء.

الأدلة على أن القرآن كلام الله

الأدلة على أن القرآن كلام الله قال المؤلف رحمه الله تعالى: [{لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت:42]، {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} [الإسراء:88]، وهو هذا الكتاب العربي الذي قال فيه الذين كفروا: {لَنْ نُؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآنِ} [سبأ:31]، وقال بعضهم: {إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ} [المدثر:25]، فقال الله: {سَأُصْلِيهِ سَقَرَ} [المدثر:26]، وقال بعضهم: هو شعر، فقال الله: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ} [يس:69]. فلما نفى الله عنه أنه شعر وأثبته قرآناً؛ لم يبق شبهة لذي لب في أن القرآن هو هذا الكتاب العربي الذي هو حروف وكلمات وآيات؛ لأن ما ليس كذلك لا يقول أحد: إنه شعر، وقال عز وجل: {وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ} [البقرة:23]، ولا يجوز أن يتحداهم بالإتيان بمثل ما لا يدرى ما هو ولا يعقل، وقال تعالى: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي} [يونس:15]، فأثبت أن القرآن هو الآيات التي تتلى عليهم. وقال تعالى: {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ} [العنكبوت:49]، وقال: {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ} [الواقعة:77 - 78]، بعد أن أقسم على ذلك وقال: {كهيعص} [مريم:1] {حم * عسق} [الشورى:1 - 2]، وافتتح تسعاً وعشرون سورة بالحروف المقطعة. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من قرأ القرآن فأعربه؛ فله بكل حرف منه عشر حسنات، ومن قرأه ولحن فيه؛ فله بكل حرف حسنة)، حديث صحيح]. في هذا المقطع أراد أن يقيم الحجة والأدلة على أن القرآن كلام الله عز وجل، فأولاً في الآية الأولى قوله عز وجل: {تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت:42] يفيد أن القرآن بل نقطع به أن القرآن منزل: {تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت:42]، يعني: من الله عز وجل. والآية التي بعدها: {قُلْ لَئِنْ اجْتَمَعَتْ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ} [الإسراء:88]، وهذا فيه دلالة قاطعة على أنه ليس من فعل المخلوقات، لأنه لو كان من فعل المخلوقات أو من قولهم؛ لأمكنهم أن يأتوا بمثله، ولو على جهة الافتراض. وعندما قال الكافرون: {لَنْ نُؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآنِ} [سبأ:31]، وقال بعضهم: {إِنْ هَذَا إِلاَّ قَوْلُ الْبَشَرِ} [المدثر:25] قال الله عز وجل: {سَأُصْلِيهِ سَقَرَ} [المدثر:26]، أي: الذي قال بأن القرآن قول بشر، والذي قال هذا القول هو أحد أقطاب الجاهلية الذين تصدوا لهذا الدين، وللنبي صلى الله عليه وسلم بالإنكار والتكذيب، وكان من ضمن مقولاته: إن هذا الذي جاء به النبي محمد صلى الله عليه وسلم قول بشر، كما قالت المعتزلة والجهمية: هو قول البشر لأنهم زعموا أنه كلام مخلوق. فالله عز وجل توعد من قال بأنه قول البشر بأن الله سيصليه سقر، وهي النار، بمعنى أنه قال قولاً عظيماً أوجب أن يتوعد بهذا الوعيد. كذلك الآية التي بعدها، فإن المشركين لما جاء النبي صلى الله عليه وسلم بأمر لم يعهدوه في كلامهم؛ قالوا: هذا شعر الشعراء، فذكر الله عز وجل لهم بأنه لا يليق أن يقوله الشعراء؛ لأنه ذكر من الله عز وجل وقرآن مبين، بمعنى مبيِّن، وبين الله عز وجل أنه لم يعلم نبيه الشعر، إذاً هو ليس بشعر، والشعر هو أعلى درجات الكلام عند العرب الذين هم أبلغ الناس، فإذا كان الله عز وجل نفى أن يكون هذا القرآن شعراً من قول البشر؛ فأولى ألا يكون نثراً من فعل البشر، إذاً هو ليس من كلام الشعراء، إنما هو كلام الله عز وجل. ثم إن الله عز وجل تحدى المشركين أن يأتوا بسورة من مثله، والمشركون توافرت عندهم الأسباب لأن يأتوا بمثله لو كان من قول البشر لا سيما أن هممهم توافرت، فأولاً عندهم من الفصحاء والشعراء والبلغاء العدد الكبير الوفير. والأمر الثاني: أنهم شعروا بالتحدي الكبير، والتحدي غالباً يستثير المواهب والقدرات في البشر، فإنهم شعروا بتحد عظيم من النبي صلى الله عليه وسلم، ومن هذا الوحي الذي أنزله ا

حكم من أنكر حرفا من القرآن

حكم من أنكر حرفاً من القرآن قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقال عليه السلام: (اقرءوا القرآن قبل أن يأتي قوم يقيمون حروفه إقامة السهم، لا يجاوز تراقيهم، يتعجلون أجره ولا يتأجلونه). وقال أبو بكر وعمر رضي الله عنهما: إعراب القرآن أحب إلينا من حفظ بعض حروفه. وقال علي رضي الله عنه: من كفر بحرف منه؛ فقد كفر به كله]. في هذه النصوص إشارة إلى أن القرآن حروف، وأنه يتكون من هذه الحروف التي أنزلها الله عز وجل، وفي ذلك رد على الذين قالوا: إن القرآن معان نفسية، أو أنه معان قائمة بذات الله، وأن الحروف والأصوات ليست من كلام الله عز وجل، فأراد بذلك أن يثبت أن كلمة (حروف) وردت في السنة ووردت على ألسنة الصحابة، أي: أن القرآن وحروفه من كلام الله عز وجل لذلك قال علي بن أبي طالب: من كفر بحرف فقد كفر به كله، وهذا يفهم منه أن القرآن كلام الله؛ لأنه لو لم يكن كذلك -يعني: بحروفه وأصواته- لما كفر الصحابة من أنكر الحرف؛ لأنه قد ينكر أحد من الناس حرفاً ولا ينكر المعنى، وإذا كان كلام الله مجرد المعاني؛ فإن إنكار الحرف لا يتطرق إلى المعاني، وعلى هذا لا يعد من أنكر حرفاً كافراً، لكن ما دام كلام الله عز وجل، وأن الله عز وجل تكلم به بحروفه والأصوات التي تليق بجلال الله عز وجل، فهذا يعني أن من أنكر حرفاً؛ فقد أنكر حرفاً من كلام الله عز وجل، فمن هنا يكفر. فالإشارة إلى تكفير من أنكر حرف دليل على أن الله تكلم بالقرآن بهذه الحروف التي بين أيدينا على ما يليق بجلال الله عز وجل، بكلام ليس ككلام البشر؛ لأن الله سبحانه: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:11].

اتفاق المسلمين على عد سور القرآن وآياته وكلماته وحروفه

اتفاق المسلمين على عد سور القرآن وآياته وكلماته وحروفه قال المؤلف رحمه الله تعالى: [واتفق المسلمون على عد سور القرآن وآياته وكلماته وحروفه، ولا خلاف بين المسلمين في أن من جحد من القرآن سورة أو آية أو كلمة أو حرفاً متفقاً عليه؛ أنه كافر، وفي هذا حجة قاطعة على أنه حروف]. كل ذلك تفصيل لمعنى أنه كلام الله، وأنه حروف، وكل ذلك رد على الذين زعموا أن القرآن من حيث هو كلام الله عز وجل، لكنه بزعمهم معنىً قائم بالذات، أي: كلام نفسي، ويقصدون بذلك أنه لم يتكلم الله به على هذا النحو الذي نتلوه، إنما ألقاه الله إلى جبريل، أو إلى محمد صلى الله عليه وسلم، أو إلى أحد من خلقه معاني، ثم جبريل أو محمد صلى الله عليه وسلم ترجم هذه المعاني إلى الحروف والأصوات. فأراد الشارح أن يذكر مذهب السلف أن من أنكر حرفاً من هذا الكلام فقد كفر، ولو كانت الحروف من صنع المخلوقات؛ لما كان إنكارها كفراً ما دام المعنى ملتزماً، ومؤمَناً به، لكن ما دام الكلام كلام الله بحروفه؛ فإن هذا يعني أن من أنكر حرفاً، ولو لم يؤد هذا الحرف إلى إنكار المعنى من أنكر حرفاً مقطوعاً بوجوده في القرآن؛ فإنه بذلك يكفر. أما قوله: (اتفق المسلمون على عد سور القرآن وآياته وكلماته وحروفه)؛ فهذا إشارة إلى أن القرآن يتكون من سور عديدة، ومن آيات عديدة وكلمات عديدة وحروف عديدة، ولا يعني أنهم اتفقوا على عدد اتفقوا على تفصيل العدد، لكنه يقصد أن القرآن آيات عديدة جداً، وأن القرآن كلمات وسور وحروف، أما عد السور فالمشهور والراجح أن عدد سور القرآن مائة وأربع عشرة سورة، على اعتبار أن سورة الأنفال سورة والتوبة سورة، أما على اعتبار أنهما سورة واحدة؛ فتكون السور مائة وثلاث عشرة سورة. أما الآيات فقد اختلف فيها، لكن أجمعوا -أي: السلف- على أن القرآن ستة آلاف آية ويزيد، إنما اختلفوا في الزيادة، وليس سبب اختلافهم اختلافهم في ذات القرآن، سبب اختلافهم في العدد بعد الستة آلاف في مفهوم الآية وما يدخل في الآيات وما لا يدخل فيها، فمثلاً: بعضهم أدخل {بسم الله الرحمن الرحيم} آية من كل سورة فزاد عنده العدد، وبعضهم عدها آية في الفاتحة ولم يعدها في بقية السور، وبعضهم عدها آية في سائر القرآن ولم يعدها في سورة (براءة)، وهكذا. وبعضهم جعل الكلمة الواحدة ليست آية مثل قوله عز وجل: {مُدْهَامَّتَانِ} [الرحمن:64]. فمن هنا اختلف العدد اختلافات كثيرة، من أشهرها: قول من قال: إن القرآن ستة آلاف ومائتان وأربع عشرة آية. ومنهم من قال: مائتان وست عشرة آية بعد الستة آلاف. ومنهم من قال: ستة آلاف ومائتان وست وثلاثون آية، أو أربع وثلاثون آية، أو خمس وعشرون آية، أو تسع عشرة آية، أو ستة آلاف ومائتان وأربع آيات؛ كل ذلك ذكره أهل العلم كـ السيوطي وابن كثير وغيرهم. كذلك كلمات القرآن اختلفوا في عددها بناء على اختلافهم في مفهوم الكلمة، وهل بعض الحروف أو بعض الآيات تعد كلمة، والجمل هل تعد كلمات، أو كل مقطع من الجملة يعد كلمة. كذلك الحروف، وقد عدَّ بعضهم الحروف بثلاثمائة وثلاثة وعشرين ألفاً وستمائة وواحد وسبعين حرفاً، على اختلاف فيما يدخل في الحروف وما يخرج، كما ذكرت سابقاً. إذاً: قول المؤلف إنهم اتفقوا على عد السور، يقصد به أنها متعددة، وأن الآيات متعددة والكلمات متعددة وكلها كلام الله، هذا معنى قوله. وهذا -كما أسلفت- فيه إشارة إلى الذين قالوا: إن الكلام -أي: كلام الله- إنما هو المعاني، أما السور والآيات والكلمات والحروف فهي من اجتهادات البشر، ومن صنعهم، ومما اتفقوا عليه. حتى الذين وافقوا إجماع الأمة على السور والآيات والكلمات والحروف من المتكلمين؛ جعلوا ذلك يرجع إلى فعل البشر، وأن الأصل الذي هو كلام الله ما هو إلا معنى، أما هذه الحروف المكتوبة المنطوقة، وهذه الكلمات المكتوبة المنطوقة فزعموا أنها مخلوقة، فمن هنا وقعوا في شر ما هربوا منه، أي: حينما هربوا من قول المعتزلة بأنه مخلوق، ذلك بأن المعتزلة كانوا أشجع منهم وأكثر صراحة، فبينوا عقيدتهم الفاسدة بدون مواربة، أما هؤلاء فلفقوا ولبسوا على المسلمين. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

الأسئلة

الأسئلة

الجمع بين تكليم موسى بغير حجاب وحجبه عن الرؤية

الجمع بين تكليم موسى بغير حجاب وحجبه عن الرؤية Q ورد أن الله كلم موسى عليه السلام بغير حجاب، وورد أن موسى سأل الله الرؤية في الدنيا فمنعه، فكيف نجمع بينهما؟ A الكلام بين موسى وبين ربه بغير حجاب، لكن لا يعني أنه ليس بينه وبينه حجاب بالنسبة للرؤية، فلا شك أن موسى عليه السلام لم ير ربه، لكنه سمع كلام ربه بواحاً، وكما قال أهل العلم: هذا النوع يختلف عن نوع التكليم الذي كلم الله به محمداً صلى الله عليه وسلم.

وجه الدلالة من الحروف المقطعة على أن القرآن كلام الله

وجه الدلالة من الحروف المقطعة على أن القرآن كلام الله Q لو توضح وجه الدلالة من الحروف المقطعة على أن القرآن كله كلام الله؟ A الدلالة من الحروف المقطعة على أن القرآن كلام الله: هو أن هذه الحروف المقطعة لا نفهم منها معاني، وأنها جاءت على نسق يفيد أن القرآن يتكون من هذه الحروف، فكأنه -والله أعلم- يقول: هذا القرآن يتكون من هذه الحروف التي تتكلمون بها، والتي تنطقون بها، وهي مادة كلامكم ونطقكم وبيانكم، ومع ذلك لا تستطيعون أن تأتوا بمثل هذا القرآن الذي يتكون من هذه الحروف. هذا أقرب قول في وجه ذكر الحروف المقطعة.

معنى قول الطحاوي: (له معنى الربوبية ولا مربوب)

معنى قول الطحاوي: (له معنى الربوبية ولا مربوب) Q ما معنى قول الطحاوي في العقيدة: له معنى الربوبية ولا مربوب، ومعنى الخالق ولا مخلوق؟ A معنى هذا أن الله عز وجل رب قبل أن توجد المربوبات، وقبل أن يوجد العباد الذين هو ربهم، والمخلوقات التي هو ربها، فالله عز وجل متصف بالربوبية حتى قبل أن توجد المربوبات. وكذلك الله عز وجل متصف بأنه هو الخالق قبل أن يخلق المخلوقات، وليس بوجود الخلق اتصف بالخلق وسمي بالخالق، أو اكتسب صفة الخلق، وهذا يعني أن جميع صفات الله عز وجل يتصف الله بها قبل وجود الموصوفات التي تدل عليها، فالخلق صفة لله عز وجل، والله عز وجل هو الخالق، حتى قبل أن توجد المخلوقات.

حكم قول الصحابي في الأمور الغيبية

حكم قول الصحابي في الأمور الغيبية Qذكر الشيخ ابن عثيمين في شرح اللمعة أثراً صحيحاً عن ابن عباس موقوفاً عليه قال: الكرسي موضع القدمين والعرش لا يقدر أحد قدره، فهل قول الصحابي في الأشياء الغيبية المستقبلية له حكم المرفوع؟ A أقوال الصحابة في الغيبيات على نوعين: نوع تحتمله اللغة العربية فقد يكون من اجتهادهم، وهو نوع تحتمله معاني اللغة على وجه صحيح، لا يتعارض مع نصوص الشرع ولا مع قواعده؛ فهذا يكون تفسيراً جائزاً، سواء أخذ به أو لم يؤخذ به، وسواء وافقه العلماء أو لم يوافقوه. ونوع لا يمكن أن يرجع إلى معاني اللغة، أو يستدل به إلا عن طريق الوحي، فهذا إذا ورد عن صحابي، وهو غيبي خالص لا مدخل للغة فيه؛ فإنه في الغالب يكون له حكم المرفوع، لأن الصحابة لا يتكلمون في أمور الغيب بغير علم. هذا هو الغالب، ومع ذلك لا نقطع؛ لأن الصحابي قد يظن وقد يتوهم أن الأمر كذا وهو غير ذلك.

تسمية سور القرآن وترتيب سوره وآياته

تسمية سور القرآن وترتيب سوره وآياته Q من الذي سمى سور القرآن؟ ومن رقم الآيات ورتب السور؟ هل كان هذا باجتهاد أم بوحي؟ A تسمية السور بعضها توقيفي وبعضها اجتهادي، كذلك ترتيب السور بعضه توقيفي وبعضه اجتهادي، وأما ترقيم الآيات فهو اجتهاد من الصحابة رضي الله عنهم، أما ترتيب الآيات فهو توقيفي عن النبي صلى الله عليه وسلم. إذاً: فالسور من حيث الترتيب الواقع الآن في المصحف من اجتهاد الصحابة، وبعضها توقيفي كما ذكر أهل العلم، كذلك الترقيم ليس توقيفياً؛ لأن بعض أهل العلم لا يزال يرى أن الترقيم تدخل فيه {بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ} [الفاتحة:1]، وبعضهم لا يدخل فيه: (بسم الله الرحمن الرحيم). وبعضهم أيضاً دمج بعض الآيات ببعض، وبعضهم جعلها آية واحدة إلى آخره. ولا يزال الأمر محل خلاف من الناحية العلمية، ولكن من ناحية إخراج القرآن كما عليه المصحف الآن اتفق عليه المسلمون؛ فيجب أن يحترم، ويكون موضع إجماع.

التخيل في صفات الله تعالى

التخيل في صفات الله تعالى Q عندما أسمع عن صفات الله في الدرس أو في أي وقت تأتيني تصورات في صفة الله، فهل علي في ذلك شيء؟ A ليس في ذلك -إن شاء الله- شيء ما دام الأمر لا يتعلق باعتقاد ما تتصوره، سبق أن ذكر أهل العلم أنه لا بد عند سماع كلام الله عز وجل في ذاته أسمائه وصفاته وأفعاله، أو كلام الرسول صلى الله عليه وسلم عن وصف ربه، لا بد أن يتصور العاقل السامع أشياء في خياله وفي ذهنه عن هذه الصفات والأفعال، فهل يضره ذلك؟ لا يضره؛ لأنه إذا عرف أن هذه الخيالات أمثال تقرب إليه المعنى، وأنها ليست هي صفة الله ولا أفعاله؛ فهذا أمر لا ينفك منه عاقل وسامع، لكن عليه أن يعتقد أن ما يتخيله ليس هو صفة الله، وليس هو فعل الله، لأن أفعال الله لا تبلغها الأوهام ولا التصورات. فإذاً لا يضرك أن تتصور وتتخيل، إنما يضرك أن تعتقد ما تتصور أو تتخيل، بحيث تجزم أن ما في ذهنك من الخيالات هو الحقيقة اللائقة بالله، أو هو الصفة التي يوصف بها الله، فهذا لا يجوز، أما مجرد التخيل والتصور فلا يمكن أن تفهم المعاني إلا بالتخيل والتصور، لكن استبعد في عقيدتك ما تتخيله وتتصوره، واعلم أن الحقيقة والكيفية التي عليها صفات الله أعظم وأجل مما نتخيله.

معنى (لا يمسه إلا المطهرون)

معنى (لا يمسه إلا المطهرون) Q ألا يحمل قوله: {لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة:79] على القرآن الذي بين أيدينا؟ A بلى! ورد في تفسير الآية قولان عن السلف: الأول: أنه لا يمسه إلا المطهرون، أي هذا المصحف الذي بين أيدينا ينبغي ألا يمسه إلا إنسان تطهر، على خلاف هل المقصود به المؤمن وإن كان على حدث، أو المقصود به المؤمن المتطهر المتوضي. الثاني: (لا يمسه إلا المطهرون)، أي الملائكة الذين كتبوا القرآن في الكتاب في السماء.

حكم حضور ندوات العلمانيين وأمسيات الشعر الحداثي

حكم حضور ندوات العلمانيين وأمسيات الشعر الحداثي Q ذكرت في الدرس الماضي تحذير السلف من الاجتماع بأهل البدع، فهل يدخل في ذلك حضور ندوات العلمانيين، وكذا حضور الأمسيات الشعرية الحداثية؟ A حضور هذه المناسبات من طالب العلم أو المبتدي لغير حاجة شرعية يدخل في مشاركة أهل البدع، أما إذا كان لفائدة، كأن يريد أن يرد، أو يبين منكراتهم، أو ينقلها لأهل العلم يدافع عن الحق وعن العقيدة؛ فهذا لا مانع، أما الحضور كمستمع ليستفيد أو يتسلى؛ فهذا لا يجوز. فالحاصل أنه لا يجوز لأحد أن يحضر مثل هذا النوع من المحاضرات التي يلقيها أهل البدع إلا لغرض شرعي صحيح يوافقه عليه أهل العلم، فلا يجتهد لنفسه فيقول: أنا عندي مندوحة أو عذر حتى أحضر هذه الأمور، أو أنا سأفعل وأفعل، بل عليه أن يستشير أهل العلم، فقد ينصح من قبل من هم أخبر منه بأن لا يحضر مثل هذه المناسبة.

الأخذ بأحاديث الآحاد في العقائد

الأخذ بأحاديث الآحاد في العقائد Q ما الأصل في أحاديث الآحاد في الأمور العقائدية التي تختص بالله وصفاته، نرجو الإفادة؟ A أحاديث الآحاد إذا صحت عن النبي صلى الله عليه وسلم فلا فرق بينها وبين غيرها، ولم يرد التفريق بين أحاديث الآحاد وغيرها، سواء في الصفات أو غيرها إلا عندما جاء المتكلمون الذين أولوا صفات الله عز وجل ووجدوا بعض الصفات إنما ثبتت بطريق الآحاد، وأيضاً وردت لهم بعض العقائد من طريق الآحاد، فكأنهم أرادوا أن يأخذوا بالأحاديث المتواترة والصحيحة عندهم تواتراً، ولا يأخذون بالصحيح من أحاديث الآحاد، وهذا تفريق لم يرد عن سلف الأمة، بل هو تجزئة للدين بغير دليل، فما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم يجب الأخذ به، لا فرق بين الآحاد وغيره، هذا هو الرأي الذي عليه سلف الأمة وعملهم؛ لأنا إذا قلنا هذا، ورد الاعتراض على كثير من أمور الدين، وقد يأتي إنسان ويقول: لماذا فرقتم بين العقيدة وغيرها، فالعبادة أهم من العقيدة؛ لأن العقيدة لا يدركها أكثر الناس تفصيلاً، لكن العبادة كل الناس يعبدون الله، فإذا وردت عبادة من طريق الآحاد لم نأخذ بها. ثم يأتي ثالث ويقول: كذلك الأحكام تحريم وتحليل، فإن حديث الآحاد يتطرق إليه الظن، فإذاً كيف نأخذ به في الحلال والحرام؟ كأنا قلنا على الله بغير علم. فإذاً: من هنا يهدم الدين، فلا فرق بين العقيدة وغيرها، والتفريق حادث، فلا يجوز أن يقال: أحاديث الآحاد لا يؤخذ بها في العقيدة ولا في الصفات.

الجمع بين تكليم موسى وأن الله لا يكلم بشرا إلا بالوحي

الجمع بين تكليم موسى وأن الله لا يكلم بشراً إلا بالوحي Q كيف نجمع بين قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلاَّ وَحْياً أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} [الشورى:51]، وقوله: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً} [النساء:164]؟ A قول الله عز وجل: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلاَّ وَحْياً} [الشورى:51] يدخل فيه تكليم موسى عليه السلام، كلام الله لموسى وحي؛ فلا تعارض بين الآيتين أبداً، والوحي أنواع: منه ما هو كفاح، ومنه ما هو عن طريق جبريل عليه السلام، ومنه ومنه إلخ. بل إن الآية التي فصل فيها هذه الأنواع من الوحي تفيد أن الوحي هو التكليم الكفاح الذي ليس فيه واسطة، هذا الظاهر من نص الآية.

حكم إطلاق مادة القرآن الكريم

حكم إطلاق مادة القرآن الكريم Q هل يصح أن يقال للقرآن: مادة كما يقال في المدارس: مادة القرآن الكريم؟ A أولاً: المفهوم من كلمة (مادة) معنى درس أو حصة، ومجلس أو نحو ذلك، فإذا كانت المادة تعني درس قرآن؛ فلا مانع، لكن يظهر لي والله أعلم من باب التورع ومن باب الاحتياط أن الاستغناء عنها أولى، فيقال: درس القرآن؛ لأن كلمة (مادة) موهمة، وأكثر المقررات التي يدرسها الطلاب مادية، وإن كان القصد صحيحاً، ولا نستطيع أن نجزم بأن هناك أحداً قصده غير المعنى المتبادر، وهو أنه يقصد مادة الدرس، ورغم صحة القصد إلا أن الأولى اجتناب هذه الكلمة؛ دفعاً للبس.

حكم تقبيل المصحف وقول صدق الله العظيم بعد الانتهاء من التلاوة

حكم تقبيل المصحف وقول صدق الله العظيم بعد الانتهاء من التلاوة Q ما حكم تقبيل المصحف؟ وقول: صدق الله العظيم بعد الانتهاء من التلاوة؟ A أما تقبيل المصحف تكريماً له فهو الله جائز إن شاء، لكن لا يكون هذا على سبيل التعبد واتخاذه سنة لازمة، لكن لمناسبة أو بسبب يجوز تقبيل القرآن، أما أن يتخذ سنة من السنن والعادات، بحيث يكون كأنه من لوازم الشرع فهذا لم يرد عن السلف. ومثله قول: صدق الله العظيم، إن جاء لمناسبة أو أحياناً فلا مانع، أما التزامه بعد كل قراءة فهو بدعة.

حكم القول بأن القرآن كلام الله لفظا ومعنى

حكم القول بأن القرآن كلام الله لفظاً ومعنى Q هل نقول: إن القرآن كلام الله سبحانه لفظاً ومعنىً؟ A نعم، لكن كلمة: (لفظاً) اجتنابها حتى لا يفهم منها معنىً آخر أولى، لكن إذا أريد به التعبير عن عقيدة السلف، بمعنى أن هذا القرآن كله حروفه وأصواته ومعانيه كلها من كلام الله فهذا حق. السلف كرهوا أن يقال: لفظي بالقرآن مخلوق، أو قول: لفظي بالقرآن غير مخلوق؛ كرهوه لأنهم وجدوا أن كثيراً من الجهمية والمعتزلة يلبِّسون على الناس بهذه العبارة، ويقصدون باللفظ والملفوظ الحروف والأصوات والمعاني. وأحياناً قد يقصد باللفظ: الصوت المنبثق من اللسان والشفتين، الذي هو المخلوق والذي هو من فعل البشر أنفسهم؛ فهذا لا شك أنه مخلوق، لكن ينبغي أن لا يقال في اللفظ شيء، لا نفي ولا إثبات، يقال: القرآن كلام الله فقط، ونقف عندها؛ لاشتباه الكلام في مسألة اللفظ.

الدعاء بمستقر الرحمة

الدعاء بمستقر الرحمة Q أين مستقر الرحمة؟ وهل يصح الدعاء بـ (اللهم اجمعنا في مستقر رحمتك)؟ A أما الدعاء فأظنه صحيحاً؛ لأن المقصود به الجنة، ورحمة الله سبقت عذابه، ورحمة الله وسعت كل شيء، وأعظم رحمة الله عز وجل أو من أعظم رحمة الله: الجنة، لكن هل وردت؟ هذه ليس عندي الآن فيها خبر، فلا أدري، أما أين مستقر الرحمة؟ فربما قصد: ما المقصود بمستقر الرحمة هنا؟ والجواب: مستقر الرحمة هو الجنة، لكن قد يكون لها معنىً آخر لا أعلمه، فلا أجزم بذلك، ولا أدري هل وردت في النص أو لم ترد.

ضعف حديث: (أنا الله أمامك ومن خلفك)

ضعف حديث: (أنا الله أمامك ومن خلفك) Q كلام موسى عليه السلام قد يحتج به من قال بوحدة الوجود، أعني قوله: أنا الله أمامك وعن يمينك وعن شمالك؟ A قلت -كما ذكر أهل العلم-: إن هذا لا يصح كحديث؛ فلا داعي أن نعول عليه، واستدلال الاتحادية بمثل هذه الأمور بناء على قاعدتهم أنهم لا يعرفون الصحيح من السقيم، بل يعرجون على الأحاديث الضعيفة والموضوعة، ويعرفونها أكثر مما يعرفون الصحيحة.

كلام المخلوقين المحكي في كلام الله

كلام المخلوقين المحكي في كلام الله Q ورد في بعض الآيات قوله: {وَقَالَ مُوسَى يَا فِرْعَوْنُ} [الأعراف:104]، هل هذه الآيات بالمعنى الذي قاله المخلوقون أم أنه نطق بها كما هي في الآيات؟ وهل تكلم المخلوقون بكلام ثم نزل في القرآن؟ A قصده: هل قول موسى هو قوله بحروفه ومعانيه، وكذلك قول فرعون أو قول غيره؟ أولاً: الله عز وجل حينما يتكلم وينسب الكلام، أو يذكر كلام من سبقوا أو من لحقوا من خلقه؛ فإنما يذكره على وجه صحيح قطعاً، ولا نفصل: هل هذا كلامه بحروفه أو بغير حروفه؛ لأن هذا أمر غيبي من ناحية، ومن ناحية أخرى قد يكون بعض هذا الكلام ليس بالعربية أصلاً، والقرآن جاء بلسان عربي مبين، لكن كلام الله هو الحق والصدق، ولا بد أن يكون ما تكلم الله به عن هؤلاء القوم هو عين كلامهم، ولو لم يكن بحروفه وبلغته.

وجه الدلالة على أن القرآن كلام الله من قوله تعالى: (سأصليه سقر)

وجه الدلالة على أن القرآن كلام الله من قوله تعالى: (سأصليه سقر) Q ما الشاهد من إيراد المؤلف لقوله تعالى: {إِنْ هَذَا إِلاَّ قَوْلُ الْبَشَرِ} [المدثر:25]، فقال سبحانه: {سَأُصْلِيهِ سَقَرَ} [المدثر:26]؟ A الشاهد فيه على أن القرآن كلام الله، أنه حينما قال هذا المشرك بأن هذا القرآن ما هو إلا قول البشر، أي أنه مخلوق، وأنه ليس كلام الله، هدده الله عز وجل بأنه سيصليه سقر، ولو كان كما يقول الجهمية والمعتزلة: ليس بكلام الله عز وجل، إنما هو كلام المخلوق؛ لما جاز أن يتوعد الله عليه.

الكلام والشبهات عن سيد قطب

الكلام والشبهات عن سيد قطب Q كثر الكلام والشبهات حول سيد قطب وعقيدته وأخطائه، فما رأيكم؟ A أما الكلام حول سيد قطب رحمه الله، فصحيح أن الناس اختلفوا اختلافاً كبيراً لكن على غير علم، أو على غير أصول شرعية، أغلبهم ولا أقول: كلهم، لا شك أن أكثر أهل العلم وأكثر طلاب العلم والشباب إن شاء الله على الأصل الشرعي وهو أن سيد قطب رحمه الله ننظر إليه من الأمور التالية نوجزها بسرعة: أولاً: سيد قطب رحمه الله ليس إماماً في الدين، وليس من العلماء الذين تقوم كلماتهم على الأصول العلمية، إنما هو أديب داعية مجتهد احتسب أجره إلى الله عز وجل، ودعا إلى الله، ووقف ذلك الموقف الذي جعله مقبولاً عند عامة المسلمين، وأحبه الناس لوقفته مع دين الله عز وجل، ونصر الله به الدين في بعض جوانبه؛ فهو إنسان أدى واجبه حسب اجتهاده، وأمره إلى الله عز وجل. الأمر الثاني: فيما يتعلق بكلامه كلامه فيه حق وفيه باطل، خاصة في جوانب العقيدة، ولا نبرئه من الخطأ، ثم إننا أيضاً لا نجرمه؛ لأننا نعلم أنه لم يتكلم في أمور العقيدة عن علم قاطع من ناحية، ولم يكن ممن يتعصب لأهل الأهواء والبدع من ناحية أخرى، فإن كلامه وأصوله التي بنى عليها كلامه أنه كان حريصاً على الحق وحريصاً على السنة، وإذا بلغه الدليل أخذ به إذا فهمه، لكنه نشأ في بيئة أكثرها أشعرية وماتريدية وكلامية، فعاش وترعرع في هذه البيئة وفهم كثيراً من مفاهيم الدين عن هذه البيئة وأخذ بها وكأنها الحق وسلم بها، وترك بعضها، بل إنه تحرر من كثير من الأمور التي يقول بها من عاصروه ومن سبقوه من أتباع المذهب الأشعري والماتريدي؛ هذا وجه. والوجه الآخر: أنه حينما قال هذه المقولات -التي أخطأ بها في العقيدة- أكثرها عبر عنها بتعبير أدبي غير قاطع في الدلالة، لا نستطيع أن نجرمه به، نعم نقول: إنه أخطأ، وبعض الألفاظ الظاهر منها الخطأ لا شك، لكن حملها على أسوأ المحامل هذا فيه نوع اعتداء وظلم، وفيه تكلف، وينبغي إذا قلنا أن ننصف، ولا نتكلم في أحد إلا بعلم؛ فلذلك ينبغي أن نعتدل، فلا نعتبره إماماً في الدين وقدوة ونقدسه، أو ندافع عنه بالحق والباطل. إذاً نعتدل وننصف قدر ما نستطيع، ومع ذلك نترك أمره إلى الله عز وجل، فهو فيما أحسن نرجو له الثواب من الله عز وجل، وفيما أساء نسأل الله لنا وله المغفرة. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

شرح لمعة الاعتقاد [5]

شرح لمعة الاعتقاد [5] رؤية الله عز وجل من المسائل العقدية التي أثبتها أهل السنة والجماعة وأنكرها المبتدعة مع تواتر الأحاديث فيها، ومن المسائل العظيمة التي يختلف فيها أهل السنة مع المبتدعة مسألة القضاء والقدر، فإن أهل السنة يتبعون منهج السلف في ذلك، والمبتدعة من القدرية وغيرهم ينكرون القدر ويدعون أنهم خالقو أفعالهم بأنفسهم، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.

رؤية الله عز وجل

رؤية الله عز وجل قال المصنف رحمه الله تعالى: [فصل: والمؤمنون يرون ربهم في الآخرة بأبصارهم، ويزورونه ويكلمهم ويكلمونه، قال الله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة:22 - 23]. وقال تعالى: {كَلاَّ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين:15]، فلما حجب أولئك في حال السخط دل على أن المؤمنين يرونه في حال الرضا وإلا لم يكن بينهما فرق. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته) حديث صحيح متفق عليه، وهذا تشبيه للرؤية بالرؤية لا للمرئي بالمرئي، فإن الله تعالى لا شبيه له ولا نظير]. هذا المقطع اشتمل على عدة مسائل من مسائل العقيدة الكبرى: المسألة الأولى: مسألة الرؤية، والرؤية المقصود بها نوعان من الرؤية: النوع الأول: ما يسمى بالرؤية العامة وهي رؤية الخلائق لربهم يوم القيامة في المحشر. النوع الثاني: الرؤية الخاصة، وهي رؤية المؤمنين لربهم في الجنة بأبصارهم.

أنواع الرؤية في المحشر

أنواع الرؤية في المحشر الرؤية الأولى العامة تحدث على ثلاث مراحل، وهي في المحشر كلها: المرحلة الأولى: رؤية الخلائق جميعاً لربهم عز وجل على ما يليق بجلاله سبحانه، وهذه الرؤية تكون للمؤمنين رؤية غبطة ولذة وسرور وتنعم، وتكون للكافرين والمنافقين رؤية حسرة وندم، فلا يتمتعون بهذه الرؤية ولا يسرون بها، بل إن رؤيتهم ليست كرؤية المؤمنين. المرحلة الثانية: يراه المؤمنون والمنافقون، لكن -كما قلت- تكون هذه الرؤية للمؤمنين رؤية تنعم ورؤية سرور وغبطة، وتكون للمنافقين حسرة وندماً، لأنهم خادعوا الله في الدنيا، فخادعهم في الآخرة. وفي هذه المرحلة من الرؤية يراه فيها المنافقون دون بقية الكافرين، وفيها زيادة نكاية بالمنافقين؛ لأنهم كانوا يخادعون الله ويخادعون المؤمنين في الدنيا، فأراد الله عز وجل أن يطمعهم ليترقبوا النجاة، وتتعلق بها نفوسهم، ثم تنقطع عنهم بعد ذلك ويحجبون عن الله عز وجل بعدما أملوا، فيكون هذا أبلغ في عقوبتهم وفي حجبهم عن ربهم عز وجل، وهذا جزاء لهم كما كانوا يخادعون الله في الدنيا، ويخادعون المؤمنين نسأل الله السلامة. المرحلة الثالثة: يراه المؤمنون دون أن يراه الكفار ولا المنافقون. وهي تؤخذ من عموم أدلة كثيرة استنبطها منها أهل العلم، منها ما هو في الصحاح، ومنها ما هو دون لذلك، لكن أكثرها صحيح. فمن مجموع النصوص استنبط العلماء هذه الأنواع الثلاثة من الرؤية، وهي رؤية جميع الخلائق لربهم في المحشر، ثم رؤية المنافقين والمؤمنين، ثم رؤية المؤمنين لربهم فقط، وكل ذلك في المحشر، هذه كلها تسمى رؤية عامة. واختلف أهل العلم في نوع هذه الرؤية، هل هي رؤية بصرية أو رؤية قلبية، وما حقيقتها، كل ذلك لا يزال أمر غيب، والله أعلم به، لكنها تختلف عن رؤية المؤمنين لربهم في الجنة، وهي رؤية خاصة.

الرؤية الخاصة بالمؤمنين

الرؤية الخاصة بالمؤمنين أما الرؤيا الخاصة بالمؤمنين فهي أنهم يرون ربهم ويتمتعون بهذه الرؤية ويتنعمون بها، إكراماً من الله عز وجل، نسأل الله أن يجعلنا منهم. وهو النعيم الذي ذكره الله عز وجل زائداً عن نعيم الجنة، وهي الزيادة المذكورة في قوله سبحانه: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس:26]. وفي قوله عز وجل: {لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} [ق:35]. وقوله سبحانه: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة:22 - 23]. فرؤية المؤمنين لربهم في الجنة بأبصارهم رؤية مقطوع بها، وهي من أركان العقيدة الكبرى وأصولها العظمى الثابتة بالكتاب والسنة والإجماع، وقد وردت في إقرارها وبيانها وإثباتها الآيات التي شرحها النبي صلى الله عليه وسلم وفسرها بذلك، ثم النصوص الأخرى التي هي الأحاديث الصحيحة المتفق عليها، وهي متواترة كما أجمع على ذلك أهل الحديث، أهل السنة والجماعة، كما أنها صريحة في إثبات الرؤية من وجوه: أولها: أن النبي صلى الله عليه وسلم أجاب فيها عن سؤال صريح عن الرؤية، ذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما تحدث لصحابته عن أمور الجنة ونعيمها قالوا: (هل نرى ربنا يوم القيامة؟) أو (في الجنة) كما في بعض النصوص. (قال: نعم). الثانية: أن النبي صلى الله عليه وسلم قرر ذلك بإثبات الرؤية العينية فقال: (إنكم سترون ربكم عياناً) وهذا في الحديث الصحيح. ثم أثبتها بطريقة ثالثة لا تقبل الجدل ولا التأويل ولا التمحل ولا الرد، قال: (كما ترون الشمس والقمر ليس دونهما سحاب). فلا يستطيع عاقل وهو مبصر أن ينكر الشمس أو طلوع الشمس في رابعة النهار ليس دونها سحاب. ثم أثبت ذلك بطريقة رابعة وقال: (لا تضامون) وفي رواية: (لا تضامّون) وكلها بمعنى إثبات الرؤية. ومعنى (لا تضامون) لا يضيم ولا يجحد بعضكم رؤية بعض، ذلك أن الإنسان لو أنه أنكر عليه الشيء الثابت اعتبر هذا ضيماً بالنسبة له، فلو أن أحدنا خرج في النهار والشمس طالعة، وقال للناس: الشمس طالعة، فقال أحد الناس: لست بصادق؛ لاعتبر هذا ضيماً، وإنكاراً لأمر تشهد به العيون والعقول والأفئدة، ويشهد به الناس جميعاً. كما أن قوله: (لا تضامّون) أي: لا تتزاحمون، من وضوح الرؤية وجلائها، ومن عظمة الباري عز وجل لا يحتاج الناس إلى أنهم يتزاحمون لرؤيته يوم القيامة، ولا يحتاج المؤمنون إلى أن يتزاحموا لرؤيته في الجنة. قال: (وهذا تشبيه للرؤية لا للمرئي) ويقصد بذلك أننا حينما شبهنا رؤية الله عز وجل برؤية الشمس في رابعة النهار، والقمر في ليلة البدر، فهذا يعني أنه لا مجال لإنكار رؤيتهما، من حيث الوضوح والتأكيد والجزم. إذاً: التشبيه هنا تشبيه بالوضوح والجزم، لا تشبيه المرئي وهو الله عز وجل بالمرئي وهو الشمس والقمر، من حيث إن الله عز وجل ليس كمثله شيء، لكن شبهت الرؤية بالرؤية من حيث وضوحها والجزم بها والقطع بها وعدم إنكارها، وأنه لا يسع أحداً من الناس أن يجادل في ذلك، كما لا يمكن لأحد من الناس أن ينكر طلوع الشمس في رابعة النهار ليس دونها سحاب، ولا أن ينكر طلوع القمر ليلة البدر ليس دونه سحاب، فكذلك ليس لأحد أن ينكر رؤية الله عز وجل من قبل المؤمنين بأبصارهم في الجنة يوم القيامة. نسأل الله أن يمتعنا جميعاً بذلك. فإن الله تعالى ليس له شبيه ولا نظير.

مسألة الزيارة

مسألة الزيارة المسألة الثانية: مسألة الزيارة: وهذه مسألة اختلف فيها أهل العلم، هل تثبت الزيارة أو لا تثبت، واختلافهم مبني على اختلاف في نصوص الأحاديث التي ذكرت في الزيارة إن ثبتت، ثم لو ثبتت عند بعض أهل العلم فعلام تحمل، هل هي بمعنى الرؤية أو أمر زائد عن مجرد الرؤية؟! الظاهر والله أعلم أن أكثر الروايات التي وردت بالزيارة لا يقطع بصحتها. ومع ذلك فالأمر لا يزال يحتاج إلى مزيد بحث، فلعلي في درس قادم آتيكم بالنتيجة إن شاء الله. كثير من أهل العلم أشار إلى الزيارة، لكن هل هي على ما ورد في بعض النصوص الضعيفة، أو على ما ورد في نصوص أخرى صحيحة بمعنى الزيادة، وهل الزيارة بمعنى الرؤية أو هي أمر زائد على الرؤية؟! كل ذلك يحتاج إلى مزيد بحث، وقد أورد كثير من أهل العلم هذه المسألة كما قلت، لكن أغلب الروايات والأحاديث التي أوردوها فيها ضعف.

مسألة تكليم الله للمؤمنين

مسألة تكليم الله للمؤمنين قوله: (ويكلمهم ويكلمونه) هذه مسألة ثالثة، وهي مسألة التكليم. وهذه فيها إثبات أن الله عز وجل يتكلم بمشيئته، وأن كلامه سبحانه يكون متى شاء، تكلم في الدنيا وكلم بعض خلقه، ويتكلم يوم القيامة فيكلم الناس جميعاً، وينادي سبحانه بصوت يسمعه من قرب كما يسمعه من بعد، وأنه أيضاً يكلم كل إنسان بمفرده، ويناقشه الحساب. فتكليم الله عز وجل لعباده أمر ثابت قطعاً، وأنه يتكلم عز وجل متى شاء. قوله: (ويكلمونه) هذا أمر معلوم، ويقصد بذلك يوم القيامة، فإنه ورد في النصوص القاطعة أن العباد يكلمونه ويكلمهم، وأن هناك نوعين من التكليم: تكليم عام لجميع العباد يكلمونه ويكلمهم، وتكليم خاص وهو تكليم المؤمنين لربهم في الجنة يوم القيامة، وهو تكليم فيه تنعم وسرور وغبطة. ثم أورد الآية: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة:22 - 23]، وهي في إثبات الرؤية قطعاً، لأن السلف فسروها بذلك، وأجمعوا على تفسيرها به. وما ورد عن بعض السلف من تفسير آخر فإنما هو نوع تفسير باللوازم، لا يخرج عن التفسير القاطع أن المقصود بها الرؤية. وكذلك الآية التي بعدها، {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين:15]، هي صريحة في إثبات الرؤية من حيث إنها دلت على أن الكافرين يحجبون عن ربهم، نسأل الله العافية والسلامة. وهذا دليل قاطع على أن هناك فئة لا يحجبون عن ربهم، فإذا كان الكافرون يحجبون عن ربهم، فهناك فئة أخرى وهم المؤمنون لا يحجبون عن ربهم؛ لأن الله عز وجل ذكر هذه الآية على سبيل الوعيد للكافرين، فدل دلالة قاطعة على أن هناك ما يطمع به الخلق ويعتبرونه من النعيم ويرجونه، وهو الرؤية لله عز وجل، فينقطع هذا الرجاء عن الكافرين جزاء لهم على كفرهم، ويبقى بالضرورة لفئة أخرى وهم المؤمنون جزاء لهم على إحسانهم، وتفضلاً من الله عز وجل وإحساناً، لأنه إذا احتجب عن الكافرين فلا بد أن يراه المؤمنون، لذلك قال السلف: لو لم يكن المؤمنون يرونه، لما صار لاحتجابه عن الكافرين معنى، ولا صار لتهديدهم بالاحتجاب أي معنى.

النعيم الخاص بالمؤمنين

النعيم الخاص بالمؤمنين المسألة الرابعة: فيما يتعلق بالنعيم عموماً: وهو أن الله عز وجل اختص عباده المؤمنين بنعيم زائد عن نعيم الجنة، وزائد عن نوع الأفعال التي يفعلها تجاه الخلق جميعاً، من ذلك الرؤية الخاصة، ومن ذلك الزيارة إن ثبتت، ومن ذلك التكليم الخاص الذي فيه إنعام وإحسان؛ لأن التكليم العام وتكليم مناقشة الحساب لا يكون فيه إنعام، بل في الغالب أن العبد يكون أمام ربه خائفاً وجلاً، لكن التكليم الخاص للمؤمنين فيه مزيد إكرام. وهذه الأمور كلها مرتبطة بقدرة الله عز وجل ومشيئته وإرادته، بمعنى أنه لا ينبغي لأحد أن يسأل: كيف يرى المؤمنون ربهم، وكيف يكلم الله عباده في القيامة؟ فهذا سؤال لا يجوز أن ينشأ أصلاً، فضلاً عن الجواب عليه، وهذه قاعدة عامة في جميع مسائل العقيدة الغيبية، لا يسأل عنها بكيف، وإذا سأل سائل جاهل أعلمناه بأن هذا السؤال لا يجوز. وفي حجب الكفار عن ربهم قال أهل العلم: إن الكفار محجوبون عن الله بعد العلم، بل بعضهم استدل بقوله: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين:15] على الرؤية العامة، فقال: إنه بعد أن أطمعهم في رؤيته احتجب عنهم، فالرؤية الأولى لا يستفيدون منها؛ لأنهم رأوا ربهم في المحشر في هول وفي فزائع وشدائد يوم القيامة، ثم إنهم رأوا ربهم وهم وجلون خائفون، فما كانوا تمتعوا بالرؤية ولا استمتعوا بها، بل كانت رؤيتهم رؤية المنكسر الحسير الذي لا يستفيد من هذه الرؤية، لكنهم طمعوا بعد ذلك برؤية فاحتجب الله عنهم، على نحو ما ورد في ظاهر الآية، فالآية ليس فيها دلالة على نفي الرؤية العامة، بل العكس هو الصحيح، ومع ذلك فإن بعض أهل العلم قال: إنهم محجوبون عن الرؤية البصرية، الذين يقولون أن رؤية الناس في المحشر لربهم يوم القيامة رؤية قلبية، يقولون: النفي هنا للرؤية البصرية، لكن -كما قلت- الظاهر وما ذكره كثير من أهل العلم أن الله عز وجل احتجب عنهم نوعين من الاحتجاب: نوع عن نوع الرؤية التي يراه بها المؤمنون، ونوع آخر وهو الاحتجاب بعد الطمع في الرؤية حينما رأوا ربهم في المحشر كما ورد في صحيح البخاري ومسلم من حديث أبي سعيد الخدري وحديث أبي هريرة الطويل. قال المصنف رحمه الله تعالى: [ومن صفات الله تعالى أنه فعال لما يريد، لا يكون شيء إلا بإرادته، ولا يخرج شيء عن مشيئته، وليس في العالم شيء يخرج عن تقديره، ولا يصدر إلا عن تدبيره، ولا محيد لأحد عن القدر المقدور، ولا يتجاوز ما خط في اللوح المسطور، أراد ما العالم فاعلوه، ولو عصمهم لما خالفوه، ولو شاء أن يطيعوه جميعاً لأطاعوه، خلق الخلق وأفعالهم، وقدر أرزاقهم وآجالهم، يهدي من يشاء برحمته، ويضل من يشاء بحكمته، قال الله تعالى: {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء:23]. وقال تعالى: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر:49]. وقال تعالى: {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً} [الفرقان:2]. وقال تعالى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا} [الحديد:22]. وقال تعالى: {فَمَنْ يُرِدْ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ} [الأنعام:125]. وروى ابن عمر أن جبريل عليه السلام قال للنبي صلى الله عليه وسلم: (ما الإيمان؟ قال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره، فقال جبريل: صدقت) انفرد مسلم بإخراجه].

مسائل القدر

مسائل القدر في هذا الفصل بين المؤلف رحمه الله مسائل عديدة من مسائل القدر، بعضها متعلقة بمراتب القدر، وبعضها فروع عنها، وبعضها في مسائل أخرى مهمة، نأخذها على النحو التالي:

المسألة الأولى: ارتباط القدر بصفات الله وأسمائه وأفعاله

المسألة الأولى: ارتباط القدر بصفات الله وأسمائه وأفعاله المسألة الأولى: ارتباط القدر بصفات الله عز وجل وأسمائه وأفعاله: فإن أمور القدر مرتبطة بأسماء الله عز وجل وبصفاته وأفعاله، من حيث إن الله عز وجل بكل شيء عليم، وأنه على كل شيء قدير، وأنه سبحانه فعال لما يريد، وأنه سبحانه بيده مقاليد السماوات والأرض، وأنه عز وجل الخالق البارئ المصور، وأنه يهدي من يشاء ويضل من يشاء سبحانه، وأنه يريد بكم اليسر ولا يريد بكم العسر، وأنه سبحانه بيده الملك إلى آخر الأسماء والأفعال والصفات التي ترتبط ارتباطاً مباشراً بالقدر. لذلك أشار الشيخ رحمه الله إلى ارتباط القدر بالأفعال وبالصفات، فقال: (ومن صفات الله عز وجل أنه الفعال لما يريد). وهذه القاعدة مفرق طريق بين أهل السنة وبين كثير من أهل الأهواء والبدع من أهل الكلام، خاصة الذين ورثوا قواعد الجهمية والمعتزلة من أهل الكلام المنتسبين للأشاعرة والماتريدية، فإن عامة تأويلاتهم التي خالفوا فيها السلف مبنية على إنكارهم لأفعال الله عز وجل، ذلك أنهم يزعمون أن الله عز وجل لا يحدث منه فعل، وكل صفاته وأسمائه أزلية، غير قابلة للحدوث ولا التجدد، فلذلك أنكروا كل شيء يدل على الأفعال، وسموها بأسماء موهمة وملبسة، كأن يقولوا: حلول الحوادث به، أو حلول الأفعال به، أو نحو ذلك من الأمور التي تلبس على طلاب العلم، فيظنون أن قولهم حق، وما علموا أن الله عز وجل ليس كمثله شيء، وأنه سبحانه فعال لما يريد، وأن أفعاله مرتبطة بمشيئته، وهذا هو الفرق بين فهم السلف المرتبطة بالنصوص، وفهم الخلف المرتبط بالقواعد الفلسفية، فالسلف يربطون أفعال الله عز وجل بمشيئته، فما شاء الله عز وجل كان وما شاء لم يكن، وأنه فعال لما يريد. أما أولئك فإنهم لا يربطون الأفعال بالمشيئة، بمعنى أنهم ينكرون أنه يكون لله عز وجل مشيئة تتعدى إلى الأفعال، إنما يجعلون المشيئة مشيئة أزلية لا تجدد فيها ولا حدوث، ويقولون إن الله عز وجل فعله خلقه في أفعاله، وهذا مصدر الضلالة عندهم. السلف لا ينكرون أن الله عز وجل يخلق في خلقه ما يشاء، فيكون هذا الخلق من فعل الله، لكنهم يقولون إن لله عز وجل إرادة ترتبط بالمشيئة، ومشيئة ترتبط بالأفعال، والعكس كذلك، أفعال الله ترتبط بالمشيئة، والمشيئة ترتبط بالإرادة، والمشيئة ترادف الإرادة كما هو معروف، فعلى هذا ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، بما في ذلك أفعاله التي تتعلق بذاته سبحانه وبصفاته وأسمائه، كاستوائه على العرش، ونزوله، ومجيئه، وسخطه، ورحمته، وغضبه، ونحو ذلك، كلها مرتبطة بمشيئة الله، وأن الله فعال لما يريد، ليس فقط لأفعال العباد بل لأفعاله سبحانه. هذه المسألة الأولى.

المسألة الثانية: (لا يكون شيء إلا بإرادته، ولا يخرج شيء عن مشيئته)

المسألة الثانية: (لا يكون شيء إلا بإرادته، ولا يخرج شيء عن مشيئته) بمعنى أنه لا يحدث في هذا الكون شيء بما في ذلك أفعال العباد أو أفعال المكلفين وأفعال الملائكة والجن والإنس، فالملائكة مسخرون لا يعصون الله، لكن الجن الإنس فيهم العاصون، فالله عز وجل خلق جميع أفعال العباد بما فيها أفعال العصاة وأفعال المطيعين كما سيأتي.

المسألة الثالثة: لا يخرج شيء عن تقدير الله تعالى

المسألة الثالثة: لا يخرج شيء عن تقدير الله تعالى المسألة الثالثة: (وليس في العالم شيء يخرج عن تقديره، ولا يصدر إلا عن تدبيره). هذا فيه إشارة إلى الرد على الذين زعموا أن العبد مستقل بفعله، أو أن العبد مستقل ببعض أفعاله عند طائفة منهم، فإن الله عز وجل لا يخرج عن تقديره شيء، ولا يصدر شيء إلا عن تدبيره سبحانه، بما في ذلك أفعال العباد جميعها، خيرها وشرها.

المسألة الرابعة: لا محيد عن القدر المقدور

المسألة الرابعة: لا محيد عن القدر المقدور المسألة الرابعة: (ولا محيد عن القدر المقدور) بمعنى أن ما قدره الله عز وجل على العباد لا يمكن أن يحيدوا أو يخرجوا عنه، فلو اجتمع الخلق كلهم إنسهم وجنهم على أن ينفعوا أحداً ما أراد الله له نفعاً لم ينفعوه، ولو اجتمعوا كلهم على أن يضروا أحداً ما أراد الله له ضراً لم يضروه. كل ما يحدث من خير وشر، ومن نفع وضر، فبتقدير الله السابق سبحانه. وقوله: (لا محيد عن القدر المقدور) بمعنى أن الإنسان إذا وقع القدر فلا ينبغي له أن يتصور أنه من الممكن أن يتفادى هذا القدر، وفرق بين القدر وبين الآثار المترتبة على القدر، فالقدر نفسه لا ينبغي للإنسان أن يتحسر على حصوله، فإن فاته خير فليقل: قدر الله وما شاء فعل، وإن أصابه ضر فليقل: قدر الله وما شاء فعل. هذا بالنسبة للقدر نفسه، أما آثار القدر التي هي بكسب الإنسان وفعله فإنه محاسب عليها، كالأمور التي تتعلق بالأمر والنهي، والطاعة والمعصية، فإن الإنسان مسئول عنها؛ لأن الله عز وجل علق القدر في الأمر والنهي على أفعال العباد، بمعنى أنه جعل أفعال العباد مناط التكليف ومناط الحساب والجزاء.

المسألة الخامسة: مراتب القدر

المسألة الخامسة: مراتب القدر المسألة الخامسة: (ولا يتجاوز ما خط في اللوح المحفوظ)، وهذه إشارة إلى المرتبة الثانية من مراتب القدر، وهي الكتابة، بمعنى كما أن الله عز وجل علم كل شيء، وهذه المرتبة الأولى، ما كان وما يكون وما هو كائن كيف يكون، كل ذلك علمه الله عز وجل. تأتي الدرجة الثانية وهي الكتابة، كل شيء علمه الله عز وجل وقدره وأراده فلا بد أن يكون مكتوب في اللوح المحفوظ قبل وقوعه. المرحلة الثالثة أشار إليها في وسط الكلام وهي التقدير والمشيئة، فالله علم كل شيء ثم كتبه ثم قدره وشاءه. والمرحلة الرابعة: الخلق، فإن الله خلق كل شيء، وهذه آخر مراتب القدر.

المسألة السادسة: أنواع الإرادة

المسألة السادسة: أنواع الإرادة المسألة السادسة: قوله: (أراد ما العالم فاعلوه) وهذا يعني أن أفعال العباد بما فيها أفعال العقلاء والمكلفين مرادة لله عز وجل خيرها وشرها، لكنها إرادة عامة، ليست إرادة خاصة؛ لأن الإرادة على نوعين: إرادة عامة بمعنى الخلق والتدبير والتقدير العام بالعلم والإيجاد وغير ذلك، والله عز وجل لا يخرج شيء عن إرادته، سواء أفعال الجمادات أو أفعال العباد، وأفعال العباد سواء منها ما هو بإرادتهم أو ما لم يكن بإرادتهم. والنوع الثاني وهو الإرادة الخاصة، هذه الإرادة هي التي فيها تفصيل، وهي التي التبس أمرها على القدرية وعلى كثير من ضعاف الفقه في الدين وضعاف العقيدة، فأحياناً يحملونها على الإرادة العامة، وأحياناً ينكرونها، وأحياناً ينكرون بعض الإرادة العامة إلى آخره، بسبب عدم فهمهم لنوع الإرادتين، فالإرادة الأولى العامة يدخل فيها كل شيء من الخير والشر والضر والنفع، فكل شيء بإرادة الله. والنوع الثاني وهو الإرادة الشرعية الدينية، وهي أن الله عز وجل أراد الخير من عباده، وأحبه منهم، ولم يرد الشر منهم وكرهه منهم. إذاً: الإرادة الخاصة نوعان: نوع يريده الله ويحبه، ونوع لا يريده الله ولا يحبه، فالله يريد الخير شرعاً ولا يريد الشر، فيحب الخير ويحب فعله ويحب فاعله، ويكره الشر ويكره فعله ويكره فاعله. إذاً: الله من حيث الإرادة الخاصة يريد الخير ولا يريد الشر، كما قال عز وجل: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة:185].

المسألة السابعة: التقدير الخاص للعباد

المسألة السابعة: التقدير الخاص للعباد المسألة السابعة: قوله: (ولو عصمهم لما خالفوه، ولو شاء أن يطيعوه جميعاً لأطاعوه). هذه الجملة متعلقة بالتقدير الخاص للعباد، أي أن الله عز وجل يهدي من يشاء فضلاً منه ونعمة، ويضل من يشاء عدلاً منه وحكمة، وأن الله عز وجل جعل هذا الأمر ابتلاءً، وهذا هو محط الابتلاء والتكليف، وهو أن الله عز وجل غني عن خلقه، ولو شاء لعصمهم جميعاً فما عصوه وكانوا كلهم كالملائكة، لكن لله فيما قدره وشرعه حكمة، وله في ذلك غاية هي منتهى الحكمة وحسن التدبير، فتحقيق الابتلاء للعباد أمر مراد لله عز وجل، وهو من كمال حكمته، ومن مقتضيات الابتلاء أن الله عز وجل قدر على بعض العباد الضلال، وقدر لبعض العباد الهداية، ثم إنه لم يكن ذلك على سبيل القسر والجبر كما يقول الجبرية، بل على سبيل الاختيار.

المسألة الثامنة: تقدير الهداية والضلال بناء على الأفعال

المسألة الثامنة: تقدير الهداية والضلال بناء على الأفعال المسألة الثامنة: قوله: (خلق الخلق وأفعالهم، وقدر أرزاقهم وآجالهم، يهدي من يشاء برحمته، ويضل من يشاء بحكمته). هذه المسألة لها جانبان: جانب سيأتي الكلام عنه وهو أن الله عز وجل حينما أمر أمر بما يستطاع، وأمر بناء على البيان وإقامة الحجة، وكذلك النهي، وهذا سيأتي تفصيله. لكن هناك جانب أول لهذه المسألة، وهو أن الله عز وجل حينما قدر هذه المقادير على العباد، خاصة ما يتعلق بالهداية والإضلال، قدر ذلك بناء على ما هم فاعلوه، بمعنى أن الله عز وجل علم بسابق علمه أن فلاناً من الناس سيعمل الخير ويجزى عليه، وعلم سبحانه بسابق علمه أن فلاناً من الناس سيعمل الشر ويجزى عليه. كما أشار بهذه المسألة إلى المقادير الخاصة لأفراد العباد، وهو أن الله عز وجل قدر لكل إنسان أجله، ورزقه، وأفعاله، وهدايته أو ضلاله، وذلك عند نفخ الروح فيه، وكل ذلك راجع إلى حكمة الله عز وجل؛ لأن الخلق خلق الله، والله يفعل في خلقه ما يشاء. ثم ذكر هذه الأدلة العامة الدالة على عموم المشيئة وعموم الإرادة، فقوله عز وجل: {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء:23]، بمعنى أنه لا ينبغي للعبد أن يسأل عن أفعال الله عز وجل، لا على سبيل الاعتراض، ولا على سبيل طلب المغيب، أو على سبيل طلب الكيفيات، قد يسأل بحثاً عن الحكمة أو بحثاً عن الجواب الذي يشكل في ذهنه، أما أن يسأل سؤال المتعنت، أو سؤال المشكك، أو سؤال المعترض على فعل الله عز وجل، أو سؤال الطالب للكيفية، أو المتطلع إلى الغيب، فهذا السؤال بدعة، بل هو ذنب عظيم، فالله عز وجل {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء:23]، ومن أفعاله سبحانه كونه قدر هذه المقادير على العباد، وأضل من شاء، وهدى من شاء، كل ذلك من أفعال الله، فلا يسأل الله عز وجل لماذا أضل الكثيرين، ولماذا هدى المهتدين؛ لأن هذا أمر خارج عن دائرة التكليف كما سيأتي. هذا الأمر خارج عن دائرة التكليف، والذي يدخل في دائرة التكليف أمر معلوم عند كل العقلاء، سيفصله المؤلف بعد قليل. ومن ذلك قوله عز وجل: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر:49]، هذا دليل على عموم الخلق وعموم المشيئة، وعموم الإرادة. وكذلك: {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا} [الفرقان:2]، هذه الآية دالة على عموم الإرادة والخلق والمشيئة، وكذلك قوله عز وجل: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا} [الحديد:22]، هذا دليل على عموم الخلق وسبق العلم والتقدير والمشيئة. وكذلك قوله: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا} [الأنعام:125]، يظن بعض الناس أن هذه الآية دليل على الإرادة الشرعية، وهي دليل على الإرادة الكونية والمشيئة العامة، ولا تدخل في الإرادة الشرعية؛ لأن الله عز وجل من حيث الإرادة الشرعية يريد الخير ويريد اليسر، ولا يريد الشر ولا العسر، يريد الهدى ولا يريد الضلال لكن الآية دليل في الإرادة العامة والمشيئة العامة. كذلك في الحديث ذكر مسألة أنكرها كثير من القدرية، قال (وبالقدر خيره وشره) هذا فيه دليل على أن الله عز وجل خلق كل شيء وقدره، بما في ذلك الخير والشر، لا يخرج الشر عن تقدير الله كما تزعم طوائف من الوثنية القديمة، والقدرية التي قلدتها، وثنية كثير من الديانات الهندية واليونانية والمجوسية والصابئة وغيرها، بل وطوائف من النصارى يزعمون أن الله عز وجل لم يقدر الشر ولم يعلمه، ولم يكن داخلاً في مشيئته ولا في فعله سبحانه، وهذا خطأ؛ لأنهم خلطوا بين الإرادتين، حينما جاءتهم النصوص بأن الله لا يريد من عبده الكفر أو لا يريد منه المعصية، ظنوا أن معنى ذلك أنه لا يشاؤه ولا يقدره، والصحيح أنه بمعنى لا يرضاه ولا يحبه ولم يشرعه. إذاً: القدر خيره وشره كله من الله من حيث المشيئة العامة والتقدير العام، أما من حيث فعل الإنسان فإن الشر إنما يفعله الإنسان بإرادته، فلذلك إذا زال عقل الإنسان لم يحاسب على أفعاله التي يفعلها وإن كانت شراً.

ما يحاسب عليه الإنسان من الأفعال

ما يحاسب عليه الإنسان من الأفعال قال المصنف رحمه الله تعالى: [وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (آمنت بالقدر خيره وشره وحلوه ومره). ومن دعاء النبي صلى الله عليه وسلم الذي علمه الحسن بن علي يدعو به في قنوت الوتر: (وقني شر ما قضيت). ولا نجعل قضاء الله وقدره حجة لنا في ترك أوامره وفعل نواهيه، بل يجب أن نؤمن ونعلم أن لله الحجة علينا بإنزال الكتب وبعثة الرسل، قال الله تعالى: {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء:165]. ونعلم أن الله سبحانه ما أمر ونهى إلا المستطيع للفعل والترك، وأنه لم يجبر أحداً على معصية، ولا اضطره إلى ترك طاعة، قال الله تعالى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا} [البقرة:286]. وقال الله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:16]. وقال تعالى: {الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ} [غافر:17]، فدل على أن للعبد فعلاً وكسباً يجازى على حسنه بالثواب وعلى سيئه بالعقاب، وهو واقع بقضاء الله وقدره]. هذا المقطع هو ثمرة الكلام عن القدر، وفيه تفصيل المسألة التي أشرت إليها سابقاً، وهي مسألة الدائرة التي يحاسب عليها الإنسان في أمور المقادير والأفعال، وذلك أن مقادير العباد وأفعالهم على درجتين: الدرجة الأولى: غيبية لا دخل للإنسان فيها، لا من حيث العلم بها تفصيلاً وبكيفياتها، ولا من حيث الجزاء والتكليف ونحو ذلك مما يتعلق بالمكلفين. فهذه الدرجة ينبغي أن لا يعلق بها الإنسان أفعاله لا من حيث فعل الخير والشر، ولا من حيث المصير والجزاء. والدائرة الثانية هي محط النظر والتكليف، وهي التي ينبغي أن يتأملها الإنسان، ويتأمل نصيبه فيها، وما يجب عليه وما لا يجب أن يفعله. أما الدائرة الأولى فهي أن الله عز وجل علم كل شيء، وكذلك أن الله كتب كل شيء، هذا أمر يجب أن يعلم ولا نتطلع إلى أكثر من العلم به جملة، فلا نتطلع إلى الكيفيات، ولا ننشئ على ذلك الأسئلة ولا الإيرادات، وليس لذلك علاقة مباشرة بتكليف العباد. كذلك كون الله عز وجل هدى من شاء من عباده وأضل من شاء، وكون الله عز وجل كتب على كل إنسان أموره المتعلقة به من حيث عمره وأجله ورزقه وعمله على جهة التفصيل، كل ذلك يجب الإيمان به ولا نتطلع إلى أكثر من ذلك، وليعلم أن هذه الأمور لا ينبني على الإيمان بها إلا مجرد التسليم لله عز وجل، ومعرفة حكمته وعظمته وجلاله سبحانه، والاستدلال على عظيم أسمائه وصفاته وأفعاله. وأيضاً لا يتطلب من الإنسان أكثر من أن يخضع لله عز وجل ويسلم التسليم المطلق؛ لأنها أمور قدرت وانتهت من ناحية، والناحية الثانية منها محجوبة، الإنسان لا يعرف تفاصيلها أو مصير الأفراد فيها. أما الدائرة الثانية فهي التي فيها التكليف وقامت بها الحجة، وهي: أولاً: كون الله عز وجل أعطى المكلفين عقولاً يميزون فيها بين الخير والشر جملة، وبين الهدى والضلال جملة، وبين الحسن والقبيح جملة. ثانياً: أن الله عز وجل أقام الحجة على العباد بإرسال الرسل وإنزال الكتب وتبيين الشرائع التي فيها الأوامر والنواهي والحلال والحرام، وفيها كيف يعبد الله الإنسانُ، وفيها الوعد والوعيد، ثم بعد ذلك الله عز وجل حينما بين ذلك كله أقدر الإنسان على فعل الخير وأمره به، ووعده عليه وعداً حسناً، وأقدره على فعل الشر ونهاه عنه وتوعده عليه. والدائرة الأخيرة: أن كل عاقل يدرك هذه الأمور ويعرف أنه يستطيع أن يفعل الخير، ويستطيع أن يفعل الشر، فلذلك قال الله عز وجل: {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا} [الإنسان:3]. وكذلك بين الله عز وجل: {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف:29]، بمعنى المشيئة التي تتعلق بأفعال العباد، لا المشيئة التي تتعدى إلى أفعال الله عز وجل. وبناء على هذا فإن الإنسان إذا فكر في هذه الدائرة تفكير المتأمل المتعظ الباحث عن الحق، فإنه لا بد أن يهتدي، لكن إذا فكر في الدائرة الأولى وهي دائرة الغيب بأكثر مما ورد في النصوص؛ فإنه في الغالب لا يصل إلى نتيجة إلا مزيداً من الشكوك والأوهام، والأمور التي قد لا يتخلص منها. فعلى هذا فإن على المسلم أن يفرق بين الدرجتين أو بين المرحلتين، أعني بين المسألة الغيبية التي مبناها على التسليم ولا نزيد عما جاء فيها من النصوص، والدرجة الثانية وهي مناط التأمل والتفكير والتدبر، ومحاولة الوصول إلى طريق السلامة، فإنه لا محيد للإنسان، الذي يريد النجاة أن يفكر في أن الله عز وجل أرسل الرسل، فيبحث عن الحكمة في ذلك، وعن الفائدة في ذلك، وأن الله أنزل الكتب، وبين الشرائع، وأحل الحلال وحرم الحرام، وأعطى الإنسان القدرة وهداه النجدين، وأن مصيره مرتبط بإرادته في هذه الأمور وبفعله، فلذلك أي إنسان لا يستطيع أن يختار الطريق المستقيم، إما لزوال

الأسئلة

الأسئلة

معنى قوله تعالى: (يحفظونه من أمر الله)

معنى قوله تعالى: (يحفظونه من أمر الله) Q الأخ يسأل عن قوله عز وجل عن الملائكة: {يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} [الرعد:11]؟ A يعني: يحفظونه بأمر الله، فحفظهم له كائن من أمر الله.

أنواع التقدير وعدم تناقضها

أنواع التقدير وعدم تناقضها Q ورد في حديث ابن مسعود: (أخبرنا الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم أن الله كتب أرزاق البشر عند بلوغهم أربعة أشهر) فذكر أنه قدر أرزاق البشر قبل خلقهم، وسمعت حديثاً أن الأرزاق توزع وتقسم وقت الفجر إلا النائم يفوته الرزق. فكيف نجمع بين هذه الأدلة؟ A ليس هناك تناقض، التقديرات من الله عز وجل تأتي على درجات، منها التقدير العام المطلق في علم الله عز وجل، ومنها التقدير العام المطلق فيما كتبه الله عز وجل في اللوح المحفوظ، ومنها التقدير العام المطلق فيما أراده الله وشاءه، ومنها التقدير الخاص الذي يتعلق بصحيفة كل إنسان، وهو تقدير يرجع إلى العمر كله. ومن التقدير ما يتعلق بأعمال العباد وتدبير الكون في السنة كلها، وهذا يحدث في ليلة القدر من كل سنة، وهناك تقدير يتعلق بأسبوع، وهناك تقدير يتعلق باليوم، وهناك تقدير عام وتقدير خاص في اليوم والأسبوع وغير ذلك. كما أن أعمال العباد منها ما يرفع في وقته كالصلاة، وهناك من أفعال العبد ما يرفع في اليوم مرتين، فملائكة الليل وملائكة النهار يتعاقبون، هؤلاء يستلمون الإنسان وأفعاله ويكتبونها ويرفعونها في الصباح وأولئك في المساء، وهناك تقدير في الأسبوع مرتين، وهكذا وهذه كلها لا تخرج عن التقدير السابق، إلا أن ذلك من بديع حكمة الله وتقديره لملكه سبحانه، فلا تعارض بين هذه النصوص، فالتقدير اليومي لا يخرج عن التقدير الأسبوعي، والأسبوعي لا يخرج عن التقدير السنوي، والتقدير السنوي لا يخرج عن التقدير العمري، والتقدير العمري لا يخرج التقدير العام.

تعليق على ما كتبه أحد محققي اللمعة

تعليق على ما كتبه أحد محققي اللمعة في بعض النسخ تعليق يحتاج إلى شيء من التنبيه، نسخة من اللمعة التي كتب عليها مكتبة دار البيان، ومكتبة المؤيد، تحقيق عبد القادر بدران وتخريج بشير محمد عيون. هنا تعليق في الصفحة الثامنة على موضوع مر في الأسبوع الماضي يتعلق بكلام الله عز وجل وما ورد في النصوص من الإشارة إلى الحرف والصوت، وكذلك عند الكلام على حديث النزول: (إن الله ينزل إلى السماء الدنيا) (إن الله يرى في القيامة) وما أشبه هذه الأحاديث، قال فيها الإمام أحمد: نؤمن ونصدق بها لا كيف ولا معنى. فهذه قاعدة عامة، (لا كيف ولا معنى) بمعنى: لا نتحكم في المعنى على جهة التفصيل، لكن كثيراً من المتكلمين يقصد بالمعنى إثبات الصفة، ومن هنا يلتبس الأمر، ولذلك جاء التعليق ملبساً. نفي المعنى تحته احتمالان: قد يقصد به نفي الكيفية، وهذا صحيح، وقد يقصد به نفي إثبات الحقيقة لصفات الله وأفعاله، وهذا لا يجوز؛ لأن الإثبات هو مقتضى النصوص. فإذا قصد بالمعنى حقيقة الصفة فهذا أمر يجب إثباته، وإذا قصد بالمعنى الكيفية فهذا أمر لا يجوز الخوض فيه ولا السؤال عنه، فلذلك قال في الهامش رقم (3): أي لا نقول كيف هي، ولا نقول معناها كذا وكذا. وهذا كلام مجمل فيه صواب وفيه غلط، نعم، لا نقول كيف هي، لكن قوله: (لا نقول معناها كذا وكذا)، إن قصد عدم إثبات الحقيقة أو إثبات الصفة، فليس هذا صحيحاً، وإن قصد ألا نتحكم في كيفيتها، أو لا نتصور فهذا صحيح يقر عليه. ثم إنه أشار في نفس التعليق إلى أمر فيه خلط، فذكر أن هذا ما عليه السلف، وذهب إليه المحققون من الخلف، وهذا ليس بصحيح، فالخلف لم يثبتوا ما أثبته السلف، وإذا أثبتوا أو قالوا بعض الكلمات التي توافق كلمات السلف فلهم مراد آخر يدل عليه تفصيلهم إذا فصلوا، فلا يوافق على أكثر كلامه. قال: ومنهم كبار علماء الأشاعرة. وهذا ليس بصحيح؛ لأن كبار علماء الأشاعرة خالفوا السلف خاصة في هذه المسائل التي أشار إليها وهي النزول والكلام والمجيء، ورؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة. كما أن كلامه يفهم أن السلف ردوا على المعتزلة بأن الكلام لله هو الكلام النفسي، وهذا خطأ، فهذا كلام الأشاعرة، والأشاعرة أرادوا أن يوفقوا بين منهج السلف ومنهج المعتزلة، وإلا فأهل السنة يبدعون من قال إن كلام الله هو الكلام النفسي أو معنى قائم بالنفس؛ لأنه كلام جديد محدث، وهو خوض في الكيفية بغير علم، لأن الله عز وجل يثبت له ما أثبته لنفسه من غير خوض في التفاصيل وكلمة (كلام نفسي) نفاها السلف وما أثبتوها. ثم استدل ببيت لا صحة له: إن الكلام لفي الفؤاد وإنما جعل اللسان على الفؤاد دليلا وهذا كلام يتعلق بأفعال البشر، ثم هذا الكلام ليس دليلاً على المقصود هنا، وكذلك قوله: (ما قصدوا إلا التمثيل من حيث الحرف والصوت)، هذا فيه نظر يحتاج إلى تفصيل إلى آخر كلامه، وأكثره كلام الأشاعرة وليس من كلام السلف، فلننتبه له.

معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (إنكم ترون ربكم كما ترون القمر)

معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (إنكم ترون ربكم كما ترون القمر) Q ذكر النبي صلى الله عليه وسلم في حديث: (إنكم سترون ربكم كما ترون القمر) فهل رؤية الله في الجنة مثل رؤية القمر في الدنيا؟ A قال أهل العلم: إنه تشبيه للرؤية بالرؤية من حيث التأكيد والوضوح وعدم الإنكار، وليس تشبيهاً للمرئي بالمرئي بأي وجه من وجوه المشابهة، لا من حيث البعد ولا المسافة إلى آخره من المعاني التي تعرف في المخلوق، بما في ذلك ما يعرف عن الشمس والقمر من أوصاف مادية وغيرها، فإنها لا ينبغي أن يفهم منها المشابهة لأوصاف الله عز وجل وأفعاله، فينبغي أن يبعد هذا المعنى. ذكر السائل كلاماً آخر لا ينبغي، وأرجو من السائل إذا بقي عنده إشكال أن يسأل سؤالاً خاصاً، لأن مثل هذه الأسئلة لا تثار على العموم.

دخول مشيئة العبد تحت مشيئة الله

دخول مشيئة العبد تحت مشيئة الله Q درسنا في المرحلة المتوسطة أن مشيئة العبد داخلة في مشيئة الله، فهل هذا الصحيح؟ A نعم، فمشيئة العبد لا تخرج عن مشيئة الله عز وجل، قال تعالى: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الإنسان:30].

الفرق بين السلف والخلف

الفرق بين السلف والخلف Q ما الفرق بين السلف والخلف؟ A هذا مصطلح في العقيدة يقصد به أن السلف أهل السنة والجماعة العاملون بمقتضى النصوص، والذين لا يخرجون عن هدي النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته في العقيدة وفي العمل. والخلف هم الذين خلفوهم على غير هذا النهج، فأسسوا مذاهب وبدعاً جديدة في الأسماء والصفات والأفعال وفي أمور القدر وسائر أمور الاعتقاد. وكل من خالف السلف في أصل من أصول العقيدة فهو من الخلف، ويبدأ من ظهور الفرق، فالخوارج من الخلف، والشيعة من الخلف ثم القدرية والجهمية والمعتزلة، ثم متكلمة الأشاعرة والماتريدية. وكل من كان على نهج السلف فهو من السلف، وإن كان معاصراً حياً بين الناس إلى يوم القيامة، ومذهب الخلف هو مذهب أهل البدع إلى يوم القيامة.

عدم انحصار مفهوم الخلف في العصاة وحدهم

عدم انحصار مفهوم الخلف في العصاة وحدهم Q هل الخلف هم العصاة؟ A لا، العصاة إن كانوا في عقيدتهم على مذهب أهل السنة والجماعة، فهم يدخلون في أهل السنة والجماعة، لكن يسمون عصاة، ويسمون فسقة.

الاحتجاج على المعاصي بأن الله هو الهادي

الاحتجاج على المعاصي بأن الله هو الهادي Q ما الرد على من يزعم أن الله سبحانه وتعالى؟ A سبحان الله! لن أقرأ السؤال، إنما أقرر ما يريده السائل؛ لأن السؤال نفسه فيه إشكال. الله عز وجل هو الهادي بمعنى أنه يهدي العباد، فهو الذي يهدي من يشاء ويضل من يشاء، لكن الاحتجاج بهذه الكلمة على المعاصي لا يجوز، حينما يفعل الإنسان شيئاً من المعاصي ثم يقول: الله هو الهادي، هذا ليس باحتجاج صحيح؛ لأن الله عز وجل أعطى الإنسان عقلاً وبين له بالشرع ما يقيم عليه الحجة.

مصير القرآن يوم القيامة وعلى من تقوم الساعة

مصير القرآن يوم القيامة وعلى من تقوم الساعة Q ما مصير القرآن يوم القيامة؟ وعلى من تقوم الساعة؟ A ورد في النصوص أنه يرفع من الصدور ومن المصاحف قبل قيام الساعة، وذلك عند قيام أشراط الساعة الكبرى، أما ما دام هناك من يعمل بالحق ويقيم السنة فلا يرفع القرآن، لكن إذا بدأت مشاهد القيامة وأشراط الساعة الكبرى، وترك الناس العمل بكتاب الله عز وجل رفعه الله حفظاً له. والساعة تقوم على شرار الخلق كما ورد في الحديث الصحيح، وذلك أن من آخر ملاحم يوم القيامة أن الله عز وجل يبعث ريحاً تقبض أرواح المؤمنين، فلا يبقى إلا شرار الخلق، وعليهم تقوم الساعة.

مقدار يوم القيامة

مقدار يوم القيامة Q كم عدد أيام يوم القيامة؟ A مقدار أشراط الساعة لا يعلمها إلا الله عز وجل، أما يوم القيامة فله مقادير وليس مقداراً واحداً، أما الحشر فهو خمسمائة عام. أما يوم القيامة كله فهو فيه المطلق وفيه المقيد، إن قصد بالقيامة مصير الناس بعد الحساب والجزاء فهذا أمر أبدي لا انقطاع له، فالنار لا انقطاع لها، والجنة لا انقطاع لها ولا لنعيمها، لكن ما بين ذلك ورد وصفه بأنه خمسمائة عام، وورد أنه ألف عام، وورد وصفه بأنه خمسون ألف سنة، وكل ذلك ينطبق على جزء من يوم القيامة، فالحشر خمسمائة عام، وما بعد الحشر من بعض المشاهد ألف عام، والمشاهد كلها خمسون ألف سنة. والله أعلم بما بين ذلك من المقادير.

الفرق بين القضاء والقدر

الفرق بين القضاء والقدر Q هل هناك فرق بين القضاء القدر؟ A فرق بعض أهل العلم، والراجح أنه لا فرق بينهما. فالقضاء يرادف القدر، والقدر يرادف القضاء.

معنى قول الله تعالى: (إنا كل شيء خلقناه بقدر)

معنى قول الله تعالى: (إنا كل شيء خلقناه بقدر) Q ما معنى قوله تعالى: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر:49]؟ A هذه الآية تدل على عموم خلق الله عز وجل وعموم مشيئته، وعموم إرادته، وأن الله عز وجل فعال لما يريد، وأنه خلق كل شيء بحكمة، وأنه لا يخرج عن خلق الله شيء من أفعال العباد ولا أفعال غيرهم. (بِقَدَرٍ) أي: بتقدير، كما أنها تعني بحكمة، كما أنها تعني بميزان وعدل. فكل ذلك يدخل في معنى القدر، بمعنى أنا خلقنا كل شيء بعلم سابق وتقدير سابق وبإرادة ومشيئة سابقة، وكذلك بحكمة، وبموازين، فهذا كله يدخل بمعنى الآية.

قول لشيخ الإسلام وابن القيم في محاجة آدم وموسى

قول لشيخ الإسلام وابن القيم في محاجة آدم وموسى Q ما قول شيخ الإسلام في قصة موسى وآدم عليهم السلام في حجة القدر؟ وما هو قول ابن القيم رحمه الله؟ A أقوال ابن القيم وشيخ الإسلام ابن تيمية لا تخرج عن مذهب السلف، وإن كان هناك أقوال تدخل في تفاصيل القصة. وإلا فمجمل القصة وهو ما يتعلق بأن الله عز وجل قدر على آدم ما قدره، وأن آدم عوقب على فعله، فهذا الإجمال، وهو على النحو التالي: أن موسى عتب على آدم، لتسببه في إنزال بني آدم إلى الأرض، فلما عتب عليه صارت بينهما محاجة على النحو التالي: وهو أن آدم عليه السلام احتج بأن هذا مقدر من الله عز وجل، وحجته تتمثل فيما يلي: أولاً: أن آدم كان احتجاجه بالقدر بعد ما انقضى كل شيء، وأن آدم فرق بين الذنب وبين الجزاء على الذنب وسبب الذنب، فسبب الذنب والجزاء عليه أمر انتهى، يعني تقديره من الله عز وجل والجزاء عليه، أمر انتهى. وبقيت المعصية وما ترتب عليها، وقد احتج بها آدم على موسى؛ لأنه لما قدر الله عليه ذلك وفعل ما فعل ندم وتاب، ولما تاب تاب الله عليه، إذاً: فمن حيث الذنب فإن الذنب غفر له، فلا يكون لموسى على آدم حجة. أما من حيث الجزاء على الذنب بالمصيبة التي صارت، فهذا أمر انتهى لا مجال للجدال فيه؛ لأنا علمنا أنه من سابق تقدير الله وسابق مشيئته العامة، فلا داعي للكلام فيها. فمن هنا حج آدم موسى، وهذا الإطار العام أو الكلام العام لم يخرج عنه كلام ابن القيم وابن تيمية في العموم، لكن هناك تفصيلات تدخل في هذه الجزئيات قد يختلف فيها أهل العلم.

الرد على احتجاج العصاة بالقدر

الرد على احتجاج العصاة بالقدر Q قد يحتج كثير من العصاة بالقدر بقوله: لو شاء الله أراد لي الهداية، ولو أراد الله لي الهداية لهداني، فالله يقول: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [القصص:56]، كيف نرد على مثل هؤلاء؟ A هؤلاء يرد عليهم بمثل اعتراضهم، أولاً: نادر من الناس من يرد بهذا الرد، وثانياً: ما أكثر من يرد هازلاً وليس جاهلاً، فلذلك ينبغي أن يؤخذ الأمر معه بجد، ويعلم. الأمر الثالث: وهذا قليل جداً، وهو أنه قد يكون هناك إشكال عند الشخص، ويقول لو كتب الله لي الهداية لاهتديت ولما عصيت، فيقال له: لا، الحجة عليك قائمة، والدليل على هذا تصرفاتك الأخرى، فإنه لو قيل لك: ألق بنفسك في هذه النار المضرمة أو في هذه البئر أو في هوة سحيقة، ستقول: لا، ولن تقول: كتب الله علي أن أتردى، هذا لا يمكن. ولو أنك خيرت بين أمرين: أحدهما لك فيه مصلحة محققة، والآخر فيه مفسدة محققة من أمور الدنيا، لاخترت المصلحة المحققة، والآن لو ضربك أحد ضرباً مبرح من دون سبب، ثم قال: هذا قدر الله لاعترضت عليه، كل هذا يقال للإنسان، فإذا عرف بعقله أن هذا لا يجوز، فإنه في الغالب يعود، أما إذا كان يسأل عن عناد فالعناد له علاج آخر.

الدعاء يرد القضاء

الدعاء يرد القضاء Q ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لا يرد القضاء إلا الدعاء؟ A حديث: (لا يرد القضاء إلا الدعاء) حديث صحيح، ورد بأسانيد كثيرة منها الصحيح ومنها الضعيف، لكن ورد بأسانيد صحيحة منها ما هو في مستدرك الحاكم: (أن القضاء والدعاء يلتقيان بين السماء والأرض، فيعتلجان فيغلب الدعاء القضاء)، ونصوص أخرى تدل على ذلك، منها نصوص صريحة ومنها نصوص يفهم منها هذا الأمر بالمعنى، وليس هناك تناقض؛ لأن الله عز وجل قدر الدعاء وقدر لهذا الدعاء أن يغلب القدر، فهذا من حكيم صنع الله عز وجل وعظيم قدرته، وبديع صنعه سبحانه أن يجعل الأسباب تدفع الأسباب، مثل المرض والدواء، فجعل الله الدواء دافعاً للمرض، وكل ذلك من تقدير الله عز وجل، فالقضاء بتقدير الله، والله عز وجل جعل هذا القضاء من سابق علمه أن لا يحدث ولا يقع بسبب أنه جعل الدعاء سبباً في رده، هذا فيما يظهر للخلق والله عز وجل فعل ذلك كله لحكمة، وهو غني عن خلقه سبحانه.

تكليم الله للبشر

تكليم الله للبشر Q يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان) فهل سيكلم كل فرد من البشر؟ A نعم، ورد في الأحاديث الصحيحة أن الله عز وجل سيكلم كل فرد بمفرده، ويحاسب العباد جميعاً حساب رجل واحد في مقام واحد.

المقصود بالأشاعرة والمعطلة والمرجئة والقدرية والجبرية

المقصود بالأشاعرة والمعطلة والمرجئة والقدرية والجبرية Q ما المقصود بالأشاعرة والمعطلة والمرجئة والقدرية والجبرية؟ A هذه فرق، فالمعطلة هم الذين ينكرون أسماء الله وصفاته وأفعاله أو بعضها، وهم جهمية ومعتزلة، وبعضهم أشاعرة، وبعضهم ماتريدية، كلهم يسمون معطلة. والمرجئة هم الذين يقولون بأن الإيمان هو التصديق بالقلب، والأعمال لا تدخل في مسمى الإيمان، ومن هؤلاء بعض الفقهاء ككثير من الأحناف، ويوجدون في الأشاعرة والماتريدية، ويوجدون في الجهمية والمعتزلة وسائر الفرق. والقدرية هم الذين يقولون بأن لا قدر، إما أن ينكروا علم الله السابق بأفعال العباد، أو يزعموا أن الله عز وجل لم يقدر الشر من أفعال العباد، ولم يخلقه، إنما العباد هم الذين خلقوا الشر من أنفسهم، وأن الله لم يعلم به إلا عندما فعلوه، هذا كله يسمى قدرية. ومن القدرية الذين يحتجون بالقدر على المعاصي، ومن القدرية الذين يقولون بأن الإنسان مجبور على أفعاله. وكذلك الجبرية هم الذين يقولون إن الإنسان مجبور على الأفعال ليس له اختيار ولا حرية، ومن هنا لا ينبغي أن يحاسب ما دام مؤمناً إلا إذا كفر بخلقه، وهؤلاء هم جبرية الجهمية، وهذه الفرق تتداخل، فبعض الفرق فيها كل هذه الصفات. أما الأشاعرة فهم الذين يؤولون بعض صفات الله عز وجل، هذا الضابط الأول فيهم، وإلا فلهم آراء أخرى، لكن غالب أمور العقيدة يوافقون فيها أهل السنة، وإنما يخالفونهم في بعض مسائل القدر، ويخالفونهم في التفصيل في الرؤية، يخالفونهم في مسألة أفعال الله عز وجل، ويخالفونهم في بعض الصفات، وأول مخالفة لهم وأعظمها أنهم يؤولون بعض صفات الله عز وجل، بل أكثرها، ولهم مخالفات أخرى في العقيدة لكن عامة أمور العقيدة يوافقون فيها السلف. والمفوضة نوع من المعطلة؛ لأن التعطيل أنوع، والتفويض نوع من التعطيل، بل هو أشد أنواع التعطيل، لأن مفهوم التفويض هو أن يقول: لا أثبت شيئاً ولا أنكر شيئاً، بل أفوض الأمر، وهذا ليس تفويضاً، هذا كأنه يعتبر كلمات الله جوفاء ليس لها معنى ولا حقيقة، وهذا تفويض خطير يؤدي إلى التعطيل، وهو نوع من التعطيل.

نسبة السيئات إلى العبد في بعض الآيات

نسبة السيئات إلى العبد في بعض الآيات Q ورد في آيات كثيرة نسبة السيئات إلى العبد، مثل قوله تعالى: {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} [النساء:79]، فما هو المقصود بمثل هذه الآيات؟ A المقصود بمثل ذلك السيئة التي يقترفها العبد بإرادته وقد عرف أنها ذنوب منهي عنها، فيقع فيها بإرادته، فإنه مسئول عنها، أما السيئة بمعنى التقدير فهي من تقدير الله. إذاً: السيئة لها وجهان، وجه كونها مقدرة، فهذه لا تخرج عن تقدير الله عز وجل، ووجه فعلها من العبد الذي علم أنها سيئة ثم ارتكبها، فلا شك أنه يعاتب عليها ويقال: هي من نفسك، ومن ذلك العقوبات على السيئات التي تنسب إلى العباد؛ لأنهم أخذوا جزاء بسبب ما ارتكبوه من ذنوب أو تقصير في حق الله.

بيان من هو المرئي في قوله تعالى: (ولقد رآه بالأفق المبين)

بيان من هو المرئي في قوله تعالى: (ولقد رآه بالأفق المبين) Q في قوله تعالى: {وَلَقَدْ رَآهُ بِالأُفُقِ الْمُبِينِ} [التكوير:23]، من هو المرئي هنا؟ A اختلف السلف هل المرئي هو جبريل، أو المقصود به رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه. والكلام فيها طويل.

الحداثة والحداثيون

الحداثة والحداثيون Q ما المقصود بالحداثة ومعناها؟ وهل يوجد ناس حدثيون، فكيف نعرفهم؟ A الحداثة مصطلح جديد على اتجاه قديم، فالحداثة هي الزندقة، أو هي الباطنية، لكنها في الآونة الأخيرة أخذت أشكالاً موهمة، بمعنى أنه صار للحداثة وجهان: وجه أدبي لغوي، ووجه عقدي باطني. الحداثيون الكبار باطنية زنادقة، والحداثيون المقلدون يأخذون الشكل الآخر من الحداثة، وهو مسألة الألفاظ والأدب فيها، ومسألة التمويه على الناس من خلال الأساليب الأدبية وغيرها، وبين الأمرين خلط يحتاج إلى مزيد بحث، وتمييز الصنفين بعضهم عن بعض. فالاتجاه واحد وهو أن الحداثة الأدبية تخدم الحداثة العقدية خدمة جليلة عظيمة، وتروج الزندقة باسم الأدب، وتروج الانحراف الخلقي والفساد في الأرض باسم الأدب وباسم الحرية الشخصية وباسم التحديث والحداثة، المهم أن الحداثة في حقيقتها الزندقة والباطنية، لكن قد يدخل في الحداثة تيارات أدبية تخدم الحداثة من حيث تشعر أو لا تشعر، فمن هنا يجب أن نفهم حقيقة الحداثيين من خلال الكتب التي كتبت فيهم، وبدأت الآن تتوفر بحمد الله.

الجمع بين سبق القدر والدعاء بجلب الخير ودفع الشر

الجمع بين سبق القدر والدعاء بجلب الخير ودفع الشر Q يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (اللهم! إني أسألك خير هذه الليلة وخير ما بعدها، وأعوذ بك من شرها وشر ما بعدها). لم السؤال وقد قدر الله الخير والشر من قبل؟ A هذا داخل فيما سبق، لأن الله عز وجل جعل الدعاء سبباً لكسب الخير ولدفع الشر، فعلى الإنسان أن يبحث عن الأسباب ومنها الدعاء.

حكم قول: أمر الله من ساعته

حكم قول: أمر الله من ساعته Q ما حكم هذه العبارة السائدة عند العوام، أمر الله من ساعته؟ A لا بأس بها، وهم يقصدون بها أن الأمر يؤخذ بسعة علم الله وحكمته ورحمته، فهي من العبارات التي تحمل على المحمل الحسن؛ لأن أغلب الذين يطلقونها يقصدون بها المعنى الحسن.

شرح لمعة الاعتقاد [6]

شرح لمعة الاعتقاد [6] الإيمان عند أهل السنة قول باللسان واعتقاد بالجنان وعمل بالجوارح والأركان، وقد خالف في ذلك كثير من الفرق فضلوا وأضلوا، ومن الإيمان الواجب على العبد الإيمان بالغيب، فهو من أركان الدين العظيمة الدالة على صدق المؤمنين، ويدخل في الإيمان بالغيب الإيمان بأشراط الساعة، وحياة البرزخ، والبعث والنشور، ونحو ذلك مما يتعلق باليوم الآخر.

مسائل الإيمان

مسائل الإيمان قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فصل: والإيمان قول باللسان وعمل بالأركان وعقد بالجنان، يزيد بالطاعة وينقص بالعصيان، قال الله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} [البينة:5] فجعل عبادة الله تعالى وإخلاص القلب وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة كله من الدين. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الإيمان بضع وسبعون شعبة أعلاها شهادة أن لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق) فجعل القول والعمل من الإيمان، وقال الله تعالى: {فَزَادَهُمْ إِيمَانًا} [آل عمران:173] وقال: {لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا} [الفتح:4]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يخرج من النار من قال: لا إله إلا الله وفي قلبه مثقال برة أو خردلة أو ذرة من الإيمان) فجعله متفاضلاً].

حقيقة الإيمان عند أهل السنة

حقيقة الإيمان عند أهل السنة هذا الفصل جعله المؤلف في حقيقة الإيمان وفي مسائله، فذكر حد الإيمان بالتعريف المفصل عند السلف، ذلك أن السلف عرّفوا الإيمان بتعريفين: مجمل ومفصل، فالتعريف هنا هو التعريف المفصل الذي يشمل جميع معاني الإيمان: (القول باللسان)، وهو النطق بشهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، والنطق بأركان الإيمان ومسائل الدين الأخرى. ثم قال: (وعمل بالأركان) أي: بالجوارح الظاهرة، ويدخل فيها اللسان؛ لكن عمل اللسان خص لكثرة النزاع فيه فيما بعد. فعمل الأركان عمل اليد وعمل الرجل، وعمل الأعضاء للسجود والركوع، وعمل الإنسان في أعمال البر التي يعملها بجوارحه، كل ذلك يسمى عملاً بالأركان. (وعقد بالجنان) وهو تصديق القلب. وبعضهم يبدأ التعريف بالتعريف الأخير فيقول: (الإيمان عقد بالجنان) يعني تصديق القلب الجازم، لأن العقد هو التصديق الجازم، والجنان هو القلب، (وقول باللسان وعمل بالأركان). وبعضهم يقول: تصديق القلب وعمل الأركان وقول اللسان. وكل ذلك جائز ولا مشاحة في الاصطلاح وفي الترتيب هذا هو التعريف المفصّل. هناك تعريف مجمل كان يقول به أكثر السلف الأوائل قبل أن يكثر الخوض في مسائل الإيمان وفي تعريفه، كانوا يقولون: الإيمان قول وعمل. ويكتفون به؛ لأن هذه الكلمة جامعة لقول اللسان، وعمل القلب وعمل الجوارح والأركان والأعضاء، لكنهم فصّلوا وجاءوا بهذه الأركان الثلاثة: القول والعمل والتصديق لما كثر الخوض في الإيمان وتعريفه خاصة من قبل مرجئة الفقهاء الذين سايروا بعض أهل الأهواء في مفهوم الإيمان، ذلك أن السلف ما كانوا يبحثون هذه المسائل لأنهم كانوا بإجماع يرون أن الإيمان هو مجموع هذا الدين سواء الأمور القلبية الاعتقادية وهو ما يسمى عمل القلب، أو نطق اللسان، أو عمل الأعضاء، كل ذلك ما كان السلف يتنازعون بأنه من الإيمان، لا في عهد الصحابة ولا التابعين ولا تابعي التابعين.

ظهور الإرجاء

ظهور الإرجاء وفي عهد التابعين وتابعيهم ظهر الإرجاء وذلك في آخر المائة الأولى بعد سنة (80 هـ) فظهر قول المرجئة بإزاء قول القدرية، فزعموا أن الإيمان هو التصديق وأنه لا يزيد ولا ينقص، ولا يجوز الاستثناء فيه، وأن الإيمان لا يشمل الأعمال إنما هي من لوازم الإيمان، وهؤلاء هم مرجئة الفقهاء، وهم بخلاف مرجئة الجهمية الغلاة فإنهم كفرة وهم الذين يقولون: الإيمان مجرد المعرفة ولا يلزم العمل أبداً، فمن آمن وصدّق وعرف الله دخل الجنة، وهو مؤمن مطلقاً، وإيمانه كإيمان جبريل، ولا يدخلون العمل في مسمى الإيمان ولا يجعلونه من لوازمه، بل يرون أن من عرف الله وصدّق بما جاء به الرسل جملة فهو مؤمن حتى وإن اقترف الآثام والمعاصي، بل وإن اقترف الكفر، ولو ترك جميع أعمال الإسلام فلم يصل ولم يصم ولم يحج فهو عند المرجئة مؤمن، فهذا إرجاء الغلاة وليس هو المقصود هنا، إنما المقصود إرجاء الفقهاء، وهو كما أنه بدعة إلا أنه قال به بعض الأئمة وبعض أهل العلم الذين لهم اعتبارهم؛ لكن قولهم شاذ وخارج عما أجمع عليه السلف. إذاً: فالمرجئة يقولون إن الإيمان هو التصديق، ويرون أن الأعمال من لوازم الإيمان وليست من الإيمان، والسلف ردوا على هذه المقولة بردود كثيرة.

زيادة الإيمان ونقصه

زيادة الإيمان ونقصه اتفق علماء الأمة بعد ذلك على أن الأعمال من الإيمان، ومن ثم فإن الإيمان يزيد وينقص بالأعمال القلبية وبأعمال الجوارح. وبعض أهل العلم قال: إن الإيمان يزيد وينقص بالأعمال الظاهرة، لكن هذا والله أعلم يرد عليه ما يرد، فإن الراجح أن الإيمان يزيد وينقص بجميع الأمور القلبية والعملية الظاهرة، بدليل أن الشك ينقص الإيمان، والشك قلبي، فعلى هذا فإن كل ما يعتري العبد من الأمور القلبية والأمور العملية فإن كان يزداد به خيراً زاد إيمانه، وإن كان فيه ريب أو شك أو معصية، أو هم بمعصية أو نحو ذلك ينقص به إيمانه. إذاً فيزيد بالطاعة سواء كانت قلبية أو عملية، وينقص بالعصيان سواء كان قلبياً أو عملياً.

أدلة دخول الأعمال في مسمى الإيمان

أدلة دخول الأعمال في مسمى الإيمان ثم ذكر الآية وذكر بعدها وجه الاستدلال، فجعل عبادة الله تعالى وإخلاص القلب وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة كله من الدين وهذه الأمور تشمل الأمور القلبية وأمور الجوارح، فإخلاص القلب أمر يتعلق بالتصديق ويتعلق بعقد الجنان، وإقام الصلاة يتعلق بالأعمال الظاهرة، كما أنه يتعلق بالأعمال الباطنة وهو الخشوع فالخشوع قلبي وهو يزيد الإيمان، وهناك خشوع للجوارح وهو يزيد الإيمان، وكذلك حركة أعمال الجوارح تزيد الإيمان، وكذلك إيتاء الزكاة. إذاً فالدين ليس الأمور القلبية فقط، بل حتى الأعمال الظاهرة. ثم ذكر الحديث: (الإيمان بضع وسبعون شعبة أعلاها شهادة أن لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق) وهو عمدة أدلة أهل السنة على أن الإيمان يزيد وينقص، وأن الأعمال تدخل في مسمى الإيمان، وقد أفرد الأئمة للأدلة على ذلك كتباً تعد بالمجلدات، ومن أفضلها لطالب العلم كتاب تعظيم قدر الصلاة للمروزي، وكذلك كتاب الإيمان لشيخ الإسلام ابن تيمية. في هذا الحديث ذكر ما يدل على أن الإيمان شعب تعد عدداً، وذكر من هذه الشعب بعض الأعمال القلبية، وما يجمع بين الأعمال القلبية وأعمال الجوارح، وما هو من أعمال الجوارح، وكلها سماها الرسول صلى الله عليه وسلم إيماناً، فقال: (الإيمان بضع وسبعون شعبة أعلاها شهادة أن لا إله إلا الله) وشهادة أن لا إله إلا الله تشمل المعنى القلبي، وتشمل قول اللسان، وقول الجوارح، فالمعنى القلبي هو الإقرار، وقول اللسان هو النطق، وعمل الجوارح هو عمل اللسان الذي هو الحركة، أعني حركة اللسان بلا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، فلذلك قال أهل العلم: إن الإنسان الذي يذكر ربه بقلبه ولسانه يعد أعظم أجراً من الذي يذكر ربه بقلبه فقط، ولذلك ردوا على أوائل الصوفية ومتأخريهم الذين زعموا أن الأعمال القلبية أفضل من أعمال الجوارح، بل الأفضل هو ما يجمع بينهما، فيجمع بين خضوع القلب لله عز وجل وخشوعه والمحبة له والخوف والرجاء منه، ويجمع مع ذلك العمل الذي أمر الله به. ثم قال: (وأدناها) أي أدنى شعب الإيمان، (إماطة الأذى عن الطريق) وإماطة الأذى أمر عملي، ولذلك فإن عمل هذه الشعبة يزيد في الإيمان، وتركها ينقص الإيمان؛ لأنها جزء من البضع والسبعين شعبة، فجعل القول والعمل من الإيمان.

أدلة زيادة الإيمان

أدلة زيادة الإيمان ثم ذكر ما يدل على أن الإيمان يزيد وهو قوله تعالى: {فَزَادَهُمْ إِيمَانًا} [آل عمران:173]، وكذلك قوله عز وجل: {لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا} [الفتح:4]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه برة أو خردلة أو ذرة من الإيمان) والبرة والخردلة والذرة من الأمور المحسوسة مُثّل بها الإيمان تمثيلاً، ذلك أنه في يوم القيامة يوزن الإيمان كله القلبي منه والعملي، ويكون له وزن تتحرك به الموازين خفة وثقلاً، وهذا دليل على أن أصله يزيد وينقص حتى وإن كان قلبياً، فجعله متفاضلاً يفضل بعضه بعضاً من حيث الوزن، ومن حيث القدر، ومن حيث الأجر ولو كان كما يقول المرجئة على مستوى واحد لما تفاضل الناس فيه. المرجئة يزعمون أن الإيمان في قلوب المؤمنين على مستوى واحد، ذلك أنه عندهم مجرد التصديق، فعلى هذا يستوي إيمان أفضل الخلق مع أدنى الخلق، ولا يزيد ولا ينقص، وهذا خطأ ينافيه الجزاء على هذه الأمور الإيمانية، فالجزاء إنما هو مبني على مثاقيل الإيمان، والإيمان يزيد وينقص، بمعنى: يثقل ويخف في الدنيا والآخرة، هذا أمر. الأمر الآخر: أنه ذكر شيئاً من مسائل الإيمان هنا، وترك أشياء بناء على أنها تدخل بالتبع، ذكر تعريف الإيمان وهو أنه القول باللسان والعمل بالأركان والعقد بالجنان، وقلت إن السلف كان يختصرون هذا التعريف بقولهم: الإيمان قول وعمل، والقول هو قول اللسان، والعمل عمل القلب وعمل الأعضاء، وذكر أيضاً الزيادة والنقصان.

الاستثناء في الإيمان

الاستثناء في الإيمان هناك مسائل أخرى تدخل، وهي مسألة الاستثناء في الإيمان، فإن السلف قالوا بأنه يجوز للمؤمن أن يستثني؛ لأنه يعلّق الإيمان على المصير، والمصير عند الله عز وجل، فيقول: أنا مؤمن إن شاء الله، وكلمة (إن شاء الله) لا تعني أنه متردد في الإيمان كما يظن المرجئة، إنما تعني أنه مؤمن تحقيقاً في تعبيره عن إيمانه، وتعليقاً لأمر الغيب على ما قدر الله عز وجل في سابق علمه فقوله: أنا مؤمن إن شاء الله، بمعنى: إن كان الله عز وجل شاء لي هذا الإيمان. فإن شاء الله ليست استثناء مما في النفس أثناء النطق، إنما هي استثناء بمشيئة الله العامة التي لا يخرج عنها أحد، والتي هي غيبية، فلذلك الإنسان إذا سئل هل أنت مؤمن؟ فله أن يقول: أنا مؤمن، ويتركها بلا استثناء، وله أن يستثني والاستثناء أولى، فإن قال: أنا مؤمن فيقصد التعبير عما يشعر به أثناء السؤال، لا أنه يجزم بمصيره، فالمصير عند الله عز وجل، لكنه يتفاءل ويرجو من الله كما يرجو سائر المؤمنين، وإن استثنى فهو الأولى من أجل أن يعلق رجاءه بالله عز وجل.

مسائل السمعيات والأخبار

مسائل السمعيات والأخبار قال المصنف رحمه الله تعالى: [فصل: ويجب الإيمان بكل ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم، وصح به النقل عنه فيما شاهدناه أو غاب عنا نعلم أنه حق وصدق، سواء في ذلك ما عقلناه أو جهلناه ولم نطلع على حقيقة معناه. مثل حديث الإسراء والمعراج، وكان يقظة لا مناماً، فإن قريشاً أنكرته وأكبرته ولم تكن تنكر المنامات. ومن ذلك أن ملك الموت لما جاء إلى موسى عليه السلام ليقبض روحه لطمه ففقأ عينه فرجع إلى ربه تعالى فرد عليه عينه. ومن ذلك أشراط الساعة].

الإيمان بالأمور الغيبية

الإيمان بالأمور الغيبية هنا بدأ في تفصيل بعض ما يسمى بالسمعيات وأمور الغيب، وكلها داخلة في الإيمان إجمالاً وداخلة في أركان الإيمان تفصيلاً، السمعيات كلها منها ما يدخل في الإيمان بالله عز وجل، كمسائل الصفات والرؤية فالرؤية لها جانبان: دخولها فيما يتعلق بالإيمان بالله عز وجل وصفاته، وتدخل في مسائل القيامة والجنة. بعضها متعلق بالإيمان بالله عز وجل في أسمائه وصفاته وأفعاله، وبعضها متعلق بالإيمان بالكتب، وبعضها متعلق بالإيمان بالرسل، وبعضها متعلق بالإيمان بالملائكة، وبعضها متعلق بالإيمان باليوم الآخر، وبعضها متعلق بالإيمان بالقدر، وبعضها متعلق بجملة هذه الأمور وداخل في الإيمان بالغيب. أركان الإيمان كلها من أمور الغيب، لكن الغيب يشمل الأركان المنصوص عليها، ويشمل أموراً أخرى لم يرد النص عليها في حديث أركان الإيمان والستة، وأركان الإيمان إجمالاً تشمل جميع قضايا الغيب والسمعيات والخبريات التي وردت إما بالقرآن أو بالسنة الصحيحة. فعلى هذا فإن أمور الغيب والسمعيات هي القضايا الأصولية العامة، ويتفرع عنها أمور أخرى قطعية ثبتت في القرآن وثبتت في السنة، كما سيأتي في التفسير شيء منها.

ضوابط في موقف المؤمن من الغيبيات

ضوابط في موقف المؤمن من الغيبيات إذاً هذه الأمور داخلة في باب الإيمان بالغيب، وداخلة في باب السمعيات، وداخلة في باب الأخبار، يعني ما أخبر الله به وما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم فيما صح عنه. والسمعيات أي: ما سُمع من الوحي في كتاب الله أو ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والغيب لأنها غائبة عن مدركات العقل وكل هذه الأمور تُضبط بالضوابط التالية. أولاً: أنه يجب الإيمان -بمعنى الجزم والتسليم- بكل ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم، وصح به النقل عنه، سواء في القرآن أو في صحيح السنة. ثانياً: أن هذه الأمور يجب الإيمان بها سواء ما شاهدناه وما غاب عنا. فما شاهدناه هو كالأمور التي تحققت بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم، فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم وجاء أيضاً في القرآن أمور كثيرة شاهدناها فيما بعد في الواقع، سواء كانت من أشراط الساعة أو مما أخبر الله به من الأمور الغيبية التي تحقق أكثرها. وما غاب عنا هو كالأمور التي لم تحدث بعد من أشراط الساعة ونحوها، أو من الأمور التي تتعلق باليوم الآخر، والتي لا يمكن لأحد أن يطّلع عليها إلا إذا قامت قيامته الصغرى، أو قامت القيامة الكبرى للجميع ومما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم خبره بفتح فارس والروم، وخبره بأنها ستخرج نار وهي نار الحرة التي أحرقت ما كان شرق المدينة، وخيره عن المتنبئين الكذّابين حيث ذكر بعضهم بأسمائهم وبعضهم بأوصافهم إلى آخره. ثالثاً: أن نعلم أن ما ورد حق وصدق. معنى (حق) أنه سيحدث وسيكون على ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم، فليس خبر الله عز وجل وخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن الأمور الغيبية مجرد توهمات أو تخيلات أو أمثال تضرب إنما هي حق وصدق لا بد أن تكون وأن تقع، سواء أدركت هذا عقولنا أو لم تدركه. رابعاً: أنه لا بد من الإيمان بهذه الأمور سواء في ذلك ما عقلناه أو جهلناه. (ما عقلناه) أي: ما فهمناه، وأدركته عقولنا بأي نوع من أنواع الإدراك، كالتسليم الفطري والبدهيات العقلية، التي يسلم بها العقل السليم، فمثلاً البعث تعقله عقول أكثر الناس الذين هم على الفطرة السليمة جملة لا تفصيلاً فالعقول السليمة والفطر المستقيمة تدرك ضرورة البعث حتى لو لم تعرف تفاصيله، فكل عاقل ينظر إلى هذه الحياة الدنيا وما فيها من مصائب وابتلاء، وما فيها من أحوال الناس، وتفاوت هذه الأحوال من تفاضل بعضهم البعض وما يحدث بينهم من تظالم، وما يحدث بينهم من فروق في الحظوظ وفي الأعمار والأرزاق والأقدار، وأن بعضهم يموت في هذه الدنيا ولم يستكمل نصيبه وقد يموت مظلوماً، وآخر قد استكمل نصيبه وهو يموت ظالماً، فكل عقل يدرك أنه لا بد من حياة أخرى يكون فيها مقتضى العدل والمساواة بين الخلق، فهذا مما عقلناه، أي: فهمته العقول. أو يُفهم أنه يُمكن أن يكون حسب مدارك العقول، فإن العقول تتفاوت، فبعض المسائل الغيبية إذا وردت على بعض الناس قالوا: هذا ممكن أن يكون، وإذا وردت على ناس آخرين قالوا: هذا أمر لا يدركه عقل. إذاً: من أدرك أو استطاع أن يسلم بمبدأ هذا الذي ورد، أو من لم يستطع كلهم يجب أن يكونوا على مستوى واحد من الإيمان، وهو التسليم بأن ذلك حق وصدق سواء فهمناه أو جهلناه. وغالب أمور الغيب مما هو مجهول، والذي يُعقل منها يُعقل إجمالاً لا تفصيلاً، ولو عُقلت تفصيلاً ما كانت من أمور الغيب، لا سيما الكيفيات فإنها لا يمكن أن تُعقل، إنما تُعقل بمعنى أن يُدرك العاقل بأنها يمكن أن تكون بمقتضى حكمة الله عز وجل وقدرته. قوله: (ولم نطلع على حقيقة معناه)، يعني على الكيفية، ذلك أن الحقيقة على نوعين: حقيقة بمعنى ثبوت الشيء والإقرار به، فهذا يجب أن يؤمن به كل مسلم، وكل ما ورد من الغيبيات فله حقيقة، ويجب أن نجزم أن له حقيقة وليس تخييلاً أو أمثالاً تُضرب، أو توهمات أو ألغازاً، إنما هي حقائق، فهذا الجانب من الحقيقة يجب أن نؤمن به. وجانب آخر من الحقيقة وهو الكيفية، فهذا مما لا تدركه العقول إذاً بعض أهل العلم ينفي الحقيقة ويقصد به نفي الكيفية، وبعضهم يثبت الحقيقة ويقصد به الإيمان بأصل الشيء، وأنه على معنى صحيح على مراد الله عز وجل، وأن الله عز وجل ما أخبرنا بأمر إلا وهو حق، وليس مجرد خيالات ولا ألغاز ولا تصويرات وهمية كما يظن كثير من الفلاسفة والعقلانيين.

الإيمان بالإسراء والمعراج

الإيمان بالإسراء والمعراج ثم ذكر من ذلك أمثلة قال: (مثل حديث الإسراء والمعراج). الإسراء والمعراج من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم، والإسراء هو انتقال النبي صلى الله عليه وسلم مع جبريل على البراق من مكة إلى بيت المقدس، والبراق دابة تُشبه الفرس، ركبها النبي صلى الله عليه وسلم، ومعنى الإسراء هو السير ليلاً. وفي بيت المقدس رأى الأنبياء وصلى بهم، ثم عُرج به إلى السماء، والعروج هو الصعود والارتقاء في الدرجات، فالنبي صلى الله عليه وسلم عُرج به إلى السماء مع جبريل عليه السلام. وقد تضمن الإسراء والمعراج أموراً غيبية كثيرة يجب الإيمان بها، مثل أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى الأنبياء في بيت المقدس وصلى بهم، وأنه كان يصحبه جبريل وكان ركب دابة من الدواب ما بين البغل والفرس، وأنه صعد إلى السماء يقظة وليس مناماً؛ لأنه لو كان مناماً ما كان محل إنكار ولا محل تحد؛ فالحلم أمر يستوي فيه الناس، لكن النبي صلى الله عليه وسلم ذهب يقظة بجسمه وروحه، وهذا معنى كونه معجزة. فالنبي صلى الله عليه وسلم في المعراج صعد إلى السماء الدنيا واستفتح وفُتح له، ورأى فيها ما رأى من الأنبياء وغيرهم، وكذلك في السماء الثانية، وقد رأى فيها ما رأى من الأنبياء وغيرهم، وفي السماء الثالثة، والرابعة، والخامسة، والسادسة، والسابعة، وما بعد السابعة إلى سدرة المنتهى حتى سمع صريف الأقلام التي تُكتب بها مقادير الخلق، وقد ارتقى صلى الله عليه وسلم هذا المرتقى العظيم الذي لم يرتقه أحد بعده ولا قبله، وكان من خصائصه عليه الصلاة والسلام، وكلم ربه، وفُرضت عليه الصلوات الخمس على النحو الذي ذُكر في الحديث الذي فيه فُرضت أولاً خمسين، ثم بقي النبي صلى الله عليه وسلم يصعد بين ربه وبين موسى عليه السلام يطلب منه التخفيف، حتى خففت إلى خمس صلوات، وأنه رأى من آيات ربه الكبرى العظمى ما لم يحط به أحد من الخلق إلا ما أقدر الله عز وجل النبي صلى الله عليه وسلم عليه. إذاً الإسراء والمعراج حق وكل ما فيه كان يقظة لا مناماً، وهو من معجزاته صلى الله عليه وسلم.

الإيمان بقصة لطم موسى لملك الموت

الإيمان بقصة لطم موسى لملك الموت وذكر المؤلف من أمور الغيب قصة ملك الموت مع موسى حين نزل ليقبض روحه، وأن موسى لطمه ففقأ عينه، فرجع إلى ربه هذا الحديث وغيره من الأحاديث التي فيها ذكر بعض التفاصيل الغيبية من الأمور التي ابتلي بها ضعفاء الإيمان وأهل الشك والريب وأهل الأهواء، فكان من سماتهم إنكار مثل هذا الحديث، ذلك أنهم يعرضون هذه الأمور على عقولهم، فكأنهم قالوا: لا يُعقل أن موسى يضرب ملك الموت وهو أعظم منه وأكبر وجاء ليقبض روحه، ثم إنه لا يُعقل أن يكون ملك الموت على هيئة رجل ثم تفقأ عينه إلى آخر تلك الأمور التي ابتلاهم الله بها فلم يفلحوا نسأل الله السلامة. فجاء هذا من باب الابتلاء للعباد، وهو أيضاً خبر حق وصدق على أصله كما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم، فإن ملك الموت جاء إلى موسى فتمثل له بصورة رجل بإذن الله وبقدرة الله، وأن موسى ضربه، وموسى صاحب غيرة وقوة في الحق، فضربه ففقأ عينه، ولما علم بعد ذلك أنه ملك الموت سلّم له واختار قبض روحه ليلقى ربه عز وجل كما هو معروف، مع أن الله عز وجل خيّره بين أن تُقبض روحه أو يقبض قبضة في شعر الثور ويُعطى بقدرها من السنين عمراً، لكنه اختار لقاء ربه. فهذا من الأمور السمعية التي يُبتلى بها العباد، وهي حق وصدق، وهي التي يختبر بها إيمان الناس، فمن آمن بمثل هذه الأمور وصدّق فهو من المؤمنين بالغيب الذين مدحهم الله عز وجل وامتازوا عن غيرهم، وإن شك أو ارتاب أو أثار الإشكالات فإنه إنما يرتد ريبه وإشكاله عليه نسأل الله السلامة.

أشراط الساعة

أشراط الساعة قال المصنف رحمه الله تعالى: [ومن ذلك أشراط الساعة، مثل خروج الدجال ونزول عيسى بن مريم عليه السلام فيقتله، وخروج يأجوج ومأجوج، وخروج الدابة، وطلوع الشمس من مغربها، وأشباه ذلك مما صح به النقل. وعذاب القبر ونعيمه حق، وقد استعاذ النبي صلى الله عليه وسلم منه وأمر به في كل صلاة، وفتنه القبر حق، وسؤال منكر ونكير حق. والبعث بعد الموت حق، وذلك حين ينفخ إسرافيل عليه السلام في الصور: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ} [يس:51]، ويُحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة غرلاً بهماً، فيقفون في موقف القيامة حتى يشفع فيهم نبينا صلى الله عليه وسلم، ويحاسبهم الله تبارك وتعالى، وتنصب الموازين، وتنشر الدواوين، وتتطاير صحائف الأعمال إلى الأيمان والشمائل: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا * وَيَنقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا * وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ * فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا * وَيَصْلَى سَعِيرًا} [الانشقاق:7 - 12]. والميزان له كفتان ولسان يوزن به أعمال العباد: {فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ} [المؤمنون:102 - 103]. ولنبينا محمد صلى الله عليه وسلم حوض يوم القيامة ماؤه أشد بياضاً من اللبن وأحلى من العسل، وأباريقه عدد نجوم السماء، من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبداً. والصراط حق يجوزه الأبرار ويزل عنه الفجار]. هذه الأمور كلها داخلة في الإيمان بالغيب، وهي جزء مما بدأ به من مسائل الإيمان والغيب والخبريات والسمعيات، فأشراط الساعة وما يتعلق بها داخل في أمور الغيب، وفي أصول الإيمان. فأول ما ذكر أشراط الساعة لأنها مقدمات القيامة، ولذلك بعض أهل العلم يلحق أشراط الساعة بالإيمان باليوم الآخر، وبعضهم يلحقها بالسمعيات الأخرى ويقول: إنها مقدمات للآخرة وهي جزء من الدنيا، وعلى أي حال فهي -كما سميت- أشراط للساعة، يعني علامات لليوم الآخر، أي: علامات نهاية الدنيا وبداية الآخرة، فهي من حيث إنها علامات تلحق بيوم القيامة، ومن حيث زمنها تلحق بأمور الحياة الدنيا. أشراط الساعة هنا لم ترتب حسب ورودها أو حسب تسلسلها الزمني، مع أن أهل العلم اختلفوا اختلافاً كبيراً في ترتيبها وأيها يبدأ وأيها ينتهي وما بين ذلك.

خروج الدجال ونزول عيسى ابن مريم عليه السلام

خروج الدجال ونزول عيسى ابن مريم عليه السلام أول أشراط الساعة: خروج الدجال، والمقصود بـ الدجال شخص يمخرق ويدّعي أنه رب أو أنه الله، ثم يُفتن به الناس ما عدا المؤمنين المصدقين الذين اعتصموا بالله تعالى وبسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وهم الفرقة الناجية. يُفتن به الناس لأنه يسلط على الخلق بأن يكون معه ما يفتن، فتسخّر معه السحاب والمطر، ويكون معه ما يشبه الجنة وما يشبه النار، يعد من أطاعوه واتبعوه بجنة يراها الناس الذين يُفتنون معه، وهي في الحقيقة تئول بهم إلى النار، وكذلك معه نار يهدد بها من لم يتبعه، ويلقيهم فيها وهي تئول بهم إلى الجنة. ويفتن الناس به من حيث إنه يتسع رزق من يطيعه وتمطر له الأرض وينبت له النبات، وغير ذلك من الأمور التي تجعل من لم يعرف حقيقة الدجال ولم يكن مؤمناً حقاً يُفتن به فيهلك. ثم إنه يمر الأرض جميعاً ما عدا مكة والمدينة، ويتبعه المفتونون حتى من أهل مكة والمدينة، ذلك أنه إذا أقبل على مكة والمدينة لا يتمكن من دخولهما؛ لكنها ترتجف فيخرج من في قلبه ريب وشك نسأل الله السلامة. وهو أعور، وعليه علامة الكفر كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح أنه مكتوب على جبينه أو على وجهه: (ك ف ر) يعني كافر، قد يكون هذا فعلاً بالحروف يقرأ وقد يكون بعلامات يعرفها أهل الفراسة من أهل الإيمان، فالله أعلم، لكن لا شك أنه حق. وحينما يُفتن به الناس يبقى المؤمنون أهل الحق لا يؤمنون به وينجيهم الله من فتنته، ويحدث لأحد المؤمنين قصة معه، وذلك أنه يُنكره ويحذّر منه، فيحاول أن يلقيه أو يعذّبه فلا يتمكن أول الأمر، ثم مرة أخرى يحاول أن يلقيه في ناره فيقذف به فيدخل الجنة. وقد ورد أنه يخرج من المشرق من أرض العراق وما وراءها من أرض أصفهان، وهي الآن تقع في أجزاء من إيران، وربما يدخل في وصفها أجزاء من العراق، ويخرج معه سبعون ألفاً من يهود أصفهان عليهم الطيالسة. ثم ينتهي به المقام إلى الشام، فينزل عليه عيسى بن مريم فيؤيد المسلمين المؤمنين الذين يقاتلون الدجال، ويكون معهم في ذلك الوقت المهدي، ثم يهزم عيسى الدجال ويقتله. وحين ينزل عيسى عليه السلام من السماء ينزل بين ملكين على المنارة البيضاء في المسجد شرقي دمشق، ويبقى عيسى كما جاء في بعض النصوص 40 سنة، وقيل أقل من ذلك. هذه هي العلامة الأولى: خروج الدجال. والثانية: نزول عيسى.

خروج يأجوج ومأجوج

خروج يأجوج ومأجوج والثالثة: خروج يأجوج ومأجوج: ويأجوج ومأجوج شعب من شعوب بني آدم كما ورد في الحديث، وكما يدل عليه ظاهر الآية، ذلك أن ذا القرنين مر على الأرض جميعاً ومر على جميع الشعوب، ومنهم يأجوج ومأجوج كما ورد في الآية وفسّره كثير من السلف، وكما ورد في أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم. أما ما ذكر من أن وصفهم كذا وكذا وأنهم ينبتون من الأرض فهي حكايات وخرافات لم يصح منها شيء. فالراجح أنهم شعب من شعوب هذه الأرض الله أعلم بهم، وإن كان الأغلب أن مواطنهم شرق آسيا أو شمال شرق آسيا، والله أعلم. ويأجوج ومأجوج يأتون إلى أرض العرب من كل حدب، ويحدث لهم من الآيات ما يحدث، من ضمنها أنهم يكون لهم نكاية أول الأمر ويضيقون على المؤمنين، وأنهم يشربون ماء بحيرة طبرية، وينتهي ماءها حتى يمر منهم أناس فيقولون: قد كان فيها ماء، وأنهم أيضاً إذا انتهوا من هزيمة من حولهم يرمون السماء بزعمهم أنهم يرمون الله عز وجل، فتأتيهم حجارة أو تأتيهم آثار رميهم فيها دم، وهذا من باب الابتلاء لهم. المهم أنه حينما يضيقون على المسلمين يدعو الله عيسى بن مريم والمؤمنون يدعون ربهم ويلجئون إليه أن يرفع عنهم هذه المصيبة، فيأتي الموت على يأجوج ومأجوج جميعاً فيموتون، ثم يؤذون الناس بروائحهم، فيدعو الله عيسى والمؤمنون معه بأن يرفع عنهم هذا البلاء، فتأتي طير فتحمل جثثهم وتبعدهم عن المؤمنين. ويأجوج ومأجوج أيضاً من أشراط الساعة الكبرى التي أعدت للحديث، وهي الثالثة.

خروج الدابة

خروج الدابة والرابعة: خروج الدابة: والدابة غاية ما يقال إنها حيوان يدب، وتقيم الحجة على الناس وتبين لهم أنهم لا يؤمنون بآيات الله عز وجل كما ورد في ظاهر الآية، لكن ما صفة هذه الدابة؟ ماذا تعمل في الناس؟ هذا أمر لم يثبت فيما أعلم فيه شيء تفصيلي.

طلوع الشمس من مغربها

طلوع الشمس من مغربها والخامس: طلوع الشمس من مغربها: فالشمس تطلع من المغرب بدلاً من أن تطلع من المشرق، وإذا طلعت لم ينفع نفس إيمانها لم تكن آمنت من قبل. وذلك أنها إذا طلعت أيقن كل بشر من الكفار والملحدين والمرتدين والمعاندين بالحق، لكنه في ذلك الوقت لا ينفعهم؛ لأن أمور القيامة بدأت وانتهى وقت التكليف والاختيار ولم يبق إلا ما لا يفيد فيه الإيمان بعد ذلك. فلذلك قال كثير من أهل العلم: أن طلوع الشمس من مغربها هو آخر آيات الساعة وعلاماتها. قول المؤلف: (وأشباه ذلك)، يقصد مثل الدخان الذي يظهر في السماء، وقد ورد في سورة الدخان، وقيل إن هذا الدخان مر وانتهى، وقيل إنه لم يأت بعد.

النار التي تسوق الناس إلى أرض المحشر

النار التي تسوق الناس إلى أرض المحشر والسابع: النار التي تحشر الناس إلى بيت المقدس أو إلى الشام. هذه النار تخرج من قعر عدن من جنوب جزيرة العرب، ثم تزحف على الناس ويهربون منها جهة الشمال، حتى تحشرهم إلى أرض المحشر، ويكونون هم آخر الخلق الذين تقوم عليهم الساعة. ومكمل العشر ثلاثة خسوف، وذلك أنه ورد في بعض الأحاديث أن آيات الساعة عشر، منها ما ورد في الأحاديث مما سبقت الإشارة إليه، وثلاثة خسوف: واحد بالمشرق، وواحد بالمغرب، وواحد بجزيرة العرب. الله أعلم ما هذه الخسوف، لكن ربما يكون من أسبابها منابع البترول، وهذا تخرص وليس مبنياً على علم، لكن أهل العلم أحياناً يستجيزون تحري بعض الأمور من باب أن لها قرائن، لا من باب الجزم بها. فأقول: من القرائن ما يدل على أن هذه الخسوف هي المنابع الرئيسية للبترول والله أعلم وهذا ظن والظن لا يغني من الحق شيئاً! قال: (وأشباه ذلك مما صح به النقل)، يعني مما صح في الكتاب والسنة.

عذاب القبر ونعيمه

عذاب القبر ونعيمه وذكر من ذلك عذاب القبر ونعيمه، وعذاب القبر وارد ومتواتر في النصوص لا مجال للكلام فيه، وهو عذاب حقيقي كما ورد في النصوص، يكون فيه ضرب، ويكون فيه إيذاء وإيلام لروح الإنسان وجسمه، هذا بالنسبة لمن يُعذّب. كما أنه يدخل في ذلك الأمور التفصيلية التي وردت في النصوص من شكل الضرب للمعذبين نسأل الله السلامة، كل ذلك حق وإن كان لا يخضع لموازين الناس في الدنيا، فأهل القبور يحصل لهم ما يحصل من الأمور التي وردت دون أن نقيس ذلك بموازين الدنيا زماناً ومكاناً وأحوالاً، وكذلك النعيم نسأل الله أن يجعلنا جميعاً ممن ينعمون في قبورهم نعيم القبر حق جملة وتفصيلاً، فالمؤمن ينعّم ويرى منزله في الجنة، ويؤانسه عمله، ويرى ما يسعده، وتأتيه الملائكة بما يفرحه، ويُفسح له في قبره مد بصره، إلى آخر ذلك من الأمور الغيبية التي لا بد أن نؤمن بها ولا نخضعها للمقاييس المادية التي جعلت كثيراً من العقلانيين والفلاسفة وأهل الريب والشك يطعنون في أحاديث نعيم القبر وعذابه؛ لأنهم يقولون نرى القبور بعضها بجنب بعض ما بينها إلا بضعة أشبار، بل ونجد آلاف القبور في مكان واحد، فلا يمكن أن يتأتى مع هذا العذاب والنعيم نقول: هذه مقاييسكم في الدنيا، وعذاب القبر ونعيمه يخضع لأمور الآخرة. فهذه الأمور غيبية لا حق للإنسان أن يفصّل فيها بأكثر مما ورد، ويجب أن يسلم بها كما جاءت لأنها متعلقة بقدرة الله عز وجل، وقدرته لا حد لها، ومتعلقة بخبر الله وخبر الله لا يجوز أن يناقش على وجه التشكيك. وقد استعاذ النبي صلى الله عليه وسلم من عذاب القبر، وأمر بالاستعاذة منه في كل صلاة. وفتنة القبر حق، وهي السؤال وما يستتبعه من عرض العمل عليه، وكون الإنسان يأتيه عمله ويقول له ما يقول، يرى منزله في الجنة إن كان من أهل الجنة، ويرى منزله من النار إن كان من أهل النار نسأل الله أن يعافينا من النار. والسؤال ثابت قطعاً من الملكين، لكن منكر ونكير يتوقف ثبوتهما على ثبوت الحديث، والراجح أن الحديث في تسمية منكر ونكير صحيح، وعلى هذا فإن السؤال ووجود الملكين اللذين يسألان كل إنسان في قبره مقطوع به، لكن تسمية الملكين بمنكر ونكير هو الذي ورد في حديث لم يوصله بعض أهل العلم إلى درجة الصحة، فمن هنا قال: نؤمن بالملكين لكن لا يلزم أن نؤمن باسم الملكين منكر ونكير. والصحيح والراجح أن الحديث ثابت في اسمهما، أما ثبوت الملكين فهو أمر قطعي. والملكان يسألان الإنسان عن دينه، وعن نبيه، وعن عمله، وعن ربه، وعن أمور أخرى تتعلق بالدين، وذلك حق لا شك فيه. وكل إنسان يتعرض للحياة البرزخية، أي لفتنة القبر، وسؤال منكر ونكير، حتى ولو لم يدفن في الأرض، فعذاب القبر ونعيمه ثابت، وأحوال القبر ثابتة لكل ميت من بني الإنسان سواء مات ودفن في الأرض، أو أكلته الطير، أو سحقته السواحق، أو ذرته الريح، أو أحرقته النار فكان رماداً، أو اندمج في بطون الوحوش أو بطون الأسماك أو غيرها، فإنه لا بد أن يتناوله عذاب القبر ونعيمه بقدرة الله عز وجل، لا يسلم من ذلك أحد.

مواقف يوم القيامة

مواقف يوم القيامة والبعث بعد الموت هو أول المرحلة الأولى من أحوال يوم القيامة، ذلك أن الحياة تنقسم إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول: الحياة الدنيا. القسم الثاني: الحياة البرزخية وهي داخلة في اليوم الآخر. القسم الثالث: البعث وما بعده. ثم قال: (ويحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة)، المعنى أنهم ليس عليهم ألبسة وليس عليهم أحذية. و (غرلاً) أي: ليسوا بمختونين. و (بهماً) يعني مجردين من كل شيء، والملك يومئذ لله لا شيئاً يملك. وحين يُنفخ في الصور، والنفخ كما هو معلوم على مرحلتين: النفخ الأول: يموت فيه كل شيء ولا يبقى إلا وجه الله عز وجل. النفخ الثاني: يكون به حياة الناس من قبورهم {فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ} [الزمر:68] والنفخ في الصور نفخ حقيقي مادي مسموع، بوسيلة وهو الصور، والصور آلة شبهها العلماء بالقرن أو أنها قرن، والقرن في وصفه عند أهل العلم أنه كالمكبّر عندنا الآن أي الآلة التي تكبر الصوت، والنافخ هو إسرافيل ملك من ملائكة الله عز وجل الذين يوكل الله بهم هذا الأمر، فإسرافيل ملك ينفخ النفخة الأولى وينفخ النفخة الثانية.

الحشر والحساب

الحشر والحساب ثم قال: (ويحاسبهم الله عز وجل). ففي الحشر يُبعثون من قبورهم ويتجهون كلهم إلى المحشر، فيجتمعون في مكان واحد وفي صعيد واحد، وهو قاع صفصف لا ترى فيه عوجاً ولا أمتاً، ليس فيه مرتفع ولا منخفض، ثم يُحشرون مدة طويلة، ويسمى هذا الحشر الموقف، يُحشرون خمسمائة عام وقيل ألف عام. وفي الحشر يحدث لهم من أهوال يوم القيامة ما لا يطاق، فتدنو منهم الشمس حتى تكون فوق رءوسهم، ويلجمهم العرق، ويضيقون بالحشر من طول مدته، لكن يتفاوت الحشر بين الناس، فالمؤمنون لا يشعرون بهوله كما يشعر الكفار وإن كان المؤمنون أيضاً يتفاوتون، ومنهم من يكون في ذلك الوقت في ظل الله عز وجل يوم لا ظل إلا ظله، ومنهم من لا يشعر بأهوال الحشر فيروى ويُسقى ويُطعم ويُظل بفضل الله عز وجل نسأل الله أن يجعلنا جميعاً كذلك، ومن المؤمنين من يشعر بالحشر، فهم على درجات، فالمقصر يشعر به أكثر، والإنسان الذي يعمل أكثر يشعر بشيء من الراحة، أما الكافر والمنافق فهو الذي يُعاني شدة الحشر، والجميع يعانون من ذلك. ففي الحشر يُحشر الناس زمناً طويلاً ولا يجرئون أن يدعوا ربهم بأن يفصل بينهم لأنهم يرون الله عز وجل في ذلك المقام وقد غضب غضباً لم يغضب مثله قبله ولن يغضب مثله بعده، فيبحثون عمن يشفع لهم أمام الله عز وجل، فيذهبون كما هو معلوم إلى آدم فيعتذر وإلى نوح فيعتذر، وإلى إبراهيم، وإلى موسى، وإلى عيسى كلهم يعتذرون إلا أن عيسى يقول لهم: اذهبوا إلى محمد؛ فإنه عبد قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فيأتي العباد جميعاً إلى محمد صلى الله عليه وسلم فيطلبون منه الشفاعة عند الله عز وجل، فيقول: أنا لها، فيأتي فيسجد تحت العرش سجوداً طويلاً ويلهمه الله عز وجل من المحامد ما لم يكن يعرفه من قبل، فيقول البارئ عز وجل: يا محمد ارفع رأسك، وسل تُعط، واشفع تشفّع، ثم يطلب الشفاعة من الله عز وجل فيفصل الله بين الخلائق، فمن هنا يبدأ الحساب، والحساب هو مناقشة كل إنسان بمفرده يكلمه الله عز وجل بواحاً ليس بينه وبينه حجاب، ويحاسب الخلائق جميعاً حساب رجل واحد، وكل إنسان يظن أن الله لم يحاسب غيره في ذلك الوقت، فيناقشه الحساب.

نصب الموازين

نصب الموازين ثم بعد ذلك تُنصب الموازين وهي موازين حقيقية لها كفة، وقيل إنه ميزان، إنما قيل (موازين) لأن هذا الميزان يزن للجميع فيُعتبر بالنسبة للجميع موازين إشارة إلى المصدر لا إلى الآلة، وقيل إنها موازين كثيرة متعددة، والأرجح والله أعلم أنه ميزان واحد، فيكون بالنسبة للجميع موازين. وتنشر الدواوين والسجلات، ثم بعد ذلك تتطاير الصحف، كل واحد يأخذ صحيفته، أما الدواوين فقد كُتب بها جميع ما عمله الإنسان، وهي نتيجة ما كان يكتبه الكرام الكاتبون على العبد، فيعرف كل إنسان ماذا عمل ويحاسب عليه، ثم بعد ذلك تأتي الشهادات، وهي الصحائف التي فيها نجاة الناجين وهلاك الهالكين، فكل إنسان يأخذ صحيفته، فمنهم من يأخذ صحيفته بشماله ومنهم من يأخذ صحيفته من وراء ظهره، ومنهم من يأخذ صحيفته بيمينه. والميزان له كفتان ولسان كما ورد في النصوص، وهذا رد على أفراخ الفلاسفة وأفراخ العقلانيين قديماً وحديثاً من الذين زعموا أن الميزان أمر معنوي وليس بحقيقي، وأنه يعني العدل.

حوض النبي صلى الله عليه وسلم والصراط

حوض النبي صلى الله عليه وسلم والصراط ثم قال: (ولنبينا محمد صلى الله عليه وسلم حوض). يدل السياق على أن الشيخ يرى أن الحوض قبل الصراط، وهو الذي يراه كثير من أهل العلم. وهو حوض وصف بأن ماءه أشد بياضاً من اللبن وأحلى من العسل، وأباريقه عدد نجوم السماء، من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبداً. والصراط حبل على متن جهنم يمر به الناس، فمن كان من أهل النجاة نجا، وأهل النجاة يتفاوتون، فمنهم من يمر كالبرق، ومنهم من يمر كأجاويد الخيل، أي الخيل الجيدة السريعة، ومنهم من يمر ركضاً، ومنهم من يمر مشياً، ومنهم من يمر زحفاً، ومنهم من يتكردس في نار جهنم، وهم المنافقون والكفار والذين أراد الله عز وجل لهم أن يُعذبوا من أهل الكبائر. قال: (يجوزه الأبرار)، بمعنى يتجاوزونه ويمرون به، (ويزل عنه الفجار) بمعنى أنهم يتكردسون في نار جهنم.

الإيمان بالشفاعة

الإيمان بالشفاعة قال المصنف رحمه الله تعالى: [ويشفع نبينا صلى الله عليه وسلم فيمن دخل النار من أمته من أهل الكبائر، فيخرجون بشفاعته بعد ما احترقوا وصاروا فحماً وحمماً] بمعنى أنهم بعد أن يُعذّبوا زمناً حسب تقدير الله عز وجل ومشيئته يشفع لهم النبي صلى الله عليه وسلم فيدخلوا الجنة. ذكر الشفاعة وهي شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لأهل الكبائر من أمته، وهذه قطعية متواترة، أنكرتها الخوارج والمعتزلة وكثير من الفرق التي سارت على نهج هاتين الفرقتين، ومنها على سبيل المثال طوائف الآن من المفكرين ومن العصرانيين، ومنها الإباضية، فإنها تُنكر الشفاعة لأهل الكبائر إلى يومنا هذا رغم تواترها في النصوص نسأل الله العافية من هذه الآراء الباطلة، وأن أهل الكبائر يدخلون الجنة بعد أن يُعذّبوا في النار ما شاء الله عز وجل أن يُعذّبوا، والشفاعة لأهل الكبائر شاملة لغير هذه الأمة أيضاً، فكل نبي يشفع لأهل الكبائر من أمته. ثم قال: [ولسائر الأنبياء والمؤمنين والملائكة شفاعات]. أي: شفاعات متعددة وليست شفاعة واحدة، بمعنى أن هناك أنواعاً من الشفاعات وأنواعاً من الشفعاء، فالنبي صلى الله عليه وسلم له شفاعات كثيرة منها المقام المحمود الذي ذكرته، وهو الشفاعة لأهل الموقف بأن يفصل الله بينهم، ثم شفاعته صلى الله عليه وسلم لطوائف من أهل الجنة تُغلق أمامهم أبوابها، فيشفع لهم بأن تُفتح لهم أبوابها، وشفاعته صلى الله عليه وسلم لأهل الكبائر، وقد ذكرتها، وشفاعته صلى الله عليه وسلم لأناس استحقوا النار عند الحساب ألا يدخلوها، وشفاعته صلى الله عليه وسلم لبعض أهل الجنة أن يزاد لهم من نعيمها ويرتقوا في درجاتهم، وشفاعته لعمه أبي طالب بأن يخفف عليه من عذاب النار. وكذلك الأنبياء والملائكة لهم شفاعات في المؤمنين، بمعنى أن الشفاعة لا يمكن أن تشمل أهل النفاق والشك والكفار الخلّص، ولا تكون إلا للمؤمنين من أهل الكبائر أو من دونهم ممن يستحق شفاعة ما، ممن لم يكن من أهل الكبائر، أو دخل الجنة لكن قد يُشفع له في زيادة نعيم ونحو ذلك. إذاً الشفاعة لا تكون إلا للمؤمنين، ولا تكون أيضاً إلا برضا الله عز وجل عن المشفوع له، وإذنه للشافع بأن يشفع. الشافعون: هم الرسل والأنبياء والمؤمنون والملائكة. وقد ورد أن للقرآن شفاعة لصاحبه بأن يرتقي في درجات الجنة حينما يقال له: اقرأ وارق، وورد أن القرآن يؤانس صاحبه في القبر، وورد أن القرآن له شفاعات الله أعلم بها. وورد أن الصيام له شفاعة، وورد أن أطفال المسلمين الذين يموتون قبل سن البلوغ إذا احتسبهم والدوهم فإنهم يشفعون لهم، وهذا ثابت في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

الإيمان بالجنة والنار

الإيمان بالجنة والنار ثم ذكر الجنة والنار، وأنهما مخلوقتان، أي الآن، والله أعلم بكيفية ذلك؟ وأين تكونان؟ لكن لا شك أن الجنة فوق وأن النار في أسفل سافلين، وأن الجنة أيضاً تزادن للمؤمنين وتُغرس بأعمالهم، وأن النار فيها من الخلق من دخل فيها أو يردها الآن مثل فرعون وقومه، فإنهم يردون النار بكرة وعيشاً؛ نسأل الله السلامة قال المؤلف رحمه الله: [والجنة مأوى الأولياء والنار عقاب للأعداء]. هذا فيه رد على كثير من غلاة الفلاسفة وغلاة المتصوفة، وغلاة الباطنية الذين يزعمون أن الجنة تكون فيما بعد مأوى للجميع لا فرق بين مؤمن وكافر، أو يزعمون أن الجنة لطوائف معينة من البشر، أو أن كل البشر لا بد أن يكونوا من أهل الجنة، حتى زعم بعضهم أنه يتحكم في الجنة والنار يدخل فيها من يشاء ويحرم منها من يشاء. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وأهل الجنة فيها مخلدون]. بمعنى أنهم باقون في نعيمها أبداً، وكذلك أهل النار مخلدون باقون في عذابها أبداً إلا من شاء الله خروجه من أهل النار، وهم أهل الكبائر أو الذين تشملهم رحمة الله عز وجل، كما ورد في الحديث الصحيح أن الله عز وجل حينما يقول: شفع النبيون وشفع الملائكة، ثم يقول: ولم يبق إلا رحمة أرحم الراحمين، فيقبض قبضة بيده من أهل النار من أناس لم يعملوا خيراً قط، فيكونون من أهل الجنة برحمة الله، وفي هذا إشارة إلى أن الله عز وجل يفعل في عباده ما يشاء، وليس لهم أن يقرروا مصائر العباد بأهوائهم إلا ما ورد في الكتاب والسنة. ثم قال: [ويؤتى بالموت في صورة كبش أملح فيذبح]. هذا فيه دليل قاطع على أن أهل النار لا يموتون، وأن أهل الجنة لا يموتون. [ثم يقال: يا أهل الجنة خلود ولا موت، ويا أهل النار خلود ولا موت]. والحديث كما ترون رواه البخاري ورواه مسلم، والأحاديث في ذلك كثيرة.

الأسئلة

الأسئلة

وجود الدجال وقبول التوبة بعد خروجه

وجود الدجال وقبول التوبة بعد خروجه Q هل الدجال موجود؟ وهل تقبل التوبة بعد خروجه، أي لو إنساناً آمن به ثم تاب؟ A فالتوبة تُقبل ما لم تطلع الشمس من مغربها أو يغرغر الإنسان، أو بمعنى أنه يبدأ مرحلة الموت وينتهي من الحياة، فما لم تبلغ الروح الحلقوم فإن الإنسان له توبة، وما لم تطلع الشمس من مغربها فله توبة حتى ولو بعد الدجال على القول بأن خروج الدجال -وهو الراجح- قبل طلوع الشمس من مغربها. أما هل الدجال موجود؟ فهذه مسألة خلافية لا تزال من مشكلات المسائل، بعض أهل العلم يقول: الدجال غير موجود، بدليل أنه يخرج آخر الزمان، والنبي صلى الله عليه وسلم ذكر في حديث أنه لن تبقى بعد مائة سنة في وقته نفس حية، فقالوا: يدخل في ذلك نفس الدجال لو كان حياً لمات، وبعضهم قال: إنه من علامات الساعة ولا يخرج إلا عند الساعة، وإنه الآن في عداد غير الموجودين. وبعضهم قال: الدجال موجود لكنه يتشكل، والنبي صلى الله عليه وسلم أخبر به، فإنه أخبر به في شكله الأخير الذي يكون فيه الخروج على آياته التي ذُكرت، أما قبل ذلك فإنه شيطان من شياطين الإنس أو شياطين الجن، أو من ذرية إبليس والله أعلم، أو خلق آخر يتشكل وربما يُبتلى به الخلق كما يبتلون بالشياطين، واستدلوا لذلك بأدلة منها قصة الجسّاسة، فقالوا: إن فيها إشارة إلى أن الدجال مربوط في جزيرة من البحر، وأنه يتحين الفرصة ويسأل عن الأخبار. وقالوا أيضاً: إنه تشكل مرة أخرى على صورة ابن صياد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأراد الله أن يبتلي به الصحابة، لكن الله وقاهم من شر فتنته، فلم يحدث منه ما يضر بعقيدتهم، وكثير من الصحابة يرون هذا الرأي، أنه ابن صياد تشكل من باب الابتلاء واستدلوا على هذا بأدلة كثيرة، وقالوا: إنه ربما يموت أو ربما يموت ثم يخرج مرة أخرى، أو أنه يختفي ويتشكل بحال أخرى كتشكل الشياطين، وأنه يخرج عند قيام الساعة على النحو الذي ذُكر في الأحاديث، وأن قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تبقى نفس منفوسة بعد المائة سنة) ونحو ذلك، لا يشمل من استثني مثل عيسى عليه السلام والدجال، قالوا: وهذا الحديث يعني المخاطبين من أهل جزيرة العرب ومن حولها ولا يعني جميع الخلق وجميع النفوس. المهم أن الذين قالوا إن ابن صياد هو الدجال يرون أن الدجال لا يزال حياً وأنه يتشكل، وأنه أحياناً يكون محبوساً في البحر، وأحياناً يظهر للناس على شكل رجل يُفتن به الناس، إلى أن يخرج على هيئة الدجال المعروف عند قيام الساعة. ولقولهم هذا أنه حي شواهد، منها ما حدث لـ ابن صياد مع ابن عمر من سوء التفاهم، فـ ابن عمر ضرب ابن صياد في إحدى سكك المدينة، فانتفخ وحدث منه حال أزعجت الناس وأرهبتهم حتى كاد أن يسد السكة، فذهب الناس وشكوا الحال لـ حفصة بنت عمر فاستدعت أخاها وقالت: يا عبد الله أتريد أن تخرجه علينا، أما علمت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إنه يخرج في غضبة يغضبها؟ فما قال: نعم هو هذا، ولا قال: ليس هذا هو الدجال، ولا قال: هذا الخبر ليس بصحيح، بل صدّقه. وكثير من الصحابة كانوا يرون أنه هو الدجال فتنوا به وأن الله عصمهم من فتنته وهناك أدلة وقرائن أخرى كثيرة، وبعضهم قال: لا، إنه يقال له الدجال بمعنى أنه دجال من الدجالين.

معنى القول بأن الأعمال من لوازم الإيمان

معنى القول بأن الأعمال من لوازم الإيمان Q ما معنى قول مرجئة الجهمية إن الأعمال من لوازم الإيمان؟ A هؤلاء ليسوا مرجئة الجهمية، مرجئة الجهمية لا يقولون الأعمال من لوازم الإيمان، والذين يقولون الأعمال من لوازم الإيمان مرجئة الفقهاء، وإذا كنت قد قلت مرجئة الجهمية فهذه زلّة مني، أو سبق لسان فالذين يقولون الأعمال من لوازم الإيمان مرجئة الفقهاء وهم غير مرجئة الجهمية، أما مرجئة الجهمية فإنهم لا يدخلون الأعمال في الإيمان أبداً، ويرون أن الإيمان التصديق، والعمل لا أثر له لا في خير ولا في شر، وهؤلاء يسمون غلاة المرجئة.

حكم وعظ الناس بعد دفن الميت

حكم وعظ الناس بعد دفن الميت Q هل يصح أن يوعظ الناس بعد دفن الميت استدلالاً بالحديث؟ A نعم يجوز وعظ الناس لكن بقدر، أي أنه لا يأخذ الوعظ ترتيبات خطابية وأن يقوم خطيب وراء خطيب، وجمهرة أو استعمال مكبرات إنما يوعظون بكلمات معدودات لا يكون لها شيء من الإجراءات التي ربما تكون وسيلة لعمل البدع، والجنائز دائماً من وسائل انتشار البدع، بإضافة الأعمال حولها مما لم يُشرع في السنة، وأعظم من ذلك الكلمات التي تُلقى عند انتظار الجنازة في المساجد، هذا في الحقيقة يُخشى أن يكون بداية البدع، فلا ينبغي أن تُستغل تجمعات الناس للصلاة على الجنازة للخطابة والكلام، فإن هذه بدايات البدع؛ لأنه يأتي يوم من الأيام يقول الناس: ما دام فلان اجتُمع له وتكلم الشيخ الفلاني عند جنازته، إذاً صاحبنا من الأموات أولى وله حق علينا، فيستدعون الشيخ فلاناً والواعظ فلاناً فتبدأ مسألة المآتم التي حدثت في البلاد الأخرى إذاً فينبغي سد هذا الباب إلا الوعظ المحدود الذي ورد مثله عن النبي صلى الله عليه وسلم، على نحو ما ورد بلا زيادة مع الاحتياط الشديد؛ لأن الناس الآن توفرت لديهم الوسائل، ممكن أن يأخذ بشكل أوراق ومنشورات أو مكبرات أو حفلات خطابية إلى آخره، فينبغي لطلاب العلم أن يتنبهوا فلا يُترك الوعظ إطلاقاً ولا يُفتح الباب على مصراعيه.

معنى ورود يأجوج ومأجوج من كل حدب وصوب

معنى ورود يأجوج ومأجوج من كل حدب وصوب Q القول بأن يأجوج ومأجوج ينبتون من الأرض خرافات لا أصل لها، وما معنى قولك من كل حدب وصوب؟ A من كل حدب أي: من كل جهة، يردون أثناء الحدث الذي يحدث لهم عند قيام الساعة من كل جهة، ومن كل مرتفع وكل منخفض. أما أنهم لا يستنبتون من الأرض فنعم، لأنهم شعب من الشعوب من ذرية آدم والله أعلم.

حياة البرزخ للذين تقوم عليهم الساعة

حياة البرزخ للذين تقوم عليهم الساعة Q هل الذين تقوم عليهم الساعة في أرض المحشر في الشام يكون لهم حياة برزخية؟ A نعم، أن لهم حياة برزخية لأنه يوجد بين الحياة الأولى والأخرى زمن، وبين النفختين زمن.

أنواع الناس في أخذ الصحف في أرض المحشر

أنواع الناس في أخذ الصحف في أرض المحشر Q هل الناس في أخذ الصحف على ثلاثة أنواع أو على نوعين؟ A الناس من حيث مصائرهم على نوعين: الناجون: وهم الذين يأخذون الصحف بأيمانهم نسأل الله أن يجعلنا جميعاً كذلك. والهالكون: وهم على صنفين: صنف يأخذ صحيفته بشماله، وصنف من وراء ظهره، والله أعلم أن الذي يأخذه من وراء ظهره هو المنافق والمعاند والكائد للحق وأهله، أي: الذي يُنكر الحق مع قيام الحجة عليه. فإذاً هم من حيث السعادة والشقاوة صنفان، ومن حيث نوع الأخذ ثلاثة أصناف.

وصف الله تعالى بأنه كتب بيده

وصف الله تعالى بأنه كتب بيده Q هل يصح أن أقول اللفظة التالية: أن من صفات الله أنه كتب بيده؟ A هذا فعل من أفعال الله وليس من صفاته، نعم اليد صفة من صفات الله عز وجل تُثبت له كما يليق بجلاله، أما الكتابة باليد فقد ورد عن الله عز وجل أنه كتب كذا بيده كما كتب الصحف وكتب التوراة، فعلى هذا يكون إضافة الكتب إضافة فعل من أفعال الله عز وجل ليست إضافة صفة، واليد صفة.

قرائن القول بأن الخسف يكون في منابع البترول

قرائن القول بأن الخسف يكون في منابع البترول Q ما هي القرائن التي ذكرتها في أن الخسف يكون في منابع البترول؟ A على أي حال أنا قلت لكم هذا كلام لا يعول عليه، إنما هو مجرد ظن والظن لا يغني من الحق شيئاً، لكن عرفنا من بعض أهل العلم أنهم قد يلتمسون بعض الأمور أو بعض الدلائل التي تجعلهم قد يقولون بقول ولا يجزمون به. أما القرائن فإن الإشارة إلى أن الخسوف في ثلاثة أماكن واضحة أن المقصود بها الأماكن التي تشمل أقصى الشرق وأقصى الشمال، وأقصى الغرب وأقصى الشرق والوسط، وإذا تأملنا منابع البترول وجدناها في هذه الأماكن الثلاثة، والمنابع كما يذكر كثير من المختصين الآن قد تؤثر على الأرض فيما بعد إذا كثر استنفاذ البترول من الأرض، وأُخذت كميات ضخمة هائلة.

عذاب القبر لقوم فرعون

عذاب القبر لقوم فرعون Q هل الآية الواردة في قوم فرعون: {يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا} [غافر:46] تدل على عذاب القبر؟ وما هي وجه الدلالة؟ A طبعاً ورد في الحديث صحيح أنهم يعذبون في قبورهم، وأن هذا نوع من عذاب القبر لهم.

مصطلح السمعيات

مصطلح السمعيات Q أليس السمعيات مصطلح من مصطلحات علماء الكلام، فمعلوم أن الرازي يقسم العقيدة إلى إلهيات ونبوات وسمعيات، ويظهر لي أن مصطلح السمعيات لا دليل عليه؟ A نعم، من حيث إنه مصطلح يلتزم أو يُعتقد ليس بذلك، لكنه مصطلح متعارف عليه في إطلاقه على الأمور التي وردت في النص في القرآن والسنة، ولا مشاحة في الاصطلاح، والسلف أطلقوه بعد شهرته على الأمور الغيبية لأنه وصف صادق عليها، وكونه يوافق مصطلحات المتكلمين فهذا لا يضر إذا كان المصطلح صحيحاً وليس عليه غبار؛ لأنه حتى عند المتكلمين مفهوم السمعيات مفهوم يوافق ما جاء به الشرع، فإذاً: لا حرج في إطلاقه.

رؤية النبي صلى الله عليه وسلم ربه في حادثة المعراج

رؤية النبي صلى الله عليه وسلم ربه في حادثة المعراج Q هل رأى النبي صلى الله عليه وسلم ربه في حادثة الإسراء والمعراج؟ A نعم رأى ربه؛ لكن الراجح أنها رؤية قلبية بفؤاده كما ثبت عن ابن عباس وكثير من الصحابة، وأن النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل: هل رأيت ربك؟ قال: (نور أنى أراه) في حين أنه أثبت رؤية ربه في أحاديث أخرى في المعراج، وفي النوم حينما قال: (رأيت ربي البارحة)، ولذلك ما ورد عن الصحابة وعن السلف من إنكار الرؤية ينصرف إلى إنكار الرؤية البصرية، وما ورد من ثبوت الرؤية يصرف إلى الرؤية القلبية.

استخدام عبارة (تحقيقا لا تعليقا)

استخدام عبارة (تحقيقاً لا تعليقاً) Q هل يجوز لأحد أن يستخدم هذه الجملة: تحقيقاً لا تعليقاً، أم أن لها شروطاً؟ A أي: كأن يقول: المسلمون سينتصرون إن شاء الله تحقيقاً لا تعليقاً، فهذا جزم بوعد الله وبالنصر مثلاً، وهذا كلام من عندي، لكن هو جعل السؤال مجملاً: هل يجوز لأحد أن يستخدم هذه الجملة: (تحقيقاً لا تعليقاً)؟ والجواب: حسب المقام، أما دائماً فلا، أما إذا كان المقام يقتضيها كأن يؤكد على أمر عنده يقين به لكن لا بد من الاستثناء فيه فيجعل الاستثناء استثناءً راجعاً إلى مشيئة الله لا إلى وعده، فيقصد به الجزم بوعد الله، وتعليق المشيئة على الله عز وجل، فهذا لا مانع منه لكن بشرط ألا يكون استعمالها دائماً، لأن فيه نوع تأل على الله عز وجل.

موت إسرافيل

موت إسرافيل Q في النفخ الأول في الصور هل يموت إسرافيل؟ وإن كان يموت فمن الذي ينفخ النفخة الثانية؟ A يظهر من النصوص أنه يموت، ويحيا بإذن الله ثم ينفخ النفخة الثانية، وذلك كله راجع إلى قدرة الله عز وجل، على أي حال ما عندي في هذا ما أتذكره من النصوص، لكن عموم النصوص تدل على أنه يموت، وأن الله عز وجل يحييه فينفخ في الصور.

من هم الذين يخرجون من النار

من هم الذين يخرجون من النار Q الذين يقبضهم الله عز وجل ويخرجهم من النار هل فيهم كفار؟ A الله أعلم، وهذه من الأمور المشكلة عند أهل العلم؛ لأنه ورد أن منهم من لم يعملوا خيراً قط، فبعض أهل العلم فسّرها بأنهم لم يعملوا خيراً ولم يعملوا كفراً أيضاً، أي أنهم لم يعملوا خيراً قط لكن ليسوا من الكفار والمشركين، إما أن يكونوا من أهل الفترة، أو من أمثال الذين لا تقوم عليهم الحجة في الدنيا كالمخرف أو المعتوه. وبعضهم قال إن هذا يشمل من يتوب ويسلم ثم يموت قبل أن يعمل خيراً قط، مع أن هذا حكمه حكم المسلم، فلا شك أنه من أهل الجنة. لكن قد يكون ممن لم يسلم لكنه ترك الكفر والشرك ثم لم يهتد بالإيمان. وقيل: بل هذا أمر راجع إلى مشيئة الله عز وجل، وقد يشمل ذلك الكفار الخلّص، والله على كل شيء قدير، ليبين لعباده أنه يفعل ما يشاء، وأنه لا يتألى عليه أحد.

حكم الاستثناء في الإسلام

حكم الاستثناء في الإسلام Q هل يجوز الاستثناء في الإسلام؟ A لا؛ لأن الإسلام عمل الاستثناء يكون في الإيمان، مع أن بعض أهل العلم قال: إن حكم الإيمان وحكم الإسلام واحد، يقول: أنا مسلم إن شاء الله أو مؤمن إن شاء الله، لكن الغالب أن الإسلام لا يرد فيه الاستثناء؛ لأنه أمر ظاهر، أما الإيمان فأغلبه متعلق بالأمر الباطن، فلذا أغلب الاستثناء إنما يكون في الإيمان.

استثناء الشفاعة لأبي طالب من بين الكفار

استثناء الشفاعة لأبي طالب من بين الكفار Q يقول المؤلف: (ولا تنفع الكافر شفاعة الشافعين)، وقد ذكرت الشفاعة لأبي طالب وهو كافر؟ A نعم، لا تنفع الكافر شفاعة الشافعين، أما ما ورد في حق أبي طالب فهو مخصوص به وليس لغيره، لذلك قال بعض أهل العلم: إنه لا يجوز أن نقول: إن من شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم أنه يشفع لبعض أهل النار، وإنما نقول: يشفع لعمه أبي طالب، وهذا هو الراجح.

الفرق بين العرض والحساب

الفرق بين العرض والحساب Q ما هو الفرق بين العرض والحساب؟ A الفرق بين العرض والحساب، أن الحساب جزء من العرض، والعرض أشمل من الحساب، فالعرض يشمل الوقوف والحساب، أما الحساب فهو بعد الوقوف.

سماع أهل القبور من يزورهم ويدعو لهم

سماع أهل القبور من يزورهم ويدعو لهم Q هل أهل القبور يسمعون من يزورهم ويدعو لهم؟ A من يأتي القبور فيسلم عليهم يردون عليه السلام ويسمعونه، أما من يدعو لهم خارج القبور فإنهم لا يسمعونه، إلا أنه ورد أشياء محدودة لا تدل على استمرار سماعهم لما يفعل غيرهم، أما من يزورهم فإنهم ترد عليهم أرواحهم ويردون عليه السلام ويسمعون ما يقول.

شرح لمعة الاعتقاد [7]

شرح لمعة الاعتقاد [7] لقد فضل الله تعالى نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم على جميع الخلق، وجعله خاتم النبيين وسيد المرسلين، وخصه بخصائص كثيرة تدل على فضله وعلو منزلته، وكذلك فضل أصحابه وأزواجه على سائر أصحاب الأنبياء من قبله، فهم خير الناس بعد الأنبياء عليهم السلام.

بعض خصائص النبي صلى الله عليه وسلم وخصائص أمته

بعض خصائص النبي صلى الله عليه وسلم وخصائص أمته قال المصنف رحمه الله تعالى: [فصل: ومحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين، وسيد المرسلين، لا يصح إيمان عبد حتى يؤمن برسالته، ويشهد بنبوته، ولا يقضى بين الناس في يوم القيامة إلا بشفاعته، ولا يدخل الجنة أمة إلا بعد دخول أمته. صاحب لواء الحمد، والمقام المحمود، والحوض المورود، وهو إمام النبيين وخطيبهم، وصاحب شفاعتهم، أمته خير الأمم]. في هذا المقطع ذكر شيئاً من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم وخصائص أمته.

محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين

محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين أولاً: أن نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم هو خاتم النبيين، يعني: آخرهم، فلا نبي بعده في كل زمان ومكان إلى أن تقوم الساعة، وبين جميع الأمم، فلا نبي بعده في العرب ولا في غير العرب، ولا نبي بعده في أرض العرب ولا في أرض غيرهم، ولا نبي بعده في بلاد المسلمين ولا غيرها، بمعنى أنه صلى الله عليه وسلم ختمت برسالته وبه جميع الرسالات والنبوات، فلا نبي بعده على الإطلاق، وعلى هذا فأي مدع للنبوة بعد النبي صلى الله عليه وسلم فهو كافر كاذب ملحد. وهذا أمر بدهي من ضرورات الدين، أي معلوم من الدين بالضرورة؛ لأنه متواتر في النصوص وأجمعت عليه الأمة، ومعلوم من الدين بالضرورة من حيث إن الله عز وجل أقام الحجة برسالته، وبما أنزل إليه من القرآن والسنة، وبإقامة الحجة بالطائفة الظاهرة المنصورة على الأمم إلى قيام الساعة، فلا حاجة إلى النبوة بعده، وهو نبي لجميع الأمم عربها وعجمها.

محمد صلى الله عليه وسلم سيد المرسلين

محمد صلى الله عليه وسلم سيد المرسلين ثانياً: (أنه سيد المرسلين) والسيد هو المقدم، فالنبي صلى الله عليه وسلم هو أفضل المرسلين وهو مقدمهم، وعلى هذا فهو أفضل البشر على الإطلاق، بل هو أفضل الخلق عليه الصلاة والسلام على الإطلاق. وسيادة النبي صلى الله عليه وسلم تعني تقدمه المطلق على جميع الناس؛ لأن المرسلين هم أفضل الناس وإذا كان هو سيدهم في الدنيا والآخرة، فإذاً هو سيد الناس جميعاً بما فضله به الله عز وجل.

لا يصح إيمان عبد حتى يؤمن برسالة محمد صلى الله عليه وسلم

لا يصح إيمان عبد حتى يؤمن برسالة محمد صلى الله عليه وسلم ثالثاً: (لا يصح إيمان عبد حتى يؤمن برسالته) هذا على الإطلاق، بل الراجح أن جميع الأمم مطالبة بالإيمان به من لدن آدم إلى قيام الساعة، فهذا لا يختص بالأمة التي بعث فيها وما بعدها، بل يعم جميع الخلق، فكلهم لا بد أن يؤمنوا برسالته، لكن الذين بعث فيهم يجب أن يأخذوا بدينه جملة وتفصيلاً، أما الذين قبله فقد أخذ عليهم العهد بالإيمان به على وجه الإجمال، وهم أخذ عليهم العهد بالإيمان به صلى الله عليه وسلم، وهم أخذوا العهد على أممهم بالإيمان به صلى الله عليه وسلم كأخذهم العهد في مسألة النبوات عموماً، لكنه خص عليه الصلاة والسلام بالذكر والتخصيص. والإيمان برسالته يشمل الجن والإنس الذين بعث فيهم والذين قبلهم. وقوله: (ويشهد بنبوته) تابع لما قبله.

الشفاعة العظمى

الشفاعة العظمى رابعاً: (ولا يقضى بين الناس يوم القيامة إلا بشفاعته) وهي الشفاعة العظمى، وهي من المقام المحمود الذي سيأتي ذكره، بمعنى أن الناس يوم القيامة يبقون في الحشر يموج بعضهم في بعض، ولا يجدون من يشفع لهم، حتى يتصدى للشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم، فيشفع عند ربه بذلك المقام العظيم.

دخول أمة محمد صلى الله عليه وسلم الجنة قبل الأمم

دخول أمة محمد صلى الله عليه وسلم الجنة قبل الأمم خامساً: (أنه لا يدخل الجنة أمة إلا بعد دخول أمته) يعني أن هذه الأمة أمة النبي صلى الله عليه وسلم هي أول الأمم دخولاً للجنة.

محمد صلى الله عليه وسلم صاحب لواء الحمد

محمد صلى الله عليه وسلم صاحب لواء الحمد سادساً: (أنه صلى الله عليه وسلم صاحب لواء الحمد) ولواء الحمد ورد ذكره في السنة، والمقصود به أن النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة يتقدم بأمته جميع الأمم وجميع المرسلين، للواء يرفعه وتكون اللواءات كلها بعده، واللواء هو علم كما هو معروف يرفعه النبي صلى الله عليه وسلم وتكون وراءه أمته، ويكون هو المقدم أو صاحب اللواء في هذا المقام.

محمد صلى الله عليه وسلم صاحب المقام المحمود

محمد صلى الله عليه وسلم صاحب المقام المحمود سابعاً: (أنه صلى الله عليه وسلم صاحب المقام المحمود) وهو بمعنى الشفاعة التي مر ذكرها، لكن المقام المحمود قد يتفرع إلى مقامات، من ضمنها الشفاعة العظمى، وبعضهم يدخل في ذلك شفاعته صلى الله عليه وسلم لأهل الجنة أن تفتح لهم أبوابها.

محمد صلى الله عليه وسلم صاحب الحوض المورود

محمد صلى الله عليه وسلم صاحب الحوض المورود ثامناً: (أنه صلى الله عليه وسلم صاحب الحوض المورود) الحوض هو الذي مر ذكره، ويرده المؤمنون من أمته، وقيل: إن الحوض يكون قبل الصراط أو بعده، والله أعلم. وعلى أي حال فالنبي صلى الله عليه وسلم ورد في حوضه صفات مميزة في طوله وعرضه، وفي آنيته وفيمن يرد إلى آخره، كما أنه ورد أن لكل نبي حوضاً، لكن حوض النبي صلى الله عليه وسلم هو أعظمها.

محمد صلى الله عليه وسلم إمام النبيين

محمد صلى الله عليه وسلم إمام النبيين تاسعاً: (أنه إمام النبيين) والإمامة أخص من السيادة من جانب؛ لأن الإمامة تعني الإمامة في الدين، والسيادة تعني السيادة في الدين والدنيا، فهو صلى الله عليه وسلم إمام النبيين من كل وجه، حتى في الصلاة فقد صلى بهم صلى الله عليه وسلم في بيت المقدس في أثناء الإسراء كما هو معلوم، كما أنه إمامهم ومقدمهم أيضاً في الدنيا والآخرة.

محمد صلى الله عليه وسلم خطيب النبيين

محمد صلى الله عليه وسلم خطيب النبيين العاشر: (وخطيبهم) كما ورد في السنة أيضاً وذلك يوم القيامة.

محمد صلى الله عليه وسلم صاحب شفاعتهم

محمد صلى الله عليه وسلم صاحب شفاعتهم الحادي عشر: (وصاحب شفاعتهم) أي المقدم في جميع الشفاعات، فشفاعته المقدمة على كل شفاعة، سواء في ذلك المقام المحمود أو ما دونه من الشفاعات الأخرى كالشفاعة لأهل الكبائر وغير ذلك من الشفاعات، فشفاعته صلى الله عليه وسلم هي المقدمة ابتداء واعتباراً. هي المقدمة ابتداء بمعنى أنه هو الذي يبدأ الشفاعات صلى الله عليه وسلم، كما أنه شفاعته مقدمة على غيرها، ويستجاب له في شفاعته قبل أن يستجاب لغيره.

أمة محمد صلى الله عليه وسلم خير الأمم

أمة محمد صلى الله عليه وسلم خير الأمم الثاني عشر: (أن أمته خير الأمم إطلاقاً) خيرها من حيث الفضل، وخيرها من حيث الصفات العامة، وخيرها من حيث النبي، وخيرها من حيث الشريعة، وخيرها من حيث العدد، وخيرها من حيث أفضلية أفرادها، أو بعض أفرادها كالصحابة، فصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم هم أفضل أصحاب النبيين من بعده ومن قبله. كما أن أمته ميزت بخصائص تشريعية كثيرة، كأن جعلت لهم الأرض مسجداً وطهوراً وغير ذلك مما هو معلوم.

فضل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وترتيبهم في الفضل

فضل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وترتيبهم في الفضل قال المصنف رحمه الله تعالى: [وأصحابه خير أصحاب الأنبياء عليهم السلام. وأفضل أمته أبو بكر الصديق، ثم عمر الفاروق، ثم عثمان ذو النورين، ثم علي المرتضى رضي الله عنهم؛ لما روى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: (كنا نقول والنبي صلى الله عليه وسلم حي: أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي، فيبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فلا ينكره). وصحت الرواية عن علي رضي الله عنه أنه قال: خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر، ولو شئت سميت الثالث. وروى أبو الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ما طلعت الشمس ولا غربت بعد النبيين والمرسلين على أفضل من أبي بكر). وهو أحق خلق الله بالخلافة بعد النبي صلى الله عليه وسلم لفضله وسابقته، وتقديم النبي صلى الله عليه وسلم له في الصلاة على جميع الصحابة رضوان الله عنهم، وإجماع الصحابة رضي الله عنهم على تقديمه ومبايعته، ولم يكن الله ليجمعهم على ضلالة. ثم من بعده عمر رضي الله عنه لفضله وعهد أبي بكر إليه، ثم عثمان رضي الله عنه لتقديم أهل الشورى له، ثم علي رضي الله عنه لفضله وإجماع أهل عصره عليه. وهؤلاء الخلفاء الراشدون، والأئمة المهديون الذين قال النبي صلى الله عليه وسلم فيهم: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ). وقال صلى الله عليه وسلم: (الخلافة من بعدي ثلاثون سنة) فكان آخرها خلافة علي رضي الله عنه. ونشهد للعشرة بالجنة كما شهد لهم النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (أبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة، وعلي في الجنة، وطلحة في الجنة، والزبير في الجنة، وسعد في الجنة، وسعيد في الجنة، وعبد الرحمن بن عوف في الجنة، وأبو عبيدة بن الجراح في الجنة). وكل من شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة شهدنا له بها، كقوله: (الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة)، وقوله لـ ثابت بن قيس: (إنه من أهل الجنة)].

أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم خير أصحاب الأنبياء

أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم خير أصحاب الأنبياء هذا المقطع يتعلق بحقوق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إجمالاً، وبحقوق بعضهم على وجه التخصيص، وهذه الفقرة تعد الثالثة عشرة من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم وأمته، فبعد قوله: (أمته خير الأمم) يأتي: (وأصحابه خير أصحاب الأنبياء عليهم السلام) لذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم في أبي بكر: (ما طلعت الشمس بعد النبيين على أفضل من أبي بكر)، وهذا يعني جزماً أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم هم أفضل أصحاب الأنبياء. وهذا نستنتج منه عقيدة من عقائد السلف التي تميزوا بها عن غيرهم، في أنه يجب أن يحفظ لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حقهم في الأفضلية، وفي العدالة، وفي وجوب حبهم وعدم جواز القدح واللمز فضلاً عن القول بما هو أعظم من ذلك فيهم.

أفضل الأمة أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي

أفضل الأمة أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي ثم ذكر مسألة التفضيل، قال: (وأفضل أمته أبو بكر الصديق) يعني: أفضل أتباع الرسول صلى الله عليه وسلم أبو بكر الصديق، ثم عمر ثم عثمان ثم علي المرتضى. وهذا الترتيب يعد اتفاقاً عند السلف، وإن كان أول الأمر قد جرى بينهم خلاف في عثمان وعلي أيهما أفضل، وهذا يعني أنهم أجمعوا على تفضيل أبي بكر أولاً ثم عمر، ثم اختلفوا بعض الوقت في أيهما يقدم: عثمان أو علي؟ وسبب ذلك قرابة علي رضي الله عنه من رسول الله صلى الله عليه وسلم وما خص الله به هذه القرابة من الفضل والحق، فحدث أول الأمر شيء من الخلاف وإن كان جمهور السلف وعامتهم في عهد الصحابة والتابعين وتابعي التابعين على تفضيل عثمان ثم علي، لكن هناك من نازع أول الأمر، وفي آخر الأمر بلغت النصوص العلماء واجتمعت لديهم تبين بالنص، أي: بالأحاديث الكثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أن ترتيب الأفضلية على نحو ترتيب الخلافة، وأن عثمان رضي الله عنه أفضل من علي، وصار هذا يشبه الاتفاق فيما بعد. وتعليل ذلك أن كثيراً من النصوص الواردة في عثمان ما كانت تبلغ بعض الصحابة وبعض التابعين قبل أن تنتشر وتشتهر، فلما انتشرت واشتهرت علموا بهذا الترتيب من خلال النصوص، ونحن إذا استقرأنا النصوص الواردة في الأفضلية، نجد أن أكثرها يرد في أبي بكر، ثم يليه عمر، ثم يليه عثمان، ثم يليه علي. فبعد اجتماع النصوص وجمعها صار هذا اتفاقاً بين السلف، وعلى هذا فإن الذين قدموا علياً على عثمان في أول الوقت قبل أن تبلغهم النصوص يعذرون بذلك، وهذا اجتهاد سائغ؛ لأنها لم تبلغهم النصوص بمجموعها فيعرفوا ذلك الحق، أما بعد بلوغ النصوص فإن الأمر لم يعد محل خلاف، ولذلك السلف يرمون من فضَّل علياً على عثمان بالتشيع، ويعتبرونه صاحب بدعة، وذلك بعد بيان النصوص وظهورها. وكل من الخلفاء الراشدين صار له وصف، فـ أبو بكر سمي بـ الصديق وهذا علم عليه؛ لأنه صدق النبي صلى الله عليه وسلم بالغيب والشهادة، وهو أول من صدقه من الرجال. وعمر وصف بـ الفاروق لأن الله فرق بإسلامه بين الحق والباطل، وفرق الله بقوته وجرأته في الحق بين الحق والباطل، فكان رضي الله عنه قوياً في الحق، درأ عن الإسلام شروراً عظيمة، وبدعاً لو لم يكن منه ذلك الحزم لحصل شر عظيم، فهو الفاروق بين الحق والباطل. وعثمان ذو النورين؛ لأنه تزوج باثنتين من بنات النبي صلى الله عليه وسلم. وأنا أعجب من الرافضة الحمقى كيف يطعنون في عثمان رضي الله عنه مع أنهم يدعون أنهم ينتصرون لآل البيت، وعثمان رضي الله عنه قد تزوج بنتين من بنات النبي صلى الله عليه وسلم، زوجه النبي صلى الله عليه وسلم لفضله ولحقه، وكأنهم بذلك يقدحون في النبي صلى الله عليه وسلم حيث زوجه بابنتيه، ثم يقدحون ببنات النبي صلى الله عليه وسلم اللتين تزوجهما عثمان، ثم يقدحون في هذا الإمام العظيم الذي جعل الله له ذلك الفضل. ثم علي المرتضى، ولا أدري ما وجه تسميته بالمرتضى، فمن عرف في هذا قولاً فلا مانع أن يأتينا به ولو في الدرس القادم.

الأدلة على أفضلية الخلفاء الأربعة

الأدلة على أفضلية الخلفاء الأربعة ثم ذكر شيئاً من النصوص التي وردت في تفضيل هؤلاء، وهي كثيرة جداً لا تكاد تحصى وقد أفردها كثير من أهل العلم بكتب، وربما يكون الشيخ المؤلف له كتاب في فضل الخلفاء الأربعة يقع في مجلدين كبيرين. وحديث عبد الله بن عمر: (كنا نقول والنبي صلى الله عليه وسلم حي: أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي، فيبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فلا ينكره) بمعنى أنه أقرهم على ذلك. وصحت الرواية عن علي رضي الله عنه أنه قال: خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر ولو شئت سميت الثالث، وفي بعض الروايات سمى الثالث وهو عثمان، بل الروايات الواردة عن علي رضي الله عنه في ترتيب الخلفاء الثلاثة قبله كثيرة جداً بما فيها التصريح بـ عثمان، وكان يقف عند الرابع فقط؛ لأنه يعني نفسه، وقد تحمل بعض الروايات على أنه يقصد نفسه بالثالث، لكن هذا أمر يحتاج إلى مزيد بحث. وعلى أي حال فإن النصوص الواردة في تفضيل عثمان على علي كثيرة وكافية في الرد على الرافضة ومن شايعهم. ثم ذكر أفضلية أبي بكر رضي الله عنه على وجه الخصوص، كقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما طلعت الشمس ولا غربت بعد النبيين والمرسلين على أفضل من أبي بكر) هذا يؤخذ منه -كما قلت- الدلالة القاطعة على أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم هم أفضل أصحاب الأنبياء؛ لأنه إذا كان أفضل من طلعت عليه الشمس بعد النبيين، فهذا يدل بمنطوقه ومفهومه على أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أفضل أصحاب الأنبياء.

أحقية الخلفاء الأربعة للخلافة على الترتيب

أحقية الخلفاء الأربعة للخلافة على الترتيب وأبو بكر أحق خلق الله بالخلافة بعد النبي؛ لأن هناك من أصحاب الأهواء من سلم بأفضلية أبي بكر رضي الله عنه، لكنه لم يسلم بأحقيته بالخلافة، وعلى هذا أكثر فرق الشيعة والرافضة، وبعض الزيدية، وبعض الخوارج، فإنهم نازعوا في تقديم أبي بكر في الخلافة، وإن اعترفوا بأفضليته الأفضلية المطلقة، لأنهم يرون أن الخلافة لا ينبغي أن تكون إلا لآل البيت، وهذه النزعة نزعة موروثة عن الفرس المجوس، الذين يرون أن الملك حكر على أسر معلومة. والفرس كانوا يقدسون الساسانيين ملوك فارس، ويرون أن الملك فيهم ولا يخرج عنهم، حتى لو انقطع نسلهم من الرجال يبقى الملك في النساء وأبناء النساء، وهذه النزعة موجودة عند كثير من الأمم الضالة، وتوجد الآن عند بعض الأمم الأوروبية كالبريطانيين، وكانت في الفرس قديماً، وانتقلت إلى الشيعة الرافضة، فهم يزعمون أن الإمامة وراثة تتفرع عن النبوة، وأنه ينبغي أن يلي الإمامة أحد الأئمة من ذرية النبي صلى الله عليه وسلم، فلذلك حتى الذين ما طعنوا في أفضلية أبي بكر منهم كأوائل الشيعة والزيدية وبعض أهل الهوى شكوا في أفضليته أو تقديمه للإمامة، وقالوا إن الإمامة يجب أن تكون كذا وكذا، كل له شروطه. واعتقاد أفضلية أبي بكر لم تعد في الرافضة الآن، بل انقلبوا اليوم إلى خصوم لـ أبي بكر وعمر يسبونهما، ويعتقدون ذلك ديناً يلقنونه أطفالهم وأعوانهم. وأنا أعجب من الذين يشكون في كفر من يسبهما، أعني: أنهم قد طعنوا في أفضل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وطعنوا في زوجاته وتكلموا في عرضه، فطعنوا في عائشة رضي الله عنها، بل طعنوا فيما جاء عن الصحابة من دين وروايات إلا نفراً معدودين لا يزيدون عن سبعة، وبعضهم يجعلهم خمسة أو ثلاثة. المهم أن هؤلاء المبتدعة الضلال لم يعودوا يعترفون بـ أبي بكر ولا عمر، بل يرون أنهما ارتدا، نسأل الله السلامة. ثم ذكر إجماع الصحابة على تقديم أبي بكر مطلقاً، ثم على مبايعته بالخلافة على وجه الخصوص، وبين أن الله عز وجل لم يكن ليجمعهم على ضلالة، ولا يزال الإجماع بين أهل الحق على إمامة أبي بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي. قوله: (ثم من بعده عمر رضي الله عنه بفضله وعهد أبي بكر إليه، ثم عثمان رضي الله عنه لتقديم أهل الشورى له). هذا فيما يتعلق بخلافة عمر رضي الله عنه، فإنه استحق الخلافة بأمور كثيرة، منها أنه الرجل الثاني في الأفضلية، ومنها أن أبا بكر رضي الله عنه عهد إليه بالخلافة، ومنها أن أهل الشورى وهم الصحابة رضوا بخلافته وبايعوه، وهذا إجماع. ثم عثمان رضي الله عنه كذلك حقه في الخلافة حق مشروع؛ لأنه تمت له البيعة لاصطفائه من قبل عمر رضي الله عنه من خلال الستة الذين اختارهم، ثم إن أهل الشورى الذين قدمهم عمر ثم قدمهم المسلمون وهم أفضل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الأمر، اتفقوا على عثمان، ثم أجمع الصحابة على خلافته بمبايعتهم له، حتى الذين تخلفوا عن مبايعته أول الأمر لحقوا فيما بعد بالجميع وتمت الخلافة له بالإجماع. ثم علي رضي الله عنه انعقدت خلافته بالإجماع، وقد أورد بعض الجهلة إشكالاً حول خلافة علي رضي الله عنه، وهو ما حصل من منازعة له من قبل معاوية رضي الله عنه وأهل الشام وبعض الناس، وظنوا أن ذلك يعد اختلافاً على إمامته، وليس الأمر كذلك، بل كانت البيعة عندهم مشروطة فقط، بمعنى أنهم قالوا: نبايع وعلى العين والرأس والسمع والطاعة لكن بشرط أن يقتص من قتلة عثمان قبل البيعة. إذاً: لم يكن أحد ينازع في بيعة علي رضي الله عنه، إنما كانت المنازعة في إجراء البيعة كيف تكون ومتى تكون فقط، ومع ذلك فقد انعقدت البيعة من أهل الشورى وأهل الحل والعقل القريبين منه في المدينة. ثم قال: (وهؤلاء الخلفاء الراشدون المهديون الذين قال فيهم صلى الله عليه وسلم: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ)). وهذا أصل من الأصول الكبرى والعظمى في تقرير الدين وبيان مصادره، فإن الأمور التي سنها الخلفاء الراشدون في أحوال الأمة تعد سنة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعلها كذلك، فقال: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين) فلذلك تميز عهد الخلفاء بأن كثيراً مما وقع فيه باجتهاد هؤلاء الخلفاء الراشدين وأهل الشورى معهم، سواء ما كان حول التشريع والعمل به، أو حول الجهاد، أو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو الولايات والخلافة والإمامة، أو غير ذلك من مصالح الأمة ومناهجها في الدي

أفضلية العشرة المبشرين بالجنة

أفضلية العشرة المبشرين بالجنة ثم ذكر العشرة المبشرين بالجنة، وأنهم يشهد لهم بذلك جزماً، وهم الخلفاء الأربعة الذين مر ذكرهم، وطلحة بن عبيد الله، والزبير بن العوام، وذكر طلحة والزبير فيه رد على الذين طعنوا في أصحاب الجمل وصفين، أو الذين شاركوا أو ابتلوا بالفتنة التي حدثت بعد مقتل عثمان رضي الله عنه، فإن الذين طعنوا يرد عليهم بمثل هذا الحديث الذي يشهد لهؤلاء بأنهم من أهل الجنة. وتعرفون أن أول من طعن فيهم الخوارج، فقد كفروا طلحة والزبير ثم كفروا عدداً كبيراً من الصحابة، وكذلك لحق بهم طوائف من القدرية والمعتزلة والجهمية والروافض فيما بعد، وصار هذا من دينهم الذي يجعلونه ضمن العقائد الأساسية. وسعد هو سعد بن أبي وقاص، وسعيد هو سعيد بن زيد رضي الله عنه، وعبد الرحمن بن عوف، وأبو عبيدة بن الجراح أمين هذه الأمة. ثم قال: (وكل من شهد له النبي صلى الله عليه وسلم شهدنا له بها) يعني: من ثبت في حديث من الأحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم شهد له، فإنا نشهد له إذا صح الحديث، سواء كانت شهادة بالجملة كفئات من الصحابة مثل أهل بيعة الرضوان، أو بالتخصيص ممن شهد لهم النبي صلى الله عليه وسلم سوى العشرة، كـ ثابت بن قيس وعكاشة بن محصن وغيرهم.

الحكم لأهل القبلة بالجنة أو النار وإقامة الحج والجهاد خلف الأئمة

الحكم لأهل القبلة بالجنة أو النار وإقامة الحج والجهاد خلف الأئمة قال المصنف رحمه الله تعالى: [ولا نجزم لأحد من أهل القبلة بجنة ولا نار إلا من جزم له الرسول صلى الله عليه وسلم، لكنا نرجو للمحسن ونخاف على المسيء، ولا نكفر أحداً من أهل القبلة بذنب، ولا نخرجه عن الإسلام بعمل، ونرى الحج والجهاد ماضيين مع كل إمام، براً كان أو فاجراً، وصلاة الجمعة خلفهم جائزة، قال أنس: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ثلاث من أصل الإيمان: الكف عمن قال لا إله إلا الله، ولا نكفره بذنب، ولا نخرجه من الإسلام بعمل، والجهاد ماض منذ بعثني الله عز وجل حتى يقاتل آخر أمتي الدجال، لا يبطله جور جائر، ولا عدل عادل، والإيمان بالأقدار) رواه أبو داود. ومن السنة: تولي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومحبتهم وذكر محاسنهم، والترحم عليهم والاستغفار لهم، والكف عن ذكر مساوئهم وما شجر بينهم، واعتقاد فضلهم ومعرفة سابقتهم، قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا} [الحشر:10]. وقال الله تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} [الفتح:29]. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تسبوا أحداً من أصحابي؛ فإن أحدكم لو أنفق مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه). ومن السنة: الترضي عن أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم أمهات المؤمنين المطهرات المبرآت من كل سوء، أفضلهن خديجة بنت خويلد، وعائشة الصديقة بنت الصديق، التي برأها الله في كتابه، زوج النبي صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة، فمن قذفها بما برأها الله منه فقد كفر بالله العظيم. ومعاوية خال المؤمنين، وكاتب وحي الله، أحد خلفاء المسلمين رضي الله عنهم].

لا نجزم لأحد من أهل القبلة بجنة ولا نار

لا نجزم لأحد من أهل القبلة بجنة ولا نار في أول هذا المقطع ذكر قاعدة من قواعد أهل السنة والجماعة، وهي عدم الجزم لأحد من أهل القبلة بجنة أو نار، وهذه جاءت بمناسبة الشهادة لمن شهد لهم الرسول صلى الله عليه وسلم بالجنة، فلما ذكر ذلك بين أن الشهادة للمعين بالجنة أو بالنار لا تجوز إلا بنص. ثم ذكر القاعدة العامة في من لم يرد فيه النص وهم عموم المسلمين أهل القبلة، ويقصد بأهل القبلة المصلين، وبذلك يعلم الذي لا يصلي أنه لا يعد من أهل القبلة، وليس له هذه الحقوق التي يذكرها. المهم أن أهل القبلة وهم المسلمون الذين يصلون لا نجزم لأحد منهم بجنة ولا نار، بمعنى أنا لا نجزم أن هذا الشخص بعينه سيموت على ما هو عليه من ظاهر صلاحه، وأنه سيكون مآله الجنة، الحكم يكون على الموت وعلى ما بعد الموت، كذلك لا نجزم بأن فلاناً العاصي أو مرتكب الكبيرة سيموت على معصيته، لأنا لا ندري ماذا سيحدث بينه وبين ربه، ثم بعد ذلك لا نجزم أن مصيره إلى النار، فحينئذ يبقى مجرد الرجاء والخوف.

نرجو للمحسن الجنة ونخاف على المسيء النار

نرجو للمحسن الجنة ونخاف على المسيء النار ثم نرجو للمحسن الجنة؛ لأن الله عز وجل وعده بذلك، ووعد الله إن شاء الله متحقق وصادق، ما لم يعترض هذا الوعد أمور لا نعلمها، ونخاف كذلك على المسيء؛ لأن الله عز وجل توعد المسيئين. والمقصود بالمسيء هنا العاصي لا الكافر، كذلك المحسن المقصود به المسلم لا الكافر؛ لأن الكافر قد يحسن في بعض أعماله، لكن نجزم أن ذلك لا ينفعه. إذاً: القاعدة الأولى: لا نجزم لأحد من أهل القبلة بجنة ولا نار، إلا من جزم له الرسول صلى الله عليه وسلم. القاعدة الثانية: أنا نرجو للمحسن أن يثيبه الله عز وجل على إحسانه، ونخاف على المسيء أن يقع عليه الوعيد.

لا نكفر أحدا من أهل القبلة بذنب

لا نكفر أحداً من أهل القبلة بذنب والقاعدة الثالثة: ولا نكفر أحداً من أهل القبلة بذنب، ولا نخرجه عن الإسلام بعمل. قصده أن من وقع في ذنب مما توعد الله عليه لا نكفره بذنبه، وقد يرد على هذا إشكال وهو ماذا نقول في المسلم الذي وقع في مكفر مما ذكره الله عز وجل كقتال المسلم أو قتله، وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن قتال المسلم كفر، كذلك الذي يأتي السحرة والكهنة ويصدقهم، ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن فعله كفر، وهناك أحاديث وعيد عامة مثل: (من غشنا فليس منا) قد يفهم منها البعض يعني الكفر، وهذا أيضاً فهم بعيد، لكن قد يفهم منه. على أي حال هناك نصوص ورد ذكر الكفر فيها بالنسبة لمن فعل أو قال أو اعتقد، وهو من أهل القبلة، فهذا النوع من الكفر يعد غير مخرج من الملة، وهو الكفر الذي يعد من الكبائر، ومن فعله يبقى من أهل القبلة ولا يكفر مطلقاً، وقد يطلق عليه أحياناً الكفر دون المخرج من الملة، كما يسميه بعض السلف كفر دون كفر، لكن لا يسمى كافراً بإطلاق، يقال فعلت كفراً، أو فعلك هذا كفر، أو من فعل ذلك فقد كفر، لكن لا نخرجه عن الإسلام بمجرد الذنب وإن كان كبيرة من الكبائر، ما لم يكن الذنب هو الشرك أو الذنب الذي يخرج من الملة بنص آخر قطعي يدل على إخراجه من الملة. ثم كذلك ذكر العمل فقال: (ولا نخرجه من الإسلام بعمل)، يقصد بذلك ما هو أعم من مجرد الذنب، العمل عمل القلب وعمل اللسان والجوارح، أي إذا عمل عملاً من الأعمال التي تقتضي كفره ظاهراً فإنه لا يكفر، فضلاً عما هو دون ذلك من الكبائر، كالربا والسرقة والظلم وغير ذلك، فإن هذه الأمور كبائر لكن لا يخرج من الإسلام بمجرد عملها، وهذا ينسحب على حكمه في الدنيا وحكمه في الآخرة. كذلك في مماته لا يحكم عليه إذا مات على هذه الكبيرة بأنه كافر، وبعد مماته كذلك لا نقول إنه في الآخرة حكمه حكم الكفار، ولا نقول بأنه من المخلدين في النار، بل نقول إنه تحت مشيئة الله إذا مات على كبيرته وذنبه، إن شاء غفر له وإن شاء عذبه، ثم يجزم بأنه من عذب فيخرج بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لأهل الكبائر من أمة الإسلام.

معنى الحج والجهاد مع كل إمام

معنى الحج والجهاد مع كل إمام (ونرى الحج والجهاد ماضيين مع طاعة كل إمام) هذا تفريع عن قاعدة سيأتي الكلام عنها ربما في الدرس القادم؛ لأننا ربما لا نصلها اليوم وهي مسألة طاعة أئمة المسلمين. مسألة الحج والجهاد تتفرع عن طاعة ولاة الأمر، وأشار إلى الجهاد والحج لأنها أعظم شعائر الإسلام الجماعية الظاهرة، والصلاة لا شك أنها داخلة في ذلك دخولاً أولياً ولذلك ذكرها، لكن بدأ بالحج لأن الحج جمع للمسلمين جميعاً من أكثر من بلاد، بل من آفاق الأرض كلها، والحج في الغالب تكثر فيه أنواع الناس وأصنافهم بمذاهبهم وفرقهم وأقاليمهم ولغاتهم، فيكون مظنة النزاعات والخلافات، فكان اجتماعهم على إمام واحد مهما كان من الفجور والظلم أمراً تقتضيه المصلحة العظمى للأمة، ثم إن الحج من شعائر الدين التي لا بد من ترتبيها وتوقيتها، فلا بد من الخضوع فيه للإمام حتى وإن كان على رأي مرجوح، وإن كان على أمر لا يحمد من حيث المعاصي أو الفجور أو الظلم، فلا بد من الحج معه، ولا بد أن يعتقد المسلم صحة الحج مع هؤلاء الأئمة وإن لم تتوافر فيهم الشروط، لئلا يظن أن الحج لا يكون إلا مع المتقين أو أنه لا يصح إلا مع المتقين، فالحج كالصلاة، وهذا أمر مجمع عليه عند السلف. والجهاد كذلك مثل الحج يتعلق بالمصالح العظمى، ولو أن الناس فتح لهم المجال بأن يطيعوا من يشاءون لحصلت الفوضى وحصل الضعف والهوان للمسلمين، فالجهاد مع الإمام مهما بلغ من الفجور والظلم أمر واجب إلى قيام الساعة. (مع كل إمام براً كان أو فاجراً) وهذه ستأتي فيما بعد.

الصلاة خلف الأئمة

الصلاة خلف الأئمة (وصلاة الجمعة خلفهم جائزة) هنا يشير إلى الذين لا تتوفر فيهم شروط العدالة، كأن يكونوا فسقة أو فجرة، وإلا فمن باب أولى أن الإمام ما دام مطاعاً في الأمور الأخرى، فتكون الصلاة خلفه جائزة؛ لأن الأصل فيه العدالة، لكن إذا تخلفت العدالة ووجد فيه شيء من الفسق والفجور وهو إمام معين له حق الإمامة الشرعية، فيجب الصلاة خلفه، والصلاة خلفه جائزة. وذكر الجمعة؛ لأنها هي التي يجتمع عليها الناس، وإلا فالأمر أرجح حتى في صلاة غير الجمعة كما حدث من الصحابة رضي الله عنهم، فكانوا يصلون وراء بعض الأمراء الفجرة وإن لم تكن الصلاة جمعة، لكن الجمعة الأمر فيها أشد، والمصلحة فيها أكبر، والمفسدة في خلافها أعظم. ثم ذكر الحديث، والحديث هنا ضعيف، لكن تعضده نصوص أخرى صحيحة. قوله: (ثلاث من أصل الإيمان: الكف عمن قال لا إله إلا الله) هذا فيه أحاديث صحيحة. وكذلك: (لا نكفره بذنب) هذا أيضاً فيه أحاديث صحيحة. (ولا نخرجه من الإسلام بعمل، والجهاد ماض منذ بعثني الله عز وجل حتى يقاتل آخر أمتي الدجال، لا يبطله جور جائر، ولا عدل عادل، والإيمان بالأقدار)، كل هذه وردت مستقلة في أحاديث أخرى، وإن كان هذا السياق ضعيف وسياق متنه يدل على ضعفه.

تولي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم

تولي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم رجع إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبعدما ذكر خصوصهم ذكر عمومهم.

الأسئلة

الأسئلة

خلافة الحسن بن علي رضي الله عنه

خلافة الحسن بن علي رضي الله عنه Q بالنسبة لقول النبي صلى الله عليه وسلم الخلافة بعدي ثلاثون سنة، نلاحظ أن الدولة الأموية بدأت عام أربعين، فهل هذا يعني أن الحسن بن علي من الخلفاء الراشدين على أنه حكم سبعة شهور؟ A كثير من أهل العلم يعدون خلافة الحسن رضي الله عنه ضمن خلافة أبيه، وبعضهم لا يرى لها اعتباراً؛ لأنها لم تجتمع فيها الكلمة، وتنازل فيها لـ معاوية رضي الله عنه، وبعضهم يعدها من الخلافة الراشدة؛ لأن الخلافة الراشدة ما ذكر فيها عدد الخلفاء، فكل واحد له دليل، منهم من قال إنها امتداد لخلافة أبيه، ومنهم من قال بأنه خليفة مستقل، ويكون ضمن الثلاثين سنة التي هي خلافة راشدة، ومنهم من قال إن خلافته ليس لها اعتبار من حيث العد الزمني؛ لأنها لم تطل، وعلى أي حال فخلافة الثلاثين سنة تدخل فيها خلافة الحسن.

حكم تارك الصلاة

حكم تارك الصلاة Q هل تارك الصلاة خارج عن ملة الإسلام أم هو من الكفر غير المخرج؟ A ترك الصلاة درجات، فإن كان الترك ترك اعتقاد بمعنى أنه لا يعتقد وجوب الصلاة، فهذا يكفر كفراً مخرجاً عن الملة بإجماع المسلمين، وإن كان تركها ترك عمل مع اعتقاد وجوبها أو ترك كسل فهذا فيه خلاف، بعض أهل العلم يقول: إذا داوم على تركها وإن كان يعتقد وجوبها، فإنه يخرج من الملة، واستدلوا بحديث النبي صلى الله عليه وسلم الصحيح: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة من تركها فقد كفر)، وهذا الذي عليه جمهور المحققين من أهل العلم. أما من تركها كسلاً وتهاوناً مع اعتقاده بوجوبها، فهو يصليها أحياناً ويتركها أحياناً، فهذا والله أعلم أن كفره كفر غير مخرج من الملة، لكن تجرى عليه الأحكام الأخرى.

حكم وضع نقاط بعد كتابة بعض الآيات

حكم وضع نقاط بعد كتابة بعض الآيات Q هل صحيح أنه لا يصح عند كتابة آية قرآنية وضع نقط عند عدم إرادة تكملة الآية، ذكر مثالاً: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:1] الآية؟ A والله لا أدري، هل يجوز بعد ذكر بعض الآية أو آية من الآيات وضع نقط على أنه تليها الآية الأخرى، فهذا يحتاج إلى مراجعة.

الدليل على أن الخلفاء الراشدين هم الأربعة فقط

الدليل على أن الخلفاء الراشدين هم الأربعة فقط Q ما الدليل على أن الخلفاء الراشدين هم الأربعة فقط؟ A ليس هناك دليل جازم، لذلك قال بعض أهل العلم: يدخل فيهم عمر بن عبد العزيز، لكن هناك ما يمكن أن يستدل به وهو حديث: (الخلافة بعدي ثلاثون سنة). فكأنهم قالوا: هذه الثلاثون السنة دخل فيها الأربعة فقط، وهذا دليل على أن ما بعدهم ليس بخلافة راشدة، ومع ذلك ورد أحاديث بعضها حسن من أن الخلافة ستعود مرة أخرى، وصححه بعض أهل العلم. فعلى أي حال المسألة خلافية ليس فيها قطع.

إطلاق الكفر على من مات كافرا

إطلاق الكفر على من مات كافراً Q هل يجوز أن يقال لشخص كافر قد مات بأنه كافر؟ A نعم، إذا مات الإنسان على الكفر يقال إنه كافر بناء على أصل حاله في الدنيا، كمن مات يهودياً أو نصرانياً، أما إذا كان مسلماً ووقع في المكفرات من الكبائر، فإنا لا نحكم بأنه مات على الكفر. واليهودي والنصراني كافر قطعاً وليس عندنا في هذا شك، والحكم لهم بالنار هذا في العموم، نقول اليهود والنصارى من أهل النار جزماً، لكن لا نستطيع أن نقول بذلك لشخص بعينه فنحن نحكم على الكافر أنه من أهل النار، لكن لا نجزم بذلك في عينه.

حكم من لم يصلهم الإسلام

حكم من لم يصلهم الإسلام Q ما حكم التوقف في حال من لم يصلهم الإسلام، فلم نجزم لهم بنار ولا بجنة؟ A المهم أن هؤلاء الذين يموتون لا ندري عن حالهم، بلغتهم الحجة أو ما بلغتهم، وإذا كان يظهر من القرائن أنه لم تبلغهم الحجة وهذا نادر جداً، فنقول: إن الأصل فيهم أنهم كفار لكن مآلهم في القيامة إلى الله عز وجل. والذي يموت على غير ملة نقول: مات على غير الإسلام، مات على الكفر، حتى لو لم تبلغه الحجة مثل أهل الفترة، لكن الكلام في مصيرهم في القيامة هو الذي لا نحكم به.

حكم إطلاق لفظ (سيدنا) على الرسول صلى الله عليه وسلم

حكم إطلاق لفظ (سيدنا) على الرسول صلى الله عليه وسلم Q قرأت في فتاوى اللجنة الدائمة أنه لا يجوز أن يقال للرسول صلى الله عليه وسلم (سيدنا)، لكن نجد في مقدمة بعض الكتب هذه الكلمة، سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، فما رأيكم؟ A على أي حال هذه مسألة خلافية، والنبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يقال له سيد، فالأولى هو الأدب مع كلام النبي صلى الله عليه وسلم، لكن إذا ورد في كلام أهل العلم في الكتاب نقرؤها على ما وردت، على أساس أننا نقول بأن هذا العالم اجتهد ورجح جواز إطلاق كلمة (سيد) وقال بها. والذي يترجح فيما يظهر لي أنه ينبغي أن لا يقال (سيد)؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنها أدباً معه، وإلا فهو (سيد) مستحق للسيادة بين البشر، بل هو أفضل الخلق وسيد الخلق من حيث المعنى. لكن نظراً لأنه نهى فنحن نتأدب مع نهيه صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك حمل النهي بعض أهل العلم على محمل آخر، قال: إنه من باب تواضعه صلى الله عليه وسلم، كما نهى أن يفضل على بعض النبيين، مع أنه أفضلهم جزماً، لكن من باب تواضعه عليه الصلاة والسلام نهى عن ذلك، ثم إنه قد يفهم أحياناً من السيد التعظيم الذي لا يجوز للبشر. أما حديث: (أنا سيد ولد آدم ولا فخر)، فليس عندنا شك في أفضليته على الأنبياء، وأفضليته على الخلق جميعاً بما فيهم الملائكة، فالنبي صلى الله عليه وسلم أفضل من جميع الخلق، لكن الكلام كان على إطلاق كلمة سيد هل تجوز أو لا، وهذه مسألة خلافية، وكل من ذهب إلى قول فإن معه دليلاً، حتى الذين قالوا بأنه يقال له سيد معهم دليل. فمن هنا تبقى المسألة خلافية، والراجح عدم إطلاق هذه الكلمة امتثالاً لأمر النبي صلى الله عليه وسلم.

تكفير من مات تاركا للصلاة

تكفير من مات تاركاً للصلاة Q إذا ثبت عندي أن فلاناً لا يصلي ومات على ذلك، فهل يجوز لي أن أقول هذا كافر؟ A هذه كلمة مجملة، فكثيراً ما يظن بعض الناس أن الحكم يأتي بسهولة من خلال الأسئلة، بعضهم يقول: عندي جار أو أخ لا يصلي، فنسأله كيف عرفت أنه لا يصلي، قال: ما رأيته مرة يصلي، فرق بين كونك ما رأيته وكونك تحققت بأنه لا يصلي، فقد يصلي في قعر بيته، قد يصلي إذا خلا بربه، قد يصلي إذا انفرد عن الناس في أي مكان في البيت أو في غير البيت، هذه مسألة تحتاج إلى نوع من التفصيل، أما إذا ثبت أنه لا يصلي على الإطلاق، فالراجح كفره، وتجرى عليه أحكام الكفر في التعامل والدفن والإرث وغير ذلك.

نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن تفضيله على يونس بن متى

نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن تفضيله على يونس بن متى Q قرأت في قصص الأنبياء لـ ابن كثير قصة يونس، وفيها قوله صلى الله عليه وسلم: (لا تفضلوني على الرسل ولا يونس بن متى)؟ A ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تفضلوني على يونس بن متى) لكن هذا محمول على التواضع منه صلى الله عليه وسلم، أما كونه أفضل الأنبياء فقد صرح به في نصوص أخرى، كقوله صلى الله عليه وسلم: (فضلت على النبيين بست) وفي رواية: (بخمس).

حكم الخوض فيما شجر بين الصحابة

حكم الخوض فيما شجر بين الصحابة Q ما حكم الخوض فيما وقع بين الصحابة رضي الله عنهم أجمعين من خلاف، وخصوصاً ما وقع بين علي ومعاوية، وتخطئة أحدهما وتصويب الآخر؟ A سبق الكلام على هذا، أما بالنسبة لتخطئة أحدهما وتصويب الآخر، فهذه مسألة أكبر منا حقيقة، فنحن لا نخطئ ولا نصوب، والسلف رضي الله عنهم صار عندهم توجه أن هناك فئة أقرب إلى الصواب من الفئة الأخرى، توجه على ضوء نصوص معينة كالنص الوارد في عمار رضي الله عنه وأنه تقتله الفئة الباغية، ونحو ذلك، فهذا فيه أن فئة معينة بجملتها أقرب إلى الخطأ، وفئة معينة بجملتها أقرب إلى الصواب، لكن كما قال السلف: لا يعني ذلك أن هؤلاء كلهم على خطأ وهؤلاء كلهم على صواب، أو أنهم كلهم أفضل، حتى قال أئمة السلف: إنه قد يكون مع الفئة الباغية من هو أفضل ممن في الفئة الأخرى. هذه مسألة لا نخوض فيها، ونعلم أن الذين أخطئوا أخطئوا عن اجتهاد ولهم أجر، فلا يقدح ذلك في ذممهم؛ لأنهم يريدون الخير، وإلا فالأقرب أن الفئة التي مع علي رضي الله عنه كانت هي الفئة المحقة، والفئة التي مع معاوية رضي الله عنه هي الفئة المخطئة، لكنهم لم يعرفوا أنهم على خطأ إلا فيما بعد، حتى أن بعضهم صرح، بل بعضهم أدرك أنه على خطأ أثناء الفتنة، كما حصل من طلحة والزبير، فكل منهما لما ذكره بعض الصحابة بأحاديث نسيها عن النبي صلى الله عليه وسلم عرف أنه على خطأ، فهربوا من المعركة، ولحقهم أهل البدع وقتلوهم، وهذه من سمات الفتن.

حكم من يوالي اليهود والنصارى ويأخذ بتشريعاتهم

حكم من يوالي اليهود والنصارى ويأخذ بتشريعاتهم Q هل يكفر من يوالي اليهود والنصارى، ويأخذ تشريعاتهم، ويهنئهم على كل شيء؟ A الولاء للكفار قد يكون كفراً وقد يكون معصية، وهذه مسألة لا بد من التفصيل فيها، فليس كل ولاء للكفار كفراً، بل الموالاة القلبية العامة بجملتها كفر، لكن صور الولاء ومفردات الولاء وجزئيات الولاء ليست كلها كفراً، بدليل ما حدث في عهد الصحابة أنفسهم وما بعده، كما حصل في قصة الصحابي حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه الذي كتب للمشركين يخبرهم بأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه قادمون إليهم، وكما حدث من بعض الخلفاء وغير الخلفاء في عهد بني أمية، وعهد بني العباس، بل حدث من بعض الذين يعدون من أهل التقوى والصلاح، أنه اضطر يوماً من الأيام بأن يفعل ما يظنه بعض الناس ولاء للكفار، وحدث من أناس قاتل معهم المسلمون في عهد الدويلات، فالمسألة تحتاج إلى شيء من التفصيل.

حكم إطلاق صفة الشهيد من باب الرجاء

حكم إطلاق صفة الشهيد من باب الرجاء Q هل يصح قول: (الشهيد فلان) من باب الرجاء والتمني؟ A لا تطلق كلمة شهيد إلا على من مات في معركة شرعية أو بإحدى طرق الشهادة التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم، أما ما عدا ذلك فلا يجوز الحكم على فلان بمجرد أنه مات أو قتل أي قتلة أنه شهيد، فالتجوز في هذا فيه نظر.

حكم من ادعى النبوة وعنده انفصام في الشخصية

حكم من ادعى النبوة وعنده انفصام في الشخصية Q ما الحكم في رجل يدعي أنه نبي في الوقت الحاضر مع أنه يقال أنه مصاب بمرض انفصام الشخصية؟ A على أي حال، هذا إن كان مريضاً فهو مجنون ويعامل معاملة المجانين، لكن قد لا يكون مريضاً، فيترك الإجراء في حقه إلى المحاكم الشرعية.

خلافة الراشدين خلافة نبوة

خلافة الراشدين خلافة نبوة Q الخلفاء الراشدون المهديون، هل هذه خلافة نبوة أم خلافة ملك؟ A الخلفاء الراشدون خلفاء نبوة، كانوا يسمون أبا بكر خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسموا عمر خليفة خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن لما طالت الإضافات تركوها، وإلا فالمقصود خلافة النبي صلى الله عليه وسلم في أمته بحق وعدل ورشد. فالخلفاء الراشدون هم خلفاء النبي صلى الله عليه وسلم بأمته بحق وعدل، وليست خلافة ملك.

أفضلية الصحابة على غير الأنبياء

أفضلية الصحابة على غير الأنبياء Q ما معنى قولك: (وأصحابه خير أصحاب الأنبياء من قبله ومن بعده)؟! A إذا كنت قلت: (من بعده)، فهو سهو مني، نعم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم خير أصحاب الأنبياء جميعاً بدون كلمة (من قبله ومن بعده)، فالأنبياء كلهم من قبله وهو آخر الأنبياء، فهذا سهو مني أرجو أن لا تأخذوا به. أما إذا كان بمعنى أنه لا يأتي من هذه الأمة أفضل من أصحابه فنعم، بمعنى أن الذين ورد التصريح بفضلهم كالخلفاء الراشدين والعشرة المبشرين بالجنة، لا يمكن أن يأتي بعدهم من هو أفضل منهم. لكن ذكر بعض أهل العلم أنه قد يكون من أفراد الأمة بعد الصحابة رضي الله عنهم من هو أفضل من بعض الصحابة الذين لم يرد التنصيص على فضل معين لهم، وهذه مسألة خلافية؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر في بعض الأحاديث: أن من المؤمنين آخر الزمان من يكون أجره أجر خمسين من الصحابة، فهذا فيه إشارة إلى أنه قد يوجد من أفراد الأمة من هو أفضل من بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا أفاضلهم، هذه مسألة يجوز الكلام فيها، لكن لا يكون على سبيل الجزم والاعتقاد. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

شرح لمعة الاعتقاد [8]

شرح لمعة الاعتقاد [8] من أصول أهل السنة والجماعة السمع والطاعة لأولي الأمر وأئمة المسلمين وإن جاروا، وذلك في غير معصية، ومن أصولهم هجر المبتدعة، وترك النظر في كتبهم، وعدم الإصغاء إلى كلامهم، وعدم التسمي بغير الإسلام والسنة.

السمع والطاعة لأئمة المسلمين

السمع والطاعة لأئمة المسلمين قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ومن السنة السمع والطاعة لأئمة المسلمين وأمراء المؤمنين برهم وفاجرهم ما لم يأمر بمعصية الله، فإنه لا طاعة لأحد في معصية الله، ومن ولي الخلافة واجتمع عليه الناس رضوا به أو غلبهم بسيفه حتى صار خليفة وسمي أمير المؤمنين وجبت طاعته وحرمت مخالفته والخروج عليه وشق عصا المسلمين]. في هذا المقطع يقرر المؤلف رحمه الله أصلاً من أصول السنة.

من السنة طاعة أئمة المسلمين في غير معصية

من السنة طاعة أئمة المسلمين في غير معصية وقوله: (من السنة) أي: من سنة النبي صلى الله عليه وسلم، ومن سنة الخلفاء الراشدين، ومن سنة السلف الصالح، ومن سبيل المؤمنين: السمع والطاعة لأئمة المسلمين ما لم يأمروا بمعصية، وأئمة المسلمين هم كل من ولاه الله أمر المسلمين، سواء كان خليفة كالخلفاء الراشدين، ومن بعدهم ممن تسمى بهذا الاسم كبعض خلفاء بني أمية وبعض الخلفاء العباسيين، ومن جاء بعدهم، أو كان إماماً وهو بمعنى الخليفة، وهو الإمام الأعظم الذي يتولى أمور المسلمين في دينهم ودنياهم. أو كان سلطاناً، وهو أيضاً من ولاه الله أمر المسلمين بسلطان، وهو إما أن يكون شرعياً تولى السلطة بطريق الشورى أو بطريق اختيار أهل الحل والعقد، أو بطريق الغلبة. أو كان ملكاً، سواء تولى عن طريق الشورى أو أهل الحل والعقد، أو عن طريق الغلبة أو كان أميراً، وهو أيضاً بمعنى السلطان والملك، وهو من ولاه الله أمر المسلمين وسمي أميراً، سواء كان بالشورى أو بعقد أهل الحل والعقد أو بالغلبة، أو بنحو ذلك من الطرق التي يتولى بها الناس أو يتولى بها أحد أمور المسلمين، فكل من ولاه الله أمر المسلمين فهو له حق السمع والطاعة بالمعروف ما لم يأمر بمعصية. لكن لهذه الأوصاف درجات من الناحية الشرعية، فخلافة المسلمين أحياناً تكون خلافة لرسول الله صلى الله عليه وسلم على أمر المسلمين، وهذه في الخلفاء الراشدين الأربعة المهديين، وبعضهم يلحق بهم عمر بن عبد العزيز، وبعضها خلافة على عباد الله، أي خلافة الأرض في الدين والدنيا، وهذه لا يلزم أن يكون فيها الخليفة راشداً كالخلفاء الراشدين، وكلمة الإمام تُطلق على من يغلب عليه الاهتمام بالشرع، ومع ذلك قد يتسمى إماماً من هو دون ذلك. وعلى أي حال كل هذه الألفاظ هي ولاية للمسلمين، الخليفة والإمام والسلطان والملك والأمير والرئيس، أو ما اصطلح الناس على اسمه، فالعبرة بوصفه، ما دام وصفه أن يكون أميراً أو والياً لأمر المسلمين بأي وصف وبأي اسم، فإن له حق السمع والطاعة ما لم يأمر بمعصية.

وجوب طاعة ولي الأمر برا كان أو فاجرا

وجوب طاعة ولي الأمر براً كان أو فاجراً ثم قال: (برهم وفاجرهم). أي سواء كان هذا الإمام براً أي تقياً صالحاً، أو فاجراً أي مسلماً فاجراً، وهذا التفصيل جاء في أحاديث كثيرة صحيحة بعضها في الصحيحين وبعضها في غير الصحيحين، وكلها تأمر بالسمع والطاعة حتى للظالم الفاجر العاصي، والذي يُنكر منه ما يُنكر فإنه لا بد من السمع والطاعة له في المعروف ما لم يأمر بمعصية، أما ما يأمر به من معصية الله عز وجل فلا يُسمع له ولا يطاع. أما ما يفهمه بعض قليلي الفقه من أن كل من ارتكب معصية من الولاة فلا يُسمع له ولا يُطاع مطلقاً حتى في الطاعة فهذا فهم منكوس، وهو فهم الخوارج والمعتزلة وفهم سائر أهل الأهواء، فإن الطاعة تبقى بالمعروف والمعصية إنما تكون فيما يُنكر فقط، بمعنى أنه إذا أمر بمعصية لا تنخرم طاعته في كل شيء، بل فيما أمر به مما يخالف أمر الله. وهذا كما هو معروف مبني على المصالح العظمى للمسلمين، فالمصالح العظمى للمسلمين تقتضي ضرورة السمع والطاعة بالمعروف حتى وإن رأى المسلمون معاصي وفجوراً، فإنهم لا يجوز أن يخلوا بمبدأ السمع والطاعة ولا يخلوا بالبيعة، لكنهم ينكرون المنكر ويأمرون بالمعروف، وينصحون لولي الأمر فإن ظهر منه معصية فإنها تُنكر بالطرق الشرعية المعروفة وحسب قواعد الشرع المعروفة. والمعاصي تتفاوت فإن السمع والطاعة بالمعروف لا يعني ترك إنكار المنكر كما يفهم بعض الناس، فهذا أيضاً فهم معكوس كفهم من ظن أن من عصى لا يُطاع مطلقاً، فإنه لا طاعة لأحد في معصية الله، وإن كان خليفة أو سلطاناً أو أميراً أو والياً أو ملكاً، لكن لا تنزع منه يد الطاعة.

طاعة من ولي الخلافة ورضي به الناس أو غلبهم بسيفه

طاعة من ولي الخلافة ورضي به الناس أو غلبهم بسيفه (ومن ولي الخلافة واجتمع عليه الناس رضوا به أو غلبهم بسيفه حتى صار خليفة وسمي أمير المؤمنين)، يعني من أسمائه أمير المؤمنين كما هو معهود في عصور السلف، لكن قد يُسمى بغير هذه الأسماء فيُسمى والياً، ويسمى أميراً، ويسمى ملكاً، ويسمى سلطاناً، ويسمى رئيساً أو يسمى بأي اسم ما دام الأمر في حدود المفهوم اللغوي والشرعي. قال: (وجبت طاعته). بمعنى أن الطاعة واجبة شرعاً فيما تجب فيه الطاعة. (وحرمت مخالفته)، أي: مخالفته فيما فيه مصالح المسلمين من أمر المعروف، سواء ما يتعلق بدين الناس أو بدنياهم. وكذلك يحرم الخروج عليه، وشق عصا المسلمين. بمعنى أن الخروج دائماً يقتضي الشق، أي شق عصا الطاعة وشق عصا المسلمين، بمعنى تفريق كلمتهم والخروج على أصلهم الذي هو هذا الاعتقاد الذي ذكرته. وهذه القواعد كلها أيضاً مبنية على نصوص وقد أجمع عليها السلف، ولذلك عدوا من خالف في أمر من هذه الأمور من أهل الأهواء.

الحكم على ولاة الأمر من حيث البر والفجور

الحكم على ولاة الأمر من حيث البر والفجور مما يتعلق بهذه المسألة أو بهذا الأصل الأمور التالية: أولاً: الحكم على ولاة الأمور من حيث البر والفجور أو الكفر أو نحوه؛ لأنه ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث آخر في وجوب الأمر بالسمع والطاعة، ثم قال: (إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم عليه من الله برهاً). فيما يقتضي مخالفة هذه الأصول ليس الحكم للفرد إنما الحكم للجماعة، وهم أهل الحل والعقد في الأمة، وأهل الحل والعقد هم أهل العلم ومن يلحق بهم من طلاب العلم والدعاة، وأهل الرأي والمشورة في الأمة من رؤساء وقواد ووزراء وموظفين وغيرهم فإن هؤلاء يدخلون في عموم أهل الحل والعقد ما داموا يلتزمون شرع الله في هذا الأصل. إذاً فالحكم بكل ما يتعلق بولي الأمر في الأمور العامة ومصالح الأمة الكبرى كعقد البيعة، أو نقلها، أو الحكم بكفر معين، أو بكفر حالة من الحالات التي يقع فيها الحاكم، ولوازم الخروج على البيعة، كل ذلك يرجع إلى أهل الحل والعقد؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم خاطب الجماعة فيما يتعلق بالولايات ولم يخاطب الأفراد، فالخطاب يرجع إلى الجماعة، والجماعة يمثّلون بأهل الحل والعقد منهم، هذا أمر.

حكم الأخذ برأي العوام في مصالح الأمة وقضاياها الكبرى

حكم الأخذ برأي العوام في مصالح الأمة وقضاياها الكبرى الأمر الآخر: أن ما يتعلق بمصالح الأمة الكبرى مثل تولية السلطان أو البيعة له، أو تقدير أمر من الأمور الشرعية العظمى التي ترجع إلى أهل العلم وأهل الحل والعقد، لا يصح أن يؤخذ فيها رأي عامة الناس، فعامة الناس تبع للعلماء وأهل الرأي وأهل الحل والعقد وهذا ما كان عليه سلف الأمة. بمعنى أنا لو أردنا أن نقرر مسألة من المسائل التي تتعلق بدنيا الناس أو دينهم، أو خلافتهم أو إمارتهم لا نذهب إلى ما يذهب إليه الأوروبيون والغربيون ومن سلك سبيلهم من المسلمين، فلا نسلك مسلك التصويت، ونقول بعدد الأصوات نقرر كذا أو نمنع كذا؛ لأن أغلب الناس دهماء ورعاع، وأغلب الناس تحكمهم العواطف والمصالح الشهوانية، وأغلب الناس فيهم جهل، حتى وإن وجد عندهم عواطف دينية، فإن هذا الأصل لا يؤخذ -كما يظن كثير من الشباب الآن- بالأكثرية، ولا يصح هذا في مصالح الأمة العظمى، والأكثرية هم الهالكون غالباً، حتى في المجتمع المتمسك لأن أغلب الناس غوغاء وعوام وأشباه عوام لا سيما في هذا العصر حينما كثر المتعالمون، فأكثر العوام من أنصاف المثقفين، وأكثر المثقفين هم عوام، فإذا أوقعنا مصالح الأمة تحت التصويت وما يشبهه فإن هذا هو الهلكة. ولأضرب لكم مثالاً: من البلايا التي أُصبنا بها ما يسمى بالدش، هذه المضرة العظمى المؤكدة من يقرر الضرر فيها والنفع، أليس هم أهل العلم وأهل الفقه في الدين؟ نعم. لو أخذناها بالتصويت ما الذي سيحدث؟ الآن صارت في البيوت فلا يكاد يخلو منها بيت، بل وجدناها في البادية وفي القرى وفي بيوت الشعر إذاً: هل يؤخذ رأي الناس في مصالحهم الكبرى بعددهم؟ لا، يؤخذ بالمصلحة الشرعية وإلا وقعنا في الهلكة. وأنا أحببت بهذه المناسبة أن أنبه كثيراً من إخواننا طلاب العلم ألا ينجرفوا مع كثير من المثقفين العاطفيين من الإسلاميين وغيرهم الذين يريدون أن يجروا الأمة إلى هذا المسلك، ويأخذوا بأكثريتها إلى مهالك، ويبنوا أقوالهم وأحكامهم على مجرد رغبة أكثر الناس، وكثير من القضايا الحساسة المهمة التي تتعلق بدين الأمة وبكرامتها وبفضيلتها لو وضعناها للناس بالتصويت، لاختاروا طريق الهلاك، ولا أظن هذا يخفى عليكم. إذاً: من ضمن هذا أيضاً ما يتعلق بالولاية والعزل والسلطة وغيرها، فهذه ترجع إلى أهل الحل والعقد من العلماء ومن كان في سبيلهم ممن يعرف للعلماء اعتبارهم من أهل الرأي والمشورة من الرؤساء والقواد وغيرهم هؤلاء لهم اعتبارهم لأنهم يرجعون إلى العلماء، فإذا لم يرجعوا للعلماء فلا اعتبار لهم.

منهج أهل السنة في معاملة أهل الأهواء

منهج أهل السنة في معاملة أهل الأهواء قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ومن السنة هجران أهل البدع ومباينتهم، وترك الجدل والخصومات في الدين وترك النظر في كتب المبتدعة والإصغاء إلى كلامهم وكل محدثة في الدين بدعة، وكل متسم بغير الإسلام والسنة مبتدع، كالرافضة والجهمية والخوارج والقدرية والمرجئة والمعتزلة والكرامية والكلابية ونظائرهم فهذه فرق الضلال وطوائف البدع أعاذنا الله منها]. في هذا المقطع ذكر منهج أهل السنة والجماعة في معاملة أهل الأهواء، وذكر من ذلك أصولاً أولها: هجران أهل البدع.

أنواع الهجر

أنواع الهجر الهجر أنواع وأصناف، من أشهرها نوعان: الأول: هجر المجانبة، والبعد عن مواطن البدع وأهلها. بمعنى أن تهجر صاحب البدعة فلا تخالطه ولا تجالسه ولا تنادمه ولا تصاحبه في سفر، ولا فيما يقتضي الرضا ببدعته، أو ما يفهم منه الرضا ببدعته أو إقراره على ما هو عليه. وهذا النوع من الهجر يملكه كل الناس في كل زمان، بمعنى ألا تخالطه مخالطة المنادمة والمصاحبة التي تؤثر عليك وتوقعك في التبسط والرضا بما هو عليه؛ لأن مجرد المجالسة الطويلة تشعر بالرضا، بل لا بد أن يكون من لوازم المجالسة الرضا بما عليه الجليس. وأهل البدع الذين يُهجرون هم أهل البدع المغلظة والشركية ما داموا مظهرين لبدعتهم في أعمالهم أو يدعون إليها، فإذا كانت ظاهرة في سلوكهم فيجب هجرانهم بهذا النوع الذي ذكرته، وكذلك إذا دعوا إليها بأي نوع من أنواع الدعوة فإنه يجب هجرانهم على النوع الذي ذكرته. الثاني: هجر المباينة والعداوة، وهجر البراءة والتضييق، وهي أمر زائد على مجرد ترك المصاحبة. وهذا النوع الغالب أنه لا يحكم به فرد، إنما يرجع إلى أهل العلم الذين يؤخذ بحكمهم، أو إذا قالوا امتثل الناس قولهم. وهو أن يأمر من له رأي وحل وعقد من عالم كبير أو وال تهمه عقيدة الأمة بألا يتعامل مع فلان وأن يُهجر فلا يتكلم معه حتى في الأمور الصغيرة البسيطة، وهذا الهجر هجر الردع وهجر التأديب، كما فعل عمر رضي الله عنه مع صبيغ بن عسل التميمي وكما فعل ثابت البناني وابن عون والحسن البصري والأوزاعي ونحوهم من الأئمة الذين هجروا أصنافاً من أهل البدع في وقتهم، كـ واصل بن عطاء وعمرو بن عبيد والجعد بن درهم وغيلان الدمشقي وغيرهم، فإنهم كلهم ممن حُكم بهجره وإسكاته، وكان الناس في ذلك الوقت يمتثلون، فإذا قال العالم أو الأمير قولاً في صاحب بدعة بأن يُهجر ولا يُصاحب أو لا يكلم فإن الناس يهجرونه الهجر الكامل ويبتعدون عن مجالسته ومخالطته، فإذا لقوه في الشارع أو في السوق جانبوه، إذا قعد في حلقة إما أن يقوم وإما أن يقوموا هم، وإذا جاء إلى مائدة أو حفل أو نحوه إما أن يُخرج أو يخرجوا ويتركوا هذا الحفل ونحو ذلك، فهذا الهجر بمعنى المباينة الكاملة والمفاصلة، والمقصود به تأديب المبتدع نفسه، وزجر غيره ليرتدع الجهلة من الوقوع في الأهواء، وأيضاً ليحصن الأمة من بلائه وخطره. وهذا النوع يرجع إلى مدى استعداد الناس لطاعة العالم أو طاعة الوالي، فإذا كان الناس سيطيعون فإنه ينبغي أن يُتخذ هذا المسلك مع أهل البدع المغلظة الذين يُخشى خطرهم على الأمة، لكن إذا كان العالم أو الآمر بذلك لا يُطاع فإن المسألة تكون مجرد عبث، والغالب أن الأمر ينعكس، أعني أنه إذا كان العالم أو الأمير لا يُطاع عندما يأمر بالهجر فإن هذا سيؤدي إلى التعاطف مع المبتدع. إذا كان المسلمون في غربة وأهل السنة في غربة أو في حالة استضعاف، أو في وقت تهيمن عليه بعض النظم التي قد تحول بين العالم أو الإمام وبين تنفيذ أمره، فإن المسألة تحتاج إلى فقه آخر، أي أن من الحكمة ألا يؤمر بالهجر من هذا النوع، أما النوع الأول فكل يملكه في كل وقت، أي أن تجانب المبتدع ولا تجالسه إلا في حدود الضرورة القصوى كأن تعامله بصفته جاراً، فتعطيه حق الجوار، أو بصفته زميلاً في العمل فتعامله في حدود العمل أو تعامله في المصالح المادية الخالصة التي ليس فيها نوع تودد أو معاشرة تامة، فإن هذا قد يُسمح به إذا كان صاحب هذه البدعة لا يدعو إلى بدعته، أما إذا دعا إلى بدعته فلا بد من الحزم معه. قال: (وترك الجدل والخصومات في الدين). وهذا نوع من أنواع الهجر، بل هو أصل يتعلق بالهجر وغيره، وجاء به هنا لأن أهل الأهواء غالباً ما يجرون من يجالسهم إلى الخصومات؛ لأنهم يثيرون الشبهات والإشكالات في الدين من ناحية، ومن ناحية أخرى فالغالب أن أهل الأهواء من أحرص الناس على ترويج أهوائهم والدعوة إليها بكل وسيلة، فيلبسون على الناس ويظهرون أنهم أهل تقوى وصلاح، بل لعل من أعظم أسباب الفتنة بأهل الأهواء ووجود أتباع لهم من غوغاء المسلمين وعامتهم أنهم يتظاهرون بالصلاح والاستقامة، وهذا من الابتلاء الذي ابتلى الله به العباد. ولذلك إذا تأملنا أحوال الذين ظهرت على أيديهم البدع الكبرى التي ذكرها المؤلف هنا، نجد أن المؤسسين كلهم إلا النادر منهم تجدهم ممن يوصفون بالصلاح والاستقامة والورع والزهد والحرص على مصالح المسلمين والغيرة، والكلام عن الدين بعاطفة وبتأثير قوي، ابتداءً من الخوارج، والنبي صلى الله عليه وسلم وصفهم بقوله: (تحقرون صلاتكم إلى صلاتهم، وصيامكم إلى صيامهم)، هؤلاء الخوارج الأولون، والخوارج الآخرون الذين يخرجون في آخر الزمان كذلك، كما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم في البخاري وغيره: (سيخرج في آخر الزمان أناس حدثاء الأسنان سفهاء الأحلام)

ترك النظر في كتب المبتدعة

ترك النظر في كتب المبتدعة ثم قال: (وترك النظر في كتب المبتدعة). هذا أيضاً أصل عظيم جهله كثير من مثقفي الأمة اليوم، وأكثر طلاب العلم خاصة في البلاد التي سلمت من البدع كبلادنا لا يوجد منهم من ينظر في كتب البدع إلا نادراً ولضرورة، لكن هناك طائفة أخرى مخضرمة وهي طائفة المثقفين وما أكثرهم، هؤلاء يقرءون مما هب ودب، بل أكاد أقول: إن قراءتهم في كتب البدع والأهواء والكلام والفكر الحديث المنحرف عن أهل السنة أكثر من قراءتهم في الكتب الشرعية، حتى من كانت عنده عواطف شرعية وعواطف إسلامية، فأغلب قراءتهم في كتب البدع والنظر فيها وهم لا يشعرون، ويظنون أنهم يتلقون ديناً وفكراً إسلامياً وهذا أمر يحتاج أن ينبته له طلاب العلم. طالب العلم ينبغي أن يقتصر في سنين الدراسة على كتب العلم الشرعية، وليحذر أن يقرأ شيئاً من كتب الأهواء والبدع، أو كتب الثقافة غير المأمونة، فإذا استوى واشتد وشهد له مشايخه وأجازوه فلا مانع أن يقرأ في كتب الأهواء بشرط أن يكون لقراءته فائدة معلومة، ليس لمجرد الاستطلاع أو استظهار معلومات جديدة، ولكن لفائدة معلومة محددة يريد أن يصل إليها، كرد بدعة، أو الرد على شبهة، أو لمحاولة تقرير أصل من الأصول، أو نحو ذلك مما فيه فائدة للإسلام والمسلمين، أما ما عدا ذلك فليحذر طلاب العلم من الوقوع في كتب البدع؛ لأنها تستهوي ولذلك نجد غالب عشاق القراءة من المثقفين الذين لم يطلبوا العلم الشرعي على العلماء تستهويهم كتب البدع، ويتلذذون بها، ويشعرون بنشوة عند قراءتها. وكتب البدع في وقتنا أكثر من مجرد كتب الفرق في الماضي، من كتب البدع: كتب الفرق المعلومة كتب الجهمية، والمعتزلة، والخوارج، والرافضة، لكن من كتب البدع الآن ما قد يخفى على كثير من طلاب العلم فضلاً عن غيرهم، فأكثر ما يسمى بكتب الفكر الإسلامي كتب أهواء وبدع، وأكثر ما يسمى بكتب الثقافة الإسلامية التي انتشرت الآن تدخل في كتب البدع، وأكثر الدراسات والمؤلفات حول الأدب والتاريخ والعلوم الإنسانية إما كتب بدع أو تسير على نهج أهل البدع، ويستثنى القليل من ذلك، لكن هذا القليل لا يعرفه إلا طلاب العلم الخُلّص. بمعنى أنه ليس كل من حمل راية الثقافة أو حصل على الشهادة أو على كذا من الألقاب نركن إليه في ديننا ونطمئن إلى مشورته، فيما نقرأ وما نترك؟ بل الغالب أن هذا النوع يحتاج إلى توجيه، ولو بلغ الستين والسبعين وما فوق ذلك من عمره، كما يحتاج صبياننا في الكتاتيب.

ترك الإصغاء إلى كلام المبتدعة

ترك الإصغاء إلى كلام المبتدعة ثم قال: (والإصغاء إلى كلامهم). والكلام أخطر من قراءة الكتب، فالإصغاء إلى كلام أهل الأهواء لا يجوز، بل هو محرم، ومما ابتلينا به أن الناس صاروا يسمعون كلام كثير من أهل الأهواء عبر الأشرطة وعبر وسائل الإعلام الأخرى، فلا بد من الحذر من هذا التيار. وكلام أهل الأهواء كلام جذاب مغر، وأغلبهم ممن يُفتن الناس بما يسمعون منه؛ لأنهم أصحاب ثقافة عالية في الغالب، فيجدون من الأساليب والتعابير ما يشدون به أذهان السامعين، وفي الغالب أن أهل الأهواء يتحرون حوائج الناس وما يعتلج في نفوسهم من قضايا ومشكلات فيحاولون أن يسهموا في علاجها، فمن هنا تتعلق النفوس بهم، وقد يكون ذلك عن حسن نية منهم، أعني أن المبتدع صاحب الهوى لا يلزم أن يدري أنه صاحب هوى، قد يكون -وهذا هو الغالب- صاحب عاطفة، وفعلاً يريد الخير ويريد الحق، لكن قد جانبه بمخالفته للسنة، فإذا عُرف أحد من الناس أنه صاحب هوى أو فيه نزعة هوى فيجب تجنب كلامه، وما عنده من كلام جميل يُغني عنه ما في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وما عند أهل الحق وأهل العلم الموثوقين. فلا يكون ما عنده من كلام جميل ذريعة لأخذ جملة ما عنده بما في ذلك الأهواء والبدع، وكثير من الذين يتكلمون في مصالح المسلمين عندهم شيء من البدع، فلذلك ينبغي أن نتنبه ولا نصغي إلى كلامهم حتى وإن قالوا بحق؛ لأن الحق الذي معهم لم ينفردوا به، وهذه قاعدة عند السلف كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية: إن أهل الأهواء قد يكون عندهم شيء من الحق، لكن لا ينفردون بهذا الحق، فإن الحق الذي عندهم هو عند أهل السنة وزيادة، كما أن من أهل السنة من قد ينفرد بخطأ لكن هذا الخطأ الذي عنده نجده عند أهل الأهواء وزيادة هذه مسألة ينبغي أن يتنبه لها طلاب العلم، فلا تغويهم أو تستدرجهم بعض الأشياء التي يمتاز بها أهل الأهواء فينجرفوا معهم في أهوائهم.

كل إحداث في الدين بدعة

كل إحداث في الدين بدعة قال: (وكل محدثة في الدين بدعة). هذه قاعدة شرعية عظيمة ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح، والمحدثة في الدين ليس المقصود بها في العبادات فقط كما يظن بعض الناس، بل كل ما أُحدث في العبادات، وفي العقائد، وفي الأعياد، وفي الأحكام من الحلال والحرام فكل ما أُحدث على غير دليل شرعي فهو بدعة، بل العادات إذا أخذت جانب التعبد والالتزام صارت بدعة، ولذلك أكثر ما يُدخل الناس البدع من خلال ما يسمونه بالعوائد، فيتخذون عادة ثم يلزمون أنفسهم بها وتلتزمها الأجيال جيلاً بعد جيل حتى يُظن أنها من الدين، ومن خالفها كان مخالفاً للدين، وانظروا إلى بعض العوائد الموجودة عند الأعراب وعند بعض الناس، وبعض طوائف الناس نجد أنهم يظنون أنها من الدين، حتى يعتقدون أن من خالفها فهو مخالف للسنة. إذاً حتى العوائد إذا أخذت الالتزام بها فإنها تكون بدعة؛ لأنها تأخذ شكل التدين، وأعظم من ذلك الأعياد، بعض الناس يظن أن الأعياد داخلة من باب العادات، والأعياد تشريع وداخلة في العبادات دخولاً أولياً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم حصر في الحديث الصحيح أعياد المسلمين بعيدين فقط، ما زاد عنهما فهو بدعة مهما بُرر له، ومهما سُمي من الأسماء والشكليات.

التسمي بغير الإسلام والسنة بدعة

التسمي بغير الإسلام والسنة بدعة ثم قال: (وكل متسم بغير الإسلام والسنة مبتدع). التسمي بغير السنة والجماعة من السمات الكبرى لأهل البدع، كما أن من أعظم سمات أهل السنة أنهم ليس لهم اسم إلا أهل السنة والجماعة، بل يستحيل أن تجد اسماً عاماً يتفق عليه المسلمون قديماً وحديثاً وينطبق على الأصول الشرعية وتنطبق عليه غير أهل السنة والجماعة، فالسنة والجماعة لا يمكن أن يدّعيها مبتدع، وإن ادّعاها فلا يمكن أن يقر له بذلك، وبالعكس فإن جميع أهل الأهواء لا بد أن يكون لهم أسماء أو صفات أو شعارات تخالف أهل السنة والجماعة، وهذه الأسماء إما ترجع إلى أشخاص وإما ترجع إلى أوصاف.

تسمية الفرق نسبة إلى أشخاص أو أوصاف

تسمية الفرق نسبة إلى أشخاص أو أوصاف فالأسماء التي ترجع إلى الأشخاص كالجهمية فإنها ترجع إلى الجهم، وكالكرامية فإنها ترجع إلى ابن كرام، والكلابية ترجع إلى ابن كلاب، والأشاعرة يرجعون إلى الأشعري، والماتريدية ترجع إلى الماتريدي، فالله عز وجل نزّه السنة وأهلها من أن تكون لهم هذه الأسماء فكانت لمن ينتسب إليه أهل هذه الأهواء. وأحياناً تكون أوصافاً كالرافضة، سموا رافضة لرفضهم إمامة أبي بكر وعمر وهي من الدين، وبذلك رفضوا الدين جملة وتفصيلاً، وكالشيعة أيضاً لأنهم شايعوا علي بن أبي طالب، وكالخوارج سماهم النبي صلى الله عليه وسلم بذلك لأنهم يخرجون على الأئمة وعلى المسلمين، والقدرية لأنهم خالفوا في القدر وقالوا بغير ما قال به أهل السنة، والمرجئة لأنهم قالوا بالإرجاء وهو تأخير الأعمال عن الإيمان وهكذا وفي الآونة الأخيرة قد ترجع بعض الأهواء إلى شعارات كالاشتراكية والبعثية والوطنية والديمقراطية. وكل متسم بغير أهل السنة فهو مبتدع، يخرج من هذا من وصف بوصف لا يلزمه، وهذا قد يشكل على بعض السامعين، فقد يقال إن أهل السنة سموا بالمشبهة وسموا بالحشوية وسموا بالنابتة وسموا بالناصبة إلى آخره، لكن نقول: ليس العبرة بتسمية الخصوم ولا بإلزامهم لهم، إنما العبرة بما عليه الحق من ناحية، ومن ناحية أخرى بما يكون على وجه التزام، بمعنى أن يلتزم به أهله ويرضونه، فالشيعة رضوا بالتشيع، والخوارج أيضاً سماهم النبي صلى الله عليه وسلم تسمية شرعية فأصّل فيهم اسم الخوارج وأجمعت الأمة على هذا الاسم، والجهمية أجمعت الأمة على تسميتهم بهذا الاسم، والمعتزلة كذلك إلى آخره فإما أن يقع إجماع وإما أن يرفع صاحب الاسم شعاره ويرضى به كالشيعة، وإما أن ينطبق الوصف شرعاً ولغة. أما اللمز والرمي والاتهام فلا يقع على صاحبه، لذلك المشركون لما عيّروا النبي صلى الله عليه وسلم بغير ما هو عليه لم يكن لهذا التعيير أي أثر فلم يصدقه أحد ولا صدقوه هم أنفسهم، أليسوا سموا النبي صلى الله عليه وسلم -وحاشاه من ذلك- بمذمم؟ هل هو في الحقيقة مذمم؟ إذاً ما وقع عليه الاسم لا شرعاً ولا عقلاً ولا عرفاً، فهذا الاسم لم يكن له أثر، وكأن الله عز وجل صرفهم عن تعييره أو أن يقع عليه السب، فكذلك أسماء أهل السنة أو ألقابهم التي عيرهم بها خصومهم ما دامت لا تقع شرعاً ولا عقلاً ولم يلتزمها أهل السنة فإنها لا تؤثر، إنما الكلام على غير ذلك مما ذكرت.

التعريف بالشيعة والرافضة

التعريف بالشيعة والرافضة ثم ذكر أصناف أهل الأهواء قال: (كالرافضة)، والرافضة اسم جدير بالشيعة، لأن الشيعة مرت بأطوار ما بين الغلو والاعتدال والتوسط، انتهت في بداية القرن الثاني الهجري بل قبله بقليل إلى الرفض، وما بقي على التشيع إلا الزيدية، بل انقطع التشيع في غير الزيدية. إذاً: شيعة اليوم كلهم رافضة، حتى الباطنية تفرعت عن الشيعة، وكل شيعة اليوم رافضة إلا نوازع قليلة فردية أو شخصية لا يؤبه بها، لكن الفرق الشيعية انقرضت ولم يبق إلا الرافضة، أما الزيدية فهي معروفة باستقلالها. فالرافضة هم الذين رفضوا الإقرار لـ أبي بكر وعمر رضي الله عنهما بالإمامة وبالأفضلية، بل ورفضوا أن يكونوا أهل حق، بمعنى أنهم سبوا أبا بكر وعمر وزعموا أنهما من المرتدين، ومن خلال هذا الاسم ينطبق الرفض على جميع أمور الدين وليس على رفض أبي بكر وعمر، لكن هو الشعار الأول. وسموا رافضة لأنهم لما اجتمعوا حول زيد بن علي بن الحسين شيخ الزيدية وقد شكوا بأنه على أصولهم، فأرادوا أن يختبروه فقالوا: ماذا تقول في أبي بكر وعمر؟ وكانوا يؤملون أنه سيسبهما أو يلعنهما قاتلهم الله، لكنه قال قولاً آخر فترضى عنهما وقال قول أهل الحق، فانفضوا من عنده فقال: إذاً رفضتموني، فسموا الرافضة، وبقي هذا الوصف لهم إلى يومنا هذا. إذاً: الرافضة هم الشيعة الموجودون الآن ما عدا الزيدية، وبعض الزيدية رافضة. وأهم أصول الرافضة وأخطرها قولهم بعصمة أئمة آل البيت، فهم يرون أن أهل البيت معصومون، وأنهم يعلمون الغيب، وأنهم أحق بالإمامة والخلافة إلى قيام الساعة، وأنهم يتصرفون في الكون أو في بعض الكون وفي أيديهم مقاليد الكون، وأن عندهم أشياء من العلم ليست عند بقية المسلمين ولا الصحابة ولا حتى النبي صلى الله عليه وسلم، وأنهم ورثوا النبوة وخصائصها كما يرثون النسل. لهم أصول أخرى مثل التقية والمهدية والرجعة، وكل أصل يُعد بذاته كفراً، ورتّبوا على هذه الأصول تكفير الصحابة رضي الله عنهم، فهم يكفّرون جميع الصحابة إلا ثلاثة، وأحياناً خمسة وأحياناً سبعة، فيستثنون علياً والحسن والحسين وسلمان الفارسي وجابر بن عبد الله وبعض الصحابة، وبعضهم قد يحصر الاستثناء بآل البيت فقط.

التعريف بالجهمية

التعريف بالجهمية و (الجهمية)، وهم أتباع الجهم بن صفوان، وهو رأس المعطلة وأول من أعلن التعطيل بعد الجعد بن درهم، ولذلك لما نشط الجهم وبذر أصوله ودعا إليها وصار له أتباع سُمي التعطيل باسمه، وإلا فالتعطيل الذي هو إنكار أسماء الله وصفاته وأفعاله بدأه قبله الجعد بن درهم؛ لكن الجعد وجد في وقت قوة الدولة الإسلامية، وكان أهل الحل والعقد يأمرون فيُطاعون، فقد اجتمع له طائفة من السلف وناظروه وأقاموا عليه الحجة، فأصر على بدعته فحكموا بضرورة قتله دفعاً لفتنته وحماية للمسلمين فقُتل، لكن الجهم عاش في فترة ما بين ضعف الدولة الأموية وبداية الدولة العباسية، ففي هذه الفترة نشط كثير من أهل الأهواء، فاستطاع الجهم أن يبذر أقواله وأصوله، وقد قتل سنة (128هـ) أي في وقت ضعف الدولة الأموية، فوجد له أتباع، فلما كثر أتباعه وانتشر هذا المذهب على يده سُمّي باسمه، فسمي أتباعه الجهمية، وهم الذين ينكرون أسماء الله وصفاته وينكرون أفعال الله عز وجل، وكذلك يقولون بالقدر، أي: يقولون بالجبر والإرجاء الكفري، وهم المرجئة الغلاة.

التعريف بالخوارج

التعريف بالخوارج قال: (والخوارج) أي: الذين يخرجون على أئمة المسلمين وجماعتهم في أي زمان، والخوارج الذين وردت فيهم النصوص على صنفين: صنف خرجوا على عهد علي رضي الله عنه، وقد ورد فيهم أحاديث تنص عليهم. وصنف آخر هو كل من خرج على أئمة المسلمين وعلى أهل الحل والعقد فيهم، وعلى جماعتهم، ورفع السيف على المسلمين في أي زمان، فإنه يُعد من الخوارج. ومن هذه الفئة الثانية من سيخرج في آخر الزمان، كما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (سيخرج أناس حدثاء الأسنان سفهاء الأحلام، يقولون من خير قول البرية) ثم قال في آخره: (فإذا لقيتموهم فاقتلوهم فإن لمن قتلهم الجنة) فلذلك احتسب الصحابة قتال الخوارج عند الله عز وجل، وفرحوا عندما علموا أنهم هم الذين ينطبق عليهم حديث النبي صلى الله عليه وسلم، حتى يشملهم الوعد الذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة.

التعريف بالقدرية والمرجئة

التعريف بالقدرية والمرجئة قال: (والقدرية)، وهم الذين قالوا بنفي القدر، وهم على درجات، منهم من نفى علم الله السابق في أفعال العباد، وتقديره ومشيئته وخلقه، ومنهم من نفى العلم وأثبت الخلق، الطائفة الأولى نفوا كل درجات القدر، وزعموا أن أفعال الإنسان لا علم لله بها ولم يشأها ولم يقدرها ولم يخلقها، لكن هذا المذهب اختفى، ثم جاءت المعتزلة فيما بعد فأخذت بالمذهب الثاني، وهو إثبات العلم وإنكار المشيئة والأمر والخلق، وأحياناً يحصرون القدر بواحد من هذه الأصناف. قال: (والمرجئة) وهم صنفان: الصنف الأول: مرجئة الجهمية الغلاة، وهذا الغالب أنه لا يطلق عليهم مرجئة، بل يطلق عليهم جهمية، وهم الذين قالوا: لا يضر مع الإيمان معصية، حتى ولو كانت شركاً أو كفراً، فمن آمن فهو كامل الإيمان، وقالوا: الإيمان هو معرفة الله عز وجل أي معرفة، ولو معرفة يهودي أو نصراني أو مشرك فمن كان يعرف الله فهو مؤمن كإيمان جبريل وإيمان الأنبياء، فلذلك كفّرهم السلف، وهم غلاة المرجئة. وهذا القول مستمد من أقوال الفلاسفة، وهذه النزعة تجدونها في كثير من المثقفين وأوباش المتعلمين، يقولون: كل من عمل خيراً أو آمن بالله أو وجد التقوى في قلبه فهو مؤمن، حتى أن بعضهم الآن يقول: ما هو الفرق بين مؤمني أهل الكتاب ومؤمني المسلمين، وبعضهم يقول أعظم من ذلك، يقول: هؤلاء المشركون والشيوعيون والوثنيون مساكين إلى آخره المهم أن المرجئة الأوائل وهم الجهمية يقولون بهذا القول، وأغلب هذا الإرجاء لا يوجد إلا في قليل من الناس. الصنف الثاني: إرجاء الفقهاء وهو الكثير الآن، ويشمل عدداً كبيراً من المسلمين من القرن الرابع فما بعده، وهو إخراج الأعمال من مسمى الإيمان، فيكون الإيمان هو التصديق ولا يتفاوت أبداً، إنما يتفاوت الناس بالأعمال، فلذلك قالوا: الأعمال ليست من الإيمان، لكنها من لوازم الإيمان، وهم قد خالفوا السلف في ذلك وقالوا بغير قولهم. على أي حال هذا النوع بدعة لكن ليست بدعة مغلّظة.

التعريف بالمعتزلة

التعريف بالمعتزلة قال: (والمعتزلة)، وهم أتباع واصل بن عطاء وعمرو بن عبيد، وسموا معتزلة لأنهم اعتزلوا مجلس الحسن البصري حينما سئل عن مرتكب الكبيرة ما حكمه؟ فقام واصل بن عطاء فقرر مذهباً جديداً لا يُعرف في الشرع إنما قرره من عقله، فقال: مرتكب الكبيرة بمنزلة بين المنزلتين لا كافر ولا مؤمن فبعدما قال هذا الكلام أنكر قوله الحسن البصري وأنكر قوله تلاميذ الحسن البصري، فاعتزل الناس وجلس عند سارية من سواري المسجد وأخذ يقرر هذا المذهب ويدعو إليه، فقال الحسن البصري: اعتزلنا واصل، فانضم إليه عمرو بن عبيد وبعض التلاميذ المعجبين فصاروا معتزلة وأسسوا مذهب المعتزلة وتجارت بهم الأهواء وزادوا على هذا الأصل أصولاً كثيرة. وكل صاحب هوى يصر على هواه ويخالف أهل الحق والسنة، فإنه لا بد وأن يبتلى بأهواء أخرى، فلذلك واصل بن عطاء وعمرو بن عبيد ليس عندهم في أول الأمر من المخالفات إلا هذه فقط، لكنهم فيما بعد صاروا أصحاب أصول خمسة كلها تخالف أهل السنة والجماعة، منها التعطيل وإنكار الصفات، ومنها مفهوم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قالوا: إنه لا يؤخذ من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا الخروج على الحكام فقط.

التعريف بالكرامية

التعريف بالكرامية قال: (والكرامية)، وهم أتباع ابن كرام وقد نُسب إليه المبالغة في إثبات الصفات، حتى وصفه خصومه بأنه مشرّك، ومما نسب إلى الكرامية القول بأن الإيمان هو قول اللسان فقط، فهذه من أشنع أقوال الكرّامية.

التعريف بالكلابية

التعريف بالكلابية والكلابية أتباع عبد الله بن سعيد بن كلاب وهو ينتسب إلى أهل الحديث، لكنه خالفهم في أول الأمر في جزئية ثم تجارى به الهوى حتى صار صاحب مذهب كلامي فلسفي يخالف مذهب أهل السنة والجماعة خاصة في كلام الله، فأصل مذهب ابن كلاب أنه يُنكر قيام الأفعال بالله عز وجل، أي يُنكر بعض أفعال الله ويؤولها، خاصة في كلام الله، فأنكر أن يكون الله عز وجل تكلم بالقرآن، فقال: إن كلام الله معنى قائم بالنفس، وإن هذا الكلام أي كلام الله إذا عُبّر عنه بالعربية سمي قرآناً، وإذا عُبّر عنه بالعبرية سمي توراة إلى آخره فكأنه يرى كلام الله معاني يترجمها الناس أو المخلوقون. وابن كلاب لم يزد عن هذه البدعة وما حولها، لكنه فيما بعد صار مذهبه مذهباً لأهل الكلام الذين جاءوا بعده وسلكوا هذا الاتجاه، فصار قوله قاعدة للمتكلمين من بعده، فالأشاعرة في حقيقة الأمر هم كلابية، والماتريدية كلابية لأنهم أنكروا أفعال الله، أو صفاته الفعلية وقيام الحوادث به، وأنكروا ارتباط بعض أفعال الله بالمشيئة، فيرون أن الله لا يفعل عندما يشاء، إنما فعله لازم منذ الأزل إلى الأبد، فالله عندهم ليس فعّالاً لما يريد من كل وجه، ولكن في بعض الأمور دون بعضها، فالكلابية أسسوا هذا المذهب فتبعهم الأشاعرة والماتريدية. ثم قال: (ونظائرهم) أي: من فرق الضلال ممن جاءوا بعدهم أو عاصروهم، وطوائف البدع ممن لم يسمهم كالسالمية والمشبهة والأشاعرة والماتريدية ونحوهم كلهم أهل كلام وأهل بدع بحسب ما عندهم.

حكم الاختلاف في الفروع

حكم الاختلاف في الفروع قال المصنف رحمه الله تعالى: [وأما النسبة إلى إمام في فروع الدين كالطوائف الأربع فليس بمذموم، فإن الاختلاف في الفروع رحمة، والمختلفون فيه محمودون في اختلافهم مثابون في اجتهادهم، واختلافهم رحمة واسعة واتفاقهم حجة قاطعة. نسأل الله أن يعصمنا من البدع والفتن، ويحيينا على الإسلام والسنة، ويجعلنا ممن يتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحياة، ويحشرنا في زمرته بعد الممات برحمته وفضله آمين. وهذا آخر المعتقد، والحمد لله وحده، وصلى الله على سيدنا محمد، وآله، وصحبه، وسلم تسليماً]. في هذا المقطع ختم المؤلف رحمه الله بخاتمة عظيمة وجيدة كعادة أهل العلم في اختيار الكلام المناسب لخواتيم أقوالهم وكتاباتهم ومؤلفاتهم. قال: (وأما النسبة إلى إمام في فروع الدين)، يقصد الإمامة في الاجتهاديات، كإمامة الأئمة الأربعة: أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد، فإنها جائزة، بمعنى أن غير المجتهد من طلاب العلم والعامة له أن يقتدي بأي أصل من هذه الأصول التي عليها هذه الأئمة، أي أنا نجد في عصور السلف الأولى من يبرز من أهل العلم والاجتهاد ويكون قدوة في الدين، فيجوز لعامة المسلمين أن يقتدوا به ويهتدوا بهديه، ولا ضير في ذلك، بل هذا هو مقتضى المصلحة العامة للمسلمين، ولو أطعنا كل الناس في الاجتهاد واعتبرنا كل متابعة لإمام تقليداً لأوقعنا الناس في الهلكة، فيجتهد الأعرابي ويجتهد العامي الجلف ويجتهد الجاهل وقليل المدارك، ويجتهد من ليس بأهل الاجتهاد فتقع الأمة في خبط وخلط كما حصل من بعض الذين يدّعون أن كل الاتباع تقليد، وهذا في الحقيقة فتنة حدثت لطوائف من الناس بسبب هذه الشبهة، فزعموا أن أي اتباع لأي إمام أو لأي عالم إنما هو تقليد، وهذا غلط يخالف سبيل المؤمنين الذي عليه أئمة السلف، والله عز وجل أرشدنا إلى سؤال أهل الذكر ولاتباع سبيل المؤمنين، فكيف يتحقق ذلك بغير قدوة. فإذاً: لا بد أن نوسع للمسلمين في اتباع من يرون من الأئمة المهديين الأحياء منهم والأموات، ومن الأموات من كان قدوة أكثر من غيره، فنجد مثلاً في عهد السلف هناك من كان ما يسمى في عصرنا هذا صاحب مدرسة فقهية أو علمية كالأئمة الأربعة والليث والأوزاعي وابن أبي ليلى وربيعة الرأي وسفيان الثوري وأئمة السلف الكبار الذين عندهم فقه فهؤلاء أئمة لهم اجتهادات في الفقه وتبعهم من تبعهم من عامة المسلمين ومن طلاب العلم. إذاً فالاختلاف في الفروع رحمة من حيث إنه اجتهاد، وذلك أن الاختلاف على نوعين في الفروع: منه ما يكون عن تعصب وجدال ومراء ونحو ذلك، فهذا لا يجوز وإن كان من باب الاختلاف في الاجتهاديات. ومنه ما يكون عن طلب للحق، فهذا الاختلاف سائغ، وفيه رحمة للأمة، واختلاف السلف كله من هذا النوع والمختلفون فيه محمودون، أي: مثابون على اجتهاداتهم في الأمور الاجتهادية، بعكس العقيدة، فالمخالف فيها فهو مفارق، أما الاجتهاديات فإن الخلاف فيها عن حسن نية كله أجر، وهو مما يطلب شرعاً، والمختلفون فيها مثابون في اجتهادهم، واختلافهم رحمة واسعة واتفاقهم حجة قاطعة. ثم ذكر هذا الدعاء العظيم الذي يناسب هذا المقام، بعد ذكر العقيدة فقال: (نسأل الله أن يعصمنا من البدع والفتن). البدع تشمل كل بدع الدين، والفتن فتن في الدين والدنيا، يشير بذلك إلى فتنة العقائد والمبتدعات وإلى فتنة الدنيا بالشهوات ونحوها، فإن هذا من الفتن التي ينبغي التعوذ والاعتصام بالله منها. (ويحيينا على الإسلام والسنة). وهذا ما ينبغي أن يدعو به طالب العلم في كل مقام يكون فيه ذكر للأهواء، فإن لكل مناسبة دعاء، فإنه إذا ذُكرت الأهواء والبدع ينبغي للمسلم أن يستشعر أولاً ضرورة اللجوء إلى الله عز وجل بأن يعصمه ويهديه، وثانياً أن يتعوذ بالله من الفتنة والضلالة، وثالثاً يعرف أنه عبد ضعيف لا منجى ولا ملجأ من الله له إلا إليه إذاً ينبغي أن يلجأ إلى الله. ثم يحذر من الشماتة؛ لأن الإنسان قد يستهويه الكلام في هذه الأمور فيقع في التعيير واللمز لأناس ممن وقع في البدعة وليس من أهلها ونحو ذلك، فالشماتة غير الاستعاذة بالله من البدعة، لأن الشماتة أمر يتعلق بالاستهزاء والسخرية بأكثر مما ينبغي شرعاً. إلى آخر ما قاله، وبهذا ينتهي هذا الكتاب. ونسأل الله أن ينفعنا بما علمنا، وأن يجعل ذلك في موازين أعمالنا، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

الأسئلة

الأسئلة

أكثر الجرائد والمجلات في سبيل البدعة

أكثر الجرائد والمجلات في سبيل البدعة Q هل الجرائد والمجلات من كتب المبتدعة؟ A أغلب الجرائد والمجلات في سبيل البدعة.

الفرق بين النهي عن المنكر والخروج على الحاكم

الفرق بين النهي عن المنكر والخروج على الحاكم Q ما تقول فيمن لا يفرق بين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإصلاح، وبين الخروج على الحاكم؟ A على أي حال لا شك أن هذه أمور بينها حد يعرفه أهل العلم قديماً وحديثاً وليست جديدة، فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر له حد، وهو داخل في مفهوم الإصلاح، والخروج على الحاكم له حد أيضاً يفهمه أهل العلم، ولو رجع المتنازعون إلى أهل العلم لوجدوا في ذلك جواباً، مع أنه قد تبقى بعض المسائل يشتبه الأمر فيها هل هي داخلة في الخروج أو داخلة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ وهذه مسائل يحسم فيها أهل العلم.

التوفيق بين كون فعل العبد مخلوقا لله وكسبا للعبد

التوفيق بين كون فعل العبد مخلوقاً لله وكسباً للعبد Q قرأت في أحد شروح اللمعة من كلام ابن قدامة فقرة (49) يقول: أقول: على أن للعبد فعلاً وكسباً، قال آخره: وهو واقع بقضاء اللَّه وقدره، كيف نوفق بين كون فعل العبد مخلوقاً لله وكونه كسباً للفاعل؟ A القول بالكسب ليس قول أهل السنة والجماعة، فأهل السنة والجماعة يقولون إن الإنسان مجبول، وإن فعله لا يخرج عن فعل الله عز وجل من ناحية، لكن عنده قدرة واستطاعة قبل الفعل وبعده، فإن وجدت العزيمة والإرادة والصحة فعل، وإن لم توجد لم يفعل، فأما القائلون بالكسب فيرون أن القدرة على الفعل لا توجد إلا أثناء الفعل تماماً وهذا هو الفارق بين أهل السنة وبينهم. على أي حال لا تناقض على مفهوم السلف، أما على مفهوم المتكلمين الذين يقولون بالكسب فإن هناك نوعاً من التعارض عندهم.

زيارة المؤمنين لربهم في الجنة لم يثبت فيها حديث صحيح

زيارة المؤمنين لربهم في الجنة لم يثبت فيها حديث صحيح قبل أن أنسى المسألة التي ذكرناها في المرات الماضية وهي ما ذكره الشارح من زيارة المؤمنين لربهم في الجنة: فمن خلال البحث توصلت إلى أن الزيارة لم يرد فيها نص صحيح، لكن بعض أهل العلم استوحاها من نصوص الرؤية، ففهموا منها أنها تقتضي الزيارة بمفهوم اللقاء وبمفهوم تكرر الرؤية، وأضيف إلى هذا بعض الأحاديث الضعيفة التي استأنس بها بعض أهل العلم فأثبتوا من خلالها القول بالزيارة، لكن هذا ليس له دليل قاطع، فبعض أهل العلم يدخلها تبعاً للرؤية على أنها من فرعيات العقيدة، وبعضهم لا يدخلها أصلاً ويقول: لم يثبت في ذلك نص.

حكم سماع الإذاعات من الراديو

حكم سماع الإذاعات من الراديو Q نهيتم عن الاستماع لآراء أهل البدع، فما رأيكم في من يستمع لبعض الإذاعات كالإذاعة البريطانية لقصد معرفة الأخبار فقط؟ A الاستماع لهذه الأجهزة والوسائل مما عمّت به البلوى، لكن سددوا وقاربوا، لا ينبغي للإنسان أن يدمن الاستماع لهذه الإذاعات، ومن أدمن تضرر، لكن أن يستمع الأخبار أحياناً وبعض البرامج التي يجد فيها فائدة بشرط ألا يتمادى، هذا القدر قد يفيد طالب العلم بحيث يكون على اطلاع على أحوال الأمة وأحوال العالم، وهذا يفيده في أمور الدعوة وفي التصورات عن أحوال الناس، هذا بقدر، لكن الإدمان على الإذاعات والصحف أظنه كقراءة كتب أهل البدع.

تسمية أهل السنة بالسلفية

تسمية أهل السنة بالسلفية Q ما هو الأفضل إطلاق لفظ أهل السنة والجماعة أو السلفية؟ A صحيح أن هذه المسألة اشتهرت بين الشباب، وهذه الإطلاقات كلها صحيحة ويرجع بعضها إلى بعض، فالسلفية تعني نهج السلف، وأهل السنة والجماعة تعني السلف، فأهل السنة والجماعة قد تكون أوسع من السلفية أحياناً، لكن هذه السعة لا تعني العدول عنها، بمعنى أنه قد يدّعي السنة والجماعة من أهل الأهواء من لا يدّعي السلفية، مثلاً بعض الأشاعرة والماتريدية يدّعون أنهم أهل السنة والجماعة ويسمون أنفسهم بذلك، وقد يجانبون كلمة السلف، لكن مع ذلك ينبغي ألا يؤثر هذا على الأصل، وهو أن من أسماء أهل السنة والجماعة السلف، وكذلك السلف من أسمائهم أهل السنة والجماعة. فالسلف اسم أخص، كما أن السنة في الدرجة الثانية، والجماعة في الدرجة الثالثة، وقد تكون الجماعة الدرجة الثانية عند بعض أهل العلم، فعلى أي حال نقول: لا مشاحة في هذه الاصطلاحات، وكلها صحيحة، وما يحدث من بعض الإشكالات لا يعني أن نرفض أو نلغي اسماً صحيحاً لأهل الحق، فهم السلف وهم أهل السنة والجماعة. نعم، نفرق عند التفصيل، أما عند الإجمال وعند الانتماء فندين الله بالانتماء لأهل السنة والجماعة وندين الله بالانتماء للسلف ونعتز بذلك ولا نفرق بينهم، والتفريق لا يأتي على سبيل الانتماء إنما يأتي على سبيل التفريق في سعة الاصطلاح وضيقه، وهذا في كل الاصطلاحات مثل الإسلام الإيمان والإحسان فإن بينهم فرقاً، ومؤداها واحد؟ المحسن لا بد أن يكون مؤمناً ومسلماً، والمسلم مؤمن، والمؤمن مسلم، لكن بينها فرق عند التفصيل، فكذلك أهل السنة والجماعة والسلف.

طريقة القراءة الصحيحة ومعرفة الكتب النافعة

طريقة القراءة الصحيحة ومعرفة الكتب النافعة Q كلامك حول النظر في كتب المبتدعة صحيح، ولست أهلاً لتصحيح كلامك، ولكن أرجو التنبيه إلى قضية، وهي أن كثيراً من الناس قد توقف في النظر في بعض الكتب النافعة بحجة عدم معرفة عقيدة أصحابها واتجاهاتها، فهل هذا المسلك صحيح؟ فإن لم يكن كذلك فما الطريقة في ذلك؟ حبذا لو زودتنا ببعض أسماء التي تنتشر كتبهم في الأسواق ممن لا ينبغي النظر في كتبهم. A أما الأصل فهو صحيح يبقى كما سلّم به السائل، أما النظر في كثير من الكتب المعاصرة ففيه نظر، لكن الناس في ذلك يتفاوتون، لكني عندما أتكلم في مثل هذا المقام العام أتكلم عن عموم طلاب العلم الذين في فترة التلقي والتحصيل، فمثلي لا ينبغي أن يوجه العلماء أو طلاب العلم الكبار، فأنا لا أتكلم إلا عند زملائي وعند أمثالي من الذين في طريق العلم، فأتكلم على مستواهم، لكن العلماء والمتخصصين وطلاب العلم الكبار لهم أن يقرءوا، لأنهم أخذوا الموازين وعرفوا الصالح من النافع، وعندهم من الملكة والقدرة إن شاء الله ما يجعلهم يميزون، وربما قراءتهم لبعض الكتب الثقافية والفكرية تجعلهم يصححونها ويردونها على أصحابها، لكن أتكلم عامة طلاب العلم أمثالي، لا ينبغي أن يشغلوا أنفسهم بكتب الفكر والثقافة والله أغناهم بالكتب الأصلية عن ذلك، ككتب الحديث وكتب السنة وكتب العقيدة وكتب التفسير وكتب الفقه، إذا قرأتها واستوعبتها فعليك بما تستطيعه من غيرهم، هذا شيء. الشيء الآخر: أنه لا يعني هجرها مطلقاً، إنما القراءة منها بقدرة وباستشارة، كالملح للطعام أو ما دون ذلك، بمعنى أنه قد تحتاج بعض الكتب الفكرية والثقافية لكن لا تتعد حاجتك من ناحية، ومن ناحية أخرى يجب أن تستشير طالب علم متمكن يعرف الصالح من الطالح. والأمر الثالث: لا يطغى ذلك على كتب العلم الأصلية، فيجب أن نوجه الشباب في هذه الفترة الحرجة إلى كتب العلم الأصلية، إلى طلب العلم الشرعي، فإذا تحصنوا وصاروا موسوعيين في العلم لم يملك أحد أن يقول لهم: لا تقرءوا، سيقرءون إن شاء الله وتكون قراءتهم هي القراءة الفاحصة الممحصة التي ينتفعون بها وينتفع بها غيرهم. أما الآن فإنهم يقرءون قراءة المتلقي المعجب، فمن الخطأ والكلل والتفريط أن نفتح الباب ولا نقيده، فلذلك أنا دائماً أتشدد في هذه المسألة وأظنكم تعذروني، ولو عرفتم ما أعرف لقلتم أكثر مما أقول؛ فينبغي أن يُعرف الكلام على وجهه، فأكثر كتب الثقافة والفكر أرى أن يتجنبها طلاب العلم إلا القليل منها، وبحدود وباستشارة، ويكبوا على طلب العلم الشرعي والعلوم الضرورية حتى وإن كانت علوماً إنسانية بحتة، فقراءتها أسلم، بل حاجة المسلمين إليها أشد، مثل كتب الطب، وكتب الهندسة وغيرها، وكتب العلوم التطبيقية أو التجريبية، فبإمكان طالب العلم إذا كان عنده استعداد بأن يسلك أي تخصص من هذه التخصصات أن يسلك، أما كتب الثقافة والفكر فليجعلها آخر الأمر، وإن استغنيتم عنها فثقوا أنكم إن شاء الله لن تخسروا من دينكم شيئاً.

الخروج بالقلب والخروج باللسان والخروج بالسيف

الخروج بالقلب والخروج باللسان والخروج بالسيف Q هل الخروج يطلق على الخروج بالسيف أم أنه يشمل القلب واللسان؟ A هذه المسألة خاض فيها الناس الآن وكثر فيها اللبس، فالخروج درجات: منه ما يكون بالقلب ومنه ما يكون بالقلب واللسان، ومنه ما يكون بالقلب واللسان واليد دون السيف، ومنه ما يكون بالسيف. والخارج بالسيف لا بد أن يكون عنده شيء من استجازة الخروج إلا إذا كان صاحب دنيا، أما إذا كان صاحب هوى فلا يخرج بالسيف إلا وقد خرج بقلبه ولسانه، لكن قد يكون هناك خروج عقدي وهو ما يسمى بالخروج بالقلب أو خروج بالكلام وهو اللسان ولو لم يعمل بالسيف مع أنه لا يقدر، فالرافضة أليسوا خارجين وما حملوا السيف إلا نادراً، ومع ذلك يرون الخروج ويعتقدونه ويدينون به ديناً، حتى يرون الخروج على أبي بكر وعمر، إذاً هذا خروج اعتقادي لكن ليس عملياً، فلذلك هم لا يرفعون السيف أبداً حتى يأتي المهدي، وكانوا إذا دافعوا عن أنفسهم يدافعون بالخشب فسموا الخشبية، يقولون: نخشى أن نقع في الإثم إذا رفعنا السيف قبل خروج الإمام، وما رفعوا السيف عن اعتقاد عام عندهم، لكنهم يدفعون غيرهم، وما رفعوا السيف إلا عندما جاءهم الخميني ببدعة جديدة وهي ولاية الفقيه. الخوارج لا يخرجون في كل زمن، فالإباضية الآن وقبل الآن يعتقدون الخروج بالسيف لكن ما خرجوا إلا قليلاً، المعتزلة والجهمية يرون السيف لكن ما خرجوا لأنهم عجزوا عن الخروج؛ لأنهم فلاسفة، فليس صحيحاً أن الخروج لا يكون إلا بالسيف، بل من كان عنده اعتقاد يقتضي عدم البيعة لإمام فهو خارج باعتقاده وإن لم يُعلن ذلك، والناس قد لا يعرفون أنه خارجي إلا إذا حمل السيف. فإذاً: الخروج يكون بالاعتقاد وليس بالسيف فقط. ولكن هل كل عمل في الدعوة إلى الله عز وجل، أو كل أمر بالمعروف ونهي عن المنكر يعد خروجاً؟ هذه مسألة أخرى، وهذا خلط وخبط، وسببه ما ذكرته لكم من كتب الثقافة وكتب الفكر التي كتبها ناس لا يفقهون الدين، هم الذين خلطوا هذه الأمور وأوجدت الخلط عند الشباب، حتى ظن بعضهم أن أي كلمة تقولها في إنكار المنكر تعد خروجاً! وليس ذلك صحيحاً، إذا عرفت ضوابط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وضوابط الإصلاح فإنه ليس كل أمر بالمعروف ونهي عن المنكر خروجاً، وليست كل كلمة خروجاً. إذاً: المسألة تحتاج إلى فقه لئلا نشطح هاهنا أو هناك، ولو رجع الناس إلى علمائهم لما وقع هذا الخلط والخبط.

حكم من قال بأقوال العلمانيين والحداثيين

حكم من قال بأقوال العلمانيين والحداثيين Q هل يحكم لكل من قال بأقوال العلمانيين والحداثيين بأنهم من أهل البدع، أرجو أن تضع أصلاً في مناقشة هؤلاء وهجرانهم؟ A العلمانية والحداثة من الشعارات الجديدة، قد ينتمي إليها من هو من أهل البدع، وقد ينتمي إليها مغرور، أو مخدوع، لكن أغلب أصحاب هذه الاتجاهات أهل بدع، أما هي من حيث الأصول فهي أصول كفرية، لكن ليس كل من انتمى إليها يكون كذلك، فقد ينتمي إليها المعجب والمثقف الذي لا يفهم إلا الشكليات والشعارات، أما العلمانية والحداثة من حيث هي فهي من أخطر المذاهب على الأمة.

حكم تبديع الأئمة بالزلات

حكم تبديع الأئمة بالزلات Q بعض الناس قد يقول عن فلان من الأئمة إنه من المرجئة مثل أبي حنيفة رحمه الله؟ A نعم أبو حنيفة رحمه الله يقول بالإرجاء، لكنه من أسلم المرجئة وقوعاً في لوازم الإرجاء الأخرى، فهو يهتم بالعمل اهتماماً عظيماً، حتى إنه يعد من العباد الزهاد الكبار الذين يعولون على الأعمال ويجعلون لها أعظم الاعتبار في السلوك وفي العبادة، وإمامة أبي حنيفة رحمه الله في الدين وجلالته تجعلنا نعتبر قوله بالإرجاء زلة لا يُعد بها مبتدعاً؛ لأن العالم الكبير لا ينبغي أن يُبدّع بما يبدع به غيره؛ لأن ما عنده من الخير والأصول الأخرى يكون كثيراً جداً، وإذا قال بالبدعة فهو صاحب تأول يعذر به ولا يقدح في إمامته، نعم لا يقر عليه بذاته، ويقال هذه زلة، كما حدث من الحاكم النيسابوري رحمه الله، ومن عبد الرزاق بن همام رحمه الله، ومن قتادة بن دعامة السدوسي رحمه الله وغيرهم، فقد حدث منهم شيء من القول ببعض البدع، لكن إمامتهم وجلالتهم في الدين تجعلنا نجزم أنه ليس عن ابتداع ولا هوى، وأنه عن تأول يعذرون به، وهذه القاعدة سارية في جميع أئمة الدين، ولذلك ينبغي أن يعنت أولئك المتعجلون والمتسرعون الذين يقدحون في عقائد هؤلاء الأئمة الذين ذكرتهم، ومن أمثال النووي وابن حجر والبيهقي وغيرهم، فإن هؤلاء أئمة ينبغي ألا نجرؤ عليهم.

التوسع في الهجر بين الزملاء

التوسع في الهجر بين الزملاء Q مسألة هجر البدعة قد توسع فيها بعض الشباب وطبقوها على إخوانهم من الشباب وطلبة العلم، ويتركون السلام عليهم، فما نصيحتكم لنا ولهم، بارك الله فيكم وفي الجميع؟ A هذه من الأمور المضحكة المبكية، إن نظرتها من جانب بأنها صبيانية فهي تُضحك، وإن نظرتها من جانب خطرها فهي مبكية! بعض الشباب من طلاب العلم عندما يرى ملحوظة على زميله تجده لا يسلم عليه ولا يصافحه ويُعرض عنه إذا لقاه في الطريق، وقد يكونون على طاعة وفي درس واحد وكلهم أهل سنة وكلهم شباب صالحون من أهل الخير، إنما فرقتهم الانتماءات والشعارات والخلافيات الاجتهادية. فالذين يعملون هذا العمل هم صبيان في الحقيقة، وليسمح ليس بعض الإخوان الذي ربما يعتذرون لهم، لكن لا بد من قول الحق وإن كان صعباً، فهذه صبيانية ينبغي أن تتأكد بأن صاحبك يستحق الهجر، وكيف تتأكد؟ ارجع إلى أهل العلم الكبار، إن هجروا فلا مانع أن تهجر مثلهم، أما أن تنفرد بموقف في أمور جر إليها الجدال، وأغلب ما يكون هذا بسبب الخصومات، نسأل الله السلامة. ونسأل الله للجميع التوفيق والسداد والرشاد، وأن يجعل عملنا خالصاً لوجهه الكريم، وأن يجمعنا في دار كرامته. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه أجمعين.

§1/1