شرح لامية شيخ الإسلام

عبد الكريم الخضير

لامية شيخ الإسلام (1)

بسم الله الرحمن الرحيم شرح لامية شيخ الإسلام (1) الشيخ: عبد الكريم الخضير السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: ففي هذه الساعة المباركة، من هذا اليوم الطيب المبارك نلتقي بالإخوة من طلاب العلم، ونتدارس موضوعاً من أهم الموضوعات، وفناً من أعظم الفنون، وهو فن الاعتقاد والعقيدة، وإن كان الدين بجميع أبوابه في غاية الأهمية بالنسبة للعالم والمتعلم، فقد ثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- من حديث معاوية -رضي الله تعالى عنه- أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين)) مفهومه أن الذي لا يتفقه في الدين الله -جل وعلا- لم يرد به خيراً، ولكن قد يقول قائل: إن عوام المسلمين وقد فتح لهم ما فتح من أبواب الخير، من لزوم صلاة وزكاة وصوم وحج وفعل للمأمورات وترك للمحذورات، لكنهم لم يتفقهوا في الدين، هل أراد الله بهم شراً؟ أو نكتفي بقولنا: إن الله -جل وعلا- لم يرد به خيراً؟ ولو افترضنا أن شخصاً من عوام المسلمين ممن لا يقرأ ولا يكتب، لكن الله -جل وعلا- منَّ عليه بالاستقامة، فلزم الصلوات، وأدى الزكوات، وقد يكون من أهل الأموال الطائلة، وسخر هذه الأموال لخدمة الدين، وأنفقها في تعليم الناس الخير، هل نقول: إن الله -جل وعلا- أراد بهذا شراً؛ لأنه لم يتفقه في الدين؟ أو نكتفي بقولنا: إن الله -جل وعلا- لم يرد به خيراً؟ الخير المرتب على الفقه في الدين، والله -جل وعلا- وإن لم يرد به خيراً؛ لأنه لم يتفقه في الدين إلا أن الله -جل وعلا- أراد به خيراً حيث ألزمه الاستقامة ((قل آمنت بالله ثم استقم)) {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا} [(30) سورة فصلت] فهذا استقام بفعل الأوامر، وترك المحذورات والنواهي، وبذل من نفسه وماله وجاهه لنصر الدين ما بذل، هذا أراد الله به خيراً، لكنه من أبواب أخرى لا من باب الفقه في الدين. إذا عرفنا هذا فما المراد بالفقه في الدين؟ الفقه في الدين، أولاً: الفقه الذي هو الجزء الأول، والدين الذي هو الجزء الثاني.

الفقه: يراد به الفهم عن الله وعن رسوله، ما جاء في كتابه وسنة نبيه -عليه الصلاة والسلام-، هذا الفقه، ولا يكون ذلك إلا بعد حفظ هذه النصوص. والمراد بالدين: الدين بجميع أبوابه، كما جاء في حديث جبريل حينما سأل النبي -عليه الصلاة والسلام- عن الإسلام والإيمان والإحسان، وأجابه بالأجوبة المعروفة في الحديث المستفيض ذكره في دواوين الإسلام، قال النبي -عليه الصلاة والسلام- بعد ذلك: ((هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم)) فدل على أن الدين شامل لجميع أبوابه، فيشمل العقائد، ويشمل الأحكام من العبادات والمعاملات والمناكحات والأحوال الشخصية والحدود والجنايات، ويشمل أيضاً المغازي والسير والأدب، ويشمل أيضاً الزهد والرقائق، ويشمل بقية أبواب الدين فجميع أبواب الدين داخلة في هذا الحديث. وكون الفقهاء الذين اهتمامهم بالأحكام العملية يصدرون كتبهم بما يسمى ببراعة الاستهلال، الحمد لله الذي فقَّه ما شاء في الدين واختصه ... الخ. الحمد لله الذي فقه من شاء بالدين، واختصه بالخير الوارد على لسان خير المرسلين، الخ، يقولون هذا الكلام، فمفهوم كلامهم أن الحديث الوارد فيه الترغيب في الفقه في الدين محصور على الأحكام، والأحكام باب من أبواب الدين، وإذا أردنا الحصر فالعقائد أهم وأولى أن تدخل من الأحكام؛ لأنها عند أهل العلم عُرفت بالفقه الأكبر، ويقابلها الفروع، فالأكبر هو الأصول، ولم يكن هذا التقسيم -يعني تقسيم الدين إلى أصول وفروع- معروف في عصر الصحابة والتابعين، وإنما عُرف بعدهم في تقسيم العلوم إلى تخصصات وفروع، عندهم أصول وفروع، وعندهم أيضاً وسائل، وعندهم غايات، فالمراد بالغايات معروف نصوص الوحيين، والوسائل ما يعين على فهم هذه النصوص.

وهناك ما يسمى عندهم بعلوم الآلة التي تعين على فهم الكتاب والسنة، يقسمون هذه التقاسيم، وبالإمكان لو اعتنى بارعاً بتفسير القرآن، وأدخل فيه جميع العلوم، هذا ممكن، وإذا نظرنا إلى التفاسير المتنوعة المتشعبة المطولة والمختصرة كل واحد منها يخدم جانب من هذه الجوانب، فتجد هذا يفسر القرآن بالأثر، ويحشد فيه من النصوص المرفوعة والموقوفة والآثار وغيرها ما يحشد، وهذه تفاسير الأئمة المعروفين كابن جرير وابن كثير والبغوي وابن أبي حاتم وغيرهم، تفسير بالأثر، وهذا أهم ما يفسر به القرآن الأثر، وتجد منهم من يجعل اهتمامه في تفسير القرآن لبيان الأحكام المستنبطة من الآيات، وألف في هذا كتب وأحكام القرآن.

الحنفية ألفوا من مؤلفاتهم: أحكام القرآن للجصاص، المالكية ألفوا أحكام القرآن لابن العربي، والجامع لأحكام القرآن للقرطبي، الشافعية ألفوا أحكام القرآن لإلكيا الطبري، والإكليل في استنباط التنزيل للسيوطي وغيرهم، فهذا يخدم جانب، والأول يخدم جانب، وهناك من يخدم القرآن من الناحية اللفظية، فتجده ينصب جل اهتمامه على الصناعة، صناعة اللفظ، وهنا أيضاً يتشعبون، منهم من يخدمه من ناحية النحو والصرف، ومنهم من يخدمه من ناحية المعاني والبيان وفنون البلاغة، ومنهم من يحشد في تفسيره علم الكلام، ويورد فيه جميع ما كتبه المتكلمون في مسائل المعتقدات، كالرازي مثلاً، ومنهم من يخدم القرآن بأسلوب أدبي سلس يقرأه الطالب ولا يمله، لكن تجد الفائدة في الجملة منه أقل، ومنهم من يعنى بتناسب الآيات والسور، وفي هذا كتاب برهان الدين البقاعي (نظم الدرر) في اثنين وعشرين مجلد، وإن كان الشوكاني -رحمه الله تعالى- أنكر عليه إنكاراً شديداً، بل جزم بأنه لا مناسبة بين الآيات والسور، تنزل الآية فيقول النبي -عليه الصلاة والسلام-: ضعوها في المكان المناسب فتوضع، وانتهى الإشكال، نعم هناك آيات لا شك أن التماس المناسبة بينها وبين ما قبلها فيه شيء من التكلف، لكن لا ينكر أن كثير مما يقوله البقاعي وغيره ظاهر وواضح، نعم، فخدمة القرآن لو اجتمعت هذه الخدمات في كتاب واحد فبينت العقائد وبسطت بحيث يستغنى بتفسير القرآن عن كتب العقائد، والأحكام أيضاً استنبطت، ويعول في ذلك على ما جاء عن الله وعن رسوله -عليه الصلاة والسلام-، ثم بعد ذلك بين في الصناعة اللفظية ما يخدم علم النحو والصرف والبيان والمعاني والبديع والاشتقاق والوضع بعد علم القراءات وغيرها، فهذا طيب، لو وجد كتاب يغني عن المجموع، ويمثل لنا حينئذٍ طريقة السلف في فهم القرآن، ما تجد السلف يقولون: هذا كتاب فقه، وهذا كتاب حديث، وهذا كتاب تفسير، وهذا ... لا، لا يتجاوزون العشرة آيات حتى يتعلموا ما فيها من علم وعمل، ابن عمر مكث في سورة البقرة ثمان سنين يتعلم سورة البقرة، وعندنا الصبيان يحفظون سورة البقرة، ويتجاوزونها في أيام.

المقصود أن مثل هذا يعني خدمة أو الانطلاق في العلوم كلها من القرآن الكريم الذي هو أصل الأصول نافع جدًّا، لكن قد يقول قائل: إننا نحتاج في العقائد مثلاً أن ندخل في هذا التفسير مؤلفات شيخ الإسلام ابن تيمية بكاملها، فضلاً عن مؤلفات الأئمة المتقدمين فيمكن أن يكون هذا التفسير في من مئات من المجلدات، يعني لو أدخلنا منهاج السنة، ودرء التعارض بين العقل والنقل، وإلا أدخلنا الجواب الصحيح، وأدخلنا غير ذلك من كتب شيخ الإسلام ابن القيم والإمام أحمد ومن قبلهم، كتب السنة المعروفة عند أهل العلم في العقائد بالأسانيد تطول المسألة.

أقول: لو اعتنى بارع بتأليف تفسير على هذه الكيفية، وجعل المحور الذي يدور عليه والأصل الذي يمتلك منه هو القرآن، ولم يأت بهذه الكتب بكاملها، ما يلزم أن يأتي بهذه الكتب بكاملها، إنما يأتي بمقاصدها ما يحتاجه طالب العلم، وهذه الكتب فيها تكرار كثير، يستغنى عن كثير منها ببعضه، هذا يجعل طالب العلم يتحد قصده وهمه إلى كتاب الله -جل وعلا-، ولا تأتي مناسبة فيها حديث عن النبي -عليه الصلاة والسلام- إلا يورده، وأيضاً إذا كان هناك مجال لبيان إعرابي أو بلاغي، أو ما أشبه ذلك يورده، فطالب القرآن يكتفي به عن غيره، وهذا هو الأصل، مثل ما قلنا: لا تجد في عصر السلف كتاب تفسير يعني مستقل، كتاب عقيدة مستقل، كتاب فقه مستقل، لا، ينطلقون من نصوص الوحيين ويفهمونها؛ لأنهم عرب بالسليقة، والكتاب والسنة بلغة العرب، فلا يحتاجون إلى علوم تخدم لفهم الكتاب والسنة، هي مخدومة بالسليقة، لكن أهل العلم صنفوا في الفنون ونوعوها وحددوها تيسيراً على طلاب العلم، لكن مع هذا التيسير قد يحصل شيء من التشتيت، وقد يحصل الغفلة عن أهم المهمات، قد تجد طالب العلم يتخصص تبعاً لهذا التيسير وهذا التقسيم، تجده يتخصص في علم من العلوم، ويغفل عن ما عداه، فالذي يتخصص بالسنة قد يكون من أجهل الناس بكثير مما يتعلق بالقرآن والكريم، والعكس تجد من يتخصص بالتفسير يجهل علوم السنة، ومن يتخصص بالفقه تجد معوله على التعليلات، تبعاً لما صنف في هذا الفن، وكثير من استدلالات الفقهاء فيها ما فيها، لماذا؟ لأنه جرد الفقه عن الوحيين، لكن من تخصص في الفقه، وجعل معوله على الكتاب والسنة هذا طيب، من تخصص في الأصول وتعمق فيه واستغرق وقته في هذا التخصص تجده يغفل عن المهمات في العلوم الأخرى، وأما من تخصص في اللغة العربية، وضاع وقته في قراءة كتبها المطولة والمختصرة رغم أهميتها لا نقول: إن العربية لا نحتاج إليها، بل طالب العلم بأمس الحاجة إلى علم العربية، لكن هل كل طالب العلم يحتاج أن يقرأ شرح المفصل لابن يعيش في ثمانية أجزاء في عشرة أجزاء، ليس بحاجة فهو يبحث عن شرح سيبويه، أو يبحث عن كتب النحو المطولة، ليس بحاجة إلى هذا، يكفيه من ذلك البلغة، وكما قال أهل العلم:

إن النحو بالنسبة للكلام مثل الملح للطعام، إذا زاد أفسده؛ فضلاً عن كونه تخصص بتاريخ أو أدب أو شيء من هذا، ويضيع عمره بذلك، ويغفل بهذا عن المقاصد، فعلى طالب العلم أن يعنى ويتفقه في الدين بجميع أبوابه؛ ليكون ممن أراد الله به خيراً، وتكون عنايته منصبة إلى الكتاب والسنة، وما يخدم علوم الكتاب والسنة. تقسيم الدين إلى أصول وفروع، إلى فقه أكبر وفقه أصغر، لا شك أنه طارئ، شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- ينكر هذا التقسيم، ورتبوا تبعاً لذلك أهمية علم العقائد، وأن الزلل فيه أعظم من الزلل والخطأ في غيره من العلوم، وإن كان مأخذها واحد، شيخ الإسلام لا يفرق، يقول: يجعلون الصلاة مع أنها الركن الثاني من الإسلام من الفروع، الصلاة من الفروع، ويجعلون الخلاف في رؤية النبي -عليه الصلاة والسلام- ربه من الأصول، ومقتضى ذلك أن هذه المسألة أهم مما يتعلق بالصلاة، شيخ الإسلام -رحمه الله- ينكر هذا أشد الإنكار، لا شك أن هناك أركان في الإسلام، وفيه أيضاً واجبات فرائض، وفيه مستحبات، فيه الأولويات، يعني لو تعارضت هذه المطلوبات من قبل الشارع، تعارضت، فالمفاضلة بين هذه الأمور أمر مطلوب فتبدأ بالأهم فالأهم. طالب:. . . . . . . . . هو كلام الشيخ الإسلام -رحمه الله-، يقول: إن العلماء لما جعلوا الدين أصول وفروع، وجعلوا الأصول هي الأهم، والفروع أقل أهمية أورد على ذلك مثل هذه المسائل، هل معنى هذا أن الخلاف في رؤية الرب -جل وعلا- باعتبارها من الأصول أهم من الصلاة باعتبارها من الفروع؟ لا، ما في أحد يقول بهذا، على كل حال مسائل الاعتقاد الخلاف فيها بين الصحابة نادر جداً، وأكثرها مما اتفق عليه بينهم، وأما مسائل الأحكام العملية فالخلاف فيها كثير بين الصحابة والتابعين، وهذا معروف، وتبعاً لذلك أن ما اتفق عليه الصحابة سواء كان من الأصول أو من الفروع لا مندوحة لأحد من القول به، سواء كان من الأصول أو من الفروع، وما اختلفوا فيه فلأهل النظر فيه سعة، يعني ما اختلف فيه الصحابة من سلف هذه الأمة سواء كان في مسائل الأصول أو الفروع، المتأهل له أن ينظر ويرجح ما يترجح عنده بالدليل، ويعمل بما يعتقد، ويدين الله به -جل وعلا-.

هذه الأبيات الستة عشر التي تسمى (لامية) لأن أواخر الأبيات تنتهي بحرف اللام، ستة عشر بيتاً، وجدت بين رسائل لشيخ الإسلام ابن تيمية، يعني في المخطوطات يوجد قبلها رسالة لشيخ الإسلام وبعدها رسالة، وكتب على بعضها (عقيدة ابن تيمية) ولذا قالوا: "اللامية لشيخ الإسلام ابن تيمية" اللامية باعتبار أن حرف الروي فيها اللام، وباعتبار أنها وجدت بين بعض مصنفاته، وإلا ما فيها ما يدل على أنها لشيخ الإسلام ابن تيمية، وما ذكرت في مؤلفاته، يعني ما ذكرها ابن القيم -رحمه الله تعالى- في ضمن مؤلفات شيخ الإسلام، ولذا يقولون: المنسوبة لشيخ الإسلام ابن تيمية، لكن الكلام فيها، الموجود فيها حق، سواء كان لشيخ الإسلام أو لغيره -رحم الله الجميع-، وما دام الكلام حقاً فلطالب العلم أن يعنى بها، فهي منظومة طيبة على اختصارها حوت ما اُتفق عليه من مسائل الاعتقاد، فهي منظومة طيبة، وعلى طالب العلم أن يعنى بها ويحفظها، وينظر في شروحها، ولا أعرف لها شرحاً للمتقدمين. طالب:. . . . . . . . . قدم نسبي، هو بعد الألف الذي شرحها، بعد الألف وزيادة، أحمد المرداوي؛ لأنه ينقل عن السفاريني، فهو متأخر، لكنه ليس من المعاصرين، وشرحه هذا طبع قبل أربعين سنة في مطابع النور في الرياض، ثم طبع أخيراً في دار المسلم، وعليه تعليقات للشيخ صالح الفوزان، ثم رأيت شرحاً لمعاصر من طلاب العلم اسمه يوسف إيش؟ طالب: السالم. يوسف السالم، شرح طيب في الجملة، أنا تصفحت بعض الصفحات الأولى منه، شرح طيب وموسع، يفاد منه، يستفيد منه طالب العلم مع شرح المرداوي. يقول الناظم -رحمه الله تعالى-: بسم الله الرحمن الرحيم

افتتح هذا النظم بالبسملة؛ اقتداء بالقرآن الكريم، لكنه لم يفتتح بالحمدلة، النظم لم يفتتح بالحمدلة، ولعله أجراها مجرى الرسائل، فالرسائل تفتتح بالبسملة فقط، وبعض أهل العلم يرى أن الكتب حكمها حكم الرسائل، لا حكم الخطب التي تفتتح بالحمدلة والصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولذا صحيح البخاري -رحمه الله تعالى- ما فيه إلا البسملة، يعني مجرد عن الحمدلة والصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ لأنه في حكم الرسالة التي بعثها لطلاب العلم، ومن أهل العلم من يفتتح بالكتب بالحمدلة اقتداء بالقرآن الذي افتتح بالبسملة والحمدلة. وأما ما ورد من حديث: ((كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله فهو أبتر أجذم)) و ((كل أمر ذي بال)) يعني شأن يهتم به شرعاً ((لا يفتتح بالحمد فهو أجذم)) فالحديث ضعيف بجميع طرقه وألفاظه، وحسن ابن صلاح والنووي وجمع من أهل العلم لفظ الحمد فقط، وبعض الكتاب المعاصرين ألف كتاباً في العقيدة لما سمع أن الحديث بجميع طرقه وألفاظه ضعيف ما ذكر لا بسملة ولا حمدلة، يقول: لا يجوز العمل بالضعيف مطلقاً، وليته اقتصر على ذلك وسكت، بل افتتح الكتاب بقوله: كانت الكتب التقليدية تفتتح بالبسملة والحمدلة، الكلام مستقيم ولا غير مستقيم؟ يعني لو لم ... ، افترض أن الحديث ما ثبت، النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يفتتح الرسائل بالبسملة، ويفتتح الخطب بالحمدلة، والقرآن أعظم مقروء، وأعظم مسموع، مفتتح بالبسملة والحمدلة، ويقول القائل: كانت الكتب التقليدية تفتتح والكتاب في العقيدة!

إن بعض الناس ما يستوعب بعض القضايا، يعني ذهنه ما يستوعب مثل هذه الأمور، خلاص سمع من يقول: إن الحديث الضعيف لا يعمل به مطلقاً، وقال: ليش نعمل بحديث ضعيف؟ يعني مثل ما سمع من بعضهم أنه ينهى عن الجلوس بعد صلاة الصبح في المسجد، يقول: لأن الحديث الوارد ضعيف، ينهى، وإذا رأى أحد جلس قال له: نريد أن نخرج، أو تجلس حتى تصلي صلاة العجائز، صلاة الإشراق، النبي -عليه الصلاة والسلام- ثبت في صحيح مسلم أنه كان يجلس حتى تنتشر الشمس، أما كون الركعتين بعد طلوع الشمس وانتشارها تصلى عملاً بهذا الحديث، أو تصلى لأنها صلاة الضحى، ولا كلام لأحد في صلاة الضحى؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- أوصى بها أصحابه، وفي حديث: ((يصبح على كل سلامى من أحدكم صدقة)) يعني المفاصل كل مفصل يحتاج إلى صدقة، فيصبح على كل مفصل ثلاث مائة وستون مفصل، كل واحد يحتاج إلى صدقة، قال: ((ويجزئ عن ذلك ركعتان تركعهما من الضحى)) فأنت افترض أن هذه صلاة الضحى إذا كنت لا ترى أن الخبر ثابت، وأثبته بعضهم. فأقول: بعض الناس إذا سمع هذا الكلام وركب هذا على هذا قال: الحديث ضعيف، والضعيف لا يعمل به مطلقًا إذن ليش نجلس؟ والملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مصلاه، نصوص كثيرة تحث على البقاء في المسجد، والرباط الرباط، الجلوس بين الصلاتين في المسجد، وانتظار الصلاة، والمرء ما دام ينتظر الصلاة فهو في صلاة، والملائكة تدعو له، وتصلي عليه ما دام في مصلاه، ثم يأتي من يقول مثل هذا الكلام! المقصود أن البداءة بالبسملة أمر مشروع في كل شيء، في الأكل والشرب، في الدخول والخروج، في النوم، في كل مجال يبدأ فيه بالبسملة، ولو لم يكن من ذلك إلا أن القرآن كلام الله افتتح بالبسملة. وأما الحمدلة فأهل العلم يختلفون بالنسبة للكتب هل تجرى مجرى الرسائل فلا تفتتح بالحمدلة، أو تجرى مجرى الخطب فتفتتح بها، أما من جعل لكتابه خطبة كمسلم مثلاً هذه الخطبة تفتتح بالحمدلة، افتتح مسلم خطبة كتابه بالحمدلة، البخاري مجرد من الخطبة افتتحه بالبسملة؛ لأنه في حكم الرسالة، وهنا افتتحت هذه الأبيات بالبسملة. يقول الناظم -رحمه الله تعالى-:

يا سائلي عن مذهبي وعقيدتي ... رزق الهدى من للهداية يسأل "يا سائلي عن مذهبي وعقيدتي" يا نداء، والمنادى هو السائل، فهل المقصود حقيقة النداء، أو يقال: إنه لمجرد التنبيه؟ لأن السائل أحيانًا شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- يُسأل، والسائل حاضر يمكن مناداته، وأحياناً يسأل والسائل غائب لا يمكن مناداته، وفي الرسالة الكيلانية التي كتبها شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- في مائتي صفحة، قال: "كتبتها وصاحبها مستوفز يريدها" قدرة، جالس عندهم، يعني ما هو متربع، أو مضطجع ينتظرها، مستوفز، وشيخ الإسلام يكتب، والإنسان إذا أراد أن يحرر صفحة الآن يحتاج إلى وقت، بل قد يعرضها في الأوقات الخمسة، يكتبها بعد صلاة الصبح، ثم يراجعها بعد الظهر، ثم لعله يتبين له شيء، وشيخ الإسلام يكتب الكتاب في الساعة الواحدة، ما يحتاج الناس إلى قراءته في مدة طويلة، وكتب (الحموية) بين الظهر والعصر، والناس يدرسونها في سنة كاملة وما تنتهي، وكتابه (نقض التأسيس) كتبه في مدة يسيرة وحقق في ثمان رسائل، يعني في مدة أربعين سنة؛ كيف في مدة أربعين سنة؟ لأن كل واحد من هؤلاء الطلاب استغرق خمس سنوات في نصيبه، في الثُمن، الكتاب حقق في أربعين سنة، والله المستعان. البركة، بركة الوقت والعلم والقلم السيال عند شيخ الإسلام شيء لا يخطر على بال، فكونه إن كان حاضراً لا مانع من أن يناديه، فيقول: يا سائلي هذا جوابك، وإن كان غائباً فلا يراد به حقيقة النداء. والإخوان يقولون: إن المتن ما قرئ. القارئ أين هو؟ تفضل. بسم الله. والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن ولاه. اللهم اغفر لنا ولشيخنا والحاضرين والمستمعين يا رب العالمين. قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- .... يا سائلي عن مذهبي وعقيدتي ... رزق الهدى من للهداية يسأل اسمع كلام محقق في قوله ... لا ينثني عنه ولا يتبدل حب الصحابة كلهم لي مذهب ... ومودة القربى بها أتوسل ولكلهم قدر علا وفضائل ... لكنما الصديق منهم أفضل نعم، يقول المؤلف -رحمه الله تعالى- الناظم سواء كان شيخ الإسلام إن صحت النسبة إليه أو غيره من أهل التحقيق في المعتقد، يقول:

"يا سائلي" والسؤال من قبل المتعلم مأمور به في قوله -جل وعلا-، {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} [(43) سورة النحل] والجواب من العالم مطلوب، والكتمان مع القدرة على الجواب لا يجوز، لا سيما إلا تعين؛ فالسائل المتعلم سواء كان عامياً أو في حكمه من آحاد المتعلمين مأمور به، فالله -جل وعلا- يقول: {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْر} والمراد بأهل الذكر هم أهل القرآن وأهل العلم، وليس المراد بهم كما يقول بعض المتصوف الجهال الذين لا علم عندهم يقولون: المراد بأهل الذكر هم من يلزم الذكر ولو لم يكن عنده علم، ثم ما هذا الذكر الذي يلزمونه؟ أذكار مبتدعة مخترعة لا توجد في كتاب ولا سنة، ويريدون أن ينزلوا الآية عليهم، فاسألوا أهل هذه الأذكار الذين هم أشبه بالدراويش لا يدرون ما يقولون، ولكن المراد بالذكر القرآن، وأهل القرآن هم أهل العلم. "يا سائلي" هذا بالنسبة للسائل لا بد أن يسأل ما يشكل عليه، يحتاج إلى الإيضاح والبيان، يسأل أهل العلم وأهل الذكر، والمسئول أيضاً إذا تعين عليه الجواب لا يجوز له أن يتردد في الجواب، نعم إذا وجد من يكفيه المئونة، ويجيب على أسئلة السائلين فالتدافع، تدافع الفتوى معروف ومأثور عن السلف، أما إذا تعين الجواب عليه بحيث لا يوجد من يحسن الجواب على هذا السؤال سواه لا يجوز له أن يكتم ((من سئل عن علم فكتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار)) وهذا الخبر لا يسلم من مقال، لكن له أصل بلا شك، يعني منهم من يحسنه، فإذا تعين لا بد من الجواب، أما إذا وجد من يكفيه المئونة فالصحابة تدافعوا الجواب، وقد جاء كما في كتاب المناسك في صحيح مسلم رجل يسأل ابن عمر -رضي الله تعالى وأرضاه- فدله على ابن عباس، قال: اذهب إلى ابن عباس، فقال له: أنا أريد جوابك؛ لأن ابن عباس قد مالت به الدنيا ومال بها، يعني أنه توسع في المباحات بخلاف ابن عمر، فزهده معروف، والعامة يحسنون الظن بالعالم الزاهد، العوام يحسنون الظن كثيراً بالعالم الزاهد، وهو محل إحسان الظن إذا كان لديه علم، أما العالم الذي عنده تعلق بالدنيا فإن العامة ينصرفون عنه في الغالب، وإن كان عنده علم.

ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما وأرضاه- توسع في أمور الدنيا أكثر من ابن عمر، وإلا فعلمه وزهده وورعه وتقواه وعبادته لا تحتاج إلى استدلال، لكنه بالنسبة إلى عبد الله بن عمر الذي لا ينام من الليل إلا قليلاً، ولا يكاد يفطر بالأيام إلا قليلاً، يعني الفرق بينهما واضح، فهذا همه -يعني ابن عمر- الآخرة، لما قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل)) فكان عبد الله يقول كما في الصحيح: "إذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح" مثل هذا العوام يثقون به بخلاف من توسع بالدنيا ولو عرف بالعلم، ولا شك أن الزهد مطلوب، والإنسان عموماً الجن والإنس إنما خلقوا لتحقيق العبودية لله -جل وعلا-، ومع ذلك على الإنسان أن لا ينسى نصيبه من الدنيا، وبون شاسع من أن يكون جل همه الدنيا، وبين أن يكون همه الآخرة. ووجد في العصور المتأخرة مما ينتسب إلى العلم، ممن يزاحم في أمور الدنيا، وليس من ذلكم ابن عباس -رضي الله عنهما وأرضاه- وإن قيل؛ لأن المسألة أمور نسبية، يعني إذا نسبنا ابن عباس إلى ابن عمر قلنا: العبادة عند ابن عمر أوضح، والاهتمام بالعلم عند ابن عباس أوضح، وكلاهما في عبادة، لكن العوام ينظرون إلى العبادات العملية، ما ينظرون إلى العبادات العلمية.

فقال له: ابن عباس مالت به الدنيا ومال بها، ولذا تجدون العامة الآن يحرصون على أن يستفتوا هذا النوع من الناس، وإن كان في العلم أقل؛ لأن ما في قلوب الناس من العلوم وفي أذهانهم أمور لا يطلع عليها العامة، إنما يظهر لهم عباداتهم العملية فيثقون بهم، ويتجهون إلى سؤالهم، ولذا ينبغي أو مما يتأكد في حق طالب العلم الاهتمام بالعمل، ولا يكون الهدف من أجل أن يتجه إليه العوام بالأسئلة نظراً لما مهدناه أبداً؛ لأن العمل مطلوب، والعلم يقتضي العمل، وعلم بلا عمل كشجر بلا ثمر، لا بد من الاهتمام بالعمل بالنسبة لطالب العلم؛ لأن الذي يثبت العلم هو العمل، والكلام في النوافل، وليس الكلام في الواجبات؛ لأن الواجبات ما عليها مساومة، لكن الكلام في الإكثار من النوافل، وخير ما يعين على تحصيل العلم العمل به، ولا يقول طالب العلم: أنا والله أنا مشغول بالطلب، مشغول بالحفظ، مشغول بالفهم، مشغول بالتردد على الدروس، وعلى المشايخ عن العمل، لا، العمل أمر لا بد منه، فالإكثار من النوافل مطلوب من المسلمين عموماً، وعلى أهل العلم وطلابه على وجه الخصوص.

"يا سائلي" والسائل اسم فاعل مضاف إلى ياء المتكلم "عن مذهبي وعقيدتي" المذهب في الغالب يطلق على المذهب الفرعي، فيقال: هذا مذهب أبي حنيفة، وهذا مذهب مالك، وهذا مذهب الشافعي، وهذا مذهب أحمد، وهذا مذهب سفيان، وهذا مذهب الأوزاعي، وهذا مذهب الظاهرية، وهذا مذهب الزيدية ... إلى آخره، في الغالب يطلق على الفروع، ويدل عليه العطف، عطف العقيدة على المذهب "يا سائلي عن مذهبي وعقيدتي" فالمذهب في الفروع، والعقيدة في الأصول، هذا هو الذي يعنيه ظاهر اللفظ، لكن حقيقة النظم هل أجاب الناظم عن مذهبه الفرعي؟ لا، ما أجاب عن مذهبه الفرعي، وإنما أجاب عن عقيدته؛ فالمذهب هنا ما يُذهب إليه في مسائل الاعتقاد، ويقال به، ويصار إليه، ويكون عطف العقيدة على المذهب من باب عطف الشيء على نفسه؛ لاختلاف اللفظ، ومذهبه الفرعي في أول الأمر الحنبلي؛ فشيخ الإسلام -وهذا الكلام كله على سبيل التنزل- أن هذه الرسالة لشيخ الإسلام، وهذه المنظومة لشيخ الإسلام، وإلا فنسبتها إليه لا يدل عليها دليل قطعي، إنما هي مجرد قرائن، يعني وجودها بين رسالتين لشيخ الإسلام يعني في المخطوطات، المخطوطات التي وجدت لهذه المنظومة قبلها رسالة لشيخ الإسلام، وبعدها رسالة لشيخ الإسلام، فهي من بين مؤلفاته وجدت فنسبت إليه، وعلى كل حال الكلام الذي فيها حق. إذا قلنا: إنها لشيخ الإسلام فمذهبه الفرعي هو مذهب الإمام أحمد في الأصل، وتفقه عليه، وتخرج على كتب أصحابه، ثم بعد ذلك اجتهد وخلع ربقة التقليد، فصار يعمل بالنصوص بالكتاب والسنة، ولذا تجد الفرق بين شرحه للعمدة وبين كلامه وفتاواه المتأخرة، فرق كبير يعني تقرأ في شرح العمدة لشيخ الإسلام كأنك تقرأ لفقهاء الحنابلة من بيان الروايات والوجوه والتعليلات، كأنك تقرأ للمتقدم، وأما مؤلفاته المتأخرة تجد كلاماً مستقلاً.

واختيارات شيخ الإسلام الفقهية قسمت إلى أقسام منها ما يوافق المذهب، ومنها ما يوافق رواية المذهب ويوافق إمام آخر من الأئمة الأربعة، ويخالف المشهور في المذهب، ومنها ما يخالف المذهب بالكلية، ويوافق مذهب من المذاهب الأخرى، ومنها ما يخالف فيه المذاهب الأربعة، وهذا كثير في كلامه -رحمه الله-، ومنها ما نسب فيه شيخ الإسلام إلى أنه خالف الإجماع، فاختياراته مقسمة إلى هذه الأقسام، منها ما يستقل به ويوافق فيه بعض السلف، ويخالف فيه الأئمة الأربعة، وهذا امتحن بسببه، وقيل: إنه خالف فيه الإجماع، ومنها ما يوافق فيه إمام من الأئمة الأربعة، ومنها ما يوافق أكثر من إمام ويخالف المذهب، ومنها ما يوافق رواية المذهب ليست هي المشهورة، ومنها ما يوافق المشهور في المذهب، ومعوله وعمدته على النص، معوله –رحمه الله- على النص كما هو معروف، تفقه على كتب المذهب، وكتب الأصحاب، ثم بعد ذلك اطلع على المذاهب الأخرى ونظر في أدلتهم، ووازن بين هذه الأدلة ورجح واختار ما اختار، ووافق من وافق، وخالف من خالف، وهذه طريقة ينبغي أن يسلكها طلاب العلم، وذكرناها في مناسبات كثيرة بالنسبة لكيفية التفقه، كيف يتفقه طالب العلم؟ يعني هل يتفقه مباشرة وهو مبتدئ من الكتاب والسنة؟ لا يستطيع، تكليفه بمثل هذا؛ تضييع له، بل يتفقه على مذهب معين، وعلى كتاب معين من كتب أي مذهب من المذاهب المعتبرة الأربعة، وليس معنى هذا أنه يجعل هذا الكتاب دستوراً لا يحاد عنه من دون القرآن، لا، هذا من مؤلفات البشر، يبدأ بهذا المختصر، ويتصور المسائل إن حفظه بها ونعمت، وإن لم يحفظ يتصور هذه المسائل ويصورها، وينظر في شروح هذا الكتاب، وينظر في أدلة هذه المسائل، فهذه في العرضة الأولى، في العرضة الثانية ينظر من وافق المؤلف ومن خالفه، وينظر في أدلة الموافقين إن كان عندهم مزيد من الأدلة على ما عنده، وينظر في أدلة المخالفين، ويرجح حسب قواعد التعارض والترجيح عند أهل العلم، ثم يعمل بالراجح، إذا انتهى من هذا الكتاب في عرضته الأولى يكون عنده شيء من الفقه يعمل به، ويمشيه على هذا المذهب، وهو لا يزال مبتدئ مقلد، في العرضة الثانية والثالثة يبدأ بالاجتهاد، والأمر سهل ليس من

الصعوبة كما يتصوره كثير من طلاب العلم. هذا ما يتعلق بمذهبه الفرعي، وقد ولد في أسرة حنبلية، فجده المجد ابن تيمية -رحمه الله- صاحب المحرر، وهو من العمد في المذهب بحيث إذا اتفق مع الموفق سار هو المذهب عند المتوسطين، وأبوه أيضاً حنبلي وأخوه، وكذا أسرته كلهم حنابلة، فتفقه على مذهب الحنابلة، ثم بعد ذلك اجتهد. "عن مذهبي وعقيدتي" عرفنا أن عطف العقيدة على المذهب من خلال النظر في طبيعة هذه المنظومة، وأنه ليس فيها أحكام فرعية أن العقيدة هي المذهب، وهي مأخوذة من العقد والشد، وهي ما يعتقده الإنسان بقلبه فيعقد عليه قلبه كما يُعقد المتاع بالحبل بحيث لا يتفلت ولا يضيع منه شيء فيربطه ويعتقده بحزم وعزم وجد "عن مذهبي وعقيدتي ... رزق الهدى" يدعو الناظم -رحمه الله تعالى- لمن يسأل عن الهداية. . . . . . . . . . ... رزق الهدى من للهداية يسأل هذا لفظه لفظ الخبر، والمراد منه الدعاء، أن الله -جل وعلا- يرزقه الهدى، والدعاء يأتي بلفظ الأمر، ويأتي بلفظ الخبر، كما أنه يأتي بلفظ النهي، يأتي بلفظ الخبر كما تقول: غفر الله لك، رحمك الله، رضي الله عنه، "رزق الهدى" ويأتي الدعاء بلفظ الأمر: اللهم اغفر لي، اللهم ارحمني، ويأتي بلفظ النهي: اللهم لا تؤاخذني، لا تعذبني ... إلى آخره، فإذا جاء الدعاء بلفظ الخبر جاز اقترانه بالمشيئة، وإذا جاء بلفظ الأمر لا يجوز اقترانه بالمشيئة، لا يقول أحدكم: اللهم اغفر لي إن شئت، لكن جاء عنه -عليه الصلاة والسلام-: ((طهور إن شاء الله)) يعني بلفظ الخبر، وجاء: ((ذهب الظمأ وثبت الأجر إن شاء الله)) دعاء بلفظ الخبر. "رزق الهدى" الذي هو لزوم الصراط المستقيم والاستقامة على دين الله -جل وعلا-.

"من للهداية يسأل" لأنه مأمور بالسؤال، فإذا امتثل هذا الأمر وسأل أهل العلم عن ما يشكل عليه فإنه حينئذٍ يوفق للاستقامة، إذا سأل سؤال مسترشد طالب للحق لا متعنت، لا متعالم مظهر لعلمه؛ لأن بعض الناس يسأل وعنده جواب، إما أن يريد إعنات المسئول، أو يريد إظهار ما عنده من علم، مثل هذا لا يرزق الهدى في الغالب، ولا يرزق التوفيق ولا يوفق للعلم، أما من سأل سؤال طالب للهدى، وطالب لمعرفة الحق، فإن هذا يوفق؛ لأنه يمتثل ما أمر به، ولذا جاء النهي عن الأغلوطات، يعني الأسئلة المحرجة التي تبين إما فضل السائل أو عجز المسئول، فمثل هذا منهي عنه، أما من يسأل للاستفادة هذا مطلوب. وفي عهده -عليه الصلاة والسلام- جاء النهي عن السؤال: ((ذروني ما تركتكم، فإنما أهلك من كان قبلكم كثرة سؤالهم، واختلافهم على أنبيائهم)) فكثرة الأسئلة لا شك أنها توقع في عنت، لا سيما في وقت التنزيل؛ لأنه قد يسأل عن شيء مباح ثم يحرم بسببه، أو يسأل عن شيء لا حكم له في الشرع إنما تستصحب فيه البراءة الأصلية ثم ينزل إيجابه، فلما سأل السائل عن الحج أكل عام يا رسول الله؟ سكت النبي -عليه الصلاة والسلام-، ثم قال: ((ذروني ما تركتكم)) لأنه لو قال: نعم لوجبت، ولو وجبت ما استطاعوا فهلكوا، فالذي يسأل إن كان يريد الحق ليعمل به، هذا لا شك أنه يوفق ويثاب على ذلك، وإن كان يريد إعنات المسئول، أو إظهار ما عنده من علم مثل هذا يحرم بركة العلم والعمل.

قد يسأل الشخص للاختبار، يسأل للامتحان، وهذا من وسائل التعليم، يسأل عن شيء يعرفه لا يريد بذلك إعنات المسئول، ولا إظهار علم السائل، وإنما يريد امتحان المسئول لينظر ما عنده من علم، والامتحان معروف عند أهل العلم، واختبار الإمام البخاري بقلب مائة حديث عليه في القصة المشهورة معروف، والمعلم يمتحن طلابه، وقد يلقي الدرس على طريق السؤال والجواب، وهذه طريقة ناجحة، طريقة التعليم على هيئة سؤال وجواب، والأصل فيها حديث جبريل -عليه السلام- لما سأل النبي -عليه الصلاة والسلام- الأسئلة الثلاثة المعروفة؛ لأن بعض الناس يقول: إن هذه الطريقة جاءتنا من وسائل التربية الحديثة الوافدة علينا، التعليم بطريقة الحوار والسؤال والجواب هذه يقول: طريقة مستحدثة اكتسبناها من المربين، سواء كانوا من المسلمين أو من غيرهم، نقول: لا، هذه طريقة شرعية. . . . . . . . . . ... رزق الهدى من للهداية يسأل يسأل للدلالة على الحق، الذي يسأل للدلالة على الحق فقط؛ هذا يرزق الهدى فيهديه الله -جل وعلا- إلى صراطه المستقيم، ويلزمه هذا الصراط والاستقامة على الدين. اسمع كلام محقق في قوله ... . . . . . . . . . (اسمع) أمر بالسمع، وهل المقصود السمع أو الاستماع؟ يعني هل المقصود اسمع وإلا استمع؟ نعم المقصود الاستماع، المراد هنا الاستماع، أما مجرد السمع فلا يكفي، والفرق بينهما أن السماع قد يكون عن غير قصد، فلا يستفيد السامع، وأما الاستماع المقصود للإفادة هذا هو الذي يفيد السامع، ولذا يقول أهل العلم: يسجد المستمع دون السامع، وقل مثل هذا أي بعكس هذا: يأثم المستمع دون السامع، كيف؟ إذا كان الكلام يعني بالمقابل فيه إثم، أغاني مثلاً أو موسيقى أو كلام بذيء أو فاحش الذي يستمع له يأثم، لكن الذي يسمعه وهو مار في الطريق، دائماً تسمعون بعض الناس في سيارته يشغل آلاته على الأغاني مثلاً، أنت وش بيدك تقدر تمنعه وإلا ترده؟ أنت تسمع لا تستمع، لكن إن استمعت، وأعجبك وأطربك أثمت، لكن مجرد السماع لا يضرك -إن شاء الله تعالى- لا سيما الإنكار القلبي إن لم يتيسر الإنكار بالقول.

طيب إذا كان الشخص في مجلس وفيه محرم إما غناء أو غيبة، أو ما أشبه ذلك وهو جالس، يقول: أنا لا أستمع له، أنا في معزل عنه، أنا أنشغل بقراءة كتاب معي، وهم في شأنهم، يكفي وإلا ما يكفي؟ لا بد أن تنكر، إن زال المنكر وإلا عليك أن تغادر المكان. "اسمع كلام محقق" الكلام عند النحويين اللفظ المركب المفيد بالوضع، اللفظ: أي الملفوظ به، المركب من كلمتين فأكثر، المفيد فائدة يحسن السكوت عليها، بالوضع العربي أو بالقصد على خلاف بينهم، وهو عند الفقهاء ما تركب من حرفين، ولو لم يفد عند الفقهاء يبطل الصلاة؛ لأنه كلام ولا يلزم أن يكون من كلمتين فأكثر كما يقول النحاة، وعلى كل حال الكلام له معاني كثيرة، لكن منها ما ذكرنا. "اسمع كلام محقق" محقق متثبت معتمد على أصلٍ من كتابٍ أو سنةٍ، هذا هو التحقيق، فإذا قيل: فلان محقق معناه أنه يتثبت فيما يقول وفيما يكتب، ومعوله وعمدته على الكتاب والسنة.

محقق قد يكون قائل: هذه دعوى، ما الذي يشهد لها؟ نقول: يشهد لها واقع المنظومة ففيها تحقيق عقيدة السلف الصالح، ووصف عالم من العلماء بأنه المحقق، قال: فلان، قال: شيخنا الإمام المحقق، وأحياناً يقال: والتحقيق كذا، وصف العالم بالتحقيق لا شك أنها تحكي وجهة نظر الواصف، فقد تكون وجهة هذه النظر صحيحة لكون الموصوف ممن يعتمد على الكتاب والسنة، وقد تكون دعوى، وأحياناً إذا رجح قول من قبل بعض أهل العلم، يريد أن يرجح هذا القول لأنه راجح عنده، يقول: اختاره كثير من المحققين، هذه مجرد دعم لكلامه ولما يرجحه، ولا شك أن هذا الوصف إنما يحكي وجهة نظر المتكلم، وقد يكون محققًا من وجهة نظره؛ لأنه يوافقه في مذهبه الأصلي أو الفرعي، فتجد الأشعري يصف الرازي بأنه محقق مثلاً، وتجد الحنفي يصف إمام من أئمة الحنفية بأنه محقق، وتجد المالكي يصف فلان بأنه محقق، هذه كلها من وجهة نظر المتكلم، لكن هل تثبت هذه الدعوة عند التمحيص أو لا تثبت؟ هذا محل النظر، وكثير من الكتَّاب يدعمون أقوالهم بمثل هذا الكلام، وهي لا تؤثر على القارئ؛ لأن القارئ إن كان من أهل النظر فما يؤديه إليه اجتهاده هو التحقيق عنده، وافق قول هذا المحقق أو لم يوافقه، وعلى كل حال من يتثبت في أقواله وأفعاله محقق، من يعول على نصوص الوحيين محقق، أما من يخالف الكتاب والسنة مهما بلغ من المنزلة عند أتباعه فليس بمحقق. اسمع كلام محقق في قوله ... . . . . . . . . . "في قوله" في المسائل العلمية، فيما يقوله، فيما يلفظ به، وفيما يكتبه، وفيما يعمل به، فالقول يطلق على ما هو أعم من اللفظ، فيطلق على اللفظ فيما إذا كان الكلام بالقول باللسان، ويطلق على الكتابة، كما أنه يطلق على الإشارة، ويطلق أيضاً على الفعل "فقال بيديه هكذا" فالقول أعم من أن يكون ملفوظاً به. اسمع كلام محقق في قوله ... لا ينثني عنه ولا يتبدل

لا شك أن القول المبني على الكتاب والسنة يكتسب صفة الثبوت واللزوم وعدم التبدل والتبديل من ثبوت نصوص الكتاب والسنة "لا ينثني عنه" هذا يعتمد على الكتاب والسنة، والنصوص ثابتة، إذاً ما أخذ منها فهو ثابت، لا سيما في هذا الباب، باب الاعتقاد الذي اتفق عليه سلف هذه الأمة، هذا لا يحصل له تغيير ولا تبديل ولا تزعزع بإذن الله، اللهم إلا إذا كان الإنسان غير راسخ في هذا الباب، ويعرض نفسه للشبهات، فمثل هذا قد يطرأ عليه التغير والتبدل. أما من رسخ في علمه، واطلع على نصوص الكتاب والسنة، وما اتفق عليه سلف هذه الأمة، فإنه لا يتزعزع ولا يتبدل ولا ينثني عن ذلك، وقلنا: إن بعض طلاب العلم حصل عندهم شيءٌ من الانثناء والتبدل، وذلكم لعدم رسوخهم في هذا الباب، وأيضاً لاستماعهم إلى الشبه، وفتح قلوبهم لها، فليحذر الإنسان كل الحذر أن تميل به الأهواء، ويسمع من فلان وفلان غير الثقات من أهل العلم، والآن المجال مفتوح لاستماع ما يقال عنه، كل وجهة نظر، والشبه الآن غزت البيوت، في بيوت عوام المسلمين، ونسمع أسئلة من عوام لا يقرؤون ولا يكتبون في أصول العقائد، وسبب ذلك كون الإنسان يستمع لكل ناعق. والناظم يقول: . . . . . . . . . ... لا ينثني عنه ولا يتبدل لأنه رسخت قدمه في هذا الباب، واستمع إلى الشبه وفندها، ولذا يقال لطالب العلم: لا تستمع لهذه الشبه، وأنت ما عندك حصانة من رسوخ قدم في العلم، لا تستمع لهذه الشبهة، فضلاً على أن تكون عامياً أو في حكم العامي، وإذا تأهل لاستماع هذه الشبه، وتفنيد هذه الشبهة لا شك أن الرد على هذه الشبه باب من أعظم أبواب الجهاد. وقد انبرى شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- إلى شبه المبتدعة وفندها، الرازي يورد في تفسيره شبه لمبتدعة أعظم منه بدعة، أما بدعه التي يصوغها بأساليب بحيث تغزو القلوب هذا واضح، لكن كونه يورد شبه ويسميها شبهة ويحاول الإجابة عنها تجده في إيراده للشبه يجليها ويوضحها بحيث يجعلها مثل الشمس، ثم يرد عليها بردٍ ضعيف، فإذا التصقت وتمكنت من قلب القارئ ما وجد لها منازع، ولذا يحذر من قراءة تفسيره إلا لعالم متمكن راسخ لكي يرد عليه.

يقول بعض أهل العلم: إنه يورد الشبه نقد، ويرد عليها نسيئة، وكتابه مشحون بهذه الشبه، وتفسير الزمخشري فيه أيضًا من البدع والشبه ما لا يستطيع رده كثير من أهل العلم فضلاً عن طلاب العلم، ووجد من أهل العلم -ولله الحمد- من يبين هذه الشبه وهذه البدع وتتبعوها بالمناقيش كما قالوا. قال -رحمه الله- بعد ذلك: حب الصحابة كلهم لي مذهب ... ومودة القربى بها أتوسل

حب الصحابة -رضوان الله عليهم- الذين نصر الله بهم الدين، وحملوه وبلغوه إلى من بعدهم، "كلهم" بدون استثناء ما دام ثبتت الصحبة يجب حبهم، وحبهم إيمان، وبغضهم نفاق، حب الصحابة إذا كان ثبت في الحديث أنه ((لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)) أخيه من آحاد المسلمين، لا يؤمن حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه؛ فماذا عمن لهم المنة والفضل بعد الله -جل وعلا- ورسوله -عليه الصلاة والسلام- في تبليغنا الدين؟! أنت افترض أن أبا هريرة مثلاً ما وُجد، وقد روي عن طريقه نصف الدين، ماذا يكون وضعك؟ وماذا يكون حالك؟ وماذا يكون الحال بعد الصحابة لو لم يوجد مثل هذا الذي حمل لنا الدين؟ وقل مثله في بقية الصحابة -رضوان الله عليهم- الذين بلغونا هذا الدين، يبقى لنا دين لو لم يوجد هذا الجيل الذي تحمل الأمانة وبلغها امتثالاً لقوله -عليه الصلاة والسلام-: ((بلغوا عني ولو آية))؟! ((ليبلغ الشاهد منكم الغائب)) يعني لو لم يكن من الفضل إلا هذا، يعني كونهم نصروا الدين ونصروا النبي -عليه الصلاة والسلام-، وفدوه بأرواحهم ومهجهم، وبلغوه إلى شرق الأرض وغربها، وافتتحوا به الأقطار والأقاليم والأمصار، وانتشر الدين على أيديهم، إذًا حبهم مثل حب الإنسان العادي أو أكثر؟ لا أحد يقول: إن حب أبي هريرة مثل زيد من الناس أبداً، إلا إنسان لا يقيم لهذا الدين رأس، والنبي -عليه الصلاة والسلام- دعا لأبي هريرة أن يحب الخلق ويحبه الخلق، فصار محبوباً لدى الجميع، ولذا لا يبغضه إلا منافق، وتجد الحملات والقدح في أبي هريرة أكثر من غيره؛ لأن ليس المقصود ذات أبي هريرة، المقصود الدين والعلم الذي يحمله أبو هريرة، إذًا لماذا أبو هريرة على وجه الخصوص دون غيره؟ لأن القدح في أبي هريرة قدح في مروياته، والقدح في أكثر من خمسة آلاف حديث بسبب شخص واحد أيسر من القدح في مائة راوي يروون خمسة آلاف حديث، لذا لا تجدون من يقدح في المقلين من الصحابة، أبيض بن حمال ما وجد من المستشرقين يقدحون به، يروي حديث واحد، تحتاج إلى سنين من أجل أن تقدح بمقدار ما تقدح به من السنة إذا قدحت في أبي هريرة؛ فكونهم حملاتهم -أعني المستشرقين والمبتدعة- حملاتهم مسعورة على أبي هريرة على

وجه الخصوص، لا لأنه أبو هريرة؛ بل لما يحمله من العلم والدين الذي بلغنا بواسطته، هذا هو السبب الذي يجعل أبا هريرة موضع لسهام الأعداء. يقول: "حب الصحابة" الصحابة جمع صحابي، والصَحْبُ جمع صاحب، كركب جمع راكب، والصحابة جمع صحابي. حبهم "كلهم" يعني بدون استثناء، والمراد بالصحابي: من رأى النبي -عليه الصلاة والسلام- مؤمناً به ومات على ذلك، مات على الإيمان، مؤمنًا ليخرج بذلك المنافق الذي رأى النبي -عليه الصلاة والسلام-، وهو لا يؤمن به، والمراد بالإيمان الإيمان القلبي، والدعوة المجرد باللسان لا تنفع ولا تفيد، ولذا صار حكم المنافقين في الدرك الأسفل من النار -نسأل الله السلامة والعافية-، ولو شهدوا أن لا إله إلا الله مع الناس، ولو صلوا مع الناس، ولو حضروا مجالس النبي -عليه الصلاة والسلام-. حب الصحابة كلهم لي مذهب ... . . . . . . . . . قدم الناظم الصحابة من باب الاعتراف بحقهم وفضلهم، وقلنا: أن لو تصورنا إن الصحابة ما وجدوا، أو ما وجد منهم من يحمل هذا العلم والدين كيف يكون حال مَن بعدهم؟ إذا كانت الأمة بِأَمَسِّ الحاجة إلى العلم وإلى أهل العلم في أواخر عصورها، فكيف بمن كان الواسطة بين الأمة وبين نبيها -عليه الصلاة والسلام-؟، تصور نفسك في بلد ليس فيه من تستفتيه إذا أشكل عليك شيء، أقول: تصور نفسك في بلد ليس فيه من يستفتى وأشكل عليك مشكلة في دينك؟

ذكر الآجري في أخلاق العلماء مثالاً يمثل به الحاجة الماسة إلى أهل العلم، قال: إن العلماء بمثابة المصابيح، فإذا تصورت أن قوماً في ليلة مظلمة في وادٍ موحش كله أشجار وهوام وسباع وحيات، والليلة شديدة الظلمة، والناس يمشون على غير هدى، ولا يدرون هل يذهبون يمين أو شمال، ثم جاءهم من بيده مصباح وتقدمهم وتبعوه هل له فضل عليهم أو ليس له فضل عليهم؟ له فضل كبير عليهم؛ مع أنهم لو حصل لهم أسوأ الاحتمالات أكلتهم الوحوش ماذا خسروا؟ خسروا الدنيا، والعالم الذي يأخذ بأيديهم إلى صراط الله المستقيم بعد أن كانوا يتيهون في مفازات الضلال، فقدانه لا شك أنه يفوت عليهم الدين، وأولئك ستفوتهم الدنيا، وهؤلاء يفوتهم الدين؛ فالحاجة إلى أهل العلم أشد من الحاجة إلى صاحب المصباح، هذا في العصور المتأخرة، وقد يكون غيره من أهل العلم من يقوم ببعض الشيء، فكيف إذا كان المفقود شخص واسطة بيننا وبين نبينا -عليه الصلاة والسلام- كأبي هريرة مثلاً؟ كيف يصل إلينا الدين عن طريق غيرهم؟ من هذه الحيثية جاءت محبتهم، ولذا قال -رحمه الله تعالى-: حب الصحابة كلهم لي مذهب ... . . . . . . . . . وانتدب طوائف من المبتدعة لعداء الصحابة وبغضهم وشتمهم وسبهم، بل وصلوا إلى تكفيرهم -نسأل الله السلامة والعافية-، وتكفير خيارهم بدلاً من أن يُحبَوا يذموا ويبغضوا ويشتموا ويسبوا، طيب أنت كفرت أبا هريرة من أين يصل إليك خمسة آلاف وثلاثمائة وسبعين حديث؟ إذا حرمت من الصراط المستقيم مالت بك الأهواء إلى الطرق المؤدية إلى الجحيم -نسأل الله السلامة والعافية-. هذا يقول: كثير من الطلبة لا يعلمون تغيير بدء وقت الدرس من بعد العصر مباشرة، بدلاً من الساعة الخامسة، نرجو التنبيه.

فانتدبوا إلى ذمهم وسبهم وتكفيرهم، والذي يغلب على الظن أن المراد بذلك كله -وإن أظهروا ما أظهروا- القدح في الدين نفسه، ولذا الإمام مالك -رحمه الله تعالى- في آخر آية من سورة الفتح: {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ} إلى أن قال: {لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ} [(29) سورة الفتح] فالذي يغيظه صحابة محمد -صلى الله عليه وسلم- ماذا يكون؟ استدلالاً بهذه الآية، فذهب الإمام مالك إلى تكفير من يغيظه الصحابة. وشيخ الإسلام استدل بقوله -جل وعلا-: {وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ ... } [(10) سورة الحشر] بعد أن ذكر المهاجرين والأنصار قال: {وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ} أن هذا الذي لا يترضى عن المهاجرين والأنصار أنه ليس له نصيب في الخُمس؛ ليس له نصيب في الخُمس، فالأمر خطير، فعلى الإنسان أن يتولى الصحابة، وأن يترضى عنهم، ويعرف لهم منازلهم وأقدارهم ومراتبهم، فأفضلهم على الإطلاق أبو بكر، وهو خير هذه الأمة بعد نبيها -عليه الصلاة والسلام-، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي -رضي الله تعالى عن الجميع-، ثم بقية العشرة: سعيد وسعد وابن عوف وطلحة ... وعامر فهر والزبير الممدحُ هؤلاء العشرة هم أفضل الصحابة، ثم بعد ذلك أهل بدر، وأهل الحديبية، والمهاجرون الأولون السابقون لهم فضل وسابقة، ثم بقية الصحابة -رضوان الله عليهم أجمعين-. ومن الصحابة العشرة الذين ذكرناهم، ومنهم أزواجه -عليه الصلاة والسلام-، يدخلون في صحابته كما أنهم يدخلون في أهله وآله -عليه الصلاة والسلام-.

أفضل الصحابة على الإطلاق أبو بكر وعمر ثم عثمان ثم علي، ثم بقية العشرة، ابن حزم له رأي في المسألة يقول: إن زوجات النبي -عليه الصلاة والسلام- أفضل من أبي بكر وعمر، دليله: أنهن -رضوان الله عليهن- معه في المنزلة في الجنة، يعني منزلة أبي بكر دون منزلة النبي -عليه الصلاة والسلام- في الجنة، وأزواجه -عليه الصلاة والسلام- معه في المنزلة، فدل على أنهن أفضل من أبي بكر وعمر فضلاً عن بقية العشرة، فضلاً عن بقية الصحابة، الاستدلال صحيح وإلا غير صحيح؟ طالب:. . . . . . . . . نعم، غير صحيح، لماذا؟ طالب:. . . . . . . . . نعم؟ طالب:. . . . . . . . . والشهداء والصالحين، أنا أقول: استدلاله صحيح وإلا غير صحيح؟ نقول: غير صحيح، لماذا؟ طالب:. . . . . . . . . نعم؟ طالب:. . . . . . . . . إذاً يلزم عليه تفضيلهن على سائر الأنبياء. طالب:. . . . . . . . . نعم؟ طالب:. . . . . . . . . نعم والولدان وغيرهم، نعم؟ طالب:. . . . . . . . . أنت؟ طالب:. . . . . . . . . أنا الآن أناقش حجته، حجته يقول: هن فوق أبي بكر وعمر في المنزلة في الجنة فهن خير، أفضل، أقول: يثبت تبعاً ما لا يثبت استقلالاً.

لو نظرنا إلى حياتنا العادية، نعم، تجد شخص ثري متنعم في دنياه موسع على نفسه، وشخص دونه في المنزلة، شخص عنده مائة مليون، وشخص عنده خمسين مليون، أو عشرة ملايين، هذا متنعم بنعيم يليق بنعيم الدنيا، ومتوسع فتجد الخادم عند هذا المتنعم أفضل حالاً من كثير من الأثرياء، تجد هذا السائق مثلاً، أو الخادم يسكن في ملحق عند هذا الثري، هذا الملحق خير من بيوت كثير من الأغنياء، هل نقول: إن هذا الخادم أفضل من هؤلاء الأغنياء؟ يتنعم بأفخم المساكن والسيارات والملابس والمطاعم والمشارب، وما أشبه ذلك من متع الدنيا، وهو خادم عند هذا الثري، دونه في الثراء طبقة ثانية يتنعمون لكنهم أقل، فهذا الخادم هل نقول: إنه أفضل من هؤلاء الأغنياء؟ ما يقول هذا عاقل أبداً؛ لأنه ما وصل إلى هذه المنزلة بذاته، إنما وصلها بغيره، يعني ما تلاحظون أن ملاحق بعض الناس أفضل من بيوت كثير من الناس موجود، وفي شخص عمر قصور، وفيها ملاحق الملاحق كلفت الملايين، بل عشرات الملايين، فقيل له لما نظرها بعض الناس: هذا مكانه غير لائق لو نقلته إلى هناك، ففوراًً هدمها ونقلها إلى مكان آخر. فمثل هذا السائق عند هذا الشخص أو هذا الخادم نقول: هل هذا أفضل من بقية الأغنياء الذين هم دون منزلة هذا؟ لا، الشيء الذي يثبت للإنسان على طريق التبعية لا يحكم له به على جهة الاستقلال، نعم؟ طالب:. . . . . . . . . يلزم هذا، يلزمه، هذا من لازم قوله مثل هذا الكلام أن زوجة العالم الأفضل فوق العالم الذي هو أدنى منه؛ لأنها معه في المنزلة، {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ – يعني في نفس المنزلة- وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ} [(21) سورة الطور] المقصود أن هذا قول مردود مرذول لا يلتفت إليه. حب الصحابة كلهم لي مذهب ... ومودة القربى بها أتوسل

{قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} [(23) سورة الشورى] والمودة: خالص المحبة، والمراد بذوي القربى آله -عليه الصلاة والسلام-، ويدخل فيهم دخولاً أولياً ذريته وأزواجه فهم ذوو القربى {لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ} [(33) سورة الأحزاب] والمراد بذلك السياق في نساء النبي -عليه الصلاة والسلام-، فنساؤه من أهل بيته بالنص، فلا مجال لمحبة الآل وإخراج النساء، يعني من التناقض أن يدعي مدعي أنه يوالي أهل البيت، ويبغض بعض نساء النبي -عليه الصلاة والسلام-، الذين دخلوهن في أهل البيت دخول أولي، والقربى كما تطلق على القرابة من حيث النسب، تطلق أيضاً بالنسبة للقرابة الحسية، فأزواجه -عليه الصلاة والسلام- أقرب الناس إليه لمعاشرته إياهم، واختلاطه بهم. فـ "مودة القربى بها أتوسل" والناظم -رحمه الله وتعالى- جمع بين الصحب والآل الذين هم ذوي القربى للرد على طائفتين من طوائف المبتدعة؛ فالشطر الأول رد على الروافض الذين يبغضون الصحابة ويكفرونهم، والشطر الثاني رد على النواصب الذين ينصبون العداء لأهل البيت. يقول: "بها أتوسل" التوسل: التقرب إلى الله -جل وعلا-، فنحن نتقرب إلى الله -جل وعلا- بحب الصحابة ومودة ذي القربى، فلا بد من الجمع بين الأمرين. والتوسل: منه الممنوع ومنه المشروع، فالتوسل بذواتهم ممنوع، والتوسل بمحبتهم مشروع؛ لأنه دين قربى إلى الله -جل وعلا- والتقرب إلى الله -جل وعلا- والتوسل إليه بالعبادة بعبادة الإنسان، ومنها محبة الصحابة ومودة ذوي القربة مشروعة، ولذا في حديث أصحاب الغار الثلاثة توسلوا بأعمالهم الصالحة، وسيق الخبر مساق المدح؛ فالتوسل بالأعمال الصالحة مشروع بخلاف التوسل بالذوات فهو ممنوع.

جمع الناظم بين الصحب والآل، وهذا يقودنا إلى شيء، وهو أن الإنسان إذا صلى على النبي -عليه الصلاة والسلام- امتثالاً لقول الله -جل وعلا-: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [(56) سورة الأحزاب] إن اقتصر على ذلك امتثل الأمر، إذا قال: صلى الله عليه وسلم امتثل الأمر، لكن إن عطف عليه فينبغي أن يعطف عليه الصحب والآل، فيقول: وعلى آله وصحبه، وبهذا يتم رده على الطوائف المبتدعة، لا أولئك الذين يبغضون الصحابة ولا الطرف الثاني الذين يبغضون وينصبون العداء لآل البيت، فإذا عطف على النبي -عليه الصلاة والسلام- فليعطف عليه الآل لما لهم من حق؛ ولأنهم وصية النبي -عليه الصلاة والسلام-، وللصحب لما لهم علينا من فضل بتبليغ الدين وإيصاله إلينا كما أنزل. بعضهم يقول: إننا نقتصر على الآل؛ لأنهم هم المأمور بهم، وهم الواردون في الصلاة الإبراهيمية في التشهد ((اللهم صل على محمد وعلى آل محمد)) وانتصر لهذا الصنعاني والشوكاني وصديق حسن خان، وبسبب ذلك طعنوا في أئمة الإسلام، الذين يقتصرون بالصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام-. في الصحيح: "عرفنا كيف نسلم عليك فكيف نصلي عليك إذا صلينا في صلاتنا؟ قال: ((قولوا: اللهم صل على محمد وآل محمد)) فالصلاة على الآل مأمور بها، وأئمة الإسلام قاطبة في كتبهم إذا مر ذكره -عليه الصلاة والسلام- قالوا: صلى الله عليه وسلم، وقالوا: إن هؤلاء العلماء الذين لا يصلون على الآل امتثالاً لهذا الحديث في كتبهم هؤلاء كلهم يدارون الولاة، يعني داهنوا الولاة، فحذفوا ما أوجب الله عليهم مداهنة للولاة، والولاة في عهد الأئمة من الآل من بني العباس يعني، ما هم من بني أمية ولا من غيرهم، وكيف يظن بالأئمة المداهنة وقد نذروا أنفسهم وقدموها خدمة لدينهم، وفدوا دينهم، وفدوا نبيهم بأنفسهم؟! كيف يقال: إنهم داهنوا الولاة وداروهم وحذفوا الصلاة على الآل مداهنة للولاة؟! وهذا لا شك أنه طعن في كثير من أئمة الإسلام.

والصلاة الإبراهيمية فرد من أفراد الصلاة المأمور بها في قوله تعالى: {صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [(56) سورة الأحزاب] وهو فرد في موضع خاص "إذا صلينا عليك في صلاتنا" فتصلي الصلاة الإبراهيمية، وتقتصر على الآل، ولا يجوز أن تعطف الصحب عليهم، كما أنه لا يجوز لك أن تقول: اللهم صل على سيدنا، وهو سيد ولد آدم ولا فخر؛ لأن هذه ألفاظ متعبد بها لا تجوز الزيادة عليها، ولا النقص منها، أما إذا صليت خارج الصلاة فالامتثال يتم بقولك: صلى الله عليه وسلم؛ امتثالا للآية، وامتثالاً للنصوص الواردة عنه -عليه الصلاة والسلام- في الصلاة عليه، أما إذا عطفت عليه فلتعطف من له حق عليك، وإذا كان ذوي القربى والآل لهم حق عظيم علينا، وهم وصية النبي -عليه الصلاة والسلام- فالصحب أيضاً لهم شأن عظيم في تبليغنا الدين، ولهم حق علينا، إذ لولاهم ما وصلنا هذا الدين كما أنزل. يقول: ولكلهم قدرٌ علا وفضائل ... . . . . . . . . . "ولكلهم" يعني لجميع الصحابة، والجميع ذوي الآل، والمقصود بذوي الآل الذين هم على الجادة، الصحابة كلهم على الجادة من غير استثناء، كلهم عدول، ونطق القرآن والسنة بعدالتهم، لكن مما ينتسب إليه -صلى الله عليه وسلم- ممن تأخرت به الحياة، يعني من الأئمة من الآل علي -رضي الله تعالى عنه- إمام هدى، خليفة راشد، الحسن والحسين، زين العابدين علي بن الحسين من أئمة الهدى، محمد بن علي الباقر ثقة من ثقات المسلمين، ومخرج له في دواوين الإسلام، فهو ثقة، جعفر بن محمد أيضاً مخرج له في الصحاح، لكن جاء بعدهم ممن ينتسب إلى الآل ممن خالف سنة الرسول -عليه الصلاة والسلام-، فما نقول: هؤلاء لكلهم، لا شك إن من هو على الجادة له قدر، وله فضل، وله حق علينا، أما من حاد عنها فالرجال إنما يعرفون بالحق، والحق لا يعرف بالرجال كما هو مقرر عند أهل العلم.

"ولكلهم قدر" منزلة عالية رفيعة "قدر علا وفضائل" في بعض النسخ: "ولكلهم قدر وفضل ساطع" وهنا: "علا وفضائل" لهم فضائل، ولهم مناقب مدونة في كتب التراجم المبسوطة، ومن خير ما ألف، وأفضل ما ألف في مناقب العشرة (الرياض النضرة) للمحب الطبري، وليس لابن جرير محمد بن جرير المفسر المعروف، كما قال بعضهم، هو المحب الطبري صاحب: (القِرَىْ لقاصد أم القرى) وله كتب أخرى. "علا وفضائل" والنسخة الأخرى: "وفضل ساطع" نعم لهم فضائل، ولهم مناقب تحفظ لهم. . . . . . . . . . ... لكنما الصديق منهم أفضل "لكنما الصديق" لكن هذا حرف الاستدراك المعروف الذي ينصب ما بعده من كأن، لكنها مكفوفة بـ (ما) لكنما (ما) هذه كافة، ولكنما مكفوفة، ولذا جاء الصديق مرفوعاً ليس بمنصوبٍ. . . . . . . . . . ... لكنما الصديق منهم أفضل يعني من الصحابة، من جلتهم، بل هو أجلهم على الإطلاق، أفضل منهم دون منازع، والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. الإجابة على الأسئلة تكون غداً إن شاء الله.

لامية شيخ الإسلام (2)

بسم الله الرحمن الرحيم شرح لامية شيخ الإسلام (2) الشيخ: عبد الكريم الخضير السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. هذا يسأل عن حكم زخرفة المساجد؟ جاءت النصوص التي تدل على ذلك، والتحذير من ذلك، وأنها من علامات قرب الساعة، ولا شك أنها داخلة في حيز الإسراف المنهي عنه، والقول بتحريم ذلك قول عامة أهل العلم، وأهل الظاهر يبطلون الصلاة في المسجد المزخرف، وعلى كل حال الجمهور على تحريم ذلك ومنعه؛ لأنه داخل في حيز الإسراف، وجاء في المساجد بخصوصها ما يدل على منع ذلك، والمساجد الآن يقوم على بنايتها وعمارتها أهل الخير والفضل محتسبين في ذلك الأجر من الله -جل وعلا-، ممتثلين حديث: ((من بنى لله مسجداً ولو كمفحص قطاة بنى الله له بيتاً في الجنة أو قصراً في الجنة)) كل هذا هو الحادي إلى عمارة المساجد.

ونجد أهل الخير والفضل يتنافسون في هذا الباب، وهم مأجورون -إن شاء الله تعالى-، وإن كان القائم على العمارة من العوام الذين لم تبلغهم مثل هذه النصوص فهو معذور، لكن الإشكال حينما يشرف على هذه العمارة بعض طلاب العلم، وتخرج على صورة تشغل المصلي عن صلاته، والنبي -عليه الصلاة والسلام- لما أعطاه أبو جهيم الأنبجانية أو الخميصة وشغلته عن صلاته كادت أن تفتنه عن صلاته، كساء مخطط، ثوب مخطط، فلما سلم قال -عليه الصلاة والسلام-: إنها كادت تفتنه عن صلاته -تشغله عنها-، فاذهبوا بها، وأتوني بأنبجانية أبي جهيم، يعني أعطوني الأقل منها؛ لئلا أنشغل عن صلاتي بسببها، فإذا كان مثل هذا مجرد خطوط في الكساء يشغل أفضل الخلق عن صلاته، المقبل على الله، اتقى الناس وأخشاهم وأعلمهم بالله ينشغل بمثل هذا، ويكاد أن تفتنه، فكيف بما نعيشه مع الغفلة التامة عن حقيقة هذه الصلاة؟! اللهم إلا إذا كنا لا نفرق، يعني وصل بنا الأمر أننا لا نفرق سواء صلينا في مسجد مزخرف أو في خيمة، أو في فضاء لا نفرق بين هذا وهذا، يعني وصلت بنا الغفلة إلى هذا الحد، وهذا الذي أتوقعه، أن الإنسان منشغل عن صلاته سواء صلى في ظلام دامس أو صلى في متحف، لا فرق، وبعض المساجد -مع الأسف- أن من له أدنى نظر بالخط والرسم لا يدرك من صلاته شيء، ولا شك أن هذه فتنة؛ لأن لب الصلاة الخشوع، فإذا فقد الخشوع ماذا يبقى منه؟ يبقى الصورة التي لا تنهى عن الفحشاء والمنكر؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((صلوا كما رأيتموني أصلي)) فالصلاة التي تنهى عن الفحشاء والمنكر هي الصلاة التي كان على ما كان عليه الرسول -عليه الصلاة والسلام-، من إقبال على الله -جل وعلا- بكليته، وإخبات، وعدم انشغال بأي شيء عن الصلاة، ومع الأسف أننا ندخل المسجد ونخرج كأننا ما صنعنا شيء؛ فعلى الإنسان أن يهتم بنفسه، وبعض الناس إذا أراد أن يجاور في العشر الأواخر من رمضان قرب بيت الله الحرام في أقدس البقاع تجده يبحث عن مسكن، يقول: أنا أريد فندق خمسة نجوم، يعني مزخرف، اللهم إلا إذا كان لا ينوي أن يتعبد في هذا الفندق بمجرد أن ينام ويخرج إلى المسجد مع أن صلاته فيه أفضل من الصلاة في المسجد غير

المكتوبة، فعلى الإنسان أن يبحث على ما يعينه على الإقبال على الله -جل وعلا-، وليس معنى هذا أن الإنسان يقصد الخِرَب التي لا تليق به، وعليه خطر من سكناها، لا، ليس هذا ولا هذا، إنما المقصود التوسط في الأمور كلها، والله المستعان. يقول: هل يُبدأ بالبخاري الأصل؟ قبل ذلك أفضل طبعات الكتب الستة لمن أراد حفظها، هذه كررت مراراً، وفيها أشرطة، فيها وفي شروحها، فلتراجع. هل تنصحون بحفظ الكتب الستة لمن حفظ عمدة الأحكام؟ عمدة الأحكام بداية وليست نهاية، يعني يحفظ الأربعين، ثم العمدة، ثم البلوغ، ثم بعد ذلك يبدأ بحفظ الكتب المسندة. ثم يليه السؤال يقول: هل يبدأ بالبخاري الأصل أو في مسلم أو الترمذي وهكذا؟ أم يبدأ بالجمع بين الصحيحين؟ أولاً: يجعل المحور الذي ينطلق منه صحيح البخاري، وإذا مر بحديث متفق عليه راجعه في مسلم، وضمه إلى ما في البخاري، وإذا كان الحديث مخرج في سنن أبي داود يرجع إليه، وينظر في متنه وإسناده، وكلام المؤلف عليه، ثم ينتقل للحديث الثاني، وهو من مفردات البخاري دون مسلم مثلاً، لكن خرجه بعض أهل السنن، يرجع إليه، فتكون دراسته للكتب الستة في آن واحد، هذه الطريقة نافعة ومجدية ومجربة، ويتفقه في الكتب الستة في آن واحد، إلا أنها تحتاج إلى وقت، وهي مشروحة بالمثال في مناسبات كثيرة. منهم من يقول: أن نبدأ بالمتفق عليه قبل كل شيء، ثم بعد ذلك ننظر في مفردات البخاري، ثم مفردات مسلم، ثم زوائد أبي داود، ثم زوائد النسائي، ثم زوائد الترمذي، ثم زوائد ابن ماجه، على الطريقة التي يفعلها طلاب العلم الآن في حفظ المتون المجردة عن الأسانيد، والحفظ لا شك أنه هو العلم، لا بد من الحفظ، لكن طالب العلم لا يخل نفسه من الأسانيد، فإذا تأهل وكانت الحافظة تسعف يبدأ بالبخاري، وينطلق منه إلى الكتب الأخرى، وإذا انتهى من البخاري ما يبقى عنده إلى ما يزيده مسلم يراجعه، وقد يوافق عليه أحد من أهل السنن يضيفه إليه، وكل حديث أثناء قراءته ودراسته في صحيح البخاري يراجعه في مسلم، ويشير عليه أنه راجع هذا الحديث مع البخاري، وهكذا إلى أن تنتهي الكتب الستة.

هذه أسئلة عن فك السحر بالسحر، والاستعانة بالجن المسلمين في علاج المسحور والحسد، والاستفادة منهم في الإخبار في مواضع الجرائم والمنكرات؟ نقول: كل هذا لا يجوز، أما الاستعانة بالجن فمن خصائص سليمان -عليه السلام-، والنبي -عليه الصلاة والسلام- لما أراد أن يحبس ويوثق الجني ليراه صبيان المدينة تذكر دعوة أخيه سليمان. الأمر الثاني: أن هذا لا شك أنه يفضي إلى الاستعانة بهم بالصالحين وغيرهم، ثم يستدرج إلى أن يصل إلى حد لا يعان إلا إذا قدم، ثم لا يستطيع الرجوع بعد أن كسب الشهرة، لا يستطيع الرجوع عن وضعه الذي هو فيه إلا بتقديم شيء، ويقع في الشرك وهو لا يشعر، وهم عالم الغيب، أكثرهم فجار، كفار، ولا يعرف عن أحوالهم شيء، أقل ما يقال فيهم: إنهم مجاهيل، والله المستعان. هذا يقول: كتاب الموسيقى والغناء في ميزان الإسلام تأليف: عبد الله بن يوسف الجديع؟ الكتاب ما قرأته، لكن معروف أن المزامير حرام في الإسلام، والنصوص فيها كثيرة، والغناء كذلك، لكن قد يلتبس على بعض الناس أن من السلف من اتخذ جارية مغنية، بمعنى أنه اشتراها، وصارت ملك يمين له، فلو مثلت بين يديه عارية يجوز ذلك ما فيه إشكال، ولو غنت بين يديه بألفاظ جيدة مستحسنة، والألفاظ التي تلقيها ليس فيها ممنوع، وهي من محارمه، ملك يمينه، بدون آلة إيش اللي يمنع من هذا؟ فبعض الناس إذا سمع مثل هذا الكلام أن من سلف هذه الأمة من اتخذ جارية مغنية أنها لا بد من آلات، فنقول: لا يلزم آلات، ويقيس على ذلك من يغنين الرجال الآن بثياب أشبه ما تكون بالعري، شتان، هذه عند محرمها، عند سيدها، وتغني بألفاظ لا محظور فيها، نعم تؤديها على وجه يعني مريح للنفس عند من يقول: بأن مثل هذا يريح النفس بدون آلة، فهي ملك يمينه، من محارمه، وليس معها آلة، ومع ذلك تأتي بألفاظ مباحة.

ولا عرف عن أحد من السلف أنه أخرج بنته أو جاريته تغني للناس الأجانب، كما يفعل الآن، لا شك أن هذا تلبيس على الناس من يستدل بهذا على هذا، والآلات معروف حكمها أنها لا تجوز، والنغمات الموسيقية التي نسمعها في بيوت الله -جل وعلا-، وفي أشرف البقاع لا شك أن هذا أمر مؤسف ومحزن، فضلاً عن أن يكون يصدر هذا من طالب علم، نعم قد ينازع بعض الناس في بعض النغمات، فيقول: هذه ليست بموسيقى، أنا لا أطرب من هذا الصوت، نقول: الحكم بيننا وبينك جرس الدواب، الذي جاء منعه، والنهي عنه، في صحيح مسلم وغيره، فإن كانت هذه النغمة مثل جرس الدواب، وكلكم تعرفون الجرس، جرس الدواب، والصوت الذي يصدر منه، وهو دون ما نسمعه وسمعناه اليوم بمراحل، وجاء منعه في الحديث الصحيح، فإذا كانت النغمة مثل جرس الدواب تمنع، وإن كانت أشد إطراباً فمن باب أولى، إن كانت دونه سار للنظر مجال، والذي نسمعه حتى من بعض طلاب العلم أشد مما يصدر من جرس الدواب. يسأل عن كتاب الفقه الإسلامي وأدلته للدكتور وهبة الزحيلي؟ هذا الكتاب جامع وطيب، لكنه ليس بعمدة؛ لأن المعول في الكتب على الأصول، يعني تريد أن تدخل مذهب الحنفية من كتاب الفقه الإسلامي، نقول: لا يا أخي، انقل مذهب الحنفية من كتاب الحنفية، تريد أن تذكر مذهب المالكية وتعزوه إلى ... نقول: لا. إذًا ماذا نستفيد من الفقه الإسلامي؟ الفقه الإسلامي كدليل يرجعك إلى المصادر الأصلية؛ لأنه يحيل إلى المصادر بالجزء والصفحة، قال في الفتح القدير كذا جزء كذا، صفحة كذا، ارجع إلى فتح القدير وثق، وقل: قال الحنفية كذا كما في فتح القدير، قال المالكية كذا كما في المدونة وشرح الحطاب وشرح كذا، ارجع إليها، وخذ كلام أهل العلم من كتبهم، وقال الشافعية كذا ترجع إلى الأصول بنفسك.

وكم من إنسان أخطأ ووهم حينما أخذ رأي الحنفية أو رأي المالكية أو رأي الشافعية أو رأي الحنابلة من كتب شروح الحديث مثلاً أو التفاسير، في تفسير القرطبي يذكر المذاهب، لكن ليست معرفته بهذه المذاهب كمعرفة أصحابها وأربابها، وأصحاب أئمتها؛ لأنه قد يعتمد أو يأخذ من كتاب رواية غير معتمدة في المذهب، وهذا مجرب؛ لأن معرفتهم بالمذاهب الأخرى ليس بمستوى معرفتهم بمذاهبهم. ولذا أقول: لا مانع أن تأخذ مذهب المالكية من أحكام القرآن لابن العربي، أو من الجامع لأحكام القرآن للقرطبي؛ لأنه فقيه مالكي، أو من المفهم للقرطبي فقيه مالكي، تأخذ مذهب الشافعية من فتح الباري أو من شرح النووي، تأخذ مذهب الحنفية من عمدة القاري لا بأس، من أحكام القرآن للجصاص لا بأس؛ لأنهم فقهاء في مذاهبهم، لكن في غير مذاهبهم لا بد من أن ترجع إلى الأصل، وما هذا الذي يوصى به أن يرجع إلى كتب الأئمة، قال الشافعي، ارجع إلى الأم، الأم موجود، قال مالك، ارجع إلى المدونة، ارجع إلى الموطأ تجد أقوالهم موجودة. وكم من خطأ في نسبة الأقوال إلى المذاهب من أجل الاعتماد على كتب المتأخرين، فالكتب لا شك أنها تنتسب إلى هذه المذاهب، لكن الأولى بأقوال الأئمة كتب المتقدمين، إن وجدت كتبهم بأنفسهم بها ونعمت، ما وجدت فالأقرب إليهم؛ لأن كل ما يمتد الوقت وتستجد المسائل تتوسع عموم القواعد عند الفقهاء، ولذا تجد المذهب عند المتقدمين بالنسبة للحنابلة تجده يختلف منهم عند المتوسطين يختلف عند المتأخرين، فالموصى به الرجوع إلى الكتب الأصلية الأقدم فالذي يليه. وأقول: إن كتاب الفقه الإسلامي وأدلته هذا مجرد دليل يردك إلى الأصول في بالجزء والصفحة. التفسير المنير له أيضاً تفسير مطول ومبسوط في خمسة عشر مجلداً، لكن قراءتي بي ومراجعتي له قليلة جدًا لا تكفي لإصدار حكم عليه. هذا السؤال عجزت عن قراءته ولا فهمه. إيش يقول هذا؟ كأنه يقول: رتب الكلمات التالية، الكلام لا يفهم، نعم. هاه؟ طالب:. . . . . . . . . كلام لا يفهم.

يقول: رجل دخل المسجد بعد أذان الفجر فهل الأفضل أن يصلي ركعتين تحية المسجد، ثم يصلي ركعتي سنة الفجر، أم الأفضل أن يصلي ركعتين بنيتين، نية تحية المسجد ونية سنة الفجر؟ يصلي ركعتين فقط، فإذا طلع الفجر فلا صلاة إلا ركعتي الفجر فيصلي بنية راتبة الصبح، وتدخل فيها تحية المسجد؛ لأن تحية المسجد تدخل بأي صلاة، والنزاع في من أراد أن يوتر بواحدة فدخل المسجد بعد العشاء، هل تكفي عن الركعتين تحية المسجد أو لا تكفي؟ وأما ما عدا ذلك ركعتان فأكثر يكفي. يقول: هل يشترط في صلاة الاثنتي عشرة ركعة في اليوم والليل أن تكون السنن الرواتب؟ نعم، هذا ما قرره أهل العلم، المراد بها السنن الرواتب، اثنتا عشرة ركعة، والفرائض سبع عشرة، والوتر إحدى عشرة، المجموع أربعون ركعة، وابن القيم يقول: لن يخيب من طرق الباب أربعين مرة. أنا طالب علم يزين لي أن الشيطان أنني لا أصلح لطلب العلم لضعف حافظتي، حيث أنني لم أحفظ القرآن، ومكثت يوماً من الأيام أحفظ حديث حمران مولى عثمان أكثر من ساعة، أفيدوني مأجورين؟ هذا لا شك أنها من أساليب الشيطان لصرفك عن طلب العلم، والذي لا تسعفه الحافظة للحفظ عليه بالفهم، فإذا عمد إلى كتاب صعب العبارة عسر الأسلوب وفهمه، لا أخاله ينتهي منه إلا وقد حصل عنده منه علم عظيم، فالذي لا تسعفه الحافظة ليحفظ عمدة الأحكام يقرأ في شرحه لابن دقيق العيد ويحاول. . . . . . . . . تُرجم الكلام.

فإذا قرأ شرح ابن دقيق العيد على العمدة، وفهمه من أوله إلى آخره أنا كفيل بأنه إذا انتهى منه يكون حفظ العمدة وحفظ الشرح، فمثل هذا يمشي بهذه الطريقة، يعمد إلى الكتب الصعبة ويحاول فهمها؛ لأنه إذا فهمها رسخت في ذهنه، ولو لم يقصد حفظها، والجلال -جلال الدين المحلي- حافظته ضعيفة جدًّا جدًّا، وهو من كبار فقهاء الشافعية، يقول: إنه حاول أن يحفظ ورقة من كتاب فارتفعت حرارته، وخرجت الحبوب والبثور في جسمه حتى ترك، ومع ذلك معدود من كبار الفقهاء الشافعية الكبار، فالذي يحرم من الحفظ يتجه إلى الفهم، وإذا عجز عن حفظ السنة يعمل في كتب السنة مثل الطريقة التي شرحتها، وأنا كفيل له بأنه إذا انتهى من الجمع بين الكتب الستة بخمس سنوات أن يكون عنده تصور عن هذا العلم تصور كافي. ما حكم الدعاء بقول: اللهم اغفر لنا في مقامنا هذا، وفي ساعتنا هذه، ونحو ذلك؟ على كل حال ما يظهر لي منع؛ لأن الإنسان ... ، الاستعجال المنهي عنه الذي يترتب عليه الترك، أما استعجال المغفرة التي لا يترتب عليها ترك كالدعاء مثل هذا ما يضر -إن شاء الله تعالى-، استعجال النتيجة، استعجال شفاء مثلاً، هو في مرض، وينتج عنه آلام مقلقة له لا مانع أن يستعجل في دعائه على أن لا يستحسر ويترك إذا لم يحصل له الشفاء، فالاستعجال الممنوع الذي يترتب عليه الترك. ما شاء الله، ما شاء الله، تُرجم السؤال يقول: ما رأيك يا شيخ فيمن يسأل أحد إخوانه بإيضاح المسألة وليس من باب تعجيزه؟ هذا لا إشكال فيه. هل ورد عن أصحاب رسول الله -عليه الصلاة والسلام- إذا اجتمعوا أمروا قارئًا أن يقرأ عليهم، يقرئهم وهم يستمعون؟ نعم ثبت عنهم ذلك. هل لكم شرح للأربعين النووية؟ نعم شرح لكنه ليس بكامل؛ لأنه فرق على دورات، وكل حديث صار في محاضرة مستقلة، لكن أظنه ما كمل إلى الآن. يقول: النهي عن ستر الجدران؟ جاءت الآثار في الدلالة على منعه، وأبو الدرداء وسلمان أجابا الدعوة لابن عمر -رضي الله تعالى عنهما-، ثم لما رأى الستر على الجدران رجعا؟ يقول: سمعنا عن رجل قيل: إنه من العلماء، واسمه عبد الله القصيمي هذا الرجل أشكل على الناس حاله، وكيفية رجوعه، نرجو التوضيح؟

هذا الرجل عبد الله بن علي سافر في بعثة إلى مصر مع اثنين من طلاب العلم، وبالنسبة له فتن بالحضارة الغربية المادية، وألف في أول أمره كتب نافعة منها: الصراع والبلوغ النجدية وغيرهما وهي نافعة بالجملة، لكنه بعد ذلك فتن بهذه الحضارة، ورأى أن سبب تأخر المسلمين هو التزامهم وتمسكهم بالدين، فألف كتاباً حكم بردته بسببه، وهو: (هذه هي الأغلال) سمَّى الدين أغلال، غلت المسلمين عن التقدم الذي أدركه غيرهم، ورأى أن هذا هو السبب، ورد عليه، وفندت أقواله، ورمي بالزندقة وبالإلحاد بسبب ذلك، ولا شك أن ما قاله كفر صريح بواح -نسأل الله السلامة والعافية-، من أفضل الردود رد مطول في مجلدين اسمه: (بيان الهدى من الضلال) لشخص يقال له: السويّح، رد لا شك أنه واسع ومفصل، هناك رد لابن يابس اسمه: (الرد القويم على ملحد القصيم) ونسبته إلى القصيم حقيقة على غير الأصل؛ لأن أمه أو جدته من قرية من قرى القصيم، لما جاء أبوه من صعيد مصر مع حملة إبراهيم باشا تزوج امرأة من القصيم فنسب إليها، هناك أيضاً رد للشيخ ابن سعدي -رحمه الله ورحم الله الجميع- اسمه: (تنزيه الدين وحملته ورجاله مما افتراه القصيمي في أغلاله) كتاب صغير جدًّا، لكنه جامع مانع كافي في الرد عليه، وردود أخرى، محمد عبد الرزاق حمزة له رد نفيس، كثرت عليه الردود، لكن هذه أشهرها. يقول: "لا ينثني عنه ولا يتبدل" لأنه رسخ، فإن انثنى أو تبدل فإنه لا يكون راسخاً، فماذا لو كان راسخاً وانثنى وتبدل؟ من كان على الحق ثم تركه، هذا إما أن يكون هذا الحق لم يثبت ولم يرسخ في قلبه، أو يكون عنده دخيلة وطوية ينطوي عليها قلبه، تخونه في أحوج ما يكون إلى التثبيت، وجاء في الحديث الصحيح: ((وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة -فيما يبدو للناس- فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها)) نسأل الله السلامة والعافية، فعلى الإنسان أن يخلص في عمله لله -جل وعلا-. ما حكم التسبيح بالسبحة حتى أصبح من طلبة العلم من يستعملها؟

يوجد من يستعمل السبحة من طلبة العلم والعوام من باب العبث، يعني عبث من غير استعمالها في العبادة، هذا الأمر فيه سهل، كمن يعبث بطرف شماغه، أو ينكت بعود، أو ما أشبه ذلك، أما إذا استعملها بالتسبيح وهو عبادة؛ فالنبي -عليه الصلاة والسلام- أرشد أم المؤمنين جويرية إلى التسبيح بالأصابع، بالأنامل؛ لأنها مستنطقة، على هذا أقل أحوالها الكراهة، وبعضهم يقول: ببدعيتها؛ لأنه عرف استعمالها عند المبتدعة. يقول: ما أفضل الشروح لعمدة الأحكام وبلوغ المرام؟ أفضل الشروح لعمدة الأحكام ابن دقيق العيد لا ينافس، لكنه كتاب صعب، يعني من استطاع أن يفهم أحكام الأحكام لابن دقيق العيد فلن يقف في وجهه عبارة لأهل العلم إلا أن تكون مصحفة، فالكلام المصحف لا حيلة فيه؛ لأن الكتاب متين جدًّا، فإذا فهمه طالب العلم سهل عليه القراءة في الشروح كلها، شرح ابن الملقن: (الإعلام بفوائد عمدة الأحكام) كتاب مبسوط ومطول، وفيه فوائد، والذي تخصصه غير شرعي، أو حصيلته من مبادئ العلوم التي تعينه على فهم النصوص ليست كافية، وأراد أن يقرأ بشرح الشيخ عبد الله البسام (تيسير الأعلام) لأنه سهل يفهمه آحاد طلاب العلم فينفعه -إن شاء الله تعالى-، وهناك حاشية مختصرة ومباركة للشيخ فيصل بن مبارك اسمها: (خلاصة الكلام) هذا بالنسبة لعمدة الأحكام، وهي مشروحة من قبل العلماء والمشايخ المعاصرين، منها ما طبع، ومنها ما هو على أشرطة، يستفاد منها. بلوغ المرام: شروحه كثيرة منها: (البدر التمام) للقاضي الحسين بن محمد المغربي، هذا اسمه (البدر التمام) وهو مطبوع طبع أخيراً، ومختصره (سبل السلام) وهو أنفع من الأصل، المختصر أنفع من الأصل وأشهر، وهناك أيضاً شرح للشيخ عبد الله البسام أيضاً شرح طيب يستفاد منه، لا سيما في فتاوى المعاصرين كهيئة كبار العلماء واللجنة الدائمة والمجامع العلمية، ذكرها الشيخ -رحمه الله- فيستفاد منه، فإذا ضم شرح الشيخ البسام مع سبل السلام مع شروح المشايخ المعاصرين في الأشرطة يستفيد طالب العلم -إن شاء الله-.

يقول: ما أفضل طبعة لشرح ابن دقيق العيد على العمدة، ولكتاب المنتقى للمجد؟ وهل الأفضل اقتناء كتاب البدر المنير لابن الملقن أو تحفة المحتاج له أو التلخيص لابن حجر لمن لا يستطيع جمعها؟ أفضل طبعة لشرح ابن دقيق طبعة الشيخ أحمد شاكر وحامد الفقي في مطبوعة أنصار السنة في مجلدين، والطبعة التي عليها حاشية الصنعاني أيضًا طيبة، أما الطبعة المنيرية ففيها أخطاء. كتاب المنتقى طبعة الشيخ حامد الفقي نفيسة، وعليها تعليقات جيدة للشيخ حامد، وطبعة الشيخ طارق عوض الله أيضاً معتنى بها، لكنها لا تغني عن طبعة الشيخ حامد. هل الأفضل اقتناء البدر المنير لابن الملقن أو تحفة المحتاج له؟ هذا لا يغني عن هذا، هذا في شيء وهذا في شيء، البدر المنير لتخريج أحاديث الرافعي الكبير فتح العزيز، والتلخيص الحبير تلخيص للبدر المنير؛ فالبدر المنير لا يستغنى عنه؛ لأنه كتاب مبسوط في التخريج، إلا طالب علم مبتدئ يتشتت إذا قرأ التوسع في مثل هذه الأمور فيقتصر على التلخيص. بقي من الأسئلة قدر كبير، لا يمكن الإحاطة بها، فنؤجلها إلى الغد -إن شاء الله تعالى-. سم. بسم الله. والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه. قال الحافظ -رحمه الله ونفعنا الله بعلمه-: وأقول في القرآن ما جاءت به ... آياته فهو الكريم المنزَلُ وأقول: قال الله -جل جلاله- ... والمصطفى الهادي ولا أتأولُ وجميع آيات الصفات أمرها ... حقاً كما نقل الطراز الأولُ وأرد عهدتها إلى نقالها ... وأصونها عن كل ما يتخيلُ قبحاً لمن نبذ القران وراءه ... وإذا استدل يقول: قال الأخطلُ والمؤمنون يرون حقاً ربهم ... وإلى السماء بغير كيف ينزلُ الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبيا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى- الناظم -رحمة الله عليه- سواء كان شيخ الإسلام إن ثبتت هذه المنظومة عليه، أو غير شيخ الإسلام، فما فيها فهو حق، والحق والحكمة ضالة المؤمن، سواء كانت لشيخ الإسلام ولا نتعصب لأحد، فما دام الكلام حقًّا فيعتنى به، ولو لم يكن لشيخ الإسلام. في البيت الخامس يقول -رحمه الله-:

وأقول في القرآن ما جاءت به ... آياته فهو الكريم المنزَلُ "وأقول في القرآن" يعني أعتقد، وقولي وعقيدتي ومذهبي في القرآن ما جاءت به آياته، من أنه كلام الله -جل وعلا-، المنزل على نبيه -عليه الصلاة والسلام-، بواسطة جبريل -عليه السلام-، أنزل أو نزِّل في ليلة القدر من رمضان، والعلماء يختلفون في هذا التنزيل، هل هو إنزاله جملة كما ثبت عن ابن عباس في هذه الليلة إلى السماء الدنيا، أو بداية التنزيل في رمضان، ثم أنزل باقيه مفرقاً منجماً في ثلاث وعشرين سنة، التي هي عمر الرسالة من البعثة إلى وفاته -عليه الصلاة والسلام-، فعرف عن ابن عباس أن القرآن أنزل جملة واحدة إلى السماء الدنيا، ثم بعد ذلك ينزل جبريل به إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- مفرقاً منجماً على حسب الوقائع، وعلى حسب الأسباب الداعية إلى التنزيل في هذه المدة التي هي ثلاث وعشرون سنة، ومنهم من يقول: إن بداية التنزيل إنما كانت في رمضان، ثم بعد ذلك ينزل منه ما يحتاج إليه، وينبعث السبب الداعي إليه في المناسبات وفي الوقائع، فنزوله منجمًا على هذه الكيفية. وأقول في القرآن ما جاءت به ... آياته. . . . . . . . . وهو كلام الله -جل وعلا-، منه بدأ، وإليه يعود، فالقرآن كلام الله، وكلامه المسموع منه -جل وعلا- بحرف وصوت، كما يقرر ذلك أهل السنة والجماعة، على ضوء ما جاء به الأدلة الكثيرة، فالنداء لا يكون إلا بصوت، والكلام لا يكون إلا بحرف، فكلامه -جل وعلا- مسموع بصوت وحرف، سمعه جبريل، ثم بلغه من شاء من عباده من أنبيائه ورسله -عليهم الصلاة والسلام-.

"منه بدأ" من الله -جل وعلا- بدأ، وهو الذي تكلم به، وإليه يعود في آخر الزمان، يرفع القرآن من صدور الرجال، ومن المصاحف أيضاً، فينام الرجل النومة فإذا أصبح فإذا ليس في جوفه شيء من القرآن، وإذا فتح الناس المصاحف للقراءة ما وجدوه، وقد يعاقب الإنسان، وهذا الكلام إنما يكون في آخر الزمان، لكنه قبل ذلك قد يعاقب الإنسان فينسى ما حفظه من القرآن، أو يُنسى ما حفظه من القرآن بسبب ذنب أصابه، وذكر عن بعض من تقدم شيء من ذلك، وقد يكون الذنب حائلاً بينه وبين حفظ القرآن، كما أن الذنوب تحول بين أصحابها وبين أبواب الخير، كقيام الليل مثلاً، وصيام الهواجر، كذلك تكون سبباً في رفع ما حصل عليه من خير. وعلى كل حال رفعه إنما يكون جملة، إنما يكون في آخر الزمان، ولهذا يقول أهل العلم: منه بدأ، وإليه يعود. "ما جاءت به آياته" فالآيات المدونة في المصاحف، والمحفوظة في الصدور، والمتلوة والمسموعة هي كلام الله -جل وعلا-، وهي عبارة عن شيء واحد هو القرآن، ولا نقول: إن المتلو غير المحفوظ، والمسموع غير المقروء، لا، كشيء واحد، كما قال ابن حزم: إننا لدينا الآن أربعة قرآنات، ليس بقرآن واحد ولا اثنين ولا ثلاثة، أربعة قرآنات، وهذا لا شك أنه كلام باطل، وإنما القرآن وكلام الله هو شيء واحد، القرآن الموجود بين الدفتين، وهو المحفوظ في الصدور، له أول، وله آخر، يفتتح بالفاتحة، ويختم بالناس، يعني محفوظ ومضبوط، وسالم من الزيادة والنقصان {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [(9) سورة الحجر] فمن ادعى أن شيئاً من القرآن زائد أو ناقص لا إشكال في كفره وردته؛ لأن الأمة أجمعت على أن القرآن محفوظ، كما هو نص القرآن، والذي يزعم أن هناك زيادة أو نقصان مكذب للنص القطعي {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [(9) سورة الحجر].

وذكر الحافظ البيهقي -رحمه الله تعالى- أن يهوديًّا دعاه يحيى بن أكثم إلى الإسلام فلم يسلم، وبعد سنة كاملة أتى إلى يحيى بن أكثم فأعلن إسلامه، فسأله عن السبب، فقال: إنه نسخ نسخًا من التوراة، وزاد فيها ونقص وحرف وقدم وأخر، ثم ذهب بها إلى سوق الوراقين من اليهود فتخطفوها من يده، وباشروا قراءتها، والعمل بها، وهي محرفة، ثم عمد إلى الإنجيل فصنع فيه مثل ذلك، وذهب به إلى سوق النصارى فاشتروها منه، ولم يترددوا في ذلك، وباشروا قراءتها، والعمل بها، ثم عمد إلى القرآن، فقدم وأخر بشيء يسير لا يكاد يطلع عليه إلا الفرد من الناس، ثم ذهب به إلى سوق الوراقين بين المسلمين، وعرض النسخ عليهم، فكل من رأى نسخة رماها في وجهه، وقال: إنه محرف، فعلمت أن الدين حق، وأن هذا الكتاب محفوظ فأسلمت، فتعجب يحيى بن أكثم، فلما حج اجتمع بسفيان بن عيينة وذكر له القصة، يقول هذا الكلام موجود في كتابه، قال في كتب من قبلهم {بِمَا اسْتُحْفِظُواْ} [(44) سورة المائدة] يعني وكل الحفظ إليهم فلم يحفظوا، وكتابنا تولى الله حفظه فتم ذلك، ولا يستطيع أحد أن يزيد أو ينقص ويكتشف فوراً، يكتشف، يعني في مراجعات طباعة المصحف، يعني وهذا من حفظ الله -جل وعلا- لدينه، وحفظه لكتابه، قالوا: في المراجعة رقم مائة وأربعين وجدوا أن شكلاً من الأشكال، شكل يعني شكل الضمتين أحياناً أو الفتحتين يختلف وضعها من حرف إلى آخر، فوجد شكل مخالف لنظائره في المراجعة مائة وأربعين، وهذا من تمام حفظ الله -جل وعلا- لكتابه، والعين تنفر من رؤية المخالف، وعلى كل حال هذا أمر معروف ومقرر، والقرآن مصون من الزيادة والنقصان بإجماع الأمة، بإجماع علماء المسلمين. بعضهم يقول: إن من حفظ القرآن حفظ السنة، ولذا أنكر أن يكون في السنة شيء موضوع مكذوب على النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولا شك أن هذا يرده الواقع؛ فالمبتدعة والزنادقة الذين يريدون إفساد الدين والمتعصبة للمذاهب، والمتكسبة والمرتزقة وجهال بعض العباد والمتصوفة وقع منهم الوضع في الحديث النبوي.

وذكر الحافظ ابن كثير -رحمه الله- في اختصار علوم الحديث أن بعض المتكلمين قال: إنه لا يوجد موضوع في السنة، واستدل بالآية، والنبي -عليه الصلاة والسلام- لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى، ما دام الأمر كذلك فالحكم واحد في القرآن والسنة، قال: لا يوجد حديث موضوع، فانبرى له شخص، ويقال: إنه صبي -والله أعلم بحقيقة هذه القصة-، فقال له: ما رأيك في حديث: ((سيكذب علي))؟ إيش رأيك في حديث: ((سيكذب علي))؟ ماذا يكون الجواب؟ هو يبي يقول: صحيح وإلا مكذوب؟ الرد حاصل حاصل، سواء صحح أو أبطل، سواء حكم عليه بالصحة أو حكم عليه بالوضع، الرد حاصل حاصل، فإن قال: صحيح، طيب كيف يرد؟ الرسول يقول: سيكذب علي؟ وأنت تقول: لا، ما يمكن يكذب عليه، وإن قال: باطل، يقول: هاه الآن كذب عليه. ولا شك أن هذا من الأجوبة المسكتة، وبعضهم يشكك في حصول مثل هذا، ومثل هذا يعني يمكن أن يذكر في هذا المجال، ولو لم يثبت، ويش المانع؟ يعني أن تفترض أن شخص قال هذا الكلام، فأجيب عليه بمثل هذا الجواب، ويمكن أن يقع، وإلا من أهل العلم ما شكك في مثل هذا. وأنا أقول: إن الذي لا يعنى بنوع من أنواع العلوم، لا تكون له به أدنى عناية يحصل منه مثل هذا، فهذا المتكلم الذي نسبت إليه هذه القصة لا عناية له بالسنة، ولا يدري ما السنة، كما إنه وجد من لا يعرف معنى الموضوع ممن ينتسب للعلم في بعض فروعه، أنكر على الحافظ العراقي رحمه الله أن يكون حديث موضوع؛ لأنه سئل عن حديث فقال: لا أصل له، هذا حديث مكذوب على النبي -عليه الصلاة والسلام-، فانبرى له شخص من العجم وقال: كيف تقول مكذوب وهو موجود في كتب السنة بالإسناد؟ فقال: احضره فأحضره من موضوعات ابن الجوزي، يعني يحصل مثل هذا الغفلة يحصل من هذا الجهل المركب، يحصل، ولذا ينبغي أن يكون طالب العلم يعني عنده نوع من الشمول والتفنن والأخذ من كل علم يخدم نصوص الوحيين بكفايته. يعني قبيح بطالب القرآن أن لا يعرف السنة ولا علوم السنة، كما أن قبيح بطالب السنة أن لا يعرف ما يتعلق بكتاب الله -جل وعلا-، ويحتاج مع ذلك إلى ما يخدم نصوص الوحيين ويعينه على فهمهما.

المقصود أن القرآن كلام الله -جل وعلا-، في قول أهل السنة قاطبة، وهو قول سلف هذه الأمة وأئمتها، أنه كلام صدر من الله -جل وعلا- بصوت وحرف سمعه جبريل، وسمعه موسى، وسمعه محمد -عليه الصلاة والسلام- ليلة الإسراء. "منه بدأ وإليه يعود" نطق به -جل وعلا- على الكيفية التي لا نعلمها، والمعتزلة رأيهم في كلام الله -جل وعلا- أنه مخلوق، خلقه في الهوى، أو خلقه في ذات جبريل، أو في ذات محمد -عليه الصلاة والسلام-، وحينما نادى موسى من الشجرة خلق الكلام في الشجرة، فالشجرة هي التي نادت موسى، عندهم حقيقة هي التي نادت موسى وقالت: إني أنا ربك، وحينئذٍ لا فرق بين قول الشجرة: أنا ربك، وبين قول فرعون: "أنا ربكم الأعلى" فيه فرق وإلا ما في فرق؟ ما فيه فرق؛ لأن المعتزلي يمكن أن يقول: كلام فرعون صحيح "أنا ربكم الأعلى" لأن الله -جل وعلا- خلق فيه هذا الكلام، ما المانع أن يقال مثل هذا؟ فقول المعتزلة وهو القول بخلق القرآن باطل، وكفر جمع من الأئمة من يقول به؛ لأنه يلزم عليه إبطال الشرائع. والأشاعرة يقولون بالكلام النفسي، وأن كلام الله -جل وعلا- واحد تكلم في الأزل، ولا يتكلم بعد ذلك، والمعتمد عند أهل السنة أن كلام الله -جل وعلا- قديم النوع، متجدد حادث الآحاد، فهو معلق بالمشيئة، يتكلم متى شاء وإذا شاء وكيف شاء. وأقول في القرآن ما جاءت به ... آياته. . . . . . . . .

وما جاء في الآيات عند الأشعرية عبارة عن كلام الله -جل وعلا-، وليس هو كلام الله حقيقة، وإنما كلامه ما في نفسه -جل وعلا-، ويوافقهم الماتريدية إلا أنهم يقولون: حكاية عن كلام الله -جل وعلا-، نسمع في كلام بعض العلماء وطلاب العلم في مؤلفاتهم أو في كلامهم ومواعظهم يقولون: قال الله -جل وعلا- حكاية عن فرعون، أو قال -جل وعلا- حكاية عن كذا، فهل هذا فيه تأثر بمذهب الماتريدية والأشاعرة؟ هو نسب القول إلى الله -جل وعلا-، المبتدع يقول: حكاية عن كلام الله، وهذا يقول: هو كلام الله يحكيه على لسان فلان، إذا نظرنا في أصل المسألة وجدنا أنها لا إشكال فيها إلا من جهة المشابهة في اللفظ، أولئك يقولون: حكاية عن كلام الله، وهؤلاء يقولون: حكاية عن كذا، فلفظ الحكاية ينبغي أن يتقى؛ لأنه يوقع في لبس، ويظن بالقائل أنه يوافق المبتدعة، وفرق بين شخص عرف عنه أنه على مذهب أهل السنة والجماعة، فيقبل منه هذا الكلام؛ لأنه لا يظن به أنه يعتقد قول المبتدعة، ويمكن حمل كلامه على وجه صحيح، بينما لو كان الشخص من المبتدعة، من الماتريدية أو الأشعرية قلنا: لا يا أخي، لا، لا، لا تقل مثل هذا الكلام. أقول: ونظير ذلك بعض الشراح أو أكثر الشراح حينما يأتون إلى قول النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((والذي نفسي بيده)) يقولون: روحي في تصرفه، إذا كان هذا الشارح ممن ينفي الصفات عن الله -جل وعلا- بما في ذلك اليد، قلنا: كلامك باطل؛ لأنك قلت مثل الكلام للفرار عن إثبات اليد لله -جل وعلا-، وإذا كان عرف بأنه يثبت اليد لله -جل وعلا- على ما يليق بجلاله وعظمته، وقال معنى: ((والذي نفسي بيده)) روحي في تصرفه كلام صحيح، ما في روح ليست في تصرف الله -جل وعلا-، لكن إن كان قال ذلك متذرعاً هارباً عن إثبات الصفة لله -جل وعلا-، فلا شك أن مثل هذا يرد عليه، وعلى كل حال النص في إثبات اليد لله -جل وعلا- على ما لا يليق بجلاله وعظمته ولازمه ومعروف. وأقول في القرآن ما جاءت به ... آياته فهو القديم المنزلُ

في بعض النسخ: (الكريم) وفي بعضها: (العظيم) ولا شك أن القرآن كريم، كما دل على ذلك القرآن، وعظيم أيضاً، أما القديم فلفظ أنكره شيخ الإسلام، قد يثبته على سبيل التنزل في الرد على بعض الخصوم مقروناً بالأزلي، القديم الأزلي، يعني المتناهي في القدم، وإلا القديم المفرد بدون الوصف بكونه أزلي فلم يرد في النص، في نص يعتمد عليه، وهو أيضاً لا يدل على التناهي والأولية، الله -جل وعلا- هو الأول فليس قبله شيء، ولا يقال: قديم، لماذا؟ لأن الحداثة والقدم أمور نسبية، فلو قدر أنك اشتريت آلة من الآلات إما سيارة وإما قلم أو نعل، أو ثوب، اشتريته العام الماضي، وفي هذه السنة اشتريت آخر فتأمر ولدك: ائتني بالقلم القديم، أو ائتني بالقلم الجديد، ما اشتريته في العام الماضي هو القديم، وما اشتريته في هذه السنة هو الجديد، فهل مثل هذا يمكن أن ينسب الرب، أو ما يتعلق به من كلامه بمثله؟ لا يمكن؛ لأنه قدم نسبي، لأنه قد يوجد ما هو أقدم منه، إنما هو قديم بالنسبة لما حصل بعده. "فهو القديم المنزل" على نبيه -عليه الصلاة والسلام-. وأقول: قال الله جل جلاله ... والمصطفى الهادي ولا أتأولُ يعني: أعتقد ما جاء على الله -جل وعلا-، وعن نبيه -عليه الصلاة والسلام- مما يتعلق بالله -جل وعلا- من أسماء أو صفات أو أفعال على ما يليق بجلاله وعظمته، فلا أتأول، يعني أعتقد ما جاء عن الله وعن رسوله -عليه الصلاة والسلام- ولا أتأول ذلك، بل أُمرِّه كما جاء على ما سيأتي {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [(5) سورة طه] استوى، فلا أتأول، أترك الاحتمال الراجح إلى الاحتمال المرجوح، هذا هو التأويل عند المتأخرين، وقد يطلق التأويل على التفسير، وهذا كثير في كلام أهل العلم، وفي تفسير الطبري من أوله إلى آخره: القول في تأويل قول الله -جل وعز- كذا، في تأويل: يعني في تفسير؛ فالتأويل يطلق ويراد به صرف اللفظ عن احتمال الراجح إلى احتمال المرجوح، وهذا ما عليه أهل الكلام، والتأويل على القول الثاني هو التفسير، يطلق بإيزاء التفسير، ويطلق بإيزاء ما يؤول إليه الأمر، ومنه تأويل الرؤيا. وأقول: قال الله جل جلاله ... والمصطفى الهادي ولا أتأولُ

في بعض النسخ: (للمصطفى) أقول ما قال الله -جل وعلا- للمصطفى، يعني ما أنزله على نبيه -عليه الصلاة والسلام-، سواء كان من الوحي المتلو بألفاظه وحروفه، أو كان مما حدث به -عليه الصلاة والسلام-. "ولا أتأول ... وجميع آيات الصفات أمرها" سواء كانت الصفات ذاتية أو فعلية على ما يليق بجلال الله وعظمته، هذا هو مذهب أهل السنة والجماعة يثبتون ما أثبته الله لنفسه، وأثبته له رسوله -عليه الصلاة والسلام- على ما يليق بجلاله وعظمته، فلا يشبهونه بخلقه {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [(11) سورة الشورى] ولا ينفون عنه ما أثبته لنفسه من صفات الكمال ونعوت الجلال؛ لأن الله -جل وعلا- يقول بعد النفي {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} أثبت {وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [(11) سورة الشورى] فيجمعون بين نفي ما نفاه الله -جل وعلا- عن نفسه، والنفي غالباً ما يكون مجملاً، ويثبتون ما أثبته لنفسه، والإثبات غالباً ما يكون مفصلاً. وجميع آيات الصفات أمرها ... . . . . . . . . . والمبتدعة منهم من ينفي الأسماء والصفات، وهؤلاء هم الجهمية، ومنهم ما يثبت الأسماء وينفي جميع الصفات، وهؤلاء هم المعتزلة، ومنهم من يثبت الأسماء ويثبت بعض الصفات سبع مثلاً، وينفي ما عداها كالأشعرية، والمبتدعة وأقوالهم كثيرة جداً لا يتسع المقام لبسطها. وجميع آيات الصفات أمرها ... حقاً. . . . . . . . .

أمرها كما جاءت، وجاء عن جمع من سلف هذه الأمة بهذا اللفظ: "أمروها كما جاءت" تمر كما جاءت، "حقاً كما نقل الطراز الأولُ" تمر كما جاءت؛ لأن عندنا التشبيه وهو أن يقال: يد كيد المخلوق، نزول كنزول المخلوق مثلاً هذا تشبيه، وهناك تعطيل بأن يقال: لا يد ولا نزول من غير تأويل، وهناك من يتأول، ومآله إلى التعطيل، الذي يأول اليد بالنعمة مثلاً هو لا يثبت اليد يثبت النعمة لا يثبت اليد، متى تأول الصفة بغيرها فقد عطل الصفة، لكن فرق بين من يعطل عناد يقول: لا يد لئلا يشبه المخلوق بالخالق {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [(11) سورة الشورى] والذي يتأول مع أن مآله إلى التعطيل فيقول: اليد جاءت في كلام العرب يراد بها النعمة، لا شك أنه يفر بهذا من إثبات الصفة، ومآله إلى التعطيل، ولم يصل إلى التعطيل حتى مر بقنطرة التشبيه؛ لأنه تخيل أن اليد لا يمكن إثباتها إلا على ما يليق بالمخلوق، مع أن هذا الكلام ليس بصحيح من أصله. الإمام ابن خزيمة في كتاب (التوحيد) لما ذكر الوجه لله -جل وعلا- {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ} [(27) سورة الرحمن] قال: وجه يليق بالله -جل وعلا-، {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [(11) سورة الشورى] وإذا تصورنا عدم المشابهة بين المخلوقات، فعدم التشابه بين الخالق والمخلوق من باب أولى.

يقول: المخلوقات لها وجوه: الجمل له وجه، والقرد له وجه، والإنسان له وجه، والنملة له وجه، والجرادة لها وجه، إذا نظرنا في هذه المخلوقات بينها تشابه وإلا ما بينها تشابه؟ بون كبير بين هذه المخلوقات، لا نسبة بينها إلا أنها تشترك في أمور، فإذا نفي التشابه بين هذه المخلوقات فلئن ينفى التشابه بين الخالق والمخلوق من باب أولى؛ لأن متى نعرف كيفية الشيء؟ نعرفه إذا رأيناه، أو رأينا نظيره، أو جاءنا عنه ما يدل عليه، ولم يحصل شيء من ذلك، يعني هذه الكيفية التي تخيلها المبتدعة، ومروا بها حتى وصلوا إلى النفي والتعطيل، هذه لا يمكن الوصول إليها، وهو علم الكيفية، لماذا؟ لأن معرفة الكيفية لا تمكن إلا من خلال ثلاثة أشياء: إما رؤية الشيء، ونحن لم نر الله -جل وعلا-، ولن يره أحد حتى يموت، على ما سيأتي في الرؤية، أو نرى نظيره حيث يقول: إن هذا مثل كذا، أو يأتينا عنه بالتفصيل الكيفية ولم يأتِ. قد يقول قائل: إن حديث الصورة ((فإن الله خلق آدم على صورته)) ما دام على صورة آدم فنحن عندنا ما يمكن أن نحيل إليه، ونعرفه بالنظر إليه، وصورة آدم مثل صورة أولاده؛ لأن الله خلق آدم على صورته، نعم الطول ستون ذراعاً، وأولاده ما زالوا ينقصون إلى أن وصلوا إلى ثلاثة أذرع أربع أذرع بالكثير، فما دام الله خلق آدم على صورته، والعلماء يختلفون في عود الضمير، هل على صورته يعني على صورة هذا المضروب؟ لأنه نهى عن ضرب الوجه، فإن الله خلق آدم على صورته، يعني على صورة هذا المضروب، أو على صورة الرحمن، كما جاء في بعض الروايات، وهذه يختلف أهل العلم في ثبوتها، وعلى كل حال لو ثبتت ما دلت على التشبيه؛ لأن إثبات الصورة لا يعني إثبات التشبيه من كل وجه، لا يعني إثبات المشابهة من كل وجه؛ فأول زمرة تدخل الجنة على صورة البدر، يعني هل نقول: إن أول زمرة تدخل الجنة تدخل بدون عينين ولا أنف ولا فم ولا ... ، يمكن أن نقول هذا؟ فإثبات الصورة أمر إجمالي لا تفصيلي، وليس في هذا مستمسك لمبتدع، ورواية على صورة الرحمن مسألة مختلف فيها، أو الزيادة هذه مختلف فيها، ومن أهل العلم من يثبتها، وعلى سبيل التنزل لو ثبتت كما قال بعض أهل العلم ليس فيها مستمسك لمبتدع.

وجميع آيات الصفات أمرها ... . . . . . . . . . أمرها إمراراً، يعني هل إمرار من يثبت الصفات لآيات الصفات وأحاديث الصفات كإمرار الكلام الذي لا معنى له؛ لأن هناك شيء يقال له: التفويض؟ وآيات الصفات: جاء عن سلف هذه الأمة أنها تمر كما جاءت، لا شك أن آيات الصفات وأحاديث الصفات يعني نصوص الصفات لها معاني، فالاستواء له معنى، اليد لها معنى، الرجل لها معنى، النزول له معنى، والمعنى معلوم، لكن كيفية هذا المعنى مجهولة، ففرق بين الإمرار كما جاء في الوارد من كلام السلف، وبين تفويض المفوضة؛ فالتفويض لا شك أنه بدعة، وبعض الناس يلتبس عليه الأمر، أنه ما دام نمرها كما جاءت معنى أننا لا نفهم لها شيء، المعنى معلوم الاستواء، والكيف مجهول، فالذي نفوضه الكيفية، والمعنى نعرفه، في لغة العرب ما يدل عليه، لكن مع ذلك لا نسترسل في بيان هذا المعنى، بل نقتصر على ما ورد عن سلف هذه الأمة، يعني فرق بين أن تقول: اليد معروفة المعنى، عندك مثلاً شخص ما رأيته اسمه: زيد، وأنت ما رأيته، هل تقول: إن هذه الكلمة ما أعرفها لأني ما رأيت زيد؟! نعم تعرف هذه الكلمة زيد أنه علم على شخص مأخوذ من الزيادة، وما أشبه ذلك، له معنى، لكن هل دلالة الاسم على المسمى هل يمكن أن تتصور أن طوله زائد من اسمه غيب وأنت ما رأيته؟ أو عرضه زائد أو وزنه زائد؟ لا، أنت تعرف أن لها معنى، لكن كيفية هذا المعنى المطابق لهذا الشخص ما تعرف، يعني فرق بين زيد وديز عكس زيد.

المفوضة يقولون: ينزل ربنا مثل ديز، ما نعرف لها معنى، كأنها ديز عكس زيد، ديز وإيش معناها؟ لها معنى وإلا ما لها معنى؟ ما لها معنى، لكن زيد لها معنى، تطبيق هذه الكلمة على الذات الله أعلم بها، لأننا ما رأينا زيد الذي يتحدث عنه، نعرف أن زيد مأخوذ من الزيادة، ومأخوذ من كذا، لكن تطبيق الاسم على المسمى نجهله؛ لأنا ما رأيناه، ولا قيل: إنه مثل عمرو الذي يسكن عندكم، علشان نقارب بلونه وطوله وعرضه، ننسبه إلى نظيره،. . . . . . . . . لأنا جاءنا كتابات مسحوبة من الانترنت عن شخص يقرر مذهب التفويض، معتمداً على ما جاء عن الأئمة في مثل هذا الكلام، أمروها كما جاءت، نقول: لا يا أخي التفويض بدعة، لكن الإيغال في المعنى أيضاً يدخلك إلى البحث عن الكيفية وهذا بدعة أيضاً، فأنت اعرف من الكلمة ما جاء عن سلف هذه الأمة، ولا تزد على ذلك، المعنى معلوم، والكيف مجهول، والله المستعان. وجميع آيات الصفات أمرها ... حقاً. . . . . . . . . {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ} [(32) سورة يونس] يعني نعتقد ما اعتقده خيار هذه الأمة من الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. "كما نقل الطراز الأول" قد أحسن من انتهى إلى ما سمع، سمعنا الرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول عن الله -جل وعلا-: ((إن الله ينزل)) كما سيأتي، و ((إن الله يبسط يده)) وكما قال الله -جل وعلا- {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [(64) سورة المائدة] لا نتعدى القرآن والحديث. "كما نقل الطراز الأول" الرعيل الأول، خيار هذه الأمة ((خيركم قرني، ثم الذين يلونهم)) الطراز الأول الذين هم الجيل الأول، والرعيل الأول من الصحابة والتابعين وسلف هذه الأمة وأئمتها، والطراز الأصل فيه النقوش والتطريز الذي يكون على الثياب؛ لأنها زينة، ولا شك أن سلف هذه الأمة زينة لهذه الأمة، كما أن النجوم زينة للسماء. وأرد عهدتها إلى نقالها ... وأصونها عن كل ما يتخيلُ

بلغني عن الثقات أن الله ينزل كل ليلة، فالعهدة على هؤلاء الثقات، العهدة عليهم، هناك موازين لقبول الروايات والمرويات عليَّ أن أطبق هذه الموازين، فإذا ثبتت هذه المرويات لثقة نقلتها العهدة عليهم؛ لأنه قد يكون القائل: الراوي ثقة لا إشكال لكونه ثقة، لكن ليس بمعصوم، نقول: نعم ليس بمعصوم، ولو افترضنا مثل هذا الكلام ما قبلنا خبر ألبتة، لكن ما دام ثقة قبول خبره لازم، ما لم يعارض مما هو أوثق منه، والعهدة عليه، إن أخطأ يتحمل، ولا يتفق الرواة في مثل هذا الباب على خطأ، لا يمكن أن يتفق الرواة على خطأ في مثل هذه الأمور التي يتعبد بها الناس كلهم. "وأرد عهدتها" يعني المسئولية أبرأ من مسئوليتها وعهدتها؛ لأنني اتَّقيت، جعلت هناك وقاية بيني وبين الخطأ، جعلت بيني وبين الخطأ أو الافتراء أو التوهم العمدة على هؤلاء الرواة الثقات الذين قبل الأئمة مروياتهم. وأرد عهدتها إلى نقالها ... وأصونها عن كل ما يتخيلُ فالله -جل وعلا- لا تدركه الأفهام، ولا تبلغه الأوهام، بل قرر جمع أهل العلم أن كل شيء تتخيله عما غاب عنك فهو على النقيض؛ لأنه لا يمكن أن تدرك شيئاً بالنسبة للمخلوقين، سمعت كلام بشريط مثلاً وتوقعت من هذا الكلام، من هذا الصوت أن هذا لونه أبيض وقامته طويلة وجسمه كذا أو العكس، الواقع خيب هذه الأوهام باطراد، فأنت تتوقع أن هذا الشخص الذي يتكلم طوله كذا، وعرضه كذا من خلال سماع كلامه، ثم بعد ذلك إذا رأيته ما وجدت شيء مما توقعته. طالب:. . . . . . . . . نعم؟ طالب:. . . . . . . . . قد يصيب، أنا أقول: قد يصيب، بالنسبة لله -جل وعلا- ما يمكن إطلاقًا، لا تبلغه الأوهام، ولا تدركه الأفهام، هذا مقرر عند أهل العلم، لكن أقول: إذا كان هذا بالنسبة للمخلوق الذي نوعه وجنسه معروف، جنسه معروف بالنسبة للمخلوق، يعني فالإصابة محتملة، لكن مع ذلك نادرة جداً، من خلال سماع كلام بعض الناس يعني تتوقع شيء نقيض الواقع، هذا بالنسبة للمخلوق والمخلوق نظيره مشاهد ومرئي فكيف بالخالق؟! . . . . . . . . . ... وأصونها عن كل ما يتخيلُ يعني لا تتخيل شيء، عليك بما معك، وما لديك من النصوص، وتنتهي عند ما سمعت.

قبحاً لمن نبذ القرآن وراءه ... وإذا استدل يقول: قال الأخطلُ "قبحاً" يعني قبح الله من نبذ القرآن وراءه، وتركه وتركه، وترك الاعتماد عليه والاستدلال به والتعويل عليه. . . . . . . . . . ... وإذا استدل يقول: قال الأخطلُ الأخطل معروف أنه شاعر نصراني فكيف يترك الاستدلال بالكتاب والسنة، ويعتمد على قول نصراني في مسألة تتعلق بالله -جل وعلا-، وكلام النصارى في الكلام معروف، وضلالهم فيه معروف، هذا إن ثبت البيت له: إن الكلام لفي الفؤاد وإنما ... جعل اللسان على الفؤاد دليلا هذا أولاً لا يوجد في ديوانه في أصوله المعتمدة، ولذا نفاه كثير من أهل العلم، نفى النسبة إلى الأخطل، ولو ثبتت نسبته إلى الأخطل فمثل هذا لا يقبل من ألف ثقة، فضلاً عن شاعر، فضلاً عن كافر نصراني، قول النصارى في الكلام معروف، وعيسى كلمة الله -جل وعلا- جعلوها جزءاً منه، وبضعة منه، تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً. قبحاً لمن نبذ القرآن وراءه ... وإذا استدل يقول: قال الأخطلُ وشيخ الإسلام يُشنع، الناظم يشنع على من يترك الاستدلال بالكتاب والسنة، ويستدل بمثل هذا القول، القول الباطل. وشيخ الإسلام ذكر هذا البيت في مجموع الفتاوى، ونسبه إلى مبهم، قال المنشد: "قبحاً لمن نبذ القرآن" ما نسبه لنفسه ولا نسبه إلى شاعر غيره، فما زال الاحتمال قائماً أن يكون هذا البيت ضمن هذه القصيدة، وهي له أو ليست له الاحتمال قائم. يقول ابن القيم -رحمه الله-: تباً لهاتيك العقول فإنها ... والله قد مسخت على الأبدان تباً لمن أضحى يقدمها على ... الأخبار والآثار والقرآن والناظم -رحمه الله تعالى-: قبحاً لمن نبذ القرآن وراءه ... وإذا استدل يقول: قال الأخطلُ

هذا في المسائل الأصلية يعتمد على قول نصراني أو مجهول لا يدرى من هو، أو مولد لا يستدل بشعره، وكثير من المنتسبين إلى المذاهب تجده يعارض القرآن بقول الإمام، ومنهم من جعل الكتاب والسنة لمجرد البركة، والمعول على أقوال الأئمة، وأنه لا يجوز العدول عن أقوال الأئمة ولو خالفت القرآن بالنص بالحرف يقول الصاوي في حاشيته على الجلالين: "ولا يجوز الخروج عن المذاهب الأربعة، ولو خالفت الكتاب والسنة وقول الصحابي" ثم قال: "لأن الأخذ بظواهر النصوص من أصول الكفر" نسأل الله العافية. والمؤمنون يرون حقاً ربهم ... وإلى السماء بغير كيف ينزلُ الناظم -رحمه الله تعالى- يقرر في هذا البيت الرؤية، رؤية المؤمنين لربهم في الجنة، ويقرر أيضاً النزول الإلهي في الثلث الأخير من الليل، فالرؤية ثابتة بنصوص الكتاب والسنة {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [(22 - 23) سورة القيامة] والنظر إذا عدي بـ (إلى) صار حقيقة في الرؤية البصرية {كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ} [(15) سورة المطففين] عذبوا بالحجاب؛ لأنهم كفار، فمقابلهم من المؤمنين يرون، فإذا كان عذابهم بحجابهم عن الله -جل وعلا- فنعيم أهل الجنة برؤيته تبارك وتعالى {لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [(26) سورة يونس] جاء تفسيرها بالنظر إلى الرب -جل وعلا- ((إنكم ترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر لا تضامون)) جاء في رواية: ((ترونه كما ترون الشمس ضحوا ليس دونها سحاب)) وفي رواية: ((صحواً)) فالرؤية ثابتة يراه المؤمنين في الجنة، وهذا أعظم نعيم يتنعم به أهل الجنة.

وأطلق جمع من أهل العلم تكفير من ينفي الرؤية؛ لأنها ثابتة بالنصوص القطعية من كتاب الله وسنة نبيه -عليه الصلاة والسلام- وأنكرها الجهمية والمعتزلة والرافضة والخوارج من الإباضية وغيرهم أنكروا الرؤية، وقالوا: إن الرؤية تستلزم الجهة، والله -جل وعلا- ليس في جهة، لكن المقرر عند أهل السنة والجماعة أنه في جهة العلو، ليس فوقه شيء، فإثبات الجهة ونفيها مما لم يخض فيه السلف، ولم يرد به نص، فإذا أطلقت الجهة نفيًا أو إثباتاً، لا بد من الاستفصال، فمن أثبتها مريداً بها جهة العلو فحق، وإن أريد بها جهة ثانية غير العلو فلا، ومن نفاها مريداً بها نفي سائر الجهات غير العلو فكلامه صحيح، وإن أراد بذلك نفي الجهة ويريد بذلك نفي العلو لله -جل وعلا- على خلقه فكلامه باطل، فالله -جل وعلا- مستوٍ على عرشه، بائن من خلقه، فوق سبع سماوات، وأدلة العلو أكثر من أن تحصر. والمؤمنون يرون حقاً ربهم ... . . . . . . . . . المبتدعة اعتمدوا في نفي الرؤية على أنها تستلزم الجهة، وبقول الله -جل وعلا- لموسى: {لَن تَرَانِي} [(143) سورة الأعراف] وقالوا: إن (لن) هذه للتأبيد، يعني لن تراني أبداً، والرد عليهم من وجوه: أولا: أن (لن) لا تقتضي التأبيد. الأمر الثاني: أنه علق الرؤية على أمر ممكن، {وَلَكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي} [(143) سورة الأعراف] علق الرؤية على أمر ممكن وليست مستحيلة كما يقولون، ولو كانت مستحيلة لما طلبها موسى -عليه الصلاة والسلام-، فهي ممكنة، لكن {لَن تَرَانِي} في الدنيا، وجاء في الحديث أنه: ((لن يرى أحد منكم ربه حتى يموت)) فالرؤية في الدنيا غير ممكنة، ولن هذه ليست للتأبيد كما يقول المعتزلة، ويقرره الزمخشري. ففي قوله -جل وعلا- {وَلَن يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا} [(95) سورة البقرة] مع قوله: {فَتَمَنَّوُاْ الْمَوْتَ} [(94) سورة البقرة] ومع قوله: {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} [(77) سورة الزخرف] تمنوه، فـ (لن) مع التأبيد ما دلت على التأبيد، فدل على أن (لن) لا تقتضي التأبيد، وابن مالك -رحمه الله تعالى- يقول:

ومن رأى النفي بـ (لن) مؤبداً ... فقوله انبذ وسواه فاعضدا قد يقول قائل: ماذا عن قول الله -جل وعلا-: {لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا} [(73) سورة الحج]؟ إذا كانت (لن) ليست للتأبيد فبالإمكان أن هؤلاء الذين صنعوا ما صنعوا من الطائرات والغواصات وغيرها يصنعون ذباب؛ لأن (لن) ليست للتأبيد؟ نقول: دلت الأدلة الأخرى أنهم لن يخلقوا مخلوق من مخلوقات الله -جل وعلا- لن يوجدوا مثله، والتمثيل المذكور في آخر سورة الحج يدل على أنهم أحقر من أن يخلقوا لو سلبهم شيء ما استطاعوا أن يستخرجوه منه {وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ} [(73) سورة الحج] لن يستطيعوا، ولذلك يقول أهل العلم من الأطباء: إن في لعابه مادة تتلف ما سلبه مباشرة، هذا المخلوق الضئيل الحقير لو اجتمعت أمة الثقلين تستخرج من الذباب ما سلبه ما استطاعوا، فكيف يستطيعون أن يخلقوا مثله؟! هو أعظم من أن يخلقوا مثله. فالرؤية رؤية المؤمنين لربهم في الجنة ثابتة بالدلائل القطعية من الكتاب والسنة، وأما بالنسبة لرؤيته في الدنيا فلا، فلن يراه أحد حتى يموت، والخلاف في النبي -عليه الصلاة والسلام- هل رأى ربه في الإسراء بين الصحابة معروف. وأجاب -عليه الصلاة والسلام- لما سئل، قال: ((نور أنى أراه؟ )) يعني كيف؟ استبعاد؛ لأن تركيب البشرية في حال الدنيا لا تطيق مثل هذا. ولذا قال جاء في الخبر الصحيح: ((حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه من انتهى إليه بصره)) فكيف يثبت مخلوق لرؤية البارئ في هذه الدنيا بتركيبه الدنيوي، ما يمكن. الرؤية رؤية الرب -جل وعلا- في المنام، عرفنا أنه في اليقظة لا يمكن، من أهل العلم كابن عباس وغيره من أثبتوا الرؤية رؤية الرب ليلة الإسراء من قبل النبي -عليه الصلاة والسلام-، لكن المرجح عند أهل السنة أنه لم يره، رؤية الرب -جل وعلا- في المنام في حديث اختصام الملأ الأعلى ما يدل على أن النبي -عليه الصلاة والسلام- رآه، وفيه أيضاً حوادث وقصص للصحابة، ومن تبعهم بإحسان أنهم ذكروا أنهم رأوه.

على كل حال في حال اليقظة لا يمكن أن يراه أحد حتى يموت، فإذا دخل الجنة وهو من أهل الإيمان رآه -إن شاء الله تعالى-، وأما في حال الدنيا فلا، وبالنسبة لما حصل في الرؤية والمنام، فالإمكان حاصل. والمؤمنون يرون حقاً ربهم ... . . . . . . . . . حقاً صدقاً اعتقاداً جازماً؛ لأن ذلك ثبت بالنصوص القطعية وحكم جمع من أهل العلم بكفر من ينفي الرؤية. . . . . . . . . . ... وإلى السماء بغير كيف ينزلُ ينزل إلى السماء الدنيا على كيفية يعلمها الله -جل وعلا-، وتخفى علينا، وحديث النزول متواتر عند أهل العلم: ((ينزل ربنا في الثلث الأخير)) في بعض الروايات: ((النصف)) وفي بعضها: ((الثلث الأول)). وشيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- بسط الكلام على هذا الحديث في كتاب متوسط، يعني مطبوع ليس بمجلد وليس برسالة صغيرة، يعني في حدود مائة صفحة أو أكثر، شرح فيه حديث النزول، وأجاب عن الإشكالات التي أوردت عليه. الله -جل وعلا- ينزل إلى السماء الدنيا على كيفية الله أعلم بها نزولاً حقيقياً، ولا يخل منه العرش في قول أكثر أهل السنة، وإن قال بعضهم: إنه يخلو منه العرش حال النزول، لكن الأكثر أنه لا يخل منه العرش، والمبتدعة يقولون: هذا لا يمكن، لماذا؟ لأنهم تصوروا النزول الإلهي كأنه كنزول البشر، يلزم عليه ما يلزم على نزول البشر، وهذا الكلام ليس بصحيح، يعني إذا وجد بعض ما يحير العقل بالنسبة لبعض المخلوقات فكيف بما يتعلق بالخالق؟ بعض العقول تحتار عن بعض الأمور المنسوبة إلى المخلوق، الشمس في فلكها، الشمس تجري في فلكها إذا غابت عن بلد وجدت في بلد إلى آخر، ومع ذلك تسجد تحت العرش في آخر كل ليلة، وتستأذن، هل عقولنا تدرك مثل هذا؟ ما تدرك، وقدم الإسلام كما يقرر أهل العلم لا تثبت إلى على قنطرة التسليم، ما لنا في مثل هذه المقامات إلا أن نقول: سمعنا وأطعنا.

فالنزول الإلهي على ما يليق بجلال الله وعظمته، وأورد أيضاً على الحديث أن ثلث الليل متفاوت من بلد إلى آخر، فإذا انتهى من بلد بدأ في بلد آخر، إلى ما لا نهاية، فهذا مما أورد على الحديث، وجوابه في شرح حديث النزول لشيخ الإسلام ابن تيمية، وأن الإنسان عليه أن يتعامل مع نصوص الشرع حسب ما يليق به هو، أنت في الثلث الأخير تعرض لنفحات الله، وما عليك بأهل السند وأهل الهند وأهل المغرب، ما عليك إلا من نفسك، أنت أمرت في هذا أمر ترغيب، أمرت في هذا الوقت أن تتعرض لنفحات الله، الله -جل وعلا- يقول: هل من سائل؟ هل من داعي؟ هل من مستغفر؟ أنت تعرض ولا عليك من غيرك، في هذا الوقت المحدد لك، ولا شك أن مثل هذا لو بحث الإنسان فيه، واستغرق في بحثه سنخرج بنتيجة، ولا بد من الوقوف عند مثل هذه النصوص، شيخ الإسلام له كلام طويل في هذا جلى فيه كثير من الشبهة الواردة على الحديث. . . . . . . . . . ... وإلى السماء بغير كيف ينزلُ ابن بطوطة صاحب الرحلة المشهورة ذكر في رحلته أنه دخل دمشق، وذهب إلى الجامع الأموي، ووجد شخص كثير العلم، قليل العقل، يتحدث عن حديث النزول، يشرح حديث النزول على المنبر، ثم نزل من خلال درج المنبر، وقال: إن الله ينزل كنزولي، وسماه، يقصد شيخ الإسلام ابن تيمية، وهذه محض فرية؛ لأن شيخ الإسلام في الوقت الذي دخل فيه ابن بطوطة الشام مسجون في القلعة، فابن بطوطة لا يوثق به، لا بأخباره ولا بعلمه ولا برحلته ولا بوصفه؛ لأن هذه الرحلة مشحونة بالشركيات والاعتقاد في الأولياء، وأنهم يصرفون الكون، مشحونة، يعني ما يمر ببلد إلا يبحث عن القبور، ويذكر له قبر في رأس جبل يقصده الأيام من أجل أن يتبرك به، ودعا وزعم في بعض الأولياء أنهم يصرفون الكون. وأقول: من أراد أن يطلع أو يفهم كتاب التوحيد، وما يضاد ما في هذه الأبواب في كتاب التوحيد يقرأ مثل هذه الرحلة، يجد الأمثلة لما يضاد هذه الأبواب، والله المستعان، نسأل الله السلامة والعافية، فمثل هذا لا يوثق به ولا بكلامه، علماً بأن الشيخ -رحمه الله تعالى-، ما عرف عنه مثل هذا، وهو من أشد الناس تنزيه لله -جل وعلا-، ومع ذلك يثبت ما أثبته الله لنفسه، والله أعلم.

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. هذه أسئلة من الإنترنت. يقول هنا: نجد في حالة السفر خصوصاً في وقت المغرب، ونحن قد أنهينا صلاة المغرب إذ يأتي جماعة أخرى وتقيم لصلاة المغرب، وجماعتنا تريد صلاة العشاء، فهل هنا تعارض لو أقمنا جماعتين في المسجد، أو ننتظر حتى تنتهي الجماعة من صلاة المغرب، ونقيم للعشاء، أو ندخل مع الجماعة وننتظر الإمام في الركعة الثانية حتى يسلم ونسلم معه، أو ننتظر حتى تفوتنا ركعة من المغرب، وندخل معهم بنية العشاء؟ أفيدونا مأجورين. أقول: في مثل هذه الصورة لا يجوز إقامة جماعتين في آن واحد، فإما أن تنتظروا أو تدخلوا معهم، وتتموا العشاء، فإذا سلموا من ثلاث تأتوا بالرابعة. يقول: ما حكم تلقي دروس قراءات على يد شيخ قارئ عبر غرف البالتوث، وإلزام الطالبات بالكلام والمناقشة، وإلا الخروج من اللقاء؟ تلقي العلم من خلال هذه الآلات التي نفعها أكثر من ضررها، وضررها إن وجد فهو نزر يسير، ويمكن اتقاؤه، وإلا معروف أن هذه الغرف فيها شر مستطير، لكن بعض الناس يرجح عنده النفع على الضر، ومنهم من قد يستهويه بعض الكلام، أو بعض المناظر وينساق وراءها، فمثل هذا الذي لا يستطيع أن يغلق الباب دونه ودون هذه الشبهات والشهوات مثل هذا لا يتعامل مع هذه الآلات، أما الذي يستطيع أن يأخذ منها ما ينفع، ويذر منها ما لا ينفع بل يضر هذا لا مانع في القراءات وغير القراءات. أما إلزام الطالبات بالكلام مثل هذا ليس بلازم، فإذا أمكن أن تستمع الطالبة بغير أن تتكلم؛ لأن كلامها فيه فتنة لبعض الناس لمرضى القلوب، يفتتن ببعض كلام النساء، فالأولى أن لا تتكلم، إذا طلب الشيخ مثلاً من أجل امتحان هذه الطالبة أن تقرأ عليه شيئاً، أو تبين له حكم من الأحكام بالكلام العادي من غير خضوع في القول فالأمر فيه سعة -إن شاء الله تعالى-، بينها وبين الشيخ فقط، إذا أمنت الفتنة.

يقول: ذكر في درس البارحة في شرح اللامية لابن تيمية بأن زوجة العالم الأفضل فوق العالم الذي هو الأقل منه منزلة، هي تبعاً لزوجها العالم، فالذي تمتنع عن الزواج رغبة في أن تقترن برجل صالح عالم تريد من ذلك أن تستفيد من علمه، وتصل إلى منزلته في الجنة، فهل تأثم إذا ردت الكفء من الرجال؟ نعم إذا ردت الكفء تأثم، ومن يضمن لها أن يأتي لها من هو أكفأ منه، فإذا جاءها من ترضى دينه وأمانته فلا تتردد في قبوله. يقول: ما رأيكم بتحقيقات المحدث الألباني -رحمه الله تعالى-؟ أقول: الشيخ -رحمة الله عليه- فوق ما يقال عنه، ولو ذكرنا من مناقبه ما نذكر، ولو طال بنا المقام، ولو أخذنا الوقت والساعات، ما أتينا على شيء مما قام به في نصر السنة، فهو الإمام المجدد لهذه السنة، وما عرفت السنة بهذه الطريقة إلا بواسطته -رحمه الله تعالى-. طالب:. . . . . . . . . نعم؟ طالب:. . . . . . . . . على كل حال أمر الرؤيا أوسع من اليقظة. ما رأيكم في الكتب التي ترد على هذه الشبهة؟ أي شبهة؟ على كل حال إذا كانت الشبهة مبثوثة بين آحاد الطلاب وبين العوام، فالرد عليها ضرب من الجهاد، بل من أفضل الجهاد. هناك من يقدح بأبي هريرة -رضي الله عنه- وهم الشيعة، فهل يكفرون بذلك والقصد هدم ما آتاهم من أمور الدين؟ على كل حال التكفير أمره وشأنه خطير، لكن المعروف أن من دعا غير الله -جل وعلا- فهو كافر، ومن قذف عائشة بعد أن برأها -جل وعلا- فهو كافر، من ادعى نقص القرآن كافر بلا شك، ومن اعتقد هذه الأمور لا إشكال في كفره، والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصبحه أجمعين.

لامية شيخ الإسلام (3)

بسم الله الرحمن الرحيم شرح لامية شيخ الإسلام (3) الشيخ: عبد الكريم الخضير السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. هذا يسأل يقول: ما معنى قول الشيخ ابن القاسم في حاشية الدرة المضية على العقيدة السفارينية فيما نقله عن الإمام أحمد: "من قال: إن الإيمان مخلوق فقد كفر" لعله يقصد القرآن "ومن قال: إنه غير مخلوق فهو مبتدع" وماذا نقول؟ هل السكوت هو السلامة؟ السلامة في اتباع من سلف، فما قالوا به قلنا به، وما سكتوا عنه سكتنا عنه، والخلاف المذكور عن الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- هو ومحمد بن يحيى الذهلي في مسألة اللفظ بالقرآن، والإمام البخاري شنعوا عليه، وأوذي بسبب اللفظ، وأنه يقول: لفظي بالقرآن مخلوق، ولا شك أن هذا الكلام ما أثر عمن سلف، واللفظ يحتمل أن يكون اللفظ الذي هو إخراج الحروف من فم اللافظ، بمعنى التكلم الذي هو المصدر، ويحتمل أن يكون المراد به الملفوظ اسم المفعول، وهو القرآن، فمن قال: لفظي بالقرآن مخلوق يريد به تلفظه به، وقراءته للقرآن، وهي عمل له، والله -جل وعلا- خلقه وخلق عمله، من هذا الوجه يمكن حمله على وجه صحيح. وأما إذا أراد باللفظ الملفوظ الذي هو القرآن فهو قول الجهمية، ومثل هذه الألفاظ المجملة التي تحتمل أهل العلم يشددون في إنكارها، ولذا جاء عنهم من قال: لفظي بالقرآن مخلوق فقد كفر، يعني كأنه قد قال: القرآن مخلوق؛ لأن هذا اللفظ المجمل يحتمل أن يراد به الملفوظ، وهو القرآن. فالإمام البخاري يقول: أفعال العباد مخلوقة، وألف في ذلك كتاب الأسماء، وخلق أفعال العباد، وعلى كل حال الامتحان الذي حصل للإمام البخاري لا يسلم من شوب حسد؛ لأنه انصرفت أنظار أهل الحديث إليه، وتُرك المحدثون في البلد الذي دخل عليه لما دخل نيسابور، المقصود أن هذا الكلام المجمل لا يجوز إطلاقه، بل لا بد من التفصيل فيه، واجتنابه هو الأصل، والاقتصار على الوارد هو المتعين. هذا يقول: أراك يا شيخ متحاملاً على ابن حزم -رحمه الله تعالى- فلماذا؟

أولاً: ابن حزم -كما هو معروف- تحامل على الأئمة، ولا أعرف أني متحامل عليه في غير مسائل الاعتقاد التي دونها بقلمه وسطرها، حتى إنه تُرحم عليه في درس الشيخ ابن باز فأنكر ذلك الشيخ، أنكر ذلك، وعنده في مسائل الاعتقاد طوام، شابه الجهمية في بعض المسائل، فليس على المنهج الصحيح ولا الهدي السليم في مسائل الاعتقاد، في مسائل الفروع جمد فيها، وتبع ظاهر اللفظ، وأنكر القياس الذي هو أحد أركان الاجتهاد كما هو معروف عند عامة أهل العلم، والإنصاف مطلوب، يعني اطلاعه على الآثار، وشدة عمله بالسنة التي أوقعته في الاكتفاء بالظاهر، وترك القياس ونبذه، لكن يبقى أن تحامله على الأئمة أيضاً غير مقبول، كلامه في مسائل الاعتقاد غير مقبول إطلاقاً، على كل حال على طالب العلم أن ينصف، يعني إذا كان ابن حزم يقول: "وبهذا قال مالك فأين الدين؟ " "وبهذا قال أبو حنيفة ولا يساوي رجيع الكلب" هذه مشكلة هذه، تربية طلاب العلم على مثل هذه الأساليب لا شك أنها تحدث خلل عندهم، المقصود أن ابن حزم من باب الإنصاف يعني في مسائل الاعتقاد عنده ضلال كبير، وفي مسائل الفروع جمد على النص، وألغى القياس، ولا مفر ولا محيد على القياس، شاء أم أبى، ولذا يقول النووي وغيره: "ولا يعتد بقول داود؛ لأنه لا يرى القياس الذي هو أحد أركان الاجتهاد" فعلى كل حال هو له عناية بالسنة، وله عناية بالأثر، ومن شدة عنايته بالأثر ألغى الرأي والقياس؛ مع أنه استعمله في مسائل الاعتقاد، والأولى به أن يستعمله في الفروع دون مسائل الاعتقاد، وشطحاته في مسائل الاعتقاد كبيرة جداً، حتى أنه ارتكب بعض البدع المغلظة في هذا الباب، وشابه الجهمية في بعض المسائل، أما كوني أنا أتحامل عليه، أنا ما تحاملت، ما قلت أكثر مما قال، هو في القرآن يقول: "ما عندنا قرآن ولا واحد ولا اثنين ولا ثلاثة عندنا أربعة قرآنات، كل واحد يختلف عن الثاني" وهذا الكلام نقله ابن القيم في نونيته، والذي له العناية بالنونية يسمع كلام ابن القيم في ابن حزم في هذه المسألة وغيرها من المسائل.

أما عنايته بالسنة والأثر هذا أمر لا يختلف فيه أحد، لكن يبقى أنه كيف اعتنى بالسنة والأثر؟ لا بد أن ننظر إلى عنايته بالسنة والأثر، هل هي على الجادة أو على غير الجادة؟ وأيضاً له مواقف من أهل العلم وأهل التحقيق مواقف مشينة، ووقع الناس فيه بسبب ذلك، عوقب بأن يقع الناس في عرضه جزاء وفاقاً، والذي يذكر عن الشخص ما وقع فيه من خطأ ما تحامل عليه، إلا أن يكون قوّله ما لم يقل، إذا نقل كلامه بحروفه ما تحامل عليه. طالب: أحسن الله إليك، ما معنى أربعة قرآنات؟ هو يرى أن المكتوب غير المتلو، والمتلو غير المحفوظ، نعم يراها أربعة، مكتوب، محفوظ، ومتلو، ومسموع، كل واحد يختلف عن الثاني، قول لم يسبق إليه، ولم يوافق عليه. يقول: ما معنى التفويض؟ التفويض للكيفية أم للمعنى؟ التفويض الذي يفهم من قول السلف "أمروها كما جاءت" هو تفويض الكيفية، أما التفويض المعروف عند أهل البدع فالمراد به تفويض المعنى، وأنها لا معنى لها ألبتة كالكلام الأعجمي الذي لا يفهم. يقول: ما رأيكم في مسألة دوران الأرض، وقول البعض بتكفير من يقول بدوران الأرض حول الشمس؟ الشيخ ابن باز -رحمة الله عليه- له رسالة في هذه المسألة، أما من يقول بثبوت الشمس فلا شك أنه مكذب للقرآن {وَالشَّمْسُ تَجْرِي} [(38) سورة يس] وكفره صرح به الأئمة، العلماء من علماء الزمان صرحوا بكفره، أما من يقول بدوران الأرض، والله -جل وعلا- يقول: {وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا} [(32) سورة النازعات] فوقع الناس فيه، إلا إنه ليس كمن يقول بثبوت الشمس وعدم جريانها، أما من يقول بثبوت الشمس وعدم جريانها فهو مكذب بالقرآن، والذي يقول بدوران الأرض وهذا ما يقر به أهل الهيئة قاطبة، ووافقهم بعض علماء المسلمين، وأن الدوران لا ينافي أن تكون راسية، فهي راسية مع دورانها، بمعنى أنها لا تضطرب، فهذا الأمر فيه سعة، والتكفير بعيد جداً عن مثل هذا القول. هل هناك معتزلة عقلية؟ ومَن مِن المعاصرين منهم؟

نعم هناك عقلانيون يحكمون العقل في النصوص، ويثبتون من النصوص ما يوافق عقولهم، وهم أفراخ المعتزلة، ولكل قوم وارث، والتسمية ما أعرف أحد يقول بقول المعتزلة من كل وجه، وإن كان من يكتب يوافق المعتزلة في تقديم العقل على النص، بعضهم له مؤلفات ومصنفات موجودة، ويكتبون في الصحف اليومية، نسأل الله -جل وعلا- أن يردهم إلى حظيرة الصواب. هل ذكر الإمام البخاري لحديث ابن عمر في النزول على اليدين يدل على أن الإمام يختار هذا القول كما هو مذهب المحدثين؟ على كل حال حديث ابن عمر وخبر ابن عمر يؤيده حديث أبي هريرة، حديث البروك، ويعارضه حديث وائل بن حجر، أن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه، والمسألة معروفة، ورأينا مبثوث ومعروف في كثير من المناسبات، أما كونه يختار هذا القول؛ فالقول منسوب إلى أهل الحديث، والبخاري منهم. هل لطالب العلم الذي له حظ من النظر في الأدلة، وترجح له قول غير القول المفتى به في البلد، هل له إذا سئل عن هذه المسألة أن يجيب بما ترجح عنده أم لا؟ نعم يجيب بما يدين الله به، ويعتقده ويترجح عنده بالدليل، لكن إذا رأى أن إشاعة مثل هذا القول يوجد بلبلة، أو يوجد إشكال، أو يوجد اضطراب لا يشهر هذا القول، إنما يعمل به ويفتي به على جهة لا تؤثر سلباً. يقول: بالنسبة لشرح التجريد متى يطبع لشدة الحاجة إليه؟ لعل إذا أنهينا كتاب العلم يطبع بدء الوحي والإيمان والعلم -إن شاء الله تعالى-. هل من الممكن التكرم علينا بشرح أو درس لقاء شهري حتى نتمكن من الاستفادة ... إلى آخره؟ والله هذا في مشقة عظيمة بالنسبة للدرس الشهري، والتزمت في بعض الجهات بدرس شهري كمكة والمدينة مثلاً أو الشرقية أو القصيم، ومع ذلك ما استطعت أن أفي لهم، فصرت أماطل في بعض المواعيد. يقول: ما حكم صلاة الجمعة قبل دخول وقت صلاة الظهر بنحو عشر دقائق؟

معروف أن قول الجمهور أن وقت صلاة الجمعة ووقت صلاة الظهر يبدأ من الزوال، والمعروف عند الحنابلة أن أول وقتها يبدأ بدخول وقت صلاة العيد، من الضحى من ارتفاع الشمس، وينتهي وقتها بانتهاء وقت صلاة الظهر، ولكل أدلته، فثبت أنهم كانوا ينصرفون وليس للحيطان ظل يستظل بها، ولا شك أن مثل هذا محمول عند الجمهور على المبالغة في المبادرة بصلاة الجمعة في أول وقتها حتى إنهم ينصرفون منها، وليس للحيطان ظل يستظل به الجميع، جميع المشاة. هل الصور المنبوذة التي توطأ جائزة أم أن حديث النمرقة يدل على تقطيع الصور؟ لا بد من تقطيعها وإزالتها. يقول هذا: إنه منذ خمس سنوات وهو يقول: سوف يحفظ القرآن، ولم يحفظ حتى الآن، فما الطريق لحل ذلك؟ التسويف سواء كان في العلم أو في غيره لا يجني إلا العدم، فعلى الإنسان أن يعزم ويجزم ويحزم أمره ويلتفت بكليته إلى ما هو بصدده من حفظ القرآن والعلم فلا يفوته الوقت. يقول: لديه معلم تحفيظ، وهو من طلاب العلم، ولكن يصور بالكاميرا الفوتوغرافية من دون ضرورة، ويجبرنا على التصوير معه فما الحكم؟ ولو أنكرنا عليه يقول: عندي قول، فماذا علينا؟ على كل حال إذا كان من أهل النظر وأداه اجتهاده إلى أن هذا النوع لا يدخل في التصوير كما يقول به بعض أهل العلم، فهذا له اجتهاده، لكن لا يجوز له أن يلزم الناس على رأيه، والذي عندي أن هذا النوع من التصوير داخل في النصوص التي اشتد فيها النكير على المصورِين والمصورَين. يقول: بعض من صنف في علوم القرآن يعرف الحديث القدسي بأن معناه من الله، ولفظه من النبي -عليه الصلاة والسلام-، فهل هذا التعريف متأثر بقول الأشاعرة بأن الكلام نفسي؟

هذا بالنسبة للفرق بين الحديث القدسي والقرآن واضح، القرآن متعبد بلفظه، لا تجوز روايته بالمعنى، وأما الحديث القدسي فحكمه حكم الحديث النبوي لا يتعبد بتلاوته، وتجوز روايته بالمعنى، والفرق بينه وبين الحديث النبوي هو مجرد النسبة، فالحديث النبوي يقال فيه: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، والحديث القدسي يقول الرسول -عليه الصلاة والسلام-: قال الله تعالى، أو فيما يرويه عن ربه -عز وجل-، هذا هو الفرق، والكل من عند الله، {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [(3 - 4) سورة النجم]. يقول: انتشرت مقولة: الفكر الإسلامي أو المفكر الإسلامي، يقول: هل هذا الاصطلاح يعتبر اصطلاح فقهي؟ لا شك أنه اصطلاح حادث، وإن كان المراد بالمفكر يعني من تميز بالفهم للنصوص فهذا موجود في أئمة الإسلام قاطبة، فلا يختص به شخص دون شخص، فالعلماء من وصل إلى درجة أن يقال له: عالم فهو مفكر، بمعنى أنه يفهم، ولا فهم بدون فكر ونظر وروية وفهم، والله المستعان، لكنه اصطلاح حادث، يعني الاصطلاحات كلما قربت من الاستعمال العلمي المعروف عند أهل العلم كانت أصح، وإذا تعارف الناس على أن هذا إيش معنى؟ إذا كان هذا المفكر فغيره ماذا يسمى؟ يعني هل المفكر يقابله العالم؟ وهل هذا يستند إلى فهمه ودقة فهمه وذاك يستند إلى النصوص دون فهم؟ هذا الكلام لا قيمة له. طالب:. . . . . . . . . هو يقول: الفكر الإسلامي ... طالب:. . . . . . . . . لا، هو قال: انتشرت مقولة الفكر الإسلامي، صحيح انتشرت، والمفكر الإسلامي، ونعرف من خلال تنزيل كلامهم على الواقع على من يطلقون عليه هذا، يعني شخص اشتهر بسبر الواقع مع أن عنده شيء من العلم الشرعي، يعني نظر إلى الواقع وتوسع في هذا النظر مع أن لديه شيء من العلم الشرعي، هو المفكر يعني عموماً من ينظر ويتفكر في الواقع، في واقع الناس عموماً، لكن إن كان عنده شيء من العلم الشرعي فيكون مفكر إسلامي، لا سيما إذا كان يذب عن الإسلام، ويذود عنه، ويدافع عنه، وإن كان لا علاقة له بالعلم الشرعي سمي مفكر فحسب، وعلى كل حال إن كان المراد بالفكر هو الفهم، فالعلماء كلهم مفكرون.

يقول: البعض يرى أن الزواج قد يعيق ويشغل عن طلب العلم. الزواج سنة المرسلين، من سنن النبي -عليه الصلاة والسلام-، ((ومن رغب عن سنتي فليس مني)) كما قال -عليه الصلاة والسلام- في الحديث الصحيح، ولا يُترك الزواج لأي سبب من الأسباب، اللهم إلا من عجز عنه، من ليست لديه القدرة والأهلية، ((يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج)) فلا مبرر لترك الزواج لمجرد التفرغ لطلب العلم، والذي ثبت بالتجربة أن الزواج خير معين على طلب العلم، ولو لم يكن فيه إلا حفظ النفس عن الهواجس والخواطر وحديث النفس الذي يقضي على كثير من أوقات الناس، فإذا اجتمع فكره لأن زوجته بجانبه، وكتابه بيده الحمد لله، ماذا يعوقه؟ قد يلتفت إلى زوجته فيتحدث معها ويؤنسها، ويترك ... ما هي المسألة مفترضة أن يكون العلم ديدنه في كل وقته ليله ونهاره لا، بل المسألة: لنفسه عليه حق، ولزوجه عليه حق، ولزوره عليه حق، ولأهله عليه حق، المقصود أنه لا بد أن يسدد ويقارب، والخير كل الخير باتباع النبي -عليه الصلاة والسلام-، نعم، قد يقول قائل: إن بعض أهل العلم الكبار ثبت عنهم أنهم ما تزوجوا، مثل شيخ الإسلام ابن تيمية، نقول: لعل رغبته في الزواج أقل، وأنه إذا تزوج امرأة خشي من ظلمها؛ لأنه ليست لديه القدرة الكافية، يعني الشهوة الشديدة التي تجمع بين تحصيل العلم ونشر العلم مع إرضاء الزوجة، فإذا كان هناك ضعف وهو منصرف بكليته إلى العلم قد تتضرر الزوجة بهذا، فمثل هذا قد يعذر، وإلا فالأصل .. ، مع أنه ذكر أن شيخ الإسلام -رحمة الله عليه- قد تسرى، ذُكر ذلك. يقول: هل يجوز أن نبتدئ الكافر بالتحية وخاصة إذا كنا نرجو إسلامه؟ أما التحية التي هي تحية المسلمين السلام عليكم ورحمة الله وبركاته فلا، أما أن يبدأ بكلام لين من باب مداراته، ومن باب تأليفه من أجل أن يسلم، ويرجى ذلك فلا مانع -إن شاء الله تعالى-. الأسئلة أظن كثيرة جداً، إن بقي في الوقت شيء بعد الشرح. طالب:. . . . . . . . . هاه؟ طالب:. . . . . . . . . نكملها ... طالب:. . . . . . . . . طيب.

يقول: رجل تزوج من امرأة وبعد دخوله عليها أهدى إليها طقم ذهب، والآن حدث بينهم سوء تفاهم فطلبت المرأة الطلاق منه، فهل له مطالبته الذهب الذي أهدى لها بعد دخوله عليها، أو يكون له ما كان بينهم من المهر، ويكون الذهب إليها؛ لأنه كان بعد دخوله عليها؟ على كل حال هذه هدية، فإن كان الطلاق منه فلا يستحق هذه الهدية، إن كان السبب هو، فلا يستحق هذه الهدية؛ لأنه دفعه إليها على سبيل الهدية، وهي هبة، والعائد في هبته كالكلب يعود في قيئه، أما إذا كانت المطالبة منها فتريد الخلع، وتريد أن ترد عليه المهر فترد معه الهدايا، ترد عليه جميع ما دفع إليها. ما حكم قضاء سنة الفجر بعد صلاة الفجر؟ وهل ثبت عن الصحابة قضاؤها؟ نعم النبي -عليه الصلاة والسلام- رأى من يصلي بعد الصبح، فقال -عليه الصلاة والسلام-: ((آلصبح أربعاً؟ )) فذكر أنه لم يصل الركعتين، فأقره على ذلك. هل التوبة تمحو الذنوب من صحائف الأعمال؟ يعني ثبت أن التوبة تهدم وتجب وتمحو أثر المعصية، فكونها تمحوها من الصحائف أو لا تمحوها، بل تبقى هذه الذنوب، وفي مقابلها الكتابة بأنها مُحي أثرها، لا .... ، يعني البحث عن مثل هذه الأمور لا قيمة له، اللهم أن ما ثبتت به النصوص أن التوبة تهدم ما كان قبلها، وفي قوله -جل وعلا- في آخر سورة الفرقان: {إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ} [(70) سورة الفرقان] يفهم من هذا أن هذه الذنوب التي كتبت في الصحائف تبدل حسنات. هذا يقول: هل يغني شرح الموقظة عن بقية متون المصطلح الأخرى؟ لا يغني، الموقظة فيها قصور، فيها أبواب كثيرة من أبواب المصطلح ما ذكرت فيها. يقول: أحد زملائي توفيت والدته وهو غير سعودي، فمن باب الرفق به لحزنه قمنا مجموعة من زملائه بعمل وليمة له في بيت أحد الزملاء ودعوته إليها؟ أما كون المصاب يصنع له الطعام؛ لأنه جاءه ما يشغله ويلهيه فله أصل، ((اصنعوا لآل جعفر طعاماً)) وأما كونهم هم يصنعون الطعام فهذا من النياحة كما ثبت عن الصحابة، هؤلاء قاموا بعمل وليمة له من باب تعزيته وتصبيره، الأمور بمقاصدها، مثل هذا لا إشكال فيه -إن شاء الله تعالى-.

يقول: ما الثابت عنه -عليه الصلاة والسلام- في خطبة الحاجة أما بعد، وبعد؟ أما بعد جاءت في أكثر من ثلاثين حديثاً عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، وكلها بهذه الصيغة "أما بعد". نجد مجموعة من المعاصرين قد وضعوا شروحاً على مقدمة مسلم، فما هي مميزات هذه الشروح؟ وما أفضلها؟ ولمن؟ من المعاصرين من كتب الشيخ محمد بن علي آدم الأثيوبي شرح المقدمة في مجلدين، شرح فيه توسع، وفيه فوائد، وهو نافع لمن قرأه، إضافة إلى شروح مقدمة مسلم للمتقدمين. لدينا إفطار صائمين كل اثنين وخميس في مسجدنا، هل هذا العمل فيه بأس، والمداومة على إفطار الصائمين بصورة دائمة؟ أبداً، من فطر صائماً له مثل أجره، وصيام يوم الاثنين والخميس لا شك أنه ثبت، وإن كان الاثنين في الدلالة أقوى من صوم الخميس. طالب:. . . . . . . . . الاثنين؟ طالب:. . . . . . . . . نعم؟ طالب:. . . . . . . . . المقصود أن الاثنين ثبت فضله والخميس معه، الاثنين والخميس جاء في مساق واحد، لكن يختص الاثنين بمزيد من الثبوت. هذا يقول: إنه سأل إدارة الأوقاف هل عندكم تعليمات مكتوبة لمن أراد بناء مسجد لأن من يريد بناء مسجد فإنه يراجع إدارة الأوقاف حتى يستكمل أوراقه فأفادوه بأنه ليس عندهم شيء في هذا الموضوع، يقول: فلو كتبت توجيهات مختصرة في أهداف بناء المساجد، يزود بها كل فاعل خير يريد بناء مسجد، يزود به رسمياً من إدارة الأوقاف، فلعل ذلك يكون فيه نفع وتخفيف من هذه الزخرفة الزائدة. هذا كلام طيب، ومقترح مناسب جداً. يقول إنه شاب يريد طلب العلم، ولكنه لا يجد الشيخ أو طالب العلم الذي يدرس بين يديه، وهو في الوقت نفسه لا يملك سيارة لكي يذهب بها إلى أحد المشايخ، فهل يستغني عنهم بالكتب التي تشرح الحديث، كشرح النووي وغيره، وإذا كان يستغنى نرجو إفادتنا بعدد الكتب ...

الاقتصار على الكتاب لا يكفي، بل لا بد من الحضور لدى الشيوخ، وإذا كنت لا تستطيع الحضور إلى الشيوخ فلا تبدأ بمثل هذه الكتب التي أشرت إليها كشرح النووي، إذا كانت لديك أهلية في معرفة المخالفات العقدية فاقرأ في مثل هذا الكتاب وإلا فلا، وعليك أن تقتصر إذا لم تستطع الحضور لدى المشايخ أن تقتصر على سماع دروسهم في الأشرطة، تقتني المتون، وتقتني الأشرطة، وتسمع الشروح، وتفرغ هذه الشروح على هذه المتون، وتنتفع -إن شاء الله تعالى-. مضى في الدرس السابق: قبحاً لمن بنذ الكتاب وراءه ... وإذا استدل يقول: قال الأخطلُ فهل يؤخذ أيضاً من هذا من يعدل عن القرآن والسنة، ويستدل بأقوال الشعراء والشعر، ويكثر ذلك في استدلالاته، وقد انتشر هذا كثيراً بين الوعاظ وبين المشايخ؟ لا شك أن الإكثار من الشعر مذموم، والاقتصار عليه ممنوع ((لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحاً حتى يريه خير له من أن يمتلئ شعراً)) فمن يقتصر على الشعر، أو يكون ديدنه الشعر، ويترك نصوص الكتاب والسنة لا شك أنه مذموم، ولا مانع أن يذكر الشعر المؤثر بعد نصوص الكتاب والسنة، وأقوال سلف الأمة. يقول: لا يخفى عليكم ما يحدث في لبنان في هذه الأيام، وقيام المسمى حزب الله بمناصرتهم، فهل يجوز الدعاء لهم بالنصر والتمكين؟ على المسلم أن يدعو لإخوانه المسلمين، وحينئذٍ لا يدخل في هذه الدعوة لا كافر أصلي ولا من كفر ببدعته، عليه أن يدعو لإخوانه المسلمين. يقول: كيفية استشعار عظمة الخالق -عز وجل- في خلق الإنسان. في قوله -جل وعلا-: {وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ} [(21) سورة الذاريات] ذكر أهل العلم لا سيما ابن القيم -رحمه الله تعالى- من عجائب خلق الإنسان ما يجعل الإنسان يقف ينبهر من عظمة الخالق، فعلى الإنسان أن يراجع كلام ابن القيم، و. . . . . . . . . هذا كلام طيب حول هذا الموضوع، وأهل التفسير المفسرون ذكروا أشياء. يراودني بعض الأحيان الشك -والعياذ بالله- في وجود الرب والآخرة، وفي وجود الجنة والنار مع أنني الحمد لله محافظ على الصلاة، وقراءة القرآن، وجميع الواجبات والنوافل، أفيدوني هل يبطل عملي أو يحاسبني الله؟

المقصود أنك لا تتكلم بذلك، والصحابة يجدون في أنفسهم الأمر العظيم، ومع ذلك لا يتكلمون، فسألوا النبي -عليه الصلاة والسلام- عنه، فقال: ((ذلك صريح الإيمان)) وعلى الإنسان أن ينشغل بالذكر والفكر، يتفكر في مخلوقات الله، ويجعل لسانه دائماً رطباً بذكر الله، ثم بعد ذلك يعافى من هذا البلاء. هل تكون الرؤية لربنا بالعين أم بالروح؟ أما بالنسبة للآخرة فهي بالعين. سم بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه. اللهم اغفر لنا ولشيخنا والمؤمنين يا رب العالمين. قال المصنف -رحمه الله تعالى-: وأُقِرُ بالْمِيزَانِ وَالْحَوضِ الَّذِي ... أَرجُو بأَنِّي مِنْهُ رَيّاً أَنْهَلُ وَكَذَا الصِّراطُ يُمَدُّ فَوْقَ جَهَنَّمٍ ... فَمُسَلَّمٌ نَاجٍ وَآخَرَ مُهْمَلُ والنَّارُ يَصْلاَهَا الشَّقِيُّ بِحِكْمَةٍ ... وَكَذَا التَّقِيُّ إِلى الجِنَانِ سَيَدْخُلُ ولِكُلِّ حَيٍّ عَاقِلٍ في قَبْرِهِ ... عَمَلٌ يُقارِنُهُ هُنَاكَ وَيُسْأَلُ هذا اعْتِقَادُ الشَّافِعيِِّ ومَالِكٍ ... وَأَبِي حَنِيفََةَ ثُمَّ أَحْمَدَ يُنْقَلُ فَإِنِ اتَّبَعْتَ سَبِيلَهُمْ فَمُوَفَّقٌ ... وَإِنِ ابْتَدَعْتَ فَمَا عَلَيْكَ مُعَوَّلُ الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فيقول الناظم -رحمه الله تعالى- في البيت الحادي عشر: "وأقر" يعني بلساني وجناني، بل أعتقد جازماً اعتقاداً لا شك فيه، ولا مراء بالميزان الذي توزن به الأعمال، توزن به الحسنات والسيئات، وتوزن به الصحف، ويوزن به العامل، فالوزن للأعمال في قول أهل العلم، والوزن لصحف الأعمال، وقد يوزن بعض الأشخاص، فقد ثبت في الحديث الصحيح أنه: ((يؤتى بالرجل السمين يوم القيامة لا يزن عند الله جناح بعوضة)) فهو يوزن.

والأصل الوزن للأعمال الصالحة والسيئة، والميزان حقيقي وليس بمعنوي، كما يقول أهل البدع، بل حقيقي له كفتان وله لسان، في إحدى الكفتين توضع الحسنات، وفي الأخرى توضع السيئات، فمن زادت حسناته على سيئاته فهو ناج ومن أهل الجنة، ومن زادت سيئاته على حسناته فهو الخاسر، وقد خاب وخسر من زادت آحاده على عشراته، فإذا رجحت كفة الحسنات فهذا يدخل الجنة، ومن زادت سيئاته على حسناته فهذا يدخل النار بقدر سيئاته، إن كان مسلماً معترفاً مقراً بالله -جل وعلا-، ثم بعد ذلك إذا عذب بقدر سيئاته إن لم تتداركه رحمة أرحم الراحمين فإنه يعذب بقدر ذنوبه، ثم يخرج منها، ويكون مآله إلى الجنة، وأما من تساوت حسناتهم مع سيئاتهم فقال جمع من أهل العلم: إنهم هم أهل الأعراف، هم أهل الأعراف، فهم قوم تساوت حسناتهم وسيئاتهم، يحبسون على الأعراف، ثم يكون مآلهم إلى الجنة. "وأقر بالميزان" المعتزلة ينكرون الميزان، والأحاديث الواردة في الميزان تفيد القطع، وكذلك ما جاء في القرآن من التنصيص على الوزن وعلى الميزان والموازين، {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} [(47) سورة الأنبياء] {فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ} [(8) سورة الأعراف] {وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ} [(9) سورة الأعراف] كل هذه تدل دلالة قطعية على وجود وثبوت الميزان، وينفي وينكر المعتزلة الميزان، ويقولون: إن الحسنات والسيئات معاني، والمعاني لا توزن، والله -جل وعلا- قادر على تحويل هذه المعاني إلى أعيان بحيث تكون لها أجسام بقدرها توضع في الميزان، وكلمة التوحيد في بطاقة إذا وضعت في كفة رجحت بما يقابلها، كما في حديث البطاقة: وأن شخصاً قررت سيئاته فاعترف بها، وهي في تسعة وتسعين سجلاً، فيقال: هل من حسنة؟ فيقول: لا، لا أذكر، فيقال: نعم لك حسنة، فيأتى بالبطاقة التي فيها كلمة التوحيد، فيقول: يا رب ما تصنع هذه البطاقة في مقابل هذه السجلات؟ فتوضع في الكفة الأخرى فتطيش السجلات وترجح البطاقة. وأقر بالميزان والحوض الذي ... . . . . . . . . .

المعتزلة من حججهم وشبههم في نفي الميزان أن الله -جل وعلا- ليس بحاجة إلى وزن الأعمال، فقد كتبت وهو يعرفها، ويعرف النتيجة، وأن هذا سعيد، وأن هذا شقي، وأن هذا من أهل النار، وأن هذا من أهل الجنة، وهو في بطن أمه قبل أن يخلق، قبل أن يوجد، وفي علم الله -جل وعلا- ذلك قبل ... المقصود أن هذه من شبههم، والفائدة من الميزان كما قرر أهل العلم أن يقتنع كل إنسان بنتيجته، فلا يقول من دخل الجنة: أنا دخلت الجنة بعملي، ولا يقول من دخل النار: أنا عذبت وعوقبت بأكثر مما أستحق، فإذا نظر إلى عمله وقرر عليه، وأقر به واعترف، ووضع في الميزان ليس له حجة، فينقطع عذره، وتخرج النتيجة من عالم الغيب إلى عالم الشهود. فإنكار الميزان من شأن المبتدعة، وهو ثابت بنصوص الكتاب والسنة، ومن أنكر الميزان إنكاراً لا تأويل له فيه هذا لا شك أنه يكفر، لكن من تأوله وقال: نعم نقر بالميزان، وأنه ميزان معنوي، ولا شك أن بدعته مغلظة وكبيرة، لكن القول بتكفيره مع وجود مثل هذا التأويل قد يكون بعيداً. وأقر بالميزان والحوض الذي ... أرجو بأني منه ريا أنهلُ

الحوض حوض النبي -عليه الصلاة والسلام-، ونهر الكوثر الذي أعطيه -عليه الصلاة والسلام- من الأمور الثابتة بالدلائل القطعية بنصوص الكتاب والسنة، أما في الكتاب فالسورة المشهورة بالكوثر {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} [(1) سورة الكوثر] وهو نهر في الجنة، نهر في الجنة مسيرة شهرة، ماؤه أشد بياضاً من اللبن، وآنيته عدد نجوم السماء، يشرب منه من تبعه -عليه الصلاة والسلام-، ويذاد عنه من خالف، وهل الحوض هو الكوثر النهر المعروف أو غيره؟ وهل الحوض خاص بالنبي -عليه الصلاة والسلام-، أو لكل نبي حوض؟ دلت الأدلة أن لكل نبي حوض، والنهر، نهر الكوثر خاص بالنبي -عليه الصلاة والسلام-، وثبت أنهم يردون الحوض، ترد أمته الحوض، ويعرفهم بسيماهم من آثار الوضوء، ويذاد عنه من يذاد، فيقول النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((إنهم أصحابي)) فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، يعني من المرتدين المغيرين المبدلين؛ فليحرص الإنسان على الإتباع، وأن لا يعمل عملاً إلا بأثر لينال مثل هذا الشرف؛ لأن من شرب منه لم يظمأ، من شرب من هذا الحوض لم يظمأ أبداً، فإذا كان يذاد عنه المرتد، ويذاد عنه المغير والمبدل لشرع الله؛ لأنه أحدث بعد النبي -عليه الصلاة والسلام-، والحدث يشمل الحدث المخرج عن الملة، ويشمل الحدث المخالف الذي يتضمن مخالفة من بدع ونحوها، فعلى الإنسان أن يلزم السنة. وأقر بالميزان والحوض الذي ... أرجو بأني منه ريا أنهلُ عبيد الله بن زياد والي من الولاة كان ينكر الحوض، فسأل عنه بعض الصحابة وأخبره بعض الصحابة ثم اعترف به، وفي حديث أبي برزة عند أبي داود أن أبا برزة -رضي الله عنه- دخل على عبيد الله بن زياد، وقال له عبيد الله بن زياد: إن محمديكم الدحداح، يعني ينبز أبا برزة بنسبته إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، وينبذه بلقب، ويعيبه بعيب، وما له عيب سوى صحبة النبي -عليه الصلاة والسلام-، فطال الكلام بينهما فأخبره عن الحوض، وأحاديث الحوض متواترة، ثبوتها قطعي، وأجمع عليه سلف الأمة، وبعد ذلك قال به.

وعلى كل حال المخالفة لا تضر إلا صاحبها، يعني لو افترضنا أن ابن زياد هذا مع أنه مخالف في أمور كثيرة يخالف لا يضر إلا نفسه، وسخريته من الصحابي بنسبته إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، ونبذه إياه، وتلقيبه إياه بالدحداح لا شك أن هذا دليل على استهتار، وهذا من شؤم مخالفة السنة، فمخالفة السنة تجر إلى مثل هذا، نسأل الله السلامة والعافية. . . . . . . . . . والحوض الذي ... أرجو بأني منه ريا أنهلُ يرجو الناظم كما يرجو غيره من المسلمين أنهم يشربون من هذا الحوض حتى يرتووا منه، والنهل هو أول الشرب، ينهل ثم يعل، يعني يشرب مرة بعد أخرى. ثم قال -رحمه الله-: وكذا الصراط يمد فوق جهنم ... فمسلم ناج وآخر مهملُ الصراط يمد على متن جهنم، لا بد أن يجوزه الناس كلهم، ويكون جوازهم له على حسب أعمالهم، فمنهم من يكون مروره كالبرق، ومنهم من يكون كأجود الريح، ومنهم كأجاويد الخيل، ومنهم من يمشي، ومنهم من يهرول، ومنهم من يحبو، ومنهم من يكبو ويكب على وجهه في النار، نسأل الله السلامة والعافية. وكذا الصراط يمد فوق جهنم ... . . . . . . . . . وجهنم اسم من أسماء النار، نسأل الله العافية. "فمسلم ناج" في بعض النسخ: "فموحد ناج" وأما المشرك فإنه لا ينج، المشرك لا ينج، بل يكب. "وآخر مهمل" في بعض النسخ: "يهمل" المسلم الذي هو الموحد ينجو، ويجوز الصراط بحسب عمله، وأما الآخر غير المسلم غير الموحد، وهو المشرك يهمل، فلا يعان على جوازه، فيكب على وجهه في النار، نسأل الله السلامة والعافية. والنار يصلاها الشقي بحكمة ... . . . . . . . . . النار لا يصلاها إلا الأشقى الذي كذب وتولى. والنار يصلاها الشقي بحكمة ... وكذا التقي إلى الجنان سيدخلُ

الشقي والأشقى الذي جاءه الخبر عن الله وعن رسوله فلم يرفع به رأساً، أمر فلم يأتمر، ونهي فلم ينته، ولم يزدجر، مثل هذا -نسأل الله السلامة والعافية- شقي، وسيصلى نار جهنم، نسأل الله العافية "بحكمة" يعني لا بظلم من الله -جل وعلا- وإنما بحكمة؛ لأن الله -جل وعلا- هداه النجدين، وبين له الطريق، وأوضح له السبيل، وأنار له الطريق المستقيم، وتركه النبي -عليه الصلاة والسلام- على البيضاء لا يزيغ عنها إلا هالك، فاختار طريق الردى، والناس كلهم يدخلون الجنة إلا من أبى، فمن أطاع النبي -عليه الصلاة والسلام- دخل الجنة، ومن عصاه فقد أبى، فالذي يأبى بعد البيان لا يلوم إلا نفسه، وإنما هي الأعمال تحصى، فمن وجد خيراً فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه، فالشقي يصلى النار بحكمة الله -جل وعلا- وعدله، يعني بما كسبت وبما جنت يداه. "وكذا التقي" يعني من جعل بينه وبين عذاب الله وقاية، وكذا التقي الفاعل المأمورات، والمجتنب للمحذورات "إلى الجنان سيدخل" فريق في الجنة، وفريق في السعير، ولا ثالث لهما، فليختر الإنسان ما دام في وقت الإمكان يختار نجاة نفسه، وما ينجيه من عذاب الله -جل وعلا-، ولا يمهل ولا يسوف أو يتأخر بالامتثال أو يتردد، ثم يفاجأ بالموت وهو لم يستعد. وهما فريقان كما قال الله -جل وعلا-: {فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ} [(7) سورة الشورى] والله -جل وعلا- لما خلق الخلق ميز المكلفين بالعقول التي هي مناط التكليف، وبين لهم وهداهم إلى السبيل، فالذي يختار غيره يجني على نفسه. ولكل حي عاقل في قبره ... . . . . . . . . . يعني لكل حي يعني قبل وفاته، عاقل: يعني مكلف، يعني من كان حياً عاقلاً مكلفاً إذا مات وُجد في قبره . . . . . . . . . ... عمل يقارنه هناك ويسألُ فالأعمال تصحب أصحابها، فإذا مات الميت تبعه أهله وماله وعمله، فيرجع المال من دابة ونحوها، مما يركب إليه، وكذلك يرجع الأهل ويبقى العمل. ولكل حي عاقل في قبره ... عمل. . . . . . . . .

ثم إن هذا العمل إن كان حسناً صالحاً جاءه في صورة شاب حسن الوجه يؤنسه في قبره، ويدافع عنه، وثبت أن الأعمال الصالحة تدافع عن أصحابها، والقرآن يأتي شفيعاً لأهله يوم القيامة، والزكاة تدافع عن مؤديها، والصلاة وهكذا، تأتي هذه الأعمال الصالحة على صورة شاب حسن الوجه، وتأتي الأعمال السيئة -نسأل الله العافية- على أقبح صورة موحشة "عمل يقارنه هناك" فإما أن يكون مؤنساً له، أو موحشاً، "ويسأل" عن عمله يمتحن يبتلى في قبره، فإذا انصرف أهله عنه، وإنه ليسمع قرع نعالهم، أتاه ملكان فيقعدانه يجلسانه فيسألانه من ربك؟ وما دينك؟ وما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ أما المؤمن يجيب بالجواب المعروف، فيقول: ربي الله، وديني الإسلام، ونبيي محمد -عليه الصلاة والسلام-، هذا الرجل آمنا به وصدقنا، وأما من سواه الكافر أو المرتاب فيقول: هاه؟ هاه؟ لا أدري، سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته، ثم يضرب بمرزبة من حديد يسمعها كل من يليه إلا الثقلين، وهذا يدل على أن الثقلين لا يسمعون عذاب المعذبين، ولو سمعوا لصعقوا، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((لولا أن تدافنوا)) وفي بعض الألفاظ: ((لولا أن لا تدافنوا لأسمعتكم)) يعني لولا أن تدافنوا يعني يدفن بعضكم بعضاً لكثرة من يموت، ولولا أن لا تدافنوا: بحيث يوجد من لا يمكن دفنه لكثرة من يموت، والوجهان يمكن حملهما على معنى صحيح.

فهذا يدل على أن المعذبين لا يسمع عذابهم، وقد يسمع من باب الاعتبار، أو قد يرى في النوم شيء من هذا، أو قد يحصل أن ينبش قبر لأمر من الأمور فيرى العذاب فيه، كما ذكر ذلك الحافظ ابن رجب في قصص كثيرة في كتاب له أسماه: (أهوال القبور) ويكون هذا لحكمة ليعتبر ويدكر من حاله، وقد تظهر بعض العلامات أثناء التغسيل علامات حسن الخاتمة أو ضدها، كل هذا ليعتبر المكلف ويدكر ويزدجر، فإن رأى العلامات الحسنة سأل عما كان يعمله من الأعمال الصالحة وعمل مثله، وإن كان بخلاف ذلك سأل أيضاً ليحذر من هذه الأعمال التي يرتكبها من ختم له بسوء، نسأل الله العافية، يُسأل يسأله الملكان، وجاء في تسميتهما المنكر والنكير، وهما ملكان، وقال بعضهم: إنهما ثلاثة أو أربعة بشير ومبشر، ومنكر ونكير، وجاءت بذلك روايات لا تثبت، وإنما الثابت أنهما ملكان، وتسميتهما بمنكر ونكير جاءت في بعض الأحاديث من طرق متعددة، مما يدل على أن له أصلاً. هذا اعتقاد الشافعي ومالك ... . . . . . . . . . هذا اعتقاد الأئمة الأربعة، الشافعي ومالك ... . . . . . . . . . ... وأبي حنيفة ثم أحمد ينقلُ ذكر الأربعة غير مرتبين، والنظم له ظروفه، فقد لا يستطيع الناظم أن يأتي بهم على الترتيب الزمني، وقد لا يستطيع أن يأتي بهم على الحروف، ترتيبهم على الحروف؛ لأنه قد لا يطاوعه النظم، فيأتي بهم كيفما اتفق، وهنا قال: هذا اعتقاد الشافعي ومالك ... وأبي حنيفة ثم أحمد ينقلُ الشافعي هو الثالث منهم، ومالك الثاني، وأبو حنيفة الأول، ثم أحمد هو الرابع، ولو قال: أحمد ثم الشافعي ثم مالك ثم أبي حنيفة نقول: رتبهم على سبيل الترقي، ولو قال: أبو حنيفة ثم مالك ثم الشافعي ثم أحمد نقول: رتبهم ترتيباً زمنياً على سبيل التدلي.

والشافعي أحد الأئمة المتبوعين، ويتبعه جموع غفيرة من المسلمين على مر العصور، منذ اثني عشر قرناً أو أكثر، فولد سنة مائة وخمسين، السنة التي توفي فيها أبو حنيفة، ومات سنة أربع ومائتين، يعني عن أربع وخمسين سنة، ومذهبه له انتشار واسع جداً، ولأصحابه وأتباعه من خدمة العلم والدين ما لهم فكثير من المفسرين، وشراح الحديث والفقهاء والأئمة من الشافعية، ويكثر فيهم أيضاً الأئمة المتبعون للحديث والأثر بحيث يخالفون ما عليه إمامهم، ويتبعون الأثر، ويكثر فيهم أيضاً المخالفون في الاعتقاد، فكثير من الشافعية منهم الأشعرية، ومنهم من تلبس ببدعة أخرى، ومنهم من هو على الجادة، كالحافظ ابن كثير والمزي وغيرهما والذهبي أئمة هدى. توفي الشافعي سنة أربع ومائتين عن أربع وخمسين سنة، يعني الآن عندنا أبا الخمسين أو الخمسة والخمسين يظن نفسه في ريعان الشباب، وأنه بقي له من العمر أكثر مما مضى، وهو لا يدري لعله يقبض في اليوم أو في غد. الإمام الشافعي الذي ملأ الدنيا علماً مات عن أربع وخمسين سنة، إذا كان الإنسان لما ينظر في مؤلفات أتباعه التي ملأت أمصار المسلمين يقول: إن الشافعي هذا يمكن عاش ألف سنة، وليست العبرة بالمدة العبرة بالبركة، تصور أن الشافعي لو حسبت الشافعية من زمن الشافعي إلى يومنا هذا في كل مسألة من مسائل العلم، يقول: قال الشافعي -رحمه الله-، وهذا مذهب الشافعي -رحمه الله-، هذه بركة العلم. وأما مالك فهو نجم السنن. طالب:. . . . . . . . . إيش هو؟ طالب: الواو. . . . . . . . . ثم أحمد، يعني الثلاثة عطفهم بالواو التي لا تقتضي الترتيب. طالب:. . . . . . . . .

نعم ثم أحمد، لكن الكلام في من لم يرتب، هو الآن قدم الشافعي؛ لأن التقديم بالذكر نعم ينبغي أن يكون له حظ من النظر الزمني، يعني الأصل أن يقول: أبو حنيفة ثم مالك ثم الشافعي ثم أحمد، هذا الأصل، ولذا في البحوث العلمية في بحث المسائل العلمية ينبغي أن يرتب الأئمة حسب الترتيب الزمني، إن كان الباحث يقتدي بإمام معين مثلاً، وأراد أن يقدمه على غيره، ثم يعطف عليه الأئمة بقية الأئمة يعطفهم على ترتيبهم، وقل مثل هذا في تخريج الأحاديث، كثيراً ما يقال: رواه البخاري ومسلم، ثم بعد ذلك السنن، ثم المسانيد، وهكذا، على حسب القوة، ومنهم من لا ينظر إلى هذا، وينظر إلى الترتيب الزمني، فيقدم مالك ثم الشافعي والطيالسي ثم يذكر أحمد، ثم يذكر البخاري ثم مسلم وهكذا، على الترتيب الزمني، ويقدم عليهم على الأئمة عبد الرزاق وابن أبي شيبة، وإذا نظرنا إلى القوة قدم الصحيحين ثم السنن ثم المسانيد ثم المصنفات ثم المعاجم. والترتيب الذكري كما هنا ينبغي أن يكون تابعاً للترتيب إما في الوجود أو في القوة، وهنا أنسب ما يكون ترتيبهم على الزمن والعطف وإن كان بالواو والواو لا تقتضي الترتيب إلا أن للأولية حظ من الأولوية، ولذا قال النبي -عليه الصلاة والسلام- لما رقي على الصفا: ((أبدأ بما بدأ الله به)) فكون الأئمة يرتبون على حسب الترتيب الزمني هو الأولى، فيقدم الإمام أبو حنيفة ثم مالك ثم الشافعي ثم أحمد. "هذا اعتقاد الشافعي" يعني هذه عقيدة الإمام الشافعي، بل المسائل التي ذكرت في هذه المنظومة كلها متفق عليها بين الأئمة الأربعة وغيرهم من سلف الأئمة وأئمتها.

"ومالك" نجم السنن مالك بن أنس إمام دار الهجرة، مولود سنة ثلاث وتسعين توفي سنة تسع وسبعين ومائة، وممن أخذ عليه الشافعي، أخذ عنه العلم الشافعي، والإمام مالك نجم السنن، ومذهبه مشهور، وأيضاً أتباعه فيهم كثرة، ويكثرون في المغرب، كثرتهم في المغرب، والإمام أبو حنيفة يقولون: الإمام الأعظم، وهو أكثر الأئمة تبعاً، وكل المسلمين في المشرق على مذهبه -رحم الله الجميع-، ولد سنة ثمانين، ومات سنة مائة وخمسين، ومذهبه معروف ومشهور، وأتباعه فيهم كثرة، ولهم أيضاً وجود في التأليف والتفاسير، وشروح الحديث والفقه لهم أيضاً يد طولى في هذا الباب. ثم أحمد إمام أهل السنة، الإمام أحمد بن محمد بن حنبل آخر الأئمة وجوداً، وهو من الأئمة الفقهاء، ومن أهل الحديث والأثر، وإن غلب عليه الرواية إلا أن فقهه معروف ومدون ومشهور، وأتباعه أيضاً لهم وجود إلا أنهم أقل، الإمام أحمد أقل تبع من الأئمة الثلاثة، حتى إن بعضهم لا يعده من الفقهاء، لماذا؟ لأنه أكثرهم حديثاً فهو يحفظ من الحديث سبعمائة ألف حديث، وكونه لا يعد من الفقهاء لا يعني أنه ليس بفقيه، ابن عبد البر صنف (الانتقاء في باب فضائل الأئمة الثلاثة الفقهاء) ولم يدرجه معهم، وهذا أمر عادي ومعروف، وما يزال إلى يومنا هذا، أن من اشتهر بشيء، عُرف بشيء غطى هذا الشيء على غيره، يعني أنت لو تسأل عن شيخ الإسلام ابن تيمية فمباشرة ينصرف ذهنك ويتجه إلى العقيدة، وتصنفه على أنه من أئمة علماء الاعتقاد، مع أنه من كبار الفقهاء، ومن كبار المحدثين، حتى قيل: "كل حديث لا يعرفه ابن تيمية فليس بحديث" وتفسيره للقرآن يشهد به الخاص والعام، ومعرفته للتواريخ وأحوال الأمم شيء لا يخطر على البال، هل يمكن أن يصنف شيخ الإسلام بأنه مؤرخ، مع أنه يعرف من التاريخ أكثر من ابن كثير، وأكثر من ابن الأثير، لماذا؟ لأن عنده جانب صار كالشمس في حياته، غطى ما عداه على غيره.

فالإمام أحمد عرف بالحديث، لكن لا يعني أنه ليس بفقيه، لا يعني أنه ليس بإمام من أئمة الاعتقاد اعتقاد السلف هو حامل راية عقيدة السلف -رحمه الله-، فالناس لا يستوعبون، خلاص إذا هجم الذهن على جانب من الجوانب غطى ما عداه، يعني لو أن عالماً من أكبر العلماء اشتهر بالخطابة صنف خطيب، يصنف خطيب، الناس ما يحسنون وزن الناس، تجده إذا اشتهر بشيء خلاص كأنه لا يعرف غيره، وبعض طلاب العلم تأثراً بمثل هذا قيل له: لماذا لا تشرح كتاب الرقاق؟ قال: لا أود أن أصنف واعظ؛ لأنه إذا عرف بهذا الأسلوب جرد عن غيره، الناس كثير منهم لا يستوعب، يعني عرفت عنايته بالحديث معناه أنه ليس بفقيه، وبهذا يرمى كبار المحدثين بأنهم ليسوا بفقهاء، وعلى رأسهم الإمام أحمد، ولذا ينفر من مذهبه، وأن مذهبه مذهب أهل الحديث، وفيه شدة، الإمام البخاري -رحمة الله عليه- من كبار سادة الفقهاء، ومن نظر في الصحيح عرف حقيقة ما أقول، وعنده دقة في النظر والاستنباط، قد لا يوازيه كثير من الأئمة، فهو فقيه، وإن كان محدثاً؛ لأنه عرف بالحديث، فمن اشتهر بشيء لا شك أنه يهجم على قلوب الناس ما عرف عنه، واشتهر به، ويغطي ما عداه كالشمس، وإن كان الإمام أحمد فقهه واضح ومشهور، وأقواله متداولة، وأتباعه في كثرة، ومصنفاتهم لا تخفى على أحد. "ثم أحمد ينقل" يعني ينقل عنهم هذا الاعتقاد، ينقل عن هؤلاء الأئمة هذا الاعتقاد، فأنا أرويه عنهم بالنقل، شيخ الإسلام يسأل عنه محمد رشيد رضا فيقال: هل شيخ الإسلام ابن تيمية أعلم من الأئمة الأربعة أم هم أعلم منه؟ فيجيب بجواب فيه إنصاف، يقول: باعتبار شيخ الإسلام ابن تيمية تخرج على كتب الأئمة الأربعة، وعلى كتب أصحابهم لا شك أن لهم الفضل عليه من هذه الحيثية، وباعتبار اطلاعه على ما كتبه الأئمة الأربعة، وكتبه أتباعهم وإحاطته بذلك لا شك أنه يفوقهم من هذه الجهة، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.

من أهل العلم من عرف بالتفنن، بمعنى أنه يحسن العلوم كلها، وإذا تكلم في علم ظننت أنه لا يحسن غيره، بمعنى أنه لا يغلب عليه علم من العلوم بحيث يطغى على غيره، وإنما يكون متفنناً عارفاً بالقرآن وعلومه كأهله، وعارفاً بالسنة وعلومها كأهلها، وعارفاً بالفقه كالفقهاء قواعده وأصوله، وعارفاً بالاعتقاد ومذاهب الناس، المقصود أنه يوجد مثل هذا، ولذا تجد في تراجم العلماء في السير وغيرها، يقال: المفسر، المحدث، الفقيه، المتفنن، الأديب، المؤرخ؛ لأنه مشارك في جميع هذه العلوم، لكن إن رجح عنده علم من العلوم غطى على غيره. فإن اتبعت سبيلهم فموفق ... . . . . . . . . . لا شك أن هذه علامة التوفيق أن يكون الإنسان مقتدياً بهؤلاء السلف، يتبع سبيل من سلف، اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم، وهذه علامة التوفيق، توفيق الإنسان أن يكون على الجادة وليست عنده شواذ، متبع لا مبتدع. فإن اتبعت سبيلهم فموفق ... وإن ابتدعت فما عليك معولُ يعني اخترعت قولاً تنسبه إلى الدين مما لم يسبق له شرعية في الكتاب ولا في السنة "فما عليك معولُ" فأنت متروك مطرح أنت وما ابتدعته على حد سواء. هذا السائل يقول: هل تنصح خريج الشريعة أن يفتح درس يشرح فيه بعض المتون؛ ليكون ذلك دافعاً له للاطلاع والمراجعة؟

نعم، إذا تأهل للتدريس، لا يعني أن خريج الشريعة صار عالم، لا، لا يلزم، فقد يكون خريج الشريعة مبتدئاً، إذا اقتصر على المقررات، وصارت أيضاً هذه المقررات فيها ضعف، واعتمد على المذكرات وكتابات المعاصرين، وما تمرن على كتب أهل العلم، قد يحتاج إلى أن يطلب العلم من جديد، نعم لديه قابلية لأن يفهم ما يحتاجه للتدريس في أقصر مدة، نعم، وإلا فالكليات الشرعية الكليات النظامية لا تخرج علماء، إنما تخرج من لديه أهلية التحصيل، نعم إذا أراد أن يتابع التحصيل ويحفظ الدروس الكبار، ومع ذلك يجعل له في ساعة من الأسبوع متن يشرحه لصغار الطلاب ليتعلم هو قبلهم، ليستفيد ويفيد، هذا من أنفع الأشياء، ينتفع بذلك، ولا يقال: إن مثل هذا علم قبل أن يتأهل، هو ما زال في طور التعلم، يحضر دروس الكبار من أهل العلم، ويفيد منهم، ومع ذلك يعطي، ومن خير أو من أفضل وسائل التحصيل التعليم والتأليف، فيجلس لصغار الطلاب يقرؤهم صغار العلم، يعني متون العلم الصغيرة ليستفيد هو أولاً، ثم يفيد هؤلاء الصغار، ومع ذلك يتابع التحصيل إذا رأى أنه تكونت لديه الأهلية، وأنه بإمكانه أن يستقل بنفسه، ويفتح الدروس، ويتوسع فيها، ويراجع فيها المراجع والشروح؛ ليستعين بها على الشرح، لا شك أن هذا له ذلك. يقول: هل الصحيح أن المسافر إذا أقام في مدينة أكثر من أربعة أيام فإنه يجب عليه أن يصلي صلاة مقيم، أم ما هو الصحيح في ذلك مع الدليل؟ تحديد المدة في السفر، تحديد المسافة هو قول الجمهور، مع أن الدليل لا ينهض، الدليل الملزم لا ينهض على ذلك، لكن مع ذلك يرجحه أهل التحقيق؛ لأنه أضبط وأحوط للعبادة؛ لأن كثيراً من الناس لا يستوعب الإطلاق، وبعضهم يجلس السنوات يترخص، وقد أفتاهم من أفتاهم بذلك، لكن مثل هذا لا شك أن فيه تضييعاً لهذه، لا سيما الصلاة التي هي عمود الدين، فالشيخ ابن باز -رحمة الله عليه- كان يفتي بقول شيخ الإسلام، وأن المسألة مطلقة، والسفر مطلق، وأنه ما دام مسافراً، وينطبق عليه اسم السفر أنه يترخص، لكنه بعد ذلك رجع إلى قول الجمهور، ورأى أنه أحوط للعبادة.

يقول: ما الراجح لعدد النفخات في الصور؟ هل هي اثنتان أم ثلاث؟ ومتى تكون أهوال يوم القيامة؟ هل هي بعد النفخة الأولى أم الثانية أم قبلها؟ جاء ما يدل على أنهما نفختان {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ} [(68) سورة الزمر] {ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُم قِيَامٌ يَنظُرُونَ} [الزمر: 68] ما في ثالثة، وجاء ما يدل على أنها ثلاث بزيادة نفخة الفزع، كل هذا ثابت. يقول: قلتم: إن الأولية تدل على الأولوية، فهل تطبق هذه القاعدة في قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((أحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن)) فهل عبد الله أحب إلى الله من عبد الرحمن؟ على كل حال هذا كلام أهل العلم، ومقرر عندهم أن الأولية لها نصيب في الأولوية، ويدل لذلك قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((أبدأ بما بدأ الله به)) فلو بدأ الأب بالتسمية بعبد الله لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- بدأ بها، وإن قدم أو أخر باعتبار أن الواو لمطلق الجمع، ولا تقتضي الترتيب، فالأمر فيه سعة -إن شاء الله تعالى-. كثر عندنا في جدة استعمال مجسمات في محلات ملابس النساء لعرض الملابس عليها، والملاحظ أن هذه المجسمات ليس لها رأس، ولكنها تصف جسم المرأة ومحاسنها، فما حكم صناعة هذه المجسمات؟ وما حكم استعمالها؟ كثير من هذه المجسمات إذا وضعت عليها الملابس صارت مثيرة يفتتن بها بعض الناس، فمن هذه الحيثية يجب منعها، ما دامت مثيرة، ووجد في بعض المحلات وعثر على من يقف وراءها، ويفعل معها مثل ما يفعل مع المرأة، ولذا يقف وراءها، وقد وجد مثل هذا، ورجال الحسبة عندهم كثير من هذه القضايا، ما دامت مثيرة، وتفصل جسم المرأة بدقة، وهو مشاهد، فمنعها من هذه الحيثية، وإلا ما دام الجسد بلا رأس فالصورة الممنوعة هي الوجه. يقول: هل الصوفية من أهل السنة والجماعة؟

إن كان المراد بالصوفية كما يقول بعضهم: العباد، من تميز بعبادة يطلق عليه في وقته وفي بلد من البلدان إنه صوفي يعني عابد وزاهد، فأهل السنة هم من هذا النوع، لديهم عبادة، ولديهم علم، ولديهم عمل، وكبار الأئمة تميز بالعلم والعمل، وإن كان المراد بالصوفية من خالفوا الكتاب والسنة، واتبعوا شيوخهم وقدموهم على النصوص، وابتدعوا في دين الله ما ليس منه، فليسوا من أهل السنة؛ لأنهم خالفوا السنة، ولا شك أن الصوفية كغيرهم من الفرق متفاوتون، منهم من بعده عن الشرع بعداً تاماً وفعله مناقض مناقضة للشرع، فهذا لا شك أنه ضال، بل وجد في الصوفية من كفره أشد من كفر اليهود والنصارى، نسأل الله العافية، ووجد من بدعته ليست مغلظة، يعني يبتدع ويتعبد على غير هدى، لكنه لا يصل إلى حد البدع المخرجة عن الملة. إذا كنت مسافراً لمدينة ما، وسكنت بالقرب من مسجد، وأقمت في هذه البلدة لمدة يوم أو يومين أتم مع الجماعة في المسجد؟ على كل حال إذا سمع النداء يلزمه الإجابة، قال النبي -عليه الصلاة والسلام- لعبد الله بن مكتوم: ((أتسمع النداء؟ )) قال: نعم، قال: ((إذن أجب، لا أجد لك رخصة)). فما الحل في السنن الرواتب لأني لم أقصر ولكني أتممت؟ ما دام الوصف منطبقاً عليك، وأنك مسافر، وصلاتك مع الجماعة إنما هي لأنك تسمع النداء فلا رواتب عليك، ومنهم من يعكس ويطرد، في كلام ابن عمر: "لو كنت مسبحاً لأتممت" مفهومه أنني لو أتممت لسبحت، يعني لو صليت صلاة تامة لتنفلت، يعني مفهومه العكسي مفهوم المخالفة أنني لو أتممت لتنفلت، وإذا قصرت الصلاة فإني لا أتم، منهم من يقول هذا، والكلام في الوصف الذي رتب عليه هذه الرخص وهو السفر، وهو موجود ومتلبس به، فلا عليه حينئذٍ من الرواتب والنوافل، وإن أتم لأنه يصلي خلف مقيم فالوصف لم يرتفع، والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

§1/1