شرح كتاب الفتن من صحيح البخاري - عبد الكريم الخضير

عبد الكريم الخضير

شرح كتاب الفتن (1)

شرح كتاب الفتن من صحيح البخاري (1) (مقدمة حول الفتن، تعريف الفتن، شرح كتاب الفتن: ما جاء في قول الله تعالى: {وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً}، وباب: قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((سترون بعدي أموراً تنكرونها))، وباب: قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((هلاك أمتي على يدي أغيلمة سفهاء))، وباب: قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((ويل للعرب من شر قد اقترب)) الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فقد تحدثنا في مناسبات كثيرة عن الإمام البخاري -رحمه الله تعالى-، وعن صحيحه، وعن منهجه وطريقته، وإبداعه في كتابه، وعن غفلة الناس عن كثيرٍ من أبوابه، وكثيرٌ من طلاب العلم يغفل عن أبواب هم بأمس الحاجة إليها، والإمام البخاري -رحمه الله تعالى- في هذه الأبواب التي هي من: بدء الخلق، المغازي، السير، الدعوات، الفتن، الرقاق، الاعتصام بالكتاب والسنة، الإمام البخاري -رحمة الله عليه- أبدع في هذه الأبواب، والناس في غفلة عنها، ويعتني الناس بالأحاديث والأحكام العملية، ويرتبون لها الدورات في المناسبات، وفي مثل هذه الظروف من أنسب ما يقرأ مثل هذا الباب من هذا الكتاب، أو هذا الكتاب من هذا الكتاب، وهو كتاب الفتن من كتاب صحيح الإمام البخاري -رحمه الله تعالى-. مقدمة حول الفتن: والفتن كما لا يخفى عليكم بدأت الآن تطل علينا، وإن كانت من قبل لكنها ظهرت ظهوراً واضحاً في وقتٍ تداعت فيه الأمم على هذه الأمة المحمدية. تعريف الفتن:

والفتن في الأصل: جمع فتنة، وهي الابتلاء والاختبار، الابتلاء والاختبار، يقولون: فتن الحداد أو الصائغ الذهب إذا أدخله في النار ليختبر جودته، والأمة الآن تفتتن وتمتحن وتختبر لينظر مدى تمسكها بدينها، الله -سبحانه وتعالى- يفتن ليختبر {وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ} [(35) سورة الأنبياء] {وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا} [(40) سورة طه] ويفتن ويختبر ويبتلي الخلق بعضهم ببعض، فالفاتن من الخلق بإذن الله -عز وجل- وإرادته ولا يخرج شيء عن إرادته آثم إن لم يتب، {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ} [(10) سورة البروج]. والمفتون: المفتون الطرف الآخر، وهو الأمة الإسلامية في مثل هذه الظروف، الفتنة لها سبب وهو إدبارها عن دينها، إدبارها عن دينها هذا هو السبب، فتنا وابتلينا بأعدائنا، والنتيجة إن استفدنا من هذه الفتن، ورجعنا إلى ديننا صارت الفتنة خيراً لنا، وإن استمر بنا الغي والضلال صارت سوءاً على سوء، {وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ} [(35) سورة الأنبياء] ابتلينا سنين بل عقود في هذه البلاد وغيرها بالجوع والخوف والقتل والنهب، وثبت أكثر المسلمين على دينهم، فلم يتنازلوا لا عن دين ولا عرض، ثم ابتلوا بعد ذلك بالسراء ففتحت عليهم الدنيا التي خشيها النبي -عليه الصلاة والسلام- على أمته، ((والله لا الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى أن تفتح عليكم الدنيا كما فتحت على من قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، فتهلككم كما أهلكتهم)) وهذا هو الحاصل، فتحت علينا الدنيا فحصل الخلل الكبير، الابتلاء بالشر، الابتلاء بضيق ذات اليد بالفقر يتجاوزه كثيرٌ من الناس، لكن الابتلاء بالسعة، وانفتاح الدنيا، والغنى هذا قل من يتجاوزه، ولذا حصل ما حصل من الخلل الكبير بعد أن فتحت علينا الدنيا، وهذا أمرٌ تشاهدونه، النعم كفرت على كافة المستويات إلا من رحمه الله، لو نظرنا إلى واقع عموم المسلمين -عامة الناس- وجدناهم لما فتحت عليهم الدنيا فرطوا في أمر الله -عز وجل-، وتنكبوا عن الجادة، وقل مثل هذا في بعض من ينتسب إلى العلم، وبعض من ينتسب إلى طلب العلم فضلاً عن علية القوم.

ابتلينا فما شكرنا، ابتلينا بالضراء فصبرنا والحمد لله، وتجاوز أهل هذه البلاد وغيرهم من بلاد الإسلام تجاوزوا فتنة الضراء في عقودٍ مضت، ثم توالت عليهم النعم فلم يتجاوزوها، وتنكبوا عن الجادة، وبدلوا نعمة الله كفراً، هذا الواقع في كثيرٍ من بلدان المسلمين، {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَةَ اللهِ كُفْرًا وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ} [(28) سورة إبراهيم] أحل البوار بكثيرٍ من أصحاب الأرض لا سيما في بلاد المسلمين، فنحن بحاجة إلى أن نرجع إلى ديننا، وأن نعتصم بكتاب ربنا ففيه المخرج من الفتن، فنلزم كتاب الله -عز وجل- قراءةً وحفظاً وتدبراً وفهماً وعملاً، علماً وعملاً، ففيه كل ما يحتاجه المسلم، ونقرأ عليه أو معه ما يعين على فهمه وتدبره، ومن خير ما يعين على فهم الكتاب الذي فيه المخرج من الفتن كلها ما صح عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، ومن أصح ما صح عنه -عليه الصلاة والسلام- ما حواه هذا الكتاب العظيم الذي هو أصح الكتب بعد كتاب الله -عز وجل-، فمن المناسب ومن الاختيار الموفق أن يختار الإخوة المنظمون لهذه الدروس هذا الموضوع من هذا الكتاب العظيم، فلعلنا نوفق أن نكمل قراءة هذا الكتاب ومطالبه كثيرة جداً، بل لو سرنا على الطريقة المتبعة في شرح الصحيح لاحتاج إلى زمنٍ طويل جداً لا يكفيه، كتاب الفتن لا دورة ولا دورتين ولا ثلاث، ويحتاج إلى مزيدٍ من البسط، لكن المطلوب التسديد والمقاربة؛ لأن الزمن محدود، والكلام كثير في هذا الباب.

شرح كتاب الفتن: ما جاء في قول الله تعالى:

ومن الفتنة أن يفتن الناس بالأخبار الموضوعة والواهية والإشاعات وترتب عليها أحكام هذه فتنة، أن يتعلق الناس بالأخبار الضعيفة والموضوعة والرؤى والمنامات والتحليلات التي لا تبنى على أساس شرعي ثم ترتب عليها مصاير كما هو الواقع الآن، فعلينا أن نراجع أنفسنا في مثل هذه الظروف تطلب النجاة، والنجاة بالاعتصام بالكتاب والسنة، والإقبال على الله -عز وجل- بالعبادات الخاصة والعامة، اللازمة والمتعدية، على الإنسان لا سيما من ينتسب إلى العلم وطلبه أن يصدق اللجأ إلى الله -عز وجل-، فيكثر من النوافل، ويكثر من قراءة القرآن، من تدبره، من تفهم معانيه، من قراءة الكتب الموثوقة في التفسير ليستفيد من قراءته، ويقبل أيضاً على العبادات اللازمة مثل الإكثار من التطوعات من الصلوات والصيام وبر الوالدين وصلة الأرحام، والنفع الخاص والعام، يحرص على صلاح نفسه وصلاح من تحت يده في بيته في مسجده في حيه في مدرسته، بهذا تنجو هذه الأمة من هذا المأزق والمنحنى والمنعطف الخطير الذي تمر به، فكما أخبر النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((يوشك أن تداعى عليكم الأمم)) تداعت الأمم الآن، لكن ما المخرج؟ المخرج فيما أثر عنه -عليه الصلاة والسلام- من ملازمة كتاب الله -عز وجل-، ومما أشرنا إليه من قراءة ما يعين على فهم كتاب الله -عز وجل-، والله المستعان. شرح كتاب الفتن: ما جاء في قول الله تعالى: {وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً}: الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا وارفعنا بما علمتنا، واغفر لنا ولشيخنا والسامعين برحمتك يا أرحم الراحمين. قال الإمام أبو عبد الله البخاري -رحمه الله تعالى- في صحيحه: كتاب الفتن. ما جاء في قول الله تعالى: {وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً} [(25) سورة الأنفال] وما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يحذر من الفتن. حدثنا علي بن عبد الله قال: حدثنا بشر بن السرّي ... السري السري بتخفيف الراء.

السري قال: حدثنا نافع بن عمر عن ابن أبي مليكة قال: قالت أسماء عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((أنا على حوضي أنتظر من يرد علي، فيؤخذ بناس من دوني فأقول: أمتي، فيقول: لا تدري مشوا على القهقرى)) قال ابن أبي مليكة: "اللهم إنا نعوذ بك أن نرجع على أعقابنا، أو أن نفتن". حدثنا موسى بن إسماعيل قال: حدثنا أبو عوانة عن مغيرة عن أبي وائل قال: قال عبد الله: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((أنا فرطكم على الحوض، ليرفعن إليّ رجال منكم حتى إذا أهويت لأناولهم اختلجوا دوني، فأقول: أي ربِ أصحابي، يقول: لا تدري ما أحدثوا بعدك)). حدثنا يحيى بن بكير قال: حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن عن أبي حازم قال: سمعت سهل بن سعد يقول: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((أنا فرطكم على الحوض، من ورده شرب منه، ومن شرب منه لم يظمأ بعده أبداً، ليرد علي أقوام أعرفهم ويعرفوني ثم يحال بيني وبينهم)) قال أبو حازم: فسمعني النعمان بن أبي عياش وأنا أحدثهم هذا فقال: هكذا سمعت سهلاً؟ فقلت: نعم، قال: وأنا أشهد على أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- لسمعته يزيد فيه قال: ((إنهم مني، فيقال: إنك لا تدري ما بدلوا بعدك، فأقول: سحقاً سحقاً لمن بدل بعدي)). يقول الإمام -رحمه الله تعالى-: "كتاب الفتن"

تقدم تعريف الفتن، وأنه الابتلاء والاختبار والامتحان، وأنه يكون بالخير وبالشر، ومن الفتن الفتن الكبرى المضلة التي يستعاذ منها، ومنها: الفتن التي لا ينفك عنها أحد التي تصرف الإنسان عن مقصده، فهو مأمورٌ بمجاهدتها {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ} [(15) سورة التغابن] يعني يشغلونكم عما يرضي الله -عز وجل-، والإنبجانية والكساء المخطط كادت أن تفتن النبي -عليه الصلاة والسلام- في صلاته، يعني تشغله عنها، فكل ما يشغل عما يرضي الله -عز وجل- فتنة، لكنها متفاوتة، والحياة صراع وجهاد، إزاء هذه الفتن على المسلم أن يقاوم بقدر الإمكان، هناك فتن ظاهرة، وهناك فتن باطنة، وهناك فتن كبرى مضلة، وهناك فتن يسيرة لا ينفك منها أحد، وكل هذا ليظهر مدى امتثال المكلف ومدى ارتباطه وتعلقه بربه -عز وجل-، وهذا الصراع رتب عليه الثواب العظيم، من استسلم ولم يقاوم وضل وفتن هذا مآله معروف، لكن من قاوم تعرض للفتن وقاوم واستفاد منها فيما يرضي الله -عز وجل-، وخرج منها ظافراً متغلباً على هوى نفسه والشيطان، متغلباً على عدوه من شياطين الإنس والجن إن هذا لا شك أنه ممن أراد الله به خيراً ولو تعرض للفتن، وهذه الفتن إذا وقعت تقاوم، ولا ينبغي للإنسان أن يتمنى وقوع هذه الفتن ليقاوم لا، يعني من باب تمني لقاء العدو، وما يدريك لعلك تخفق، لعلك تفتن، ولا تستطيع أن تقاوم هذه الفتن، لكن إذا حصلت فعليك بالمجاهدة والمصابرة حتى تخرج منها ظافراً بما يرضي الله -عز وجل-. كتاب الفتن: بسم الله الرحمن الرحيم بالتقديم والتأخير بعض الروايات كما في رواية أبي ذر: "كتاب الفتن، بسم الله الرحمن الرحيم"، وفي رواية ابن عساكر: "بسم الله الرحمن الرحيم: كتاب الفتن"، وهذا يوجد في كثير من الكتب التقديم والتأخير هذا، ولكلٍ وجهه، إذا قدمت البسملة -كما هو الأصل- تكون شاملة للكتاب للترجمة ولما تحته، فهي مقدمة عليه، مبدوءٌ بها، وإذا قدمت الترجمة على البسملة صارت الترجمة بمثابة تسمية السورة، والبسملة بعدها، ولذا يوجد التقديم والتأخير في كثيرٍ من الأبواب.

"ما جاء في قول الله تعالى" وعند أبي ذر: "باب: ما جاء في قول الله تعالى: {وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً} [(25) سورة الأنفال] " ونحن في شرح مثل هذا الباب التي ينبغي أن تكون القلوب مرتبطة بكلام النبي -عليه الصلاة والسلام- لا نطيل في مثل هذه الأمور، لا نطيل في ذكر فروق النسخ والروايات، كما أننا لا نذكر إلا ما تمس الحاجة إليه مما يتعلق بالأسانيد؛ لأنها تقطع تسلسل الارتباط بكلام المصطفى -عليه الصلاة والسلام- الذي هو المقصود الأعظم، لكن في الأبواب الأخرى، الأبواب العملية ما نترك شيء مما يتعلق بالروايات أو بلطائف الإسناد أو كل ما يتعلق بالحديث سواءً كان في متنه أو في إسناده نتعرض له بقدر الإمكان، بقدر الحاجة، لكن في مثل هذه الأبواب يهمنا بالدرجة الأولى كلام الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- في التراجم، وما يردفه به من آثار، ثم بعد ذلك ندخل إلى المقصد الأعظم، وهو كلام النبي -عليه الصلاة والسلام-.

ما جاء في قول الله تعالى: {وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً} [(25) سورة الأنفال] اتقوا: يعني اجعلوا بينكم وبين ما ذكر وقاية، اتقوا فتنةً لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة، بل تعم الصالح والطالح، المباشر للمعصية، المتركب لها، والراضي بها، والتارك لإنكارها وتغييرها مع قدرته على ذلك، فالفتنة إذا نزلت عمت، في مثل هذه الظروف التي تتحدث عنها الآية، اتقوا فتنةً لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة، بل تعم من ارتكب الذنب، ومن علم به ورضي بفعله، أو علم به ولم ينكر عليه مع القدرة على الإنكار تعمه، وهذه نتيجة المداهنة وإقرار المنكر، وافتراق الكلمة بحيث تعم الشرور والمعاصي والمنكرات، ويتقاعس الناس، ويتواكلون في إنكارها، تجد الإنسان يمر بشخصٍ يرتكب منكر أو يترك واجب ويتركه، اعتماداً على أنه كلف بهذا الأمر من كلف من قبل ولي الأمر ولسنا بمسئولين، أنت مسئول، مكلف من قبل الله -عز وجل-، ((من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع ... )) خشي من الضرر إذا نطق بالإنكار ينكر بقلبه، ولا يسع أحداً يمر بمنكر مهما كان فاعله ولا ينكر عليه، وما وصل الأمر إلى ما وصل إليه مما نعيشه من ظروف وتعيشه الأمة في سائر الأقطار من انتشار المنكرات مع ضعف في الإنكار إن وجد إلا ضريبة تواكل سنين، تجد الأخيار ينكرون بلا شك والإنكار موجود لكنه ليس على المستوى المطلوب لمقاومة هذه السيول الجارفة من المنكرات التي قصد بها من قبل الأعداء إفساد هذه الأمة؛ لأنها إذا فسدت وفشت فيها المنكرات سهل الاستيلاء عليها، سهل الاستيلاء عليها بعد أن ذلت لذل المعاصي المنكرات، جاء الوعيد الشديد في ترك الإنكار، وإذا ترك صاحب المنكر فإن المصيبة والكارثة تعم صاحبها ومن سكت ومن أقره، وسبب لعن بني إسرائيل أنهم إيش؟ {كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ} [(79) سورة المائدة] قد يصل الأمر إلى حد اليأس في زوال المنكر، فيقول الإنسان: ما الفائدة في كوني أنكر مع أن صاحب المنكر لا يرتدع ولا يرعوي؟ نقول: عليك أن تبذل السبب، وتمتثل الأمر، وتفعل ما أمرت به، والنتائج بيد الله -عز

وجل-، {وَإِذَ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ} [(164) سورة الأعراف] معذرة يا أخي، أقل الأحوال براءة ذمتك، أنت قمت بما أوجب الله عليك، وقد يدفع الله -سبحانه وتعالى- بهذا الإنكار -ولو كان ضعيفاً- ما يدفع من ضرائب التواطؤ على السكوت ولو كان ضعيفاً، وليس الأمر خاصاً برجال الحسبة، نعم عليهم المسئولية الأولى والكبرى؛ لأنهم تضاعف عليهم الأمر لتكليفهم من قبل الله -عز وجل-، وبتكليفهم من قبل ولي الأمر، وبأخذهم الأجرة على ذلك، ولكن هذا لا يعفي غيرهم من الإنكار، فالكل مكلفٌ بالأمر والنهي. روى الإمام أحمد في مسنده بسندٍ لا بأس به من حديث عدي بن عميرة قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((إن الله لا يعذب العامة بعمل الخاصة حتى يروا المنكر بين ظهرانيهم وهم قادرون على أن ينكروه فلا ينكروه، فإذا فعلوا ذلك عذب الله العامة والخاصة)) ما دام الإنكار موجوداً فالأمان -بإذن الله- موجود، ولا ننكر أن هناك فئة مكلفة من قبل ولي الأمر بالأمر والنهي وتقوم بما أوجب الله عليها، لكنها أقل من المستوى المطلوب في مقاومة ما يزج به العدو من منكرات غزت البيوت والمحافل والمجتمعات، فالمسألة تحتاج إلى تظافر جهود في إنكار المنكر باليد، وهذا لولي الأمر أو من خوله ولي الأمر، وباللسان بالحكمة والكلمة الطيبة بالرفق واللين، وبهذا يرفع الله -سبحانه وتعالى- عنا ما كتب على غيرنا من الأمم، سنة إلهية، سنن إلهية {وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا} [(62) سورة الأحزاب] إذا عمت المعاصي وكثرت، واستمرأها الخاص والعام، وعاشوا عليها، وتواطئوا عن السكوت عن إنكارها عمهم الله بعذاب، بالعقوبة.

"وما كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يحذر من الفتن"، "بابٌ: ما جاء في قول الله تعالى ... ، وما كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يحذر من الفتن"، النبي -عليه الصلاة والسلام- حذر من الفتن، والله -سبحانه وتعالى- حذر {وَاتَّقُواْ فِتْنَةً} [(25) سورة الأنفال] فعلينا أن نتقي الفتن بدفعها بالأسباب التي تدفعها، ومن أعظم ما يدفع الفتن اهتمام الإنسان بصلاح نفسه أولاً ومن تحت يده، والارتباط بالله -عز وجل-، وصدق اللجأ إليه مع بذل الأسباب في إصلاح الغير.

يقول الإمام -رحمه الله تعالى-: "حدثنا علي بن عبد الله قال: حدثنا بشر بن السري" علي بن عبد الله هو الإمام المعروف ابن المديني، "قال: حدثنا نافع بن عمر بن عبد الله -القرشي- عن ابن أبي مليكة" اسمه: عبد الله، "قال: قالت: أسماء" بنت أبي بكر "عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((أنا على حوضي)) " الحوض المورود الذي ينبع أو يجتمع من نهر الكوثر، هذا للنبي -عليه الصلاة والسلام-، وجاء وصفه في السنة في طوله وعرضه ولونه وآنيته، وأنه يشرب منه المتبع من هذه الأمة، ولذا يذاد عنه من تقهقر فارتد أو ابتدع أو غير أو بدل، يقول: ((أنا على حوضي)) وأحاديث الحوض متواترة، ثبت الحوض ثبوتاً قطعياً بالأدلة المتواترة، تواتراً معنوياً، ((أنا على حوضي أنتظر من يرد علي، فيؤخذ بناس من دوني فأقول: أمتي)) يعرفهم النبي -عليه الصلاة والسلام-، إما بأعيانهم لمعاصرتهم له، أو بأوصافهم باتباعه -عليه الصلاة والسلام-، وإن حصل منهم من يوجب ردهم من إحداث وابتداع، ((فأقول: أمتي، فيقول: لا تدري مشوا على القهقرى)) يعني: رجعوا إلى الخلف، كانوا لما كنت بين أظهرهم يتقدمون إلى الأمام بفعل ما يرضي الله -عز وجل-، وترك ما يسخطه، ثم بعدك رجعوا القهقرى، فارتدوا عن دينهم، وهؤلاء ممن يعرفهم النبي -عليه الصلاة والسلام- بأعيانهم؛ لأنهم وجدوا في عصره، "قال ابن أبي مليكة: اللهم إنا نعوذ بك أن نرجع على أعقابنا، أو نفتن"، على الإنسان أن يخاف، والقلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن، فلا يأمن من مثل هذه الفتنة، أن يرجع القهقرى، ((وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها)) ولذا اشتد خوف السلف الصالح من سوء العاقبة، سوء الخاتمة أمرٌ مقلق مخيف، ((وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع -إلا شيء يسير- ثم يسبق عليه الكتاب -لأنه كتبت عليه الشقاوة- فيعمل بعمل أهل النار -بطوعه واختياره لا إجباراً له- فيدخل النار))، وجاء في الحديث: ((أنه يعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس)) وهذا أيضاً أمرٌ مخيف قد يعمل الإنسان الأعمال وهي في ظاهرها صالحة لكنها فيما يبدو

للناس، وفي قلبه دخن يكون سبباً في صرفه عن الجادة، {وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} [(47) سورة الزمر] كثير من السلف يعمل الأعمال الصالحة ويخشى أن تكون من هذا الباب، فالخوف مطلوب كما أن الرجاء مطلوب، وإحسان الظن بالله -عز وجل-، فعلى الإنسان أن يكون بين الأمرين خائفاً راجياً، {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ} [(60) سورة المؤمنون] يؤتون ما آتوا من الأعمال الصالحة، ولذا لما سألت عائشة -رضي الله عنها-: أهم الذين يزنون؟ أهم الذين يسرقون؟ قال: ((لا يا أبنت الصديق، هؤلاء الذين يصلون ويصومون ويزكون، ويعملون الأعمال الصالحة وقلوبهم وجلة)) خائفة أن ترد عليهم، فالإنسان لا يضمن، نعم جاء ما يدل على أن الفواتح عنوان الخواتم، لكن من يضمن أن هذه الفواتح الصالحة خالصة لوجه الله -عز وجل-، النفس الأمارة، والشيطان، والنية شرود تحتاج إلى من يتابعها في كل وقت، قد يزل الإنسان بكلمة من سخط الله -عز وجل- يهوي بها في النار سبعين خريفاً، لا يلقي لها بالاً، تكون من سخط الله، والله المستعان. "قال ابن أبي مليكة: اللهم إنا نعوذ بك أن نرجع على أعقابنا، أو نفتن" يعني عن ديننا، فنرجع القهقرى عما كنا نفعله من أعمالٍ صالحة.

ثم بعد هذا يقول: "حدثنا موسى بن إسماعيل -هو المنقري- قال: حدثنا أبو عوانة -الوضاح بن عبد الله اليشكري- عن مغيرة -بن مقسم- عن أبي وائل -شقيق بن سلمة التابعي الشهير- قال: قال عبد الله -وهو ابن مسعود- قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((أنا فرطكم على الحوض)) " يعني: متقدمٌ بين أيديكم، أمامكم، فالفرط: هو المتقدم الذي يسبق القوم، ولذا جاء في دعاء الجنازة للطفل: ((اللهم اجعله فرطاً وذخراً)) أي: متقدماً، يعني: أجراً متقدماً بين يدي والديه، ((أنا فرطكم على الحوض ليرفعن إلي رجال منكم)) يعني من هذه الأمة، من أمة الإجابة، ((حتى إذا أهويت لأناولهم -يعني لأسقيهم من حوضي- اختلجوا -جذبوا واقتطعوا- دوني، فأقول: أي ربِ أصحابي)) لأنه يعرفهم إما بأعيانهم أو بأوصافهم، ولا يمنع أن يكون من هؤلاء من هو مسلم يختلج ويقتطع لما أحدث في الدين ويدخل النار ثم بعد ذلك إذا هذب ونقي بقدر ما اقترفه من جرائم يدخل الجنة، ((فأقول: أي رب أصحابي، يقول: لا تدري ما أحدثوا بعدك)) من ردة أو بدعة أو منكرات وجرائم كلها محدثات. ثم قال: "حدثنا يحيى بن بكير -المخزومي- قال: حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن -القاري- عن أبي حازم -سلمة بن دينار- عن سهل بن سعد -الساعدي- يقول: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((أنا فرطكم على الحوض، من ورده شرب منه، ومن شرب منه لم يظمأ بعده أبداً)) " لم يظمأ بعد أن يشرب من الحوض فإنه لا يظمأ أبداً، يتجاوز هذه الأهوال من غير مشقة ولا ظمأ ((ليرد)) في رواية أبي ذر: ((ليردن))، ((علي أقوام أعرفهم ويعرفوني، ثم يحال بيني وبينهم))، قال أبو حازم: فسمعني النعمان بن أبي عياش وأنا أحدثهم هذا الحديث فقال: هكذا سمعت سهلاً؟ فقلت: نعم" يتأكد، "هكذا سمعت سهلاً؟ " أبو حازم سلمة بن دينار لما حدث بهذا الحديث سُئل للتثبت وللموافقة: "هكذا سمعت سهلاً؟ فقلت: نعم، فقال: وأنا أشهد على أبي سعيد الخدري لسمعته يزيد فيه قال: ((إنهم مني، فيقال: إنك لا تدري ما بدلوا بعدك، فأقول: سحقاً سحقاً)) أي: بعداً بعداً، أي: أبعدهم الله.

شرح: باب: قول النبي -صلى الله عليه وسلم-:

يقول ابن حجر: "حاصل ما حمل عليه حال المذكورين -يعني هؤلاء الذين يذادون عن الحوض الذين رجعوا القهقرى- حاصل ما حمل عليه حال المذكورين أنهم كانوا ممن ارتد عن الإسلام"، وحينئذٍ فلا إشكال في تبرئ النبي -عليه الصلاة والسلام- منهم، وإن كانوا ممن لم يرتد لكنه أحدث معصية كبيرة من أعمال البدن أو بدعةً من اعتقاد القلب فقد أجاب بعضهم بأنه يحتمل أن يكون أعرض عنهم ولم يشفع لهم اتباعاً لأمر الله فيهم حتى يعاقبهم على جنايتهم، ولا مانع من دخولهم في عموم شفاعته -عليه الصلاة والسلام- لأهل الكبائر من أمته، فيخرجون من النار بعد ذلك، كما يخرج سائر العصاة، فالحديث محتمل، هؤلاء الذين يذادون إن كانوا ممن ارتد فلا إشكال هؤلاء أحدثوا ويستحقون أن يذادوا عن الحوض، ويقال لهم: سحقاً سحقاً، وإن كانوا ممن لم يرتد الردة الكاملة وإنما كان رجوعهم للقهقرى ونكوسهم على أعقابهم إنما هو فيما دون ما يخرج عن الملة بإحداث بدعة يعمل بها من بعدهم، أو باقتراف جريمة فمثل هؤلاء يعاقبون، هم مستحقون للعقاب، ومن العقاب ذودهم من الحوض، وقد يدخلون النار فيعذبون وينقون بقدر ذنوبهم، ثم يخرجون منها كما يخرج سائر العصاة، نعم. شرح: باب: قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((سترون بعدي أموراً تنكرونها)). باب: قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((سترون بعدي أموراً تنكرونها)). وقال عبد الله بن زيد: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((اصبروا حتى تلقوني على الحوض)). حدثنا مسدد قال: حدثنا يحيى بن سعيد قال: حدثنا الأعمش قال: حدثنا زيد بن وهب، قال: سمعت عبد الله قال: قال لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إنكم سترون بعدي أثرة وأموراً تنكرونها)) قالوا: فما تأمرنا يا رسول الله؟ قال: ((أدوا إليهم حقهم، وسلوا الله حقكم)). حدثنا مسدد عن عبد الوارث عن الجعد عن أبي رجاء عن ابن عباس -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من كره من أميره شيئاً فليصبر فإنه من خرج من السلطان شبراً مات ميتة جاهلية)).

حدثنا أبو النعمان قال: حدثنا حماد بن زيد عن الجعد أبي عثمان قال: حدثني أبو رجاء العطاردي، قال: سمعت ابن عباس -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من رأى من أميره شيئاً يكرهه فليصبر عليه، فإنه من فارق الجماعة شبراً فمات إلا مات ميتة جاهلية)). حدثنا إسماعيل قال: حدثني ابن وهب عن عمرو عن بكير عن بسر بن سعيد عن جنادة بن أبي أمية قال: دخلنا على عبادة بن الصامت -رضي الله عنه- وهو مريض قلنا: أصلحك الله حدث بحديث ينفعك الله به سمعته من النبي -صلى الله عليه وسلم-، قال: دعانا النبي -صلى الله عليه وسلم- فبايعناه، فقال فيما أخذ علينا أن بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا، وعسرنا ويسرنا، وأثرة علينا، وأن لا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان. حدثنا محمد بن عرعرة قال: حدثنا شعبة عن قتادة عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- عن أسيد بن حضير أن رجلاً أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله: استعملت فلاناً ولم تستعملني؟ قال: ((إنكم سترون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني)). يقول الإمام -رحمه الله تعالى-: "باب قول النبي -صلى الله عليه وسلم - -يعني للأنصار-: ((سترون بعدي أموراً تنكرونها)) النبي -عليه الصلاة والسلام- قال للأنصار: ((سترون بعدي أموراً تنكرونها)) سترون أثرةً بعدي؛ لأن أمر الولاية ليس لهم، بل الأئمة من قريش، والغالب أن من ليست بيده الولاية تقع عليه الأثرة، يؤثر عليه غيره، ولذا قال لهم -عليه الصلاة والسلام-: ((سترون بعدي أموراً تنكرونها))، وقال عبد الله بن زيد بن عاصم قال النبي -عليه الصلاة والسلام- للأنصار: ((اصبروا)) على ما تلقون يعني على ما تلقون بعدي من الأثرة ((حتى تلقوني على الحوض)).

يقول -رحمه الله-: "حدثنا مسدد" وهو ابن مسرهد السدوسي الإمام المعروف، ذكر بعضهم -وقد لا يصح بالصيغة المجتمعة المذكورة- مسدد بن مسرهد بن مسربل بن مغربل بن أرندل بن سرندل بن عرندل هذه ذكرت في ترجمته، لكن بهذا التركيب بهذه الصيغة يستنكرها كثيرٌ من أهل العلم، "قال: حدثنا يحيى بن سعيد" الإمام القطان المعروف "قال: حدثنا الأعمش " سليمان بن مهران "قال: حدثنا زيد بن وهب -الجهني- قال سمعت عبد الله" يعني ابن مسعود "قال: قال لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إنكم سترون بعدي أُثرة)) " أو أَثرة، ابن مسعود يقول: "قال لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" ابن مسعود من الأنصار وإلا من المهاجرين؟ طالب:. . . . . . . . . نعم، والخطاب الأول موجه للأنصار كما جاءت بذلك الروايات، وكونه يخص الأنصار من الذكر لأنه ليس لهم من الأمر شيء، ليس لهم من الولاية شيء فهو مظنة لأن يجدوا أثرة، وابن مسعود ومن في حكمه وإن كان من غير الأنصار إلا أنه لبعده عن التطلع عن هذه الأمور لا بد أن يقع عليه شيء من الأثرة؛ لأنه لا يستشرف لمثل هذه الأمور، ولا يتصور أنه يلي أمر من أمور المسلمين لانصرافه عن الدنيا، وعن زهرتها، وعن حظوظها إلى الآخرة. "قال لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إنكم سترون بعدي أثرة)) " سترون ممن يلي الأمر، من ولاة وأمراء بعدي أثرةً، يعني استئثار واختصاص بالحظوظ الدنيوية، فيؤثرون بها غيركم من أقاربهم ومعارفهم، فعلى الإنسان الذي يحس ويشعر بأن غيره أوثر عليه أن يوثر نفسه بما يرضي الله -عز وجل-، فإذا انصرف الناس وتعلقوا واستشرفوا إلى أمور الدنيا فعلى طالب العلم على وجه الخصوص أن يكون نظره إلى الآخرة، ومع ذلكم كما قال الله -جل وعلا-: {وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [(77) سورة القصص] ((إنكم سترون بعدي أثرة)) الضبط الآخر: أُثرة وأَثرة، ((وأموراً تنكرونها)) يعني من أمور الدين، سوف تجدون تغير، ولا يزال التغير يزداد، وكل زمانٍ يزداد السوء بالنسبة لما قبله، ((لا يأتي على الناس زمانٌ إلا والذي بعده شرٌ منه)).

"قالوا: فما تأمرنا يا رسول الله؟ " يعني أن نفعل، ماذا نفعل إذا وجدنا مثل هذا؟ إذا وجدنا مثل هذا التغير من ولاة الأمر من أمراء وأعوان ماذا نفعل؟ يعني هل نقاومهم؟ هل نرضى بالأثرة؟ قال -عليه الصلاة والسلام-: ((أدوا إليهم حقهم)) يعني مما يجب لهم من السمع والطاعة، وأدوا إليهم الزكاة، وجاهدوا معهم، وصلوا وراءهم ((أدوا إليهم حقهم، وسلوا الله حقكم)) يعني ما يحصل فيه التقصير سلوا الله -عز وجل-، فلا يجوز للإنسان أن تكون همته الدنيا، إن أعطي منها رضي، وإن لم يعطَ منها لم يرضَ، إن أعطي من أمور الدنيا وفى، وإن لم يعطَ من أمور الدنيا لم يفِ، ليكن همه الآخرة، وما يأتيه من أمور الدنيا مما يعينه عليها من غير استشراف يأخذ، كما جاء في حديث أبي ذر عند مسلم، الذي يأتي المسلم من غير استشراف، ولا يغلب على ظنه أنه يراد له مقابل يأخذه، إن تورع عنه فالورع له باب، لكن إن أخذ لا بأس، إن جاءه من غير طلبٍ ولا استشراف، يقول أبو ذر: "فإن كان ثمناً لدينك فلا"، النبي -عليه الصلاة والسلام- لما قالوا، لما أخبرهم أنه سيكون هناك أُثرة وأَثرة، وتقديم وتأخير، وزيادة ونقص، وإبعاد وتقريب، هذا موجود على مدى العصور، من بعد الخلفاء الراشدين ظهر هذا الأمر، وكل سنة يزداد الأمر، طيب ماذا نفعل يا رسول الله إذا حصل هذا؟ يعني مقتضاه أن هذا منكر، والمنكر يجب تغييره، فهل نغير؟ قال: لا ((أدوا إليهم حقهم، وسلوا الله حقهم)) ولا يمنع هذا من النصح، فالنصيحة هي الدين، كما جاء في حديث تميم: ((الدين النصيحة، الدين النصيحة، الدين النصيحة)) قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: ((لله، ولرسوله، ولكتابه، ولأئمة المسلمين، وعامتهم)) فلا يعني أن الإنسان يقف وهو ممن آتاه الله القدرة على النصح، والقدرة على التأثير والبيان أن ينصح ولاة الأمر بالرفق واللين، بالأسلوب المجدي النافع الذي يحقق المصلحة دون ترتب أي مفسدة، ((أدوا إليهم حقهم، وسلوا الله حقكم)).

ثم قال: "حدثنا مسدد عن عبد الوارث -بن سعيد- عن الجعد -أبي عثمان الصيرفي- عن أبي رجاء -العطاردي عمران- عن ابن عباس - رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من كره من أميره شيئاً)) " يعني سواءً كان من أمر الدين أو من أمر الدنيا، ((من كره من أميره شيئاً فليصبر)) يصبر؛ لأن بعض الناس -والباعث له الغيرة- قد لا يصبر، لكن النتيجة؟ النتيجة أن يترتب على فعله وعدم صبره ومخالفته للتوجيه النبوي ((فليصبر)) المسألة تحتاج إلى علاج مناسب، لا يعالج المنكر بما هو أنكر منه، بمفسدة أعظم منه، تحتاج إلى دراسة للأمر، ودراية بالأساليب النافعة الناجعة التي تقضي على المنكر أو تخفف منه بقدر الإمكان، ولا يترتب عليها مفسدة، قال: ((فليصبر، فإنه من خرج من السلطان -يعني عن طاعته- شبراً -يعني ولو بشيء يسير- مات ميتة جاهلية)) كانت هيئة ميتته كهيئة ميتة من عاش في الجاهلية؛ لأن عمله هذا يؤدي إلى الفوضى، عمله هذا يؤدي إلى الفوضى، والفوضى من سمات الجاهلية، القوي يأكل الضعيف، وإنكار المنكر وإن كان مطلوباً إلا أنه ينكر بطرق مناسبة، والبيان والنصح والتوجيه لا بد أن يكون بأسلوب مناسب مؤثر، لا تترتب عليه مفاسد، إذا كان المنكر الذي يزال ترتب عليه منكر أعظم منه ما استفدنا، المنكر ما زال، المقصود أن على من رأى ما ينكر، وما أثر ما ينكر في العصور المتأخرة، هذه سنة إلهية، فساد الأزمان، وفساد أهل الزمان في آخر الزمان معروف مستفيض بالنصوص، والواقع يشهد لذلك، لكن من رأى ما ينكر فليصبر، كما قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((فإنه من خرج من السلطان -يعني من طاعته- شبراً مات ميتةً جاهلية)) فكيف بمن خرج ما هو أكبر من الشبر وأعظم منه؟! ويأتي الضابط لما يوجب الخروج، يأتي الضابط وهو الكفر البواح الذي فيه من الله برهان.

يقول: "حدثنا أبو النعمان -محمد بن الفضل- قال: حدثنا حماد بن زيد -بن درهم- عن الجعد -بن دينار الصيرفي- أبي عثمان، قال: حدثني أبو رجاء -عمران- العطاردي، قال: سمعت ابن عباس -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من رأى من أميره شيئاً يكرهه فليصبر عليه)) " يكرهه يعني من أمور الدنيا أو من أمور الدين ما لم يصل إلى حد الكفر البواح ((فليصبر))، ((فإنه –واسم إن ضمير الشأن- فإنه من فارق الجماعة -جماعة المسلمين- شبراً فمات إلا مات ميتة جاهلية)) يعني: فيه خصلة من خصال الجاهلية قد مات عليها، ولا يعني أن يكون بذلك قد خرج عن دائرة الإسلام وصار جاهلياً، لا، إنما فيه خصلة من خصال الجاهلية، وقد قال النبي -عليه الصلاة والسلام- لأبي ذر: ((إنك امرؤٌ فيك جاهلية)) وفرقٌ بين أن يكون الرجل جاهلياً وبين أن تكون فيه جاهلية، وبين أن يكون منافقاً وفيه نفاق، وبين أن يكون مشركاً وفيه شرك، كما قرر ذلك أهل العلم، اليهود والنصارى مشركون أو فيهم شرك؟ نعم؟ طالب:. . . . . . . . . فيهم شرك، فيهم شرك ولذا يختلفون في الأحكام عن المشركين، يختلفون في الأحكام عن المشركين هم أهل كتاب لكن فيهم شرك، {الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ} [(6) سورة البينة] ولذا اختلفت أحكامهم عن المشركين الذين استحقوا الوصف الكامل، وكونهم أهل كتاب وفيهم شرك وليسوا بمشركين شركاً مطبقاً كغيرهم لا يعني أنهم على هدى، بل هم كفار خالدون مخلدون في النار، نسأل الله العافية، {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ} [(6) سورة البينة] لا يعني أنهم ليسوا بمشركين، وإنما فيهم شرك، أنهم يرجى لهم شيء، لا، هم كفار على كل حال.

"حدثنا إسماعيل" بن أبي أويس، "قال: حدثني ابن وهب عن عمرو -بن الحارث- عن بكير -بن عبد الله بن الأشج- عن بسر بن سعيد عن جنادة بن أبي أمية -السدوسي- قال: دخلنا على عبادة بن الصامت" عبادة بن الصامت أحد النقباء في العقبة، وقد شهد البيعات الثلاث: الأولى والثانية والثالثة، وإن كانت عاد الثالثة لا يثبتها كثيرٌ من أهل العلم، لكن نص ابن عبد البر وغيره في ترجمته أنه شهد الثلاث، وليس هذا محل بسط ما يتعلق بالبيعات الثلاث، لكن يهمنا هذه البيعة التي بين أيدينا، "دخلنا على عبادة بن الصامت -وهو مريض- قلنا: أصلحك الله" مريض صحابي جليل، "قلنا: أصلحك الله" بعض الشراح يقول: أصلح أمور دنياك، وإلا هو في دينه صالح، هو صالح ولا شك أحدٌ في صلاحه، ومع ذلكم بحاجة إلى مزيد الصلاح، والرسول -عليه الصلاة والسلام- مهتدي، والمؤمنون على هدى، ومع ذلكم يقولون: {اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ} [(6) سورة الفاتحة] لا يعني أن الشخص إذا كان صالحاً لا يدعى له بالصلاح، ولذا يغضب كثير من الناس إذا قلت: الله يصلحك، أو أصلحك الله، وإيش أنت ملاحظ؟! كأن الناس تعارفوا على أن هذه اللفظة إنما تقال لصغار السن، فبعضهم يستنكر إذا قيل: أصلحك الله،. . . . . . . . . كل شخص بحاجة لأن يكون صالحاً، والله المستعان.

"قلنا: أصلحك الله، حدث بحديث ينفعك الله به سمعته من النبي -صلى الله عليه وسلم-، قال: دعانا النبي -صلى الله عليه وسلم - -ليلة العقبة- فبايعناه، فقال فيما أخذ علينا" يعني بما اشترط علينا "أن بايعنا على السمع والطاعة" له، السمع والطاعة له، يعني وفي حكمه من يلي أمر المسلمين بعده إلى قيام الساعة من المسلمين، "في منشطنا -يعني في وقت نشاطنا- ومكرهنا" يعني فيما ننشط للاستجابة إليه، "وفي مكرهنا" فيما نكره الإجابة إليه مما يطلبه ولي الأمر، يعني في نشاطنا وعجزنا، فيما نريده وما لا نريده إذا لم يكن معصية لله -عز وجل-، "وعسرنا ويسرنا، وأثرة علينا" لو حصلت الأثرة بايعناه على أن نفي لمن ولاه الله أمرنا، "وأن لا ننازع الأمر أهله" الملك لا ينازع من تولاه، ويستوي في ذلك من تولى باختيارٍ من أهل الحل والعقد ممن تتوافر فيه الشروط، أو تولى بقوته وسلطانه وسيفه، ولو تخلفت فيه بعض الشروط، ففي حال الاختيار لا يجوز أن يولى على المسلمين إلا من اجتمعت فيه الشروط، في حال الإجبار والإكراه إذا تولى بقوته على المسلمين أن يسمعوا ويطيعوا ولو كان عبداً حبشياً، وإن كان في الأصل لا يجوز تولية العبد الحبشي ابتداءً واختياراً، لكن إذا تولى بقوته فإنه حينئذٍ يجب له السمع والطاعة. "وأثرة علينا، وأن لا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفراً بواحاً" بواحاً ظاهراً بادياً لا يختلف فيه، قد يوجد من بعض الأمراء مما يرتكبه من المخالفات ما يختلف فيه هل هو مكفر أو غير مكفر؟ هل يخرج من الملة أو لا يخرج؟ مثل هذا لا يجوز الخروج عليه لماذا؟ لأنه ليس بكفرٍ بواح، لأنه ليس بكفرٍ بواح، إنما الموجب للخروج ونزع اليد من الطاعة إنما هو الكفر البواح الظاهر البادي، "عندكم فيه من الله برهان" يعني نصٌ من القرآن أو السنة لا يحتمل التأويل، فإذا كان عندنا برهان، نص من كتاب الله وسنة رسوله -عليه الصلاة والسلام- على كفر مرتكب هذا العمل مما لا يحتمل التأويل فإنه حينئذٍ لا سمع ولا طاعة.

ثم بعد هذا يقول الإمام -رحمة الله عليه-: "حدثنا محمد بن عرعرة -القرشي- قال: حدثنا شعبة عن قتادة عن أنس بن مالك عن أسيد بن حضير -الأنصاري- أن رجلاً -هو أسيد نفسه- أن رجلاً أتى النبي -عليه الصلاة والسلام-" جرد أسيد من نفسه رجلاً تحدث عنه، هذا يسمونه أسلوب التجريد، "أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله: استعملت فلاناً -عمرو بن العاص- ولم تستعملني؟ " يعني وليته على أمر من أمور المسلمين ولم تولني، استعملت: يعني وليت، والوالي في عرف المتقدمين عامل، عامل استعمل فهو عامل، وكان عاملاً لعمر وكان عاملاً لفلان، عامل، لما كانت الولايات ينظر فيها نفع المسلمين، والقيام بخدمتهم، والسهر على مصالحهم يسمى عامل، "استعملتَ فلاناً ولم تستعملني، قال: ((إنكم سترون بعدي أثرة)) " يعني أعظم من ذلك؛ لأن ما فعلته إنما نظرت فيه للمصلحة العامة، وعمرو بن العاص ممن يصلح لهذه الولايات، ليس معنى هذا أن الشخص الذي يولى ينظر فيه مصلحة خاصة، والذي لا يولى ينظر فيه إلى أنه قريبٌ أو بعيد لا، إنما النظر فيمن يحقق المصلحة، ولو كان غيره أفضل منه في ذاته، وكل عملٍ ينتقى له من يناسبه، كل عمل يختار له من يناسبه، كل عمل يختار له من يناسبه ممن يقوم به على أحسن وجه، والخلل بهذا من علامات الساعة، ((إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة)) قد لا يكون الشخص أفضل الناس، بل ولا من أفضل الناس بل هو رجلٌ تقوم به الحاجة، ويسد هذا المكان أفضل من غيره، والقوة مع الأمانة مطلبٌ في مثل هذه الولايات، فإذا كان قويٌ في نفسه أمينٌ في تصرفاته فإنه يستحق حينئذٍ أن يولى على مثل هذه الأمور العامة، وعمرو بن العاص بهذه الصفة.

شرح: باب: قول النبي -صلى الله عليه وسلم-

"استعملتَ فلاناً ولم تستعملني قال: ((إنكم سترون بعدي أثرة، فاصبروا حتى تلقوني)) " يعني أمور هذه الدنيا ينبغي للمسلم أن لا تكون همه، يكفي منها البلغة، فالأثرة في أمور الدنيا أمرها يسير إذا سلم رأس المال وهو الدين، وكثيرٌ من الناس عاش في هذه الحياة عقود بل ممن عمر، حياته كلها على نقيض ما أراده الله -جل وعلا- من عباده، الأصل أن يعيش الإنسان لدينه هذا الأصل، لكن لحاجته إلى الدنيا قيل له: {وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [(77) سورة القصص] كثيرٌ من المسلمين مع الأسف الشديد يعيش للدنيا، يعيش عيشته كلها وهمه الدنيا، ومع ذلكم قد ينسى نصيبه من الآخرة وقد لا ينساه، وليس معنى هذا أن الإنسان يصرف عشرين ساعة في العبادة، يصوم النهار، ويقوم الليل، ويتصدق، ويجاهد عمره كله ولا يفتر، قد تكون حياة المسلم كلها عبادة وهو في أريح بال، وأنعم عيش، ينوي في تصرفاته العادية التقرب بها إلى الله -عز وجل-، فتكون حياته كلها عبادات ((حتى ما يضعه في فيِّ امرأته)) حتى ما يأكله ليستعين به على طاعة الله، حتى في نومه ليستعين به على العبادة، هذه عبادات كلها، فتكون حياته لله -عز وجل-، {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ} [(162) سورة الأنعام] كلها لله، والله المستعان. شرح: باب: قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((هلاك أمتي على يدي أغيلمة سفهاء)). باب: قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((هلاك أمتي على يدي أغيلمة سفهاء)). حدثنا موسى بن إسماعيل قال: حدثنا عمرو بن يحيى بن سعيد بن عمرو بن سعيد قال: أخبرني جدي قال: كنت جالساً مع أبي هريرة -رضي الله عنه- في مسجد النبي -صلى الله عليه وسلم- بالمدينة، ومعنا مروان، قال أبو هريرة: سمعت الصادق المصدوق يقول: ((هلكة أمتي على يدي غلمة من قريش)) فقال مروان: لعنة الله عليهم غلمة، فقال أبو هريرة: لو شئت أن أقول: بني فلان وبني فلان لفعلت، فكنت أخرج مع جدي إلى بني مروان حين ملكوا بالشام، فإذا رآهم غلماناً أحداثاً قال لنا: عسى هؤلاء أن يكونوا منهم قلنا: أنت أعلم.

يقول الإمام -رحمة الله عليه-: "باب قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((هلاك أمتي على يدي أغيلمة سفهاء)) " أغيلمة: تصغير تحقير إما تصغيراً لأسنانهم فهم صبيان، أو تصغير لعقولهم وأحلامهم فهم سفهاء وإن كانوا كبار السن، فمثل هؤلاء سواءٌ كانوا صغاراً في أسنانهم أو في عقولهم وأحلامهم لا شك أن مثل هؤلاء يهلكون الحرث والنسل، مثل هؤلاء يتصرفون التصرفات المهلكة الضارة.

يقول: "حدثنا موسى بن إسماعيل –التبوذكي- قال: حدثنا عمرو بن يحيى بن سعيد بن عمرو بن سعيد، قال أخبرني جدي -سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص- قال: كنتُ جالساً مع أبي هريرة في مسجد النبي -صلى الله عليه وسلم- بالمدينة، ومعنا مروان" يعني ابن الحكم الذي تولى فيما بعد، "قال أبو هريرة: سمعت الصادق المصدوق" الصادق في نفسه، المصدوق عند الله -عز وجل-، "يقول: ((هلكة أمتي على يدي غلمة)) " في رواية أحمد والنسائي: ((سفهاء من قريش))، "فقال مروان: لعنة الله عليهم" هؤلاء الذين يكونون هلاك الأمة على أيديهم ممن ولي أمر المسلمين لعنهم مروان، أبو هريرة لم يلعنهم ولم ينقل لعنهم عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، وقد اختلف أهل العلم في لعن من هذا وصفه ممن أشير إليه في هذا الحديث كيزيد بن معاوية والحجاج وأمثالهم، أهل العلم يختلفون في مثل هؤلاء، والإمام أحمد لما سأله ابنه عبد الله عن يزيد وذكر له أنه ممن يستحق اللعن، فقال له: لما لا تلعنه؟ فقال -رحمة الله عليه-: هل عرفت أباك لعاناً، الشخص قد يستحق وصف، لكن هل الناس ملزمون بأن يصفوه بهذا الوصف؟ ليسوا بملزمين، السلامة لا يعدلها شيء، اكفف لسانك، المسألة خلافية، وليس المسلم باللعان ولا بالطعان ولا بالفاحش البذيء، فعلى الإنسان أن يحفظ لسانه ولا يقع في فلان ولا علان، لا سيما مع عدم وجود مصلحة ترجى من هذا، النبي -عليه الصلاة والسلام- لعن بأوصاف، ((لعن الله السارق يسرق البيضة)) ولعن أشخاص: "اللهم العن فلاناً وفلاناً" فأنزل عليه: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ} [(128) سورة آل عمران] فينبغي للإنسان ألا يرسل .. ، يسارع في هذه الأمور ويرسل لسانه، نعم إذا خشي من إنسان بعينه أن يتعدى شره وضرره على من لا يعرف حاله وأن يحذر منه؛ لئلا يتعدى شره وضرره لمن يغتر به.

شرح: باب: قول النبي -صلى الله عليه وسلم-:

"فقال مروان: لعنة الله عليهم غلمة" منصوب على اختصاص، "فقال أبو هريرة: لو شئت أن أقول: بني فلان وبني فلان لفعلت" وكأن أبا هريرة -رضي الله عنه- يعرف أسماءهم، فأبو هريرة حفظ من النبي -عليه الصلاة والسلام- وعاءين، أما أحد الوعاءين فبثه في الناس، وهو ما يحتاجون إليه من أمور الدين، وأما الوعاء الثاني الذي لا يحتاجون إليه فكتمه؛ لأنه لو بثه في الناس لقطع منه هذا البلعوم يعني لقتل؛ لأنه فيه ذكر أشخاص من مثل هؤلاء الأغيلمة الذين يكون على أيديهم هلاك الأمة ودمارها، ولا مصلحة من التصريح بأسمائهم، وكان أبو هريرة -رضي الله عنه- يتعوذ بالله -عز وجل- من الستين وإمارة الصبيان، يقول: "اللهم إني أعوذ بك من رأس الستين، وإمارة الصبيان"، رأس الستين توفي معاوية -رضي الله عنه-، تولى بعده ابنه يزيد، فأجاب الله -عز وجل- دعوة أبي هريرة فقبضه قبل ذلك بسنة، توفي سنة (59) أو (58) على خلاف في ذلك، المقصود أن الله أجاب دعاءه فقبضه قبل أن يعاشر ويعامل مثل هؤلاء. "قال أبو هريرة: "لو شئت أن أقول: بني فلان وبني فلان لفعلت، فكنت -عمرو بن يحيى بن سعيد بن عمرو بن سعيد- يقول: "فكنت أخرج مع جدي سعيد بن عمرو إلى بني مروان حين ملكوا بالشام" ولوا الخلافة بالشام، وفي رواية: "ملكوا"، "فإذا رآهم غلماناً أحداثا ً –شبان- أحداثاً، قال لنا: عسى هؤلاء أن يكونوا منهم؟ " يقوله لحفيده: عسى هؤلاء أن يكونوا ممن ذكر أبو هريرة في الحديث، "قلنا: أنت أعلم" أنت أعرف، أنت الذي سمعت أبا هريرة، وأنت الذي عاصرت هؤلاء وعرفتهم من قبل أن يتولوا وبعد ما تولوا، أنت أعرف وأدرى. شرح: باب: قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((ويل للعرب من شر قد اقترب)): باب: قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((ويل للعرب من شر قد اقترب)).

حدثنا مالك بن إسماعيل قال: حدثنا ابن عيينة أنه سمع الزهري عن عروة عن زينب بنت أم سلمة -رضي الله عنها- عن أم حبيبة عن زينب بنت جحش -رضي الله عنهن- أنها قالت: استيقظ النبي -صلى الله عليه وسلم- من النوم محمراً وجهه يقول: ((لا إله إلا الله، ويل للعرب من شر قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه)) وعقد سفيان تسعين أو مائة، قيل: "أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: ((نعم إذا كثر الخبث)). حدثنا أبو نعيم قال: حدثنا ابن عيينة عن الزهري وحدثني محمود قال: أخبرنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر عن الزهري عن عروة عن أسامة بن زيد -رضي الله عنهما- قال: أشرف النبي -صلى الله عليه وسلم- على أطم من آطام المدينة، فقال: ((هل ترون ما أرى؟ )) قالوا: لا، قال: ((فإني لأرى الفتن تقع خلال بيوتكم كوقع القطر)). يقول الإمام -رحمة الله عليه-: "باب قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((ويل للعرب من شر قد اقترب)) " ثم ساق حديث أم المؤمنين زينب بنت جحش، وهو مخرجٌ في الصحيح في مواضع، وهو أطول ما في الصحيح إسناداً، يعني أنزل ما في البخاري إسناد هذا الحديث، رواه في بعض المواضع تساعي، الآن مالك بن إسماعيل وابن عيينة سمعا الزهري عن عروة عن زينب عن أم حبيبة عن زينب، سباعي، لكن في موضعٍ آخر رواه بسندٍ تساعي، وهو أنزل ما في الصحيح، وأعلى ما في الصحيح كما هو معروف الثلاثيات.

يقول الإمام -رحمه الله تعالى-: "حدثنا مالك بن إسماعيل -بن زياد النهدي- قال: حدثنا ابن عيينة -يعني سفيان- أنه سمع الزهري -محمد بن مسلم بن شهاب الإمام المعروف- عن عروة -بن الزبير- عن زينب بنت أم سلمة عن أم حبيبة عن زينب بنت جحش"، أو ابنت جحش أم المؤمنين -رضي الله عنهن-،. . . . . . . . . ثلاث صحابيات، "قالت: استيقظ النبي -صلى الله عليه وسلم- من النوم محمراً وجهه" في بعض الروايات بل في آخر الفتن من هذا الكتاب: "دخل علي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوماً فزعاً" وهنا تقول: "استيقظ النبي -صلى الله عليه وسلم- من نومه محمراً وجهه"، دخل عليها بعد أن استيقظ من نومه فزعاً، وكانت حمرة وجهه من ذلك الفزع، فاستيقظ فزعاً، ثم دخل عليها فزعاً، ولا يمنع أن يجتمع هذا كله، "استيقظ النبي -صلى الله عليه وسلم- من النوم محمراً وجهه يقول: ((لا إله إلا الله .. )) " محمراً: حال كونه محمراً وجهه، ووجهه: فاعل، يقول: ((لا إله إلا الله)) كلمة التوحيد، ينبغي أن تقال في كل حال، وعلى كل حال، في كل ظرف وفي كل مناسبة لا إله إلا الله، ((وأفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله))، ((ويل للعرب)) كلمة تقال عند حصول هلكة أو توقعها، وهي في الأصل كلمة عذاب أو وادٍ في جهنم كما يقول بعض أهل العلم، ((ويلٌ للعرب من شر قد اقترب)) وتخصيص العرب لأنهم في ذلك الوقت ما دخل غيرهم في الدين أحد، وفي حكمهم ويلٌ له من يوافقهم على الدين، ((ويلٌ للعرب من شرٍ قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج)) كيف يقول: اقترب وقد مضى الآن أكثر من أربعة عشر قرناً ولم يحصل؟ إذا لاحظنا أن النبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((بعثت أنا والساعة كهاتين)) فزمنه -عليه الصلاة والسلام- قريب من الساعة، باعتبار أنه لم يكن بينه وبين الساعة أحدٌ من الأنبياء، فهو أقرب الأنبياء إلى قيام الساعة، ولذا قال: ((ويلٌ للعرب من شرٍ قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج -سد يأجوج ومأجوج الذي بناه ذو القرنين- مثل هذه)) وعقد سفيان تسعين"، التسعين يأتي إلى السبابة اليمنى ....

شرح كتاب الفتن (2)

شرح كتاب الفتن من صحيح البخاري (2) شرح: باب: ظهور الفتن، وبابٌ: لا يأتي زمانٌ إلا الذي بعده شرٌ منه، وباب: قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((من حمل علينا السلاح فليس منا)). الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير ولذا قال: ((ويلٌ للعرب من شرٍ من اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج)) سد يأجوج ومأجوج الذي بناه ذو القرنين، مثل هذه وعقد سفيان تسعين، التسعين يأتي إلى السبابة اليمنى ويجعل طرفها في أصلها، طرف السبابة اليمنى في أصلها في أصل السبابة، ويضمها ضماً محكماً بحيث انطوت عقدتاها حتى صارت كالحية المطوية هذه تسعين، العرب أمةٌ أمية لا يقرأون ولا يحسبون، إنما يتعاملون بالإشارات، ولهم طريقة في الحساب يبدأون بأصابع اليد اليمنى في العشرات، والمئات باليد اليسرى، بأصابع اليد اليسرى. "عقد تسعين أو مائة" المائة كالتسعين إلا أنها بالخنصر اليسرى، وعلى هذا فالتسعون والمائة متقاربتان، يطوي طرف أو يجعل طرف الخنصر اليسرى في أصلها، ويطويها طياً محكماً حتى تكون شبه الحية، ولذا شك الراوي هل قال: تسعين أو قال: مائة لتقاربهما في الصورة، قال: عقد سفيان أو مائة، قيل للنبي -عليه الصلاة والسلام-: "أنهلك وفينا الصالحون؟ " قال: ((نعم، إذا كثر الخبث)) إذا كثر الخبث صار له وجود من الفجور، الخبث بجميع أنواعه العملي والفكري، الخبث المتعلق بالشهوات، والخبث المتعلق بالشبهات، إذا كثر هذا ووجد وعجز الناس عن إنكاره ومقاومته هلكوا وفيهم الصالحون، وهذا الذي يخشى منه، هذا المخيف وإلا فالأمة تعيش صحوة ورجعة أفضل من سنين كثيرة مضت، يوجد -ولله الحمد- من العلماء من جمع الله لهم بين العلم والعمل، يوجد من طلاب العلم ممن رجعوا إلى تحصيل العلم على الجواد المعروفة المتبعة عند أهل العلم بعد تخبطٍ طويل، يوجد دعاة، يوجد قضاة، يوجد عباد، يوجد زهاد، الأمة فيها خير، في هذه البلاد ظاهر وفي غيرها أيضاً موجود، "أنهلك وفينا الصالحون؟ " الصالحون كثير، لكن أهل الهلاك مرتبطون بكثرة الخبث، وظهور الخبث لا يحتاج إلى برهان.

ثم بعد هذا قال: "حدثنا أبو نعيم حدثنا ابن عيينة عن الزهري" أبو نعيم هو الفضل بن دكين كما هو معروف، وابن عيينة: هو سفيان، والزهري: محمد بن مسلم بن شهاب، "عن الزهري، وحدثني محمود" في مثل هذا السياق الأصل أن يقال: "ح" وهي موجودة في بعض الروايات: "ح" التحول، "وحدثني محمود -بن غيلان- قال: أخبرنا عبد الرزاق -بن همام- قال: أخبرنا معمر -بن راشد- عن الزهري عن عروة عن أسامة بن زيد -رضي الله عنهما- قال: أشرف النبي -عليه الصلاة والسلام-" اطلع من علو -عليه الصلاة والسلام- "على أطم" وهو الحصن "من آطام" من حصون "المدينة"، وفيها حصون كثيرة المدينة "فقال: ((هل ترون ما أرى؟ )) أشرف من علو -عليه الصلاة والسلام- وهو في هذا الأطم، وفي هذا الحصن "فقال: ((هل ترون ما أرى؟ ))، قالوا: لا"، الرسول -عليه الصلاة والسلام- يكشف له، رأى النار وهو يصلي صلاة الكسوف، كشف ولم يروا شيئاً، إنما رأوه تكعكع تأخر، وهنا كشف له عن مواطن الفتن، "فقال: ((هل ترون ما أرى؟ ))، قالوا: لا، قال: ((فإني لأرى الفتن)) " يراها ببصره -عليه الصلاة والسلام- حيث كشف له عن ذلك، ((تقع خلال بيوتكم)) يعني بين بيوتكم ((كوقع القطر)) المراد به: المطر، تنزل على بيوت الناس، وتنزل بينها، وفي خلالها هذه الفتن، كما ينزل المطر، فيعم، وحصلت هذه الفتن بدءً بمقتل الخليفة الراشد عمر، وهو الباب الذي كسر، ثم ما حصل من قتل عثمان -رضي الله عنه-، ثم ما حصل بعد ذلك من جرائه الخلاف الحاصل بين الصحابة، ثم تتابعت الفتن وتواردت على الأمة، وهي في ازدياد، والله المستعان. بقي وقت وإلا ما بقي؟ انتهى الوقت؟ هاه؟ ... . . . . . . . . . أنهم إذا مر عليهم الوقت ولم يفتنوا نظروا في أنفسهم، فكيف يمكن الجمع بين ذلك وبين عدم تمني الابتلاء؟

الفتنة لا شك أنها مصيبة، ومن تجاوزها فقد فاز، المصائب لا يتمناها الإنسان، لكن إذا مضى عليه وقت ولم يصب بشيء لا بد أن يفكر في نفسه؛ لأن هذه المصائب وهذه الفتن وهذه المحن هي في الواقع والحقيقة منح من الله -عز وجل-، يرتب عليها الأجور، ويرتب عليها رفع الدرجات إذا تجاوزها الإنسان، فالإنسان الذي لا يصاب بمرض، يمكث خمس سنوات عشر سنوات لم يصب بمرض، نعم عليه أن يحمد الله -عز وجل-، ولا يتمنى أن يمرض، لكن يفكر في نفسه، المؤمن كخامة الزرع عرضة لهذه الأمراض، بينما الكافر بالعكس يستوفي كل ما يستحقه في هذه الدنيا، ويوفر له العذاب يوم القيامة، بينما المؤمن ترد عليه هذه الفتن، ترد عليه هذه المصائب، تكفر ذنوبه تمحصه ترفع درجاته، فهي نوع المصائب، فإذا لم يحصل للإنسان شيء طول عمره لا بد أن يفكر، لماذا الناس يصابون؟ الناس يبتلون؟ الناس يحصلون لهم من الأجور، ورفع الدرجات بسبب .. ، وأنا لماذا؟ لماذا صرت مشبهاً للكفار الذين لا يصابون؟ فلا شك أن مثل هذا لا بد أن يوجد تساءل، لا بد أن يوجد تساءل. يا شيخ -عفا الله عنك- يقول: ورد في الأسئلة أو في الأحاديث أن النبي -صلى الله عليه سلم- يرد بعض الصحابة، وبهذه الأحاديث يأخذ منها الرافضة أن الصحابة -رضي الله تعالى عنهم- ارتدوا بعد النبي -صلى الله عليه وسلم-، فما توجيهكم؟ هل هم من الصحابة أي من المنافقين؟ أم من الذين يأتون بعد عهد الصحابة -رضي الله تعالى عنهم-؟

الردة بعد وفاته -عليه الصلاة والسلام- حصلت، ولا أحد ينكرها، ورجع إلى الدين كثيرٌ ممن ارتد، وبقي من بقي ومات على ردته، بعضهم قتل وهو مرتد، فمن رآه منهم فهو من أصحابه، وإن كان هذا النوع وجد فيمن لم يخالط الإيمان بشاشة قلبه، وإن دخل في أصل الإيمان، دخل في الإسلام من الأعراب والبوادي الذين لم تخالط بشاشة الإيمان قلوبهم، لكن يبقى كبار الصحابة علماء الصحابة فقهاء الصحابة، ما ارتد منهم أحد أبداً، لا يمنع أن يوجد من يرتد من الصحابة؛ لعدم مخالطة الإيمان لقلبه مخالطةً تامة، لعدم تمكن الإيمان من قلبه، وجد من الأعراب من يعطى من المال، يعطى من الزكاة وهو لا يستحق غني، لماذا؟ لكي يتقوى إيمانه، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يعطي الرجل ويترك من هو أفضل منه خشية أن يكبه الله في النار؛ لأن مثل هؤلاء الأعراب الذين ما تكمن الإيمان من قلوبهم مثل هؤلاء يعني عرضة لأن يرتدوا، وقد ارتد منهم من ارتد، ولا يعني هذا أن من كبار الصحابة من ارتد، من علماء الصحابة من ارتد، من فقهاء الصحابة من ارتد أبداً لا يوجد منهم أحد، المنافقون في الأصل ما دخل الإيمان في قلوبهم هم في الباطن كفار فلا يحسبون من هؤلاء، من ارتد من دخل في الإسلام ثم وجد فرصة هذا الخلل الذي حصل بوفاته -عليه الصلاة والسلام-، أو حصل له شبهة جعلته يرتد؛ لأنه ما دام رسول من قبل الله -عز وجل-، ينبغي أن لا يموت جهل فارتدوا بسبب ذلك، وأما الكبار الفقهاء العلماء أجلاء الصحابة ما يعرف منهم أحد، نعم. عفا الله عنك، السؤال الأخير يقول: من البلايا التي ابتليت بها الأمة الإسلامية في هذه الأيام والتي يواجه بها أهل الغيرة شدةً من الإنكار هي وجود فتاوى من بعض من ينتسب إلى العلم مع أنها خطأ فيقع كثيرٌ من الناس في المنكرات كالإفتاء بجواز القنوات الفضائية والنظر إليها وغيرها من الفتن، مع أنه يوجد في هذه القنوات الفضائية من يتكلم على مثل هذه الأحداث ومثل هذه الفتن فيَضل ويُضل الناس، فما توجيهكم على هذا وفقكم الله؟

وجود هذا النوع ممن يفتي بغير علم مما أشار إليه النبي -عليه الصلاة والسلام- بقوله: ((إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من صدور الرجال، وإنما يقبض العلم بقبض العلماء، فإذا قبض العلماء اتخذ الناس رؤوس جهال، فسئلوا فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا)) لا بد من وجود مثل هؤلاء، لا بد من وجود مثل هؤلاء قضاءً، ولا يعني أنهم شرعاً يمكنون؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- أخبر عنهم، لا، نعم هم قدراً –قضاءً- موجودون، مصداقاً لحديثه -عليه الصلاة والسلام-، لكن لا يعني أنهم لا بد أن يوجدوا شرعاً فيتمثل من ولاه الله أمر المسلمين أن يعين من أمثال هؤلاء لتطبيق هذا الخبر ما يمكن؛ لأن ما جاء الخبر عنه مما سيقع في آخر الزمان ليس مطلوب إيجاده ولا تحقيقه، إنما هو موجود كعلامة لقرب الساعة. وجود مثل هؤلاء لا شك أنه موجود ومنذ أزمان، لكن على طالب العلم الذي يريد الفائدة، وعلى العامي أيضاً أن ينظر من يقتدي به، ينظر من يقلد، ينظر من يعتمد فتواه. وليس في فتواه مفتٍ متبع ... ما لم يضف للعلم والدين الورع

إذا وجد الورع والتحري والتثبت إلزم، هذا الذي أراد الله به خيراً، أما شخص يفتي في كل مسألة يقتحم كل غمرة، ولا يتردد في شيء، ولا يتورع عن شيء مثل هذا تصرفاته توجد منه ريبة، ولو كان عنده شيء من العلم ما لم يتصف بهذا الوصف الذي لا بد من تحقيقه لمن يوقع عن الله -عز وجل- في الفتوى، المفتي في الحقيقة يوقع عن الله -عز وجل-، فإذا لم يتصف بهذا الوصف الذي هو الورع الذي يجعله يحتاط ويتحرى ولا يفتي فيما لا يعلم، والملاحظ أن كثيراً ممن يتصدى لهذه الأمور لا يعرف عنه أنه قال: الله أعلم، أو لا أدري، مثل هذا تصاب مقاتله، مثل هذا يقع في الخطأ، بل يكثر منه خطأ، ولا يعان، ولا يسدد، ولا يوفق، النبي -عليه الصلاة والسلام- لما تكلم عن الخيل، وأنها لثلاثة: ((لرجلٍ أجر، ولآخر وزر، ولثالث ستر)) بعدها فصل، ثم سئل عن الخيل فقال: ((ما أنزل علي فيها شيء))، الرسول -عليه الصلاة والسلام- المعصوم، ((إلا هذه الآية الجامعة: {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [(7، 8) سورة الزلزلة])) هذه تربية لمن يتولى إفتاء الناس، فإذا كان الرسول -عليه الصلاة والسلام- يقف، ما أنزل عليه فيه شيء، يعني بالتفصيل ما عنده شيء، لكن دخولها في عموم هذه الآية تدخل، وتجد كثير من أنصاف المتعلمين يتولى يصدر الناس في العضل في المسائل الكبرى، في الأمور الذي يترتب عليها تغيير مسارات مصائر الأمة قد تجد بعض الناس يتصدى بكلامٍ أشبه بالتحليلات الصحفية، يتوقع أن يكون كذا، واجتمع عنده قرائن وكذا ويا الله خذ، فمثل هؤلاء عليهم أن يتقوا الله -عز وجل-، وأجرأ الناس على الفتيا أجرأهم على النار، ويخشى أن يدخلوا في عداد من يكذب على الله -عز وجل-، {وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ} [(116) سورة النحل] كذب، بل من أظهر وجوه الكذب على الله -عز وجل- الفتيا بغير علم، إذ أنك تقول: إن حكم الله في هذه المسألة كذا، وأنت تكذب عليه، {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ} [(60) سورة الزمر] فعلينا أن نحذر

شرح: باب: ظهور الفتن:

من مثل هؤلاء، ونتقيهم ونقل عنهم أمور تسامحوا فيها وتساهلوا، وقلدهم الناس، ووقعوا فيما وقعوا فيه بسبب أمثال هؤلاء، والله المستعان، ولا يعنى شخص بعينه لكن الكلام عام يعني، وأنا لا أقصد شخص بعينه، لكن يوجد من أمثال هؤلاء، والله المستعان. شرح: باب: ظهور الفتن: الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا والسامعين برحمتك يا أرحم الراحمين. قال الإمام البخاري -رحمه الله تعالى-: باب: ظهور الفتن: حدثنا عياش بن الوليد قال: أخبرنا عبد الأعلى قال: حدثنا معمر عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((يتقارب الزمان، وينقص العلم، ويلقى الشح، وتظهر الفتن ... العمل، العمل. أحسن الله إليك: قال: ((يتقارب الزمان، وينقص العمل، ويلقى الشح، وتظهر الفتن، ويكثر الهرج)) قالوا: يا رسول الله: أيم هو؟ قال: ((القتل القتل))، وقال شعيب ويونس والليث وابن أخي الزهري عن الزهري عن حميد عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم-. حدثنا عبيد الله بن موسى عن الأعمش عن شقيق قال: كنت مع عبد الله وأبي موسى -رضي الله عنهما- فقالا: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((إن بين يدي الساعة لأياماً ينزل فيها الجهل، ويرفع فيها العلم، ويكثر فيها الهرج)) والهرج: القتل. حدثنا عمر بن حفص قال: حدثنا أبي قال: حدثنا الأعمش قال: حدثنا شقيق قال: جلس عبد الله وأبو موسى فتحدثا فقال أبو موسى: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((إن بين يدي الساعة أياماً يرفع فيها العلم، وينزل فيها الجهل، ويكثر الهرج)) والهرج: القتل. حدثنا قتيبة قال: حدثنا جرير عن الأعمش عن أبي وائل قال: إني لجالس مع عبد الله وأبي موسى -رضي الله عنهما- فقال أبو موسى: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- مثله، والهرج بلسان الحبشة: القتل. حدثنا محمد قال: حدثنا غندر قال: حدثنا شعبة عن واصل عن أبي وائل عن عبد الله وأحسبه رفعه قال: ((بين يدي الساعة أيام الهرج، يزول فيها العلم، ويظهر فيها الجهل)) قال أبو موسى: والهرج القتل بلسان الحبشة.

وقال أبو عوانة عن عاصم عن أبي وائل عن الأشعري أنه قال لعبد الله: تعلم الأيام التي ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- أيام الهرج نحوه؟ قال ابن مسعود: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء)). الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. يقول الإمام -رحمه الله تعالى-: "باب: ظهور الفتن" والمراد بظهورها كثرتها، وإلا وجودها فمتقدم منذ أن قتل الخليفة الراشد، بل كسر الباب بقتل عمر -رضي الله عنه-، يعني أصل الوجود متقدم وجود الفتن، لكن المراد بظهورها يعني كثرتها، يعني كثرة الفتن نسأل الله السلامة والعافية من مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن.

يقول الإمام -رحمه الله تعالى-: "حدثنا عياش بن الوليد -البصري- قال: حدثنا عبد الأعلى" يعني ابن عبد الأعلى السامي، "قال: حدثنا معمر -بن راشد- عن الزهري -محمد بن مسلم بن شهاب- عن سعيد -بن المسيب- عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((يتقارب الزمان)) " "يتقارب الزمان" يختلف أهل العلم في المراد بتقارب الزمان، فمنهم من يقول: باعتدال الليل والنهار، يتساوى الليل والنهار في آخر الزمان، لكن هذا فيه بعد، ومنهم من يقول: يتقارب يعني يدنو قرب قيام الساعة، ومثل هذا لا يحتاج إلى تنصيص، يعني كل ما تأخر الزمن قرب قيام الساعة، يعري الكلام عن الفائدة، منهم من يقول: تقصر الليالي والأيام، تقصر الليالي والأيام قصوراً حسياً هذا قول، لكنه أيضاً ضعيف؛ لأن اليوم والليلة منذ أن خلق الله السماوات والأرض، منذ أن فصل بين الليل والنهار ووقتهما وزمناهما واحد المجموع (24) ساعة، منهم من يقول: أن المراد بتقارب الزمان تسارع انقراض الدول، تنقرض دولة ويأتي بعدها أخرى، وتنقرض ثانية وثالثة وهكذا، نظراً لكثرة الفتن، وهذا يتمثل في الانقلابات الحاصلة في كثير من الدول، ولكن أيضاً هذا القول ضعيف؛ لأنه لا يعني أن جيلاً ينتهي ويأتي جيل آخر، أو أمة تذهب ويخلفها غيرها أن هذا من تقارب الزمان، منهم من يقول: المراد قصر الأعمار، قصر الأعمار، لكن أعمار هذه الأمة منذ بعثة نبيها -عليه الصلاة والسلام- إلى قيام الساعة متقاربة، معترك المنايا بين الستين والسبعين، قليلٌ من يجاوز ذلك، ولا وجد فرق بين عصره -عليه الصلاة والسلام- إلى يومنا هذا، نعم في الأمم المتقدمة -القديمة جداً- فيها طول في أعمارها، ولذا عوضت هذه الأمة عن طول الأعمار بليلة القدر.

روى الترمذي عن النبي -عليه الصلاة والسلام- مرفوعاً من حديث أنس مرفوعاً، قال: ((لا تقوم الساعة حتى يتقارب الزمان فتكون السنة كالشهر، ويكون الشهر كالجمعة، وتكون الجمعة كاليوم، ويكون اليوم كالساعة، وتكون الساعة كإضرام النار أو كإحراق سعفة)) وهذا أولى ما يفسر به حديث الباب؛ لأنه مرفوع وإن كان فيه ضعف؛ لأنه من رواية عبد الله بن عمر العمري المكبر، وهو ضعيف عند أهل العلم، في حفظه ضعف، لكن هذا أولى ما يفسر به الخبر، يتقارب الزمان فتكون السنة كالشهر، ويكون الشهر كالجمعة، وتكون الجمعة -يعني الأسبوع- كاليوم، ويكون اليوم كالساعة، والساعة كاحتراق سعفة، أو إضرام النار إيقادها، والمراد بذلك محق البركة من الأوقات، محق البركات من الأوقات، وإلا فالسنة: اثنا عشر شهراً ما زالت، ولن تزال كذلك، والشهر: تسعة وعشرون يوماً، وقد يكون بعضها إلى الثلاثين، والجمعة التي هي عبارة عن أسبوع سبعة أيام، والأيام معروفة لا تتغير، لكن تقارب الزمان معنوي وليس بحقيقي، فتكون الفائدة التي يجنيها المسلم خلال سنة تعادل ما يجنيه المسلم قبل هذا الوقت -الذي هو آخر الزمان- في شهر، وما يكتسبه المسلم خلال شهر يعادل ما يعمله المسلم قبل ذلك الوقت في أسبوع وهكذا، وهذا أقرب ما يفسر به الحديث، وهذا هو الواقع، يعني لو نظرنا بعين البصيرة إلى تلاحق الأيام وجدنا أن اليوم يمر بدون فائدة بالنسبة لكثيرٍ من الناس، لكثيرٍ من الناس والحكم للغالب، تجد الساعة لمحة بصر، تجد اليوم ينتهي بمشوار، تجد الليلة تنتهي بجلسة قيل وقال ثم خلاص تنظر الساعة تعجب كيف مشت الليلة؟ وهكذا، لكن هذا بالنسبة للغالب، أما من منَّ الله عليه وهم الأقلون الزمان هو الزمان، الذي يُقرأ من القرآن في عهد الصحابة في الوقت يقرأه بعض الناس اليوم بنفس الوقت، الذي يُقرأ .. ، وما يذكر عن بعض أهل العلم من قراءةٍ في كتب العلم في الصدر الأول يقرأ الآن عند بعض الناس ممن بورك له في الوقت، لكن غالب الناس تضيع أيامه سدى، اليوم نبدأ، لا غداً، ما يمدينا اليوم، غداً من رأس الشهر، من رأس الأسبوع، وتنتهي الأيام وهو ما هو بادي بشيء، هذا حال كثير من الناس لا سيما من ابتلي بالسهر مثلاً،

ثم في وقت البكور ينام لا يستفيد من أول النهار، ثم يداوم إلى قرب العصر، ثم يحتاج إلى راحة بعد العصر، والمغرب يالله يمديه، هذه سالفة وهذا تلفون ينتهي، والعشاء مواعد الشلة والربع يبي يطلع يمين ويسار ويسهر، وهكذا تنقضي الأعمار دون جدوى عند كثيرٍ من المسلمين، هذا صورة، بل من أوضح الصور لمحق الأعمار، وهذا في المسلم الذي يمضي أوقاته في المباح، فكيف بمن يمضي أوقاته في المحرمات؟ نسأل الله السلامة والعافية. لكن لو أراد المسلم أن يطبق العمل الذي شرحه ابن القيم -رحمه الله تعالى- في طريق الهجرتين للمقربين جدول يمشون عليه منذ استيقاظهم من النوم إلى أن يأتي النوم الثاني، جدول يمشون عليه، وهو في مقدور كل أحد، ما فيه يعني صعوبة، لكن يحتاج إلى توفيق، يحتاج إلى توفيق، أمرٌ في غاية اليسر والسهولة، لكن من يوفق لمثل هذا العمل، وابن القيم -رحمه الله- يشرح هذا العمل، والمظنون به أنه يطبق، ومع ذلكم يقول: "والله ما شممنا لهم رائحة" هذا من تواضعه -رحمه الله-، ولا يريد أن يبدي من عمله شيء وإلا هو معروف بالعمل المتعدي واللازم. شباب الأمة تجدهم أكثر أوقاتهم في السيارات، وفي الاستراحات، والقيل والقال، ما تجد هناك إنتاج وعمل ينفع الشخص وينفع أمته إلا القليل النادر، يعني الخير موجود في أمة محمد، لكن أكثر الأمة على هذا -مع الأسف الشديد- فضلاً عن عوام الناس، فضلاً عن الفساق الذين يقضون أوقاتهم فيما يضرهم ويضر غيرهم، والله المستعان.

يعني البركة في العمر نزعها من تقارب الزمان، ووجودها من زيادة العمر، يعني كما قيل في قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((من سره أن يبسط له في رزقه، وينسأ له في أجله فليصل رحمه)) ينسأ له في أجله، تجد زيد من الناس واصل بار واصل ويموت عن ثلاثين خمسة وثلاثين بحادث، قد يقول قائل: أين مصداق الحديث؟ ما بسط، ما نسئ له في أجله عجل عليه وهو بار، نقول: نعم، عمل في هذه الثلاثين السنة ما يعمله غيره في ستين سبعين سنة، وفق لأعمالٍ تضاعف له الحسنات بحيث يساوي من عمر مائة سنة، على الخلاف بين أهل العلم هل هذه الزيادة حقيقية؟ يعني يزاد في سنيه أو هي معنوية بأن يبارك له فيما يعيشه من عمر، فينتج من الأعمال الصالحة، ويدخر من الحسنات ما يجنيه بعض الناس في أضعاف ما عاشه؟ النووي -رحمه الله- مات عن خمسة وأربعين عاماً، خمسة وأربعين سنة عمره، يعني في مساجد الدنيا كلها يقال: قال -رحمه الله-، ألف كتب البركة ظاهرة من عمره، البركة ظاهرة، ألف (رياض الصالحين) ألف (الأذكار) كل مسلم بحاجة إلى هذين الكتابين، ألف (شرح مسلم) ألف (شرح المهذب) الذي لا نظير له في كتب الفقه لا سيما القسم الذي تولى شرحه وإلا الكتاب ما هو بكامل، يعني لو كمل كان أعجوبة. قد يقول قائل: هذه أمور ليست بأيدينا، البركة من الله -عز وجل-، لكن يا أخي ابذل السبب وتجد البركة، اجلس واقرأ وشوف، يتصورون أنه يعيش بيننا الآن من يقرأ في اليوم خمسة عشر ساعة، تصورون أنه يوجد من يختم كل ثلاث، ويداوم الدوام الرسمي، ويصل رحمه، ويزور المقابر، ويزور المرضى، يزاول الأعمال طبيعي جداً، ويختم كل ثلاث، والإنسان إذا قيل له: يا أخي ما تقرأ قرآن، ما تعمل كذا، يقول: والله مشغولين، من يبي يشتغل معي، من يبي يقرأ، من يبي يرتاح، مشاغل الآن الحياة، يا أخي مشاغل الحياة، إيش مشاغل الحياة؟. . . . . . . . . تسوى، الحياة ممر وليست مقر، الحياة مزرعة ازرع يا أخي، والله المستعان.

((يتقارب الزمان، وينقص العمل)) ينقص العمل نعم، نسمع في سير الصالحين من الأعمال ما هو عند كثيرٍ من الناس أساطير، أساطير، بل صرح بعضهم أن هذه خرافات؛ لأنه ما جرب المسكين، لكن لو جرب وجاهد ثم تلذذ فيما بعد وجد أن الأمر حقيقي. نقرأ في سيرة ابن المبارك الذي ضرب من كل سهمٍ من سهام الإسلام بنصيب وافر، ثم يقال: هذا العمل لا يطاق، ورأينا من شيوخنا من قرب من عمل ابن المبارك، صار حياته كلها لله، فالخير في أمة محمد، لكن على الإنسان أن يبذل السبب، ويصدق مع الله -عز وجل-، ويعينه الله -سبحانه وتعالى- على أن تكون حياته كلها لله، {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ} [(162) سورة الأنعام] تنقلب عاداته عبادات إذا صدق مع الله -عز وجل-، وبذل السبب، وليس معنى هذا أن الإنسان ينسى نصيبه من الدنيا، لا، لا ينس نصيبه من الدنيا، ولا يكون عالة يتكفف الناس لا، الإسلام دين التوازن، يعني أوجدك في هذه الدنيا لتزرع للآخرة، فما يعين على هذه الزراعة من الزراعة، كسب المال من وجهه، وإنفاقه في وجهه من خير ما يبذل الإنسان فيه جهده، لكن واقع كثير من الناس العكس، يوصى ألا ينسى نصيبه من الآخرة، كثير من الناس على هذه الحال، يعني تجده ما صرف من وقته إلا وقت الفريضة ويأتيها على وجهٍ -الله أعلم- أين قلبه بينما الأصل الآخرة، ولا يقول قائل: أن ديننا دين عبادة دون عمل، لا، عبادة وعمل، دين ودنيا، والدنيا تكون من أمور الآخرة إذا استغلت فيما يرضي الله -عز وجل-.

((ينقص العمل)) ولا نحتاج إلى أن نضرب شواهد نظرية على نقص العمل، تجد ممن ينتسب إلى العلم مع الأسف، بل ممن يعلم الناس، أو يدعو الناس، أو يحكم بين الناس تجده كثيراً ما يقضون الصلاة، بينما المنتظر من مثل هؤلاء أن يكونوا قدوة وأسوة للناس، العلم موجود وكثير، لكن أين العلم النافع؟ ((ينقص العمل)) فإذا تلتفت إلى الصف الثاني والثالث الناس الذين فاتهم بعض الصلاة تجد مع الأسف الشديد منهم من ينتسب إلى العلم، وهذا مصداق قوله: ((ينقص العمل)) تجد الإنسان ممن ينتسب إلى طلب العلم ويسهر الليل ويأتي وقت النزول الإلهي ثم يصعب عليه أن يؤدي الوتر يصعب عليه، ما يعان، وإن كان يتمنى ذلك ويحرص عليه، ويعرف جميع ما ورد فيه نصوص، لكنه لا يعان على ذلك، والله المستعان. ((ويلقى الشح)) والشح أشد من البخل، البخل مع الحرص، ((ويلقى الشح)) وعلى كافة المستويات تجد التاجر يبخل بما في يده، فإذا جيء وطلب منه الإنفاق اعتذر، بل تشبع قال: فعلنا وفعلنا وتركنا وأنتم ما تدرون عن شيء، يقول هذا وهو ما طلع شيء، ويبتلى بوجوه من وجوه الإنفاق لا تنفعه لا في دينه ولا في دنياه، يسلط عليه أمور تقضي على أمواله من غير فائدة، بينما لو أنفقها في سبيل الله، وفيما يرضي الله -عز وجل- زادت بإذن الله. أيضاً الشح عند بعض أهل العلم، فتجده يبخل لا يعلم الناس، ولا يعظ الناس ويرشدهم، فلا يستفيد منه متعلم، ولا يستفيد منه عامي، وإذا سئل عن مسألة قال: الحمد لله، دار الإفتاء أبوابه مفتوحة، وجد من يقول هذا الكلام، لكن أين العهد والميثاق الذي أخذ عليك؟ هذا أيضاً مظهر من مظاهر الشح، ((يلقى الشح)) وهذا أشد من الشح بالمال، نعم الزكاة ركن من أركان الإسلام، لكن قد يوجد للإنسان إذا بخل بالمال الذي تعب عليه، وأيضاً ما عنده من العلم ما يجعله يقدم وينفق بسخاء لا يلام مثل ما يلام العالم الذي أعطاه الله من العلم ما يستطيع به أن ينفع الناس، هذا مظهر من مظاهر الشح، والأمثلة على ذلك كثيرة، تجد الصانع يبخل بصناعته يحتكر، يأخذ ما يسمونه براعة الاختراع، ولا يطلع الناس على كيفية هذه الصناعة، يبخل بها ويشح بها على الناس.

((يلقى الشح، وتظهر الفتن)) تكثر، وهذا هو الشاهد من الحديث للباب، ((ويكثر الهرج))، ((ويكثر الهرج)) قالوا: يا رسول الله: أيم؟ )) " لأن الهرج في الأصل الاختلاط مع الاختلاف هذا هو الأصل فيه، فأي نوعٍ من أنواع الهرج؟ فأجاب -عليه الصلاة والسلام- مفسراً الهرج بالقتل، قال: ((القتل، القتل)) القتل، القتل هذا هو الهرج، طيب إذا كثر الهرج ماذا نصنع؟ هذا خبر لا بد من وقوعه، لكنه لا يقال: لا بد من إيقاعه، يعني المسألة كونية لا بد من أن يقع، لكن شرعاً؟ لا، هل للمسلم أن يسعى لإيقاع ما أخبر به النبي -عليه الصلاة والسلام- في آخر الزمان؟ لا يجوز له ذلك، لكنه لا بد من وقوعه كوناً، فما الذي على المسلم إذا وجد مثل هذه العلامة من علامات قرب الساعة؟ يلزم العبادة، كما جاء في الحديث الصحيح: ((العبادة في الهرج كهجرة إليّ)) يترك القيل والقال؛ لأنه قد يكون له يد في مثل هذه الموبقة العظيمة التي هي القتل، يترك القيل والقال، ويقبل على العبادات الخاصة والنفع المتعدي بقدر المستطاع.

"وقال شعيب -وهو ابن أبي حمزة- ويونس -بن يزيد الأيلي- والليث -بن سعد- وابن أخي الزهري" محمد بن عبد الله بن مسلم، "عن الزهري"، هؤلاء أربعة يرون عن الزهري "عن حميد" بينما معمر يروي عن الزهري عن سعيد، هذه فائدة إسنادية يشيرون بمثل هذا إلى التعليل، لكن الحديث في كتابٍ التزمت صحته، واعتمد البخاري الرواية الأولى فساقها بإسناده: حدثنا معمر عن الزهري عن سعيد، هنا قال: "وقال شعيبٌ ويونس والليث وابن أخي الزهري عن الزهري عن حميد"، وكلاهما صحيح لا سيما إذا وقع هذا من مثل الزهري، فالزهري مكثر من الرواية ومن الشيوخ، ولا يعني أن هذا باستمرار يحكم بالصحة للجميع ولو كانوا ثقات؛ لأن الأطباء أطباء الحديث أهل العلل يعلون بمثل هذا، فالأكثر على أنه عن الزهري عن حُميد، ومعمر عن الزهري عن سعيد، عن إيش؟ عن الزهري عن سعيد بن المسيب، فلما ذكر الرواية الأولى معتمداً عليها مقرراً لها وأردفها برواية الأكثر لا يعني أنه يعل رواية الواحد برواية الجماعة، مثل هذه مردها إلى القرائن، والقرائن في مثل هذا السياق تدلنا على أن الكل صحيح، لا سيما من مثل الزهري، وهو مكثر من الرواية، ومكثر من الشيوخ.

ثم قال بعد ذلك: "حدثنا عبيد الله بن موسى عن الأعمش -سليمان بن مهران- عن شقيق بن سلمة -أبي وائل- قال: كنت مع عبد الله -يعني ابن مسعود- وأبي موسى فقالا: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((إن بين يدي الساعة -يعني قبلها قريبٌ منها- لأياماً ينزل فيها الجهل، ويرفع فيها العلم)) وجاء بيان ذلك في الحديث الصحيح: ((إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من صدور الرجال، وإنما يقبضه بقبض العلماء، فإذا لم يبقَ عالماً اتخذ الناس رؤوساً جهالاً، فسُئلوا فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا)) يكثر الجهل، ويرفع العلم، يرفع بقبض أهله، ليس معناه أنه ينتزع من صدور الرجال، لا، إنما يرفع بقبض أهله، ((ويرفع العلم -يعني بموت العلماء- ويكثر فيها الهرج)) والهرج: القتل" هو في الرواية الأولى سئل النبي -عليه الصلاة والسلام-: أيم هو؟ قال: ((القتل القتل)) فهو مرفوع، وهنا في هذا الحديث يحتمل الرفع والوقف، أنه من قول عبد الله بن مسعود وأبي موسى، وجاء مرفوعاً في حديث أبي هريرة. ثم قال: "حدثنا عمر بن حفص قال: حدثنا أبي حفص بن غياث حدثنا الأعمش -سليمان بن مهران- قال: حدثنا شقيق -أبو وائل هذا سبق- قال: جلس عبد الله وأبو موسى فتحدثا فقال أبو موسى: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((إن بين يدي الساعة أياماً يرفع فيها العلم، وينزل فيها الجهل، ويكثر الهرج)) والهرج: القتل"، وهذا كسابقه يحتمل الرفع والوقف، وأنه من قول أبي موسى الراوي فقال أبو موسى.

ثم قال: "حدثنا قتيبة -كلها بمعنىً واحد- يقول: حدثنا قتيبة -يعني ابن سعيد- قال: حدثنا جرير -يعني ابن عبد الحمد- عن الأعمش عن أبي وائل قال: إني لجالس مع عبد الله وأبي موسى -رضي الله عنهما- فقال أبو موسى: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- مثله"، والهرج بلسان الحبشة: القتل"، الهرج بلسان الحبشة: القتل، كيف يكون بلسان الحبشة والنبي -عليه الصلاة والسلام- فسره بالقتل؟ يمنع أن ينطق النبي -عليه الصلاة والسلام- باللغة الحبشية؟ نعم يكون من لسان الحبشة القتل معناه: الهرج، يعني تعريبه القتل وهو بالحبشية: الهرج، يعني كما قيل في بعض الألفاظ في القرآن الكريم بغير العربية على خلافٍ بين أهل العلم في وجود مثل هذا، هم أجمعوا على أنه لا يوجد تراكيب أعجمية بالقرآن هذا إجماع، ويوجد أعلام أعجمية إجماع، في القرآن أعلام، وما عدا ذلك من الكلمات المفردة مختلفٌ فيها، ومن أهل العلم من يرى أنه لا يمنع أن يوجد كلمات توافقت فيها اللغات، الرومية مع العربية، الفارسية مع العربية، الحبشية مع العربية وهكذا، وهنا فسر النبي -عليه الصلاة والسلام- الهرج بالقتل، وهنا يقول: "الهرج بلسان الحبشة: القتل".

قال القاضي عياض: "هذا وهمٌ من بعض الرواة، هذا وهمٌ من بعض الرواة فإنها عربية صحيحة" وكأنه استند إلى تفسير النبي -عليه الصلاة والسلام- في القتل، والنبي -عليه الصلاة والسلام- أفصح الخلق، إذاً تكون عربية، على كل حال الأصل أصل الهرج في اللغة: الاختلاط، يقال: هرج الناس اختلطوا واختلفوا، والقاضي عياض يقول: هذه وهم، بل الكلمة عربية، ولعله استند إلى تفسير النبي -عليه الصلاة والسلام- لهذه الكلمة في القتل، والنبي -عليه الصلاة والسلام- عربي، لكن يستقيم كلامه أو لا يستقيم؟ إذا قلنا: إنه وقع في القرآن المنصوص على كونه {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ} [(195) سورة الشعراء] أنه وجد فيه بعض الكلمات بغير العربية، فما المانع أن ينطق النبي -عليه الصلاة والسلام- بغير العربية في بعض الكلمات؟ ووجد بالفعل، الحافظ ابن حجر -رحمه الله تعالى- في فتح الباري يقول: أخطأ من قال: إن الهرج القتل بلسان الحبشة، وهمٌ من بعض الرواة" أخطأ من قال: إن الهرج القتل بلسان الحبشة، وهمٌ من بعض الرواة -يعني القاضي عياض-، "ووجه الخطأ أنها لا تستعمل في اللغة العربية بمعنى القتل"، هي لا تستعمل في اللغة العربية بمعنى القتل، إنما تستعمل بمعنى الاختلاط مع الاختلاف، هذا أصلها في العربية، ولا مانع من تعريبها لكن يبقى أن أصلها حبشي، نعم الاختلاط والاختلاف طريق ووسيلة إلى القتل فيكون هذا من باب إطلاق السبب على المسبب، من باب إطلاق السبب على المسبب، وكثيراً ما يسمى الشيء باسم ما يؤول إليه، واستعمالها في القتل بطريق الحقيقة إنما هو بلغة الحبشة، إنما هو بلغة الحبشة، فكيف يدعى على مثل أبي موسى أنه وهم في تفسير لفظة لغوية؟ بل الصواب معه، واستعمال العرب الهرج بمعنى القتل لا يمنع كونها لغةً حبشية، يعني تعريبها، وكون العرب يتداولون كلمة وفدت إليهم من غيرهم لا يمنع منه مانع.

شرح: باب: لا يأتي زمان إلا الذي بعده شر منه:

ثم قال: "حدثنا محمد بن بشار، حدثنا غندر، حدثنا شعبة عن واصل -بن حيان الأحدب- عن أبي وائل -وهو شقيق المذكور في الطرق السابقة- عن عبد الله وأحسبه رفعه"، وأحسبه رفعه: هذه العبارة توحي بالتردد، لكن الروايات السابقة كلها بالجزم فلا أثر لمثل هذا التردد- أحسبه رفعه، قال: ((بين يدي الساعة أيام الهرج، يزول العلم، ويظهر الجهل)) قال أبو موسى: والهرج: القتل بلسان الحبشة" الهرج: القتل بلسان الحبشة، "وقال أبو عوانة -الوضاح بن عبد الله اليشكري- عن عاصم -هو ابن أبي النجود"، "قال أبو عوانة" هذا معلق، عن عاصم بن أبي النجود، عاصم بن بهدلة القارئ المشهور، وفيه كلام بالنسبة لحفظه، لكن البخاري لم يعتمد عليه، "عن أبي وائل عن الأشعري أنه قال لعبد الله: تعلم الأيام التي ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- أيام الهرج نحوه" يعني نحو ما تقدم "قال ابن مسعود: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء)) "، وعند مسلم: ((لا تقوم الساعة إلا على شرار الناس))، وفي الحديث: ((لا تقام الساعة والأرض يقال فيها: لا إله إلا الله)) ولا ينافي ذلك ما جاء من بقاء الطائفة المنصورة، من بقاء الطائفة المنصورة؛ لأنه أيضاً جاء في الحديث الصحيح أنه تأتي ريح من جهة اليمن تقبض أرواح المؤمنين، فالطائفة المنصورة تبقى إلى قبيل قيام الساعة حتى تأتي هذه الريح فتقبض أرواح المؤمنين، ولا يبقى في الأرض بعد ذلك إلا شرار الناس. ((من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء)) نعم التدرج في انقراض الخير سنة إلهية، ((لا يأتي زمان إلا والذي بعده شرٌ منه)) كما في الباب اللاحق، نعم. طالب:. . . . . . . . . وين؟ طالب:. . . . . . . . . من شرار الناس نعم؟ طالب:. . . . . . . . . لا، لا، على بيانية هذه؛ نعم لأن رواية مسلم: ((لا تقوم الساعة إلا على شرار الناس))، ((لا تقوم الساعة والأرض يقال فيها: لا إله إلا الله)) فكلهم شرار، نعم؟ طالب: الساعة. . . . . . . . . الساعة نفسها، الساعة نفسها. شرح: بابٌ: لا يأتي زمانٌ إلا الذي بعده شرٌ منه: بابٌ: لا يأتي زمانٌ إلا الذي بعده شرٌ منه.

حدثنا محمد بن يوسف قال: حدثنا سفيان عن الزبير بن عدي قال: أتينا أنس بن مالك فشكونا إليه ما نلقى من الحجاج، فقال: ((اصبروا فإنه لا يأتي عليكم زمان إلا الذي بعده شر منه حتى تلقوا ربكم)) سمعته من نبيكم -صلى الله عليه وسلم-. حدثنا أبو اليمان قال: أخبرنا شعيب عن الزهري ح وحدثنا إسماعيل قال: حدثني أخي عن سليمان عن محمد بن أبي عتيق عن ابن شهاب عن هند بنت الحارث الفراسية أن أم سلمة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- قالت: استيقظ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليلة فزعاً يقول: ((سبحان الله، ماذا أنزل الله من الخزائن؟! وماذا أنزل من الفتن؟! من يوقظ صواحب الحجرات؟ -يريد أزواجه لكي يصلين- رب كاسية في الدنيا عارية في الآخرة)). يقول -رحمه الله-: "بابٌ: لا يأتي زمانٌ إلا الذي بعده شرٌ منه"، لا يأتي زمانٌ إلا الذي بعده شرٌ منه، ((وخير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم)) فالخيرية على سبيل الترقي، والشرية على سبيل التدلي، فكل زمانٍ الذي قبله خيرٍ منه، وكل زمانٍ الذي بعده شرٌ منه في الجملة، في الجملة، يعني إذا استثنينا جيل الصحابة فالأزمنة والقرون التي بعدهم قد يوجد في المتأخر وإن كان الأقل خيرٌ من بعض من تقدم فالتفضيل إجمالي، يعني بمعنى أنه يوجد في القرن الخامس عشر أفضل ممن وجد من بعض من وجد في القرن العاشر، لكن الجيل كامل بالنظر إليه إجمالاً لا يمكن أن يكون القرن هذا أفضل من الذي قبله.

يقول الإمام -رحمه الله تعالى-: "حدثنا محمد بن يوسف -الفريابي- قال: حدثنا سفيان –الثوري- عن الزبير بن عدي -الهمداني- قال: أتينا أنس بن مالك فشكونا إليه ما نلقى من الحجاج" في القرن الأول الصحابة متوافرون، وشكوا من الحجاج، ولقوا منه الظلم والذل، حتى الصحابة ما سلموا من ظلمه -رضوان الله عليهم-، ولا شك أن في هذا تسلية لمن يعيش في مثل هذه الأيام، الصحابة ما سلموا من ظلم الحجاج وذله وإذلاله للصحابة، شكوا الظلم وما يلقونه من ظلم الحجاج، "فقال أنس -رضي الله عنه-: "اصبروا" يعني: اصبروا عليه وعلى ظلمه، "فإنه لا يأتي عليكم زمان إلا الذي بعده شر منه" ولا شك أن في مثل هذا تسلية، لماذا؟ لأنك تنظر في مثل هذه الأمور؛ لأن هذا الأمر لا شك أنه من أمور الدنيا، وأمور الدنيا أنت مأمورٌ بأن تنظر إلى من هو دونك، فإذا نظرت إلى أنه ضيق عليك في أمور الدنيا مثلاً، تقول: الحمد لله إحنا أفضل من البلد الفلاني، وحنا بعد أفضل من اللي بيجون بعدنا، ((لا يأتي زمانٌ إلا والذي بعده شرٌ منه)) أما بالنسبة لأمور الدين لا شك أنه يوجد فيها بعض التضييق في بعض العصور، وفي بعض الأمصار، لكن من نعم الله على خلقه أن أبواب الدين متنوعة، فأنت منعت وضيق عليك من هذا الباب من أبواب الدين، وفتح لك آفاق وأبواب تلج من أوسعها ولله الحمد، هو الإشكال في أمور الدنيا التي يحصل فيها الضيق، وما في يعني بديل، إذا حصل مثل هذا في أمور الدنيا فأنت تقول: الحمد لله شوف البلدان الثانية يمين ويسار كلها أضيق منا، وأنت مأمور في مثل هذه الحالة أنت تنظر إلى من هو دونك، لكن في أمور الدين لا، لا بد أن تنظر إلى من هو أعلى منك لكي تعمل، أما في أمور الدنيا تنظر إلى من هو دونك لكي لا تزدري نعمة الله عليك، هذا فيه تسلية لك، في أمور الدين لا يجوز بحالٍ من الأحوال أن تنظر إلى من هو دونك؛ لأن مثل هذا بهذه الطريقة تنسلخ من الدين وأنت لا تشعر، تنظر إلى من هو فوقك.

((لا يأتي زمانٌ إلا والذي بعده شرٌ منه حتى تلقوا ربكم)) يعني: حتى تموتوا ثم تبعثون، "سمعته من نبيكم -صلى الله عليه وسلم-" وهذا مثل ما قلنا: إجمالي، ((لا يأتي زمانٌ إلا والذي بعده شرٌ منه)) قد يقول قائل: كيف هذا حديث مرفوع وصحيح، وقاله النبي -عليه الصلاة والسلام-، مخرج في أصح الكتب؟ والآن في عصر الصحابة شكوا من الحجاج، اختفوا عن الحجاج وهم صحابة، أفضل الناس بعد الأنبياء، ثم بعد كم سنة؟ ثلاثة عقود جاء عمر بن عبد العزيز هل نقول: إن العصر الذي عاش فيه الحجاج أفضل من عصر عمر بن عبد العزيز؟ انتشر العدل، وعم الأمن، وفاض الخير، هل نقول: إنه أفضل؟ أن العصر الذي فيه الحجاج أفضل من عصر عمر بن عبد العزيز؟ إن قلنا: هذا .. ، لا بد أن نقول: إن عصر الحجاج أفضل من عصر عمر بن عبد العزيز وإلا خالفنا الحديث؛ لأن عمر بن عبد العزيز بعد الحجاج، كيف نقول: إن عصر عمر بن عبد العزيز الذي عم فيه العدل والأمن والرخاء، وفي عهد الحجاج عم الظلم، حتى الصحابة أصابهم ما أصابهم من الظلم والذل من الحجاج، وأعوان الحجاج، ماذا نقول؟ لا شك أن هذا استشكله بعضهم، وأيضاً وجد في العصور المتأخرة في بعض الأقطار ما هو أفضل مما هو قبله في القطر نفسه. ونعود ونقول: إن هذا إجمالاً، إذا نظر إلى الأمة بكاملها، إذا نظرنا إلى الأمة في عصر الحجاج نعم، في البلد الذي تسلط فيه الحجاج لا شك أنه الظلم ظاهر، لكن في البلدان الأخرى والصحابة متوافرون، عصرٌ يعيش فيه كثيرٌ من الصحابة لا شك أنه خيرٌ بكثير من العصر الذي يليه، ولو كان الظاهر أن الخير والظلم أو بعض الظلم ارتفع قد يكون في بعض الجهات في عصر الحجاج أفضل بكثير مما حصل في عهد عمر بن عبد العزيز والعكس، فالحديث صحيحٌ لا إشكال فيه، وأفعل التفضيل هنا على سبيل الإجمال، والله المستعان.

ثم قال: "حدثنا أبو اليمان -الحكم بن نافع- قال: أخبرنا شعيب -هو ابن أبي حمزة- عن الزهري ح" هذه حاء التحويل من إسناد إلى آخر، "وحدثنا إسماعيل -هو ابن أبي أويس بن أخت مالك- قال: حدثني أخي" أبو بكر عبد الحميد، "عن سليمان بن بلال عن محمد بن عبد الله بن أبي عتيق عن ابن شهاب عن هند بنت الحارث الفراسية" قيل لها: صُحبة، "أن أم سلمة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- قالت: استيقظ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" يعني: من نومه "ليلة فزعاً" حال كونه فزعاً، خائفاً وجلاً، "يقول: ((سبحان الله! ماذا أَنزل الله من الخزائن؟! وماذا أُنزل من الفتن؟! )) " أنزل خزائن، وأنزل فتن، أنزل خير، وأنزل شر، يعني مثل هذا الكلام ينبغي أن يستغل، يستغل الخير فيعمل به، والشر يستعاذ منه ويتقى، هذه الخزائن والأيام والليالي خزائن، ينبغي أن يودع فيها ما يسر في القيامة، هذه خزائن، ((ماذا أنزل من الخزائن؟! )) والخزائن: ما يحفظ فيه الشيء، الخزانة: هي التي يحفظ فيها المتاع، والليالي والأيام خزائن للأعمال، وهي عمر الإنسان، هي نفس الإنسان، هي الإنسان، فإذا ضاعت سدى فمعناه أن الإنسان ضيع نفسه، إذا لم يستغل هذه الخزائن، إذا لم يملأ هذه الخزائن بما يسره يوم القيامة فهو مغبون، ((نعمتان مغبونٌ فيهما كثيرٌ من الناس: الصحة والفراغ)) إيش معنى مغبون؟ يعني باعها برخص، يعني لو شخص يطلع بسيارته للمعارض بدلاً من أن تسوى مائة ألف يبيعها بألف وألفين هذا مغبون وإلا لا؟ مغبون، ما في أحد ما يضحك عليه، لكن أين هذا من الغبن الحقيقي؟ حتى أنكر بعض أهل العلم أن يوجد في الدنيا غبن، ما في شيء اسمه غبن في الدنيا؛ لأن الله -سبحانه وتعالى- يقول: {ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ} [(9) سورة التغابن] ما هو باليوم، إذا جاء زيد من الناس بأعمال أمثال الجبال وجئت مفلساً {ذلك يوم التغابن} [(9) سورة التغابن] ما هو باليوم، لكن لو أن إنسان باع سلعته بربع القيمة أو عشر القيمة قامت الدنيا عليه وكلٌ يلومه من كل وجه، بل يحجر عليه، ويلوكه الناس بألسنتهم، لكن شخص تضيع أيامه سدى، وتذهب الخزائن فارغة أو شبه فارغة هذا الغبن الحقيقي.

((ماذا أنزل الله من الخزائن؟! وماذا أُنزل من الفتن؟! )) أنزل فتن، ورأى النبي -عليه الصلاة والسلام- لما أطل على المدينة من الأطم كما في الدرس السابق، رأى مواقع الفتن خلال البيوت كمواقع القطر، ماذا يريد النبي -عليه الصلاة والسلام- من هذا الكلام؟ يريد أن نستغل هذه الخزائن، ويريد أن نتقي هذه الفتن، نتقي هذه الفتن. ((من يوقظ صواحب الحجرات؟ )) من يوقظ صواحب الحجرات؟ والمراد بذلك أزواج النبي -عليه الصلاة والسلام-، يوقظن لأي شيء؟ للصلاة والوقوف بين يدي الله -عز وجل- في مثل هذا الوقت الذي استيقظ فيه النبي -عليه الصلاة والسلام-، وكأنه في وقت النزول الإلهي، يوقظ صواحب الحجرات أقرب مذكور، يعني هؤلاء النسوة بجوارنا ليودعن شيئاً في هذه الخزائن، ويعملن عملاً يحفظهن من هذه الفتن؛ لأن الأعمال الصالحة تقي الفتن، ((من يوقظ صواحب الحجرات؟ -يريد أزواجه- لكي يصلين)) فيستفدن من هذه، أو يضعن شيئاً في هذه الخزائن، ويتقين الفتن بالعمل الصالح، ويستعذن بالله منها، ثم قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((رب كاسية في الدنيا عارية في الآخرة)) كم من امرأة تنفق الأموال الطائلة في شراء الثياب الغالية لتكتسي بها، وهي في حقيقة الأمر عارية، وإن زعمت أنها مكتسية، وإن زعم الناس أنها مكتسية، فالشفاف وإن سماه الناس لباس هو عارٍ، الضيق الذي يبين التفاصيل عاري، وإن سماه الناس كساء، ولا نحتاج إلى أن نذكر أمثلة من ألبسة النساء الموجودة الآن التي تظهر فيها .. ، في أسواق المسلمين ومجامعهم فضلاً عن كونها بين النساء أو كونها في بيتها هذا أمر قد يكون أخف، لكن لو نظرت في لباس نساء المسلمين في المجامع العامة، في أقدس البقاع ماذا تجد؟ تجد العباءات الشفافة الضيقة التي يرى ما تحتها، تجد الثياب القصيرة، تجد .. ، هذا العُري، ((رُبَّ كاسية في الدنيا عارية في الآخرة)) تزعم أنها مكتسية وهي في الحقيقة عارية، وأهل العلم قالوا كلام كثير حول تفسير أو شرح هذا الكلام؛ لأنهم لم يقفوا على ما وقفنا عليه من لباس النساء في هذه الأزمان، وإلا واضح واضح جداً تفسير الحديث.

هذه الألبسة التي يزعم الناس أنهم يلبسونها هي عُري، منهم من يقول: كاسية بالثياب عارية عن الثواب، رب كاسية بالثياب عارية عن الثواب، ومنهم من قال: كاسية من النعم عارية عن الشكر، لكن العُري وإن وجد اللباس المزعوم إلا أن العُري موجود، نسأل الله السلامة والعافية، تلبس العباءة الشفافة وتربطها بحبل يبين مفاصلها، هذا اكتساء؟! هذا شكرٌ للنعم؟! ليقول قائل: ما الفرق بين هذه العباءة وبين الثوب الضيق؟ ما يوجد فرق، تلبس العباءة التي طرزت وزينت وقد نهيت عن إبداء زينتها، هذا تصرف من يرجو الله والدار الآخرة؟ هذا تصرف من يترك أعماله يتجشم الكيلوات بل مئات الكيلوات ويرجو ما عند الله في أقدس البقاع في أشرف الأزمان؟ هؤلاء فاتنات مفتونات، نسأل الله السلامة والعافية، هؤلاء معرضات لعقوبة الله -عز وجل-، ومن ورائهن أولياء الأمور، لا شك أنهن مباشرات لكن يشترك معهن من تسبب في ذلك في الإثم والعقوبة، ألا يخشى مثل هذا .. ، ألا تخشى مثل هذه أن تسلب بعض النعم التي تتقلب فيها، أو تبتلى بمرض تتمنى معه أن تعيش حياة أفقر الناس لكن بدون هذا المرض. الله -سبحانه وتعالى- يغار من ارتكاب المحارم، الله -سبحانه وتعالى- يملي للظالم ثم إذا أخذه لم يفلته، فلا بد من رجعة نتقي بها هذه الفتن، ونحن في زمنٍ أحوج ما نكون فيه إلى الرجوع إلى الله -عز وجل-؛ لنتقي شر هذه الفتن، لنتقي شر هذه المحن التي ظهرت علاماتها وأماراتها، لكي يدفع الله عنا هذه الأمم التي تكالبت علينا من كل حدب، ومن كل صوب، ومن كل جهة. طالب:. . . . . . . . . هذا يقول: أليس المراد بالخزائن ما فتح على المسلمين من الدنيا؟ ففتنوا بها، ووقعوا في الفتنة والقتل والتقاطع؟

شرح: باب: قول النبي -صلى الله عليه وسلم-:

هذا قاله الشراح، والمراد بذلك خزائن فارس والروم وغيرها، أنزلت الخزائن، على كل حال الخزائن: ما يحفظ فيها المتاع هذا الأصل، فأنزلت هذه الخزائن لتحفظ فيها متاعك الذي ينفعك في الآخرة، ولا يمنع أن يكون الله -سبحانه وتعالى- أنزل وقدر وقسم وأنزل في تلك الليلة البشارة بفتح خزائن، أو بالحصول والاستيلاء على خزائن كسرى والروم وغيرها من الخزائن، لكن هذه الخزائن إذا استعملت فيما يرضي الله -عز وجل- فهي نعم، وإن استعملت فيما يصد عن الله وعن ذكره وعن شكره فهي محن. شرح: باب: قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((من حمل علينا السلاح فليس منا)): باب: قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((من حمل علينا السلاح فليس منا)). حدثنا عبد الله بن يوسف قال: أخبرنا مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من حمل علينا السلاح فليس منا)). حدثنا محمد بن العلاء قال: حدثنا أبو أسامة عن بريد عن أبي بردة عن أبي موسى عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من حمل علينا السلاح فليس منا)). حدثنا محمد قال: أخبرنا عبد الرزاق عن معمرٍ عن همام قال: سمعت أبا هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا يشير أحدكم على أخيه بالسلاح فإنه لا يدري لعل الشيطان ينزغ في يده فيقع في حفرة من النار)). حدثنا علي بن عبد الله قال: حدثنا سفيان قال: قلت لعمرو: ٍ يا أبا محمد سمعتَ جابر بن عبد الله يقول: مرَّ رجل بسهام في المسجد فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أمسك بنصالها)) قال: نعم. حدثنا أبو النعمان قال: حدثنا حماد بن زيد عن عمرو بن دينار عن جابر أن رجلاً مر في المسجد بأسهم قد بدا نصولها فأُمر أن يأخذ بنصولها، لا يخدش مسلماً. حدثنا محمد بن العلاء قال: حدثنا أبو أسامة عن بريد عن أبي بُردة عن أبي موسى عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا مر أحدكم في مسجدنا أو في سوقنا ومعه نبل فليمسك على نصالها)) أو قال: ((فليقبض بكفه أن يصيب أحداً من المسلمين منها شيء)).

يقول الإمام -رحمه الله تعالى-: "باب قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((من حمل علينا السلاح فليس منا)) " إن كان حمله للسلاح مستحلاً قتل المسلمين فلا شك أن قوله: ((ليس منا)) على حقيقته، يعني يكفر بذلك؛ لأنه استحل أمراً محرماً معلوماً تحريمه بالضرورة من دين الإسلام، إذا استحل ذلك فهو يكفر بذلك، وأما من حمل السلاح يريد قتل المسلم مع علمه بتحريمه واعتقاده بذلك فالأمر خطيرٌ جداً، ((فزوال الدنيا أهون عند الله من إراقة دمِ مسلم))، ((ولا يزال المسلم في فسحة من دينه حتى يصيب دماً حراماً)) وفي ذلكم الوعيد الشديد: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا} [(93) سورة النساء] حتى قال ابن عباس: إنه لا توبة له، فالأمر خطير، جدُّ خطير، ((من حمل علينا السلاح فليس منا)) وكلام أهل العلم في مثل هذا بحمله على الخروج عن الإسلام والحكم عليه بالكفر المخرج عن الملة إن استحل ذلك، إن استحل قتل المسلم المعصوم معصوم الدم؛ لأن من استحل المحرم المعلوم تحريمه بالضرورة من دين الإسلام كفر، كما أن من حرم ما أحله الله المعلوم حله بالضرورة من دين الإسلام كفر، نسأل الله العافية، وحينئذٍ يكون قوله: ((فليس منا)) على حقيقته ليس من أهل ديننا. أما إذا لم يستحل قتل المسلم بل أقدم على قتله معتقداً تحريم القتل فإنه لا يكفر بذلك، وإن تعمد قتله في قول جمهور العلماء، لكنه على خطرٍ عظيم، فابن عباس يرى أنه لا توبة له، {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا} [(93) سورة النساء] نسأل الله العافية، والحديث من نصوص الوعيد التي تمرُّ كما جاءت؛ لأنه أبلغ في الزجر عند جمعٍ من أهل العلم.

يقول الإمام -رحمه الله تعالى-: "حدثنا عبد الله بن يوسف" مر مراراً، وهو التنيسي، "قال: أخبرنا مالك" الإمام، "عن نافع عن عبد الله بن عمر" نافع مولى عبد الله بن عمر، "عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من حمل علينا السلاح فليس منا)) " وحمل السلاح على المسلم كبيرة من كبائر الذنوب إجماعاً، بالإجماع كبيرة من كبائر الذنوب، وعلى التفصيل الذي مضى، فلا يخلو: إما أن يكون مستحلاً لذلك أو يقتل المسلم مع اعتقاده التحريم فالأمر جدُّ خطير، "ولا يزال المسلم في فسحة من دينه حتى يصيب دماً حراماً" يعني يضيق عليه الأمر أشد الضيق، ومن أعان على قتل مسلم بشطر كلمة، بشطر كلمة، فالأمر ليس بالسهل، ليس بالهين، فعلى المسلم أن يتقي هذا الباب ...

شرح كتاب الفتن (3)

شرح كتاب الفتن من صحيح البخاري (3) شرح: باب قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((لا ترجعوا بعدي كفاراً)) وبابٌ: تكون فتنة القاعد فيها خيرٌ من القائم، وبابٌ: إذا التقى المسلمان بسيفيهما. الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير ومن أعان على قتل مسلم بشطر كلمة، بشطر كلمة، فالأمر ليس بالسهل ليس بالهين، فعلى المسلم أن يتقي هذا الباب لا سيما في مثل هذه الظروف التي تكالبت فيها الأعداء على الأمة، نحن بحاجة ماسة إلى اتحاد، نحن بحاجة إلى ائتلاف قلوب لنقف صفاً واحداً ضد العدو المشترك الذي يريد النيل من ديننا قبل أموالنا ودمائنا، نعم يوجد مخالفات، يوجد منكرات، يوجد معاصي هذه تعالج، تعالج، لا يعالج المنكر بمنكرٍ أعظم منه، لا يجوز إنكار المنكر بما يترتب عليه مفسدة أعظم منه باتفاق أهل العلم، لكن إنكار المنكر واجب على كل مستطيع، ((من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه)) الدين -ولله الحمد- جعل لكل شخصٍ ما يناسبه وما يستطيعه، أنت في بيتك بإمكانك أن تغير بيدك، بالنسبة لمن تحت يدك تستطيع أن تغير، وفي غالب الأحوال تغير بلسانك، إذا لم تستطع فأنت معذور تغير بقلبك، تنكر المنكر، لكن لا ترضى بإقرار المنكر ووجوده.

ولا يجوز لأحدٍ كائناً من كان أن يعتدي على مسلم بأي حجة كانت، فإذا كان في حديث اللعان في حديث عويمر العجلاني، سأل النبي -عليه الصلاة والسلام- عن الرجل يجد رجلاً عند امرأة، أو على امرأته، أيقتله فتقتلونه؟ قال: ((نعم)) لو وجده على امرأته لا يجوز له أن يقتله ولو كان محصناً مستحقاً للقتل؛ لأن مثل هذا يفتح باب شرٍ عظيم، وهو في الأصل مستحق للقتل، إذا زنى المحصن استحق الرجم، لا يجوز لمن وجد عند امرأته رجلاً محصناً أن يقتله بحال، وإن قتله يقاد به، "أيقتله فتقتلونه؟ " لماذا؟ حسماً للشر، وقطعاً لدابر الفوضى، الإنسان ينضبط بضوابط الشرع، نعم يوجد غيرة يوجد.، نعم الناس يغارون على محارمهم، ((أتعجبون من غيرة سعد؟ )) النبي -عليه الصلاة والسلام- أغير من سعد، لكن لا بد أن تكون الغيرة مضبوطة بضوابط شرعية وإلا صارت المسألة فوضى، لا بد أن تضبط هذه الغيرة بضوابط شرعية، والذي يجد عنده -نسأل الله السلامة والعافية- عند امرأته رجلاً ولو وجده يفعل معها ما يفعل الرجل مع امرأته هناك حلول شرعية، الطلاق بيد الرجل، في حالة وجود حمل اللعان، ويبرأ من الولد، لكن "أيقتله فتقتلونه؟ " كل هذا إيش؟ من أجل قطع دابر الفوضى، الناس لا يصلح الناس فوضى بلا شك.

يقول بعد ذلك: "حدثنا محمد بن العلاء -أبو كريب- قال: حدثنا أبو أسامة -حماد بن أسامة- عن بريد -بن عبد الله عن –جده- أبي بردة عن أبي موسى -عبد الله بن قيس- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من حمل علينا السلاح -معاشر المسلمين- فليس منا)) فليس منا، لا شك أن في حمل السلاح إخافة للمسلمين، وإدخال للرعب في قلوبهم، ولا شك أن الأمن أهم من الطعام والشراب، الأمن أهم من الطعام والشراب، {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ} إيش؟ {مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ} [(155) سورة البقرة] بعد الخوف، البلوى بالخوف أعظم من البلوى بالجوع، وذكر بعض المفسرين أنه أراد أن يطبق ما جاء في هذه الآية، فجاء بشاةٍ صحيحة سليمة ووضع عندها الطعام، وربط أمامها ذئب وقفل عليها، مربوط الذئب لا يستطيع الوصول إليها، وهذه بجوارها العلف، الطعام، وجاء بأخرى مريضة –كسيرة- وجعل عندها الطعام وقفل عليها الباب، هاه؟ لما أصبح فتح الباب وجد الشاة التي عند الذئب ما تحرك طعامها ما نقص، ما نقص، والأخرى قد أكلت الطعام كله، وهي مريضةٌ كسيرة. بعد هذا يقول الإمام -رحمه الله تعالى-: "حدثنا محمد" وهو ابن يحيى الذهلي أو ابن رافع، لكن الأكثر على أنه الذهلي، والإمام البخاري -رحمه الله تعالى- يروي عنه ولا يسميه، ما يمكن أن يسميه باسمه الكامل الواضح الذي يعرف به؛ لما عرف بينهما من خلاف في مسألة اللفظ، اللفظ بالقرآن، فالذهلي إمام حافظ، متقن من أوعية العلم، لا مندوحة ولا مفر عن الرواية عنه، ولاختلافه مع البخاري في مسألة اللفظ خشي البخاري أن يصرح باسمه فتظن موافقته له في هذه المسألة، فالإمام البخاري -رحمه الله- لورعه روى عنه، ولخوفه من أن تظن به الموافقة له في الرأي أبهمه. قال: "حدثنا محمد، قال: حدثنا عبد الرزاق -بن همام الصنعاني المعروف- عن معمر ٍ -بن راشد- عن همام -بن منبه- قال: سمعت أبا هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا يشير أحدكم على أخيه بالسلاح)) (لا يشير) "لا" هذه إيش؟ نافية وإلا ناهية؟ طالب:. . . . . . . . . إيش؟ طالب:. . . . . . . . . نافية، لماذا؟ طالب:. . . . . . . . .

بلا شك؛ لأن لو كانت ناهية لكان: "لا يُشر"، وهي في بعض الروايات، في بعض الروايات جاءت: "لا يُشر" بالجزم، وعلى كل حال سواءً كانت نافية أو ناهية النهي الصريح بـ"لا" الناهية، والنفي يراد به النهي، وحينئذٍ يكون أبلغ من النهي الصريح. ((لا يشير أحدكم على أخيه بالسلاح، فإنه لا يدري لعل الشيطان ينزع))، وفي رواية: ((ينزغ))، {وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ} [(200) سورة الأعراف] ((ينزع في يده))، يعني يتصرف الشيطان فيحرك اليد، أو يدفع اليد، ((فيقع في حفرة من النار)) يعني إذا قتل أخاه، ولو لم يقصد قتله، ولو لم يقصد قتله، لكنه فعل ما نهي عنه من الإشارة والشيطان أيضاً تدخل، إما باليد أو في قلبه، وألقى في روعه، أو شغله بما يذهله، فتصرف مثل هذا التصرف وقتل أخاه، وحينئذٍ يقع في حفرة من النار، وهو في الأصل لم يقصد القتل، فكيف لو قصد؟! يقول الإمام -رحمه الله تعالى- بعد ذلك: "حدثنا علي بن عبد الله، قال: حدثنا سفيان -يعني ابن عيينة- قال: قلت لعمروٍ -هو ابن دينار-: يا أبا محمد سمعتَ جابر -بن عبد الله- يقول: مَرَّ رجلٌ بسهام" هذا رجل ما سُمي ستراً عليه، لا يعرف اسمه، "بسهام في المسجد" والمسجد النبوي، "فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أمسك بنصالها؟ )) " أمسك بنصالها: جمع نصل، وهو الحديدة، حديدة السهم المحددة التي تجرح من باشرها، فمثل هذا إذا كان في مجامع الناس لا بد أن يمسك بنصالها لئلا يؤذي أحد، يجرح أحد، أو يقتل أحد، ولو لم يقصد " ((أمسك بنصالها)) قال: نعم". "سمعتَ جابر بن عبد الله يقول: مر رجلٌ بسهامٍ في المسجد فقال -صلى الله عليه وسلم-: ((أمسك بنصالها؟ )) " هذا استفهام، استفهام، الآن هذا الحديث روايته بطريق الأيش؟ أي طريق من طرق التحمل؟ "قلتُ لعمروٍ: يا أبا محمد سمعتَ جابر بن عبد الله يقول: مرّ رجل بسهام". . إلى آخره. طالب:. . . . . . . . .

نعم، العرض، العرض على الشيخ، القراءة على الشيخ، لكن هل يشترط في العرض أن يقول المروي عنه: نعم؟ إذا قيل: حدثك فلان بن فلان عن فلان عن النبي .. ، قال -عليه الصلاة والسلام- كذا، هل يلزم أن تقول: نعم؟ لأن هنا قال: نعم، في طريق التحمل بالعرض في القراءة على الشيخ يلزم أن يقول الشيخ: نعم أو يسكت؟ لأنه في بداية السند ماذا يقول القارئ على الشيخ؟ يقول: حدثنا فلان بن فلان عن فلان عن فلان؟ يعرض ما يرويه الشيخ على الشيخ، وهو ما يريد روايته عن الشيخ، افترضنا أن الشيخ ما قال: نعم، الجمهور على أنه لا يشترط أن يقول: نعم، بل مجرد سكوته إقرار؛ لأنه لا يجوز له أن يسكت عن شيء لم يروه، إن سكت وهو لم يروه في الحقيقة دخل في حديث التشبع، ولذا جمهور أهل العلم لا يرون اشتراط قول الشيخ: نعم، وإن قال بوجوبه أهل الظاهر، ولا شك أنه أكمل إذا قال: نعم، صرح، أكمل كما هنا، لكن لو لم .. ، لو سكت خلاص، سكوته إقرار. ثم قال: "حدثنا أبو النعمان" محمد بن الفضل، "قال: حدثنا حماد بن زيد" يعني ابن درهم "عن عمرو بن دينار عن جابر أن رجلاً مر بالمسجد -يعني النبوي- بأسهم قد أبدى نصولها" نصولها: أطرافها المحددة هذه ظاهرية وبادية للناس، من مرت به صار بجوارها أثرت عليه "قد أبدى نصولها، فأُمر أن يأخذ –يقبض- على نصولها –بكفه- لئلا يخدش مسلماً" هذا أُمر فلو خالف هذا الأمر أثم، وإذا كان يأثم بالخدش فالقتل أعظم وكلُّ هذا من الاحتياط لحقوق الناس، وإذا شدد الإسلام في حقوق الناس المالية، وشدد في أعراض المسلمين التي هي كما قال ابن دقيق العيد: "حفرةٌ من حفر النار" فما بالكم بدماء المسلمين؟!

يقول: "حدثنا محمد بن العلاء -أبو كريب- قال: حدثنا أبو أسامة" تقدم، "عن بريد -بن عبد الله بن أبي بردة- عن –جده- أبي بُردة عن أبي موسى عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا مر أحدكم في مسجدنا أو في سوقنا)) و (أو) هذه ليست للشك، وإنما هي للتنويع، والمقصود إذا مر من معه شيءٌ يمكن أن يؤثر أو يؤذي أحداً في مجامع الناس سواءً كان في المسجد، في السوق، في المدرسة، في الشارع المزدحم، في أي مكان يمكن أن يتضرر بمرورها أحد فهو مأمور بأن يمسك، ((ومعه نبل فليمسك على نصالها)) أو قال: ((فليقبض)) "، يعني هذا شك، هل قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((فليمسك)) أو قال: ((فليقبض))؟ والمعنى واحد؟ ((بكفه كراهية أن يصيب أحداً من المسلمين منها شيء)) فالمسلم محترم معصوم الدم والمال، عرضه مصان، فإذا كان المماطل ((ليُّ الواجد ظلم، يبيح عرضه وعقوبته)) يبيح عرضه وعقوبته، هل معنى هذا أنه يتفكه بعرضه؟ كل مجلس خلاص أباح الشرع عرضه في كل مجلس يتحدث عنه، ((ليُّ الواجد ظلم)) هذا المماطِل ظالم، ظالم لهذا المماطَل، {لاَّ يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ} [(148) سورة النساء] خاص، ليس لأحد من المسلمين أن يتعدى على عرض هذا المماطل {إِلاَّ مَن ظُلِمَ} [(148) سورة النساء] الذي هو المماطَل، وهذا المظلوم المماطَل ماذا يقول عن ذلك الشخص المماطِل، ماذا أبيح له من عرض هذا المماطِل؟ لا يجوز له أن يقول أكثر من قوله: فلان مطلني، يعني هذا منصوص على أن عرضه مباح، لكن ليس معنى هذا أن يتخذ فاكهة، يتفكه بعرضه، وينكت عليه، هذا من أبيح عرضه، فكيف بمن صان الشرع عرضه، وجعل أكل لحمه -الكلام فيه- مثل أكل الميتة؟! مثل أكل لحمه إذا مات، تصور أكل لحم آدمي وميت، الكلام فيه مثل هذا، والله المستعان. كم باقي على الإقامة؟ خلاص؟ نشوف سؤال وإلا .. ؟ يقول: جاء في صحيح مسلم أن العبادة في الهرج كهجرة إلي، فهل يفسر الهرج في هذا الحديث بالقتل؟ كما في حديث الباب أو يقال: هو على أصله أي الاختلاط مع الاختلاف؟

شرح: باب قول النبي -صلى الله عليه وسلم-:

على كل حال العبادة مندوبٌ إليها في كل وقت وفي كل حين، وجاء قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((أعني على نفسك بكثرة السجود)) وجاء الحث على العبادات الخاصة والعامة في كل وقت وفي كل حين، وفي كل زمان، لكن العبادات في مثل هذه الظروف التي يغفل بها الإنسان، يعني مع كونها جالبة للحسنات هي تكفه في مثل هذه الظروف عن كثيرٍ من المشاكل والسيئات، فالإنسان إذا كان في وقت الرخاء مأمور بالعبادة فكيف بالعبادة إذا كانت عبادة من جهة، وصارف وواقي ومانع من الوقوع في المحرمات؟ لا شك أن مثل هذا يتضاعف، وأيضاً في مثل هذه الظروف القلوب تنشغل،. . . . . . . . . الناس، وينشغلون بالقيل والقال، ويستطلعون الأخبار، لكن ماذا عن شخصٍ لم يلقِ لهذه الأمور بالاً؟ لأنه لا حول له ولا قوة، لا يستطيع أن يقدم ولا يؤخر، فمثل هذا إذا التجأ إلى ربه، لجأ إلى الله بصدق، وعبده حق عبادته، مثل هذا لا شك أنه من أفضل الناس في هذه الظروف، اللهم إلا من يستطيع أن يؤثر على غيره وينفع، ويساهم بما يكشف هذه الفتن هذا أعظم من العبادات الخاصة. قد يقول قائل: كثيرٌ من الناس لا يستطيع أن يؤثر في مثل هذه الظروف فهل العزلة مطلوبة؟ جاءت أحاديث تحث على العزلة: ((يوشك أن يكون خير مال المسلم غنم يتبع بها شعف الجبال، يفرُّ بدينه من الفتن)) يوشك: يقرب، يفر بدينه من الفتن هذا الكلام يتجه إلى شخص يخشى عليه من التأثر، ولا يرجى منه التأثير، بينما لو كان الأمر بالعكس شخص مؤثر، ويستطيع أن يقدم ما ينفع في كشف هذه الفتن، مثل هذا يتعين عليه الاختلاط، ولا تجوز له العزلة بحال، ثم يبقى بين هذين القسمين والنوعين سائر الناس ممن يستطيع أن يؤثر ويتأثر، ومن يتأثر كثيراً ويؤثر قليلاً، ومن قرب من هذا رجح فيه حكم هذا، ومن قرب من هذا ترجح فيه حكم هذا، والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. شرح: باب قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض)):

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا والسامعين برحمتك يا أرحم الراحمين. قال الإمام أبو عبد الله البخاري -رحمه الله تعالى-: باب قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض)). حدثنا عمر بن حفص قال: حدثني أبي قال: حدثنا الأعمش قال: حدثنا شقيق، قال: قال عبد الله: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر)). حدثنا حجاج بن منهال، قال: حدثنا شعبة، قال: أخبرني واقد عن أبيه عن ابن عمر أنه سمع النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض)). حدثنا مسدد قال: حدثنا يحيى قال: حدثنا قرة بن خالد قال: حدثنا ابن سيرين عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبي بكرة وعن رجلٍ آخر هو أفضل في نفسي من عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبي بكرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خطب الناس، فقال: ((ألا تدرون أي يوم هذا؟ )) قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، فقال: ((أليس بيوم النحر؟ )) قلنا: بلى يا رسول الله، قال: ((أي بلد هذا؟ أليست بالبلدة؟ )) قلنا: بلى يا رسول الله، قال: ((فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم وأبشاركم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، ألا هل بلغت؟ )) قلنا: نعم، قال: ((اللهم اشهد، فليبلغ الشاهد الغائب، فإنه رب مبلغٍ يبلغه من هو أوعى له)) فكان كذلك، قال: ((لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض)) فلما كان يوم حرق ابن الحضرمي حين حرقه جارية بن قدامة قال: أشرفوا على أبي بكرة، فقالوا: هذا أبو بكرة يراك، قال عبد الرحمن: فحدثتني أمي عن أبي بكرة أنه قال: لو دخلوا على ما بهشت ... عليّ، عليّ. قال: لو دخلوا عليّ ما بـ ... ما بَهَشْتُ. قال: لو دخلوا على ما بهشت بقصبة. حدثنا أحمد بن إشكاب قال: حدثني محمد بن فضيل عن أبيه عن عكرمة عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((لا ترتدوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض)).

حدثنا سليمان بن حرب قال: حدثنا شعبة عن علي بن مدرك قال: سمعت أبا زرعة ابن عمرو بن جرير عن جده جرير، قال: قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حجة الوداع: ((استنصت الناس)) ثم قال: ((لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض)). الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. يقول الإمام -رحمه الله تعالى-: "باب: قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض)) " لا ترجعوا: يعني لا ترتدوا، بعدي: أي بعد وفاتي، أو بعد كلامي هذا، كفاراً: إما أن يكون الكفر مخرجاً عن الملة، وذلك بالاستحلال، فإذا استحل الإنسان دم أخيه المسلم فإنه يكون بذلك مرتداً؛ لأنه استحل أمراً منكراً مجمعاً عليه معلومٌ تحريمه بالضرورة من دين الإسلام، أو يكون الكفر دون الكفر الأكبر، ولا يخرج حينئذٍ من الملة، لكنه من عظائم الأمور، ((لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض)) يعني: يقتل بعضكم بعض، ففيه التحذير الشديد، والوعيد على من ارتكب هذا الأمر الشنيع، وسبق الحديث عن حرمة القتل، وما ورد فيه من نصوص، ((ولا يزال المسلم في فسحة من دينه حتى يصيب دماً حراماً)). ((لا ترجعوا بعدي كفاراً)) إما أن يكونوا كفاراً بالمعنى المعروف من الكفر إذا أطلق، وهو الخروج من الملة، أو يكون المراد بذلك التشبيه، يعني كالكفار الذين من شأنهم أن يضرب بعضهم رقاب بعض. يقول -رحمه الله-: "حدثنا عمر بن حفص -بن غياث- قال: حدثني أبي -حفص بن غياث- قال: حدثنا الأعمش -سليمان بن مهران- قال: حدثنا شقيق -هو ابن سلمة أبو وائل- قال: قال عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر)) " ((سباب المسلم فسوق)) السب: هو الشتم، السب والسباب كلاهما مصدر سب يسب سباً وسباباً، ومنهم من يقول: السباب أشد من السب؛ لأن السباب يكون بما في الإنسان وما ليس فيه، بخلاف السب.

((سباب المسلم فسوق)) الفسوق والفسق الخروج، وهو في الاصطلاح: الخروج عن طاعة الله وطاعة رسوله -عليه الصلاة والسلام-، والفسوق أشدُّ من مجرد العصيان؛ لأنه وقع معطوفاً على الكفر، ثم عطف عليه العصيان على سبيل التدلي من الأعلى إلى الأدنى، {وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ} [(7) سورة الحجرات]. ((سباب المسلم فسوق)) أي شتمه بما فيه مواجهةً أو في غيبته، وما ليس فيه من باب أولى فسوق، الفاسق له حكمه في الشرع مستحقٌ للتعزير، إذا لم يكن فيما ارتكبه حد فهو مستحقٌ للتعزير، لو سبه بما يوجب الحد أقيم على الحد، لكن إذا سبه بما لا يوجب حداً فإنه يجب تعزيره، وأخذ حق أخيه منه، إلا إذا عفا أخوه. ((وقتاله كفر)) قتاله: قتله ومقاتلته كفر، ويقال فيه مثل ما قيل سابقاً من أنه كفر مخرج عن الملة إن استحل ذلك، أو هو كفرٌ دون كفر إن لم يستحل ذلك، لما عرف عند أهل السنة قاطبة أن القتل كبيرة من كبائر الذنوب لكنه لا يخرج من الملة كغيره من الموبقات التي هي دون الشرك، نعم إن استحل خرج من الملة، فالذي يستحل حراماً مجمعاً عليه معلوم تحريمه بالدين، بالضرورة من دين الإسلام هذا يكفر، وعكسه إذا حرم أمراً مباحاً حلالاً عرف حله بالضرورة من دين الإسلام فإنه يكفر. فالقتال أشد من السباب، القتال أشد من السباب؛ لأن حكم السباب الفسوق، وحكم القتال كفر، والكفر وإن كان دون الكفر الأعظم إلا أنه أعظم من مجرد الفسوق، وجاء في الصحيحين وغيرهما: ((لعن المؤمن كقتله)) في حديث الباب فرق النبي -عليه الصلاة والسلام- بين مجرد السباب، وبين القتل في الحكم، فجعل السباب أنزل من القتل والقتال، وفي الحديث الآخر قال -عليه الصلاة والسلام-: ((لعن المؤمن كقتله)) هنا مشبه وهو اللعن، ومشبه به وهو القتل، ووجه الشبه الجامع بينهما التحريم، كلٌ منهما محرم، ((لعن المؤمن كقتله)) في التحريم، ولا يلزم أن يكون المشبه كالمشبه به من كل وجه، بل قد يكون التشبيه من وجهٍ دون وجه، فالسب والشتم كالقتل في الاشتراك بالتحريم، وترتيب العقوبة.

تشبيه الوحي بصلصلة الجرس، والوحي محمود، والجرس مذموم، هل يعني هذا أن الوحي مشبه للجرس من كل وجه؟ لا، فالجرس له أكثر من وجه، يمكن أن يشبه ببعضها دون بعض، فلا إشكال في الحديث؛ لأن اللعن أشبه القتل من وجهٍ دون وجه، من وجه الاشتراك في التحريم، كما أن الوحي أشبه صلصلة الجرس من وجهٍ دون وجه، فالجرس فيه قوة وتدارك في الصوت، وفيه أيضاً يعني جهة طنين، وجهة إطراب، فهو مشبهٌ بالجرس من جهة القوة والتدارك في الصوت، بينما جهة الإطراب التي وقع الذم من أجلها يفترقان. ولذا آلات التنبيه التي ليس فيها إطراب لا تدخل في الجرس المنهي عنه، وإن سماه الناس جرس، يعني لو يضع الإنسان على بابه زر كهربائي ينبه من في الداخل إلى أنه يوجد عند الباب طارق، إن أطرب هذا المنبه دخل في الجرس المذموم، إن كان مجرد صوت لا يطرب السامع فإنه لا يدخل في المذموم، وقل مثل هذا في الآلات كلها، والناس مع الأسف الشديد يعانون مما يسمعون من الأجراس المطربة في مواطن العبادة، بل في أثناء العبادة بسبب الجوالات، فعلى المسلم أن يتقي الله -عز وجل-، والملائكة لا تصحب رفقةً فيها جرس، هذا جرس يا أخي، جرس مطرب وموسيقى، وجاء الوعيد الشديد فيمن يتخذ المعازف، وهذا نوعٌ منها، نسأل الله العافية، ويتضاعف التحريم بفضلِ المكان والزمان، مع الأسف نجد هذه الأجراس المطربة ترن في المساجد، بل في أشرف البقاع في المطاف، والله المستعان. فتشبيه اللعن بالقتل لا يعني أنه مشبهٌ له من كل وجه، وهناك أمثلة كثيرة لهذا الضرب، تشبيه رؤية الباري -جل وعلا- برؤية القمر تشبيه للرؤية بالرؤية، وليس بتشبيه للمرئي بالمرئي، تشبيه النزول على اليدين في الصلاة ببروك البعير لا يقتضي أن من قدم يديه ووضع يديه على الأرض برفق أن يكون مشبهاً للبعير حتى ينزل على الأرض بقوة، ويثير الغبار، ويفرق الحصا، حينئذٍ يكون مشبهاً لبروك البعير، أما إذا وضع يديه على الأرض مجرد وضع لم يشبه البعير، على كل حال هذا لو ذهبنا نستطرد بذكر الأمثلة يمكن يستغرق الوقت كله.

بعد هذا يقول الإمام -رحمة الله عليه-: "حدثنا الحجاج بن منهال –البصري- قال: حدثنا شعبة -بن الحجاج أبو بسطام- قال: أخبرني واقد" هذا من نسل عمر بن الخطاب، واقد بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب "عن أبيه -محمد بن زيد- عن –جده- عبد الله بن عمر أنه سمع النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول -في حجة الوداع عند جمرة العقبة-: ((لا ترجعوا بعدي كفاراً))، إما مرتدين أو كالكفار ((يضرب بعضكم رقاب بعض)) على ما تقدم تقريره.

ثم قال -رحمة الله عليه-: "حدثنا مسدد" مر بنا مراراً ابن مسرهد بن مسربل إلى آخر ما ركب من نسبه، والذي يغلب على الظن أنه تركيب: مسدد بن مسرهد بن مسربل بن مغربل بن أرندل بن سرندل بن عرندل، ما يمكن تجتمع بهذه الصورة، لعله تركيب، "قال: حدثنا يحيى" وهو ابن سعيد القطان، "قال: حدثنا قرة بن خالد –السدوسي- قال: حدثنا ابن سيرين -محمد الإمام المعروف- عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبي بكرة -عن أبيه أبي بكرة نفيع بن الحارث الثقفي- عن رجلٍ آخر"، هو حميد بن عبد الرحمن الحميري، "عن رجلٍ آخر هو أفضل في نفسي من عبد الرحمن بن أبي بكرة"، صرح بعبد الرحمن بن أبي بكرة؛ لأن المروي من طريقه مما وقع لأبيه، والإنسان يحرص على حفظ ما يتعلق به أو بأبيه أو بأسرته، وإلا من أبهم .. ، وحميد بن عبد الرحمن حميري أفضل من عبد الرحمن بن أبي بكرة؛ لأن ابن أبي بكرة دخل في الولايات، وأما حميد بن عبد الرحمن فقد زهد في الدنيا كلها فضلاً عن ولاياتها، ولا شك أن من مالت به الدنيا ومال بها معرض للخطر، بخلاف من عزف عنها، ولا يعني هذا أن أمور المسلمين تعطل، وكل الناس يزهد فيها، بل قد يتعين العمل فيها على بعض الناس، وإذا ألزم الإنسان من غير مسألة بهذه الولايات ونصح وبذل جهده واستفرغ وسعه في نصح الناس، والنصح لهم، لا شك أنه مثاب، بل ثوابه عظيم؛ لأن هذه أمور هي في الأصل خدمة للأمة، والله المستعان، لكنه في الغالب يعني امتحان قل أن ينجو منها، ((نعمت المرضعة، وبئست الفاطمة)) قلَّ من ينجو منها، ابن عباس قيل فيه هذا الكلام، جاء رجلٌ يسأل ابن عمر، فقال له: سل ابن عباس، فذكر له أن ابن عباس صار عنده شيء من التوسع في أمور الدنيا، يعني في المباحات، بينما ابن عمر زهد في هذه الأمور، فالناس لا شك أنهم يحسنون الظن، بمن لا نظر له في الدنيا، وإن كان أقل في العلم، والله المستعان.

"وعن رجلٍ آخر هو أفضل في نفسي من عبد الرحمن أبي بكرة عن أبي بكرة" الصحابي الجليل نفيع بن الحارث، "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خطب الناس -يوم النحر بمنى- فقال: ((ألا تدرون أي يوم هذا؟ )) " هذا للفت النظر من أجل الانتباه لما يلقى، ((ألا تدرون أي يوم هذا؟ )) قالوا: الله ورسوله أعلم"، لما سأل دهشوا هم يعرفون أن اليوم يوم النحر، لكنهم دهشوا لما سئل عن شيء معلوم بالبداهة، نعم لو سئلت عن شيء لا يخفى عليك حتى عند السائل يعرف أنه لا يخفى عليك ما تدري وإيش ... ؟ ماذا تجيب؟ لأن هذا معلومٌ عند الطرفين السائل والمسئول، إذاً لا بد أن يكون السائل أراد شيئاً آخر غير المسئول عنه، أو أن المسئول ما فهم السؤال على وجهه وحقيقته من الدهشة، "قالوا: الله ورسوله أعلم"، الصحابة -رضوان الله عليهم- سئلوا عن يوم النحر، فقالوا: الله ورسوله أعلم، وصغار طلاب العلم يسألون عن عضل المسائل فيجيبون بغير تردد الآن، والصحابة يتدافعون الفتيا، ولم يجيبوا عن اليوم الذي هم فيه، ولا يعني هذا أن الإنسان إذا عرف شيئاً من العلم واحتاج الناس إليه أنه يكتم ما عنده من العلم, لا، لكن المسألة التوسط في الأمر، من عنده شيء لا يجوز له أن يكتمه إذا تعين عليه، والذي ليس عنده من العلم ما يكفيه للإجابة على مسألة بعينها أو مسائل يقول: الله أعلم، ولا يضيره ولا ينقص من قدره، بل هذا فيه الرفعة في الدنيا والآخرة ولم يضر الإمام مالك -رحمه الله- لما سئل عن أربعين مسألة فأجاب عن أكثر من ثلاثين، اثنتين وثلاثين أو ست وثلاثين بـ (لا أدري)، وهذا متوارث عند أئمة الهدى في المتقدمين والمتأخرين، والله المستعان، إلى أن وصل الحد بنا إلى أن صغار المتعلمين أو بعض من لا يمت إلى العلم الشرعي بصلة أن يتصدى ويتصدر لإفتاء الناس وتوجيههم، والله المستعان.

"قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، فقال: ((أليس بيوم النحر؟ )) قلنا: بلى يا رسول الله، قال: ((أي بلد هذا؟ )) " وجاء في بعض الروايات: "قلنا: الله ورسوله أعلم"، قال: ((أليست بالبلدة؟ )) {إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ} [(91) سورة النمل] البلدة: اسمٌ من أسماء مكة، كما أن الدار اسمٌ من أسماء المدينة، {وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ} [(9) سورة الحشر] "قلنا: بلى يا رسول الله، قال: ((فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم)) " جمع عرض، وهو موضع المدح والذم، ((وأبشاركم)) جلودكم، يعني الاعتداء على الإنسان بما يزهق روحه، ويريق دمه، وما يخدش جلده، يعني سواءً كان الاعتداء كبير أو صغير، ذليل أو حقير، ولذا قال: ((وأبشاركم)) يعني مجرد خدش البشرة، يعني لو تمر من عند واحد أو شيء بظفرك تخدش بشرته أو بأي شيء، بآلةٍ هذا حرام، وتقدم أن من يأتي بالسهام لا بد أن يأخذ برؤوسها إذا مر بمجامع الناس؛ لئلا تصيب أحداً بأذى. ((إن دمائكم وأموالكم وأعراضكم وأبشاركم عليكم حرام)) هذه من الضروريات التي جاء الدين بحفظها، فالدماء شأنها عظيم، والأموال أيضاً لا يجوز الاعتداء عليها من قبل غير مالكها، ولا من مالكها في غير وجوهها، فقد جاء النهي عن إضاعة المال. ((وأعراضكم)) العرض الذي هو موضع المدح والذم لا يجوز النيل منه، ((وأبشاركم عليكم حرام)) وكل هذا إذا كان بغير حق، أما إذا كان بحق فالشرع جاء لإقرار الحق، فالقاتل يقتل، ما يقتل الإنسان ويقول: ((إن دمائكم وأموالكم)) الغاصب يعاقب ويؤخذ منه ما اغتصب، وقد يعزر بأخذ شيء من ماله، مانع الزكاة قد يعزر بأخذ قدرٍ زائد، ((فإنا آخذوها، وشطر ماله)) المقصود أن حفظ هذه الأمور من الدماء والأموال والأعراض إذا كان ذلك بغير حق، الأعراض قد يكون النيل منها بحق إذا كان الهدف منه النصح في الاستشارة مثلاً، في الجرح والتعديل بالنسبة للرواة، وهذا وإن كان على خلاف الأصل إلا أنه محددٌ بقدر الحاجة، لا يجوز النيل من عرض مسلم إلا لحاجة، وأن يكون بقدر الحاجة، إذا كانت الحاجة تتأدى بكلمة لا يجوز الزيادة عليها.

جاءك شخصٌ يستشريك؛ لأنه تقدم لخطبة ابنته شخص، فإذا كان لا يشهد صلاة الفجر لا تزد على ذلك، قل: يا أخي لا يشهد صلاة الفجر، لا يجوز لك أن تقول: الخبيث المخبث الذي فيه ما فيه، الفاعل التارك، ما يشهد صلاة الفجر أكيد أنه بعد بيسوي كذا وكذا، ما عليك، أنت لا يجوز لك أن تقدح إلا بما تعلم، وهذا بقدر الحاجة، وإذا دعت إليه الحاجة، ومثله جرح الرواة، ومع الأسف أن نجد بعض من ينتسب إلى طلب العلم همه وديدنه الجرح والتعديل، الذي لا تدعو إليه الحاجة، ولا يترتب عليه أدنى مصلحة، وتجد القيل والقال كله في أعراض الأخيار أيضاً، مع سلامة الأشرار، الشيخ فلان قال كذا، الشيخ علان أفتى بكذا، تسامح بكذا، داهن في كذا، ما عليك منه، إن كان عندك له نصيحة اذهب إليه بعد أن تقدم ما يفتح قلبه لك، أما تأتي على سبيل المتعالي، أو على جهة التعالي لتنصح شخص أكبر من أبيك، نعم عليه أن يقبل، وعليك أن تقدم الأسلوب المقبول، أما أن تكون في المجالس فلان فعل وفلان ... نعم من ظهر أمره واشتهر، وأعلن مخالفته، وخشي من ضرره على الناس لا مانع من التحذير منه؛ لأن ضرره إذا خشي منه أن يتعدى يحذر منه، فإن كان يكفي التلميح تعين، وإن لم يكفِ التلميح بل لا بد من التصريح صرح به، لكن أيضاً بقدر الحاجة.

((كحرمة يومكم هذا -يوم النحر- في شهركم هذا -في شهر ذي الحجة- في بلدكم هذا -في مكة- ألا هل بلغت؟ )) ألا هل بلغت؟ يعني ما أمرت بتبليغه، "قلنا: نعم" بلغت يا رسول الله، ونحن نشهد أنه بلغ الرسالة، وأدى الأمانة على أكمل وجه، ونصح الأمة -عليه الصلاة والسلام-، "قال: ((اللهم اشهد، فليبلغ الشاهد الغائب -يعني من حضر يبلغ من غاب- فإنه رب مبلغٍ -هذا تقليل- رب مبلغٍ يبلغه من هو أوعى منه)) وأحفظ، يعني رب مبلَّغ أو رب مبلِّغ من الحاضرين يبلغه لشخصٍ هو أوعى منه له، وأحفظ له، وأفهم، ورب هذه للتقليل؛ لئلا يقول قائل: إنه يوجد في هذه العصور من هو أفهم من الصحابة، نقول: لا ما هو بصحيح، قد يوجد من الصحابة -لأن هذا تقليل- واحد أو أفراد من الصحابة مع ما نالوه من شرف الصحبة، ورسوخ القدم في الديانة يكون فهمهم .. ؛ لأنهم ليسوا بمعصومين، هؤلاء النفر اليسير قد يوجد فيمن جاء بعدهم من هو أحفظ وأوعى، وهكذا إلى قيام الساعة، يوجد في الزمان المتأخر من هو أحفظ وأوعى ممن هو ممن تقدم عليه في الزمن، وهذا قليلٌ نادر؛ لأن ربَّ تقتضي التقليل، وسبق الحديث: ((فإنه لا يأتي زمان إلا والذي بعده شرٌ منه)) وهذا إجمالي، هذا إجمالي.

"فكان كذلك" كان الأمر كذلك، بلّغ الصحابي التابعي، وقد يكون في التابعين وهذا مثل ما ذكرنا نادراً الواحد أو الاثنين من هو أحفظ من الواحد أو الاثنين من الصحابة، "فكان كذلك، قال: ((لا ترجعوا بعدي كفاراً، يضرب بعضكم رقاب بعض)) " قال ابن أبي بكرة: "فلما كان يوم حُرِّق ابن الحضرمي" عبد الله بن عمرو "حين حرَّقه جارية بن قدامة" بن مالك بن زهير السعدي، السبب أن ابن الحضرمي وجهه معاوية -رضي الله عنه- يستنفر أهل البصرة إلى قتال علي -رضي الله عنه-، فوجه عليٌ -رضوان الله عليه- جارية ابن قدامة إلى ابن الحضرمي، فتحصن ابن الحضرمي في دار، في دار فحرَّق جاريةُ الدار بمن فيها، وهذه آثار الفتن، الفتن إذا قامت لا بد أن يوجد مثل هذه التصرفات، الفتن نسأل الله -جل وعلا- أن يقي المسلمين من شرها إذا قامت لا بد أن توجد مثل هذه التصرفات، يحصل أمور لا تخطر على البال، حتى على بال من فعلها، تطيش العقول في أوقات الفتن، يعني أمير المؤمنين عثمان -رضي الله عنه- يقتل في المدينة بين الصحابة، وقد قدم ما قدم للإسلام والمسلمين، وشهد له النبي -عليه الصلاة والسلام- بالجنة، كل هذا سببه الفتن، قد يقول قائل: أليس في المسلمين قوة ومنعة أن يمنعوا خلفيتهم من أن يقتل؟ فيهم قوة ومنعة، لكن إذا حصلت هذه الأمور فتلافيها صعبٌ جداً، فعلى كل إنسان أن يساهم بقدرِ ما أُوتي في دفع الفتن وضرها وشرها؛ لأنها إذا بدأت ما انتهت، تأتي على الأخضر على الرطب واليابس، شخص يحرق بدار ومعه ما يقرب من سبعين، شخص من أبناء الصحابة، بل قال بعضهم ممن له صحبة يودع في جوف حمار ويحرق في جوف الحمار! هذا سببه إيش؟ سببه الفتن، كيف يتصرف الناس؟ إذا هاجت الفتن طاشت العقول، وصعبت الحلول، فإذا كان هذا وقع في عصر الصحابة فما شأنكم فيما يقع فيما بعدهم حينما يرفع العلم، ويكثر الجهل، ويقل العمل؟ هذا والصحابة متوافرون تحصل مثل هذه الأمور، إذاً لا بد من أن يقضى على الفتن في مهدها، والله المستعان؛ لئلا تستشري.

يقول: "فلما كان يوم حرق ابن الحضرمي حين حرقه جارية بن قدامة قال جارية لجيشه: أشرفوا على أبي بكرة" أشرفوا على أبي بكرة، انظروا ماذا سيصنع أبو بكرة صحابي جليل يخشى إيش؟ أن يتدخل أبو بكرة فيحصل له شيءٌ من القتل فيبوء بإثمه من يقتله يقتل صحابي، ماذا صنع أبو بكرة؟ خشي جارية أن يتدخل أبو بكرة لسوء ما صُنع هؤلاء النفر، "فقالوا: هذا أبو بكرة يراك" أمامك، يراك أبو بكرة، لكن ماذا يصنع أبو بكرة؟ "قال عبد الرحمن بن أبي بكرة: فحدثتني أمي -هالة بنت غليظ العجلية- عن أبي بكرة- يعني عن أبيه- أنه قال: لو دخلوا علي ما بهشت بقصبة" يعني ما دافعت عن نفسي، لو دخلوا عليَّ، بيتي، ما دافعت عن نفسي بقصبة، ما يدافع عن نفسه؛ لأنه حفظ من أحاديث الوعيد الشديد في القتل والقتال، قتال المسلمين ومقاتلتهم؛ لئلا يساهم في ما جاء فيه الوعيد الشديد، قال: "لو دخلوا عليَّ ما بهشت بقصبة". ثم قال: "حدثنا أحمد بن إشكاب –الصفار- قال: حدثنا محمد بن فضيل -بن غزوان- عن أبيه -فضيل بن غزوان- عن عكرمة -مولى ابن عباس- عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((لا ترتدوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض)) "، ((لا ترتدوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض)) البخاري -رحمه الله تعالى- احتج بعكرمة مولى ابن عباس، وعكرمة فيه كلام لأهل العلم، بل قال بعضهم: إنه يرى إيش؟ ها؟ طالب:. . . . . . . . . لا القدر ما يجي هنا، يرى إيش؟ طالب:. . . . . . . . . يرى السيف، قالوا: يرى السيف، وهو مذهب الخوارج. طالب:. . . . . . . . . معروف كلام الذهبي في السير طويل، ودافعوا عنه، لكن نحن نريد أن نقرر شيء هنا، الحافظ العراقي -رحمه الله- يقول: ففي البخاري احتجاجاً عكرمة ... مع ابن مرزوقٍ وغير ترجمة

شرح: باب: تكون فتنة القاعد فيها خير من القائم:

المقصود أن عكرمة خرج له البخاري في الأصول معتمداً عليه، وإن مسَّ بضربٍ من التجريح من قبل غيره، واتهم برأي الخوارج، لكنه لم يثبت عنه، لم يثبت عنه، الآن الخبر الذي يرويه عكرمة عن ابن عباس -رضي الله عنه- قال: قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض)) هل نقول: إن عكرمة متهم، وهذا يؤيد تلك البدعة؟ لأن الخبر: ((لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم .. )) الذي يكفر القاتل من هو؟ من الذي يكفر القاتل؟ الخوارج إذا لم يستحل، هو مذهب الخوارج، فهل نتهم عكرمة لأنه روى هذا الحديث ونقول: إن هذا الحديث يؤيد بدعته؟ نقول: نسبة البدعة إليه لم تثبت، نسبة البدعة إليه لم تثبت، بل فندها وردها أهل العلم، الحافظ الذهبي في السير، والحافظ ابن حجر في مقدمة فتح الباري، تكلموا بكلامٍ طويل حوله. ثم قال: "حدثنا سليمان بن حرب -الأزدي البصري- قال: حدثنا شعبة عن علي بن مدرك –النخعي- قال: سمعت أبا زُرعة –هرم- ابن عمرو بن جرير -بن عبد الله البجلي- عن جده جرير -بن عبد الله- قال: قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حجة الوداع -عند جمرة العقبة-: ((استنصت الناس)) " استنصت الناس: يعني مرهم بالسكوت والإنصات، "ثم قال -بعد أن أنصتوا وسكتوا -عليه الصلاة والسلام-: ((لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض)) "، وهذا تقدم الحديث فيه، وهو أن القتل هو من شأن الكفار، من شأن الكفار، فلا ترجعوا بعدي كالكفار يضرب بعضكم رقاب بعض، أو كفاراً إن استحللتم ذلك، كما هو مقرر عند أهل العلم. شرح: بابٌ: تكون فتنة القاعد فيها خيرٌ من القائم: بابٌ: تكون فتنة القاعد فيها خيرٌ من القائم. حدثنا محمد بن عبيد الله قال: حدثنا إبراهيم بن سعد عن أبيه عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، قال إبراهيم: وحدثني صالح بن كيسان عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ستكون فتن القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي، من تشرف لها تستشرفه، فمن وجد فيها ملجأً أو معاذاً فليعذ به)).

حدثنا أبو اليمان قال: أخبرنا شعيب عن الزهري قال: أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن أن أبا هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ستكون فتن القاعد فيها خير من القائم، والقائم خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي، من تشرف لها تستشرفه، فمن وجد ملجأً أو معاذاً فليعذ به)). يقول -رحمه الله-: "بابٌ: تكون فتنةٌ" يعني عظيمة، التنوين هنا للتعظيم، "القاعد فيها خيرٌ من القائم"، هذا نص الحديث، فترجم على الحديث بجزءٍ منه.

ثم قال: "حدثنا محمد بن عبيد الله -بن محمد بن زيد- قال: حدثنا إبراهيم بن سعد عن أبيه -سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف- عن –عمه- أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة، قال إبراهيم" إبراهيم بن سعد، "وحدثني -يعني متابعاً لأبيه- صالح بن كيسان عن ابن شهاب" الزهري، وصالح بن كيسان من أخص طلاب الزهري، وإن كان أكبر منه سناً؛ لأنه ما تعلم إلا بعد أن طعن في السن، "عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ستكون فتن)) " عند أبي ذر: ((فتنة))، ((ستكون فتن القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي)) يعني أن من شارك في الفتن فيهم تفاوت بحسب توغلهم فيها، ليس المراد من القعود الجلوس والمشي على الأرجل، وإن كان هذا هو الأصل، إلا أن بعضهم يكون أشد توغلاً في هذه الفتنة، وبعضهم أخف، فمن اعتزل هذه الفتن لا شك أنه سالم، ولذا قال: ((فمن وجد فيها ملجأً أو معاذاً فليعذ به)) فليعتزل، إن كان وضعه العلمي أو الاجتماعي يستدعي دخوله فيها، بعض الناس لا سيما إذا كان من أهل العلم لا يسوغ له أن يعتزل إذا كان يستطيع التأثير في التخفيف من هذه الفتن، يعني إذا اعتزل أهل العلم والحلم والرأي فلمن تترك هذه الفتن؟! الفتن كالنار تأتي على كل شيء، وأهل العلم وأهل الحلم والخبرة والدراية والعقل بهم أو بسببهم يقضى على الفتن -بإذن الله-، على كل حال من اضطر أو من احتيج إليه لمشاركته في هذه الفتن عليه أن يسعى لإخماد هذه الفتن من مهدها إن تمكن، لكن لا يجوز له أن يساهم في إذكائها ولو بكلمة، ومن يساهم في إذكائها وتأجيجها هؤلاء متفاوتون بحسب أعمالهم فيها، منهم المحرض، ومنهم المستوشي، ومنهم .. ، المقصود أنهم متفاوتون، وعبر في الحديث عن هذا التفاوت بالقيام والقعود والمشي، فمن كان أثره في هذه الفتن أقل كان خيراً من .. ، كان أثره أعظم.

((إنها ستكون فتن القاعد فيها خيرٌ من القائم، والقائم فيها خيرٌ من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي، من تشرف -أي تطلع لها واستشرف- تستشرفه)) تهلكه بأن تجعله يشرف على الهلاك، لا سيما الفتن التي لا يظهر فيها وجه الصواب، ولا يظهر فيها رجحان إحدى الكفتين، ((من تشرف لها تستشرفه فمن وجد فيها ملجأً أو معاذاً -أو ملاذاً- فليعذ به)) وليلذ وليعتزل، وفي الصحيح: ((يوشك أن يكون خير مال المسلم غنماً يتبع بها شعف الجبال، يفر بدينه من الفتن))، وهذا سيأتي -إن شاء الله تعالى-، فالعزلة والسلامة لا يعدلها شيء؛ لأن الإنسان قد يدخل في مثل هذه الأمور ظناً منه أنه يصلح، لكنه قد يكون الأمر في غير مقدوره وطاقته فلينجُ بنفسه. ثم قال -رحمه الله-: "حدثنا أبو اليمان -الحكم بن نافع- قال: أخبرنا شعيب -هو ابن أبي حمزة- عن الزهري، قال: أخبرني أبو سلمة -بن عبد الرحمن- أن أبا هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ستكون فتن القاعد فيها خير من القائم، والقائم خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي، من تشرف لها تستشرفه)) "، يعني التحذير، هذا فيه التحذير من المشاركة في الفتن، وهذا معروفٌ أنه مما لا يتبين فيه وجه الصواب، أما إذا تبين وجه الصواب بأن اعتدي على أحد تدخل يا أخي، ((انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً)) بغى على ولي الأمر بغاة، يساعد ولي الأمر بقمعهم، المقصود أنه إذا بان وجه الصواب ما تكون فتنة، وإلا لو بغى على ولي الأمر بغاة ثم تركوا يتصارعون، وكلٌ قال: هذه فتنة القاعد فيها إلى آخره .. ، ولنعتزل، من وجد معاذاً أو ملاذاً، تكون الأمور أعظم، ولا بد من الأخذ على يد مثل هؤلاء، ولا شك أنهم إن كان لهم تأويلٌ سائغ يقبل منهم تأويلهم، ويحاجون، ويناقشون، ويقنعون، والبغاة عند أهل العلم ليسوا بكفار، لكنهم لا شك أنهم معرضون للعقاب في الدنيا والآخرة، بقدر ما يترتب على فعلهم من أثر، فلو كان كل شخص يقول: أنا أعتزل مثل هذه الأمور صارت الدنيا ضياع، ما استقامت أمور الناس، حتى يقمع من أراد أن يشق عصا المسلمين، ويفرق جمعهم، ويثير المشاكل بينهم.

شرح: باب: إذا التقى المسلمان بسيفيهما:

يقول: ((فمن وجد ملجأً أو معاذاً فليعذ به)) ففي هذا كله التحذير من المشاركة في الفتن، وهذا الخطاب يتجه إلى من لا أثر له في هذه الفتن، بل يخشى عليه أن يتأثر، يتأثر بها، ويتضرر في دينه، أو يكون له يدٌ، أو تَسَبُب في قتل مسلم أو هتك عرض أو ما أشبه ذلك، فمثل هذا عليه أن يعتزل، أما أهل الحل والعقد من أهل الرأي والعلم والحلم فمثل هؤلاء ينبغي أن يتدخلوا لتلافي الأضرار والأخطار واستشراء هذه الفتن واستمرارها، والله المستعان، نعم. شرح: بابٌ: إذا التقى المسلمان بسيفيهما: بابٌ: إذا التقى المسلمان بسيفيهما. حدثنا عبد الله بن عبد الوهاب قال: حدثنا حماد عن رجل لم يسمه عن الحسن، قال: خرجت بسلاحي ليالي الفتنة، فاستقبلني أبو بكرة فقال: أين تريد؟ قلت: أريد نصرة ابن عم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا تواجه المسلمان بسيفيهما فكلاهما من أهل النار)) قيل: فهذا القاتل فما بال المقتول؟ قال: ((إنه أراد قتل صاحبه))، قال حماد بن زيد: فذكرت هذا الحديث لأيوب ويونس بن عبيد، وأنا أريد أن يحدثاني به، فقالا: إنما روى هذا الحديث الحسن عن الأحنف بن قيس عن أبي بكرة. حدثنا سليمان قال: حدثنا حماد بهذا، وقال مؤملٌ: حدثنا حماد بن زيد قال: حدثنا أيوب ويونس وهشام ومعلى بن زياد عن الحسن عن الأحنف عن أبي بكرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم-. ورواه معمر عن أيوب، ورواه بكار بن عبد العزيز عن أبيه عن أبي بكرة، وقال غندر: حدثنا شعبة عن منصور عن ربعي بن حراش عن أبي بكرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولم يرفعه سفيان عن منصور.

يقول -رحمه الله تعالى-: "بابٌ: ((إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار)) إذا التقى المسلمان فهما مسلمان مع اتصافهما بالقتل، فالقتل كبيرة وجريمة من كبائر الذنوب، لكنه لا يخرج من الملة؛ لأن كلاً من القاتل والمقتول من المسلمين، ولذا قال: ((إذا التقى المسلمان)) {وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا} [(9) سورة الحجرات] فالقتل لا يخرج من الملة ما لم يستحله مرتكبه، ((إذا التقى المسلمان بسيفهما)) الجواب: ((فالقاتل المقتول في النار))، وسيأتي. "حدثنا عبد الله بن عبد الوهاب –البصري- قال: حدثنا حماد -هو ابن زيد- عن رجل لم يسمه"، عن رجل لم يسمه، هذا الرجل الذي لم يسمه حماد هو: عمرو بن عبيد شيخ المعتزلة، شيخ المعتزلة، والمعتزلة رأيهم في مرتكب الكبيرة كالقتل معروف أنه ليس بمسلم، وليس بمؤمن، ارتفع عنه الوصف، لكنه لا يكفر، كما تقول الخوارج، بل هو في منزلة بين المنزلتين، وإن كان مؤدى قولهم في الآخرة كقول الخوارج، أنه خالد مخلد في النار، وهذا في عموم مرتكب الكبيرة.

عمرو بن عبيد يرويه عنه حماد بن زيد ولم يسمه، وهذه طريقةٌ نبيلة ينبغي أن ينتبه لها طالب العلم، لو سماه نعم، لأحسن الناس الظن به، يروي عنه هذا الحبر -حماد بن زيد-، ويخرج له البخاري، وهو رأس من رؤوس المعتزلة، وعلى هذا ينبغي لمن أفاد فائدة من كتابٍ يخشى منه الضرر على طلاب العلم أن لا يسمي الكتاب، ولا يسمي صاحبه، يقول: قال بعضهم؛ لأنه إذا سمى هذا الكتاب أو سمى صاحبه مع وجود مثل هذه الفائدة فتن الناس به، يعني بإمكانك أن تستفيد وأنت متأهل لا يمكن أن تتأثر بما يقوله المبتدعة في كتبهم إذا كانت لديك أهلية التمييز بين الحق والباطل، وتعرف كيف تتخلص من هذا الباطل بحيث لا يؤثر عليك من هذه الشبه، فلك أن تستفيد، واستفاد أهل العلم من كتب المبتدعة، استفادوا من تفسير الزمخشري، استفادوا من تفسير الرازي، استفادوا من الشروح، شروح كتب السنة، وفيها ما فيها من المخالفات العقدية لكن بحذر، الكتاب الذي ضرره أكثر من نفعه على متوسطي المتعلمين كالكشاف والرازي وغيرهما من المنظرين للبدع الذابين عنها، المثيرين للشبه، مثل هذا يستفيد منه المتمكن الذي لا يخشى عليه، أما متوسط طلاب العلم لا ينبغي أن يقرؤوا في هذه الكتب، هذا المتمكن إذا استفاد ووجد فائدة من هذه الكتب التي لا ينصح صغار المتعلمين بقراءتها يقول: قال بعضهم، أو قال بعض المفسرين، أو قال بعض الشراح، أو ما أشبه ذلك؛ لئلا يفتن بها من لا يعرف حقيقة أمرها، فالإبهام فيه فوائد، الإبهام فيه فوائد، فإما أن يخشى من افتتان الناس به وهو مبتدع، أو يخشى أن لا يروج الكتاب بسبب ذكر اسمه في بعض المجتمعات، يعني لو قلت: قال الإمام المجدد الشيخ محمد بن عبد الوهاب في مؤلف وراح لبعض الأقطار الذين يعادون دعوة الشيخ نعم يمكن يكسد الكتاب ولا يستفاد منه، بل يحرق ويتلف، وهذا حاصل، ولذا بعض كتب الشيخ -رحمه الله- كتب عليها غير منسوب لأبيه، نسب إلى جده محمد بن سليمان التميمي، في شرح الطحاوية لابن أبي العز النقول بالصفحات من كتب شيخ الإسلام وابن القيم من غير تسمية، لماذا؟ لئلا يكسد الكتاب؛ لأن كثير من المجتمعات الإسلامية في وقت ابن أبي العز يحاربون شيخ الإسلام، وكتب شيخ

الإسلام، هذه طريقة لإيصال الفائدة من غير أثرٍ سلبي، فأنت عليك أن توصل الفائدة بأي طريقة. أحياناً يذكر بعض الأمور التي ليس الخلل فيها كبيراً نعم من أجل أن يروج هذا العلم، قد يقول قائل: نيل الأوطار مع أهميته، وسبل السلام رغم ما فيهما من فوائد ذكرت فيها مذاهب لا يرتضيها أهل السنة، ولا يعتدون بأقوال قائلها، لماذا؟ لأنها صنفت في مواضع وبلدان هم غالب سكانها هذه المذاهب، فلو لم تذكر هذه المذاهب ما راج الكتاب ولا انتفع به، لكن لا يعني هذا أن هذا مبرر لأن يذكر الإنسان البدع الكبرى المغلظة من أجل الترويج، لا ...

شرح كتاب الفتن (4)

شرح كتاب الفتن من صحيح البخاري (4) شرح بابٌ: كيف الأمر إذا لم تكن جماعة، وباب: من كره أن يكثر سواد الفتن والظلم، وبابٌ: إذا بقي في حثالة من الناس، وباب: التعرب في الفتنة، وباب: التعوذ من الفتن الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير أحياناً يذكر بعض الأمور التي ليس الخلل فيها كبيراً نعم من أجل أن يروج هذا العلم، قد يقول قائل: نيل الأوطار مع أهميته، وسبل السلام رغم ما فيهما من فوائد ذكرت فيها مذاهب لا يرتضيها أهل السنة، ولا يعتدون بأقوال قائلها، لماذا؟ لأنها صنفت في مواضع وبلدان هم غالب سكانها هذه المذاهب، فلو لم تذكر هذه المذاهب ما راج الكتاب ولا انتفع به، لكن لا يعني هذا أن هذا مبرر لأن يذكر الإنسان البدع الكبرى المغلظة من أجل الترويج لا، كما فعل الفيروز أبادي لما شرح البخاري والبلد الذي هو فيه اليمن استشرت في وقته فتنة ابن عربي القول بوحدة الوجود، ففي شرح البخاري أدخل الفتوحات والفصوص علشان إيش؟ يروج الكتاب، معقول يروج الكتاب! لا تألف يا أخي، الأمة ليست بحاجة إلى مثل هذا التأليف إيش يروج الكتاب؟ فالأمور تقدر بقدرها، إذا كانت المفسدة يسيرة مغمورة شيء، أما إذا كانت كبيرة .. ، مفسدة إدخال الفتوحات والفصوص أعظم من مصلحة الشرح، من نعم الله -عز وجل- أن الكتاب أنجز منه مؤلفه عشرين مجلداً، فجاءت الأرضة على الكتاب من غلاف المجلد الأول إلى غلاف المجلد الأخير، وما بقي منه كلمة، والحمد لله.

لكن هذه طريقة، الآن حماد بن زيد قال: عن رجلٍ لم يسمه، ما سماه، علشان ما يفتن الناس بمثل عمرو بن عبيد، في كتاب الإيمان خرج الإمام -رحمة الله عليه- الحديث من رواية حماد بن زيد عن أيوب ويونس عن أيوب ويونس، أيوب بن أبي تميم السختياني إمام حافظ، ومثله يونس بن يزيد الأيلي، وكلاهما من الحفاظ، كون البخاري أورده مبهماً هنا؛ لأن الأبواب كلها في باب القتل والفتن، وأراد أن يغير؛ لأن البخاري إذا أراد أن يروي الحديث، يكرر الحديث لا بد أن يغير في السند أو في المتن، يأتي برواية تختلف عن الأولى ولو بشيء يسير؛ لأنه جرت عادته أن لا يكرر حديث في موضعين بسنده ومتنه، بسنده ومتنه يكرر الحديث في موضعين لا يكرر إلا نادراً يعني في نحو عشرين موضع فقط من كتابه -رحمه الله-، فجاء به مبيناً في أول الكتاب، وفي آخره أو في أواخره أبهم المروي عنه. "عن الحسن -البصري- قال: خرجت بسلاحي ليالي الفتنة، فاستقبلني أبو بكرة" من القائل خرجت بسلاحي؟ نعم؟ شوف البخاري -رحمه الله- بيَّن، رواه كما رُوِّي، روى الخبر كما رُوِّي، ثم بين في الأخير عن جماعة، حدثنا سليمان قال: حدثنا حماد بهذا، وقال مؤمل: حدثنا حماد بن زيد حدثنا أيوب ويونس وهشام ومعلى بن زياد عن الحسن عن الأحنف عن أبي بكرة، فالذي خرج بسلاحه الحسن؟ الأحنف وليس الحسن، سقط لفظ: (الأحنف) من هذه الرواية بينه البخاري في آخر الباب. يقول الأحنف: "خرجت بسلاحي ليالي الفتنة الواقعة بين علي وعائشة التي سميت موقعة إيش؟ الجمل، موقعة الجمل، هذه فتنة وإلا ليست فتنة؟ فتنة وأيُّ فتنة! علي -رضي الله عنه- مشهودٌ له بالجنة، فضائله ومناقبه أكثر من أن تحصر -رضي الله عنه وأرضاه-، وعائشة أم المؤمنين، تخرج عائشة لقتال علي، ولما أقبلت قال علي: "والله إنها لزوجته في الدنيا والآخرة، ولكن الله ابتلاكم" الفتن، الفتن -يا الإخوان- إذا جاءت، هؤلاء خيار الأمة، فكيف بمن يعيش بمثل زماننا حينما أثرت الشهوات والشبهات على النفوس؟! وأدبر الناس عن دين الله، هناك في وقت إقبال على الدين، تأتي عائشة لحرب علي ومقاتلته، وعلي -رضي الله عنه- علي ما يحتاج.

ورابعهم خير البرية بعدهم ... عليٌ حليف الخير بالخير يمدح ويقول في حقها، ماذا قال؟ هل اتهمها؟ هل رماها؟ هل .. ؟ ما فعل شيء، قال الحق: "والله إنها لزوجته في الدنيا والآخرة، ولكن الله ابتلاكم". يقول الأحنف: "خرجت بسلاحي ليالي الفتنة فاستقبلني أبو بكرة -نفيع بن الحارث- وقال: أين تريد -يا أحنف-؟ قلت: أريد نصرة ابن عم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا تواجه المسلمان بسيفيهما فكلاهما من أهل النار)) "، يريد أن يثني الأحنف؛ لأنه من يواجه بسيفه؟ يواجه المسلمين، ويقاتل تحت راية من؟ تحت راية مسلمين، فالمتواجهان كلاهما من المسلمين، ((إذا تواجه المسلمان بسيفيهما فكلاهما من أهل النار)) يعني يستحقان النار هذا الأصل، وقد يُعفى عنهما، فالقتل والقاتل تحت المشيئة كسائر الكبائر، {إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء} [(48) سورة النساء] لكن في الأصل رتبت النار على جريمة القتل، العقوبة النار، والكبائر متوعدٌ عليها بالنار، والمعاصي كذلك، لكن هي تحت المشيئة. "قيل: فهذا القاتل" يعني: يستحق النار القاتل، "فما بال المقتول؟ " يعني ما ذنبه؟ يعني إذا كان القاتل يستحق النار؛ لأنه قتل فما بالُ المقتول؟ يعني ما ذنبه؟ "قال: ((إنه أراد قتل صاحبه)) " أراد قتل صاحبه، أي كان حريصاً على قتله، عازماً على قتله، وبهذا يحتج من يقول بالمؤاخذة بمجرد العزم، ولو لم يفعل؛ لأن العزم آخر مراتب القصد، يليها الفعل، مراتب القصد خمس. مراتب القصد خمسٌ هاجسٌ ... فخاطرٌ فحديث النفس فاستمعا ذكروا يليه همٌ فعزمٌ كلها رفعت ... إلا الأخير ففيه الأخذ قد وقعا أو ففيه الإثم قد وقعا، المقصود أن هذا عازم فهو مؤاخذٌ بعزمه، وهو أيضاً فاعل، فعل الأسباب، فعل الأسباب حرص وحاول وأخذ السيف وخرج وبارز، لكنه قتل ما استطاع أن يقتل، هذا فعل، فعل المقدمات، لكنه عقوبته دون عقوبة القاتل؛ لأن جريمته أقل من جريمة القاتل، نعم هو فعل هذه الأفعال لكنها ليست قتل محاولة قتل، عزمٌ على قتل.

"قيل: فهذا القاتل، فما بال المقتول؟ قال: ((إنه أراد قتل صاحبه)) قال حماد بن زيد: فذكرتُ هذا الحديث لأيوب ويونس بن عبيد اللذين" روى عنهما الخبر في كتاب الإيمان في أول الكتاب، "وأنا أريد أن يحدثاني به فقالا: إنما روى هذا الحديث الحسن عن الأحنف بن قيس عن أبي بكرة"، روى هذا الحديث الحسن البصري عن الأحنف بن قيس عن أبي بكرة، فهذا فيه دليلٌ على أن الذي خرج بسلاحه هو الأحنف وليس الحسن. الآن هذه قبل وفاة الحسن بكم؟ سنة كم هذه ثمانية وثلاثين أو سبعة وثلاثين؟ والحسن توفي سنة مائة وعشر، الحسن ولد في هذه الأيام وإلا ما ولد؟ نعم؟ طالب:. . . . . . . . . كيف؟ طالب:. . . . . . . . . الحسن ولد في هذه الأيام وإلا ما ولد؟ على كل حال إن كان مولود هو طفل يعني ما هو .. ، هو طفل. فقال: "إنما روى هذا الحديث الحسن عن الأحنف بن قيس عن أبي بكرة" الحسن أدرك أمهات المؤمنين، أدرك عائشة، وأدرك أم سلمة، وأدرك كثير من الصحابة، "حدثنا سليمان بن حرب، قال: حدثنا حماد -بن زيد- بهذا" الحديث المذكور. هذا يقول: لماذا روى البخاري عن عمرو بن عبيد مع أن الحديث يوافق مذهب الخوارج في الظاهر؟ وهل رواه عمرو من باب الدعوى لمذهبه؟ لا شك أنه رأس في مذهبه وداعية، لكن البخاري لم يعتمد عليه، البخاري لم يعتمد عليه، الحديث مروي من طريق أيوب ويونس.

شرح باب: كيف الأمر إذا لم تكن جماعة:

"حدثنا سليمان بن حرب، قال: حدثنا حمادٌ بهذا" الحديث المذكور، "وقال مؤمل -بن إسماعيل البصري-: حدثنا حماد بن زيد حدثنا أيوب ويونس وهشام ومعلى بن زياد عن الحسن عن الأحنف عن أبي بكرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، ورواه معمر -بن راشد- عن أيوب –السختياني-، "ورواه بكار عن .. ، ورواه بكار بن عبد العزيز عن أبيه -عبد العزيز بن عبد الله بن أبي بكرة- عن –جده- أبي بكرة، وقال غندر -محمد بن جعفر- قال: حدثنا شعبة عن منصور -بن المعتمر- عن ربعي -بن حراش بالحاء المهملة، وإن ضبطه المنذري في مختصر السنن بالمعجمة- عن أبي بكرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ولم يرفعه سفيان الثوري عن منصور -بن المعتمر-"، المقصود أن الحديث ثابت من طريق أيوب ويونس، ولسنا بحاجة إلى رواية عمرو بن عبيد، إلا أن البخاري -رحمه الله- من باب التفنن في السياق أراد أن يورد الحديث في موضعٍ آخر فغير سياقه الأول إلى السياق الثاني اكتفاءً بثبوته في الموضع الأول، نعم. شرح بابٌ: كيف الأمر إذا لم تكن جماعة: بابٌ: كيف الأمر إذا لم تكن جماعة. حدثنا محمد بن المثنى قال: حدثنا الوليد بن مسلم قال: حدثنا ابن جابر قال: حدثني بسر بن عبيد الله الحضرمي أنه سمع أبا إدريس الخولاني أنه سمع حذيفة بن اليمان -رضي الله عنه- يقول: كان الناس يسألون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني، فقلت: يا رسول الله إنا كنا في جاهلية وشر، فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: ((نعم)) قلت: وهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: ((نعم، وفيه دخن)) قلت: وما دخنه؟ قال: ((قوم يهدون بغير هديي، تعرف منهم وتنكر)) قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: ((نعم، دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها)) قلت: يا رسول الله صفهم لنا، قال: ((هم من جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا)) قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال: ((تلزم جماعة المسلمين وإمامهم)) قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: ((فاعتزل تلك الفرق كلها، ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك)).

يقول الإمام -رحمه الله تعالى-: "بابٌ: كيف الأمر" يعني كيف يكون الحال والشأن إذا لم توجد جماعة؟ إذا لم تكن جماعة مجتمعون على إمام كلمتهم واحدة؟ ماذا نصنع؟ الجواب في الحديث: كيف الأمر إذا لم تكن جماعة؟ البخاري -رحمه الله تعالى- يتفنن في التراجم، فتجده أحياناً يحذف جواب الشرط: "بابٌ: إذا التقى المسلمان بسيفيهما"، اكتفاءً بما يورده من الخبر الذي فيه الجواب، وأحياناً يورد الترجمة بالاستفهام "كيف الأمر إذا لم تكن جماعة؟ "، إذا كان المسألة في حكم "بابٌ: ما حكم كذا" أو هل يجوز كذا؟ إذا أوردها فالغالب أنه حيثُ لم تكن الدلالة صريحة من الخبر على الترجمة، فعدم صراحتها أورد عنده هذا التردد، لكن هنا "كيف الأمر إذا لم تكن جماعة؟ " هذا ليس فيه تردد، فالنص صريح في الجواب. "حدثنا محمد بن المثنى -أبو موسى العنزي معروف- قال: حدثنا الوليد بن مسلم -عالم الشام- قال: حدثنا ابن جابر -عبد الرحمن بن زيد بن جابر- قال: حدثني بسر بن عبيد الله الحضرمي أنه سمع أبا إدريس الخولاني -أبا إدريس عائذ الله بن عبد الله من العباد المعروفين- أنه سمع حذيفة بن اليمان"، أبو إدريس هذا يلتبس كثيراً مع أبي مسلم الخولاني، وكلاهما من خولان، وكلاهما من أهل الزهد والورع والعبادة، هذا أبو إدريس عائذ الله بن عبد الله وأبو مسلم اسمه: عبد الله بن ثوب، "أنه سمع حذيفة بن اليمان يقول: كان الناس يسألون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الخير وكنت أسأله عن الشر"، الخير إذا أقبل وصل، لكن الشر .. ، الخير إذا أقبل وصل، واستفيد منه، لكن الشر إذا أقبل كيف يتقى؟ كيف يتقى؟

"كنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني" المراد بالشر هنا الفتن، حذيفة -رضي الله عنه- روى أحاديث الفتن كالمتخصص فيها، كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يسأله عن هذه الفتن ليتقيها، ويحذر الناس من شرها، "مخافة أن يدركني"، يعني وقتها أو شرها، فقلت: يا رسول الله إنا كنا في جاهلية وشر من كفرٍ وقتلٍ ونهبٍ وارتكاب فواحش وغير ذلك، فجاءنا الله بهذا الخير، بهذا الدين الذي اجتمع فيه خير الدنيا والآخرة، "فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: ((نعم)) "، والباب الذي يحول دون هذا الشر وهذه الفتن هو عمر -رضي الله عنه-، وقد كسر هذا الباب، ثم تلاه مقتل عثمان -رضي الله عن الجميع-، "قلت: وهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: ((نعم)) يأتي خير، ومن أظهر وجوهه ما حصل في عهد عمر بن عبد العزيز -رحمه الله-، "قال: ((نعم، وفيه دخن)) " الدخن والدخان المراد به الكدر، يعني إذا وجد في الجو شيء من الدخن والدخان تكدر الجو، فكذلك ما اشتمل عليه هذا الخير الذي هو في الأصل خيرٌ محض، لكنه يدخل فيه شيء يكدره، "قلت: وما دخنه؟ قال: ((قوم يهدون بغير هديي -يستنون بغير سنتي- تعرف منهم وتنكر)) هم أهل خير، وأهل فضل وصلاح، لكن دخلهم إما من حرصهم زيادة الحرص على الخير أو من غفلتهم، دخل عليهم الدخن، فشابوا العبادة المشروعة بما أدخلوه عليها من البدع، فيهتدون بغير سنة النبي -عليه الصلاة والسلام-، تعرف منهم بعض الأعمال، وتنكر أيضاً البعض الآخر، "قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: ((نعم، دعاة على أبواب جهنم)) نسأل الله السلامة والعافية، ((دعاة على أبواب جهنم)) وجدوا في المائة الثالثة دعوا الناس إلى البدع، وأشربوها قلوب بعض الولاة، فامتحنوا الناس فيها وآذوهم، آذوا الأئمة بسببها، دعاة على أبواب جهنم، نسأل الله السلامة والعافية، يدعون إلى هذه البدع، ويلزمون الناس بها.

وما زال الأمر كذلك البدع تزيد كل عصر بدع جديدة في كل عصر، وفي كل مصر إلى أن وجد ممن ينتسب إلى هذا الدين من لا يعرف من الدين شيء، ما يعرف من الدين إلا الاسم، ولو قرأت في تراجم المتصوفة أو غيرهم من طوائف البدع المغلظة لعرفت حقيقة هذا الكلام، يوجد في بعض كتب التراجم، يُترجم لولي –مزعوم- ولي من أولياء الله، وكان -رضي الله عنه- لم يسجد لله سجدة، ولم يصم في سبيل الله يوماً، ولا فعل ولا فعل، جميع الواجبات تاركها، ولم يترك محظور إلا ارتكبه -رضي الله عنه وأرضاه- يقولون، عاد واحد جاي معلق على الكتاب، يقول: إذا كان هذا -رضي الله عنه- فلعنة الله على من؟! دعاة على أبواب جهنم، وإذا مات مثل هذا شُيِّد على قبره ما يشيد، وعبد من دون الله، الضلال أيها الإخوان ما له حد، يعني إذا كان قبر شخص يعبد من دون الله على نطاق واسع في الأمة وهو الذي يقول: ألا بذكر الله تزداد الذنوب ... وتنطمس البصائر والقلوب والله -سبحانه وتعالى- يقول: {أَلاَ بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [(28) سورة الرعد] ويعبد من دون الله. ((دعاة على أبواب جهنم)) وكتبهم الآن وقبل الآن من سنين تكتب بماء الذهب وتطبع على أفخر الورق وأجود أنواع الطباعة، ويتداولها المسلمون، وكأنها ورد يقرؤون فيها ليل نهار، ويتبركون بها، وإذا حصل لهم الملمات اكتفوا بإخراجها، دعاة على أبواب جهنم، وصل الأمر بهذه الأمة إلى هذا الحد، وافترقت الأمة على الفرق التي ذكرها النبي -عليه الصلاة والسلام-، وكلها في النار إلا واحدة. "قال: ((نعم، دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها)) " وكانت الوسيلة لترويج هذه البدع الدروس والمؤلفات وتناقل الطلاب الآن على أوسع نطاق، دعاة الشهوات، ودعاة الشبهات، وكلهم كل واحد منهم على باب من أبواب جهنم يدعو الناس إلى شهوة أو إلى شبهة على أوسع نطاق، وتدخل هذه الدعوات إلى البيوت، ويطلع عليها الصغار والكبار، الرجال والنساء والأطفال، والله المستعان، نسأل الله -جل وعلا- أن يقي المسلمين شر هذه الفتن.

((نعم، دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها)) قلتُ: يا رسول الله صفهم لنا، قال: ((هم من جلدتنا -من أنفسنا من عشيرتنا من بيئتنا- ويتكلمون بألسنتنا)) بلغتنا يعني: ما جاؤوا من بعيد ليسوا بوافدين، "قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال: ((تلزم جماعة المسلمين وإمامهم)) قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: ((فاعتزل تلك الفرق كلها)) إن لم يكن هناك إمام تعتزل هذه الفرق ((ولو أن تعض بأصل شجرة)) هذا كناية على أنك تخرج إلى مواطن الشجر من البراري والقفار أو المزارع المنزوية البعيدة عن الأنظار، وتعظ على أصل شجرة، يعني لا تتكلم، الزم نفسك، عليك بخويصة نفسك، ((حتى يدركك الموت وأنت على ذلك)) لأنك إذا لم تستطع النفع في مثل هذه الظروف فلا أقل من أن تسلم بنفسك وتنجو بجلدك، لا يؤثروا عليك، لا تتأثر بأفعالهم ولا بأقوالهم، ولا تشارك في رؤية ومشاهدة هذه المنكرات، وتكثير السواد لأرباب المنكرات، انجُ بنفسك، ولو أن تعظ بأصل شجرة، حتى يدركك الموت وأنت على ذلك. هذا سؤال يعني ما كان جوابه مناسب إلا لأنه موجود، وما كنا نتصور أن يوجد مثل هذا السؤال أو مثل هذا الصنيع لولا أنه من الفتن أيضاً، هذا يقول: هل تنصحنا بالأخذ من الشيخ عبد الله بن جبرين مع الرغم من اللمز الذي قيل فيه؟ ثم هل هو معتبر؟ مثل الشيخ يسأل عنه؟ نسأل الله العافية، هؤلاء الذين يلمزون مثل هؤلاء، هؤلاء قطاع الطريق بالنسبة للتحصيل الشرعي، هؤلاء الذين يحولون بين طلاب العلم وبين شيوخهم، يعني ينبري شخص نكرة يقول: فلان وعلان، يطعن بأئمة الإسلام، شيوخ المسلمين، إذا طعن الشيخ من يسلم لنا، فعلينا بالكبار أمثال هذا الشيخ الجليل الذي نذر نفسه ووقته منذ عقود لخدمة الدين والعلم الشرعي، والله المستعان. اللهم صلِّ وسلم وبارك على نبيك ورسولك محمد. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

شرح: باب: من كره أن يكثر سواد الفتن والظلم:

هذا اللقاء هو آخر اللقاءات الأربعة التي تم الإعلان عنها، ويبقى في الكتاب ما يستوعب ثلاثة دروس سوف تكمل -بإذن الله- في يوم السبت والأحد والثلاثاء بعد صلاة العصر مباشرة في مسجد أبا الخيل حي السلام، وسوف تبث على ما بثت عليه الدروس الأولى -إن شاء الله تعالى-، ونحن على علم أن الأيام أيام امتحانات ولهذا السبب صار النقص ظاهر في هذا اليوم، لكن هي سوف تسجل -إن شاء الله-، والراية يتولون تسجيلها -إن شاء الله- وسوف تخرج قريباً، من لم يتمكن من الحضور ولا المتابعة بالإنترنت أو غيره يجدها -إن شاء الله- مسجلة، والله المستعان. شرح: باب: من كره أن يكثر سواد الفتن والظلم: الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: قال الإمام أبو عبد الله البخاري -رحمه الله تعالى-: باب: من كره أن يكثر سواد الفتن والظلم. حدثنا عبد الله بن يزيد قال: حدثنا حيوة وغيره قال: حدثنا أبو الأسود وقال الليث عن أبي الأسود قال: قطع على أهل المدينة بعث فاكتتبت فيه فلقيت عكرمة فأخبرته فنهاني أشد النهي، ثم قال: أخبرني ابن عباس -رضي الله عنهما- أن أناساً من المسلمين كانوا مع المشركين يكثرون سواد المشركين على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيأتيهم السهم فيرمى فيصيب أحدهم فيقتله أو يضربه فيقتله، فأنزل الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ} [(97) سورة النساء]. يقول الإمام -رحمه الله-: "باب: من كره أن يكثر سواد الفتن والظلم" من أراد أن يكثر سواد الفتن والمراد سواد الأشخاص، يكثر العدد وأهل الفتن، والأصل في الفتن والفتنة الشرك وأهله، والظلم يطلق الظلم ويراد به أيضاً الشرك، فتكثير سواد أهل الكفر الشرك والظلم وأيضاً تكثير سواد ما دون ذلك من أهل الفسق ومعاشرتهم ومخالطتهم لا شك أن هذا له أثره على المخالط.

"من كره" تطلق الكراهة ويراد بها كراهة التحريم، وهي ترد كثيراً في النصوص، ويراد بها التحريم لا التنزيه، وإن خصها العرف الخاص عند أهل العلم بكراهة التنزيه، والترجمة إنما وقعت على أمرٍ محرمٍ، كما سيأتي في الآية، {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمْ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ} [النساء: 97] " بتكثيرهم سواد المشركين، فهذا أمرٌ محرم، فالكراهة هنا كراهة تحريم. يقول -رحمه الله-: "حدثنا عبد الله بن يزيد" المقري الحافظ الثقة المعروف، أحد العبادلة الذين إذا رووا عن ابن لهيعة قوي خبره، "قال: حدثنا حيوة -بن شريح- وغيره" هو ابن لهيعة، البخاري لا يخرج لابن لهيعة، ولا يصرح باسمه، وأبهمه هنا لأنه ليس على شرطه، الجمهور على تضعيفه، هو ضعيف، فقال هنا: "حدثنا حيوة وغيره" والمراد به ابن لهيعة، وجمهور العلماء على تضعيفه، إذا فعل مثل هذا الإمام روى عن ثقتين، عن راويين، أحدهما ثقة، والآخر ضعيف، فأسقط الضعيف واقتصر على الثقة يسوغ هذا أو لا يسوغ؟ إذا روى عن راويين أحدهما ثقة والآخر ضعيف، فأبهم الضعيف أو أسقطه، واقتصر على التصريح باسم الثقة هل يضر هذا أو لا يضر؟ نعم؟ لا يضر، لماذا؟ لأن هذا الضعيف وجوده كعدمه سواءً ذكر أو لم يوجد أصلاً لا يؤثر في الخبر ما دام المصرح به المعتمد عليه ثقة، وما الفرق بين مثل هذا وبين تدليس التسوية الذي هو شرُّ أنواع التدليس؟ ما الفرق بينه وبين تدليس التسوية؟ هذه مسألة مهمة قد تلتبس على بعض المتعلمين وإلا فموضوع الفتن لا يحتمل مثل هذا التفصيل في الأسانيد، نعم، إيش الفرق بين مثل هذا الصنيع وتدليس التسوية الذي هو شر أنواع التدليس؟ طالب:. . . . . . . . . طيب. طالب:. . . . . . . . . الآن عندنا في هذه الصورة لو كانت عمدة البخاري ابن لهيعة وليست عمدته حيوة، هل يمكن أن يقول: حدثنا حيوة؟ لا يمكن، بل حدثه حيوة وحدثه أيضاً ابن لهيعة، فروى الحديث عن اثنين، أحدهما ثقة والآخر ضعيف، أبهم الضعيف، نفترض أنه حذف الضعيف هذا، قال: حدثنا حيوة وترك ابن لهيعة، أضرب عنه صفحاً يؤثر؟ هذا لا يؤثر، تدليس التسوية مؤثر، كيف صار مؤثر؟ لماذا صار تدليس التسوية مؤثراً؟ صورة تدليس التسوية قبل ..

طالب:. . . . . . . . . أن يروي الحديث عن ثقتين لقي أحدهما الآخر بينهما ضعيف، يعني لقي أحدهما الآخر، يعني هذا الثقة يروي عن ضعيف عن ثقة، فيحذف الضعيف، الضعيف له أثر في الباب، في الحديث نعم؛ لأنه أحد رواته الذين لا يمكن الاستغناء عنهم، إنما جاء الحديث من طريقه لا من طريق غيره، هنا جاء الحديث من طريقه ومن طريق غيره، في تدليس التسوية أن يروي الحديث عن ثقتين بينهما ضعيف، فلان عن فلان عن فلان، فيسقط الضعيف ويقتصر على الثقات، هذا مؤثر، وهذا يصعب الوقوف عليه؛ لأن المسألة مفترضة في ثقتين لقي أحدهما الآخر، لكن الراوي لم يروِ عن من روى عنه هذا الحديث إلا بواسطة هذا الضعيف.

"حدثنا حيوة وغيره قالا: حدثنا أبو الأسود" محمد بن عبد الرحمن الأسدي، يعرف بيتيم عروة، عن أبي الأسود، "وقال الليث .. " قال: حدثنا أبو الأسود عرفنا أنه محمد بن عبد الرحمن الأسدي يتيم عروة، "وقال الليث عن أبي الأسود" يعني حيوة قال: حدثنا، ابن لهيعة قال: حدثنا، الليث قال: عن أبي الأسود، "قال -أبو الأسود- قُطع على أهل المدينة بعث" يعني فرض عليهم بعث، قطع على أهل المدينة بعثٌ، يعني فرض عليهم جيش، قطعة من الجيش تنتقى من أهل المدينة إلزاماً؛ ليقاتلوا أهل الشام في خلافة ابن الزبير، فرض عليهم أن يبعثوا بعثاً لقتال أهل الشام، يقول أبو الأسود: "فاكتتبت فيه" يعني كنتُ ممن وقع عليه الاختيار مع هذا البعث، "فلقيت عكرمة -مولى ابن عباس- فأخبرته" أني اكتتبت مع هذا البعث "فنهاني -عن ذلك- أشد النهي" فنهاني عن ذلك أشد النهي، "ثم قال: أخبرني ابن عباس" ثم قال: أخبرني ابن عباس عكرمة مولى ابن عباس، أخبره مولاه عبد الله بن عباس "أن أناساً" منهم عمرو بن أمية والحارث بن زمعة وغيرهما، "أناساً من المسلمين كانوا مع المشركين يكثرون سواد المشركين على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" يعني في القتال يخرجون مع المشركين إما مجاملة أو من باب حب الاستطلاع، أو لأمرٍ من الأمور، يخرجون مع المشركين يكثرون سوادهم على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "فيأتي السهم" وتكثير السواد له أثره في الحروب، تكثير السواد له أثره في الحروب، كيف؟ لأن الخصم إذا رأى العدد كبير داخله ما داخله من رعب وخوف، لكن لما يكون العدد قليل تولدت فيهم الجرأة والشجاعة وطمعوا فيهم، لكن إذا كثر سوادهم دبَّ إليهم الضعف، "فيأتي السهم فيُرمى -به- فيصيب أحدهم"، يصيب أحد المسلمين الذين خرجوا مع المشركين، "فيصيب أحدهم فيقتله أو يضربه فيقتله"، يرمى بالسهم فيصيب أحد هؤلاء فيقتله، أو يضرب بالسيف مثلاً فيقتل، وهو معطوفٌ على: "فيأتي" لا على "فيصيب"، لأن الإصابة هنا بالسهم، والضرب يكون بالسيف، "فيقتله، فأنزل الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمْ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ} [النساء: 97] " يعني بخروجهم مع الكفار هذا ظلم للنفس؛ لأنه ارتكابٌ لمحرم،

شرح: باب: إذا بقي في حثالة من الناس:

فتكثير سواد المشركين أو الخوارج أو البغاة لا شك أن مثل هذا يفت في عضد المسلمين، وفي عضد الطائفة راجحة الكفة، المبغي عليها، المطلوب نصرها، والقتال معها، فمثل هذا خلاف ما أراد الله -عز وجل-، فهنا ظلمٌ للنفس بلا شك. الحديث من كلام ابن عباس، يرويه عنه عكرمة، يريد أن يكفه عن تكثير السواد فضلاً عن القتال، وفي هذا ما يؤيد نفي ما نسب إلى عكرمة من كونه يرى رأي الخوارج، هذا الحديث وإن كان من كلام ابن عباس إلا أن له حكم الرفع، له حكم الرفع لماذا؟ لماذا؟ طالب:. . . . . . . . . هاه، له حكم الرفع لأنه متعلقٌ ببيان سبب نزول آية، ببيان سبب نزول آية، تفسير الصحابي يرى الحاكم أنه مرفوع، والجمهور خصوا من ذلك ما يتعلق بأسباب النزول، قالوا: له حكم الرفع. وعدوا ما فسره الصحابي رفعاً ... فمحمولٌ على الأسبابِ محمول على أسباب النزول وليس مطلق، يعني ليس كل تفسير للصحابي حكمه الرفع كما يقول الحاكم، وهنا معلق بنزول آية، فله حكم الرفع، لماذا؟ لأن نزول الآية لا بد أن يكون النبي -عليه الصلاة والسلام- طرف، طرف في الموضوع وإن لم يذكر؛ لأن النزول إنما يكون عليه -عليه الصلاة والسلام-، نعم. شرح: بابٌ: إذا بقي في حثالة من الناس: بابٌ: إذا بقي في حثالة من الناس.

حدثنا محمد بن كثير قال: أخبرنا سفيان قال: حدثنا الأعمش عن زيد بن وهب قال: حدثنا حذيفة قال: حدثنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حديثين رأيت أحدهما وأنا أنتظر الآخر، حدثنا: ((أن الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال، ثم عملوا من القرآن، ثم عملوا من السنة)) وحدثنا عن رفعها قال: ((ينام الرجل النومة فتقبض الأمانة من قلبه فيظل أثرها مثل أثر الوكت، ثم ينام النومة فتقبض فيبقى فيها أثرها مثل أثر المَجْلِ كجمر دحرجته على رجلك فنفط فتراه منتبراً، وليس فيه شيء، ويصبح الناس يتبايعون فلا يكاد أحد يؤدي الأمانة فيقال: إن في بني فلان رجلاً أميناً، ويقال للرجل: ما أعقله! وما أظرفه! وما أجلده! وما في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان)) ولقد أتى علي زمان ولا أبالي أيكم بايعت، لئن كان مسلماً رده عليّ الإسلام، وإن كان نصرانياً رده علي ساعيه، وأما اليوم فما كنت أبايع إلا فلاناً وفلاناً. يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "بابٌ: إذا بقي في حثالة من الناس" يعني أناس لا خير فيهم، أناسٌ لا خير فيهم، وهم من رفعت الأمانة من قلوبهم، فيما دل عليه الخبر. يقول -رحمه الله-: "حدثنا محمد بن كثير –العبدي- أخبرنا سفيان -الثوري- حدثنا الأعمش -سليمان بن مهران- عن زيد بن وهب -الجهني- قال: حدثنا حذيفة -بن اليمان- قال: حدثنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حديثين" حدثنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حديثين، إما أن يكون المراد حديثين في مجلسه، وإلا فقد حدثهم النبي -عليه الصلاة والسلام- ألوف الأحاديث، "حدثنا حديثين" إما أن يكون المراد به في نفس المجلس، أو في موضوع ذكر الأمانة ورفعها، قد يقول قائل: إن لحذيفة بن اليمان أحاديث، فكيف يحصر بحديثين؟ يقال: إن المراد بذلك إما أن يكون في المجلس نفسه، حدثهم في ذلك المجلس بحديثين، أو يكون في موضوع الأمانة ورفع الأمانة هذين الحديثين.

"رأيتُ أحدهما" يعني أدركت، حصل، أحدهما حصل، والثاني يُنتظر، "وأنا أنتظر الآخر، قال: حدثنا أن الأمانة" يعني المذكورة في قوله -جل وعلا-: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا} [(72) سورة الأحزاب] يعني لأن أمرها عظيم "نزلت -هذه الأمانة- في جذر قلوب الرجال" في أصلها، في عمق القلوب نزلت هذه الأمانة، المراد بها إما الفطرة، أو العهد الذي أخذ عليهم وهم في أصلاب آبائهم، أو التزام التكاليف، المقصود أن هذه الأمانة نزلت في عمق القلوب، "ثم علموا من القرآن" زيادة على هذه الأمانة التي نزلت في جذر القلوب وعمقها فتأكدت "ثم عملوا من السنة" إضافة إلى ذلك، فترسخت الأمانة في قلوبهم، هذا حال الصحابة -رضوان الله عليهم-، وحال من اقتفى أثرهم ممن لم يغير ولم يبدل، ولد على الفطرة، وتعلم العلم الشرعي من أبوابه، معتمداً في ذلك على الكتاب والسنة، مثل هذا في الغالب الله -سبحانه وتعالى- يعينه ويثبته ويسدده، ولا تميلُ به الأهواء غالباً، "ثم علموا من السنة" إشارةً إلى أن الاهتمام ينبغي أن يكون لكتاب الله -عز وجل- عند كل مسلم، وعلى وجه الخصوص عند طلاب العلم، "ثم علموا من القرآن، ثم علموا من السنة" ففي هذا تقديم الأهم فالأهم في تحصيل العلم الشرعي. وبالمهم المهم ابدأ لتدركه ... وقدم النص والآراء فاتهمِ

لا بد من البداءة بالأهم فالأهم، يعني هل من إتقان المنهج وضبط المنهج أن يقتصر الشخص -طالب العلم- على القرآن فقط حتى يتقن القرآن حفظاً وفهماً وتفسيراً من جميع ما يتعلق به من جميع الوجوه قبل أن يبدأ بغيره من العلوم، يحفظ القرآن قبل أن يحفظ شيء من العلوم الأخرى، أو يكون حفظه للقرآن بالتدريج مع العلوم الأخرى، هنا في هذا الحديث يقول: "ثم علموا من القرآن، ثم علموا من السنة" لا شك أن العناية بالقرآن في غاية الأهمية، لكن إذا عرفنا أن ابن عمر تعلم البقرة في ثمانِ سنين هل معنى هذا أنه لم يعرف من السنة شيء حتى تعلم القرآن كله؟ لا، لكن هذه مسألة اهتمام، ينبغي لطالب العلم أن يجعل جلَّ وقته واهتمامه للقرآن، ولا يغفل عن العلوم الأخرى حتى إذا كبر انتبه وقال: أطلب العلوم الأخرى. وعلى كل حال المغاربة لهم طريقة والمشارقة لهم طريقة في هذا، المغاربة طريقتهم لا يدخلون من العلوم شيئاً على القرآن حتى يتم حفظه وضبطه وإتقانه، ثم بعد ذلك يتعلمون العلوم الأخرى، فيكونون بهذا قد ضمنوا حفظ القرآن، يعني لو قدر للإنسان أن يتابع العلم الشرعي يكون عنده الأصل ويبني عليه، إن قدر أن ظروفه لا تسمح له بمتابعة العلم الشرعي يكون قد ضمن رأس المال، الذي هو كتاب الله -عز وجل-، هذه طريقة المغاربة، طريقة المشارقة تختلف، لهم عناية بكتاب الله -عز وجل-، لهم عناية بجميع ما يتعلق بكتاب الله -عز وجل- لكنها تدريجية، بمعنى أن الطالب المبتدئ يحفظ قصار السور، وشيء يسير من العلوم الأخرى؛ ليتعلم أصول العلوم كلها وهو في الصغر، ثم يبني عليها بعد ذلك، يتعلم يحفظ المفصل، ويحفظ معه المتون المعتمدة عند أهل العلم من السنة والعقيدة والفقه، وما يعين على فهم ذلك، على كل حال هي طرق وكلها نافعة، المقصود أن يعتنى بكتاب الله -عز وجل-، وبسنة نبيه -عليه الصلاة والسلام-، ويحرص طالب العلم كل الحرص على العلم من منابعه الأصلية من الكتاب والسنة، ويترك القيل والقال، والمصادر المختلف في حكمها من العلوم الأخرى، التي أقل أحوالها الإباحة، هذا إذا كان حريص على أن يتعلم العلم الشرعي.

نعم، العلوم .. ، علوم أمور الدنيا هذه يقول أهل العلم: إنها من فروض الكفايات، يعني لا يجوز أن تترك تتركها الأمة جانباً مثل الصناعات والزراعات وغيرها، وقل مثل هذا في العلوم العصرية الرياضيات والعلوم والطب والهندسة وغيرها، هذه على الأمة أن تتعلمها بقدر ما يكفي، لا يزيد على ذلك وإلا فالعلم الشرعي قدرٌ مشترك للمسلمين كلهم، مع الأسف أن تجد كثير ممن ينتسب إلى طلب العلم يضيع أوقاته هدر بدون فائدة، يعني ما التفت إلى أمور دنيا يجني من ورائها ما ينفعه ويقدمه لآخرته من بذل وإحسان وإنفاق في سبيل الله، لا، تجده ينشغل بما لا ينفع، لا العلم الشرعي أدركه، ولا علوم الدنيا نفع بها وانتفع، والله المستعان. "ثم علموا من السنة، وحدثنا عن رفعها" رفع الأمانة وذهابها، "قال: ((ينام الرجل النومة فتقبض الأمانة من قلبه)) " زرعت في جذر قلبه الأمانة، " ((ثم ينام الرجل النومة فتقبض الأمانة من قلبه)) " تقبض هكذا من غير أسباب؟ من غير أسبابٍ منه، هو سببها، هو المتسبب في قبضها، بدون سبب تقبض الأمانة؟ أو يكون قد تسبب في قبض الأمانة من قلبه؟ لأن كل شيء له سبب، الران الذي يرون على .. ، يغطي القلوب، الران كسب العبد، {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [(14) سورة المطففين] نعم هذا سببه العبد، وليس بظلم من الله -عز وجل-، ينام العشرة مثلاً متساوي الأعمال من خيرٍ وشر، ثم تقبض من بعضهم دون بعض، كل إنسان مؤاخذ بما اكتسب.

"فقال: ((ينام الرجل النومة فتقبض الأمانة من قلبه)) " جاء في الخبر الآخر: ((يصبح الرجل مؤمن ويمسي كافر)) والعكس، وهذا بسبب ما قدم، وبسبب تعرضه لهذه الفتن، ((فتقبض الأمانة من قلبه فيظل أثرها مثل الوكت)) يعني باقٍ فيها أثر يسير مثل الوكت، مثل السواد في اللون الأبيض أو العكس، ((ثم ينام النومة فتقبض الأمانة من قلبه)) يزداد من الذنوب والمعاصي والشهوات والشبهات، ((ثم تقبض الأمانة من قلبه فيبقى فيها أثرها مثل أثر المَجْل)) أثر المَجْل، المجل: غلظ الجلد من أثر العمل، لو وازنت بين اثنين أحدهما يعمل بيده وبنفسه، والآخر مترف ليس بصاحب عمل، لا شك أنك تجد هذا جسمه ناعم، ويده ناعمة، أما الذي يكد ويكدح ويعمل بيده ويتولى الأعمال بنفسه هذا لا شك أن جلده غليظ، ((يبقى أثرها مثل المجل)) غلظ، ((كجمر دحرجته على رجلك)) يعني لو أتيت بجمرة أو وقعت جمرة على رجلك إما من المبخرة مثلاً وإلا شيء ماذا تصنع هذه الجمرة؟ ((كجمرٍ دحرجته على رجلك فنفط -انتفخ- فتراه منتبرا ً -يعني منتفخاً يعني مرتفع- وليس فيه شيء -ما في جوفه شيء- ويصبح الناس يتبايعون -يعني السلع- فلا يكاد أحد يؤدي الأمانة)) لأنها سلبت في الغالب، سلبت من غالب الناس، ((فلا يكاد أحدٌ يؤدي الأمانة)) وهذا مع الأسف الشديد واقع كثير من المسلمين. من ينصح لأخيه المسلم، إذا جاء المسترسل والمندفع الذي لا يعرف الأسعار ينصح له، مثل جرير بن عبد الله اشترى الفرس بثلاثمائة، لما باعه صاحبه قال: فرسك يستحق أكثر أشتريه بأربعمائة، فلما باعه قال: لا، فرسك يستحق أكثر إلى أن وصل إلى ثمانمائة، كثير من الباعة يتمنون مثل هذا المسترسل، ويقول بعضهم إما بلسان مقاله -وقد سُمع- أو بلسان حاله، يسأل الله أن يأتي إليه بلهجة العوام يقول: يأتي إليه عميان قلب مفتح العيون، يبي واحد بس خذ هذا بأي ثمن يكون، هذا من النصح لكلِّ مسلم؟ هذا غش للمسلمين، هذا الغش للمسلمين، وإلا النصح لكل مسلم غير هذا.

الآن ما يحصل في أسواق المسلمين لا سيما ما يتعلق بأمور النساء، وقل أشباه النساء، إذا جاءت المرأة دخلت المحل وقالت: كم هذا المتر؟ قال: مائة ريال، يمكن أنه ما كلف عشرة عليه، ويحتج يقول: لو ما أقول: مائة ريال ما اشترت، وهذا واقع يا الإخوان، لو أقول: بعشرين ريال ما اشترت تعرف أنه وسط، فكثير من الناس رجال ونساء يقيمون السلع بقيمتها، فإذا كانت القيمة مرتفعة فالسلعة جيدة، مثل هذا غش يا أخي، تأخذ خمسة أضعاف بأي مبرر، يعني حجته أن يقول: لو قلت: عشرين ريال ما اشترت أجل كسدت البضاعة، نقول: مائة ريال وتروح، صحيح هذا واقع كثير من النساء، لكن هل هذا مبرر إلى أن آخذ خمسة أضعاف؟ أُصدق في بيعك وشرائك، وليكن بيعك ضعيف بالنسبة لجيرانك، وكسبك قليل لكن شيء يبارك لك فيه، اليسير مع البركة أفضل من الكثير مع نزعها. يقول: ((ويصبح الناس يتبايعون السلع، فلا يكاد أحد يؤدي الأمانة -لسلبها- فيقال: إن في بني فلان رجلاً أميناً)) لندرته، الأمين نادر، ومن انتكاس الفطر، وتغير المفاهيم، ويش يسمون صاحب القلب السليم هذا الذي .. ؟ الأمين الذي نص عليه بالحديث؟ طالب:. . . . . . . . . صحيح، صحيح، يرمونه بالتغفيل، هذا المحتاط لذمته ودينه في عرف الناس مغفل، نسأل الله العافية. ((ويقال للرجل: ما أعقله! وما أظرفه! وما أجلده! )) يمدح على ألسنة الناس لماذا؟ عفريت، هو عاقل ذكي حازم ليش؟ لأنه يضحك على الناس، هذا هو العاقل؟ العاقل الذي يهتم للفاني ويترك الباقي؟ يا أخي ما نسبة بقائك في هذه الدنيا بالنسبة إلى الآخرة لو أدركت حقيقة الأمر؟

شرح: باب: التعرب في الفتنة:

((ويقال للرجل: ما أعقله! وما أظرفه! وما أجلده! وما في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان)) نعم الناس يعجبون بهذا الشخص المخادع الذي لا يُخدع يعجبون به، ما أعقله! ما أحزمه! ما أذهنه! ما أذكاه! إيش من كلام هذا؟ بينما الشخص سليم الصدر، سليم القلب، يقولون: هذا مغفل، وما يدرون ما للبله عند الله -عز وجل-؟ وزيادة الحرص والاهتمام، بل والذكاء في الغالب نقص في الدنيا غالباً، وفي الدين أحياناً، يعني إذا جلست مجلس يضم عشرة عشرين تجد هذا الشخص الذي يقال: ما أعقله! ما أذكاه! كم خرج من خطيئة؟ لأنه ضحك على هذا، وهمز هذا، ولمز هذا، وذاك سليم القلب، سليم الصدر، يمكن خرج سالم ما عليه شيء، فينبغي أن يكون اهتمامنا منصب لما ينفعنا في الآخرة؛ لأن الدنيا مهما طالت فانية، والله المستعان. "ولقد أتى عليّ زمان -يقول حذيفة -رضي الله عنه- ولقد أتى عليّ زمانٌ ولا أبالي أيُّكم بايعت؟ " أو أيَّكم بايعت؟ ما يهم، أروح لفلان أو علان، الآن إذا طلع الولد يبي يشتري حاجة تقول: روح للمحل الفلاني، ترى المحل الفلاني يمكن يغشك، يمكن يغرك، يمكن يضحك عليك، حذيفة يقول: "ولا أبالي أيكم بايعتُ؟ لئن كان مسلماً رده علي إسلامه" المسلم الذي اعتنق الإسلام يعمل بما دعاه إليه إسلامه، يطبق الإسلام، فلا يغش، ولا يمكر ولا يخدع، "ولئن كان نصرانياً" يعني أو يهودياً أو أي شخص مأذون ببقائه "ولئن كان نصرانياً رده علي ساعيه" الوالي، يخاف من الوالي لعدله، ساعيه الذي أقيم عليه يتولى أموره مع غيره ممن ولاهم الله أمره، يقول: "وأما اليوم -يعني بعد فقد الأمانة- فما كنت أبايع إلا فلاناً وفلاناً" أفراد من الناس، يعني هم الذين لا يغشون، هم اللي .. ، والله المستعان، نعم. شرح: باب: التعرب في الفتنة: باب: التعرب في الفتنة: حدثنا قتيبة بن سعيد قال: حدثنا حاتم عن يزيد بن أبي عبيد عن سلمة بن الأكوع أنه دخل على الحجاج فقال: يا ابن الأكوع ارتددت على عقبيك تعربت؟ قال: لا، ولكن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أذن لي في البدو.

وعن يزيد بن أبي عبيد قال: لما قتل عثمان بن عفان خرج سلمة بن الأكوع إلى الربذة وتزوج هناك امرأة وولدت له أولاداً فلم يزل بها حتى قبل أن يموت بليالٍ فنزل المدينة. حدثنا عبد الله بن يوسف قال: أخبرنا مالك عن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي صعصعة عن أبيه عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((يوشك أن يكون خير مال المسلم غنم يتبع بها شعف الجبال، ومواقع القطر، يفر بدينه من الفتن)). يقول -رحمه الله تعالى-: "باب: التعرب في الفتنة" قبل ذلك هذا سؤال يقول: في الدرس الماضي لم تعلقوا على جملة: ((تلزم جماعة المسلمين وإمامهم)) هذا وقع في آخر الدرس بعد أن تأخرنا جداً، يقول: وتحدث البعض في ذلك. الكلام واضح، "قلت: فما تأمرني؟ " بعد أن قال: ((دعاةٌ على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها)) قلتُ: يا رسول الله صفهم لنا، قال: ((هم من جلدتنا)) يعني منا ((ويتكلمون بألسنتنا)) يعني بلغتنا، "قلتُ: فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال: ((تلزم جماعة المسلمين وإمامهم)) " إمامهم من ولاه الله أمرهم، لا بد من لزوم جماعة المسلمين وإمام المسلمين، ولا يجوز الخروج عليه إلا إذا رئي الكفر البواح، على ما علقت عليه النصوص، إذا رئي الكفر البواح حينئذٍ ساغ الخروج، وأيضاً: ((لا ما صلوا)) ما داموا يصلون لا يسوغ الخروج عليهم بحال، ولو ارتكبوا ما ارتكبوا من ظلم، ما لم يرَ الكفر البواح، وعلى كل حال إذا ارتكبوا من ظلم أو إيثار على ما تقدم عليك أن تؤدي الذي عليك، وتسأل الله -جل وعلا- الذي لك، فمن ولي من أمر المسلمين عليه أن يعدل، وهو مطالب بنصوصٍ كثيرة بالعدل بين الرعية، وأطرهم على الحق، لكن إذا قصر في ذلك فعلى من تحت يده السمع والطاعة ما لم يرَ الكفر البواح. هنا يقول: "باب: التعرب في الفتنة" التعرب: الإقامة في البادية مع الأعراب، التعرب: الإقامة في البادية مع الأعراب، في رواية أبي ذر: "التعزب" التعزب أو التغرب؟ نعم؟ طالب:. . . . . . . . .

نعم فيه رواية: "التغرب" وهذه رواية أبي ذر، وفيه أيضاً: "التعزب" وهو البعد، عزب عن بالي، يعني بعد عن بالي، والتغرب من الغربة والاغتراب، والبعد عن مواطن المدن، فالمعاني متقاربة. التعرب الإقامة في البادية مع الأعراب هذا ظاهر، وهذا أكثر الرواية عليه، التغرب والاغتراب، التغرب رواية أبي ذر، الغربة والاغتراب عن الوطن المأهول إلى مكانٍ خالٍ، وهذا في وقت الفتن، وأما التعزب فهو من البعد أيضاً مأخوذ، من عزب عن باله كذا، يعني بعد عن ذهنه، وما زالت هذه الكلمة مستعملة في سكنى البراري في أوقات الربيع، في أوقات العشب والكلى يقال: فلان عزب، أو آل فلان عزبوا، عازبين، فهي مستعملة، على كل حال أكثر الرواة على التعرب. يقول الإمام -رحمه الله تعالى-: "حدثنا قتيبة بن سعيد –البلخي- قال: حدثنا حاتم -بن إسماعيل- عن يزيد بن أبي عبيد -مولى سلمة بن الأكوع- عن سلمة بن الأكوع" هذا الحديث رباعي، الواسطة بين البخاري وبين يزيد بن أبي عبيد اثنان، وهو يروي عن يزيد بن أبي عبيد بواسطة واحد، المكي بن إبراهيم، وغالب ثلاثيات البخاري بهذا الإسناد، المكي بن إبراهيم عن يزيد بن أبي عبيد عن سلمة بن الأكوع، "أنه دخل على الحجاج" المقصود به ابن يوسف الثقفي لما ولي إمرة الحجاز بعد قتل ابن الزبير، سنة أربع وسبعين، "فقال -له-: يا ابن الأكوع ارتددت على عقبك" ارتددت على عقبيك: أي سكنت البادية تعربت؟ سكنت البادية بعد أن هاجرت إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مخلصاً لوجهه تعالى، ولا شك أن التعرب بعد الهجرة مذموم، بل لا يجوز، من هاجر إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- وترك وطنه أن يرجع إليه، ولذا لا يجوز الإقامة للمهاجرين بمكة بعد أن يؤدوا منسكهم أكثر من ثلاث، الحجاج يقول: "ارتددت على عقبيك تعربت؟ قال سلمة: لا، ولكن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أذن لي في البدو"، يعني في الإقامة معهم، أذن لي في الإقامة مع البادية، ولا شك أن هذا من جفاء الحجاج، من جفاء الحجاج يخاطب صحابي جليل بهذا الأسلوب، ارتددت يا ابن الأكوع "ارتددت على عقبيك تعربت؟ " سلمة بن الأكوع أذن له النبي -عليه الصلاة والسلام- فهو مخصوص من النصوص.

"وعن يزيد بن أبي عبيد" بالسند السابق، يعني من طريق قتيبة بن سعيد، قال: حدثنا حاتم عن يزيد بن أبي عبيد، "قال: لما قتل عثمان خرج سلمة بن الأكوع -من المدينة- إلى الربذة" الربذة كلام أهل العلم فيها قديماً وحديثاً في تحديدها وموقعها متباين تباين كبير، منهم من يقول: موضع بين مكة والمدينة، واستفاض عند كثير من العلماء أنها الأحناكية هي الربذة، لكن الذي حققه من له عناية بالبلدان ثلاثة من الكبار الذين لهم عناية بالمواطن حققوا مكانها وحُدد، والآن هناك إشارات تدل على المكان، وخط يوصل إليها، في معجم الأمكنة الواردة في صحيح البخاري تكلم على موطنها، وذكر أنه ذهب إليه مع اثنين من الكبار، وحددوه بدقة من خلال ما كتب عنها من شعرٍ ونثر، فيراجع هذا المعجم. "وتزوج هناك امرأة وولدت له أولاداً فلم يزل بها حتى قبل أن يموت بليال نزل المدينة" كم مكث في الربذة؟ أربعين سنة، نحو من أربعين سنة من مقتل عثمان -رضي الله عنه- إلى سنة أربعة وسبعين، يقرب من أربعين سنة.

باب: التعوذ من الفتن:

ثم بعد هذا يقول: "حدثنا عبد الله بن يوسف" هنا التعرب مذموم في الأصل للمهاجرين، سلمة بن الأكوع أذن له، في الفتنة يأتي حديثها، هنا يقول: "حدثنا عبد الله بن يوسف -التنيسي- قال: أخبرنا مالك عن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي صعصعة عن أبيه" عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة "عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((يوشك -بكسر الشين وفتحها لغةٌ رديئة أي يقرب- أن يكون خير مال المسلم غنم يتبع بها شعف الجبال -رؤوس الجبال- ومواقع -نزول- القطر -الذي هو المطر- يفر بدينه -يفر بسبب دينه- من الفتن)) هذا خير ما يقتنيه المسلم: غنم؛ لحاجته الضرورية إليها، لدرها ونسلها، هذا خير مال المسلم، خير ما يقتنيه المسلم في أيام الفتن، يخرج بها إلى الصحاري إلى القفار يتبع بها شعف رؤوس الجبال، يتتبع مواقع القطر، والسبب في ذلك يترك حياة الترف والدعة والإخلاد إلى الراحة إلى العراء، إلى حر الشمس، وشدة البرد، كل ذلك في سبيل حفاظه على دينه، فاراً بدينه خاشياً من الفتن، يخشى الفتنة على دينه، فدينك دينك، لحمك ودمك، هو رأس مالك، فإذا سلم الدين فالباقي مكسب، فإذا خشي الإنسان على دينه من أن يتعرض لنقصٍ أو ذهاب فالدين الدين، وما عدا ذلك من أمور الدنيا غير مأسوف عليه؛ لأن الدنيا كلها لا تزن عند الله جناح بعوضة، هذه الدنيا بما فيها وما عليها من حطام فاني، ولو رآه الناس شيئاً عظيماً، وتفاخر الناس به، وتقاتلوا من أجله فإنه لا يزن عند الله جناح بعوضة، من يدرك حقيقة هذا الأمر؟ سعيد بن المسيب لما خطبت ابنته للوليد بن عبد الملك ابن الخليفة الواسطة السفير الخطّيب يقول له: جاءتك الدنيا بحذافيرها، يقول سعيد: إذا كانت الدنيا لا تزن عند الله جناح بعوضة فماذا ترى يقص لي من هذا الجناح؟! ويش بيقص لسعيد بن المسيب من هذا الجناح؟ جاءتك الدنيا بحذافيرها، الدنيا كلها بحذافيرها لا تساوي جناح بعوضة، ويزوج هذه البنت التي طلبت لابن الخليفة يزوجها أحد طلابه فقير لا يجد شيئاً، والله المستعان، نعم. شرح: باب: التعوذ من الفتن: باب: التعوذ من الفتن:

حدثنا معاذ بن فضالة قال: حدثنا هشام عن قتادة عن أنس -رضي الله عنه- قال: سألوا النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى أحفوه بالمسألة، فصعد النبي -صلى الله عليه وسلم- ذات يوم المنبر فقال: ((لا تسألوني عن شيء إلا بينت لكم)) فجعلت أنظر يميناً وشمالاً فإذا كل رجل رأسه في ثوبه يبكي، فأنشأ رجلٌ كان إذا لاحى يدعى إلى غير أبيه، فقال: يا نبي الله من أبي؟ فقال: ((أبوك حذافة)) ثم أنشأ عمر فقال: رضينا بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمدٍ رسولاً، نعوذ بالله من الفتن، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((ما رأيت في الخير والشر كاليوم قط، إنه صورت لي الجنة والنار حتى رأيتهما دون الحائط)) قال: فكان قتادة يذكر هذا الحديث عند هذه الآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} [(101) سورة المائدة]. وقال عباس النرسي: حدثنا يزيد بن زريع قال: حدثنا سعيد قال: حدثنا قتادة أن أنساً حدثهم أن النبي الله -صلى الله عليه وسلم- بهذا، وقال: كل رجل لافاً رأسه في ثوبه يبكي، وقال: عائذاً بالله من سوء الفتن، أو قال: أعوذ بالله من سوء الفتن. وقال لي خليفة: حدثنا يزيد بن زريع قال: حدثنا سعيد ومعتمر عن أبيه عن قتادة أن أنساً حدثهم عن النبي -صلى الله عليه وسلم- بهذا، وقال: عائذاً بالله من شر الفتن. يقول الإمام -رحمه الله تعالى-: "باب التعوذ من الفتن" وقد أمر المسلم أن يتعوذ من الفتن، فتن المحيا، ومن فتن الممات في كل صلاة، فيتعوذ بالله من أربع، وجمهور أهل العلم على أن ذلك مستحب، ويرى بعضهم أنه واجب، وقد أمر طاووس ابنه بإعادة الصلاة لما ترك هذا التعوذ بالله من أربع. باب: التعوذ من الفتن.

يقول: "حدثنا معاذ بن فضالة -البصري- قال: حدثنا هشام" يعني الدستوائي "عن قتادة عن أنس -رضي الله عنه- قال: سألوا النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى أحفوه" يعني ألحوا في السؤال "بالمسألة" يعني بالسؤال "فصعد النبي -صلى الله عليه وسلم- ذات يوم على المنبر" وفي رواية: "المنبر" فقال: ((لا تسألوني -يعني في هذا اليوم- عن شيء إلا بينت لكم)) يعني بما يوحيه الله إليه، وإلا فهو -عليه الصلاة والسلام- لا يعلم من الغيب شيء إلا ما أطلع عليه، قال أنس: "فجعلت أنظر" يعني إلى الصحابة "يميناً وشمالاً فإذا كل رجل لافٌ رأسه في ثوبه يبكي" لأنهم عرفوا من هذا أن النبي -عليه الصلاة والسلام- غضب، وتسببوا في غضبه -عليه الصلاة والسلام- حينما ألحفوا في المسألة، وألحوا وأحفوه، "فإذا كل رجل رأسه في ثوبه يبكي، فأنشأ رجلٌ -بدأ رجل هو عبد الله بن حذافة- كان إذا لاحى -خاصم أحد حصل نقاش بينه وبين أحد ونزاع وخصام- يدعى إلى غير أبيه". . . . . . . . .

شرح كتاب الفتن (5)

شرح كتاب الفتن من صحيح البخاري (5) الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير ((في هذا اليوم، وفي هذه الساعة عن شيء إلا بينت لكم)) يعني بما يوحيه الله إليه، وإلا فهو -عليه الصلاة والسلام- لا يعلم من الغيب شيء إلا ما أطلع عليه، "قال أنس: "فجعلت أنظر" يعني إلى الصحابة "يميناً وشمالاً، وكل رجلٍ رأسه في ثوبه يبكي" لأنهم عرفوا من هذا أن النبي -عليه الصلاة والسلام- غضب، وتسببوا في غضبه -عليه الصلاة والسلام- حينما ألحفوا في المسألة، وألحوا وأحفوه، "فإذا كل رجلٍ رأسه في ثوبه يبكي، فأنشأ رجلٌ -بدأ رجل وهو عبد الله بن حذافة كان إذا لاح، خاصم أحد، حصل نقاش بينه وبين أحد ونزاع وخصام يدعى إلى غير أبيه، يشكك في نسبته إلى أبيه، يقال: أنت أبوك فلان، وليس حذافة، "فقال: يا نبي الله من أبي؟ فقال: أبوك حذافة" يعني حذافة بن قيس، "ثم أنشأ عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- فقال: "رضينا بالله رباً" لما رأى الغضب في وجه النبي -عليه الصلاة والسلام- قام عمر، وهو صاحب المواقف، وفي هذا منقبة له -رضي الله عنه وأرضاه-، "رضينا بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمدٍ -صلى الله عليه وسلم- نبياً ورسولاً" بما جاء به من وحي، واكتفينا بذلك عن السؤال، {لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} [(101) سورة المائدة] دعوني، ((ذروني ما تركتم)) لأن بعض الأسئلة يولد إجابات تحمد عقباها فيها. . . . . . . . . فمن سأل عن شيء فحرم بسبب مسألته جاء الوعيد في حقه .... ، "نعوذ بالله من سوء الفتن" هذا من كلام عمر -رضي الله عنه-، "فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((ما رأيتُ في الخير والشر كاليوم قط)) " ما رأى في الخير فيما رآه في الجنة، حينما صورت له دون الحائط، وما رأى في الشر قط كاليوم فيما رآه في النار، حينما صورت له دون الحائط.

"فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((ما رأيت في الخير والشر كاليوم قط، إنه صورت لي الجنة والنار حتى رأيتهما)) " والقدرة الإلهية لكشف الحجب، وإن كثفت، وإن بعدت صالحة، {إِنَّ اللَّه عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [(20) سورة البقرة] ((حتى رأيتهما دون الحائط)) يعني بيني وبين الحائط، وحصل له أن رأى النار، وهو في صلاة الكسوف وتكعكع -عليه الصلاة والسلام- تأخر وتقدم، المقصود أن مثل هذه الأمور مما يجب تصديقها والتسليم بها؛ لأن هذه الأمور لو ترك المجال لعقل ابن آدم الضعيف ما استوعبها، لكن على المسلم أن يرضى ويسلم، فيما صح عن نبيه -عليه الصلاة والسلام-. قال قتادة يعني في السند السابق معاذ بن فضالة قال: حدثنا هشام عن قتادة: "يذكر هذا الحديث عند هذه الآية"، هذا الحديث يقرن بهذه الآية، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} [(101) سورة المائدة] يعني جاء الجواب من أبي؟ قال: أبوك حذافة، فجيد أن جاء الجواب مطابق لما يريده السائل، لكن لو تصور أنه قال: أبوك فلان، غير أبوه الذي ينتسب إليه، كيف يكون وقعه عليه؟ فمثل هذه الأمور التي مشت، ودرج الناس عليها، واستفاض بين الناس أن فلان هو ابن فلان، لا ينبغي التنقيب عنها، ولا التشكيك فيها، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} [(101) سورة المائدة] فيذكر الحديث مع هذه الآية كالسبب لنزولها، وكالتفسير لها.

"وقال عباس -هو ابن الوليد- النرسي قال: حدثنا يزيد بن زريع" هذا معلق، وصله أبو نعيم في مستخرجه، "قال: حدثنا سعيد قال: حدثنا قتادة أن أنساً حدثهم أن نبي الله -صلى الله عليه وسلم- بهذا" يعني بما ذكر، "وقال: ((كل رجلٍ لافاً رأسه في ثوبه يبكي)) " يعني يخشى العقوبة، الذي يغضب النبي -عليه الصلاة والسلام- يغضب الله، وإذا غضب الله عاقب، وقد تعجل العقوبة، وإن أجلت فالأمر أشد، يعني أجلت ليوم القيامة، وادخرت لصاحبها فالأمر أعظم، "قال كل رجلٍ منهم: عائذاً بالله من سوء الفتن، أو قال: أعوذ بالله من سوء الفتن" شك الراوي هل قال كل واحد اسم الفاعل عائداً، وهو يعمل عمل فعله، أو بالفعل أعوذ بالله من سوء الفتن؟ وفي بعض الروايات: "من شر الفتن"، "وقال لي خليفة بن خياط" يقول البخاري: "وقال لي" هذا معلق وإلا موصول؟ يعني لو قال البخاري: وقال خليفة بن خياط يحتمل، والخلاف معروف، لكن وقال لي ابن خياط، هذا موصول بلا شك، لكن هل هو مروي على سبيل التحديث أو على سبيل المذاكرة؟ بعضهم يقول: إنه مذاكرة، لكن لا دليل معه على ذلك، إنما العدول عن حدثنا وقال لي تفنن في العبارة.

"وقال لي خليفة بن خياط: حدثنا يزيد بن ذريع حدثنا سعيد أبي عروبة ومعتمر. . . . . . . . . عن أبيه" سليمان بن طرخان التيمي "عن قتادة أن أنساً حدثهم عن النبي -صلى الله عليه وسلم- بهذا، وقال -صلى الله عليه وسلم-: ((عائذاً بالله من شر الفتن)) " لما قالوا كل قال: عائذاً بالله من شر الفتن، قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((عائذاً بالله من شر الفتن)) ولما قال عمر -رضي الله عنه-: "نعوذ بالله من شر الفتن" قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: مثل ذلك، وهذا الشاهد: التعوذ من الفتن، وليس المراد بالفتن فتنة الإنسان في ماله وولده، هذه أمرها سهل تكفرها الصلوات، لكن الفتن التي هي تحطب الدين من الشرك فما دونه، {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ} [(63) سورة النور] زيغ في أديانهم، هذا خطر عظيم، فالفتن اليسيرة فتنة الإنسان في ماله، فتنة الإنسان في ولده، فتنة الإنسان .... ، أمرها يسير تكفرها الصلوات، لكن الكلام في الفتن التي تقدح في الدين، هذه هي التي ينبغي أن يستعيذ منها الإنسان، ويحرص أشد الحرص أن لا يعرض نفسه لها، نعم. باب قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((الفتنة من قبل المشرق)): حدثني عبد الله بن محمد قال: حدثنا هشام بن يوسف عن معمر عن الزهري عن سالم عن أبيه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قام إلى جنب المنبر فقال: ((الفتنة هاهنا، الفتنة هاهنا من حيث يطلع قرن الشيطان)) أو قال: ((قرن الشمس)). حدثنا قتيبة بن سعيد قال: حدثنا ليث عن نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو مستقبل المشرق يقول: ((ألا إن الفتنة هاهنا من حيث يطلع قرن الشيطان)). حدثنا علي بن عبد الله قال: حدثنا أزهر بن سعد عن ابن عون عن نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((اللهم بارك لنا في شأمنا، اللهم بارك لنا في يمننا)) قالوا: وفي نجدنا؟ قال: ((اللهم بارك لنا في شأمنا، اللهم بارك لنا في يمننا)) قالوا: يا رسول الله وفي نجدنا؟ فأظنه قال في الثالثة: ((هناك الزلازل والفتن، وبها يطلع قرن الشيطان)).

حدثنا إسحاق الواسطي قال: حدثنا خلف عن بيان عن وبرة بن عبد الرحمن عن سعيد بن جبير قال: خرج علينا عبد الله بن عمر فرجونا أن يحدثنا حديثاً حسناً، قال: فبادرنا إليه رجل فقال: يا أبا عبد الرحمن حدثنا عن القتال في الفتنة، والله يقول: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ} [(193) سورة البقرة] فقال: هل تدري ما الفتنة ثكلتك أمك؟ إنما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقاتل المشركين، وكان الدخول في دينهم فتنة، وليس كقتالكم على الملك. يقول الإمام -رحمه الله تعالى-: باب قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((الفتنة من قبل المشرق)) وهذا من أعلام نبوته -عليه الصلاة والسلام-، جميع الفتن على ممر التاريخ مصدرها من المشرق. يقول الإمام -رحمه الله تعالى-: "حدثني عبد الله بن محمد -وهو المسندي الجعفي- قال: حدثنا هشام بن يوسف الصنعاني عن معمر بن راشد عن الزهري عن سالم عن أبيه" الزهري محمد بن شهاب عن سالم -بن عبد الله بن عمر- عن أبيه، وهذا مما قيل فيه: إنه أصح الأسانيد، هذا قول الإمام أحمد -رحمه الله-، يقول: إن هذا هو أصح الأسانيد. وجزم ابن حنبل بالزهري ... عن سالم أي عن أبيه البرِ

"عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قام إلى جنب المنبر فقال: ((الفتنة هاهنا، الفتنة هاهنا)) " وأومأ بيده إلى المشرق ((من حيث يطلع قرن الشيطان)) أو قال: ((قرن الشمس)) في رواية: ((قرنا الشيطان)) بالتثنية، فقيل: إن له قرنين حقيقةً، وقيل: ناحيتا رأسه "أو قال: ((قرن الشمس)) " حاجبها، حينما يطلع حاجبها قرنها، حينما يطلع جانبها الأول، فالشيطان مقارنٌ للشمس في مطلعها وفي مغربها، فالشمس تطلع بين قرني شيطان، وتغرب بين قرني شيطان، لماذا؟ ليكون سجود عبدة الشمس له؛ لأن هناك من يعبدها، ولذا جاء النهي عن الصلاة وقت طلوع الشمس، ووقت غروبها، في حديث عقبة بن عامر يقول: "ثلاث ساعات كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينهانا أن نصلي، وأن نقبر فيهن موتانا، حينما تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة، وحين تتضيف الشمس للغروب حتى تغرب" هذه الأوقات الثلاثة المضيقة النهي فيها شديد، فعلى المسلم أن لا يصلي في هذه الأوقات الثلاثة، ولا ذوات الأسباب، بقي من أوقات النهي الوقتان الموسعان: بعد طلوع الصبح إلى .... ، ومن صلاة العصر إلى قبيل الغروب، المضيق من طلوع الشمس حتى ترتفع قيد رمح، وحين يقوم قائم الظهيرة، حينما تكون الشمس في كبد السماء، وحين تميل الشمس إلى الغروب، تتضيف للغروب حتى تغرب، والأوقات المنهي عنها عن الصلاة من طلوع الشمس ومن طلوعها حتى ترتفع، ولاختلاف النهي شدةً وخفة جعل أهل العلم هذين الوقتين وإلا بإمكان القائل أن يقول: لماذا لا نقول: وقت واحد من طلوع الصبح إلى أن ترتفع في وقت واحد؟ لماذا هذا؟ لأن النهي أشد، فهما وقتان، وقت وسع، والنهي فيه خفيف، ووقت مضيق، والنهي فيه شديد، ولذا يرى جمعٌ من أهل العلم كابن عبد البر مثلاً وابن رجب أن النهي عن الصلاة في الوقتين الموسعين لا لذات الوقتين، وإنما هو من باب الاحتياط إلى الوقتين المضيقين؛ لئلا يسترسل الإنسان، يصلي بعد طلوع الصبح حتى تطلع الشمس، فيقع في الحرج في الوقت المضيق، ولئلا يسترسل في الصلاة بعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس، فيقع في الوقت المضيق، لكن نهي عن الصلاة بعد الصبح، ونهي عن الصلاة بعد العصر من باب الاحتياط لهذين الوقتين

المضيقين؛ لأن الشمس تطلع بين قرني شيطان، وتغرب بين قرني شيطان، نهي عن الصلاة قبل ذلك احتياطاً، المسألة يعني بسطت في كتابات كثيرة، فنقتصر منها على هذا. يقول الإمام -رحمه الله تعالى-: "حدثنا قتيبة بن سعيد البلخي قال: حدثنا ليث عن نافع عن ابن عمر" الليث هو الإمام ابن سعد عن نافع مولى ابن عمر "عن عبد الله -رضي الله عنهما- أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو مستقبل" حال كونه مستقبل "المشرق" جهة المشرق؛ لأن أهله في ذلك الوقت أهل كفر، "يقول: ((ألا إن الفتنة هاهنا من حيث يطلع قرن الشيطان)) " وهذا في معنى ما سبقه.

ثم قال: "حدثنا علي بن عبد الله" يعني ابن المديني "حدثنا أزهر بن سعد –السمان- عن ابن عون عن نافع عن ابن عمر قال: ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((اللهم بارك لنا في شأمنا، اللهم بارك لنا في يمننا)) قالوا: وفي نجدنا؟ )) " ما أجاب النبي -عليه الصلاة والسلام- "قال: ((اللهم بارك لنا في شأمنا، اللهم بارك لنا في يمننا)) قالوا: يا رسول الله وفي نجدنا؟ فأظنه قال في الثالثة: ((هناك الزلازل والفتن، وبها يطلع قرن الشيطان)) " يقول الخطابي: "نجد من جهة المشرق، ومن كان بالمدينة كان نجده باديةَ العراق ونواحيها، وهي مشرق أهل المدينة، وأصل نجد: ما ارتفع من الأرض" يقول الخطابي: "نجد من جهة المشرق، ومن كان بالمدينة كان نجده باديةَ العراق ونواحيها، وهي مشرق أهل المدينة، وأصل نجد: ما ارتفع من الأرض" مثل هذا الحديث يستغله ... يريد .... في هذه البلاد، وفي أهلها، وفي الدعوة المباركة، دعوة التجديد التي قامت على يد الشيخ محمد بن عبد الوهاب، بمناصرة الإمام محمد بن سعود، ولذا تجد كثير من المناوئين لهذه الدعوة يرددون مثل هذا الحديث، وأن المقصود به نجد، وأهل نجد الموجودة هذه، التي هي بهذا الاسم، أولاً: النجد كل ما ارتفع من الأرض نجد، هذا الأصل في التسمية، كل من ارتفع من الأرض يسمى نجد، ونجد التي أشار إليها النبي -عليه الصلاة والسلام- في كلام الشراح قاطبة قالوا: "باديةَ العراق ونواحيها" وتجد بعض المناوئين يسمي أهل هذه البلاد بالقرنيين، نسبة إلى قرن الشيطان، ولا شك أن هذا تلبيس، يعني الاشتراك في الاسم هل يعني هذا اشتراك في الحقيقة؟ لا يلزم، لا يلزم من الاشتراك في الاسم الاشتراك في الحقيقة والحد، فالمناوئون لهذه الدعوة المباركة، ولأهل هذه البلاد، هذه الدعوة التي قامت على تجريد التوحيد وتصفيته وتنقيته من شوائب الشرك والبدع، لا بد أن يشرق بها ناس عاشوا وارتزقوا على هذه البدع، فقالوا ما قالوا والله الموعد، لكن الاشتراك في الاسم لا يعني الاشتراك في الحقيقة، الخطابي هل هو من أهل هذه البلاد حينما يقول هذا الكلام؟ من بُست في أقصى المشرق، الخطابي، نعم. طالب:. . . . . . . . .

يعني كون النبي -عليه الصلاة والسلام- يخبر عن شيء، يعني هل أهل العراق يمكن ينفون مثل هذا الكلام؟ هذا هو الواقع، الخطابي من أقصى المشرق من بست، ويقول: "نجد من جهة المشرق، ومن كان بالمدينة كان نجده باديةَ العراق" فنجد المذكورة في هذا الحديث، وما جاء في معناه ليس المراد بها المسماة بهذا الاسم، وإن اشتهرت بهذا الاسم، وعرفت به، لكن الأصل في النجد أنه كل ما ارتفع نجد. في الدعوة التي دعاها النبي -عليه الصلاة والسلام- بالبركة لأهل الشام ولأهل اليمن، لا شك أن الشام بلادٌ مباركة، وفي مطلع سورة الإسراء {الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ} [(1) سورة الإسراء] كل ما حول المسجد الأقصى مبارك، وجاءت النصوص الكثيرة في اليمن، ومدح أهل اليمن، و ((الإيمان يمانٍ، والحكمة يمانية)) فمثل هؤلاء يستحقون الدعاء، وليس معنى هذا أنه إذا لم يدعُ لأحد أنها بلاد شر، لا يعني أنها بلاد شر، نعم تكون لهذه البلاد التي دعي لها مزية بالبركة، مكة والمدينة، مكة حرمها الله، والمدينة حرمها النبي -عليه الصلاة والسلام-، وهما أفضل البقاع، والمدينة فيها لأواء، وفيها شدة، ولا يصبر على لأوائها إلا من يسكنها ومن يصبر على لأوائها يستحق الشفاعة، على كل حال كونها في شدة وفيها لأواء، ومكة. . . . . . . . . أقدس البقاع في وادٍ غير ذي زرع، هل ينقص من قدرها أنها ليست بذات زرع؟ والزرع كله في الشمال والجنوب وغيره، بل هذه الدنيا الجمال اللي يسمونه جمال الطبيعة، الكفار بها أحق، لماذا؟ لأن هذه الدنيا هي جنة الكافر، والمسلم سجنه الدنيا، يدخر له نصيبه كامل، ولذا تجدون مثل هذه الأمور من جمال الطبيعة، وجمال الجو، وطيب الهواء تجدون أكثر من يتمتع به، ويرتع فيه غير المسلمين، ولا يضير المسلمين هذا أبداً لا يضيرهم؛ لأن أجورهم تدخر لهم يوم القيامة، يدخر لهم ذلك في جنةٍ عرضها السماوات والأرض، فيها ما لا عينٌ رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر على قلبِ بشر.

يعني كون بعض الناس إذا سافر يمين وشمال إلى بلاد الكفر، يأتي معجب ومفتون، يعني هل هذا مبرر أن الله -سبحانه وتعالى- لا يريد الخير للمسلمين؟ لا، الدنيا. . . . . . . . . -سبحانه وتعالى- يحب ومن لا يحب، لكن الدين لا يعطيه إلا من أحب، فقوله: ((اللهم بارك لنا في شأمنا، اللهم بارك لنا في يمننا)) لا شك أن هذه البركة، وهذه الدعوة ظهر أثرها فيما بعد في تلك الجهات، "قالوا: وفي نجدنا؟ " وعرفنا المراد بنجد في قول الخطابي وغيره، قال: ((اللهم بارك لنا في شأمنا، اللهم بارك لنا في يمننا)) قالوا: يا رسول الله وفي نجدنا؟ فأظنه قال في الثالثة: ((هنالك -أو هناك- الزلازل والفتن)) يعني غالباً، وإلا قد توجد الزلازل في غيرها، ومن ناحيتها يخرج يأجوج ومأجوج من جهة المشرق، والدجال، وغير ذلك من العلامات الكبار للساعة، ((وبها يطلع قرن الشيطان)) لا شك أن الشمس تطلع من المشرق، وقرن الشيطان، أو قرنا الشيطان مصاحبان لطلوع الشمس.

ثم قال -رحمه الله-: "حدثنا إسحاق الواسطي" في رواية إيش؟ ابن عساكر: "حدثنا إسحاق بن شاهين الواسطي قال: حدثنا خلف" هذه رواية، وفي كثيرٍ من الروايات: خالد، ولعله هو الصواب، والمراد به خالد بن عبد الله الطحان، "عن بيان -بن بشر- عن وبرة بن عبد الرحمن -الحارثي- عن سعيد بن جبير قال: خرج علينا عبد الله بن عمر فرجونا أن يحدثنا حديثاً حسناً" يعني فيه ما يدخل السرور من بشارة، تسرنا، حسنة، "قال: فبادرنا إليه رجل" جاءت تسميته بأنه حكيم، "فقال: يا أبا عبد الرحمن -هذه كنية ابن عمر- حدثنا عن القتال في الفتنة، والله يقول: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ} [(193) سورة البقرة] " هذا الرجل ساق هذه الآية ليحتج بها على مشروعية القتال في الفتنة، رداً على من ترك ذلك، واعتزل في الفتن كابن عمر وسعد بن أبي وقاص، وجمع من الصحابة اعتزل، فأراد أن يحتج هذا الرجل على ابن عمر لماذا تعتزل، والله -سبحانه وتعالى- يقول: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ} [(193) سورة البقرة]؟ فقال ابن عمر: هل تدري ما الفتنة ثكلتك أمك؟ ثكلتك أمك: يعني عدمتك أمك، وهذه كلمة يدعى بها على الشخص، ولا يقصد بها الدعاء، وإلا قد جاء من قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((ثكلتك أمك يا معاذ)) الدعاء على معاذ، "ثكلتك أمك، إنما كان محمد -صلى الله عليه وسلم- يقاتل المشركين" وهنا القتال الدائر في الفتنة بين مسلمين، "إنما كان محمد -صلى الله عليه وسلم- يقاتل المشركين، وكان الدخول في دينهم فتنة" يفتنون ويعذبون ليرتدوا عن دينهم هذه هي الفتنة، الفتنة الشرك، {وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ} [(191) سورة البقرة] الفتنة التي هي الردة أشد من القتل، يقول: "وكان الدخول في دينهم فتنة" نتيجة التعذيب يرتدوا عن دينهم، هذه هي الفتنة، وحينئذٍ: قاتلوا المشركين حتى لا تكون فتنة بحيث يعذبون المسلمين فيردوهم إلى دينهم، يقول ابن عمر: "وليس كقتالكم على الملك" يعني ابن عمر ترجح عنده أن يعتزل؛ لأنه قتال بين مسلمين، وعلى ملك، على الدنيا، هذا فيما ظهر لابن عمر، وظهر لسعد بن أبي وقاص، وفي العزلة مندوحة، لكن إذا ظهر رجحان الكفة، وترجح الحق مع

طائفة، وإن كانت الطائفة الأخرى. . . . . . . . .، لكن نصيبها من الحق أقل، ماذا يسمون في عرف الشرع؟ الطائفة المرجوحة، ((عمار تقتله الفئة الباغية)) إذا ترجح عندك بحيث لا يحصل عندك أدنى شك أن الحق مع فلان، هل يسوغ للناس كلهم أن يعتزلوا، ويترك الناس يتطاحنون ويتقاتلون؟ لا، {وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} [(9) سورة الحجرات] لا بد من السعي إلى الصلح، لا بد أن يكون السعي إلى الصلح أولاً، إن لم يفد الصلح، وما رضي أحد من الأطراف في التنازل {فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي} [(9) سورة الحجرات] لا بد من قتال البغاة، ولو ترك البغاة وشأنهم، وقيل: هذه فتنة نعتزل، نعم إذا اشتبه عليك الأمر فالسلامة لا يعدلها شيء، إذا ترجح عندك بالأدلة الشرعية أن الحق مع هذه الفئة، وأن الفئة الثانية باغية، عليك نصر الفئة الأقرب إلى الحق، يعني نفترض المسألة في علي ومعاوية -رضي الله عن الجميع- أيهما أقرب إلى الحق عند أهل السنة والجماعة؟ علي -رضي الله عنه-، والأدلة التي تدل على ذلك كثيرة جداً، والخوارج يقتلهم أقرب الطائفتين إلى الحق، أو أولى الطائفتين بالحق، و ((عمار تقتله الفئة الباغية)) إذاً الرجحان رجحان الكفة مع علي، لا بد من نصر من رجحت كفته، وإلا لو ترك الأمر بين الناس يقتتلون، وكل واحد قال: أنا أعتزل الفتنة، تزداد الفتن، ولا ينقطع دابر الشر، من لم يتبين له الأمر، ولم يترجح لديه هذا ولا هذا، فسعد بن أبي وقاص اعتزل، عبد الله بن عمر اعتزل، يعني خيار الصحابة، مع أن الأمة مأمورة بأن تقف مع صاحب الحق بالآية، {وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} [(9) سورة الحجرات] نعم القتل والقتال ليس بهدف شرعي، لا بد من الصلح، لا بد من المساعي السلمية، لوقف هذا القتل والاقتتال، لكن إذا لم تنجح المسائل السلمية {فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ} [(9) سورة الحجرات] حتى ترجع إلى أمر الله، ولذا يقول: "ما الفتنة ثكلتك أمك؟ إنما كان محمدٌ -صلى الله عليه وسلم- يقاتل المشركين، وكان الدخول في

الدرس الثاني:

دينهم فتنة" يعني هذه الآية نزلت فيمن تعرض لأن يفتن في دينه فيكفر، هذه فتنة، {وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ} [(191) سورة البقرة] كون الإنسان يعرض نفسه لمثل هذا خوفاً على دينه أن يفتن، وأن يقتل، الفتنة أشد من القتل، لكن في ديننا سعة، ولله الحمد. إذا أكره الإنسان على الكفر وإلا يقتل؟ جاء في حقه {إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ} [(106) سورة النحل] يجيب إلى ما يطلبون، وقلبه مطمئنٌ بالإيمان، فالإكراه وما ينطق به مما لو كان في حال السعة يكفر به، هو في مثل هذه الحالة في حال الإكراه هو معذور، يقول: "وليس كقتالكم على الملك" هذا رأي ابن عمر أنه رأى أن هذا القتال بين علي ومعاوية، وأنصار علي وأنصار معاوية إنما هو من أجل الملك، ومن أجل الدنيا، ومعروف أن ابن عمر وعزوفه عن الدنيا، وسعد بن أبي وقاص لما جاءه ولده، وهو في قصرٍ له بالعقيق، قال له: الناس يقتسمون الدنيا، وأنت جالس هنا؟! بما أجاب؟ أجاب بالحديث: ((إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار)) السلامة لا يعدلها شيء، لكن مثل ما قلنا: إنه إذا ترجحت كفة أحد الطرفين فقاتلوا التي تبغي، الفئة الباغية لا بد من .. ، الصلح هذا أول ما يبدأ به الصلح {فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} [(9) سورة الحجرات] إن لم تنجع المساعي السلمية والصلح، حينئذٍ {فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي} [(9) سورة الحجرات] كم باقي من الوقت؟ انتهى، والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. الدرس الثاني: الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب الفتنة التي تموج كموج البحر" وقال ابن عيينة عن خلف بن حوشب: كانوا يستحبون أن يتمثلوا بهذه الأبيات عند الفتن.

"باب الفتنة التي تموج كموج البحر" يعني تضطرب كاضطراب البحر عند هيجانه، "وقال ابن عيينة –سفيان- عن خلف بن حوشب –الكوفي-: كانوا -يعني السلف- يستحبون أن يتمثلوا بهذه الأبيات عند الفتن" يعني عند نزولها وحدوثها، "قال امرؤ القيس" بن عابس الكندي، كذا جزم المؤلف -رحمه الله-، وجزم المبرد في الكامل، والسهيلي في الروض وشرح السيرة أن الأبيات لعمرو بن معدِ كرب: "الحرب أول ما تكون فتية" الحرب مؤنثة، وقد تذكر، "أول ما تكون فتية" شابةً قوية، "تسعى بزبنتها لكل جهول" في رواية سيبويه: "ببزتها" أي لباسها الجيد، جاء زيد في بزةٍ، يعني في لباسٍ حسن وجيد. الحرب أول ما تكون فتية ... تسعى بزبنتها لكلِّ جهولِ الجهول: هو الغمر الذي يمكن أن يخدع، ويؤثر عليه، فهذه الحرب وهذه الفتن تستشرف أمثال هؤلاء، ثم إذا كثر هؤلاء، وتأثر بعضهم ببعض دخل فيها من غير اختيار كل من حولها. الحرب أول ما تكون فتية ... تسعى بزبنتها لكلِّ جهولِ "حتى إذا اشتعلت" هاجت "وشب ضرامها" ارتفع اشتعالها، تشبيهاً لها بالنار، وبين الحرب والفتن والنار ارتباط وثيق، فالحروب توقد لها النيران، حتى إذا اشتعلت هذه الفتنة والرحب، وأشعلت النيران من أجلها، وشب ضرامها، ارتفع اشتعالها في الجو "ولت" إذا اشتعلت واشتبك الناس "ولت عجوزاً غير ذات حليلِ" مقبلة شابة فتية، ثم إذا اشتبك الناس وتورطوا "ولت عجوزاً غير ذات حليلِ" لا يرغب أحدٌ في الزواج بها، ليست بذات حليل؛ لأن من يوقد النيران، ويشعل فتيل الحرب، ويؤجج الفتن بين المسلمين هذا لا يرغب فيه أحد؛ لأنه يكون سبباً للمصائب والحوادث والكوارث، مثل هذا شبهه الشاعر بالعجوز التي ليست بذات حليل، وذات زوج؛ لأنه لا يرغب فيها، لكن لما كانت مقبلة شابة استهوت الجهال، فاقتحموا غمراتها، فلما التحم الجهال وكثروا دخل فيهم من غير اختيار، أقحم فيها واقتحم من ليسوا من الجهال، فعمت الجميع، فلما تورطت الناس واشتبكوا ولت وأدبرت عنهم، لا أحد يرغب فيها؛ لأنها عجوزٌ شمطاء. ولت عجوزاً غير ذات حليلِ ... شمطاء. . . . . . . . .

والشمط: اختلاف أو اختلاط الشعر الأبيض بالأسود، اختلاط الشعر الأبيض بالأسود، "شمطاء ينكر لونها وتغيرت" أي تبدل حسنها قبحاً، "مكروهة للشم والتقبيلِ" ولذا لا يرغب فيها أحد؛ لأنها عجوز شمطاء، قبيحة المنظر، قبيحة الرائحة، مكروهة للشم والتقبيل، من يريدها مثل هذه؟ وهذا مطابق لهذه الفتن، وهذه الحروب لا شك أنها تقبل فتية نشيطة، يستشرف لها الجهال والأغمار، ثم يدخل فيها غيرهم، ثم إذا اشتبكت والتحمت ولت شمطاء، وقد يكون وجه التشبيه من وجهٍ آخر أن الناس فيهم قوة وشباب وحماس ونشاط في أول الحرب، ثم إذا طال أمد هذه الحرب تركتهم الحرب، وقد صاروا في وضعٍ يشبه هذه الشمطاء، تبعثرت أحوالهم، وتفرق اجتماعهم، فلا يرغب أحدٌ في السكنى معهم؛ لأن هذه الحروب أخذت مأخذها منهم. ثم قال الإمام -رحمه الله-: "حدثنا عمر بن حفص بن غياث حدثنا أبي -حفص بن غياث- قال: حدثنا الأعمش -سليمان بن مهران- قال: حدثنا شقيق -وهو ابن سلمة أبو وائل- سمعت حذيفة بن اليمان يقول: "بينا نحن جلوس عند عمر" حديث حذيفة في الفتن ... ، على كل حال الأبيات الثلاثة التي فاتت الفائدة منها، ومن التمثل بها في أوقاتِ الفتن، الفائدة من ذلك الحذر من الدخول في هذه الفتن، والاغترار فيها، والمشاركة فيها؛ ليكون الإنسان على ذكرٍ من نهايتها، هي في بدايتها تستهوي الأغرار والجهال، ومن لديه حب الاستطلاع، ومعرفة ما سيؤول إليه الأمر، هؤلاء تستهويهم، فيذكر الإنسان بالعواقب قبل الدخول في أوائلها؛ لأنه إذا دخل في أولها، وتورط فيها فالنتيجة حتمية، ومعلومٌ أن مثل هذا يكون في الفتن التي بين المسلمين مما لا يترجح فيه إحدى الكفتين.

ثم بعد ذلك حديث حذيفة: "بينا نحن جلوسٌ عند عمر إذ قال: أيكم يحفظ قول النبي -صلى الله عليه وسلم- في الفتنة؟ " الفتنة، الابتلاء، الامتحان، الاختبار، قال حذيفة في علامات النبوة من الكتاب: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هنا قال حذيفة الضمير يعود إلى حذيفة قال، وفي علامات النبوة من الكتاب فيما تقدم قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فهو مرفوعٌ إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، وإن أوقف على حذيفة: ((فتنة الرجل في أهله)) وتكون بالميل إليهم بحيث يأتي بسبب ذلك بعض ما لا يحل له، يفتتن بأهله، يميل إليهم، يحبهم، وهذه المحبة قد تورث في بعض الأحوال تقديم طاعتهم، وتحقيق رغبتهم فيما لا يرضي الله -عز وجل-، هذه فتنة، ((وماله)) بحيث يستهويه الطمع في الكسب إلى أن يكتسب المال من غير حله، فيأخذه من غير حله أو يصرفه في غير مصرفه الشرعي، هذه فتنة، فتنة المال، المال ورود وصدور، إيرادات ومصروفات، فتنة المال تكون في إيراده من غير وجوهه الشرعية، وفتنة المصرف في أن يصرف في غير ما أباحه الله -عز وجل-، ((وولده)) بحيث يحمله فرط محبته لولده على التراخي عن كثيرٍ من أعمال الخير، أو مزاولة بعض ما لا يحل، فالولد مبخلة، مجبنة، قد يبخل بما أوجب الله عليه ملاحظة لولده، قد يطلب منه ولده شيئاً فلا يستطيع الحصول عليه إلا من وجوهٍ غير مشروعة، هذه فتنة، فهذه فتن، فتنة الرجل في أهله، وفي ماله، وفي ولده، فتنته أيضاً في جاره، في سوء الجوار مع جاره، في حسد جاره، المفاخرة مع جاره، هذه الفتن تهون عن الفتن التي تموج كموج البحر، تهون، قال: "هذه تكفرها الصلاة والصدقة، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر" الصلاة ((الصلوات الخمس إلى الصلوات الخمس، العمرة إلى العمرة، رمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن)) شريطة أن تجتنب الكبائر، فالتي تكفرها الصلاة ورمضان، والعمرة، والأمر والنهي هذه الصغائر، وأما الكبائر فلا بد من التوبة منها، ولذا جاء القيد: ((ما اجتنبت الكبائر)) ((ما لم تغشَ كبيرة)) ما اجتنبت الكبائر، وما لم تغشَ كبيرة، فهذه الأعمال الصالحة {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [(114) سورة هود] والمراد بذلك عند أهل

العلم: الصغائر، كما في القيود التي ذكرنا ما اجتنبت الكبائر، وما لم تغشَ كبيرة، هذا واضح في أن المراد من السيئات الصغائر. في قوله -جل وعلا-: {إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} [(31) سورة النساء] مجرد اجتناب الكبائر كفيل بتكفير الصغائر، فقد يقول قائل: هذه الصغائر كفارتها الصلاة، فماذا بقي لرمضان؟ وماذا بقي للعمرة؟ وماذا بقي لاجتناب الكبائر؟ قد يقول قائل: ارتكب صغيرة، وصلى وانتهى، نقول: هذه الأعمال الجليلة تكفر الصغائر، فإذا أتت على الصغائر كلها خففت من الكبائر، لكنها لا تكفرها بحيث تذهب أثرها بالكلية، وقد يرفع له للعامل بها درجات، إذا لم توجد الصغائر، لكن لا يكاد ينفك من يغشَ الكبائر من الصغائر، فمن عمل كبيرة واحدة، وأصر على كبيرة، أو على كبائر لا بد أن توجد عنده الصغائر بكثرة، فهذا الكلام وإن كان افتراضي إلا أن هذا جوابه، هو افتراضي لكنه في الواقع الذي يزاول الكبائر لن ينفك عن الصغائر؛ لأنه بها يبدأ، والشيطان يستدرجه أولاً بالإكثار من المباح، ثم يوقعه في المكروهات، إذا استرسل في المباحات، ثم بعد ذلكم يبدأ بصغائر الذنوب، الشيطان لن يتركه حتى يخرج من دينه إن استطاع، فهو إذا استرسل معه في ذلك حمله على الكبائر، بعد أن يتجاوز مرحلة الصغائر، ولا شك أن من غشى كبيرة مرة في عمره مثلاً، وهو محافظ دينه بحيث لا يغشى الصغائر مثل هذا في الغالب أنه يوفق لتوبة، أن مثل هذا يوفق لتوبة نصوح؛ لأن الذي يعوق عن التوبة هو الاسترسال في المعاصي، والاعتماد على سعة رحمة الله، والأمن من مكر الله، فإذا تاب التوبة تهدم ما كان قبلها، فعلى كل حال هذه الأعمال جاءت بهذا السياق للحث عليها، الحث على الصلوات والصدقة والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، ورمضان، والعمرة، وغير ذلك من الأعمال الصالحة {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [(114) سورة هود].

"قال: ليس عن هذا أسألك، ولكن أسألك عن الفتنة التي -تضطرب- تموج كموج البحر" واضطرابه عند هيجانه، هذه الفتنة التي ينبغي أن يهتم بها، وإلا الفتن التي ذكرت في أهله وماله وولده وجاره، هذه ينبغي للإنسان أن يحتاط فيها، لكن المسألة أولويات، ينبغي أن يهتم بما هو أعظم منها، ثم يلتفت إليها، فيحتاط للأعظم قبل أن يحتاط للأسهل، والدين لا شك أنه وإن كان الكل شرعٌ من عند الله -عز وجل- إلا أن فيه كبائر، فيه موبقات، وفيه صغائر، فيه فسوق، فيه عصيان، وهي متفاوتة، نعم إذا نظرنا إلى جانب من عصي وهو الله -عز وجل- فانتهاك أمره ونهيه كبير من هذه الحيثية، لكن جاءت النصوص على أن الذنوب متفاوتة، فعلى الإنسان أن يحرص على اجتناب الكبائر، يحرص أشد الحرص على كبائر الذنوب والموبقات فلا يقربها، ثم بعد ذلكم يلتفت إلى هذه الصغائر. طيب، لو واحد عنده تجارة ووقع في شيء من الشبهات في هذه التجارة، فجاءه شخص يعرضه، يا أخي هذه الشبهات ما لك ولها، أنت الآن كراعٍ يرعى حول الحمى، يمكن أن يرد عليه يقول: هذه فتنة مال، الأمر سهل، المشكلة في الفتن التي تموج موج البحر؟ لا، لكن في هذا الظرف الذي فيه السؤال، القصد من السؤال بيان الفتنة الكبرى التي تموج كموج البحر، وليس معنى هذا أن الإنسان إذا ذكر بما يحصل منه بسبب أهله وماله وولده يقول: الأمر سهل، هذه تكفرها الصلوات، الإشكال والله في الفتنة التي تموج .. ، وإلا أليست هذه معاصي؟ إذا كانت معاصي أنت مأمور باجتنابها، لكن الآن الحديث بصدد شيء محدد، يعني شخص أشكل عليه مسألة في الزكاة، فتأتي تحدثه عن الصيام، يقول لك: دعنا الآن من الصيام أنا عندي مشكلة قائمة الآن في الزكاة، هل معنى هذا التقليل من شأن الصيام؟ ليس معناه، إنما هو بصدد السؤال عن الفتنة التي تموج موج البحر؛ لأهميتها ولشدة الخوف والحذر منها، وليس معنى هذا التقليل من شأن فتنة المال، أو فتنة الأهل والولد والجار.

شاع على ألسنة بعض الناس وبعض الكتاب أن الدين فيه قشور، وفيه لباب، وفيه كذا، لا، الدين كله لبٌ خالص، كله لب، فما أمرت به فعليك أن تفعل، على تفاوت في الأوامر، أنت تؤمر أمر استحباب، وتؤمر أمر وجوب، هذا لا يقاوم هذا، فتقدم فعل الواجب، تنهى نهي تنزيه، وتنهى نهي تحريم، اجتنب الجميع، لكن إذا كان الخيار إما هذا وهذا فاجتنب الأشد. "ولكن أسألك عن الفتنة التي تضطرب كاضطراب البحر عند هيجانه، فتموج كموج البحر، قال: ليس عليك منها بأس يا أمير المؤمنين" حذيفة صاحب سر النبي -عليه الصلاة والسلام-، أفضى إليه ببعض الأشياء فاهتم وعني بأحاديث الفتن، وسمى له النبي -صلى الله عليه وسلم- بعض المنافقين، فأخبر وطمأن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب أنه ليس عليه منها بأس، وهذا مما تلقاه من النبي -عليه الصلاة والسلام-، أمين السر، إيش يسمونه الآن؟ الأمين عموماً، إيش يسمونه؟ سكرتير يسمونه، المقصود أن هذا مما أفضى به النبي -عليه الصلاة والسلام- لحذيفة.

"قال: ليس عليك منها بأس يا أمير المؤمنين، إن بينك وبينها باباً مغلقاً" أي لا يخرج منها شيء في حياتك، "إن بينك وبينها باباً مغلقاً فلا يخرج منها شيء في حياتك" ولم يفصل، إيثاراً لحفظ السر، فلم يصرح لعمر بما سأله عنه، وإنما كنى عنه كناية، "إن بينك وبينها باباً مغلقاً، قال عمر: أيكسر الباب أم يفتح؟ " ما قال: يا عمر أنت الباب الحائل بين الفتن وبين الأمة، كنى كناية، قال: "بينك وبينها باب مغلق، فقال له عمر: أيكسر الباب أم يفتح؟ قال: بل يكسر" وهذا عمر، وكسره قتله -رضي الله عنه وأرضاه-، "قال عمر: إذاً لا يغلق" الفتن إذا بدأت لا تنتهي، إذا كسر الباب خلاص، "قلت: أجل، قلنا لحذيفة: أكان عمر يعلم الباب؟ قال: نعم، كما أعلم أن دون غد ليلة" أي أعلم ذلك علماً ضرورياً، يعلم ذلك علماً ضرورياً، يقطع به، كما أقطع بأن دون الغد ليلة، "وذلك أني حدثته حديثاً ليس بالأغاليط" يعني ما هو بتوقعات، أو تحليلات صحفية، مبنية على ظنون وأوهام، حدثونا عن المستقبل بناءً على ما فهم من حديث تحدث به فلان أو علان، هذا عمن لا ينطق عن الهوى، الحديث ليس بالأغاليط، ليس بالأحاجي، وليس بالتوقعات ولا بالأوهام، "فهِبنا" من الذي يقوله؟ أبو وائل، ومن معه، بينا نحن جلوس عند عمر "فهبنا أن نسأله من الباب؟ فأمرنا مسروقاً فسأله"، فهبنا أن نسأله، نسأل حذيفة من الباب؟ "فأمرنا مسروقاً" بن الأجدع المعروف "فسأله فقال: من الباب يا حذيفة؟ فقال: عمر -رضي الله عنه-" وبقتله بدأت الفتن في زمن عثمان -رضي الله عنه-، حتى استشرت هذه الفتن واشتعلت، وماجت، واضطربت، ووقع الخلاف بين الصحابة في زمن عثمان إلى أن قتل عثمان -رضي الله عنه-، الخليفة الراشد، العابد الأواه، الصائم القائم، المشهود له بالجنة، ثالث الخلفاء، زوج بنتي الرسول -عليه الصلاة والسلام-، مناقبه وفضائله لا يمكن إحصائها، وقد أجرى بعض المعاصرين حساب لما أنفقه في سبيل الله بأرقامنا أو أعدادنا فقال: إنه يقرب من المليار، خليفة راشد ((وما على عثمان ما فعل بعد اليوم)) ويقتل في داره بين أهله، صائم، يقرأ القرآن، كبير السن، فوق الثمانين، فتنة، الفتن أول ما تكون يستشرب لها الناس إلى أن تصل

إلى هذا الحد، ويصعب على أهله الدفاع عنه، وعلى من حوله من الصحابة في بلد الخلافة، مع قرب العهد بالنبوة، يعني ربع قرن، خمسة وعشرين سنة بعد النبي -عليه الصلاة والسلام-، ويصعب دفنه مع أصحابه في البقيع، ويؤجل دفنه أيام -رضي الله عنه وأرضاه- هذه نتائج الفتن، قد يقول قائل: نحن سمعنا حروب تطحن يمين ويسار، وقبل هذا الزمن وأزمان على مدى التاريخ، يا أخي هذه إزهاق أرواح، أين العقول؟ من أجل حطام الدنيا تزهق الأرواح؟ نعم، إذا بدأت الفتنة لا تنتهي حتى تأتي على الرطب واليابس.

ثم قال الإمام -رحمه الله تعالى-: "حدثنا سعيد بن أبي مريم -سعيد بن الحكم بن محمد بن سالم بن أبي مريم الجمحي- قال: أخبرنا محمد بن جعفر بن أبي كثير عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر عن سعيد بن المسيب عن أبي موسى الأشعري قال: خرج النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى حائط من حوائط المدينة" هو بستان أريس الذي فيه البئر، الذي سقط فيه خاتم النبي -عليه الصلاة والسلام- من أصبع عثمان -رضي الله عنه-، قريبٌ من قباء، يقول أبو موسى: "وخرجت في إثره، فلما دخل الحائط جلست على بابه" يعني على باب الحائط، "وقلت: لأكونن اليوم بواب النبي -عليه الصلاة والسلام-" حاجب للنبي -عليه الصلاة والسلام-، "ولم يأمرني" يعني تطوع من أبي موسى، تبرع، حفظاً للنبي -عليه الصلاة والسلام-، هذه طريقة الصحابة -رضوان الله عليهم- معه -عليه الصلاة والسلام-، فيكون بواباً، سبق في مناقب عثمان -رضي الله عنه- أنه -صلى الله عليه وسلم- يعني أمر أبا موسى بذلك، بأن يكون حارساً، بواباً، حاجباً، فالاحتمال للتوفيق بين الروايتين: أنه فعل ذلك تبرعاًَ من غير أمر، ثم أمره النبي -عليه الصلاة والسلام-، "فذهب النبي -صلى الله عليه وسلم- وقضى حاجته، وجلس على قُفِّ البئر" يعني على حافة البئر، أو الدكة التي حول البئر، "فكشف عن ساقيه، ودلاهما في البئر، فجاء أبو بكر" كشف النبي -عليه الصلاة والسلام- عن ساقيه ودلاهما في البئر، "فجاء أبو بكر يستأذن" في الدخول على النبي -عليه الصلاة والسلام-، "فقلت، يقول أبو موسى فقلت له: اثبت، وقف مكانك "كما أنت حتى أستأذن لك، فوقف" أبو بكر -رضي الله عنه-، هذا التصرف، ما دام باب عليه حاجب لا بد من الاستئذان، ما قال: أنا أقرب منك إلى الرسول -عليه الصلاة والسلام-، أنا بنتي مع الرسول، أنا صحبت النبي، أنا أول الصحابة، أنا أفضل الصحابة، لا، وقف حتى استأذن له، "فوقف فجئت إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقلت له: يا نبي الله أبو بكر يستأذن عليك" وهذا يؤيد أن نهاية أمره في الحجابة أنه مأمور، وإلا لو وقف من تلقاء نفسه تبرع، هل يستطيع أن يمنع أحد؟ تبرع من عنده، فلعله تبرع أولاً من غير أمر النبي -عليه الصلاة والسلام- خشية أن يهجم

على النبي -عليه الصلاة والسلام- ما يؤذيه من عدوٍ، أو سبع، أو ما أشبه ذلك، أما أن يحجب مثل أبي بكر وعمر لا بد أن يكون بأمره -عليه الصلاة والسلام-، "فدخل فجاء عن يمين النبي -صلى الله عليه وسلم- فكشف عن ساقيه، ودلاهما في البئر -اقتداءً بالنبي -صلى الله عليه وسلم-، فجاء عمر يستأذن ليدخل على النبي -عليه الصلاة والسلام-، فقلت: كما أنت" اثبت، كما أنت في مكانك، قف في مكانك حتى أستأذن لك النبي -عليه الصلاة والسلام-، "فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((ائذن له وبشره بالجنة)) " قد قال في حق أبي بكر: ((ائذن له وبشره بالجنة)) فقال له ذلك أبو موسى، وأذن له إلى آخره.

"فجاء عن يسار النبي -عليه الصلاة والسلام-" جلس أبو بكر عن يمين النبي -عليه الصلاة والسلام- وعمر عن يسار النبي -عليه الصلاة والسلام- "فكشف عن ساقيه" كما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام- وأبو بكر، "فدلاهما في البئر فامتلأ القُف" حافة البئر امتلأت، ما تستوعب أكثر من الثلاثة، امتلأت بالنبي -عليه الصلاة والسلام-، وصاحبيه، "فلم يكن فيه مجلس، ثم جاء عثمان فقلت: كما أنت حتى أستأذن لك" يعني قف كما أنت كما قال لصاحبيه حتى أستأذن لك، "فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((ائذن له وبشره بالجنة معها بلاء يصيبه)) " ما قال لعمر: معها بلاء، مع أنه مقتول، لكن ليست الظروف التي احتفت بقتل عمر مثل الظروف التي احتفت بقتل عثمان، عمر يصلي فجاء عدو فطعنه، وهذه نهايته -رضي الله عنه-، كما لو مات على فراشه، لكنه فاز بالشهادة، لكن يختلف عن هذا عما احتف بمقتل عثمان -رضي الله عنه-، شيء يعتصر القلب، يدمي القلب، قتل في داره، امتحن، وسلط عليه سفهاء أوباش، لا قدم لهم ثابتة في الإسلام، بمحضر المهاجرين والأنصار، بدار الهجرة، في بيته، مصحفه في حجره، صائم، سلط عليه هؤلاء السفهاء، وأعانهم من أعانهم ممن دخل في الفتنة، ومطلبهم وما نقموا عليه إلا أنه ولى بعض الولايات لأقاربه -رضي الله عنه وأرضاه-، هذا الذي ينقم على عثمان، ولى بعض أقاربه بعض الولايات، فنقموا عليه ذلك، الناس مأمورون عند الجور الواضح، والظلم الظاهر مأمورون بالصبر والاحتمال، وعدم شق عصا الطاعة ((أدوا الذي عليكم، واسألوا الله الذي لكم)) بس لمجرد أنه ولى بعض أقاربه، ولى بعض أقاربه يقتل في بيته صائم يقتل، هم طلبوا منه أن ينخلع من الإمامة بسبب ما نسب إليه، لكنه ولي بإجماع الصحابة، ولم يثبت عنه، أو لم يقترف ما يعزل من أجله، وأهل العلم يختلفون في الإمام إذا تم اختياره من قبل المسلمين، هل له أن يخلع نفسه؟ أو هذه أمانة تحملها لا بد من القيام بها؟ وحينئذٍ تكون تعينت عليه، هي تعينت عليه، فجمعٌ من أهل العلم عندهم أنه لا يجوز أن يخلع نفسه، وعثمان -رضي الله عنه- راعى المصلحة، يعني ماذا يتصور المدينة تغلو، تغلي غليان، وتضطرب، وتموج بالفتنة والإمام قائم، فكيف لو

تنحى الإمام؟ ماذا سيكون؟ " ((معها بلاءٌ يصيبه)) فدخل فلم يجد معهم مجلساً، فتحول حتى جاء مقابلهم على شفة البئر، فكشف عن ساقيه، ثم دلاهما في البئر، فجعلت أتمنى أخا لي -أبو موسى؛ لأنه كل من استأذن قال: ((بشره بالجنة)) - فكنت أتمنى أخاً لي، وأدعو الله أن يأتي" لكي يصيب هذه الدعوة ((بشره بالجنة))، يصيب هذه البشارة، أخوه أبو بردة، اسمه عامر، أو أبو رهم، المقصود أنه نصح -رضي الله عنه وأرضاه- لأخيه، وتمنى لأخيه ما يسعد به في الدنيا والآخرة، لكن هو القدر، ما أراد الله -جل وعلا- أن يحضر مع هؤلاء، من يذكر أنصح شخص لأخيه، أبر شخص بأخيه؟ موسى -عليه السلام-، الذي سأل لأخيه النبوة، والآن يتقاتل الإخوة على لا شيء، على شيء يسير من حطام الدنيا، يتهاجر الإخوة علشان كلمة، والله المستعان، ناس ينتسبون إلى العلم، كلاهما من أهل العلم، يتقاطعون ويتهاجرون سنين طويلة، لا شك أن هذا من كيد الشيطان وتلبيسه، يزين له هذا، ويبرر له هذا، مع ما جبلت عليه النفوس من عدم التنازل، لو تنازل هذا عن شيء يسير، وذاك عن شيء يسير التقت القلوب، وصفت، والله المستعان. "قال ابن المسيب: فتأولت ذلك قبورهم" فتأولت ذلك، أي اجتماع الصاحبين بالنبي -عليه الصلاة والسلام- وانفراد عثمان، "تأولت ذلك قبورهم، اجتمعت هاهنا -يعني في الحجرة- وانفرد عثمان -رضي الله عنه -" بالبقيع. ثم قال -رحمه الله-: "حدثنا بشر بن خالد اليشكري"، المقصود أن البخاري ساق هذه القصة، لما فيها من الإشارة إلى الفتنة والبلاء الذي يصيب عثمان -رضي الله عنه-، ولا شك أنها ماجت كموج البحر في المدينة، واضطرمت، واشتعلت، واضطربت كاضطراب البحر، ثم توالت الفتن والمحن على الأمة بين المسلمين أنفسهم في كثيرٍ من بقاع الأرض، في عصورٍ متتابعة إلى قيام الساعة؛ لأن الباب كسر. ثم قال: "حدثني بشر بن خالد اليشكري قال: أخبرنا محمد بن جعفر -غندر- عن شعبة" إيش علاقة محمد بن جعفر بشعبة؟ هو من أخص الآخذين عن شعبة، لماذا؟ طالب:. . . . . . . . .

ما هو بربيبه؟ شعبة ما هو بزوج أم غندر، إذاً له خصوصية تمكنه من الاختلاط، وليس فيه خصوصية النسب التي تزهده فيه، وإلا أخص الناس بالعالم أهله، وهذه سنة إلهية، أزهد الناس بالعالم، أزهد الناس بالعالم أهله وجيرانه، والسبب ظاهر؛ لأن الناس يرون هذا العالم محتشم ما يخرج إليهم إلا بمظهرٍ لائق ويراه أولاده وأهله على أوضاعٍ قد .. ، وفي أحوال وظروف، يعني المخالطة والمجالسة تجعل الإنسان يزهد بصاحبه، وأيضاً لئلا يقول هذا العالم أو يخيل لهذا العالم: أنه نفع أولاده، أو يستطيع أن ينفع، أو يستطيع .. ، لا تستطيع إلا بأمر الله -عز وجل-، لو كانت المسألة استطاعة لكان أولى الناس بنفعك أولادك وأهلك.

"عن شعبة بن الحجاج عن سليمان بن مهران الأعمش قال: سمعت أبا وائل -شقيق بن سلمة- قال: قيل لأسامة بن زيد: ألا تكلم هذا؟ يعني عثمان -رضي الله عنه- فيما أنكر الناس عليه من تولية أقاربه، "قال: قيل لأسامة بن زيد: ألا تكلم هذا؟ " قيل: ألا تكلم هذا؟ يعني الخليفة، فيما أنكر عليه، أنكره الناس عليه من توليته أقاربه، "قال: قد كلمته" إيش معنى: قد كلمته؟ يعني هل قال: كلمته لكن ما ينفع ما يفيد ما يسمع؟ لا، كلمه سراً بينه وبينه، ونصحه وأدى ما عليه، دون أن يفتح باباً للغوغاء والأوباش، يعني كلم الخليفة سراً، ما دون أن يفتح باباً، يكون أول من يفتحه، يعني من باب الإنكار العلني الذي يوغل صدر الخليفة، ولا يجدي شيئاً، بل كلمه بأدبٍ سراً دون أن يفتح باب شر بالجهر بالإنكار، "وما أنا بالذي أقول لرجل بعد أن يكون أميراً على رجلين: أنت خير" من الناس، يعني منهج لا ينكر علناً، ويشنع ويؤجج ويؤلب ولا يمدح، يقول: "وما أنا بالذي أقول لرجلٍ بعد أن يكون أميراً على رجلين أنت خيرٌ" يعني خير من الناس، الخليفة تحمل أمانة عظيمة، عليه واجبٌ عظيم أمام الله -عز وجل-، بل صرح جمعٌ من أهل العلم أن من غش ولي الأمر الكيل، كيل المدح والثناء، نعم النصيحة ينبغي أن تكون سراً، وينبغي أن يتابع عليه النصح، و ((الدين النصيحة)) ثلاثاً، قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: ((لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم)) لا بد من النصح، لكن بالطرق المناسبة المجدية، التي لا يترتب عليها آثار أعظم مما وقع فيه، وأيضاً كما قال أسامة حب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وابن حبه: "وما أنا بالذي أقول لرجلٍ بعد أن يكون أميراً على رجلين أنت خير" يعني أنت خير الناس، لا، بل غاية هذا الأمير أن ينجو كفافاً، لا له ولا عليه، هذا إذا احتاط، كما قال عبد الله بن عمر لعبد الله بن عامر، لما دخل عليه يعوده، قال: ادعُ الله لي، قال: لا يقبل الله صلاةً بغير طهور ....

شرح كتاب الفتن (6)

شرح كتاب الفتن من صحيح البخاري (6) شرح قول المصنف: باب: "حدثنا عثمان بن الهيثم قال: حدثنا عوف عن الحسن عن أبي بكرة قال: "لقد نفعني الله بكلمة أيام وقعة الجمل ... " و"باب قول النبي -صلى الله عليه وسلم- للحسن بن علي: ((إن ابني هذا لسيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين)) وبابٌ: "إذا قال عند قوم شيئاً ثم خرج فقال بخلافه" وبابٌ: لا تقوم الساعة حتى يغبط أهل القبور. الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير قال: ادعُ الله لي، قال: "لا يقبل الله صلاةً بغير طهور، ولا صدقة من غلول، وكنتَ على البصرة، كنتَ أمير على البصرة، شوف "ولا صدقة من غلول، وكنت على البصرة" لأن الأمير بصدد أنه لا حسيب عليه ولا رقيب احتمال يدخل في ذمته شيء بقصدٍ أو بغير قصد، فأنت عسى أن تنجو كفافاً. في حديث عبادة بن الصامت -رضي الله عنه- حديث البيعة: "بايعنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره" يعني على جميع الأحوال، ما هو بالإنسان يبايع فيما يحلو له ويرضيه، ويتخلف إذا كان الأمر لا يحلو له ولا يرضيه، إن أعطي وفّى وإن لم يعطَ غدر لا، ونقض، "على أن نقول أو نقوم بالحق لا نخاف في الله لومة لائم" يعني هذا لا يعارض هذا، بل لا بد من نصيحة ولي الأمر، ولا بد من الإذعان والطاعة والسمع على جميع الأحوال، والحد المحدد في الشرع: ((ما لم تروا كفراً بواحاً)) معروف. بعدما سمعت من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((يُجاء برجل فيطرح في النار فيَطحن فيها)) وفي رواية: ((فيُطحن فيها كطحن الحمار برحاه)) يطحن، يدور مثل دوران الحمار بالرحى ((فيطيف به أهل النار)) يتعجبون يستغربون كيف يأتي هذا؟ يجتمعون عليه، كيف؟ كنت تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر إيش اللي جابك هنا؟! ((فيطيف به أهل النار فيقولون: أي فلان)) ما شأنك، ما الذي أتى بك ((ألست كنت تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؟ فيقول لهم: إني كنت آمر بالمعروف ولا أفعله، وأنهى عن المنكر وأفعله)) {كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا} [(3) سورة الصف] إيش؟. طالب:. . . . . . . . .

شرح قوله: باب: "حدثنا عثمان بن الهيثم قال: حدثنا عوف عن الحسن عن أبي بكرة قال: "لقد نفعني الله بكلمة أيام وقعة الجمل ... "

نعم، هذا خطير عظيم كون الإنسان يأمر وينهى ويوجه وينصح وهو أبعد الناس عما يقول، لكن أهل العلم بل جمهورهم على أنه لا يشترط في الآمر والناهي أن يكون غير متلبس بمعصية، بل عندهم أن الجهة منفكة، عليك أن تؤدي ما أمرت به من أمر، وما كلفتَ به من إنكار ((من رأى منكم منكراً فليغيره)) ومع ذلك أنت مؤاخذ بما تفعل من المنكرات، وإلا لو اشترطت العصمة لتعطل هذا الركن العظيم من أركان الإسلام، شعيرة من شعائر الإسلام، على حد تعبيرات المعاصرين يقولون: الأمر والنهي صمام الأمان، وبه يدفع الله -جل وعلا- الشرور؛ لأن المنكر إذا ظهر ولا يوجد من ينكره عمت العقوبة الجميع، لكن إذا وجد من ينكره ارتفعت هذه العقوبة، وليس هذا بمبرر مثل هذا الكلام؛ لأن يقع الناس في أهل الحسبة، يقول: ها شف يطحن في النار وهو يأمر وينهى، ما كل من يأمر وينهى صادق، صحيح ما كل من يأمر وينهى صادق، لكن الأمر والنهي لا بد منه، وليسوا بمعصومين، وليست أخطاؤهم بأكثر من أخطاء غيرهم؛ لأنه قد يقول قائل من السفهاء الذين يكتبون: ها شوف يأمر وينهى من أهل الحسبة ويطحن في النار كما يطحن .. ، لو جلس في بيته أفضل له، لا يأمر ولا ينهى، نقول: لا ما هو بصحيح، عليه أن يأمر، وعليه أن ينهى، وعلى المأمور أن يأتمر، وعلى المنهي أن ينتهي، وحساب الجميع على الله -عز وجل-. شرح قوله: باب: "حدثنا عثمان بن الهيثم قال: حدثنا عوف عن الحسن عن أبي بكرة قال: "لقد نفعني الله بكلمة أيام وقعة الجمل ... " ثم قال -رحمه الله تعالى-: باب: "حدثنا عثمان بن الهيثم" البصري مؤذنها، "قال: حدثنا عوف" ابن أبي جميلة الأعرابي "عن الحسن" البصري "عن أبي بكرة" نفيع بن الحارث "قال: "لقد نفعني الله بكلمة أيام وقعة الجمل" التي كانت بين علي وفاطمة -رضي الله عن الجميع- وكانت فاطمة على جمل فنسبت الوقعة إليها. طالب:. . . . . . . . .

وعائشة نعم، كانت بين علي وعائشة -رضي الله عنهم-، يقول: "لقد نفعني الله بكلمة أيام الجمل" الجمل هذا جمل عائشة، كانت على جملٍ فنسبت الوقعة إليها "لما بلغ النبي -صلى الله عليه وسلم- أن فارساً" فارس الدولة دولة فارس، بلاد فارس، "ملكوا ابنة كسرى"، لما بلغ النبي -صلى الله عليه وسلم- أن فارساً ملكوا ابنة كسرى بعد موته اسمها بوران، وكسرى اسمه شيرويه بن أبرويز بن هرمز لما ولوا ابنته "قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة)) بأن كانت والياً عليهم، أو في حكم الوالي مما يحكم بين الناس في أموالهم وأعراضهم ودمائهم كالقاضي، لن يفلحوا إذا فعلوا ذلك، هذا خبرٌ عمن لا ينطق عن الهوى متضمن حكم شرعي وهو أنه لا يجوز أن تولى المرأة، والمقصود بها كالولايات العامة، لا يقال: ليش تصير مديرة مدرسة؟ ليش تصير ربة بيت؟ نقول: تصدير، المقصود بذلك الولايات العامة، فلا يجوز للمرأة أن تتولى ما فيه فصلٌ بين الناس كالإمارة والقضاء ونحو ذلك، واستدل به أبو بكرة أن أصحاب الجمل لن يفلحوا، وهي أم المؤمنين، فضلها على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام، "من أحب إليك يا رسول الله؟ قال: ((عائشة)) قيل: ومن الرجال؟ قال: ((أبوها)) ومع ذلك استدلالاً بعموم الحديث: ((لن يفلح قومٌ ولوا أمرهم امرأة)) لن يفلح أصحاب الجمل، وهذا الكلام يقوله النبي -عليه الصلاة والسلام-، وهو ثابتٌ عنه بما لا شك فيه ولا ارتياب، في أصح الكتب ويأتي من يأتي إلى ممن ينتسب إلى العلم والدعوة مع الأسف الشديد ويقول: إن الحديث ليس بصحيح، لماذا؟ قال: لأن الواقع يرده، كيف الواقع يرده؟ غاندي حكمت الهنود، وتاتشر ضبطت الإنجليز، وجلود مائير هزمت العرب، وترد النصوص بهذه الطريقة، ومن قال لك: إن أولئك أفلحوا؟ وما معنى الفلاح في نظرك؟ فتنة، هذا مفتون نسأل الله العافية، الذي يرد النصوص الصريحة الصحيحة بهذه التوجيهات هذا مفتون، نسأل الله السلامة والعافية.

شرح قوله: حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا يحيى بن آدم حدثنا أبو بكر بن عياش حدثنا أبو حصين حدثنا أبو مريم عبد الله بن زياد الأسدي، قال: لما سار طلحة والزبير وعائشة إلى البصرة ... "

المقصود أنا عرفنا وجهة نظر أبي بكرة واستنباطه من الحديث أن أصحاب الجمل لن يفلحوا، وإن كان فيهم من فيهم من خيار الصحابة، طلحة والزبير وعائشة من خيار الأمة، ومع ذلكم الفتن إذا بدأت توقع خيار الناس شاءوا أم أبوا. شرح قوله: حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا يحيى بن آدم حدثنا أبو بكر بن عياش حدثنا أبو حصين حدثنا أبو مريم عبد الله بن زياد الأسدي، قال: لما سار طلحة والزبير وعائشة إلى البصرة ... " قال -رحمه الله-: "حدثنا عبد الله بن محمد" المسندي، قال: "حدثنا يحيى بن آدم" الكوفي، قال: "حدثنا أبو بكر بن عياش" قال: "حدثنا أبو حصين" عثمان بن عاصم الأسدي، قال: "حدثنا أبو مريم عبد الله بن زياد الأسدي، قال: لما سار طلحة" ابن عبيد الله "والزبير" ابن العوام وقد كانا بايعا علياً -رضي الله عنه- بمشورة عائشة، ما هي المسألة شخص مختلف في بيعته، لا، "لما سار طلحة" ابن عبيد الله "والزبير" ابن العوام "وعائشة إلى البصرة" سبب المسير الأمر المهول الذي صار سبباً في مقتل عثمان -رضي الله عنه-، نعم علي بويع حتى من قبل هؤلاء الذين خرجوا عليه، وهم من خيار الناس، لكن حصل أمرٌ عظيم طالبوا به، طلباً لدم عثمان -رضي الله عنه-، خرجوا في ثلاثة آلاف، وانضم إليهم في طريقهم، خرجوا من مكة والمدينة بثلاثة آلاف، وانضم إليهم جموع من الناس، فلما نزلت عائشة -رضي الله عنها- ببعض مياه بني عامر نبحت عليها الكلاب، فقالت: أيّ ماءٍ هذا؟ قالوا: الحوأب، فقالت: إن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال لنا ذات يومٍ: ((كيف بإحداكن تنبح عليها كلاب الحوأب؟ )) علم من أعلام النبوة. وعند البزار من حديث ابن عباس أنه -صلى الله عليه وسلم- قال لنسائه: ((أيتكن صاحبت الجمل الأدبب؟ تخرج حتى تنبحها كلاب الحوأب، يقتل عن يمينها وعن شمالها قتلى كثير، وتنجو بعدما كادت؟ )) يعني كادت أن تقتل.

يا الإخوان هؤلاء لا ينقصهم دين، بل هم خيار الأمة، ولا ينقصهم علم، ولا ينقصهم عقل، لكنها الفتن، فإذا بدأت الفتن صار الحليم حيران، صاحب العقل الراجح والدين المتين لا شك أنه تغطي عليه بعض عقله وعلمه وحلمه هذه الفتن، إذا ماجت الفتن، فعلى كل مستطيع في إطفاء نار الفتنة يجب عليه وجوب أن يسعى بقدر استطاعته لإطفائها وإخمادها، وعلى من يثيرها ويؤججها ويبدأها كفل عظيم ممن يذهب بسببها، وليس معنى هذا أنه يخرج من الدين، هؤلاء خرجوا وبقوا هم خيار الناس، طلحة بن عبيد الله من أهل الجنة، الزبير بن العوام مشهودٌ له بالجنة، وعائشة زوجته في الدنيا والآخرة -عليه الصلاة والسلام-، لا يعني هذا أنهم يخرجون من الدين، لا، لكنها الفتن، نسأل الله السلامة من الفتن ما ظهر منها وما بطن.

"لما سار طلحة والزبير وعائشة إلى البصرة بعث عليٌ عمار بن ياسر وحسن بن علي فقدما علينا الكوفة فصعدا المنبر، فكان الحسن بن علي فوق المنبر في أعلاه، وقام عمار أسفل من الحسن فاجتمعنا إليه" قال أبو مريم: "فسمعت عماراً يقول: إن عائشة قد سارت إلى البصرة، ووالله إنها لزوجة نبيكم -صلى الله عليه وسلم- في الدنيا والآخرة" هذا إنصاف مع الخصم، اعتراف بما له وما عليه، عدلٌ في الحكم، وإنصافٌ في الرأي، "ووالله إنها لزوجة نبيكم -صلى الله عليه وسلم- في الدنيا والآخرة" ما قال: هذه خارجية خرجت على ولي الأمر، لا، لا شك أن رأيها مرجوح، وإن بنت ذلك على اجتهاد، لكن الكفة مع علي -رضي الله عنه وأرضاه-، "ووالله إنها لزوجة نبيكم -صلى الله عليه وسلم- في الدنيا والآخرة، ولكن الله -تبارك وتعالى- ابتلاكم" اختبركم بها، وهذا من إنصاف عمار حيث أنها وإن خرجت على الإمام لم تخرج عن دائرة الإسلام، "ولكن الله -تبارك وتعالى- ابتلاكم ليعلم إياه تطيعون أم هي؟ " هل تطيعون الله -سبحانه وتعالى- بلزوم جماعة المسلمين وإمامهم أو تطيعونها؟، يعني تزداد الفتنة إذا كان الطرفان متقاربان تزداد الفتنة، أما إذا كان طرف في السماء وطرف في الأرض ما هي فتنة، الأمر يعني ما يشتبه على أحد، لكن إذا صار في الأطراف مثل هؤلاء فتنة، ولكن الله -تبارك وتعالى- ابتلاكم ليعلم إياه تطيعون بلزوم جماعة المسلمين وإمامهم أم هي؟ هي خرجت بتأويل سائغ، خرجت بتأويل ما خرجت عناد، وطلحة والزبير بايعا وخرجا بهذا التأويل، لا شك أنه يحز في نفس كل مسلم أن يقتل مثل عثمان على وضع عثمان، وهو إمامُ المسلمين ولا أحد ينتصر له، ولا يستطيع المهاجرون والأنصار أن يخلصوه، هذه فتنة، ويحز في كل نفس تجعل تغطي هذه الفتنة ما عند الإنسان من علم وعقل وحلم، لكن يبقى أن الحكم الشرعي ثابت لا تغيره مثل هذه الأمور وإن عظمت، تلزم جماعة المسلمين وإمامهم هذا الحال، إلى أي حد نلزم جماعة المسلمين إلى أن ترى الكفر البواح، المسألة ما هي بفوضى، المسألة مضبوطة بضوابط شرعية.

شرح قوله: حدثنا أبو نعيم حدثنا ابن أبي غنية عن الحكم عن أبي وائل قام عمار على منبر الكوفة فذكر عائشة وذكر مسيرها وقال: إنها زوجة نبيكم -صلى الله عليه وسلم- في الدنيا والآخرة ولكنها مما ابتليتم"

ثم قال -رحمه الله تعالى-: "بابٌ"، وهذه الترجمة "بابٌ" وهي بدون ترجمة، هذا الباب بدون ترجمة، ولا توجد كلمة باب عند أبي ذر، ولذا يقول الشراح: والصواب حذف كلمة باب؛ لأن الحديث اللاحق طرفٌ من الحديث السابق، فالفصل بينهما بباب غير مناسب. شرح قوله: حدثنا أبو نعيم حدثنا ابن أبي غنية عن الحكم عن أبي وائل قام عمار على منبر الكوفة فذكر عائشة وذكر مسيرها وقال: إنها زوجة نبيكم -صلى الله عليه وسلم- في الدنيا والآخرة ولكنها مما ابتليتم" "حدثنا أبو نعيم" الفضل بن دكين، قال: "حدثنا ابن أبي غنية" عبد الملك بن حميد "عن الحكم" ابن عتيبة "عن أبي وائل" شقيق بن سلمة "قام عمار" ابن ياسر "على منبر الكوفة فذكر عائشة وذكر مسيرها" ومن معها إلى البصرة، "وقال: إنها زوجة نبيكم -صلى الله عليه وسلم- في الدنيا والآخرة ولكنها مما ابتليتم"، يعني به وامتحنتم. شرح قوله: حدثنا بدل بن المحبر حدثنا شعبة أخبرني عمرو سمعت أبا وائل يقول: دخل أبو موسى وأبو مسعود على عمار حيث بعثه علي إلى أهل الكوفة يستنفرهم فقالا: ما رأيناك أتيت أمراً أكره عندنا من إسراعك في هذا الأمر منذ أسلمت، فقال عمار: ما رأيت منكما منذ أسلمتما أمراً أكره عندي من إبطائكما عن هذا الأمر وكساهما حلة حلة، ثم راحوا إلى المسجد"

ثم قال -رحمه الله-: "حدثنا بدل بن المحبر" اليربوعي قال: "حدثنا شعبة" ابن الحجاج قال: "أخبرني عمرو" ابن مرة قال: "سمعت أبا وائل" شقيق بن سلمة "يقول: دخل عبد الله بن قيس أبو موسى الأشعري وأبو مسعود" عقبة بن عمروٍ البدري، نسب إلى بدر؛ لأنه نزل بها، ولم يشهد الوقعة في قول الجمهور، وإن أثبته البخاري فيمن شهد بدراً، "وأبو مسعود على عمار بن ياسر حيث بعثه علي -رضي الله عن الجميع- إلى أهل الكوفة يستنفرهم" يطلب منهم الخروج إلى البصرة، "فقالا -أبو موسى وأبو مسعود لعمار-: ما رأيناك أتيت أمراً أكره عندنا من إسراعك في هذا الأمر منذ أسلمت؟ " أنت في عافية تدخل في مثل هذه الفتن؟ وتسارع وتذهب مندوب تطلب المدد من أهل البصرة والخروج من أهل البصرة؟ "ما رأيناك أتيت أمراً أكره عندنا من إسراعك في هذا الأمر منذ أسلمت"، ماذا قال عمار؟ "فقال عمار: ما رأيت منكما منذ أسلمتما أمراً أكره عندي من إبطائكما عن هذا الأمر" هذا اجتهاد، فهو اجتهد -رضي الله عنه-، ومعه نصوص، ومعه إمام المسلمين وأمير المؤمنين، وامتثل {فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي} [(9) سورة الحجرات]، معه نصوص، وهما أيضاً كانا مجتهدين، لماذا؟ لأن الحرب بين مسلمين فإذا دخلت بنفسك أو دخل أحدٌ بمشورتك وهذا الداخل أو أنت قتلت مسلم تلطخت بدم مسلم هذه وجهت نظرهم، فالمسألة اجتهادية عندهم، وإن كانت الكفة الراجحة مع علي -رضي الله عنه وأرضاه-، فهذا يدل على أن كل من الطائفتين كان مجتهداً، يرى أن الصواب معه.

شرح قوله: حدثنا عبدان عن أبي حمزة عن الأعمش عن شقيق بن سلمة: كنت جالسا مع أبي مسعود وأبي موسى وعمار فقال أبو مسعود ما من أصحابك أحد إلا لو شئت لقلت فيه غيرك، وما رأيت منك شيئا منذ صحبت النبي -صلى الله عليه وسلم- أعيب عندي من استسراعك في هذا الأمر، قال عمار: يا أبا مسعود وما رأيت منك ولا من صاحبك هذا شيئا منذ صحبتما النبي -صلى الله عليه وسلم- أعيب عندي من إبطائكما في هذا الأمر، فقال أبو مسعود: وكان موسرا يا غلام هات حلتين، فأعطى إحداهما أبا موسى والأخرى عمارا، وقال: روحا فيه إلى الجمعة".

"قالا: ما رأيناك أتيت أمراً أكره عندنا من إسراعك في هذا الأمر"، وهو يقول: "ما رأيت منكما منذ أسلمتما أكره عندي من إبطائكما عن هذا الأمر"، هم يلمونه على الإسراع، وهو يلومهم على التباطؤ، "وكساهما حلة حلة"، الضمير يعود على من؟ يعني عمار كسا أبا مسعود وأبا موسى، لا، ليس الأمر كذلك، أبو مسعود كسا عمار وكسا أبا موسى، على ما سيأتي صريحاً في الرواية التي تليها، "ثم راحوا إلى المسجد" يعني إلى صلاة الجمعة، كأنه رأى عمار وهو الذي يتولى الخطبة ثوبه ليس بمناسب؛ لأن يتصدر الناس، ويتولى الخطبة ويقف أمامهم فكساه حلة حلة، وإحراج أن يعطي عمار وأبو موسى حاضر فكساهما معاً، وكان أبو مسعود موسراً على ما سيأتي، "ثم راحوا إلى المسجد". شرح قوله: حدثنا عبدان عن أبي حمزة عن الأعمش عن شقيق بن سلمة: كنت جالساً مع أبي مسعود وأبي موسى وعمار فقال أبو مسعود ما من أصحابك أحد إلا لو شئت لقلت فيه غيرك، وما رأيت منك شيئاً منذ صحبت النبي -صلى الله عليه وسلم- أعيب عندي من استسراعك في هذا الأمر، قال عمار: يا أبا مسعود وما رأيت منك ولا من صاحبك هذا شيئاً منذ صحبتما النبي -صلى الله عليه وسلم- أعيب عندي من إبطائكما في هذا الأمر، فقال أبو مسعود: وكان موسراً يا غلام هات حلتين، فأعطى إحداهما أبا موسى والأخرى عماراً، وقال: روحا فيه إلى الجمعة".

ثم قال الإمام -رحمة الله عليه: "حدثنا عبدان" عبد الله بن عثمان العتكي المروزي "عن أبي حمزة" محمد بن ميمون اليشكري "عن الأعمش" سليمان بن مهران "عن شقيق بن سلمة" أبي وائل "قال: كنت جالساً مع أبي مسعود وأبي موسى وعمار فقال أبو مسعود: ما من أصحابك أحد إلا لو شئت لقلت فيه" يعني ذكرت شيء مما يحط من قيمته وقدره "غيرك وما رأيت منك شيئاً منذ صحبت النبي -صلى الله عليه وسلم- أعيب" يعني أشد عيباً "عندي من استسراعك في هذا الأمر، قال عمار: يا أبا مسعود وما رأيت منك ولا من صاحبك هذا شيئاً منذ صحبتما النبي -صلى الله عليه وسلم- أعيب عندي من إبطائكما في هذا الأمر"، فقال أبو مسعود" هذا بيان للفظ المجمل السابق، "فقال أبو مسعود وكان موسراً: يا غلام هات حلتين، فأعطى إحداهما أبا موسى والأخرى عماراً وقال: روحا فيه إلى الجمعة"، اذهبا به إلى صلاة الجمعة، الجمعة ينبغي أن يلبس لها الثياب الجميلة النظيفة التي ليس فيها سرف ولا خيلاء، ولا فيها شيء مما نهي عنه، والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. هذا سؤال يتعلق بالدرس الماضي، يقول: بناءً على شرح الأمس على فتنة مقتل عثمان -رضي الله عنه-، يتبادر على الذهن سؤال: أين الجيش الذي قاتل علي -رضي الله عنه- في موقعة الجمل؟ وكذلك في موقعة صفين عن حماية عثمان -رضي الله عنه- عندما حوصر في بيت الإمارة؟

شرح قوله: حدثنا عبد الله بن عثمان أخبرنا عبد الله أخبرنا يونس عن الزهري أخبرني حمزة بن عبد الله بن عمر أنه سمع ابن عمر -رضي الله عنهما- يقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا أنزل الله بقوم عذابا أصاب العذاب من كان فيهم، ثم بعثوا على أعمالهم))

أين الجيش الذي قاتل علي؟ قل: أين علي -رضي الله عنه-؟ إذا وقعت مثل هذه الفتن لا تسأل بـ (أين)، لا تسأل عن (أين) ولا بـ (أين) إذا وقعت الفتن، {لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولاً} [(44) سورة الأنفال] وإذا تيسر الأسباب أسباب الفتن فالخلاص منها وحسمها في غاية الصعوبة إذا بدأت، فهي تبدأ فتية شابة، ثم تنتهي عجوز هرمة، كما تقدم بالأمس، فليس لسائلٍ أن يقول: أين علي؟ أين طلحة؟ أين الزبير؟ أين عائشة؟ هذه فتن، أقول: هذه الفتن إذا بدأت صار الحليم حيراناً، صار الحليم حيران، حينئذٍ يصعب حلها، والخلاص منها، نسأل الله السلامة من الفتن ما ظهر منها وما بطن. شرح قوله: حدثنا عبد الله بن عثمان أخبرنا عبد الله أخبرنا يونس عن الزهري أخبرني حمزة بن عبد الله بن عمر أنه سمع ابن عمر -رضي الله عنهما- يقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا أنزل الله بقوم عذاباً أصاب العذاب من كان فيهم، ثم بعثوا على أعمالهم)) يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: إذا أنزل الله بقومٍ عذاباً"، جوابه في الحديث: ((أصاب العذاب من كان فيهم، ثم بعثوا على نياتهم)). يقول الإمام -رحمه الله تعالى-: "حدثنا عبد الله بن عثمان" العتكي المروزي المعروف بعبدان، يروي عنه باسمه ولقبه، قال: "أخبرنا عبد الله" ابن المبارك، قال: "أخبرنا يونس" وهو ابن يزيد الأيلي، قال: "أخبرني حمزة بن عبد الله بن عمر أنه سمع بن عمر -رضي الله عنه-" نعم؟ طالب: يونس عن الزهري.

نعم، "أخبرنا يونس عن الزهري قال: أخبرني حمزة بن عبد الله بن عمر أنه سمع بن عمر -رضي الله عنهما- يقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا أنزل الله بقومٍ عذاباً)) " يعني إذا عمهم الله بعذاب لظهور المعاصي، وفشوا المنكرات استحق الناس العذاب العام، نسأل الله العافية، كما قال النبي -عليه الصلاة والسلام- في الحديث لما قيل له: "أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: ((نعم، إذا كثر الخبث)) وهؤلاء الصالحون يبعثون على نياتهم، يعمهم العقاب فيموتون مع الناس لكنهم يبعثون على نياتهم، فإذا جهر الناس بالمعاصي من غير نكير أصاب الجميع العذاب، ثم بعثوا على نياتهم، إن كانت صالحة هذه النيات فالعقبى صالحة وإلا فسيئة، فذلك العذاب طهرة للصالح، تكفير لما حصل منه من تفريط بالأمر والنهي، ونقمة على الفاسق.

أخرج ابن حبان والبيهقي عن عائشة -رضي الله عنها- مرفوعاً: ((إن الله تعالى إذا أنزل سطوته بأهل نقمته وفيهم الصالحون قبضوا معهم، ثم بعثوا على نياتهم وأعمالهم)) وفي السنن الأربعة من حديث أبي بكر -رضي الله عنه- سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعذاب)) هذا يبين أهمية الأمر والنهي، وأن الله -سبحانه وتعالى- يرفع به العذاب، وأنه سبب تفضيل هذه الأمة وخيريتها، {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} لماذا؟ لأنكم عرب؟ لسببٍ واحد، {تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ} [(110) سورة آل عمران]، ولماذا لعن بنو إسرائيل؟ {كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ} [(79) سورة المائدة] هذا أمر في غاية الأهمية، حتى عده جمع من أهل العلم سادس الأركان الأمر والنهي، وهذه الفئة المكلفة بهذا الأمر الذين هم أهل الحسبة من قبل ولي الأمر لا شك أن الله -سبحانه وتعالى- يرفع بسببهم العذاب، لكن قد لا يسقط بهم الواجب لكثرة المنكرات، فيتعين على جميع من رأى منكر أن يغيره، ولا يعتمد على أهل الحسبة، كل شخص كل مسلم يتجه إليه الخطاب من المكلفين مكلف بقوله -عليه الصلاة والسلام-: ((من رأى منكم منكراً فليغيره)) التغيير لا بد منه، لكن على حسب القدرة والطاعة ((بيده)) مرتبة أولى ((بيده)) وهذا يستطيعه بالنسبة لعموم الناس ولاة الأمور، وبالنسبة لمن تحت اليد من النساء والذراري والأتباع يستطيع أن يغيره ولي الأمر الخاص، وما عدا ذلك ينتقل فيه إلى المرتبة الثانية وهي اللسان، على الإنسان أن يغير إن لم يستطع بيده فبلسانه، ((فبلسانه)) واللسان بالأسلوب المناسب بالطريقة التي لا تثير، ولا يترتب عليها منكر أعظم، يستطيع الإنسان أن يغير كثير من المنكرات، ولو تتابع الناس على الإنكار لما تتابع أهل المعاصي على عصيانهم، لخفت هذه المنكرات، بل انقطع دابرها، لكن تواطأ الناس على السكوت وهذه ضرائب السكوت، ينتشر المنكر بحيث يكون مما عمت به البلوى، لكن لو كان الأمر أول ما بدأ أنكر، ثم ظهر ثانية أنكر، وثالثة وهكذا، بحيث لا يراه مسلم إلا أنكره ما

شرح قول المصنف: "باب قول النبي -صلى الله عليه وسلم- للحسن بن علي:

انتشرت المنكرات بهذا المستوى، ما ظهرت الفواحش إلى هذا الحد، وماذا نجني من المواطئة على السكوت؟ نجني العقوبة العامة، نسأل الله -جل وعلا- أن يلطف بنا. ((إذا أنزل الله بقومٍ عذاباً أصاب العذاب من كان فيهم)) يعني من الصالحين وغيرهم، ((ثم بعثوا على أعمالهم)) كلٌ يبعث على ما مات عليه من نية وعمل. والناس إزاء المنكرات على ثلاثة أقسام: كما بين الله -جل وعلا-، منهم من يقع في المنكر، ومنهم من ينكر، ومنهم من يسكت، {وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ} [(165) سورة الأعراف] ولا شك أن المنكِر سالم، القسم الثالث الذي سكت يقول بعض السلف: أنهم سكتوا فسكت عنهم، {أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ} [(165) سورة الأعراف] هؤلاء الذين ينهون، {وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ} [(165) سورة الأعراف] بقي صنف ثالث وهم سكتوا، يقول بعض السلف: سكت عنهم، والصحيح أنهم هؤلاء الذين سكتوا مع القدرة على الإنكار ظلموا، هؤلاء الذين سكتوا مع القدرة على الإنكار مع الذين ظلموا؛ لأن عدم إنكار المنكر ظلم، فهم داخلون في الظالمين، الحديث فيه التحذير، التحذير الشديد، والوعيد الأكيد بالنسبة لمن سكت عن النهي فكيف بمن داهن؟! فكيف بمن رضي؟! فكيف بمن أعان؟! يعني يسر أسباب انتشار المنكر هذا أمره أعظم، هذا شريك، فكيف بمن برر وجود المنكرات؟! نسأل الله السلامة والعافية. شرح قول المصنف: "باب قول النبي -صلى الله عليه وسلم- للحسن بن علي: ((إن ابني هذا لسيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين)) ثم بعد هذا يقول الإمام -رحمة الله عليه-: "باب قول النبي -صلى الله عليه وسلم- للحسن بن علي: ((إن ابني هذا لسيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين)) ".

يقول: "حدثنا علي بن عبد الله" يعني ابن المديني، قال: "حدثنا سفيان" وهو ابن عيينة "حدثنا إسرائيل أبو موسى" البصري، قال سفيان: "ولقيته بالكوفة" سفيان لقي إسرائيل بالكوفة، جاء إلى عبد الله بن شبرمة القاضي، قاضي الكوفة في خلافة أبي جعفر، "جاء إلى القاضي فقال له: أدخلني على عيسى" ابن موسى بن محمد ابن أخ المنصور، وكان أميراً على الكوفة إذ ذاك، يطلب من القاضي أن ييسر له الدخول على الوالي من أجل أيه؟ من أجل ينكر عليه -رحمه الله-، "فقال: أدخلني على عيسى فأعظه"، من أجل أن أعظه، أعظه منصوب وإلا مرفوع؟ طالب:. . . . . . . . . ها؟ فأعظه، منصوب بإيش؟ طالب:. . . . . . . . . نعم؟ طالب:. . . . . . . . . يصير مجزوم، لو وقع في جواب الطلب صار مجزوم، بـ (أن) الواقعة بعد (فاء) السببية المتعقبة للطلب. "فكأن ابن شبرمة خاف عليه فلم يفعل" ما مكنه من الدخول على الأمير، خاف على إسرائيل من بطش عيسى؛ لأن إسرائيل كان -رحمة الله عليه- يصدع بالحق، فربما لا يتلطف في الوعظ، تحمله الغيرة على أن لا يبحث عن الأسلوب المناسب من غيرته فيبطش به عيسى لما عنده من حدة الشباب، وعزة الملك، فلم يفعل، قال إسرائيل: "حدثنا الحسن البصري" الكلام هذا في القرون المفضلة يا الإخوان، الكلام هذا متى؟ ما هو في آخر الزمان في القرون المفضلة، فعلى طالب العلم إذا أراد أن يأمر أو ينهى أو ينكر أو يعظ أو أراد أن يغير عليه بالأسلوب المناسب الذي لا يترتب عليه مفاسد، وليتوقع الأذى، هذا الطريق ليس بالأمر الهين، طريق الأنبياء، الأنبياء منهم من قتل، لكن قتل الأنبياء عظيم، وقرن معه قتل الذين ها؟ طالب:. . . . . . . . . نعم، الذين يأمرون الناس بالقسط.

قال إسرائيل: "حدثنا الحسن البصري قال: لما سار الحسن بن علي -رضي الله عنهما- إلى معاوية - ابن أبي سفيان- بالكتائب" جمع كتيبة، طائفة من الجيش، وكان ذلك بعد قتل علي -رضي الله عنه-، "قال عمرو بن العاص لمعاوية: أرى كتيبة لا تولي" يعني لا تدبر، بل تثبت عند القتال "حتى تدبر أخراها" وهذا يختلف الشراح في معناه: حتى تدبر أخراها يعني خصومها، أو أنه يدبر آخر فرد منها، أو آخر مجموعة منها التي لا تطيق الثبات، وأما البقية يثبتون حتى يقتلوا، "قال معاوية لعمروٍ: من لذراري المسلمين؟ " يعني إذا كان الأمر كذلك فمن لذراري المسلمين؟ ولا شك أن معاوية رجل عاقل داهية، يعني مع هذه الظروف التي يعيشها ظروف حرب يفكر بذراري المسلمين، فإذا قتل الآباء من للذراري من النساء والأطفال، وفيه اهتمام معاوية -رضي الله عنه- بذراري المسلمين، ولا يقول قائل: إذا كان فيه هذا العطف وهذا الحنو لماذا يدخل في هذه الحروب؟ هو يرى أنه على الحق، هو يرى أنه لا بد من المطالبة بدم عثمان، وإن كان رأيه مرجوحاً -رضي الله عن الجميع-، والراجح هو قول علي -رضي الله عنه- ورأيه، "فقال -عمرو-: أنا"، يعني أكفلهم، وهو بذلك يحرض معاوية على متابعة القتال، "فقال عبد الله بن عامر وعبد الرحمن بن سمرة: نلقاه" أي نلقى معاوية "فنقول له: الصلح" أي نطلب منه الصلح، "قال الحسن: ولقد سمعت أبا بكرة" نفيع بن الحارث "قال: بينا النبي -صلى الله عليه وسلم- يخطب جاء الحسن" يعني ابن علي "فصعد المنبر، فقال: النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((إن ابني هذا سيد)) " والمراد بالابن ابن البنت السبط " ((إن ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين)) " طائفة الحسن وطائفة معاوية، وهكذا وقع، ففي الحديث علم من أعلام النبوة، وفيه أن السيادة لا تنال إلا بواسطة النفع العام، السيادة من كانت فيه مصلحة عامة للأمة يستحق أن يلقب بالسيد، لما حقن دماء المسلمين استحق هذا اللقب، فهذه مصلحة عامة، والآن يطلقون السيد على أنذل الناس وأرذلهم، كل الناس سيد، وبعض الناس يطبع الخطابات مطبوعة السيد جاهز، مع أنه جاء النهي عن إطلاق السيد على الفاسق، لا يجوز أن يقال للفاسق: سيد، متى

شرح قوله: حدثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان قال: قال عمرو: أخبرني محمد بن علي أن حرملة مولى أسامة أخبره قال عمرو: قد رأيت حرملة، قال: أرسلني أسامة إلى علي وقال: إنه سيسألك الآن فيقول: ما خلف صاحبك؟ فقل له: يقول لك: لو كنت في شدق الأسد لأحببت أن أكون معك فيه، ولكن هذا أمر لم أره، فلم يعطني شيئا، فذهبت إلى حسن وحسين وابن جعفر فأوقروا لي راحلتي"

استحق الحسن بن علي السيادة ((إن ابني هذا سيد)) استحقها بهذا الأمر العظيم الذي حقن به دماء المسلمين، فمن نفع الناس نفعاً عاماً لا شك أنه يستحق السيادة. شرح قوله: حدثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان قال: قال عمرو: أخبرني محمد بن علي أن حرملة مولى أسامة أخبره قال عمرو: قد رأيت حرملة، قال: أرسلني أسامة إلى علي وقال: إنه سيسألك الآن فيقول: ما خلف صاحبك؟ فقل له: يقول لك: لو كنت في شدق الأسد لأحببت أن أكون معك فيه، ولكن هذا أمر لم أره، فلم يعطني شيئاً، فذهبت إلى حسن وحسين وابن جعفر فأوقروا لي راحلتي" ثم قال -رحمه الله-: "حدثنا علي بن عبد الله" ابن المديني، قال: "حدثنا سفيان" ابن عيينة "قال: قال عمرو: " وهو ابن دينار "أخبرني محمد بن علي" ابن الحسن بن علي المعروف بالباقر "أن حرملة مولى أسامة بن زيد أخبره قال عمرو -بن دينار-: وقد رأيت حرملة" يعني المذكور مولى أسامة بن زيد، يعني أدركته، رأيته يعني أدركته؛ ليؤكد أنه سمعه منه بغير واسطة، "قال: أرسلني أسامة" ابن زيد من المدينة "إلى علي" رضي الله عنه بالكوفة، يسأله شيئاً من المال، إيش العلاقة بين أسامة وعلي والحسن والحسين؟ أسامة بن زيد مولى وهؤلاء سادات الأمة، إيش العلاقة بينهم؟ طالب:. . . . . . . . . نعم؟ طالب:. . . . . . . . . بلى، وضع الحسن على فخذه الأيمن وأسامة على فخذه الأيسر، بينهما ارتباط ومولى القوم منهم، وأسامة حب النبي -عليه الصلاة والسلام- وابن حبه، فبينهم ارتباط وثيق.

"قال: أرسلني أسامة" يعني من المدينة إلى علي بالكوفة يسأله شيء من المال، "وقال" أسامة "إنه" يعني علياً "سيسألك الآن" عن إيش؟ هذا جالس بالمدينة أسامة بن زيد، وهذا مبتلى بحروب، ومرسِل يطلب مال، يعني بيسألك وينه؟ هذا يطلب مال لماذا لا يأتي للمساعدة؟ "وقال: إنه سيسألك الآن فيقول: ما خلف صاحبك؟ " يعني عن مساعدتنا في الجمل وصفين وغيرهما، ما الذي خلفه؟ "فقل له: يقول لك: لو كنت في شدق الأسد لأحببت أن أكون معك" يعني موافقة تامة لعلي -رضي الله عنه-، "ولكن هذا أمر لم أره" لم يرَ القتال بين المسلمين، ولا يرى الدخول فيه، رأى أن هذه فتنة، قتال بين مسلمين ولا يريد أن يتلطخ بدمٍ مسلم مهما كان المبرر، وهذا بعد أن عاتبه النبي -عليه الصلاة والسلام- في قتل شخصٍ يقال له: مرداس بعد أن قال: لا إله إلا الله، ((أقتلته بعد أن قال: لا إله إلا الله؟ )) في الصحيح، ((أقتلته بعد أن قال: لا إله إلا الله؟ ))، ((أقتلته .. ؟ )) ((ماذا تصنع بلا إله إلا الله؟ )) وهو من ذلك الحين ودماء المسلمين في نفس أسامة لها شأن عظيم، والأمر كذلك، ويبقى أن المسألة مثل ما ذكرنا، إذا لم تترجح كفة أحد الفريقين فالمتعين العزلة، إذا ترجحت بأن كان هناك إمام للمسلمين وجماعة، وأراد شخصٌ أو أشخاص ولو كان من خير الناس بتأويل سائغ أن يخرج على هذا الإمام الذي استتب له الأمر، ولزمت طاعته ولو كان من خير الناس، فإنه حينئذٍ لا بد من .. ، إذا لم يرضَ بالصلح {وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} [(9) سورة الحجرات] هذا المتعين، {فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي} [(9) سورة الحجرات] فالبغاة يجب قتالهم، ولو ترك البغاة باعتبار أنهم مسلمون بحجة أنهم مسلمون ترك البغاة ما استتب أمن إطلاقاً، الملك كلٌ يريده، ولولا ما ورد في ذلك من النصوص التي تشدد في إراقة دماء المسلمين من جهة، وفي حفظ حق ولي الأمر؛ لحفظ حقوق المسلمين من جهة أخرى لما كان الأمر كما هو عليه الآن، الأمور مضبوطة ضبطاً متقناً في الشرع.

شرح قوله: باب: إذا قال عند قوم شيئا ثم خرج فقال بخلافه:

"فقل له: يقول لك: لو كنت في شدق الأسد لأحببت أن أكون معك" كناية عن تمام الموافقة، "ولكن هذا" يعني القتال بين المسلمين "أمرٌ لم أره، فلم يعطني شيئاً" علي -رضي الله عنه- في نفسه شيء، يعني يجلس بالمدينة ويطلب مال والناس في حروف؟! "فلم يعطيني شيئاً فذهبت إلى حسن وحسين" يعني لما بينهما من سابقة "وعبد الله بن جعفر فأوقروا لي راحلتي" من الثياب وغيرها، يعني حملوا الراحلة من العطاء لأسامة بن زيد. شرح قوله: بابٌ: إذا قال عند قوم شيئاً ثم خرج فقال بخلافه: ثم قال الإمام -رحمه الله تعالى-: "بابٌ: إذا قال عند قوم شيئاً ثم خرج فقال بخلافه". قال: "حدثنا سليمان بن حرب" الواشحي، قال: "حدثنا حماد بن زيد" ابن درهم "عن أيوب" السختياني "عن نافع" مولى ابن عمر "قال: لما خلع أهل المدينة يزيد بن معاوية جمع ابن عمر حشمه" جماعته الملازمين لخدمته، "حشمه وولده، فقال: إني سمعت النبي –عليه الصلاة والسلام- يقول: ((ينصب لكل غادر لواء)) " ليشهر به بين الخلائق " ((يوم القيامة)) وإنا قد بايعنا هذا الرجل" يزيد بن معاوية، "وإن قد بايعنا هذا الرجل على بيع الله ورسوله"، يعني على شرط ما أمر الله به ورسوله من بيعة الإمام، بايعنا، يزيد لا شك أنه صاحب فسوق، وليس على الجادة، رجل فاسق، لكن هل هذا مبرر لخلعه، لما خلع أهل المدينة يزيد له فجور وفسوق، فهل فسق الإمام مبرر لخلعه؟ وما النتيجة التي حصلت من جراء خلعه؟ ما النتيجة؟ تأتي النتيجة، أهل العلم يختلفون في لعن يزيد، الإمام أحمد في رواية: لا يرى بذلك بأساً، حتى قال له ابنه: لمَ لا تلعنه؟ قال: وهل رأيتَ أباك لعاناً، المقصود أن مثل هذا ما لم يرَ الكفر البواح لا مبرر شرعي للخروج، ولا مبرر شرعي للخلع.

"فقال: إني سمعت النبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((ينصب لكل غادرٍ لواء -يشتهر به- يوم القيامة)) وإن قد بايعنا هذا الرجل -يزيد بن معاوية- على بيع الله ورسوله"، يعني على شرط ما أمر به من بيعة الإمام، "وإني لا أعلم غدراً أعظم من أن يبايع رجل على بيع الله ورسوله، ثم ينصب له القتال"، وفي المسند: "وإن من أعظم الغدر بعد الإشراك بالله -عز وجل- أن يبايع الرجل رجلاً على بيع الله ثم ينكث بيعه"، هذا من أعظم الغدر، نسأل الله العافية، "وإني لا أعلم أحداً منكم خلعه"، يعني من ولده وحشمه الذين سبقت الإشارة إليهم، "وإني لا أعلم أحداً منكم خلعه" يعني يزيد "ولا بايع أحداً في هذا الأمر إلا كانت الفيصل"، يعني مقاطعة بيني وبينه، ففيه وجوب طاعة الإمام الذي انعقدت له البيعة، على ما عنده من فسوق، وعلى ما عنده من فجور، وعلى ما عنده من ظلم، ما لم يرَ الكفر البواح، هذا الحد الفاصل، ومع رؤية الكفر البواح لا بد من القدرة على التغيير، وإلا إذا لم توجد القدرة عرضت دماء المسلمين للإهدار، وصاروا طعاماً للسيوف من دون فائدة، فإذا وجد الكفر البواح ووجدت القدرة على التغيير حينئذٍ غير، أما إذا لم يرَ الكفر البواح مهما بلغ من الفجور من الفسوق من الظلم، لا يجوز نزع الطاعة من يده، لا تجوز مخالفته إذا لم يرَ الكفر البواح، إذا رئي الكفر البواح ينظر أيضاً، يجوز الخروج عليه لكن مع القدرة. ففي ذلك وجوب طاعة الإمام الذي انعقدت له البيعة والمنع من الخروج عليه ولو جار، وأنه لا يخلع بالفسق، ولننظر نتيجة ما ذكر من نقض بيعة يزيد، ما الذي حصل؟ يعني يزيد عنده فجور، عنده فسوق، ومولى على خيار الناس، على الصحابة والمهاجرين، من الصحابة من المهاجرين والأنصار يعني من بقي منهم، ما الذي حصل نتيجة هذا الخلع؟ ما ذكر من نقض البيعة من استباحة المدينة، استبيحت المدينة، وقتل من أخلاط الناس أكثر من عشرة آلاف، منهم جمعٌ من حملة القرآن، وجالت الخيل في مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وذكر أن المدينة خلت من أهلها، وبقيت ثمارها للعوافي من الطير والسباع، وكان ذلك سنة (63هـ)، هذه نتيجة الخروج على الأئمة.

شرح قوله: حدثنا أحمد بن يونس حدثنا أبو شهاب عن عوف عن أبي المنهال قال: لما كان ابن زياد ومروان بالشام ووثب ابن الزبير بمكة ووثب القراء بالبصرة فانطلقت مع أبي إلى أبي برزة الأسلمي حتى دخلنا عليه في داره وهو جالس في ظل علية له من قصب فجلسنا إليه فأنشأ أبي يستطعمه الحديث فقال: يا أبا برزة ألا ترى ما وقع فيه الناس، فأول شيء سمعته تكلم به: إني احتسبت عند الله أني أصبحت ساخطا على أحياء قريش إنكم يا معشر العرب كنتم على الحال الذي علمتم من الذلة والقلة والضلالة، وإن الله أنقذكم بالإسلام وبمحمد -صلى الله عليه وسلم- حتى بلغ بكم ما ترون، وهذه الدنيا التي أفسدت بينكم إن ذاك الذي بالشام والله إن يقاتل إلا على الدنيا، وإن هؤلاء الذين بين أظهركم والله إن يقاتلون إلا على الدنيا، وإن ذاك الذي بمكة والله إن يقاتل إلا على الدنيا"

وكم من أمير تمنى الناس زواله، بل قام الناس عليه وأطاحوا به، فصاروا يبكون عليه أشد البكاء، في القديم والحديث، ولا يأتي زمانٌ إلا والذي بعده شرٌ منه، والله المستعان. على كل حال مطابقة الحديث للترجمة من حيث أن الذي ينقض البيعة قال في الغيبة خلاف ما قاله في الحضور، الترجمة: بابٌ: إذا قال عند قومٍ شيء ثم خرج فقال بخلافه، عند القوم بايع، فلما خرج نقض البيعة هذه وجه المطابقة. شرح قوله: حدثنا أحمد بن يونس حدثنا أبو شهاب عن عوف عن أبي المنهال قال: لما كان ابن زياد ومروان بالشام ووثب ابن الزبير بمكة ووثب القراء بالبصرة فانطلقت مع أبي إلى أبي برزة الأسلمي حتى دخلنا عليه في داره وهو جالس في ظل علية له من قصب فجلسنا إليه فأنشأ أبي يستطعمه الحديث فقال: يا أبا برزة ألا ترى ما وقع فيه الناس، فأول شيء سمعته تكلم به: إني احتسبت عند الله أني أصبحت ساخطاً على أحياء قريش إنكم يا معشر العرب كنتم على الحال الذي علمتم من الذلة والقلة والضلالة، وإن الله أنقذكم بالإسلام وبمحمد -صلى الله عليه وسلم- حتى بلغ بكم ما ترون، وهذه الدنيا التي أفسدت بينكم إن ذاك الذي بالشام والله إن يقاتل إلا على الدنيا، وإن هؤلاء الذين بين أظهركم والله إن يقاتلون إلا على الدنيا، وإن ذاك الذي بمكة والله إن يقاتل إلا على الدنيا"

ثم قال الإمام -رحمه الله-: "حدثنا أحمد بن يونس" اليربوعي، قال: "حدثنا أبو شهاب" عبد ربه بن نافع الحناط "عن عوف" ابن أبي جميلة الأعرابي "عن أبي المنهال" سيار بن سلامة "قال: لما كان ابن زياد" يعني عبد الله بن زياد "ومروان" ابن الحكم "بالشام ووثب ابن الزبير بمكة" يعني خرج على يزيد "ووثب القراء بالبصرة"، القراء من هم؟ الخوارج، "ووثب القراء بالبصرة فانطلقت مع أبي" سلامة هذا أبو المنهال سيار بن سلامة يقول: "انطلقت مع أبي –سلامة- إلى أبي برزة -نضلة بن عبيد- الأسلمي حتى دخلنا عليه في داره وهو جالس في ظل علية" غرفة من قصب في يومٍ شديد الحر "فجلسنا إليه، فأنشأ بي يستطعمه الحديث" يستدرجه في الحديث، يستطعمه الحديث يطلب منه الحديث بالتدريج، "فقال: يا أبا برزة ألا ترى ما وقع فيه الناس؟ فأول شيء سمعته تكلم به: إني احتسبت عند الله أني أصبحت ساخطاً على أحياء قريش"، يعني على قبائلها، "إنكم يا معشر العرب كنتم على الحال الذي علمتم من الذلة والقلة والضلالة، وإن الله أنقذكم -من ذلك كله- بالإسلام وبمحمد -صلى الله عليه وسلم- حتى بلغ بكم ما ترون -من العزة والكثرة والهداية يعني خلاف ما تقدم- وهذه الدنيا التي أفسدت بينكم" إذ ذاك، "وهذه الدنيا التي أفسدت بينكم، إن ذاك الذي بالشام" يعني مروان بن الحكم، "والله إن يقاتل إلا على الدنيا"، يعني لما كان الاجتماع على الدين، والدنيا لا ينظر إليها لعلمهم بحقيقتها وأنها دار ممر، وأنها لا تستحق كل هذا النزاع والتشاحن، وأنها لا تعدل عند الله جناح بعوضة أموركم مستقيمة، مستقرة، "وهذه الدنيا التي أفسدت بينكم، إن ذاك الذي بالشام" يعني مروان "والله إن يقاتل إلا على الدنيا"، يعني لا يقاتل إلا على الدنيا، وجاء أيضاً في رواية أبي ذر: "وإن هؤلاء الذين بين أظهركم والله إن يقاتلون إلا على الدنيا، وإن ذاك الذي بمكة والله إن يقاتل إلا على الدنيا" يعني ابن الزبير، كلٌ منهم يقاتل يريد الحكم، والحكم لا شك أنه مطلبٌ من مطالب الدنيا، إلا إذا تعين على شخص وألزم به مثل هذا يرى أنه خدمة للدين وأهله، هذا لا يقاتل عن الدنيا، عمر بن عبد العزيز -رحمة الله عليه- مثله لا يقاتل على

الدنيا، لكن في الجملة الملك من مطالب الدنيا، ومما يتوصل به إلى أغراض الدنيا. فهذا الذي بالشام مروان بن الحكم يقاتل على إيش؟ "والله إن يقاتل إلا على الدنيا"، ابن الزبير الذي بمكة يقاتل على الدنيا يريد الملك، غيره الذين بين أظهركم بالمدينة وغيرها من القراء في البصرة كل هؤلاء يقاتلون على الدنيا، هذا من وجهة نظر أبي برزة. الذي لم يدخل في مثل هذه الأمور قد لا يقدر حقيقة الحال على وجهها، هو حكم على هؤلاء أنهم يقاتلون من أجل الدنيا، وقد يكون فيهم من يقاتل لإحقاق حق، يعني إذا قلنا مثل هذا في ابن الزبير مثلاً، قد يقوله قائل في علي -رضي الله عنه- إن يقاتل إلا على الدنيا، قد يقوله في معاوية -رضي الله عنه-، مع أن كلاً منهم مجتهد في قتاله، ولذا لا يؤثّم بل يؤجر الفريقان لاسيما في مسألة علي ومعاوية -رضي الله عن الجميع-، نعم الإصابة مع علي، ومعاوية ومن معه مخطئون لكنهم لا يحرمون أجر الاجتهاد، هذا المقرر عند أهل العلم، ومع ذلكم الظاهر الذي يظهر للناس أن القتال من أجل الدنيا، كلٌ يريد الملك لنفسه، هذا الذي يظهر للناس، ولذا حكم أبو برزة على هؤلاء أنهم يقاتلون من أجل الدنيا، والله إن يقاتل إلا على الدنيا، يعني على ما ظهر له بالقرائن، وإلا فالنيات الله أعلم بها. ووجه المطابقة للترجمة الذين عابهم أبو برزة كانوا يظهرون أنهم يقاتلون لأجل القيام بأمر الدين، كانوا يظهرون أن المقاتلة التي قاموا بها من أجل القيام بأمرِ الدين ونصر الحق، هذا الذي أظهره وهم في الباطن إنما يقاتلون لأجل الدنيا، والترجمة: إذا قال عند قومٍ شيئاً ثم خرج فقال بخلافه.

يعني لو جاء مجموعة وثاروا على إمام استتب له الأمر، نعم هناك مبررات هناك تأويل سائغ، وهؤلاء يسمون في عرف الشرع إيش؟ بغاة، ثاروا على الإمام، وظاهر دعواهم أنهم يريدون إحقاق الحق، مع أنهم بغاة، يريدون إحقاق الحق هذا في الظاهر، والله أعلم بالبواطن، وقد يكونوا صادقين، وإنما يحكم عليهم بظواهرهم، أبو برزة لما ظهر له من القرائن التي دلته على أن خروجهم وقتالهم إنما هو من أجل الدنيا، وأيضاً الذي يريد الحق ليس هذا طريقه، أنت ممنوع من هذا العمل مهما كان المبرر، ما لم يرَ الكفر البواح، وإلا فأي فسقٍ يصل إلى حد فسق يزيد، وليس هذا بمبرر للخروج عليه كما تقدم في كلام ابن عمر وغيره، وإن اجتهد من اجتهد، وإن أراد الإصلاح من أراده، فمثل هذا لا يبرر ما لم يرَ الحد الذي حدده الشارع، ما لم يرَ الكفر البواح، الذي فيه من الله برهان، فوجه لومهم أنهم أظهروا أنهم يريدون القيام بأمر الله، وهم إنما أرادوا القتال لأجل الدنيا.

وذكرنا مراراً أن الشخص قد يطلب ما هو مباح في أصله، أو يعمل عملاً مباحاً في الأصل، كأن يهاجر، كأن ينتقل من بلد إلى بلد يريد التجارة يلام؟ ما يلام، بحث عن زوجة في هذا البلد ما وجد انتقل إلى بلد آخر يريد أن يتزوج يلام؟ ما يلام، وسيق في حديث الأعمال بالنيات على سبيل الذم: ((من كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه)) قد يهاجر من أجل الدنيا، وقد يهاجر من أجل الزواج، ويؤجر على ذلك، والسياق في الحديث سياق ذم، لكنه إنما ذم؛ لأنه أظهر خلاف ما يبطن، أظهر للناس أنه هاجر لله، بحث عن زوجة ما وجد في هذا البلد، فأشاع في الناس أن هناك في البلد الفلاني أناس عباد أخيار يروح يتعبد معهم، وهو ما قصده هذا، قصده الزوجة، أشاع في الناس أن هناك من العلماء من يلازمهم، وهم أولى من غيرهم بالملازمة وأحق، وهو يريد التجارة، فإذا أظهر خلاف ما يبطن جاء الذم، وإلا فالأصل أن الهجرة من أجل المباح مباحة، وذكرنا مثال: لو أن شخصاً إذا بقي على أذان المغرب يوم الاثنين من كل أسبوع نصف ساعة، أخذ التمر معه والماء والشاي والقهوة وجاء إلى المسجد، وفل السماط وانتظر، الأكل في المسجد مباح ما فيه شيء، هو ما صام، فل السماط وكل من دخل اتفضل يا أخي اتفضل، وانتظر إلى الأذان لما أذن قال: بسم الله وأكل التمر، وهو ما صام، هذا يذم وإلا ما يذم؟ هذا يذم بلا شك، وإن كان في الأصل الأكل مباح والأكل في المسجد ما فيه إشكال، لكن ترتيبه هذه الأمور ليدل على أنه .. ، ليظهر للناس أنه صائم، من هذه الحيثية يذم، وإلا فالأكل لا شيء فيه، والأكل في المسجد أيضاً مباح. طالب:. . . . . . . . .

شرح قوله: حدثنا آدم بن أبي إياس حدثنا شعبة عن واصل الأحدب عن أبي وائل عن حذيفة بن اليمان قال: إن المنافقين اليوم شر منهم على عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- كانوا يومئذ يسرون واليوم يجهرون"

خاصة إذا كان من الأخيار، يعني مثل ابن الزبير -رحمه الله-، إذا كانوا من أهل الفضل والخير، أبو برزة استدل بشيء وهو أنه وإن كان ظاهره الصلاح وقد نهي عن مثل هذا القتال؛ لأنه لم يرَ الكفر البواح، نهي عن مثل هذا القتال دل على أنه لا يريد الخير، هذا استنباط منه، فكونك منهي عن هذا القتال وتقاتل رغم أنك منهيٌ عنه شرعاً وتريد الخير هذا القرينة تدل على غير ذلك، وإلا ما يمنع أن يوجد أهل الغيرة والخير لا يعجبهم الوضع، ولا يصبرون على الضيم والظلم والأَثرة فيقول: نريد إحقاق الحق، لكن تريد إحقاق الحق من وجهه يا أخي لا من الوجوه التي نهي عنها، كلٌ يريد الخير، وكلٌ يريد الإصلاح لكن مع الوجوه الشرعية، والطرق المتاحة. شرح قوله: حدثنا آدم بن أبي إياس حدثنا شعبة عن واصل الأحدب عن أبي وائل عن حذيفة بن اليمان قال: إن المنافقين اليوم شر منهم على عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- كانوا يومئذ يسرون واليوم يجهرون" ثم قال الإمام -رحمه الله تعالى-: "حدثنا آدم بن أبي إياس"، قال: "حدثنا شعبة" ابن الحجاج "عن واصل" ابن حيان "الأحدب عن أبي وائل" شقيق بن سلمة "عن حذيفة بن اليمان قال: إن المنافقين اليوم شر منهم على عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- كانوا يومئذ يسرون، واليوم يجهرون"، على عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- يسرون الكفر، ويظهرون الإسلام، واليوم يجهرون، يسرون الكفر فلا يتعدى شرهم إلى غيرهم، واليوم يجهرون، وهذه سنة إلهية أنه إذا قوي الحق اختفى الباطل والعكس إذا ضعف الحق ظهر الباطل، فالمنافقون يخشون من سطوة الحق، يسرون، لكن إذا ضعف الحق برزوا ونجم النفاق.

"إن المنافقين اليوم شرٌ منهم على عهد النبي -عليه الصلاة والسلام-" كانوا يسرون يبطنون الكفر، فلا يتعدى شرهم إلى غيرهم، واليوم يجهرون، إذا جهر المنافق وش صار؟ إيش يصير؟ كافر، أيهما أعظم شراً المنافق وإلا الكافر؟ أيهم أعظم شر؟ المنافق شره على نفسه، نعم ضرره على نفسه أعظم، ولذا استحق أن يكون في الدرك الأسفل من النار، لكن الشر إذا ظهر وأعلن تعدى ضرره إلى الآخرين، فيجهرون بنفاقهم ويطعنون في الدين وأهله علناً، ولا شك أن هذا نتيجة ضعف الحق وأهل الحق، فاليوم يجهرون كانوا يسرون واليوم يجهرون، كانوا يسرون لقوة الحق، وضعف أهل النفاق في مقابل أهل الحق، واليوم لما ضعف الحق صاروا يجهرون به فيطعنون في الدين وأهله علناً، هذا كلامُ من؟ كلام حذيفة -رضي الله عنه-، وما أشبه الليلة بالبارحة، يطعنون في الدين وأهله علناً، وذلك لضعف الحق وأهله، وهذا قاله حذيفة متى؟ في القرن الأول، يعني فلا نستغرب أن يوجد مثل هؤلاء بين أظهرنا، لا نستغرب بعد هذه القرون، بعد أن طال العهد بالناس واندرس كثيرٌ من العلم، اندرست كثيرٌ من معالم الدين، وصار أمور الناس كلها موالاتهم ومعاداتهم ومؤاخاتهم كلها على أمر الدنيا، وإذا كان هذا ابن عباس يقوله في عصره في القرن الأول، ولقد صارت عامة مؤاخاة الناس على إيش؟ على أمر الدنيا، عامة مؤاخاة الناس على أمر الدنيا في القرن الأول، فكيف بوقتنا؟ والله المستعان. هؤلاء الذين كانوا يسرون ويبطنون كفرهم صاروا يعلنونه ويظهرونه، ويخرجون على الأئمة، ومطابقة الحديث للترجمة من حيث أن جهرهم بالنفاق، وشهر السلاح على الناس هو القول بخلاف ما بذلوه من الطاعة، بذلوا الطاعة بالبيعة، فخروجهم على الأئمة، وشهرهم السلاح على وجوه الناس هذا خلاف ما بذلوه علناً، حتى حين بايعوا من بايعوا أولاً وخرجوا عليه آخراً، قاله ابن بطال.

شرح قوله: حدثنا خلاد حدثنا مسعر عن حبيب بن أبي ثابت عن أبي الشعثاء عن حذيفة قال: إنما كان النفاق على عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- فأما اليوم فإنما هو الكفر بعد الإيمان"

على كل حال كلام حذيفة ظاهر، وهو الواقع، وهو الجاري على مر العصور والدهور أنه إذا قوي الحق اختفى الباطل وأهله، وأخفى الناس ما عندهم من دخلٍ ودخن ودغل، فإذا ضعف الحق برزوا، وهما كفتان، والدنيا والآخرة ضرتان كما هو مقرر عند أهل العلم، لا شك أنه إذا رجحت كفة خفت الأخرى، والصراع أمرٌ لا بد منه، وطريق الجنة ليس بالأمر السهل، والجنة حفت بالمكاره، لا بد أن يجد الإنسان في طريقه شيء لكن إن صبر وصابر وترسم النصوص الشرعية، ورسم منهجه على مراد الله -عز وجل- مثل هذا يصل، وهو على الصراط المستقيم، لكن إن تخبط يوم كذا ويوم كذا ويوم .. ، هذا في الغالب لا ينجح لا في أمور دينه ولا دنياه. شرح قوله: حدثنا خلاد حدثنا مسعر عن حبيب بن أبي ثابت عن أبي الشعثاء عن حذيفة قال: إنما كان النفاق على عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- فأما اليوم فإنما هو الكفر بعد الإيمان" ثم قال -رحمه الله-: "حدثنا خلاد" يعني ابن يحيى السلمي، قال: "حدثنا مسعر" وهو ابن كدام "عن حبيب بن أبي ثابت" الكوفي "عن أبي الشعثاء" سليم من أسود المحاربي، في أبو الشعثاء ثاني، اسمه إيش؟ جابر بن زيد، هذا أبو الشعثاء سليم بن أسود المحاربي "عن حذيفة بن اليمان قال: إنما كان النفاق" يعني موجوداً "على عهد النبي -صلى الله عليه وسلم-" يعني لخفائه "فأما اليوم فإنما هو الكفر بعد الإيمان"، يعني الآن ما في نفاق خلاص، إذا جهر المنافق بكفره وأعلن كفره انتهى النفاق؛ لأن النفاق أن يبطن الإنسان خلاف ما يظهر، وهذا يظهر ويبطن شيء واحد، ما عنده شيء يخالف الظاهر الباطن، فصار كافراً، ولذا قال: "فأما اليوم فإنما هو الكفر بعد الإيمان"، يعني لظهوره. شرح قوله: بابٌ: لا تقوم الساعة حتى يغبط أهل القبور: ثم بعد هذا قال -رحمه الله-: "بابٌ: لا تقوم الساعة حتى يغبط أهل القبور"

معلوم أن الغبطة تمني مثل ما للغير من غير طلبٍ أو تمنٍ لزواله "حتى يغبط أهل القبور" وذلك حينما لا يكون للحياة حلاوة ولا طعم، يعني وجود الإنسان وعدمه، بل عدمه أفضل، وحينئذٍ يتمنى الموت، والمسلم إنما يتمنى الزيادة في العمر ليعمر هذه الأيام والليالي بما يرضي الله -عز وجل-، فإذا كان لا يتمكن من ذلك فالموت خيرٌ له، وإذا خشي أن يفقد ما هو أعظم من ذلك، قد يفقد رأس ماله من الفتن حينئذٍ يسوغ له أن يتمنى ذلك، وإلا فقد جاء النهي عن تمني الموت، ((لا يتمنين أحدكم الموت لضرٍ نزل به)) هذا في أمور الدنيا، لكن إذا خشي على دينه من الفتن، لا يصبر ولا يستطيع مقاومتها فإنه حينئذٍ يسوغ له ذلك؛ لأن طول الحياة إنما يطلب من أجل الزيادة والتزود، {وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} [(197) سورة البقرة]، إذا لم يتمكن من التزود أو خشي على رأس المال الذي هو الدين فلا قيمة للبقاء في هذه الحياة. "لا تقوم الساعة حتى يغبط أهل القبور". قال: "حدثنا إسماعيل" ابن أبي أويس، قال: "حدثني مالك" وهو ابن أنس "عن أبي الزناد" عبد الله بن ذكوان "عن الأعرج" عبد الرحمن بن هرمز "عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل فيقول: يا ليتني مكانه)) "، أي: يا ليتني كنت ميتاً، وذلكم عند ظهور الفتن، وخوف ذهاب الدين لغلبة الباطل وأهله، فإذا خشي الإنسان على دينه ساغ له أن يتمنى الموت، وطلب الحياة وطول الأمل إنما يرجى لزيادة العمل، فإذا لم تكن زيادة العمل ممكنة فلا مانع من تمني هذا الموت. ثم قال: "باب: تغيير الزمان" يعني عن حاله الأول "حتى يعبدوا الأوثان"، وفي رواية أبي ذر: "حتى تعبد الأوثان"، "حتى يعبدوا الأوثان" إعراب يعبدوا؟ طالب:. . . . . . . . . طيب منصوب بـ (حتى). طالب:. . . . . . . . . ينصب بإيش؟ كذا؟ ينصب بحذف النون؟ طالب:. . . . . . . . . حتى يعبدَ الأوثان. طالب: في واو؟ ما في، حتى يعبدوا، الآن الأفعال الخمسة "حتى يقيموا" نعم. طالب:. . . . . . . . . "حتى يعبدوا الأوثان"، والأوثان جمع وثن، والوثن معروف، مرَّ مراراً.

شرح قوله: حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري قال: قال سعيد بن المسيب: أخبرني أبو هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:

شرح قوله: حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري قال: قال سعيد بن المسيب: أخبرني أبو هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا تقوم الساعة حتى تضطرب أليات نساء دوس على ذي الخلصة)) وذو الخلصة طاغية دوس التي كانوا يعبدون في الجاهلية" قال: "حدثنا أبو اليمان" وهو الحكم بن نافع، قال: "أخبرنا شعيب" ابن أبي حمزة "عن الزهري قال: قال سعيد بن المسيب: أخبرني أبو هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" في رواية أبي ذر: "أن أبا هريرة قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول"، "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا تقوم الساعة حتى تضطرب -يعني تتحرك- أليات نساء دوس)) يعني عجائزهن، نساء دوس قبيلة أبي هريرة، هو دوسي من دوس، ((على ذي الخلصة)) وذو الخلصة طاغية دوس" أي صنمهم، "طاغية دوس التي كانوا يعبدون في الجاهلية" من دون الله -عز وجل-، فذو الخلصة طاغية دوس، يعني الصنم نفسه، أو موضعٌ ببلاد دوس فيه صنمٌ اسمه الخلصة، وعلى هذا الصنم الخلصة والموضع ذو الخلصة، يعني اللي في كتاب المغازي من الصحيح ما يؤيد أن ذا الخلصة المكان، وهنا الظاهر من اللفظ أن ذو الخلصة طاغية دوس، هل يستقيم أن نقول: ذو الخلصة طاغية دوس ونريد بذي الخلصة المكان والطاغية الصنم؟ يستقيم وإلا ما يستقيم؟ الآن طاغية دوس، ذو الخلصة طاغية دوس، الآن هذا طاغية خبر عن ذو؟ ذو الخلصة طاغية مبتدأ وخبر، فيكون ذو الخلصة هو الطاغية، وعلى هذا يكون هو الصنم، لكن إذا قلنا: ذو الخلصة طاغية دوس، جعلنا طاغية وصف للخلصة نفسها، أو بدل منها، بدل منها أو بيان، وحينئذٍ تتفق الرواية هنا مع التي في المغازي، لكن لا يوجد رواية بالجر من روايات الصحيح. "طاغية دوس أي صنمهم التي كانوا يعبدون في الجاهلية"، وقد يطلق المحل ويراد به الحال والعكس، فلعل هذا منه، تغيير الزمان حتى يعبد الأوثان، هذا الحديث مناسب للشق الثاني من الترجمة وهو عبادة الأوثان.

شرح قوله: حدثنا عبد العزيز بن عبد الله قال: حدثني سليمان بن بلال عن ثور بن زيد عن أبي الغيث عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:

شرح قوله: حدثنا عبد العزيز بن عبد الله قال: حدثني سليمان بن بلال عن ثور بن زيد عن أبي الغيث عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا تقوم الساعة حتى يخرج رجل من قحطان يسوق الناس بعصاه)). ثم قال: "حدثنا عبد العزيز" يعني ابن عبد الله الأويسي، قال: "حدثنا سليمان" يعني ابن بلال "عن ثور" ابن زيد "عن أبي الغيث" سالم مولى عبد الله بن مطيع "عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا تقوم الساعة حتى يخرج رجل من قحطان يسوق الناس بعصاه)) هذا من تغيير الزمان، ووجه كونه تغييراً للزمان أن هذا الذي يسوق الناس بعصاه لكونه والياً عليهم، وهو من قحطان، والأصل أن الأئمة من قريش، فلا شك أن هذا فيه تغيير. يقول القسطلاني نقلاً عن التذكرة للقرطبي: "لعل هذا الرجل هو الرجل الذي يقال له: الجهجاه"، القحطاني هذا يقال له: الجهجاه المذكور عند مسلم، وأصل الجهجهة: الصياح، تعقبه ابن حجر بأن هذا قحطاني، يعني من الأحرار، وذاك من الموالي، لا شك أنه غيره. الآن أحاديث القحطاني التي جاءت فيه تدل على أنه ممدوح وإلا مذموم؟ ...

شرح كتاب الفتن (7)

شرح كتاب الفتن من صحيح البخاري (7) شرح: باب خروج النار، وحديث: ((يوشك الفرات أن يحسر عن كنز من ذهب فمن حضره فلا يأخذ منه شيئاً)) وحديث: ((تصدقوا فسيأتي على الناس زمان يمشي الرجل بصدقته فلا يجد من يقبلها)) وحديث: ((لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان عظيمتان يكون بينهما مقتلة عظيمة دعوتهما واحدة .. )) الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير الآن أحاديث القحطاني التي جاءت فيه تدل على أنه ممدوح وإلا مذموم؟ ((لا تقوم الساعة حتى يخرج رجلٌ من قحطان يسوق الناس بعصاه)) إما أن يسوقهم إلى الحق أو يسوقهم عنه؟ الاحتمال قائم، ووجه إدخال المصنف لهذا الحديث في هذا الباب أن تولي غير قريش من تغيير الزمان، ((الأئمة من قريش)) جاء من طرق كثيرة جداً قد تبلغ حد التواتر حديث: ((الأئمة من قريش))، ولابن حجر جزء أسماه: (لذة العيش في طرق حديث الأئمة من قريش) فهذا وجه التغيير، وهذا وجه إدخال الحديث في الباب، ثم بعد هذا: "باب خروج النار من أرض الحجاز". "وقال أنس: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((أول أشراط الساعة -يعني علامات قيامها- نار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب))، وهذا سبق موصولاً، ((أول أشراط الساعة نارٌ تحشر الناس من المشرق إلى المغرب)) هذه النار التي هي في حديث أنس هل هي النار التي خرجت من المدينة؟ الواردة في حديث أبي هريرة؟ طالب:. . . . . . . . . نعم؟ غيرها؛ لأن هذه التي في حديث أنس ما وقعت إلى الآن، وفي حديث أبي هريرة يقول الإمام -رحمه الله-: "حدثنا أبو اليمان" وهو الحكم بن نافع، قال: "حدثنا شعيب" ابن أبي حمزة "عن الزهري، قال سعيد بن المسيب: أخبرني أبو هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا تقوم الساعة حتى تخرج -يعني تنفجر- نار من أرض الحجاز تضيء أعناق الإبل ببُصرى)) وبُصرى بالشام، قريبةٌ جداً من حوران، بينها وبين دمشق ثلاث مراحل، بُصرى بلد ابن كثير وغيره من أهل العلم، ((لا تقوم الساعة حتى تخرج نارٌ من أرض الحجاز -وهي ثارت من المدينة- تضيء أعناق الإبل ببُصرى)) هذه حصلت سنة (654هـ) أربعة وخمسين وستمائة، يعني قبل سقوط بغداد بسنتين.

الحافظ ابن كثير -رحمه الله- أطال، أطال جداً في هذه النار وغيره من المؤرخين؛ لأنها فيها شيء من .... ، يعني وقعت على طبق ما أخبر به النبي -عليه الصلاة والسلام- بعد وفاته بستة قرون ونصف تقريباً، ستمائة وأربعة وخمسين. طالب:. . . . . . . . . من النار؟ طالب:. . . . . . . . . لا، الحرة موجودة في عهد النبي -عليه الصلاة والسلام-، الحرة موجودة، الحرتان موجودتان في عهده -عليه الصلاة والسلام-، والحرة معروفة أنها الأرض تكسوها الحجارة السود، فهذا من أصلها. يقول الحفاظ ابن كثير -رحمه الله تعالى- في تأريخه كلام طويل للحافظ ابن كثير نقلاً عن أبي شامة وغيره بتاريخه عن هذه النار ... طالب:. . . . . . . . . ثم دخلت، نعم. طالب: قال -رحمه الله-: "ثم دخلت سنة أربع وخمسين وستمائة فيها كان ظهور النار من أرض الحجاز التي أضاءت لها أعناق الإبل ببصرى كما نطق بذلك الحديث المتفق عليه، وقد بسط القول في ذلك الشيخ الإمام العلامة الحافظ شهاب الدين أبو شامة المقدسي في كتابه: (الذيل وشرحه) واستحضره من كتب كثيرة وردت متواترة إلى دمشق من الحجاز بصفة أمر هذه النار التي شوهدت معاينة، وكيفية خروجها وأمرها، وهذا محرر في كتاب: (دلائل النبوة) من السيرة النبوية، في أوائل هذا الكتاب، ولله الحمد والمنة. وملخص ما أورده أبو شامة أنه قال: "وجاء إلى دمشق كتب من المدينة النبوية على ساكنها أفضل الصلاة والسلام بخروج نار عندهم في خامس جمادى الآخرة من هذه السنة، وكتبت الكتب في خامس رجب والنار بحالها، ووصلت الكتب إلينا في عاشر شعبان ثم قال .. " في شهر كامل من خامس جماد الآخرة إلى خامس رجب والنار بحالها، والله المستعان.

"ثم قال: بسم الله الرحمن الرحيم، ورد إلى مدينة دمشق في أوائل شعبان من سنة أربع وخمسين وستمائة كتب من مدينة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فيها شرح أمرٍ عظيم حدث بها، فيه تصديق لما في الصحيحين من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من أرض الحجاز تضيء لها أعناق الإبل ببصرى)) فأخبرني من أثق به ممن شاهدها أنه بلغه أنه كُتب بتيماء على ضوئها الكتب" كم بين تيماء والمدينة؟ كم من تيماء إلى المدينة؟ طالب: 450 كيلو تقريباً. إيه، لا بس. . . . . . . . .، كُتبت الكتب على ضوء هذه النار التي خرجت من تيماء، وأبلغ من ذلك ما جاء في الحديث: ((تضيء لها أعناق الإبل ببصرى)) أبعد، أكثر من الضعف. قال: وكنا في بيوتنا تلك الليالي، وكأن في دار كل واحد منا سراج، ولم يكن لها حر ولفح على عظمها، إنما كانت آية من آيات الله -عز وجل-"، قال أبو شامة: وهذه صورة ما وقفت عليه من الكتب الواردة فيها: لما كانت ليلة الأربعاء ثالث جمادى الآخرة سنة أربع وخمسين وستمائة ظهر بالمدينة النبوية دوي عظيم ثم زلزلة عظيمة رجفت منها الأرض والحيطان والسقوف والأخشاب والأبواب ساعة بعد ساعة إلى يوم الجمعة الخامس من الشهر المذكور، ثم ظهرت نار عظيمة في الحرة قريبة من قريظة نبصرها من دورنا من داخل المدينة كأنها عندنا، وهي نار عظيمة إشعالها أكثر من ثلاث منارات. يعني في الطول، لو جعلت ثلاث منارات واحدة فوق الأخرى لكانت أعلى منها، لها أضواء تصاعدت إلى السماء أكثر من ذلك.

وقد سالت أودية بالنار إلى وادي شظا مسيل الماء، وقد مدت مسيل شظا وما عاد يسيل، والله لقد طلعنا جماعة نبصرها فإذا الجبال تسيل نيراناً، وقد سدت الحرة طريق الحاج العراقي، فسارت إلى أن وصلت إلى الحرة فوقفت بعد ما أشفقنا أن تجيء إلينا، ورجعت تسيل في الشرق، فخرج من وسطها سهود وجبال نيران تأكل الحجارة، فيها أنموذج عما أخبر الله تعالى في كتابه: {إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ * كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ} [(32 - 33) سورة المرسلات]، وقد أكلت الأرض، وقد كتبت هذا الكتاب يوم خامس رجب سنة أربع وخمسين وستمائة والنار في زيادة ما تغيرت، وقد عادت إلى الحرار في قريظة طريق عير الحاج العراقي إلى الحرة كلها نيران تشتعل نبصرها في الليل من المدينة كأنها مشاعل الحاج، وأما أم النار الكبيرة فهي جبال نيران حمر، والأم الكبيرة التي سالت النيران منها من عند قريظة، وقد زادت وما عاد الناس يدرون أي شيء يتم بعد ذلك، والله يجعل العاقبة إلى خير، فما أقدر أصف هذه النار. الله أكبر، لا إله إلا الله ما أعظمه! وما أهون الخلق عليه إذا هم عصوه، هذه نار قد لا يكون لها سبب إلا غضب الجبار -جل وعلا-، فالله -سبحانه وتعالى- يغار إذا انتهكت محارمه، هذه نار تضيء تكتب عليها الكتب، علامة، علمٌ من أعلام نبوة محمد -عليه الصلاة والسلام-، فنخشى أن يعمنا بعقابٍ من نار أو بركان أو زلزال أو يسلط بعضنا على بعض لوجود هذه المنكرات التي عمت وصار إنكارها مما يصعب تصوره على كثيرٍ من الناس، والأمر يسير، لو تعاون الناس وتكاتفوا على الإنكار وتواطئوا عليه، وتحملوا ما يصيبهم من سببه وجرائه، فعذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة، هذه نار أكثر من ألوف الكليوات تضيء أعناق الإبل هناك، أمره إذا أراد شيء أن يقول له: كن فيكون، أمرٌ يسير، يعني هزة خفيفة في الجزائر راح ضحيتها ألوف، ألوف مؤلفة، هزة يسيرة، وبعض المناطق مهدد، والله المستعان، قال أبو شامة، نعم.

قال أبو شامة: وفي كتاب آخر فظهر في أول جمعة من جمادى الآخرة سنة أربع وخمسين وستمائة، ووقع في شرقي المدينة المشرفة نار عظيمة بينها وبين المدينة نصف يوم انفجرت من الأرض وسال منها وادٍ من نار حتى حاذى جبل أحد، ثم وقفت وعادت إلى الساعة، ولا ندري ماذا نفعل؟ ووقت ما ظهرت دخل أهل المدينة إلى نبيهم -عليه الصلاة والسلام- مستغفرين تائبين إلى ربهم تعالى، وهذه دلائل القيامة. المطلوب في مثل هذه الظروف والأحوال الفزع إلى الله -عز وجل-، فهو الكاشف لمثل هذه الأمور، ولا كاشف سواه، لا محمد -عليه الصلاة والسلام- أشرف الخلق ولا غيره، إنما يكشف هذه الأمور الله -عز وجل- ولا غيره. قال: وفي كتاب آخر لما كان يوم الاثنين مستهل جمادى الآخرة سنة أربع وخمسين وستمائة وقع بالمدينة صوت يشبه صوت الرعد البعيد تارة وتارة، أقام على هذه الحالة يومين، فلما كانت ليلة الأربعاء ثالث الشهر المذكور تعقب الصوت الذي كنا نسمعه زلازل، فلما كان يوم الجمعة خامس الشهر المذكور انبجست الحرة بنار عظيمة، يكون قدرها مثل مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وهي برأي العين من المدينة نشاهدها وهي ترمي بشرر كالقصر، كما قال الله تعالى. قطع، لهب، الله أكبر، لا إله إلا الله. وهي بموضع يقال له: أجيلين، وقد سال من هذه النار وادٍ يكون مقداره أربع فراسخ، وعرضه أربعة أميال وعمقه قامة ونصف، وهي تجري على وجه الأرض، ويخرج منها أمهاد وجبال صغار، وتسير على وجه الأرض، وهو صخر يذوب حتى يبقى مثل الآنك، فإذا جمد صار أسود، وقبل الجمود لونه أحمر، وقد حصل بسبب هذه النار إقلاع عن المعاصي، والتقرب إلى الله تعالى بالطاعات، وخرج أمير المدينة عن مظالم كثيرة إلى أهلها.

هذه فوائد مثل هذه الأمور، هذه النذر التي يخوف الله بها عباده، لو عقلها الناس، لكن النذر لا تغني عن قومٍ لا يؤمنون، حتى أن أهل النار لو ردوا لعادوا، ومسخ القلوب لا حيلة معه، لا حيلة مع مسخ القلوب، تحصل الكوارث والزلازل والبراكين والفيضانات والحروب، ويعود الناس أسوأ مما كانوا -نسأل الله العافية-، {وَمَا تُغْنِي الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ} [(101) سورة يونس]، وجاء في بعض الآثار أن الرجلين يمضيان لمعصية في آخر الزمان فيمسخ أحدهما خنزير، فماذا يصنع الثاني؟ هل يقول: الحمد لله على السلامة ويرجع؟ لا، يستمر إلى معصيته، ومسخ القلوب أعظم من مسخ الأبدان؛ لأن مسخ الأبدان عقوبة دنيا، ومسخ القلوب عقوبته آجلة في الآخرة، هؤلاء استفادوا، أقلعوا عن المعاصي، تقربوا إلى الله تعالى بالطاعات، والأمير أيضاً خرج عن المظالم. نأخذ شيء من القصيدة التي بعد ورقة. قال -رحمه الله-: وقد قال فيها بعضهم أبياتاً: يا كاشف الضر صفحاً عن جرائمنا ... لقد أحاطت بنا يا رب بأساء نشكو إليك خطوباً لا نطيق لها ... حملاً ونحن بها حقاً أحقاء زلازل تخشع الصم الصلاب لها ... وكيف يقوى على الزلزال شماء؟! أقام سبعاً يرج في الأرض فانصدعت ... عن منظرٍ منه عين الشمس عشواء بحرٌ من النار تجري فوقه سفنٌ ... من الهضاب لها في الأرض أرساءُ كأنما فوقه الأجبال طافيةٌ ... موج عليه لفرط اليهج وعثاء ترمي لها شرراً كالقصر طائشة ... كأنها ديمة تنصب هطلاء تنشق منها قلوب الصخر إن زفرت ... رعباً وترعد مثل السعف أضواء منها تكاثف في الجو الدخان إلى ... أن عادت الشمس منه وهي دهماء قد أثرت سفعة في البدر لفحتها ... فليلة التم بعد النور ليلاء تحدث النيرات السبع ألسنها ... بما يلاقي بها تحت الثرى الماء وقد أحاط لظاها بالبروج إلى ... أن كاد يلحقها بالأرض إهواء فيا لها آية من معجزات رسول ... الله يعقلها القوم الألباء فباسمك الأعظم المكنون إن عظمت ... منا الذنوب وساء القلب أسواء فاسمح وهب وتفضل وامح واعف وجد ... واصفح فكل لفرط الجهل خطاء فقوم يونس لما آمنوا كشف العذاب ... عنهم وعم القوم نعماء ونحن أمة هذا المصطفى ولنا ... منه إلى عفوك المرجو دعاء

شرح قوله: حدثنا عبد الله بن سعيد الكندي حدثنا عقبة بن خالد حدثنا عبيد الله عن خبيب بن عبد الرحمن عن جده حفص بن عاصم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:

هذا الرسول الذي لولاه ما سُلكت فارحم ... محجة في سبيل الله بيضاء وصل على المختار ما خطبت ... على منبر الأوراق ورقاء صلِ وسلم على عبدك ورسولك محمد. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته: الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. في الدرس الماضي في آخره بدأنا بشرح: باب خروج النار، خروج النار الشراح يقولون: من أرض الحجاز ومراد المؤلف ما هو أعم من ذلك؛ لأن النار التي ذكرها في حديث أنس المعلق، يقول: "وقال أنس قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((أول أشراط الساعة نارٌ تحشر الناس من المشرق إلى المغرب)) " وهذا سبق موصولاً، هذه النار هي لست النار التي جاءت في حديث أبي هريرة التي تخرج من أرض الحجاز، إنما تكون هذه في آخر الزمان، تحشر الناس تسوقهم من المشرق إلى المغرب. ثم حديث أبي هريرة يقول: "حدثنا أبو اليمان، قال: أخبرنا شعيب عن الزهري قال سعيد بن المسيب: أخبرني أبو هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا تقوم الساعة حتى تخرج -يعني تنفجر- نارٌ من أرض الحجاز تضيء أعناق الإبل ببصرى)) مدينة حوران، وهذا تقدم الحديث عليها، الكلام عليه. شرح قوله: حدثنا عبد الله بن سعيد الكندي حدثنا عقبة بن خالد حدثنا عبيد الله عن خبيب بن عبد الرحمن عن جده حفص بن عاصم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((يوشك الفرات أن يحسر عن كنز من ذهب فمن حضره فلا يأخذ منه شيئاً)) قال عقبة: وحدثنا عبيد الله حدثنا أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- مثله إلا أنه قال: "يحسر عن جبل من ذهب". ثم قال -رحمه الله-: "حدثنا عبد الله بن سعيد -الأشج أبو سعيد- الكندي، قال: حدثنا عقبة بن خالد" الكوفي قال: "حدثنا عبيد الله" ابن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب، عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر "عن خبيب بن عبد الرحمن" الأنصاري "عن جده" عن جده الضمير يعود إلى من؟ جده يصير حفص بن عاصم؟ طالب:. . . . . . . . .

نعم، جد عبيد الله بن عمر، لا جد شيخه خبيب، "عن جده حفص بن عاصم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((يوشك -يعني يقربُ- الفرات -النهر المشهور- أن يحسر -يكشف- عن كنز من ذهب فمن حضره فلا يأخذ منه شيئاً)) إنما نهي عن الأخذ منه؛ لما ينشأ عن ذلك من الفتنة والقتال عليه، وفي مسلم: ((يحسر الفرات عن جبل من ذهب فيقبل الناس عليه فيقتلُ من المائة تسعة وتسعون، ويقول كل واحدٍ منهم -مع رؤيته كثرة القتلى- يقول: لعلي أكون أنا الذي أنجو)) طمع، الطمع، يقتل من كل مائة تسعة وتسعين ومع ذلك يقول: لعلي أنا الواحد الذي أنجو، هذا الباعث عليه الطمع هو الذي وراء كثير من المشاكل يحمل الناس على أن يقتتلوا، الطمع في الدنيا وحطامها، وإيثار العاجل على الآجل هو وراء هذه الفتن، حملهم الطمع على أن يقتل بعضهم بعضاً، وهنا يرى الناس يقتلون لا ينجو إلا الواحد من المائة، ومع ذلك يقول: لعلي أن أكون الناجي، فالناس يقتحمون هذه الغمرات، ولو وجدت الدراهم والدنانير في نار لاقتحموها، ولو وجدت في بحر لغاصوا فيه،، والله -سبحانه وتعالى- يأمرهم بالواجبات، وينهاهم عن المحرمات من غير كلفة ولا مشقة، مع اليسر والسهولة ومع ذلكم يؤثرون هذا العاجل الفاني على الآجل. "قال عقبة -ابن خالد اليشكري- وحدثنا عبيد الله" ابن عمر بن حفص السابق، "حدثنا أبو الزناد" عبد الله بن ذكوان "عن الأعرج" عبد الرحمن بن هرمز "عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- مثله" أي مثل الحديث السابق، "إلا أنه قال: ((يحسر عن جبل من ذهب)) " وهناك قال: ((عن كنزٍ من ذهب))، والمعنى واحد، الجبل كنز، الشيء المدفون الذي لا يرى كنز، ((يحسر عن جبلٍ من ذهب)) يعني بدل من قوله: ((عن كنز)) وأشار به أيضاً أن لعبيد الله بن عمر إلى أن له فيه إسنادين، هنا يرويه عن أبي الزناد، وهناك يرويه عن خبيب بن عبد الرحمن. طالب:. . . . . . . . .

شرح قوله: حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن شعبة حدثنا معبد سمعت حارثة بن وهب قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول:

والله الاحتمال قائم يمكن، المقصود أنه في آخر الزمان يكون هذا، يوجد، يمكن يثوب من أماكن متعددة، يجري مع الماء حتى يتلبد بعضه على بعض، ويتكتل ويمكن أن يكون موجود وفي قاعه لا يكتشفه أحد إلا في الوقت الذي يريده الله -عز وجل- في آخر الزمان. شرح قوله: حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن شعبة حدثنا معبد سمعت حارثة بن وهب قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((تصدقوا فسيأتي على الناس زمان يمشي الرجل بصدقته فلا يجد من يقبلها)) قال مسدد: حارثة أخو عبيد الله بن عمر لأمه قاله أبو عبد الله.

ثم قال -رحمه الله-: "بابٌ" يعني بغير ترجمة، "حدثنا مسدد قال: حدثنا" مسدد سبق ذكر نسبه مراراً، ابن مسرهد، قال: "حدثنا يحيى" ابن سعيد القطان "عن شعبة" قال: "حدثنا معبد" يعني ابن خالد القاص، قال: "سمعت حارثة بن وهب" الخزاعي "قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((تصدقوا فسيأتي على الناس زمان يمشي الرجل بصدقته فلا يجد من يقبلها)) ما دامت الأبواب مفتوحة اعملوا قبل ألا ينفع العمل، قبل ألا يتيسر العمل، وجود المال في وقت من الأوقات ينبغي أن يستغل، وينبغي أن يجعل الإنسان نصب عينيه أنه سيفقده في يومٍ من الأيام فيقدم منه ما ينفعه غداً، ويحتمل أن يكون الأمر كما ذكر النبي -عليه الصلاة والسلام- في آخر الزمان يبحث عمن يأخذ المال ولا يجد، لا يجد من يأخذ، "يقول الرجل: لو جئت بها بالأمس لقبلتها، فأما اليوم فلا حاجة لي بها"، جاء في بعض الروايات: ((فلا يجد أحداً يقبلها)) وهذا في الوقت الذي ينشغل الناس فيه بأنفسهم بسبب الفتن، ينشغلون بالفتن عن المال، وهذا في زمن الدجال، أو يكون ذلك لفرط الأمن والعدل البالغ، بحيث يستغني كل أحد بما عنده عما عند غيره، وهذا يكون في زمان المهدي وعيسى، وقد حصل شيء من هذا في زمن عمر بن عبد العزيز -رحمه الله-، جيء إلى عمر بن عبد العزيز بالأموال ليفرقها فردت إلى صاحبها، ما وجد من يقبلها، عمَّ الرخاء في زمنه بسبب العدل، بسبب العدل عم الرخاء، وعم الصلاح والتدين، والناس على دين ملوكهم، لكونه رجلاً صالحاً عم الصلاح والتدين في الناس، واقتدوا به، فلا يأخذ الزكاة إلا المستحق، وندر المستحق لشمول العدل، والله المستعان. "قال مسدد: حارثة أخو عبيد الله بن عمر لأمه"، أمهما أم كلثوم بنت جرول الخزاعية، حارثة بن وهب الخزاعي أخوٌ لعبيد الله بن عمر بن الخطاب لأمه، تزوجها عمر ثم أسلم ففرق بينهم الإسلام، فتزوجها وهب الخزاعي فأتت بحارثة، ثم في بعض النسخ: "قاله أبو عبد الله" يعني البخاري، يعني نقلاً عن شيخه مسدد.

شرح قوله: حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب حدثنا أبو الزناد عن عبد الرحمن عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال

شرح قوله: حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب حدثنا أبو الزناد عن عبد الرحمن عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان عظيمتان يكون بينهما مقتلة عظيمة دعوتهما واحدة، وحتى يبعث دجالون كذابون قريب من ثلاثين كلهم يزعم أنه رسول الله، وحتى يقبض العلم، وتكثر الزلازل، ويتقارب الزمان، وتظهر الفتن، ويكثر الهرج، وهو القتل وحتى يكثر فيكم المال فيفيض حتى يهم رب المال من يقبل صدقته وحتى يعرضه عليه فيقول الذي يعرضه عليه: لا أرب لي به، وحتى يتطاول الناس في البنيان، وحتى يمر الرجل بقبر الرجل فيقول: يا ليتني مكانه، وحتى تطلع الشمس من مغربها، فإذا طلعت ورآها الناس آمنوا أجمعون، فذلك حين {لاَ يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا} [(158) سورة الأنعام] ولتقومن الساعة وقد نشر الرجلان ثوبهما بينهما فلا يتبايعانه، ولا يطويانه ولتقومن الساعة وقد انصرف الرجل بلبن لقحته فلا يطعمه، ولتقومن الساعة وهو يليط حوضه فلا يسقي فيه، ولتقومن الساعة وقد رفع أكلته إلى فيه فلا يطعمها)) ثم قال: "حدثنا أبو اليمان" وهو الحكم بن نافع قال: "أخبرنا شعيب" وهو ابن أبي حمزة، قال: "حدثنا أبو الزناد" عبد الله بن ذكوان "عن عبد الرحمن عن أبي هريرة" عبد الرحمن ابن؟ ابن هرمز الأعرج، المشهور بلقبه، "عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان عظيمتان)) " يقول الشراح: هما فئة علي -رضي الله عنه- وفئة معاوية -رضي الله عن الجميع-، ((حتى تقتل فئتان عظيمتان يكون بينهما مقتلة عظيمة)) يقولون: بلغ ما قتل في حروبهم، حروب علي مع معاوية -رضي الله عن الجميع- بلغوا سبعين ألفاً، خلائق، ((مقتلة عظيمة دعوتهما واحدة))، أو ((دعواهما واحدة)) كما في بعض الروايات، كلٌ منهما يدعي نصر الحق.

((ولا تقوم الساعة حتى يبعث -يعني يظهر- دجالون كذابون، قريبٌ من ثلاثين)) وجاء في بعض الروايات سبعة وعشرون، وهؤلاء السبعة والعشرون قريبٌ من الثلاثين، منهم أربع نسوة، ((كلهم يزعم أنه رسول الله)) وبعض الروايات: ((ولا نبي بعد)) يعني من طالع كتب التواريخ والأدب وجد من أخبار المتنبئين الغرائب، ووجدهم يبلغون هذه العدة، في (نهاية الأرب) للنويري باب عن المتنبئين وطرائفهم وأخبارهم، باب، ذكر من الطرائف المضحكة من هؤلاء الذين يزعمون أنهم أنبياء، ذكر عن بعضهم حيل، جيء لهارون الرشيد بواحد قال: يزعمون أنك تزعم أنك نبي؟ قال: نعم، قال: ما اسمك؟ قال: موسى بن عمران، قال: وما هذه العصا التي بيدك؟ قال: هذه هي التي تنقلب حية، حية تسعى إذا وضعتها على الأرض، قال: ضعها لنرى، هل هو كلامك صحيح وإلا لا؟ قال له: لا أضعها حتى تقول: أنا ربكم الأعلى؛ يعني ما تنفع حتى تقول هذا الكلام، فإذا قلت: أنا ربكم الأعلى وضعت العصا ومشت تسعى، ساق أخبارهم على أساس أنها طرائف وهم دجالون كذابون، وما زال الأمر إلى وقتنا هذا، بين كل فترة وأخرى يظهر واحد، يزعم أنه نبي، نسأل الله العافية. ((حتى يبعث دجالون)) جمع دجال صيغة مبالغة، ولا يجمع جمع تكسير عند جماهير النحاة، لا يجمع جمع تكسير، ما يقال: دجاجلة عند جماهير النحاة؛ لئلا تذهب المبالغة، لتبقى صيغة فعَّال على أصلها: دجال جمعه دجالون، قال الإمام مالك بن إسحاق: دجالٌ من الدجاجلة، قال عبد الله بن إدريس الآودي: ما علمت أن دجالاً يجمع على دجاجلة حتى سمعتها من مالك -رحمه الله-. والفرق بين هؤلاء الدجالين وبين الدجال الأكبر المسيح أن هؤلاء يدعون النبوة، وذلك يدعي الإلهية، نسأل الله العافية.

((قريبٌ من ثلاثين كلهم يزعمُ أنه رسول الله، وحتى يقبض العلم)) يعني: ولا تقوم الساعة حتى يقبض العلم، ومعروف أن ذلك يكون بقبض العلماء، ((وتكثر الزلازل)) والآن تسمع في كل سنة زلزال أو أكثر، عاد السنة هذه تتابعت، لكن فيما سبق كل سنة نسمع واحد اثنين، أما في هذه السنة فزادت، ويذهب ضحيتها الفئام من الناس، ((وتكثر الزلازل، ويتقارب الزمان)) وهذا تقدم، ((يتقارب الزمان حتى تكون السنة كالشهر، والشهر كالجمعة -يعني كالأسبوع-، والجمعة كاليوم -الأسبوع كاليوم الواحد-، واليوم كالساعة، والساعة كإشعار سعفة)) هذا من تقارب الزمان، منهم من يقول بأنه تقارب حقيقي، ومنهم من يقول: التقارب معنوي بذهاب البركة من العمر، فتجد الإنسان يمضي السنة في العمل الذي كان ينتهى منه في شهر، ويمضي الشهر في العمل الذي كان ينتهى منه في أسبوع وهكذا، وهذا ظاهر، كثيرٌ من الناس تطلع عليه الشمس وتغرب ما استفاد فائدة، هذا من نزع البركة، كثيرٌ من الناس يسوف اليوم غداً بعد غدٍ وهكذا إلى أن تنتهي السنة ما صنع شيئاً، لماذا يا فلان لا تجد في طلب العلم؟ والله إن شاء الله في بداية السنة، جت بداية السنة والله تصرمت الأيام لعلنا بعد رمضان -إن شاء الله- نتفرغ، بعد رمضان نبي نحج إذا رجعنا وهكذا تذهب الليالي والأيام دون فائدة، وإلا فالبركة موجودة عند من يستفيد من وقته، يعني من جلس بعد صلاة الصبح إلى العاشرة أو الحادية عشرة ماذا ينجز من الأعمال؟ الشيء الكثير، لكن من نام بعد الصبح إلى الظهر ماذا يستفيد من بقية وقته؟ لا شيء، وهذا حال كثير من الناس، كثير من الناس تنتهي أوقاتهم من بعد صلاة الصبح للاستعداد إلى الدوام، ثم الطريق إلى الدوام يحتاج إلى وقت، ثم الدوام يستغرق جل الوقت، ولا شك أن العمل في مصالح المسلمين العامة أمرٌ لا بد منه، وهو عملُ خيرٍ مع النية الصالحة، لكن أين النية الصالحة عند كثيرٍ من الناس؟ إذا لم توجد النية الصالحة فهو ضياع وقت، بغض النظر عن كونه يجلب الراتب أو يوفر شيء من حطام الدنيا، والله المستعان.

((وتظهر الفتن -يعني تكثر- ويكثر الهرج وهو القتل)) قد سبق الكلام في هذا كله، والهرج هو القتل بلسان الحبشة على ما تقدم، ((وحتى يكثر فيكم المال فيفيض حتى يهم رب المال)) يعني يحزنه ويبعث الهم عنده والغم ماله الذي لا يجد من يقبله منه، يعني يجد الصراع النفسي، هو مأمور بإخراج هذا المال، بل الأمر به ركنٌ من أركان الإسلام، مأمور بإخراج الزكاة، مأمور بإخراج الصدقة الإنفاق في سبيل الله، لكن يبحث ما يجد، وأنتم تعرفون أن الصدقة في وقت الحاجة أمرها عظيم، من الأمثلة على ذلك الصدقة باللحم في الأيام العادية، طول السنة تجد من يقبله، بل كثيرٍ ممن يقبل، لكن أحياناً يوم العيد قد تأتي إلى فلان وعلان يقول: والله لا حاجة لنا به، فكيف إذا كان في آخر الزمان؟! يدور الإنسان بصدقته بزكاته لا يجد من يقبلها، وهذا لا شك أنه يهم ويحزن لا سيما من فرط بالزكاة والإنفاق في سبيل الله في الوقت الذي يوجد فيه من يقبلها. ((وحتى يعرضه فيقول الذي يعرضه عليه: لا أرب لي به)) يعني لا حاجة لي به، وتقدم قول الرجل: "لو جئت بها بالأمس لقبلتها أما في اليوم فلا"، وهذا زيادة في الهم، ((وحتى يتطاول الناس في البنيان)) مباهاة بكثرة الأدوار وهذا موجود، فلان بنا عمارة عشرة أدوار، ثم يقول: لا، أنا بنيت خمسة عشر دور، يقول الثالث: لا، إحنا فوق، جاءت لنا الآن ناطحات السحاب، يتطاول الناس في البنيان مباهاة، وإلا إذا كان لحاجة فلا بأس به، لحاجة إذا كثر الناس وازدحموا والأرض يصعب فيها الامتداد الأفقي لضيقها لا مانع أن يرتفع البنيان لاستيعاب الناس، لكن مع التوسط، لا مانع من أن يبني الإنسان منزل يليق به من غير سرف ولا مخيلة، أما المراد بالتطاول بالبنيان كما جاء في حديث جبريل: ((وأن ترى الحفاة العراة البهم رعاء الشاة يتطاولون في البنيان)) أظن هذا لا يحتاج إلى استشهاد، شواهده كثيرة.

((وحتى يمر الرجل بقبر الرجل فيقول: يا ليتني مكانه)) يعني ليته مات، تمنى الموت لما يرى من عظيم البلاء من الفتن والمحن، يقول القسطلاني: "لما يرى من عظيم البلاء، ورياسة الجهلاء، وخمول العلماء"، يقول القسطلاني: "واستيلاء الباطل في الأحكام، وعموم الظلم، واستحلال الحرام، والتحكم بغير حق في الأموال والأعراض والأبدان"، يقول: "كما في هذه الأزمان"، في القرن التاسع وأوائل العاشر، يتمنى الإنسان الموت لما يرى من هذه الأمور المؤلمة التي تعتصر القلب، مر بنا في درسٍ صادق أنه لا يجوز تمني الموت لضرٍ نزل به، وأن هذا الضر إذا كان في أمور الدنيا، التحسر على أمور الدنيا تمني الموت من أجل الدنيا إما في مال أو بدن، لكن إذا كان يخشى على دينه الذي هو رأس ماله، ويغلب على ظنه أنه لن يزداد من أعمال الخير يسوغ له ذلك، وعرفنا سابقاً أن طول البقاء في الدنيا إنما يتمناه المسلم للازدياد من العمل الصالح، فإذا كان في سفالة وفي نقص فالموت خيرٌ له. ((وحتى تطلع الشمس من مغربها فإذا طلعت -يعني من مغربها- ورآها الناس آمنوا أجمعون)) وأجمعون تأكيد لضمير الجمع، لكن هل ينفع نفساً إيمانها؟ ثلاث علامات كما جاء في الحديث الصحيح: ((ثلاث علامات من علامات الساعة لا ينفع معها إيمان، ولا تقبل معها توبة، الدجال والدابة وطلوع الشمس من مغربها)) في الصحيح، في صحيح مسلم، وهنا يقول: ((فإذا طلعت ورآها الناس يعني آمنوا أجمعون فذلك حين {لاَ يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا} -يعني إن لم تكن آمنت من قبل لا ينفعها الإيمان- {لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا} [(158) سورة الأنعام] " يعني لا الدخول في الإسلام ينفع، وهذا القسم الأول، {لاَ يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا} {أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا} ولا العمل الصالح ينفع بعد فوات الأوان، فالمسلم المفرط لا تنفعه التوبة حينئذٍ، والكافر لا ينفعه الإسلام إذا طلعت الشمس من مغربها.

((ولتقومن الساعة وقد نشر الرجلان ثوبهما بينهما فلا يتبايعانه ولا يطويانه)) الثوب منشور، البائع ينشر الثوب ليراه الزبون -المشتري- ويخبره بسعره والثوب منشور، فتقوم الساعة والثوب منشور فلا يتبايعانه لا يتمكنان من البيع والشراء إبرام العقد بالإيجاب والقبول، ولا يتمكن البائع من طيه وإعادته إلى مكانه، ((وقد نشر الرجلان ثوبهما بينهما فلا يتبايعانه ولا يطويانه، ولتقومن الساعة وقد انصرف الرجل بلبن لقحته -اللقحة اللبون من الإبل- فلا يطعمه)) يعني فلا يشربه، في هذا كله إشارة إلى أن الساعة تقوم بغتة، تفجئ الناس فجأة، ((ولا تقومن الساعة وهو -يعني الرجل- يليط حوضه -يصلحه ويسد شقوقه- فلا يسقي فيه)) فتقوم الساعة قبل ذلك، ((ولتقومن الساعة وقد رفع -يعني الرجل- أكلته -اللقمة- إلى فيه فلا يطعمها)) رفعها إلى فيه، ومع ذلك لا يستطيع أن يدخلها في فمه، هذا صنف من الناس، وصنف تقوم الساعة ويده على الطعام أو في طريقها إلى الطعام، وصنفٌ تقوم واللقمة في فمه فلا يستطيع أن يمضغها، كما جاء في بعض الروايات، المقصود أنه إذا قامت الساعة هجت كل شيء، خلاص، والله المستعان. فالساعة {لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً} [(187) سورة الأعراف] بغتة فجأة، يفسرها مثل هذا الحديث، وليس معناها كما قال بعضهم أن بغتة بحساب الجمل (1407)، بعض من كتب في أشراط الساعة قال: إن الساعة تقوم سنة (1407)، من أين؟ قال: بغتة كررت مراراً في القرآن، وبغتة (1407)، كيف (1407)؟ في أحد يعرف حساب الجمل "أبجد هوز حطي" طالب:. . . . . . . . .

نعم مجموع الحروف (1407)، ولا يحتاج إلا أن نفصلها، لكن هل هذا هو المراد؟ لا والله ليس هذا هو المراد، وإنما المراد به فجأة، ولا يعلم متى تقوم الساعة لا محمد ولا جبريل ولا أحد إلا الله -عز وجل-، ولذا لما سأل جبريل النبي -عليه الصلاة والسلام- في الحديث الصحيح عن الساعة قال: ((ما المسئول عنها بأعلم من السائل)) يعني نستوي أنا وإياك على حدٍ سواء، لا أنت أعلم مني ولا أنا أعلم منك، بل لا يعلمها إلا الله، في خمسٍ لا يعلمهن إلا الله: {عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ} [(34) سورة لقمان] إلى آخر الآية، فالساعة بغتة يعني فجأة، والإنسان كما جاء في الأمثلة يرفع اللقمة إلى فيه فلا يستطيع أن يوصلها في فيه، يدخلها في فيه لا يستطيع أن يمضغها. مثل هذا الكلام يذكرنا بقول أبي هذيل العلاف -يعني استطراداً- ماذا يقول بالنسبة لأهل النار في النار؟ أنها تتعطل منهم الحركات في النار، هو ممن يقول بفناء النار، المعتزلة رأيهم أن الجنة والنار تفنيان، وأبو هذيل العلاف ممن تلطف كما يقول ابن القيم، فأراد أن يأتي برأيٍ وسط، يكون كالحجارة تتعطل منهم الحركات والنار تخمد، وبعدين؟ ما جاء بجديد، ابن القيم رد عليه في النونية بكلامٍ طيب فليراجع. "باب ذكر الدجال" .. لأن ابن القيم ذكر هذا مثالاً أن منهم من يرفع اللقمة، وفي الجنة تتعطل حركاته، وفي النار كذلك. ثم بعد هذا: "باب ذكر الدجال" الدجال مبالغة في الدجل وهو الكذب والتلبيس، والمراد به الدجال الأكبر غير الثلاثين الذين سبق الحديث عنهم.

يقول الإمام -رحمه الله-: "حدثنا مسدد" قال: "حدثنا يحيى" ابن سعيد القطان، قال: "حدثنا إسماعيل" ابن أبي خالد، قال: "حدثني قيس" ابن أبي حازم، "قال: قال لي المغيرة بن شعبة: ما سأل أحد النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الدجال ما سألته، وإنه قال لي: ((ما يضرك منه؟ )) أي من الدجال، كأنه قال: ما عليك منه، أو ما الذي يضرك منه؟ "قلت: لأنهم يقولون: إن معه" يعني الذي يضره منه الخشية والخوف من أن يفتنه؛ لأنه ما من نبي إلا حذر أمته من الدجال، "قلت: لأنهم يقولون: إن معه جبل من خبز" قدر جبل من خبر "ونهر ماء" قال: ((هو أهون على الله من ذلك)) أهون أحقر على الله من أن يجعل له شيئاً يستطيع به أن يفتن المؤمن الموحد، هو معه أشياء، لكن المنفي هنا ما يفتن المؤمن الموحد، وإلا معه أشياء يفتن بها من أراد الله فتنته، ((أهون على الله من ذلك)) بل معه علامة يعرف بها كذبه، سيما بينتها الأحاديث الصحيحة، أعور كما سيأتي عينه اليمنى، مكتوبٌ بين عينيه كافر، يقرأها كل مؤمن سواءً كان قارئ أو غير قارئ، على ما سيأتي. قال الإمام -رحمه الله-: "حدثنا سعد بن حفص" الطلحي قال: "حدثنا شيبان" بن عبد الرحمن النحوي "عن يحيى" بن أبي كثير "عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن -عمه- أنس بن مالك قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((يجيء الدجال -يعني من خراسان- حتى ينزل في ناحية المدينة، ثم ترجف المدينة ثلاث رجفات، فيخرج إليه كل كافر ومنافق)) لأنهم ممنوعون من دخول المدينة، وعلى كل باب من أبوابها ملكان على ما سيأتي، فالذي في قلبه نفاق، في قلبه كفر يخرج إليه، لا يقول قائل: أنا أسكن المدينة في آخر الزمان لأسلم من فتنة الدجال، إن كان فيك شيء تبي تخرج، ما في شك أن هذا فيه ترغيب في سكنى المدينة، وجاء الترغيب في أحاديث، لكن هل البقاع تقدس أهلها؟ لا تقدس، فالذي في قلبه شيء لا بد أن يخرج إلى الدجال، والذي عنده الإيمان والتوحيد ولو كان في أقصى الدنيا يعصمه الله من الدجال. طالب:. . . . . . . . . اللي بالحاشية بيجي في تقديم وتأخير بعض النسخ. طالب:. . . . . . . . . هذا موجود عند من؟ طالب:. . . . . . . . .

عندك لا إلى، الحديث كامل، حديث عبد العزيز بن عبد الله الأويسي وإلا حديث موسى بن إسماعيل؟ هذا لا يوجد في الرواية التي اعتمد عليها في الأصل في اليونينية هذا بيجي مؤخر. قال الإمام -رحمه الله تعالى-: "حدثنا علي بن عبد الله" هو ابن المديني، قبله حديث عبد العزيز عندكم؟ طالب:. . . . . . . . . بعده حديث؟ قضينا من حديث سعد بن حفص. طالب:. . . . . . . . . إيه لا، عندنا: حدثنا علي بن عبد الله، وسيأتي الحديث الذي يليه بعده. هو ابن المديني، قال: "حدثنا محمد بن بشر" العبدي، قال: "حدثنا مسعر" هو ابن كدام، قال: "حدثنا سعد بن إبراهيم عن أبيه -إبراهيم بن سعد بن عبد الرحمن بن عوف- عن أبي بكرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا يدخل المدينة رعب المسيح)) " المسيح: بالحاء المهملة لا المعجمة، وإن ضبطه بعضهم بها، المسيح وليس المسيخ، ((لا يدخل المدينة رعب المسيح)) فضلاً عن شخصه وجسمه، ويقول: صاحب القاموس: أنه اجتمع له من الأقوال في سبب تسمية المسيح اجتمع له خمسون قولاً، لماذا لا يدخل رعب المسيح المدينة؟ ((لها يومئذ سبعة أبواب على كل باب ملكان)) يحرسانها منه، سبعة أبواب للمدينة على كل باب اثنين من الملائكة يحرسانها من دخول المسيح. "قال: وقال ابن إسحاق" محمد صاحب المغازي الذي قال فيه الإمام مالك: "دجال من الدجاجلة" سبق أن أشرنا إليه، "قال: وقال ابن إسحاق عن صالح بن إبراهيم" يعني ابن عبد الرحمن بن عوف "عن أبيه قال: قدمت البصرة فقال لي أبو بكرة: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- بهذا"، أي بما سبق، وهذا متابع، وليس بأصل، وإلا فابن إسحاق لا يخرج له الإمام البخاري، وتمامه عند الطبراني فقال أبو بكرة: أشهد لسمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((كل قرية يدخلها فزع الدجال إلا المدينة يأتيها ليدخلها فيجد على بابها ملكاً مصلتاً بالسيف فيرد عنها)).

قال: "حدثنا عبد العزيز بن عبد الله" -هذا الحديث اللي تطلبون- الأويسي، قال: "حدثنا إبراهيم عن صالح عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله أن –أباه- عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال" هذا أصح الأسانيد عند الإمام أحمد تقدمت الإشارة إليه، "قال: قام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الناس فأثنى على الله بما هو أهله، ثم ذكر الدجال فقال: ((إني لأنذركموه)) " يعني أخوفكموه، وأحذركم منه، ((وما من نبي إلا وقد أنذر)) يعني حذر قومه تحذيراً لهم من فتنته، ولعلهم لم يعلموا وقت خروجه، ولعلهم لم يخبروا بوقت خروجه، وأنه في غير الزمان، ولعظم فتنته وشدة خوفهم على أتباعهم -صلوات الله وسلامه عليهم- ((ولكني سأقول لكم فيه قولاً لم يقله نبي لقومه)) أخبر النبي -عليه الصلاة والسلام- بصفته؛ لأن أمته سوف تبتلى به دون أمم الأنبياء السابقين، ((إنه أعور، وإن الله ليس بأعور)) الأعور: هو الذي لا يرى إلا بعينٍ واحدة ...

شرح كتاب الفتن (8)

شرح كتاب الفتن من صحيح البخاري (8) شرح حديث: ((بينا أنا نائم أطوف بالكعبة فإذا رجل آدم سبط الشعر .. )) وحديث: "قال في الدجال: ((إن معه ماء وناراً، فناره ماء بارد، وماؤه نار)) وحديث: ((ما بعث نبي إلا أنذر أمته الأعور الكذاب ألا إنه أعور .. ) وبابٌ: لا يدخل الدجال المدينة، وباب: يأجوج ومأجوج. الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير ((ولكني سأقول لكم فيه قولاً لم يقله نبيٌ لقومه)) أُخبر النبي -عليه الصلاة والسلام- بصفته؛ لأن أمته سوف تبتلى به دون أمم الأنبياء السابقين، ((إنه أعور، وإن الله ليس بأعور)) الأعور: هو الذي لا يرى إلا بعينٍ واحدة، وسيأتي ما جاء في وصف عينيه. شرح قوله: حدثنا يحيى بن بكير حدثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب عن سالم عن عبد الله بن عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((بينا أنا نائم أطوف بالكعبة فإذا رجل آدم سبط الشعر ينطف أو يهراق رأسه ماء قلت: من هذا؟ قالوا: ابن مريم، ثم ذهبت ألتفت فإذا رجل جسيم أحمر جعد الرأس أعور العين كأن عينه عنبة طافية، قالوا: هذا الدجال أقرب الناس به شبهاً ابن قطن رجل من خزاعة)).

قال: "حدثنا يحيى" ابن عبد الله بن بكير المخزومي، قال: "حدثنا الليث عن عقيل" ابن خالد "عن ابن شهاب عن سالم عن عبد الله بن عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((بينا أنا نائم رأيتني -يعني في النوم- أطوف بالكعبة، فإذا رجل آدم -أسمر- سبط الشعر -مسترسل الشعر غير جعد- ينطف أو يهراق -ينطف يعني يقطر- رأسه ماء، قلت: من هذا؟ قالوا: هذا عيسى بن مريم -عليه السلام-" -رآه النبي -عليه الصلاة والسلام- يطوف بالبيت، "ثم ذهبت ألتفت فإذا رجل جسيم، أحمر اللون، جعد شعر الرأس، أعور العين، كأن عينه عنبة طافية)) بارزة عنبة طافية يعني بارزة، وهي غير الممسوحة التي لا ترى، العين اليمنى ممسوحة، هو أعور عين اليمنى، وهذه بارزة تتقد، وفي هذا التصوير من القبح ما فيه، ((كأنها عنبة طافية، قالوا: هذا الدجال أقرب الناس به شبها ابن قطن)) عبد العزى بن قطن بن عمرو، هلك في الجاهلية، رجل من خزاعة، وهذا لأنه رجلٌ كافر يشبه به كافر، وإلا قد يقول قائل: أن مثل هذا لو رأيت رجل من المسلمين عينٌ بارزة وعينٌ لا يرى فيها، هل تقول: إن هذا مثل الدجال؟ تشبه رجل مسلم بكافر؟ وتكون بذلك قد عبته بخلقته التي لا يد له فيها، لكن كافر بكافر لا بأس، من باب التشبيه والتقريب، هو يشبهه من كل وجه، هذا كافر وهذا كافر. النبي -عليه الصلاة والسلام- رأى عيسى يطوف، ورأى أيضاً رجلاً جسيماً، أحمر، جعد الرأس، ومعلومٌ أن رؤيا الأنبياء حق، وقد حرم على الدجال أن يدخل مكة والمدينة، فكيف رآه بالرؤيا بمكة؟ يقول ابن حجر: "فيه دلالة على أن قوله -عليه الصلاة والسلام- في الحديث أنه لا يدخل مكة دلالة على أن قوله -عليه الصلاة والسلام- أن الدجال لا يدخل المدينة ولا مكة يعني في زمن خروجه، ولم يرد بذلك نفي دخوله في الزمن الماضي" يعني لا يدخل مكة والمدينة إذا خرج في آخر الزمان، وأما قبل ذلك فلا مانع، بدليل أن النبي -عليه الصلاة والسلام- رآه في المنام ورؤيا المنام حق، أظن الجمع ظاهر.

شرح قوله: حدثنا عبدان أخبرني أبي عن شعبة عن عبد الملك عن ربعي عن حذيفة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال في الدجال:

وقال أيضاً: "غلط من استدل بهذا الحديث على أن الدجال يدخل المدينة أو مكة إذ لا يلزم من كون النبي -صلى الله عليه وسلم- رآه في المنام أنه دخلها حقيقة، ولو سلم أنه رآه في زمانه -صلى الله عليه وسلم- بمكة فلا يلزم أن يدخلها بعد ذلك إذا خرج في آخر الزمان" هذا ظاهر، يقول: "لا يلزم من كون النبي -عليه الصلاة والسلام- رآه في المنام أنه دخلها حقيقة"؛ لأن رؤيا الأنبياء حق، "ولو سلم أنه رآه في زمانه -صلى الله عليه وسلم- فلا يلزم أن يدخلها بعد ذلك إذا خرج في آخر الزمان"، المقصود أن الجواب المرتضى أنه لا يمنع من دخولها قبل خروجه، وإظهار دعوته، أما بعد ذلك فلا يمكن أن يدخل مكة ولا المدينة. طالب:. . . . . . . . . تتسور إيه، يكون لها سبعة الأبواب في آخر الزمان. طالب:. . . . . . . . . تحريم، الله -سبحانه وتعالى- حرم مكة، والنبي حرم المدينة فلا يدخلها، هذا من ضمن التحريم. يقول -رحمه الله-: "حدثنا عبد العزيز بن عبد الله" الأويسي، قال: "حدثنا إبراهيم بن سعد عن صالح" ابن كيسان "عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير أن عائشة -رضي الله عنها- قالت: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يستعيذ -يعني بالله- في صلاته من فتنة الدجال"، والنبي -عليه الصلاة والسلام- معصوم من الفتن، لكن لا يمنع أن يكون من عصم أن يطلب النجاة لنفسه، أو يكون ذلك تعليم لأمته -عليه الصلاة والسلام- ليقتدوا به في الاستعاذة، كما أن من هُدي يطلب الهداية، وطُلب من المسلمين بما فيهم النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يقول في كل ركعة: {اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ} [(6) سورة الفاتحة]. أحاديث اليوم أكثرها تقدمت أيها الإخوان، لذلك ترون نجمل الشرح، يعني ما نفصل؛ لأنه مضى أكثرها. شرح قوله: حدثنا عبدان أخبرني أبي عن شعبة عن عبد الملك عن ربعي عن حذيفة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال في الدجال: ((إن معه ماء وناراً، فناره ماء بارد، وماؤه نار)) قال أبو مسعود: أنا سمعته من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

شرح قوله: حدثنا سليمان بن حرب حدثنا شعبة عن قتادة عن أنس -رضي الله عنه- قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-:

يقول -رحمه الله-: "حدثنا عبدان" عبد الله ابن عثمان بن جبلة العتكي، قال: "أخبرني أبي" عثمان "عن شعبة" ابن الحجاج "عن عبد الملك" ابن عمير الكوفي "عن ربعي" ابن حراش "عن حذيفة" ابن اليمان "عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال في الدجال -يعني في شأن الدجال-: ((إن معه ماءً وناراً، فناره -التي يراها الرائي- ماء بارد، وماؤه -الذي يراه الرائي- نار)) يعني يخيل للناس أن هذه نار وهذا ماء، والحقيقة عكس ذلك، وهذا لعله من تمويهه ودجله، وهو ابتلاء من الله -عز وجل-، ابتلاء وامتحان من الله -عز وجل-. "قال أبو مسعود -عقبة من عمرو البدري تصديقاً لحذيفة-: أنا سمعته من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-"، وفي بعض الروايات: ابن مسعود، لكن الراجح أنه أبو مسعود. شرح قوله: حدثنا سليمان بن حرب حدثنا شعبة عن قتادة عن أنس -رضي الله عنه- قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((ما بعث نبي إلا أنذر أمته الأعور الكذاب ألا إنه أعور، وإن ربكم ليس بأعور، وإن بين عينيه مكتوب كافر)) فيه أبو هريرة وابن عباس عن النبي -صلى الله عليه وسلم-. قال -رحمه الله-: "حدثنا سليمان بن حرب" الواشحي، قال: "حدثنا شعبة" ابن الحجاج "عن قتادة" ابن دعامة "عن أنس -رضي الله عنه- قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((ما بعث نبي إلا أنذر أمته الأعور الكذاب ألا -حرف تنبيه- إنه أعور، وإن ربكم ليس بأعور، وإن بين عينيه مكتوب كافر)) بالحروف العربية (ك) (ف) (ر) كافر، يقرأه كل مؤمن قارئ أو غير قارئ، حتى الأمي الذي لا يقرأ ولا يكتب يقرأ هذه. يقول الإمام -رحمه الله-: "فيه أبو هريرة وابن عباس" يعني في الباب حديث يرويه أبو هريرة وحديثٌ يرويه ابن عباس "عن النبي -عليه الصلاة والسلام-"، هذه طريقة الترمذي في الباب عن فلان وفلان وفلان إذا روى حديثاً، ويستعملها البخاري أحياناً كما هنا، "فيه أبو هريرة وابن عباس عن النبي -صلى الله عليه وسلم-"، تقدم حديث أبي هريرة في ترجمة نوح من أحاديث الأنبياء، وتقدم حديث ابن عباس في صفة موسى -عليه السلام-.

شرح قوله: باب: لا يدخل الدجال المدينة:

مثل هذا هذه الفتنة العظيمة والشر المستطير الذي يبتلي بها الله عباده في آخر الزمان من يعرض للفتنة؟ من في قلبه دخن، من في قلبه شيء من النفاق، من في قلبه خصلة من خصال الكفر، شعبة من شعب الجاهلية، هؤلاء يفتتنون، معرضون للفتنة، أما من آمن بالله ورسوله، وصدق بذلك وأيقن، مثل هذا لا يفتتن بالدجال؛ لأن الدجال فيه العلامات الواضحة الظاهرة بينه النبي -عليه الصلاة والسلام- بأجلى بيان، وكتب بين عينيه كافر، فالذي يقرأ مثل هذه الحروف يوافق الدجال أو يخالفه؟ مهما كان التهديد، وسيأتي قصة الرجل الذي خير الناس، أو من خير الناس أنه يقول له، يؤتى به إلى الدجال عما سيأتي فيقول: أنت الدجال، أشهد أنك أنت الدجال، يصارحه بذلك، هل تنفع التقية هنا ونقول: هذا مكره وقلبه مطمئن بالإيمان؟ لا تنفع التقية، من أجابه دخل النار، ومن عصاه وكذبه دخل الجنة. طالب:. . . . . . . . . إيش هو؟ طالب:. . . . . . . . . إيه نعم، الدجال هو الذي عليه العلامات الظاهرة، أما من عداه إذا كان الإنسان قلبه مطمئن بالإيمان وخشي على نفسه {إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ} [(106) سورة النحل]، وإن ارتكب العزيمة وكذبه وتحمل ما يترتب على هذه العزيمة كان أفضل، فأفضل الجهاد أو أفضل الشهداء من هو؟ حمزة، وأيضاً؟ من أنكر على إمامٍ ظالمٍ غاشم فقتله، ((كلمة حق عند سلطان جائر)) هذه عزيمة، لكن هل يلزم الناس كلهم بهذه العزيمة؟ من ارتكب العزيمة ثوابه أعظم ومن ترخص برخصة الله فهو معذور، ترخص كبار من الأئمة، وصبر وثبت الإمام أحمد بن حنبل، فنال الإمامة إلى قيام الساعة، والله المستعان. شرح قوله: بابٌ: لا يدخل الدجال المدينة: يقول: "بابٌ لا يدخل الدجال المدينة" يعني النبوية.

قال: "حدثنا أبو اليمان" هو الحكم بن نافع، قال: "أخبرنا شعيب" وهو ابن أبي حمزة "عن الزهري أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود أن أبا سعيد -سعد بن مالك الخدري- قال: حدثنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوماً حديثاً طويلاً عن الدجال، فكان فيما يحدثنا به أنه قال: ((يأتي الدجال -يعني إلى ظهر المدينة خارج المدينة- وهو محرم عليه أن يدخل نقاب المدينة -طرق المدينة وشوارع المدينة- وهو محرمٌ عليه أن يدخل نقاب المدينة، فينزل بعض السباخ التي تلي المدينة -والمراد بالأرض السبخة التي لا تنبت- فينزل بعض السباخ التي تلي المدينة -من قبل الشام- فيخرج إليه يومئذ رجل)) يقول الشراح: إنه الخضر، وهو في صحيح مسلم، لكنه من قول أبي إسحاق إبراهيم بن محمد بن سفيان راوي الصحيح، قال: قيل: هو الخضر، كذا نسبه القرطبي إلى أبي إسحاق السبيعي، وبه قال ابن العربي، ولعل القرطبي وهم في نسبته إلى أبي إسحاق، وإنما المراد به أبي إسحاق إبراهيم بن محمد بن سفيان راوي الصحيح، وبذلك قال ابن العربي يقول: إنه الخضر. ((وهو خير الناس أو من خيار الناس فيقول)) إلى آخره، الخضر يختلف الناس في وفاته وفي بقائه، فكثيرٌ من أهل العلم يرون أنه موجود، وأنه معمر من زمنِ موسى -عليه السلام- إلى آخر الزمان، حتى يأتي الدجال، ويمثل بين يديه، ويقول له ما يقول، والذي عليه جمعٌ من أهل التحقيق أنه قد مات.

شيخ الإسلام -رحمه الله- له رسالتان في الباب، إحداهما: على جادة من يثبت حياته، والأخرى على القول الآخر، وهو الصواب أنه قد مات، ((ما من نفسٍ منفوسة اليوم يأتي عليها مائة عام .. )) بما في ذلك الخضر، وكثير من أهل الخرافة والبدع يقولون بهذا القول، ويزعمون أنهم يجتمعون به، ويرونه، ويستفيدون منه، ولو وجد لما وسعه الخروج عن شريعة محمد -عليه الصلاة والسلام-، ولما كان عنده من العلم ما يستفيده من غير الكتاب والسنة لو وجد، ولذا من النواقض: أن يزعم الإنسان أنه يسعه الخروج عن شريعة محمد -عليه الصلاة والسلام-، كما وسع الخضر الخروج عن شريعة موسى، لذا إذا نزل عيسى -عليه السلام- في آخر الزمان يحكم بشريعة محمد -عليه الصلاة والسلام-، وعلى كل حال هذا قول، وهو قول الجمع من أهل العلم، لكن الصواب أنه كغيره قد مات. طالب:. . . . . . . . . إيه لأنه .. ، موسى بُعث للناس كافة؟ لا، بعث لقومه، يا بني إسرائيل بس، ما في إلا محمد -عليه الصلاة والسلام- الذي بعث للناس كلهم، طالب:. . . . . . . . . وين؟ في زمنه لبني إسرائيل فقط، عموم الرسالة من خصائص النبي -عليه الصلاة والسلام-. طالب:. . . . . . . . . علم زمانهم، عالم زمانهم.

((وهو خيار الناس أو من خيار الناس، فيقول: أشهد أنك الدجال الذي حدثنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حديثه، فيقول الدجال -يعني لأوليائه-: أرأيتم إن قتلت هذا الرجل ثم أحييته هل تشكون في الأمر؟ -أي الذي يدعيه من الألوهية- فيقولون: لا -هؤلاء هم أوليائه- فيقتله ثم يحييه، فيقول الدجال: أتؤمن بي؟ )) يعني لهذا الرجل الذي بعد أن يقتله فيحييه أتؤمن بي؟ جاء بأمرٍ لا يقدر عليه كل أحد، بل لا يقدر عليه أحد إلا الله -عز وجل-، وهذا من عظيم البلاء، من عظيم الفتنة، لكن {يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ} [(27) سورة إبراهيم] هذا قتله شقه بنصفين، ثم أحياه، حينما يقول هذه المقالة: أتؤمن بي؟ يعني يغلب على ظنه أنه يبي يقول إيش؟ ماذا سيقول؟ بيقول: نعم، إن لم يقسم على ذلك، فيقول الرجل: ((والله ما كنت فيك أشد بصيرة مني اليوم -يعني يزداد يقيني بالله -عز وجل- وكفري بك بعد أن فعلت ما فعلت- فيريد الدجال أن يقتله فلا يسلط عليه)) كما جاء في بعض الروايات بأن يجعل ما بين رقبته وترقوته نحاس، فلا يستطيع إليه سبيلاً، المقصود أنه لن يسلط عليه. ثم قال: "حدثنا عبد الله بن مسلمة" يعني القعنبي "عن مالك" ابن أنس إمام دار الهجرة نجم السنن "عن نعيم بن عبد الله المجمر عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((على أنقاب المدينة -النبوية جمع نقب وهو الطرق- ملائكة -يحرسونها- لا يدخلها الطاعون ولا الدجال)) فالطاعون بسبب الدعوة النبوية، ((اللهم انقل عنها الحمى)) حماها، نعم، فالطاعون أشد، ومن خصائص المدينة أنه لا يدخلها الطاعون ولا الدجال، ومكةٌ مثلها. قال: "حدثني يحيى بن موسى" ابن عبد ربه المعروف بخت، قال: "حدثنا يزيد بن هارون" السلمي، قال: "أخبرنا شعبة" وهو ابن الحجاج "عن قتادة" ابن دعامة "عن أنس بن مالك عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((المدينة يأتيها الدجال ليدخلها فيجد الملائكة على أنقابها يحرسونها، فلا يقربها الدجال، ولا الطاعون -إن شاء الله -عز وجل-)). يقول: ما القول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة؟

شرح قوله: باب: يأجوج ومأجوج:

{يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ} [(27) سورة إبراهيم] يعني يحيا على لا إله إلا الله بجميع ما تطلبه، ويموت على لا إله إلا الله. ((فلا يقربها الدجال)) قال: ((ولا الطاعون -إن شاء الله-)) وهذا الاستثناء ليس للشك وإنما هو للتبرك بذكر هذا الاسم المبارك، والحديث مر مراراً. شرح قوله: باب: يأجوج ومأجوج: ثم قال: "باب: يأجوج ومأجوج" مشتقان من أجيج النار أي ضوئها، وزنهما يفعول ومفعول، ممنوعان من الصرف للعلمية والتأنيث، اسما قبيلتين، وهما من نسل آدم، من ولد يافث بن نوح. يقول الحافظ ابن كثير: "روى ابن أبي حاتم أحاديث غريبة في أشكالهم وصفاتهم وطولهم وقصر بعضهم وآذانهم لا تصح أسانيدها". يأجوج ومأجوج بغير همز ياجوج وماجوج، قرأه السبعة إلا عاصماً بدون همز، قراءة عاصم كما هو معروف بالهمز. قال: "حدثنا أبو اليمان" وهو الحكم بن نافع، قال: "أخبرنا شعيب" ابن أبي حمزة "عن الزهري ح" حاء التحويل من إسناد إلى آخر للاختصار، "وحدثنا إسماعيل" ابن أويس، تقدم لنا مراراً أن البخاري يأتي بهذه الحاء حاء التحويل بعد ذكر النبي -عليه الصلاة والسلام-، وحينئذٍ لا تفيد الاختصار وإنما هي تقوم مقام الحديث، اختصار الحديث كما يقول المغاربة، "وحدثنا إسماعيل" ابن أويس، قال: "حدثني أخي" عبد الحميد "عن سليمان" ابن بلال "عن محمد بن عبد الله بن أبي عتيق عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير أن زينب بنت أبي سلمة حدثته عن أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان" صخر بن حرب "عن زينب بنت جحش" أم المؤمنين، الحديث تقدم بأعلى من هذا الإسناد، تقدم سباعي وهنا كم؟ إسماعيل، أخوه، سليمان، محمد بن أبي عتيق، ابن شهاب، عروة، زينب بنت أبي سلمة، أم حبيبة، زينب بنت جحش، نعم هذا تساعي، وهو أنزل حديثٍ في الصحيح على الإطلاق، أنزل حديث في الصحيح تساعي ولا يوجد غيره، ما يوجد إلا هذا الحديث تساعي. طالب:. . . . . . . . .

وين؟ يعني في حكم؟ ما ينفع حكم، نحن نريد حقيقته، يعني ما يضيره أن يكون من التابعين ستة من التابعين يروي بعضهم عن بعض، المقصود أنه تساعي فهو نازل، نازلٌ جداً، يعني يوافقه الحافظ العراقي بعده بسبعمائة سنة، أو ستمائة سنة، عنده تساعيات، وهي أعلى ما عنده، وأنزل ما في البخاري هذا الحديث التساعي، وأعلى ما فيه الثلاثيات، يكون بينه وبين الرسول -عليه الصلاة والسلام- ثلاثة، وعدتها اثنان وعشرون حديثاً غالبها من طريق المكي بن إبراهيم عن يزيد بن أبي عبيد عن سلمة بن الأكوع. "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دخل عليها"، وفي بعض الروايات: "استيقظ من نومه فزعاً"، وهنا يقول: "دخل عليها يوماً فزعاً" دخل عليها فزعاً بعد أن استيقظ من نومه، استيقظ من نومه فزعاً ودخل عليها فزعاً، "خائفاً يقول: ((لا إله إلا الله)) " وهذا الحديث تقدم شرحه ((لا إله إلا الله، ويل للعرب من شر قد اقترب)) يعني هل أمة محمد العرب فقط؟ ولماذا خص العرب؟ طالب:. . . . . . . . . نعم كيف؟ طالب:. . . . . . . . . لا، لا، الأمة من العرب وغيرهم. طالب:. . . . . . . . .

لا، لا، في غيره، لعل هذا الصنف من الناس يعني يأجوج ومأجوج إنما سلطوا على العرب فقط، فتنةً لهم، أو لأن العرب أسرع إليهم مثل هذه الفتن، أو لأنهم هم أسرع للدخول في الفتن في ذلك الوقت من غيرهم، المقصود أن النبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((ويلٌ للعرب من شرٍ قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج)) الذي بناه ذو القرنين بزبر الحديد، جمع زبرة، وهي القطعة، قالوا: أن كل زبرة كل قطعة تزن قنطار، والزبرة بمثابة لبنة، لكنها تزن قنطار، ((فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه)) وحلق بإصبعيه الإبهام والتي تليها، قالت زينب بنت جحش: فقلت: يا رسول الله أفنهلك وفينا الصالحون؟ قال: ((نعم إذا كثر الخبث)) وهذا هو الأمر المخيف، ذكرنا مراراً أن الخير موجود في أمة محمد، وأن هناك طائفة منصورة قائمة بالحق إلى قيام الساعة، وفي أمة محمد من خيار الناس في هذا الزمان وقبله وبعده من فيها، فيها العلماء، فيها الدعاة، فيها العباد، فيها طلاب العلم، فيها المحسنون، فيها المنفقون، فيها المجاهدون، لكن الهلاك علق بأمرٍ ظهر وكثر وانتشر في هذه الأزمان وهو الخبث، ثم قال .. ، وهذا تقدم كله مراراً. "حدثنا موسى بن إسماعيل" التبوذكي، قال: "حدثنا وهيب" هو ابن خالد، قال: "حدثنا عبد الله بن طاووس عن أبيه" طاووس بن كيسان "عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((يفتح الردم ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه)) وعقد وهيب بن خالد تسعين"، قال: ((يفتح الردم ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه)) وعقد وهيبٌ تسعين"، مثل هذه، يعني جعل طرف الإبهام بين عقدتي السبابة من باطنها، وطرف السبابة عليها، كيف؟ كذا؟ هكذا؟ طالب:. . . . . . . . . بس يقول: مثل ناقد الدينار، ناقد الدينار إيش يسوي؟ هكذا، يضربه بطرف السباب ليرى، هكذا. طالب:. . . . . . . . .

لا هذا الخذف هكذا، ناقد الدينار هكذا، تقدم حقيقةً شرح التسعين والمائة، تقدم شرح التسعين والمائة، هنا يقول: عقد سفيان تسعين بأن جعل طرف إصبعه السبابة اليمنى في أصلها، وضمها ضماً محكماً بحيث انعقدت وانطوت، انطوت عقدتاها حتى صارت كالحية المطوية هكذا، والمائة كالتسعين لكن بالخنصر، لكن الخنصر اليسرى، وهذا تقدم وله حساب غير مستعمل، كانوا يستعملونه قبل أن يعرفوا الحساب. وبهذا تكون أحاديث الفتن من هذا الكتاب العظيم الصحيح انتهت، والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. يقول: ما الضابط في تنزيل أحاديث الفتن في الواقع؟ فقد سمعنا في الأحداث الأخيرة من خاض في فتن آخر الزمان وربطها بالأحداث المعاصرة؟ نقول: هذا تسرع؛ لأن تعريض الأحاديث، النصوص الثابتة لمثل هذه الفتن وإن كان فيها وجه شبه إلا أنه قد يوجد من الفتن ما هو مطابق تمام المطابقة، فنعرض أحاديث الفتن للنفي كما عرضنا ما طبقت عليه، نظير من ينزل الأحاديث والآيات على النظريات، ينزلونها على نظريات علمية، فإذا كذبت هذه النظيرة ماذا يكون مصير الخبر الذي نزل عليها؟ يصير عرضة للتكذيب، وهنا إذا نزلنا أحاديث الفتن على ما وقع ولو من وجه، ولو شابهه من وجه نكون بذلك إذا وقع ما يشبهها من كل وجه بحيث لا محيد من تنزيلها عليها نكون بذلك عرضنا الأحاديث للنفي، وبذلك نكون قد قلنا على الله بغير علم، نقول: إن هذا مراد النبي -عليه الصلاة والسلام- من هذا الحديث، فنكون بذلك قد افترينا على الله الكذب وعلى رسوله -عليه الصلاة والسلام-، والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله.

§1/1