شرح كتاب الصوم من صحيح البخاري

عبد الله بن مانع الروقي

المقدمة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ المقدمة الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فقد جرت عادة أهل العلم على الكلام على أحكام بعض العبادات عند مواسمها كالصوم والحج ونحوها، وقد كان لشيخنا أبي محمد عبد الله بن مانع الروقي حفظه الله نصيب من ذلك، فقد شرع في شرح كتاب الصيام من صحيح الإمام البخاري - رحمه الله -، في اليوم السابع والعشرين من شهر رجب لعام ألف وأربعمائة وأربع وعشرين للهجرة النبوية على صاحبها الصلاة والسلام وانتهى منه في اليوم الثامن والعشرين من شهر شعبان من العام نفسه. ولما كان هذا الشرح المبارك حافلًا بفوائد عديدة، وتحقيقات رصينة، ونقولات عن أهل العلم مفيدة، طلبت من شيخنا الإذن بتفريغ الأشرطة المسموعة إلى كتاب مقروء، فإذن حفظه الله، فكان هذا الكتاب الذي بين يديك. سائلًا الله أن يجزي الشيخ على ما قدم خير الجزاء وأن ينفع به، إنه ولي ذلك والقادر عليه. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. وكتب بندر بن تركي بن سعد البقمي

1 - باب وجوب قوم رمضان

1 - باب وجوب قوم رمضان وقول الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183]. 1792 - حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا إسماعيل بن جعفر عن أبي سهيل عن أبيه عن طلحة بن عبيد الله: أَنَّ أَعْرَابِيًّا جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ثَائِرُ الرَّاسِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَخْبِرْنِي مَاذَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيَّ مِنَ الصَّلاةِ؟ فقَالَ: «الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ إِلا أَنْ تَطَوَّعَ شَيْئًا» فَقَالَ: أَخْبِرْنِي مَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيَّ مِنَ الصِّيَامِ؟ فقَالَ: «شهر رَمَضَانَ إِلا أَنْ تَطَوَّعَ شَيْئًا»، فقَالَ: أَخْبِرْنِي بمَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيَّ مِنَ الزَّكَاةِ فقَالَ: فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - شَرَائِعِ الإِسْلامِ قَالَ: وَالَّذِي أَكْرَمَكَ لا أَتَطَوَّعُ شَيْئًا وَلا أَنْتَقِصُ ممَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيَّ شَيْئًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أَفْلَحَ إِنْ صَدَقَ - أَوْ - دَخَلَ الْجَنَّةَ إِنْ صَدَقَ». [46] 1793 - حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا إسماعيل بن جعفر عن أبي سهيل عن أبيه عن طلحة بن عبيد الله: أَنَّ أَعْرَابِيًّا جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ ثَائِرُ الرَّاسِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنِي مَاذَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيَّ مِنَ الصَّلاةِ؟ فقَالَ: «الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ إِلا أَنْ تَطَوَّعَ شَيْئًا» فَقَالَ: أَخْبِرْنِي مَاذَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيَّ مِنَ الصِّيَامِ فقَالَ: «شَهْرَ رَمَضَانَ إِلا أَنْ تَطَوَّعَ شَيْئًا» فقَالَ: أَخْبِرْنِي بمَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيَّ مِنَ الزَّكَاةِ فقَالَ: فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - شَرَائِعِ الإِسْلامِ قَالَ: وَالَّذِي أَكْرَمَكَ لا أَتَطَوَّعُ شَيْئًا وَلا أَنْقِصُ مَمَّا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيَّ شَيْئًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أَفْلَحَ إِنْ صَدَقَ - أَوْ - دَخَلَ الْجَنَّةَ إِنْ صَدَقَ». [46] 1793 - حدثنا مسدد حدثنا إسماعيل عن أيوب عن نافع عن ابن عمر - رضي الله عنهم - قال: صام النبي - صلى الله عليه وسلم - عاشوراء وأمر بصيامه فلما فرض رمضان ترك وكان عبد الله لا يصومه إلا أن يوافق صومه. [1896، 4231] 1794 - حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب أن عراك أن مالك حدثه أن عروة أخبره عن عائشة - رضي الله عنها -:

أن قريشًا كانت تصوم يوم عاشوراء في الجاهلية ثم أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بصيامه حتى فرض رمضان وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ شَاءَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ شَاءَ أَفْطَرَ». [ر 1515] قول المؤلف «كتاب الصوم»: المؤلف: جعل كتاب الصوم بعد كتاب الحج، وحديث ابن عمر الذي فيه «بني الإسلام على خمس» أخرجه المصنف في مواضع، أول موضع أخرج فيه البخاري هذا الحديث فيه تقديم الحج على الصيام وأخرج مسلم حديث ابن عمر هذا «بني الإسلام على خمس» من طريق «البخاري» ولكن على الترتيب المعروف «صيام رمضان وحج بيت الله الحرام». وفي سياق مسلم ما يدل على أن هذا السياق هو المحفوظ فقد قال رجل لابن عمر: الحج وصيام رمضان!! فقال ابن عمر: «لا؛ صيام رمضان والحج» هكذا سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. والبخاري: مشي في هذا الحديث على طريقته وهي الرواية بالمعنى. وهل يقال باحتمال تعدد سماع ابن عمر لهذا الحديث من النبي عليه الصلاة والسلام؟ الجواب: هذا الاحتمال بعيد. فالصحيح ما وقع في مسلم وهو كالصريح في أن الصوم قبل الحج وهذا هو الذي ينبغي وذلك لعدة أمور: 1 - أن هذه الرواية التي في مسلم صريحة؛ فإن ابن عمر لما قال له

الرجل: الحج وصيام رمضان!! قال: «لا صيام رمضان والحج». 2 - أن صيام رمضان سابق لفرض الحج فإن صيام رمضان شرع وأوجب في السنة الثانية للهجرة بالاتفاق واختلف في الحج متى فرض على أقوال أصحها في السنة الثانية للهجرة بالاتفاق واختلف في الحج متى فرض على أقوال أصحها في السنة التاسعة أو العاشرة، وقد بسطنا الكلام على هذا في شرح كتاب الحج من بلوغ المرام فليراجعه من شاء. 3 - أن صيام رمضان مقدم قبل الحج في الوقت فإن الصيام في الشهر التاسع من الشهور الهلالية في السنة، والحج هو آخر شهر من الشهور الهلالية عند المسلمين في سنتهم. فالصحيح ما مشى عليه الإمام مسلم في صحيحه ومشى عليه النسائي والترمذي وابن ماجه أن الصيام قبل الحج، وأما أبو داود: فقد أخر الصيام بعد البيوع وقدم الحج، وعامة من ألف من أهل العلم في السنن والصحاح يقدمون الصيام قبل الحج وهذا هو الصحيح. قول المؤلف: «باب وجوب قوم رمضان» نقول: وجوب صوم رمضان قد أجمع عليه أهل الإسلام وربنا جل وعلا يقول: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} فالصيام فرض بالنص والإجماع، والصيام فرض على جميع العالمين كما قال تعالى في الآية المتقدمة: {كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ}. تعريف الصيام: هو التعبد لله بالإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس. وفرض الله جلَّ وعلا الصيام لحكمة: وهي امتحان للعباد وتكليف لهم كسائر الواجبات.

والتكاليف أحيانًا تكون منعًا من محبوب، وتكون أحيانًا بذلًا لمحبوب، وتكون أحيانًا أعمالًا بدنية، فمثال المنع من المحبوب كالصيام، والبذل للمحبوب كالزكاة وهي بذل المال، والأعمال البدنية كما يكون في الصلاة والجهاد، وقد يشترك العمل البدني مع بذل المحبوب كالجهاد فإن فيه عملًا بدنيًا وفيه بذل للنفس والمال فإن الجهاد عبادة مالية وبدنية.

الحديث الأول: حديث طلحة بن عبيد الله. هذا الحديث يرويه مسلم من طريق البخاري سواء من طريق قتيبة عن إسماعيل بن جعفر. ووقع فيه زيادة وهي: «أفلح وأبيه إن صدق» وهذه الزيادة تفرد بها إسماعيل بن جعفر، والبخاري: هنا رواه من طريق إسماعيل غير أنه حذف هذه اللفظة، وأيضًا روى هذا الحديث مالك عن أبي سهيل عن أبيه عن طلحة ليس فيه زيادة «أفلح وأبيه إن صدق» فالصحيح أن هذه اللفظة «وأبيه» شاذة غير محفوظة، وقد تكلف بعضهم لها وقال: إن كانت محفوظة فإنها محرفة فبدل «أفلح وأبيه إن صدق» تكون «أفلح والله إن صدق»، وهذا التحريق قبل تنقيط الحروف ولكن هذا الكلام فيه نظر فإن نسخ الحديث وضبط ألفاظ النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يدخلها الغلط بهذه السهولة فيقال فيها مثل هذا، فهذا الوجه ضعيف. وقيل: إن هذا مما يجري على اللسان وهذا فيه نكارة فإن هذا لا يمكن أن ينسب إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -. وقيل: إن الحديث منسوخ يعني قوله: «أفلح وأبيه إن صدق»، وبكل حال يخرج هذا الحرف تخريجًا صحيحًا. والبخاري: قد حذفها عمدًا وإلا هي قد وقعت له فإنه يروي هذا الحديث من طريق إسماعيل بن جعفر، فالبخاري حذفها عمدًا على طريقته أحيانًا في الاختصار وحذف بعض الألفاظ. هذا الحديث فيه من الفوائد: 1 - بيان فرضية عدة أمور منها الصلاة وهي الصلوات الخمس وفرض صوم رمضان وكذلك الزكاة.

2 - أن من اقتصر على الواجبات فهو من السعداء في الآخرة والناجين؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «أفلح إن صدق» والفلاح هو القطع بالفوز ومنه قولهم: الحديد بالحديد يُفلّح أي: يقطع، فمن اقتصر على الواجبات وترك المحرمات فهو من الناجين يوم القيامة والسعداء غير أنه تفوته درجة السابقين، وأهل النجاة ثلاثة كما في قوله تعالى: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ} [فاطر: 32] فهؤلاء هم طائفة الناجين وهم: (1) السابقون. (2) المقتصدون. (3) الظالمون لأنفسهم ظلمًا لا يصل إلى حد الشرك.

شرح الحديث الثاني: حديث ابن عمرو والحديث الثالث حديث عائشة: المؤلف: ذكر صيام يوم عاشوراء من حديث ابن عمر وحديث عائشة، ولقد كان عاشوراء في أول الإسلام مأمورًا به إما أمر إيجاب وإما أمر استحباب، والصحيح أنه كان مأمورًا بصيام عاشوراء أمر إيجاب، فلما فرض رمضان ترك النبي - صلى الله عليه وسلم - صيام عاشوراء أي ترك التشديد في صيامه والأمر به أمر إيجاب، وكان يصومه اليهود والمشركون، وكان المشركون يصومونه تبعًا لليهود، وكان تشبههم بأهل الكتاب كثيرًا بما عندهم من شرائع وذلك لأنهم كانوا مجاورين لهم. الفوائد: 1 - بيان حصول النسخ في الشريعة، والنسخ هو رفع حكم شرعي بمقتضى دليل شرعي متأخر، وهذا ثابت في كتاب الله وسنة رسوله والأمر فيه معروف. وأحوال النسخ ثلاثة: أ- قد يكون النسخ من الأخف إلى الأثقل كما هو هنا فإنه نسخ صيام يوم واحد - وهو عاشوراء - إلى صيام رمضان شهر كامل. ب- وقد يكون النسخ من الأثقل إلى الأخف كما في الدرجة الثانية في فرضية الصيام حيث كانوا منهيين عن الأكل والشرب إذا نام أحدهم بعد وقت الإفطار ثم نسخ بأن الليل كله محلٌّ للأكل والشرب. ج- وقد يكون متساويًا في النسخ أي الحكم كما في مسألة القِبْلة، وكانوا مأمورين باستقبال بيت المقدس فأمروا بالتحول إلى الكعبة. وأما الكلام على صيام عاشوراء فسيأتي مفصلًا في باب مستقل، والله أعلم.

2 - باب فضل الصوم

2 - باب فضل الصوم 1795 - حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولُ اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «الصُّيَامُ جُنَّةٌ، فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَجْهَلْ وَإِنِ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ أَوْ شَاتَمَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّي صَائِمٌ مَرَّتَيْنِ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ تَعَالَى مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ، يَتْرُكُ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَشَهْوَتَهُ مِنْ أَجْلِي، الصِّيَامُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا». [1805، 5583، 7054، 7100] الشرح: هذا الحديث أيضًا أخرجه مسلم من طريق أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة وقال أبو هريرة رواية ولم يذكر النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومعنى رواية أي أنه يبلغ بالحديث إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فإذا جاء بالحديث وقال الصحابي: رواية أو قال: ينميه أو قال: يبلغ به أو يرفعه فهذه كلها من صيغ الرفع الحكمية وتأخذ حكم الرفع وفي هذا الحديث مصرح به أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قاله. معاني المفردات: الصيام جنة: الجنة هي الوقاية، والصوم جنة في الدنيا من الآثام، وفي الآخرة من النار. الرفث: هو الجماع ودواعيه وقيل: ما يتعلق ببذاءة اللسان من رديء القول.

ولا يجهل: أي ولا يتعدى على أحد ولا يفعل فعل أهل السفه والجهل، والجهل هنا من الجهالة لا الجهل الذي هو ضد العلم ومن ذلك قول الشاعر: ألا لا يجهلن أحد علينا ... فنجهل فوق جهل الجاهلينا يعني لا يعتدي أحدٌ علينا فنعتدي عليه بأزيد مما اعتدى به علينا، والجهالة تطلق على المعصية لقوله تعالى: {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ} [النساء: 17]، فكل من عصى الله فهو جاهل. قوله: «وإن امرؤ قاتله» المقاتلة هي المضارية. «شاتمه»: أي واجهه بالسب. فليقل: «إني صائم» ظاهر هذا اللفظ أنه يجهر به لقوله: «فليقل» وهذا خلافٌ لمن قال: إنْ كان الصوم فرضًا فإنه يجهر، وإن لكان الصوم نفلًا فليسَّره فهذا التفريق لا دليل عليه، ونقول: إنَّ الأصل في كلمة «قال» و «يقول» الجهر، وعلى ذلك فليقل جهرًا: إني صائم مرتين وجاء أيضًا أن يقولها مرة واحدة، وجاء أيضًا أن يقولها مرة واحدة، وجاء أيضًا أنه يقول: «إني امرؤ صائم» فهذا الذي حفظ في السنة وأما قول البعض: «اللهم إني صائم» فهذا لا نعلم أنه جاء عن الرسول - صلى الله عليه وسلم -. وفي قول الإنسان لمن سابه أو شاتمه: «إني صائم» فيه فوائد: 1 - فيه الانتصار النفسي للشخص حينما يقول لشاتمه: إني صائم فهذا فيه نوع انتصار واستعلاء عن المواجهة بمثل هذا الخنا والقبح. 2 - فيه توبيخ لهذا السابِّ والمقاتل.

وفي الحديث أيضًا: أن رائحة فم الصائم وهي خُلُوفُ فمه مع كون الإنسان ينفر منها ويكرهها؛ لأنها تشبه «البخر» وهو الداء المعروف فإنها عند الله أطيب من رائحة لامسك لأنها ناتجة عن أثر عبادة عظيمة. واستنبط بعض أهل العلم من هذا الحديث كراهية الاستياك آخر النهار وهو وقت خروج هذه الرائحة الكريهة، فقال: ينبغي إبقاؤها لأنها محبوبة إلى الله. والصحيح أن الأمر ليس كذلك؛ لأن السواك سنة مطلقة في أول النهار وآخره، وقد عقد المؤلف: بابًا ذكر فيه السواك للصائم وسوف يأتي الكلام عن هذا حينما يأتي هذا الباب. وقد قيل: إن الرائحة تخرج وتنبعث من المعدة ولا علاقة لها بالسواك، وهذا فيه نظر؛ لأنه في الحديث قوله: «لخُلُوف فم الصائم» فالخُلوف في الفم ليس في غيره. واستنبط بعض أهل العلم أنه في هذا الحديث يثبت لله صفة الشم، وقالوا: إن استطابة الروائح من الله تدل على اتصافه بهذه الصفة، ولكن قد يقال: إن هذا الحديث ليس بصريح في إثبات هذه الصفة، ومعلوم أن الصفات لابُدَّ في إثباتها أن تكون النصوص فيها صحيحة صريحة. وأيضًا قد يكون إدراك الله لهذه الرائحة عن طريق العلم فإن الله يعلم بها، فيكون المعنى أن الله يعلم هذه الرائحة وهذا قول شيخنا ابن عثيمين - رحمه الله -، وبكل حال نقول: إن دل الحديث على هذه الصفة فنثبتها لله - عز وجل -، وإن لم يدل عليها لا نثبتها وهذا القول الأخير هو قول شيخينا ابن باز وابن عثيمين رحمهما الله.

وفي هذا الحديث: تفاضل الأعمال وأن بعض الأعمال أفضل من بعض. مسألة: هل استطابة فم الصائم في الحال أو المآل؟ الجواب: قال بعضهم: إن الاستطابة تكون في الحال وأنها أطيب عند الله في الحال، وقال بعضهم: إن هذه مثل دم الشهيد؛ فإن دم الشهيد يوم القيامة يكون لونه لون الدم وريحه ريح المسك؛ فقالوا: هذا الحديث المطلق إنما يكون في يوم القيامة يأتي بهذه الرائحة ويكون عند الله أطيب من ريح المسك، والله أعلم.

3 - باب الصوم كفارة

3 - باب الصوم كفارة حدثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان حدثنا جامع عن أبي وائل عن حذيفة قال: قال عمر - رضي الله عنه - من يحفظ حديثنًا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الفتنة قال حذيفة: أنا سمعته يقول: «فِتْنَةُ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَجَارِهِ تُكَفِّرُهَا الصَّلاةُ وَالصَّدَقَةُ» قال: ليس اسأل عن ذه إنما اسأل عن التي تموج كما يموج البحر قال: وإن دون ذلك بابًا مغلقًا قال: فيفتح أو يكسر؟ قال: يكسر قال: ذاك أجدر أن لا يغلق إلى يوم القيامة. فقلنا لمسروق: سله أكان عمر يعلم من الباب؟ فسأله فقال: نعم كما يعلم أن دون غدٍ الليلة. شرح الحديث: «الباب» في الحديث المقصود به في قوله: «دون ذلك بابًا مغلقًا» عمر ابن الخطاب - رضي الله عنه - كما قال حذيفة، وعمر كان يعلم ذلك. «الكسر» هو القتل، ولهذا لما قتل عمر انفتحت أبواب الفتن على مصراعيها ولما قتل عثمان زادت الفتن وإلا فإن الفتن قد بدأت منذ مقتل عمر - رضي الله عنه -، وقد روي عنه أنه إذا بلغه منكر قال: أما وأنا وهشام بن حكيم أحياء فلا يكون (¬1). وكان هشام ممن ينكر المنكرات .. وقد صح عن عمر كما أخرجه وكيع في كتاب الزهد عن إسماعيل بن أبي خالد عن زيد بن وهب عن حذيفة «أن عمر سأله هل عدني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المنافقين» إسناده صحيح، فانظر إلى تكامل شخصية هذا الرجل فلله دره - رضي الله عنه -. ¬

(¬1) وقال أسد السنة في عصره نحو هذه الكلمة، فقد سئل شيخنا إمام الدنيا في الزهد والسنة والأمر والنهي عن إحداث فصول مختلطة في بعض صفوف الابتدائية فقال: سمعنا هذا، ولكن لا يكون إن شاء الله.

الفوائد: 1 - ما ترجم له المؤلف وهو أن الصوم كفارة وذلك لأنه قال: «فتنة الرجل في أهله» والمقصود بالفتنة هنا الخطايا المتعلقة بالأهل والمال، مثل أن يسب أولاده أو عبيده أو أهله أو جيرانه أو يخطئ عليهم من الأخطاء الصغيرة، فإن هذه من الصغائر تكفِّرها الصلاة والصيام والصدقة وقد تعمل هذه الأعمال الصالحة فتكفر الكبائر على القول المرجح فتخففها؛ بل إذا كانت الأعمال الصالحة كبارًا قد تمحوها أصلًا إذا كانت تتعلق بين العبد وربه، فكبار الأعمال الصالحة قد تمحو الكبائر، وصغار الأعمال تمحو الصغائر، ففيه أن الصوم مع كونه ثوابًا وطاعة فإن يكفر الخطايا، ولكن قال شيخ الإسلام وغيره من أهل العلم: إن الذي يعمل في السيئات ويكفرها من الأعمال الصالحة من الصلاة والصيام والصدقة والحج هو المقبول منها فقط هو الذي يُكَفَّرُ، وأما العمل الذي وقع فيه النقص أو لم يكن فيه إقبال من صاحبه فحسبه أن ينجو كفافًا رأسًا برأس، ويسلم من الحساب فكيف يكون بعد ذلك مكفرًا له؟! وقد تكلمنا في مذاهب العلماء في تكفير الأعمال الصالحة للسيئات وبسطنا المقام في كتابنا «نفح العبير» «ج3/ 24» فارجع إليه إن شئت.

4 - باب الريان للصائمين

4 - باب الريان للصائمين 1797 - حدثنا خالد بن مخلد حدثنا سليمان بن بلال قال: حدثني أبو حازم عن سهل - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إِنَّ فِي الْجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ لَهُ الرَّيَّانُ يَدْخُلُ مِنْهُ الصَّائِمُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ يُقَالُ أَيْنَ الصَّائِمُونَ فَيَقُومُونَ لَا يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ فَإِذَا دَخَلُوا أُغْلِقَ فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ أَحَدٌ». [3084] 1798 - حدثنا إبراهيم بن المنذر قال: حدثني معن قال: حدثني مالك عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَنْ أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ نُودِيَ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ يَا عَبْدَ اللَّهِ هَذَا خَيْرٌ , فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاةِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّلَاةِ وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجِهَادِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الْجِهَادِ وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصِّيَامِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الرَّيَّانِ وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَةِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّدَقَةِ». فقال أبو بكر - رضي الله عنه -: بأبي أنت وأمي يا رسول الله ما على من دعي من تلك الأبواب من ضرورة فهل يدعى أحد من تلك الأبواب كلها؟ قال: «نَعَمْ وَأَرْجُو أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ». [3466] الشرح: باب الريان: يدخل منه الصائمون إلى الجنة من جميع الأمم، من هذه الأمة

وغيرها والجنة لها ثمانية أبواب، كما في حديث عقبة بن عامر عن عمر فيمن توضأ وأحسن الوضوء وقال: «أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله إلا فتحت أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء». وأحد هذه الأبواب الثمانية هو باب الريان، وفي حديث حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة أن فيها باب الصلاة وباب الجهاد وباب الصدقة. وجاء في حديث أبي الدرداء أنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «الوالد أوسط أبواب الجنة» فالخلاصة أن أبواب الجنة ثمانية صح تسمية بعضها وينظر في الباقي. وناسب باب الصيام أن يسمى باب الريان ولم يناسب أن يسمى باب الصيام؛ لأن الصيام هو الإمساك والحبس وقد كان التكليف في الدنيا والانقطاع عن المحبوبات أما في الآخرة فهي دار الجزاء وتنعيم الطائعين والريان هو الري الكثير يحتمل أن يكون هذا باب الري الكثير أو باب الشخص الريان، والظاهر - والله أعلم - أنه باب الرس الكثير. قوله: «من أنفق زوجين في سبيل الله» المراد بالزوجين هنا اثنين لقوله تعالى: {احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ} فلا يقال لزوج: اثنين بل يقال لزوج: واحد ولزوجين: اثنين وهذا هو التحرير في هذه المسألة فيكون المعنى أنفق زوجين في سبيل الله مثل تفاحتين وتمرتين وغيرهما، فإنه ينادى من أبواب الجنة يا عبد الله هذا خير يعني: الواقفين من الملائكة على الأبواب يقولون: تعال ينادون إلى بابهم يكرمونهم بذلك يا عبد الله هذا خير فيحبون أن يدخل من عندهم أي يحبون أن يدخل من الباب الذي يليهم.

قوله: «فإن كان من أهل الصلاة» المراد بأهل الصلاة أي أهل الإكثار منها وإلا لابد أن يقوم بالأعمال الأخرى من فرائض الإسلام وشرائع الدين، ولكنه له عناية وإكثار ومحبة لهذه الصلاة فصار من أهل الصلاة فيدعي من باب الصلاة. قوله: «وإن كان من أهل الجهاد» يعني مكثر من الجهاد فإنه يدعى من باب الجهاد، وهكذا في الصيام يدعى من باب الريان وإن كان من أهل الصدقة فيدعى من باب الصدقة. قوله: «قال أبو بكر: بأبي أنت وأمي» يعني أفديك بأبي أنت وأمي يا رسول الله وذلك؛ لأن حق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعظم وأولى من حق الأبوين فالتفدية بالأبوين لا تجوز إلا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنه حقه فوق حق الأبوين أما غير رسول الله فإنه لا يجوز أن يفدى بالأب والأم؛ لأن حق الأبوين فوق آحاد الناس ولو كان من أصلح الناس. وقال بعضهم: إنه يجوز أن يقال: فلان فداه أبي وأمي وأن هذا مما يجري على اللسان ولا يراد قصده كقوله: «تربت يمينه» وغيرها. والصحيح أنها لا تطلق إلا على رسول الله عليه الصلاة والسلام. مسألة: فإن قيل: أن رسول الله قال: «ارم سعدًا فداك أبي وأمي» فهو فدّى بعض أصحابه بأبويه؟ الجواب: نقول: أبواه - صلى الله عليه وسلم - ماتا على دين قومهما فناسب أن يفدي بهما مسلمًا، هذا هو الصحيح. قوله: «ما على من دعي من تلك الأبواب من ضرورة ... الخ» يعني أنه

قد يدعى أحد من تلك الأبواب الثمانية جميعًا وهو المكثر من الصلاة والصدقة والجهاد فهو يدعى من تلك الأبواب كلها، ولكن لا يدخل إلا من باب واحد ولكن حصل له التكريم بالدعوى من تلك الأبواب كلها.

5 - باب يقال رمضان أو شهر رمضان؟ ومن رأى كله واسعا

5 - باب يقال رمضان أو شهر رمضان؟ ومن رأى كله واسعًا وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ» [ر 1802] وقال: «لاَ تَقَدَّمُوا رَمَضَانَ» [ر 1815] 1799/ 1800 حدثنا قتيبة حدثنا إسماعيل بن جعفر عن أبي سهيل عن أبيه عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إِذَا جَاءَ رَمَضَانَ فُتّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنّةِ». (1800) - حدثني يحيى بن بكير قال: حدثني الليث عن عقيل عن ابن شهاب قال: أخبرني ابن ابي أنس مولى التيميين أن أباه حدثه أنه سمع أبا هريرة - رضي الله عنه - يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إِذَا دَخَلَ شَهْرُ رَمَضَانُ فُتّحَتْ أَبْوابُ السَّمَاءِ، وَغُلّقَتْ أَبْوابُ جَهَنّمَ، وَسُلْسِلَتِ الشّياطِينُ». [3103] 1801 - حدثنا يحيى بن بكير قال: حدثني الليث عن عقيل عن ابن شهاب قال: أخبرني سالم بن عبد الله بن عمر أن ابن عمر - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «إذَا رَأَيْتُمُوهُ فَصُومُوا وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ». وقال غيره عن الليث: حدثني عقيل ويونس: لهلال رمضان. [1807، 1809، 1814، 4996].

الشرح: قد جاء في حديث لا يصح نبه عليه الشارح أنه قال: وروى أبو معشر نجيح المدني عن سعيد المقبري عن أبي هريرة مرفوعًا: «لا تقولوا: رمضان فإن رمضان من أسماء الله ولكن قولوا شهر رمضان» فهذا الحديث باطل؛ فإن أبا معشر نجيح بن عبد الرحمن السندي ضعيف جدًا وأيضًا أسماء الله - عز وجل - حسني بالغة في الحسن، ورمضان ليس فيه هذا المعنى، فيجوز أن يقال: شهر رمضان وهو الذي جاء في القرآن وأن يقال: رمضان كما جاء ذلك في السنة واستدل المؤلف بهذه الأحاديث التي فيها تجريد رمضان من الشهر.

شرح الحديث الأول: حديث أبي هريرة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة» والمفتح لهذه الأبواب هو رب العالمين جلَّ وعلا وإنما يفتحها ترغيبًا في الدخول فيها ولا سيما الباب الذي يدخل منه الصائمون وهو باب الريان، وفي السياق الآخر «فتحت أبواب السماء» وفي حديث آخر «فتحت أبواب الرحمة» كما عند مسلم في الصحيح، وهي كلها بمعنى واحد فأبواب السماء وأبواب الرحمة هي أبواب الجنة وإنما هذا تعبير من بعض الرواة ويحتمل أن هذا من الرسول عليه الصلاة والسلام فالمراد على العموم هي أبواب الجنة. شرح الحديث الثاني: قوله: «غلقت أبواب جهنم ولسلست الشياطين» وفي بعض الروايات - كما عند مسلم «وصفدت الشياطين» وقد وقع هذا لمسلم بإسناد البخاري. قوله: «سلسلت الشياطين» قال أهل العلم: المراد بها حجزهم عن تثبيط الطائعين أو التسلط عليهم لإضلالهم، فناسب هنا - أن تفتح أبواب الجنة لكثرة العمل الصالح في هذا الشهر وأن تسلسل الشياطين حتى لا يغووا بني آدم فتقل المعصية وتكثر الطاعة فناسب هذا أن تكون أبواب الجنة وأبواب الرحمة مفتوحة وأبواب جهنم مغلفة. مسألة: هل رمضان اسم جاء به الإسلام أن كان قديمًا في الجاهلية بهذا الاسم؟ الجواب: لا هو كان قديمًا وقد قيل: إن أسباب تسمية الشهور أن العرب سمّت الشهور بحسب ما وقع فيها في سنة من السنين من الحرب

والكرب، وكان رمضان في تلك السنة التي سموا فيها الشهور في الحر، وكان جمادي في الوقت الذي يجمد فيه الماء ذكر هذا غير واحد من أهل السيرة والمفسرين عند قوله تعالى: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا} ... .. الآية ثم بعد ذلك استقر الأمر فصار الشهر يدور عليه الحر والبرد واسمه ثابت، وبعد هذا جاء الشرع بإقرار هذا والحمد لله. الحديث الثالث: يأتي الكلام عليه في بابه هناك، وإنما ساقه المؤلف هنا للمتابعة التي جاء فيها: قال غيره عن الليث: حدثني عقيل ويونس لهلال رمضان، وأراد المؤلف بإيراده هذا التعليق هنا لإثبات ذكر رمضان بغير لفظ الشهر. مسألة: أورد الحافظ ابن حجر في الفتح قولًا وهو كيف نرى الشرور والمعاصي واقعة في رمضان كثيرة فإنه لو صفدت الشياطين لم تقع هذه المعاصي؟ الجواب: «أن هذه المعاصي تقل عن الصائمين الصوم الذي حوفظ على شروطه وروعيت آدابه أو أن المقصود بها: أن الذي يصفَّد بعض الشياطين - وهم المردة - لا كلهم كما تقدم في بعض الراويات، أو أن المقصود هو تقليل الشرور فيه وهذا أمر محسوس؛ فإن وقوع ذلك فيه أقل من غيره إذ لا يلزم من تصفيدهم ألا يقع شرٌّ أو معصية؛ لأن ذلك له أسباب غير الشياطين كالنفوس الخبيثة والعادات القبيحة والشياطين الإنسية» انتهى. والأمر - كما قال المؤلف - يكثر الخير ويقل الشر، فناسب انفتاح أبواب الجنة وإغلاق أبواب النار ولكن يبقى شيء من الإغواء كما في بعض

الأحاديث لكن لا يخلصون إلى ما كانوا يخلصون إليه في غير رمضان فيخف تسلطهم في رمضان. المراد بالشياطين هنا: شياطين الجن، وأما شياطين الإنس فهم يغدون ويروحون وإنما يصفدهم الآدميون في السجون.

6 - باب من صام رمضان إيمانا واحتسابا ونية

6 - باب من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا ونية وقالت عائشة - رضي الله عنهم - عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: «يُبْعَثونَ على نِيَّاتِهِمْ» [ر 2012] 1802 - حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا هشام حدثنا يحيى عن أبي سلمة عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ». الشرح: علق المؤلف قول عائشة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: «يبعثون على نياتهم» وهذا حديث وقع للمصنف أيضًا؛ ووجه الاستدلال بهذا الحديث: أن النية لها تأثير فإن الناس يبعثون على نياتهم فمن كان مختارًا للشرِّ ولغزو الكعبة كما هو سياق الحديث؛ فإنه يبعث على نيته يوم القيامة، ومن كان معهم ليس له هذه النية - أي نية الشر - وهو غير مختار لهذا الباطل فإنه يبعث على نيته، فالنية لها تأثير في العمل وإن كان صورة العمل واحدة. شرح الحديث: قوله: «من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا» أي إيمانًا بشرعية الله لهذه الليلة وشرعية قيامها والعمل فيها، واحتسابًا للأجر في القراءة والصلاة والذَّكر والدعاء غفر له ما تقدم من ذنبه والأمر كذلك في صيام رمضان، فإن من صامه بنية احتساب الأجر وبنية أن الله افترضه على عباده فقام بشرائطه وواجباته وحفظ صيامه؛ غفر له ما تقدم من ذنبه.

تنبيه: قد جاء في بعض طرق الحديث عن أبي سلمة عن أبي هريرة عند أحمد في المسند زيادة «وما تأخر من ذنبه» وهذه الزيادة لا تصح تفرد بها حماد ابن سلمة عن محمد بن عمرو، وقد روى هذا الحديث عن محمد بن عمرو جماعة كيزيد بن هارون، ومحمد بن بشر، وعبده بن سليمان، والنضر ابن شميل، وثابت بن يزيد وغيرهم لا يذكرون هذا فتفرد بهذه الزيادة حماد ابن سلمة فهي زيادة شاذة وكذلك جاءت هذه الزيادة من حديث سفيان عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة وأكثر الحفاظ من أصحاب سفيان بن عيينة لا يذكرونها، وكذلك الحفاظ من أصحاب الزهري لا يذكرونها كعقيل بن خالد، ويونس بن يزيد، وصالح بن كيسان، والأوزاعي، وإسماعيل بن أبي حمزة لا يذكرون هذه الزيادة وكذلك تلميذ الزهري كما ذكرت سفيان بن عيينة، والعجب أن الحافظ ابن حجر قال: لا بأس بها أو مال إلى تقويتها، وكذلك جاءت من حديث عبادة بن الصامت عند أحمد ولكن الحديث مداره على عبد الله بن محمد بن عقيل وهو لين الحديث وله أفراد ومناكير: ولا يحتمل هذه الزيادة. فالصحيح أن كل حديث فيه زيادة: «وما تأخر من ذنبه» فإنه لا يصح وقد ألَّف الحافظ ابن حجر جزءًا في هذه المسألة ولكن هذه خلاصته، وجاءت عن ابن حبان عن عائشة زيادة غريبة فقد أخرج ابن حبان (7111) من طريق ابن وهب أخبرني حيوة أخبرني أبو صخر عن ابن قسيط عن عروة عن عائشة ... وفيه دعاؤه - صلى الله عليه وسلم - لعائشة: «اللهم أغفر لعائشة ما تقدم من ذنبها وما تأخر ...» وفيه: «.. إنها لدعائي لأمتي في كل صلاة» وهو غير محفوظ وجاءت

عن ابن حبان (539) من طريق دراج أبي السمح عن ابن حجيرة عن أبي هريرة فيمن من أخذ غصن شوك عن طريق الناس وهي منكرة لا تثبت. فالقاعدة: إن كان حديثًا فيه: «وما تأخر من ذنبه» على بعض فضائل الأعمال لا تصح؛ لأنها خصيصة نبوية؛ لقوله تعالى: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا (1) لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ}، وليس معه فيها شريك، ولهذا في الشفاعة يوم القيامة في حديث أنس يقول عيسى: «ائتوا محمدًا عبدًا غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر»؛ ولهذا قال ابن كثير في تفسيره: هذا من خصائصه - صلى الله عليه وسلم - التي لا يشاركه فيها غيره، وليس في حديث صحيح في ثواب الأعمال لغيره غفر ما تقدم من ذنبه وما تأخر ... الخ. اهـ. وهو كلام حافظٍ محرر. ومن فوائد هذا الحديث: أن من صام رمضان على وجه التقليد والمراءاة لا يحصل على هذا الأجر بل يأثم، وكذلك من قام ليلة القدر ليس إيمانًا بشرعيتها ولا احتسابًا لأجرها فلا يحصل له هذا الأجر، وهذا هو المفهوم والظاهر من الحديث، والله أعلم.

7 - باب أجود ما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يكون في رمضان

7 - باب أجود ما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يكون في رمضان 1803 - حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا إبراهيم بن سعد أخبرنا ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أن ابن عباس - رضي الله عنهم - قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - أجود الناس بالخير وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل وكان جبريل - عليه السلام - يلقاه كل ليلة في رمضان حتى ينسلخ يعرض عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - القرآن فإذا لقيه جبريل - عليه السلام - كان أجود بالخير من الريح المرسلة. الشرح: هذا الحديث فيه كما ترجم المؤلف وكما هو سياق الحديث أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان أجود الناس بالخير مطلقًا، وكان أكرمهم عليه الصلاة والسلام، وكان أنفعهم للناس، وكان أجودُ ما يكون في رمضان أي أن جوده في رمضان يزداد عليه الصلاة والسلام لا سيما حينما يلقاه جبريل، وكان جبريل - عليه السلام - يلقاه كل ليلة من رمضان حتى ينسلخ يدارسه القرآن ويعرض عليه القرآن يعني - كان النبي عليه الصلاة والسلام يقرأ وجبريل يستمع ويقرأ جبريل ويستمع النبي - صلى الله عليه وسلم - منه، وهذا هو العرض عليه فيعارض جبريل النبي - صلى الله عليه وسلم - القرآن في كل سنة مرة حتى كان في السنة التي توفي فيها رسول الله عرض جبريل القرآن على الرسول - صلى الله عليه وسلم - مرتين. الفوائد: 1 - أن الإنسان ينبغي أن يكون في رمضان مجتهدًا في النفع وفي الكرم وفي

التشمير الأعمال الصالحة القولية والفعلية تأسيًا بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وهذا رسول الله الذي قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر يفعل ذلك فكيف بمن دونه؟!! 2 - فيه اختصاص هذا الشهر بمدارسة القرآن الكريم؛ لأن القرآن فيه نزل ولأنه أفضل الكلام؛ فإن شهر رمضان هو أفضل الشهور وسيدها وقد جاء في حديث لا يصح أنه سيد الشهور ولكنه أفضل الشهور فناسب أن ينتهز العبد الفرصة ويكثر فيها من قراءة القرآن ويعمر ليله ونهاره بقراءته والإكثار منه كما أنه يقضي نهاره بالصيام، وقد اشتهر عند السلف أنهم كانوا يدعون الله أن يبلغهم رمضان فيكنزون فيه من الكنوز من القراءة الكثيرة والصدقة فربما بعضهم يؤخر الصدقة حتى يأتي شهر رمضان فينفقها فيه، فقد روى مالك في موطئه عن الزهري عن السائب بن يزيد أن عثمان بن عفان - رضي الله عنه - كان يقول: «هذا شهر زكاتكم فمن كان عليه دين فليؤد دينه حتى تحصل أموالكم فتؤدون منه الزكاة». يعني: شهر رمضان. ويجتهدون فيه بالأعمال الصالحة ثم إذا ولَّى هذا الشهر دعوا الله أن يتقبل منهم. 3 - أن هذا الشهر مدرسة للصالحين والعلماء؛ فالجود والخير مطلوب في كل وقت ولكنه في رمضان أولى وأحرى.

8 - باب من لم يدع قول الزور والعمل به في الصوم

8 - باب من لم يدع قول الزور والعمل به في الصوم 1804 - حدثنا آدم بن أبي إياس حدثنا ابن أبي ذئب حدثنا سعيد المقبريُّ عن أبيه عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: «مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ وَالْجَهْلَ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ» [5710]. الشرح: وفي رواية أخرى: «من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل» والجهل أي: السفه وعمل أهل الجهالة. فمعنى الحديث أن الإنسان إذا صام ولم يدع الزور - وهو قول الباطل والكذب - وقول الزور والعمل بالزور؛ فليس لله حاجة في أن يمتنع عن الطعام والشراب وهو يقارف هذه الخطايا؛ لأن المقصود بالصيام هو حصول التقوى لقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} فإذا لم يثمر هذا العمل تقوى الله - عز وجل -؛ فإن الله - عز وجل - ليس محتاجًا لأن يعذب الإنسان نفسه بالامتناع عن الطعام والشراب وهو يقارف الخطايا. الفوائد: فيه الزجر عن تعاطي فعل أهل السفه وقول الباطل والعمل بالباطل؛

ولأن الله - عز وجل - كما قال عن نفسه: {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ} فهذه العبادات شرعت لحصول التقوى فلا ينبغي أن تعطل عما شرعت له.

9 - باب هل يقول: إني صائم إذا شتم؟

9 - باب هل يقول: إني صائم إذا شتم؟ 1805 - حدثنا إبراهيم بن موسى أخبرنا هشام بن يوسف عن ابن جريج قال: أخبرني عطاء عن أبي صالح الزيات أنه سمع أبا هريرة - رضي الله عنه - يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «قَالَ اللَّهُ: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلَّا الصِّيَامَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ وَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَصْخَبْ فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ» [ر 1795]. الشرح: هذا الحديث قدسيُّ وقد سبق سياق المؤلف نحو هذا السياق. والحديث القدسي: هو ما يرويه النبي ق عن الله، يقول فيه الصحابي قال رسول الله ق فيما يرويه عن ربه. واختُلف هل هو من كلام الله أو من كلام الرسول ق؟! وعلى كلا القولين لا يثبت له شيء من أحكام القرآن فيجوز مسُّ الحديث القدسي إذا كان في قرطاس بغير طهارة، ولا يتعبد لله بتلاوته، ولا يؤجر قارئ الحديث القدسي أجر تلاوة القرآن، ولا يكفر منكر الحديث القدسي من حيث إنه حديث قدسيٌّ.

شرح الحديث: قوله: «كل عمل ابن آدم له إلا الصيام» هذا يفسر بالرواية الأخرى: «كل عمل ابن آدم له، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى ما شاء الله إلا الصيام» وهذا أحسن ما قيل في هذا الاستثناء وقد قيل غير هذا، ولكن هذا من أمثل ما قيل. والمعنى أن الله - عز وجل - يجازي عليه الجزاء الكثير بحسب جوده وكرمه لقوله تعالى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} ولأن الصيام فيه أنواع الصبر الثلاثة: 1 - صبر على الطاعة. 2 - صبر عن معصية الله. 3 - صبر على أقدار الله المؤلمة. قوله: «الصيام جنة»: المعنى أنه يقي صاحبه في الدنيا من الآثام وفي الآخرة من النار. قوله: «للصائم فرحتان يفرحهما»: في الحديث إثبات فضل الآخرة على الدنيا؛ لأن الدنيا يفرح فيها الصائم بالفطر والأكل والشرب، وأما الآخرة أو عند الموت أو بعد ذلك فإنه يفرح بالصوم عند لقيا الله - عز وجل - بذلك ففيه أن الدنيا فيها متعة الأجساد والأرواح تابعة لها، وأما الآخرة فالأصل فيها متعة الأرواح والأجساد تابعة لها، والله المستعان. وفيه من الفوائد: شاهد لما ترجم له المؤلف في أن قول: إني صائم ليس من الرياء؛ لأن المقصود به أن يكفَّ شاتمه عن المشاتمة سواءً كان هذا الصوم فرضًا أو نفلًا، كما تقدم.

10 - باب الصوم لمن خاف على نفسه العزبة

10 - باب الصوم لمن خاف على نفسه العزبة 1806 - حدثنا عبدان عن أبي حمزة عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة قال: بينا أنا أمشي مع عبد الله - رضي الله عنه - فقال: كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: «مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ البَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِيعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ، فَإِنَّهُ لَهُ وَجَاءٌ». [4778، 4779] الشرح: في هذا الحديث إرشاد الشباب إلى الزواج فإن في بعض ألفاظ هذا الحديث: «يا معشر الشباب من استطاع الباءة فليتزوج»، وهذا الحديث شرحه والكلام فيه يأتي في كتاب النكاح. الشاهد فيه: «فليتزوج فإنه أغضُّ للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء» وما ذلك إلا أن الصوم يضيق على الإنسان مجاري الشيطان ويضعف النفس فيشرع للإنسان إذا خاف على نفسه شر العزوبة وأثر الشهوة أن يصوم ويكثر من الصيام. ومن الفوائد: أن القصد في العبادة إلى معنى تعود مصلحته إلى الجسد لا يؤثر في الإخلاص، فإن من تعاطى الصيام لإضعاف الشهوة ووقاية شر الفرج لا ينافي كونه يفعل طاعة لله - عز وجل -. مسألة: قد يقول قائل: إن الإنسان إذا صام وكان ذا شهوة فإنه قد يهيج ويزداد رغبة في تفريغ الشهوة فيقال له: هذا يكون في البداية لكن إذا استمر في الصيام وتمادى عليه سكنت نفسه وضعفت بعض الشيء.

11 - باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إذا رأيتم الهلال فصوموا وإذا رأيتموه فافطروا»

11 - باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إذا رأيتم الهلال فصوموا وإذا رأيتموه فافطروا» وقال صلة عن عمار: من صام يوم الشك فقد عصى أبا القاسم - صلى الله عليه وسلم - 1807/ 1808 - حدثنا عبد الله بن مسلمة حدثنا مالك عن نافع عن عبد الله ابن عمر - رضي الله عنهم -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذكر رمضان فقال: «لا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوُا الْهِلالَ وَلا تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ». (1808) - حدثنا عبد الله بن مسلمة: حدثنا مالك، عن عبد الله بن دينار، عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهم -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ لَيْلَةً فَلا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْهُ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثَلاثِينَ». (1809) - حدثنا أبو الوليد حدثنا شعبة عن جبلة بن سحيم قال: سمعت ابن عمر - رضي الله عنه - يقول: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا» وخنس الإبهام في الثالثة. [ر 1801] 1810 - حدثنا آدم حدثنا شعبة حدثنا محمد بن زياد قال: سمعت أبا هريرة - رضي الله عنه - يقول: يقول: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - أو قال: قال أبو القاسم - صلى الله عليه وسلم -: «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ فَإِنْ غُبِّيَ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ». 1811 - حدثنا أبو عاصم عن ابن جريح عن يحيى بن عبد الله بن صيفي عن عكرمة بن عبد الرحمن عن أم سلمة - رضي الله عنها - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - آلى من

نسائه شهرًا فلما مضى تسعة وعشرون يومًا غدا أو راح فقيل له: إنك حلفت أن لا تدخل شهرًا؟ فقال: «إن الشهر يكون تسعة وعشرين يومًا». [4906] 1812 - حدثنا عبد العزيز بن عبد الله حدثنا سليمان بن بلال عن حميد عن أنس - رضي الله عنه - قال: آلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من نسائه وكانت انفكت رجله فأقام في مشربة تسعا وعشرين ليلة ثم نزل فقالوا: يا رسول الله آليت شهرًا؟ فقال: «إن الشهر يكون تسعًا وعشرين». [ر 371] الشرح: عقد المؤلف هذا الباب لبيان متى يكون الصيام؟! ثم علَّق قول النبي - صلى الله عليه وسلم - «إذا رأيتم الهلال فصوموا ....» ثم أسنده بعد ذلك. ثم قال: قال صلة عن عمار: «من صام يوم الشك فقد عصى أبا القاسم»، وهذا التعليق عن عمار مجزوم به، والحديث هذا أخرجه أهل السنن وصححه ابن خزيمة وابن حبان وهو صحيح. قوله: «إذا رأيتم الهلال فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا» نقول: الشهور عند المسلمين يثبت دخولها بأحد أمرين: 1 - إما بإتمام الشهر الذي قبله ثلاثين يومًا. 2 - أو برؤية الهلال ليلة الثلاثين، فهذه شهور أهل الإسلام تثبت بهذين الأمرين.

قوله: «صوموا لرؤيته» اللام هنا تعليلية: أي لأجل رؤيته، ويحتمل أنها مثل قوله تعالى: {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} أي للتوقيت يعني: صوموا عند رؤية الهلال فيكون هو مؤوَّل يعني في الغد. ثم صدر المؤلف الحديث الأول بقوله: «فإن عمَّ عليكم فاقدروا له» ثم أتى بالروايات المبينة لمعنى «أقدروا له» ففي الحديث الثاني قال: «فإن غمَّ عليكم فأكملوا العدة ثلاثين» وقال في الحديث الآخر: «فإن غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين». فالمراد بقوله: «فاقدروا له» أي: أكملوا عدة الشهر ثلاثين. وقد تأول بعض أهل العلم هذا الحديث وهو قوله: «فاقدروا له» وقال: معنى ذلك أي: ضيقوه وقالوا: الشهر عند أهل الإسلام إما أن يكون ثلاثين أو تسعًا وعشرين، فقالوا: فإن غمَّ الهلال فلابد أن نضيق هذا الشهر فيكون تسعة وعشرين يومًا، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «الشهر هكذا .....» كما في الحديث الذي أخرجه مسلم، واختصره البخاري هنا يعني مثل الشهر بيديه - صلى الله عليه وسلم - فقال مرة «ثلاثين» وأشار بيديه - ثلاث مرات - وقال مرة: «تسعة وعشرين» وأشار بيده ثلاث مرات غير أنه خنس بإبهامه في الثالثة. وقال الحنابلة رحمهم الله وغيرهم: «معنى اقدروا له» أي اجعلوه تسعًا وعشرين فإذا كانت ليلة الثلاثين فيها قتر أو غيم وما أشبه ذلك؛ فأننا نجعل الشهر تسعًا وعشرين ونصوم اليوم الذي بعده لرمضان وقالوا: هو مثل قوله تعالى: {وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ ...} أي ضيّق عليه، وهذا القول ضعيف؛ لأن هذا الحديث يفسر بالأحاديث الأخرى فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «فإن غمَّ عليكم

فأكملوا العدة ثلاثين» والأحاديث يفسر بعضها بعضًا، وهذا من ناحية، ومن ناحية أخرى أيضًا ما علقه المؤلف من حديث عمار قال: «من صام يوم الشك فقد عصى أبا القاسم» ومعلوم أن الهلال إذا لم ير في ليلة الثلاثين لغيم أو قتر فهو يوم شكٍّ لا ندري هل هذا اليوم هو تمام شهر شعبان أو أول يوم من أيام رمضان؟! فجاءت السُّنة أنه لا يجوز صيامه؛ لأن عمارًا قال: من صام يوم الشك فقد عصى أبا القاسم - صلى الله عليه وسلم -. فهذان دليلان على أن معنى: «اقدروا له» أي أتموا شعبان ثلاثين يومًا، وأيضًا كما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - كما سيأتي قوله: «لا تقدَّموا رمضان بصوم يوم أو يومين» فهذه جملة الأدلة على أن الثلاثين إذا لم يرَ الهلال لغيم أو قتر؛ فإننا نكمل شعبان ثلاثين يومًا والحكمة في إتمام شهر شعبان ثلاثين يومًا هو حتى يتحقق الفصل بين الفرض والنفل وحتى لا يدخل في الفرض ما ليس فيه، وكما أنه يكون في أول الشهر يكون في آخر الشهر ولهذا نُهي عن صيام يوم عيد الفطر؛ لأنه فاصل في نهاية شهر رمضان بين الحل والإفطار وأيام الصوم والإمساك ففصل الفرض في البداية والنهاية حتى تكون الشريعة واضحة فلا يدخل فيها ما ليس منها. وقال بعض أهل العلم: معنى «فاقدروا له» أي العمل بالحساب، وهو قول بعض أهل العلم مثل أبي العباس بن سريج وعمل به بعض المتأخرين، وقد قال شيخ الإسلام عن هذا القول: «هذا القول محدّثٌ في الإسلام» وهو قول مبتدع وهذا هو الصحيح؛ لأن هذه الأمة أمية كما قال النبي عليه الصلاة والسلام وسيأتي بإذن الله.

مسألة: العمل بالحساب ومنازل القمر لا بالرؤية؟ انقسم أهل العلم فيها إلى ثلاثة أقسام: 1 - قيل: يعمل به مطلقًا وهذا قول الأقلين من العلماء. 2 - وقيل: لا يعمل به مطلقًا، وهذا هو الصحيح وهو قول أكثر أهل العلم. 3 - قيل: يعمل به إذا تعذرت الرؤيا. والصحيح عدم العمل به مطلقًا لا في دخول الشهر ولا في خروجه والعمل بالحساب من الأقوال المحدثة في الإسلام، وقد اشتهر في الآونة الأخيرة الدعوة إلى العمل بالحساب ولكن هذه الدعوة دعوة شر وليست دعوة خير. مسألة مهمة: إذا رؤي الهلال في بلد وثبت ثبوتًا شرعيًا هل يلزم الناس كلهم أن يصوموا في جميع الأمصار؟ الجواب: قيل: إذا رؤي في بلد فإنه يلزم أهل الأرض كلهم، وقيل: يلزم الصوم والفطر من رآه فقط فأهل البلد الذين رأوه هم الذين يلزمهم دون غيرهم. وقال شيخ الإسلام قولاً وسطًا: وهو إذا اختلفت المطالع يعني: إذا رآه أهل البلد وثبت عندهم فينظر المطالع التي تتفق مع هذا البلد؛ فإنه يلزمهم حكم هذه الرؤيا، وأما المطالع إذا اختلفت عن مطلع هذا البلد فإنه لا يلزمهم حكم الرؤيا. وهذا هو الصحيح وأقربها للنص والقياس، أما النص لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «من

شهد منكم الشهر فليصمه شهد منكم الشهر فليصمه» ومعلوم أنه إذا اختلفت المطالع لا يقال للمخالف: إنه شهد الشهر حتى نلزمه بالصوم، وأما القياس فإن الله علق الإمساك بالتبين من طلوع الفجر وعلق الفطر بغروب الشمس، ومعلوم أن أهل البلد الواحد يشتركون في هذا حيث إنهم يشتركون في التبين وهو تبين الفجر وفي غروب الشمس فكان حكمًا واحدًا، فكذلك يقال في مسألة أهل المطلع الواحد: إذا كانوا يشتركون مع بلد آخر يسامته فهو مثله؛ لأن الشريعة لا تفرق بين المتماثلات كما أنها لا تجمع بين المختلفات. فالمتماثلات حكمها واحد، والمختلفات أحاكمها مختلفة، وفي الباب حديث أم الفضل في قصة إرسالها كريبًا إلى معاوية ثم رجع وأخبر ابن عباس أن معاوية صام فلم يصم ابن عباس ولم يعتد برؤية أهل الشام، وهذا حجة لشيخ الإسلام في هذه المسألة، وهذا الحديث - قصة كريب مع ابن عباس - احتج بها القائلون أنه إذا رأى أهل بلد أنه يلزم الجميع واحتج به أيضًا من قال: إنه إذا رآه أهل بلد فإنه يلزمهم دون غيرهم، ولكن أكثر علماء عصرنا وبالذات أهل المجمع الفقهي يرون - أو يحبذون - أنه إذا رؤي في بلد فإنه يلزم الأمة جميعًا من باب جمع الأمة الإسلامية وعدم التفريق ومن باب الأخذ بقول بعض أهل العلم، والصحيح ما ذكره شيخ الإسلام. معنى المطالع: هي منازل القمر التي يتفق فيها أهل البلد، فأهل خراسان ليس حكمهم حكم أهل المغرب في المطلع وهذا أمر يعرفه أهل الخبرة. مسألة: الرؤية بالمرصد الفلكي الصحيح فيها أنه يعد من النظر بالعين، وهو قول ابن باز وابن عثيمين رحمهما الله فكما أن المرصد يقرب القمر؛

فإن النظارة تكبر الحرف فهو مباح، وبعضهم يرى أن الرؤية بالمرصد من التنطع في الدين يقولون: نحن نراه بعيوننا كما كان السلف فإذا رأيناه وإلا أتممنا عدة الشهر ثلاثين. فنقول الرد عليهم: أن العمل بالمراصد فيه مصلحة للناس؛ لأنه أحيانًا يتكاسل الناس عن الرؤية ويتجافون فإذا وجد هناك أناس يراقبون في المرصد فلا بأس وذلك طيبٌ وهو من باب التعاون على البر والتقوى. فائدة: لو جاء شخص وقال: رأيته بالعين المجردة ولم يُر بالمرصد فنقول: هذا خطأ من الشخص حيث لم يُر بالمرصد فلا نقبل قوله.

12 - باب شهرا عيد لا ينقصان

12 - بَابٌ شَهْرَا عِيد لاَ يَنْقُصَانِ قال أبو عبد الله: قال إسحاق. وإن كان ناقصًا فهو تمام، وقال محمد: لا يجتمعان كلاهما ناقص. 1813 - حدثنا مسدد حدثنا معتمر قال: سمعت إسحاق بن سويد عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وحدثني مسددٌ حدثنا معتمر عن خالد الحذاء قال: أخبرني عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «شَهْرَانِ لاَ يَنْقُصَانِ شَهْرَا عِيدٍ رَمَضَانُ وَذُو الْحَجَّةِ». الشرح: هذا الحديث اختلف في معناه فقيل: الأمر - كما قال إسحاق بن راهويه:- إنه إن كان ناقص في العدة فهو تمام في الأجر - أي وإن كان رمضان تسعًا وعشرين فإنه يكتب أجره كاملًا ثلاثين إذا صامه وقامه وكذلك ذو الحجة إذا كان ناقصًا فإنه يكتب الأجر كاملًا. وقيل: إنهما لا يجتمعان ناقصين؛ فإن كان رمضان تسعًا وعشرين؛ فذو الحجة ثلاثين وإن كان رمضان ثلاثين فقد يكون ذو الحجة ثلاثين وقد يكون تسعًا وعشرين إنما المنع أن يكونا تسعًا وعشرين في سنة واحدة كلاهما؛ فإنه لا يجتمع ولا يكون وهذا يحتاج إلى تتبع. والقول الصحيح أنه لا يخرج عن هذين القولين وكلاهما مرويٌّ عن السلف.

قوله: قال محمد: المقصود به هو البخاري نفسه. تنبيه: كيف يقال في رمضان شهر عيد والعيد بعده؟ قيل: لأجل القرب والمجاورة.

13 - باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا نكتب ولا نحسب»

13 - باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لَا نَكْتُبُ وَلَا نَحْسُبُ» 1814 - حدثنا آدم حدثنا الأسود بن قيس حدثنا سعيد بن عمرو أنه سمع ابن عمر - رضي الله عنهم -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «إِنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ لَا نَكْتُبُ وَلَا نَحْسُبُ الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا يَعْنِي مَرَّةً تِسْعَةً وَعِشْرِينَ وَمَرَّةً ثَلَاثِينَ» [ر 1801]. الشرح: هذه الترجمة وصلها المؤلف: في الباب نفسه. والمعلقات عند البخاري: تارة تكون مجزومًا بها وتارة غير مجزوم بها، والمجزوم بها تارة يصلها في الباب نفسه والترجمة نفسها وأحيانًا في باب آخر وأحيانًا معلقة له غير موصولة له في كتابه، وأما المعلقات التي ليس مجزومًا بها فتارة تكون مسندة عنده خلافًا لمن قال: إن قول البخاري: روي وما أشبه ذلك على صيغة التمريض يقتضي ضعف الحديث فهذا ليس على طريقة المتقدمين فالبخاري أحيانًا يقول: روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وكذا الإمام أحمد في مسائله يذكر نحو هذا ويكون هذا من أصحِّ ما يروى عن رسول الله؛ فالبخاري: تارة يعلق تعليقات ويصلها وبعض الأحيان لا يصلها؛ فإن كانت مجزومة بها عنده فإنها صحيحة إلى من علقها عنه وإن كانت غير مجزوم بها؛ فإن خرجها فقد أبان عن رأيه فيها وإن لم يخرجها ينظر فيها ولا ينسب إلى البخاري تضعيفها. قوله: «إنا أمة أمية» من أحسن من تكلم على هذه المسألة شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى ج 25 ص 166.

وأنا أنقل أجزاء متفرقة من كلام شيخ الإسلام: قال شيخ الإسلام: «إنا أمة أمية» ليس طلبًا للأمية فإنهم أميون قبل الشريعة لقوله تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ} قال: فإذا كانت هذه صفة لهم ثابتة قبل المبعث لم يكونوا مأمورين بابتدائها يعني بعد ذلك نعم قد يكونون مأمورين بالبقاء على بعض أحكامها ولم يؤمروا أن يبقوا عليها مطلقًا ... إلى قوله: فمن كتب أو حسب فليس من هذه الأمة في هذا الحكم - يعني الرؤية ومسألة الأهلة - وقال أيضًا: فلما بعث فيهم - أي النبي - صلى الله عليه وسلم - ووجب عليهم إتباع ما جاء به من الكتاب وتدبره وعقله والعمل به صاروا أهل علم وكتاب بل صاروا أعلم الخلق وأفضلهم في العلوم النافعة وزالت عنهم الأمية المذمومة وهي عدم العلم بالكتاب المنزل إلى أن علموا الكتاب والحكمة، ولهذا قال: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ} قال: فإذا كانت هذه صفة لهم ثابتة قبل المبعث لم يكونوا مأمورين بابتدائها يعني بعد ذلك نعم قد يكونون مأمورين بالبقاء على بعض أحكامها ولم يؤمروا أن يبقوا عليها مطلقًا ... إلى قوله: فمن كتب أو حسب فليس من هذه الأمة في هذا الحكم - يعني الرؤية ومسألة الأهلة - وقال أيضًا: فلما بعث فيهم - أي النبي - صلى الله عليه وسلم - ووجب عليهم إتباع ما جاء به من الكتاب وتدبره وعقله والعمل به صاروا أهل علم وكتاب بل صروا أعلم الخلق وأفضلهم في العلوم النافعة وزالت عنهم الأمية المذمومة وهي عدم العلم بالكتاب المنزل إلى أن علموا الكتاب والحكمة، ولهذا قال: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ} الآية إلى أن قال: فصارت هذه الأمية منها ما هو محرم، ومنها ما هو مكروه، ومنها ما هو نقص وترك الأفضل فمن لم يقرأ الفاتحة أو شيئًا من القرآن يسميه الفقهاء أميًّا .... إلى قوله: والخط والكتابة إذا حصّلها الإنسان واستعان بها على كماله وفضله كالذي يتعلم الخط لأجل تعلم القرآن وكتب العلوم النافعة؛ كان هذا فضلًا وكمالًا؛ وإن استعان بها على تحصيل ما يضرُّه؛ كان هذا ضررًا في حقه وسيئًا ... وقال أيضًا: وإن أمكن أن يستغني عنها بالكلية بأن ينال فضائل العلوم من غيرها وكمال التعلم وبدونها كان هذا أفضل وأكمل وهذا هو حال النبي - صلى الله عليه وسلم -، والنبي - صلى الله عليه وسلم - بين المراد في قوله: «الشهر هكذا وهكذا» بين المراد أنا لا نحتاج في أمر الهلال إلى كتاب

وحساب وهذا هو المراد: فليس فيه مدح للأمية مطلقة، وإنما الأمة الأمية تتعاطى هذا في مسألة الهلال ولا تتعاطى الكتاب والحساب؛ وأما الأمر بالكتابة والتعلم فهذا قد جاء في أخبارٍ وآثارٍ؛ فقد روي عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - الحثُّ على التعلم حيث قال عليه الصلاة والسلام للشفاء بنت عبد الله: «علِّمي حفصة رقية النملة كما علمتيها الكتابة» فأمرها بأن تعلمها الكتابة ....» إلخ كلامه رحمه الله تعالى. على أنه جاء في بعض الأخبار أن «من علامات الساعة فشو القلم» جاء هذا من حديث عمرو بن تغلب وجاء عن غيره (¬1) ولكن في هذه الأخبار - أخبار فشو القلم أو ظهور القلم - ضعف إن صح شيء منها فالأمة مهما بلغت توجد نسبة الأمية فيها بكثرة. فالمراد بقوله: «إنا أمة أمية» لا نكتب ولا نحسب أن المراد بذلك هو في نفس الحكم هذا. مسألة: هل صحَّ في أدعية رؤية الهلال شيء أم لا؟ الجواب: أن ظاهر المنقول عن بعض الحفاظ مثل أبي داود والعقيلي أنه لا يصلح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في مسألة رؤية الهلال شيء، حتى قال أبو داود: ليس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في رؤية الهلال حيث مسند، وأمثل ما في مسألة الدعاء عند ¬

(¬1) وحديث عمرو بن تغلب أصله في الصحيح دون هذه اللفظة «وفشو القلم» فهي غير محفوظة في حديث عمرو وليس هذا موضع بسط الكلام عليها هنا، ولها شاهد من حديث ابن مسعود عند أحمد (1/ 407) وفي إسناده نظر بهذا اللفظ ولو صح فهو محمول على ظهور الكتابة ولا يعارضه أحاديث رفع العلم فالمراد العلم الشرعي فيقل جدًا مع وجود الكتبة، وهذا حال عصرنا بل قبله بدهور تجد الرجل كاتبًا ذا (شهادات عصرية كثيرة) ولا يفقه من دينه شيئًا، والله المستعان.

رؤية الهلال قوله: «اللهم أهلَّه علينا بالأمن والإيمان والسلامة والإسلام» أمثل ما فيها مرسل قتادة بن دعامة السدوسي لكني رأيت كلامًا للحافظ في الإصابة في ترجمة عبد الله بن هشام قال الحافظ: وأخرج أبو القاسم البغوي من طريق إصبغ عن ابن وهب عن سعيد عن زهرة بن معبد عن جده عبد الله بن هشام قال: كان أصحاب الرسول - صلى الله عليه وسلم - يتعلمون الدعاء كما يتعلمون القرآن إن دخل الشهر أو السنة قالوا: «اللهم أدخله علينا بالأمن والإيمان والسلامة والإسلام والجواز من الشيطان ورضوان من الرحمن» وهذا السند بعينه وقع للبخاري في كتاب الشركة عن عبد الله بن هشام، وقد أخرج البخاري هذا السند في صحيحه ولكن على متن آخر، وأيضًا أخرج ابن أبي شيبة عن ابن عباس بسند لا بأس به أنه كره أن ينصب للهلال ولكن يعرض ويقول: «الله أكبر والحمد لله الذي أذهب هلال كذا وجاء بهلال كذا» قلت: إن ما يظهر لي من هذه الآثار أنها تُثبت الدعاء عند رؤية الهلال، فما صح عن ابن عباس مع مرسل قتادة والأثر الذي ذكرنا بسند البخاري يدل على أنه لا بأس بهذا الدعاء عند رؤية الهلال ولكن الذي يظهر أنه ليس محفوظًا من هذا الطريق، وأما الطرق التي رواها أهل السنن في حديث: «اللهم أهله علينا ...» كلها مدخولة وكلها متكلم فيها فالعمدة على ما ذكرته من آثار حسب، فهي صحابة وهي سنة هدى.

14 - باب لا يتقدم رمضان بصوم يوم ولا يومين

14 - باب لا يتقدم رمضان بصوم يوم ولا يومين 1815 - حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا هشام حدثنا يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لاَ يَتَقَدَّمَنَّ أَحَدُكُمْ رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمَهُ فَلْيَصُمْ ذَلِكَ الْيَوْمَ». الشرح: الأصل في نهي النبي - صلى الله عليه وسلم - عن تقدم رمضان بصيام يوم أو يومين، التحريم، وقد يقال: إن ههنا تقسيم: 1 - أنه إذا صام الإنسان آخر شهر شعبان احتياطًا لرمضان كان هذا محرمًا وإثمه أغلظ. 2 - أن يصومه نفلًا مطلقًا لا بنيه الاحتياط، وهذا فيه ركوبٌ للنهي، ولا شك في كونه محرمًا. 3 - أن يصومه الإنسان على وجه العادة، مثل: أن يصوم يومًا ويفطر يومًا، وصادف آخر يوم من شعبان يوم صومه فهذا لا بأس بصيامه وهذا الذي جاء فيه الحديث: «إلا أن يكون رجلًا كان يصوم صومه فليصم ذلك اليوم»؛ لأن السبب الظاهر في صيام هذا الإنسان يمنع كونه من رمضان؛ فإنه يصوم هذا اليوم لكونه يوم الاثنين أو يوم الخميس على القول بصحة الآثار في صيام يوم الخميس ويأتي - إن شاء الله - أنها تثبت بها الحجة وكذلك إذا كان يصوم يومًا ويفطر يومًا فإنه إذا صام هذه الأيام بهذه النية فإنه يمتنع كونه محتاطًا لرمضان وهذه قاعدة: كما قلنا في جواز ذوات الأسباب في

أوقات النهي؛ لأن السبب الظاهر يمنع كون هذا المصلي في وقت النهي معظمًا للشمس أو مشابهًا للكفار. ومن الحكم في النهي عن صيام آخر يوم أو يومين من شعبان: هو الأمر بالفصل بين الفرض والنفل، وعلى هذا استقرت الشريعة على فصل النوافل عن الفرائض ولهذا نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الصلاة بعد الإقامة وهذا نهي وصل النفل بالفرض في البداية؛ ونهى كما في حديث معاوية: «أمرنا أن لا نصل صلاة بصلاة من غير أن نتكلم أو نخرج» فهذا نهي في النهاية عن وصل الفرض بالنفل، وعلى هذا استقرت الشريعة فإنه كما نهي عن تقدم رمضان بيوم أو يومين كذلك نهي عن صوم يوم الفطر الذي هو بعد رمضان وذلك حتى يكون رمضان مكتنفًا بأيام الفطر؛ ولهذا يفصل الفرض عن النفل حتى لا يزداد الفرائض ما ليس منها. وهنا ننبه على حديث رواه أهل السنن من طريق العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا انتصف شعبان فلا تصوموا» أكثر أهل العلم على تضعيف هذا الحديث كالإمام أحمد وأبي حاتم وأبي زرعة والنسائي وجماعة كثيرة من الحفاظ ضعفوا هذا الحديث وهو من منكرات العلاء، وإن كان العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة قد أخرج له مسلم بهذه الجادة أكثر من الأربعين حديثًا لكن مسلمًا: أعرض عن هذا الحديث، فتكلَّم أهل العلم في هذا الحديث من أجل المخالفة للأحاديث الأخرى، فإنه مخالف لحديث عائشة في صيام شعبان ومخالف لمفهوم حديث أبي هريرة الذي في الباب فإنه إنما نهي عن صيام آخر يوم أو يومين فقط، وأما الباقي فإن الأصل فيه الإباحة، بل المشروعية

لصيام شعبان أو أكثره كما سيأتي في حديث عائشة، ولكن شذَّ ابن حزم وقال: يحرم صيام يوم السادس عشر فقط؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا انتصف شعبان فلا تصوموا» وإذا انتصف شعبان فأول يوم يصادفنا بعد النصف هو السادس عشر فالتزم ابن حزم هذه الظاهرية البحتة وقال: يحرم صيام السادس عشر، وأما السابع عشر فيجوز وحسبك في حكاية هذا القول كفاية في رده. لكن استثنى أهل العلم أنه لو كان على الإنسان أيامٌ من رمضان الماضي فإنه يجب عليه صيامها في شعبان حتى لو لم يكن بقي من شعبان سوى عدة ما ترك من رمضان الماضي فإنه يجب عليه أن يقوم ولو كان هذا آخر يوم من شعبان أو يومين كمن مثلًا عليه خمسة أيام من رمضان الماضي وقد مضى من شعبان خمس وعشرون يومًا فإنه يجب عليه حينئذٍ أن يسرد الصوم حتى لا يؤخر صيام رمضان إلى رمضان القادم. مسألة: وهل عليه أن يقدر الشهر كاملًا أو ناقصًا أي يقدره - تسعًا وعشرين أو ثلاثين؟ الجواب: إن عدَّه كاملًا فلا بأس، ولكن الأفضل أن يعده ناقصًا ولو قدَّره تامًّا فبان ناقصًا فالمسألة يوم واحد، يقضيه.

15 - باب قول الله جل ذكره: {أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم هن لباس لكم وأنتم لباس لهن}

15 - باب قول الله جل ذكرهُ: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِ رُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ} [البقرة: 187] 1816 - حدثنا عبيد الله بن موسى عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن البراء - رضي الله عنه - قال: كان أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - إذا كان الرجل صائمًا فحضر الإفطار فنام قبل أن يفطر لم يأكل ليلته ولا يومه حتى يُمسي وإن قيس بن صرمة الأنصاري كان صائمًا فلما حضر الإفطار أتى امرأته فقال لها: أعندك طعام؟ قالت: لا ولكن انطلق فأطلب لك وكان يومه يعمل فغلبته عيناه فجاءته امرأته فلما رأته قال: خيبة لك فلما انتصف النهار غشي عليه فذكر ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فنزلت هذه الآية {لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} [البقرة: 187] ففرحوا بها فرحًا شديدًا ونزلت: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} [البقرة: 187]. [4238] الشرح: قال بعض أهل العلم - كابن القيم وغيره من أهل العلم: إن بداية تشريع صوم شهر رمضان كان على ثلاثة أحوال: 1 - التخيير بين الإطعام والصيام مع تفضيل الصيام كما هو صريح آية البقرة.

2 - الإلزام بالصيام ولكن على هيئة خاصة كما في حديث البراء في الباب أنه إذا كان الرجل صائمًا وحضر الإفطار ونام قبل أن يفطر لم يأكل ليلته ولا يومه حتى يمسي يعني إذا غربت الشمس فإنه يحل له أن يفطر ولكن إذا ناموا قبل الأكل فإنه يلزمه الإمساك إلى مغيب الشمس من الغد كما هو في قصة قيس بن صرمة الأنصاري كان صائمًا فلما حضر الإفطار أتى امرأته وسألها هل عندك طعام؟ قالت: لا ولكن أنطلق وأطلب لك وكان يومه يعمي فغلبت عينه فجاءته امرأته فرأته نائمًا فقالت: خيبة لك وهذا الدعاء مما يجري على اللسان ولا يراد معناه، فلما انتصف النهار غشي عليه من الغد، وذلك لغلبة الجوع والعطش فذكر ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فنزل قوله: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} يعني طيلة الليل مباح إلى طلوع الفجر وهي الحالة الثالثة ففرح المسلمون بها فرحًا شديدًا ثم نزل قوله تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ ....} ثم استقرَّ الأمر على هذا حتى توفى الله نبيَّه فكانت ليلة الصيام هل حلٌّ في جميع المفطرات والنهار صوم وهذا كان ابتلاء لأصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فخفف الله عنهم.

16 - باب قول الله تعالى {وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل}

16 - باب قول الله تعالى {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187] فيه البراءُ عن النبي - صلى الله عليه وسلم -[ر 1816] 1817 - حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ أَخْبَرَنِي حُصَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ - رضي الله عنهم - قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ} عَمَدْتُ إِلَى عِقَالٍ أَسْوَدَ وَإِلَى عِقَالٍ أَبْيَضَ فَجَعَلْتُهُمَا تَحْتَ وِسَادَتِي فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ فِي اللَّيْلِ فَلَا يَسْتَبِينُ لِي فَغَدَوْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَذَكَرْتُ لَهُ ذَلِكَ فَقَالَ: «إِنَّمَا ذَلِكَ سَوَادُ اللَّيْلِ وَبَيَاضُ النَّهَارِ». [4239، 4240] 1818 - حدثنا سعيد بن أبي مريم حدثنا ابن أبي حازم عن أبيه عن سهل بن سعد (ح) حدثني سعيد بن أبي مريم حدثنا أبو غسان محمد بن مطرف قال: حدثني أبو حازم عن سهل بن سعد قال: أنزلت {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ} ولم تنزل {مِنَ الْفَجْرِ} فكان رجال إذا أرادوا الصوم ربط أحدهم في رجله الخيط الأبيض والخيط الأسود ولم يزل يأكل حتى يتبين له رؤيتهما فأنزل الله بعد {مِنَ الْفَجْرِ} فعلموا أنه إنما يعني الليل والنهار. [4241]

الشرح: قوله فيه عن البراء أي الحديث المتقدم في الباب السابق. هذا الحديث فيه دلائل: 1 - أن من تأول القرآن جاهلًا بدلالاته لا شيء عليه؛ لأن عدي بن حاتم - رضي الله عنه - ومعه رجال من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - تأولوا الخيط الأبيض والأسود بالخيط المعروف من القماش وهذا قبل نزول قوله تعالى: {مِنَ الْفَجْرِ} الذي حصل به التبيان فتأولوا هذه الآية ولم يأمرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - بالقضاء لأنه قد يتأخر إدراكهم للون الخيط الأبيض من الأسود حتى بعد طلوع الفجر كما هو الظاهر؛ لأن طلوع الفجر يسبق الإدراك والتمييز في مثل هذه الأشياء الدقيقة فيكون ضرورة أنهم أكلوا وشربوا بعد طلوع الفجر فلم يؤمروا بالقضاء وهكذا من أتى بمفطر ولم يعلم أن الفجر لم يطلع فليس عليه شيء وهو الصحيح في المسألة أنه لا شيء عليه ولذلك لم يأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه بالقضاء.

17 - باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا يمنعكم من سحوركم أذان بلال»

17 - باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا يَمْنَعُكُمْ مِنْ سُحُورِكُمْ أَذَانُ بِلالٍ» حدثنا عبيد بن إسماعيل عن أبي أسامة عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر والقاسم بن محمد عن عائشة - رضي الله عنها -: أن بلالًا كان يؤذن بالليل فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «كُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّن اِبْن أُمّ مَكْتُوم فإنه لا يُؤَذِّن حتى يَطُلُع الْفَجْرُ». قال القاسم: ولم يكن بين أذانهما إلا أن يرقى ذا وينزل ذا. [ر 597] الشرح: زيادة «قال القاسم» لا يقال أنها مرسلة؛ لأن القاسم تابعي وقد رواها النسائي من طريق عبيد الله بن عمر عن القاسم عن عائشة قالت: «ولم يكن» وهذا من كلام عائشة - رضي الله عنها -. فمعنى كلام البخاري قال القاسم أي في رواية عن عائشة وقد جاءت هذه الزيادة عند مسلم من حديث ابن عمر. وظاهر هذا الحديث ضيق الوقت بين الأذانين، ليس بين الأذانين إلا أن ينزل هذا ويرقى هذا، وهذا مشكل؛ لأن هذه المدة لا تكفي لكي ينتبه النائم حتى يستيقظ ويتحسر ولهذا قال النووي في تأويلها: قال العلماء: إن بلالًا كان يتربص بعد أذانه أي ينتظر للدعاء فهو يؤذن، وكان بلال يصعد على بيت امرأة من الأنصار فيؤذن ويمكث بعد أذانه وقتًا للدعاء فإذا قارب طلوع الفجر نزل وأخبر ابن أم مكتوب فيتأهب ابن أم مكتوم للطهارة وغيرها ثم يرقى ويشرع في الأذان، ولكن الحافظ ابن حجر وغيره لم يرض هذا

التأويل وقال: هذا مع مخالفته للسياق؛ لأن السياق لم يكن بينها إلا أن يرقى هذا وينزل ذلك، وأيضًا هذا يحتاج إلى دليل خاص. قلت: أخرج الطيالسي وأحمد وابن خزيمة من طريق شعبة عن خبيب بن عبد الرحمن قال: حدثتني عمتي أنيسة قالت: كان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - مؤذنان بلال وابن أم مكتوم فقال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: «إن بلالًا يؤذن بليل فكلوا وأشربوا حتى يؤذن ابن مكتوم» فقالت: أي أنيسة - فكنا نحبس ابن مكتوم عن الأذان فنقول: كما أنت حتى نتسحر فقالت: لم يكن بينهما إلا أن ينزل هذا ويصعد هذا. وقال بعضهم: الحديث على بابه وكان بعضهم ياكلون العلقة من الطعام أي الشيء اليسير تميرات وما تيسر وماء، وكانت هذه أزواد القوم وطعامهم وبكل حال يخرج مخرجًا صحيحًا. وقوله: «إن بلالًا يؤذن بليل» الباء هنا ظرفية يعني في الليل وهذا في رمضان. وقوله: «كلوا واشربوا» هل هذا للإباحة أم للاستحباب؟ الجواب: الظاهر أنه للإباحة أما كون السحور مستحب فإنه يؤخذ من أدلة أخرى، وهذا الأذان - أي أذان بلال الأول - ليس لصلاة الفجر؛ لأنه أذن قبل دخول الوقت ولأنه علل في حديث ابن مسعود الذي أخرجه البخاري في كتاب الأذان «إن بلالًا يؤذن بليل ليرجع قائمكم ولينب نائمكم» ففيه جواز الأذان لغرض لغير الصلاة وهو إرجاع القائم أي يقطع صلاته ويوتر حتى لا يدخل عليه الفجر وهو لم يوتر وتنبيه النائم كذلك، أما في رمضان فهذا الحكم واضح؛ لأن فيه العلتين اللتين في الحديث والعلتان هما:

1 - إيقاظ النائم حتى يتأهب لصلاة الفجر. 2 - وإرجاع القائم عن الصلاة حتى يتأهب السحور. مسألة: هل يشرع الأذان الأول في غير رمضان؟ الجواب: نعم؛ لأن فيه إحدى العلتين وهي إيقاظ النائم حتى يستعد للصلاة، وهذه العلة كافية في شرعية الأذان فإنه يكون هناك أذانين، ولهذا أمر عثمان - رضي الله عنه -، بالأذان الأول يوم الجمعة مع أنه لم يكن في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - فزاده عثمان حتى يتأهب الناس للصلاة فعلم أن الأذان ليتأهب الناس للصلاة جنسه مشروع فعله عثمان؛ فيكون الأذان الأول في غير رمضان سائغ ومشروع، وعليه عمل الحرمين منذ أزمنة متطاولة كما ذكر ذلك البيهقي وغيره، ومنع بعض أهل العلم الأذان الأول مثل ابن القطان وغيره وقال: أن الأذان الأول خاص برمضان وقد رد عليه الحافظ ابن حجر وقال: فيه نظر. وقال ابن عبد البر في الاستذكار: فيه الإخبار يعني في هذا الحديث أن بلالًا كان يؤذن للصبح بالليل ولما جاء رمضان قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا يمنعكم أذانه من سحوركم» وهذا هو الصحيح أن الأذان الأول مشروع في غير رمضان؛ لأن فيه إحدى العلتين وهي لأجل التأهب للصلاة، فهذه العلة كافية في شرعيته، وأخرج مالك عن هشام بن عروة أن سودة بنت عبد الله بن عمر كانت عند عروة بن الزبير، فخرجت تطوف بين الصفا والمروة في حج أو عمرة ماشية وكانت امرأة ثقيلة فجاءت حين انصراف الناس من العشاء فلم تقص طوافها حتى نودي بالأول من الصبح فقضت طوافها ...

وقوله الأول: أي أذان الصبح الأول وهو في غير رمضان لقوله في حج وقوله من الصبح بيانية. الفوائد: 1 - أنه يؤذن على مكان مرتفع، كما أنه يطلب على الصوت في الأذان فإنه يطلب علوًّا له؛ لأن الصوت إذا كان عاليًا مرتفعًا كان له وصولًا لأكبر قدر ممكن من الناس. مسألة: هل في هذه الفائدة شرعية بناء المنابر؟ الجواب: نقول انقسم العلماء في بناء المنائر المحدثة الجديدة هذه إلى ثلاثة أقسام: 1 - قال بعضهم أن هذه المنائر مبتدعة فلم يعرفها المسلمون في القرون المفضلة. 2 - وقال بعضهم بل هي مشروعة وسنة؛ لأنه قد ثبت أصل مشروعية بنائها وهو الأذان على علو فيكون بناؤها مشروعًا. 3 - وقال بعضهم بل هي مباحة ولكن يتوسط فيها؛ لأن في بنائها سرف في القيمة ولهذا كان شيخنا ابن عثيمين إذا أراد بناء مسجد لبعض أهل الخير أو من عنده فيقول: أشترط أن لا يكون بناء المنارة من مال الوقف؛ لأن بناء المنارة يتطلب مالًا كثيرًا جدًّا؛ وذلك لأن بناء المنارة لابد له من حفرة عميقة تملأ من الأسمنت وغيرها حتى تثبت ولا تسقط، وقد سألت عن قيمتها في المتوسط منها فقالوا: قرابة التسعين ألف ريال وهذا كثير جدًا وعليه نقول أنه لا ينبغي الإسراف في بنائها وإن ارتفعت حديدة بها مكبرات

الصوت أدت الغرض من غير أن يكون هناك إسراف، وهذه المنائر أصلها حادثة ووضع الهلال عليها أيضًا وهذا راغم به المسلمون أهل الكنائس الذين كانوا يبنون الكنائس ومعابد النصارى فيرفعون عليها الصليب؛ فرفع المسلمون عليها الهلال وصار المسلمون يراغمونهم في كثير من الأمور حتى لما جاء الصليب الأحمر وضع المسلمون الهلال الأحمر وهكذا. أشار الحافظ ابن حجر في فتح الباري إلى ما رواه سعيد بن منصور عن أبي الأحوص عن عاصم عن زر عن حذيفة قال: «تسحرنا مع رسول الله فقال: «هو والله النهار غير أن الشمس لم تطلع» وهذا الحديث لا يصح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بل الصحيح وقفه على حذيفة ولفظه عند النسائي وغيره من حديث شعبة عن عدي عن زر قال: «تسرحنا مع حذيفة ثم خرجنا إلى الصلاة فما أتينا المسجد صلينا ركعتين فأقيمت الصلاة وليس بينهما إلا هنيهة» وكذا رواه إبراهيم عن صلة عن حذيفة، وقال النسائي في الكبرى: لا أعلم أحدًا رفعه إلا عاصم. وقال الجوزقاني في كتابه الأباطيل: هذا حديث منكر، وهذا الحديث كما قال الجوزقاني ولكن الجوزقاني إذا استنكر الجمع بين الأدلة أو رأى أن هذا الحديث لا يوائم الأحاديث الأخرى الصحيحة قال عنه باطل، وقد نبه على هذا غير واحد منهم ابن حجر في الإصابة. وذكر الحافظ ابن حجر في فتح الباري أيضًا قال: وروى ابن المنذر عن علي - رضي الله عنه - بإسناد صحيح أنه صلى الصبح ثم قال: «الآن حين تبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود» وقال: إسناده صحيح ثم ذكر كذلك أثرًا عن أبي بكر، ومعنى المنقول عن علي - رضي الله عنه -: أي تبيّنًا جليًّا كبيرًا لا يمنع

حصول أصل التبيّن قبلًا وإلا كيف يصلي الفجر بالليل ولا يرتفع الليل إلا بطلوع الفجر؟! ونقول: هذه الآثار قد ذكرها وسردها ابن حزم (¬1) عن الصحابة في أنهم يتسحرون مع طلوع الفجر أو بعد طلوع الفجر، وبعضها ليس بصريح بل أكثرها ليس بصريح، وسردها ابن جرير الطبري في تفسيره وسردها بعض المتأخرين كذلك، وقال ابن حزم: وقد جاء عن أبي بكر وعمر وعلي وابن عباس وأبي هريرة وابن مسعود وحذيفة وزيد ابن ثابت وسعد بن وقاص. ا. هـ. قلت: صح عن أبي بكر عن أبي شيبة والدارقطني، وعن أبي هريرة صح موقوفًا واللفظ الوارد عن أبي هريرة هو اللفظ الذي رواه أبو داود وأحمد وغيرهما من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا أذن المؤذن والإناء على يد أحدكم فلا يضعه حتى يقضي حاجته منه» ولكن الصحيح وقفه على أبي هريرة كما قال أبو حاتم وغيره، وأما الأثر عن حذيفة تقدم الكلام عليه والصحيح فيه وقفه عليه، وكذلك روي عن ابن مسعود والصحيح وقفه عليه، وجاء في الباب أحاديث في بعضها ما يوهم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تسحر بعد طلوع الفجر مثل حديث أبي هريرة وتقدم أنه موقوف، وجاء من حديث جابر وبلال وعمر ولا يصح رفعها وقد صححها بعض المتأخرين ولم يصب، وخلاصة الأمر فيما ورد عن الصحابة في مسألة السحور أو التسحر مع طلوع الفجر هو ما قاله عمرة بن ميمون كما رواه البيهقي بسند صحيح عنه قال: «كان أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - ¬

(¬1) المحلى (6/ 231).

أعدل الناس إفطارًا وأبطأهم سحورًا»، ونقول لو أنه قد صح عن صحابي أنه تسحر بعد الفجر نقول يكفينا كتال الله وقوله تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} .. وأقوال الصحابة يحتج بها إذا خفيت السنة أما إذا صادمت السنة فضلًا عن القرآن فإنها ترد، فهذا هو الأمر في هذه الآثار، وإنما ذكرتها لحاجة الطلاب إلى الحكم عليها؛ ولأن الحافظ ابن حجر ذكرها في الشرح.

18 - باب تعجيل السحور

18 - بابُ تَعجيل السحورِ 1820 - حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ - رضي الله عنه - قَال: كُنْتُ أَتَسَحَّرُ فِي أَهْلِي ثُمَّ تَكُونُ سُرْعَتِي أَنْ أُدْرِكَ السُّجُودَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -. [ر 552] الشرح: وقع في نسخة العيني باب تأخير السحور وهو أصح ويحتمل تعجيله يعني: قبل الصلاة حتى تفوت فيكون فيه معنى التأخير من جهة والتعجيل من جهة. أما الحديث فقد وقع في نسخة الكشميهني: «أدرك السحور» وأما رواية النسفي والجمهور أدرك السجود والمراد به الصلاة ولذلك قال الحافظ: وهو الصواب ويؤيده أن في الرواية المتقدمة في المواقيت «أن أدرك صلاة الفجر» فهذا هو الصحيح، وفي رواية الإسماعيلي «أن أدرك صلاة الصبح» فالصحيح «أن أدرك السجود» أي: الصلاة ولا يمكن أن يكون السحور لقوله كنت أتسحر فتكون سرعتي أن أدرك السحور، وهذا فاسد وذلك لأننا لو قلنا هذا ما استفدنا من الترجمة وهي تعجيل السحور؛ فالسياق يقتضي أن المزاد بإدراكه السجود. في هذا الحديث من الفوائد: تأخير السحور وذلك لما جاء عن رسول - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يؤخر سحوره كما سيأتي وذلك حتى يكون أعظم في القدرة على الصوم.

19 - باب قدركم بين السحور وصلاة الفجر؟

19 - باب قدركم بين السحور وصلاة الفجر؟ 1821 حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا هشام حدثنا قتادة عَنْ أنس بْنِ مَالِكٍ عَنْ زيْد بْن ثَابِتٍ - رضي الله عنه - قال: تَسَحَّرْنَا مَع النبي - صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ قَامَ إلى الصَّلاةِ قُلْتُ: كَمْ كَانَ بَيْنَ الأذَانِ وَالسُّحُورِ؟ قال: قَدْرُ خَمْسِينَ آيةٍ. الشرح: فيه من الفوائد: 1 - ثبوت السحور بالسنة الفعلية كما هو ثابت في السنة القولية؛ فالنبي - صلى الله عليه وسلم - أمر به وفعله عليه الصلاة والسلام. 2 - فيه مشاركة الإنسان في سحوره والاجتماع عليه، ويقال: سَحُور وسُحُور وبعضهم قال ما معناه بالفتح: هو الأكل، وبضمها: هو الفعل، وهل يشرع الدعوة للسحور؟ الجواب: ورد فيه أخبار معلومة ومرسلة، ويكفي حديث زيد هذا، وقد أخرج عبد الرزاق (4/ 263) وابن أبي شيبة (2/ 66) عن ابن عيينة عن إبراهيم بن ميسرة عن طاووس قال: سمعت ابن عباس يقول: دعاني عمر - رضي الله عنه - أتسحر عنده، وأتغدى في رمضان .. الخ وسنده صحيح، فثبت أن ذلك سنة، والحمد لله. 3 - فيه كرم النبي - صلى الله عليه وسلم - حيث كان قد أطعم أصحابه حتى في هذا الوقت. 4 - فيه تأخير السحور.

5 - وفيه ما كان عليه السلف من التعبد حتى إنهم كانوا يحبسون بعض الأوقات بالآيات لاشتغالهم بها أو إدمانهم قراءتها. مسألة: قوله: «كان بين الأذان والسحور قدر خمسين آية» هل المراد الأذان والسحور أم السحور وإقامة الصلاة؟ الجواب: المراد بين السحور والإقامة؛ لأنه إذا كان بين السحور والأذان خمسين آية لكان فيه تقديم السحور بعض الشيء، والأحاديث يفسر بعضها بعضًا. هل المراد بخمسين آية: آية طويلة أم قصيرة؟ الجواب: أن هذه النصوص إذا أطلقت فالمراد بها الآيات المتوسطة.

20 - باب بركة السحور من غير إيجاب

20 - باب بركة السحور من غير إيجاب لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه واصلوا ولم يذكر السحور 1822 - حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا جويرية عن نافع عن عبد الله - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - واصل فواصل الناس فشق عليهم فنهاهم قالوا: إِنَّك تُوَاصِلُ؟ قَالَ «لَسْت كَهَيْئَتِكُمْ إنِّي أُطْعَمُ وَأُسْقَى». [1861] 1823 - حدثنا آدم بن إياس حدثنا شعبة حدثنا عبد العزيز بن صهيب قال: سمعت أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «تَسَحَّرُوا فَإِنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَةً». الشرح: فيه من الفوائد: أن السحور متسحب وانتزع البخاري عدم وجوبه من مسألة المواصلة وهي: أن يصوم الرجل يومين فأكثر لا يطعم بينهما شيئًا فلو كان السحور واجبًا لما واصل النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يقر أصحابه على المواصلة وهذا أقوى دليل على عدم وجوب السحور ففيه رد على ابن حزم ومن قال بقوله. فيه تبيين معنى الأمر أنه للندب لقوله: «تسحروا فإن في السحور بركة». قوله: «في السحور بركة» البركة هذه لأسباب: 1 - امتثال أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - وحسبك بها بركة فالخير كله والبركة والنفع في إتباعه - صلى الله عليه وسلم -.

2 - مخالفة لأهل الكتاب كما قال - صلى الله عليه وسلم - عند: «فصل ما بيننا وبين أهل الكتاب أكلة السحر» أخرجه مسلم. والبركة في مخالفتهم وعدم التشبه بهم. 3 - ومن صور البركة أن فيه إرفاقًا بالنفس وإجمالًا لها. 4 - المعاونة على طاعة الله فإن هذا السحور معونة على عبادة عظيمة وكل ما كان معينًا على الطاعة فهو بركة، فينبغي أن يستشعر الإنسان هذا عند التسحر وإذا علم هذا فإنه قد تفوت هذه البركة ويفوت هذا الامتثال عند من يقدم السحور مبكرًا فإن بعض الناس قد يتسحرون في نصف الليل أو قبله بقليل فكل هؤلاء لم يصيبوا السنة بل أخطأوها.

21 - باب إذا نوى بالنهار صوما

21 - باب إذا نوى بالنهار صومًا وقالت أم الدرداء: كان أبو الدرداء يقول: عندكم طعام؟ فإن قلنا: لا قال: فإني صائم يومي هذا وفعله أبو طلحة وأبو هريرة وابن عباس وحذيفة - رضي الله عنهم -. 1824 - حدثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ - رضي الله عنه - أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - بَعَثَ رَجُلا يُنَادِي فِي النَّاسِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ «إِنَّ مَنْ أَكَلَ فَلْيُتِمَّ ... - أَوْ فَلْيَصُمْ - وَمَنْ لَمْ يَاكُلْ فَلا يَاكُلْ». [1903، 6837] الشرح: معنى قوله: «باب إذا نوى النهار صومًا» يعني: هل يصح صومه أو لا؟ ثم علق عن أبي الدرداء وأبي طلحة وأبي هريرة وابن عباس وحذيفة بأنهم عقدوا النية من النهار كما فعل أبو الدرداء. ثم ذكر الحديث الثلاثي السند، وعدد الثلاثيات في البخاري اثنان وعشرون حديثًا وهي من هذا الطريق ومن طريق مكي بن إبراهيم كلاهما عن يزيد بن أبي عبيد عن سلمة بن الأكوع وجاءت من مسند أنس وعبد الله بن بسر، والثلاثيات في البخاري هي التي يكون فيها بين البخاري وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة رجال وهي أعلى ما وقع للبخاري. شرح الحديث: هذا الحديث كان في يوم عاشوراء، وعاشوراء كان واجبًا صيامه في أول

الإسلام ثم نسخ بصيام شهر رمضان وبقي صيام عاشوراء مستحبًا. وانقسم العلماء في تبييت النية في الصيام إلى ثلاثة أقسام: القول الأول: يجزئ أن يعقد النية قبل نصف النهار في الفرض والنفل سواء، فلو نوى قبل نصف النهار - سواء كان نفلًا أو فرضًا - صح منه وهذا هو مذهب الأحناف. القول الثاني: أنه لابُدَّ من تبييت النية سواء كان نفلًا أو فرضًا. القول الثالث: أن الفرض لابد فيه من تبييت النية أما النفل فيجزئ فيه النية من النهار وهذا هو الصحيح وهو الذي عليه عمل الصحابة ويدل عليه ما أخرجه مسلم من حديث عائشة وقد صح عن عشرة من الصحابة أنهم يعقدون النية في صيام النفل في النهار، ولا يعرف لهم مخالف. وأما إيجاب تبييت النية في الليل للفرض ففيه الحديث الذي رواه أهل السنن من حديث حفصه وابن عمر مرفوعًا وموقوفًا: «من لم يجمع الصيام من الليل فلا صيام له» وهذا الحديث مختلف في رفعه ووقفه والصحيح أنه موقوف ولكن مثله لا يقال بالرأي فيحمل على الفرض وما جاء عن الصحابة بيَّن أن النفل فيه سعة وعلى هذا كان القول الراجح أن النفل إن صامه من النهار أجزأ حتى ولو لم يعقد النية إلا قبل غروب الشمس بلحظة بشرط ألا يكون أكل أو شرب قبل ذلك. مسألة: متى يبدأ الأجر لمن نوى الصوم بالنهار هل يكون من أول النهار أو من حين نوى؟ الجواب: فيه قولان والصحيح أن الأجر يبدأ بصيام النفل من حيث

نوى كما قال الإمام أحمد وشيخ الإسلام وشيخنا ابن باز لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «إنما الأعمال بالنيات». مسألة: هل يجزئ عقد النية بعد نصف النهار؟ الجواب: يجزئ عقد النية بعد نصف النهار على الصحيح، وحديث عائشة في صحيح مسلم يدل على أن صيام النفل يجوز النية فيه من النهار؛ لأن لفظ حديث عائشة عند مسلم وهو لم يقع للمؤلف هنا قالت عائشة - رضي الله عنها - دخل عليّ النبي - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم فقال: «هل عندكم شيء؟» فقلنا: لا قال: «فإني إذًا صائم» ففيه الدلالة من وجوه: 1 - أن الفاء هنا سببية والمعنى: أني صائم لأنه ليس عندكم طعام، فهذا فيه دلالة على أن عقد النية كان في النهار. 2 - أنه لو كان عليه الصلاة والسلام مجمعًا الصيام من الليل لم يأت حتى يسأل عن الطعام، وهذان الوجهان ذكرهما شيخ الإسلام في شرح العمدة، والاستدلال بحديث عائشة ظاهر وقد رأيت كتابًا لبعض المتأخرين في أحكام النية نصر فيه القول أن النفل لابد فيه من تبييت النية من الليل وهو خلاف ظاهر حديث عائشة وخلاف المنقول عن الصحابة ونحن نستدل بأقوال الصحابة لأمرين: 1 - لبيان السنة إذا خفيت. 2 - أو لتأييدها إذا ظهرت. ودائمًا ينبغي لطالب العلم أن تكون أقوال الصحابة وأفعالهم بين يديه فلا يغفل عن هذا.

مسألة: أن من أنواع الصوم الذي لابد أن يكون النية فيه مبيتة من الليل النفل المقيد مثل صوم عاشوراء والستة من شوال وصيام عرفة فهذه على الصحيح لابد من تبييت النية من الليل؛ لأن هذا نفل مقيد والنفل المقيد لابد فيه من تبييت النية من الليل ومثل هذا النفل في الصلاة كالسنن الرواتب فلابد فيها من النية من أول لحظة فيها - نية التقييد - فلو أن إنسانًا صلى ثم لما قضى الركعة الأولى قال أريد أن أجعلها سنة الفجر نقول لا تنفعك هذه؛ لأن الأعمال بالنيات وأنت لم تنو هذه ولابُدَّ في العبادة المقيدة أن تكون النية من أولها إلى آخرها بنية هذه العبادة المقيدة.

22 - باب الصائم يصبح جنبا

22 - باب الصائم يصبح جنبا ص 70 1825 - حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن سمي مولى أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام بن المغيرة أنه سمع أبا بكر بن عبد الرحمن قال: كنت أنا وأبي حين دخلنا على عائشة وأم سلمة (ح) حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري قال: أخبرني أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام أن أباه عبد الرحمن أخبر مروان أن عائشة وأم سلمة أخبرتاه: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يُدْرِكُهُ الْفَجْرُ وَهُوَ جُنُبٌ مِنْ أَهْلِهِ ثُمَّ يَغْتَسِلُ وَيَصُومُ. وقال مروان لعبد الرحمن بن الحارث: أقسم بالله لتقرعن بها أبا هريرة ومروان أن يومئذ على المدينة فقال أبو بكر: فكرة ذلك عبد الرحمن ثم قدر لنا أن نجتمع بي الحليفة وكانت لأبي هريرة هنالك أرض فقال عبد الرحمن لأبي هريرة. إني ذاكر لك أمرًا ولولا مروان أقسم عليَّ فيه لم أذكره لك فذكره قول عائشة وأم سلمة فقال: كذلك حدثني الفضل بن عباس وهن أعلم. وقال همام وابن عبد الله بن عمر عن أبي هريرة: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يأمر بالفطر. والأول أسند. [1829، 1830]

الشرح: معنى الترجمة: يعني هل يصح صومه أم لا ما الحكم في ذلك؟ ثم ذكر قصة أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام حينما سمع عبد الرحمن هذا الحديث من أبي هريرة ثم أمره مروان بأن تثبيت يسأل عائشة وأم سلمة ثم بين أبو هريرة في آخر باب أنه حدثه الفضل بن عباس في منه الجنب من الصوم إذا أصبح جنبًا ولعل حديث أبي هريرة عن الفضل كان في أول الإسلام ثم نسخ، ولعله فات أبو هريرة ذلك وسها عن دلالة القرآن في هذه المسألة فضلًا عن دلالة السنة كما في حديث عائشة وأم سلمة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يدركه الفجر وهو جنب من أهله ثم يغتسل ويصوم ووجه دلالة القرآن أن الله قال: {فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ} ... . الآية، ويلزم من استدامة الجماع أن يطلع الفجر وهو جنب ولهذا ذكر أهل العلم أن الإنسان إذا طلع عليه الفجر وهو جنب من جماع أهله أو كان مجامعًا مع أهله ثم نزع مع طلوع الفجر فصومه صحيح مع أن النزع وقع مع طلوع الفجر والتبين لكن إن نزع في الحال فلا شيء عليه وإذا استدام فإنه كالوطء بعد التبين وفيه كما سيأتي التحريم والكفارة فدلالة القرآن في جواز طلوع الفجر والإنسان جنب ظاهرة؛ لأنه إذا أبيحت المباشرة وهي الجماع إلى طلوع الفجر لزم منها ضرورة أن يصبح جنبًا، والمباشرة سيأتي أنها في القرآن تدل على الجماع فكل مباشرة في القرآن فالمقصود بها الجماع، وأيضًا قول أم سلمة وعائشة: «وهو جنب» فيه التصريح بذلك وقولها كما وقع للمصنف «كان يصبح وهو جنب من أهله من غير حلم»

وسيأتي إن شاء الله، فقولها من غير حلم هذا بيان للواقع من أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكن يحتلم وليس له مفهوم بل هو وصف كاشف للنبي - صلى الله عليه وسلم - أن الجنابة منه تكون من جماع. وذكر العلماء: أن من خصائص رسول الله أنه لا يحتلم ووجه ذلك أن رسول الله إذا نام تنام عينه ولا ينام قلبه فلو خرج منه شيء في المنام لكان يعقل ذلك ويعلم ومعلوم أنه لا يكون هذا؛ لأن رسول الله هو أول من يتمثل قوله تعالى {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ}، وأجاز بعض العلماء الاحتلام على الأنبياء وقالوا هذا الماء فضله يدفعها الجسم عند الحاجة في المنام ذكر ذلك ابن كثير وغيره ولكن الأول أقرب للصحة. قوله: «لتقرعن بها أبا هريرة» معناها: أي تخبره بهذا الأمر. الفوائد: 1 - أن الإنسان له أن يصبح جنبًا سواء من جماع أو احتلام ويصح صومه فرضًا كان أو نفلًت ومثله المرأة في الحيض إذا طلع عليها الصبح وقد انقطع دمها بالليل ولم تغتسل حتى طلع الفجر فيصح صومها. 2 - رجوع الصحابة إلى الحق بعد أن يعلموا به. 3 - أن الإنسان يبين حجته عند حصول الخلاف، فأبو هريرة بين حجته قال: حدثني الفضل بن عباس ثم قال بعد ذلك هن أعلم. 4 - أن الصحابي قد يخفى عليه دلالة قرآنية ظاهرة كدلالة اللزوم.

23 - باب المباشرة للصائم

23 - باب المباشرة للصائم وقالت عائشة - رضي الله عنها -: يحرم عليه فرجها 1826 - حدثنا سليمان بن حرب قال: عن شعبة عن الحكم عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يُقَبِّلُ وَيُبَاشِرُ وَهُوَ صَائِمٌ وَكَانَ أَمْلَكُمْ لإِرْبِهِ. وقال: قال ابن عباس: {مَآرِبُ} [طه: 18] حَجَات. قال طاوس: {غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ} [النور: 31] الأحمق لا حاجة له في النساء. [1827] الشرح: في حديث عائشة أن المباشرة والتقبيل مباحتان للصائم لقول عائشة - رضي الله عنها -: «كان يقبل ويباشر وهو صائم» ومعنى قوله: وهو صائم: هذه جملة حالية أي حال كونه صائمًا. ومعنى قوله: «كان أملككم لإربه»: أي حاجته بأنه يستطيع عليه الصلاة والسلام أن يمتلك نفسه بأن لا يتدرج به الأمر إلى الجماع. وإذا كانت الوسيلة تؤدي إلى المفاسد فلا تجوز هذه الوسيلة والغاية ممنوعة؛ لأن الوسائل لها أحكام المقاصد فالذي يخاف الجماع عند المباشرة والتقبيل؛ فإنه لا يجوز له ذلك؛ لأن الوسائل لها أحكام المقاصد، والذي يستطيع أن يتمتع بالمباشرة والتقبيل من غير أن يجامع فهذا جائز له.

وقول جابر بن زيد في الباب الذي يليه: إن نظر فأمنى فإنه يتم صومه، نقول مسألة الإمناء بالنظر تنقسم إلى أقسام: 1 - أنه إذا كان هذا النظر من نظرة عفا عنها الشارع كنظرة الفجأة أي النظرة الأولى، وهذا قد يحصل للإنسان فإذا أمنى في هذه الحالة فإن صومه صحيح. 2 - أنه إذا كرر النظر فأمنى فإن جمهور أهل العلم على أن صومه يفسد إذا أنزل لأنه غير مأذون له في النظرة الثانية. مسألة: إذا أمنى بالفكر من دون أي عمل فإنه ليس عليه شيء وصومه صحيح؛ لأن الفكر معفوٌ عنه كما جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن الله قد عفا عن أمتي ما حدثت به نفسها ما لم تعمل أو تتكلم». فلو قدر أن إنسان أخذ يفكر وأنزل بالفكر دون أن يكون معه أدنى عمل من لمس ذكر أو تقلب على فراش وغيرها فإن قدر أنه أنزل بهذه القيود فلا بأس بذلك وقومه صحيح أما إذا أنزل بعد التقبيل أو المباشرة أو تكرار النظر فإن صومه يفسد بذلك ولكن ليس عليه كفارة إنما الكفارة في الجماع. مسألة: المذي هل يفطر صاحبه إذا خرج؟ الجواب: الصحيح أنه لا يفطر إذا خرج منه لعموم البلوى به، وأيضًا

ليس هناك دليل على الفطر به. مسألة: هل يجرح المذي صيام الصائم إذا خرج منه وأن الأكمل تركه؟ الجواب: الظاهر الإباحة لا سيما إذا دعت الحاجة، وهذا سيد الخلق عليه الصلاة والسلام كان يقبل وهو صائم ويبعد أن يكون الإنسان يقبل ويباشر ولا يخرج منه حتى المذي فهذا يبعد إلا أن يكون هناك فتور لشهوة شديد أو كبر سن وأما غالب الشباب فيكون هذا.

24 - باب القبلة للصائم

24 - باب القبلة للصائم وقال جابر بن زيد: إن نظر فأمنى يتم صومه 1827 - حدثنا محمد بن المثني حدثنا يحيى عن هشام قال: أخبرني أبي عن عائشة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (ح) وحدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن هشام عن أبيه عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: إن كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لَيُقَبِّلُ بَعْضَ أَزْوَاجِهِ وَهُوَ صَائِمٌ ثُمَّ ضَحِكَتْ. [ر 1826] 1828 - حدثنا مسدد حدثنا عن هشام بن أبي عبد الله حدثنا يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن زينب ابنة أم سلمة عن أمها - رضي الله عنها - قالت: بينما أنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الخميلة إذ حضت فانسللت فأخذت ثياب حيضتي فقال: «مَا لَكِ أَنَفِسْتِ؟» قلت: نعم فدخلت معه في الخميلة وكانت هي ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يغتسلان من إناء واحد وكان يقبلها وهو صائم. [ر 294] الشرح: عقد المؤلف بعد باب المباشرة للصائم باب القبلة للصائم ثم أسند حديث عائشة. وسبب ضحك عائشة للسائل: لأنها تعلم أن السائل يعلم أنها هي التي قبلها النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد صرحت بهذا في رواية القاسم بن محمد وهي عمته

صرحت أنه كان يقبلها وهو صائم وكذلك رواية عروة وهي خالته وكلها عند مسلم وكذلك وقع لحفصة عند مسلم وكذلك أم سلمة. مسألة: إن قال قائل ظاهر الآية: {فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ} أنه لا يجوز المباشرة ولا التقبيل بعد الفجر والرسول عليه الصلاة والسلام كان يقبل ويباشر بعد الفجر؟ الجواب: أن المباشر المقصود بها في القرآن هي الجماع ولها معان أخرى مثل الضم والتقبيل فالمراد به في الآية هو الجماع، فإنه يجوز في الليل وأما إذا طلع فإنه يمنع الجماع ويبقى المعاني الأخرى للمباشرة وهي الضم والتقبيل. مسألة: في قوله: {فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ} إلى قوله: {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} نقول أن المراد واحد والحكم واحد، وهو أنه لا يبطل الاعتكاف إلا الجماع وهو المراد به المباشرة في الآية. مسألة: إن قال قائل أنا أخشى إن أمذيت أن يتدرج الأمر إلى الإنزال؟ الجواب: أما المني فقد تقدم الكلام عنه أنه من المفطرات وخالف ابن حزم: وجماعة من المتأخرين وقالوا: إن الإنزال ليس بمفطر وقالوا: المفطر إنما هو الجماع. ويُرَد على هؤلاء ابن حزم ومن تبعه فيمن سار على منهجه في هذه

المسألة وغيرها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث القدسي قال: «يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي» فتفسير هذه الشهوة هي الموجودة في حديث أبي ذر: «أيأتي أحدنا شهوته ويكون له أجر» فالمراد بالشهوة هنا الإنزال في الفرج والدليل على ذلك قوله: «أي يضعها» والمراد بالوضع هو الإنزال فالصحيح في المسألة أن الإنزال من المفطرات والجماع من المفطرات. تنبيه: ذكر الحافظ ابن حجر في فتح الباري حديثًا مرويًا عن عمر لما سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن القبلة قال: «أرأيت لو تمضمضت؟» ثم ذكر أن هذا الحديث رواه النسائي وأبو داود من حديث عمر وقال النسائي: هذا الحديث منكر وقد صححه ابن حبان والحاكم وابن خزيمة وهذا الحديث وجه النكارة فيه أن المشهور عن عمر بن الخطاب المنع من القبلة للصائم فكيف يروي الحديث ويخالفه وهذا وجه استنكار النسائي، وهذا الحديث حسنه ابن المديني وهو لا بأس به وقد نقل التحسين ابن كثير في مسند الفاروق. مسألة: الصحيح أنه لا فرق بين الشباب والشيخ في التقبيل وأن مدارها على الشهوة إذا كان يستطيع أن يملك نفسه فله التقبيل وإذا كان لا يستطيع أن يملك نفسه فليس له التقبيل والأحاديث التي فيها التفريق بين الشاب والشيخ في التقبيل منها: حديث أبي العنبس عن الأغر عن أبي هريرة أن رجلًا سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن المباشرة للصائم فرخص له وأتاه آخر فسأله فنهاه فإذا الذي رخص له

الشيخ والذي نهاه شاب وهذا الحديث لا يثبت فيه أبو العنبس مجهول وجاء من حديث ابن عباس عند ابن ماجه وحديث عبد الله بن عمر عند أحمد وكلها ضعيفة. والدلالة على عدم التفريق بين الشاب والشيخ في القبلة من وجوه: 1 - أن عائشة - رضي الله عنها - راوية حديث التقبيل وهي شابه وقد توفي النبي - صلى الله عليه وسلم - عنها وهي ابنة الثامنة عشرة سنة وهي وإن كانت تقبل لكن يبقى الحكم يتعدى لها. 2 - أيضًا ما رواه مسلم عن عمر بن أبي سلمة أنه سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال «سل أمك فأخبرته أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقبل وهو صائم» وهذا الحديث أخرجه مسلم وفي بعض ألفاظه «سل أم سلمة» وقد زعم ابن العراقي في «طرح التريب» بأن عمر بن أبي سلمة هذا هو الحميري وليس ابن أم سلمة وقال أنه قد رواه البيهقي وبينه أنه الحميري. قلت: وقد رجعت إلى سنن البيهقي ولم أجد ما قاله، ولما ترجم ابن حجر في الإصابة لعمر بن أبي سلمة قال ومن حديثه وذكر هذا الحديث وكأنه يريد بهذا الرد على ابن العراقي في «طرح التثريب». ولكن هنا إشكال وهو أن عمر بن أبي سلمة حينما سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن القبلة كان صغيرًا؛ لأن عمر بن أبي سلمة ولد في السنة الثانية من الهجرة في الحبشة مع أمه وأبيه وتوفي النبي - صلى الله عليه وسلم - وله من العمر تسع سنوات كما قال ابن عبد البر فهل مثل هذا يسأل عن القبلة للصائم؟ الجواب: قد يقال أنه أرسله بعضهم وهذا يقع كثيرًا أن الإنسان لا يسأل

بنفسه وإنما يوكل غيره بالسؤال وعلى كل حال الأمر سهل في ذلك. الخلاصة: أن مدار الأمر في التقبيل على الشهوة فهي لا تضبط بسن ما دام الإنسان يملك نفسه فلا بأس بذلك وأما إذا كان لا يملك نفسه فإن المظنة تنزل منزلة المئنة فتمنع حتى لا يقع الفطر بالإنزال أو الجماع، فانظر ما يطرفك محلى ابن حزم (6/ 211) وما بعده، ولولا خشية الإطالة وغير ذلك لنقلناه بتمامه، وقد ذهب إلى أن التقبيل سنة. قلت: وهو كذلك.

25 - باب اغتسال الصائم

25 - باب اغتسال الصائم وبل ابن عمر - رضي الله عنهم - ثوبًا فألقاه عليه وهو صائم، ودخل الشعبي الحمام وهو صائم وقال ابن عباس: لا بأس أن يتطعم القدر أو الشيء، وقال الحسن: لا بأس بالمضمضة والتبرد للصائم، وقال ابن مسعود: إذا كان يوم صوم أحدكم فليصبح دهينًا مترجلًا، وقال أنس: إن لي أبرن أتقحم فيه وأنا صائم، ويذكر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه استاك وهو صائم، وقال ابن عمر: يستاك أول النهار وآخره ولا يبلع ريقه، وقال عطاء: إن ازدرد ريقة لا أقول يفطر، وقال ابن سيرين: لا بأس بالسواك الرطب قيل: له طعم قال: والماء له طعم وأنت تمضمض به، ولم ير أنس والحسن وإبراهيم بالكحل للصائم بأسًا. 1829 - حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب حدثنا يونس عن ابن شهاب عن عروة وأبي بكر قالت عائشة - رضي الله عنها -: كان النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - يُدْرِكُهُ الْفَجْرُ فِي رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ حُلُمٍ فَيَغْتَسِلُ وَيَصُومُ. [ر 1825] 1830 - حدثنا إسماعيل قال: حدثني مالك عن سميٍّ مولى أبي بكر ابن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام بن المغيرة أنه سمع أبا بكر بن عبد الرحمن: كنت أنا وأبي فذهب معه حتى دخلنا على عائشة - رضي الله عنها - قالت: أشهد على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إِنْ كَانَ لَيُصْبِحُ جُنُبًا مِنْ جِمَاعٍ غَيْرِ احْتِلَامٍ ثُمَّ يَصُومُهُ. ثُمَّ دَخَلْنَا عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ فَقَالَتْ مِثْلَ ذَلِكَ.

الشرح: في هذه الأحاديث: انتزع المؤلف مسألة اغتسال الصائم وهي التي صدّر بها الباب ثم ذكر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يغتسل من الجنابة. الفوائد: فيه جواز الاغتسال للصائم وأيضًا دخول الحمام كما علق المؤلف ذلك عن الصحابة والتابعين. وفيه جواز تذوق الطعام للحاجة ولكن لا يزدرده بل يمجه وهذا في حال الحاجة، وفي غير الحاجة فمكروه. وفيه جواز الانغماس في الماء ولو عمره وذكر أثر أنس في ذلك: «أني لي أبزن أتقحم فيه وأنا صائم». والأبزن هو حجر منقور شبه الحوض أي كالبركة الصغيرة. وفيه جواز السواك بل وسنيته وقعد عقب المؤلف له بابًا سيأتي إن شاء الله. وفيه جواز الكحل للصائم وهذا هو الصحيح في مسألة الكحل، أنه لا يفطر الصائم ولكن لم يثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يكتحل وهو صائم أو أنه ينهي عن ذلك والأحاديث التي في النهي عن الكحل للصائم ضعيفة مثل حديث: «أمر بالإثمد المروح عند النوم وقال وليتقه الصائم» وهذا لا يصح وكذا حديث «كان يكتحل وهو صائم» فإن لا يصح قال الترمذي لا يصح في هذا الباب شيء. ولكن ذكر عن بعض السلف أنه لم يرَ بالكحل للصائم بأسًا وذكر هذا مرويًا عن أنس عند أبي داود بإسناد صحيح، وكذا روي عن ابن عباس كما

ذكر ذلك ابن حجر في بعض كتبه أن البيهقي في الشعب روى بإسناد لا بأس به عن ابن عباس أنه لم ير في الكحل للصائم بأسًا وكذا روي عن علي - رضي الله عنه - ولم أقف عليه وكذا جاء عن الحسن وإبراهيم رحمهم الله فعلى كل حال يجوز الكحل للصائم حتى لو أحس بطعمه في جوفه وذلك؛ لأن العين ليست منفذًا طبيعيًا للأكل والشرب وهذا هو الصواب خلاف للمذهب الذي يرى أنه مفطر. وفيه جواز التبرد والمضمضة ولكن من غير أن يبلعه، وهذا من الإعانة على العبادة ولا تهتكها ومعلوم أن الإعانة على تسهيل العبادة على الإنسان مشروع فكون الإنسان يتعاطى أسباب الراحة في العبادة حتى يؤديها وهو خاشع خيرًا من أن يمنع نفسه مما أباح الله.

26 - باب الصائم إذا أكل أو أشرب ناسيا

26 - باب الصائم إذا أكل أو أشرب ناسيًا وقال عطاء: إن استنثر فدخل الماء في حلقه لا بأس إن لم يملك. وقال الحسن: إن دخل حلقة الذباب فلا شيء عليه. وقال الحسن ومجاهد: إن جامع ناسيًا فلا شيء عليه. 1933 - حدثنا عبدان أخبرنا يزيد بن زريع حدثنا هشام حدثنا ابن سيرين عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إِذَا نَسِيَ فَأَكَلَ وْ شَرِبَ فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ». الشرح: النسيان: هو الذهول عن شيء معلوم. يعني أنه ذهل الإنسان عن شيء معلوم له مع أنه لو كان ذاكرًا لما فعله، فإذا أكل الإنسان أو شرب أو جامع كما ذكر المؤلف تعليقًا عن الحسن ومجاهد ناسيًا فصومه صحيح وخالف بعضهم في مسألة الجماع وقال أنه يعذر بالأكل والشرب ناسيًا ولكن لا يعذر بالجماع؟ والصحيح أنه إذا جامع ناسيًا وقدر ذلك فإن صومه صحيح وقد قال الله تعالى: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} فقال الله: قد فعلت، ولأن النسيان مثل الجهل بالحكم. فالصحيح أن جميع المفطرات لا يحصل بها الإفطار إلا إذا كان المكلف عالمًا أي ليس بجاهل وذاكرًا ليس بناس ومختارًا ليس بمكروه؛ لأن الناسي لا ينسب إليه الفعل ولهذا قال: «فإنما أطعمه الله وسقاه».

مسألة: إذا رأيت إنسانًا يأكل ويشرب هل يلزم أن أذكره أم لا؟ الجواب: قال بعضهم: أنه لا يذكر؛ لأن الله أطعمه وسقاه ولا دليل على التذكير. وقال بعضهم: بل يلزم تذكيره؛ لأنه وإن كان الله أطعمه وسقاه فنحن نعلم أن هذا الإنسان وإن كان أطعمه الله وسقاه؛ فإنه يأكل ويشرب مثل النائم الذي نام عن الصلاة سواء فكما أن هذا الإنسان نام وارتاح وأراحه الله وجعل نومه سباتًا له لقطع تعبه فإنا نوقظه للصلاة ويلزم من قال أنه لا يذكر الصائم أنه لا ينبه النائم للصلاة وقد قال ذلك ابن رجب في شرح البخاري وقال «يلزم من قال أن لا يذكر الصائم أن لا يوقظ النائم وقال هما سواء». ا. هـ. والشيخ محمد بن إبراهيم في فتاويه يرى أنه لا يذكر الصائم إذا أكل أو شرب، ولكن الصحيح أنه يذكر ثم أننا قد نظن أنه ناسي وهو ليس بناس ثم أن الصورة الظاهرة صورة منكر وأحكام الدنيا على الظاهر فهذا الرجل يأكل ويشرب في نهار رمضان فإننا ننكر عليه لكن فيما بينه وبين الله فإذا تبين أن هذا الإنسان مثلًا ناسيًا فقد عفا الله عنه وأطعمه وسقاه لكن أنا الآن مخاطب بالإنكار عليه وهذا اختيار الشيخين ابن باز وابن عثيمين والله أعلم، ثم رأيت ابن حزم قال في محلاه (6/ 221): وروينا من طريق وكيع عن شعبة عن عبد الله ابن دينار قال: استقى ابن عمر وهو صائم، فقلت: ألست صائمًا؟ فقال: أراد الله أن يسقيني فمنعتني.

قلت: هذا من أصح إسناد يكون عن ابن عمر، فقد أنكر ابن عمر تذكير عبد الله بن دينار له .. فالأمر واسع، وسنة الصحابة أحب إلي. مسألة: إذا أكل إنسان طعام غيره أو أتلف ماله وهو ناسي وقال أطعمني الله وسقاني ولم أعرف أنه لغيري؟ الجواب: نقول أطعمك الله وسقاك إذا كان هو الطعام لك أما إذا كان الطعام لغيرك فلابد من ضمان هذا الطعام ولأن النسيان إنما هو عذرٌ في العبادات التي بين العبد وربه أما مسألة الإتلافات على الغير فهذه يستوي فيها الذاكر والعامد والناسي والصغير والكبير.

27 - باب سواك الرب واليابس للصائم

27 - باب سواك الرب واليابس للصائم ويذكر عن عامر بن ربيعة قال: رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يستاك وهو صائم ما لا أحصى أو أعد، وقال أبو هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ وُضُوءِ»، ويروى نحوه عن جابر وزيد بن خالد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يخص الصائم من غيره، وقالت عائشة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: «السِّوَاكُ مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ مَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ» وقال عطاء وقتادة: يبتلع ريقه. 1832 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ قَالَ: حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ حُمْرَانَ: رَأَيْتُ عُثْمَانَ - رضي الله عنه - ـ تَوَضَّأَ فَأَفْرَغَ عَلَى يَدَيْهِ ثَلاَثًا ثُمَّ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْثَرَ ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلاَثًا ثُمَّ غَسَلَ يَدَهُ الْيُمْنَى إِلَى الْمَرْفِقِ ثَلاَثًا ثُمَّ غَسَلَ يَدَهُ الْيُسْرَى إِلَى الْمَرْفِقِ ثَلاَثًا ثُمَّ مَسَحَ بِرَاسِهِ ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى ثَلاَثًا ثُمَّ الْيُسْرَى ثَلاَثًا ثُمَّ قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا ثُمَّ قَالَ: «مَنْ تَوَضَّأَ وُضُوئِي هَذَا، ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، لاَ يُحَدِّثُ نَفْسَهُ فِيهِمَا بِشَيءٍ إِلاَّ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ». [ر 158] الشرح: في نسخة الكشميهني: باب السواك والرطب واليابس. المؤلف ذكر هنا ثلاثة أدلة فيها مشروعية السواك للصائم: 1 - أدلة خاصة في الاستياك في حال الصوم. 2 - أدلة عامة في السواك عند كل وضوء ولم يخص صائمًا ولا غيره.

3 - أدلة وأحاديث فيها شرعية المضمضة في الوضوء وهي أبلغ من السواك. وأما ما علقه المؤلف عن عامر بن ربيعة فهذا الحديث ضعيف؛ لأن في إسناده عاصم بن عبد الله وهو ضعيف الحديث، ولكن يؤخذ شرعية السواك للصائم من الأدلة العامة وهذا وجه انتزاع المؤلف من حديث أبي هريرة الذي علقه: «لولا أن أشق على أمتي ....» الخ ومعلوم أنه يصلي في النهار صلوات الظهر والعصر ونوافل وسواء كانت قبل الزوال أو بعد الزوال؛ فصلاة الظهر والعصر ونوافل وسواء كانت قبل الزوال أو بعد الزوال؛ فصلاة الظهر والعصر كلها بعد الزوال فالمؤلف أراد بهذا الحديث الرد على من كره الاستياك سواء بالسواك الرطب أو اليابس بعد الزوال. مسألة: إن قال قائل: السواك الرطب قد يكون له طعم العود نفسه فما العمل؟ الجواب: نقول: يستاك به ولكن إذا كان له طعم أجنبي كمرارة العود فهذا يمجه أما إن كان هذا السواك يابسًا، ثم استاك به ثم ترك السواك فلا يلزمه أن يمج ما في فمه؛ لأن الغالب أن السواك الجاف اليابس لا يكون له طعم منفصل إنما يترطب بالريق الذي في الفم، ولا يأخذ منه الفم أي طعم، أما إذا قدر أن هذا السواك جديد يتحلب منه الطعم كما في بعض السوك بوزن كتب - وهو الجمع الصحيح للسواك - أنه يتحلب منه طعم حار وهذا طعم أجنبي، فإنه يمجه ولا يزدرده وأما إذا انفصلت من السواك أعواد فعلمها فإنه يبصقها أما إذا لم يعلمها وجرت مع الريق من غير قصد فإنها لا تبطل الصيام.

مسألة: إذا كان إنسان بين أسنانه بقايا طعام وابتلعه من غير قصد؛ فإنه لا يفطر ولا يبطل صيامه ولا تبطل صلاته وهو يصلي، إلا إن كان لحم إبل فإنه ينتقض وضوءه متى علم بأنه أكل بقاياه بين أسنانه.

28 - باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إذا توضأ فليستنشق بمنخره الماء» ولم يميز بين الصائم وغيره.

28 - باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إِذَا تَوَضَّأَ فَلْيَسْتَنْشِقْ بِمَنْخِرِهِ الْمَاءَ» ولم يميز بين الصائم وغيره. وقال الحسن: لا بأس بالسعوط للصائم إن لم يصل إلى حلقه ويكتحل، وقال عطاء: إِنْ تَمَضْمَضَ ثُمَّ أَفْرَغَ مَا فِي فِيهِ مِنَ المَاءِ لَا يَضيِرُهُ إِنْ لَمْ يَزْدَرِدْ ريِقَهُ وَمَاذَا بَقِيَ فِي فِيهِ وَلاَ يَمْضَغُ العِلْكَ فإِنِ ازْدَرَدَ رِيقَ العِلْكِ لاَ أَقُولُ إِنَّهُ يُفْطِرُ وَلَكِنْ يُنْهَ عَنْخُ فَإِنِ اسْتَنْثَرَ فَدَخَلَ المَاءُ حَلْقَهُ لاَ بَاسَ لَمْ يَمْلِكْ. الشرح: أن ما عقد له المؤلف هنا وهو قوله: «باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إذا توضأ فليستنشق بمنخره من الماء» ولم يميز بين الصائم وغيره، هذا هو الصحيح أنه يستنشق وهو صائم ولكن لا يبالغ كما جاء في حديث عاصم بن لقيط بن صبرة عن أبيه في سنن أبي داود وغيره: «أسبغ الوضوء وخلل بين الأصابع وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائمًا» فالصائم منهي عن المبالغة في الاستنشاق لا أنه منهي عن أصل الاستنشاق فإنه يستنشق وجوبًا في الوضوء لكنه لا يبالغ خشية أن الماء يتدرج إلى خياشيمه فينزل إلى جوفه وذلك؛ لأن الأنف منفذ بخلاف العين والأذن فالأنف قد يخرج منه شيء من الماء عند المبالغة فيصل إلى المعدة فهو يشبه الفم ولهذا يدخل الطعام به عند بعض المرضى عافانا الله وإياكم من ذلك، ولهذا لا يقطر في الأنف وهو صائم أما القطرة في العين والأذن فلا بأس قول المؤلف: «وقال الحسن: لا بأس بالسعوط للصائم إن لم يصل إلى حلقه ويكتحل» نقول قد يحتاج أحيانًا إلى الاستعاط للصائم فإذا لم يصل إلى

حلقة فلا بأس أما الكحل فقد مر الكلام عليه. أما إذا تمضمض فكما قال عطاء: «إذا تمضمض ثم أفرغ ما فيه من الماء لا يضره إذا لم يزدرد ريقه»؛ لأن الإنسان إذا تمضمض وهو يتوضأ ثم مج الماء الذي في فمه لم يبق شيءٌ ولم يبق إلا الرطوبة التي في الفم وهي من اللعاب، ولو قدر أنه بقي شيء فلا يتعلق به تكليف. وقول عطاء أيضًا: «وكذلك لا يمضغ العلك فإذا ازداد ريق العلك لا أقول إنه يفطر ولكن ينهى عنه». نقول المراد بالعلك هنا: أي الذي لا يتحلب منه طعم ولكن الصحيح أنه يكره للإنسان أن يعلك العلك وإن لم يتحلب منه طعم وذلك لعدة أمور: 1 - أنه يساء الظن به فإذا تعاطاه أمام الناس فإنه يُساءُ الظن به أنه يتعاطى شيئًا مفطرًا. 2 - أنه يأتي بالعطش؛ وذلك لأنه يستدر اللعاب ويكثر من نزوله إلى المعدة. 3 - أنه قد يدخل جوفه قطع منه إذا تمزق وكما تقدم يكره ذوق الطعام إلا لحاجة فكيف بهذا وهذا إذا قدّر أن العلك ليس له طعم. وقوله: «إذا استنثر فدخل الماء في حلقة لا بأس لأنه لم يملك» يعني إذا أراد أن لا يبالغ، مثاله: أنه إذا استنشق الإنسان من غير مبالغة ثم دخل الماء إلى حلقة فلا بأس لأنه ما ترتب على المأذون فهو غير مضمون ولكن إذا بالغ الإنسان في الاستنشاق فدخل الماء إلى جوفه فهل نقول أن صومه فسد؟

الجواب: نقول هو حينما بالغ أيريد أن يفطر أو يريد أن يبالغ في الوضوء؟ الجواب الثاني فهو ما أراد أن ينزل الماء إلى جوفه وإنما أراد تحقيق هذه الصفة في الوضوء وبجهله تعاطي هذه المسألة على غير وجهها فالصحيح أنه لا يفطر ولكنه يأثم، لأنه ما أراد دخول الماء وإنما أراد المبالغة في الاستنشاق فالجهة منفكة وقال بعضهم يفطر إذا بالغ وفيه نظر.

29 - باب إذا جامع في رمضان

29 - بَابٌ إِذَا جَامَعَ فِي رَمَضَانَ ويذكر عن أبي هريرة رفعه: «مَنْ أَفَطَر يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَلاَ مَرَضٍ لَمْ يَقْضِهِ صِيَامُ الدَّهْرِ وَإِنْ صَامّهُ» وبه قال ابن مسعود. وقال سعيد بن المسيب والشعبي وابن جبير وإبراهيم وقتاده وحماد: يقضي يومًا مكانه. 1833 - حدثنا عبد الله بن منير سمع يزيد بن هارون حدثنا يحيى هو ابن سعيد أن عبد الرحمن بن القاسم أخبره عن محمد بن جعفر بن الزبير بن العوام ابن خويلد عن عباد بن عبد الله بن الزبير أخبره أنه سمع عائشة - رضي الله عنها - تقول: إن رجلًا أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: إنه احترق قال: «مَالَك» قال: أصبت أهلي في رمضان فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - بمكتل يدعى العرق فقال: «أَيْن المُحْتَرقُ» قال: أنا قال: «تَصَدَّقْ بِهَذَا».

30 - باب إذا جامع في رمضان ولم يكن له شيء فتصدق عليه فليكفر

30 - باب إذا جامع في رمضان ولم يكن له شيء فتصدق عليه فليكفر 1834 - حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري قال: أخبرني حميد بن عبد الرحمن أن أبا هريرة - رضي الله عنه - قال: بينما نحن جلوس عند النبي - صلى الله عليه وسلم - إذ جاءه رجل فقال: يا رسول الله هلكت قال: «مَالَك» قال: وقعت على امرأتي وأنا صائم فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «هَلْ تَجِدُ رَقَبَةً تُعْتِقُهَا؟» قال: لا قال: «فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ؟ «قال: لا، فقال: «فَهَلْ تَجِدُ إِطْعَامَ سِتِّينَ مِسْكِينًا؟» قال: لا قال: فمكث النبي - صلى الله عليه وسلم - فبينا نحن على ذلك أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - بعرق فيها تمرٌ - والعرقُ المكتلُ - قال: «أَيْنَ السَّائِلُ؟» فقال: أنا، قال: «خُذْهَا فَتَصَدَّقْ بِهِ» فقال الرجل: أعلى أفقر مني يا رسول الله؟ فوالله ما بين لابتيها - يريد الحرتين - أهل بيت أفقر من أهل بيتي فضحك النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى بجت أنيابه ثم قال: «أَطْعِمْهُ أَهْلَكَ». [1835، 2460، 5053، 5737، 5812، 6331، 6333، 6435]

31 - باب المجامع في رمضان هل يطعم أهله من الكفارة إذا كانوا محاويج؟

31 - بَابُ المُجَامِعِ في رَمَضَان هلْ يُطعِمُ أهلهُ مِنَ الكفارةِ إذا كانوا مَحَاويجَ؟ 1835 - حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير عن منصور عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: إن الأخر وقع على امرأته في رمضان فقال: «أَتَجِدُ مَا تُحَرِّرُ رَقَبَةً؟» قال: لا، قال: «فَتَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ؟» قال: لا قال: «أَفَتَجِدُ مَا تُطْعِمُ بِهِ ستِّينَ مِسْكِينًا» قال: لا، قال: فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - بعرق فيه تمر وهو الزبيل قال: «أَطْعِمْ هَذَا عَنْكَ» قال: على أحوج منا؟ ما بين لابتيها أهل بيت أحوج منا قال: «فَأَطْعِمْهُ أَهْلَكَ». [ر 1834] الشرح: هذه التراجم الثلاث تتعلق بالجماع والكفارة في نهار رمضان: قول المؤلف: ويذكر عن أبي هريرة رفعه: «من أفطر يومًا من رمضان من غير عذر ولا مرض لم يقضه صيام الدهر وإن صامه» هذا التعليق وصله أصحاب السنن الأربعة من طريق حبيب بن أبي ثابت عن عمارة بن عمير عن أبي المطوس عن أبيه عن أبي هريرة نحوه، وهذا الحديث لا يصح وخلاصة العلل التي فيه هي: 1 - الجهالة بحال أبي المطوس. 2 - والاضطراب حيث اختلف فيه على حبيب بن أبي ثابت اختلافًا كثيرًا.

3 - وكذلك والد أبي المطوس لا يعرض له سماع من أبي هريرة. وقد علقه البخاري بصيغة التمريض، ثم قال المؤلف: وبه قال ابن مسعود، وقول ابن مسعود هذا ضعيف في النظر وإلا فهو صحيح السند إليه، ثم أراد المؤلف الرد على هذا القول فقال: وقال سعيد بن المسيب والشعبي وابن جبير وإبراهيم وقتادة وحماد بن أبي سليمان: يقضي يومًا مكانه وسوف نذكر في الفوائد إن شاء الله مسألة قضاء يوم مكانه. الفوائد: من جامع في نهار رمضان ممن هو مكلف بالصيام فإنه عليه الكفارة المغلظة والمراد بذلك: إذا وقع ممن يلزمه الصوم، أما إذا وقع ممن لا يلزمه الصوم كالمسافر والمريض فإنه لا إثم عليه ولا كفارة، ولكن عليهما القضاء، مثاله: لو قدر أن زوجين كانا في سفر صائمين ثم لما انتصف النهار جامع الرجل امرأته وهو لا يزال في السفر فإنه ليس عليهما إلا القضاء. وفيه أن الوقوع في المعاصي هلاك وذلك؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أقره على هذه الكلمة ولم ينكر عليه. وفيه الاستبانة عن المجمل حيث قال: «ما أهلكك». وفي صراحة الصحابة - رضي الله عنهم - حيث أنهم لا يستحيون من الحق، حيث قال «وقعت على امرأتي وأنا صائم» وهذا أمر يستحيا منه عادة. وفيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سكت عن الطرف الثاني وهي زوجته ولم يبحث عنه؛ لأن الزوجة يحتمل أنها جاهلة أو مكرهة فلم يسأل عن زوجته. وفيه بيان كفارة الجماع في نهار رمضان وهي عتق رقبة واشترط كثير من

أهل العلم: أن تكون مؤمنة واشترط بعضهم أن تكون سليمة من العيوب الضارة بالعمل ووجه ذلك كونه به عيوب تمنع من العمل كونه في الرق خير من كونه حرًا ولا يستطيع الإنفاق على نفسه وهذا معناه أنه أعتق وهو لا يستطيع العمل هلك وضاع وفي هذا الشرط نظر وهو للأصحاب «الحنابلة». وفيه أن الإنسان مؤتمن على دينه؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يستحلف الرجل في ذلك؛ لأن ما يتعلق في العبادة لا يحلف فيه الإنسان بل هو مؤتمن على ذلك. وفيه أن الكفارة في رمضان للجماع على الترتيب، وهذا من لفظ النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد ذكر الدارقطني في علله أن نحو ثلاثين راويًا عن الزهري رووه بلفظ الترتيب والأقل بلفظ التخيير وأيضًا هناك وجه للترجيح أن الترتيب من لفظ النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنه قال: «فهل تجد رقبة» قال: لا والفاء للترتيب، ثم قال بعد ذلك «فهل تستطيع أن تصوم» وهكذا. وأما التخيير فهو من أقوال الرواة وهو من باب الرواية بالمعنى وشطه عدم الإخلال بالمعنى وصار هنا إخلال بالمعنى. وفيه أن الشهرين لابُدَّ أن يكونا متتابعين فلو تخللها أيام فطر مثل العيد والسفر فإن هذا لا يقطع التتابع ويكمل بعد انقضائهما بشرط عدم التحايل على ذلك ومثل ذلك المرأة لو حاضت فإن هذا لا يقطع التتابع. وفيه أن الإنسان إذا جامع في نهار رمضان حصل عليه أمور خمسة، وهذا بشرط كونه يعلم أن الجماع في نهار رمضان محرم والأمور الخمسة هي: 1 - استحقاق الإثم.

2 - وجوب الإمساك. 3 - وجوب التوبة. 4 - وجوب الكفارة المغلطة. 5 - وجوب قضاء ذلك اليوم وهو الصحيح وإن كان شيخ الإسلام يقول: أنه لا يقضي ويقول أن الأمر بالقضاء ضعيف. ونقول أحاديث الأمر بالقضاء ضعيفة ولكن نحن لا نحتاج إليها؛ لأن الأصل أن هذا الإنسان لما أفسد ذلك اليوم ما أدى هذه العبادة واستقرت في ذمته ولابد من قضاء ذلك اليوم وأورد على شيخ الإسلام حديثًا «من استقى فعليه القضاء» أي من استقى أي فعل القيء عامدًا أمر بالقضاء، وهذا الحديث قد ضعفه الأئمة أحمد والبخاري وغيرهما، وجاء عند مالك في الموطأ عن نافع عن ابن عمر بنحو الحديث المرفوع، ولكن ردَّ عليه شيخ الإسلام أن هذا الشخص لا سبيل للقضاء ولا ينفعه وأما الذي استقاء عادة فإنه لا يستقئ إلا من مرض حتى وإن كان عامدًا ولذلك أمر بالقضاء؛ لأنه فعله لمرض أو تخمة وما أشبه ذلك. فالصحيح: أنه لابُدَّ من قضاء هذا اليوم وإن كانت أحاديث القضاء ضعيفة ولكن القواعد العامة تدل عليه. وهذه الأمور في حق من يعلم أن الجماع محرم أما إذا كان لا يعلم أن الجماع محرم فلا يجب عليه الكفارة وصومه صحيح أما إذا علم أن الجماع محرم ولكن لم يعلم أن عليه الكفارة فإنه يجب عليه الكفارة؛ لأنه لما علم الحكم ترتب عليه أحكامه.

وفي الحديث بألفاظه من الفوائد: أن الإنسان إذا أعسر بالكفارة في الجماع في نهار رمضان فإنها تسقط عنه حيث لم يخبره النبي - صلى الله عليه وسلم - أنها باقية في ذمته. مسألة: هل جميع الكفارات مثل الجماع في نهار رمضان في سقوط الكفارة بالإعسار؟ الجواب: نعم على القول الصحيح. وفيه من الفوائد: أن إطعام ستين مسكينًا لم يقدر قدر المُطْعم وهذا على ثلاثة أنحاء في النصوص: 1 - أحيانًا يتحدد الطعام والمطعم مثل فدية الأذى حدد الطعام بثلاثة آصع، وحدد المطعم بستة مساكين لكل مسكين نصف صاع. 2 - وأحيانًا يحدد الطعام دون المطعم كما في صدقة الفطر فيها صاع ولم تحدد هل تدفع لواحد أو اثنين أو ثلاثة؟ تدفع لمن شاء. 3 - تحديد المطعم أي الأشخاص دون الطعام كما في كفارة الجماع وكفارة اليمين وكفارة الظهار. مسألة: من جامع في نهار رمضان مرتين فماذا عليه؟ الجواب: فيه تفصيل: 1 - إذا جامع في يوم من رمضان مرتين ولم يكفر عن الأول قال في المغني: فعليه واحدة بغير خلاف.

2 - إذا جامع في نهار رمضان ثم كفر، ثم جامع في اليوم نفسه فقيل: عليه كفارة ثانية وهو المشهور من مذهب الحنابلة؛ لأنه وطء محرم لحرمة رمضان حيث يجب عليه الإمساك، وهذا اختيار شيخ الإسلام (25/ 261). والقول الآخر: ليس عليه كفارة ثانية، وهو قول الجمهوري ووجه ذلك قالوا: أنه أفسد صوم يوم واحد فعليه كفارة يوم واحد، وحكاه الوزير بن هبيرة في الإفصاح إجماعًا. والعجب أنه حكى خلاف أحمد فكيف يكون إجماعًا؟ والقول الأول هو اختيار أبي محمد صاحب «المغني». وقال صاحب «الاختيارات»: وهل تحب كفارة الجماع في رمضان لإفساد الصوم الصحيح أو لحرمة الزمان، فيه قولان: الصواب الثاني. مسألة: إذا جامع في يومين من رمضان فإن كفر للأول ثم جامع في الثاني فعليه كفارة للثاني إجماعًا وإن عاود الجماع في الثاني قبل أن يكفر عن اليوم الأول فالصحيح أن عليه لكل يوم كفارة؛ لأن كل يوم عبادة منفردة، وهو قول الجمهور. مسألة: من جامع في نهار رمضان وهو معافى ثم مرض أو سافر أو جن أو حاضت المرأة، لم تسقط الكفارة لاستقرارها في ذمته. مسألة: من طلع عليه الفجر وهو مجامع فإن نزع في الحال فلا شيء عليه، وبوب عليه البيهقي في السنن بابًا، وإن تمادى واستدام فعليه القضاء

والكفارة. وأنظر قواعد ابن رجب (1/ 477). مسألة: ومن أفطر ليجامع لا تسقط عنه الكفارة. أنظر مجموع الفتاوى (25/ 260 - 262). مسألة: إذا كان الإنسان عنده عبيد كثير فإنه إذا جامع في نهار رمضان فإنه يعتق وقال بعضهم: لا بل يصوم لكي يرتدع عن الجماع في نهار رمضان فأيهما الصحيح؟ الجواب: أنه يعتق؛ لأن هذا ما جاء به النص وهو أحق بالإتباع ولأن الكفارة يجب فيها الترتيب لكن الإعتاق وإن كان سهلًا على هذا الإنسان لكثرة عبيده فإن فيه تحرير رقبة من العبودية وهو أعظم من الصيام، وهذا اجتهاد فاسد في مقابلة النص. مسألة: إنسان عليه كفارة جماع في نهار رمضان شهرين متتابعين ولكن في الليل جامع أهله فماذا عليه وهو أثناء الصيام؟ الجواب: أنه إن كان في رمضان يجوز الجماع في الليل فهذا من باب أولى وإنما لا يجوز الجماع في كفارة الظهار وذلك تأديبًا له والحكمة ظاهرة في هذا فإنه في الظهار جعل هذه المرأة مثل أمه فناسب أن يعاقب عليها. والكفارة فيها جانبان: 1 - جانب عقوبة.

2 - وجانب عبادة؛ لأن الإنسان إذا أعتق كتب له أجر، وكذا إذا صام حتى في العتق الواجب يعتق الله له بكل عضو منه عضوًا من النار حتى فرجه بفرجه. وأما قوله باب: «المجامع في نهار رمضان هل يطعم أهله من الكفارة إذا كانوا محاويج». نقول قد يقال إن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما قال: «خذ هذا فتصدق به» ثم أباحه إياه لدفع حاجته؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما أعطاه قد سقطت عنه الكفارة بالكلية ولهذا ملكه هذا المال فلم يَصِرْ هو مصرف لكفارته؛ لأن الإنسان ليس مصرفًا لكفارته بل الصحيح أنه أسقطت عنه وأعطى لفقره. مسألة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما أتى بالمال قال: «خذ هذا وتصدق به» مع أن الرجل حينما قيل له: «أتجد إطعام ستين مسكينًا» قال: لا فكيف يأمره النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ قد نقول: إن هذا الرجل ليس فقرًا ولكن ليس عنده طعام ستين مسكينًا، فهو قد يجد إطعام مسكين أو مسكينين أو إطعام أهله فقط ولهذا قال: «خذها فتصدق بها». مسألة: من جامع في قضاء رمضان فماذا عليه؟ الجواب: ليس عليه كفارة إنما يقضي يومًا مكانه إنما الكفارة لأجل حرمة الزمان وليس عليه أن يمسك بعد الوطء وهو آثم؛ لأن هذا اليوم ليس له حرمة وإنما حرمته ذهبت بالجماع وإنما رمضان له حرمة فلذلك في

رمضان يكمل ممسكًا. مسألة: المرأة إذا كانت مطاوعة فإنها مثل الزوج في الإثم والكفارة؛ لأن الشريعة لا تفرق بين المتماثلات، وأما إذا كانت مكرهة فليس عليها شيء وصومها صحيح أما إذا كانت مكرهة في أول الأمر ثم طاوعت بعد ذلك فلا يجوز وعليها كفارة لأنها طاوعت.

32 - باب الحجامة والقيء للصائم

32 - بَابُ الحِجَامَةِ وَالقَيءِ للِصَّائِمِ وقال لي يحيى بن صالح: حدثنا معاوية بن سلام حدثنا يحيى عن عمر ابن الحكم بن ثوبان سمع أبا هريرة - رضي الله عنه - إذا قام فلا يفطر إنما يخرج ولا يولج، ويذكر عن أبي هريرة أنه يفطر والأول أصح، وقال ابن عباس وعكرمة: الصوم مما دخل وليس مما خرج، وكان ابن عمر - رضي الله عنهم - يحتجم وهو صائم ثم تركه فكان يحتجم بالليل، واحتجم أبو موسى ليلًا، ويذكر عن سعد وزيد بن أرقم وأم سلمة احتجموا صيامًا، وقال بكير عن أم علقمة: كنا نحتجم عند عائشة فلا تنهي، ويروى عن الحسن عن غير واحد مرفوعًا فقال: «أَفْطِرَ الحَاجِمُ وَالمَحْجُومُ»، وقال لي عياشٌ: حدثنا عبد الأعلى حدثنا يونس عن الحسن مثله قيل له عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: نعم ثم قال: الله أعلم. 1836/ 1837 - حدثنا مُعلى بن أسد حدثنا وهيب عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس - رضي الله عنهم -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - احتجم وهو محرم واحتجم وهو صائم. (1837) - حدثنا أبو معمر حدثنا عبد الوارث حدثنا أيوب عن عكرمة عن ابن عباس - رضي الله عنهم - قال: احتجم النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو صائم. [ر 1738] 1838 - حدثنا آدم بن أبي إياس حدثنا شعبة قال: سمعت ثابتًا البناني قال: سئل أنس بن مالك - رضي الله عنه - أكنتم تكرهون الحجامة للصائم؟ قال: لا إلا من أجل الضعف وزاد شبابه حدثنا شعبة على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -.

الشرح: هذا الباب عقده المؤلف في مسألة الحجامة والقيء للصائم وعلق عن بعض الصحابة والتابعين في مسألة القيء. أما مسألة القيء: فالصحيح فيها أنه إن كان عن عمد فإنه مفطّر أما إن كان من غير قصد أو عمد بأن ألجئ إليه الإنسان فإنه لا يفطر، وأصح ما ورد في الباب ما رواه مالك عن نافع عن ابن عمر: «من استقاء عمدًا فليقض ومن ذرعه القيء فلا شيء عليه». وقد جاء هذا في السنن من حديث هشام ابن حسان عن ابن سيرين عن أبي هريرة ولكن الإمام أحمد والبخاري قد أعلاه وقال الإمام أحمد: ليس من ذا شيء. قول ابن عباس وعكرمة: الصوم مما دخل وليس مما خرج، نقول هذا في الأغلب لأنه يكون قد يخرج الشيء ويفطر كدم الحيض والحجامة على القول الراجح واختلف العلماء وكذا قبلهم الصحابة في مسألة الحجامة وسيأتي الكلام عليها، وأما حديث ابن عباس: «احتجم وهو صائم واحتجم وهو محرم» هذا الحديث يروى على أربعة أوجه كما قال ابن القيم وابن حجر وغيرهم: 1 - اللفظ الأول: يروى بلفظ «احتجم وهو محرم» من غير زيادة: «وهو صائم» وهذا جاء من طرق شتى عن ابن عباس واتفق عليه البخاري ومسلم من حديث ابن بحينة وجاء من حديث ابن عباس وهذا هو أصح ما ورد. 2 - اللفظ الثاني: يروى بلفظ «احتجم وهو صائم». رواه أهل السنن وله طرق.

3 - اللفظ الثالث: يروى بلفظ «احتجم وهو صائم واحتجم وهو محرم» أخرجه البخاري. 4 - اللفظ الرابع: يروى بلفظ «احتجم وهو صائم محرم» أخرجه النسائي وغيره وضعفه الإمام أحمد وابن المديني وآفته كما قال مهنا: سألت أحمد عنه فقال: ليس فيه «صائم» وأنكروا هذا الحديث على محمد بن عبد الله الأنصاري. فالخلاصة: أن البخاري أخرج حديث «احتجم وهو صائم» و «احتجم وهو محرم» والبخاري لم يبت في المسألة بل أطلق وإن كان في تعليقه عن بعض الصحابة ما يدل على أنه يرى أنه مفطّر كأبي موسى الأشعري أنه احتجم ليلًا وذكر حديث «أفطر الحاجم والمحجوم» وهذا الحديث صححه الإمام أحمد وابن المديني وابن معين وصح من حديث ثوبان وحديث شداد بن أوس وهذان الحديثان الصحيح أنهما ناسخان لحديث ابن عباس. مسألة: اختلف أهل العلم في مسألة الفكر بالحجامة على قولين: القول الأول: وهو مذهب الجمهور مالك والشافعي وأبو حنيفة أن الحجامة لا تفطر. واحتجوا: 1 - بحديث أبي سعيد: «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رخص في الحجامة للصائم» ولكن الصحيح في هذا الحديث أنه لا يصح رفعه لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - والصحيح

أنه موقوف على أبي سعيد الخدري وأصله فتيا سئل أبو سعيد عن حكم القبلة والحجامة: «فرخص فيهما» ثم وقع في هذا الحديث وهم فرفعه بعض الرواة وممن نص على ذلك الترمذي وأبو حاتم وأبو زرعة والبزار وابن خزيمة. فالصحيح أن حديث أبي سعيد لا يصح رفعه. 2 - استدلوا بحديث أنس الذي أخرجه الدارقطني والبيهقي من طرق خالد ابن مخلد حدثنا عبد الله بن المثنى عن ثابت البناني عن أنس قال: «أول ما كرهت الحجامة للصائم أن جعفر بن أبي طالب احتجم وهو صائم ثم مر بهما النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال: «أفطر هذان» ثم رخص النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد ذلك في الحجامة وكان أنس يحتجم وهو صائم». وهذا الحديث منكر بهذا اللفظ فهو ضعيف الإسناد ومنكر المتن. قال ابن عبد الهادي في «تنقيح التحقيق»: خالد بن مخلد القطواني له مناكير وأخرج له البخاري بعض الأفراد وكذلك في سنده عبد الله بن المثني تكلم فيه غير واحد من الحفاظ كأبي داود والنسائي وقال العقيلي: لا يتابع على أكثر حديثه ثم أن أصل هذا الحديث في البخاري برواية شعبة جبل الحفظ يرويه عن ثابت البناني قال: سألت أنس: أكنتم تكرهون الحجامة للصائم؟ قال: لا، إلا من أجل الضعف. فهذا أصل حديث أنس: «أفطر هذان». وحديث أنس: «أول ما كرهت الحجامة ....» طعن فيه شيخ الإسلام، وقال الحافظ ابن حجر: إن في إسناده ما ينكر.

القول الثاني: وهو مذهب أحمد أن الحجامة مفطرة واحتجوا: 1 - بحديث عبد الرحمن بن أبي ليلى عن رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - «نهى عبد الرحمن للصائم والمواصلة ولم يحرمها إبقاء على أصحابه» هذا الحديث صحيح الإسناد. والجواب على هذا الحديث أن قوله: لم يحرمها إبقاء على أصحابه، نقول هذا فهم الراوي وظنه، وقد أخبر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن ذلك فالنهي كافٍ والنهي يقتضي التحريم، وأيضًا قد خالفه جمهور الصحابة، وقوله: «إبقاء على أصحابه» هذا متعلق بالنهي. فالصحيح أنه لا يصح في أن الحجامة ناسخة أو لا تفطر سوى ما أخرجه البخاري في هذا «أنه احتجم وهو صائم» ولكن لا يتم الاستدلال لهذا الحديث على أن الحجامة غير مفطرة إلا بعد أربع مقدمات كما قال ابن القيم: وهي: 1 - أن يكون احتجم وهو صائم في فرض؛ لأنه إذا احتجم وهو نفل فالنفل يجوز الخروج منه. 2 - أن يكون مقيمًا؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد يكون احتجم وهو مسافر والمسافر يجوز له الفطر. 3 - أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - سليمًا أما إذا كان مريضًا وقد احتاج إلى الحجامة فاحتجم فيكون كالمريض الذي احتاج إلى الفطر بالحجامة. 4 - أن يكون متأخرًا عن حديث: «أفطر الحاجم والمحجوم». قال ابن القيم: ولا سبيل إلى إثبات واحدة فكيف بالأربعة مجتمعة فلا

يستطيع من قال أن الحجامة غير مفطرة أن يثبت هذه الأربعة. فالخلاصة أن: حديث: «أفطر الحاجم والمحجوم» هو حديث صحيح من حديث ثوبان وشداد بن أوس والصحيح العمل به وأن الحجامة مفطرة وهو أيضًا موافق للقياس؛ لأن الصائم منهي عن إخراج ما يقويه وإدخال ما يقويه فهو منهي عن إدخال الأكل والشرب منهي عن إخراج الدم بالحجامة وغيرها؛ لأنه فيه إضعاف له والسر في إفطار الحائض هو إخراج الدم لأنه يضعفها وقول أنس في البخاري: «إلا من أجل الضعف» فكفى به علة أن الإنسان لا يخرج ما يقويه ولا يدخل ما يقويه حتى يصمد للابتلاء بالتكليف الشرعي؛ لأنه إذا تعاطى ما يقويه انتفت الحكمة من الصيام وإذا أخرج ما يقويه فإن ذلك يؤدي إلى هلاكه والعبادات إنما هي لتمحيص الإنسان والابتلاء لا لإهلاكه وتعذيبه، وقد قال تعالى: {مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ} [النساء: 147] فالصحيح في هذه المسألة أن الصوم يفسد بالحجامة. مسألة: الحاجم والمحجوم سواء فإنهم يفطران سواء فالمحجوم ظاهر؛ لأن الدم يخرج منه وأما الحاجم فقال شيخ الإسلام: فإنه يمص الدم فربما خرج شيئًا إلى فيه فدخل فغلبه فنزلت المنظمة منزلة المئنة وهل يكون الحكم كذلك في الحجامة التي يتعاطاها الأطباء أو المحجمون من غير أن يمصوا الدم وذلك عن طريق الأجهزة هل نقول أن الحاجم يفطر؟ الجواب: شيخنا ابن باز يقول: يفطر حتى في هذه الحالة؛ لأنه معين على فطر أخيه فيفطر وأما شيخ الإسلام ومن وافقه من شيوخنا كابن عثيمين

قالوا: لا الوضع مختلف فهو لا يشفط بواسطة الفم وإنما يشفط عن طريق الأجهزة فيفطر المحجوم دون الحاجم وهذا عندي أصح. وقد اختار الفطر بالحجامة ابن خزيمة من الشافعية وابن المنذر وابن حبان وجماعة من المحدثين، وذكر بعضهم أن مذهب أهل الحديث هو الفطر بالحجامة ولا شك أن أهل الحديث هم أسعد الناس بإصابة الحق. ومن أراد الإطالة في مسألة الحجامة فليرجع إلى كلام شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى في المجلد الخامس والعشرين فقد بين أن هذا وفق القياس. مسألة: ومثل الحجامة في عصرنا هذا التبرع بالدم؛ لأن التبرع بالدم يؤخذ قرابة 250 مل إلى 400 مل وهذه كثيرة تورث الضعف والإنسان إذا تبرع وهو مفطر يشعر بالضعف فكيف وهو صائم فالحكم واحد أمَّا دماء الجروح أو التحليل أو خلع الضرس أو ما أشبه ذلك فهذه ليست حجامة ولا في معناها.

33 - باب الصوم في السفر والإفطار

33 - بَابُ الصَّوْمِ في السَّفَرِ وَالإِفْطَارِ 1839 - حدثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان عن أبي إسحاق الشيباني سمع ابن أبي أوفى - رضي الله عنه - قال: كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفر فقال لرجل: «أنْزِلْ فَاجْدَحْ لِي» قال: يا رسول الله الشمس قال: «انْزِلْ فَجَدَحَ لَهُ فَشَرِبَ ثُمَّ رَمَى بِيَدِهِ هَا هُنَا ثُمْ قَالَ: «إِذَا رَأَيْتُمُ اللَّيْلَ أَقْبَلَ مِنْ هَا هُنَا فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمْ». تابعه جرير وأبو بكر بن عياش عن الشيباني عن ابن أبي أوفى قال: كنت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في سفر. [ر 1854، 1855، 1857، 4991] 1840/ 1841 - حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن هشام قال: حدثني عن عائشة أن حمزة بن عمرو الأسلمي قال: يَا رَسُولَ الله إِنِّي أَسْرُدُ الصَّوْمَ. (1841) - حدثنا عبد الله بن يوسف أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة - رضي الله عنها - زوج النبي - صلى الله عليه وسلم -: أّنَّ حَمْزَةَ بْنَ عَمْرٍو الأَسْلَمِيَّ قَالَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: أَأَصُومُ فِي السَّفَرِ؟ وَكَانَ كَثِيرَ الصِّيَامِ فَقَالَ: «إِنْ شِئْتَ فَصُمْ وَإِنْ شِئْتَ فَأَفْطِرْ». الشرح: الحديث الأول: أخرجه مسلم من رواية هشيم عن أبي إسحاق الشيباني عن ابن أبي أوفى بلفظ: «في شهر رمضان» فهذا الحديث بينت رواية مسلم أنه في رمضان.

الحديث الثاني: اختصره المؤلف وله ألفاظ أخرى عند مسلم وطرق أخرى. فنقول في هذا الحديث: صوم شهر رمضان في السفر، وينبني على هذا مسألة هل الأفضل الصوم أو الفطر للمسافر في رمضان؟ الجواب: الصحيح أن الصوم أفضل إذا لم يجد مشقة فإن وجد مشقة فالفطر أفضل ولو كانت المشقة يسيرة. فإن قال قائل: ما وجه الترجيح بأن الصوم أفضل في السفر من دون المشقة؟ الجواب: نقول سبب التفضيل من وجوه. 1 - أن الصوم في السفر في شهر رمضان فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - كما سيأتي في حديث أبي الدرداء وأيضًا كما هنا في هذا الباب في حديث ابن أبي أوفى. 2 - أن صوم رمضان في السفر أسرع في براءة الذمة. 3 - أن فيه تيسيرًا على المكلف بحيث يصوم مع الناس وغالب من يفطر أيامًا كثيرة يشق عليه بعد ذلك القضاء حتى ربما أفضى ببعض الناس إلى أن يؤخر القضاء إلى أن يدخل عليه رمضان الآخر وهو لم يقض رمضان الماضي. 4 - أن زمن الصوم وظرفه أفضل؛ لأنه يعمي في شهر تعظم فيه الحسنات وزمن أفضل من غيره وهو شهر رمضان بخلاف أيام القضاء فإنه يصوم قضاء ولكن ليس أجر القضاء كأجر الصوم في نهار رمضان. إن قال قائل: في حديث حمزة بن عمرو الأسلمي .. عند مسلم له ألفاظ

منها ما رواه مسلم من طريق عروة عن أبي مراوح عن حمزة وفيه: «هي رخصة من الله فمن أخذ بها فحسن ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه». بهذا اللفظ احتج شيخنا ابن باز بأن الفطر في السفر أفضل مع عدم المشقة؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «من أخذ بها فحسن ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه»، فغاية ما في الصوم هو رفع الجناح عنه. ففي هذا الحديث ترجيح لجانب الفطر، ويجاب عن ذلك: أن قوله: «من أحب أن يصوم فلا جناح عليه» نقول هذه اللفظة وردت إجابة للسؤال الذي ألقاه الرجل على رسول الله كما في صحيح مسلم أن هذا الرجل سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: هل علينا جناح؟ فأراد النبي أن يزيل عنه التوهم في مسألة الصوم ويحسن له الرخصة فذكر الحديث: «أنه لا جناح عليه». أو يقال له هذا في بعض ألفاظ الحديث - أي حديث حمزة - والألفاظ تجمع فإن حصلت المشقة فالفطر أفضل وإن كانت يسيرة حتى وإن كانت المشقة على غيره وليس عليه شيء منها ولكن ينظر إليه بأنه قدوة فإن الأفضل له الفطر لكي يفطر غيره كما لو كان عالمًا أو طالبَ علم ينظر إليه الناس وهم معه فإنه يفطر ولو كان ما عليه مشقة وسيأتي ما يدل عليه.

34 - باب إذا صام أياما من رمضان ثم سافر

34 - بَابٌ إذَا صَام أَيَّامًا مِنْ رَمَضَانَ ثُمَّ سَافَرَ 1842 - حدثنا عبد الله بن يوسف أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عبيد الله ابن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس - رضي الله عنهم -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خَرَجَ إِلَى مَكَّةَ فِي رَمَضَانَ فَصَامَ حَتَّى إذا بَلَغَ الكَدِيدَ أَفْطَرَ فَأَفْطَرَ النَّاسُ. قَالَ أَبو عَبْد الله: وَالكَدِيدُ مَاءٌ بَيْنَ عُسْفَانَ وَقُدَيْدٍ. [1846، 2794، 4026، 4029] الشرح: قوله: «حتى إذا بلغ الكديد أفطر فأفطر الناس» نقول: المعروف أنه أفطر لما علم أن الناس قد شق عليهم الصيام فأطر ليراه الناس وجاء هذا في بعض ألفاظ حديث ابن عباس وجاء عند مسلم صريحًا من حديث جابر، وهذا شاهد لما تقدم من أن الإنسان المقتدى به يراعي غيره ولا ينظر إلى نفسه. وفي هذا الحديث شاهد لما ترجم له المؤلف وهو «باب إذا صام أيامًا من رمضان ثم سافر» يعني أن رمضان دخل على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو بالمدينة، ووقع عند مسلم من حديث أبي سعيد أنه خرج في ثمانية عشر ولبعض الرواة تسعة عشر ولبعضهم اثنتى عشرة، والمشهور من السيرة أنه خرج لعشر مضين من رمضان ودخل مكة لتسع عشرة خلت من رمضان وكان في سفره تسع ليال وهذه هي المدة نفسها التي خرج فيها للحج فقد مكث تسعة أيام.

الفوائد: 1 - الخروج في رمضان وأنه لا كراهة في أن يسافر الإنسان في نهار رمضان. 2 - إنه إذا خرج وهو صائم فإن له الفطر على الصحيح لكن متى يفطر؟ قال بعضهم: بابُدَّ أن يخرج من البنيان وهذا هو الصحيح. وقال بعضهم: لا، بل إذا نوى السفر ولو كان في البلد فإنه يفطر وهذا غير صحيح واحتجوا على هذا بحديث أنس في السنن وحديث أبي بصرة الغفاري، والصحيح أنه ليس له الفطر حتى يخرج من البنيان وأما إذا كان في البلد فهو مقيم وليس مسافرًا وأما حديث أنس في السنن أنه خرج فنزل منزلًا آخر فدعا بسفرته فهو محتمل كما قال أبو محمد في «المغني»: أنه نزل منزل بقرب البنيان خارجًا عنها لا داخل البنيان وبكل حال فإن هذه الأحاديث لا تعارض ظواهر النصوص في الكتاب والسنة وأما حديث أبي بصرة فقط أفطر وهو يرى البنيان فهو انفصل عن البنيان وشرع في السفر فلا إشكال. وفي هذا الحديث من الفوائد: أن مراسيل الصحابة مقبولة فإن ابن عباس يخبر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خرج إلى مكة في رمضان ومعلوم أن ابن عباس كان مع أبيه بمكة وقد قيل أن العباس والد ابن عباس خرج وقابل النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذي الحليفة وقيل بالجحفة، ومراسيل الصحابة - الذين لم يدركوا هذا الحديث ومات النبي - صلى الله عليه وسلم - وهم في سن التمييز - حجة بالاتفاق كما قال الحافظ في مقدمة الإصابة.

مسألة: هل يشترط أن يكون السفر الذي تباح به الرخص أن يكون سفرًا مباحًا، يعني إذا سافر سفرًا محرمًا هل تباح له الرخص أم لا؟ الجواب: قال بعضهم: أنه يشترط أن يكون السفر الذي تباح به الرخص أن يكون سفرًا مباحًا أما إذا سافر سفرًا محرمًا فإن رخص الله لا تستباح بالمعاصي. والصحيح في هذه المسألة: أنه متى سافر سفرًا سواء كان معصية أو طاعة فإنه يستبيح الرخص الشرعية؛ لأن الجهة منفكة فهو يستبيح الرخص الشرعية؛ لأنه سافر ولكنه يأثم لأنه تعاطى ما حرم الله، وشيخ الإسلام: يجيز الترخص برخص السفر في السفر المحرم كالسفر المباح وهذا هو مشهور مذهب أبي حنيفة وأما المشهور من مذهب الحنابلة على أنه لا تستباح الرخص بالمعاصي فلو سافر سفرًا محرمًا ليس له أن يفطر ولا يمسح ثلاثة أيام ولا يقصر الصلاة ولا يجمع الصلاة وهكذا ولكن الصحيح خلافه. فائدة تتعلق بهذا الحديث: في حديث أبي سعيد عند مسلم قال: «سافرنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى مكة ونحن صيام فنزلنا منزلًا فقال: «إنكم قد دنوتم من عدوكم والفطر أقوى لكم» فكانت رخصة فمنا من صام ومنا من أفطر ثم نزلنا منزلًا آخر فقال: «إنكم مصبحوا عدوكم والفطر أقوى فأفطروا «فكانت عزيمة فأفطرنا». هنا أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالفطر صريح، فهل سبب أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - الصحابة

بالفطر هنا لأجل السفر أم لأجل مقابلة العدو؟ الجواب: لأجل مقابلة العدو؛ لأنه في المرة الأولى منهم من صام ومنهم من أفطر لكن ما دنوا من العدو أمرهم بالفطر ليتقووا بذلك على لقاء العدو ولهذا جاء عند مسلم من حديث جابر أنه قال لما بلغه أن بعض الناس صام: «قال: أولئك العصاة أولئك العصاة» وبهذه المناسبة لما وقع ما وقع من دخول التتار في دمشق في زمن شيخ الإسلام أفتى شيخ الإسلام الناس في مدينة دمشق بالفطر فأنكر عليه بعض الفقهاء وقالوا: هؤلاء ليسوا مسافرين ولا مرضى بل يجب عليهم الصيام. فشيخ الإسلام: ناظرهم وأفحمهم واستدل بأمر النبي هذا قوله: «والفطر أقوى لكم» فالعلة أن الفطر أقوى لهؤلاء أما كونه وقع في سفر فهذه واقعة عين ليست قيدًا في الحديث فكان شيخ الإسلام يأكل التمر ويمشي بين الجند حتى يقتدوا به في ذلك فأفطروا وقاتلوا وانتصروا على الأعداء.

35 - باب

35 - بابٌ 1843 - حدثنا عبد الله بن يوسف حدثنا يحيى بن حمزة عن عبد الرحمن ابن يزيد بن جابر أن إسماعيل بن عبيد الله حدثه عن أم الدرداء عن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فيِ بَعْضِ أَسْفَارِهِ فِي يَوْمٍ حَارٍّ حَتَّى يَضَعَ الرَّجُلُ يَدَهُ عَلَى رَاسِهِ مِنْ شِدَّةِ الحَرِّ وَمَا فِينَا صَائِمٌ إِلاَّ مَا كَانَ مِنَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَابْنِ رَوَاحَةَ. الشرح: هذا الحديث أخرجه مسلم من طريق سعيد بن عبد العزيز عن عبيد الله ولفظه «في شهر رمضان في حر شديد» فهذا الحديث فيه الرد الواضح الجلي على ابن حزم الذي قال: إن الإنسان إذا سافر في نهار رمضان فإنه يلزمه الفطر واستدل بقوله: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} فيقول ابن حزم: فرضه العدة من أيام أخر لابد أن يفطر إذا سافر ويقضي من أيام أخر، وتقدير هذه الآية عند الجمهور: فمن كان مريضًا أو على سفر «فأفطر»، والسنة توضح هذا التقدير أنه إذا كان على سفر وأفطر فبعد ذلك يكون يقضي في أيام أخر ولا مناص من هذا، وهذه حجة دامغة على ابن حزم ومذهبه. فهذا الحديث صريح في أنه في الفريضة وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - صائم. هل هذا السفر هو سفر فتح مكة؟

هذا ليس في غزوة الفتح؛ لأنه يقول في الحديث: «وليس منا صائم إلاّ رسول الله وابن رواحة» ومعلوم أن ابن رواحة استشهد في عزوة مؤتة وكانت قبل الفتح بأشهر وكانت في سنة ثمان، وأيضًا كان الصائمون في غزوة الفتح كثير، وهنا ليس فيهم إلا النبي وابن رواحة فلعله سفر في رمضان آخر وقع لرسول الله وليس هو سفر الفتح.

36 - باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لمن ظلل عليه واشتد الحر: «ليس من البر الصوم في السفر»

36 - بابُ قَوْلِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - لِمَنْ ظُلِّلَ عَلَيْهِ وَاشْتَدَّ الحَرُّ: «لَيْسَ مِنَ البرِّ الصَّوْمُ فِي السَّفَرِ» 1844 - حدثنا آدم حدثنا شعبة حدثنا محمد بن عبد الرحمن الأنصاري قال: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ الحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ الله - رضي الله عنهم - قال: كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فِي سَفَرٍ فَرَأَى زِحَامًا وَرَجُلًا قَدْ ظُلَلَ عَلَيْهِ فَقَالَ: «مَا هَذَا؟ «فَقَالُوا: صَائِمٌ فَقَالَ: «لَيْسَ مِنَ البِرِّ الصَّوْمُ فِي السَّفَرِ». الشرح: قول المؤلف: «باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لمن ظلل عليه واشتد الحر: «ليس من البر الصوم في السفر» نقول أن هذا الاستنباط من المؤلف استنباط سديد وكأن المؤلف يقول أن قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ليس من البر الصيام في السفر» أي لمن اشتد عليه الحر فشق عليه الصيام فقيده المؤلف بواقع الحال في الحديث. وقوله: «ليس من البر الصوم في السفر» هذا ليس عام في كل سفر وصوم إنما هو مختص في مثل حال هذا الرجل الذي شق عليه الصوم لشدة الحر فقد ظلل عليه ولمشقة الصيام عليه. فإن قال قائل: قول النبي - صلى الله عليه وسلم - ليس من البر في السفر ينبغي أن لا يقيد؛ لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.

الجواب: نقول: نعم، ونحن نلتزم هذا أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب لكن في مثل حالة هذا الرجل فالتقيد في هذه الحالة ليس لهذا الشخص، وإنما لكل من كانت حالته مثل حالة هذا الرجل من حيث مشقة الصيام وشدة الحر عليه فليس من البر الصوم في السفر في هذه الحالة.

37 - باب لم يعب أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - بعضهم بعضا في الصوم والإفطار

37 - بَابٌ لَمْ يَعِبْ أَصْحَابُ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - بَعْضُهُمْ بَعْضًا فِي الصَّوْمِ وَالإِفْطَارِ 1845 - حَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ عَنْ أَنَسِ ابْنِ مَالِكٍ قَالَ: كُنَّا نُسَافِرُ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَلَمْ يَعِبِ الصَّائِمُ عَلَى المُفْطِرِ وَلاَ المُفْطِرُ عَلَى الصَّائِمِ. الشرح: هذا الحديث محمول على حال ليس فيه مشقة ولا شدة في السفر؛ لأنه قد مر معنا كما في حديث جابر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «ليس من البر الصوم في السفر» فهذا فيه عيب الصوم في السفر في مثل هذه الحالة، وأما في حال الاعتدال إذا لم يكن هناك مشقة فلا بأس بالصيام؛ لأن الصحابة لم يكن يعيب بعضهم على بعض الصوم في السفر. ومسلم ذكر طرقًا كثيرة عن أبي سعيد وجابر وأنس وفي بعض طرق حديث أبي سعيد قال فيه: «في نهار رمضان أو في رمضان» فهو صريح في الرد على ابن حزم ومن نحا نحوه في أن الصيام في السفر غير صحيح، وقد تقدم لنا أن ابن حزم قال في حديث أبي الدرداء قال: لا حجة فيه لاحتمال أن يكون ذلك الصوم تطوعًا وقد مر عنا أن حديث أبي الدرداء وقع في بعض طرقه أنه في نهار رمضان. والصوم في السفر إذا كان ليس هناك مشقة فالصوم أفضل وهذا في الفرض والنافلة مثله.

38 - باب من أفطر في السفر ليراه الناس

38 - باب من أفطر في السفر ليراه الناس 1846 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا أَبو عَوَانَةَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - مِنَ المَدِينَةِ إِلَى مَكَّةَ فَصَامَ حَتَّى بَلَغَ عُسْفَانَ ثُمَّ دَعَا بِمَاءٍ فَرَفَعَةُ إِلَى يَدَيْهِ لِيُرِيَهُ النَّاسَ فَأَفْطَرَ حَتَّى قَدِمَ مَكَّةَ وَذَلِكَ فِي رَمَضَانَ فَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: قَدْ صَامَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وَأَفْطَرَ فَمَنْ شَاءَ صَامَ وَمَنْ شَاءَ أَفْطَرَ. [ر1842] الشرح: نقول كما قال ابن عباس لما ذكر أن رسول الله قد صام وذكر أنه قد أفطر ثم بعد ذلك قال ابن عباس: فمن شاء صام ومن شاء أفطر، نقول فيه أن القدوة الذي ينظر إليه أنه إذا كان يرى أن المصلحة في الفطر إما؛ لأن الصوم فيه مشقة على أهل السفر أو غيرها من المعاني فإنه يفطر لو كان ليس عنده وهو مشقة؛ لأن الناس يقتدون به وهذا هو ظاهر حديث ابن عباس هذا ولذلك يراعي القدوة أو رئيس القافلة الناس في مثل هذه الأمور، فلا يشق على الناس لأنه لو صام الرئيس أو القدوة قد يخجل بعض الناس ويستحي فيتم صومه، فيشق عليه، وفي الخبر: «اللهم من ولي من أمر أمتي شيئًا فشق عليهم فاشقق عليه»، فيخشى أن يدخل تحت طائلة هذا الخبر؛ لأن «شيئًا» نكرة في سياق الشرط تعم.

39 - باب {وعلى الذين يطيقونه فدية}

39 - بَابٌ {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ} [البقرة: 184] قال ابن عمر وسلمة بن الأكوع: نسختها: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [البقرة: 185]. 1847 - وَقَالَ ابْنُ نُمَيْرٍ: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُرَّةَّ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي لَيْلَى حَدَّثَنَا أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم -: نَزَلَ رَمَضَانُ فَشَقَّ عَلَيْهِمْ فَكَانَ مَنْ أَطْعَمَ كُلَّ يَوْمٍ مِسْكِينًا تَرَكَ الصَّوْمَ مِمَّنْ يُطِيُقُهُ وَرُخِّصَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ فَنَسَخَتْهَا {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} فَأُمِرُوا بِالصَّوْم. 1848 - حَدَّثَنَا عَيَّاشٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى حَدَّثَنَا عُبَيْدُ الله عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -: قَرَأَ {فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} قَالَ: هِيَ مَنْسُوخَةٌ. [4236] الشرح: قوله: نسختها: {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} هذا ليس فيه نسخ والصواب أن الناسخ الآية التي بعدها {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} هذا هو الناسخ.

قول المصنف: قول ابن عمر هذا الحديث وصله المصنف كما سيأتي وأما حديث سلمة بن الأكوع وصله المؤلف في التفسير وأخرجه مسلم بإسناده ومتنه وسياق حديث سلمة عند ملم «قال: كنا في رمضان على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - من شاء صام ومن شاء أفطر وافتدى بطعان مسكين حتى نزل {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}». فأول ما فرض الصيام على التخيير، إنا أن يفكر ويطعم مكانه مسكينًا ومن شاء صام وهذا تفسير الآية {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ} يعني من شاء صام ومن شاء أفطر وإذا أفطر فدى بإطعام مسكين، وأما قول بعض أهل العلم أن معنى {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ} أي يتكلفونه ويشق عليهم فدية طعام مسكين وهذا يكون في حق الكبير. نقول: ظاهر الآية خلاف ما ذكروا فلا يستقيم هذا مع وجود النص الصريح الصحيح عن هؤلاء الصحابة في سبب نزول هذه الآية. أما قول ابن عباس: ليست منسوخة هي في الشيخ الكبير والشيخة، هذا الأثر لم يخرجه البخاري هما في كتاب الصيام، وإنما أخرجه عن ابن عباس في كتاب التفسير وليته أشار إلى طرف منه هنا لمناسبة المقام، ومراد ابن عباس في هذه الآية: أن حكم الآية باقٍ لأنه لما كان في أول الأمر الإطعام بإزاء الصيام فهناك صيام وإن لم تصم تطعم، قال ابن عباس ليست منسوخة يعني المعنى فإذا كان الإنسان شق عليه الصيام بالفعل فإنه يعدل إلى البدل الذي هو الإطعام كما كان في أول الإسلام، وشذ بعض أهل العلم وقال: {وَعَلَى

الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ} قالوا: أي لا يطيقونه بتقدير حذف النفي وهذا باطل وهو خلاف الآية، وقول ابن عباس هو الصحيح في تفسير الآية: أن الكبير الذي لا يستطيع الصيام لمرض ايرجى برؤه أو لكبر سنه فإنه يفطر ويطعم عن كل يوم مسكينًا، وصح عن أنس أنه لما كان في آخر حياته وشق عليه الصيام أفطر فأطعم عن ذلك ثلاثين مسكينًا، وهذا الإطعام لابُدَّ أن يكون بعد العبادة فلا يطعم قبل العبادة؛ لأنها لم تدخل عليه ولم يخاطب بذلك فله أن يطعم بعد ذلك اليوم يعني بعد غروب شمس ذلك اليوم، أو يجعل هذا في آخر الشهر يطعم ثلاثين مسكينًا إذا كان كاملًا وتسعًا وعشرين إذا ان ناقصًا.

40 - باب متى يقضى قضاء رمضان؟

40 - بَابٌ مَتَى يُقْضَى قَضَاءُ رَمَضَانَ؟ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لاَ بَاسَ أَنْ يُفَرَّقَ لِقَوْلِ الله تَعَالَى: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ المُسَيَّبِ فِي صَوْمِ العَشْرِ: لاَ يَصْلُحُ حَتَّى يَبْدَأَ بِرَمَضَانَ، وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: إِذَا فَرَّطَ حَتَّى جَاءَ رَمَضَانُ أخَرُ يَصُومُهُمَا، وَلَمْ يَرَ عَلَيْهِ طَعَامًا، وَيُذْكَرُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مُرْسَلًا وَابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ يُطْعِمُ وَلَمْ يَذْكُرِ الله الإِطْعَامَ إِنَّمَا قَالَ: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}. 1849 - حّدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ ل تَقُولُ: كَانَ يَكُونُ عَلَيَّ الصَّوْمُ مِنْ رَمَضَانَ فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقْضِيَ إِلاَّ فِي شَعْبَانَ. قَالَ يَحْيَى: الشُّغْلُ مِنَ النَّبِيِّ أَوْ بِالنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. الشرح: هنا المؤلف ذكر مسائل: - المسألة الأولى: لا بأس أن يقضي قضاء رمضان بالتفريق أو بالتتابع وهذا قول ابن عباس لقوله تعالى: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}. ولم يقل متتابعة وهو الصحيح. 2 - قول سعيد بن المسيب في صوم العشر: لا يصلح حتى يبدأ برمضان. نقول المراد بالعشر هنا عشر ذي الحجة أنها لا تصام حتى يقضي رمضان- والمقصود التسع الأيام الأولى من ذي الحجة إلا يوم العيد فإنه لا يصام

وهذا من باب التغليب- يعني معنى كلام سعيد لابد من البدء بالفرض، وهذا الكلام من سعيد بن المسيب يحتمل أمرين: (1) يحتمل أنه لا يصوم العشر بنية القضاء فيجمع بين القضاء وبين ونه متنفلًا في العشر. (2) ويحتمل أنه لا يصوم العشر على وجه النفل وهو لم يقض رمضان وأصل المسألة مسألة التنفل القضاء أصلها فيها خلاف مشهور: 1 - فذهب بعض أهل العلم ومنهم الأصحاب الحنابلة «أنه لا يجوز للإنسان إذا كان عليه أيام من رمضان أن يتنفل بل يجب عليه أن يبدأ بالفرض وقالوا: إن تنفل فإن صومه باطل وغير صحيح». 2 - وذهب بعض أهل العلم إلى أنه إذا كان عليه قضاء من رمضان فله أن يتنفل وقالوا: إن وقت الفرض موسع، وحديث عائشة يدل عليه أنها ما كانت تقضي رمضان إلا في شعبان، والصحيح في المسألة: أنه ينبغي البداءة بالفرض؛ أما إن بدأ بالنفل فالصحيح أن النفل صحيح، مثاله: النافلة بين يدي الفريضة في الصلاة فإن الإنسان إذا دخل وقت الفريضة فإنه يتنفل بين يدي الفريضة وهذا نفل قبل الفريضة وقد دخل وقت الفريضة وقد بدأ خطاب الشارع بأدائها. وأما المسألة الثانية في أحد الوجهين في صوم العشر عن سعيد بن المسيب: يعني أنه يصوم العشر بنية القضاء وبنية حصول النفل فهذا يروى عن علي - رضي الله عنه - أنه نهى عن القضاء في العشر وأشار إليه المصنف: وروي بإسناد أصح منه عند ابن أبي شيبة والبيهقي من طريق الأسود بن قيس عن

أبيه عن عمر أنه كان يستحب قضاء رمضان في العشر وهذا مبني على مسألة التداخل، وهذا الإسناد لا بأس به عن عمر وهو يجري مجرى التداخل بين الفرض والنفل، فإن الإنسان إذا صام قضاء رمضان في أيام العشر بنية القضاء وخصول أجر النفل في الأيام العشر فأصح الأقوال في هذا أنه جائز وهذه من مباحث التداخل بين الفرض والنفل وهي مسألة لطيفة قد ألفت فيها مصنفات وقول عمر هذا لا بأس به، وفيه رد على من منع من ذلك وفيه استيعاب العشر بالصيام وهو متفق عليه بين العلماء والمراد تسع ذي الحجة. مسألة: المؤلف أيضًا تعرض إلى مسألة الإطعام إذا أفرط في القضاء حتى جاء رمضان آخر وهو لم يقض هل يطعم مع القضاء؟ الجواب: صح عن ثلاثة من الصحابة - رضي الله عنهم -: أبي هريرة وابن عباس وابن عمر أنه من فرط حتى يأتي رمضان آخر فإنه يقضي ويطعم وظاهر القرآن كما في قوله تعالى: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} لم يذكر الله الإطعام كما أشار المصنف إليه وهو اختياره ولهذا علق عن إبراهيم النخعي قال: إذا فرط حتى جاء رمضان آخر فإنه يصومها أي الشهر الحالي ثم بعد ذلك يقضي الماضي ولم ير عليه إطعامًا. وهذا هو الصحيح في المسألة؛ لأن ظاهر القرآن ليس فيه إطعام، وأما فتيا الصحابة الثلاثة - رضي الله عنهم - فقد يقول قائل هذا من باب التفقه ونحن لا نعلم أن هذا من الأمور التي لا للاجتهاد مجال فيها فقد يكون هذا من الصحابة الثلاثة من باب التفقه، وأن هذا الإنسان إذا فرط في القضاء حتى دخل عليه رمضان آخر وهو لم يقض أنه

عليه القضاء والإطعام وهذا عنهم من باب التعزيز وهذا للاجتهاد فيه مدخل، والصحيح أنه ليس عليه إطعام وهذا اختيار ابن عثيمين. وأيضًا من الأوجه التي نر فيها زيادة الإطعام مع القضاء: أنه هو سوف يأتي بالصيام وإنما الإطعام في الحقيقة بدل عن الصيام فلا يجمع بين البدل والمبدل منه. الحديث الثاني: حديث عائشة، هذا الحديث عند مسلم من طريق ابن جريج عن يحيى وفيه (فظننت أن هذا لمكانتها عند النبي - صلى الله عليه وسلم - منه) وكذلك عنده من طريق محمد بن إبراهيم عن أبي سلمة بلفظ (إن كانت إحدانا لتفطر في زمان رسول الله فما تقدر أن تقضيه مع رسول الله حتى يأتي شعبان) ففي هذا أنه ليس عائشة وحدها التي كانت تفعل هذا بل أزواج النبي كلهن أو كثيرًا من زوجات النبي - صلى الله عليه وسلم -. الفوائد: 1 - أنه لا يجوز تأخير قضاء رمضان إلى أن يأتي رمضان آخر إذ لو كان هذا جائز لما كان في إخبار عائشة بأنها تقضي في شعبان قبل دخول رمضان الآخر فائدة وهذا التأخير صوم رمضان حتى يأتي رمضان آخر من جنس تأخير الصلاة إلى أن يدخل وقت الأخرى وهذا ممنوع وحتى لا تتراكم العبادات على فيشق عليه فعلها. 2 - أن قضاء رمضان على التراخي ليس على الفور؛ لأننا لو قلنا على الفوز لكان معناه أنه من حين يفطر في عيد الفطر يجب عيه القضاء متتابعًا، وكلاهما الصحيح خلافه فلا يجب القضاء على الفور ولا يجب سرده

متتابعًا لكنه أفضل ولا شك في ذلك ومن حكمة الشارع أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «من صام رمضان ثم أتبعه ستًّا من شوال فكأنما صام الدهر كله». فهذا تلطف من الشارع لكي يبادر العبد في قضاء رمضان في شوال ثم يصوم الست من شوال ويحصل هذا الأجر وهذا غاية التلطف من الشارع الحكيم وقيادة العباد إلى حسن التعبد لرب العالمين حيث يريد منهم أن يفرغوا من الواجبات بأقصر الطرق ويثيبهم على ذلك. فهل بعد هذه الحكمة من حكمة. 3 - صيام القضاء إذا تضايق وقته فلا يحتاج إلى إذن الزوج فإذا لم يبق من شعبان إلا عشرة أيام وكانت المرأة عليها صيام عشرة أيام ماضية فإنها لا تستأذنه وذلك لأنه الآن تعيّن عليها الصيام حتى لو استأذنت المرأة الزوج ورفض فلا تطعه لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. مسألة: لو أن امرأة أرادت أن تصوم قضاء رمضان في أوقت الموسع كما في محرم وصفر فهلا لابد من الاستئذان أم لا؟ الجواب: أما النفل فلا بد من الاستئذان وهذا واضح وجاءت به أحاديث ثيرة ولكن الفرض الواجب إذا كان وقته موسعًا هل تستأذن فيه؟ الجواب: قال بعض أهل العلم أن الفرض لا استئذان فيه إذ أنَّ الفرض واجب ولا خيار لفعل المرأة في هذا الصوم وقال بعضهم: إنه لما كان وقت الواجب موسعًا فيه كان لزامًا عليها الاستئذان؛ لأن الاستئذان ليس راجعاّ إلى فريضة وإنما هو راجح إلى المبادرة إلى الفريضة وحق الزوج الأصل فيه

الوجوب وعلى الفور لتجدده فهو متعين عليها الآن ولا يكون القضاء متعينًا إلا حينما تبقى عدة هذا الصيام من شهر شعبان فهذا هو القول الراجح عندي في هذه المسألة وهو اختيار جماعة من العلماء كالشافعية وغيرهم وعليه إذا أرادت المرأة أن تصوم قضاء شهر رمضان والوقت موسع يجب عليها أن تستأذن زوجها؛ لأنها قد تباغته وهو يريدها فمن حسن العشرة الزوجية على الأقل أن تستأذنه وهي في سعة ولم يجب عليها القضاء الآن. فإن قال قائل: أنه يلزم إذا كان هذا الأمر متعين وهو الاستئذان في الفرض أنه يلزم المرأة إذا دخل وقت الصلاة أن تستأذن زوجها في الصلاة بعد الدخول مباشرة ولو كان الوقت موسعًا؟ الجواب: نقول أنه ليس بلازم أن تستأذن المرأة زوجها في أداء الصلاة؛ لأن وقت الصلاة قصير ولا يمنع حق الزوج ثم لم ينقل أن المرأة كانت تستأذن زوجها في أداء الصلاة في أول الوقت بل هذا من التنطع في الدين لكونه لم ينقل، ولأن هذا حاجة يسيرة بإمكان الزوج أن يصبر إنما هي دقائق أما كون الزوج يصبر يومًا فهذا قد يكون متعسرًا. 4 - (وهذا خاصة برواية مسلم) عناية أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - وقيامهن بحقه بأتم وخير قيام: وهذا الذي يدل عليه ما أدرجه يحيى الأنصاري بالشغل بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وقيامهم بحقه وهو الظاهر. مسألة: إن قال قائل: إن عائشة لا تتنفل قبل ذلك بشيء لا يوم عرفة ولا ست من شوال ولا غيره من النوافل؟

نقول: نعم هذا هو الظاهر، وعند عائشة أن هذا الظاهر عارضه شيء أولى منه وهو القيام بحق الزوجية. فإن قال قائل: النبي عليه الصلاة والسلام عنده نساء كثير فمتى يأتي دور عائشة حتى يأتيها النبي - صلى الله عليه وسلم - فكان لها مندوحة أن تصوم. نقول: إن من سنة النبي الثابتة أنه كان يدنو من نسائه كل يوم بعد العصر من غير مسيس وهذا لفظ أبي داود وقد جاء في بعض الألفاظ أنه كان يمس ويجامع فإنه قد يجامع أزواجه في ساعة واحدة (¬1) فإنها لا تدري متى يأتي دورها فتقدم متعة الزوجية وحقها على النفل، فحينئذ عائشة لم تكن تصوم شيئًا قبل رمضان من النفل وقد يقال: أن عائشة كانت تصوم النفل وتأخر القضاء فالنقل إذا جاءها النبي قطعت هذا النفل وإذا لم يأتيها فهي على ما نوت وإن كنت أميل إلى أن عائشة لم تكن تتنفل أصلًا ولا بأس أن الإنسان يترك شيئًا من النفل إلى شيء أعظم منه؛ لأن بعض العبادات أعظم من الأخرى ولأن النبي إذا جاءها وهي صائمة فقد يستحي منها فلذلك قدمت حق النبي، ولا شك أن أداء حق النبي - صلى الله عليه وسلم - أعظم من صوم النفل ولم ينقل عن عائشة ل أنها كانت تستأذن النبي - صلى الله عليه وسلم - في صيام النفل فالذي يظهر لي أن أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكن يضمن نفلًا لأجل حق النبي - صلى الله عليه وسلم -. ¬

(¬1) وقد بسطنا أحكام التعدد ومنها (وطء الزوجات في ساعة واحدة) في مؤلف مفرد.

41 - باب الحائض تترك الصوم والصلاة

41 - بَابُ الحَائِضِ تِتْرُكُ الصَّوْمَ وَالصَّلاَةَ وَقَالَ أَبو الزِّنَادِ: إنَّ السُّنَنَ وَوُجُوهَ الحَقِّ لَتَاتِي كَثِيرًا عَلَى خِلاَفِ الرَّايِ فَمَا يَجِدُ المُسْلِمُونَ بُدًّا مِنَ اتِّبَاعِهَا مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الحَائِضَ تَقْضِي الصِّيَامَ وَلاَ تَقْضِي الصَّلاَةَ. 1850 - حّدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَر قَالَ: حَدَّثَنِي زَيْدٌ عَنْ عِيَاضٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «أَلَيْسَ إِذَا حَاضَتْ لَمْ تُصَلِّ وَلَمْ تَضُمْ فَذَلِكَ نُقْصَانُ دِينِهَا». [ر298] الشرح: أبو الزناد: عبد الله بن ذكوان. معنى قول أبي الزناد: أن الرأي لا بُدَّ أن يوزن بميزان الشريعة فالرأي يخطئ ويصيب والشريعة كلها صواب لا خطأ فيها فقد يظن ظان أن القياس كذا أو الوجه كذا وأن الذي ينبغي كذا فتأتي الشريعة على خلاف الرأي فتكون هي أصلًا وقياسها هو القياس الصحيح. وقول بعض الناس: أن هذا الحكم خلاف الشرع أو خلاف اقياس فهذا من ضعف عقله بل هي القياس وهي الحكمة وهي العدل. شرح الحديث: الحائض تترك الصوم أداءً ولا تتركه قضاء فإنها تؤمر كما أسند المؤلف

عن أبي سعيد وفي حديث عائشة: «ـكنا نؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة» أما الصلاة فإنها لا تؤمر بها قضاء ولا أداء فلا تقضيها؛ لأنها كثيرة متكررة وقد التمس بعض العلماء الحكمة في قضاء الصوم وعدم قضاء الصلاة، قالوا: إن الصلاة تكرر والصوم لا يتكرر فلو لم نأمرها بقضاء الصوم لفات عيها صوم الشهر ولو أمرناها بقضاء الصلاة لشق عليها ذلك فإنها الآن تؤدي صلاة في وقتها وعليها فائت ففي هذا مشقة عليها. وزيف بعض أهل العلم جميع الحكم المستنبطة وقال: إن الحكمة هي طاعة الله - عز وجل - ورسوله وأن المتبع في ذلك النص وهذا قول إمام الحرمين وهذا قول قوي في النظر لكن لا مانع من الالتماس لشيء من الحكمة دون القطع بها. هل إذا تركت المرأة الصلاة هل يكتب لها أجر الصلاة. الجواب: الظاهر أنه لا يكتب لها أجر الصلاة إذ لو كان أجر الصلاة مكتوبًا لها لما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «فذلك نقصان دينها» فنقصان دينها أنها لا تصلي فإنها تثاب على هذا الترك من حيث الامتثال ولا تثاب أجر الصلاة فهناك فرق بين ثواب أجر الصلاة وبين ثواب الترك امتثالًا لله ولرسوله، فالأول أجر عمل وجنس أجر العمل أعظم من جنس أجر النية بالاتفاق، ولهذا من هم بحسنة كتبت حسنة، وإن عملها كتبت عشرًا.

42 - باب من مات وعليه صوم

42 - باب من مات وعليه صوم وقال الحسن: إن صام عنه ثلاثون رجلًا يومًا واحدًا جاز. 1851 - حّدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدٍ حّدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنِ أَعْيَنَ حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ عَمْرِو بْنِ الحَارِثِ عَنْ عُبَيْدِ الله بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ جَعْفَرٍ حَدَّثَهُ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها -: أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَنْ مَاتَ وَعَلَيْه صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُهُ». تَابَعَهُ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ عَمْرٍو وَرَوَاهُ يَحْيَى بْنُ أيُّوبَ عَنِ ابْنِ أَبِي جَعْفَرٍ. 1852 - حّدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو حَدَّثَنَا زَائِدَةُ عَنِ الأَعْمَشِ عِنْ مُسْلِمٍ البَطِينِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قال: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرٍ أَفَأَقْضِيهِ عَنْهَا؟ قَالَ: «نَعَمْ» قَالَ: «فَدَيْنُ الله أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى». قَالَ سُلَيْمَانُ: فَقَالَ الحَكَمُ وَسَلَمَةُ: وَنَحْنُ جَمِيعًا جُلُوسٌ حِينَ حَدَّثَ مُسْلِمٌ بِهَذَا الحَدِيثِ قِالاَ: سَمِعْنَا مُجَاهِدًا يَذْكُرُ هَذَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَيُذْكَرُ عَنْ أَبِي خَالِدٍ حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنِ الحَكَمِ وَمُسْلِمٍ البَطِينِ وَسَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَعَطَاءٍ وَمُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَتِ امْرَأَةٌ للِنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: إَنَّ أُخْتِي مَاتَتْ. وَقَالَ يَحْيَى وَأَبو مُعَاويَةَ: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ مُسْلِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَتِ امْرَأَةٌ للَنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ.

وَقَالَ عُبَيْدُ الله عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي أَنَيْسَةَ عَنِ الحَكَمِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَتِ امْرَأَةٌ للَنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ نَذْرٍ. وّقّالّ أَبو حَرِيزٍ: حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَتِ امْرَأَةٌ للَنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: مَاتَتْ أُمِّي وَعَلَيْهَا صَوْمُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا. الشرح: قول المؤلف: قال الحسن: إن صام عنه ثلاثون رجلًا يومًا واحدًا جاز. نقول: نعم إذا مات الإنسان وعليه ثلاثون يومًا أو شهر رمضان كاملًا وقد تمكن من القضاء ولكنه لم يقض فصام عنه ثلاثون رجلًا يومًا واحدًا جاز ذلك؛ لأنه أدي عنه دينه جملة واحدة. لكن إذا مات هذا الإنسان وعليه أيامًا متتابعة كالكفارة بأن كان عليه شهران متتابعان أو نذر نذرًا متتابعًا فهل يجزئ عنه أن يصوم ستون رجلًا يومًا واحدًا أو ثلاثون رجلًا يومين؟ الجواب: لا، لا بُدَّ أن يتبرع أحد من أقاربه أو أوليائه أو أحد غيرهم فيسردها متتابعة؛ لأنه لا يحصل صورة التتابع إلا من شخص واحد، ولا تحصل من أشخاص فلا يحصل القضاء إلا بأن يتبرع شخص ويصوم الشهرين متتابعين. شرح الحديث الأول: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «من مات وعليه صيام» هذه جملة شرطية، وفعل الشرط «مات» وجوابه: «صام عنه وليه» وقوله: «وعليه صيام» نكرة في سياق الشرط فيدل على عموم كل صوم من صوم رمضان أو صوم نذر أو صوم كفارة أو غير ذلك قوله: «وليه» أي وارثه من الأقارب.

مسألة: هل معنى صام عنه وليه على سبيل الوجوب يعني ليصم عنه وليه؟ الجواب: التزم هذا بعض أهل العلم وقالوا: لا بُدَّ أن يصوم عنه ليه والصحيح أن هذا الأمر للولي بالصوم غير واجب لقوله تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}. مسألة: قال بعض أهل العلم المراد بقوله: «من مات وعليه صيام» المراد به صيام النذر وقالوا: إن هذا في صيام النذر خاصة واحتجوا بحديث ابن عباس الذي سوف يأتي وهؤلاء أخطأوا حيث حملوا النذر الذي نهى عنه النبي - صلى الله عليه وسلم - وفسروا به هذا الحديث وسبب خطئهم أن النذر مكروه وقيل بحرمته وأيضًا ابتلاء الناس الذين عليهم صيام النذر دون ابتلائهم بصوم شهر رمضان فكثير من الأشخاص الذين يموتون وعليهم شهر رمضان وأما الذين يموتون وعليهم صيام نذر قليل وحمل الحديث الذي قال به أفصح الخلق عليه الصلاة والسلام على القليل النادر وإخراج الكثير المشهور فهذا من سقم الفهم ومن التقدم بين يدي الله ورسوله بالتخصيص والإلغاء، فالصحيح في هذا الحديث أنه عام في كل صوم ويدخل فيه صوم الفرض دخولًا أوليًّا. شرح الحديث الثاني: هذا الحديث في إسناده اختلاف وفي متنه اختلاف لكن البخاري: أخرجه موصولًا من طريق زائدة عن الأعمش عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير

عن ابن عباس، وكذلك أخرجه مسلم من طريق زائدة وكأنهما ارتضيا هذا الطريق وذلك لحفظه وكونه من أكابر الحفاظ وأيضًا اختار هذا المتن مع أن الحديث في متنه كلام واختلاف كثير فالبخاري ومسلم اختارا إخراجه من طريق زائدة بلفظ: «إن أمي ماتت وعليها صيام شهر أفأقضيه عنها» وقد جاء في هذا الحديث ألفاظ كثيرة من ضمنها لفظ غريب أخرجه أحمد عن ابن نمير وفيه زيادة «وعليها شهر رمضان» وهذه الزيادة من طريق ابن نمير كانت أظنها رواية من أفراد ابن نمير وهو ثقة حافظ مشهور ولكن تبين أنها ليست رواية وإنما هي مقحمة من الناسخ لأمرين: 1 - أن الحافظ ابن حجر في أطراف مسند الإمام أحمد لم يشر إليها من طريق ابن نمير. 2 - الذي رأيته في نسخة الرسالة من مسند الإمام أحمد أنهم أشاروا أن في النسخة التي فيها لفظ ابن نمير وجدوا في بعض النسخ أنه قد ضرب على هذه اللفظة لفظة «رمضان» وشطب عليها فالصحيح أنه لا يصح في هذا الحديث «وعليها شهر رمضان» وكان شيخنا ابن باز كان يحتج بهذه اللفظة أن من مات وعليه صيام شهر رمضان فإنه يُقضى عنه بالنص والصحيح أنه يقضى عنه بالعموم؛ لأن زيادة: «شهر رمضان» لا تصح رواية كما قررنا هذا. وفي هذا الحديث دلالة ظاهرة على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يستفصل؛ وأنها على العموم وذكر النذر في بعض ألفاظ الحديث ليس من باب القيد وإنما من باب الواقع فلا يجوز أن تقيد به العمومات، فمن مات وعليه صوم فإنه

يصوم عنه وليه، وإذا لم يصم عنه فإنه يطعم عنه عن كل يوم مسكينًا، وذهب بعض أهل العلم على أنه لا يصوم أحد عن أحد واحتجوا بحديث لا يصح والصحيح أنه يصام عنه وينفعه، وذهب شيخ الإسلام إلى أنه يجوز الصيام عن الحي العاجز وهو حي فيقول: إن أطعم عنه وإلا صيم عنه وهو حي. ولكن نقول: الصوم عن الحي العاجز في حياته فيه نظر إنما جاء الصوم عن الميت، وأما الحي العاجز الذي عجزه مستديم فالصحيح أن فرضه الإطعام، وهناك وجه آخر لترجيح الإطعام على الصيام عن الغير وهو أن الإطعام عبادة يتولاها المكلف العاجز بنفسه، وأما الصيام فإنه يتولاه عنه غيره والعبادة التي من المكلف أعظم من العبادة التي فيها النيابة عنه مع ما في الحديث من موافقة الأصول.

43 - باب متى يحل فطر الصائم؟ وأفطر أبو سعيد الخدري حين غاب قرص الشمس

43 - بَابٌ مَتَى يَحِلُّ فِطْرُ الصَّائِم؟ وِأَفْطَرَ أَبو سَعِيدٍ الخُدْرِيُّ حِينَ غَابَ قُرْصُ الشَّمْسِ 1853 - حَدَّثَنَا الحُمَيْدِيُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: سَمِعْتُ عَاصِمَ بْنَ عُمَرَو بْنِ الخَطَّابِ عَنْ أَبِيهِ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «إِذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ مِنْ هَا هُنَا وَأَدْبَرَ النَّهَارُ مِنْ هَا هُنَا وَغَرَبَتِ الشَّمْسُ فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ». 1854 - حّدَّثَنَا إِسْحَاقُ الوَاسِطِيُّ حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنِ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ عَبْدِ الله ابْنِ أَبِي أَوْفَى - رضي الله عنه - قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فِي سَفَرٍ وَهُوَ صَائِمٌ فَلَمَّا غَرَبَتِ الشَّمْسُ قَالَ لِبَعْضِ القَوْمِ: «يَا فُلاَنُ قُمْ فَاجْدَحْ لَنَا» فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله لَوْ أَمْسَيْتَ؟ قَالَ: «انْزِلْ فَاجْدَحْ لَنَا» قَالَ: يَا رَسُولَ الله فَلَوْ أَمْسَيْتَ؟ قَالَ: «انْزِلْ فَاجْدَحْ لَنَا» قَالَ: إِنَّ عَلَيْكَ نَهَارًا؟ قَالَ: «انْزِلْ فَاجْدَحْ لَنَا»، فَنَزَلَ فَجَدَحَ لَهُمْ فَشَرِبَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ قَالَ: «إِذَا رَأَيْتُمُ اللَّيْلُ قّدْ أَقْبَلَ مِنْ هَا هُنَا فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ». [ر1839] الشرح: ذكر المؤلف أن أبا سعيد أفطر حين غاب قرص الشمس، نقول نعم: إذا غاب قرص الشمس وقرنها الأعلى فقد حل الفطر. شرح الحديث الأول: معنى قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إذا أقبل الليل من ها هنا والنهار من ها هنا وغربت

الشمس فقد أفطر الصائم» فهل المراد بقوله: «أفطر الصائم» أي حل له الفطر أم المراد أنه أفطر حكما وإن لم يأكل بالفعل؟ الجواب: أنه حل الفطر؛ لأنه إذا كان في حكم المفطرين لم يكن هناك فائدة في الوصال أو لم يكن هناك جواز للوصال ولكانت مرتبة الوصال ساقطة فالصحيح أن معنى الحديث أنه أبيح له الفطر، وهذا الحديث ظاهر في شرعية المبادرة بالفطر عند التحقق من غروب الشمس. شرح الحديث الثاني: في هذا الحديث المبادرة بالفطر والنبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «انزل فاجدح لنا» كأنه يأمره بأن يهيئ له شيئًا من الشراب الذي فيه شيء من السويق والصحابي استنكر هذا لأنه رأى البياض مازال قويًّا مع أن الشمس قد غربت فقال: يا رسول الله لو أمسيت، فقال رسول الله: «انزل فاجدح لنا» فقال الصحابي «لو امسيت» ومراجعة الصحابي لا على وجه الرد بل على وجه التنبيه الذي يظنه هذا الصحابي أنه في محله فأخبره النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يهيئ الشراب لهم؛ لأن الفطر قد حل ولهذا بيّن لهم وقال: «إذا رأيتم الليل قد أقبل من هاهنا فقد أفطر الصائم».

44 - باب يفطر بما تيسر من الماء أو غيره

44 - بَابٌ يُفْطِرُ بمَا تَيَسَّرَ مِنَ المَاءِ أَوْ غَيْرِهِ 1855 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ حَدَّثَنَا الشَّيْبَانِيُّ سُلَيْمَانُ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الله بْنَ أَبِي أَوْفَى - رضي الله عنه - قَالَ: سِرْنَا مَعَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ صَائِمٌ فَلَمَّا غَرَبَتِ الشَّمْسُ، قَالَ: «انْزِلْ فَاجْدَحْ لَنَا» قَالَ: يَا رَسُولَ الله لَوْ أَمْسَيْتَ؟ قَالَ: «انْزِلْ فَاجْدَحْ لَنَا» قَالَ: يَا رَسُولَ الله إِنَّ عَلَيْكَ نَهَارًا؟ قَالَ: «انْزِلْ فَاجْدَحْ لَنَا»، فَنَزَلَ فَجَدَحَ، ثُمَّ قَالَ: «إِذَا رَأَيْتُمُ اللَّيْلُ قّدْ أَقْبَلَ مِنْ هَا هُنَا فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ»، وَأَشَارَ بِأِصْبَعِهِ قِبَلَ المَشْرِقِ. [ر1839] الشرح: يسن الفطر على الماء أو على ما تيسر فقد جاء هذا في حديث سلمان بن عامر الضبي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا أفطر أحدكم فليفطر على رطبات فإن لم يجد فتمرات فإن لم يجد فماء» إذا لم يتيسر إلا الماء فإنه يفطر عليه. شرح الحديث: قوله: «فاجدح لنا»، إذا قلنا أن السويق شيء قد مرر على النار ففيه رد على من قال: إنه يستحب الفطر على شيء لم تمسه النار وإذا لم يكن كذلك فالأصل جواز الفطر على كل شيء أباحه الله، ولكن الأفضل أن يكون الفطر كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث سلمان بن عامر الضبي الذي أخرجه الترمذي وغيره أنه يفطر على الرطب «وهو التمر الرطب» لما فيه من الحلاوة ولأنه

يسرع لإعادة ما نقص من قوة الصائم فإن لم يجد فعلى تمرات وإن لم يجد فعلى ماء فإن لم يجد فعلى ما يسر الله من المباح. مسألة: ابن حزم نقل عن الشارح «ابن حجر»: أنه قد شذ فأوجب الفطر على التمر فإن لم يجد فعلى الماء. قلت: وكفى بهذا ظاهرية فجة فهذا إنما هو من باب الاستحباب فإذا وجد الرطب أو التمر فلا ينبغي أن يعدل إلى غيره.

45 - باب تعجيل الإفطار

45 - بَابُ تَعْجِيلِ الإِفْطَارِ 1856 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ ابْنِ سَعْدٍ: أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لاَ يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الفِطْرَ». 1857 - حّدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا أَبو بَكْرٍ عَنْ سُلَيْمَانَ عَنِ ابْنِ أَبِي أِوْفَى - رضي الله عنه - قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي سَفَرٍ فَصَامَ حَتَّى أَمْسَى قَالَ لِرَجُلٍ: «انْزِلْ فَاجْدَحْ لِي» قَالَ: لَوِ انْتَظَرْتَ حَتَّى تُمْسِيَ؟ قَالَ: «انْزِلْ فَاجْدَحْ لِي إِذَا رَأَيْتَ اللَّيْلَ قّدْ أَقْبَلَ مِنْ هَا هُنَا فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ». [ر1839] الشرح: شرح الحديث: قوله: «لا يزال الناس بخير» يعني بخير في أمر دينهم والناس إذا كانوا بخير في أمر دينهم فأنعم بها وأكرم وهل تستدر الأرزاق وتستجلب الرحمات إلا بطاعة الله ورسوله فإذا كان الناس بخير في دينهم فكل خير بعد ذلك يبشروا به، ومن الخيرية العظيمة أن الناس يعجلون الفطر. فلا ينبغي العدول عن هذه السنة، وينبغي للإنسان أن يعجل الفطر بعد تحقق غروب الشمس.

مسألة: متى يحل الفطر ومتى يحرم. الجواب: نقول الأقسام خمسة: 1 - إذا تيقنت غروب الشمس فقد حل للإنسان الفطر. 2 - إذا غلب على الظن غروب الشمس فقد حل للإنسان الفطر. 3 - إذا تيقنت أن الشمس لم تغرب فيحرم على الإنسان الفطر. 4 - إذا غلب على ظنك أن الشمس لم تغرب فإنه يحرم على الإنسان الفطر. 5 - إذا شك الإنسان هل غربت الشمس أم لا فإنه في هذه الحالة يحرم على الإنسان الفطر. فائدة: المؤلف: كرر الحديث في هذه الأبواب الثلاثة لأجل الفائدة. مسألة: من علامات أهل البدع أنهم يؤخرون الفطر حتى تشتبك النجوم وقد روي حديث «لا تزال أمتي بخير ما لم تؤخر الفطور حتى تشتبك النجوم» فتأخير الصلاة والفطر حتى تشتبك النجوم من علامات أهل البدع وقد نسبه المصنف للشيعة في تأخير الفطر، والشيعة أهل لكل شر.

46 - باب إذا أفطر في رمضان ثم طلعت الشمس

46 - بَابٌ إِذَا أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ ثُمَّ طَلَعَت الشَّمْسُ 1858 - حدثني عبد الله بن أبي شيبة: حدثنا أبو أسامة، عن هشام بن عروة، عن فاطمة، عن أسماء بنت أبي بكر ب قالت: أفطرنا على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم غيم، ثم طلعت الشمس. قيل لهشام: فأمروا بالقضاء؟ قال: لا بُدَّ من قضاء. وقال معمر: سمعت هشامًا: لا أدري أقضوا أم لا. الشرح: قوله: «بد من قضاء» كالمستنكر على السائل يعني وهل هناك بُد من القضاء يعني لا بُدَّ من القضاء، وقوله: «قال معمر سمعت هشام يقول: «لا أدري أقضوا أم لا» تبين هنا من إجابة هشام لمعمر أن قول هشام «بد القضاء» لم يأخذه عن توقيف ولم يأخذه عن حجة؛ لأنه لم يقل أمروا بالقضاء إنما غاية ما فيه الاستنباط، وهذه المسألة- أي من أفطر يظن الشمس غربت ثم طلعت الشمس- اختلف فيها أهل العلم: 1 - فذهب أكثر أهل العلم أنه لا بُدَّ من القضاء إذا أفطر لأجل الغيم ثم طلعت الشمس وعلم أنها لم تغرب الشمس بعد ذلك فإنه لا بُدَّ من القضاء واحتجوا بأن الله أمر بإتمام الصيام إلى الليل وهم لم يتموا الصيام إلى الليل وقالوا: هذا راوي الحديث يقول: «بد من قضاء» وقالوا أيضًا: قد صح عن عمر أنه أنر بالقضاء من عدة طرق من طريق جبلة بن سحيم عن ابن حنظلة عن أبيه عن عمر، وفيه الأمر بالقضاء وكذلك من طريق زياد بن علاقة عن بشر بن قيس ولكن هذا الطريق الأخير فيه ضعف.

2 - وقال أهل العلم وهم الأقل: أنهم إذا أفطروا في يوم غيم ثم طلعت الشمس فإنه لا قضاء عليهم واستدلوا بما يلي: أ- قوله تعالى: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} وهؤلاء أخطأوا. ب- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يأمر أصحابة بالقضاء، ولم ينقل إلينا فلو أمرهم عليه الصلاة والسلام لنقل إلينا لأنه من أعظم ما يكون لأنه تبليغ شريعة فلمّا لم ينقل إلينا شيء من هذا عُلم أنه قد اكتُفي بالصيام الأول، وهم إذا طلعت الشمس مرة أخرى فإنهم يمسكون إلى الليل. وأجابوا عن ما جاء عن عمر - رضي الله عنه - بأن الرواية عن عمر الثانية في عدم القضاء هي الأصح وهي من طريق زيد بن وهب عن عمر وفيها «ما تجانفنا الإثم» والبيهقي لماّ أخرج طريق زيد بن وهب قال: إن هذه الرواية خطأ؛ لأن الروايات تظاهرت عن عمر بالقضاء. انتهى. ولكن نقول الصحيح عن عمر أنه ليس فيها قضاء وهو أصح الروايات عن عمر ثم أن زيد بن وهب ثقة لم يضعفه إلا يعقوب بن شيبة من أجل الرواية هذه ولكن لم يلتفت إلى تضعيف يعقوب بن شيبة فقول البيهقي فيه نظر والإسناد إلى عمر في عدم القضاء أصح وأيضًا هشام بن عروة قد خالفه أبوه عروة فإنه صح عنه الإفتاء بعدم القضاء وهو أفقه منه، وأيضًا من النظر فالشارع يأمر بتعجيل الإفطار فلما غلب على ظنهم أنه غربت الشمس أفطروا فلما طلعت الشمس كانوا معذورين في ذلك وقد نص شيخ الإسلام على هذا القول وأطال الكلام عليه: ونصر القول بعدم القضاء وهذه المسألة في عصرنا لا تكاد توجد؛ لأن الناس لا ينظرون إلى الشمس طلعت أم غربت إنما ينظرون إلى الساعة وذلك لأنه حتى إذا أرادوا أن ينظروا إلى الشمس فإنهم لا

يستطيعون من البنيان فهو يحجب الشمس ولكن قد يوجد أحيانًا مع عدم الساعة وكون الإنسان في البرية أن يحصل مثل هذه المسألة فالصحيح في هذه المسألة: أنه لا يجب القضاء لأنهم أفطروا بغلبة الظن وقد قررنا بأن الفطر بغلبة الظن صحيح وإذا طلعت الشمس مرة أخرى خلف الغيوم فإنهم يمسكون حتى تغرب الشمس وهذا اختيار شيخنا ابن عثيمين وأمَّا شيخنا ابن باز يرى القضاء وهذا قول الجمهور ومن احتاط فالمسألة سهلة مجرد يوم واحد وأما ظاهر السنة فلا يدل على القضاء.

47 - باب صوم الصبيان

47 - بَابُ صَوْمِ الصَّبْيَان وَقَالَ عُمَرُ - رضي الله عنه - لِنَشْوَانٍ فِي رَمَضَانَ: وَيْلَكَ وَصِبْيَانُنَا صِيَامٌ فَضَرَبَهُ 1859 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ المُفَضَّلِ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ ذَكْوَانَ عَنِ الرُّبَيَّعِ بِنْتِ مُعَوَّذٍ قَالَتْ: أَرْسَل النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - غَدَاةَ عَاشُورَاءَ إِلَى قُرَى الأَنْصَارِ (مَنْ أَصْبَحَ مُفْطِرًا فَلْيُتِمَّ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ وَمَنْ أَصْبَحَ صَائِمًا فَليَصُمْ) قَالَتْ: فَكُنَّا نَصُومُهُ بَعْدُ وَنُصَوَّمُ صِبْيَانَنَا وَنَجْعل لَهُمُ اللُّعْبَةَ مِنَ العِهْنِ فَإِذَا بَكَى أَحَدُهُمْ على الطَّعَامِ أَعْطَيْنَاهُ ذَاكَ حَتَّى يكُونَ عِنْدَ الإِفْطَارِ. الشرح: شرح التعليق: هذا الأثر عن عمر جزم به المؤلف وهو صحيح. قوله: نشوان، أي سكران. معنى الأثر عن عمر، أي أن الصبيان عندنا صائمون وأنت رجل مكلف وتشرب الخمر في رمضان فضربه عمر. شرح الحديث: هذا الحديث كان عند أول الهجرة في السنة الأولى عند أول شرعية صيام يوم عاشوراء والأمر به. ففي هذا الحديث تمرين الصبية على الصيام وأمرهم عليه حتى يتمرنوا عليه والمراد بالصبية، أي المطيقين.

مسألة: قد جاء في بعض ألفاظ حديث صيام الصبيان في عاشوراء حديث ضعيف فيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - عند صيام عاشوراء نهى عن إرضاع الأطفال، وتفل في أفواههم ويأمر أمهاتهن ألا يرضعن إلى الليل. وهذا الحديث لا يصح في سنده مجاهيل، وقد رواه ابن خزيمة وأبو يعلى فالصحيح أن الأمر مقتصر على الصبية المطيقين. قوله: (فنجعل لهم اللعبة من العهن)، في هذا فائدة وهي تسكيت الطفل وقال شيخنا ابن عثيمين: أن تسكيت الصبي إذا صاح بشيء طيب ومن ذلك أن الصبي قد يعثر ويسقط على الدرج فقال الشيخ محمد: فإنه أي والد هذا الصبي يضرب هذا الدرج؛ لأن الصبي يحصل له التشفي من هذا الدرج ويحصل له الأريحية من ذلك وقال الشيخ أيضًا: إن ضرب الجمادات لا بأس به من باب التأديب فموسى لما هرب الحجر بثوبه لحقه فأمسكه فضربه عدة ضربات وهى لا تؤثر في الحجر وأن كان فيه ندب من ضرب موسى كما قال أبو هريرة فعلى كل حال إذا كان هذا يصلح مزاج الصبي فإنه يفعل ذلك ولا حرج في ذلك. وفيه من الفوائد: جواز اتخاذ اللعبة من العهن وهو الصوف وجمهور أهل العلم كما نقله القاضي عياض في شرح مسلم وغيره على جواز اتخاذ لعب الأطفال من ذوات الأرواح وقال بعضهم: إن اللعب القديمة لم تكن على الصفة الموجودة الحالية من تدقيق الصورة، ولهذا الأفضل أن لا يكون الوجه موجودًا إما دائرة أو ما أشبه ذلك فلا يكون هناك شيء من التقاسيم،

وإلا جمهور أهل العلم على جواز ذلك ولأنها ممتهنة ولأنها إذا صارت كذلك فلا تحصل المفسدة التي تخشى من المصورات. 5 وفي هذا الحديث من الفوائد: مستند لشيخ الإسلام في أنه إذا قامت البينة في النهار أنه يلزم الإمساك ولا يلزم القضاء، وقال؛ إنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يأمر الناس في عاشوراء بقضاء ذلك اليوم، وحديث القضاء جاء ولكنه لا يثبت، وفي ذلك أورد على شيخ الإسلام أن هناك فرق بين بداية التشريع وقيام البينة ففي مسألة الصيام فشهر رمضان مفروض على المسلمين، وقد استقر عليه الدين ثم إذا تأخرت البينة فإنهم يمسكون ويقضون أما بداية التشريع فلم يؤمروا إلا الآن فحينئذ ليس لهم إلا الإمساك فقط وشيخ الإسلام يقول: لا فرق بين بداية التشريع وبين قيام البينة لا فرق في العفو قبل ذلك وذلك؛ لأن البيّنة تتبع العلم ولم تحصل البينة إلا في أثناء النهار فحينئذ لم يؤمروا بالقضاء. وخلاصة الأقوال في هذه المسألة: 1 - قيل: إنهم يلزمون بالإمساك مع القضاء وهذا هو قول الجمهور وهو الصحيح. 2 - وقيل: يلزمون بالإمساك ويعتدون به دون القضاء وهذا قول شيخ الإسلام وذهب إليه ابن حزم وجماعة. 3 - وقيل: لا يلزمون بالإمساك لأنهم سوف يقضون هذا اليوم على كل حال ولكن يؤمرون بالقضاء وهذا أضعف الأقوال.

48 - باب الوصال ومن قال: ليس في الليل صيام لقوله تعالى: {ثم أتموا الصيام}

48 - بَاَبُ الوِصَالِ وَمَنْ قَالَ: لَيْسَ فِي اللَّيْلِ صِيَامٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ} [البقرة: 187] وَنَهَى النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْهُ رَحْمَةً لَهُمْ وَإِبْقَاءً عليْهِمْ، وَمَا يُكْرَهُ مِنَ التَّعَمُّقِ 1860 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ شَعْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي قَتَادَةُ عَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لاَ تُوَاصِلُوا» قَالُوا: إِنَّكَ تُوَاصِلُ؟ قَالَ: «لَسْتُ كَأَحَدٍ مِنْكُمْ إِنَّي أُطْعَمُ وَأُسْقَى أَوْ إَنَّي أَبِيتُ أُطْعَمُ وَأُسْقَى». [6814] 1861 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهم - قال: نَهَى رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الوِصَالِ قَالُوا: إَنَّكَ تُوَاصِلُ؟ قَالَ: (إِنَّي لَسْتُ مِثْلَكُمْ إَنَّي أُطْعَمُ وَأُسْقَى) [ر1822]. 1862 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ حَدَّثَنِي ابْنُ الهَادِ عَنْ عَبْدِ الله ابْنِ خَبَّابٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ - رضي الله عنه -: أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيًّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: (لاَ تُوَاصِلُوا فَأَيُّكُمْ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُوَاصِلَ فَلْيُوَاصِلْ حَتَّى السَّحَرِ) قَالُوا: فَإِنَّكَ تُوَاصِلُ يَا رَسُولَ الله؟ قَالَ: (إِنَّي لَسْتُ كَهَيْئَتِكُمْ إِنَّي أَبِيتُ لِي مُطْعِمٌ يُطْعِمُنِي وَسَاقٍ يَسْقِينِ) [1866].

1863 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَمُحَمَّدٌ قَالاَ: أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ عَنْ هَشَامِ ابْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - قَالَتْ: نَهَى رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الوِصَالِ رَحْمَةً لَهُمْ فَقَالُوا: إِنَّكَ تُوَاصِلُ؟ قَالَ: (إِنَّي لَسْتُ كَهَيْئتِكُمْ إِنَّي يُطْعِمُنِي رَبَّي وَيَسْقِين). قَالَ أَبو عَبْد الله: لَمْ يَذْكُرْ عُثْمَانُ رَحْمَةً لَهُمْ.

49 - باب التنكيل لمن أكثر الوصال

49 - بَابُ التَّنْكِيلِ لِمَنْ أَكْثَرَ الوِصَالَ رَوَاهُ أَنَسٌ عَنِ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - (ر6814). 1864/ 1865 - حَدَّثَنَا أَبو اليَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيَّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبو سَلَمهَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَة - رضي الله عنه - قَالَ: نَهَى رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الوِصَالِ فِي الصَّوْمِ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنَ المُسْلِمِينَ: إِنَّكَ تُوَاصِلُ يَا رَسُولَ الله؟ قَالَ: (وَأَيُّكُمْ مَثْلِي إَنَّي أَبِيتُ يُطْعِمُنِي رَبَّي وَيَسْقِينِ)، فَلَمَّا أَبوْا أَنْ يَنْتَهُوا عَنِ الوِصَالِ وَاصَلَ بِهِمْ ثُمَّ يَوْمًا ثُمَّ رَأَوْا الهِلاَلَ فَقَالَ: (لَوْ تَأَخَّرَ لَزِدْتُكُمْ) كَالتَّنْكِيلِ لَهُمْ حِينَ أَبَوْا أَنْ يَنْتَهُوا. 1865 - حَدَّثّنَا يَحْيَى حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ هَمَّامٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: (إِيَّاكُمْ وَالوِصَالَ مَرَّتّيْنِ قِيلَ: إِنَّكَ تُوَاصِلُ؟ قَالَ: إِنَّي أَبِيتُ يُطْعِمُنِي رَبَّي وَيَسْقِينِ فَاكْلَفُوا مِنَ العَمَلِ مَا تُطِيقُونَ). (6459، 6815، 6869)

50 - باب الوصال إلى السحر

50 - بَابُ الوِصَالِ إِلَى السَّحَرِ 1866 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي حَازِمٍ عَنْ يَزِيدَ عَنْ عَبْدِ الله ابْنِ خَبَّابٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيَّ - رضي الله عنه -: أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: (لاَ تُوَاصِلُوا فَأَيُّكُمْ أَرَادَ أَنْ يُوَاصِلَ فَلْيُوَاصِلْ حَتَّى السَّحَرِ (قَالُوا: فَإِنَّكَ تُوَاصِلُ يَا رَسُولَ الله؟ قَالَ: (لَسْتُ كَهَيْئَتِكُمْ إِنَّي أَبِيتُ لِي مُطْعِمٌ يُطْعِمُنِي وَسَاقٍ يَسْقِينِ). (1862) الشرح: عقد المؤلف هذا الباب والذي يليه والذي يليه في أحكام الوصال أو حكم الوصال. الوصال: هو أن يصوم يومًا والذي يليه من غير أكل ولا شراب بينهما لا عند المغرب ولا أثناء الليل ولا عند السحر بل يصل يومًا بيوم. مسألة: اختلف أهل العلم في حكم الوصال هل هو مكروه أو محرم؟ ظاهر اختيار المؤلف أنه للكراهة وذلك لقوله بعد أن ذكر الآية: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} قال: نهى النبي عنه رحمة لهم وإبقاء عليهم ومما يكره من التعمق. وقال بعض أهل العلم: أنه محرم؛ والدليل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الوصال وقال: (إياكم والوصال) وحذر منه.

وقال بعض أهل العلم: إنه للكراهة وهذا هو الحكم العام، وقالوا: إن نهي النبي - صلى الله عليه وسلم - كما قال المصنف إبقاء عليهم وكما في حديث عائشة أنه نهى عن ذلك رحمة لهم وقالوا: كذلك ما أخرجه أهل السنن من حديث عبد الرحمن بن أبي ليلى عن رجل من أصحاب رسول الله قال: (نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الحجامة والمواصلة ولم يحرمهما إبقاء على أصحابه) وإن كنا نخالف في الحجامة وتقدم الكلام عليها وهذا الحديث رواه أبو داود بإسناد صحيح فظاهر هذا الحديث أن المواصلة غير محرمة، فظاهر هذا الحديث مع فهم الصحابة - رضي الله عنهم - أن المواصلة مكروهة والصحابة - رضي الله عنهم - استمروا في هذه العبادة مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فهم فهموا أن النهي لأجل الرفق بهم وعدم الإشقاق عليهم فواصلوا معه، وهذه المواصلة وقعت في رمضان ففي حديث عبد الله بن يوسف عن مالك عن نافع وهو الذي ساقه المؤلف ثاني أحاديث الباب الأول وقع في مسلم من طريق عبيد الله عن نافع عن ابن عمر - رضي الله عنهم - (أن رسول الله واصل في رمضان فواصل الناس) وهو مع الرواية الأخرى في الباب (لو تأخر لزدتكم) أي لو تأخر هلال شوال فهذه المواصلة وقعت في آخر شهر رمضان صام بهم يومًا ثم يومًا ثم اليوم الثالث قال: (لو تأخر لزدتكم) أي هلال شوال كالمنكل لهم فالصحابة فهموا أن هذا النهي للكراهة ولأجل عدم الإشقاق عليهم والرفق بهم فواصلوا معه، هذا الذي يظهر في حكم الوصال أنه مكروه وهو الراجح. فمراتب الناس في الإفطار ثلاث مراتب: 1 - أن يفطر عند الغروب وهذه هي السنة وهي أكمل المراتب.

2 - أن يواصل حتى السحر فيأكل أكلة واحدة عند السحر فقط تكون هي فطوره وسحوره وهذا هو الذي جاء في حديث أبي سعيد ثالث أحاديث الباب الأول حيث قال عليه الصلاة والسلام: «لا تواصلوا وأيكم أراد أن يواصل فليواصل إلى السحر». 3 - أن يواصل يومين فأكثر دون أن يطعم بينهما وهذا مختلف فيه بين أهل العلم هل هو مكروه أو محرم؟ والأقرب أنه مكروه كما قدمنا. إن قال قائل: كيف تكون عبادة وتكون مكروهة؟ الجواب: نقول هذا كالنذر فقد نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن النذر وقال: (إنه لا يأتي بخير)، ومع ذلك إذا نذر الإنسان فعليه أن يوفي بهذا النذر فهي عبادة مكروهة من وجه وإذا عقدها وجب عليه أن يوفي بها فالكراهة ليست منصبة على عبادة الوصال إنما هي على ما يكون من الإشقاق فيها وتكليف النفس، وأما الجواز وكونها عبادة فلأجل أنها إمساك لأجل الله - عز وجل -، ولكن إذا كان الوصال يؤدي إلى ضعف الجسم والعقل فإن الوصال يحرم لأنه يضعفه عن أداء الواجبات ويضره في جسمه وعقله. وقوله: (إني لت مثلكم فإني لي ساقٍ ومطعم) اختلف في معنى ذلك: 1 - فقيل: إنه يطعم من طعام وشراب الجنة، وأورد على ذلك أنه إذا قيل بأنه يأكل من الجنة فإنه بذلك لا يكون مواصلًا؛ لأن المواصلة هي عدم الأكل والأكل ينافي الإمساك، فقال بعضهم: والتزم هذا خروجًا من هذا المأزق: إن طعام الجنة وشرابها لا يفطر!! 2 - وقال بعضهم: إن الصواب في هذا الحديث أن الطعام هنا في هذا

الحديث والسُّقيا هي ما يفتحه الله على رسوله من لذات الإيمان والعلم وما يخالج قلبه من المعارف والأحوال الشريفة التي تقوم مقام الطعام والشراب وقالوا: إن الإنسان إذا تفكر في الحالة الشريفة واستغرق فيما يحب ويشتهي أشغله ذلك عن الطعام والشراب وذكروا ما ذكروا من شواهد من أشعار العرب كقول الشاعر: لها أحاديث من ذكراك تشغلها ... عن الشراب وتلهيها عن الزاد فمعنى البيت: أن المرأة إذا قامت تتحدث في ذكر من تهوى فإنها تلهى عن الطعام والشراب وهذا شيء محسوس أن الإنسان إذا اشتغل بمحبوبه نسي وذهل عن الطعام والشراب حتى ربما الساعات تمر عليه بل اليوم والليلة وهو لا يحتاج إلى الطعام والشراب. 3 - وقال بعضهم: إنه لما كان إذا أكل الإنسان وشرب وهو ناسيًا نقول له: أطعمك الله وسقاك كما في حديث أبي هريرة في الصحيحين مع وجود صورة الأكل حقيقة فارتفع عنه مقتضى الطعام والشراب مع كونه مفطرًا من أجل النسيان وكذلك يقال: إنه إذا أكل من طعام الجنة وشرابها على وجه ليس محسوس لنا - ليس بدخول الطعام إلى الجوف أي جوف النبي - صلى الله عليه وسلم - يعني ليس فيه أنه يدخل من فيه - فحينئذٍ لا مانع من أن يكون يطعمه الله من طعام الجنة وشرابها حتى نفر من التأويل الذي قد لجأ إليه من قال: إن هذا إنما هو من لذات الإيمان ولذات الأُنس ونفحات القدس والله يختصُّ نبيه بما يشاء، ثم إن أحكام الدنيا على الظاهر على الأكل الحسي لا المعنوي فإذا قدر أن الله يُغذي نبيه بشيء في الجنة فحينئذٍ هذا خاصٌّ بالنبي - صلى الله عليه وسلم - فالله

سبحانه {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء: 23]، {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ} [القصص: 68]، وهذا القول قول ثالث وهو قول جيد غير أن المشهور عند مشايخنا وأهل العلم أنه ليس من باب المحسوس من الطعام إنما هو من باب ما يفتحه الله على عبده من لذات الأنس ونفحات القدس. فائدة: اشتهرت المواصلة عن الصحابة فكان ابن الزبير يواصل خمسة عشر يومًا وقد رواه عنه ابن أبي شيبة بسند صحيح ولكن أخرج ابن جرير من طريق هشام ابن عروة قال: كان ابن الزبير يواصل سبعة أيام فلما كبر واصل خمسة فلما كبر جدًّا واصل ثلاثة أيام وهذا يخالف ما تقدم من كونه يسرد خمسة عشر يومًا، والمعروف عند الأطباء أنه لا يمكن للإنسان أن يسرد خمسة أيام أو ستة من دون أكل فإنه يتعرض إلى هبوط في السكر وإلى فشل كُلوي وغيرها من الأمراض، فما هو الجمع بين هذه الآثار عن السلف وبين هذه الحقائق العلمية الطبية؟ الجواب: نقول: أما رواية خمسة عشر يومًا فإن إسنادها صحيح بل إن شيخ الإسلام في الفتاوى ذكر أن بعض السلف كان يواصل شهرًا كاملًا وبعضهم كان يواصل أكثر ولكن كان يشرب في الليل شربات من الماء خفيفة وهذا ليس بوصال ولكنه نوع من الوصال سلكه بعض السلف وقالوا: إن الإمام أحمد كان يفعله لما كان في السجن كان يواصل ولا يشرب إلا الماء، على كل حال إذا صحت الأسانيد فالأصل اعتماد ما جاءت به وهي قد تكون لما منحه الله لبعض عباده من القوة الجسدية والفتوة،

واشتهر أن ابن الزبير شرب من دم النبي - صلى الله عليه وسلم - فأورثه هذا قوة عظيمة منها أنه كان يواصل خمسة عشر يومًا ونحو ذلك، ولكن قصة شرب ابن الزبير من دم النبي لم تثبت من حيث الإسناد لكنها مشهورة مع كونها لم يثبت إسنادها وهي أنه لما أعطاه النبي - صلى الله عليه وسلم - الدم حتى يلقيه في الأرض ذهب به وشربه وبكل حال قد يعطي الله بعض عباده قوة على التعبد وقد صح عن عثمان - رضي الله عنه - وسعيد بن جبير وتميم الداري أنهم ختموا القرآن في ركعة ولكن الكلام في موافقة الشرع ولذلك يكره أن الإنسان يواصل كما قررنا سواء وقع هذا الوصال في شهر رمضان بين يوم ويوم أو بين يوم ويوم في النفل، أما إذا أوقع الوصال في المحرم فهو محرم.

51 - باب من أقسم على أخيه ليفطر في التطوع ولم ير عليه قضاء إذا كان أوفق له

51 - بَابُ مَنْ أَقْسَمَ عَلَى أَخِيهِ ليُفْطِرَ فِي التَّطَوُّعِ وَلَمْ يَرَ عَلَيْهِ قَضَاءً إِذَا كَانَ أَوْفَقَ لَهُ 1867 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ حَدَّثَنَا أَبو العُمَيْسِ عَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: آخَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بَيْنَ سَلْمَانَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ فَزَارَ سَلْمَانُ أَبَا الدَّرْدَاءِ فَرَأَى أُمَّ الدَّرْداءِ مُتَبَذَّلَةً فَقَالَ لَهَا: مَا شَانُكِ؟ قَالَتْ: أَخُوكَ أَبو الدَّرْدَاءِ لَيْسَ لَهُ حَاجَةٌ فِي الدُّنْيَا فَجَاءَ أَبو الدَّرْدَاءِ فَصَنَعَ لَهُ طَعَامًا فَقَالَ: كُلْ قَالَ: فَإِنَّي صَائِمٌ قَالَ: مَا أَنَا بِآكِلٍ حَتَّى تَاكُلَ قَالَ: فَأَكَلَ فَلَمَّا كَانَ اللَّيْلُ ذَهَبَ أَبو الدَّرْدَاءِ يَقُومُ قَالَ: نَمْ فَنَامَ ثُمَّ ذَهَبَ يَقُومُ فَقَالَ: نَمْ فَلَمَّا كَانَ مِنْ آخِرِ اللَّيلِ قَالَ سَلْمَانُ: قُمِ الآنَ فَصَلَّيَا فَقَالَ لَهُ سَلْمَانُ: إِنَّ لِرَبَّكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَلِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَلأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقًّ حَقَّهُ فَأَتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «صَدَقَ سَلْمانُ». [5788] الشرح: قول المصنف في الترجمة من أقسم على أخيه ليفطر في التطوع نقول: الحديث ليس فيه أن سلمان أقم على أبى الدرداء ولكن وقع هذا في بعض طرق الحديث والمصنف كعادته: أنه يترجم لبعض ما يقع في طرق الحديث وإن لم يقع له في كتابه؛ لأن له شروطًا فيما يدخله في صحيحة، فسلمان أقسم على أبي الدرداء بالفطر كما عند ابن خزيمة وابن حبان والطبراني وغيرهم كما ذكر الشارح.

شرح الحديث: لما وفد النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة آخى بين المهاجرين والأنصار وكانت هذه المؤاخاة في أول الإسلام يثبت بها التوارث ثم نُسخت وبقيت الأخوة الإسلامية يكتفي بها على ما كان في أول الأمر. قوله: (فرأى أم الدرداء متبذلة) أي: قد لبست ثياب المهنة؛ لأنه لما كان أبو الدرداء يصوم النهار ويقوم الليل ولم يعاشر أهله فلم تحتج إلى لبس الملابس الجميلة وبناء على ما ورد في بعض طرق الحديث أن سلمان أقسم على أبي الدرداء بأن يفطر، فيكون فطر أبي الدرداء من باب إبرار القسم وإبرار القسم قيل بأنه واجب وقيل: إنه مستحبٌّ وهو الصواب. وقول المصنف في الترجمة: (ولم ير عليه قضاء إذا كان أوفق له) نقول: نعم هذا هو الصحيح إذا أفطر في التطوع فليس عليه قضاء وإن شاء قضى وإن شاء لم يقض والإنسان يراعي المصالح في مسألة الفطر وقطع النفل فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - زار أمَّ سليم ولم يفطر وسوف يأتي هذا الحديث في الأبواب القادمة. - الحافظ ابن حجر ذكر فوائد كثيرة في الفتح تراجع للفائدة. (ج 4 /ص 269 - 270/ ط. دار السلام).

52 - باب صوم شعبان

52 - بَابُ صَوْمِ شَعْبَانَ 1868 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي النَّضْرَ عَنْ أَبِي سَلَمَهَ عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ لاَ يُفْطِرُ وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ لاَ يَصُومُ فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهرٍ إِلاَّ رَمَضَانَ وَمَا رَأَيْتُهُ أَكْثَرَ صِيَامًا مِنْهُ فِي شَعْبَانَ. 1869 - حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَهَ أَنَّ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - حَدَّثَتْهُ قَالَتْ: لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَصُومُ شَهْرًا أَكْثَرَ مِنْ شَعْبَانَ فَإِنَّهُ كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ وَكَانَ يَقُولُ: (خُذُوا مِنَ العَمَلِ مَا تُطِيقُونَ فَإنَّ الله لاَ يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا) وَأَحَبُّ الصَّلاةِ إِلَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - مَا دُووِمَ عَلَيْهِ وَإِنْ قَلَّتْ: وَكَانَ إِذَا صَلَّى صَلًاة دَاوَمَ عَلَيْهَا. [43] الشرح: نقول جاء في الطريق الثاني طريق يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمه عن عائشة - رضي الله عنها - (أن رسول الله) كان يصوم شعبان كله)، وأما الطريق الأول طريق أبي النضر عن أبي سلمه عن عائشة أنها قالت: (ما رأيته أكثر صيام منه في شعبان)، وهذا هو الصحيح المحفوظ، ولذلك اختلف أهل العلم هل السنة في شعبان أن يصام كله أم أكثره؟ الجواب: منهم من قال: يصومه كاملًا واستدلوا بالرواية الثانية وهي طريق يحيى عن أبي سلمه، ومنهم من قال: يصوم أكثره وأن قوله: (كله)

المقصود بها في العربية أغلبه أي أغلب الشهر؛ لأنه لما كان شعبان يصام أكثره عبَّر (بالكل) ولكن الصحيح أن شعبان يصام أكثره ولا يصام كله ومن الأدلة على ذلك حديث عائشة (ما رأيت رسول الله استكمل شهرًا إلا رمضان) فهي نفت استكمال الشهر إلاّ رمضان وأصرح منه أو مثله ما رواه مسلم من طريق عبد الله بن شقيق قال: قلت: لعائشة: هل كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصوم شهرًا معلومًا سوى رمضان قالت: (ما رأيته صام شهرًا كاملًا منذ قدم المدينة إلا أن يكون رمضان) فهذا صريح أنه منذ قدم المدينة حتى توفاه الله لم يستكمل صيام شهر غير رمضان. 169 161 وطريق أبي سلمه عن عائشة اختلف في ألفاظها والمحفوظ ما رواه ابن شقيق عنها في أن الصيام كان أكثر شعبان لا كله يعني يصوم عشرين أو خمسة وعشرين فالمهم أنه لا يتم الشهر كاملًا صائمًا فيفطر ولو يومًا واحدًا. وفي هذا الحديث وشواهده عند مسلم من حديث عائشة من طريق عبد الله بن شقيق أن قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أفضل الصيام بعد الفرض صيام شهر الله المحرم» من الفوائد: 1 - أنه لا يفيد أن شهر محرم يصام كله والدليل قولها: (ما رأيته استكمل صيام شهر إلا رمضان) فعلى هذا فلا يصام شهر شعبان كله ولا شهر محرم كله بل لو كان هناك تفضيل بين أن يكثر من شعبان أو أن يكثر من صيام محرم لقلنا الأكثرية أن يصام شعبان لا محرم بل لم يبلغنا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صام من محرم إلا عاشوراء على وجه التخصيص. فالخلاصة: أن الصيام في الشهر المحرم فاضل ولكن المبالغة والكثرة تكون في شعبان بالنص الوارد عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

2 - قوله: «إن الله لا يملُّ حتى تملوا»، نقول؛ بعضهم أثبت صفة الملل لله - عز وجل - على الوجه الذي يليق به وقال بعضهم؛ نفسرها بمعنى؛ أن الله لا يقطع الثواب حتى تقطعوا العمل. وأنتم إذا أثقلتم على أنفسكم انقطاع عملكم فخذوا من الأعمال ما تطيقون حتى يستمر الثواب باستمرار العمل وقال بعضهم: ليس في هذا الحديث دلالة على صفة الملل لله؛ لأن قوله: «فإن الله لا يمل حتى تملُّوا» مثل قوله: «لا أقوم حتى تقوم» فأنت إذا قمت فالمفهوم لا يدل على أي سأقوم فإذا قلت: لا أقوم حتى يقوم زيد فإذا قام زيد ليس بالضرورة أن أقوم فهذا الحديث ليس فيه صراحة في إثبات هذه الصفة وشيخنا ابن باز يثبت هذه الصفة على وجه لا يماثل المخلوقين؛ لأن صفات الله لا نقص فيها، أما تفسيرها فليس من باب التأويل على قول بأنها صفة بل من باب التفسير باللازم والسلف إذا أثبتوا صفة ربما فسروها باللازم أحيانًا فالراجح عندي أنّه لا تثبت صفة الملل لله - عز وجل -. 3 - الحكمة من صوم شهر شعبان. المؤلف أشار إلى عدة من الحِكم منها ما ذكره بعضهم، أن صيام شعبان كالراتبة بين يدي رمضان، وقيل: لأجل أن يتمرن العبد على الصيام حتى يصوم الشهر الذي يجب صومه وهو رمضان، وقيل: لغفلة الناس عنه لأنه بين رجب ورمضان وهذا جاء في حديث أسامة بن زيد بإسناد لا بأس به وسنده قوي ففي حديث أسامة هذا التصريح بأنه تعرض فيه الأعمال حيث قال عليه الصلاة والسلام: «ذاك شهر يغفل عنه الناس بين رجب ورمضان وهو شهر ترفع فيه الأعمال».

4 - وفي حديث عائشة بألفاظه دلالة على ضعف الحديث الذي رواه أهل السُّنن من طريق العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة: «إذا انتصف شعبان فلا تصوموا»، وقد تقدم التنبيه على هذا الحديث وأنه من منكرات العلاء كما قال الإمام أحمد وأبو زُرعة وجماعة من الحفاظ: إن هذا الحديث منكر.

53 - باب ما يذكر من صوم النبي - صلى الله عليه وسلم - وإفطاره

53 - بَابُ مَا يُذْكَرُ مِنْ صَوْمِ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَإِفْطَارِهِ 1870 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا أَبو عَوَانَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ سَعِيِد بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهم - قَالَ: مَا صَامَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - شَهْرًا كَامِلًا قَطُّ غَيْرً رَمَضَان وَيَصُومُ حَتَّى يَقُولَ القَائِلُ لاَ والله لاَ يُفْطِرُ وَيُفْطِرُ حَتَّى يَقُولَ القَائِلُ لاَ وَالله لاَ يَصُومُ. 1871/ 1872 - حَدَّثنِي عَبْدُ العَزِيِز بْنُ عَبْدِ الله قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ حُمَيْدٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسًا - رضي الله عنه - يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يُفْطِرُ مِنَ الشَّهْرِ حَتَّى نَظُنَّ أَنْ لاَ يَصُومَ مِنْهُ وَيَصُومُ حَتَّى نَظُنَّ أَنْ لاَ يُفْطِرَ مِنْهُ شَيْئًا وَكَانَ لاَ تَشَاءُ تَرَاهُ مِنَ اللَّيْلِ مُصَلَّيًا إِلاَّ رَأَيْتَهُ وَلاَ نَائِمًا إِلاَّ رَأَيْتَهُ. وَقَالَ سُلَيْمَانُ عَنْ حُمَيْدٍ: أَنَّهُ سَأَلَ أَنسًا فِي الصَّوْمِ. (1090) (1872) - حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ أَخْبَرَنَا أَبو خَالِدٍ الأَحْمَرُ أَخْبَرَنَا حُمَيْدٌ قَالَ سألتُ أَنَسًا - رضي الله عنه - عَنْ صِيَامِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: مَا كُنْتُ أُحِبُّ أَنْ أَرَاهُ مِنَ الشَّهْرِ صَاِئمًا إِلاَّ رَأَيْتُهُ وَلاَ مُفْطِرًا إِلاَ رَأَيْتُهُ وَلاَ مِنَ اللَّيْلِ قَائِمًا إِلاَّ رَأَيْتُهُ وَلاَ نَائِمًا إِلاَّ رَأَيْتُهُ وَلاَ مَسِسْتُ خَزَّةً وَلاَ حَرِيَرةً أليَنَ مِنْ كَفَّ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - وَلاَ شَمِمْتُ مِسْكَةً وَلاَ عَبِيرَةً أَطْيَبَ رَائِحَةً مِنْ رَائِحَةِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -. (1090) الشرح: المقصود من هذا الباب: أن الإنسان يهتبل الأوقات التي فيها نشاط

النفس فإنه يبادر بالأعمال الصالحة فيصوم ويقوم فإذا ضَعُفَ العبد أو حصل له بعض الفتور أو جاءه بعض الشغل أو العمل فإنه يفطر فقد استقرت سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - على هذا حيث قال: (لكل عامل شرّة وفترة فمن كانت شرّته إلى سُنتي فقد نجي ومن كانت فترته إلى غير ذلك فقد هلك) (¬1) فالإنسان يهتبل نشاط النفس وإقبالها وقوتها في الطاعة فيصوم، ثم إذا ضَعُفَت النفس أو جاءت أمور أخرى أفضل من جنس الصيام فإنه يدع الصيام ويجم نفسه ويلزم الحق ولا ينبغي للإنسان أن يلزم عبادة واحدة يظن أن الخير فيها وهذا كله في باب النفل وعلى هذا استقرت سُنة النبي - صلى الله عليه وسلم - فقد كان يسرد أيامًا طوالًا صيامًا لكنه لا يستكمل الشهر حتى يظن الظان أنه سيستكمل الشهر فيفطر حتى يظن الظانُّ أنه لا يصوم هذا الشهر وربما ترك الصيام في بعض الشهور، ثم جمعها في شعبان كلها على أحد التفاسير في الحكمة من صيام شعبان وقد صح عن ابن مسعود قوله: إني إذا صمت ضَعُفَت عن الصلاة، والصلاة أحبُّ إلي من الصيام. أخرجه عبد الرزاق عن الثوري عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن يزيد قال: كان عبد الله يقل الصيام. فقلنا له: إنك تقل الصيام! قال: ... فذكره. صحيح. فمن أحسن قيادة نفسه وأمسك بزمامها فقد أُوي خيرًا كثيرًا، والله المستعان، والله أعلم. ¬

(¬1) أخرجه أحمد (2/ 187) عن عبد الله بن عمرو وإسناده لا بأس به وله ألفاظ وفيه قصة بل إنه ورد على الصيام نفسه كما في بعض ألفاظه.

54 - باب حق الضيف في الصوم

54 - بَابُ حَقَّ الَضَّيْفِ فِي الصَّوْمِ 1873 - حدثنا إسحاق، أخبرنا هارون بن إسماعيل، حدثنا على، حدثنا يحيى قال: حدثني أبو سلمه قال: حدثني عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهم - قال: دخل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فذكر الحديث - يعني: (إن لزورك عليك حقًّا، وإن لزوجك عليك حقًّا). - فقلت: وما صوم داود؟ قال: (نصف الدهر). (1079) الشرح: قول المؤلف: (باب حق الضيف في الصوم) قلت لشيخنا ابن باز: لو أن المؤلف قال: (باب حق الضيف في الفطر) لكان أفضل كما قال ذلك زين ابن المنير، فقال شيخنا ابن باز: الأمر سهل. شرح الحديث: هذا الحديث أخرجه البخاري في عدة أبواب منها في كتاب الأدب، باب حق الضيف. وقوله (الزُّور): هم الزُّوار جمع زائر. المعنى في هذا الحديث: أن الحقوق كثيرة فللزائرين حقٌ وللزوجة حقٌ وللجسد حقٌّ فالإنسان يراعى هذه الحقوق ويعطى كل ذي حقًّ حقه ويكلف من الأعمال ما يطيق؛ لأن الإنسان إذا سرد الصيام ضَعُفَت النفس

وهجمت العين وغارت فربما ضَعُفَ عن حقوق الأطياف أو حقوق الزوجة، فالإنسان قد يضعف وتكون له العوارض فيأخذ من نفسه لدينه ويرفق بنفسه ويعلم أن هذا الدين متين فيوغل فيه برفق ولا يبغض إلى نفسه عبادة الله، فإن المنبت لا أرضًا قطع ولا ظهرًا أبقى.

55 - باب حق الجسم في الصوم

55 - بَابُ حَقَّ الجِسْمِ فِي الصَّوْمِ 1874 - حَدَّثَنَا ابْنُ مُقَاتِل أَخْبَرَنَا عَبْدُ الله أَخْبَرَنَا الأَوْزَاعِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى ابْنُ أَبِي كَثِيرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبو سَلَمَهَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الله بْنُ عَمْرِو بْنِ العَاصِ - رضي الله عنهم - قَالَ لِي رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: (يَا عَبْدَ الله أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّكَ تَصُومُ النَّهَارَ وَتَقُومُ اللَّيْلَ؟) فَقُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ الله قَالَ: (فَلاَ تَفْعَلْ صُمْ وَأَفْطِرْ وَقُمْ وَنَمْ فَإِنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًا وَإِنَّ لِعَيْنِكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَإِنَّ لِزَوْجَكَ عَلَيْكَ حَقًّا وإَنَّ لِزَوْرِكَ عَلَيْكَ حَقًّا وإِنَّ بِحَسْبِكَ أَنْ تَصُومَ كُلَّ شَهْرٍ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ فَإِنَّ لَكَ بِكُلَّ حَسَنَةٍ عَشْرَ أَمْثَالِهَا فَإِنَّ ذَلِكَ صِيَامُ الدَّهْرِ كُلَّهِ) فَشَدَّدْتُ فَشُدَّدَ عَلَيَّ قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله إِنَّي أَجِدُ قُوَّةً قَالَ: (فَصُمْ صِيَامَ نَبِيَّ الله دَاوُدَ - عليه السلام - وَلاَ تَزِدْ عَلَيْهِ) قُلْتُ: وَمَا كَانَ صِيَامُ نَبِيَّ الله دَاوُدَ - عليه السلام -؟ قَالَ: (نِصْفَ الدَّهْرِ) فَكَانَ عَبْدُ الله يَقُولُ بَعْدَ مَا كَبِرَ: يَا لَيْتَنِي قَبلْتُ رُخْصَةَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -. (1079) الشرح: مثل ما تقدم أن الإنسان لا يتكلف فقد تعرض له عوارض فيعجز عمّا كان مداومًا عليه. شرح الحديث: قوله: (يا ليتني قبلت رخصة رسول الله): نقول هو ليس عليه حرج لو خالف ما كان يعمله على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - ولكنه ما أحب أن يترك شيئًا من

الأعمال فارق عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - ولذلك كان بعد ذلك إذا ضعف يفطر أيامًا عديدة، ثم يصوم نظيرها بإزائها، وكانوا يخافون على أنفسهم من التبديل والفتور وقد قال جلَّ وعلا: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا}. وقد ذكر شيخ الإسلام في الفتاوى أن المنقول عن كثير من السلف في الخوف من النفاق ليس هو التكذيب، بل الخوف من النقص من كمالات الدين، ومتطلبات الإيمان ولوازمه.

56 - باب صوم الدهر

56 - بَابُ صَوْمِ الدَّهْرِ 1875 - حَدَّثَنَا أَبو اليَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيَّ قَالَ: أَخْبَرِنِي سَعِيدُ بْنُ المُسَيَّبِ وَأَبو سَلَمَهَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ عَبْدَ الله بْنَ عَمْرٍو قَالَ: أُخْبِرَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أَنَّي أَقُولُ: وَالله لأَصُومَنَّ النَّهَارَ وَلأَقُومَنَّ اللَّيْلَ مَا عِشْتُ فَقُلْتُ لَهُ: قَدْ قُلْتُهُ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمَّي قَالَ: (فَإِنَّكَ لاَ تَسْتَطِيعُ ذَلِكَ فَصُمْ وَأَفْطِرْ وَقُمْ وَنَمْ وَصُمْ مِنَ الشَّهْرِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ فَإِنَّ الحَسَنَةَ بِعَشْر أَمْثَالِهَا وَذَلِكَ مِثْلُ صِيَامِ الدَّهْرِ) قُلْتُ: إَنَّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَّلِكَ قَالَ: (فَصُمْ يَوْمًا وَأَفْطِرْ يَوْمَيْنِ) قُلْتُ: إِنَّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ قَالَ: (فَصُمْ يَوْمًا وَأَفْطِرْ يَوْمًا فَذَلِكَ صِيَامُ دَاوُد - عليه السلام - وَهُوَ أَفْضَلُ الصَّيَامِ) فَقُلْتُ: إِنَّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «لاَ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ» (1079). الشرح: صوم الدهر: هو أن لا يفطر أبدًا بل يصوم النهار ويفطر الليل. مسألة: اختلف العلماء في حكم صوم الدهر: - فذهب بعضهم إلى أنه محرم وقالوا: قد نهى النبي عليه الصلاة والسلام عنه وقال: (لا صام من صام الأبد) وقال: (لا صام ولا أفطر). - وذهب أكثر أهل العلم إلى أنه مكروه. والراجح: أنه مكروه كراهية شديدة.

مسألة: هل إذا صام الإنسان الدهر- أي صام السنة - وأفطر أيام العيدين وأيام التشريق يخرج عن كونه صائمًا الدهر؟ الجوب قال بعضهم: إذا أفطر أيام العيدين وأيام التشريق خرج من صوم الدهر، وهذا باطل وليس بصحيح فهذه مستثناة ولا مجال لصومها ونهي النبي عليه الصلاة والسلام ليس من أجل أن يصوم هذه الأربعة أيام أو الخمسة إنما النهي عن سرد الصوم الذي يوقع في ما يوقع فيه فالصحيح أن إفطار هذه الأيام التي يجب الفطر فيها لا يخرج عن كونه صائمًا للدهر وبكل حال إذا أوقع صوم الدهر في ترك واجب أو تفويت حقًّ أو ضرر فإنه يكون محرمًا لا إشكال في ذلك. مسألة: فإن قال قائل: قد جاء في بعض الأحاديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «صيام ثلاثة أيام من كل شهر تعدل صيام الدهر»، وأخبر أن صيام ستة أيام من شوال بعد صيام رمضان تعدل صوم الدهر فكيف يشبّه النبي - صلى الله عليه وسلم - هذه الأعمال بصوم الدهر الذي قد نهى عنه؟ الجواب: المراد أنه يحصل على الثواب بهذه الأعمال بصوم يوم وإفطار يوم أو صيام ثلاثة أيام من كل شهر أو صيام رمضان مع ستًّ من شوال يحصل له أجر صوم الدهر وأما صوم الدهر كله فليس بمشروع فكأن الشارع يقول: إذا أردتم أن تصوموا وتحصلوا على ثواب صيام الدهر فصوموا هذه الأيام التي أخبرتكم فيحصل لكم أجر صوم الدهر، فليس فيه

الإقرار بمشروعية صيام الدهر، ومن ذلك قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «السباعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله» وأحسبه قال: «كمثل الصائم لا يفطر وكالقائم لا يفتر» فإنه ليس المقصود بأن الصوم مع عدم الفطر مشروع وإنما كان المقصود أن السعي على الأرملة والمسكين يقوم مقام الأجر الذي لا يطيقه أحد وهو يسير.

57 - باب حق الأهل في الصوم

57 - بَابُ حَقَّ الأَهْل فِي الصَّوْمِ رَوَاهُ أَبو جُحَيْفَةَ عَنِ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - (1867) 1876 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِىًّ أَخْبَرَنَا أَبو عَاصِمٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ سَمِعْتُ عَطَاءً أَنَّ أَبَا العَبَّاسِ الشَّاعِرَ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ الله بْنَ عَمْرٍو - رضي الله عنهم - بَلَغَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّي أَسْرُدُ الصَّوْمَ وَأُصَلَّى اللَّيْلَ فَإِمَّا أَرْسَلَ إِلَىَّ وَإِمَّا لَقِيتُهُ فَقَالَ: «أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّكَ تَصُومُ وَلاَ تُفْطِرُ وَتُصَلَّي؟ فَصُمْ وَأَفْطِرْ وَقُمْ وَنَمْ فَإِنَّ لِعَيْنِكَ عَلَيْكَ حَظًّا وَإِنَّ لِنَفْسِكَ وَأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَظًّا» قَالَ: إِنَّي لأَقْوَى لِذَلِكَ قَالَ: «فَصُمْ صِيَامَ دَاوُدَ - عليه السلام -) قَالَ: وَكَيْفَ؟ قَالَ: «كَانَ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا وَلاَ يَفِرُّ إِذَا لاَقَى» قَالَ: مَنْ لِي بِهَذِهِ يَا نَبِيَّ الله؟ قَالَ عَطَاءٌ: لاَ أَدْرِي كَيْفَ ذَكَرَ صِيَامَ الأَبَدِ، قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «لاَ صَامَ مَنْ صَامَ الأَبَدَ مَرَّتَيْنِ». [1079] الشرح: قوله: (من لي بهذه يا رسول الله؟) المقصود بذلك أنه إذا لاقى العدو لا يفر وإلا الصيام يطيق العبد أكثر من ذلك لكن لما قال: (ولا يفر إذا لاقى) قال: من لي بهذه. مسألة: إذا كان الولد يكثر من الصيام التطوع وأمره والداه بالفطر فهل يلزمه أم لا؟

الجواب: نعم لأن طاعة الوالدين واجبة والصوم مستحب، وقد يقال: إن كان هذا الصيام أوقع الولد في شيء محرم تجاه الوالدين كعقوقهما أو ترك واجب أو فعل محرم فحينئذ يجب وإلا فلا، وبكل حال المسألة محتملة فهي إما مستحبٌّ أو واجب لكن إذا أخلَّ بحقوق الوالدين فإنه يجب عليه الفطر وقد ذكر جمع من الحنابلة ضوابط مهمة لطاعة الوالد والزوج كصاحب الإنصاف والفروع وذلك في شروط وجوب الحج، وبكل حال إذا منع الوالد ولده من طاعة مستحبة، أو ما فيه منفعة للولد في أمر دين أو دنيا - وليس للوالد في المنع غرض صحيح - فلا طاعة، وللشيخ تقي الدين كلام حسن فليراجع فيما أشرت إليه وغيره. قوله: (لا صام من صام الأبد) يعني: ليس له صيام، فقد أتعب نفسه في غير طاعة الله، ويحتمل أنه دعاء عليه. فائدة: هذه التراجم التي مرت معنا فيها شيء من التكرار والمؤلف: يكرر بعض الأحاديث لكي يستقر المعنى عند الطالب والدارس.

58 - باب صوم يوم وإفطار يوم

58 - بَاُب صَوْمِ يَوْمٍ وَإِفْطَارِ يَوْمٍ 1877 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مُغِيرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ مُجَاهِدًا عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عَمْرٍو - رضي الله عنهم -، عَنِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «صُمْ مِنَ الشَّهْرِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ» قَالَ: أُطِيقُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَمَازَالَ حَتَّى قَالَ: «صُمْ يَوْمًا وَأَفْطِرْ يَوْمًا» فَقَالَ: «اقْرَأ القُرْآنَ فِي كُلَّ شَهْرٍ» قَالَ: إِنَّي أُطِيقُ أَكْثَرَ فَمَازَالَ حَتَّى قَالَ: «فِي ثَلاَثٍ». (1079)

59 - باب صوم داود - عليه السلام -

59 - بَابُ صَومْ دَاوُدَ - عليه السلام - 1878/ 1879 - حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا العَبَّاسِ المَكَّيَّ - وَكَانَ شَاعِرًا وَكَانَ لاَ يُتَّهَمُ فِي حَدِيِثهِ - قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الله بْنَ عَمْرِو بْنِ العَاصِ - رضي الله عنهم - قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّكَ لَتَصُومُ الدَّهْرَ وَتَقُومُ اللَّيْلَ» فَقُلْتْ: نَعَمْ قَالَ: «إِنَّكَ إِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ هَجَمَتْ لَهُ العَيْنُ وَنَفِهَتْ لَهُ النَّفْسُ لاَ صَامَ مَنْ صَامَ الدَّهْرَ صَوْمُ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ صَوْمُ الدَّهْرِ كُلَّهِ» قُلْتُ: فَإِنَّي أُطِيقُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ قَالَ: «فَصُمْ صَوْمْ دَاوُدَ - عليه السلام - كَانَ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا وَلاَ يَفِرُّ إِذَا لاَقَى». (1879) - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ شَاهِينَ الوَاسِطِيُّ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ الله عَنْ خَالدٍ الحَذَّاءِ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبو المَلِيح قَالَ: دَخَلْتُ مَعَ أَبِيكَ عَلَى عَبْدِ الله بْنِ عَمْرٍو فَحَدَّثَنَا: أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - ذُكِرَ لَهُ صَوْمِي فَدَخَلَ عَلَىَّ فَألقَيْتُ لَهُ وِسَادَةً مِنْ آدَمٍ حَشْوُهَا لِيفٌ فَجَلَسَ عَلَى الأَرْضِ وَصَارَتِ الوِسَادَةُ بَيْنِي وَبَيْنَهُ فَقَالَ: (أَمَا يَكْفِيكَ مِنْ كُلَّ شَهْرٍ ثَلاَثَةُ أَيَّامٍ؟) قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله قَالَ: (خَمْسًا) قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله قَالَ: (سَبْعًا) قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله قَالَ: (تِسْعًا) قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله قَالَ: (إِحْدَى عَشْرَةَ)، ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: (لاَ صَوْمَ فَوْقَ صَوْمِ دَاوُدَ - عليه السلام - شَطْرَ الدَّهَرِ صُمْ يَوْمًا وَأَفْطِرْ يَوْمًا). (1079) الشرح: مثل ما تقدم أن صوم داود هو أفضل الصيام ولكن إذا صادف هذا اليوم

الذي يصومه يوم العيد فإنه يفطر وجوبًا ويكمل عادته بعد ذلك. قوله: «فألقيت له وسادة من آدم حشوها من ليف» يعني النبي - صلى الله عليه وسلم - وجعلها بينه وبين عبد الله بن عمرو، وقد روى الترمذي من طريق عبد الله بن مسلم عن أبيه عن ابن عمر أن ثلاثة لا ترد «الوسادة والدهن واللبن» ظاهر إسناده لا بأس به لكن قال أبو حاتم: منكر، وحديث الباب فيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رد الوسادة؟ الجواب: نقول على كل حال الوسادة والدُّهن واللبن كلها ترد إذا كان لسبب من الأسباب، أما بلا سبب فينبغي قبولها، والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إذا عرض على أحدكم ريحانة فلا يردها فإنه طيب الرائحة خفيف المحمل»، فإذا عرض على الإنسان وسادة أو دهن أو لبن فإنه يقبلها بغض النظر عن حديث ابن عمر في الترمذي الذي قال عنه أبو حاتم: منكر وذلك لما في قبولها من الألفة بين الإخوان والمحبة بينهم.

60 - باب صيام أيام البيض ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة

60 - بَابُ صِيَام أَيَّامِ البيضِ ثَلاثَ عَشْرَةَ وأَرْبَعَ عَشْرَةَ وَخَمْسَ عَشْرَةَ 1880 - حدثنا أبو معمر حدثنا عبد الوارث حدثنا أبو التياح قال: حدثني أبو عثمان عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: أَوْصَانِي خَلِيِلي - صلى الله عليه وسلم - بِثَلَاثٍ: صِيَامِ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ وَرَكْعَتَي الضُّحَى وَأَنْ أُوتِرَ قَبْلَ أَنْ أَنَامَ. [1124] الشرح: المؤلف: في هذا الباب قال: «باب صيام أيام البيض ثم ذكر 13 - 14 - 15» وليس في الحديث هذا ما يدل على تعين صيام هذه الأيام ولكن هذه طريقة البخاري أنه يذكر شيئًا يرى أنه محفوظ لكنه لا يصح على شرطه أو أنه مذكور في بعض طرق الحديث وهذه هي طريقته: فالقدر المحفوظ في الأحاديث التي في الصحيحين صيام ثلاثة أيام من كل شهر من غير تعيين لا في أوله ولا في آخره وإنما هي مطلقة من كل شهر فإن الإنسان إذا صام من أول الشهر أو أوسطه أو آخره كفته، ولكن قد ورد تحديد هذه الثلاثة أيام من كل شهر فيما يسمى بأيام البيض وهي (13 - 14 - 15 (وسُميت بيضًا؛ لأن لياليها مقمرة فكان اليوم مضيئًا والليل مقمرًا فكانت بِيضّا وهذه ورد فيها أحاديث منها حديث أبي هريرة وأبي ذر واختلف فيه اختلافًا كثيرًا وكذلك جاء حديث جرير يرويه النسائي من طريق زيد بن أبي أنيسة عن أبي إسحاق السبيعي عن جرير، فإن كان سمع أبو إسحاق هذا الحديث من جرير؛ فالحديث صحيح، ولقد قال ابن حجر في الفتح عن هذا الحديث:

إسناده صحيح، وبكل حال ينظر في سماع أبي إسحاق من جرير، وإلا هو قد أدركه فقد ولد أبو إسحاق سنة 32هـ أو قبلها بقليل، وقيل: سنة 33هـ، وجرير تُوفي على قول خليفة سنة 51هـ، فالإدراك ظاهر، لكن الكلام في السماع، ولم يتيسر لي تحرير ذلك للشغل، لكن على طريقة البخاري وشيخه والمحققين لابُدَّ من السماع وهو الحق. وقد صح عن عمر وغيره كما روى ذلك ابن جرير في «تهذيب الآثار» بإسناد صحيح أن عمر كان يصومها فقد روى ابن جرير في تهذيبه (مسند عمر 2/ 856) عن ابن بشار وابن المثنى كلاهما عن محمد بن جعفر ثنا شعبة عن قتادة عن موسى بن سلمة الهذلي قال: سألت ابن عباس عن صوم الأيام البيض. فقال: كان عمر يصومهن. وموسى بن سلمة الهذلي وثقه أبو زرعة وغيره وأخرج له مسلم، وأخرجه ابن جرير أيضًا من طريق هشام عن قتادة به مثله وروي عن ابن مسعود بإسناد قوي نحوه. ولو لم يكن في الباب إلا أن عمر يصومها لكان كافيًا مع ما فيه من الآثار المرفوعة المتقدم ذكرها، ونقول السنة تثبت بأقل من هذه الآثار. وظاهر اختيار المؤلف أن هذه الأيام لابُدَّ أن تكون في أيام البيض. فالصحيح أن صيام (13 - 14 - 15) من السنن ولذلك فقد عمل بها الصحابة مع ما ذكرنا من الآثار والكلام فيها. مسألة: ما حكم الصيام الجماعي وقيام الليل الجماعي كأن يتفق بعض الأصحاب على أن يصوموا يومًا كيوم الاثنين أو يقوموا الليل بأن يجتمعوا

ويقوموا إحدى الليالي؟ الجواب: هذا الفعل الأصل فيه أنه بدعة فالاتفاق على الصيام أو الاتفاق على القيام فهذا كله غير مشروع، ولا نعلم أن السلف كانوا يفعلون هذا لكن لو حصل هذا الأمر بدون تواطؤ كأن يصلي إنسان ويأتي أخوه ويصلي معه كما حصل هذا في وقائع مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع حذيفة وابن مسعود وابن عباس وجماعة من الصحابة فهذا لا بأس به، أما الاجتماع والاتفاق على صلاة بقراءة مقدرة أو ليالي معينة أو صيام ما شرع صومه على سبيل جماعي فهذا غير مشروع، ولكن لو صاموا أو أفطروا عند شخص فهذا لا بأس وإنما الكلام على الاتفاق أما الحثُّ وما أشبه ذلك فلا إشكال فيه فالإنسان يحثُّ بما جاء عن رسول الله أما الاتفاق فهذا أمر آخر والله أعلم.

61 - باب من زار قوما فلم يفطر عندهم

61 - بَابُ مَنْ زَارَ قَوْمًا فَلَمْ يُفْطِرْ عِنْدَهُمْ 1881 - حدثنا محمد بن المثني قال: حدثني خالد - هو ابن الحارث - حدثنا حميد عن أنس - رضي الله عنه -: دَخَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى أُمِّ سُلَيْمٍ فَأَتَتْهُ بِتَمْرٍ وَسَمْنٍ قَالَ: «أَعِيدُوا سَمْنَكُمْ فِي سِقَائِهِ وَتَمْرَكُمْ فِي وِعَائِهِ فَإِنِّي صَائِمٌ»، ثُمَّ قَامَ إِلَى نَاحِيَةٍ مِنَ البَيْتِ فَصَلَّى غَيْرَ المَكْتُوبَةِ فَدَعَا لأُمِّ سُلَيْمٍ وَأَهْلِ بَيْتِهَا فَقَاَلتْ أُمُّ سُلَيْمٍ: يَا رَسُولَ الله إِنَّ لِي خُوَيْصَّةً قَالَ: «مَا هَيَ؟» قَالَتْ: خَادِمُكَ أَنَسٌ فَمَا تَرَكَ خَيْرَ آخِرَةٍ ولاَ دُنْيَا إِلاَّ دَعَا لِي بِهِ قَالَ: «اللهمَّ ارْزُقْهُ مَالًا وَوَلَدًا وَبَارِكْ لَهُ فِيهِ» فَإنِّي لَمِنْ أَكْثَرِ الأَنْصَارِ مَالًا وَحَدَّثَتنْيِ ابْنَتِي أُمَيْنَةُ أَنَّهُ دُفِنَ لِصُلْبِي مَقْدَمَ حَجَّاجٍ البَصْرَةَ بِضْعٌ وَعِشْرُونَ وَمِائَةٌ. حدثنا ابن أبي مريم أخبرنا يحيى بن أيوب قال: حدثني حميد سمع - رضي الله عنه - أنسًا عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. [5975، 5984، 6017، 6018] الشرح: نقول: الطريق الثاني أراد منه المؤلف أن حميدًا صرح بالسماع من أنس. شرح الحديث: قد أجاب الله تعالى دعوة نبيه ورزق الله أنسًا مالًا كثيرًا وكان له بستان ينتج في السنة مرتين من التمر وأكثر الله له الولد حتى أنه مات له في حياته

بضع وعشرون ومائة من الولد والأحفاد ماتوا عند مقدم الحجاج للبصرة. الفوائد: 1 - زيارة النبي لأمته وتعهد لأصحابه فيؤخذ منها زيارة العلماء والرؤساء لبعض الرعية للمصلحة وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد تكررت زياراته لأصحابه فقد زار أم سليم وأبا طلحة وعتبان بن مالك. 2 - أن الضيف الصائم المتنفل يشرع له الأكمل من: الصوم أو الفطر والنبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث كان صائمًا واستمر في صيامه وقال: «أعيدوا سمنكم في سقائه وتمركم في وعائه فإني صائم»، ويشرع له إذا كان صائمًا أن يصلي، والمراد بالصلاة هنا الدعاء، فإذا كان الصيام فرضًا فلا إشكال فيه أنه يدعو، أما إن كان الصيام نفلًا فله الخيار إن شاء طعم وإن شاء دعا لهم واعتذر. 3 - فيه منقبة لأنس - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دعا له فأصابته الدعوة النبوية. 4 - فيه الصلاة عند المزور وذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قام في ناحية من البيت وصلى صلاة غير المكتوبة. 5 - طلب الدعاء من الصالحين؛ لأن أم سليم قالت: إن لي خويصة ثم قالت: خادمك أنس أي: ادع له فدعا له النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد النافلة فالدعاء بعد النافلة بناء على هذا الحديث يدل على أنه أفضل؛ لأنه أقرب للإجابة والنبي - صلى الله عليه وسلم - صلى ركعتين، ثم سلم، ثم دعا له. لكن هل يشرع أن يرفع يديه ويدعو بعد كل نافلة كما يفعل بعض

الناس؟ الجواب: لا، إنما أحيانًا ولشيء عارض لا راتب، فلم يعرف عنه - صلى الله عليه وسلم - لزوم الدعاء عقيب كل نافلة. 6 - وفيه الدعاء من أهل الصلاح والتقى. مسألة: هل يكون هذا ديدن كل إنسان إذا لقي صاحبه قال: ادع لنا؟ الجواب: هذا لا يعرف من هدي السلف وإنما جاء هذا في وقائع يسيرة في قصة أويس القرني أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبر أنه: «يقدم عيكم من أمداد اليمن فإن استطعتم أن يدعو لكم» ففعل ذلك عمر. ووقع أيضًا وقائع يسيره وقال النبي في الدعاء بعد الأذان: «ثم اسألوا لي الوسيلة فمن سأل لي الوسيلة؛ حلَّت له شفاعتي يوم القيامة». قال شيخ الإسلام: في هذا الحديث وغيره أن الإنسان إذا أمر أخاه بأن يدعو له فإنه ينوي نفعه لكي لا يكون من السؤال المذموم. وقال: الأصل في طلب الدعاء أنه من سؤال الناس وسؤال الناس مذموم لكن إذا نوى نفع هذا الداعي فإنه يخرج من السؤال المذموم ولا بأس به. وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - هنا: «فمن سأل لي الوسيلة؛ حلَّت له شفاعتي» فهو يستفيد من الدعاء فلا يقول الإنسان: ادع لنا يا فلان ويريد نفع نفسه فقط، فيكون داخلًا في السؤال المذموم بل ينوي نفع صاحبه بأنه يكون له بالمثل. أما الحديث الذي رواه الترمذي لما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لعمر: «لا تنسنا من

دعائك يا أُخي». هذا الحديث ضعيف، فيه عاصم بن عبيد الله ضعيف عند الجماهير لكن العمدة على غيره، على التفصيل المتقدم.

62 - باب الصوم من آخر الشهر

62 - بَابُ الصَّوْمِ مِنْ آخِرِ الشَّهْرِ 1882 - حدثنا الصَّلْتُ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا مَهْدِيٌ عَنْ غَيْلاَنَ (ح) وَحَدَّثَنَا أَبو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا مَهْدِيُّ بنُ مَيْمُونٍ حَدَّثَنَا غَيْلاَنُ بْنُ جَرِيرٍ عَن مُطَرِّفٍ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ - رضي الله عنهم -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ سَأَلَهُ أَوْ سَأَلَ رَجُلًا وَعِمْرَانُ يَسْمَعُ فَقَالَ: «يَا أَبَا فُلان! أَمَا ثَمْتَ سَرَرَ هَذَا الشَّهْرِ؟» قَالَ: أَظُنُّهُ قَالَ: يَعْنِي رَمَضَانَ قَالَ الرَّجُلُ: لاَ يَا رَسُولَ الله قَالَ: «فَإِذَا أَفْطَرْتَ فَصُمْ يَوْمَيْنِ» لَمْ يَقُلِ الصَّلْتُ: أَظُنُهُ يَعْنِي رَمَضَانَ. قال أبو عبد الله: وقال ثابت عن مًطرفٍ عنْ عِمْرَانَ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ سَرَرِ شَعْبَانَ. هذا الحديث فيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سأل رجلًا هل صمت سرر هذا الشهر؟ ومعنى السرر: ظاهر اختيار المؤلف أن السرر هو آخر الشهر، وفي متابعة ثابت عن مطرف أن المراد به من سرر شعبان - يعني: آخر شعبان. شرح الحديث: هذا الحديث محمول على أن هذا الرجل له عادة من صيام آخر الشهر فتركها فأمره النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه إذا أفطر من رمضان أن يقضيها، ويحتمل أن سرر الشهر أي وسطه من السرة وهذا رجَّحه بعض أهل العلم ولكن ظاهر اختيار المؤلف أنه آخر الشهر وعلى القول بأنه في وسط الشهر يكون هذا

الحديث شاهدًا للأيام البيض ولكن ظاهر اختيار المؤلف أنه آخر الشهر. وسمى سررًا لاستسرار القمر فإن القمر يكون في آخر الشهر يستسر ليلة أو ليلتين أو ثلاثة كما قال أبو العباس. المقصود أن هذا الحديث يحمل على محمل صحيح؛ لأنه قد جاء النهي عن الصيام آخر شعبان إلا رجل كان له عادة: «رجل كان يصوم صومًا فليصمه» فيحمل هذا الرجل على أنه كان له عادة فتركها فأمره النبي - صلى الله عليه وسلم - بقضائها والله أعلم.

63 - باب صوم يوم الجمعة

63 - بَابُ صَوْم يَوْمِ الجُمُعَةِ «فَإِذَا أَصبْحَ صَائِمًا يَوْمَ الجُمُعَةِ فَعَلَيْهِ أَنْ يُفْطِرَ». يَعْنِي: إِذَا لَمْ يَصُمْ قَبْلَهُ وَلاَ يُرِيدُ أَنْ يَصُومَ بَعْدَهُ 1883 - حَدَّثَنَا أَبو عَاصِمٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَبْدِ الحَمِيدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ شَيْبَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادٍ قَالَ: سألتُ جَابِرًا - رضي الله عنه -: نَهَى النَّبُّي - صلى الله عليه وسلم - عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الجُمُعَةِ؟ قَالَ: نَعَمْ. زَادَ غَيْرُ أَبِي عَاصِمٍ يَعْنِي أَنْ يَنْفَرِدَ بِصَوْمٍ. 1884 - حّدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ حَدَّثَنَا أَبو صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «لاَ يَصُومَنَّ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الجُمُعَةِ إِلاَّ يَوْمًا قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ». 1885 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيى عَنْ شُعْبَةَ (ح) وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ حّدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَاَدَةَ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ عَنْ جُوَيْرِيَةَ بِنْتِ الحَارِثِ - رضي الله عنها - أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - دَخَلَ عَلَيْهَا يَوْمَ الجُمُعَةِ وَهِيَ صَائِمَةٌ فَقَالَ: «أَصُمْتِ أَمْسِ؟» قَالَتْ: لاَ قَالَ: «تُرِيدِينَ أَنْ تَصُومي غَدًا؟» قَالَتْ: لاَ قَالَ: «فَأَفْطِرِي». وَقَالَ: حَمَّادُ بْنُ الجَعْدِ سَمِعَ قَتَادَةَ حَدَّثَنِي أَبو أَيُّوبَ أَنَّ جُوَيْرِيَةَ حَدَّثَتْهُ فَأَمَرَهَا فَأَفْطَرَتْ.

الشرح: مسألة: اختلف في صيام يوم الجمعة هل هو مكروه أو محرم؟ فأكثر أهل العلم على أنه مكروه كراهة تنزيه، والأقرب أن صيام يوم الجمعة محرم وقد صح النهي عن صيامه عن جماعة من الصحابة كعلي وأبي ذر وابن عمر وسلمان وأبي هريرة حتى قال ابن حزم في «المحلى»: ولا نعلم لهم من مخالف والصحابة - رضي الله عنهم - هم خير من يفسر السنة وحديث ميمونة شبه صريح في هذا فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - مع كونه نهى عن الصيام أمرها بالفطر فالصحيح أن يوم الجمعة لا يجوز صومه والمراد بذلك على سبيل الإفراد والتخصيص لذلك اليوم فقط. شرح الحديث: الزيادة في الحديث الأول: يعني قوله - أن ينفرد بالصوم - هذه جاءت مسندة عند النسائي وعلى هذا إذا صام الإنسان مع يوم الجمعة يوم الخميس أو السبت زالت الكراهة، لكن استثنى أهل العلم صورًا في جواز صيام يوم الجمعة منها: أولاً: ما دل عليه النص كما في حديث جويرية بأن يصوم يومًا قبله أو يومًا بعده كما في حديث جويرية فإنه يباح له الصوم. ثانيًا: أن يكون الإنسان يصوم يومًا ويفطر يومًا فصادف يوم الصوم يوم

الجمعة ويوم الفطر يوم الخميس ويوم السبت فصورة الإفراد واقعة ولكنه مستثناة من النهي لأنه ما قصد الإفراد بالجمعة. ثالثًا: إذا كان صامه لأجل أنه عرفة لا من أجل أنه جمعة، وكذا لو كان عاشوراء. رابعًا: إذا نذر يوم قدوم زيد أو يوم شفاء مريض فجاء زيد يوم الجمعة فإنه يصوم لأنه ليس مريد لصيام يوم الجمعة نفسها وإنما نذره وقع في ذلك اليوم. مسألة: هل من الصور الجائزة في صيام يوم الجمعة أنه إذا صامه الإنسان لأجل أنه لا يستطيع الصيام إلا فيه كأن يكون عند الإنسان عمل سائر الأسبوع وليس عنده راحة إلا يوم الجمعة فهل يجوز له ذلك؟ الجواب: نقول من نظر للعلة أنّ نهيه عن إفراده لأجل تخصيصه فإنه يجيز ذلك وهو اختيار شيخنا ابن باز وهو الصحيح، فإذا كان الإنسان صام يوم الجمعة لأجل أنه راحته فلا بأس. وقس على هذه الصور ما شابهها مما يكون السبب في صومه يوم الجمعة غير نية التخصيص فحينئذٍ نقول: إذا كان السبب الظاهر يمنع كون العبد أراد إفراد يوم الجمعة بالصوم فحينئذٍ يجوز لكن إذا صامه وحده لأجل التخصيص فالصوم باطل وهو آثم وإن لم يكن بلا سبب ظاهر، ولم يرد التخصيص فهو ممنوع أيضًا لظاهر الخبر ..

فائدة: في حديث جويرية دلالة على ضعف حديث الصماء بنت يُسر في النهي عن صيام يوم السبت: «لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم ولو لم يجد أحدكم إلا لحاء عنب أو عود فليمضغه» وهذا الحديث مضطرب ولا يصح، وقال بعضهم إنه منسوخ وبكل حال لا يصح ومما يدل على ضعفه أو نسخه ما رواه أهل السنن من حديث أم سلمة أنه كان أكثر ما يصوم يوم السبت والأحد فيقول: إنه عيد للمشركين وأحب أن أخالفهم وإسناده لا بأس به إن شاء الله، فالصحيح أن صوم يوم السبت يجوز صومه سواء منفردًا أو معه غيره وحمل بعض أهل العلم الحديث على صيام يوم السبت على وجه الإفراد وأما إذا ضمَّ إليه غيره فلا والصحيح أن الحديث لا يثبت.

64 - باب هل يخص شيئا من الأيام؟

64 - بَابٌ هَلْ يَخصُّ شَيْئًا مِنَ الأَيَّامِ؟ 1886 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ سُفْيَانَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ: قُلْتُ لِعَائِشَةَ - رضي الله عنها -: هَلْ كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَخْتَصُّ مِنَ الأَيَّامِ شَيْئًا؟ قَالَتْ: لاَ كَانَ عَمَلُةُ دِيِمَةً وَأَيُّكُمْ يُطِيِقُ مَا كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يُطِيقُ. [6101، وانظر: 1869] الشرح: يعني: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان ربما يعمل عملًا طويلًا لكن قد جاء في بعض الأحاديث أنه يخصُّ بعض الأيام ويكون معنى قولها أغلبيًّا، فالغالب أنه يسرد أيام كثيرة يدخل فيها الاثنين وما شرع صيامه من غيره ولكن أحيانًا ربما خصَّ بعض الأيام والغالب أنه - عليه الصلاة والسلام - كان يصوم صومًا كثيرًا ويفطر إفطارًا كثيرًا.

65 - باب صوم يوم عرفة

65 - بَابُ صَوْمِ يَوْمِ عَرفَةَ 1887 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ يَحْيَى عَنْ مَالِكِ قَالَ: حَدَّثّنِي سَالِمٌ قَالَ: حّدَّثَنِي عُمَيْرٌ مَوْلَى أُمّ الفَضْلِ أَنًّ أُمَّ الفَضْلِ حَدَّثَتْهُ (ح) وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ الله عَنْ عُمَيْرٍ مَوْلَى عَبْدِ الله بْنِ العَبَّاسِ عَنْ أُمِّ الفَضْلِ بِنْتِ الحَارِثِ: أَنَّ نَاسًا تَمَارَوْا عِنْدَهَا يَوْمَ عَرَفَةَ فِي صَوْمِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ صَائِمٌ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَيْسَ بِصَائِمٍ فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ بِقَدَحِ لَبَنٍ وَهُوَ وَاقِفٌ عَلَى بَعِيِرِهِ فَشَرِبَهُ. [1575] 1888 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَوْ قُرِئَ عَلَيْهِ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرٌو عَنْ بُكَيْرٍ عَنْ كُرَيْبٍ عَنْ مَيْمُونَةَ - رضي الله عنها -: أَنَّ النَّاسَ شَكُّوا فِي صِيَامِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ عَرَفَةَ فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ بِحِلاَبٍ وَهُوَ وَاقِفٌ فِي المَوْقِفِ فَشَرِبَ مِنْهُ وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ. الشرح: أيهما المرسل ميمونة أم أمُّ الفضل؟ في الحديث الأول: أن أمَّ الفضل هي التي أرسلت اللبن وفي الحديث الثاني: المرسلة ميمونة. وأمُّ الفضل هي: أم ابن عباس ولكن الفضل كان أكبر فكانت تكنى به

وميمونة أخت أم الفضل، وأما المرسل فيحتمل أنهما أرسلتا جميعًا ويحتمل أن أم الفضل أمرت ميمونة فأرسلت ميمونة فيحتمل أن أحداهما أشارت على الأخرى بأن ترسل لبنًا والأخرى باشرت الإرسال، فشرب النبي - صلى الله عليه وسلم - من اللبن فالحديث يدل على شرعية فطر يوم عرفة للحجاج وأنه لا ينبغي أن يصوم الإنسان هذا اليوم حتى يتقوى على الدعاء؛ لأنه لو صام الإنسان هذا اليوم لضَعُفَ ولترك عبادة أفضل من عبادة الصيام في مثل هذا الوقت في مثل هذه الحال لاسيما في وقت الحر. مسألة: هل صح النهي عن صيام يوم عرفة بعرفة؟ الجواب: هذا جاء عند أهل السنن إلا الترمذي من طريق مهدي العبدي الهجري عن عكرمة عن أبي هريرة ولكن مهدي فيه ضعف. قال ابن معين: لا أعرفه: فالنهي عن صيامه لا يثبت كما قال العقيلي ولكن يقال: إن السنة ظاهرة بأنه لا يصام. وقد صح عن عائشة وابن الزبير صيام يوم عرفة في الحج فقد أخرجه مالك في «الموطأ» وابن أبي شيبة وعلَّق عليه شيخنا ابن باز في شرح «الموطأ» حيث قال: «إنه من اجتهادنا - رضي الله عنها -» فظنت أنه لا بأس إذا لم يكن هناك مشقة ولكن الصحيح فعل السنة حتى وإن كان لا يوجد مشقة وفي غاية الراحة فالسنة حاكمة وليست محكومة فالسنة عند التنازع يفزع إليها.

مسألة: إذا كان الإنسان غير حاجٍّ فصام يوم عرفة فله من الفضل بأنه يُكفِّر السن الماضية والقادمة ودليل ذلك ما أخرجه مسلم من حديث أبي قتادة ولكن هذا الحديث ليس على شرط البخاري فلذلك لم يخرجه هنا، والله أعلم.

66 - باب صوم يوم الفطر

66 - بَابُ صَوْمِ يَوْمِ الفِطْرِ 1889 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ مَوْلَى ابْنِ أَزْهَرَ قَالَ: شَهِدْتُ العِيدَ مَعَ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ - رضي الله عنه - فَقَالَ: هَذَانِ يَوْمَانِ نَهَى رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عَنْ صِيَامِهِمَا يَوْمُ فِطْرِكُمْ مِنْ صِيَامِكُمْ وَاليَوْمُ الآخَرُ تَاكُلُونَ فِيهِ مِنْ نُسُكِكُمْ. قَالَ أَبو عَبْد الله: قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: مَنْ قَالَ مَوْلَى ابْنِ أَزْهَرَ فَقَدْ أَصَابَ وَمَنْ قَالَ مَوْلى عَبدِ الرَّحمَنِ بْنِ عَوْفٍ فَقَدْ أَصَابَ. [5251] 1890 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ يَحْيَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ - رضي الله عنه - قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الفِطْرِ وَالنَّحْرِ وَعَنِ الصَّمَّاءِ وَأَنْ يَحْتَبِيَ الرَّجُلُ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ. [360] الشرح: الحكمة ظاهرة في النهي عن صيام يوم الفطر فإنه يوم يمتنُّ الله على عباده بتمام الشهر فشرع لهم الفطر على ما يسر من نعمه شكرًا لله وفرحًا بإتمام عبادة عظيمة. وهي حتى يفصل بين عبادة الصيام وبين الفطر فكما أنه نهي عن تقدم العبد رمضان بصوم يوم أو يومين فكذلك في أواخر رمضان يكون هناك فطر فيكون هذا اليوم قاطعًا، يميز الصيام عن الفطر

وهذا ما استقرت به الشريعة حتى يفصل العبد بين الفرض والنفل ولهذا نهي عن صلاة النافلة حين تقام صلاة الفريضة لكي لا يوصل النفل بالفرض، وكذلك نهي عن الصلاة بعد الصلاة وبعد الفرض حتى يتكلم أو يخرج كما في حديث معاوية عند مسلم وعلى هذا استقرت الشريعة. أما في عيد الأضحى فأمروا بالإفطار لإظهار هذه الشعيرة وهي الأضحية والنحر؛ لأنه لو لم يؤمروا بالفطر لكان بعض الناس صائمًا فربما أخَّر الأكل إلى الليل فذهبت هذه الشريعة العظيمة وهذا معنى قول عمر: «يوم فطركم من صيامكم واليوم الآخر تأكلون فيه من نسككم». مسألة: صيام يوم العيد لو وقع فهو باطل ولا يصح ولا يجزي عن نذر ولا قضاء. شرح الحديث الثاني: الصماء: هي أن يلتف الإنسان بالثوب عليه فيصبح كالقطعة الواحدة فربما تحرك فبدت عورته ولا يحتبي الرجل في الثوب الواحد؛ لأنه قد تكون عورته تجاه السماء مفتوحة وهو قد لفَّ الثوب على ظهره ورجليه فربما دنا منه أحد ورأى عورته والله أعلم.

67 - باب الصوم يوم النحر

67 - بَابُ الصَّوْمِ يَوْمِ النَّحْرِ 1891 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرنَا هِشَامُ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ مِينَا قَالَ: سَمِعْتُهُ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: يُنْهَى عَنْ صِيَامَيْنِ وَبَيْعَتَيْنِ: الفِطْرِ وَالنَّحْرِ وَالمُلاَمَسَةِ وَالمُنَابَذَةِ. [361] 1892 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا مُعَاذٌ، أَخْبَرَنَا ابْنُ عَوْنٍ عَنْ زِيَادِ ابْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهم - فَقَالَ: رَجُلٌ نَذَرَ أَنْ يَصُومَ يَوْمًا قَالَ: أَظُنُّهُ قَالَ: الاثْنَيْنِ فَوَافَقَ ذَلِكَ يَوْمَ عِيدٍ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: أَمَرَ الله بِوفَاءِ النَّذْرِ وَنَهَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ صَوْمِ هَذَا اليَوْمِ. [6327، 6328] 1893 - حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا عَبْدُ المَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ قَالَ: سَمِعْتُ قَزَعَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الخُدْرِيَّ - رضي الله عنه - وَكَانَ غَزَا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ثِنْتَيْ عَشْرَةَ غَزْوَةً قَالَ: سَمِعْتُ أَرْبَعًا مِنَ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - فَأَعْجَبْنَنِي قَالَ: «لاَ تُسَافِرِ المَرْأَةُ مَسِيرَةَ يَوْمَيْنِ إِلًا وَمَعَهَا زَوْجُهَا أَوْ ذُو مَحْرمٍ وَلاَ صَوْمَ فِي يَوْمَيْنِ الفِطْرِ وَالأَضْحَى وَلاَ صَلاَةَ بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ وَلاَ بَعْدَ العَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ وَلاَ تُشَدُّ

الرِّحَالُ إِلاَّ إِلَى ثَلاَثَةِ مَسَاجِدَ: مَسْجِدِ الحَرَامِ وَمَسْجِدِ الأَقْصَى وَمَسْجِدِي هَذّا». [1139] الشرح: وهذا يتعلق أيضًا بما تقدم من النهي عن صيام يوم النحر فالنبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن صيام يومين وفسرهما «الفطر والنحر». شرح الحديث الأول: نقول: ماذا فهم السائل من كلمة ابن عمر - رضي الله عنهم - «أمر الله بوفاء النذر ونهى الرسول - صلى الله عليه وسلم - من صيام ذلك اليوم». الجواب: فهم أنه يصوم هذا اليوم ويفي بنذره ولكن في غير يوم العيد هذا وإنما يصومه في يوم اثنين آخر ويفطر يوم العيد؛ لأن هذا الرجل ما نذر بأن يصوم يوم العيد وإنما قال: أصوم يوم الاثنين فوافق يوم العيد فحينئذٍ نقول: لا تصم يوم العيد؛ لأن منهي عن صيامه ولكن صم يوم اثنين آخر. مسألة: هل يجب على الإنسان كفارة إذا فوت يوم التعيين؟ الجواب: نقول «لا» لا يجب عليه كفارة وذلك لأنه فوت يوم التعيين من أجل تحقيق مطلب الشارع الذي هو عدم صيام يوم الاثنين الذي هو يوم العيد فإذا نقلته إلى يوم آخر فلا بأس بذلك فحينئذ نقول اقض هذا اليوم وليس عليك كفارة، بينما لو نذر أن يصوم يوم العيد وقال: نذرت أن أصوم يوم الاثنين الموافق يوم العيد وكان مستقرًّا عنده أن يوم الاثنين هو يوم

العيد فحينئذٍ نقول: هذا نذر معصية فلا يفي به ولكن هل عليه كفارة؟ هذا فيه خلاف بين أهل العلم. الحديث الثاني: حديث أبي سعيد فقد رواه مسلم من طريق جرير عن عبد الملك بن عمير به وفيه: ولا يصح الصيام في يومين: يوم الأضحى ويوم الفطر من رمضان.

68 - باب صيام أيام التشريق

68 - بَابُ صِيَامِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَقَالَ لِي مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى: حَدَّثَنَاَ يَحْيَى عَنْ هِشَامٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي: كَانَتْ عَائِشَةُ - رضي الله عنها - تَصُومُ أَيَّامَ التَّشْريقِ بِمِنًى وَكَانَ أَبُوهَا يَصُومُهَا. 1894/ 1895 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ سَمِعْتُ عَبْدَ الله بْنَ عِيسى بْنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهم - قَالاَ: لَمْ يُرَخَّصْ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيِقِ أَنْ يُصَمْنَ إلاَّ لِمَنْ لَمْ يَجِدِ الهَدْيَ. (1895) - حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ ابْنِ عَبْدِ الله بْنِ عُمَرَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهم - قَالَ: الصِّيَامُ لِمَنْ تَمَتَّعَ بِالعُمْرَةِ إِلَى الحَجِّ إِلَى يَوْمِ عَرَفَةَ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا وَلَمْ يَصُمْ صَامَ أَيَّامَ مِنًى. وَعَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ مِثْلَهُ تَابَعَهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. الشرح: أيام التشريق هي الأيام الثلاثة التي تلي يوم النحر وهي: الحادي عشر، الثاني عشر، الثالث عشر، وسُمِّيت أيام التشريق بذلك؛ لأنهم كانوا ييبسون اللحم ويشرقونه بالشمس حتى لا يفسد. وهذه الأيام الثلاثة: الحادي عشر، الثاني عشر، والثالث عشر، أحكامها

كأحكام اليوم العاشر فهي أيام عيد وأيام ذبح فلا يجوز صيامها، وفي حديث نبيشة الهذلي عند مسلم: «أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر لله تعالى» وروي نحوه عن كعب بن مالك، والدليل على أن هذه الأيام أيام عيد ما أخرجه صاحبا الصحيح عن عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كانت عنده جاريتان مغنيتان فدخل أبو بكر فنهرهما فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: «دعهما يا أبا بكر - وقد كانوا في أيام التشريق - فإنها أيام عيد» وتلك الأيام أيام منًى، فسماها النبي - صلى الله عليه وسلم - أيام عيد فلذلك نهى عن صيامها. مسألة: لم يرخص في صيام أيام التشريق إلا لإنسان حجَّ متمتعًا أو قارنًا ولم يجد الهدي فإنه رخص له أن يصوم الثلاثة أيام التي ذكرها الله سبحانه وتعالى في الحج؛ حيث قال: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} فالثلاثة أيام (11 - 12 - 13)، فإن صام الإنسان هذه الثلاثة الأيام قبل ذلك أي من بداية إحرامه بالعمرة فالصحيح أنه تجزئه لكن لو يصمها إلا في الحادي عشر وما بعدها فإنه يرخص له في ذلك والسبعة الباقية إذا رجع إلى أهله. مسألة: وهي أن عائشة كانت تصوم أيام منَّى وكان أبوه - أي أبو هشام - وهو عروة ابن الزبير كان يصوم أيام التشريق أيضًا مع العلم أنها هي التي روت الحديث في النهي عن صيامها فقد جاء في حديث عائشة وحديث ابن عمر: «أنه لم يرخص في صيام أيام التشريق إلا لمن لم يجد الهدي»، وظاهر اختيار

المؤلف: أنه يجوز صيام أيام التشريق وذلك لأنه أسند ذلك عن عائشة، وقال قبله: «باب صيام أيام التشريق» وهذا مستغرب فاختيار المؤلف هنا ليس بجيد وهو جواز صيام أيام التشريق لمن ليس له عذر والصحيح: أن صيام التشريق محرم ولا يستثنى في الدنيا إلا شخص حجَّ تلك السنة وكان متمتعًا أو قارنًا ولم يجد الهدي فإنه يجوز له صيام أيام التشريق، وأما المروي عن عائشة في صيامها فهو مشكل؛ لأنها هي التي روت النهي ومع ذلك كانت تصومها وكذلك عن عروة وهو الراوي عنها وهذا يدل على أن الإنسان مهما بلغ من العلم فإنه قد يتأول وقد تخفى عليه السنة أو أنه ينساها فهذه الأيام لا يجوز صومها وصيام عائشة محل نظر والسُّنة هي الحاكمة ويعتذر عن عائشة - رضي الله عنها - في ذلك أنه نسيت الحكم أو أنها متأولة بأنه خاصٌّ بالحاج الذي لم يجد الهدي ولكن حكمها عامٌّ لا يجوز صيامها للحاج وغير الحاج ويستثنى من ذلك الحاج الذي كان قارنًا أو متمتعًا ولم يجد الهدي.

69 - باب صيام يوم عاشوراء

69 - بَابُ صِيَامِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ 1896 - حَدَّثَنَا أَبو عَاصِمٍ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ عَاشُورَاءَ: «إِنْ شَاءَ صَامَ». [1793] 1897/ 1898 - حَدَّثّنَا أَبو اليَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أَمَرَ بِصِيَام يَوْمِ عَاشُورَاءَ فَلَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ كَانَ مَنْ شَاءَ صَامَ وَمَنْ شَاءَ أَفْطَرَ. (1898) - حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - قَالَتْ: كَانَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ تَصُومُهُ قُرَيْشٌ فِي الجَاهِلِيَّةِ وَكَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَصُومُهُ فَلَمَّا قَدِمَ المَدِينَةَ صَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ فَلَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ تَرَكَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ فَمَنْ شَاءَ صَامَهُ وَمَنْ شَاءَ صَامَهُ وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ. [1515] 1899 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ حُمَيْدِ ابْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَنّهُ سَمِعَ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ - رضي الله عنهم - يَوْمَ عَاشُورَاءَ عَامَ حَجَّ عَلَى

المِنْبَرِ يَقُولُ: يَا أَهْلَ المَدِينَةِ أَيْنَ عُلَمَاؤُكُمْ؟ سَمِعْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «هَذّا يَوْمُ عَاشُورَاءَ وَلَمْ يَكْتُبِ الله عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ وَأَنَا صَائِمٌ فَمَنْ شَاءَ فَلْيَصُمْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيُفْطِرْ». 1900 - حَدَّثَنَا أَبو مَعْمَرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَارِثِ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ حّدَّثَنَا عَبْدُ الله ابْنُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهم - قَالَ: قَدِمَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - المَدِينَةَ فَرَأَى اليَهُودَ تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاء فَقَالَ: «مَا هَذَا؟» قَالوُا:: هَذَا يَوْمٌ صَالِحٌ هَذَا يَوْمٌ نَجَّى الله بَنِي إِسْرائِيلَ مِنْ عَدُوِّهِمْ فَصَامَهُ مُوسَى قَالَ: «فَأَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنكُمْ فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ». [3216، 3727، 3304، 4460] 1901 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الله حَدَّثَنَا أَبو أُسَامَةَ عَنْ أَبِي عُمَيْسٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي مُوسَى - رضي الله عنه - قَالَ: كَانَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ تَعُدُّهُ اليَهُودُ عِيدًا قّالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «فَصُومُوهُ أَنْتُمْ». [3426] 1902 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ مُوسَى عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عُبَيْدِ الله بْنِ أَبِي يَزِيدَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهم - قَالَ: مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَتَحَرَّى صِيَامَ يَوْمٍ فَضَّلَهُ عَلَى غَيْرِهِ إِلاَّ هَذّا اليَوْمَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَهَذَا الشَّهْرَ - يَعْنِي شَهْرَ رَمَضَانَ. 1903 - حَدَّثَنَا المَكِّي بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ - رضي الله عنه - قَالَ:

أَمَرَ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - رَجُلًا مِنْ أَسْلَمَ أَنْ أَذِّنْ فِي النَّاسِ أَنَّ «مَنْ كَانَ أَكَلَ فَلْيَصُمْ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ أَكَلَ فَلْيَصُمْ فَإِنَّ اليَوْمَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ». [1824] الشرح: شرح الحديث الأول: هذا الحديث أخرجه مسلم من طريق أبي عاصم بسند البخاري تمامًا وفيه أنه ذكر عند النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم عاشوراء فقال: «ذلك يوم كان يصومه أهل الجاهلية فمن شاء صامه ومن شاء تركه». وقد وقع في هذا الإسناد عند مسلم التصريح بالتحديث من أول الإسناد إلى آخره والبخاري: إنما حذف هذه الصيغ للاختصار وهذه طريقة مسلوكة عند الحُفاظ أنهم ربما حذفوا صيغة التحديث عند عدم الحاجة إليها إذا كان الإسناد ليس فيه مدلس يخشى تدليسه فإنهم يحذفون هذه الصيغ اكتفاء بسياق الإسناد. عاشوراء: هو العاشر من محرم. المؤلف سرد هنا أحاديث كثيرة في أكثرها التخيير من شاء صام ومن شاء ترك وهذا التخيير الذي في الأحاديث إنما هو لإبطال الإيجاب، لا لإبطال الاستحباب؛ لأن عاشوراء كان في أول الإسلام واجبًا أمر به - عليه الصلاة والسلام - حتى أنه أمر من طعم بأن يمسك ويصوم كما في حديث سلمة بن الأكوع الأخير في الباب، إذًا الأحاديث التي فيها التخيير إنما هي

لإبطال الإيجاب ليس لإبطال الاستحباب وإلاّ فالنبي - صلى الله عليه وسلم - صامه وأمر بصيامه. وشرع لنا مخالفة أهل الكتاب بصيام يوم قبله فقد ثبت في الصحيح عند مسلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لئن عشت إلى قابل لأصومن التاسع»، فلم يأت العام المقبل إلا قد تُوفي - صلى الله عليه وسلم -. وجاء الأمر بصيام يوم قبله ويوم بعده أخرجه أحمد وأهل السنن من طريق ابن أبي ليلى محمد بن عبد الرحمن عن داود بن علي عن أبيه عن ابن عباس ومحمد بن عبد الرحمن سيئ الحفظ جدًّا فهو بهذا اللفظ لا يصح، ولكن صح عن ابن عباس كما أخرجه الطبري في تهذيب الآثار أن ابن عباس كان يصوم (9 و10 و11)، فلا بأس فهذه سنة صحابي وفيها كمال المخالفة فليس ببدعة بل هي مشروعة وإذا صام الإنسان (9 و10) كفى وحصلت السنة، ويحصل نظير السنة إذا صام (10 و11). مسألة: هل صيام أهل الكتاب لهذا اليوم فيه مشابهة لهم؟ الجواب: ليس فيه مشابهة لهم حينما نصوم يوم عاشوراء؛ لأننا نأخذ بالسبب الذي أخذوا به وهو لنا شرع صحيح وهم أخذوا به وهم كفار فلا ينفعهم شيئًا، على أن أهل الإسلام حين يصومون يوم عاشوراء إنما يخالفون أهل الكتاب فقد أخرج مسلم من طريق صدقة بن عمران عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب عن أبي موسى الأشعري كما هو

الحديث الذي ساقه المصنف أخرجه مسلم وفيه «كان أهل خيبر يصومون يوم عاشوراء يتخذونه عيدًا ويلبسون نساءهم فيه حليهم وشارتهم - شارتهم أي اللباس الحسن - فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «فصومه أنتم» فالمخالفة حاصلة لنا والموافقة حاصلة في الحق فنحن نصومه؛ لأن الله نجا كليمه من عدوِّه، ولا نوافقهم بكونهم يلبسون الثياب والحُلي ويتزينون فيه فنحن وإن صمناه ففيه نوع من المخالفة في غير الصيام فنحن نوافقهم فيما كان أصله مشروعًا ونخالفهم فيما لا يثبت فيه شرع مع ما أضيف إليه من المخالفة من صيام يوم قبله أو بعده. مسألة: هل يكره صيام يوم عاشوراء وحده؟ الجواب: قال بعضهم: إنه يكره وقال بعضهم: بل هو مباح واختار شيخ الإسلام: أنه لا يكره صيام عاشوراء وحده ولا شك أنه ينبغي أن يصوم يومًا قبله أو يومًا بعده ولا يصومه وحده ولكن لو أن إنسانًا لم يستطع صوم عاشوراء إلا وحده فحينئذٍ نقول تزول الكراهة للحاجة، أما لغير حاجة فلا ينبغي صيامه وحده وهذا ابن عباس راوي بعض أحاديث صيام يوم عاشوراء يصوم يومًا قبله ويومًا بعده مع صيام عاشوراء. أما حديث سلمة بن الأكوع آخر أحاديث الباب فقد كان في السنة الأولى وقد تقدم التنبيه عليه والله أعلم. وبهذا ينتهي بنا الكلام على ما أردنا من شرح كتاب الصيام من صحيح

البخاري نسأل الله - عز وجل - أن يستعملنا في طاعته وأن يُبلغنا رمضان وأن يرزقنا فيه الصيام والقيام على الوجه الذي يرضيه عنا. والحمد لله رب العالمين. تم شرح هذا الكتاب في يوم الأربعاء بتاريخ 26 من شعبان سنة 1424 هـ والله الموفق،،،

§1/1