شرح كتاب السنة للبربهاري - الراجحي

عبد العزيز الراجحي

[1]

شرح كتاب السنة للبربهاري [1] الإسلام هو السنة والسنة هي الإسلام، فلا قيام لأحدهما دون الآخر، ومن كفر بالسنة أو زعم أنه لا حاجة إليها فقد مرق من الدين وخلع ربقة الإسلام.

شرح مقدمة الكتاب

شرح مقدمة الكتاب

تعريف السنة

تعريف السنة بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبد الله ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد: فسوف نشرح -إن شاء الله- كتاب السنة للعالم الفاضل الحنبلي أبي محمد الحسن بن علي بن خلف البربهاري وقد سمي بـ البربهاري نسبة إلى الأدوية التي تجلب من الهند، والمتوفى سنة (329) هجرية، فهو من علماء القرن الرابع والقرن الثالث الهجريين. وقد سمى هذه الرسالة: شرح السنة، والسنة هي ما جاء به الرسول عليه الصلاة والسلام من الوحي عن الله عز وجل، وهي الوحي الثاني، وتشمل: مسائل الاعتقاد، ومسائل الفقه، قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: (ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه)، فالسنة وحي ثانٍ، وقال الله عز وجل: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم:3 - 4]. والسنة عند العلماء القدامى تشمل قول النبي صلى الله عليه وسلم وفعله وتقريره، وتشمل الواجب والمستحب، واصطلح المتأخرون من الفقهاء والأصوليين على إطلاق السنة على المندوب والمستحب. ومراد المؤلف رحمه الله بقوله: شرح السنة، ما جاء به الرسول عليه الصلاة والسلام من مسائل الاعتقاد والإيمان والجنة والنار، ومسائل الفقه أيضاً، ويشمل ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من قوله أو فعله أو تقريره، كما يبين المؤلف رحمه الله حيث يقول: السنة هي الإسلام والإسلام هو السنة، وقد قال الله تعالى في كتابه العظيم: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر:7]. وقد ثبت في صحيح البخاري أن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه جاءته امرأة وكان قد قال رضي الله عنه: لعن الله النامصة والمتنمصة، وما لي لا ألعن من لعن الله. فجاءت امرأة فقالت: إنك تقول إن لعن النامصة في القرآن، وإني قرأت ما بين اللوحين فلم أجد فيه ما ذكرت من لعن النامصة. فقال رضي الله عنه: إن كنت قرأته فقد وجدته، أما تقرئين قول الله عز وجل: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر:7]، وقال سبحانه: {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} [النور:54]. ومن أنكر السنة وزعم أنه لا يعمل بها أو أنه لا حاجة إليها فهو كافر بإجماع المسلمين، وقد بين بعض السلف أن السنة هي التي توضح المشكل من القرآن وهي التي تقيد المطلق، وهي التي تخصص العام، ففي القرآن العظيم وجوب الصلاة، لكن ليس فيه بيان عدد الصلوات وأنها خمس صلوات في اليوم والليلة، وإن كان قد يؤخذ هذا من قوله تعالى إجمالاً: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا} [طه:130]. وليس في القرآن بيان عدد ركعات صلاة الظهر، ولا عدد ركعات صلاة العصر، ولا عدد ركعات صلاة المغرب، ولا عدد ركعات صلاة العشاء أو صلاة الفجر. وقد أوجب الله في القرآن الزكاة، ولكن ليس في القرآن بيان اشتراط وجوب النصاب وبيان اشتراط الحول. وفي القرآن بيان وجوب الحج، وليس فيه تفصيل المناسك، وأنه يجب على الإنسان أن يقف بعرفة في اليوم التاسع وأنه ركن الحج الأعظم، ويجب عليه أن يقف بمنى ومزدلفة وأن يرمي الجمار. فمن يزعم أنه لا يحتاج إلى السنة فلا دين له، وكما سيأتي أن السنة تقضي على القرآن والقرآن لا يقضي على السنة، ولهذا ألف العلماء الكتب في العقائد وفي مسائل الإيمان ودخول الأعمال في مسمى السنة، كما ألف الإمام أحمد رحمه الله كتاب السنة، والسنة لابنه عبد الله، والسنة لـ ابن أبي عاصم، ومنها ما ألفه المؤلف. فالمقصود أن السنة اسم عام يشمل مسائل الإيمان ومسائل التوحيد ويشمل الفروع والأصول، ولهذا فإن المؤلف رحمه الله ذكر في هذا الكتاب جملاً كثيرة من مسائل التوحيد والإيمان، وجملاً كثيرة من مسائل الفقه، وهذه المسائل والموضوعات كثيرة جداً، ولو أردنا أن نتوقف طويلاً عند كل مسألة لما تجاوزنا الصفحة الأولى من الكتاب أو لما تجاوزنا مسألة أو مسألتين، ولكننا إن شاء الله نتكلم على كل مسألة بما يغلب على الظن أن فيه الفائدة، ونحاول أن نأتي على جميع المسائل بحول الله وقوته مع بيان وإيضاح المراد باختصار غير مخل حتى تعم الفائدة إن شاء الله تعالى، ونسأل الله أن يرزقنا الإخلاص في العمل والصدق في القول، ونعوذ بالله من فتنة القول كما نعوذ به من فتنة العمل، ونسأله سبحانه وتعالى أن يثبتنا وإياكم على دينه القويم إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم على عبد الله ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

تعريف الحمد والفرق بينه وبين الثناء والمدح

تعريف الحمد والفرق بينه وبين الثناء والمدح قال المؤلف رحمه الله تعالى: [الحمد لله الذي هدانا للإسلام، ومن علينا به، وأخرجنا في خير أمة، فنسأله التوفيق لما يحب ويرضى، والحفظ مما يكره ويسخط]. ابتدأ المؤلف هذه الرسالة بالحمد لله اقتداء بالكتاب العزيز، فالله تعالى افتتح كتابه بالحمد لله رب العالمين، والحمد هو الثناء على المحمود بالصفات والنعم المتعدية مع حبه وإجلاله، بخلاف الثناء على المحمود بالصفات الثابتة الملازمة التي لا تتعدى فإنه يسمى مدحاً، فالثناء على المحمود بالصفات الاختيارية التي يفعلها باختياره يسمى ثناء، والثناء عليه بالصفات الملازمة التي لا تكون له باختيار يسمى مدحاً، ولا يسمى حمداً. والحمد أكمل من المدح، فأنت تمدح الأسد بأنه قوي، ولا يسمى هذا حمداً؛ وتمدح الرجل بالكرم والشجاعة والإحسان فيكون هذا حمداً؛ لأن هذه الصفة باختياره وقعت منه باختياره. والله تعالى له جميع المحامد، ملكاً واستحقاقاً، فهو سبحانه وتعالى ذو العبودية والألوهية على خلقه أجمعين وما في العباد من نعمة فمن الله، قال تعالى: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنِ اللَّهِ} [النحل:53]، فالله تعالى هو المحمود؛ لما اتصف به من الصفات العظيمة وبما أنعم به على عباده سبحانه وتعالى، فجميع أنواع المحامد لله ملكاً واستحقاقاً، ولهذا استفتح الله تعالى كتابه العزيز بالحمد لله رب العالمين، ثم قال: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة:3] ثناء بعد ثناء. قال المؤلف رحمه الله: (الحمد لله الذي هدانا للإسلام) وهذه من النعم المتعدية، قال تعالى عن أهل الجنة: {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ} [الأعراف:43]، فهذه من النعم العظيمة التي لا يحمد بها إلا الرب عز وجل، فلولا هداية الله لنا بالإسلام لما كنا مهتدين، لكنه هدانا سبحانه وتعالى، فنحمده سبحانه وتعالى على نعمة الإسلام ونسأله أن يثبتنا عليها حتى الممات.

تعريف الإسلام

تعريف الإسلام والإسلام: هو الاستسلام لله بالتوحيد والخضوع والذل، والانقياد لله تعالى بالتوحيد، وأداء الأوامر واجتناب النواهي. وسمي الإسلام إسلاماً لما فيه من الاستسلام والانقياد لأوامر الله عز وجل والانتهاء عن نواهيه، فالمسلم منقاد مستسلم لأمر الله خاضع ذليل، فالإسلام هو الاستسلام لله تعالى بالتوحيد والانقياد له بالطاعة والخلوص والبراءة من الشرك وأهله، ولهذا قال المؤلف رحمه الله: (الحمد لله الذي هدانا للإسلام ومن علينا به) ولا شك أن الله تعالى هو الذي من علينا، والعباد ليس لهم حق على الله، لكن الله هو الذي تفضل عليهم وأنعم عليهم، فالله تعالى له النعمة وله الفضل، فنحمده سبحانه أن هدانا للإسلام ومن علينا بالإيمان، كما قال الله سبحانه وتعالى في ضعفاء الإيمان في سورة الحجرات: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ} [الحجرات:17]. ثم قال المؤلف رحمه الله: (وأخرجنا في خير أمة) يعني: فنحمد الله على هذه الأمور، نحمد الله على أن هدانا للإسلام وأخرجنا في خير أمة وهي أمة محمد صلى الله عليه وسلم، كما قال الله عز وجل: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران:110]. وهذه الخيرية إنما حصلت للأمة بالإيمان بالله ورسوله وبالأمر بالمعروف وبالنهي عن المنكر، فمن حقق هذه الصفات حصلت له الخيرية، ومن ضيع هذه الصفات فاتته الخيرية. والإيمان بالله هو أصل الدين وأساس الملة، ولكن قدم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الآية لأهميتهما وعظم شأنهما، ولأنهما قوام الدين، فالدين كله أمر ونهي، فأنت تأمر نفسك بالخير وتنهاها عن الشر، وتأمر غيرك بالخير وتنهاه عن الشر، فتأتمر بالأوامر، وتنهى نفسك عن النواهي، وتأمر غيرك بالأوامر وتنهاه عن النواهي، ولهذا قدم الله تعالى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في هذه الآية، وإن كان الإيمان بالله هو أصل الدين وأساس الملة. ثم قال المؤلف رحمه الله: (فنسأله التوفيق لما يحب ويرضى، والحفظ مما يكره ويسخط)، وهذا دعاء المؤلف رحمه الله لطالب العلم، فهو يعلمك وينصحك ويدعو لك، فقد سأل لنفسه ولإخوانه وللطلبة، قال: (نسأله التوفيق لما يحب ويرضى)، يعني: نسأل الله أن يوفقنا لما يحب ويرضى، والذي يحبه ويرضاه هو ما شرعه في كتابه وعلى لسان رسوله، فهو يحب سبحانه وتعالى من عباده أن يعبدوه ويوحدوه ويخلصوا له العبادة ويمتثلوا الأوامر ويجتنبوا النواهي. التوفيق: يعني الإعانة الإلهية، وهو إعانة يخص الله بها المؤمن، والتوفيق من الله والإعانة من الله، فالإعانة نعمة جليلة خص الله بها المؤمن دون غيره، وحبب إليه الإيمان وكره إليه الكفر والفسوق والعصيان، كما قال سبحانه وتعالى: {حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ * فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً} [الحجرات:7 - 8]، فالمؤمن له نعمة جلية فقد أنعم عليه نعمة جلية وخصه بها دون الكافر، فلولا الإعانة من الله لما اهتدى المهتدون، ولهذا سأل المؤلف رحمه الله الإعانة والتوفيق من الله. قال: (ونسأله سبحانه التوفيق لما يحب ويرضى) أي: من الأقوال والأعمال، فيفعل المسلم ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال ويترك ما يسخطه من الأقوال والأعمال، ولهذا قال: (والحفظ مما يكره ويسخط) يعني: نسأل الله أن يحفظنا مما يكره ويسخط وهي النواهي، وأعظمها الشرك بالله عز وجل، ثم العدوان على الناس في الدماء والأموال، والعدوان على الناس في الأعراض، فهذا دعاء عظيم جعله المؤلف رحمه الله في مقدمة هذه الرسالة بعد حمد الله والثناء عليه. ثم بعد ذلك شرع المؤلف رحمه الله في تفاصيل مسائل السنة.

بيان مدى تلازم وترابط السنة والإسلام

بيان مدى تلازم وترابط السنة والإسلام قال المؤلف رحمه الله تعالى: [اعلموا أن الإسلام هو السنة والسنة هي الإسلام، ولا يقوم أحدهما إلا بالآخر]. يقول المؤلف رحمه الله: (اعلموا) يعني: أيها المخاطبون ومن يقرأ هذا الكتاب من طلبة العلم اعلموا أن الإسلام هو السنة، والسنة هو الإسلام؛ لأن السنة هي التي جاء بها الرسول عليه الصلاة والسلام، وهي وحي ثانٍ، كما قال الله تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم:3 - 4]. إذاً: السنة هي الإسلام، والإسلام: هو الاستسلام لله تعالى والخضوع والذل والانقياد وفعل الأوامر والنواهي، والرسول صلى الله عليه وسلم جاء بالقرآن وبالسنة، فالإسلام هو السنة؛ لأن السنة توضح القرآن وتفسره وتبين المشكل وتقيد المطلق وتخصص العام، فهي مرتبطة بالقرآن ولا يمكن فصلها عنه أبداً، فالإسلام هو السنة؛ لأن من ألغى السنة فقد ألغى الإسلام وبطل إسلامه، فمثلاً: لو أراد إنسان أن يفصل السنة عن الإسلام فكيف سيصلي؟ لا يستطيع أن يصلي، فهل في القرآن تحديد للأوقات؟ وذكر عدد الركعات؟ وكيف يزكي وكيف يصوم، وكيف يحج، وكيف يبيع ويشتري، وكيف يتعامل مع الناس؟ فالقرآن مجمل، والسنة هي التي فصلت ووضحت وقيدت. فالإسلام هو السنة يعني: مع القرآن؛ لأنها مرتبطة بالقرآن ولا يمكن فصلها عنه، والنبي صلى الله عليه وسلم جاء بالقرآن وجاء بالسنة، قال عليه الصلاة والسلام: (ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه)، فالإسلام هو السنة والسنة هي الإسلام لا انفكاك لأحدهما عن الآخر، ولهذا قال: (اعلموا) والعلم: هو حكم الذهن الجازم، فيقال له علم ويقال له يقين، بخلاف الشك والتردد فلا يسمى علماً، ولا يقيناً؛ لأن الذهن يتردد في صحته. ولهذا قال: (اعلموا) يعني: تيقنوا أيها المسلمون! ويا طلاب العلم! أن الإسلام هو السنة، وتيقنوا أن السنة هي الإسلام وأنه لا انفكاك لأحدهما عن الآخر، وأن من ألغى السنة فلا إسلام له، ومن ألغى الإسلام فلا سنة له، فالإسلام هو السنة والسنة هي الإسلام، فلا يقوم أحدهما إلا بالآخر، لا إسلام لمن ترك السنة ولا سنة لمن ترك الإسلام. وبهذا يتبين أن من زعم أنه لا يحتاج إلى السنة فهو كافر، وهناك طائفة يسمون أنفسهم القرآنيين، ويزعمون أنهم يعملون بالقرآن ولا يعملون بالسنة، وهذا كفر وضلال، فقد جاء في الحديث ما معناه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا ألفين أحدكم جالساً على أريكته -أو متكئاً على أريكته- يأتيه الحديث عني فيقول: بيننا وبينكم كتاب الله، فما وجدنا في كتاب الله من حلال أحللناه، وما وجدنا في كتاب الله من حرام حرمناه، ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه)، وبهذا يتبين ارتباط الإسلام بالسنة وارتباط القرآن بالسنة وأنه لا انفكاك لأحدهما عن الآخر، فمن زعم أنه يعمل بالقرآن ولا يحتاج إلى السنة فهو كافر.

بيان وجوب لزوم الجماعة

بيان وجوب لزوم الجماعة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فمن السنة لزوم الجماعة، فمن رغب عن الجماعة وفارقها فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه، وكان ضالاً مضلاً]. قوله: (ومن السنة لزوم الجماعة)، يعني: لزوم جماعة المسلمين، وجماعة المسلمين هم الصحابة والتابعون وتابعوهم والأئمة من بعدهم، فيجب على المسلم أن يلزم جماعة المسلمين ولا يشذ عنهم في الاعتقادات وفي الأعمال وفي الأقوال وفي الأفعال، قال الله عز وجل: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء:115]، فمن زعم أنه مخالف لجماعة المسلمين فهو متبع لغير سبيل المؤمنين وهو متوعد بأن يوليه الله ما تولى ويصليه جهنم. والجماعة هم الصحابة والتابعون، وهم الذين يعملون بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ويمتثلون الأوامر ويجتنبون النواهي، ويحذرون من البدع في الأقوال والأعمال والاعتقادات والنيات، قال عليه الصلاة والسلام: (افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، قلنا: من هي يا رسول الله؟ قال: من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي)، وفي لفظ: (وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة وهي الجماعة). وروي هذا الحديث بألفاظ متعددة، وفيه أنه يجب لزوم الجماعة، وهي الفرقة الناجية، وهم أهل السنة والجماعة وهم أهل الحق، قال عليه الصلاة والسلام: (لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله تبارك وتعالى). فإذاً: من السنة لزوم الجماعة ولزوم الجماعة هو العمل بالسنة، والعمل بما كان يعمل به جماعة المسلمين من الصحابة والتابعين ومن بعدهم وهم أهل الحق، ولزوم طريقتهم في الاعتقادات وفي الأعمال وفي الأقوال، ولهذا قال المؤلف رحمه الله: (فمن رغب عن الجماعة وفارقها فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه وكان ضالاً مضلاً) فمن رغب في غير جماعة المسلمين وفارقها فهو كافر؛ لأنه خرج عن الطريق المستقيم الذي كان عليه الصحابة والتابعون والأئمة، فالصحابة والتابعون والأئمة يعتقدون ما جاء في الكتاب والسنة من توحيد الله والإخلاص في الدين له، والإيمان بأسمائه وصفاته وأفعاله، فيمتثلون الأوامر ويجتنبون النواهي، فمن رغب عن الجماعة خالفهم في الاعتقاد وخالفهم في الأعمال، ومن خالفهم فقد خرج من الإسلام وكان ضالاً مضلاً.

أساس الجماعة هم الصحابة وما كانوا عليه

أساس الجماعة هم الصحابة وما كانوا عليه قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والأساس الذي تبنى عليه الجماعة هم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، ورحمهم الله أجمعين وهم أهل السنة والجماعة، فمن لم يأخذ عنهم فقد ضل وابتدع، وكل بدعة ضلالة، والضلالة وأهلها في النار]. الأساس الذي تبنى عليه الجماعة هم أصحاب رسول الله، وهم أهل السنة والجماعة، أي: أن الجماعة هم المجتمعون على الحق، وأول المجتمعين على الحق هم الصحابة في هذه الأمة، أي: ما كان عليه الصحابة رضوان الله عليهم من الاعتقادات والأعمال والأقوال هو الأساس الذي تبنى عليه الجماعة. فإذاً: أهل السنة والجماعة هم الصحابة وهم الفرقة الناجية، ومن قال إن الفرقة الناجية طائفة وأهل السنة طائفة فقد أخطأ، فأهل السنة والجماعة هم الصحابة، وهم الفرقة الناجية، وهم أهل الحق، فأهل السنة والجماعة هي الفرقة التي توصف بكل هذه الأوصاف، فتوصف بأنها الجماعة، وتوصف بأنها الفرقة الناجية، وتوصف بأنها أهل السنة والجماعة، ويدخل فيهم دخولاً أولياً الصحابة والتابعون ومن بعدهم. (والأساس الذي تبنى عليه الجماعة هم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورحمهم الله أجمعين، وهم أهل السنة والجماعة، فمن لم يأخذ عنهم فقد ضل وابتدع)، بل قد يقال إنه يكفر؛ لأن الذي نقل إلينا الشريعة هم الصحابة والتابعون، فقد نقلوا إلينا القرآن ونقلوا إلينا السنة، فمن زعم أنه لا يؤخذ عن الصحابة فقد كفر، فليس له طريق إلا طريق الصحابة؛ لأنهم نقلة الشريعة، ونقلة الدين، ولهذا فإن من طعن فيهم فقد طعن في الدين. بعض الفرق الضالة كالرافضة يطعنون في الصحابة ويكفرونهم ويفسقونهم، وهذا كفر وضلال؛ لأن الطعن في الصحابة طعن في الدين الذي حملوه، فالذي يقول إن الصحابة كفروا وارتدوا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم فقد طعن في الدين الذي حملوه، ولهذا فإن من كفر الصحابة وفسقهم فهو كافر؛ لأنه مكذب لله، فقد زكاهم وعدلهم ووعدهم بالجنة، ومن كذب الله كفر، وإذا كانوا كفاراً فكيف يوثق في دين حمله كفار وفساق؟! فالطعن في الصحابة زندقة وكفر وضلال. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لا عذر لأحد في ضلالة ركبها حسبها هدى، ولا في هدى تركه حسبه ضلالة، فقد بُينت الأمور وثبتت الحجة وانقطع العذر؛ وذلك أن السنة والجماعة قد أحكما أمر الدين كله، وتبين للناس، فعلى الناس الاتباع]. هذا القول وهذا الأثر عن عمر رضي الله عنه وقد ذكر المحقق أن الذي أخرجه ابن بطة في الإبانة الكبرى من طريق الأوزاعي وأن إسناده منقطع، ولكن له شواهد عن السلف وعن عمر بن عبد العزيز رحمه الله أنه قال: لا عذر لأحد بعد السنة في ضلالة ركبها ويحسب أنه هدى، وأيضاً معناه صحيح. فهذا القول عن عمر رضي الله عنه حتى ولو لم يصح سنده فمعناه صحيح دلت عليه النصوص، يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (لا عذر لأحد في ضلالة ركبها حسبها هدى)، أي: أنه لا يعذر الإنسان في الضلالة التي يرتكبها يظن أنها من الهدى، ولا في الهدى الذي يتركه يحسب أنه ضلالة؛ لأنه من الواجب على الإنسان أن يسأل عن دينه، وأن يسأل عما أشكل عليه ولاسيما بعد بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، وقد قال الله تعالى: {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} [الأنعام:19]، فمن بلغه القرآن فقد قامت الحجة، وقال تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء:15]. وقد بعث الرسول. وكما أن الإنسان يسأل عن دنياه إذا أراد أن يشتري سلعة فيسأل أهل الخبرة، فعليه أن يسأل عن دينه وعما أشكل عليه، فلا عذر له؛ في العمل بما يخالف شرع الله وهو يستطيع أن يسأل أهل العلم، قال تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل:43]، ولهذا قال عمر رضي الله عنه: (فقد بُينت الأمور وثبتت الحجة وانقطع العذر) أي: ببعثة الرسول صلى الله عليه وسلم وبنزول القرآن، إنما يعذر الذي لم يبلغه القرآن ومن كان قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، فأهل الفترات هم الذين يعذرون، ولهم أحكام خاصة جاءت بها النصوص، وهي أنهم يمتحنون يوم القيامة، وكذلك من لم يبلغه شيء من القرآن. أما من يعيش بين المسلمين ويسمع القرآن والرسول عليه الصلاة والسلام فقد بُينت الأمور وثبتت الحجة والقرآن يتلى والسنة موجودة بين الناس، فلا عذر في هذه الحالة، قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: (والذي نفسي بيده! لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن بي إلا دخل النار)، ولهذا قال: (وذلك أن السنة والجماعة قد أحكما أمر الدين كله وتبين للناس فعلى الناس الاتباع). السنة والجماعة قد أحكما أمر الدين كله ولم يبق شيء إلا وقد بُين في السنة وفي الكتاب العزيز واجتمع المسلمون من الصحابة والتابعين على العمل بهذا الدين، فمن ترك السنة والجماعة بعد وضوح ذلك فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه.

الدين وحي من الله لم يوضع على آراء الرجال

الدين وحي من الله لم يوضع على آراء الرجال قال المؤلف رحمه الله تعالى: [واعلم رحمك الله! أن الدين إنما جاء من قبل الله تبارك وتعالى، لم يوضع على أقوال الرجال وآرائهم، وعلمه عند الله وعند رسوله، فلا تتبع شيئاً بهواك فتمرق من الدين فتخرج من الإسلام، فإنه لا حجة لك، فقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته السنة وأوضحها لأصحابه وهم الجماعة، وهم السواد الأعظم. والسواد الأعظم: الحق وأهله، فمن خالف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في شيء من أمر الدين فقد كفر]. يقول المؤلف رحمه الله: (واعلم رحمك الله)، وهذا من باب التنبيه، يعني: اجزم وتيقن بهذا الأمر الذي سأبينه لك؛ لأن العلم هو حكم الذهن الجازم. وقوله: (رحمك الله)، هذا خبر بمعنى الدعاء، أي: أسأل الله أن يرحمك، وهذا من نصح المؤلف فهو يعلمك ويدعو لك. قوله: (اعلم رحمك الله أن الدين، إنما جاء من قبل الله تبارك وتعالى لم يوضع على عقول الرجال وآرائهم، وعلمه عند الله وعند رسوله) يعني: تيقن واجزم أن الدين إنما جاء من الله؛ لأن الدين وحي الله إلى رسوله صلى الله عليه وسلم، فقد أوحى إليه القرآن وأوحى إليه السنة، والدين هو ما جاء في القرآن والسنة، وهو من قبل الله لم يوضع على عقول الرجال وآراؤهم، فعقول الرجال وآرائهم لم يجعلها الله هي الميزان الذي يرجع إليه، وإنما الميزان كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فالدين إنما جاء من قبل الله تعالى بالوحي المنزل على نبيه قرآناً وسنة وعلمه عند الله وعند رسوله. ثم قال: (فلا تتبع شيئاً بهواك فتمرق من الدين فتخرج من الإسلام، فإنه لا حجة لك)، أي: لا تتبع الهوى؛ لأن اتباع الهوى ضلال، ولهذا قال الله تعالى لنبيه داود: {يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ} [ص:26]، فمن اتبع شيئاً بهواه مرق من الدين ومن مرق من الدين خرج من الإسلام، ولا حجة له في هذه الحالة. وقد بين المؤلف السبب بقوله: (فقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته السنة وأوضحها لأصحابه وهم الجماعة)، إذاً: ليس هناك حجة لمن خرج عن الدين؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم بين لأمته السنة وأوضحها لأصحابه، والرسول عليه الصلاة والسلام قد بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، فقامت الحجة على الناس. قوله: (وهم السواد الأعظم، والسواد الأعظم: الحق وأهله)، أي: المراد بالسواد الأعظم الحق وأهله، فأهل الحق هم السواد الأعظم، (عليك بالسواد الأعظم)، كما جاء في بعض الأحاديث الأمر بلزوم السواد الأعظم، والمراد بالسواد الأعظم من ثبت على الحق ولو كان واحداً، كما قال بعض السلف: إذا كنت على الحق فأنت الجماعة ولو كنت وحدك، وليس المراد أن الحق يعرف بكثرة الناس، بل إن الكثرة في الغالب تكون هالكة، قال تعالى: {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [الأنعام:116]، وقال سبحانه: {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ} [هود:17]، وقال: {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ} [البقرة:243]، وقال: {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ:13]. والسواد الأعظم يكثرون ويقلون، ففي عهد النبي صلى الله عليه وسلم كان الصحابة هم السواد الأعظم، وفي عهد التابعين كان التابعون هم السواد الأعظم، وفي عهد تابعيهم والأئمة وهكذا، وفي بعض الأزمنة يكون على الحق واحد أو اثنان أو ثلاثة أو أربعة، وقد يكون على الحق جماعة متفرقون قلة، فيكون في هذا البلد أفراد وفي هذا البلد أفراد وفي هذا البلد أفراد، فهم الحق وهم السواد الأعظم، وفي آخر الزمان وفي وقت الفتن وقبيل خروج الدجال يجتمعون في الشام. وأهل السواد الأعظم هم الطائفة المنصورة، وهم أهل الحق وهم أهل السنة وهم الجماعة، وقد يكون الإنسان من أهل السنة والجماعة وهو مزارع أو تاجر أو جزار أو سباك وقد يكون محدثاً وفقيهاً، ومقدم أهل السنة والجماعة أهل الحديث وأهل العلم وأهل الفقه وأهل البصيرة ومن كان على طريقتهم، ولهذا قال الإمام أحمد: إن لم يكونوا أهل الحديث -يعني الجماعة- فلا أدري من هم! فيكون في مقدمتهم أهل الحديث وكل من تبعهم فهو منهم، ومقدمتهم الأولى الصحابة والتابعون ومن تبعهم من الأئمة. قال المؤلف رحمه الله: (فمن خالف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في شيء من أمر الدين فقد كفر) وهذا كلام مجمل من المؤلف رحمه الله، أن من خالف رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمر من أمور الدين فقد كفر؛ لأنه إذا خالف في أمر من الأمور الاعتقادية بأن فعل ناقضاً من نواقض الإسلام، أو أشرك في العبادة، أو أنكر أمراً معلوماً من الدين بالضرورة فقد كفر، وقد يكون كفره كفراً أصغر، كما إذا حلف بغير الله أو طعن في النسب أو ناح على الميت؛ كما قال عليه الصلاة والسلام: (اثنتان في الناس هما بهم كفر: الطعن في النسب والنياحة على الميت)، وكذا من قال لأخيه: يا كافر، والقتال بين المسلمين، فكل هذه أعمال كفريه، لكنها لا تخرج من الملة، وقد يكون دون ذلك فيكون مخالفة، فكلام المؤلف مجمل ليس على إطلاقه وفيه تفصيل، فإن المخالفة قد تكون كفراً أكبر وقد تكون كفراً أصغر، وقد تكون بدعة، وقد تكون معصية.

[2]

شرح كتاب السنة للبربهاري [2] لابد للمسلم أن يحفظ دينه من البدع والمحدثات صغيرها وكبيرها، فإنه لا يتم إسلام مسلم حتى يكون متبعاً مصدقاً مسلماً.

كل بدعة ضلالة

كل بدعة ضلالة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [واعلم أن الناس لم يبتدعوا بدعة قط حتى تركوا من السنة مثلها، فاحذر المحدثات من الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، والضلالة وأهلها في النار]. يقول المؤلف رحمه الله: (واعلم) وهذا من باب التنبيه كي يجذب انتباه الذهن، ومعناه: اجزم وتيقن أن الناس لم يبتدعوا بدعة قط حتى تركوا من السنة مثلها، فكل بدعة تحدث يموت مثلها من السنة، فالسنة تقابل البدعة والبدعة تقابل السنة، وإذا أحيت سنة ماتت البدعة المقابلة لها، وهذا شيء واضح لا شك فيه. ثم قال: (فاحذر المحدثات من الأمور، فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة والضلالة وأهلها في النار)، هذا مأخوذ من الأحاديث التي جاء فيها التحذير من البدع، قال عليه الصلاة والسلام: (وعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة) وفي لفظ آخر: (وكل بدعة ضلالة) وفي رواية النسائي: (وكل ضلالة في النار). وثبت في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)، وفي لفظ لـ مسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)، فكل عمل وكل حدث في الدين يخالف أمر الله وأمر رسوله فهو بدعة.

صغير البدع يقود صاحبها إلى كبيرها

صغير البدع يقود صاحبها إلى كبيرها قال المؤلف رحمه الله تعالى: [واحذر صغار المحدثات من الأمور، فإن صغير البدع يعود حتى يصير كبيراً، وكذلك كل بدعة أحدثت في هذه الأمة كان أولها صغيراً يشبه الحق فاغتر بذلك من دخل فيها، ثم لم يستطع المخرج منها، فعظمت وصارت ديناً يدان بها، فخالف الصراط المستقيم فخرج من الإسلام]. أي أن المؤلف يقول: إن عليك أن تجتنب البدع حتى ولو كانت صغيرة، ولو كانت بدعة قولية، مثل ما يقوله بعض الناس: كأن ينطق بالنية حينما يصلي، فإذا صليت بجواره فإنه يقول: نويت أن أصلي فرض الظهر أربع ركعات خلف هذا الإمام، وإذا أراد أن يصوم، قال: نويت أن أصوم هذا اليوم من رمضان من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، وإذا أراد أن يطوف بالبيت قال: نويت أن أطوف بالبيت سبعة أشواط طواف العمرة أو طواف الوداع، أو نويت أن أسعى بين الصفا والمروة مع الحج، وهذه بدعة ليس لهم عليها دليل، ولهذا قال بعض السلف: لو عمرت عمر نوح ثم فتشت في الكتاب والسنة لم تجد دليلاً يدل على شرعية النطق بالنية، فهذه بدعة صغيرة يتساهل بها بعض الناس، لكن قد تجره إلى البدع الكبار. وكذلك أيضاً بعض الناس إذا توضأ فإنه يأتي بأذكار لا أصل لها، فإذا غسل وجهه قال: اللهم بيض وجهي يوم تسود الوجوه، وإذا غسل يده اليمنى قال: اللهم أعطني كتابي بيميني وهذه بدعة لا أصل لها، فالمؤلف رحمه الله يقول: (احذر صغار المحدثات من الأمور فإن صغير البدع يعود حتى يصير كبيراً)، فالصغير يجر إلى الكبير. ثم قال المؤلف: (وكذلك كل بدعة أحدثت في هذه الأمة كان أولها صغيراً يشبه الحق فاغتر بذلك من دخل فيها، ثم لم يستطع الخروج منها)، يقول: كل بدعة حينما تحدث تكون صغيرة تشبه الحق من وجه فيغتر بها بعض الناس فيدخلون فيها فإذا دخل ما استطاع الخروج منها، وهكذا ينتقل من بدعة إلى بدعة حتى يصل إلى الكفر نعوذ بالله، ولهذا قال المؤلف رحمه الله: (فعظمت وصارت ديناً يدان بها)؛ بسبب الإلف والاعتياد، فهو يبتدع أولاً بدعة صغيرة ويغتر بها، ثم لا يستطيع الخروج منها، ثم تعظم وتصير ديناً اعتاده الناس فخالف الصراط المستقيم وخرج بذلك من الإسلام. فمثلاً بعض الناس في بعض المجتمعات اعتادوا أن المرأة لا تحتجب عن أقاربها من بني عمها وجيرانها، فالمرأة تسلم على ابن عمها وتكشف له وجهها وتسافر معه وقد تأكل معه، وابن خالها وجارها، لكن إذا خرجت للشارع تتحجب، وزوج الأخت لا تحتجب عنه، فبعض الناس إذا نهيته قلت: يا فلان! لا يجوز لك أن تترك امرأتك تسلم على جارك أو تسلم على أخيك وتكشف له وجهها، فيقول: لا نستطيع تركه فقد نشأنا عليه، ولهذا قال المؤلف رحمه الله: (إن البدعة تعظم وتصير ديناً يدان بها) لا يستطيع الفكاك عنها، لكن لو جاهد نفسه وكان شجاعاً قوياً في الحق لنصح أهله وجاره وابنه وبني عمه وبني خاله ويقول: هذا لا يجوز وهو محرم ولا يجوز للمرأة أن تكشف لهم وجهها، لكن هذا التساهل الذي نشأ عليه الصغير وهرم عليه الكبير جعل هذه البدعة أو هذه المعصية لا يستطيع الإنسان الفكاك عنها، وهذا هو معنى قول المؤلف رحمه الله: (وكذلك كل بدعة أحدثت في هذه الأمة كان أولها صغيراً يشبه الحق فاغتر بذلك من دخل فيها ثم لم يستطع الخروج منها فعظمت وصارت ديناً يدان بها فخالف الصراط المستقيم فخرج من الإسلام)، يعني: أن هذه البدعة وإن كانت صغيرة فقد خالف صاحبها بها الصراط المستقيم، والصراط المستقيم هو العمل بالسنة وترك البدعة. وقد تجر هذه البدعة الصغيرة إلى ما هو أكبر منها، وصدق الشاعر حين قال: كل الحوادث مبدؤها من النظر ومعظم النار من مستصغر الشرر فحينما يأتي الرجل الأجنبي إلى امرأة فيقول: السلام عليكم، تقول: عليك السلام، وما عندهم أحد، ثم يكلمها، فهذا كلام، ثم لقاء، حتى يصل إلى فعل الفاحشة حتى يصل إلى الزنا، وأول شيء كان كلاماً، نظرة فسلام فكلام ثم لقاء، نظرة أولاً نظر إليها، ثم سلم عليها، ثم صار بينهما الكلام ثم لقاء، وهكذا يتدرج الإنسان من المعصية إلى المعصية، فكذلك البدعة ينتقل من بدعة إلى بدعة إلى بدعة حتى يصل إلى الكفر، فيخرج بذلك عن الإسلام كله، نسأل الله السلامة والعافية. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فانظر رحمك الله! كل من سمعت كلامه من أهل زمانك خاصة فلا تعجلن ولا يدخلن في شيء منه حتى تسأل وتنظر، هل تكلم به أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أو أحد من العلماء فإن أصبت فيه أثراً عنهم فتمسك به ولا تجاوزه لشيء ولا تختر عليه شيئاً فتسقط في النار]. قول المؤلف رحمه الله: (فانظر رحمك الله) بمعنى تأمل، وليس المراد النظر بالعينين، وإنما المراد النظر بالقلب، كقوله تعالى: {فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا} [الروم:50]. (رحمك الله)، هذا من نصح المؤلف رحمه الله أن يسأل لك الرحمة، يعني: اللهم ارحمه. ومعنى كلامه: إذا رأيت أهل زمانك يتكلمون في شيء أو يعملون شيئاً فتأمل ولا تستعجل ولا تدخل في شيء من هذه الأمور، ولا تتكلم في هذا الشيء الذي تكلموه ولا تعمل هذا العمل الذي عملوه إلا بعد أن تتأمل، وتسأل وتنظر، وإذا كنت طالب علم فابحث في كتب العلم ومع أهل العلم، فانظر هذا الأمر الذي يعمله الناس مثل رفع اليدين في الدعاء أو الزيارة والصلاة في المقبرة، فإذا رأيت بعض الناس يصلي عند المقبرة وأنت لا تدري ما الحكم، فانظر وتأمل ولا تستعجل فتصلي عند القبر تقليداً لمن يفعل ذلك، حتى تنظر وتتأمل هل تكلم فيه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أحد من العلماء، فإن وجدت فيه أثراً فتمسك به، وإن وجدت أن هذا العمل مشروع فاعمل به، وإذا وجدتهم ينهون عنه ويحذرون منه فاتركه. (ولا تجاوزه لشيء ولا تختر عليه شيئاً فتسقط في النار) يعني: أن المعاصي توصل إلى النار، فعلى الإنسان ألا يعمل شيئاً ولا يقل شيئاً إلا بدليل من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة إلى القبور بقوله: (لا تجلسوا إلى القبور ولا تصلوا إليها)، ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في المقبرة، فالصلاة في المقبرة من وسائل الشرك وهذا حرام. إذاً: لا تفعل شيئاً تقليداً لمن فعله، فكل عمل لابد أن تنظر فيه وتتأمل وتعمل بالسنة ولا تجاوزه إلى غيرها فتسقط في النار، والمعنى: أن البدع والمعاصي توصل إلى النار وهي بريد الكفر.

حالات من خرج عن الطريق المستقيم

حالات من خرج عن الطريق المستقيم قال المؤلف رحمه الله تعالى: [واعلم أن الخروج عن الطريق على وجهين: أما أحدهما: فرجل قد زل عن الطريق وهو لا يريد إلا الخير فلا يقتدى بزلته فإنه هالك. وآخر عاند الحق وخالف من كان قبله من المتقين فهو ضال مضل، شيطان مريد في هذه الأمة، حقيق على من يعرفه أن يحذر الناس منه ويبين لهم قصته؛ لئلا يقع في بدعته أحد فيهلك]. (اعلم) يعني: تيقن (أن الخروج من الطريق يكون على وجهين) يعني: الذي خرج عن الطريق المستقيم وخالف السنة له حالتان: الحالة الأولى: (رجل قد زل عن الطريق وهو لا يريد إلا الخير فلا يقتدى بزلته فإنه هالك)، هذا النوع من الناس أو هذه الحالة هو من لا يريد إلا الخير فلا يقتدى بزلته فإنه هالك، يعني: أنه لم يتعمد ترك الحق ولكنه خالف الحق، فهذا لا يقتدى به ولو كان من الصحابة أو التابعين. وأما قول المؤلف رحمه الله (فإنه هالك) فهذا فيه تفصيل: إن كان عالماً مجتهداً واجتهد وهذا هو الذي وصل إليه باجتهاده فهو مأجور على اجتهاده وخطؤه مغفور، ولكن لا نقتدي به وإنما نترحم عليه ما دام أننا عرفنا أنه مخالف للنص حتى ولو كان من الصحابة. ومثال ذلك: أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع منهم من أحرم بحج فقط ومنهم من أحرم بعمرة وحج، ومنهم من أحرم بالحج مفرداً، ومن أحرم متمتعاً بالعمرة إلى الحج، ومنهم من أحرم بالعمرة مفرداً، فلما قربوا من مكة أمر عليه الصلاة والسلام الذين لم يسوقوا الهدي أن يقلبوا إحرامهم إلى عمرة، ثم لما طافوا وسعوا عند المروة حتم عليهم وألزمهم أن يتحللوا فتحللوا كلهم إلا من ساق الهدي؛ وذلك لإزالة اعتقاد الجاهلية؛ فقد كان أهل الجاهلية يرون أن العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور، فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يزيل اعتقاد أهل الجاهلية وأمرهم أن يجعلوها عمرة، حتى إن الصحابة رضوان الله عليهم قالوا: يا رسول الله! أيذهب أحدنا إلى منى وذكره يقطر منياً، فخطبهم، وقال: لولا أني سقت الهدي لأحللت. تطييباً لخواطرهم، لأنهم كانوا في الجاهلية لا يعتمرون في وقت الحج. فأخذ العلماء من هذا مشروعية فسخ الحج إلى العمرة لمن لم يسق الهدي، وقالوا: إن هذا هو الأفضل، ولا شك أنه الأفضل، وقد أفتى بذلك علي رضي الله عنه وأبو موسى الأشعري وابن عباس، ثم اجتهد الخلفاء الثلاثة رضوان الله عليهم أبو بكر وعمر وعثمان وصاروا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم يفتون الناس أن يحرموا بالحج مفردين، وقالوا إن العمرة يؤتى بها في وقت آخر حتى يستمر الإحرام ولا يزال هذا البيت يحج ويعتمر، وقالوا: إن اعتقاد أهل الجاهلية زال، فكانوا يفتون الناس بالحج مفردين، وبقي ابن عباس وعلي يفتيان بالتمتع. ولما اختلف علي وعثمان، فقال علي لـ عثمان: ما كنت لأدع سنة النبي صلى الله عليه وسلم لقول أحد. وكذلك أبو موسى الأشعري، حتى إن جماعة ناظروا ابن عباس، وقالوا له: كيف يا ابن عباس! تأمر بالعمرة وأبو بكر وعمر يأمران بالحج؟ فاشتد ابن عباس رضي الله عنه في الإنكار عليهم؛ لأنهم خالفوا السنة، فقال: يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء، أقول قال رسول الله، وتقولون قال أبو بكر وعمر. فهذا قول للخلفاء الثلاثة وقد اجتهدوا رضي الله عنهم، لكن الصواب مع ابن عباس، ومع علي، ومع أبي موسى الأشعري، فمن خالف السنة باجتهاد فهذا له أجر على اجتهاده كالصحابة ومن بعدهم من العلماء، وقال صلى الله عليه وسلم: (إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر). يقول المؤلف رحمه الله: (فإنه هالك) وهذا فيه تفصيل، فإن كان متعمداً ترك الحق فهذا هالك، أما إذا كان عن اجتهاد فليس بهالك. والحالة الثانية: قال: (وآخر عاند الحق وخالف من كان قبله من المتقين فهذا ضال مضل، شيطان مريد في هذه الأمة)، فإذا عاند الحق وترك الحق عن هوى لا عن اجتهاد بل عن اتباع للهوى فهو ضال مضل، وهو شيطان مريد في هذه الأمة، هذا إذا كانت مخالفته كبيرة توصل إلى هذا الحد، أما إذا كانت مخالفة يسيرة فقد لا يكون بهذا الوصف، حيث إن هذا الوصف من قوة المؤلف رحمه الله، وشدته على أهل البدع، وقوة الدفاع عن الحق، ولشدة تحذيره من أهل البدع وإلا هذا فيه تفصيل أيضاً، فالذي خالف الحق في بعض المسائل الواردة في السنة مثل رفع اليدين في الصلاة، أو جلسة الاستراحة وغيرها من المسائل التي لا توصل إلى هذا الوصف فيكون قد خالف السنة ولا يكون بهذا الوصف، وإن كان قد خالف الحق في المسائل التي خلافها مؤثر حتى يكون فاعلها ضالاً مضلاً فهو بهذا الوصف. فيجب على الإنسان أن يحذَّر من البدع ويحذَّر من أهل البدع وأهل الضلال حتى لا يقعوا في بدعته فيهلكون.

بيان أنه لا يتم إسلام عبد حتى يكون متبعا مصدقا مسلما

بيان أنه لا يتم إسلام عبد حتى يكون متبعاً مصدقاً مسلماً قال المؤلف رحمه الله تعالى: [واعلم رحمك الله! أنه لا يتم إسلام عبد حتى يكون متبعاً مصدقاً مسلماً، فمن زعم أنه قد بقي شيء من أمر الإسلام لم يكفوناه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد كذبهم، وكفى بهذا فرقة وطعناً عليهم، وهو مبتدع ضال مضل محدث في الإسلام ما ليس فيه]. قوله: (اعلم رحمك الله أنه لا يتم إسلام عبد حتى يكون متبعاً مصدقاً مسلماً) فلابد أن يكون مصدقاً أي: مقراً ومعترفاً بما جاء عن الله وجاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، يكون لسان حاله ومقاله: آمنا بالله وبما جاء عن الله على مراد الله، وآمنا برسول الله وبما جاء عن رسول الله على مراد رسول الله، وبذلك يتم إسلام العبد ويكون متبعاً للرسول صلى الله عليه وسلم مصدقاً مسلماً مسلِّماً، فمن لم يصدق بالباطن يكون منافقاً، قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ} [البقرة:8] فهم يقولون: آمنا بألسنتهم وما هم بمؤمنين بقلوبهم، وقال سبحانه: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} [المنافقون:1]. لا يتم إسلام العبد حتى يكون مسلِّماً لأمر الله وأمر رسوله ولا يكون معترضاً، فمن اعترض على أمر الله وعلى أمر رسوله فهذا كفر وضلال، فإبليس قابل أمر الله بالاعتراض والرد وهو لم يكذب بل هو مصدق لكنه معترض على الله ورد أمر الله: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ} [البقرة:34] وهذا اعتراض ورد لما أمره الله بالسجود لآدم ما أنكر أمر الله، وهو معترف أن هذا أمر الله، لكنه اعترض ورد أمر الله لأن آدم مخلوق من الطين وهو مخلوق من النار، والنار أحسن من الطين وأفضل ولا يمكن أن يخرج بزعمه عن الفاضل إلى المفضول {قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} [الأعراف:12]، فكفر وطرد من رحمة الله بالرفض والرد والاعتراض على الله. (فمن زعم أنه قد بقي شيء من أمر الإسلام لم يكفوناه أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فقد كذبهم) أي: من زعم أن هناك شيئاً ما نقله الصحابة ولا وصل إلى أيدينا من الدين فقد كذب الصحابة. ثم قال: (وكفى به فرقة وطعناً عليهم) من كذب الصحابة فقد أعظم الطعن عليهم، ومن كذب الصحابة فهو مبتدع ضال مضل محدث في الإسلام ما ليس منه.

نفي وجود القياس في السنة أو ضرب الأمثال أو اتباع الأهواء

نفي وجود القياس في السنة أو ضرب الأمثال أو اتباع الأهواء قال المؤلف رحمه الله تعالى: [واعلم رحمك الله! أنه ليس في السنة قياس، ولا تضرب لها الأمثال، ولا تتبع فيها الأهواء، وإنما هو التصديق بآثار رسول الله صلى الله عليه وسلم بلا كيف ولا شرح ولا يقال: لم ولا كيف]. قال: (واعلم رحمك الله أنه ليس في السنة قياس) يعني: المراد بالقياس القياس الفاسد وهو الذي يعارض به النصوص مثل قياس إبليس، فهو أول من قاس القياس الفاسد، قال: {أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} [الأعراف:12]، ولهذا قال بعض السلف: ما عبدت الشمس والقمر إلا بالمقاييس. والقياس الفاسد: هو أن يستعمل القياس مقابل النص، فإذا جاءك نص فلا تقس، ومثال ذلك: حرم الله تعالى الربا بقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا} [البقرة:278]، فالمشركون قاسوا وقالوا: إن البيع مثل الربا، {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة:275]، وهذا القياس فاسد مقابل النص، فالنص هو: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا} [البقرة:278]، فالقياس الفاسد هو الذي يكون في مقابلة النصوص، فإبليس كان عنده نص وهو: {اسْجُدُوا لِآدَمَ} [البقرة:34]، فقام بالقياس الفاسد وهو: {أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} [الأعراف:12]. ولهذا قال المؤلف رحمه الله: (واعلم رحمك الله أنه ليس في السنة قياس ولا يضرب لها الأمثال)، يعني: لا يضرب لكلام الله وكلام رسوله الأشباه والنظائر، فيقول: إن هذا مثل كذا وهذا مثل كذا فيكون حكمه كذا، فأمر الله وأمر رسوله يتلقى بالتصديق والقبول والامتثال، ولا تتبع فيه الأهواء، فالله تعالى حرم عليك الربا، لكن الإنسان يهوى أن يتعامل بالربا حتى يحصل له ربح، فهذه شهوة وهوى فاترك الهوى: {وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [ص:26]، وقدم أمر الله وأمر رسوله على الهوى. (وإنما هو التصديق بآثار الرسول صلى الله عليه وسلم بلا كيف ولا شرح)، يعني: لا يقال: لم، ولا كيف؟ فإذا جاءتك النصوص فلا تعترض، لا تقول: لم ولا كيف؟ لا يقال: لم في الأفعال، وكيف في الصفات، فلا تقول: لماذا أوجب الله علينا الصلوات الخمس، لماذا لم يجعلها ست صلوات؟! لماذا جعل الله هذا فقيراً وهذا غنياً، وهذا طويلاً وهذا قصيراً، وهذا ملكاً وهذا مملوكاً؟! و A لأن الله حكيم {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء:23]؛ لكمال حكمته ولا تقل: الله استوى على العرش، كيف استوى؟ كيف ينزل؟ كيف يتكلم؟ لا تقل شيئاً، فهو ينزل بلا كيف، ويتكلم بلا كيف، كما قال الإمام مالك رحمه الله لما سئل عن الاستواء: الاستواء معلوم -أي: معلوم في اللغة العربية- والكيف مجهول والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة. فالواجب على المسلم التصديق بآثار الرسول صلى الله عليه وسلم بلا كيف ولا شرح يخالف النصوص، أو يكون فيه اعتراض على أمر الله وأمر رسوله.

الجدال والمراء يقدح في قلب صاحبه الشك

الجدال والمراء يقدح في قلب صاحبه الشك قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والكلام والخصومة والجدال والمراء محدث، يقدح الشك في القلب، وإن أصاب صاحبه الحق والسنة]. (والكلام والخصومة والجدال والمراء محدث) يعني: الخصام والنزاع والجدال في أمور الدين وفي مسائل الاعتقاد بدعة محدثة. (يقدح الشك في القلب، وإن أصاب صاحبه الحق والسنة)، حتى ولو أصاب صاحبه الحق فلا ينبغي للإنسان أن يتكلم في الصفات وفي مسائل الدين بالشبهة التي توقع الشك، ولهذا كان السلف رحمهم الله يكرهون الكلام في الصفات وفي الأفعال، وكانوا لا يودون الكلام فيها، لكن لما تكلم أهل الباطل وأهل البدع بالباطل اضطر العلماء إلى الرد عليهم، وإلا فالأصل أنه لا يتكلم فيها، فقد كان أحد الصحابة إذا وقع في نفسه الشك كتم، واستعظم الكلام فيه وحاربه، ولهذا لما قال الصحابة: (يا رسول الله! إن الإنسان يجد في نفسه ما لأن يخر من السماء خير له من أن ينطق به -وفي لفظ- لأن يكون حمماً خيراً له من أن ينطق به، قال: أوقد وجدتموه؟ قالوا: نعم، قال: ذاك صريح الإيمان)، أي إن كتم الوسوسة ومحاربتها واستعظام الكلام بها صريح الإيمان، لكن المتأخرين صاروا يتكلمون بالوساوس وكتبوها وألفوها فحصلت الشكوك والبدع، فاضطر العلماء إلى الرد عليها. وفق الله الجميع لطاعته ورزق الله الجميع العلم النافع والعمل الصالح، وصلى الله على محمد وآله وصحبه.

الأسئلة

الأسئلة

بيان خطأ من فرق بين الطائفة المنصورة والفرقة الناجية

بيان خطأ من فرق بين الطائفة المنصورة والفرقة الناجية Q ما رأي فضيلتكم فيمن يفرق بين الطائفة المنصورة والفرقة الناجية؟ A هذا غلط كما سبق، فالطائفة المنصورة هم أهل الحق وهم الصحابة والتابعون ومن بعدهم، كما بين ذلك الإمام شيخ الإسلام رحمه الله في رسالته (العقيدة الواسطية) الرسالة عظيمة التي تكتب بماء الذهب، فقال: إن أهل السنة والجماعة هم الطائفة المنصورة وهم أهل الحق وهم الصحابة والتابعون، فهذا التفريق لا وجه له.

ضابط الإطلاق الذي ذكره المصنف في قوله: (فلا تتبع شيئا بهواك فتمرق من الدين)

ضابط الإطلاق الذي ذكره المصنف في قوله: (فلا تتبع شيئاً بهواك فتمرق من الدين) Q ما ضابط هذا الإطلاق الذي ذكره المصنف رحمه الله في قوله: (فلا تتبع شيئاً بهواك فتمرق من الدين فتخرج من الإسلام)؟ A ضابطه النصوص وما دلت عليه النصوص؛ لأن المروق من الدين يكون مروقاً، وما لم تدل عليه النصوص أنه لا يكون مروقاً فلا يكون مروقاً. السؤال: ما معنى قول الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله قال: لابد من إقامة الحجة المعتبرة في الحكم على الإنسان، وكذلك قوله رحمه الله: وأنا وإن كنت لا أكفر الرجل الذي يطوف حول قبر البدوي، فكيف أكفر من هو دونه؟ الجواب: المراد من ذلك أن من جهل شيئاً وكان هذا الشيء الذي يجهله من الأمور الدقيقة الخفية على مثله فإنه لابد أن تقام عليه الحجة، أما من أنكر أمراً واضحاً لكل أحد فلا يعذر، إنما الذي يعذر من جهل شيئاً من الأمور الدقيقة الخفية الذي مثله يجهل ذلك، أما من كان يعيش بين المسلمين ويفعل الكفر فلا يعذر، وهذا يختلف باختلاف المجتمعات، مثال ذلك: لو تعامل إنسان بالربا في مجتمعنا المسلم، وظل عائشاً فيه عمراً طويلاً، فلما أنكرنا عليه تعامله بالربا قال: أنا جاهل، لا أدري أن الربا حرام، فهذا ليس بمعذور؛ لأن مثل هذا لا يجهل، لكن إذا أسلم شخص في أمريكا وبعد عشرة أيام رأيناه يتعامل بالربا، فأنكر عليه، فيقول: أنا جاهل لا أدري، فنقول: كلامه صحيح فهذا جاهل؛ لأنه عاش في مجتمع ربوي ولا يعلم هذا.

حكم إهداء ثواب قراءة القرآن

حكم إهداء ثواب قراءة القرآن Q إهداء ثواب قراءة القرآن، هل فعله الصحابة؟ A هذه المسألة خلافية بين أهل السنة والجماعة، فمن العلماء فمنهم من قال: إن ثواب القراءة يصل، ومنهم من قال: لا يصل، والأصل في هذا أن النصوص إنما جاءت بإهداء ثواب الدعاء والصدقة والحج والعمرة، وبعض العلماء قاس عليها إهداء ثواب القراءة، وإهداء ثواب الصيام، والذكر، وتلاوة القرآن، وبعض أهل العلم قال: لا نقيس؛ لأن العبادات توقيفية. والصواب أنه يقتصر على هذه الأمور الأربعة: الدعاء والصدقة والحج والعمرة ومنه الأضحية، وأما إهداء ثواب القراءة أو إهداء ثواب الصيام، فهذا ليس عليه دليل إلا الصيام الواجب؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه الإمام البخاري عن عائشة رضي الله عنها: (من مات وعليه صيام صام عنه وليه)، فإذا كان الصيام الواجب أو صيام نذر أو كفارة فيصوم، أما صيام تطوع أو إهداء ثواب القراءة أو إهداء التسبيح والتهليل فهذا ليس عليه دليل، فالأرجح والأفضل في هذا أنه يقتصر على ما جاءت به النصوص.

حكم رفع اليدين أثناء الدعاء

حكم رفع اليدين أثناء الدعاء Q ما حكم رفع اليدين في الدعاء، وقد جاء في حديث معناه: أن الإنسان إذا رفع يديه إلى السماء ودعا الله فإن الله لا يردهما خائبتين، فما توجيه هذا الحديث؟ A رفع اليدين من أسباب قبول الدعاء، كما جاء في الحديث: (إن الله يستحي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفراً) فإذا صلى الإنسان مثلاً رفع يديه ودعا في الضحى أو في الليل أو في أي وقت فهذا من أسباب قبول الدعاء، إلا في المواضع التي لم يرفع فيها النبي صلى الله عليه وسلم يديه فلا نرفعها، مثل الدعاء بين السجدتين في الصلاة، فلو رفع الإنسان يديه وقع في بدعة؛ لأن هذا ما ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم، أو الدعاء في آخر التشهد فلا ترفع يديك، والدعاء بعد الفريضة كذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعله، كذلك رفع اليدين أثناء الدعاء في خطبة الجمعة فهذا بدعة؛ لأنه لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم لا من الخطيب ولا من المصلي إلا إذا استسقى الإمام فإنه يرفع يديه ويرفع الناس أيديهم. والخلاصة في هذا أن رفع اليدين من أسباب قبول الدعاء إلا في المواضع التي ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرفع فيها فلا نرفع أيدينا فيها.

حكم التلفظ بالنية

حكم التلفظ بالنية Q نجد أن موقف علماء أهل السنة قد اختلف في بعض مسائل العقيدة بعد انتشار البدع، كما في مسألة التلفظ، فما هو الضابط في ذلك؟ A الضابط كما قال الله سبحانه وتعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} [النساء:59] فتعرض أقوال العلماء على النصوص فما وافقها قُبل وما خالفها رد، وفي مسألة التلفظ إن كان مقصود السائل التلفظ بالنية فهذا ليس عليه دليل، وإن قال به بعض الفقهاء المتأخرين وحجتهم أنه يتلفظ بالنية استحباباً حتى يتوضأ القلب واللسان، لكن هذا الاستحباب لا دليل عليه.

[3]

شرح كتاب السنة للبربهاري [3] من معتقدات أهل السنة والجماعة الإيمان بصفات الله تعالى دون تأويل ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل، والإيمان بأن القرآن كلام الله، وأن المؤمنين يرون ربهم يوم القيامة، ويؤمنون بعذاب القبر ونعيمه ومنكر ونكير.

الإيمان بصفات الله سبحانه وأفعاله بدون تكييف ولا تمثيل

الإيمان بصفات الله سبحانه وأفعاله بدون تكييف ولا تمثيل قال المؤلف رحمه الله تعالى: [واعلم رحمك الله أن الكلام في الرب تعالى محدث]. هذه عادة المؤلف رحمه الله، يقول في أول كل فقرة جديدة: (اعلم) يعني: تيقن تيقناً جازماً، فهو يدعو ويسأل من الله عز وجل الرحمة لطالب العلم. وقوله: أن الكلام في الرب، يعني: ما يتكلم به أهل الكلام في الخوض في الرب تعالى وأسمائه وصفاته وأفعاله بغير علم، فمنهم من تكلم في الرب فقال: إنه ليس فوق العرش والعياذ بالله، ومنهم من قال: إنه في كل مكان، فهذا كله محدث، وهو كفر وردة والعياذ بالله. فالجهمية الذين يقولون: إن الرب ليس فوق العرش وإنما هو في كل مكان، وكذلك من ينفي النقيضين عن الله، يقول: لا داخل العالم ولا خارجه، ولا مباين له ولا محايد له، ولا متصل به ولا منفصل عنه، هذا الكلام في الرب كفر وضلال، بل الرب سبحانه وتعالى فوق العرش، مستو على عرشه، بائن من خلقه. فكلام الجهمية في هذه المسألة محدث، وكذلك كلامهم وكلام المعتزلة في نفي الأسماء والصفات، وكذلك كلام الأشاعرة في نفي الصفات ما عدا الصفات السبع، وكذلك نفيهم للإرادة الدينية، ونفي المعتزلة للإرادة الكونية، كل هذا محدث، وهذا المحدث منه ما هو كفر ومنه ما هو دون الكفر. فلم يكن السلف من الصحابة والتابعين والأئمة من بعدهم يتكلمون في الرب بما تكلم به هؤلاء، فالرب سبحانه وتعالى أثبت لنفسه الأسماء والصفات، وأثبت أنه فوق العرش، فالواجب إثبات ما أثبته الله لنفسه، ونفي ما نفاه الله عن نفسه، فهؤلاء المبتدعة تجاوزوا ما وصف به الرب نفسه، ووصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم، فكان كلامهم محدثاً. فهو بدعة، وهذه البدعة إما أن تكون مكفرة، كبدعة الجهمية الذين يقولون: إنه ليس فوق العرش، وإنما هو في كل مكان، وإما أن تكون بدعة غير مكفرة كبدعة الأشاعرة الذين يتأولون بقية الصفات ما عدا الصفات السبع، ولهذا قال المؤلف رحمه الله: [واعلم رحمك الله أن الكلام في الرب محدث، وهو بدعة وضلالة، ولا يتكلم في الرب إلا بما وصف به نفسه عز وجل في القرآن، وما بينه رسوله صلى الله عليه وسلم لأصحابه] وهذا كما قال بعض السلف: لا يوصف الرب إلا بما وصف به نفسه، أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم، فلا يتجاوز القرآن والحديث. ولهذا قال المؤلف رحمه الله: [ولا يتكلم في الرب إلا بما وصف به نفسه عز وجل في القرآن، وما بينه رسوله صلى الله عليه وسلم لأصحابه، وهو جل ثناؤه واحد، فهو واحد في ذاته، وواحد في أسمائه وصفاته وأفعاله، وواحد في ألوهيته، وواحد في ذاته، كما قال الله تعالى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ} [الإخلاص:2]. واحد في أسمائه وصفاته أي: ليس له مثيل، ولا يشبه أحداً من خلقه في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله، وهو واحد في ألوهيته، فلا يستحق العبادة أحد غيره. فهو سبحانه واحد، وهو الأحد، وهو الصمد الذي تصمد إليه الخلائق في حوائجها، فهو صمد في نفسه، وتصمد إليه الخلائق في حوائجها، ولا نظير ولا مثيل ولا سمي ولا ند له، كما قال سبحانه: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:11]، وقال سبحانه: {فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل:74]، وقال سبحانه: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} [مريم:65]، وقال سبحانه: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص:4]. قال المؤلف رحمه الله: [ربنا أول بلا متى، وآخر بلا منتهى، يعلم السر وأخفى، وعلى عرشه استوى وعلمه بكل مكان لا يخلو من علمه مكان]. قوله: (ربنا أول بلا متى) يعني: لا يوجه إليه هذا السؤال، فلا يقال: متى كان؟ فهو سبحانه وتعالى الأول الذي ليس قبله شيء، وهو الآخر الذي ليس بعده شيء، فهو سبحانه وتعالى واجب الوجود بذاته، وهو الظاهر الذي ليس فوقه شيء، وهو الباطن الذي ليس دونه شيء، كما قال الله عز وجل في كتابه المبين: {هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [الحديد:3]. فهذان اسمان متقابلان لأوليته وأبديته: (الأول والآخر)، وهذان اسمان متقابلان لفوقيته وعلوه: (الظاهر والباطن) وهو سبحانه لا يشبهه شيء من خلقه. وقد فسر النبي صلى الله عليه وسلم هذه الأسماء الأربعة في حديث الاستفتاح الصحيح، حيث قال صلى الله عليه وسلم: (اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء، اقض عني الدين وأغنني من الفقر). ولهذا قال المؤلف رحمه الله: (ربنا أول بلا متى)، يعني: لا يوجه هذا السؤال إليه، فلا يقال متى كان، (وآخر بلا منتهى)، كما ورد في الحديث الذي قدمناه آنفاً. يعلم السر وأخفى، فصفة العلم من صفاته سبحانه وتعالى، والذي أخفى من السر هو حديث النفس، فهو سبحانه يعلم الكلام الذي تتكلم به سراً، ويعلم ما هو أخفى من ذلك، وهو ما تحدث به نفسك، كما قال سبحانه وتعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} [ق:16]. وكما أخبر الله سبحانه وتعالى في خطابه لموسى عليه الصلاة والسلام: {إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى} [طه:15]. وقوله رحمه الله تعالى: (وعلى عرشه استوى) أي: أن الله سبحانه استوى على العرش، والاستواء ذكر في سبعة مواضع من كتاب الله عز وجل، وكلها جاءت بلفظ الاستواء، وتعدت بعلى التي تفيد العلو والارتفاع، وهذه المواضع جاء ذكرها في سورة الأعراف وفي سورة يونس وفي سورة طه وفي سورة الفرقان وفي سورة السجدة، وفي سورة الحديد، والموضع السابع في سورة الرعد، وكلها فيها التصريح بأنه سبحانه استوى على العرش، ومع ذلك أنكر الاستواء أهل البدع من الجهمية والأشاعرة والمعتزلة، وقالوا معنى استوى: استولى، وهذا لا شك أنه تحريف لمعنى استوى، فإن الله تعالى لو أراد بمعنى استوى: استولى فليس عاجزاً أن يقول: الرحمن على العرش استولى، أي: لو أراد هذا المعنى لبين ذلك. ولأن (استوى) يختلف معناها عن استولى، فمعنى استوى: استقر وارتفع وصعد، واستولى تتضمن نقصاً في حق الرب، وذلك أنه لا يقال للشيء استولى إلا بعد أن كان عاجزاً ثم غلب غيره واستولى عليه، وهل العرش حاول أحد أن يغالب الله عليه؟! وهل كان الله عاجزاً عن الاستيلاء ثم استولى بعد ذلك؟! فلا يقال استولى إلا في حق من كان عاجزاً ثم غلب، كما قال الشاعر: قد استوى بشر على العراق. فهذا التحريف الذي جاء به أهل البدع يعتبر زيادة في كلام الله، ولهذا قال العلماء: إن هذه اللام الزائدة، وهي تحريف لكلام الله ومحادة له ورسوله، وهذه صفة اليهود حين قال الله لهم: قولوا حطة، فقالوا: حنطة، زادوا حرفاً واحداً، ولهذا يقول العلماء: لام الجهمية كنون اليهود، حين قال الله لهم: {وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ} [البقرة:58]، أي: قولوا: حط عنا يا الله ذنوبنا واغفرها لنا، فزادوا في كلام الله، واستهزءوا، وقالوا: حنطة، فزادوا نوناً. وكذلك الجهمية أخبر الله عن نفسه أنه استوى على العرش، فزادوا لاماً وقالوا: استوى بمعنى استولى، نسأل الله السلامة والعافية. وقوله: (على عرشه استوى) وعلمه بكل مكان، لا يخلو من علمه مكان، المعنى: أن الله تعالى استوى فوق العرش استواء يليق بجلاله وعظمته، فهو فوق العرش سبحانه وتعالى، فله علو القدر وعلو القهر وعلو الذات، أما علمه فهو في كل مكان، يعلم ما في لجة البحار، وما في ظلمات البر والبحر، ويعلم السر، ويعلم دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء. فهو سبحانه فوق العرش وعلمه في كل مكان.

لا يقال في صفات الله: كيف، ولا في أفعاله: لم؟

لا يقال في صفات الله: كيف، ولا في أفعاله: لِمَ؟ قال المؤلف رحمه الله: [ولا يقول في صفات الرب تعالى لم؟ إلا شاك في الله تبارك وتعالى]. أي: لا يقول في صفات الرب كيف، كأن يقول: كيف استوى؟ أو كيف ينزل؟ أو كيف يعلم؟ أو كيف يسمع؟ أو كيف يبصر؟ فهذا السؤال اعتراض، فلا يوجهه إلى الرب إلا شاك في الله، أما المؤمن المتيقن فلا يوجه هذا السؤال في صفات الله، بل يقول: آمنت بالله وبما جاء عن الله على لسان رسول الله، وآمنت برسول الله وبما جاء عن رسول الله على مراد رسول الله. وكذلك لا يوجه لأفعال الله هذا Q لم فعل كذا؟ لم قال كذا؟ لم شرع كذا؟ لم أغنى هذا، ولم أفقر هذا؟ فهذا السؤال باطل، فالسؤال بلِمَ لا يوجه إلى أفعال الله، والسؤال بكيف لا يوجه إلى صفات الله. فالذي يوجه هذا السؤال: كيف ولم، يقول عنه المؤلف إنه شاك في الله تبارك وتعالى، أما المتيقن والمسلم فإنه إذا بلغه النص في صفات الله يقول: آمنت بالله ورسوله، سلمت، ولا يقول كيف؟ وكذلك إذا بلغه شيء من أفعال الله فلا يقول: لم، بل يسلم ويمتثل الأوامر ويجتنب النواهي.

القرآن الكريم كلام الله ليس بمخلوق

القرآن الكريم كلام الله ليس بمخلوق قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والقرآن كلام الله وتنزيله ونوره وليس بمخلوق؛ لأن القرآن من الله، وما كان من الله فليس بمخلوق، وهكذا قال مالك بن أنس وأحمد بن حنبل والفقهاء قبلهما وبعدهما، والمراء فيه كفر]. القرآن كلام الله وتنزيله ونوره ليس بمخلوق، وهو صفة من صفاته جل وعلا، وهذا هو الصواب الذي عليه أهل السنة والجماعة، أن القرآن كلام الله، منزل غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود. فالقرآن كلامه وتنزيله، أنزله على نبيه صلى الله عليه وسلم وحياً بواسطة جبرائيل، كما قال عز وجل: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} [الشعراء:193 - 195]. فالقرآن كلام الله وتنزيله قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:9]، وقال: {وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي} [السجدة:13]، وقال: {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ} [النحل:102]، وقال: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ} [المائدة:48]، وقال: {حم * تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} [الأحقاف:1 - 2]، وقال: {حم * تَنزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [فصلت:1 - 2]، وقال: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} [القدر:1]، وقال: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ} [الدخان:3]. إلى غير ذلك من النصوص الكثيرة التي فيها بيان أن القرآن كلام الله وتنزيله، نزل به جبريل عليه الصلاة والسلام على قلب محمد صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} [الشعراء:193 - 195]، فمن قال إنه مخلوق فقد كفر، وهذا هو قول الأئمة كلهم؛ لأن القرآن الكريم صفة من صفات الله تعالى، فمن قال إنه مخلوق فقد كفر؛ لأنه جعل صفات الله من جنس المخلوقات، وهذا كفر والعياذ بالله، كما قال الإمام أحمد والشافعي وغيرهم، قالوا: من قال إن القرآن مخلوق فقد كفر، وهذا على وجه العموم، أما الشخص بعينه فلا يكفر حتى تقوم عليه الحجة. إذاً: فالقرآن من الله وما كان من الله فليس بمخلوق، وهكذا قال مالك بن أنس وأحمد بن حنبل والفقهاء قبلهما وبعدهما، كلهم قالوا: القرآن كلام الله منزل غير مخلوق، وكلهم قالوا: من قال: القرآن مخلوق فقد كفر. وقوله: المراء فيه كفر، يعني: الجدال في القرآن كفر؛ لأنه يوقع في الضلال، وفي البدعة.

رؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة وفي الآخرة حق

رؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة وفي الآخرة حق

الأدلة على أن المؤمنين يرون ربهم يوم القيامة

الأدلة على أن المؤمنين يرون ربهم يوم القيامة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والإيمان بالرؤية يوم القيامة يرون الله عز وجل بأبصار رءوسهم وهو يحاسبهم بلا حجاب ولا ترجمان]. يعني: يجب على المسلم أن يؤمن برؤية الله تعالى يوم القيامة، وأن المؤمنين يرون ربهم بأبصار رءوسهم، والنصوص في إثبات الرؤية كثيرة من القرآن العزيز ومن السنة المطهرة، قال تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة:22 - 23]، فالأولى: {نَاضِرَةٌ} [القيامة:22]، من النضارة والبهاء والحسن، بالضاد أخت الصاد، والثانية: {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة:23]، بالظاء يعني: تنظر إلى ربها. قال العلماء: إن هذه الآية صريحة في أن الرؤية تكون بالعين التي في الوجه؛ لأن الله تعالى أضاف النظر إلى الوجه الذي هو محله، أي: أضاف النظر إلى الوجوه التي هي محل العين، وعداه بأداة (إلى) الصريحة في النظر بالعين التي في الوجه إلى الرب. وهكذا أخذ الكلام من قرينة تدل على اختلاف موضعه وحقيقته، فدل ذلك على أن المراد النظر بالعين التي في الرأس إلى الرب سبحانه. وأهل البدع يفسرون قوله تعالى: {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة:22] ويؤولونها بتأويلات باطلة، فبعضهم يقول: ناظرة إلى ثواب ربها، وبعضهم فسرها بالنضرة والنعيم. ومن الآيات الدالة على الرؤية كذلك قوله سبحانه: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين:15]، فدل على أن المؤمنين ليسوا بمحجوبين، وقوله سبحانه: {وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} [ق:35]، جاء تفسير (مزيد) بالنظر إلى وجه الله الكريم. وقال سبحانه: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس:26]، فالحسنى هي الجنة، والزيادة هي النظر إلى وجه الله الكريم، جاء تفسير هذه الآية بهذا في صحيح مسلم، من حديث صهيب رضي الله عنه. والسنة جاءت بإثبات رؤية المؤمنين لربهم عز وجل يوم القيامة، والنصوص في هذا متواترة في الصحاح والسنن والمسانيد، قال العلامة ابن القيم رحمه الله في كتابه (هادي الأرواح إلى بلاد الأفراح): رواها من الصحابة نحو ثلاثين صحابياً في الصحاح والسنن والمسانيد، وقال: إن أهل السنة والجماعة يتلون هذه النصوص ولا شيء أقر لأعينهم من ذلك، فهم يتلونها ويستدلون بها، ويورثها السابق للاحق، ويرويها المتأخر عن المتقدم.

الإيمان بالميزان يوم القيامة والأدلة على ذلك

الإيمان بالميزان يوم القيامة والأدلة على ذلك قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والإيمان بالميزان يوم القيامة، يوزن فيه الخير والشر، له كفتان وله لسان]. هذا هو معتقد أهل السنة والجماعة، فهم يؤمنون بالميزان يوم القيامة، أي: أن هناك ميزاناً توزن فيه أعمال العباد وأقوالهم. والله تعالى قادر على أن يزنها، فهي توزن ولو كانت أعراضاً، فإن الله تعالى يجعلها أجساماً، وتكون الخفة والثقل على حسب صلاح العمل، فالذي أعماله صالحه فإنها تثقل في الميزان، والذي أعماله غير صالحة فإنها تخف في الميزان. ومن معتقد أهل السنة والجماعة، أن الميزان له لسان وله كفتان، كما جاء في حديث ابن عباس: (الميزان له لسان وكفتان)، وجاء في بعض الأحاديث أن كفتي الميزان كأطباق السماوات والأرض، فهو ميزان حسي، له كفتان ولسان، توزن فيه الأعمال، ويوزن فيه الأشخاص أيضاً على حسب العمل، كما قال الله تعالى عن الكفرة: {فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا} [الكهف:105]، وقال: {أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا} [الكهف:105]، وفي الحديث: (يؤتى بالرجل العظيم السمين لا يزن عند الله جناح بعوضة). وثبت في الحديث الصحيح أن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه كشفت الريح عن ساقيه، وكان دقيق الساقين رضي الله عنه، فضحك الصحابة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لم تضحكون؟ قالوا: من دقة ساقيه يا رسول الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده، لهما في الميزان يوم القيامة أثقل من جبل أحد). واختلف العلماء هل هو ميزان واحد، أو أن هناك موازين متعددة، فمن العلماء من قال: إنه ميزان واحد، ومنهم من قال: هي موازين متعددة، لكل شخص ميزان، ولكل أمة ميزان، واستدلوا بقوله تعالى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} [الأنبياء:47]، ومن قال إنه ميزان واحد أجاب عن ذلك بأنها جمعت باعتبار الموزون، وإلا فهو ميزان واحد. فالمقصود أنه ميزان حسي، وهذا هو الذي عليه أهل السنة والجماعة، وخالف في ذلك أهل البدع كالمعتزلة، فقالوا: ليس هناك ميزان حسي وإنما هو ميزان معنوي، وحجتهم في ذلك قالوا: الرب لا يحتاج إلى الميزان؛ لأنه ليس عاجزاً، والميزان لا يحتاج إليه إلا البقال والفوال، أما الرب فلا يحتاج إلى الميزان، فأنكروا الميزان، وهذا من جهلهم وضلالهم؛ لأنهم يعملون عقولهم في النصوص، فهذا من أبطل الباطل، فإن هناك ميزاناً حسياً توزن فيه الأعمال والأشخاص، فمن ثقلت موازينه فهو من السعداء، ومن خفت موازينه فهو من الأشقياء، كما قال تعالى: {فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ} [القارعة:6 - 7]، {وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ * فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ * نَارٌ حَامِيَةٌ} [القارعة:8 - 11]، ويوزن فيه الخير والشر. هذا هو الصواب، أنه ميزان حسي له لسان وكفتان خلافاً للمعتزلة القائلين بأنه ميزان معنوي.

من عقيدة أهل السنة والجماعة الإيمان بعذاب القبر ومنكر ونكير

من عقيدة أهل السنة والجماعة الإيمان بعذاب القبر ومنكر ونكير قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والإيمان بعذاب القبر ومنكر ونكير]. أي: من عقيدة أهل السنة والجماعة: الإيمان بعذاب القبر، والإيمان بمنكر ونكير. وكان ينبغي للمؤلف أن يقول: والإيمان بعذاب القبر ونعيمه، ولكنه لم ينص على النعيم لأنه يقابل العذاب، وإذا ثبت العذاب ثبت النعيم، قال الله تعالى في شأن آل فرعون: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا} [غافر:46]، ثم قال: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [غافر:46]، فقول الله عز وجل: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ} [غافر:46]، دل على أن العرض الأول في القبر، وهو قوله: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا} [غافر:46]، أي: قبل يوم القيامة؛ لأنه قال بعد ذلك: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [غافر:46]. وقال سبحانه: {وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ} [الأنعام:93]، فهذا عذاب القبر. وقوله سبحانه: {وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ} [الأنفال:50]، فيضربون وجوههم وأدبارهم أي: عند التوفي، فهذا من عذاب القبر ونعيمه. ومن السنة نصوص كثيرة، بل إنها قد تبلغ حد التواتر، من ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم -كما ثبت في الصحيحين وغيرهما- قال: (إذا صلى أحدكم فليستعذ بالله من أربع، يقول: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال)، وقال عليه الصلاة والسلام: (استعيذوا بالله من عذاب القبر). وثبت في حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بقبرين فقال: (إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان لا يستتر من بوله، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة، ثم أخذ جريدة رطبة فشقها نصفين وقال: لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا). وكذلك أيضاً ما جاء في حديث البراء وغيره: (أن المؤمن يوسع له في قبره مد البصر، ويفتح له باب إلى الجنة، فيأتيه من روحها وطيبها، ويأتيه رجل حسن الوجه، حسن الريح يؤنسه، فيقول: من أنت؟ فوجهك الذي يجيء بالخير، فيقول: أنا عملك الصالح، والفاجر أو الفاسق يضيق عليه القبر حتى تختلف أضلاعه، ويفتح له باب إلى النار، فيأتيه من حرها وسمومها، ويأتيه رجل قبيح الوجه، منتن الريح، فلا يزال يروعه ويوحشه، فيقول: من أنت؟ فوجهك الوجه الذي يجيء بالشر، فيقول: أنا عملك الخبيث) كل هذا يدل على إثبات عذاب القبر ونعيمه، فهو حق. ثم قال المؤلف رحمه الله: (ومنكر ونكير)، يعني: يجب الإيمان بمنكر ونكير، وهما ملكان يسألان الإنسان في القبر، كما جاء في بعض الأحاديث: (إن المؤمن إذا وضع في قبره جاءه ملكان، يقال لأحدهما المنكر، ويقال للآخر النكير، فيجلسانه فيقولان له: من ربك؟ فأما المؤمن فيثبته الله فيقول: ربي الله، ومن نبيك؟ فيقول: نبيي محمد صلى الله عليه وسلم، ما دينك؟ فيقول: الإسلام. وأما الكافر فلا يستطيع أن يجيب -ولو كان من أصلح الناس في الدنيا نعوذ بالله- فإذا قال له: من ربك؟ قال: هاه هاه لا أدري، من نبيك؟ هاه هاه لا أدري، ما دينك؟ هاه هاه لا أدري، سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته). وجاء في حديث البراء: (أنه يضرب بمرزبة من حديد، فيصيح صيحة يسمعها كل من خلق الله إلا الثقلين) فلا بد من الإيمان بمنكر ونكير وأنهما الفتانان.

[4]

شرح كتاب السنة للبربهاري [4] من معتقدات أهل السنة الإيمان بحوض رسول الله صلى الله عليه وسلم وشفاعته والإيمان بالصراط والإيمان بالأنبياء جميعاً والملائكة ونزول عيسى وخروج الدجال.

الإيمان بحوض النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة

الإيمان بحوض النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والإيمان بحوض رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكل نبي حوض إلا صالح عليه السلام فإن حوضه ضرع ناقته]. أي: من عقيدة أهل السنة والجماعة الإيمان بحوض النبي صلى الله عليه وسلم، فقد جاء في كثير من الأحاديث إثبات حوض النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه حوض عظيم، يصب فيه ميزابان من نهر الكوثر من الجنة، وورد أن طوله مسافة شهر، وعرضه مسافة شهر، والآنية التي يشرب فيها عدد نجوم السماء، وهو أشد بياضاً من اللبن، وأحلى من العسل، وأبرد من الثلج، وأطيب ريحاً من المسك، من شرب منه شربة لا يظمأ بعدها أبداً حتى يدخل الجنة، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من الواردين على حوض نبينا صلى الله عليه وسلم. والأحاديث التي جاءت في إثبات الحوض كثيرة تبلغ حد التواتر، وأنكرها أهل البدع من المعتزلة وأشباههم، وهذا من جهلهم وضلالهم. ونحن نعلم أن الأحاديث المتواترة قليلة، تقارب أربعة عشر حديثاً، أما أكثر السنة فقد ثبتت بخبر الأحاد؛ لأن خبر الواحد إذا صح سنده واتصل وعدل رواته وجب العمل به في العقائد والأحكام جميعاً، وأكثر ما في الصحيحين -صحيح البخاري وصحيح مسلم - أخبار آحاد. فالمتواتر هو الذي يرويه جماعة كثيرون يستحيل في العادة تواطؤهم على الكذب، عن جماعة آخرين، من أول السند إلى منتهاه ويسندونه إلى محسوس، وما كان دون ذلك فهو خبر الواحد، حيث رواه واحد أو اثنان أو ثلاثة أو أربعة أو ما دون التواتر. فالأحاديث في إثبات الحوض متواترة، والأحاديث المتواترة قليلة -كما قلنا- تقارب أربعة عشر حديثاً منها حديث الحوض، وحديث الشفاعة، ومنها حديث: (من بنى لله مسجداً بنى الله له بيتاً في الجنة)، ومنها حديث: (من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار)، ومنها حديث النهي عن الصلاة بعد العصر. فالأحاديث في إثبات الحوض متواترة، ومع ذلك أنكرها المعتزلة وأهل البدع، وهذا من جهلهم ومن ضلالهم، فيجب الإيمان بحوض نبينا صلى الله عليه وسلم. قول المؤلف: (ولكل نبي حوض) جاء هذا في بعض الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، يقول شيخ الإسلام: صح هذا من حديث سمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن لكل نبي حوضاً، وأنهم يباهون أيهم أكثر وارداً، وإني أرجو الله أن أكون أكثرهم وارداً). وقوله: (إلا صالح النبي صلى الله عليه وسلم؛ فإن حوضه ضرع ناقته) يعني: أن نبي الله صالحاً ليس له حوض، اكتفاء بالناقة التي أعطيها في الدنيا، فقد كانت تشرب المياه يوماً وتعطيهم من اللبن بقدر ما شربت، وفي اليوم التالي تترك الماء لهم، قال تعالى: {قَالَ هَذِهِ نَاقَةٌ لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ} [الشعراء:155]. لكن الحديث الذي فيه أن صالحاً عليه الصلاة والسلام ليس له حوض، وأن حوضه ضرع ناقته، لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم، بل إنه حديث موضوع، وعلى هذا فيكون نبي الله صالح له حوض كغيره من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وكأن المؤلف رحمه الله لم يعتن بالبحث عن سند هذا الحديث، إما لأنه لم يتيسر له مراجعة الحديث، أو لغير ذلك من الأسباب.

الإيمان بالشفاعة

الإيمان بالشفاعة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والإيمان بشفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم للمذنبين الخاطئين يوم القيامة، وعلى الصراط، ويخرجهم من جوف جهنم، وما من نبي إلا وله شفاعة، وكذلك الصديقون والشهداء والصالحون، ولله بعد ذلك تفضل كثير على من يشاء، والخروج من النار بعدما احترقوا وصاروا فحماً]. أي: يجب على المسلم أن يؤمن بشفاعة نبينا صلى الله عليه وسلم للمذنبين الخاطئين، والخاطئون بمعنى المذنبين، لكن الخاطئ غير المخطئ؛ لأن المخطئ هو الذي فعل الشيء من غير تعمد، وهو قد يغفر له، مثل قتل الخطأ، بخلاف الخاطئ، فإن الخاطئ هو المذنب العاصي المتعمد، فهو أشد إثماً من المخطئ. ففرق بين الخاطئ والمخطئ، ولهذا قال الله تعالى في سورة الحاقة: {فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ * وَلا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ * لا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِئُونَ} [الحاقة:35 - 37] أي: المذنبون، أما المخطئ فهو الذي فعل الشيء عن غير عمد. وقد جاء في إثبات الشفاعة أحاديث كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم بلغت حد التواتر، وصرحت هذه الأحاديث بأنه يدخل النار جملة من أهل الكبائر، أي: من أهل التوحيد، مؤمنون موحدون مصلون، لكن دخلوا النار بذنوب ومعاص ارتكبوها ولم يتوبوا منها، فهذا دخل النار لأنه مات على الزنا من غير توبة، وهذا مات على الربا من غير توبة، وهذا مات على عقوق الوالدين من غير توبة، هذا مات على قطيعة الرحم من غير توبة، وهؤلاء العصاة الموحدون منهم من يعفو الله عنه من أول وهلة، كما قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء:48]، ومنهم من يعذب في قبره وتسقط عنه عقوبة جهنم بعذاب القبر، كما في حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بقبرين فقال: (إنهما يعذبان وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان لا يستتر من البول، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة). ومنهم من تصيبه الأهوال والشدائد في يوم القيامة، ويكون ذلك تكفيراً لذنوبه، ومنهم من يستحق دخول النار ثم يشفع فيه قبل أن يدخلها، ومنهم من يدخل النار، ولا بد أن يدخل النار جملة من أهل الكبائر، فقد تواترت الأخبار بهذا. ونبينا صلى الله عليه وسلم يشفع أربع شفاعات، في كل مرة يحد الله له حداً بالعلامة، فقد ورد في بعضها أن النبي صلى الله عليه وسلم يشفع فيشفعه الله فيمن كان في قلبه مثقال دينار من إيمان، وفي بعضها مثقال نصف دينار، وفي بعضها: أخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان، وفي بعضها: أخرج من كان في قلبه أدنى من مثقال حبة من إيمان، فهذه أربع شفاعات للنبي صلى الله عليه وسلم للمذنبين الذين استحقوا دخول النار. وجاء في بعضها أن في المرة الأولى يقال له: أخرج من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان، وفي المرة الثانية: أخرج من كان في قلبه أدنى مثقال ذرة من إيمان، وفي المرة الثالثة: أخرج من في قلبه أدنى أدنى أدنى مثقال ذرة من إيمان. ويشفع كذلك بقية الأنبياء، والملائكة والشهداء والصالحون والأفراط، وتبقى بقية لا تنالهم الشفاعة فيخرجهم رب العالمين برحمته، فيخرج قوماً من النار لم يعملوا إحساناً قط، يعني: لم يعملوا ما هو زيادة عن التوحيد والإيمان، كل هذا تواترت به الأحاديث. ومع كون الأحاديث متواترة في هذا فقد أنكرها الجهمية والمعتزلة والخوارج، وقالوا: إن العاصي مرتكب الكبيرة مخلد في النار، لا يخرج منها أبد الآباد، فالخوارج قالوا: من زنى كفر ويخلد في النار، من سرق كفر ويخلد في النار، من أكل مال اليتيم كفر، من عق والديه كفر، وهكذا، فحكموا على العصاة بالكفر والخلود في النار، والمعتزلة حكموا عليهم بأنهم خرجوا من الإيمان ولكنه لم يدخل في الكفر، فهو في منزلة بين المنزلتين، لا مؤمن ولا كافر، هذا في الدنيا، أما في الآخرة فقالوا: إنه يخلد في النار. فأنكر عليهم أهل السنة، وبدعوهم وضللوهم. الآن قد يوجد بعض الناس ممن يتأثر بمذهب الخوارج، فبعض الناس وخاصة الشباب تجدهم يكفرون بعض الناس بالمعاصي، فكل من حكم بغير ما أنزل الله كفروه، وكل من فعل معصية كفروه، فهذا الفكر جاء إليهم من الخوارج، فإن العاصي لا يكفر، بل نقول: العاصي ضعيف الإيمان، أو ناقص الإيمان، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن)، يعني: وهو مؤمن كامل الإيمان، فنفى عنه كمال الإيمان ولم ينف عنه الإيمان، بدليل أن الله أثبت الأخوة بين القاتل والمقتول، مع أن القاتل مرتكب لكبيرة من الكبائر، قال تعالى: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} [البقرة:178]. فالإيمان بشفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم للمذنبين الخاطئين في يوم القيامة حق، وكذلك شفاعة غيره، هذه عقيدة أهل السنة والجماعة. قال عليه الصلاة والسلام: (إن كل نبي تعجل دعوته، وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة)، أما الكافر الذي مات على الكفر، فلا حيلة فيه ولا شفاعة له، قال تعالى: {فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ} [المدثر:48]، وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفَاعَةٌ} [البقرة:254]، فهذا في أهل الكفر. والخوارج والمعتزلة أخذوا النصوص التي في الكفرة وجعلوها في العصاة الموحدين، ولهذا قال المؤلف رحمه الله: (الإيمان بشفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم للمذنبين الخاطئين في يوم القيامة، وعلى الصراط، ويخرجهم من جوف جهنم)، يعني: من داخل جنهم. وما من نبي إلا له شفاعة، وكذلك الصديقون يشفعون، والصديق: على وزن فِعِّيل، وهو من قوي تصديقه وإيمانه بالله، فأحرق بقوة تصديقه الشبهات والشهوات، ومقدمهم فينا الصديق الأكبر أبو بكر، ودرجتهم أعلى من الشهداء، ولما اهتز أحد وعليه النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر قال النبي صلى الله عليه وسلم: (اثبت أحد، فإنما عليك نبي وصديق وشهيد)، فدرجة الصديقين فوق درجة الشهداء. ثم بعدها درجة الشهداء، والشهيد: هو الذي بذل نفسه رخيصة في سبيل الله، لإعلاء كلمة الله، فإنه بذل أغلى ما يملك وهي نفسه التي بين جنبيه، فقاتل أعداء الله، لإعلاء كلمة الله. ثم بعد ذلك درجة الصالحين من المؤمنين على تفاوتهم فيما بينهم، فمنهم السابقون، ومنهم المقتصدون، ومنهم الظالمون لأنفسهم، فالسابقون في أعلى الدرجات، وهم الذين داوموا على الفرائض والنوافل، وتركوا المحرمات والمكروهات، والمقتصدون هم الذين اقتصروا على أداء الفرائض وترك المحرمات، ولم يفعلوا النوافل وقد يفعلون بعض المكروهات، والظالمون لأنفسهم موحدون مؤمنون، لكنهم قصروا في بعض الواجبات، أو فعلوا بعض المحرمات، فهؤلاء عندهم أصل الصلاح وأصل التقوى، فينفعهم هذا الصلاح والتقوى في عدم الخلود في النار، ولكنهم قد يدخلون النار ويعذبون، لكن في النهاية مآلهم إلى الجنة والسلامة. وقول المؤلف: (ولله بعد ذلك تفضل كثير على من يشاء) يعني: الله تعالى يتفضل بعد ذلك على من يشاء، فيخرج برحمته بقية أهل التوحيد الذين لم يشفع فيهم، ولهذا قال المؤلف رحمه الله تعالى: (ولله بعد ذلك تفضل كثير على من يشاء والخروج من النار بعدما احترقوا وصاروا فحماً). وهذا قد جاءت فيه الأحاديث التي أثبتت أن المؤمنين العصاة الذين دخلوا النار يحترقون فيها ويصيرون فحماً، وأنهم يخرجون من النار ضبائر ضبائر -أي: جماعات جماعات- بعدما صاروا فحماً، وأنهم يموتون فيها إماتة، كل هذا ثبت في صحيح مسلم وغيره، وأنهم بعد أن يخرجوا من النار يلقون في نهر الحياة، فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل، يعني: البذرة، ثم بعد ذلك يدخلون الجنة.

الإيمان بالصراط وما جاء فيه

الإيمان بالصراط وما جاء فيه قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والإيمان بالصراط على جهنم، يأخذ الصراط من شاء الله، ويجوز من شاء الله ويسقط في جهنم من شاء الله، ولهم أنوار على قدر إيمانهم]. يجب على المؤمن أن يؤمن بالصراط، وهو جسر منصوب على متن جهنم، وهذا الجسر حسي لا معنوي، يمر عليه الناس على قدر أعمالهم، فمن تجاوز الصراط وصل إلى الجنة، ومن سقط سقط في النار، والعياذ بالله. فقد جاء في الأحاديث: أن الناس يمرون على حسب أعمالهم، وأن الزمرة الأولى يمرون كالبرق، ثم كالريح، ثم كالطير، ثم كأجاود الخيل عدواً، ثم كالرجل الذي يعدو عدواً، أي يركض ركضاً، ثم كالرجل الذي يمشي مشياً، ثم كالرجل الذي يزحف زحفاً، على حسب الأعمال، وعلى الصراط كلاليب تخطف من أمرت بخطفه، فناج مكلم، ومكردس على وجهه في النار، ونبينا صلى الله عليه وسلم قائم على الصراط يقول: (اللهم سلم سلم). فيجب الإيمان بالصراط، وأنه صراط حسي حقيقي، ومن استقام على الصراط المستقيم في هذه الدنيا -وهو توحيد الله، وإخلاص الدين لله، وأداء الواجبات وترك المحرمات- مر على الصراط الحسي كالبرق، ومن تنكب الصراط وانحرف عنه في الدنيا لم يستطع المرور على الصراط الحسي في الآخرة، بل يسقط في جهنم، فالصراط صراطان: صراط في الدنيا وصراط في الآخرة، فالصراط في الدنيا هو دين الإسلام. والصراط الذي جاء على متن جهنم جاء وصفه في الأحاديث أنه أحر من الجمر، وأحد من السيف، يمر الناس عليه على قدر أعمالهم، ولهذا قال المؤلف رحمه الله: (والإيمان بالصراط على جهنم) يأخذ الصراط من شاء الله، ويجوز من شاء الله، ويسقط في جهنم من شاء الله، ولهم أنوار على قدر إيمانهم.

الإيمان بالأنبياء والملائكة

الإيمان بالأنبياء والملائكة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والإيمان بالأنبياء والملائكة]. أي: يجب الإيمان بالأنبياء والملائكة، فالإيمان بالأنبياء والرسل أصل من أصول الدين، وأصل من أصول الإيمان، والإيمان بالملائكة كذلك، فلا يصح الإيمان إلا به، فمن أنكر الملائكة أو أنكر واحداً من الملائكة كفر، ومن أنكر الأنبياء أو أنكر واحداً من الأنبياء كفر. قال الله تعالى في آية البر: {وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ} [البقرة:177]، هذه خمسة أصول، والأصل السادس جاء في قوله تعالى: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر:49]، وفي حديث جبرائيل المشهور حين كان يسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإيمان فقال: (الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره).

الإيمان بالجنة والنار

الإيمان بالجنة والنار قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والإيمان بأن الجنة والنار حق، وأنهما مخلوقتان، الجنة في السماء السابعة، وسقفها العرش، والنار تحت الأرض السابعة السفلى، وهما مخلوقتان، قد علم الله تعالى عدد أهل الجنة ومن يدخلها، وعدد أهل النار ومن يدخلها، لا تفنيان أبداً، بقاؤهما مع بقاء الله تبارك وتعالى أبد الآبدين، ودهر الداهرين]. أي: يجب على المسلم الإيمان بالجنة والنار، فهما يدخلان ضمن الإيمان باليوم الآخر الذي هو أصل من أصول الإيمان، فمن أركان الإيمان: الإيمان باليوم الآخر وما يكون فيه من البعث، أي: أن الله يبعث الأجساد ويحاسب الخلائق، والإيمان بالميزان والصراط والجنة والنار، فمن أنكر وجود الجنة أو أنكر النار كفر؛ لأنه مكذب لله، قال تعالى: {وَبَشِّرِ لَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ) [البقرة:25]} [لقمان:8]، وقال: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ} [فاطر:36]، فمن أنكر الجنة أو النار فقد كذب الله، ومن كذب الله كفر. قوله: (وأنهما مخلوقتان)، أي: مخلوقتان الآن، هذا هو قول أهل السنة والجماعة، أن الجنة والنار الآن مخلوقتان دائمتان لا تفنيان، وأنكر المعتزلة خلقهما الآن، فقالوا: الجنة والنار لم تخلقا بعد، ولكن سوف يخلقهما الله تعالى يوم القيامة، أما الآن فلا توجد جنة ولا نار. وسبب هذا القول أن المعتزلة يعملون عقولهم في مقابلة النصوص، فيعارضون النصوص بعقولهم، وهذا من جهلهم ومن ضلالهم، فهم يقولون: لو قلنا إن الجنة والنار مخلوقتان الآن لصار خلقهما عبثاً؛ لأنهما مخلوقتان وليس فيهما أحد، والعبث محال على الله، فتنزيهاً لله نقول: لا توجد جنة ولا نار الآن؛ لكن يخلقهما الله يوم القيامة حين ينتفع المؤمنون بالجنة ويكون الكفرة في النار. نرد عليهم ونقول: أولاً: قولكم هذا من أبطل الباطل؛ لأن الله تعالى أثبتهما، ونحن نصدق الله ونؤمن بالله، فقد أخبر تعالى أنهما موجودتان، قال عن الجنة: {أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران:133]، وقال عن النار: {أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} [البقرة:24]، فهي مرصدة معدة مهيأة. ثانياً: أن خلق الجنة وخلق النار الآن وإعدادهما أبلغ في الزجر وأبلغ في التشديد، فإذا علم العاصي أن النار معدة الآن صار أبلغ في الزجر، وإذا علم المطيع أن الجنة معدة صار أبلغ في الشوق. ثالثاً: نقول: من قال إن خلقهما الآن عبث؟ فالجنة فيها الولدان، وفيها الحور، وأرواح المؤمنين تتنعم في الجنة، وأرواح الشهداء تنعم فيها، كما جاء في الحديث: (أرواح الشهداء في حواصل طير خضر تسرح في الجنة وترد أنهارها، وتأكل من ثمارها، حتى يرجعها الله إلى أجسادها)، والمؤمن إذا مات نقلت روحه إلى الجنة على هيئة نسمة طائر يعلق في الجنة حتى يرجعه الله إلى جسده يوم يبعثون. ونعلم أن المؤمن يفتح له باب إلى الجنة فيأتيه من نعيمها، والكافر يفتح له باب إلى النار، فيأتيه من حرها وسمومها. إذاً هناك حكمة وفائدة من خلقهما الآن، فهذا من جهل المعتزلة وضلالهم، حيث إنهم عارضوا النصوص بأفهامهم وآرائهم الفاسدة. قوله رحمه الله: (الجنة في السماء السابعة وسقفها العرش) هذا جاء في الحديث، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا سألتم الله فاسألوه الفردوس، فإنه وسط الجنة وأعلى الجنة وسقفها عرش الرحمن)، والنار تحت الأرض السابعة السفلى، ويوم القيامة تبرز وتظهر، قال تعالى: {وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى} [النازعات:36]، أي في السماء السابعة التي تظهر للناس، وفي الحديث: (يُجاء يوم القيامة بجهنم لها سبعون ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها)، وتسجر البحار وتكون جزءاً من جهنم، نسأل الله السلامة والعافية. فالجنة في السماء السابعة، وسقفها العرش، والنار تحت الأرض السابعة السفلى. وهما مخلوقتان دائمتان لا تفنيان ولا تبيدان، قد علم الله عدد أهل الجنة ومن يدخلها، وعدد أهل النار ومن يدخلها، فالله تعالى قدر المقادير، وخلق للجنة أهلاً، وبعمل أهل الجنة يعملون، وللنار أهلاً، وبعمل أهل النار يعملون، فقد كتب الله تعالى في اللوح المحفوظ كل ما يكون في هذا الكون من أرزاق العباد وآجالهم وأعمالهم وشقاوتهم وسعادتهم، والإنسان إذا خلقه الله ومضى عليه أربعة أشهر يأتي إليه الملك بأمر الله، فينفخ فيه الروح، ويقول: يا رب! ما الرزق؟ ما الأجل؟ ما العمل؟ ما الشقاوة؟ ما السعادة؟ ويكتب وهو في بطن أمه شقي أو سعيد، ويكتب رزقه وأجله، وبماذا يموت ومتى يموت، هل يموت طفلاً أو شاباً أو شيخاً أو كهلاً، صغيراً أو كبيراً، وما رزقه، هل يرزقه الله الحلال أم الحرام، فالله تعالى يرزق الحلال والحرام، فيقدر لهذا أن يكون رزقه من الحرام، بأن يأكل من الربا، أو من السرقة، أو من الغصب والنهب، فيكون رزقه حراماً، ومنهم من يكون رزقه حلالاً فالرزق والأجل والعمل كل هذا مكتوب. فقد علم الله عدد أهل الجنة ومن يدخلها، وعدد أهل النار ومن يدخلها، وهما لا تفنيان أبداً، خلافاً للجهمية حيث يقولون: إن الجنة والنار تفنيان يوم القيامة، وهذا من جهلهم وضلالهم، وهو من أبطل الباطل. أبو الهذيل العلاف شيخ المعتزلة في القرن الثالث الهجري يقول: يأتي على الجنة والنار وقت تفنى فيه حركات أهلها ويصبحون مثل الحجارة. وابن القيم رحمه الله رد عليه فقال: إذا كانت حركات أهل النار ستفنى فما حال من رفع اللقمة إلى فيه ثم انتهت حركته، هل يبقى على هذه الصورة وقد رفع اللقمة إلى فيه؟ وما حال من يجامع زوجته؟ وما حال كذا، يبين بشاعة هذا المذهب. فالمقصود أن قول هؤلاء الجهمية من أبطل الباطل، وهم كفار، والصواب الذي عليه أهل السنة والجماعة، وهم أهل الحق: أن الجنة والنار دائمتان أبداً، لا تفنيان ولا تبيدان، وهما باقيتان -كما قال المؤلف- مع بقاء الله تبارك وتعالى أبد الآبدين ودهر الداهرين، يعني: إلى ما لا نهاية.

اختلاف العلماء في الجنة التي كان فيها آدم ثم أخرج منها

اختلاف العلماء في الجنة التي كان فيها آدم ثم أخرج منها قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وآدم عليه السلام كان في الجنة الباقية المخلوقة فأخرج منها بعدما عصى الله عز وجل]. هذا الذي ذهب إليه المؤلف رحمه الله، بأن آدم كان في الجنة الباقية المخلوقة فأخرج منها، وهذا قول قال به بعض أهل العلم، وقيل إنه لم يكن في الجنة الباقية المخلوقة، وإنما في جنة أخرى غير هذه الجنة، والله أعلم. والله تعالى أخبر أنه أدخل الجنة، وأنه أهبط منها، حتى قال بعضهم: إن الجنة التي أخرج منها هي بستان من البساتين، لكن ظاهر الأدلة أنها جنة في السماء، لكن هل هي الجنة الباقية أو غيرها؟ فالله أعلم.

الإيمان بالمسيح الدجال وفتنه العظيمة

الإيمان بالمسيح الدجال وفتنه العظيمة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والإيمان بالمسيح الدجال]. أي: يجب الإيمان بـ المسيح الدجال، وهو رجل من بني آدم، وجاء في حديث الجساسة، وهو حديث تميم الداري الذي رواه الإمام مسلم: أنهم ركبوا في سفينة، فلعب بهم الموج شهراً، وأنهم أرسوا إلى جزيرة في البحر، فجاءت جساسة وهي الدابة العظيمة التي لا يعرف قبلها من دبرها فقالت: ائتوا إلى هذا الرجل الذي في الدير، فهو إلى أخباركم بالأشواق، فأتوا إليه، فرأوا رجلاً عظيم الخلقة، قد جمعت يداه وغلتا في عنقه، فدخلوا عليه، فجعل يسألهم عن أشياء، حتى سألهم عن النبي صلى الله عليه وسلم، وسألهم عن بحيرة طبرية وعن النخل، وغير ذلك، ثم قالوا له: من أنت؟ قال: قدرتم على خبري، فلما انتهى أخبرهم بأنه المسيح الدجال، وهو حديث صحيح، ثابت في صحيح مسلم؟ والمسيح يخرج في آخر الزمان، وهو أعور عينه اليمنى، كأن عينه عنبة طافية، وسمي المسيح؛ لأن عينه ممسوحة. والمسيح هذا لقب للدجال ولقب لعيسى بن مريم، لكن عيسى مسيح الهدى، والدجال مسيح الضلال، ومسيح الهدى يقتل مسيح الضلال في آخر الزمان. والمسيح الدجال أعور العين اليمنى -كما قلنا- كأن عينه عنبة طافية، مكتوب بين عينيه كافر، يقرؤها كل واحد، وهو سيخرج في آخر الزمان، وإذا خرج فإنه يدعي أولاً الصلاح، ثم ينتقل فيدعي النبوة، ثم ينتقل فيدعي الربوبية، ويقول للناس: أنا ربكم. وجاء في صحيح مسلم أنه يمكث في الأرض أربعين يوماً، اليوم الأول طوله سنة، تطلع الشمس ولا تغرب إلا بعد ثلاثمائه وخمسة وستين يوماً، ثم اليوم الثاني طوله شهر، تطلع الشمس ولا تغرب إلا بعد ثلاثين يوماً، ثم اليوم الثالث طوله أسبوع، تطلع الشمس ولا تغرب إلا بعد سبعة أيام، ثم بقية الأيام السبعة والثلاثين طولها كسائر الأيام، أي: مثل أيامنا هذه. ولا يترك بلداً إلا دخلها إلا مكة والمدينة، فإن عليهما الملائكة تحرسهما، لكنه يأتي إلى السبخة التي قرب المدينة وينعق فترجف المدينة ثلاث رجفات، فيخرج إليه كل كافر وكافرة، وكل منافق ومنافقة، وكل خبيث وخبيثة، ولا يبقى في المدينة إلا الصالحون، وحينئذ تنفي المدينة خبثها. والمسيح الدجال له ميزة عظيمة، وفتنته فتنة كبيرة، فإن معه صورة الجنة ومعه صورة النار، ابتلاء وامتحاناً، ويأمر السماء فتمطر، والأرض فتنبت، ويقطع رجلاً بالسيف ويمشي بين قطعتيه، ثم يقول له قم، فيستوي قائماً. وخروج المسيح الدجال هو العلامة الثانية من علامات الساعة الكبرى، والعلامة الأولى هي خروج المهدي، وهو رجل باسم النبي صلى الله عليه وسلم، وكنيته ككنيته، محمد بن عبد الله المهدي، يبايع له بين الركن والمقام في وقت ليس للناس فيه إمام، والفتنة تحصر الناس إلى جهة الشام، وفي زمانه يخرج الدجال، ثم ينزل عيسى بن مريم بعد ذلك فيقتل المسيح الدجال، ثم يخرج يأجوج ومأجوج فهذه العلامات متوالية. ولا بد من الإيمان بـ المسيح الدجال وفتنته العظيمة، حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي رواه الإمام مسلم: (ما بين خلق آدم إلى قيام الساعة، أمر أعظم أو أشد من الدجال)، أو كما قال عليه الصلاة والسلام، ولهذا أمرنا في كل صلاة أن نستعيذ بالله من أربع: من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال، والأحاديث ثابتة في هذا، فلا بد من الإيمان بالمسيح الدجال.

الإيمان بنزول عيسى عليه السلام

الإيمان بنزول عيسى عليه السلام قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والإيمان بنزول عيسى بن مريم عليه السلام، ينزل فيقتل الدجال، ويتزوج ويصلي خلف القائم من آل محمد صلى الله عليه وسلم، ويموت ويدفنه المسلمون]. أي: من معتقدات أهل السنة والجماعة: الإيمان بنزول عيسى بن مريم عليه السلام، وهو العلامة الثالثة من علامات الساعة الكبرى، فالأولى خروج الإمام المهدي، ثم خروج الدجال، ثم عيسى بن مريم. ينزل عيسى بن مريم عليه السلام من السماء، وهو حي الآن وموجود، ينزل فيقتل الدجال، ويتزوج ويصلي خلف القائم من آل محمد صلى الله عليه وسلم، ثم يموت. وقوله: (خلف القائم) يعني: خلف المهدي الذي هو إمام المسلمين. وجاء في الحديث أنه ينزل في وقت الصلاة، تقام الصلاة فيقدمه إمام المسلمين فيقول: لا، تقدم أنت، إمامكم منكم، تكرمة الله لهذه الأمة، وهذا حق، فلا بد من الإيمان بنزل عيسى بن مريم عليه السلام. قال الله تعالى: {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا} [النساء:159]، وفي الحديث يقول النبي صلى الله عليه وسلم كما جاء في صحيح البخاري: (لينزلن فيكم ابن مريم حكماً عدلاً - وفي رواية - مقسطاً، فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويفيض المال حتى لا يقبله أحد)، فإذا نزل عيسى عليه السلام فإنه يقوم بكسر الصليب الذي يعبده النصارى؛ ليبين لهم بطلان ما هم عليه من الدين. والنصارى لماذا يعبدون الصليب؟ يقولون: إن عيسى قتل وصلب، فاتخذوا الصليب شعاراً لهم وعبدوه. وهذا من جهلهم وضلالهم؛ لأنه إذا كان نبيهم قتل وصلب، فكيف يعبدون الصليب، ولماذا يعبدونه؟ فإن فعلهم هذا يوحي بأنهم فرحوا بقتله وصلبه، فإنهم إذا كانوا صادقين في محبة نبيهم وتعظيمه فكان يجب عليهم أن يكرهوا الصليب ويبغضوه ويكسروه، فكيف يعبدون الصليب إذا كانوا صادقين. وعيسى عليه السلام لم يقتل ولم يصلب في الحقيقة، ولكن الله رفعه، قال الله تعالى: {وَمَا قَتَلُوْهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ * بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} [النساء:157 - 158]، فإذا نزل عليه السلام كسر الصليب، لبيان بطلان ما عليه النصارى من الدين المحرف، وقتل الخنزير أيضاً، ويضع الجزية، ولا يقبل إلا الإسلام أو السيف، يعني النصارى واليهود الآن يخيرون بين الإسلام أو السيف أو الجزية، فهذه الأحكام الثلاثة مستمرة حتى ينزل عيسى، فإذا نزل انتهت الجزية، ولا يبقى إلا الإسلام أو السيف، فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه إذا نزل عيسى انتهى هذا الحكم، وهو قبول الجزية، فالجزية مقبولة من اليهود والنصارى إلى نزول عيسى، فإذا نزل انتهى قبول الجزية، ويبقى حكمان: الإسلام أو السيف. ففي الحديث: (والذي نفسي بيده لينزلن فيكم ابن مريم حكماً مقسطاً، فيقتل الخنزير، ويكسر الصليب، ويضع الجزية، ويفيض المال حتى لا يقبله أحد)، وفي اللفظ الآخر: (حتى تكون السجدة أحب إليكم من الدنيا وما فيها)، يعني: أن الناس يزهدون في الدنيا لقرب الساعة، وظهور علاماتها الكبرى.

[5]

شرح كتاب السنة للبربهاري [5] أهل السنة والجماعة يؤمنون أن الإيمان قول وعمل واعتقاد يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي، ويعتقدون فضل جميع الصحابة ويحترمونهم، ويؤمنون بأنهم متفاوتون في الفضيلة والمرتبة بحسب السبق إلى الإسلام والهجرة وغير ذلك.

تعريف الإيمان عند أهل السنة والجماعة

تعريف الإيمان عند أهل السنة والجماعة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والإيمان بأن الإيمان قول وعمل ونية يزيد وينقص، يزيد ما شاء الله، وينقص حتى لا يبقى منه شيء]. هذا معتقد أهل السنة والجماعة في الإيمان، فهم يقولون: الإيمان قول وعمل، والقول المراد به: قول القلب وهو التصديق والإقرار، وقول اللسان وهو النطق. والعمل المراد به: عمل القلب وهو النية والإخلاص والصدق والمحبة والخشية، وعمل الجوارح، فيكون الإيمان عند أهل السنة والجماعة قول باللسان وقول بالقلب، وعمل بالقلب وعمل بالجوارح. والسلف لهم عبارات في تعريف الإيمان، منها أنهم يقولون: الإيمان إقرار باللسان، وتصديق بالجنان، وعمل بالأركان، يزيد بالطاعة وينقص بالعصيان. ولهم من العبارات: الإيمان قول وعمل، قول القلب وقول اللسان، وعمل القلب وعمل الجوارح، ومنها قولهم: الإيمان قول وعمل ونية. وقوله: (يزيد ما شاء الله وينقص حتى لا يبقى منه شيء) الصواب أنه لا بد أن يبقى منه شيء؛ لأنه إذا لم يبق منه شيء فقد وصل إلى الكفر، فهذه العبارة ليست سليمة، وهي قوله: (لا يبقى منه شيء) بل لا بد أن يبقى منه شيء، إلا إذا أراد ذلك بالنسبة للكافر فإن ذلك صحيح، فإنه ينتهي حتى لا يبقى منه شيء بالنسبة للكافر، أما المؤمن فلا بد أن يبقى منه شيء، فإذا كثرت المعاصي والجرائم ضعف الإيمان، حتى لا يبقى منه إلا مثقال ذرة، أو أدنى أدنى مثقال ذرة من إيمان، لكن صاحبه لا يخلد في النار. ولا ينتهي إلا إذا وصل إلى الكفر الأكبر أو الشرك الأكبر، أما المعاصي ولو عظمت فإنها لا تقضي على الإيمان، وهذه البقية من الإيمان هي السبب في خروج العصاة من النار، وفي حديث الشفاعة قال صلى الله عليه وسلم: (يخرج من النار من كان في قلبه أدنى أدنى أدنى مثقال ذرة من إيمان).

عقيدة أهل السنة في الصحابة

عقيدة أهل السنة في الصحابة

مراتب الصحابة في الفضل

مراتب الصحابة في الفضل قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وأفضل هذه الأمة والأمم كلها بعد الأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين أبو بكر وعمر وعثمان، هكذا روي لنا عن ابن عمر قال: (كنا نقول ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا: إن خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر وعمر وعثمان، ويسمع النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فلا ينكره). ثم أفضل الناس بعد هؤلاء علي وطلحة والزبير وسعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد وعبد الرحمن بن عوف وأبو عبيدة عامر بن الجراح، وكلهم يصلح للخلافة. ثم أفضل الناس بعد هؤلاء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، القرن الأول الذي بعث فيهم، المهاجرون الأولون والأنصار، وهم من صلى القبلتين. ثم أفضل الناس بعد هؤلاء من صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً أو شهراًَ أو سنة، أو أقل من ذلك أو أكثر، نترحم عليهم، ونذكر فضلهم، ونكف عن زللهم، ولا نذكر أحداً منهم إلا بخير، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا ذكر أصحابي فأمسكوا). وقال سفيان بن عيينة: من نطق في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بكلمة فهو صاحب هوى]. فأهل السنة والجماعة يعتقدون أن خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر، ولكن يقال: إن خير هذه الأمة بعد نبيها عيسى عليه السلام؛ لأنه إذا نزل يكون فرداً من أفراد هذه الأمة المحمدية؛ لأن كل نبي بعثه الله أخذ عليه الميثاق: لئن بعث محمد وأنت حي لتتبعنه، وقد بعث النبي صلى الله عليه وسلم وعيسى حي، لذلك فإنه ينزل في آخر الزمان فيكون فرداً من أفراد هذه الأمة المحمدية، فهو خير هذه الأمة بعد نبيها؛ لأنه نبي وصحابي أيضاً؛ فقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج حياً، وبقية الأنبياء رأوه وقد ماتوا بأرواحهم، أما عيسى فرفع بجسده وروحه؛ لأن الصحابي هو من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمناً به ومات على الإسلام. فيصدق القول: بأن عيسى خير هذه الأمة، ثم بعد عيسى أبو بكر الصديق، وهذا بإجماع أهل السنة والجماعة: أن خير هذه الأمة أبو بكر بعد الأنبياء، ثم يليه عمر بن الخطاب، ثم يليه عثمان، ثم يليه علي. والمؤلف رحمه الله لم يذكر إلا ثلاثة، وكان ينبغي له أن يذكر الأربعة، فخير هذه الأمة -بعد الأنبياء- أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي، هكذا. وفي حديث ابن عمر: كنا نقول ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا: إن خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر ثم عثمان -أظن لفظ الأثر فيه (ثم) - فيسمع بذلك النبي صلى الله عليه وسلم فلا ينكره. قال المؤلف: (ثم أفضل الناس بعد هؤلاء علي) والصواب أن علياً مع الخلفاء الثلاثة، فهم الخلفاء الراشدون، وترتيبهم في الفضيلة كترتيبهم في الخلافة، يعني: هم مرتبون في الخلافة وفي الفضيلة، أما ترتيبهم في الخلافة فهذا بالإجماع، وأما ترتيبهم في الفضيلة فاختلف فيه، لأن هناك رواية عن أبي حنيفة أن علياً أفضل من عثمان، وأما الخلافة فالخلافة لـ عثمان ثم علي. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: إن هذه المسألة مسألة سهلة، أي: مسألة الخلاف في الفضيلة هل عثمان أفضل أو علي؟ مسألة سهلة، فلا يبدع المخالف ولا يضلل، إنما الذي يبدع ويضلل من خالف في مسألة الخلافة، أي: من قال إن علياً أحق بالخلافة من عثمان، فهذا ضال، بل هو أضل من حمار أهله؛ لأنه تنقص المهاجرين والأنصار؛ لأنهم أجمعوا على تقديم عثمان ومبايعته بالخلافة. والإمام أبي حنيفة قد روي عنه أنه رجع عن هذه الرواية فكان مع الجمهور في أن عثمان أفضل من علي، فيكون إجماعاً للأمة، على أن ترتيبهم في الخلافة وفي الفضيلة، أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي، ثم بقية العشرة المبشرين بالجنة: طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام وسعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد بن عمر بن نفيل وعبد الرحمن بن عوف وأبو عبيدة عامر بن الجراح وهو أمين هذه الأمة، هؤلاء الستة بقية العشرة المبشرين بالجنة، وكلهم يصلح للخلافة، أي: كل واحد من العشرة يصلح أن يكون خليفة. ثم أفضل الناس بعد هؤلاء أصحاب القرن الأول الذين بعث فيهم، وهم المهاجرون الأولون والأنصار، والصواب أن في هذا ترتيباً وأن أفضلهم أهل بدر، ثم أهل بيعة الرضوان الذين بايعوا تحت الشجرة وكانوا أكثر من ألف وأربعمائة، ثم المهاجرون، ثم الأنصار، فالترتيب يكون أولاً: الخلفاء الراشدون الأربعة، ثم بقية العشرة المبشرون بالجنة، ثم أهل بدر، ثم أهل بيعة الرضوان، ثم المهاجرون، ثم الأنصار، والسابقون الأولون أفضل من غيرهم.

بيان المراد بالسابقين الأولين

بيان المراد بالسابقين الأولين والسابقون الأولون هم من صلى القبلتين؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما هاجر إلى المدينة توجه إلى بيت المقدس، فصلى إلى بيت المقدس ستة عشر شهراً أو سبعة عشر شهراً، ثم توجه إلى الكعبة، وهذا على أحد القولين. والقول الثاني: أن السابقين الأولين هم الذين أنفقوا من قبل الفتح وقاتلوا، والمراد بالفتح: صلح الحديبية، وهذا هو الصواب، فمن أسلم قبل صلح الحديبية وهاجر وأنفق فهو من السابقين الأولين، ومن أسلم بعد صلح الحديبية فليس من السابقين الأولين. أما القول بأن السابقين الأولين هم من صلى إلى القبلتين فهذا ضعيف لأمرين: الأمر الأول: أنه لم يأت دليل يدل على أن السابقين الأولين هم الذين صلوا إلى القبليتين. وثانياً: أنه ليس هناك فضل خاص لمن صلى إلى القبلة المنسوخة، فقد فضل الله من أنفق من قبل الفتح وقاتل فقال سبحانه في سورة الحديد: {لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا} [الحديد:10]، ثم قال: {وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} [الحديد:10]، أي: الجنة، فكلهم موعودون بالجنة وإن كانوا متفاوتين. والمراد بالفتح صلح الحديبية لقوله تعالى: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} [الفتح:1]، قيل: (ياسول الله! صلح الحديبية أوفتح هو؟ قال: إي والله!) ثم بعد ذلك تأتي المرتبة الثانية للصحابة الذين أسلموا بعد صلح الحديبية وقبل فتح مكة. ثم تأتي المرتبة الثالثة: وهم الصحابة الذين أسلموا بعد فتح مكة، ويسمون الطلقاء. وممن أسلم بعد صلح الحديبية خالد بن الوليد فهو من المرتبة الثانية، وممن أسلم بعد فتح مكة معاوية بن أبي سفيان وأخوه يزيد وأبوه أبو سفيان ويقال لهم الطلقاء؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم (اذهبوا فأنتم الطلقاء). وهناك فرق عظيم ومزية بين السابقين الأولين الذين أسلموا قبل صلح الحديبية والذين أسلموا بعدها، حتى إنه لما حصل سوء تفاهم بين عبد الرحمن بن عوف وهو من السابقين الأولين وخالد بن الوليد وقد أسلم بعد صلح الحديبية، فقال صلى الله عليه وسلم يخاطب خالد بن الوليد: (لا تسبوا أصحابي)، كلهم صحابة لكن المراد الذين لهم الصحبة الأولى، والذين تقدموا في الصحبة، (لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده! لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه)، أي: فلو أنفق عبد الرحمن مداً، ملء الكف أو نصف مد، وأنفق خالد مثل أحد ذهباً لسبقه عبد الرحمن فهذا تفاوت عظيم بين الصحابة، فإذا كان هذا التفاوت بين الصحابة، فكيف التفاوت بين الصحابة ومن بعدهم؟ فالصحابة هم خير الناس وأفضل الناس بعد الأنبياء، وهم قوم اختارهم الله لصحبة نبيه والجهاد معه، ونقل الشريعة وحملها وتبليغها للناس، فمن سبهم أو كفرهم فلا يكون مؤمناً بل هو منافق زنديق نسأل الله السلامة والعافية. إذاً قول المؤلف رحمه الله: (وهم من صلى إلى القبلتين) هذا ضعيف. ثم أفضل الناس بعد هؤلاء من صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً أو شهراً أو سنة أو أقل من ذلك أو أكثر يعني: الصحابي أفضل ممن جاء بعده، ولا يمكن لأحد أن يلحق الصحابة إلى يوم القيامة. قال المؤلف رحمه الله: (ترحموا عليهم) يعني: عليك أن تترحم على الصحابة فتقول: اللهم اغفر لهم، اللهم ارحمهم، وتذكر فضلهم، وتكف عن زلتهم، وهذا مذهب أهل السنة والجماعة: الكف عما شجر بين الصحابة والخلاف الذي وقع بين الصحابة، ونعتقد أنهم ما بين مجتهد مصيب له أجران، وما بين مجتهد مخطئ له أجر، وأن لهم من الفضائل والحسنات والسبق إلى الإسلام والجهاد مع النبي صلى الله عليه وسلم ما يغطي ما صدر منهم من الهفوات. إذاً: يجب الكف عن زلاتهم، والذي ينشر معايب الصحابة فهو مريض القلب. (ولا نذكر أحداً منهم إلا بخير؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا ذُكر أصحابي فأمسكوا)، وقال سفيان بن عيينة: من نطق في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بكلمة فهو صاحب هوى) يعني: صاحب بدعة. (وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم)) هذا الحديث ضعيف باطل سنداً ومتناً، والمؤلف يقول: إنه موضوع، والصواب أنه ضعيف قد لا يصل لدرجة الوضع، ويستدل به أهل أصول الفقه، وهو باطل سنداً ومتناً، أما سنداً فإنه لا يوجد في أي من دواوين السنة الصحيحة، وأما معنى فهو باطل: (أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم) فإذا اختلف الصحابة، وقال أحدهما: هذا يجوز، وقال الثاني: لا يجوز، فمن يكون المهتدي؟ مثل نكاح المتعة يقول ابن عباس مثلاً: حلال، وقال عمر: حرام، فيقع الإنسان في حيرة بأي نجم يهتدي. فتبين بهذا أن الحديث ضعيف باطل سنداً ومتناً. وفق الله الجميع لطاعته، ورزق الله الجميع العلم النافع والعمل الصالح، وصلى الله على محمد وآله وصحبه.

الأسئلة

الأسئلة

الدليل على وجود الجنة في السماء السابعة وأن سقفها عرش الرحمن

الدليل على وجود الجنة في السماء السابعة وأن سقفها عرش الرحمن Q ما هو الدليل على أن مكان الجنة والنار ما ذكر المؤلف؟ A الدليل حديث: (إذا سألتم الله فاسألوه الفردوس، فإنه وسط الجنة، وأعلى الجنة، وسقفه عرش الرحمن) هذا حديث صحيح ثابت، والنار كذلك في أسفل سافلين: {كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ} [المطففين:7]، أي: أسفل سافلين.

بيان الفرق بين عذاب القبر وفتنة القبر

بيان الفرق بين عذاب القبر وفتنة القبر Q هل هناك فرق بين عذاب القبر وفتنة القبر؟ A نعم، فالعذاب أن يعذب الإنسان ويضرب، ويفتح له باب من النار، والفتنة: الاختبار والامتحان، فيأتي نكير ومنكر يبتليانه ويختبرانه بالسؤال: من ربك؟ ما دينك؟ ومن نبيك؟ ثم تأتي العقوبة بعد ذلك، فيفتن بالسؤال ثم يعذب، فالعذاب شيء والفتنة شيء. والعذاب نتيجة الفتنة فبعد أن يفتتن يعذب، والفتنة هي الاختبار، فقد يكون مؤمناً وقد يكون كافراً، فالمؤمن يفتن فينجو ويسلمه الله ويجيب، والكافر يفتتن فيهلك، قال تعالى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} [إبراهيم:27]، نسأل الله أن يثبتنا وإياكم بالقول الثابت.

عموم فتنة القبر للبشر

عموم فتنة القبر للبشر Q هل هذه الفتنة خاصة بأمة محمد صلى الله عليه وسلم؟ A لا، هي عامة في كل أحد، قال تعالى: {فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ} [الأعراف:6]، {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ} [القصص:65].

بيان أن الإيمان قول وعمل واعتقاد

بيان أن الإيمان قول وعمل واعتقاد Q ما حكم من قال إن الإيمان هو التصديق، وعلى ماذا يحمل قول الشيخ محمد بن عبد الوهاب أن الإيمان والتصديق كما قال في الدرر السنية؟ A الإيمان تصديق وعمل فلا بد من هذين الأمرين؛ لأن أصل التصديق في القلب تصديق وإقرار وعمل، والشيخ ما قال: إن الإيمان هو التصديق وإن العمل خارج من التصديق، فهذا قول المرجئة الذين يقولون: الإيمان هو التصديق بالقلب، والعمل ليس داخلاً في مسمى الإيمان. ضم كلام الشيخ بعضه من بعض حتى يتبين لك الحق، لا تكن مثل من يقرأ {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ} [الماعون:4] ويسكت ولا يقرأ: {الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ} [الماعون:5]. اقرأ كلام الشيخ من أوله إلى آخره واجمع بين كلامه تجد الحق، وكلام العلماء يضم بعضه إلى بعض، وكلام الله يضم بعضه إلى بعض، وكلام الرسول يضم بعضه إلى بعض، فلا يأخذ الإنسان ببعض النصوص ويترك البعض الآخر.

قول شيخ الإسلام في مسألة فناء الجنة والنار

قول شيخ الإسلام في مسألة فناء الجنة والنار Q ما القول الصحيح الذي ينسب لـ شيخ الإسلام في مسألة الجنة والنار؟ A القول الصحيح أن شيخ الإسلام يقول: إن الجنة والنار مخلوقتان دائمتان لا تفنيان أبداً ولا تبيدان، وهو ثابت وواضح.

بيان جهة خراسان

بيان جهة خراسان Q ما صحة ومعنى حديث الرايات السود التي تخرج من خراسان، وأين تقع خراسان، وهل اقتربت الملحمة التي أخبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم؟ A خراسان جهة الشرق -جهة إيران- أما الروايات التي جاءت في بعض الأحاديث فالله أعلم بصحتها، ولا شك أنها في آخر الزمان.

بيان معنى حديث: (وليس وراء ذلك من الإيمان مثقال حبة من خردل)

بيان معنى حديث: (وليس وراء ذلك من الإيمان مثقال حبة من خردل) Q ما قولكم في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (وليس وراء ذلك من الإيمان مثقال حبة من خردل)، في حديث من لم ينكر المنكر بقلبه؟ A ليس المراد أنه يكون كافراً؛ لأن من لم ينكر المنكر بقلبه يكون عاصياً. فإذا جلس الإنسان مع قوم يشربون الخمر يجب عليه أن ينكر باللسان إن عجز عن الإنكار باليد، فإن عجز فإنه ينكر بالقلب. والإنكار بالقلب معناه: أن يقوم ويتركهم، فإن جلس معهم فليس عنده من الإيمان حبة خردل يتعلق بإنكار المنكر، ويكون حكمه نفس حكم من شرب الخمر في الإثم، ومن جلس مع قوم يكفرون بالله واستطاع أن ينكر ولم ينكر وجلس وسكت، فحكمه في الإثم يكون نفس حكمهم؛ لأنه رضي بالكفر وأقر به، ومن جلس مع قوم يتعاملون بالربا ولم ينكر عليهم فيكون حكمه حكم المرابي، قال تعالى: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا} [النساء:140].

بيان معنى: (خفيفتان على اللسان)

بيان معنى: (خفيفتان على اللسان) Q ورد في الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: (كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن) إلى آخر الحديث، ما المراد باللسان في هذا الحديث؟ A ( كلمتان حبيبتان إلى الرحمن) يعني: أن الله يحبهما، وهما: سبحان الله وبحمده، (خفيفتان على اللسان) حينما تنطق بهما لا تكلفك شيئاً فلا تشعر بجهد وتعب عند النطق بهما، (ثقيلتان في الميزان) ميزان الأعمال، يعني: أن أجرهما عظيم.

حكم مسح الوجه باليدين بعد الانتهاء من الدعاء

حكم مسح الوجه باليدين بعد الانتهاء من الدعاء Q ما حكم مسح الوجه باليدين بعد الدعاء؟ A جاء هذا في أحاديث ضعيفة، ولم يرد فيه شيء من الأحاديث الصحيحة. قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في بلوغ المرام: إن مجموعها يشد بعضها بعضاً، وإن كانت ضعيفة فترتقي إلى درجة الحسن، فإذا فعله الإنسان في بعض الأحيان فلا بأس، أما أن يداوم على المسح فالأحاديث ضعيفة في هذا.

يأجوج ومأجوج أمتان من بني آدم

يأجوج ومأجوج أمتان من بني آدم Q من هم قوم يأجوج ومأجوج، وهل يأكلون ويتبايعون؟ A يأجوج ومأجوج من بني آدم، وهما أمتان كافرتان الأولى يقال لها: يأجوج، والثانية: مأجوج، وهم يأكلون مثل غيرهم من بني آدم، وهم يخرجون في آخر الزمان ويفسدون في الأرض، ويشربون المياه، ثم بعد ذلك يهلكهم الله بدعوة عيسى ومن معه من المؤمنين، فيهلكهم الله في ليلة واحدة كنفس واحدة فيكونون كالجبال بعضهم فوق بعض؛ لأنهم أمة كثيرة. ولهذا جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إن الله يقول: يا آدم! أخرج بعث النار، يقول: يا رب وما بعث النار؟ فيقول الله: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون إلى النار، وواحد إلى الجنة) فشق هذا على الصحابة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أبشروا فإن منكم واحداً، ومن يأجوج ألفاً) وهذا يدل على الكثرة.

[6]

شرح كتاب السنة للبربهاري [6] يرى أهل السنة والجماعة وجوب نصب إمام، وأنها تجب طاعته بالمعروف، ولا يجوز الخروج عليه إلا إذا كفر كفراً صريحاً، وتجوز مقاتلة الخوارج إذا بدءونا بالحرب.

وجوب السمع والطاعة لأئمة المسلمين فيما يحب الله ويرضى

وجوب السمع والطاعة لأئمة المسلمين فيما يحب الله ويرضى قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والسمع والطاعة للأئمة فيما يحب الله ويرضى، ومن ولي الخلافة بإجماع الناس عليه ورضاهم به فهو أمير المؤمنين، ولا يحل لأحد أن يبيت ليلة ولا يرى أن عليه إماماً براً كان أو فاجراً]. المعنى: أن من عقيدة أهل السنة والجماعة السمع والطاعة للأئمة فيما يحب الله ويرضى، أما المعاصي فلا يطاع فيها أحد، والمراد بالأئمة ولاة الأمور قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء:59]، وقال عليه الصلاة والسلام: (من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن يطع الأمير فقد أطاعني، ومن يعص الأمير فقد عصاني). لكن هذا مقيد بالأحاديث الأخرى، (على المرء السمع والطاعة فيما أحب وكره إلا أن يؤمر بمعصية فإن أمر بمعصية، فلا سمع ولا طاعة)، وحديث أبي ذر: (أمرني خليلي أن أسمع وأطيع وإن كان عبداً حبشياً مجدع الأطراف) وحديث عوف بن مالك الأشجعي: (خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، وتصلون عليهم ويصلون عليكم، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم، قلنا: يا رسول الله! أفلا ننابذهم بالسيف؟ قال: لا، ما أقاموا فيكم الصلاة، ألا من ولي عليه فرآه يأتي شيئاً من معصية الله فليكره ما يأتي من معصية الله ولا ينزعن يداً من طاعة) ولا يجوز الخروج على ولاة الأمور للمعاصي بل يجب الصبر وعدم الخروج. فالسمع والطاعة تكون لولاة الأمور في طاعة الله، أما المعاصي فلا يطاع فيها، فإذا أمر الأمير شخصاً بشرب الخمر فلا يطيعه، أو أمره أن يقتل أحداً بغير حق لا يطيعه، إذا أمر الوالد ولده بالمعصية فلا يطيعه، وإذا أمر الزوج زوجته بالمعصية فلا يطيعها، وإذا أمر السيد عبده بالمعصية فلا يطيعه، (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق) لكن لا يتمرد عليه، فليس للرعية أن يتمردوا على الأمير أو ولي الأمر، بل لا يطيعونه في المعصية وما عدا ذلك فيطيعونه، في الأمور المباحة ويطيعونه في طاعة الله ورسوله. وهذا بخلاف أهل البدع، فإنهم لا يسمعون ولا يطيعون لولاة الأمور، كالخوارج، فهم يرون أن ولي الأمر إذا عصى كفر ووجب قتله وخلعه وإزالته من الإمامة، وكذلك المعتزلة فإنهم يرون أنه إذا عصى ولي الأمر وفعل الكبيرة خرج من الإمامة فلا يطيعونه، بل إن من أصول الدين عندهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وضمنوه الخروج على ولاة الأمور إذا جاروا وظلموا، والروافض كذلك يرون أنه ليس هناك طاعة إلا للإمام المعصوم، وأما ولاة الأمور الموجودين في كل وقت فهم كفرة فسقة يجب قتلهم وخلعهم وإزالتهم من الإمامة، ولا طاعة إلا للإمام المعصوم، وهم الأئمة الاثنا عشر الذي نص عليهم بزعمهم. قالوا: إن الخليفة بعد النبي صلى الله عليه وسلم هو علي، ولكن أهل السنة كفروا وفسقوا وارتدوا وخالفوا النصوص التي تنص على أن الخليفة بعده علي، فولوا أبا بكر زوراً وبهتاناً وظلماً، ثم ولوا عمر زوراً وبهتاناً وظلماً، ثم ولوا عثمان زوراً وبهتاناً وظلماً؛ لأنهم يزعمون أن النبي صلى الله عليه وسلم نص على اثني عشر إماماً: علي بن أبي طالب ثم الحسن بن علي ثم الحسين بن علي ثم البقية كلهم من نسل الحسين وهم: علي بن الحسين زين العابدين ثم محمد بن علي الباقر ثم جعفر بن محمد الصادق ثم موسى بن جعفر الكاظم ثم علي بن موسى الرضا ثم محمد بن علي الجواد، ثم علي بن محمد الهادي ثم الحسن بن علي العسكري ثم المهدي المنتظر الذي دخل سرداباً في العراق سنة ستين ومائتين ولم يخرج إلى الآن، وأبوه الحسن بن علي قد مات عقيماً ولم يولد له، فاختلقوا له ولداً وأدخلوه السرداب قالوا: دخل السرداب وهو ابن سنتين أو خمس يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: مضى عليه أربعمائة سنة ولم يخرج في زمانه، ونحن الآن نقول: مضى عليه ألف ومائتين سنة ولم يخرج حتى الآن. وهو شخص موهوم لا حقيقة له؛ لأن أباه الحسن مات عقيماً ولم يولد له، فهؤلاء الأئمة عند الشيعة وهم منصوصون معصومون. فالروافض يقولون: ليس هناك طاعة إلا للإمام المعصوم، أما الولاة الموجودين كلهم فكفرة ظلمة يجب قتلهم ولا سمع لهم ولا طاعة. إذاً: من عقيدة أهل السنة والجماعة السمع والطاعة لولاة الأمور فيما يحبه الله ويرضاه -كما قال المؤلف- خلافاً لأهل البدع. فقوله: (ومن ولي الخلافة بإجماع الناس عليه ورضاهم به فهو أمير المؤمنين)، بمعنى: أنه اجتمع عليه أهل الحل والعقد، وليس المراد بإجماع الناس كل فرد بعينه، بل المراد أهل الحل والعقد ورؤساء القبائل والأعيان والوجهاء فإذا بايعوه تمت البيعة، ولا يشترط أن يبايع كل واحد بعينه، وتسقط الخلافة بالانتخاب والاختيار كما ثبتت الخلافة لـ أبي بكر الصديق رضي الله عنه بالاختيار والانتخاب، وكما ثبتت الولاية أيضاً لـ عثمان باختيار أهل الحل والعقد وبالإجماع، وكما ثبتت الخلافة لـ علي بمبايعة أكثر أهل الحل والعقد. وتثبت الخلافة بولاية العهد من الخليفة السابق كما ثبتت الخلافة لـ عمر رضي الله عنه بولاية العهد من أبي بكر، وتثبت الخلافة أيضاً بالقوة والغلبة إذا غلب الناس بسيفه وقهرهم بسيفه واجتمعت عليه الكلمة فتمت له البيعة ولا يجوز الخروج عليه.

الأمور التي تثبت بها الخلافة لولي الأمر

الأمور التي تثبت بها الخلافة لولي الأمر فتثبت الخلافة لولي الأمر بواحد من ثلاثة أمور: الأمر الأول: الاختيار والانتخاب من أهل الحل والعقد، وفي هذه الحالة يجب أن يكون الخليفة من قريش إذا وجد فيهم من يقيم الدين؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنه: (لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي منهم اثنان) فإن لم يوجد من قريش من يصلح للخلافة فينتخب من غيرها. ثانياً: تثبت الخلافة بولاية العهد من الخليفة السابق. ثالثاً: تثبت الخلافة بالقوة والغلبة، فإذا غلب الناس بسيفه وقوته ولو لم يكن من قريش ثبتت له البيعة؛ ولهذا جاء في حديث أبي ذر: (أمرني خليلي أن أسمع وأطيع وإن كان عبداً حبشياً مجدع الأطراف) لكن لو كان الاختيار والانتخاب للمسلمين فلا يختارون عبداً حبشياً مجدع الأطراف، إنما يختارون من قريش، فدل على أن الخلافة تثبت بواحد من هذه الأمور الثلاثة. يقول المؤلف: (ولا يحل لأحد أن يبيت ليلة، ولا يرى أن عليه إماماً براً كان أو فاجراً)، فلا يجوز للإنسان أن يبيت وهو لا يرى الإمامة لأحد أي: يعتقد في نفسه أنه ليس عليه إمام، ويرى أن يخلع الإمام، ولا يرى له بيعة، بل على الإنسان أن يرى البيعة لولي الأمر الذي اجتمعت عليه الكلمة براً كان أو فاجراً، براً يعني: تقياً، فاجراً يعني: فاسقاً، خلافاً للخوارج والمعتزلة والروافض الذين لا يرون الإمامة للفاجر؛ لأن الخوارج يرون أن الفاجر يكفر، وإذا كفر وجب قتله وحل دمه وماله ولا يكون إماماً، والمعتزلة عندهم أصل: أن ولي الأمر إذا فجر وفسق يجب الخروج عليه، والروافض لا يرون الإمامة لأهل السنة إطلاقاً، ولا يرون الإمامة إلا للأئمة المعصومين. فإذاً: أهل السنة تميزوا عن أهل البدع، فهم يرون السمع والطاعة لولي الأمر ولو كان فاسقاً فاجراً.

الشروط التي يجوز للرعية أن تخرج على الإمام بها

الشروط التي يجوز للرعية أن تخرج على الإمام بها يجوز الخروج عليه بشروط: الشرط الأول: أن يكفر كفراً صريحاً واضحاً لا لبس فيه. الشرط الثاني: وجود البديل المسلم، ووجود القدرة على إزالة الإمام الفاجر الكافر وتولية الإمام العادل، فإذا وجدت هذه الشروط جاز الخروج عليه، وإذا لم توجد فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث السابق: (إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان)، لكن إذا وجدت قدرة، ووجد البديل فيزال الإمام الكافر ويكون بدله إماماً مسلماً، أما إذا زال كافر وجاء بدله كافر مثل ما يحدث في الانقلابات العسكرية في الجمهوريات، فقد يكون الانقلاب على حكومة كافرة فتأتي حكومة أخرى أكفر منها. ولا يجوز الخروج على الحاكم في حال عدم تواجد هذه الشروط، ولهذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (من رأى من أميره شيئاً يكرهه فليصبر، فإنه من فارق الجماعة شبراً فمات، فميتته جاهلية) وهذا فيه دليل على أن الخروج على ولاة الأمور من الكبائر؛ لأنه قال: (فميتته جاهلية). إذاً اصبر وتحمل؛ لأنك إذا أنكرت على ولي الأمر المعصية مثل شرب الخمر، أو أخذ مال شخص بغير حق، أو قتل شخص بغير حق ففيه مفسدة، لكن الخروج عليه يترتب عليه مفسدة أكبر، وهي إراقة الدماء؛ لأن عنده جيشاً، والذين يخرجون كذلك، فيكون الناس فرقتين، فتراق الدماء ويختل الأمن، وتختل أحوال الناس المعيشية في الاقتصاد والزراعة والتجارة والدراسة والاجتماع، ويتربص بهم العدو الدوائر، وتأتي فتن تقضي على الأخضر واليابس، ففسقه ومعصيته مفسدة صغرى، والقاعدة أنه: إذا اجتمع مفسدتان كبرى وصغرى لا يمكن تركهما، ندرأ المفسدة الكبرى بارتكاب المفسدة الصغرى.

الحج والغزو مع الإمام

الحج والغزو مع الإمام قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والحج والغزو مع الإمام ماض، وصلاة الجمعة خلفهم جائزة، ويصلى بعدها ست ركعات يفصل بين كل ركعتين، هكذا قال أحمد بن حنبل]. وهذا من عقيدة أهل السنة والجماعة أن الحج والغزو مع الإمام ماض؛ لأن الحج والغزو فرضان يتعلقان بالسفر فلا بد من سائس يسوس فيهما الناس ويقاوم العدو، وهذا يحصل بالإمام الفاجر وبالإمام البر فيحجون مع الإمام ولو كان فاجراً، ويغزون معه ويجاهدون، وهذا خلافاً للخوارج والمعتزلة والروافض فإنهم لا يرون الحج والغزو مع ولي الأمر الفاجر؛ لأنه ليس الإمام عندهم. قوله: (وصلاة الجمعة خلفهم جائزة) أي كذلك الصلاة جائزة خلف الأئمة ولو كانوا فجاراً. ثم قال المؤلف: (ويصلي بعدها ست ركعات) بعد صلاة الجمعة (يفصل بين كل ركعتين هكذا قال أحمد بن حنبل)، فالذي ورد في الأحاديث في صحيح مسلم وغيره أنه يشرع للمسلم إذا صلى الجمعة أن يصلى بعدها أربع ركعات، سواء كان في البيت أو في المسجد، وفي حديث ابن عمر أنه إذا صلى في البيت صلى ركعتين، وإذا صلى في المسجد صلى أربع ركعات، أما قول المؤلف: إنه يصلى بعدها ست ركعات يفصل بين كل ركعتين ونسبه إلى الإمام أحمد بن حنبل، فالصواب أنه يصلي أربع ركعات بسلامين، وأن يصلي أربع ركعات سواء في المسجد أو في البيت، وهذا هو الصواب الذي دلت عليه النصوص، خلافاً لما ذكره المؤلف.

الخلافة في قريش

الخلافة في قريش قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والخلافة في قريش إلى أن ينزل عيسى بن مريم عليه السلام]. هذا إذا كان الاختيار والانتخاب للمسلمين فهم يختارون من قريش إذا وجد فيهم من يقيم الدين. أما إذا لم يوجد من يقيم الدين فإنها تكون في غيرهم، لحديث معاوية بن أبي سفيان عند الشيخين: (لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي منهم اثنان) وفي رواية: (ما أقاموا الدين) يعني: ما دام أنه وجد من قريش من يقيم الدين فتكون الخلافة فيهم، فإذا لم يوجد فيهم من يقيم الدين فتكون في غيرهم، فإن لم يكن هناك اختيار للمسلمين وغلب الناس بسيفه وقوته وسلطانه ثبتت له الخلافة. إلى أن ينزل عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام من السماء، ونزول عيسى عليه الصلاة والسلام من أشراط الساعة الكبرى، وأول أشراط الساعة الكبرى خروج المهدي، ثم خروج الدجال، ثم نزول عيسى بن مريم وهي العلامة الثالثة، ثم خروج يأجوج ومأجوج. ثم تتوالى الأشراط: الدخان الذي يملأ ما بين السماء والأرض ويصيب المؤمن الزكام، ويصيب الكافر أذى عظيماً، وهدم الكعبة في آخر الزمان من أشراط الساعة الكبرى، ونزع القرآن من الصدور ومن المصاحف إذا ترك الناس العمل به، ثم تأتي الأشراط الأخيرة لقرب الساعة وهي: طلوع الشمس من مغربها ثم خروج الدابة وهي التاسعة، ثم العاشرة، وهي آخرها: خروج نار من قعر عدن تسوق الناس إلى المحشر فتبيت معهم إذا باتوا وتقيل معهم إذا قالوا.

بيان أن من خرج على الإمام أنه خارجي

بيان أن من خرج على الإمام أنه خارجي قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ومن خرج على إمام من أئمة المسلمين، فهو خارجي، وقد شق عصا المسلمين، وخالف الآثار، وميتته ميتة جاهلية]. من خرج على إمام من أئمة المسلمين فهو خارجي يعني: فهو يدين بدين الخوارج، ويتمذهب بمذهب الخوارج. والخوارج هم: الذين خرجوا على علي بن أبي طالب رضي الله عنه في آخر عهد الصحابة، ولهم عقيدة خبيثة، وهي تكفير المسلمين بالمعاصي، فهم يقولون: إن من فعل الكبيرة كفر وهو مخلد في النار، فالزاني عند الخوارج كافر، وشارب الخمر كافر، والعاق لوالديه كافر حلال الدم والمال، والذي يخرج على إمام من أئمة المسلمين بالمعاصي خارجي على طريقة الخوارج، وقد يكون ليس من الخوارج فيكون من البغاة الذين يخرجون على الإمام، والبغاة: جمع باغٍ، وهم الذين ينقمون على ولي الأمر شيئاً من المعاصي. يقول العلماء: إذا خرجت طائفة من البغاة على ولي الأمر يرسل إليهم من يكشف شبهتهم، وينظر ما هي مطالبهم، فإن كانت مظالم فإنه يزيليها فإن استمروا قاتلهم. ومن خرج عن إمام من أئمة المسلمين فهو خارجي وقد يكون معتزلياً، وقد يكون رافضياً فكل هؤلاء يخرجون على ولي الأمر؛ لأنه أصبح من الخوارج أو لأنه من البغاة أو لأنه من المعتزلة أو لأنه من الرافضة، وقد شق عصا المسلمين، وخالف الآثار والأحاديث التي جاء فيها النهي عن الخروج على ولاة الأمور. (وميتته ميتة جاهلية) يشير إلى الحديث: (من رأى من أميره شيئاً يكرهه فليصبر، فإنه من فارق الجماعة شبراً فمات فميتته جاهلية). وهذا يدل على أن الخروج على ولي الأمر من الكبائر؛ لكونه توعد بأن تكون ميتته ميتة جاهلية.

تحريم قتال السلطان والخروج عليه

تحريم قتال السلطان والخروج عليه قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولا يحل قتال السلطان، والخروج عليهم وإن جاروا، وذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لـ أبي ذر الغفاري: (اصبر وإن كان عبداً حبشيا) وقوله للأنصار: (اصبروا حتى تلقوني على الحوض)، وليس من السنة قتال السلطان فإن فيه فساد الدنيا والدين]. لا يحل قتال السلطان، والخروج عليهم وإن جاروا؛ لأن الأحاديث أمرت بالصبر على ولاة أمور الجور، فلا يحل قتالهم فمن قاتلهم فإنه من الخوارج، أو من البغاة، أو من الرافضة، أو من المعتزلة. قوله: وذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم لـ أبي ذر: (اصبر وإن كان عبداً حبشيا)، والمؤلف رواه بالمعنى ولفظ الحديث: (أمرني خليلي أن أصبر وإن كان عبداً حبشياً مجدع الأطراف)، يعني: أن ولي الأمر إذا غلب الناس بسيفه فيجب الصبر عليه وعدم الخروج عليه ولو لم يكن من قريش، لكن لو كان الاختيار للمسلمين فيجب أن يختاروا من قريش. يقول أبو ذر: (أمرني خليلي أن أسمع وأطيع وإن كان عبداً حبشياً مجدع الأطراف) وفي لفظ: (ولو لحبشي كأن رأسه زبيبة)، وكذا قوله للأنصار: (إنكم ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض) يعني: سترون من ولاة الأمور من لا يعطيكم حقكم ويؤثر غيركم عليكم فاصبروا يعني: لا تخرجون على ولاة الأمور ولو لم يعطوكم حقكم، فدل على أنه لا يجوز الخروج على السلطان بالمعاصي. قوله: (إنكم ستلقون بعدي أثره) يعني: من يؤثر غيركم عليكم، ولا يعطيكم حقكم، (فاصبروا حتى تلقوني على الحوض)، والشاهد قوله: (اصبروا) دل على عدم جواز الخروج. وليس من السنة قتال السلطان فإن فيه فساد الدين والدنيا؛ لأن قتاله والخروج عليه فيه إراقة الدماء وفيه اختلال الأمن، وحصول المفاسد الكثيرة؛ ولهذا قال المؤلف: (وليس من السنة قتال السلطان فإنه فيه فساد الدين والدنيا) فساد الدين بأن تختل أحوال الناس الدينية فلا تقام الحدود، ولا ينصف للمظلوم من الظالم، فولاة الأمور قد رتب الله عليهم إقامة مصالح عظيمة منها: أن الله تعالى يقيم بهم الأمن، ومنها: أن المظلوم يأخذ حقه من الظالم، ومنها: إقامة الدين للناس مثل: صلاة الجمعة، والعيدين، والجهاد، والحج، وقد يحصل منه ظلم لكن هذا الظلم قليل بالنسبة للمصالح التي علقها الله بولاة الأمور. فلو قيل للناس في ليلة واحدة: كل يفعل ما يشاء، يحصل من الفساد ما الله به عليم؛ ولهذا يقول بعض السلف: ستون سنة بإمام ظالم خير من ليلة واحدة بلا إمام، فالليلة الواحدة التي تكون بلا إمام يحصل فيها فساد كثير من القتل والزنا والسرقة ونهب الأموال إلى غير ذلك؛ لأن ولاة الأمور علق الله بهم المصالح عظيمة ولو كانوا فسقه ولو كانوا جبابرة، فاستتباب الأمن مصلحة عظيمة، وإقامة الحدود مصلحة عظيمة، وإنصاف المظلوم من الظالم مصلحة عظيمة، وإيصال الحقوق إلى أصحابها مصلحة عظيمة، لا تقوم هذه المصالح إلا في حالة وجود الإمام. أما فسقه ففسقه على نفسه، والناس ليس بيدهم إلا النصيحة المبذولة من قبل أهل الحل والعقد، فإن استجاب فالحمد لله، وإن لم يستجب فليس على الناس من ظلمه، وإنما سلط على الناس الظلمة بسبب تفريطهم في أمر الله فعوقبوا، فإذا أراد الناس أن يصلح الله لهم ولاة الأمور فليستقيموا على طاعة الله؛ ولهذا قال سبحانه: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} [الشورى:30]، فجور الولاة مما كسبت أيدي الرعية وما يحصل من الجور به تكفر السيئات، فالجور من جنس المصائب التي تكفر بها السيئات، وفيه تأديب للرجال الصالحين، وعقوبة للعصاة.

بيان جواز قتال الخوارج

بيان جواز قتال الخوارج قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويحل قتال الخوارج إذا عرضوا للمسلمين في أنفسهم وأموالهم وأهاليهم]. يحل قتال الخوارج إذا قاتلوا المسلمين بأنفسهم وأموالهم؛ لأنهم بذلك يستحلون دماء المسلمين وأموالهم بالمعاصي، فإذا قاتل الخوارج المسلمين قوتلوا كما قاتلهم علي رضي الله عنه، وكما جاء في الأحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، من لقيهم فليقتلهم فإن في قتلهم أجراً عند الله لمن قتلهم) أو كما قال عليه الصلاة والسلام. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وليس له إذا فارقوه أن يطلبهم، ولا يجهز على جريحهم، ولا يأخذ فيئهم، ولا يقتل أسيرهم، ولا يتبع مدبرهم]. وهكذا فعل الصحابة، فإذا قاتل المسلمون الخوارج ثم هربوا فلا يطلبونهم وإنما يتركونهم، وإذا وجد المسلمون جريحاً من الخوارج فلا يقتلونه ولا يؤخذ فيئهم وأموالهم؛ لأنهم ليسوا كفاراً، ولا يقتل أسيرهم، ولا يتبع مدبرهم، وهم الذين فارقوهم وهربوا فلا يلحق المسلمون الفارين من الخوارج فإذا فارقوا تركوا، فقد عامل الصحابة الخوارج معاملة العصاة، ولم يعاملوهم معاملة الكفار؛ لأنهم متأولون، ولما سئل علي رضي الله عنه: أكفار هم؟ قال: من الكفر فروا. وقال بعض العلماء بكفرهم، واستدلوا بالأحاديث التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم وهي في الصحيحين: (يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية) وفي لفظ: (يمرقون من الدين ثم لا يعودون إليه) وفي لفظ: (لئن لقيتهم لأقتلنهم قتل عاد) فشبههم بقوم عاد وهو قوم كفار. وجاء في حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: (من لقيهم فليقتلهم فإن في قلتهم أجراً لمن قتلهم عند الله)، وقالوا: بأن هذه النصوص تدل على كفرهم، وهي رواية عن الإمام أحمد، لكن الجمهور على أنهم عصاة مبتدعة، وهذا هو الذي عمله الصحابة؛ ولهذا ذكر المؤلف: أنه لا يطلب من فارق، ولا يجهز على الجريح، ولا تؤخذ أموالهم، ولا يقتل أسيرهم ولا يتبع مدبرهم؛ لأنهم عصاة مبتدعة وليسوا كفاراً.

لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق

لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق قال المؤلف رحمه الله تعالى: [واعلم رحمك الله أنه لا طاعة لبشر في معصية الله عز وجل]. وهذا ثبت بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق)، وقوله عليه الصلاة والسلام في حديث آخر: (إنما الطاعة في المعروف)، فلا يطاع أي بشر في المعصية ولو كان أميراً، فإذا أمرك الأمير وقال: اشرب الخمر، فلا تطعه، أو أمرك بالقتل بغير الحق فلا تطعه، أو أمرت زوجة زوجها بالمعصية فلا يطعها.

عدم جواز الحكم على إنسان بالحنة أو النار

عدم جواز الحكم على إنسان بالحنة أو النار قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ومن كان من أهل الإسلام فلا تشهد له بعمل خير ولا شر فإنك لا تدري بما يختم له عند الموت، ترجو له رحمة الله وتخاف عليه ذنوبه، ولا تدري ما يسبق له عند الموت إلى الله من الندم، وما أحدث الله في ذلك الوقت إذا مات على الإسلام ترجو له رحمة الله، وتخاف عليه ذنوبه]. يقول: (من كان من أهل الإسلام فلا تشهد له بعمل خير ولا شر، فإنك لا تدري بما يختم له عند الموت، ترجو له الرحمة وتخاف عليه ذنوبه) يعني: أن المعين من أهل القبلة لا يشهد له بالجنة ولا يشهد له بالنار، لكن نرجو للمحسن ونخاف على المسيء. فإذا رأينا إنساناً مستقيماً على طاعة الله فنرجو له الخير، ونرجو أن يكون من أهل الجنة، ولا نشهد له بها، وإذا رأينا إنساناً عاصياً فنخاف عليه ونخشى عليه من النار ولا نشهد له بالنار، ولا نشهد لأي مسلم بالجنة إلا لمن شهدت له النصوص كالعشرة المبشرين بالجنة كـ الحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة وجماعة من الصحابة شهد لهم النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة، ومن لم تشهد له النصوص فنشهد له بالجنة بالعموم، فكل مؤمن في الجنة، وكل كافر في النار، لكن فلان ابن فلان بعينه نشهد له بالجنة فهذا لا يصح، ونحن لا ندري بهذا الشيء لكن إذا كان فلان ابن فلان بعينه مستقيماً على طاعة الله فنرجو له الخير، ونرجو أن يكون من أهل الجنة وفلان ابن فلان الذي يفعل المعاصي لا نشهد له بالنار لكن نخاف عليه من النار، ولا نشهد لأحد بالنار إلا من عرفنا إنه مات على الكفر وأنه قامت عليه الحجة. فإذا عرفت أن فلاناً يعبد الأصنام وقامت عليه الحجة ومات على ذلك فلا شبهة له فهو من أهل النار، وكذلك اليهود والنصارى نشهد عليهم بالنار. إذاً من كان من أهل الإسلام فلا تشهد له بخير ولا شر فإنك لا تدري بما يختم له عند الموت وإنما ترجو له رحمة الله وتخاف عليه ذنوبه، ولا تدري ما يسبق له عند الموت؛ لأنك لا تدري ما هي الخاتمة، ولا ما يسبق له عند الموت فإذا مات الإنسان على الإسلام فإنك ترجو له رحمة الله، وتخاف عليه ذنوبه.

لكل ذنب توبة

لكل ذنب توبة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وما من ذنب إلا وللعبد منه توبة]. فمن تاب تاب الله عليه، والمهم أن تكون التوبة نصوحاً بأن يندم صاحب الذنب على ما مضى، ثم يعزم عزماً جازماً على ألا يعود إليه، أما إذا كانت التوبة مؤقتة كأن يتوب في رمضان وهو ينوي أنه يرجع إلى المعاصي بعد انتهاء رمضان فهذه ليست توبة، فلا بد أن يعزم عزماً جازماً على ألا يعود إلى المعصية بعد تركه إياها، والندم عليها. ولا بد من رد المظالم إلى أهلها، وأن تكون التوبة قبل وصول الروح إلى الحلقوم، وقبل طلوع الشمس من مغربها في آخر الزمان، فإذا تحققت هذه الشروط فهي توبة نصوح. وأي ذنب ولو كان كفراً أو شركاً فإن له توبة، فقد عرض الله التوبة على أكثر الناس كفراً وهم المثلثة من النصارى الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة، فقال تعالى: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ} [المائدة:73 - 74]. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والرجم حق]. وهو رجم الزاني المحصن، فإذا زنا وثبتت عليه البينة بشهادة أربعة عدول أو بإقراره على نفسه، وكان قد تزوج ولو في العمر مرة ولو لم يكن معه زوجة، وإذا تزوج ولو ليلة واحدة ودخل بها فإنه يسمى محصناً، فإذا زنا بعد ذلك رجم، وإن لم يكن محصناً بأن لم يتزوج فإنه يجلد مائة جلدة ويغرب عاماً عن البلد، قال الله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النور:2]. وفي حديث عبادة بن الصامت، قال عليه الصلاة والسلام: (خذوا عني، خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلاً: الثيب بالثيب جلد مائة والرجم، والبكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام). فالثيب يرجم بالحجارة حتى يموت، والبكر يجلد مائة جلدة ويغرب عن البلد عاماً. وقوله: (الرجم حق) هذه من مسائل الفروع، لكن المؤلف نص عليها للرد على الخوارج الذين أنكروا الرجم، بحجة أنه زيادة على القرآن وهم لا يقبلون ما زاد عن القرآن بزعمهم.

بيان أن المسح على الخفين سنة

بيان أن المسح على الخفين سنة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والمسح على الخفين سنة]. والأحاديث في ذلك متواترة خلافاً للروافض الذين أنكروا المسح على الخفين، فالعلماء يذكرون المسح على الخفين في كتب العقائد للرد على الروافض الذين ينكرون المسح على الخفين، وكذلك غسل الرجلين في الوضوء وهم يقولون: إن الواجب مسح ظهور القدمين، فإذا كانت الرجلان مكشوفتين فيمسحونها بعد تبليل أيديهم بالماء، وإذا كان عليهما الخفان وجب خلع الخفين ومسح ظهور القدمين. والأحاديث في المسح على الخفين بلغت حد التواتر حتى إن الذين نقلوا كيفية الوضوء عن النبي صلى الله عليه وسلم قالوا: غسلاً للرجلين المكشوفتين ومسحاً للخفين، وأكثر الذين نقلوا نص الآية وهي قوله عز وجل في سورة المائدة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة:6]، فالآية متواترة؛ لأن القرآن كله متواتر، لكن تواتر كيفية الوضوء غسلاً ومسحاً أقوى من تواتر نص الآية، وذلك أن الصحابة كلهم يتوضئون، وكلهم شاهدوا غسل الرجلين ومسح الخفين من النبي صلى الله عليه وسلم، ومن لم يشاهد النبي صلى الله عليه وسلم فقد نقله عن غيره بخلاف نص الآية، فليس كل أحد يحفظ الآية فالبعض يحفظ الآية والبعض لا يحفظها، أما الوضوء فكلهم يتوضئون وليس هناك أحد لا يتوضأ، فالآية متواترة ونقل كيفية الوضوء أقوى تواتراً وأكثر عدداً من الذين نقلوا نص الآية.

تقصير الصلاة والإفطار أثناء السفر

تقصير الصلاة والإفطار أثناء السفر قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وتقصير الصلاة في السفر سنة]. قصر الصلاة الرباعية وهي الظهر والعصر والعشاء، أما المغرب والفجر فلا يقصران. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والصوم في السفر: من شاء صام، ومن شاء أفطر]. والإنسان مخير في الصوم فمن شاء صام ومن شاء أفطر؛ لما ثبت في الأحاديث الصحيحة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسافر ومعه أصحابه فبعضهم صائم وبعضهم مفطر، ولا يعيب الصائم على المفطر، ولا المفطر على الصائم. واختلف العلماء هل الأفضل للمسافر الصوم أو الفطر؟ فقيل الصوم أفضل؛ لأنه أسرع في براءة الذمة، وقيل: الفطر أفضل؛ لأنه أخذ برخصة الله، وقيل: هما سواء. والصواب: إن كان الصوم يشق على المسافر فالفطر أفضل، وإن لم يشق فقيل الفطر أفضل؛ لأنه فيه أخذ برخصة الله، وإن كان الإنسان نشيطاً فله أن يصوم وإن رأى أن يفطر فلا حرج، الأمر في هذا واسع. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولا بأس بالصلاة في سراويل]. والسروال هو الذي يستر النصف الأسفل من جسم الإنسان، ويضع على كتفيه الرداء ويصلي في رداء وسروال أو رداء وإزار، أو قميص وهو الثوب.

معنى النفاق

معنى النفاق قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والنفاق أن تظهر الإسلام وتخفي الكفر]. هذا معنى النفاق الأكبر: وهو أن يظهر الإنسان الإسلام ويبطن الكفر وصاحبه مخلد في النار، بل في الدرك الأسفل من النار. وهناك كفر عملي وهي المعاصي كالكذب في الحديث، وخلف الوعد، والفجور في الخصومة، والغدر في العهود، وهذا يسمى نفاقاً أصغر، لكن النفاق الأكبر الذي يخرج من الملة ما ذكره المؤلف فهو يظهر الإسلام ويخفي الكفر، وهذا نفاق عبد الله بن أبي وأصحابه.

بيان أن الدنيا دار إسلام ما دامت تقام فيها الشرائع والشعائر

بيان أن الدنيا دار إسلام ما دامت تقام فيها الشرائع والشعائر قال المؤلف رحمه الله تعالى: [واعلم بأن الدنيا دار إيمان وإسلام]. قال الإمام أبو بكر الإسماعيلي في اعتقاد أهل السنة: ويرون -أي: أهل السنة- أن الدار دار إسلام لا دار كفر كما رأته المعتزلة، ما دام النداء بالصلاة والإقامة بها ظاهرين وأهلها ممكنين. فإذا كان في البلد من يقيم الإسلام وينادي بالصلاة فهي دار إسلام، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أغار على قوم انتظر فإن سمع النداء تركهم، وإن لم يسمع النداء أغار عليهم؛ لأنهم ليسوا مسلمين. فتكون الدار دار إيمان وإسلام إذا كانت شعائر الإسلام ظاهرة فيها، وإن لم تكن فيها شعائر الإسلام ظاهرة فهي دار كفر. وقال بعضهم: العبرة بالحكم الذي يحكم فيها، فإن كان يحكم فيها بالشريعة فهي دار إسلام، وإن لم يحكم فيها بالشريعة فليست دار إسلام. فمعنى قول المؤلف: (اعلم بأن الدنيا دار إيمان وإسلام) يعني: مادام أن شعائر الإسلام ظاهرة كالنداء بالصلاة والإقامة بها وإظهار شعائر الإسلام. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وأمة محمد صلى الله عليه وسلم فيها مؤمنون في أحكامهم، ومواريثهم، وذبائحهم، والصلاة عليهم]. يعني: يعاملون معاملة المسلمين، فالمواريث يرث كل واحد من أقاربه، وذبائحهم حلال، ويصلى عليهم؛ لأنهم مسلمون خلافاً للمعتزلة والخوارج الذين يقولون: ليس هناك دار إيمان ولا إسلام، فإذا كان الناس يفعلون المعاصي فليست دار إسلام، ولا تحل ذبائحهم، ولا يصلى عليهم؛ لأنهم كفار، وهذا هو مذهب الخوارج والمعتزلة والروافض. يقول الشوكاني في السيل الجرار: الاعتبار بظهور الكلمة، فإن كانت الأوامر والنواهي في الدار لأهل الإسلام بحيث لا يستطيع من فيها من الكفار أن يتظاهر بكفره إلا لكونه مأذوناً له بذلك من أهل الإسلام فهذه دار إسلام، ولا يضر ظهور خصال الكفر فيها؛ لأنها لم تظهر بقوة الكفار، ولا بصولتهم، وإذا كان الأمر بالعكس، فالدار بالعكس.

[7]

شرح كتاب السنة للبربهاري [7] أهل السنة لا يشهدون بكمال الإيمان لأحد حتى يأتي بجميع شرائع الإسلام، ويصلون على المسلم وإن مات محدوداً في زنا ونحوه، ويعملون بالنصوص ولا يخالفونها.

عدم جواز الشهادة لأحد بكمال الإيمان إلا بشروط

عدم جواز الشهادة لأحد بكمال الإيمان إلا بشروط قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولا نشهد لأحد بحقيقة الإيمان حتى يأتي بجميع شرائع الإسلام، فإن قصر في شيء من ذلك كان ناقص الإيمان حتى يتوب، واعلم أن إيمانه إلى الله تعالى، تام الإيمان أو ناقص الإيمان، إلا ما أظهر لك من تضييع شرائع الإسلام]. يعني: لا نشهد لشخص بأنه مؤمن إيماناً حقيقياً حتى يوحد الله ويؤدي الفرائض وينتهي عن المحارم، فيقال له: مؤمن حقاً، ومؤمن كامل الإيمان، أما إذا قصر في شيء من ذلك بأن فعل المحرمات وترك الواجبات فإنها تنتفي عنه حقيقة الإيمان؛ لأنه ناقص الإيمان حتى يتوب، فيقال في المطيع الذي يؤدي الفرائض وينتهي عن النواهي: مؤمن كامل الإيمان أو يقال له: مؤمن حقاً، والعاصي لا يعطى حقيقة الإيمان فلا يقال: إنه مؤمن حقاً، فليس بصادق الإيمان، فإذا أثبت الإيمان فيقال: مؤمن ناقص الإيمان، أو مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته، وفي النفي لا تقل: ليس بمؤمن وتسكت؛ لأنك إذا قلت ليس بمؤمن وافقت الخوارج والمعتزلة، وإذا قلت مؤمن وافقت المرجئة فلا بد من القيد فتقول: مؤمن ناقص الإيمان، أو مؤمن ضعيف الإيمان، أو مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته، وفي النفي تقول: ليس بصادق الإيمان، أو ليس بمؤمن حقاً، هذا معنى قول المؤلف: (ولا نشهد لأحد بحقيقة الإيمان) يعني: لا نقول إنه مؤمن حقاً حتى يأتي بجميع شرائع الإسلام فإن قصر كان ناقص الإيمان حتى يتوب، واعلم أن إيمانه إلى الله تعالى تام الإيمان أو ناقص الإيمان، يعني: الله تعالى أعلم بالشخص هل هو تام الإيمان أو ناقص الإيمان إلا ما ظهر لك من تضييع شرائع الإسلام، فإذا ظهر لك أنه ضيع شرائع الإسلام وترك بعض الواجبات عرفت أنه ناقص الإيمان.

جواز الصلاة على من مات من المسلمين العصاة

جواز الصلاة على من مات من المسلمين العصاة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والصلاة على من مات من أهل القبلة سنة: المرجوم، والزاني، والزانية، والذي يقتل نفسه وغيره من أهل القبلة، والسكران وغيره]. كل من مات من أهل القبلة أي: كل من يستقبل القبلة في الصلاة والذكر والذبح ويلتزم بشرائع الإسلام فيشرع أن يصلى عليه وإن كان من العصاة مثل: المرجوم، والزاني، والزانية، والذي يقتل نفسه، والسكران وغيرهم من أهل القبلة فهذا ما ذهب إليه المؤلف وهو قول لبعض العلماء. وقال بعض العلماء: إن المرجوم لا يصلى عليه، والزاني والذي يقتل نفسه لا يصلي عليه الأعيان والوجهاء كالعلماء وغيرهم تنفيراً وزجراً للأحياء حتى لا يفعلوا مثل فعلهم، ولكن يصلي عليهم بقية الناس لما جاء في بعض الأحاديث والتي تنص على أن بعض العصاة لا يصلى عليه كالقاتل ومن قتل نفسه، فلا يصلي عليه الوجهاء والأعيان والعلماء، فإذا رأى الحي أن القاتل لا يصلى عليه خاف أن يكون حاله مثله وألا يصلى عليه إذا مات، فيكون زجراً للأحياء، ويصلي عليه بقية الناس، والمؤلف يرى جواز أن يصلى على الجميع ولا فرق، فقال: (الصلاة على من مات من أهل القبلة سنة).

ذكر نواقض الإسلام

ذكر نواقض الإسلام قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولا يخرج أحد من أهل القبلة من الإسلام حتى يرد آية من كتاب الله عز وجل، أو يرد شيئاً من آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو يذبح لغير الله أو يصلي لغير الله، وإذا فعل شيئاً من ذلك فقد وجب عليك أن تخرجه من الإسلام، وإذا لم يفعل شيئاً من ذلك فهو مؤمن مسلم بالاسم لا بالحقيقة]. يقول: لا نخرج أحداً من الإسلام إلا إذا فعل مكفراً، كأن يرد آية من كتاب الله عز وجل أو يجحد آية من آيات الله، كأن يرد آية الاستواء وهي قوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الأعراف:54]، لا متأولاً بل جاحداً، وهناك فرق بين المتأول والجاحد، فالمتأول يقول: (استوى) بمعنى: استولى وهذا عاص مبتدع؛ لأنه يعتقد أنها آية، ولا ينكرها ولكنه يؤولها. أما الجاحد فهو ينكر ويعتقد أنها ليست آية، والجاحد يكفر بينما المتأول لا يكفر؛ ولهذا قال المؤلف: (لا يخرج أحد من أهل القبلة من الإسلام حتى يرد آية من كتاب الله، أو يرد شيئاً من آثار رسوله صلى الله عليه وسلم)، كأن يرد حديثاً ثابتاً من الأحاديث المتواترة بعد علمه أنه حديث ثابت متواتر. (أو يذبح لغير الله) إن ذبح لغير الله صار مشركاً كافراً. (أو يصلي لغير الله) إذا فعل شيئاً من ذلك فقد وجب عليك أن تخرجه من الإسلام إذا رأيت أحداً يدعو غير الله يقول: يا رسول الله اشفع لي، أو يقول: مدد يا بدوي! مدد يا دسوقي! مدد يا عبد القادر! خذ بيدي، أو يذبح أو عجلاً أو دجاجة للبدوي أو للحسين، أو للرسول أو للنجم أو للقمر، أو ينذر إن شفا الله مريضه ليذبحن خروفاً على روح السيد البدوي، أو على روح الرسول أو يطوف في القبر تقرباً إليه فهذا كافر مشرك، وإذا صلى لغير الله فهو مشرك. إذا فعل الإنسان شيئاً من ذلك وجب عليك أن تخرجه من الإسلام أي: تعتقد جازماً أنه كافر؛ لأنه من لم يكفر المشركين أو شك في كفرهم فهو كافر مثلهم؛ لأنه لم يكفر بالطاغوت، والتوحيد لا بد له من شيئين: كفر بالطاغوت، وإيمان بالله، قال تعالى: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى} [البقرة:256]، ومن لم يكفر الكافر لم يكفر بالطاغوت، وكلمة التوحيد: لا إله إلا الله فيها كفر وإيمان، لا إله: كفر بالطاغوت، إلا الله: إيمان بالله، ومن لم يكفر الكفار والمشركين ويقول: إن النصارى على الحق، ويقول: اليهود على دين، والنصارى على دين، والمسلمين على دين وكل هذه الأديان نزلت من السماء فقد وقع في الكفر، ومن لم يكفره أو شك في كفره فهو كافر مثله، ومن لم يكفر اليهود أو النصارى أو شك في كفرهم فهو كافر مثلهم؛ لأنه لم يكفر بالطاغوت، فإذا فعل شيئاً من ذلك فقد وجب عليك أن تخرجه من الإسلام، وإذا لم يفعل شيئاً من ذلك فهو مؤمن مسلم، يعني: نسميه مسلماً وتجري عليه أحكام الإسلام. (لا بالحقيقة) فلا يكون مؤمناً حقاً إلا إذا أدى الفرائض وانتهى عن المحرمات، وإذا كان موحداً لله يؤدي الصلوات والواجبات ويترك المحرمات؛ ولكنه يترك بعض الفرائض أو يقصر فيها أو يفعل بعض المحرمات فنقول: هو مؤمن ناقص الإيمان وليس مسلماً حقاً. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وكل ما سمعت من الآثار مما لم يبلغه عقلك نحو قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن عز وجل)، وقوله: (إن الله تبارك وتعالى ينزل إلى السماء الدنيا) (وينزل يوم عرفة) (وينزل يوم القيامة) (وجهنم لا يزال يطرح فيها حتى يضع عليها قدمه جل ثناؤه)، وقول الله تعالى للعبد: (إن مشيت إلي هرولت إليك) وقوله: (إن الله تبارك وتعالى ينزل يوم عرفة)، وقوله: (إن الله خلق آدم على صورته) وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (رأيت ربي في أحسن صورة)، وأشباه هذه الأحاديث؛ فعليك بالتسليم والتصديق والتفويض والرضا، لا تفسر شيئاً من هذه بهواك، فإن الإيمان بهذا واجب، فمن فسر شيئاً من هذا بهواه أو رده فهو جهمي]. يقول المؤلف رحمه الله: (وكل ما سمعت من الآثار -يعني: من الأحاديث- مما لم يبلغه عقلك فعليك بالتسليم والتصديق) فإذا سمعت شيئاً من الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وأنت لا تعرف معناه فقل آمنت بالله وبما جاء عن الله على مراد الله، وآمنت برسول الله وبما جاء عن رسول الله على مراد رسول الله، وتسلم فتقول: سلمت وصدقت وآمنت، وأما الكيفية فأفوضها إلى الله ولا تفسرها بهواك، فإن الإيمان بها واجب، ومن فسر شيئاً بهواه أو رده فهو جهمي. وإذا بلغك شيء من الأحاديث وأنت لا تعرف معناه، فعليك أن تسلم بما جاء وتصدق وترضى، وتقول: آمنت وصدقت ورضيت، وأما كيفيتها فأفوضها إلى الله (ولا تفسر شيئاً منها بهواك، فإن الإيمان بهذا واجب ومن فسر شيئاً منها بهواه أو رده فهو جهمي) ومثل المؤلف رحمه الله لهذه الأحاديث بمثل قول النبي صلى الله عليه وسلم: (قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن)، إذا أراد أن يقلب قلب عبد قلبه، فقل: آمنت بالله وتثبت الأصابع لله بنص الحديث السابق على الوجه اللائق به والله أعلم بالكيفية. وقوله: (بين أصبعين) فلا يلزم من البينية المماسة فالسحاب قال الله عز وجل فيه: {وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ} [البقرة:164]، إذاً السحاب بين السماء والأرض، والسحاب ليس ملاصقاً للسماء وليس ملاصقاً للأرض، ولا يلزم منها المماسة. وقوله عليه الصلاة والسلام (إن الله تبارك وتعالى ينزل إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له) فنؤمن من خلال هذا الحديث بأن الله ينزل، ولكن الله أعلم بكيفية النزول كما قال الإمام مالك لما سئل في الاستواء: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة. فنعتقد أن الله ينزل ولا نعلم كيف ينزل، فهو ينزل نزولاً يليق بجلاله وعظمته ليس مثل نزول المخلوق، ومن اعتقد أن الله يكون بين طبقتين، وأن السماء تكون فوقه والأرض تحته فقد شبه الله بخلقه، والله تعالى لا يكون فوقه أحد من خلقه فهو فوق المخلوقات سبحانه وتعالى، وسقف المخلوقات ونهايتها عرش الرحمن والله تعالى فوق العرش. وكذلك قوله: (ينزل يوم عرفة إلى سماء الدنيا فيباهي بأهل الموقف ملائكته، يقول: يا ملائكتي! انظروا إلى عبادي أتوني شعثاً غبراً، من كل فج عميق، أشهدكم أني قد غفرت لهم) وينزل يوم القيامة كذلك. وفي حديث جهنم قال عليه الصلاة والسلام: (لا يزال يطرح فيها) وجاء في لفظ الحديث: (لا يزال يلقى فيها)، والمؤلف روى الحديث بالمعنى ولفظ الحديث: (لا تزال جهنم يلقى فيها من أهلها، وتقول: هل من مزيد هل من مزيد، حتى يضع فيها رب العزة قدمه- وفي لفظ: رجله- فينزوي بعضها إلى بعض وتقول: حسبي، حسبي) أي: يكفيني يكفيني، وهذا فيه إثبات القدم لله كما يليق بجلاله وعظمته، وإثبات الرجل لله عز وجل. وقول الله تعالى للعبد: (إن مشيت إلي هرولت إليك) وهذا الحديث رواه المؤلف بالمعنى، وهو قوله عليه الصلاة والسلام (إن الله لا يمل حتى تملوا، ومن أتى إلي يمشي أتيته هرولة)، وهذا كما يليق بجلال الله وعظمته، ومن آثار هذه الصفة أن الله لا يقطع الثواب عن العبد حتى يقطع العبد العمل. وقوله عليه الصلاة والسلام: (خلق الله آدم على صورته، طوله في السماء ستون ذراعاً) أي: طول آدم، وهذا فيه إثبات الصورة لله عز وجل، فقوله: (خلق الله آدم على صورته) الضمير يعود إلى الله، لما جاء في الحديث الآخر: (خلق الله آدم على صورة الرحمن). وقال بعض الجهمية: إن الضمير يعود إلى آدم، ولهذا لما سأل عبد الله بن الإمام أحمد قال: قلت لأبي: خلق الله آدم على صورة آدم، قال: هذا قول الجهمية. وقيل: إن الضمير يعود إلى المضروب وهو الوجه فقد جاء في الحديث: قال: (لا تضرب الوجه فإن الله خلق آدم على صورته) وهذه أقوال باطلة، والصواب أن الضمير يعود إلى الله، وهذا فيه إثبات الصورة لله عز وجل كما يليق بجلاله وعظمته. وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (رأيت ربي في أحسن صورة)، وهذا ثابت، وقد جاء هذا الحديث في رؤيا النوم، ورؤيا الأنبياء وحي، قال عليه الصلاة والسلام: (رأيت ربي في أحسن صورة فقال: يا محمد، في أي شيء يختصم الملأ الأعلى؟ فقلت: لا أدري يا رب! فوضع يده بين كتفي حتى وجدت برد أنامله بين ثديي فعلمت، فقلت: يختصم في نقل الأقدام إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة) إلى آخر الحديث. يقول المؤلف: (وأشباه هذه الأحاديث عليك بالتسليم والتصديق والتفويض) والمقصود بالتفويض أن تفوض علم الكيفية ولا تفسر شيئاً منها بهواك، أما المعنى فهو معروف ولا نفوضه، ومن فسر شيئاً من الكيفية أو رده فهو جهمي.

كفر من زعم رؤية الله في الدنيا

كفر من زعم رؤية الله في الدنيا قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ومن زعم أنه يرى ربه في دار الدنيا فهو كافر بالله عز وجل]. وهذا ما يقوله بعض الصوفية، فبعضهم يزعمون أنهم يرون ربهم، وقالوا: إن كل شيء أخضر قد يكون الله منه، وقال بعض المشبهة -قاتلهم الله- وأكثرهم من غلاة الشيعة: إن الله يرى في الدنيا، وإنه ينزل عشية عرفة على جمل، وإنه يعانق، ويصافح ويسامر، وهذا كله كفر وضلال. ويقولون كذلك: إن الله على صورة الإنسان، وقال بعضهم: يبكي ويحزن ويندم، كما قالت اليهود قبحهم الله وهذا قول المشبهة من غلاة الشيعة كالبيانية الذين ينتسبون إلى بيان بن سمعان التميمي، والسالمية الذين ينتسبون إلى هشام بن سالم الجواليقي، وداود الجواربي وهؤلاء كفرة، فالله تعالى فوق العرش: {وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} [الزمر:67]، وفي الحديث: (إن الله يضع السماوات على أصبع، والأرضين على أصبع، والماء على أصبع، والجبال على أصبع، وسائر الخلق على أصبع، ثم يهزهن بيده فيقول: أنا الملك، أين ملوك الأرض؟) وهؤلاء الملاحدة يقولون: إنه ينزل عشية عرفة على جمل ويحاضر ويسامر ويصافح قبحهم الله. ولهذا قال المؤلف: (ومن زعم أنه يرى ربه في الدنيا فهو كافر) واتفق العلماء على أنه لا يراه أحد في الدنيا، ولا يمكن لأحد أن يرى الله في الدنيا سواء كان من الملائكة أو من غيرهم، فقد قال عليه الصلاة والسلام: (حجابه النور، لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه) فلا يحتمل أحد رؤيته، فقد احتجب الله عن خلقه بحجب، وقد جاء في بعض الآثار: أنها حجب من نار وظلمات وثلوج، والله أعلم بها. ولما طلب موسى أن يرى ربه في الدنيا قال الله: {لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا} [الأعراف:143] وهو صخر أصم ولكنه تدكدك ولم يصمد لرؤية الله، {وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا} [الأعراف:143] أي: غشي عليه {فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ} [الأعراف:143] فلا يراك أحد في الدنيا إلا مات، لكن في يوم القيامة ينشئ الله المؤمنين نشأة قوية يتحملون فيها رؤية الله؛ ولأنها رؤية نعيم خاص بأهل الجنة. واتفق العلماء على أن الله لا يراه أحد في الدنيا، ولم يتنازعوا إلا في رؤية نبينا صلى الله عليه وسلم لربه، واختلفوا هل رآه ليلة المعراج في السماء، على قولين: قيل: إنه رأى ربه، وقيل: إنه لم يره، والصواب أنه لم يره، وقال بعضهم: إنه رآه بعين قلبه، والصواب أنه لم ير ربه في الدنيا؛ لقول الله تعالى: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} [الشورى:51]، فكلمه الله من وراء حجاب، وفرض عليه الصلاة لكنه لم ير ربه، وهذا هو الصواب.

النهي عن التفكير في ذات الله

النهي عن التفكير في ذات الله قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والفكرة في الله تبارك وتعالى بدعة؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (تفكروا في الخلق، ولا تفكروا في الله) فإن الفكرة في الرب تفتح الشك في القلب]. المقصود: التفكر في ذات الله، وليس في صفات الله وعظمته؛ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (تفكروا في الخلق، ولا تفكروا في الله)، أخرجه أبو الشيخ في كتابه العظمة، من حديث ابن عباس مرفوعاً، وإسناده ضعيف ولكن له شواهد أخرى وعلى هذا فيكون بشواهده حسناً لغيره. فلا يتفكر الإنسان في ذات الله، وإنما يتفكر في صفات الله، فيتفكر في علم الله الواسع وفي عظمته وفي قدرته.

بيان أن المخلوقات غير البشرية مأمورة

بيان أن المخلوقات غير البشرية مأمورة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [واعلم أن الهوام والسباع والدواب كلها نحو الذر والنمل والذباب، كلها مأمورة، لا يعملون شيئاً إلا بإذن الله تبارك وتعالى]. وقال في نسخة: (لا يعلمون) الصواب: لا يعملون أي عمل ولا أي حركة إلا بإذن الله وبإرادته, أما العلم فهذا معروف أنهم لا يعلمون شيئاً إلا بإذن الله، لكن المقصود العمل، فلا يتحرك أي مخلوق حركة ولا يعمل شيئاً إلا بإذن الله، والمراد: إذن الله الكوني القدري، وكذلك العلم، فالهوام وغيرها لا يعلمون إلا ما علمهم الله.

كفر من أنكر شيئا من علم الله

كفر من أنكر شيئاً من علم الله قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والإيمان بأن الله تبارك وتعالى قد علم ما كان من أول الدهر، وما لم يكن، وما هو كائن أحصاه الله وعده عداً، ومن قال: إنه لا يعلم ما كان وما هو كائن فقد كفر بالله العظيم]. العلم صفة من صفات الله عز وجل فمن أنكر علم الله فهو كافر, وهو أول مراتب القدر الأربع، وهو أن تؤمن بأن الله علم ما كان في الأزل -أي: في الماضي- ويعلم ما يكون في الوقت الحاضر، ويعلم ما سيكون في المستقبل، ويعلم المستحيل -أي: يعلم ما لم يكن لو كان كيف سيكون- قال الله تعالى عن الكفار لما طلبوا العودة إلى الدنيا: {وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ} [الأنعام:28] وهذا علم الله بما لم يكن لو كان كيف يكون, وقال أيضاً عن الكفار: {وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ} [الأنفال:23] , وقال الله عن المنافقين الذين لم يخرجوا في غزوة تبوك: {وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ * لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا} [التوبة:46 - 47] وهم ما خرجوا ولكن علم الله ما سيكون منهم لو خرجوا, فلا بد من الإيمان بعلم الله تعالى، ومن قال إنه لا يعلم ما كان وما هو كائن فقد كفر بالله العظيم؛ لأنه نسب الله للجهل.

بيان شروط النكاح

بيان شروط النكاح قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل وصداق، قل أو كثر، ومن لم يكن له ولي فالسلطان ولي من لا ولي له]. الولي: هو ولي المرأة وهو أبوها، ثم جدها، ثم ابنها، ثم ابن ابنها، ثم أخوها الشقيق، ثم أخوها لأب، ثم العم الشقيق، ثم العم لأب، ثم ابن العم الشقيق، ثم ابن العم لأب، ثم الحاكم بالترتيب, ولا بد من شاهدي عدل؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا نكاح إلا بولي، وشاهدي عدل، وصداق) فلا بد من أربعة أمور: ولي يعقد النكاح, وزوج يُعقد له النكاح, وشاهدين, ولا بد من صداق وهو المهر الذي يدفع للمرأة قل أو كثر. قوله: (ومن لم يكن له ولي فالسلطان ولي من لا ولي له)، فالتي ليس لها ولي تنتقل إلى السلطان، والسلطان يبعثها إلى الحاكم وهو القاضي، والقاضي يعقد النكاح للمرأة التي لا ولي لها.

لا تحل المطلقة ثلاثا للأول حتى تنكح غيره

لا تحل المطلقة ثلاثاً للأول حتى تنكح غيره قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وإذا طلق الرجل امرأته ثلاثاً فقد حرمت عليه، ولا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره]. إذا طلق الرجل امرأته ثلاثاً فقد حرمت عليه ولا تحل له حتى تنكح زوجاً آخر يدخل بها ويجامعها ثم يطلقها الثاني أو يموت عنها، فتحل للأول، لكن لو تزوجت رجلاً وطلقها قبل الدخول أو لم يدخل بها، بأن كان ممنوعاً ولم يجامعها فلا تحل للأول؛ قال الله تعالى: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة:229] , ثم قال بعد ذلك: {فَإِنْ طَلَّقَهَا} [البقرة:230] يعني: الثالثة، {فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة:230]. وثبت: (أن رفاعة طلق امرأته ثم تزوجت رجلاً يقال له: ابن الزَبير، وقالت: يا رسول الله! إنما معه مثل هدبة الثوب، -يعني عندما يجامعها- فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة! لا، حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك) يعني: الجماع. فدل على أن المرأة المطلقة ثلاثاً لا تحل حتى تنكح زوجا ً آخر ويجامعها ثم يطلقها أو يموت عنها، وبشرط ألا يكون محللاً, فإن اتفق مع الزوج أو مع الزوجة على أن يحلل له فهو ملعون، وهو التيس المستعار، ولا تحل للزوج الأول؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لعن الله المحلِّل والمحلَّل له) وسماه النبي صلى الله عليه وسلم التيس المستعار. إذا طلق الرجل امرأته ثلاثاً واتفق مع رجل آخر بأن يتزوجها ليلة ويطلقها حتى تحل له, فلا تحل له، فلا بد أن تنكح زوجاً آخر نكاح رغبة لا نكاح تحليل، ولا بد أن يجامعها ثم يطلقها أو يموت عنها, فحينئذ تحل للأول. وفق الله الجميع لطاعته، ورزق الله الجميع العلم النافع والعمل الصالح.

الأسئلة

الأسئلة

زواج عيسى إذا نزل آخر الزمان وبيان معنى القائم من آل محمد

زواج عيسى إذا نزل آخر الزمان وبيان معنى القائم من آل محمد Q ذكر المصنف رحمه الله أن عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام يتزوج، ما مستنده في ذلك؟ ومن هو القائم من آل محمد؟ A عيسى عليه الصلاة والسلام ينزل في آخر الزمان ويحكم بشريعة نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، أما قوله (يتزوج) فقد جاء في بعض الأحاديث أنه يتزوج ويولد له وهذا ما أخذه المؤلف، وجاء في بعضها أنه يمكث سبع سنين ثم يتوفاه الله ويموت الموتة التي كتبها الله عليه، أخذاً ببعض الأحاديث، وهذا يحتاج إلى مراجعة الأحاديث في ثبوتها. وأما القائم من آل محمد فالمراد به المهدي؛ لأنه من سلالة النبي صلى الله عليه وسلم من ولد فاطمة، واسمه كاسم النبي صلى الله عليه وسلم وكنيته ككنيته، هو محمد بن عبد الله المهدي، يبايع له في آخر الزمان الذي ليس للناس فيه إمام فيحكم بالعدل ثم يخرج في زمانه الدجال، ثم ينزل عيسى.

صبر المؤمن على الحاكم الكافر

صبر المؤمن على الحاكم الكافر Q إذا كان الحاكم كافراً ولا نستطيع تغييره، فهل يلزم الإنسان أن تكون في عنقه بيعة له؟ A إذا كان كافراً بالشروط التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم: (كفراً بواحاً عندكم فيه من الله برهان) فيصبر الناس عليه، ويبقى على ما كان ليس لك من الأمر شيء، سواء كان في عنقك بيعة له أو ليس في عنقك بيعة، فأنت لا تستطيع أن تعمل شيئاً، وإنما عليك أن تصبر حتى ييسر الله للأمة من يتولى أمرها من المسلمين.

بيان أن البيعة تكون لكل حاكم قطر

بيان أن البيعة تكون لكل حاكم قطر Q بالنسبة للبيعة هل تشترط لكل قطر بيعة، أم أنها تكون عامة لإمام المسلمين جميعاً؟ A تكون بيعة عامة إذا كانت خلافة عامة، وتكون لإمام المسلمين مثل خلافة الخلفاء الراشدين ومثل خلافة خلفاء الدولة الأموية والدولة العباسية ثم الدولة العثمانية, وبعد سقوط الدولة العثمانية قسم الاستعمار بلاد المسلمين إلى دويلات وكل بلد دولة وعليها حاكم، والحكام يحصل بينهم خلاف ونزاع وحروب, فلا يوجد في أي عصر من عصور الدولة الإسلامية مثل هذا العصر الذي تقسم فيه المسلمون إلى دويلات فكل أهل بلد لهم بيعة لإمامهم.

حكم الدعاء للكافرين من حكام المسلمين

حكم الدعاء للكافرين من حكام المسلمين Q من معتقد أهل السنة: الدعاء للحاكم وولي الأمر، فهل يجوز الدعاء للكافرين من أولياء الأمور، وهل من السنة المداومة على الدعاء في الخطب؟ A هذا سيأتي في كلام المؤلف رحمه الله، فالدعاء لولاة الأمور بالصلاح والمعافاة نقل عن الفضيل بن عياض أنه قال: لو علمت دعوة صالحة لاختصصت بها السلطان؛ فبصلاحه تصلح الرعية، والكافر يدعى له بالهداية، ولما عصت دوس وقالوا: يا رسول الله! ادع على دوس فقد عصوا، وقال الناس: هلكت دوس، فقال: (اللهم اهد دوساً، وائت بهم) فهداهم الله وجاءوا مسلمين تائبين.

ثبوت الخلافة لمن تولى أمر المسلمين بالقوة والغلبة

ثبوت الخلافة لمن تولى أمر المسلمين بالقوة والغلبة Q هل تثبت الإمامة بالقوة والغلبة، وهل أجمع العلماء على ذلك؟ A نعم، فإن الحديث دل عليه وهو قول أبي ذر: (أمرني خليلي أن أسمع وأطيع وإن كان عبداً حبشياً مجدع الأطراف) فلولا أنها تثبت الخلافة ما أمره النبي أن يصبر عليه.

ضوابط الكفر البواح الصادر عن الإمام

ضوابط الكفر البواح الصادر عن الإمام Q من قال إن حالات الكفر البواح ثلاث وهي أولاً: كفر الإمام وتصريحه بذلك, ثانياً: أن يقوم نظام الدولة على الكفر, ثالثاً: أن يظهر الكفر في المجتمع ولا يغيره الإمام , فهل هذا صحيح؟ A الكفر البواح يعرف, وليس خاصاً، فقد يتعلق بنفسه، ويتعلق بأفعاله، ومنها تغيير الأحكام الشرعية في جميع أمور الدولة، وقد قال بعض العلماء: إن هذا من الكفر, وقال آخرون: لابد من قيام الحجة عليه؛ لأنه قد يكون جاهلاً أو قد تكون له شبهه، وقال آخرون كالحافظ ابن كثير وغيره: إنه إذا غير أحكام الشريعة في كل شيء رأساً على عقب فقد بدل الدين، وهذا كفر وضلال.

وجوب هجرة المسلم من البلاد التي لا يستطيع أن يقيم دينه فيها

وجوب هجرة المسلم من البلاد التي لا يستطيع أن يقيم دينه فيها Q إذا ارتد الإمام وقال: إن الشرع الإسلامي لا يصلح الآن؛ وعجز المسلمون عن خلعه، فهل يهاجر المسلم إلى بلد آخر؟ A نعم، إذا استطاع المسلمون فتجب عليهم الهجرة وإذا كانت البلاد بلاد كفر، وكان لا يستطيع المسلم أن يقيم فيها فيجب عليه الهجرة عند الاستطاعة , فإن كان من المستضعفين فقد عذره الله, والله تعالى أوجب الهجرة من بلاد الكفار بقوله: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ} [النساء:97]، وقد نزلت هذه الآية في بعض ضعفاء المؤمنين الذين بقوا في مكة ولم يهاجروا إلى المدينة، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ} [النساء:97] الملائكة تخاطبهم عند الموت, {قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء:97] دل على أن عدم الهجرة, وأن بقاءهم في بلد الشرك من كبائر الذنوب، ثم عذر الله المستضعفين فقال: {إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا * فَأُوْلَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا} [النساء:98 - 99] فهؤلاء معذورون؛ لأنهم لا يستطيعون, فإذا كان لا يستطيع أن يقيم دينه، فيجب عليه أن يهاجر إذا استطاع.

الجمع بين تجويز المؤلف الصلاة بالسراويل وبين قوله: (تسرولوا واتزروا)

الجمع بين تجويز المؤلف الصلاة بالسراويل وبين قوله: (تسرولوا واتزروا) Q كيف نجمع بين قول المؤلف: لا بأس بالصلاة بالسراويل, وبين قول النبي صلى الله عليه وسلم: (تسرولوا واتزروا وخالفوا أهل الكتاب)؟ A ليس هناك منافاة, فقوله عليه الصلاة والسلام: (تسرولوا) أمر بارتداء السروال، وقد أجاز المؤلف الصلاة بالسروال, فهما متفقان وليسا مختلفين, وكلاهما أباح الصلاة بالسروال، أما حديث: (تسرولوا واتزروا) فلا أعلم صحته ويحتاج إلى ثبوت، وعلى السائل أن يعزو هذا الحديث حتى ننظر إن كان صحيحاً أو غير صحيح.

حكم الصلاة في السراويل الضيقة

حكم الصلاة في السراويل الضيقة Q هل تجوز الصلاة بالسراويل الضيقة وما يسمى بالسراويل الجنز وغيرها؟ A لا ينبغي، فالسراويل الضيقة التي تبين مقاطع الجسد وتؤذي الإنسان عند السجود والركوع وعند الوضوء لا يجوز الصلاة بها, بل ينبغي أن يكون السروال واسعاً فضفاضاً مريحاً للإنسان, والجنز إذا كان فيه تشبه بالكفرة فلا يجوز لبسه، لكن السراويل والبنطلونات الآن لم تعد خاصة بالكفار، فقد صارت عامة، كذلك فإذا كان واسعاً فلا بأس بالصلاة به, وإن كانت الصلاة في الثوب أحسن وأريح. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من تشبه بقوم فهو منهم).

حكم الدول التي تحمي الكفار وتبني الكنائس

حكم الدول التي تحمي الكفار وتبني الكنائس Q كثير من البلاد الإسلامية لا يحكم فيها بالشرع الإسلامي, وفيها حماية للكفار وبناء الكنائس على حساب الحكومات وغيرها، فهل هذه بلاد إسلامية أو غير إسلامية؟ A لا بد من قيام الحجة عليهم ولا بد من كشف الشبهة.

بيان الشيء الذي يتم به وصف البلدة بأنها إسلامية

بيان الشيء الذي يتم به وصف البلدة بأنها إسلامية Q كيف تسمى البلاد الإسلامية، هل بالسكان أم بالدستور أم بالحاكم؟ A فيه خلاف, فبعض العلماء يقول: العبرة بالمسلمين فإذا كان الحكام مسلمين، يظهرون الإسلام، وإقامة شعائر الإسلام فهي بلاد إسلام. وبعضهم يقول: العبرة بالحكم، فإذا كان يحكم فيها بالشريعة فهي بلاد إسلام، وإذا كان يحكم فيها بغير الشريعة فليست بلاد إسلام.

حكم تكفير من قتل نفسه

حكم تكفير من قتل نفسه Q ما الفائدة من الصلاة على قاتل نفسه، وقد ثبت بنص الشارع خلوده في النار؟ A هو ليس بكافر, فالقتل لا يخرج من الملة, ولا يخرج الإنسان من الملة إلا بالشرك, والقتل ليس بشرك إلا إذا استحله, ورأى أن قتل نفسه أو قتل غيره حلال، فهذا كفر؛ لأنه استحل أمراً معلوماً من الدين بالضرورة، أما إذا لم يستحله فهو ضعيف الإيمان ويصلى عليه, فالذي لا يصلى عليه هو الكافر, قال الله تعالى: {وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ} [التوبة:84] ثم جاءت العلة {إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ} [التوبة:84] فمن كفر بالله ورسوله ومن ثبت كفره فلا يصلى عليه، ومن لم يثبت كفره يصل عليه, والقاتل ما ثبت كفره، إنما هو ضعيف الإيمان, وقد سمى الله القاتل أخاً للمقتول بقوله: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ} [البقرة:178] , وهذه أخوة الدين والإيمان. والخوارج هم الذين يكفرون بالمعاصي, ويقولون: القاتل كافر، والزاني كافر، والسارق كافر, ونحن لا نكفر القاتل إلا إذا استحله, والزاني إذا استحل الزنى وقال إن الزنى حلال، أو الربا حلال كفر, أما إذا اعتقد أن الربا حرام لكن الجشع والطمع غلباه فهذا ضعيف الإيمان.

حكم المحصن إذا زنى دون علمه بالعقوبة

حكم المحصن إذا زنى دون علمه بالعقوبة Q إذا زنى المحصن ولم يكن يعلم بعقابه، فهل يعفى عنه، خصوصاً إذا كان كبير السن؟ A لا يعفى عنه إذا كان يعلم أن الزنا حرام بل يقام عليه الحد, أما إذا كان لا يعلم أنه يجب رجمه وقتله، فهذا ليس عذراً له.

حكم صلاة من به سلس ريح

حكم صلاة من به سلس ريح Q سائل يقول: إنه يعاني من سلس ريح، وإنه يعيد وضوءه كثيراً حتى أصيب بالوسواس، فماذا يفعل؟ A إذا كان السلس مستمراً فعليه أن يصلي على حاله, ولا يتوضأ إلا بعد دخول الوقت ولو خرج منه ريح، وحكمه مثل المستحاضة, أما إذا كان ينقطع عنه خروج الريح في وقت دون آخر فإنه يبطل وضوءه، وعليه أن يعيد الوضوء ويصلي في الوقت الذي ينقطع عنه.

ترتيب أشراط الساعة الكبرى

ترتيب أشراط الساعة الكبرى Q ما هي أشراط الساعة الكبرى مرتبة؟ A الأربع الأولى: خروج المهدي، ثم خروج الدجال، ثم نزول عيسى بن مريم، ثم خروج يأجوج ومأجوج، هذه أربعة متوالية مرتبة، وأما الباقي فلا أعلم ترتيبها وهي: خروج الدخان، ونزع القرآن من الصدور ومن المصاحف -والعياذ بالله- وهدم الكعبة، وطلوع الشمس من مغربها، وخروج الدابة، وآخرها النار التي تخرج من قعر عدن هذه عشر.

حكم من سب الله أو رسوله أو دينه

حكم من سب الله أو رسوله أو دينه Q ما حكم من سب الله سبحانه وتعالى، ومن سب نبيه صلى الله عليه وسلم، ومن سب دين الإسلام؟ A هذا كافر بإجماع المسلمين, ومن استهزأ بالله فهو كافر, أو استهزأ بكتاب الله فهو كافر, ومن استهزأ برسول الله فهو كافر بإجماع المسلمين؛ والصواب أنه لا يستتاب بل يقتل ولا تقبل توبته في الدنيا ولو قال إنه تاب؛ لأن كفره غليظ وفي قتله زجر لغيره؛ ولئلا يتجرأ الناس على هذا الكفر الغليظ، وفي الآخرة تقبل توبته بينه وبين الله وهذا هو الصواب من أقوال العلماء، وقال بعض العلماء يستتاب والصواب أنه لا يستتاب في الدنيا لكن في الآخرة إن تاب توبة نصوح فالله يقبل توبته وإن كان كذاباً فهذا حكمه.

حالة ثبوت وصف الإحصان

حالة ثبوت وصف الإحصان Q هل يشترط في الإحصان الدخول؟ A نعم، يشترط في المحصن أن يدخل بزوجته ويجامعها.

ثبوت رؤية الله في المنام

ثبوت رؤية الله في المنام Q هل صحيح أن الإمام أحمد رأى ربه في المنام؟ A لا أعلم, يقول شيخ الإسلام ابن تيمية إن رؤية الله في المنام متفق عليها بين أهل الملل جميعاً وليس هناك أحد أنكرها إلا الجهمية، فمن شدة إنكارهم لرؤية الله أنكروا رؤية الله في المنام, ولكن لا يلزم من ذلك التشبيه, فهو يقول: إن رؤية الإنسان لربه على حسب اعتقاده، فإن كان اعتقاده في ربه وعظمته صحيحاً رأى ربه في صورة حسنة، وإن كان اعتقاده دون ذلك رأى ربه في صورة تناسب حاله وعمله, ولما كان النبي صلى الله عليه وسلم أصح الناس اعتقاداً قال: (رأيت ربي في أحسن صورة). ولا يلزم أن يشابه الله ما رآه في منامه.

حكم طاعة الوالدين إذا أمرا الرجل بتطليق زوجته

حكم طاعة الوالدين إذا أمرا الرجل بتطليق زوجته Q إذا أمرت الأم ابنها بطلاق امرأته فهل يطيعها؟ A لا بد من التأمل ولا يلزمه طاعة الوالدين، بل يجب عليه أن ينظر: فإن كانت الزوجة مستقيمة وليس عليها ذنب فلا يلزمه طلاقها، ولكن يتلطف مع والدته ويخاطبها بالخطاب اللين وكذلك مع أبيه، ولا يلزمه طلاقها في هذه الحالة إلا إذا كانت تستحق الطلاق, كأن تكون فاجرة أو مؤذية, وبعض الأمهات والآباء عندهم تعنت وعدوان فيعتدي على الزوجة أو يكرهها حقاً فلا يلزم طاعته, لكن عليه أن يتلطف مع والده ومع والدته ويخاطبهما بالكلام الطيب، لأن الوالد له حق عظيم, ولا يلزمه طاعتهما في هذا في الطلاق.

[8]

شرح كتاب السنة للبربهاري [8] يؤمن أهل السنة والجماعة بكل ما ورد به كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فيؤمنون بحرمة دم المسلم، وأن من المخلوقات ما لا يفنى، ويؤمنون بوجوب التسليم لقضاء الله تعالى، وأن الله لا يظلم أحداً، وأن دخول الجنة برحمته.

ما يحل به دم ومال المسلم

ما يحل به دم ومال المسلم قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله ويشهد أن محمداً عبده ورسوله إلا بإحدى ثلاث: زان بعد إحصان, أو مرتد بعد إيمان, أو قتل نفس مؤمنة بغير حق فيقتل به, وما سوى ذلك فدم المسلم على المسلم حرام أبداً، حتى تقوم الساعة]. قال المؤلف في الفقرة التي قبل هذه: (ولا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل)، فأراد المؤلف رحمه الله الرد على الرافضة الذين يجيزون نكاح المتعة؛ لأن نكاح المتعة لا يكون بولي وشاهدي عدل, ونكاحهم نكاح مؤقت, فيتفق الرجل مع المرأة وقد لا يتفق مع وليها, وكذلك الأحناف الذين يقولون: إنه يصح النكاح بدون ولي, وهو يشير إلى حديث: (لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل) وفي حديث آخر (أيما امرأة أنكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل باطل باطل) وفي الحديث الآخر: (لا تزوج المرأة نفسها، ولا تزوج المرأة المرأة، فإن الزانية هي التي تزوج نفسها). فلا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل، وكذلك لا تحل له بعد طلاق الثلاث؛ لقوله تعالى: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة:229] ثم قال بعد ذلك: ((فَإِنْ طَلَّقَهَا)) يعني: الثالثة {فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا} [البقرة:230] فإذا أبقاها عنده بعد الطلاق الثلاث فإن نكاحه يكون زنا والعياذ بالله؛ ولهذا ذكر المؤلف رحمه الله النكاح بولي وحكم الطلاق. ثم قال: (ولا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله ويشهد أن محمداً عبده ورسوله إلا بإحدى ثلاث: زان بعد إحصان, أو مرتد بعد إيمان, أو قتل نفساً مؤمنة بغير حق فيقتل به) , يشير بهذا إلى حديث ابن مسعود رضي الله عنه في الصحيحين: (لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني, والنفس بالنفس, والتارك لدينه المفارق للجماعة) فنفس المسلم معصومة إلا إذا ارتكب واحدة من هذه الثلاث، والإحصان المراد به الزواج، فالمحصن هو الذي تزوج في عمره ولو مرة واحدة، فإذا زنى وكان قد تزوج ولو مرة في العمر ولو لم يكن معه زوجة ولو ليلة واحدة دخل بها على امرأته فيسمى محصناً، فإذا زنى فإنه يرجم بالحجارة حتى يموت, أما إذا زنى وهو بكر ولم يتزوج فإنه يجلد مائة جلدة ويغرب عاماً عن البلد. (أو مرتد بعد إيمان): وهو التارك لدينه المفارق للجماعة، فإذا ارتد المسلم فإنه يقتل لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من بدل دينه فاقتلوه). والثالث: (إذا قتل نفساً مؤمنة بغير حق فإنه يقتل به) , فهذه الثلاث إذا ارتكب المسلم واحدة منها أحل دمه, وما عدا ذلك فهو معصوم الدم والمال؛ ولذلك قال المؤلف: (وما سوى ذلك فدم المسلم على المسلم حرام أبداً، حتى تقوم الساعة).

المخلوقات التي لا تفنى

المخلوقات التي لا تفنى قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وكل شيء مما أوجب الله عليه الفناء يفنى، إلا الجنة والنار، والعرش والكرسي، واللوح والقلم والصور، ليس يفنى من هذا أبداً، ثم يبعث الله الخلق على ما ماتوا عليه يوم القيامة فيحاسبهم بما شاء، فريق في الجنة، وفريق في السعير، ويقول لسائر الخلق ممن لم يخلق للبقاء: كونوا تراباً]. (وكل شيء مما أوجب الله عليه الفناء فإنه يفنى)؛ لقول الله سبحانه وتعالى: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ} [الرحمن:26 - 27]؛ ولقوله سبحانه: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [القصص:88]؛ ولقوله سبحانه: {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِينْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ} [الأنبياء:34]، وقوله سبحانه: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [آل عمران:185]؛ ولقوله سبحانه: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ} [الزمر:30 - 31] فكل شيء يفنى ممن أوجب الله علية الفناء إلا الأشياء التي كتب الله لها البقاء، وهي ثمانية أشياء، ذكر المؤلف منها: الجنة والنار، فهما دائمتان مخلوقتان لا تفنيان، والعرش والكرسي، واللوح والقلم والصور، والمقصود بالصور الأرواح إذا خرجت، إذا خرجت روح الميت نقلت إلى الجنة ولها صلة بالجسد، وروح الكافر تنقل إلى النار ولها صلة بالجسد، والبدن يفنى ويدخل التراب ثم يعيده الله خلقاً جديداً ثم يأمر الله إسرافيل فينفخ في الصور فتعود الأرواح إلى أجسادها مرة أخرى، فالأرواح باقية إما في نعيم أو في عذاب, وقد ذكر المؤلف سبعة أشياء، والثامن هو عجب الذنب وهو آخر فقرة في العمود الفقري، فقد جاء في الحديث: (كل ابن آدم يفنى إلا عجب الذنب منه خلق ابن آدم ومنه يركب)؛ ولهذا يقول النووي: ثمانية حكم البقاء يعمها من الخلق والباقون في حيز العدم هي العرش والكرسي نار وجنة وعجب وأرواح كذا اللوح والقلم وهذه الأشياء باقية بإبقاء الله لها, والجهم بن صفوان يرى أن الجنة والنار تفنيان, وقد أنكر عليه أهل السنة وبدّعوه وضللوه وكفروه. (ثم يبعث الله الخلق على ما ماتوا عليه) , وجاء في الحديث أن كل إنسان يبعث على ما مات عليه, فمن مات على الخير يبعث على الخير, ومن مات على الكفر يبعث على الكفر, ثم يبعث الله الخلق على ما ماتوا عليه يوم القيامة ويحاسبهم بما شاء, وجاء في الحديث: (أن الله يحاسب الخلائق في وقت واحد, لا يلهيه شأن عن شأن) فيحاسبهم في وقتهم كما أنه يخلقهم ويرزقهم ويعافيهم ويجيب سؤالهم في وقت واحد. لكن المخلوق ضعيف، فلو كلمك اثنان أو ثلاثة أو كلمتهم لما استطعت، ولكن الله سبحانه وتعالى يفرغ من حسابهم بقدر منتصف النهار, ثم ينتقل أهل الجنة إلى الجنة في وقت القيلولة ويقيلون فيها، قال الله عز وجل: {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا} [الفرقان:24]. (يحاسبهم بما شاء، ففريق في الجنة، وفريق في السعير, ويقول لسائر الخلق ممن لم يخلق للبقاء: كونوا تراباً) جاء في الحديث: أن البهائم تبعث يوم القيامة ويقتص من بعضها البعض حتى يقتص للشاة الجلحاء من الشاة القرناء, إذا كانت الشاة التي لها قرون نطحت أختها الشاة التي ليس لها قرون, تأخذ حقها منها، فإذا أخذت حقها منها قال الله لها: كوني تراباً، فتكون، وحين ذلك يقول الكافر: {يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا} [النبأ:40].

وجوب الإيمان بالقصاص يوم القيامة

وجوب الإيمان بالقصاص يوم القيامة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والإيمان بالقصاص يوم القيامة بين الخلق كلهم، بني آدم، والسباع والهوام، حتى للذرة من الذرة، حتى يأخذ الله عز وجل لبعضهم من بعض, لأهل الجنة من أهل النار, وأهل النار من أهل الجنة, وأهل الجنة بعضهم من بعض, وأهل النار بعضهم من بعض]. وهذا مما يجب الإيمان به, فيجب الإيمان بالقصاص بين الخلق كلهم يوم القيامة، وأن الله تعالى يقتص للخلائق بعضهم من بعض, سواء من بني آدم ومن غير بني آدم ومن السباع والهوام، وحتى للذرة من الذرة إذا اعتدت عليها فيأخذ الله عز وجل لبعضهم من بعض، وفي الحديث: (دخلت امرأة النار في هرة ربطتها، لا هي أطعمتها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض) حتى ماتت جوعاً, فالعدوان على الحيوانات فيه إثم، والمرأة دخلت النار بسبب هرة اعتدت عليها وربطتها حتى ماتت جوعاً. وهذا معنى قول المؤلف: (الإيمان بالقصاص)، أي: يجب على المسلم أن يؤمن بالقصاص يوم القيامة, وأن الله تعالى يقتص للمظلوم من الظالم سواء كان من بني آدم أو من السباع والهوام وحتى للذرة من الذرة, وحتى يأخذ الله عز وجل لبعضهم من بعض فيأخذ لأهل الجنة من أهل النار. فإذا كان هناك حق لواحد من أهل النار على واحد من أهل الجنة فإنه سيأخذ حقه منه, وإذا كان هناك حق لواحد من أهل النار على واحد من أهل الجنة فسيأخذه منه، فاليهودي والنصراني غير الحربي مثلاً لا يجوز قتله ولا أخذ ماله بغير حق؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: (من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة) ودمه معصوم، فإذا اعتدى مسلم عليه وقتله أو أخذ ماله أو سرق منه، أو اقترض منه قرضاً ولم يعطه حقه فإن المعاهد يقتص من المسلم يوم القيامة، فدم الكافر حلال وماله حلال إذا كان محارباً وبيننا وبينه حرب وقتال، أما إذا كان ذمياً وليس بيننا وبينه حرب فهو معصوم الدم والمال لا يجوز قتله ولا يجوز أخذ ماله؛ ولهذا قال المؤلف: (حتى يقتص لأهل الجنة من أهل النار, وأهل النار من أهل الجنة, وأهل الجنة بعضهم من بعض, وأهل النار بعضهم من بعض). وأهل النار كل يأخذ حقه ممن اعتدى عليه من أهل النار، وأهل الجنة كل يأخذ حقه ممن اعتدى من أهل الجنة، وأهل الجنة يأخذون حقهم ممن اعتدى عليهم من أهل النار، وأهل النار يأخذون حقهم ممن اعتدى عليهم من أهل الجنة؛ ولهذا إذا تجاوز المؤمنون الصراط أوقفوا على قنطرة بين الجنة والنار، وقد قيل إنها طرف الصراط، فيقتص لأهل الجنة بعضهم من بعض، وكل واحد يأخذ حقه قبل أن يدخل الجنة، فإذا اقتص بعضهم من بعض نزع الله الغل من صدورهم، ودخلوا الجنة في غاية من الصفاء وغاية من سلامة الصدور، قال تعالى: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ} [الحجر:47].

وجوب إخلاص العمل لله

وجوب إخلاص العمل لله قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وإخلاص العمل لله]. يجب إخلاص العمل لله، وهذا شرط في صحة العمل، فلا يصح أي عمل إلا بالإخلاص، فإذا لم يخلص الإنسان عمله لله صار شركاً، وفي الحديث القدسي الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه يقول الله تعالى: (أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك معي فيه أحداً غيري تركته وشركه) وقال سبحانه وتعالى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف:110] فالعمل لا يصح إلا بشرطين: الشرط الأول: أن يكون خالصاً لله فإن لم يكن خالصاً صار شركاً. والشرط الثاني: أن يكون صواباً على هدي وسنة رسول الله، فإن لم يكن صواباً صار بدعة, وقد جمع الله بين هذين الشرطين في قوله: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا} [الكهف:110] وهذا شرط الصواب، {وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف:110] وهذا الإخلاص، وقال سبحانه: {وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى} [لقمان:22] وإسلام الوجه هو إخلاص العمل لله {وَهُوَ مُحْسِنٌ} [النساء:125] الإحسان: أن يكون العمل صواباً موافقاً للشرع، ودل على الإخلاص أيضاً قوله عليه الصلاة والسلام: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى)، ودل على صواب العمل قوله عليه الصلاة والسلام: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) رواه الشيخان وفي لفظ لـ مسلم (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد).

التسليم والرضا بأقدار الله

التسليم والرضا بأقدار الله قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والرضا بقضاء الله، والصبر على حكم الله، والإيمان بما قال الله عز وجل، والإيمان بأقدار الله كلها خيرها وشرها، وحلوها ومرها, قد علم الله ما العباد عاملون، وإلى ما هم صائرون, لا يخرجون من علم الله، ولا يكون في الأرضين ولا في السماوات إلا ما علم الله عز وجل، وتعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك, وما أخطأك لم يكن ليصيبك, ولا خالق مع الله عز وجل]. يستحب للإنسان أن يرضى بقضاء الله، ويجب أن يصبر على حكم الله، والصبر عند المصيبة معناه: حبس النفس عن الجزع، وحبس اللسان عن التشكي، وحبس الجوارح عما يغضب الله، وهذا هو الواجب، فلا يلطم الإنسان خداً ولا يشق ثوباً ولا ينتف شعراً، وهذا من النياحة, فالصبر على أقدار الله واجب، أما الرضا فهو مستحب. (والإيمان بما قال الله عز وجل) , كذلك يجب الإيمان بشرع الله ودينه، والإيمان بالأوامر والنواهي. (الإيمان بما قال الله عز وجل وأخبر به في كتابه وعلى لسان رسوله، والإيمان بأقدار الله كلها خيرها وشرها وحلوها ومرها). والإيمان بالقدر له مراتب أربع لا بد منها: المرتبة الأولى: العلم. والإيمان بأن الله علم كل شيء، فعلم الأشياء قبل كونها في الأزل، وعلم ما يكون منها في المستقبل والحاضر، وعلم ما لم يكن لو كان كيف يكون. والمرتبة الثانية: الإيمان بأن الله كتب كل شيء في اللوح المحفوظ، قال تعالى: {وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ} [يس:12] وهو اللوح المحفوظ، وقال تعالى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ} [الحديد:22]، وفي الحديث: (كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة وكان عرشه على الماء). والمرتبة الثالثة: الإيمان بإرادة الله الشاملة لكل شيء, فكل شيء في هذا الوجود شاء الله وجوده. والمرتبة الرابعة: الخلق والإيجاد. وهي الإيمان بأن الله خلق كل شيء، قال تعالى: {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا} [الفرقان:2]. (قد علم الله ما العباد عاملون) وهذه المرتبة الأولى وهي مرتبة العلم. (وإلى ما هم صائرون) فقد علم الله ما العباد عاملون في المستقبل، وإلى ما هم صائرون في الآخرة إما إلى جنة أو إلى النار، وهم لا يخرجون من علم الله. (لا يكون في الأرضين ولا في السموات إلا ما علم الله عز وجل) قال الله تعالى: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [الأنعام:59]، وهو اللوح المحفوظ، {اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَى وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ} [الرعد:8]. قوله: (وتعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك)، هذا من الإيمان بالقدر، ولا يجد الإنسان طعم الإيمان حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه, وأن الشيء الذي أصابك لا يمكن أن يخطئك وأن تسلم منه ما دام مكتوباً عليك، والشيء الذي يخطئك وتسلم منه لا يمكن أن يصيبك؛ لأن الله قدر ذلك, ولا خالق مع الله عز وجل؛ لقول الله تعالى: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الزمر:62]، فمن قال إن هناك خالقاً مع الله فهو مشرك، وقد أشرك في ربوبية الله.

عدد تكبيرات صلاة الجنازة أربع تكبيرات

عدد تكبيرات صلاة الجنازة أربع تكبيرات قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والتكبير على الجنائز أربع، وهو قول: مالك بن أنس، وسفيان الثوري، والحسن بن صالح، وأحمد بن حنبل والفقهاء، وهكذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم]. ثبت في صحيح البخاري: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نعى النجاشي في اليوم الذي مات فيه وخرج بهم إلى المصلى، فصف بهم وكبر عليه أربع تكبيرات) وهذا هو قول جمهور العلماء وهم مالك بن أنس وسفيان الثوري والحسن بن صالح وأحمد بن حنبل والفقهاء كلهم، فهم يرون أن التكبير على الجنائز أربع تكبيرات، ومن العلماء من أجاز خمس تكبيرات أو ستاً أو سبعاً, وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كبر على بعض الجنائز خمس تكبيرات، ولكن الجمهور على أربع، قال النووي رحمه الله: استقرت الشريعة على أربع، وأن هذا كان أولاً، ثم استقرت الشريعة الاقتصار على أربع تكبيرات، والصواب أن المسألة فيها خلاف، لكن الأرجح الذي عليه الجمهور هو الاقتصار على أربع تكبيرات.

وجوب الإيمان بأن مع كل قطرة نازلة من السماء ملك نازل من السماء

وجوب الإيمان بأن مع كل قطرة نازلة من السماء ملك نازل من السماء قال المؤلف رحمه الله: [والإيمان بأن مع كل قطرة ملكاً ينزل من السماء، حتى يضعها حيث أمر الله عز وجل]. جاء هذا من قول الحسن بن قتيبة والحسن البصري، وذلك أن الله تعالى وكل بالقطر ملكاً وهو ميكائيل، وجبريل موكل بالوحي، وإسرافيل موكل بالنفخ في الصور، فهؤلاء الأملاك الثلاثة هم رؤساء الملائكة وهم مقدمون عليهم؛ ولهذا توسل النبي صلى الله عليه وسلم بربوبية الله لهؤلاء الأملاك الثلاثة في حديث عائشة في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قام من الليل استفتح بهذا الاستفتاح: (اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السموات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم). قال العلماء: توسل النبي صلى الله عليه وسلم بربوبية الله لهؤلاء الأملاك الثلاثة؛ لأن كل ملك موكل بما فيه الحياة, فجبريل موكل بالوحي الذي فيه حياة القلوب والأرواح, وميكائيل موكل بالقطر والمطر الذي فيه حياة الأبدان والنبات والحيوان, وإسرافيل موكل بالنفخ في الصور الذي فيه إعادة الأرواح إلى أجسادها فتعود الحياة إلى الأجسام.

وجوب الإيمان بسماع موتى المشركين يوم بدر نداءات النبي الكريم لهم

وجوب الإيمان بسماع موتى المشركين يوم بدر نداءات النبي الكريم لهم قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والإيمان بأن النبي صلى الله عليه وسلم حين كلم أهل القليب يوم بدر -أي المشركين- كانوا يسمعون كلامه]. وهذا ثابت في صحيح مسلم: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كلم أهل القليب) وهم الكفرة الذين قتلوا يوم بدر وسحبوا بعد موتهم، وألقوا في بئر بعد أن ظهر نتنهم، فجاءهم النبي صلى الله عليه وسلم وناداهم بأسمائهم فقال: (يا أبا جهل بن هشام! يا أمية بن خلف! يا عتبة بن ربيعة! يا شيبة بن ربيعة! أليس قد وجدتم ما وعدكم ربكم حقاً؟ فإني قد وجدت ما وعدني ربي حقاً). فسمع عمر قول النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله! كيف يسمعون؟ وفي لفظ آخر قال: ما تنادي من قوم هلكى؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم (والذي نفسي بيده! ما أنتم بأسمع لما أقول منهم، ولكنهم لا يقدرون أن يجيبوا)، ثم أمر بهم فسحبوا فألقوا في قليب أي: في بئر هناك. فلا بد أن يؤمن الإنسان بأن النبي صلى الله عليه وسلم حين كلم أهل القليب يوم بدر-أي المشركين- أنهم كانوا يسمعون كلامه، وهذا مستثنى من كون الميت لا يسمع، فالأصل أن الميت لا يسمع، قال الله تعالى: {إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ} [فاطر:22] فالميت لا يسمع إلا ما دل الدليل على أنه يسمع، وكذلك ما ورد أن الميت إذا دفنه المشيعون له وتولوا عنه فإنه يسمع قرع نعالهم إذا تولوا, فهذا سماع خاص, وكذلك ثبت أنه يشرع أن يسلم على الميت، وثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من أحد يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام) وما عدا ذلك فالأصل أن الميت لا يسمع كلام الناس ولا يدري عن أعمال الناس ولا عن أحوالهم، وكذلك ما جاء في بعض الأحاديث أن الميت تعرض عليه أعمال أقاربه، وأنه إذا رأى خيراً حمد الله، وإذا رأى سيئاً استغفر, وكذلك عرض أعمال أمة النبي صلى الله عليه وسلم عليه، وكل هذا جاء في أحاديث ضعيفة.

وجوب الإيمان بأن المريض يؤجر على مرضه

وجوب الإيمان بأن المريض يؤجر على مرضه قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والإيمان بأن الرجل إذا مرض يأجره الله على مرضه]. لا بد من الإيمان بأن الإنسان إذا مرض فإن الله يأجره على مرضه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما من رجل تصيبه مصيبة إلا كفر الله من خطاياه، حتى الشوكة يشاكها) فالمرض كفارة للذنوب، والأمراض تحط الخطايا عن المسلم كما تحط الشجرة ورقها. وثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم لما مرض في حياته أصابه وعك شديد من حمى فجاءه بعض الصحابة فقالوا: (يا رسول الله! إنك لتوعك كما يوعك رجلان، قال: أجل، قالوا: أذلك أن لك أجرين، قال: نعم، إني أوعك كما يوعك رجلان منكم). فالمرض والمصائب والهموم والكفارات والأسقام والمصائب كلها كفارات، ولما نزل قوله تعالى: {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} [النساء:123] قال أبو بكر: يا رسول الله! هذه الآية يقول الله: كل شيء نعمله نجزى به؟ إذاً هلكنا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (يا أبا بكر! ألست تحزن؟ ألست تنصب؟ أليس يصيبك اللأواء؟ فذلك مما تجزون به)، وهذه من الآيات التي فسرها النبي صلى الله عليه وسلم. ومن الآيات التي فسرها النبي صلى الله عليه وسلم قوله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} [الأنعام:82] فجاء الصحابة وجثوا على ركبهم وقالوا: (يا رسول الله! أينا لم يلبس إيمانه بظلم-ظنوا أن الظلم هو المعاصي- فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ليس الذي تعنون ألم تسمعوا إلى قول العبد الصالح: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان:13]) فالمراد بالظلم الشرك. وتفسير الآية: (الذين ءامنوا) أي: وحدوا, (ولم يلبسوا): لم يخلطوا, (إيمانهم): توحيدهم, (بظلم) أي: بشرك، {أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} [الأنعام:82] فسر النبي صلى الله عليه وسلم الظلم هنا بالشرك من خلال الآية الأخرى: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان:13].

وجوب الإيمان بأن الشهيد يؤجر على القتل

وجوب الإيمان بأن الشهيد يؤجر على القتل قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والشهيد يأجره الله على القتل]. لا شك أن الشهيد يأجره الله على القتل, وأجره عظيم, فقد جاء في الحديث أن الشهيد يكفر الله خطاياه إلا الدين, وإن قتل في سبيل الله لم يصب من شدة وألم الموت إلا كما تصيب الإنسان حر القرصة من العقرب, والشهيد يأمن من الفتن في قبره قيل: يا رسول الله! ألا يفتن الميت في قبره؟ قال: (كفى ببارقة السيف على رأسه فتنة)، وجرى عليه رزقه إلى يوم القيامة. المسلم لابد أن يعتقد ذلك، قال الله عز وجل: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ} [آل عمران:169 - 171]. وقال سبحانه: {لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا * دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء:95 - 96] فللمجاهدين والشهداء فضل عظيم.

ثبوت ألم الأطفال

ثبوت ألم الأطفال قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والإيمان بأن الأطفال إذا أصابهم شيء في دار الدنيا يألمون، وذلك أن بكر بن أخت عبد الواحد قال: لا يألمون، وكذب]. لا شك في أنهم يألمون والله تعالى له الحكمة البالغة في كون الأطفال يألمون، وكذلك الحيوانات تألم, وهي غير مكلفة، فلله الحكمة في ذلك. ومن الحكم أن والد الطفل يبتلى بطفله الذي يمرض أو الذي يموت، فهل يصبر أو يتسخط. يقول المؤلف: (وذلك أن بكر بن أخت عبد الواحد قال: لا يألمون، وكذب). وبكر هذا يقولون: إنه من رءوس المبتدعة، ولم يذكر المؤلف ما شبهته، ويحتاج هذا إلى مراجعة كتب الفرق والنظر في شبهته، ولماذا قال لا يألمون، هل معنى ذلك لأنهم غير مكلفين فلا يألمون، والمقصود أن قول بكر بن أخت عبد الواحد لا أصل له؛ ولهذا قال المؤلف: (وكذب) أي: في قوله: إنهم لا يألمون، فالطفل يألم، فكما أن الكبير يألم فالصغير كذلك يألم.

عدم جواز إطلاق صفة الظلم على الله

عدم جواز إطلاق صفة الظلم على الله قال المؤلف رحمه الله تعالى: [واعلم أنه لا يدخل الجنة أحد إلا برحمة الله، ولا يعذب الله أحداً إلا ذنوبه]. قال: (اعلم أنه لا يدخل الجنة أحد إلا برحمة الله)، وهذا دليله قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لن يدخل أحدكم الجنة بعمله، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟! قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل). فدخول الجنة لا يكون إلا برحمة الله والأعمال سبب، فمن أتى بالسبب نالته الرحمة، ومن لم يأت بالسبب لم تنله رحمته ولم يدخل الجنة برحمة الله. وسبب الرحمة: التوحيد والإيمان، فمن أتى بالسبب وهو التوحيد والإيمان نالته الرحمة، ومن لم يأت بالسبب-وهو التوحيد والإيمان- لم تنله الرحمة، قال تعالى: {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [النحل:32] والباء سببيه, أي: بسبب أعمالكم. وقوله عليه الصلاة والسلام: (لن يدخل أحد منكم الجنة بعمله) الباء للعوض، أي: لن يدخل أحدكم الجنة عوضاً عن عمله، وليس كما تقول المعتزلة: إن المؤمن يستحق الثواب على الله كما يستحق الأجير أجرته، وهذا قول باطل, فدخول الجنة برحمة الله، والسبب هي الأعمال الصالحة والتوحيد. (ولا يعذب الله أحداً إلا بقدر ذنوبه)؛ لأن الله تعالى أخبر بذلك، فلا يظلم الله سبحانه وتعالى أحداً؛ ولهذا قال سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء:40]. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولو عذب الله أهل السماوات وأهل الأرضين برهم وفاجرهم, عذبهم غير ظالم لهم, لا يجوز أن يقال لله تبارك وتعالى إنه ظالم وإنما يظلم من يأخذ ما ليس له، والله جل ثناؤه له الخلق والأمر، والخلق خلقه، والدار داره ما لا يسأل عما يفعل وهم يسألون، ولا يقال: لم؟ وكيف؟ لا يدخل أحد بين الله وبين خلقه]. يقول المؤلف: (لو عذب الله أهل سماواته وأهل الأرضين برهم وفاجرهم عذبهم غير ظالم لهم) , هذا مأخوذ من حديث: (لو عذب الله أهل السماوات والأرض لعذبهم وهو غير ظالم لهم، ولو رحمهم لكانت رحمته خيراً لهم) والمعنى: أن الله لو وضع عدله في أهل سماواته، وأهل أرضه، وحاسبهم على أعمالهم وعلى نعمه عليهم لصاروا مدينين له, وحينئذ لو عذبهم لعذبهم وهو غير ظالم لهم، فلو يحاسب الإنسان بنعم الله عليه وعمله فإنه يكون مديناً وحينئذ يعذب؛ لأن نعمة البصر قد تعدل عمل الإنسان كله فينتهي العمل فيعذب، لكنه سبحانه يحاسبهم بأعمالهم. ولا يجوز أن يقال عن الله تبارك وتعالى إنه ظالم , فالظلم هو وضع الشيء في غير موضعه, وهذا هو التعريف الصحيح لا كما عرفه الجبرية، والله تعالى حرم الظلم على نفسه, ولم يحرمه عليه أحد؛ لأنه ليس فوقه أحد، كما أنه كتب على نفسه الرحمة، ولم يكتبها عليه أحد، وحرم الظلم على نفسه، وقد جاء في حديث أبي ذر القدسي يقول الله تعالى: (يا عبادي! إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرماً، فلا تظالموا). والظلم يقدر عليه الله، لكنه تنزه عنه, فلا يقال: إنه لا يقدر عليه؛ ولهذا قال الله سبحانه وتعالى: {لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [غافر:17]، وقال: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا يَخَافُ ظُلْمًا وَلا هَضْمًا} [طه:112] ولو كان الظلم غير مقدور له لما أمّن الإنسان من خوف الظلم. وقالت الجبرية من الأشاعرة والجهمية: إن الظلم هو الممتنع المستحيل الذي لا يدخل تحت قدرة الله كالجمع بين النقيضين, فالظلم لا يقدر عليه الله؛ لأنه ممتنع عندهم، وقالوا: الظلم هو تصرف المالك في غير ملكه أو مخالفة الآمر للمأمور. والله تعالى كل شيء ملكه فهو يتصرف في ملكه, فلو عذب أهل السماوات وأهل الأرضين لكان غير ظالم، فالظلم كما عرفوه هو أن يتصرف المالك في غير ملكه, وهل هناك شيء يخرج عن ملك الله؟ فلو فعل أي شيء لا يكون ظلماً. وقالت الجبرية: يجوز لله أن يقلب التشريعات والجزاءات, فيجعل العفة محرمة والزنا واجباً والعياذ بالله, ويجوز على الله أن يحمل الأبرار والأنبياء أوزار الفجار والكفار ويعذبهم ولا يكون ظالماً لهم؛ لأنه تصرف في ملكه، وهذا من أبطل الباطل, فالله تعالى حرم الظلم على نفسه وهو قادر على الظلم, ولو كان غير قادر على الظلم فما الفائدة من التحريم؟ قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولو عذب الله أهل السماوات وأهل الأرضين برهم وفاجرهم, عذبهم غير ظالم لهم, لا يجوز أن يقال لله تبارك وتعالى. إنه ظالم، وإنما يظلم من يأخذ ما ليس له، والله جل ثناؤه له الخلق والأمر، والخلق خلقه، والدار داره، لا يسأل عما يفعل وهم يسألون, ولا يقال: لم؟ وكيف؟ لا يدخل أحد بين الله وخلقه]. قوله: (وإنما يظلم من يأخذ ما ليس له) هذا الكلام يتماشى مع مذهب الجبرية, القائلين بأن الظلم تصرف المالك في غير ملكه، والصواب الذي عليه أهل السنة أن الظلم وضع الشيء في غير موضعه، وأن الله تعالى لا يظلم لكمال عدله لا لعجزه وقد حرم على نفسه. وقوله: (لايسأل عما يفعل) لكمال عدله ولكونه حكيماً عادلاً, والجبرية يقولون: لا يسأل عما يفعل لكونه يتصرف في القدرة والمشيئة وينكرون الحكمة, وكان ينبغي على المؤلف أن يقرر مذهب أهل السنة والجماعة ويقول: وإنما يظلم من يضع الشيء في غير موضعه كأن يحمل أحداً وزر غيره أو يمنعه من حقه, أما قوله: (وإنما يظلم من يأخذ ما ليس له) فهو يتماشى مع مذهب الجبرية. (والله جل ثناؤه له الخلق والأمر، والخلق خلقه، والدار داره) فإذا تصرف فيهن بما يشاء فلا يكون ظلماً. قوله: (ولا يقال: لم؟ وكيف؟) لا يقال لم في أفعال الله، ولا يعترض أحد على الله، فلا يقال: لم فعل كذا, ولا يقال: كيف في الصفات، ولا يسأل: لم؟ لأنه حكيم يضع الأشياء في مواضعها, لا لأنه يفعل بالقدرة والمشيئة فقط، فلابد لطالب العلم أن يفرق بين مذهب أهل السنة في الظلم وبين مذهب الجبرية.

ضعف إسلام من طعن في الآثار عن الرسول والصحابة

ضعف إسلام من طعن في الآثار عن الرسول والصحابة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وإذا سمعت الرجل يطعن على الآثار، ولا يقبلها، أو ينكر شيئاً من أخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاتهمه على الإسلام، فإنه رجل رديء القول والمذهب، وإنما طعن على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه؛ لأنه إنما عرفنا الله، وعرفنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعرفنا القرآن، وعرفنا الخير والشر والدنيا والآخرة بالآثار]. يقول المؤلف رحمه الله: (إذا سمعت الرجل يطعن على الآثار) وهي: الأحاديث والآثار عن الصحابة وعن التابعين ومن بعدهم, فإذا سمعت رجلاً يطعن في الأحاديث ويطعن في أخبار الصحابة والتابعين ولا يقبلها، أو ينكر شيئاً من أخبار رسوله صلى الله عليه وسلم فاتهمه على الإسلام, فإنه مشكوك في إسلامه؛ لأن هذا دليل على ضعف إسلامه. ولهذا قال المؤلف: (فإنه رجل رديء القول والمذهب) أي: مذهبه ضعيف, (وإنما طعن على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه؛ لأنه إنما عرفنا الله، وعرفنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعرفنا القرآن، وعرفنا الخير والشر، والدنيا والآخرة بالآثار). وبين المؤلف ما هو السبب في ذلك فقال: لأننا عرفنا الله وعرفنا رسوله وعرفنا القرآن وعرفنا الخير والشر والدنيا والآخرة بالآيات القرآنية والأحاديث, وعرفنا الله ورسوله بالقرآن وبالسنة وبالآثار، وعرفنا الخير -وهو التوحيد وسائر الطاعات- من القرآن ومن السنة ومن الآثار، وعرفنا الشر -وهو الشرك والمعاصي- من القرآن ومن السنة, وعرفنا الآخرة بالقرآن وبالسنة، فالذي يطعن في الآثار -وهي النصوص من كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة- فهو رجل رديء القول والمذهب ضعيف الإيمان؛ لأنه حينما يطعن في الآثار إنما طعن في الرب، وطعن في الرسول، وطعن في القرآن؛ لأن النصوص إنما هي من كلام الله وكلام رسوله, وهذه علامة على الشخص المتهم في دينه، وهي الطعن في النصوص وردها وعدم قبولها.

العلاقة بين القرآن والسنة

العلاقة بين القرآن والسنة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وأن القرآن إلى السنة أحوج من السنة إلى القرآن]. وهذا القول مأثور عن مكحول الشامي رحمه الله، ومشهور عن الأئمة, فقد قال الفضل بن زياد: سمعت أبا عبد الله - يعني: أحمد بن حنبل - وقد سئل عن الحديث الذي روي أن السنة قاضية على الكتاب، فقال: ما أجسر على هذا أن أقوله إن السنة قاضية على الكتاب, وإن السنة تفسر الكتاب وتبينه، وهذا ذكره ابن عبد البر، وهو الصواب؛ لموافقته قوله تعالى: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل:44]. فقوله: (القرآن إلى السنة أحوج من السنة إلى القرآن) , أي: أن القرآن يحتاج إلى إيضاح, والذي يوضح معاني القرآن هي السنة, فتخصص عموم القرآن وتقيد مطلقه. قال بعض السلف: إن السنة قاضية على الكتاب، أي: تبين وتوضح وتفسر معناه، وتقيد مطلقه، وتخصص عمومه، وقال بعض السلف: ما أجسر أن أقول: إن السنة قاضية على الكتاب! لكن أقول: السنة تفسر الكتاب, فقال بعض السلف: لا ينبغي أن يقال إن السنة قاضية على الكتاب فهذه كلمة صعبة، لكن نقول: السنة مفسرة وموضحة ومبينة للقرآن، ولمعانيه، ومخصصة لعمومه، ومقيدة لمطلقه كما قال تعالى: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [النحل:44]. والمعنى: أنه لا بد من العمل بالقرآن والسنة, والسنة وحي ثان، فمن قال: إنه لا حاجة إلى السنة وأنكرها فقد كفر؛ لأن السنة وحي ثان، قال الله تعالى عن نبيه الكريم: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم:3 - 4].

[9]

شرح كتاب السنة للبربهاري [9] الجدال والخصومة في القدر منهي عنه، فيؤمن المؤمن بأن كل شيء بقضاء وقدر، ويؤمن بالإسراء والمعراج، وبفتنة العبد في القبر، وأن المؤمن يبشر بالجنة والكافر بالنار، وأن علم الله محيط بكل شيء.

النهي عن الجدال والخصومة في القدر

النهي عن الجدال والخصومة في القدر قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والكلام والجدال والخصومة -في القدر خاصة- منهي عنه عند جميع الفرق؛ لأن القدر سر الله، ونهى الرب تبارك وتعالى الأنبياء عن الكلام في القدر، ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخصومة في القدر، وكرهه أصحاب رسول الله والتابعون، وكرهه العلماء وأهل الورع، ونهوا عن الجدال في القدر، فعليك بالتسليم والإقرار والإيمان واعتقاد ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في جملة الأشياء، وتسكت عما سوى ذلك]. قوله: (الكلام والجدال والخصومة في القدر خاصة منهي عنه عند جميع الفرق) أي: أن على الإنسان أن يسلم لقضاء الله وقدره وليس له أن يخوض ويجادل ويخاصم في القدر؛ فإن الخصومة في القدر تؤدي إلى التشكيك والاعتراض على قضاء الله وقدره، وهذا يؤدي إلى إنكار القضاء والقدر والشك في قضاء الله وقدره، وإنكاره كفر. قال: (والقدر سر الله في خلقه)؛ ولهذا قال الطحاوي في عقيدته الطحاوية: القدر سر الله في خلقه, نهى الله الخلق عن الكلام فيه، وطواه عن أنامه ونهاهم عن مرامه إلى أن قال: -فمن سأل: لم فعل؟ فقد رد حكم الكتاب، ومن رد حكم الكتاب كان من الكافرين. وهذا منهي عنه عند جميع الفرق إلا القدرية فهم يتكلمون فيه. وقوله: (ونهى الرب تبارك وتعالى الأنبياء عن الكلام في القدر) , فقد نهى الله سبحانه وتعالى نبيه نوحاً عن ذلك فقال: {فَلا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ} [هود:46] وهذا الأمر يشمل القدر وغيره. وقد يدخل ذلك في عموم قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} [المائدة:101]، ثم قال: (ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخصومات في القدر) وهذا ثابت، فقد جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع بعض أصحابه وهم يتنازعون في الآيات فغضب. وجاء عنه عليه الصلاة والسلام أيضاً النهي عن الخصومة في القدر، وكذلك كرهه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكرهه العلماء وأهل الورع، وهذا ثابت، ونهوا عن الجدال في القدر: فعليك -أيها المسلم- بالتسليم والإقرار والإيمان بقضاء الله وقدره فلا تعترض، والإقرار معناه أن تقر بأن الله قدر كل شيء وقضاه، وتؤمن بذلك.

الإيمان بالإسراء والمعراج

الإيمان بالإسراء والمعراج قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والإيمان بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أسري به إلى السماء، وصار إلى العرش، وكلم الله تبارك تعالى، ودخل الجنة، واطلع إلى النار، ورأى الملائكة، وسمع كلام الله عز وجل، وبشرت به الأنبياء، ورأى سرادقات العرش والكرسي، وجميع ما في السموات وما في الأرضين في اليقظة، حمله جبريل على البراق حتى أداره في السموات، وفرضت له الصلاة في تلك الليلة، ورجع إلى مكة في تلك الليلة، وذلك قبل الهجرة]. قوله: (والإيمان بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أسري به إلى السماء) , فالإيمان بالإسراء لا بد منه, ومن لم يؤمن بالإسراء فهو كافر؛ لأنه مكذب بالله، ولقول الله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى} [الإسراء:1]. والإسراء في اللغة معناه: السفر ليلاً. والمراد به شرعاً: السفر برسول الله صلى الله عليه وسلم ليلاً، بصحبة جبرائيل على البراق، من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى. والبراق: دابة فوق الحمار ودون البغل، خطوه مد البصر، فتكون سرعته مثل سرعة الطائرة تقريباً. ومعنى خطوه مد البصر أي: إذا رفع حافره فخطوته تكون مد البصر؛ ولهذا قطع هذه المسافة في مدة وجيزة, وسمي بالبراق من البريق واللمعان، ثم صلى بالأنبياء إماماً بعد أن جمعوا له، ثم عرج به عليه الصلاة والسلام إلى السماء بشيء كهيئة السلم, فصعد فيه النبي صلى الله عليه وسلم مع جبرائيل، فاستفتح جبريل باب السماء ففتح له، وقيل له: من معك؟ قال: محمد, قيل: وقد بعث إليه؟ قال: نعم, فرأى فيها آدم أبا البشر, فسلم عليه النبي صلى الله عليه وسلم، ورحب به وأقر بنبوته وقال: مرحباً بالنبي الصالح والابن الصالح. ثم صعد إلى السماء الثانية في وقت وجيز وبسرعة، والله على كل شيء قدير, ووجد فيها ابني الخالة عيسى ويحيى، فسلم عليهما فرحبا به وأقرا بنبوته، وقالا: مرحباً بالنبي الصالح والأخ الصالح. ثم عرج إلى السماء الثالثة فوجد فيها إدريس فرحب به وأقر بنبوته, ثم صعد إلى السماء الرابعة فوجد فيها يوسف فرحب به وأقر بنبوته. ثم صعد إلى السماء الخامسة فوجد فيها هارون فرحب به وأقر بنبوته. ثم صعد إلى السماء السادسة فوجد فيها موسى فرحب به وأقر بنبوته, ثم صعد إلى السماء السابعة فوجد فيها إبراهيم، فرحب به وأقر بنبوته. وكلهم قالوا: مرحباً بالنبي الصالح والأخ الصالح إلا إبراهيم وآدم فإنه من سلالتهما فقال: مرحباً بالنبي الصالح والابن الصالح, ووجد النبي صلى الله عليه وسلم إبراهيم مسنداً ظهره إلى البيت المعمور, والبيت المعمور كعبة سماوية يحاذي الكعبة الأرضية فلو سقط لسقط عليه, يدخله كل يوم سبعون ألف ملك للطواف والصلاة, ثم لا يعودون إليه. ثم صعد نبينا عليه الصلاة والسلام وتجاوز السبع الطباق حتى وصل إلى مكان يسمع فيه صريف الأقلام، فكلمه الله عز وجل من دون واسطة، لكن من وراء حجاب, فهو عليه الصلاة والسلام لم ير ربه ولا يستطيع أحد أن يرى الله في الدنيا، وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم: (هل رأيت ربك؟ قال: نور أنى أراه) , يعني حجاب النور منعني من رؤيته، وفي اللفظ الآخر (حجابه النور، لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه). وكما سبق أن موسى لما سأل الله رؤيته قال له الله: {لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي} [الأعراف:143]، وقال تعالى: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} [الشورى:51] فكان الكلام بدون واسطة، لكنه ما استطاع أن يرى ربه، فهو محجوب عنها ولا يستطيع أحد أن يرى الله, فقد احتجب الله عن الخلق، ولا يستطيع أن يرى الله في الدنيا أحد من خلقه حتى جبريل، وإنما الرؤية خاصة بأهل الجنة في الآخرة. فالرسول عليه الصلاة والسلام عرج به ورأى الجنة والنار، فقد اطلع على الجنة ورأى فيها أقواماً، واطلع على النار ورأى فيها المعذبين من الزناة والزواني وهم في تنور ضيق، ورأى الذين يغتابون الناس يهشمون وجوههم وصدورهم، ورأى آكل الربا يسبح في نهر الدم ويلقم حجرًا وكل هذا ثابت, والمعراج ثابت بالسنة, والإسراء ثابت في القرآن فلا بد من الإيمان بهما. (والإيمان بأن رسول صلى الله عليه وسلم أسري به إلى السماء وصار إلى العرش) , أما كيف صار إلى العرش؟ فالله أعلم بالكيفية فهذا يحتاج إلى دليل, وقوله: (صار إلى العرش) أي: مس العرش، أو جلس على العرش والله أعلم أيهما أصح، فالرسول صلى الله عليه وسلم عرج به حتى جاوز السبع الطباق ووصل إلى مكان يسمع فيه صريف أقلام القدر، ثم كلمه بدون واسطة وفرض عليه وعلى أمته خمسين صلاة, ثم هبط حتى وصل إلى موسى في السماء السادسة فسأله، قال: ماذا فرض عليك ربك؟ قال: خمسين صلاة, قال: ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف فإن أمتك ضعيفة لا تطيق خمسين صلاة في اليوم والليلة. والله تعالى هو الذي حرك قلب موسى، وهو الذي حرك قلب محمد فقبل قول موسى فاستشار جبريل فأشار عليه جبريل أن نعم, فعاد به إلى الجبار جل جلاله فسأل ربه التخفيف فوضع عنه عشرًا. وفي رواية: فجعل يتردد بين ربه وبين موسى, فكلما جاء إلى موسى قال: ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف، حتى صارت خمس صلوات، فقال موسى عليه الصلاة والسلام: ماذا أمرك ربك؟ قال خمس صلوات في اليوم والليلة, قال: ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك فإن أمتك ضعيفة لا تطيق خمس صلوات في اليوم والليلة, وإني عالجت بني إسرائيل أكثر من ذلك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إني سألت ربي حتى استحييت، ولكن أرضى وأسلم، فنادى مناد من السماء: أن أمضيت فريضتي وخففت عن عبادي ما يبدل القول لدي، هي خمس في العدد، وهي خمسون في الميزان والأجر). قوله: (ونشرت له الأنبياء) أي: رآهم كلهم بأرواحهم، فقد أخذت أرواحهم شكل الأجساد، إلا عيسى فقد رفعه الله إلى السماء بجسده وروحه. قوله: (ورأى سرادقات العرش والكرسي) وهذا يحتاج إلى دليل. قوله: (وجميع ما في السموات وما في الأرضين في اليقظة) وهذا أيضاً يحتاج إلى دليل. فكونه رأى سرادقات العرش والكرسي هذا يحتاج إلى دليل، وكونه رأى جميع ما في السماوات وما في الأرضين في اليقظة هذا أيضاً يحتاج إلى دليل، فهل طاف في الأرض كلها من أولها إلى آخرها ورأى ما فيها وما في لجج البحار؟ هذا يحتاج إلى دليل.

مكان أرواح الشهداء والمؤمنين والكفار

مكان أرواح الشهداء والمؤمنين والكفار قال المصنف رحمه الله تعالى: [واعلم أن أرواح الشهداء في قناديل تحت العرش تسرح في الجنة، وأرواح المؤمنين تحت العرش، وأرواح الكفار والفجار في بَرَهُوت، وهي في سجين]. قوله: (واعلم أن أرواح الشهداء في قناديل تحت العرش تسرح في الجنة) هذا جاء في الحديث: (أرواح الشهداء في حواصل طير خضر تسرح في الجنة، فترد أنهار الجنة، وتأكل من ثمارها، وتأوي إلى قناديل معلقة بالعرش)، وهذا ثابت، وذلك أن الشهيد لما بذل جسمه لله حتى قتل الجسم ومزق وتلف عوض الله الروح جسماً آخر تتنعم بواسطته في حواصل طير خضر. وأما المؤمنون غير الشهداء فإن أرواحهم تتنعم وحدها بدون جسم، وفي الحديث: (نسمة المؤمن طائر يعلق في شجر الجنة) يعني: أنه يأكل حتى يرجعه الله إلى جسمه يوم يبعثه، فروح المؤمن تكون طائراً فتتنعم وحدها، وأما روح الشهيد فإنها تتنعم بواسطة حواصل طير خضر، إذاً: فتنعم أرواح الشهداء أكبر من تنعم أرواح سائر المؤمنين؛ لأن الشهيد بذل جسده لله فعوضه الله جسداً آخر تتنعم الروح بواسطته. قوله: (واعلم أن أرواح الشهداء في قناديل تحت العرش تسرح في الجنة، وأرواح المؤمنين تحت العرش) جاء في الحديث: (نسمة المؤمن طائر يعلق في شجر الجنة)، ومعلوم أن الجنة تحت العرش. (وأرواح الكفار والفجار في برهوت)، قيل: إنها بئر في حضرموت، وقال المؤلف هنا: (وهي في سجين)، وسجين في الأرض السابعة، وهذا قول لبعضهم، وهناك أقوال كثيرة، فبعضهم يقول: أرواحهم عن يسار آدم، والصواب: أن أرواح المؤمنين في الجنة، وأرواح الكفار في النار، فانظر إلى هذا التفاوت بينهما. وأما القول بأن أرواح الكفار في برهوت وهي بئر في حضرموت فهذا لا دليل عليه. فأرواح المؤمنين في الجنة، فالمؤمن إذا مات نقلت روحه إلى الجنة، ولها صلة بالجسد، فتتنعم مفردة وتتنعم بواسطة الجسد، وأرواح الكفار تنقل إلى النار ولها صلة بالجسد، فالقول بأن أرواح الكفار في برهوت قول ضعيف ولا دليل عليه، (يقول: وهي بئر عميقة بحضرموت لا يستطاع النزول إلى قعرها، ولا يصح حديث بأن أرواح الكفار في برهوت).

الإيمان بما يكون في القبر من السؤال وغيره

الإيمان بما يكون في القبر من السؤال وغيره قال المصنف رحمه الله تعالى: [والإيمان بأن الميت يقعد في قبره، ويرسل الله فيه الروح حتى يسأله منكر ونكير عن الإيمان وشرائعه، ثم تسل روحه بلا ألم، ويعرف الميت الزائر إذا أتاه، وينعَّم في القبر المؤمن، ويعذب الفاجر كيف شاء الله]. يجب على المؤمن أن يؤمن بأن الميت يقعد في قبره إذا مات، فيرسل الله فيه الروح حتى يسأله منكر ونكير -وهما ملكان- عن الإيمان وشرائعه، وجاء في الحديث أنه يسأل عن ربه، وعن دينه، وعن نبيه، فيقال له: من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ فالمؤمن يثبته الله فيقول: الله ربي، والإسلام ديني، ومحمد نبيي، والكافر لا يستطيع أن يجيب ويقول: هاه هاه لا أدري، هاه هاه لا أدري، هاه هاه لا أدري، فيضرب بمرزبة من حديد ويقال له: لا دريت ولا تليت، فيصيح صيحة يسمعها كل من خلق الله إلا الثقلين، ثم تسل روح المؤمن بلا ألم كما تسل الشعرة من العجين، وأما الكافر فإنها تنزع روحه نزعاً كما ينزع السفّود من الصوف المبلول. قوله: (ويعرف الميت الزائر إذا أتاه) هذا يحتاج إلى دليل، لكن جاء الدليل بأن النبي صلى الله عليه وسلم إذا سلم عليه مؤمن فإنه يرد عليه السلام، وأما أنه يعرف الزائر فهذا يحتاج إلى دليل. وقال في الحاشية: وردت عدة أحاديث بأن الميت يعرف الزائر إذا زاره ويستأنس به، لكن لا تصح، فهذا يحتاج إلى دليل، والأصل أن الميت لا يعرف؛ فقد انتهى وانقطع عمله إلا ما دل عليه الدليل كأن يسمع قرع نعال المولين. قوله: (وينعم في القبر المؤمن، ويعذب الفاجر كيف شاء الله) هذا أمر معروف، فالمؤمن يفتح له باب إلى الجنة، والكافر يفتح له باب إلى النار، ويضيق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه، وأما المؤمن فيفسح له في قبره مد البصر.

الإيمان بأن كل شيء بقضاء وقدر

الإيمان بأن كل شيء بقضاء وقدر قال المصنف رحمه الله تعالى: [واعلم أن كل شيء بقضاء الله وقدره]. قوله: (واعلم أن كل شيء بقضاء الله وقدره)، أي: تيقن أن كل شيء بقضاء الله وقدره، فالآجال والأعمار والذوات والأشخاص والصفات والحركة والسكون والأفعال وكل شيء قد قضاه الله وقدره وكتبه في اللوح المحفوظ، قال تعالى: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [الأنعام:59]. فلا بد للمسلم أن يؤمن بقضاء الله وقدره في كل شيء، وأن الله قد علم الأشياء قبل كونها، وكتبها في اللوح المحفوظ، وأراد كل شيء في هذا الوجود قضاءً وقدراً، وخلق كل شيء في هذا الوجود. قال المصنف رحمه الله تعالى: [والإيمان بأن الله تبارك وتعالى هو الذي كلم موسى بن عمران يوم الطور، وموسى يسمع من الله الكلام بصوت وقع في مسامعه منه لا من غيره، فمن قال غير هذا فقد كفر بالله العظيم]. يجب على المسلم أن يؤمن بأن الله تبارك وتعالى هو الذي كلم موسى بن عمران يوم الطور، قال الله تعالى: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء:164]، وقال سبحانه: {وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ} [الأعراف:143]، وقوله: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء:164]. قال العلماء: التأكيد بالمصدر يدل على أن المراد الحقيقة ويمنع المجاز الذي يزعمه بعض المبتدعة الذين أنكروا الكلام، ولهذا قال المؤلف: (وموسى يسمع من الله الكلام بصوتٍ وقع في مسامعه منه لا من غيره). وهذا خلاف المعتزلة القائلين بأن الله تعالى لم يكلم موسى، وقالوا: إن الله خلق الكلام في الشجرة فكلمت موسى، فالشجرة هي التي كلمت موسى عند المعتزلة، والشجرة هي التي قالت: {يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [القصص:30]، فهل يكون هذا؟! نسأل الله السلامة والعافية، فهذا كفر وضلال؛ ولهذا قال المؤلف رحمه الله: (فمن قال غير هذا فقد كفر بالله العظيم)، واحتالوا في تحريف الآية، فقرأ بعض المعتزلة وبعض الجهمية قوله تعالى: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء:164] بالنصب؛ حتى يكون المكلِّم هو موسى، والله هو المكلَّم؛ لأنه لا يتكلم، فموسى قادر على الكلام والرب غير قادر على الكلام نعوذ بالله، وهذه القراءة تحريف لفظي، فقال لهم بعض أهل السنة: هب يا جهمي! أنك استطعت أن تحرف هذه الآية، فكيف تقول في قوله تعالى: {وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ} [الأعراف:143]؟ فلم يستطع أن يحرفها لفظاً، فحرفها معنىً فقال: ((وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ)) أي: جرحه بمخالب الحكمة، فهي مأخوذة من الكَلْم وهو الجرح، ومنه قولهم: فلان كَلْمه يدمى، أي: جرحه، فمن أراد الله فتنته فلا حيلة فيه، فالجهمية لما لم يستطيعوا أن يحرفوا لفظ هذه الآية حرفوا معناها.

تفاوت الناس في العقول

تفاوت الناس في العقول قال المصنف رحمه الله تعالى: [والعقل مولود، أعطي كل إنسان من العقل ما أراد الله، يتفاوتون في العقول مثل الذرة في السماوات، ويطلب من كل إنسان من العمل على قدر ما أعطاه الله من العقل -وفي نسخة: ويطلب من كل إنسان من العلم- وليس العقل باكتساب، إنما هو فضل من الله تبارك وتعالى]. قوله: (العقل مولود أعطي كل إنسان من العقل ما أراد الله) لا شك أن الناس يتفاوتون في العقول على قدر ما أعطاهم الله وميزهم به، والله تعالى إنما يكلف العبد إذا كان عاقلاً، وإذا ذهب العقل ذهب التكليف، فناقص العقل كالصبي لا يكلف، والمجنون الذي ليس معه عقل لا يكلف، والمخرف الذي كبر في سنه وخرف فصار لا عقل له لا يكلف. فالتكليف مربوط بالعقل، فمن كان عاقلاً كلِّف، ومن لا عقل له لا تكليف عليه، والناس يتفاوتون في العقول؛ ولهذا قال المؤلف رحمه الله: (العقل مولود أعطي كل إنسان من العقل ما أراد الله، يتفاوتون في العقول مثل الذرة في السماوات، ويطلب من كل إنسان من العلم على قدر ما أعطاه الله من العقل) أي: أن العمل تابع للعلم، والعمل مبني على العلم، ويكون على قدر ما أعطى الله الإنسان من العلم. قوله: (وليس العقل باكتساب وإنما فضل من الله تبارك وتعالى) فالعقل ينمو تدريجياً والله تعالى هو الذي أعطى الإنسان العقل، فهو فضل من الله تبارك وتعالى.

تفضيل الله للعباد

تفضيل الله للعباد قال المصنف رحمه الله تعالى: [واعلم أن الله فضل العباد بعضهم على بعض في الدين والدنيا، عدلاً منه، لا يقال: جار ولا حابى، فمن قال: إن فضل الله على المؤمن والكافر سواء فهو صاحب بدعة، بل فضّل الله المؤمنين على الكافرين، والطائع على العاصي، والمعصوم على المخذول عدل منه، هو فضله يعطي من يشاء، ويمنع من يشاء]. قوله: (واعلم) أي: تيقن (أن الله تعالى فضل العباد بعضهم على بعض في الدين والدنيا)، قال تعالى: {وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ} [النحل:71]، فقد فضل بعض الناس على بعض في الدين، فاختار تعالى للرسالة والنبوة الأنبياء، {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ} [القصص:68]، فهذا تفضيل في الدين. فالرسل أفضل الناس، وأفضلهم أولو العزم الخمسة: نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد عليهم الصلاة والسلام، وأفضل أولو العزم الخليلان: إبراهيم ومحمد، وأفضل الخليلين نبينا صلى الله عليه وسلم، ثم يليه جده إبراهيم، ثم يليه موسى، ثم بقية أولي العزم، ثم بقية الرسل، ثم بقية الأنبياء. ثم فضل سبحانه وتعالى الصديقين بعد الأنبياء، وفي مقدمتهم الصديق الأكبر، ثم فضل الشهداء، ثم فضل سائر الصالحين وهم المؤمنون، وهم طبقات، فأفضلهم السابقون الأولون، ثم أصحاب اليمين، ثم الظالمون لأنفسهم الذين يقصرون في بعض الواجبات أو يفعلون بعض المحرمات، فقد فضلهم الله على الكفار في الدين وفي الدنيا، وكذلك فرّق بينهم فجعل هذا ملكاً وهذا مملوكاً، وهذا وزيراً، وهذا عالماً وهذا جاهلاً، وهذا غنياً وهذا فقيراً، وهذا حليماً وهذا غير حليم وهكذا. كما أنه فرق بينهم في الأرزاق، وفرق بينهم في العقول، وفرق بينهم في الآجال، فهذا يموت في بطن أمه، وهذا يموت طفلاً، وهذا يموت صبياً، وهذا يموت شاباً، وهذا يموت شيخاً، وهذا يموت كهلاً، وهذا يموت هرماً، وله الحكمة البالغة سبحانه وتعالى عدلاً منه. قوله: (ولا يقال: جار ولا حابى) لأن الله تعالى حرم الظلم على نفسه وجعله بين عباده محرماً. قوله: (فمن قال: إن فضل الله على المؤمن والكافر سواء فهو صاحب بدعة) وهذا صحيح، بل فضل الله المؤمنين على الكافرين، والطائع على العاصي، والمعصوم على المخذول عدل منه، هو فضله يعطيه من يشاء، ويمنع من يشاء، ولا يقال: إن هذا ظلم؛ لأنه سبحانه وتعالى لم يمنع المخذول شيئاً يملكه، قال سبحانه وتعالى: {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ * فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً} [الحجرات:7 - 8]، فلله تعالى على المؤمن نعم جليلة خصه بها دون الكافر، فهو سبحانه وتعالى يهدي من يشاء فضلاً منه وإحساناً، ويضل من يشاء عدلاً منه وحكمة، ولا يقال إذا فضل المؤمن على الكافر: إن الله هدى المؤمن ولم يهد الكافر وهذا جور، نقول: بل هو عدل، فالله تعالى هدى المؤمن فضلاً منه وإحساناً، وخذل الكافر عدلاً منه، فلا يقال: إن هذا ظلم؛ لأن الظلم هو أن يمنع الإنسان من حقه، فإذا منعته من حقه، أو اعتديتَ على ملكه فتكون حينئذٍ ظالماً، والهداية ملك لله وليست ملكاً للعاصي، فإذا منعها العاصي فذلك لحكمة منه وعدل، وإذا هدى المؤمن تفضلاً منه فلا يقال: إن هذا ظلم؛ لأن الله تعالى لم يمنع العاصي شيئاً يملكه، فلو منعه شيئاً يملكه، أو حمله وزر غيره، أو منعه من ثواب استحقه فإنه يكون حينئذٍ ظلماً، لكن إذا أعطى الهداية لهذا ومنعها من هذا فهذا عدله، فهو لم يمنعه شيئاً يملكه، وهذا هو معنى قول المصنف رحمه الله: (عدل منه، هو فضله يعطيه من يشاء، ويمنع من يشاء).

وجوب بذل النصيحة للمسلمين برهم وفاجرهم

وجوب بذل النصيحة للمسلمين برهم وفاجرهم قال المصنف رحمه الله تعالى: [ولا يحل أن تكتم النصيحة للمسلمين برهم وفاجرهم في أمر الدين، فمن كتم فقد غش المسلمين، ومن غش المسلمين فقد غش الدين، ومن غش الدين فقد خان الله ورسوله والمؤمنين]. قوله: (ولا يحل أن تكتم النصيحة للمسلمين برهم وفاجرهم في أمر الدين)؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي رواه الإمام مسلم من حديث تميم الداري: (الدين النصيحة، وكررها ثلاثاً، قلنا: لمن يا رسول الله؟! قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم). فالنصيحة واجبة، ومن كتم النصيحة عن المسلمين فقد غش المسلمين، ومن غش المسلمين فقد غش الدين، ومن غش الدين فقد خان الله ورسوله والمؤمنين، والله تعالى يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ * وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} [الأنفال:27 - 28]، فلا يحل لأحد أن يكتم النصيحة. والنصيحة لله تكون بتوحيده وصرف الدين له سبحانه وتعالى، وأداء حقه، وترك محارمه، والنصيحة لكتاب الله تكون بالإيمان به، وتدبره، والعمل بمحكمه، والإيمان بمتشابهه، والوقوف عند حدوده. وتكون النصيحة للرسول عليه الصلاة والسلام بالإيمان به، وتحكيم شرعه، وتصديق أخباره، وامتثال أوامره، واجتناب نواهيه، والتعبد لله بما شرعه. وتكون النصيحة لأئمة المسلمين بمحبة الخير لهم، وعدم الخروج عليهم، ونصيحتهم. وتكون النصيحة لعامة المسلمين بمحبة الخير لهم، ودفع الشر عنهم، وتحمل أثقالهم، ودفع المضار عنهم، وإطعام جائعهم، ونصح جاهلهم، وكف الأذى عنهم.

الإيمان بعلم الله المحيط بكل شيء

الإيمان بعلم الله المحيط بكل شيء قال المصنف رحمه الله تعالى: [والله تبارك وتعالى سميع بصير عليم، يداه مبسوطتان، قد علم الله أن الخلق يعصون قبل أن يخلقهم، علمه نافذ فيهم، فلم يمنعه علمه فيهم أن هداهم للإسلام ومنّ به عليهم كرماً وجوداً وتفضلاً، فله الحمد]. قوله: (والله تبارك وتعالى سميع بصير) السميع من أسماء الله تعالى، والبصير من أسماء الله، قال سبحانه وتعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:11]، وأسماء الله مشتقة مشتملة على المعاني والصفات، فالسميع مشتمل على صفة السمع، والبصير مشتمل على صفة البصر، والرحيم مشتمل على صفة الرحمة، والقدير مشتمل على صفة القدرة. قوله: (يداه مبسوطتان) فيه إثبات اليدين لله عز وجل، قال الله تعالى: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ} [المائدة:64]. قوله: (قد علم الله أن الخلق يعصونه قبل أن يخلقهم)، لابد من إثبات علم الله الأزلي، (علمه نافذ فيهم) لا شك في هذا، ومن أنكر علم الله فقد نسب الجهل لله، وهذا كفر وضلال. (فلم يمنعه علمه فيهم أن هداهم للإسلام)، أي: لم يمنعه علمه بهم أن هداهم للإسلام فضلاً منه وإحساناً، كما قال سبحانه وتعالى: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ} [الحجرات:17]، (ومنّ به عليهم كرماً وجوداً وتفضلاً فله الحمد) فقال: {بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ} [الحجرات:17].

البشارات عند الموت

البشارات عند الموت قال المصنف رحمه الله تعالى: [واعلم أن البشارة عند الموت ثلاث بشارات، يقال: أبشر يا حبيب الله برضا الله والجنة، ويقال: أبشر يا عدو الله بغضب الله والنار، ويقال: أبشر يا عبد الله بالجنة بعد الإسلام. هذا قول ابن عباس]. يبشر المؤمن عند موته بالمغفرة والرضوان، فقد جاء في حديث البراء وغيره: (أن ملك الموت إذا قبض روح المؤمن فإنها تخرج كما تخرج القطرة من في السقاء -يعني: من فم السقاء- فيقال لها: أيتها النفس الطيبة! اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان، وأما الفاجر أو الكافر فتنزع روحه كم ينزع الصوف من السفود المبلول، ويقال لها: اخرجي إلى غضب من الله وسخط) فالمؤمن يبشر بهذه البشارة: (اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان)، والكافر يبشر بهذه البشارة: (اخرجي إلى غضب من الله وسخط) نسأل الله السلامة والعافية. وقد بيّن الله تعالى في كتابه العزيز أن المؤمن يبشر فقال عز وجل: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي} [الفجر:27 - 30]. وقال سبحانه وتعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} [فصلت:30]. فهذه ثلاث بشارات للذين قالوا: (ربنا الله) أي: معبودنا وإلهنا حقاً هو الله، ثم استقاموا على ذلك بالعمل، فتتنزل عليهم الملائكة عند الموت بهذه البشارات: (ألا تخافوا) وهذه البشارة الأولى، والثانية: (ألا تحزنوا)، والثالثة: (وأبشروا بالجنة). فالبشارة الأولى: (ألا تخافوا) أي: مما أمامكم من عذاب الله وسخطه والنار، فأمنوهم من ذلك. والثانية: (ولا تحزنوا) أي: على ما خلفتم من الأموال والأولاد فنحن نخلفكم فيهم. والبشارة الثالثة: (وأبشروا بالجنة)، أي: عند الموت، ففي حال الشدة والوقت العصيب يبشرون هذه البشارات: لا تخافوا مما أمامكم من عذاب القبر والنار، ولا تحزنوا على ما خلفتم من الأولاد، فالملائكة يخلفون المؤمن فيهم، وأبشروا بالجنة. وأما الظالمون فيبشرون بالنار، قال تعالى: {وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ} [الأنعام:93]، فهذا في غمرات الموت، فيبشرونهم بالعذاب والعياذ بالله، فالمؤمن يبشر بالجنة والكافر يبشر بالعذاب. وقال سبحانه: {وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ} [الأنفال:50]، وهذا أيضاً عند الموت، فيضربون وجوههم وأدبارهم ويقولون لهم: ذوقوا عذاب الحريق. فهذه البشارة: (أبشر يا حبيب الله برضا الله والجنة) دليلها كما ذكرنا قوله تعالى: {وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} [فصلت:30]. وأما قوله: (أبشر يا حبيب الله برضا الله) فهذا اللفظ يحتاج إلى دليل، وأما بشارة الكافر: (أبشر يا عدو الله!) فهذا يحتاج إلى دليل. وقوله في البشارة الثالثة: ويقال: (أبشر يا عبد الله بالجنة بعد الإسلام) فما دليل هذه البشارة؟ وما الفرق بين هذه البشارة وبين البشارة الأولى؟ إذاً فالبشارات الثلاث التي هي للمؤمن كما سمعتم: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا} [فصلت:30]، فهذه بشارة بتأمينهم من الخوف من العذاب في المستقبل، والثانية: {وَلا تَحْزَنُوا} [فصلت:30]، أي: لا تحزنوا على ما خلفتم من الأموال والأولاد، والبشارة الثالثة: {وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ} [فصلت:30]، فهذه هي البشارات الثلاث. وأما ما ذكره المؤلف فهما بشارتان للمؤمن بالجنة، وبشارة للكافر بالنار، ومعلوم أن للمؤمن ثلاث بشارات خاصة به كما ذكرنا، فليراجع كلام ابن عباس في تفسير ابن كثير والتذكرة للقرطبي، فينظر في كلام ابن عباس هل فيه ذكر هذه البشارات الثلاث التي ذكرها المؤلف، وينظر أيضاً هل هي: أبشر يا عبد الله! بالجنة بعد الإسلام أو بعد الانتقام، فإذا ثبت هذا عن ابن عباس فتكون البشارة الأولى للمؤمن الذي يدخل الجنة من أول وهلة، والثانية للمؤمن بعد تعذيبه بالنار، والثالثة للكافر، وإن لم يثبت فهما بشارتان: بشارة للمؤمن، وبشارة للكافر.

النظر إلى الله تعالى في الجنة

النظر إلى الله تعالى في الجنة قال المصنف رحمه الله تعالى: [واعلم أن أول من ينظر إلى الله تعالى في الجنة الأضراء، ثم الرجال، ثم النساء، بأعين رءوسهم، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر، لا تضامون في رؤيته)، والإيمان بهذا واجب، وإنكاره كفر]. قوله: (واعلم أن أول من ينظر إلى الله تعالى في الجنة الأضراء) الأضراء جمع ضرير، وهو الأعمى الذي ذهب بصره، فهذا أول من ينظر إلى الجنة؛ لأنه كان غير مبصر في الدنيا فهو أول من ينظر إلى الله في الجنة، لكن جاء هذا في حديث ضعيف، والصواب أن الأضراء وغيرهم سواء، فالمؤمنون جميعاً ينظرون إلى الله. قوله: (ثم النساء) فهذا الترتيب يحتاج إلى دليل، والله تعالى يقول: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة:22 - 23]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنكم سترون ربكم)، وهذا خطاب للرجال والنساء، فلا يقال: إن الأعمى ينظر أولاً ثم الرجال ثم النساء. وهم ينظرون إلى الله تعالى بأعين رءوسهم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر لا تضامون في رؤيته)، رواه البخاري ومسلم، والأحاديث في رؤية الله تعالى بلغت حد التواتر، قال ابن القيم رحمه الله: رواها من الصحابة نحو ثلاثين صحابياً في الصحاح والسنن والمسانيد. وكذلك النصوص في القرآن الكريم صريحة في رؤية الله، قال تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة:22 - 23]، وقال: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين:15]. قوله: (والإيمان بهذا واجب، وإنكاره كفر) لقد كفر الأئمة من أنكر رؤية الله، فقال الإمام أحمد وجماعة: من قال: إن الله لا يُرى في الآخرة فقد كفر، نسأل الله السلامة والعافية.

[10]

شرح كتاب السنة للبربهاري [10] الشهادتان مفتاح الإسلام، والمسلم يعبد الله بالمحبة والخوف والرجاء، ويؤمن بجميع شرائع الإسلام، ولا يصغي إلى شبهات أهل الكلام.

خطر علم الكلام على الناس في أديانهم

خطر علم الكلام على الناس في أديانهم قال المصنف رحمه الله تعالى: [واعلم رحمك الله أنه ما كانت زندقة قط ولا كفر ولا شك ولا بدعة ولا ضلالة ولا حيرة في الدين إلا من الكلام وأهل الكلام والجدال والمراء والخصومة، والعجب كيف يجترئ الرجل على المراء والخصومة والجدال والله تعالى يقول: {مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا} [غافر:4]، فعليك بالتسليم والرضا بالآثار وأهل الآثار، والكف والسكوت]. الزندقة معناها: النفاق، والزنديق هو المنافق، وهي كلمة فارسية، والزنديق هو من يظهر الإيمان ويبطن الكفر، وقد كان يقال له في زمن النبي صلى الله عليه وسلم: منافق، كـ عبد الله بن أبي وأصحابه، فقد كانوا يظهرون الإيمان والإسلام، ويصلون مع النبي صلى الله عليه وسلم، ويجاهدون معه وهم في الباطن مكذبون، فهم في الدرك الأسفل من النار، قال الله تعالى فيهم: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ} [النساء:145]. ويطلق الزنديق على المتحلل من الدين، وأصلها كلمة فارسية ثم عربت، وفي زمننا هذا يسمى المنافق علمانياً، فالعلماني هو المنافق الذي يظهر الإسلام ويبطن الكفر، فتجده يتستر باسم الإسلام وهو ينشر الإلحاد والزندقة، وينشر الفساد بين المسلمين. قوله: (واعلم رحمك الله أنه ما كانت زندقة) يعني: نفاق (ولا كفر) أي: الكفر المعلن، فالكافر الذي أعلن كفره يقال له: كافر، والذي أخفى كفره يسمى زنديقاً أو منافقاً، (ولا شك) يعني: لا شك في الدين، أو لا شك في ما هو معلوم من الدين بالضرورة (ولا بدعة ولا ضلالة ولا حيرة في الدين إلا من الكلام) أي: بسبب أهل الكلام كالجهمية والمعتزلة والأشاعرة، فقد تكلموا في الصفات وفي الأفعال بالباطل فنشأ من ذلك الكفر والزندقة والنفاق والشك والحيرة. إذاً: فينبغي للإنسان أن يحذر من الكلام؛ لأن الكلام وأهل الكلام هم الذين تكلموا في الأسماء والصفات بغير بصيرة فنشأ من كلامهم الزندقة والكفر والشك والبدعة والضلال والحيرة في الدين. وأصحاب الكلام هم أصحاب الجدال والمراء والخصومة في الصفات، وفي القدر وفي مسمى الإيمان، وهكذا حصلت الحيرة والنفاق والزندقة والجدال والمراء والخصومة بسببت هذا النفاق، فسببت الزندقة والحيرة والشك والبدعة والضلالة. يقول المؤلف: (والعجب كيف يجترئ الرجل على المراء والخصومة والجدال والله تعالى قد ذم المجادلين: {مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ} [غافر:4]، فعليك بالتسليم والرضا بالآثار وأهل الآثار والكف والسكوت)، أي: عليك أيها المسلم! التسليم لأمر الله وأمر رسوله، فإذا جاءك حديث فقل: سلمت ورضيت وقبلت، وكف واسكت عن الخوض والجدال في الدين بغير بصيرة، وعليك بالتسليم لأمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم والرضا بالآثار. قال المصنف رحمه الله تعالى: [والإيمان بأن الله تبارك وتعالى يعذب الخلق في النار في الأغلال والأنكال والسلاسل، والنار في أجوافهم وفوقهم وتحتهم، وذلك أن الجهمية -منهم هشام الفوطي - قال: إنما يعذب الله عند النار، ردّ على الله وعلى رسوله]. يجب على المؤمن أن يؤمن بهذا: أن الله يعذب الخلق في النار في الأغلال والأنكال والسلاسل، وقد أخبر الله تعالى أن النار تغمرهم، وأن النار في أجوافهم وفوقهم وتحتهم، قال الله تعالى: {لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ} [الأعراف:41] أي: وطاء وغطاء، فهم يفترشون النار ويتخذونها غطاء، وقال سبحانه: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ} [فاطر:36]، وقال سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا} [النساء:56]، وقال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ أَنَّى يُصْرَفُونَ * الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتَابِ وَبِمَا أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ * إِذِ الأَغْلالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ * فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ} [غافر:69 - 72]، نسأل الله السلامة والعافية، فلابد من الإيمان بهذا. قال المؤلف رحمه الله رداً على هشام الفوطي وهو ابن عمرو من أصحاب أبي هذيل العلاف شيخ المعتزلة في القرن الثالث الهجري، يقول هشام الفوطي: إنما يعذب الله عند النار، رد على الله وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم، يعني: أن الله يعذب عند النار لا بالنار، وهذا يشبه مذهب الأشاعرة الذين ينكرون الأسباب، ويقولون: السكين لا تقطع وإنما أوجد الله القطع عند إجراء السكين لا بالسكين، وهذا نفي للأسباب، فالأشاعرة يقولون: ليس هناك أسباب ولا غرائز ولا طباع، فالله هو الذي يفعل، فالسكين مثلاً ليس لها تأثير عندهم، فإذا قيل لهم: إن السكين تقطع، قالوا: لا، السكين لا تقطع، وإنما يوجد الله تعالى القطع عند إمرار السكين، فالقطع يحصل عند السكين لا بالسكين، وإذا قيل لهم: النار تحرق، قالوا: لا، النار لا تحرق، بل الله يوجد الإحراق عند النار لا بالنار، وإذا قيل لهم: الأكل يشبع، قالوا: لا، الأكل لا يشبع، ولكن الله يوجد الشبع عند الأكل لا بالأكل، وإذا قيل لهم: الماء يروي، قالوا: الماء لا يروي، لكن الله يوجد الري عند الشرب لا بالشرب، وقصدهم من هذا إنكار الأسباب والغرائز والطبائع؛ حتى لا يكون هناك مؤثر إلا الله. والقرآن والسنة مملوءان بذكر الأسباب والغرائز قال: {وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ} [الأنعام:99] فهذا سبب، وقوله: {وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالآيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ} [الإسراء:59] فهذه علة، وقوله: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ} [المائدة:32]، وقوله: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [النحل:79]، {لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} [الرعد:4]، {لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ} [الأنعام:126] وهكذا فالنصوص من الكتاب والسنة كثيرة في بيان الأسباب والطبائع والغرائز، فـ هشام الفوطي يقول: إنما يعذب الله عند النار، يعني: لا بالنار، ردّ على الله وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم، وقوله هذا باطل، وقد بين المؤلف بطلان قوله.

الالتزام بالصلوات وأوقاتها بدون زيادة ولا نقصان

الالتزام بالصلوات وأوقاتها بدون زيادة ولا نقصان قال المصنف رحمه الله تعالى: [واعلم أن صلاة الفريضة خمس صلوات لا يزاد فيهن ولا ينقص في مواقيتها، وفي السفر ركعتان إلا المغرب، فمن قال: أكثر من خمس فقد ابتدع، ومن قال: أقل من خمس فقد ابتدع، لا يقبل الله شيئاً منها إلا لوقتها إلا أن يكون نسياناً فإنه معذور يأتي بها إذا ذكرها، أو يكون مسافراً فيجمع بين الصلاتين إن شاء]. قوله: (واعلم أن صلاة الفريضة خمس صلوات لا يزاد فيهن ولا ينقص في مواقيتها) كما في الحديث: (خمس صلوات كتبهن الله على العباد)، وفي قصة الرجل الذي جاء وسأل النبي صلى الله عليه وسلم عما أوجب الله عليه فقال له: (خمس صلوات في اليوم والليلة، قال: هل علي غيرها؟ قال: لا إلا أن تطوع). قوله: (وفي السفر ركعتان) يعني: أن الرباعية تقصر إلى ركعتين؛ لقول عائشة: (فرضت صلاة الحضر أربع ركعات، وصلاة السفر ركعتين)، فالرباعية تقصر في السفر وهي: الظهر والعصر والعشاء، وأما المغرب والفجر فلا تقصران. قوله: (فمن قال: أكثر من خمس فقد ابتدع ومن قال: أقل من خمس فقد ابتدع) أي: من قال: إن الله أوجب أكثر من خمس صلوات فقد ابتدع بدعة مكفرة؛ لأنه زاد في الدين، ومن قال: إن الله لم يفرض إلا أربع صلوات في اليوم والليلة فقد كفر أيضاً، فالبدعة قد تكون مكفرة وقد تكون غير مكفرة. وقوله: (فمن قال: أكثر فقد ابتدع) المقصود بذلك الخمس الفرائض، ولا يعترض على ذلك بأن الإمام أبا حنيفة يرى أن الوتر واجب؛ لأنه ليس من الصلوات الخمس. قوله: (لا يقبل الله منها شيئاً إلا لوقتها) مثل الذي يجمع الظهر والعصر أو المغرب والعشاء من غير عذر فإنه يكون قد صلاها في غير وقت، إلا أن يكون نسياناً فإنه معذور، وعليه أن يأتي بها إذا ذكرها، والدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك)، أو يكون مسافراً فيجمع بين الصلاتين إن شاء، فقد أباح الله للمسافر وكذلك للمريض الجمع بين الصلاتين.

جواز أن يخرج الرجل زكاة ماله بنفسه أو أن يدفعها للسلطان

جواز أن يخرج الرجل زكاة ماله بنفسه أو أن يدفعها للسلطان قال المصنف رحمه الله تعالى: [والزكاة من الذهب والفضة والتمر والحبوب والدواب على ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن قسمها فجائر، وإن أعطاها الإمام فجائز]. نصاب الذهب عشرون مثقالاً، ونصاب الفضة مائتا درهم، ونصاب الثمر والحبوب خمسة أوسق، ولا زكاة فيما دون ذلك، جاء في الحديث: (ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة)، والأنعام فيها زكاة، فالإبل إذا كانت سائمة ترعى وبلغت النصاب ففيها خمس من الإبل، والبقر نصابها ثلاثون، والغنم نصابها أربعون. فالزكاة من الذهب والفضة والثمر والحبوب والدواب على ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن قسمها بنفسه فهو جائز، وإذا طلبها الإمام ودفعها إليه برئت ذمته.

الشهادتان مفتاح الإسلام

الشهادتان مفتاح الإسلام قال المصنف رحمه الله تعالى: [واعلم أن أول الإسلام شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، وأن ما قال الله كما قال، ولا خلف لما قال، وهو عند ما قال]. قوله: (واعلم) أي: تيقن أن أول الإسلام شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، والشهادة لله تعالى بالوحدانية ولنبيه صلى الله عليه وسلم بالرسالة هي أصل الدين وأساس الملة، فلابد أن ينطق الشهادتين بلبسانه، ويعتقد معناهما بقلبه، ويعمل بمقتضاهما بجوارحه، وهذا هو الإسلام. فالإسلام أن تنطق بالشهادتين بلسانك، وتصدق بمعناهما بقلبك، وتقر وتعترف وتعمل بمقتضاهما بجوارحك، فإذا نطقت بالشهادتين وأقررت وصدقت وعملت بمقتضاهما، فأديت الأوامر، وتركت النواهي، فهذا هو الإسلام. قوله: (وأن ما قال الله كما قال ولا خلف لما قال وهو عند ما قال) يعني: يجب على المسلم أن يعلم أن ما قاله الله فهو كما قال، فلا يحرف كلام الله، ولا ينبغي لأحدٍ أن يخلف ما قال الله، ويحتمل أن المعنى: أن الله لا يُخلف وعده، {وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ} [الروم:6]، ولكن الوعيد للعصاة قد يخلفه الله تعالى فيعفو عن العاصي، فالوعيد للعاصي فيه تفصيل: فقد ينفذه الله وقد لا ينفذه، والوعد للمؤمن لا بد أن يحصل.

الإيمان بشرائع الإسلام كلها

الإيمان بشرائع الإسلام كلها قال المصنف رحمه الله تعالى: [والإيمان بالشرائع كلها]. يجب على المسلم أن يؤمن بالشرائع كلها، سواء كانت مما أنزلها الله على نبيه في الحدود والقصاص والمعاملات، أو الشرائع التي أنزلها على أنبيائه السابقين، وهذه يؤمن بها إجمالاً. فيؤمن بشريعة الله في الحدود والقصاص وفي المعاملات كالبيع والشراء والصلح والإجارة والمساقاة والمزارعة والنكاح والخلع والطلاق. قال المصنف رحمه الله تعالى: [واعلم أن الشراء والبيع ما بيع في أسواق المسلمين حلال ما بيع على حكم الكتاب والإسلام والسنة من غير أن يدخله تغيير أو ظلم أو جور أو غدر، أو خلاف للقرآن، أو خلاف للعلم]. قوله: (واعلم) أي: تيقن، فالعلم هو اليقين، والأصل أن البيع والشراء حلال إلا إذا اختل شرط من شروط البيع كأن يجهل المبيع، أو يغش، أو يخفي عيب السلعة، أو يرابي، وإلا فالأصل فيما بيع في أسواق المسلمين أنه حلال، فلا تشك وتقول: أخشى أن يكون حراماً، وأخشى أن تكون هذه السعلة التي اشتريتها مسروقة، وأخشى أن فيها كذا، فالأصل الحل، والحمد لله. والأصل أن ما بيع في أسواق المسلمين فهو حلال إذا لم يدخله تغيير ولا ظلم ولا جور ولا غدر، وكذلك بشرط ألا يخالف القرآن، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء:29]، ولا يكتم عيوب السلعة، فحرام عليه أن يخفي العيب، بل لا بد أن يخبره بالعيب الذي يعلمه، فقوله: (خلاف للعلم)، أي: ما تعلمه من العيب فلا تخفيه، فالسلعة التي فيها عيب وأنت تعلمه فلابد أن تبينه، قال عليه الصلاة والسلام: (البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما، وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما).

الخوف والشفقة من سوء الخاتمة

الخوف والشفقة من سوء الخاتمة قال المصنف رحمه الله تعالى: [واعلم رحمك الله أنه ينبغي للعبد أن تصحبه الشفقة أبداً ما صحب الدنيا؛ لأنه لا يدري علام يموت، وبم يختم له، وعلام يلقى الله عز وجل، وإن عمل كل عمل من الخير]. قوله: (واعلم) أي: تيقن، وقوله: (رحمك الله) سؤال الرحمة من الله تعالى للمتعلم. وقوله: (أنه ينبغي للعبد أن تصحبه الشفقة أبداً ما صحب الدنيا) أي: أن يصحبه الخوف من أن تحيط به ذنوبه، والخوف من سوء الخاتمة، فعلى الإنسان أن يرجو ما عند الله لكن عليه أن يغلب جانب الخوف؛ حتى يحمله على أداء الفرائض وترك المحارم. فإذا كان الإنسان خائفاً فإن هذا الخوف يحدوه ويحثه على أداء الفرائض وترك المحارم، فعلى العبد دائماً أن يكون بين الرجاء والخوف، لكنه يغلب جانب الخوف في حال الصحة، قال بعض العلماء: الخوف والرجاء للعبد كجناحي الطائر، فالطائر إذا استقام جناحاه استقام طيرانه، وإذا تلف الجناحان صار في عداد الموتى، فكذلك الإنسان يعبد الله بين الخوف والرجاء، فيخاف خوفاً لا يوصله إلا التشاؤم وسوء الظن بالله، ويرجو ما عند الله رجاءً لا يجعله يستغرق في المعاصي. فالعبد تصحبه الشفقة والخوف أبداً ما صحب الدنيا؛ لأنه لا يدري علام يموت عليه، فيحمله خوفه على أداء الفرائض وترك المحارم، وإن عمل كل الخير فلابد له من الخوف والرجاء.

الرجاء فيما عند الله وحسن الظن به

الرجاء فيما عند الله وحسن الظن به قال المصنف رحمه الله تعالى: [وينبغي للرجل المسرف على نفسه ألا يقطع رجاءه من الله تعالى عند الموت، ويحسن ظنه بالله تبارك وتعالى، ويخاف ذنوبه، فإن رحمه الله فبفضل، وإن عذبه فبذنب]. الفقرة السابقة في الشفقة والخوف وهي قوله: (ينبغي للعبد أن تصحبه الشفقة والخوف)، وهذه الفقرة في الرجاء، إذاً فلابد من الأمرين: الخوف والرجاء، قال تعالى عن المتقين: {يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا} [السجدة:16] أي: يعبدون الله بالخوف والرجاء، وهذا حال المؤمن أنه يعبد الله بالحب والخوف والرجاء. وهذه هي أركان العبادة: المحبة والخوف والرجاء، وهذه الأركان موجودة في سورة الفاتحة، فقوله: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة:2] هذه المحبة، {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة:3] هذا الرجاء، {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة:4] هذا الخوف، فينبغي للرجل المسرف على نفسه ألا يقطع رجاءه من الله عند الموت، وليحسن ظنه بالله، وليخف من ذنوبه، قال في الحديث: (لا يموتن أحدكم إلا هو يحسن الظن بالله عز وجل)، فهو يخاف ويرجو، فيخاف خوفاً لا يصل به إلى سوء الظن؛ لأنه يرجو، ويرجو رجاءً لا يجعله يتمادى في المعاصي؛ لأنه يخاف، فإن رحمه الله فبفضل، وإن عذبه فبذنب.

إطلاع النبي على ما سيكون في أمته إلى يوم القيامة

إطلاع النبي على ما سيكون في أمته إلى يوم القيامة قال المصنف رحمه الله تعالى: [والإيمان بأن الله تبارك وتعالى أطلع نبيه صلى الله عليه وسلم على ما يكون في أمته إلى يوم القيامة]. أي: أن الله أخبر نبيه بما يكون في أمته في آخر الزمان، فأخبره بأشراط الساعة، وأخبره بانتشار الإسلام، (ليبلغن هذا الدين ما بلغ الليل والنهار بعز عزيز أو بذل ذليل). وقال عليه الصلاة والسلام: (والله ليتمنّ الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئبَ على غنمه). وقال عليه الصلاة والسلام: (إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها، وإنه سيبلغ ملك أمتي ما زوي لي منها). ولما وقت المواقيت عليه الصلاة والسلام في الحج وقت لأهل الشام والمغرب الجحفة، ووقت لأهل اليمن يلملم، ووقت لأهل العراق ذات عرق، مع أن العراق في ذلك الوقت لم تفتح بعد، وهذا من علامات النبوة، ففيه دليل على أنهم سيسلمون ويحجون ويعتمرون من هذا الميقات، وهذا مما أطلع الله عليه نبيه مما سيكون في أمته إلى يوم القيامة. وأما القول: بأن النبي يعلم أعمال أمته، وأن أعمال أمته تعرض عليه، وأن النبي صلى الله عليه وسلم يعلم ماذا عمل كل شخص؛ فهذا جاء في حديث ضعيف لا يصح.

ما حصل في هذه الأمة من الفتن والافتراق

ما حصل في هذه الأمة من الفتن والافتراق قال المصنف رحمه الله تعالى: [واعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، وهي الجماعة، قيل: يا رسول الله! من هم؟ قال: ما أنا عليه اليوم وأصحابي)، وهكذا كان الدين إلى خلافة عمر بن الخطاب، وهكذا كان في زمن عثمان، فلما قتل عثمان رضي الله عنه جاء الاختلاف والبدع، وصار الناس أحزاباً وصاروا فرقاً، فمن الناس من ثبت على الحق عند أول التغيير وقال به وعمل به ودعا الناس إليه، فكان الأمر مستقيماً حتى كانت الطبقة الرابعة في خلافة بني فلان انقلب الزمان، وتغير الناس جداً، وفشت البدع، وكثر الدعاة إلى غير سبيل الحق والجماعة، ووقعت المحن في كل شيء لم يتكلم به رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه، ودعوا إلى الفرقة -ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الفرقة- وكفر بعضهم بعضاً، وكل داعٍ إلى رأيه وإلى تكفير من خالفه، فضل الجهال والرعاع ومن لا علم له، وأطمعوا الناس في شيء من أمر الدنيا، وخوفوهم من عقاب الدنيا، فاتبعهم الخلق على خوف في دنياهم ورغبة في دنياهم، فصارت السنة وأهلها مكتومين، وظهرت البدع وفشت، وكفروا من حيث لا يعلمون من وجوه شتى، ووضعوا القياس، وحملوا قدرة الرب وآياته وأحكامه وأمره ونهيه على عقولهم وآرائهم، فما وافق عقولهم قبلوه، وما لم يوافق ردوه، فصار الإسلام غريباً، والسنة غريبة، وأهل السنة غرباء في جوف ديارهم]. هذا فيه بيان الاختلاف الذي حصل في الأمة، يقول المؤلف رحمه الله: (واعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، قيل: يا رسول الله! من هم؟ قال: ما أنا عليه اليوم وأصحابي)، وهذا الحديث حديث حسن أخرجه الترمذي في الإيمان والآجري في الشريعة والحاكم وغيرهم. ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على ثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة)، وفي لفظ: (وهي الجماعة)، وفي لفظ: (قيل: من هي يا رسول الله؟! قال: من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي)، فهذه الفرق كلها من الفرق المبتدعة متوعدة بالنار إلا واحدة وهي الجماعة، وهم أهل السنة والجماعة، وهم الفرقة الناجية، وهم أهل الحق، وقد أخرج العلماء الجهميةَ والقدريةَ الأولى والرافضة من الثنتين والسبعين فرقة؛ لكفرهم وضلالهم. قوله: (وهكذا كان الدين إلى خلافة عمر بن الخطاب) أي: كلهم كانوا على الحق مستقيمين. (وهكذا كان في زمن عثمان، فلما قتل جاء الاختلاف والبدع، وصار الناس أحزاباً وصاروا فرقاً) والذي أثارها هو عبد الله بن سبأ اليهودي الحميري، وأشاع أن أهل البيت مظلومين، وأن علياً أحق بالخلافة، وجعل يثير هذا في الشام وفي مصر وفي الكوفة، فتبعه السفهاء وصاروا ينشرون مساوئ عثمان رضي الله عنه بين الناس، وصاروا يقولون: عثمان فعل كذا وخفض صوته بالتكبير، وعثمان أتم الصلاة في السفر، وعثمان أخذ الزكاة على الخيل وخالف ما كان عليه الشيخان أبو بكر وعمر وهكذا، فتبعه كثير من الشباب السفهاء، فجاءوا وأحاطوا ببيته وقتلوه. إذاً فنشر الناس مساوئ الحاكم وولي الأمر صار سبباً في الفرقة، فصار الناس أحزاباً وفرقاً، فظهرت الخوارج والشيعة، وصار الناس فرقاً وأحزاباً: شيعة وخوارج وقدرية. (فمن الناس من ثبت على الحق) وهم أهل السنة والجماعة، الصحابة ومن تبعهم. (فكان الأمر مستقيماً حتى كانت الطبقة الرابعة في خلافة بني فلان) لم يذكر هذه الخلافة، فتحتمل أنها خلافة بني العباس أو بني أمية، فهناك اختلاف في بني أمية أيضاً، فقوله: (الطبقة الرابعة) إن كان المراد به القرون المفضلة فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يأتي قوم يشهدون ولا يستشهدون، وينذرون ولا يوفون، ويخونون ولا يؤتمنون). (في خلافة بني فلان انقلب الزمان، وتغير الناس جداً، وفشت البدع، وكثر الدعاة إلى غير سبيل الحق والجماعة، ووقعت المحن في كل شيء لم يتكلم به رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه، ودعوا إلى الفرقة ونهى رسول صلى الله عليه وسلم عن الفرقة) والاختلاف، وقد أمر الله تعالى بالاجتماع فقال: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا} [آل عمران:105]، {وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ} [البينة:4]، (وكفر بعضهم بعضاً، وكل داع إلى رأيه وإلى تكفير من خالفه، فضل الجهال والرعاع ومن لا علم له، وأطمعوا الناس في شيء من أمر الدنيا وخوفوهم عقاب الدنيا، فاتبعهم الخلق على خوف في دنياهم ورغبة في دنياهم، فصارت السنة وأهلها مكتومين، وظهرت البدع وفشت، وكفروا من حيث لا يعلمون من وجوه شتى، ووضعوا القياس) يعني: الآراء في مقابلة النصوص، (وحملوا قدرة الرب وآياته وأحكامه وأمره ونهيه على عقولهم وآرائهم) يعني: فسروا النصوص بآرائهم، فما وافق عقولهم قبلوه وما لم يوافق عقولهم ردوه. وهذا لما انتشرت البدع والخوارج، وكان أصلها في أوائل المائة الثانية وقد ظهرت في أواخر عهد الصحابة، وكذلك ظهرت القدرية والشيعة، بل بعد قتل عثمان رضي الله عنه ظهرت الخوارج والشيعة، وفي أواخر عهد الصحابة ظهرت القدرية، ثم في أوائل المائة الثالثة ظهرت الجهمية والمعتزلة. (فصار الإسلام غريباً والسنة غريبة وأهل السنة غرباء في جوف ديارهم)، والمقصود من كلام المؤلف رحمه الله هذا التحذير من البدع والاختلاف في الدين، وأن على المسلم أن يحذر البدع، وأن يلزم السنة والجماعة، فالبدع بريد الكفر، فهي توصل إلى الكفر، والبدعة أحب إلى الشيطان من الكبيرة؛ فإن صاحب الكبيرة كالزاني والسارق وشارب الخمر والمرابي يعلم أنه عاصٍ على باطل لذلك فقد يفكر في التوبة، وأما المبتدع فيظن أنه على حق.

الأسئلة

الأسئلة

معنى البشارات الثلاث التي ذكرها المؤلف

معنى البشارات الثلاث التي ذكرها المؤلف Q هل يحمل كلام المصنف عن البشارات على ما في آخر سورة الواقعة؟ ويمكن حمل كلام المصنف في الثلاث البشارات التي عند الموت على التفصيل الذي جاء في آخر سورة الواقعة: {فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ * فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ * فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ * وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ * فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ * وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ} [الواقعة:88 - 94]، فيها ثلاث بشارات أيضاً: بشارة للمقربين السابقين، وبشارة لأصحاب اليمين، وبشارة لأصحاب الشمال، والمقربين هم الذي أدوا الفرائض والواجبات والنوافل، وتركوا المحرمات والمكروهات وفضول المباحات، وأصحاب اليمين هم الذين أدوا الفرائض وتركوا المحارم، وليس عندهم نشاط في فعل النوافل وترك المكروهات.

حكم الصلاة على الرافضة الذين يعيشون بين أظهرنا ويصلون صلاتنا، وحكم أكل طعامهم

حكم الصلاة على الرافضة الذين يعيشون بين أظهرنا ويصلون صلاتنا، وحكم أكل طعامهم Q ذكر المصنف: أن الصلاة تكون على من مات من أهل القبلة سنة، فهل يصلى على الرافضة الذين يعيشون بين أظهرنا ويصلون صلاتنا؟ وهل يجوز أكل الطعام الذي يقومون على تجهيزه؟ A القاعدة في هذا: أن من عرف كفره فلا يصلى عليه، ومن لم يعرف كفره فإنه يصلى عليه، قال الله تعالى: {وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} [التوبة:84]، فالكافر لا يصلى عليه، والمؤمن يصلى عليه ولو كان فاسقاً أو ضعيف الإيمان، والمنافق لا يصلى عليه، وإذا عرف أنه منافق، أو زنديق، أو أنه يسب الله ورسوله، أو يترك الصلاة، أو يعبد آل البيت، أو يكفر الصحابة ويفسقهم، أو يقول: إن القرآن ذهب ثلثاه ولم يبق إلا الثلث؛ فهذا لا يصلى عليه؛ لأنه كافر، وأما أكل طعامهم فما أدري ما مقصوده بذلك هل يعني: الطعام الذي يصنع عند الموت؟ فهذا من النياحة، أم أنه يقصد طعام من يسب الله أو يسب الرسول أو يسب الصحابة، فهذا إذا كان سيقوم بذبح الذبائح فلا يأكل منها، وأما إذا كان هناك طعام طبخه كافر فلا بأس به، أو كانت فاكهة، وأما الذبيحة إذا ذبحها الكافر فلا تقربها إلا إذا كان من أهل الكتاب يهودياً أو نصرانياً وجهلنا الحال ولم يذبح بالصعق الكهربائي ولا بالخنق ولم يذبح باسم المسيح؛ لقول الله تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة:5] يعني: ذبائحهم.

عدد النفخات في الصور

عدد النفخات في الصور Q هل هناك نفخ في الصور بعد قيام الأجساد؟ A النفخ في الصور يكون بعد أن ينزل المطر، فينفخ إسرافيل بأمر الله نفختين: النفخة الأولى: نفخة صعق وهلاك، فإذا مات الخلائق أنزل الله مطراً فنبتت منه أجساد الناس، ويعيد الله الذرات التي استحالت، وتنبت الأجساد، وتبدل الصفات وتنشأ تنشئة قوية، فإذا كمل نباتهم وخلْقهم أذن الله لإسرافيل فنفخ في الصور فعادت الأرواح إلى أجسادها، فقام الناس من قبورهم ينفضون التراب عن رءوسهم، ثم يقفون بين يدي الله.

الجواب عن تأويل عائشة لسماع أصحاب قليب بدر بالعلم

الجواب عن تأويل عائشة لسماع أصحاب قليب بدر بالعلم Q قال المصنف: (الإيمان بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين كلم أهل القليب كانوا يسمعون كلامه)، فما الجواب عن تأويل عائشة رضي الله عنها حيث أولت السماع بالعلم؟ A عائشة رضي الله عنها أنكرت هذا ووهمت بعض الصحابة، وهي التي غلطت ووهمت رضي الله عنها، والأحاديث ثابتة في هذا، كما أنها أنكرت أيضاً أن يعذب الميت ببكاء أهله عليه، واستدلت بالآية: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام:164]، ووهمت عمر في رواية الحديث، وقالت: إنه لم يقل: إنه يعذب، وإنما قال: إن الكافر يعذب، وهذا من اجتهادها رضي الله عنها وأوهامها.

توضيح لمسألة الظلم التي سار فيها المؤلف على مذهب الجبرية

توضيح لمسألة الظلم التي سار فيها المؤلف على مذهب الجبرية Q نرجو من فضيلتكم إعادة توضيح مسألة الظلم التي مشى فيها المؤلف على قول الجبرية؟ A الظلم في قول الجبرية هو: تصرف المالك في غير ملكه، فالمؤلف يقول: إن الله يتصرف في ملكه فلا يسأل؛ لأنه يتصرف في ملكه والخلق كلهم ملكه؛ وعلى هذا فيجوز له أن يتصرف فيهم بأن يقلب التشريعات والجزاءات، وأن يحمل الأنبياء والمتقين أوزار الفجار والكفار ولا يكون ظلماً، وهذا باطل، بل الظلم هو وضع الشيء في غير موضعه، كأن يحمّل أحداً أوزار غيره، أو يمنعه ثواب عمله، فهذا هو الظلم الذي نفاه الله عن نفسه، والظلم مقدور لله، لهذا حرمه على نفسه ونزه نفسه عنه ونفاه، ولو كان الظلم مستحيلاً على الله كما تقول الجبرية فكيف يحرم الله على نفسه شيئاً مستحيلاً؟! وما الفائدة من تحريم المستحيل؟ وكيف ينفي الظلم عن نفسه وهو غير مقدور له؟ فهذا باطل، وقوله: {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ} [الأنبياء:23]، أي: لكمال حكمته لا لأنه صاحب القدرة والمشيئة كما تقول الجبرية.

الأجر والمثوبة على الأمراض والأسقام

الأجر والمثوبة على الأمراض والأسقام Q هل يؤجر المريض على مرضه ولو لم يحتسب ذلك، بل وربما جزع من ذلك المرض؟ A نعم يؤجر المريض على ذلك ويكفر المرض من خطاياه، وبعد ذلك إذا صبر واحتسب أثابه الله أجراً آخر على ذلك الصبر، وإن جزع وتسخط أثم على جزعه وسخطه، فيكون المرض إذاً كفارة للمريض، ثم بعد المرض إن صبر فله أجر الصابرين، وإن جزع وتسخط فعليه وزر المتسخطين الجازعين.

حكم وصف المقتول في سبيل الله بالشهادة

حكم وصف المقتول في سبيل الله بالشهادة Q هل لنا أن نسمي المقتول في سبيل الله شهيداً، وكذلك الغريق والمبطون والمطعون؟ A نعم نسميه شهيداً باعتبار أحكام الدنيا، وأما في أحكام الآخرة فالله أعلم بذلك؛ ولهذا بوب البخاري رحمه الله قال: (باب لا يقال فلان شهيد)، يعني: لا يقال فلان شهيد في أحكام الآخرة، وأما في أحكام الدنيا فيصح أن نسميه شهيداً إذا قتل في المعركة، فلا يغسل ولا يصلى عليه. وأما الغريق والمبطون والحريق فهم شهداء باعتبار الأجر والثواب، لكنهم يغسلون ويصلى عليهم، وليسوا شهداء كشهداء المعركة، فشهيد المعركة هو الذي لا يغسل ولا يصلى عليه.

التحلل من المظالم شرط في التوبة

التحلل من المظالم شرط في التوبة Q عندي مظالم كثيرة لأشخاص يعسر علي الاتصال بهم، ويصعب عليّ التحلل منهم وقد تبت منها، فهل هذا كافٍ مع الدعاء الكثير؟ A ليس بكاف، فلابد أن ترد المظلمة إلى أهلها إذا كنت تعرف صاحب المظلمة وكانت المظلمة مالاً مثلاً، فلا تبرأ ذمتك، ولا تصح توبتك إلا بإيصال المال إليهم، سواء سرقته أو غششته أو اختلسته أو أخفيته، ولا يلزم من ذلك أن تأتي بنفسك وتقول: هذا مال سرقته منكم، وإنما تقول: عندي لك استحقاق من شخص، وأنت صادق في ذلك، أو تعطي رجلاً وكيلاً يوصل المال إليه ويقول له: هذا استحقاق من شخص، والمهم هو إيصال المال بأي طريقة سواء بنفسك أو بوكيل، ثم تتوب من ذلك، فهذا إذا عرفته. وأما إذا لم تعرفه وعجزتَ وأيستَ فإنك تتصدق عنه بنيته، أو تنفقه في المساجد والمصالح العامة بالنية عنه، والله تعالى يوصله إليه، وكذلك إذا كانت المظلمة غيبة فإنك تستحله، فإن كان يترتب على هذا شر فادع له في ظهر الغيب ويكفي ذلك. وكذلك الاعتداء على بدن شخص فإنك تسلّم نفسك إليه تستحله، أو تعطيه مالاً حتى يسمح عنك، أو يقتص منك بأخذ حقه منك، وأما إذا كانت معصية بينك وبين الله فيكفي فيه التوبة، وأما حقوق الخلق فلابد من أدائها.

حكم عذر من جهل التوحيد

حكم عذر من جهل التوحيد Q هل يعذر جاهل التوحيد بجهله في مسألة دعاء غير الله، وعبادة القبور؟ A لا يعذر بذلك، قال الله تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء:15]، وقد بعث الرسول، وقال: {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} [الأنعام:19]، فمن بلغه القرآن فقد قامت عليه الحجة، والعذر إنما يكون في أهل الفترات قبل بعثة الرسول، فقد بعث الله الرسول بالتوحيد والقرآن وكان يدعو إلى التوحيد وينهى عن الشرك، فلا عذر لأحد في ذلك، لكن يعذر الإنسان في الأمور الدقيقة الخفية التي يجهلها مثله كأهل الفترات البعيدين الذين لم يسمعوا القرآن.

حكم اعتبار قول التابعي في مسألة غيبية

حكم اعتبار قول التابعي في مسألة غيبية Q هل يعتبر قول التابعي حجة في إثبات مسألة غيبية كقول الحسن في المطر: إن مع كل قطرة ملكاً؟ A لا يكفي هذا، وإنما إذا قال الصحابي قولاً في أمر من أمور الغيب التي لا مجال للرأي فيها وبشرط ألا يأخذ الصحابي عن بني إسرائيل، فيكون لقوله حكم الرفع، فمثلاً: ابن عباس كان يأخذ عن بني إسرائيل، فإذا ذكر أمراً غيبياً فيحتمل أنه أخذه عن بني إسرائيل.

موضع حديث الرؤية في كتب السنة

موضع حديث الرؤية في كتب السنة Q نريد منكم أن تذكروا لنا موضع الحديث الذي فيه: (أنكم ترون ربكم كما ترون الشمس ساطعة)؟ A جاء في حديث جرير بن عبد الله البجلي: (إنكم ترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر لا تضامون في رأيته)، وهذا في صحيح البخاري، وفي حديث أبي سعيد: (إنكم ترون ربكم كما ترون الشمس صحواً ليس دونها سحاب)، وارجع إلى الصحيحين وإلى السنن الأربع وانظر أحاديث الرؤية، وارجع إلى كتاب الروح لـ ابن القيم فإنه ساق أحاديث الرؤية وقال: رواها عن النبي ثلاثون صحابياً في الصحاح وفي السنن والمسانيد.

المراد بالميزان في الآخرة

المراد بالميزان في الآخرة Q ما هو المراد بالميزان يوم القيامة؟ A هو ميزان حسي عظيم له كفتان، وأطباقه كأطباق السموات والأرض؛ توزن فيها أعمال العباد، ويوزن فيه الأشخاص على حسب الأعمال.

حكم من مات بحادث سيارة

حكم من مات بحادث سيارة Q الذي يتوفى بحادث سيارة هل يعتبر شهيداً؟ A يرجى ذلك، وقد كان شيخنا سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمة الله عليه يقول: يرجى أن يكون الصدم مثل الهدم، وأن يكون ذلك الشخص مثل صاحب الهدم؛ لأنه الصدم قريب من الهدم.

حكم السلام على ميت بعينه

حكم السلام على ميت بعينه Q هل يجوز السلام على ميت بعينه؟ A نعم، يجوز ذلك إذا كنت تعرف موضعه، فتقول: السلام عليك يا فلان ورحمة الله وبركاته، غفر الله لك، وتترحم عليه وتدعو له، وتنصرف.

حكم من قال بجواز تبديل الشرع بالقوانين الغربية

حكم من قال بجواز تبديل الشرع بالقوانين الغربية Q ما حكم من قال: إن تبديل الشرع بالقوانين الغربية ليس كفراً، وهل يصح أن نأخذ العلم عمن يقول هذا؟ A لا يؤخذ العلم ممن يقول هذا، وإذا لم يكن استبدال الشريعة بالقوانين كفراً فماذا يكون؟ ولا يوجد أحد يقول بأن إبدال القوانين مكان الشرع من الإسلام، فالله تعالى يقول: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة:44]. وقد صادم الذين يقولون إن تبديل الشريعة بالقوانين ليس كفراً قول الله: ((وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ))، بل هو كفر وظلم وفسق، وقد يكون هذا كفراً أكبر وقد يكون كفراً أصغر, فقد يكون الحاكم جاهلاً فلابد أن تقوم عليه الحجة.

حكم التعاون مع الجماعات الإسلامية

حكم التعاون مع الجماعات الإسلامية Q بعض الناس ينتمون لبعض الجماعات الإسلامية، فهل يجوز التعاون معهم في الأعمال الخيرية مثلاً, أو غير ذلك من طرق التعاون؟ A عليك أن تنظر في هذه الجماعات فإن كانت الجماعة على حق فتعاون معهم, وإن كانوا على باطل أو على بدعة فلا تتعاون معهم، والميزان في ذلك هو الشرع، فإذا أشكل عليك شيء فاسأل أهل العلم، واتصل بلجنة الإفتاء في المملكة العربية السعودية واسألهم عما أشكل عليك، أو سل أحد المفتين المعتبرين.

بيان أن الأشاعرة أنكروا الجهة دون الرؤية

بيان أن الأشاعرة أنكروا الجهة دون الرؤية Q هل أنكر الأشاعرة رؤية الله عز وجل؟ A الأشاعرة ما أنكروا الرؤية فقد أثبتوا الرؤية، وإنما أنكروا الجهة فقط, فيقولون: يرى وليس في جهة، والذين أنكروا الرؤية هم المعتزلة والجهمية.

بيان أن المنافق لا يكون زنديقا في جميع أحواله

بيان أن المنافق لا يكون زنديقاً في جميع أحواله Q كيف يكون الزنديق بمعنى المنافق, مع أن المنافقين كانوا كثيرين في عهد الصحابة والتابعين، والمؤلف قد نفى وجود المنافقين إلا بعد وجود أهل الكلام؟ A ما نفى وجودهم, فالمؤلف يقول: إن النفاق موجود في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وموجود بعد ذلك، ولكنه يقول: بعد ما حدث الكلام كثر النفاق في أهل الكلام، وليس معنى ذلك أنه لا يوجد قبل ذلك, فقد وجد النفاق في عهد الصحابة ووجد بعدهم، ولما كثر الكلام نشأ النفاق من الكلام والجدال والخصومة، وقد نهى عن الجدال والخصومة في الدين وفي الصفات وفي القدر؛ لأنه ينشأ منه النفاق.

رؤية الله في الجنة

رؤية الله في الجنة Q جاء حديث زيارة المؤمنين لله عز وجل في الجنة ورؤيتهم له، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (ثم يعودون إلى أهليهم فيقال: لقد ازددتم نوراً, فيقولون: رأينا ربنا) أو كما قال صلى الله عليه وسلم، فهل في هذا دليل على عدم رؤية النساء لله عز وجل؟ A رؤية المؤمنين لربهم على حسب أعمالهم, فمنهم من يرى الله بكرة وعشياً، ويرون الله في يوم الجمعة، فيذهبون ويجلسون في مجالسهم فيتجلى لهم الرب عز وجل، فإذا احتجب عنهم سبحانه وتعالى فينصرفون إلى أهليهم، وإذا انصرفوا إلى أهليهم قال لهم أهلوهم وذووهم: ازددتم حسناً! قالوا: نعم، إنا جالسنا الجبار جل جلاله، لكن ليس معنى ذلك أن الرؤية مستمرة, فهم يرونه في يوم الجمعة، ويرونه على حسب أعمالهم، والسابقون المقربون منهم من يرى الله بكرة وأصيلاً.

سبب إنكار الأشاعرة للأسباب

سبب إنكار الأشاعرة للأسباب Q لماذا قالت الأشاعرة بإنكار الأسباب؟ A لأنهم جبرية ويقولون بالجبر، فيقولون: لو قلنا بإثبات السبب لصار هناك شيء له تأثير مع الله، ونحن نقول: لا يوجد مؤثر إلا الله، فالأسباب ليس لها تأثير, حتى وصلوا إلى القول بأن العبد ليس له أفعال وأنه مجبور.

التأويل الباطل يخرج صاحبه من أهل السنة والجماعة

التأويل الباطل يخرج صاحبه من أهل السنة والجماعة Q هل تأويل بعض الأحاديث والآيات يخرج الإنسان من أهل السنة، كقوله صلى الله عليه وسلم: (الخلق عيال الله)؟ A إذا كان التأويل باطلاً فإنه يوصل إلى البدعة ويخرج الإنسان من أهل السنة والجماعة.

وجود بدع الاعتقاد وبدع العبادات

وجود بدع الاعتقاد وبدع العبادات Q هل هناك بدع في الاعتقاد وبدع في العبادة؟ A نعم، يوجد بدعة في الاعتقاد مثل بدع الأشاعرة والمعتزلة والجهمية, وبدعة العبادات مثل أن ينطق الإنسان بالنية، والبدع متعددة ومتنوعة.

حكم البدع

حكم البدع Q هل البدعة في الاعتقاد غير مغتفرة، والبدعة في العبادات مغتفرة، إن جاز لنا أن نقول إن هناك فرقاً؟ A البدعة معصية، إذا كانت لا توصل إلى الكفر فهي معصية, وتختلف، فقد تغفر للعبد إذا كان جاهلاً بها. وعلى كل حال فالبدعة كبيرة، ومغفرة الكبائر تحت مشيئة الله.

الفرق بين الإرادة الشرعية والكونية

الفرق بين الإرادة الشرعية والكونية Q ما هو الفرق بين الإرادة الشرعية والإرادة الكونية؟ A الإرادة الكونية عامة للمؤمن والكافر, والإرادة الدينية أو الشرعية خاصة بالمؤمن, فالله تعالى أراد الإيمان كوناً وقدراً من أبي بكر , وأراد الكفر من أبي لهب شرعاً ولم يرده كوناً، فاجتمعت الإرادتان في حق أبي بكر وانفردت الإرادة الكونية في حق أبي لهب , فتجتمع الإرادتان في حق المؤمن وتنفرد الإرادة الكونية في حق الكافر. والإرادة الكونية لا يتخلف مرادها، والدينية قد تتحقق وقد لا تتحقق, فمن أراد الله منه الإيمان كوناً وقدراً لابد أن يؤمن, ومن أراد الله منه الإيمان ديناً وشرعاً قد يؤمن وقد لا يؤمن.

حكم من عطل صفة من صفات الله وأقر بغيرها

حكم من عطل صفة من صفات الله وأقر بغيرها Q ما حكم من عطل صفة من صفات الله سبحانه وأقر بباقي الصفات؟ A هذا فيه تفصيل: فإن كان متأولاً فهو مبتدع، وإن كان جاحداً فهو كافر، كمن قال: ليس لله علم ولا قدرة ولا استواء, لكن من تأول الاستواء بمعنى الاستيلاء فهذا لا يكفر؛ لوجود الشبهة فالمتأول غير الجاحد.

معنى الفطرة التي يولد عليها المولود

معنى الفطرة التي يولد عليها المولود Q كيف نجمع بين أن الهداية فضل من الله, وبين أن كل مولد يولد على الهداية؟ A كل مولود يولد على الفطرة وليس على الهداية, والفطرة تعني: أن يقر بربوبية الله ويميل إلى الخير، وهي الإسلام بمعناها العام.

بيان أن الخوارج ليسوا كفارا ولا بغاة

بيان أن الخوارج ليسوا كفاراً ولا بغاة Q نرجو أن تبينوا لنا قول شيخ الإسلام في حكم الخوارج: إن الصواب أنهم ليسوا كفاراً كالمرتدين عن أصل الإسلام، وليسوا بغاة، بل هم نوع ثان؟ A قال: إن الخوارج ليسوا كفاراً؛ لأنهم متأولون، فهم يتعبدون وهم متأولون، والصحابة عاملوهم معاملة الكفار, وهناك قول بكفرهم، وهو رواية عن الإمام أحمد. والبغاة: هم الذين يخرجون عن الإمام إذا فعل بعض المعاصي، والخوارج ليسوا منهم، والبغاة يختلفون عن الخوارج.

كيفية الرد على أسئلة الأطفال المتعلقة بذات الله

كيفية الرد على أسئلة الأطفال المتعلقة بذات الله Q بعض الأطفال يسألون آباءهم بكثرة عن ذات الله سبحانه, فكيف يرد عليهم؟ A يرد عليهم بصفات الله, والقول بأن الله تعالى فوق العرش, وأن الله عليم بكل شيء, وقد قال عليه الصلاة والسلام: (تفكروا في صفات الله، ولا تتفكروا في ذات الله).

كفر من استحل شيئا معلوما من الدين بالضرورة

كفر من استحل شيئاً معلوماً من الدين بالضرورة Q إن من المعروف في زماننا وجود من يمنع الحجاب، ويستحل الدعارات, ويحارب السنة ويعذب أهلها, ويحكم بغير شرع الله، فهل هؤلاء فساق أم كفار؟ A هذه علامات الكفر، فإذا استحل أمراً معلوماً من الدين بالضرورة فهو كافر, وأما إذا فعلها طاعة للهوى والشيطان فيكون عاصياً.

[11]

شرح كتاب السنة للبربهاري [11] أهل السنة والجماعة يرون تحريم زواج المتعة خلافاً للرافضة، وأهل السنة يحبون أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، ويخالفون الجهمية القائلين بخلق القرآن المخالفين للسنن والآثار.

تحريم زواج المتعة

تحريم زواج المتعة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [واعلم أن المتعة -متعة النساء- والاستحلال حرام إلى يوم القيامة]. أراد المؤلف رحمه الله الرد على الرافضة الذين يرون شرعية المتعة. والمتعة: أن يتمتع الرجل بالمرأة مدة معينة، فيتفق معها ويتزوجها مدة معينة, شهراً أو شهرين, أو يوماً أو يومين, ويشترط عليها شرطاً كأن يقول: أتزوجك يوماً أو يومين أو خمسة أيام أو عشرة أيام ثم أطلقك. وكانت المتعة في أول الإسلام مباحة، وذلك لما اشتدت العزوبة على الصحابة في بعض الغزوات فأبيحت المتعة، ثم حرم النبي صلى الله عليه وسلم المتعة إلى يوم القيامة فالمتعة حرام. والمتعة تعتبر من الزنى والعياذ بالله, والشيعة يستحلون المتعة ويرون أنها حلال, وسبق الحديث: (لا تزوج المرأة المرأة، ولا تزوج المرأة نفسها, فإن الزانية هي التي تزوج نفسها) , فالمتعة: يتفق الرجل مع المرأة على أن يتمتع بها أياماً، يعني: ينكحها أياماً، ثم يتركها, وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل). وشروط النكاح أربعة: ولي، وزوج، وشاهدا عدل، ولابد من مهر, وبسبب استحلال الشيعة للمتعة كثر عددهم، فهم يتمتعون بالنساء فيأتيهم من ذلك أولاد كثيرون, نسأل الله السلامة والعافية, وفي الحديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم حرم المتعة يوم خيبر إلى يوم القيامة).

وجوب حب المسلم لكل من له قرابة بالرسول الكريم

وجوب حب المسلم لكل من له قرابة بالرسول الكريم قال المؤلف رحمه الله تعالى: [واعرف لبني هاشم فضلهم؛ لقرابتهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتعرف فضل قريش والعرب وجميع الأفخاذ, فاعرف قدرهم وحقوقهم في الإسلام، ومولى القوم منهم, وتعرف لسائر الناس حقهم في الإسلام, واعرف فضل الأنصار ووصية رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم, وآل الرسول فلا تنساهم، واعرف فضلهم وكراماتهم وجيرانه من أهل المدينة فاعرف فضلهم]. (واعرف لبني هاشم فضلهم)؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم من بني هاشم , وهو الهاشمي القرشي, ولهذا لا تكون الزكاة لبني هاشم ولا لبني عبد المطلب؛ لأنهم آل النبي صلى الله عليه وسلم, فلابد أن يعرف المسلم لبني هاشم فضلهم, قال الله تعالى: {قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ} [الشورى:23] أي: المحبة، {فِي الْقُرْبَى} [الشورى:23]، ولابد من مودة بني هاشم وهي واجبة لقربهم من النبي صلى الله عليه وسلم، ومحبتهم من محبة النبي صلى الله عليه وسلم, فلابد أن يعرف الإنسان لهم فضلهم، فهم أشرف الناس نسباً، والنبي صلى الله عليه وسلم بعث في أشرف الناس نسباً, وكذلك الأنبياء تبعث في أحساب قومها, فقد جاء في حديث ما معناه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يؤمنوا حتى يحبوكم لله ولقرابتي). والمراد ببني هاشم: قرابة النبي صلى الله عليه وسلم المؤمنين, وكذلك بنو عبد المطلب. (وتعرف فضل قريش)؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم من قريش, فقريش أفضل العرب نسباً, وكذلك العرب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم بعث في العرب، فجنس العرب أفضل من جنس العجم, ولكن الجنس لا يفيد إلا مع تقوى, كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى، ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى)، وقد يوجد شخص من العجم خير من ألوف من العرب, وإنما المراد الجنس, فجنس العرب أفضل من جنس العجم. (وجميع الأفخاذ) وهي: جمع فخذ، وهو أقل من الشعب، فيقال أقارب الإنسان ثم قبيلته ثم شعبه. (ومولى القوم منهم) أي: عتيقهم، فإذا أعتقوا أحداً صار منهم. ولهذا نجد من يقول: إنه من قريش وهو مولى، وذلك لأنه أصبح عتيقاً، ولكنه لا يكون من نسبهم. اكتملنا من الصفحة التاسعة ودخلنا في الصفحة العاشرة (وتعرف لسائر الناس حقهم في الإسلام) , فكل مؤمن له حق في الإسلام, قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات:10] , وقال عليه الصلاة والسلام: (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً وشبك بين أصابعه)، وقال عليه الصلاة والسلام: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم, مثل الجسد والواحد, إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى). (واعرف فضل الأنصار ووصية رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم) فقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بالأنصار, وقال: (من ولي شيئاً ينفع ويضر فليوال الأنصار أو فليعط الأنصار حقهم) أو كما قال عليه الصلاة والسلام, وقال للأنصار: (إنكم ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض) , يعني: ستجدون بعض الولاة وبعض الأمراء يؤثرون غيركم عليكم، ويمنعونكم حقكم، فاصبروا حتى تلقوني على الحوض، فالأنصار هم كثير في الإسلام, وهم الذين آووا النبي صلى الله عليه وسلم والمهاجرين, فلما عتبوا عليه عليه الصلاة والسلام في بعض الشيء جمعهم وقال لهم: (أما ترضون أن يذهب الناس بالشاء والبعير، وتذهبون برسول الله في رحالكم؟ الأنصار شعار، والناس دثار، اللهم اغفر للأنصار، ولأبناء الأنصار، ولأبناء أبناء الأنصار)، فلابد أن تعرف فضل الأنصار. (وآل الرسول، فلا تنساهم) وآل الرسول هم أتباعه على دينه، ويدخل في ذلك دخولاً أولياً قرابته من جهة النسب, كـ علي وفاطمة والحسن والحسين والعباس , وزوجاته عليه الصلاة والسلام، وبناته وأعمامه وأقاربه المؤمنين، فلا بد للإنسان أن يعرف حقهم. (وجيرانهم من أهل المدينة فاعرف فضلهم) وهم الأنصار, أو جيرانه في المدينة، ومن كانوا حول المدينة من القبائل والقرى والبوادي، فكل هؤلاء لهم حق على المسلم لقربهم من النبي صلى الله عليه وسلم ولجوارهم له.

عدم قبول قول الجهمية والمعتزلة في القول بأن القرآن مخلوق

عدم قبول قول الجهمية والمعتزلة في القول بأن القرآن مخلوق قال المؤلف رحمه الله: [واعلم رحمك الله أن أهل العلم لم يزالوا يردون قول الجهمية، حتى كان في خلافة بني فلان تكلم الرويبضة في أمر العامة, وطعنوا على آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخذوا بالقياس والرأي، وكفروا من خالفهم، فدخل في قولهم الجاهل والمغفل، والذي لا علم له، حتى كفروا من حيث لا يعلمون, فهلكت الأمة من وجوه, وكفرت من وجوه, وتزندقت من وجوه, وضلت من وجوه, وتفرقت وابتدعت من وجوه, إلا من ثبت على قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمره وأمر أصحابه، ولم يخطئ أحداً منهم، ولم يجاوز أمرهم, ووسعه ما وسعهم، ولم يرغب عن طريقتهم ومذهبهم، وعلم أنهم كانوا على الإسلام الصحيح والإيمان الصحيح، فقلدهم دينه واستراح، وعلم أن الدين إنما هو بالتقليد، والتقليد لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم]. (واعلم رحمك الله أن أهل العلم لم يزالوا يردون قول الجهمية) وذلك لكفرهم وضلالهم، والجهمية هم الذين أنكروا أسماء الله وصفاته، وقالوا: إن الله ليس له سمع ولا بصر ولا علم ولا قدرة، فهم ينفون جميع الصفات والأسماء, وهم بهذا يصفون العدم، فالشيء الذي ليس له اسم ولا صفة يكون عدماً, ولهذا كفر العلماء الجهمية وأخرجوهم من الاثنتين والسبعين الفرقة وقالوا: هم كفار؛ لأنهم ما أثبتوا وجوداً لله، ونفوا الأسماء والصفات فأنكروا بقولهم وجود الله. ولهذا قال المؤلف رحمه الله: (اعلم رحمك الله أن أهل العلم لم يزالوا يردون قول الجهمية حتى كان في خلافة بني فلان) يعني: بني العباس، وبالتحديد خلافة المأمون، فلما كانت خلافة المأمون ترجمت كتب اليونان والرومان، ودخل على المسلمين شر كثير، واعتنق المأمون مذهب المعتزلة وأثروا عليه، وقرب المعتزلة فصاروا أقرباءه، حتى صار رئيس القضاة في زمن المأمون أحمد بن أبي دؤاد وهو من المعتزلة، وهو الذي امتحن الإمام أحمد إمام أهل السنة، وأراده على القول بخلق القرآن فامتنع، فضُرب الإمام أحمد وسجن وسحب حتى أغمي عليه، ورفض رفضاً قاطعاً أن يقول: إن القرآن مخلوق، مع أنه مجبر ومكره له عذر. فبعض العلماء ترخص تحت وطأة الإكراه والإلزام والجبر، فهو معذور، والله تعالى عذر المكره إذا تكلم بكلمة الكفر إذا كان قلبه مطمئناً بالإيمان، قال الله تعالى: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [النحل:106]، فتأول بعض العلماء فسلموا من العذاب، حتى قال بعضهم للإمام أحمد: لك رخصة يا إمام! لو تأولت، فامتنع الإمام وثبت, وصبر على الأذى والسجن والضرب والسحب والإيذاء, وخشي أن يتأول فيضل الناس بسببه، وقد قال له أحدهم: لو تأولت يا إمام! فقال: انظر إلى هؤلاء الكتاب، وكان هناك مساحة كبيرة من دار الخليفة كلها مملوءة من الكتاب، وكل واحد معه قلم يريد أن يكتب مقالة الإمام أحمد، أي: أنه ينتظر كلمة يتكلم بها فيكتبها, فقال: أتريد أن أضل هؤلاء؟ كلا، بل أموت ولا أضلهم. فثبت رضي الله عنه وأرضاه في المحنة، حتى قيل: إن الخليفة الراشد أبا بكر ثبت يوم الردة، حتى أن عمر رضي الله عنه، وهو من هو أشكل عليه وقال: يا خليفة رسول الله! كيف تقاتلهم وقد صلوا، فقال أبو بكر: والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة, ما استمسك السيف بيدي, والله لو لعبت الكلاب بخلاخل أمهات المؤمنين لقاتلتهم حتى يؤدوا إلي ما أدوه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, والله لو منعوني عقالاً كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعه، فشرح الله صدر عمر لرأي أبي بكر، وثبت ثبوت الجبال الراسيات رضي الله عنه وأرضاه، فأجمع الصحابة على قوله وأخذوا برأيه وأنه على الحق، فشرحت صدورهم لذلك، حتى قال بعض المسلمين: لولا أن الله ثبت أبا بكر لما عبد الله في الأرض، ولأطبقت العرب على الردة إلا من ثبته الله. فثبت الله الجزيرة بـ أبي بكر رضي الله عنه يوم الردة, والإمام أحمد يوم المحنة، وقد اختبر المأمون -بناء على رأي المعتزلة الذين أثروا عليه- الإمام أحمد، وألزموا أهل السنة أن يقولوا: إن القرآن مخلوق، وأمر الخليفة بأن يؤتى بالعلماء من أنحاء الخلافة مقيدين بالسلاسل, فمن لم يقل بأن القرآن مخلوق أوذي وسحب وضرب وألقي في السجون، فمنهم من تأول، ومنهم من مات في السجن، ومنهم من مات في الطريق، ومنهم الإمام أحمد الذي رفض وامتنع على الرغم من شدة ما لقي من العذاب. (حتى كان في خلافة بني فلان -أي: بني العباس- تكلم الرويبضة في أمر العامة) والرويبضة: الجاهل الذي ليس عنده علم فيتكلم في أمر العامة بسبب فساد أمر الناس، وإلا فإن الرويبضة لا يتكلم في وقت قوة الإسلام وظهوره. (وطعنوا على آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم) يعني: الحديث، وأخذوا بالقياس والرأي، وهو يقصد المعتزلة الذين يأخذون بآرائهم وأهوائهم وشهواتهم ويتركون النصوص. (وكفروا من خالفهم) فكل من لم يقل: القرآن مخلوق كافر عند المعتزلة. (فدخل في قولهم الجاهل والمغفل) فالجاهل لجهله تبع المعتزلة والمغفل كذلك, أما صاحب البصيرة والفطنة فلا يقبل قولهم. إذاً: دخل في قولهم ثلاثة أصناف من الناس: الصنف الأول: الجاهل, والثاني: المغفل, والثالث: الذي لا علم له. (حتى كفروا من حيث لا يعلمون) أي: بهذه المقالة. (فهلكت الأمة من وجوه) أي: هلكت الأمة من هذا الوجه حيث إنهم صدقوهم وأخذوا بقولهم. (وكفرت من وجوه) يعني: من تبعهم في القول بخلق القرآن. (وتزندقت من وجوه) الزندقة هي النفاق، أي: أن من الناس من كفر، ومن الناس من تزندق وصار منافقاً، ومن الناس من ضل وصار مبتدعاً, والنتيجة أن هلكت الأمة من هذه الوجوه. (إلا من ثبت على قول رسول صلى الله عليه وسلم وأمره وأمر أصحابه، ولم يخطئ أحداً منهم، ووسعه ما وسعهم, ولم يرغب عن طريقتهم ومذهبهم) أي: لم يرغب عنها بل رغب فيها. (وعلم أنهم كانوا على الإسلام الصحيح والإيمان الصحيح) أي: تيقن أن الصحابة كانوا على الإسلام الصحيح والإيمان الصحيح. (فقلدهم دينهم واستراح) يعني اتبعهم، وليس معناه التقليد بغير بصيرة. (وعلم أن الدين إنما هو بالتقليد, والتقليد دين أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم) والمراد بالتقليد الاتباع، وإلا فالتقليد مذموم إذا كان بغير بصيرة.

بدعية من قال: لفظي بالقرآن مخلوق، وتجهم من سكت عن القول في القرآن

بدعية من قال: لفظي بالقرآن مخلوق، وتجهم من سكت عن القول في القرآن قال المؤلف رحمه الله تعالى: [واعلم أن من قال: لفظي بالقرآن مخلوق فهو مبتدع، ومن سكت فلم يقل: مخلوق ولا غير مخلوق فهو جهمي، هكذا قال أحمد بن حنبل. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافاً كثيراً، فإياكم ومحدثات الأمور، فإنها ضلالة، وعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ)]. (واعلم أن من قال: لفظي بالقرآن مخلوق فهو مبتدع، ومن سكت فلم يقل مخلوق ولا غير مخلوق فهو جهمي, هكذا قال أحمد بن حنبل رحمه الله) والإمام أحمد له عبارة مشهورة قريبة من هذه، وهي قوله: من قال لفظي بالقرآن مخلوق فهو جهمي -أي: وافق الجهمية-، ومن قال لفظي بالقرآن غير مخلوق فهو مبتدع, ولأن مذهب السنة والجماعة أن كلام الله منزل غير مخلوق. والمقصود بكلام الله لفظه ومعناه، فقوله: لفظي بالقرآن قول الجهمية، فلفظك وأفعالك وأقوالك مخلوقة، فعندما تخصص وتقول: لفظي بالقرآن هذا بدعة، ومن قال ذلك فهو جهمي؛ لأنه وافق قول الجهمية، ومن قال: لفظي بالقرآن غير مخلوق فهو مبتدع؛ لأنه ابتدع قولاً لم يقله أحد من السلف, والقرآن كلام الله أنزله على رسوله، وأفعالك وأقوالك مخلوقة، لكن لا يصح أن تخصص اللفظ بالقرآن أنه مخلوق. (واعلم أن من قال لفظي بالقرآن مخلوق فهو مبتدع)؛ لأنه قول لم يقله أحد من السلف, فقد سكتوا وما قالوا: اللفظ مخلوق ولا غير مخلوق, فمن قال: لفظي بالقرآن مخلوق فقد ابتدع؛ لمخالفته طريقة السلف، ومن سكت وتوقف فقال: لا أقول مخلوق ولا غير مخلوق فهو جهمي، فلا يوجد داعي أن تشك، بل اجزم بأن القرآن كلام الله أنزله على رسوله، فالشاك مبتدع مثل الجهمية، ولا فرق بين الجهمي وبين الشاك، فالذي يتكلم بالبدعة والذي يسكت ولا ينفي البدعة كلاهما مبتدع. (هكذا قال أحمد بن حنبل) والواجب أن تقول: إنه كلام الله منزل غير مخلوق لفظاً ومعنى. (وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافاً كثيراً، فإياكم ومحدثات الأمور فإنها ضلالة، وعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين فعضوا عليها بالنواجذ) رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة وله ألفاظ, فقد روي بلفظ: (إنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة). وفي هذا الحديث التحذير من البدع ومحدثات الأمور وأنها من الضلال, والحث على لزوم السنة، وسنة الخلفاء الراشدين إذا خفيت السنة، وهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، أما مع وجود السنة فلا، فإذا لم توجد سنة، ووجد قول للخلفاء الراشدين فهو السنة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن سنة الخلفاء الراشدين سنة بقوله: (تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ) , والنواجذ هي الأسنان التي تلي الأضراس، وفي كل فك أربة نواجذ، اثنان من اليمين، واثنان من الشمال في كل فك, والمعنى: تمسكوا به، فالشيء الذي يريد الإنسان أن يمسكه يعض عليه بالنواجذ حتى لا ينفلت.

بيان سبب هلاك الجهمية

بيان سبب هلاك الجهمية قال المؤلف رحمه الله تعالى: [واعلم أنه إنما جاء هلاك الجهمية: أنهم فكروا في الرب عز وجل، فأدخلوا: لم؟ وكيف؟ وتركوا الأثر، ووضعوا القياس، وقاسوا الدين على رأيهم، فجاءوا بالكفر عِياناً، لا يخفى أنه كفر، وكفروا الخلق، واضطرهم الأمر حتى قالوا بالتعطيل]. (واعلم أنه إنما جاء هلاك الجهمية أنهم فكروا بالرب) أي: فكروا في ذاته وأسمائه وصفاته، ثم قاسوا الخالق على المخلوق. (فأدخلوا: لم؟ وكيف؟) أي قالوا: لم؟ واستفهموا في الأفعال: لم فعل كذا, واستفهموا في الصفات، حيث قالوا: كيف استوى؟ وكيف نزل؟ وهذا من جهلهم وضلالهم، وهذه أسئلة فاسدة، ولا يوجه هذا السؤال لأفعاله جل في علاه، فلا يقال: لم جعل هذا غنياً؟ لم جعل هذا فقيراً؟ لم جعل هذا طويلاً؟ لم جعل هذا قصيراً؟ لأن الله حكيم وله الحكمة البالغة. فهلك الجهمية بذلك، أما الصحابة والتابعون ومن بعدهم فهم في عافية من هذا, فلم يأتوا بمثل هذه الأسئلة. (وتركوا الأثر) يعني: النصوص، (ووضعوا القياس) أي: قاسوا الخالق على المخلوق، وقاسوا أمور الآخرة على أمور الدنيا, وقاسوا الدين على آرائهم وشهواتهم. (فجاءوا بالكفر عياناً) العيان: المعاينة، فارتكبوا كفراً واضحاً بيناً، يعاينه كل أحد ولا يخفى على أحد أنه كفر. (وكفروا الخلق) أي: الجهمية، فقد كفروا من لم يوافقهم. (واضطرهم الأمر حتى قالوا بالتعطيل) أي: وصل بهم الحال حتى عطلوا الرب من أسمائه وصفاته، وقالوا: ليس له علم ولا سمع ولا بصر ولا إرادة ولا قدرة، وليس فوق العالم ولا تحت العالم، ولا مبايناً للعالم ولا محايداً للعالم، ولا متصلاً بالعالم ولا منفصلاً عن العالم، وهذا تعطيل كامل، وهذا معنى قول المؤلف رحمه الله: (فاضطرهم الأمر حتى قالوا بالتعطيل).

كفر الجهمي لضلال معتقداته

كفر الجهمي لضلال معتقداته قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقال بعض العلماء منهم أحمد بن حنبل رضي الله عنه: الجهمي كافر، ليس من أهل القبلة، حلال الدم، لا يرث، ولا يورث؛ لأنه قال: لا جمعة ولا جماعة ولا عيدين ولا صدقة، وقالوا: من لم يقل القرآن مخلوق فهو كافر، واستحلوا السيف على أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وخالفوا من كان قبلهم، وامتحنوا الناس بشيء لم يتكلم فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أحد من أصحابه، وأرادوا تعطيل المساجد والجوامع، وأوهنوا الإسلام، وعطلوا الجهاد، وعملوا في الفرقة، وخالفوا الآثار وتكلموا بالمنسوخ، واحتجوا بالمتشابه، فشككوا الناس في آرائهم وأديانهم، واختصموا في ربهم، وقالوا: ليس عذاب قبر ولا حوض يورد ولا شفاعة، والجنة والنار لم تخلقا، وأنكروا كثيراً مما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستحل من استحل تكفيرهم ودماءهم من هذا الوجه؛ لأنه من رد آية من كتاب الله فقد رد الكتاب كله، ومن رد أثراً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد رد الأثر كله، وهو كافر بالله العظيم، فدامت لهم المدة، ووجدوا من السلطان معونة على ذلك، ووضعوا السيف والسوط دون ذلك، فدرس علم السنة والجماعة وأوهنوهما وصارتا مكتومين؛ لإظهار البدع والكلام فيها، ولكثرتهم، واتخذوا المجالس وأظهروا رأيهم، ووضعوا فيه الكتب، وأطمعوا الناس، وطلبوا لهم الرئاسة، فكانت فتنة عظيمة، لم ينج منها إلا من عصم الله، فأدنى ما كان يصيب الرجل من مجالستهم أن يشك في دينه أو يتابعهم أو يرى رأيهم أو يزعم أنهم على الحق، ولا يدري أنه على الحق أو على الباطل، فصار شاكاً فهلك الخلق، حتى كان أيام جعفر الذي يقال له: المتوكل، فأطفأ الله به البدع، وأظهر به الحق، وأظهر به أهل السنة، وطالت ألسنتهم مع قلتهم وكثرة أهل البدع إلى يومنا هذا. والرسم وأعلام الضلالة قد بقي منهم قوم يعملون بها، ويدعون إليها، لا مانع يمنعهم، ولا أحد يحجزهم عما يقولون ويعملون]. (وقال بعض العلماء منهم أحمد بن حنبل رحمه الله: الجهمي كافر، ليس من أهل القبلة، حلال الدم، لا يرث ولا يورث) وهذا مشهور عن كثير من العلماء أنهم كفروا الجهمية، وقد كفرهم خمسمائة عالم, حتى قال ابن القيم في الكافية الشافية: ولقد تقلد كفرهم خمسون في عشر من العلماء في البلدان واللالكائي الإمام قد حكاه وحكاه عنه قبله الطبراني وقوله: خمسين في عشرة، أي: خمسمائة، ومن العلماء من كفر الغلاة والدعاة وعلماءهم، وفسق عامتهم، ومن العلماء من كفرهم جميعاً ومنهم من بدعهم جميعاً؛ وذلك لخبث معتقدهم وفساد قولهم؛ ولأنهم قالوا: إن الرب ليس له صفات ولا أسماء، حتى إنهم نفوا النقيضين عنه جل وعلا، فقالوا: لا داخل العالم ولا خارجه، ولا فوقه ولا تحته، ولا مباين له ولا محايد له، ولا متصل به ولا منفصل عنه، ولهذا كفرهم العلماء. ومن كفرهم ما يعتقدته الجهم حيث يقول: الإيمان معرفة الرب بالقلب، فإذا عرفت ربك بقلبك فأنت مؤمن, كما يقول بعض الناس: الإيمان في القلب، فنقول: والكفر والنفاق في القلب أيضاً, وإذا وقر الإيمان في القلب عملت الجوارح, وإذا وقر الكفر في القلب لم تعمل الجوارح. (لأنه قال -أي: الجهمي-: لا جمعة ولا جماعة، ولا عيدين ولا صدقة, وقالوا -أي: الجهمية-: من لم يقل القرآن مخلوق فهو كافر) إذاً: الجهمية يكفرون من قال: القرآن كلام الله منزل غير مخلوق. (واستحلوا السيف على أمة محمد صلى الله عليه وسلم)؛ لأنهم يرون أنهم كفار، فاستحلوا دماء المسلمين، وخالفوا من كان قبلهم. (وامتحنوا الناس بشيء لم يتكلم فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أحد من أصحابه) فالمعتزلة امتحنوا الناس في زمن المأمون، وكانوا يأتون إلى كل عالم يسألونه ماذا يقول في خلق القرآن؛ فمن لم يقل: إن القرآن مخلوق فإنه يزج به في السجون ويؤذى، ومن قال منهم: القرآن مخلوق سكتوا عنه، فيكفرون من قال: إن كلام الله منزل غير مخلوق, ومن قال: إنه مخلوق فهذا هو المؤمن عند المعتزلة. (وأرادوا تعطيل المساجد والجوامع)؛ لأنهم يزعمون أن الإيمان في القلب، فلا حاجة إلى الصلاة ولا حاجة إلى المساجد، فأرادوا تعطيل المساجد والجوامع. (وأوهنوا الإسلام) أي: أضعفوا الإسلام. (وعطلوا الجهاد وعملوا في الفرقة) يعني: حاولوا التفريق بين المسلمين. (وخالفوا الآثار) أي: النصوص. (وتكلموا في المنسوخ، واحتجوا بالمتشابه) أي: المتشابه من كلام الله وكلام رسوله. (فشككوا الناس في آرائهم وأديانهم, واختصموا في ربهم) ومثال ذلك خوضهم في آيات الصفات. (وقالوا -وهذا من تشكيكهم-: ليس عذاب قبر ولا حوض يورد، ولا شفاعة، والجنة والنار لم تخلقا، وقول المعتزلة: إن الجنة والنار ليستا مخلوقتين، بحجة أن خلقهما الآن عبث، ولا أحد يستفيد منهما, وإنما تخلقان يوم القيامة. وما أعملوا عقولهم أن النصوص دلت على أن الجنة والنار مخلوقتان، قال تعالى: {أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران:133]، وقال تعالى في حق النار: {أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} [البقرة:24] هذا الأول. ثانياً: أن الجنة والنار ليستا معطلتين، فالجنة فيها الحور والولدان، ويفتح للمؤمن باب من الجنة في قبره، فيأتيه من روحها وطيبها، والنار تعذب فيها أرواح الكفرة، ويفتح للكافر باب إلى النار فيأتيه من حرها وسمومها، وبهذا يتبين أنهما ليستا معطلتين. وأنكروا عذاب القبر، مع أن النصوص كثيرة في إثباته. وحديث الحوض من الأحاديث المتواترة. وأنكروا الشفاعة وهي متواترة كذلك. (وأنكروا كثيراً مما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم, فاستحل من استحل تكفيرهم ودماءهم من هذا الوجه) أي: من أجل أنهم كفروا وشككوا الناس في آرائهم وأديانهم، واختصموا في ربهم، وأنكروا عذاب القبر والحوض والشفاعة وهي أمور متواترة, وردوا النصوص. (لأن من رد آية من كتاب الله فقد رد الكتاب كله، ومن رد أثراً عن رسول صلى الله عليه وسلم فقد رد الأثر كله) وهذا كفر وضلال، فمن رد آية أو حديثاً فهو كافر. (فدامت لهم المدة، ووجدوا من السلطة معونة على ذلك) أي: أن الجهمية دامت لهم المدة ووجدوا من السلطة في زمن المأمون، معونة على ذلك. (ووضعوا السيف والسوط دون ذلك) أي: وضعوا السيف على رقاب المسلمين حتى يوافقوا على آرائهم الباطلة، وكذلك ألهبوا ظهور العلماء بالضرب بالسوط؛ لأنهم لم يوافقوهم. (فدرس علم السنة والجماعة) أي: خفي علم السنة والجماعة بسبب ظهور هؤلاء المبتدعة المعتزلة، وإيذائهم المسلمين وتعذيبهم لهم. (وأوهنوهما وصارتا مكتومتين) أي: القرآن والسنة. (لإظهار البدع والكلام فيها ولكثرتهم) فصار علم الكتاب والسنة مكتومين بسبب إظهار البدع والكلام فيها ولكثرتها. (واتخذوا المجالس، وأظهروا رأيهم، ووضعوا فيه الكتب) أي: أن المعتزلة صنفوا الكتب، فلهم كتب يقررون فيها آراءهم. (وأطمعوا الناس، وطلبوا الرئاسة) أطمعوا الناس في أن من تبعهم يولونه ويعطونه من رفدهم. (فكانت فتنة عظيمة لم ينج منها إلا من عصم الله) فأدنى ما كان يصيب الرجل من مجالستهم أن يشك في دينه، أو يتابعهم، أو يرى رأيهم على الحق، ولا يدري أنه على الحق أو على الباطل، هذا هو أدنى ما يصيب الإنسان من مجالستهم، فإما أن يشك في دينه، وإما أن يتابع أهل البدع على بدعتهم، وإما أن يرى أن ما هم عليه هو الحق، فيرى أن آراءهم الفاسدة على الحق، ولا يدري أنه على الحق أو على الباطل، فصار شاكاً. (فهلك الخلق حتى كان أيام جعفر الذي يقال له: المتوكل فأطفأ الله به البدع، وأظهر به الحق، وأظهر به أهل السنة) المتوكل رحمه الله أوقف البدعة التي انتشرت في زمن المأمون وألزم الناس بقول الحق في القرآن، وأخرج الإمام أحمد رحمه الله، وأذن له بالدرس، فعادت المياه إلى مجاريها فرحمه الله. (وطالت ألسنتهم) أي: أهل السنة، فصار لهم ظهر يحميهم وهو الخليفة، (مع قلتهم وكثرة أهل البدع إلى يومنا هذا). (والرسم وأعلام الضلالة قد بقي منهم) أي: وإن كان المتوكل قد نصر أهل السنة إلا أنه بقي شيء لأهل البدع وهو الرسم والعلم فقط. (منهم قوم يعملون بها، ويدعون إليها، لا مانع يمنعهم ولا أحد يحجزهم عما يقولون ويعملون) أي: بقي من المبتدعة في زمن جعفر المتوكل الذي أظهر السنة، وقد بقي لأهل البدع وأعلام الضلالة فيعملون بها ويدعون إليها دون وجود مانع ولا حاجز.

علماء الطمع سبب ظهور البدع

علماء الطمع سبب ظهور البدع قال المؤلف رحمه الله: [واعلم أنه لم تجئ بدعة قط إلا من الهمج الرعاع أتباع كل ناعق يميلون مع كل ريح، فمن كان هكذا فلا دين له، قال الله تبارك وتعالى: {فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ} [الجاثية:17]، وقال: {وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ} [البقرة:213]، وهم علماء السوء أصحاب البدع والطمع]. (واعلم أنه لم تجئ بدعة قط إلا من الهمج الرعاع أتباع كل ناعق) كبدعة الخوارج, وفتنة الجهمية، وبدعة القدرية, وبدعة المعتزلة, فلم تنشأ هذه إلا من الهمج، أي: الجهال الذين لا علم عندهم، والذين يتبعون كل ناعق، فكلما سمعوا شيئاً تبعوه سواء كان على الحق أو على الباطل فليس عندهم بصيرة ولا تمييز، فهؤلاء هم سبب انتشار البدعة؛ لعدم بصيرتهم. (فمن كان هكذا فلا دين له، قال الله تبارك وتعالى: {فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ} [الجاثية:17]) أي: أهل الكتاب ما اختلفوا إلا بعد العلم، والذي حملهم على اختلافهم البغي، وهذا ذم لأهل الكتاب، وهو تحذير لنا -في نفس الوقت- حتى لا نفعل مثل فعلهم فيصيبنا ما أصابهم، قال تعالى: {فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ} [الجاثية:17] وسببه: {بَغْيًا بَيْنَهُمْ} [الجاثية:17]. وسبب الاختلاف هم علماء السوء وأصحاب الطمع والبدع من أهل الكتاب، ومن هذه الأمة أيضاً. (وأصحاب الطمع والبدع) هم الذين يختارون الدنيا بالدين والذين يبيعون آخرتهم بدنياهم, فهؤلاء هم الذين تظهر بسببهم البدع، وفيه التحذير من البدع وتحذير أهل العلم من الزيغ والانحراف.

لا يزال الخير في أفراد هذه الأمة

لا يزال الخير في أفراد هذه الأمة قال المؤلف رحمه الله: [واعلم أنه لا يزال الناس في عصابة من أهل الحق والسنة، يهديهم الله، ويهدي بهم غيرهم، ويحيي بهم السنن، فهم الذين وصفهم الله تعالى مع قلتهم عند الاختلاف فقال: {وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ} [البقرة:213]، فاستثناهم فقال: {فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [البقرة:213]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تزال عصبة من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خذلهم، حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون)]. (اعلم أنه لا يزال الناس في عصابة من الحق والسنة، يهديهم الله، ويهدي بهم غيرهم ويحيي بهم السنة) أي: أن الأمة لا يزال فيها الخير، لا يرفع من هذه الأمة، وهذه بشارة من النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (لا تزال طائفة من أمتي على الحق لا يضرهم من خذلهم). وهي بشارة في أن الخير لا ينقطع من هذه الأمة ولا يرفع منها، بل لابد أن تثبت طائفة على الحق إلى يوم القيامة، إلى أن تأتي الريح الطيبة فتقبض أرواح المؤمنين والمؤمنات.

العالم من اتبع العلم والسنن

العالم من اتبع العلم والسنن قال المؤلف رحمه الله تعالى: [واعلم رحمك الله أن العلم ليس بكثرة الرواية والكتب، وإنما العالم من اتبع العلم والسنن، وإن كان قليل العلم والكتب، ومن خالف الكتاب والسنة، فهو صاحب بدعة، وإن كان كثير العلم والكتب]. (واعلم رحمك الله أن العلم ليس بكثرة الرواية والكتب) أي: كون الإنسان يروي الأحاديث، ويكون له شيوخ كثيرون، وأتباع، وقد يكون الإنسان لديه مكتبة كبيرة الحجم مليئة بالكتب، ولكن قد لا يستفيد ولا يقرأ فيها ولا يعمل بما فيها، فالحمار يحمل الأسفار وهي الكتب ولا يستفيد منها, وقد مثل الله تعالى أهل الكتاب بذلك، قال: {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا} [الجمعة:5]. قوله: (إنما العالم من اتبع العلم والسنن) فالعالم هو الذي يتبع العلم المأخوذ من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. ومن خالف الكتاب والسنة فهو صاحب بدعة، وإن كان كثير العلم والكتب، إذاً: المهم في العالم اتباع السنة، فمن اتبع السنة فهو العالم، ولو كانت روايته وكتبه قليلة, ومن خالف السنة فهو صاحب بدعة وإن كان كثير العلم والكتب.

تحريم الكلام في الدين دون الاستناد إلى حجة من الكتاب والسنة

تحريم الكلام في الدين دون الاستناد إلى حجة من الكتاب والسنة قال المؤلف رحمه الله: [واعلم رحمك الله أن من قال في دين الله برأيه وقياسه وتأويله من غير حجة من السنة والجماعة فقد قال على الله ما لا يعلم، ومن قال على الله ما لا يعلم فهو من المتكلفين]. (واعلم رحمك الله أن من قال في دين الله برأيه وقياسه وتأويله) كأن يفسر كلام الله برأيه وقياسه وتأويله الفاسد، وقد ثبت أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه سئل عن آية في كتاب الله, فقال: أي سماء تظلني، وأي أرض تقلني، إن أنا قلت في كتاب الله برأيي أو بما لا أعلم. قوله: (من غير حجة) أي: من الكتاب ولا (من السنة والجماعة، فقد قال على الله ما لا يعلم) والقول على الله بما لا يعلم مرتبة فوق الشرك، قال الله سبحانه وتعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} [الأعراف:33] فجعل القول على الله بلا علم فوق الشرك؛ لأنه يشمل الشرك ويشمل غيره، فالشرك قول على الله بلا علم. (ومن قال على الله ما لا يعلم فهو من المتكلفين) وقد قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ} [ص:86].

كل حق مأخوذ من الكتاب والسنة والجماعة

كل حق مأخوذ من الكتاب والسنة والجماعة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والحق ما جاء من عند الله عز وجل، والسنة: سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والجماعة: ما اجتمع عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في خلافة أبي بكر وعمر وعثمان]. (والحق ما جاء من عند الله عز وجل) أي: في كتاب الله وسنة رسوله، فالقرآن وحي والسنة وحي, يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه)، والله تعالى يقول عن نبيه: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم:3 - 4] فالحق ما جاء من عند الله، مما أنزله في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم. والسنة: سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والجماعة: ما اجتمع عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في خلافة أبي بكر وعمر وعثمان، فإن كل حق فهو مأخوذ من كلام الله وكلام رسوله، ومن الكتاب والسنة، وسنة الرسول عليه الصلاة والسلام هي: قوله وفعله وتقريره.

وجوب الاقتصار على ما جاء في الكتاب والسنة والنهي عن التنطع والتعمق

وجوب الاقتصار على ما جاء في الكتاب والسنة والنهي عن التنطع والتعمق قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ومن اقتصر على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وما كان عليه أصحابه والجماعة، فلج على أهل البدع كلها، واستراح بدنه، وسلم له دينه إن شاء الله؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ستفترق أمتي)، وبين لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الناجين منها فقال: (ما كنت أنا عليه اليوم وأصحابي)، فهذا هو الشفاء والبيان، والأمر الواضح، والمنار المستنير، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إياكم والتعمق، وإياكم والتنطع، وعليكم بدينكم العتيق)]. (من اقتصر على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وما كان عليه الجماعة من اقتصر على سنة الرسول صلى الله عليه وسلم وما كان عليه أصحابه والجماعة فلج) أي: ظفر وفاز بالمطلوب، وفلج غيره، أي: غلب غيره بحجة. والجماعة: هم المؤمنون الذين اجتمعوا على الحق، فإذا اقتصر الإنسان على ما جاء في القرآن والسنة، وعلى ما كان عليه الصحابة فإنه يفلج أهل البدع، أي: يغلبهم بالحجة ويظفر ويفوز ببغيته. (واستراح بدنه، وسلم له دينه إن شاء الله) وهكذا حال المؤمن الذي يلزم الكتاب والسنة والجماعة، فهو يظفر بالمطلوب ويفوز به، ويغلب أهل البدع كلهم، ويستريح بدنه ويسلم له دينه. (لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة)) وجاء في الحديث السابق. (كلها في النار إلا واحدة) , وبين لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الناجي من هذه الفرق بقوله: (من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي)، وهذا (هو الشفاء والبيان، والأمر الواضح، والمنار المستنير)، أي: هذا الذي بينته لك من أنه يجب الاقتصار على السنة والجماعة، والحذر من أهل البدعة هو الشفاء، وهذا هو البيان، وهذا هو الأمر الواضح، وهذا هو المنار المستنير. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إياكم والتعمق، وإياكم والتنطع، وعليكم بدينكم العتيق) هذا الأثر نسبه المؤلف إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقد قال في الحاشية: إن هذا ليس من كلام الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكنه من قول ابن مسعود. (إياكم والتعمق) أي: أن يتعمق الإنسان ويريد أن يصل إلى ما لم يصل إليه غيره, فيتعمق في السؤال عن الأشياء التي لا يحتاج إليها، وهو قريب من معنى التنطع، فكون الإنسان يتنطع بلسانه ويتعمق بفكره، فيسأل عن أشياء لا حاجة له بها. (وعليكم بدينكم العتيق) أي: القديم.

الأسئلة

الأسئلة

بيان الفرق بين زواج المتعة والزواج بنية الطلاق

بيان الفرق بين زواج المتعة والزواج بنية الطلاق Q هل الزواج بنية الطلاق نوع من المتعة، وما حكمه؟ A الزواج بنية الطلاق ليس من المتعة, فهو زواج بولي وشاهدي عدل ورضا المرأة ومهر، لكن أن يضمر في نفسه الطلاق فقد ينفذ هذه النية وقد لا ينفذها، فلا يعلم عنه إلا الله. واختلف العلماء في حكمه: فمنهم من أباحه، ومنهم من منعه, وقد ذكر هذا الخلاف في كتاب المغني، وقد قال من منعه: إن الولي أو الزوجة لو علموا بهذه النية ما زوجوه. ومنهم من قال: إنه لا بأس به، لأن النية وحدها ليس عليها عمل في هذا الباب، وما دام أنه لم يتكلم، وقد يرغب ولا ينفذ هذه النية فلا يؤثر ذلك بخلاف زواج المتعة فهو اتفاق الرجل مع المرأة على أن يتزوجها مدة معينة وهذا زنى.

بيان أن المراد بالخلفاء الراشدين الخلفاء الأربعة

بيان أن المراد بالخلفاء الراشدين الخلفاء الأربعة Q ما مراد النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين) إلى آخر الحديث, هل المراد الخلفاء الأربعة فقط، أم يشمل ذلك كل خليفة كان على نهج النبي صلى الله عليه وسلم، ولو بعد زمن؟ A المراد الخلفاء الراشدون الأربعة, فقد جاء في حديث عنه عليه الصلاة والسلام: (الخلافة بعدي ثلاثون سنة)، ونهايتها كانت خلافة علي رضي الله عنه, ونرجع إلى سنة الخلفاء الراشدين الأربعة عند خفاء السنة، لكن لو وجد قول لأحد الخلفاء الراشدين يخالف السنة فيؤخذ بالسنة, وإذا لم يوجد في المسألة نص عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم وجد قول لأحد الخلفاء الراشدين فإنه يؤخذ بقول الخليفة الراشد.

حكم إلحاق عمر بن عبد العزيز بالخلفاء الذين تتبع سنتهم

حكم إلحاق عمر بن عبد العزيز بالخلفاء الذين تتبع سنتهم Q هل يعد عمر بن عبد العزيز من الخلفاء الراشدين الذين تتبع سنتهم؟ A لا، ليس منهم، لكن من العلماء من ضمه إليهم لعدله وورعه, وعمر بن عبد العزيز متأخر فخلافته كانت على رأس المائة هجرية.

حكم تكفير الحاكم بالقوانين الوضعية

حكم تكفير الحاكم بالقوانين الوضعية Q هل تحكيم القوانين من الكفر البواح الذي يوجب الخروج على الحاكم مع القدرة؟ A هذا فيه تفصيل: إن كان مستحلاً له ويراه حلالاً فهذا كفر بواح، أما إذا لم يستحله فهذا فيه تفصيل أيضاً: فإن كان في جميع شئون الدولة، وقلب الأحكام رأساً على عقب، قال بعض العلماء: إنه كفر؛ لأنه بدّل الدين، وقال آخرون: لابد من قيام الحجة عليه؛ لأنه قد يكون جاهلاً، وقد يكون له شبهة, أما إذا كان تحكيم القوانين في بعض القضايا فلا يكفر إلا إذا استحله.

فائدة القول بأن الجنس العربي أفضل من غيره

فائدة القول بأن الجنس العربي أفضل من غيره Q ما فائدة قولنا: جنس العرب أفضل من جنس العجم، مع أنه لا فضل إلا بالتقوى؟ A هذا من ذكر الشرف الدنيوي والحسب والنسب، وإلا فلا قيمة له، فالنبي صلى الله عليه وسلم زوج بنت عمه ضباعة بنت الزبير المقداد بن الأسود وهو من الموالي، وأبو حذيفة زوج بنت أخيه وهي حرة قرشية سالماً مولاه، فلا حرج، وإن كان بعض العلماء قال: إن القرشية لا تتزوج إلا قرشياً، والهاشمية لا تتزوج إلا هاشمياً، وقالوا: إذا كان يحصل بزواجها من غير الهاشمي أو القرشي فتنة فإنه يمنع درءاً للفتنة والمفسدة، وإلا فالأصل أنه لا حرج. وهذا مثل قولك: الذهب أحسن من الفضة، والفائدة من قولك أن تعرف أن هذا أفضل لبساً، وأفضل قيمة وكذلك جنس العرب فهم أفضل في الجملة من العجم من جهة الحسب الدنيوي، ولكن لا ينفع عند الله إلا العمل الصالح، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه) والمعنى: أن من أخره العمل بأن كان سيئاً فإن النسب لا يرفعه حتى ولو كان من أولاد الأنبياء، فما نفعت أبا لهب عروبته وقرشيته وأنه من بني هاشم، ولا ضر بلالاً أنه حبشي، ولا صهيباً أنه رومي، فهؤلاء من أولياء الله ومن أهل الجنة, وأبو لهب وأبو جهل في النار وهما قرشيان ونسبهما أرقى نسباً.

الأماكن الصالحة أفضل الأماكن

الأماكن الصالحة أفضل الأماكن Q هل لأهل المدينة فضل في زماننا على غيرهم من أهل الأمصار؟ A لا، يقول النبي: (لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى) لكن سكن المدينة فيه فضل، فقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم لها بالبركة، أما الأشخاص والذوات ففضلهم إنما يكون بالعمل الصالح سواء كانوا في المدينة أو في غير المدينة، ومشركو قريش سكنوا مكة وهم كفار وأخرجوا النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة إلى المدينة، ومكة أفضل ولكن سكن فيها الكفرة, والصحابة خرجوا من مكة ومن المدينة وذهبوا إلى الأمصار ونشروا دين الله. وهناك اختلاف بين أفضلية سكان المدينة أو مكة، قال بعض العلماء: سكنى مكة أفضل، وقال بعضهم: سكنى المدينة أفضل، وقال شيخ الإسلام: الأفضل المكان الذي تقيم فيه دينك، وما كان أصلح لقلبك فهو أفضل، ولو كان في أقصى الدنيا, والمكان الذي ترى فيه صلاحاً لدينك هو ما كان أهله من أهل السنة والجماعة، وأهل التوحيد والغيرة، أما المكان المليء بالمعاصي والبدع، والمكان الذي يضعف الدين، فالأفضل أن تسكن في غيره. فإن تساوى وصار صلاح دينك في مكة أو في المدينة أو في غيرها فمكة أفضل، ثم المدينة, وقد يكون في المكان الفاضل منكرات وبدع ولا يؤمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر فيضعف دين الإسلام في القلوب، فالأفضل هو المكان الذي ترى فيه صلاحاً لقلبك ولدينك.

القول في تكفير المأمون

القول في تكفير المأمون Q سمعت الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله في شريط يكفر المأمون لقوله بخلق القرآن، فهل يصح هذا عن الشيخ؟ A لم أسمعه، ولكن القاعدة أن المعين لا يكفر بعينه حتى تقوم عليه الحجة، والمأمون قد لبس عليه المعتزلة، وهو الذي أمر بترجمة كتب اليونان والرومان، فدخل على المسلمين منها شر كثير، ولهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ما أظن أن الله يغفل عن المأمون هكذا، ولكنه لم يكفره، حتى إن الإمام أحمد ما كفره ودعا له، وأظنه صلى خلفه وحلله أيضاً؛ لأن له شبهة فقد لبس عليه المعتزلة، ولا أظن أن سماحة الشيخ ابن باز يكفره بعينه.

حكم الخوارج والروافض

حكم الخوارج والروافض Q هل يصح عن الشيخ رحمه الله أنه يكفر الخوارج عامتهم وعلماءهم، وكذلك الخوارج والرافضة؟ A الخوارج فيهم خلاف، وقال الجمهور إنهم مبتدعة, وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية: الصحابة عاملوهم معاملة العصاة المبتدعة، ولم يعاملوهم معاملة الكفار؛ لأنهم متأولون. ولما سئل علي عنهم: أكفار هم؟ قال: من الكفر فروا. ومن العلماء من كفرهم، وهي رواية عن الإمام أحمد رحمه الله، واستدلوا بالأحاديث: (أنهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية)، وأظن أن سماحة الشيخ يختار القول الثاني وهو رواية عن الإمام أحمد، وهو القول بكفر الخوارج. والروافض إذا كانوا يكفرون الصحابة ويعبدون آل البيت فهذا كفر, فمن يكفر الصحابة ويفسقهم فهو كافر؛ لأنه مكذب لله؛ ولأن الله زكاهم وعدلهم ووعدهم بالجنة، فمن كفرهم فقد كذب الله، ومن كذب الله كفر, وكذلك من عبد آل البيت، وكذلك من قال: إن القرآن محفوظ ولم يبق إلا الثلث، وهذا تكذيب لله، وهو كفر وردة.

[12]

شرح كتاب السنة للبربهاري [12] استمر الدين صحيحاً لم تدخله البدع والمحدثات منذ وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مقتل عثمان رضي الله عنه، ثم افترق الناس وانتشرت الأهواء، ولذا ينبغي أن يحذر المسلم من أهل البدع ولا يجالسهم وأن يتبع أهل السنن والآثار.

الدين الصحيح ما كان من وفاة الرسول إلى قتل عثمان

الدين الصحيح ما كان من وفاة الرسول إلى قتل عثمان قال المصنف رحمه الله تعالى: [واعلم أن الدين العتيق ما كان من وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قتل عثمان بن عفان رضي الله عنه الله, وكان قتله أول الفرقة وأول الاختلاف، فتحاربت الأمة وتفرقت واتبعت الطمع والأهواء، والميل إلى الدنيا, فليس لأحد رخصة في شيء أحدثه مما لم يكن عليه أصحابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو يكون رجل يدعو إلى شيء أحدثه من قبله من أهل البدع فهو كمن أحدثه، فمن زعم ذلك أو قال به فقد رد السنة، وخالف الحق والجماعة، وأباح البدع، وهو أضر على هذه الأمة من إبليس]. قوله: (واعلم أن الدين العتيق) , يعني: الثابت, وأصل معنى العتيق: القديم، الذي لم يحصل فيه بدع ولا اختلاف. (ما كان من وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قتل عثمان بن عفان رضي الله عنه)؛ لأن الصحابة اجتمعوا على هذا الدين ولم تدخل الفتن والاختلافات، ولم يتمكن أهل البدع من التسلل إليهم وإحداث الفرقة بينهم منذ وفاة النبي صلى الله عليه وسلم إلى قتل عثمان، ثم لما قتل عثمان فتح باب الفتن حتى إن الثوار أحاطوا ببيت أمير المؤمنين عثمان وقتلوه، بعد أن أشاع عبد الله بن سبأ أن أهل البيت مظلومين، وبعد أن أشاعوا عيوباً لـ عثمان رضي الله عنه, فتجمع عدد من السفهاء في الشام وفي مصر وفي الكوفة، ثم جاءوا وأحاطوا ببيت أمير المؤمنين وقتلوه رضي الله عنه، فحصلت الفتن، وخرجت الخوارج، ووجدت الشيعة، فكان قتله أول الفرقة وأول الاختلاف، فتحاربت الأمة، وبعد ذلك بايع أكثر أهل الحل والعقد أمير المؤمنين علياً رضي الله عنه، وامتنع أهل الشام مع معاوية عن البيعة وحصل الخلاف والفرقة, ثم ظهرت الخوارج. (وتحاربت الأمة وتفرقت، واتبعت الطمع والأهواء، والميل إلى الدنيا)، والمراد غير الصحابة, فقد اتبع الناس الطمع والأهواء والميل إلى الدنيا ممن دخلوا في الإسلام حديثاً، ومن الشباب الذين نشئوا، أما الصحابة فلهم فضلهم ولهم سابقتهم وجهادهم واجتهادهم رضي الله عنهم وأرضاهم. (فليس لأحد رخصة في شيء أحدثه مما لم يكن عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم) لا يرخص للإنسان في البدع التي أحدثوها في شيء لم يكن عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. (أو يكون رجل يدعو إلى شيء أحدثه من قبله من أهل البدع) كذلك أن يدعو الإنسان إلى بدعة أحدثها سابق له. (فإذا دعا إلى البدعة التي أحدثها غيره فهو كمن أحدثها)؛ لأن الراضي كالفاعل، ولأن الداعي إلى الشيء راضٍ به, فمن أحدث بدعة فهو مبتدع، ومن دعا إلى بدعة سابقة فهو كمن أحدثها. (فمن زعم ذلك أو قال به) يعني: من دعا إلى البدع التي أحدثها غيره (فقد رد السنة وخالف الحق والجماعة) , والجماعة هي ما كان عليه رسول الله وأصحابه، (وأباح البدع) حيث إنه دعا إليها أو أحدثها. (وهو أضر على هذه الأمة من إبليس) وهذا الكلام فيه نظر، فكون الذي يدعو إلى البدعة أخطر على الأمة من إبليس فيه نظر؛ لأن البدعة لا تكفر صاحبها فلا يكون أضر من إبليس؛ لأن إبليس يدعو إلى الكفر، فكل كفر وكل زندقة وكل إلحاد وكل شر وفساد يدعو إليه إبليس، فلا يقال: إن من دعا إلى البدعة أضر على هذه الأمة من إبليس, لأن إبليس يدعو كل أحد، ولأنه يدعو إلى الكفر وإلى الإلحاد، وهو فوق البدعة. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ومن عرف ما ترك أصحاب البدع من السنة وما فارقوا فيه فتمسك به فهو صاحب سنة وصاحب جماعة، وحقيق أن يتبع، وأن يعان، وأن يحفظ، وهو ممن أوصى به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم]. أي: أن من عرف السنة التي تركها أصحاب البدع، وفارقوا فيها الجماعة، فتمسك بها، فهو صاحب سنة وصاحب جماعة، فالشخص الذي ينظر إلى السنة التي تركها أصحاب البدع ثم يتمسك بها، وينظر إلى السنة التي فارقها أهل البدع فيتمسك بها، هو صاحب سنة وصاحب جماعة. (وحقيق أن يتبع وأن يعان) أي: جدير وينبغي أن يتبع، وأن يعان ويحفظ؛ لكونه لزم السنة. (وهو ممن أوصى به رسول الله صلى الله عليه وسلم)؛ فقد أوصى بلزوم الجماعة، وأوصى باتباع الحق، وأوصى بقبول الحق ممن جاء به.

أصول البدع والأهواء أربعة

أصول البدع والأهواء أربعة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [واعلموا رحمكم الله أن أصول البدع أربعة أبواب: انشعب من هذه الأربعة اثنان وسبعون هوى، ثم يصير كل واحد من البدع يتشعب، حتى تصير كلها إلى ألفين وثمانمائة قالة، وكلها ضلالة، وكلها في النار إلا واحدة، وهو من آمن بما في هذا الكتاب، واعتقده من غير ريبة في قلبه ولا شكوك، فهو صاحب سنة، وهو الناجي إن شاء الله]. وهنا لم يذكر الأربعة أبواب، لكن ذكرها سيأتي فيما بعد. وقال عبد الله بن المبارك: أصل اثنين وسبعين هوى أربعة أهواء، فمن هذه الأربعة أهواء تشعب اثنان وسبعون هوى، وهذه الأربعة هي: القدرية والمرجئة والشيعة والخوارج. وهذه هي أصول البدع، فالقدرية هم الذين أنكروا القدر ونفوا قدر الله، والمرجئة هم الذين نفوا أن الأعمال مطلوبة. وذكر غيره أن أصول البدعة خمسة وزاد الجهمية، ثم تتشعب بقية الفرق، وتكون ثلاثة وسبعين فرقة، اثنتان وسبعون فرقة في النار وواحدة في الجنة. قوله: (انشعب من هذه الأربعة اثنان وسبعون هوى)، أي: تفرع من الفرق الأربع اثنان وسبعون فرقة، وهي التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم: (وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة). ثم يصير كل واحد من البدع يتشعب، حتى تصير كلها إلى ألفين وثمانمائة قالة)، وهذا التحديد فيه نظر، فالمقالات ليس لها حد، والأقوال لا تنحصر، ومعنى الكلام: أن الفرقة تتشعب إلى أقوال متعددة، فقد تكون فرقة واحدة لها عدة أقوال، وكلها ضلالة وكلها في النار إلا واحدة، وهي التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم: (من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي). فلا يصح تحديد الأقوال، أما الفرق فالرسول حددها وأنها ثلاث وسبعون فرقة. (وكلها ضلالة، وكلها في النار إلا واحدة، وهو من آمن بما في هذا الكتاب)، والضمير يعود إلى الواحدة التي سلمت من النار. وقوله: (من آمن بما في هذا الكتاب)، أي: كتاب المؤلف، فمن اعتقده من غير ريبة في قلبه ولا شكوك، فهو صاحب سنة وهو الناجي إن شاء الله. وكان الأفضل بالمؤلف أن يقول: إن شاء الله أن من آمن بما في هذا الكتاب واعتقده من غير ريبة ولا شكوك فهو صاحب سنة، وهو الناجي إن شاء الله، ليجعل بذلك الخيار لله. وكان أولى بالمؤلف قبل ذلك أن يقول: وهو من آمن بالكتاب والسنة، وعمل بالكتاب والسنة، واستقام على الدين. وهذا أولى من قوله: (وهو من آمن بما في هذا الكتاب)؛ لأن هذا الكتاب من وضعه، ووضع البشر معرض للخطأ، وفيه أقوال ضعيفة كما سمعتم، وأقوال مرجوحة. ولكنه استثنى وقال في آخر كلامه: (إن شاء الله).

أسباب نشوء البدع

أسباب نشوء البدع قال المؤلف رحمه الله تعالى: [واعلم رحمك الله لو أن الناس وقفوا عند محدثات الأمور، ولم يتجاوزوها بشيء، ولم يولدوا كلاماً مما لم يجئ فيه أثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه لم تكن بدعة]. والمؤلف في قوله السابق يقول إنه سيبين سبب البدع، ويقول إن سبب البدع: أن أهل البدع ولدوا وشققوا الكلام، وتكلموا في شيء ليس فيه أثر عن رسول الله ولا عن أصحابه. (لو أن الناس وقفوا عند محدثات الأمور، ولم يتجاوزوها)، أي: وقفوا عند السنة، وهي سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وعند النصوص، ولم يتجاوزوها إلى محدثات الأمور لم تحصل البدع، لكن مقصود المؤلف رحمه الله أنهم وقفوا عند محدثات الأمور، أي: قبل أن تحدث البدع، ولم يتجاوزوا النصوص من الكتاب والسنة إلى محدثات الأمور. (ولم يولدوا الكلام، مما لم يجئ فيه أثر عن رسول الله ولا عن الصحابة لم تكن بدع)، فهذه أسباب البدعة.

ذكر بعض نواقض الإسلام

ذكر بعض نواقض الإسلام قال المؤلف رحمه الله تعالى: [واعلم رحمك الله أنه ليس بين العبد وبين أن يكون مؤمناً حتى يصير كافراً، إلا أن يجحد شيئاً مما أنزل الله، أو يزيد في كلام الله، أو ينقص، أو ينكر شيئاً مما قاله الله عز وجل، أو شيئاً مما تكلم به رسول الله صلى الله عليه وسلم]. أي: ليس بين العبد وبين الكفر إلا إذا فعل هذه الأمور. والمعنى: أن المؤمن يحكم عليه بالإيمان إلا أن يفعل ناقضاً من نواقض الإسلام، أو أن يفعل كفراً أو ردة. ومثل للأشياء التي يرتد بها الإنسان، فقال: (إلا أن يجحد شيئاً مما أنزل الله)، أي: يجحد آية من آيات الله، كأن يجحد آية الاستواء، أو يجحد فرضاً من فرائض الإسلام، أو يجحد خبراً أخبر الله به، أو يجحد الجنة أو النار وينكر وجودها، أو يزيد في كلام الله متعمداً، فمن زاد في كلام الله حرفاً ونسبه إلى كلام الله كفر، قال تعالى: {فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ} [البقرة:79] أو ينقص شيئاً من كلام الله فيحذف شيئاً من كلام الله متعمداً، أو ينكر شيئاً مما قال الله عز وجل، أو ينكر شيئاً من كلام الرسول بعد ثبوته، فيكون كافراً؛ لأن الأصل أن المؤمن يبقى على إيمانه، إلا إذا فعل ناقضاً من نواقض الإسلام أو مكفراً من المكفرات السابقة.

وصية المؤلف بالأخذ بما في هذا الكتاب وتبليغه

وصية المؤلف بالأخذ بما في هذا الكتاب وتبليغه قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فاتق الله رحمك الله وانظر لنفسك، وإياك والغلو في الدين، فإنه ليس من طريق الحق في شيء. وجميع ما وصفت لك في هذا الكتاب فهو عن الله تعالى، وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعن أصحابه، وعن التابعين، وعن القرن الثالث إلى القرن الرابع. فاتق الله يا عبد الله! وعليك بالتصديق والتسليم والتفويض والرضا بما في هذا الكتاب، ولا تكتم هذا الكتاب أحداً من أهل القبلة، فعسى الله أن يرد به حيراناً عن حيرته، أو صاحب بدعة عن بدعته، أو ضالاً عن ضلالته؛ فينجو به. فاتق الله، وعليك بالأمر الأول العتيق، وهو ما وصفت لك في هذا الكتاب، فرحم الله عبداً ورحم والديه قرأ هذا الكتاب وبثه وعمل به ودعا إليه واحتج به، فإنه دين الله ودين رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه من استحل شيئاً خلاف ما في هذا الكتاب؛ فإنه ليس يدين لله بدين، وقد رده كله، كما لو أن عبداً آمن بجميع ما قال الله تبارك وتعالى إلا أنه شك في حرف فقد رد جميع ما قال الله تعالى وهو كافر، كما أن شهادة أن لا إله إلا الله لا تقبل من صاحبها، إلا بصدق النية وإخلاص اليقين، كذلك لا يقبل الله شيئاً من السنة في ترك بعض، ومن ترك من السنة شيئاً فقد ترك السنة كلها، فعليك بالقبول، ودع عنك المحك واللجاجة؛ فإنه ليس من دين الله في شيء، وزمانك خاصة زمان سوء فاتق الله]. هذه نصيحة من المؤلف، يقول: (اتق الله رحمك الله)، أي: اجعل بينك وبين غضب الله وسخطه وناره وقاية تقيك، وهذا لا يكون إلا بتوحيد الله وإخلاص العبادة له والعمل بالسنة وترك البدعة، وطريق التقوى أن تعبد الله مخلصاً له الدين، وأن تعمل بكتاب الله وسنة رسوله، وحينئذ تكون قد اتقيت الله. (وانظر لنفسك) أي: انظر لنفسك الشيء الذي يخلصك من عذاب الله وسخطه، وهو لزوم الكتاب والسنة، والبعد عن البدع. (وإياك والغلو في الدين)، لا تغل بأن تتجاوز الحد في الأقوال والأفعال، قال الله: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ} [النساء:171]. (فإنه ليس من طريق الحق في شيء)، أي: أن الغلو ليس من طريق الحق. (وجميع ما وصفت لك في هذا الكتاب فهو عن الله، وعن رسول الله، وعن أصحابه، وعن التابعين، وعن القرن الثالث، وعن القرن الرابع)، وهذا الكلام فيه مبالغة من المؤلف رحمه الله؛ لأن هناك بعض المسائل ضعيفة كما مر معنا، وليس لها دليل في الكتاب، أو ليس لها دليل في السنة، فالمراد أغلب ما وصفت لك، فأغلب ما في هذا الكتاب له دليل من الكتاب، أو من السنة، أو من الصحابة، أو من التابعين. (فاتق الله يا عبد الله!) فكرر الأمر بالتقوى لأهميتها، والتقوى هي وصية الله للأولين والآخرين، قال الله تعالى: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ} [النساء:131]، وكلامه عام، فكل مؤمن هو عبد الله. (وعليك بالتصديق والتسليم وعدم الاعتراض) أي: التصديق لكلام الله وكلام رسوله، والتسليم لأمر الله وأمر رسوله. (والتفويض)، أن يفوض الإنسان علم ما لا يعلم إلى الله، كتفويض كيفية الصفات وكيفية أمور الآخرة إلى الله. (والرضا بما في هذا الكتاب، ولا تكتم هذا الكتاب أحداً من أهل القبلة فعسى يرد الله به حيراناً عن حيرته، أو صاحب بدعة عن بدعته، أو ضالاً عن ضلالته فينجو)، المؤلف يأمر ببث هذا الكتاب. (فاتق الله وعليك بالأمر الأول العتيق، وهو ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وهو ما وصفت لك في هذا الكتاب)، وهذا أيضاً مبالغة من المؤلف؛ لأن هذا الكتاب فيه بعض الأمور التي ليس لها دليل، والمراد أغلب ما في هذا الكتاب. ثم قال: (فرحم الله عبداً ورحم والديه قرأ هذا الكتاب، وبثه) أي: نشره. (وعمل به ودعا إليه واحتج به فإنه دين الله ودين رسوله)، وهذا غلط من المؤلف، فهذا الكتاب ليس دين الله ودين رسوله، فدين الله ورسوله ما جاء في القرآن العزيز، وسنة رسوله، أما هذا فكلام المؤلف رحمه الله، وفهمه من نصوص الكتاب والسنة، وهو من وضع البشر، والبشر يخطئون ويصيبون. ثم قال المؤلف: (فإنه من استحل شيئاً خلاف ما في هذا الكتاب فإنه ليس يدين لله بدين)، وهذا فيه مبالغة من المؤلف، فقد مرت معنا أشياء ضعيفة تخالف الصواب، وليس معنى ذلك أن الإنسان لو خالف في مسألة أو مسألتين أو بعض المسائل أنه يخرج من الدين، ولا يدين لله بدين، فلا يكون ذلك إلا إذا أشرك وفعل ناقضاً من نواقض الإسلام. ومن الخطأ أن يجزم المؤلف فيقول: (من استحل شيئاً خلاف ما في هذا الكتاب فإنه ليس يدين لله بدين)، فقد ذكر في الكتاب مثلاً مسألة تحريم زواج امرأة بغير ولي، والحنفية يرون جواز ذلك، فلا يعني هذا كفرهم. (وقد رده كله) فمن استحل شيئاً خلاف ما في هذا الكتاب ألزمه المؤلف بأنه ليس يدين لله بدين، وقد رده كله، وهذا ليس بصحيح، بل قد يخالف الإنسان شيئاً من هذا الكتاب مما ليس عليه دليل، أو مستنداً إلى حديث ضعيف، فيخالفه، ولا يلزمه أنه رده كله، فإذا رد الأشياء الضعيفة لا يلزم من هذا أنه رده كله. ثم شبه ذلك فقال: (كما لو أن عبداً آمن بجميع ما قال الله تبارك وتعالى، إلا أنه شك في حرف فقد رد جميع ما قال الله تعالى وهو كافر) وهذا صحيح، فمن آمن بجميع ما قال الله ثم شك في حرف متعمداً وليس له شبهة، أو شك في حرف من كلام الله فقد رد القرآن كاملاً. قال (كما أن شهادة أن لا إله إلا الله لا تقبل من صاحبها إلا بالنية، وإخلاص اليقين)، لا بد أن يقولها الإنسان عن صدق وإخلاص، كما جاء في الحديث: (من قال لا إله إلا الله خالصاً من قلبه)، وفي لفظ: (مخلصاً)، وفي لفظ: (غير شاك، دخل الجنة). (كذلك لا يقبل الله شيئاً في ترك بعض)، وهذا ليس بصحيح، بل إذا ترك بعض المسائل الفرعية لا يلزم من ذلك أن يكون قد ترك الدين. (ومن ترك شيئاً من السنة فقد ترك السنة كلها)، هذا أيضاً ليس بصحيح، بل قد يترك الإنسان بعض السنة، فيترك من السنة مثلاً إعفاء اللحية، فلا يلزم أنه إذا حلق اللحية قد ترك الدين كله، وترك السنة كلها، بل إنه عاصٍ. (فعليك بالقبول، ودع عنك المحك واللجاجة)، أي: اترك اللجاجة والخصومة والجدال، (فإنه ليس من دين الله في شيء)، يعني: الجدال والخصومة، (وزمانك خاصة زمان سوء)، وهذا في زمان المؤلف، في القرن الرابع الهجري، فكيف لو رأى القرن الخامس عشر؟! (فاتق الله)، أي: بالاستقامة على دين الله، وإخلاص العبادة لله، وحتى تسلم من غضب الله.

التحذير من الخوض في الفتن الواقعة بين المسلمين

التحذير من الخوض في الفتن الواقعة بين المسلمين قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وإذا وقعت الفتنة، فالزم جوف بيتك، وفر من جوار الفتنة، وإياك والعصبية، وكل ما كان من قتال بين المسلمين على الدنيا فهو فتنة، فاتق الله وحده لا شريك له، ولا تخرج فيها، ولا تقاتل فيها، ولا تهو ولا تشايع ولا تمايل، ولا تحب شيئاً من أمورهم، فإنه يقال: من أحب فعال قوم -خيراً كان أو شراً- كان كمن عمله، وفقنا الله وإياكم لمرضاته، وجنبنا وإياكم معصيته]. (إذا وقعت الفتنة فالزم جوف بيتك، وفر من جوار الفتنة) أي: كالقتال بين المسلمين، فالزم بيتك ولا تخرج مع الفتنة، وهذا مأخوذ من حديث: (إياك والقتال في الفتنة). وجاء في الحديث الحسن: (كسروا جفون سيوفكم في وقت الفتنة). وفي الحديث الآخر: (فتنة القائم فيها خير من الماشي، والقاعد خير من القائم)، وفي الحديث الآخر: (إذا وقعت الفتنة كن كخير ابني آدم، كن عبد الله المقتول ولا تكن عبد الله القاتل). (ولا تكن مع الناس في القتال) أي: لا تشترك معهم في الفتنة كما جاء في الحديث: (إذا رأيت شحاً مطاعاً، وهوى متبعاً، وإعجاب كل ذي رأي برأيه، فعليك بخاصة نفسك، ودع عنك أمر العوام). (وفر من جوار الفتنة)، فلا تكن بجوارها، سواء كانت هذه الفتنة: فتنة الحروب، أو فتنة الشبهات، أو فتنة الشهوات. (وإياك والعصبية) أي: لا تتعصب لقبيلتك، ولا لأقاربك. (وكل ما كان من قتال بين المسلمين على الدنيا فهو فتنة)، ولو كان قتال العصبية فهذا من الفتن، وهو من الأعمال الكفرية، قال عليه الصلاة والسلام: (لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض). (فاتق الله وحده لا شريك له، ولا تخرج فيها)، أي: في الفتنة، ولا تقاتل فيها، (ولا تهو بأن تحب القتال، ولا تشايع)، وهو الميل، ومنه قوله تعالى: {وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ} [الصافات:83]. (ولا توافق أهل الباطل)، من شايع أهل الفتن وافقهم، فلا تهو الفتنة ولا تشايع ولا تمايل ولا تحب شيئاً من أمورهم، ولا من أمور أهل العصبية وأهل الجاهلية وأهل البدع. (فإنه يقال: من أحب فعال قوم -خيراً كان أو شراً- كان كمن عمله). ثم دعا المؤلف رحمه الله قال: (وفقنا الله وإياك لمرضاته)، وهو ما يرضي الله وهو التوحيد، وإخلاص الدين له، ولزوم السنة وترك البدعة، (وجنبنا وإياكم معصيته) من البدع والمنكرات.

التحذير من كثرة النظر إلى النجوم ومجالسة أهل الكلام

التحذير من كثرة النظر إلى النجوم ومجالسة أهل الكلام قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وأقل من النظر في النجوم إلا ما تستعين به على مواقيت الصلاة، واله عما سوى ذلك فإنه يدعو إلى الزندقة. وإياك والنظر في الكلام والجلوس إلى أصحاب الكلام، وعليك بالآثار وأهل الآثار، وإياهم فاسأل، ومعهم فاجلس، ومنهم فاقتبس]. (أقل من النظر في النجوم إلا ما تستعين به على مواقيت الصلاة)، أي: لا تنظر في النجوم. والنظر في النجوم له أحوال ثلاثة: الحالة الأولى: النظر في النجوم معتقداً أنها مؤثرة في الحوادث الأرضية، من الحروب، والأمراض، والأمطار، وغلاء الأسعار، وقيام الدول وزوالها، وهذا شرك أكبر في الربوبية، وهو شرك قوم إبراهيم عليه الصلاة والسلام الذين بعث فيهم وهم الصابئة، فقد كان يعتقد الواحد منهم أن النجوم هي المؤثرة في الحوادث الأرضية. الحالة الثانية: أن ينظر في النجوم ويدعي بها علم الغيب، ولا يعتقد أنها مؤثره، بل يعتقد أن المؤثر هو الله، لكن يستدل بها على دعوى الغيب، فإذا اجتمعت النجوم أو افترقت، أو غابت أو طلعت، استدل بذلك على علم الغيب، وقال: إذا طلع النجم الثاني نزل المطر، أو غاب النجم الثاني ارتفعت الأسعار، أو إذا طلع النجم الثاني ولد عظيم أو مات عظيم، وهذه أيضاً دعوى بعلم الغيب، وهي كفر. الحالة الثالثة: أن ينظر في النجوم ليستدل به على معرفة القبلة، وينظر في النجوم حتى يعرف وقت زوال الشمس فيصلي الظهر، ينظر في النجوم ليعرف الطرق في البر أو في البحر، فهذا لا بأس به في أصح أقوال العلماء، ومع ذلك فإن بعض العلماء منع ذلك. والنوع الأخير يقال له: علم التسيير، فتنظر في النجوم لمعرفة فصول السنة، ومعرفة أوقات البذر للفلاحين والمزارعين، ومعرفة أوقات الصلوات، ومعرفة الطرق التي يهتدى بها في البر أو في البحر، فهذا لا بأس به. أما النوع الأول والثاني فيقال له: علم التأثير، وهذا هو معنى قول المؤلف: (أقل من النظر في النجوم إلا ما تستعين به على مواقيت الصلاة). (واله عما سوى ذلك)، أي: تشاغل واترك ما سوى ذلك؛ فإنه يدعو إلى الزندقة، والزندقة هي النفاق. (وإياك والنظر في الكلام) أي: الخوض في الكلام مثل ما خاض الجهمية والمعتزلة والأشاعرة، فقد تكلموا في الصفات وفي الأسماء. (والجلوس إلى أصحاب الكلام) فلا تجلس معهم؛ لئلا يضروك ويعدوك. (وعليك بالآثار وأهل الآثار) أي: النصوص والأحاديث، (وإياهم فاسأل)، أي: اسأل أهل الحديث، فإذا أشكل عليك شيء فاسأل أهل الحديث؛ لأن كل مسألة تحتاج إلى دليل من الحديث، (ومعهم فاجلس، ومنهم فاقتبس). وقد ذكر المحقق قول الإمام الشافعي قال: لأن يبتلى العبد بكل ما نهى الله عنه ما عدا الشرك خير له من أن ينظر في علم الكلام. وقال الإمام أحمد رحمه الله: لا يفلح صاحب الكلام أبداً. وقال الإمام أحمد أيضاً: لا تجالسوا أصحاب الكلام، وإن ذبوا عن السنة. وكل هذا فيه تحذير من أهل الكلام.

بيان أن الخوف أفضل طريقة لعبادة الله

بيان أن الخوف أفضل طريقة لعبادة الله قال المؤلف رحمه الله تعالى: [واعلم أنه ما عُبِدَ الله بمثل الخوف من الله، وطريق الخوف والحزن والشفقة والحياء من الله تبارك وتعالى]. فالإنسان يعبد الله بالخوف، ويعبده أيضاً بالرجاء والحب، وهذه أركان العبادة، فالإنسان يخاف من ذنوبه ومعاصيه، إلا أن هذا الخوف يرافقه الرجاء؛ حتى لا يكون سوء ظن بالله؛ لأنه لو لم يكن معه رجاء لصار الخوف يؤدي به إلى القنوط من رحمة الله، واليأس من روح الله، وسوء الظن بالله، لكن الرجاء يمنعه. وكذلك على الإنسان أن يرجو الله، إلا أن هذا الرجاء يرافقه خوف؛ ولو لم يكن كذلك لاستخف الإنسان إتيان المعاصي. ولهذا يقول العلماء: إنه لا بد من هذه الأركان الثلاثة: حب، وخوف، ورجاء، ومن عبد الله بواحد منها فإنه لم يعبد الله، فمن عبد الله بالحب وحده كان زنديقاً، فهذه طريقة الزنادقة الصوفية، كما يذكر في كتب الوعظ عن رابعة العدوية أنها قالت: ما عبدت الله خوفاً من ناره، ولا طمعاً في جنته، فأكون كأسير السوء، ولكن عبدته حباً لذاته وشوقاً إليه. وهذا غلط، فالله تعالى قال: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا} [الأنبياء:90]، وقال عن المتقين: {يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا} [السجدة:16]، وقال: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ} [الإسراء:57] فلا بد من الرجاء والخوف. وطريق الخوف والحزن والشفقة والحياء من الله تبارك وتعالى)، كما سبق أنه لا بد أن يكون مع الخوف رجاء وحب؛ لأن الخوف وحده يوصل إلى التشاؤم، وسوء الظن بالله والقنوط، ولا بد أن يكون مع الرجاء خوف حتى لا يسترسل الإنسان في المعاصي.

التحذير من الجلوس مع من يعبدون الله بالحب فقط

التحذير من الجلوس مع من يعبدون الله بالحب فقط قال المؤلف رحمه الله تعالى: [واحذر أن تجلس مع من يدعو إلى الشوق والمحبة، ومن يخلو مع النساء وطريق المذهب، فإن هؤلاء كلهم على الضلالة]. قوله: (احذر أن تجلس مع من يدعو إلى الشوق والمحبة)، وهم الصوفية، فهم يدعون إلى المحبة فقط، بدون خوف وبدون رجاء، كما يروى عن رابعة العدوية أنها قالت: ما عبدت الله خوفاً من ناره، ولا طمعاً في جنته، فأكون كأسير السوء، ولكن عبدته حباً لذاته وشوقاً إليه. وبعضهم يذكر العشق والعياذ بالله، ولم يأت في وصف المحبة العشق، إنما جاءت المحبة والود والخلة، فالصوفية يزعمون أن عندهم الشوق إلى الله وعشق الله، قبحهم الله. فالمؤلف يقول: احذر أن تجلس مع من يدعو إلى هذا؛ لأنهم على الباطل، ومن يخلو مع النساء أيضاً؛ لأنها وسيلة للفاحشة، قال عليه الصلاة والسلام: (ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما). قوله: (وطريق المذهب) لعله يقصد مذهب الصوفية، فمن يدعو إلى الشوق وحده، ومن يخلو بالنساء فهو على ضلالة. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [واعلم رحمك الله أن الله تعالى دعا الخلق كلهم إلى عبادته، ومنَّ من بعد ذلك على من يشاء بالإسلام تفضلاً منه]. (واعلم) أي: تيقن، وهو حفظ الذهن الجازم، (رحمك الله) دعاء بالرحمة، أي: أسأل الله أن يرحمك، (أن الله تبارك وتعالى دعا الخلق كلهم إلى عبادته)، وهذا لا شك فيه، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ} [البقرة:21]، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ} [النساء:1] {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ} [الحج:1] {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ} [لقمان:33]، فالله تعالى دعا الخلق كلهم إلى عبادته، فكلهم مأمورون بتقوى الله وعبادته. فمنهم من منَّ الله عليه بالإسلام -تفضلاً منه- فأسلم. ومنهم من كفر.

[13]

شرح كتاب السنة للبربهاري [13] من منهج السلف الكف عما شجر بين الصحابة من خلاف وقتال، ويصلون خلف كل مسلم إلا أن يكون مبتدعاً فلا يصلى خلفه إلا أن لا يوجد إلا هو فيصلى خلفه، أما من كانت بدعته كفرية فلا يصلى خلفه.

النهي عن الكلام فيما شجر بين الصحابة من خلافات

النهي عن الكلام فيما شجر بين الصحابة من خلافات قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والكف عن حرب علي ومعاوية وعائشة وطلحة والزبير رحمهم الله أجمعين، ومن كان معهم، ولا تخاصم فيهم، وكل أمرهم إلى الله تبارك تعالى، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إياكم وذكر أصحابي وأصهاري وأختاني). وقوله: (إن الله تبارك تعالى نظر إلى أهل بدر، فقال: اعملوا ما شئتم فإني قد غفرت لكم)]. (والكف عن حرب علي ومعاوية)، إذا يجب عليك أن تكف عن الكلام في الحروب التي حصلت بين علي ومعاوية، ولا تتكلم فيهم؛ فإن هذا وقع عن اجتهاد، والمجتهد إن أصاب فله أجران، وإن أخطأ فله أجر. وكذلك ما حصل بين عائشة وطلحة والزبير لما جاءوا إلى المطالبة بدم عثمان، ثم وقعت واقعة الجمل، وكذلك من كان معهم، فلا يجوز للإنسان أن يتكلم فيهم. والصحابة رضي الله عليهم هم ما بين مجتهد مصيب له أجران، وما بين مجتهد مخطئ له أجر الاجتهاد وفاته أجر الصواب، ولهم من الحسنات والسبق إلى الإسلام، وصحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والجهاد في سبيله، ونشر دين الإسلام، ما يغطي ما صدر منهم من الهفوات. وهذه الأخبار التي تذكر في كتب التاريخ منها ما هو كذب لا أساس له من الصحة، ومنها ما له أصل لكن زيد فيه ونقص، ومنها ما هو صحيح، والصحيح أنهم ما بين مجتهد مصيب له أجران، وما بين مجتهد مخطئ له أجر. فلا تخاصم، وكل أمرهم إلى الله، أي: فوض أمرهم إلى الله، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إياكم وذكر أصحابي وأصهاري وأختاني))، وهذا الحديث لا أعلم ثبوته. فقوله: (أصحابي) جمع صاحب، والصاحب: هو من صحب النبي صلى الله عليه وسلم، ومن لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمناً ولو لحظة ومات على الإسلام. (وأصهاري) يعني: أنسابه من أقارب زوجاته، أو أزواج بناته وأقاربه، سواء كانوا من أقارب زوجاته، أو أقارب أزواج بناته. (وأختاني) الأختان هم أقارب الزوجة. لكن هذا الحديث لا يصح، وقدر وردت أحاديث أخرى منها قوله عليه الصلاة والسلام: (لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده! لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه). وجاء حديث آخر: (الله الله في أصحابي، لا تتخذوهم غرضاً، فمن أحبهم فبحبي أحبهم، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم). قوله: (وقوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله تبارك وتعالى نظر إلى أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فإني قد غفرت لكم)) هذا ثابت في صحيح البخاري، في باب فضيلة أهل بدر، والعلماء يقولون: الخلفاء الراشدون أفضل الصحابة، ثم بقية العشرة، ثم أهل بيعة الرضوان، ثم أهل بدر. وقول الله تعالى: (اعملوا ما شئتم فإني قد غفرت لكم)، ليس إذناً بالمعاصي، بل إن المعنى: أن أهل بدر مسددون، وأن الواحد منهم إذا وقعت منه زلة لا بد أن يتوب، أو يطهر بأن يقام عليه الحد، أو يغفر الله له، وإلا فإن الواحد منهم ليس بمعصوماً، ولهذا لما كتب حاطب بن أبي بلتعة للمشركين بخبر النبي صلى الله عليه وسلم متأولاً، وجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وسأله، وقال: يا رسول الله! لا تعجل علي، فإني ما فعلت ذلك كفراً وارتداداً عن دين الله، ولا رضاً بالكفر، ولكن أردت أن أتخذ يداً عندهم فيحمون بها عشيرتي وأهلي، فقال عمر: يا رسول الله! دعني أضرب عنق هذا المنافق فإنه قد خان الله ورسوله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم هذا الحديث: (وما يدريك يا عمر! لعل الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم) وفي رواية: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أما إنه قد صدقكم) وقبل النبي صلى الله عليه وسلم عذره، ومنع قتله، فلم يقتله وقد تجسس على المسلمين، ومن تجسس على المسلمين يقتل، وحاطب تجسس على المسلمين، ولم يقتله النبي صلى الله عليه وسلم لأمرين: الأمر الأول: أنه صادق متأول. والأمر الثاني: لأنه شهد بدراً. لكن لو تجسس رجل على المسلمين وأخبر الكفار مثلاً بأخبار المسلمين، وقال: إنه متأول مثل حاطب، فلا يكون مثل حاطب، وهذا خاص بـ حاطب، فيقتل من تجسس على المسلمين.

حرمة أموال المسلمين

حرمة أموال المسلمين قال المؤلف رحمه الله تعالى: [واعلم رحمك الله أنه لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيبة من نفسه، وإن كان مع رجل مال حرام فقد ضمنه، ولا يحل لأحد أن يأخذ منه شيئاً إلا بإذنه؛ فإنه عسى أن يتوب هذا فيريد أن يرده على أربابه، فأخذت حراماً]. قوله: (واعلم) أي: تيقن، (رحمك الله): دعاء بالرحمة، (أنه لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيبة من نفسه)، وهذا لفظ حديث يقول منه النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيبة من نفسه). والله تعالى يقول: {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة:188]. وقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء:29]، فلا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيبة من نفسه. (وإن كان مع رجل مال حرام فقد ضمنه) أي: لا يحل لأحد أن يأكل منه شيئاً إلا بإذنه. (فإنه عسى أن يتوب هذا فيريد أن يرد على أربابه فأخذت حراماً)، أي: إذا كان رجل معه مال حرام فهو ضامن، أي: قد ضمنه، كأن يسرق مالاً من شخص، أو يجحد ديناً، فيكون ضامناً، فلا بد أن يؤديه إلى صاحبه، فإذا جئت إلى شخص ووجدت معه مالاً حراماً، فلا يجوز لك أن تأخذ المال؟ وإذا قال رجل: أريد أن آخذه، فلا يجوز؛ فإنه عسى أن يتوب هذا الرجل أي: الذي أخذ المال الحرام، فيريد أن يرد المال على أربابه أي: أصحابه، فتكون أخذت حراماً لا يحل لك؛ لأمرين: الأمر الأول: أن هذا الشخص الذي أخذ المال الحرام ضامن له. الأمر الثاني: أنه عسى أن يتوب فيرده إلى أصحابه. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والمكاسب مطلقة، ما بان لك صحته فهو مطلق، إلا ما ظهر فساده، وإن كان فاسداً يأخذ من الفساد ممسكة نفسه، ولا تقول: أتركُ المكاسب وآخذُ ما أعطوني، ولم يفعل هذا الصحابة ولا العلماء إلى زماننا هذا. وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: كسب فيه بعض الدنية خير من الحاجة إلى الناس]. (المكاسب مطلقة) أي: أصلها على الحل، (ما بان لك صحته فهو مطلق)، أي: فلك أن تأخذه، فالأصل في البيع الحل، إلا ما دل الدليل على تحريمه، قال تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة:29] فالمكاسب مطلقة، ما بان لك صحته فهو حلال، إلا ما ظهر فساده كالربا والرشوة والغش والخداع. (وإن كان فاسداً يأخذ من الفاسد ممسكة نفسه)، أي: إذا لم يجد مالاً حلالاً يأخذ من الحرام، وهو المال الفاسد الضروري، وهو المال الذي يمسك به نفسه ويقيم به أوده، ولا يأخذ زيادة على ذلك. فلو فرضنا أنه عم الحرام الأرض ولا يوجد مال حلال، فعليه أن يكسب ولكن بقدر ما يأكل ولا يكسب تجارة من المال الفاسد، وهذا معنى قوله: (وإن كان فاسداً يأخذ من الفساد ممسكة نفسه)، يعني: يأخذ من المال الفاسد الضروري ليمسك به نفسه. (ولا تقول: أترك المكاسب وآخذ ما أعطوني)، لا تقول: إذا عم الأرض الكسب الخبيث، فلا أكسب ولكن أتكفف الناس فإذا أعطوني أخذت، فهذا لا يجوز، فكونك تكسب مالاً ولو كان رديئاً بقدر ما تقيم به نفسك، خير لك من أن تسأل الناس، ولهذا قال المؤلف: (لم يفعل هذا الصحابة، ولا العلماء إلى زماننا هذا)، أي: يتركون الكسب الرديء ويسألون الناس. (ويقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: كسب فيه بعض الدنية خير من الحاجة إلى الناس)، أي: دنيء في طبعه مثل كسب الحجام وغيره، فكونه يكتسب من الحجامة أحسن من كونه يسأل الناس، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: (لأن يأخذ أحدكم حبله فيحتطب فيبيع فيكف وجهه، خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه)، وهذا الأثر الذي ذكره المؤلف أخرجه ابن أبي الدنيا في إصلاح المال، وكيع بن الجراح.

حكم الصلاة خلف المبتدع

حكم الصلاة خلف المبتدع قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والصلوات الخمس جائزة خلف من صليت خلفه، إلا أن يكون جهمياً فإنه معطل، وإن صليت خلفه فأعد صلاتك، وإن كان إمامك يوم جمعة جهمياً وهو سلطان فصل خلفه وأعد صلاتك، وإن كان إمامك من السلطان وغيره صاحب سنة فصل خلفه ولا تعد صلاتك]. قوله: (والصلوات الخمس جائزة خلف من صليت خلفه)، أي: خلف البر والفاجر، إلا أن يكون مبتدعاً بدعته مكفرة، فالصلاة خلف الفاسق والمبتدع فيها تفصيل عند أهل العلم. فقد اختلف العلماء في الصلاة خلف الفاسق والمبتدع الذي لا يصل فسقه ولا بدعته إلى الكفر، قال العلماء: إن كان إمام المسلمين فيصلى خلفه والصلاة صحيحة، أو كان لا يوجد في البلد إلا مسجد واحد وإمامه فاسق أو مبتدع فتصلي خلفه، ومن لم يصل خلفه فهو مبتدع، يعني: إما أن تصلي خلفه، وإما أن تصلي في البيت، وإن صليت في البيت فأنت مبتدع. أما إذا وجد مسجد آخر إمامه عدل، وصليت خلف المبتدع والفاسق، فإن كانت تحصل بذلك فتنة أو مفسدة، فصل خلف المبتدع درءاً للمفسدة، وإن كانت لا تحصل فتنة أو مفسدة، فصل خلف السني. أما الصلاة خلف الفاسق ففيها قولان لأهل العلم: فقد قال بعض أهل العلم: لا تصح، وهو مذهب الشافعية والأحناف. وقال آخرون وهم الحنابلة: تصح الصلاة خلف الفاسق. والصواب أنها تصح؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه البخاري من حديث أبي هريرة: (يصلون لكم) يعني: أئمة المسلمين، (فإن أصابوا فلكم ولهم، وإن أخطئوا فلكم وعليهم). وقد صلى الصحابة خلف الحجاج بن يوسف الثقفي وكان فاسقاً ظالماً يقتل الكثير، فقد قتل الألوف، وصلوا خلف الوليد بن عقبة بن أبي معيط، وكان يشرب الخمر حين كان أمير الكوفة. أما إذا كانت البدعة والفسق تؤدي بصاحبها إلى الكفر، فلا تصح الصلاة، فالقاعدة تقول: الصلاة خلف الكافر لا تصح بالإجماع، وإذا صليت وجب أن تعيد الصلاة، مثل وثني يدعو غير الله، وهذا يوجد بكثرة في بعض البلدان، كقبوري يدعو غير الله، أو يذبح للأولياء، أو ينذر لغير الله، أو يطوف بغير بيت الله، فهذا لا تصح الصلاة خلفه، وإذا صليت وأنت لا تدري ثم علمت تعيد الصلاة. (أو كان جهمياً)، وهو من يقول: إن الله في كل مكان، فهذا لا تصح الصلاة خلفه، أو قدري يقول: إن الله لا يعلم الأشياء قبل كونها، أو رافضي، لا تصح الصلاة خلفهم فهم كفرة، فإذا صليت خلف رافضي أو قدري أو جهمي أو قبوري وثني، فلا تصح صلاتك. وهذا معنى قول المؤلف رحمه الله: (والصلوات الخمس جائزة خلف من صليت خلفه، إلا أن يكون جهمياً)؛ لأن الجهمي كافر، ومثله القبوري والقدري والرافضي؛ فإنه معطل، (وإن صليت خلفه فأعد الصلاة). (وإذا كان إمامك يوم جمعة جهمياً، وهو سلطان فصل خلفه وأعد صلاتك)، والفائدة من الصلاة خلفه مع أنك ستعيد الصلاة هي أن تأمن شره، لأنك لو لم تصل خلفه فيعاقبك، أو تحصل فتنة بذلك، فصل خلفه ثم أعدها في البيت، أما إذا لم تحصل فتنة بذلك فصل في البيت ولا تصل خلفه. (وإن كان إمامك من السلطان وغيره صاحب سنة فصل خلفه ولا تعد الصلاة).

التسليم على قبري أبي بكر وعمر عند زيارة قبر النبي الكريم

التسليم على قبري أبي بكر وعمر عند زيارة قبر النبي الكريم قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والإيمان بأن أبا بكر وعمر رحمة الله عليهما في حجرة عائشة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، قد دفنا هناك معه، فإذا أتيت القبر فالتسليم عليهما واجب بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم]. وهذا ثابت، أن حجرة عائشة دفن فيها الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم دفن فيها أبو بكر، ثم دفن عمر، وكأن هناك بعض الناس ينكر ذلك. (فإذا أتيت القبر فالتسليم عليهما واجب بعد رسول الله)، والصواب أنه ليس بواجب بل سنة، فزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم وزيارة قبري أبي بكر وعمر والسلام عليهما سنة، ومن فعلها أثابه الله، ومن ترك فلا حرج، وهذا إذا كان في البلد. أما أن يسافر من بلد إلى بلد لزيارة القبر فهذه بدعة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى). فإذا جئت وزرت المسجد وصليت في المسجد النبوي ركعتين، فإنك تزور قبر النبي صلى الله عليه وسلم، وقبر صاحبيه، وتسلم عليهما، وتقول: السلام عليك يا رسول الله! أشهد أنك بلغت الرسالة، وأديت الأمانة، ونصحت الأمة، وجاهدت في الله حق جهاده، فجزاك الله خيراً عن أمتك، وجزاك أفضل ما يجزي نبياً عن أمته، وتصلي على النبي عليه الصلاة والسلام. ثم تسلم على أبي بكر قائلاً: السلام عليك يا خليفة رسول الله! رحمك الله ورضي عنك وجزاك عن أمة محمد خيراً، ثم السلام على عمر. وكان ابن عمر إذا قدم من سفر يأتي ويقول: السلام يا رسول الله، السلام عليك يا أبا بكر، السلام عليك يا أبتاه، ثم ينصرف ولا يزيد. فالسلام سنة وليس بواجب، أما قول المؤلف: (واجب) ليس بصحيح.

حكم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

حكم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب، إلا من خفت سيفه أو عصاه]. الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب، فتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، فتغير المنكر باليد إذا استطعت، فإن عجزت فباللسان، فإن عجزت فبالقلب مع البعد عن المعصية؛ لما ثبت في صحيح مسلم من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان). قوله: (إلا من خفت سيفه أو عصاه)، أي: من إذا غيرت منكراً بيدك ضربك بسيفه أو عصاه، فإذا أنكرت عليه باللسان وخفت سيفه أو عصاه فأنكر بالقلب، وابتعد عن المكان.

بيان أن السلام على الجميع ووجوب صلاة الجماعة والجمعة

بيان أن السلام على الجميع ووجوب صلاة الجماعة والجمعة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والتسليم على عباد الله أجمعين، ومن ترك صلاة الجمعة والجماعة في المسجد من غير عذر فهو مبتدع، والعذر كمرض لا طاقة له بالخروج إلى المسجد، أو خوف من سلطان ظالم، وما سوى ذلك فلا عذر له. ومن صلى خلف إمام فلم يقتد به فلا صلاة له. والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر باليد واللسان والقلب بلا سيف]. (التسليم على عباد الله أجمعين)، تسلم على كل من لقيت، فبعض الناس لا يسلم إلا على من يعرف، وهذا خطأ، فالسلام من أسباب المحبة، ومن أسباب دخول الجنة، قال عليه الصلاة والسلام: (والذي نفسي بيده! لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم) رواه مسلم في صحيحه. وسلم على كل مسلم إلا إذا عرفت أنه ليس بمسلم فلا تبدأه بالسلام؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: (لا تبدءوا اليهود والنصارى بالسلام، وإذا لقيتموهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقه) فإذا سلم عليك فتقول: وعليك، ولا تكمل، لقوله عليه الصلاة والسلام: (إذا سلم عليكم أهل الكتاب، فقولوا: وعليكم). (ومن ترك صلاة الجمعة والجماعة في المسجد من غير عذر فهو مبتدع)؛ لأن صلاة الجماعة واجبة، قال: {وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} [البقرة:43] والنبي صلى الله عليه وسلم لم يرخص لـ ابن أم مكتوم وهو أعمى وكان رجلاً ضعيفاً شاسع الدار، وذلك لما قال له النبي: (أتسمع النداء؟ قال: نعم، قال: فأجب) وأمر الله بصلاة الجماعة، فمن ترك الجمعة والجماعة في المسجد من غير عذر فهو مبتدع عاص. (والعذر كمرض لا طاقة له بالخروج إلى المسجد أو خوف من سلطان ظالم) خاف أن يقتله، (وما سوى ذلك فلا عذر له)، والصواب أن هناك أعذاراً أخرى غير هذه منها: المطر الذي يبل الثياب، وخوف الإنسان على ماله، وأن يدافعه الأخبثان، ومن أكل كراثاً أو ثوماً أو بصلاً قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (فلا يقربن مسجدنا) ولا يحل له أنه يأكله ليكون له عذر في ترك صلاة الجماعة. (ومن صلى خلف إمام ولم يقتد به فلا صلاة له)، يجب على المصلي أن ينوي الاقتداء بالإمام، ولا تصح الصلاة ممن لم يفعل ذلك، (والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر باليد واللسان والقلب)، كما سبق في حديث أبي سعيد، وهو درجات، فتنكر باليد ثم باللسان ثم بالقلب. وفق الله الجميع لطاعته، ورزق الله الجميع علماً نافعاً وعملاً صالحاً.

الأسئلة

الأسئلة

الفرق بين الخوارج والروافض

الفرق بين الخوارج والروافض Q هل هناك فرق بين الخوارج والروافض؟ A هما متضادان، فالخوارج ضد الروافض، والروافض ضد الخوارج. والخوارج هم الذين يكفرون المسلمين بالكبائر، وينصبون العداوة لأهل البيت، ولذلك يسمون نواصب. والروافض يغلون في أهل البيت، فيعبدونهم ويغلون في حبهم، والنواصب يكفرون أهل البيت، فإذاً هما متضادان.

حكم الإكثار من الكلام على الروافض

حكم الإكثار من الكلام على الروافض Q رجل يكثر الكلام على الروافض، وليس لديه إلا هذا الموضوع، فهل هو على صواب أم على خطأ؟ A ينظر ما هو الشيء الذي يتكلم فيه، فإن كان الذي يتكلم فيه موافقاً للنصوص فهو على الصواب، وإن كان غير ذلك فهو مخالف، وينبغي له أن يتكلم عن الفرق الأخرى: القدرية والخوارج والمعتزلة والجهمية.

توضيح لمسألة التفويض

توضيح لمسألة التفويض Q نريد توضيحاً في مسألة التفويض؟ A إن كان مقصود السائل التفويض في الصفات، أو تفويض المعنى، فهذا باطل، ومذهب التفويض مذهب باطل، والصواب: أن المعاني معلومة، كما قال الإمام مالك: الاستواء معلوم، وهو الاستقرار والصعود والعلو، لكن الذي يفوض الكيفية، كأن يفوض كيفية الاستواء إلى الله، فهذا صحيح، وأهل السنة يفوضون الكيفية.

بيان أن الرافضة ليسوا من الاثنتين والسبعين فرقة

بيان أن الرافضة ليسوا من الاثنتين والسبعين فرقة Q هل الرافضة يدخلون في الثلاثة والسبعين فرقة التي ذكرها الرسول صلى الله عليه وسلم؟ A لا، فقد ذكر العلماء أنهم يخرجون عنها، فالرافضة والجهمية والقدرية الذين ينكرون علم الله، خرجوا من الاثنتين وسبعين فرقة؛ لأنها فرق مبتدعة، والرافضة والجهمية والقدرية كفرة؛ ولأن الرافضة يكفرون الصحابة ويفسقونهم، والله زكاهم وعدلهم، فهذا تكذيب لله، ومن كذب الله كفر، ولأن الرافضة يعبدون آل البيت وهذا شرك، ولأنهم يكذبون الله في أن القرآن محفوظ، يقولون: بقي الثلث من القرآن غير محفوظ، وهذا كله ردة. كذلك القدرية الذين قالوا: إن الله لا يعلم الأشياء قبل كونها، فنسبوا إلى الله الجهل، وهم كفرة، والجهمية كذلك كفرة، يخرجون من الاثنتين وسبعين فرقة، وهكذا أقر أهل العلم.

حكم من يدعي تكليم أرواح الموتى

حكم من يدعي تكليم أرواح الموتى Q هل ترسل الأرواح الميتة من قبل الملائكة إلى مريض بالصرع الروحي الخبيث وتتحدث هذه الأرواح الميتة مع القارئ، وتوصيه بأن يستمر في القراءة، وأن يصبر ويتوكل على الله، ويدعي أنه ميت من عهد الصحابة، وأنه مرسل من الملائكة، ويقول المريض: إنه إذا جاءه هذا الميت يأتي على شكل رجل ملتزم ثوبه قصير وله لحية، ويأتي معه نور عظيم، وإنني أرتاح إذا أتاني؛ فإنه يوصيني بتقوى الله عز وجل، والصبر والدعاء، فما رأي فضيلتكم في هذا، فأنا محتاج لجواب شافٍ؟ A هذا من الجن، فالأرواح أولاً لا تموت، وإذا مات المؤمن نقلت روحه إلى الجنة، والكافر تنقل روحه إلى النار، وإنما تموت الأجساد، ثم بعد ذلك إذا بعث الله الأجساد عادت الأرواح إليها. وأما هذا الشخص فإنه يأتيه أفراد من الجن ومن الشياطين تتشكل في صورة إنسان قصير الثوب ويشجعه، وبعضهم يأمر بالشرك، ويأمر الزنا، وبعض الذين يقرءون على المريض يتحدث مع الجن ساعة وساعتين، ويخبره بمكان السحر وغيره، وكل هذا غلط؛ لأن الجن لا ندري ما أحوالهم، والجن أضعف عقولاً من الإنس، وقد يكونون منافقين، وقد يقول إنه مستقيم وهو منافق زنديق. فنصيحتي لهذا الشخص أن يتوب إلى الله، ولا يتعلق بهذا الكلام، ويترك هذا العمل.

زواج المسيار والفرق بينه وبين المتعة

زواج المسيار والفرق بينه وبين المتعة Q ما الفرق بين نكاح المتعة ونكاح المسيار؟ وهل يجوز نكاح المسيار؟ A نكاح المسيار هو نكاح صحيح، وهو يكون بولي، وشاهدي عدل، ومهر، ورضا الزوجة، لكن الزوجة تسقط حقها، كأن تكون محتاجة إلى أن تبقى عند أهلها، فتقول: أسقطت الليلة، وتتفق مع زوجها أن يأتي متى ما شاء: في الأسبوع مرة أو في الأسبوع مرتين، وبعضهن تسقط النفقة أيضاً، كأن تكون مدرسة أو تكون موظفة، وهذا لا بأس به، وهو نكاح صحيح، وتقول: اجلس عند زوجتك وأولادك وأنا أنام عند أهلي. أما نكاح المتعة فهو زنى والعياذ بالله، وهو أن يتفق مع المرأة أن ينكحها يومين أو ثلاثة أيام أو أسبوعاً أو أسبوعين أو شهراً أو شهرين.

بيان أن الاثنتين والسبعين فرقة ليسوا كفارا

بيان أن الاثنتين والسبعين فرقة ليسوا كفاراً Q ما معنى: (انقسمت أمتي إلى ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة)، هل يعني ذلك أنهم على الإسلام وأنهم لن يخلدوا في النار؟ A نعم، هذه الفرق عصاة وأهلها متوعدون بالنار لكن ليسوا كفاراً.

بيان أن الملائكة يتنزلون على الموتى من العلماء الصالحين

بيان أن الملائكة يتنزلون على الموتى من العلماء الصالحين Q هل السفر من أجل الصلاة على أهل الفضل والعلم يجوز؟ وهل صحيح أنه تتنزل الرحمات على من يتعهد جنازة العلماء الراسخين والعباد الصالحين؟ A لا أعلم في هذا شيئاً، أما كونها تتنزل إذا كانوا صالحين، فلا شك أن الملائكة تتنزل إذا كانوا علماء صالحين، قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} [فصلت:30].

بيان أن السلام على النبي عند قبره لا يشترط فيه هيئة معينة

بيان أن السلام على النبي عند قبره لا يشترط فيه هيئة معينة Q إذا أراد البعض السلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم يقف تجاه قبره ثم يسلم عليه، مع أنه أحياناً يكون في آخر المسجد، فما حكم هذا؟ A السنة أن يقف مقابل القبر مستدبر القبلة ويسلم، ثم يتأخر ويسلم عن يمينه، فيسلم على أبي بكر، ثم يتأخر عن يمينه ويسلم على عمر، وإذا صلى وسلم عليه في أي مكان بلغه، سواء في المسجد أو في الشرق أو في الغرب أو في أقصى الدنيا؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (صلوا علي؛ فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم).

كلام البخاري في مسألة اللفظ

كلام البخاري في مسألة اللفظ Q ما هو القول الذي أنكر على البخاري رحمه الله في مسألة خلق القرآن؟ A هذه فتنة حصلت بين صفوف المحدثين في مسألة اللفظ، وهي مسألة خاصة بأهل العلم، وذلك في كلمة اللفظ، قالوا: إن بعضهم بدع البخاري أنه قال: (لفظي بالقرآن) كلمة اللفظ، ولم يتكلم فيها السلف، والبخاري رحمه الله أراد أن يبين في صحيحه أن أفعال العباد وأقوالهم كلها من كسبهم، والله خلق العباد وخلق أفعالهم وأقوالهم. وبعضهم قالوا: لا، أنت تكلمت في اللفظ، لفظي بالقرآن، وهذا ما تكلم به السلف، والصواب مع البخاري.

حكم الاستعاضة عن القرض

حكم الاستعاضة عن القرض Q هل يجوز أن أقترض دولارات وأسددها بالريالات بسعر يومها، أفتونا مأجورين؟ A نعم، جاء في الحديث أن الصحابة سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن الدراهم تكون في ذمته، أو الدنانير فيقضيها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا بأس أن تأخذها بسعر يومها ما لم تفترقا وبينكما شيء)، فإذا كان لك دنانير على شخص، ثم سلمته دراهم، فيصح ذلك بشرطين: الشرط الأول: أن تعطيه بسعر يومها. والشرط الثاني: ألا يبقى شيئاً. فإذا كان صرف المائة دولار -مثلاً- ألفي ريال سعودي فأعطه ألفين يداً بيد، ولا تفترقا وبينكما شيء، فهذا لا بأس، فإن افترقتما وبينكما شيء فلا يصح، أو أخذتها بغير سعر يومها فلا يصح.

[14]

شرح كتاب السنة للبربهاري [14] البدع كلها رديئة، فعلى المسلم أن يحذر منها ويتمسك بالقرآن والسنة على ما كان عليه سلف الأمة، وأهل السنة لا يردهم جور السلطان عن إقامة الجمعة معه والجماعة، ولا يحملهم ذلك على ترك السنة.

بيان من يكون مستور الحال من المسلمين

بيان من يكون مستور الحال من المسلمين قال المؤلف رحمه الله: [والمستور من المسلمين من لم تظهر له ريبة]. المستور هو الذي يظهر منه الخير، والمحافظة على الواجبات وترك المحرمات، ولا يظهر منه خلاف ذلك، فيقال له: مستور، أو مستور الحال. ومن ذلك قول العلماء: إن الإمام مستور الحال يصلى خلفه، والإمام المبتدع لا يصلى خلفه، فالمستور الحال هو الذي لم تظهر منه بدعة ولا فجور، وظاهره الخير ولم يظهر منه فسق ولا ريبة ولا يشك فيه.

بيان أن علم الباطن غير الموجود في الكتاب والسنة بدعة

بيان أن علم الباطن غير الموجود في الكتاب والسنة بدعة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وكل علم ادعاه العباد من علم الباطن لم يوجد في الكتاب وفي السنة فهو بدعة وضلالة، ولا ينبغي لأحد أن يعمل به ولا يدعو إليه]. وهذا ما تدعيه بعض الفرق كالباطنية، والذين يدعون أن للشريعة ظاهراً وباطناً، ويدعون أن عندهم علم الباطن، وأن الناس عندهم علم الظاهر، وهذا كفر وضلال، فالصلوات الخمس -مثلاً- لها ظاهر وباطن، وظاهرها صلاة المسلمين، وأما الباطن فهي أسماء خمسة، ومن أسمائهم: علي وفاطمة وحسن وحسين ومحسن. والصيام ظاهره: صيام المسلمين، والباطن: كتمان سر المشايخ. والحج إلى بيت الله الحرام هذا الظاهر، والباطن زيارة مشايخهم وزيارة مشايخ الصوفية وما أشبه ذلك، فلهم ظاهر وباطن. والمؤلف يقول: (كل علم ادعاه العباد من علم الباطن لم يوجد في الكتاب ولا في السنة فهو بدعة وضلالة) وقد يصل إلى الكفر، (ولا ينبغي لأحد أن يعمل به ولا يدعو إليه).

بطلان زواج الهبة

بطلان زواج الهبة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وأيما امرأة وهبت نفسها لرجل فإنها لا تحل له، يعاقبان إن نال منها شيئاً، إلا بولي وشاهدي عدل وصداق]. (وأيما امرأة وهبت نفسها لرجل فإنها لا تحل له)؛ فإذا فعل بها تكون زانية؛ لأن هبة المرأة نفسها خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى في كتابه المبين: {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} [الأحزاب:50] خالصة أي: خاصة. والأصل أن الشريعة عامة إلا ما دل الدليل على التخصيص، فالرسول صلى الله عليه وسلم له خصوصية أن تهب المرأة له نفسها، ويزوجه الله إياها، أما غيره فلا، فأيما امرأة وهبت نفسها لرجل فإنها تكون زانية والعياذ بالله. وأراد المؤلف بذلك الرد على الشيعة والرافضة الذين يحلون نكاح المتعة؛ لأن نكاح المتعة أن تهب المرأة نفسها له أياماً أو شهراً أو سنة بدون ولي وبدون شهود. وكذلك الأحناف الذين يقولون: يصح النكاح بلا ولي، وهذا باطل، فقد جاء في الحديث: (لا تزوج المرأة المرأة، ولا تزوج المرأة نفسها؛ فإن الزانية هي التي تزوج نفسها، وكل نكاح بلا ولي فهو باطل باطل) أو كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم. ولا بد من رضا الزوجة حتى يكون زواجاً شرعياً.

النهي عن الكلام في أصحاب الرسول وما شجر بينهم

النهي عن الكلام في أصحاب الرسول وما شجر بينهم قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وإذا رأيت الرجل يطعن على أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فاعلم أنه صاحب قول سوء وهوى؛ لقول رسول صلى الله عليه وسلم: (إذا ذكر أصحابي فأمسكوا)، قد علم النبي صلى الله عليه وسلم ما يكون منهم من الزلل بعد موته، فلم يقل فيهم إلا خيراً. وقوله: (ذروا أصحابي لا تقولوا فيهم إلا خيراً)، ولا تحدث بشيء من زللهم ولا حربهم، ولا ما غاب عنك علمه، ولا تسمعه من أحد يحدث به؛ فإنه لا يسلم لك قلبك إن سمعت]. إذا رأيت الرجل يطعن على أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، أو يسبهم، أو يكفرهم ويفسقهم، فاعلم أنه رافضي خبيث زنديق، مكذب لله ولرسوله؛ لأن الله تعالى زكاهم وعدلهم ووعدهم بالجنة، وهو يكفرهم ويفسقهم، فيكون مكذباً لله، وتكذيب الله كفر وضلال؛ ولهذا قال: (فاعلم أنه صاحب قول سوء وهوى؛ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إذا ذكر أصحابي فأمسكوا)) والمؤلف ذكر أن الحديث حسن. (قد علم النبي صلى الله عليه وسلم ما يكون منهم من الزلل بعد موته، فلم يقل فيهم إلا خيراً)، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: (لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده! لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه)، وفي حديث آخر: (الله الله في أصحابي، لا تتخذوهم غرضاً) يعني: هدفاً للطعن والنيل، (فمن أحبهم فبحبي أحبهم، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم). والله تعالى يقول: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} [الفتح:18]. وقال سبحانه: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ} [التوبة:100]. وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ذروا أصحابي لا تقولوا فيهم إلا خيراً) أي: اتركوا أصحابي، أخرجه البزار بإسناد حسن بنص: (دعوا لي أصحابي)، وقوله: (لا تقولوا فيهم إلا خيراً) أخرجه خيثمة بن سليمان في فضائل الصحابة، كما في جزء طرق حديث: (لا تسبوا أصحابي) وإسناده ضعيف. (ولا تحدث بشيء من زللهم ولا حربهم، ولا ما غاب عنك علمه، ولا تسمعه من أحد يحدث به)، أي: لا تحدث بشيء مما حصل من خلاف الصحابة وقتالهم وزللهم؛ فإنهم ما بين مجتهد مصيب له أجران، وما بين مجتهد مخطئ له أجر، وكذلك الحروب التي جرت بينهم، وكما قال بعض السلف: هذه دماء نزه الله أيدينا عنها، فنرجو أن ينزه الله ألسنتنا منها. وقوله: (ولا ما غاب عنك علمه)، أي: الذي لا تعلمه لا تتكلم به، ولا تسمعه من أحد يحدث به، بل إذا سمعت أحداً يحدث به فأنكر عليه؛ فإنه لا يسلم لك قلبك إن سمعت الطعن في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فلا بد أن يقع في قلبك شيء، فإذا أردت أن يسلم لك قلبك فلا تسمع أحداً يطعن في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا سمعت أحداً يطعن فأنكر عليه، وإذا سمعت الرجل يطعن على الآثار أو يرد الآثار أو يريد غير الآثار فاتهمه على الإسلام، ولا تشك أنه مبتدع صاحب هوى. وإذا سمعت رجلاً يطعن في الأحاديث، ويرد الأحاديث والآثار، ويورد غير الآثار، ويعتمد على عقله ولا يريد أن يعتمد على الحديث، فاتهمه على الإسلام، وفي إسلامه دخن، ولا تشك أنه صاحب هوى وصاحب بدعة.

جور السلطان لا يبطل فرضا وجوره على نفسه

جور السلطان لا يبطل فرضاً وجوره على نفسه قال المؤلف رحمه الله تعالى: [واعلم أن جور السلطان لا ينقص فريضة من فرائض الله عز وجل التي افترضها على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم، جوره على نفسه، وتطوعك وبرك معه تام لك إن شاء الله تعالى، يعني: الجماعة والجمعة معهم، والجهاد معهم وكل شيء من الطاعات، فشاركه فيه فلك نيتك، وإذا رأيت الرجل يدعو على السلطان، فاعلم أنه صاحب هوى، وإذا رأيت الرجل يدعو للسلطان بالصلاح فاعلم أنه صاحب سنة إن شاء الله. يقول فضيل بن عياض: لو كانت لي دعوة ما جعلتها إلا في السلطان. أنبأنا أحمد بن كامل، قال: حدثنا الحسين بن محمد الطبري، قال: أنبأنا مردويه الصائغ، قال: سمعت فضيلاً يقول: لو أن لي دعوة مستجابة ما جعلتها إلا في السلطان، قيل له: يا أبا علي! فسر لنا هذا؟ قال: إذا جعلتها في نفسي لم تعدني، وإذا جعلتها في السلطان صلح، فصلح بصلاحه العباد والبلاد]. قول المؤلف رحمه الله: (واعلم أن جور السلطان لا ينقص فريضة من فرائض الله عز وجل الذي افترضها على لسان نبيه، جوره على نفسه، وتطوعك وبرك معه تام لك إن شاء الله تعالى، يعني: الجماعة والجمعة معهم، والجهاد معهم، وكل شيء من الطاعات فشاركه فيه فلك نيتك). أي: أن جور السلطان لا يضر الرعية، ولا ينقص من أجورهم، فالفرائض التي افترضها الله والصلاة التي أمروا بها خلف أئمة الجور تامة والأجر تام، والسلطان فجوره على نفسه، ولا يضرك فجوره، لكن أجرك تام إذا صليت الجمعة أو العيدين أو جاهدت معهم أو غزوت معهم، وأما السلطان أو الإمام أو القائد إذا كان فاجراً ففجوره على نفسه ولا يضرك فجوره. ونقل عن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أنه قال: والأئمة لا يقاتلون بمجرد الفسق، وإن كان الواحد المقدور قد يقتل لبعض أنواع الفسق كالزنا وغيره، فليس كل ما جاز فيه القتل جاز أن يقاتل الأئمة لفعلهم إياه، إذ فساد القتال أعظم من فساد كبير يرتكبه ولي الأمر. الزاني من الرعية يرجم أو يجلد، وإذا سرق تقطع يده، إذا شرب الخمر يجلد، لكن لو وقع فيه السلطان فشرب الخمر مثلاً فلا يوجد أحد يجلده، فما عليك إلا الصبر، فليس كل ما جاز على الرعية يجوز على السلطان، وعليك أن تجاهد معه ولو كان فاسقاً تقاتل معه تحج معه تصلي خلفه الجمعة، ففسوقه على نفسه وفجوره على نفسه ما دام أنه مسلم، ولا تخرج عليه بمجرد المعصية، ولكن النصيحة مبذولة بقدر الاستطاعة، فإن استجاب فالحمد لله، وإلا فقد أديت ما عليك، ولا تخرج عليه؛ لأن خروجك فساد وشر؛ يسبب إراقة الدماء واختلال الأمن، وضياع الأمة، وما يسبب من تسلط وتدخل الأعداء. (وإذا رأيت الرجل يدعو على السلطان فاعلم أنه صاحب هوى، وإذا رأيت الرجل يدعو للسلطان بالصلاح فاعلم أنه صاحب سنة إن شاء الله). أي: إذا رأيت شخصاً يدعو على السلطان أو على الإمام: اللهم سلط عليه اللهم أهلكه فاعلم أنه صاحب بدعة، وإذا رأيت رجلاً يدعو للسلطان بالصلاح والمعافاة فاعلم أنه صاحب سنة. (عن فضيل بن عياض أنه قال: لو كانت لي دعوة ما جعلتها إلا في السلطان)، أي: لو كانت لي دعوة مستجابة سأجعلها للسلطان. وذكر في السند (عن أحمد بن كامل، عن الحسين بن محمد الطبري، قال: أنبأنا مردويه الصائغ، قال: سمعت فضيلاً يقول: لو أن لي دعوة مستجابة ما جعلتها إلا في السلطان). (قيل له: يا أبا علي! فسر لنا هذا؟) وأبو علي كنية الفضيل بن عياض، (قال: إذا جعلتها في نفسي لم تعدني، وإذا جعلتها في السلطان صلح فصلح بصلاحه العباد والبلاد). أي: لو دعوت بها لنفسي لم تتعدني وكان صلاحي مقصوراً على نفسي، لكن إذا دعوتها للسلطان عم الصلاح فصلح السلطان وصلح العباد والبلاد، فصار النفع متعدياً. (فأمرنا أن ندعو لهم بالصلاح)، كما قال الطحاوي رحمه الله: وندعو لهم -أي: ولاة الأمور- بالصلاح والمعافاة. (ولم نؤمر أن ندعو عليهم، وإن ظلموا وجاروا) ثم بين المؤلف السبب وهو: (لأن ظلمهم وجورهم على أنفسهم، وأما الصلاح فصلاحهم لأنفسهم وللمسلمين). إذاً: ندعو لهم بالصلاح ولو جاروا، لأنهم إذا ظلموا وجاروا فوزرهم لا يتعداهم ولا يمس الناس منه شيء، أما إذا صلحوا فإن الصلاح سيكون لهم وللمسلمين.

وجوب ذكر أمهات المؤمنين بالخير

وجوب ذكر أمهات المؤمنين بالخير قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولا تذكر أحداً من أمهات المؤمنين إلا بخير]. لأنهن أمهات المؤمنين، وهن زوجات النبي صلى الله عليه وسلم في الآخرة رضي الله عنهن وأرضاهن، فمن ذكر أمهات المؤمنين بشر فلا يكون هذا إلا لفسقه، ومن رمى عائشة بما برأها الله منه فقد كفر بالله العظيم.

المحافظة على الفرائض وطاعة السلطان دليل على أن صاحبها صاحب سنة

المحافظة على الفرائض وطاعة السلطان دليل على أن صاحبها صاحب سنة قال المؤلف رحمه تعالى: [وإذا رأيت الرجل يتعاهد الفرائض في جماعة مع السلطان وغيره فاعلم أنه صاحب سنة إن شاء الله تعالى، وإذا رأيت الرجل يتهاون بالفرائض في جماعة وإن كان مع السلطان فاعلم أنه صاحب هوى]. أي: إذا رأيت رجلاً يتعاهد الفرائض ويصلي الصلوات الخمس في جماعة خلف الإمام سواء كان الإمام السلطان أو غيره فاعلم أنه صاحب سنة إن شاء الله. والذي يتهاون بالجماعة صاحب بدعة وهوى.

الحلال بين والحرام بين

الحلال بين والحرام بين قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والحلال ما شهدت عليه وحلفت عليه أنه حلال، وكذلك الحرام، وما حاك في صدرك فهو شبهة]. قوله: (فالحلال ما شهدت عليه وحلفت عليه أنه حلال)، مثال ذلك: ما يحصل لك من المكسب في الزارعة، فهذا تجزم بأنه حلال، بل تحلف أنه حلال، وما يحصل لك من البيع والشراء، وما يحصل لك من الإرث حلال، وما يحصل لك من كسب الإجارة وغيرها، فالحلال ما شهدت عليه وحلفت عليه أنه حلال، وكذلك الحرام، فالحرام هو الذي تجزم بأنه حرام ولا يكون عندك شبهة، مثل الكسب من الربا، والكسب عن طريق السرقة، أو عن طريق الغش، أو عن طريق القمار، فهذا تجزم بأنه حرام. (وما حاك في صدرك فهو شبهة)، فالشيء الذي لا تدري أهو حلال أم حرام؛ وعندك فيه إشكال، فاتركه فهذا شبهة، ومن فعل المشتبه أوصله إلى الحرام، ومن ترك المشتبه صار حاجزاً بينه وبين الحرام. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الحلال بين، وإن الحرام بين، وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه، ألا وإن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله محارمه، ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله؛ ألا وهي القلب). قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والمستور من بان ستره، والمهتوك من بان هتكه]. المستور: هو الذي لم يظهر منه بدعة ولا فجور ولا فسق (والمهتوك من بان هتكه)، وهذا من فضح نفسه، كأن يشرب الخمر في الشارع أو يحلق لحيته أمام الناس ويسبل ثيابه أو يتعامل بالربا جهاراً نهاراً، فهذا مهتوك مفضوح فضح نفسه.

علامات أهل الأهواء

علامات أهل الأهواء قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وإن سمعت الرجل يقول: فلان مشِّبه، وفلان يتكلم في التشبيه، فاتهمه واعلم أنه جهمي. وإذا سمعت الرجل يقول: فلان ناصبي فاعلم أنه رافضي. وإذا سمعت الرجل يقول: تكلم بالتوحيد، واشرح لي التوحيد، فاعلم أنه خارجي معتزلي. أو يقول: فلان مجبر، أو يتكلم بالإجبار، أو يتكلم بالعدل فاعلم أنه قدري؛ لأن هذه الأسماء محدثة أحدثها أهل الأهواء]. (إذا سمعت الرجل يقول: فلان مشبه، وفلان يتكلم في التشبيه، فاتهمه واعلم أنه جهمي)؛ لأن الجهمية ينكرون الأسماء والصفات، ويقولون: ليس لله علم ولا سمع ولا بصر، ويقولون: إن من أثبت العلم والسمع والبصر لله فهو مشبه، فإذا رأيت الرجل يقول لمن أثبت الصفات مشبه، فاعلم أنه جهمي أو معتزلي. (وإذا سمعت الرجل يقول: فلان ناصبي فاعلم أنه رافضي)؛ لأن النواصب ضد الروافض فالروافض: الذين يحبون آل البيت ويغلون فيهم حتى يعبدونهم، والنواصب: هم الخوارج الذين ينصبون العداوة لأهل البيت ويسبونهم، فالروافض يقولون إن أهل السنة نواصب؛ لأنهم لا يحبون أهل البيت، ولأنهم نصبوا العداوة لأهل البيت، فإذا رأيت شخصاً يقول لك: أنت ناصبي فاعلم أنه رافضي؛ لأن الناصبي يقابل الرافضي. (وإذا سمعت الرجل يقول: تكلم بالتوحيد، واشرح لي التوحيد، فاعلم أنه خارجي)، يقصد المصنف رحمه الله بالتوحيد توحيد المعتزلة؛ لأن المعتزلة عندهم أصول خمسة، وكل أصل ستروه تحت معنى باطل، وستروا تحت التوحيد: القول بنفي الصفات، والقول بخلق القرآن، وأن الله لا يرى في الآخرة. (أو يقول: فلان مجبر يتكلم بالإجبار أو يتكلم بالعدل فاعلم أنه قدري). القدري هو الذي ينفي خلق الله لأفعال العباد، وهو الذي يتكلم بالعدل. (لأن هذه الأسماء أحدثها أهل الأهواء) أحدثها أهل البدع، فالرافضي يسمي من يوالي الصحابة ناصبياً، والمعتزلي والخارجي يتكلم بالتوحيد، ويزعم أن نفي الصفات هو التوحيد، وكذلك الذي يتكلم بالعدل فهذا قدري، فالقدري يقول: من العدل أن الله تعالى لا يخلق أفعال العباد حتى لا يعذبهم عليها؛ لأن هذه الأصول محدثة أحدثها أهل الأهواء؛ يعني أهل البدع.

ذكر بعض البلدان التي انتشرت فيها البدع والمحدثات

ذكر بعض البلدان التي انتشرت فيها البدع والمحدثات قال المؤلف رحمه الله تعالى: [قال عبد الله بن المبارك: لا تأخذوا عن أهل الكوفة في الرفض شيئاً ولا عن أهل الشام في السيف شيئاً، ولا عن أهل البصرة في القدر شيئاً، ولا عن أهل خراسان في الإرجاء شيئاً، ولا عن أهل مكة في الصرف شيئاً، ولا عن أهل المدينة في الغناء، لا تأخذوا عنهم في هذه الأشياء شيئاً]. (يقول عبد الله بن المبارك الإمام الورع الزاهد المشهور: (لا تأخذوا عن أهل الكوفة في الرفض شيئاً)، أي: فيما يتعلق في رفض الصحابة؛ لأن مذهب الرافضة منتشر في الكوفة، فلا تأخذوا عنهم فيما يتعلق بالصحابة في الرفض، ولكن خذوا عن غيرهم من أهل الحق مع الاستقامة. (ولا عن أهل الشام في السيف شيئاً)، فيما يتعلق بالسيف والقصاص والقتل والقود لا تأخذوا عنهم؛ لأنهم أهل قتال، ولأنهم قتلوا الحسين فلا تأخذوا عنهم فيما يتعلق بالسيف شيئاً؛ لأنهم يستعملون السيف، فهم متهمون فلا يؤخذ عنهم أحكام القتل والقتال. (ولا عن أهل البصرة في القدر شيئاً)؛ لأن الكلام في القدر اشتهر في البصرة، فلا يؤخذ عن أهل البصرة، وإنما يؤخذ عن غيرهم. (ولا عن أهل مكة في الصرف شيئاً)، الصرف أي: المصارفة وصرف النقود؛ لأنهم يبيحون شيئاً من المصارفة، فلا يؤخذ عنهم. (ولا عن أهل المدينة في الغناء شيئاً)؛ لأن أهل المدينة كانوا يبيحون نوعاً من الغناء فلا يؤخذ عنهم. وقال بعض السلف: من تتبع رخص العلماء تزندق، فالذي يتتبع الرخص ويأخذ من كل مذهب المسألة الشاذة ويجمعها ينسلخ من الدين، فتجد المتزندق هو الذي يتبع الأهواء، فيأخذ عن أهل الكوفة الرفض؛ لأنهم يبيحون القدح فيالصحابة، ويأخذ عن أهل الشام أحكام القتال، وأنه يجوز قتل الإنسان ولو لم توجد الشروط الموجية لذلك، ويأخذ من أهل البصرة مذهبهم في القدر، ويأخذ عن أهل خراسان مذهبهم في الإرجاء، ويأخذ عن أهل مكة طريقة تعاملهم في الصرف، ويأخذ عن أهل المدينة مذهبهم في الغناء، فهو بذلك ينسلخ من الدين. فقال: الغناء حلال؛ لأن أهل المدينة يبيحونه، والربا حلال؛ لأن أهل مكة يبيحون الصرف، والإرجاء كذلك جائز؛ لأن أهل خراسان يبيحون الإرجاء، والقدر ليس هناك شيء مقدر؛ لأن أهل البصرة ينفون القدر، وكذلك ما يتعلق بالسيف والقتال لا بأس به؛ لأن أهل الشام يبيحون هذا، فيصبح زنديقاً وينسلخ من الدين.

من علامات السني محبة الصحابة وأئمة السنة

من علامات السني محبة الصحابة وأئمة السنة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وإذا رأيت الرجل يحب أبا هريرة، وأنس بن مالك، وأسيد بن حضير فاعلم أنه صاحب سنة إن شاء الله. وإذا رأيت الرجل يحب أيوباً، وابن عون، ويونس بن عبيد، وعبد الله بن إدريس الأودي، والشعبي، ومالك بن مغول، ويزيد بن زريع، ومعاذ بن معاذ، ووهب بن جرير، وحماد بن سلمة، وحماد بن زيد، ومالك بن أنس، والأوزاعي، وزائدة بن قدامة فاعلم أنه صاحب سنة. وإذا رأيت الرجل يحب أحمد بن حنبل، والحجاج بن المنهال، وأحمد بن نصر، وذكرهم بخير، وقال بقولهم، فاعلم أنه صاحب سنة]. أي: إذا رأيت الرجل يحب الصحابة: كـ أبي هريرة وأنس بن مالك وأسيد بن حضير فاعلم أنه صاحب سنة، وإذا رأيت يسب الصحابة فاعلم أنه رافضي خبيث من أهل البدع. قوله: (وإذا رأيته الرجل يحب أيوباً) أي: أيوب بن كيسان السختياني، (وابن عون) أي: عبد الله بن عون البصري، (ويونس بن عبيد البصري) (وعبد الله بن إدريس الأودي والشعبي) أي: عامر الشعبي (ومالك بن مغول، ويزيد بن زريع، ومعاذ بن معاذ، ووهب بن جرير، وحماد بن سلمة، وحماد بن زيد، ومالك بن أنس، والأوزاعي، وزائدة بن قدامة فاعلم أنه صاحب سنة)؛ لأن هؤلاء أئمة علماء ومن أهل السنة، فإذا رأيته الرجل يحبهم فاعلم أنه صاحب سنة.

من أكثر الجلوس مع أهل البدع فهو منهم ومن رد الأثر فهو زنديق

من أكثر الجلوس مع أهل البدع فهو منهم ومن رد الأثر فهو زنديق قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وإذا رأيت الرجل جالساً مع رجل من أهل الأهواء فحذره وعرفه، فإن جلس معه بعدما علم فاتقه فإنه صاحب هوى. وإذا سمعت الرجل تأتيه بالأثر فلا يريده ويريد القرآن، فلا يشك أنه رجل قد احتوى على الزندقة، فقم من عنده ودعه]. (إذا رأيت الرجل جالساً مع رجل من أهل الأهواء)، أي: من أهل البدع، (فحذره وعرفه)، وفي طبعة: فاحذره واعرفه، أي: إذا رأيت رجلاً يصاحب أهل البدع فانصحه وحذره، فإن استجاب فالحمد لله، وإن استمر في الجلوس معهم فاحذره واعلم أنه صاحب هوى وصاحب بدعة. (وإذا سمعت الرجل تأتيه بالأثر فلا يريده ويريد القرآن، فلا شك أنه رجل قد احتوى على الزندقة فقم من عنده ودعه). لأنه أنكر السنة، ولا يريد السنة، مع أن السنة وحي ثانٍ لأنه مكذب لله، فقم من عنده ودعه. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [واعلم أن الأهواء كلها رديئة تدعو كلها إلى السيف]. أي: فالبدع توصل إلى القتال، وتؤدي إلى القتال والحروب بين المسلمين.

الروافض والمعتزلة والجهمية أردأ فرق الضلالة

الروافض والمعتزلة والجهمية أردأ فرق الضلالة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وأردؤها وأكفرها الروافض والمعتزلة والجهمية؛ فإنهم يريدون الناس على التعطيل والزندقة]. أردى البدع وأكفرها بدعة الروافض والمعتزلة والجهمية، فإنهم يريدون الناس على التعطيل والزندقة؛ لأن الروافض -كما سبق- يكفرون الصحابة ويفسقونهم، ويعبدون آل البيت، ويزعمون أن القرآن ما بقي منه إلا الثلث، والمعتزلة يثبتون الأسماء وينكرون الصفات، وهذا كفر وضلال، والجهمية ينكرون الأسماء والصفات فهم عطلوا الله وجعلوه معدوماً.

[15]

شرح كتاب السنة للبربهاري [15] من سب الصحابة وطعن فيهم فإنما أراد الطعن في رسول الله، وفاعل ذلك مبتدع ضال، والبدعة أخطر على دين المرء من المعصية، وقد نهينا عن مجالسة أهل البدع والاستماع إليهم ومجادلتهم.

بيان أن من سب الصحابة إنما سب الرسول الكريم

بيان أن من سب الصحابة إنما سب الرسول الكريم قال المؤلف رحمه الله تعالى: [واعلم أنه من تناول أحداً من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، فاعلم أنه إنما أراد محمداً صلى الله عليه وسلم، وقد آذاه في قبره]. أي: إذا رأيت الرجل يسب الصحابة فاعلم أنه يريد سب الرسول عليه الصلاة والسلام، فهو أراد سب الرسول لكنه لم يستطع لنفاقه؛ ولأنه لو سب الرسول كفر في الحال ولكفره الناس، فلما لم يستطع أن يسب الرسول سب الصحابة وسب الصاحب سب لصاحبه، ولذلك يقول القحطاني في نونيته: إن الروافض شر من وطئ الحصى من كل إنس ناطق أو جان مدحوا النبي وخونوا أصحابه فهل يصلح أن تمدح شخصاً وتسب أصحابه؟! فالإنسان على دين صاحبه، لذلك يقول المؤلف رحمه الله: (واعلم أنه من تناول أحداً من أصحاب محمداً صلى الله عليه وسلم)، أي: من تناولهم بالعيب والذنب والسب والشتم (فاعلم أنه إنما أراد محمداً صلى الله عليه وسلم، وقد آذاه في قبره). وإذا ظهر لك من إنسان شيئاً من البدع فاحذره، فإن الذي أخفى عنك أكثر مما أظهره. يقول في الحاشية: [قال المصنف رحمه الله كما في طبقة الحنابلة ومذهب الإمام أحمد: مثل أصحاب البدع كمثل العقارب، يدفنون رءوسهم وأبدانهم في التراب، ويخرجون أذنابهم، فإذا تمكنوا لدغوا، وكذلك أهل البدع هم مختفون بين الناس، فإذا تمكنوا بلغوا ما يريدون].

صاحب هوى أشد خطرا على مسلم من صاحب معصية

صاحب هوى أشد خطراً على مسلم من صاحب معصية قال المصنف رحمه الله تعالى: [وإذا رأيت الرجل من أهل السنة رديء الطريق والمذهب، فاسقاً فاجراً، صاحب معاصٍ ضالاً وهو على السنة فاصحبه، واجلس معه، فإنه ليس يضرك معصيته. وإذا رأيت الرجل مجتهداً في العبادة متقشفاً محترقاً بالعبادة صاحب هوى، فلا تجالسه ولا تقعد معه ولا تسمع كلامه ولا تمش معه في طريق؛ فإني لا آمن أن تستحلي طريقه فتهلك معه. ورأى يونس بن عبيد ابنه وقد خرج من عند صاحب هوى فقال: يا بني! من أين جئت؟ قال: من عند فلان. قال: يا بني! لأن أراك خرجت من بيت خنثى أحب إلي من أن أراك تخرج من بيت فلان وفلان، ولأن تلقى الله يا بني! زانياً فاسقاً سارقاً خائناً أحب إلي من أن تلقاه بقول فلان وفلان. ألا ترى أن يونس بن عبيد قد علم أن الخنثى لا يضل ابنه عن دينه، وأن صاحب البدعة يضله حتى يكفر؟!]. أي: إذا رأيت الرجل من أهل السنة ملتزماً بالسنة لكنه يفعل المعاصي وفاسقاً وفاجراً فاصحبه واجلس معه؛ فإنه ليس يضرك معصيته. وليس معنى ذلك التهوين من خطر المعاصي، بل المؤلف يريد أن يبين أن البدعة أشد من المعصية، فإذا رأيت الرجل من أهل السنة فهو خير من أهل البدعة ولو فعل المعاصي، فإذا رأيت الرجل من أهل السنة رديء الطريق والمذهب فاسقاً فاجراً فاصحبه؛ لأنه صاحب سنة، فالفسق يمكن معالجته، لكن المصيبة في صاحب البدعة الذي يظن أنه على الحق فلا يفكر في التوبة. وإذا رأيت الرجل زاهداً متعبداً متقشفاً ولكنه صاحب بدعة فلا تجالسه، فبعبادته لا تنفعه، وليس القصد من هذا التهوين من شأن المعاصي، بل يريد أن يقارن بين السني العاصي وبين المبتدع، فيقول: إن السني العاصي خير من المبتدع؛ لأن المعصية أقل من البدعة. قال: (ورأى يونس بن عبيد ابنه وقد خرج من عند صاحب هوى -أي: صاحب بدعة- فقال: يا بني! من أين جئت؟ قال: من بيت فلان) يعني: المبتدع (قال: يا بني! لأن أراك خرجت من بيت خنثى)، وذلك أن خروجه من هذا البيت معصية، وخروجه من بيت صاحب البدعة قد يوصله إلى البدعة (أحب إلي من أن أراك تخرج من بيت فلان وفلان، ولأن تلقى الله يا بني! زانياً فاسقاً سارقاً خائناً أحب إلي من أن تلقاه بقول فلان وفلان) أي: بقول واعتقاد أصحاب الأهواء. وليس مقصود يونس بن عبيد التهوين من شأن المعاصي، فالمعاصي والكبائر شأنها عظيم، لكن قصده أن يبين أن البدعة أشد من المعصية. ثم قال: (ألا ترى أن يونس بن عبيد قد علم أن الخنثى لا يضل ابنه عن دينه، وأن صاحب البدعة يضله حتى يكفر)، فدل على أن البدعة أشد من المعصية، وخروجه من بيت العاصي أهون من خروجه من بيت المبتدع.

التحذير من أهل البدع في كل زمان

التحذير من أهل البدع في كل زمان قال المؤلف رحمه الله: [واحذر ثم احذر أهل زمانك خاصة، وانظر من تجالس، وممن تسمع، ومن تصحب، فإن الخلق كأنهم في ردة إلا من عصمه الله منهم]. قوله: (احذر) هذا تحذير من المؤلف ودليل على نصحه، (ثم احذر) تكرار للأهمية، (أهل زمانك خاصة)، وهذا قاله في القرن الرابع الهجري، فكيف لو رأى القرن الخامس عشر؟! (فإن الخلق كلهم كأنهم في ردة إلا من عصمه الله منهم)؛ لكثرة الجرائم والمعاصي.

التحذير ممن يذكر بعض أسماء أهل البدع

التحذير ممن يذكر بعض أسماء أهل البدع قال المؤلف رحمه الله: [وانظر إذا سمعت الرجل يذكر ابن أبي دؤاد، وبشر المريسي، وثمامة، أو أبا هذيل، أو هشام الفوطي أو واحداً من أتباعهم وأشياعهم فاحذره فإنه صاحب بدعة، فإن هؤلاء كانوا على الردة، واترك هذا الرجل الذي ذكرهم بخير ومن ذكر منهم]. ابن أبي دؤاد) وهو رئيس المعتزلة وكان قاضياً في زمن المأمون، واسمه أحمد بن أبي دؤاد وهو معتزلي؛ وذلك لأن المعتزلة أثروا على المأمون حتى اعتنق مذهب الاعتزال. ومعنى كلامه: أنك إذا سمعت الرجل يذكر ابن أبي دؤاد بخير فإنه صاحب بدعة، فلو كان صاحب سنة ما ذكر ابن أبي دؤاد المعتزلي بخير. وكذلك بشر المريسي، وهو جهمي تنسب إليه المريسية، فإذا رأيت الرجل يذكره بخير فاتهمه. وثمامة، اسمه: ثمامة بن أشرف البصري وهو من رءوس المعتزلة القائلين بخلق القرآن. وأبو هذيل هو محمد بن الهذيل العلاف البصري وهو رأس المبتدعة. وقوله: (أو هشام الفوطي أو واحداً من أتباعهم وأشياعهم فاحذره، فإنه صاحب بدعة)؛ أي فالذي يثني على ابن أبي دؤاد وهو رئيس المعتزلة، والذي يثني على بشر المريسي فهو جهمي، والذي يثني على ثمامة أو أبا الهذيل فهو معتزلي أو هشام الفوطي أو واحداً من أتباعهم وأشياعهم فاحذره فإنه صاحب بدعة، فإن هؤلاء كانوا على الردة، واترك هذا الرجل الذي ذكرهم بخير ومن ذكر منهم. فإذا رأيته يذكر هؤلاء المبتدعة بخير فاعلم أنه صاحب بدعة، وإذا رأيته يذكر الأخيار بخير فاعلم أنه صاحب سنة، واترك هذا الرجل الذي ذكرهم بخير ومن ذكر منهم، أي: لا تشاركهم ذكروا أحداً بسوء، فإن ذكروهم بخير فلا بأس. وخلاصة قول المؤلف رحمه الله: أنك إذا سمعت الرجل يثني على ابن أبي دؤاد أو على المبتدعة وأهل البدع فهو صاحب بدعة؛ لأنهم كانوا على الردة، وأما الذي يذكرهم بخير فاترك هذا الرجل ولا تتكلم معه. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والمحنة في الإسلام بدعة، وأما اليوم فيمتحن بالسنة؛ لقوله: إن هذا العلم دين، فانظروا عمن تأخذون دينكم، ولا تقبلوا الحديث إلا ممن تقبلون شهادته، فتنظر فإن كان صاحب سنة له معرفة صدوق، كتبت عنه، وإلا تركته]. (المحنة في الإسلام بدعة)، مثل المأمون عندما امتحن الناس وقال لهم: قولوا بخلق القرآن ومن لم يقل بخلق القرآن سجنه أو قتله، فهذه محنة، وهذه بدعة. (وأما اليوم فيمتحن بالسنة)، وتنظر فإذا كان هذا الرجل سنياً تأخذ العلم عنه وتستفيد منه، وإذا كان بدعياً فلا تأخذ عنه شيئاً، ولهذا قال: (وأما اليوم فيمتحن بالسنة؛ لقوله: (إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم). وهذا أخرجه ابن عدي في الكامل وعنه السهمي في تاريخ جرجان، (ولا تقبلوا الحديث إلا ممن تقبلون شهادته)، فلا يقبل الحديث إلا ممن تقبل شهادته وهو أن يكون عدلاً ضابطاً. (فتنظر فإن كان صاحب سنة له معرفة، صدوق، كتبت عنه وإلا تركته)، وهكذا ينبغي ألا يقبل الحديث إلا ممن تقبل شهادته، فينظر إن كان صاحب سنة وله معرفة بالحديث وهو صدوق فيكتب عنه وإلا ترك.

التحذير من أهل الكلام والجدال والمراء والقياس

التحذير من أهل الكلام والجدال والمراء والقياس قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وإذا أردت الاستقامة على الحق وطريق أهل السنة قبلك، فاحذر الكلام، وأصحاب الكلام، والجدال والمراء، والقياس والمناظرة في الدين، فإن استماعك منهم وإن لم تقبل منهم يقدح الشك في القلب، وكفى به قبولاً فتهلك، وما كانت زندقة قط ولا بدعة ولا هوى ولا ضلالة؛ إلا من الكلام والجدال والمراء والقياس، وهي أبواب البدعة والشكوك والزندقة. فالله الله في نفسك! وعليك بالأثر وأصحاب الأثر والتقليد، فإن الدين إنما هو بالتقليد، يعني: للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضوان الله عليهم أجمعين. ومن قبلنا لم يدعونا في لبس فقلدهم واسترح، ولا تجاوز الأثر وأهل الأثر. وقف عند المتشابه ولا تقس شيئاً]. (إذا أردت الاستقامة على الحق وطريق أهل السنة قبلك فاحذر الكلام) أي: في الصفات والأسماء والقدر وغيره. (واحذر أصحاب الكلام، وأصحاب الجدال، وأصحاب المراء، وأصحاب القياس والمناظرة في الدين، فإن استماعك منهم وإن لم تقبل منهم يقدح الشك في القلب)، وهذا فيه تحذير من البدع وأهل البدع من الخوارج والمعتزلة والجهمية، وأصحاب الكلام والجدال والمراء والقياس والمناظرة في الدين، فإن استماعك منهم وإن لم تقبل منهم يقدح الشك في قلبك، وهذا أقل الأحوال. (وكفى به قبولاً فتهلك وما كانت زندقة قط ولا بدعة ولا هوى ولا ضلالة إلا من الكلام والجدال)، فبهذا الكلام والجدال والمراء والقياس وغيره يفتح باب الزندقة والنفاق والبدعة والهوى والضلالة، وهذه أبواب البدع والشكوك والزندقة، فأول من قاس قياساً فاسداً إبليس، فقال: {أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} [الأعراف:12] والقياس الفاسد هو: القياس الذي يصادم النص، وهو فاسد الاعتبار. ثم قال: (الله الله في نفسك)، أي: اعتن بنفسك (وعليك بالأثر، -وفي نسخة: الآثار، وأصحاب الأثر- أي: أصحاب الحديث، (والتقليد فإن الدين إنما هو بالتقليد، أي: للنبي صلى الله عليه وسلم)، والمراد: الاتباع، فالتقليد مذموم لكن المؤلف عبر بالتقليد، ولو قال: بالاتباع لكان أحسن. (ومن قبلنا لم يدعونا في لبس)، أي: العلماء الذي سبقونا ما جعلونا في حيرة فقد أوضحوا لنا الأمر، (فقلدهم) أي: اتبعهم (واسترح ولا تجاوز الأثر وأهل الأثر)، أي: لا تتجاوز النصوص من الكتاب أو من السنة، فإذا فعلت شيئاً يجب أن تستدل بالنص، وسؤال أهل العلم. (وقف عند المتشابه)، وتأمل وانظر فلعله يتضح لك، (ولا تقس شيئاً)، برأيك وفهمك وعقلك.

الأمر بالوقوف على المتشابه والنهي عن كلام أهل البدع

الأمر بالوقوف على المتشابه والنهي عن كلام أهل البدع قال المصنف رحمه الله تعالى: [وقف عند المتشابه، ولا تقس شيئاً، ولا تطلب من عندك حيلة ترد بها على أهل البدع، فإنك أمرت بالسكوت عنهم، ولا تمكنهم من نفسك، أما علمت أن محمد بن سيرين -في فضله- لم يُجب رجلاً من أهل البدع في مسألة واحدة، ولا سمع منه آية من كتاب الله عز وجل، فقيل له، فقال: أخاف أن يحرفها فيقع في قلبي شيء. وإذا سمعت الرجل يقول: إنا نحن نعظم الله إذا سمع آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاعلم أنه جهمي، يريد أن يرد أثر رسول الله صلى الله عليه وسلم ويدفعه بهذه الكلمة، وهو يزعم أنه يعظم الله وينزهه، إذا سمع حديث الرؤية وحديث النزول وغيره. أفليس يرد أثر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! وإذا قال: إنا نعظم الله أن يزول من موضع إلى موضع فقد زعم أنه أعلم بالله من غيره، فاحذر هؤلاء، فإن جمهور الناس من السوقة وغيرهم على هذا الحال، وحذر الناس منهم]. (وقف عند المتشابه ولا تقس شيئاً)، والمعنى: أنه يجب على الإنسان أن يقف عند المتشابه من القرآن والسنة، ولا يتكلم في المتشابه حتى يسأل أهل العلم؛ لأن المتشابه الإضافي يمكن أن يكون متشابهاً عند كل أحد، فالمتشابه يرد إلى المحكم، ويفسر ويضم إليه حتى يتضح المعنى، كما قال الله تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ} [آل عمران:7]. أما المتشابه على كل أحد ككل الصفات وكل حقائق الآخرة، فهذا يوكل أمره إلى الله عز وجل، ولا يفسر، وإنما يفوض أمره إلى الله عز وجل. ولهذا قال المؤلف رحمه الله: (وقف عند المتشابه ولا تقس شيئاً) أي: لا تقس شيئاً من أمور وحقائق الآخرة على أمور الدنيا، فالله تعالى أخبر أن لنا في الآخرة خمراً ولبناً وعسلاً وفاكهة، فهذه التي أخبرنا الله عنها في الآخرة ليست مثل ما عندنا في الدنيا، وإن كان بينهما نوع تشابه يكون في الأسماء ولكنها تختلف، ولهذا قال ابن عباس: ليس في الدنيا مما في الآخرة إلا الأسماء. قوله: (ولا تطلب من عندك حيلة ترد بها على أهل البدع؛ فإنك أمرت بالسكوت عنهم)، أي: لا ترد على أهل البدع إذا كان الرد لا يفيد معهم، بأن كانوا أهل عناد ولا يقبلون الحق، أما إذا كان يرجى أن ينتفعوا به، فإنه يرد عليهم ويبين لهم الحق لعل الله أن يهديهم، ويناظرون إذا غلب على الظن أن المناظرة تفيد، لكن هذا الكلام محمول على أهل البدع الذين لا تفيد المناظرة معهم، ولا يفيد الكلام معهم. (ولا تمكنهم من نفسك)؛ لأنك إذا مكنتهم من نفسك طمعوا فيك وقد يؤثرون عليك. (أما علمت أن محمد بن سيرين -أي: التابعي الجليل- في فضله لم يُجب رجلاً من أهل البدع في مسألة واحدة، ولا سمع منه آية من كتاب الله عز وجل، فقيل له، فقال: أخاف أن يحرفها فيقع في قلبي شيء)، وهذا أخرجه الدارمي، وابن وضاح في البدع، والآجري في الشريعة، واللالكائي في السنة، وابن بطة في الإبانة الكبرى. فلما كان يسأله رجل من أهل البدع لم يكن يجبه محمد بن سيرين رحمه الله ولا يسمع منه آية، فلما سئل، قال: أخاف أن يحرفها فيقع هذا التحريف في قلبي، فإذا كان هذا التابعي الجليل يخاف أن يقع في قلبه شيء من التحريف، فكيف بغيره؟! (وإذا سمعت الرجل يقول: إنا نحن نعظم الله، إذا سمع آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاعلم أنه جهمي يريد أن يرد أثر رسول الله صلى الله عليه وسلم ويدفعه بهذه الكلمة، وهو يزعم أنه يعظم الله وينزهه، إذا سمع حديث الرؤية وحديث النزول وغيره أفليس يرد أثر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!) هناك اصطلاح عند الجهمية، فإذا سمع الجهمي أو صاحب البدعة حديثاً، كحديث النزول أو حديث الرؤية، قال: إنا نعظم الله، وقصده بذلك: لا نقبل إلا ما في القرآن، وقصده كذلك رد السنة، ورد الأحاديث التي ذكرتها. وإذا قرأت عليه الأحاديث التي فيها إثبات السمع والبصر، قال: إنا نعظم الله، فإذا سمعت هذه الكلمة فاعلم أنه جهمي؛ لأنه يريد أن يرد الأثر والحديث، فكأنه يقول: لا أقبل الحديث وإنما أكتفي بالقرآن، فإذا سمعت الرجل يقول: إنا نعظم الله إذا تلوت عليه الحديث وسمع منك حديث الرؤية وحديث النزول وغيره فاعلم أنه جهمي يريد أن يرد النصوص بهذه الكلمة، وفي الظاهر يزعم أنه يعظم الله وينزهه، ويوهم بذلك. (وإذا قال: إنا نعظم الله أن يزول من موضع إلى موضع)، من قال هذا فقد أراد أن يرد حديث النزول، فإذا تلوت أحاديث النزول قال: إنا نعظم الله أن يزول من موضع إلى موضع، وقصده بذلك إنكار حديث النزول، ولهذا قال المؤلف رحمه الله: (فقد زعم أنه أعلم بالله من غيره، فاحذر هؤلاء، فإن جمهور الناس من السوقة وغيرهم على هذا الحال، وحذر الناس منهم)، فاحذر هؤلاء؛ لأن كثيراً من الناس ينطلي عليهم هذا التمويه، وحذر الناس منهم.

الأمر بالكف عن الجدال والمراء

الأمر بالكف عن الجدال والمراء قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وإذا سألك أحد عن مسألة في هذا الكتاب وهو مسترشد فكلمه وأرشده، وإذا جاءك يناظرك فاحذره؛ فإن في المناظرة المراء والجدال والمغالبة والخصومة والغضب، وقد نُهيتَ عن هذا جداً، يخرجان جميعاً من طريق الحق، ولم يبلغنا عن أحد من فقهائنا وعلمائنا أنه ناظر أو جادل أو خاصم. قال الحسن البصري رحمه الله: الحكيم لا يماري ولا يداري في حكمته أن ينشرها، إن قبلت حمد الله، وإن ردت حمد الله. وجاء رجل إلى الحسن فقال: أنا أناظرك في الدين، فقال الحسن: أنا عرفت ديني، فإن ضل دينك فاذهب فاطلبه. (وسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قوماً على باب حجرته يقول أحدهم: ألم يقل الله كذا؟ وقال الآخر: ألم يقل الله كذا؟ فخرج مغضباً فقال: أبهذا أمرتم؟! أم بهذا بعثت إليكم؛ أن تضربوا كتاب الله بعضه ببعض؟!) فنهى عن الجدال. وكان ابن عمر يكره المناظرة، ومالك بن أنس ومن فوقه ومن دونه إلى يومنا هذا. وقول الله عز وجل أكبر من قول الخلق، قال الله تبارك وتعالى: {مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا} [غافر:4]. وسأل رجل عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: ما النَّاشِطَاتِ نَشْطًا؟ فقال: لو كنت محلوقاً لضربت عنقك. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (المؤمن لا يماري، ولا أشفع للمماري يوم القيامة، فدعوا المراء لقلة خيره)]. (إذا سألك أحد عن مسألة في هذا الكتاب)، أي: في كتابه هذا (السنة) الذي ذكر فيه عقيدة أهل السنة والجماعة، (فانظر هل هو مسترشد أو مجادل) فإن كان مسترشداً فكلمه وأرشده وبين له، وإن كان مجادلاً فلا تجبه واحذره. والمقصود: أن الذي يسألك عن مسألة في هذا الكتاب فهو بين أمرين لا يخلو عن أحدهما: إما أنه مسترشد يريد الفائدة، أو مجادل، فإن كان مسترشداً فأرشده ووضح له؛ لأنه يريد الحق، وإن كان مجادلاً مناظراً فلا تجبه واحذره، فإن المناظرة هي المراء والجدال والمغالبة والخصومة، وقد نهيت عن جميع هذا. (وهو يزيل عن طريق الحق)، أي: أن الجدال يبعد الإنسان عن طريق الحق، وهذا محمول على ما إذا كان الجدال لا يفيد، أما إذا غلب على الظن أنه يفيد فإنه يناظر ويبين له الحق لعل الله أن يهديه. أما إذا وجد علامات تدل على أن هذا الشخص لا يريد الحق وأنه معاند فهذا لا يناظر بل يترك، وقد جادل عثمان بن سعيد الدارمي بشر المريسي، وهناك مناظرات حدثت بين العلماء. (وقد نهيت عن جميع هذا، وهو يزيل عن طريق الحق، ولم يبلغنا عن أحد من فقهائنا وعلمائنا أنه ناظر أو جادل أو خاصم)، وقد قال الله تعالى: {وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل:125] وقال: {وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ} [العنكبوت:46]. فلا بأس بالجدال إذا تعين طريقاً لقبول الحق. (قال الحسن البصري رحمه الله: الحكيم لا يماري ولا يداري في حكمته أن ينشرها، إن قبلت حمد الله، وإن ردت حمد الله)، أي: يترك المراء والجدال، وهذا أخرجه أبو نعيم الأصبهاني في زوائده على الزهد لـ ابن المبارك، وابن بطة في الإبانة الكبرى، يقول: وهذا إسناده ضعيف، فيه راوٍ مبهم، وهذا محمول على ما إذا كان الجدال لا يفيد. (وجاء رجل إلى الحسن -يعني الحسن البصري - فقال: أناظرك في الدين؟ فقال الحسن: أنا عرفت ديني، فإن ضل دينك فاذهب فاطلبه). أخرجه الآجري في الشريعة، واللالكائي في السنة، وابن بطة في الإبانة، وهو صحيح. والمعنى: أني لا حاجة لي في مناظرتك، فإن كان دينك قد ضاع منك فاذهب فاطلبه وابحث عنه، أما أنا فإني لا إشكال عندي، وليس عندي شك في ديني. ((وسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قوماً على باب حجرته يقول أحدهم: ألم يقل الله كذا؟ وقال الآخر: ألم يقل الله كذا؟ فخرج مغضباً فقال: أبهذا أمرتم؟! أم بهذا بعثت إليكم، أن تضربوا كتاب الله بعضه ببعض؟!). وجاء في بعض الأحاديث: (أن أحدهم كان يأخذ وينزع بآية وهذا ينزع بآية)، وجاء في بعضها: نفي القدر، (فخرج النبي مغضباً كأنما فقئ في وجهه حب الرمان من الغضب، فقال: أبهذا أمرتم؟ أم بهذا وكلتم أن تضربوا كتاب الله بعضه ببعض؟! ما علمتم منه فاعملوا به، وما لم تعرفوا فكلوه إلى عالمه) أو كما قال عليه الصلاة والسلام. يقول المؤلف عن الحديث: إنه صحيح، وقد أخرجه أحمد وابن ماجة، وفيه النهي عن الجدال. (وكان ابن عمر يكره المناظرة ومالك بن أنس ومن فوقه ومن دونه إلى يومنا هذا)، أي: إذا كانت المناظرة تؤدي إلى النزاع والشقاق والبغضاء، أما إذا كانت المناظرة تؤدي إلى قبول الحق ومعرفة الحق فإنها مطلوبة، كما قال الله تعالى: {وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل:125]. (وقول الله عز وجل أكبر من قول الخلق، قال الله تبارك وتعالى: {مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ} [غافر:4])، أي: أن قول الله أبلغ من الآثار، وأقوى دليلاً، وفي الآية بيان أن الكفار هم الذين يجادلون في آيات الله. (وسأل رجل عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن هذه الآية: {وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا} [النازعات:2]؟ قال له: ما (الناشطات نشطاً)؟ فقال عمر: لو كنت محلوقاً لضربت عنقك)، أي: محلوق الرأس؛ لأن الخوارج يحلقون رءوسهم ويتدينون بحلق الرأس ويشددون، فقال عمر له: لو كنت محلوقاً، أي: لو كنت محلوق الرأس لعرفت أنك من الخوارج الذين يجادلون بالباطل، وحينئذ ضربت عنقك. وفي الحديث يقول النبي عليه الصلاة والسلام عنهم: (سيماهم التحليق) أي: علامة الخوارج حلق الرأس، والخوارج يتشددون في حلق الرأس. وقصة الرجل الذي سأل عمر صحيحة مشهورة. (وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (المؤمن لا يماري، ولا أشفع للمماري يوم القيامة، فدعوا المراء؛ لقلة خيره). (المؤمن لا يماري) أي: لا يجادل، وهذا الحديث ضعيف جداً، أخرجه الطبراني في الكبير، والآجري في الشريعة، وابن بطة في الإبانة، وأبو إسماعيل الهروي في ذم الكلام. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد: فيه كثير بن مروان وهو ضعيف جداً، وقال: وفيه كثير بن مروان كذبه يحيى والدارقطني. والمقصود: أن هذا الحديث ضعيف. والجدال فيه تفصيل: فإذا كان بالباطل فقد نهي عن ذلك، وإذا كان يفيد فلا بأس بالجدال لإيضاح الحق.

الأسئلة

الأسئلة

ميزان معرفة استحلال المحرمات

ميزان معرفة استحلال المحرمات Q من عقيدة السلف: عدم تكفير المسلم بذنب لم يستحله، فهل المراد بالاستحلال أن يتلفظ بأنه استحله، أو يمكن أن يكون الاستحلال بالفعل، أي: هل يمكن أن نستدل من خلال فعله على أنه مستحل؟ A الاستحلال من عمل القلب، وهو أن يعتقد بقلبه أن هذا الشيء حلال، أما الفعل فلا يكفي ليكون ميزاناً للاستحلال؛ لأنه قد يفعله وهو لا يستحله، وإنما فعله طاعة للهوى والشيطان، مثل العصاة الذين يفعلون المعاصي، فشخص زنى يصح أن نقول: هذا عاص، وضعيف الإيمان، ومرتكب لكبيرة، وعليه الوعيد الشديد ويجلد أو يرجم، لكنه إذا اعتقد أن الزنا حلال، فيكفر؛ لأنه أنكر أمراً معلوماً من الدين بالضرورة. ومثله كذلك: شخص تعامل بالربا، بدافع الجشع والطمع، فإذا قيل له: لماذا تتعامل بالربا؟ قال أنا محتاج وعندي عائلة، فقل له: هذا حرام، ولا تأكل من مال الحرام، ويكون شخصاً عاصياً، لكن الشخص الذي يقول: إن الربا حلال فهذا كافر، وهذا قول المشركين: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة:275]. فالاستحلال اعتقاد القلب.

بيان أن من السنة الدعاء لأئمة المسلمين جهارا

بيان أن من السنة الدعاء لأئمة المسلمين جهاراً Q هل من السنة الدعاء للأئمة جهاراً؟ وهل ثبت ذلك عن أحد من السلف؟ A نعم، فقد قال الفضيل بن عياض: لو علمت دعوة صالحة لصرفتها للسلطان، لأنه إذا صلح السلطان صلح العباد والبلاد.

بدعية الدعاء على ولي الأمر

بدعية الدعاء على ولي الأمر Q لو دعا رجل على السلطان خفية لمظلمة، فهل يعد مبتدعاً؟ A نعم، لا يدعو عليه وإنما يدعو له بالصلاح، حتى يرد المظلمة.

بيان أن البدعة أعظم من سائر المعاصي

بيان أن البدعة أعظم من سائر المعاصي Q هل البدع أعظم من سائر المعاصي: كالزنا واللواط وغيرها؟ A نعم، هكذا قال العلماء: البدع أشد من الكبائر؛ لأن صاحب المعصية كالسارق وشارب الخمر يعلم أنه عاصٍ وقد يفكر في التوبة ويوفق لها، لكن صاحب البدع يظن أنه على الحق، فإذا نهيته عنها أصر عليها وقال إنها سنة، فلا يفكر في التوبة، ويبقى على بدعته. وتختلف البدع وتتفاوت مثل المعاصي، فمنها ما هو عظيم فاحش ومنها ما هو صغير.

تعريف دار الكفر وبيان حالة كون الدار دار الحرب

تعريف دار الكفر وبيان حالة كون الدار دار الحرب Q لدينا مجموعة من المسلمين -ممن ينتسبون إلى السلفيين- أباحوا السرقة والزنا من الكفار بحجة أنهم في دار حرب، فما هو تعريف دار الكفر ودار الحرب؟ وهل هذا الفعل صحيح؟ A ليس بصحيح، فالكافر الحربي هو الذي يحاربك ويحدث بينك وبينه قتال، فهذا حلال الدم والمال، مثل اليهود الذين يقاتلهم المسلمون في فلسطين فيكون بينهم وبين الفلسطينيين قتال، فهذا كافر حربي، ومثل ذلك قتال المسلمين في الشيشان للروس، فالمسلم في الشيشان إذا وجد روسياً فيجوز أن يقتله؛ لأن دمه وماله حلال. أما الكافر الذي لا يوجد بينك وبينه حرب مثل أهل الكتاب من اليهود والنصارى الذين في ديارهم المسالمة أو دخل البلد وعنده أمان، فهذا لا يجوز قتله، فقد جاء في الحديث: (من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة) فالمعاهد معصوم الدم والمال.

تحريم التعامل بالربا مع الكافر أو غيره

تحريم التعامل بالربا مع الكافر أو غيره Q ما هي شروط عمل المسلم تحت الرجل الكافر بالربا والمحرمات، علماً بأن المسلم ليس له أي دخل بهذه المحرمات؟ A لا يجوز للمسلم أن يعمل في الربا تحت كافر أو تحت مسلم، ولا يجوز للمسلم أن يعمل تحت الكافر أيضاً، ومن باب أولى إذا كان عملاً خاصاً بحيث يمتهنه الكافر كأن يكون خادماً للكافر، أو طباخاً عند الكافر، فلا يجوز هذا؛ لأن في هذا امتهاناً للمسلم، لكن العمل العام مثل المؤسسات أو المصانع قد يختلف حكمها، أما أن يعمل في الربا أو يعمل في الرشوة أو القمار فهذا لا يجوز تحت الكافر ولا تحت المسلم مطلقاً.

الدعاء للحاكم الظالم بالصلاح

الدعاء للحاكم الظالم بالصلاح Q إذا جار السلطان، وهتك الحرمات، وغصب الأموال والأعراض، فهل يكون الدعاء عليه بالهلاك حينئذ خيراً له حتى لا يزداد إثماً، وخيراً للمسلمين حتى يتخلصوا من شره؟ وكيف نفسر قول النبي صلى الله عليه وسلم: (شرار أئمتكم الذين تدعون عليهم وتلعنونهم ويلعنونكم)؟ A إذا كان السلطان هكذا فخير لك أن تدعو له حتى يصلحه الله. أما إذا كان يأخذ مالك، وتدعو عليه فقد تستجاب فيزداد فجوراً ويزيد في ظلمك، لكن عليك أن تدعو له. أما قول النبي صلى الله عليه وسلم: (شرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم ويلعنونكم وتلعنونهم) فالمراد فعل الناس، وأن هذا الواقع، وليس المراد أن يشرع لعنهم، ولهذا سئل بعد ذلك: (أفلا ننابذهم بالسيف؟ قال: لا، ما أقاموا فيكم الصلاة، ألا من ولي عليه وال فرآه يأتي شيئاً من معصية الله فليكره ما يأتي من معصية الله ولا ينزعن يداً من طاعة).

بيان الأمر بالدعاء لولي الأمر

بيان الأمر بالدعاء لولي الأمر Q قال المؤلف: 0أمرنا بالدعاء لأولياء الأمور) فهل ورد حديث صحيح بهذا الأمر؟ A الأمر بالدعاء لولاة الأمور عام، فقد أمرنا على وجه العموم أن ندعو للمسلمين جميعاً، ولهذا لما عصت دوس قالوا: (يا رسول الله! ادع عليهم؟ وقالوا: هلكت دوس، فقال: اللهم! اهد دوساً وأت بهم) فهداهم الله وجاءوا مسلمين، فدعا لهم النبي صلى الله عليه وسلم، ونحن مأمورون بالدعاء لكل مسلم، والسلطان أولى بأن يدعى له؛ لأن في صلاحه صلاح الرعية.

النهي عن نشر معايب الصحابة وما شجر بينهم

النهي عن نشر معايب الصحابة وما شجر بينهم Q هل ما ذكره بعض المؤرخين -مثل ابن كثير رحمه الله- مما حدث بين الصحابة، نهى عنه المؤلف؟ A لا، فهو يكتب لطلبة العلم، ويكتب أيضاً على وفق ما جاء من الأحاديث والآثار. أما كون الإنسان يتحدث وينشر معايب الصحابة، فهذا فسق، لكن كتب التاريخ مبنية على الآثار وبيان الحال، وتفسير لبعض الأحاديث مثل حديث: (تمرق مارقة) على سبيل المثال، فهذه تكتب لطلبة العلم، أما العامة فلا تنشر بينهم، ولا يتكلم أحد في الصحابة عند العامة، وحتى المؤرخ يجب عليه أن يلتزم بهذا، ويبين فضل الصحابة مثلما بين ابن العربي في العواصم من القواصم، وهو كتاب جيد ويقول: إن ما صدر وما روي عن الصحابة من الأخبار التي رويت عنهم منها ما هو كذب لا أساس له من الصحة، ومنها ما له أصل لكن زيد فيه ونقص وغير عن وجهه، ومنها ما هو صحيح، والصحيح ما بين مجتهد مصيب له أجران ومخطئ له أجر الاجتهاد.

بيان عدم تأثر الرسول الكريم بما يحدث من فساد في المدينة

بيان عدم تأثر الرسول الكريم بما يحدث من فساد في المدينة Q هل النبي صلى الله عليه وسلم يتأذى في قبره بسبب ما يفعل من الفساد في المدينة؟ A ليس هناك دليل، وقد جاءت أحاديث لكنها ضعيفة: (أن النبي تعرض عليه أعمال أمته فيدعو للمحسن ويستغفر للمسيء) وهذا ضعيف.

حكم كشف وجه المرأة المسلمة في البلاد الكافرة

حكم كشف وجه المرأة المسلمة في البلاد الكافرة Q هل يجوز أن تكشف المرأة المسلمة وجهها للدراسة في البلاد الكافرة؛ لأنه لا يسمح لها بتغطية وجهها؟ A ليس لها أن تكشف وجهها، وليس لها أن تدرس، فالدراسة ليست بلازمة، وإذا لم تجد دراسة إلا مختلطة رجالاً ونساء ومنها كشف الوجه فالأفضل ألا تدرس، وهذا من أسباب الفواحش، فإذا صارت في جوار الطالب وهي كاشفة متزينة وتحتك به وتذهب معه، فهذه دعوة لفعل الفاحشة، وكذلك المدرس عندما يرى وجهها ليلاً ونهاراً قد يفعل بها الفاحشة ويتكلم معها، وقد يطلبها إلى بيته، وقد يغريها بأن ينجحها أو يعطيها درجات، فهذا فيه شر وفساد، وإذا لم تجد المرأة إلا مدرسة مختلطة رجالاً ونساء أو تكشف وجهها للرجال فلتجلس في البيت ولا تدرس، وتستطيع أن تطلب العلم عن طريق شبكة الإنترنت أو عن طريق الأشرطة أو كتب أهل العلم ويكفي هذا. وما الفائدة من الدراسة إذا كانت سبباً في ذهاب عرضها ودينها؟!

ما لا يفنى من المخلوقات

ما لا يفنى من المخلوقات Q ذكرتم في الدرس السابق ثمانية أشياء لا تفنى، منها: اللوح والقلم إلى آخرها، فما هو الدليل على ذلك، وجزاكم الله خيراً؟ A جاءت أدلة كثيرة، فقد جاء: أن أرواح المؤمنين تنقل، والجنة والنار دائمتان لا تفنيان، وعجب الذنب لا يبلى، والعرش والكرسي واللوح والقلم، فكلها باقية.

بيان أن العمل جزء من الإيمان

بيان أن العمل جزء من الإيمان Q هل الصواب أن نقول: إن العمل شرط لصحة الإيمان، أو العمل ركن في الإيمان؟ A العمل جزء من الإيمان، الإيمان: تصديق القلب وإقراره، وقول اللسان، وعمل الجوارح، وعمل القلب، وكلها داخلة في مسمى الإيمان.

سبب تخصيص المؤلف أبا هريرة وأنسا وأسيدا بالذكر

سبب تخصيص المؤلف أبا هريرة وأنساً وأسيداً بالذكر Q خص المؤلف أبا هريرة وأنس بن مالك وأسيد بن حضير بالذكر، فهل كان هناك أحد من أهل البدع يذمهم دون غيرهم؟ A نعم، بعض الشيعة يسبون أبا هريرة وكذلك يذمون غيرهم.

بيان صحة ما يقوله الكفار من صعود إلى القمر

بيان صحة ما يقوله الكفار من صعود إلى القمر Q هل يصح شرعاً ما يدعيه الكفار من الصعود إلى القمر، أم لا؟ A ليس ببعيد؛ لأن القمر قريب، فقد يصلون إليه، ولا يترتب على هذا شيء، وليس في هذا مخالفة للنصوص الشرعية.

حكم حفظ المال في البنوك الربوية للضرورة

حكم حفظ المال في البنوك الربوية للضرورة Q هل يجوز حفظ المال في البنوك الربوية؟ A إذا لم يوجد غيرها فيحفظها ولا يأخذ عليها فائدة ربوية، فلا بأس بذلك للضرورة، وإن وجد غيرها فلا بأس.

حكم القول بأن من أحب علماء أهل السنة المعاصرين كان على سنة

حكم القول بأن من أحب علماء أهل السنة المعاصرين كان على سنة Q هل لنا أن نقول: أن إذا رأيت الرجل يحب ابن باز وابن عثيمين رحمهما الله وغيرهما من أهل العلم فاعلم أنه صاحب سنة، وإذا رأيت الرجل يحب التيجاني والقادياني وغيرهم من أهل الضلال فاعلم أنه صاحب هوى وبدعة؟ A نعم، يجوز أن نقول هذا، فحب أهل الإيمان إيمان ودين، وحب أهل البدع وأهل الكفر والنفاق طغيان ونفاق، وهذه قاعدة عامة، ولهذا يقول النبي: (حب الأنصار إيمان، وبغض الأنصار كفر ونفاق)، والمقصود بالأنصار أنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك الأنصار بعد الصحابة، كل من نصر دين الإسلام ودعا إلى الإسلام ونشر دين الإسلام فحبه من الإيمان وبغضه من الكفر والنفاق، وكل من أحب أهل البدع وأهل الفسوق فيدل على النفاق في قلبه.

[16]

شرح كتاب السنة للبربهاري [16] لا يقال لرجل أنه صاحب سنة حتى تجتمع فيه خصال السنة، وعليه أن يحذر من أهل البدع وأن يبغضهم ويكرههم في الله، فلا يزور مريضهم، ولا يتبع جنائزهم، ولا يبتسم في وجوههم، لكن ينتهرهم حتى يملأ الله قلبه بنور الإيمان والسنة.

لا يطلق على الرجل أنه صاحب سنة حتى تجتمع السنة كلها فيه

لا يطلق على الرجل أنه صاحب سنة حتى تجتمع السنة كلها فيه قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولا يحل لرجل مسلم أن يقول: فلان صاحب سنة، حتى يعلم منه أنه قد اجتمعت فيه خصال السنة، لا يقال له: صاحب سنة حتى تجتمع فيه السنة كلها]. أنه لا يطلق وصف: صاحب سنة، إلا على من سلم من البدع، أما إذا كان متلبساً ببعض البدع فلا يقال له: صاحب سنة، حتى تجتمع فيه السنة كلها، وحتى يسلم من الجدال، أما من كان عنده بعض البدع ويعمل بالسنة فلا يقال له: صاحب سنة بإطلاق، قل: إنه صاحب سنة فيما وافق فيه السنة، وصاحب بدعة فيما وافق فيه البدع.

أصل الفرق الضالة أربع فرق

أصل الفرق الضالة أربع فرق قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقال عبد الله بن المبارك رحمه الله: أصل اثنين وسبعين هوى أربعة أهواء، فمن هذه الأربعة أهواء انشعبت هذه الاثنان وسبعون هوى: القدرية والمرجئة والشيعة والخوارج]. وهذا يفسر الحديث الذي يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة)، وهذا معنى قول ابن المبارك: إن أصل اثنين وسبعين هوى -أي: بدعة وفرقة ضالة- أربعة أهواء، فمن هذه الأربعة الأهواء انشعبت هذه الاثنان وسبعون هوى، وفيه التحذير من القدرية والمرجئة والشيعة والخوارج؛ لأنهم أصل البدع.

ما يخرج به المسلم من ضلالات الفرق الأربع

ما يخرج به المسلم من ضلالات الفرق الأربع قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فمن قدم أبا بكر وعمر وعثمان وعلياً على جميع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يتكلم في الباقين إلا بخير ودعا لهم فقد خرج من التشيع أوله وآخره. ومن قال: الإيمان قول وعمل يزيد وينقص، فقد خرج من الإرجاء أوله وآخره. ومن قال: الصلاة خلف كل بر وفاجر، والجهاد مع كل خليفة، ولم ير الخروج على السلطان بالسيف، ودعا لهم بالصلاح، فقد خرج من قول الخوارج أوله وآخره. ومن قال: المقادير كلها من الله عز وجل، خيرها وشرها، يضل من يشاء ويهدي من يشاء، فقد خرج من قول القدرية أوله وآخره، وهو صاحب سنة]. (من قدم أبا بكر وعمر وعثمان وعلياً) في الفضيلة وفي الخلافة، (ولم يتكلم في الصحابة إلا بخير)، فهذا من أهل السنة وخرج من التشيع؛ لأن الشيعة والرافضة يرون أن أبا بكر وعمر وعثمان اغتصبوا الخلافة، وأن الخليفة الأول هو علي، وأن النبي صلى الله عليه وسلم نص على اثني عشر إماماً أولهم علي وآخرهم محمد بن الحسن الذي دخل في سرداب سامراء في العراق سنة مائتين وستين هجرية، وأن الصحابة كفروا وارتدوا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وأخفوا النصوص التي فيها النص على الأئمة، وولوا أبا بكر زوراً وظلماً وعدواناً، ثم ولوا عمر زوراً وظلماً وبهتاناً، ثم ولوا عثمان زوراً وبهتاناً، ثم وصلت إلى الخليفة الأول وهو علي. (ولم يتكلم في الباقين من الصحابة إلا بخير، ودعا لهم، فقد خرج من التشيع أوله وآخره). أما من تكلم في الصحابة وسب الصحابة وسب أبا هريرة فهذا شيعي. ومن سب أبا بكر وعمر وعثمان وعلي فهو رافضي. وهذه علامة السني الذي يخرج من التشيع، وهي أن يقدم أبا بكر وعمر وعثمان وعلياً على جميع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يتكلم في الباقين من الصحابة إلا بخير، ويدعو لهم، فهذا يخرج من التشيع أوله وآخره. (ومن قال: الإيمان قول وعمل يزيد وينقص، فقد خرج من الإرجاء كله أوله وآخره). من قال: الإيمان قول القلب وهو التصديق والإقرار، وقول اللسان وهو النطق، وعمل القلب وهو النية والإخلاص والصدق والمحبة، وعمل الجوارح، ومن قال: إن الإيمان يزيد وينقص، فقد خرج من الإرجاء كله وآخره. ومن قال: إن تصديق القلب، والأعمال ليست من الإيمان، فهو من المرجئة. ومن قال: الإيمان هو معرفة الرب بالخلق، فهذا قول مرجئة الجهمية، وهذا أفسد قول قيل في الإيمان، فالجهمية يقولون: الإيمان معرفة الرب بالقلب، والكفر جهل الرب بالقلب، فمن عرف ربه بقلبه فهو مؤمن، ومن جهل ربه بقلبه فهو كافر، والجهمية هم أشد الناس إرجاء، وألزمهم العلماء على هذا التعريف: أن يكون إبليس مؤمناً؛ لأنه يعرف ربه بقلبه، وأن فرعون مؤمن؛ لأنه يعرف ربه بقلبه، وأن اليهود مؤمنون؛ لأنهم يعرفون ربهم بقلوبهم، وأن أبا طالب مؤمن؛ لأنه يعرف ربه بقلبه، وهذه الطائفة الأولى من المرجئة. والطائفة الثانية من المرجئة وهم الكرامية الذين يقولون: إن الإيمان هو النطق باللسان فقط، فإذا نطق بلسانه الشهادتين فهو مؤمن كامل الإيمان، ولو كان مكذباً في قلبه، فجمعوا بين متناقضين. فيلزم على قولهم أن يكون المؤمن كامل الإيمان يخلد في النار. هذا قول الطائفة الثانية من المرجئة. والطائفة الثالثة من المرجئة يقولون: الإيمان تصديق القلب فقط، وهذا قول الماتريدية والأشاعرة، وهو رواية عن الإمام أبي حنيفة. الطائفة الرابعة: هم مرجئة الفقهاء ويقولون: الإيمان تصديق القلب والإظهار باللسان. وكل المرجئة بطوائفهم الأربعة يقولون: الأعمال ليست من الإيمان. قال: (ومن قال بصحة الصلاة خلف كل بر وفاجر، والجهاد مع كل خليفة ولا يرون الخروج على السلطان بالسيف، ويدعون له بالصلاح، فقد خرج من قول الخوارج أوله وآخره)؛ لأن الخوارج لا يرون الصلاة خلف أئمة الجور، بل يرون أن الإمام إذا فعل كبيرة كفر وحل دمه وماله ووجب قتله. ولا يصلون خلف الإمام الفاجر الفاسق ولا يجاهدون معه، ويخرجون عليه بالسيف ولا يدعون له. قال المؤلف: (ومن قال: المقادير كلها من الله عز وجل خيرها وشرها؛ يضل من يشاء ويهدي من يشاء، فقد خرج من قول القدرية أوله وآخره وهو صاحب سنة)؛ لأن القدرية يقولون: الخير من الله والشر من العبد، بل يقولون: إن أفعال العباد مخلوقة للعبد غير مخلوقة لله، فالعبد هو الذي يخلق فعل نفسه، خيرها وشرها، طاعة أو معصية، كفراً أو إيماناً. ولهذا يقولون: يجب على الله أن يثيب المطيع وهو يستحق الأجر من الله، كما يستحق الأجير أجرته؛ لأنه هو الذي خلقه فعلاً، وأن الله يجب عليه أن يعذب العاصي؛ لأن الله توعده والله لا يخلف الميعاد.

عقيدة الرافضة في الرجعة والعصمة

عقيدة الرافضة في الرجعة والعصمة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وبدعة ظهرت هي كفر بالله العظيم، ومن قال بها فهو كافر بالله لا شك فيه: من يؤمن بالرجعة ويقول علي بن أبي طالب حي وسيرجع قبل يوم القيامة، ومحمد بن علي وجعفر بن محمد وموسى بن جعفر وتكلموا في الإمامة، وأنهم يعلمون الغيب، فاحذرهم فإنهم كفار بالله العظيم ومن قال بهذا القول]. المراد بالرجعة: هو القول بأن علياً لم يمت، وأنه في السحاب، وسيرجع إلى الدنيا قبل يوم القيامة. فقول المؤلف: (من قال بها فهو كافر لا شك فيه) صحيح. ومحمد بن علي هو ابن الحسين بن علي بن أبي طالب المعروف بـ الباقر وجعفر بن محمد هو المعروف بـ جعفر الصادق وموسى بن جعفر هو موسى بن جعفر الكاظم. فمراد المؤلف أن من تكلم في هؤلاء الأئمة وقال: إنهم سيرجعون، فإنه كذلك كافر لا شك فيه، وهؤلاء من أئمة الرافضة، فالرافضة يقولون: هناك اثنا عشر إماماً نص عليهم النبي صلى الله عليه وسلم، أولهم علي ثم ابنه الحسن ثم ابنه الحسين هؤلاء ثلاثة، ثم التسعة الباقون من سلالة الحسين وهم علي بن الحسين زين العابدين ثم محمد بن علي الباقر ثم جعفر بن محمد الصادق ثم موسى بن جعفر الكاظم ثم علي بن موسى الرضا ثم محمد بن علي الجواد ثم علي بن محمد الهادي ثم الحسن بن علي العسكري ثم المهدي المنتظر محمد بن الحسن الذي دخل سرداب سامراء في العراق سنة ستين ومائتين. فالرافضة يقولون: إن هؤلاء الأئمة معصومون، وإن النبي صلى الله عليه وسلم نص عليهم وإنهم الخلفاء من بعده إلا أن أهل السنة ارتدوا وكفروا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وحرفوا النصوص وولوا أبا بكر ثم عمر ثم عثمان؛ لأنهم كفار. نسأل الله السلامة. إذا كان الصحابة كفاراً، وهم الذين حملوا السيف؛ فكيف يوثق بدين حمله الكفار؟ هذا يدل على كفر الرافضة وضلالهم. يقول المؤلف رحمه الله: [هذه البدعة كفر بالله العظيم، ومن قال بها فهو كافر بالله لا شك فيه، ويتكلمون في الأئمة، وأنهم يعلمون الغيب] يعني: يزعمون أن أئمتهم يعلمون الغيب، وهذا كفر وضلال، فمن زعم أن أحداً يعلم الغيب فهو كافر، قال الله تعالى: {قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} [النمل:65] ولهذا قال المؤلف: [فاحذرهم فإنهم كفار بالله العظيم].

تحقيق القول في تقديم علي على عثمان رضي الله عنهما

تحقيق القول في تقديم علي على عثمان رضي الله عنهما قال المؤلف رحمه الله تعالى: [قال طعمة بن عمرو وسفيان بن عيينة: من وقف عند عثمان وعلي فهو شيعي لا يعدل ولا يكلم ولا يجالس، ومن قدم علياً على عثمان فهو رافضي، قد رفض أثر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن قدم الثلاثة على جماعتهم وترحم على الباقين وكف عن زللهم فهو على طريق الاستقامة والهدى في هذا الباب]. هذه المسألة فيها تفصيل، وهي تقديم علي على عثمان فإن قدم علياً على عثمان في الخلافة، فهذا رافضي وهو أضل من حمار أهله كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية؛ لأن الصحابة أجمعوا على مبايعة عثمان، أما من قدم علياً على عثمان في الفضيلة فهذا لا يكون رافضياً؛ لأنها مسألة سهلة. وروي عن الإمام أبي حنيفة تقديم علي على عثمان في الفضيلة لا في الخلافة، أما من قدم علياً في الخلافة على عثمان يقول شيخ الإسلام: هو أضل من حمار أهله، وقد أزرى بالمهاجرين والأنصار؛ لأن المهاجرين والأنصار أجمعوا على تقديم عثمان على علي. إذاً: تقديم علي على عثمان في الخلافة ضلال، وتقديم علي على عثمان في الفضيلة ليس بضلال وهي ليست من المسائل التي يضلل فيها الإنسان أو يبدع؛ ولهذا روي عن الإمام أبي حنيفة تقديم علي على عثمان في الفضيلة لا في الخلافة. وروي عنه أنه رجع ووافق قول الجمهور، فاستقر الخلاف واستقر الإجماع على تقديم عثمان على علي، ولهذا يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الواسطية: إن هذه مسألة ليست مما يضلل فيها. والمؤلف شدد في هذا ولم يفصل. فقول المؤلف: [ومن قدم الثلاثة على جماعتهم، وفي نسخة: جميعهم] أي: من قدم أبا بكر وعمر وعثمان على جميع الصحابة، وترحم على بقية الصحابة، وكف عن زللهم وخطئهم فهو على طريق الاستقامة والهدى في هذا الباب، يعني: في باب الصحابة.

الشهادة بالجنة لمن شهد له الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك

الشهادة بالجنة لمن شهد له الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والسنة أن تشهد أن العشرة الذين شهد لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة أنهم في الجنة لا شك فيه، ولا تفرد بالصلاة على أحد إلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله فقط، وتعلم أن عثمان بن عفان رضي الله عنه قتل مظلوماً، ومن قتله كان ظالماً]. أي: أن على المؤمن أن يشهد بالجنة لمن شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، ومنهم العشرة المبشرون بالجنة وهم: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام وسعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل وعبد الرحمن بن عوف وأبو عبيدة بن الجراح. وكذلك غيرهم ممن شهد لهم النبي صلى الله عليه وسلم مثل الحسن والحسين فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة). وممن شهد لهم النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة ثابت بن قيس بن شماس وعكاشة بن محصن وابن عمر وعبد الله بن سلام وجماعة. وقول المؤلف: (ولا تفرد بالصلاة على أحد إلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله فقط) أي: لا تخص بالصلاة إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وآله فقط، وآل النبي صلى الله عليه وسلم هم أقاربه من أهل بيته وزوجاته مثل علي وفاطمة والحسن والحسين، وقيل: كل من تبع دينه، تقول: اللهم صل على محمد. اللهم صل على علي. اللهم صل على الحسن. اللهم صل على الحسين. وهذا ليس بصواب، والسنة أن يفرد النبي صلى الله عليه وسلم وحده بالصلاة، ولا يفرد آله. والشيعة هم الذين إذا مر ذكر علي يقولون: عليه السلام، وفاطمة عليها السلام، الحسن عليه السلام والحسين عليه السلام، والذي عليه علماء السنة: أن الأنبياء يصلى عليهم، والصحابة يترضى عنهم، ومن بعدهم يترحم عليهم. فإذا مر ذكر نبي من الأنبياء تقول: صلى الله عليه وسلم، وإذا مر ذكر الصحابي تقول: رضي الله عنه، وإذا مر ذكر من بعده تقول: رحمه الله. لكن لو صليت على غير الأنبياء في بعض الأحيان ولم يكن هذا باستمرار فلا بأس لما جاء أن عبد الله بن أبي أوفى لما جاء بصدقة إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اللهم صل على آل أبي أوفى)، فإذا صليت على أبي أوفى في بعض الأحيان فلا بأس، لكن كونك تجعله ديدنك وشعارك كلما جاء ذكر الصحابي تصلي عليه فهذه طريقة الروافض، والمؤلف يقول: (لا تفرد بالصلاة على أحد إلا إذا لم يكن نبي). ونحن نقول الآن: لا يفرد بالصلاة إلا على النبي صلى الله عليه وسلم، أما آل النبي صلى الله عليه وسلم فكغيره، وآله يشمل المستقيمين على دينه، وأهل بيته وزوجاته. قوله: (وتعلم أن عثمان بن عفان قتل مظلوماً، ومن قتله كان ظالماً) هذا حق، وهو الذي عليه أهل السنة والجماعة، أن عثمان رضي الله عنه قتل مظلوماً ومن قتله كان ظالماً. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فمن أقر بما في هذا الكتاب، وآمن به، واتخذه إماماً، ولم يشك في حرف منه، ولم يجحد حرفاً واحداً، فهو صاحب سنة وجماعة كامل قد اكتملت فيه السنة، ومن جحد حرفاً مما في هذا الكتاب، أو شك ووقف فهو صاحب هوى]. لكن في نسخة ثانية: [أو شك في حرف منه أو شك أو وقف]. يقصد المؤلف بهذا كتابه هذا الذي نشرحه، يقول المؤلف رحمه الله: فمن أقر بما في هذا الكتاب؛ لأن هذا الكتاب شرح السنة، فمن أقر بما فيه وآمن به، واتخذه إماماً، ولم يشك في حرف منه، ولم يجحد حرفاً واحداً منه؛ فهو صاحب سنة وجماعة كامل، يعني: اكتملت فيه السنة. ومن جحد حرفاً مما في هذا الكتاب، أو شك في حرف منه أو وقف؛ فهو صاحب هوى وبدعة. وهذا ليس بصحيح، فإن هذه الأوصاف التي ذكرها عن كتابه لا تكون إلا في كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. ومن جحد حرفاً من القرآن أو شك فيه فهذا كافر، أما ما كتبه البشر فهم يخطئون فيه ويصيبون، والبربهاري رحمه الله مر على أشياء غلط فيها وأخطأ، وأتى بأحاديث ضعيفة، فنحن الآن نشك في الأحاديث الضعيفة التي ذكرها، والأشياء التي وهمها، ومررنا بأشياء بينا أن الصواب فيها خلاف ما أقره رحمه الله. ولا ينبغي للمصنف أن يقول هذا، ولا أن يلزم الناس بكتابه فإنه لا يلزم إلا بالكتاب والسنة، وفي كتاب المصنف بعض الحروف والجمل والكلمات التي ذكرها خلاف الصواب رحمه الله، لكن الكتاب في الجملة يتماشى مع مذهب أهل السنة والجماعة، فلا ينبغي للمؤلف أن يقول مثل هذا، ويجب على المسلم أن يستدل بكتاب الله وسنة رسوله، أما أن يلزم الناس بغيرهما فهذا ليس بسديد.

الجحود والتأويل في الكتاب وحكم كل منهما

الجحود والتأويل في الكتاب وحكم كل منهما قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ومن جحد أو شك في حرف من القرآن، أو في شيء جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لقي الله تعالى مكذباً، فاتق الله واحذر وتعاهد إيمانك]. هذا صحيح، من جحد أو شك في حرف من القرآن فليس بمسلم، وكذلك إذا جحد شيئاً مما جاء به الرسول عليه الصلاة والسلام من غير تأويل. وهناك فرق بين المتأول وبين الجاحد، فلو جحد أحدهم قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:5] فهذا كافر. ولو قال متأول: أنا أومن بها وأنها آية، لكن معنى استوى: استولى، لأنه لا يليق بالله، والذي يستوي هو الشيء المحسوس والجسم المحدث، والله ليس بجسم ولا بمتحيز، فلا يمكن أن يستوي، فهذا له شبهة، فلا يكفر. وقوله: (فاتق الله واحذر وتعاهد إيمانك) أي: احذر من الجحود والشك والتأويل وتعاهد إيمانك، واحذر مما ينقصه أو يزيله كالجحود والتكذيب والرد في كلام الله وكلام رسوله.

النهي عن الإعانة على معصية

النهي عن الإعانة على معصية قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ومن السنة أن لا تعين أحداً على معصية الله، ولا أولي الخير ولا الخلق أجمعين، لا طاعة لبشر في معصية الله، ولا يحب عليه أحداً، واكره ذلك كله لله تبارك وتعالى]. في بعض النسخ بدل (لا تعين أحداً) (لا تطيع أحداً) وبدل (ولا أولي الخير) (ولا الوالدين) ولعله أصوب. فقوله: (من السنة)، المراد السنة الواجبة لا المستحبة. ليس للإنسان أن يعين أحداً على المعصية، وليس لأحد أن يطيع أحداً في المعصية ولا أولي الخير ولا الوالدين، فإذا أمراك بمعصية فلا تطعهما، قال الله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة:2] وقال في حق الوالدين الكافرين: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا} [لقمان:15] ثم قال سبحانه: {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان:15]. فلا يطاع أحد في المعصية، ولا يعان أحد على المعصية لا الوالد ولا غيره، فالوالد إذا أمرك بمعصية فلا تطعه، والزوجة إذا أمرها زوجها بمعصية فلا تطعه، والعبد إذا أمره سيده بالمعصية فلا يطعه؛ فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. وقوله: (ولا يحب عليه أحداً) أي: لا يحب على المعصية أحداً، (واكره ذلك كله) أي: واكره الإعانة على المعصية واكره طاعة البشر امتثالاً لأمر الله تبارك وتعالى.

وجوب التوبة إلى الله عز وجل

وجوب التوبة إلى الله عز وجل قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والإيمان بأن التوبة فريضة على العباد أن يتوبوا إلى الله عز وجل من كبير المعاصي وصغيرها]. أي: أن التوبة واجبة على العباد في كل وقت من جميع الذنوب صغيرها وكبيرها، قال الله تعالى: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور:31] وهذا أمر والأمر للوجوب، وقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ} [التحريم:8]. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ومن لم يشهد لمن شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة فهو صاحب بدعة وضلالة، شاك فيما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم]. الواجب على المسلم أن يشهد بالجنة لمن شهد له النبي صلى الله عليه وسلم كالعشرة المبشرين بالجنة والحسن والحسين، فمن لم يشهد فهو صاحب بدعة وضلالة، شاك فيما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا إذا لم يبلغه ذلك فهو معذور، فإذا بلغه النص فيجب عليه أن يشهد بالجنة لمن شهدت له النصوص بذلك.

الآثار الواردة في لزوم السنة والتحذير من البدع

الآثار الواردة في لزوم السنة والتحذير من البدع قال المؤلف رحمه الله تعالى: [قال مالك بن أنس: من لزم السنة وسلم منه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم مات، كان مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وإن كان له تقصير في العمل. وقال بشر بن الحارث: الإسلام هو السنة والسنة هي الإسلام، أي: أن من لزم السنة وعمل بالكتاب، وسلم منه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم واستقر على الدين فهو مع النبيين والصديقين، وإن كان عمله لا يلحق بهم لكن تجبره المحبة، فمحبته لهم تلحقه بهم، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (المرء مع من أحب)، فإذا اجتهد الإنسان في العمل الصالح، وكان موحداً، واستقام على الدين مع بذل الجهد فإن محبته لهم تجبره، أي: تجبر هذا النقص ويكون معهم. جاء رجل أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (يا رسول الله! المرء يحب القوم ولما يلحق بهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: المرء مع من أحب). وقول بشر بن الحارث: الإسلام هو السنة، والسنة هي الإسلام. بيانه أن الإسلام هو أن تعمل بالسنة، والسنة فيها أوامر ونواه، فإذا عملت بها فهذا هو الإسلام، والسنة هي الإسلام، ومن عمل بالسنة فهو على الإسلام. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقال الفضيل بن عياض: إذا رأيت رجلاً من أهل السنة فكأنما أرى رجلاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا رأيت رجلاً من أهل البدع فكأنما أرى رجلاً من المنافقين. وقال يونس بن عبيد: العجب ممن يدعو اليوم إلى السنة، وأعجب منه من يجيب إلى السنة فيقبل]. يقول الفضيل بن عياض رحمه الله: إذا رأيت رجلاً من أهل السنة فكأنما أرى رجلاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه تابع لآثارهم، ومتخلق بأخلاقهم، فكأنه منهم. وإذا رأيت رجلاً من أهل البدع فكأنما أرى رجلاً من المنافقين؛ لأن النفاق يكثر في البدع. ويقول يونس بن عبيد: (العجب ممن يدعو اليوم إلى السنة) يعني: لقلتهم بسبب كثرة البدع، وكيف أن الله تعالى سلمهم من الفتن والبدع. (وأعجب منه من يجيب إلى السنة فيقبل)، أعجب ممن يهتدي؛ لأن الله تعالى وفقه مع كثرة البدع وكثرة الداعين إلى البدع. وهذا معناه يشبه معنى الأثر: (ليس العجب ممن هلك كيف هلك لكن العجب ممن نجا كيف نجا) أخرجه أبو نعيم في الحلية، وابن بطة في الإبانة، واللالكائي في السنة. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وكان ابن عون يقول عند الموت: السنة السنة، وإياكم والبدع؛ حتى مات]. وهذا من نصحه رحمه الله، فعندما حضره الموت كان يقول: السنة السنة! يعني: الزموا سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وإياكم والبدع حتى مات، جعل يكرر هذه الكلمة ويوصي الناس بلزوم السنة والحذر من البدع. والأنبياء أنصح الناس إلى الناس، والعلماء ورثة الأنبياء ينصحون الناس ويبينون لهم الحق، ويحذرونهم من البدع، ويأمرونهم بلزوم السنة، ويدلونهم إلى طريق السعادة، ومنهم ابن عون رضي الله عنه، كان يقول عند الموت من شدة نصحه: السنة السنة، أي: الزموا السنة، وإياكم والبدع، ويكرر ذلك حتى مات رضي الله عنه وأرضاه. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقال أحمد بن حنبل رحمه الله: مات رجل من أصحابي فرئي في المنام فقال: قولوا لـ أبي عبد الله: عليك بالسنة، فإن أول ما سألني الله سألني السنة. وقال أبو العالية: من مات على السنة مستوراً فهو صديق، ويقال: الاعتصام بالسنة نجاة، وقال سفيان الثوري: من أصغى بإذنه إلى صاحب بدعة خرج من عصمة الله ووكل إليها، يعني: إلى البدع]. هذه الرؤيا من باب البشارة، فهذا لما مات رئي في المنام يوصي الإمام أحمد بلزوم السنة؛ لأنه سئل في قبره أول ما سئل عن السنة، وقال أبو العالية الرياحي التابعي الجليل: (من مات على السنة مستوراً فهو صديق)، أي: من مات على الكتاب والسنة، ومات على التوحيد، وحذر البدع والمعاصي فهو صديق، فبقوة تصديقه يحذر من الشبهات والشهوات. وقوله: (الاعتصام بالسنة نجاة)، أي: نجاة من الهلاك ونجاة من النار، فمن اعتصم بالسنة نجا وسلم من البدع. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقال داود بن أبي هند: أوحى الله تبارك وتعالى إلى موسى بن عمران: لا تجالس أهل البدع؛ فإن جالستهم فحاك في صدرك شيء مما يقولون أكببتك في نار جهنم]. هذا من آثار بني إسرائيل وأخبارهم لا يعول عليه؛ فإن داود بن أبي هند القشيري بينه وبين موسى عليه السلام دهور وأزمنة طويلة تنقطع دونها أعناق المطي، ومثل هذا لا يؤخذ إلا عن المعصوم صلى الله عليه وسلم. وهل بني إسرائيل عندهم بدع؟ أم عندهم كفر أو معاص؟ على كل حال أخبار بني إسرائيل لا حاجة إليها، والمؤلف رحمه الله نقله من باب الاستئناس، وإلا فإن الآثار التي ذكرها كافية. وقول سفيان الثوري: (من أصغى بأذنه إلى صاحب بدعة خرج من عصمة الله ووكل إليها)، يعني: إلى البدع، وهذا الأثر أخرجه أبو نعيم في الحلية وابن بطة في الكبرى. وهذه من العقوبة العاجلة، فإذا أصغى إلى صاحب بدعة فإنه يعاقب بأن يخرج من العصمة ويوكل إليها إذا كان ذلك عن عمد، ولكن من بادر بالتوبة وجاهد واستغفر الله وتاب فإن الله يتوب عليه. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقال الفضيل بن عياض: من جالس صاحب بدعة لم يعط الحكمة، وقال الفضيل بن عياض: لا تجلس مع صاحب بدعة؛ فإني أخاف أن تنزل عليك اللعنة]. هذه الآثار كلها إلى آخر الرسالة عن الفضيل بن عياض العابد الورع الزاهد الإمام المعروف، كان في أول حياته من قطاع الطريق، ثم هداه الله وصار إماماً واعظاً مشهوراً وعالماً ورعاً زاهداً، وهو الذي فسر قوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف:110]. قال معناه: أخلصه وأصوبه، قيل: يا أبا علي! ما أخلصه وما أصوبه؟ قال: إذا كان العمل خالصاً ولم يكن صواباً لم يقبل، وإذا كان صواباً ولم يكن خالصاً لم يقبل، فالخالص: أن يكون لله، والصواب: أن يكون على السنة. فقول الفضيل بن عياض: (من جالس صاحب بدعة لم يعط الحكمة)، يعني: إلا أن يتوب فمن تاب تاب الله عليه. والمراد بالحكمة العلم. وقوله: (لا تجلس مع صاحب بدعة فإني أخاف أن تنزل عليك اللعنة) لأن أهل الكبائر والبدع ملعونين، فقد لعن الله السارق، وشارب الخمر وآكل الربا. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقال أيضاً: من أحب صاحب بدعة أحبط الله عمله، وأخرج نور الإسلام من قلبه]. هذا الأثر أخرجه اللالكائي وابن بطة وأبو نعيم وإسناده صحيح، هذا إذا كانت البدعة مكفرة، أما إذا كانت البدعة غير مكفرة فإيمانه يكون ضعيفاً، ويخرج كمال النور ويبقى أصله. وهذا فيه التحذير من البدع. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقال الفضيل بن عياض: من جلس مع صاحب بدعة في طريق، فجز في طريق غيره]. هذا الأثر أخرجه أبو نعيم وابن بطة وابن الجوزي ومعناه: إذا رأيت صاحب بدعة جالساً في طريق فاذهب من طريق آخر لئلا يؤثر عليك، وهذا فيه التحذير من أهل البدع، إلا إذا أردت نصيحته وتحذيره، وغلب على ظنك أنه يستفيد فهذا مطلوب. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقال الفضيل بن عياض: من عظم صاحب بدعة فقد أعان على هدم الإسلام، ومن تبسم في وجه مبتدع فقد استخف بما أنزل الله عز وجل على محمد صلى الله عليه وسلم، ومن زوج كريمته بمبتدع فقد قطع رحمها، ومن تبع جنازة مبتدع لم يزل في سخط من الله حتى يرجع]. وهذا الأثر أخرجه أبو نعيم في الحلية وابن الجوزي، وإسناده صحيح كما قال المحقق. يقول الفضيل بن عياض رحمه الله: من عظم صاحب بدعة فقد أعان على هدم الإسلام؛ لأن البدع تهدم شيئاً من الإسلام؛ فالكفر يهدم الإسلام، والبدع تضعف الإسلام. ومن عظم صاحب بدعة فقد أعان على هدم الإسلام؛ لأنه أعانه على الباطل. ومن تبسم في وجه مبتدع فقد استخف بما أنزل الله عز وجل على محمد صلى الله عليه وسلم، وذلك أنه ينبغي للإنسان أن يعبس في وجه المبتدع ولا يتبسم في وجهه، يبقى كما قال الناظم ابن عبد القوي في منظومته: (والقهم بوجه مكفهر مربد) يعني: أهل البدع لا تلقهم بوجه منبسط ولا تتبسم في وجوههم بل تعبس في وجوههم، وتظهر لهم الكراهة وتهجرهم حتى يتوبوا من بدعتهم. [ومن زوج كريمته من مبتدع فقد قطع رحمها]، من زوج بنته أو أخته من مبتدع فهذا فيه قطع للرحم؛ لأن الرحم هم الأقارب من جهة الأب أو الأم، وأول الأرحام أبوك ثم أمك، ثم بناتك وأبناؤك من الرحم، وأولادك وإخوتك وأخواتك وأعمامك وعماتك وأخوالك وخالاتك، فمن زوج بنته أو أخته من مبتدع فقد قطع رحمها، إن كانت أخته قد قطع الرحم بينه وبين أخته، وإن كانت بنته فكذلك. ومن تبع جنازة مبتدع لم يزل في سخط الله حتى يرجع، ولهذا قال العلماء: نهوا عن اتباع جنازة المبتدع وعن زيارة المريض المبتدع، وكان بعض السلف إذا رأى من يتبع جنازة مبتدع أو يزور المبتدع هجره. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقال الفضيل بن عياض: آكل مع يهودي ونصراني ولا آكل مع مبتدع، وأحب أن يكون بيني وبين صاحب بدعة حصن من حديد]. هذا الأثر أخرجه اللالكائي وأبو نعيم وأخرج ابن بطة الشطر الثاني منه، ووجهه -والله أعلم-: أن اليهودي والنصراني معروف كفره وضلاله، وهو من أهل الكتاب؛ ولهذ

الأسئلة

الأسئلة

كفر الروافض

كفر الروافض Q المؤلف كفر الروافض، وذكر أن أصل الاثنين والسبعين فرقة أربع فرق، ومنها الرافضة والمشبهة ومعلوم أن الاثنين والسبعين من المسلمين، فكيف يوفق بين قوله؟ A لعل مقصوده هنا أصل الشيعة وليس مراده الرافضة، فإن الشيعة تنقسم إلى اثنين وعشرين فرقة، والرافضة طائفة من الشيعة، فيحمل على هذا.

توجيه كلام الفضيل في أهل البدع

توجيه كلام الفضيل في أهل البدع Q هل تعتبر هذه النصوص التي نقلها المصنف عن الفضيل ملزمة يجب العمل بها ولزومها؟ A الإلزام لا يوجد إلا بكتاب الله وسنة رسوله، لكن أقوال العلماء يستدل لها، وقد سبق أن وجهنا كلام الفضيل بن عياض.

براءة الصادق والباقر من الشيعة وكذبهم

براءة الصادق والباقر من الشيعة وكذبهم Q تدعي الشيعة محمد بن علي وجعفر بن محمد من أئمتهم وهم براء منهم، وثبت في كتب الشيعة مثل الكافي تبرؤ هؤلاء من الشيعة ولعنهم لهم، وثبت عنهم أنهم يفضلون أبا بكر وعمر وعثمان على علي؟ A جعفر بن محمد الصادق ومحمد بن علي الباقر لا شك أنهم صلحاء لكن الشيعة جعلتهم من أئمتهم وكذبوا عليهم وشوهوا تاريخهم، قبح الله الرافضة والشيعة فإنهم شوهوا تاريخ علي رضي الله عنه وتاريخ أهل البيت.

زمن خروج الخوارج

زمن خروج الخوارج Q هل وجد الخوارج في عهد عمر بن الخطاب؟ A بل خرجوا في عهد علي رضي الله عنه، بعد مقتل عثمان رضي الله عنه، لكن أصلهم كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وهو ذلك الرجل الذي جاء واعترض على النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: يا محمد! اعدل؛ فإن هذه قسمة ما أريد بها وجه الله، فقال عمر بن الخطاب أقتله؟ فقال: (لا. إنه يخرج من ضئضئ هذا قوم تحقرون صلاتكم مع صلاتهم، وصيامكم مع صيامهم يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية). وقد قيل: إن هذا الرجل هو أصل الخوارج، لكن خروجهم كان بعد قتل عثمان رضي الله عنه.

حكم التسمية بأسماء أهل البيت

حكم التسمية بأسماء أهل البيت Q الأئمة الذين على الحق، وغلت فيهم الرافضة كـ الباقر ما حكم تحرج البعض من الترحم عليهم والتسمية بأسمائهم بحجة أن الرافضة يعظمونهم؟ A هذا ليس بالصحيح؛ فإن محمد بن علي الباقر وجعفر بن محمد الصادق ترحم عليهما أئمة وعلماء فضلاء، فكون الشيعة يعظمون علي بن أبي طالب إذاً على قولهم لا نترضى عليه، والصحيح أننا نترحم عليهم، وفي المقابل نرد على الرافضة باطلهم.

حكم تخصيص علي بقول: (كرم الله وجهه)

حكم تخصيص علي بقول: (كرم الله وجهه) Q هل يصح تخصيص: (كرم الله وجهه) لـ علي رضي الله عنه، وليس هذا من قبيل تخصيص أبي بكر بـ الصديق وعمر بـ الفاروق رضي الله عنه والإمام أحمد بالإمام وشيخ الإسلام لـ ابن تيمية؟ A لا يخصص أحد من الصحابة بشيء، فالصحابة كلهم كرم الله وجوههم ورضي عنهم، وهذا من وضع الشيعة، فهم يقولون: علي كرم الله وجهه، ويقولون: عليه السلام، أما عمر الفاروق فهذا لقب وكنيته أبو حفص وعلي بن أبي طالب لقبه أبو تراب وكنيته أبو الحسن، وشيخ الإسلام ابن تيمية هذا وصف له، فهذا ليس فيه منافاة ولا إشكال، أما تخصيص الشيعة لـ علي بـ: كرم الله وجهه، وعليه السلام، فهو مما لا أصل له.

حد الشرك الخفي

حد الشرك الخفي Q ما هو حد الكفر الخفي؟ A الكفر الخفي أو الشرك الخفي هو مثلما جاء في الحديث: (الشرك الخفي الرياء، يقوم رجل فيصلي فيزين صلاته لما يرى من نظر الرجل إليه) فما يقوم بالقلوب من إرادة الدنيا والرياء وتسميع الناس هذا هو الشرك الخفي، والشرك الظاهر هو الواضح في كل شيء حتى الحلف بغير الله وما أشبه ذلك.

حكم الدخول إلى غرف البالتوك الشيعية

حكم الدخول إلى غرف البالتوك الشيعية Q ما حكم الدخول لغرف الرافضة المسماة بالبالتوك برنامج المحادثة في الإنترنت؟ A لا تدخل فيها لئلا يضلوك، كما سمعت قول السلف: (إذا سمعت كلام صاحب بدعة أخاف أن يقع في قلبي شيء أخاف أن أزل وأضل)، فكيف تسمع كلام الرافضة؟ لا تسمع ولا تدخل، ولا يدخل في هذا إلا طالب علم كبير، أو عالم كبير، أو داعية كبير يريد أن يرد عليهم، أما أنت فلا تدخل لئلا يقع في قلبك شيء من الزيغ فتهلك. فاحذر كل الحذر من أهل البدع، ولا تجالسهم، ولا تسمع كلامهم، ولا تشهد جنازة المبتدع ولا تزره، كيف تدخل إلى تلك الغرف وأنت تسمع كلامهم؟ هذا لا يجوز، بهذا تجر إلى نفسك الباطل، وتتسبب في زيغك وضلالك، نسأل الله السلامة والعافية. أما إذا دخلوا غرف أهل السنة وألقوا بعض الشبه علينا فهل نرد عليهم ويجادلون؟ إذا كان طالب علم كبير أو عالم فلا بأس، أما غيره فلا، فلا تسمع كلامهم ولا ترد عليهم.

الفرق بين الجاحد والمتأول

الفرق بين الجاحد والمتأول Q هل من جحد حرفاً من كتاب الله عز وجل متأولاً فإنه معذور، أليس هذا فيه فتح الباب للبدعة ونحوها؟ A هذا لا يسمى جحداً، إنما يسمى تأويلاً، وقد وضحت الفرق بين الجاحد والمتأول، وقد مثلت لذلك برجل أنكر قوله: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:5]، هذا يسمى جحوداً وهو كفر، أما المتأول فغير الجاحد وهو يقول: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:5] أي: استولى.

كيفية التعامل مع أهل البدع

كيفية التعامل مع أهل البدع Q أقوال الفضيل بن عياض رحمه الله تأمرنا بالشدة على أهل البدع وإهانتهم وطردهم، وهذا كله مخالف للخلق الإسلامي، بل لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يعامل المشركين هذه المعاملة، وذلك الرجل الذي قال: إن الخوارج يخرجون منه لم يعامله هذه المعاملة؟ A الرسول عليه الصلاة والسلام هو المشرع، والله تعالى قال له في أول الأمر في مكة: {وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} [الأنعام:106]، {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف:199]. فالرسول عليه الصلاة والسلام مشرع ومبلغ عن الله عز وجل، وأمره الله بأن يدعو الكفار إلى الله ويدعو المشركين، هذه دعوة، والداعية يقتدي بالرسول، إن كنت طالب علم فادع الكفار والمشركين واليهود وأهل البدع. أما إذا لم يكن بيدك من الأمر شيء، أو كنت لست طالب علم، وتخشى من أهل البدع أن يؤثروا عليك فاحذر واجتنب كما قال الفضيل بن عياض.

معنى التوحيد

معنى التوحيد Q في قول المصنف رحمه الله: إذا سمعت الرجل يقول: (تكلم بالتوحيد، واشرح لي التوحيد فاعلم أنه خارجي معتزلي) أليس في ذلك نظر؛ فإن كلمة التوحيد في عصرنا هذا هي شعار أهل السنة والجماعة، نأمل توضيح ذلك؟ A التوحيد هو: أن توجه جميع أعمالك لله عز وجل، وأن لا يقع في عملك شرك في العبادة، ولا تنكر شيئاً مما هو معلوم من الدين بالضرورة، هذا هو التوحيد. والشرك: كل ناقض للتوحيد، والبدع والمعاصي تقدح في التوحيد. وقصد المؤلف أهل البدع في زمانه. وقصده من ذلك من ينكر ما وصف الله به نفسه؛ لأن المعتزلة يسمون التوحيد العدل ويدخلون تحته نفي الصفات، ونفي الرؤية، والقول بخلق القرآن، فإذا قال اشرح لي التوحيد فهو مبتدع يعني: أن تفصل التوحيد على ما يعتقده المعتزلة.

حكم عوام الروافض

حكم عوام الروافض Q ما حكم عوام الروافض هل هم كفار؟ حيث إنهم يتبعون علماءهم ويعتقدون أنهم على صواب؟ A قال العلماء: إنهم كفار مثلهم، والله تعالى جعل الأتباع مثل المتبوعين، قال تعالى: {وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا * رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ} [الأحزاب:67 - 68]، وقال تعالى: {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا} [البقرة:166]، ثم قال: {كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ} [البقرة:167]، ثم بين الله تعالى أنهم كلهم في النار. وقال آخرون من أهل العلم: إن علماءهم كفار وعوامهم فساق. وفق الله الجميع لطاعته، ورزق الله الجميع العلم النافع والعمل الصالح، وثبت الله الجميع على الهدى، وصلى الله على محمد وآله وصحبه.

§1/1