شرح قواعد الإعراب

شَيْخ زَادَهْ

الرقم الاصطلاحي: 1034 الرقم الموضوعي: 450 الْمَوْضُوع: لُغَة (نَحْو وَصرف) العنوان: شَرْحُ قَوَاعِد الْإِعْرَابِ لِابْنِ هِشَام التَّأْلِيف: مُحَمَّد بن مصطفى القوجوي (شيخ زَاده) تَحْقِيق: إِسْمَاعِيل مروة الصَّفّ التصويري: دَار الْفِكر بِدِمَشْق التَّنْفِيذ الطباعي: المطبعة العلمية بِدِمَشْق عدد الصفحات: 304 قِيَاس الصفحة: 17 × 24 سم عدد النّسخ: 1500 دَار الْفِكر المعاصر الطبعة الأولى 1416 هـ - 1995 م جَمِيع الْحُقُوق مَحْفُوظَة يمْنَع طبع هَذَا الْكتاب أَو جُزْء مِنْهُ بِكُل طرق الطَّبْع والتصوير وَالنَّقْل والترجمة والتسجيل المرئي والمسموع والحاسوبي وَغَيرهَا من الْحُقُوق إلَّا بِإِذن خطي من دَار الْفِكر بِدِمَشْق دَار الْفِكر سورية - دمشق - برامكة مُقَابل مَرْكَز الانطلاق الموحد - ص. ب: (962) برقيًا: فكر - س. ت: 2754 هَاتِف: 2239717، 2211166 فاكس: 2239716 تلكس: FKR 411745 Sy

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ شَرْحُ قَوَاعِد الْإِعْرَابِ

عرفان الصديق العزيز ... الأستاذ المفضال عبد الله أحمد المطوع الموقد رعيت هذا البحث، وكان لك الفضل الأكبر في إخراجه بهذه الحلة اللائقة أذكر ذلك عرفانًا وشكرًا إسماعيل

إهداء

إهداء إلى الأستاذ الدكتور أسعد ذبيان من رعاني وظنَّ بي الظنَّ الحسن أرفع بحثي هذا

شكر

شكر إِلَى النخلةِ المعطاء الَّتِى مَا تزَال تكتوي بهجير الصَّحرَاء. نبعِ الأخوّة الثر الَّذِي مَا بخل بالعطاء أخي معتز مروة الَّذِي لولاه مَا كتبت حرفا وَاحِدًا فى هَذِه الرسَالَة، أقدّم شكري لَهُ فى غربته. وَإِلَى زَوْجَتي الطيّبة الَّتِى رافقتني رحلتي العلمية، فَكَانَت نعم الصديقة، لم تتأفّف، وَلم تتبرّم يَوْمًا، بل دفعتني بخلفها الرضيّ، وسماحتها، وقناعتها. وَإِلَى أَوْلَادِي مُؤمنَة وَمنى وَمُؤمن الغالين وَقد سرقني الْبَحْث مِنْهُم طَويلا .. آمل أَن أعوّضهم فِي قَابل الْأَيَّام. استحقوا شكري فإليهم أقدمه. إِسْمَاعِيل

مقدمة المحقق

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله وكفى، والصلاة والسلام على النبي الذي اصطفى، وعلى سائر النبيّين، وآل محمد وصحبه الطاهرين، وبعد: منذُ صارت العربية لغة القرآن المنزل على صدر النبيّ الكريم، نالت عناية من علماء العربية إكرامًا للغة وقرآنها، وفضلُ العربية هذا دفع اللغويين للعمل في تحليلها والتصنيف في علومها، ونشأ من بين علوم العربية عِلْمٌ على جانب كبير من الأهمية -أعاريب القرآن- توزّعت مصنّفاته إلى: - كتب أخلصت للإعراب القرآني، ودراسة وجوهه وقراءاته، وما يتعلَّق به من علوم أخرى. - كتب اعتنت بالجوانب الإعرابية في القرآن الكريم، أو ببعض الظواهر التي ما كانت لتكون لولا القرآن الكريم. وقد نشأ هذا الجانب من التأليف مُبَكّرًا، لكن ذروة نضجه والتأليف فيه كانت عند علامة النحو العربي (ابن هشام الحنبلي الأنصاري 761 هـ) وأهم مصنفاته في هذا الباب "مُغْنِي اللَّبِيب عَن كُتُب الأعَارِيب" والذي ما يزال إلى يومنا يطغى على المصنفات في هذا الباب، حتّى تلك التي سبقت ابن هشام، كمصنفات "الزَّجَّاجي والرُّمَّاني والهَرَوِيّ والمَالَقِيّ والمُرَادِيّ". ولم يُخْمِل هذا الكتاب ذكر كتب السابقين له وحسب، بل نحّى جانبًا كتب ابن هشام في هذا الفن مثل "الإعْراب عَن قَوَاعِدِ الإعْرَاب". مع أنّه أسبق منه تأليفًا، ومن الباب نفسه، وقد زعم بعض الدّارسين أن "المُغْني" شرح له، وردّ ذلك بعضهم، ولذلك مكانه في الدّراسة ومع أنّ "المغني" سرق الإهتمام، إلاّ أنّ العلماء تنبّهوا إلى قيمة مصنفاته الأخرى، وما فيها من علم غزير مركّز، فقاموا بدراستها وشرحها، وعلى رأسها رسالته الموجزة "الإعراب عن قواعد الإعراب" وسيأتي ذكر شروحها في الدراسة إن شاء الله تعالى.

و"شرح قواعد الإعراب" لـ شَيْخ زَادَه 950 هـ، من الشّروح القيّمة، فمع أنّ الشارح متأخّر في الزمان، إلا أن شرحه غنيٌّ بالفوائد اللغوية، ومصادره الكثيرة التي عاد إليها، جعلت شرحه حاويًا الكتب والآراء معًا. وللشرح قيمة كبيرة تكمن في أنّ الشّارح عالم مشارك في كثير من العلوم ذات الصلة بالقرآن الكريم. ولمّا عاينت الكتاب، وجدت فيه فائدة، ولمست فيه نفعًا، لذلك شمرت عن ساعد الجدّ، وقرّرت أن أخرجه إلى النور. دوافع العمل فيه: ليس من قبيل المصادفة أن أختار هذا الشرح ليكون موضوع دراستى لنيل شهادة الماجستير في علوم اللغة، بل تمّ اختياره من إيمان قويّ بضرورة تحقيقه، أوجزه بما يلي: 1 - الكتاب المشروح وموضوعه: إنّه كتاب "الإعراب عن قواعد الإعراب" لابن هشام، الذي لقي عناية من الدّارسين قديمًا، وحديثًا، والسبب في موضوعه الطريف، والجمل وأشباه الجمل، والأدوات النحوية، وهذا الموضوع مع أهميته لم يلق عناية كافية في البحث لوعورته، حتى كاد الانقراض يطوله. 2 - مؤلف المتن: ابن هشام الذي طبّقت شهرته الآفاق، ولقيت مصنفاته كلُّها عناية كبيرة، واستقبلها المتأدّبون والباحثون بالترحيب، فهي معروفة تتناقلها أيدي الخاصة والعامة. وابن هشام أفرد عددًا غير قليل من مؤلفاته لهذا الفن حتى نضج: - القَوَاعِدُ الصُّغرى. - القَوَاعِدُ الكُبْرى. - الإعْرَاب عَن قَوَاعِدِ الإعْراب. - مُغْنِي اللَّبِيب عَن كُتُبِ الأَعَاريب.

حتى غدت نظرات ابن هشام في الباب، نظرية للعلماء الذين جاؤوا بعده. 3 - الشارح وشرحه: شارح الكتاب شيخ زاده أحد العلماء المشاركين، وشرحه الذي عثرت عليه في أثناء تنقيري في قوائم مخطوطات المكتبة الظاهرية بدمشق، والتي آلت إلى مكتبة الأسد الوطنية بدمشق، لفتا انتباهي، وفكّرت طويلًا في تصويره وتحقيقه، فكنت أُقْدِم حينًا، وأحجم حينًا .. وحين فكّرت بموضوع لرسالتي، كان هذا المخطوط أوّل ما أعدتُ النظر فيه. بحثتُ عنه طويلًا في فهارس المكتبات التي بين يدي، واستعنت بإخوة باحثين أفاضل خارج الوطن، فبحثوا في مكتباتٍ عالميةٍ عدّة، خاصة في تركِيا موطن الشارح، فلم يعثروا على شئ، جزاهم الله خير الجزاء. ودفعني الفضول العلمي إلى تصوير نسختي مكتبة الأسد، فكان فيهما تشجيع لي، فهما تامّتان، جيّدتان، على ما اعتورهما من وهن. ووصلت إلى قناعة بهذا الكتاب، وإلى إمكانية نشره من هاتين النسختين. لا أريد أن أطنب في التقديم، فلكل مجال واسع في الدراسة، لكن لابد ممّا ليس منه بدّ. وبعد: عرضت الأمرَ أمام أستاذي الفاضل الدكتور أسعد ذبيان، فصحَّح العزم مني، وحذّرني ممّا في النصّ من مشكلات، وأشفق عليَّ من مقدار الجهد الذي يتطلّبه، ولمّا وجد رغبة مني، شجعني على ما عقدت عليه العزم ودفعني بروحه العلمية التي عُرف بها، وحثّني على العمل، ولا أنكر أنني ما كنتُ لأنجز ما أنجزت لولا ما بذل من وقته الثمين، وعلمه الوافر وتوجيهاته السديدة، فله عندي دَيْن لا أقضيه ما حييت.

وقد مدّ يد العون لي في أثناء الإختيار والعمل، ثلاثة من ذوي العلم والفضل، يقتضي المقام أن أذكرهم شاكرًا: أساتذتي د. مزيد إسماعيل نعيم أستاذ النحو في جامعة دمشق، ود. نبيل أبو عمشة أستاذ النحو في جامعة دمشق، وأخي وأستاذي حسن إسماعيل مروة الذي كان نبراسًا ومشجعًا ولم يزل. ولا يفوتني أن أنوّه بأعضاء لجنة الحكم أستاذيّ الفاضلين د. عصام نور الدين ود. عفيف دمشقية على ما أبدياه من ملاحظات. أقدّم عملي هذا راجيًا من الله أن أكون قد وفّقت، فإن كان فلله الفضل والمنة، وإن قصّرت عن الغاية فلأنني لا أعلم، وفوق كلّ ذي عِلْمٍ عليم. ربنا تقبل عملي هذا، واجعله في صحيفتي يوم الدّين، في خدمة كتابك المُبين، كتاب الحقّ واليقين. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين إسماعيل إسماعيل مروة. معربا الشّام - دمشق الثلاثاء 23 ذي القعدة 1414 هـ 3 أيار 1994 م

المقدمة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ هذا كتاب شيخ زاده: شرح قواعد الإعراب. واعلم أن الشيخ لم يُصدّر رسالته بالحمد كما فعله غيره. إمّا اكتفاءً بالبسملة، بناءً على أن المراد بالحمد الواقع بالحديث هو الوصف بالجميل، على جهة التعظيم والتَّبجيل، لا للحَمْدَلَةِ، على ما نصَّ عليه شارح "مسلم". وإمّا هضمًا لنفسه، بأنّ كتابه هذا ليس ككتب السّلف حتى يسلك في سننهم ولا يلزم منه عدم الابتداء بالحمد مطلقًا، حتَى يكون بتركه أقطع لجواز إتيانه من غير أن يجعله جزءًا من الكتاب. فقال: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ: الباء متعلقة بمحذوف تقديره: بسم الله أبدأ. وتقديم المعمول للدلالة على الإختصاص، أو متبرِّكًا باسم الله أبدًا. فعلى الأول يكون الباء للاستعانة، وعلى الثاني يكون للمصاحبة.

والاسم: مشتق من السُّمو عند البصريين، لكونه رفعةً وشعارًا للمسمّى، فحذف الآخر، وبُني الأوّل على السكون، فزيدت عليها همزةُ الوصل، إذ كان دأبهم أن يبتدئوا بالمتحرك، ويقفوا على الساكن. وإذا وقعت في الدَّرْج لم يُحتج إلى زيادة شئ. ومن السِّمة عند الكوفيين بمعنى العلامة فتاؤها عوض عن الواو كما في عِدة، فيكون أصله وسمًا، فحذفت الواو على غير القياس، وعوّضت همزة الوصل. وإنّما لم يكتب الألف كما هو وضع الخطّ لكثرة الإستعمال. وتطويل [الباء] عوض عن الألف. ومن لغاته أن يستغنى عن الهمزة بالتَّحريك، فقيل: سِمْوٌ، بكسر السين على القاعدة الممهّدة، أو بالضم ليدلَّ على الواو. والله: قال بعضٌ: إنّه علم لذات، واجب لأنّه يوصف، ولا يوصف به، ولأنه لابدّ له من اسمٍ يجري عليه صفاته، لا يصلح له مما يطلق عليه سواه، ولأنّه لو كان وصفًا لم يكن قوله: لا إله إلَّا الله توحيدًا؛ لأنه لم يمتنع من الشّركة.

وقال (بعض): الأظهرُ أنّه وصفٌ في أصله، لكنّه لما غلب عليه بحيث لا يستعمل في غيره صار كالعلم، فأجري مجراه. أصله إله، وهو اسم لكلِّ معبود، ثم غلب - (بحيث لا يستعمل في غيره) - على المعبود بالحقّ على وزن فِعال، بمعنى مَفْعُول، أي مألُوه. واشتقاقه: إمّا من أَلِهَ بالفتح، بمعنى عبد، أو بكسر بمعنى تحيّر، لأنّ العقولَ تتحيّر في معرفته. أو من أَلَهْتُ إلى فلانٍ أي: سكَنْتُ. لأنّ القلوب تطمئن بذكره، وتسكن إلى معرفته. أو من أَلَهَ إذا فزع من أمرٍ نزل عليه، وألَّهَهُ غيره، أي: خلّصه من الحزن، لأن العائذ يُفزَع عليه. أو من ألَهَ الفصيلُ إذا حَرَصَ على أُمِّه، لأنّ العباد يحرصون عليه بالتَّضرُّع والشّدائد. أو من وَلِهَ، وهو أيضًا بمعنى تَحَيَّر، فكان أصله وِلَاه، بكسر الواو فقلبت الواو همزة لاستثقال الكسرة عليها، فحذفت الهمزة، وعوّض عنها الألف واللّام، ويدلّ عليه الجمع بحرف النداء والقراءة بالقطع في المنادى. قال بعضٌ: دخلت عليه الألف واللّام، وحذفت الهمزة تخفيفًا لكثرته في الكلام، ولو كانتا عوضًا عنها لما اجتمعتا مع المعوّض عنه، وقطعت الهمزة في النّداء للزومها تفخيمًا لهذا الاسم. وأمّا الجمع بينهما وبين حرف النّداء، لعدم الإذن الشرعي في إطلاق الأسماء المبهمة على الله تعالى.

وقيل: أصله لَاهَ، مصدر لَاهَ يَلِيْهُ لَيْهًا ولَاهًا، إذا احتجب وارتفع، لأنّ الله تعالى محجوب عن دَرْك البصائر، ومرتفع عن كلّ شيء، وعمّا لا يليق به. وقيل: أصله لَاها بالسّريانية، فَعُرِّبَ بحذف الألف الأخيرة، وإدخال اللام عليه. وعلى جميع الوجوه أدغم "اللام الزائدة في الأصل في التلفُّظ دون الخطّ لكونها في الكلمتين. الرّحمن الرَّحيم: اسمان بُنيا للمبالغة من رَحِمَ. والرّحمة في اللّغة: رقة القلب، وهي من الأفعال النفسانيّة التي تستحيل من الله تعالى، فعبّر عنها بلازمها، وهو التفضُّل والإحسان. الرَّحمن أبلغ من الرّحيم، لأنَّ زيادة (اللفظ) تدل على زيادة المعنى، وذلك يكون تارةً باعتبار الكميّة، أي باعتبار كثرة أفراد المُنْعم (عليه) وقلّتها. فعلى هذا يقال: رَحْمنُ الدُّنيا لأنه للمؤمن والكافر، ورحيم الآخرة، لأنَّه يختصُ بالمؤمن. وتارة باعتبار الكيفية، فيقال: رَحْمن الدُّنيا والآخرة، ورحيم الدُّنيا، لأن النِّعم الأخرويّة كلّها عظامٌ، وأمّا النّعم الدّنيوية فقد تكون جليلةً وحقيرةً. وإنّما قدّم الرّحمن، مع أنّ القياس يقتضي الترَّقِّي من الأدنى إلى الأعلى؛ لكونه صار كالعلم، من حيثُ إنه لا يوصف به غيره، أو لتقدير رحمة الدّنيا على الوجه الأوّل. وأصلُ الرّحمن: الرّحمان، حذفت الألف من الخطّ تخفيفًا، وقلبت اللام راءً لقرب مخرجهما، فأُدغم فيه في التلفظ دون الخطّ، لكونهما في الكلمتين. وكذا الرّحيم.

قال: ذُكر بلفظ الماضي إمّا للتّفاؤل، أو لكون تأليفه قبل الدّيباجة. الشيخ الإمام: أي: المُقْتَدَى من حيث العلم والعمل، وإنما تسمى بهم شيخًا، لأنّهم يتخلّقون بأخلاق الشّيوخ؛ يقال للعالم: شيخ ولو كان شابًّا. العالم العامل: صفة ثالثة له، وإنّما قُدّم على العمل لكونه سببًا له، وما وقع في بعض النُّسخ تقديم العامل عليه لكونه مقصودًا بالذات. جمالُ الدّين: بالرّفع، بدل عن الشّيخ، أو عطف بيان له، وهو لقب. أبو محمد: الذي اسمه عبد الله، وهو ابن يوسف بن هشام، ابنُ بالرّفع صفة جمال الدّين، ومضاف إلى هشام. وجملة: نفع الله المسلمين: دعاءٌ لهم بحسب الظاهر، ولنفسه في الحقيقة. بأن يكون علمه منُتفَعًا به. ببركته: الظّنُّ أن الضمير راجع إلى ابن هشام أي: بخيره الكثير، وإنّما مدح نفسه مع أنّ المدح مذموم من الغير، فكيف من نفسه، ليعلم النّاظر (إليها) في أوّل الأمر إنّها من مؤلفات الثّقات، حتى لا يُنظر إلى رسالته بنظر الحقارة، على أن المراد منه الإخبار عن أنعم الله تعالى عليه، لا المدح، امتثالًا إلى أمر الله تعالى: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ}. هذه: المشار إليه مقدر بمعرفة المقام، وهي الرّسالة. وجملة ما في الكتاب من هذه محكيُّ القول.

فوائد: جمع فائدة، وهي ما استفدتَ من عِلْم. وقوله: جليلةٌ: أي عظيمة. في قواعد: جمع قاعدة، وهو الأَسَاس. والمراد هنا القانون، وهو كلُّ أمر منطبق على جميع جزئياته، كقولنا: كل ما اشتمل على علم الفاعلية فهو مرفوع. الإعراب: هو الذي آخر الحرف من الحركات والحروف المعهودة. وعند كثير من النُّجاة هو اختلاف آخر الكلمة، فعلى هذا الوجه يكون الإعراب أمرًا معقولًا، وإنّما سُمّي إعرابًا لكونه. مبينيًّا بمعنى الفاعلية والمفعولية والإضافة، من قولهم: أعربَ الرَّجل عن حجته إذا بيّنها. أو لأنّ فيه أدلّةَ فساد الإلتباس من قولهم: أعْرَبَ إذا أزال العَرْبَ، وهو الفساد. وجملة تقتفي: حال من هذه، أي تُتبْع تلك الرّسالة متأمّلَها، أي: من نظر إليها مستبينًا. جادة الصّواب: أي: الطّريق المعظم الخالي عن الخطأ. وتطلعه: المستتر راجع إلى الرّسالة، والبارز إلى المتأمّل. في أَمَدٍ قصيرٍ الأَمَدُ: الغاية، والقصير ضدّ الطّويل، والمراد ههنا الزّمان القليل. على نكت: جمع نُكته، وهي النقطة، استعيرت هنا لمعانٍ دقيقة. كثيرة: التي كائنة من الأبواب، أي من أنواع الإعراب. عَمِلْتُها: أي جمعتُها، والتعبير للمشاكلة. عَمَلَ: بالنصب، أي كعمل.

من طَبَّ لمن حَبَّ، وسميتها: قال المحشِّي [في] "الضوء": سمّى من الأفعال التي تتعدى إلى الثاني بواسطة الحرف، لكن يحذف اتّساعًا. قال الجوهريُّ: سمّيت فلانًا زيدًا، وسمّيته بزيد [بمعنىً]. فمفعوله الأوّل الضمير الرّاجع إلى الرسالة، والثاني: بالإعراب وجهًا [وإنّما سمّيت به مع أنّ الاختلاف آخر الكلمة أو ما يوجد في آخر المعرب من الحركة، أو الحروف المعهودة مع اختلاف القولين للمبالغة، ويجوز أن يكون الوجهان المذكوران في تسميته للاختلاف بالإعراب] كائنًا عن قواعد الإعراب. ومن الله: متَعلّق أستمدُّ، والتّقديم للتّخصيص، والاستمداد في اللُّغة طلبُ المدد، ثم استعير لمطلق الطّلب. التوفيق: وهو استعداد الإقدام على الشيء، وقيل: جعل الله أفعالَ عباده موافقًا لما يحبُّه ويرضاه. وقيل: هو موافقة تدبير العَبْد لتقدير الحقّ. وقيل: هو الأمر المقرِّب إلى السّعادة الأبدية، والكرامة السّرمدية. وقيل: جعل الأسباب موافقةً للمسبّبات.

والهدايَة: أي الدلالة الموصلة إلى المطلوب، على ما ذكره الزمخشري مستدلًا بقوله تعالى: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ}. وذكر الإمام الرّازي في "التفسير الكبير": هي الدّلالة على ما يوصل إلى المطلوب سواء كان أوُصِلَ إليه بالفعل أوّلا. واستدلّ بقوله تعالى: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ}. والحقُّ أنها مستعملة في كلا المعنيين، لكن الاستعمال في معنى الدّلالة الموصلة بالفعل أكثر. إلى أقوم الطريق: متعلّق إلى الهداية، أي أعدله. بمنّهِ: متعلّق بأستمدّ، أي بإنعامه وكرمه. وتنحصر بحسب تأليفه وترتيبه. في أربعة أبواب: الباب في الأصل مدخلُ البيت، وإنّما سمّي به لكون الدّخول في شموله بعد المجاوزة عنه، كما يُدخل في البيت بعد المجاوزة عن بابه. أصلُه: بَوَب، يدلُّ عليه مجيء جمعه [على] أبواب. الأوّل: قال في "الصحاح": الأوّل نقيض الآخر، وأصله: أوْءَل على وزن أفْعَل مهموز الأوسط، قلبت الهمزة واوًا، وأدغمت. يدلُّ على ذلك قولهم: هذا أوّل منك. والجمع: الأوائل، والأوالي أيضًا على القلب.

وقال قوم: أصلُه وَوّل على وزن فَوْعَل، وقلبت الواو الأولى همزةً، وإنّما لم تجمع على أَوَاوِل لاستثقالهم اجتماع الواوين بينهما ألف الجمع، وهو إذا جعلته صفة لم تصرفه، تقول: لقيته عامًا أوّل، وإذا لم تجعله صفة صرفته، تقول: لقيته عامًا أوّلًا، وتقول في المؤنّث: هي الأولى، والجمع الأُوَلُ، مثل: أُخرى وأُخَر، وكذلك لجماعة الرّجال من حيث التأنيث. قال الشاعر: عَوْدٌ عَلَى عَوْدٍ لأَقوامٍ أُوَلْ [الرجز]

[الباب الأول] [في الجملة]

[الباب الأَوّل] مع الباب الأوّل في معرفة الجملة وأحكامها، وفيه، أي في هذا الباب. أربع مسائل: إنّما قَدّم هذا الباب لأنّ المراد من هذه الرسالة بيان الإعراب، وهو لا يوجد إلّا في الكلام، فلذلك قدّم أحوال الجملة، فقال: [معنى الجملة] المسألة الأولى في شرحها، أي في شرح الجملة. اعلم: ذكر اعلم تنبيهٌ على أنّ ما بعده ممّا يجب الإصغاء [إليه]، كما في قوله تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} إنّ اللفظ المفيد يُسَمّى كلامًا وجملة. اعلم أنّ النحاة أطلقوا المفيد بالإشتراك على ما يقابل المهمل، حتى إنّ كل لفظ موضوع مفيد مفردًا كان أو مركبًا، وعلى ما يفيد فائدة جديدة، وعلى ما يصحُّ السكوت عليه، وفسَّروا صحة السّكوت، بأنّ الكلام لا يستتبع لفظًا آخر، انتظار المحكوم عليه وبه. فمن ذهب إلى ترادف الجملة والكلام، وهو صاحب "المفصَّل"، وصاحب "اللُّباب"، وابن الحاجب لم يفرّق بين صحّة السّكوت وحُسْن السّكوت.

فمن ذهب إلى عموم الجملة، وهو سائر النحاة، فرّق بين صحة السكوت [وحسن السكوت] بأن يقال: المراد بصحّة السكوت كونُ الكلام متضمّنًا للإسناد الأصلي، وكان مقصودًا لذاته. فعلى هذا، اللفظ المفيد إذا كان مفسّرًا بصحّة السكوت يكون تعريفًا للجملة، وإذا كان مفسّرًا بحسن السكوت يكون تعريفًا للكلام. ولذلك قال ابن هشام: ونعني بالفائدة. سواء كان لذلك المفيد فائدة جديدة أو لا، فيندرج تحت تعريف الكلام، مثل: السماء فوقنا. هذا عند كثير من النُّحاة. وأما عند سيبويه، وهو مختار أرباب المعاني، فالمفيد مفسّر بما يفيد فائدة جديدة، فمثل هذا المثال لا يكون كلامًا. ما يَحْسُنُ السكوتُ عليه: أي يحسن سكوت المخاطب عليه، بحيث لا يحتاج إلى لفظ آخر ليفيد فائدة تامّة، فيندفع كلامُ بعض الفضلاء بأنّ المراد بالسّكوت سكوت المتكلم دون سكوت المخاطب، لأنّ المخاطب [قد] يتوقّف إلى لفظ آخر في بعض الكلام التّام. وأنّ الجملة أعمُّ من الكلام فكلّ كلام جملة، ولا ينعكس، أي: كلُّ جملة كلامًا. ألا ترى أنّ نحو: قام زيد من قولك: إن قام زيد قام عمرو، يسمّى جملة ولا يسمّى كلامًا لأنّه لا يحسن السكوتُ عليه. لما عرفت أن الكلام ما تضمّن للإسناد الأصلي، وكان مقصودًا لذاته، فالجملة الواقعة خبرًا، أو وصفًا، أو حالًا، أو شرطًا، أو صلة، ونحو ذلك جملةٌ وليست بكلام، لأنّ إسنادها لم يكن مقصودًا لذاته، والجملة ما تضمّن الإسناد الأصلى سواء كان مقصودًا لذاته أوْ لا.

فالمصدر واسم الفاعل، واسم المفعول، والصفة المشبهة، وأفعل التَّفضيل ليس كلامًا ولا جملة، لأنّ إسنادها ليس بأصليّ، لأنها شبيهة بالخالي من الضمير، لعدم التغيّر في المتكلم والغيبة والخطاب، مثلًا تقول: أنا ضارب، وأنت ضارب، وهو ضارب، كما تقول: هو رجل، وأنا رجل، وأنت رجل. فلذلك كان إسنادها عارضيًا لا أصليًا. ثم الجملة على سبيل الإطلاق من غير ملاحظة مادة الافتراق. وتسمى اسمية إن بدأت باسم صريح. قدّم الاسمية لبساطة الاسم، وتَركُّبِ الفعل كما فعل بعض النحاة. أو للاحتراز من فصلٍ بين القسمين بدفع سؤالٍ مقدّر وهو قوله: لأن التقدير. . . إلخ. وإن كان حقّ الفعل التقديم لأصالته في الإسناد، كزيدٌ قائمٌ، يجوز رفع زيد على سبيل الحكاية، وجرّه بالكاف، لكن الأوّل هو الأفصح. وإنّ زيدًا قائمٌ، وهل زيدٌ قائمٌ، وما زيدٌ قائمًا: أي ليس زيد قائمًا، ولمّا كان ابتداء بعض الجملة الاسمية بالحروف مع أنها اسمية أورد أمثلة لبيان عدم التفاوت في الجملة التي بدأت بالحرف، سواء كان ذلك الحرف عاملًا أوْ لا، لأنّ المراد بالابتداء الابتداء الذي له مدخل في الإسناد. وفعليةً بالنصب عطف على اسمية، إن بُدئت بفعل، هذا حصر حقيقي إن كان مذهبه كمذهب ابن الحاجب، وهو أن الجملة إمّا جملة اسميّة أو فعلية فقط، والشرطية تدخل في الفعلية، وكذا الظرفية عند أكثر البصريّة، وهم الذين قدروا الفعلَ في الظروف، وادّعائي إن كان مذهبه كمذهب الزمخشري، وهو أن الجملة أربعة، تنبيهًا على أنهما أصلان بالنسبة إلى غيرهما، لكنّ الأوّل أوْلى لدلالة السّياق عليه كقام زيد واعلم أنّ المصنّف لم يذكر مثالًا من مثل: أقائم الزيدان، وهيهات الأمر، وشتان ما بينهما، لا للاسمية ولا للفعلية، لوجود

الاختلاف في كونها اسمية وفعلية، فإنها جملة اسمية عند الجمهور، وجملة فعلية عند صاحب "اللباب"، وهو صاحب "الضوء"، لأن الجملة الفعلية عندما لا يكون المسند فيه مؤخرًا عن المسند إليه لا لفظًا ولا تقديرًا، ولم يسدّ مسدّ المسند ظرف أو ما جرى مجراه، سواء كان المسند فعلًا، أو اسمًا، أو اسم فعل. وهل قام زيد، سبق وجه كونها من الجملة الفعلية. وزيدًا ضربته، ويا عبد الله ولمّا كان في هذين المثالين نوع توهمٍ لم يُدفع بمجرد إيراد المثال، رفعه بقوله: لأنّ التقدير: ضربتُ زيدًا ضربته، لأنّ العامل مضمر على شريطة التفسير، فيكون في حكم الملفوظ مقيدًا بالفعل على ذلك التقدير. وأدعو عبد اللهِ، لعل وجه تعبير المصنف عن التقدير بأدعو عبدَ اللهِ، عازفًا عن حرف النداء اختيار المبرد، وهو أنّ حرف النداء يَسُدُّ مَسَدَّ الفعل، والفاعل مقدّر، فإذا عُبّر عن التقدير بـ (يا) أدعو يلزم ذكرُ النائب والمنوب. فعلى مذهبه يكون أحد جزئي الجملة حرف النداء، والآخر الفاعل المقدّر. وأمّا عند سيبويه الجملة هو الفعل المقدّر بين حرف النّداء والمنادى وهو أدعو، والآخر الضمير المستتر فيه، فيكون أصله: يا عبد الله، فحذف الفعل حذفًا لازمًا لكثرة استعماله، ولدلالة حرف النداء عليه، وإفادته فائدته، فيكون جزء الجملة هو الفعل والفاعل المقدّرين.

وقال أبو علي الفارسي: إن حرف النّداء اسم فعل، فيكون أحد جزئي الجملة (حينئذ) حرف النّداء، والآخر الضمير المستتر فيه، فعلى مذهبه كونها من الجملة الفعلية على رأي صاحب "اللُّباب". ولمّا فرغ من بيان الجملة وبعض أحكامها، شرع في بيان التّسمية بالكبرى والصغرى فقال: وإذا قيل: زيدٌ أبوهُ غلامُه منطلقٌ، فزيدٌ مبتدأ، وأبوه مبتدأ ثانٍ، وغلامُه مبتدأ ثالث، ومنطلقٌ خبر الثالث، [وهو غلامه]. والثالث وخبرُه: بالرفع معطوف على الثالث، ويجوز النَّصب على أن يكون الواو بمعنى مع، خبر الثاني، والثاني وخبره: وإعرابه كإعراب سابقه خبر الأول، وهو زيد. ويسمّى المجموع [جملة] كبرى لكونها أصلًا، ومشتملة على الكثير، وكبرى تأنيث الأكبر. وأفعل التفضيل المجرّد عن حرف التعريف والإضافة إذا جرّد عن معنى التفضيل جاز جمعه، وإذا جاز جمعه جاز تأنيثه. وغلامه منطلق جملة صغرى: لكونها قليلة، وتابعة للجملة المتقدّمة. وأبوه غلامه منطلق جملة كبرى بالنسبة إلى غلامه منطلق، وصفرى بالنسبة إلى زيد أبوه غلامه منطلق. فتكون هذه الجملة ذات وجهين، ويقال: جملة وسطى. وهذا الاصطلاح غير اصطلاح المنطقيين في إطلاق الصغرى والكبرى، لأنّهم اعتبروا الأهميّة والأخصيّة بخلاف النحويين، فإنّهم اعتبروا الأصلية والتّابعية.

ومثله: أي مثل زيد أبوه غلامه منطلق، فمثل مبتدأ، وخبره: {لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي} إذ الأصل: لكن أنا هو الله ربّي، فأُلقيت حركةُ الهمزة على النُّون، وقيل: حذفت حذفًا، فتلاقت النُّونان فأُدغمت. فأنا مبتدأ، وهو مبتدأ ثانٍ، والله مبتدأ ثالث، وربّي خبر المبتدأ الثالث، والعائد فيه الياء، والثالث مع خبره خبر الثانى، والثاني مع خبره خبر الأوّل، على منوال: زيد أبوه غلامه منطلق. ويجوز أن يكون هو مبتدأً ثانيًا، والله: بدلًا منه، وربّي خبر هو، وهو مع خبره خبر أنا. وإنّما قال: إذ الأصل لكن أنا لوجوهٍ. الأوّل: أن تكون لكن بغير واو، لأنها لو كانت مشدّدة تكون من حروف المشبهة بالفعل، فالوجه فيها ذكر الواو. وإن كانت مخفّفة تكون من حروف العطف، ولا يجوز إعمالُها إلا عند الأخفش، ويونس، ولا شاهد لهما، كذا في "شرح اللّباب". فالوجه فيها ترك الواو، وإن كان الوجهان جائزين فيهما. والثاني: أنّ أكثر القراء أثبتوا الألف في الوقف، وابن عامر ويعقوب أثبتا الألف

في الوصل أيضًا، ولو كانت مشدّدة في الأصل لما جاز إثباتها. والوجه الثالث: ما ذكره المصنّف وهو قوله: وإلا لقيل لكنّه، لأنّ الضمير المرفوع لا يقع بعد لكنّ، ولا يستقيم تقدير ضمير الشّأن، ليكون اسم لكنّ، وقوله: هو الله ربي خبره، لأنّ حذف ضمير الشأن منصوبًا ضعيف إلا مع أنْ المخففة المفتوحة. فإنّ الحذفَ فيها لازم على ما صرّحوا به في كتبهم. فقوله: إلّا ليست للاستثناء، بل مركّب من "إنْ" و"لا" فيكون معناه وإن لم يكن أصله لكن أنا، لقيل لكنّه يكون أكثر استعمالها بالواو وحروف الاستثناء، ولا يستعمل بالواو إلّا أن يكون الاستثناء مكرّرًا نحو: ما جاءني القومُ إلّا زيدًا وإلّا عمرًا، وقد يستعمل بدون الواو، في قوله تعالى: {إِلَّا تَفْعَلُوهُ} أي: أن لا تفعلوه، فعلى هذا يفرّق من الاستثناء بقرينة المقام، فاحفظه فإنّه جديد جيد صحيح.

[الجمل التي لها محل من الإعراب]

[الجمل التي لها محل من الإعراب] المسألة الثانية: في الجملة التي لها محل من الإعراب: أي لو وقع في موضعها مفرد لظهر فيه الإعراب على ما يقتضيه العامل، وهي سبع. قدّم المسألة الثانية لأنها هي أصل بالنسبة إلى غيرها، كما أن المسألة الأولى أصل بالنسبة إلى الجميع، والمراد من الجملة ههنا هي الجملة التي لا يصدق عليها الكلام. لأنّ الأحوال الآتية عارضة لها. [الواقعة خبرًا] إحداها: الواقعة خبرًا، إحدى: مبتدأ مضاف إلى الضمير، الواقعة بالرفع خبره واللام بمعنى التي، والضمير المستتر فيها راجع إلى إحداها، وإن كان للجملة في الحقيقة. وخبرًا مفعول للواقعة، لأنّ وقع يتعدى بنفسه كقولك: وقعتُ السّكينَ، وقد يستعمل بالأداة كقولك: وقعت عن كذا [ومن] كذا ذكره الجوهري في "الصحاح". وموضعها مبتدأ أي محلّها، وإنما فسّرنا بذلك لأن الجملة من حيث هي جملة مبنية، والمبنيّ مخصوص بالإعراب المحلّي، بخلاف الإعراب اللفظي والتقديري، فإنهما مخصوصان بالمعرب. رَفْعٌ: خبره في خبر بابي المبتدأ، أصله بابين، سقطت النون بالإضافة إلى المبتدأ. وإنّ في محل الجرّ بالعطف على المبتدأ، والمراد من باب (إنّ) الحروف المشبهة بالفعل، وما يكون مشابهًا لها في العمل. فخبر (لا) التي لنفي الجنس داخل فيه نحو: لا رجل في الدّار، ففي الدّار جملة ظرفية في محل الرفع على أنه خبر لا.

نحو: زيد قام أبوه، مثال لكون الجملة خبرًا لمبتدأ، وإن زيدًا أبوه قائم، مثال لكونها خبرًا لأن. ونَصْبٌ: عطف على رفع، يعني: خبر مرفوع في بابي المبتدأ وإنّ، ومنصوب في بابي كان أي في الأفعال الناقصة، والمضاهي لها في العمل، فيدخل خبر (ما) و (لا) التي بمعنى ليس إذا كان جملة. وكاد نحو: {كَانُوا يَظْلِمُونَ} و [{وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ}]. كان: فعل من الأفعال الناقصة، واسمه الضمير المرفوع المتصل. ويظلمون: فعل مضارع، وفاعله الواو، والفعل مع فاعله جملة فعلية خبر كان. اعلم أنّ كان عند ابن الحاجب في ثلاثة أنواع: ناقصة: كما في قوله تعالى: {كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا} على ما اختاره الزمخشري. وتامّة: بمعنى وُجِدَ أو وَقَعَ، كما في المثال المذكور على ما اختاره صاحب "الضوء". وزائدة: غير مفيدة لشيء إلّا محض التأكيد كما في المثال المذكور أيضًا على ما اختاره البعض. والناقصة ثلاثة: إحداها: لتقدير المبتدأ على الخبر بالزمان الماضي، إمّا دائمًا إلى زمان النطق من غير تعرّض الانقطاع، نحو {كَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا}، أو منقطعًا، فلابد حينئذٍ من قرينة مقالية كقوله تعالى: {إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ} أو حالية كقول الفقير: كان لي مال.

وثانيها بمعنى (صار) كقول الشاعر: قَطَا الحَزْنِ قَد كَانَتْ فِراخًا بُيُوضُها [الطويل]. وثالثها: أن يكون فيها ضمير الشأن كقوله تعالى: {لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ}، أي رأي، وهذا المثال يصلح أن يكون مثالًا للكلّ كما نصّ على صاحب "اللّباب"، وأما العلامة الزمخشري عدّ ما فيها ضمير الشأن قسمًا مستقلًا، وإن كانت داخلة في أقسام الناقصة، تنبيهًا إلى أنها تختصّ بأحكام لا يشاركها فيها بقية أقسام النّاقصة، منها أن اسمها لا يكون إلا ضميرًا، ومنها أنّه لا يكون إلّا للحديث، ومنها أنّه لا يكون إلّا مبهمًا، ومنها أنّه لا يكون خبُرها جملةً، ومنها أنّه لا يكون فيه ضمير يعود إلى اسمها، وصاحب "اللّباب" عَدَّ كونها بمعنى صار وجهًا مستقلًا، وإن كانت داخلة في كونها ناقصة للمخالفة بينهما في المعنى، وعلى كلا القولين تتصرف كان على أربعة أوجه. {وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ} إعرابها كإعراب سابقها، وكاد من أفعال المقاربة وُضع لدنوّ الخبر حصولًا، فإذا دخل عليه النفي قيل: معناه للإثبات مطلقًا، أو قيل: ماضيًا. والصحيح أنه كسائر الأفعال في إفادة أدوات النفي نفي مضمونها. اعلم أن عسى: ناقصة عند أكثر البصريين نحو: (عسى زيد أن يخرج) فالمضارع المصدّر بأن في محل نصب على الخبرية أي: عسى زيد الخروج، فعلى مذهبهم يلزم تقدير المضاف، إما في جانب الاسم نحو: عسى حال زيد الخروج، وإما في جانب الخبر أي: عسى زيد ذا الخروج، لوجوب صدق الخبر على الاسم.

[الواقعة حالا]

وتامّة عند الكوفيين وبعض البصريين، فعند ذلك البعض، فالمضارع مع (أنْ) شُبّه بالمفعول وليس بخبرٍ لعدم صدقه على الاسم، وتقدير المضاف تكلّف، وذلك لأنّ أصل عسى زيد أن يخرج، قارب زيدٌ أنْ يخرجَ، أي الخروجَ، ثم نقل إلى إنشاء الطمع، فالمضارع مع أنْ وإنْ لم يبق على المفعولية في صورة الإنشاء، فهو مشبّه بالمفعول الذي كان في صورة الخبر، فانتصب لشبهه المفعولَ. وأمّا على مذهب الكوفيين، فالمضارع مع (أنْ) بدل اشتمال من زيد لأنّ فيه إجمالًا ثمّ تفصيلًا، وفي إبهام الشيء ثم تفسيره وقعٌ عظيم لذلك الشيء في النفوس، قال شارح الرضي: وهذا أقرب عندي. فعلى هذين المذهبين إطلاق باب (كاد) يكون على سبيل التغليب بخروج (عسى) عنه. الثانية والثالثة: الواقعة حالًا، والواقعة مفعولًا، وجه تغيير أسلوب السابق والآتي، إما إشارة إلى أنّ [كون] ذكر الحال في المتن قليل، أو إلى كون الحال والمفعول من واد واحدٍ. ومحلّهما [النصب] أي: محل الحال والمفعول. قوله: ومحلهما مبتدأ، وخبره النصب. [الواقعة حالًا] فالحالية نحو: {جَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ} أي متباكين، وهو حال من ضمير جاؤوا، وهو الواو. فالحالية مبتدأ، نحوُ مرفوع لفظًا لكونه خبرها، ويجوز نصبه، إمّا لكونه مبنيًا لإضافته إلى الجملة، وإما بتقدير الفعل، وهو أمثّل نحوَ جاؤوا فحينئذٍ يكون خبر المبتدأ جملة فعلية. [الواقعة مفعولًا به] والمفعوليةُ بالرفع عطف على الحاليّة.

تقع في ثلاثة مواضع، والجملة الفعلية في محل الرفع عطف على الجملة الفعلية المقدّرة وهي أمثّل، وإن جاز عطف الجملة على [المفرد] من غير اعتبار الطرفين، لكنّ الشريف مال في بعض تصانيفه إلى الوجه الأول، فالياء في الحالية والمفعولية للمصدرية، أي لكون الشيء حالًا ومفعولًا لا للنسبة والمبالغة، لأن ياء النسبة مع تاء التأنيت إذا لحقت آخر الكلمة أفادت معنى المصدرية. كذا في "شرح اللّباب" في مباحث حروف المشبهة بالفعل. محكيّةً بالقول، [محكيّة] منصوب إما على البدلية عن الجار والمجرور معًا على قول بعض النحاة، وهو أنّ معمول الفعل مجموع الجار والمجرور في اللغو، أو عن المجرور فقط حملًا على محله على قول محقّقي النّحاة، وهو أن معمولَ الفعل في اللغو هو المجرور فقط كما سيجيء في الباب الثاني، في المسألة الثالثة، فعلى هذا يكون معمولًا لـ (تقع)، وإما بفعل مقدّر وهو (أعني وأريد)، ويجوز رفعه على أنه خبر مبتدأ محذوف، وجَرُّه على أنه بدل من المجرور فقط حملًا على اللفظ، وإن لم يتحمّل رسم الخط في قوله: ومعلقًا نحو يجوز رفعه على أنه خبر مبتدأ محذوف وهو مثاله، ونصبه على الوجهين اللذين ذكرناهما قبل، نحو: {قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ}. إنّ حرف من الحروف المشبهة بالفعل، اسمها ياء المتكلم، خبرها عبد الله، وجملة إني عبد الله محكيّة لقال. قال ابن الحاجب في "الأمالي": إن القول يحكي هذه الجملة موضع نصب بالإتفاق إلا أنها مفعول مطلق، أو مفعول به. انتهى. فمذهب الجمهور هو الثاني، والمحققين هو الأوّل، كما نصّ عليه شارح "اللّب" في آخر بحث أفعال المتعدي. وثانيةً: عطف على قوله محكيّة، وإعرابها كإعراب سابقها.

للمفعول الأول في باب ظنّ، وإنما قيّده يعني بكونه ثانيةً لأن باب ظنّ من دواخل المبتدأ والخبر، والجملة لا تكون إلا خبرًا. نحو: ظننت زيدًا يقرأ، فإنّ (يقرأ) جملة فعلية مع فاعله، ومفعول ثانٍ لظننت. اعلم أنّ الفعل المتعدّي إلى المفعولين على ضربين: قسم يصحّ حمل مفعوله الثاني على الأول. وقسم لا يصحّ. والثاني إمّا أن يتعدّى إلى مفعولين بنفسه نحو: كَسَوْتُ زيدًا جُبّةً، أو بالهمزة نحو: أعطيت زيدًا درهمًا. فإنّ هذين المثالين لا يجوز أن يقال: زيد جبة، وزيد درهم. وجعلوا من هذا الباب ما يتعدّى إلى الثاني بواسطة الحرف، ثم حذف اتّساعًا مثل: اختار، واستغفر، وسمّى، وكنّى. الأول يتعدى بمن، والثاني بعن والثالث والرابع بالباء. ثم الأصل تقديم ما هو الفاعل في المعنى، والمتعدّى إليه الفعلُ بنفسه، ومن ثم لم يجز: أعطيت صاحبه الدّرهم، واخترت أحدهم القومَ، للإضمار قبل الذّكر لفظًا ومعنىً، ويجوز الإقتصار هنا سواء كان ذلك الإقتصار على مفعولين معًا أو على أحدهما. والقسم الأوّل يسمّى: أفعال القلوب، ويصحّ حمل مفعوله الثاني على الأوّل. إمّا بنحو ما يقالُ في: علمتُ زيدًا فاضلًا، زيدٌ فاضل. أو كان بمنزلته كما يقال في: علمت أبا يوسف أبا حنيفة، أبو يوسف أبو حنيفة، ولا يجوز الإقتصار على أحد مفعوليه على الأشهر، مع أنهما في الأصل مبتدأ وخبر، وحذفهما جائز في السّعة لأنّ مفعوليه معًا بمنزلة اسم واحد مضمونهما معًا هو المفعول به في الحقيقة، ولو حذف أحدهما كان كحذف بعض أجزاء الكلمة إلّا فيما وقع في مفعوله (أنَّ) المفتوحة بما بعدها، خفيفة أو ثقيلة، فإنّه واجب الاقتصار عند الأخفش، حيث قال: إن

المفتوحة مع مفعولها، هو المفعول الأول، فيقدّر المفعول الثاني. وأمّا عند سيبويه سَدَّ مَسَدَّ مفعوليها، فلا يكون اقتصارًا وإنْ جاز أنْ تُسْلَبَ منهما جميعًا كقوله: (مَنْ يَسْمَعْ يَخَلْ). وهي سبعة أفعال وهي: ظننتُ وحسبتُ وخِلتُ، وهذه الثلاثة للظنّ. وزعمت، وهي تارة تكون للظنّ، وتارة للعِلْم. وعلمتُ ورأيتُ ووجدتُ، وهذه الثلاثةُ للعِلْمِ. وقد يتعدى منها فعلان بإدخال الهمزة إلى مفاعيل ثلاثةٍ، وهما علمتُ ورأيتُ دون أخواتهما. إلّا عند الأخفش، فإن جميعها قد يتعدّى إلى الثالث بالهمزة عنده. وقد يتضمن بعض الأفعال بمعنى أعلمتُ فيتعدى تعديته وهي أخبرتُ، وخبّرتُ، وحدّثت، وأنبأتُ، ونبّأتُ، فإنّ هذه الأفعال عند سيبويه تتعدّى إلى واحد بنفسه، وإلى الثاني بحرف الجر، ثم حذف اتساعًا، إلّا أنّها لمّا كانت مشتملة على معنى الإعلام تضمّنت معناه فتعدت تعديته. وهذه الأفعال تتعدّى إلى ثلاثة مفاعيل، مفعولها الأوّل كمفعول باب (أعطيت) في جواز الإقتصاد عليه كقولك: أعلمت زيدًا، والإستغناء عنه كقولك: أعلمتُ عمرًا منطلقًا. والثاني والثالث من مفعوليها كمفعولي (علمتُ) في وجوب ذكر أحدهما عند الآخر، وجواز تركهما معًا. والمفعول الثالث لهذه الأفعال يقع جملة كما في المفعول الثاني للمتعدّي إلى مفعولين فلذلك قال المصنّف:

والثالثة أن تقع تالية للمفعول الثاني في باب أعلم، وفي ما تضمّن معناه، وتعدّى تعديته، نحو: أعلمتُ زيدًا عمرًا أبوه قائم. فجملة (أبوه قائم) في محل النّصب، على أنها مفعول ثالث لذلك الفعل. ومعلّقًا عنها العامل. أي عن الجملة العامل. هذا قسم ثالث من أقسام الجملة التي تقع في محل النّصب على كونها مفعولًا، ولا ردّ على المصنّف بأن يقال: لِمَ لَمْ يقل: الأول والثاني والثالث؟. كما يقال في أمثاله. لأنّ ترك ترتيبه المذكور، إما مبنيٌّ على الظهور، أو مبني على التَّفنُّن في العبارة، لكونه نوعًا من البلاغة، على أن تعيين الطريق خارج من قانون البحث. ومعنى التعليق والإلغاء، إبطال العمل، ولكن الفرق بينهما من مهمّات هذا الفنّ. فالإلغاء: هو ترك العمل لفظًا ومعنىً لغير مانع. والتعليق: ترك العمل لفظًا لا معنىً لمانع. فالإلغاء جائز، والتعليق واجب، والمعلق عامل في المحلّ بخلاف الملغي. واعلم أيضًا أن أفعال القلوب تختصُّ بالإلغاء، وأمّا التعليق فيجوز في الأفعال التي تشبه أفعال الشكّ واليقين في كونها إمّا غير محقّق الوقوع نحو: (عرف وعلم) بمعنى عرف، ونظر، وتفكّر، وغير ذلك من الأفعال التي لزم [معنى] العلم لمفهومها، وما عدا ذلك من الأفعال التي تتعلق عن العمل إلا عند يونس، فإن التّعليق في جميع الأفعال جائز عنده، والكسائيُّ كيونس في الواقع، وكالجمهور في المنتظر. فالمعلّق إمّا أن يطلب مفعولًا واحدًا نحو: عرفت هل زيد في الدّار، فالجملة في موضع مفعول واحد.

أو اثنين، فتكون تلك الجملة في مقام المفعولين: علمت لَزَيدٌ في الدّار. أو أكثر، فتقوم تلك الجملة مقام الثاني والثالث نحو: أعلمتك ما زيد في الدّار، نحو قوله تعالى: {لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى} و {فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا}. تعلّق عمل الفعل في الآيتين، لأنّ الاستفهام، وحروف النفي، وحروف الابتداء إذا دخل على معمول أفعال القلوب أو ما أشبهها تعلَّق العمل فيها، لأنّك لو أعملتها لجعلتَ ما بعد الاستفهام، وحرف النفي، وحرف النداء، وحرف الابتداء معمولًا لما قبلها، فيخرج عن أن يكون له صدر الكلام. و (أي) للاستفهام في الآيتين، فتكون معربة أَلْبَتَّة، وهو اسم من الأسماء اللازمة للإضافة، فإذا أضيف إلى النكرة أضيف إلى الواحد والاثنين والجماعة. وإذا أضيف إلى المعرفة أضيف إلى الاثنين فصاعدًا. وعن العلامة الزّمخشري: يجوز إضافته إلى الواحد المعرفة، كما نصّ بعض شرّاح "المفصل". ولكن عند الاضافة إلى الواحد سواء كان ذلك الواحد معرفة أو نكرة، لا يكون إلّا مؤوّلًا بمعنى الجمع. فعند الإضافة إلى المعرفة معرفةٌ عند عامة النّحاة، وإن كانت نكرة معنىً، وخلافًا لصاحب "التخمير"، عنده يكون نكرة، ولو بعد الإضافة إلى المعرفة. فـ (أيُّ) في الموضعين مبتدأ على المذهبين، إمّا بالتعريف أو بالتّخصيص. بالإضافة إلى الحزبين وإلى الهاء، و (أحصى) و (أزكى) خبره، والجملة قائمة مقام المفعولين في (لنعلَم) ومقام مفعول واحدٍ في (فلينظر). وسيجئ في بحث (أيّ) تفصيل متّسع -إن شاء الله تعالى-.

[الواقعة مضافا إليه]

[الواقعة مضافًا إليه] والرابعة: المضاف إليها، أي الجملة، ومحلّها: أي محل تلك الجملة، الجرُّ وهذا الانجرار بنفس الاسم المضاف عند سيبويه، وبالّلام عند الزّجاج، أو بمن عند قوم، وبالاضافة عند بعض. نحو {هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ} (هذا) مبتدأ، و (يومُ) بالرفع خبر مضاف إلى الجملة الفعلية وهي: ينفعُ مع فاعله، والجملة مجرورة المحلّ على أنّها مضاف إليها ليوم. وهذا على رأي المصنف. وقيل: إنّ (يومُ) مضاف إلى الفعل فقط، وإن كان من حق الفعل ألّا يضافَ إليه، لما به من الإبهام المفرِط، لا يتخصّص في نفسه، فكيف يخصِّصُ غيره. إلّا أنّهم تركوا القياس، واستحسنوا إضافة الزّمان إلى الفعل، لأنّ الفعل يدلّ على الزّمان والحدث، فصار الزّمان بعضَ الفعل، وإضافة بعض الشيء إلى ذلك الشيء جائز. لا يقال الإضافة من خواصّ الاسم، فكيف يكون مضافًا إليه؛ لأنّا نقول: المراد (من الإضافة)، كون الشيء مضافًا، وكونه مضافًا إليه لا يكون من خواصّ الاسم؛ لأن الفعل والجملة قد تقعان مضافًا إليه، كذا ذكره شارح "الكافية". وقد يجاب كون الفعل مضافًا إليه بتأويل المصدر، وكذا الجملة، ولا يلزم من هذا كون اليوم مبنيًّا على الفتح في محلّ الرفع. إمّا على تقدير كونه مضافًا [إلى] الجملة، لأنّ يوم: اسم مستحقّ للإعراب، والإضافة إلى المبنيّ لا توجب البناء، لأنّ المضاف يكتسي من المضاف إليه التعريفَ والتخصيص، وهذا

مشهور، ويكتسي أيضًا البناءَ والإعرابَ والتذكيرَ والتأنيثَ لا على سبيل الوجوب بل على سبيل الجواز. وإمّا على تقدير كونه مضافًا إلى الفعل، لأنّ المضاف إلى الفعل لا يكون مبنيًّا عند البصريين إذا كان الفعل مُعْرَبًا، ويجوز نصب يوم في محل الرفع لجواز كونه مبنيًّا بالإضافة إلى الجملة، أو إلى الفعل على مذهب الكوفيين، لأنّ المضاف إلى الفعل يكون مبنيًّا عنده، سواء كان ذلك الفعل مُعْربًا أو مبنيًّا. واعلم: أنّ الظاهر أنّ إضافة اسم الزمان إلى الجملة المخصّصة تفيد التعريف، وفي "البسيط" قد يقال لا يفيد، لأن الجملة نكرة، كذا في "شرح الألفية". {يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ} [يوم]: بدل من يوم التلاق، وهم مبتدأ، وبارزون: خبره، والجملة في محل الجرّ لكونها مضافًا إليها، ويجوز أن يكون يوم: مبتدأ مضافًا إلى هم، وبارزون: خبره. والمصنف أورد مثالين إيذانًا بأن ظروف الزّمان مضاف إلى الجملة سواء كانت فعلية أو اسمية، هذا إذا كان بمعنى (إذ) وأمّا إذا كان بمعنى (إذا) فيضاف إلى الجملة الفعلية، فقد نصّ عليه ابن [أبي] طالب المكّي في "معربه" للقرآن الكريم. وكل جملة، أي: كل فرد من أفراد الجملة، فإنَّ (كلَّ) إذا أضيف إلى النكرة فهي لعموم الأفراد، وإذا أضيف إلى المعرفة فلعموم أجزائها، كذا قال أصحاب علم الأصول. وقد وقعت بعد (إذ) أو (إذا) وهما من ظروف الزمان مضافان أبدًا إلّا أنّ (إذ) تضاف إلى كلّ الجملة، وأختها لا تُضاف إلّا إلى الفعلية.

نحو: جئت إذ زيدٌ قائم، وإذ قام زيد و [إذا قام زيد]، فهذه في موضع الجر لكونها مضافًا إليها (لإذ) و (إذا)، و (حيثُ) هو ظرف من ظروف المبنيّة للمكان، وقال الأخفش: قد يستعمل للزّمان، وظروف المكان لا تضاف إلي الجملة إلّا (حيث) في الأكثر، سواء كانت اسمية أو فعلية نحو: أجلس حيث جلس زيد، وحيث زيد جالس، فالجملتان في محل الجرّ على أنها مضافة إليها لحيث، وقد يضاف إلى مفرد كما في قول الشاعر: أمَا ترى حيث سهيل طالعًا [رجز]. وعند إضافته إلى المفرد يُعربه بعض النّحاة لزوال علّة البناء، وهي الإضافة إلى الجملة، والأشهر بقاؤه على البناء لشذوذ الإضافة إلى المفرد. اعلم أنّ حيث يجوز في آخره الحركات الثلاث، لكن الكسر حكاية الكسائي، ويجوز بقول [حيث] وحوث بالضم والفتح. أو لمّا الوجودية، أي الحينيَّة مثل: لمّا جئتني أكرمك، عند من قال باسميتها، وهو أبو علي الفارسي، وأما عند سيبويه فمحتمل، فإنّه قال: لمّا لوقوع الأمر لغيره، وإنّما يكون مثل لو تشبّهًا بـ (لو)، ولو حرف، فقال ابن خروف: إنّ لمّا حرف، وحمل كلام سيبويه على أنّها للشرط في الماضي كـ (لو). ولذا لا يقع بعدها إلّا الفعل الماضي، إلا أنّ (لو) لإنتفاء الثاني لإنتفاء الأوّل، ولمّا لثبوت الثاني لثبوت الأول. قال فاضل التفتازاني: إنّ هذا الحمل توهُّم منه، والوجه: أنّ (لمّا) ظرف بمعنى (إذا) يستعمل استعمال الشرط يليه فعل ماض لفظًا أو معنًى.

[الواقعة جوابا لشرط جازم]

وهي: أي الجملة التي وقعت بعد (إذ) و (إذا) و (حيث) و (لمّا الحينيّة). في مواضع خَفْض. بفتح الخاء المعجمة، وسكون الفاء، الجرُّ ههنا في الإعراب بمنزلة الكسر في البناء في مواضعات النحويين. كذا في الجوهري بإضافتهن إليها، أي بإضافة المذكورات إلى الجملة. [الواقعة جوابًا لشرط جازم] والخامسة الواقعة جوابًا لشرط جازم ومحلّها، أي: محل الجملة الواقعة جوابًا لشرط جازم. الجزمُ، اختلف النّحاة في جازمِ جوابِ الشَّرْطِ، قال بعضُهم: هي أداةُ الشَّرطِ، وقيل: وهو مذهب المحقّقين من البصريين، وعزاه السّيرافي إلى سيبويه وذهب الأخفش إلى أنّ الجزم بفعل الشرط، واختاره صاحب "التسهيل"، وقيل: الأداة والفعل معًا، وهذا القولُ نُسِبَ أيضًا إلى سيبويه والخليل، وهو مذهب الكوفيين. إذا كانت مقرونة بالفاء أو بإذا المفاجأة، يقال: فاجأ الأمر مفاجأة، وفِجاءً بكسر الفاء، وكذلك فَجِيئةُ الأمر بكسر العين، فَجَأهُ الأمرُ بفتح الفاء والعين، وفُجاءة بضمّ الفاء والمدّ، إذا لقيتَه وأنت لا تشعر به، وإنّما قال: إذا كانت مقرونة بالفاء أو بـ (إذا) المفاجأة، لأن الجملة إذا لم تكن مقرونة بالفاء أو بـ (إذا) المفاجأة لا يكون لها محل من الإعراب، سنقف في بابه إن شاء الله تعالى.

فالأولى، أي: الجملة المقرونة بالفاء نحو: {مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ. . .} من: اسم شرط، يضلل: فعل الشرط، واللهُ: فاعله، والفاء في فلا هادي له: داخل في جواب الشرط، ولا: لنفي الجنس، اسمها منصوب لفظًا وهو: هادي، وخبرها مرفوع محلًا وهو "له"، فاسم لا، خبره جملة اسميّة محلَها الجزم. ولهذا، أي: ولأجل كون الجملة المقرونة بالفاء في محل الجزم، قُرِئَ بِجَزْم يَذَرْ عطفًا على محلّ الجملةِ، فيكون تقدير الكلام: مَنْ يُضْلِل اللهُ لا يَهْدِهِ أحد غيره ويذرهم. هذا تنصيص على كون جملة فلا هادي له في محل الجزم، وحاصله أنها لو لم تكن جملة فلا هادي له في محل الجزم، لما جاز قراءة الجزم في معطوفها عطفًا على محلّها، لكن كونه دليلًا مبنيٌّ على رأي من ذهب إلى جزم (يذر) وأمّا على رأي من ذهب إلى سكونه لتوالي الحركات كما قيل، فلا يكون دليلًا، وقُرئ برفع يذرُ على الإستئناف. والثانية، أي: الجملة المقرونة بإذا المفاجأة نحو: {وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ}. إنْ: حرف شرط، وتُصِبُ: فعل الشرط، وهم: مفعول فعل الشرط، سيّئة: فاعله، والباء في بما: متعلّق بفعل الشرط، وإذا التي للمفاجأة بمنزلة الفاء، تدخل على الجملة الاسمية غالبًا، وقد تقع مع الفعليّة، نصّ عليه بعض شرّاح الكافية في باب التحذير، وإنما قلنا: بمنزلة الفاء لأنها (إذا كانت) للمفاجأة لا يُبتدأ بها كما لا يُبتدأ بالفاء، بخلاف إذا الشرطية، فإنها يُبتدأ بها، فأشبهت الفاءَ فوقعت موقعها، وصارت جوابًا للشّرط، وقد تدخل عليها الفاء عند دخولها على جواب الشرط فيكون للتأكيد. وهم: مبتدأ، ويقنطون: خبره، والجملة الاسمية جزاء للشرط، فالمعنى: إن تُصِبْهم سيّئة أي: شدّة، بما قدمت أيديهم بشؤم معاصيهم إذا هم يقنطون، أي: فاجأ القنوط من رحمته، ولما فُهم

[التابعة لمفرد]

من قول المصنّف بطريق المفهوم أنّ الجملة إذا لم تقترن بالفاء لا يكون لها محل؛ فيلزم أن يكون محل الجزم هو الفعل وحده لاقتضاء العامل، فوقع الشّرود في ذهن السامع، فكأنّه قال: هذا إذا كان الفعل قابلًا للجزم فظاهر، وأمّا إذا كان الجزاء ماضيًا فأيّ محل الجزم، فأزال ذلك التردّد بقوله: فأمّا التي للتفضيل والاستئناف نحو: إن قام أخوك قام عمرو فمحلّ الجزم محكوم للفعل وحده وهو قام. ولا للجملة بأسرها، أي بمجموعها لأنّ أداة الشرط إنّما تعمل في شيئين، فلما عمل في محل الفعلين، لم يبقَ لها تسلُّط على محل الجملة، وكذلك القول في فعل الشرط، أي محلّ الجزم محكوم به لفعل الشرط وحده لا للجملة الشرطية بأسرها، ولهذا، هذا: تنصيص لما يدّعيه من أنّ محلّ الجزم هو الفعل وحده لا الجملة (الشرطية) بأسرها، أي لكون فعل الشرط وحده في محل الجزم. تقول إذا عطفتَ عليه مضارعًا، وأعملت الأوّل كما هو مذهب الكوفيين. نحو: إن قام ويقعد أخوك قام عمرو فتجزم المعطوف قبل أن تكملَ الجملةُ. وإنّما قال: أعملت الأوّل؛ لأنه لو أعملت الثاني كا هو مذهب البصريين لأضمرت الفاعل في الأوّل، فيكون معطوفًا على الجملة بعد استكمالها، فلا يثبت كون فعل الشرط في الجزم وحده، لجواز كون جزم المعطوف لعطفه على الجملة التي في محلّ الجزم. [التابعة لمفرد] والسّادسة التابعة لمفرد، قيّد به، لأنّ الجملة لا تكون منعوتًا كالجملة المنعوت بها، صفة جَرَت على غير من هي له، فالباء متعلّق بالمنعُوتِ، يعني كالجملة التي يُنعت المفرد بها، ويجوز أن يكون المنعُوتُ صفة لمفردٍ على مذهب من جوّز الفصل ببن الصفة والموصوف، ومحلّها أي محل الجملة الواقعة صفة بحسب منعوتها، أي موصوفها. النّعت والوصف واحد، وإنْ فرق البعض بينهما، بأنّ النعت يستعمل فيما كان ممدوحًا، والوصف أعمُّ. لأنّ كلام المحقّقين يفصح عن عدم الفرق.

الحَسَبُ: القَدْرُ، (وهو) بفتح السين سواء أُضيف إلى شيء أو استُعمل بحرف الجرّ، وربّما يسكّن ضرورة، وأمّا (حَسْبُك) بمعنى كفاك، فشيء آخر. وهي: أي الجملة المنعوت بها في موضع رفع في نحو: {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ}. (مِنْ): متعلّق برزقناكم، و (قبل): مجرور بمن، ومضاف إلى أن يأتي. و (يومٌ): فاعله. و (لا): لنفي الجنس، و (بيعٌ) بالرفع اسمه، لأن (لا) إذا كان مكررًا كما في الآية، جاز الرفع لأنّه مقدّرٌ جوابًا لسؤال، فَحَسُنَ أن يكون مطلقًا، وإن كان فيه مخالفة قياسية. وقرأ ابن كثير ويعقوب، وأبو عمرو بالفتح على الأصل. و (فيه): خبره، وجملة (لا بيع فيه) جملة اسمية مرفوعةُ المحلّ على أنها صفة. ونَصْبٍ: بالجرّ عطف على رفع في نحو: {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ} (اتقوا): فعل مع الفاعل وهو الواو، و (يومًا) منصوب إمّا على المفعولية، كما هو رأي أبي عليّ في قوله تعالى: {فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْمًا}. وإمّا على الظّرفيّة، فيكون مفعولًا فيه، تقديره: واتّقوا عذاب اللهِ يومًا. و (ترجعون): جملة فعلية في محل نصب على أنها صفة يوم.

[التابعة لجملة لها محل من الإعراب]

وقراءة تَرجعون [بالتاء] بالبناء للفاعل: فعلى الأوّل يكون رَجَعَ متعدّيًا، وقراءةٌ بالياء على طريق الالتفات. وجَرٍّ: بالجرّ، عطف إمّا على نصبٍ أو رفعٍ على اختلاف القولين، فإنّ النُّحاة اختلفوا في معطوفاتٍ متعدّدةٍ، أنّ الجميع هل يعطف على الأوّل؟ أو كل واحدٍ يعطف على ما قبله؟ في نحو: {لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ}. (لا): لنفي الجنس، و (ريبَ): اسمه، و (فيه): خبره، والجملة الاسمية مجرورة المحلّ لكونها صفة ليوم. [التابعة لجملة لها محل من الإعراب] السابعة التّابعة لجملة لها محلّ من الإعراب نحو: زيدٌ قام أبوه، وقعد أخوه. فجملة (قام أبوه): في موضع رفع لأنها خبر، أي خبر مبتدأ، وكذلك: أي مثل ما سبق في وقوعها موقع رفع. جملة قعد أخوه لأنّها، أي: جملة قعد أخوه، معطوفة عليها، أي: على جملة قام أبوه. ويسمّى (قام أبوه) جملة صغرى، و (زيد قام أبوه) جملة كبرى، فالصغرى فعلية والكبرى اسميّة. [الجمل التي لا محلّ لها من الإعراب] المسألة الثالثة: في بيان الجملة التي لا محلّ لها من الإعراب، وهي سبع أيضًا. كالمسألة الثانية، و (أيضًا): نصب على المصدرية، فإنها من المصادر التي حذف فعلها مثل: سعيًا ورعيًا.

[الجملة الابتدائية]

قال الجوهريُّ: آض يئيضُ أيضًا، إذا عاد ورجع. [الجملة الابتدائية] إحداها: أي إحدى جمل السّبع. المبتدأة، وتُسمّى المستأنفةَ، بالنّصبِ مفعول ثان لتسمّى. أيضًا: أي كما تُسمّى مبتدأة. اعلم أن الاستئناف عند أرباب المعاني ما يكون جوابًا عن سؤال مقدّر وأما عند أئمة النّحو فالمستأنفة، هي الجملة التي وقعت في الإبتداء، سواء كانت في الابتداء جوابًا لسؤال أوّلًا، ذكره المصنّف في "المغني". نحو قوله تعالى: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ}. اعلم أنّ أصل (إنّا) إنّنا، فحذفت الثانية لاجتماع الأمثال والتخفيف، وإن حكى بعض النحويين ثلاثة مذاهب: الأوّل: حذف الأولى. والثاني: حذف الثانية. والثالث: حذف الثالثة. لكن الصحيح هو المذهب الثاني، لأنَّ النون الأولى كالأصل، بدلالة حذف الثانية في (إنْ) إذا كانت مخفّفة، مع بقاء الأولى ساكنة، ولو كانت المحذوفة هى الأولى لبقيت الثانية متحرّكة، لكونها قبل الحذف كذلك. ولا يجوز حذف الثالثة لأنّها ضميرٌ.

فـ (إنّ): حرف من حروف المشبّهة بالفعل، و (نا) منصوب المحلّ على أنّه اسم (إنّ). و (أعطى) فعل يتعدّى إلى المفعولين، ومسندٌ إلى الفاعل، وهو ضمير المتكلّم. و (الضمير المنصوب) كناية عن رسولنا - صلى الله عليه وسلم - مفعوله الأوّل. و (الكوثر) مفعوله الثاني، وجملة (أعطيناك الكوثر) جملة فعلية في محلّ الرّفع. خبر إنّ وجملة {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ}: جملة اسمية مستأنفة لا محل [لها] من الإعراب. ونحو قوله تعالى: {إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا} بعدّ بالنّصب إمّا تقدير من، أو أعني، أو بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف مضاف إلى الجملة، {وَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ} بحسب الظاهر ولكن في الحقيقة مضاف إلى المفرد المقدّر فيكون تقدير الكلام بعد قوله تعالى، وإنما قلنا بكذا لأنّ الغايات لا تُضاف إلى الجملة، نصَّ عليه شارح "المفصّل". و (إنّ): من حروف المشبهة و (العزّةَ): بالنصب اسمه و (لله): في محل الرفع خبره. و (جميعًا): يحتمل أن يكون حالًا من الضمير المستتر في الظرف، أي: مجتمعة، والعامل فيه شبه الفعل وهو الظرف، ويحتمل أن يكون تأكيدًا من إنّ العزَة لله، كما قال في "الصحاح"، وجميعًا يؤكّد به، يقال: جاؤوا جميعًا أي: كلّهم. انتهى. فجميعًا تأكيد لضمير جاؤوا، وهو الواو. فَعُلِمَ من الكلام ظاهرٌ أنّ لفظة جميعًا بالنصب تأكيد، وإن كان المؤكّد مرفوعًا، بخلاف سائر ألفاظ التأكيد خذ هذا فإنه ينفعك في مواضع شتّى. وجملة (إنّ العزّة لله جميعًا) لا محل لها من الإعراب مستأنفة، بمعنى التعليل في جواب: لِمَ لمْ أحزنْ؟ كأنّه قيل: لا تحزن بقولهم، أي بإشراكهم وتكذيبهم، ولا تبالِ بهم، لأنّ الغلبة لله جميعًا، لا يملك غيره شيئًا منها فهو يقهرهم فينصرك عليهم. وليست جملة إنّ العزة لله جميعًا محكيَة بالقول، وهو قولهم. لفساد المعنى لأنّ هذا القول لا يجوز أن يكون مورّثًا للحزن له، إلّا إذا كان بطريق الاستهزاء، وهو احتمال مرجوحٌ لا يذهب

إليه وَهْمٌ، فلا يكون محكيًّا بالقول، بل هو قول الله تسلية للنبيّ -عليه السلام-، وكذا الحال في كونه بدلًا من قولهم، كما ذكر في "الكشاف". ونحو قوله تعالى: {لَا يَسَّمَّعُونَ} بعدَ -إعرابُ (بعدُ) كإعراب ما سبق- {وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ}. فـ (حفظًا) منصوبة بإضمار فعله، أي: حفظنا السَّماء حفظًا بالشُّهب و (من): متعلقة بمحذوف. و (شيطان): على وزن فيعال، مأخوذ من [الشّطن]، وهو البعد. وقيل: شيطان على وزن فعلان، مأخوذ من الشّيط، وهو الهلاك، فعلى الأوّل منصرف، وعلى الثاني غير منصرف. و (مارد): أي متكبّر، متجاوز عن الحدّ في الطغيان، وخارج عن طاعة الرحمن وليست جملة لا يسّمّعون صفة للنكرة وهو شيطان لفساد المعنى لأنه يقتضي أن يكون الحفظ من غير شيطان، فلزم أن يكون جملة مبتدأة على ما اختاره صاحب "الكشّاف" والقاضي. اعلم أن أرباب التفسير اختلفوا في هذه الآية. قال أبو البقاء: (لا يسّمّعُون): جمع على معنى كلّ في موضع الصّفة، أو نصب على الحال، أو مستأنفة، وخطّأه أكثر المفسرين.

أما كونها صفةً، لأنّ حفظ السموات لأجل أنَّ الشَّياطين يطَّلعون عليها، ويسّمّعون أخبارها، ويُطلعون الكواهن، فإذا كانوا غير سامعين لا فائدة في حفظ السموات منهم. وكذا في كونها حالًا في المعنى، لكونهما من وادٍ واحدٍ. والمصنف لم يتعرّض إلى كونها حالًا، لأن الجملة الخبرية إذا وقعت بعد النكرة الموصوفة يجوز أن تكون صفة أو حالًا، لَكِن جَعْلُها صفةً أوْلى من أن تُجْعَلَ حالًا بناء على ظاهرها وإن كانت متخصصة. ويختلج في صدري جواز جعلها: صفةً، وعدم سماع الشيطان أن يكون بحسب الحفظ، فحاله عند الحفظ لا يسمع، فيصير موصوفًا في حالة الحفظ بذلك. وكذا جعلها حالًا، لما عرفت أنّ الحال والصفة من وادٍ واحد. وأمّا كونها مستأنفةً، لأن سائلًا لو سأل، لم تحفظ من الشيطان؟ فالجواب: بأنهم لا يسمعون لم يستقم، كذا قالوا. ويمكن أن يُجعل الاستئناف أيضًا على تقدير تغيير السؤال، بأن يقال، لمّا قيل: وحفظًا من كل شيطان مارد. سُئِل: وقيل: فماذا يكون إذن؟ فأجيب: لا يستمعون، ولا يجوز أن تكون علّة للحفظ على حذف اللام كما في: جئْتُكَ أنْ تُكرِمَني، ثم حذف أن وأهدرها كقوله: ألَا أَيُّهَذَا الزَّاجِريّ أَحْضُرَ الْوَغَى [طويل].

فإن اجتماع ذلك منكر، ومن مُثُلها بضم الميم والثاء، جمع مثال كأمثلة، أي من أمثلة الجمل التي لا محل لها لكونها مستأنفة قوله، أي قول الشاعر وهو جرير إنّما غيّر أسلوب السابق، حيث لم يقل: وقوله رعايةً للأدب: بِدْجلَةَ حَتّى ماءُ دجلةَ أشكل [طويل] أوّل البيت: وما زالتِ القَتْلَى تَمُجُّ دماءها يقال: مجّ الشراب إذا رمى به، ووجهٌ أشكلُ إذا كان فيه بياضٌ وحمرةٌ كذا في "الصحاح"، والمعنى: ما زالت القتلى ترمي دماءها، حتَّى ماء دجلة اختلط الدّمُ ولم يفرق الماء من الدم. حتَّى: حرف ابتداء، ماء: مبتدأ مضاف إلى دجلة، وجرُّ دجلة محمولٌ على نصبها لكونها غير منصرفٍ للتأنيث والعلم، وأشكل: خبره، الجملة الاسمية لا محل لها من الإعراب لكونها ابتدائية، ومثله قول الفرزدق: فَوَا عَجَبًا حتَّى كُلَيْبُ يَسبُنّي [طويل] وإنما أورد المصنف هذا البيت مع أنّ رعاية الأدب أشدّ في تركه ليكون توطئةً إلى قوله، وعن الزّجاج وابن دُرُسْتَويَه، ودُرُسْت لفظ أعجميٌّ مركّبٌ مع (ويه) كسيبويه، ثم جعل لقبًا له، فالأحسن أن يكون الجزآن مبنّيين، الأوّل على الفتح، والثاني على الكسر، وإن جاز فيه وجوه. وفي "القاموس": كل اسم خُتم بـ (ويه) كسيبويه فيه لغات.

[صلة الموصول]

أن الجملة بعد حتى الابتدائية، أي: الصالحة لوقوع المبتدأ والخبر بعدها، لأنه لابُدّ منه، في موضع جرّ بحتّى، يُفْهَمُ منه كونُ حتّى جارّة وعاطفة عندهما فقط، اللهم إلَّا أن يقال: أن تكون حتَّى ابتدائيةً جارّةً إن كانت مدخولها جملة، فتأمّل. وخالفهما الجمهورُ برفع الرّاء، فاعل خالف، الظاهر أنّ المراد من الجمهور من يكون في عصرهما، ومن بعدهما وإلّا لا يكون لإسناد الخلاف إلى الجمهور وجه. لأنّ حروف الجرّ لا تُعَلّق، بضم اللام، أي لا تمنع عن العمل، بل تعمل، فلو جُعلت حرفَ جرٍّ هنا لكان (ماء) مجرورًا، وليس كذلك في المشهور، ولو قلتَ: ماء مبتدأ، وأشكل خبره، والجملة في موضع جرّ بحتّى، لعلّقتَ العمل عنها من غير مانعٍ وهو الخلاف المفروض، ولوجوب، هذا دليل ثانٍ لكونها ابتدائية كسرِ إنّ لكون الشهرة به في قولك: مَرِضَ فُلانٌ حتَّى إنهم لا يرجونه، فلو كانت حرف جرٍّ لوجب فتح إنّ. فإذا دخل، الفاء: للسببية بمعنى لام التعليل على ما ذكره الشيخ الرضي، فما وقع في بعض النسخ بالواو فليس بصحيح إلَّا بالتكلّف، وهو حذف (أنّ) مع لام التعليل، فالمعنى، ولأنّه إذا دخل الجار مطلقًا على (إن) فتحت همزتها نحو ذلك: {بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ} لأنّ الجار لا يدخل إلا على المفرد، وأنَّ بالفتح مع معمولها في تقدير المفرد بخلاف إنَّ بالكسر، فلهذا وَجَبَ أن تكون مفتوحةً، فالحاصل: إنّ حتَّى إذا كانت جارّةً، أو عاطفةً، يجب أن تكون إنَّ بعدها مفتوحةً، وإذا كانت ابتدائيةً فبالكسر. [صلة الموصول] والثانية من الجمل التي لا محل لها من الإعراب: الواقعة صلةً لاسم موصول نحو جاءني الَّذي قام أبوه، جاء: فعل، والياء المتصل بنون الوقاية: مفعول، والذي: اسم موصول، وجملة قام أبوه: صلة لا محل لها من الإعراب.

والموصول مع صلته في محل الرفع فاعل (جاء)، لأنّ الصلة مع موصولها لا يكون إلَّا مفردًا، نصّ عليه صاحب "الإقليد"، أو لحرف عطف على اسم، وإذا عطف المظهر على المظهر المجرور جاز ذكر الجار وحذفه. اعلم أنّ الموصول على قسمين: اسم: وَحدُّه بحسب تعريف ابن الحاجب في مقدمته، بما لا يتمُ جزءًا إلَّا بصلة وعائد. وحرف: وحَدَّه صاحب "التسهيل" بما أُوّل مع ما يليه بمصدر ولم يحتج إلى عائدٍ، واحترز بقوله: ولم يحتج إلى عائد، من الَّذي الموصوف به مصدر محذوف نحو: {وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا} أي كالخوض الَّذي خاضوه، فإنّه يؤوّل مع ما يليه بمصدر، لكنه محتاج إلى عائد، فلا فرق بين الاسمي والحرفي في احتياجهما إلى الصلة، لكن الفرق بينهما أنّ الاسميّ مفتقر إلى العائد، بخلاف الحرفيّ، وهو خمسة أحرف أحدها: أنّ: بالفتح وتُوصل باسمها وخبرها، وتختصّ بالجملة الاسمية والفعلية إلّا إذا كُفّت بـ (ما) فيجوز بعدها الاسمية و [الفعلية]. والثاني: كي وتوصل [بفعل] مضارع، ولا يقع إلَّا مجرورًا باللام أو مقدّرًا معها اللام. والثالث: لو خلافًا لمن أنكرها وعلامتها، أن يصلح موضعها (أنْ) وأكثر وقوعها بعدما يدلّ على تمنٍّ كقوله تعالى: {يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ} وأكثر النحويين لا يذكرونها في الحروف المصدرية. وممّن ذكرها: الفرّاء وأبو علي، ومن المتأخرين: التّبريزي وأبو البقاء، وتُوصل بفعل متصرّف غير الأمر.

[الجملة المعترضة]

والرابع: أنْ بفتح الهمزة وسكون النّون، وتوصل بفعل متصرف مطلقًا، خلافًا لمن منع وصلها بالأمر. والخامس: ما توصل بفعل متصرف غير الأمر، هذا عند سيبويه، وقد توصل بالجملة الاسمية كما وقع في "نهج البلاغة": (بقوا في الدُّنيا ما الدُّنيا باقية) قال الشيخ الرضيّ: وهو الحق وإن كان قليلًا. وتنفرد بنيابتها عن ظرف زمان كقوله: جُدْ مادمتَ واجدًا. وقال الزمخشري: إنّ (أنْ) تشاركها في ذلك، وجعل منه قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ}. وقال سائر النَّحاة: هذا زعم منه، لأنّ (أنْ) في الآية للتعليل، وهو المعنى المُجْمَع عليه، فلا عدول عنه، هذا أي كونُ ما المصدريّة حرفًا غير محتاج إلى العائد عند سيبويه. وأمّا عند الأخفش وابن السرّاج أنها اسم فيحتاج إلى عائد. وعند أبي البقاء أنها على كلا القولين، لا يعود إليها شيء من صلتها، وهو خلاف ما نقله غيره، فعلى هذا قول المصنّف نحو: عجبت مما قمت، أي من قيامك، مبني على مذهب سيبويه فما، أي لفظ (ما) مصدرية، يدلّ عليه تفسيره، فما قمت في موضع جرّ بمن؛ لأنّه في تأويل المصدر، وأمّا قمت وحدها فلا محل لها من الإعراب لأنها صلة موصول، وهو ما المصدرية. والحاصل أن كل واحد من الصلة والموصول لا محل له ولمجموعها من الإعراب. [الجملة المعترضة] الثالثة من الجمل التي لا محل لها من الإعراب: المعترضة بين الشيئين، وهي الجملة التي تأتي في أثناء كلام، أو بين كلامين متّصلين معنىً لا محل لها من الإعراب لنكتةٍ سوى رفع الإبهام،

وليس المراد من الكلام هو المسند والمسند إليه فقط، بل مع جميع ما يتعلق بهما من الفضلات والتّوابع، والمراد باتصال الكلامين أن يكون الثاني بيانًا أو تأكيدًا أو بدلًا كذا في "المطوّل". فعلم من هذا أنّ قول النحاة أن الجملة المعترضة في ستة مواضع ليس حصرًا حقيقيًا، بل على سبيل الغالب نحو {فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ. . .} الآية، أي إلى آخر الآية، وذلك، أي بيان كون الاعتراض في الآية، لأنّ قوله تعالى: {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ} جواب لا أقسم بمواقع النجوم وما بينهما، أي بين لا أقسم وبين جوابه، اعتراض وهو {إِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ} لا محل لها من الإعراب، وهذا الاعتراض اعتراضٌ بين القسم وجوابه، وفي أثناء هذا الاعتراض اعتراضٌ آخر وهو {لو تعلمون} فإنّه معترض بين الصفة والموصوف وهما أي الموصوف والصفة {لقسم عظيم} فصل المصنّف هنا لخفائه، وترك في الأوّل لوضوحه، ويجوز الاعتراض، هذا شروع في حكم زائد على ما ذكر بأكثر من جملة واحدة نحو قوله تعالى: {فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ، إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ، نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} فإن قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} اعتراض بأكثر من جملة بين كلامين متصلين، فإن قوله تعالى: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ} بيان لقوله: {فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ} ويؤيّد هذا الكلام ما ذكرنا من [أن] الاعتراض ليس مخصوصًا في ستَّة مواضع لأنّ البيان خارج عنها خلافًا لأبي علي، وهو غير صحيح محجوج بالوقوع، كذا قيل مراد أبي علي أن يقال:

[الجملة التفسيرية]

إنّ الاعتراض لا يجوز أكثر من جملة واحدة مستقلة، وما وقع في الآية ليس كذلك لأنها معطوفة على الجملة المتقدّمة، وهما في حكم واحد على ما صرّحوا ولو لم يكن مراده هذا لَمّا أنكرَ النصّ الصّريح، وعدم الاطّلاع عليه بعيد عن أمثال ذلك الفاضل، فيكون النّزاع لفطيًا. [الجملة التفسيرية] والرّابعة التفسيرية: الياء النسبية مع التاء أفادت معنى المصدر، فلو تركها كما ترك ابن الحاجب في قوله: والجرّ على الإضافة لكان أحسن، لأنّ التفسير مصدرٌ، فلا يحتاج إلى ما يفيد المصدريّة. وهي الكاشفة -أي المبيّنة- لحقيقة ما يليه، (ما): موصولة، عبارة عن الشيء الموجود قبل المفسَّر، فالضمير المستتر في (تليه) راجع إلى الجملة التفسيرية، والضّمير البارز راجع إلى ما. أي هي المبيّنة بحقيقة الشيء الَّذي يلي تلك الجملة ذلك الشيء [وليست عمدة] نحو قوله تعالى: {وَأَسَرُّوا النَّجْوَى}. (أسرُّوا): فعل مع فاعله، (النجوى) مفعوله. {الَّذِينَ ظَلَمُوا} وإعرابه على ثلاثة أوجه. أحدها: الرفع وفيه وجوه: الأوّل: أن يكون بدلًا من الواو في {وَأَسَرُّوا}. والثاني: أن يكون مبتدأ، والخبر إمّا جملة متقدّمة، أو جملة الاستفهام بتقدير القول، كما قال أبو البقاء، وإنّما قال: بتقدير القول، لأنّ الإنشاء لا يكون خبر الآية. والثالث: أن يكون خبرًا لمبتدأ محذوف أي: هم الذين ظلموا. والرّابع: أن يكون فاعلًا لـ (أسَرُّوا) والواو علامة الجمع، وليس بضمير كما في: (أكَلُوني

الْبَرَاغيث). قال في "حاشية الضّوء": وهو لغة رديئة، قلّ وقوعها في الضرورات، فكيف وقوعها في القرآن المُعْجِز. وقال شارح "الألفية" المشهور بابن [أم] قاسم ناقلًا عن "التسهيل" في كتب الأحاديث المرويّة الصحّاح ما يدل على كثرة هذه اللُّغة، وجودتها، وذكر آثارًا منها قوله -عليه الصلاة والسّلام-: "يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلَائِكَةٌ بِاللَّيْلِ". وحكى بعض النّحويين: إنها لغة طيء، وبعضهم أنها لغة أزد شنوءة، ولا يُقبل قول من أنكرها. أقول: كثرة أمثال هذا الكلام لا يدلُّ على جَوْدة هذه اللّغة، لجواز إعرابها بسائر الوجوه. والوجه الثاني: النصب، إمّا على الذَّم أو إضمار أعني. والوجه الثالث: الجرّ على أنها صفة للناس. {هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ} فجملة الاستفهام مفسرة للنجَّوى، فلا محلّ لها من الإعراب، هذا عند الجمهور، وأمّا على رأي الشّلوبين، فمحلها النّصب، لأنّ المفسِّر في إعراب عين المفسَّر، وإعرابه النَّصب لكونه مفعولًا لـ {أسرُّوا}. وقيل: في محلّ النَّصب بدل منها، أي من النّجوى، بدل الكلّ من الكل،

أو بدل البعض، هذا هو الّراجح عند الزمخشري، حيث ذكره مقدّمًا على غير الوجه، ولم يذكر الوجه الأوّل أصلًا، ورأسًا، وقال: {هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ} هذا الكلام في محلّ النصب بدلًا من (النجوى) أي: وأسروا هذا الحديث، ويجوز كونها مفعولًا لقول مقدّر، كما ذكر الزمخشري. ويجوز أن يتعلّق بقالوا مضمرًا، والمصنّف ضعّفه، حيث ذكره بـ قيل لكنّ الأَوْلى ما قاله العلَّامة، نعم قد يكون التنكير إشارة إلى قلّة القائل، لا إلى ضعفِ المقول، لكن السّياق يأبى عنه. ونحو قوله تعالى: {مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ}. فإنّه -أي المذكور- تفسير كمثل: {الَّذِينَ خَلَوْا} -أي مَضَوْا- {مِنْ قَبْلِكُمْ}، حالهم التي هي مَثَلٌ في الشّدّة. و (مسّتهم) بيان للمَثَل مع قطع النَّظر عن كونه استئنافًا أو بيانًا له على الاستئناف، كأنّه قيل: كيف مثلهم؟ وأجاب: مَسّتْهم البأساء والضّرّاء وإنّما قلنا مع قطع النّظر عن كونه استئنافًا؛ لأن المصنّف عدّ المستأنفة والتفسيريّة قسمين مستقلين من الجمل التي لا محل لها من الإعراب، وجعلها مثالًا للتَّفسيرية. وقيل: حال من الذين، فتكون (قد) مقدّرة على القاعدة الممّهدة عند الأكثر، وهي أن الماضي لا يكون حالًا إلّا أن تكون (قد) ظاهرة أو مقدّرة، انتهى أي تمَّ الكلام، لعلّ هذا القيد إشارة إلى أنّ الإعراب لا يجوز عنده بغير ما ذكره بخلاف سائر المواضع [التي ترك] فإن الإعراب يجوز فيه بغير ما ذكره. ونحو قوله تعالى: {كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ} الآية. شبّه عيسى -عليه السّلام- بآدم -عليه السلام- من حيث أنّه خلقه من تراب، ولم يكن له أبٌ وأمٌ، فكذلك حال عيسى -عليه السلام-، حيث خُلق من غير أبٍ، ولا يلزم من هذا التشبيه كونه مشاركًا في جميع الوجوه، لأنّ المماثلة لا تقتضي المشاركة في جميع الأوصاف.

ويجوز أن يكون التَّشْبيه بينهما من حيث إنّهما وُجدا وجودًا خارجًا عن العادة المستمّرة، وهما في ذلك نظيران، أو من حيث إنّ الوجود من غير أب وأمّ أغرب وأخرق للعادة من الوجود من غير أب، فشبّه الغريبَ بالأغربِ ليكون أقطع للخصم، وأحسن للمادَّة. فجملة خلقه تفسير لـ (كمثل)، وقيل موضوعها حال من آدم، و (قد) معها مقدّرة والعامل فيها معنى التشبيه، والهاء لازم، و (من) متعلق بـ (خلق)، ويضعُفُ أن يكون حالًا، لأنّه يصير تقديره: خلقه كائنًا من التُّراب، وليس المعنى عليه، كذا في "معرب" أبي البقاء. ونحو قوله تعالى: {تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} بعد {هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ}. قال أبو البقاء: (تؤمنون) تفسير للتّجارة، فيجوز أن يكون في موضع جرٍ على البدل، أو في موضع رفع على تقدير هي. وقيل: مستأنفة بمعنى آمِنوا، وهو أعم من الصناعي والبيانّي، أما على تقدير كونه بيانيًا، فإنّهم قالوا: كيف نعمل؟ فقال: تؤمنون بالله بدليل: {يَغْفِرْ لَكُمْ} بالجزم، فَجَزْمُ (يَغْفِرُ) لكم دليل على الوجهين، فيكون الباء متعلقًا بهما. والحاصل: إن جزم {يَغْفِرْ لَكُمْ} إما جوابًا للأمر المدلول عليه بلفظ الخبر، وإنّما جيء به إيذانًا بأنّ ذلك مما لا يترك به، أو لشرط. قال القاضي البيضاوي: {يَغْفِرْ لَكُمْ}: جواب للأمر المدلول عليه بلفظ الخبر، أو لشرط تقديره: أن تؤمنوا، أو تجاهدوا، وقال أبو البقاء: في جزمه وجهان:

أحدهما: هو جواب لشرط محذوف دلّ عليه الكلام تقديره: وإن تؤمنوا يغفرْ لكم، و (تؤمنون) في معنى آمنوا، فعلى هذا تكون جملة (تؤمنون) مستأنفة، هذا أقرب إلى الحق حيث قال العلَّامة في الكشاف". عن ابن عبَّاس -رضي الله تعالى عنه- إنّهم قالوا: لو نعلم أحبَّ الأعمال إلى الله تعالى لعملناها، فنزلت هذه الآية، فمكثوا ما شاء الله يقولون: ليتنا نعلم ما هي، فدلّهم الله تعالى عليها بقوله -تؤمنون- وهذا دليل على أنّ تؤمنون كلام مستأنف. وثانيهما: أو لكونه جوابًا لاستفهام دلّ عليه الكلام، تقديره: هل تقبلون أنْ أدلَّكم؟ وقيل: جواب لهل المضمر بحيث المعنى، فتقديره: هل تُؤمنون بالله وتجاهدون؟ لأن الله تعالى قد بَيَّن التجارة بالإيمان والجهاد، فكأنّه قد لفظ بهما في موضع التّجارة. وقيل: جواب لهل أدلّكم، وهو قول المصنّف، وعلى الأوّل [هو] جواب الاستفهام يعني على تقدير كون {تؤمنون} بيانًا وتفسيرًا، يكون {يَغْفِرْ لكم} بالجزم جواب الاستفهام على القاعدة الممهدة، وهي أنَّ الفعل المضارع يجزم بإن مضمرة إذا وقع جوابًا لأمر أو نهي أو استفهام أو تمنٍّ أو عرض. تنزيلًا: يجوز نصبه على المفعول المطلق، أو على المدح أو [على] المفعول له حيث جعل جوابًا لمن، قال كيف يصحّ جعله جوابًا لهل أدلّكم مع أنّ دلالته لا توجب المغفرة، فأجاب بقوله (تنزيلًا)، أي يصحّ ذلك إقامةً لسبب السبب، وهو الدّلالة التي هي (سبب الامتثال)، منزله السبب، وهو الامتثال الَّذي سَبَّبَ المغفرة، إذ الدّلالة سبب الامتثال، فكأنها قامت مقام الامتثال، لأنّ الدّلالة على التّجارة المفسرة بالإيمان، سبب الامتثال الَّذي (هو سبب) المغفرة، فلا يبعد أن تكون الدّلالة المفسّرة بالإيمان سببًا للمغفرة، فعلى هذا يكون ردّ القاضي على القائل هذا القول بقوله:

ويبعد جعله جوابًا لهل أدلّكم؛ لأن مجرّد دلالته لا توجب المغفرة لما فيه اشتباه، ولا يخفى على الفَطِن؛ لأنّهم لم يقولوا مجرد الدّلالة توجب المغفرة بل الدّلالة المفسرة يؤمنون. انتهى أي تمَّ الكلام. وقال الشَّلَوْبين، بفتح الشين واللام، وسكون الواو، وكسر الباء بنقطة، وسكون الياء المنقوطة بنقطتين، اسم لشيخ من الكوفيين، وفي بعض النسخ الشلوبون. والشلو اسم بلدةِ ابن مالك، فيكون المراد منه النحويين المنسوبين إلى الشلو، هكذا ضبطنا من أستاذنا، التحقيق هذا صريح بأنّ ما ذكره أوّلًا ظواهر كلمات القوم، والتخصيص بعد التعميم، تحقيق قولهم فذكر أوّلًا كلمات القول وحقّق ثانيًا بقول الشَّلَوْبين. إن الجملة المفسَّرة بحسب ما تفسره، وإعراب بحسب ما تفسره، كإعراب قوله بحقيقة ما تليه، فإن كان له أي لمفسَّره بفتح السين، محلّ فهي، أي الجملة المفسِّرة بكسر السين، كذلك أي مثل المفسّر في كونه محلًا من الإعراب وإلّا أي وإن لم يكن له محل فلا، أي لا يكون له محل من الإعراب. والثاني أي المفسِّر الَّذي لا يكون لمفسِّره إعراب نحو: ضربتُهُ في نحو زيدًا ضربته، والتقدير: ضربتُ زيدًا ضربته، فلا محلّ للجملة المقدّرة وهي: ضربتُ، لأنها مستأنفة فكذلك تفسيرها في أن لا يكون لها محل من الإعراب. والأوّل: أي المفسِّر الَّذي يكون لمفسره إعراب إنّما آخذ معنى الثاني مع أنَّه وجودي، والوجودي يقتضى التّقديم في الأقسام والأحكام، لأنّ الكلام في القسم الثاني قليل، فلو قُدّم الأوّل لوقع الفصل بين القسمين بالكلام الكثير فيكون دغدغة. نحو {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ}.

[والتقدير: إنّا خلقنا كلّ شيء خلقنا]، فخلقنا المذكورة مفسِّرة لخلقنا المقدّرة، أي: المضمرة، فالمقدّرة عام من المحذوف، والمضمر. وتلك أي: الجملة المقدّرة، في موضع رفع لأنّها خبر إنّ المتّصل بنا، وكذلك أي مثل المقدّرة المذكورة في كونها مرفوع المحلّ. ومن ذلك، أي: من أمثلة الجملة المفسِّرة التي حكمها كحكم المفسَّر، وإنما قال من ذلك ولم يقل: نحو زيدٌ الخبزَ ويأكُلُهُ، رعايةً للأدب، فزيدٌ: مبتدأ، فيأكله: الفاء للتفسير في موضع رفع لأنّها مفسِّرة للجملة المحذوفة أي المضمرة، وإنما فسّرنا المحذوفة بالمضمرة لأنهم فرّقوا بين المضمر والمحذوف، وقالوا: المضمر هو المتروك، ويكون له قائمٌ مقامه، والمحذوف هو المتروك أصلًا، ولا يكون في القائم مقامه أثر، كذا في "شرح الألفية" وههنا القائم مقامه موجود وهو المفسَّر، والمصنّف تساهل وعبّر عن المضمر بالمحذوف، نعم بعض النحاة لم يذهب إلى الفرق، لكنّ التحقيق ما قلنا فيما سبق. وهي أي: الجملة المضمرة، في محل الرفع على الخبرية لزيد، فتقديره: زيد يأكلُ الخبزَ يأكُلُه. فيأكله المقدّم في موضع رفع لانّه خبر زيد، وكذلك المؤخّر لأنّه مفسّره وإنما أورد المصنّف هذا المثال، ولم يكتف بالأوّل ليكون توطئة لقوله: واستَدَلَّ على ذلك، أي على كون الجملة المفسّرة في حكم الجمله المفسَّرة في الإعراب. بعضهم أي: بعض النّحاة، بقول الشاعر، وفي ذِكْرِ البعض إشارة إلى ضعفِ الاستدلال فَمَنْ نَحْنُ نُؤمِنْهُ يَبِتْ وَهْوَ آمِن [طويل] فظهر الجزم في الفعل المفسِّر للفعل المحذوف، لأنّ هذا الاستدلال مبنيّ على ثبوت الجزم لكونها مفسِّرة للمجزوم، وذلك غير ثابت، على أن ذلك لا يقتضي أن يكون جميع المفسِّر مثل ذلك، لأنّ المطلوب هو القاعدة الكُلّيّة، والمثال الجزئى لا يشتبه، وتقدير الكلام، فمن [نؤمنه] نحن نؤمنه يبت وهو آمن.

[جواب القسم]

فَمَنْ: اسم متضمن للشّرط، و (نؤمِّنْ) المقدّر مجزوم بِمَنْ، وكذلك المذكور لكونه مفسِّرًا له، و (يَبِتْ) جزاء مَنْ، و (الواو) في وهو للحال، و (هو): مبتدأ، و (آمن): خبره، والجملة: حال من ضمير يبت. واعلم أنّ الأسماء المتضّمنة بمعنى إن لا تحذف أفعالها في حال الاختيار لكونها فرع إن، فلا تصرّف فيها مثل تصرّف إن إلَّا عند الضرورة كما في البيت المذكور. وقال بعضهم: الأَوْلى في الاستدلال أن يثبتَ بما قاله فحول النّحاة في تعريف المفسِّر، وهو أن المفسِّر ما يتجانس المفسِّر في جميع الأحكام. [جواب القسم] والخامسة الواقعة جوابًا لقسم نحو: {إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ} بعد قوله تعالى {يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ}. ذهب الجمهور إلى سكون النّون في (يس). وقرئ بالضمّ بناءً كحيث، وإعرابًا إما: خبر مبتدأ محذوف تقديره: هذه يس، أو مبتدأ، وخبره جملة القسم وجوابه. وبالنّصب على البناء كأينَ، أو على الإعراب إما بتقدير فعل القسم على طريقة تالله تعالى والله لأفعلنَّ أو غيره كـ (اتْلُ) أو بإضمار حرف القسم والفتحة، ممتنع الصرف. وبالكسر كَجَيْر، و (القرآن): الواو للقسم أو للعطف على تقدير كون يسن مقسمًا به، فيكون (والقرآن) قسمًا على كل وجه و (الحكيم) أي: ذي الحكمة، أو لأنَّه دليل ناطق بالحكمة

كالحيّ، أو لأنه كلام حكيم فوصف بصفة المتكلم، و (إنّ): حرف من حروف المشبهة، اسمها: الكاف، وخبرها {لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ} وجملة {إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ}: جواب للقسم لا محل لها من الإعراب. فَلَمَّا ذهب بعضهم إلى كون يس مُقْسَمًا به، قال المصنف: يس والقرآن من غير اقتصار على أحدهما جمعًا للخلاف، قيل، ذكر قيل لقلّة القائل لا لضعف المقول، ويرشدك إليه جواب المصنّف لمن ردّ هذا القول بقوله، والجواب عمّا قاله: ومن هنا أي: ولأجل كون جملة جواب القسم لا محلَّ لها. قال ثعلب هو من أئمة النحو واللّغة: لا يجوز زيد ليقومن من غير تأويل بأن الخبر مجموع القسم وجوابه. فقوله: لا يجوز زيد ليقومنّ مقول لقال، وقوله: ومن هنا قال ثعلب إلى آخره مقول لقيل. اعلم أنّ النُّحاة قالوا: إن مقول القول لا يكون إلَّا جملة، فلذلك تكون (إنّ) بعده مكسورة، وكذا قالوا: إن الجملة لا تكون فاعلًا ولا مفعولًا، مع أنّ مقول القول، وإنْ كان مفعولًا إلّا أنَّه لا يكون إلَّا جملة فتمحّلوا في التوفيق بين هذين القولين. قال صاحب "اللباب" في بحث حروف المشبهة بالفعل: وتُفتح (أنّ) في مظانّ المفردات، أو ما يجري مجراها، وإن كان يستعمل فيها الجملة لفظًا جوازًا ولزومًا لَكَان الفاعل أو المفعول خارج باب قلت. وقال في "شرحه": أي جميع متصرّفاته فإنّ مقول القول، وإن كان مفعولًا إلّا أنَّه لا يكون إلا جملة، فيفهم منه أنّ باب قلت مستثناة من هذا الحكم. وقال ابن الحاجب في "الأمالي": الجملة الواقعة بعد القول إذا بُنيت لما لم يُسَمَّ فاعله تقوم مقام الفاعل، لأن القول لفظ الجملة [الواقعة بعد القول] لا معناه كقوله تعالى:

{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ} وما أشبه ذلك، وهذا أيضًا مختار الزَّمخشري، ولكن دار في خلدي: لو صحَّ هذا التأويل لأُجْرِي في سائر المواضع. والحال أنَّه ليس كذلك، اللهم إلّا أن يقال: هذا التّوجه يختص بباب قلت؛ لافتقاره إلى الجملة. وقال أبو البقاء: إنّ الجملة لا تقع فاعلًا ولا مفعولًا، ولو كانت في باب قلت، والمفعول القائم مقام الفاعل هو القول، والمضمر لأنّ الجملة بعده. تفسيره. فيكون التقدير قيل قوله، ومن هنا قال ثعلب: فعلى هذا: الواو زائدة لتأكيد اللّصُوق، بين المبتدأ والخبر على رأي أبي البقاء وبين القول ومقوله على رأي الغير، في قوله تعالى: {إِلَّا وَلَهَا كِتَابٌ مَعْلُومٌ}، لأن الجملة المخبر بها، صفةٌ جرت على غير من هي له فالضمير عائد إلى الجملة لها محل أي للجملة المخبر بها محلٌّ من الإعراب، وجواب القسم لا محل له من الإعراب، ولو جعل (ليقومنّ) خبرًا في الحقيقة للزم اجتماع الأمرين المتضادين، في جملة واحدة. ورُدَّ بقوله تعالى -أي ردّ بعض النّحاة قول ثعلب بقوله تعالى-: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ} هذا على تقدير أن يكون (الذين) مع صلته في موضع الرفع بالابتدائية، ولنبوّئنهم خبره. والجواب عمّا قاله، الضمير البارز راجع إلى (ما)، والمستتر إلى رادِّ قولِ الثعلب: إنّ التقدير والذين آمنوا وعملوا الصّالحات أقسم بالله لنبوّئنهم. هذا جواب تسليمي إذ يجوز الإعراب في الآية الكريمة بغير هذا الوجه، وهو أن يكون (الذين) منصوبًا بفعل محذوف يفسّره (لنبوّئنهم) كذا ذكر أبو البقاء.

[الواقعة جوابا لشرط غير حازم]

وكذلك التقدير فيما أشبه ذلك - فيكون التقدير في (زيد ليقومّن) زيد، أُقسم بالله ليقومنّ. فالخبر [هو] مجموع جملة القسم المقدّرة وجملة الجواب -بالجر عطف على جملة: ويجوز أن يكون بمعنى مع فيكون منصوبًا- لا مجرد الجواب، أي لا مجرّد جواب القسم وحده، حتَّى يثبت ما قلتم، ولزم ما ذكرتم من لزوم جمع المتنافيين. فعلى هذا يكون إطلاق الخبر على (لنبوّئنهم) مجازًا، فتأمّل. [الواقعة جوابًا لشرط غير حازم] السادسة الواقعة جوابًا لشرط غير حازم كجواب (إذا، وإذ، ولو، ولولا) وقعَ في بعض النّسخ وإذ وإذا، فاعلم أنّ في (إذا) معنى المجاز، عند جميع النحويين ولو ولولا كذلك وأما إذ فلا يكون فيها معنى المجاز فلذلك لا تختصُّ بالجملة الفعلية إلّا بدخول (ما) الكافّة عند فحول النحويين، فحينئذٍ تكون من الجوازم، ويُتصرّف بالحرفية عند سيبويه، وعند المبرد في أحد قوليه، وعند البعض هي من الجوازم، والمصنّف عدّها ممّا يتصرف على ثلاثة أوجه، ولم يذكر كونها للشَّرط كما هو مذهب المحقّقين. وأمّا عدُّها في هذا الوضع فعلى المذهب المرجوح، وأن الجزم لا يجوز بجميعها إلّا في ضرورة الشّعر عند البصريين. وأمّا عند الكوفيّين (إذا) للشرط المحض يجزم مطلقًا. ولو كان في ضرورة الشعر، وفي بعض اللغة.

[التابعة لجملة لا محل لها]

و (إذ) كذلك عند بعض النّحاة، وأن دخول الفاء في جواب (إذ) و (إذا) متَّفق عليه. وأمّا على جواب (لو) فلا تدخل إلَّا في رواية عن القاضي أبي العاصم ذكره في بعض كتب الأصول، فإذا فهمتَ ما تَلَوْنا عليك علمتَ أنّ كلام المصنّف مبني على مذهب المنصور فاحفظ هذه القاعدة عسى أن تتمشّى في مواضع كثيرة. أو جازم ولم تقترن بالفاء، ولا بإذا المفاجأة نحو: إن جاءني زيد أكرمته، فجملة أكرمته لا محلّ لها من الإعراب، لأنها لا تتعلّق بما قبلها، بالفاء ولا بإذا المفاجأة، فيكون جملة مستقلة كما هو حال سائر الجمل اللّواتي لا محل لها من الإعراب. [التابعة لجملة لا محلّ لها] السابعة التابعة لما لا موضع له، والضمير عائد إلى (ما) نحو قام زيد وقعد عمرو [إذا لم تقدّر الواو للحال]، وجملة قعد عمرو على تقدير كون الواو عاطفةً معطوفة على جملة قام زيد، التي لا محلّ لها من الإعراب لكونها مبتدأ، فلا يكون لها محلّ من الإعراب لكونها تابعة للجملة التي لا محل لها من الإعراب. [الجملة الحالية والوصفية] المسألة الرابعة: إما مبتدأ خبره محذوف، أو خبر مبتدأ محذوف، وهو هذه الجملة: مبتدأ وخبره الخبريّة صفة لها، وصف الجملة بالخبرية، لأنّ الإنشائية التي لم يسبقها ما يطلبها، لا تكون صفة إلَّا بتأويلٍ، وكذا كونها حالًا عند الجمهور خلافًا للفرّاء. التي لم يسبقها أي الجملة الخبرية (ما) موصولة صلتها يطلبها الضمير المستتر في يطلب راجع إلى الموصول، والبارز إلى الجملة والموصول مع صلته فاعل لم يسبق. لزومًا أي وجوبًا كما هو المتبادر، تمييز عن فاعل يطلب، وهذا القيد احتراز عن الجملة التي يطلبها ما يسبقها لزومًا، فإنها على مقتضى العامل، فلا يكون من هذا الباب كالجملة الخبريّة نحو: زيدٌ قام أبوه، فإن جملة قام أبوه لا تكون إلّا خبرًا، لأنّ المبتدأ يطلبه لزومًا بعدَ بالنصب إمّا على الحاليّة من المبتدأ أو على الظرفية، أو بإضمار أعني مضاف إلى النكرات بكسر الكاف المحضة [أي] الخالصة من شائبة التخصيص

والتّعريف، صفات سواء كانت تلك الجملة فعلية أو اسمية أو ظرفية أو شرطية ولا يكون فيها واو، ولو وُجد لكان زائدًا لتأكيد اللُّصُوق، وبعد المعارف المحضة؛ من شائبة النكرات أحوال. اعلم أنّ الجملة الخبريّة سواء كانت اسمية أو فعليّة أو ظرفية، تقع حالًا بلا خلاف، وأمّا الجملة الشَّرطية الخبرية، فتكون صفة وخبرًا، ولا يكون حالًا إلّا بعد خروجها عن حقيقة الشرط، وهو إما بالعطف على ما يناقضها لأنّ النقيضين لا يبقيان على معنى الشرط، نحو: أتيتك إن تأتني وإن لم تأتني، واستمر فيه ترك الواو. أو بتقدير المبتدأ وهو هو أو مثلُه، واستمر فيه ذكر الواو: فهذه الواو للحال عند الزمخشري، وعليه جمهور النّحاة خلافًا للبعض، فإنّ تلك الواو للعطف على مقدّر نحو: أتيتك وإن لم تأتني، وأكرمك وإن أهنتني. قوله: بعد المعارف المحضة أحوال، عطف على بعد النكرات المحضة صفات، فإعراب المعطوف كإعراب المعطوف عليه، وكذا قوله: وبعد غير المحضة منهما، أي من النكرات والمعارف. محتملة لهما أي للصفة والحال، قدّم الصفة على الحال لأنّها مبيّن الذات، والحال مبيّن الهيئة، وبيان الذّات مقدّم على بيان الهيئة. فمثال: مبتدأ مضاف إلى الواقعة صفة. مفعول الواقعة كما مرَّ في المسألة الثانية، نحو: بالرفع خبره مضاف إلى جملة {حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ} فجملة (نقرؤه): صفة لـ (كتابًا) منصوبًا على الحكاية لأنّه أي الكتاب نكرة محضة، ويجوز أن يكون حالًا من الضمير المجرور في علينا، ذكر أبو البقاء فعلى هذا تكون الآية مثالًا لهما بالاعتبارين. وحتّى جارّة بمعنى إلى بتقدير أن، وقد مضت أمثلة من ذلك، الجار والمجرور صفة لأمثلة، أي ذهبت أمثلةُ التي كائنة من هذا القسم، في المسألة الثانية، مفعول فيه لمضت، لقوله تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ} فيومًا: نكرة، وترجعون: صفتها وكذا سائر الأمثلة، فلينظر إليه ثانيًا.

ومثال الواقعة حالًا، إعراب هذه المذكورات كإعراب ما سبق: {وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ} خبر المبتدأ وهو مثال الواقعة، فجملة تستكثر بالرّفع حال من الضمير المستتر، صفة للضمير. في تمنن متعلّق للمستتر المقدّر صفة بعد صفةِ بانت متعلّق للمقدّر لأن الضمائر كلّها معارف بل هي أعرف المعارف، قيل هنا لعطف الجملة على الجملة لأن الضمائر كلها معارف، فيكون لترك الأوّل والأخذ ما فيه هو أهمّ من الأوّل مع ثبوته، فتكون جملة تستكثر حالًا من الضمير بلا ريبة، لكونه أعرف المعرفة. ومثال المحتملة للوجهين، أي الحال والصفة بعد النكرة غير المحضة، بعد: ظرف والعامل فيه المحتملة، ويجوز أن يكون العامل فيه مقدّرًا، فحيئذٍ يكون حالًا من المحتملة، ويجوز أن يكون صفةً فيقدَّر متعلِّق معرّفًا، فيكون تقدير الكلام الكائن أو الَّذي حصل بعد التنكير، كما صرّح الأخفش لأنّ اللاّم في المحتملة بمعنى الَّذي، فلا يجوز أن تكون الجملة الخبريّة صفة لمعرفة إلَّا بهذا التأويل نحو: مررت برجل صالح يصلّي، فإن شئت قدّرتَ جملة يصلّي صفة ثانية لرجل، الموصوف [بصالح] لأنّه نكرة أي لأنّ رجلًا نكرة، والنكرة لم تَخْرج بالتوصيف عن كونه نكرة، وإن كانت غير محضة، وإن شئت قدَرتها حالًا منه أي: إن شئت قدّرت جملة يصلّي حالًا من الرجل، فعلى الأوّل يكون في محل الجرّ، وعلى الثاني في محل النصب لأنّه: هذا تعليل لتقدير جملة يصلّي حالًا من النكرات، أي لأنّ رجلًا قد قرب من المعرفة باختصاصه بالصفة الأولى، فيعامل معاملة المعرفة، وإن لم يكن معرفة. ومثال المحتملة للوجهين بعد المعرفة غير المحضة، والمصنّف لم يقيّد به اعتمادًا على ما تَقَدَّم. قوله تعالى {كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا}. شبّه قَرَأةَ التوراة وحفّاظَ ما فيها من اليهود بالحمار، لكونهم غيرّ عاملين بها، ومتفقهين بآياتها، وذلك لأنّ فيها نَعْتَ رسول الله -عليه السّلام- والبشارةَ به، ولم يؤمنوا به، كالحمار يحمل أسفارًا، أي كتابًا من كتب العلوم، فهو يمشي بها ولا يدري منها إلَّا ما أصابه من التّعب، فكلُّ من عَلِمَ ولم يَعْمَلْ فهو مثل الحمار فإنّ المراد بالحمار الجنس.

اعلم أنّ (الّلام) إمّا إشارة إلى نفس الحقيقة، أو إلى حصة معينة منها، واحدًا كان أو اثنين أو جماعة، وهو العهد الخارجي، ونحو علم الشخص. والأوّل إمّا أن يُطلق على نفس الحقيقة من غير نظر إلى ما صدقت الحقيقة عليه من الأفراد، وهو تعريف الجنس والحقيقة، وإمّا على حصّة [غير] معينة وهو العهد الذهبي، ومثله النكرة، وإمّا على الأفراد وهو الاستغراق ومثله كل مضاف إلى نكرة، هذا على سبيل التحقيق، وأمّا المشهور فالاستغراق ومقابل لتعريف الجنس. وذو التّعريف الجنسي بالرفع صفة لذو، وبالجر صفة للتعريف يقرب من النكرة. قال الشريف: وهذا القرب إنّما هو بين النكرة، والمعرّف بلام الجنس إذا أريد به الجنس، من حيث وجوده في ضمن فرد لا بعينه لأجل قرينة تقتضي ذلك، كقولك حيث لا عهد: أكلت الخبز وشربت الماء. فإنّ مؤدّى المعرّف مؤدّى المنكر، وهو الفرد المنتشر، كأنّك قلت: أكلت خبزًا وشربت ماء. والفرق هو أنّك في المعرّف تشير إلى كون ماهيّة ذلك الفرد معلومة، وليس في المنكّر هذه الإمارة، والتعريف الجنسي المأخوذ بهذا الاعتبار هو المسمّى تعريف العهد الجنسي، وإذا قصد بالمعرّف بلام الجنس إلى الماهية من حيث هي، فبيْن المُعَرَّف والمنكر بَوْنٌ بعيد. فيحتمل الجملة من قوله تعالى: {يَحْمِلُ أَسْفَارًا} وجهين: أحدهما: الحالية لأنّ الحمار بلفظ المعرفة، وإن كان نكرة في المعنى. والثاني: الصفة لأنّه كالنكرة في المعنى، وإن كان معرفة بحسب الظاهر. وإنما قال كالنكرة إشارة إلى الفرق الَّذي ذكرناه قبله، قال ابن الملك في شرحه لـ "المصابيح": الأَوْلى أن يُجْعَلَ صفةً. انتهى.

لكن الأَوْلى أن يُجْعَلَ حالًا لأنّ العمل بظاهر الحال أولى، ويدلّ عليه تقديم الزمخشري هذا الوجه في الذّكر، كونها حالًا، حيث قال: فإن قلت: يحمل ما محلّها؟ قلت: النّصب على الحال، والجرّ على الوصف لأن الحمار، كاللئيم في قوله: وَلَقَدْ أمُرُّ عَلَى اللّئِيْمِ يَسُبُّني [كامل] وترك أبو البقاء صفة، حيث قال: يحمل، هو في موضع الحال من الحمار، والعامل فيه الـ مَثَلُ.

[الباب الثاني] [الجار والمجرور]

[الباب الثاني] [الجار والمجرور] الباب الثاني، الباب: مبتدأ، والثاني: صفة، وفي الجار: خبره، وفي المجرور: عطف عليه، وفيه أيضًا، أي في الباب الثَّاني كما في الباب الأول أربع مسائل. أحدها، أي: إحدى المسائل الأربع. أنَّه، الضمير للشّأن، لابدَّ أي: لا فِرَاق، قال في "الصحاح": لابد من كذا، كأنّه قال: لا فراق منه. فـ (لا): لنفي الجنس، و (بدَّ): منصوب على الاسمية، ويجوز ذكر خبرها عند [أهل] الحجاز مطلقًا، وعند بني تميم إذا كان الخبر ظرفًا، فهنا الخبر ظرف، فيجوز ذكره على المذهبين. وهو قوله: مِنْ تعلّق الجار والمجرور بفعل أو ما فيه معناه، أي: بشيء فيه معنى الفعل، وهو كل شيء يدل على الحديث كاسمي الفاعل والمفعول، والصّفة المشبّهة، والمصدر، والظرف، والجار والمجرور، وغير ذلك. وفي بعض كتب النّحو: بفعل أو شبه فعل أو معناه، والمراد من معنى الفعل الظرف، وفي بعضِ كتبه بفعل فقط، والمراد من الفعل ما يُعامَل معاملته، فيعمّ الفعل والظرف، والمصنّف اختار الوسط، ولكلٍّ وجهة هو مولّيها. وقد اجتمعا أي الفعل وما فيه معنى الفعل في قوله تعالى: {أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} فـ (عليهم) الأوّل متعلّق بالفعل، والثَّاني ما في معناه وهو المغضوب. وقول ابن دُرَيْدٍ بضمِّ الدّال، وفتح الرّاء، وسكون الياء، تصغير أَدْرَدَ مُرَخمًا، يقال: رجل أَدْرَدُ: ليس في فمه سِنّ بيّن الدَرَدِ، كذا في "الصحاح".

واشْتَعَلَ المُبْيَضُّ في مُسْوَدِّه [الرجز] هما اسمان مفعولان، إما بسكون الياء والسين، فيكون من أفعل، أو بحركتهما فيكون من فعّل بالتّشديد. مثل: منصوب إمّا على الحالية من المبيض، أو على الوصفية لمصدر محذوف تقديره اشتعالًا مثل: اشتعال النّار في جَزْل الغضا الجَزْل: الحَطَبُ اليابس أو الغليظ العظيم منه، كذا في "القاموس"، والغَضَا بفتح الغين المعجمة: شجر، هذا، أي كونه دليلًا على الاجتماع على تقدير تعلّق في مُسْوَدّه باشتعل في جزل الغضا باشتعال، وإن علّقت الأوّل أي في مسوده بالمبيضّ، أو جعلته حالًا منه متعلّقًا بكائن على القاعدة التي ستأتي في المسألة الثّالثة. وهي: متى وقع الجار والمجرور صفة أو حالًا أو صلة تعلّق بمحذوف وتقديره كائن أو مستقر. فلا دليل فيه، أي لا يكون فيه ما يدّل على الاجتماع لأن في مسودّه على شبه الفعل وهو المبيضّ أو كائن، فلا يجتمع فيه الفعل وشبهه، وإنّما قال متعلّقًا بكائن لأنّه لو جعلته حالًا متعلّقًا باستقرّ يكون دليلًا كما في تعلّقه باشتعل، ولمّا قال لابدّ من تعلّق الجار والمجرور، يُفهم منه أن يكون لجميع الجار متعلّق، فَدُفِعَ هذا الوهم بقوله: ويستثنى من حروف الجار أربعة فلا يتعلَّقْن بشيء. أحدها الزّائد، كالباء الزائد في {كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا}، فشهيدًا يجوز أن يكون تمييزًا أو حالًا على منوال: (لله درّه فارسًا) ولا يخفى عليك أنّ قول المصنّف، كالباء الزائدة في {كَفَى بِاللَّهِ} ليس على ما ينبغي، حيث قال في آخر رسالته: وينبغي أن يَجْتَنِبَ المُعْرِبُ أن يقول في كتاب الله تعالى أنها زائدة، لأنّه يسبق إلى بعض الأذهان أنّ الزائد هو الذي لا معنى له، وكلام

الله -سبحانه وتعالى- منزّه عن ذلك، [وَأحْسِنْ بِزَيْدٍ عند الجمهور]، و {وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} اعلم أنَّ: (ما) المشبهة بليس تعمل عند الحجازيين بأربعة شروط: أحدها: أن يكون اسمها مقدّمًا على خبرها. قال ابن عصفور: هذا إذا لم يكن الخبر ظرفًا أو ما جرى مجراه، وأمّا إذا كان ظرفًا أو جارًّا أو مجرورًا فيعمل لكثرة التوسُّع فيه، كما تعمل إنّ وأخواتها، لكن المُعْتَبَرَ أن لا تعمل ولو كان ظرفًا. والثاني أن لا يقترن اسمها بإنْ. والثالث أن لا يقترن الخبر بإلّا. والرّابع أن لا يليها معمول الخبر وليس ظرفًا ولا جارًا أو لا مجرورًا. وأمّا إذا كان معمول الخبر ظرفًا أو جارًّا ومجرورًا، فيعمل عند سيبويه، وأن يليها معمول خبرها نحو: فما [المشبهة بليس] كل حين مَنْ يوالي مُواليًا، فمواليًا خبر ما، ومَنْ اسمها، وكل حين معمول مواليا. وعند بني تميم لا تعمل وإن استُوفيت الشّروط لدخولها على الاسم والفعل، بل يكون ما بعدها مبتدأ وخبرًا، ولا تدخل الباء على خبر المبتدأ الَّذي بعدها عندهم إلَّا في القرآن، كذا في "الإقليد". قال الزمخشري في "مُفَصّله": ودخول الباء في الخبر نحو قولك: ما زيد بمنطلق، إنَّما يصحُّ على لغة الحجازيين. وقال ابن هشام في "شذور الذّهب" وقرأ على لغتهم {مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ} بالرفع، وقرأ أيضًا: بأمّهاتهم بالجر بباء زائدة، ويحتمل الحجازية والتميمية خلافًا لأبي علي والزمخشري زعمًا أنَّ الباء تختصّ بلغة النصب. انتهى.

فما: بمعنى ليس، وربُّك: مبتدأ، وبغافل: في محل الرفع على أنَّه خبر مبتدأ عند بني تميم. وأمّا عند الحجازيين: ربُّكَ: اسمها، وبغافل: في محل النصب خبرها، والباء: زائدة على المذهبين، وعن: حرف جرّ متعلّق بغافل، وما يجوز أن تكون بمعنى الَّذي، فمعناه: وما الله بغافل عن الشيء الذي تعملون، ويجوز أن تكون مصدرية، فمعناه: بغافل عن عملكم، والجملة في محلّ النّصب على أنها مفعول بغافل. اعلم أن الباء تزاد قياسًا في خبر المبتدأ استفهامًا نحو: هل زيد بقائم؟ وفي خبر (ما) نحو: {وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ}. وخبر ليس نحو: ليس زيدٌّ بقائمٍ. وسماعًا في الفاعل في غير التعجب نحو: {كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا} على أحد التأويلين، وهو مذهب سيبويه. فذكر ابن السرّاج وجهًا آخر، وهو أن تكون غير زائدة، وفاعل كفى ضمير مستتر عائد على الاكتفاء المفهوم من كفى. كأنّه قال هو أي: كفى اكتفاؤك بالله. وأمّا في صيغة التعجب نحو: أفعل به، فزيادة الباء قياس في الفاعل عند سيبويه، وفي المفعول عند الفرّاء، ومن وافقه، وإنّما حكموا بزيادتها لأنّ الهمزة في أفعل للتعدية عند من جعلها أمرًا حقيقة، وقال بعض المغاربة، ويحتمل أن تكون الهمزة لا للنقل، بل على معنى أقطع البخل في مثل: أكرم بزيد، ثم أدخلوا الباء على معنى أنّه صَيَّرَهُ أي: صَيِّره [ذا كرم]، فأكرم أمرٌ، فتكون الباء للتعدية. وتزاد أيضًا سماعًا في المفعول نحو: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}. وفي المبتدأ نحو: بحسبك زيد، وكمِنْ، معطوف على الباء في {مَا لَكُمْ مِنْ

إلهٍ غيره} مِنْ: جارّة وزائدة، فلا يتعلّق بشيء، وإله مجرورها لفظًا، ومرفوع محلًا على أنه مبتدأ، واللام في مالكم: حرف جر، وتُفتح اللاّم الجارّة إذا دخلت على المضمر، ويجوز كسرها على لغة خزاعة، و [كم] مجرورها متعلّق بكائن أو استقر، والجار والمجرور في محل الرفع على أنَّه خبر لمبتدأ [محذوف] متأخّر ولا تعمل (ما) لما عرفت أنَّ خبرها إذا كان مقدّمًا على اسمها، يبطُلُ عملُها سواء كان الخبر ظرفًا أو لا، وغيره: صفة (إله)، قُرِئ بالرفع حملًا على المحل، وبالكسر حملًا على اللَّفظ. اعلم أنَّ إضافة غير وشبه ومثل معنويةٌ عند أكثر النّحويين، لكن لا تتعرّف لتوغلها في الإبهام إلّا إذا اشتهر المضاف بمغايرة المضاف إليه، أو بمماثلته، ولفظيّةٌ عند صاحب "التخمير" حيث قال: والحقّ أن هذه الأسماء في الأصل صفات بمعنى اسم الفاعل في موضع مغايرك ومماثلك ومشابهك. فلهذا لم يكتفِ بها للمضاف تعريفًا، ثم قال. إنّ (غيرًا) له ثلاثة مواضع: أحدها: أن يقع موقعًا لا يكون فيه إلَّا النكرات، وذلك إذا أريد به النّفي السّاذج نحو: مررتُ برجلٍ غير زيد، يريد أنّ المجرور به ليس هذا. والثاني: أن يقع موقعًا لا يكون فيه إلَّا معرفة، وذلك إذا أريد به شيءٌ قد عُرِفَ بمضادّة المضاف إليه في المعنى، لا يضادّه فيه إلَّا هو، كما إذا قلت: مررت بغيرك المعروف بمضادّتك، إلّا أنَّه لا يحسن في هذا الوجه أن يجري صفة. والثالث: أن تقع في موضعٍ تارةً تكون [فيه] معرفة، وأخرى نكرة، كما إذا قلت: مررت برجلٍ كريمٍ غيرِ لئيم، والرجل الكريم غيرُ اللّئيم.

قال النحويون: إذا قلت: مررت بالرجل غير اللئيم، فالمعنى: مررت بالرجل الكريم غير اللئيم. انتهى. وفي مثل {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ} و (غيرُ) بالرّفع إمّا لكونه صفة للخالق على الموضع، و (خالق): مبتدأ و (من): زائدة، وخبره محذوف تقديره: هل خالق لكم أو للأشياء، أو لكونه فاعلًا له، فتقديره: هل يخلق غير الله؟ اعلم: أنّ (مِنْ) تزاد في الموجب وغيره عند الأخفش والكسائي وهشام، سواء كان مدخولها معرفة أو نكرة، وعند بعض الكوفيين يُشترط تنكير ما دخلت عليه وعند الجمهور البصرية. بشرط أن يكون ما قبلها غير موجب وما دخلت عليه أن يكون نكرة فتزاد عندهم في الفاعل والمفعول: نهيًا نحو: لا تذهب من رجل، ولا تضرب من رجل. ونفيًا نحو: ما جاءني من رجل، وما ضربت من رجل. واستفهامًا نحو: هل جاءني من رجل؟ وهل تضرب من رجل؟ وفي المبتدأ: نفيًا نحو: هل من رجل جاءني. واستفهامًا نحو: هل من رجل في الدّار؟ واعلم أيضًا أنّ مجرور (من) الزائدة إذا كان من الأسماء المقصورة على العموم كأحدٍ، وديّار، تكون (من) لمجرد التأكيد، فإن معنى ما ضربت أحدًا، وما ضربت من أحد، سواءٌ في التنصيص على العموم.

وإذا لم يكن من الأسماء المقصورة كانت من الاستغراق، فإنّك إذا قلت: ما جاءني من رجل، يكون المعنى نفي إتيان هذا الجنس من واحد إلى ما يتناهى، بخلاف: ما جاءني رجل، فإن معناه نفي إتيان رجل، فيحمل إتيان اثنين أو أكثر، وإنما سميت مزيدة مع إفادتها لأنها لا يتغير أصل المعنى بإسقاطها. ومن ههنا يُعلم ضعف ما قاله المبرّد: لا ينبغي أن يقال إنها زائدة إذا أفادت استغراق الجنس. والثاني أي ثاني ما لا يتعلّق بشيء: (لعلّ) في لغة من يجرّبها، وهم عقيل، [ولهم في لامها الأولى الإثبات والحذف، وفي الأخيرة الفتح والكسر]. قال في "الصحاح": وعُقَيْلُ مصغرًا قبيلة، قال شاعرهم، وهو كعب بن سعد الغنوي، قال [في] مرثية أخيه، كذا ذكر في حاشية "الكشاف" (بيت أبي المغوار): لَعَلَّ أبي الْمِغوَارِ مِنْكَ قَرِيْبُ [الطويل] فـ (أبي) مجرور بـ (لعلّ) ولم يكن لها متعلّق، لأن الأسماء الستة المضافة إلى غير ياء المتكلّم، كان جرّها بالياء. والمِغْوَار بالغين المعجمة. المقاتل. بُني للمبالغة كالْمِجزَام والمِكْثَار. وأبي المغوار: كنية للمدح له.

لا يقال هذا لا يُثْبِتُ أن تكون لعلّ من حروف الجر عندهم، لجواز أن يُحمل على الشّاذ، أو يكون اشتهار هذا الرجل بأبي المغوار بالياء، فحكي على أصله، كما قيل: علي بن أبو طالب، وغير ذلك من الوجوه، لأنّ المصنِّف لم يرد به إثبات مذهبهم، بل هو مِثَالٌ مجرّدٌ لجرّ (لعلّ) لأنّ الجرّ بها في لغتهم شائع عند أرباب النحو، لا يحتاج إلى الإثبات. قال الشيخ الرضي: وعُقَيْل يجرُّونها بـ لعلّ مفتوحة الآخر، وكذا بـ لعلّ مكسورة الآخر، وهي مشكلة لأنّ جرّها عمل مختص بالحروف، ورفعها لمشابهة الأفعال. وكونه حرفًا عاملًا عمل الحروف والأفعال في حالة واحدة لم يثبت، وأيضًا الجارّ لابدّ من متعلّق له لا ظاهرًا ولا مقدّرًا. انتهى. وفيه كلام لأنّ هذا الإشكال مبني على أنّ الرفع بعدها بـ لعلّ عندهم، وهو غير معلوم وأيضًا استدعاء جميع الجارّ متعلقًا ممنوع. والثالث: لولا، التي للامتناع في قول بعضهم، أي قول بعض فصحاء العرب: لولاي ولولاك ولولاه، فإذا وقع بعد لولا ضمير مجرور فمذهب سيبويه أنّ لولا في ذلك جارّة ولا يتعلّق بشيء. اعلم أنَّ (لولا) إذا دخل على الاسم، فالاسم الواقع بعده: إما مبتدأ، وهو مذهب البصريين. أو فاعلُ فِعل محذوف وهو مذهب الكسائي. أو مرفوع بلولا، وهو مذهب الفرّاء. فيجب على هذه الوجوه الثَّلاثة الانفصال، فلمّا وقع من ثقات العرب استعمال الضمير المجرور بعد (لولا)، فمذهب سيبويه إلى أنَّه ضمير مجرور بـ (لولا)، ولولا حرف جر لا يتعلق بشيء، وحُكي عن الخليل ويونس: أنّ الضمير المجرور بعد لولا مجرور بتقدير المضاف، أي: لولا وجودك، وذهب الأخفش والفرّاء إلى أنّ المجرور بعدها قائم مقام المرفوع، فسيبويه تصرف في لولا، وقال: إنّ لِـ (لولا) مع الضمير شأنًا ليس لها مع المظهر، كما أن لـ لَدُن مع الغدوة شأنًا ليس له مع غيرها.

وتصرّف الأخفش والفرّاء في الضمائر، فقال: إن تصرّفات الضمير لا تكاد تنحصر، كتأكيد المنصوبات والمجرورات بالمرفوعات، نحو: رأيتُني أنا، ومررت بك أنت، ووقوع المرفوع موقع المجرور في قوله: ما أنا كأنت، وكأنّ تقدير ما كثرت أمثاله في كلام العرب أَوْلى من تقدير ما لم يكثر، ورجّح ابنُ الحاجب مذهب سيبويه بأن يقال: قياسية بـ (ما أنَا كأنت) فضعيف لقلّة استعماله وشذوذه بخلاف ما حمل عليه سيبويه فإنه كثير، وأمّا وقوع المرفوع موقع المجرور في قولك: مررت بك أنت، فللضرورة إذ لا يمكن إلّا كذلك، وأما وقوع المرفوع موقع المنصوب فلضرورة الفرق بين التأكيد والبدل، فإذا قالوا: ضربته إيّاه، كان بدلًا، وضربته هو، كان تأكيدًا، ورجّح الشيخ الرضيّ مذهب الأخفش وقال: لو كان لولا حرف جر، ولم تكن زائدة للزم من متعلّق، ولا متعلّق في نحو: لولاك، ظاهرًا، ولا يصح تقديره، هذا فانظر ما في الرضي فاسلكْ ما هو الصّواب عندك. والأكثر مبتدأ، وخبره: أن يقال، والجملة مبتدأ، ومقول القول: لولا أنا، ولولا أنت، ولولا هو، كما عرفت فيما سبق، الضمير الواقع بعد لولا يجب أن يكون مرفوعًا منفصلًا كما قال الله تعالى: {لَوْلَا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ}. هذا دليل بحسب الظّاهر على ما قاله الأكثر، ولكن الدليل حقيقة، عدم وقوع خلافه في كلام الله تعالى، (فأنتم) على رأي البصريين: مبتدأ، وخبره محذوف وهو: حاضرٌ أو موجودٌ، لقيام العلم به بجواب (لولا) ظاهرًا، ولَكُنَّا: جوابها، لأنّ جواب لولا التي لغير التحضيض باللّام. وأمّا على رأي الكسائي، أنتم: فاعل فعل محذوف، ولَكُنَّا: جوابها. وعلى رأي الفرّاء، أنتم: فاعل لولا، وجوابها لكُنَّا، وسنذكر في بحث لولا تفصيلًا مُشبعًا إن شاء الله تعالى.

والرابع: كاف التشبيه، إذا لم تكن زائدة، والتشبيه: عقد القلب على أنّ أحد الشيئين يَسُدُّ مَسَدَّ الآخر في معنىً من المعاني، نحو زيد كعمرو. اعلم. أن هذا الكاف حرف على رأي جميع النّحاة إلا عند أبي جعفر فإنه قال: الأظهر أنها اسم أبدًا لأنّها بمعنى مثل، وما هو بمعنى اسم فهو اسم، والجمهور استدلّوا لحرفيتها بأن يقال: لو كانت اسمًا لما استقلّ بها الصلة، لأنَّ الصلة لا تكون إلَّا جملة، فلو جُعلت اسمًا لكانت الصلّة مضافة إلى مدخولها، والمضاف مع المضاف إليه ككلمة واحدة لا يصلح أن يُجعل صلة، وأمّا إذا كانت حرفًا فالحرف يقتضي متعلقًا، والتعلّق في الصلة لا تكون إلا فعلًا، والفعل يقتضي فاعلًا، فيكون الصّلة جملة، هذا هو الصواب لا محيص عنه المُنْهَمُ المذاب. فإذا عرفت ما تلونا عليك علمت أنّ زعم الأخفش محجوج عليه، وأنّ هذه الكاف قد تكون زائدة كما قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}، وقد يكون اسمًا بمعنى المثل، وسيبويه لا يحكم باسميتها إلّا عند الضرورة، حيث تدخل عليها حروف الجرّ، والأخفش يجوّز ذلك من غير ضرورة، وزعم الأخفش وابن عصفور أنها لا تتعلق بشيء، قال ابن عصفور: إذا قلت: جاءني الَّذي كزيد، ليس للكاف متعلّق، لأن المقدّر في المجرور إذا وقع صلة لا يكون إلا ما يناسب الحرف، فإنّ المقدّر في نحو: جاءني [الذي] في الدّار استقرّ، لأن في الوعاء والاستقرار مناسب له، ولو قلت: جاءني الَّذي في الدار، تريد ضحك وأكل في الدار لم يجز، لأنه ليس في الكلام ما يدلّ عليه. فالمناسب بكاف التشبيه [أن تقدر أشبّه وهو غير جائز لأنه متعدٍّ بنفسه والعرب] لم يتلفظ به مع الكاف في موضع [الجر]، يدلّ ذلك على أنّ الكاف لم يتعلق بشيء، هذا غاية السقوط، لأنّ المستقر يجوز فيه تقدير الأفعال العامّة، وإن وجد فيه قرينة الخصوص.

غاية ما في الباب أنّ تغيير عند وجود القرينة أكثر فائدة، فيجوز أن يقدّر في مثل: جاءني الَّذي كزيد، وُجد أو كان أو غير ذلك فَعُلِمَ من هذا أنّ كون كاف التشبيه من هذا الباب على زعم الأخفش وابن عصفور. وفي ذلك أي فيها، قالها الأخفش، بحث حاصله أنّ كاف الله إن جُعلت اسمًا تكون في محل الرفع [على الخبرية وما بعدها مُضافٌ إليه، والاسم لا يحتاج إلى متعلّق]. فهذا مُسَلَّم، لكن لا يكون. مما ذكرنا، وإن جُعلت حرفًا فلا يخلو من أن تكون زائدة أوّلًا، فإن كانت زائدة فتدخل في القسم الأوّل، وإن لم يكن فلابدّ من متعلّق. المسألة: مبتدأ، الثانية: صفتها، وحكم: مبتدأ ثان مضاف إلى الجار والمجرور: عطف على الجار، وبعد المعرفة والنكرة: ظرف للجار والمجرور، وإنّما قيّد بالبعدية لأن الجّار والمجرور إذا كان مقدّمًا يكون حالًا بالاتفاق، فلا يحتمل الوجهين. كحكم: الكاف إمّا اسم بمعنى المثل، على مذهب الأخفش، فيكون محل الرفع على أنَّه خبر لمبتدأ ثان، ومضاف إلى حكم، وحكم مضاف إلى الجملة والخبرية صفة لها. أو حرف، وحكم مجرور بها، والجار والمجرور في محل الرفع على أنَّه خبر مبتدأ ثان، والمبتدأ مع خبره، خبر المبتدأ الأول. ويجوز أن يجعل المسألة: مبتدأ، وخبره محذوف، أو خبر لمبتدأ محذوف وهو هذه. فهو، الفاء للتفسير، ويجوز أن يكون لربط الجواب على الشوط المحذوف، وهو عائد إلى الحكم لأنّ الأصل إرجاع الضمير إلى المضاف، ويجوز أن يكون عائدًا إلى الجار والمجرور، وتوحيد الضمير إمّا من قبيل الاكتفاء أو لكونهما بمنزلة شيء واحد، فإن قلت: إنّ الضمير بعد ذكر المضاف والمضاف إليه حقُّه أن ينصرف إلى المضاف دون المضاف إليه. قلت: بلى. قد يرجع إلى المضاف إليه أيضًا عند قيام القرينة عليه، واقتضاء المقام رجوعه إليه، قد مرّ موضع من كلام بعض الفضلاء، عاد فيه بضمير على المضاف إليه، فقال شخص من الحاضرين النحويين: لا يعود الضمير إلى المضاف إليه، فكيف أعدتموه، فقال ذلك الفاضل

من غير تلعثم: قال الله تعالى: {كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا} ولم يزد على ذلك، وفيه من اللطف ما لا يخفى، فقوله هو: مبتدأ، وخبره: صفة في نحو: رأيت طائرًا على غصن. الغصن بالضمّ: ما يتشعّب عن ساق الشَّجرة، دقاقها وغلاظها والصغيرة بها، وجمعها: غُصُونٌ وغِصَنَةٌ وأغْصَان لأنّه: أي الجار والمجرور، وهو على غصن، بعد نكرة محضة وهو طائرًا بالألف في أكثر النسخ، حكاية على أصله، وما وقع في بعض النسخ بغير الألف، فغير محتاج إلى كلام. وحال: عطف على صفة، في [نحو] قوله {فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ} أي: متزيّنًا، وإنّما فسَّره بذلك بناءً على مذهب جمهور النّحاة، وهو أن الحال لا يكون إلَّا مشتقًا، وإعلامًا إلى أن الجار والمجرور في محل النصب على الحالية، لأنه بعد معرفة محضة وهي أي: المعرفة المحضة، الضمير المستتر في خرج، وَصَفَ المعرفة بالمحضة لكون الضمير أعرف المعارف، ويحتمل لهما أي للصفة والحال، في نحو: يعجبني الزّهر والتعجب: الحيرة في النفس بسبب إدراك أمور غريبة، وبمعنى السرور، والوجهان جائزان هنا، والزّهر هنا بمعنى النَّوْر، قال الجوهري: زهرة النبت نَوْرُه، لا بمعنى الحسن بدلالة. في أكمامه. جمع الكِمّ بالكسر، وهو وعاء الطّلع وغطاء النَّوْر، وهذا الثمر يانع على أغصانه، يقال: يَنَعَ الثمر بفتح النون، ويَنِعَ بالفتح والكسر، ويَنْعًا بفتح الياء وضمّها وسكون النون، ويُنُوعًا أي نضج وأينع، ولم تسقط في المستقبل لتقويتها بأختها، واليانع مثل النَّضِج والناضج كذا في الجوهري، فقوله: في أكمامه: حال من الزّهر. ويُحتمل أن تكون صفة لأنّ الزّهر معرّفٌ بلام الجنس، فهو قريب من النكرة،

فيجوز كون الجملة الخبرية صفة له كما عرفت في المسألة الرابعة في الباب الأوّل، والفاء في قوله: فهو، لربط الجزاء على الشَّرط المحذوف، وقوله: على أغصانه: صفة ثانية لثمر، ويحتمل أن يكون حالًا منه لاختصاصه بالصفة الأولى، وهي يانع. فقوله: وقولَك بالنَّصْب: عطف على الزَّهر، وثمر: مقول القول بتقدير هو. وموصوف: عطف على معرف بالواو في قولك، ويجوز أن يكون قولك: مبتدأ، وموصوف: خبره، والجملة معطوفة على الجملة المتقدّمة، فهو قريب من المعرفة لاختصاصه بالصفة وهي يانع، فيعامل معاملة المعرفة. المسألة الثالثة: متى وقع الجار والمجرور صفة لموصوف، أو صلة لموصول، أو خبرًا لمبتدأ، أو حالًا لذي حال، يتعلق بمحذوف تقديره كائن، وما أشبه ذلك عند من قدّر المفرد، أو استقرّ وما أشبه ذلك عند من قدّر الفعل، وعبارة المصنِّف صريحةٌ بأن اللّغْو لا يكون حالًا ولا صفة ولا صلة ولا خبرًا، لأن متعلقه لا يكون محذوفًا، ولا من الأفعال العامّة. اعلم أنّ للظرف المستقر ثلاثة شروط، إذا فقدت أحدها لا يكون الظرف مستقرًا: الأول: أن يكون المتعلّق متضمنًا فيه. والثاني: أن يكون المتعلّق من الأفعال العامّة إذا لم يوجد قرينة الخصوص، وأما إذا وجدت فلابدّ من تقدير فعل خاص، لأنه أكثر فائدة، نصّ عليه كثير من الأفاضل، وذلك، أي تقدير الفعل الخاص لا يخرجه عن كونه مستقرًا لأن معنى ذلك الفعل الخاصّ، استقر فيه أيضًا، وجاز تقدير الفعل العام لتوجيه الإعراب بخلاف اللّغو، فإن متعلقه لا يكون فعلًا عامًا لتوجيه الإعراب، فلمّا كان جواز تقدير الأفعال العامّة مطّردًا في المستقرّ اعتبره النّحاة، وفسّروا المستقر بما كان عامله محذوفًا وعامًّا. والثالث: أن يكون المتعلّق مقدّرًا غير مذكور إلا على مذهب ابن جني، فإنه يجوز إظهار العامل في المستقر، وردّه النُّحاة بأنَّه لا احتياج إليه، على أن مذهب هذا يوجب ارتكاب التعسُّف في الفرق، وإنما سُمي المستقر مستقرًا لأنّه استقر فيه معنى عامله وفُهم منه، واللغو لغوًا لأن هذا الظرف لغوٌ بالنظر إلى ظاهر الكلام، لأنّه فضلةٌ يتم الكلام بدونه ابتداءً، بخلاف

المستقر لأنّه يسدّ مسدّ العامل وإن كان صفة للفضلة، وهذا لا يمنع عن كونه جزءًا من الكلام في أصله، ولأنه ملغاه عن جهة العمل حيث لا يعمل ظاهرًا إلّا في المضمر، ولا في المظهر، قال شارح "اللباب": وهو تسمية خالية عن المناسبة. وأمّا أنا فلا أحبّ التسمية باللَّغو لوقوعه في التَّنزيل والحديث، ففيه إذن إخلال بالآداب فسمينا ظرفًا خاصًّا لخصوص العامل فيه، والمستقر ظرفًا عامًا لأن الملحوظ عموم العامل قال بعض الفضلاء من المتأخرين: إنّ القوم قالوا للمستقر حَظٌّ من الإعراب دون اللَّغو. ولم أجد في كلامهم ما يحققّه ويبيّن غرضهم منه حتَّى لا يردّ عليهم الاشتراك في الإعراب المحلّي، حيث قالوا: بزيد، في مررت بزيد: في محل النصب، وأجازوا في معطوفه النصب وهو لغو. فأقول متوكّلًا على الله تعالى ومعتمدًا: إنّ مرادهم بذلك أن لا محل له آخر من الإعراب غير هذا المحل، لا أن لا محل له من الإعراب أصلًا، وللمستقرّ ذلك، ألا ترى أنّك إذا قلت: زيد في الدّار، له محل من الإعراب من جهة تعلّقه بالخبر الحقيقي، ومحل آخر غيره من حيث أنَّه هو الخبر بعد الحذف، وذلك بدليل انتقال الضمير عنه إليه، فيكون له محلان من الإعراب على ما لا يخفى على ذوي الألباب، بخلاف ما إذا قلت: زيد حاصل في الدّار، فإن له محلًا واحدًا. أقول: يُفْهم منه أنّ الجار والمجرور معًا له محل من الإعراب في اللُّغة، فعلى هذا يشكل الفرق بين المستقرّ واللَّغو، لأن المستقر واللغو لا يكون له محل من الإعراب إذا كان صلة كما مرّ في المسألة التي لا محل لها من الإعراب، فالجدير بالقبول ما قاله بعض الفحول من أنّك إذا قلت: مررت بزيد فالجار والمجرور ظرف لغو متعلق بمررت لا محل له من الإعراب. والمنصوب على المفعولية هو المجرور فقط، وإن جعل القوم المجموع تساهلًا لأنّ الجار كالجزء من الفعل إذ اللَّازم يجري مجرى المتعدي، ألا ترى أنّ معنى: مررت بزيد، أمررت زيدًا، وجزء الفعل لا يكون معمولًا، ولأنّه لو كان الجار والمجرور في محلّ النّصب لامتنع تعلّقه بمررت، لأنّه لو تعلّق لكان ظرفًا لغوًا، فلم يكن له محل من الإعراب. ولأن القوم أجازوا في معطوفه النصب، فلو كان مجموع الجار والمجرور منصوب المحلّ للزم أن يتعدّى الفعل إلى المعطوف بنفسه.

واعلم أيضًا أن الفعل إذا تعدّى إلى المفعولين، والثاني غير صريح، يقول النحاة: إنَّ المفعول الثاني، مفعول الفعل صريحًا إجراءً على أصلهم لكون الفعل عاملًا في المفعولين صريحًا إلَّا أنَّ الواقع صلة، مُتَعِّينٌ فيه تقدير استقر وما أشبه ذلك من الفعل، وهذا الاستثناء يجوز أن يكون متصلًا ومنقطعًا بمعنى لكنّ المشددة لأنّ الصلة لا تكون إلا جملة. اعلم: أنّ البصريين اختلفوا في سائر ظرف المستقر، إنّ المقدّر هو الفعل أو اسم الفاعل، فذهب بعضهم إلى الأول [قال صاحب "التلخيص" وهو الأصحّ لكون الفعل أصلًا في العمل، وذهب بعضهم إلى الثاني]. قال شارح "اللباب": وهو الأَوْلى لأنه خبر، والأصل في الخبر أن يكون مفردًا، وإنما أسندنا الاختلاف إلى بعض البصريين لأنّ الكوفيين لا يقولون بتقدير العامل، فعندهم لا يتعلّق بشيء أصلًا، ذكره الشيخ الرضيّ وهو اختيار أبي العباس من المتأخرين وبعض شرّاح الكافية ذكر الاختلاف بين البصريين والكوفيين، لكن الاعتماد على الأوّل، وقد تقدّم فيما قبل في المسألة الثانية مثال الحال، وهو قوله تعالى {فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ} والصفة وهو رأيت طائرًا على غصن. ومثال: مبتدأ مضاف إلى الخبر، وجملة الحمد لله: خبره، والجار والمجرور وهو (لله) متعلق بثابت أو ثبت، خبر مبتدأ وهو الحمد. ومثال الصّلة قوله تعالى: {وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} فَمَنْ موصول ومبتدأ، والظرف المقدَم خبره، وقيل مَنْ مرفوع بالظرف، والجار مع المحكيّ بمجرور، أعني في السّموات متعلّق باستقرّ صلة (مَنْ). المسألة الرابعة: يجوز في الجار والمجرور في هذه المواضع الأربعة، وهو كونه صفة، وصلة، وخبرًا، وحالًا. وحيث في محل الجر، عطف على هذا الموضع. وقع بعد نفي أو استفهام أن يرفع الفاعل، جملة أن يرفع في تأويل المصدر. وبأن فاعل، يجوز هذا عند أكثر البصريين لأنّ الجار والمجرور والظرف، واسم الفاعل والمفعول، والصفة المشبهة، لا يعملون إلّا بالاعتماد على الأشياء الستَّة المذكورة، هذا، أي وجوب الاعتماد في جميع المذكورات عند

المتأخرين، وعند المتقدمين الاعتماد لا يجب في الفاعل والمفعول والظرف، بل في سائرها. أمّا عند الكوفيين والأخفش منّا، فتعمل جميع تلك المذكورات بغير اعتماد على الأشياء الستة المذكورة، فلا يختص في هذه المواضع. تقول: مررت برجل في الدّار أبُوه، فجملة: في الدّار أبوه في محل الجرّ على أنها صفة لرجل، وأبوه فاعل الجار والمجرور، وهو يعمل فيه بالاعتماد على الموصوف. وبعض النُّحاة اختلف فيه والمصنِّف أشار إليه وقال: ولك في (أبوه) وجهان: أحدهما أن تقدّره أي (أبوه) فاعلًا بالجار والمجرور ولنيابته، أي لنيابة الجار والمجرور، وتوحيد الضمير إمّا لكونهما كشيء واحد أو على سبيل البدل، أو من قبيل الاكتفاء عن استقرّ محذوفًا، هذا صريح بأن اختيار المصنّف في تقدير المتعلّق في الظرف هو الفعل، نعم يجوز أن يكون من قبيل الاكتفاء، لكن الأوّل أوْلى، قوله محذوفًا حال من استقر، وهذا أي تقدير (أبوه) فاعلًا بالجار والمجرور هو الرّاجح عند الحُذّاق، بضمّ الحاء المهملة، جمع حاذق وهو الماهر. والثاني: مبتدأ، وجملة أن تقدّره خبره، وقد يتعدّى إلى المفعولين لأن ثلاثيّه متعدٍّ بنفسه، يقال قدّرت الشيءَ، فتعدّى إلى الثاني بالتّضعيف، فمفعوله الأوّل الضمير الراجع إلى (أبوه)، والثاني قوله مبتدأ مؤخرًا صفة والجار والمجرور خبرًا للواو وللعطف، وما بعدها بأسرها معطوف على مفعولي تقدّر، أي أنّ تقدير الجار والمجرور، وقوله مقدّمًا صفة خبرًا، وعلى هذا المنوال إعراب قوله: والجملة صفة، فعلى هذا الوجه، الجملة التي تقع صفة لرجل تكون اسمية، لأن (أبوه) مبتدأ، والظرف المقدّم: خبره، وتقول في الاعتماد على النفي: ما في الدّار أحد. ما: بمعنى ليس، ولا عامل هنا لكون خبرها مقدّمًا على اسمها، فعند الحذّاق. أحَدٌ: مرفوع على أنَّه فاعل للجار والمجرور، لاعتماده على النفي، وأما عند سائرهم، فأحد: مبتدأ، وفي الدّار: خبره. وقال الله: {أَفِي اللَّهِ شَكٌّ} هذا مثال الاعتماد على الاستفهام فَشَكٌ بالرفع فاعل الجار والمجرور لاعتماده على الاستفهام خلافًا لمن جعله مبتدأ، والجار والمجرور خبرًا، [مثال الاعتماد على الموصول: جاءني الَّذي في الدّار أبوه]، مثال الاعتماد على المبتدأ: زيد في الدّار أبوه، ومثال الاعتماد على ذي الحال: رأيت زيدًا في الدّار أبوه.

اعلم أن أكثر النحويين زادوا في الاعتماد على الستة، الاعتماد على حرف النّداء نحو: يا طالعًا جبلًا، لكن المحققين جعلوه في حكم الاعتماد على الموصوف. أي كوكبًا طالعًا جبلًا، وعند الإمام المرزوقي يجوز الاعتماد على حروف الجر، فقولهم: يجب الاعتماد على الأشياء الستة مبني على أكثر الاستعمال. تنبيه: وسَمَ هذا البحث بالتنبيه لأنه قد سبق منه ذكر ما فإن التنبيه إنما يستعمل فيما يتعلّق به ضربٌ من العلم أو كان حكمه في حكمه كالبديهيات. جميع: مبتدأ مضاف إلى ما ذكرناه في الجار والمجرور ثابت، خبره: في الظرف سواء كان ظرفًا حقيقيًا، أو ما جرى مجراها، فلابُدَّ من تعلّقه بفعل مثال الظرف نحو: {وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ}. قال أبو البقاء فيه وجهان: أحدهما: ظرف متعلّق بجاؤوا، أي: جاؤوا وقت العشاء، ويبكون: حال منه. والثاني: جمع عائش، كقائم وقيام. قال الشَّيخ البيضاوي: وقرئ عُشِيًا، وهو تصغير عُشيّ وعُشيّ بالضمّ، والقصر جمع أعشى أي: عَشَوْا من البكاء. انتهى. قال في "الصحاح": العشيّ والعشيّة من صلاة المغرب إلى العتمة، تقول: أتيته عَشِيّ أمس، وعشيّة أمس، والتصغير من العشي عُشَيَّانٌ على غير مكبّره، كأنهم صغروا عَشْيَانًا، فيُفْهَمُ منه أن لا يكون تصغير عشيّ عشيًّا، وقوله: عَشَوْا من البكاء، معناه يتعامَوْن عن البكاء، يقال: عِشي بالكسر، إذا كان في بصره آفة، وعَشي بالفتح إذا تَعَشّى بلَا آفة، فيكون مشتقًا من المفتوح، فعلى هذا يندفع على ما قيل فيه بُعْدٌ وضَعْفٌ لأن قدر ما بكوا في ذلك اليوم لا يعشى به إنسان. ومثال ما جرى مجرى الظرف نحو: {أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا}. فأرضًا نكرة مبهمة فلذلك نصب

كالظروف المبهمة، وليس بمفعول ثان لاطرحوه لأنّه لا يتعدّى إلى اثنين، وجوّزه أبو البقاء فجعله بمعنى اتركوه، أو معنى فعل نحو: زيد مبكر يوم الجمعة، فيوم ظرف من ظروف الزمان المحدود، ومتعلق بمعنى الفعل وهو مبكرًا، وجالس أمام الخطيب، فأمام ظرف من ظروف المكان المبهم متعلّق بجالس، وهو في معنى الفعل. ومثال: مبتدأ مضاف إلى وقوعه، الوقوع مصدر مضاف إلى فاعله، وهو الضمير العائد إلى الظرف، وصفةٌ بالنَّصْب. مفعوله ونحو: خبر مبتدأ مضاف إلى جملة: مررت بطائر فوق غصن، ففوق ظرف مكان مبهم منصوب لفظًا، ومجرور محلًا لكونه صفة لطائر، وإنما جُعل صفة لكون، طائر نكرة محضة. وحالًا بالنّصب عطف على صفة نحو: رأيتُ الهلال بين السّحاب، فبين: ظرف مكان مبهم حال من الهلال لكونه معرفة لأنّ اللام فيه للإشارة إلى حصّة معيّنة من نفس الحقيقة بدلالة وحدة الهلال. ومحتملًا: إمّا على (صفة) أو على (حالًا) لهما، أي للصفة والحال نحو: يعجبني الثمر فوق الأغصان، مثال لوقوع الظرف بعد معرفة غير محضة فإن قوله: الثمر قريب من النكرة لأنّ اللام فيه إشارة إلى حصّة غير معينة من نفس الحقيقة، فيجوز كون الظرف وهو فوق حالًا منه، بالنَّظر إلى ظاهر حرف التعريف وصفة لكونه كالنكرة في المعنى نحو: رأيت ثمرة يانعة فوق غصن. هذا مثال لوقوع الظرف بعد النكرة غير المحضة، فإنّ ثمرة موصوفة بيانعة، فيجوز أن يكون فوق صفةً لها لكونها نكرة وحالًا منها لكونها مختصّة بالصفة، فيقرب من المعرفة. ومثال وقوعه خبرًا نحو {وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ} [في قراءة السبعة بنصب أسفل].

الركبُ: مبتدأ، وأسفلَ: منصوب على الظّرفية متعلق بمحذوف تقديره كائن أو استقر، ومرفوع في المحل على أنّه خبر مبتدأ، أي والرّكب أسفل مكانًا منكم أي أشدّ تَسَفّلًا، كذا ذكره أبو البقاء ولا يخفى على ذي مسْكةٍ، أن هذا الكلام يشعر أنّه في الأصل أفعل التفضيل، ثم استعمل في الظرف، الرّكب: ركبان الإبل، وهم العشرة فصاعدًا، اسم جمع عند سيبويه وهو الأصحّ، وجمع عند الفراء والأخفش، وقد تكون للخيل، ذكره في "القاموس"، وما وقع في "الصحاح": والركب أصحاب الإبل في السَّفر دون الدّواب. وصلةً بالنصب: عطف على خبر، أي ومثال وقوع الظرف صلة: {وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ}. فمن: موصول مبتدأ، وصلته: عنده، وجملة: (لا يستكبرون)، خبره، وقال رفعه الفاعل: زيد عنده مال. زيد: مبتدأ، وعنده: ظرف عامل في المال بالاعتماد على المبتدأ، وجملة عنده مال خبره، هذا على رأي حُذّاق النّحاة، وأما على رأي سائرهم، فزيد مبتدأ، ومال: مبتدأ ثان، وعنده: خبره، والمبتدأ مع خبره خبر زيد، والمصنف أشار إليه بقوله: ويجوز تقديرهما أي تقدير جملة عنده مال. مبتدأ وخبرا، وإنما حصل عنده (خبرًا) لأنّ الظرف لا يصير مخبرًا عنه، وقس على ذلك اعتماد الظرف في العمل على الموصوف والموصول وذي الحال والنفي والاستفهام. والمصنّف لم يذكر مثالًا لها باكتفاء مثال الاعتماد على المبتدأ، وإيراد هذا المثال يشعر ظاهرًا أن عمل الظرف لا يكون إلَّا بالاعتماد، وهو مذهب المتأخرين كما عرفت. قال الجوهري: فيها ثلاث لغات وهي عِنْدَ وعَنْدَ وعُنْدَ، بكسر العين وفتحها وضمّها، وهي ظرف في المكان والزّمان، تقول: عند الحائط، وعند اللَّيل، إلَّا أنها ظرف غير متمكن

لا تقول: عِندك واسعٌ بالرفع، وقد أدخلوا [عليه] من حروف الجارة "مِنْ" وحدها، كما أدخلوها على لدن، قال الله تعالى: {رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا} وقال: {مِنْ لَدُنَّا}، ولا يقال إلى عندك، أو إلى لدنك، وقد يُغْرى بها، تقول: عندك زيدًا، أي خذه. انتهى. قال شارح "الألفية": فيكون اسم فعل على هذا التقدير. واعلم: أنَّ (عند) على ما هو المفهوم من "الصحاح" والمصرّح به في الرضي وغيره أنها ظرف غير متصرف، أي لازم الظرفية، وإن كانت مجرورة بمن لأنها لا يخرجها عن عدم التصرف لكثرة زيادتها. فلم يُعْتَدَّ بدخولها خلافًا لابن الحاجب حيث قال: يدخل عليها مِنْ فلا يلزم الظرفية، ذكره في "إيضاحه" و (مع) ظرف غير متصرف في الزمان والمكان، وهي حرف عند أبي علي الفارسي خلافًا للجمهور، فإنّه عندهم ظرف معرب لازم للنصب، وظاهرُ كلام سيبويه أنها مبني ويلزم إضافتها إنْ ذُكِرَ أحد المصطحبين بعدها نحو: كنت مع زيد، وإن ذُكر قبلها يكون منوّنًا منصوبًا على الظّرفية نحو: جئنا معًا، وقيل: انتصابه على الحالية أي مجتمعين، وقد تدخل عليه من، وهو شاذ كذا ذكر في الرضي و (بين) ظرف من المتصرف المتوسط دخل عليه (من). و (دون) إن كان بمعنى القُدّام يكون من المتصرّف النادر، فتدخل عليه (من) نادرًا، وإن كان بمعنى القريب أو الأسفل الَّذي يستعار به من معنى التجاوز، أو بمعنى القَبْل يكون متصرّفًا أي غير لازم للظرفية، وإن كان بمعنى الغير يكون متصرّفًا أيضًا دخل عليه (مِنْ) و (في) نادرًا، فليكن هذا الكلام على ذُكْرٍ منك، فإنَّه ينفعك في مواضع شتّى.

[الباب الثالث] [في تفسير كلمات يحتاج إليها المعرب]

[الباب الثالث] [في تفسير كلمات يحتاج إليها المُعْرِب] الباب الثالث في تفسير، أي بيان الكلمات التي يحتاج إليها المُعْرِبُ، بالرفع: فاعل يحتاج. وهي: مبتدأٌ راجع إلى الكلمات المحتاجة إلى تفسيرها، وخبره: عشرون كلمةً، بالنصب: تمييز (عشرون)، وهي ثمانية أنواع: -ما جاء على وجه واحد- أحدها [أي إحدى الأنواع] ما جاء على وجه واحد وهو مبتدأ عائد إلى (ما) الَّذي عبارة عن الكلمة، وتذكير الضمير باعتبار ظاهره، وخبره أربعة أحدها، أي: إحدى [الكلمات] التي جاءت على وجه واحد: قَطُّ قَطُّ: بتشديد الطّاء وضمِّها مع فتح القاف في اللغة الفصحى، قال الكسائي: أصلها قطُطْ بفتح القاف وضم الطاء الأولى، وبسكون الثَّانية، فلمّا سكّن الأولى للإدغام جعل الآخر متحرّكًا بإعرابه، ومنهم من يتبع الضمّة ويقول قُطُّ بضمّ القاف مثل: مُدُّ، ومنهم من يجعله أداة ويبقيه على أصله بالضَّمة التي في المشدّدة، ويقول: قط بالتخفيف، ومنهم من يتبع الضمّة المخفّفة. ويقال: قُطُّ بالضمّتين مثل مُدُّ وهي قليلة، هذا إذا كانت بمعنى الدّهر، وأمّا إذا كانت بمعنى حسب، وهو الاكتفاء فهي مفتوحة القاف، ساكنة الطّاء، فهي مبنيّة على الضمّ، وذكر في علّة بنائها وجوه. قال صاحب "التسهيل": لِتَضَمُنِهَا معنى (في) و (من) الاستغراقية على سبيل اللزوم، أو لشبهها بالحرف في الافتقار إلى الجملة.

وقال صاحب المعرفة ابن الحاجب: لتضمنها معنى لام التعريف، لأنَّ معناها استغراق الزمان الماضي جميعه، وهو قول بعض المتقدّمين. وقال بعضهم: لتضمنها معنى الحرفين، فإنّك إذا قلت: ما رأيت قط، فكأنك قلت: ما رأيتُه مذ خلقني الله حتَّى الآن، وأمّا علّة بنائه على الضمّ، فعند ابن مالك حملًا على قَبْلُ المَنْوِي إضافته، وقال شارح "المفصّل": بناؤها على الضمّ للمبالغة في المعنى، وهذا لأنَّ زيادة اللفظ كما هي لزيادة المعنى، فكذلك قوّة اللّفظ لقوة المعنى. وهو ظرف لاستغراق ما مضى من الزّمان، يُفهم منه ظاهرًا أن عمومها بحسب الوضع لكن لا يخلو أن يكون عمومها لوقوعها في سياق النفي، ويرشدك قول الجوهري: معناها الزَّمان وقول ابن مالك: لتضمّنه معنى (من) الاستغراقية على سبيل اللزوم. وما قاله ابن الحاجب: لأنَّ معناها استغراق الزمان الماضي جميعه، وهو قول بعض المتقدمين. نحو: ما فعلته قط، وقول العامّة: لا أفعله قط لَحْنٌ، أي: خطأ في الكلام. قال الحريري في "دُرّته" وهو أفحش الخطأ لتعارض معانيه وتناقض الكلام فيه، وذلك أنّ العرب تستعمل لفظ (أبدًا) فيما يستقبل، فيقولون: ما كلمته قطّ، ولا أكلمه أبدًا. والمعنى في قولهم: ما كلّمته قط، أي: فيما انقطع من عمري، لأنّه من قططت الشيء إذا قطعته عرضًا. انتهى. وقال صاحب "التسهيل" ملازمته للماضي دائميٌّ ولم أطلع على خلافه، وللنفي أكثر، وربّما يستعمل بدونه سواء كان لفظًا أو معنىً نحو: كنت أراه قط أي دائمًا. وقد يستعمل بدونه لفظًا لا معنىً نحو هل رأيت الذئب قط؟ هذا هو الحقّ، لكن المصنّفين المحققين استعملوا في تراكيبهم بالمضارع مع نهيهم في مصنّفاته. قال الزمخشري في تفسير قوله تعالى: {فَلَا تَجْعَلُوا

عوض

لِلَّهِ أَنْدَادًا} لمن يصلح أن يكون ندًّا قطَ. وقال الفاضل التفتازاني: وقط استعمله المصنّف في المستقبل تجوّزًا وتسامحًا ولم يقل غلطًا ولحنًا، ومع هذا استعمل في تراكيبه كثيرًا، خصوصًا في "المطوّل". قال في تعريف الفصاحة: أو لا ينطق قط، وفي باب إسناد الخبري لا يجتمعان قطّ. اعلم أن قط إذا كانت ظرفًا فلا تتصل بها ياء المتكلم، وأمّا إذا كانت اسمًا بمعنى حسب فيتّصل بها ويكون بالنَّون على غير القياس، ويجوز حذفها فيقال: قطّي وقطني، وأما إذا كانت اسم فعل بمعنى انته، فعند اتصالها بياء المتكلم فبالنون، هذا مذهب البصريين. وأمّا عند الكوفيين: إذا كانت بمعنى حسب يقال بغير نون، كما يقال حسبي، وأما جعلها اسم فعل، قال بالنّون كما يفعل في غيرها من أسماء الأفعال، وكثيرًا ما تصدّر بالفاء عند كونها من الأسماء الأفعال تزيينًا للخط، وكأنه جزاء شرط محذوف. عوضِ والثاني: عوض بفتح أوّله، وقد هوى بالضمّ وتثليث آخره بالحركات الثلاث، لكن الفتح أفصح لأنّه في الأصل منصوب على الظرفية، فيبقى بعد ذهاب الإعراب على صورة ما كان عليه، وأمّا الكسر فَلِجَرْيهِ على أصل التقاء الساكنين، ووجه الضمِّ أنّه محمول على (قبلُ). وهو ظرفٌ لاستغراق ما يستقبل من الزمان، ويسمّى الزمان عوضًا لأنه، الضمير للشأن، كلّما ذهبت منه مدّة عُوِّضتها مدّة أخرى، فيكون مأخوذًا من التعويض، "والفرق بن المدّة والزّمان والوقت، أنّ المدّة المطلقة حركة الفلك من مبدئها إلى منتهاها، والزّمان مدّة مقسومة، والوقت الزّمان المفروض"، نصَّ عليه القاضي في تفسير (سورة البقرة)، فعُلم منه قول المصنّف، ويسمّى الزمان عوضًا ليس مقابلًا للمدة والوقت، بل هو شامل لهما، لا يخفى عمن له

أجل

معرفة في أساليب الكلام. تقول لا أفعله عَوْض بالنّفي في المستقبل، وقد يستعمل بالإثبات في المضي، وهذا مفهوم عبارة الرّضي، فلذلك لم يقل ابن هشام: ما فعلته عوض، لحن في الكلام. وقال صاحب "العيني": عوض كلمة تجري مجرى القسم، فمعناه: أقسم بالدّهر لا أفعل هذا الأمر، فحذف حرف القسم، ونصب المقسم به كما قولك: الله لأفعلن. وكذا أبدًا يكون ظرفًا لما يستقل من الزمان في نحو: لا أفعله أبدًا. اعلم أن النُّحاة يردّون أبدًا على عوض، فلذلك قال المصنِّف: وكذلك أبدًا، ولم يجعله شيئًا مستقلًا، وهو معرب لدخول لام التّعريف عليه، فلو كان متضمنًا لها لامتنع دخولها عليه. تقول فيها، أي في حق أبدًا في هذا المثال: ظرف لاستغراق ما يسقبل من الزّمان. ظاهر هذا الكلام يشعر أن لا يكون الفرق بين عوض وأبدًا، لكن قال الشيخ الرضي: والفرق بينهما [أنّ قط وعوض] للشيوع مطلقًا، وللنفي كثيرًا، وأمّا أبدًا فليس مخصوصًا بالشيوع ويستعمل في النفي والإثبات نحو: طال الأبد. انتهى. أجل والثالث بما جاء على وجه واحدٍ: أجلْ بسكون اللام، وهو حرف لصديق الخبر، سواء كان الخبر مثبتًا أو منفيًا، يقال في المثبت: جاءني زيد، وفي المنفي: ما جاءني زيد، فتقول: أجل، أي: صدقت. ذكر في بعض كتب النَّحو: أجل لتصديق الخبر ماضيًا أو غيره ولا يستعمل في الاستفهام إلّا عند الأخفش. إلّا أنها في الخبر أحسن من نعم، ونعم أحسن منها في الاستفهام. ونقل بعض شرّاح تلك الرسالة عن "الارتشاف": أمّا أجل فهي جواب في تصديق الخبر، ولتحقّق الطلب، وذلك تقول لمن قال: قام زيد: أجل، ولمن قال: اضرب زيدًا: أجل فلا تكون جوابًا للنهي ولا للنّفي.

بلى

بلى الرابع بلى، وهو حرف ثلاثي الوضع، والألف من نفس الكلمة عند أكثر النّحاة، لإيجاب النفي. قال بعضهم: إنما اختاروا بلى للرجوع عن النفي والإقرار بما بعده لأنَّ أصلها كان رجوعًا محضًا عن الجحد، إذا قالوا: ما قام زيد بل عمرو، فكانت بل كلمة عطف ورجوع لا يصحّ الوقوف عليها، فزادوا الألف ليصلح الوقوف عليها فنظيرها لم، لمّا. مجرّدًا بالنصب: خبر كان مقدّم عليه، أي سواء كان للنفي مجرّدًا عن إرادة الاستفهام نحو: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ}. زعم: فعل ماض تارة للعلم، وتارة للظنّ، وتارة للباطل. وعن شريح: لكلّ شيء كنية، وكنية الكذب الزَّعم. ومتعد إلى مفعولين. والموصول مع صلته، وهو (الذين كفروا) فاعل زعم. وأنْ مُخفّفة من الثقيلة، واسمها محذوف وهو ضمير الشأن. وخبرها: (لن يبعثوا). وأنْ مع اسمها وخبرها قامت مقام مفعولي زعم. وربي: قسم أكد به الجواب وهو: لتبعثنّ. أو كان النفي مقرونًا بالاستفهام، سواء كان أريد الاستفهام عن حقيقة النفي، أو أريد التقدير، والعرب تُجري التقدير مجرى النفي، نحو {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} أي [بلى] أنت ربّنا، فيكون إيجابًا عن النفي، والمصنّف اكتفى بتفسير الثاني من تفسير الأوّل، ولم يعكس مع جوازه، لأنّ تفسير الثاني أَوْلى في السّراية إلى ما قبله، وقد يجيء بلى لتصديق الإيجاب على سبيل الشّذوذ، كما تقول في جواب: أقام زيد؟ بلى قام زيد.

ما جاء على وجهين

-ما جاء على وجهين- النّوع الثاني: ماجاء على وجهين وهو الضمير [راجع] إلى ما أو إلى النّوع الثاني. إذا إذا من حيث هي، هي أعمّ من أن تكون مقروضة للظرّفية، وإذا للمفاجأة، فتارة أي: مرّة، ذكر في "مختار الصحاح": يقال فعل تارة أي مرّة بعد مرّة، والجمع "تاراتٌ وتِيَرٌ كَعِنَبٍ" وربّما قالوا: (تارًا) بعد تارٍ بحذف التاء. انتهى. وانتصابه: إمّا على الظرفية أو على المصدرية على قياس ما قيل في قولك: ضربته مرّة. يقال فيها، أي في إذا: ظرف مستقبِل بكسر الباء ويجوز الفتح، كذا صححه فاضل التفتازاني، خافض أي: جار لشرطه بالإضافة إليه، [فإن إضافته إضافة] لازمة إلى ما يليه عند الأكثر، منصوب بجوابه، أي: يعمل جوابه فيها عمل النصب على الظرفية إذا كانت للشرط. هذا مذهب أكثر النُّحاة، فإنّهم قالوا: إنّ وَضْعَهُ للوقت المعيّن، وإنه لا يتعيّن إلَّا بنسبته إلى ما يعيَّن به من شرط، فيصير مضافًا إلى الشرط، فإذا صار مضافًا تعذّر عمل المضاف إليه والمضاف لئلا يؤدي إلى أن يكون الشيء عاملًا ومعمولًا. ومن وجه واحد، وهذا لا يجوز فوجب أن يكون العامل هو الجواب، وقال ابن الحاجب "والحقّ أنّ (إذا) و (متى) سواء في كون الشرط عاملًا فيه، وتقدير الإضافة في (إذا) لا معنى له، وما ذكروه من كونها لوقت معيّن مسلّم، لكنه حاصل بذكر الفعل بعدها كما يحصل في قولك: زمانًا طلعتْ فيه الشّمسُ، فإنه يحصل التعيين، ولا يلزم الإضافة، وإذا لم يلزم الإضافة، لم يلزم فساد عمل الشرط، والذي يدل على ذلك قولك: إذا أكرمتني اليوم أكرمتك غدًا".

وقال الشيخ الرضيّ: في إذا خلاف إذا كان ما يليه عاملًا فليس بمضاف، وإلّا يكون مضافًا (إذا كان مدخولهما مضافًا). وهذا أنْفَع لإفادته ما لم يفد قول المعربين، لأنّه يُفهم منه كونه للشرط وكونه مضافًا ومنصوبًا بجوابه. وأَوْجَزُ لما فيه من قلّة اللفظ، من قول المعربين، وهو ظرف لما يستقبل من الزمان، وإنْ دخلَ على الماضى نحو: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ}. وقد يستعمل في الماضى كقوله تعالى: {حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ} و {حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ} و {حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا}. وقد يُستعمل في الاستمرار نحو قوله تعالى: {وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا}. اعلم: أنَّ حتّى إذا دخل على الَّذي يقتضي جوابًا، جاز أن تكون حتَّى: حرف ابتداء، وأن تكون جارّة لإذا عند الزمخشري، واختاره ابن مالك. وقال أبو البقاء وصاحب "البسيط" إن إذا في موضع نصب بحتّى، وعند محمد بن مسعود الغزني: ومن زعم أنَّ محل إذا جرٌّ فزعمه باطل، لأن إذا ظرف محضٌ، ولا يجرُّ به ألبتَّة. وفيه معنى الشرط غالبًا، وإنما قال غالبًا، إذ قد يتحدّد من تضمّن معنى المجازات، ويستعمل ظرفًا محضًا نحو قوله تعالى: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى}. وقد يستعمل اسمًا صريحًا مجردًا عن معنى الظرفية نحو: إذا قام زيد إذا يقعد عمرو، أي وقت قيام زيد وقت قعود عمرو، فإذا هنا مبتدأ وخبر، نص على ذلك سيبويه. وتختصّ إذا هذه بالجملة الفعلية على المختار عند سيبويه والأخفش، فإنهما يجوّزان الجملة الاسمية بعدها

ما جاء على ثلاثة أوجه

لعدم تأصّلها في الشرط مثل: إن ولو. لكنّ المختار كون الجملة بعدها فعلية، وعند المبرّد يجب الفعل بعدها لفظًا أو تقديرًا. وتارة يقال فيها حرف مفاجأة. وكون إذا هذه حرفًا مختار المصنّف، وهو مذهب الكوفيين، وحكاية عن الأخفش، واختيار الشَّلّويين في أحد قوليه. قال الشيخ الرضيّ: والأقرب كونها حرفًا، فلا محلّ له من الإعراب، وأما عند سائر النُّحاة إنها باقية على ظرفيتها، لكن الاختلاف في كونها للزمان أو المكان. فذهب الزّجّاج إلى الأوَل، والمبرّد إلى الثاني. وتختص إذا حال كونها للمفاجأة بالجملة الاسمية، لقصد إيقاع المخالفة بين إذا الشرطية والمفاجأة نحو: خرجتُ فإذا السَّبُعُ حاضرٌ أو واقفٌ على حذف الخبر، والعامل في إذا هذه المفاجأة، وهو عامل لا يظهر، وقد استغنوا عن إظهاره لقوّة ما فيه من الدّلالة. وأمّا الفاء فهي السببيّة، فإن مفاجأة السبع مسببة عن الخروج، وما قاله المازني ليس بشيء، وهو كون الفاء زائدة، وقال بعض النُّحاة: الأقرب أنها للعطف من جهة المعنى: خرجت مُفاجأة زمان وقوع السَّبُع على رأى الزّجّاج، أو مكان وقوع السَّبُع على رأي المبرّد. غالبًا أي أكثريًا، وفي هذا القيد إشارة إلى إنها قد تدخل على الجملة الفعلية، إذا كان الفعل مصحوبًا بقد. نقله الأخفش عن بعض فصحاء العرب نحو: خرجتُ فإذا قد قام زيد. وقد اجتمعا، إذا الظرفية والمفاجأة في قوله تعالى: {ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ}. فإذا الأولى للشرط، والثانية للمفاجأة، ناب مناب الفاء في جواب الأولى. -ما جاء على ثلاثة أوجه- النوع الثالث: ما جاء على ثلاثة أوجه وهو، أي: ما جاء على ثلاثة أوجه سبعة، وقع في بعض النسخ سبع بغير التاء، لعلّ وجه كون أكثر المبحوث عنها حرفًا، ويجوز تغليب التأنيث على التذكير إذا كان المؤنث كثيرًا:

إذ

إذ إحداها أي أحد السَّبع إذ من حيث هي هي، ويقال فيها: فتارة ظرف لما مضى من الزمان سواء دخلت على الماضي أو المضارع، وقد يستعمل في المضارع نحو قوله تعالى: {فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (70) إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ}. وتدخل على الجملتين الخبريتين، أي الفعلية والاسمية لانعدام تضمّن معنى الشرط الذي يقتضي الفعل بعده، نحو: {وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ} فاذكروا عامل، ثم إذ وهو ظرفٌ داخل على الجملة الاسمية وهي: أنتم قليل، والجملة مضاف إليها لإذ. اعلم أن (إذ) هذه يجوز دخولها على الجملة الاسمية، سواء كان خبرها مفردًا كما في المثال المذكور، أو جملة نحو إذ زيد يقوم. وقد استقبحوا: إذ زيد قام، وإن الفعل الماضي لا يكون خبرًا إلَّا إذا أريد به الإخبار فيما مضى. وهذا الفرض حاصل من نفس إذ، ولأن مدلول إذ وقام من الزمان واحد، وقد اجتمعتا في كلام فلم يحصل الفصل {وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا} , فإذ هنا ظرف مضاف إلى الجملة الفعلية، وهي: كنتم، فكان من الأفعال الناقصة اسمها ضمير الخطاب، وخبرها قليلًا. وتارة: حرف مفاجأة، فيختص بالجملة الفعلية فعلها ماض غالبًا، وإنما قلنا غالبًا لأنها قد تدخل على الجملة الاسمية نحو: خرجت فإذ زيد قائم. اعلم: أن كونها للمفاجأة قليل حتى أنَّ ابن الحاجب لم يذكرها في مقدمته، واعتذر بعض الشراح من عدم ذكرها بالندرة، وإن الاختلاف في إذ هذه كالاختلاف في إذا في كونها حرفًا وظرفًا, وبعد كونها ظرفًا، هل هي للزمان أو المكان، وذهب أبو عبيد إلى أنها زائدة، ذكره في بعض كتب النحو، وأن (إذ) و (إذا) إذا كانتا للمفاجأة فإضافتهما على اختلاف النحاة.

فذهب ابن الحاجب إلى أنهما مضافتان، لعل وجهة كون العامل فيهما معنى المفاجأة عنده، لأن المانع من الإضافة كون شرطها عاملًا لها، فلما زال المانع لزم الإضافة، فعلى هذا يلزم أن يكونا زمانين. وذهب بعض النحاة إلى أنهما لا تكونان مضافتين، فيجوز أن يكون وجهه ما قاله بعض النحاة وهو: أن (إذ) و (إذا) إذا كان مدخولهما اسمًا يكون مبتدأ، و (إذ) و (إذا) خبرًا مقدّمًا عليه، ويجوز أن يكون كونهما مكانيين، لأن ظروف المكان لا تضاف إلى الجملة إلَّا حيث، كقوله، أي الشاعر: فبيَنَمَا العسرُ إذ دَارَت مياسِيرُ [البسيط] المياسر: جمع موسر، كمفطر ومفاطر، أوّل البيت: واستقدِرِ اللهَ خيرًا وارضيَن به فالفاء في بينما يجوز أن تكون للعطف على التعقيب أو السببيَة. اعلم أن: (بينا) و (بينما) مشبعة أو متصلة بما المزيدة أو المصدرية، وما قيل أنه موصول فبعيد، لأنه يحتاج إلى كثرة الحذف. ظرف بمعنى الشرط، أجيب تارة بـ (إذ) أو بـ (إذا)، وتارة بالفعل. والأصمعي لما رأى مجئ الفعل من غيرهما مع استقلال المعنى استفصح طرحهما، والجميع جيد، كذا قال ابن الحاجب في "الإيضاح": في (من الظروف الزمانية) وإن كان ما قبل الإشباع والزيادة يستعمل في الزمان والمكان. نص عليه الشيخ الرضي حيث قال: بين مستعمل في الزمان والمكان، أما إذا أشبع أو كُف بـ (ما) أو أضيف، فلا يكون إلا للزمان، فلابد لها من جواب، فإن جُرد عن كلمة (إذ) و (إذا) فالعامل هو الجواب وإلا فمعناه المفاجأة. هذا على رأي بعض النُّحاة، وأمّا على مذهب المبرد إن (إذ) و (إذا) ظرف مكان لما بعدهما، وبينا وبينما ظرف زمان له، فيكون إذ وإذا منصوب المحل على الظرفية، وعلى مذهب الزجاج:

لما

إن (إذ) و (إذا) ظرفان مضافان إلى الجملة بعدهما يخرجان عن الظرفية: مبتدءان خبرهما بينا وبينما، قيل: الصواب مذهبهما، فإذا انتقش ما ذكرناه على صحيفة ذهنك علمت قول صاحب "المتوسط" وبين: ظرف مكان، وما: زائدة، والعسر: مبتدأ وخبره محذوف، وهو موجود، وهو العامل في بين والزمان مضاف إلى هذه الجملة تقديره: فبين زمان العسر موجود والعامل في (إذ) دارت لأنه ليس بمضافٍ إلى دارت فيمتنع عمله فيما قبله، ولا يجوز أن تعمل دارت في بين لكون بين وإذا ظرف المكان، وامتنع عمل عامل في ظرف المكان، إلَّا على سبيل البدل لا يخلو من مخالفة واضطراب خصوصًا في قوله: إن بينما ظرف مكان، لما عرفت أنه إذا كفّ بـ (ما) يكون ظرف زمان عندهم. وتارة: حرف تعليل كقوله تعالى: {وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ} أي: لأجل ظلمكم. قال الشيخ الرضي: والأَوْلى حرفيتها حينئذ، إذ لا معنى لتأويلها بالوقت حتى يدخل في حد الاسم. اعلم: أن المصنف ذكرها مما جاء على ثلاثة أوجه، وقد تستعمل بمعنى (أنْ) المصدرية ذكره الشيخ القاضي البيضاوي في تفسير سورة مريم في قوله تعالى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ} والمصنف لم يذكر هذا الوجه إما لكونه على رأي البعض حيث قال في "شرح اللباب": وأخرجه بعضهم عن الظرفية وجعله كـ (أنْ) المصدرية، أو لعدم شهرته. لَما الثانية: لما، قال الكوفيون: أصلها: لم زيدت عليها ما. وقال سيبويه: هي على الأصل ليست فيها (ما) زائدة، لأن لما تقع في موضع لا تقع فيها لم، يقول الرجل لصاحبه: أقَدِمَ فلان؟ فيقول: لمَا، فلا تقع (لم) مفردة، كذا قالوا.

أقول: هذا الدّليل لا يدل على أصالتها إذ يجوز أن يتغير حكم الأصل بزيادةٍ ما، كما في هلا، فإنها مركبة من هل ولا، وهل لا تدخل على جملة فعلية تقدم مفعولها على أن [لا] يكون منصوبًا بما بعده، أو بمقدر، فلا يقال: هل زيدًا ضربته؟ بخلاف هلا فإنها يصح أن يقال: هلا زيدًا ضربته؟ يقال فيها، أي في لما في نحو: لما جاء زيد جاء عمرو، حرف، قوله حرف: مبتدأ، وخبره جملة ظرفية مقدمة، وهي في نحو: لما جاء زيد جاء عمرو، مضاف إلى وجود وإضافته بمعنى اللام لوجود هنا بمعنى الثبوت القابلة للنفي، والتنوين عوض عن المضاف إليه، أيّ حرف ثبوت الثاني لثبوت الأول، هذا مذهب ابن خروف فإن لما عنده: حرف يدل على ربط الجملة بأخرى ربط السببية. فبعض النحاة عبر عنها كما عبر المصنف، وبعضهم بحرف وجود لوجود، وتختص بالماضي أي ماضي اللفظ والمعنى. وزعم أبو علي الفارسي ومن تبعه أنها ظرف بمعنى حين. والظاهر من لفظ زعم كون قوله مردودًا. وذكر في "شرح الألفية": قال ابن مالك: لما بمعنى حين، إذ بدل بمعنى حين. وقيل: هذا حسن لأنها مختصة بالماضي وبالإضافة كإذ. ويقال فيها: ظرف لغو متعلق بقال، والضمير راجع إلى لمّا. في نحو {بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ} حذف الياء اكتفاءً بالكسر، حرف: مبتدأ مضاف إلى جزم، وقوله: في نحو: خبر مقدم عليه: لنفي المضارع: خبر ثان له، وقَلْبِهِ بالجر عطف عليه، وماضيًا: مفعول قَلْبهِ، فعلى هذا الوجه يكون هذا القول بيانًا لأحوال لما، لكن علم بالالتزام أنها للجزم، ويجوز

أن تكون اللام للتعليل لأنه لما ذكر اختصاص لما بالنفي والقلب، علم بالالتزام أنها للجزم فالتعليل بأحد المستلزمين نوع من البلاغة، ولما هذه تنفي المضارع، وتصرف معاه إلى الماضي عند المبرد وعند أكثر المتأخرين، وعند أبي موسى تصرف لفظ الماضي إلى المضارع، وهذا نُسب إلى سيبويه، ذكره شارح "الألفية". متصلًا: حال من [المضاف إليه وهو] المضارع، ونفيه: فاعل متصلًا، وضمير نفيه راجع إلى المضارع ومُتَوقعا، يجوز أن يكون حالًا من المضارع، فيكون حالًا مترادفة، وأن يكون حالًا من نفيه، فيكون من قبيل حال المداخلة قوله ثبوته: فاعل متوقعًا. واعلم أن (لم) و (لما) تشتركان في نفي المضارع وقلبه ماضيًا، وأمّا كون النفي متصلًا إلى زمان النطق، ومتوقع الثبوت، مما تنفرد به لما، فلذلك لا يحسن أن يقول: لما يُضرب زيد ثم ضُرب، بخلاف لم. ألا يُرَى، يريد المصنف إثبات كون نفيها متصلًا، وثبوتها متوقعًا بتنزيل المعقول مرتبة المحسوس. أن المعنى في الآية الكريمة: أنهم لم يذوقوه إلى هذا الآن، معنى الآن: الزمان الذي يقع فيه كلام المتكلم. وهو آخر ما مضى من الوقت، وهو أوّل ما يأتي منه، وهو مبني على الفتح بناء لازمًا عند جميع النّحاة، لكن اختلفوا في علة بنائه. قال سيبويه والأخفش والمازني والزجاج: لمشابهته لاسم الإشارة، وإن قولك الآن معاه هذا الوقت. وقال السيرافي: لمشابهة الحروف يلزمها في أصل الموضع على وتيرة واحدة، فإنها لا تُثنّى ولا تُجمع ولا تُصَغر، فيكون في الاستعمال مع لام التعريف. قال أبو علي الفارسي: لتضمنه معنى لام التعريف، وأمّا لام الظاهرة فليس للتعريف إذ شرط لام التعريف أن تدخل على النكرات فتعرفها، و (الآن) لم يُسمع مجردًا عنها، وفي هذا الدليل مناقشة ظاهرة، ولا تخفى على المتأمل.

نعم

وأنّ ذوقهم، بفتح الألف، وتشديد النون: عطف على (أنهم). له متوقع: اللام لتقوية العمل، والضمير للعذاب. ويقال فيها: حرف استثناء، هذا وجه ثالث لـ (لمّا) وتغيير الأسلوب إما لكثرة الفاصلة بين المبتدأ والخبر أو للتفنن نحو: {إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ} في قراءة التشديد وحرف التعريف إما مُغْنٍ عن غناء الإضافة كما مذهب البصريين، أو عوض عن المضاف إليه كما مذهب الكوفيين؛ أي قراءة تشديد (لما). ألا يرى أن المعنى: ما كلّ نفس إلا عليها حافظ، فَعُلِمَ منه أن (إنْ) على هذه القراءة نافية بمعنى (ما) .. قال في "الصحاح": لمّا بمعنى إلا فليس يُعرف في اللغة. لكن حكاه الخليل وسيبويه والكسائي، فالأولى أن يقتصر على التركيب الذي وقعت فيه. كذا قال أرباب النحو. نَعَمْ والثالثة: نعم، وفيها أربع لغات على ما قاله الشيخ الرضي: الأولى: فتح النون والعين وهي المشهورة. الثانية: كسر العين، وهي كنانية واختارها الكسائي، واحتج عليه بما روي عن عمر - رضي الله عنه - أنّه سأل قومًا فقالوا: نِعَم، فقال عمر: أمّا النعم فالإبل. وقال أبو عبيدة: هذه الرواية [عن عمر] غير مشهورة.

الثالثة: كسر النون والعين. والرابعة: نَحَم، بفتح النون، وقلب العين المفتوحة حاءً كما قلبت في حتى. قيل: هي لغة هذيل. فيقالُ فيها، أي في نعم: حرف: مبتدأ مضاف إلى تصديق, وخبره جملة: إذا وقت بعد الخبر سواء كان مثبتًا [أو منفيًا] نحو: قام زيد، فتقول: (نعم، أي: نعم قام زيد)، أو منفيا: ما قام زيد، فتقول: نعم. أي ما قام. وحرف إعلام إذا وقعت بعد الاستفهام، سواء كان سؤالًا عن موجب نحو: أقام زيد؟ فتقول: نعم، مريدا بالإعلام بأنه قام. أو منفيًا كما في جواب من قال: ألم يقم زيد؟ فتقول: أي نعم لم يقم. فنعم بعد الاستفهام ليست للتصديق، لأن التّصديق إنّما يكون في الخبر، فلذلك قيل: فالأَوْلى أن يقال: هي بعد الاستفهام لإثبات ما بعد أداة الاستفهام نفيًا كان أو إثباتًا. ولهذا قال ابن عبّاس: لو قالوا في [جواب]: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ}: نعم لكان كفرًا، فيصح لهذا الاعتبار أن يقال لها: حرب الإيجاب، أي: إثبات ما بعد حرف الاستفهام، لكن الأظهر أن يقال: الإيجاب في الإيجاب والكلام المثبت، لا المنفي المستفهم عنه. وجوّز بعض النحاة إيقاعها موقع بلى، إذا جاء بعد همزة داخلة على نفي لفائدة التقدير, فيجوز أن يقال في جواب: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ} و {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ}: نعم، لأن الهمزة

للإنكار دخلت على النفي فأفادت الإيجاب، ولهذا عطف [على] {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} قولَهُ: {وَوَضَعْنَا [عَنْكَ]} فكأنه: شرحنا لك صدرك ووضعنا عنك وزرك، فيكون (نعم) في الحقيقة [تصديقًا] للخبر المثبت المؤول به الاستفهام [معنىً] لا تقديرًا لما بعد همزة الاستفهام مع النفي. فلا يكون جوابًا للاستفهام، لأن جوابه يكون بما بعد أداة، بل هو كما قيل: قام زيد بالإخبار، فنقول: نعم، مصدقًا للخبر المثبت. وقد اشتهر في العرف هذا القول. فلو قيل لك: أليس عليك دينار، فقلت: نعم، ألزمت بالدينار. هذا ليس بمناقض لما قاله ابن عباس، لأن قوله مبني على [كون نعم تقديرًا لما بعد همزة الاستفهام، وبناء هذا القول مبني على كونه] تقديرًا لمدلول الهمزة مع حرف النفي. وحرف وعد، هذه العبارة موافقة لما يوجد في كتب اللغة حيث قال في "الصحاح": نعم: عدة وتصديق. وأما عبارة أكثر كتب النحو: نعم مقررة لما سبق. لعل وجهه عند النحاة لما رأوا اختلاف هذه الوجوه بحسب الاعتبار لعدم خروجها عن الجوابية، فعبرَّوا بكلام يعم الجميع, فعلى هذا ما قاله المصنف لا يخلو من المسامحة: إذا وقت بعد الطلب سواء كان ذلك طلب الفعل، (كقولك لمن قال لك): نحو: أحسن إلى فلان فتقول: نعم، عند وعدك بالإحسان، أو طلب ترك الفعل، كقولك نعم لمن قال: لا تضربني، أي لا أضربك، فإنك وعدت بعدم الضرب إليه، وكذا لو قلت: نعم،

إي

في جواب التحضيض نحو: هلا تزورنا؟ كان المعنى الإيجاب، أي نعم أزورك، وكذا في جواب المرض: ألا تزورنا. وزعم بعض: أن نعم تكون حرف تذكير، إذا وقعت صدرًا نحو: نعم، هذه أطلالهم. وهو ضعيف لإمكان جعلها تصديقًا لما قبلها وقُدمت، أو تصديقًا لما في النفس. إيْ والرابعة: إيْ بكسر الهمزة وسكون الياء إذا وقع بعدها حرف القسم، وإن لم يقع إلَّا بلفظة الله، جاز ثلاثة أوجه: حذفها للساكنين، وهما الياء واللام نحو: إلله لأفعلن. وفتحها تنبيهًا لحرف الإيجاب. وإبقاؤها ساكنة، والجمع بين ساكنين مبالغة في [المحافظة] على حرف الإيجاب، بصون آخرها عن التحريك والحذف، وإن كان السّاكنان في كلمتين إجراءً لهما مجرى كلمة واحدة [نحو]: {وَلَا الضَّالِّينَ}. وهي بمنزلة نعم في استعمالها على الوجوه الثلاثة، وهو قول ابن مالك حيث قال: إيْ بمعنى نَعَم. وهذا الإطلاق يقتضي أن لم يقع بعد الخبر والاستفهام والطلب، وجوزه بعض النحاة لكنه مخالف لما قاله فحولهم.

حتى

وإي إثبات بعد الاستفهام حيث اشترطوا لزوم سبق الاستفهام، وكونها للإثبات، إلا أنها تختص بالقسم من الاستفهام غالبا بخلاف نعم، فإنها غير مختصّة به كما عرفت، ولا يستعمل بعد إي فعل القسم، فلا يقال: إي أقسمت بربي، ولا يكون المُقْسَم به بعدها إلا: (الرب، والله، ولعمري) نحو: {قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ}. وربي قسم فعله محذوف مع وجود الاستفهام في أوّل الآية [وهو قوله تعالى]: {أَحَقُّ}. حتى الخامسة: حتّى، وأحد أوجهها. أي: أحد أوجه حتى، والتأنيث باعتبار الكلمة، أن تكون جارة فتدخل، الفاء: إما للتفسير، أو لربط الجزاء على الشرط المحذوف. على الاسم الصريح، أي الخالص، والمراد منه ما يقابل المؤول والمضمر، وهو الظاهر بمعنى إلى، نحو {حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ}. وتفسير القاضي بقوله: أي وقت مطلعه، أي طلوعه، لا كما قاله في بعض حواشيه: المطلَع بفتح اللام: مصدر ميمي، فيحتاج إلى مضاف ليكون المعنى صحيحًا، إذ يمكن تصحيح [الكلام] بأن يقال: يدوم سلام الملائكة إلى طلوع الفجر، أو يقال: لية القدر [ذات] سلامة إلى طلوع الفجر، بل للإعلام بأن المَطْلَع بفتح اللام مصدر ميمي لا اسم للزمان، لأنّه لا يحتاج إلى تقدير الوقت، ومثله في المصادر عند أكثر النحاة وأما عند أبي علي الفارسي إن المصادر تقع في الزمان , فيُجعل لسعة الكلام زمانٌ لا على طريق حذف المضاف، فقول المصنف {حَتَّى حِينٍ} لتصحيح كون المطلع مصدرًا ميميًا لا لمجرد تصحيح المعنى. وعلى الاسم المؤوّل معطوف على الاسم الصريح، وقوله: بأن، متعلّق إلى المؤول، ومضمرةٍ إما بالجر صفة إنْ، أو بالنصب حال عنها، وقوله: من الفعل المضارع، بيان الاسم المؤول،

هذا هو مذهب سيبويه وجمهور البصريين فإن حتى إذا دخلت على الاسم المؤول تكون حرف جر عندهم. والنصب بعدها بإضمار إن وعند الكوفيين والكسائي والفراء إنها ناصبة بنفسها. وأجازوا إظهار أن بعدها تأكيدًا، وأما إذا دخل على الاسم الصريح، فالجر بإضمار إلى عند الكسائي ويجوز إظهارها تأكيدًا، وعند الفراء لنيابه (حتى) منابها، وعند الكوفيين هي جارة بنفسها لشبهها بـ (إلى). فتكون تارة بمعنى إلى نحو: {حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى} الأصل: حتى أن يرجعَ، على مذهب سيبويه كما عرفت قبيل هذا، أي إلى رجوعه، فعلم منه أن يرجع مع أنه مؤول بالمصدر، أي إلى زمن رجوعه. قدّر المضاف كما هو مذهب أكثر النُّحاة، لأن المصدر لابدّ له من زمان، فيكون حصوله فيه، لكن دلالة المصدر على الزمان بالالتزام. وتارة أي، مرة بمعنى كي إذا كان ما قبل حتَّى سببًا لما بعدها. نحو أسلِم حَتَّى تدخل الجنَّةَ، أي: كى تدخل الجنة، ولم يفسره المصنف بناء على ظهور معنى السببية فيه. وقد يحتملها، أي: يحتمل حتى أن يكون بمعنى إلى وكي. كقوله تعالى: {فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ}، أي: إلى أن تفيء، أو كي تفيء، أي: إلى أن ترجع، أو كي ترجع. اعلم: أن علامة كونها بمعنى إلى وكي إذا وضعتهما موضع حتى يكون المعنى صحيحًا. وزعم ابن هشام وابن مالك أنّها، أي أن حتى قد تكون بمعنى إلا كقوله، أي قول الشاعر:

لَيسَ الْعَطَاءُ مِنَ الْفُضُولِ سماحةً اللام في (الفضول) إما: مُغْنٍ عن المضاف إليه، أو عوض عنه، أي ليس الإحسان من زيادة المال الفضل والفضيلة خلاف النقص والنقيصة. يقال: فضل من الشيء، وفَضَل منه شيء بفتح العين، يَفْضُلُ بالضم مثل دَخَلَ يدخلُ، وفيه لغة أخرى، وهي بكسر العين وفتحها في الغابر مثل: حَذِرَ يَحْذَرُ، وحكاها ابن السكيت. وقيل: فيه لغة بالكسر في الماضي والضم في المستقبل، مركبة منهما يقال: فَضِلَ يَفْضُلُ، لكن هذا شاذ لا نظير له. ويؤيده ما قال سيبويه: هذا عند أصحابنا يجيء على لغتين. ذكره في "الصحاح". سماحةً: بالنصب خبر ليس، السماحة: الجود. حتى تَجُودَ، وَمَا لَدَيْكَ قَليِلُ [الكامل] فما: موصولة، ولديك: ظرف مكان صلة ما، والموصول مع الصلة مبتدأ، وقليل: خبره. وفي بعض النسخ: إلَّا قليل، فما بمعنى ليس، ولا يعمل لانتقاض عمله بإلا، فما بعده مبتدأ وخبر. ويجوز كونها موصولة، والاستثناء من لديك بتأويل النفي، لأن الاستثناء من المثبت يكون على مقتضى العامل إذا لم يتعذر، نحو: قرأت إلَّا يوم كذا، وبتقدير النفي إذا تعذر، وهاهنا متعذر فيجب، وتقديره: ولا يكون في لديك إلا قليل أي إلَّا أن تجود، وهو استثناء منقطع، وعنوان هذا القول بالزعم الذي كنيته الكذب إشارة، كما أن الاستدراك بهذا البيت ضعيف، لجواز أن تكون حتى في هذا للغاية، بمعنى إلى حيث. قال في "البسيط" تفسير قولهم: لا أقوم إلا أن تقوم، وقولهم: لا أفعل إلَّا أن تفعل بحتى تفعل ليس بنص لكون حتى بمعنى إلا لأن قولهم ذلك تفسير معنىً.

واعلم أنّ المصنف ذكرها في النوع الثالث، مع أن معناها أكثر من الثالث لأن ما وجد من المعنى الذي غير ما ذكره المصنف، فراجع إلى كونها جارة. والثاني: أن تكون حرف عطف تفيد الجمع المطلق كالواو. وهذه العبارة تُشعِرُ ظاهرًا أنَّ حتى كالواو في الجمع لا ترتيب فيها، كما زعم بعض النحاة، لكن الحق أن يكون فيها جمع وترتيب ومهملة [متوسطة] بين الفاء وثمّ، لكن المهملة المعتبرة فيها بحسب الذهن، فإن المناسب في: مات الناس حتى الأنبياء، بحسب الذهن أن تعلق الموت أولًا بغير الأنبياء، وتعلق بالأنبياء بعد التعلق بهم، وإن كان موت الأنبياء في أثناء سائر الناس بحسب الخارج بخلاف ثم، فإن المهملة المعتبرة فيها بحسب الخارج نحو جاءني زيد ثم عمرو: إلا أن المعطوف بها أي بحتى مشروط بأمرين. هذا تفريق بين الواو وحتى العاطفة بعد اشتراكهما في الجمع، أي: يُفَرق بين حتى والواو من جهتين: أحدها: أن يكون المعطوف بعضًا أي جزءًا من المعطوف عليه في الحقيقة. هذا هو المختار وإن قال بعضهم: أو بالتأويل نحو: ضربني السادات حتى عبيدهم، فإن العبيد صار كالجزء منهم بالمجاورة والاختلاط بهم. والثاني: أن يكون غاية له في شيء، وزاد صاحب التسهيل قيدًا آخر، وهو مفيد احترازًا من نحو: صُمتُ الأيّام حتّى يومًا. لكن سائر النحاة لم يذكروه بناء على أن مثل هذا لا يتّصف بكونه غاية، فيخرج من لفظه للغاية نحو مات الناس حتى الأنبياءُ. لأن الأنبياء - (عليهم السلام) - غاية للناس، بالنسبة إلى كمالات نوعه، في شرف المقدار وهو ما يقدرُ [به] الشيء، أي يُعرف قدره، وإضافة الشرفِ إليه بمعنى مِنْ، ويجوز أن يكون بمعنى اللام. وعكسِه بالجر: عطف على [شرف] أو عكس الشرف وهو الخساسة نحو: زارني الناسُ حَتى الحجّامُون، فإنهم غاية في خساسة المقدار.

اعلم: أن الغاية قد تكون في الخساسة والشرف كما في المثالين المذكورين، وقد يكون في القوة والضعف، وأشار إليه المصنف بقوله، وقول الشاعر: عطف على ماتَ الناس: قَهَرنَاكُمُ حتى الكُمَاةَ، فَأنتمُ والكَماءُ بفتح الكاف هو الشجاعة، وجمعه الكُماة، بضم الكاف، كأنهم جمعوا كام مثل قاض وقضاة، كذا في "الصحاح" تَهَابُوننا حتى بنينا الأصاغِرَا [الطويل] الهيبة والمهابة هي الإجلال والمخافة، فالمعنى: أنتم تهابوننا بغاية المهابة، وإنما قلنا كذا لأن المفاعلة والمتفاعلة إذا كانتا من جانب واحد تكونان للمبالغة، وهنا كذلك. ولما كان مصرعا هذا البيت جامعًا للغايتين أشار إليه بقوله: فالكماة: الفاء إمّا للتفسير. أو لربط الجزاء للشرط المحذوف، غاية في القوة، والبنون الأصاغر غاية في الضعف. والثالث: أن يكون حتى حرف ابتداء، وإنما سُمي به لأنه يبتدأ به لأنه داخل على المبتدأ كما توهم البعض، لأنه قد تدخل على الفعل، والفعل لا يكون مبتدأ. ويرشدك إليه قول المصنف: فتدخل على ثلاثة أشياء: جمعُ شيء، وفيها مذاهب، وإنها غير منصرف بالاتفاق، قال الكسائي: أشياء على وزن أفْعَال مثل: فَرَح وأفرَاح، وإنما تُرك صرفها لكثرة استعمالها، ولأنها شبهت بفعلاء، كذا قالوا، لكن هذا لا يوجب عدم انصرافها كما في أبناء وأسماء، ولهذا قال "شارح الديباجة ": فعلى هذا القول منصرف. وقال الخليل: أصلها شيئاء على وزن فعلاء، جمع على غير واحد، ثم استثقلوا الهمزتين في آخره فقلبوا الأولى إلى الصدر فصار: أشياء، وعلى وزن أفعال, ويدل على صحة ذلك أنها لا تنصرف، وأنها تصغر على أشيياء، وقال الأخفش والفراء: أصلها أشيئاء

على أفعلاء، وحذفت الهمزة التي بين الياء والألف للتخفيف، فصار أشياء، لكن عند الأخفش جُمِعَ على غير واحد لأن (فَعْل) لا يُجمع على أفعلاء، وهذا القول مرجوحٌ لأن كل جمع كُسر على غير واحِدِهِ، وهو من أبنية الجمع فإنه يُرَد في تصغيره إلى واحده. فيما لا يُفعل بالألف والتاء، فيجب أن يقول في تصغيره: شييئاه مع أنه لم يُسمع، وهذا القول لا يلزم الخليل لأن فعلاء ليس من أبنية الجمع، وعند الفراء أصله: شيء بالتشديد كـ (هين) على وزن فَيْعل بالفتح والسكون ثم خُفّفَ فقيل: شيء، كما قالوا: هَيْن، فلذا جُمِع على أشياء، فحذفت الهمزة الأولى للتخفيف، ومن هنا, أي لأجل كون أصل أشياء عند الأخفش والفراء. قال أبو الحسن الجار بردي: وفيها ثلاثة مذاهب مع كون الأقوال فيها أربعة. الفعلُ الماضي: بالرفع خبر مبتدأ محذوف، فقوله: والمضارع المرفوع، والجملة الاسمية معطوفان عليه بتقدير الثاني والثالث. وبالنصب بتقدير أعني الفعل. وبالجر بدلًا من ثلاثة أشياء. فقوله والمضارع المرفوع والجملة الاسمية معطوفان عليه بلا تقدير، فلمّا تعدد المتبوع معنىً أجري الإعراب على كل واحد منهما، فَعُلم من هذا أن أحد البدلين يجوز أن يعطف على الآخر، ويكون المجموع بدلًا من أشياء، فبالنظر إلى كل واحد بدل البعض، وإلى المجموع بدل الكل, ذكره الكرماني، شارح "البخاري". واعلم أيضًا: أنْ أحد الحالين، أعني الحال من الفاعل، والحال من المفعول، يجوز عطف أحدهما على الآخر، كقولك: لقيت زيدًا راكبًا وماشيًا. نحو: {حَتَّى عَفَوْا} فإنّ حَتّى هنا

ابتدائية، وأنْ غير مضمرة، هذا هو الحق لكن فسر أبو البقاء بـ (إلى أن عفوا) وقال شارح الألفية: فتوزع في ذلك الماضي بأن حَتى قبله ابتدائية، وأنْ غير مضمرة، فَعُلِمَ من دخولها جواز كونها جارة في الماضي، وقال ابن مالك وهو وَهْمٌ. المضارع المرفوع، احتراز من المنصوب بـ أن, لأن حتى فيه، لا تكون إلَّا جارة. نحو {وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ} في قراءة من رفع وهو نافع، فعلى هذا تكون الآية حكاية عن الحال الماضية، لأن حتى الابتدائية لا تدخل على المضارع، إلَّا بتحقيق الحال. أو لحكاية حال الماضي فلا يدخل على المضارع المقدر فيه (أن)، لأنها علم الاستقبال، فمن نَصَبَ بتقدير أنْ يجعل حتى جارة. والجملة الاسمية كقوله، أي قول الشاعر: بدجلة حتى ماء دجلةَ أشكل إعرابه في الباب الأول، في المسألة الثانية فلينظر. اعلم: أن حتى الابتدائية تدخل على الجملة الاسمية، فيكون ما قبلها سببًا لما بعدها، مع كون ما بعدها من جنس ما قبلها، سواء كان حقيقة أو حكمًا بأن يكون بينهما ملابسة، يقال: ضربتُ القومَ حتى زيد غضبان، لأن بين الضرب والغضب ملابسة، فكأنه كان من جنس الضرب، وخبر تلك الجملة تارة يكون موجودًا، كما في المثال المذكور، وتارة يكون مقدرًا كما في: أكلت السمكة [حتى] رأسُها بالرفع، لأن تقديره: حتى الرأسُ مأكول. وتدخل أيضًا على الفعل سواء كان ماضيًا أو مضارعًا، فلا يلزم كون ما بعدها من جنس ما قبلها، بل يكفي أن يكون سببًا لما بعدها كما في المثالين اللذين ذكرهما المصنّف. وحتّى الجارة تدخل على الاسم فيكون مدخولها إمّا بعضًا مما قبلها كقولك: أكلت السمكة [حتى رأسِها] بالجر أو مجاورًا

لها كما في: نمت البارحة حتى الصباح، وتدخل أيضًا على المضارع بإضمار (أنْ) المصدرية، ولا تدخل على الماضي في الأصح، وإنْ جوّزه أبو البقاء. وكذا لا تدخل على المضمر خلافًا للمبرد، فإنه يجوز مستدلًا بما وقع في بعض أشعار العرب على سبيل النُّدرة. والجمهور يحكمون بشذوذه فلا يجوّزونه قياسًا، وحتى العاطفة تدخل على الاسم المفرد كما في: أكلت السمكةَ حتى رأسَها على تقدير النصب. ويكون مدخولها بعضًا مما قبلها، فبعض النحاة عمَّ البعضية بكون بعضًا في الحقيقة أو شبهًا بالبعض المجاورة، لكن التعميم ليس بجيد لأن أصل حتى أن تكون جارة لكثرة استعمالها، فتكون العاطفة محمولة عندهم على الجارة، وإذا كانت محمولة عليها لم يستعملوها في معنييها جميعًا، ليبقى للأصل مزيّة على الفرع، وإنما استعملوها في أظهر معنييها، وهو كون مدخولها جزءًا لأن اتحاد الأجزاء في تعلق الحكم أعرف في العقل وأكثر في الوجوه من اتحاد المجاورين، هكذا في بعض الشروح. واختلفوا في دخولها على الجملة الاسمية، فلذلك لم يذكر المصنف مثالًا لها. وكذا في دخولها على الفعل سواء كان ماضيًا أو مضارعًا فقيل: في الأفعال تكون ابتدائية، لأن حتى لا تعطف على الجملة أبدًا، كذا في "شرح الرضي" و"شرح الألفية"، وهذا مذهب الجمهور. وأمّا عند البعض، يجوز أن تكون حتى عاطفة في الفعل نحو: نظرتُ أو أنظر حتّى أبصرتُ أو أبصر. فإن أبصرت أو أبصر معطوف بحتّى على نظرت أو أنظر لوجود الشرط المذكور، وهو كون المعطوف جزءًا من المعطوف عليه. فإذا عرفت ما تلونا عليك علمت أن حتى في مثل قولك: جاءني زيد حتى عمرو ليست للجر، وجارة لفقدان الشرط المذكور فيهما، بل هي حرف ابتدائية، ذكره ابن يعيش.

كلا

[وقيل: هي مع الماضي جازة، وأنْ بعدها مضمرة، وقد مضى خلاف الزجاج وابن درستويه] كلا والسادسة: مبتدأ وخبره كلا، فيقال فيها حرفُ بالرفع: نائب عن فاعل يقال، مضاف إلى: ردع وزجر بالواو العاطفة. تفسير للردع، فإن على التفسير جائز بالواو والفاء، وإن كان قليلًا، نصّ عليه الشريف في شرحه لـ"المفتاح". هذا أي كون الردع مفسرًّا بالزجر عند سيبويه، وقال الزجاج: حرف ردع وتنبيه، وشَرَط أن يتقدم ما يرد بها في غرض المتكلم، سواء كان المردود من كلام المتكلم على سبيل الحكاية والإنكار، أو من كلام الغير، في نحو: {فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ. كَلَّا} أي لا تقل وليس الأمر كذلك فَعَلِم منه أنَّ متمم كلا محذوف لعدم استقلال الحرف، ويشعره قول المصنف: أي: انته عن هذه المقالة. هذا تحقيق لمعنى الردع والزجر، وحرف تصديق. قال عبد الله بن محمد الباهلي: إن (كلًا) يكون على وجهين: أحدهما: أن يكون ردا لكلام ما قَبْلَها، ويجوز الوقف عليها، وبعده استئناف. والآخر: أن يكون صلةً لكلام، فيكون بمعنى أي. في نحو {كَلَّا وَالْقَمَرِ} أي والقمر. وعن أبي بكر الأنباري، سمعت أبا العبّاس أحمد بن يحيى يقول: لا يُوقَف على كلا في جميع القرآن لأنها بمعنى انته، إلا في موضع وهو قوله: {كَلَّا وَالْقَمَرِ} وهذه الرواية تشعر أيضًا

أن كلا فيها ليس للردع، لكن المفسرين لم يذكروا هذا المعنى أصلًا، بل قالوا: حرف للردع، وما ذكره المصنف فقليل نادر. وبمعنى حقا، هذا مذهب الكسائي، إنما قال بمعنى حقًا، ولم يقل حرف بمعنى حقًا، إشارة إلى جواز كونها اسما إذا كانت بمعنى حقًا كما ذكره في بعض شروح "الكافية" وعلى تقدير اسميتها يكون مبنيًا لمشابهتها بالحروف لفظًا ومعنًى. أو بمعنى ألا الاستفتاح، هذا مذهب أبي حاتم حيث قال: إنها تكون للاستفتاح وبمعنى حقًا، ووافقه الزجاج. على خلاف في ذلك، أي كائنة على خلاف في كونها لمجرد الاستفتاح، قال ابن مالك في "التسهيل": ولا تكون كلا لمجرد الاستفتاح، خلافًا لبعض النحاة نحو {كَلَّا لَا تُطِعْهُ} هذا يجوز أن يكون مثالًا لكونها بمعنى حقًا لا تطعه، أو لكونها بمعنى الاستفتاح يبتدأ الكلام بها غير ردع، وكونها بمعنى حقًا: قال ابن الحاجب في "الأمالي": إطلاقه الاستفتاح عليها ليس بِأوْلى، لأنه ليس من دلالتها عليها. انتهى. فعلى هذا ذكرها مما جاء على ثلاثة أوجه يكون على الوجه الأول. ووقع في بعض النسخ، والصواب الثاني، وهو كونها لمجرد الاستفهام. لا بمعنى حقًا. بكسر الهمزة نحو {كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى}. هذا هو الدليل الادعائي في كونها للاستفتاح. حاصله: لو كان بمعنى حقًا لما كُسِرَت إن، وهذا الاستدلال في غاية الضعف. يرشدك إليه قول صاحب "التخمير" ناقلًا عن ابن دهان وهو الذي عليه أكثر العلماء: إن كَلا يحسن

لا

الوقف عليها إذا كان رد الأوَل بمعنى ليس الأمر كذلك، ويكون ما بعدها مستأنفًا، ويحسن الابتداء بها إذا كانت بمعنى ألا، وحقا كقوله -عز وجل-: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} لا والسابعة لا، أي لفظة لا، فتكون نافية وناهية وزائدة. إطلاق النافي والناهي عليها مجاز لأنها لا تنفي ولا تنهي، بل النافي والناهي هو المتكلم بها، ذكره التفتازاني في بعض تصانيفه، والنافية تعمل في النكرات عند البصريين، لأن (لا) لِنَفي فيه شمول، وذلك لا يحصل إلا إذا دخلت على النكرات، بخلاف ما، فإنها لمجرد النفي، فلذلك [تدخل] على النكرة والمعرفة، وأمّا عند الكوفيين يجوز أن تعمل في المعرفة في بعض المواضع نحو: لا أبا حسن، ولا أبا محمد، ولا أنت لك، ونحو ذلك فأجاب البصريون بتقدير التنكير أو يكون هذا الكلام مشبهًا بالشذوذ. عَمَلَ إن كثيرا، لأن (لا) التي لنفي الجنس نقيض (إن) من حيث أنها للإثبات و (لا) للنفي. ومن شأن النقيضان أن يستويا في الأحكام، فكان لكل منهما منصوب ومرفوع. لكن مرفوعها لا يتقدم على اسمها, ولو كان ظرفا، لأنها محمولة على (إن) في العمل، فانحطت مرتبتها عن مرتبة أصلها، وقوله: كثيرا يجوز أن يكون وصفًا لمصدر محذوف تقديره عملًا كثيرا، هذا مذهب سيبويه، وفي مثل هذا الموضع يجوز أن يكون حالًا كما ذكره في شرح "الألفية"، ويجوز أن يكون تمييزًا. اعلم أن النحاة تارة قالوا: صفة لمصدر محذوف، وتارة منصوب على المصدرية فهما في معنى واحد، وإن كان لفظهما متغايرين، وأما إذا قيل: مصدر منصوب بفعل مضمر يكون المراد منه هو المصدر لا غير.

نحو {لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ}، فـ (إله): اسم (لا) لكن اختُلِفَ في حركته. قال الأخفش والمازني والمبرد وأبو علي الفارسي هي حركة بنائية، والاسم المبني في محل النصب لكونه معمولًا لـ (لا). وقال الكوفيون، والجرمي والزجاج: إنها حركة إعرابية، ونسب هذا القول إلى سيبويه، وخبرها محذوف، وهو موجود لأن خبر (لا) التي لنفي الجنس يُحذف كثيرًا إذا كان الخبر عامًا. وبنو تميم لا يلفظونه إلَّا أن يكونَ ظرفًا، وعلى تقدير وجوده يحملون على الصفة، كذا قالوا وقال الأندلسي والحق أن بني تميم يحذفونه وجوبًا أو دل عليه قرينة، وإلا فلا يحذف رأسا. و (إلا الله) مرفوع على أنه بدل من محل إله، وهو الرفع بالابتدائية على القاعدة الممهدة. وهي: إن تعذر البدل عن لفظ المستثنى منه أُبْدِلَ عن الموضع، وذُكر في بعض شروح ذلك المتن. وذهب قوم إلى أن (لا) لا يعمل في إله، وهو وحده في محل الرفع، فحينئذ يجوز أن يكون بدلًا من محل القريب. وعمل ليس لمشابهتها في النفي والدخول على المبتدأ والخبر. قليلًا، إعرابه كإعراب كثيرًا. وعبارة "الكافية" و"اللب": وعمل (لا) شاذ فيلزم إمّا توجيه القليل بالشاذ، أو بالعكس، لأن الشاذ ما يكون على خلاف القياس، وان كان استعماله كثيرًا، والقليل ما لا يكون على خلاف القياس، وإن كان استعماله قليلًا، كذا في الجار بردي، وما وقع في بعض كتب العربية شاذ نادر، يوهم أنهما متحدان وليس كذلك، بل مراد أنه شاذ مع قلته، لأن الشاذ والنادر

واحد هذا، أي: عمل لا على مذهب الحجازيين وأما عند بني تميم لا يعمل (ما) و (لا) اللّذان بمعنى ليس. وزعم بعض النحويين أنَّ (لا) أُجريت مجرى ليس في رفع الاسم خاصة، وقال بعضهم: لم يُسمع النصب، وخبره ملفوظًا، واستدل المصنف على رفع اسمها، ونصب خبرها يقول الشاعر. وقال كقوله: تَعَزَّ فَلَا شَيءٌ على الأرْضِ بَاقيًا [الطويل] قوله: تَعَزَّ أمرٌ من تَعَزى يتعزى: انتمى وانتسب بنسبتك، والفاء في فلا للتعقيب مع الربط لشرط محذوف، وشيء في محل الرفع بـ (لا)، وباقيًا بالنصب: خبر لا، وعلى الأرض: متعلّق به، إذ يجوز تقديم المعمول على العامل في اسم الفاعل والمفعول، كما في الفعل دون الصفة المشبهة والمصدر إن لم يكونا نائبين عن الفعل، وأفعل التفضيل على الخلاف، ويجوز تقديم معمول أسماء الأفعال خلافًا للكسائي، فإنه أجاز فيه ما يجوز في الفعل من التقديم والتأخير. ونقل بعض النحاة هذا الخلاف عن الكوفيين. والنّاهيةُ: بالرفع عطف على النافية، هذا أحد أوجهها, ولو قال: والطّلبية كما وقع في "الارتشاف" لكان أحسن ليشمل لـ (لا) الناهية والتي للدعاء. تجزم المضارع، زعم صاحب "التسهيل" أنَّ (لا) التي تجزم المضارع هي (لا) التي لنفي الجنس، والجزم في الفعل بلام الأمر مضمرة قبلها، فَحُذِفت لكراهية اجتماعهما في اللفظ وزعم بعض النحاة أن أصلها لام الأمر زيدت عليها ألف، فانفتحت لأجلها، والحق أنها أصليَّة، والجزم في الفعل بها. اعلم أن الفصل بينها وبين معمولها لا يجوز إلا بفعل نحو: لا اليوم تأكل طعامًا.

ما يأتي على أربعة أوجه

وقيل: لا يجوز مطلقًا إلا لضرورة، ويجوز حذف الفعل بعد لا الطلبية إذا دل عليه دليل كقولك: اضرب زيدًا إن ساء وإلا فلا تضرب، لكن يحتاج ذلك إلى السماع، وإنما قال تجزم المضارع ليشمل نهي المخاطب نحو. {لَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ} أي: لا تمنن بعبادتك مستكثرًا بها، والغائب نحو {فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ} والزائدة، وهي التي دخولها في الكلام كخروجها بالنسبة إلى النّفي، لأنها لا فائدة فيها أصلًا، لأنها تفيد توكيدًا ولا يعد عبثا. لا يجوز ذلك في مثل كلام الفصحاء، لاسيما كلام الباري سبحانه، فتزاد قليلًا قبل أقسم، ومع واو العاطفة بعد النفي لفظًا نحو: ما جاءني زيدٌ ولا عمروٌ أو هو معنىً نحو: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} , وبعد أن المصدرية نحو: {قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ} كما: أي جاء أن تسجد بدون (لا) في موضع آخر من القرآن، وشذت زيادتها مع المضاف، وبعد مِنْ والباء واللام، وتجيء (لا) أيضًا للعطف لكن المصنف لم يذكرها، إما بناءً على أنها داخلة في النّافية أو لقلة استعمالها. -ما يأتي على أربعة أوجه- النوع الرابع: ما يأتي على أربعة أوجه، وهو أربعة. الضمير عائد إلى ما، فتذكيره بحسب الظاهر. لولا أحدها: أي ما جاء على أربعة أوجه، فتأنيث الضمر باعتبار كون (ما) عبارة عن الكلمة. لولا.

اعلم أن لولا مركبة من (لو) و (لا)، ولو قيل: والتركيب يمتنع بها الشيء لامتناع غيره، ولا للنفي الامتناعُ نفي في المعنى، والنفي إذا دخل على النفي صار إيجابًا فمن هنا صار معنى لولا هذه يمتنع بها الشيء لوجود غيره، كما في: لولا علي لهلك عمرو، وليست هذه هي التي للتخصيص لاختلاف معنى البابين، لأنها إذا كانت للتخصيص، تكون لارتباط الجملتين على معنى أن الثانية، امتنع مضمونها [لحصول] مضمون الأوّل. فيقال فيها هي أي في لولا تارة حرف يقتضي، الجملة الفعلية: صفةُ حرفٍ امتنع جوابه لوجود شرطه، الضميران راجع إلى الحرف من غير تأويل. هذا موافق لما وُجد في أكثر كتب النحو، وأمّا ما ذكر في "التسهيل": امتناع جوابه لوجوب شرطه، فيكون مقابلًا لـ (لولا) الامتناعية بخلاف الأول، فإنه يعم. وتختص لولا هذه بالجملة الاسمية المحذوفة الخبر, هذا الاختصاص، وكونها محذوفة الخبر على رأي من يقول: إن الاسم الواقع بعد لولا مرفوع بالابتداء كما مذهب البصريين. وأما على [قول من] قال: إنه مرفوع بنفس لولا، وهو مذهب الفراء. وفاعل فعل محذوف كما قال الكسائي، فليس كما ذكرنا، لأنها على كلا القولين لا تدخل على المبتدأ غالبًا، أي أكثريًا. هذا قيد لكونها محذوفة الخبر لا لتخصيصها بالجملة الاسمية، لأن دخولها على الجملة الاسمية واجب عند البصريين. وظاهر هذا القول يدل على أن مختار المصنف مذهب الرماني، والشجري، والشلويين، لأن عندهم لم يجب حذف الخبر مطلقًا، بل يجوز إظهاره إذا كان الخبر خاصًا، لأن سبب امتناع الثاني إن كان وجودًا للأول فحسب، فالحذف لازم، وإن كان أمرًا خاصًا صفة للأوّل زائدة على وجوده،

فلابد من إثبات الخبر نحو: لولا زيد يدفع عدوّه لأهلكه، بخلاف سائر النحاة. فإن خبر لولا عندهم يحذف مطلقا لدلالتها على الخبر مع قيام جوابها موضعه، ولو ظهر ليُؤوِّل بأن يجعل الأمر الخاص حالًا, وعامله الخبر المحذوف، أي لولا زيد موجود دافعًا عدوه لأهلكه. والحق أن نظرًا للأول أدق, لأن هذا التقدير زائدة على قدر الضرورة، و [لمجيء] ما يتعين أن يكون خبرًا بعد لولا، كقوله -عليه السلام-: "لولا قومك حديث عهدهم، لأسست البيتَ على قواعد إبراهيم". وقال أبو البقاء: هذا أي كون الخبر محذوفا إذا لم تقع بعدها إن، فإن وقعت أظهر الخبر لليس كما في قوله تعالى: {فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ}. نعم لو قيل: مراد المصنف من قوله: غالبًا، أن يقال: عند الأكثر لكان مذهبه مذهب الجمهور، كان غالبًا قيدًا لـ (الكلّ) لكن لا يكون حق العبارة هكذا فليتأمّل. نحو: لولا زيد لأكرمتك. يعني وجود زيد يمنع إكرامي منك، فلولا هذه تحتاج إلى جواب بـ اللام، ولا يجوز حذفها من جوابها، لكن قد تُحذف مع الجواب، وإنّما لزم دخولها في جوابها لأنها غير عاملة بمنزلة (لو) فدخلت تأ كيدًا للربط. وتارة حرف تحضيض أي: تحريض، يقال: حضه أي: حرّضه كذا في الجوهري. وعرض، بعد أحد الوجوه الأربعة، وإنَّما لم يقل تارة كما في السابق واللاحق إما لاشتراكهما في الاختصاص بالمستقبل أو للإشعار إلى قلة كونها للعرض. أي طلب بإزعاج أي: بعنف أو طلب برفق، وهذا ضدّ العنف، يقال: رَفُقَ بضمّ العين يرفَقُ بفتحها، وحكى أبو زيد: رفقته، وأرفقته بمعنى كذا في "الصحاح".

قوله: أي طلب بإزعاج، تفسير لـ (لولا) التحضيضية. وقوله: أو برفق، تفسير لـ (لولا) التي للعرض. فإذا علمتَ ما [تلونا عليك] عرفت أن قوله: وعرض ليس عطف تفسيرٍ لتحضيض بل بيان أحد أوجهها كما قلنا. فلولا هذه إذا دخلت على المستقبل يكون للتحضيض, وإذا دخلت على الماضي ولا تكون للتَّنديم والتوبيخ بل للعرض، فيكون الماضي في حكم الاستقبال. نصّ عليه الشيخ الرضي. وقال بعض النحاة: إذا لم يكن في الماضي للتوبيخ، يكون للاستفهام أو للتحضيض أو للعرض، لكن الأكثر على ما قاله الشيخ الرضي. فتختص. يقال خُصّت بالشيء خَصُوصًا وخَصُوصية، بفتح الخاء المعجمة والضم، لكن الأول أفصح، أي تختص لولا التي للتحضيض والعرض بالمضارع إذا كانت للتحضيض، أو ما هو في تأويل المضارع إذا كانت للعرض. نحو {لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ}، مثال التحضيض. و: {لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ} [مثال] للعرض، فتمَّ اللفُّ والنشرُ على الترتيب الذي وجهنا، فلو لم يكن مراد المصنف على ما قلنا لكان مخالفًا لجمهور النحاة وأهل المعاني ولَشوش الأمرَ في عدها مما جاء على أربعة أوجه، وجوّز بعض النحاة دخولَ لولا هذه الجملةَ الأسميةَ نحو: لولا زيد قائم. وتارة حرف توبيخ أي: تهديد، فتختص بالماضي لفظًا ومعنى نحو {فَلَوْلَا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ قُرْبَانًا آلِهَةً} أي: هلا منعهم من الهلاك آلهتهم الذين يتقرّبون بهم إلى الله حيث قالوا: شفعاءَنا عند الله, وقيل: الإبهام لتحقير المقول، ويرشدك إليه أحد

قوله في صدد الردّ. وقال الهروي: قد يكون للاستفهام. نحو {لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ}. أي: هلا أخرتني. و {لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ}. أي: هلا أنزل إليك ملك كما رأي أكثر المفسرين. قال الهَرَوي بفتح الهاء والراء المهملة: والظاهر: الواو إما زائدة لتأكيد اللصوق بين القول ومقوله، أو ابتدائية! أنّها في الأول أي في: {لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ} للعرض، وفي الثاني أي في: {لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ} للتحضيض. فـ (لولا) لا تكون للاستفهام عنده. وزاد الهروي معنىً آخر، وهو أن تكون نافية بمعنى لم. هذا التعبير موافق لما وقع في "التسهيل" حيث قال: وقد يلي الفعل (لولا) غيرُ مفهمة تحضيضًا فَتُؤول بلو لم. انتهى وما وقع في "الارتشاف" وقد تكون (لولا) نافية بمعنى (ما). قال شارح "الألفية": فـ (لولا) هذه ليست بمركبة بل (لو) على حالها، و (لا) نافية للماضي. وجعل الهروي منه كونها نافية {فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ} وجملة {فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ} مفعول لجعل. وقوله: أي لم يكن قرية آمنت. تفسير لكونها بمعنى النفي، قوله: والظاهر أن المراد فهلا ردٌّ لما قال الهروي، وهو أي: كونها بمعنى هلا قول الأخفش

إن

والكسائي والفراء، ويؤيّده أي كونها في هذه الآية بمعنى هلا قراءة أُبيّ وعبد الله بن مسعود لأن القراءة يُسْتَدَلُّ ببعضها على بعض كالروايات. فهلا في محل النصب على أنه مفعول للقراءة. ويلزم من ذلك، أي من كونها بمعنى هلا معنى النَّفي الذي ذكره الهروي، فيكون على بابها من التوبيخ لا خارجة عنها، واستدل على صحة مدّعاه بقوله: لأن اقتران التوبيخ بالفعل الماضي يُشعر بانتفاء وقوعه، أي وقوع الفعل فلا يكون النفي موضوعًا لها، بل لازمًا للتوبيخ. إنْ قوله الثانية: مبتدأ، وإنْ في محل الرفع خبره، والمكسورة بالرفع صفتها والمخففة صفة بعد صفة لها، فيقال فيها: شرطية للاستقبال سواء دخلت على الماضي نحو: إنْ أكرمتني أكرمتك، يعني: إن وقع إكرامي منك في الاستقبال، وقع مني إكرامك فيه. فلهذا قال أكثر النحاة: إن أردت إبقاء معنى الماضي جعلت فعل الشرط لفظ كان أو على المستقبل نحو {إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ} بالجزم جزاء الشرط. وحكمها أن تجزمَ الفعلين، فعل الشرط والجواب، وهذا القول يشعر إلى تمهيد المقدمتين. أحدهما أنَّ حقّ الشرط والجزاء أن يكونا فعلا، وإن جاز كون الجزاء مبتدأ وخبرًا. والثاني: أن يكونا مجزومين، وإن جاز الرفع إذا كان الجزاء مضارعًا عند كون الشرط ماضيا. اعلم أنّ الجزاء إذا كان مضارعًا أو في تأويل، لا تدخل عليه الفاء، وأما إذا كان

أمرًا أو نهيًا أو ماضيًا صريحًا أو مبتدأ أو خبرًا، فلابد من الفاء، وقد يحذف في الشذوذ وإنّ (إنْ) هذه تستعمل في مشكوكِ الكونِ، وكذلك قبيح: إن احْمَرَّ البُسْرُ وأمّا إذا كان محقَّق الوقوع، غير معلوم الوقت، فيحسن استعمالها نحو: إن مات فلان. ونافيةٌ بالرفع عطف على (شرطية)، فتدخل على الجملة الاسمية: [نحو] إن زيد قائم. والفعلية سواء كان الفعل مضارعًا نحو: إن يقم زيد، أو ماضيًا نحو قوله: {إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى} وقوله: من قال لا تكون إن نافية [إلَّا أن] يكون بعدها (إلا) فمردود. ويدل عليه بقول المصنف نحو: {إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بِهَذَا} أي: ما عندكم، فـ (إن) داخلة على الجملة [الفعلية عند من قدر الفعل في الظرف، وعلى الجملة] الاسمية عند من قدّر المفرد، وأهل العالية يعملونها عمل ليس. قال في "المفصل": (إنْ النافية لا تعمل عمل ليس عند سيبويه، وأجازه المبرد) ونُقل عن "التسهيل" عكس ذلك نحو قول بعضهم: إن أحد خيرًا من أحد إلَّا بالعافية، فأحد بالرفع: اسم إِنْ، وخيرًا بالنصب خبرها، هذا عند البعض. وأمّا عند أكثر النُّحاة، أحد: مرفوع بالابتدائية، وخير بالرفع: خبره، وإن داخلة على الجملة الاسمية. وقد اجتمعا، أي: الشرط والنافية في قوله تعالى: {وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ}.

فإنْ في (ولئن) للشرط، واللام لتوطئة القسم (لفظًا وتقديرًا، ولام توطئة القُسم) هي التي تدخل على الشرط بعد تقدّم القسم لفظًا أو تقديرًا تؤذن أن الجواب للقسم لا للشرط، وليست جواب القُسم، وإنما الجواب، ما يأتي بعد الشرط فإن قوله تعالى: {وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا} للنفي، والجملة المنفية تَسد مَسد الجوابين، أعني جواب الشرط [والقسم لكن حكم القسمِ غالب على الشرط فيكون جواب القسم. لفظًا وجواب الشرط] معنى، كذا في "شرح المفصل". ومن في أحد زائدة في غير الموجب، وأحد: فاعل أمسك. ومخففة من الثقيلة في نحو: {وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ}. اللام الأولى لتوطئة القسم، والثاني للتأكيد، أو بالعكس. و (ما) زيدت بينهما للفصل على قراءة من خَفَّف (لما) في قراءة من خفف النون في إن، وهو ابن كثير ونافع، ولم يتعرض إلى التخفيف (لما) في هذه الآية لأن كُلًا منصوب، فعلم منه أن (إن) مخففة من الثقيلة، فعلى القراءتين لا يحتاج إلى الاستدلال باللام الفاصلة. ويقال: إعمالها إعمال إنّ المشددة، (أي كإعمال إن المثقلة) في نصب الاسم ورفع الخبر كهذه القراءة، أي: قراءة التخفيف مع إعمالها، ومنعه الكوفيون. لكنه مسموع عن العرب حكاه سيبويه والأخفش. ومن إهمالها نحو {إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ} على قراءة من خفف (لما).

فإن لفظة كلُّ بضم، فيحتاج إلى الفارق، فعلى قراءة التخفيف تكون اللام فاصلة و (ما) مزيدة. وأمّا [مَن] شدد (لما) فهي، أي: إنْ، عند، أي: عند من شدّد، وهو: ابن عامر وحمزة وعاصم. نافية، لأن لما المشددة التي بمعنى إلَّا تكون بعد النفي. اعلم أنّ (إنْ) المخففة تُفَرّق من غيرها بدخول اللام [في خبرها] ويلزم تلك اللام عند ابن الحاجب، مع الإهمال للفرق، ومع الإعمال للطرد، وعند ابن مالك منع الالتباس. حيث لم يظهر الإعراب في أسمائها لكونها مبنيًا أو مُعْرَبًا بإعراب تقديري، وإنّ (إنْ) الشرطية لا تحتاج إلى اللام نحو: إن زيد لقائم، هذا عند البصريين. وبعض الكوفيين يقولون: إنَّ (إنْ) في مثل هذا المثال نافية، واللام بعدها بمعنى إلَّا فمعناه: إن زيد لقائم، ما زيد إلَّا قائم، وإن (إنْ) النافية يفرق بإلا التي للاستثناء، أو بـ (لما) المشددة التي بمعنى (إلا)، فإن لم توجد هذه الشروط يفرق بقرينة المقام. وزائدة بعد (ما) المصدرية نحو: ما إن جلس القاضي، وبعد لما نحو: لمّا إن قام زيد قمت قليلًا، وألا الاستفتاحية، وما الكافة كثيرًا في نحو: ما إن زيد قائم. فما نافية، وإن زائدة لتأكيد النفي. وكافة لـ (ما) الحجازية عن العمل، وذهب بعض الكوفيين إلى جواز النصب، وحكى يعقوب ذلك، ولما كانت (ما) زائدة في بعض المواضع، و (إنْ) كذلك أراد أن يبين قاعدة ليُعلم أنهما إذا اجتمعتا أيها زائدة فقال: وحيث اجتمعت (ما) و (إن) فإن تقدمت (ما) على (إن) فهي أي: الـ (ما) المكفوفة نافية، وان زائدة وكافة، هذا عند أكثر النُّحاة، وأما عند رأي الأخفش: (إنْ) تأكيد لفظي ترادف لـ (ما) النافية تحاميًا عن شائبة [التكرار] نصّ عليه في بعض حواشي "تفسير القاضي" ونقل العلامة هذا القول عن الفراء.

أن

وإن تقدّمت (إن) على (ما) فهي شرطية، أي: شرطية، وما زائدة مؤكدّة نحو: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً} أصله: إن ما، فإنْ حرف شرط، وما زائدة للتأكيد، أدغمت النون في الميم بعد قلبها ميما، ثم فُتِحت لدفع الالتباس بـ (إمّا) العاطفة مكسورة في المشهور، إن حُكِيَ عن قُطرب فتح همزتها، فصار إمّا. وكذا عُدت زائدة في مثل: إنما زيد قائم، لكن الأوْلى أن [لا] تحكم بزيادتها. وتزاد أيضًا بعد إذا ومتى وأنى وأين وكيفما وإذما. إلَّا على قول من قال باسميتها، وبعد بعض حروف الجارة، وهي [الباء] من وعن والكاف، ويجوز زيادتها بعد لام التعليل ولام الفاصلة، وبين غير ومثل ومضافهما بالندرة. وتزاد لتأكيد النكرة في شياعها كقولك: جئتُ لأمر ما. أنْ والثالثة: أن المفتوحة الخفيفة، وهي بفتح الهمزة وسكون النون، ثنائي الوضع فيقال فيها: حرف مصدري يؤول مع مدخولها بالمصدر، فلهذا وقعت مبتدأً وخبرًا تنصب المضارع، وتخلصه للاستقبال، مثلًا إذا قلت: أنْ تأتِني خيرٌ لك، لم تقصد إلا إتيانًا يقع في زمان الاستقبال. نصّ عليه الشيخ عبد القاهر الجرجاني في "شرح المائة". في نحو: {يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ} وبعض العرب يرفع الفعلَ بعدها. فلهذا رُوي عن مجاهد رفع

(يتمُّ) في قوله تعالى: {أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ}. اعلم أنّ (أنْ) المصدرية تدخل على الجملة الفعلية، فتجعلها في تأويل المصدر، سواء كان الفعل مضارعًا أو ماضيًا، فلهذا ذكر المصنف مثالين. ونحو: أعجبني أنْ صُمْتَ، أي: صيامُكَ. وزائدة في نحو: {فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ}. قال الجوهري: أنْ هنا مفسرة، وكذا حيث وقعت بعد لمَا، فإنها تُحذف كثيرًا بعد لمْا، وبين (لو) والقسم نحو: والله أنْ لو قام زيد قمت، وقليلًا مع الكاف [نحو]: كأن ظبية تَعْطُو إلَى الناضر السَّلَمْ [الطويل]. على تقدير رواية الجر في ظبية، وأنْ هذه لا تعمل عند الجمهور خلافًا للأخفش. واستدل بالسماع كقوله {وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ}. وبالقياس على حروف الجر، ولا حجة في ذلك لكونها في الآية مصدرية، ولكون الفرق بينها وبين حرف الجر، أنّ اختصاصه باقٍ مع الزيادة بخلاف أنْ، فإنها قد وليها الاسم. ومفسرة في نحو: {فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ} , فجملة: أنِ اصْنَع الفُلكَ: تفسير الوحي، وكذا حيث وقعت بعد جملة فيها معنى القول دون حرفه، أي غير حرف القول فأن المفسرة لا تقع بعد القول إلَّا إذا كان مؤولا.

دان يَدُون دُونًا بالضم: صار خسيسًا، وبالفتح مجتمع الصحف والكتاب الذي يكتب بها أهل الجيش، والجمع دواوين، والدون بالضم: نقيض فوق فيكون ظرفًا، وبمعنى أمام ووراء وفوق ضد تحت، وبمعنى غير، وتدخل على دون: مِن والباء قليلًا، كذا في القاموس. قال مولانا سعد الدين في "شرح التلخيص": دون في الأصل: أدنى مكانًا من الشيء. يقال: هذا دون ذلك إذا كان أحط منه قليلًا، ثم استعير للتفاوت في الأحوال والترتيب مثل: زيد دون عمرو في الشّرف. ثم اتبع فيه ما استعمل في كل تجاوز حد إلى حد, وتخطي حكم إلى حكم. وقوله في الأصل: ناضر إلى كونها نقيض فوق. ولم يقترن عطف على وقعت بخافض، وإنما قيد بِهِ لأنها إذا قرنت خرجت من كونها مفسرة ستعرف، وليس منها. أي: وليس من (أنْ) التفسيرية في قوله تعالى: {آخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} لأن المتقدّم عليها، أي على أنْ، غير جملة، لأنه مبتدأ لا خبر معه، فتكون أنْ مخفّفة من الثقيلة، واسمها محذوف، وهو ضمير الشأن، إذ لا يجوز أن تكون مصدرية، لأنها لا تدخل على الجملة الاسمية. قال أبو سعيد السيرافي: إن التي تكون مفسرة تحتاج إلى ثلاثة أشياء: أولها: أن يكون في الفعل الذي تفسره معنى القول، وليس بقول. والثاني: أنّه لا يتصل به شيء من صلة الفعل الذي تفسره لأنه إذا اتّصل بـ شيء من صلة الفعل صار من جملة، ولم يكن تفسيرًا له.

والثالث: أن يكون ما قبلها كلامًا تامًّا، وما بعدها جملة تُفَسر جملة ما قبلها. ولا نحو: كتبتُ إليه بأنِ افعل كذا؛ أي لا تكون أنْ مفسرة، لدخول الخافض عليها، فيكون من جملة صلة الفعل، فلا يكون تفسيرًا له، فإن أمّا مخففة من أن، واسمها محذوف وهو ضمير الشأن، أو مصدرية، وعلى التقديرين تكون الباء متعلقًا بكتبت، فيكون مدخوله مفعولًا غير صريح له. وقول بعض العلماء في: {مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ}. فـ (قول): مبتدأ، ومفعول جملة (أنها مفسرة)، أي في أنِ اعبُدُوا الله مفسرة، وخبره إنْ حُمِل على أنها مفسرة لأمرتني دون قلت مُنِعَ: مبني للمفعول جزاء الشرط. منه الضمير راجع إلى مصدر فعل الشرط، أي من هذا الحمل لأنه لا يصح. يقلل المنع: أن يكون أن اعبدوا الله ربي وربكم مقولا، خبر كان، لله تعالى، لأن الأمر مسند إليه، فلا يصح أن يقول: أنِ اعبدُوا الله ربي وربكم وهو ظاهر. أو على أنّها مفسرة لقلت أي: وإن حمل على أنها مفسرة لقلت فجملة. فحروف القول جزاء الشرط، وإنَّما دخل عليه الفاء لكونه جملة اسمية، تأباه لما عرفت أنّ أنْ لا تكون مفسرة بعد القول، على أنه يجوز أن يحكى القول من غير أن يتوسط بينهما حرف التفسير، بأن يقول: ما قلتُ إلا اعبدوا الله ربي وربكم، وإنما قال: تأباه إشارة إلى أنه يجوز بالتأويل، وجوزه أي جوز كونها مفسِّرة الزمخشري إن أوّل قلت بأمرت. فكان المعنى: ما أمرت لهم إلَّا ما أمرتني به أن اعبدوا الله فتكون أن مفسرة لعدم وقوعها في الحقيقة بعد القول؟ وجوّز مصدريتها، أي جوز الزمخشري في هذه الآية كونها:

حرفًا مصدريًا، على أن المصدرية وهي العبادة التي هي حاصلة، أن اعبدوا الله: عطف بيان للهاء في به لا بدل لأنّ تقدير إسقاط الضمر يجعله مبدلًا منه يخلي الصلة، وهي جملة أمرتني، من ضمير، لأنّ المُبْدَل منه في حكم السقوط لأنّه غير مقصود، وذلك لا يجوز. والصواب العكس، أي عكس ما قال الزمخشري، وهو تصوير البدليه وتضعيف البيانية، لأن البيان كالصفة فلا يتبع الضمير. هذا اختيار ابن مالك، لكن الحق أن الضمير الغائب غير ضمير الشأن يُعطف عليه بيان, نصّ عليه شارح اللبّ. والعائد المقدر (يجوز حذفه)، هذا جواب عما قال الزمخشري، وهي إخلاء الصلة عن الضمير. موجود لا معدوم، فلا يلزم بقاء الصلة بلا ضمير، ولهذا جوّز البيضاوي الوجهين حيث قال: أنِ اعبد الله: عطف بيان للضمير في به، أو بدل منه انتهى وفي تفسير المصنف قصور لا يخفى على ذي مُسْكة، لأنّ النحاة فسّروا المحذوف بقولهم: هو الذي يقدره وجوده، بل الوجه أن يقال: ليس المراد من كون المبدل منه مقصودًا إهداره وإخراجه بالكلية، بل إيذان منهم باستقلال البدل بنفسه فلا يكون في حكم السقوط حتى يلزم إخلاء الصلة عن الضمير. ولا يصحّ أن تبدل أن مع ما يتصل به إذا كانت مصدرية من (ما) في أمرتني لأن العبادة التي هي حاصل أن اعبدوا الله. لا يعمل فيها فعل القول، لأن معمول القول لا يكون إلَّا جملة، وإضافة الفعل إلى القول بيانية يدل عليه قوله: وهو قلت.

هذا على رأي مَنْ قال: إن العامل في البدل هو العامل في المبدل منه لا غير، وأمّا على من جوز في عامل البدل كونه من جنس عامل المبدل منه، فلا محذور لجواز أن يكون العامل في العبادة هو أمر الذّي من جنس القول. نعم إعلام المقدر، وتصديق لما في النفس، وهو هل يجوز كونها بدلًا فصدّقه قال: نعم يجوز، إن أوَّلَ قلْت بأمرتُ لزوال المحذور وهو أنْ العبادة لا تصحّ أن تكون معمولًا للقول. ولا يمتنع في: {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي} أن تكون مفسرة، وجملة أن يكون مفسرة، فاعل يمنع. مثلها، أي مثل هذه الآية أن تكون أن مفسرة، فمثل مبتدأ، وخبره: في {فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ} وإنما أوردها مع أن الكلام تقدم فيها إعلامًا على أن المانع يمنعُ كونها مفسرة في هذه الآية أيضًا، فقال: خلافًا لمن منع ذلك، أي كونها مفسرة. والمانع هو الرّازي حيث قال: فالوحي هنا الإلهام بالاتفاق، وليس في الإلهام معنى القول، وإنما هي مصدرية [وذكر أبو البقاء أنها مصدرية] في الآيتين وتعليل مدعاه، وهو أن تكون أن مفسرة في الآيتين بقوله: لأن الإلهام في معنى القول إشعار بأن إنكاره في مثابة إنكاره البديهي، لأن المشاجرة بين الخصمين لا تكون إلَّا في كون الإلهام بمعنى القول. ومخفّفة من الثقيلة.

اعلم أنَّ (أنْ) تعمل في ضمير الشأن المقدر على سبيل الوجوب، وشذّ في غيره، وإن حكى بعض أهل اللغة في الضمير سعة مطلقًا، وجوّز بعض شيوخ المغاربة إعمالها من المُظْهَرِ مطلقا من غير ضعف، وبعضهم في الشعر على ضعف ضرورةً. وعند سيبويه يجوز أن يكون ملغى لفظًا أو تقديرا، فتكون حرفًا مصدريا لا تعمل بشيء. في نحو: {عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ}، فأنْ هنا مخففة، واسمها ضمير الشأن محذوفًا، وإنما قلنا مخففة لأنها للتحقيق، فيناسب العلم، بخلاف (أنْ) المصدرية فإنّها للطّمع والرّجاء، ومن هنا يُعلم أن (أنْ) كلّما وقعت بعد العِلْمِ تكون مخففة، وبعد الظن يحتمل الوجهين، ولهذا قيدَ {وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ} بقوله في قراءة الرفع, لأن الحسبان يجوز أن يكون بمعنى العلم، فتكون أنْ مخففة، وبمعنى الشك والظن، فتكون مصدريه. وكذا أي: تكون أن مخففة كما في علم أن سيكون، حيث وقعت بعد علم أو ظن نزل منزلة العلم. والحاصل أنَّ (أنْ) إذا وقعت بعد ظن تستعمل في معنى العلم تكون مخففة جزمًا وإذا وقعت بعد ظن تستعمل في معناه الحقيقي. يجوز الوجهان لأن الظن باعتبار [رجحان الفعل شابه العلم وباعتبار] احتمال النقيض كان مخالفا للعلم. فالحق: سائر الأفعال التي تقع بعدها مصدرية.

اعلم أن (أنْ) المخففة تدخل على الجمل الاسمية نحو: أنْ هَالِك كُلُّ مَنْ يَحْفَى [ويَنتعِلُ] [البسيط] وعلى الجملة الفعلية الشرطية كقوله تعالى: {وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا}. وعلى الفعل غير المتصرف نحو: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى}. ولا يحتاج إلى الفارق لأنّ (أنْ) المصدرية لا تدخل عليها، وتدخل على الفعل المتصرف، فيلزمها [السين] نحو: {عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ} أو سوف كقول الشاعر: واعْلَمْ -فَعِلْمُ المرءِ يَنْفَعُهُ- ... أنْ سوفَ يَأتي كل ما قُدِرا [السريع] أو قد نحو: {لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ} ولزوم هذه الأمور الثلاثة للفرق بين المخففة والمصدرية، وليكون عوضًا من النون المحذوفة. أو حرف النفي نحو: {أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ}. وليس لزوم حرف النفي إلَّا ليكون عوضًا عن النون، فإنَّه لا يجيء لمجرّد الفرق، لأنّه يجتمع مع كل واحد منهما فالفارق بينهما إمّا [من] حيث المعنى، لأنّه عنى به الاستقبال، فهي المخففة، وإلا فهي المصدرية، وإما من حيث اللَّفظُ، لأنَّه إن كان الفعل المنفي منصوبًا فهي المصدرية، وإلا فهي المخففة.

من

كذا ذُكر في بعض شروح الكافية لكنّ الحق عندي أن يكون الفرق بمعونة المقام، لأن ما ذكره من الفرق المعنوي ليس بفرق لما عرفت فيما سبق، أنَّ (أنْ) المصدرية إذا دخلت على المضارع تخلصه للاستقبال. وكذا الفرق اللفظي، لأن الإعجام يترك كثيرًا، والسماع غير ممكن في الجميع. "مَنْ" والرابعة (مَنْ) فتكون شرطية تجزم الفعلين، في نحو {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} مَنْ: حرف شرط، فيعمل: فعل الشرط، ويُجْزَ بِهِ: جزاء الشرط، وهما مجزومان بِمَنْ. اعلم أن (مَنْ) في المجازاة لا تكون إلا مبتدأً غير واقع عليها العامل، إلَّا أن يكون العامل حرف جر في صلة حرف الشرط، أو اسمًا مضافًا قد عمل فيه حرف الشرط، أو مبتدأ مضافًا، فإن وقع عليها العامل قبلها من غير ما ذكرنا، بطلت المجازاة، وصارت بمعنى الذي. وتكون موصولة، وهي اسم بالاتفاق، وتختص بأولي العلم غالبًا، وقد تستعمل في غيره كما في قوله تعالى: {فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ}، فيكون بلفظ واحد في المفرد والمثنى والمجموع والمذكر والمؤنث، وذِكْرُ لفظه, والحمل عليه كثير، وقد يُحمل على المعنى. في نحو {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ} فَمَنْ: موصول، والجملة الفعلية وهي: (يقول) صلة، والعائد الضمير المستتر.

وتكون استفهامية، فيطلب بها العارض المشخص لذي العلم هذا هو المشهور، وقال صاحب "المفتاح" للسؤال عن الجنس مَن، أي ذوى العلم في نحو: {مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا}؟ ومَنْ هنا استفهامية على تقدير قراءة (بَعَثَنَا) فعلا، وأمّا إذا قرئ مصدرًا فتكون (مِنْ) جارّة. ونكرة موصوفة بصفة تليها في نحو: مررت بِمَن مُعجِب لك، فمن موصوفة، ومعجب بالكسر: صفتها، ويجوز رفعه على تقدير: هو معجب، والجملة صفة من و (لك): متعلّق بمعجب أو بإنسان تفسيرٌ بمن الذي بني عن الإنسان ولما كانت مَنْ نكرة فسرت بالنكرة، وأجاز أبو علي الفارسي والفراء؛ أن تقع نكرة تامة، أي لا تحتاج إلى صلة قيد، فسره بكونها نكرة لأن (مَنْ) التامة معرفة إلَّا في فعل التعجب، فإنها نكرة فيه، وأمّا (مَنْ) التامة فمعرفة وحمل أبو علي عليه، أي على كونها نكرة تامهّ قوله، أي: قول الشاعر: ونِعْمَ مَن هُوَ في سرٍّ وإعْلَان [البسيط] فَمَنْ فاعل نعم، وهو مخصوص له، أي نعم شخصًا هو. هذا التفسير على رأي أبي علي، وأما عند سيبويه تقديره: نعم الشخص شخصًا هو, وإنّما فسرنا بذلك لأنَّ فاعل نِعْمَ إمّا معرف بلام العهد أو الجنس، على اختلاف القولين أو

ما يأتي على خمسة أوجه

مضاف إلى المعرف، أو المضاف إليه مُظهرًا أو مُضمرًا، مُميزًا بنكرة معنوية، فلما كانت مَنْ نكرة لا يصلح الفاعل مميزا له، وهو الشخص. والمصنف لم يتعرض إلي قول أبي علي بالرد، وهو دليل [قبوله فشوّش] عدها مما جاء على أربعة أوجه. اللهم إلا أن يجعل كونها نكرة أعم من كونها تامة كما هو عند أبي علي الفارسي. أو موصوفة كما هو عند الكل، وإن كان استعمالها مغايرًا. -ما يأتي على خمسة أوجه- النوع الخامس: ما يأتي على خمسة أوجه وهو: الضمير (إمّا عائد) إلى ما أو إلى النوع [وهو] شيئان أحدهما أي: أحد الشيئين. "أيٌّ" أي وهي تستعمل لذي العقل وغيره، فتقع، الفاء: تفسيريه، أو لربط الجزاء كما مر غير مرة. شرطية بالنصب [مفعول] يقع نحو: {أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ} فأي: اسم شرط منصوب بقضيت. وما زائدة مؤكدة، وقيل: نكرة، والأجلين: بدل منها، وفلا عدوان: جوابها. واستفهامية: عطف على شرطية، أي فتقع استفهامية نحو {أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا} فأي: مبتدأ مضاف إلى الضمير، وزادته: خبره، ويجوز أن تكون بالنصب على شرطية التفسير.

وزاد قد يجيء لازمًا، يقال: زاد الشيءُ. وقد يتعدّى إلى مفعولين كما في هذه الآية، فالضمير المتصل: مفعوله الأول، وهذه: فاعله. وإيمانًا: مفعوله الثاني. وموصولة خلافًا لثعلب، فإن في زعمه لا تكون (أي) موصولة، وقال بعض النُّحاة، وهو أحمد بن يحيى: إنها لا تستعمل إلا شرطًا واستفهامًا، وهما محجوج عليهما لثبوتها في لسان العرب نحو {ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ} فأي: موصول مبني على الضم لكون صدر صلتها محذوفًا. والمصنف أشار إليه وفسَّر بقوله: أي الذي هو أشَدَّ. وقرأه طلحة بن مُصرف ومعاذ بن مسلم الهراء, وهو أستاذ الفرّاء بالنصب. قاله سيبويه أي: قال سيبويه: كونها موصولة ومبنية على الضم، ومن تابعه من النحويين قال: عطف على (ما) من رأي أنّ الموصول لا يبنى وهو الخليل والكوفيون هي (أيّ) هاهنا استفهامية مبتدأ، وأشدّ خبره، فتكون عندهم حركتها إعرابية، فقالوا: إنَّ (أيّ) في الآية استفهامية مبتدأ وخبره أشد، ومن كل شيعة مفعول لننزعن والجملة محكية على أنها صفة (شيعة) على إضمار القول، أي: كل شيعة مقول في حقهم: أيُّهم أشدّ. وضعّفه سيبويه حيث قال: لو جاز اضرب أيهم أفضل على الحكاية بإضمار القول، كما أجازه الخليل لجاز اضرب الفاسق الخبيث، وعلى معنى اضرب الذي يقال له: الفاسق الخبيث.

ودالّة: عطف على شرطية أو على معطوفها على اختلاف القولين. على معنى الكمال، وهي من جملة وجوهها هاهنا. فتقع، الفاء: لربط الجزاء إلى الشرط المحذوف: تقديره: إذا وقعت دابة فتقع صفة لنكرة المذكورة غالبًا نحو: هذا رجل أي رجل، فرجل نكرة موصوفة بـ (أي). اعلم أن (أيَّ) إن أضيفت إلى مشتق من صفة يمكن المدح بها، كانت للمدح بالوصف الذي اشتق منه الاسم الذي أضيفت إليه, كما إذا قلت: مررت بعالم أي عالم، فقد أثنيت عليه بالعالمية، إن أضيفت إلى غير المشتق فهي للثناء عليه بكل وصف يمكن أن يثنى عليه، ففي مثال المصنف أثنيت عليه ثناءً عامًّا بكل ما يمدح الرجل به، أي: هذا رجل كامل في صفات الرِّجال. وحالا: عطف على صفة لمعرفةٍ لأن صاحب الحال لا يكون إلَّا معرفةً ولهذا تعين أن يكون في الأول صفةً، وفي الثاني حالًا. كمررت بعبد الله أي رجل، أي حال كونه كاملا في صفات الرجال, وهذا ليس قسمًا مستقلا. بل عائد إلى معنى الكمال، والمصنف لم يفسره كما فسّره فيما قبله اكتفاءً به، وإلَّا لَشوشَ كلامُ المصنف في عدها على ما جاء على خمسة أوجه، وسائر النحاة لم يذكر كونها دالة على معنى الكمال، بل قصروا على الوجوه الأربعة بناءً على أنه مندرج في الاستفهام. ووُصلةً بالنصب: عطف على قوله: دالة وشرطية، على اختلاف القولين إلى نداء ما فيه أل، وظاهر هذا التعبير يُشعر أن مذهبه كمذهب الخليل في حرف التعريف، وهو أنه ثنائي, [وهمزة الله] همزة قطع وُصلِت لكثرة استعماله.

لو

قال شارح الألفية: ولا يحسُنُ على هذا المذهب إلَّا التعبير بـ أل نحو: {يَاأَيُّهَا الْإِنْسَانُ}. فأيّ: اسم مفردٌ مبهم معرف بالنداء مبني على الضم. وها: حرف تنبيه عوض مما كانت (أيُّ) تضاف إليه. والإنسانُ بالرفع: صفة أي. فعبارة المصنف تُؤذن أن أيّ لا تكون موصوفة إلا في حالة النداء، كما ذكر أكثر النحويين. وللأخفش فيه خلاف، فإنه أجاز كونها موصوفة مطلقًا كما: مررت بأيٍّ معجب لك نصّ عليه في شرح الرضي. واعلم أنَّ (أيا) هي لازمة الإضافة، فإذا كانت موصولة تضاف إلى المعرفة، وإن جوّز بعضهم إضافتها إلى النكرة، وإذا كانت دالة على الكمال تضاف [إلى النكرة] وإذا كانت شرطية أو استفهامية جازت إضافتها إلى المعرفة والنكرة. كذا في شرح الألفية. واعلم أيضًا أن (أيا) معربة في الاستفهام والجزاء، ومبنية في الصفة، ومنقسمة في الصلة. وإن كانت صلتها تامة فالإعراب، وإن كانت محذوفةَ الصدرِ فالبناء أفصح. وقد مر بعض البحث المتعلق بأي في المسألة الثانية في قوله تعالى: {لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى. . .}، فليعد إليه ثانيًا. "لو" الثانية: لو [لها وجوه خمسة] آثر التذكير في الأول، والتأنيث في الثاني، مع جواز التذكير والتأنيث في الحرف إشعارًا إلى اسمية الأول وحرفية الثاني. وأحد أوجهها أن يكون حرف شرط في الماضي. سواء كان دخل على الماضي أو المضارع وهذا هو أغلب أقسامها على رأي البعض، وإنما قلنا هكذا لأن بعض النحويين لا يطلقون عليها

حرف الشرط. ويقولون: الشرط إنَّما يكون في المستقبل، وذهب الشلوبين إلى أنها لمجرد الربط، وقال بعضهم: إنها كما تأتي للربط تأتي للقطع. فيقال فيها أي في (لو) إذا كانت للشرط: حرف يقتضي امتناع ما يليه، وهو فعل الشرط واستلزامه [أي استلزام] فعل الشرط لتاليه، وهو فعل الجزاء. وهذا التعريف مأخوذ من ابن مالك، حيث قال في "شرح الكافية": إنه يقتضي امتناع فعل الشرط، واستلزام ثبوته لثبوت الجواب، وإنما عرف بهذا, ولم يعرف بامتناع لامتناع، بناءً أنّ هذا لا يجري في بعض الصور على ما سيأتي في نحو: لو لم يخفِ الله لم يَعْصِهِ , فأراد التعريف على وجه يعم الجميع نحو {لَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا}. فلو هنا شرطية دالة على أمرين أحدهما أنَّ مشيئة الله تعالى لرفع هذا المُنْسَلِخ، بكسر اللّام أي المُعْرِض المكذب عن آيات الله. منتفية، ويلزم من هذا أي من دلالة (لو) على انتفاء المشيئة لرفعه، أن يكون رفعه منفيًا لأن انتفاء الرفع لازم، وانتفاء المشيئة ملزوم، إذ لا سبب لرفعه إلَّا المشيئة وقد انتفت والسببية منحصرة فيلزم من انتفائها انتفاء المسبب وهو الرفع، وهذا، أي المذكور وهو: لو شئنا لرفعناه بخلاف: نِعْمَ العبدُ صهيب لو لم يخف الله لم يعصه، فإنه لا يلزم من انتفاء لو لم يخف الله الذي هو سبب الشرط انتفاء لم يعص الذي هو الجواب حتى يكون، معنى الكلام أنّ صهيبًا قد خاف وعصى. على أنّ حَمْلَ الحديث على هذا المعنى غير مستقيم، لأنّه منوط بالمدح.

وذلك أي بيان أنه لا يلزم من انتفاء لم ينجس انتفاء لم يعص، لأن انتفاء العصيان له سببان: أحدهما: خوف العقاب فعلى هذا التقدير يكون رفع خوف العقاب بالخبرية، ويجوز رفعه بالبدلية من (سببان). وهو أي: عدم العصيان من خوف العقاب طريق العوام، لأن طاعتهم وعدم عصيانهم للخوف. والإجلال إما بالرفع عطف على خوف, أو بالجر عطف على العقاب، والإعظام عطف على الإجلال. وهو أي عدم العصيان من خوف الإجلال والإعظام طريق الخواص لأن طاعتهم وعدم عصيانهم لأجل الإجلال والرغبة. والمراد أنَّ صهيبا من هذا القسم، أي من قسم الخواص، وأنه لو قدّر خُلُوّه من الخوف لم تقع منه معصية، فكيف تقع المعصية والخوف حاصل له. والضمائر البارزات راجعة إلى صهيب. ولم يذكر المصنف كون هذا القول في حق صهيب حديثا. كما قال الفاضل التفتازاني في باب المسند إليه، وابن الحاجب في "الإيضاح"، أو قول عمر كما قال العلامة الزمخشري في تفسير سورة {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ} بناءً على ما ذكره القاضي بهاء الدين: إنه لم يقف على أنه حديث أو قول عمر. ومن هنا، أي لأجل كون جواب (لو) لا يكون منتفيًا إلا إذا كان له سبب واحد، تبين فساد قول المعربين أن (لو): حرف امتناع لامتناع. التنوين عوض عن المضاف إليه أي: امتناع الثاني لامتناع الأول، وهو المعنى المشهور عند النحويين.

والصّواب: الأحسن أن يقال: (الأولى تعريفهم) بامتناع الثاني لامتناع الأول مبني على أكثر استعمالها، أنها لا تعرض لها إلى امتناع الجواب ولا إلى ثبوته، أي لا يُتَعَرّض بلو إلى نفي الجواب، ولا إلى وجوده. قال ابن مالك: ليس فيها تعرّض لوقوع الجواب وعدمه، [إلا أن الأكثر عدمه]. وإنَّما حصل لها تعرض لامتناع الشرط: [أي] لنفيه، فإن لم يكن للجواب أي للجزاء، من سبب سوى ذلك الشرط الذي دخلت عليه (لو) لزمَ من انتفائه انتفاؤه بالرفع فاعل لزم من انتفاء الشرط انتفاء الجواب نحو: لو كانت الشمس طالعة، فالنهار موجود. فإنّ سبب وجود النهار لا يكون إلا طلوع الشمس. فيلزم من انتفائها انتفاء النهار. وإن كان له أي: للجواب، سبب آخر غير ما جعل شرطًا لها, لم يلزم من انتفائه، أي من انتفاء الشرط، انتفاء الجواب ولا ثبوته، نحو: لو كانت الشمس طالعة كان الضوء موجودًا فلا يلزم من انتفاء طلوع الشمس انتفاء الضوء، لأن الضوء كما يحصل من الشمس يحصل من غيرها من النار والكواكب. ومنه: أي ومما كثرت أسبابه لو لم يخف الله لم يعصه كما عرفت فيما تقدم. اعلم أن لو إذا كانت للشرط لها استعمالات ثلاثة: أحدها: امتناع الثاني لامتناع الأول وهو المشهور. والثاني: أن يكون للدلالة على لزوم وجود الجزاء دائمًا في قصد المتكلم حين كون الشرط مستبعدًا لاستلزام ذلك الجزاء، وكون نقيض ذلك الشرط أنسب باستلزام ذلك الجزاء،

فيستمر وجود الجزاء سواء وُجد الشرطُ أو فُقِد وسواء كانا مثبتين نحو: لو شتمتني لأثنيت عليك، ومن هذا القبيل قول علي - رضي الله عنه -: لو كُشفَ الغطاءُ عني ما ازددت يقينًا. ذكرهُ في شرط المفتاح. أو منفيين كما: لو لم يخف الله لم يعصه. أو مختلفين نحو {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ} ويستعمل في هذا المعنى لولا نحو: لولا أكرمتك لأثنيتك. والثالث: في مقام الاستدلال للدّلالة على أنّ العلم بانتفاء الثاني علة للعلم بانتفاء الأول من غير نظر إلى أن علة [انتفاء] الثاني في الخارج ما هي، كما في قوله تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} ومن هذا عرّف ابن الحاجب بامتناع الأول لامتناع الثاني, وخطأ عكسه المشهور، ولم يدر أن هذا معنى قصد إليه مقام الاستدلال، كذا قالوا. الأمر الثاني مما دلّت عليه (لو) في المثال المذكور، وهو قوله تعالى {وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ} أن ثبوت المشيئة لرفعه مستلزم لثبوت الرفع، فثبوت المشيئة ملزوم، وثبوت الرفع لازم، والملازمة من السببية. والمصنف أشار إليه بقوله: ضرورة أنّ المشيئة لرفعه سبب، والرفع مسبب، وهذان المعنيان المستفادان من الدّلالة الثبوتية والسلبية قد تضمنتهما العبارة المذكورة، أي اشتملت العبارة المذكورة عليهما وهي قوله: حرف يقتضي امتناع ما يليه، واستلزامه لتاليه. والثاني من وجوه استعمال لو: أن يكون حرف شرط في المستقبل، وهو مذهب الفراء.

فيقال فيها: حرف شرط مرادف لـ (إن) في هذا الوجه، إلا أنها لا تجزم، إلا في ضرورة الشعر في بعض اللغة، فتكون للاستقبال سواء دخلت على الماضي، كقوله تعالى: {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا}، أي إن تركوا، أو على المضارع نحو قول الشاعر: وَلَوْ تَلتقي أصدَاؤنا بَعْدَ مَوتنا [الطويل] الأصداء جمع الصدى، الذي يجيبك بمثل صوتك في الجبال وغيرها، أي أن تلتقي أصواتنا بعد موتنا لكان كذا. اعلم أن النحاة قالوا: إنّ (لو) هذه لا يليها إلا فعل أو معمول فعل مضمر يفسره فعل ظاهر بعد الاسم. وقال ابن عصفور: لا يليها فعل مضمر إلا في الضرورة أو بالندرة، والظاهر أنه ليس كذلك لوقوعه في أفصح الكلام كقوله تعالى: {قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي}. الثالث: أن تكون (لو) حرفًا مصدريًا مرادفة لأن المصدرية، وهو مذهب الفراء وأبي علي الفارسي، وأبي البقاء، والتبريزي، وتبعهم ابن مالك والمصنف، فإن (لو) عندهم قد تكون مصدرية، فلا تحتاج إلى الجواب كما عرفت. إلا أنها لا تنصب. كما أنّ (لو) مرادف (أن) لا يجزم، ولم يجزم هنا خلافًا كالجاري في جزمها. وأكثر وقوع لو إذا كانت مصدرية بعد ودّ نحو {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ}. فلو هنا

مصدرية تقديرها: ودّوا أن تدهن، أي: الإدهان. أو يودِّ نحو: {يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ}. أي: التعمير، وعلامتها أن يصلح في موضعها (أن) كذا في شرح الألفية، والمصنّف أورد مثالين إشعارًا إلى وقوعها بعد ماضي (ودّ) ومضارعه، وقيَّد بالأكثر [إشعارًا لجواز] وقوعها في غيره قليلًا كما سيجيء في {لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً}. وأكثر النُّحاة لا يثبتون هذا القسم، ويخرّج الآية ونحوها ممَّا يدل ظاهرًا على أنها حرف مصدري على حذف مفعول الفعل الذي هو المذكور قبلها، والجواب بعدها، أي حذف الجواب بعد لو والمصنف فسّر تقدير الكلام بقوله أي: يودّ أحدهم التعمير لو يعمّر لسرّه ذلك، أي: التعمير. الرابع من وجوه استعمالها أن تكون للتمنّي عند أكثر النُّحاة، ومنهم الزمخشري، وهو مذهب سيبويه، ووافقه أهل التحقيق في صناعة المعاني، لكن هل هي قسم برأسه أو راجعة إلى قسم آخر، فذهب ابن الصَّائغ وابن هشام الخضراوي إلى أنَّه قسم برأسه، فلا يجاب بجواب الامتناعيَّة وغيرها إلى أنَّها امتناعية أُشربت معنى التمنّي. قيل هو الصَّحيح، وقد جاء جوابها (باللَّام بعد جوابها) بالفاء، كذا ذكره شارح الألفية. وذهب ابن مالك إلى أنها مصدرية أغنت عن التمنّي حيث قال في "التسهيل" بعد ذكر لو المصدرية: وتغني عن التمنّي لكونها لا تقع غالبًا إلَّا بعد مُفهم تَمَنٍّ، فينصب بعدها الفعل

مقرونًا بالفاء نحو {فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً} أي: فليت لنا كرّة. قال القاضي في تفسير تمنّي الرجعة أو شرط حذف جوابه. وذهب ابن مالك إلى أنها مصدرية واعتذر عن الجميع بأنَّ المصدرية بوجهين: أحدهما: أن يقدّر الفعل بينهما. والثاني: أن يكون من باب التأكيد. قيل في إثبات كونها للتمنّي، وذكر القيل إشعارًا من أوّل الأمر إلى تضعيف الدليل. ولهذا لو نصب كلمة فيكون في جوابها كما انتصب كلمة فأفوز في جواب ليت في قوله تعالى: {يَالَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ}. حاصل الاستدلال أنْ يقال: إن إضمار أنْ بعد الفاء لا يكون إلَّا بعد أحد الأشياء الستة، فلو لم يحمل عليه لم يكن لنصبه وجه، والمناسب فيها أن يكون للتمني، وإذا عرفت ما تلونا عليك، وعلمت أن ردّ المصنف بقوله: ولا دليل فيها، ليس كما ينبغي لأنهم لم يقولوا أنها منحصرة للتمني حتَّى يردّوا بقوله: لجواز أن يكون النّصب في فأفوزَ مثلَه بالنصب: خبر أن يكون، في قوله: وَلُبسُ عبَاءَةٍ وَتَقَرَّ عيني ... أحَبُّ إليَّ مِنْ لُبْسِ الشَّفُوفِ [الوافر] فَلُبْسُ: مبتدأ مضاف إلى عباءة، وتقرّ: منصوب لفظًا بتقدير أن المصدرية، ومرفوع محلًا على أنَّه معطوف على (لُبْسُ)، وأحَبُّ: خبره. قال في "الصحاح": شفَّ يَشِفُّ شُفُوفًا، فالشَّفُّ بالفتح ستر دقيق. وقوله تعالى بالجر: عطف على قوله: ولبس عباءة، وأخَّرَه لكونه حجة قاطعة.

{أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا} فيرسل: منصوب بأن مقّدرة معطوف على (أن يكلمه) وكذا أفوز لجواز أن يكون منصوبًا بأنْ مُقدّرة معطوفًا على الضمير المتصل بـ كان لوجود الفصل، فلا يلزم من نصبِهِ أن يكون جوابًا للتمني، وقس عليه نصب فيكون. الخامس أن يكون للعرض نحو: لو تنزلُ عندي بضمّ اللّام فتصيبَ راحةً. فإنَّها إذا لم تحمل على العرض لم يكن لنصب تصيبَ وجه. ذكره ابن مالك في "التسهيل"، اسم كتاب من مؤلفات النحو، وذكر ابن هشام اللَّخمي. اللَّخم: حيٌّ من اليمن وإلياس. معنىً آخر زائدة عما ذكره وهو أن يكون للتقليل، أي: يعطى في مدخولها معنى القلّة نحو قوله -عليه السَّلام-: (تَصَدَّقُوا وَلَوْ بِظِلْفِ شَاةٍ مُحَرَّق). فقال في "الصحاح": الظّلف للبقر والشاة والظبي، واستعاره عمرو بن معدي كرب للأفراس: وخَيْلٍ تَطأكمْ بِأظْلَافِها [متقارب] و (اتَّقوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمرَةٍ). هذا مثال آخر، فلو هنا مستفاد منها معنى التقليل. فمعناهما: لا تستقلّوا الصدقة، ولو كان شيئًا قليلًا، ذكر في بعض شروح ذلك المتن.

ما يأتي على سبعة أوجه

إنّ (لوِ) هذه شرطية عندي، والجواب محذوف بعد لو مقدَّر دلَّ عليه كلام السابق. انتهى فالحق في ظني أن يجعل الجملة الشرطية حالًا، فينسلخ معنى الشرط، ولا يحتاج إلى الجواب. اعلم أن جواب (لو) لا يكون إلا فعلًا ماضيًا مثبتًا، أو منفيًا بـ (ما)، أو مضارعًا مجزومًا بـ (لم). والأكثر في الماضي المثبت اقترانه بـ اللام. وقد يحذف كقوله تعالى: {لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا} وأمّا حذف اللام مع الجواب فكثير في كلام العرب. -ما يأتي على سبعة أوجه- "قد" النوع السادس: ما يأتي على سبعة أوجه وهو قد فقط وأحد أوجهها أن تكون اسمًا بمعنى حَسْبُ فيقال: قدي بالإضافة إلى ياء المتكلم، بغير نون الوقاية كما يقال حسبي. ظاهر هذا الكلام يشعر اختيار المصنَّف مذهب الكوفيين حيث يقولون: إنّ قد إذا كان اسمًا بمعنى حسب يُضَاف إلى ياء المتكلم، ولا يلحقها نون الوقاية، لأنَّها تزاد في الأفعال فتكون معربة. وأمّا عند البصريين يلحقها نون الوقاية على غير القياس، ويجوز حذفها فيقال: [قدي و] قدني، فعندهم تكون مبنية. كذا ذُكِرَ في "التسهيل" و"شرح الألفيَّة". والثاني من أوجهها: أن تكون اسم فعل بمعنى يكفي، فالياء المتَّصلة بها في محل النّصب. فيلزمها نون الوقاية. فيقال: قدني بالنّون، كما يقال: يكفني. وقد تلحقها كاف الخطاب فتكون في محل النصب. فيقال: قدك، فعلى هذا يكون مبنيًا على السكون بالاتفاق.

والثالث من أوجهها: أن تكون حرف تحقيق، تقتضي تحقّق مدخولها، فتدخل على الماضي من غير اختلاف فيه، لكن هل هي للتحقيق المحض؟ وهو مذهب المنصور، أو للتحقيق مع التوقّع كما مذهب الخليل حيث قال في "الصحاح": زعم الخليل أن هذا لِمَن ينتظر الخبر، يقول: مات فلان، ولو أخبره وهو لا ينتظره لم يقل: قد مات، ولكن يقول: مات انتهى. والعنوان بالزّعم يدل على ردّ مذهبه، لأنها تجيء للتحقيق المحض في الماضي كما عُلِمَ من موارد الاستعال نحو: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا}. فقد هنا تدخل على الماضي لتحقّق الفلاح. وعلى المضارع عند البعض. قال ابن مالك في "التسهيل": وقد التي للتحقيق تدخل عليها نحو: {قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ}. فقال بعض النُّحاة: إنّ قد التحقيقية إذا دخلت على المضارع ولم يمكن التوقع فيه كان المضارع بمعنى الماضي. والرابع من أوجهها: أن تكون حرف توقّع أي: انتظار، يقال: توقعت واستوقعت، أو انتظرت فتدخل عليهما، أي على الماضي والمضارع أيضًا. أي كما تدخل عليهما إذا كانت للتحقيق. قول: قد يخرج زيد، فتدلّ (قد) على أن الخروج منتظر متوقّع. والمصنّف لم يذكر هنا مثالًا للماضي لكون الاختلاف في دخول حرف التوقّع عليه، فذكر بعد إثباته بالدليل، وظاهر هذا الكلام يشعر أن يكون التوقّع مقابلًا للتحقيق في الحقيقة، وليس كذلك. تدل عليه عبارة "الكافية": حرف التوقّع (قد)، وشرحها الشَّيخ الرضي: فإنَّه عام إلى التحقيق والتقريب إلى الحال مع التوقع. قد تكون للتحقيق مع التقريب بدون التّوقع، وقد تكون للتحقيق المحض، فإذن لها ثلاثة معان. انتهى.

وزعم بعضهم: لا تكون قد للتوقع مع الماضي، لأنَّ التوقُّع انتظار الوقوع والحال أنّ الماضي قد وقع، فإنّ جواز دخولها يلزم الجمع بين المتنافيين. وقال الذين أثبتوه، أي: التوقّع مع الماضي: إنَّها تدلَّ على أنَّه أي قد يدلّ أنّ الفعل كان منتظرًا قبل وقوعه. [لأنَّه] متوقع بعد وقوع الفعل، فلزوم اجتماع المتنافيين مرفوع بالحمل على اختلاف الزَّمانين، تقول: قد ركب الأمير لِقَوْم ينتظرون هذا الخبر، وإنَّما قيَّد به لانَّه إذا قلت: هذا الجر لقوم لا ينتظرون، يكون للتحقيق مع التقريب من غير توقّع، ويتوقعون الفعل. حاصله: ما ذكره في "شرح اللّبّ": لأنَّه كان يتوقع ثم صار ماضيًا نحو: قد قامت الصَّلاة لقوم قاموا خلف الإمام ينتظرون قول المؤذن: قد قامت الصَّلاة، فعلى هذا: قد لانتظار الإخبار بخبر يعتقد المتكلم به، يتوقع منه المخاطب. انتهى. فيكون التوقّع في الأصل لفعل الذي لا يوجد بالفعل، فَينتظر إلى وقوع الفعل، فيقع ويخبر بعد ذلك، ولو كان مراد الزَّاعم أنَّها لا تكون للتوقّع في الماضي الذي هو الخالص للمُضيِّ من غير نظر إلى زمان الاستقبال، يكون كلامه حقًّا، ولكن النُّحاة قالوا: قد للتوقّع بمعنى المذكور. الخامس: تقريب الماضي من الحال ولهذا، أي لأجل كونها للتقريب. تلزم مع الماضي المثبت إذا لم تكن واقعًا بعد إلَّا الواقع حالًا عند البصريين بخلاف مذهب الكوفيين، فإنَّهم لا يوجبونها (قد) ظاهرة ولا مقدّرة، ووافقهم ابن مالك حيث قال: هذه دعوى مجرّدة لا تقوم عليها حجة إمّا. ظاهرة نحو: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ}.

أو مقدّرة نحو: {هَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا}. أي: قد رُدَّت إلينا. ونحو قوله تعالى: {أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ} أي: قد حصرت صدورهم، وذلك لاستقباحهم في الظَّاهر الجمع بين الحال والمضيّ، وأنّ حالية الماضي بالنسبة إلى زمان عامله، وهو زمان المتكلم. ولفظة (قد) تقرَّب الماضي من ذلك الزمان، فتكون المقاربة [بمنزلة المقارنة] هذا بخلاف مذهب سيبويه والمبرَّد، فإنهما لا يجوّزان حذف (قد)، وسيبويه يؤوّل قوله تعالى: قد حصرت صدورهم بقلَّة ما حصرت صدورهم، فتكون جملة (حصرت) صفةُ موصوف محذوف. وهو الحال. والمبرَّد يجعله جملة دعائية. وقال ابن عصفور: إذا أجيب القسم بماض مثبت متصرّف. قيّد بالمثبت والمتصرّف تحرّزًا من المنفي غير المتصرّف، لما عرفت أن المنفي لم يشرط ذلك، وأمّا غير المتصرف، كـ نِعْمَ وبِئس وعَسَى ولَيْسَ. فلا تدخل قد عليها لأنها ليست بمعنى الماضي حتَّى يقرَّب إلى الحال، بل يدخل اللّام فقط نحو: لنِعْمَ السَّيِّد. كذا في الرضي. فإن كان الفعل قريبًا من الحال جئتَ بجواب مقرون باللَّام وقد نحو: بالله لقد قام زيد، فقد هنا دالة على التقريب، فمعلوميَّة القرب بالنسبة إلى المتكلم، والدَّلالة بالنسبة إلى المخاطب، وإن كان زمان الفعل بعيدًا، جئت باللَّام فقط، اسم فعل بمعنى انته، وكثيرًا ما يصدّر بالفاء تزيينًا للفظه. كان: جزاء شرط محذوف، والحال في دخول ياء المتكلم عليها، ونون الوقاية وكاف الخطاب كالحال في قد إذا كان اسم فعل. كقوله: أي: قول الشاعر؛ أي امرئ القيس: خَلَفْتُ لَها بِاللهِ حِلْفَةَ فَاجِر أي: أقسمت بالله لاطمئنان المرأة المعشوقة حلفة كاذب أو عاهر، أي: زانٍ. يقال: فجر فجورًا، أي: فسق وفجر أي كذب، أصله المَيْل، والفاجر: المائل، كذا ذكر في "الصحاح"

لناموا فما إن من حديث ولا صال. [الطَّويل] و (اللام) في لناموا جواب القسم، واكتفى بها إشعارًا لمخاطبه بأنّ زمان نومهم بعيد، أي نام الرقباء ولا ينظرون إلى حالنا، والفاء في (فما) تفسيرية و (ما) نافية، و (إن) زائدة مؤكدة للنفي، ويبطل عمل (ما) بزيادة (إن) بعد (ما) عند البصريين. فـ (من) زائدة للاستغراق، فيكون المعنى نفي هذا الجنس من واحد إلى ما يتناهى. (الحديث): الخبر، يأتي على القليل والكثير، ويُجمع على أحاديث على غير القياس، أي: فما إن من ذي حديث. ويجوز أن يكون الحديث بمعنى المحادث. و (لا) في قوله (ولا صال): زائدة. يقال: صال البعير إذا حمل. أي: ذي صال، وحاصل المعنى: المرأة تخاف من الرّقباء فأؤمنّها من مراقبتهم، كذا في "الإقليد". وزعم الزَّمخشري، وفيه إشارة إلى ردّ صاحب "الكشاف"، عندما تكلم على قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا} في (سورة الأعراف)، أن (قد) للتوقع. وجملة (أنّ قد للتوقّع) في محل النصب على أنَّه مفعول زعم، لأنَّ السَّامع؛ تعليل من جانب الزمخشري، أي السَّامع ذلك الجواب المصدّر باللّام، وقد يتوقّع الخبرَ عند سماع المقسم به، وهو لفظة الله، وأمثاله ممّا يُقسم به. اعلم أن عبارة الزمخشري في تعليل الجمع بين (اللام) و (قد) هكذا، لأنّ الجملة القسميّة لا تُساق إلا تأكيدًا للجملة المقسم عليها، التي هي جوابها، فكانت مظنّة لمعنى التوقّع الذي هو معنى (قد) عند سماع المخاطب كلمة القسم. فَمِنْ تأمُّل كلامه عُلِمَ أنَّ تعبير المصنف لا يخلو عن الفتور، وأنْ يُعَنْوِنَ كلامَهُ بالزَّعم مبنيٌّ على القُصور. والسادس التقليل وهو ضربان:

تقليل بالرَّفع: بدل عن (الضربان) مضاف إلى وقوع الفعل الذي هو مدخولها نحو: قد يَصْدُق الكذوب، وقد يجود البخيل. فقد في المثالين يدلّ على قلّة وقوع الصّدق. من الكذوب، وقلّة وقوع الجود من البخيل. وتقليل متعلِّقة أي: تقليل متعلّق الفعل من غير نظر إلى قلَّة وقوع الفعل أو كثرته، نحو: {قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ}. فإنّ (قد) ها تحقيقية باعتبار وقوع الفعل، وتقليلية باعتبار متعلّقة. أي: ما أنتم عليه هو أقلّ معلوماته، وفي هذا التفسير إشارة إلى أن (ما) موصولة مبتدأ، صلته: أنتم عليه، وخبره محذوف، وهو أقل معلوماته، قال الشَّيخ الرضي: إنّ المادح قد يستعمل الكثير. من المدائح، لأنَّ الكثير منها كأنّه قليل بالنسبة إلى الممدوح، وذلك أبلغ في المدح، ومن هذا القبيل قوله تعالى: {قَد يَعْلَمُ} لأنَّ (قد) لتقليل المضارع في الأصل. وزعم بعضهم، وَجَّهَ العنوانَ بالزَّعم إنكاره على كونها للتقليل، والأليق ذكره المصنّف هذا فيما قبلُ مثالًا للتحقيق: إنَّها في ذلك أي [قد] في {قد يعلم} للتحقيق كما تقدَّم في القسم الثالث، لا للتقليل، وإنّ التقليل في المثالين الأوّلين، وإن كان متحقّقًا لكنه لم يستفد من قد، بل من قولك: البخيلُ يجودُ، والكذوبُ يصدقُ مع قطع النَّظر عنها. فإنَّه: الفاء بمعنى لام التعليل، أي لأنَّ الكلام إن لم يُحمل على أن صدور ذلك أي الجود والصدق من البخيل والكذوب قليلٌ بالرَّفع خبر إن. كان ذلك في جزاء الشرط أي كان الكلام كذبًا متناقضًا لأنَّ آخر الكلام، وهو البخيل والكذوب يدفع أوَّلَه وهو يصدق ويجود، لأنَّ البخيل والكذوب صيغة المبالغة، فيدلّ على كثرة البخل والكذب، فلو لم يَحْمل يَصدق ويَكْذب على القلّة للزم التَّدافع، ولك أن تمنع هذا الكلام بعد تسليم لزوم التَّدافع في المثالين على إنكار كونها للتقليل غير مقبول، لأنَّه كثير الاستعمال.

السابع: التكثير قاله، أي: كونُها للتَّكثير سيبويه في قوله: قَدْ أتركُ القِرْنَ مُصفَرًّا أناملُهُ وآخر البيت: كأن أثْوابهُ مُجَّتُ بفِرْ صاد [البسيط] أي: أترك كثيرًا ما مماثلي في الحرب، حال كون أنامله ملوّنًا بالصّفر، قال الجوهري: وقد يكون بمعنى ربَّما. وأنشد هذا البيت، ولا يظن أنّه مخالف لما قال المصنف حيث قال الزمخشري في آخر سورة النور: "إنَّ (قد) إذا دخلت على المضارع كانت بمعنى ربَّما فوافقت ربَّما في خروجها إلى معنى التكثير. وذكر صاحب "التسهيل": أن ربَّما ليست للتقليل، بل هي حرف تكثير، والتقليل نادر، ووقع في بعض شروح "الكافية": وهذا الذي ذُكر من التقليل أصلها، ثم تستعمل في معنى التكثير كالحقيقة، وفي التقليل كالمجاز المحتاج إلى القرينة". وقاله، أي: اختار الزمخشري كونها للتكثير في قوله تعالى: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ} فالكثرة في الآية باعتبار متعلِّق الفعل، وهو تقلّب وجه الرسول -عليه السَّلام- لا في وقوع الفعل وهو الرؤية، وفي البيت في وقوع الفعل مع [قطع] النظر عن متعلّقه، المصنف لم يذكر كون التكثير متنوّعًا اعتمادًا على ذكر المثالين، واكتفى بما سبق. اعلم أن (قد) التي للتحقيق والتكثير والتوقّع قد تجتمع، وقد يستعمل كل واحد منها مجرّدًا عن الآخر. والتقليلية تجتمع مع التحقيقية، لكن لا تجتمع مع التكثيرية، هكذا فُهم من الرضيّ.

ما يأتي على ثمانية أوجه

-ما يأتي على ثمانية أوجه- "الواو" النوع السابع: ما يأتي على ثمانية أوجه، وهو الواو وذلك، أي بيان الانحصار للاستقراء، أن لنا واوين يرتفع ما بعدهما سواء كان اسمًا أو فعلًا. فـ (ما): موصولة، وبعدَ: منصوب على الظّرفية بفعل مقدّر، وهو (حصل)، مضاف إلى هما، والموصول مع صلته في محل الرّفع على أنَّه فاعل يرتفع، أي: يكون ما بعد الواوين مرفوعًا. اعلم أنَّ الجهات السّتّ المضافة إذا لم يقتضِ العامل غيرَ النَّصْبِ تكون معربةً منصوبةً على الظرفية نحو: السَّماءُ فوقَنا، والأرضُ تَحْتنَا، وما بعدَه، وما قبلَه، وأمثال ذلك فإنَّها تقتضي النَّصبَ بالفعل المقّدر. مثلًا إذا قلت: أمامُك فوق السَّطح، والأمام بالرَّفع لأنَّه مبتدأ، فوقَ وإن كان خبرًا لكن لا يقتضي الرَّفع لفظًا، بل يقدّر الفعل فينصب به وتكون الجملة في محل الرَّفع بالخبرية وكذا أمثالها فاحفظ على هذا. واوًا بالنّصب: بدل من الواوين، ويجوز الرَّفع على أنّه خبر مبتدأ محذوف أي أحدهما: واو الاستئناف نحو: {لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ}. فإنَّها أي: الواو، ولو كانت واو العطف، انتصب الفعل، وهو نقرُّ عطف على تبيَّن المنصوب بأن مضمرة، وبإضمار كي عند [الكسائي والسيرافي وباللام أصالة عند الكوفيين أو نيابة من أن عند] ثعلب. وحاصله أن هذه الواو لا تصلح إلَّا أن تكون للعطف، أو للاستئناف، وإذا قُرئ بالرَّفع تعيّن الاستئناف، لأنَّ إعراب مدخول واو العطف يكون حسب ما قبلها.

وواو الحال إما بالنَّصب على البدلية، أو بالرَّفع على تقدير الثَّاني. وتُسمى واو الابتداء أيضًا كما تُسمى واو الحال، وإنَّما تسمّى بها لصلاحية أن يليها المبتدأ نحو: جاءني زيد والشمس طالعة، فجملة والشمس طالعة: في محل نصب على الحالية، هذا، أي: كون هذه الواو للحال على مذهب الجمهور، وعند البعض أنَّها عاطفة. وقاله صاحب "التخمير": وعندي أنَّه يجوز أن تكون هذه الواو واو الظرفية، ألا ترى أنك لو قلت: جئت والشمس طالعة، فمعناه: وقت طلوع الشَّمس، والذي غرّ النحويين منه أنهم وجدوا قولهم: جئت والشَّمس طالعة، يرجع معناه إلى معنى قولك: جئتك حال طلوع الشَّمس، فسمّوا واو الحال، وقد غفلوا أن قولك: جئتك حال طلوع الشمس ظرفٌ لا حال. وإن كان له واو الظرف فلا علينا أن يكون معها واو الظرف انتهى. وسيبويه يقدّر بإذ، نقله في "الارتشاف" حيث قال: وقدّر بإذ ليفيد معنى الظرفية وهي الحين والفجاءة. وواوين ينتصب ما بعدهما. إعرابه كإعراب ما سبق، وهما واو المفعول معه، فإنّ ما بعد تلك الواو، لا يكون إلَّا منصوبًا. اعلم أنَّ مذهب جمهور البصريين أن العامل فيه هو الفعل أو معناه، بتوسّط الواو بمعنى مع، وإنَّما وضعوا الواو موضع (مع) في بعض المواضع لكونه أخْصرُ لفظًا وأصل هذه الواو العطف الذي فيه معنى الجمع، فيناسب معنى المعيّة، وإن قالوا: لا يتقدم المفعول معه على ما عمل في مصاحبه، فلا يقال: والخشبةَ استوى الماء كما تتقدّم سائر المفاعيل، وجوّز أبو الفتح تقدّمه على صاحبه، والأَوْلى المنع رعاية لأصل الواو.

وقال الكوفيون: وهو منصوب على الخلاف، فيكون العامل منصوبًا معنويًا كما قلنا في الظرف. والأَوْلى. إحالة العامل اللفظي ما لم يضطر إلى المعنوي. وقال الزجّاج: هو منصوب بإضمار فعل بعد الواو، كأنّك قلت: جاء البرد ولابسَ الطيالسة، وكذا في غيره، والإضمار خلاف الأصل. وقال عبد القاهر: وهو منصوب بنفس الواو والأَوْلى: رعاية أصل الواو في كونها غير عاملة، ولو نصبت بمعنى مع مطلقًا لنصبتَ في: كل رجل وضيعته. وقال الأخفش: نَصْبُه نصب الظروف، وذلك لأنَّ الواو لمَّا أقيمت مقام المنصوب بالظرفية، والواو ظرف في الأصل، فلم يحتمل النصب، فأعطى النصب ما بعدها رعاية لأصلها، كما أعطى ما بعد إلَّا إذا كانت بمعنى غير إعراب نفس، غير، ولو كان كما قال لجاز النّصب في كل موضع، بمعنى مع مطردًا نحو: كل رجل وضيعته، هذه عبارة الرضي طويتها على غيرها. نحو: سرتُ والنيلَ أي: مع النيل، وتميّز بتقدير (مع) مكانها، وقال صاحب "التخمير" النحويون سَهَوْا في واوين: إحداهما: واو الحال. والثانية: واو المنصوب بمعنى (مع). وذلك أنّ المنصوب بمعنى (مع) في محلّ النّصب على الحال، ألا ترى أنّك إذا قلت: جاء البردُ والطيالسةَ، فمعناه مقرنًا بالطيالسة، فلمَّا لم يكن إعراب الواو إعرابها نقل إعرابها إلى ما بعدها، كما في (إلَّا) إذا وقعت صفة نُقلَ إعرابها إلى المستثنى وعكسها (غير) و (ما). قالوا. (و) ههنا في الحقيقة للحال لا للمفعول معه كما أن الواو في قولك: جئتك والشَّمس طالعة. للمفعول فيه لا للحال. انتهى. وواو الجمع. وإنَّما سُمِّي بها لاجتماع مضمون طرفيها في زمان واحد.

الدَّاخلة على المضارع المسبوق بنفي محض أو طلب محض، أي: بفعل أصيل، وهو يعمُّ الأمر والنهي والاستفهام، والدّعاء بلفظ الخبر، على مذهب الكسائي، والاستفهام والعرض والتحضيض [والتمنّي]، لأنَّ المضارع ينصب بتقدير أن بعد الواو، وإذا كانت بعد أحد الأشياء الستة كما هو المشهور. وقال أبو حيَّان: لا أحفظ النَّصْب جاء بعد الواو في الدّعاء ولا العرض ولا التحضيض ولا الرجاء، ولا ينبغي لأحد أن يقدِم على ذلك إلا بالسَّماع انتهى. ذكره شارح الألفية. والنَّصب بعد هذه الواو بتقدير أنْ على مذهب البصريين وهو الصّحيح، وبنفس الواو عند بَعْض الكوفيين نحو: {وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ}. هذا مثال للمسبوق بالنَّفي أي: وأن يعلم الصابرين، وقول أي: ونحو قول أبي الأسود: لَا تنه عن خُلقٍ وتأتيَ مِثله وآخر البيت: عَارٌ عَليكَ إذا فَعلتَ عَظِيمُ [الكامل] الخُلُق بضمتين: السجيّة والطبيعة والمروءة والدّين كذا في "القاموس" هذا مثال للنهي معناه: لا يكن منك نهي عن الخلق وأن تأتي مثله أي إتيان بمثله. والكوفيّون يسمّون هذا واو الصرف أيضًا، لأنها صرفت الفعل المضارع من الجزم إلى الرَّفع ويكون الصرف عن إعراب ما قبلها مرشدًا من أوَّل الأمر، بأنَّها ليست للعطف، وأنَّها للجمعية من حيث الاستعمال.

وواوين ينجرُّ ما بعدهما، وهما واو القسم. (والموصول مع صلته فاعل ينجرّ) كما مرّ غير مرَّة نحو: {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ}، فهذه الواو تجرّ بنفسها، وتدخل على مظهرٍ يَحسُنُ الحلف به. وهي مبدلة من باء الإلصاقية في أقسمت بالله، لما بينهما في المناسبة لفظًا ومعنىً عند حذف الفعل، فلا تجتمع مع الفعل لكونها عوضًا عنه خلافًا لابن كيسان، هذا على ما صرّح به في كتب النّحو. وذكر في بعض الشروح تلك الرسالة، لأنَّها أصل، وليس بدلًا من الباء في القَسَم خلافًا لزاعمي ذلك. واو رُبّ: وهي تقع في أوّل الكلام، وتدخل على المظهر المنكر كقوله: أي قول الشاعر وبلدةٍ ليس بها أنيس ... إلَّا اليعافير، وإلّا العيس [الرجز] أي: رُبَّ بلدة، وإنَّما فسّرنا به لأنَّ هذه الواو للعطف عند البصريين، وليست جارَّة بنفسها، فإن لم تكن في أوّل الكلام، فكونها للعطف ظاهر، وإن كانت تقدَّر معطوف عليه. قال شارح الألفية وهو الصَّحيح. وأمَّا عند المبرّد والكوفيين إنَّها جارَّة بنفسها، وبلدة مجرورة بها، وهي حرف عطف، لكن لمّا صارت قائمة مقام ربِّ، كائنة بمعناها كانت جارّة بنفسها لصيرورتها بمعنى ربَّ فلا يقدرون المعطوف عليه في نحو: وقائم الأعماق، لأنّ ذلك تَعَسّف، واختاره ابن الحاجب. وواوًا يكون ما بعدها من الإعراب على حسب ما قبلها غالبًا، وإنَّما قال غالبًا إذ تجوز المخالفة إذا عُرف المراد، نحو: مررتُ يزيد وعمروٌ بالرَّفع، أي عمرو كذا ذكره الرضي.

وهي واو العطف وهي الأصل بالنسبة إلى الجميع، لكن كونها للعطف في الحال قول مرجوح. فَعُلم من هذا القيد أنّ تغاير أقسامها ليس بحسب الحقيقة. و [هي] لمطلق الجمع من غير أن يكون المبتدأ به داخلًا في الحكم قبل الأخير، ولا أن يجتمعا في وقت واحد، بل الأمران جائزان، وجائز عكسهما. وواوًا دخولها في الكلام كخروجها، بالنسبة إلى المعنى، لكنّها تفيد التأكيد. وهي الواو الزائدة نحو: {حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا}. فالواو هنا زائدة مؤكدة بدليل الآية الأخرى، وهي قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا}. وقيل: التنكير للتعظيم حيث قال أبو البقاء: الواو زائدة عند قوم، وليست زائدة عند المحققين. إنَّها عاطفة فالجواب للشرط، وهو إذًا محذوف لأن فُتِحَتْ على هذا الوجه معطوف على الشرط، فلو لم يقدّر الجزاء لزم بقاء الشرط بدونه. تقديره: كان كيت وكيت، هما كنايتان عن الحديث، (ولا يُستعمل إلَّا مكرّرًا) مخفّفًا من كيت وهي أصل كيت، فخفَّفت الياء المشدَّدة، وعوّضت عنها التاء فصار كيت كما بنت وأخت، فوجب إسقاط التأنيث لئلا يجتمع علامتان، فبقيت كيت، ويوقف فيه بالتاء كما توقف في بنت، وقد جاء فيه فتح التاء والكسر والضمّ، وكذا حال زيت. هذا أي: كون الواو للعطف مختار الزمخشري، وهو الصواب لموافقة الأصل. وجَعَلَها بعضٌ بمعنى (مع). ذكره العلامة أيضًا حيث قال: حتَّى إذا جاؤوها وفتحت أبوابها، أي مع فتحت أبوابها وقيل: إنَّها للحال. وهو أيضًا مذكور في "الكشَّاف" حيث ذكر فيه، وقيل: أبواب جهنّم لا تُفتح إلّا عند دخول أهلها فيها، وأبواب الجنَّة فمتقدمة فتحها، بدليل قوله تعالى: {جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوَابُ}، ولذلك جيء بالواو، كأنَّه قيل: حتَّى إذا جاؤوها وقد فتحت أبوابها.

وقول مضاف إلى جماعة، وجملة: إنَّها واو الثمانية وإنَّ منها: {وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ} مقول القول، وجملة: لا يرضاه النّحوي خبرٌ، وياء النسبة للمبالغة، أي: النّحوي الكامل، وإنهم بهذه المقالة يستحقّون أن تُسلَبَ عنهم نسبتهم إلى النّحو لما لا يتعلّق به حكمٌ إعرابي، ولا سرٌّ معنويٌّ، والواو الثمانية هي التى أن العدد قد تمَّ بالسَّابع من حيث أنّ السبعة هو العدد التّام، والثامن ابتداء تعداد آخر معطوف عليه، ذكره الشَّيخ القاضي في أواخر سورة البراءة. وقال بعض الفضلاء: هذا ليس بشيء بدليل قوله: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ}. (فإن المتكبّر) في محل التّعداد نعت ثامن، مع أَنَّه لم يُذكر بالواو، وفيه مناقشة ظاهرة لا تخفى على المتأمّل. والقول منه أي: بكون الواو واو الثمانية في آية الزّمر وهي قوله تعالى: {وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا} أبعدُ منهِ أي من القول بكون الواو واو الثمانية في قوله تعالى: {وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ} لأنَّ الواو في هذه الآية وقت في الصفة الثامنة في التعداد، وأمّا في آية الزمر فليس فيها تعدادٌ بل هي للجنة الثمانية، وأمّا وجه البعد في: والنّاهون، لما يتعلَّق به حكمٌ إعرابي، ولا سِرٌّ معنوي. والقول به في {ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا} ظاهر الفساد. لأنَّ في واو الثمانية يجوز اجتماع الأوصاف المذكورة في موصوفٍ واحدٍ بخلاف الواو المنافي بين طرفيها، إذ البكارة والثّيابة لا يجتمعان في موصوف واحد، وقيل الواو الثمانية لا يخلّ المقصود بالحذف بخلاف هذه الواو، لأنّ التوسّط بها للتنافي بين طرفيها.

ما يأتي على اثني عشر وجها

-ما يأتي على اثني عشر وجهًا- "ما" النّوع الثامن: ما يأتي على اثني عشر وجهًا وهو (ما)، وقع في بعض النُّسخ وهي، فالتأنيث باعتبار الكلمة، فإنَّها أي الـ (ما) على ضربين: اسميَّة: التأنيث باعتبار ذي الضَّرب، وهي كلمة (ما)، وأوجهها أي أوجه ما الاسمية سبعة، آثر التذكير لكون الجمع مؤنثًا غير حقيقي، فإن اعتبرت التأنيث فيه، فالتذكير لعدم وجوب. المطابقة، أو للاكتفاء بظاهر التأنيث. معرفة بالرَّفع إمَّا على البدلية من سبعة، أو على أنَّها خبر مبتدأ محذوف، ويجوز النَّصب بتقدير: أعني. وتامّة: صفتها، والمراد بها مالا يحتاج إلى الصلة، والعائد والصفة نحو: {فَنِعِمَّا هِيَ} أي: نِعمَ الشيء إبداؤها، [هذا] عند سيبوية والكسائي فـ (ما) فاعل نعم لكونه بمعنى ذي، اللام وهي مخصوصة بالمدح، وكناية عن الإبداء الذي دلَّ عليه فعله، وهو تُبدُوا. وعند أبي علي الفارسي والفرّاء، فالتقدير: نعم شيئًا هي. لأنَّ (ما) نكرة تامَّة بمعنى الذَّي فاعل نِعْمَ، فتكون الصِّلَةُ بأجمعها محذوفة، لأنَّ (هي) مخصوصة، أي نعم الذي فَعَلَهُ هي أي: الصدّقات كما عرفت في (من هو في سِرٍّ وإعلان). وذكر في بعض شروح تلك المتن أن (ما) مركبة مع الفعل لا موضع لها من الإعراب، والمرفوع بعدها هو الفاعل. ومعرفة ناقصة أي محتاجة إلى الصِّلة، والعائد والصفة، وهي الموصولة أخَّرهَا عن التّامة مع أنَّ جميعَ الكتب عكس ذلك، إمّا بناءً على أنّ مفهومها عدميٌّ، والإعدام مقدَّم على الملكات، أو أنَّها أقدم مرتبة من النَّاقصة، ومَنْ جَعَلَ عكس ذلك يعتبر كون مفهوم النَّاقصة وجوديًّا، واستعمالها أكثريًّا، ولكلٍّ وجهةٌ هو موليها.

نحو {قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ -أي الذي عند الله- خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ} و (ما) هذه تستعمل لما لا يَعْقِلُ غالبًا، وقد يستعمل من ذوي العلم كما في قوله تعالى: {وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا} وشرطية نحو {وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ} أي: إن تفعلوا، فما شرطيَّة جازمة لتفعلوا، منتصبةٌ به على المفعولية، وجواب الشرط: (يعلمه الله). ومِنْ خَيْرٍ في موضع نصب على التمييز، والمميَّز ما، والتقديرُ: أي شيء تفعلوا من خير ويجوز أن تكون (مِنْ) زائدة، وخير حالًا، والتقديرُ أي شيء تفعلوا قليلًا أو كثيرًا، ويجوز أن يكون موضع النَّصب لكونه صفةً لمصدرٍ محذوفٍ تقديره: ما تفعلوا فعلًا من خير، وقيل: يجوز أن تكون مصدرية، ومِنْ خيرٍ: مفعولًا به، والتقديرُ: أي فعلهم مِنْ خيرٍ يعلمه الله. واستفهاميّة وهي لا تختص بما لا يَعْقِل عند الإبهام. تقول لشيخٍ رفع لك من بعيد: ما ذاك؟ نحو: {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ} فـ (ما) استفهاميَّة، وبيمينك: حال من معنى الإشارة. وقيل: صلة لتلك. ويجب حذف ألفِها على الأجود: قال الشَّيخ الرضي: وتُحذفُ ألف (ما) الاستفهام في الأغلب، إذا كانت مجرورة بحرف الجر نحو: {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ} فما مجرورة بـ من، وألِفُها محذوفة، فَوَجْهُهُ أنّ الاستفهام لمّا كان لها صدر الكلام لكونها استفهامًا، ولم يمكن تأخير الجار عنها، فقدّم عليها وركَّب معها حتَّى يصير ككلمة واحدة، موضوعة للاستفهام فلا يسقط الاستفهام عند رتبة الصَّدر فحذف ألفها ليكون دليلًا لتركيبها مع الجارّة، وإنَّما لم يحذف نون (من) الاستفهامية إذا كانت مجرورة لكونها حرفًا صحيحًا. كذا ذكره الشَّيخ الرضي. ونحو قوله تعالى: {فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ} جميع النسخ التي صادفناها بغير العاطف، والظَّاهر أنَّه سَهْوٌ من قلم الناسخ، لأنَّ النُّحاة قالوا: إنَّ حذف المعطوف عليه كثير،

وحذف المعطوف مع حرف العطف قليل نحو: راكب طلحان أي: راكب البعير، والبعير طلحان، وأمَّا حذف حرف العطف مع ذكر المعطوف فَشَاذٌّ نادر. ولهذا أي: لأجل وجوب حذف ألف (ما) الاستفهامية المركّبة بحرف الجرّ، ردَّ الكسائي على المفسِّرين قولَهم بالنَّصب مفعول ردَّ في: {بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي} أنها استفهامية: مقول القول. حاصله: لمَّا كان حذف ألف (ما) الاستفهامية واجبًا عند دخول حرف الجرّ عليها يُثبِتُ أنّ (ما) في (بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي) ليست استفهامية لوجود ألف في (ما). قال العلامة في "الكشَّاف" فإن قلت (هي ما في) قوله: بمَا غَفَرَ لي ربي أي الماءات [هي] قلت المصدرية أو الموصولة، أي بالَّذي غفر لي [ربّي، أَي] من الذنوب. ويحتمل أن تكون استفهامية، يعني: أيَّ شيء غفر لي ربيّ؟ فَطَرحُ الألف أجود، وإن كان إثباتها جائزًا انتهى. فإذا فهمت ما تلونا عليك من كلام الرضي، والعلامة الزمخشري عرفت أن ردَّ الكسائي مردود، لأنَّ الحذف أكثري لا دائميَّ. وإنَّما جاز نحو لماذا فعلتَ؟ هذا جواب عن سؤال مقدّر تقديره. ولمّا وجب سقوط ألف ما الاستفهامية بدخول حرف الجرّ على الأجود فلم يحذف في مثل: لماذا فعلتُ؟ مع أنَّه مركّب بالَّلام، فأجاب بقوله: لأنَّ ألِفَها صارت حشوًا أي: وسطًا بالتركيب مع ذا، فتكون الألف في وسط الكلمة، والحذف في الوسط قليل لتحصنه مِنَ الحوادث فأشبهت (ما) الاستفهام بالموصولة في إثبات الألف، لأنّ (ذا) لمّا لم تثبت زيادتها، ولا كونها موصولة إلَّا مع (ما) الاستفهامية، لم تحذف

ألفها كألف (ما) الموصولية، ويجوز أن يكون معنى حشوًا أي زائدة غير منظور بالحذف والإثبات لتركيب (ما) مع (ذا) الذي يكون موصولًا بالتركيب فأشبهت الموصولة فكما أنّها إذا كانت موصولة لا تُحذف ألِفُها كذلك هنا. وتعجبية نحو: مَا أحسَنَ زَيْدًا، فهذه الـ (ما) نكرة تامة بمعنى شيء عند سيبويه، وموصولة عند الأخفش، واستفهامية عند الفراء وابن درستويه. وقال الشَّيخ: وهو قوي من حيث المعنى لأنَّه كان جُهِلَ سببه، فاستُفهم عنه. وضعّف شرّاح "المفصّل" هذا الوجه بأن قالوا: أمّا صيغ الاستفهام لم يثبت فيها نقل إلى إنشاء آخر بخلاف صيغ الأفعال، فإنَّها تنقل إلى إنشاء كثيرًا، وقالوا: الوجه ما صار إليه سيبويه، لأنّ التعجب من مواضع الإبهام والبعد عن الوضوح والبيان، والموصول معرفة بمعنى الذي، والموصوفة قريبة إلى المعرفة فلا يليقان بهذا الموضع. وقيل أيضًا في تضعيف كونها موصولة أنّ (ما) إذا كانت بمعنى الذي، وأحْسَنَ: صلتها، لاحتاجت إلى تقدير الخبر وإن الموصول مع صلته مبتدأ، ونحن نقطع كلامًا من غير نظر إلى المحذوف، فما: مبتدأ على مذهب سيبويه والفرّاء، وما بعدها خبرها. وأمَّا عند الأخفش هي مع صلتها: مبتدأ، وخبرها محذوف. قال ابن الحاجب في "الإيضاح" في باب المنادى: ما أحْسَنَ زيد أصله إمَّا خبر وإمَّا استفهام، ثم نقل إلى التعجب، فَعُلِمَ منه أن كونها قسمًا مستقلًا مبني (على الفتح) وعلى الظاهر. ونكرة موصوفة نحو: مررتُ بما معجبٍ لك، فما: نكرة في محل الجرّ بالباء، موصوفة بمعجب، ولك: متعلّق به، أي بشيء معجب لك ومنه، أي من كون (ما) نكرة موصوفة بمعجب في قوله أي في قول بعض النُّحاة وهو الأخفش والزّجَّاج. نعم ما صنعت،

فما على هذا نكرة منصوبة لأنَّها مميّزة، وصنعت: صفتها، والمخصوص بالمدح محذوف، أي: نعم شيئًا صنعته. لعل وجه إيراد المثالين إشعار إلى جواز كونها موصوفة بمفردٍ وجملةٍ. ونكرة موصوفة بها أي: تكون ما صفة للنكرة، إنَّما قال: نكرة موصوفة، ولم يقل موصوفة بها كما قال سائر النُّحاةِ إيذانًا في أوّل الأمر بأنّ موصوفها لا يكون إلا نكرة، لأنَّ النكرة لا تكون وصفًا للمعرفة. نحو: {مَثَلًا مَا بَعُوضَةً}، فما: إبهامية تزيد النكرة إبهامًا، ومثلًا في هذا الموضع يجوز أن يكون حالًا بمعنى ممثلًا، وأن يكون تمييزًا، وأن يكون منصوبًا على المصدرية، أي: أُمَثلُهُ مثلًا. ويُذكر إذا قصد التعميم والزّيادة. وقولهِم أي: وهو قول العرب: لأمْرٍ ما جَدَع قَصيرٌ أنْفَه. قوله: أمْرٍ مجرور باللام، وما في محل الجر لكونها صفة لمجرور، والجَدْع بالدَّال المهملة: قطع الأنف واليد والأذن. وقصير: اسم رجل، وأنفه، بدل اشتمال منه. أي: مثلًا بالغًا في الحقارة ولأمر عظيم. هذا تفسير على وجه اللفّ والنشر على التَّرتيب. قال بعض النُّحاة: إنّ (ما) إذا وقعت صفة تكون على ثلاثة أقسام: - قسم يراد بها التحقير، و [قسم يراد بها] التعظيم. - وقسم يراد بها التنويع نحو: ضربت ضربًا ما، فما على هذا التفسير اسم، وقيل إنّ هذه حرف لا موضع لها. ذكر شارح الألفية عن ابن مالك: أنّ (ما) في مثل هذه المواقع حرف زائد مبنيّة من وصف لائق بالمحلّ وهو أولى لأنَّ زيادتها عوضًا عن محذوف ثابت

في كلامهم، من ذلك: حيث ما يكن أكن. وليس في كلامهم نكرة موصوفة بها جامدة كمعهود (ما) إلَّا وهي مرادفة بمكمّل كقولهم: مررتُ برجلٍ أي رجل انتهى. وحرفية بالرَّفع: عطف على اسمية. وأوجهها أي أوجه (ما) الحرفية خمسة. نافيةٌ بالرَّفع: إما بدل عن خمسة، أو خبر مبتدأ محذوف فتعمل في ظرف الجملة الاسمية، قيّد بالاسمية احترازًا عن الجملة الفعلية. عمل ليس، وهو رفع الاسم ونصب الخبر، في لغة الحجازبين، وإنَّما قال في لغة الحجازيين لأن (ما) و (لا) المشبهتين بـ ليس لا تعملان عند بني تميم أصلًا لدخولهما على الاسم والفعل كما مرَّ تفصيله غير مرّةٍ. وإن أردت الاطّلاع، فلتعد إليه. نحو: {مَا هَذَا بَشَرًا}، هذا في محل الرَّفع [اسم] ما الحجازيّة، وبشرًا بالنَّصب خبره. ومصدرية غير ظرفية نحو: قوله تعالى {بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ} (فما) موصولة حرفيّة. هي وصلتها في محل الجر بالباء، أي بنسيانهم، فلا يحتاج إلى عائد، هذا مذهب سيبويه. ومذهب الأخفش وابن السراج، إلى أنّ (ما) المصدرية اسم يحتاج إلى عائد هو مذهب مرجوح. ومصدرية ظرفية، فتكون بمعنى المدّة نحو: {مَا دُمْتُ حَيًّا} أي: مدّة دوامي حيًّا. وكافّة عن العمل، هذا وجه رابع من وجوه (ما) الحرفية، لكن قال في "القاموس": وتكون (ما) زائدة، وهي نوعان: كافة وغير كافّة فَعُلِمَ من هذا أنّ (ما) الكافَّة قسم من الزائدة، لا قسم لها، لعلّ وجه عدّها مقابلُ الزّائدة مبنيٌّ على أن لها تأثيرًا قويًّا، وهو منع العامل

عن العمل، فكأنها ليست بزائدة وإن كانت قسمًا منها وهي ثلاثة أقسام: - كافّة عن عمل الرَّفع كقوله، أي: كقول الشَّاعر: صَدَدْتِ فَأطْوَلتِ الصّدُودَ وقَلّمَا ... وِصالٌ عَلَى طُولِ الصُّدودِ يَدُوم [الطَّويل] الصدود: الإعراض، يقال: صَدَّ عنه وتَصِدُّ صُدودًا، أي أعرض، كذا في "الصحاح". فَقَلَّ: فعل ماض و (ما) المتّصلة بِقَلَّ كافّة له عن طلب الفاعل النّحويّ، لا عن طلب الفاعل حقيقةً لامتناع صدور الفعل إلَّا عن فاعل. قال الشَّريف في "شرح المفتاح" في حاشية المعلّمة بـ منه حيث [قال]: وقَد طَالَ مَا جَالَ في صَدري. اعلم أنّه يجوز أن تكون (ما) كافّة في إنَّما، فإنَّها تكفّ إنَّ عن العمل (كما تكفّ الفعلَ) عن العمل في الفاعل بحسب الظَّاهر، إنَّما قلت بحسب الظَّاهر لأنَّ المنع عن الفاعل حقيقة غير ممكن، لامتناع صدور الفعل إلَّا عن فاعل، والفعل هنا يتعلَّق بحسب المعنى إلى مصدر جال ودار، أي طال الجَوَلَانُ والدَّوَرَان، ويجوز أن تكون (ما) مصدرية، والمصدر فاعل طال. وعلى التَّقدير الأوَّل تكتب موصولة لأنها من تتّمة الفعل. وعلى الثاني مفصولة، وذكر في موضع آخر أي: لا يطلب له فاعل في الترغيب، وإنْ فُهِمَ منه القليل والطويل انتهى. فَعُلِمَ من كلامه أنَّ الفعل المكفوف يجوز أن يتعلَّق إلى مصدرِ فعل الذي تدخل عليه، ذلك الفعل المكفوف، ويجوز أن يتعلَّق إلى مصدرِ نفسه، وهو القليل والطويل والكثير، وعُلِمَ أيضًا (أن (ما) تكتب مفصولة إذا كانت مصدرية وموصولة إذا كانت كافّة لكونها من تتمّة الفعل، وإنمَّا قال: كافّة عن طلب الفاعل مع أن مدّعاهُ كونها كافّةً عن عمل الرَّفع، لأنَّ إعراب الفاعل مستقرٌّ للرفع.

ووصال: فاعل لفعل محذوف يفسّره الفعل المذكور، وهو يدوم، ولا يكون وصال: مبتدأ، ويَدُوم: خبره، وعلى أصول متعلّق بـ يدوم، لأنَّ الفعلَ المكفوفَ بـ (ما) الكافّة لا يدخل إلَّا على الجملة الفعلية، لأنَّه جرى مجرى حرف النَّفي. وقولك: قلَّما يُضرب زيدٌ، بمعنى ما يُضرب زيدٌ، كذا قالوا. هذا الكلام ردّ على سيبويه حيث قال الشَّيخ الرَّضي: وهي عند سيبويه كافّة، وصالٌ: مبتدأ. ولكن ذكر في "شرح الألفية": قال بعض النُّحاة إنَّ قلَّ إذا كُفّت بـ (ما) تدلّ على ندارة الشيء لا على نفيه، وقال أكثرهم: يراد النَّفي في الأشهر، فعلى هذا لِم لا يجوز دخولها على الجملة الاسمية؟ غاية الباب أن يخالفَ الأشهر، على أنّ قول سيبويه بمنزلة النَّصِّ في هذا الفنّ. وقال بعضهم: إنَّ (ما) مصدريّة هي وصلتها، وهي فعل المحذوف وفاعل الفعل المكفوف أي: قَلَّ دوام الوصال. وقال بعضهم: ما زائدة، ووصال فاعل قلَّ، ذكره شارح "الكافية"، فمعنى البيت يختلف على هذا الاختلاف، فتكفّ في وجوهها. ولم يُكفّ من الأفعال بـ (ما) الكافّة إلَّا قلَّ وطَالَ وكَثُر. - وكافّة عن عمل النَّصب والرَّفع معًا. وجه التقديم على الثَّاني ظاهر، وأمّا وجه التأخير عن الأوَّل من الأوَّل كافّة عن طلب الفاعل، وذلك في إنَّ وأخواتها، وهو سائر حرف المشبهة بالفعل، فيكون ما بعدها مبتدأ وخبرًا. اعلم أن الحروف المشبهة بالفعل تنصب الاسم وترفع الخبر خلافًا للكوفيين في قولهم إن الخبر باق على رفعه، "وبعض العرب ينصبُ بهذه الأحرف الجزأين معًا. وحكى قوم منهم ابن السّيد أنَّ ذلك لغة" ذكره شارح "الألفية"، فعلى هذا قول المصنف. - وكافّة عن عمل النصب والرفع يكون على الأشهر، وأنَّ هذه الحروف تلحقها (ما) الكافّة وتمنع عن العمل في الأصحّ، وقد يجوز إعمالها، فذهب الزمخشريُّ إلى جواز إعمالها كلَّها،

والزَّجّاج في: ليت ولعلّ وكأنّ دون البقية لقوّة قرب هذه الثلاثة من معنى الفعل من حيث إنّ كأنّ بمعنى: شبّهتُ، وليت بمعنى: تمنّيتُ، ولعلّ بمعنى: ترجّيتُ مع تفسيرها معنى الكلام، وتأثيرها في مضمونه بخلاف إنَّ وأنّ ولكنّ، فإن معناها غير زائدة على الابتداء سوى التأكيد. وذهب بعضهم إلى جواز النصب بـ ليت ولعلّ، فقال سيبويه والأخفش والفرّاء: لا يجوز النَّصب إلَّا في لَيْتَمَا، وصحّحه أكثر المغاربة، كذا ذكره ابن أمَّ قاسم، فهذه الحروف إذا كُفَّت بـ (ما) يجوز دخولها على الجملة الإسمية نحو: {إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ} وعلى الفعلية نحو: {إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ}. - وكافّة عن عمل الجرّ في (رُبَّ) و (كاف) التشبيه، وفي (الباء). وعند البعض قال صاحب "التسهيل": إن (ما) قد تكفّ عن العمل وتحدث معنى التقليل كقوله: (ربَّما قد تُرى وأنت خطيب). [الخفيف] فربَّ إذا [اتصلت] بها (ما) الكافّة تدخل على الجملة الإسمية نحو: ربّما زيد قائم، وعلى الفعلية لكونها بمعنى حرف النّفي الداخلة على الفعل. لكن يجب أن يكون فِعْلُها ماضيًا لفظًا نحو ربَّما قام زيدٌ أو معنىً نحو: {رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا} فإن المستقبل هنا كالماضي، لأنَّ إخبارَ اللهِ في المستقبل يجري في (التحقيق مجرى) الماضي.

وقوله أي قول الشَّاعر، هذا مثال على كون الـ (ما) كافّة عن العمل: أخٌ مَاجدٌ لم يَخْزُني يَومَ مَشهدٍ المجد: الكرم، وقد مَجُدَ الرَّجُلُ بالضَّم فهو مجيد وماجد، والمشهد: محضر النَّاس. والمُراد هنا: الحرب. كما سيف عمروٍ لم تَخُنْهُ مَضَارِبه [الطويل] كما سيفُ عمروٍ بالضمّ: مبتدأ، لأنَّ (ما) تمنع الكاف عن العمل، ومضافٌ إلى عمرو. لم تَخُنْهُ: خبره، وفاعله مستتر راجع إلى السيف، ومفعوله ضمير راجع إلى عمرو. مضاربه: بالنصب مفعول فيه بتقدير في، وقد تستعمل تلك الكاف (في القرآن) وفي الوقوع نحو: كما حضر زيد قام عمرو، أي قارن القيام والحضور في الوقوع. وقيل: إنَّها لتأكيد الوجود كما في قوله تعالى: {وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا}: أَوْجِد رحمتهما إيجادًا متحققًا كما أوجدت تربيتهما إيجادًا محقّقًا، في زمان الماضي. وزائدة، وهو قسم خامس من (ما) الحرفية وتسمى هي وغيرها أي ما وغيرها حال كونها من الحروف الزائدة، وهي ثمانية أحرف:

إنْ، أنْ، ومَا، ولَا، ومِنْ، والباء، واللام، والكاف بالندرة. مرَّ تفصيلُ كل واحد منها في موضعه. صلةً وتأكيدًا لأنَّها يُتوصل بها إلى زيادةِ فصاحة، واستقامةِ وزن، أو حُسْن سَجْعٍ، أو تزيين لفظ، وغير ذلك نحو: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ} {وعَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ}. فـ (ما) في الآيتين صلة ومؤكدة، ورحمه وقليل: مخفوض بـ (الباء) و (عن). أي فبرحمة وعن قليل الأوَّل تفسير للأول، والثاني للثاني.

[الباب الرابع] [الإشارات إلى عبارات]

[الباب الرّابع] [الإشارات إلى عبارات] الباب الرابع في الإشارات أي: الإيماءات. قال الجوهري: أشار إليه باليد: أومى. وفي لفظ الإشارات إشعار إلى أن ذلك التفصيل إيماءٌ بالنسبة إلى ما يستحقه هذا المقام من البسط. إلى عبارات. يقال: عبرت الرؤيا إذا فسرتها، وإنَّما سميتِ الألفاظ الدّالة عبارة لأنها تفسّرها في الضمير، أي في تعريفات. محررة. تحرير الكتاب: تقويمه، والمراد هنا: كونها مهذبة أو مطهّرة من الزوائد بحيث لا دخل فيها ولا اعتراض عليها. مستوفاة. استوفى حقه وتوفاه بمعنىً كذا في "الصحاح". موجزة، يقال: أوجزت الكلام: قصرته، وفي الاصطلاح: أداء المقصود بأقل من عبارات المتعارف، أي عبارات تُعطى حقها بحيث لم يكن فيه طول كالتعريف المعهود، ولم يخلُ شيء من المقصود مع وضوح الحدّ عن حدّ المحدود. وينبغي أن تقول، لمّا فَرَغَ من القواعد والأصول أراد أن يبين كيفية إجرائها على ما يناسبها، وإعراضها عمّا لا يناسبها، فقدّم ما يناسبها مع أن ذكر الإعراض عما لا يناسبها أهم من ذكر ما يناسبها، قصد إلى عدم الفصل بين القواعد والأجزاء.

النائب عن الفاعل

في نحو ضُربَ. أي في الفعل الماضي المجهول. مِن ضُرِبَ زيدٌ. من جارة داخلة على الفعل على سبيل الحكاية، وإنَّما قال هذا ليكون توطئة لقوله: وأنْ تقول في نحو زيدٌ: نائب عن الفاعل. إنهُ فعلٌ ماض مُنَوّنَيْن لم يُسَمَّ فاعله، ولا تقل مبني لما لم يُسم فاعله لما فيه أي: لشيء نفسي حصل في هذا التعريف. من التطويل، بيان لـ (ما) وهو زيادة حرف من التعريف الأول. والخفاء: عطف على التطويل، وَجْهُ الخفاء أن (ما) في قوله: لـ (ما) عبارة عن المفعول، وضمير فاعله راجعٌ إليه، فلابُدَّ أن يوجهَ بأن يقال: إضافة الفاعل إليه لأدنى ملابسة، أو على حذف المضاف، أي فاعل فعل الواقع عليه. وأن تقول في نحو زيد من ضُرِبَ زيد: نائب عن الفاعل لاختصاره وعدم صدقه على نحو دِرْهمًا، لكن يرد عليه أنهُ يصدق على المضاف إليه الذي يقوم مقام الفاعل المضاف المحذوف كالحساب في قوله تعالى: {يَوْمَ يَقُومُ} وعلى تقدير أن يكون الإسناد مجازيًا. ولا تقل مفعول ما لم يُسَم فاعله لخفائه، وهو أن الغرض منه إعلام كونه نائبًا عن الفاعل، ومُعربًا بإعرابه ولم يُفْهم. وطولهِ. نائب عن الفاعل. وصدقِهِ على نحو دِرهمًا كائنة من أعطيَ زيدٌ درهمًا، مع أن التعريف لازم أن يكون مانعًا عن أغياره، ويمكن أن يُجاب بأن يقال: إن من قال: مفعول ما لم يُسَم فاعله، قال: كل مفعول حُذف فاعله وأقيم مقامه فلا يصدق عليه. نعم إذا قطع النظر عنه (يصدق عليه) لكنَّه مقدّر عند أرباب هذا الفنّ، وليس بأجنبي عن اصطلاحاته، وبهذا يندفع ما قال التفتازاني في شرحه للعزي: إنّ التّعريف ينتقض بالمبني للفاعل عند من جوّز حذف الفاعل.

قد حرف تقليل زمن الماضي، وحدث المضارع

وأن تقول في قد: حرف تقليل زمن الماضي أي: تقريبه، ولا يخفى حُسْنُ هذه العبارة لِمَنْ له أدنى مُسْكَةٍ في هذا الفن. وحدث المضارع أي: وقوعه. يقال: حدث أمر إذا وقع، كذا في "الصحاح". أو لتحقيق حدثيهما أي: لتحقق وقوع الماضي والمضارع، وهذا التحقيق غير الذي حصل من صيغة الماضي. وينبغي أن تقول في لن، وهي حرف برأسه عند سيبويه وهو الصَّحيح، لأنَّ الأصل في الحروف أن لا يحكم عليها بخلاف ظاهرها، لأنها بعيدة عن التصرف والتمسك بالأصل أولى وأحَق. وعند الخليل مركبة أصلها: لأنْ حذفَت الهمزة تخفيفًا، وسقطت الألف لالتقاء الساكنين، ورده سيبويه بجواز تقديم معمولها نحو: زيدًا لن يضرب. أجيب بأنه يجوز أن يحدث بعد التركيب ما لم يكن قبله، على أنَّه منع الأخفش [الصَّغير] ذلك التقديم، وعند الفراء نونها مُبْدَلَة من الألف، كما أُبْدِلت الألف من النون وهو ضعيف. حرف نصب ينصب المضارع. وحكى بعضهم أن الجزم بـ لَنْ لغة بعض العرب، وأنَّ الجزم والرفع جائز عند البعض، ذكره "شارح الألفية". ونفي استقبال ذكر في "شرح الألفية" أيضًا: أن (لن) حرف نفي ينصب المضارع ويخلصه للاستقبال، ويلزم أن يكون مؤبدًا خلافًا للزمخشري. ذكر ذلك في "أنموذجه" وقال في غيره أنّ (لن) لتأكيد ما تعطيه لا من نفي المستقبل.

لم حرف جزم لنفي المضارع وقلبه ماضيا

قال ابن عصفور: وما ذهب إليه دعوى لا دليل عليها، بل قد يكون المنفي بـ (لا) آكد من المنفي بـ (لن)، لأنَّ المنفي بـ (لا) قد يكون جوابًا للقسم، والمنفي بـ (لن) لا يكون، ونفي الفعل إذا قُسم عليه آكد، وقال صاحب "الإقليد": والمراد بالتأكيد هو التصميم وإبرام العزيمة على ما خبر به من سلب وإيجاب عما هو يصدره وليس كما زعم بعضهم أنها للتأبيد، إذ التأبيد مناف للتحديد. وقد جاء التحديد معها في قوله تعالى: {فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي}. وحتى لانتهاء الغاية. وذهب قوم ومنهم ابن السَراج إلى أنه يجوز أن يكون الفعل بعدها دعاء. واختاره ابن عصفور، وجعلوا منه قوله تعالى {فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ} والصحيح أنَّه لم يستعمل من حروف النفي في الدعاء إلَّا (لا) خاصة. وفي (لم) حرف جزم يدخل على المضارع، وقد تلغى فلا [يجزم بها]، قال في "شرح التسهيل"، حملًا على (لا) وفي "شرح الكافية" حملًا على (ما) قاله شارح الألفية، وهو أحسن. لأنَّ (ما) يُنفى بها الماضي كثيرًا بخلاف (لا) وأنشد الأخفش على إهمالها: لَوْلَا فَوَارسُ مِنْ ذُهْلٍ وأسرتهم ... يَوْمَ الصَّليفِ لم يوُفُونَ بِالْجَارِ [البسيط] قال بعض النحويين: إنه ضرورة، وقال بعضهم: إنَّه شاذ، وفي "التسهيل": وقد لا يُجزَمُ بها، فلم يخصه بالضرورة، وذكر في "شرحه" أن الرَّفع بها لغةُ قوم، ولا يجوز الفصل بينها وبين الفعل، وحذفه بعدها إلَّا في الضرورة.

أما المفتوحة المشددة حرف شرط وتفصيل وتأكيد

لنفي المضارع، فيجوز أن يكون ذلك النفي منقطعًا عند الحال نحو قوله تعالى {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا}، ومتصلًا بها نحو: {وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا}. وقلبه ماضيًا: هذا صريح بأنها تدخل على المضارع، وتصرف معناه إلى الماضي، وهو مذهب [المبرد] وأكثر المتأخرين. وقد ذهب أبو موسى ومن وافقه، وقد نُسب هذا القول [إلى] سيبويه إلى أنها تدخل على الماضي، وتصرف لفظه إلى المضارع. وقال ابن الحاجب: وإن لم يكن بين هاتين العبارتين خلاف في المعنى، لكن العبارة الثَّانية ليست بجيدة لأنَّ قولهم مما يوهم صحّة دخول (لم) على الماضي، وليس كذلك. ويوهم أيضًا بقاء المضارع على معناه، لأنّهم لم يقولوا: إنَّها تقلب لفظ الماضي إلى المضارع ولم يتعرض إلى كون معنى الماضي مُرادًا، فكان الأوَّل أَوْلى. وفي أمّا المفتوحة المشدَّدة حرف شرط قال محشي الضوء: إن النُّحاة اختلفوا بعد اتفاقهم على أنها حرف، في أنها موضوعة للشرط، أو قائمة مقام ما وُضع للشرط. فذهب ابنُ الحاجب إلى الأوَّل، قال في "الكافية": وحرف الشرط: إنْ ولَوْ وأمّا. وصاحب "الكشاف" إلى الثَّاني حيث قال في "مفصله": ومن أصناف الحروف حرفا الشرط وهما: إنْ ولو. ثم ذكر بعد عدّة فصول. (أما) كلمة فيها معنى الشرط والخلاف في أنها حرف أو اسم ليس بمشهور. انتهى

ولا يُلْزِم من تعبير صاحب الكشاف: "أما كلمة فيها معنى الشرط" كونها اسمًا، لأنَّ إطلاق الكلمة على الحرف جائز، وإنَّما عبَّر بالكلمة إشعارًا إلى خفاء حرفيتها، من حيث إنَّها عملت في الظروف النصب، وتضمنت معنى (مهما). وبعض الفضلاء تكلف في التوفيق بين ما قال ابن الحاجب والزمخشري بأن قال: يجوز أن يكون مراد ابن الحاجب (أمّا) المركبة التي أصلها (أن) (ما)، ومراد الزمخشري (أما) المفردة المتضمنة للشرط لأنَّ جميع شراح الكافية فسروها بمهما يكن، فلو كان مراد ابن الحاجب (أما) المركبة لما جاز التفسير به، والحقُّ أن النزاع في (أما) المفردة وإن التوفيق ما قاله: جلال الدين العجدواني، وهو أن صاحب "الكشاف" اعتبر ما كان خالصًا للشرط، وابن الحاجب ما فيه معنى الشرط. وأدرج ماله معنى الشرط (في حرف الشرط)، فيكون جمعًا بين الحقيقة والمجاز. ومن هذا قال: إطلاق حرف الشرط على (أما) التفصيلية مجاز. ولهذا فسر بعض شراح تلك الرسالة قوله: حرف شرط، أبي حرف مؤوّل باسم شرط وتفصيل. وذلك التفصيل قد يكون لمجمل سابق كقوله: أنا أود وأقلى؛ أما من أوده فالعالم، وأمَّا من أقلاه فالجاهل. وقد يكون لتفصيل ما أجمَلَهُ في الذهن [ويكون] معلومًا للمخاطب بواسطة سبق ما يدل على المتعدد بوجه ما، كقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ: مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا. .}. وقد يجيء للإستئناف من غير أن يتقدمها ما يدل على المتعدد كـ (أما) الواقعة في أوائل الكلام المنقطع عما قبله، ومنها ما يأتي في أوائل الكتاب والرسالة، ومتى كان تفصيلًا لمجمل وجب تكرارها.

أن المفتوحة حرف مصدري ينصب المضارع

وقد يكتفى بذكر قسم واحد حيث يكون المذكور [ضد غير المذكور] لدلالة أحد الضدين على الآخر كقوله تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ}. فإنَّ ما يقابل (أما) المذكورة ههنا غير مذكور لكنه مقدّر، يعني: فأما الذين [ليس] في قلوبهم زيغ فيتبعون المحكمات. وتأكيد، لأنَّ تفصيلَ المجمل يدل على زيادة الاعتناء بشأن المذكور. وفي أنْ المفتوحة المخففة حرف مصدري ينصب المضارع، مرّ تفصيله في الباب الثالث. وفي الفاء التي بعد الشرط، إنما قال بعد الشرط، ولم يقل قبل الجواب مع أنَّها قد تقع بعد الفضلات المتعلقة بالشرط اكتفاء بقوله: رابطة لجواب الشرط لأنَّه يُعلم منه دخولها على الجواب. ولا تقل جواب الشرط كما يقولون؛ أي: بعض المُعْرِبين. لأنَ الجوابَ الجملة بأسرها. هذا الكلام ظاهر في أنَّ الفاء داخل في الجواب، وهو مذهب أكثر النحاة، وقال بعضهم: إن الفاء خارج عن الجواب، لأنها رابطة [والرّابطة] غير المربوط. لا الفاء وحدها. وارتكاب المجاز في مثل هذا المقام ليس ممَّا ينبغي. وفي نحو زيد من قولك: جلست أمام زيدٍ، مخفوض بالإضافة أو بالمضاف قال الشَّيخ الرضي: اعلم أن بينهم خلافًا في العامل في المضاف إليه؛ هو اللام المقدّر أو المضاف، فَمَن قالَ الحروف المُقدّرة نظر إلى معناه في الأصل المتقدم هو الموقع للإضافة بين الفعل والمضاف إذ أصلُ غلام زيدٍ، غلام جُعل لزيد، ومن قال: إن عامل الجر هو المضاف، وهو الأَوْلى، قال: إن

المخفوض بالإضافة أو المضاف إليه

حروف الجر شريعة منسوخة، والمضاف مفيدة معناه، وقال بعضهم: العامل معنى الإضافة، فليس بشيء. فَعُلِمَ من هذا أن قوله مخفوض بالإضافة ليس بصحيح. ولا تقل [مخفوض] بالظرف، وهو أمام في هذا المثال، لأنَّ المقتضى للخفض في المضاف إليه هو الإضافة على رأي، أو المضاف من حيث هو مضاف مع قطع [النَّظَر] عن الحيثيات على رأي. لا المضاف من حيث هو ظرف بدليل: غلام زيد وإكرام زيد، فإن المضاف في هذين المثالين ليس بظرف مع أن المضاف إليه مخفوض به، فلو قلت مخفوض بالظرف ليُفهم مدخلية الظرف في الخفض، وليس كذلك. واعلم أن قول المصنف (لأن المقتضى للخفض) مساهلة لأنه يُفهم منه كون العامل نفس المقتضى وليس كذلك، لأنَّ العامل ما به يتقوم المعنى المقتضي للإعراب على ما صرح به ابن الحاجب في مقدمته، اللَّهم إلَّا أن يُقَدر ويُقَال لأنَّ ما به يتقوم المعنى المقتضى أن تقول: في الفاء من نحو: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} فاء السببية، ولا تقل فاء العطف لأنه لا يجوز عند بعض النحويين أو لا يحسن عند أكثر النحويين ومنهم سيبويه حيث قال: إن كانت الجملتان مرتبطتين من حيث المعنى يجوز عطف الطلب على الخبر ولا العكس. أي: لا يجوز أولًا يحسن عطف الخبر على الطلب على اختلاف الرأيين لما بينهما من التنافي في المعنى، وأن تقول: وجه تغيير الأسلوب السابق بذكر أن تقول: أما طول العهديين المعطوفات، هو إشعار إلى أن ما ذكره بعده ليس من جنس ما ذُكر قبله في الواو العاطفة: حرف عطف لمجرّد الجمع من غير أن يكون المبتدأ داخلًا في الحكم قبل الآخر، ولا أن

حتى العاطفة عطف للجمع والغاية

يجتمعا في وقت واحد، بل الأمران جائزان، وجائز عكسهما. هذا هو المختار عند فحول هذا الفن، وإن ذهب بعضهم إلى لزوم المعيّة، وبعضهم إلى دخول الأوَّل في الحكم قبل الذي. وفي حتَّى التي للعطف حرف عطف للجمع والغاية، وإنَّما لم يقل لمطلق الجمع كما قال في النوع الثالث من الباب الثَّاني إشعارًا إلى ما قاله بعض النُّحاة، وهو أن يكون فيها جمع وترتيب، ومهملة متوسطة بين الفاء وثمَّ. وفي ثمَّ حرف عطف للترتيب والمهلة. قال في "القاموس": ثمّ حرف يقتضي ثلاثة أمور: التشريك في الأمر أو قد يتخلّف [بأن تقع زائدة كما في: {أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}]. [والثالث: المُهْلَة]، أو قد يتخلّف كقولك: أعجبني ما صنعتَ اليوم، ثمَ ما صنعتَ أمسِ أعجبُ. لأنَّ ثمّ فيه لترتيب الأخبار ولا تراخي بين الإخبارين انتهى. وفي الجوهري: وربما أدخلوا عليها التّاء كما قال: ولَقَدْ أمُرُّ على اللَّئيم يَسُبُّني ... فَمَضَيْتُ ثُمَّت قُلْتُ لَا يَعْنِيني [الكامل] وفي الفاء حرف عطف للترتيب والتعقيب. اعلم أن الفاء إذا كانت من حروف العطف يُعطف بها وتُفيد التّرتيب، وهو نوعان: - معنوي كقام زيد فعمرو. - وذِكري. وهو عطف مفصَّل على مجمل نحو: {فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا

حرف الجر واسمه: الجار والمجرور

كَانَا فِيهِ} والتّعقيب مع الاشتراك عنهما تقول: ضربت زيدًا فعمرًا، والتّعقيب بدون الاشتراك فيكون ما قبلها علّة لما بعدها نحو: ضربه فبكى، والتّعقيب في كلّ شيء بحسبه نحو: تَزَوَّج فَوَلَدَهُ، مع أنَّ بينهما مدّة الحمل. هذا إذا أطنبت في التَّعبير عن الأدوات، وإذا اختصرت فيهنّ، أي: في تعبير تلك الأدوات فقل عاطف ومعطوف. أي: قل في حروف العطف مع المعطوف، كما تقول عند الاختصار في حروف الجرّ مع مجرورها: جار ومجرور. وهذا التعبير شائع عند أرباب هذا الفنّ فلذلك جعله مشابهه، وإنَّه من باب التشابه لا من التشبيه. وكذلك أي: كما تقول عند الاختصار في حروف العطف والجرّ. تقول إذا اختصرت في نحو: {لَنْ نَبْرَحَ}، ولَنْ نَفْعَلَ ناصبٌ ومنصوبٌ هذا هو المختار لما عرفت أن الرَّفع بهما والجزم بـ لن جائز عند البعض. وأن تقول في (إنّ) المكسورة المشدَّدة: حرف توكيد، لأنّها يُجاب بها (القسم كما يُجابُ) باللام، وعن الفرّاء أنَّ (إنَّ) مقدَّرة لِقَسَم محذوفٍ استغنى بها عنه، فالتقدير: واللهِ إنّ زيدًا لقائم. يَنْصِبُ الاسم ويرفع الخبر [عند] البصريين، وأمَّا عند الكوفيين وتبعهم "التسهيل" إلى أنّ الخبر مرفوع بالابتداء، كما كان قبل دخول (إنّ) عليه، فلذلك جوّزوا العطف على اسم إنّ المكسورة بالرَّفع قبل مُضيّ الخبر. وتزيد في (أنّ) المفتوحة فتقول: حرف توكيد مصدري ينصب الاسم ويرفع الخبر وإنَّما قيل: حرف مصدري لأنَّها تعامل معاملة المصدر حيث تؤولّ مع معمولها بالمصدر وتقع فاعلًا نحو: بلغني أن زيدًا منطَلِقٌ، فإنَّه مؤولّ بـ (بلغني انطلاق زيدٍ).

[ما يعاب على المعرب]

ومفعولًا نحو: سمعت أن عَمْرًا عالمٌ، وهو مؤوّل بـ (سمعت عِلْمَ عمرو). ومضافًا إليه نحو: عَجِبْتُ من أنّ بكرًا واقفٌ، وهو مؤوّل بـ (عجبت من وقوف بكرٍ). ولهذا أي: لأجل وقوعها مع معمولها موقع المفرد لم يجز العطف على اسمها بالرَّفع سواء كان قَبْلَ مُضيّ الخبر أو بعده. [مَا يُعَابُ على الْمُعْرِب] واعلم أنَّه، الضمير للشَّأن، يُعَابُ يُقال: عابَ المتاعَ إذا صار ذا عيب، وعِبْتُهُ أنا مُتَعَدٍّ. كذا في الجوهري. على الناشيء. هذا القيد ليس للاحتراز لكونه عيبًا على الدَّخيل أيضًا، وإنما قال ترغيبًا للطّالب، يدل عليه قوله: والصَّواب لأنّه يُستعمل في مقابلة الخطأ. ووقع في بعض النُّسَخ (على النَّاس) فحديثه لا يحتاج إلى الاحتراز، فقوله: على الناشئ أي: المتمرّن، مأخوذ من نَشَأ الغلام إذا ارتفع وبلغ. في صناعة الإعراب. عبَّر بالصّناعة إشعارًا بلزوم المجادلة والمزاولة وكونها آلة كسائر العلوم، فقوله: يُعَابُ: فعل مضارع لم يُسَمّ فاعله. وجملة أن يَذْكُرَ فعلًا نائبًا عن الفاعل، أي: يعيب المُعْرِبُون على الناشئ ذكر الفعل ولا يبحث عن فاعله، عطف على يذكر، أو أن يذكر مبتدأ ولا يتفحّص عن خبره. أو ظرفًا أو مجرورًا بحرف جرّ، ولا يُنبِّه إلى متعلّقه، والضمير راجع إلى ظرفٍ أو مجرور على سبيل البدل. أو جملةً ولا يذكر أَلهَا محل أم لا، أو موصولًا ولا يُبيِّن صلته، سواء كان اسميًّا أو حرفيًا، وعائده. إذا [كان] الموصول اسميًّا، لِمَا عَرَفْتَ أنّ الحرفي لا يحتاج إلى العائد.

أن يذكر اسما موصولا ولا يذكر محله

اعلم أنّ ذكر المبحث في: الفاعل، والتفحص في الخبر، والتَّنْبِيه في المتعلَّق، والذّكر في المحل، والتّبّين في الموصول فيما لا يخفى وَجْهُهُ على طبع وقّاد وذِهْنٍ نقّادٍ. وأن يقتصر على أن يذكر في إعراب الاسم من نحو: قام ذا أو نحو: قام الَّذي، على أن يقول: اسم إشارة في ذا أو موصول في الذي، فإن ذلك أي كون (ذا) اسم إشارة، والَّذي: اسم موصول، لا يقتضي إعرابًا حتَّى يُعلم كونها في محل الرَّفع على [الفاعليّة]. والمراد من الموصول ما يوجد مع الصّلة، وإلا لا يكون له محل ولا اقتضاء. والصَّواب في التعبير أن يُقال: فاعل وهو اسم إشارة، أو فاعل وهو اسم موصول فإن قلتَ لا فائدة في قوله في نحو (ذا) إنه اسم إشارة، لأنَّ الغرض منه إعلام فاعليته والاقتصار على فاعل كافٍ فيه مع أَنَّه لا فائدة في التطويل. بخلاف قوله في الذي: إنَّه موصول فإنَّ فيه أي؛ في ذكر اسم الموصول، تنبيهًا على ما يفتقر إليه الموصول من الصّلة بيان لـ (ما)، والعائد عطف على الصلة لِيَطلُبهما أي: الصلة والعائد، المعربُ وليعلم عطف [على ليَطلبهما] أي: لأجل أن يَطْلُبَ ويَعْلَمَ المعربُ، أنّ جملةَ الصّلة لا محل لها. لأنَّ الموصول لا يتمّ إلّا بصلة فيكون كشيء واحد. قلتُ: بلى فيه، أي في ذكر اسم إشارة فائدة؛ وهي التَّنبيه، أي الإشارة. إنَّما فسَّرنا به لتعدّيه بـ إلى، إلى أنَّ ما يلحقه من الكاف، بيان لـ (ما) وجملة ما يلحقه في محل النصب على [أنَّها] اسم إنّ، حرفُ بالرَّفع خبرها مضاف إلى خطاب لاسم مضاف إليه. لأنَّ اسم الإشارة معرفة فلا يضاف إلى شيء، والاسم مرفوع لأنَّه لا رافع هنا، ولا منصوب لأَنَّه لا (ينصب فتعيّن) أن يكون حرفًا، ولا يرد عليه، لِمَ لا يجوز أن يكون في أسماء الإشارة معنى الفعل وهو أشير؟

فيعمل عمل النَّصب كما في: هذا زيد قائمًا، لأنَّ هذا التقديرُ لا يكون إلَّا باقتضاء المقام، ولا اقتضاء هنا، وقد يستدلّ بحرفيّة هذه الكاف بامتناعِ وقوعِ الضَّمير موقعها، ولو كان اسمًا يمنع وقوعها كما في: ضربتك وبك. وذكره الشَّيخ الرَّضي. وإلى أنَّ الاسم بعد (ذا) العطف تعبير المصنّف باللّحوق في الأوَّل، وبالبعدية في الثَّاني ظاهر على المتأمّل في نحو قولك: جاءني هذا الرَّجل، نعت على أن تكون اللّام إشارة إلى حصّة غير معيَّنة، أو عطف بيان على أن يكون إشارة إلى حصّة معيَّنة [كما حققه ابن عصفور] على خلاف [بين النُّحاة] في المعرّف بـ أل [أي: بحرف التعريف الواقع بعد اسم الإشارة، وبعد أيّها في: أيّها الرجل. فإن تلك اللّام للعهد الذّهني عند البعض، ووجه التَّنبيه انحصار كون المعرّف بعدهما صفة أو عطف بيان كما جعله أكثر النُّحاة. وعند البعض أن يكون بدلًا. ذكره في "شروح الكافية" فلا يكون التَّنبيه تامًّا. وفيما لا يتبيّن عليه إعرابٌ. عطف على قوله في إعراب الاسم، يعني: يُعاب على الناشئ أن يقتصر فيما لا يتبيّن عليه إعرابٌ، وقوله: أن يقول، عطف على أن يقول بعاطفٍ واحد، مضافٌ فإنّ المضاف ليس له إعراب مستقرٌّ كما للفاعل ونحوه. أي: إعراب مستقرٌّ للفاعل وفروعه، والمفعول وفروعه، والمضاف إليه وفروعه. إنَّما إعرابه بحسب ما يدخل عليه أي: على المضاف [فيكون إعرابه على [حسب] العامل، فالصَّواب أن يقال في التعبير عن المضاف]. فاعل ومفعول ونحو ذلك من المعمول الَّذي يستقرّ إعرابه، والمصنّف لم يقل هو فاعل ومضاف مع أنَّه يتعلَّق بذلك فائدة، وهي كونه جارًّا للمضاف إليه. والفرق بين هذه الفائدة وما ذَكَرَهُ في الموصول واسم الإشارة فليس بواضحٍ. بخلاف المضاف إليه في جواز الاقتصار عليه، فإن له إعرابًا مستقرًّا وهو. أي: الإعراب المستقر فيه الجرّ فإذا قيل في التعبير: مضاف إليه، عُلم أَنَّه مجرور بالمضاف.

[الحرف الزائد من القرآن]

-الحرف الزائد من القُرآن- وينبغي أن يتجنَّب المُعرِبُ؛ فاعل ينبغي؛ أي اجتناب المُعْرب أن يقول في حرفٍ الذي ثبت في كتاب الله تعالى أنَّه، الضمير راجع إلى الحرف من غير تأويل الكلمة زائد، بل يقولون: إنَّه صلة أو مؤكَدٌ لأنَّه يسبق إلى الأذهان عند إطلاق الزَّائد أنَّه هو معرب الَّذي لا معنى له أصلًا، وكلام الله تعالى منزه عن ذلك أي: عن الزَّائد الذي لا معنى له، وقد وقع هذا الوهم، أي كون المراد من الزائد ما لا معنى له، للإمام العلامة المحقّق فخر الدّين الرّازي فقال الإمام: المحقّقون على أنّ المهمل لا يقع في كلام الله تعالى، والجملة محكي القول. وأمّا في قوله: {فَبِمَا رَحْمَةٍ} فيمكن أن تكون استفهامية للتعجّب، والتقدير فبأي رحمة انتهى. هذا الكلام يجوز أن يكون من طرف الإمام تصحيحًا لقول المحقّقين، ويجوز أن يكون من طرفهم تصحيحًا لما يدّعيه برفع سؤال مقدّر وهو أنَّ الباء في: فبما رحمة: زائدة. فأجاب بهذا، فإن قلت: لِمَ لا يجوز أن مراد الإمام أن يمنع إطلاق الزّائد على حرف من كتاب الله تعالى، لما فيه حرف حجاب الهيبة، ومخالفة باب الأدب. نعم يجوز هذا التّوجيه إذا كان الجواب عن طرف المحقّقين، وأمَّا إذا كان عن طرفه وهو المتبادر، فهذا التّوجيه سخيف جدًا. والزَّائد عند النّحويّين، جواب عمَّا قال المحقّقون، معناه الذي لم يؤت به إلا لمجرد التَّقوية والتَّأكيد، لا المهمل، على أنّ كون الشيء مفيدًا لمعنىً لا ينافي تسميته بالزَّائد، فإنَّ النَّحويين يسمّون كان في: كان زيدٌ فاضلٌ زائدة، وإن كانت مفيدة بمعنًى وهو المضيِّ والانقطاع، وذكر في "المغني" أنَّهم قد يريدون بالزَّائد المعترض بين الشيئين مُطَالِبين، وإن لم

يصحّ أصل المعنى بإسقاطه، كما في مسألة [لا في نحو:] (جئتُ بلا زاد)، وغضب من لا شيء، فإنَّهم لا يسمّون (لا) المعترضة بين الخافض والمخفوض زائدة انتهى. فَعُلِمَ ممَا ذُكر أن إطلاق الزَّائد ليس فيه شيء سوى ترك ما ينبغي قوله. والزائد: مبتدأ، وعند ظرف متعلّقٌ به مضاف إلى النَّحويين، ومعناه مبتدأ ثان والموصول مع صلته خبره، والمبتدأ الثَّاني مع خبره خبر الأوَّل. والتَّوجيه المذكور في الآية من طرف الإمام باطل لأمرين: أحدهما أنّ (ما) الاستفهاميّة إذا خفضت بحرف جرٍّ وجب حذف ألفها نحو قوله تعالى: {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ} يمكن [ردُّ] هذا الوجه بأن يقال: إنّ بعضَ المفسرين جوّزوا إثبات ألفها على أصلها عند الخفض كما عرفت في النّوع الثامن. والثاني: أي ثاني الأمرين: أنَّ خفض رحمةٍ حينئذٍ، من أسماء الزّمان، وهي مضاف إلى الجملة، فحذف المضاف إليه، وعوّضت التنوين، فالتقى السَّاكنان، الذَّال والتّنوين فحُرّكَت الذَّال بالكسر؛ لأنَّ الساكن إذا حُرِّك بالكسر، وذُكر فيه وجهٌ آخر وهو أنَّهم لمَّا حذفوا المضاف إليه، وحقّه أن يكون مجرورًا منوّنًا، طرحوا جرّه وتنوينه على المضاف ليكون بمنزلة استغنائه بعد ذهابه. وما قاله الأخفش: إنَّه مجرور بالإضافة فليس بجيّد. وقال بعضهم: بالفتح لكونها أخفّ الحركات، وتكرير اسم الزّمان بمنزلة التَّكرير في يا تيم تيم عديّ، ووجهه أنْ يراد الكسرة على الذّال ممَّا يمجّ السمع، وينفر عنه الطبع لكون السّكون أصلًا في المبنيَّات فأدخل الاسم الأوَّل على الثَّاني ليوهم إدخاله عليه

أي عند النحويين

الإضافة، ويرتفع بذلك الاستكراه والنّفرة، كذا قيل وهذا لا يجيء إلَّا بعدما تقدَّم حصته ليكون تقدّمها قرينته، تدل على خصوصيَّة ذلك المضاف إليه، فتقديره: أنّ خفض (رحمة) حين إذا كان ما وجّهت. يُشْكِلُ لأنَّه أي لأنَّ جرّ رحمة، لا يكون إلَّا بالإضافة، إذ ليس في أسماء الاستفهام ما يُضاف. قيَّد به لأنَّها [لا] يجوز أن تكون مضافًا إليه، فيحذف ألفها فرقًا بين (ما) الاستفهاميَّة والخبرية كذا في الجاربردي. إلّا أي عند الجميع، أي عند جميع النُّحاة، فإنَّ معنى أي أن يكون بعضًا من كل وحقه لذلك أن يكون مضافًا أبدًا. قال في "الإقليد" يمكن أن يكون أصل أي أوي لأنَّه أبدًا بعض ما يضاف إليه، وبعض الشيء يأوي إليه كلّه إلّا أنَّ الواو قلبت ياءً. وكم عند الزَّجّاج. اعلم أنّ (كم) كناية عن العدد فيستعمل على وجهين: خبرية واستفهامية. فالخبريّة تجرّ مميّزها مفردًا أو مجموعًا كمميّز الثلاثة والمئة نحو: كم رجلٍ، وكم رجالٍ عندي. والمفرد أكثر من المجموع لأنَّ (كم) للتكثير، فجعل مميّزها كمميّز العدد الكثير وهو المائة وألف، وإنَّما جاز الجمع فيه ولم يجز في العدد الصريح [لأنّ العدد الكثير يدلّ على الكثرة صريحًا فاستغنى به عن الجمع] بخلاف (كم) فإنَّها كناية عن العدد الكثير، وليس في لفظها ما يدلُّ على الكثير صريحًا، فيجوز ذكر مميّزها جمعًا صريحًا لكثرته. وهذا الجرّ بالإضافة عند غير الفرَّاء حملًا على العدد الكثير وعند الفراء بـ (مِنْ) مقدّرة، وجوّز [عمل] الجار هنا، وإن كان مقدّرًا لكثرة دخول (مِنْ) على مميّز الخبرية. والشيء إذا عُرف في موضع جاز تركه لدلالة الموضع عليه، هذا إذا لم يُفْصَل بين كم

ومميّزها بجملة أو ظرف. وإنْ فُصِل فالمختار النَّصب حملًا على الاستفهامية. والاستفهامية تنصب مميّزها مفردًا كمميّز أحد عشر لأنَّ [المُسْتَفْهِم لا يتحقق عنده في الأغلب كثرة العدد] المُسْتَفْهَم عنه ولا قلته، بل المستفهَم عنه يحتمل الأمرين، فحملت على المرتبة المتوسطة، ولأنَّها كعدد مقرون بهمزة الاستفهام فأشبهت العدد المركب. فأجريت مجراه في كون مميّزها منصوبًا مفردًا، ولا يجوز جرّ مميزها إلَّا إذا انجرّت هي، فإنَّه يجوز جرّ مميّزها لفقد تطابُقِ (كم) ومميّزها في الإعراب، وذلك الانجرار بتقدير (مِنْ) مع بقاء عملها عند الخليل وسيبويه، وبإضافة (كم) عن الزَّجَّاج. هذا ولك أن تقول: لم لا يجوز تضمين ما يُضاف بالاتّفاق وهو أي؟ ويرشدك إليه ما قاله الإمام، والتقدير: فَبِأيِّ رَحْمَةٍ. نعم. للاستفهام مميّز مشترك. لكن الكلام ليس فيه، بل فيما صارت (أي) في الاستفهام مميَّزة به عن غيرها. ولا يكون خبر رحمة بالإبدال من (ما)، لأنَّ المبدَل من اسم الاستفهام لابد أي لا جرم أن يقترن بهمزة الاستفهام نحو: كيف أنت أصحيح أم سقيم؟ هذا مذكور في أكثر كتب النَّحو. قال شارح "الألفيَّة": هذا مذهب البصريين، وذهب كثير من الكوفيين إلى أنَّ المبدل يجوز (ممَّا) الاستفهامية، والصحيح مذهب البصريين. انتهى. ودليلهم أنّ المبدل منه في حكم السقوط، فلابد من بقاء ما يدلّ على الاستفهام لكونه مرادًا يمكن أن يجاب عنهم في طرف الكوفيين، بأن يقول ليس المراد في قولهم: "إنَّه في حكم التنحية الأوَّل إيذانٌ منهم باستقلاله بنفسه، ومفارقته للتأكيد والصفة في كونهما متممتين لما يتبعانه لا إهداره بالكليَّة على ما نصَّ عليه الزمخشري في "مفصله" حتَّى يلزم إبقاء ما يدلّ على الاستفهام".

ولا تكون رحمة صفة، ويجوز بالجرّ عطف بالإبدال و (لا) زائدة بعد حرف العطف، لكن لا يحتمل رسم الخط في قوله: ولا بيانًا لأنَّه وُجِدَ بالألف في جميع النسخ التي صادفناها لأنّ ما أي: لفظة (ما) لا يوصف إذا كانت شرطية أو استفهاميَّة كما عرفت فيما سبق أن كلا منهما قسم مستقلٌ ولا بيانًا لأن ما أي لأنَّ الشيء الذي لا يوصف. ولا يعطف عليه بيان كالمضمرات. ظاهر هذا الكلام يُشعر أن جميع المضمرات لا يعطف عليها عطف بيان [والحق أن المضمرات التي غير ضمير الشّأن يعطف عليها عطف بيان] ما ذكره صاحب "اللّب" وفيه ما فيه الكليَّة. ممنوعة في المقيس عليه على أن كلام الإمام ينبو عن هذا لتَّوجيهات حيث قال: والتقدير: فبأي رحمة. وكثير من النُّحاة المتقدّمين يسمّون الزائدة صلة، لأنّه يتوصّل به إلى زيادة فصاحةٍ أو استقامة وزن أو حُسنِ سجعٍ، أو تزيين لفظ وغير ذلك. وبعضهم أي: بعض النُّحاة المتقدّمين وهو الأظهر، ويجوز أن يكون الضمير كناية عن النُّحاة مطلقًا. قال الجوهري: بعضُ الشيء واحدُ أبعَاضِهِ. وقال شارح "الألفية": والبعض عند البصريين يقع على أكثر الشيء وعلى نصفه وعلى أقلّه. وعند الكسائي وهشام: إن بعض الشيء لا يقع إلَّا ما دون نصفه انتهى. وما ذُكِرَ في بعض شروح المتن أن إطلاق المؤكَّد ضعيف يدلّ عليه لفظ الـ (بعض) فليس بشيء لأنَّه على تقدير تسليم إطلاق البعض على ما دون النصف تمنع استلزام قلّة القائل ضعفَ القول. ويُسَمّيه مؤكدًا لا تأكيدًا لإيصال الثابت، والمراد من هذا الكلام تأكيد ودليلٌ لقوله: وينبغي أن يجتنب المعرب بقوله المتقَدِّمين.

تمت. تمت. تمت. 1163 هـ. [تمَّ كتاب شرح قواعد الإعراب، والحمد على من هو سبب الأسباب، والصلاة على من له النعم والشراب، وعلى الذين هم أولي العلوم والألباب. ربِّ اغفر لي ولوالديّ وللمؤمنين يوم الحساب في وقت العصر في يوم الإثنين من شهر ذى القعدة سنة ستة وعشرين وألف 1026 هـ كتبها عبد الكافي بن عبد السَّلام المرعشي].

مصادر التحقيق ومراجعه

مصادر التحقيق ومراجعه الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان ... ابن بلبان الفارسي ... ت شعيب الأرنؤوط ... مؤسسة الرسالة - بيروت ... ط 1، 1991 م أخبار النَّحويين البصريين ... السيرافي الجزائر ... 1936 م ارتشاف الضرب من لسان العرب ... أبو حيان الأندلسيّ ... ت د. مصطفى النماس ... مكتبة الخانجي - القاهرة ... ط 1، 1989 م الأزهية في علم الحروف ... الهروي ... ت عبد المعين الملوحي ... مجمع اللغة العربية - دمشق ... ط 2، 1981 م إشارة التعيين ... اليماني ... ت د. عبد المجيد دياب ... مركز الملك فيصل - الرياض ... ط 1، 1986 م الأشباه والنظائر ... السيوطي ... ت د. عبد العال سالم مكرم ... مؤسسة الرسالة - بيروت ... ط 1، 1985 م الأصول في النحو ... ابن السَّرَّاج ... ت د. عبد الحسين الفتلي ... مؤسسة الرسالة - بيروت ... ط 1، 1985 م إعراب القرآن ... النحاس ... ت د. زهير غازي زاهد ... عالم الكتب - بيروت ... ط 3، 1988 م الإعراب عن قواعد الإعراب ... ابن هشام ... ت رشيد عبد الرحمن العبيدي ... دار الفكر - بيروت ... ط 1، 1970 م الإعراب عن قواعد الإعراب ... مخطوط المغرب ... محفوظ في مكتبة الأسد الوطنية الأعلام ... خير الدين الزركلي دار العلم للملايين - بيروت ... ط 5، 1980 م الأغاني ... الأصفهاني ... ط مصورة عن دار الكتب المصرية الاقتراح في علم أصول النحو ... السيوطي ... ت د. أحمد محمد قاسم ... القاهرة ... ط 1، 1976 م الأمالي ... القالي ... ت محمد عبد الجواد الأصمعي ... دار الآفاق الجديدة - بيروت ... ط مصورة 1980 م

أمالي القرآن الكريم ... ابن الحاجب ... ت هادي حسن حمودي ... عالم الكتب - بيروت ... ط 1، 1985 م إنباه الرواة ... القفطي ... ت محمد أبو الفضل إبراهيم ... القاهرة ... ط 1، 1955 م الإنصاف في مسائل الخلاف ... ابن الأنباري ... ت محمد محيي الدين عبد الحميد ... ط مصورة بلا تاريخ الأنموذج ... الزمخشري ... بلا تحقيق - ضمن مجموع ... دار الآفاق الجديدة - بيروت ... ط 1، 1981 م أنوار التنزيل ... البيضاوي - حاشية شيخ زاده أوضح المسالك ... ابن هشام ... ت محمد محيي الدين عبد الحميد ... دار إحياء التراث العربي - بيروت ... ط 6، 1980 م الإيضاح في شرح المفصل ... ابن الحاجب ... ت د. موسى بناي العليلي ... وزارة الأوقاف - بغداد ... ط 1982 م البحر المحيط ... أبو حيان الأندلسي ... بلا تحقيق ... دار الفكر - بيروت ... ط 2، 1978 م البدور الزاهرة ... عبد الفتاح القاضي ... دار الكتاب العربي - بيروت ... 1981 م البديعيات في الأدب العربي ... علي أبو زيد ... عالم الكتب - بيروت ... 1983 م بغية الوعاة ... السيوطي ... ت محمد أبو الفضل إبراهيم ... المكتبة العصرية - صيدا ... ط مصورة بلا تاريخ البلغة في تراجم أئمة النحو واللغة ... الفيروزآبادي ... ت محمد المصري ... مركز المخطوطات - الكويت ... ط 2، 1987 م تاج العروس ... الزبيدي ... ت مجموعة من المحققين ... وزارة الإعلام - الكويت ... ط 1، 1965 م وما بعدها التبيان في إعراب القرآن ... العكبري ... ت محمد علي البجاوي ... دار الجيل - بيروت ... ط 2، 1987 م

تسهيل الفوائد ... ابن مالك ... ت محمد كامل بركات ... وزارة الثقافة - مصر ... ط 1، 1968 م التعريفات ... الجرجاني ... بلا تحقيق ... مكتبة لبنان - بيروت ... ط 1978 م تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن ... مصورة عن المصرية ... دار إحياء التراث العربي - بيروت ... ط 1965 م التفسير الكبير ... الفخر الرازي ... بلا تحقيق ... دار إحياء التراث العربي - بيروت ... ط 3، 1985 م تمثال الأمثال ... العبدري ... ت د. أسعد ذبيان ... دار المسيرة - بيروت ... ط 1، 1983 م توضيح المقاصد والمسالك ... المرادي ... ت د. عبد الرحمن علي سليمان ... مكتبة الكليات الأزهرية - القاهرة ... ط 2، بلا تاريخ التيسير في القراءات السبع ... الداني ... بعناية اوتويرتزل ... دار الكتاب العربي - بيروت ... ط 2، 1983 م الجمل في النحو ... الزجاجي ... ت د. علي توفيق الحمد ... مؤسسة الرسالة - بيروت ... ط 3، 1986 م الجنى الداني ... المرادي ... ت د. قباوة وأ. فاضل ... دار الآفاق الجديدة - بيروت ... ط 2، 1983 م حاشية شيخ زاده على البيضاوي ... المكتبة الإسلامية ... ديار بكر - تركيا حجة القراءات ... ابن زنجلة ... ت سعيد الأفغاني ... مؤسسة الرسالة - بيروت ... ط 3، 1982 م حروف المعاني ... الزجاجي ... ت علي توفيق الحمد ... مؤسسة الرسالة - بيروت ... ط 2، 1986 م الحلل في شرح أبيات الجمل ... البطليوسي ... ت د. مصطفى إمام ... مكتبة المتنبي - القاهرة ... ط 1، 1979 م

حلية الأولياء ... أبو نعيم ... دار الكتاب العربي ... ط 4، 1985 م الحماسة البصرية ... البصري ... ط مصورة - عالم الكتب - بيروت خزانة الأدب ... البغدادي ... ت عبد السَّلام هارون ... الخانجي - الرفاعي ... ط 1979 م وما بعدها درة الغواص ... الحريري ... ط ليدن الدرر الكامنة ... ابن حجر العسقلاني ... بعناية كرنكو - ط دار الجيل - بيروت الدرر المنتثرة في الأحاديث المشتهرة السيوطي ... ت محمود الأرنؤوط - بدر الدين قهوجي ... مكتبة دار العروبة - الكويت ... ط 2، 1989 م ديوان أبي الأسود الدؤلي ... ت محمَّد حسن آل ياسين ... ايف - بيروت ... ط 1982 م ديوان امرئ القيس ... ت حسن السندوبي ... المكتبة الثقافية - بيروت ... ط 7، 1982 م ديوان جرير ... ت د. نعمان محمد أمين طه ... دار المعارف - القاهرة ... ط 1، 1969 م ديوان طرفة بن العبد ... ت الخطيب والصقال ... مجمع اللغة العربية - دمشق ... ط 1، 1975 م ديوان عبيد بن الأبرص ... ت د. حسين نصار ... البابي - القاهرة ... ط 1، 1957 م ديوان عمرو بن معدي كرب ... ت مطاع طرابيشي ... مجمع اللغة العربية ... دمشق ... ط 2، 1985 م ديوان الفرزدق ... ت عبد الله الصاوي ... القاهرة ... ط 1، 1936 م ... طبعة دار صادر - بيروت ... 1966 م الذّيل التَّام على تاريخ دول الإسلام ... السخاوي ... ت حسن إسماعيل مروة ... دار العروبة - الكويت ... ط 1، 1992 م رصف المباني ... المالقي ... ت أحمد الخراط ... مجمع اللغة العربية - دمشق ... ط 1، 1975 م سير أعلام النبلاء ... الذهبي ... ت مجموعة من المحققين ... مؤسسة الرسالة - بيروت ... ط 1، 1981 م وما بعدها سر صناعة الإعراب لابن جني ... ت د. حسين هنداوي ... دار القلم - دمشق ط 1، 1985 م سنن النسائي ... عبد الفتاح أبو غدة ... دار البشائر - بيروت ... ط 2، 1988 م

شذرات الذَّهب لابن العماء ... ت محمود الأرنؤوط ... دار ابن كثير - دمشق ... مراجعة الشَّيخ عبد القادر الأرنؤوط ... ط 1، 1986 م - 1993 م شرح الأبيات المشكلة الإعراب ... الفارسي ... ت د. حسن هنداوي ... دار القلم - دمشق ... ط 1، 1987 م شرح ابن عقيل ... ابن عقيل ... ت محمد محيي الدين عبد الحميد ... دار الخير - دمشق ... ط 1990 م شرح ديوان الأعشى ... د. محمد محمد حسين ... مؤسسة الرسالة - بيروت ... ط 2، 1983 م شرح ديوان عمر بن أبي ربيعة ... محمَّد محيي الدين عبد الحميد ... دار الأندلس - بيروت ... ط 2، 1983 م شرح الشافية ... الاستراباذي ... ت عبد الناصر عساف ... رسالة ماجستير - دمشق ... 1992 م شرح شذور الذَّهب ... ابن هشام ... ت عبد الغني الدقر ... الشركة المتحدة - دمشق ... ط 1982 م شرح صحيح مسلم ... النووي ... دار الفكر - بيروت ... بلا تاريخ شرح قواعد الإعراب ... الكافيجي ... ت د. فخر الدين قباوة ... دار طلاس - دمشق ... ط 1، 1989 م شرح كلّا وبلى ونعم ... ت د. أحمد حسن فرحات دار المأمون - دمشق ... ط 1، 1983 م شرح المفصّل لابن يعيش ... عالم الكتب - بيروت ... بلا تاريخ شرح مقصورة ابن دريد ... التبريزي ... ت د. فخر الدين قباوة ... المكتبة العربية - حلب ... ط 1، 1978 م الشعر والشعراء ... ابن قتيبة ... ت أحمد محمد شاكر ... دار المعارف - القاهرة ... ط 1، 1967 م شعراء أمويون (مجموع أبي صخر الهذلي) ... د. نوري حمودى القيسي ... عالم الكتب - بيروت ... ط 1، 1985 م الشقائق النعمانية في علماء الدولة العثمانية ... طاش كبرى زادة ... ط دار الكتاب العربي - بيروت 1975 م، وطبعة د. أحمد صبحي فرات ... استانبول 1405 هـ

الصحاح ... الجوهري ... ت أحمد عبد الغفور عطار ... دار العلم للملايين - بيروت ... ط 2، 1979 م صحيح البُخاريّ ... البُخاريّ ... ت د. مصطفى البفا ... دار القلم - دمشق ... ط 1، 1981 م ضرائر الشعر ... ابن عصفور ... ت السيد إبراهيم محمَّد ... دار الأندلس - بيروت ... ط 2، 1982 م طبقات النحويين واللغويين ... الزبيدى ... ت محمد أبو الفضل إبراهيم ... دار المعارف - القاهرة ... ط 1، 1954 م العبر في خبر من غبر ... الذهبي ... ت صلاح الدين المنجد - فؤاد السيد ... وزارة الإعلام - الكويت ... ط 2، 1984 م عيون الأخبار ... ابن قتيبة ... دار الكتب المصرية ... دار الكتاب العربي - بيروت ... ط مصورة الغاية في القراءات العشر ... ابن مهران ... ت محمد غياث الجنباز ... شركة العبيكان - الرياض ... ط 1، 1985 م فهارس شرح الفصل ... عاصم بيطار ... مجمع اللغة العربية - دمشق ... ط 1، 1990 م الفهرست ... النديم - ت رضا تجدد ... طهران ... ط 1، 1971 م في أصول النحو ... سعيد الأفغاني ... المكتب الإسلامي - بيروت ... 1987 م القاموس المحيط ... الفيروزآبادى ... ت لجنة من المحقّقين ... مؤسسة الرسالة - بيروت ... ط 2، 1987 م القراءات الشاذة ... ابن خالويه القراءات العشر المتواترة ... محمد كريم راجح ... دار المهاجر - دمشق ... 1992 م الكتاب ... سيبويه ... ت عبد السَّلام هارون ... عالم الكتب - بيروت ... ط 3، 1983 م

كتاب الكافية في النحو ... ابن الحاجب ... بلا تحقيق ... دار الكتب العلمية - بيروت ... بلا تاريخ الكشاف ... الزمخشري ... دار المعرفة - بيروت ... مصّورة كشف الظنون ... حاجي خليفة ... دار الفكر - بيروت ... ط 1982 م الكواكب السائرة في أعيان المائة العاشرة للغزي ... ت جبرائيل جبور ... بيروت ... 1945 - 1959 م لسان العرب ... ابن منظور ... ط. دار. صادر المبسوط في القراءات العشر ... ابن مهران ... ت سبيع حمزة حاكمي ... مجمع اللغة العربية - دمشق ... ط 2، 1986 م متن اللغة ... أحمد رضا ... مكتبة الحياة - بيروت ... ط 1، 1959 م مجمع الأمثال ... الميداني ... ت محمد محيي الدين عبد الحميد ... دار النصر - دمشق ... ط مصورة بلا تاريخ محيط المحيط ... بطرس البستاني ... مكتبة لبنان ... ط 1983 م مختار الصحاح ... الرازي ... مكتبة لبنان ... ط 1986 م المزهر في علوم اللغة العربية ... السيوطي ... ت مجموعة ... دار الفكر - بيروت ... بلا تاريخ مسند الإمام أحمد بن حنبل ... دار صادر - بيروت ... بلا تاريخ مسند ابن ماجه ... ت محمَّد فؤاد عبد الباقي ... المكتبة العلمية - بيروت - بلا تاريخ مشكل إعراب القرآن ... مكي بن أبي طالب ... ت ياسين السواس ... دار المأمون - دمشق ... ط 2 بلا تاريخ معاني أبيات الحماسة ... النّمري ... ت د. عبد الله عبد الرحيم عسيلان ... مطبعة المدني - القاهرة ... ط 1، 1983 م معاني الحروف ... الرمّاني ... ت د. عبد الفتاح شلبي ... دار نهضة مصر - القاهرة ... ط 1 بلا تاريخ معاني القرآن ... الفراء ... ت محمد علي النجار ورفيقه ... عالم الكتب - بيروت ... ط 2، 1983 م

معجم الأدباء (إرشاد الأريب) ... ياقوت الحموي ... ت مر جليوث ... دار المأمون - القاهرة ... مصورة بلا تاريخ معجم البلدان ... ياقوت الحموي ... بلا تحقيق ... دار صادر - بيروت ... ط 1979 م معجم الشعراء ... المرزباني ... ت عبد الستار فرّاج ... بلا تاريخ معجم المؤلفين ... عمر رضا كحالة ... دار المثنى ... بلا تاريخ معجم المطبوعات العربية ... إليان سركيس ... مكتبة الثقافة الدينية - بيروت مغني اللبيب عن كتب الأعاريب ... ابن هشام ... ت مبارك -حمد الله- الأفغاني ... دار الفكر - بيروت ... ط 5، 1979 م مفتاح السعادة ... طاش كبرى زاده ... بلا تحقيق ... دار الكتب العلمية - بيروت ... ط 1، 1985 م مفتاح العلوم ... السكاكي ... نعيم زرزور المفصّل في علم العربية ... الزمخشري ... بلا تحقيق ... دار الكتب العلمية - بيروت ... ط 1، 1983 م المقاصد الحسنة ... السخاوي ... عناية عبد الله محمد الصدّيق ... مكتبة الخانجي - القاهرة المقتضب ... المبرّد ... ت محمد عبد الخالق عضيمة ... عالم الكتب - بيروت ... ط 1 مصورة بلا تاريخ المقرّب ... ابن عصفور ... ت. الجبوري والجواري من رسائل ابن هشام النحوية ... ت حسن إسماعيل مروة ... مكتبة سعد الدين - دمشق ... ط 1، 1988 م منهج السالك على ألفية ابن مالك ... الأشموني ... ت محمد محيي الدين عبد الحميد ... بلا تاريخ مصورة الموطأ لمالك بن أنس ... مالك بن أنس ... دار الآفاق الجديدة ... بلا تاريخ مصورة

نهج البلاغة = المعجم المفهرس لنهج البلاغة ... كاظم محمدي - محمَّد دشي ... دار الأنوار - بيروت ... ط 1986 م النشر في القراءات العشر ... ابن الجزري ... ت علي محمد الضباع دار الكتب العلمية - بيروت ... بلا تاريخ هدية العارفين البغدادي ... بلا تحقيق ... عالم الفكر - بيروت ... ط 2، 1982 م ابن هشام النّحوي ... د. سامي عوض ... دار طلاس - دمشق ... ط 1، 1987 م ابن هشام ... د. عصام نور الدين ... دار الكتاب العالمي - بيروت همع الهوامع ... السيوطي ... بلا تحقيق ... دار المعرفة - بيروت ... بلا تاريخ الوافي في العروض والقوافي ... التبريزي ... ت د. فخر الدين قباوة ... دار الفكر - دمشق ... ط 4، 1986 م وفيات الأعيان ... ابن خلكان ... ت د. إحسان عباس ... دار صادر - بيروت ... ط 1977 م

§1/1