شرح عمدة الفقه - الراجحي

عبد العزيز الراجحي

كتاب الطهارة [1]

شرح عمدة الفقه_كتاب الطهارة [1] المياه التي يجوز التطهير بها كل ما نزل من السماء أو نبع من الأرض، وهو أقسام: طاهر مطهر، وطاهر غير مطهر، ونجس، ويغسل الإناء من ولوغ الكلب سبع مرات إحداهن بالتراب، ويغسل من سائر النجاسات مرة تأتي عليه.

شرح مقدمة العمدة

شرح مقدمة العمدة

الحمد والثناء لله

الحمد والثناء لله بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله أهل الحمد ومستحقه حمداً يفضل على كل حمد كفضل الله على خلقه، وأشهد أن لا إله إلا الله]. هذا الكتاب اسمه: عمدة الفقه للإمام ابن قدامة رحمه الله، وضعه للمبتدئين برواية واحدة، ثم وضع كتاباً آخر بعده، وهو: المقنع للمتوسطين، وهو أوسع من العمدة، ثم ألف الكتاب الثالث، وهو: الكافي، يذكر فيه بعض الأدلة، والمقنع يذكر فيه الخلاف، والكافي يذكر فيه الروايات، ويذكر الأدلة تعويداً للمتوسطين، ثم ألف كتاب: المغني للمجتهدين، فـ ابن قدامة ألف العمدة للمبتدئين، ثم المقنع للمتوسطين، ثم الكافي لبيان بعض الأدلة، وضبط الخلاف بالأدلة، ثم المغني للمجتهدين. قوله: (الحمد لله) الحمد: هو الثناء على المحمود مع حبه وإجلاله وتعظيمه، فهو ثناء على الرب سبحانه وتعالى مع حبه وإجلاله وتعظيمه. قوله: [أهل الحمد ومستحقه حمداً يفضل على كل حمد كفضل الله على خلقه]. الله هو أهل الحمد سبحانه، وهو المستحق لجميع أنواع المحامد، وهي ملك لله واستحقاق له. قوله: [وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة قائم لله بحقه]. هذا اعتراف لله بالوحدانية والألوهية، وأنه هو المستحق للعبادة، فـ (أشهد أن لا إله إلا الله) يعني: أقر وأعترف بأنه لا معبود بحق إلا الله، فهذا اعتراف بوحدانية الله وربوبيته وألوهيته. قوله: [وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له]. وحده تأكيد، و (لا شريك له) يعني: لا شريك له في عبادته، كما أنه لا شريك له في ربوبيته وأسمائه وصفاته وأفعاله. قوله: [وأشهد أن محمداً عبده ورسوله]. هذه الشهادة للنبي صلى الله عليه وسلم بالرسالة، فالأولى: هي شهادة لله بالوحدانية، والثانية: شهادة لنبيه بالرسالة، وهاتان الشهادتان أصل الدين وأساس الملة، ولا يصح إسلام أي إنسان حتى يقر بهاتين الشهادتين، حتى يشهد لله تعالى بالوحدانية ولنبيه صلى الله عليه وسلم بالرسالة. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وأشهد أن محمداً عبده ورسوله غير مرتاب في صدقه]. يعني: لا بد من اليقين، أشهد عن يقين لا عن ريب وشك.

معنى الصلاة من الله والعبد والملائكة

معنى الصلاة من الله والعبد والملائكة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه ما جاء سحاب بودقه]. أحسن ما قيل في تفسير صلاة الله على عبده ما رواه البخاري في صحيحه عن أبي العالية قال: صلاة الله على عبده ثناؤه عليه في الملأ الأعلى. وقيل: الصلاة الرحمة، وقيل: تشمل الأمرين الرحمة والثناء، والصلاة من الله ومن العبد والملائكة الدعاء. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه ما جاء سحاب بودقه، وما رعد بعد برقه]. الودق: المطر، يعني: صلاة وسلاماً عدد المطر، وعدد صوت الرعد ولمعان البرق.

معنى كلمة (أما بعد)

معنى كلمة (أما بعد) قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أما بعد]. هي كلمة يؤتى بها للدخول في المقصود، وللانتقال من أسلوب إلى أسلوب، كأن يكون انتقل من الخطبة إلى الدخول في الموضوع الذي يريده وهو التأليف.

معنى الفقه لغة واصطلاحا

معنى الفقه لغة واصطلاحاً قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فهذا كتاب في الفقه اختصرته حسب الإمكان]. الفقه لغة: الفهم، واصطلاحاً: استنباط الأحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [واقتصرت فيه على قول واحد ليكون عمدة لقارئه]. اقتصر فيه على قول واحد ليكون عمدة للمبتدئين، فيحفظون هذا الكتاب، وكتاب العمدة على قول واحد لمذهب الحنابلة، ثم بعد ذلك ينتقلون إلى المقنع وهو أوسع، ثم إلى الكافي، ثم إلى المغني. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فلا يلتبس الصواب عليه باختلاف الوجوه والروايات]. لأنه مبتدئ، والمبتدئ لا ينبغي أن يذكر له الوجوه والخلاف؛ لأنها تشوش عليه فيعطى قولاً واحداً يحفظه, ولا يشوش عليه بكثرة الأقوال والأوجه والخلافات حتى يتقوى ويكون عنده حصيلة علمية وملكة، فيكون هذا عنده أصل، ثم بعد ذلك يتوسع في الخلاف ومعرفة الراجح من الأقوال بالدليل.

سبب تأليف المؤلف لكتاب العمدة

سبب تأليف المؤلف لكتاب العمدة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [سألني بعض إخواني تلخيصه ليقرب على المتعلمين]. هذا هو سبب التأليف وهو: أنه سأله بعض الإخوان أن يؤلف، فألفه على قول واحد للمبتدئين ليقرب فهمه. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [سألني بعض إخواني تلخيصه ليقرب على المتعلمين، ويسهل حفظه على الطالبين]. ألفه ليكون قريباً للذهن، وليكون سهل الحفظ على المبتدئين؛ فاجتهد في إخلاصه، وفي الاستعانة بالله عز وجل، وهذا من أسباب التأليف، فكل مؤلف في الغالب يذكر سبب التأليف, فسبب تأليفه أن بعض الإخوان سأله أن يؤلف لهم كتاباً سهلاً فيحفظه المبتدئون. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فأجبته إلى ذلك معتمداً على الله سبحانه في إخلاص القصد لوجهه الكريم، والمعونة على الوصول إلى رضوانه العظيم]. فلا بد من الإخلاص, فهو ركن أساسي لقبول العمل. والركن الثاني: أن يكون موافقاً للشرع صواباً على السنة المطهرة، وهو معتمد على الله في الإخلاص سائلاً الله له المعونة والتسديد والتوفيق. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [معتمداً على الله سبحانه في إخلاص القصد لوجهه الكريم، والمعونة على الوصول إلى رضوانه العظيم وهو حسبنا ونعم الوكيل]. فهو كافينا سبحانه وتعالى، وهو نعم الوكيل والكافي سبحانه وتعالى. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وأودعته أحاديث صحيحة تبركاً بها واعتماداً عليها]. فهو يستدل ببعض الأحاديث الصحيحة في بعض المواضع وإن كان على قول واحد، لكن يستدل ببعض الأحاديث تبركاً بها. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وأودعته أحاديث صحيحة تبركاً بها واعتماداً عليها وجعلتها من الصحاح]. يعني: طلباً للبركة؛ لأن الذي يعمل بالسنة فلا شك أنه مبارك؛ ولأنها تكون دليلاً وحجة على القول الذي يستدل له. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [واعتماداً عليها وجعلتها من الصحاح لأستغني عن نسبتها إليها]. جعلها من الأحاديث الصحيحة.

أحكام المياه

أحكام المياه قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب أحكام المياه]. بدأ المؤلف في أحكام المياه على طريقة المتأخرين الذين يؤلفون المؤلفات فيبدءونها بالفروع، وأما في التوحيد والعقيدة فيجعلونها في مؤلفات خاصة, وكان القدامى على غير هذا المنهج, فقد كانوا يبدءون أولاً بأصول الدين في العقيدة وبالتوحيد كما فعل الإمام البخاري رحمه الله، حيث بدأ بكتاب الإيمان، وكما فعل الإمام مسلم حيث بدأ بكتاب الإيمان، وكذلك غيرهما من أهل السنن، أما المتأخرون فاصطلحوا على أن يجعلوا الفروع على حدة، وكتب العقائد على حدة، كما فعل الحافظ ابن حجر في بلوغ المرام، حيث بدأ بكتاب الطهارة فيبدءون بالعبادات أولاً، وأعظم العبادات هي الصلاة؛ فيبدءون بالطهارة؛ لأنه شرط في صحة الصلاة؛ ولهذا بدأ المؤلف رحمه الله باب المياه, والمياه هي: التي يتطهر بها الإنسان، وإذا تطهر صلى، والصلاة تسبقها الطهارة؛ فلهذا بدأ في كتاب المياه بأحكام المياه؛ لأن الطهارة تسبق الصلاة، فالمصلي لا بد أن يتطهر.

الماء الذي يطهر النجاسة والأحداث

الماء الذي يطهر النجاسة والأحداث قال المؤلف رحمه الله تعالى: [خلق الماء طهوراً يطهر من الأحداث والنجاسات]. الماء خلقه الله طهوراً كمياه الأمطار والبحار والأنهار والآبار والعيون، كلها خلقها الله طهوراً يطهر من الأحداث والأنجاس يعني: يرفع بها الحدث، فإذا أحدث الإنسان فخرج منه بول أو غائط أو ريح أو أصابته جنابة فإنه يطهره الماء, وكذلك النجاسات التي تصيب البدن والثوب فإنه يطهرها الماء، والله تعالى خلق الماء طهوراً يطهر به الأحداث والأنجاس سواءً كان هذا الماء من ماء الأمطار والسيول أو ماء الأنهار والبحار أو العيون والآبار. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولا تحصل الطهارة بمائعٍ غيره]. هذا هو الصواب، أنها لا تحصل الطهارة بمائع غير الماء, فلو عصر ماءً من الأشجار وأخذه ليتطهر فإنه لا يطهر, ومثله أيضاً ماء الورد، وما أشبه ذلك من المائعات كالدهن، وكذلك أيضاً ما يعصر من الأشجار من المياه وإن كان مائعاً فلا يطهر النجاسة، وإنما يطهرها الماء فقط، هذا هو الصواب خلافاً لمن قال من العلماء: إنه يجوز التطهير بالمائع كـ أبي حنيفة، فإنه يرى أنه لا بأس إذا عصر ماءً من الشجر وغسل به النجاسة, وكذلك عنده تطهر النجاسة الشمس والريح ومياه الأشجار التي يعصر منها, والصواب كما ذكر المؤلف أن النجاسة لا يطهرها إلا الماء خاصة دون غيره من المائعات ودون الشمس والريح.

إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث

إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولا تحصل الطهارة بمائع غيره، فإذا بلغ الماء قلتين أو كان جارياً لم ينجسه شيء]. إذا بلغ الماء قلتين لم ينجسه شيء؛ لحديث ابن عمر: (إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث)، وفي لفظ: (لم ينجس) يعني: أنه إذا لاقته النجاسة فلا ينجس إلا إذا تغير أحد أوصافه في النجاسة وهي لونه أو طعمه أو ريحه, أما إذا لاقته النجاسة وهو قلتان فلا ينجس، والقلتان: ما تقارب خمس قرب وهما ذراع وربع تقريباً طولاً وعرضاً وعمقاً, فإذا بلغ الماء قلتين -خمس قرب- ولاقته نجاسة فلا ينجس إلا إذا تغير أحد أوصافه, أما إذا كان دون القلتين فإنه ينجس بمجرد ملاقاة النجاسة ولو لم يتغير في أوصافه، عملاً بحديث القلتين، وهذا ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله وكثير من الفقهاء. القول الثاني: أنه لا ينجس حتى ما دون القلتين إلا إذا تغير أحد أوصافه؛ لحديث أبي سعيد: (الماء طهور لا ينجسه شيء)، وحديث القلتين: (إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث) هذا منطوقه ومفهومه: أنه إذا كان دون القلتين فإنه يحمل الخبث بمجرد الملاقاة, لكن هذا المنطوق ألغاه حديث أبي سعيد: (الماء طهور لا ينجسه شيء) والصواب: أن الماء لا ينجس إلا إذا تغيرت أوصافه قليلاً كان أو كثيراً, وسواء كان دون القلتين أو فوق القلتين, وأما مفهوم حديث ابن عمر أنه إذا لم يبلغ القلتين يحمل الخبث وينجس بمجرد الملاقاة، هذا المفهوم أبطله وألغاه حديث أبي سعيد: (الماء طهور لا ينجسه شيء)، فالماء إذا اختلط قليلاً أو كثيراً لا ينجس إلا إذا تغيرت أوصافه، وإذا كان الماء قليلاً في الأواني فإنه يراق؛ لما ورد في بعض أحاديث ولوغ الكلب بلفظ: (فليرقه)، أما إذا كان في غير الأواني فلا ينجس إلا إذا تغير أحد أوصافه، وحديث القلتين يفيد أن الماء القليل على الإنسان أن يعتني به؛ لأنه قد تغيره النجاسة وهو لا يشعر، فينظر فيه ويتأمل فإن تغير أحد أوصافه فهو نجس وإلا فهو طهور. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فإذا بلغ الماء قلتين أو كان جارياً لم ينجسه شيء إلا ما غير لونه أو طعمه أو ريحه]. وكذلك إذا كان الماء جارياً لا بأس؛ لأن الجرية تذهب وتأتي بعدها جرية أخرى, فإذا كانت المياه جارية فلا تنجس إلا إذا تغيرت أوصافها, وكذلك إذا كان الماء أكثر من القلتين فإنه لا ينجس إلا بالتغير على ما ذهب إليه المصنف وعرفنا أنه حتى ما دون القلتين لا ينجس إلا بالتغير. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وما سوى ذلك ينجس بمخالطة النجاسة]. الشيخ: يعني: مادون القلتين ينجس بمجرد المخالطة ولو لم يتغير، والصواب أنه لا ينجس إلا إذا تغير أحد أوصافه الثلاثة: اللون أو الطعم أو الريح كما ذهب إلى ذلك المحققون كشيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وغيرهما من أهل العلم.

تقدير القلتين في الطهارة

تقدير القلتين في الطهارة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والقلتان ما قارب مائة وثمانية أرطال بالدمشقي]. هذا التقديرات عندهم، وهي تقارب خمس قرب، قدرها بعضهم بأنها ذراع وربع طولاً وعرضاً وعمقاً، أي: ما يسع مكاناً طوله ذراع وربع طولاً وعرضاً وعمقاً.

متى يسلب الماء طهوريته

متى يسلب الماء طهوريته قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وإن طبخ في الماء ما ليس بطهور وكذلك ما خالطه فغلب على اسمه أو استعمل في رفع حدث سلب طهوريته]. إذا طبخ في الماء ما ليس بطهور فإنه يسلبه طهوريته على ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله، والصواب أنه لا يسلبه طهوريته إلا إذا تغير أحد أوصافه الثلاثة أو ارتفع اسم الماء عنه، بأن كان مثلاً طبخ فيه زعفران، فالصواب أنه لا يسمى ماءً، وإنما يسمى زعفران، كذلك إذا رفع الحدث بقليله فالصواب أنه لا يسلبه الطهورية. فإذا اختلط به ما سلب وصفه فلا بأس، زعفران أو حبر فصار لا يسمى ماءً وإنما يسمى: حبراً أو زعفران، فهذا يسلبه الطهورية؛ لأنه ليس ماءً مطلقاً، وإنما يقال له: ماء الزعفران، ماء الحبر. (وإذا طبخ فيه ما ليس بطهور) فهذا فيه تفصيل: إن كان الذي طبخ فيه يسلبه اسم الماء ويتغير فلا يسمى ماء، أما إذا كان لا يسلبه اسم الماء فإنه يبقى طهوراً، وكذلك إذا رفع بقليله الحدث فإنه لا يسلبه الطهورية على الصحيح, والصواب أنه إذا توضأ الإنسان بماء قليل فرفع الحدث فلا يسلبه اسم الطهورية. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أو استعمل في رفع حدث سلب طهوريته]. الصواب أنه لا يسلبه طهوريته، ولو استعمل في رفع حدث إلا إذا تغير أحد أوصافه.

الحكم فيما إذا شك في طهارة الماء أو غيره

الحكم فيما إذا شك في طهارة الماء أو غيره قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وإذا شك في طهارة الماء أو غيره ونجاسته بنى على اليقين]. إذا شك في طهورية الماء أو نجاسته فإنه يبني على اليقين، إذا كان عنده يقين أن هذا الماء طهور لكن شك هل وقعت فيه نجاسة أو لم تقع فيبني على اليقين، فالأصل أنه طهور ولا يعتبره نجساً، وكذلك العكس إذا كان يعلم أن هذا الماء نجس لكن شك هل زالت النجاسة أو لم تزل؟ وهل أخرجت أو لم تخرج؟ فإنه يبقى نجساً فيعمل بالأصل, وإذا شك في نجاسة الماء أو طهوريته فإنه يعمل بالأصل، فإن كان يعلم أنه طهور وأن النجاسة هي التي طرأت ولا يدري هل طرأت أو لم تطرأ فإنه يعتبره طهوراً، وكذلك إذا كان يعلم أن الماء نجس لكن شك هل طهر هذا الماء أو لم يطهر، فإنه يبقى نجساً بناءً على الأصل. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وإن خفي موضوع النجاسة من الثوب أو غيره غسل ما يتيقن به غسلها]. إذا خفي موضع النجاسة من الثوب أو غيره غسل ما يتيقن أنه أزال النجاسة، وإذا شك أن النجاسة مثلاً في وسط الثوب فإنه يغسل الوسط كله حتى يتيقن أنها زالت النجاسة، وإذا كان عنده ماء طهور أخذه من البئر وعنده ماء آخر جمعه من القطرات التي تنزل من أعضائه فهذا يسمى طاهراً, فلا يرفع الحدث، لكن إن اشتبه ولا يستطيع أن يميز وما عنده دلو ليستخرج من البئر ماءً آخر، فإنه يتوضأ من هذا غرفة ومن هذا غرفة، يعني: يغسل وجهه مرة من الإناء ثم يغسل مرة أخرى من الإناء الثاني ثم يغسل يده اليمنى مرة من الإناء، ثم يغسل مرة أخرى من الإناء الآخر حتى يتيقن أنه توضأ مرة واحدة من الطهور؛ لأن أحدهما لا يرفع الحدث، والماء ينقسم إلى قسمين: طهور ونجس. هذا هو الأصل، لكن الذي مشى عليه المؤلف بأن ما كان دون القلتين فإنه ينجس بمجرد الملاقاة ولو لم يتغير أحد أوصافه، فإذا وقعت فيه قطرة من بول تنجس عندهم ولو لم يتغير؛ لأنه دون القلتين؛ لحديث: (إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث) فالمفهوم: أن ما لم يبلغ القلتين فإنه يحمل الخبث ولو لم يتغير. وبالنسبة إلى ما خالط الماء: إذا كان لم يسلبه اسم الماء فهو باق على طهوريته، ولا يضر، أما إذا كان قد تغير وسلبه اسم الماء فلا يسمى ماءً، ولا يصلح للتطهر.

إذا اشتبه طهور بطاهر

إذا اشتبه طهور بطاهر قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وإن اشتبه طهور بطاهر توضأ من كل واحد منهما، وإن اشتبهت ثياب طاهرة بنجسة صلى في كل ثوب بعدد النجس وزاد صلاة]. يعني: صار عنده أربعة ثياب: اثنان نجسان، واثنان طاهران ماذا يعمل؟ يقول: يصلي بعدد الثياب النجسة ويزيد صلاة، إذا كانت الثياب النجسة اثنين، فإنه يصلي في هذا الثوب صلاة الظهر أربع ركعات، ثم يخلعه، ويلبس الثوب الثاني ويصلي صلاة الظهر مرة ثانية ويخلعه، ثم يلبس ثوباً ثالثاً ويصلي الظهر مرة ثالثة؛ لأن النجس اثنان, وإذا كانت الثياب النجسة خمسة وخمسة أخرى طاهرة فإنه يصلي ست مرات، كل مرة يصلي بثوب ويخلعه حتى يتيقن أنه صلى بثوب طاهر؛ لأن الثياب النجسة خمسة ويمكن إذا صلى خمس مرات صلى بالثياب النجسة ولم يصل بثوب طاهر، فيزيد في الصلاة صلاة سادسة، أي: يصلي ست مرات في كل مرة يصلي بثوب ويخلعه. والقول الثاني: أنه يتحرى حسب غلبة الظن ويختار أحد الثياب ويصلي فيه.

كيفية غسل نجاسة الكلب والخنزير

كيفية غسل نجاسة الكلب والخنزير قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وتغسل نجاسة الكلب والخنزير سبعاً إحداهن بالتراب]. لما جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعاً، إحداهن بالتراب) وفي لفظ: (أولاهن بالتراب) وفي لفظ: (وعفروه الثامنة بالتراب) وتسمى ثامنة لأنها زائدة على الماء، والأقرب أن تكون الأولى بالتراب حتى يزيلها ما بعدها, وهذه الغسلات خاصة بنجاسة الكلب، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعاً، أولاهن بالتراب) وذكر بعض الأطباء أن لعاب الكلب فيه خاصية لا يزيلها إلا التراب، وهذا من محاسن الإسلام، ومن معجزات النبي صلى الله عليه وسلم، ومن علامات النبوة، حيث اكتشف الأطباء أن الكلب فيه هذه المادة السمية التي لا يزيلها إلا التراب، أما الخنزير فالعلماء قاسوه على الكلب، وذهبوا إلى أن الخنزير حكمه حكم الكلب، والصواب أن الخنزير لا يقاس على الكلب، وأن هذا خاص بالكلب, والنبي صلى الله عليه وسلم أفصح الناس ما قال: إذا ولغ الخنزير في إناء أحدكم فليغسله سبعاً، فيكون هذا خاصاً بالكلب، وإلحاق الخنزير بالكلب إنما هو من باب القياس، والدليل إنما هو خاص بالكلب. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وتغسل نجاسة الكلب والخنزير سبعاً إحداهن بالتراب ويجزئ في سائر النجاسات ثلاث منقية]. ذهب المؤلف أن بقية النجاسات تغسل ثلاث مرات، والقول الثاني: إذا أنقت النجاسة غسلة واحدة كفى، والقول الثالث: أن النجاسة تغسل سبع مرات، واستدلوا بحديث: (أمرنا بغسل الأنجاس سبعاً) لكنه حديث ضعيف عند أهل العلم، والصواب أنه لا يتحدد لا ثلاث ولا سبع، وإنما هذا يرجع إلى غلبة الظن إذا غلب على ظنه أنها زالت النجاسة فيكفي سواء مرة أو مرتين أو ثلاثاً، والمؤلف رحمه الله مشى على أن نجاسة الكلب تغسل سبعاً إحداهن بالتراب، وسائر النجاسة تغسل ثلاثاً، وقيل: سبعاً، والصواب أنه لا يتحدد عدد، وإنما هذا يرجع إلى غلبة الظن، فإذا طهر المحل انتهى مثل الاستنجاء, إذا استنجى الإنسان لا يوجد عدد بالتحديد، المهم غلبة الظن، أن يغلب على ظنك أنك أنقيت وطهرت المحل وكفى؛ لأن الرسول نص على هذا، فلا بد منه. وأما الصابون فإنه لا يزيله، هذا هو الظاهر، وقد يقال: عند العدم إذا لم يجد تراباً يقوم مقامه. مسألة: هل تصح الصلاة في الثوب المغصوب؟ A الصلاة في الثوب المغصوب الصواب أنها تصح مع الإثم، وفيه خلاف: الثوب المغصوب والماء المغصوب وقد مر بنا هذا في درس صحيح البخاري، وذكرنا القاعدة في هذا، أنه إذا صلى في ثوب مغصوب أو صلى في ثوب حرير أو توضأ بماء مغصوب أو صلى في أرض مغصوبة فبعض العلماء -وهو المذهب- رأوا عدم صحة الصلاة إذا صلى في ثوب حرير، أو ثوب مغصوب، أو في أرض مغصوبة. والقول الثاني: أنها تصح مع الإثم؛ لأن القاعدة: أنه إذا كان النهي يرجع إلى ذات المنهي فهذا يدل على الفساد, وإذا كان النهي خارجاً فلا يدل على الفساد، فمثلاً: إذا صلى في ثوب نجس ما صحت الصلاة؛ لأن النهي يرجع إلى ذات المنهي؛ ولأن المصلي مطلوب منه طهارة البقعة والثوب والبدن, فإذا صلى في ثوب نجس أو في أرض نجسة ما صحت الصلاة؛ لأنه لو لبس الثوب في غير الصلاة لما منع من ذلك، فهذا منهي عنه خصوصاً في الصلاة، أما الثوب الحرير فهذا منهي عنه في الصلاة وخارج الصلاة، فلا يجوز لبس الحرير لا في الصلاة ولا خارجها، والغصب لا يجوز لا في الصلاة ولا داخلها، فله ثواب الصلاة وعليه إثم الغصب، فاجتمع في الصلاة موجب الثواب والعقاب فنقول: صلاته صحيحة وله ثواب الصلاة وعليه إثم الغصب، فصاحب الثوب المغصوب صلاته صحيحه وعليه إثم الغصب، كالماء الذي توضأ به غصباً، وإذا صلى في ثوب حرير فله ثواب الصلاة وعليه إثم لبس الحرير، وهكذا، هذا على الصحيح والصواب وإلا المسألة فيها خلاف. قال صاحب الحاشية لما ذكر: (ويجزئ في سائر النجاسات ثلاث منقية) قال: هذه رواية عن الإمام أحمد رضي الله عنه، واختارها الشيخ تقي الدين، والمذهب أنه لا بد من الغسل سبع مرات في النجاسة التي على غير الأرض, والصحيح أنه يكفي بعد زوال عين النجاسة مكاثرتها بالماء سواء كانت على الأرض أم غيرها، فهذه ثلاث روايات في غسل النجاسة التي هي غير نجاسة الكلب والخنزير، وأدلتها في الشرح الكبير، واختار العلامة ابن بدران القول الثالث فقال: واختار في المغني أن المعتبر زوال العين وبه أقول بالدليل. وهذا هو الصواب أن العبرة بزوال العين، فإذا أزال العين وكاثر بالماء وغلب على ظنه أنها طهرت فيكفي, لكن إذا كانت النجاسة لها جرم كالعذرة وقطع الدم فلا بد أن تنقل العذرة وتنقل قطع الدم ثم يغسل محلها, ولا يحتاج إلى عدد، فالعبرة في غلبة الظن ونقاء المحل, فإذا أنقى المحل وزالت العين كفى. أما القول بأنها ثلاث أو سبع فهذه أقوال في المذهب, والرواية في المذهب أنه لا بد من سبع مرات؛ لحديث: (أمرنا بغسل الأنجاس سبعاً) لكنه حديث ضعيف، والقول الثاني: أنها ثلاث, والقول الثالث: أنها تكاثر بالماء بعد نقل عين النجاسة وجرمها، أما إذا كانت على الأرض فيكفيها صبة واحدة وغسلة واحدة فتذهب بها النجاسة بعد نقل عين النجاسة إذا كانت عذرة أو قطع الدم، ثم يصب الماء على الأرض ويكاثر، ولا يحتاج إلى حفر الأرض، كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يصب على بول الأعرابي الذي بال في المسجد دلواً من ماء. وأما بقاء أثر الدم إذا عجز عنه فلا يضره، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم للمرأة التي سألته عن دم الحيض فقال: (يكفيك الماء ولا يضرك أثره) وهذا إذا عجز.

كيفية غسل سائر النجاسات

كيفية غسل سائر النجاسات قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويجزئ في سائر النجاسات ثلاث منقية، وإن كانت على الأرض فصبة واحدة تذهب بعينها؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صبوا على بول الأعرابي ذنوباً من ماء)]. الذنوب: هو الدلو، فدل على أنها تكاثر بالماء ويكفيها مرة واحدة إذا كانت على الأرض، أما إذا كانت على غير الأرض فعلى حسب غلبة الظن، إذا أنقى المحل وغلب على ظنه طهرت وكفاه.

ما يجزئ في بول الغلام والمذي

ما يجزئ في بول الغلام والمذي قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويجزئ في بول الغلام الذي لم يأكل الطعام النضح، وكذلك المذي]. بول الغلام الذي لم يأكل الطعام يكفي فيه النضح، والمعنى: صب الماء عليه فقط من دون رش أو فرك، إذا كان لم يأكل الطعام فيكفي النضح، وهذا خاص بالغلام الذكر, أما الأنثى فلا بد من غسله، فلا يكفي النضح، وكذلك إذا أكل الغلام الطعام, أو كان يشرب من الحليب الصناعي ويتغذى به فلا بد من غسله، وإن كان لم يأكل الطعام ويرضع من حليب أمه فيكفيه النضح، وكذلك بول الأنثى لا بد من غسله على كل حال. واختلف العلماء في الحكمة من هذا، وفي الفرق بينهما، فقال بعضهم: الفرق بينهما: أن الناس يحملون الذكر أكثر من الأنثى، فتعم البلوى به لمحبته، وقيل: لأن بول الذكر ينتشر وبول الأنثى لا ينتشر, وقيل غير ذلك، وقد تكون لهذه الحكم ولغيرها، والله أعلم. وكذلك المذي, وهو: ماء لزج يخرج على طرف الذكر عند الملاعبة واشتداد الشهوة، فهذا نجس لكن نجاسته مخففة، فإذا أصاب الثوب فيكفي فيه النضح مثل بول الغلام، ولا يوجب الغسل، وإنما يوجب الوضوء، لكن لا بد من غسل الذكر كاملاً والأنثيين أي: الخصيتين؛ لقوله في الحديث الصحيح: (اغسل ذكرك)، وفي رواية الدارمي: (اغسل ذكرك وأنثييك) وكأن الحكمة في هذا والله أعلم ليتقلص الخارج, أما بعد البول فإنه يغسل رأس الذكر ولا يغسل الذكر كله، فيغسل رأس الذكر ولا يغسل الخصيتين، بخلاف المذي فإنه يغسل الذكر كاملاً والخصيتين، أما نجاسته فهي مخففة. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويجزئ في بول الغلام الذي لم يأكل الطعام النضح، وكذلك المذي ويعفى عن يسيره]. الشيء اليسير يعفى عنه، وهذا يرجع إلى العرف.

كيفية غسل الدم وما تولد منه

كيفية غسل الدم وما تولد منه قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويعفى عن يسيره ويسير الدم وما تولد منه]. الدم إذا كان يسيراً كالدم يكون في العين أو في اللثة أو في الأسنان فيعفى عنه، شيء يسير مثل رأس الإبرة وما أشبه ذلك فيعفى عنه. ويدل على نجاسة الدم قول النبي صلى الله عليه وسلم للمرأة عندما قالت: (يصيب إحدانا دم الحيض؟ قال: حتيه ثم اقرصيه، ثم انضحيه بالماء) الحت: هو الحك، والقرص بأطراف الأصابع، ثم انضحيه بالماء، ونقل النووي الإجماع على نجاسة الدم كما في شرح النووي. وهذا إذا كان كثيراً، وكذلك الدم الذي يخرج عند الذبح، فهو الدم المسفوح، قال تعالى: {أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا} [الأنعام:145] أما ما يبقى في عروق اللحم فالأصل فيه الطهارة. قول المؤلف: (يعفى عن يسيره) يعود إلى أقرب مذكور وهو المذي. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويعفى عن يسيره ويسير الدم وما تولد منه من القيح والصديد ونحوه]. يعني: ما تولد من الدم من القيح والصديد الشيء اليسير فيعفى عنه، وهذا يرجع إلى عرف الإنسان، وكل شخص بحسبه. وأما الصلاة مع وجود الدم فقد يكون من الحالات الخاصة، وقد يكون ما جاء وقت الصلاة, ثم لو جاء وقت الصلاة في الحالات الخاصة فقد لا يتيسر الماء، قال تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:16]. وكما حصل لـ عمر حين طعن فقد قدم عبد الرحمن بن عوف، فـ عمر لو عاد فإن الدم مستمر لا يكف، وليس هناك حالة غير هذه الحالة، فالدم مستمر، لو غير ثيابه فسيبقى مستمراً كما هو. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويعفى عن يسيره ويسير الدم وما تولد منه من القيح والصديد ونحوه، وهو ما لا يفحش في النفس]. هذا القليل ضابطه: ما لا يفحش في نفس الإنسان.

طهارة مني الآدمي وبول ما يؤكل لحمه

طهارة مني الآدمي وبول ما يؤكل لحمه قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ومني الآدمي وبول ما يؤكل لحمه طاهر]. مني الآدمي طاهر؛ لأنه أصل الإنسان، وهو: ماء أبيض يخرج متدفقاً بلذة في الجماع أو في النوم وهو طاهر؛ لأنه أصل الإنسان، ويوجب الغسل وتعميم البدن بالماء، بخلاف البول فلا يوجب الغسل، وإنما يغسل رأس الذكر، وبخلاف المذي فإنه يوجب غسل الذكر والأنثيين، والودي: ما يخرج بعد البول، فهو تابع للبول، فمني الآدمي طاهر؛ لأنه أصل الإنسان، وكذلك بول ما يؤكل لحمه كالإبل والبقر والغنم فإنه طاهر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر العرنيين لما اجتووا المدينة أن يشربوا من أبوال إبل الصدقة وألبانها، ولم يأمرهم بغسل أفواههم, وذهب الإمام السيوطي رحمه الله إلى نجاستها، واستدل بالأحاديث التي فيها البول: (لا يستنزه من البول) , وقال: هذا عام، والصواب أن أبوال ما يؤكل لحمه طاهر بدليل قصة العرنيين.

كتاب الطهارة [2]

شرح عمدة الفقه_كتاب الطهارة [2] تكلم الفقهاء عما يجوز استخدامه من الآنية وما لا يجوز، وعن حكم أجزاء الميتة كالشعر والعظم والجلد، وأحكام وآداب قضاء الحاجة.

باب الآنية

باب الآنية

حكم استعمال آنية الذهب والفضة

حكم استعمال آنية الذهب والفضة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب الآنية. لا يجوز استعمال آنية الذهب والفضة في طهارة ولا غيرها؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تشربوا في آنية الذهب والفضة ولا تأكلوا في صحافها؛ فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة)]. لما ذكر حكم الماء الذي يتطهر به ذكر الآنية؛ لأن الماء في الغالب يكون في آنية، فعقد هذا الباب للآنية التي قد يتطهر بها، فقال رحمه الله: (لا يجوز استعمال آنية الذهب والفضة لا في طهارة ولا في غيرها)، فلا يجوز استعمالها للذكور ولا للإناث في أي نوع من أنواع الاستعمال كالكأس يشرب فيه الإنسان، أو إناء صغير يضعه في الماء يتوضأ به، أو طست يتوضأ به أو يغتسل به، أو ملعقة يأكل بها أو يشرب بها، أو مكحلة يكتحل بها الرجل أو المرأة، أو قلم يكتب به، فكل هذا حرام لا يجوز, يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تشربوا في آنية الذهب والفضة ولا تأكلوا في صحافهما؛ فإنها لهم -يعني: الكفرة- في الدنيا ولكم في الآخرة)، وفيه بيان العلة والحكمة أن أواني الذهب والفضة للمؤمنين في الجنة، وأما الكفرة فإنهم لا يرعون للإسلام حرمة ولا يبالون، فهم يستعملونها في الدنيا، فلا يجوز للمسلم أن يشابههم: (لا تشربوا في آنية الذهب والفضة ولا تأكلوا في صحافها؛ فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة)، وهذا يدل على أنه لا يجوز للإنسان أن يشرب في كأس ولا في ملعقة ولا في غيرها، إلا حلي الذهب والفضة، فالمرأة تتحلى بما شاءت؛ لأنها محل الزينة والجمال، فتتجمل بها لزوجها، وتتحلى بالذهب والفضة في رقبتها أو في أذنها أو في ساعدها أو في أصابعها، أو في نحرها وصدرها، أو في رجليها كالخلخال سابقاً، فكانت النساء تلبس الخلخال من الذهب والفضة، فكل هذا لا بأس به للمرأة, فتلبس المرأة ساعة الذهب؛ لأنه من الجمال، وأما الرجل فلا يلبس ساعة الذهب ولا يموهها بالذهب، إلا خاتم الفضة، فإنه يتختم بالفضة كما جاء أن النبي صلى الله عليه وسلم لبس خاتم الفضة، وثبت أنهم كانوا في أول الإسلام يتختمون بالذهب، ثم نزع النبي صلى الله عليه وسلم خاتمه فنزع الناس خواتيمهم, فقضت الشريعة على أنه لا يجوز للإنسان الذكر أن يلبس خاتم الذهب، ويجوز لبس خاتم الفضة كما ثبت: (أن النبي صلى الله عليه وسلم لبس خاتماً من فضة مكتوب فيه: محمد رسول الله). وثبت: أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً في يده خاتم من ذهب فقال: (يعمد أحدكم إلى جمرة من نار فيضعها في يده) فأخذها النبي وألقاها، فقيل للرجل بعدما ذهب النبي صلى الله عليه وسلم: خذه تنتفع به، فقال: لا والله لا آخذه وقد رماه رسول صلى الله عليه وسلم.

حكم استعمال المضبب بالذهب والفضة

حكم استعمال المضبب بالذهب والفضة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وحكم المضبب بهما حكمهما إلا أن تكون الضبة يسيرة من الفضة]. الضبة: هي القطعة من الذهب أو الفضة تكون في مكان الكف في الإناء، فإذا كان الإناء مكسوراً وضع في الكف قطعة من الذهب أو الفضة، وهذه لا تجوز إلا إذا كانت الضبة يسيرة، وتكون من فضة؛ لأن الفضة يتسامح فيها ما لا يتسامح في الذهب، فإذا كان كسراً يسيراً فيجعل فيه ضبة من فضة، أما إذا كان الكسر كبيراً فلا يجوز ولو كان من فضة، أو وضع في الضبة شيء من ذهب ولو يسير فإنه لا يجوز مطلقاً، وأما الفضة فإنه يجوز إذا كانت الضبة يسيرة؛ لما ثبت: (أن قدح النبي صلى الله عليه وسلم انكسر فاتخذ مكان الشعب سلسلة من فضة) فالفضة يتسامح فيها ما لا يتسامح في غيرها، وأما المموه بالذهب أو الفضة فهذا لا يجوز، أو ساعة مموهة بالذهب للرجل فهذا ممنوع.

حكم استعمال سائر الآنية الطاهرة

حكم استعمال سائر الآنية الطاهرة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويجوز استعمال سائر الآنية الطاهرة واتخاذها]. ويجوز استعمال سائر الأواني الطاهرة واتخاذها، سواء كانت هذه الأواني من نحاس أو من حديد أو من زجاج أو رصاص أو خشب أو حجر أو غيرها، إلا الذهب والفضة فإنه لا يجوز استعمالهما، وما عداه فإنه يجوز استعماله من أي نوع كان. وأما إذا كانت من الماس أو من غيره من الجواهر فهذه لا ينبغي للإنسان أن يستعملها؛ لأن فيها نوعاً من الإسراف، وينبغي للإنسان أن يستفيد من الأموال الثمينة ولا تستعمل في الأواني اليسيرة. والمقصود: أن الذهب والفضة هما اللذان يحرم استعمالهما في الأواني، وأما ما عداهما فإنه يجوز سواء كان آنية من رصاص أو نحاس أو حديد أو زجاج أو خشب أو حجر أو حصى أو طين، فكل هذا لا بأس به. وأما حكمه حرمة استعمال الذهب والفضة فقد بينها النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: (فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة) فهذه علة، ثم فيها كسر لقلوب الفقراء، وكونها من أثمان الناس، وكونها أيضاً خاصة بالمؤمنين في الجنة، قال: (فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة). وظاهر الحديث أنه خاص بالذهب والفضة، وأما الماس وغيره فهذا يأتي من جهة الإسراف، وإذا كانت أغلى من الذهب والفضة فقد يقال: إنها أولى بالمنع، وإذا قيل: إن العلة الثمنية فتكون من باب الإسراف فلا ينبغي للإنسان أن يستعمل الشيء الغالي المرتفع الثمن في هذه الأمور، والله تعالى يقول: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا} [الأعراف:31] فيعد إسرافاً, وفي الحديث: (كل واشرب والبس في غير سرف ولا مخيلة) وهذا داخل فيه لبس الساعة والخاتم كذلك فلا يكون فيه سرف ولا مخيلة. وأما اتخاذ الكأس من الذهب أو الملعقة للزينة فقط فلا ينبغي؛ لأنها وسيلة للاستعمال، فينبغي أن يكسرها، وأما أن يبقيه عنده مثل كأس الذهب فيضعه في المجلس أمام الناس فهذا وسيلة لاستعماله، وقد ثبت: أن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه طلب ماءً، فجاء له مجوسي بإناء من ذهب أو فضة، فرماه به فقال: لولا أنه فعله غير مرة لما فعلت ذلك. ويحتمل أنه أبقاه لأسباب، وهذا ثبت في صحيح البخاري، والمقصود أنه ينبغي أن يكسر ولا يبقى؛ لأن إبقاءه كإناء وسيلة للاستعمال، فإذا وجد عنده قلم من ذهب فهو وسيلة للاستعمال ولو لم يستعمله، والمكحلة من الذهب كذلك إبقاؤها وسيلة للاستعمال، حتى وإن كان للنساء؛ لأنها يمكنها أن تستعمل ذلك بغير الذهب والفضة، وليس هذا من التحلي.

حكم استعمال أواني أهل الكتاب وثيابهم

حكم استعمال أواني أهل الكتاب وثيابهم قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويجوز استعمال سائر الآنية الطاهرة، واتخاذها، واستعمال أواني أهل الكتاب وثيابهم ما لم تعلم نجاستها]. يجوز استعمال أواني أهل الكتاب ما لم تعلم نجاستها؛ لأنه ثبت أن الصحابة كانوا يستعملونها، وسئل النبي صلى الله عليه وسلم عن أواني أهل الكتاب، فأمرهم باستعمالها إلا أن يروا فيها نجاسة، فإنها تغسل إذا علم أن فيها نجاسة، أما إذا لم يعلم فالأصل الطهارة، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم لبس جبة شامية، والصحابة استعملوا أوانيهم وثيابهم ولم يغسلوها، فتستعمل إلا إذا علم أن فيها نجاسة، وغلب على ظنه أنهم يطبخون فيها الخنزير أو يشربون فيها الخمر فهذه تغسل، أما إذا لم يعلم أو غلب على ظنه أنه ليس فيه شيء فهي طاهرة ويجوز استعمالها. فالأصل الطهارة، وإن غسلها من باب الاحتياط والنظافة فلا بأس، والعمل على هذا الآن، فجميع الذي يستورد من الكفرة الآن يستعمله المسلمون من الأواني والثياب وغيرها، فكل هذه ترد من الكفرة.

حكم صوف الميتة وشعرها

حكم صوف الميتة وشعرها قال المؤلف رحمه الله: [وصوف الميتة وشعرها طاهر]. الصوف للغنم، والشعر للمعز وغيره، والوبر للإبل، والريش للطيور، فكل هذه طاهرة؛ لأنها لا تحلها الحياة، فإذا أخذت من الميتة فلا بأس.

حكم جلد الميتة

حكم جلد الميتة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وكل جلد ميتة دبغ أو لم يدبغ فهو نجس، وكذلك عظامها]. وهذا القول ضعيف، والصواب أن جلد الميتة مأكولة اللحم إذا دبغ فقد طهر؛ لما ثبت في الأحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أيما إهاب دبغ فقد طهر)، ولما ماتت شاة لـ أم سلمة قال النبي صلى الله عليه وسلم: (هلا أخذتم إهابها؟! قالوا: يا رسول الله! إنها ميتة، قال: يطهرها الماء والقرظ)، وفي لفظ: (هلا أخذتم إهابها فدبغتموه فانتفعتم به؟!)، وجاء أيضاً ما يدل على أن بعض نساء النبي صلى الله عليه وسلم دبغوا جلد ميتة فاستعملوه حتى تخرق، والصواب: أن جلد الميتة مأكولة اللحم إذا دبغ فقد طهر، قال صلى الله عليه وسلم: (هلا أخذتموه فانتفعتم به؟ قالوا: يا رسول الله! إنها ميتة، قال: يطهرها الدباغ والقرظ) لأن الدباغ بمثابة التذكية، ومأكول اللحم إذا ذكي فقد طهر، وإذا مات مأكول اللحم وأخذ الجلد ودبغ فالدباغ بمثابة التذكية، وفي اللفظ الآخر: (دباغها طهورها). وأما غير مأكول اللحم كالسباع وجلد الذئب أو جلد النمر أو جلد الحية، فبعض الحيات يؤخذ جلدها ويدبغ ويجعل منه حذاء ونعال، وقد رأيت بعض الإخوان معه نعال لها نقوش، فسألته فقال: إنها من جلد الحية، فإذا دبغ هل يطهر أو لا يطهر؟ فيه خلاف بين أهل العلم, فمن العلماء من قال: إنه يطهر أيضاً حتى جلد غير مأكول اللحم، وهو قول قوي، وأظنه اختيار الإمام البخاري رحمه الله. والقول الثاني: أن هذا خاص بمأكول اللحم كالإبل والبقر والغنم والضبع، فمأكول للحم إذا مات وسلخ جلده ودبغ فإنه يطهره؛ لأن الدباغ بمثابة التذكية، فكما أن الذكاة تحله فكذلك الدباغ يطهر جلده، وأما غير مأكول اللحم فلا، كالأسد والنمر والذئب، فلو ذبحته ما تحله وكذلك جلده، والمسألة فيها خلاف بين أهل العلم، والقول بأنها تطهر قول قوي له وجاهته، لكن المشهور عند العلماء أن هذا خاص بمأكول اللحم. والمذهب أن جلد الميتة إذا دبغ يستعمل في اليابسات دون المائعات، والصواب أنه يطهر، ويستعمل في اليابسات والمائعات، وهنا على هذه الرواية ذهب إلى أنه لا يطهر، وهو قول ضعيف. وأما العظام ففيها خلاف أيضاً, فمن قال إنها تحلها الحياة قال بنجاسته، ومن قال: إنها لا تحلها الحياة قال بطهارته، والأقرب أنها لا تحلها الحياة، ومن ذلك ناب الفيل فإن له ثمناً مرتفعاً، فبعضهم استثنى ناب الفيل؛ لأن الفيل نجس، وأنيابه من العظام، والحكم واحد في كل ما هو غير مأكول اللحم.

نجاسة الميتة إلا الآدمي

نجاسة الميتة إلا الآدمي قال المؤلف رحمه الله: [وكل ميتة نجسة إلا الآدمي]. كل ميتة إذا ماتت فهي نجسة: الإبل والبقر والغنم، إلا الآدمي فهو طاهر حياً وميتاً، وثبت: أن أبا هريرة لقي النبي صلى الله عليه وسلم فانخنس منه، فلما جاء سأله فقال: إني كنت أجنبت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (سبحان الله! إن المؤمن لا ينجس)، فالمؤمن طاهر حياً وميتاً، وأما الميتات الأخرى فإنها تنجس بالموت، وكل ما لا نفس له سائلة فهو طاهر. وهنا مسألة: ما حكم تحنيط الميتة؟ تحنيط الميتة لا يحلها ولا يطهرها، ولا ينبغي إبقاؤها؛ لأنه وسيلة إلى التصوير؛ ولأن بعض الناس قد يظن أنها صورة. وأما الكافر فهو طاهر، فلو مس يدك فلا تغسلها، ولعابه ليس بنجس، وقوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [التوبة:28] أي: نجاسة الشرك.

حكم ميتة حيوان الماء

حكم ميتة حيوان الماء قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وكل ميتة نجسة إلا الآدمي، وحيوان الماء الذي لا يعيش إلا فيه]. حيوان الماء الذي لا يعيش إلا فيه طاهر؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في البحر: (هو الطهور ماؤه الحل ميتته)، ولحديث: (أحل لنا ميتتان ودمان، فأما الميتتان فالجراد والحوت، وأما الدمان فالطحال والكبد) فكل ما يعيش في الماء فهو طاهر، قال تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ} [المائدة:96] فكل ما يعيش في البحر يكون طاهراً حياً وميتاً، وحلالاً، واستثنى بعض العلماء ما كان له مماثل في البر وهو يحرم كالحيات والعقارب، فحيات الماء وعقارب الماء وكلب الماء وخنزير الماء كلها نجسة، وقال آخرون: لا يستثنى شيء من ذلك حتى إنسان الماء؛ فكل ما كان في البحر فهو طاهر، وهذا قول قوي يدل عليه عموم الحديث: (هو الطهور ماؤه الحل ميتته)، وعموم قوله تعالى: ((أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ))، وأما الذي يعيش في البر وفي البحر -برمائي- كالضفدع وغيره فهذا يغلب عليه جانب البر.

حكم ميتة ما لا نفس له سائلة

حكم ميتة ما لا نفس له سائلة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وحيوان الماء الذي لا يعيش إلا فيه؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في البحر: (هو الطهور ماؤه الحل ميتته)، وما لا نفس له سائله إذا لم يكن متولداً من النجاسات]. وما لا نفس له سائلة فهو طاهر، إلا إذا كان متولداً من النجسات، والمراد بالنفس: الحشرة التي ليس لها دم مثل: الذباب والبراغيث والصراصير وغيرها، وكلها طاهرة إلا إذا كانت متولدة من النجاسات, كالصراصير فإنها تكون في الحمام، وهي متولدة من النجاسة، فهذه نجسة، وأما الصراصير التي ليست من الحمامات فإنها والحشرات الأخرى التي ليست من النجاسات طاهرة، كل شيء ما لا نفس له سائلة، كالبراغث والبعوض والذباب والصراصير وغيرها، كل هذه طاهرة.

ما جاء في قضاء الحاجة

ما جاء في قضاء الحاجة

دعاء دخول الحمام

دعاء دخول الحمام قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب قضاء الحاجة: يستحب لمن أراد دخول الخلاء أن يقول: باسم الله، أعوذ بالله من الخبث والخبائث]. يستحب عند دخول الخلاء أن يقول: باسم الله، اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث، والتسمية لم يدل على ثبوتها حديث، لكنها معروفة من الأدلة العامة التي فيها أن كل شيء يبدأ فيه بالتسمية، والبسملة وردت عند الدخول والخروج والأكل والشرب والوضوء، وقول: أعوذ بالله من الخبث والخبائث هذا ثابت في الصحيحين، والخبث: ذكران الشياطين، والخبائث: إناثهم، فيستحب هذا الدعاء عند الدخول, ويقدم رجله اليسرى، وأما المسجد فيقدم رجله اليمنى دخولاً، واليسرى خروجاً، فإذا دخل الخلاء فإنه يقدم رجله اليسرى دخولاً، واليمنى خروجاً، عكس دخول المسجد، فيقول عند الدخول: باسم الله اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث، فيكون استعاذ من ذكران الشياطين وإناثهم. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أن يقول: باسم الله، أعوذ بالله من الخبث والخبائث، ومن الرجس النجس الشيطان الرجيم]. وهذه الزيادة فيها ضعف، رواها ابن ماجة، لكن الثابت الصحيح: (أعوذ بالله من الخبث والخبائث).

دعاء الخروج من الحمام

دعاء الخروج من الحمام قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وإذا خرج قال: غفرانك، الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني]. يشرع للإنسان أن يقول: غفرانك، يعني: أسألك غفرانك، وقيل المعنى: إنه سأل الله المغفرة؛ لأنه في حال قضاء الحاجة لا يستطيع أن يذكر الله، فسأل الله الغفران من تقصيره في الثناء والدعاء في وقت الحاجة، وأما قوله: الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني، فرواه ابن ماجة بسند ضعيف. وإن قاله على أنه دعاء فلا بأس في ذلك.

تقديم الرجل اليسرى عند دخول الحمام وتقديم اليمنى عند الخروج

تقديم الرجل اليسرى عند دخول الحمام وتقديم اليمنى عند الخروج قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويقدم رجله اليسرى في الدخول واليمنى في الخروج]. هذه هي السنة، فإذا دخل بيت الخلاء فإنه يقدم الرجل اليسرى في الدخول، ويقدم الرجل اليمنى في الخروج عكس المسجد, وكذلك لبس النعل فإنه يقدم لبس اليمنى والخلع يقدم الرجل اليسرى، ولبس الثوب، ولبس السراويل يبدأ باليمنى ويخلع باليسرى. وإذا أخطأ الإنسان عند دخوله الخلاء فقدم اليمنى فلا شيء عليه، قال تعالى: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة:286]، ثم أيضاً هذا مستحب وليس بواجب. والدعاء إذا نسيه فخرج مرة أخرى وقاله فهو حسن، وإن ذكره بقلبه فلا بأس، وقد يقال: إنه تزول الكراهة مثل التسمية في الوضوء إذا نسيها فإنه يسمي ولو في الحمام؛ لأن ذكر الله مكروه في الحمام، وهذا الذكر واجب فتزول الكراهة في هذه الحالة. وإذا خرج يقول عند خروجه: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين. وأما دعاء الانتهاء من قضاء الحاجة فإنه يقال بعد الخروج من الحمام. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولا يدخله بشيء فيه ذكر الله تعالى إلا من حاجة]. أي: عند الضرورة إذا كان الإنسان يخشى عليه من الضياع، فهذا لا بأس للضرورة، كأن يكون عنده أوراق فيها ذكر الله فإنه يخرجها؛ إلا إذا خشي أنها تضيع أو ينساها فإنها تزول الكراهة في هذه الحالة، أو تكون نقوداً فيها ذكر الله ويخشى أن تؤخذ فيدخل بها للضرورة، وكذلك المصحف إذا خشي ضياعه، وفي الغالب أنه ما يخشى لكن لو وجد ذلك فهذا للضرورة.

الاعتماد على الرجل اليسرى عند قضاء الحاجة

الاعتماد على الرجل اليسرى عند قضاء الحاجة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويعتمد في جلوسه على رجله اليسرى، وإن كان في الفضاء أبعد واستتر]. وهذا الاستحباب يحتاج إلى دليل، والاعتماد على الرجل اليسرى يقولون: إنه أعون على خروج الخارج، وهذا ليس بلازم, وإنما ينظر الإنسان ما يناسبه, فإذا كان المناسب الاعتماد على رجله اليسرى اعتمد، وإذا كان المناسب على اليمنى اعتمد، وهذا لا دليل عليه، وإنما هذا للتعليم، فقالوا: يستحب؛ لأنه أعون على خروج الخارج، وهذا يختلف حسب حال الشخص. وقد قال صاحب العدة: وقال سراقة بن مالك: (علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتينا الخلاء أن نتوكأ على اليسرى) رواه الطبراني في معجمه، لكن فيه رجل لم يسم، فهو مجهول وضعيف، وعلى هذا فالاعتماد على الرجل اليسرى لا يكون سنة، وإنما هو على حسب ما يناسب الإنسان، فإن كان يناسبه اليسرى اعتمد، وإن كان يناسبه اليمنى اعتمد.

استحباب الاستتار عند قضاء الحاجة

استحباب الاستتار عند قضاء الحاجة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وإن كان في الفضاء أبعد واستتر]. هذه هي السنة إذا كان في الفضاء يبعد ويستتر عن أعين الناس ويكون بعيداً، والدليل: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد قضاء حاجته استتر عن الأعين حتى لا ترى عورته ولا يسمع له صوت).

اختيار المكان الرخو عند البول

اختيار المكان الرخو عند البول قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويرتاد لبوله موضعاً رخواً]. فإذا كانت الأرض صلبة فإنه يأتيه من رشاش البول، فيرتاد مكاناً رخواً؛ حتى لا يصيبه شيء من رشاش البول.

الأماكن التي يحرم البول فيها

الأماكن التي يحرم البول فيها قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولا يبول في ثقب، ولا شق، ولا طريق، ولا ظل نافع، ولا تحت شجرة مثمرة]. لا يبول في ثقب ولا شق؛ لأنه قد يخرج إليه شيء من الهوام والحشرات فتؤذيه، وقد يكون مسكناً للجن فلا ينبغي أن يبول في ثقب وشق, كذلك لا يبول في طريق؛ لأنه يؤذي الناس, وكذلك في موارد الماء, وكذلك في الظل الذي يستظل به الناس، والمشمس الذي يتشمس به الناس في الشتاء, وتحت شجرة مثمرة؛ لأنه يقذرها على الناس, وفي الحديث: (اتقوا اللاعنين، قالوا: وما اللاعنان يا رسول الله؟ قال: الذي يتخلى في طريق الناس وظلهم)، والمعنى: أن من تخلى في طريق الناس وظلهم لعنوه، وليس هذا إذناً باللعن، بل المعنى: أن عادة الناس أن من قضى حاجته في طريقهم وظلهم لعنوه، يعني: اتقوا ما يسبب لكم اللعن, فلا يجوز للإنسان أن يقضي حاجته في طريق الناس، أو في ظلهم، أو في موارد الماء، أو في المشمس الذي يتشمس فيه الناس في الشتاء, أو تحت شجرة مثمرة يقذرها على الناس، فكل هذا لا يجوز. ومعنى الحديث: أن الناس عادة يلعنونه, وأما لعن المعين فلا ينبغي. وهذا الفعل -أي: البول والبراز في طريق الناس أو ظلهم- قد يكون من الكبائر؛ لأن فيه أذية للناس، وهي محرمة, قال تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} [الأحزاب:58]، ولا شك أن الذي يتخلى في طريق الناس وفي ظلهم أنه يؤذي الناس.

حكم استقبال الشمس والقمر عند قضاء الحاجة

حكم استقبال الشمس والقمر عند قضاء الحاجة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولا يستقبل شمساً ولا قمراً]. وهذا ضعيف ليس عليه دليل، واستقبال الشمس والقمر لا بأس به، وإنما الممنوع استقبال القبلة واستدبارها في غير البنيان, ويستدلون بحديث: (لا تستقبلوا النيرين) لكنه ضعيف لا يثبت، وقد أشار إليه في الشرح، وهذا التكريم لا دليل عليه، وهو مخالف للحديث: (لا تستقبلوا القبلة ببول ولا غائط، ولكن شرقوا أو غربوا) وإذا شرق أو غرب فلا بد أن يستقبل الشمس أو القمر في الليل. ثم أيضاً إذا كان الإنسان لا يستقبل القبلة ولا يستدبرها, ولا يستقبل القمر ولا الشمس فماذا سيستقبل؟ فهذا ضعيف وليس عليه دليل، والتكريم هنا لا وجه له.

حكم استقبال القبلة واستدبارها عند قضاء الحاجة

حكم استقبال القبلة واستدبارها عند قضاء الحاجة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولا يستقبل القبلة ولا يستدبرها؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تستقبلوا القبلة بغائط ولا بول ولا تستدبروها)]. وهذا ثابت في الصحيحين وغيرهما، وفيه دليل على تحريم استقبال القبلة أو استدبارها عند قضاء الحاجة, وهذا في غير البنيان, وأما إذا كان في البنيان فلا بأس على الصحيح من أقوال أهل العلم, والمسألة فيها أقوال ثمانية لأهل العلم: فمنهم من أجازها مطلقاً، ومنهم من منعها مطلقاً، ومنهم منعها في الصحراء وأجازها في البنيان، ومنهم من منع الاستقبال وأجاز الاستدبار, ومنهم من عكس, فهي أقوال كثيرة أرجحها أن المنع إنما هو في الصحراء والجواز في البنيان، فلا يجوز استقبال القبلة في الصحراء، والدليل على هذا أن ابن عمر رأى النبي صلى الله عليه وسلم يقضي حاجته في بيته مستقبلاً الشام مستدبراً الكعبة، فدل على الجواز في البنيان, والقاعدة: أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا نهى عن شيء ثم فعله دل ذلك على أن النهي ليس للتحريم، فهذا محمول على أنه إذا كان في البنيان فلا بأس به، وإذا كان في الصحراء فهو ممنوع، فخصص النهي في الصحراء والجواز في البنيان. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويجوز ذلك في البنيان]. لحديث ابن عمر: (أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يقضي حاجته مستقبل الشام مستدبر الكعبة). وعن مروان الأصفر قال: رأيت ابن عمر أناخ راحلته مستقبل القبلة ثم جلس فبال إليه، فقلت: يا أبا عبد الرحمن أليس قد نهي عن هذا؟ قال: إنما نهي عنه في الفضاء، وإذا كان بينك وبين القبلة شيئاً يستره فلا بأس. رواه أبو داود. فيجوز ذلك أخذاً بالحديث، وإذا كان بينه وبين القبلة جدار أو بنيان، والراحلة مثلها. وأبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه كان يرى المنع مطلقاً حتى في البناء قال: (فقدمنا الشام فوجدنا مراحيض قد بنيت نحو الكعبة فننحرف عنها ونستغفر الله عز وجل).

ما يفعله الشخص إذا انتهى من بوله

ما يفعله الشخص إذا انتهى من بوله قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وإذا انقطع البول مسح من أصل ذكره إلى رأسه ثم ينتره ثلاثاً]. يعني: حتى يتقلص الخارج، فيأخذ بإبهامه من أصل ذكره إلى رأسه يمره وينتره، يعني: ينفضه، ويفعل هذا ثلاث مرات، حتى يتقلص الخارج، هذا ما ذهب إليه المصنف، والصواب أن هذا بدعة، وأنه يسبب السلس والوسواس فلا يفعل هذا، ولكن ينتظر قليلاً إذا كان بقي قطرات ولا يفعل هذا النتر فلا دليل عليه، وإنما هو من البدع، وهو يسبب سلساً ووساوساً.

عدم مس الذكر باليمين عند قضاء الحاجة

عدم مس الذكر باليمين عند قضاء الحاجة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولا يمس ذكره بيمينه]. فهذا محرم كما جاء في الصحيحين: (أن النبي نهى أن يمس الرجل ذكره وهو يبول). فقيده هنا بمسه وهو يبول، وهذا هو المعروف في الحديث، وهو مقيد بحديث: (ولا يمس ذكره بيمينه وهو يبول، ولا يتمسح من الخلاء بيمينه، ولا يتنفس في الإناء)؛ لأنه قد يصيب اليد اليمنى شيء من البول وهي مكرمة, لكن في غير البول لو مسه فلا يصيب اليد شيء، لكن الأولى في مثل هذا ألا يمسها، وأما التحريم فقد جاء وهو يبول: (لا يمس ذكره بيمينه وهو يبول) هكذا قيد في الحديث، والمؤلف ما قيدها هنا، وجميع المنهيات السابقة للتحريم: البول في الطريق، وفي ظل الناس، فهذا محرم، وأما البول في شق فهذا لأنه قد يخرج إليه شيء من الحشرات فيؤذيه. وهذا حديث متفق عليه، وهو قوله: (لا يمسن أحدكم ذكره بيمينه، ولا يتمسح بيمينه)، لكنه مقيد بالحديث الآخر: (وهو يبول)، فالمطلق يحمل على المقيد. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولا يمس ذكره بيمينه، ولا يستجمر بها]. ولا يستجمر بها، كما في الحديث: (ولا يتمسح من الخلاء بيمينه)، لا يستجمر ولا يتمسح المعنى واحد، يتمسح معناه: الاستجمار, فهو لا يجوز له أن يستجمر بيده اليمنى، ولكن تكون اليمنى معينة، فيأخذ مثلاً حجراً بيده اليمنى ثم يأخذه باليسرى فيستجمر بها, فلا يباشر الاستجمار باليمنى، ولا يمس ذكره بيمينه، ولا يتمسح ولا يستجمر باليمنى فكل هذا محرم.

استحباب الاستجمار وترا والاستنجاء بالماء

استحباب الاستجمار وتراً والاستنجاء بالماء قال المؤلف رحمه الله: [ثم يستجمر وتراً، ثم يستنجي بالماء]. يستجمر وتراً هذا الأفضل، يعني: يقطع الاستجمار على وتر؛ لحديث: (من استجمر فليوتر) فإذا استجمر وأنقى بأربعة أحجار فإن الأفضل أن يزيد خامساً؛ حتى يقطع على وتر، وإن أنقى بستة أحجار فالأفضل أن يزيد سابعاً؛ حتى يقطع على وتر، ثم يستنجي بالماء، هذا هو الأكمل والأفضل، فيجمع بين الاستجمار والاستنجاء بالماء, وإن اكتفى بالاستنجاء بالماء كفاه, أو اكتفى بالأحجار كفاه بشروط كما سيذكره المؤلف رحمه الله: أنه لا بد أن يكون ثلاثة أحجار فأكثر منقية، ولا بد أن لا يتجاوز الخارج موضع العادة. يكفي الاستجمار بالأحجار فقط، وإن جمع بينها وبين الماء فهو أفضل، وأنكر بعض العلماء الاستنجاء بالماء وقال: إن هذا لا يعرف عند العرب؛ لأن العرب ما كانت تعرف إلا الاستجمار، وكان أحدهم يكره أن يمس دبره بيمينه، وروي عن بعض السلف إنكار الاستنجاء بالماء، لكن الصواب أن الاستنجاء بالماء أبلغ وأفضل، والأفضل أن يجمع بين الاستجمار بالحجارة والاستنجاء بالماء. والاستجمار يكون بالأحجار أو بالشيء المتحجر أو بمناديل الورق بحيث تكون ثلاث مسحات منقية فأكثر، ويشترط في صحة الاستجمار بالأحجار ألا يتجاوز الخارج موضع العادة، وذلك بألا ينتشر في الصفحة أو يجاوز الحشفة، فإن تجاوز الخارج موضع العادة فلا يجزيه إلا الماء.

حكم الاقتصار على الاستجمار بالأحجار وبيان شرط الإجزاء

حكم الاقتصار على الاستجمار بالأحجار وبيان شرط الإجزاء قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فإن اقتصر على الاستجمار أجزأه إذا لم تتعد النجاسة موضع العادة]. يعني: في البول لا يتجاوز رأس الذكر، وفي الدبر لا ينتشر إلى الصفحتين، وأما إذا انتشر فلا يجزيه إلا الماء، ولابد أن تكون المسحات ثلاثاً فأكثر منقية، والأفضل الإنقاء على وتر.

بيان عدد المسحات المجزئه في الاستجمار

بيان عدد المسحات المجزئه في الاستجمار قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولا يجزئ أقل من ثلاث مسحات منقية]. هذا إذا أراد أن يقتصر على الأحجار فلا يجزئ أقل من ثلاث، فإن مسح بحجر أو حجرين فلا يكفي ولو أنقى، وأما إذا أراد أن يجمع بينهما واستجمر بحجر واحد أو بحجرين واستنجى بعده بالماء فلا بأس، وإذا استجمر بثلاثة أحجار ولم تنق زاد رابعة فإن أنقى بأربعة أحجار فالأفضل أن يزيد خامسة حتى يقطع على وتر؛ وذلك للحديث: (من استجمر فليوتر). وأما إذا كان الاستجمار بحجر واحد له ثلاث جهات -أي: ثلاث شعب- فإنه يجزئ عند العلماء. وكذلك يجزئ الاستجمار بالمناديل الخشنة والطين المتحجر، لكن الزجاج لا يجزئ؛ لأنه لزج، كذلك لا يجوز الاستجمار بالعظم والروث؛ وذلك لحديث أبي هريرة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أراد أن يستجمر أتاه أبو هريرة بحجرين وروثة، فأخذ الحجرين وألقى الروثة، وقال: إنها رجس)، وفي لفظ: (ائتني بغيرها). والنبي صلى الله عليه وسلم أمر بثلاثة أحجار فأكثر، فلا يجزئ أقل من ثلاثة أحجار إذا أراد أن يقتصر عليها، أما إذا أراد أن يستنجي بالماء فلا مانع، وإذا استجمر بثلاثة أحجار منقية فإنها تجزئ، ويتوضأ مبتدئاً بالمضمضة والاستنشاق ولو لم يغسل فرجيه بالماء، والأثر الباقي الذي لا يزيله إلا الماء هذا معفو عنه حتى ولو كان عنده ماء. وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (لا يستنجي أحدكم بدون ثلاثة أحجار). رواه مسلم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بثلاثة أحجار، وقال: (فإنها تجزئ عنه)، أخرجه أبو داود.

بيان ما يجوز الاستجمار به وما لا يجوز

بيان ما يجوز الاستجمار به وما لا يجوز قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويجوز الاستجمار بكل طاهر إلا الروث والعظام وما له حرمة]. يعني: يجوز الاستجمار بكل طاهر منق من الأحجار، أو الطين المتحجر، أو الخشب، أو مناديل الورق، إلا الزجاج للزوجته، والعظام والروث للنهي عنهما، أما العظام فلأنه يفسدها على الجن؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تستنجوا بالعظام والروث؛ فإنه زاد إخوانكم من الجن)، وذكر: (إنه جاءه وفد نصيبين وأنهم سألوه الطعام، فقال: لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه يعود أوفر ما كان عليه لحماً، وكل بعرة فهي أكل دوابكم يعود إليه حبه الذي أكل). وجاء في الحديث الآخر: (أنهما لا يطهران)، فيكون الاستنجاء بالعظم والروث ممنوع لأمرين: الأمر الأول: أنه يفسدهما على إخواننا من الجن. الأمر الثاني: أنهما لا يطهران. وكذلك المحترم ككتب العلم والطعام يحرم أن يستجمر به، وما عداه فإنه يستجمر به. ومن آداب قضاء الحاجة الاستتار عند قضاء الحاجة؛ للحديث: (إن الشياطين يتلاعبون بمقاعد بني آدم) لكن إذا قضى حاجته وليس عنده أحد فالأمر واسع، لكن إذا كان عنده أحد فلابد أن يستتر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستتر بكثيب من الرمل أو بشجر. كذلك ورد النهي عن قضاء الحاجة في الظل؛ لأنه قد يأتي أحد ويجلس في هذا المكان، وأما إذا كان في البرية وليس حوله أحد ولا يظن أن أحداً يأتي إلى هذا المكان، فالأمر في هذا واسع.

كتاب الطهارة [3]

شرح عمدة الفقه_كتاب الطهارة [3] يجب معرفة صفة الوضوء وشروطه ومستحباته، فالوضوء هو مفتاح الصلاة، فينبغي الاعتنا به وتعلمه؛ حتى تكون الصلاة صحيحة ومقبولة، ويلحق بذلك معرفة صفة المسح على الخفين وشروط ذلك.

حكم النية في الوضوء

حكم النية في الوضوء قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب الوضوء. لا يصح الوضوء ولا غيره من العبادات إلا أن ينويه؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى)]. هذا حديث متفق عليه، والنية شرط في صحة العبادات كلها: من وضوء وصلاة وصوم وزكاة وحج، فلابد من النية، والنية محلها القلب، ولا يحتاج أن يتلفظ بها، فلا يقول: نويت أن أتوضأ، ولا يقول: نويت أن أصلي خلف هذا الإمام صلاة الفجر ركعتين، ولا يقول: نويت أن أصوم هذا اليوم من رمضان من طلوع الفجر إلى غروب الشمس؛ لأن هذا لا أصل له، بل التلفظ بالنية بدعة؛ لأن النية محلها القلب، والنية هي التي تميز الفرائض من النوافل، والعادات من العبادات، فإذا ذهبت إلى دورة المياه فهذا الفعل نية، وإذا ذهبت إلى المسجد بعد الأذان وتوضأت فهذا نية الصلاة، فلا تحتاج إلى التلفظ بالنية. إذاً: لا يصح أي عمل إلا بالنية، فلو كان عليه غسل الجنابة ثم اغتسل ولا يقصد الجنابة وإنما قصد التبرد فلا ترتفع الجنابة، فيجب عليه أن يغتسل مرة أخرى بنية رفع الحدث، وإذا توضأ ولم ينو رفع الحدث وإنما قصد التبرد لأن الوقت حار، فلا يصح الوضوء ولا يرتفع الحدث، بل عليه أن يتوضأ بنية رفع الحدث، وهكذا جميع الأعمال لابد فيها من النية؛ وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى). ولابد من استمرار النية أثناء العبادة، وألا ينوي قطعها حتى تتم الطهارة، ولا ينوي قطع الصلاة حتى تتم الصلاة، فإن نوى قطعها بطلت، وإذا نوى الفطر أفطر على الصحيح، ولهذا قال عمر: من نوى الإفطار أفطر. وإذا نوى الوضوء للصلاة فإن له أن يقرأ القرآن، ويطوف بالبيت، ويفعل جميع ما تصح به الطهارة.

صفة الوضوء: أركانه ومستحباته

صفة الوضوء: أركانه ومستحباته

التسمية عند الوضوء

التسمية عند الوضوء قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ثم يقول: باسم الله]. التسمية عند الوضوء مستحبة عند جمهور العلماء؛ لأن الأحاديث التي جاءت في التسمية كلها ضعيفة، لكن كما قال الحافظ ابن كثير: إن كثرة طرقها يشد بعضها بعضاً، ولهذا ذهب الإمام أحمد رحمه الله إلى أنها واجبة مع الذكر، فالذي ينبغي للإنسان أن يسمي عند الوضوء؛ خروجاً من الخلاف، ففي مذهب الحنابلة كما ذكرنا التسمية واجبة مع الذكر، وإذا نسي سقطت، وإذا تذكر في أثناء الوضوء سمى في أثناء الوضوء.

حكم غسل الكفين ثلاثا

حكم غسل الكفين ثلاثاً قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويغسل كفيه ثلاثاً]. غسل الكفين ثلاث مرات مستحب، إلا إذا كان مستيقظاً من نوم ليل فقد قال بعض العلماء بالوجوب؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثاً؛ فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده)، فذهب الظاهرية إلى أن الأمر للوجوب، والجمهور حملوه على الاستحباب، لكنه متأكد إذا استيقظ من نوم الليل.

المضمضة والاستنشاق

المضمضة والاستنشاق قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ثم يتمضمض ويستنشق ثلاثاً يجمع بينهما بغرفة أو ثلاث]. المستحب أن يتمضمض ثلاثاً ويستنشق ثلاثاً، وإن تمضمض مرة واستنشق مرة كفى؛ لأن الواجب مرة، والأفضل أن يأخذ غرفة واحدة ويتمضمض ببعضها ويستنشق ببعضها، ثم يستنثر بيده اليسرى يفعل هذا ثلاثاً، وإن تمضمض من غرفة واستنشق من غرفة فلا حرج، لكن الأفضل أن تكون المضمضة والاستنشاق من غرفة واحدة، والمضمضة والاستنشاق داخلتان في غسل الوجه، فالأفضل أن يبدأ بهما أولاً، وإن غسل وجهه أولاً ثم تمضمض واستنشق فلا حرج.

غسل الوجه وحده

غسل الوجه وحده قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ثم يغسل وجهه ثلاثاً من منابت شعر الرأس إلى ما انحدر من اللحيين والذقن، وإلى أصول الأذنين]. يعني: أن حد غسل الوجه من منابت شعر الرأس من الأمام إلى ما انحدر من اللحية والذقن طولاً، وعرضاً من الأذن إلى الأذن، والواجب تعميمه بالغسل مرة واحدة، والأفضل أن يكون الغسل ثلاثاً. والعبرة بالغسلة الواحدة التعميم، فإذا عممه يعتبر مرة واحدة؛ لأنه ليست العبرة بالغرفات بل العبرة بالتعميم. ويجوز أن يغسل بعض الأعضاء ثلاثاً وبعضها مرتين وبعضها مرة كما ثبت في الأحاديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ مرة مرة، ومرتين ومرتين، وثلاثاً ثلاثاً).

تخليل اللحية الكثيفة وغسل اللحية الخفيفة

تخليل اللحية الكثيفة وغسل اللحية الخفيفة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [قال: ويخلل لحيته إن كانت كثيفة، وإن كانت تصف البشرة لزمه غسلها]. أي: إذا كانت اللحية كثيفة فيكفي غسل ظاهر الشعر، وإن كانت خفيفة وجب غسلها وإيصال الماء إلى البشرة، وتخليل اللحية الكثيفة سنة مستحبة، والواجب غسل ظاهر الشعر منها.

غسل اليدين إلى المرفقين

غسل اليدين إلى المرفقين قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ثم يغسل يديه إلى المرفقين ثلاثاً ويدخلهما في الغسل]. أي: أن المرفقين تابعان لليدين؛ لقوله تعالى: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [المائدة:6]، و (إلى) بمعنى (مع) يعني: مع المرافق؛ لأن ما بعد (إلى) أحياناً يكون داخلاً فيما قبلها وأحياناً يكون غير داخل فيما قبلها، وهنا دلت النصوص على أن ما بعد (إلى) داخل فيما قبلها، فيكون المرفق داخلاً في الغسل، وأما قوله سبحانه: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة:187]، فما بعد (إلى) ليس داخلاً فيما قبلها؛ لأن الليل ليس فيه صيام. وعندما يغسل يده يغسلها من أطراف الأصابع حتى يشرع في العضد ويغسل المرفق معه، والواجب التعميم مرة واحدة، فإذا عممها بغرفة أو بغرفتين تعتبر مرة واحدة فقط؛ فليست العبرة بالغرفات وإنما العبرة بالتعميم، ولابد من غسل الكفين مع اليدين إلى المرفقين، فلا يصح الوضوء إلا بأن تغسل كفيك مع اليدين. وأما الدلك للأعضاء فمستحب. ويسن البدء باليمين في طهارة الأعضاء للحديث: (ابدءوا بما بدأ الله به)، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (صلوا كما رأيتموني أصلي) ويقول: (هذا وضوئي ووضوء الأنبياء قبلي)، وإن كان القول بالوجوب له وجاهة، لكن الراجح عند العلماء أن البداءة باليمين مستحب.

مسح الرأس مع الأذنين

مسح الرأس مع الأذنين قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ثم يمسح رأسه مع الأذنين يبدأ بيديه من مقدمة ثم يمرهما إلى قفاه ثم يردهما إلى مقدمه] يعني: يبدأ بيديه من مقدم رأسه إلى قفاه ثم يردهما إلى المكان الذي بدأ منه، وذلك لما ورد في الحديث: (فمسح رأسه بيديه فأقبل بهما وأدبر) هذه هي السنة، وكيفما مسح أجزأه، لكن الأفضل أن يفعل ما ورد في الحديث وهذا عام للرجل والمرأة، فإن قيل: المرأة لها شرع كثيف، فيقال: والرجل كذلك قد يكون له شعر كثيف كما كان النبي صلى الله عليه وسلم له شعر كثيف وفرة إلى الكتف.

غسل الرجلين إلى الكعبين

غسل الرجلين إلى الكعبين قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ثم يغسل رجليه إلى الكعبين ثلاثاً. ويدخلهما في الغسل]. أي: يدخل الكعبين في الغسل، لقوله تعالى: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة:6]، وما بعد (إلى) داخل هنا فيما قبلها. وهي بمعنى (مع). يعني: مع الكعبين فالواجب أن يعمم رجله بالغسل حتى يتجاوز الكعب ويشرع في الساق، والواجب مرة واحدة تعميم الرجل بالغسل بغرفة أو بغرفتين، ثم اليسرى كذلك، والمرة الثانية والثالثة مستحبتان، ويجوز للإنسان أن يغسل الأعضاء كلها مرة مرة أو مرتين مرتين أو ثلاثاً ثلاثاً، ويجوز مخالفاً بأن يغسل الوجه مرة واليدين مرتين والرجلين ثلاثاً، كل هذا جاءت به السنة (توضأ النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثاً ثلاثاً ومرتين مرتين ومرة مرة). وأما الزيادة فمنهي عنها للحديث: (من زاد فقد أساء) وهذا أقل أحواله الكراهة الشديدة. قال: [ويخلل أصابعهما]. أي: عليه أن يخلل الأصابع؛ خشية أن ينبو الماء عنها.

بيان الذكر بعد الوضوء وحكم رفع النظر قبله إلى السماء

بيان الذكر بعد الوضوء وحكم رفع النظر قبله إلى السماء قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ثم يرفع نظره إلى السماء فيقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله]. رفع النظر إلى السماء جاء في حديث ضعيف، ولكن جاء في صحيح مسلم من حديث عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما من عبد يتوضأ ويحسن وضوءه ويقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء). زاد الترمذي بسند جيد: (اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين)، وجاء في الحديث الآخر استحباب أن يقول: (سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك)، مثل دعاء كفارة المجلس يقال: بعد الوضوء، لكن أظن أن هذا الحديث ضعيف. وجاء عند النسائي: (اللهم اغفر لي ذنبي). وأما الذكر أثناء الوضوء فلم يرد فيه شيء، وما جاء عن بعض الناس أنه إذا غسل وجهه قال: اللهم بيض وجهي يوم تبيض الوجوه، وإذا غسل يده اليمنى قال: اللهم أعطني كتابي بيميني، فكل هذه الأحاديث لا تثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم.

بيان الواجب والمستحب في الوضوء

بيان الواجب والمستحب في الوضوء قال المؤلف رحمه الله تعالى: [قال: والواجب من ذلك النية والغسل مرة مرة]. الواجب النية في أول الوضوء، وغسل كل عضو مرة مرة، وأما ما زاد على ذلك فهو مستحب. قال: [ما خلا الكفين ومسح الرأس كله]. يعني: غسلهما قبل الوضوء ثلاثاً مستحب ليس واجباً، وأما عند الاستيقاظ من نوم الليل فواجب.

حكم ترتيب الأعضاء في الوضوء

حكم ترتيب الأعضاء في الوضوء قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وترتيب الوضوء على ما ذكرنا]. الترتيب لابد منه، فيغسل وجهه، ثم يديه، ثم يمسح رأسه، ثم يغسل رجليه، فلو قدم بعضها على بعض لا يصح الوضوء، فلو غسل يديه ثم غسل وجهه سقط غسل يديه، وعليه أن يغسل يديه مرة أخرى مراعاة للترتيب، وكذلك لو غسل يديه ثم غسل رجليه ثم مسح رأسه، فإن عليه أن يغسل رجليه مرة أخرى بعد مسح الرأس مراعاة للترتيب. قال العلماء: إن الله تعالى أدخل الممسوح في المغسولات في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة:6] ولا نعلم لذلك فائدة إلا وجوب الترتيب، فلولا أن الترتيب واجب لما أدخل الله الممسوح بين المغسولات.

حكم الموالاة بين الأعضاء في الوضوء

حكم الموالاة بين الأعضاء في الوضوء قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وألا يؤخر غسل عضو حتى ينشف ما قبله]. هذه هي الموالاة، وهي واجبة، ومعنى الموالاة: ألا يؤخر غسل عضو حتى ينشف الذي قبله في الوقت المعتاد، لكن لو كان الوقت فيه ريح شديدة ونشف العضو بسبب الريح فلا يضره. فإذا غسل وجهه ثم غسل يديه ثم شرب الشاي أو القهوة خلال عشر دقائق ثم جاء ومسح رأسه ثم غسل رجليه، فإن هذا يخل بالموالاة، والدليل على هذا: (أن النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى لمعة في بعض أعضاء رجل قال له: ارجع فأحسن وضوءك). فلو كانت الموالاة غير واجبة لأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يغسل اللمعة فقط، فلما أمره أن يعيد الوضوء كاملاً دل ذلك على أنه لابد من الموالاة، وأما إذا كانت هناك لمعة في عضو ولم تنشف الأعضاء وكان ذلك في الحال، فإنه يغسل اللمعة ويغسل العضو الذي بعد ذلك الوضوء الذي فيه اللمعة، فإن كانت في اليد يغسل اللمعة ويمسح رأسه ويكمل الوضوء، وإذا كانت في الرجل يغسل اللمعة إذا كانت في الحال. والتنشيف في الوضوء مسكوت عنه، وهو لا بأس به، وإنما الذي جاء في الغسل حديث ميمونة في صحيح مسلم قالت: (أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بخرقة فلم يقبلها، وجعل ينفض الماء بيديه)، فالأولى في الغسل ألا يتنشف، وإن تنشف فلا حرج، وأما في الوضوء فمسكوت عنه؛ ولذلك يقول العلماء: وتباح معونته في الوضوء وتنشيف أعضائه.

سنن الوضوء

سنن الوضوء قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والمسنون: التسمية]. هنا مشى المؤلف على خلاف المذهب، قال الشيخ عبد الله البسام: المذهب أن التسمية واجبة، والمصنف ذكر أنها سنة اتباعاً لقوله في المذهب. وما ذهب إليه المصنف هو قوله الجمهور والرواية الثانية عن الإمام أحمد، وأما في المذهب فالتسمية واجبة. وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه)، رواه أبو داود والترمذي، وهو حديث ضعيف، والإمام أحمد رحمه الله قال: ليس يثبت في هذا حديث، ولا أعلم فيه حديثاً له إسناد جيد، لكن مجموعها يشد بعضها بعضاً. قال: [وغسل الكفين] المراد غسل الكفين ثلاثاً قبل الوضوء، وأما غسلهما مع اليدين فهذا واجب وليس مستحباً. قال: [والمبالغة في المضمضة والاستنشاق إلا أن يكون صائماً]. المبالغة في المضمضة والاستنشاق سنة مستحبة، وأما إذا كان صائماً فلا ينبغي له أن يبالغ فيهما؛ لحديث لقيط بن صبرة: (وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً) وذلك خشية أن ينزل شيء من الماء إلى الحلق إذا كان صائماً. قال: [وتخليل اللحية والأصابع]. تخليل اللحية مستحب إذا كانت كثيفة، وأما أن كانت صغيرة يرى من ورائها البشرة فيجب غسلها، وتخليل ما بين أصابع اليدين والرجلين مستحب. قال: [ومسح الأذنين]. يعني: أن يمسح باطن الأذنين بالسبابتين وظاهرهما بالإبهامين. قال الشيخ عبد الله البسام في تعليقه: المذهب أن الأذنين من الرأس فيكون مسحهما واجباً؛ وما رواه ابن عباس: (أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح برأسه وأذنيه ظاهرهما وباطنهما) هذا يؤيد الوجوب؛ لأن الأصل اتباعه عليه الصلاة والسلام، ولأن ظاهر الأدلة الوجوب؛ لأنهما من الرأس، فيمسحان معه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (الأذنان من الرأس)، رواه أبو داود، وروت الربيع: (أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح برأسه وصدغيه وأذنيه مسحة واحدة) رواه الترمذي. وإذا كاناً من الرأس فالله تعال قال: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} [المائدة:6]، فيكون مسح الأذنين داخلاً في الوجوب، لكن بعض الشافعية رحمهم الله يرى أنه لو مسح ربع الرأس أو نصف الرأس أو ثلث الرأس كفاه، لكن ينبغي للإنسان ألا يخل في مسح الأذنين. قال: [وغسل الميامن قبل المياسر، والغسل ثلاثاً ثلاثاً]. يستحب أن يبدأ باليد اليمنى قبل اليسرى، والرجل اليمنى قبل اليسرى، لكن ينبغي للإنسان ألا يخل بالتيامن. فلو بدأ باليسرى صح الوضوء؛ لأن التيامن مستحب، لكن من قال بالوجوب فله وجه. وغسل كل عضو ثلاثاً ثلاثاً، أو مرتين مرتين مستحب، والواجب مرة واحدة. قال: [وتكره الزيادة عليها والإسراف في الماء]. الكراهة هنا كراهة شديدة، والقول بالتحريم له وجه؛ لما فيه من الإسراف، ولما فيه من مجاوزة فعل النبي صلى الله عليه وسلم، ولقوله صلى الله عليه وسلم: (من زاد فقد أساء وتعدى وظلم). فظاهر الحديث الحرمة، لكن المعروف عند العلماء أنه للكراهة الشديدة، والمذهب الكراهة أيضاً. قال: [ويسن السواك عند تغير الفم، والقيام من النوم، وعند الصلاة]. السواك مستحب وليس بواجب، وذلك عند تغير الفم في أي وقت، وعند القيام للصلاة، وعند الوضوء، وعند دخول البيت، فيستحب في هذه المواضع. قال بعض العلماء: إن للسواك فوائد عظيمة أكثر من مائة فائدة، فمن فوائده: أنه يذكر بالشهادة عند الموت، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يتسوك حتى في آخر حياته. قال: [لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة)]. وفي لفظ (عند كل وضوء)، وفي الحديث الآخر: (السواك مطهرة للفم، مرضاة للرب). قال: [ويستحب في سائر الأوقات إلا للصائم بعد الزوال]. يعني: يستحب السواك في جميع الأوقات إلا للصائم بعد الزوال، يعني: بعد الظهر، على خلاف بين العلماء في كون الزوال يعني بعد أذان الظهر أو بعد الصلاة، وعدم استحبابه بعد الزوال؛ لأنه يزيل رائحة الفم، ورائحة فم الصائم وإن كانت مكروهة في مشام الناس فهي محبوبة عند الله؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك). والخلوف: هو الرائحة التي تنبعث من المعدة؛ لخلوها من الطعام والشراب، فهي مستكرهة في مشام الناس ومحبوبة عند الله؛ لأنها نشأت عن مرضاته وطاعته، والسواك يزيلها، فلذلك يكره السواك بعد الزوال هذا هو القول الأول وهو المذهب. القول الثاني: أنه مستحب في جميع الأوقات ولا يكره، والسواك لا يزيل الخلوف؛ لأن الخلوف منبعث من خلو المعدة، وهذا هو الصواب، وأما المذهب فقد استدلوا بحديث: (إذا صمتم فاستاكوا بالغداة ولا تستاكوا بالعشي)، لكنه حديث ضعيف. والصواب أن السواك يصلح في كل الأوقات، لحديث عامر بن فهيرة أنه قال: (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم ما لا أحصي يتسوك وهو صائم)، وهذا هو الذي عليه المحققون وهو الصواب، لكن ينبغي للإنسان أن يتسوك بسواك لين وليس صلباً يجرح اللثة، ولا يتفتت فتنزل منه قطع إلى الحلق، فإذا كان بهذه المثابة فلا بأس به في أول الصيام وفي آخره بعد الزوال وقبله، هذا هو الصواب. فإذا كان يصلي فإنه لا يتسوك، وكذلك أثناء الخطبة؛ لأنه مأمور بالإنصات.

حكم المسح على الخفين

حكم المسح على الخفين قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب المسح على الخفين. يجوز المسح على الخفين]. المسح على الخفين من المسائل العظيمة، وهي مما يعتقده أهل السنة والجماعة، وخالف في ذلك الرافضة فأنكروا المسح على الخفين، ومذهب أهل السنة والجماعة أن المسلم إذا لبس الخفين على طهارة واكتملت الشروط فإنه يمسح عليهما، وإذا كانت الرجلان مكشوفتين فإنه يغسلهما، وأما الرافضة فإنهم أنكروا هذه السنة وقالوا: إنه يجب على من لبس الخفين أن يخلعهما وأن يمسح ظهور القدمين، وأنكروا غسل الرجلين، فقالوا: إن كانت الرجلان مكشوفتين فإنهما يمسحان، أي: يمسح ظهر الرجْل إلى مجتمع الساق، ويقولون بأنه يوجد في كل رجل كعب واحد، واستدلوا بقراءة الجر في آية المائدة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ} [المائدة:6]، قالوا: فالرءوس ممسوحة والأرجل ممسوحة، وقوله: ((وَأَرْجُلَكُمْ)) معطوف على ((رءوسكم)) والرءوس ممسوحة، والمعطوف على الممسوح ممسوح. وأما أهل السنة والجماعة فاستدلوا بعده أدلة: الأول: بالسنة المتواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: إن الذين نقلوا كيفية وضوء النبي صلى الله عليه وسلم غسلاً ومسحاً قولاً وفعلاً أكثر عدداً من الذين نقلوا لفظ الآية، فإذا جاز تطرق الوهم إليهم ففي جوازه في نقل الآية أولى، لكنه لا يجب، وبيان ذلك أن الصحابة كلهم توضئوا، ومن لم يشاهد النبي صلى الله عليه وسلم منهم نقله عمن شاهده، وليس كل واحد يحفظ الآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} [المائدة:6]. فالتواتر في نقل كيفية الوضوء أكثر وأقوى من التواتر في نقل لفظ الآية. الدليل الثاني: قراءة النصب في: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ} [المائدة:6]، فقوله: ((وأرجلكم)) معطوفة على الأيدي والوجوه، والمعنى: اغسلوا وجوهكم وأيديكم وأرجلكم وامسحوا برءوسكم، لكن الله أدخل الممسوح بين المغسولات لبيان وجوب الترتيب بين أعضاء الوضوء. وأما قراءة الجر، فأجاب أهل السنة عنها بجوابين: الجواب الأول: أن قراءة النصب محمولة على غسل الرجلين المكشوفتين، وقراءة الجر محمولة على المسح على الخفين، فتكون القراءة مع القراءة كالآية مع الآية. الجواب الثاني: التوسع في لفظ: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} [المائدة:6]، وأن المراد به المسح العام الذي يطلق في لغة العرب على الغسل، ويطلق على المسح الذي هو إمرار اليد على العضد مبلولة بالماء، كما تقول العرب: تمسحت للصلاة. ومن الحكمة في مجيء: ((َامْسَحُوا)) في الرجلين التنبيه على أنه ينبغي تقليل الصب للماء على الرجلين؛ لأن السرف معتاد فيهما كثيراً. فالمقصود أن الرافضة ليس لهم حجة في هذا. وأجاب الرافضة عن قراءة النصب: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ} [المائدة:6] وقالوا: إن أرجلكم معطوفة على محل رءوسكم؛ لأن محلها إذا حذفت الباء النصب، والتقدير: وامسحوا رءوسكم وأرجلكم، لكن أجيب بأن هذا غير جائز في اللغة؛ لأن العطف على المحل إنما يجوز إذا كان لا يتغير المعنى وهنا يتغير المعنى؛ لأن الباء في قوله تعالى: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} [المائدة:6] للإلصاق، والمعنى: ألصقوا بأيدكم شيئاً من الماء وامسحوا بها رءوسكم، فإذا حذفت الباء صار معناها إمرار اليد على العضو بدون بلل، وإذا أتيت بالباء دلت على الإلصاق: وهو إمرار اليد على العضو مبلولة بالماء. إذاً: فلا يصح عطف ((وَأَرْجُلَكُمْ)) على محل رءوسكم؛ حتى لا يتغير المعنى. ثم أيضاً في الآية جعل الله الغاية إلى الكعبين {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة:6]. والقاعدة: أن مقابلة الجمع بالتثنية تقتضي أن لكل رجْل كعبين، بخلاف الأيدي فقال: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [المائدة:6] ولم يقل: إلى المرفقين، والقاعدة: أن مقابلة الجمع بالجمع تأخذ قسمة آحاد، فإذا قابلت الأيدي بالمرافق اقتضى أن في اليد مرفقاً، ولم يقل في الرجلين: واغسلوا أرجلكم إلى الكعاب، وإنما قال: ((إِلَى الْكَعْبَيْنِ))، ولو كانت الآية إلى الكعاب لصار في كل رجل فيها كعب واحد فقط، فلما قال: ((إِلَى الْكَعْبَيْنِ)) دل على أنه في كل رجل كعبان، وهما العظمان الناتئان من جانبي القدم، والرافضة يقولون: في كل رجل كعب واحد، وهو العظم الذي هو معقد الشراك في مجمع الساق والقدم. وهو خفي وليس بواضح. وأنكروا أن يكون في كل رجْل كعبان، وهذا باطل؛ لأن الكعب معناه البروز والظهور، وهذا إنما هو في الكعبين الناتئين من جانبي القدم، وأما ما ذكروه فلا يسمى كعباً. وقد ذكر العلماء مسألة المسح على الخفين في كتب العقائد للرد على الرافضة، مع أنها مسألة فقهية فرعية. وذكر الإمام مسلم رحمه الله وغيره حديث جرير: (أن النبي صلى الله عليه وسلم بال وتوضأ ومسح على خفيه)، قال العلماء: وكان يعجبهم حديث جرير؛ لأن إسلام جرير كان بعد نزول المائدة، وهذا فيه الرد على من قال: إن المسح على الخفين منسوخ بآية المائدة؛ لأن المائدة فيها الغسل، ولهذا لما سئل جرير عن ذلك قال: (وهل أسلمت إلا بعد المائدة) يعني: بعد نزول سورة المائدة. فهذه المسألة ينبغي لطالب العلم أن يكون فيها على بصيرة؛ لأن للرافضة الآن معتقداً في مسألة المسح على الخفين فهم ينكرون المسح على الخفين، مع أن الأحاديث فيه متواترة، والأحاديث المتواترة قليلة تقدر بأربعة عشراً أو خمسة عشر حديثاً، والباقي كلها أخبار آحاد، فإن من المتواتر: أحاديث المسح على الخفين، ومنها: حديث الحوض، ومنها: حديث الشفاعة، ومنها: حديث: (من بنى لله مسجداً)، ومنها: حديث: (من كذب علي) فهذه كلها متواترة، وألحق بعضهم في المتواتر أحاديث النهي عن الصلاة بعد العصر.

حكم المسح على الجوارب الصفيقة والجراميق

حكم المسح على الجوارب الصفيقة والجراميق قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وما أشبههما من الجوارب الصفيقة التي تثبت في القدمين، والجراميق التي تجاوز الكعبين]. الجوارب جمع جورب، وهو: خف صغير يتجاوز إلى الكعب، والخف أطول منه يكون إلى نصف الساق. والجورب مثل الشراب الآن تكون صفيقة، وقد تكون من قطن، وقد تكون من جلد، لكن لابد أن تكون صفيقة، يعني: متينة سميكة، وأما إذا كانت خفيفة ترى من وارئها البشرة فعند كثير من الفقهاء أنه لا يجزئ المسح عليها، ولابد أن تكون ثابتة لا تسقط مع المشي، فإن كانت مخرقة فلا يجزئ أيضاً المسح عليها، إلا إذا كان الخرق يسيراً فإنه يغتفر. وذهب بعض العلماء كشيخ الإسلام ابن تيمية إلى أنه ما دام يسمى جورباً وبقي عليه الاسم ولو كان مخرقاً فإنه يمسح عليه، وقال: إن الصحابة مسحوا على العصائب في غزوة ذات الرقاع. لكن الأحوط للمسلم أن يحتاط لدينه بحيث تكون الشراب صفيقة، فإذا كانت خفيفة فإنه يلبس شراباً أخرى.

مدة المسح على الخفين ووقت بدء المسح وانتهائه

مدة المسح على الخفين ووقت بدء المسح وانتهائه قال المؤلف رحمه الله تعالى: [في الطهارة الصغرى يوماً وليلة للمقيم، وثلاثاً للمسافر]. أي: أن المسح على الخفين يكون في الطهارة الصغرى في الحدث الأصغر، وأما الجنابة فيجب خلع الخف ولا يمسح على الخفين في الجنابة، ولا في الحدث الأكبر. ومدة المسح يوم وليلة للمقيم وثلاثة أيام بلياليها للمسافر، كما في حديث علي الآتي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (للمقيم يوم وليلة، والمسافر ثلاثة أيام بلياليهن). قال المؤلف رحمه الله تعالى: [من الحدث إلى مثله]. يعني: تبدأ مدة المسح من الحدث بعد اللبس إلى مثله، فإذا لبس الخف بعد صلاة الفجر ثم أحدث الساعة العاشرة تكون المدة من الساعة العاشرة إلى الساعة العاشرة، هذا هو القول الأول. والقول الثاني: أنه يبدأ من المسح بعد الحدث وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، فمثلاً: لو أحدث بعد صلاة الفجر ومسح لصلاة الظهر فلا تنتهي المدة إلا مع أذان الظهر. والأقرب أن المدة تبدأ من الحدث بعد اللبس كما قال المؤلف رحمه الله، وهذا هو المذهب. قال: [لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يمسح المسافر ثلاثة أيام بلياليهن، والمقيم يوماً وليلة)]. هذا هو حديث علي رضي الله عنه. وكذلك روى عوف بن مالك: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بالمسح على الخفين ثلاثة أيام بلياليهن للمسافر، ويوماً وليلة للمقيم) قال أحمد: هذا أجود حديث في المسح؛ لأنه كان في غزوة تبوك آخر غزوة غزاها النبي صلى الله عليه وسلم، وهو آخر فعله.

نواقض المسح على الخفين

نواقض المسح على الخفين قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ومتى مسح ثم انقضت المدة، أو خلع قبلها بطلت طهارته]. أي: أنه إذا انتهت المدة بطل الوضوء، وعليه أن يخلع الخف أو الجورب ويتوضأ، وكذلك لو خلع الخف بطل، وعليه أن يتوضأ، حتى ولو كان على طهارة على الصحيح، خلافاً لما ذهب إليه بعضهم من أنه إذا كان على طهارة فإنه يستمر حتى يحدث.

حكم من مسح مسافرا ثم أقام وعكسه

حكم من مسح مسافراً ثم أقام وعكسه قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ومن مسح مسافراً ثم أقام، أو مقيماً ثم سافر أتم مسح مقيماً]. أي: إذا مسح المسافر يومين ثم أقام وانتهى السفر بطل المسح؛ لأنه أقام، وكذلك إذا بدأ المسح وهو مقيم ثم سافر فليس له إلا يوم وليلة، أي: أنه إذا سافر ثم أقام أو أقام ثم سافر تكون المدة للمسح يوماً وليلة، بخلاف الصلاة إذا كان مسافراً ثم أقام انتهت الرخصة، أما إذا كان مقيماً ثم سافر فله حكم المسافر.

حكم المسح على العمامة

حكم المسح على العمامة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويجوز المسح على العمامة إذا كانت ذات ذؤابة ساترة لجميع الرأس، إلا ما جرت العادة بكشفه]. الصواب أن العمامة التي يمسح عليها هي ما كانت محنكة، أي: التي تدار تحت الحنك، فإذا لبسها على طهارة يمسح عليها يوماً وليلة؛ لأنه يشق نزعها، وأما ذات الذؤابة فليس هناك دليل على أنه يمسح عليها؛ لأنه يسهل نزعها، مثل: العقال، ولأن الحكمة من المسح على العمامة أنه يشق نزعها. وذكر في الزاد وغيره أنه يمسح على العمامة إذا كانت محنكة أو ذات ذؤابة، والصواب أن يمسح عليها هي المحنكة، والعجيب أن المؤلف رحمه الله لم يذكر المحنكة مع أنها هي التي يمسح عليها، بل ذكر شيئاً آخر وهو جواز المسح على ذات الذؤابة والصماء التي ليس لها ذؤابة، مع أن الفقهاء يقولون: يمسح على المحنكة ذات الذؤابة، وأما الصماء فلا يمسح عليها. إذاً: فالصواب أن التي يمسح عليها هي المحنكة، وكذلك خمار المرأة إذا كانت تديره تحت حلقها فإنه تمسح عليه.

شروط المسح على الخفين والعمامة وغيرها

شروط المسح على الخفين والعمامة وغيرها قال المؤلف رحمه الله تعالى: [قال: ومن شرط المسح على جميع ذلك أن يلبسه على طهارة كاملة]. أي: يشترط أن يلبس الخف والجورب والعمامة على طهارة كاملة، والدليل على هذا حديث المغيرة بن شعبة: (أنه لما كان في غزوة تبوك صب على النبي صلى الله عليه وسلم وضوءه، قال: فأهويت لأنزع خفيه فقال: دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين، ومسح عليهما). ولابد أيضاً أن يكون الخف ساتراً.

حكم المسح على الجبيرة

حكم المسح على الجبيرة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويجوز المسح على الجبيرة إذا لم يتعد بشدها موضع الحاجة إلى أن يحلها]. الجبيرة هي التي توضع على الجرح، وأصلها أعواد توضع على الكسر، وحكمها يختلف عن حكم الخف، فلا يشترط لها الطهارة؛ لأن الإنسان قد يصاب بالجرح وهو على غير طهارة، كذلك لا تتوقت بمدة، بل يمسح عليها حتى يبرأ الجرح، وقول المؤلف: (إذا لم يتعد بشد موضع الحاجة) هذا فيه نظر، والصواب أنه إذا كانت زيادة يسيرة احتاجها الجرح فلا حرج كأن يضع عليها شيئاً مما يوضع الآن كالجبس أو الرباط أو بلاستيك فإنه إن كان الماء يشق عليه ويضره فله أن يمسح على الجبيرة، فإن كان لا يستطيع المسح تيمم. قوله: (إلى أن يحلها) أي: إلى أن يفك الجبيرة.

استواء الرجل والمرأة في المسح على الخفين وغيرهما إلا العمامة

استواء الرجل والمرأة في المسح على الخفين وغيرهما إلا العمامة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والرجل والمرأة في ذلك سواء، إلا أن المرأة لا تمسح على العمامة]. يعني: الحكم واحد للرجل والمرأة، فكما أن الرجل يمسح على الخف، فإن المرأة تمسح على الخف أيضاً، لكن الرجل يمسح على العمامة والمرأة تمسح على الخمار إذا كان مداراً تحت حلقها. وكذلك الجبيرة يمسح الرجل عليها وتمسح المرأة عليها أيضاً. وإذا كانت الجبيرة على بعض العضو فإنه يمسح على موضع الجبيرة ويغسل الباقي. وقال العلماء: وإن لبس خفاً على خف فالحكم للخف الأعلى، فلو مسح الأعلى وخلعه بطل الوضوء؛ لأن الحكم للأعلى.

كتاب الطهارة [4]

شرح عمدة الفقه_كتاب الطهارة [4] يجب على المسلم معرفة نواقض الوضوء، وهي الخارج من السبيلين، والنجس الخارج من غير السبيلين، وزوال العقل بالجنون والنوم وغيرهما، ومس الذكر باليد من غير حائل، والردة عن الإسلام، وأكل لحم الإبل. ويجب معرفة موجبات الغسل، وصفته.

نواقض الوضوء

نواقض الوضوء

الناقض الأول: الخارج من السبيلين

الناقض الأول: الخارج من السبيلين قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب نواقض الوضوء. وهي سبعة: الخارج من السبيلين]. الناقض الأول: الخارج من السبيلين، والمراد بالسبيلين القبل والدبر، والخارج من السبيلين نوعان: النوع الأول: البول والغائط، وهذا مجمع عليه أنه ينقض الوضوء. النوع الثاني: غير البول والغائط كالدود والشعر والحصى، فهذه أيضاً تنقض الوضوء على الصحيح. إذاً: إذا كان بولاً أو غائطاً فهذا بالإجماع ينقض الوضوء، وما عداه فيه خلاف، ولهذا بوب الإمام البخاري رحمه الله قال: باب من لم ير الوضوء إلا من المخرجين. يعني: أن النوم وزوال العقل وأكل لحم الجزور وغيرها فيه خلاف بين أهل العلم. ولا تصح الصلاة إلا بالاستنجاء ثم الوضوء بعد ذلك؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ)، رواه الشيخان. ولما جاء في الحديث الآخر: (لا تقبل صلاة بغير طهور، ولا صدقة من غلول)، رواه مسلم في صحيحه. ويرى بعض العلماء أنه إذا خرج شيء يابس وليس له رطوبة فإنه لا يحتاج إلى استنجاء، وإنما يتوضأ ويكون حكمه حكم الريح؛ لأنه ليس فيه رطوبة، ولأن الاستنجاء إنما هو لتطهير المحل وإزالة الخبث، وهذا ليس فيه شيء من هذا.

الناقض الثاني: الخارج النجس من غير السبيلين

الناقض الثاني: الخارج النجس من غير السبيلين قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والخارج النجس من غيرهما إذا فحش]. الناقض الثاني: الخارج الفاحش النجس من غير السبيلين، وهذا أيضاً نوعان: النوع الأول: أن يكون بولاً أو غائطاً كما إذا انسد المخرج ثم فتح فتحة أخرى لخروج البول والغائط منه، فهذا ناقض للوضوء. النوع الثاني: أن يكون غير بول وغائط كالدم الرعاف والقيح، فهذا مختلف فيه بين أهل العلم: فبعض العلماء يرى أنه ينقض إذا فحش وهو قول كثير من العلماء كالحنابلة وغيرهم، قالوا: إذا فحش مثل: الحجامة أو دم كثير أو رعاف كثير، أما الشيء القليل فلا ينقض الوضوء، ولهذا قال بعض السلف: عصر ابن عمر بثرة وصلى ولم يتوضأ. وقال آخرون: لا ينقض؛ لأن الأحاديث التي وردت في انتقاض الوضوء بالخارج من غير السبيلين فيها ضعف، لكن إذا توضأ المسلم فيكون هذا أحوط له، وأما الشيء اليسير فلا يؤثر كدم يسير في الأسنان، أو في اللثة أو ما أشبه ذلك.

الناقض الثالث: زوال العقل بالجنون وغيره

الناقض الثالث: زوال العقل بالجنون وغيره قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وزوال العقل إلا النوم اليسير جالساً أو قائماً]. الناقض الثالث: زوال العقل، ويكون بالجنون والعياذ بالله والإغماء، والنوم والسكر، فإذا زال عقله بالجنون أو بالسكر أو بالإغماء أو بالنوم المستغرق؛ فإنه ينقض الوضوء، ولابد أن يكون النوم الناقض للوضوء مستغرقاً، وأما النعاس الذي يحس فيه بمن حوله، ويشعر بالحدث لو خرج منه، ويسمع كلام الحاضرين فهذا لا ينقض الوضوء على الصحيح؛ لما ثبت في الحديث الصحيح: (أن الصحابة كانت تخفق رءوسهم وكانوا ينتظرون صلاة العشاء فيصلون ولا يتوضئون)، وفي لفظ: (كانوا ينامون) أي: ينعسون، فالنعاس: هو خفقان الرأس فلا ينقض الوضوء على الصحيح سواء كان جالساً أو قائماً أو قاعداً، ومن العلماء من قال إذا كان متكئاً أو راكعاً أو ساجداً فإنه ينفتح الدبر فينقض الوضوء، وأما إذا كان غير متكئ فلا ينقض، والصواب أن المعول في هذا على الاستغراق، وأما النعاس اليسير جالساً أو قائماً فلا يضر.

الناقض الرابع: لمس الذكر باليد من غير حائل

الناقض الرابع: لمس الذكر باليد من غير حائل قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولمس الذكر بيده]. الناقض الرابع: لمس الذكر بيده، فإذا مس ذكره بيده بظاهر الكف أو باطنها بدون حائل فإنه ينقض الوضوء، وأما إذا كان من وراء حائل أو من وراء الثوب، أو مسه بالذراع أو برجله فهذا لا ينقض الوضوء، ودليل النقض بالمس حديث بسرة بنت صفوان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من مس ذكره فليتوضأ)، وفي رواية: (من مس الذكر)، وذهب بعض أهل العلم إلى أنه لا ينقض الوضوء مطلقاً، واستدلوا بحديث طلق بن علي: (إنما هو بضعة منك)، والصواب أن حديث طلق بن علي قديم ومنسوخ بحديث بسرة؛ لأن طلقاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبني مسجده في أول الهجرة، وحديث بسرة بنت صفوان متأخر، فالعمل على حديث بسرة، ولهذا قال البخاري عن حديث طلق: هذا أصح شيء في هذا الباب والعمل على حديث بسرة عند الأئمة. وقال آخرون من أهل العلم: إنه لا ينقض إلا إذا قصد المس، وأما إذا لم يقصده فلا ينقض، والصواب أنه ينقض الوضوء مطلقاً، والمرأة إذا كانت تغسل طفلها ومست ذكره ينتقض وضوءها. ولو قال قائل: إن حديث طلق بن علي يصرف النهي إلى الكراهة، فهذا ليس بواضح. وقال بعض العلماء: إذا مس ذكره بشهوة -أي: بقصد- فينتقض وضوءه وإلا فلا، وهذا هو ما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وأفتى به الشيخ محمد العثيمين رحمه الله، والصواب أنه ينقض المس مطلقاً على كل حال.

الناقض الخامس: لمس المرأة بشهوة

الناقض الخامس: لمس المرأة بشهوة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولمس امرأة بشهوة]. هذا هو الناقض الخامس: لمس المرأة بشهوة، فإذا لمسها بشهوة فإنه ينقض الوضوء، وهذا ما ذهب إليه المصنف، وقال آخرون: إن لمس المرأة ينقض مطلقاً بشهوة أو بغير شهوة، وهذا مذهب الشافعي رحمه الله. والقول الثالث: أن لمس المرأة لا ينقض مطلقاً بشهوة أو بغير شهوة، وهذا هو الصواب، إلا إذا خرج من ذكره شيء فهذا ينتقض وضوءه لخروج هذا الشيء، وأما إذا لم يخرج منه شيء فلا، والدليل على هذا ما ثبت في الصحيح: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل بعض نسائه ويخرج إلى الصلاة ولا يتوضأ). ويرى الشافعية أن مس المرأة مطلقاً ينقض الوضوء، وعلى هذا إذا كان يطوف بالبيت الحرام ومس فإنه ينتقض وضوءه، وهذا حرج ومن يستطيع هذا ولاسيما في هذا الزمان مع كثرة الناس والزحام عند أبواب المسجد الحرام وفي الطواف إلا من كان يلبس قفازين، أي: أنه يلزم أن يلبس قفازين حتى لا تمس يده يد المرأة، وهذا فيه حرج ومشقة. وأما استدلالهم بالآية: {أَوْ لامَسْتُمُ} [النساء:43] فالصواب أن (لامستم) المراد به الجماع، وكذلك (أو لمستم) هذا كناية عن الجماع؛ لأن الله تعالى ذكر طهارة الحدثين الأصغر والأكبر في الآية، قال سبحانه وتعالى: {وَإِنْ كُنتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} [النساء:43]، فهذا الحدث الأصغر، {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ} [النساء:43]، هذا الحدث الأكبر: {فَتَيَمَّمُوا} [النساء:43]، فالآية ذكر فيها الحدث الأصغر والأكبر. ولا فرق عند الشافعية في اللمس بين الصغيرة والكبيرة وذات المحرم وغيرهم؛ لعموم الدليل، وهذا مما يدل على ضعف ما ذهبوا إليه.

الناقض السادس: الردة عن الإسلام

الناقض السادس: الردة عن الإسلام قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والردة عن الإسلام]. الناقض السادس: الردة عن الإسلام أعاذنا الله منها، فإذا توضأ ثم تكلم بكلمة الكفر، كأن يكون سب الله أو سب الرسول ثم تاب فإنه يعيد الوضوء من جديد؛ لأن عمله قد حبط، قال الله تعالى: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [الزمر:65]، والوضوء عمل، وكذلك إن كان صائماً وحصلت منه كلمة الردة، فإنه يبطل صوم ذلك اليوم ويقضيه.

الناقض السابع: أكل لحوم الإبل

الناقض السابع: أكل لحوم الإبل قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وأكل لحوم الإبل؛ لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم قيل له: (أنتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: نعم توضئوا منها، قيل: أفنتوضأ من لحوم الغنم؟ قال: إن شئت فتوضأ، وإن شئت فلا تتوضأ)]. الناقض السابع: أكل لحم الإبل، فهو من نواقض الوضوء؛ لما جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (توضئوا من لحوم الإبل ولا تتوضئوا من لحوم الغنم)، وسئل النبي صلى الله عليه وسلم: (أنتوضأ من لحوم الغنم؟ قال: إن شئتم، قيل: أنتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: نعم). قال الإمام أحمد: فيه حديثان صحيحان: حديث جابر، وحديث سمرة. وذهب الأئمة الثلاثة إلى أن لحم الإبل لا ينقض الوضوء، واستدلوا بحديث جابر: (كان آخر الأمرين من النبي صلى الله عليه وسلم عدم الوضوء مما مست النار)، فقالوا: إن هذا الحديث منسوخ فيشمل لحم الإبل، والصواب أن لحم الإبل مستثنى؛ لأن فيه أدلة خاصة، وقد كان الناس في أول الإسلام يتوضئون من أكل ما مسته النار، فإذا أكل أحدهم طعاماً أو شرب مرقاً، أو شرب قهوة مستها النار فإنه يتوضأ، ثم نسخ هذا الحكم حديث جابر: (كان آخر الأمرين من النبي صلى الله عليه وسلم عدم الوضوء مما مست النار). وأما لحم الإبل فله أدلة خاصة فيه، فهو ينقض الوضوء حتى لو لم تمسه النار؛ لحديث: (توضئوا من لحوم الإبل ولا تتوضئوا من لحوم الغنم)، كما أنها لا تصح الصلاة في مبارك الإبل وتصح في مرابض الغنم. قال بعض أهل العلم: الحكمة في ذلك ما فيها من الشيطنة، حيث إنها خلقت من الجن، والجن خلقوا من النار والنار تطفأ بالماء، وقيل غير ذلك، والله أعلم. فالمقصود أن لحم الإبل ينقض الوضوء، وهذا هو الصواب. واختلف العلماء هل ينقض الوضوء جميع أجزاء الإبل أم اللحم الأحمر فقط؟ فقال بعض العلماء وهو المشهور عند الحنابلة أنه لا ينقض إلا اللحم الأحمر، وأما لو أكل عصباً أو أكل كبداً أو عظماً أو لحم الرأس فلا ينقض, والصواب أنه عام؛ لأن الله تعالى لما حرم الخنزير قال: {وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ} [البقرة:173]، ومعلوم أن الخنزير حرام بجميع أجزائه: شحمه ولحمه. وأما إذا شرب المرق فلا ينقض الوضوء, أو شرب لبن, الإبل فلا ينقض الوضوء؛ لأن ذلك لا يسمى لحماً. قال المؤلف رحمه الله: [وأكل لحم الجزور، لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم قيل له (أنتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: نعم توضئوا منها, قيل: أفنتوضأ من لحوم الغنم؟ قال: إن شئت فتوضأ، وإن شئت فلا تتوضأ). ومن تيقن الطهارة وشك في الحدث، أو تيقن الحدث وشك في الطهارة، فهو على ما تيقن منهما]. يعني: يبني على اليقين, فإذا تيقن أنه متوضئ وأنه على طهارة, ولكن شك هل خرج منه ريح أو ما خرج, فإنه يبني على اليقين وهو أنه متوضئ. وكذلك بالعكس إذا كان متيقناً أنه أحدث، لكن لما جاء وقت الصلاة شك هل هو عندما أحدث توضأ أو لم يتوضأ؟ فهنا يبني على اليقين أنه محدث، فيتوضأ.

الغسل من الجنابة

الغسل من الجنابة

خروج المني بتدفق

خروج المني بتدفق قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب الغسل من الجنابة. والموجب له خروج المني، وهو الماء الدافق]. يعني: من موجبات الغسل خروج المني, والمني: هو الماء الدافق في اليقظة أو في النوم، فإنه يوجب الغسل؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (إنما الماء من الماء) يعني: يكون الغسل بالماء من الماء؛ ماء المني, فإذا خرج منه المني كأن يحتلم في النوم وجب عليه الغسل. وكذلك إذا خرج منه مني في اليقظة, سواء كان من جماع أو من ملامسة أو من تذكر، وخرج منه دفقاً بلذة فإنه يوجب الغسل، وأما إذا احتلم ولم يخرج منه مني, يعني: رأى أنه يجامع ولكن ما خرج منه شيء فليس عليه غسل، إلا إذا خرج منه المني؛ لما ثبت في الصحيحين من حديث أم سليم أنها قالت: (يا رسول الله إن الله لا يستحي من الحق, فهل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت؟ قال: نعم إذا رأت الماء) يعني: إذا رأى الرجل أو المرأة المني بسبب الاحتلام في النوم، فإنه يجب عليه الغسل, وأما إذا لم ير شيئاً وإنما تذكر أنه احتلم ولكن ما خرج منه شيء، فهذا لا يجب عليه الغسل. وكذلك إذا خرج منه المني فلابد أن يكون بلذة, وأما إذا خرج منه في اليقظة بغير لذة وإنما خرج من أجل مرض, فهذا حكمه حكم البول؛ لأنه ما خرج بلذة ولا بشهوة, وإنما خرج من أجل المرض, فإذا كان حكمه كحكم البول فإنه يوجب الوضوء ولا يوجب الغسل.

التقاء الختانين

التقاء الختانين قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والتقاء الختانين]. هذا الموجب الثاني للغسل، فالتقاء الختانين: ختان الرجل وختان المرأة, والختان هو الجلدة التي تبقى بعد القص, وختان المرأة كذلك أيضاً لحمة في أعلى الفرج يقطع منها الختان, ولا يلتقي الختانان إلا إذا غيب الحشفة في الفرج, فإذا غيب الحشفة وهي رأس الذكر في فرج المرأة وجب الغسل؛ لأنه حينئذ يلتقي ختانه بختانها. والمراد هنا: التقاؤهما ولو لم يحصل مماسة, لكن لا يلتقيان إلا إذا غيب الحشفة, وأما إذا وضع الختان على الختان ولم يغيب الحشفة فهذا لا يسمى التقاء، ولا يوجب الغسل, فإذا وضع رأس ذكره على الفرج لا يسمى التقاء؛ لأن الالتقاء لا يكون إلا إذا غيب الحشفة في الفرج وهي رأس الذكر, فإذا غيب الحشفة فقد التقى الختان بالختان؛ لأن ختان المرأة لحمة في أعلى الفرج, ولا يحصل الالتقاء إلا إذا غيب الحشفة فيه. ذكر هنا بعض موجبات الغسل ولم يذكر بقية الموجبات كالحيض والنفاس مثلاً بالنسبة للمرأة, فهما من موجبات الغسل، والموت أيضاً، فإذا مات المرء يجب تغسيله، فهذه ما ذكرها, وإسلام الكافر فيه خلاف أيضاً بين أهل العلم, والصواب أن الإسلام يستحب له الغسل ولا يجب؛ لأنه أسلم جمع غفير يوم الفتح ولم يأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالغسل, وأمر قيس بن محصن بالغسل فدل على أن الأمر للاستحباب.

موجبات الغسل على سبيل الإجمال

موجبات الغسل على سبيل الإجمال الأول: خروج المني يقظة أو مناماً من الرجل أو المرأة. الثاني: التقاء الختانين حتى ولو لم يخرج مني, فإذا غيب الحشفة في الفرج وجب الغسل؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في: (إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جهدها فقد وجب الغسل) وفي لفظ: (وإن لم ينزل). كان في أول الإسلام أن الرجل إذا جامع ولم ينزل يغسل ذكره ويتوضأ, ثم نسخ ذلك، فأوجب الله على لسان نبيه الغسل في التقاء الختانين وإن لم ينزل. الرابع: النفاس للمرأة أيضاً. الخامس: الموت، يعني: تغسيل الميت، وهو فرض كفاية. السادس: إسلام الكافر، وهذا مختلف فيه, والصواب أنه لا يوجب الغسل وإنما يستحب. فإن قيل بالنسبة لمن غسل ميتاً: هل يجب عليه أن يغتسل أو لا؟ نقول: لا يجب عليه الغسل, وإنما يتوضأ, فإنه ثبت أن أسماء بنت عميس غسلت أبا بكر رضي الله عنه وكان في يوم بارد, فخرجت إلى الناس والصحابة فقالت: هل علي غسل؟ فقالوا لها: لا. وأما غسل الجمعة فالجمهور على أنه يستحب, وبعض أهل العلم يرى الوجوب؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (غسل الجمعة واجب على كل محتلم) فرد الجمهور وقالوا: واجب يعني: متأكد, واستدلوا بحديث سمرة: (من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت، ومن اغتسل فهو أفضل). وقال آخرون من أهل العلم: إنه يجب على أهل المهن والعمال الذين تخرج منهم روائح, لأنه جاء في حديث عائشة قالت: (كان الناس يأتون الجمعة وكانوا عمالاً, فتخرج منهم الريح، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: من جاء إلى الجمعة فليغتسل) والجمهور على أنه مستحب متأكد.

حكم النية والمضمضة والاستنشاق في الغسل الواجب

حكم النية والمضمضة والاستنشاق في الغسل الواجب قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والواجب فيه النية, وتعميم بدنه بالغسل مع المضمضة والاستنشاق]. هذا الواجب وهو المجزئ. والغسل نوعان: غسل مجزئ، وغسل كامل. فالغسل المجزئ: هو الذي لابد فيه من نية رفع الحدث, بأن ينوي الاغتسال من الجنابة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات, وإنما لكل امرئ ما نوى) فلابد من هذا. ثم يعمم بدنه بالغسل مرة واحدة, ويتمضمض ويستنشق. وأما الغسل الكامل: فهو أن ينوي، ثم يغسل كفيه ثلاثاً بنية رفع الحدث عنهما, ثم يستنجي ويغسل فرجيه وما حولهما, ثم يتوضأ وضوءه للصلاة, ثم يفيض الماء على رأسه، ثم يغسل شقه الأيمن, ثم يغسل شقه الأيسر. وفي حديث عائشة أنه كمل الوضوء, وفي حديث ميمونة أنه أخر غسل الرجلين, فهذا هو الغسل الكامل. وأما المضمضة والاستنشاق فهناك خلاف بين أهل العلم فيهما، فمن العلماء من قال: إنهما واجبتان في الوضوء والغسل, ومنهم من قال: ليستا واجبتين لا في الوضوء ولا في الغسل. ومنهم من قال: إنما واجبتان في الوضوء دون الغسل. فالأحوط للمسلم ألا يدع المضمضة والاستنشاق لا في الغسل ولا في الوضوء.

حكم التسمية عند الغسل والوضوء

حكم التسمية عند الغسل والوضوء قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وتسن التسمية]. التسمية سنة عند الجمهور في الغسل، وكذلك في الوضوء, وذهب الحنابلة إلى أنها واجبة في الوضوء مع الذكر, واستدلوا بعدة أحاديث فيها ضعف، لكن مجموعها يشد بعضها بعضاً.

حكم دلك اليدين والبدن عند الغسل

حكم دلك اليدين والبدن عند الغسل قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويدلك بدنه بيديه]. دلك البدن عند الغسل مستحب, فيدلك يديه وجسمه، ويتفقد مغابنه كالإبطين والسرة وما تحت الركبة وبين الأصابع.

صفة الغسل التام والدلك للأيدي

صفة الغسل التام والدلك للأيدي قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويفعل كما روت ميمونة قالت: (سترت النبي صلى الله عليه وسلم فاغتسل من الجنابة، فبدأ فغسل يديه، ثم صب بيمينه على شماله فغسل فرجه وما أصابه، ثم ضرب بيده على الحائط والأرض، ثم توضأ وضوءه للصلاة، ثم أفاض الماء على بدنه، ثم تنحى فغسل رجليه)]. هذا هو الغسل التام, فينوي أولاً، ثم يسمي, ثم يغسل كفيه ثلاثاً, ثم يغسل ذكره وما حوله، ثم يضرب بيديه الأرض أو الحائط إذا كان الحائط من طين؛ حتى ينقيه مما علق به من الرائحة, والآن الحائط لا يوجد فيه طين، لكن يقوم مقامه الصابون, فإذا غسل يديه بالصابون فهذا أفضل وأولى, وإلا فالماء كاف, لكن الأفضل أن يغسل يده بعد الاستنجاء؛ ليزيل الرائحة التي علقت بها, ثم يتوضأ وضوءه للصلاة, ثم يفيض الماء على رأسه ثلاثاً, ثم يغسل شقه الأيمن ثم الشق الأيسر, ثم يغسل رجليه يؤخرهما, هذا حديث ميمونة، وأما حديث عائشة فإنه كمل الوضوء, يعني: غسل رجليه، ثم اغتسل، وإنما أخر رجليه؛ لأنه يغسلهما في مكان آخر حتى يزيل ما علق بهما من التراب؛ لأنهم تكن عندهم في ذلك الوقت حمامات حتى يلبس الواحد منهم حذاء في الحمام, وإنما الحمام المكان الذي يغتسل فيه من تراب وطين, فكان يؤخر رجليه ويغسلهما حتى يزيل التراب والطين الذي علق بهما. فهذا هو الكامل, لكن لو مس ذكره بعد ذلك أو خرج منه ريح فإنه يعيد الوضوء.

حكم نقض الشعر في غسل الجنابة

حكم نقض الشعر في غسل الجنابة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولا يجب نقض الشعر في غسل الجنابة إذا روّى أصوله]. لا يجب نقض الشعر في غسل الجنابة وإنما يروي أصوله, وكذلك في الحيض والنفاس بالنسبة للمرأة, لكن الأفضل للمرأة والمستحب لها أن تنقضه في الحيض والنفاس؛ لأن مدته تطول، فإذا نقضته يكون أفضل, فقد جاء في حديث أم سلمة أنها قالت: (يا رسول الله! إني امرأة أشد ضفر رأسي أفأنقضه للجنابة؟ قال: إنما يكفيك أن تحثي عليه ثلاث حثيات من ماء، ثم تفيضي على سائر جسدك، فإذا أنت قد طهرت)، فدل على أنه لا يجب النقض, وإنما يستحب في غسل الحيض والنفاس؛ لأن المدة تطول, وأما الجنابة فتتكرر فلا تنقض شعرها، لكن يستحب لها أن تروي أصول الشعر بالماء.

حكم الاكتفاء بالغسل عن الوضوء

حكم الاكتفاء بالغسل عن الوضوء قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وإذا نوى بغسله الطهارتين أجزأ عنهما]. يعني: إذا استنجى ثم نوى بغسله الأمرين: الوضوء والغسل، ارتفع الحدث الأصغر والأكبر؛ لأن الطهارة الصغرى تدخل في الطهارة الكبرى, فإذا استنجى ونوى بغسله الأمرين: الوضوء والغسل ارتفع الحدث وصلى ولا يتوضأ، هذا هو القول الأول. القول الثاني: أنه لابد أن يتوضأ، وهذا هو الأحوط, يعني: يغتسل غسلاً كاملاً كما سبق في الحديث, ثم يتوضأ، هذا هو الأحوط.

حكم التيمم عن الحدثين الأصغر والأكبر وعن النجاسة

حكم التيمم عن الحدثين الأصغر والأكبر وعن النجاسة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وكذلك لو تيمم للحدثين والنجاسة على بدنه أجزأ عن جميعها]. يعني: إذا كان عليه جنابة وليس عنده ماء فإنه يتيمم، والتيمم واحد في الغسل والوضوء، بخلاف الغسل, فالغسل غير الوضوء, والحدث الأكبر له الغسل. قال: [وإن نوى بعضها فليس له إلا ما نوى]. يعني: إذا ما نوى بالتيمم إلا الجنابة بقي عليه أن يتيمم للحدث, وإذا نواهما جميعاً ارتفعا.

كتاب الطهارة [5]

شرح عمدة الفقه_كتاب الطهارة [5] من رحمة الله ونعمته على العباد أن شرع لهم التيمم عند فقدان الماء أو العجز عن استخدامه، فيمسح وجهه وكفيه بالتراب ويصلي. وللتيمم شروط ينبغي للمسلم أن يعرفها حتى إذا ما احتاج للتيمم فإنه يكون ملماً بها، فيتيمم على الوجه الصحيح.

ما جاء في التيمم

ما جاء في التيمم

صفة التيمم

صفة التيمم قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب التيمم. وصفته أن يضرب بيديه على الصعيد الطيب ضربة واحدة, فيمسح بهما وجهه وكفيه؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لـ عمار: (إنما يكفيك هكذا: وضرب بيديه على الأرض، فمسح بهما وجهه وكفيه)]. هذه صفة التيمم، فينوي ثم يسمي كما في الوضوء, ينوي لأن العبادات لابد لها من نية؛ لقول النبي: (إنما الأعمال بالنيات, وإنما لكل امرئ ما نوى). فإذا أراد المسلم أن يصلي وليس عنده ماء, أو عجز عن استعمال الماء فإنه ينوي التيمم ليصلي, فيقول: باسم الله, ثم يضرب بيديه الأرض ضربة واحدة مفرجتي الأصابع, ويمسح بهما وجهه وكفيه ظاهرهما وباطنهما, هذا هو السنة كما في حديث عمار عندما أصابته جنابة فتمرغ كما تتمرغ الدابة في التراب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما يكفيك هكذا: وضرب بيديه الأرض ضربة واحدة, ثم مسح بهما وجهه وكفيه). والمسح يكون إلى الكوع, يمسح الكفين فقط, وقال قوم من أهل العلم: التيمم ضربتان: ضربة للوجه، وضربة للكفين, وقال بعضهم: تمسح الذراعان. والصواب هو ما جاء في حديث عمار أن التيمم ضربة واحدة يمسح بها وجهه وكفيه. والتيمم واحد من الحدث الأكبر والحدث الأصغر. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وإن تيمم بأكثر من ضربة, أو مسح أكثر جاز]. يعني: على ما ذهب إليه بعض العلماء من أن التيمم ضربتان: ضربة للوجه, وضربة لليدين, ولابد من الترتيب, يمسح الوجه ثم اليدين, يبدأ بما بدأ الله به: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ} [النساء:43]. {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} [المائدة:6]. والصواب هو الاقتصار على ضربة واحدة.

شروط التيمم

شروط التيمم

العجز عن استعمال الماء أو خوف الضرر لمرض وغيره

العجز عن استعمال الماء أو خوف الضرر لمرض وغيره قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وله شروط أربعة: أحدها: العجز عن استعمال الماء, إما لعدمه، أو خوف الضرر من استعماله لمرض أو برد شديد]. العجز عن استعمال الماء له عدة صور: إما لكونه لا يجد الماء, أو لكونه عاجزاً عن استعمال الماء, أو يكون عنده الماء لكن لا يكفيه ويحتاجه لشرب أو طبخ أو إسقاء دوابه فهذا يتيمم؛ لأنه يعتبر عاجزاً في هذه الحالة, فالعجز شرط لابد منه. قال العلماء: وإذا كان في البرية وجاء الوقت فإنه يطلب الماء حوله من هنا ومن هنا ومن هنا, فإن وجده وإلا يتيمم. وقالوا أيضاً: التيمم يكون في آخر الوقت، والآن الحمد لله بواسطة السيارات يتمكن من الوصول في الغالب، أو أنه يجد الماء قريباً في الوقت, فلا ينبغي للإنسان أن يتساهل, ولذلك قال العلماء: ينبغي للإنسان أن يبذل وسعه في طلب الماء إذا دخل الوقت, فيطلب الماء من أمامه وخلفه، وعن يمينه وشماله. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أو خوف العطش على نفسه أو ماله أو رفيقه, أو خوفه على نفسه أو ماله في طلبه]. يعني: إذا طلب الماء وخاف على نفسه من الهلاك فله أن يتيمم، لكن ينبغي للإنسان أن يعتني بطلب الماء, فإذا خاف على نفسه العطش أو على رفيقه أو ماله من الدواب, أو خاف على نفسه من الهلاك لو ذهب للماء, فله أن يتيمم، وقد تساهل كثير من الناس في هذا، فيكون الماء أمامه وخلفه، أو يستطيع أن يأخذ معه في السيارة ثم يقف في وسط الطريق ويضرب الأرض ويتيمم ويصلي, ويقول: أنا عاجز عن الماء, كيف تكون عاجزاً وأنت تركت الماء خلفك وأمامك؟! لماذا تتساهل؟! قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أو إعوازه إلا بثمن كثير]. يعني: أو فقده إلا بثمن مرتفع يضر به، فهذا يعتبر عاجزاً، فله أن يتيمم. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فإن أمكنه استعماله في بعض بدنه, أو وجد ماء لا يكفيه لطهارته, استعمله وتيمم للباقي]. يعني: إذا كان الماء قليلاً لا يكفي إلا لبعض الأعضاء, كأن يكفي لغسل وجهه ويديه ولا يكفي لغسل الرجلين، فإنه يستعمل الماء لوجهه ويديه ويتيمم لرجليه, وكذلك إذا كان عليه جنابة واستطاع أنه يغسل بعض بدنه, فإنه يغسل بعض بدنه ويتيمم للباقي, وذلك بأن يستنجي مثلاً ويتوضأ وضوءه للصلاة, ويغسل رأسه ويتيمم للباقي.

الوقت

الوقت قال المؤلف رحمه الله تعالى: [الثاني: الوقت, فلا يتيمم لفريضة قبل وقتها, ولا لنافلة في وقت النهي عنها]. هذا الشرط اشترطه الأكثرون من الفقهاء؛ لأنهم يرون أن التيمم مبيح تستباح به الصلاة في الوقت, فلا يجوز أن يتيمم قبل الوقت, وإذا خرج الوقت بطل التيمم. القول الثاني: أن التيمم رافع وليس مبيحاً, وعلى هذا فلو تيمم قبل الوقت فإنه يبقى على طهارة, وإذا خرج الوقت يبقى على طهارة، ولا ينتقض وضوءه إلا بأحد أمرين: نواقض الوضوء, أو وجود الماء إذا كان عادماً له, أو القدرة على الاستعمال إذا كان عاجزاً عنه, وهذا هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره.

النية

النية قال المؤلف رحمه الله تعالى: [الشرط الثالث: النية, فإن تيمم لنافلة لم يصل بها فرضاً, وإن تيمم لفريضة فله فعلها وفعل ما شاء من الفرائض والنوافل حتى يخرج وقتها]. هذا الشرط مبني على القول بأن التيمم مبيح لا رافع, يعني: إذا نوى بالتيمم الفريضة صلى به الفريضة والنافلة حتى يخرج الوقت, وإذا نوى به نافلة فلا يصلي به الفريضة, كذلك لا يصلي فريضتين بتيمم واحد. القول الثاني: أنه لا يشترط، فإذا تيمم للنافلة صلى به الفريضة, ويصلي به عدة فرائض حتى ينتقض وضوءه، أو يجد الماء. وهذا القول هو قول شيخ الإسلام ابن تيمية وجماعة من المحققين كالشيخ عبد الرحمن السعدي وشيخنا العلامة عبد العزيز بن باز رحمة الله عليه, والشيخ محمد بن عثيمين.

التراب

التراب قال المؤلف رحمه الله تعالى: [الرابع: التراب, فلا يتيمم إلا بتراب طاهر له غبار]. يعني: لابد أن يكون التيمم بتراب, والتراب هو الذي له غبار, كتراب الحرث والزرع, فإن تيمم برمل أو تيمم بحصى فلا يجزئ؛ لأنه ليس له غبار, والله تعالى يقول: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} [المائدة:6] وكلمة ((منه)) تفيد التبعيض, وهو أن يعلق بيديه شيء من الغبار، فيمسح به وجهه ويديه, فلابد أن يكون الذي تتيمم به تراباً له غبار, كتراب الحرث والزرع, أما إذا كان رملاً ليس فيه غبار فهذا لا يسمى تراباً. والصواب أنه إن وجد التراب تيمم منه, وإن لم يجد تيمم بما صعد على وجه الأرض؛ لقوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:16]، وأما قوله تعالى: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} [المائدة:6] فهذا إذا وجد تراباً له غبار فيجب عليه, وإن لم يجد تيمم بما صعد على وجه الأرض، وعلى ما ذهب إليه المؤلف ذكروا أنه إذا وجد شيئاً عليه غبار مثلاً: سجادة فيها غبار ضربها وتيمم عليها, وقالوا: له أن يتمم على كيس الشعير إذا كان فيه غبار، يضربه ويتيمم؛ لأنه غبار. فالمقصود أنه إن وجد التراب فإنه يجب عليه أن يتمم به, وإن لم يجد تيمم بما صعد على الأرض إذا كان في البرية, أو في أرض جبلية ليس فيها تراب؛ لقوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:16]. وبعض العلماء يرى أنه لا يشترط أن يكون تراباً, واستدلوا بقول الله تعالى: {صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء:43] قالوا: الصعيد هو ما تصعد على وجه الأرض. والأقرب: أنه إن وجد التراب تيمم به, وإن لم يجد تيمم بما تصعد على وجه الأرض من رمل أو حجارة أو غيرها.

مبطلات التيمم

مبطلات التيمم قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويبطل التيمم ما يبطل طهارة الماء]. يعني: إذا أحدث وهو متوضئ انتقض وضوءه, أو وهو متيمم بطل التيمم, أو أكل لحم جزور بطل، أو مس فرجه بطل, أو خرج منه بول أو غائط بطل, أو نام بطل التيمم، يعني: أنه يبطل التيمم يبطل الطهارة. ويبطل التيمم بوجود الماء إذا كان عادماً وجوده, أو بالقدرة على الاستعمال إذا كان مريضاً ولا يستطيع استعماله, فإذا قدر على الاستعمال وكان متيمماً بطل التيمم. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وخروج الوقت]. يعني: على قول الجمهور أنه مبيح، فهنا يبطل التيمم بخروج الوقت. والقول الثاني: أنه لا يبطل بخروج الوقت, وإنما يبطل بنواقض الوضوء أو بوجود الماء, أو بالقدرة على استعماله. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والقدرة على استعمال الماء وإن كان في الصلاة. ]. هذا هو الصواب، إذا وجد الماء ولو كان في الصلاة بطل التيمم, وكذلك إذا قدر على الاستعمال وهو في الصلاة بطل التيمم. وأما إذا بذل وسعه في البحث عن الماء ولم يجده ثم تيمم وصلى ثم وجد الماء في الوقت فالصلاة صحيحة ولا يعيدها، لكن إذا وجد الماء في الصلاة، فإنها تبطل على الصحيح؛ ولهذا يقولون في الألغاز الفقهية: نهق حمار فبطلت صلاة المصلي, يعني: هذا رجل يصلي بالتيمم, وقد أرسل حماره ليأتي بالماء فجاء الحمار وعليه القرب ونهق وهذا الرجل يصلي، فعلم أن الماء جاء فبطلت صلاته لوجود الماء. إذاً: الصواب الذي عليه المحققون أنه لا يبطل التيمم إلا بمبطلات الوضوء، أو بوجود الماء. فإن قيل: لو أن رجلاً في الصحراء عنده ماء, ولكنه نجس هل يتوضأ منه أم يتمم؟ نقول: يتيمم إذا عرف أنه نجس وغيرت النجاسة أحد أوصافه, لكن قال بعض العلماء: لا يتمم حتى يريقه, والصواب أنه يتيمم ولو لم يرقه؛ لأن وجود الماء النجس كعدمه, وأما إذا كان شك في طهارة الماء فالأصل الطهارة، ولا يتيمم إلا إذا تحقق أنه نجس.

الحيض

الحيض

ذكر ما يمنعه الحيض

ذكر ما يمنعه الحيض قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب الحيض. ويمنع عشرة أشياء: فعل الصلاة، وفعل الصيام , والطواف, وقراءة القرآن, ومس المصحف, واللبث في المسجد, والوطء في الفرج, وسنة الطلاق, والاعتداد بالأشهر]. الحيض لغة: السيلان, يقال: حاض الوادي إذا سال, وشرعاً: هو دم طبيعة وجبلة يخرج من قعر الرحم, خلقه الله تعالى لحكمة تغذية الولد وتربيته, وهو شيء كتبه الله على بنات آدم، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لما جاء إلى عائشة وهي تبكي في حجة الوداع وهي محرمة, قال: (مالك أنفست؟ قالت: نعم, قال: هذا شيء كتبه الله على بنات آدم). وذكر المؤلف رحمه الله أن الحيض يمنع أشياء, ومنها: فعل الصلاة, فالحائض ممنوعة من الصلاة بسبب الحيض, وكذلك لا تجب عليها الصلاة حال حيضها، فلا تفعلها ولا تجب عليها ولا تقضيها بعد ذلك. قوله: (وفعل الصيام). فالحيض يمنع فعل الصيام، ولكن على الحائض أن تقضي الصيام بعد ذلك بخلاف الصلاة فإنها لا تقضيها، والحكمة في ذلك ظاهرة كما بين أهل العلم: أن الصلاة تتكرر في اليوم والليلة خمس مرات, فلو وجب عليها قضاؤها لكان في ذلك تعب ومشقة، فمثلاً: لو حاضت عشرة أيام وقلنا: إنها تقضي الصلاة فإن عليها خمسين صلاة فيشق عليها, بخلاف الصيام فإنه عبادة سنوية، ويمكن قضاء ما عليها من أيام, خمسة أيام، ثلاثة أيام، أو عشرة أيام. قوله: (والطواف) كذلك الطواف بالبيت تمنع منه الحائض, يقول النبي صلى الله عليه وسلم لـ عائشة لما حاضت: (افعلي ما يفعل الحاج غير ألا تطوفي بالبيت حتى تطهري). ولما أراد النبي صلى الله عليه وسلم الرجوع إلى مكة قافلاً من حجة الوداع قالوا: (إن صفية حائض, قال: أحابستنا هي؟ قالوا: إنها أفاضت، فقال: فلا إذاً). فدل على أن الحائض تمنع من الطواف بالبيت. قوله: (وقراءة القرآن) ذهب أكثر العلماء وأكثر الفقهاء إلى أن الحائض ممنوعة من قراءة القرآن عن ظهر قلب؛ قياساً على الجنب, لأن الجنب ممنوع من قراءة القرآن، واستدلوا أيضاً بحديث: (أن الحائض لا تقرأ شيئاً من القرآ). ولكنه حديث ضعيف عند أهل العلم. القول الثاني لأهل العلم: أن الحائض تقرأ عن ظهر قلب؛ لأن قياسها على الجنب قياس مع الفارق؛ لأن الجنب مدته لا تطول, والحائض مدتها تطول, وكذلك النفساء قد تصل إلى أربعين يوماً، وإذا كانت حافظة للقرآن قد تنسى القرآن, وأيضاً تحرم من هذا الخير وهو قراءة القرآن, والحديث الذي استدل به المانعون ضعيف, فعلى هذا تقرأ, ولأن الجنب يستطيع أن يغتسل إذا فرغ من حاجته ويقرأ القرآن, وأما الحائض والنفساء فلا تستطيعان ذلك، فقياس الحائض على الجنب قياس مع الفارق. وقالوا: إن الحائض لا بأس أن تقرأ القرآن ولاسيما إذا احتاجت إلى ذلك، كأن تكون مدرسة أو طالبة أو حافظة للقرآن وخشيت أن تنسى فلا بأس أن تقرأ عن ظهر قلب. وأما مس المصحف فلا. قوله: (ومس المصحف). يعني: لا تمس الحائض المصحف؛ لما جاء في كتاب عمرو بن حزم الكتاب الذي كتبه النبي صلى الله عليه وسلم له عندما أرسله إلى اليمن وفيه: (ألا يمس القرآن إلا طاهر)، ولقوله تعالى: {لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة:79] في أحد الأقوال أن المراد بهم الملائكة, وقيل: يشمل أيضاً غير المتوضئ, فإذا كان المحدث حدثاً أصغر لا يمس المصحف, فالحائض لا تمس المصحف من باب أولى. قال العلماء: إذا احتاج الإنسان إلى حمله يحمله في علاقة ولا يمسه بيده، ولكن يكون من وراء حائل, وإذا جعل في يديه قفازين فلا بأس. قوله: (واللبث في المسجد). كذلك اللبث في المسجد، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ} [النساء:43]، فاستثنى الله تعالى العبور, يعني: الجنب لا يمكث في المسجد، ولكن له أن يعبر ويخرج من باب إلى باب, وكذلك الحائض ليس لها أن تلبث في المسجد، ولكن لها العبور، وذلك لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ناوليني الخمرة من المسجد، فقلت: إني حائض، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن حيضتك ليست في يدك). إذاً: فالحائض لا تلبث في المسجد, والجنب كذلك لا يلبث في المسجد كما نص الله: {وَلا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ} [النساء:43]، لكن العبور لا بأس به، يعني: الخروج من باب إلى باب للحائض أو الجنب, أو تأخذ الحائض شيئاً من المسجد وتخرج من دون لبث فلا بأس بذلك. إذاً: فالحائض ممنوعة من اللبث في المسجد, كذلك سور المسجد له حكم المسجد، وأما إذا كان هناك غرفة خارج المسجد ولا ترتبط بالمسجد فلا بأس بالمكث فيها للحائض والجنب، كذلك الدور الأول والدور الثاني كل هذا تبع للمسجد مادام داخلاً في سور المسجد. قوله: (والوطء في الفرج). كذلك ليس لزوجها أن يطأها في الفرج, ولكن له أن يستمتع بها من غير جماع كالتقبيل والضم والتفخيذ، والمباشرة من فوق الإزار؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث أنس عند مسلم: (اصنع كل شيء إلا النكاح) يعني: إلا الجماع. ولكن الأفضل إذا أراد أن يستمتع بها أن تستر ما بين السرة والركبة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يستمتع بإحدى نسائه أمرها أن تتزر, يعني: أن تجعل إزاراً ما بين السرة والركبة، وهذا هو الأفضل حتى لا يقع في الخطأ, ولكن حديث (اصنع كل شيء إلا النكاح) دليل على الجواز. وقال بعض أهل العلم: لا يجوز المباشرة فيما بين السرة والركبة إلا من وراء حجاب. وقال آخرون: يجوز، ولكن الأفضل والأولى أن يكون هناك إزار احتياطاً. إذاً: فالممنوع هو الجماع في الفرج حال الحيض، وأما الاستمتاع فيما بين السرة والركبة فلا بأس به, لكن إذا جعل إزاراً فهو الأحوط والأفضل. قوله: (وسنة الطلاق). يعني: ليس للإنسان أن يطلق زوجته وهي حائض, ويكون الطلاق بدعياً إن حصل في الحيض، فإذا كانت حائضاً أو نفساء فليس له أن يطلقها حال الحيض والنفاس، ولهذا لما طلق ابن عمر زوجته كما في الصحيحين, فأخبر عمر النبي صلى الله عليه وسلم فتغيظ وقال: (مره فليراجعها, ثم ليمسكها حتى تطهر، ثم تحيض فتطهر، ثم إن بدا له أن يطلقها فليطلقها طاهراً قبل أن يمس). والطلاق في الحيض بدعة، ويقع الطلاق عند أكثر أهل العلم, وقال بعض أهل العلم: إنه لا يقع في الحيض, وذهب إلى هذا ثلة من أهل العلم. والإمام البخاري رحمه الله جزم في ترجمته أن الطلاق في الحيض يقع, وذهب شيخ الإسلام رحمه الله إلى أن الطلاق في الحيض لا يقع، وذهب شيخنا عبد العزيز بن باز رحمة الله عليه أنه لا يقع, وهذا القول قال به قلة من التابعين. قوله: (والاعتداد بالأشهر). يعني: الحائض تعتد بالحيض أو الطهر ولا تعتد بالأشهر؛ لقوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة:228]، واختلف العلماء في القرء هل هو الطهر أو الحيض؟ قيل: إن القرء هو الطهر, وقيل: هو الحيض, والأرجح أنه الحيض, فإذا كانت المرأة تحيض فإنها تعتد ثلاث حيض, فالحيض يمنع الاعتداد بالأشهر, وإنما الاعتداد بالأشهر إذا كانت المرأة آيسة كالكبيرة التي انقطع حيضها، أو الصغيرة التي لا تحيض، فالآيسة عدتها ثلاثة أشهر.

ذكر ما يوجبه الحيض

ذكر ما يوجبه الحيض قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويوجب الغسل والبلوغ والاعتداد به]. يعني: أن الحيض يوجب الغسل؛ لقول الله عز وجل: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ} [البقرة:222] قوله: ((حَتَّى يَطْهُرْنَ)) يعني: هذا انقطاع الدم، ((فَإِذَا تَطَهَّرْنَ)) يعني: اغتسلن. وجاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الحائض أن تغتسل فقال: (ثم اغتسلي فصلي) فالاغتسال واجب على الحائض إذا انقطع دمها. قوله: (والبلوغ) يعني: إذا حاضت المرأة دل هذا على بلوغها, فالحيض من علامات البلوغ للنساء. قوله: (والاعتداد به). يعني: تعتد المرأة بالحيض ولا تعتد بالأشهر؛ لأن الحيض يمنع الاعتداد بالأشهر ويوجب الاعتداد بالحيض. إذاً: فالحائض يجب عليها الغسل ويجب بالحيض البلوغ, وتعتد بالحيض.

بيان ما يجوز وما لا يجوز بعد انقطاع دم الحيض وقبل الاغتسال

بيان ما يجوز وما لا يجوز بعد انقطاع دم الحيض وقبل الاغتسال قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فإذا انقطع الدم أبيح فعل الصوم والطلاق ولم يبح سائرها حتى تغتسل]. يعني: إذا انقطع الدم في آخر الليل ولم تتمكن من الاغتسال فلها أن تتسحر وتصوم, ثم تغتسل ولو بعد طلوع الفجر, ومثلها الجنب كذلك, فلو كان عليه جنابة واستيقظ آخر الليل يبدأ بالسحور ثم يغتسل ولو بعد طلوع الفجر؛ لما ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم: (كان يصبح جنباً من غير احتلام ثم يصوم). إذا: فإذا انقطع الدم عن الحائض ولم تغتسل فلها أن تصوم ثم تغتسل بعد ذلك, وكذلك الطلاق إذا انقطع دمها جاز للزوج أن يطلقها ولو لم تغتسل, ويكون الطلاق سنياً لا بدعياً، وهناك أشياء تمنع منها الحائض حتى تغتسل، فلو انقطع الدم لا تصلي حتى تغتسل, ولا تطوف بالبيت حتى تغتسل, ولا تمكث في المسجد حتى تغتسل وهكذا جميع هذه الأشياء ممنوعة منها حتى تغتسل ولو انقطع الدم، إلا الصوم والطلاق. قال المؤلف رحمه الله: [ويجوز الاستمتاع من الحائض بما دون الفرج؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اصنعوا كل شيء غير النكاح)]. يعني: غير الجماع كما سبق, ولكن الأفضل أن تستتر بإزار فيما بين السرة والركبة. فإن قيل: هل يجوز عقد النكاح بالحائض؟ نقول: يجوز أن يعقد النكاح بالحائض ويدخل أيضاً عليها, لكن لا يجامعها حتى تطهر.

بيان أقل الحيض وأكثره

بيان أقل الحيض وأكثره قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وأقل الحيض يوم وليلة, وأكثره خمسة عشر يوماً]. قوله: (وأقل الحيض يوم وليلة) هذا هو القول المشهور، وذهب شيخ الإسلام رحمه الله إلى أن الحيض يكون أقل من يوم وليلة إذا كان عادة مكتسبة، يعني: انتظم واستقر وصار عادة. قوله: (وأكثره خمسة عشر يوماً) هذا هو الذي عليه جمهور العلماء. والقول الثاني: أنه لا حد لأكثره, ولو زاد عن خمسة عشر يوماً يعتبر حيضاً, فقد يكون سبعة عشر يوماً أو أكثر إذا كان عادة مستقرة.

بيان أقل الطهر بين الحيضتين

بيان أقل الطهر بين الحيضتين قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وأقل الطهر بين الحيضتين ثلاثة عشر يوماً ولا حد لأكثره]. هذا مبني على أن أقل الطهر يوم وليلة, وأكثره خمسة عشر يوماً, والقول الثاني: أنه لا حد لأقله؛ لأنه قد يكون أكثر من ثلاثة عشر يوماً. قوله: (ولا حد لأكثره) لأن الطهر بين الحيضتين طهر وإن طالت مدته.

بيان أقل سن تحيض له المرأة وأكثره

بيان أقل سن تحيض له المرأة وأكثره قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وأقل سن تحيض له المرأة تسع سنين, وأكثره ستون]. يعني: أقل سن تحيض له المرأة تسع سنين؛ لقول عائشة: إذا بلغت المرأة تسع سنين فهي امرأة. وهذا هو المشهور في المذهب أن أقل سن تحيض فيه المرأة تسع سنين, وعلى القول الثاني أنه إذا جاءها الدم عشرين ساعة, أو خمسة عشر ساعة وهو مستقر يعتبر حيضاً, لكن قول الأكثرين أنه لابد أن يكون يوماً وليلة, فإن زاد فإنها في أول مرة لابد أن تغتسل بعد يوم وليلة. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والمبتدأة إذا رأت الدم لوقت تحيض في مثله جلست, فإذا انقطع لأقل من يوم وليلة فليس بحيض, وإن جاوز ذلك ولم يعبر أكثر الحيض فهو حيض]. يعني: إن جاوز الحيض يوماً وليلة ولم يعبر أكثر من خمسة عشر يوماً فهو حيض. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فإذا تكرر ثلاثة بمعنى واحد صار عادة, وإن عبر ذلك فالزائد استحاضة]. يعني: إذا انقطع الدم لعشرة أيام تغتسل وتصوم وتصلي, ثم جاء الشهر الثاني كذلك عشرة أيام ثم الثالث, إذا تكرر ثلاث مرات يعتبر عادة؛ لأن هذا يدل على حالها واستمرارها, فلابد أن يتكرر ثلاث مرات. فإن عبر أكثر من خمسة عشر يوماً فالزائد استحاضة.

ما يجب على الحائض عند آخر الحيض مع استمرار نزول الدم

ما يجب على الحائض عند آخر الحيض مع استمرار نزول الدم قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وعليها أن تغتسل عند آخر الحيض]. يعني: إذا أفرط عليها الدم تغتسل عند بلوغ خمسة عشر يوماً، وتعتبر هذه المدة حيضاً, وما زاد فاستحاضة، تغتسل وتتنجى وتتحفظ وتصلي، هذا إن زاد على خمسة عشر يوماً. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وتغسل فرجها وتعصبه, وتتوضأ لوقت كل صلاة وتصلي]. يعني: بعد الخمسة عشر يوماً.

حكم من به سلس البول وما في معناه

حكم من به سلس البول وما في معناه قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وكذا حكم من به سلس البول وما في معناه]. يعني: الذي عنده سلس البول أو ريح أو غير ذلك كل هؤلاء يتوضئون عند دخول الوقت, فالذي عنده سلس يجعل على ذكره كيساً حتى لا يلوث ثيابه, وكذلك المرأة تجعل حافظة على فرجها وتربط, وتستنجي وتتوضأ لكل صلاة, ولا تصلي فرضين, ولا تتوضأ إلا إذا دخل الوقت, وإذا جاء الوقت الآخر تتوضأ, ومن به سلس البول يتوضأ بعد دخول الوقت، لكن إذا لم يخرج منه شيء صلى بهذا الوضوء صلاة أخرى. ومثله أيضاً من تخرج منه غازات مستمرة لا يتوضأ إلا إذا دخل الوقت, وإذا كان هناك وقت ينقطع فيه هذا الخارج فإنه يتوضأ في هذا الوقت ويصلي ولو فاتته الجماعة.

أقسام المستحاضة

أقسام المستحاضة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فإذا استمر بها الدم في الشهر الآخر, فإن كانت معتادة فحيضها أيام عادتها, وإن لم تكن معتادة وكان لها تمييز, وهو أن يكون بعض دمها أسود ثخيناً وبعضه رقيقاً أحمر فحيضها زمن الأسود الثخين, وإن كانت مبتدأة أو ناسية لعادتها ولا تمييز لها فحيضها من كل شهر ستة أيام أو سبعة؛ لأنه غالب عادة النساء]. هذه أقسام المستحاضة: إذا أطبق عليها الدم إن كانت تعرف عادتها فالعادة مقدمة، كأن تكون عادتها ستة أيام أو سبعة أيام وأطبق عليها الدم فتجلس ستة أو سبعة أيام من أول ما جاءها الدم, سواء من أول الشهر أو وسط الشهر أو من آخره, فإن نسيت الوقت فإنها تجلس من أول كل شهر فيه ذلك ستة أيام أو سبعة أيام, فإن لم تكن معتادة أو نسيت عادتها ولها تمييز فهذه هي المستحاضة الثانية، وهي التي لها تمييز فتميز الدم، فتجلس أيام دم الحيض, وتصلي أيام دم الاستحاضة, ودم الحيض يكون أسود ثخيناً منتناً، ودم الاستحاضة أحمر أو أصفر رقيق. فالأيام التي فيها الدم الأسود الثخين المنتن تجلس فيه ولا تصلي ولا تصوم, والأيام التي فيها الأحمر الرقيق تغتسل وتصلي, هذه هي صاحبة التمييز. فإن لم يكن لها تمييز ولم يكن لها عادة فهي تسمى مستحيضة، يعني: تتحيض ستة أيام أو سبعة أيام على عادة نسائها: أمهاتها وجداتها وعماتها وخالاتها، فإذا كن يحضن ستة أيام فتمكث ستة أيام, أو سبعة أيام فسبعة أيام من أول ما جاءها الدم، فإن لم تعلم فمن أول كل شهر هلالي تجلس ستة أيام أو سبعة أيام على عادة نسائها, هذه أقسام المستحاضة. إذاً: فالمعتادة هي التي تعرف عادتها، فهذه تجلس أيام العادة إذا كانت تعرف العادة, فإن لم تكن لها عادة أو نسيت العادة وكان لها تمييز فتعمل بالتمييز, فإن لم يكن لها تمييز ولا عادة فهي مستحيضة, يعني: تتحيض، ومثلها المبتدأة, ومثلها من نسيت عادتها تجلس ستة أيام على عادة نسائها، ثم تصلي من الشهر أربعاً وعشرين أو ثلاثاً وعشرين.

حكم الدم الخارج أثناء الحمل

حكم الدم الخارج أثناء الحمل قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والحامل لا تحيض]. الصواب أن الحامل لا تحيض؛ لأنها إذا حملت حبست الدم فصار غذاء للولد، فلا تحيض, فإذا رأت دماً فهو دم فساد, فلا تترك العبادة, بل تتحفظ وتصلي. القول الثاني: إنها تحيض، وهو اختيار الشافعي، إذا رأت الدم وكان منتظماً فإنها تجلس. والأقرب والصواب أن الحامل لا تحيض. قال رحمه الله: [إلا أن ترى الدم قبل ولادتها بيوم أو يومين, فيكون دم نفاس]. يعني: إذا رأت الدم قبل الولادة بيوم أو يومين مع الطلق مع أمارة يكون نفاساً, وأما بدون أمارة فلا.

النفاس

النفاس

تعريف النفاس وحكمه

تعريف النفاس وحكمه قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب النفاس. وهو الدم الخارج بسبب الولادة، وحكمه حكم الحيض فيما يحل ويحرم ويجب ويسقط به]. النفاس حكمه حكم دم الحيض, فتجلس المرأة ولا تصوم ولا تصلي ولا يجامعها زوجها, وحكمه حكم الحيض فيما يحل ويحرم ويمتنع, وإذا انقطع الدم جاز الطلاق وجاز الصيام, ويجب به البلوغ فهو مثل الحيض فيما يحل ويحرم ويجب, فتمتنع من الصلاة وليس عليها صلاة، ويجب عليها قضاء الصوم كالحيض سواء.

بيان أكثر النفاس وأقله

بيان أكثر النفاس وأقله قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وأكثره أربعون يوماً ولا حد لأقله]. يعني: أن أكثره أربعون يوماً، وقيل: خمسون، وقيل ستون يوماً، والصواب أن أكثره أربعون يوماً كما في حديث أم سلمة قالت: (كانت النساء تجلس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين يوماً أو أربعين ليلة). قوله: (ولا حد لأقله) لأنه وجد من النساء من تلد بدون دم فلا حد لأقله. فإذا استمر الدم بعد أربعين يوماً فإنها تتحفظ وتصلي، إلا إذا وافق عادة الحيض فتجلس عادتها.

حكم من رأت الطهر أثناء النفاس ثم عاودها الدم في مدة الأربعين

حكم من رأت الطهر أثناء النفاس ثم عاودها الدم في مدة الأربعين قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ومتى رأت الطهر اغتسلت وهي طاهر, وإن عاد في مدة الأربعين فهو نفاس أيضاً]. يعني: إذا طهرت في أثناء الأربعين فهي طهارة كاملة، فتصوم وتصلي ويجامعها زوجها, فإن عاد مرة أخرى قبل الأربعين فإنه يعتبر نفاساً فتجلس. وذكر في زاد المستقنع أنه إذا عاد الدم فمشكوك فيه، فتصوم وتصلي وتقضي الصوم. والصواب أنه ليس مشكوكاً فيه, بل يعتبر طهارة كاملة.

الأسئلة

الأسئلة

حكم اغتسال المستحاضة لكل صلاة

حكم اغتسال المستحاضة لكل صلاة Q هل على المستحاضة أن تغتسل لكل صلاة أم يكفيها الوضوء؟ A يكفيها الوضوء, فتغتسل مرة واحدة عند انقطاع دم الحيض, وتتوضأ لكل وقت صلاة, وإن اغتسلت فهو أفضل؛ لأنه قد جاء في بعض الأحاديث أن بعض الصحابيات كانت تغتسل لكل صلاة، وبعضهن كانت تجمع؛ لأنها مريضة, فتجمع الظهر والعصر وتغتسل لهما غسلاً واحداً, وتجمع المغرب والعشاء وتغتسل لهما غسلاً واحداً, وتغتسل للفجر, لكن هذا من باب الاستحباب, وإلا فالواجب الوضوء لكل صلاة.

حكم الكتابة على اللوحات الإرشادية ولعن فاعله

حكم الكتابة على اللوحات الإرشادية ولعن فاعله Q هل الكتابة على اللوحات الإرشادية التي على الطرق تدخل في اللعن؟ A هذا هو الظاهر إذا كانت الإرشادات صحيحة ثم غيرها، فإنه يدخل في اللعن، أو كتب عليها كتابة عكسية فهذا يدخل في اللعن، فينبغي تجنب ذلك.

حكم سعي الحائض بين الصفا والمروة

حكم سعي الحائض بين الصفا والمروة Q هل الصفا والمروة داخلان في الحرم فتمنع النساء الحيض من السعي بينهما، أم أنه ليس من المسجد الحرام؟ A المعروف عند العلماء أن المسعى ليس من المسجد الحرام, ولهذا قال العلماء: إذا حاضت المرأة بعد الطواف جاز لها أن تسعى في المسعى, ولو كان من المسجد لما جاز لها السعي بينهما.

كتاب الصلاة [1]

شرح عمدة الفقه_كتاب الصلاة [1] شرع المولى جل وعلا الصلاة التي هي صلة بين العبد وربه، وشدد في وجوبها، وحكم على تاركها أنه كافر على أرجح أقوال أهل العلم. ويشرع للصلاة المفروضة الأذان والإقامة، ولهما أحكام معروفة.

ما جاء في الصلاة

ما جاء في الصلاة

تعريف الصلاة لغة وشرعا

تعريف الصلاة لغة وشرعاً قال المؤلف رحمه الله تعالى: [كتاب الصلاة]. الصلاة مشتقة من الدعاء على الصحيح في اللغة, وهي مشتقة من الصلوني وهما عرقان في ظهر الإنسان, وقيل: إنها مشتقة من صليت العود على النار إذا قومته, وقيل: مشتقة من الصلي وهو ملازمة الشيء والأرجح أنها مشتقة من الدعاء. وشرعاً: هي عبادة ذات أقوال وأفعال مخصوصة، مفتتحة بالتكبير ومختتمة بالتسليم. أو هي عبادة ذات ركوع وسجود وأفعال وأقوال مشروعة مفتتحة بالتكبير ومختتمة بالتسليم. وهي أعظم الواجبات بعد توحيد الله عز وجل.

حكم ترك الصلاة

حكم ترك الصلاة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [روى عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (خمس صلوات كتبهن الله على العباد في اليوم والليلة، فمن حافظ عليهن كان له عهد عند الله أن يدخله الجنة, ومن لم يحافظ عليهن لم يكن له عند الله عهد, إن شاء عذبه وإن شاء غفر له)]. هذا الحديث احتج به من قال: إن ترك الصلاة ليس بكفر, لكنه حديث ضعيف (لا يصح، والعجيب أن المؤلف ما وجد إلا هذا الحديث المتكلَّم فيه يستدل به على عدم جواز ترك الصلاة, مع أن الأحاديث كثيرة في هذا, ولو صح هذا الحديث فهو محمول على ما جاء في رواية ابن ماجة من أتى بها ولم ينتقص شيئاً منها. فالمقصود أن الحديث ضعيف؛ لأن الحديث يدل على عدم كفر تارك الصلاة, ولأنه قال: من أتى بها كان له عند الله عهد، ومن لم يأت بها لمن يكن له عند الله عهد إن شاء عذبه وإن شاء لم يعذبه) , لكنه لا يصح, والأحاديث الصحيحة دالة على كفر تارك الصلاة، كحديث: (بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة). وحديث: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر). وحديث: (من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله). وحديث: (من ترك الصلاة متعمداً فقد برأت منه ذمة الله). وقوله تعالى: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ} [التوبة:11]. وقول جمهور العلماء وهو الصواب: أن ترك الصلاة كفر وردة ولو لم يجحد وجوبها, أما إذا جحد وجوبها فهذا بالإجماع, وهذا الحديث ضعيف لا يصح، فإن قيل: إن قوله تعالى: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ} [التوبة:5] لا يدل على كفر تارك الصلاة؛ لأن ترك الزكاة ليس كفراً، يعني من غير جحود، فهل هذا صحيح؟ أقول: لقد جاء الوعيد الشديد لتارك الزكاة, فقد ورد في الحديث: (أن صاحب الإبل والبقر والغنم الذي لا يؤدي زكاتها تبطح لها بقاع قرقر، ثم تطؤه بأخفافها، وتعضه بأفواهها, وكلما مر عليه أولاها رد عليه أخراها، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، ثم بعد ذلك يرى سبيله إما إلى الجنة وإما النار). فدل على أنه ليس بكافر؛ لأنه لو كان كافراً لم يكن له سبيل إلى الجنة, فهذا النص أخرج الزكاة وبقيت الصلاة على الحكم الأصلي، {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ} [التوبة:11] فهنا علق العقوبة على ثلاثة أمور: التوبة والصلاة والزكاة, والزكاة جاء ما يصرفها وبقيت الصلاة.

بيان من تجب عليه الصلاة

بيان من تجب عليه الصلاة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فالصلوات الخمس واجبة على كل مسلم بالغ عاقل إلا الحائض والنفساء, فمن جحد وجوبها لجهله عُرِّف ذلك]. يعني: الحائض والنفساء ليستا مخاطبتين بوجوب الصلاة, فلا تجب عليهما ولا يقضيانها بإجماع العلماء، ما عدا الخوارج فإنهم يوجبون على الحائض والنفساء قضاء الصلاة, ولهذا لما جاءت امرأة إلى عائشة تسأل وتكثر السؤال وتقول: (ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟ قالت: أحرورية أنت؟! ثم قالت: هكذا كنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، نؤمر بقضاء الصوم، ولا نؤمر بقضاء الصلاة).

حكم من جحد الصلاة وحكم تأخير الصلاة عن وقتها

حكم من جحد الصلاة وحكم تأخير الصلاة عن وقتها قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فمن جحد وجوبها لجهله عرف ذلك، وإن جحدها عناداً كفر]. وهذا بالإجماع أن من جحد الصلاة عناداً فقد كفر بإجماع المسلمين، أما إذا كان جاهلاً فيُعلَّم، ومثل له أهل العلم بمن أسلم في بلاد بعيدة، أو في بادية بعيدة بأن نطق بالشهادتين، وأنكر وجوب الصلاة وهو لا يعلم، فإنه يعرف؛ لأنه معذور لا يعلم بأن الصلاة واجبة، وأنها فرضت في اليوم والليلة خمس مرات، فإذا عرف بذلك وأصر على تركها حكم بكفره بعد ذلك. قال المؤلف رحمه الله: [ولا يحل تأخيرها عن وقت وجوبها إلا لناوٍ جمعهان أو مشتغل بشرطها]. فليس له أن يؤخرها عن وقتها إلا إذا نوى الجمع، كالمريض أو المسافر، فالمسافر يرخص له في صلاة الظهر والعصر أن ينوي جمعهما مع بعض، وكذلك المريض لكن المسافر يقصر الرباعية، والمريض لا يقصر، وهذا يغلط فيه بعض الناس حيث يظنون أن المريض إذا جمع يقصر، وليس كذلك، بل المريض يجمع، ويتم الصلاة، فيجمع الظهر مع العصر أربعاً، ويصلي الظهر أربعاً والعصر أربعاً، وكذلك إذا كان مشتغلاً بشرطها مثل أن يتطهر ويتوضأ فخرج الوقت بدون اختياره، أو مثلاً: كان يخيط ثوبه، كأن يكون عارياً ولا يوجد له ثوب غيره، فيخيط الثوب مشتغلاً بالشرط؛ لأن ستر العورة شرط من شروط الصلاة، فهذا لا بأس به، أما لغير عذر فلا يجوز التأخير. وكذلك الناسي والنائم حتى يستقيظ، وحتى يتذكر. أما إذا أخرها بدون عذر فقد اختلف العلماء إذا أخرها وليس ناسياً ولا جاهلاً ولا مشتغلاً بشرطها ولا متأولاً فقال بعض أهل العلم: أنه يكفر ويكون مرتداً؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله). وقال آخرون: أنه لا يكون مرتداً، ولكن جريمته أعظم من جريمة الزاني والسارق وشارب الخمر والعاق لوالديه والمرابي، نسأل الله السلامة والعافية. ولم يجد ثوباً فإنه يصلي، ولكن قال أهل العلم: له أن يصلي جالساً. وظاهر كلام المصنف أنه إذا كان مشتغلاً بشرطها ففي هذه الحالة يؤديها ولو تأخر، كأن ينشغل باستخراج الماء من البئر، فيتوضأ ولو في آخر الوقت. وإذا قدم الطعام فالأصل أنه لا يجوز تأخير الصلاة عن وقتها، لكن إذا قدم الطعام فهذا عذر في ترك الجماعة إذا كان هذا يشوش ذهنه فيأخذ ما يكفيه؛ حتى يقبل على الصلاة، ولا يؤديها وهو منشغل بالطعام، لكن إذا كان الوقت سيخرج فيصلي. أما تأخير الصلاة في الفريضة متعمداً حتى يخرج وقتها، فقد أفتى جمع من أهل العلم بأنه يكون مرتداً، وهذا ما أفتى به سماحة الشيخ ابن باز رحمة الله عليه، بأن الذي اعتاد أن يؤخر الصلاة فلا يصلي الفجر إلا بعد الشمس فإنه مرتد. وقال آخرون: لا يكون مرتداً إذا صلاها، لكن يكون كفره كفراً أصغر، وتكون جريمته أعظم من جريمة الزاني والسارق وشارب الخمر والعاق لوالديه، وحجة من قال بكفره: حديث البخاري عنه صلى الله عليه وسلم قال: (من ترك صلاة العصر فقط حبط عمله)، والذي يحبط عمله هو الكافر. وقوله صلى الله عليه وسلم: (الذي تفوته صلاة العصر كأنما وتر أهله وماله). ولا يجمع إلا من كان له عذر كالمريض المسافر، وليس كل من له عمل، فإن هذا فتح لهذا الباب ولاسيما في هذا الزمان الذي كثرت فيه الأعمال، ولو فتح الباب فإن كل النساء ستجمع، وكذلك أيضاً الخباز الذي يقول: إنه يشتغل أربعاً وعشرين ساعة في المخبز، والذي في المناجم، والذي في المعامل، فهذا فتح لباب الأعمال.

حكم تارك الصلاة تهاونا

حكم تارك الصلاة تهاوناً قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فإن تركها تهاوناً بها استتيب ثلاثاً، فإن تاب وإلا قتل]. فإذا تركها استتيب ثلاثة أيام فإن أصر قتل حداً على مذهب المصنف رحمه الله. والقول الثاني: أنه يقتل كفراً، والفرق بين القولين: أنه إذا قتل حداً فإنه يغسل ويصلى عليه، ويدفن مع المسلمين في مقابرهم، أما إذا قتل كفراً فإنه لا يغسل ولا يصلى عليه، ولا يدفن مع المسلمين في مقابرهم فهو يقتل على كل حال إذا ارتد لكن قتله على كفر أو حد فحكم الحاكم هو الذي يرفع الخلاف، فالقاضي إذا اختار أحد القولين وقتله كفراً حكم بكفره، فلا يغسل ولا يصلى عليه، وإن قتله وحكم بعدم كفره بأن قتله حداً فإنه يغسل ويصلى عليه، ويدفن مع المسلمين في مقابرهم، والقاعدة عند أهل العلم: أن حكم الحاكم يرفع الخلاف، فإذا كانت المسألة فيها قولان، ثم حكم الحاكم بأحد القولين فقد ارتفع الخلاف.

الأذان والإقامة

الأذان والإقامة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب الأذان والإقامة. وهما مشروعان للصلوات الخمس دون غيرها، للرجال دون النساء]. الأذان هو: الإعلام بدخول الوقت، والإقامة تسمى أذاناً؛ لأنها إعلام بإقامة الصلاة، وهما مشروعان للصلوات الخمس فقط، وأما صلاة الاستسقاء وصلاة العيد فلا ينادى لها وينادى لصلاة الكسوف بالصلاة جامعة، أما صلاة العيد فلا ينادى لها، وإنما يقوم الناس إذا رأوا الإمام قائماً. والأذان والإقامة للرجال دون النساء، وأما النساء فليس عليهن أذان ولا إقامة، فتصلي المرأة بدون أذان وبدون إقامة، ولا يشرع لها؛ لأنها ليست من أهل الجهر، والأذان والإقامة جهر، فهما فرضان على الرجال دون النساء. والمنفرد إذا كان في البرية فإنه يؤذن ويقيم. والقول بوجوب الأذان والإقامة قول قوي؛ لأن كل صلاة لها أذان وإقامة، كما جاء في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم: (إذا كنت في غنمك فارفع صوتك بالأذان، فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن شجر ولا حجر ولا إنس ولا جن إلا شهد له يوم القيامة). وفي حديث مالك بن سهيل: (إذا كنتما في فلاة فأذنا، وليؤمكما أكبركما)، والأصل في الأوامر الوجوب، فإذا كان وحده يؤذن، ولا يتساهل، أما إذا كان في بلد وقد أُذن فيه فإذا أذن فلا يرفع صوته، وإلا فالأذان في البلد قد حصل به المقصود، ولكنه يقيم، فلابد له أن يقيم.

ألفاظ الأذان وعدد كلماته

ألفاظ الأذان وعدد كلماته قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والأذان خمس عشرة كلمة، لا ترجيع فيه]. وهذا أذان بلال رضي الله عنه، وأما أذان أبي محذورة رضي الله عنه فتسع عشرة كلمة، فأذان بلال خمس عشرة جملة، وهي: التكبيرات الأربع: الله أكبر في أولها، والشهادتان: أربع، وحي على الصلاة، وحي على الفلاح أربع، والتكبيرتان: الله أكبر الله أكبر والتهليلة، فهي خمس عشرة جملة. وعلم النبي صلى الله عليه وسلم أبا محذورة أن يؤذن في مكة نوعاً آخر من الأذان، لما فتحت مكة، وكان صوته جميلاً. فلما أسلم أمره صلى الله عليه وسلم بأن يؤذن للناس، وعلمه الترجيع والترجيع فيه زيادة أربع جمل وهي جمل الشهادتين والترجيع معناه: أن يأتي بالشهادتين سراً ثم يرفع بهما صوته فإذا كبر أربع تكبيرات قال سراً: أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، أشهد أن محمداً رسول الله، ثم يعود فيرجع يرفع بها صوته، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، أشهداً أن محمداً رسول الله، وسمي ترجيعاً؛ لأنه رجع إليه مرة أخرى، فيكون تسع عشرة جملة وهذا نوع من الأذان فالأذان أنواع، والإقامة أنواع والأفضل أذان بلال؛ لأنه هو الذي كان يؤذن به بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم، واستمر عليه حتى وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، فالإقامة أنواع، والأذان أنواع كما أن التشهد أنواع، والاستفتاحات أنواع، فإذا أتى بنوع منها فقد فعل المشروع. والظاهر أن الإقامة ينبغي أن تكون متناسبة مع الأذان، ففي الحديث: (أمر بلالاً أن يشفع الأذان، ويوتر الإقامة). قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والإقامة إحدى عشرة]. والإقامة في أذان بلال الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، حي على الصلاة، حي على الفلاح، قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله. والإقامة التي علمها النبي صلى الله عليه وسلم أبا محذورة فيها زيادة على إقامة بلال، وهي قريبة من خمس عشرة جملة.

شروط المؤذن وذكر مستحبات الأذان

شروط المؤذن وذكر مستحبات الأذان قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وينبغي أن يكون المؤذن أميناً، صيتاً، عالماً بالأوقات]. هذه صفات المؤذن أن يكون أميناً صيتاً عالماً بالأوقات. أما كونه أميناً فلأنه مؤتمن على الناس، يخبرهم بدخول الوقت فيصلون، يعلمهم بدخول وقت الفجر فيلزم الصائم الامتناع عن الأكل، ويعلمهم بدخول وقت المغرب فيفطر الصائم، فلابد أن يكون أميناً، وصيتاً حتى يُسمع صوته، وعالماً بالوقت، فلابد من هذه الصفات أن تتوفر في المؤذن، فإذا كان ليس أميناً بأن كان غير ثقة فلا ينبغي أن يكون مؤذناً، وكذلك إذا كان صوته ضعيفاً لا يبلغ الناس، وكذلك إذا لم يكن عالماً بالأوقات لا يعرفها، بل لابد أن يكون له عناية بالأوقات، ولابد أن يكون صيتاً وأميناً، فهذه الصفات لابد من توافرها في المؤذن. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويستحب أن يؤذن قائماً، متطهراً، على موضع عال، مستقبل القبلة]. وهذا من باب الاستحباب، فيكون قائماً على مرتفع، حتى يُسمع صوته، مثل: أن يكون قائماً على سطح المسجد، أو على منارة أما الآن فقد جاءت المكبرات. ويكون متطهراً، أي: على طهارة، فلو أذن وهو على غير طهارة فلا بأس، ثم يذهب ويتوضأ، حتى ولو كان جنباً على الصحيح، لكن الأفضل أن يكون متطهراً متوضئاً، فلو أذن وهو على غير طهارة فلا بأس؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يذكر الله على كل أحواله. وإن كان قائماً فهذا هو الأفضل، ولو أذن جالساً فقد حصل المقصود، ولكن خلاف الأفضل، وكذلك الأفضل أن يكون على مرتفع وعلى علو حتى يسمعه الناس وكل هذا من باب الاستحباب. وكذلك يستحب أن يكون مستقبل القبلة، فلا يؤذن والقبلة عن يمينه أو عن شماله. وأما أن يكون متطهراً فلما رواه أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يؤذن إلا متوضئ) رواه الترمذي، وروي موقوفاً على أبي هريرة والصواب: أنه لا يصح من قول النبي صلى الله عليه وسلم، وإن صح فهو موقوف. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فإذا بلغ الحيعلة التفت يميناً وشمالاً، ولا يزيل قدميه]. فيلتفت يميناً وشمالاً قائلاً: حي على الصلاة، حي على الفلاح، حتى يبلغ أهل جهة اليمين وأهل جهة الشمال، ولا يزيل قدميه عن مكانهما، يعني: لا يستدير وقال بعض العلماء: يستدير في الحيعلتين، والصواب: أنه لا يستدير، بل تكون قدماه ثابتتين، وإنما يستدير ويلتفت بعنقه وأما جسمه فيكون ثابتاً. وأما في حالة وجود المكبرات الآن فالأولى ألا يلتفت؛ لأن الحكمة معروفة وهي التبليغ، وإذا التفت عند الأذان بالمكبر اختل الصوت وضعف، ومن قال: إنه يلتفت الشيء اليسير -يعني: عملاً بالسنة- فله وجه. وفي الترمذي عن أبي جحيفة قال: قال: (أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو في قبة حمراء من أدم)، يعني: من جلد. (وأذن بلال، فجعلت أتتبع فاه هاهنا وهاهنا يميناً وشمالاً يقول: حي على الصلاة، حي على الصلاة، حي على الفلاح، حي على الفلاح) متفق عليه، وفي لفظ: (ولم يتجه، وأصبعاه في أذنيه) رواه الترمذي وصححه الحاكم ووافقه الذهبي. والحكمة واضحة في هذا، بأنه إذا وضع أصبعيه في أذنيه، فإنه أندى للصوت، فهذا يدعوه إلى أن يرفع صوته. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويجعل أصبعيه في أذنيه، ويترسل في الأذان، ويحدر الإقامة]. وهذه هي السنة، أن يترسل، يعني: لا يسرع في الأذن؛ لأنه إعلام بدخول الوقت بل يكون ساكناً، فيقول: الله أكبر، ثم يسكت قليلاً، ثم يقول: الله أكبر، والأولى ألا يقرن بين التكبيرتين كما يفعل بعض المؤذنين قائلين: الله أكبر الله أكبر، وإن فعل هذا فلا حرج، ولكن الأفضل أن يقف على رأس كل جملة وأن يقرأ كل جملة مستقلة، وأما الإقامة: فإنه يحدرها، ويسرع فيها؛ لأنها إعلام بإقامة الصلاة للحاضرين، بخلاف الأذان فإنه إعلام بدخول الوقت للغائبين ولمن لم يكن في المسجد، ولهذا أمر بلال أن يترسل في الأذان وأن يحدر الإقامة، ومعنى يحدر أي: يسرع. فالأصل أن يقف على جمل الأذان، كما أن الأفضل في قراءة القرآن الوقوف على رأس كل آية. وأظن أن من المسائل التي يقع فيها بعض المؤذنين بسبب الجمع بين الجمل أن بعضهم يلحن الأذان، ويطرب به وبعضهم أيضاً يجعل التكبيرتين غير متناسبتين، فالتكبيرة الأولى يسرع فيها، والثانية يمدها، وينبغي أن تكونا متناسقتين، أما أن يسرع في التكبيرة الأولى، ويمد التكبيرة الثانية فإن هذا ناشئ عن الجمع بين التكبيرتين، وإذا ترسل، وفصل كل تكبيرة عن الأخرى فلن يكون هناك داعياً لأن يخالف بين التكبيرتين، فيكون الصوت متناسباً. قال المؤلف رحمه الله: [ويقول في أذان الصبح بعد الحيعلة: الصلاة خير من النوم، مرتين]. وهذا خاص في أذان الفجر، وليس في الأذان الأول الذي ينادى به كما يظن بعض الناس، فبعض الناس يظن أن (الصلاة خير من النوم) تقال في الأذان الأول، والأذان الأول إنما هو للتنبيه، وقد تكون الصلاة خير من النوم وقد لا تكون في ذلك الوقت؛ لأنه قد يكون الإنسان محتاجاً في ذلك الوقت للنوم، ولكن الفريضة على الإطلاق خير من النوم، بلا شك، ولكن بعض الناس تعلق بما جاء في بعض الروايات أنه جعل الصلاة خير من النوم في الأذان الأول، والمراد بالأذان الأول في هذه الروايات: هو الأذان الذي يؤذن به في صلاة الفجر، والأذان الثاني هي: الإقامة؛ لأن الإقامة تسمى أذاناً ثانياً، والأذان الأول إعلام بدخول الوقت، والثاني إعلام بإقامة الصلاة، ويدل على هذا حديث: (بين كل أذانين صلاة)، يعني: بين الأذان والإقامة فتسمى الإقامة أذاناً. إذا قال المؤذن الصلاة خير من النوم، فيقول المستمع الصلاة خير من النوم؛ فقد جاء في الحديث: (إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثلما يقول). وفي لفظ: (إلا في الحيعلتين تقول: لا حول ولا قوة إلا بالله) فإذا قال: حي على الصلاة، قل: لا حول ولا قوة إلا بالله، وإذا قال: حي على الفلاح، قل: لا حول ولا قوة إلا بالله، أما إذا قال: الصلاة خير من النوم، فقل: الصلاة خير من النوم، وذكر بعض الفقهاء كالحنابلة وغيرهم أنه إذا قال: الصلاة خير من النوم فيقول: صدقت وبررت، ولكن هذا اجتهاد ليس عليه دليل والحديث عام: (إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثلما يقول)، ولم يستثن إلا في الحيعلتين. وكذلك عليه أن يجيب في الإقامة على الصحيح؛ لأنها أذان ثانٍ. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولا يؤذن قبل الأوقات إلا لها؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن بلالاً يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم)]. يعني: لا يجوز الأذان قبل الوقت في الأوقات الأربعة: الظهر والعصر والمغرب والعشاء، ويحرم الأذان قبل دخول الوقت، إلا للفجر خاصة فإنه يجوز له أن يؤذن قبل الوقت، لكن بشرط أن يؤذن مرة أخرى إذا دخل الوقت، أو يكون معه مؤذناً آخر؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن بلالاً يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم) فحتى لا يغر الناس إذا أذن قبل الفجر، فلابد أن يؤذن مرة أخرى بعد دخول الفجر، أو يكون معه مؤذن آخر حتى لا يغر الناس، أما الأوقات الأربعة الأخرى فلا يؤذن لها إلا بعد دخول الوقت. ولا يجوز قبل الوقت أبداً ولا بشيء يسير؛ لأن هذا أولاً: لا يجوز، وهو محرم؛ لأنه ما دخل وقت الصلاة، فهو إخبار بغير الواقع، فينادي: حي على الصلاة قبل دخول الوقت. وثانياً: أنه يترتب على هذا أنه ربما بادر المريض وصلى، أو امرأة فصلت في بيتها قبل دخول الوقت، فيترتب على ذلك مفاسد، وربما أفطر أيضاً الصائم قبل دخول الوقت، فلابد أن يتحقق، وإذا كان عنده شك فليصبر. وإذا أفطر الصائم على هذا قبل دخول الوقت فالمسألة فيها تفصيل، فإن كان يغلب على ظنه أن الوقت قد دخل فصومه صحيح، وأما إن كان يغلب على ظنه عدم دخول الوقت، أو يشك في دخول الوقت فيقضي هذا الصوم؛ لأن الأصل بقاء النهار فيقضي هذا اليوم. وكذلك الأذان الثاني الذي بين يدي الإمام في يوم الجمعة وهذه المسألة فيها كلام لأهل العلم، وينبغي أن يكون الأذان الثاني بعد دخول الوقت، وهذا هو الذي عليه جمهور العلماء، وأنه لا تصح صلاة الجمعة إلا بعد دخول الوقت، حتى إن البخاري رحمه الله جزم في ترجمته بأن الأذان بعد دخول الوقت، فذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدخل إذا انتصف النهار، وكذلك أبو بكر وعمر رضي الله عنهما. فلا تصح الجمعة إلا بعد دخول الوقت، وذلك لأن جمهور العلماء يرون أنها لا تصح الصلاة والجمعة إلا بعد الأذان، هذا أولاً. وثانياً: أن هذا فيه فتح باب للكسالى من الذين يفتحون البقالات والمحلات التجارية وقت الصلاة، وإذا سئل عن ذلك قال: صليت مع الخطيب المبكر، ومع الإمام المبكر ومع هذا لا يزال بعض الخطباء يصرون على الأذان قبل دخول الوقت، مع أن أكثر العلماء يرون أن الصلاة غير صحيحة وإن كان الصواب أن صلاة الجمعة تصح قبل دخول الوقت؛ لأنه جاء في الأحاديث في السنن ما يدل على جوازها وهو مذهب الحنابلة وغيرهم ولكن مع هذا كله ينبغي الاحتياط، خاصة وأن أكثر العلماء وجماهير العلماء على أنها لا تصح إلا بعد دخول الوقت فإذا دخل الوقت على التقويم، وعلى العادة يؤذن المؤذن وإلا الصواب: أنها تصح قبل دخول الوقت. وأما الأذان الذي هو قبل دخول الوقت فهو للتنبيه، ولا بد أن يكون كافياً فإنه لم يكن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وصدراً من خلافة عثمان إلا أذاناً واحداً، وهو الأذان الذي بين يدي الإمام، فلما كثر الناس أمر عثمان مؤذناً أن يؤذن على الزوراء لينبه الناس. وأما أن يكون الأذان الثاني مقارباً للأذان الأول فلا يحصل المقصود

استحباب إجابة المؤذن إلا في الحيعلتين

استحباب إجابة المؤذن إلا في الحيعلتين قال المؤلف رحمه الله: [ويستحب لمن سمع المؤذن أن يقول كما يقول؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا سمعتم النداء فقولوا مثلما يقول)]. يعني: يجيبه إلا في الحيعلتين، كما جاء في الحديث الآخر، فإنه يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، ويشمل هذا قول المؤذن: الصلاة خير من النوم، فتقول مثله. وبعد الأذان يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يدعو: اللهم رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة، آت محمداً الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته، إنك لا تخلف الميعاد. وجاء في صحيح مسلم: إذا انتهى من الشهادتين يجيب ويقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، رضيت بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد نبياً. والأذان في الراديو إذا كان على الهواء فلا بأس أن يجيب؛ لأنه مؤذن حقيقة، أما إذا كان تسجيلاً فلا يجيبه الإنسان.

كتاب الصلاة [2]

شرح عمدة الفقه_كتاب الصلاة [2] فرض المولى جل في علاه الصلاة على عبيده لتكون بمثابة همزة الوصل التي تربط بين العبد والمعبود، ولا تصح صلاة العبد إلا بشروط بينها الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام في سنته، وينبغي على المصلي أن يكون على هيئة حسنة عند إتيانه إلى الصلاة، وأن يتمثل آداب المشي إلى الصلاة.

شروط الصلاة

شروط الصلاة قال رحمه الله: [باب: شروط الصلاة. وهي ستة:].

الطهارة من الحدث

الطهارة من الحدث قال المؤلف رحمه الله تعالى: [الطهارة من الحدث؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا صلاة لمن أحدث حتى يتوضأ)]. وهذا الباب معقود للشروط التي تتقدم الصلاة وتسبقها، بخلاف الأركان والواجبات فإنها تكون في صلب الصلاة وأما الشروط فتكون متقدمة على الصلاة. الشرط الأول: الطهارة من الحدث، وأيضاً من الأنجاس، وهذا شرط لصحة الصلاة فأما الطهارة من الحدث فنعني الحدث الأكبر والحدث الأصغر. أما الحدث الأصغر فلقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ) رواه الشيخان، ولقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تقبل صلاة بغير طهور، ولا صدقة من غلول) رواه الإمام مسلم في صحيحه، فلا تصح الصلاة إلا بالطهارة. وكذلك لابد أن يتطهر الإنسان من الخبث في بدنه، ويكون طاهر الثوب، والبدن والبقعة فيكون ثوبه طاهراً، وبدنه طاهراً، والبقعة التي يصلي عليها طاهرة. فإن صلى بغير وضوء فلا تصح صلاته بإجماع المسلمين ويجب عليه أن يعيد الصلاة، أما إذا نسي النجاسة في ثوبه، أو بدنه أو بقعته فالصواب أن الصلاة صحيحة؛ لأن هذا من باب التروك، والوضوء من باب الإيجاب فإذا صلى بغير وضوء فإنه يعيد الصلاة، وإذا صلى وفي ثوبه نجاسة ولم يعلم إلا بعد الصلاة فصلاته صحيحة، فإن علم أثناء الصلاة فإنه يزيل هذا الشيء الذي فيه النجاسة إن أمكن، فإذا كانت النجاسة في الثوب فإنه يخلع الثوب، ويكمل الصلاة إذا كان عليه سروال ساتر، فإن لم يمكن قطع الصلاة، وغسل النجاسة، وصلى.

دخول الوقت

دخول الوقت قال المؤلف رحمه الله تعالى: [الشرط الثاني: الوقت، ووقت الظهر من زوال الشمس إلا أن يصير ظل كل شيء مثله]. فلابد أن تكون الصلاة في وقتها، فإن صلى قبل دخول الوقت فلا تصح صلاته بإجماع المسلمين؛ لقول الله تعالى: {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النساء:103]، أي: مفروضاً في الأوقات. وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمه جبرائيل يومين متواليين، فأمه لصلاة الظهر في اليوم الأول في أول وقتها، وصلاة العصر في أول وقتها، والمغرب في أول وقتها، والعشاء في أول وقتها، والفجر في أول وقتها، ثم جاءه في اليوم الثاني وأمه في الظهر في آخر وقتها قرب العصر، وأمه لصلاة العصر عند اصفرار الشمس، وأمه لصلاة المغرب عند مغيب الشفق، وأمه لصلاة العشاء قبيل نصف الليل، وأمه لصلاة الفجر قبيل طلوع الشمس، ثم قال: الصلاة ما بين هذين الوقتين فلابد أن تكون الصلاة في الوقت، فإن صلى قبل الوقت فلا تصح بإجماع المسلمين، وإذا صلى وهو يظن أن الوقت قد دخل ثم تبين له أنه لم يدخل أعاد الصلاة. ووقت الظهر من زوال الشمس، أي: إذا زالت الشمس إلى جهة الغروب دخل وقت الظهر، إلى أن يصير ظل الشيء مثله بعد فيء الزوال ثم يدخل وقت العصر. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ووقت العصر -وهي الوسطى- من آخر وقت الظهر إلى أن تصفر الشمس]. وصلاة العصر هي الوسطى على الصحيح؛ لقول الله تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة:238]. وقد جاء في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (شغلونا عن الصلاة ملأ قلوبهم وبيوتهم ناراً شغلونا عن الصلاة الوسطى)، صلاة العصر، هذا هو الصواب، وقيل: الصلاة الوسطى: صلاة الفجر، وقيل: صلاة الظهر، والصواب: أنها صلاة العصر؛ لأنها صلاة بين صلاتين نهاريتين، وصلاتين ليليتين، وقال بعض العلماء: الصلاة الوسطى، يعني: من الوسط، وهو الخيار، لقوله تعالى: {جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [البقرة:143]. وأول وقت صلاة العصر إذا خرج وقت الظهر إلى وقت اصفرار الشمس. ثم يدخل وقت الضرورة وهو من اصفرار الشمس إلى غروبها، ومن مصير ظل الشيء مثله إلى اصفرار الشمس فهذا وقت الاختيار. قال المؤلف رحمه الله: [ثم يذهب وقت الاختيار ويبقى وقت الضرورة إلى غروب الشمس، ووقت المغرب إلى أن يغيب الشفق الأحمر تعالى]. فوقت المغرب من غروب الشمس إلى مغيب الشفق الأحمر، وهو يقارب ساعة وعشر دقائق تقريباً. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ووقت العشاء من ذلك إلى نصف الليل، ثم يبقى وقت الضرورة إلى طلوع الفجر]. يعني: من مغيب الشفق إلى نصف الليل. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ثم يبقى وقت الضرورة إلى طلوع الفجر الثاني، ووقت الفجر من ذلك إلى طلوع الشمس]. يعني: أن وقت الفجر من طلوع الفجر الصادق، هو خلاف الفجر الكاذب، فإنه يكون في وسط السماء، مثل ذنب السرحان ثم يظلم وأما وقت الفجر الصادق فإنه ينتشر في السماء قبل المشرق والأصل في هذا حديث جبريل، وفي حديث أبي برزة في تحديد الأوقات، وأن النبي صلى الله عليه وسلم حدد الأوقات هكذا، قال: (وقت الظهر من زوال الشمس إلى أن يصير ظل كل شيء مثله، ووقت العصر إلى اصفرار الشمس، ووقت المغرب حين تجب الشمس إلى مغيب الشفق، ووقت العشاء إلى نصف الليل، ووقت الفجر إلى طلوع الشمس). والصلاة في أول وقتها أفضل، إلا العشاء فالأفضل تأخيرها إذا لم يشق عليه، ويكون تأخيرها إلى ثلث الليل، هذا هو الأفضل وإذا كان في بلد فيصلي مع الناس حتى لا يشق عليهم؛ لأنه بذلك تحدث مشقة على الناس، فهناك من له حاجة، فإن منهم من يريد أن ينام ولكن لو كانوا جماعة في مزرعة أو في بلدة صغيرة واتفقوا على تأخيرها ولم يشق عليهم فالأفضل التأخير في صلاة العشاء، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أحياناً يقدمها وأحياناً يؤخرها، كما في الحديث إذا رآهم اجتمعوا عجل، وإذا رآهم تأخروا أبطأ. وتحديد نصف الليل يختلف باختلاف الليل في الشتاء والصيف، من غروب الشمس إلى طلوع الفجر، فتقسمه نصفين، من غروب الشمس، فإذا كان غروب الشمس مثلاً الساعة الخامسة والنصف، وطلوع الفجر الساعة الخامسة والربع فاقسمه على اثنين، فيكون اثنتي عشرة ساعة إلا ربعاً، فيكون النصف ست ساعات، فتكون الساعة الحادية عشرة وربعاً تقريباً، أو الحادية عشرة تكون نصف الليل.

بعض الأحكام المتعلقة بأوقات الصلوات

بعض الأحكام المتعلقة بأوقات الصلوات قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ومن كبر للصلاة قبل خروج وقتها فقد أدركها]. أي: أن من كبر للصلاة قبل خروج الوقت فقد أدركها في الوقت فإذا كبر للعصر قبل غروب الشمس فقد أدركها في الوقت، إذا كان معذوراً، مثل الحائض إذا طهرت ثم صلت، ولكن لا يجوز للإنسان أن يؤخرها إلى بعد اصفرار الشمس، إلا إذا كان من أهل الضرورة فإن كبر فقد أدرك الوقت؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدركها، ومن أدرك ركعة من الفجر قبل أن تطلع الشمس فقد أدركها)، يعني: في وقتها، وهذا إذا كان معذوراً. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والصلاة في أول الوقت أفضل إلا في العشاء الآخرة]. فالصلاة في أول الوقت أفضل؛ وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل: (أي الأعمال أفضل؟ قال: الصلاة على وقتها، قيل: ثم أي؟ بر الوالدين، قيل: ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله) أخرجه البخاري. فالصلاة في وقتها أفضل الأعمال.

حكم تأخير الصلاة عن وقتها

حكم تأخير الصلاة عن وقتها وأما تأخير الصلاة عن وقتها فالخلاف في هذا مشهور، فمن العلماء من رأى أنه إذا أخرها متعمداً دون عذر، من نسيان أو تأويل أو نوم يعذر فيه؛ لأن بعض الناس قد يؤخرها ناسياً، فهذا الإنسان لا حيلة له وقد يؤخرها لأنه نام نوماً يعذر فيه. وأما من تعمد ذلك مثل: من يقوم بتوقيت الساعة على وقت العمل، ويتعمد عدم توقيتها على وقت الصلاة فإن هذا ليس معذوراً، وقد يؤخرها متأولاً، مثل: أن يكون مريضاً في المستشفى، فيؤخر الصلاة إذا كانت ثيابه نجسة، حتى يخرج، ثم يقضيها، فهذا متأول أما إذا أخرها ولم يكن نائماً نوماً يعذر فيه، ولا ناسياً، ولا متأولاً فهو على خطر وقد حكى جمع من أهل العلم بأنه يكون مرتداً، واستدلوا على ذلك بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله)، والذي يحبط عمله هو الكافر. وقال آخرون من أهل العلم: إنه لا يكفر إلا إذا ترك الصلوات كلها أما إذا كان يصلي بعض الصلوات فلا يكفر. وذهب بعض الفقهاء المتأخرين: إلى أن كفره كفر أصغر والصواب: أنه كفر أكبر، وهذا هو الذي تدل عليه النصوص، من أنه إذا أخرها متعمداً وليس له عذر فإنه يكفر كفراً أكبر، وقال بعضهم: إلا إذا كانت تجمع مع غيرها، مثل صلاة الظهر فإنها تجمع مع العصر، فلا يكفر حتى يخرج وقت العصر، فيحكم بكفره، كذلك صلاة المغرب تجمع مع العشاء، وأما صلاة الفجر فلا تجمع مع غيرها، فإذا أخرها إلى بعد أن تشرق الشمس متعمداً حكم بكفره -نسأل الله السلامة العافية- فإذا كان ديدنه وعادته ذلك، وليس له عذر فالأمر خطير، وهذا هو الذي قرره الصحابة والذي أتى به الصحابة كما نقل عبد الله بن شقيق العقيلي: أجمع الصحابة على أن ترك الصلاة كفر، ونقل ابن حزم وإسحاق بن راهويه: الإجماع على أن ترك الصلاة كفر. نسأل الله العافية. ولذلك فلا بد للإنسان من أن يجعل له أسباباً توقظه، مثل: أن يجعل ساعة، أو يكلم بعض أهله أو أصحابه لينبهوه، فإن لم ينبهوه وفاتته الصلاة، وهو يريد أن يصلي، ولكن بدون اختياره، فهذا معذور، وليس التفريط من عنده أما أن يوقت الساعة على العمل مثل بعض الناس الذين لا يريد أن يستيقظ لصلاة الصبح، وتكون عادته الاستمرار على هذا فهذا ليس معذوراً؛ لأن هذا معناه تعمد ترك الصلاة ولهذا عندما كان النبي صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره وأراد أن ينام في آخر الليل فقال: (من يكلنا الصبح، فالتزم بلال، وقال: أنا) وهذا هو الأصل بأن يجعل له أسباباً توقظه. قال المؤلف رحمه الله: [والصلاة في أول الوقت أفضل إلا في العشاء الآخرة، وفي شدة الحر في الظهر]. فالصلاة في أول وقتها أفضل، إلا في العشاء الآخرة فإذا لم يشق التأخير فلا بأس، وأما إن كان في البلد فلا تؤخر؛ لأن فيه مشقة على الناس فيصلي مع الناس في أول الوقت حتى لا يشق عليهم، فإن لم يشق عليهم بأن كانوا محصورين وليس معهم أحد، كأن يكونوا في قرية أو مسافرين أو في مزرعة وليس معهم أحد فاتفقوا على التأخير فيؤخرون؛ لأن هذا هو الأصل، وأما في البلدان والمدن فلا يمكن هذا، فيصلي الصلاة في أول وقتها؛ لأن التأخير فيه مشقة على الناس. وكذلك الظهر في شدة الحر فإن الأفضل تأخيرها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة فإن شدة الحر من فيح جهنم).

ستر العورة

ستر العورة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [الشرط الثالث: ستر العورة بما لا يصف البشرة، وعورة الرجل والأمة ما بين السرة والركبة، والحرة كلها عورة إلا وجهها وكفيها، وأم الولد والمعتق بعضها كالأمة]. هذا الشرط الثالث من شروط الصلاة وهو ستر العورة بما لا يصف البشرة، فيسترها بثوب، أو بشيء لا يصف البشرة فإن كان يصف البشرة فلا يعتبر ساتراً، والذي لا يصف البشرة هو: الذي يرى لون البشرة من ورائه، كأن يرى الحمرة أو السواد أو البياض، فهذا يصف البشرة وبعض الناس تكون عليه ثياب خفيفة وتحته سروال، لكنه سروال قصير يصف البشرة، وهذا مما ينبغي ملاحظته، فمن كان عنده سروال إلى نصف الفخذ وترى من ورائه البشرة، فهذا لا يجزي إذا كانت البشرة ترى من ورائه، ولا بد من أن يكون السروال إلى الركبة، أو يكون الثوب صفيقاً، ولا يكون خفيفاً. إذاً: حد الثوب الذي لا يستر هو: أن يصف البشرة، بأن تُرى البشرة من ورائه، ويُرى لونها من ورائه. وعورة الرجل من السرة إلى الركبة، وكذلك الأمة التي تباع وتشترى، وأم الولد، وأما المرأة الحرة فكلها عورة، إلا وجهها في الصلاة إذا لم يكن عندها رجال أجانب، فإن كان عندها رجال أجانب وجب عليها ستر الوجه. وأما قوله: (وجهها وكفيها) فهذا قول لبعض أهل العلم والصواب أن وجهها وكفيها لابد من سترهما وبعضهم أيضاً ذكر الخلاف في رجليها، ولكن الصواب: أن الرجلين عورة وأنه إذا بدت رجليها فلا تصح صلاتها، لحديث أم سلمة رضي الله عنها كما في أبي داود لما قالت: (يا رسول الله! أتصلي المرأة في درع وخمار؟ قال: نعم، إذا كان الدرع سابغاً يغطي ظهور قدميها)، فلابد من تغطية الرجلين، وأما الكفان ففيهما خلاف على قولين لأهل العلم، والصواب: أنها تستر الكفين وتكشف الوجه إذا كانت في بيتها وليس عندها أجانب، فإن كانت في محل فيه رجال أجانب فتستر وجهها. وأما البنت الصغيرة فكالرجل والأمة كذلك، ولكن الأمة إذا كانت جميلة فإنه يخشى منها الفتنة فوجب ستر الفتنة، والغالب أن الإماء لا تفتن، ولهذا جاء في بعض الآثار: أن إحدى الإماء لما سترت وجهها، ضربها عمر وقال: تتشبهين بالحرائر؟! والمعروف أن الأمة تباع وتشترى وينظر إليها سيدها ليشتريها، ولكن إذا خيف الفتنة وجب سترها دفعاً للفتنة، وإلا فالأصل أنها ليست كالحرة؛ لأن الحرة لها شأن، وهذه كالمتاع تباع وتشترى والحرة لها أحكام الخاصة. والدليل من السنة أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يأمر الأمة بالحجاب؛ لأنها تباع وتشترى. وبعض الناس اليوم يجعل الخادمات مثل الإماء، وليس كذلك؛ لأن الخادمات الآن حرائر، ولا يجوز للإنسان أن يخلو بها، ولا يجوز لها أن تكشف أمامه، والإماء إنما يوجدن إذا كان هناك عبيد، ووجودهن يدل على قوة الإسلام، فإذا وجد الجهاد في سبيل الله وجاهدنا الكفار، وغنمنا نساءهم وأموالهم فقد صارت نساءهم إماء لنا، ورجالهم أرقاء، ثم يتناسلون، ويكون أولادهم أرقاء، لكن الآن لا يوجد جهاد. والله المستعان. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وعورة الرجل والأمة ما بين السرة والركبة، والحرة كلها عورة إلا وجهها وكفيها، وأم الولد والمعتق بعضها كالأمة]. يعني: وعورتها من السرة إلى الركبة حتى تتحرر. ويجب على الرجل ستر العاتقين؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يصلي أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء). ومن الأدلة على أن عورة الأمة من السرة إلى الركبة ما رواه عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا زوج أحدكم أمته عبده أو أجيره فلا ينظر إلى شيء من عورتها، وإنما تحت السرة إلى الركبة عورة يريد الأمة) رواه الدارقطني، وقال: حديث حسن، وأخرجه أبو داود وأحمد. وهذا الأصل، ولكن التستر مطلوب فعورة الرجل من السرة إلى الركبة، ولكن لا يصح أن يمشي الآن أحد هكذا، فيستر العورة فقط، ولا شك أن من الكمال أن يستتر، وهو الأصل.

بعض الأحكام المتعلقة بستر العورة

بعض الأحكام المتعلقة بستر العورة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ومن صلى في ثوب مغصوب، أو دار مغصوبة لم تصح صلاته]. وهذا على المذهب أن من صلى في ثوب مغصوب أو دار مغصوبة لم تصح صلاته؛ لأن المغصوب منهي عنه، والغصب منهي عنه، والنهي يقتضي الفساد فإذا صلى في ثوب مغصوب فهو مثل من صلى في ثوب حرير، أو صلى في ثوب عليه صورة لم تصح صلاته على المذهب، ومثله أيضاً: لو توضأ بماء مغصوب لم تصح الصلاة على المذهب، أو توضأ من البرادة مثلاً فالحكم حكم الغصب لا تصح الصلاة؛ لأن البرادة وضعت للشرب، فإذا توضأ منها فيكون مغتصباً فلا تصح الصلاة، وعليه أن يعيدها. والقول الثاني: أنها تصح مع الإثم فإذا صلى في ثوب مغصوب، أو ثوبه فيه صورة، أو في ثوب حرير صحت مع الإثم؛ لأن الجهة مختلفة، فله ثواب الصلاة، وعليه إثم الغصب، وإذا توضأ من ماء مغصوب فله ثواب الصلاة وعليه إثم الغصب وهذا هو الصواب من قولي العلماء، أما في المذهب فإنها لا تصح فإذا صلى في ثوب حرير، أو ثوب فيه صورة، أو ثوب مغصوب، أو دار مغصوبة، أو توضأ بمغصوب فلا تصح على المذهب، ومثله لو صلى خلف فاسق فلا تصح الصلاة على المذهب؛ لأنه ما أنكر المنكر، وعليه فتكون صلاته منهياً عنها، والقول الثاني: أنها تصح مع الإثم فله ثواب الصلاة، وعليه إثم عدم الإنكار، وهذا هو الصواب وهذه المسألة معروفة؛ لأن النهي لا يتعلق بذات المنهي، وعليه فإن الصلاة صحيحة، بخلاف ما لو صلى في ثوب نجس، فلا تصح الصلاة بالإجماع؛ لأن هذا النهي يتعلق بذات الصلاة وبخلاف الصلاة في الثوب المغصوب، فإنه منهي عن لبسه سواء في الصلاة أو في خارج الصلاة، والأرض المغصوبة منهي عن غصبها في الصلاة وخارجها، وثوب الحرير منهي عن الصلاة فيه، والثوب الذي فيه الصورة منهي عن الصلاة فيه ومنهي عن لبسه سواء في الصلاة أو خارج الصلاة، وأما الشيء الذي هو منهي عنه في نفس الصلاة فهذا هو الذي لا يصح بالاتفاق. وأما المياه التي توضع للشرب فلا يتوضأ منها، وإذا توضأ منها يكون غاصباً، وحكمها حكم الغصب، كما لو صلى في ثوب مغصوب فعلى المذهب أنه لا تصح صلاته، وعليه أن يعيد الصلاة ولكن الصواب: أنها تصح مع الإثم. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولبس الذهب والحرير مباح للنساء دون الرجال، إلا عند الحاجة؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الذهب والحرير: (هذان حرام على ذكور أمتي حل لإناثهم)]. أي: أن لبس الذهب والحرير حرام على الذكور وحل للنساء، وللمرأة أن تتحلى بالذهب في يديها وفي أصابعها وفي رقبتها وفي أذنيها، وكذلك الفضة وليس لها أن تستعمل الذهب في أواني الأكل والشرب فهذا لا يجوز لا للرجال ولا للنساء وليس لهم استعمال ملاعق الذهب، ولا أقلام الذهب فكل هذا حرام لا يجوز استعماله؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تأكلوا في آنية الذهب والفضة، ولا تشربوا في صحافهما، فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة)، يعني: الكفرة، فالأكل والشرب والاستعمال منهي عنه للرجال والنساء وللمرأة أن تتحلى بالذهب الفضة، وكذلك لها لبس الحرير وأما الرجل فليس له أن يتحلى إلا بخاتم من الفضة في أصبعه، ولا يلبس الحرير إلا مقدار أصبع أو أصبعين أو ثلاثة أو أربعة كما جاء الاستثناء في الحديث، وذلك إذا جعل في ثوب الحرير مكان الأزرار، أو في طرف الثوب مثل أصبع أو أصبعين أو ثلاثة أو أربعة فهذا مستثنى. وأما الماس والأحجار الكريمة فالظاهر أنها ليست من الذهب ولا من الفضة، فلا تدخل في هذا، ولكن تدخل من جهة أخرى، وهي جهة الإسراف إذا كان الثمن مرتفعاً، فلا ينبغي للإنسان أن يسرف، ويلبس السرف. وأما إناء المعدن الذي يطلى بالذهب أو الفضة وهو ما يسمى بالتضبيب فهذا مستثنى من النهي، إذا كان ضبة صغيرة من فضة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما انكسر قدحه اتخذ مكانه سلسلة من فضة، والفضة يتسامح فيها أكثر من غيرها، فإذا جعل مكان الشق أو الكسر في الإناء ضباً يسيراً من فضة فلا بأس أما من الذهب فلا وكذلك إذا كان ضبة كبيرة من فضة. كذلك لا يجوز للرجل لبس الساعة المطلية بالذهب. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ومن صلى من الرجال في ثوب واحد بعضه على عاتقه أجزأه ذلك، فإن لم يجد إلا ما يستر عورته سترها، فإن لم يكف جميعها ستر الفرجين]. أي: أنه إذا لم يجد إلا ثوباً واحداً، والمراد بالثوب: القطعة الواحدة، فإنه يستر به عورته، فإن كان واسعاً ستر به كفيه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن كان الثوب واسعاً فالتحف به، وإن كان ضيقاً فاتزر به) رواه البخاري في صحيحه. فإذا كان قطعة كأن يكون فوطة أو رداء فيستر به عورته، وإن كان كبيراً أو واسعاً مثل الشرشف فإنه يلتحف به، ويضع بعضه على كتفيه، فإن صلى وكتفاه مكشوفتان فقد اختلف العلماء في صحة الصلاة في هذه الحالة. والأصل في هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يصلي أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء) فذهب الجمهور إلى: أن الصلاة تصح واستدلوا على ذلك بحديث جابر رضي الله عنه كما في صحيح البخاري: (أنه صلى في إزار، ورداؤه موضوع على المشجب فقال له بعضهم: تصلي ورداؤك على المشجب؟ قال: أردت أن يراني أحمق مثلك، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أو لكلكم ثوبان؟). والقول الثاني: أنه لابد أن يستر كتفيه إذا كان يستطيع ذلك فإن لم يستطع فلا تصح الصلاة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يصلي أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء). والقول الثالث: أنها تصح مع الإثم إذا كان مستطيعاً، وهذا هو الأقرب. إذاً فالأقرب أنه لابد أن يستر كتفيه جمعاً بين الحديثين فلا يصلي أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه شيء، هذا إن كان وجد ما يستر كتفيه، وبعض الناس يصلي في فنيلة أو علاقية فتبرز كتفاه، فهذا ينبغي له الانتباه لهذا، والانتهاء عنه، وبعض الناس وهم محرمين في الحج أو في العمرة إذا جاءت الصلاة يصلي وهو مكشوف الكتفين فينبغي الانتباه لهذا، والانتهاء عنه، فإذا جاءت الصلاة عليه أن يضع الرداء على كتفه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يصلي أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء). قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ومن صلى من الرجال في ثوب واحد بعضه على عاتقه أجزأه ذلك، فإن لم يجد إلا ما يستر عورته سترها]. وهذا يكون إذا كان مثل الشرشف الكبير الذي يستطيع أن يتزر ببعضه، ويضع بعضه على كتفيه. قال المؤلف رحمه الله: [فإن لم يجد إلا ما يستر عورته سترها، فإن لم يكف جميعها ستر الفرجين، فإن لم يكفهما جميعاً، ستر أحدهما]. أي: يستر الدبر؛ لأنه أفحش. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فإن عدم الستر بكل حال صلى جالساً يومئ بالركوع والسجود]. فالعاري يصلي جالساً؛ لأنه معذور في هذه الحالة، وكذلك العراة فإنهم يصلون ويكون إمامهم وسطهم، ولا يكون أمامهم، ويكون معذوراً في هذه الحالة وإن صلى قائماً صحت. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وإن صلى قائماً جاز، ومن لم يجد إلا ثوباً نجساً أو مكاناً نجساً صلى فيهما، ولا إعادة عليه]. وهذا لأنه معذور في هذه الحالة فإذا كان عنده ثوب نجس ولم يجد ماء ليغسله، أو ليس عنده ما يغسله فإنه يصلي فيه، ولا يصلي عرياناً، وكذلك إذا كان في مكان نجس، فإنها مثل ما لو كان عنده ثياب نجسة فيصلي؛ لقول الله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:16].

التطهر من النجاسة

التطهر من النجاسة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [الشرط الرابع: الطهارة من النجاسة في بدنه وثوبه وموضع صلاته، إلا النجاسة المعفو عنها]. ومن شروط الصلاة الطهارة في بدنه وثوبه والبقعة التي يصلي فيها، فلابد أن يكون بدنه طاهراً، وثوبه طاهراً والبقعة التي يصلي عليها طاهرة. قال المؤلف رحمه الله: [الشرط الرابع: الطهارة من النجاسة في بدنه وثوبه وموضع صلاته، إلا النجاسة المعفو عنها، كيسير الدم ونحوه]. أي: أن الشيء الذي يعفى عنه هو يسير الدم إلا إذا كان في موضع الخارج فلا يعفى عنه ولو كان يسيراً، وأما في غيره فيعفى عن الشيء اليسير، واليسير هو: النقطة اليسيرة، أو ما أشبه ذلك.

بعض الأحكام المتعلقة بالتطهير من النجاسة

بعض الأحكام المتعلقة بالتطهير من النجاسة قال المؤلف رحمه الله: [وإن صلى وعليه نجاسة لم يكن قد علم بها، أو علم بها ثم نسيها فصلاته صحيحة]. وهذا هو الصواب خلافاً للمذهب، ففي المذهب: أنه إذا رأى في ثوبه نجاسة ثم نسيها، أو جهلها فإنه يعيد، والصواب: أنه لا يعيد إذا كان في ثوبه نجاسة علمها، ثم نسي وصلى فيها، وصلاته صحيحة وإذا لم يعلم بها وصلى فلما صلى رآها فإن أزالها فلا يعيد على الصحيح والدليل على ذلك: (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى مرة وفي نعليه أذى، فخلع في أثناء الصلاة) أي: أنه جاءه الوحي من الله فخلع، (فخلع الصحابة، فلما صلى -صلى الله عليه وسلم- قال: ما لكم خلعتم؟ قالوا: رأيناك خلعت فخلعنا، قال: إن جبريل أخبرني أن بها أذى، ولم يعد الصلاة)، فدل هذا على أن الفريضة إذا صلاها إنسان وفي ثوبه نجاسة قد نسيها أو جهلها فإن صلاته صحيحة وهذا بخلاف الوضوء، فإنه لو صلى بغير وضوء ثم علم بذلك فإنه يعيد الصلاة؛ لأن الوضوء من باب الإيجاب، والنجاسة من باب الشروط. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وإن علم بها في الصلاة أزالها، وبنى على صلاته]. أي: أنه إذا علم بالنجاسة في الصلاة فإنه يزيلها إن استطاع ويبني على صلاته وذلك كأن يكون في غترته دم أو في طرف ردائه فيرمي به، ويبني على صلاته، أو يكون في ثوبه فينزعه إذا كان عليه ثوب آخر فإن لم يستطع فيقطع الصلاة ويغسلها.

الأماكن المنهي عن الصلاة فيها

الأماكن المنهي عن الصلاة فيها قال المؤلف رحمه الله: [والأرض كلها مسجد تصح الصلاة فيها، إلا المقبرة والحمام والحش وأعطان الإبل وقارعة الطريق]. فقد جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: (الأرض كلها مسجد، إلا المقبرة والحمام)، أما المقبرة فلأنها ليست مكاناً للصلاة؛ لأن الصلاة فيها من وسائل الشرك فلا تجوز الصلاة فيها. وأما الحمام فلأنه مكان انكشاف العورات، وهي كذلك لا تجوز في الحمامات التي تؤجر، وهي التي تكون تحت الأرض، وفيها ماء حار وبارد؛ لأنه جاء في الحديث: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل الحمام إلا بإزار)، والحمامات يكون فيها اجتماع وأحياناً يكون فيها من يغسل ويدلك، فلابد من أن يكون على المغتسل إزار يستر ما بين السرة والركبة والعورة؛ ولهذا قال في الحديث: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل الحمام إلا بإزار). المراد بالحديث الحمامات التي تؤجر، ويكون فيها ناس يستحمون. وأما الحش: فيعني به: مكان قضاء الحاجة ومحل النجاسات. وأما قارعة الطريق؛ فلأن الصلاة فيها تكون فوق مكان تقرعه الأقدام؛ لأنه مكان مشي الناس، والصلاة فيه تضييق للطريق وفيه خطر على المصلي من المارة فلا يصح أن يصلي في قارعة الطريق. وكذلك أعطان الإبل، لما جاء في الحديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة في أعطان الإبل) والمراد بأعطانها: أي المكان الذي تقيم فيه مدة، كمباركها عند الماء ومراحضها في الليل، فأما المكان الذي تمر فيه وتبرك فيه وتذهب فهذا لا يسمى أعطاناً وإنما أعطانها: مباركها عند الماء وفي الليل، والمقصود: أن الصلاة في أعطان الإبل لا تصح، بخلاف الصلاة في مرابض الغنم. وقال بعضهم: وفوق ظهر بيت الله والمجزرة والمزبلة، فينهى عن الصلاة في سبعة أماكن: المقبرة، والمجزرة، والمزبلة، والحمام، والحش، وقارعة الطريق، وفوق ظهر بيت الله. يعني: لا تصح؛ لأنه لم يستقبل القبلة. وكذلك يقولون: لا تصح الفريضة داخل الكعبة ولا فوقها؛ لأنه لم يستقبل جزءاً منها وإنما لابد أن يكون خارجها، وتصح النافلة داخل الكعبة، هذا هو الذي قرره الفقهاء.

استقبال القبلة

استقبال القبلة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [الشرط الخامس: استقبال القبلة، إلا في النافلة على الراحلة للمسافر، فإنه يصلي حيث كان وجهه]. ولابد أن يستقبل الإنسان القبلة، وإن كان بعيداً فتكفي الجهة، وأما إن كان يشاهد الكعبة فلابد من أن يصيب عينها، وهذا في الفريضة وأما في النافلة فيجوز للإنسان أن يصلي على الراحلة وهي: الدابة، وعلى السيارة إلى أي جهة ولو كان في جهة الشرق أو جهة الغرب، إلا أن الأولى أن يستقبل القبلة عند تكبيرة الإحرام فقد جاء في أبي داود أنه كان -صلى الله عليه وسلم- يكبر تكبيرة الإحرام، ثم يصلي إلى جهة القبلة؛ لأن النافلة يتسامح فيها، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي على راحلته الوتر وغيره، وأما الفريضة فإنه ينزل ويصلي في الأرض، ويستقبل القبلة فالنافلة يتوسع فيها ما لا يتوسع في الفريضة.

بعض الأحكام المتعلقة باستقبال القبلة

بعض الأحكام المتعلقة باستقبال القبلة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والعاجز عن الاستقبال لخوف أو غيره فيصلي كيفما أمكنه]. فالعاجز عن استقبالها لخوف معذور، وكذلك المطلوب الذي يطلبه العدو فإنه يصلي ولو إلى غير جهة القبلة، وكذلك في الحرب في صلاة الخوف فإن المحارب يصلي وهو يمشي ويركض إيماء، إن خاف من العدو، فهذا مستثنى. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والعاجز عن الاستقبال لخوف أو غيره، فيصلي كيفما أمكنه، ومن عداهما لا تصح صلاته إلا مستقبلاً الكعبة]. ويدخل في الخوف القتال.

صلاة الخوف

صلاة الخوف وقد صلى النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف على أنحاء مختلفة وقال الإمام أحمد: وردت صلاة الخوف على سبعة وجوه كلها ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم منها: أنه -صلى الله عليه وسلم- صلى مرة تجاه العدو، فصفهم صفين، يكبر ويكبرون، ويركع ويركعون، فإذا جاء السجود سجد هو والصف الذي يليه، وجلس الصف الثاني يحرس فإذا قام من الركعة الثانية تقدم الصف الثاني، وتأخر الصف الأول، ثم يركعون جميعاً، ثم يسجدون، ويبقى الصف الثاني يحرس، فإذا سلم الإمام قضى هؤلاء ركعة وهؤلاء ركعة هذا وجه من الوجوه وهناك وجوه أخرى، منها: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهؤلاء ركعتين، وبهؤلاء ركعتين. ومن الأوجه أيضاً: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم ركعة، ثم أتموا لأنفسهم وذهبوا يحرسون ثم جاءت الطائفة الثانية وصلى بهم ركعة وسلم بهم، فقد جاءت على أنحاء مختلفة. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فإن كان قريباً منها لزمته الصلاة إلى عينها]. أي: أنه إذا كان قريباً من الكعبة يشاهدها فلابد من أن يصيب عينها، وبعض الناس في المسجد الحرام تجده مائلاً عن الكعبة، فلا تصح الصلاة، بل لابد أن يكون مواجهاً للكعبة. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وإن كان بعيداً فإلى جهتها، وإن خفيت القبلة في الحضر سأل واستدل بمحاريب المسلمين، فإن أخطأ فعليه الإعادة، وإن خفيت في السفر اجتهد وصلى، ولا إعادة عليه]. أي: أن هناك فرق بين الحضر والسفر، فإذا كان في البلد فيسأل، ويستدل على المسجد، وينظر إلى محاريب المساجد، فإن اجتهد وصلى إلى غير القبلة فيجب عليه أن يعيد صلاته؛ لأنه غير معذور ما دام في البلد، بل لابد أن يسأل أو ينظر في المحاريب، وأما في البر فإنه يجتهد بحسب العلامات التي يعرفها، فإذا كان في الليل فينظر إلى نجم القطب، وينظر إلى الشمس وإلى القمر، ويسأل من يثق به، فإذا صلى إلى القبلة فصلاته صحيحة، فإن تبين بعد ذلك أنه صلى إلى غير جهة القبلة فلا يعيد؛ لأنه معذور، بخلاف إذا كان في الحضر. وإذا صلى المصلي أمام الإمام فلا تصح صلاته. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وإن اختلف مجتهدان لم يتبع أحدهما صاحبه، ويتبع الأعمى والعامي أوثقهما في نفسه]. فإذا كان هناك شخصان في السفر ثم اجتهدا، فقال أحدهما: القبلة هنا، وقال الثاني: القبلة هنا. فكل منهما يعمل على اجتهاده، ويصلي وحده، ولا يصليان معاً وإنما هذا يصلي إلى الجهة التي اجتهد، وهذا يصلي إلى الجهة التي اجتهد. والأعمى يقلد أوثقهما، فإذا كان هناك أوثق فيصلى معه، وكذلك الذي ليس عنده علامات، والذي لا يعرف فهو مثل الأعمى فيقلد أوثقهما. وكل منهما صلاته صحيحة، وكل له اجتهاده.

النية

النية قال المؤلف رحمه الله تعالى: [الشرط السادس: النية للصلاة بعينها، ويجوز تقديمها على التكبير بالزمن اليسير إذا لم يفسخها]. والنية معناها: أن ينوي أن الصلاة التي سيصليها هي صلاة الظهر، أو صلاة العصر، أو صلاة المغرب، ولابد منها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى) وكذلك النية تقيد العمل، يعني: هل هذه صلاة فريضة أو نافلة أو راتبة أو وتر أو صلاة تراويح. ولا تنتقل الصلاة من نافلة إلى فريضة، ولكن الفريضة تنتقل إلى نافلة، وذلك مثل: إذا كان يصلي الظهر وحده وفي أثناء الصلاة جاء جماعة يصلون فيحولها إلى نافلة، وينويها نافلة ويصلي، ثم يدخل معهم إذا كان الوقت واحداً، أما إذا انتهى من الصلاة فليس له ذلك، فقد انتهى وانقضى الأمر، ولكن في أثناء الصلاة له أن يحول الفريضة إلى نافلة حتى يدرك الإمام ويصلي جماعة.

التطهير بالبخار

التطهير بالبخار والبخار لا يكفي للطهارة، وإنما لابد من الماء، إلا إذا قيل: إنه يخرج منه ماء، فهو لا يكفي وحده، إلا على مذهب الإمام أبي حنفية رحمه الله الذي يرى أن النجاسة تطهرها الشمس والريح، والصواب أنها لا تطهر إلا بالماء، وأما أنها تطهر بالشمس والريح والاستحالة فهذا قول لبعض أهل العلم، والصواب: أنه لابد من الماء، ولا يزيل النجاسة البخار ولا الشمس ولا الريح. ولهذا لما بال الأعرابي في المسجد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بأن يُصب عليه ذنوباً من ماء ولو كانت الشمس تطهره لتركه حتى تشرق الشمس فتطهره ولا يصب عليه الماء. وهو عبارة عن محاليل كيماوية، وهذه مشكلة؛ لأنه لا يجوز استعمالها إذا كان فيها مادة مسكرة، والمقصود: أنه ينبغي ألا تغسل الثياب النجسة إلا بالماء.

آداب المشي إلى الصلاة

آداب المشي إلى الصلاة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب آداب المشي إلى الصلاة. يستحب المشي إلى الصلاة بسكينة ووقار، ويقارب بين خطاه]. أي: أن يمشي بهدوء ووقار، فيكون عليه وقار وطمأنينة؛ لأنه يقدم على بيت من بيوت الله ليؤدي هذه الفريضة العظيمة، فينبغي أن يكون على قدر من السكينة والوقار، ولا يتعجل ويسرع، والركض ينافي الأدب، فإن الأدب أن يأتي الإنسان إلى بيت الله وإلى الصلاة بسكينة ووقار وهدوء وطمأنينة. ويقارب بين خطاه حتى تكثر الحسنات؛ لأن إحدى خطاه تكتب له فيها حسنة، والأخرى يكفر بها عنه خطيئة. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولا يشبك أصابعه]. أي: لا يشبك بين أصابعه إذا كان في ذهابه إلى المسجد وفي انتظار الصلاة، لما جاء في الحديث: (لا يشبكن أحدكم بين أصابعه؛ فإنه في صلاة)، يعني: أن منتظر الصلاة في حكم المصلي، أما إذا كان خارج الصلاة فلا بأس في التشبيك، وثبت في الصحيح في حديث ذي اليدين: (أنه لما صلى النبي صلى الله عليه وسلم إحدى صلاتي العشي وسلم من ركعتين ذهب إلى خشبة معروضة منصوبة خلف المسجد فشبك بين أصابعه، واتكأ عليها، كأنه غضبان) يعني: يعتقد أنه انتهى من الصلاة، وقد بقي ركعتان عليه، (فدعا ذو اليدين فقال: أنسيت أم قصرت الصلاة؟) والشاهد: أنه شبك بين أصابعه، فدل على أنه بعد الصلاة لا بأس به، ولكن قبل الصلاة لا يشبك وإذا خرج إلى المسجد فهو في حكم المصلي، وكذلك وهو جالس قبل الصلاة فإنه في حكم المصلي، فلا يشبك بين أصابعه.

ما يقوله المصلي إذا دخل المسجد

ما يقوله المصلي إذا دخل المسجد قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويقول: باسم الله {الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ} [الشعراء:78] الآيات إلى قوله: {إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء:89]]. وهذا يحتاج إلى دليل، فإن المعروف أنه إذا دخل المسجد يقول: باسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، أعوذ بالله العظيم، وبوجهه الكريم، وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم. وأما هذه فلم يذكر هل يقولها عند دخول المسجد، أو يقولها وهو ينتظر الصلاة. وإذا اعتقد أنه المشروع في هذا المكان وليس له دليل فهو بدعة، ولكن إذا فعله على أنه دعاء عام فلا بأس، ولكن إذا كان يعتقد أنه مستحب وما عليه دليل فهو بدعة فلا يزيد ويأتي بشيء من عنده، فإن هذا يحتاج إلى دليل. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويقول: اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك، وبحق ممشاي هذا، فإني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا رياء ولا سمعة خرجت اتقاء سخطك وابتغاء مرضاتك، أسألك أن تنقذني من النار، وأن تغفر لي ذنوبي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت]. وهذا جاء في حديث أبي سعيد، ولكن في سنده عطية العوفي وهو ضعيف وذكره الإمام الشيخ محمد بن عبد الوهاب في رسالة المشي إلى الصلاة بأنه يقول: (اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك، وبحق ممشاي هذا، فإني لم أخرج أشراً ولا بطراً، ولا رياء، ولا سمعة خرجت اتقاء سخطك، وابتغاء مرضاتك، أسألك أن تنقذني من النار، -وفي لفظ أن تعيذني من النار- وأن تغفر لي ذنوبي جميعاً إنه لا يغفر الذنوب إلى أنت)، وهذا الحديث فيه ضعف، وفيه: توسل بحق السائلين، ولكن لو صح فإن المراد بحق السائلين: الإجابة والإثابة، وهما من أفعال لله، فلو صح فليس هناك محذور ويمكن تأويله: اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك، وحق سائلي الإجابة؛ لأن الله وعد السائلين بقوله: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ} [البقرة:186]، ولكن الحديث ضعيف فيُكتفى بما ورد، ويقول: (اللهم اجعل في قلبي نوراً، وفي لساني نوراً، واجعل في بصري نوراً، وفي سمعي نوراً، وأمامي نوراً، وخلفي نوراً، وعن يميني نوراً، وعن شمالي نوراً، ومن فوقي نوراً، ومن تحتي نوراً اللهم أعطني نوراً، وزدني نوراً).

كراهة السعي إلى الصلاة وقت الإقامة

كراهة السعي إلى الصلاة وقت الإقامة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فإن سمع الإقامة لم يسع إليها لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون وأتوها وعليكم السكينة، فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا)]. إذا سمع المرء الإقامة فلا ينبغي له أن يسرع ويركض إليها ركضاً، لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث: (إذا سمعتم الإقامة فلا تأتوها وأنتم تسعون وأتوها وعليكم السكينة، فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا). ومثل الإقامة تكبيرة الركوع فلا ينبغي أن يركض أو يعجل الإنسان عند سماعها؛ لأنه إذا أسرع وركض يكون قد أتى بفعل مناف للأدب والوقار والسكينة، ويقبح بالمصلي أن يأتي إلى الصلاة وهو يلهث ولا يرتد إليه نفسه إلا بعد مدة، وإذا تأخر الإنسان عن تكبيرة الإحرام لعذر كعمل يستدعي بقاءه أو غيره من الأعذار وكان من عادته التبكير فسيكتب له أجره، أما إذا كان غير معذور، أو متساهل فلا يكتب له أجر التبكير، وكان عليه أن يمشي بسكينة. قال العلماء: إنه لا بأس أن يسرع المرء خطوة أو خطوتين، إذا كان في هذا إدراك للركعة.

إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة

إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وإذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة]. هذا لفظ حديث، ومعنى قوله: إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة، أي: إذا أقيمت الفريضة فليس له أن يبتدئ صلاة نفلٍ، وكذلك تلغى الصلاة التي هو فيها، فلا صلاة ابتداءً ولا صلاة استمراراً بل عليه إن كان قد بدأ بصلاة أن يقطعها إذا أقيمت الصلاة، ولا يحتاج إلى سلام، فالنية كافية، أما إذا كان في الركعة الأخيرة وقد رفع رأسه من الركوع، فإنه يتمها بشكل سريع ويكمل مع الإمام، أما إذا كان في الركعة الأولى فإنه يقطعها. وقد يستدل البعض على عدم قطع النافلة إذا أقيمت الصلاة بحديث: (لا تبطلوا أعمالكم). و A أن هذا عام، وحديث: (لا صلاة إلا المكتوبة) خاص، والخاص يقضي على العام عند أهل العلم، فقوله: (لا تبطلوا)، أي: لم تقم الصلاة، فإذا لم تقم الصلاة فالمستحب أو الأولى أنك تبقى وتتم صلاة النافلة.

ما يقال عند دخول المسجد والخروج منه

ما يقال عند دخول المسجد والخروج منه قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وإذا أتى المسجد قدم رجله اليمنى في الدخول وقال: باسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، اللهم اغفر لي ذنوبي، وافتح لي أبواب رحمتك، وإذا خرج قدم رجله اليسرى وقال ذلك، إلا أنه يقول: وافتح لي أبواب فضلك]. وقد جاء في دعاء دخول المسجد وهيئتها في عدة أحاديث، وبعضها فيها انقطاع؛ لأنها من رواية فاطمة الصغرى عن فاطمة الكبرى وهي فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم، إلا أن مجموع الأحاديث يدل على ثبوت هذا، والتسمية تؤخذ من الأدلة العامة فيكون مجموعها فيه كلام طويل من عدة أحاديث، ومنها: باسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، اللهم افتح لي أبواب رحمتك. وأعوذ بالله العظيم، وبوجهه الكريم، وبسلطانه القديم من الشيطان الرجيم، وإذا خرج قال هذا الدعاء إلا أنه يقول: افتح لي أبواب فضلك، بدلاً عن أبواب رحمتك؛ لأنه في دخوله يسأل رحمة الله وفي خروجه يسأل الله من فضله، ولهذا قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} [الجمعة:9 - 10].

كتاب الصلاة [3]

شرح عمدة الفقه_كتاب الصلاة [3] يقول عليه الصلاة والسلام: (صلوا كما رأيتموني أصلي) ليقطع بذلك أي توسع وأي زيادة أو نقصان في الصلاة، وذلك لأهميتها فإنه لا ينبغي على الإنسان أن يصلي لله عز وجل وينتهج منهجاً غير الذي رسمه وبينه ووضحه الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام.

صفة الصلاة

صفة الصلاة

تكبيرة الإحرام وصفتها

تكبيرة الإحرام وصفتها قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب: صفة الصلاة. وإذا قام إلى الصلاة، قال: الله أكبر، يجهر بها الإمام وبسائر التكبير، ليسمع من خلفه ويخفيه غيره]. من السنة، أن يجهر الإمام بالتكبير، وأن يسرالمأموم. وأول أركان الصلاة تكبيرة الإحرام، ولا تنعقد الصلاة إلا بها، ومعلوم أن النية تتقدمها، وكذا استقبال القبلة، والطهارة، فكل هذه شروط تتقدمها، ثم إن أول ركن من أركان الصلاة أن يقول: الله أكبر، ولا يجزئ غيرها، فإذا قال: الله الأعظم أو الأجل لا يصح، ولا بد من الإتيان بها للإمام والمأموم والمنفرد، فمن لم يكبر بتكبيرة الإحرام فصلاته باطلة، وقوله: (يجهر بها الإمام حتى يسمع من خلفه)، لا يخصها وحدها بل كذلك ينبغي أن يجهر بباقي التكبيرات، وقد كان بنو أمية يسقطون التكبيرات، وهذا من الأشياء التي أحدثوها وهي خلاف السنة، فالسنة إثبات التكبيرات -تكبيرة الإحرام وتكبيرة الانتقال- إذ إن لكل صلاة تكبيرات انتقال مع تكبيرة الإحرام، وعددها اثنان وعشرون تكبيرة في الرباعية، وسبع عشرة في الثلاثية، وست عشرة في الثنائية، وكلها لا بد منها، لكن التكبيرة الأولى وهي تكبيرة الإحرام ركن بالاتفاق، ومن لم يأت بها بطلت صلاته، ولا بد أن تكون بلفظ التكبير، فإذا أبدله بغيره لم يصح، وهذا يروى عن أبي حنيفة أن يقول: إنه يصح أن يقال: الله الأعظم أو الأجل، وهذا ضعيف ولا يعتمد عليه. وقد يقول قائل: كيف كان بنو أمية ينتقلون من ركن إلى ركن بدون تكبير؟ و A أنهم كانوا يسكتون، ولهذا لما كبر بعضهم أنكر عليه بعضهم وقال: ما رأيت شيخاً أحمق من هذا الشيخ كان يكبر على أن تلك هي السنة، وقيل: أن بعض التابعين روى ذلك عن ابن عباس. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويرفع يديه عند ابتداء التكبير إلى حذو منكبيه أو إلى فروع أذنيه]. ومن السنة أن يرفع يديه عند تكبيرة الإحرام حتى تكون حذو منكبية، أو إلى فروع أذنيه، وذلك لما جاء في الصحيحين وغيرهما أنه كان يحاذي منكبيه، وجاء في حديث آخر أنه كان يحاذي فروع أذنيه، وقد اصطلح العلماء في الجمع بينهما، فمن العلماء -كـ النووي وغيره- من قال: إن أطراف الأصابع تحاذي فروع الأذنين، والكف يحاذي المنكبين. والقول الثاني: أن يفعل الصفة الأولى تارة والثانية تارة، وهذا هو الصواب، ويكون هذا الاختلاف من اختلاف التنوع لا التضاد، يرفع المصلي يديه في أربعة مواضع في: تكبيرة الإحرام، وعند الركوع، وعن الرفع منه، وعند القيام من التشهد الأول، ويكون الرفع في هذه المواضع الأربعة، تارة إلى فروع الأذنين، وتارة إلى حذو المنكبين. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويرفع يديه عند ابتداء التكبير إلى حذو منكبيه أو إلى فروع أذنيه ويجعلهما تحت سرته]. قوله: يرفع عند التكبير، أي: يبدأ الرفع عند التكبير وينتهي عند التكبير، وهذه هي السنة، أما ما يفعله بعض الناس من رفع قبل التكبير أو لا يرفع إلا بعد التكبير فهو خلاف السنة، إنما السنة أن يرفع يديه عند ابتداء التكبير وينهيه مع نهاية التكبير. أما جعل اليدين تحت السرة فهو ضعيف؛ لأنه ورد من حديث علي رضي الله عنه: (من السنة قبض اليمين على الشمال وجعلهما تحت سرته)، وهذا حديث ضعيف، والصواب حديث قبيصة بن هلب أنه يضعهما فوق صدره، فيضع اليمين على الشمال ويضعهما فوق صدره، وهذا هو الثابت والسنة. وعلى كل حال فالرفع كله سنة، لكن السنة أن يكون عند ابتداء التكبير وينهيها مع انتهاء التكبير، ولو ترك هذا لا يأثم، لأن ذلك ليس بواجب. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويجعل بصره إلى موضع سجوده]. ومن السنة في الصلاة كذلك أن يجعل بصره إلى موضع سجوده؛ حتى لا يتشتت فينظر يميناً وشمالاً، وإنما يجعل بصره على موضع سجوده؛ ليكون بذلك أخشع له.

دعاء الاستفتاح

دعاء الاستفتاح قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ثم يقول: سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك]. وهذا الدعاء يسمى: دعاء الاستفتاح، فبعد أن يكبر تكبيرة الإحرام، يسن له أن يستفتح بهذا الدعاء ويقول: سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك. فقوله: (سبحانك) تنزيهاً لله، أي: ننزهك يا الله! تنزيهاً لائقاً، قوله: (وبحمدك) أي: أجمع لك بين التنزيه والتحميد، وقوله: (وتبارك اسمك) من البركة، أي: تبارك اسمك يا الله! فإن البركة تنال باسمك، وقوله: (وتعالى جدك) أي: ارتفعت عظمتك، فالجد معناه هنا: العظمة، والجد له معان: فيطلق على العظمة كما في هذا الحديث، وكما في قوله تعالى: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَداً * وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا} [الجن:1 - 3]، أي: عظمته. ويطلق الجد على أب الأب، ويطلق الجد على الحظ، ومنه الدعاء الوارد بعد الصلاة: ولا ينفع ذا الجد منك الجد، أي: لا ينفع صاحب الحظ منك الحظ، والمراد بصاحب الحظ أي: حظه من الجاه والمال والغنى والسلطان، كل ذلك لا ينفع إلا إذا استعمله المرء في طاعة الله. قوله: (ولا إله غيرك): فالإله هو المعبود، والمعنى: ولا معبود بحق سواك. ويزيد بعض العامة: (ولا معبود سواك) وهذا غلط؛ لأن معنى: (لا معبود سواك) هو نفسه: (لا إله غيرك) فتصبح زيادته تكراراً لا معنى لها. وهذا الدعاء هو أقصر ما ورد في الاستفتاح، وهو أفضل الاستفتاحات؛ لأن المرء إذا أتى به فقد أتى بتنزيه وثناء على الله، وثبت أن عمر رضي الله عنه كان يلقنه الناس على منبر النبي صلى الله عليه وسلم، وهناك استفتاح آخر وهو أصح منه، وهو أن يقول: (اللهم! باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم! نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم! اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد)، وقد رواه الشيخان عن أبي هريرة، وإن كان الأول ثابت لكنه أفضل في ذاته؛ ولأن فيه ثناء وتنزيه لله عز وجل وإن استفتح باستفتاحات أخرى مثل ما جاء في حديث عائشة في صحيح مسلم: (اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق، فإنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم)، فحسن. وقد ثبت استفتاح آخر وهو: (وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفاً مسلماً وما أنا من المشركين، قل إن صلاتي ونسكي ومحيياي ومماتي لله رب العالمين، وبذلك أمرت وأنا من المسلمين) وهو استفتاح طويل، وقد وردت في قيام الليل استفتاحات طويلة، في بعضها الشهادة بأن الجنة حق وأن النار حق وأن النبيين حق وأن الساعة حق وهو استفتاح طويل رواه ابن عباس، كذلك: (اللهم رب جبرائيل)، ورد في قيام الليل، أما في الفريضة فيستفتح بأحد الاستفتاحين: إما: (سبحانك اللهم وبحمدك)، أو (اللهم باعد بيني وبين خطاياي)، فهما استفتاحان مختصران، أحدهما أصح من الآخر، والثاني أفضل في ذاته وأخصر ويحفظه العامة والخاصة، أما: (اللهم باعد بيني وبين خطاياي)، فهو وإن كان أصح فقد رواه الشيخان إلا أن بعض الناس لا يحفظه، والأمر في هذا واسع، ودعاء الاستفتاح غايته أنه مستحب وليس بواجب وهو سنة. وكل صلاة لها استفتاح، سواء نافلة كصلاة التراويح والرواتب والقيام، أو فريضة كالصلوات الخمس. ولا يشرع الجمع بين الاستفتاحين، ولكن يستفتح بهذا تارة وهذا تارة، وهذه هي السنة. ولو قال قائل: هل يستفتح إذا جاء المصلي أثناء الصلاة؟ و A أنه إذا كانت الصلاة سرية ولا يخشى أن يركع الإمام فيستفتح، أما إذا خشي المصلي أن يركع الإمام فيقتصر على الفاتحة؛ لأن الفاتحة واجب في حق المأموم، ودعاء الاستفتاح مستحب، أما إذا جاء في الصلاة الجهرية فلا يستفتح، بل يقتصر على الفاتحة؛ لأنه مأمور بالإنصات، والفاتحة مستثناة على الصحيح، وجمهور العلماء يرون أن الفاتحة لا تقرأ في الصلاة الجهرية، وأن قراءة الإمام كافية. ومن الاستفتاحات الواردة أيضاً: الله أكبر كبيراً، والحمد لله كثيراً، وسبحان الله بكرة وأصيلاً. وإذا استفتح بهذا فهو حسن.

حكم الاستعاذة والبسملة قبل قراءة الفاتحة

حكم الاستعاذة والبسملة قبل قراءة الفاتحة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ثم يقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم]. ويسن للمصلي كذلك بعد التكبير والاستفتاح أن يقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ومعنى (أعوذ) أي: ألوذ وألتجئ وأعتصم بك يا الله! من شر هذا الشيطان العدو اللدود، الذي يريد أن يفسد علي عبادتي، فهي استعاذة والتجاء واعتصام واحتماء بالله عز وجل من شر الشيطان. ولا يصح أن يتعوذ في كل ركعة، بخلاف (البسملة) فإنها مستحبة في كل ركعة قبل الفاتحة وقبل أول كل سورة. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ثم يقول: بسم الله الرحمن الرحيم. ولا يجهر بشيء من ذلك: لقول أنس: صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر، وعمر، وعثمان فلم أسمع أحداً منهم يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم]. والسنة عدم الجهر بالبسملة، وهي مستحبة في كل ركعة كما سبق، أما التعوذ فيكون في الركعة الأولى، ولا يجهر بها كما في حديث أنس وفي رواية أخرى: (صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر فلم أرهم يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم في أول قراءتهم ولا في آخرها)، وجاء في غير الصحيح: أنهم كانوا يسرون، والسنة الإسرار فيتعوذ سراً ويبسمل سراً، وإن جهر بها بعض الأحيان لتعليم الناس فلا بأس، فإن أبا هريرة جهر بها والشافعية يرون الجهر بها، لكن الأفضل والسنة عدم الجهر بل يسر بها، ويبدأ الجهر بـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة:2]. ولا يشرع لمن جهر بها سجود السهو؛ لأن العلماء يقولون: الجهر والإسرار من السنن.

الأقوال الواردة في قراءة المأموم للفاتحة

الأقوال الواردة في قراءة المأموم للفاتحة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ثم يقرأ الفاتحة، ولا صلاة لمن لم يقرأ بها إلا المأموم فإن قراءة الإمام له قراءة ويستحب أن يقرأ في سكتات الإمام وفيما لا يجهر فيه]. ولا بد لكل مصل أن يقرأ الفاتحة، سواء كان إماماً أو منفرداً، ومن لم يقرأها في كل ركعة لم تصح صلاته، وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب)، ولا بد أن يأتي بها كاملة بحروفها، وهي إحدى عشرة شدة، إذا أسقط حرفاً من حروفها بطلت الصلاة، ولا بد أن يأتي الإمام بالفاتحة فإنها ركن في حقه، أما المأموم فقد اختلف العلماء في حكمها، فقال جمهور العلماء: إنها تسقط عن المأموم ويكتفي بقراءة الإمام ولا سيما في الصلاة الجهرية، وقال آخرون: يقرأ في السرية ولا يقرأ في الجهرية، وقال آخرون: إن قراءة الفاتحة مستثناة ولا بد من قراءتها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب)، فتكون مستثناة من الأمر بالإصغاء للإمام، والأقرب أن يقرأها المأموم ولو في الجهرية فإن سكت الإمام قرأها مترسلاً، وإلا سردها، لما جاء في الحديث أن النبي قال: (لعلكم تقرءون خلف إمامكم؟! قالوا: نعم، قال: لا تفعلوا إلا بأم القرآن، فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها)، وهو حديث سنده جيد وهو من حديث عبادة بن الصامت، فتكون الفاتحة على الصحيح مستثناة من قوله تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الأعراف:204]، وقد أجمع العلماء على أن هذا الأمر بالإصغاء تدخل فيه الصلاة، فيجب الإنصات إلا عند قراءة الفاتحة، وفي صحيح مسلم في الحديث: (وإذا قرأ فأنصتوا)، يستثنى منه الفاتحة وتكون الفاتحة مستثناة ويقرؤها المأموم. ومن قال: يقرأ في السرية والجهرية، استثنى فيما إذا أدرك الإمام راكعاً فإنها تسقط عنه في هذه الحالة لحديث أبي بكرة أنه جاء والنبي صلى الله عليه وسلم راكع، فركع دون الصف، ثم دب دبيباً حتى دخل في الصف، فلما سلم النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (زادك الله حرصاً ولا تعد)، أي: لا تعد فتركع قبل أن تدخل في الصف، ولم يأمره بقضاء الركعة، فدل على أن الفاتحة تسقط عن المأموم إذا أدرك الإمام راكعاً. وذهب آخرون من أهل العلم أنها لا تسقط حتى لو أدرك الإمام راكعاً، ويقضي هذه الركعة إذا لم يقرأ الفاتحة، وممن ذهب إلى هذا الإمام البخاري رحمه الله، وشدد في هذا وألف مؤلفاً خاصاً سماه (جزء القراءة). فتكون الأقوال في هذا: القول الأول: تسقط عن المأموم مطلقاً سواء في السرية أو الجهرية، فلا يقرأ المأموم مطلقاً. القول الثاني: يقرأ في السرية ولا يقرأ في الجهرية. القول الثالث: لا بد من قراءتها في السرية والجهرية إلا أنها تسقط عن المأموم إذا أدرك الإمام راكعاً. القول الرابع: لا تسقط ولو أدرك الإمام راكعاً. وأرجح هذه الأقوال كما تقدم هو أن المأموم يقرؤها في سكتات الإمام، فإذا لم يكن للإمام سكتات سردها، إلا إذا أدرك الإمام راكعاً فإنها تسقط عنه جمعاً بين النصوص. ولا يدخل المسبوق في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب)، فإنه معذور ولم يستطع قراءة الفاتحة، ولذا يتحملها عنه الإمام، وتسقط عنه في هذه الحالة، ومن لم يستطع قراءتها وجاء في آخر الركعة له حكم من أدرك الإمام راكعاً، وكذلك إذا نسيها فإنه يكون معذوراً؛ لأنها واجب مخصص، وكما لو قلد من يقول من أهل العلم بأن المأموم لا يقرأ في الجهرية فصلاته صحيحة؛ لأنها واجب مخصص أقل من الركن، بخلاف الإمام والمنفرد فهي ركن في حقهما، فلا تسقط مطلقاً. والمسبوق الذي يجد الإمام ساجداً أو جالساً أو على أي حال فيدخل معه ولا ينتظر حتى يقوم إلى ركعة جديدة. ومن تركها سهواً أو عمداً أو جهلاً بطلت صلاته، وإذا ترك الإمام في ركعة سقطت هذه الركعة وصارت الركعة التي بعدها عوضاً عنها، أما المأموم: فقد اختلف العلماء فيها على أقوال: منهم من قال أنها مستحبة في السرية والجهرية واستدل بحديث: (من كان له إمام فقراءته له قراءة)، لكنه حديث ضعيف عند أهل العلم. وقال آخرون: تجب في السرية وتستحب في الجهرية، وهذا مذهب الجمهور. وقال آخرون من أهل العلم: إنها واجبة، لكنها واجبة واجباً مخصصاً، وليست ركن في حقه في الجهرية والسرية، واستدلوا بقوله صلى الله عليه وسلم: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب)، وقالوا إن هذا عام، وأنها مستثنى مخصص لقوله تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا} [الأعراف:204]، وقوله عليه الصلاة والسلام في صحيح مسلم: (وإذا قرأ فأنصتوا)، يعني: الإمام، فاستثنوا منه الفاتحة، واستدلوا بحديث: (لعلكم تقرءون خلف إمامكم، قالوا: نعم، يا رسول الله! قال: لا تفعلوا إلا بأم القرآن، فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها)، وهو حديث لا بأس به من أحاديث البلوغ، فيكون مخصصاً للعموم، وهذا هو الأرجح، فيقرأها في سكتات الإمام إن كان له سكتات، وإن لم يكن له سكتات سردها، وهذا هو الأحوط. فإذا جاء والإمام راكع سقطت، أو إذا جاء ولم يتمكن من قراءتها أو نسيها أو قلد من يقول بأنها ليست واجبة تسقط في حقه.

استحباب قراءة سورة من القرآن بعد سورة الفاتحة

استحباب قراءة سورة من القرآن بعد سورة الفاتحة قال المصنف رحمه الله تعالى: [ثم يقرأ بسورة تكون في الصبح من طوال المفصل، وفي المغرب من قصاره، وفي سائر الصلوات من أوسطه]. والسنة أن يقرأ سورة بعد الفاتحة في جميع الصلوات في الركعة الأولى والثانية من الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، وتكون في الفجر من الطوال المفصل، وفي المغرب من قصاره، وفي الباقي من أوساطه، والمفصل من أول سورة (ق)، وطواله إلى (عم) ومن (عم) إلى الضحى من أوساطه، ومن الضحى إلى آخر القرآن من قصاره، وينبغي للإمام أن يقرأ في الأغلب من طواله، وإنما يقرأ كثيراً من المفصل لما فيه من فائدة للمأمومين بحفظ سور المفصل، وإن قرأ من غير المفصل فلا حرج. وأول المفصل سورة (ق) فيقرأ مثلاً: (ق)، والذاريات والنجم والطور والمجادلة والحشر والصف وهكذا وإن قرأ بغيرها فلا بأس، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ الستين إلى المائة في الفجر كما جاء في الأحاديث الصحيحة. (وفي المغرب من قصاره)، يعني: في الغالب، ولكن لا مانع أن يقرأ من طوال السور في بعض الأحيان، فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ: القمر والمرسلات والطور، وثبت أنه قرأ أيضاً بسورة الأعراف، وقد فعلها مرة واحدة وهي جزء وربع، ولا ينبغي للإمام أن يكثر من قراءتها؛ لأن هذا قد يشق على الناس، وقد يسبب فتنة لبعضهم، إلا إذا كان في مكان خاص، أو في بلدة خاصة، أو في مزرعة، واتفق أن يقرأ معهم سورة الأعراف، فلا بأس أن يفعل السنة، فالنبي صلى الله عليه وسلم قرأها مرة واحدة، وينبغي للإنسان أن ينوع ولا يلازم القصار دائماً، وقيل: إن ملازمة القصار في المغرب سنة مروان الحمَّار، أما الرسول صلى الله عليه وسلم فكان يقرأ أحياناً وأحياناً، وقراءته في الغالب من القصار، وفي بعض الأحيان يقرأ من الطوال، كما قرأ النبي صلى الله عليه وسلم بالمرسلات، فيقرأ الإمام المرسلات تطبيقاً للسنة، وله في بعض الأحيان أن يقرأ من سورة الطور، أو من سورة القمر، لكن ينبغي أن تكون غالب قراءته من القصار، وفي الظهر والعصر والعشاء من السور متوسطة الطول، وقد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لـ معاذ: (أفلا قرأت بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} [الأعلى:1]، و {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} [الغاشية:1] {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} [الشمس:1]). قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويجهر الإمام بالقراءة في الصبح والأوليين من المغرب والعشاء، ويسر فيما عدا ذلك]. ومن السنة أن يجهر الإمام في الفجر وفي الأوليين من المغرب والعشاء، وفي الجمعة وفي صلاة الكسوف وفي صلاة العيد ويسر فيما عدا ذلك.

الركوع وصفته

الركوع وصفته قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ثم يكبر ويركع ويرفع يديه كرفعه الأول]. ويسن أن يكبر للانتقال للركوع والسجود والرفع، وهذه تكبيرات مستحبة عند جمهور العلماء، والقول الثاني: أنها واجبة وهو مذهب الحنابلة، والقول بوجوبها قوي، فتكبيرات الانتقال، وقول: سمع الله لمن حمده، وقول: رب اغفر لي، وسبحان ربي العظيم، وسبحان ربي الأعلى، كلها مستحبة عند الجمهور وهي واجبة عند الحنابلة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم حافظ عليها، وقال: (صلوا كما رأيتموني أصلي)، والركوع هو الركن الرابع من أركان الصلاة، وبعد تكبيرة الإحرام والقيام والفاتحة، وهو أن يهوي ويضع يديه على ركبتيه، ويلقم راحتيه ركبتيه، ويمد صلبه ويجعل رأسه محاذياً لظهره لا يرفعه ولا يخفضه. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ثم يضع يديه على ركبتيه، ويفرج أصابعه، ويمد ظهره، ويجعل رأسه حياله، ثم يقول: سبحان ربي العظيم. ثلاثاً]. فالركوع ركن كما تقدم، أما كونه يلقم يديه ركبتيه ويفرج بين أصابعه ويمد صلبه ويجعل رأسه حياله، فهذا من المستحبات ومن كمال الصلاة، والواجب هو الهوي، فإذا هوى ووصلت يداه إلى ركبتيه فقد أدى الواجب، لكن كونه يمد صلبه، ويلقم يديه راحتيه، وكونه يجعل رأسه حياله، كل هذا من المستحبات ومن كمال الصلاة. والبعض يرفع يديه بعد القيام من الركعة الرابعة وهذا ليس بمشروع، وكذلك عند السجود وعند الرفع من السجود، وقد جاء في حديث ضعيف رواه بعض السلف لكنه لا يصح، والصواب: أنه لا يشرع الرفع إلا في المواضع الأربعة المذكورة، ويبين لمن يفعل ذلك فربما أنه اطلع على حديث ضعيف أو قلد، فيبين له أن المشروع إنما هو في المواضع الأربعة. ومن قال ذلك فقد استند إلى حديث ضعيف، وهو حديث ابن عمر رضي الله عنه أنه كان يرفع يديه عند السجود، وعند الرفع من السجود، والحديث في سنن أبي داود وغيره، فلا يعمل به، وإنما السنة الرفع في هذه المواضع الأربعة الثابتة في الصحيحين.

الرفع من الركوع وما يقال عند القيام من الركوع

الرفع من الركوع وما يقال عند القيام من الركوع قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ثم يرفع رأسه قائلاً: سمع الله لمن حمده، ويرفع يديه كرفعه الأول]. ومن الأركان الرفع من الركوع، ورفع اليدين عنده سنة كما سبق. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فإذا اعتدل قائماً قال: ربنا لك الحمد، ملء السماوات وملء الأرض، وملء ما شئت من شيء بعد]. وهذا الذكر واجب عند الحنابلة، ومستحب عند الجمهور، وقول: ربنا لك الحمد، فيه أربع سنن: الأولى: ربنا ولك الحمد. الثانية: ربنا لك الحمد. الثالثة: اللهم ربنا ولك الحمد. الرابعة: اللهم ربنا لك الحمد. بحذف الواو وإثباتها، وكل هذه الصيغ ثابتة في الأحاديث الصحيحة، والواجب: ربنا ولك الحمد، وما زاد عليه مستحب، فيستحب أن يتبعها بقوله: حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، ملء السماوات وملء الأرض، وملء ما شئت من شيء بعد، أهل الثناء والمجد، أحق ما قال العبد، وكلنا لك عبد، لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد. والإمام والمنفرد يجمع بين قوله سمع الله لمن حمده، وربنا ولك الحمد، أما المأموم فلا يجمع بينهما، بل يقول: ربنا ولك الحمد، ولا يقول: سمع الله لمن حمده، وذهب بعض العلماء إلى أنه يجمع بينهما واستدلوا بحديث لكنه حديث ضعيف، ويدل على هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا قال الإمام سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا ولك الحمد) ولم يقل: فقولوا سمع الله لمن حمده، أما ما ذهب إليه بعض العلماء من الأحناف وغيرهم من كون المأموم يجمع بين التسميع والتحميد فهو ضعيف، إنما يجمع بين التسميع والتحميد الإمام والمنفرد، أما المأموم فيقتصر على قوله: ربنا ولك الحمد. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويقتصر المأموم على قول: ربنا ولك الحمد].

السجود وصفته

السجود وصفته قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ثم يخر ساجداً مكبراً ولا يرفع يديه]. وهذا هو الصواب، أي: أن يخر ساجداً بدون رفع يديه، وما جاء في بعض الأحاديث أنه كان يرفع يديه فهو ضعيف. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويكون أول ما يقع منه على الأرض ركبتاه ثم كفاه ثم جبهته وأنفه]. قوله: (أول ما يقع على الأرض ركبتاه ثم يداه)، عملاً بما جاء في حديث وائل بن حجر: (إذا سجد أحدكم فليسجد على ركبتيه ويديه، لا يبرك أحدكم كما يبرك البعير)، وأما حديث أبي هريرة ففيه: (لا يبرك أحدكم كما يبرك البعير وليضع يديه قبل ركبتيه)، وقد اختلف العلماء في التوفيق بين الحديثين، ذكر العلامة ابن القيم رحمه الله، أنه حصل انقلاب من بعض الرواة، في حديث أبي هريرة: (لا يبرك أحدكم كما يبرك البعير وليضع يديه قبل ركبتيه)، والأصل: (وليضع ركبتيه قبل يديه)، وذلك؛ لأن البعير إنما يضع يديه قبل ركبتيه، فإذا وضع يديه قبل ركبتيه فقد شابه البعير، فالبعير إذا برك بدأ بيديه، وعلى هذا فيكون حديث أبي هريرة: (لا يبرك أحدكم في السجود كما يبرك البعير، وليضع يديه قبل ركبتيه)، وحدث انقلاب من بعض الرواة، والأصل: أن يضع ركبتيه قبل يديه. وقال آخرون: بل إن هذا هو مقصود النبي صلى الله عليه وسلم أي: وضع الركبتين قبل اليدين؛ لأن ركبتي البعير في يديه، وعلى كل حال في المسألة اختلاف بين أهل العلم، وفيها كلام للشيخ ناصر الدين الألباني رحمه الله، وقد أقر أنه يضع يديه قبل ركبتيه، لكن الأولى الذي عليه جمهور العلماء والذي قرره المحققون ومنهم العلامة ابن القيم والذي عليه أئمة الدعوة: أنه يضع ركبتيه قبل يديه، أي: يبدأ بالأقرب فالأقرب، فيبدأ بالركبتين ثم اليدين، وبالعكس عند النهوض فينهض بيديه ثم ركبتيه. والقول الثاني على العكس من الأول، وهذا كله من باب الاستحباب، وإلا فلو وضع يديه قبل ركبتيه أو ركبتيه قبل يديه. فلا حرج عليه. ويستحب العمل بذلك إذا لم يكن على الإنسان مشقة، أما إذا كان مريضاً، أو كبير السن فلا حرج كونه يضع يديه؛ لأن الأرفق به أن يضع يديه قبل ركبتيه. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويكون أول ما يقع منه على الأرض ركبتاه ثم كفاه ثم جبهته وأنفه]. وهذا هو المختار والمستحب إن تيسر، وهذه هي الأعضاء السبعة التي لا بد أن يحرص المصلي أن يسجد عليها، وهي يديه وركبتيه، وأطراف القدمين، والجبهة والأنف، فلو رفع واحداً منها من أول السجود إلى آخره لم يصح السجود، لكن لو رفع عضواً منها في بعض السجود ثم أعاده فلا شيء عليه. وكل هذا من باب الاستحباب، والأمر فيه سعة والحمد لله، ولا ينبغي التشدد في مثل هذا الأمر. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويجافي عضديه عن جنبه وبطنه عن فخذيه، ويجعل يديه حذو منكبيه]. والسنة المجافاة: وهي أن يجافي عضديه عن جنبيه، ويجافي بطنه عن فخذيه، ويجافي فخذيه عن ساقيه، ويجعل يديه حذو منكبيه، أي: يجعل اليدين تحاذي المنكبين مثل رفع التكبير فتضع يديك حذو المنكبين، ويكون الرأس بين اليدين. وعلى هذا فلا يشرع مد الصلب مداً طويلاً كما يفعل بعض الشباب، ولا ينبغي أن يتكلف الإنسان في مد صلبه بل يجب أن يفعل كفعل النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه كان يجافي حتى لو مرت بهيمة بين جنبيه لدخلت. أما بالنسبة للمرأة فإن الفقهاء يقولون: تضم نفسها، أي: لا تجافي؛ لأنها عورة، لكن ظاهر الأحاديث أنها كالرجل. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويكون على أطراف قدميه]. أي: يثنيهما حتى يستقبل المصلي بأطراف القدمين القبلة. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ثم يقول: سبحان ربي الأعلى. ثلاثاً]. ومن السنة أن يقول المصلي: سبحان ربي الأعلى ثلاثاً، وتجزئ الواحدة، وأعلاها في حق الإمام عشر، فقد كان يحسب للنبي صلى الله عليه وسلم عدد تسبيحات الركوع والسجود، كما وصف أنس صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر أنها عشر تسبيحات مع التدبر، وكان يطيل هذين الركنين، وإذا قال: سمع الله لمن حمده، وقف حتى يقول القائل: قد نسي، وإذا رفع رأسه من السجود قال: رب اغفر لي، وجلس حتى يقول القائل: قد نسي، الملاحظة أن بعض الأئمة لا يطيل في هذين الركنين، بل يقصر ولا سيما الأحناف؛ لأن الأحناف يخلون بالركنين، فما أن يتم الإمام قوله: سمع الله لمن حمده، حتى يهوي قائلاً: الله أكبر، ولا يستتم قائماً، وكذا في الجلوس بين السجدتين ما إن يتم قوله: الله أكبر رب اغفر لي، حتى يكبر للسجدة الثانية من دون طمأنينة، وهذا الفعل غير صحيح بل ينبغي الطمأنينة في هذين الركنين وعدم العجلة. وإذا أفرط المصلي في ترك الطمأنينة بطلت الصلاة، إذ لا بد منها في كل ركن، والطمأنينة: هي السكون والركود حتى يعود كل مفصل إلى موضعه، لكن إذا وجد أدنى طمأنينة حصل الركن. لا يوجد شك، قال الإمام أحمد رحمه الله في رسالة الصلاة صليت بمائة مسجد في الصف الأول فما وجدت أحداً يقيم صلاة كصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: أخشى أن يكون هذا الزمان الذي جاء فيه الحديث، (يأتي زمان على الناس يصلون ولا يصلون)، أي: يصلون صلاة صورية ولا يصلون صلاة حقيقة، فكيف بالقرون المتأخرة؟ وعندما يسجد المصلي ينبغي أن يفرق بين قدميه، أي: ينزل بينهما فرقاً يسيراً، فقد جاء عن عائشة أنها قالت: (فقدت النبي صلى الله عليه وسلم فوضعت يدي على قدميه)، وبه استدل بعضهم على أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يفرق بينهما، وهذا لا يدل على أنهما متلاصقتين؛ لأن يدها قد تمس القدمين كل واحدة على حدة وإن كان بينهما فرجة. مداخلة: إذا كان المصلي خلف الإمام، فهل يقدم الطمأنينة على المتابعة؟ الشيخ: إذا كان لا يطمئن الإمام فإن الصلاة غير صحيحة إذ إن الطمأنينة ركن من أركان الصلاة، فإذا كان لا يستطيع أن يطمئن قائماً، ولا يستطيع أن يطمئن في السجود حتى يعود كل مفصل إلى موضعه أو في الركوع فإن الصلاة باطلة، وعلى ذلك تقدم الطمأنينة. لكن لا أظن -إن شاء الله- أن يوجد مثل هذا، وإن وجد فهو قليل.

صفة الجلوس بين السجدتين

صفة الجلوس بين السجدتين قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ثم يرفع رأسه مكبراً ويجلس مفترشاً، فيفرش رجله اليسرى ويجلس عليها وينصب اليمنى ويثني أصابعها نحو القبلة]. ومن السنة أن يفرش المصلي رجله اليسرى ويجلس عليها، وينصب اليمنى ويثني أطراف أصابع الرجل اليمنى، ويكون مستقبلاً بها القبلة، وهذا من باب الاستحباب. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويقول: رب اغفر لي، ثلاثاً]. أي: رب اغفر لي، رب اغفر لي، رب اغفر لي، ثلاثاً وهذا مستحب، والواجب مرة، والقول الثاني: أنه مستحب، وإذا زاد معه: رب اغفر لي وارحمني واهدني وارزقني واجبرني وعافني، فإنه حسن. مداخلة: بعض الأئمة يطيلون في الصلاة مما يسبب ترك الجماعة من قبل بعض المأمومين. الشيخ: السنة حاكمة على الناس، فالذي يصلي في البيت بحجة أن الإمام يطيل معناه: أنه يريد أن ينقر الصلاة كنقر الغراب، وبعض الناس يستدل بقوله صلى الله عليه وسلم: (أفتان أنت يا معاذ؟!)، على ذلك، ولا ينظر إلى الأحاديث الأخرى، والعلماء قد بينوا أن قوله: (أفتان أنت يا معاذ)، وكان هذا حين قرأ معاذ سورة البقرة كاملة، ومن اشتكاه إلى النبي صلى الله عليه وسلم كان قد جاء متعباً بعد أن عمل طول نهاره في مزرعته، فلما جاء وصفَّ مع معاذ، قرأ معاذ سورة البقرة كلها فشق ذلك عليه فاشتكاه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: (أفتان أنت يا معاذ؟! أفلا قرأت بسبح اسم ربك الأعلى)، ولم يقل له انقر الصلاة نقر الغراب، كما أن الرسول صلى الله عليه وسلم الذي قال: (أفتان أنت يا معاذ؟)، هو الذي كان يسبح عشر تسبيحات، وهنا لا يتناقض قوله مع فعله، فإنه إذا سبح عشر تسبيحات مع التدبر، قد فعل التخفيف وهو القائل: (إذا صلى أحدكم بالناس فليخفف)، وإذا سبح خمسين تسبيحة كانت تلك تطويل، والسنة أن يجمع بعضها إلى بعض، وصلاة الرسول صلى الله عليه وسلم هي التخفيف، وما زاد عنها فهو تطويل، وقد بين ابن القيم رحمه الله ذلك في رسالة الصلاة، وهي رسالة ينصح بقراءتها، فقال: بعض النقارين والسارقين لصلاتهم لا يعرفون من الأحاديث إلا (أفتان أنت يا معاذ؟!)، فيأخذونها ويتركون النصوص الأخرى، هذا إن صح، وإن كان يصلي، فلا يلزم الجمع، فلو كان للإنسان حاجة، كما لو كان يريد أن يشتري أرضاً، أو سيارة أو غيرها من العقار لجلس الساعات الطويلة في شدة الحر، أما أن يصبر خمس دقائق ليصلي مع الإمام فلا. ومن السنة أن تكون أركان الصلاة متناسبة، كما كانت صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، فقد جاء في صفة صلاة النبي عن أنس أنه قال: (صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم فرأيت ركوعه فسجوده فرفعه من الركوع، وجلسته بين السجدتين قريباً من السواء)، وفي لفظ: (ما خلا القيام والقعود)، أي: إلا القيام الذي فيه القراءة والتشهد، أما بقية الأركان كالسجود والركوع، والرفع من الركوع، والرفع من السجود، فينبغي أن تكون متناسبة ومتقاربة، ويحدث أن بعض الناس يطيل الركوع ويخفف السجود أو يطيل السجود ويخفف الركوع، أو يطيل الرفع مع الركوع، ويخفف الرفع بين السجدتين، وهذا غير صحيح. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ثم يسجد السجدة الثانية كالأولى]. أي: يفعل في السجدة الثانية كما فعل في الأولى.

صفة الجلوس للتشهد الأوسط وما يقال فيه

صفة الجلوس للتشهد الأوسط وما يقال فيه قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ثم يرفع رأسه مكبراً، وينهض قائماً فيصلي الثانية كالأولى. فإذا فرغ منهما جلس للتشهد مفترشاً ويضع يده اليسرى على فخذه اليسرى ويده اليمنى على فخذه اليمنى، ويقبض منها الخنصر والبنصر ويحلق الإبهام مع الوسطى ويشير بالسبابة]. إذا كانت الصلاة ثنائية كالجمعة والنافلة والفجر، فيضع المصلي يده اليسرى على الفخذ اليسرى، والثانية كذلك، أو يضع أطراف الأصابع على الركبتين، وقد وردت الهيئتان، وأما في التشهد الأول فتكون اليد اليسرى على الفخذ اليسرى، واليد اليمنى يقبض الخنصر والبنصر ويحلق ويجعل الوسطى مع الإبهام حلقة ويشير بالسبابة، وهذه إحدى الصفات، وفي الصفات الأخرى أنه يقبضها كلها ويشير، وقد وردت في ذلك صفات متعددة وهذا كله من باب الاستحباب. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويشير بالسبابة في تشهده مراراً] والسنة أن تكون منصوبة إشارة إلى التوحيد وفيما ذكره المؤلف خلاف وكأنه يشير بها في بعض الحالات، والسنة أنها تكون منصوبة ويحركها عند الدعاء إشارة إلى التوحيد. ولا يفعل المصلي هذا بين السجدتين فالمعروف عند العلماء أنه لا يفعل هذا إلا عند التشهد، وقد جاء في حديث عند الإمام أحمد بهذا وهذا يحتاج إلى مراجعة. وعن القراءة يفضل أن يقرأ سورة في كل ركعة إذا أمكن، ولم تكن السورة طويلة، وإن كانت السورة طويلة وقسمها بين الركعتين فلا بأس. وبعض الأئمة يقرأ القرآن في الفرائض كلها بالترتيب، وبعضهم يقرأ في الفجر والعشاء في رمضان ويجعلهما مع قراءة التراويح، وهذا ليس بمشروع، ولم يفعل النبي صلى الله عليه وسلم ولا الصحابة ذلك، والأولى أن يكون للتراويح قراءة خاصة، والفرائض كذلك كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم، فقد كان يقرأ في الفجر من المفصل، أما كونه يقرأ القرآن بالترتيب فتركه أولى؛ لأن هذا لم يفعله الرسول صلى الله عليه وسلم ولا الصحابة، ولو كان من يفعل ذلك من أئمة الدعوة. والأولى أن يقرأ سوراً معينة من المفصل حتى يحفظ الناس سور المفصل، وإذا أراد المراجعة فالأوقات واسعة والحمد لله.

ألفاظ التشهد

ألفاظ التشهد قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويقول: التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي! ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله]. وهذا يكون في الجلسة للتشهد الأول، والتشهد الثاني يقول منه: التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله. وهذا التشهد الثابت في الصحيحين عن ابن مسعود رضي الله عنه وهو أصح التشهدات؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم علمه ابن مسعود، عندما قال: علمني التشهد كفي بين كفيه، كما يعلمني سورة من القرآن: (التحيات لله، والصلوات والطيبات)، وهناك تشهدات أخرى منها تشهد ابن عباس وهو: التحيات لله المباركات الصلوات الطيبات، وتشهد أبي موسى وفيه اختلاف في تقديم الألفاظ وتأخيرها، لكن أصح ما جاء في التشهد هو التشهد السابق: التحيات لله، والصلوات والطيبات، والواو التي قبل الطيبات، تفيد معنىً جديداً، بخلاف تشهد ابن عباس فقد قال فيه: التحيات لله المباركات الطيبات فجعله وصفاً لشيء واحد، (والتحيات) أي: التعظيمات بجميع أنواعها كلها لله الملك، فله سبحانه وتعالى الكبرياء والعظمة، والجبروت والسلطان، والقدرة التامة، والعلم التام، والقهر التام، فجميع التعظيمات كلها لله، ملكاً واستحقاقاً، كما أن له الحمد بجميع أنواع المحامد ملكاً واستحقاقاً. والله تعالى يحيىَّ ولا يسلم عليه وكان الصحابة في أول الهجرة يقولون في التشهد: السلام على الله، السلام على جبريل وميكائيل، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تقولوا: السلام على الله، فإن الله هو السلام ومنه السلام) ولكن قولوا: التحيات لله والصلوات والطيبات. (والصلوات): المراد بها الصلوات الخمس، وقيل: الدعوات، ولا مانع من شمول الأمرين، فالصلوات الخمس وغيرها من أنواع الصلوات، وكذلك الدعوات كلها لله، وهو يدعى سبحانه وتعالى ويُصلى له ويركع ويسجد له. (والطيبات): وهي الأعمال الطيبة من الأقوال والأعمال وكلها لله، قال تعالى: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر:10]. فبدأ أولاً بحق الله بالترتيب، والذي رتب هذا الترتيب هو وحي من الله، أولاً: تعظيم الله والثناء عليه: (التحيات لله والصلوات والطيبات) ثم بعد ذلك السلام على النبي فتقول: (السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته) (السلام): اسم من أسماء الله، وهو دعاء بالسلامة أيضاً. (أيها النبي): وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقوله: (أيها) دلالة على الاستحضار. (ورحمة الله وبركاته): يدعى له بالرحمة والبركة، واستدل بذلك الإمام الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمة الله عليه، على أن الرسول لا يعبد؛ لأنه يدعى له بالسلامة، وعندما يدعى للنبي دليل على أنه محتاج، والمحتاج لا يصلح للألوهية، ويدعى له بالسلام، ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة أن يقولوا: السلام على الله؛ لأن الله لا يدعى له، وليس فوقه أحد سبحانه وتعالى، بل هو الكامل في ذاته وصفاته وأسمائه وأفعاله، ولا يلحقه نقص سبحانه وتعالى، وليس فوقه أحد بخلاف النبي صلى الله عليه وسلم؛ فإنه يدعى له بالسلامة، وليس إله بل هو نبي كريم، يطاع ويتبع ويحب ولكن لا يعبد؛ فالعبادة حق الله. (السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين): وهذا القول شامل لعباد الله الصالحين من الملائكة ومن الإنس ومن الجن، فكل عبد صالح تشمله هذه الدعوة في السماء وفي الأرض. (أشهد أن لا إله إلا الله) يعني: أقر وأعترف أنه لا معبود بحق في الأرض ولا في السماء إلا الله، وأن كل معبود سوى الله فهو معبود بالباطل. (لا إله إلا الله) أي: لا معبود بحق إلا الله. (وأشهد) أي: أقر وأعترف، بأن محمداً بن عبد الله بن عبد المطلب الهاشمي القرشي المكي ثم المدني العربي هو رسول الله حقاً، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله، هو عبد لا يعبد، ورسول يطاع ولا يكذب عليه الصلاة والسلام، وأشرف المقامات مقاماته وهي العبودية والرسالة، ولهذا وصفه الله بهذين الوصفين في مراتب عظيمة: في مقام الدعوة، {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ} [الجن:19]، وفي مقام التحدي: {وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا} [البقرة:23]، وفي مقام الإسراء: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً} [الإسراء:1]، وفي مقام الوحي: {فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى} [النجم:10]، فحاز على أشرف المقامات. وهذا هو التشهد الأول، ثم بعد ذلك إذا كانت الصلاة ثلاثية أو رباعية ينهض المصلي، وإن صلى على النبي صلى الله عليه وسلم فحسن، وذهب بعض العلماء كالشافعية وغيرهم إلى أنه يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأول، وذهب الجمهور بأنه يقتصر على: (وأشهد أن محمداً عبده ورسوله) ثم ينهض. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فهذا أصح ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد]. وهو تشهد ابن مسعود رضي الله عنه؛ لأنه قال: علمني الرسول صلى الله عليه وسلم التشهد كفي بين كفيه كما يعلمني السورة من القرآن. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ثم يقول: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد]. قال بعض العلماء: إنه يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأول، والجمهور قالوا: إنها تكون في التشهد الأخير الذي يعقبه السلام، وأصح ما قيل في صلاة الله تعالى على عبده ما رواه البخاري في صحيحه عن أبي العالية قال: صلاة الله على عبده ثناؤه عليه في الملأ الأعلى، فأنت تسأل الله أن يثني على عبده ورسوله محمد في الملأ الأعلى. (وعلى آل محمد) وهم: أتباعه على دينه. وقيل: (آله) قرابته من أهل بيته، وقيل: إن هذا يختلف باختلاف اللفظ فإذا قيل على آله وأصحابه. أي: إذا أفردوا الصحابة فتكون (آله) بمعنى قرابته، وعلى كل حال فـ (آله) تشمل أتباعه على دينه من قرابته وصحابته وأزواجه، فكلهم داخلون في آل النبي صلى الله عليه وسلم. والصلاة على النبي جاءت لها أنواع كثيرة لكن أكملها ما رواه البخاري رحمه الله في صحيحه في كتاب الأنبياء، من الجمع بين محمد وآل محمد، وإبراهيم وآل إبراهيم في الصلاة والتبريك، ومن الأنواع: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم؛ إنك حميد مجيد. وفي النوع الآخر: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم؛ إنك حميد مجيد. وفي بعضها: في العالمين إنك حميد مجيد. وفي بعضها: اللهم صل على محمد وأزواجه وذريته. لكن أصح ما جاء في الصلاة عليه هو الجمع بين محمد وآل محمد في الصلاة وإبراهيم وآل إبراهيم في التبريك وهو ما رواه البخاري في صحيحه في كتاب الأنبياء: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم؛ إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم؛ إنك حميد مجيد. وهذا أكمل ما ورد في الصلاة على النبي الكريم، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل: (يا رسول الله! علمنا السلام عليكم، -كيف نصلي عليك؟ - فسكت، ثم قال: قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم؛ إنك حميد مجيد)، ولا يزاد على هذا، فلا يقال في الصلاة: اللهم صل على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد، وإن كان هو السيد عليه السلام لكن الأذكار والألفاظ المتعبد بها توقيفية لا يزاد عليها في الصلاة، أو تقول: اللهم صل على أفضل خلق الله محمد، لكن في الخطبة والموعظة لا بأس أن تقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن سيدنا ونبينا وإمامنا وقائدنا رسول الله، لا بأس في الكتابة والخطبة لكن في الصلاة لا تزيد؛ لأن الأذكار توقيفية، وهي عبادة نتعبد الله بها، فالأذكار والألفاظ والأدعية التي وردت لا ينبغي أن يزيد عليها الإنسان. وقد خفي أكمل أنواع الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم على الإمام العلامة شيخ الإسلام ابن تيمية والعلامة ابن القيم مع سعة باعه واطلاعه وحفظه العظيم وكانت الكتب الستة كأنها بين عينيه، ومع ذلك فإن الكمال لله، فخفي عليه، فقال شيخ الإسلام وتبعه ابن القيم: لم يرد بين محمد وآل محمد، وإبراهيم وآل إبراهيم في الصلاة والتبريك، مع أنه ورد في صحيح البخاري ذلك.

ما يقال بعد التشهد

ما يقال بعد التشهد قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويستحب أن يتعوذ من عذاب القبر ومن عذاب جهنم ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال]. يستحب التعوذ من هذه الأربع المذكورة، فيقول: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال. (من عذاب جهنم): وجهنم هي النار، وهو من أسمائها، وكذلك من عذاب القبر فهو ثابت في النصوص، وقد جاءت عجوز من عجائز اليهود إلى عائشة فقالت: أعاذك الله من عذاب القبر في أول الهجرة، فأنكرت عليها، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (نعم، إن الإنسان يعذب في قبره، قالت: فما سمعت الرسول بعد ذلك صلى صلاة إلا ويستعيذ بالله من عذاب القبر). (ومن فتنة المحيا والممات): فتنة الحياة من الشهوات والشبهات والحروب وإلى غير ذلك من الفتن، وكذلك الفتن التي تنبع عند الموت، فالشيطان يفتن الإنسان. (ومن فتنة المسيح الدجال): وهو رجل يخرج في آخر الزمان، يدعي الصلاح أولاً ثم يدعي النبوة ثم يدعي الربوبية، وهو كافر وهو الدجال الأكبر -نسأل الله السلامة والعافية- ويمكث أربعين كما جاء في الأحاديث، يوم كسنة ويوم كشهر ويوم كجمعة وسائر أيامه كأيامنا، ثم يُقتل على يد مسيح الهدى وهو عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام، فيقتل مسيح الهدى مسيح الضلالة. فيستحب الاستعاذة من هذه الأربع، وهذا هو المشهور عند جمهور العلماء أنها مستحبة، وذهب طاوس بن كيسان اليماني التابعي الجليل إلى أنه يجب الاستعاذة بالله من هذه الأربع. وجاء عنه أنه قال لابنه لما صلى: هل استعذت بالله من أربع؟ قال: لا، قال: أعد صلاتك، دل على أنه يرى أنها واجبة الاستعاذة بالله من هذه الأربع وأنه لا بد منها، لكن المعروف والمشهور عند جماهير العلماء أنه مستحب. ويكفر من أنكر عذاب القبر إذا قامت عليه الحجة وليس له شبهة؛ لأنه ثابت في الكتاب والسنة، والله تعالى بين هذا في كثير من الآيات، منها قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ} [فصلت:30]، هذا أيضاً في الدنيا عند الموت وهذا أول منازل القبر، {وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ} [الأنعام:93] {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [غافر:46] {يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ} [الأنفال:50]، وهذا يكون عند الموت، وهذا من أدلة عذاب القبر من الكتاب، أما السنة فهي كثيرة. وقد وردت أدعية كثيرة في آخر التشهد، ومنها ما علم النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر: (اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم)، وكذلك الاستعاذة من عذاب القبر ومن فتنة الدنيا، وجاءت أحاديث كثيرة في الدعاء في آخر التشهد، وفي آخر الصلاة منها: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، دبر كل صلاة، وقال شيخ الإسلام: دبر الشيء آخره، ودبر الحيوان آخره، فقال: إنها تكون قبل السلام. والأمر في قوله عليه الصلاة والسلام: (إذا تشهد أحدكم فليستعذ بالله من أربع) للاستحباب، وهذا هو ما عليه جمهور العلماء.

صفة السلام

صفة السلام قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ثم يسلم عن يمينه: السلام عليكم ورحمة الله، وعن يساره كذلك]. وهذا هو السنة أن يقول: السلام عليكم ورحمة الله، ولا يزيد (وبركاته)، وجاء في بعض الأحاديث (وبركاته)، لكنها شاذة، وقد علمنا النبي صلى الله عليه وسلم ذلك كما ورد في صحيح مسلم: (السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله). وهما تسليمتان، الأولى فرض واجبة، والثانية قيل إنها مستحبة، وقيل إنها واجبة، لكن ينبغي للإنسان ألا يخل بإحداهما، ويلتفت المصلي عن يمينه مع بداية السلام. والتسليمة الثانية سنة؛ لأن عائشة روت: (أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سلم مرة واحدة تلقاء وجهه)، رواه ابن ماجة وكذلك روي عن سلمة بن الأكوع عن النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا الحديث يحتاج إلى مراجعة، والظاهر أن ابن ماجة ما ينفرد به في الغالب عليه الضعف، فهذا ضعيف. وقال الترمذي: وأصح الروايات عن النبي صلى الله عليه وسلم تسليمتين وعليه أكثر أهل العلم من الصحابة والتابعين. والمسألة فيها خلاف، فالجماهير على أنه لا بد من تسليمتين، وهو الذي ينبغي والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (صلوا كما رأيتموني أصلي)، وقول الجمهور قول قوي. قال المصنف رحمه الله تعالى: [وإن كانت الصلاة أكثر من ركعتين نهض بعد التشهد الأول كنهوضه من السجود، ثم يصلي ركعتين لا يقرأ فيهما بعد الفاتحة شيئاً]. وهذا هو السنة، وأن الركعتين الأخريين من الظهر والعصر والعشاء والركعة الثالثة من المغرب يقتصر فيهما على قراءة الفاتحة، لكن جاء في حديث أبي سعيد في صحيح مسلم أنه -ربما- قرأ في الركعتين الأخريين من الظهر زيادة على الفاتحة؛ لأنه جاء فيها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الظهر بمقدار (ألم) السجدة كما سبق أي: ثلاثين آية، لأن الظهر تلي الفجر في الطول، وأنه في الركعتين الأخريين على النصف من ذلك، أي: قرابة خمس عشرة آية، والفاتحة سبع آيات، بمعنى: أنه كان يقرأ معها سبع آيات، وفي العصر يقرأ في الركعتين الأوليين بمقدار ما يقرأ في الظهر. وفي حديث أبي قتادة أنه اقتصر في الركعتين الأخريين من الظهر على الفاتحة، وفي حديث أبي سعيد أنه ربما قرأ زيادة على الفاتحة في الركعتين الأخريين في الظهر خاصة، أما العصر والعشاء فلا. وورد عن أبي بكر رضي الله عنه أنه قرأ بعد الفاتحة في الركعة الثالثة: {رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [آل عمران:8].

صفة الجلوس للتشهد الأخير

صفة الجلوس للتشهد الأخير قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فإذا جلس للتشهد الأخير تورك فنصب رجله اليمنى وفرش اليسرى وأخرجها عن يمينه ولا يتورك إلا في صلاة فيها تشهدان في الأخير منهما]. والتورك مستحب في التشهد الأخير، وهو أن ينصب رجله اليمنى ويخرج رجله اليسرى عن يمينه ويجلس على إليتيه في التشهد الأخير، وهذا خاص بالصلاة التي فيها تشهدان كالتشهد الأخير من الظهر والعصر والمغرب والعشاء، أما الصلاة التي ليس فيها إلا تشهد واحد فليس فيها تورك، كالفجر والجمعة وصلاة النافلة والعيدين، وهذا هو الصواب على ما جاء في حديث أبي حميد. وقال آخرون من أهل العلم: يتورك في التشهدين جميعاً. وقال آخرون من أهل العلم: لا يتورك في التشهدين، لا في الأول ولا في الثاني. والصواب: ما أقره المؤلف رحمه الله إلى أن التورك يكون في التشهد الأخير خاصة على ما جاء في حديث أبي حميد الساعدي أن النبي تورك.

ما يقوله بعد الانتهاء من الصلاة

ما يقوله بعد الانتهاء من الصلاة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فإذا سلم استغفر الله ثلاثاً، وقال: اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام]. يشرع للمسلم إذا سلم من الفريضة أن يقول: أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله، اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام، يقول هذا الإمام والمأموم والمنفرد، ثم إذا كان إماماً ينصرف إلى المأمومين ويعطيهم وجهه، بعد أن يقول اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام، أي: أنه يقول وهو مستقبل القبلة: أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله، اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام، ثم ينصرف إلى المأمومين، ثم يقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، كما ثبت في حديث ثوبان وفي حديث المغيرة بن شعبة ويكمل بعضها بعضاً، وبعضها في غير الصحيحين فيها زيادة وهي: يحيي ويميت، وفي بعضها: وهو حي لا يموت، وفي بعضها: بيده الخير، وفي بعضها: لا حول ولا قوة إلا بالله، لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين ولو كره الكافرون. فيقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير عشر مرات، زيادة على ما سبق بعد المغرب وبعد الفجر، ويبقى على حالته حتى يكمل العشر. ولا بأس أن ينصرف عن اليمين أو عن الشمال، لما جاء في صحيح البخاري أن ابن مسعود قال: (لا يجعل أحدكم للشيطان حظاً فيرى أنه لا ينصرف إلا عن يمينه، فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيراً ما ينصرف عن يساره)، فجاء هذا وهذا، ينصرف عن شماله أو عن يمينه لا حرج. ثم بعد ذلك يقول: سبحان الله ثلاثاً وثلاثين، والحمد لله ثلاثاً وثلاثين، والله أكبر ثلاثاً وثلاثين، ثم يختم تمام المائة بلا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، هذا نوع. وجاء نوع آخر: أنه يجعل التسبيح ثلاثاً وثلاثين، والتحميد ثلاثاً وثلاثين، والتكبير أربعاً وثلاثين، فهذه مائة كما جاء في تعليم النبي صلى الله عليه وسلم لـ علي وفاطمة عند النوم. وجاء نوع ثالث: أنه يقول: سبحان الله ثلاثاً وثلاثين، والحمد لله ثلاثاً وثلاثين، والله أكبر ثلاثاً وثلاثين، وليس فيه تمام المائة، كما جاء في صحيح البخاري حينما علم النبي صلى الله عليه وسلم فقراء المهاجرين قال: (تسبحون الله دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين، وتحمدون الله ثلاثاً وثلاثين، وتكبرون ثلاثاً وثلاثين) وليس فيه تمام المائة قول: لا إله إلا الله إلخ. وجاء أيضاً نوع رابع: وهو أن يقول: سبحان الله خمساً وعشرين، والحمد لله خمساً وعشرين، ولا إله إلا الله خمساً وعشرين، والله أكبر خمساً وعشرين، فهذه مائة. وجاء أيضاً نوع خامس: وهو أن يقول: سبحان الله عشراً، والحمد لله عشراً، ولا إله إلا الله عشراً، فتكون ثلاثين وهذه أقلها، وفي هذا جاءت بعض الأحاديث. وقول ثوبان: (كان رسول الله إذا انصرف من صلاته يقول: أستغفر الله ثلاثاً)، يشمل النافلة والفريضة في الظاهر، لكن مراده الفريضة، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينصرف من الفريضة ويقول هذا الذكر، ولو قال ذلك بعد الانصراف من النفل فلا بأس. وهذه الأذكار سنة مؤكدة، ومشروعة، ومشروع للمسلم أن يداوم عليها. وإذا كان مستعجلاً وأخذ الذكر الأخير فقال: سبحان الله عشراً، والحمد لله عشراً، والله أكبر عشراً، والشيخ محمد العثيمين يقول: إنه يفعل هذا إذا كان مسافراً أو مثلاً إذا جمع بين الصلاتين. وأما بالنسبة لعقد التسبيح فباليد اليمنى، ويقول: اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام، أما قول: (تعاليت) فما ثبتت في السنة فيقول: تباركت يا ذا الجلال والإكرام، لا يوجد (تعاليت)، وكذلك أيضاً: سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، قال هنا: وتعالى، لكن جاءت في موضع آخر (تباركت ربنا وتعاليت) وهذا في القنوت، حيث علم النبي صلى الله عليه وسلم الحسن بن علي أن يقول هذه الدعوات: (اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا شر ما قضيت، فإنك تقضي ولا يقضى عليك، إنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت)، فهذا جاء في دعاء القنوت، وأما بعد السلام من الصلاة لا يوجد (وتعاليت) وإنما: تباركت يا ذا الجلال والإكرام. وأنواع الأذكار وأنواع الأذان وأنواع الاستفتاحات لا يجمع بينها، بل يُختار واحد منها.

كتاب الصلاة [4]

شرح عمدة الفقه_كتاب الصلاة [4] إن الله سبحانه وتعالى رحيم بعباده رفيق بهم، والصلاة من أعظم فرائضه سبحانه عليهم، ومع ذلك خفف عنهم بعض أركانها، فمثلاً المريض خفف عنه ركن القيام إن لم يقدر عليه، بل سائر المكلفين إن شاءوا الصلاة قعوداً في النافلة فلهم ذلك، ومن رحمة الله بالعباد في الصلاة أن من سها عن أداء واجب من واجباتها جبره بسجدتي السهو.

أركان الصلاة

أركان الصلاة

مع القدرة

مع القدرة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب أركان الصلاة وواجباتها. أركانها اثنا عشر: الأول: القيام مع القدرة]. وهذا بالإجماع، فلا تصح الفريضة من الجالس إذا كان يقدر، إلا المؤتمون إذا كان إمام الحي مريضاً وصلى قاعداً فإنهم يصلون خلفه قعوداً، كما سبق في صحيح مسلم استحبابه. هذا ركن بالإجماع، فلا تسقط سهواً ولا عمداً ولا جهلاً، فلابد من القيام، فإن عجز عن القيام صلى قاعداً، فإن عجز صلى على جنبه الأيمن، فإن عجز صلى مستلقياً ووجهه إلى القبلة، كما جاء في حديث عمران بن حصين: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (صل قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب)، زاد النسائي: (فإن لم تستطع فمستلقياً)، تكون رجلاه إلى القبلة، فإذا صلى قاعداً في الفريضة وهو يستطيع فصلاته باطلة بالإجماع، فلابد من القيام مع القدرة.

تكبيرة الإحرام

تكبيرة الإحرام قال المؤلف رحمه الله تعالى: [الثاني: وتكبيرة الإحرام]. وهذه ركن بالإجماع، فلا تنعقد الصلاة إلا بها، فمن لم يكبر تكبيرة الإحرام لا تنعقد صلاته. ولا يجزي إلا قول: (الله أكبر)، فلو قال: الله الأجل أو الله الأعظم، لا يجزئ هذا، خلافاً لما روي عن بعض الأحناف أنه يجزي أن يقول: الله أكبر الله أجل، وهذا قول ضعيف لا وجه له. أما الجلوس في النافلة فيجوز، فلك أن تصلي جالساً ولو كنت مستطيعاً على القيام، لكن لك نصف أجر القائم، ويجوز للإنسان أن يصلي النافلة قاعداً، كالراتبة في الليل وصلاة الضحى والوتر ونحوهن، لكن ليس لك من الأجر إلا النصف، إلا إذا كنت عاجزاً فأجرك تام؛ كما ثبت من حديث أبي موسى: (إذا مرض العبد أو سافر كتب الله له ما كان يعمل صحيحاً مقيماً).

قراءة الفاتحة

قراءة الفاتحة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [الثالث: وقراءة الفاتحة]. قراءة الفاتحة ركن أيضاً بالإجماع بالنسبة للإمام؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) فهي ركن في حق الإمام. أما المأموم ففيه اختلاف كما سبق، فمن العلماء من قال: تسقط عن المأموم في الصلاة السرية والنافلة. وقال آخرون: تجب عليه في السرية دون الجهرية. وقال آخرون: تجب عليه في السرية ولا تجب في الجهرية، وهذا مذهب الجمهور، ويستدلون بحديث: (من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة). وقال آخرون: إنها واجبة في حق المأموم، يعني: أقل من الركن، ولا تسقط لا في السرية ولا في الجهرية؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لعلكم تقرءون خلف إمامكم؟ قالوا: نعم، قال: لا تفعلوا إلا بأم القرآن، فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها) فتكون مستثناة من قوله: (لا صلاة لمنلم يقرأ بفاتحة الكتاب)، وهذا في حق المأموم، أي: أنه واجب مخصص. لكن إذا أدرك الإمام راكعاً سقطت عنه؛ لحديث أبي بكرة: أنه لما جاء والنبي صلى الله عليه وسلم راكع كبر دون الصف، ثم دب دبيباً فدخل في الصف، فلما سلم النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (زادك الله حرصاً ولا تعد) ولم يقل: أعد الركعة، فدل على أن المأموم إذا أدرك الإمام راكعاً سقطت عنه الفاتحة، وكذلك إذا أدرك الإمام في آخر القيام ولم يتمكن من قراءتها أو نسي قراءتها أو قلد من يقول: إنها ليست واجبة فإنها تسقط عنه في هذه الحالة. وقال آخرون: إنها لا تسقط مطلقاً حتى في حق من أدرك الإمام راكعاً، وإذا أدرك الإمام راكعاً فإنه يقضي تلك الركعة، وهذا اختيار البخاري رحمه الله وجماعة، وألف في هذا رحمه الله رسالة سماها: جزء القراءة، ذكر فيها الأدلة، ورجح أن القراءة لا تسقط عن المأموم بحال مطلقاً، ومن لم يقرأ الفاتحة يقضي الركعة ولو أدرك الإمام راكعاً، لكن المعروف عند المحققين -وورد فيه جمع من الأحاديث- أن المأموم إذا أدرك الإمام راكعاً سقطت عنه وأدرك الركعة؛ لحديث أبي بكرة.

الركوع والرفع منه

الركوع والرفع منه قال المؤلف رحمه الله تعالى: [الرابع: والركوع، الخامس: والرفع منه]. الركوع أيضاً ركن لابد منه؛ لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} [الحج:77]، والواجب في الركوع أن يهوي حتى تصل يداه إلى ركبتيه قبل رفع الإمام رأسه، وكونه يمد صلبه ويجعل رأسه حيال ظهره هذا مستحب، وهو الأكمل في الركوع، وهذا ركن لابد منه، لا يسقط لا جهلاً ولا سهواً ولا عمداً. كذلك لابد من الرفع من الركوع.

السجود على سبعة أعضاء

السجود على سبعة أعضاء قال المؤلف رحمه الله تعالى: [السادس: والسجود على السبعة الأعضاء]. السجود على الأعضاء السبعة ركن لا تتم الصلاة إلا به، والأعضاء السبعة هي: اليدان، والركبتان، وأطراف القدمين، والجبهة والأنف، فهما واحد، ولابد أن يسجد عليها كلها، فإن سجد على ستة أعضاء من أول السجود إلى آخره بطلت السجدة، وإذا رفع أحد الأعضاء من أول السجود إلى آخره ما صحت السجدة. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أمرت أن أسجد على سبعة أعظم، اليدين، والرجلين، وأطراف القدمين، وأشار إلى جبهته وأنفه) وفي بعضها: (أمر الناس أن يسجدوا على سبعة آراب) يعني: أعضاء. وإذا لم يسجد على السبعة الأعضاء سقطت السجدة، فإذا أمكن الإعادة فيعيد، وإذا تجاوزها تبطل الركعة ويأتي بدلها بركعة أخرى.

الرفع من السجود والطمأنينة والتشهد الأخير والجلوس له

الرفع من السجود والطمأنينة والتشهد الأخير والجلوس له قال المؤلف رحمه الله تعالى: [السابع: والجلوس عنه]. يعني: الرفع من السجود والجلوس. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [الثامن: والطمأنينة في هذه الأركان]. الطمأنينة: هي الركود والسكون حتى يعود كل مفصل إلى موضعه. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [التاسع: والتشهد الأخير، العاشر: والجلوس له]. التشهد الأخير والجلوس فيه هذان ركنان، والقراءة في التشهد ركن أيضاً.

التسليمة الأولى

التسليمة الأولى قال المؤلف رحمه الله تعالى: [الحادي عشر: والتسليمة الأولى]. التسليمة الأولى، أما التسليمة الثانية فهي مستحبة على هذا القول، والقول الثاني والمذهب الذي نص عليه فيه: والتسليمتان، أي: أنهما ركن، وهنا قال: التسليمة الأولى، فهي الواجبة عند الجمهور والتسليمة الثانية فيها اختلاف، وأوجبها بعض العلماء؛ ولهذا لو سلم المأموم قبل التسليمة الأولى ما صحت صلاته، فإن سلم بعد التسليمة الأولى ففيه اختلاف.

الترتيب

الترتيب قال المؤلف رحمه الله تعالى: [الثاني عشر: وترتيبها على ما ذكرناه]. يعني: الترتيب على ما سبق، وقد أسقط بعض الأركان هنا. والشيخ محمد بن عبد الوهاب ذكر أركان الصلاة أربعة عشر ركناً، وذكر منها: الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، والاعتدال بعد الركوع، وكذلك الاعتدال بين السجدتين، ولم يذكر الترتيب بين الأركان، فتكون أربعة عشر ركناً. والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم جعلها هنا واجبة. والقول الثاني وهو المذهب: أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ركن من أركان الصلاة، وهنا لم يعدها من الأركان، وإنما عدها من الواجبات، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فيها اختلاف فقيل: إنها ركن، وقيل: إنها واجب، وقيل: إنها سنة، والأقرب: أنها واجبة كما ذكر صاحب العمدة. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [قال: فهذه الأركان لا تتم الصلاة إلا بها]. فلا تسقط سهواً ولا عمداً ولا جهلاً، بل لابد من الإتيان بها، لكن إذا ترك شيئاً منها -ركعة أو سجدة- ناسياً ثم تذكر فيأتي به وبما بعده، فإن لم يذكره حتى وصل إلى مكانه من الركعة الثانية ألغيت الركعة الأولى وصارت التي بعدها عوضاً عنها.

واجبات الصلاة

واجبات الصلاة

التكبير غير تكبيرة الإحرام

التكبير غير تكبيرة الإحرام قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وواجباتها سبعة: التكبير غير تكبيرة الإحرام]. هذا الواجب إن سقط سهواً يجبر بسجود السهو، أما عمداً فيبطل الصلاة، أما الركن فلا يسقط سهواً ولا عمداً ولا جهلاً ولا يسقط بشيء، بل لابد من الإتيان به. أما الواجب فإذا تركه سهواً جبره بسجود السهو، وذلك بأن يسجد سجدتين، وإن تركه عمداً بطلت الصلاة. إذاً: فمن واجبات الصلاة: التكبيرات غير تكبيرة الإحرام، يعني: تكبيرات الانتقال كالركوع والسجود والرفع والقيام، فجميع التكبيرات غير تكبيرة الإحرام واجبة.

التسبيح في الركوع والسجود مرة مرة

التسبيح في الركوع والسجود مرة مرة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والتسبيح في الركوع والسجود مرة مرة]. التسبيح الواجب مرة، وأدنى الكمال ثلاث، وأعلاه في حق الإمام عشر تسبيحات، وقد سبق أن النبي صلى الله عليه وسلم يحسب له في الركوع والسجود عشر تسبيحات مع التدبر، كما ذكر أنس، وأن الصحابة يحسبون له في الركوع والسجود عشر تسبيحات مع التدبر، مع دعاء: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي، وكان إذا رفع رأسه من الركوع وقف حتى يقول القائل: قد نسي أو قد أوهم، وإذا رفع رأسه من السجود جلس حتى يقول القائل: قد نسي أو قد أوهم.

التسميع والتحميد في الرفع من الركوع

التسميع والتحميد في الرفع من الركوع قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والتسميع والتحميد في الرفع من الركوع]. التسميع: قول: سمع الله لمن حمده، وهذا واجب من واجبات الصلاة. والتحميد قول: ربنا ولك الحمد، وهذا واجب، والتسميع في حق الإمام، أن يقول: سمع الله لمن حمده، وقول: ربنا ولك الحمد في حق الإمام والمأموم والمنفرد جميعاً. قال آخرون من أهل العلم: إن المأموم يقول أيضاً: سمع الله لمن حمده، فيجمع بينهما، وأظن هذا مذهب الشافعي، لكن هذا قول مرجوح. والصواب: أن في حق الإمام التسميع، والمأموم يقول: ربنا ولك الحمد، وكذلك الإمام والمنفرد جميعاً. والدليل على هذا ما ثبت بالأحاديث الصحيحة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا كبر الإمام فكبروا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: ربنا ولك الحمد) ولم يقل: فقولوا: سمع الله لمن حمده، فدل على أن المأموم لا يقول: سمع الله لمن حمده، إنما هذا في حق الإمام، ومعنى سمع أي: استجاب، والسماع: معناه الاستجابة، أي: استجاب الله لمن حمده، ولأن الإمام يقول: سمع الله لمن حمده فيجيب نفسه ويجيبه المأمومون: ربنا ولك الحمد.

قول (رب اغفر لي) بين السجدتين

قول (رب اغفر لي) بين السجدتين قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقول: رب اغفر لي بين السجدتين]. كذلك يقول: رب اغفر لي مرة، والمستحب ثلاث مرات. وهذه التكبيرات والتسبيح والتحميد وقول: سبحان ربي العظيم في الركوع، وسبحان ربي الأعلى في السجود كلها واجبة عند الحنابلة، وهي عند الجمهور مستحبة، فلو تركها فلا شيء عليه، ولكن ظاهر السنة أنها واجبة، كما ذهب إلى ذلك الحنابلة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم حافظ عليها وقال: (صلوا كما رأيتموني أصلي).

التشهد الأول والجلوس له

التشهد الأول والجلوس له قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والتشهد الأول]. كذلك التشهد الأول واجب من واجبات الصلاة، والدليل على أنه واجب أن النبي صلى الله عليه وسلم -كما في حديث عبد الله بن بحينة - لما ترك التشهد سجد له سجدتين، فدل على أنه واجب ولو كان ركناً لما سجد له. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والجلوس له]. كذلك الجلوس للتشهد الأول.

الصلاة على النبي في التشهد الأخير

الصلاة على النبي في التشهد الأخير قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأخير]. الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم واجبة في التشهد الأخير. والمؤلف مشى هاهنا على طريقة صاحب الزاد، والشيخ محمد بن عبد الوهاب مشى على أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ركن من أركان الصلاة. وعلى القول بأنها ركن: لو ترك الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ما صحت الصلاة، وعلى القول بأنها واجبة إذا ترك الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم سجد سجدتين وأجزأه ذلك. وهناك قول ثالث: وهو أنها سنة، فهذه ثلاثة أقوال لأهل العلم: ركن، واجب، مستحب، وأعدلها القول في حكم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ما ذهب إليه صاحب العمدة هنا، والشيخ محمد بن عبد الوهاب عده من الأركان في رسالة: شروط الصلاة، والمذهب أنها ركن.

الفرق بين الركن والواجب والسنة

الفرق بين الركن والواجب والسنة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فهذه إن تركها عمداً بطلت صلاته، وإن تركها سهواً سجد لها]. وهو الحق: فإنه لو تركها عمداً بطلت الصلاة، ومن المعلوم أن الرسول ما يتعمد الترك، فإن تركها سهواً جبرها بسجدتي السهو. أما الأركان: فإنها لا تسقط سهواً ولا جهلاً ولا عمداً، هذا الفرق بينهما. وأما السنة: فإذا تركها سهواً أو عمداً فلا يؤثر ولا يجبرها بالسجود، وإن سجد في ترك المستحب فلا بأس. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وما عدا هذا فسنن لا تبطل الصلاة بعمدها ولا يجب السجود لسهوها]. مثل الزيادة على التسبيحة في الركوع والسجود، والزيادة على قول: رب اغفر لي، والاستفتاح، ورفع اليدين أيضاً عند تكبيرة الإحرام، والركوع والرفع منه، والقيام بعد التشهد الأول والتورك، فهذه كلها مستحبات.

أحكام السجود وأنواعه

أحكام السجود وأنواعه

حكم زيادة فعل من جنس الصلاة كركعة أو ركن

حكم زيادة فعل من جنس الصلاة كركعة أو ركن قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب: سجود السهود. والسهو على ثلاثة أضرب: أحدها: زيادة فعل من جنس الصلاة كركعة أو ركن؛ فتبطل الصلاة بعمده، ويسجد لسهوه]. قوله: (السجود على ثلاثة أضرب)، يعني: يشرع سجود السهو لواحد من ثلاثة أمور: الزيادة، والنقص، والشك. فإذا زاد في الصلاة أو نقص منها أو شك فإنه يسجد للسهو سجدتين، والزيادة مثل لها النبي صلى الله عليه وسلم كأن زاد ركعة خامسة في الرباعية، أو رابعة في الثلاثية -المغرب- أو ثالثة في الفجر والجمعة والنافلة والعيد والاستسقاء، فإنه في هذه الحالة يجب عليه أن يسجد للسهو، وإذا زاد ركوعاً أو سجوداً أو قياماً سهواً فإنه يسجد كذلك للسهو. فيشرع للمصلي أن يسجد سجدتي السهو إذا فعل واحداً من هذه الأمور الثلاثة: إذا زاد في صلاته أو نقص أو شك. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أحدها: زيادة فعل من جنس الصلاة كركعة أو ركن فتبطل الصلاة بعمده ويسجد لسهوه]. أي: إذا تعمد زيادة ركعة بطلت الصلاة، ولا يمكن من المسلم أن يتعمد زيادة ركوع أو سجود أو ركعة، وإنما يفعل هذا عن سهو أو جهل، فإذا تعمد بطلت الصلاة، وإذا وقع سهواً سجد سجدتين للسهو قبل السلام أو بعده على ما يأتي التفصيل. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وإن علم وهو في الركعة الزائدة جلس في الحال]. أي: إذا علم وتذكر أنها زائدة يجلس في الحال ولا يكملها، كمثل أن يأتي بخامسة فقرأ الفاتحة ثم تذكر، فيجلس في الحال ويتشهد -إن كان ما تشهد- ويسلم، وإن كان تشهد يسجد سجدتين.

حكم إنقاص شيء من الصلاة

حكم إنقاص شيء من الصلاة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وإن سلم عن نقص في صلاته أتى بما بقي عليه منها ثم سجد]. أي: إذا نقص من صلاته فإنه يأتي بما بقي عليه، ثم يسجد، ثم يسلم، ثم يسجد سجدتين، ثم يسلم، والسجود كله يكون قبل السلام إلا في حالتين: إذا سلم عن نقص، وإذا بنى على غالب ظنه. أما الحالة الأولى: فكما ثبت في حديث أبي هريرة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى إحدى صلاتي العشي ركعتين، ثم سلم، ثم قام إلى خشبة معروضة في مؤخر المسجد واتكأ عليها كأنه غضبان) والصحابة سكتوا ما نبهوه؛ لأنهم ظنوا أنه نزل عليه الوحي فقصرت الصلاة، فسكت الصحابة، والصفوف على حالها، (فجاء رجل في يديه طول يقال له: ذو اليدين -وهو الخرباق - وقال: يا رسول الله! أنسيت أم قصرت الصلاة؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لم أنس ولم تقصر، فقال الخرباق: بلى، قد كان بعض ذلك) يعني: إما نسيت وإما قصرت الصلاة، والنبي صلى الله عليه وسلم مستمر في نسيانه، وهذا من حكمة الله حتى يكون تشريعاً للأمة، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم سلم وقال: (أحق ما يقول ذو اليدين؟ قالوا: نعم)، وهذا الكلام في أثناء الصلاة إنما هو لمصلحة الصلاة فلا يضر، (ثم جلس النبي صلى الله عليه وسلم واستقبل القبلة، فقام وأتى بركعتين، ثم سلم، ثم سجد سجدتين ثم سلم)، فدل هذا على أن المصلي إذا سلم عن نقص فإنه يأتي بما نقص من صلاته ويكمل صلاته، ثم يسلم، ثم يسجد سجدتين، ثم يسلم، فهذه الحالة الأولى. وأما الحالة الثانية: فكما في حديث ابن مسعود بمعناه: (إذا شك أحدكم فليتحر الصواب وليتم ما عليه، ثم ليسلم، ثم يسجد سجدتين بعد أن يسلم). أما إذا لم يكن عنده غلبة الظن فإنه يبنى على اليقين، ويسجد قبل السلام، كأن شك أصلى ركعتين أم ثلاثاً، وما عنده غلبة الظن، فيجعلها ركعتين -وهو اليقين والأقل- ويسجد سجدتين قبل السلام، وكما لو شك في الطواف أو السعي فإنه يبني على اليقين وهو الأقل.

حكم فعل ما ليس من جنس الصلاة

حكم فعل ما ليس من جنس الصلاة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولو فعل ما ليس من جنس الصلاة لاستوى عمده وسهوه]. يعني: الحركات، إذا كثرت في صلاته أبطلت الصلاة، وإن سجد للسهو عنها. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فإن كان كثيراً أبطلها، وإن كان يسيراً كفعل النبي صلى الله عليه وسلم في حمله أمامة وفتحه الباب لـ عائشة فلا بأس به]. وهذا يسير، فحمل النبي صلى الله عليه وسلم أمامة بنت العاص بن الربيع -وهي بنت ابنته زينب وهو في الصلاة، فإذا قام حملها وإذا سجد وضعها وهو يؤم الناس في الصلاة- عمل يسير. وكما فعل النبي صلى الله عليه وسلم لما صلى على المنبر يعلم الناس، حيث كبر وهو على المنبر وركع، ثم لما أراد السجود رجع القهقهرى -أي: تأخر- ثم سجد في الأرض، ثم قام وصعد المنبر، وقال: (إنما فعلت هذا لتأتموا بي ولتعلموا صلاتي)، فإذا كان الإنسان يفعله للتعليم فلا بأس. كفتح النبي صلى الله عليه وسلم الباب لـ عائشة، وكان الباب في جهة القبلة، فتقدم خطوات وفتح الباب، وهذا شيء يسير أيضاً. ومثله أيضاً: الإشارة بالسلام، أي: إذا سلم أحد على المصلي فإنه يعطي الإشارة باليد. ومثلما فعلت عائشة في صلاة الكسوف لما جاءت أسماء وقالت: ماذا حدث؟ والناس يصلون، فأشارت عائشة بيديها إلى السماء. فقالت أسماء: آية؟ قالت برأسها: نعم، وهذا من الإشارة، فلا بأس بالإشارة بالرأس أو باليد في الصلاة. أما إذا كانت الحركات كثيرة فلا تصح، كأن يلتفت عن يمينه أو عن يساره وأمامه. أما مسألة: صلاة الخوف فهذه لها أحكام خاصة، كما سبق من قول الإمام أحمد أن صلاة الخوف ثبتت من ستة أوجه أو سبعة كلها جائزة، وفيها حركات في بعض الصفات، وصفهم صفين، فإذا كان العدو جهة القبلة صلوا جهة القبلة، وإذا كان في غير جهة القبلة سقط استقبال القبلة من أجل الانتباه للعدو. وصفهم في بعض الصفات صفين فكبر ثم ركع وركعوا، ثم سجد وسجد الصف الذي يليه وبقي الصف الثاني يحرس، ثم لما قام النبي صلى الله عليه وسلم إلى الركعة الثانية تقدم الصف الثاني وتأخر الصف الأول، ثم ركع وركعوا جميعاً، ثم سجد الصف الثاني الذي كان هو الأول، وسجد الصف الأول الذي كان هو الصف الثاني، ثم ثبت جالساً وأكملت كل طائفة لنفسها. وفي بعض الصفات: أنه صلى بطائفة ركعتين، بالطائفة الأخرى ركعتين، وجاء في بعضها صلاة الطالب أو صلاة المطلوب وهو يعدو، أي: إذا كان يلحقه العدو فيخشى أن يدركه فيصلي وهو يعدو، وقد جاء في حديث ابن عباس: (صلاة الخائف ركعة) حتى قال بعض العلماء: إنه عند المسايفة يعني: عند قطع الرقاب بالسيوف تكفي تكبيرة واحدة، وفي هذا كلام يأتي إن شاء الله في صلاة الخوف.

النقص كنسيان واجب

النقص كنسيان واجب قال المؤلف رحمه الله تعالى: [الضرب الثاني: النقص كنسيان واجب]. أي: إذا نسي واجباً مثل أن ينسى التشهد الأول، أو تسبيحات الركوع والسجود -على القول الصحيح أنها واجبة- فإنه يسجد للسهو. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فإن قام عن التشهد الأول فذكر قبل أن يستتم قائماً رجع فأتى به، وإن استتم قائماً لم يرجع]. إذا نسي التشهد الأول فله أحوال ثلاثة: الحالة الأولى: أن يذكر قبل أن يستتم قائماً، فيجب عليه الرجوع. الحالة الثانية: أن يذكر بعد أن يستتم قائماً وقبل أن يشرع في القراءة، وهنا يكره له الرجوع، وإذا رجع فلا بأس لكنه مكروه. الحالة الثالثة: أن يشرع في قراءة الفاتحة، فيحرم عليه الرجوع في هذه الحال؛ لأنه تلبس بركن جديد، وعليه في جميع الأحوال أن يسجد للسهو سجدتين قبل أن يسلم، لما جاء في حديث عبد الله بن بحينة أن النبي صلى الله عليه وسلم نسي التشهد الأول ثم سجد سجدتين قبل أن يسلم، ففي حديث عبد الله بن بحينة (أنه -صلى الله عليه وسلم- نسي التشهد الأول، فلما جلس للتشهد الأول انتظر الناس تسليمه، سجد سجدتين قبل أن يسلم). قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وإن نسي ركناً فذكره قبل شروعه في قراءة ركعة أخرى رجع فأتى به وبما بعده]. إذا ترك ركناً مثل الركوع ثم سجد، أو نسي قراءة الفاتحة وهو إمام أو منفرد وذكر وهو في الركوع فيرجع مرة ثانية، كأن ركع فتذكر أنه ما قرأ الفاتحة فيرجع إلى الوقوف ويقرأ الفاتحة، أو كان في السجود فنسيه ولم يذكر حتى شرع في الركعة التي بعدها ألغيت الركعة الأولى وصارت التي بعدها عوضاً عنها، ويسجد سجدتين في آخر صلاته قبل السلام. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وإن نسي ركناً فذكره قبل شروعه في قراءة ركعة أخرى رجع فأتى به وبما بعده، وإن ذكره بعد ذلك بطلت التي تركه منها]. أي: إذا لم يذكر حتى شرع في الركعة الأخرى بطلت الركعة التي ترك منها الركن، وصارت التي بعدها عوضاً عنها، فيأتي بدلها بركعة، ويأتي في آخر صلاته بركعة. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وإن نسي أربع سجدات من أربع ركعات فذكر في التشهد سجد في الحال، فصحت له ركعة ثم يأتي بثلاث ركعات]. قد تحصل هذه الحالة وإن كانت نادرة، أي: إنسان صلى الظهر أربع ركعات منفرداً مثلاً، لكنه لم يسجد في كل ركعة إلا سجدة نسياناً، فالركعة الأولى سجد سجدة، ثم قام إلى الركعة، والثانية سجد سجدة ثم قام، والثالثة سجد سجدة ثم قام، والرابعة سجد سجدة ثم جلس للتشهد الأول، ولما أراد أن يسلم تذكر أنه ما سجد في كل ركعة إلا سجدة، فيسجد سجدة في الحال فتصح الركعة الأخيرة هذه ويأتي بثلاث ركعات، وهذا نادر، أي: أن يصلي أربع ركعات ويسجد أربع سجدات، وهذا وإن كان نادراً لكنه قد يحصل ممن كان كثير النسيان، ففي كل ركعة ما يسجد إلا سجدة، فيظن أنه سجد سجدتين ولم يتذكر إلا قبل السلام، فيسجد سجدة في الحال وتصح الركعة الأخيرة، وتبقى الثلاث الركعات فيأتي بها، فيكون صلى ثمان ركعات في الظاهر.

الشك

الشك قال المؤلف رحمه الله تعالى: [الضرب الثالث: الشك، فمتى شك في ترك ركن فهو كتركه]. فإذا شك هل ركع أم لا؟ فيعتبر أنه ما ركع، وكذا إن شك هل قرأ الفاتحة أم لا؟ فيقرأها، فالشك في ترك الركن كتركه، إلا إذا كان كثير الوسواس والشكوك فيبطل الوسواس؛ لأن هذا معناه أن لا يسلم له شيء، فقد يشك في كل شيء حتى في الركعة التي يأتي بها، أي: يشك فيها. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ومن شك في عدد الركعات بنى على اليقين، إلا الإمام خاصة فإنه يبني على غالب ظنه]. لأن له من ينبهه، فإذا شك الشخص في عدد الركعات يبني على غلبة الظن إن كان عنده غلبة الظن، وإن لم يكن عنده غلبة ظن بنى على اليقين وهو الأقرب، إلا الإمام فإنه يبني على غلبة الظن؛ لأن له من ينبهه خلفه من المصلين، بخلاف المنفرد، والمأموم تابع الإمام. والمنفرد: هو الذي ليس له من ينبهه، فيبني على غلبة ظنه، لكن هذا فيه نظر، فقد يقال: إن الإمام يبني على اليقين إذا كان عنده شك، وإذا كان عنده غلبة ظن يبني على غلبة ظنه، لكن إذا لم يكن عنده غلبة ظن فيبني على اليقين، وإن كان عنده غلبة ظن بنى عليه، فإن شك أصلاً ثلاثاً أو أربعاً وغلبة الظن ثلاث يجعلها ثلاثاً، لكن إذا لم يكن عنده غلبة ظن فإنه يبني على اليقين، سواء أكان إماماً أم مأموماً، وليس هذا خاصاً بالإمام. وقول المؤلف رحمه الله تعالى: [إلا الإمام خاصة فإنه يبني على غالب ظنه]. هذا ليس خاصاً بالإمام، بل حتى غير الإمام إذا كان عنده غلبة ظن فإنه يعمل على غلبة الظن؛ لما جاء في حديث ابن مسعود: (فليتحر الصواب وليتم ما عليه). أي: إذا كان عنده غلبة ظن فيعمل به، أما إذا ما كان عنده غلبة ظن فيعمل باليقين، وهو الأقل سواء أكان إماماً أم غير إمام أم منفرداً. وقد ورد عن الإمام أحمد رحمه الله تعالى أنه قال: يبني على غلبة ظنه إماماً كان أو منفرداً، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى. وهذا هو الصواب، أي: أنه يبني على غلبة الظن سواء كان إماماً أو منفرداً، أما المأموم فهو تبع للإمام. وظاهر حديث ابن مسعود: (فليتحر الصواب وليتم ما عليه) عام ما خص به الإمام، أما حديث أبي سعيد فيعمل فيه بالأقل؛ لأنه ما عنده غلبة ظن، أما حديث ابن مسعود فيعمل فيه بغلبة الظن. وإن شك في عدد الركعات بنى على اليقين؛ لما روى أبو سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر كم صلى ثلاثاً أو أربعاً فليطرح الشك وليبن على ما تيقن، ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم). وهذا إذا لم يكن عنده غلبة ظن، والصواب: أن غلبة الظن العمل به عام للإمام وغيره. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولكل سهو سجدتان قبل السلام إلا من سلم عن نقص في صلاته، والإمام إذا بنى على غالب ظنه]. كل سهو له سجدتان، وليس المراد أنه إذا سها عدة مرات في الصلاة يسجد سجدتين لكل مرة، بل لو سها عدة مرات فيسجد سجدتين فقط ولا يكرر سجود السهو، وقوله: (ولكل سهو سجدتان) يوهم أنه إذا تكرر السهو تكرر السجود، هي سجدتان سواء سها مرة أو مرتين أو ثلاثاً.

بيان موضع السجود

بيان موضع السجود قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولكل سهو سجدتان قبل السلام إلا من سلم عن نقص في صلاته، والإمام إذا بنى على غالب ظنه، والناسي للسجود قبل السلام، فإنه يسجد سجدتين بعد سلامه ثم يتشهد ويسلم]. هذا فيه بيان موضع السجود، أنه يكون كله قبل السلام إلا في ثلاث حالات ذكرها: الحالة الأولى: إذا سلم عن نقص كما سبق في حديث أبي هريرة. الحالة الثانية: إذا بنى الإمام على غالب ظنه، والصواب أنه ليس خاصاً بالإمام، فإذا سلم عن نقص يكون السجود بعد السلام، وإذا بنى على غالب ظنه إماماً أو منفرداً سجد بعد السلام. الحالة الثالثة: إذا نسي السجود، فعليه سجود قبل السلام، لكن إذا نسيه ولم يذكر إلا بعد السلام فيسجد بعد السلام، والناسي للسجود قبل السلام فإنه يسجد بعد السلام، وهذه حالة اضطرارية ليست باختياره، لكن الحالتان السابقتان منضبطتان، ولهذا ذكر أنهما حالتان: إذا بنى على غالب ظنه، وإذا سلم عن نقص. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فإنه يسجد سجدتين بعد سلامه ثم يتشهد ويسلم]. فهذا على أحد القولين أنه يتشهد، وجاء في بعض الأحاديث عند أبي داود أنه إذا كان السجود بعد السلام يسجد سجدتين ثم يتشهد ثم يسلم، فيكون تشهد مرتين: التشهد الأول الذي هو تشهد الصلاة، والثاني تشهده لسجود السهو. والصواب: أنه لا يتشهد للسهو وإنما يسجد سجدتين ثم يسلم؛ لأن الحديث الذي فيه أنه يتشهد ضعيف، فليس هناك إلا تشهد واحد.

حكم سجود السهو للمأموم

حكم سجود السهو للمأموم قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وليس على المأموم سجود سهو إلا أن يسهو إمامه فيسجدَ معه]. أي: ليس على المأموم سجود للسهو إلا إذا سها الإمام فإنه يسجد تبعاً له، وإلا إذا كان فاته بعض الصلاة كأن فاتته ركعة فأكثر، ثم سها سواء كان السهو مع الإمام أو فيما انفرد به فإنه يسجد سجدتين بعد أن يقضي ما فاته، أما إذا كان المأموم صلى مع الإمام من أول الصلاة ولم يفته شيء فإنه لا يسجد. وعلى المأموم أن يتابع الإمام في سجود السهو، سواء كان سجوده قبل السلام أو بعده، وإذا سجد الإمام فيسجد المأموم حتى لو عليه بقية ركعات فائتة فيسجد بدون ما يسلم، هذا هو الظاهر.

كيفية تنبيه الإمام إذا سها في صلاته

كيفية تنبيه الإمام إذا سها في صلاته قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ومن سها إمامه أو نابه أمر في صلاته فالتسبيح للرجال والتصفيق للنساء]. إذا ناب الإمام سهو في صلاته وكان معه رجال ونساء، فالرجال يسبحون أي: يقولون: سبحان الله! سبحان الله! والمرأة تصفق ببطن كفها الأيمن على ظهر كفها الأيسر، من باب التنبيه ولا تتكلم خشية أن يفتتن بصوتها، فالرجل يسبح والمرأة تصفق، هذا إذا كانت النساء قريبات كما كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، حيث كانت النساء خلف الرجال وليس هناك حاجز لا من جدار ولا من غيره ولا ستر؛ ولهذا في الحديث: (كان النساء يصلين مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الفجر متلفعات بمروطهن، لا يعرفهن أحد من الغلس). ومتى ما ذكر الإمام يسجد له، وعند كثير من الفقهاء أنه إذا طال الفصل أو أحدث أو فعل ما يناقض فإنه يسقط السجود، لكن على كل حال لو سجد فإنه حسن. وهل يستدل بتصفيق النساء في الصلاة إذا سها الإمام على أن صوت المرأة عورة؟ لا يستدل بهذا، وصوت المرأة ليس بعورة، وإنما يخشى من الفتنة بصوتها، ولو كان عورة ما أذن للنساء في استفتاء النبي صلى الله عليه وسلم وغيره، وإنما منع إذا كان صوتها فيه خضوع، قال تعالى: {فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ} [الأحزاب:32] ولو كان عورة لنهى الله عنه، وإنما نهى عن الخضوع وما نهى عن الصوت، قال تعالى: {فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ} [الأحزاب:32]، وهو كونها ترخم الصوت أو تتغنج في كلامها فيكون هذا سبباً في: {فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} [الأحزاب:32] أي: مرض الشهوة، ولكن إذا كان صوتاً عادياً فلا بأس بذلك. ويوجد الآن سجادة فيها تنبه المصلي إذا زاد في صلاته، وقد استفتى فيها واحد من الإخوان اللجنة الدائمة فجاء الرد قبل أيام: أنه ما يجوز استعمالها، وهذا من العجائب! وقد وضعوا لها إعلان بعنوان: لا خطأ بعد اليوم! وقد صوروا الإعلان في الجريدة، فالإنسان يعتمد على الآلة وهي غير منضبطة مهما كانت الحال، فلابد أن يتخللها خلل. مسألة: إذا صلى رجل مع الإمام من بداية الصلاة وفي الركعة الثانية أو الثالثة نسي المأموم ركناً خلف الإمام كأن ركع حتى قام من الركوع وهو ساه فيأتي به أو بما بعده ثم يلحق الإمام، فإن لم يفعل -أي: يركع- وسجد مباشرة خلف الإمام بطلت الركعة، ويأتي بركعة مكانها، لكن إذا لحق الإمام وأتى بالركوع فإنه لا يعيد الركعة؛ لأنه معذور، أما لو تعمد بطلت الصلاة.

كتاب الصلاة [5]

شرح عمدة الفقه_كتاب الصلاة [5] إن الله سبحانه رحيم بعباده، لذا أردف تشريع الفرائض بالنوافل؛ لأن من طبع الإنسان التقصير والذهول، فلا أحد يستطيع أن يأتي بالفرائض كاملة كما أراد الله إلا ما ندر، فيتقلب اللبيب في بحار الحسنات، وراحة الصلوات، والموفق من وفقه الله.

أنواع صلاة التطوع

أنواع صلاة التطوع

السنن الرواتب

السنن الرواتب قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب صلاة التطوع. وهي على خمسة أضرب أحدها السنن الرواتب: وهي التي قال ابن عمر رضي الله عنه: (عشر ركعات حفظتهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم: ركعتين قبل الظهر، وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب في بيته، وركعتين بعد العشاء في بيته، وركعتين قبل الفجر، حدثتني حفصة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا طلع الفجر وأذن المؤذن صلى ركعتين وهما آكدها)]. وهذه السنن الرواتب من صلاة التطوع، وسميت السنن الرواتب لأن الإنسان يرتبها ويستمر عليها، فينبغي للإنسان أن يحافظ عليها فهي مكملة للفرائض. وكما في حديث ابن عمر أنها عشر ركعات، وجاء في حديث أم حبيبة أنها اثنتا عشرة ركعة: أربع ركعات قبل الظهر، وركعتان بعدها، وركعتان بعد المغرب وركعتان بعد العشاء، وركعتان قبل الفجر، والحديث: هو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من حافظ على اثنتي عشرة ركعة في كل يوم وليلة بنى الله له بيتاً في الجنة)، والزيادة في حديث أم حبيبة صحيحة وثابتة، وتكون أربع ركعات قبل الظهر بسلامين، وركعتان بعدها، وركعتان بعد المغرب وركعتان بعد العشاء وركعتان قبل الفجر. وإذا صلى أربع ركعات بعد الظهر فهو أفضل، فيزيد أيضاً ركعتين؛ لما ثبت في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من صلى أربع ركعات قبل الظهر وأربعاً بعدها حرمه الله على النار) وليست من الرواتب، لكن إذا زاد ركعتين فيكون أفضل. وكذلك يشرع أن يصلي أربع ركعات قبل العصر لما جاء في الحديث: (رحم الله امرأً صلى قبل العصر أربعاً). وكذلك يسن أن يصلي ركعتين بعد كل أذان؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (بين كل أذانين صلاة! بين كل أذانين صلاة!). والسنن الرواتب تقضى إذا فاتت مادام الوقت باقياً، فإذا فاتت السنة القبلية بعد الظهر يصليها بعد الظهر إلى دخول وقت العصر، وسنة المغرب إلى مغيب الشمس، وسنة العشاء إلى نصف الليل، وسنة الفجر جاء ما يدل على أنها تصلى قبل الفجر مباشرة وتصلى أيضاً بعد طلوع الشمس، وثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يصلي بعد الفجر فقال: (آصبح أربعاً؟) فذكر أنه لم يصل ركعتين قبل الفجر؛ فسكت. وجاء ما يدل على أن النبي صلى بعد الشمس، فإذا كان الإنسان يتشاغل عنها يصليها بعد الفجر مباشرة، وإن أخرها إلى بعد طلوع الشمس فلا حرج، فهذا كله جائز. وإذا صلى سنة الظهر الأربع بسلام واحد فكثير من الفقهاء يرى أنه لا حرج، ولكن الأفضل أن يسلم لكل ركعتين، أما صلاة الليل فلا يجوز صلاة أربع مرة واحدة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (صلاة الليل مثنى مثنى) وهذا خبر بمعنى الأمر. أما صلاة النهار فقد جاء في رواية النسائي: (صلاة الليل والنهار مثنى مثنى)، وبعض العلماء قالوا: في كلمة: (والنهار) إنها غير ثابتة، فعلى هذا لا بأس أن يصلي أربعاً، لكن الأفضل أن يسلم لكل ركعتين، نرى الآن الأحناف وبعض العمال الباكستانيين يصلون أربع ركعات بسلام واحد، وترك هذا أولى. وأورد المؤلف رحمه الله تعالى نقلاً عن ابن عمر أنه قال: [حدثتني حفصة: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا طلع الفجر وأذن المؤذن صلى ركعتين) وهما آكدهما، ويستحب تخفيفهما، وفعلهما في البيت أفضل، وكذلك ركعتا المغرب]. ركعتا الفجر آكد السنن الرواتب؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها). وجاء في حديث وفيه ضعف: (لا تدعوهما ولو طردتكم الخيل). وركعتا الفجر صلاتهما في البيت أفضل إذا تيسر، وكان النبي يصليهما في بيته، وكان إذا أذن المؤذن وطلع الصبح جاء بلال إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فركع -أي: النبي صلى الله عليه وسلم- ركعتين ثم اضطجع على شقه الأيمن، ثم يخرج يصلي بالناس، فالأفضل إن تيسر صلاتهما في البيت، وإن لم يتيسر صلاهما في المسجد، وإذا صلاهما في البيت ثم جاء إلى المسجد وما أقيمت الصلاة فيصلي تحية المسجد، وكذلك سنة المغرب يصليها في بيته، بل الأفضل صلاة جميع السنن الرواتب في البيت؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (صلوا في بيوتكم، فإن أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة)، فهذا هو الأفضل إن تيسر ولاسيما ركعتي الفجر وركعتي المغرب. وسنة قبل المغرب ثابتة؛ لما في صحيح البخاري: أن الصحابة كان يبتدرون السواري بعد أذان المغرب فيصلون ركعتين. ولقوله صلى الله عليه وسلم: (صلوا قبل المغرب! صلوا قبل المغرب! صلوا قبل المغرب! ثم قال في الثالثة: لمن شاء) وقوله: (لمن شاء) كراهية أن يتخذها الناس سنة واجبة، ولو لم يقل: (لمن شاء) لصارت واجبة، فدل على أنها مستحبة. وهذا يدل على أن وقت المغرب واسع، وما يزعمه بعض الناس من أن وقت المغرب قصير لا يتسع إلا لثلاث ركعات ليس بصحيح، بل قد ثبت أن وقت المغرب إلى مغيب الشفق، أي: ما يقارب ساعة إلى ساعة وثلث. والمقصود: أنه واسع، وما يفعله بعض الناس من كونهم يبادرون إلى الصلاة، ولا يتمكن بعضهم من الوضوء الكامل فهذا خلاف الأولى، حتى أصبح الناس يقفون عند المؤذن، فبمجرد ما ينتهي المؤذن من الأذان يؤمر بإقامة الصلاة، وهذا غلط مخالف لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (صلوا قبل المغرب) والصحابة كانوا يبتدرون السواري، وما كان النبي صلى الله عليه وسلم ينكر عليهم وإن كان يبكر بالمغرب أكثر من غيرها، لكن ما كان يبادر هذه المبادرة الشديدة. وفي الحديث الآخر: (وبين أذانك وإقامتك قدر ما يفرغ الآكل من أكله، والمتوضئ من وضوئه) فينبغي مراعاة ذلك. أما في السفر فتسقط السنن الرواتب كراتبة الظهر والمغرب والعشاء إلا ركعتي الفجر؛ لكون النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يتركها حضراً ولا سفراً. والمسافر ليس عليه جمعة يصليها ركعتين، وإذا أتم الصلاة وأراد أن يسافر فلا بأس؛ لأن ابن عمر يقول: لو كنت متنفلاً أو مسبحاً لأتممت، فإذا أتم الصلاة مع الناس لا بأس.

صلاة الوتر

صلاة الوتر قال المؤلف رحمه الله تعالى: [الضرب الثاني: الوتر ووقته ما بين صلاة العشاء والفجر]. الوتر مستحب، وسنة مؤكدة؛ لحديث: (إن الله أمدكم بصلاة هي خير لكم من حمر النعم، الوتر ما بين صلاة العشاء إلى صلاة الفجر). والوتر أقله ركعة، ووقته بعد صلاة العشاء إلى طلوع الفجر، وإذا جمع بين الصلاتين -أي: المغرب والعشاء- جمع تقديم دخل وقت الوتر، وكما قلنا: أقله ركعة واحدة، يقرأ فيها الفاتحة وقل هو الله أحد، وإن أحب أن يقنت رفع يديه وقنت بعد الركوع، وإلا فالوتر يحصل ولو لم يقنت. والقنوت مستحب وأقله ركعة، وأفضل الصلاة ثلاث ركعات، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في الغالب اثنتا عشرة ركعة كما في حديث عائشة: (ما كان يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة) يعني: في الغالب، وثبت من حديث ابن عباس أنه أوتر بثلاث عشرة ركعة. وثبت أيضاً في صحيح البخاري: أنه كان يوتر في بعض الأحيان بسبع وأحياناً بتسع، لكن الغالب أنه يوتر بإحدى عشرة ركعة أو ثلاث عشرة، يسلم لكل ركعتين، هذا هو الأفضل، وإن أوتر بثلاث وسردها بسلام واحد فلا بأس، وكذلك إذا أوتر بخمس يسردها ولا يجلس إلا في آخرها، وكذلك له أن يسرد السبع الركعات، لكن يجلس في السادسة ويتشهد ثم يقوم ثم يأتي بالسابعة، وهو مخير في ذلك كله. أما إذا أوتر بتسع ركعات فلابد أن يجلس في الثامنة ويتشهد، ثم يقوم ويأتي بالتاسعة ويتشهد، أما اثنتا عشرة ركعة فلم يرد، أي: أنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه فعل ذلك، لكن ذكر صاحب الروض المربع وغيره أنه له أن يسرد إحدى عشرة ركعة، ويجلس في العاشرة ويتشهد ثم يقوم ويأتي بالحادية عشرة. وهذا في صلاة الليل إذا كان الإنسان يصلي وحده، أما إذا كان يصلي بالناس فلا يفعل هذا؛ لأن فيه مشقة على الناس، لكن إذا سرد ثلاث ركعات فلا بأس. المقصود: أن يصلي ثلاث ركعات غير سنة العشاء، فسنة العشاء راتبة، فيصلي ركعتين أو أربع، فلو صلى أربعاً بعد العشاء فلا بأس، ثم يصلي الوتر ركعة أو ثلاث ركعات غير سنة العشاء، وسنة العشاء هذه راتبة. ومحل القنوت في الوتر بعد الركوع، وأما قبله فقد جاء في حديث أنس، وفعله بعض الأئمة أي: قنت قبل الركوع، وقال: إنما قنت لأبين للناس أنه جائز. والأولى أن يكون بعد الركوع، وجاء في بعض حديث أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت قبل الركوع، لكن هذا قليل، والأحاديث الكثيرة وردت أنه قنت بعد الركوع، وهي السنة. وإذا صلى الوتر ثلاث ركعات فلابد أن يسردها ولا يجلس إلا في آخرها، ولا يشبهها بالمغرب، والتشهد مرة واحدة. والقنوت لا يداوم عليه، إنما الوتر هو الذي يستحب المداومة عليه. وإذا فاته الوتر يقضيه، (فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل إحدى عشرة ركعة، فإذا غلبه نوم أو وجع صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة). وإذا نام عن الوتر أو ما استطاع يقضيه من النهار في الضحى، لكن يشفعه بركعة، فإذا كان يوتر بخمس يصلي في الضحى ست ركعات، ويسلم لكل ركعتين، وإذا كان يوتر بتسع يصلي في الضحى عشر ركعات؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوتر بإحدى عشرة ركعة، فإذا غلبه نوم أو وجع صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة يداوم عليها. والسنة المداومة على الوتر، لكنه ليس بواجب، واستدل الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه على أن الوتر ليس بواجب بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصليها على الراحلة، فقال: ولو كان واجباً لنزل وصلى في الأرض؛ لأنه في الفريضة ما كان يصلي على الراحلة، وإنما كان يقف ويصلي على الأرض، أما النافلة فكان يصلي على راحلته حيث تتجه به، وكذلك الوتر كان يصليها على الراحلة، فكون النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الوتر على الراحلة فيه دليل على أنه ليس بواجب. وذهب الإمام أبو حنيفة إلى أن الوتر واجب، واحتج عليه البخاري بما تقدم آنفاً. أما القنوت فمستحب ولا ينبغي المداومة عليه، وإنما يفعله في بعض الأحيان ويتركه في أخر، والسلف ما كانوا يداومون عليه، وقد جاء ما يدل على أن القنوت في رمضان يكون في النصف الأخير منه، وهذا رأي بعض العلماء. والمقصود: أن القنوت ما يداوم عليه، لكن صلاة الوتر هي السنة المداوم عليها. مسألة: إذا أوتر في أول الليل، ثم يسر الله أن يقوم آخره فإنه يصلي ركعتين ركعتين ولا يزيد، كذلك إذا أوتر مع الإمام في رمضان ثم يسر الله له القيام في آخر الليل يصلي ما تيسر ولا يحتاج أن يوتر مرة ثانية؛ لقول النبي: (لا وتران في ليلة)، قال بعض العلماء: إنه يصلي ركعة وينوي بها أن يشفع الوتر في أول الليل، ثم يصلي ما تيسر، ثم يوتر من آخر الليل، هذا قول لكنه قول ضعيف؛ لأن معناه أنه نقض وتره السابق، وأوتر ثلاث مرات. والصواب: أنه لا حرج من الصلاة بعده، والأفضل أن يكون -أي: الوتر- آخر الليل، لكن لو لم يوتر آخره فلا حرج من الصلاة بعده، والدليل على هذا ثابت في صحيح مسلم: (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الوتر، ثم صلى بعده ركعتين)، فدل هذا على أن الصلاة بعد الوتر ليست حراماً. وأما قوله صلى الله عليه وسلم: (اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً) فهذا الأمر للاستحباب وليس للوجوب، فإذا أوتر أول الليل ثم قام آخره فإنه يصلي والحمد لله، ويكتفي بوتره السابق ولا يوتر مرة ثانية. وأما الصلاة على الراحلة فهذا في السفر، أي: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي السنن النوافل على الراحلة في السفر لا في الحضر، وجاء في سنن أبي داود أنه كان يستقبل القبلة، فإذا استقبلهما فحسن، والأحاديث الأخرى ليس فيها ما يدل على أنه يستقبل القبلة، فإذا استقبلها عند تكبيرة الإحرام ثم يصلي إلى حيث تكون جهته فلا بأس.

أقل الوتر وأكثره

أقل الوتر وأكثره قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وأقله ركعة، وأكثره إحدى عشرة]. قوله: وأقله ركعة، وأكثره إحدى عشرة ركعة، هذا الأفضل، وإلا فليس له حد، فلو صلى مائة ركعة يصلي ركعة في آخر صلاته؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح فليصل واحدة توتر له ما قد صلى) أو كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم. فهذا ثابت، لكن فعل النبي صلى الله عليه وسلم هو الأفضل، وهو ما قال: لا تصلوا أكثر من اثنتي عشرة ركعة، بل قال: (صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح فليوتر بواحدة). قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وأدنى الكمال ثلاث بتسليمتين]. أدنى الكمال ثلاث بتسليمتين أو بتسليمة واحدة، أي: يسردها سرداً دون تشهد أول، هذا أدنى الكمال، وأدنى السنية ركعة واحدة، فإذا صلى ركعة واحدة أدى السنية، لكن أدنى الكمال ثلاث ركعات بسلامين أو بسلام واحد. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويقنت في الثالثة بعد الركوع]. وهذا للاستحباب في بعض الأحيان. وأما حديث: (من نام عن صلاة أو نسيها فوقتها حين يذكرها) فهذا في الفريضة، أما الوتر فليس بفريضة.

التطوع المطلق

التطوع المطلق قال المؤلف رحمه الله تعالى: [الضرب الثالث: التطوع المطلق، وتطوع الليل أفضل من النهار]. التطوع المطلق: هو الذي لم يقيد بوقت، فهذا يسمى التطوع المطلق، وما قيد بوقت فمثل الوتر حيث قيد بالليل، وكذا السنن الرواتب تطوع مقيد. والتطوع المطلق أن يصلي ما شاء في الليل أو في النهار، بعد المغرب أو بعد الظهر، وكذا سنة الوضوء من التطوع المطلق، وتحية المسجد من التطوع المطلق الذي لم يقيد بوقت. وقوله: (وتطوع الليل أفضل من النهار). فإن صلاة الليل أفضل من صلاة النهار. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والنصف الأخير أفضل من الأول]. لأن الثلث الأخير فيه التنزل الإلهي؛ لما ثبت في الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ينزل ربنا كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له) فالأفضل النصف الأخير من الليل. وثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أفضل الصلاة صلاة داود، كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه، وأفضل الصيام صيام داود، كان يصوم يوماً ويفطر يوماً، وكان لا يفر إذا لاقى) عليه الصلاة والسلام، لقد آتاه الملك والحكمة والنبوة عليه الصلاة والسلام فكان يقضي بين الناس عليه الصلاة والسلام، وكان ينام النصف الأول من الليل ثم يقوم الثلث، يعني: يقوم السدس الرابع والسدس الخامس، ثم ينام السدس السادس ليتقوى به على أعمال النهار؛ لأنه كان حاكماً يقضي بين الناس قال تعالى: {يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ} [ص:26]. والنبي عليه الصلاة والسلام كان ينام نصف الليل الأول، ثم يقوم ثلث الليل الأول، يعني: السدس الرابع والخامس، ثم ينام السدس السادس فيتقوى به على العبادة، ونحن الآن نصف الليل الأول وثلثي الليل لا ننام، فإذا جاء وقت النزول الإلهي نمنا والله المستعان. تقول عائشة في وصف قيام النبي صلى الله عليه وسلم: (من كل الليل قد أوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وانتهى وتره إلى السحر). ولما سئلت: متى يقوم النبي؟ قالت: حين يصيح الصائح وهو الديك، وهذا في ثلث الليل، وقالت عائشة رضي الله عنها: (من كل الليل قد أوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم وانتهى وتره إلى السحر)، فثلث الليل أفضل من الثلث الأخير. وفي الحديث الآخر: (سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن صلاة الليل؟ فقال: جوف الليل أفضل)، فالسدس الرابع والخامس أفضل وهو ثلث الليل، والسدس الرابع داخل في صلاة داود. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وصلاة الليل مثنى مثنى]. وهذه هي السنة، أي: صلاة الليل مثنى مثنى؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيح من حديث ابن عمر: (صلاة الليل مثنى مثنى) رواه البخاري في صحيحه. ومعنى (مثنى مثنى)، أي: ثنتين ثنتين، وهذا خبر لكن معناه الأمر، والمعنى: لتكن صلاة الليل مثنى مثنى، أما صلاة النهار ففيها الخلاف، والجمهور يرون أنه لا بأس؛ لحديث: (صلاة الليل والنهار مثنى) وكلمة (والنهار) طعن فيها بعض العلماء كـ النسائي وغيره، ولهذا قالوا: لا بأس بصلاة النهار أربع ركعات، ولكن الأفضل أن يسلم من كل ركعتين حتى في النهار، أما الليل فلا يجوز أن يصلي أربع ركعات شفعاً أو ست ركعات بسلام واحد، إلا إذا نوى الوتر فيصلي ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً أو تسعاً. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وصلاة القاعد على النصف من صلاة القائم]. أي: يجوز للإنسان أن يصلي قاعداً وهو يقدر على القيام في النافلة، فلو أردت أن تصلي مثلاً الضحى وأنت جالس فلا بأس، أو تصلي الليل وأنت جالس، أو تصلي سنة الظهر القبلية أو البعدية وأنت جالس فلا بأس، لكن لك نصف أجر القائم، بخلاف المريض، أي: إذا كان الإنسان مريضاً لا يستطيع القيام فله أجر القائم؛ لحديث أبي موسى رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا مرض العبد وسافر كتب الله له ما كان يعمله صحيحاً مقيماً). أما إذا كان صحيحاً فأحب أن يصلي جالساً فله ذلك، ولكن ليس له من الأجر إلا النصف، وهذا في غير النوافل، أما في الفريضة فلا يجوز أن يصلي جالساً وهو يستطيع. فالسنة الراتبة يجوز أن تصليها وأنت جالس، وكذا صلاة الضحى والوتر وتحية المسجد وسنة الوضوء وصلاة الليل، لكن إن كنت قادراً فليس لك إلا نصف أجر القائم، وإن كان الإنسان لا يستطيع القيام لكبر أو مرض فأجره تام. أما في الجنازة فلا ينبغي للإنسان أن يصليها جالساً؛ لأن وقته قصير، -أي: القيام- فلابد منه، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي قائماً، فلما كبر وضعف في آخر حياته كان يصلي جالساً، قالت عائشة رضي الله عنها: (لما ثقل وكبر كان يصلي صلاة الليل جالساً)، وكان يقرأ قراءة طويلة فإذا بقي عليه ثلاثون آية قام وقرأها ثم ركع، كما قال حذيفة: أنه صلى معه مرة وقرأ البقرة وآل عمران والنساء في ركعة واحدة. قال عبد الله بن مسعود وهو شاب: (صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم فأطال القراءة حتى هممت بأمر سوء). قيل له: وما هممت يا عبد الله بن مسعود؟ قال: هممت أن أجلس وأدعه، يعني: ما استطاع طول قيامه عليه الصلاة والسلام وهو شاب، والنبي في الستين من عمره عليه الصلاة والسلام. قالت عائشة رضي الله عنها: (وكان ركوعه قريباً من قيامه، وسجوده قريباً من قيامه)، فكان في آخر حياته يصلي وهو جالس ويقرأ قراءة طويلة، فإذا بقي عليه ثلاثون آية قام فقرأها ثم ركع عليه الصلاة والسلام. أما الصلاة على الدابة أو السيارة فهذا في السفر خاصة وليس في الحضر، ثم إن قائد السيارة لا يصلي النافلة؛ لأنه في خطر، فالسائق لا ينبغي له أن يصلي على السيارة لأنه ليس كركوب الدابة.

ما تسن له الجماعة

ما تسن له الجماعة

صلاة التراويح

صلاة التراويح قال المؤلف رحمه الله تعالى: [الضرب الرابع: ما تسن له الجماعة وهو ثلاثة أنواع: أحدها: التراويح وهي عشرون ركعة، بعد العشاء في رمضان]. قوله: عشرون ركعة، صلاها الصحابة رضي الله عنهم، وصلوا أيضاً إحدى عشرة ركعة، وثلاث عشرة ركعة، وليس لها عدد محدد، وكلام المؤلف يوهم أنه لا يزاد على عشرين ركعة، وبعض السلف كان يصليها أربعين ركعة، والصحابة صلوا عشرين ركعة، فليس لها عدد محدد.

صلاة الخسوف والكسوف

صلاة الخسوف والكسوف قال المؤلف رحمه الله تعالى: [الثاني: صلاة الخسوف، فإذا كسفت الشمس أو القمر فزع الناس إلى الصلاة إن أحبوا جماعة وإن أحبوا أفراداً]. إذا كسفت الشمس وخسف القمر يشرع للمسلمين أن يصلوا صلاة مستحبة، بل يتأكد في حقهم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (فافزعوا إلى الصلاة)، وظاهر الأمر الوجوب، فرادى أو جماعة، رجالاً ونساء. وينادى لها: الصلاة جامعة! الصلاة جامعة! وهل يعمل بالجرائد والصحف والإعلانات اليوم؟ الجرائد لا يعمل بها؛ لأنه قال: (فإذا رأيتموها فافزعوا إلى الصلاة) فالمراد إذا رأيتها بالعين المجردة، ولا تتكلف كما يفعل بعض الناس اليوم، فيأتي بزجاجة وينظر إلى الشمس، لا داعي لهذا، بل إذا رأيت الخسوف أو الكسوف بعينك فإنك تصلي، ولابد أن ترى بعينك، أما مسألة الإعلان فهذا قد يحصل وقد لا يحصل؛ لأنهم الآن يدركون هذا بالحساب، لكن قد يخطئ الحاسب، فهي مثل أخبار بني إسرائيل لا تصدق ولا تكذب؛ لأنهم أحياناً يخبرون فيقولون: تكسف الشمس ولا يحصل كسوف وأحياناً يحصل، فهم يخطئون في الحساب، كما قال شيخ الإسلام وابن القيم: فإذا كان الحاسب جيداً أدركه، وإذا كان الحاسب غير جيد فقد يخطئ. المقصود: أن كلام الجرائد ما عليه العمل، إنما ينظر الإنسان بعينه إلى الشمس والقمر، فإذا رآها كسفت صلى، والرؤيا تكون بالعين المجردة بدون تكلف. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فإذا ما كسفت الشمس أو القمر فزع الناس إلى الصلاة إن أحبوا جماعة، وإن أحبوا أفراداً، فيكبر ويقرأ الفاتحة وسورة طويلة، ثم يركع ركوعاً طويلاً، ثم يرفع فيقرأ الفاتحة وسورة طويلة دون التي قبلها، ثم يركع فيطيل دون الذي قبله، ثم يرفع، ثم يسجد سجدتين طويلتين، ثم يقوم فيفعل مثل ذلك فتكون أربع ركعات وأربع سجدات]. هذه صلاة الكسوف، تصلى أربعة ركوعات وأربع سجدات في ركعتين، ففيها زيادة ركوع عن الصلاة المعروفة، فيكبر ثم يقرأ الفاتحة، ثم يقرأ سورة طويلة، ثم يركع ركوعاً طويلاً، ثم يرفع ويقرأ الفاتحة مرة أخرى، ثم يقرأ سورة طويلة إلا أنها دون القراءة الأولى، ثم يركع ركوعاً طويلاً، وهذا الركوع الثاني لكنه دون الركوع الأول، ثم يسجد سجدتين، ثم يقوم للثانية ويقرأ الفاتحة وسورة إلا أنها دون القراءة التي قبلها، ثم يركع ركوعاً دون الركوع الذي قبله، ثم يرفع رأسه ويقرأ الفاتحة وسورة إلا أن القراءة دون القراءة التي قبلها، ثم يركع ركوعاً دون الركوع الذي قبله، فتكون أربع ركعات في أربع سجدات، فهذا هو الذي اتفق عليه الشيخان البخاري ومسلم في الأحاديث الصحيحة. وجاء أيضاً في صحيح مسلم في صفة صلاة الكسوف أنه ركع في كل ركعة ثلاثة ركوعات. وجاء في حديث آخر أربعة ركوعات في كل ركعة، فيكون قد ركع ثمان مرات. وجاء في حديث آخر خمسة ركوعات، ومن العلماء من قال: إنها ثابتة، وإن النبي صلى الله عليه وسلم أقام في المدينة عشر سنوات. والمعروف عند العلماء أنه ما كسفت الشمس إلا مرة واحدة يوم مات إبراهيم عليه السلام، ولهذا ذهب الجمهور إلى أن ما عدا صلاة ركعتين في كل ركعة ركوعان يكون حكمه شاذاً. وقال آخرون من أهل العلم: يمكن هذا وليس ببعيد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أقام مدة طويلة عشر سنوات، فيحمل على أنه تكرر الكسوف مرات، وأنه صلى مرة في كل ركعة ثلاثة ركوعات، وفي كل ركعة ركوعين، وفي مرة أربعة ركوعات، وفي مرة خمسة ركوعات. لكن المعروف عند الجمهور أن ما زاد على ركوعين فهو شاذ؛ لأن هذا هو الذي اتفق عليه الشيخان وقالوا: إن الشمس لم تكسف في عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلا مرة واحدة يوم مات إبراهيم عليه الصلاة السلام. وهل يصلى الكسوف إذا كسف القمر ولو بعد الفجر؟ من العلماء من قال: إنه من بعد الفجر يزول سلطان القمر، فلا يصلى إلا إذا كان الكسوف مبكراً، وقال بعض أهل العلم: إنه قد يصليها قبل الفجر، أو أنه يبكر بالفجر ويصليها بعدها، أما إذا كان متأخراً فلا، وكان بعض الناس يصلون الكسوف والشمس قد طلعت وهذا لا يصلح؛ لأنه قد زال الليل كله وزال القمر، وظهر سلطان الشمس. ولا يدرك المؤتم الركعة الأولى من صلاة الكسوف إلا إذا أدرك الركوع الأول، فإن فاته الركوع الأول يقضي تلك الركعة كاملة.

صلاة الاستسقاء

صلاة الاستسقاء قال المؤلف رحمه الله تعالى: [الثالث صلاة الاستسقاء: وإذا أحدبت الأرض واحتبس القطر خرج الناس مع الإمام متخشعين متبذلين متذللين متضرعين]. هذه هي السنة في صلاة الاستسقاء، أي: أنها تكون على هذه الحال، بأن يخرجوا متبذلين لابسين ثياباً رثة، وليس كيوم العيد، أي: يلبسون الثياب الجميلة؛ لأن هذا المقام مقام خضوع وذل وانكسار بين يدي الله، فيلبس الثياب العادية، ولا يتطيب ويتصدق قبل ذلك إذا أمكن. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فيصلي بهم ركعتين كصلاة العيد، ثم يخطب بهم خطبة واحدة، ويكثر فيها من الاستغفار وتلاوة الآيات التي فيها الأمر به]. هذه هي السنة، أي: أن يصلي بهم ركعتين، ثم يخطب خطبة واحدة يكثر فيها من الاستغفار والآيات التي فيها الأمر بالاستغفار والتوبة، كقوله تعالى: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا} [نوح:10 - 11]، وقوله تعالى عن هود: {وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا} [هود:52]. فهذه خطبة واحدة وليست كالعيد خطبتان، وقد جاء ما يدل على جواز الخطبة قبل الصلاة وبعدها، فجاء ما يدل على هذا وهذا، لكن الآن أصبحت تقدم الصلاة على الخطبة، وإن قدمت الخطبة على الصلاة فلا حرج في ذلك، وخطبة الاستسقاء لا يوجد سلام في أولها كخطبة الجمعة، وإنما يبدأ بالخطبة مباشرة. والسنة افتتاح الخطبة بالحمد لله، وكذا خطبة العيد والاستسقاء والجمعة فكلها تفتتح بالحمد لله، ولم يأت التكبير في خطبة العيد إلا عن بعض الصحابة، ولم يثبت في ذلك حديث. والسنة في وقت صلاة الاستسقاء أول النهار بعد طلوع الشمس. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويحول الناس أرديتهم]. يحولون أرديتهم تفاؤلاً في تغيير الحال؛ حتى يغير الله ما بهم من الجدب والقحط إلى المطر والغيث والرحمة، والإمام يحول رداءه بعد الخطبة، ثم يدعو بعد ذلك. ولا ينبغي للإمام أن يجلس، بل ينبغي له أن يدعو بدعوات، ويؤمن على الدعاء. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وإن خرج معهم أهل الذمة لم يمنعوا، ويؤمروا أن ينفردوا عن المسلمين]. إذا كان في البلد أهل ذمة -من يهود أو نصارى- يدفعون الجزية فلا بأس أن يخرجوا معهم؛ لأن المشركين من اليهود والنصارى يخيرون بين الإسلام وبين دفع الجزية وبقائهم على دينهم، أو القتال، فإذا رضوا أن يدفعوا الجزية فيبقون على دينهم، ويكونون تحت حماية المسلمين، أما الوثنيون فليس لهم إلا الإسلام أو السيف، كالمجوس وغيرهم. فإذا كان في البلد أهل ذمة من يهود أو نصارى وأرادوا أن يستسقوا فلا يمنعوا، ولا يكون لهم يوم خاص، بل يكون في نفس اليوم الذي يستسقي فيه المسلمون. قوله: ويؤمرون أن ينفردوا عن المسلمين، أي: يكونون في مكان خاص، فأما أن يختاروا يوماً آخر فلا؛ لأنهم قد يمطرون في اليوم الذي استسقى فيه أهل الذمة فيحصل لهم فتنة، فلا ينفردون بيوم غير اليوم الذي يستسقي فيه المسلمون، لكن في نفس اليوم ينفردون في مكان خاص. فإن إجابة الدعاء للكافر المضطر مما توجبه الربوبية، إذا كان له ضرورة، كما أن الله يخلق المؤمن والكافر، ويرزق المؤمن والكافر، فهذا من الرزق الذي يرزقهم الله، ولكن الفرق بين المسلم والكافر: أن الكافر إذا أجيبت دعوته قد تكون فتنة ومضرة عليه بالاستدراج؛ لأن كفره وفسوقه يقتضي ذلك.

سجود التلاوة

سجود التلاوة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [الضرب الخامس: سجود التلاوة، وهو أربعة عشرة سجدة، في الحج منها اثنتان، ويسمى السجود]. يعني: سجود التلاوة في القرآن أربعة عشر سجدة، منها في الحج سجدتان، والصواب: أن سجدة صاد يقال لها أيضاً: سجدة، فقد فتكون خمسة عشر سجدة، ثبت في صحيح البخاري: عن ابن عباس أنه قال: (صاد ليست من عزائم السجود، وقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يسجد فيها). قال بعض العلماء: إنها ركوع وليست سجدة. والصواب: أنها سجدة، وخالف بعضهم في السجدة الثانية التي في سورة الحج، وكذلك خالف بعضهم في السجدات التي في المفصل، أي: سجدة النجم والانشقاق والعلق، وثبت أن أبا هريرة قال: (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يسجد فيها)، وكونها ثابتة تكون السجدات خمسة عشر. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويسن السجود للتالي والمستمع دون السامع]. فإذا كان الإنسان يقرأ القرآن وحوله من يستمع وينصت فإنه يسن لهم أن يسجدوا معه، ويكون الساجد إماماً للمستمع، أما السامع فلا يشرع له. والفرق بين السامع والمستمع: أن المستمع: هو الذي يستمع للقراءة ويتدبرها، أما السامع: فهو الذي يسمع الصوت لكنه غير مستمع، ولا يتدبر ما يشرع له السجود، فهذا يقال له السامع، فيسن السجود للتالي وللمستمع دون السامع. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويكبر إذا سجد وإذا رفع رأسه ثم يسلم]. هكذا رأى المؤلف، أن سجود التلاوة يعتبر صلاة، فيكبر إذا سجد، ثم يكبر إذا رفع، ثم يسلم تسليمتين عن يمينه وعن شماله؛ لأنه صلاة، وما ذهب إليه المؤلف قاله كثير من الفقهاء. وأيضاً لابد أن يكون على طهارة، وأن يكون مستقبلاً القبلة، وأن يكون مستور العورة، والمرأة لا تكون مكشوفة الرأس؛ لأنه عورة. وهناك قول آخر: وهو أن سجود التلاوة أنه ليس بصلاة، وعلى هذا فيكبر إذا سجد، ويرفع رأسه بدون تكبير ولا يحتاج إلى سلام، ولو كان يقرأ عن ظهر قلب فيسجد؛ لأنه خضوع لله وليس صلاة، وذهب إلى هذا ابن عمر والبخاري رحمه الله.

الساعات التي نهي عن الصلاة فيها

الساعات التي نهي عن الصلاة فيها قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب الساعات التي نهي عن الصلاة فيها. قال: وهي خمس: بعد الفجر حتى تطلع الشمس، وبعد طلوعها حتى ترتفع قيد رمح، وعند قيامها حتى تزول، وبعد العصر حتى تتضيف الشمس للغروب، وإذا تضيفت حتى تغرب]. الساعات التي نهي عنها خمس على سبيل البسط، وهي ثلاث على سبيل الاختصار، فعلى سبيل البسط: بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس، وبعد طلوعها حتى ترتفع قيد رمح، وعند قيامها حتى تزول، وبعد العصر حتى تتضيف للغروب، وعند طلوعها للغروب حتى تغيب. وأما على سبيل الاختصار فهي ثلاثة: بعد العصر حتى تغرب الشمس، وبعد الفجر حتى ترتفع، وعند قيام الشمس حتى تميل، والدليل عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس، ولا صلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس). وكذلك أيضاً نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة عند قيامها، فالوقتان الطويلان تفعل فيهما الصلاة ذوات الأسباب، وتدفن الجنازة بعد صلاة العصر حتى تتضيف للغروب، يعني: حتى تتهيأ للغروب، أما إذا مالت إلى الغروب فهذا وقت قصير، فلا يصلى حتى يتم غروبها. والوقت الثاني وقت طويل، وهو من بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس، أما عند طلوعها حتى ترتفع فهذا وقت قصير جداً، وكذا عند قيامها إذا وقفت في وسط النهار حتى تزول، فإذا مالت إلى جهة الغروب زاد الظل شيئاً بعد فيء الزوال، والأوقات القصيرة لا يصلى فيها، ولا يدفن فيها الموتى؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عقبة بن عامر في صحيح مسلم: (ثلاث ساعات نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نصلي فيهن، وأن نقبر فيهن موتانا: حين تطلع الشمس حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة، وحين تضيف الشمس للغروب حتى تغرب). فهذه أوقات قصيرة، وقتها ما يقارب الربع ساعة أو ما أشبه ذلك، فيحتاط الإنسان بعد طلوع الشمس مدة ربع ساعة، وإن انتظر نصف ساعة فهو أثبت، وكذلك عند شروعها في الغروب، وعند استوائها للنهار مدة عشر دقائق أو ما يقارب ذلك.

النهي عن صلاة التطوع في أوقات الكراهة

النهي عن صلاة التطوع في أوقات الكراهة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فهذه لا يصل فيها تطوعاً إلا في إعادة الجماعة إذا أقيمت وهو في المسجد]. يعني: إذا صلى في المسجد صلاة العصر أو صلاة الفجر ثم جاء إلى مسجد آخر وهم يصلون فإنه يصلي معهم، ويعيد الجماعة، ولا يجلس، فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بأصحابه في منى، فلما سلم وجد رجلين جالسين، فقال: (ما لكما؟ فقالا: يا رسول الله! صلينا في رحالنا) يعني: صليا في منى قال: (إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما إلى مسجد الجماعة فصليا معهم، فإنها لكما نافلة)، وفي الحديث الآخر: (فصل ولا تقل: إني قد صليت فلا أصلي)، فلا ينبغي للإنسان أن يجلس أمام الناس وهم يصلون وإن كان قد صلى، فإذا صلى كانت له نافلة، فإذا صلى في مسجد العصر أو في مسجد الفجر ثم جاء إلى مسجد آخر يريد حاجة أو لحضور درس فوجدهم يصلون فإنه يصلي معهم، وتكون له الصلاة الثانية نافلة. أما يوم الجمعة فظاهر الأحاديث أنه مستثنى، وقد جاء في الحديث: (من جاء وصلى ما كتب له حتى يخرج الإمام). قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وركعتا الطواف بعده]. كذلك ركعتا الطواف، أي: إذا كان يطوف بالبيت الحرام بعد العصر أو بعد الفجر فإنه يصلي ركعتي الطواف ولو كان في وقت النهي؛ لأنها من ذوات الأسباب، ومثله أيضاً تحية المسجد على الصحيح، فإذا دخل المسجد فيصلي ركعتين، وكذلك سنة الوضوء. وقال جمهور العلماء: إن أحاديث النهي مقدمة؛ لأنها أصح وأكثر، والجمهور يرون أن الإنسان إذا جاء المسجد بعد العصر أو بعد الفجر فإنه يجلس. والقول الآخر لأهل العلم: أن عموم النهي مخصوص، ويؤيد هذا أن الجمهور قالوا: لا بأس بصلاة الجماعة، ولا بأس أن يقضي الفريضة، والصواب: أنه تصلى ذوات الأسباب وما عداها لا يصلى، قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والصلاة على الجنازة]. أي: تستثنى الصلاة على الجنازة بعد العصر وبعد الفجر، وكذا صلاة الكسوف؛ لأنها صلاة لها سبب.

الوقت الذي يجوز قضاء الرواتب فيه

الوقت الذي يجوز قضاء الرواتب فيه قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقضاء السنن الرواتب في وقتين منها، وهما بعد الفجر وبعد العصر]. أما بعد الفجر فنعم، فقد جاء ما يدل على ذلك وهو: (أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يصلي بعد الفجر فقال: آصبح أربعاً؟ فقال له: لم أصل ركعتي الفجر، فسكت عنه). أما بعد العصر فليس له ذلك، وهذا من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم، حيث ثبت أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي بعد العصر ركعتين، قالت عائشة رضي الله عنها: (ما دخل بيتي بعد العصر إلا صلى ركعتين)، وذلك أنه شغله وفد عبد القيس عن ركعتي راتبة الظهر، فصلاهما بعد العصر، ثم أثبتهما؛ لأنه عليه الصلاة والسلام كان إذا عمل عملاً أثبته، وهذا من خصائصه، وكان من خصائصه المداومة على ما أثبت. وجاء في مسند الإمام أحمد عن أم سلمة أنها قالت: (يا رسول الله! أفلا أقضيهما إذا فاتتا؟ قال: لا). فدل على أن القضاء لراتبة الظهر بعد العصر والاستمرار عليها من خصائصه عليه الصلاة والسلام، فلا تقضى الراتبة بعد العصر. أما راتبة الظهر القبلية فإنها تقضى بعدها إلى دخول وقت العصر، وراتبة المغرب تقضى إلى مغيب الشفق، وراتبة العشاء إلى نصف الليل، أما راتبة الفجر، فلا بأس أن يقضيها بعد الصلاة إلى قبل زوال الشمس، أما بعد الظهر إلى العصر فلا تقضى فقد فات محلها.

استثناء قضاء الفرائض من عموم النهي

استثناء قضاء الفرائض من عموم النهي قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويجوز قضاء المفروضات]. لأن قضاء الفرائض مستثنى من عموم النهي، بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها، لا كفارة لها إلا ذلك). وإذا جمع بين الظهر والعصر في وقت الظهر فقد دخل وقت النهي في حقه، كما أنه إذا جمع بين المغرب والعشاء جمع تقديم فقد دخل وقت الوتر، فله أن يصلي الوتر بعد صلاة العشاء.

كتاب الصلاة [6]

شرح عمدة الفقه_كتاب الصلاة [6] من السنة أن يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإذا كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة، فإن كانوا سواء فأكبرهم سناً، ولا تصح صلاة من يعلم أن صلاة إمامه فاسدة، وصلاة الواحد عن يمين الإمام، فإن كان المأمومون أكثر فخلف الإمام، وتؤم المرأة النساء وتقف وسطهن، ويقدم الرجال ثم الصبيان ثم الخناثى ثم النساء.

ما جاء في الإمامة

ما جاء في الإمامة

آداب الإمامة

آداب الإمامة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب الإمامة. روى أبو مسعود البدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة، ولا يؤمن الرجل الرجل في بيته ولا في سلطانه، ولا يجلس على تكرمته إلا بإذنه)]. في الإمامة أنه يقدم الأقرأ، قال صلى الله عليه وسلم: (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة). وفي عهد النبي صلى الله عليه وسلم كان الأقرأ هو الأعلم بالسنة، فإذا تساووا في القراءة قدم الأعلم بالسنة، فإن تساووا في العلم بالسنة قدم الأقدم هجرة. وفي اللفظ الآخر: (أقدم سلماًَ)، فإن تساووا في الهجرة والإسلام قدم الأكبر سناً، كما في الحديث الآخر: (فإن كانوا سواء فأقدمهم سناً). قال المؤلف رحمه الله تعالى: روى أبو مسعود البدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة، ولا يؤمن الرجل الرجل في بيته). وفي اللفظ الآخر: (فأقدمهم حلماً)، وفي نسخة زيادة: (فإن كانوا في الهجرة سواء فليؤمهم أكبرهم سناً). وهذا ثابت في الحديث الآخر، إذا تساووا في العلم بالكتاب والعلم بالسنة والهجرة والإسلام فإنه يقدم الأكبر سناً، وجاء في حديث مالك بن الحويرث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا حضرت الصلاة فليؤذن أحدكم، وليؤمكم أكبركم)، فهم كانوا متقاربين في القراءة والسن؛ ولهذا قال: (وليؤمكم أكبركم) لأنهم متقاربون في القراءة وفي العلم بالسنة. قال صلى الله عليه وسلم: [(ولا يؤمن الرجل الرجل في بيته ولا في سلطانه، ولا يجلس على تكرمته إلا بإذنه)]. إذا كان الشخص في بيته أو في مزرعته فإنك لا تؤمه، فهو أحق بالإمامة إذا صليتم الفريضة أو النافلة، إلا إذا عجز، فيقدم صاحب البيت ليصلي بالناس أو صاحب المزرعة أو صاحب السلطان في الإمارة، وولي الأمر هو أحق، وكذلك إمام المسجد لا يتقدم أحد عليه، فهو أحق بالإمامة، فلا يتقدم أحد على إمام المسجد، وكذلك لا يتقدم على صاحب البيت أو صاحب المزرعة أو الأمير في إمارته، فهو أحق بالإمامة، إلا إذا أذن لغيره فلا بأس. وإذا كان القارئ عنده علم إجمالي بالسنة، بحيث إنه يستطيع أن يتصرف إذا حصل عليه خلل في صلاته فيقدم، فإن كان ليس عنده علم فلا يعتبر قارئاً؛ لأن القارئ في عهد الصحابة هو الأعلم بالسنة؛ ولهذا قال ابن مسعود رضي الله عنه: كنا إذا تعلمنا عشر آيات لم نجاوزها حتى نتعلم معانيها والعمل بها، فالأقرأ هو الأعلم، وإذا كان جاهلاً لا يعرف شيئاً يقدم عليه، أما إذا كان عنده علم بالسنة لكن ما عنده توسع ولا تفصيل فإنه يقدم. ومعنى الأقرأ أي: الأجود قراءة، ومن الجودة الحفظ، فهذا مقدم على غيره، يعني: الحفظ من القراءة، وإذا كان يجمع بين الأمرين فلا بأس، وإذا كانوا لا يحفظون ولكن أحدهما أحسن قراءة فهو الأقرب، فإذا كان أحدهما يحفظ والآخر لا يحفظ فالأحفظ هو المقدم. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقال لـ مالك بن الحويرث وصاحبه: (إذا حضرت الصلاة فليؤذن أحدكما وليؤمكما أكبركما وكانت قراءتهما متقاربة)]. وهذا فيه تقديم الأكبر سناً إذا تساووا في الصفات الأخرى إذا تساووا في القراءة وفي السنة والهجرة قدم الأكبر سناً. ومعنى الهجرة أي: اثنان أسلما وهاجرا، أحدهما أقدم هجرة من الآخر بسنة فإنه يقدم الأقدم هجرة. وكان مالك بن الحويرث وصاحبه متقاربين في القراءة؛ فلهذا قال: (ليؤمكما أكبركما) فقدم الأكبر سناً.

الإمام الذي لا تصح الصلاة خلفه

الإمام الذي لا تصح الصلاة خلفه قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولا تصح الصلاة خلف من صلاته فاسدة إلا لمن يعلم بحدث نفسه ولم يعلمه المأموم]. هذا معلوم، فإذا كان يعلم أن صلاته فاسدة فلا تصح الصلاة خلفه، إذا علم أنه محدث وما توضأ، فهذا لا تصح الصلاة خلفه بالإجماع. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولا تصح الصلاة خلف من صلاته فاسدة إلا لمن يعلم بحدث نفسه ولم يعلمه المأموم حتى سلم فإنه يعيد وحده]. ظاهر العبارة أن هذا لمن يعلم النجاسة، إذا كان يعلم المأموم أن صلاة الإمام فاسدة فلا تصح الصلاة، وإن كان لا يعلم إنما يعلم الإمام وحده صحت صلاة المأموم، وبطلت صلاة الإمام؛ فيعيد صلاته، مثل الإمام إذا صلى بالناس وهو على غير طهارة وهو لم يعلم فيعيدها وحده، فقد ثبت أن عمر رضي الله عنه صلى بالناس جنباً وهو لا يعلم، ثم أعاد ولم يعد المأمومون، كذلك فعل عثمان، ففي هذه الحالة تكون صلاة المأموم صحيحة وصلاة الإمام باطلة، فيتوضأ ويعيد. وقد جاء في صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أقيمت الصلاة جاء ووقف، فلما أراد أن يكبر قال: (مكانكم، ثم انصرف فرجع يقطر رأسه ماء فصلى بالناس وأم بهم) ولم تعد إقامة الصلاة؛ وهذا يحصل لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أراد أن يكبر ثم تذكر أنه جنب، وجاء في الحديث أنه قال: (ذكرت أني جنب فنسيت أن أغتسل). فالمقصود: أن الإنسان قد ينسى، وإذا صلى بالناس ثم تذكر أنه على غير طهارة في أثناء الصلاة فإنه يتأخر ويقدم من يتم بهم الصلاة، وهذا ما ذهب إليه الجمهور. القول الثاني الذي ذهب إليه الحنابلة: أنه إذا تذكر أنه على غير طهارة فعلى المأمومين استئناف الصلاة من جديد، وليس لهم أن يبنوا على صلاته؛ لأنها باطلة، أما إذا كان على طهارة وأحس بأن طهارته سوف تنتقض ولا يستطيع الاستمرار فهنا يتأخر ويقدم آخر يصلي بهم، هذا على ما ذهب إليه الحنابلة، والقول الأول: لا فرق بين الحالتين، وهو الصواب؛ لحديث أبي هريرة في البخاري: (يصلون لكم)، يعني: أئمة الكفر، (فإن أصابوا فلكم ولهم، وإن أخطئوا فلكم وعليهم). فإذا علم أنه على غير طهارة تأخر وقدم من يتم بهم، فإن لم يقدم أحداً قدموا أحداً يتم بهم أو من يستأنف بهم الصلاة، فإن لم يفعلوا أتموا صلاتهم فرادى. وإذا استحيا الإمام ولم يخرج فهذا لا يجوز، ويأثم بهذا الفعل، وقد قال بعض العلماء: إن من صلى على غير طهارة متعمداً يكون مرتداً؛ لأنه مستهزئ بربه، لكن في مثل هذه الحالة قد يتأول الإنسان، فيوجد بعض الناس قد يجلس أو لا يستطيع الخروج، ذكر العلماء أنه إذا كان يغلب عليه الحياء فإنه يضع يده على أنفه فيوهم أنه رعف ثم يخرج. وإذا كان الإمام قد أكل لحم إبل ولم يتوضأ لاعتقاده أنه لا ينقض الوضوء، فإذا كان يرى هذا وهو طالب علم فلا بأس، فيستمر في صلاته، وهي صحيحة، وصلاة من خلفه صحيحة، والصواب أن لحم الإبل ينقض الوضوء، قال الإمام أحمد: فيه حديثان صحيحان: الأول: (قيل: يا رسول الله أنتوضأ من لحوم الغنم؟ قال: نعم إن شئت، قيل: أنتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: نعم)، والحديث الآخر: (توضئوا من لحوم الإبل، ولا تتوضئوا من لحوم الغنم)، والحديثان لـ جابر وسمرة وهما صحيحان، والجمهور يقولون: إن هذا منسوخ بحديث جابر: (كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار)، فقالوا: إن لحم الإبل داخل في هذا، وكانوا في أول الإسلام يتوضئون مما مسته النار، إذا شرب مرقاً أو أكل طعاماً مسته النار أو شرب قهوة مثلاً يتوضأ، ثم نسخ، قالوا: ودخل في ذلك لحم الإبل، لكن الصواب أن لحم الإبل خاص، فهو ينقض الوضوء حتى ولو لم تمسه النار، حتى لو أكل لحماً نيئاً فإنه ينقض الوضوء للأدلة الخاصة بذلك. قال المؤلف رحمه الله تعالى: ولا تصح الصلاة خلف من صلاته فاسدة إلا لمن يعلم بحدث نفسه ولم يعلمه المأموم حتى سلم فإنه يعيد وحده. وفي نسخة (إلا لمن لم يعلم بحدث نفسه) يعني: حتى سلم، ثم علم بعد ذلك فلا بأس، وهذا اللفظ هو الأقرب، يعني: إذا لم يعلم بحدث نفسه حتى سلم، ولم يعلمه كذلك المأموم حتى سلم الإمام فهذه هي التي تستقيم والتقدير: ولا تصح الصلاة خلف من صلاته فاسدة إلا لمن لم يعلم بحدث نفسه حتى سلم ولم يعلمه المأموم. فلما سلم علم أنه على غير طهارة، وأنه ما توضأ أو أنه أكل لحم جزور، أو أن عليه جنابة، فهنا تصح صلاة المأموم خلفه ويعيد الإمام وحده، أما إذا كان المأموم يعلم أن صلاة الإمام فاسدة فلا تصح صلاته، ولا تصح الصلاة خلف إمام صلاته فاسدة إلا في حالة واحدة، وهي ألا يكون المأموم يعلم بفساد صلاة الإمام. قوله: فإنه يعيد وحده. يعني: الإمام يعيد وحده، كما ثبت أن عمر رضي الله عنه أعاد وحده. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولا تصح خلف تارك ركن إلا إمام الحي إذا صلى جالساً لمرض يرجى برؤه]. لا تصح الصلاة خلف إمام ترك ركناً من أركان الصلاة، إلا إذا كان الإمام مريضاً فجلس، وصلوا وراء جلوساً، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم عندما كان مريضاً، فقد صلى جالساً والصحابة كانوا خلفه قياماً، فأشار إليهم أن يجلسوا، وقال لما سلم: كدتم أن تفعلوا كما تفعل الأعاجم يقفون على رءوس ملوكهم وهم قعود. وفي مرضه في آخر حياته عليه الصلاة والسلام تقدم أبو بكر يصلي بالناس، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم وجلس إلى جنبه عن يساره، فصلى النبي صلى الله عليه وسلم جالساً وصلى أبو بكر قائماً، والناس قيام يقتدون بـ أبي بكر، وأبو بكر يقتدي بالنبي صلى الله عليه وسلم. واختلف العلماء في الجمع بينهما: فقال بعض أهل العلم: إن هذا ناسخ لما فعله في مرضه الأول؛ لأنه نهى الناس عن القيام في المرض الأول، وفي مرضه الأخير أقرهم على القيام. وقال آخرون: إن أمرهم بالجلوس محمول على الاستحباب، وقيامهم خلفه محمول على الجواز. وقال آخرون: إن الجمع بينهما: أنه إذا ابتدأ الإمام الصلاة جالساً وجب عليهم الجلوس، وإذا ابتدأ الصلاة قائماً ثم اعتل فجلس وجب عليهم القيام؛ لأنه في مرضه الأول صلى بالناس جالساً فأمرهم أن يجلسوا، وفي مرضه الأخير ابتدأ أبو بكر بالناس الصلاة قائماً، وجاء النبي صلى الله عليه وسلم فأقرهم على القيام، فدل على أنه يجمع بينهما: بأنه إذا ابتدأ الإمام الصلاة قائماً ثم اعتل استمروا قياماً، وإذا ابتدأ بهم الصلاة قياماً صلوا قياماً، وهذا خاص بالإمام، إذا كان الإمام مريضاً وصلى بالناس قائماً يصلون خلفه قياماً، وإذا صلى قاعداً فيصلون قعوداً، أما غيره فلا يقدم إذا كان مريضاً لا يستطيع أن يركع، ولا يستطيع أن يسجد أو لا يستطيع أن يقوم، بل فيقدم غيره. وللإمام أن يقدم غيره، لكن لو أراد أن يصلي فله ذلك، وبعض الأئمة لا يريد أن يقدم أحداً فله ذلك. وأما المؤتمون فالصواب: أنهم مخيرون بين الجلوس وبين القيام، والجلوس أفضل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم بذلك، والقيام جائز؛ لأن النبي أقرهم بذلك في حياته. والخلاصة: إذا كان إمام الحي والإمام الراتب فلهم أن يجلسوا ولهم أن يقوموا، أما إذا كان غيره فلا يقدم إذا كان مريضاً. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولا تصح خلف تارك ركن إلا إمام الحي إذا صلى جالساً لمرض يرجى برؤه فإنهم يصلون وراءه جلوساً إلا أن يبتدئها قائماً ثم يعتل فيجلس فإنهم يأتمون وراءه قياماً]. لهذا اختار أحد الجمعين: أنه إذا ابتدأ بهم الصلاة قاعداً صلوا قعوداً كما فعل في مرضه الأول، وإذا ابتدأ بهم الصلاة قائماً ثم اعتل صلوا قياماً كما فعل في مرضه الأخير. القول الثاني الذي هو اختيار البخاري رحمه الله: أن الأمر بالقعود منسوخ، قال البخاري: وإنما يؤخذ بالآخر فالآخر من فعل النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه يجب عليهم القيام. القول الثالث لأهل العلم: أنهم مخيرون بين القيام وبين القعود، فإن قعدوا فهو أفضل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم بالقعود، وإن استمروا جاز؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أقرهم في آخر حياته. هذه ثلاثة أقوال لأهل العلم، والمؤلف اختار أحدها وهو أنه إذا ابتدأ بهم الصلاة جالساً قعدوا، وإذا ابتدأ بهم الصلاة قائماً ثم اعتل وقعد قاموا. وإذا كان الإمام عاجزاً عن قيام ركن آخر من أركان الصلاة فلا تأتموا به كما قال المؤلف: لا يؤتم بمن كان عاجزاً عن ركن من أركان الصلاة.

الأشخاص الذين لا تصح إمامتهم

الأشخاص الذين لا تصح إمامتهم قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولا تصح إمامة المرأة، ومن به سلس البول، والأمي الذي لا يحسن الفاتحة أو يخل بحرف منها إلا بمثلهم]. قوله: (ولا تصح إمامة المرأة)، لا تصح أن تكون المرأة إمامة للرجل؛ لحديث: (لا تؤمن امرأة رجلاً) وإن كان فيه ضعف، وحديث: (أخروهن حيث أخرهن الله) فلا يصح أن تؤم المرأة الرجال، وإنما تؤم المرأة النساء كما سيأتي. قوله: (ومن به سلس البول)؛ لأنه يخرج منه في حالة الاستمرار، وكذلك من به جروح سيالة، فلا يتقدم الناس؛ لأن طهارته مستباحة. ولهذا من به سلس فإنه يتوضأ لوقت كل صلاة، ولا يصلي صلاتين في وضوء واحد، ولا يتوضأ إلا بعد دخول الوقت، ومن به سلس البول فإنه يجعل على ذكره شيئاً يعصبه به، كذلك المرأة المستحاضة تتحفظ بحفائظ، أو من به جروح سيالة، وكذلك من به سلس الريح، كل هؤلاء يتوضئون بعد الأذان فيصلون، وإذا جاء الوقت الثاني يجب عليه الوضوء، إلا إذا لم يخرج منه شيء. يقول المؤلف: ومن به سلس لا يتقدم الناس؛ لأنه أخل بشرط من شروط الطهارة؛ ولأن صلاته مستباحة. وهذا هو الأحوط. القول الثاني: أنه لا بأس؛ لأن صلاته في نفسه صحيحة، ومن صحت صلاته صحت إمامته. وقوله: والأمي الذي لا يحسن الفاتحة أو يخل بحرف منها إلا بمثلهم. أي: الأمي الذي لا يحسن قراءة الفاتحة، أو يخل بها بأن يغير المعنى، كأن يقول: (إياكِ نعبد) بكسر الكاف، فهذا يخل بمعناها، فلا تصح الصلاة، أو يقول: (صراط الذين أنعمتُ عليهم) بضم التاء، أو يقول: (أهدنا الصراط المستقيم) من الهدية، أما إذا كان لا يخل بالمعنى، كأن يقول: (الحمد لله ربَ العالمين)، أو: (مالك يومُ الدين)، أو: (صراط الذين أنعمت عليهُم) كما يقول بعض العامة، فهذا لحن لكن لا يغير المعنى، فتصح الصلاة خلفه، لكن لا ينبغي له أن يكون إماماً للناس، فالإمام لابد أن يحسن القراءة، لكن الأول لا تصح الصلاة خلفه إلا بمثله، وإذا كان لا استطاع أن يقوم لسانه فتصح الصلاة بأن يصلي بمثله، أما غيره فلا تصح الصلاة خلفه، فهي باطلة، وأما الثاني فتصح الصلاة خلفه، لكن تركه أولى، إذا كان اللحن لا يغير المعنى، والصلاة بعده صحيحة، لكن لا ينبغي أن يقدم إماماً، فلا يقدم إلا الإمام الذي يحسن القراءة. والذي لا يحسن القراءة ينبغي أن يتخلى عن الإمامة، أو يتعلم حتى يحسن القراءة. فلو صلى خلفه المؤتم فالصلاة صحيحة وليست بباطلة، فينبغي أن يكون الإمام من أحسن الناس قراءة، فلا يختار للناس إماماً لا يحسن القراءة، ولو كان لا يصلي معه، وكذلك إذا كان يلحن فيجب عليه أن يتعلم، وإلا يرفع به فيعزل.

جواز ائتمام المتوضئ بالمتيمم والمفترض بالمتنفل

جواز ائتمام المتوضئ بالمتيمم والمفترض بالمتنفل قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويجوز ائتمام المتوضئ بالمتيمم]. كذلك المتوضئ له أن يأتم بالمتيمم، ويجوز أن يكون الإمام المتيمم والمأموم المتوضئ، ولا حرج في ذلك؛ لأن التيمم طهارة كاملة. وقوله: والمفترض بالمتنفل. كذلك المفترض له أن يكون مأموماً والإمام يصلي نافلة، كما ثبت أن معاذ بن جبل رضي الله عنه كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة العشاء، ثم يذهب إلى قومه في حي من أحياء المدينة فيصلي بهم فتكون له نافلة ولهم فريضة. وكما ثبت: أن النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الخوف صلى بأصحابه الفريضة، ثم جاءت طائفة أخرى وصلى بهم، فكانت له نافلة ولهم فريضة. وكما ثبت في حجة الوداع: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الظهر يوم النحر في مكة عندما أدركته الصلاة وهو يطوف طواف الإفاضة، ثم لما رجع وجد أصحابه مجتمعين فصلى بهم تلك الصلاة، فكانت له نافلة ولهم فريضة. قوله: ويجوز ائتمام المتوضئ بالمتيمم؛ لأن المتيمم العادم للماء كالمتوضئ القادر على الماء؛ ولأن عمرو بن العاص رضي الله عنه صلى بأصحابه في غزوة من الغزوات وهو متيمم، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فلم ينكر عليه، وقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (صليت بأصحابك وأنت جنب؟ قال: يا رسول الله! ذكرت قول الله: {وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ} [النساء:29]، فخفت إن اغتسلت هلكت، فأقره النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك). وأما ائتمام المتنفل بالمفترض فلا يوجد إشكال، كأن تكون أنت صليت جماعة في مسجد ثم جئت إلى المسجد الآخر وهم يصلون نفس الصلاة فصل معهم وتكون لك نافلة، ولهم فريضة. والمذهب أنه لا يقتدي المفترض بالمتنفل، لكن الصواب الجواز؛ لقصة معاذ.

أين يقف المأموم من الإمام

أين يقف المأموم من الإمام قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وإذا كان المأموم واحداً وقف عن يمين الإمام]. إذا كان المؤتم واحداً فإنه يقف عن يمينه؛ لما ثبت عن ابن عباس رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في بيت ميمونة فجاء ابن عباس فصف عن يساره فأخذ بأذنه فأداره عن يمين). قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فإن وقف عن يساره أو قدامه أو وحده لم تصح]. إذا وقف قدام الإمام، أو وقف خلفه فهذا لا يصح، إلا إذا كانت المرأة تقف خلف الإمام، أما إذا وقف عن يساره فالقول بعدم الصحة فيه نظر، والصواب أنها تصح؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ما أمر ابن عباس أن يعيد أول صلاته، حيث كبر ابن عباس عن يساره وصلى ثم أداره عن يمينه، ولو كانت صلاته غير صحيحة لاستأنف الصلاة، وإنما منعه من الوقوف عن يساره، فدل على أن الصلاة صحيحة، لكن جهة اليسار ليست محلاً لوقوف المأموم، فيقف المأموم الواحد عن يمين الإمام. وإذا صلى قدامه أو خلفه لم تصح الصلاة، أما عن يساره ففيه نظر؛ لأن ابن عباس أداره عن يمينه ولم يعد أول صلاته. وهل يلزم أن يصلي أمام الإمام إذا كان في صلاة الجنازة؟ A الصواب أنها لا تصح، وفي المسجد الحرام يصلون أحياناً أمام الإمام في الموسم وبعض أهل العلم يرى أنها تصح للضرورة، لكن تارة الإمام يأتي تحت الكعبة بجوار الباب، لكنه في بعض الأحيان قد يكون الأمام متأخراً، وبعضهم أفتى بهذا، والصواب أنها لا تصح إذا صلى قدام الإمام إلا أن يكون محاذياً له. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فإن وقف عن يساره أو قدامه أو وحده لم تصح، إلا أن تكون امرأة فتقف وحدها خلفه]. ولو كان زوجها أو أبوها أو أخوها، فلا تقف في جانب الرجل ولو كان محرماً لها، ولو كانت لوحدها. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وإن كانوا جماعة وقفوا خلفه، فإن وقفوا عن يمينه أو عن جانبيه صح]. ولا سيما إذا كان المكان ضيقاً فوقفوا عن يمينه أو عن شماله فيصح، وقد ورد عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه لما صلى كان معه ثلاثة فجعلهم عن يمينه وعن شماله، كما مر في صحيح مسلم، ولكن فعله هذا منسوخ، وابن مسعود رضي الله عنه استمر على هذا، والسنة أن يكونوا خلفه، إذا كانوا اثنين فأكثر ويصلوا خلفه، وإن كان واحداً فيكون عن يمينه. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وإن صلت امرأة بنساء قامت معهن في الصف وسطهن]. يصح أن تكون إمامة لكن تكون في الوسط. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وكذلك إمام الرجال العراة يقوم وسطهم]. وهذا للضرورة، يكون وسطهم إذا كانوا عراة وليس عليهم ثياب. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وإن اجتمعوا رجالاً وصبياناً وخناثى ونساء قدم الرجال ثم الصبيان ثم الخناثى ثم النساء]. احتمال أن يكون الخناثى رجالاً؛ لأن الخنثى هو الذي عنده آلة ذكر وآله أنثى، ولم يتبين، فيحتمل أن يكون رجلاً؛ ولذلك قدموا على النساء.

ما تدرك به صلاة الجماعة

ما تدرك به صلاة الجماعة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ومن كبر قبل سلام الإمام فقد أدرك الجماعة]. هذا ما ذهب إليه المؤلف، من كبر -أي: تكبيرة الإحرام- ثم جلس فسلم الإمام فقد أدرك صلاة الجماعة. القول الثاني: أنه لا يدركها إلا إذا أدرك ركعة، وهو الصواب؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من أدرك ركعة مع الإمام فقد أدرك الجماعة، ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر)، والصواب أنه لا يدرك الجماعة إلا بركعة، كما أن الوقت لا يدرك إلا بركعة. وهو اختيار البخاري وجماعة، وقد ألف كتاباً في جزء القراءة؛ لأنه فاتته الفاتحة قال: فيقضي، والصواب أنه يدركها لقصة أبي بكرة رضي الله عنه لما جاء والنبي صلى الله عليه وسلم راكع فركع دون الصف، ثم دب دبيباً حتى دخل في الصف، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (زادك الله حرصاً ولا تعد)، ولم يأمره بإعادة الركعة، فدل على أنه أدركها. والحكمة في أن المرأة تصلي إمامة في وسط النساء: أن المرأة يستحب لها التستر، ولهذا يستحب لها ترك التجافي، وكونها في وسط الصف أستر لها فاستحب لها ذلك كالعريان، وإذا كان النساء في مكان ليس فيه رجال فهذا فيه نظر، والأطفال إذا كانوا مميزين فهم كغيرهم.

الأسئلة

الأسئلة

الصلاة خلف الفاسق

الصلاة خلف الفاسق Q هل يصلى خلف الفاسق؟ A إذا وجد غيره فلا يصلى خلفه، وإذا لم يوجد غيره فيصلى خلفه ولا تترك الجماعة، والمسألة فيها خلاف، فمن العلماء من قال: إنها صحيحة، ومنهم من قال: لا تصح، والصواب أنها صحيحة، ومن منع قال: لأنه يجب عليه إنكار المنكر، وإذا صلى خلفه فقد أقر المنكر، والمسألة فيها خلاف بين أهل العلم.

كتاب الصلاة [7]

شرح عمدة الفقه_كتاب الصلاة [7] المشقة تجلب التيسير. هذه قاعدة من القواعد الفقهية أخذها الفقهاء من تتبع الأحكام الشرعية التي فيها رخصة لكل من يصاب بمشقة في أدائه للعبادة، فالمريض يصلي قاعداً أو على جنب أو مستلقياً ويجمع الصلاة، والمسافر يقصر ويجمع الصلاة، والخائف له صلاة خاصة وردت في السنة على أنواع متعددة، وله أن يصلي ماشياً أو راكباً في اتجاه القبلة أو غيرها.

ما جاء في صلاة المريض

ما جاء في صلاة المريض قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب صلاة المريض. والمريض إذا كان القيام يزيد في مرضه صلى جالساً، فإن لم يطق فعلى جنبه؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لـ عمران بن حصين: (صل قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب)]. إذا كان المريض يزيد القيام في مرضه صلى قاعداً، وكذلك إذا كان لا يجد ما يتكئ عليه، أو كان يتجشم القيام فيجد مشقة فإنه يصلي قاعداً، ولو كان يستطيع لكن بمشقة فلا يشق على نفسه بل يجلس ويصلي، فإن عجز عن الصلاة قاعداً صلى على جنبه الأيمن، فإن عجز صلى مستلقياً ورجله إلى القبلة، كما في حديث عمران بن حصين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (صل قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب)، وجاء في سنن النسائي: (فإن لم تستطع فمستلقياً)، أي: مستلقياً ورجلاه إلى القبلة، وهذا من فضل الله تعالى وإحسانه إلى عبده، وأجره تام؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا مرض العبد أو سافر كتب الله له ما كان عمله صحيحاً مقيماً) أما إذا كان صحيحاً وأراد أن يصلي النافلة وهو جالس فله ذلك، لكن له نصف أجر القائم، فإذا أراد الإنسان أن يصلي الراتبة أو سنة الضحى أو صلاة الليل وهو جالس فلا حرج، لكن له نصف أجر القائم، فأما الفريضة فليس له أن يصلي قاعداً إلا إذا كان لا يستطيع بالمرة، أو يستطيع بتجشم ومشقة، أو كان القيام يزيد في مرضه، فهذا جاز له الجلوس في الفريضة، أما النافلة فأمرها واسع، وبعض الناس قد يرى شخصاً يصلي النافلة قاعداً فينكر عليه، فيجوز أن يصلي صلاة الليل صلاة الضحى تحية المسجد والوتر قاعداً لكن له نصف أجر القائم إن كان يستطيع، وإن كان لا يستطيع فالأجر تام إن شاء الله؛ لحديث أبي موسى رضي الله عنه: (إذا مرض العبد أو سافر كتب الله له ما كان يعمله صحيحاً مقيماً). أما إذا صلى الفرض قاعداً وهو يستطيع القيام فلا تصح الصلاة، فيكون ترك ركناً من أركان الصلاة، فصلاته باطلة. والمريض إذا كان لا يستطيع القيام يجلس على الأرض، والأولى أن يتربع في حال القيام، وبين السجدتين مفترشاً، وإن كان يشق عليه جلس على أي كيفية. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فإن شق عليه فعلى ظهره]. يعني: مستلقياً كما في رواية النسائي ورجله إلى القبلة. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فإن عجز عن الركوع والسجود أومأ بهما]. إذا عجز عن الركوع والسجود يومئ للركوع وللسجود وهو جالس، لكن يكون الإيماء في السجود أخفض، والركوع يكون أرفع منه. وإذا كان يستطيع القيام ولكن لا يستطيع الركوع ولا السجود فيومئ للركوع بقدر ما يمكنه، ثم يجلس ويومئ للسجود بقدر ما يمكنه. وإذا كان لا يستطيع الإيماء فليفعل ما يستطيع: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:16] فليكبر ويركع ويسجد بالنية، أما الإشارة بالأصبع أو بالعين فلا أعرف شيئاً في ذلك.

كيفية قضاء ما فات من الصلوات عند الإغماء

كيفية قضاء ما فات من الصلوات عند الإغماء قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وعليه قضاء ما فاته من الصلوات في إغمائه]. إذا أغمي عليه فإنه يقضي ما فاته من الصلاة إذا كان الإغماء مدة يسيرة كاليومين لما جاء في حديث عمار أنه أغمي عليه يومين أو ثلاثة فقضاهن، أما إذا زاد أكثر من ثلاثة أيام كأسبوع فإنه ليس عليه شيء؛ لأنه في حكم فاقد العقل أي: المجنون، فليس عليه تكليف إذا كانت المدة طويلة؛ فلا يقضيها، أما إذا كان الإغماء مدة يوم أو يومين أو ثلاثة فيقضيه؛ لأنه يشبه النوم، أما إذا طالت المدة فهذا هو المعتمد، فلا يقضي إذا كانت المدة طويلة. ويقضي الصلوات كلها في وقت واحد بالترتيب: صلاة الفجر، ثم الظهر، ثم العصر، ثم المغرب، ثم العشاء، فهذه عن اليوم الأول، ثم يصلي أيضاً في يوم آخر: الفجر، ثم الظهر، ثم العصر، ثم المغرب، ثم العشاء، وإذا تعب يستريح ويقضيها في وقت آخر، أما ما يفعله بعض العامة من أنه يصلي كل فرض مع فرضه فغير صحيح، ولا تشترط الموالاة، وإنما الترتيب.

حكم جمع المريض بين الصلوات

حكم جمع المريض بين الصلوات قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وإن شق عليه فعل كل صلاة في وقتها فله الجمع بين الظهر والعصر، وبين العشائين في وقت إحداهما]. إذا شق عليه أن يصلي كل صلاة في وقتها جمع بين الصلاتين؛ لكونه مريض، فيصلي الظهر والعصر جميعاً، ويصلي المغرب والعشاء جميعاً، لكن لا يقصر، وبعض العامة يجهل فيظن أنه يجوز الجمع مع القصر، فيصلي الظهر ركعتين، والعصر ركعتين، فالقصر خاص بالمسافر، فإذا كان يشق على المريض الوضوء لكل منهما جمع، وكذلك المستحاضة فقد أمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تجمع؛ لأن الاستحاضة نوع من المرض. والمقصود: أن المريض إذا كان يشق عليه الوضوء أو القيام فإنه يجوز له أن يجمع بين الصلاتين، لكن لا يقصر؛ لأنه ليس مسافراً، وإذا قصر يعيد الصلاة. ويختار المريض في الجمع الأرفق له جمع التقديم أو التأخير ولا يلزم أن يكون الجمع الصوري، وجاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه: (جمع في المدينة بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء من غير خوف ولا مرض) وجاء في رواية: أنه جمع جمعاً صورياً، يعني: في الصلاة، أخر الظهر إلى آخر وقتها حتى ما بقي إلا أربع ركعات فصلاها، وقدم العصر في أول وقتها، وهو في الصورة جمع، وفي الواقع أن كل صلاة في وقتها، وكذلك أخر المغرب إلى قرب مغيب الشفق ثم صلى المغرب، ثم صلى العشاء بعد مغيب الشفق، فصار في الصورة كأنه جمع، وفي الواقع كل صلاة في وقتها. وهل يصلح أن يصلي المريض قبل إمام المسجد؟ A لا حرج، فالمريض في البيت والمرأة ليسا مرتبطين بالمسجد والمهم دخول الوقت، فإذا دخل الوقت فإنه يصلي المريض والمرأة. ولا يستدل على جواز الجمع بين الصلوات مطلقاً بحديث النبي صلى الله عليه وسلم، فقد قال بعض العلماء: إما أنه شيء عارض، أو أنه جمع صوري، ولم يفعله غير مرة واحدة في المدينة، والنصوص الدالة على المواقيت تكون محكمة وهي الأصل، فلا يتعلق بمشتبه إلا من كان في قلبه زيغ قال تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ} [آل عمران:7] وقال تعالى: {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النساء:103]. أي: مفروضة في الأوقات، فهذه النصوص محكمة، وهذا حديث فيه اشتباه، بينه ما جاء في رواية النسائي أنه جمع صوري، وهذا أحسن ما قيل فيه، وقد قرأنا على سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز فكان هذا أحسن ما فسر به. ويجوز الجمع في وسط الوقت وفي أوله وفي آخره، لكن الأفضل الجمع في أول الوقت، والمسافر له أن يجمع في أول الوقت أو في آخره.

شروط جمع المريض بين الصلوات

شروط جمع المريض بين الصلوات قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فإن جمع في وقت الأولى اشترط نية الجمع عند فعلها واستمرار العذر حتى يشرع في الثانية منهما]. واستمرار العذر لابد منه، لا بد أن يكون العذر موجوداً حتى ينتهي من الثانية، فالمرض يكون موجوداً والسفر يكون موجوداً، والمطر أو الدحض يكون موجوداً، والنية لابد منها، ولكن كونه لابد أن تكون النية في الأولى، فهذا محل تأمل ونظر. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وألا يفرق بينهما إلا بقدر الوضوء]. لا يفرق بين صلاتين مجموعتين إلا بقدر وضوء خفيف؛ لأن هذا معنى الجمع؛ ولأنه إذا فصل بينهما لم يصبح جمعاً. وإذا جمع بين الظهر والعصر ثم جاء وقت العصر وقد برئ فالحمد لله قد أدى ما عليه، إلا إذا كان سيصليها نافلة، كما لو جمع بين الظهر والعصر وهو مسافر ثم قدم قبل دخول وقت العصر فقد أدى ما عليه، فيصلي العصر نافلة إن أحب. وأما تحديد وقت ما بين الصلاتين عند الجمع بالوضوء الخفيف فهذا قياساً على حط الرحال، حيث كان الصحابة يصلون المغرب، ثم ينزلون الرحال عن الإبل من باب الإراحة لها، ثم يصلون العشاء. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وإن أخر اعتبر استمرار العذر إلى دخول وقت الثانية]. إذا أخر الجمع لا بد أن يستمر العذر إلى وقت الثانية، يعني: إذا كان مسافراً وأخر الظهر مع العصر لابد أن يكون العذر مستمراً حتى يقصر ويجمع، فإن وصل إلى البلد وهو لم يصل صلى الظهر أربع ركعات وصلى العصر أربع ركعات، وكذلك أيضاً لابد أن يكون العذر مستمراً إذا كان مطراً أو دحضاً. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وأن ينوي الجمع في وقت الأولى قبل أن يضيق عن فعلها]. إذا أخر الظهر لابد أن يؤخرها ناوياً جمعها مع العصر، وإذا أخر المغرب لابد أن ينوي تأخيرها مع العشاء في وقتها.

حكم الجمع للسفر وللمطر

حكم الجمع للسفر وللمطر قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويجوز الجمع للمسافر الذي له القصر]. المسافر الذي له القصر يرخص له أن يجمع الرباعية، فيجمع بين الظهرين وبين العشائين، ويقصر الرباعية، ويفطر في رمضان، ويمسح على خفيه ثلاثة أيام بلياليها، فكل هذه أحكام تتعلق بالسفر، أما في البلد فليس له أن يجمع إلا إذا كان مريضاً، ولا يقصر ولا يفطر في رمضان إلا إذا كان مريضاً، ولا يمسح إلا يوماً وليلة. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويجوز في المطر بين العشائين خاصة]. هذا المذهب، والقول الثاني: أن له أن يجمع بين الظهرين أيضاً. فالمشهور أنه يجوز له أن يجمع بين العشائين فقط للعذر، ولما فيه من الظلمة، وإذا جاء مطر شديد أو ليس شديداً في الظهر فقد وجد العذر، لكن الحنابلة وغيرهم قالوا: يوجد العذر لكن يوجد ضوء، بخلاف المغرب والعشاء فإن فيه زيادة وهي الظلمة وزيادة المشقة.

صلاة المسافر

صلاة المسافر قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب: صلاة المسافر. وإذا كانت مسافة سفره ستة عشر فرسخاً، وهي مسيرة يومين قاسطين، وكان مباحاً له فله قصر الرباعية خاصة]. هذا هو المسافر عند جمهور العلماء، من سافر ستة عشر فرسخاً في سفر مباح، فهذه مسافة السفر، فإذا كانت هذه المسافة تبلغ هذا القدر الذي قدره المؤلف فإنه يترخص برخص السفر، ستة عشر فرسخاً وهي أربع برد، ما بين البريد والبريد أربعة فراسخ، فتكون أربعة في أربعة برد، بستة عشر فرسخاً، والفرسخ ثلاثة أميال، فتكون ثمانية وأربعين ميلاً، والميل كيلو ونصف أو كيلوين إلا ثلث تقريباً، فتكون المسافة تقارب ثمانين كيلو، فهذا الذي أقره جمهور العلماء، إذا كانت هذه هي المسافة فيترخص برخص السفر مسافة ثمانين كيلو، ولا بد أن يكون السفر مباحاً، فإن كان سفر معصية كأن سافر لتجارة خمر أو للدخان أو للعدوان على ظالم أو للسرقة أو قطع الطريق فلا يترخص برخص السفر. القول الثاني وهو قول شيخ الإسلام ابن تيمية: أنه لا تشترط المسافة، وليس لها تحديد وإنما العبرة بالعرف، فما يعده الناس سفراً فهو سفر، ويحتاج إلى حمل الزاد والطعام، وما لا يعده الناس سفراً فلا، وعلى قول شيخ الإسلام فالسفر إلى الخرج لا يعد سفراً، فالثمانين الكيلو والمائة والمائتان لا تعتبر سفراً عند شيخ الإسلام ابن تيمية، والجمهور يعتبرون هذا، ولابد أن يكون السفر مباحاً، فإن كان السفر محرماً فلا يصح الترخص، والقول الآخر أنه يترخص للسفر وعليه إثم فعل المحرم، فقد يكون ترخصه سبباً في توبته. وفي السفر الأفضل الأخذ بالرخصة، فالقصر سنة مؤكدة ينبغي فعله، وأوجبه بعض العلماء كما سيأتي. وكذلك في الجمع بين الصلوات في المطر، فهذه هي القاعدة العامة، أن الأخذ بالرخص أفضل لكن ينبغي المراعاة والنظر والتأمل في أحوال الناس، فهذا يختلف باختلاف أحوال الناس، وباختلاف الأزمنة والأمكنة، فمثلاً في زمننا الآن الشوارع واسعة، وليس فيها دحض ولا مشقة، والناس أكثرهم يملكون سيارات، ويخرجون لحاجة يسيرة، فلا ينبغي للإنسان أن يجمع إلا في عذر واضح، أما في القرى أو في الهجر أو في البيوت التي هي أعشاش، والتي فيها طين، فهؤلاء كما قال ابن عباس: (كرهت أن أحرجكم فتدوسون الطين إلى ركبكم) أما الآن في مجتمعنا فلا يوجد طين ولا دحض يدوسه الإنسان إلى ركبته، والغالب أنه إذا جاء مطر نشفت الأسواق، ويكون هناك تصريف للسيول. المقصود: أن هذا يختلف باختلاف الأحوال والأمكنة والأزمنة، وهناك القرى التي فيها الدحض والطين فمجرد ما يأتي المطر والناس فقراء ليس عندهم وسائل لإصلاح الطرقات، فمجرد ما يأتي المطر يحدث مشقة عظيمة عليهم. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وإذا كانت مسافة سفره ستة عشر فرسخاً وهي مسيرة يومين قاسطين وكان مباحاً]. يومان قاسطان للإبل المحملة بثقل الأحمال ودبيب الأقدام، فهذه مسافة القصر، وهي تعادل ثمانين كيلو تمشيها الإبل في يومين، ومثاله: من هنا إلى الخرج تمشي مدة يومين إذا كانت الإبل محملة، فهذه مسافة القصر، فقوله: (يومين قاسطين) يعني: متوسطين، والقسط: التوسط، ويبدأ حساب السفر من مفارقة البنيان، فتبدأ تأخذ برخص السفر. قول الجمهور أنه لا قصر إلا في سفر مباح والقول الثاني: أنه ولو كان سفراً محرماً فإنه يترخص. وسواء كان سفر عبادة: كالحج أو العمرة أو الجهاد، أو سفر مباح كالسفر للتجارة أو غيرها. وإذا كان قصد التنزه في مكان، وهذا المكان مسافته مسافة القصر فإنه يترخص، إلا إذا نوى أن يقيم في هذا المكان أكثر من أربعة أيام فإنه يتم، كأن يكون نازلاً مخيماً في مكان لمدة أسبوع أو أسبوعين فهذا لا يترخص وهو قول جمهور العلماء، أما إذا كان الذي يقيم يوماً أو يومين أو ثلاثة أو أربعة، أو يقيم ولا يدري متى تنتهي إقامته فهذا لا يزال يترخص برخص السفر. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فله قصر الرباعية خاصة إلا أن يأتم بمقيم]. فيقصر الرباعية إلا إذا كان مقيماً، فإذا صلى المسافر خلف المقيم يلزمه الإتمام، كما جاء عن ابن عباس أنه سئل: ما لنا إذا صلينا مسافرين قصرنا، وإذا صلينا خلف المقيمين نتم؟ قال: تلك السنة، أو تلك سنة نبيكم، فإذا صلى المسافر خلف المقيم يلزمه الإتمام. وإذا أدرك مع الإمام المقيم ركعتين فقط ثم سلم فإنه يأتي بالركعتين، فإن سلم فصلاته باطلة، ويعيد الصلاة أربعاً من أولها، فيجب عليه أن يتابع الإمام ولا يختلف عليه. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [إلا أن يأتم بمقيم أو لم ينو القصر]. إذا نوى الإتمام فلا بأس، والصواب أن القصر مستحب وليس بواجب، ولو أتم صح، لكن هذا خلاف الأولى. القول الثاني لأهل العلم: أنه يجب القصر، وهو قول الظاهرية، والصواب أنه لا يجب، والدليل على هذا ما ثبت: أن الصحابة رضوان الله عليهم صلوا خلف عثمان بن عفان الخليفة الراشد في منى أربعاً فأتموا الصلاة، وإن كان عبد الله بن مسعود استرجع وقال: إنا لله وإنا إليه راجعون، لكنهم صلوا خلفه، ولو كانت صلاة المسافر الرباعية لا تصح لما صلوا خلفه، ولأجمعوا على هذا. وقد ثبت: أن عائشة أتمت في السفر، فالصواب أنه يجوز، لكنه خلاف الأولى، وخلاف السنة. وإذا جهل المسافر حال الإمام هل هو مسافر أو مقيم فيعمل بالأصل وهو الائتمام، وإن غلب على ظنه أنه مسافر قصر. وفيه اختلاف بين العلماء، فبعض العلماء يرى أن هذا يكون معذوراً، وبعضهم يرى أنه يصلي نافلة. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أو ينسى صلاة حضر فيذكرها في السفر، أو صلاة سفر فيذكرها في الحضر فعليه الإتمام]. إذا نسي صلاة الظهر وتذكرها في السفر فإنه يصليها أربعاً، فلا يقل: أنا مسافر فسأصليها ركعتين، وكذلك العكس إذا كان مقيماً، وتذكر أنه نسي صلاة وهو مسافر فيصليها أربعاً. وإذا دخل المسجد وهو مسافر وأرادوا أن يصلي بهم فليخبرهم أنه مسافر ويقول: اجعلوا واحداً منكم يتقدم لكي نتم، فإن أصروا صلى بهم ركعتين، ثم إذا سلم وهم يكملون صلاتهم. فيأمرهم بالإتمام ويخبرهم فيقول: أنا سأصلي ركعتين وبعد السلام تكملون، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لأهل مكة في غزوة الفتح: (أتموا يا أهل مكة فإنا قوم سفر). قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وللمسافر أن يتم والقصر أفضل]. هذا هو الصواب، وقال بعض العلماء: ليس له أن يتم، والصواب له أن يتم كما أتم الصحابة خلف عثمان، وإن كان خلاف السنة. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ومن نوى الإقامة أكثر من إحدى وعشرين صلاة أتم]. وهذا هو الصواب الذي عليه جمهور العلماء، إذا نوى الإقامة أكثر من إحدى وعشرين صلاة أي: ما زاد عن أربعة أيام أتم، فإن كان أقام أربعة أيام فأقل يقصر، وقال بعض العلماء: ثلاثة أيام، وقال بعض العلماء: عشرة أيام، وقال بعض العلماء: عشرون يوماً، والصواب هو القول الذي عليه جمهور العلماء: أربعة أيام؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم في حجة الوداع قدم في اليوم الرابع من ذي الحجة، ونزل بالأبطح أربعة أيام يقصر الصلاة، ثم انتقل إلى منى في اليوم الثامن، فما زاد على هذه المدة فإنه يتم. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وإن لم يجمع على ذلك قصر أبداً]. قوله: (يجمع) أي: يصمم ويعزم، قال تعالى: {فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ} [يونس:71]، يعني: اعزموا، فهو مقيم في بلد، وعنده حاجة لكنه لا يدري متى تنتهي، لديه معاملة إن انتهت اليوم مشى، وإن انتهى بعد يومين مشى فلا يدري متى ينتهي، فهذا لا يزال يقصر، أما إذا كان قد عزم على أنه سيقيم خمسة أيام أو ستة أيام أو أسبوعاً فإنه لا يترخص، وإذا لم يكن عنده تصميم فهذا هو معنى قوله (لم يجمع) فإنه لا يزال يترخص في وقت الصلاة، لكن إذا كان في البلد فإنه يصلي مع الناس ولا يصلي وحده، فيجيب المؤذن. فإذا كان المسافر متردداً في السفر فإنه يقصر ولو شهراً كاملاً، وقد ورد أن ابن عمر قام بأذربيجان ستة أشهر يقصر، حيث منعته الثلوج، وكل يوم يريد أن يسافر، ولكن الثلوج باقية. أما أهل مكة فالصواب أنهم يقصرون إذا كانوا حجاجاً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بالحجاج ومنهم أهل مكة، فقصروا ولم يأمرهم بالإتمام، وإن كان مذهب الحنابلة أن أهل مكة يتمون، لكن الصواب كما قرره ابن القيم أن أهل مكة وغيرهم يقصرون جميعاً، وهذا القصر هل هو نسك أم أنه للسفر؟ فمن قال: إنه للسفر قال: أهل مكة ليسوا مسافرين فيتموا، ومن قال: إنه نسك قال: يقصرون، والصواب أنهم يقصرون مطلقاً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بالحجاج من أهل مكة وغيرهم ولم يأمرهم بالإتمام، وإنما أمرهم في جوف مكة، قال: (أتموا يا أهل مكة، فإنا قوم سفر) ولم يقل لهم في منى: أتموا.

ما جاء في صلاة الخوف وصفاتها

ما جاء في صلاة الخوف وصفاتها قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب صلاة الخوف. وتجوز صلاة الخوف على كل صفة صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمختار منها أن يجعلهم الإمام طائفتين، طائفة تحرس والأخرى تصلي معه ركعة، فإذا قام إلى الثانية نوت مفارقته وأتمت صلاتها وذهبت تحرس، وجاءت الأخرى فصلت معه الركعة الثانية، فإذا جلس للتشهد قامت فأتت بركعة أخرى، وينتظرها حتى تتشهد، ثم يسلم بها]. صلاة الخوف تشرع إذا خاف الناس من العدو وكانوا مواجهين في القتال، فإنهم يصلون صلاة الخوف، أو أحاط بهم العدو، ومثل إنسان خائف، فإنهم يصلون صلاة الخوف على أحد الوجوه التي ثبتت عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال الإمام أحمد رحمه الله: ثبتت صلاة الخوف بستة أوجه أو سبعة أوجه كلها جائزة، وأنا أختار صلاة ذات الرقاع؛ وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بطائفة وطائفة تجاه العدو. وهنا قال: المختار منها هذه الصفة التي ذكرها المؤلف، وهو أنه يصلي بهم، فيكبر بهم جميعاً ويصلي بهم ركعة، فإذا قام للركعة الثانية نوت الطائفة الأولى المفارقة أو الصف الأول وأتوا بركعة وأتموا لأنفسهم، ثم يصلي بطائفة ركعة فإذا قام إلى الركعة الثانية أتمت لنفسها ونوت المفارقة، وصلى بالطائفة الثانية الركعة التي بقيت، فإذا أتم الركعة ثبت جالساً، فتقوم هذه الطائفة وتكمل لنفسها، فتأتي بركعة، وينتظرهم حتى ينتهوا من التشهد ثم يسلم بهم، هذه إحدى صفات صلاة الخوف. ومن صفات صلاة الخوف أنه يصلي بطائفة ركعتين، وبطائفة أخرى ركعتين، فتكون الأولى له فريضة، والثانية له نافلة، وفيه دليل على صحة ائتمام المفترض بالمتنفل كما كان معاذ يصلي بعد النبي صلى الله عليه وسلم الفريضة، ثم يصلي بأصحابه تلك الصلاة نافلة في أطراف المدينة، فهذه كلها أنواع. ومن صفات صلاة الخوف: أنه يصلي إلى غير القبلة وذلك إذا كان العدو في جهة ثانية، فيصلي إلى وجه العدو ولو كان إلى غير القبلة. ومن صفات صلاة الخوف: أنه عليه الصلاة والسلام صلى بهم، فصفهم صفين، ثم كبر بهم وكبروا جميعاً، ثم ركع وركعوا جميعاً، ثم سجد وسجد الصف الذي يليه وبقي الصف الثاني يحرس؛ لأنهم سيهجم عليهم العدو لو كانوا يسجدون جميعاً، ثم لما قام في الركعة الثانية وتأخر الصف الأول وتقدم الصف الثاني، ثم كبر وكبر بهم جميعاً، ثم سجد وسجد الصف الذي يليه -الذي كان قبل هو الصف الثاني- وبقي الصف الثاني يحرس -الذي كان هو الصف الأول- ثم أتمت كل طائفة لنفسها ركعة. فالمقصود أن صلاة الخوف جاءت على أنواع، فيفعل المسلمون ما يكون أيسر عليهم، وإذا اشتد الخوف كما سيأتي يصلون على حسب أحوالهم سواء كانوا ماشين أو راكبين، إلى القبلة أو إلى غير القبلة، وإذا لم يتيسر لهم على الصحيح أخروها، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أخر الصلاة يوم الأحزاب، وصلى صلاة العصر بعد المغرب. قال عمر رضي الله عنه: (يا رسول الله -وجعل يسب الكفار- ما كدت أن أصلي حتى كادت الشمس تغرب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: والله إن صليتها -يعني: ما صليتها- ثم توضأ النبي صلى الله عليه وسلم وصلى صلاة العصر بعد المغرب، ثم صلى بعدها المغرب) وفي الحديث الآخر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ملأ الله قبورهم وبيوتهم ناراً شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر)، وفي لفظ في غير الصحيح: (أنه صلى أربع صلوات؛ الظهر ثم العصر ثم المغرب ثم العشاء) فجمهور العلماء ذهبوا إلى أن هذا قبل شرعية صلاة الخوف، أما بعد صلاة الخوف فلا تؤخر الصلاة، وإنما تصلى على إحدى الأوجه التي وردت، وقال آخرون من أهل العلم: لا يلزم أن تكون قبل شرعية صلاة الخوف، وقد اختلف في وقت زمان شرعيتها، وقالوا: إنه حتى ولو بعد شرعية صلاة الخوف إذا لم يتمكن المسلمون من أداء الصلاة في وقتها أخروها، قالوا: ويدل على هذا أن الصحابة بعد أن مات رسول الله صلى الله عليه وسلم لما فتحوا تستر، كان الفتح قبيل طلوع الفجر، وكان الناس متفرقين عند ضياء الفجر، فبعضهم على الأسوار، وبعضهم على الأبواب، ولا يستطيعون أن يصلوا، ولو صلوا لهجم عليهم العدو فأخروا الصلاة حتى تم الفتح، فتسلقوا الأسوار وفتحوا الأبواب وتم الفتح وصلوا صلاة الفجر وقت الضحى. قال أنس رضي الله عنه: ما أحب أن لي بها الدنيا يعني: إن أخرتها في الله ومن أجل الجهاد في سبيل الله، فدل هذا على أن الصحابة يرون أنه لا بأس بأن تؤخر الصلاة عن وقتها من أجل الجهاد إذا لم يتمكنوا من أدائها في الوقت، وهو اختيار البخاري وجماعة. وهذه الصلاة على حسب ما هو الأيسر لهم، إن كان الأيسر فرادى صلوا فرادى، وإن كان الأيسر الجماعة صلوا جماعة. وصلاة الخوف عذر في تأخير الصلاة إذا كانوا في السفر، وجاء في بعض الروايات أن صلاة السفر ركعتان وصلاة الخوف ركعة، جاء عن ابن عباس: (صلاة الخوف ركعة، وصلاة الحضر أربع، وصلاة السفر ركعتان). وجاء عن ابن عباس وجماعة أنه في وقت المسايفة -يعني: المقابلة بالسيوف- وقطع الرقاب أنه تجزئ تكبيرة بتكبيرة. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وينتظرها حتى تتشهد ثم يسلم بها، وإن اشتد الخوف صلوا رجالاً وركباناً إلى القبلة وإلى غيرها يومئون بالركوع والسجود]. فإذا اشتد الخوف صلوا رجالاً وركباناً، رجالاً: ماشين على الأرجل، وركباناً: راكبين على الإبل، أو المركوبات الجديدة كالدبابات أو غيرها أو الطائرات فيصلون على حسب أحوالهم رجالاً وركباناً، يعني: ماشين على الأرجل وغيرها، مستقبلي القبلة وغير مستقبليها على حسب حالهم، فيومئون بالركوع والسجود. وهل في صلاة الخوف يجوز صلاة ركعة؟ A إذا اشتد الخوف، وليس دائماً، وإنما في بعض الحالات على ما جاء عن ابن عباس، وإلا الأصل أنها مثل صلاة السفر ركعتان، فإذا أمكن صلوها ركعتين، ويومئون بالركوع والسجود إذا لم يتمكنوا، وإذا تمكنوا صلوها على الأرض أو وهم ركباناً أو مشاة على حسب الحال، أو يؤخرونها حتى يتم الفتح، كما أخر الصحابة صلاة الفجر لما فتحوا تستر. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وكذلك كل خائف على نفسه يصلي على حسب حاله ويفعل كل ما يحتاج إلى فعله من هرب أو غيره]. إن كان خائفاً يصلي ولو كان ماشياً أو يركض ركضاً، وقد بوب أبو داود فقال: باب صلاة الخائف. فالخائف يصلي ولو كان ماشياً، أو مسرعاً، ويومئ بالركوع والسجود، إذا كان يخاف أن يدركه العدو؛ لأنه لو وقف لأدركه العدو، فالخائف له حالة خاصة، والخائف: هو الهارب من العدو، فيصلي على حسب حاله، ولو كان يمشي يومئ بالركوع والسجود.

كتاب الصلاة [8]

شرح عمدة الفقه_كتاب الصلاة [8] صلاة الجمعة واجبة على كل مسلم حر بالغ عاقل ذكر مستوطن ومقيم غير مسافر، وقد اشترط الفقهاء لحضورها عدد معين من المستوطنين، وهذا ليس عليه دليل بل تصح صلاة الجمعة ولو بثلاثة الخطيب والمؤذن والمأموم.

ما جاء في صلاة الجمعة

ما جاء في صلاة الجمعة

ما يشترط في صحة صلاة الجمعة

ما يشترط في صحة صلاة الجمعة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب صلاة الجمعة. كل من لزمته المكتوبة لزمته الجمعة، إذا كان مستوطناً لبناء بينه وبينها فرسخ فما دون ذلك]. كل من لزمته المكتوبة -يعني: الفريضة- لزمته الجمعة، فكل من لزمه أن يصلي الجماعة لزمه أن يصلي الجمعة، يعني: فرض عين عليه كما أن الجماعة فرض عين على كل مسلم، لكن الجمعة لها شروط أيضاً: منها أن يكون مستوطناً، فإن كان مسافراً فلا تجب عليه صلاة الجمعة. ومنها: أن يكون الذين تجب عليهم الجمعة مستوطنين في قرية أو مدينة، أما أصحاب المخيمات الذي يخيمون في وقت من الأوقات فلا تجب عليهم صلاة الجمعة، ولا تصح منهم الجمعة، وإذا كان لهم مخيمات فهم مسافرون كمخيمات الحجاج في منى، وهذا لا يعتبر استيطاناً، فلابد أن يكونوا مستوطنين يعني: ناوين الاستقرار والاستدامة، سواء كانت بيوتهم من طين أو من أسمنت أو من حجر أو من غيرها أو من خشب، أما المخيمات المؤقتة فلا تجب عليهم الجمعة؛ لأنهم ليسوا مستوطنين. ومن ذلك ما يفعله الحجاج في منى، فلا يصلون الجمعة؛ لأنهم مسافرون، فيغلط بعض الناس عندما يقيم جمعة بالناس، فبعض الناس يذهب إلى بعض المخيمات فيقيم فيهم الجمعة، وهم مخيمون في الحج، وهذا غلط، الجمعة إنما تقام في الجوامع في البلدان. قوله: كل من لزمته المكتوبة لزمته الجمعة إذا كان مستوطناً ببناء بينه وبينها فرسخ فما دون ذلك. يعني: إن كان مستوطناً ببناء، أما أصحاب المخيمات فلا، حتى ولو كان مقيماً في المخيمات؛ لأنهم في خيام مؤقتة، إلا إذا كان هذا بلدهم وليس عندهم إلا ذلك، وكانوا كلهم مستوطنين فلا بأس، أما إذا كانوا في مخيمات، ولم ينووا الاستيطان، فهؤلاء لا يقيمون الجمعة، ولابد أن يكون مستوطنين ببناء بينه وبين المسجد مسافة فرسخ، والفرسخ ثلاثة أميال، والميل تقريباً: خمسة كيلو أو أربعة كيلو ونصف، فإذا كانت المسافة أكثر فإنه يكون معذوراً فتسقط عنه الجمعة؛ لأنه يستطيع أن يمشي ثلاثة كيلو أو أربعة كيلو أسبوعياً فيصلي مع الناس الجمعة؛ ولأن هذا هو الذي يسمع النداء، فالغالب إذا لم تكن هناك أصوات فإنه يسمع نداء المؤذن من غير مكبر. المقصود: أن هذا الذي بينه بين الجامع مسافة فرسخ يصلي الجمعة، أما من كان بعيداً فلا تجب عليه، وكذلك إذا كان مسافراً غير مستوطن فلا تجب عليه الجمعة، وإذا صلى الجمعة وهو ليس من أهلها فإنه يعيد الصلاة ظهراً، والمسافر إذا كان مقيماً له أكثر من أربعة أيام صار حكمه حكم المقيم فيصلي مع الناس، فإذا سمع النداء يصلي الجمعة والجماعة ولا يصلي وحده. وتوجد في بعض المناطق محطات نفط فيها جوامع تقام فيها الجمعة فإذا كان فيها أناس مقيمون فلا بأس بذلك، ومن يأتي يكون تبعاً لهم، لكن الأصل هم المقيمون، ولو كان عددهم قليلاً.

المعذورون في صلاة الجمعة

المعذورون في صلاة الجمعة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [إلا المرأة والعبد والمسافر والمعذور بمرض أو مطر أو خوف]. هذا مما هو معلوم، أن المرأة لا تجب عليها الجمعة، والعبد كذلك ليس عليه جمعة؛ لأنه مشغول بخدمة سيده، والمسافر كذلك ليس عليه جمعة، والمعذور المريض والخائف تسقط عنه الجمعة، لكن إذا حضر العبد أو المسافر أو المرأة أو المعذور الجمعة أجزأتهم. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [إلا المرأة والعبد والمسافر والمعذور بمرض أو مطر أو خوف وإن حضروها أجزأتهم ولم تنعقد بهم]. يعني: إن جاءوا لم تنعقد بهم، أي: لا يحسبون في العدد، وهذا كما سيأتي فالمصنف يرى أنه لابد أن يكون العدد أربعين، فإذا نقصوا عن أربعين فلا تقام الجمعة على المذهب. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وإن حضروها أجزأتهم ولم تنعقد بهم إلا المعذور إذا حضرها وجبت عليه وانعقدت به]. المعذور يعني: المريض أو الخائف أو من وجد مطراً، ثم حضر الجمعة فإنه تجزئه وتنعقد به، ويحسب من أهلها.

فعلها في الوقت

فعلها في الوقت قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ومن شرط صحتها فعلها في وقتها في قرية]. لابد أن يفعلها في وقتها، واختلف العلماء في وقتها، فجمهور العلماء على أن وقتها بعد الزوال كصلاة الظهر، وهذا هو الذي عليه الجمهور، والذي بوب عليه البخاري رحمه الله وجزم في الترجمة. القول الثاني: أن وقتها كصلاة العيد من ارتفاع الشمس، وهذا مذهب الحنابلة وجماعة، وجاء في حديث لا بأس به، ولكن الأحوط للخطيب ألا يدخل إلا بعد الزوال، فيكون أذان الجمعة وأذان الظهر احتياطاً لهذه العبادة العظيمة، ولأن أكثر العلماء يرون أنها لا تصح الصلاة إذا صلاها قبل الزوال، وينبغي للإنسان أن يحتاط، فيصلي عند دخول الوقت، ويوجد بعض الخطباء يتقدم قبل الوقت بربع ساعة فما هو الداعي لهذا؟ ولماذا هذه العجلة؟ فإن أكثر العلماء يرون أن هذه الصلاة لا تصح، وإذا تأخرت ربع ساعة تكون صحيحة بإجماع العلماء، ويوجد تعميم من الوزارة بأن الخطباء لا يخطبون إلا بعد الزوال، والتعميم مبني على فتوى لسماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمة الله عليه، بأن الخطباء ينبغي أن يكون دخولهم بعد الزوال؛ لأمرين: الأمر الأول: أن جمهور العلماء يرون أنها لا تصح قبل الزوال احتياطاً لهذا العذر. الثاني: حتى لا يكون في هذا عذر للكسالى الذين يفتحون البقالات وغيرها، فإذا قيل لهم: تعالوا صلوا قالوا: صلينا مع الخطيب المتقدم، والمقصود: أنه ينبغي للخطيب أن يكون دخوله بعد الزوال، فيكون أذان الجمعة هو أذان الظهر على التقويم، فينبغي الاحتياط للجمعة. وذكر في الشرح قال: وعن جابر رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الجمعة، ثم نذهب إلى جمالنا فنريحها حتى تزول الشمس) وهذا قول، والمقصود: أن أكثر الأحاديث على أنها بعد الزوال، ولهذا جزم البخاري في الترجمة، وقال باب وقت الجمعة إذا زالت بالشمس مع أنه لا يجزم في كثير من تراجمه، وذكر حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي الجمعة حين تميل الشمس. فخطبة الجمعة ثابتة، وهي تقوم مقام ركعتين، فينبغي أن تكون الخطبة والصلاة بعد الزوال. قوله: (ومن شرط صحتها فعلها في الوقت). الصواب أنها تصح قبل الزوال، لكن على الإنسان أن يحتاط، والحنابلة يرون أنها كصلاة العيد تبدأ من الضحى، وجاء في أحاديث خارج الصحيحين ما يدل على هذا، لكن ينبغي للإنسان أن يحتاط؛ لأن الكثير من الناس اليوم أصبحوا يتأخرون، فالتبكير فيه مساعدة للذين يتأخرون، وقد ابتلي الناس بالسهر فصاروا ينامون، ولا يستيقظون إلا متأخرين، ولهذا تجد أنه إذا كان الأذان في الوقت يمتلئ المسجد، وإذا صار الأذان مبكراً قبل ربع ساعة تجد الناس يتأخرون ولا يأتون إلا الساعة الثانية عشرة على العادة. وكذلك أيضاً يترتب على هذا: أن بعض النساء أو المرضى في البيوت قد يصلون قبل الوقت.

حضور أربعين رجلا لها

حضور أربعين رجلاً لها قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وأن يحضرها من المستوطنين بها أربعون من أهل وجوبها]. وقد سبق أنها لابد أن تكون في البلد في القرية أو المدينة فيكونون مستوطنين، وأن يكون العدد أربعين، ويستدلون بحديث: (مضت السنة في كل أربعين فصاعداً جمعة). ولكن هذا ضعيف، والصواب أنها لا تسقط وإن قل العدد، والحنابلة اعتمدوا هذا وقالوا: لو نقص من الأربعين واحد صلوا ظهراً، فلابد أن يكون العدد أربعين، وقال: آخرون لابد أن يكون العدد اثنا عشر رجلاً، واحتجوا بقوله تعالى: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} [الجمعة:11] وأن الناس لما جاءت التجارة خرجوا من عند النبي صلى الله عليه وسلم ولم يبق معه إلا اثنا عشر رجلاً، وقيل: أقل من هذا، وقيل: أربعة. والصواب: أن أقل عدد الجمعة ثلاثة: خطيب وهو الإمام، ومؤذن، ومأموم، فإذا وجد المؤذن وشخص معه مستوطن في بلده ووجد الإمام فيقيمون جمعة، وإذا كانوا اثنين تصح بهم الجماعة وإذا كانوا ثلاثة يقيمون الجمعة. أما قولهم: اثنا عشر أو أربعون فلا دليل عليه.

تقدم خطبتين لها

تقدم خطبتين لها قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وأن يتقدمها خطبتان في كل خطبة حمد الله تعالى والصلاة على رسول صلى الله عليه وسلم]. فمن شروط الجمعة: أن يتقدمها خطبتان، فإن لم يتقدمها خطبتان لا تصح، ويصلونها ظهراً، ولهذا يوجد في بعض القرى وفي بعض الأحيان لا يجدون من يخطب بهم، فيصلون ظهراً، وبعض الشباب يخرجون إلى بعض القرى الكثيرة المتعددة فيخطبون بهم، وأحياناً ما يأتيهم أحد فيصلون ظهراً، فمن شرط صحة الجمعة أن يتقدمها خطبتان، فإذا لم يتقدمها خطبتان فلا تصلى جمعة وإنما تصلى ظهراً. ومن شروط الخطبتين: أن يفصل بينهما بجلسة، وأن تفتتح بحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله، والشهادة لله بالوحدانية ولنبيه بالرسالة، والوصية بتقوى الله، وأن يقرأ آية، فهذا لابد منه في الخطبة.

ما يستحب في خطبة الجمعة

ما يستحب في خطبة الجمعة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وأن يتقدمها خطبتان في كل خطبة حمد الله تعالى والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقراءة آية والموعظة، ويستحب أن يخطب على منبر]. السنة أن يخطب على المنبر أو على موضع مرتفع حتى يراه الناس ويسمعون كلامه، وإن خطب على الأرض فلا حرج، لكنه خالف السنة، فيكون على موضع عال يخطب فيشاهده الناس ويرونه ويسمعون كلامه. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فإذا صعد أقبل على الناس فسلم عليهم ثم يجلس وأذن المؤذن]. إذا صعد المنبر يقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ثم يجلس حتى يؤذن المؤذن، ثم يقوم ويبدأ الخطبة بالحمد لله. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ثم يقوم الإمام فيخطب، ثم يجلس، ثم يخطب الخطبة الثانية، ثم تقام الصلاة فينزل فيصلي بهم ركعتين يجهر فيهما بالقراءة]. وهذه هي السنة، أن يجهر بهم في القراءة؛ لأن صلاة الجمعة يجتمع فيها عدد كبير، فشرع الجهر بها كصلاة الكسوف وصلاة العيد وصلاة الاستسقاء، وإن كانت في النهار، إلا أنه شرع الجهر بها للعد الكثير؛ فيستمع الناس القراءة ويستفيدون ويتدبرون.

الحالات التي تنقلب فيها الجمعة إلى ظهر

الحالات التي تنقلب فيها الجمعة إلى ظهر قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فمن أدرك معه منها ركعة أتمها جمعة، وإلا أتمها ظهراً]. إذا أدرك المأموم مع الإمام ركعة أضاف إليها ركعة وصحت الجمعة، فإن رفع الإمام رأسه من الركعة الثانية قبل أن يدخل معه دخل معه في بقية الركعة الأخيرة، فإذا سلم الإمام أتى بأربع ركعات، ويعتبر فاتته الجمعة وأما إذا أدرك ركعة فإنه يضيف إليها ركعة وتصح له جمعة. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وكذلك إن خرج الوقت أو نقص العدد وقد صلوا ركعة أتموها جمعة وإلا أتموها ظهراً]. إذا أخر الإمام صلاة الجمعة إلى قرب العصر فصلوا ركعة قبل أن يخرج الوقت يضيفون إليها ركعة وتنبني عليها الجمعة، فإن خرج الوقت قبل أن يصلوا الركعة الأولى صلوها ظهراً. وكذلك إذا نقص العدد قبل أن يصلوا ركعة أتموها جمعة، وإن زاد العدد وصاروا أربعين، ثم ذهب رجلان في الركعة الأولى يتمونها ظهراً على ما ذهب إليه المؤلف، والصواب أنهم يتمونها جمعة ولو نقص العدد لا يشترط عدد الأربعين ولا اثنا عشر. ومن فاتتهم الجمعة يصلونها ظهراً؛ لأن شرط الجمعة تقدم خطبتين، فلا تصح الجمعة إلا بتقدم خطبتين، فمن فاتته الصلاة سواء كانوا جماعة واحدة أو اثنين أو مائة فيصلون ظهراً أربع ركعات، فلا تقام الجمعة أكثر من مرة في مكان واحد، حتى في البلد الواحد ما تقام أكثر من جمعة واحدة إلا للضرورة أو الحاجة.

حرمة إقامة أكثر من جمعة في بلد واحد

حرمة إقامة أكثر من جمعة في بلد واحد قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولا يجوز أن يصلى في المصر أكثر من جمعة واحدة إلا أن تدعو الحاجة إلى أكثر منها]. لا يجوز أن يصلى في البلد إلا جمعة واحدة؛ لأنه في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وفي زمن الخلفاء الراشدين ما أقيمت إلا جمعة واحدة، ففي زمنه عليه الصلاة والسلام، وكذلك في زمن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي حتى في القرن السادس في العراق التي هي أم الدنيا، وحاضرة العالم الإسلامي وليس فيها إلا جمعة واحدة، فلا ينبغي أن يزاد أكثر من جمعة إلا للضرورة أو الحاجة يعني: كأن اتسع البلد وكثر الناس فلا بأس على الصحيح. وبعضهم يرى أنه لا يجوز وإن دعت الحاجة، حتى إن بعض الأحناف لا يرون صحة الجمعة الثانية، ولهذا إذا صلي جمعة ثانية في البلد فيصلون ظهراً بعدها؛ خوفاً ألا تصح إحداهما، وإن كان هذا التصرف باطلاً لكن فيه بيان شدة تحريهم، والمقصود: أن إقامة الجمعة الثانية في البلد ينبغي أن يتحرى فيها، ويتأكد من الحاجة الملحة، فبعض الناس يتساهلون الآن في إقامة الجمعة، فكل من بنى مسجداً جعل له محراباً ومنبراً، وصار يطالب بأن تقام فيه الجمعة، هذا غلط، ولهذا المسئولون في الوزارة لا بد أن يخرجوا لجنة لتنظر وتتحرى، ثم يؤذن لهم بالجمعة الثانية، فلا تقام إلا للحاجة الواضحة من اتساع البلد وامتلاء المساجد التي حوله.

ما يستحب لمن أتى الجمعة

ما يستحب لمن أتى الجمعة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويستحب لمن أتى الجمعة أن يغتسل ويلبس ثوبين نظيفين ويتطيب ويبكر إليها]. كل هذا مستحبات ينبغي فعلها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمة، ومن اغتسل فالغسل أفضل). فالغسل مستحب عند جمهور العلماء لهذا الحديث، وقال آخرون من أهل العلم: كل من أراد أن يأتي الجمعة فعليه أن يغتسل وجوباً، وإلى هذا ذهب الظاهرية، واحتجوا بقوله صلى الله عليه وسلم: (غسل الجمعة واجب على كل محتلم)، وبهذا يفتي فضيلة الشيخ محمد العثيمين ويرى أن من الواجب على كل أحد أن يغتسل. وقال آخرون من أهل العلم: إنما يجب الغسل على أهل المهن، والعمال الذين تخرج منهم الرائحة المنتنه، وما عداهم فلا يجب، واستدلوا بما جاء في حديث عائشة: (أن الناس كانوا عمالاً وكانوا تخرج منهم الريح، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لو اغتسلتم ليومكم هذا) قالوا: هذا دليل على أنه يجب على العمال، والصواب: أنه مستحب للجميع. والتبكير إلى الجمعة كذلك من المستحبات، فيبكر إليها، ويلبس أحسن ثيابه، ويتطيب ويستاك؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من غسل واغتسل، وبكر وابتكر، ومشى ولم يركب، ودنا من الإمام واستمع ولم يلغ؛ غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى وزيادة ثلاثة أيام). وجاء في حديث آخر: أن من بكر كتب الله له في كل خطوة أجر سنة صيامها وقيامها، وجاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشاً، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة، ثم إذا دخل الإمام طويت الصحف واستمعت الملائكة للذكر). فهذه خمس ساعات ويدخل الإمام في الساعة السادسة، والساعات هنا: أجزاء من الزمن، فقد تكون الساعة في اللغة العربية جزء من الزمن، وقد تكون الساعة المعروفة الآن أو تكون أقل منها أو أكثر منها، فهي خمس ساعات من بعد طلوع الفجر أو بعد طلوع الشمس، فتقسم إلى وقت خروج الخطيب، ويخرج الخطيب في الساعة السادسة، ومعلوم أن نهار الصيف يكون أطول، وأما الشتاء فيكون أقل، فالخمس الساعات تكون قصيرة في الشتاء وطويلة في الصيف، ومن الغريب أن الإمام مالك رحمه الله قال: إن هذه الساعات لحظات تكون بعد زوال الشمس، ثم يدخل الخطيب، وهذه من العجائب. والصواب: أنها تبدأ إما من الفجر أو من طلوع الشمس، أما قول الإمام مالك إنها تبدأ من الزوال وقد دخل وقت الظهر، وأنها لحظات متوالية تنقص من الساعات فهو مرجوح. وأما قول أنها تبدأ من الأذان الأول فغير صحيح، والأذان الأول محدث أحدثه عثمان رضي الله عنه لما اجتمع الناس، وما كان معروفاً على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر، وإنما المراد من دخول اليوم إما من الفجر أو من طلوع الشمس. وأما اليوم فقلت الرغبة في التبكير وضعف الناس وانشغلوا بالسهر حتى صاروا ينامون إلى وقت الصلاة. قال المؤلف رحمه الله تعالى: ويستحب لمن أتى الجمعة أن يغتسل ويلبس ثوبين نظيفين ويتطيب ويبكر إليها. وإذا كان له إزار ورداء فيعتبران ثوبين على عادة العرب إزار ورداء، أو قميص وعمامة، والثوب: القطعة من الثياب والشماغ والغترة تسمى قطعة، والإزار قطعة، والرداء قطعة، وكل قطعة تسمى ثوباً. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فإن جاء والإمام يخطب لم يجلس حتى يصلي ركعتين يوجز فيها]. وهذا هو السنة، لا يجلس حتى يصلي ركعتين، حتى ولو كان الإمام يخطب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم: (كان يخطب فدخل سليك الغطفاني فجلس، فقال له: أصليت ركعتين؟ قال: لا، قال: قم فاركع ركعتين وتجوز فيهما). فدل على أنه لابد من تحية المسجد، لكن يخففهما إذا كان الإمام يخطب حتى يستمع الخطبة، وهذا معنى يوجز فيهما أي: يخففهما. وإذا جاء والمؤذن يؤذن فهو مخير بين أن يصلي وبين أن يستمع الأذان ويردد، والأقرب أنه يردد بعد المؤذن، ثم يصلي ركعتين يوجز فيهما، وسماع الأذان وقته قصير وفيه فضيلة فلا يتعارض مع استماع الخطبة. ومن السنة أن يدخل الخطيب على الوقت، وإن جاء مبكراً فهذا خلاف الأفضل، وكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يأتي إلا عند الخطبة، وإن جاء وتقدم فلا حرج. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولا يجوز الكلام والإمام يخطب إلا للإمام أو من كلمه]. لا يجوز للإنسان أن يتكلم والإمام يخطب، إلا إذا كان الإمام يكلم أحداً، كما تكلم ذلك الرجل الذي جاء والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب فقال: (يا رسول الله! هلكت الأنعام، وانقطعت السبل، فادع الله يغيثنا) أو أن الإمام يكلم بعض الناس فيقول: يا فلان افعل كذا أو قل كذا فمن يكلم الإمام أو يكلمه الإمام فلا بأس، أما أن يتكلم مع من بجواره فهذا لا يجوز، ومن تكلم والإمام يخطب فلا جمعة له، كما جاء في الحديث: (إذا قلت لصاحبك أنصت والإمام يخطب فقد لغوت، ومن لغى فلا جمعة له، ومن مس الحصى فقد لغى) فلا تقل: يا فلان افعل كذا أو اترك كذا ولا تجيب أحداً، ولا تشمت العاطس، ولا ترد السلام مثل الصلاة، ولا تستاك والإمام يخطب، كل هذا لا يجوز، ولكن إذا رأيت أحداً يعبث تشير إليه إما إشارة أو تنظر إليه، ثم انصحه بعد الصلاة. وبعض الناس قد يكتب بعض الفوائد فهذا لا ينبغي؛ لأن فيه انشغال، ولكن يتذكر بعد الصلاة ويكتبها من بعد، وإذا غلط الخطيب في آية فإنه يفتح عليه مثل الصلاة. ويوجد في بعض المساجد تسجيلات تسجل الخطبة، وقد ينشغل الذي يسجل عن سماع الخطبة فتراه يرفع الجهاز أو يخفضه، فقد يقال: إن هذا كالذي يعمل من حركات في الصلاة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على المنبر ونزل القهقرى وتقدم، وكذلك أيضاً حمل أمامة بنت ابنته زينب فكان إذا قام حملها وإذا سجد وضعها، وفتح الباب لـ عائشة، فقد يقال: إن هذه الحركة لا بأس بها، لكن أن ينشغل فهذا لا ينبغي أما الحركة اليسيرة فيعفى عنها كما في الصلاة، فيحاول أن يبتعد عن كل شيء يشغله عن سماع الخطبة. وحديث: (من مس الحصى فقد لغى) يدخل فيه العبث الكثير. مسألة: وهل يرفع المأموم يديه عند دعاء الإمام؟ A لا يرفع يديه إلا إذا استسقى الإمام، فيرفع الإمام يديه ويرفع المأمومون أيديهم. مسألة: هل تجب صلاة الجمعة على أهل البادية والرجل المقيم في الصحراء في الخيام؟ A أهل البوادي ليس عليهم صلاة جمعة؛ لأنهم يرحلون وينزلون، ويرحلون وينزلون، فليسوا مقيمين، ومن شرط إقامة الجمعة أن يكون الإنسان مقيماً مستوطناً لا ينوي الانتقال، وكذلك أصحاب النزهة الذين يتنزهون في البر ليس عليهم جمعة. وأما حديث: (من غسل واغتسل، وبكر وابتكر)، فيكون وقت الاغتسال بعد طلوع الفجر، أما قبله فلا؛ لأن اليوم ما دخل بعد. وأما ساعة الإجابة في يوم الجمعة فقد اختلف فيها على أربعين قولاً، يقول الحافظ: أمليتها في فتح الباري، وأرجحها ساعتان، الساعة الأولى: عند دخول الخطيب حتى يفرغ من الصلاة، والساعة الثانية: آخر ساعة بعد العصر، فهذا أرجح ما قيل فيها. وساعة الجمعة بأن يدعو مثلاً بين الخطبتين وفي الصلاة، وبعدما تنتهي الخطبة، وفي آخر التشهد، وفي السجود فهذا هو محلها.

كتاب الصلاة [9]

شرح عمدة الفقه_كتاب الصلاة [9] صلاة العيد فرض كفاية، وذهب بعض أهل العلم إلى أنها فرض عين، وهي ركعتان بلا أذان ولا إقامة ولا نداء، بعدهما خطبتان، ووقت صلاة العيد من ارتفاع الشمس قدر رمح إلى الزوال، يكبر الإمام فيها في عيد الأضحى ويؤخرها في عيد الفطر، ولها مستحبات ومندوبات كلها في كتب الفقه.

ما جاء في صلاة العيدين

ما جاء في صلاة العيدين

حكم صلاة العيد

حكم صلاة العيد قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب صلاة العيدين. وهي فرض على الكفاية، إذا قام بها أربعون من أهل المصر سقطت عن سائرهم]. والعيد: اسم لما يعود ويتكرر إما في اليوم أو في السنة أو في الشهر، كالجمعة في الأسبوع، والعيدان هما: عيد الفطر وعيد الأضحى، وقوله: (باب صلاة العيدين)؛ لأنه ليس هناك إلا عيدان وهما عيد الفطر وعيد الأضحى. وهي فرض كفاية إذا قام بها من يكفي سقط الإثم عن الباقين. وقال آخرون من أهل العلم: إنها سنة، وذهب بعض المحققين كشيخ الإسلام ابن تيمية إلى أنه فرض عين، وقال: إن صلاة العيدين فرض عيني سنوي، كما أن الجمعة فرض أسبوعي، والصلوات الخمس فروض يومية، فكذلك العيدان فرض عيني على كل أحد، وقال: إن النصوص تدل على أنها فرض عين، ومن الأدلة على ذلك: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بإخراج الحيض والعواتق وذوات الخدور من النساء في العيدين)، ولما قالت امرأة: (يا رسول الله! المرأة ليس لها جلباب؟ قال: لتلبسها أختها من جلبابها ولتشهد العيدين). فثبت أنه (أمر العواتق وذوات الخدور والحيض أن يخرجن فيصلين مع الناس ويشهدن الخير وتعتزل الحيض المصلى). فدل هذا على أن صلاة العيد فرض عين؛ لأنها فرض سنوي، وهو قول قوي، والمشهور في المذهب أنها فرض كفاية، فإذا صلى بعض الناس سقط الإثم عن الباقين، وقول المؤلف: إنه إذا وجد أربعون رجلاً وصلوا سقط فرض الكفاية، هذا على القول بأنه اشترط لصلاة العيد أربعين رجلاً كما مضى في الجمعة، أنه في المذهب اشترط أن الجمعة لا تقام إلا بأربعين رجلاً، واستدلوا بحديث: مضت السنة في كل أربعين فصاعداً جمعة. لكنه ضعيف، والمسألة فيها خلاف، والمذهب على أنه لا تنعقد الجمعة إلا بأربعين رجلاً، وقال آخرون: تنعقد باثني عشر رجلاً؛ لأن الصحابة خرجوا من المسجد لاستقبال القافلة، ولم يبق مع النبي صلى الله عليه وسلم إلا اثنا عشر رجلاً، وأنزل الله: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} [الجمعة:11] فدل على أن الجمعة تنعقد باثني عشر رجلاً، وقال آخرون: تنعقد بأربعة، والصواب كما سبق أنه إذا وجد ثلاثة في قرية فتصح بهم الجمعة، لأن الجمعة لا تقام إلا في القرى والأمصار، ولا تقام في المخيمات ولا في البوادي ولا في المخيمات التي متنزهات، وإنما تقام في بلد أهله مستقرون مستوطنون، إما في بيوت الحجر والأسمنت أو الطين التي على وجه الدوام، فتقام فيهم الجمعة، وإذا وجد ثلاثة أقيمت فيهم جمعة، فهذا هو الصواب، إمام خطيب ومؤذن، ومأموم، فيكون الخطيب، والمؤذن ومعه آخر يستمعون الخطبة فيصلي بهم. وكذلك العيد على الصحيح، فيصلون العيد إذا كانوا ثلاثة كالجمعة، أما قول المؤلف من أنه لابد من أربعين فهذا قول ضعيف، والحديث الذي استدلوا به حديث ضعيف لا يحتج به.

وقت صلاة العيد

وقت صلاة العيد قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ووقتها من ارتفاع الشمس قيد رمح إلى الزوال]. وقت صلاة العيد من ارتفاع الشمس قدر رمح إلى زوال الشمس، وكذلك الجمعة على قول الحنابلة وغيرهم: أنها كصلاة العيد تبدأ من ارتفاع الشمس إلى دخول وقت العصر، والصواب الذي عليه جمهور العلماء كما سبق أن وقتها من الزوال، ولهذا جزم البخاري رحمه الله في صحيحه في الترجمة بأن وقت الجمعة من زوال الشمس، وهذا هو الذي عليه جمهور العلماء، وعلى هذا فإذا دخل الخطيب قبل زوال الشمس فإنها لا تصح الجمعة عند أكثر أهل العلم، وإنما تصح عند بعضهم. ومن هنا يتبين خطأ بعض أئمة الجوامع في كونهم يتقدمون في الجمعة قبل دخول الوقت بربع ساعة أو بعشر دقائق، وهذا غلط؛ لأن التقديم فيه خطر، وأكثر العلماء يرون أن الصلاة لا تصح، وأنا أتعجب من عجلة بعض الأئمة، حيث يتقدم بربع ساعة، وتنتهي الخطبتان قبل دخول الوقت، وأكثر أهل العلم يرون أن صلاته باطلة، وإن كان الصواب أنها تصح، لكن ينبغي للإنسان أن يحتاط لهذه العبادة. فأذان الجمعة هو أذان الظهر حتى يحتاط لهذه العبادة العظيمة، وحتى تخرج من الخطر، وحتى يقال: إن صلاتك صحيحة عند جميع أهل العلم، أما إذا تقدمت فأكثر أهل العلم يرون أن صلاتك باطلة، وبعضهم يرى أنها صحيحة، ثم أيضاً هناك من ولاة الأمور تعميم على الخطباء، مستندين بفتوى لسماحة شيخنا الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمة الله عليه بأن على الأئمة أن يتقيدوا بعدم الدخول إلا مع أذان الظهر وزوال الشمس، ومع ذلك لا يزال بعض الخطباء إلى الآن يخالف وهذا لا ينبغي للخطيب.

سنية إقامة العيد في الصحراء

سنية إقامة العيد في الصحراء قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ووقتها من ارتفاع الشمس قيد رمح إلى الزوال، والسنة فعلها في الصحراء]. هذا هي السنة، فصلاة العيد تكون في الصحراء خارج البلد، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصليها، فصلاة العيدين والاستسقاء لا تصلى في الجوامع، وإنما تصلى خارج البلد، إلا في المسجد الحرام فإنها تصلى في المسجد الحرام، وما عداه فإنها تصلى خارج البلد، حتى في المدينة كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يصلي العيد في مسجده عليه الصلاة والسلام، وإنما يصلى في صحراء قريباً من البلد، لكن إذا اتسعت البلد وشق على الناس الصلاة فتسوى مصليات متعددة، أو كان هناك مطر في يوم العيد فلا بأس بالصلاة في الجوامع، وإلا فالسنة صلاتها في صحراء قريبة من البلد.

استحباب تعجيل الأضحى وتأخير الفطر

استحباب تعجيل الأضحى وتأخير الفطر قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والسنة فعلها في الصحراء وتعجيل الأضحى وتأخير الفطر]. السنة تعجيل صلاة عيد الأضحى، وتأخير الفطر، وحكمة التبكير بصلاة الأضحى حتى يبادر الناس في ذبح الأضاحي ويأكلون منها، أما عيد الفطر فالسنة تأخيرها والفطر قبلها بتمرات، ويؤخرها حتى يتسع الوقت لإخراج زكاة الفطر، فزكاة الفطر أفضلها يوم العيد وقبل الصلاة، فينبغي أن يصلي الإمام ويتأخر في صلاة العيد حتى يطول الوقت ويتسع للذين يريدون أن يخرجوا زكاة الفطر بعد الفجر وقبل الصلاة؛ لأن هذا هو الوقت الأفضل لإخراج زكاة الفطر. كذلك يفطر بأن يأكل تمرات قبل خروجه، أما في عيد الأضحى فليس هناك زكاة فطر قبلها، فيشرع للخطيب أن يبكر بصلاة الأضحى حتى يكون هذا أرفق بهم فيبادروا في ذبح أضاحيهم ويبادروا في الأكل من كبدها.

ما يستحب فعله يوم العيد

ما يستحب فعله يوم العيد قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والفطر في الفطر خاصة قبل الصلاة ويسن أن يغتسل ويتنظف ويتطيب]. وهذا يحتاج إلى دليل، إنما الاغتسال في صلاة الجمعة، فهذا مشروع مؤكد أو واجب، أما صلاة العيد فلا أذكر حديثاً صحيحاً في هذا، وإنما هو قياس أو استدلال لبعضهم على صلاة الجمعة أما صلاة العيد فالقول بالاستحباب فيه نظر يعني: ليس فيه دليل، لكن لو اغتسل فهو من باب النظافة، لأنه يوم اجتماع فمن باب النظافة والبعد عن الرائحة فلا بأس، والتطيب كذلك من باب القياس على الجمعة، وإلا ليس فيه دليل خاص. فهم قالوا هذا قياساً على الجمعة، حيث إن الجمعة فيها نص. وهذا القياس لا يكفي حتى يقال بأنه سنة، والسنة لا تثبت إلا من فعل النبي صلى الله عليه وسلم أو تقريره، والعبادات ليس فيها قياس، إنما القياس كما مر في الأصول في المعاملات، فالقول بأنه سنة يحتاج إلى دليل خاص.

صفة صلاة العيد

صفة صلاة العيد قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فإذا حلت الصلاة تقدم الإمام فصلى بهم ركعتين بلا أذان ولا إقامة]. وليس لها نداء بخلاف صلاة الكسوف فإن لها نداء: الصلاة جامعة، الصلاة جامعة، أما صلاة العيد فليس لها أذان ولا إقامة ولا نداء، ولا يقول: صلاة العيد أثابكم الله، لا يقول شيئاً، وإنما يجتمع الناس في صحراء قريبة، ويخرج الإمام ليصلي بهم بدون أذان ولا إقامة. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [يكبر في الأولى سبعاً بتكبيرة الإحرام، وفي الثانية خمساً سوى تكبيرة القيام]. يعني: هذه التكبيرات الزوائد، وهي سنة، فيكبر في الأولى ستاً بعد تكبيرة الإحرام وفي الثانية خمساً بعد تكبيرة الانتقال. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويرفع يديه مع كل تكبيرة، ويحمد الله، ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم بين كل تكبيرتين، ثم يقرأ الفاتحة وسورة]. يرفع يديه مع كل تكبيرة، وثبت هذا عن بعض الصحابة، وكذلك في صلاة الجنازة أيضاً يرفع يديه عند كل تكبيرة. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ثم يقرأ الفاتحة وسورة يجهر فيهما بالقراءة]. وصلاة العيد يجهر فيها بالقراءة كالجمعة؛ لأنها صلاة، وإن كانت نهارية إلا أن فيها اجتماع، والصلوات التي فيها اجتماع: الجمعة والكسوف والعيدان، فيجهر فيها بالقراءة؛ لما فيه من الفائدة في سماع القرآن.

صفة الخطبة في العيدين

صفة الخطبة في العيدين قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فإذا سلم خطب بهم خطبتين فإن كان فطراً حثهم على الصدقة وبين لهم حكمها، وإن كان أضحى بين لهم حكم الأضحية]. يخطب خطبتين بعد الصلاة قياساً على الجمعة، وقد ورد أنه صلى الله عليه وسلم كان يخطب، لكن العلماء قاسوا على الجمعة خطبتين، فإن كان في عيد الفطر حثهم على الصدقة والبر, وبين لهم حكم زكاة الفطر، وأن من أخرجها قبل الصلاة فهي صحيحة، ومن أخرها فعليه الإثم والقضاء، وفي خطبة العيد يبين مشروعية الأضاحي وسنيتها وماذا يشترط فيها، والموانع والعيوب المانعة من الإجزاء إلى غير ذلك من الأحكام التي تتعلق بالأضاحي. والسنة عدم الإطالة، فتكون الخطبة قصيرة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه) لأن الخطيب يجمع المعاني الغزيرة في ألفاظ قليلة، فيقصر الخطبة ويطيل الصلاة؛ فهذا دليل على فقهه، والتقصير يكون نسبياً له، وربما طال أحياناً. ومن السنة أن يستفتح الخطبة بالحمد لله، وقد روي هذا عن بعض الصحابة، فالحنابلة يرون الافتتاح بالتكبير، وروي هذا عن بعض الصحابة، والأفضل أن يستفتحها بالحمد لله كغيرها من الخطب. ولا يخطب في العيد خطبة واحدة هذا هو الأولى؛ لأن العلماء قاسوها على صلاة الجمعة؛ لأنها تشبهها. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والتكبيرات الزوائد والخطبتان سنة]. بخلاف خطبتي الجمعة، فإنها شرط في صحة الجمعة، وأما صلاة العيد فالخطبتان فيها سنة، ولهذا لا يجب الإنصات ولا الجلوس، أما خطبة الجمعة فيجب الجلوس والإنصات، ولا يجوز الكلام، ومن تكلم يوم الجمعة والإمام يخطب فقد لغى، ومن لغى فلا جمعة له، ولا تصلى الجمعة إلا بشرط أن يتقدمها خطبتان، أما صلاة العيد فإن الخطبتين سنة، ولهذا قدمت الصلاة على الخطبة، فإذا أحب أن يستمع فهو أفضل وإن انصرف فلا حرج عليه.

حكم التنفل قبل صلاة العيد وبعدها

حكم التنفل قبل صلاة العيد وبعدها قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولا يتنفل قبل صلاة العيد ولا بعدها في موضعها]. صلاة العيد ليس لها صلاة نافلة لا قبلها ولا بعدها، وإنما إذا جاء يجلس سواء طلعت الشمس أم لم تطلع ولكن إذا صليت صلاة العيد في المسجد ودخل فإنه يصلي تحية المسجد على الصحيح؛ لأن تحية المسجد مستثناة سواء طلعت الشمس أو لم تطلع، أما إذا كان المصلى في صحراء فلا يصلي لا قبلها ولا بعدها، ومثله أيضاً صلاة الاستسقاء إذا جاء فليجلس، وما قاله بعض الناس من كونهم يجلسون يصلون الضحى في المسجد فهذا تركه أولى، وينبغي للإنسان أن ينصرف، وإذا أحب أن يتنفل فليتنفل في البيت، وقد أنكر ابن عمر على من صلى الضحى في المسجد، فبعض الناس يتنفل في صلاة الاستسقاء أو صلاة العيد فيصلي ركعتين أو أربع أو ست وثمان وعشر، وهذا خلاف السنة، ينصرف ويصلي في البيت حيث لا يراه أحد.

ما تدرك به صلاة العيد

ما تدرك به صلاة العيد قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ومن أدرك الإمام قبل سلامه أتمها على صفتها، ومن فاتته فلا قضاء عليه]. يعني: هذا على خلاف الجمعة، فإنه إذا أدرك الصلاة في الجمعة قبل السلام أو في أقل من ركعة فإنه يصليها ظهراً، وإذا أدرك ركعة فإنه يضيف إليها أخرى وتكون له جمعة، أما صلاة العيد فإذا أدرك ركعة يقضي ركعة، وإذا أدرك أقل من ركعة يقضي ركعتين، فليست كالجمعة، ومن فاتته فلا قضاء عليه، وهذا على القول بأنها سنة، وعلى القول بأنها فرض، فإنه يقضيها. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فإن أحب صلاها تطوعاً إن شاء ركعتين، وإن شاء أربعاً، وإن شاء صلاها على صفتها]. هذا على القول بأنها سنة، وأما على قول المحققين أنها فرض عين فيقضيها، وإن قضاها على صفتها فلا حرج، وهو الأفضل، فيقضيها على صفتها، يعني: تكبيرة الزوائد، أن يكبر في الأولى ستاً وفي الثانية خمساً، وإن ترك تكبيرات الزوائد فلا حرج؛ لأنها سنة.

استحباب التكبير المطلق والمقيد في العيدين

استحباب التكبير المطلق والمقيد في العيدين قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويستحب التكبير في ليلتي العيدين]. ويستحب التكبير في ليلة عيد الفطر وليلة عيد الأضحى، أن يقول: الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد، قال تعالى: {وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [البقرة:185]. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويكبر في الأضحى عقب الفرائض في الجماعة من صلاة الفجر يوم عرفة إلى العشر من آخر أيام التشريق]. وهذا يسمى: التكبير المقيد، التكبير المقيد يبدأ من فجر يوم عرفة إلى عصر آخر أيام التشريق بعد الفرائض مدة خمسة أيام، يوم عرفة، ويوم العيد، وثلاثة أيام بعدها، فيقول بعد الفرائض: الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد، أما التكبير المطلق فإنه يبدأ من دخول عشر ذي الحجة، والمطلق لا يقيد بأدبار الصلوات، وإنما في كل وقت. أما الحاج فإن التكبير المقيد يبدأ في حقه من ظهر يوم النحر؛ لأنه قبل ذلك مشغول بالتلبية، فإذا رمى جمرة العقبة بعد طلوع شمس يوم العيد انقطعت التلبية، وبدأ في التكبير، فيبدأ التكبير المقيد من ظهر يوم النحر، وهو يوم العيد إلى عصر آخر أيام التشريق، أما غير المحرم فيبدأ من فجر يوم عرفة إلى عصر آخر أيام التشريق. ويستحب رفع الصوت بالتكبير، وقد جاء في البخاري عن ابن عمر وأبي هريرة رضي الله عنهما: كانا يدخلان السوق فيكبران، ويكبر الناس بتكبيرهما. ولا يجتمع التكبير المطلق والمقيد، فالمطلق يبدأ من دخول شهر ذي الحجة إلى غروب الشمس يوم الثالث عشر، والمقيد مدته خمسة أيام، وقال بعض العلماء: إن المطلق ينتهي بفجر يوم عرفة، ويبدأ المقيد، فيكون كل منهما مستقل، والأرجح أنهما يجتمعان في الخمسة الأيام الأخيرة، فيجتمع المطلق والمقيد. فالعشرة الأيام الأولى فيها تكبير مطلق في أي مكان وفي أي وقت، في السيارة في الطائرة قائم وقاعد في الشارع وفي السوق في المدرسة في الجامع، فيكبر في كل وقت. وبالنسبة للتكبير المقيد فيبدأ بعد السلام وهذا هو الظاهر، أنه بعد ما يسلم إذا قال: أستغفر الله ثلاثاً يبدأ بالتكبير، ثم بعد ذلك يأتي بالأذكار، ولا يلزم أن يكونوا جماعة، فلو كان وحده فليكبر. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويكبر في الأضحى عقب الفرائض في الجماعة من صلاة الفجر يوم عرفة إلى العشر من آخر أيام التشريق، إلا المحرم فإنه يكبر من صلاة الظهر يوم النحر إلى العشر من آخر أيام التشريق وصفة التكبير شفعاً: الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد]. يقول: الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله، أو: الله أكبر الله أكبر الله أكبر ولله الحمد، الأمر واسع. وبعضهم يقول: قيل لـ أحمد رحمه الله: أي حديث يثبت أن التكبير يكون من صلاة الفجر يوم عرفة إلى آخر أيام التشريق؟ فقال: الإجماع من علي وعمر وابن عباس وابن مسعود رضي الله عنهم. وهذا الإجماع يحتاج إلى مراجعة وبحث أوسع، والظاهر أنه ثبت من أقوال الصحابة، فيحتاج إلى نظر.

الأسئلة

الأسئلة

حكم من لم يؤد زكاة الفطر تساهلا

حكم من لم يؤد زكاة الفطر تساهلاً Q مكثت سنوات في العمل بعيداً عن أهلي، ويأتي عيد الفطر ولا أخرج الزكاة ظناً مني أن والدي يخرجها عني، ثم تبين لي أنه كان لا يخرجها فما العمل؟ A هذا تفريط منك، وكان الذي ينبغي عليك أن تسأل مع الوالد عن ذلك، والأصل أنك تخرج الزكاة وأنت في مكانك في البلد الذي أنت فيه، فزكاة الفطر تابعة للبدن، والوالد يخرجها عن نفسه وعن أولاده في البلد الذي هم فيه، إلا إذا وكلته، ولذا عليك التوبة والاستغفار، وتقضي السنين الماضية كلها قضاءً، فتخرج السنين الماضية مع التوبة والاستغفار؛ لأنك مفرط.

حكم التنفل المطلق قبل الجمعة

حكم التنفل المطلق قبل الجمعة Q هل توجد صلاة راتبة قبل الجمعة؟ A يتنفل نوافل مطلقة، والأمر في هذا واسع، فيصلي ما تيسر له إلى وقت دخول الخطيب، لما جاء في الحديث: (وصلى ما كتب له، ثم أنصت إذا دخل الإمام). فيصلي ما قدر عليه، وما يسر الله له، ركعتين أو أربع أو ست أو ثمان أو عشر، ثم يجلس وينصت، فلا يوجد شيء محدد؛ لأنه ليس هناك راتبة للجمعة قبلها. وسنة الجمعة البعدية ليست بواجبة؛ إن شاء صلى ركعتين وإن شاء صلى أربعاً، وليس ظاهر قوله: (صلاها أربعاً)، تقييداً بأربع، بل له أن يصليها ركعتين، هذا هو الأصل.

حكم من ترك التكبيرات الزوائد في صلاة العيد

حكم من ترك التكبيرات الزوائد في صلاة العيد Q إذا كبر الإمام في صلاة العيد تكبيرة الإحرام ثم قرأ الفاتحة هل عليه حرج؟ A تكبيرات الزوائد هي سنة، فلا يضر إذا تركها الإمام، وليس عليه حرج.

النداء لصلاة العيد

النداء لصلاة العيد Q هل يوجد دليل على المناداة بالعيد قبل الصلاة؟ A لا يوجد دليل، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يخرج إلى العيد بلا أذان ولا إقامة ولا نداء، هذا هو الأصل ولكن بعض من يقول بهذا يتعلل بأن الناس كثيرون ولا بد أن نهتم بهم، ولكن لا وجه لهذا.

كتاب الزكاة [1]

شرح عمدة الفقه_كتاب الزكاة [1] تجب الزكاة في المواشي والأثمان والزروع والثمار وعروض التجارة، بشروط مخصوصة، منها النصاب، وله تقديرات مختلفة بحسب اختلاف ما تجب فيه الزكاة، ومنها الحول إلا في الزروع والثمار فزكاتها يوم حصادها، ولا يؤخذ شرار المال ولا كرائمه إلا أن يتبرع به أرباب المال.

ما جاء في الزكاة

ما جاء في الزكاة

تعريف الزكاة وأهميتها

تعريف الزكاة وأهميتها قال المؤلف رحمه الله تعالى: [كتاب الزكاة. وهي واجبة على كل مسلم حر ملك نصاباً ملكاً تاماً]. الزكاة: هي الركن الثالث من أركان الإسلام، وبدأ بها بعد الصلاة لأنها قرينة الصلاة في كتاب الله عز وجل، فالركن الأول هو: توحيد الله عز وجل، وهو الشهادة لله تعالى بالوحدانية، ولنبيه بالرسالة، فهذا أصل الدين وأساس الملة. ثم يليه الركن الثاني وهو الصلاة، ولا بد لها من طهارة، فبدأ المؤلف بكتاب الطهارة، ثم الصلاة، ثم ثلث بالزكاة، ولم يذكر المؤلف رحمه الله الكلام في التوحيد والشهادتين؛ لأنه على طريقة المتأخرين؛ ولأن التوحيد له مؤلفات خاصة، وأما الأوائل فإن طريقتهم أن يبدءوا بالكلام على التوحيد والشهادتين كما فعل أصحاب السنن والجوامع: البخاري رحمه الله ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي كلهم تكلموا في التوحيد، لكن المتأخرون اصطلحوا على أن يجعل الكلام في التوحيد في كتب خاصة، ثم يبدءون بالصلاة كما فعل المؤلف هنا، وكما فعل الحافظ في بلوغ المرام، فبدأ بكتاب الطهارة، وطريقة القدامى أولى وأحكم؛ ولهذا صار كثير من الناس عنده تقصير في معرفة التوحيد، وصار يتقن الفقه والفروع، ويتقن أحكام الصلاة والزكاة والصوم والحج، لكنه لا يعرف التوحيد؛ ولهذا كان الإمام الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله يقول لهم: أنا أطلب منكم أن تتعلموا التوحيد كما تتعلمون كتب الفقه، وأحكام الصلاة والزكاة والصوم والحج، لما فصل المتأخرون الكلام عن التوحيد وجاءوا به في كتب خاصة ضيعه الكثير من الناس. فالزكاة هي الركن الثالث من أركان الإسلام. والزكاة في اللغة: النماء والطهارة، يقال: زكا الزرع، إذا نما وزاد، فتطلق على النماء والتطهير والصلاح. وشرعاً: هي حق واجب في مال خاص لطائفة مخصوصة في وقت مخصوص. هذه هي الزكاة.

شروط الزكاة

شروط الزكاة والزكاة تجب على المسلم الحر إذا ملك نصاباً ملكاً مستقراً، وبلغ حولاً. وشروط الزكاة خمسة: الإسلام، والحرية، وملك النصاب، وتمامه واستقراره، ومضي الحول. فالإسلام: ضده الكفر، والكافر لا يؤمن بالزكاة، ولو أدى الزكاة في حال كفره لم تصح منه؛ لأن من شروط صحة الصلاة والزكاة والصوم التوحيد والإسلام، فإذا أسلم صح منه، وليس معنى ذلك: أنه لا يحاسب عليها يوم القيامة، بل يحاسب، ويعذب على ترك الزكاة والصوم، ويعذب على ترك التوحيد والإسلام، لكن المعنى: أنها لا تصح منه في حال كفره وإن كان يعذب عليها يوم القيامة، فلو زكى وهو كافر ما صح منه، لا بد أن يسلم أولاً؛ لأن شرط صحة الزكاة الإسلام. الشرط الثاني: الحرية، فالعبد الذي يباع ويشترى لا تجب عليه الزكاة، ولو ملكه سيده على الصحيح؛ لأنه هو وماله لسيده، فهي واجبة على السيد، وقال بعض العلماء: إنه إذا ملكه سيده فلا يجب على السيد، وإنما تكون على العبد، والعبد المكاتب كذلك. الشرط الثالث: ملك النصاب، لا بد أن يملك نصاباً، وهو عشرون مثقالاً من الذهب أو مائة درهم من الفضة، أو ما يعادلها من الأوراق النقدية. الشرط الرابع: أن يكون النصاب مستقراً تاماً، فدين الكتابة ليس مستقراً، فلو كاتب شخص عبده على أن يشتري نفسه بمائة ألف، كل سنة يدفع عشرة آلاف، هذا الدين لا زكاة فيه؛ لأنه ليس مستقراً؛ لأن العبد لا يملك نفسه، فلا يؤدي السهوم التي عليه، والسيد قد يمنعه، فهذا الدين غير مستقر، ولابد أن يكون المال مستقراً. الشرط الخامس: أن يحول على النصاب الحول؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول)، ويستثنى نوعان من المال لا يجب فيهما الحول وهما: الخارج من الأرض من الزروع والحبوب والثمار، فهذا لا يجب فيه الحول، وإنما يزكى عند الحصاد؛ لقوله تعالى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام:141]. الثاني: ربح التجارة، فإذا كان عندك مثلاً عشرة آلاف ريال مشغلة، فلما تم الحول صارت عشرون ألفاً، فزادت في أثناء الحول، فتزكيها كلها والربح تبع للأصل، ولا يشترط في الربح أن يحول عليه الحول، فتزكي العشرين ولو ما جاءت إلا في آخر شهر. فربح التجارة تابع للأصل، وكذلك البهائم السائمة مثل الإبل والبقر والغنم، فإذا زادت بعد بلوغ النصاب فإنها تزكى، فإذا بلغت مائة وواحد وعشرين ففيها شاتان، فلما تم عليها الحول وصلت إلى مائتين وواحدة فإنها تزكى، فربح نتاج السائمة وربح التجارة تابع للحول الذي هو الأصل. وكذلك أيضاً الخارج من الأرض، وما عدا ذلك فإنه لابد من تمام الحول؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا زكاة لمال حتى يحول عليه الحول). قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وهي واجبة على كل مسلم حر ملك نصاباً ملكاً تاماً، ولا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول إلا الخارج من الأرض، ونماء النصاب من النتاج والربح فإن حولهما حول أصلهما]. المال إذا ربح فإنه يزكى الأصل والربح، ولو كان الربح ما تم عليه الحول، وكذلك نتاج السائمة من الإبل والبقر والغنم إذا تم النصاب ثم زادت وحال عليها الحول فإنه يزكى النتاج مع الأصل، وكذلك الخارج من الأرض لا يشترط له الحول.

ما تجب فيه الزكاة

ما تجب فيه الزكاة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولا تجب الزكاة إلا في أربعة أنواع: السائمة من بهيمة الأنعام، والخارج من الأرض، والأثمان، وعروض التجارة]. هذه الأنواع التي تجب فيها الزكاة: السائمة من بهيمة الأنعام، وهي الإبل والبقر والغنم، والسائمة أي: التي ترعى من البر أكثر الحول، فهذه يقال لها سائمة، فإن كانت تعلف أكثر الحول فإنه ليس فيها زكاة، إلا إذا أعدها للتجارة. والأثمان: هي النقدان من الذهب والفضة وما يقوم مقامهما. وعروض التجارة هي: ما يعده الإنسان للبيع. والرابع: الخارج من الأرض كالحبوب والثمار، فهذه هي الأنواع التي تجب فيها الزكاة.

لا زكاة فيما دون النصاب ولا في الأوقاص

لا زكاة فيما دون النصاب ولا في الأوقاص قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولا زكاة في شيء من ذلك حتى يبلغ نصاباً، ويجب فيما زاد على النصاب بحسابه إلا السائمة فلا شيء في أوقاصها]. الشيخ: الأوقاص: ما بين الفريضتين، فمثلاً الغنم النصاب إذا بلغت أربعين ففيها الشاة، ثم بعد ذلك ليس فيها شيء حتى تبلغ مائة وواحد وعشرين، فإذا زادت وصارت ثمانين أو تسعين أو مائة وعشرين فلا شيء فيها، حتى تصل إلى مائة وواحد وعشرين، فإذا ما وصلت إلى مائة وواحد وعشرين ففيها شاتان، والوقص الذي بينهما ليس فيه شاة، فإذا تم النصاب أربعين شاة وحال عليه الحول فصارت مائة، فما فيها إلا شاة واحدة، نقول: وهذه الزيادة وقص ما وصلت إلى الفريضة الثانية. أما ربح التجارة فهو تبع للأصل فيزكي ولو زاد ريال واحد.

زكاة الإبل

زكاة الإبل قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب: زكاة السائمة. وهي الراعية، وهي ثلاثة أنواع]. السائمة: الراعية التي ترعى من البر أكثر الحول، فيقال لها: سائمة، وهي ثلاثة أنوع: الإبل والبقر والغنم. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وهي ثلاثة أنواع: أحدها الإبل: فلا شيء فيها حتى تبلغ خمساً، فيجب فيها شاة، وفي عشر شاتان، وفي خمس عشرة ثلاث شياه، وفي العشرين أربع شياه، إلى خمس وعشرين ففيها بنت مخاض وهي بنت سنة]. الإبل إذا كانت ترعى من البر ولم يعدها للبيع فإن فيها الزكاة، فإن كان أكثر الحول يعلفها فليس فيها زكاة، إلا إذا أعدها للتجارة فيزكي زكاة التجارة، ولا شيء في الواحدة والثنتين والثلاث والأربع حتى تبلغ الخمس، فإذا بلغت خمساً وهي ترعى من البر ففيها شاة إلى ست وسبع وثمان وتسع فليس فيها زكاة، فإذا بلغت عشراً ففيها شاتان، إلى خمس عشرة ففيها ثلاث شياه، إلى عشرين ففيها أربع شياه، والوقص الذي بينهما ليس فيه شيء حتى تبلغ خمسة وعشرين، فإذا بلغت خمساً وعشرين ففيها بنت مخاض، وهي التي تم لها سنة من الإبل، وسميت بنت مخاض لأن أمها حملت، فيدفع من الإبل ما تم لها سنة وهي بنت مخاض. مسألة: عندما تكون إبله خمساً ولم يوجد عنده شاة، فإنه يشتري شاة أو يدفع قيمتها على حسب الاتفاق، والمعروف الآن في البوادي أن العمال يقدرون قيمة الشاة، ويأخذونها بالدراهم. وإذا أعدها للدر والنسل فليس فيها زكاة، إلا إذا أعدها للبيع، فما دام أنه أعدها للدر والنسل أو لبيع اللبن فلا تعتبر سائمة، ولا تعتبر عروض تجارة. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وفي العشرين أربع شياه إلى خمس وعشرين ففيها بنت مخاض وهي بنت سنة، فإن لم تكن عنده فابن لبون وهو ابن سنتين]. إذا لم يكن عنده بنت مخاض أنثى، فإذا لم يقدر يشتري يأخذ بدلها ابن لبون، وهو ما له سنتان، ولا يصلح بنت لبون؛ لأن الأنثى أحسن من الذكر وأغلى، فهي تلد فيما بعد. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [إلى ست وثلاثين فيجب فيها بنت لبون إلى ست وأربعين]. يعني: من خمس وعشرين إلى ست وثلاثين ما فيها إلا بنت مخاض، فإذا بلغت ستاً وثلاثين ففيها بنت لبون، وهي التي لها سنتان أنثى، وسميت بنت لبون لأن أمها ذات لبن فبنت المخاض ما لها سنة وكانت أمها حاملاً، وبنت لبون: التي ولدت أمها وصارت ذات لبن، فمن خمسة وثلاثين إلى ستة وثلاثين فيها بنت لبون. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [إلى ست وأربعين فيجب فيها حقة لها ثلاث سنين]. إذا زادت من ست وثلاثين إلى ست وأربعين ففيها حقة، وهي التي لها ثلاث سنين، وسميت حقة لأنها استحقت أن يطرقها الفحل، فست وثلاثون فيها بنت لبون، وخمسة وعشرون فيها بنت مخاض ولها سنة، وبنت لبون لها سنتان، إلى ست وأربعين ففيها حقة طروقة الجمل، وهي التي لها ثلاث سنين. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [إلى إحدى وستين فيجب فيها جذعة]. من ستة وأربعين إلى إحدى وستين فيها جذعة، وهي التي لها أربع سنين، وسميت جذعة؛ لأنها جذعت أسنانها. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [إلى إحدى وستين فيجب فيها جذعة ولها أربع سنين إلى ست وسبعين ففيها ابنتا لبون]. إذا وصلت إلى ست وسبعين ففيها بنتا لبون، لكل واحدة سنتان، من إحدى وستين إلى خمسة وسبعين ما فيها إلا جذعة، فإذا بلغت ستة وسبعين ففيها بنتا لبون، لكل واحدة سنتان. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [إلى إحدى وتسعين ففيها حقتان إلى عشرين ومائة]. من ست وسبعين إلى واحد وتسعين ففيها حقتان، وكل واحدة لها ثلاث سنين. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فإذا زادت واحدة ففيها ثلاث بنات لبون]. إلى أن تبلغ مائة وعشرين ما فيها إلا حقتان، فإذا زادت واحدة ففيها ثلاث بنات لبون، لكل واحدة سنتان. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ثم في كل خمسين حقة، وفي كل أربعين بنت لبون إلى مائتين]. في كل خمسين حقة وفي كل أربعين بنت لبون إلى مائتين، ثم تستقر الفريضة بعد ذلك، والمئتان فيها أربع حقاق أو خمس بنات لبون؛ لأن المائتين أربع خمسينات، ففي كل أربعين بنت لبون، ثم تستقر الفريضة في كل خمسين حقة، وفي كل أربعين بنت لبون، إذا زادت إلى مائتين، أو ثلاثمائة، أو أربعمائة، أو خمسمائة، أو ألف، وهكذا كل خمسين حقة، وفي كل أربعين بنت لبون كما هو في الفريضة، فإذا وصل إلى مائتين استقرت الفريضة. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ثم في كل خمسين حقة، وفي كل أربعين بنت لبون إلى مائتين فيجتمع الفرضان إن شاء أخرج أربع حقاق وإن شاء خمس بنات لبون]. إذا وصلت الإبل إلى مائتين أصبح هو بالخيار الآن، إما أن يزكي بخمس بنات لبون، أو يزكي بأربع حقاق، فهو مخير بين هذا وهذا، ثم تستقر الفريضة بعد ذلك في كل أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حقة، والدليل على هذا ما جاء في الكتاب الذي كتبه النبي صلى الله عليه وسلم لـ أبي بكر، وفيه بيان أسنان الإبل، وأنه: في كل خمس شاة، إلى خمسة وعشرين ففيها بنت مخاض، إلى ست وثلاثين ففيها بنت لبون، إلى ست وأربعين ففيها حقة، إلى إحدى وستين ففيها جذعة، إلى اثنتين وسبعين ففيها بنتا لبون، إلى مائة وإحدى وعشرين ففيها ثلاث بنات لبون، إلى مائتين فيخير بين أربع حقاق وخمس بنات لبون، ثم تستقر الفريضة بعد ذلك: في كل أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حقة، فهذا هو الكتاب الذي كتبه النبي صلى الله عليه وسلم لـ أبي بكر.

من وجب عليه سن من الإبل ولم يجده

من وجب عليه سن من الإبل ولم يجده قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ومن وجب عليه سن فلم يجدها أخرج أدنى ومعها شاتان أو عشرون درهماً، وإن شاء أخرج أعلى منها وأخذ شاتين أو عشرين درهماً]. يعني: إذا بلغت ستاً وأربعين وجب عليه بنت لبون، فقال: أنا ما عندي بنت لبون ما عندي إلا بنت مخاض، فتؤخذ منه بنت المخاض، ولكن يدفع الفرق، وهو عشرون درهماً، شاة أو عشرون درهماً، وبالعكس إذا كان عنده خمسة وعشرين صار عليه بنت مخاض، فقال: أنا ما عندي بنت مخاض عندي أكبر منها، وهي بنت لبون، نقول: نقبل منك بنت اللبون ونعطيك شاة أو عشرين درهماً. وهذا في زمن النبوة، في ذلك الوقت كان العشرون الدرهم تقابل الشاتين من الغنم، فيخير بين هذا وهذا، فإذا وجبت عليه سن ولكن ليس عنده سن أعلى؛ فيقبله المصدق الأعلى ويعطيه شاتين أو عشرين درهماً، وإذا كان عنده سن أنزل يقبله المصدق ولكن يدفع هو الفرق، فيدفع شاتين أو عشرين درهماً كما جاء بذلك الحديث.

زكاة البقر

زكاة البقر قال المؤلف رحمه الله تعالى: [النوع الثاني البقر: فلا شيء فيها حتى تبلغ ثلاثين، فيجب فيها تبيع أو تبيعة لها سنة]. هذا النوع الثاني من أنواع السائمة، وهي بهيمة البقر، فلا تجب فيها الزكاة إلا إذا كانت سائمة ترعى أكثر الحول، وبلغت النصاب ثلاثين بقرة، وما قبل الثلاثين ليس فيه شيء، إذا كانت عشر بقر أو عشرين أو تسعاً وعشرين ما فيها شيء، حتى تبلغ ثلاثين وترعى أكثر الحول ففيها تبيع أو تبيعة، والتبيع أو التبيعة من البقر: ما تم له سنة، والأصل إخراج الزكاة منها، أو يقدر تقديراً من قبل ولي الأمر أو المصدق الذي يأتي. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [إلى أربعين ففيها مسنة لها سنتان]. فمن ثلاثين إلى تسع وثلاثين ليس فيها شيء، حتى تبلغ أربعين، فإذا بلغت أربعين ففيها مسنة وهي: التي لها سنتان من البقر، فتسمى مسنة. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [إلى ستين ففيها تبيعان]. إذا بلغت ستين ففيها تبيعان، ثلاثون فيها تبيع، وثلاثون فيها تبيع. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [إلى سبعين ففيها تبيع ومسنة]. إذا بلغت سبعين ففيها تبيع ومسنة، الثلاثون فيها تبيع، والأربعون فيها مسنة. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ثم في كل ثلاثين تبيع، وفي كل أربعين مسنة]. تستقر الفريضة بعد ذلك، ففي كل ثلاثين تبيع، وفي كل أربعين مسنة. بشرط: إذا كانت ترعى أكثر الحول، أما إذا كانت تعلف أكثر الحول فليس فيها زكاة، إلا إذا أعدها للبيع والتكسب، أما إذا أعدها للدر والنسل والذبح والعمل فليس فيها شيء.

زكاة الغنم

زكاة الغنم قال المؤلف رحمه الله تعالى: [النوع الثالث الغنم فلا شيء فيها حتى تبلغ أربعين، ففيها شاة]. إذا بلغت الغنم أربعين أو كانت ترعى أكثر الحول ففيها شاة، أما إذا كانت عشر شياه أو عشرين أو ثلاثين أو تسعاً وثلاثين فليس فيها زكاة حتى تبلغ أربعين، فإذا بلغت أربعين ففيها شاة، فيدفع شاة للمصدق الذي يوظفه ولي الأمر، فإذا جاء يطلب الزكاة تعطيه شاة منها، ويختار من الوسط، فلا يأخذ من خيار الغنم ولا من شراره، إلا إذا رضي صاحب الغنم أنه يستعمل الخيار فلا بأس. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [إلى عشرين ومائة، فإذا زادت واحدة ففيها شاتان]. إذا بلغت مائة وعشرين ما فيها إلا شاة، من أربعين خمسين ستين سبعين ثمانين مائة مائة وعشرين ما فيها إلا شاة حتى تزيد واحدة، فإذا بلغت مائة وإحدى وعشرين ففيها شاتان، إلى مائتين ما فيها إلا شاتان، فإذا بلغت مائتين وزادت واحدة ففيها ثلاث شياه. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [إلى مائتين فإذا زادت واحدة ففيها ثلاث شياه ثم في كل مائة شاة]. فبعد مائتين وواحدة تستقر الفريضة، فيكون في كل مائة شاة، وفي ثلاثمائة ثلاث شياه، وفي أربعمائة أربع شياه، وفي خمسمائة خمس شياه، وهكذا فرضت الفريضة، في كل أربعين شاة، إلى مائة وواحد وعشرين شاتان، إلى مائتين وواحد ثلاث شياه، ثم تستقر الفريضة في كل مائة شاة من الغنم، أما إذا كانت تعلف فليس فيها زكاة، وإذا أعدها للبيع وللدر أو النسل أو الأكل أو الضيف يأكل منها فليس فيها زكاة، كذلك الأوقاص ليس فيها شيء، فإذا كانت ثلاثمائة وتسعة وتسعين فليس فيها شيء إلا ثلاث شياه حتى تبلغ أربعمائة.

ما يرد من الصدقة ولا يقبل

ما يرد من الصدقة ولا يقبل قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولا يؤخذ في الصدقة تيس ولا ذات عوار]. لا يؤخذ تيس؛ لأن الذكر ليس كالأنثى، الأنثى هي التي تلد وتنتج، وكذا ذات العوار يعني: عيب، فلا تؤخذ المعيبة، وإنما تؤخذ الصحيحة من وسط المال، لا من خياره ولا من شراره. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولا هرمة ولا الربى]. كذلك الهرمة والهزيلة لا تؤخذ صدقة، ولا الربى التي تربي ولدها؛ لأن هذه من خيار المال، إلا إذا رضي صاحب المال وطابت نفسه فلا بأس. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولا الماخض ولا الأكولة]. الماخض: الحامل، فلا تؤخذ؛ لأنها من خيار الغنم، والأكولة: السمينة، فكل هذه من خيار المال لا تؤخذ إلا إذا رضي صاحبها، كما أنه لا يؤخذ من شرار المال لا الهزيلة، ولا المعيبة، ولا الهرمة؛ لأن هذه معيبة، ولأنها من شرار المال، فكذلك لا يؤخذ من خيار المال الحامل، والتي تربي ولدها، والسمينة الفحولة لا تؤخذ إلا إذا رضي ربها، وإنما يؤخذ من وسط المال. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولا يؤخذ شرار المال ولا كرائمه، إلا أن يتبرع به أرباب المال]. لا يؤخذ شرار المال، وهو الرديء، ولا كرائمه، وهو النفيس الغالي إلا إذا رضي ربه، وإنما يؤخذ من الوسط. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولا يخرج إلا أنثى صحيحة]. لا يؤخذ الذكر، وإنما يؤخذ أنثى صحيحة سليمة، ليس فيها عيوب، ومن وسط المال. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولا يخرج إلا أنثى صحيحة إلا في الثلاثين من البقر]. في الثلاثين من البقر يخير بين التبيع أو التبيعة ذكر أو أنثى. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وابن لبون مكان بنت مخاض]. وكذلك إذا كان عنده خمس وعشرون من الإبل ففيها بنت مخاض، فإذا لم يجد بنت مخاض جاز أن يخرج ابن لبون ولو كان ذكراً؛ لأنه يزيد عليها بسنة. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولا يخرج إلا أنثى صحيحة إلا في الثلاثين من البقر وابن لبون مكان بنت مخاض إذا علمها، إلا أن تكون ماشية كلها ذكوراً أو مراضاً فيجزئ واحد منها]. إذا كان كل الذي عنده ذكور فيخرج واحداً منها من الموجود، وكذلك إذا كانت كلها مريضة فيخرج واحدة منها ولو مريضة، أما إذا كان فيها ذكور وإناث، وفيها مراض وصحاح، فلا يخرج المريضة ولا يخرج الذكر؛ لأن الأنثى صحيحة. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولا يخرج إلا جذعة من الضأن أو ثنية من المعز]. لا يخرج إلا جذعة من الضأن، وهي التي تم لها ستة أشهر، أو ثنية من المعز وهي التي تم لها سنة، فمن المعز لابد أن يكون تم له سنة، وهي شرط في الأضحية، وأما من الضأن فما تم له ستة أشهر، وهو الجذع. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولا يخرج إلا جذعة من الضأن أو ثنية من المعز والسن المنصوص عليها، إلا أن يختار رب المال إخراج سن أعلى من الواجب]. إذا كان عنده خمسة وعشرون من الإبل وجب عليه بنت مخاض لها سنة، لابد أن يخرجها، فلا يخرج أقل من سنة إلا إذا رضي رب المال أن يخرج سناً أكبر، وكان على علم كأن يخرج بنت لبون لها سنتان، فلا بأس، وإلا فإنه يجب أن يتقيد بالسن؛ ولذا قال: [والسن المنصوص عليها] يعني: لابد أن يخرج السن المنصوص عليها كما سبق. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أو تكون كلها صغاراً فيخرج صغيرة]. إذا كانت كلها صغاراً فيخرج واحداً منها كما سبق، كما إذا كانت كلها ذكوراً فيخرج ذكراً منها، أو كلها مراضاً فيخرج مريضة منها، واحدة منها، ولا يكلف أن يأتي بشيء ليس عنده.

الحكم إذا كان في الحيوانات صحاح ومراض وذكور وإناث من الخلطة

الحكم إذا كان في الحيوانات صحاح ومراض وذكور وإناث من الخلطة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وإن كان فيها صحاح ومراض، وذكور وإناث، وصغار وكبار، أخرج صحيحة كبيرة قيمتها على قدر المالين]. إذا كان عنده مثلاً عشرون من الغنم نصفها ذكور ونصفها إناث، أو نصفها صحاح ونصفها مراض، فيخرج الصحيحة لكن بالنسبة، فينظر إذا كان مثلاً ثمن التيس خمسين وثمن الأنثى مائة فيخرج أنثى ثمنها خمسة وسبعون وسط بينهما، فلا تكن خمسين لثمن الذكر، ولا مائة، فهذا هو الوصف النسبي. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وإن كان فيها صحاح ومراض، وذكور وإناث، وصغار وكبار، أخرج صحيحة كبيرة قيمتها على قدر المالين]. على قدر المالين بالنسبة، إذا كان قدر الأنثى مائة، والذكر خمسين، فلا نخرج الخمسين، ولا نخرج المائة، وإنما نخرج أنثى قيمتها خمسة وسبعون؛ لأن هذا على قدر المالين. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فإن كان فيها بخاتي وعراب، وبقر وجواميس، ومعز وضأن، وكرام ولئام، وسمان ومهازيل، أخذ من أحدهما بقدر المالين قيمة]. كما سبق، فالعراب يعني: الإبل العربية، والبخاتي نوع من الإبل ليست عربية لها سنامان، فننظر إذا كان عنده نوعان بخاتي وعراب، فنخرج الزكاة من أحدهما بقدر المالين، فإذا كانت قيمة البخاتي تساوي ألفين، والعراب تساوي ألفاً، نخرج من أحدهما، فنخرج من البخاتي أو نخرج من العراب بعيراً قيمته ألف وخمسمائة على قدر المالين؛ لأن البخاتي قيمتها تساوي ألفين، والعراب تساوي ألفاً فلا نخرج ألفاً، ولا ألفين، وإنما نخرج على قدر المالين، وكذلك إذا كان عنده بقر وجواميس، والجواميس نوع من البقر، وكانت البقرة تساوي خمسمائة، والجاموس تساوي ألفاً؛ فنخرج إحداهما بقدر المالين، فنخرج بقرة أو جاموساً تساوي سبعمائة وخمسين على قدر المالين. وكذلك المعز، فقد تساوي الواحدة من المعز مائة والشاة تساوي مائتين، فنخرج شاة تساوي مائة وخمسين على قدر المالين. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وكرام ولئام]. يعني: عنده نوعان من المال، عشرون شاة جيدة، وعشرون شاة رديئة، فنخرج من الجيدة على قدر المالين مثل ما سبق، كأن تساوي الرديئة مثلاً مائتين وخمسين، والجيدة تباع بخمسمائة، فنأخذ شاة وسطاً بينهما لا بخمسمائة ولا مائتين وخمسين، نأخذ ما يساوي ثلاثمائة وخمسين، على قدر المالين. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وسمان ومهازيل]. كذلك إذا كان عنده عشرون سمينة وعشرون هزيلة فنخرج من أحدهما بقدر المالين بالنسبة.

حكم الخلطة بين الغنم وغيرها

حكم الخلطة بين الغنم وغيرها قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وإن اختلط جماعة في نصاب من السائمة حولاً كاملاً، وكان مرعاهم ومحلهم ومبيتهم ومحلبهم ومشربهم وفحلهم واحداً؛ فحكم زكاتهم حكم زكاة الواحد]. إذا اختلط اثنان في مالهما وكان المبيت واحداً، والمرعى واحداً، والفحل واحداً، فتؤخذ الزكاة منهما، وحكمهما حكم الواحد، إذا كان لكل واحد عشرون من الغنم ولم يخلطا لا تجب عليهما الزكاة لكن إن خلطوها، وصار المرعى واحداً، والمبيت واحداً، والفحل واحداً، فهذه فيها زكاة، ففيها شاة تؤخذ من أحدهما، ويرجع على صاحبه فيعطيه مائة إذا كانت تساوي مائتين، أما إذا كان كل واحد منهما على حدة فليس فيها زكاة. والخلطة تنفع وتضر، وهنا ضرت، فصار كل واحد منهما عليه زكاة، ولو كان كل واحد على حدة لم تكن عليهما زكاة، وبالعكس لو كان هناك اثنان كل واحد منهما عنده أربعون شاة، فتجب عليهما الزكاة كل واحد يخرج شاة، لكن إن خلطوها في الماء والمرعى والفحل لم يجب إلا شاة واحدة تؤخذ من أحدهما، فيكون كل واحد منهما عليه نصف شاة، وهنا انتفعوا من الخلطة، حيث جعل المالين كالمال الواحد، بشرط: أن يتفقا في المرعى والفحل والمبيت. والخلطة تكون حسب المصلحة، وليس بقصد إسقاط الزكاة، فإذا كان القصد إسقاط الزكاة فلا، أو لما سمع بالمصدق خلطوها مع بعض وادعوا أن المرعى واحد، والمكان واحد فلا يجوز هذا، يقول العلماء: الخلطة تصير المالين كالمال الواحد، وإن كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية أي: في الزكاة. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وإذا أخرج الفرض من مال أحدهم رجع على خلطائه بحصصهم]. ومثله أيضاً لو كانوا أربعة كل واحد منهم له عشر شياه فإذا أخذ المصدق الشاة من واحد رجع على خلطائه وقال: أنا لي عشرة شياه أخذ منها المصدق شاة تساوي أربعمائة ريال، فكل واحد يعطيه مائة ريال فترجع عليهم بالسوية على خلطائه وشركائه.

المال الذي تؤثر فيه الخلطة

المال الذي تؤثر فيه الخلطة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولا تؤثر الخلطة إلا في السائمة]. الخلطة لا تؤثر إلا في السائمة من بهيمة الأنعام، أما إذا كانت الخلطة في المال كأن يكون عندي عشرة آلاف، وعندك عشرة آلاف فخلطناها وجعلنا نضارب بها، فمالي لا يؤثر عليك، وكذلك مالك لا يؤثر علي، التأثير إنما هو في بهيمة الأنعام، في الإبل والبقر والغنم، فتؤثر فيها الزكاة جمعاً وتفريقاً، أما ما عداه فلا تؤثر فيه الزكاة. مسألة: إذا نقصت بهيمة الأنعام عن النصاب قبل تمام الحول أو توفي صاحبها وانتقلت إلى الورثة فليس فيها زكاة.

كتاب الزكاة [2]

شرح عمدة الفقه_كتاب الزكاة [2] تجب الزكاة في الزروع والثمار إذا كانت قوتاً مدخراً وبلغت نصاباً وهو خمسة أوسق، وتجب الزكاة فيما استخرج من المعادن إذا بلغت قيمته نصاباً، ولا زكاة في اللؤلؤ والمرجان والياقوت، وفي الحلي المباح خلاف، وفي الركاز الخمس، وتجب الزكاة في عروض التجارة.

زكاة الخارج من الأرض

زكاة الخارج من الأرض

زكاة النبات

زكاة النبات قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب زكاة الخارج من الأرض. وهو نوعان: أحدهما النبات، فتجب الزكاة منه في كل حب وثمر، يكال ويدخر]. ذكر المؤلف رحمه الله تعالى باب زكاة الخارج من الأرض، والذي يخرج من الأرض وتجب فيه الزكاة نوعان: نبات ومعادن، والنبات: هو كل حب وثمر، والمراد به الحبوب والثمار.

شروط وجوب زكاة الحبوب والثمار

شروط وجوب زكاة الحبوب والثمار قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب زكاة الخارج من الأرض. وهو نوعان: أحدهما النبات: وتجب الزكاة منه في كل حب وثمر يكال ويدخر، إذا خرج من أرضه وبلغ خمسة أوسق؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليس في حب ولا ثمر صدقة حتى يبلغ خمسة أوسق)]. النبات نوعان: حب وثمر، ولا تجب الزكاة فيه إلا بشروط: أحدها: أن يكون حباً وثمراً يكال، فإن كان لا يكال ويباع بالعد أو بالوزن فلا زكاة فيه. الثاني: أن يكون حباً أو ثمراً. والثالث: أن يكون مدخراً، أي: يصلح للادخار حتى تتم فيه النعمة. أما إذا كان لا يدخر مثل: الخضروات والطماطم والقثاء والتفاح والبرتقال فلا زكاة فيه، فكل هذه لا تدخر، وإن كانت الآن في العصر الحاضر تثلج وقتاً من الزمن لكنها ليست طعاماً يدخر. الرابع: أن يبلغ النصاب، والنصاب: خمسة أوسق، والوسق: ستون صاعاً، فيكون ثلاثمائة صاع هو النصاب، وذلك بصاع النبي صلى الله عليه وسلم، والصاع أربعة أمداد، والمد ملء كفي الرجل المتوسطتين، ليسا بالصغيرتين ولا الكبيرتين، أربع حفنات، فهذا صاع النبي صلى الله عليه وسلم إذا بلغ الحب أو الثمر ثلاثمائة صاع بصاع النبي صلى الله عليه وسلم وجبت فيه الزكاة، وإن كان قبل ذلك فلا زكاة فيه. الشرط الخامس: أن يكون مملوكاً له وقت الوجوب، أن يكون الحب والثمر ملكاً للشخص قبل الوجوب، فإن ملكه بعد الوجوب فلا زكاة فيه، وهذا مثل ما يعطاه الإنسان ويكتسبه كأن يعطى أجرة حصاده، فيحصد ويعطى حباً أو ثمراً فهذا ليس فيه زكاة؛ لأنه ما ملكه في الوجوب، أو أخرجه وأخذه من الجبال وما أشبه ذلك، فهذا ليس فيه زكاة، فإذا وجدت هذه الشروط الخمسة وجب فيه الزكاة. ولا يشترط الحول، وإنما يخرج إذا بدا الصلاح في الثمار واشتد الحب، ولا يشترط الحول إلا في بهيمة الأنعام وفي الذهب والفضة وفي عروض التجارة، أما الخارج من الأرض فلا يشترط فيه الحول، وإنما إذا وجدت هذه الشروط الخمسة واشتد الحب وبدا صلاحه وجبت الزكاة؛ لقول الله تعالى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام:141]. وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَرْضِ} [البقرة:267]. وهذا تنبيه: وهو أن بعض الناس يكون عنده نخيل في البيوت ولا يخرج الزكاة، فيبلغ منها ثلاثمائة صاع، ويتساهلون يظنون أن الزكاة لا تجب إلا على المزارع والبساتين، فقد يكون عنده في البيت خمس نخلات أو عشر نخلات يخرج منها ألف كيس، أو ألفين أو ثلاثة آلاف ولا يخرج الزكاة! فهذه يجب إخراج الزكاة فيها ولو كانت في البيت، فلا يشترط أن يكون في البستان، فهذا مما ينبغي التنبيه عليه. وقد تكون النخلة واحدة فتخرج أكثر من ثلاثمائة صاع كأن تكون نخلة جيدة من السكري أو غيره فإنه يخرج الزكاة منها، فلا ينبغي التساهل، سواء كان هذا النخل في البيت أو في الاستراحة أو في المزرعة أو في غيرها. والزكاة تخرج من ثمر النخل إذا جفف ويبس فلا تخرج الزكاة منها رطبة، لكنها تخرص، فولي الأمر يرسل العمال يخرصون النخيل ويكون لهم الثلث أو الربع فيما ينوبهم من الحاجات والضيوف والإهداء، فإذا أخذ الثمر بعد ذلك وجففه أخرج الزكاة، كذلك الحب إذا صفي يؤخذ منه الزكاة، ولا يؤخذ وهو في سنبله إلا بعد تصفيته.

مقدار نصاب الحبوب والثمار

مقدار نصاب الحبوب والثمار قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والوسق ستون صاعاً، والصاع رطل بالدمشقي وأوقية وخمسة أسباع أوقية، فجميع النصاب ما قارب ثلاثمائة واثنين وأربعين رطلاً]. الأرطال في زمنهم لكن الآن بالصاع، والصاع بأربعة أمداد، والمد حفنة ملء كفي الرجل المتوسط. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فجميع النصاب ما قارب ثلاثمائة واثنين وأربعين رطلاً وستة أسباع رطل، ويجب العشر فيما سقي من السماء والسيوح، ونصف العشر فيما سقي بكلفة كالدوالي والنواضح، وإذا بدا الصلاح في الثمار]. هذا مقدار الزكاة التي تؤخذ من الخارج وهي تختلف، فإن كان الثمار أو الحب يسقى بدون كلفة من العيون أو من الآبار أو من السيول والأمطار أو يشرب بعروقه من الأرض ولا يتكلف عليه، فهذا يجب فيه العشر، واحد من عشرة، وعشرة من مائة. أما إذا كان يخرجه عن طريق المكاين أو عند طريق الدوالي، أو عن طريق النضح بالحيوانات أو البقر يستخرج الماء، فهذا فيه مشقة؛ فيكون فيه نصف العشر، وإن كان بعضه بكلفة وبعضه بدون كلفة وجب فيه ثلاثة أرباع العشر، وإن كان بعضه يشرب من الماء وبعضه يستخرج له الماء من المكائن أو عن طريق الدواب ففيه نصف العشر؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (فيما سقت السماء والعيون أو كان عثرياً العشر، وفيما سقي بالنضح نصف العشر)، (فيما سقت السماء والعيون أو كان عثرياً) أي: يشرب لنفسه يبعلونه يبذرونه في الأرض فينزل عليه المطر، هذا يجب فيه العشر؛ لأنه ما تكلف في استخراج الماء.

وقت وجوب الزكاة في الحبوب والثمار

وقت وجوب الزكاة في الحبوب والثمار قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وإذا بدا الصلاح في الثمار واشتد الحب وجبت الزكاة]. تجب الزكاة إذا بدا الصلاح في الثمر؛ لأنه يسلم من العاهة في الغالب، والذي يسلم من العاهة إذا بدا صلاحه، ففي النخيل يحمر ويصفر، وفي الحبوب يشتد الحب، وفي العنب كذلك يستوي؛ لأنه في هذه الحالة إذا بدا الصلاح واشتد الحب يسلم من العاهة والآفات، أما قبل ذلك فهو عرضة للآفات، فلا تجب فيه الزكاة إلا إذا بدا الصلاح، وبدو الصلاح في كل شيء بحسبه.

ما تخرج منه الزكاة من الحب والثمر

ما تخرج منه الزكاة من الحب والثمر قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولا يخرج الحب إلا مصفىً ولا الثمر إلا يابساً]. لا يخرج الحب إلا مصفىً، فلا يخرجه في سنبله؛ لأنه إذا أخرجه في سنبله صار الحب مختلطاً بغيره ولا يظهر فيه نقص للفقير، وكذلك التمر يخرجه إذا يبس، أما إذا أخرجه رطباً فإنه ينقص إذا يبس، وإذا كان رطباً يكون ثقيلاً، فلا يخرجه رطباً حتى ييبس ويجف ثم يخرج الزكاة منه، وإذا صفى الحب من السنبل ومما علق به أخرج الزكاة.

ما ليس فيه زكاة من الحبوب والثمر

ما ليس فيه زكاة من الحبوب والثمر قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولا زكاة فيما يكتسبه من مباح الحب والثمر، ولا في اللقاط، ولا ما يأخذه أجرة لحصاده]. لأن هذا ليس مالكاً له وقت الوجوب، فيكتسب اللقاط، ويأخذ أجرة لحصاده من المزارع، فهذا لم يملكه وقت الوجوب، وإنما هو مملوك لغيره، فليس فيه زكاة، إلا إذا تجمع منه شيء وجعله للبيع وحال عليه الحول. فكذلك ما يأخذه من الشيء المباح من الجبال أو من غيره فليس فيه زكاة.

حكم ضم الحب مع الثمر لأجل النصاب

حكم ضم الحب مع الثمر لأجل النصاب قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولا يضم صنف من الحب والثمر إلى غيره في تكميل النصاب]. لا يضم الحب إلى التمر في تكميل النصاب؛ لأن الحب نوع مستقل، والتمر نوع مستقل، لكن أنواع التمور يضم بعضها إلى بعض، إذا كان عنده مثلاً: سكري وبلحي ومنيفي وشقراء فيضم بعضها إلى بعض، يضم من هذا خمسين كيلو، ومن هذا خمسين كيلو، ومن هذا خمسين كيلو، فيتجمع لديه ثلاثمائة، فلا بأس في التكميل؛ لأنه نوع واحد، وجنس واحد. وكذلك أنواع الحبوب يضم بعضها إلى بعض؛ لأنه جنس واحد، لكن الحب لا يضم إلى التمر، والتمر لا يضم إلى الحب، وبعد ذلك يخرج الزكاة من كل نوع على حدة، وإنما كل نوع يخرج زكاته منه، ولا يضم بعضها إلى بعض في تكميل النصاب. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولا يضم صنف من الحب والتمر إلى غيره في تكميل النصاب، فإن كان صنفاً واحداً مختلف الأنواع كالتمور ففيها الزكاة]. وكذلك إذا كان نوعاً واحداً من الحبوب فإنه يضم بعضها إلى بعض. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولا يخرج من كل نوع زكاته]. أي: لا يخرج السكري على حدة، ولا يخرج من البلحي على حدة، وإنما يضم بعضها إلى بعض في تكميل النصاب. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وإن أخرج جيداً عن الرديء جاز وله أجره]. إذا أخرج جيداً عن الرديء أثابه الله، وإلا فلا يجب عليه، وإنما يخرج من الوسط إذا كانت أنواعاً.

زكاة المعدن

زكاة المعدن قال المؤلف رحمه الله تعالى: [النوع الثاني: المعدن]. أي: هذا النوع الثاني من الخارج من الأرض الذي تجب فيه الزكاة، فالنوع الأول: الحبوب والثمار، والنوع الثاني: المعادن المستخرجة من باطن الأرض مثل: الذهب والفضة والنحاس والرصاص وما أشبه ذلك من المعادن والجواهر التي يستخرجها الناس، فإذا أخرجها من الأرض وبلغت نصاباً وجبت فيها الزكاة، ولا يشترط تمام الحول؛ لعموم قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَرْضِ} [البقرة:267]، إذا حفر واستخرج ذهباً بلغ نصاباً عشرين مثقالاً أخرج منه الزكاة ربع العشر أو أخرج جواهر أو حديداً أو نحاساً أو رصاصاً وبلغ قيمتها نصاباً أخرج زكاته ربع العشر.

متى تخرج زكاة المعدن

متى تخرج زكاة المعدن قال المؤلف رحمه الله تعالى: [النوع الثاني: المعدن، فمن استخرج من معدن نصاباً من الذهب أو الفضة أو ما قيمته نصاباً من الجواهر أو الكحل والصفر والحديد أو غيره فعليه الزكاة ولا يخرج إلا بعد السبك والتصفية]. ما تخرج الزكاة إلا بعد السبك والتصفية، بعد تصفية الذهب والفضة؛ لأنه عندما يستخرجها يكون علق بها التراب والأحجار، فيصفيها، ثم يخرج الزكاة، وكذلك الحديد والنحاس والرصاص، أما المعادن الأخرى مثل آبار النفط الموجودة في الحاضر فهذه تتولاها الدولة، ويتولاها ولي الأمر، والظاهر أنها ليست خاصة بشخص، وإنما هي مصلحة عامة.

الأشياء التي ليس فيها زكاة

الأشياء التي ليس فيها زكاة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولا شيء في اللؤلؤ والمرجان والعنبر والسمك]. وقيل: تجب الزكاة في العنبر، وتجب أيضاً في السمك، وفي نسخة: (والمسك) بدل السمك، فلا زكاة في اللؤلؤ والمرجان والعنبر والمسك، ولا شيء في صيد البر والبحر؛ لأن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (لا شيء في العنبر إنما هو شيء ألقاه البحر) ولأنه كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفائه فلم تسبق فيه سنة، وعلى قياسه اللؤلؤ والمرجان، وعنه: في العنبر الزكاة؛ لأنه معدن أشبه معدن البر، والسمك صيد أشبه صيد البر، وعنه: فيه الزكاة؛ قياساً على العنبر. وقد قال: (في اللؤلؤ والمرجان والعنبر والمسك، ولا شيء في صيد البر والبحر) فيدخل السمك في قوله: (صيد البر والبحر) فيكون الأقرب المسك، وقد يدخل السمك في الجملة، وأفرده ليكون هذا تأكيداً أكثر، فيحتاج إلى مراجعة خطية، فقوله: (المسك)، فيه زيادة فائدة، أما إذا قلت: (السمك)، صار داخلاً في قوله: (ولا شيء في صيد البر والبحر) فصار التكرار تأكيداً، والتأسيس أولى من التأكيد؛ فتراجع المخطوطة الأصل، أو طبعة محققة، فالطبعة هذه لا تخلو من أخطاء، وقد يكون هناك اختلاف في النسخ، فقد يكون الشارح مشى على هذا، قد يختلف حتى القدامى في عبارة المؤلف، فبعضهم رواها (المسك) وبعضهم رواها (السمك)، والشارح مشى على السمك. على كل حال: السمك والعنبر واللؤلؤ والمرجان الذي يستخرج من البحر ليس فيه زكاة والمسك ليس فيه زكاة، وكأن الحكمة -والله أعلم- أن الذي يستخرج من البر من الأرض ما فيه خطورة، والتعب يكون أقل، بخلاف الذي يستخرج من البحر فإن فيه مخاطرة بالنفس.

زكاة الركاز

زكاة الركاز قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وفي الركاز الخمس أي نوع كان من المال قل أو كثر، ومصرفه مصرف الفيء وباقيه لواجده]. الركاز: ما وجد من دفن الجاهلية، وليس عليه علامات أهل الإسلام، كنقود عليها علامات الكفار، فهذا يخرج منه الخمس، وأربعة أخماس لواجده؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (وفي الركاز الخمس). أما ما وجد عليه علامات أهل الإسلام أو في بلد إسلامية أو عليه صكة مضروبة للمسلمين، فهذا يعتبر لقطة، فيعرف سنة ثم يملكه ملتقطه، فيخرج من الركاز الخمس، وأربعة أخماس لواجده؛ لأنه أتاه بغير تعب ولا مشقة؛ فلهذا كانت فيه الزكاة أكثر، بخلاف المعدن المستخرج فإنه لا تجب فيه الزكاة إلا إذا بلغ نصاباً؛ لأنه فيه مشقة حين يستخرج من الأرض. أما الركاز فشيء مدفون ما فيه تعب، فوجب فيه الخمس وأربعة أخماس لواجده، هذا إذا لم يكن عليه علامات المسلمين، وكان عليه علامة الكفار أو عرف أنه من دفن الجاهلية. ويوجد الآن بعض الآثار التي ليست بمال، ولا ذهباً ولا فضة، ولكن لها قيمة عالية، فهذه حكمها حكم الركاز، إذا استخرجها ولها قيمة، وبلغت قيمتها نصاباً أخرج زكاتها، سواء كانت أحجاراً أو أواني أو غيرها فالحكم واحد، إذا كانت من دفن الجاهلية فهي ركاز، وإن كانت من غير دفن الجاهلية فهي لقطة.

زكاة الأثمان

زكاة الأثمان قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب زكاة الأثمان، وهي نوعان: ذهب وفضة]. الأثمان: هي الذهب والفضة، والأثمان جمع ثمن، يعني: ثمن الأشياء، فالأراضي والبيوت والأواني والأطعمة لها ثمن، وثمنها الذهب والفضة أو ما يقوم مقامها من الأوراق النقدية، فالأوراق النقدية قائمة مقام الذهب والفضة، وتجب فيها الزكاة إذا بلغت نصاباً. والأوراق النقدية ما كانت تعرف سابقاً، ولا كان يظن أحد أنه سيكون هناك أوراق يتعامل بها الناس، لكن ذكر العلماء شيئاً آخر وقالوا قديماً: لو تعامل الناس بالجلود لكان لها حكم الذهب والفضة، ويتعامل الناس الآن بالورق وهي أقل من الجلود. مسألة: زكاة العسل: الصواب أن كل الأحاديث التي وردت في زكاة العسل ضعيفة، فلا يصح فيه شيء، وهو موضع خلاف بين أهل العلم، فمن العلماء من أوجب فيه الزكاة، ومنهم من لم يوجب الزكاة؛ لأن الأحاديث ضعيفة فيه، ولا يثبت منها شيء.

مقدار نصاب الذهب والفضة

مقدار نصاب الذهب والفضة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب زكاة الأثمان. وهي نوعان: ذهب وفضة، ولا زكاة في الفضة حتى تبلغ مائتي درهم فيجب فيها خمسة دراهم، ولا في الذهب حتى يبلغ عشرين مثقالاً فيجب فيها نصف مثقال]. الذهب والفضة تجب فيها الزكاة إذا بلغت نصاباً وحال عليها الحول، وشروطها هي: أن تكون مملوكة، وأن يكون المالك مسلماً حراً، وأن تبلغ النصاب، وأن يكون ملكه لها مستقراً، فدين الكتابة ليس مستقراً، والدين الذي في ذمة المماطل أو المعسر ليس مستقراً، فلابد أن يكون مسلماً، حراً، ولابد من بلوغ النصاب، ومضي الحول، وأن يكون ملكه لها مستقراً، فإذا وجدت هذه الشروط الخمسة وجب فيها الزكاة. وأما النصاب: فالذهب نصابه عشرون مثقالاً، وهي ما تعادل الآن إحدى عشر جنيهاً وثلاثة أسباع الجنيه السعودي، وهو ما يقارب خمسة وثمانين جراماً، فإذا كان عنده هذا المقدار وجبت فيه الزكاة. كذلك الفضة لابد أن تبلغ نصاباً، وهو مائتا درهم، وهي تعادل بالريالات السعودية ستة وخمسين ريالاً سعودياً من الفضة، وليس من الأوراق النقدية، فإذا كان عنده أوراق تعادل ستة وخمسين أخرج الزكاة، والريال العربي الفضة لعله يباع الآن بعشرين ريالاً من الأوراق النقدية، فإذا كان يباع بعشرين ريالاً سعودياً أوراقاً فربما تصل قيمة الستة والخمسين إلى الألف الريال تقريباً، فإذا كان عنده من الأوراق النقدية ما يعادل خمسين ريالاً فضة أخرج زكاته ربع العشر، وهي اثنان ونصف في المائة، فيكون في الألف خمسة وعشرون، وفي المائة ألف ألفان ونصف.

حكم زكاة الذهب المغشوش

حكم زكاة الذهب المغشوش قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فإن كان فيهما غش فلا زكاة فيهما حتى يبلغ قدر الذهب والفضة نصاباً]. يعني: لابد أن يكون النصاب من الصحيح غير المغشوش؛ لأن المغشوش يكون زائداً، لابد أن يكون من الذهب الخالص أو الفضة الخالصة، ويوجد الآن عيارات في الذهب، وأهل الذهب يعرفون الأوزان والمقدار ويضبطونه، ولذلك لا يحسب النحاس المخلوط. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فإن شك في ذلك خير بين الإخراج وبين سبكهما؛ ليعلم قدر ذلك]. إما أن يزيد ويخرج حتى يغلب على ظنه أنه أدى ما عليه، وإلا يصفيها وينظر مقدار الذهب والفضة.

حكم زكاة الحلي المعد للاستعمال والعارية

حكم زكاة الحلي المعد للاستعمال والعارية قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولا زكاة في الحلي المباح المعد للاستعمال والعارية ويباح للنساء]. وهذا هو ما ذهب إليه الجمهور، أن الحلي المعد للاستعمال والعارية ليس فيه زكاة، واستدلوا بحديث: (ليس في الحلي زكاة) لكنه حديث ضعيف، وقال شيخ الإسلام رحمه الله: زكاته عاريته، وقالوا: إنه يشبه الأمتعة التي يستعملها الإنسان في بيته؛ ولأن الزكاة إنما وجدت من باب النما وهذا ليس فيه نما، وإنما هو استهلاك، فأشبه الأمتعة، وهذا هو مذهب الجمهور ومذهب الأئمة الثلاثة: مالك والشافعي وأحمد. القول الثاني: أنه تجب فيه الزكاة إذا بلغ نصاباً؛ لعموم قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [التوبة:34]، ولعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي زكاتها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار، فيكوى به جنبه وجبينه وظهره) ولم يستثن النبي صلى الله عليه وسلم الحلي. وكذلك أيضاً في قصة المرأة التي جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم ومعها مسكتان غليظتان من ذهب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أتؤدين زكاتهما؟ قالت: لا، قال: أتحبين أن يسورك الله سوارين من نار؟! فقالت: هما لله ورسوله، وألقتهما) قال الحافظ: الحديث إسناده قوي. وكذلك حديث أم سلمة: (أنه كان لها أوضاح من ذهب، قال: أتخرجين زكاتها؟ وقال: هو حسبك من النار) أو كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم. فهذه أدلة خاصة وعامة، فالأدلة العامة التي فيها وجوب الزكاة في الذهب والفضة ليس فيها استثناء الحلي، وهذا ما ذهب إليه الإمام أبو حنيفة، وهو الذي يفتي به الآن بعض المحققين من أهل العلم كالشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمة الله عليه، والشيخ محمد بن عثيمين وغيرهم من أهل العلم، وهو أظهر دليلاً، وإن كان خلاف قول الجمهور، وهو أحوط وأبرأ للذمة. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولا زكاة في الحلي المباح المعد للاستعمال والعارية]. وهذا مذهب الجمهور، إذا كان معداً للاستعمال كأن تتزين به المرأة، ومثل خاتم الفضة للرجل فليس فيه زكاة، أما إذا أعد للتجارة فهذا تجب فيه الزكاة بالاتفاق، فإذا أعد للتجارة أو للشراء، كأن يؤجر عند إنسان الذهب فيستعار بكذا وكذا، فتستعير منه النساء أو التي تتزين أو العروس أو غيرها فهذا فيه زكاة، أو كان يستعمل في محرم كأن يستعمل الرجل ذهباً، فهذا حرام عليه، وتجب فيه الزكاة، فإذا استعمل في محرم أو أعد للتجارة أو للأجرة ففيه زكاة بالإجماع، وإنما محل الخلاف إذا أعد للعارية أو للاستعمال، فالجمهور على أنه ليس فيه زكاة، وهو مذهب الإمام أبي حنيفة وطائفة، وهو الأرجح والأظهر.

ما يباح للمرأة من الذهب

ما يباح للمرأة من الذهب قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويباح للنساء كل ما جرت العادة بلبسه من الذهب والفضة]. يباح للنساء ما جرت العادة بلبسه من الذهب والفضة كالسوار، والخواتم والقرط في أذنيها والخلخال في رجليها، وكذلك أيضاً ما تضعه في رقبتها كل هذا مباح، وإن كان محلقاً، وقد ذهب الشيخ ناصر الدين الألباني رحمه الله إلى تحريم الذهب المحلق، يعني: المدور كالخاتم والسوار فيحرم، واستدل بأحاديث فيها النهي عن لبس الذهب المحلق، ولكن هذا معدود من أغلاطه وأخطائه رحمه الله؛ لأن الأحاديث التي فيها النهي عن الذهب المحلق إما شاذة أو منسوخة، ولم يزل المسلمون من عصر النبي صلى الله عليه وسلم، وعهد الصحابة إلى يومنا هذا لا ينكرون لبس النساء للذهب المحلق، فهو كالإجماع من العلماء.

ما يباح للرجال من الفضة

ما يباح للرجال من الفضة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويباح للرجال من الفضة الخاتم وحلية السيف والمنطقة ونحوها]. الرجل يباح له خاتم الفضة خاصة، لكن الذهب ليس له أن يتختم به؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الذهب والحرير حرام على ذكور أمتي حل لإناثها) لكن خاتم الفضة مستثنى، وكذلك حلية مقبض السيف، قالوا: هذا مما يعفى عنه إذا حلاه بشيء من الفضة، والمنطقة وهي شيء يشد به الوسط. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فأما المعد للكراء أو الادخار والمحرم ففيه الزكاة]. يعني: من الذهب إذا أعد للأجرة أو الادخار ليأكل منه، فإذا كان عنده حلي ادخره، وكل ما احتاج باع منه فهذا فيه الزكاة، وليس فيه إشكال، إنما الخلاف في المعد للاستعمال وللعارية. مسألة: الفاكهة ليس فيها زكاة وكذلك الخضروات ليس فيها زكاة، لكن إذا حصل من الأجرة دراهم وحال عليها الحول ففيها الزكاة، وإن أكلها أو أنفقها فليس عليها زكاة. ولبس الفضة مباح، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يلبس خاتماً من فضة، وكان من قبل يلبس خاتم ذهب، ولبس الناس خواتيم من ذهب، ثم نزل عليه الوحي فألقاه، ثم لبس خاتماً من فضة بعد ذلك، فإذا لبس الفضة على وجه لا يكون فيه تشبه بالكفرة مثل ما يسمونه الآن الدبلة وما أشبه ذلك فلا بأس في ذلك. فالمقصود: إذا كان فيه تشبه فهذا هو الممنوع، أما إذا لم يكن فيه تشبه فلا بأس وهو مباح، أما القول بأنه سنة فيحتاج إلى تأمل، والظاهر أنه مباح، إن لبس فلا حرج، وإن ترك فلا حرج. فكونه لا يلبس الخاتم إلا إذا خطب، فهذا فيه تشبه، وكونه أيضاً يلبسه الزوجة، وبعضهم يعتقد أنه إذا خلعه خلعت الخطوبة، كل هذا لا أصل له.

ما جاء في زكاة الدين

ما جاء في زكاة الدين قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب حكم الدين. من كان له دين على مليء أو مال يمكن خلاصه كالمجحود الذي له به البينة، والمغصوب الذي يتمكن من أخذه فعليه زكاته إذا قبضه لما مضى، وإن كان متعذراً كالدين على مفلس أو على جاحد ولا بينة به، والمغصوب والضال الذي لا يرجى وجوده فلا زكاة فيه]. هذا هو الصواب في حكم الدين، والدين فيه تخفيف، فإذا كان لك دين على شخص مليء متى ما طلبته دفعه إليك، أو تستطيع أخذه منه، كالمجحود الذي له بينة، والمغصوب الذي تستطيع أخذه، فإنك تزكيه مع مالك، فإما أن تزكي كل مالك أو إذا قبضته تزكي لما مضى؛ لأنك قادر على أخذه. أما الدين الذي لا يستطيع الإنسان أخذه كالدين على معسر فقير لا يستطيع دفعه، ما عنده شيء، ولا يستطيع يعمل، أو مماطل وليس له بينة، يحتاج له إلى شكوى، فهذا ليس عليه شيء حتى يقبضه، فإذا قبضه يستأنف بحول جديد، أو يزكي لسنة واحدة كما قال بعض أهل العلم. فالمقصود: أن الدين إذا كان على مليء باذل أو يستطيع أخذه منه فإنه يجب عليه أن يزكيه لما مضى إذا قبضه، أو يزكيه كل سنة مع ماله. وكذلك إذا كان يستطيع الإنسان أخذه، يعني: بعض الناس إذا تأخر يزكي فيما مضى، أما إذا كان الدين على معسر فقير لا يستطيع دفعه ولا يدري هل يأتي أو لا يأتي، ويغلب على ظنه أنه لا يستطيع الدفع، أو على مماطل ومنكر للحق وليس له عليه بينة، ولا يستطيع أخذه منه، فهذا ليس عليه زكاة إلا إذا قبضه، فإذا قبضه يستلم به حولاً جديداً أو يزكيه زكاة واحدة. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والمغصوب والضال الذي لا يرجى وجوده فلا زكاة فيه]. ومثله المغصوب أيضاً، فإذا كان المال مغصوباً على الشخص أو لا يستطيع دفعه أو ضل وضاع كإبل ذهبت، ولا يستطيع معرفة مكانها، فهذا ليس فيه زكاة حتى يرجع إليه ماله. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وحكم الصداق حكم الدين]. كذلك بالنسبة لصداق المرأة، فإذا كان لها مهر على زوجها، والزوج باذل له فإنها تزكيه، فإن كان مماطلاً أو منكراً أو معسراً يغلب على ظنها أنه لا يستطيع دفعه الآن فلا زكاة عليها إلا إذا قبضته، فإذا قبضته تزكيه لسنة واحدة أو تستقبل حولاً جديداً. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ومن كان عليه دين يستغرق النصاب الذي معه أو ينقصه فلا زكاة فيه]. من كان عليه دين يستغرق النصاب الذي معه أو ينقصه فلا زكاة فيه، مثال ذلك: لو كان إنسان عليه دين عشرة آلاف، وعنده الآن عشرة آلاف، فلا يزكي على هذه العشرة على المذهب؛ لأن الدين يقابل ما عنده، أو كان عنده مائة ألف وعليه ديون مائة ألف، أو عليه ديون تنقص النصاب، فإذا أوفاها بقي أقل من النصاب فلا يزكي، فهذا هو ما مشى عليه المذهب. والصواب: أنه يزكي المال الذي عنده وحال عليه الحول، ويستعين الله في قضاء دينه؛ لأن هذا المال الذي عندك تتعلق به نفوس الفقراء وحقوقهم، والنبي صلى الله عليه وسلم أمر بأخذ الزكاة من أصحاب الأموال ولم يقل: هل عليكم ديون؟ إن كان عليكم ديون فليس عليكم زكاة، فأرسل عليه الصلاة والسلام العمال الذين يخرصون الزروع والثمار، ويأخذون الزكاة، ولم يقل: إن كان عليكم ديون فليس عليكم زكاة، فالصواب: أن من كان عنده مال، وحال عليه الحول، وبلغ النصاب أنه يزكي، ولا ينظر إلى الدين الذي عليه، يزكي ثم يقضي دينه، إلا إذا قضى الدين قبل تمام الحول فلا بأس، أما إذا تم عليه الحول المال وعنده فإنه يخرج زكاة المال الذي عنده، ويستعين الله في قضاء دينه، وعليك أن توفي الدين قبل تمام الحول، أما أن تبقيه عندك حتى يتم الحول ثم تقول: أنا علي دين مقابل هذا فلا أزكي، فهذا لا ينبغي، فيزكي المال الذي عنده وبلغ نصابه، وتم عليه الحول، ويستعين الله في قضاء الدين.

زكاة العروض

زكاة العروض

شروط زكاة العروض

شروط زكاة العروض قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب زكاة العروض. ولا زكاة فيها حتى ينوي بها التجارة]. العروض: هي كل ما يعد للبيع والشراء، فما أعده الإنسان للتكسب والبيع، وبلغ قيمته نصاباً، ومضى عليه الحول فإنه يزكي، فكل ما أعد للبيع من عقار وأراض وبضائع وسيارات دواليب أخشاب قطع غيار وكل شيء أعد للبيع والشراء والتكسب وبلغت قيمته نصاباً، وهي ما يقابل ستة وخمسين ريالاً فضة عربي سعودي، وتم عليه الحول فإنه يزكيه، فيثمن وتخرج زكاته، فلا بد من هذين الشرطين: أن ينويه للبيع والشراء والتكسب، وأن يبلغ نصاباً ويتم عليه الحول، أما إذا أبقاه عنده كأرض أبقاها للحاجة ولم ينوها للبيع، فليس فيها زكاة حتى ينويها للبيع، ويمضي عليها حولاً، لابد من نية التجارة، ثم يمضي عليها الحول بعد بلوغ النصاب. وبالنسبة للأرض إذا نوى بيعها ومضى عليها الحول من وقت هذه النية وهي باقية عنده، قومها وأخرج زكاتها، فكل سنة يقومها بالقيمة التي تساوي. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولا زكاة فيها حتى ينوي بها التجارة، وهي نصاب، حولاً، ثم يقومها، فإذا بلغت أقل نصاب من الذهب والفضة أخرج الزكاة من قيمتها]. إذا كان عنده أرض أعدها للبيع واشتراها مثلاً بمائة ألف، فلما حال عليها الحول سألنا أهل الخبرة، فإذا قالوا: إنها تساوي مائتي ألف، نقول: زك عن مائتين، فلما حال الحول الثاني انخفضت قيمة الأرض، وصارت تساوي ثمانين ألفاً، نقول: زك عن ثمانين ألف ريال، فلما حال الحول الثالث صارت الأرض تساوي مائة ألف ريال، زك عن مائة ألف ريال وهكذا، فالعبرة بقيمتها عند تمام الحول. وإذا كان اشترى أرضاً بالتقسيط لسنوات فليس فيها زكاة، فالمشتري ما أعدها للبيع حتى يزكي عليها، وكذلك لو أراد بيعها لا يستطيع أن يبيعها، وإذا كان أخذ الصك واستطاع أنه يعدها للبيع ومضى عليها سنة فإنه يزكيها والأقساط باقية في ذمته، فإذا أعدها للبيع، وصارت ملكاً له، ولو كان في ذمته أقساط، فهذه الأرض أو هذه السيارة إذا تم عليها الحول يزكيها.

حكم ضم الذهب والفضة إلى عروض التجارة ليكمل النصاب

حكم ضم الذهب والفضة إلى عروض التجارة ليكمل النصاب قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فإذا بلغت أقل نصاب من الذهب والفضة أخرج الزكاة من قيمتها، وإن كان عنده ذهب أو فضة ضمها إلى قيمة العروض في تكميل النصاب]. إذا كانت عروض التجارة لا تبلغ النصاب، وعنده ذهب وفضة وأوراق نقدية فإنه يضمها إليها ويكمل النصاب، ثم يزكي على الجميع.

الحكم فيما إذا نوى بعروض التجارة القنية

الحكم فيما إذا نوى بعروض التجارة القنية قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وإذا نوى بعروض التجارة القنية فلا زكاة فيها]. إذا نوى عند شراء السيارة أنه يستعملها، أو اشترى دواليب للاستعمال فليس فيها زكاة. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ثم إن نوى بها بعد ذلك التجارة استأنف له حولاً]. لو كان عنده سيارتين أو ثلاثاً يستعملهن، فليس فيهن زكاة، لكن بعد سنة جاء على السيارتين وأعلن أنه يريد بيعهن ومضى عليهن سنة ولم يبعن فإنه يقومهن ويزكي عليهن.

كتاب الزكاة [3]

شرح عمدة الفقه_كتاب الزكاة [3] تجب زكاة الفطر على كل مسلم وعلى من تلزمه نفقته، وتجب بغروب شمس آخر يوم من رمضان، وهي صاع من قوت البلد، تعطى للمساكين قبل صلاة العيد. ولا يجوز تأخير الزكاة إذا حال عليها الحول، ويجوز تعجيلها. وتصرف الزكاة للأصناف الثمانية الذين ذكرهم الله في كتابه، ولا يجوز دفعها للغني والمكتسب وآل البيت ومن تلزم المزكي نفقته والكافر.

زكاة الفطر

زكاة الفطر

فرضية زكاة الفطر

فرضية زكاة الفطر قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب زكاة الفطر. وهي واجبة على كل مسلم إذا ملك فضلاً عن قوته وقوت عياله ليلة العيد ويومه]. وهي صاع من قوت البلد، صاع من طعام أو بر أو أرز؛ لحديث أبي سعيد رضي الله عنه قال: (كنا نخرجها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم صاعاً من بر، أو صاعاً من شعير، أو صاعاً من تمر، أو صاعاً من زبيب، أو صاعاً من أقط) فإذا فضل عن حاجته وحاجة عياله يوم العيد وليلته فإنه يجب عليه أن يخرج عنه وعن كل واحد من أفراد العائلة صاعاً من الطعام، وكذلك من عنده من الخدم والعمال إذا كان يقوم بمئونتهم ونفقتهم فيخرج عنهم زكاة الفطر أيضاً.

مقدار زكاة الفطر

مقدار زكاة الفطر قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقدر الصدقة صاع من البر، أو الشعير، أو دقيقهما، أو سويقهما، أو من التمر أو الزبيب، فإن لم يجده أخرج من قوته أي شيء كان صاعاً]. هذا هو الصواب، أنه صاع من البر وغيره، وهذا الذي مشى عليه المؤلف هو الصواب، ومشى غيره على أن البر يكفي فيه نصف الصاع، وأما التمر فلا بد فيه من الصاع، وهذا هو المذهب، لكن المؤلف مشى على الصواب، وكذلك قالوا في الكفارة وفي الفدية لمن فعل محظوراً في الحج، قالوا: يطعم ستة مساكين، لكل مسكين نصف صاع من التمر أو ربع صاع من البر، واستدلوا بفعل معاوية رضي الله عنه لما جاءت السمراء قال: (أرى أن الصاع من هذه السمراء يعدل صاعين) فأخذ الناس به، قال أبو سعيد: أما أنا فلا أزال أخرجه صاعاً كما كنت أخرجه على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فالصواب أنه صاع من البر وغيره، ولا فرق، ومعاوية اجتهد وقال: إن هذا البر جيد فيكفي منه الصاع. والكفارات يجب فيها نصف الصاع من البر أو من غيره، خلافاً لما أخذ به بعض الفقهاء من أنه إذا كان من البر فيكفي ربع صاع. وإذا كان لدى الشخص أولاد مزوجين، فإذا كانوا في بيته وينفق عليهم فزكاة الفطر تابعة، أما إذا كانوا مستقلين ينفقون على أنفسهم فلا يلزمه.

من تخرج عنه زكاة الفطر

من تخرج عنه زكاة الفطر قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ومن لزمته فطرة نفسه، لزمته فطرة من تلزمه مئونته ليلة العيد]. فما دام ينفق عليهم فإنه تلزمه مئونتهم، ومن لزمته فطرة نفسه لزمته فطرة من يعوله. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [إذا ملك ما يؤدى عنه، فإن كانت مئونته تلزم جماعة، كالعبد المشترك، أو المعسر القريب لجماعة، ففطرته عليهم على حسب مئونته]. يعني: إذا كان العبد مشتركاً ومبعضاً، يملكه أربعة أشخاص فزكاة الفطر عليهم مشتركة، كل شخص يدفع ربع صاع، وكذلك المعسر القريب، إذا كان له أربعة إخوة أغنياء فإنه تجب عليهم نفقته، وكذلك زكاة الفطر نقول: كل واحد عليه ربع الصاع، وإن كان واحداً فعليه الصاع، وإن كانوا اثنين فعلى كل واحد نصف صاع. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وإن كان بعضه حراً ففطرته عليه وعلى سيده]. إذا كان نصفه حراً ونصفه عبداً، فإن على السيد نصف زكاة الفطر، فنقول: عليك نصف الصاع، وهو عليه نصف الصاع.

الوقت الذي يستحب فيه إخراج الفطرة

الوقت الذي يستحب فيه إخراج الفطرة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويستحب إخراج الفطرة يوم العيد قبل الصلاة، ولا يجوز تأخيرها عن يوم العيد]. الأفضل إخراجها يوم العيد قبل الصلاة، ويجوز إخراجها قبل العيد بيوم أو يومين أو ثلاثة أيام؛ لأن الصحابة كانوا يخرجونها من يوم ثمانية وعشرين، وتسعة وعشرين وثلاثين، والأفضل إخراجها قبل الصلاة، فإن أخرها عن ذلك متعمداً فإنه يأثم، ويقضيها بعد ذلك، وعليه التوبة والاستغفار.

كيفية توزيع زكاة الفطر

كيفية توزيع زكاة الفطر قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويجوز تقديمها عليه بيوم أو يومين، ويجوز أن يعطى واحداً ما يلزم الجماعة، والجماعة ما يلزم الواحد]. يجوز أن يعطي الواحد ما يلزم الجماعة، ويجوز أن يقسم الصاع على أربعة فقراء، كل واحد يعطيه ربع صاع، ويجوز أن يعطي فقيراً واحداً أربعة آصع أو خمسة آصع، فإذا قسم الصاع بين عدة فقراء فلا بأس، وإذا أعطى فقيراً واحداً عدة آصع فلا بأس، وإذا كانوا عدة فقراء فيعطون ما يكفيهم. مسألة: إذا كان يبيع شيئاً محرماً في محل تجاري أو يبيع أشياء محرمة كالدخان وغيره، فالمحرم يجب إتلافه، وغير المحرم عليه فيه زكاة، فالواجب التوبة وإخراج الخبيث، فيخرجه ويتخلص منه للمصالح العامة.

ما جاء في إخراج الزكاة

ما جاء في إخراج الزكاة

حكم تأخير الزكاة عن وقتها

حكم تأخير الزكاة عن وقتها قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب إخراج الزكاة. لا يجوز تأخيرها عن وقت وجوبها إذا أمكن إخراجها، فإن فعل فتلف المال لم تسقط عنه الزكاة، وإن تلف قبله سقطت]. قال المؤلف رحمه الله تعالى: (لا يجوز تأخير الزكاة عن وقت وجوبها)؛ لأنها عبادة مؤقتة بوقت، وهو وقت تمام الحول، فإذا تم الحول وجب عليه إخراج الزكاة، وليس له تأخيرها وقتاً كثيراً، ولكن إذا أخرها وقتاً يسيراً لأجل البحث عن مستحقيها فلا بأس، أما إن أخرها كثيراً فلا، وإذا أخرها عن وقتها ثم تلفت فإنها تبقى في ذمته، ويطالب بها. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فإن فعل فتلف المال، لم تسقط عنه الزكاة]. يعني: إذا أخر الزكاة عن وقت الوجوب ثم تلف تبقى في ذمته، ولا تسقط الزكاة عنه بتلف المال؛ لأنه هو الذي فرط في تأخيرها عن وقت الوجوب.

حكم تعجيل إخراج الزكاة

حكم تعجيل إخراج الزكاة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويجوز تعجيلها إذا كمل النصاب، ولا يجوز قبل ذلك]. نعم يجوز تعجيلها إذا بلغ النصاب، ونصاب الفضة مائتا درهم، ونصاب الذهب عشرون مثقالاً، فإذا بلغ النصاب جاز له تعجيلها، أما قبل أن يبلغ النصاب فلا تعجل، ويجوز تعجيلها لمدة سنة أو سنتين؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم طلب من العباس زكاة سنتين، فأخذها معجلة، فإذا تم النصاب جاز له التعجيل لسنة أو سنتين، أما قبل تمام النصاب فلا. ونصاب الفضة عند العلماء المعاصرين ستة وخمسون ريالاً فضياً عربياً سعودياً، والآن هذا الريال يباع عند الصيارفة، والذهب مقداره خمسة وثمانون جراماً، أو إحدى عشر جنيهاً ونصفاً تقريباً.

الحكم فيما إذا عجل لزكاة فدفعها إلى غير مستحقيها

الحكم فيما إذا عجل لزكاة فدفعها إلى غير مستحقيها قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فإن عجلها إلى غير مستحقها لم يجزئه، وإن صار عند الوجوب من أهلها]. إذا عجلها ووضعها في يد غني فلا تجزئ، ولو صار الغني وقت الوجوب فقيراً ما تجزئه، لأنه عندما دفعها إليه كان غير مستحق لها، ولا يجوز دفعها إلى غير المستحق، بل يجب دفعها إلى المستحق.

الحكم فيما إذا دفعها إلى مستحقها فمات أو ارتد

الحكم فيما إذا دفعها إلى مستحقها فمات أو ارتد قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وإن دفعها إلى مستحقيها فمات أو استغنى أو ارتد أجزأت عنه]. إذا دفعها إلى مستحقها، ثم تغيرت حاله بعد ذلك فقد أدى ما عليه، كأن عجل زكاة سنتين وأعطاها فقيراً، ثم لما تم الحول صار غنياً تجزئه أو مات أو ارتد والعياذ بالله فقد برئت ذمته. وإذا عجل فأخرج زكاة مال لم يبلغ النصاب وقال: سيأتيني مال إن شاء الله بعد ستة أشهر، وسأخرج زكاتها الآن، فلا يصلح هذا الفعل؛ لأنها ما بلغت النصاب حتى تخرج زكاتها.

الحكم فيما إذا عجل زكاة ماله فدفعها فتلف ماله

الحكم فيما إذا عجل زكاة ماله فدفعها فتلف ماله قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وإن تلف المال لم يرجع على الآخذ]. إذا تلف المال لم يرجع على الآخذ يعني: لو عجل زكاة سنتين، ثم قبل تمام الحول تلف هذا المال فلا يرجع إلى من أعطاه الزكاة ويقول: أعطيتك زكاة سنتين لكن المال تلف، رد علي الزكاة، لا يردها عليه؛ لأنه دفعها واستقرت، فإذا تلف المال لا يرجع على الآخذ الذي أخذ الزكاة. وإذا دفع الزكاة في رجب ثم جاء رمضان فإنه يكتفي بالصدقة بما تيسر. وإذا عجل بالزكاة ثم زاد المال زيادة كبيرة فكانت الزكاة الجديدة أكثر من الأولى فلا يزكي؛ لأنه ما تم عليها الحول، والزيادة التي تم عليها الحول يزكيها.

حكم نقل الزكاة إلى بلد تقصر إليه الصلاة

حكم نقل الزكاة إلى بلد تقصر إليه الصلاة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولا تنقل الصدقة إلى بلد تقصر إليه الصلاة، إلا ألا يجد من يأخذها في بلدها]. الزكاة تدفع في بلد المال، ولا ينقلها إلى بلد تقصر فيه الصلاة، ومسافة القصر ثمانون كيلو، وهي مسافة يومين للإبل المحملة، فيخرجها في بلد المال، إلا إذا لم يجد في هذا البلد فقراء، فإنه ينتقل بها إلى أقرب بلد، والحجة في هذا حديث معاذ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فأعلمهم أن الله افترض عليه صدقة تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم) قالوا: هذا خطاب لأهل البلد، وقال آخرون: إنه يجوز، وقالوا: إن هذا الحديث المراد به عموم المسلمين (تؤخذ من أغنيائهم) يعني: من أغنياء المسلمين، فترد على فقرائهم، لكن في حديث معاذ يخاطب فيه أهل اليمن؛ فدل على أنها لا تنقل من البلد، وذهب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله إلى جواز نقلها للمصلحة، كأن يكون هناك فقراء أشد حاجة، أو يكون هناك أقارب فلا بأس للمصلحة الراجحة، فالأولى ألا تنقل إلا لمصلحة راجحة كأن يكون في البلد الآخر فقراء أشد حاجة أو كانوا أقارب، فكونه يدفع الزكاة لأقاربه أولى من غيرهم.

من يجوز دفع الزكاة إليهم؟

من يجوز دفع الزكاة إليهم؟ قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب من يجوز دفع الزكاة إليه؟]. الثمانية الأصناف نص الله عليهم في القرآن الكريم قال تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ} [التوبة:60]. وهم: الفقراء، والمساكين، والعاملون عليها، والمؤلفة قلوبهم، وفي الرقاب، والغارمين، وفي سبيل الله، وابن السبيل، والله تعالى قسمها بنفسه ولم يكلها إلى أحد، قال العلماء: فلا يجوز دفعها إلى غير هؤلاء الأصناف الثمانية، فلا تصرف إلى المساجد، ولا إلى المشاريع الخيرية، ولا إلى المدارس؛ لأن الله نص عليها في القرآن الكريم، ولم يكلها إلى غيره، ولم يكلها إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولا إلى أحد، بل قسمها بنفسه سبحانه وتعالى، فلا تصرف إلى غيرهم، وقد جاء في الحديث أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله الزكاة فقال: (إن الله لم يرض فيها بحكم نبي حتى قسمها بنفسه، جزأها ثمانية أجزاء، فإن كنت منهم أعطيت) أو كما قال النبي صلى الله عليه وسلم. وعلى هذا: فلا تدفع إلى غير هؤلاء الأصناف الثمانية، فلا تدفع للمساجد، ولا تدفع إلى بناء المدارس ولا الجسور، ولا الحمامات، ولا المشاريع الخيرية، وإنما الزكاة تخصص لهؤلاء الأصناف الثمانية، والمشاريع الخيرية تكون من صدقة التطوع. أما قوله تعالى: (وفي سبيل الله) فهم المجاهدون وفي الجهاد على الصحيح، وقال بعض أهل العلم: (في سبيل الله) يعني: في سبل الخيرات، لكن هذا ضعيف؛ لأنه إذا قيل إن معنى (سبيل الله) عام في سبل الخيرات فمعناه: فرض الزكاة غير منحصر في هؤلاء الأصناف الثمانية، والله تعالى قد حصرها.

الفقراء

الفقراء قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وهم ثمانية: الأول: للفقراء، وهم الذين لا يجدون ما يقع موقعاً من كفايتهم بكسب ولا غيره]. والفقير: هو الذي لا يجد ما يكفيه لمدة سنة، نفقة وكسوة وسكنى، فيعطى ما يكفيه لمدة سنة من النفقة والكسوة والسكنى؛ لأن الزكاة من الحول إلى الحول، فيعطى ما يكفيه لمدة سنة؛ لأنه ليس عنده شيء يكفيه، وليس عنده مال ولا راتب، ولا مورد من إيجار، وغيره، وليس له أحد ينفق عليه، أما إذا كان له مرتب شهري يكفيه فلا يعطى، وإن كان مرتبه قليلاً لا يكفي فيعطى ما يكمل كفايته، وكذلك إذا كان عنده أجور تكفيه لا يعطى، وكذلك إذا كان هناك من ينفق عليه، كأن يكون فقيراً لكن له والد ينفق عليه، أو ولد ينفق عليه، أو أخ ينفق عليه؛ لأنه عنده في البيت، فلا يعطى، لا بد أن يكون ليس له مورداً ولا من ينفق عليه.

المساكين

المساكين قال المؤلف رحمه الله تعالى: [الثاني: المساكين وهم الذين يجدون ذلك ولا يجدون تمام الكفاية]. والمساكين أحسن حالاً من الفقراء؛ لأن الله تعالى قدم الفقراء، والفقير: هو الذي لا يجد شيئاً، أو يجد أقل من نصف الكفاية، والمراد بالكفاية مدة سنة، والمسكين: هو الذي يجد نصف الكفاية إلا أنه لا يجد تمام الكفاية، يعني: المسكين عنده ما يكفيه لمدة نصف سنة، أو ثلثي السنة أو ثلاثة أرباع السنة، فهذا يسمى مسكيناً، فيعطى ما يكمل كفايته لمدة سنة، والفقير ما عنده شيء بالمرة، أو عنده أقل من النصف، هذا هو الأرجح، وقيل: المسكين أشد حاجة، والصواب أن الفقير أشد حاجة؛ لأن الله بدأ به، وإذا أطلق الفقير وحده دخل فيه المسكين، وإذا أطلق المسكين وحده دخل فيه الفقير، مثل الحديث: (ليس المسكين بالطواف الذي ترده اللقمة واللقمتان، وإنما المسكين الذي لا يجد غنىً يغنيه، ولا يقوم فيسأل الناس، ولا يفطن له فيتصدق عليه) فهذا يدخل فيه الفقير، وإذا اجتمعا صار الفقير أشد حاجة، وهو الذي لا يجد شيئاً بالمرة أو يجد أقل من النصف، والمسكين يجد النصف فأكثر إلا أنه لا يجد تمام الكفاية، فالمسكين تتمم له كفايته، وكذلك الفقير.

العاملون عليها

العاملون عليها قال المؤلف رحمه الله تعالى: [الثالث: العاملون عليها، وهم السعاة عليها، ومن يحتاج إليه فيها]. وهم السعاة والجباة، فيقبضون الزكاة ويجبونها ويكتبونها، ويحسبون ويدققون، فهؤلاء يعطون مقدار عمالتهم من قبل ولي الأمر، وليس المراد بالعامل ما يظنه بعض الناس أن يوكل شخص تدفع إليه الزكاة ثم يعطى مقابل عمله، لا، هذا ما يعطى وليس من العاملين، إذا وكلت واحداً يدفع الزكاة إلى شخص، إما أن يتبرع وإلا فلا تعطيه من الزكاة، فليس هو من العاملين، فالعاملون: هم الذين وظفهم ولاة الأمور يجبون الزكاة من الناس، ويظبطونها ويحسبونها، فيعطون من الزكاة بقدر عمالاتهم، ولو كانوا أغنياء. وإذا كان العامل له راتب، وهذا عمله فيكتفي بمرتبه، إذا كان وظف في هذا.

المؤلفة قلوبهم

المؤلفة قلوبهم قال المؤلف رحمه الله تعالى: [الرابع: المؤلفة قلوبهم. وهم السادة المطاعون في عشائرهم الذين يرجى بعطيتهم دفع شرهم، أو قوة إيمانهم، أو دفعهم عن المسلمين، أو إعانتهم على أخذ الزكاة ممن يمتنع من دفعها]. هؤلاء هم المؤلفة قلوبهم، وهم قسمان: كفار ومؤمنون، فالكفار كأن يكون هناك رؤساء كفار يخشى شرهم على المسلمين، فيعطون من الزكاة حتى يندفع شرهم عن المسلمين. القسم الثاني: مؤمن ضعيف الإيمان، فيعطى حتى يتقوى إيمانه، أو يعطى حتى يسلم نظيره، أو يكون رئيس قبيلة فنعطيه من الزكاة حتى يسلم رئيس القبيلة الآخر، وإذا علم أنه سيعطى ربما أسلم، أو لأنه يطوع أفراد القبيلة فيدفعون الزكاة، فنعطيه؛ لأنه يأخذ الزكاة من أفراد قبيلته، وكل هؤلاء يعطون من الزكاة، فالكافر إذا كان يخشى شره على المسمين فيعطى لدفع شره، والمؤمن إذا كان ضعيف الإيمان فيعطى ليتقوى إيمانه، أو ليسلم نظيره، أو لكونه يطوع أفراد القبيلة ويأخذ الزكاة منهم، فكل هذا داخل في المؤلفة قلوبهم، فالمؤلفة قلوبهم: هم السادة المطاعون في عشائرهم، فبمجرد ما يأمرهم يدفعون له، وهذا معروف في القبائل، فالسادة المطاعون في عشائرهم وقبائلهم يعطون من أجل تقوية إيمانهم أو إسلام نظائرهم أو تطويع أفراد القبيلة.

الرقاب

الرقاب قال المؤلف رحمه الله تعالى: [الخامس: الرقاب، وهم المكاتبون وإعتاق الرقيق]. الرقاب: وهم المكاتبون أي: العبد الذي اشترى نفسه من سيده، كأن يشتري العبد نفسه من سيده مثلاً بمائة ألف ريال، كل سنة يدفع عشرة آلاف، فهذا يعطى من الزكاة ما يسدد به الدين، وكذلك أيضاً يشترى من الزكاة عبيد ويعتقون، وكذلك يفك الأسير، إذا كان هناك أسير عند الكفار من المسلمين فيشترى منهم الأسير ويفك أسره من الزكاة، كله داخل في قوله: (وفي الرقاب).

الغارمون

الغارمون قال المؤلف رحمه الله تعالى: [السادس: الغارمون وهم المدينون لإصلاح نفوسهم في مباح، أو لإصلاح بين طائفتين من المسلمين]. الغارمون صنفان: الصنف الأول: غارم لنفسه. والصنف الثاني: غارم لغيره، فالغارم لنفسه: هو الذي عليه ديون من أجل النفقة على أهله وأولاده، أو يستدين لاستئجار بيت يسكنه، فهذا غارم، فيعطى ما يسدد دينه، كأن استأجر بيتاً مثلاً بعشرة آلاف، أو بعشرين ألفاً، وما عنده شيء، فنعطيه من الزكاة ما يسدد به إيجار البيت، أو غارم لأنه يشتري نفقة لأهله وأولاده، كأن يكون مرتبه لا يكفي أو ليس له مرتب، فيشتري نفقة لأولاده من كسوة وطعام، فنعطيه ما يسدد به دينه. والثاني غارم لغيره: وهو الذي يصلح بين الناس، فإذا وجد أناساً متخاصمين أصلح بينهم وقال: أنا أتحمل، أنت يا فلان عندي لك عشرة آلاف، وأنت يا فلان عندي لك عشرة آلاف، وأصلح بينهم، فيعطيه من الزكاة ما يسدد به هذا الدين، ولو كان غنياً تقديراً لهذا العمل النبيل، حتى لا يتعطل هذا المنفق، أو يصلح بين قبيلتين رأى أنه حصل بينهم شر فتحمل في ذمته ديوناً، يعطي هؤلاء وهؤلاء، ليرضيهم حتى يصلحوا، فنعطيه من الزكاة ما يسدد به هذا الدين ولو كان غنياً؛ تقديراً لهذا العمل النبيل، قال تعالى: {لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء:114].

في سبيل الله

في سبيل الله قال المؤلف رحمه الله تعالى: [السابع: في سبيل الله. وهم الغزاة الذين لا ديوان لهم]. الغزاة المجاهدون في سبيل الله الذين ليس لهم مرتب، فيعطون من الزكاة ما يجهزهم، وينفقون على أسرهم، وأيضاً يشترى به سلاح لقتال الكفار، أما إذا كان لهم مرتب فيكتفى بمرتبهم، إذا كان عاملاً له مرتب من بيت المال، أو غازياً له مرتب فيكتفي بمرتبه، لكن إذا لم يكن له مرتب فيعطى من الزكاة ما يجهز نفسه ذهاباً وإياباً، وينفق على أسرته ويشتري سلاحاً وعتاداً، وما بقي يرده، لأنه إنما أعطي تجهيزاً له، لا يعطى إلا بمقدار حاجته، وكذلك أيضاً العامل، يعطى بقدر عمالته، وما زاد يرده.

ابن السبيل

ابن السبيل قال المؤلف رحمه الله تعالى: [الثامن: ابن السبيل. وهو المسافر المنقطع به وإن كان ذا يسار في بلده]. وهو المسافر، والسبيل: الطريق، وسمي ابن السبيل لملازمته، فلو أن إنساناً سافر من بلده وانتهت النفقة، أو ضاعت، فيعطى من الزكاة ما يوصله إلى بلده، فيعطى ولو كان غنياً في بلده؛ لأنه الآن فقير ما بيده شيء، فنعطيه ما يوصله إلى بلده، واليوم قد وجدت أشياء تعين المنقطعين، فإذا كان غنياً يستطيع أنه يصرف في بعض البنوك، فقد وجدت أسباب بحيث إن كثيراً من المسافرين لا ينقطعون الآن إذا كان غنياً وله رصيد في البنك، فيستطيع أن يسحب من أي مكان، لكن في الأزمنة السابقة ما كان يوجد شيء من هذا، فكان الإنسان إذا سافر وانتهت نفقته صار فقيراً، فيعطى من الزكاة ما يوصله إلى بلده، ولو كان غنياً.

جواز دفع الزكاة إلى أحد الأصناف

جواز دفع الزكاة إلى أحد الأصناف قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فهؤلاء هم أهل الزكاة، لا يجوز دفعها إلى غيرهم، ويجوز دفعها إلى واحد منهم]. لا يجوز دفعها إلى غير هؤلاء الثمانية الأصناف، ويجوز دفعها إلى واحد منهم، لا يشترط أن يقسمها بين الثمانية، فإذا دفع زكاته إلى الفقراء كفى، أو دفعها إلى الغزاة كفى، أو دفعها إلى ابن السبيل كفى. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويجوز دفعها إلى واحد منهم؛ لأنه صلى الله عليه وسلم أمر بني زريق بدفع صدقتهم إلى سلمة بن صخر وقال: لـ قبيصة: (أقم يا قبيصة حتى تأتينا الصدقة، فنأمر لك بها)]. أمر النبي صلى الله عليه وسلم بني زريق أن يدفعوا الزكاة لـ سلمة بن صخر وهو واحد، وقال: (أقم يا قبيصة حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها)، وهو واحد، فدل ذلك على جواز دفعها لصنف واحد، ولا يشترط تعميم الأصناف الثمانية.

إعطاء كل صنف من الثمانية قدر كفايته

إعطاء كل صنف من الثمانية قدر كفايته قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويدفع إلى الفقير والمسكين ما تتم به كفايته]. الفقير يعطى ما يكفيه لمدة سنة من نفقة وكسوة وسكنى، والمسكين يعطى ما يكمل النفقة لمدة سنة؛ لأن الزكاة من الحول إلى الحول، فيعطى ما يكفيه حولاً كاملاً. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وإلى العامل قدر عمالته، وإلى المؤلف ما يحصل به تأليفه]. العامل يعطى بقدر أعماله ولا يزاد؛ لأنها أجرة مقابل العمل، والمؤلفة قلوبهم يعطون ما يحصل به التأليف ولا يزاد، فإذا كان يتألف بمائة ألف فيعطيه مائة ألف، ولا يعطيه مائتي ألف. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وإلى المكاتب والغارم ما يقضي به دينه]. كذلك المكاتب إذا كان اشترى نفسه بمائة ألف ريال وبقي عليه خمسون ألفاً نعطيه خمسين ألفاً ولا نزيد، وكذلك الغارم، إذا كان تحمل في ذمته مائة ألف ريال، فنعطيه مائة ألف ولا نزيد، فلا نعطيه إلا مقابل ما يسدد به دينه. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وإلى الغازي ما يحتاج إليه لغزوه]. كذلك الغازي إذا كان يجهزه خمسون ألفاً أعطيناه كفايته ولا نزيد، وابن السبيل كذلك، إذا كان يوصله إلى بلده مثلاً: ألف، ألفان، خمسة آلاف، فنعطيه بمقدار ما يوصله ولا نزيد.

الأصناف الذين يعطون عند الحاجة

الأصناف الذين يعطون عند الحاجة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وإلى ابن السبيل ما يوصله إلى بلده، ولا يزاد واحد منهم على ذلك، وخمسة منهم لا يأخذون إلا مع الحاجة، وهم الفقير، والمسكين، والمكاتب، والغارم لنفسه، وابن السبيل]. هؤلاء لا يعطون إلا بمقدار حاجتهم، الفقير مقدار حاجته حتى تندفع عنه، والمسكين والمكاتب بمقدار ما يسدد دينه والمؤلفة قلوبهم.

الأصناف الذين يجوز دفع الزكاة إليهم مع الغنى

الأصناف الذين يجوز دفع الزكاة إليهم مع الغنى قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وأربعة يجوز الدفع إليهم مع الغنى، وهم: العامل والمؤلف والغازي والغارم لإصلاح ذات البين]. يعني: هؤلاء يعطون ولو مع الغنى بقدر الحاجة، الغازي إذا لم يكن له مرتب، فيعطى ما يجهزه، فإن جعل له مرتب من أجل الغزو فلا، وإن لم يكن له مرتب فيعطى ما يجهزه، ولو كان غنياً، كذلك المؤلفة قلوبهم يعطون ما يكون به تأليف قلوبهم، ولو كانوا أغنياء، وكذلك العامل ولو كان غنياً يعطى بقدر عمالته. والرابع: الغارم لإصلاح ذات البين، الذي يتحمل في ذمته ديوناً للإصلاح بين الناس، فهذا يعطى ولو كان غنياً، فيعطى ما يسدد دينه تشجيعاً له، وتقديراً لهذا العمل النبيل، ولا يقال: أنت غني ادفع من مالك! لا، نعطيه حتى لا ينقطع هذا؛ لأنه لو قيل له: ادفع من مالك يمكن يتأخر عن الإصلاح بين الناس، فيعطى من الزكاة ما يسدد الدين ولو كان غنياً. وأما بالنسبة للفقير فلا يعطى زيادة على نفقة سنة، فهذا لا يجوز إذا أعطاه شخص مائة ألف ريال، وأعطاه آخر مائة ألف ريال يردها ويقول: أنا أعطاني شخص ما يكفيني مدة سنة. وإذا اجتمعت فيه أكثر من صفة كأن يكون مكاتباً وفقيراً فيعطى بالوصفين، يعطى ما يكفيه لمدة سنة لفقره، ويعطى ما يسدد به دين الكتابة، لكن الغالب أن المكاتب يكون عنده عمل.

من لا يجوز دفع الزكاة إليه؟

من لا يجوز دفع الزكاة إليه؟

الغني والقوي المكتسب

الغني والقوي المكتسب قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب من لا يجوز دفع الزكاة إليه. لا تحل الصدقة لغني، ولا لقوي مكتسب]. الغني: هو الذي عنده ما يكفيه لمدة سنة أو غني بمن ينفق عليه، فهذا لا يعطى، وكذلك إذا لم يكن غنياً لكنه قوي يكتسب كل يوم ما يكفيه، فهذا لا يعطى؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما جاءه رجلان يسألانه الزكاة أعاد النظر فيهما فرآهما جلدين، يعني: قويين نشيطين يقدران على العمل، فقال: (إن شئتما أعطيتكما، ولا حض فيها لغني ولا لقوي مكتسب) فالغني الذي عنده ما يكفيه ولو كان مقعداً، إذا كان له مال أو عنده مرتب أو له إيجار لا يعطى، بعض الناس إذا رأى المقعد يعطيه ويقول: هذا مقعد مسكين! إذا لم يكن له مورد فلا بأس، أما إذا كان له مورد فلا، وبعض المقعدين لهم موارد كثيرة، عندهم بيوت وعقارات فلابد أن يسأل عن حاله، فإذا كان له مورد فلا يعطى ولو كان مقعداً. الثاني: الذي ما عنده شيء، لكنه قوي مكتسب يجد عملاً يكفيه، فلا يعطى، أما إذا كان قوياً مكتسباً، وما وجد عملاً، فهذا ليس لديه حيلة، فيعطى.

آل النبي صلى الله عليه وسلم ومواليهم

آل النبي صلى الله عليه وسلم ومواليهم قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولا تحل لآل محمد صلى الله عليه وسلم وهم بنو هاشم ومواليهم]. بنو هاشم ومواليهم، وقيل: بنو هاشم وبنو المطلب؛ لقول النبي صلى الله عليه عليه وسلم: (لا تحل الصدقة لمحمد ولا لآل محمد)؛ لأن بني المطلب لم يفارقوا بني هاشم في جاهلية ولا إسلام، والحكمة في ذلك أنها أوساخ الناس، قال صلى الله عليه وسلم: (الصدقة لا تحل لمحمد ولا لآل محمد) وفي اللفظ الآخر: (إنها أوساخ الناس) لكن الله عوضهم بالخمس من الغنيمة تكرمة للنبي صلى الله عليه وسلم وآله. وأما حديث أنه تصدق على بريرة فأخذته، فهي جاز لها أخذ الصدقة؛ لأنها مولاة لـ عائشة، وعائشة ليست من بني هاشم. فـ بريرة أعتقتها عائشة فصارت مولاة لها.

الوالدان والأولاد

الوالدان والأولاد قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولا يجوز دفعها إلى الوالدين وإن علوا ولا إلى الولد وإن سفل]. لا يجوز أن يدفع الإنسان الزكاة إلى أصوله ولا إلى فروعه، فأصوله: الأب والجد، وجد الجد إلى آدم عليه السلام، وكذلك الأم والجدة وجدة الجدة إلى حواء عليها السلام، وكذلك الفروع لا تدفع لهم الزكاة، وهم الأبناء وأبناء الأبناء والبنات، وأولاد الأبناء، وأولاد البنات، إلى ما لا نهاية إلى يوم القيامة، فلا تعطي الزكاة أحداً من فروعك ولا أصولك، ويجوز إعطاء الزكاة الحواشي، وهم الإخوة والأخوات، والأعمام والعمات، إذا كان لك أخ أو أخت ولا تنفق عليه؛ لأنه ليس عندك في البيت، فتعطيه من الزكاة إذا كان محتاجاً ما يكفيه لمدة سنة، وهم أولى من غيرهم، والصدقة على القريب صدقة وصلة، والصدقة على البعيد صدقة. أما إذا كان الأخ عندك في البيت وتنفق عليه، فلا تعطيه، لابد أن يكون في بيت آخر وله أولاد وهو فقير، أو أخت كذلك أو عم أو عمة أو خال أو خالة، كل هؤلاء أولى من غيرهم إذا كانوا محتاجين، أما إذا سدد الله أحوالهم فلا تعطيهم، وإنما تعطيهم من صدقة التطوع، والزكاة تدفعها في أهلها، لكن إذا كانوا محتاجين فقراء يلحقهم نقص في النفقة أو الكسوة أو السكنى فتعطيهم، فهم أولى من غيرهم. وإذا كانوا مديونين فإن الشيخ محمد بن عثيمين يفتي بأنه لا بأس أن تدفع الزكاة له فيقضى بها دين الوالد.

من تلزمه مؤنته

من تلزمه مؤنته قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولا يجوز دفعها إلى الوالدين وإن علوا، ولا إلى الولد وإن سفل، ولا من تلزمه مئونته]. كذلك من تلزمه مئونته، إذا كان عندك أخ في البيت، فتلزمك مئونته، أو عامل أو خادم تنفق عليه، فلا تعطيه من الزكاة، أما إذا كان في بيت لوحده، ولا تلزمك مئونته، فلا بأس، وهو محجوب عنك بأولاد أولى من غيره.

الكافر

الكافر قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولا إلى الكافر]. لا يصح دفع الزكاة إلى الكافر، وإنما تدفع للمسلم، فمن شرط من تدفع إليه الزكاة: أن يكون مسلماً. والمبتدع إذا كانت بدعته لا توصله إلى الكفر فيجوز، والعاصي المسلم تدفع له الزكاة، إلا إذا كان ينفقها في شراء محرم إذا كان يشتري الدخان أو الخمر فهذا لا يعطى من الزكاة، ويقال: وكل وكيلاً، وتعطى الوكيل لينفقها عليه، ويشتري النفقة بنفسه، وإذا كان لا يحسن التصرف أو يضيعها فلا نعطيه إياها، لكن نطلب منه أن يوكل وكيلاً، ثم نعطيها الوكيل ليشتري له وينظر في حوائجه. وهنا مسألة: بعض الناس يعطي الزكاة للعمال الذين يشتغلون عنده وهذا لا يجوز؛ لأنه يعود نفعها إليك، ولأنك إذا أعطيتهم من الزكاة نفعت نفسك فصاروا يشتغلون ويحسنون العمل ويتقنونه من أجل الزكاة التي تعطيهم، أو يبقون عندك فلا يذهبون إلى غيرك، والزكاة لا يجلب بها الإنسان إلى نفسه نفعاً، ولا يدفع بها عن نفسه مذمة.

جواز دفع صدقة التطوع مطلقا دون قيد

جواز دفع صدقة التطوع مطلقاً دون قيد قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فأما صدقة التطوع، فيجوز دفعها إلى هؤلاء وإلى غيرهم]. صدقة التطوع بابها واسع، فتدفع إلى أهل الزكاة وإلى غيرهم ولو كان غنياً.

اشتراط النية في دفع الزكاة

اشتراط النية في دفع الزكاة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولا يجوز دفع الزكاة إلا بنية، إلا أن يأخذها الإمام قهراً]. لا يجوز دفع الزكاة إلا بنية؛ لأنها عبادة، والعبادة لا بد لها من نية، بخلاف قضاء الدين، لو صار شخص يطلبك دراهم، ثم جاء إنسان فقضى دينك وأنت لا تعلم لأجزأ ذلك؛ لأنه ليست عبادة، ومثله غسل النجاسة لا يحتاج إلى نية، كأن نزل المطر على الثوب وغسله طهر، أما الزكاة فلابد أن تنوي، لو دفع الزكاة عنك شخص وأنت لم تعلم ما برئت الذمة، لا بد أن توكله حتى تنوي، وإذا أخذها الإمام قهراً برئت الذمة، ولو طلبها ولي الأمر وأخذها من شخص برئت.

حكم دفع الزكاة إلى غير مستحقيها

حكم دفع الزكاة إلى غير مستحقيها قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وإذا دفع الزكاة إلى غير مستحقها لم يجزه إلا الغني إذا ظنه فقيراً]. إذا دفع الزكاة إلى غير مستحقيها فلا يجزئ، كأن دفعها مثلاً إلى شخص يظن أنه من الغزاة في سبيل الله، ثم تبين أنه ليس بغاز، أو دفعها إلى المؤلف، ثم تبين أنه ليس مؤلفاً، فلا تجزئ، إلا إذا دفعها إلى الغني يغلب على ظنه أنه فقير، ثم تبين له أنه غني فتجزئ؛ لما جاء في الحديث الصحيح (أن رجلاً قال: لأتصدقن الليلة بصدقة فتصدق على غني، فأصبح الناس يتحدثون: تصدق الليلة على غني! فقال: الحمد لله على غني، لأتصدقن الليلة، ثم تصدق فوضعها في يد زانية! فجعل الناس يتحدثون: تصدق الليلة على زانية، فقال: الحمد لله على زانية، لأتصدقن الليلة، ثم تصدق ووضعها في يد سارق! فجعل الناس يتحدثون قالوا: تصدق الليلة على سارق، فقال: الحمد لله على غني وزانية وسارق، ثم أوتي فقيل له: أما صدقتك فقد تقبلت، أما الغني فلعله يستعفف -لعله يتذكر فينفق مما أعطاه الله-، وأما السارق فلعله يتوب من سرقته، وأما الزانية فلعلها تستعفف، وتتوب من زناها) فدل هذا على أنه إذا دفعها إلى الغني وهو يظنه فقيراً أنها تبرأ ذمته، لكن لا بد أن يغلب على ظنه.

كتاب الصيام [1]

شرح عمدة الفقه_كتاب الصيام [1] لقد فرض الله على هذه الأمة صيام شهر رمضان بكيفية مخصوصة ووقت مخصوص بين جميعها النبي صلى الله عليه وسلم في السنة، وقد خفف الله عن المريض والمسافر والحامل والمرضع فلهم أن يفطروا ويقضوا في أيام أخر.

أحكام الصيام

أحكام الصيام

تعريف الصيام لغة وشرعا

تعريف الصيام لغة وشرعاً قال المؤلف رحمه الله تعالى: [كتاب الصيام. يجب صيام رمضان على كل مسلم بالغ عاقل قادر على الصوم]. الصيام في اللغة: الإمساك، ومنه يقال للساكت: صائم، فالساكت صائم في اللغة، قال الله تعالى عن مريم: {إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا} [مريم:26]، يعني: سكوتاً، وأخبر الله تعالى أنه أنطق عيسى لما ولدت وقالت: {يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا} [مريم:23] قال لها: إذا لقيتي أحداً قولي: {إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا} [مريم:26]. فلم تكلمهم إلا بالإشارة، فالصوم في اللغة: السكوت، ومنه يقال للساكت: صائم، وقال ابن قتيبة: يقال للساكت عن الكلام وعن السير صائم. ويقال للخيل الساكتة عن الأكل أو عن الصهيل صائمة؛ ولهذا يقول الشاعر: خيل صيام وخيل غير صائمة تحت العجاج وأخرى تعلك اللجم (خيل صيام) يعني: ساكتة عن الصهيل أو عن العلف، (وخيل غير صائمة) يعني: لها صهيل وتأكل العلف، فإذاً: المادة تدور على السكوت، ويقال للنهار: صائم إذا وقف عن الظل، فالمادة تدور على الوقوف والسكوت في اللغة. شرعاً: الإمساك بنية عن أشياء مخصوصة، في زمن مخصوص، من شخص مخصوص. فمثلاً: الإمساك عن الأكل والشرب والمفطرات لابد له من نية، وإذا كان بدون نية فلا يسمى صياماً شرعاً. عن أشياء مخصوصة: وهي الأكل، والشرب، والجماع والمفطرات. في زمن مخصوص: من طلوع الفجر إلى غروب الشمس. من شخص مخصوص: وهو المسلم البالغ العاقل، الذي ليس به مانع من الصوم، وتخرج به الحائض والنفساء، فهذا هو الصيام شرعاً، إمساك بنية، عن أشياء مخصوصة، في زمن مخصوص، من شخص مخصوص.

شروط وجوب الصوم

شروط وجوب الصوم قال المؤلف رحمه الله تعالى: [يجب صيام رمضان، على كل مسلم بالغ عاقل قادر على الصوم]. فهذه شروط وجوب الصوم: الشرط الأول: أن يكون مسلماً، فالكافر لا يجب عليه الصوم، بمعنى: أنه لا يصح منه الصوم لو صام حتى يدخل في الإسلام؛ لأن الصيام لا يدخل إلا بعد الإيمان، فلو صام الكافر ما صح صومه، وليس معنى ذلك أنه لا يحاسب ولا يعاقب على الصوم، لا، بل يعذب يوم القيامة على ترك الصوم والصلاة، وعلى ترك الإسلام، لكن المعنى: أنه لو صام في حال كفره لم يصح صومه حتى يدخل في الإسلام. الشرط الثاني: أن يكون بالغاً، فالصبي لا يجب عليه صوم رمضان، لكن لو صام وهو صغير صح صومه، ويؤمر به، يأمره به وليه إذا كان يطيقه حتى يتمرن عليه، وقد كان السلف رضوان الله عليهم يصومون أولادهم في الصغر إذا كانوا يطيقون، ويعطونهم لعبة يتلهون بها من العهن إذا جاعوا حتى يأتي وقت الإفطار. الشرط الثالث: أن يكون عاقلاً، فالمجنون، وفاقد العقل، لا يجب عليه الصوم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (رفع القلم عن ثلاثة: عن الصغير حتى يبلغ، وعن المجنون حتى يفيق، وعن النائم حتى يستيقظ). الشرط الرابع: أن يكون قادراً، لا بد أن يكون قادراً على الصوم، فإن كان عاجزاً كالمريض فلا يجب عليه الصوم، فالمريض يفطر ويقضي أياماً أخر؛ لقول الله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة:184]. فيجب الصوم على كل مسلم بالغ عاقل قادر على الصوم، ولو أضاف المقيم في الشرط الخامس لكان حسناً فالمسافر لا يجب عليه الصوم في حال السفر، لكنه يقضي، ولو صام أجزأه إذا كان لم يشق عليه، فإن شق عليه فهو مكروه في حقه. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويؤمر به الصبي إذا أطاقه]. يؤمر به حتى يتمرن، فقد كان السلف يأمرون به صبيانهم كما أنهم أمروا بالصلاة: (مروا أولادكم بالصلاة لسبع) للتمرين، فكذلك يؤمر بالصوم إذا كان يطيقه للتمرين والتدريب. وفي الصلاة يضرب عليها الصبي إذا بلغ عشراً، أما الصوم فإنه يؤمر به من باب التمرين ولا يضرب عليه ولا أذكر شيئاً يدل على الضرب، لكن مثلما قال أحد السلف: كانوا يضربوننا على الشهادة والعهد ونحن صغار من باب التمرين، فهذا يرجع إلى الولي والنظر في حال الولي، إذا كان قوياً ونشيطاً. وأما قوله في الشرح: ويضرب عليه ليعتاده فهو أخذه من قوله: (مروا أولادكم بالصلاة لسبع) ومن قول بعض السلف: كانوا يضربوننا على الشهادة والعهد ونحن صغار. فإذا شهد زوراً يضرب وهو صغير حتى لا يتعود الكذب، وإذا حلف كذلك، وهذا قد يقال: إنه إذا كان قوياً ونشيطاً.

ما يجب به صيام رمضان

ما يجب به صيام رمضان قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويجب بأحد ثلاثة أشياء: كمال شعبان، ورؤية هلال رمضان، ووجود غيم أو قتر ليلة الثلاثين يحول دونه]. هذه الأشياء الثلاثة يحب صوم رمضان بواحد منها، الأمر الأول: إكمال شعبان ثلاثين يوماً، فإذا كمل شعبان ثلاثين يوماً فيجب الصوم ولو لم ير هلال رمضان. الأمر الثاني: إذا رؤي هلال رمضان يجب الصوم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (صوموا لرؤيته، وأفطروا لرأيته). الأمر الثالث: إذا حال دون رؤية الهلال، ليلة الثلاثين من شعبان غيم، فإن الناس يصبحون صياماً فإذا كانت ليلة الثلاثين من شعبان صحواً ولم ير الهلال فلا يصام، وإن كان غيماً أو قتراً فإنه يصام؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم فاقدروا له)، ومعنى (فاقدروا له) أي: ضيقوا الشهر فاجعلوه تسعاً وعشرين؛ كما قال تعالى: {وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ} [الطلاق:7]، أي: ضيق عليه رزقه، كان ابن عمر رضي الله عنهما يأمر من ينظر إلى الهلال ليلة الثلاثين من شعبان فإن كان صحواً ولم ير أصبح مفطراً، وإن حال دونه غيم أو قتر أصبح صائماً، فهذا هو المذهب. القول الثاني: وهو رواية عن الإمام أحمد، أنه لا يصام ليلة الثلاثين من شعبان إذا حال دونه غيم أو قتر، وهذا هو الصواب، وأما قول النبي صلى الله عليه وسلم: (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته) وفي اللفظ الآخر: (فاقدروا له) يعني: احسبوا له، ويؤيده الرواية الأخرى: (فإن غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يوماً)، والروايات يفسر بعضها بعضاً، وهذا هو الصواب والذي عليه العمل. وروي عن الإمام أحمد رواية ثالثة، وهي: أنه إن صام الإمام صام الناس، وإن لم يصم الإمام لم يصم الناس، فالناس تبع لإمامهم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الصوم يوم تصومون، والأضحى يوم تضحون). والصواب القول الثاني، أنه لا يصام إلا بأحد أمرين: إما إكمال شعبان ثلاثين يوماً أو رؤية هلال رمضان، وأما إذا لم ير وحال دونه غيم أو قتر، فالقول أنه لا يصام، وهذه مسألة اشتد النزاع فيها، وهي مسألة طويلة أطال فيها أئمة الدعوة، وقرأنا في الدرر السنية صفحات طويلة وكثيرة ألف فيها رسالة مستقلة، وهي من المسائل التي اشتد النزاع فيها، وأما اختيار المؤلف رحمه الله ثلاثة أشياء فهو قول مرجوح، والصواب أنه لا يصام إذا حال دون رؤية الهلال غيم أو قتر، وأما قوله: (فاقدروا له) يعني: فاحسبوا له، ويفسره الحديث الآخر: (فإن غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين) والنصوص يفسر بعضها بعضاً.

إذا رأى شخص الهلال لوحده

إذا رأى شخص الهلال لوحده قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وإذا رأى الهلال وحده صام، فإن كان عدلاً صام الناس بقوله]. إذا رأى الهلال وحده صام؛ لأنه لا عذر له، فلو رآه وحده فيصوم، وإن كان عدلاً صام الناس لرؤيته، وإن لم يكن عدلاً ولم تقبل شهادته لا يصوم الناس، لا تقبل إلا شهادة عدل، وقيل: لا يصوم ولو رآه وحده حتى يصوم الناس؛ لقوله: الصوم يوم تصومون. والدليل: (أنه تراءى الناس الهلال فأخبرت رسول الله أني رأيته؛ فصام وأمر الناس بالصيام). قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فإن كان عدلاً صام الناس بقوله، ولا يفطر إلا بشهادة عدلين، ولا يفطر إذا رآه وحده وإن صاموا بشهادة اثنين]. يعني: إذا رأى الهلال صام، لكن لا يفطر إلا بشهادة اثنين، فإذا أكمل ثلاثين يوماً لا يفطر، فيصوم ولو أكمل واحداً وثلاثين يوماً؛ لأنه إذا صام الناس بشهادة واحد فلا يفطروا إلا بشهادة عدلين أو بإكمال الشهر، أما إذا صاموا بشهادة اثنين فإنهم يفطرون إذا رأوا الهلال ويواصلون الشهر ثلاثين يوماً، ودخول رمضان يكفي فيه شهادة عدل، أما الخروج فلا بد فيه من شهادة اثنين، فإذا رأى الهلال وحده وردت شهادته، فإنه لا يفطر إلا مع الناس ولو زاد على الثلاثين يوماً. لما روى عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال (صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم فأكملوا ثلاثين فإن شهد شاهدان ذوا عدل فصوموا وأفطروا) رواه النسائي. فاشترط للفطر أن يشهد اثنان، أما الصيام فيكفيه واحد إذا كان عدلاً. وحديث ابن عمر: (تراءى الناس الهلال فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم أني رأيته؛ فصام وأمر الناس بالصيام) ولقصة الأعرابي أنه رأى الهلال فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (أتشهد أن لا إله إلا الله؟ قال: نعم، قال: أتشهد أني محمد رسول الله؟ قال: نعم، فقال النبي: أذن يا بلال بالناس ليصوموا غداً) فدل على أنه يكتفى بشهادة واحد لدخول الشهر، أما خروجه فلا بد من اثنين، وقوله صلى الله عليه وسلم: (فإن شهد شاهدان ذوا عدل فصوموا وأفطروا) لأنها شهادة يدخل بها في العبادة، فلم يقبل فيها الواحد كسائر الشهود.

الأمور التي يخرج بها شهر رمضان

الأمور التي يخرج بها شهر رمضان قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولا يفطر إذا رآه وحده، وإن صاموا بشهادة اثنين ثلاثين يوماً أفطروا، وإن كان بغيم]. إذا كان رأى الهلال اثنان، فإنهم إذا أكملوا الثلاثين يوماً أفطروا ولو لم يروا الهلال، فيفطرون بأحد أمرين: إما برؤية الهلال ليلة الثلاثين، فإن لم يروه وأكملوا ثلاثين يوماً أفطروا، هذا إذا شهد اثنان بدخول الشهر، أما إذا شهد واحد فقط، فإنهم لا يفطرون إلا بشهادة اثنين، أو الرؤية، وإن صاموا أكثر من ثلاثين يوماً. وأما شهادة النساء فالظاهر أن شهادة امرأتين بشهادة رجل، وهذا هو الأصل، إلا الشيء الذي يكون من خصائص النساء مثل الرضاع، ومثل البكارة والثيوبة فتقبل فيه شهادة امرأة واحدة؛ لأن هذا من خصائص النساء.

عدم الإفطار إلى رؤية هلال شوال أو شهادة عدلين

عدم الإفطار إلى رؤية هلال شوال أو شهادة عدلين قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وإن كان بغيم أو قول واحد لم يفطروا إلا أن يروه أو يكملوا العدة]. هذا ما ذهب إليه المصنف، أنهم يصومون إذا كان في ليلة الثلاثين غيم أو قتر، أو بقول واحد لم يفطروا حتى يكملوه أو يرو الهلال.

كيفية صيام الأسير

كيفية صيام الأسير قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وإذا اشتبهت الأشهر على الأسير تحرى وصام، فإن وافق الشهر أو ما بعده أجزأه وإن وافق قبله لم يجزه]. إذا كان أسيراً في بلاد الكفار، ولا يعرف الأشهر، فإنه يتحرى ويصوم، فإن تبين له بعد ذلك أنه صام في الشهر أو بعده صح، وإن تبين له أنه صام قبل دخول رمضان فإنه يعيد، أما إذا لم يتبين له كأن اشتبه عليه الأمر، وليس هناك أحد يخبره، وسأل الكفار ولم يخبروه، وقد لا يوثق بهم، ثم تحرى وصام، ثم بعد ذلك تبين له أن صيامه كان موافقاً للشهر أو بعده صح، وإن تبين له أنه صام قبل دخول الشهر فإنه يعيد؛ لأنه أدى العبادة قبل دخول وقتها. ولا يقاس الصيام على الصلاة، فالصلاة لا يعيدها، أما الصيام فإنه يقضي؛ لأن رمضان لا يتكرر.

أحكام المفطرين في رمضان

أحكام المفطرين في رمضان

المريض الذي يتضرر بالصيام

المريض الذي يتضرر بالصيام قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب أحكام المفطرين في رمضان. ويباح الفطر في رمضان لأربعة أقسام: أحدها: المريض الذي يتضرر به]. الأول: المريض الذي يباح له الفطر؛ لقوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ} [البقرة:184]. فالمريض له أحول، الحالة الأولى: أن يكون المرض خفيفاً، فهذا لا يفطر إذا كان المرض خفيفاً كوجع ضرس، أو صداع خفيف، فهذا لا يوجب الفطر، فليس له أن يفطر. الحالة الثانية: أن يكون مرضاً يشق عليه معه الصوم، ويتجشم التعب في الصوم، فهذا يجوز له الفطر، وإن صام أجزأه، فلو صام وتجشم المشقة صح صومه. الحالة الثالثة: أن يكون مرضاً يشق معه الصوم، ويزيد الصوم المرض، فهذا لا يجوز له الصوم، ويحرم عليه الصوم في هذه الحالة، فيجب عليه الفطر.

المسافر الذي له القصر

المسافر الذي له القصر قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والمسافر الذي له القصر]. كذلك المسافر الذي له القصر، وهي مسافة يومين للإبل المحملة، بدبيب الأحمال، ومشي الأقدم، وهي ما يقارب ثمانين كيلو، فإذا كانت هذه المسافة فله الفطر في رمضان، وله قصر الرباعية، وله أيضاً الجمع، وله المسح على الخفين ثلاثة أيام بلياليها، فيترخص برخص السفر، والمسافر له أحوال: الحالة الأولى: أن يكون السفر يشق معه الصوم، فهذا يكره في حقه الصوم، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ليس من البر الصيام في السفر)، وهذا لما رأى رجلاً ظلل عليه، وقد سقط من الصوم، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم في بعض الأسفار لما كان بعضهم صائم وبعضهم مفطر فسقط الصوام، وقام المفطرون فضربوا الأخبية، وسقطوا الركاب، وخدموا إخوانهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ذهب المفطرون اليوم بالأجر). الحالة الثانية: ألا يشق عليه الصوم، كأن يكون الجو بارداً، والسفر مريحاً، فهذا مخير بين الصيام وبين الفطر، واختلف العلماء في أيهم أفضل، فقال بعضهم: الفطر أفضل؛ لأن فيها أخذ برخصة الله، وقال آخرون: الصوم أفضل؛ لأنه أسرع له في براءة الذمة، وأنشط له إذا كان يصوم مع الناس، وقيل: على حد سواء، وذهب طائفة قليلة من أهل العلم إلى أنه لا يصح لو صام مطلقاً في الصوم، والصواب أنه يصح، وهذا قول ضعيف، واختلف العلماء في سفر المعصية هل له أن يفطر؟ أو ليس له أن يفطر، فالجمهور على أنه لا يفطر ولا يترخص، ولا يعان على المعصية. القول الثاني: وهو مذهب أبي حنيفة: أن له أن يفطر وعليه إثم المعصية، وهذا هو الأقرب، وإذا كان في الجهاد، فإنه يحرم عليه الصوم في وقت قتال العدو؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما سافر في فتح مكة ونزل منزلاً قال: (إنكم تصبحوا عدوكم والفطر أقوى لكم) ثم لما نزل منزلاً آخر عزم عليهم وقال: (افطروا)، ولما بلغه أن قوماً صاموا قال: (أولئك العصاة! أولئك العصاة!). قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فالفطر لهما أفضل وعليهما القضاء، وإن صاما أجزأهما]. يجوز لهما الفطر والصيام، والفطر أفضل؛ لأن فيه أخذاً برخصة الله، وإن صام المسافر والمريض أجزأهما، على التفصيل السابق.

الحائض والنفساء

الحائض والنفساء قال المؤلف رحمه الله تعالى: [الثاني: الحائض والنفساء تفطران وتقضيان، وإن صامتا لم يجزئهما]. الحائض والنفساء ليستا من أهل الصوم، بل يجب عليهما الفطر ويقضيان، ولا يصلح منهما الصوم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم؟!) ولما ثبت أن امرأة سألت عائشة رضي الله عنها وقالت: (ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟! فقالت: أحرورية أنت؟!) يعني: أنت من بلدة حروراء، وهي البلدة التي تجمع فيها الخوارج؛ لأنها ما أحسنت السؤال كأنها معترضة، فظنت عائشة أنها من الخوارج، وهي مسكينة ما عرفت تسأل، فقالت: (لست بحرورية، ولكني أسأل، قالت: كان يصيبنا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة)؛ لأنها قالت: ما بال الحائض، لو قالت: ما الحكمة في كون الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة، لأجابتها عائشة، لكن قالت: ما بال الحائض؟ وكأنها تعترض، فظنت أنها من الخوارج، فلهذا شددت عليها وقالت: أحرورية أنت؟ قالت: لا، لست بحرورية ولكني أسأل.

الحامل والمرضع

الحامل والمرضع قال المؤلف رحمه الله تعالى: [الثالث: الحامل والمرضع إذا خافتا على أنفسهما أفطرتا وقضتا، وإن خافتا على ولديهما أفطرتا وقضتا، وأطعمتا عن كل يوم مسكيناً]. هكذا المصنف فصل في الحامل والمرضع، إذا شق عليهما الصوم وخافتا على أنفسهما، فإنهما تفطران وتقضيان وليس فيهما إطعام؛ لأنهما بمنزلة المريض، وإن خافتا على الولد أفطرتا وقضتا، وأطعمتا عن كل يوم مسكيناً، وجاء في الحديث في سنن أبي داود: أنهما إن خافتا على طفلهما وعلى الولد، فحكمها حكم المريض، والأقرب أنه لا يجب الإطعام، حتى ولو خافتا على الولد، فتفطران وتقضيان، وإن أطعمتا احتياطاً فلا حرج. ويقول الشارح: وإن خافتا على ولديهما أفطرتا وقضتا وأطعمتا عن كل يوم مسكيناً؛ لقوله سبحانه: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة:184]]. وليست الآية في المرضع والحامل، والمذهب أنها تطعم، وتوجد رواية في سنن أبي داود لكن في صحتها نظر.

العاجز عن الصيام لكبر أو مرض لا يرجى برؤه

العاجز عن الصيام لكبر أو مرض لا يرجى برؤه قال المؤلف رحمه الله تعالى: [الرابع: العاجز عن الصيام لكبر أو مرض لا يرجى برؤه، فإنه يطعم عنه عن كل يوم مسكيناً]. هذا الصنف الرابع من المفطرين: من عجز عن الصوم لأحد أمرين: إما لكبر السن، أو بسبب مرض قرر الأطباء بأنه لا يرجى برؤه، فهذا ليس عليه الصوم، وليس عليه قضاء، وإنما يطعم عن كل يوم مسكيناً، قال ابن عباس في قوله سبحانه: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ} [البقرة:184]: ليست منسوخة، هي للشيخ الكبير والمرأة الكبيرة، لا يطيقان الصيام فيفطران.

حكم من جامع أهله في نهار رمضان

حكم من جامع أهله في نهار رمضان

كفارة تكرار الجماع في نهار رمضان

كفارة تكرار الجماع في نهار رمضان قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فإن جامع ولم يكفر حتى جامع ثانية فكفارة واحدة، وإن كفر ثم جامع فكفارة ثانية]. إذا جامع مثلاً مرة ولم يكفر، ثم جامع مرة ثانية في نفس اليوم، وجامع مرة ثالثة فكفارة واحدة، لكن لو جامع في أول النهار وبعد ذلك كفر، كأن كان عنده عبد فجعله حراً لوجه الله، فهذه كفارة، ثم غلبته نفسه وجامع في آخر النهار مرة ثانية، نقول: عليه كفارة أخرى، وإذا جامع وكرر الجماع في يوم واحد ولم يكفر فعليه كفارة واحدة، وإن جامع ثم كفر، ثم جامع في نفس اليوم فعليه كفارة ثانية، هذا إذا كانت في يوم. أما إذا كانت في يومين فعند بعض العلماء: إذا جامع في يومين ولم يكفر قبل فعليه كفارة واحدة. القول الثاني: أنه لكل يوم كفارة؛ لأن كل يوم عبادة مستقلة، وهذا هو الأقرب، فإذا جامع في يوم، ثم جامع في اليوم الثاني، ثم جامع في اليوم الثالث، فعليه ثلاث كفارات؛ لأن كل يوم عبادة مستقلة على الصحيح. والمرأة إذا كانت مطاوعة فعليها الكفارة، وإن كانت مكرهة فليس عليها شيء. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وكل من لزمه الإمساك في رمضان فجامع فعليه كفارة]. كل من لزمه الإمساك مثل المسافر، إذا قدم من السفر وجب عليه الإمساك احتراماً للزمن، ويقضي هذا اليوم، ولو جامع بعد العصر نقول: عليه كفارة، ولو كان مفطراً احتراماً للزمن، فما دام أنه وجب عليك الإمساك ثم جامعت فعليك الكفارة، وكذلك الصغير إذا بلغ في أثناء النهار فيمسك ويقضي هذا اليوم، فإذا جامع عليه الكفارة. وكذلك الحائض والنفساء إذا طهرت في أثناء النهار فتمسك وعليها القضاء، فلو جامعها زوجها مطاوعة فعليها كفارة. القول الثاني للعلماء: أنه لا يلزمه الإمساك، ولا يلزمه شيء؛ لأنه لا يفيد هذا الإنسان شيء، ولقول بعض السلف: من أكل أول النهار فليأكل آخره، وإذا قدم المسافر فيكمل فطره، لكنه يفطر سراً وليس عليه شيء، والمذهب هو الأول.

حكم من أخر القضاء حتى أدركه رمضان الآخر

حكم من أخر القضاء حتى أدركه رمضان الآخر قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ومن أخر القضاء لعذر حتى أدركه رمضان آخر فليس عليه غير القضاء وإن فرط أطعم مع القضاء لكل يوم مسكيناً]. إذا أخر قضاء رمضان حتى جاء رمضان الثاني، فهذا على حالتين: الحالة الأولى: إذا أخره لعذر، كأن يكون مريضاً استمر به المرض حتى جاء رمضان الثاني، نقول: يصوم رمضان الثاني ثم يقضي وليس عليه شيء. الحالة الثانية: أن يكون مفرطاً، تمكن من القضاء لكنه تساهل حتى جاء رمضان الثاني، فإنه يصوم رمضان الثاني ويقضي هذه الأيام التي فاتت عليه من رمضان الأول، لكن عليه أن يطعم عن كل يوم مسكيناً كفارة، فيقضي ويطعم، أفتى بهذا بعض الصحابة، ولكن هذا ليس بواجب على الولي، إذا حب أن يصوم الولي صام، وإلا فإنه يطعم عنه عن كل يوم مسكيناً. والمذهب على أن صيام رمضان لا يصام عنه، وإنما هذا خاص بصوم النذر، واستدلوا ببعض روايات الحديث: (من مات وعليه صوم نذر صام عنه وليه)، قالوا: إذا مات وعليه أيام من رمضان فلا يقضى ما وجب عليه بأصل الشرع، وإنما يقضى الذي وجب عليه بما أوجبه على نفسه كالكفارة أو النذر، والصواب الجواز؛ لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من مات وعليه صيام صام عنه وليه) سواء كان صوم رمضان أو صوم نذر، أو صوم كفارة، بشرط أن يكون تمكن من الصوم ولم يصم، بمعنى: أنه شفي من مرضه بقدر الأيام التي عليه ولم يصم، أما إذا اتصل به المرض حتى مات فهذا لا صيام عليه.

أحوال من ترك الصيام

أحوال من ترك الصيام قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وإن ترك القضاء حتى مات لعذر فلا شيء عليه، وإن كان لغير عذر أطعم عنه لكل يوم مسكيناً إلا أن يكون الصوم منذوراً، فإنه يصام عنه، وكذلك كل نذر طاعة]. أن يكون الصوم منذوراً، فإنه يصام عنه، وهذا على المذهب، والصواب أنه يصام عنه سواء كان نذراً أو من رمضان إذا تمكن ولم يقض. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وكذلك كل نذر طاعة]. وكذلك كل نذر طاعة، فإذا مات الميت ولم يقضها فتقضى عنه، إذا نذر صوماً يصام عنه، وإذا نذر صلاة يصلى عنه إذا وجب بالنذر، أما ما وجب بأصل الشرع من صلاة وصوم فلا يقضى عليه، والصواب أن الصوم يقضى عن المريض إذا تمكن من الصيام ولو كان من رمضان، وإذا ما أحبوا أن يصوموا فلا يجبروا، ويطعمون من ماله عن كل يوم مسكيناً، فهذا دين في ماله قبل قسمة التركة. مسألة: وإذا ترك شخص الصيام تعمداً مدة أربع أو خمس سنوات وهو يصلي، فيقضي ما فاته من الصيام، ويطعم عن كل يوم مسكيناً مع التوبة والاستغفار.

كتاب الصيام [2]

شرح عمدة الفقه_كتاب الصيام [2] المسلم إذا صام وجب عليه أن يحافظ على صومه مما يفسده، فيجتنب كل ما يعلم أنه يفسد عليه صومه، إلا إذا نسي أو أكره على فعل شيء منها فلا حرج عليه، ولا يجوز للمسلم أن يصوم أيام العيدين الفطر والأضحى، ولا أيام التشريق إلا الذي لم يجد الهدي، فيصوم أيام التشريق، وعلى المؤمن أن يتحرى ليلة القدر، وأن يعتكف ما استطاع لما فيه من الثواب والفضل.

ما يفسد الصوم

ما يفسد الصوم

الحكم فيما إذا استعط أو وصل إلى جوفه شيء

الحكم فيما إذا استعط أو وصل إلى جوفه شيء قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب ما يفسد الصوم من أكل أو شرب أو استعط أو أو صل إلى جوفه شيئاً من أي موضع كان أو استقاء أو استمنى أو قبل أو لمس أو أمذى أو حجم أو احتجم عامداً ذاكراً لصومه فسد]. هذا الباب معقود للأشياء التي يفسد بها الصوم، وذكر أشياء منها: الأكل والشرب، فمن أكل أو شرب بهذين الشرطين: ذاكراً عامداً -ذاكراً: ضد الناسي، وعامداً: ضد المكره- فسد صومه، أما من أكل أو شرب ناسياً فصومه صحيح، ولا قضاء ولا كفارة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري رحمه الله: (من نسي فأكل أو شرب فليتم صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه) وكذلك إذا لم يكن مختاراً -يعني: كان مكرهاً- كأن صب في فمه الماء، وألجئ أو هدد بالسلاح أمامه فأكل أو شرب، فلا يفسد صومه في هذه الحالة؛ لأنه ليس له قصد ولا اختيار، ولهذا قيده المصنف فقال: ذاكراً عامداً، ذاكراً: ضد الناسي، وعامداً: ضد المكره، يعني: قاصداً لهذا الشيء، فله قصد في هذا وله اختيار من أكل أو شرب. وكذلك لو استعط بدهن أو غيره، يعني: جعل سعوطاً في أنفه؛ لأن الأنف منفذ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم للقيط بن صبرة: (وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً) فدل على أن الأنف منفذ، فإذا استعط بدهن أو غيره فوصل إلى حلقه ذاكراً عامداً أفطر. وكذا من قبل زوجته أو لمس أو باشر فأنزل فسد صومه، وكذا لو استمنى بيده أو بيد زوجته أو بغير ذلك فأمنى فسد الصوم. أما إذا أمذى ففيه خلاف، والمذهب أنه يفسد صومه، القول الثاني: وهو رواية عند الإمام أحمد: أنه لا يفسد وهو الصواب، لكن يأثم إذا تسبب في إفساد صومه وهو يعلم بذلك. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [من أكل أو شرب أو استعط أو أوصل إلى جوفه شيئاً من أي موضع كان أو استقاء أو استمنى]. إذا أوصل إلى جوفه من أي شيء من أي موضع، وعلى هذا فالإبرة التي تصل إلى الجوف تفطر الصائم كإبرة العضل أو إبرة الوريد أو غيرها. وذهب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله إلى أن الإيصال إلى الجوف لا يفطر، ومن ذلك القطرة في العين أو القطرة في الأذن؛ لأنهما ليسا منفذاً. ويقول: لم يجعل الله ولا رسوله وصول شيء إلى الجوف من المفطرات، ولأنه ليس أكلاً ولا شرباً، وليس في معنى الأكل والشرب، فلا تفطر الإبرة إذا كانت مكافحة للمرض سواء كانت في الوريد أو في العضل، بخلاف القطرة في العين أو في الأذن، فإن الأنف منفذ إذا وصلت إلى الحلق، ولكن الأحوط للمسلم أن يبتعد عن الإبر لاسيما في النهار، احتياطاً لهذه العبادة العظيمة، وأكثر الفقهاء على أنها تفطر، وإن كان ما ذكره شيخ الإسلام رحمه الله وجيه؛ لأنه ليس هناك دليل يدل على أن الإيصال إلى الجوف مفطر، ولا يسمى أكلاً أو شرباً، أما الإبر المغذية فهذه تفطر بالاتفاق، وبعض المعاصرين فرق بين الإبرة في العضد وفي العضل، فقال: الإبرة في العضد تفطر، والإبرة في العضل لا تفطر، لكن التفريق ليس بظاهر. أما المغذية فهذه ما في إشكال أنها تغني عن الأكل والشرب، ومثل حقن الدم أيضاً في المريض؛ لأنه خلاصة الطعام والشراب.

الاستقاء والاستمناء

الاستقاء والاستمناء قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أو استقاء أو استمنى]. استقاء الهمز والسين والتاء للطلب، يعني: استدعى القيء، بأن عصر بطنه مثلاً أو شم شيئاً يتقيأ به، أو أدخل أصابعه في حلقه فقاء فيكون مفطراً؛ لحديث: (من استقاء عمداً فليقض) أما إذا غلبه القيء وذرعه بدون اختياره فلا يفطر، يقول الله تعالى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة:286]. وإذا استمنى أي: استدعى خروج المني، فأمنى، فسد صومه، أو قبل زوجته فأنزل وأمنى يكون مفطراًَ.

القبلة واللمس المؤدي إلى خروج المني

القبلة واللمس المؤدي إلى خروج المني قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أو قبل أو لمس أو أمذى أو حجم أو احتجم]. وهنا في عبارة ثانية: [أو قبل زوجته فأمنى أو أمذى]، يعني: نتيجة القبلة واللمس خروج المني، فهذا يفسد صومه وإذا أمذى فإنه يفسد على المذهب، والرواية الثانية عن الإمام أحمد أنه لا يفسد الصوم الإمذاء؛ لأن المذي: هو الماء الذي يخرج عند الملاعبة وانتشار الشهوة. أما المني: فهو ماء أبيض رقيق يخرج بقوة، وهو أصل الولد، فإذا أمذى فالصواب أنه لا يفطر، لكنه يأثم إذا تسبب ويعلم أنه يؤدي إلى الإمذاء، والمذهب على أنه يفسد سواء أمذى أو أمنى.

حكم الاحتجام عمدا

حكم الاحتجام عمداً قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أو حجم أو احتجم عامداً]. إذا حجم أو احتجم عامداً ذاكراً فسد صومه، كما في حديث: (أفطر الحاجم والمحجوم). وذهب جمهور العلماء إلى أن الحجامة لا تفطر، وقالوا: إن حديث (أفطر الحاجم والمحجوم) منسوخ، وكان هذا أولاً، وفي حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم: (احتجم وهو صائم)، وفي بعضها: (احتجم وهو محرم). قال ابن القيم رحمه الله: لا يتم دعوى النسخ إلا إذا كان ما حدث أمور أربعة: لابد أن تثبتوا أولاً أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو مقيم غير مسافر. ولابد أن تثبتوا أنه احتجم في فرض دون نفل. ولابد أن تثبتوا أنه احتجم وهو صحيح غير مريض. ولابد أن تثبتوا أن قوله: (أفطر الحاجم والمحجوم) كان أولاً حتى يتم النسخ، فإن تمت هذه الأمور الأربعة قلنا بالنسخ، وإلا فلا يقال بأنه نسخ: (أفطر الحاجم والمحجوم). ولهذا ذهب شيخ الإسلام رحمه الله وجماعة من المحققين إلى أن الحجامة تفطر، وهذا هو الأحوط، والجمهور على أن الحديث منسوخ، وأن الحجامة لا تفطر، ومن باب أولى سحب الدم. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أو حجم أو احتجم عامداً ذاكراً لصومه فسد]. لابد من التقييد عامداً ذاكراً، فإن كان مكرهاً أو ناسياً فلا؛ لقول الله تعالى: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة:286] قال الله: قد فعلت.

الأمور التي لا تفطر إذا فعلها ناسيا مكرها

الأمور التي لا تفطر إذا فعلها ناسياً مكرهاً قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وإن فعله ناسياً أو مكرهاً لم يفسد صومه وإن طار إلى حلقه ذباب أو غبار، أو تمضمض أو استنشق فوصل إلى حلقه ماء، أو فكر فأنزل أو قطر في إحليله، أو احتلم أو ذرعه القيء لم يفسد صومه]. لأنه في هذه الأمور لا اختيار له، فإذا طار إلى حلقه ذباب أو غبار لا يفسد صومه، وكذا لو تمضمض أو استنشق فخر شيء من الماء إلى بطنه لا يفسد صومه، وكذلك لو فكر فأنزل لا يفسد صومه؛ لأنه ليس له اختيار في دفع التفكير، وكذا لو احتلم وهو صائم، فيغتسل وصومه صحيح. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أو قطر في إحليله]. يعني: قطر في الذكر فلا يفطر؛ لأنه يصل إلى المثانة ولا يصل إلى الجوف، فلا يفسد الصوم إذا قطر في الذكر، ومثله تحليله في الدبر على الصحيح. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أو احتلم أو ذرعه القيء]. قوله: (احتلم) لأنه غير متخير وكذا إذا ذرعه القيء وغلبه فلا يفسد؛ لأنه لا اختيار له. مسألة: البخور لا ينبغي أن يشمه، وإذا شمه متعمداً أفطر عند كثير من الفقهاء؛ لأن له أجزاء لطيفة تصل إلى الدماغ، ولا ينبغي أن يشمه فيحتاط فيه، والقول بتفطيره فيه نظر، لكن ينبغي للإنسان أن يحتاط إذا شم البخور، فإذا شمه واستنشق -يعني: ذاكراً متعمداً ففي المذهب أنه يفطر، وعند الفقهاء يفطر.

حكم من أكل يظنه ليلا فبان نهارا

حكم من أكل يظنه ليلاً فبان نهاراً قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ومن أكل يظنه ليلاً فبان نهاراً فعليه القضاء]. يعني: إذا أكل في آخر الليل يظن أن الليل ما زال باقياً، فتبين أن أكله كان بعد طلوع الفجر، فعليه القضاء على المذهب، وهو قول جمهور العلماء. القول الثاني لأهل العلم: أنه ليس عليه قضاء، وصومه صحيح، كمن أكل يغلب على ظنه أن الشمس غربت، ثم تبين أنها لم تغرب، فلا يقضي في الصورتين. وذهب شيخ الإسلام ابن تيمية وجماعة إلى القول الثاني لأهل العلم- واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية: وهو أنه لا يقضي في الصورتين؛ لأنه معذور بجهله في الحال، فإذا أكل في آخر الليل يظن أن الليل باقياً، ثم تبين أن الفجر قد طلع فلا يفطر؛ لأنه معذور بجهله بالحال، وكذلك لو أكل يظن أن الشمس قد غربت ثم تبين أنها لم تغرب فإنه لا يقضي؛ لأنه معذور بجهله في الحال. والجمهور على أنه يقضي في الصورتين وهو الأحوط، وكونه معذوراً في أنه لا يلحقه إثم، أما القضاء فإنه يقضي، ومن أكل شاكاً في طلوع الفجر ولم يتبين أنه طلع فصومه صحيح؛ لأن الأصل بقاء الليل، ومن أكل شاكاً في غروب الشمس ولم يتبين أنها غربت فعليه القضاء؛ لأن الأصل بقاء النهار، فالعبرة بالأصل. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ومن أكل يظنه ليلاً فبان نهاراً فعليه القضاء، ومن أكل شاكاً في طلوع الفجر لم يفسد صومه]. لأن الأصل بقاء الليل، إذا كان شاكاً ولم يتبين له فصومه صحيح. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وإن أكل شاكاً في غروب الشمس فعليه القضاء]. لأن الأصل بقاء النهار، إلا إذا تبين له أنها غربت. والظن هو شك غالب، أي: هو تردد بين الشيئين أحدهما غالب. والشك: أن يستوي الطرفان، فإذا شك في شيء، يعني: تردد فيهما على حد سواء، فهو شك وإذا غلب أحد الأمرين فيسمى ظناً، والثاني المرجوح يسمى وهماً. وكأن مراده بالظن هنا الشك، فيطلق الظن على الشك، فمن أكل يظنه ليلاً فبان نهاراً، إذا بان ولو كان عنده غلبه الظن، حتى ولو كان عنده يقين أن الليل باقٍ ثم تبين أنه نهار فيقضي، والسبب أنه قال: ثم بان، أما إذا لم يتبين فليس عليه شيء، فهو أكل وعنده ظن غالب بل عنده يقين أن الليل باقٍ، ثم تبين له أن الناس صلوا وهو يأكل، فهذا يقضي؛ لأنه صار يقينه لا عبرة به. أما شيخ الإسلام فلا يرى عليه القضاء في هذه الحالة؛ لأنه جاهل بالحال. وإذا أذن المؤذن قبل الوقت فأفطر، ثم تبين أن الشمس ما غربت، فإنه يقضي عند الجمهور، كما في قصة أسماء: (أفطرنا في يوم غيم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم طلعت الشمس) قال: وسئل هشام عن القضاء؟ قال: لابد من قضاء. وشيخ الإسلام يقول: إن الرسول صلى الله عليه وسلم ما أمرهم بالقضاء، ولو أمرهم لبقي، وأما قول هشام: لابد من قضاء، فهذا باجتهاد منه، والجمهور أخذوا بقول هشام: لابد من القضاء. وإذا أكل ظاناً أن الشمس غربت ثم أخبر بعد أنها لم تغرب فكما سبق، يقضي على المذهب وهو قول الجمهور.

صيام التطوع

صيام التطوع

أفضل الصيام

أفضل الصيام قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب صيام التطوع أفضل الصيام صيام داود عليه السلام، كان يصوم يوماً ويفطر يوماً]. أفضل الصيام صيام داود؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لـ عبد الله بن عمرو لما كان شاباً يصوم، قال: (صم ثلاثة أيام من كل شهر، قال: إني أطيق أفضل من ذلك، قال: صم يوماً وأفطر يومين، قال: إني أطيق أفضل من ذلك، حتى قال له: صم يوماً وأفطر يوماً، قال له: يا رسول الله! إني أطيق أفضل من ذلك، قال: لا أفضل من ذلك، أفضل الصيام صيام داود عليه الصلاة والسلام، كان يصوم يوماً ويفطر يوماً)، هذا أفضل الصيام إذا كان الإنسان عنده نشاط وفراغ. أما إذا كان صيامه يخل بالواجبات الأخرى، ويضعفه عن القيام بالعمل والكسب لأولاده فلا، لا يصم يوماً ويفطر يوماً ويهمل الواجبات الأخرى، فيكفي صوم ثلاثة أيام من كل شهر، وكل اثنين وخميس على حسب استطاعته، إذا كان أفضل الصيام لمن عنده نشاط وفراغ، ولا يضعفه الصوم عن القيام بالواجبات الأخرى. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وأفضل الصيام بعد شهر رمضان شهر الله الذي يدعونه المحرم]. لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله الذي تدعونه المحرم) وأفضل المحرم: العاشر ثم التاسع. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [(وما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من عشر ذي الحجة)]. هذا أيضاً حديث فيه فضل عشر ذي الحجة، فيسن صيامها؛ لأن الصيام من العمل الصالح، والعمل الصالح مرغب في أيام العشر من ذي الحجة، واليوم العاشر هو يوم العيد فلا يصام. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ومن صام رمضان وأتبعه بست من شوال فكأنما صام الدهر كله]. وهذا فيه أيضاً الترغيب بصيام ست من شوال؛ لحديث أبي أيوب عند مسلم في صحيح مسلم: (من صام رمضان، وأتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر)؛ لأن الحسنة بعشر أمثالها، وصيام رمضان بعشرة أشهر، والست تعادل شهرين، وسواء صامها متفرقة أو مجتمعة بعد العيد أو بعده بفترة، المهم أنه يصومها في شهر شوال. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وصيام يوم عاشوراء كفارة سنة]. فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (صيام عاشوراء أحتسب على الله أن يكفر السنة الماضية). قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وصيام يوم عرفة كفارة سنتين]. جاء بهذا الحديث: (إني أحتسب على الله أن يكفر السنة الماضية والسنة المستقبلة). قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولا يستحب لمن بعرفة أن يصومه]. لا يستحب للحاج أن يصومه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان مفطراً في يوم عرفة، ولما شكوا في صيامه أرسلت أم الفضل له بقدح من لبن، فشربه والناس ينظرون؛ فعلموا أنه مفطر، ولأن صوم يوم عرفة يضعف العبد عن الدعاء في آخر يوم عرفة وهو أفضل الوقت، فالصيام يضعفه عن الدعاء وعن الذكر، فشرع له له الفطر. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويستحب صيام أيام البيض والإثنين والخميس]. يستحب صيام ثلاثة أيام من كل شهر، أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بذلك أبا هريرة وأبا الدرداء أوصاهما بسنة الضحى، وصيام ثلاثة أيام من كل شهر، وأن يوترا قبل أن يناما. وفي حديث أبي ذر قال: (إذا صمت فصم الثالث عشرة، والرابع عشرة، والخامس عشرة) فإن تيسر له أن يصوم أيام البيض فهو أفضل، وإن لم يتيسر صامها من أول الشهر أو وسطه أو آخره، والترغيب في صيام ثلاثة أيام من كل شهر ليس مقيداً بأيام محددة، لكن الأفضل أن تكون أيام البيض إن تيسر، وإن لم يتيسر صامها في أي وقت من الشهر. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والإثنين والخميس]. وكذلك صيام يوم الإثنين والخميس، جاء الترغيب فيهما، وأنهما يومان تعرض فيها الأعمال على الله عز وجل، لما سئل النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن صيام الإثنين والخميس؟ فقال: (هما يومان تعرض فيهما الأعمال على الله، فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم)، (ولما سئل عن صوم الإثنين؟ قال: ذاك يوم ولدت فيه ويوم بعث إلي فيه) أو كما قال عليه الصلاة والسلام.

الصائم المتطوع أمير نفسه

الصائم المتطوع أمير نفسه قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والصائم المتطوع أمير نفسه: إن شاء صام وإن شاء أفطر ولا قضاء عليه]. الصائم صوم التطوع أمير نفسه، إن شاء صام، وإن شاء أفطر، وإذا أفطر فلا يضره، وينظر ما هو الأصلح له، إذا كان الأصلح له أن يفطر أفطر، كأن إذا جاءه ضيف مثلاً فالأفضل أن يفطر، وكذلك أيضاً إذا دعي إلى وليمة ويشق عليهم صومه، يفطر، وإن رأى أن يستمر في صومه فهو أمير نفسه، وإذا أفطر فلا يقضي، إلا إذا كان هذا الصوم صوم نذر أو كفارة من رمضان، فهذا لا يجوز له أن يفطر؛ لأنه لا يفطر إلا بعذر إذا كان الصوم واجباً كأن يكون مريضاً أو مسافراً، وإذا أفطر قضاه وليس عليه كفارة. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وكذلك سائر التطوع إلا الحج والعمرة، فإنه يجب إتمامهما وقضاء ما أفسد منهما]. كذلك سائر التطوع مثل صلاة النفل لو قطعها فلا بأس، لكن الأولى ألا يقطعها إلا بعذر؛ لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد:33] لكن لو قطع صلاة النفل فليس عليه قضاؤها إلا الحج والعمرة، فإنه إذا أحرم بالحج أو أفرد عمرة وجب عليه إتمامهما، وليس له أن يتحلل حتى يتم، أو يكون محصوراً فيذبح الهدي، أو يكون اشترط فيكون له عذر ويتحلل؛ لقول الله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة:196]. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وكذلك سائر التطوع إلا الحج والعمرة إذا أفسد شيئاً فإنه يقضيه، وإذا فعل محظوراً وجبت عليه الكفارة، ولو كان الحج نفلاً أو العمرة نفلاً فهذا حق في الحج والعمرة.

الأيام التي نهي عن صيامها

الأيام التي نهي عن صيامها قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم يومين: يوم الفطر ويوم الأضحى]. يحرم صوم يوم الفطر ويوم الأضحى، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن صيامهما؛ لأنهما يوما عيد، المسلم في ضيافة الله عز وجل، فيوم الفطر بعد شهر رمضان، ويوم الأضحى يأكل الناس من نسك ضحاياهم. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ونهى عن صوم أيام التشريق إلا أنه رخص في صومها للمتمتع إذا لم يجد الهدي]. أيام التشريق هي: اليوم الحادي عشر، والثاني عشر، والثالث عشر من ذي الحجة، فيحرم صومها إلا للمتمتمع أو القارن إذا لم يجد الهدي، ولم يصم الثلاثة الأيام قبل العيد، فإنه يصوم يوم الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر، لما ثبت في الحديث الصحيح عن عائشة وغيرها قالت: (لم يرخص في أيام التشريق أن يصمن إلا لمن لم يجد الهدي)، فهذا خاص به، وما عدا من لم يجد الهدي يحرم عليه، وعلى هذا تكون خمسة أيام يحرم صومها في السنة، يوم الفطر، ويوم الأضحى، وأيام التشريق الثلاثة، أما يوم الفطر والأضحى فهذه لا تصام على أي حال، فلا يجوز لأحد أن يصومها مطلقاً. وصيام يوم السبت سيأتي الكلام عليه، والصواب أنه يصح صومه، وقد جاء في الحديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن صوم السبت، وقال: لو لم يجد أحدكم إلا لحاء عنب فليمضغه) لكن هنا حديث ضعيف عند أهل العلم، فالصواب: أنه شاذ، أو منسوخ. وبعض أهل العلم قال: إن النهي إنما هو خاص بمن أفرده، فإذا صام يوماً قبله أو يوماً بعده فلا بأس بصيامه، والصواب أنه يجوز صومه مفرداً وغير مفرد، والدليل على هذا حديث جويرية أن النبي صلى الله عليه وسلم جاءها وقد صامت يوم الجمعة فقال لها: (أصمت أمس؟ قالت: لا، قال: أتريدين أن تصومي غداً؟ قالت: لا، قال: فأفطري) فدل على أنه يجوز أن يصام يوم السبت، وهذا في الصحيح، وهو مقدم على هذا الحديث الضعيف. لكن إذا وافق يوم الجمعة يوم عرفة فهذا محل نظر، قد يقال: لا يصومه، وينبغي أن يصوم يوماً قبله، وقد يقال: يجوز صومه؛ لأنه إنما صامه لا من أجل كونه يوم الجمعة وإنما لأنه يوم عرفة، وإلا فقد ثبت النهي عن إفراد يوم الجمعة بصوم أما إذا صام يوماً قبله أو يوماً بعده فقد زال المحظور. فيوم السبت لا إشكال في صيامه، وإنما الخلاف في يوم الجمعة، والأقرب أنه يجوز في هذه الحالة؛ لأنه ما صامه من أجل يوم الجمعة، وإنما صامه من أجل أنه وافق اليوم الذي يصومه.

وقت تعيين ليلة القدر

وقت تعيين ليلة القدر قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان]. هذا الأرجح أنها في الوتر، وجزم المصنف بأنها في الوتر ليس بجيد، والصواب: أنها في العشر أشفاعه وأوتاره؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان) لكنها في ليالي الوتر أرجى، في ليلة إحدى وعشرين، وليلة ثلاث وعشرين، وليلة خمس وعشرين، وليلة سبع وعشرين، وليلة تسع وعشرين، لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الآخر: (تحروا ليلة القدر في الوتر في العشر الأواخر من رمضان)، وفي الحديث الآخر: (تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان، والسبع الأواخر أرجى من غيرها)، وفي الحديث أن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أروا ليلة القدر في السبع الأواخر من رمضان؛ فقال عليه الصلاة والسلام: (أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر، فمن كان متحرياً فليتحراها في السبع الأواخر) وهي في ليلة سبع وعشرين أرجى من غيرها، وهي مختصة في العشر الأواخر، وقد تكون في الأشفاع، وقد تكون في الأوتار، وقد تكون في سبع وعشرين وقد تكون في غيرها، فليس هناك جزم، وليس هناك دليل ينص على أنها حادثة في ليلة معينة، والصواب أنها متنقلة فتكون في بعض السنين في ليلة إحدى وعشرين، وفي بعض السنين في ليلة اثنين وعشرين، وفي بعض السنين في ثلاث وعشرين، وهي مختصة في العشر الأواخر، خلافاً لمن قال من العلماء أنها في السنة، أو في الشهر كله، أو أنها رفعت، وكل هذه أقوال ضعيفة. والصواب أنها باقية لم ترفع، وليست عامة في السنة ولا في الشهر، وإنما هي مختصة بالعشر الأواخر من رمضان ليستعينوا الله فيها، إلا أن الأوتار أرجى، والسبع الأواخر أرجى من غيرها، وسبع وعشرين أرجى من غيرها، وقد تكون في الأشفاع فلا يجزم بأنها في ليلة معينة.

الاعتكاف

الاعتكاف

تعيرف الاعتكاف ووقته

تعيرف الاعتكاف ووقته قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب الاعتكاف وهو لزوم المسجد لطاعة الله تعالى فيه، وهو سنة إلا أن يكون نذراً فيلزم الوفاء به]. الاعتكاف في اللغة: لزوم الشيء وحبس النفس عليه براً كان أو غيره، ومنه قوله تعالى: {مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ} [الأنبياء:52] فهو لزوم الشيء وحبس النفس عليه، سواء كان حقاً أو باطلاً. وأما شرعاً: فهو لزوم المسجد بنية لطاعة الله عز وجل، وهو مستحب إلا إذا نذره فوجب عليه الوفاء بالنذر. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويصح للمرأة]. ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه: (كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله عز وجل، واعتكف أزواجه من بعده) فهو سنة في حق الرجال والنساء، فالمرأة لها أن تعتكف في أي مسجد غير مسجد بيتها إذا أمنت الفتنة. والرجل يعتكف في مسجد تؤدى فيه صلاة الجماعة، الاعتكاف ليس خاصاً عند العلماء بوقت معين فالرسول اعتكف في رمضان حتى توفي صلى الله عليه وسلم، ولكن هل قال: لا تعتكفوا إلا في رمضان؟! فهذا فعل منه صلى الله عليه وسلم؛ لأنه فضيلة، والفعل لا يؤخذ منه الخصوصية. والنبي صلى الله عليه وسلم اعتكف واعتكف أزواجه من بعده ولما رأى الأخبية قد ضربت خشي عليهن من التباهي فقال: (آلبر يردن؟). ثم أمر بخيمته فرفعت ولم يعتكف تلك السنة، ثم قضاه في شوال، وكونه اعتكف في شوال دل على أنه ليس خاصاً برمضان، ولو كان لا يجوز الاعتكاف إلا في رمضان لما اعتكف في شوال. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويصح من المرأة في كل مسجد غير مسجد بيتها]. ولا يصح من الرجل إلا في مسجد تقام فيه الجماعة، واعتكافه في مسجد تقام فيه الجمعة أفضل]. هذا هو الأفضل، أن تكون في مسجد تقام فيه الجمعة، وقال بعض العلماء: لابد أن يكون الاعتكاف في مسجد جامع، ولابد أن يكون صائماً، ولهذا يقال: ولا اعتكاف إلا بصوم، ولا اعتكاف إلا في مسجد جامع والصواب: أنه لا يشترط الصوم؛ لأنه ثبت أن عمر رضي الله عنه قال: (يا رسول الله! إني نذرت أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام في الجاهلية، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أوف بنذرك) والليل ليس فيه صوم، وهذا ثابت في الصحيح، فدل على أنه لا يشترط الصوم، وكذلك لا يشترط أن يكون في مسجد جامع، لكن بعض العلماء يرى: أنه لابد أن يكون الاعتكاف في مسجد تقام فيه الجمعة حتى لا يحتاج إلى الخروج، ولابد أن يكون صائماً، وعلى هذا يكون أقله يوم.

من نذر الاعتكاف في مسجد اعتكف في غيره

من نذر الاعتكاف في مسجد اعتكف في غيره قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ومن نذر الاعتكاف أو الصلاة في مسجد فله فعل ذلك في غيره إلا المساجد الثلاثة، فإذا نذر ذلك في المسجد الحرام لزمه]. إذا نذر شخص بالصلاة والاعتكاف في مسجد فإنه يجوز له أن يعتكف ويصلي في أي مسجد من مساجد الدنيا إلا إذا نذر الاعتكاف في المساجد الثلاثة: المسجد الحرام، أو المسجد النبوي، أو المسجد الأقصى، فليس له أن يقضي نذره في مسجد آخر؛ لأنه لا تساويها المساجد الأخرى في الفضل، ولكن هذا فيه نظر، وكونه نذر أن يعتكف في هذا المسجد، فيقال له: له أن يعتكف في أي مسجد، هذا يحتاج إلى تأمل، والأقرب أنه يلزمه، كونه نذر أنه يعتكف في هذا المسجد يلزمه ولا يعتكف في مسجد غيره، إلا إذا اختار الأفضل، نذر أن يعتكف في هذا المسجد فاعتكف في المسجد الحرام، أو في المسجد النبوي، أو في المسجد الأقصى، فلا بأس، أما أن ينتقل من هذا المسجد إلى مسجد آخر مضاهٍ له، إما أن يعتكف في هذا المسجد أو يعتكف في مسجد أفضل، وهو أحد المساجد الثلاثة؟ وهنا يوجد تعليق على قول المؤلف ونصه: قال المؤلف: (ومن نذر الاعتكاف أو الصلاة في مسجد فله فعل ذلك في غيره)، لأن المساجد كلها في الفضيلة سواء، قال عليه الصلاة والسلام: (وجعلت لي الأرض مسجداً وترابها طهور). لكن لا يكفي هذا التعليق ويحتاج إلى تأمل. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ومن نذر الاعتكاف أو الصلاة في مسجد فله فعل ذلك في غيره إلا المساجد الثلاثة، فإذا نذر ذلك في المسجد الحرام لزمه، وإن نذر الاعتكاف في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم جاز له أن يعتكف في المسجد الحرام، وإن نذر أن يعتكف بالمسجد الأقصى فله فعله في أيهما أحب]. نعم، لأنه إذا انتقل إلى الأفضل فإنه زاد خيراً، وقد جاء أن رجلاً نذر أن يصلي في المسجد الأقصى فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (صل ههنا حيث المسجد النبوي).

ما يستحب للمعتكف فعله

ما يستحب للمعتكف فعله قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويستحب للمعتكف الاشتغال بفعل القرب، واجتناب ما لا يعنيه من قول وفعل]. يستحب للمعتكف أن يشتغل بالقرب، فيتقرب إلى الله بالطاعات، من تلاوة للقرآن، والذكر والتسبيح والتحميد، والتدريس، والتعلم والتعليم، وينبغي له أن يبتعد عن الكلام في أمور الدنيا، وفي فضول الكلام، هذا هو الذي يهتم به الإنسان، لكن الشيء القليل يعفى عنه، وقد ثبت: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأتيه بعض أزواجه يتحدثن معه، فإذا أرادها أن تذهب ذهب معها يقلبها إلى بيتها، لكن كون الإنسان يجعل مكان معتكفه مكاناً للحديث في الدنيا والكلام الطويل، والأخذ والرد فهذا لا ينبغي، فينبغي للإنسان أن يستغل هذا الوقت، وهذا المكان فيما يقربه إلى الله عز وجل، وأن يقلل من الكلام في أمور الدنيا؛ لأنه انقطع وتفرغ للعبادة.

حكم خروج المعتكف من المسجد للحاجة

حكم خروج المعتكف من المسجد للحاجة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولا يبطل الاعتكاف بشيء من ذلك، ولا يخرج من المسجد إلا لما لابد له منه إلا أن يشترط]. لا يبطل الاعتكاف إلا بما هو ممنوع مثل الجماع، فإذا جامع بطل الاعتكاف، وكذلك إذا خرج لغير حاجة ولغير ما اشترطه، وله أن يخرج فيما لابد له منه، بل يجب أن يخرج لقضاء الحاجة كالبول والغائط، ويخرج الإنسان لطعامه إذا لم يكن هناك أحد يأتي له بالطعام فيأكل ويشرب، ويخرج للوضوء والاغتسال. وكذلك إذا اشترط أن يزور المريض أو يتبع الجنازة فله شرطه، بل قال: فالسنة للمعتكف: ألا يزور مريضاً، ولا يشهد الجنازة إلا أن يشترط، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خرج يسأل عن المريض وهو في طريقه، ولا يعرج عليه، فلا بأس إذا كان يسأل عنه وهو ماشٍ، وإذا أراد عيادة المريض فلابد من الاشتراط، وإلا فلا يخرج، والفقهاء ذكروا: أنه إذا اشترط فلا بأس سواء نوى بقلبه أو تلفظ. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولا يباشر امرأة، وإن سأل عن المريض في طريقه أو عن غيره ولم يعرج إليه جاز]. فلا يباشر المرأة فإنه إذا ما باشرها بطل الاعتكاف؛ لقوله تعالى: {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا} [البقرة:187]. وإذا سأل عن المريض في طريقه فلا بأس، كما كان يفعل النبي صلى الله عليه وسلم، فقد كان لا يزور مريضاً، ولكنه كان يسأل، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يمر بالمريض وهو معتكف فيمر كما هو فلا يعرج ويسأل عنه)، رواه أبو داود وحديث عائشة فيه نص أنه إذا اعتكف لا يزور مريضاً، ولا يشهد جنازة إلا أن يشترطه. وإذا اعتكف الشخص في غرفة داخل المسجد فلا بأس، وحكمه حكم المسجد. وإذا كان نذر أن يعتكف فيجب عليه الوفاء، أما إذا كان مستحباً فلا يجب قضاؤه؛ لأنه مستحب. وبالنسبة لوقت الاعتكاف فعلى حسب الأيام التي نذرها وأرادها، فاليوم يبدأ من قبل صلاة الفجر، والليلة تبدأ من قبل غروب الشمس، هذا هو الأصل، قبل الغروب يعني: ليلة الحادي والعشرين قد تكون ليلة القدر، فلا يدخل بعد الفجر هكذا؛ لأن الليلة تابعة لليوم، فتبدأ الليلة من قبل غروب الشمس.

الأسئلة

الأسئلة

تقديم قضاء رمضان على صيام الست من شوال

تقديم قضاء رمضان على صيام الست من شوال Q من كان عليه قضاء من رمضان هل يبدأ به قبل صيام الست من شوال أم يصوم الست من شوال ثم يقضي؟ A أنه يبدأ بالقضاء فإذا بقي شيء من شوال صامه وإلا فإن الله تعالى يأجره على نيته؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من صام رمضان وأتبعه ستاً من شوال) وكيف يصوم شوالاً وهو لم يصم رمضان؟!

كتاب الحج [1]

شرح عمدة الفقه_كتاب الحج [1] يجب الحج والعمرة على المسلم البالغ الحر إذا استطاع إليه سبيلاً، ويشترط وجود المحرم للمرأة، ولا يحج عن غيره إلا من حج عن نفسه، وللحج مواقيت مكانية ومواقيت زمانية.

أحكام الحج

أحكام الحج قال المؤلف رحمه الله تعالى: [كتاب الحج والعمرة. يجب الحج والعمرة مرة في العمر على المسلم العاقل البالغ الحر إذا استطاع إليه سبيلاً]. الحج في اللغة: القصد، وشرعاً: قصد مكة لعمل مخصوص، من شخص مخصوص، في زمن مخصوص. (قصد مكة من شخص مخصوص): هو المسلم البالغ العاقل الحر المستطيع. (في عمل مخصوص): هو الحج وأداء المناسك. (في زمن مخصوص): زمن الحج. والعمرة في اللغة: الزيارة. وشرعاً: زيارة البيت من شخص مخصوص لعمل مخصوص. ولا يجب الحج والعمرة إلا مرة واحدة في العمر، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الحج مرة، فمن زاد فهو تطوع) رواه أحمد وغيره.

شروط وجوب الحج

شروط وجوب الحج قال المؤلف رحمه الله تعالى: [على المسلم العاقل البالغ الحر إذا استطاع إليه سبيلاً]. هذه شروط الوجوب، فـ (المسلم): يخرج الكافر، و (العاقل): يخرج المجنون والمغمى عليه، و (البالغ): يخرج الصغير، فإنه لا يجب عليه، و (الحر): يخرج العبد، فلا يجب عليه، و (المستطيع): يخرج العاجز، فهو مستطيع بماله وبدنه، والمستطيع بماله: هو الذي يكون عنده مال يحج به زائداً على نفقة أهله وأولاده، وببدنه: أن يستطيع الثبات على المركوب، فهذه الشروط إذا وجدت وجب الحج لنفسه؛ لقول الله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [آل عمران:97]. والكافر: لا يصلح منه أي عمل حتى يدخل في الإسلام، وليس معنى ذلك أنه لا يعاقب على ترك الحج، بل يعاقب على ترك الحج والصلاة والإسلام على الصحيح، لكنه لا يصح منه الحج في حال كفره. البالغ: هذا الشرط للوجوب، لكن لو حج الصبي الذي دون سن البلوغ -حتى ولو كان في المهد- صح حجه، لكن لا يجزئه عن حجة الإسلام. العاقل: فالمجنون لا يصح منه؛ لأنه ليس عنده قصد، والمجنون والمغمى عليه ليس عنده قصد، فلا يصلح منه الحج. الحر: يخرج العبد، فهو لا يجب عليه الحج؛ لأنه مشغول بخدمة سيده، لكن إذا أذن له سيده صح منه الحج، لكن لا يجزيه عن حجة الإسلام، فإذا أعتق عليه أن يحج حجة الإسلام، كما أن الصبي إذا بلغ يحج حجة الإسلام؛ لما جاء في الحديث: (أيما صبي حج ثم بلغ الحنث فعليه أن يحج حجة أخرى، وأيما عبد حج ثم أعتق فعليه أن يحج حجة أخرى). المستطيع بماله: لو حج وهو غير مستطيع وفقير صح منه الحج، لكن هذا شرط للوجوب لا للصحة، ويشترط للمرأة وجود محرم يصحبها معه في سفرها.

معنى الاستطاعة في الحج

معنى الاستطاعة في الحج قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والاستطاعة أن يجد زاداً وراحلة بآلتهما مما يصح لمثله]. والاستطاعة: أن يجد زاداً وراحلة، والآن إذا وجد النقود التي يحج بها ذهاباً وإياباً، ويستطيع أن يركب ويكون زائداً عن نفقة أهله وأولاده. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فاضلاً عما يحتاج إليه لقضاء دينه، ومئونة نفسه وعياله على الدوام]. مقصوده (على الدوام) أي: حتى يرجع، إذا كان عنده نفقة لأولاده، وكذلك يكون زائداً عن الدين، فإن كان عليه دين فإنه يقضي الدين أولاً ثم يحج؛ لأن قضاء الدين أهم، لكن لو حج صح حجه أو أذن له المدين.

اشتراط المحرم للمرأة في الحج

اشتراط المحرم للمرأة في الحج قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويعتبر للمرأة وجود محرمها، وهو زوجها ومن تحرم عليه على التأبيد بنسب أو سبب مباح]. ويشترط لوجوبه على المرأة وجود المحرم، والمحرم: هو زوجها أو من تحرم عليه على التأبيد، كأبيها وابنها وأخيها، وابن أخيها وابن أختها وعمها وخالها، أو سبب مباح كالرضاع، كأبيها من الرضاع، وأخيها من الرضاع، وابن أخيها من الرضاع، وابن أختها من الرضاع، وعمها من الرضاع، وخالها من الرضاع، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب)، أو بالصهر، كزوج أمها أو زوج ابنتها، هؤلاء كلهم محارم. ولو حجت المرأة بدون محرم صح الحج مع الإثم؛ لأن هذا شرط للوجوب لا للصحة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر إلا مع ذي محرم)، ولما خطب النبي صلى الله عليه وسلم الناس وحث على الحج (قام رجل فقال: يا رسول الله! إني اكتتبت في غزوة كذا وكذا، وإن امرأتي خرجت حاجة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: انطلق فحج مع امرأتك)، ترك الغزو وذهب إلى مرافقة امرأته في الحج؛ مما يدل على أهمية المحرم، كتب في الغزو ومع ذلك قال له النبي صلى الله عليه وسلم: (انطلق فحج مع امرأتك) فهذا يدل على أن أمر المحرم أمر عظيم، يترك من أجله الغزو لأجل مرافقة المرأة، وهؤلاء النسوة الآن لا يبالين، ويستقبل كثير من الناس خادمات بدون محارم! وإذا كان الحج وهو فريضة الله على عباده لا تحج المرأة إلا بمحرم فكيف تأتي هذه المرأة بدون محرم وتسافر مسافة طويلة، وبعض الناس يستخدمونها ويعينونها على الباطل لأنها بدون محرم؟! ولهذا كثرت أسباب الشر والفساد: فهؤلاء الخادمات اللائي يأتين بدون محارم انتشرن في البيوت؛ فحصل بهن شر وفساد، ونسمع أشياء يندى لها الجبين، وتدمي القلب من الفواحش والمنكرات، تأتي الخادمة ولا تبالي، فتكون متكشفة ومتبرجة وثيابها قصيرة، ويخلو بها صاحب البيت أو أولاده! وهذا من البلاء والمصائب! وكذلك أيضاً الخادم قائد السيارة: يظهر على النساء وهن كاشفات، ويذهب بالمرأة وحدها ويخلو بها في السيارة وفي البيت، وهذا من أسباب الشر والفساد؛ ولهذا كثر الفساد، وكثر الإمساك من كثير من الناس، وقل الإحسان ولا حول ولا قوة إلا بالله! كثر الشر والفساد، وكثر اللقطاء! وكم سمعنا من يقول: إنه ولد له ولد يشبه السائق أو الخادم، ولا حول ولا قوة إلا بالله! وهناك من يشتكي يقول: إن له بنات حملن وهن ليس لهن أزواج، ولا حول ولا قوة إلا بالله؛ كل هذا بسبب التساهل في أمر الله عز وجل، وعدم الاستجابة لله ورسوله في استصحاب المحرم، والخلوة المحرمة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يخلون رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما). وقد يبتلينا الله بالمصائب بسبب هذه المنكرات، والله تعالى يقول: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى:30]، لا شك أن الأوبئة والأمراض وما يحصل على الناس من النقص في الأموال والأنفس كل هذا الابتلاء والامتحان من آثار المعاصي والذنوب، قال تعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى:30]، فلابد لكل إنسان أن يتوب إلى الله عز وجل، وأن يرجع إليه، وأن يصلح من حاله، وأن يتوب إلى الله عز وجل مما فرط منه، فالله تعالى يؤدب العباد ويمتحنهم ليعودوا إليه قال تعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا} [الروم:41] (بعض) ولو أذاقهم جميع ما عملوا لهلكوا {لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الروم:41] يعني: لكي يرجعوا، و (لعل) للتعليل، وليست للترجي: {لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الروم:41]. ولا شك أن الله تعالى قد أوصى عباده وأمرهم بذلك، قال تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [آل عمران:104] فلابد من التواصي بالحق، والتعاون على البر والتقوى، والتعاون في الأمر بالمعروف، والتناهي عن المنكر قبل أن تحل العقوبات والمصائب، يقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (إن الناس إذا رأوا منكراً فلم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعقاب من عنده). فلابد من إنكار المنكر، والإنكار على من يتساهل بالخادمات، فيترك الخادمة متبرجة، أو تختلط بالرجال، أو يخلو بها وحدها، فهذا منكر، والآن لا ينكر كثير من الناس ولا يبالي، تأتي الخادمة متكشفة تفتح الباب، وتركب مع كفيلها أو مع أحد أولاده، ولا أحد ينكر هذا، تكون متبرجة ويذهب بها ولا أحد ينكر، هذا أصبح شيئاً عادياً ولا حول ولا قوة إلا بالله! وقد كان الناس سابقاً لو رأوا رجلاً مع امرأة أنكروا هذا واستعظموه، وهذه امرأة أجنبية ما أحد ينكر، تفتح الباب متكشفة وكأنها من محارمه، وكأن هذا شيء مشروع أو مباح! ومن المصائب والبلايا العظيمة: أن كثيراً من المستقدمات خصوصاً الأندنوسيات يستخدمن السحر مع الكفلاء حتى إن بعض المستخدمين لهن يكرمونهن ويحسنون إليهن، ويعطونهن الرواتب من أول الشهر، ومع ذلك إذا دامت لابد أن تعمل سحراً في الغالب؛ لأن السحر منتشر عندهن، أما الذي يؤذيهن أو ينقص من حقهن، فهذا لا شك أنهن ينتقمن منه، فهذا من الآثار السيئة، ومن أسباب الذنوب والمعاصي. وبعض الناس الآن يأتي بخادم أو بخادمة وهو ليس بحاجة إليه، ولكن من باب التباهي، يريد أن يكون مثل الناس، حتى إن بعضهم يستدين ويأتي بخادم وخادمة، يقول: فلان عنده خادم، وأنا ما عندي خادم! فصارت المسألة مباهاة ومفاخرة. ينبغي للإنسان أن يقلل من الخدم والخادمات يعني: ما يأتي بالخادم والخادمة إلا إذا احتاج أو في الضرورة القصوى التي لابد منها، وإذا احتاج إلى من يخدمه يتعامل مع أناس من البلد، فتأتي المرأة صباحاً ومساءً -إما امرأة أو رجل- وتقوم بحوائج البيت في الصباح وتذهب إلى أهلها وأولادها، أو تأتي في يوم معين فيكون هذا أحسن من جلب الخدم والخادمات، ويوجد الآن في جنوب البلد أناس يحتاجون إلى المال، فلعلهم يخدمون في وقت من الأوقات وفي يوم من الأيام أو في طرفي النهار، ويعطيها من الأجرة ما تستعين به على النفقة على أولادها، وهذا أحسن من كونه يجلب خادمة؛ لأنهم لهم متاعب ومشاكل، ولهم آثار سيئة، وكلما أمكن التغيير فهو مطلوب. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ومن فرط حتى مات أخرج عنه من ماله حجة وعمرة]. إذا فرط الإنسان فلم يحج وهو يستطيع الحج، فمثل هذا الحج دين في ذمته، يخرج من ماله قبل قسمة التركة ويحج عنه، كما أنه إذا لم يؤد الزكاة فتخرج من تركته، فديون الله وديون الآدميين تخرج قبل قسمة التركة.

حكم حج الكافر والمجنون

حكم حج الكافر والمجنون قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولا يصح الحج من كافر ولا مجنون]. لا يصح الحج من كافر؛ لأن الكافر ليس أهلاً لذلك؛ ولأنه لا يصح الحج إلا بعد الإسلام، ولكنه يعاقب الكافر على ترك الحج وعلى ترك التوحيد، ولا يصح منه الحج في حال كفره.

حكم حج الصبي والعبد

حكم حج الصبي والعبد قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويصح من الصبي والعبد ولا يجزئ عنهما]. يصح الحج من الصبي، لكن لا يجزئه عن حجة الإسلام؛ لما ثبت في صحيح مسلم: (أن النبي صلى الله عليه وسلم لقي ركباً بالروحاء، فقال: من القوم؟ قالوا: مسلمون، قالوا: من أنت؟ قال: رسول الله، فرفعت إليه امرأة صبياً، وقالت: ألهذا حج يا رسول الله؟ قال: نعم، ولك أجر). فدل هذا على صحة حج الصبي، وينوي عنه الإحرام وليه، وإذا كان صبياً مميزاً يأمره فيحرم بإذنه، ويفعل عنه ما يعجز عنه، وإذا كان في المهد يطوف به ويجرده من المخيط إذا كان ذكراً، ويطوف به ويسعى به، ويرمي عنه إذا كان في الحج، لكن لا بد من حجة الإسلام، وكذلك العبد إذا أذن له سيده صح الحج، وإذا أعتق أدى فريضة الإسلام. والمعتوه إذا كان ضعيف العقل لا يفهم فإنه غير مكلف، وإذا كان يفهم ويعقل الأشياء فهو مكلف، فهو مثل الكبير لابد أن يأتي بجميع الواجبات. مسألة: من كان يحمل شخصاً يطوف به فالأولى أن يطوف لنفسه ثم يطوف للمحمول، وإن نوى الطواف عنه وعن المحمول أجزأه عند بعض العلماء.

حكم الحج من غير المستطيع والمرأة بغير محرم

حكم الحج من غير المستطيع والمرأة بغير محرم قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويصح من غير المستطيع والمرأة بغير محرم]. يصح الحج من غير المستطيع، إذا كان لا يستطيع ثم تجشم المشاق وحج صح حجه، وإذا كان ما عنده مال أو يشق عليه الركوب ومع ذلك تجشم المشقة وحج صح الحج، وكذلك المرأة إذا حجت بغير محرم صح حجها، ولها ثواب الحج وعليها إثم ترك المحرم، وعليها التوبة والاستغفار وحجها صحيح. وإذا ما وجدت المرأة محرماً فإنه يسقط عنها الحج عند بعض العلماء، وقال آخرون: وإذا كانت قادرة فتخرج من مالها من يحج عنها إذ أيست، وتنتظر لعل الله ييسر لها محرماً، ولو أن تستأجره، فإن لم تجد وأيست استنابت من يحج عنها إذا كانت قادرة، وإذا لم يكن عندها شيء فلا حرج عليها. مسألة: بعض التجار يجمعون الخادمات ويذهبون بهن إلى الحج جميعاً، وهذا لا يصلح، وقد سمعنا أنه من أسباب الشر والفساد، فيجمعون الخادمات ليذهبوا بهن إلى مكة فيحصل بهذا شر وفساد، فلا ينبغي هذا الجمع، لكن تذهب مع من تخدمهم فهذا أسهل؛ لأنه ما دام أنها عندهم، وهم يريدون أن يحجوا أو يسافروا فلا يتركونها في البيت، فهم من الأساس استقدموها من دون محرم، فلا تبقى في البيت؛ لأنهم إذا أبقوها في البيت حصل فساد أكبر، فتذهب معهم، أما جمع الخادمات في سيارة واحدة ثم يتركونهن في مكة فإنه يحصل شر وفساد؛ لأنه ليس مع هذه الخادمات من يدافع عنهن، فينتشرن هناك ويحصل فساد، ولا حول ولا قوة إلا بالله!

من حج عن غيره ولم يحج لنفسه

من حج عن غيره ولم يحج لنفسه قال المؤلف رحمه الله: [ومن حج عن غيره ولم يكن حج عن نفسه أو عن نذره أو عن نفله وفعله قبل حجة الإسلام وقع حجه عن فرض نفسه دون غيره]. إذا حج عن غيره وهو لم يحج عن نفسه، تنقلب هذه الحجة فتكون عنه فريضة له؛ لما ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلاً يلبي يقول: (لبيك عن شبرمة قال له النبي صلى الله عليه وسلم: من شبرمة؟ قال: أخ لي أو قريب لي قال: حججت عن نفسك؟ قال: لا، قال: حج عن نفسك، ثم حج عن شبرمة)، فأخذ العلماء من هذا: أنه إذا حج عن غيره ولم يحج عن نفسه انقلبت الحجة فصارت له. قوله: [أو عن نذره أو عن نفله]. كذلك إذا كان عليه حج نذر، ثم حج عن غيره فإنها تكون له الحجة. وقوله: [أو عن نفله] يعني: نواه نفلاً، إذا كان يحج ويقول: أنا سأجعل الحجة الأولى نفلاً، فتكون هذه حجة الإسلام، فإذا حج وقصده تطوعاً، أو حج عن غيره وهو لم يؤد الفريضة، أو حج عن غيره وهو عليه نذر، في هذه المسائل الثلاث تنقلب حجة له عن الفريضة. مسألة: إذا مرض الحاج يجب عليه أن يكمل، وليس له أن يتحلل إلا إذا اشترط، فإذا اشترط لا بأس، فيجب أن يطاف به محمولاً ولو كان مريضاً، ويسعى به محمولاً، فيكمل المناسك وهو محمول، إلا إذا اشترط، أو أحصر، فأما المحصر فإنه يذبح ويتحلل، إلا إذا عجز وما استطاع، فقد يقال: إن هذا محصر أحصره المرض، إذا أحصره المرض لابد أن يتحلل إذا كان اشترط أن يتحلل، وإذا لم يشترط يذبح هدياً ثم يتحلل. والمحمول إذا كان صبياً فإنه ينظف قبل أن يدخل البيت، وإذا حفَّظ فهذا أفضل.

ذكر المواقيت

ذكر المواقيت قال الإمام أبو محمد الموفق رحمه الله تعالى: [باب المواقيت وميقات أهل المدينة: ذو الحليفة، وأهل الشام والمغرب ومصر: الجحفة]. المواقيت: جمع ميقات، كالمواعيد: جمع ميعاد، وهي: الزمان والمكان، أي: زمان ومكان العبادة، ولعل مراد المؤلف بالمواقيت: الزمان والمكان المعين للعبادة. ومعنى مواقيت العبادة أي: أزمنتها وأمكنتها، والمراد هنا المواقيت المكانية، والأصل أن الميقات يكون للزمان، ثم أريد به مكان العبادة. إذاً: المواقيت المراد بها: مواقيت العبادة المكانية والزمانية، فالزمانية مثل ميقات الظهر عند زوال الشمس، والمغرب عند غروبها وهكذا.

ميقات أهل المدينة

ميقات أهل المدينة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وميقات أهل المدينة ذو الحليفة]. مراد المؤلف رحمه الله: مواقيت الأمكنة التي وقتها النبي صلى الله عليه وسلم للناس ليحرموا منها، وهذا الباب معقود لمواقيت الأمكنة التي شرع الله أن يحرم منها الحاج والمعتمر، وهي خمسة مواقيت. أما ميقات أهل المدينة فمن المكان الذي حدده النبي صلى الله عليه وسلم لإحرام أهل المدينة منه، وهو: ذو الحليفة، والحليفة: تصغير حلفاء وهو شجر معروف سمي به ذلك المكان لكثرة شجر الحلفاء فيه، وذو الحليفة اشتهرت تسميته الآن بأبيار علي، ويسميها بعضهم الحسا، وهو أبعد المواقيت عن مكة؛ لأن بينه وبين مكة عشرة مراحل، وهو قريب من المدينة، والآن هذا الطريق وصله البنيان وهو بجوار المدينة، أما المواقيت الأخرى فبينها وبين مكة مرحلتان، يعني: أن هذا الميقات يزيد عليها بما يقارب ثلاث مرات للمسافة التي بينها وبين مكة. وكأن الحكمة في ذلك -والله أعلم- هي التقارب بين الحرمين، فلا يكاد الإنسان يخرج من الحرم المدني حتى يتلبس بما يتعلق بالإحرام المكي.

مقيات أهل الشام والمغرب ومصر

مقيات أهل الشام والمغرب ومصر قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وأهل الشام والمغرب ومصر: الجحفة]. الميقات الثاني: ميقات أهل الشام ومصر والمغرب: الجحفة، وهي قرية خربة، فاضطر الناس أن يحرموا من رابغ، وأعيد الآن الميقات في نفس الجحفة، وبني فيه مسجد والناس يحرمون الآن منه. وبعضهم يحرم من رابغ، ورابغ قبلها بيسير، ومن أحرم من رابغ فقد أحرم من الميقات، والمسافة بينهما سبعة كيلو أو نحوها.

ميقات أهل اليمن

ميقات أهل اليمن قال المؤلف رحمه الله تعالى: [واليمن: يلملم]. هذا الميقات يسمى ميقات أهل اليمن ويسمى الآن السعدية، وهو قريب من جهة الساحل، أي: يقدم عليه من جهة الساحل.

ميقات أهل نجد

ميقات أهل نجد قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولنجد: قرن]. هذا ميقات أهل نجد أي: قرن المنازل، وهو غير قرن الثعالب، وسماه الناس: السيل أو وادي محرم، إذا أتيت من الطائف فأحرم منه، وإذا أتيت من الطريق الثاني المسمى: السيل تحرم من هناك وهو واد واحد، فإن أتيت من طريق الهدى تكون في طرف الوادي، وإن أتيت من جهة طريق السيل، كذلك.

ميقات أهل المشرق والعراق

ميقات أهل المشرق والعراق قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وللمشرق: ذات عرق]. ولأهل المشرق والعراق: ذات عرق، ويسمى: الضريبة، وهذا وقته النبي صلى الله عليه وسلم، ووقته عمر لما جاءه أهل العراق وقالوا له: إن قرناً جور عنا، -يعني: مائلة عن طريقنا- فوقت لهم ذات عرق ولم يعلم بالحديث، ثم ظهر أن النبي صلى الله عليه وسلم قد وقته، فاجتمع في ذات عرق أن النبي صلى الله عليه وسلم وقته، ووقته عمر قبل أن يعلم توقيت النبي صلى الله عليه وسلم.

المواقيت لأهلها ولمن مر عليها

المواقيت لأهلها ولمن مر عليها قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فهذه المواقيت لأهلها ولكل من يمر عليها]. لما ثبت في حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: (وقت النبي صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل اليمن يلملم، ولأهل الشام الجحفة، ولأهل نجد قرن، هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن أراد الحج والعمرة). وإذا تجاوز الحاج أو المعتمر الوادي ولم يحرم فعليه دم، وإذا تجاوز الوادي بيسير وجب عليه أن يرجع، فإن رجع وأحرم من الميقات فليس عليه شيء، وإن أحرم من مكانه فعليه دم عند أهل العلم، والدم هو شاة يذبحها. أما قبله بيسير فلا بأس. فإن سأل سائل: ما هو حد القليل أو اليسير الذي للمحرم أن يحرم منه قبل وصوله إلى الميقات؟ A القليل أو اليسير يعود إلى العرف. ولكن إذا كان قبل الميقات فهذا الأولى تركه، وهو إحرام صحيح لكنه مكروه، ولا ينبغي له فعله. ولما أحرم بعضهم من بيت المقدس أنكر عليه الصحابة. المقصود: أن الإحرام قبل الميقات مكروه، وينعقد على الصحيح، وهو مثل الإحرام قبل أشهر الحج، وهي: شوال وذو القعدة وذو الحجة، فلو أحرم في رمضان للحج فهل ينعقد إحرامه أم لا؟ وهذا قل أن يحدث من الناحية العملية، فقيل: ينعقد مع الإثم أو مع الكراهة، وقيل: لا ينعقد. ومن كان قصده أن يزور المسجد النبوي ثم يحرم بعد الزيارة فلا بأس عليه، فإذا مر من ميقات الجحفة ولم يقصد الإحرام فقط بل قصد الزيارة، ثم بعد الزيارة يحرم من المدينة، فلا بأس أن يزور أولاً ثم يحرم ثانياً من ميقات أهل المدينة. فمن كانت عنده نية الزيارة لما مر بالميقات لا الإحرام، فذهب للزيارة ثم بعد الزيارة أحرم فلا بأس، أما إذا مر بالميقات وهو يريد الإحرام فيتجاوزه ففيه خلاف، فقال بعض أهل العلم: إذا كان ميقات المدينة أبعد من ميقاته الأصلي فلا بأس ومعلوم أن ميقات المدينة أبعد المواقيت، أما إذا كان ميقات بلده أقرب له فينبغي له أن يرجع إليه، ما دام أنه مر به وهو يريد الحج أو العمرة، وإن ذهب إلى ميقات آخر لم يكن له ذلك، لكن لو مر بميقات بلده ولم يقصده الإحرام بل قصد زيارة المسجد النبوي في هذا لا بأس به. فإن قال قائل: كثير من الناس اليوم يذهبون إلى جدة فيجلسون فيها أياماً ثم بعد ذلك يذهبون للعمرة وقد أضمروا نية العمرة قبل الذهاب إلى جدة، فما حكم من فعل مثل هؤلاء؟ نقول: هذا يجب عليه أن يرجع إلى الميقات ويحرم منه للعمرة، فإن لم يرجع فعليه دم. أما إن أحرم من جدة فهذا غلط، وجدة عرفها العلماء قديماً وحديثاً وليست ميقاتاً ولا حددت ضمن المواقيت. أما من يأتي جواً فلابد أن ينوي الإحرام عند محاذاته الميقات، أما النية العامة للحج أو العمرة فكل الذاهبين ينوون ذلك لكن لابد من تجديدها عند محاذاة الميقات، فإن نام بعضهم وتجاوز الميقات، ولم يشعر كان عليه أن يرجع، فإن لم يرجع فعليه دم. قال المؤلف رحمه الله تعالى: (فهذه المواقيت لأهلها ولكل من يمر عليها). أي: إذا مر نجدي بميقات أهل اليمن فيحرم منه، وإذا مر يمني بميقات أهل نجد فيحرم منه، ولا نقول له: ارجع إلى ميقات أهل اليمن أو نجد فأحرم منه، بل نقول له: أحرم من الميقات الذي مررت به. أما لو تجاوز ميقات بلده وأحرم من ميقات آخر فنقول له: ارجع إلى ميقات بلدك فأحرم منه، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث: (هن لهن)، وفي حديث ابن عباس: (ولمن مر عليهن من غير أهلهن ممن أراد الحج أو العمرة). قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ومن منزله دون الميقات فميقاته من منزله]. أي: يحرم من مكانه، فأهل الشرائع يحرمون من الشرائع، وأهل بحرة يحرمون منها، وأهل جدة يحرمون منها، حتى أهل مكة يحرمون من مكة للحج، أما في العمرة فعليهم أن يخرجوا إلى أدنى الحل من التنعيم. وبعض الناس يذهبون إلى المدينة بقصد الزيارة ولم يحرموا من مواقيت بلدانهم، فهؤلاء يحرمون من ميقات أهل المدينة، ولا يلزمه أن يرجع إلى ميقات بلده. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حتى أهل مكة يهلون منها لحجهم، ويهلون للعمرة من أدنى الحل]. كما أقر النبي صلى الله عليه وسلم أهل مكة على إحرامهم من منازلهم وأمرهم بذلك، ولما أرادت عائشة العمرة أمر النبي صلى الله عليه وسلم أخاها عبد الرحمن أن يخرج بها إلى التنعيم، وكانت في مكة. فدل هذا على أن من كان في مكة وأراد العمرة فليس له أن يحرم من جوف مكة، بل لابد أن يخرج إلى الحل، وإن كان التنعيم الآن قد صار في وسط مكة، إلا أنه من الحل. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ومن لم يكن طريقه على ميقات فميقاته حذو أقربها إليه]. أي: إذا حاذى أقرب المواقيت إليه يحرم منها، سواء أكان في البر أو البحر أو الجو، وإذا كان في الجو وجاء من نجد من الرياض فإنه يحرم إذا حاذى السيل. وكذلك أيضاً إذا كان في البحر وحاذى أقربها، أو كان مسافر براً ولم يمر على ميقات، إذا حاذى أقرب المواقيت إليه يحرم منها، لقول الله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة:185] وقوله: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج:78].

حكم الإحرام لمن دخل مكة

حكم الإحرام لمن دخل مكة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولا يجوز لمن أراد دخول مكة تجاوز الميقات غير محرم]. أي: لا يجوز لمن دخل مكة أن يتجاوز الميقات إلا وهو محرم، وهذا من خصائص مكة: أن كل من دخلها يجب عليه أن يحرم. هذا هو المذهب: أن كل من أراد دخول مكة سواء أراد العمرة أم لم يردها، فلابد عليه أن يحرم، وقالوا: هذا من خصائص مكة، وهذا هو مذهب الحنابلة وجماعة غيرهم. والقول الثاني: أنه لا يجوز الإحرام إلا لمن قصد الحج أو العمرة، أما من دخل مكة لا يريد العمرة وإنما دخلها للزيارة أو لطلب العلم أو للتجارة أو لأي مقصد آخر فلا يجب عليه الإحرام، وهذا أرجح القولين؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عباس لما وقت المواقيت: (هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن أراد الحج أو العمرة). وسيذكر المؤلف أنه يستثنى من هذا الذي يتكرر خروجه مثل الحطاب، فهذا وأمثاله يستثنى من وجوب الإحرام عند كل دخول لمكة للمشقة. وكذلك من دخلها لقتال مباح، كما دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة عام الفتح وعلى رأسه المغفر ولم يحرم؛ لأنه جاء لفتحها. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [إلا لقتال مباح، وحاجة تتكرر كالحطاب ونحوه]. قوله: (إلا لقتال مباح)؛ لأنه فعل النبي صلى الله عليه وسلم: فإنه دخل مكة عام الفتح ولم يحرم. وكذلك الذي يتكرر خروجه كالحطاب وأشباهه، فهذا مستثنى لمشقة التكرر. قول المؤلف رحمه الله تعالى: [ثم إذا أراد النسك أحرم من موضعه]. يعني: الذي دخل مكة ولم يقصد الحج أو العمرة أو تكرر دخوله لحاجة كالحطاب، فهذا معفو عنه، لكن إذا أراد أن يحرم بعد ذلك، يحرم من مكانه، ولو من مكة؛ لأنه لم تكن له نية سابقة أن يحرم، فأصبح حكمه الآن حكم أهل مكة، وإذا أراد العمرة خرج للإحرام من الحل إن كان في مكة. ولو أن امرأة اعتمرت واشترطت إذا نزل عليها الحيض أن تحل، فنزل عليها الحيض ولم تكن في مكة بعد، ثم طهرت، فهل تحرم من الحل أم لابد أن تذهب إلى الميقات، علماً أنها أحرمت أولاً من الميقات، واشترطت ثم تحللت، وبقيت في مكة حتى طهرت، فهذه لا تزال على إحرامها فتطوف وتسعى، فإذا طهرت اغتسلت وطافت وسعت وقصرت. أما بالنسبة لاشتراطها فكيف تشترط وهي تريد الجلوس؟ إنما تشترط التي لا تستطيع الجلوس، أو أن رفقتها لن يجلسوا معها، أو أن زوجها لن يجلس معها، فهذه اشترطت من أجل أن تسافر وتتحلل، أما هذه في قول لبعض أهل العلم تسمى محصورة ومنعها كمن حصره العدو؛ فتتحلل ولا شيء عليها بناء على اشتراطها.

حكم من جاوز ميقاته غير محرم

حكم من جاوز ميقاته غير محرم قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وإن جاوزه غير محرم رجع فأحرم من الميقات]. أي: إذا جاوز الميقات ولم يحرم منه، يرجع إلى الميقات ليحرم، فإذا رجع وأحرم فلا شيء عليه، أما إن أحرم بعدما تجاوز الميقات فعليه دم، ولا يفيده الرجوع في هذه الحالة، إنما يفيده إذا لم يحرم. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولا دم عليه؛ لأنه أحرم من ميقاته؛ فإن أحرم من دونه فعليه دم سواء رجع إلى الميقات أو لم يرجع]. أي: لا يفيده الرجوع إذا أحرم من دونه، والدليل على وجوب الدم عليه عند أهل العلم: ما ثبت عن ابن عباس: (من ترك نسكاً أو نسيه فليهرق دماً)، روي موقوفاً مرفوعاً. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والأفضل أن لا يحرم قبل الميقات فإن فعل فهو محرم]. هذا هو الأفضل ألا يحرم قبل الميقات، فإن فعل يكون محرماً، لكنه ترك ذلك هو الأولى، يعني: ينعقد الإحرام ولو قبل وصوله الميقات، لكن الأفضل أن لا يحرم إلا منه. وإن أحرم قبل الميقات بمسافة بعيدة فهو مكروه في حقه كراهة شديدة ولا ينبغي له ذلك، لكن لو كان قبله بيسير فلا بأس. ولو سافر شخص بطائرة فيحرم إذا حاذى الميقات؛ لأن الأصل في الإحرام هو النية، أي: أن ينوي الإحرام إذا حاذى الميقات، أما كونه يغتسل قبل ذلك أو يلبس الإزار والرداء فهذا الأمر فيه واسع، وليس هو الإحرام، إنما من الاستعداد والتهيؤ له.

ذكر أشهر الحج

ذكر أشهر الحج قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وأشهر الحج شوال وذو القعدة وعشرة من ذي الحجة]. هذه هي أشهر الحج التي يكون فيها الإحرام: شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة، وأعمال الحج إنما تكون في ستة أيام: الثامن والتاسع والعاشر والحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر، لكن هذه أشهر الحج التي يحرم فيها، فإذا أحرم في شوال أو في ذي القعدة أو في عشر من ذي الحجة فيصح.

كتاب الحج [2]

شرح عمدة الفقه_كتاب الحج [2] الإحرام من أركان الحج والعمرة، وله أحكام ومستحبات، والمحرم مخير بين ثلاثة أنساك: التمتع والقران والإفراد، ويشرع للمحرم أن يكثر من التلبية، ويرفع صوته بها إلا المرأة فتخفض صوتها بها.

الإحرام ومستحباته

الإحرام ومستحباته قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب الإحرام من أراد الإحرام استحب له أن يغتسل ويتنظف ويتطيب، ويتجرد عن المخيط، ويلبس إزاراً ورداء أبيضين نظيفين]. من أراد الإحرام يستحب له الاغتسال؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم تجرد لإهلاله واغتسل، وأمر أسماء بنت عميس وهي نفساء لما ولدت بـ محمد بن أبي بكر أن تستر بثوب وتغتسل للإحرام، وأمر عائشة لما حاضت أن تغتسل عند الإهلال وهي حائض. فدل هذا على مشروعية الاغتسال لمن أراد الحج أو العمرة إذا أراد أن يحرم، والرجل يتجرد عن المخيط ويلبس إزاراً ورداء أبيضين نظيفين جديدين أو مغسولين، ويخلع ثيابه كالسروال والفنيلة، ويكشف رأسه، ولا يكون عليه إلا إزاراً يشد به النصف الأسفل من السرة إلى ما تحت الركبة، ورداء يضعه على كتفيه. أما المرأة فإنها تحرم بما شاءت، ولا تكشف رأسها، ولا وجهها إذا كانت عند رجال أجانب، وتحرم بما شاءت، والرجل أيضاً لا يلبس الشراب ولا القفازين ولا الخفين لستر الكعبين وهو محرم. أما المرأة فتلبس الشراب؛ لأنها عورة فتبقى عليها ثيابها وخمارها على رأسها، والوجه تكشفه إذا لم يكن عندها رجال أجانب، فإن كانوا عندها سترت وجهها لكن بغير النقاب، ولا تلبس المخيط على قدر الوجه وهي محرمة، وكذلك على قدر اليدين، وإنما تغطي وجهها ويديها بالخمار لا بالمخيط؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تنتقب المرأة ولا تلبس القفازين)، والبرقع أشد منعاً من باب أولى، والمخيط هو: ما خيط على قدر العضو كالوجه واليدين والقدمين. والإحرام المراد به: نية الدخول في النسك، فليس هو التجرد من المخيط والاغتسال والتطيب، هذه أمور مستحبة قبل الإحرام؛ فإنه يتهيأ له بالاغتسال والتطيب ولبس الإزار والرداء. وإن كان بحاجة لأن يأخذ من الأظافر والإبط فيفعل، سيما في الماضي؛ لأن المدة كانت تطول عليهم، فيستحب أن يتعاهدها إن كانت طويلة، أما إذا لم تكن طويلة فلا حاجة. أما عن الحكمة من عد العاشر من ذي الحجة في أشهر الحج ولا يصلح الإحرام فيه؛ فلأنه من ذي الحجة، وهو يوم العيد ولا يصام فيه، وهذا من باب التغليب، وإلا فمعلوم أنه في آخر يوم عرفة يستطيع أن يحرم وبعدها لا يستطيع؛ لأن الحج انتهى. وكذا في ليلة العيد للمتأخر يجب عليه أن يبادر، فقد يقال: إنها ليلة العيد وهي أيضاً تابعة لليوم. نعود إلى مسألة لبس المخيط فنقول: يوجد الآن إزار مخيط يشبه السروال، فهذا لا ينبغي لبسه للمحرم، وحكمه حكم المخيط، فتركه أولى، وكان الشيخ محمد بن عثيمين وفقه الله يفتي بأن لبس هذا لا بأس به، لكن هذا فيه نظر، وقد تأملنا هذه الفتوى مع بعض المشايخ فلم يظهر لنا وجه فتوى فضيلته وفقه الله؛ لأن هذا من المخيط، فهو داخل في حكمه، والشيخ يتساهل في هذا، لكن ما ظهر لي إلى الآن أن الفتوى وجيهة في هذا. ولا بأس أن يلبس أبيض أو ملوناً، لكن الأبيض أفضل. ولا يلبس المحرم قميصاً؛ لأنه منصوص عليه من النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (لا يلبس قميصاً)، وذلك عندما سئل ما يلبس المحرم فقال: (لا يلبس القميص ولا البرانس ولا العمامة ولا الخفاف ولا السراويل ولا شيئاً مسه زعفران أو ورس)، فهذه نص عليها النبي صلى الله عليه وسلم. والعلماء قالوا: ما جاء في المخيط نص، لكن لما سئل النبي صلى الله عليه وسلم -في حديث ابن عمر - ما يلبس المحرم قال: (لا يلبس القميص ولا العمائم ولا السراويلات ولا الخفاف، ولا ثوب مسه زعفران أو ورس) فقيس عليه.

أحكام الإحرام

أحكام الإحرام

حكم الصلاة للإحرام

حكم الصلاة للإحرام قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ثم يصلي ركعتين ويحرم عقيبهما]. قوله: (ثم يصلي ركعتين) ذهب إلى هذا كثير من الفقهاء، أي: أن الإحرام له صلاة تخصه، فيصلي ركعتين ثم يحرم بعدهما. واستدلوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أتاني آت من ربي فقال: صل في هذا الوادي المبارك، وقل: عمرة في حجة). قالوا: فقوله: (صل) في هذا دليل على أن للإحرام صلاة، وذهب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وجماعة من المحققين إلى أنه ليس للإحرام صلاة تخصه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أحرم عقب الفريضة، فإذا كان وقت فريضة فإنه يصلي الفريضة ويحرم عقبها، وإن لم يكن وقت فريضة توضأ وصلى سنة الوضوء، أو سنة الضحى إن كان وقتها، ولا ينويها للإحرام؛ لأن الإحرام ليس له صلاة تخصه، وإنما أحرم النبي صلى الله عليه وسلم عقب الفريضة. وما ذهب إليه شيخ الإسلام قول قوي، والجمهور أخذوا بعموم: (صل في الوادي المبارك وقل: عمرة في حجة).

معنى الإحرام

معنى الإحرام قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وهو أن ينوي الإحرام]. يقول الشارح رحمه الله تعليقاً على هذه الجملة: [وهو أن ينوي الإحرام بقلبه ولا ينعقد الإحرام بغير نية؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات)]. قوله: وهو أن ينوي الإحرام) أي: أن الإحرام هو: نية الدخول في النسك. فإذا نوى بقلبه الدخول في الحج أحرم، ثم بعد ذلك يقول: لبيك عمرة ولبيك حجاً، فالحاصل: أن الإحرام هو نية الدخول في النسك، فهو بمثابة تكبيرة الإحرام للصلاة، فإذا كبرت دخلت فيها. وسمي إحراماً؛ لأنه بدخوله في الحج يحرم عليه ما كان يحل له قبل ذلك، فتحرم عليه النساء والطيب والصيد وبقية المحظورات، كما أن تكبيرة الإحرام يحرم عليه بها ما كان حلالاً له قبل دخوله في الصلاة، مثل الكلام والضحك والأكل والشرب. أما التلبية ففيها اختلاف بين العلماء فمنهم من قال: مستحبة، ومنهم من قال: إنها شرط، ومنهم من قال: إنها واجبة، والمشهور عند العلماء: أنها مستحبة. فإذا نوى الإحرام ولو لم يلب -على الصحيح- صح إحرامه؛ لأن الإحرام هو النية، وليس التلبية.

حكم النطق بالإحرام

حكم النطق بالإحرام قال المؤلف رحمه الله تعالى: [يستحب أن ينطق بما أحرم به، ويشترط ويقول: اللهم إني أريد النسك الفلاني؛ فإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني]. هذا الكلام يشتمل على مسألتين: المسألة الأولى: استحباب النطق بالنية. المسألة الثانية: الإحصار، أما المسألة الأولى فأن يقول: اللهم إني أريد الحج فيسره لي، اللهم إني أريد العمرة فيسرها لي. وإلى هذا ذهب كثير من الفقهاء الحنابلة والشافعية والمالكية وغيرهم، قالوا: يستحب أن ينطق بالنية ويتلفظ بها، فيقول: اللهم إني نويت نسك كذا، اللهم إني أريد الحج فيسره لي، اللهم إني أريد العمرة فيسرها لي. وذهب شيخ الإسلام رحمه الله إلى أنه لا يستحب النطق بالنية بل إنه بدعة؛ لأنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه تلفظ بالنية لا في الحج ولا في غيره، فلا يجوز أن يقول: نويت أن أصلي الظهر خلف هذا الإمام أربع ركعات، أو نويت أن أصوم هذا اليوم من رمضان من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، أو نويت الحج حج الفريضة، وغيره. قال ابن تيمية رحمه الله: إن هذا بدعة وليس عليه دليل، ولكن يذكر نسكه في التلبية بقوله: لبيك عمرة وحجاً، أو لبيك حجاً، أو لبيك عمرة، فيذكر نسكه في تلبيته، فيقول: اللهم إني نويت الحج. والفقهاء المتأخرون يقولون: يستحب أن ينطق بالنية حتى يتواطأ القلب واللسان، حتى في الصلاة، والحنابلة وغيرهم يقولون: يستحب أن ينطق بما نواه، وهذا الاستحباب لا دليل عليه. وقوله رحمه الله: (ويشترط ويقول: اللهم إني أريد النسك الفلاني فإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني). مفهوم كلام المؤلف: أن كل أحد -حاج أو معتمر- يستحب له أن يشترط، والقول الثاني: أنه لا يشترط إلا من كان خائفاً، فليس كل أحد يشرع له الاشتراط، فمن اشترط وهو ليس بخائف فلم ينفعه اشتراطه، والدليل على هذا: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشترط ولا أمر الصحابة أن يشترطوا، لكن فعلته ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب بنت عمه فقالت: (يا رسول الله! إني أريد الحج وأنا شاكية -يعني: مريضة- فقال: حجي واشترطي: أن محلي حيث حبستني، فإن لك على ربك ما اشترطت). فدل هذا على أن الاشتراط إنما هو لمن كان خائفاً، كأن يكون مريضاً، أو يخشى من يصده عن البيت فيفشل، وفي هذه الحالة يتحلل ولا شيء عليه، أما إذا لم يكن خائفاً فإنه يحسن الظن بالله فلا يشترط؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشترط ولا الصحابة ولا أمرهم بالاشتراط. ولو قال قائل: إن الاشتراط في هذه الأيام مع كثرة الحوادث مستحب، لقلنا: لا؛ لأن الحوادث كثيرة حتى في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، فرجل سقط عن راحلته وهو واقف بعرفة، هذا حادث من الحوادث.

أنواع الإحرام

أنواع الإحرام قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وهو مخير بين التمتع والإفراد والقران]. هذه أنواع النسك الثلاثة: الإفراد والتمتع والقران. فالتمتع: هو أن يحرم بالعمرة وحدها، ثم يطوف ويسعى ويقصر ويتحلل، ثم يحرم بالحج في اليوم الثاني، فالعمرة منفصلة عن الحج في التمتع. أما القران: فيلبي المحرم بهما جميعاً من الميقات، يقول: لبيك عمرة وحجاً، ولا يتحلل من إحرامه إلى يوم العيد، وفي القران تتداخل أعمال العمرة مع أعمال الحج. والمفرد لا ينوي إلا نسكاً واحداً فقط، أي: ينوي الحج ولا ينوي العمرة، ويبقى على إحرامه إلى يوم العيد. وأعمال المفرد مثل أعمال القارن سواء لا فرق بينهما إلا في النية والهدي، فالقارن عليه هدي والمفرد لا هدي عليه. ولو أن امرأة خشيت أن ينزل عليها الدم ورفقتها لن يبقوا معها، فاشترطت، فهل تصير محصورة شرعاً؟ نقول: بهذا أفتى جمع من أهل العلم. والدليل على صحة الإهلال بواحد من الأنساك الثلاثة حديث عائشة رضي الله عنها قالت: (أهللنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنا من أهل بحجة وعمرة، ومنا من أهل بحج، ومنا من أهل بالعمرة، وكنت ممن أهل بالعمرة)، فذكرت أنواع النسك الثلاثة الإهلال بالحج والعمرة.

أفضل أنواع النسك

أفضل أنواع النسك قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وأفضلها التمتع ثم الإفراد ثم القران]. قوله: (وأفضلها التمتع)؛ لأن فيه زيادة عمل، فالمتمتع عليه طوافان وسعيان، طواف وسعي للعمرة وطواف وسعي للحج، ويكون هو الأفضل؛ وهو الذي أمر به النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه، ثم يليه الإفراد على ما أتى به المصنف. وقيل: أحسنه القران؛ لأنه فعل النبي صلى الله عليه وسلم؛ ولأنه يأتي بنسكين، ثم الإفراد، على خلاف في الأفضل منهما لكن التمتع أفضل، ثم القران بعده؛ لأنه يأتي فيه بنسكين، ثم الإفراد. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والتمتع: أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج ويفرغ منها، ثم يحرم بالحج في عامه]. هذه صورة التمتع، أي: أن يحرم بالعمرة ثم يطوف ويسعى ويقصر ويتحلل ويبقى في المكان، فإذا جاء يوم العيد أحرم بالحج. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والإفراد: أن يحرم بالحج وحده، والقران: أن يحرم بهما أو يحرم بالعمرة ثم يدخل عليها الحج]. إذاً: القران: أن يحرم بالحج والعمرة، ويقول: لبيك عمرة وحجاً، أو يحرم بالعمرة ثم يدخل عليها الحج، فيبقى على إحرامه إلى يوم العيد. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولو أحرم بالحج، ثم أدخل عليه العمرة لم ينعقد إحرامه بالعمرة]. لا ينعقد؛ لأنه تلبس بالحج.

أحكام التلبية

أحكام التلبية

صيغة التلبية ومعناها

صيغة التلبية ومعناها قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فإذا استوى على راحلته لبى فقال: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك، ويستحب الإكثار منها]. معنى: (فإذا استوى على راحلته لبى) هذا هو الأفضل للمسلم، أن يلبي إذا ركب مركوبه، وكذا إن ركب سيارة يلبي؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما لبى بعدما استوى على راحلته، هذا هو ثابت عنه في الأحاديث الصحيحة. وجاء في الحديث: أنه صلى الله عليه وسلم لبى بعد الفريضة قبل أن يركب، لكنه حديث ضعيف؛ لأنه من رواية قصي عن ابن عباس، وقصي ضعيف. وجاء في حديث جابر: أنه لبى على البيداء. والصواب: أنه أحرم ثم لبى بعدما ركب، فسمعه قوم فأخبروا أنه لبى بعدما ركب، ولما استوى على البيداء سمعه قوم يلبي ولم يسمعوه لبى أولاً، فقالوا: إنه لبى على البيداء. فالأفضل أن يلبي الإنسان بعدما يركب دابته، وإن لبى فلا بأس، لكن الأفضل أن يلبي إذا ركب سيارته؛ لأنه قد يحتاج شيئاً نسيه، أو قد يحتاج إلى الطيب، فإذا ركب ومشى في الغالب أنه يكون متجهزاً، ولا حاجة له بشيء، والأمر في هذا واسع. ويستحب أن يكرر التلبية في كل وقت. ومعنى: (لبيك اللهم لبيك) أي: نجيبك يا ألله إجابة بعد إجابة، ومعنى: (لا شريك لك) أي: لا شريك لك في الألوهية والعبادة، كما أنه لا شريك لك في الملك ولا في الربوبية. ومعنى: (إن الحمد والنعمة لك) أي: إن جميع أنواع المحامد لله ملكاً واستحقاقاً، وكذلك النعمة بيده سبحانه، وكذا الملك: هو ملك الله سبحانه وحده لا شريك له، فهذه تلبية عظيمة يكررها الحاج والمعتمر، ولاسيما إذا اختلفت الأحوال. فإذا هبط وادياً أو علا نشزاً، أو أقبل ليلاً أو أدبر نهاراً، أو التقى بالرفاق، أو سمع ملبياً، أو فعل محظوراً، تتأكد التلبية في مثل هذه الأحوال.

حكم رفع الصوت بالتلبية

حكم رفع الصوت بالتلبية قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ورفع الصوت بها لغير النساء]. أي: رفع الصوت بها إنما هو للرجال، وجاء في حديث خلاد بن السائب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أمرني ربي أن آمر أصحابي أن يرفعوا أصواتهم في الإهلال)، فكان الصحابة يصرخون بها صراخاً. أما المرأة فلا تجهر بها، وتلبي بقدر ما تُسمع رفيقتها التي بجوارها؛ لأنه قد يخشى أن يفتن أحد بصوتها.

أوقات تأكد التلبية

أوقات تأكد التلبية قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وهي آكد فيما إذا علا نشزاً أو هبط وادياً]. معنى: نشزاً، أي: مرتقاً. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أو سمع ملبياً، أو فعل محظوراً ناسياً، أو لقي ركباً، وفي أدبار الصلاة المكتوبة، وبالأسحار، وإقبال الليل والنهار]. كذلك في أدبار الصلاة المكتوبة كصلاة الظهر والعصر، وفي الأسحار وعند إقبال الليل وإدبار النهار؛ لأنهم في السابق كانوا يحرمون يومين أو ثلاثة أو أربعة أو خمسة أو ستة أو سبعة، أما الآن فالمحرم وقته أقل من ساعة، لكن في السابق كانت المواصلات شاقة. كما أحرم النبي صلى الله عليه وسلم من ميقات المدينة في اليوم الخامس والعشرين ولم يصل مكة إلا في الرابع من ذي الحجة، فمضت في إحرامه تسعة أيام عليه الصلاة والسلام. والسنة في التلبية أن يلبي كل وحده، فلا تشترط التلبية الجماعية بصوت مرتفع، بل ليس بمشروع. والذين منعوا الجمع بين الحج والعمرة منعوا ذلك حتى يكثر العمار والزوار، فيأتي الإنسان بالحج في وقت والعمرة في وقت وهذا اجتهاد منهم رضي الله عنهم.

كتاب الحج [3]

شرح عمدة الفقه_كتاب الحج [3] يحرم على المحرم لبس المخيط المُحيط وتغطية الرأس للرجل، وتغطية الوجه للمرأة وحلق الشعر وقص الأظافر والطيب وعقد النكاح والوطء والمباشرة بشهوة والخطبة وقتل الصيد.

محظورات الإحرام

محظورات الإحرام قال الإمام أبو محمد الموفق رحمه الله تعالى: [باب محظورات الإحرام: وهي تسعة: حلق الشعر، وقلم الظفر، ففي ثلاثة منها دم، وفي كل واحد مما دونه مد طعام وهو ربع الصاع]. قول المؤلف رحمه الله تعالى: (باب محظورات الإحرام). أي: الممنوعات التي منع منها المحرم، فالمحظور الممنوع. وعقد هذا الباب للأشياء التي يمنع منها المحرم، وهو الذي دخل في الإحرام، والإحرام: هو نية الدخول في النسك، فإذا نوى الدخول في النسك في حج أو عمرة فإن هناك محظورات يحظر منها من دخل في الإحرام، وهي تسعة أشياء يمتنع عنها المحرم، وهي: قص شيء من الشعر، وأخذ شيء من الظفر، ولبس المخيط، وتغطية الرأس، والطيب، والصيد، وعقد النكاح، والجماع، والمباشرة، وهي دون الجماع. وهذه التسعة عرفت بالاستقراء والتتبع للنصوص. قوله: [وهي تسعة: حلق الشعر وقلم الظفر]. حلق الشعر هو المحظور الأول، والمحظور الثاني قلم الظفر. ولو قال في الأول: إزالة الشعر، لكان أحسن؛ لأن الممنوع هو إزالة الشعر سواء أكان بحلق أم بغيره كنتف أو مزيل من صابون أو أدهان، فهذا كله ممنوع، لقول الله تعالى: {وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة:196] وإن كان هذا في المحصر فكذلك المحرم. ومن الأدلة أيضاً: أن كعب بن عجرة رضي الله عنه لما كان محرماً وقد شق عليه ما أصابه من القمل قال له النبي صلى الله عليه وسلم: (يؤذيك هوام رأسك؟ قال: نعم، قال: احلق رأسك وصم ثلاثة أيام، أو أطعم ستة مساكين، أو انسك شاة). فدل هذا على أن المحرم ممنوع من حلق الرأس، وإذا احتاج إليه فإنه يفعله ويفدي. والشعر عند العلماء عام، يدخل فيه شعر الرأس وشعر سائر الجسم، وخالف داود الظاهري فقالوا: إنه خاص بالرأس؛ لأن هذا هو الذي يتعلق به النسك. وقوله: (وقلم الظفر). هذا مقيس عليه، وكذلك الباقي أغلبها مقيس عليها، والدليل على القياس: أنه سمي في حديث كعب بن عجرة كفارة، وفيها فدية، فتسمى فدية الأذى. وأما تغطية الرأس فقد ورد فيه نص، وأما لبس المخيط والطيب فكل هذه مقيسة عليه، فحلق الشعر هو الأصل، ثم تقليم الأظفار ولبس المخيط والطيب وتغطية الرأس هذه كلها مقيسة عليه بجامع الترفه، لكن تغطية الرأس فيه نص، والعلماء يقولون: الأصل دفع الأذى، والبقية مقيسة عليها، وأما قتل الصيد وعقد النكاح ففيها أدلة خاصة. فالخمسة المقيس عليها كلها فيها فدية أذى، أي: إذا فعل واحداً منها محتاجاً إليه فعليه الفدية وليس عليه إثم، فإن فعلها غير محتاج إليها فعليه فدية وإثم وعليه التوبة والاستغفار.

كفارة إزالة الشعر وتقليم الظفر

كفارة إزالة الشعر وتقليم الظفر قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ففي ثلاثة منها دم، وفي كل واحد مما دونه مد طعام، وهو ربع الصاع]. يعني: إذا فعل محظوراً، كإزالة ثلاث شعرات على الأقل ففيه دم، أو قلم ثلاثة أظفار على الأقل ففيه دم أيضاً، والمراد بالدم: شاة يذبحها. والرواية الأخرى: أن أربع شعرات فيها دم، وكذا في أربعة أظفار، وهذا اجتهاد ليس عليه دليل. والأرجح أن ثلاث شعرات ليس فيها دم، وإنما عليه الاستغفار، وإنما يتعلق الدم بما يماط به الأذى، وبعضهم قيده بربع الشعر أو بثلثه، وكله اجتهاد بلا دليل. وقيل: إن أزال شعرة واحدة فعليه أن يطعم مسكيناً، وفي شعرتين مسكينين، وثلاث دم، وإن قلم ظفراً واحداً ففيه إطعام مسكين، وفي ظفرين مسكينين، وفي ثلاثة شاة يذبحها، ومن العلماء من قال: إن أخذ ظفراً يخرج صاعاً من طعام لمسكين، وكذلك في الشعرة الواحدة. وعلى كل حال فهذا اجتهاد من العلماء، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم في رأسه وهو محرم، ومن المعلوم أنه لابد أن يأخذ شيئاً من شعر رأسه، ولم ينقل: أن النبي عليه الصلاة والسلام فدى، ويحتمل أنه فدى لكنها شعرات قليلة، وهي يقيناً أكثر من ثلاث شعرات. والمسلم إجمالاً إذا دخل في عشر ذي الحجة وأراد أن يضحي فلا يأخذ من شعره ولا من أظفاره؛ لحديث أم سلمة في صحيح مسلم: (إذا دخل العشر وأراد أحدكم أن يضحي فلا يأخذ من شعره ولا من بشرته ولا من أظفاره شيئاً). وأما المحرم ففيه حديث عن ابن عجرة أنه لا يأخذ من شعره، والتقليم مقيس عليه، وهذا يؤيد حكم المحرم؛ لأنه إذا كان من يضحي لا يأخذ من ظفره ولا من بشرته، فالمحرم من باب أولى.

ما لا فدية فيه من المحظورات

ما لا فدية فيه من المحظورات قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وإن خرج في عينه شعر فقلعه، أو نزل شعره فغطى عينه، أو انكسر ظفره فقصه؛ فلا شيء عليه]. لأن هذا من باب إزالة الأذى، فإذا نزل في عينه شعر فأزاله، أو انكسر ظفره فأزاله، فهذا يشبه الصائل على الإنسان فيدفعه عن نفسه، ويكون معذوراً، وكذلك الظفر إذا انكسر يزيله ولا شيء عليه؛ لأن هذا من المستثنى. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [الثالث: لبس المخيط إلا أن لا يجد إزاراً فيلبس سراويل، أو لا يجد نعلين فيلبس خفين ولا فدية عليه]. الثالث من المحظورات: لبس المخيط وهذا خاص بالرجل، فلا يلبس ثوباً ونحوه، إلا إذا لم يجد ثوباً فإنه يلبس السروال، وكذلك لا يلبس الخفين، والمراد بهما: ما يغطي الكعبين إن كانت من جلد، أما ما دون الكعبين فهذا حكمه حكم النعلين، لكن إذا كان يغطي الكعبين فلا يلبسه. فإن لم يجدها فإنه يلبس الخفين، وفي بعض الأحاديث أنه يقطعهما أسفل من الكعبين، وفي حديث آخر لا يقطعهما، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال في خطبته في المدينة: (من لم يجد نعلين فليلبس الخفين، وليقطعهما أسفل من الكعبين)، وقال أيضاً في حجة الوداع: (فليلبس خفين)، ولم يقل: وليقطعهما. فاختلف العلماء في ذلك، فالجمهور ذهبوا إلى حمل المطلق على المقيد، فقالوا: لابد أن يقطعهما. وقال آخرون: هذا يدل على أن القطع منسوخ؛ لأنه خطب في حجة الوداع ولم يذكر القطع، وحضرها من لم يحضر في المدينة. ومنهم من قال: الأمر بالقطع على الاستحباب. قالوا: يؤيد عدم القطع: أن فيه إضاعة لماليتها، والإسلام نهى عن إضاعة المال، فمن لم يجد نعلين فليلبس الخفين ولا يقطعهما، وكذلك من لم يجد ثوباً فيلبس السروال، وهذا ليس بمخرج لبعض الناس كما يظن، وذلك أنهم يأتون للحج على الطائرات، فإذا حاذوا الميقات وأرادوا أن يحرموا وأزرهم وأرديتهم في الشنطة، وليست معهم، فيؤخرون الإحرام حتى يهبطوا من الطائرات وهذا غلط، فالمخرج للمسلم في مثل هذا أن يخلع ثوبه ويلبس السروال ويضع الثوب المخيط على الكتفين ويحرم، ويكون معذوراً في هذا حتى يصل فيأخذ الإزار والرداء؛ لأنه في هذه الحالة لم يجد إزاراً فيلبس السروال. وكذا إن لم يجد نعلين فيلبس الخفين، ولا شيء عليه، وهذا هو الصواب. والسروال يكون من السرة إلى الركبة. والثوب لابد أن يكون طويلاً، يكفي لأن يتزر به. ويجعل الغترة على الكتف.

الأصل في حظر المخيط على المحرم

الأصل في حظر المخيط على المحرم قال المؤلف رحمه الله تعالى: [الرابع: تغطية الرأس، والأذنان منه]. ثبت في الصحيح من حديث ابن عمر رضي الله عنهما: أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم: (ما يلبس المحرم؟ قال: لا يلبس القميص ولا العمائم ولا السراويل ولا البرانس ولا الخفاف ولا شيء مسه زعفران أو ورس، ومن لم يجد إزاراً فيلبس السراويل، ومن لم يجد نعلين فليبس الخفين). وهذا أصل في حظر لبس المخيط على المحرم، ونلاحظ فيه أن السائل سأل النبي صلى الله عليه وسلم عما يلبس المحرم فأجابه بالشيء الذي لا يلبسه؛ لأن الذي لا يلبسه المحرم محصور، والذي يلبسه غير محصور. ومعنى القميص في قوله: (لا يلبس القميص) ما خيط على قدر الجسم، أو ما يخيط على قدر عضو من أعضائه، كالقفازين والفنيلة والسروال. ومعنى: (العمائم) أي: التي على الرأس، ومعنى: (البرانس) أي: الثياب المغربية التي لها رءوس ملحقة بها، والسراويل والخفاف وما مسه زعفران أو ورس، أي: ما مسه الطيب، هذه كلها لا يلبسها المحرم الرجل، وكذا لا يلبس العمائم ولا البرانس ولا الخفاف. وليس في الحديث ما يدل على أنه لا يلبس المخيط، لكن الفقهاء عبروا عما في الحديث فقالوا: لا يلبس المحرم المخيط، ولما عبروا بهذا التعبير حصل إيهام لبعض الناس، وظنوا أن المراد: أنه لا يلبس شيئاً فيه خياط، فيأتي إلى الإزار أو الرداء وفيه شيء من المخيط فيقول: هذا فيه خياط، وكذا إن كان الحذاء فيه خياط يستشكل ذلك ويظنه ممنوعاً. وليس المراد مجرد الخياط، فالإزار والرداء لو قطعتهما أربع قطع وخطتهما فلا بأس، المراد أن لا يلبس المحرم ما خيط بقدر العضو، أما القميص العادي الذي لو خلعته وقلبت أعلاه أسفله وأسفله أعلاه وجعلته رداء أو إزاراً فلا بأس بلبسه ولو كان فيه خياط. فعبارة: لا يلبس المحرم المخيط، ليست من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما العلماء عبروا بها عن حديث: (لا يلبس القميص ولا العمائم ولا السراويل ولا البرانس ولا الخفاف ولا شيء مسه الورس والزعفران). فأشكل هذا على بعض العامة، وصاروا يظنون أن المراد بالمخيط الخياط، فيتحرزون من كل ما فيه خيط حتى الكمر قد يقول أحدهم: فيه خياط فلا ألبسه، وهكذا يفعل الجهل بأصحابه. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [الثالث: لبس المخيط إلا أن لا يجد إزاراً فليلبس سراويل، أو لا يجد نعلين فليلبس خفين، ولا فدية عليه]. لا فدية إن قطعهما أسفل من الكعبين، وقد ورد حديثين أحدهما فيه الأمر بالقطع، والثاني ليس فيه أمر بالقطع، والمؤلف أشار إلى عدم الأمر بالقطع وهو الصواب. أما القاطع فلأنه قال: إما منسوخ، أو أن الأمر بالقطع محمول على الاستحباب. والجمهور يرون حمل المطلق على المقيد ويقولون: لابد من القطع للقاعدة الأصولية: يحمل المطلق على المقيد.

القول في تغطية الرأس للمحرم

القول في تغطية الرأس للمحرم قال المؤلف رحمه الله تعالى: [الرابع: تغطية الرأس والأذنان منه]. قوله: (الرابع تغطية الرأس) ينبغي أن يعلم: أن حظر لبس المخيط خاص بالرجل، وأما المرأة فإنها تلبس ما شاءت؛ لأنها عورة، ولا تلبس ما يلفت أنظار الرجال إليها. والدليل على أن هذا من المحظور على المحرم قول النبي صلى الله عليه وسلم في الرجل المحرم الذي سقط عن دابته: (لا تخمروا رأسه ولا وجهه؛ فإن الله يبعثه يوم القيامة ملبياً). فدل هذا على أن المحرم لا يغطي رأسه ولا وجهه، ولما رأى ابن عمر رجلاً مغط على رأسه فقال: (أضح لمن أحرمت له)، ومعنى: (أضح) أي: اجعل رأسك ضاحياً خارجاً، وهذا خاص بالرجل أما المرأة فإنها تغطي رأسها؛ لأنها عورة وتغطي وجهها عند الرجال الأجانب بغير النقاب. وإذا فعل الناسي المحظور فالصواب أنه معذور، وكذلك الجاهل والمكره، والحنابلة يفرقون بين بعضها، فتقليم الأظفار والصيد والنتف والحلق هذه عندهم لا يعذر فيها الجاهل والناسي؛ لأن فيها إتلافاً، أما تغطية الرأس والطيب ولبس المخيط فيعذر فيها للجهل، والصواب: عدم التفريق. ومن المسائل المتعلقة بتغطية الرأس: الاستظلال، وفي المذهب الملاصق وغير الملاصق سواء، فيمنع المحرم من التظلل بهما، والصواب: أنه يمنع الملاصق فقط، ما إذا كان يستظل بسقف السيارة أو شجرة أو خيمة أو ثوب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما رمى جمرة العقبة كان بلال وأسامة يظللانه بثوب، فدل على أن التظليل لا يعتبر تغطية للرأس، فيستظل بثوب أو بشجرة أو بسقف السيارة أو بالخيمة أو بالشمسية ونحوه، خلافاً لمذهب الحنابلة، فهم لا يفرقون بين الملاصق وغيره، وبعضهم يفرق بين من يستظل بشيء يتحرك بحركته كالشمسية وما لا يتحرك، فالخيمة والشجرة لا تتحرك بحركته، أما الشمسية فإنها تتحرك فلا يجوز أن يستظل بها، والصواب: أن الممنوع منه هو الملاصق. وبعض الناس قد يضع على وجهه شيئاً حتى لا تصل إليه الروائح الكريهة، فهذا الأولى له أن لا يضع على وجهه شيئاً، بل يكشفه، وقد يقع في ذلك إذا اضطر إليه، لكن ينبغي تركه؛ لأن فيه تغطية لبعض الوجه.

القول في تطييب المحرم

القول في تطييب المحرم قال المؤلف رحمه الله تعالى: [الخامس: الطيب في بدنه وثيابه]. الخامس من المحظورات: الطيب في بدنه وثيابه وطعامه وشرابه، حتى الطعام والشراب، فشرابه مثلاً زعفران؛ فلا يشرب المحرم قهوة فيها زعفران؛ لأنه نوع من الطيب. والدليل حديث ابن عمر الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (ولا تلبسوا شيئاً مسه زعفران أو ورس)، وهما نوعان من الطيب، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم في الذي سقط عن راحلته: (ولا تحنطوه)، والحنوط نوع من الطيب، فلا تطيبوه: (فإن الله يبعثه يوم القيامة ملبياً)، هذان دليلان على أن المحرم لا يستعمل الطيب، ولا يمس الزعفران في بدنه أو في ثيابه أو في أكله أو في شربه. والطيب هو ما يستعمل معه الشم مثل العود والعنبر والكافور والزعفران وما الورد، أما ماء له رائحة طيبة كالأزهار فلا يعتبر طيباً وكذا الأشنان والصابون، هذا في الظاهر ليس بطيب، لكن تركه احتياطاً أولى.

القول في كفارة المحظورات الخمس الأولى

القول في كفارة المحظورات الخمس الأولى الخمسة الأول إذا فعل واحداً منها متعمداً ذاكراً مختاراً فعليه فدية، فالذاكر ضد الناسي، والمختار ضد المكره، والعالم ضد الجاهل، فمن فعلها محتاجاً إليها فعليه فدية ولا إثم عليه للحاجة، كأن يكون مريضاً يحتاج إلى حلق الشعر، أو فيه جروح في رأسه حتى يداويها، أو يحتاج إلى تغطية الرأس؛ لأنه في البرد ولا يتحمل كشفه، فيلبس وعليه الفدية. أما إذا فعلها عالماً ذاكراً مختاراً ليس محتاجاً فهذا عليه فدية وعليه الإثم، ووجوب التوبة والاستغفار، فإن فعلها محتاجاً فعليه الفدية ولا إثم عليه. والفدية على التخيير، أي: يخير بين إطعام ستة مساكين لكل مسكين كيلو ونصف من قوت البلد، أو ذبح شاة، أو صيام ثلاثة أيام؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لـ كعب بن عجرة لما حلق رأسه: (انسك شاة، أو أطعم ستة مساكين، أو صم ثلاثة أيام)، هذا في هذه الخمسة التي مضت، أما الأربعة البقية فلها أحكام أخرى. وهذه الخمسة إذا فعل واحداً منها ناسياً فلا شيء عليه، وكذا إذا فعل واحداً منها جاهلاً أو مكرهاً. هذا هو الصواب. والمذهب أنه ولو كان ناسياً فعليه فدية، والقول الثاني: أنه يفرق بين ما فيه إتلاف وما ليس فيه إتلاف، فما فيه إتلاف مثل: حلق الشعر، لا يعذر فيه الجاهل ولا الناسي عندهم، وما ليس فيه إتلاف مثل تغطية الرأس يعذر. والصواب: أنه يعذر الناسي والجاهل ولا فرق بين ما فيه إتلاف وما ليس فيه إتلاف، لقوله تعالى: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة:286] قال الله: قد فعلت. ولقصة الرجل الذي لبس الجبة المضمخة بالطيب، وجاء يسأل النبي صلى الله عليه وسلم فسكت ولم يجبه، حتى نزل الوحي فقال: أين الرجل فجاء فقال: (انزع عنك الجبة، واغسل الطيب)، ولم يلزمه بالفديةوذلك لأنه جاهل، فدل على أنه معذور. والفدية إما أن يعجل بها أو يأخرها إلى نهاية الحج، وهي في ذمته، لكن إذا كان في مكة يكون الإطعام فيها إن اختاره، والذبح كذلك لابد أن يكون في مكة، وأما الصيام ففي أي مكان.

القول في قتل المحرم للصيد

القول في قتل المحرم للصيد قال المؤلف رحمه الله تعالى: [السادس: قتل الصيد، وهو ما كان وحشياً مباحاً، وأما الأهلي فلا يحرم، وأما صيد البحر فإنه مباح]. إذاً: لابد أن يكون الصيد وحشياً مباحاً، ومعنى وحشياً، أي: متوحشاً، سواء أكان طيراً أم غيره، كالغزال والنعامة والحمام وبقر الوحش وحمار الوحش فهذا كله صيد. أما إذا كان المصيد أهلياً فهذا ليس فيه شيء مثل الدجاج؛ ومثل بهيمة الأنعام: البقر والإبل والغنم، ولابد أن يكون مباح الأكل منه، فإن كان محرماً أكله فلا، فلو صاد ذئباً أو ثعلباً فهذا ليس بصيد؛ لأنه ليس مباحاً، فلابد أن يكون صيداً وحشياً مباحاً. ولو صاد غزالاً ورباه عنده وصار متأهلاً فالعبرة بالأصل، أي: يعتبر صيداً، كما أنه لو تمردت الدجاجة وصارت تطير ثم صادها برميها فالعبرة بالأصل فهي ليست متوحشة. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وأما صيد البحر فإنه مباح]. صيد البحر لا بأس به؛ لقول الله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} [المائدة:96]، فالمحرم إنما هو صيد البر، أما صيد البحر فإنه مباح. وإذا صاد ما تقدم ففيه جزاؤه. والصيد نوعان: النوع الأول: ما له مثل، والثاني: ما لا مثل له، فما له مثل عليه ما يشبهه من بهيمة الأنعام، وهذا ما قضى به الصحابة رضوان الله عليهم، وبعضها فيها نقص، ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (في الضبع كبش)، والحمامة قضى فيها بشاة؛ لأنها تشبه الشاة في عب الماء، والنعامة فيها بدنة؛ لأنها تشبه البعير في طول الرقبة، والمراد نوع من الشبه، فقضى الصحابة بما له مثل بالمثل، وما ليس له مثل فإنه يقوم ثمنه عليه بتقويم عدلين ثقتين. فإذا قوم فإنه يخير بين إخراج القيمة أو إطعام مساكين كل مسكين نصف صاع، أو يصوم عن إطعام كل مسكين يوماً، يخير بين الصيام والإطعام، كما قال تعالى: {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ} [المائدة:95]. فالحاصل: أن ما له مثل يخير بين إخراج المثل أو يشتري بقيمته طعاماً ويطعم كل مسكين نصف صاع، أو يصوم عن إطعام كل مسكين يوماً. والذي ليس له مثل يخير المحرم بين الإطعام والصيام بعد أن يقوم قيمته، مثلاً: صاد صيداً ليس له مثل وقومه ثقتان عدلان بألف ريال، نقول: اشتر بألف ريال طعاماً براً مثلاً، وأطعم كل مسكين نصف صاع. ولو قدر الطعام فوجد أنه يكفي لمائة مسكين مثلاً فيقدر مائة مسكين، ونقول: عليك أن تشتري طعاماً وتطعم كل مسكين نصف صاع، أو تصوم مائة يوم عن كل مسكين يوماً. فما قضى به الصحابة يرجع فيه إلى قضائهم، وما لم يقض فيه الصحابة يرجع فيه إلى تقويم عدلين. والحمام في الحرم الآن ممنوع منه، والدجاج ليس بممنوع منه في مكة، فتذبح الدجاج لكن لا تذبح الحمام؛ لأن الحمام صيد والدجاج ليس بصيد.

القول في عقد النكاح للمحرم

القول في عقد النكاح للمحرم قال المؤلف رحمه الله تعالى: [السابع: عقد النكاح حرام ولا فدية فيه]. السابع من المحظورات هو (عقد النكاح)، لما ثبت في الحديث الصحيح عن عثمان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا ينكح المحرم ولا ينكح). قوله: (لا ينكح) أي: لا يتزوج هو، (ولا ينكح) أي: لا يزوج غيره، فلا يتزوج بنفسه ولا يزوج غيره، فلا يعقد لابنته وهو محرم، ولا يكون شاهداً أيضاً، أي: لا يشهد في النكاح. فإن فعل فالنكاح فاسد وعليه التوبة والاستغفار، وليست عليه فدية، والعقد فاسد، ويجدد بعد ذلك. أما الرجعة فلا بأس أن يراجع الإنسان زوجته؛ لأن هذا إمساك، وهو محرم فله أن يراجع زوجته، ولو كان قد طلقها قبل الإحرام ثم أحرم فراجعها فلا بأس؛ لأن الرجعة ليست ميثاقاً وإنما هي إمساك.

القول في كفارة المباشرة للمحرم

القول في كفارة المباشرة للمحرم قال المؤلف رحمه الله تعالى: [الثامن: المباشرة لشهوة فيما دون الفرج]. قدم المؤلف المباشرة، وغيره قدم الجماع، والمباشرة يعني: الجماع دون الفرج، فهذا من المحظورات أيضاً، ولكنه لا يبطل الإحرام ولا الحج، وإنما عليه التوبة والاستغفار، وإذا أنزل عليه شاة. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فإن أنزل بها فعليه بدنة وإلا ففيها شاة وحجه صحيح]. إذا باشر زوجته فيما دون الفرج وأنزل فعليه بدنة أي: بعير، قياساً على الجماع، وإن لم ينزل فعليه شاة، والصواب: أنه لا يجب عليه إلا الشاة في الأمرين إذا كان متعمداً، وهي الرواية الثانية عن الإمام أحمد وهو الصواب؛ لأن المباشرة ليست كالجماع، وقياسه على الجماع قياس مع الفارق. وقال بعضهم: إذا أنزل فعليه شاة، وإذا لم ينزل فليس عليه شيء، أما أنا فأقول: عليه شاة مع التوبة بسبب المباشرة، والحج صحيح لا يفسد، سواء أكان هذا قبل التحلل الأول أم بعده، فما دام محرماً فعليه هذا، والتفصيل إنما يأتي في الجماع، أكان قبل التحلل الأول أو بعده؟ والخطبة أيضاً للمحرم ممنوع منها.

القول فيما يلزم المجامع المحرم

القول فيما يلزم المجامع المحرم قال المؤلف رحمه الله تعالى: [التاسع: الوطء في الفرج، فإن كان قبل التحلل الأول: فسد الحج، ووجب المضي في فاسده والحج من قابل، ويجب على المجامع بدنة، وإن كان بعد التحلل الأول: ففيه شاة ويحرم من التنعيم ليطوف محرماً]. هذا التاسع من محظورات الإحرام: الجماع وهو الوطء في الفرج، فإذا وطئ في الفرج مغيباً حشفته في الفرج فهذا فيه تفصيل، إن كان قبل التحلل الأول فله حكم، وإن كان بعد التحلل الأول فله حكم. والتحلل الأول يحصل عند أهل العلم بفعل اثنين من ثلاثة، وهي رمي جمرة العقبة يوم العيد، والحلق، والطواف مع السعي، أي: طواف الإفاضة مع السعي، فإذا رمى وحلق، أو رمى وطاف، أو طاف وحلق، فقد تحلل التحلل الأول، أما الذبح فليس منها كما يظنه بعض العامة. فإذا فعل اثنين من الثلاثة تحلل التحلل الأول، وإن فعل الثلاثة تحلل التحلل الثاني، فإذا رمى وحلق تحلل التحلل الأول، ولبس ثيابه وبقي عليه أشياء ولا تحل له زوجته إلا إذا طاف، فإذا رمى وحلق وطاف حلت له زوجته، وإذا رمى وطاف فعل اثنين بقي عليه الثالث وهو الحلق، وإذا حلق وطاف بقي عليه الرمي وهكذا. فإذا جامع زوجته قبل التحلل الأول أي: قبل أن يفعل اثنين من ثلاثة لزمه أربعة أمور: الأمر الأول: فساد حجه، الأمر الثاني: إكمال الحج الفاسد والمضي فيه، الأمر الثالث: قضاء الحج من العام القادم، ولو كان نفلاً، الأمر الرابع: أن يذبح بعيراً، فهذه كلها تجب على من جامع قبل التحلل الأول. وقلنا بقضاء الحج من العام القادم ولو كان نفلاً؛ لأنه لما دخل فيه صار واجباً عليه لقوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة:196]. فأما فساد الحج والمضي فيه ووجوب البدنة فهذه واضحة. وأما قضاء الحج من العام القادم ففيه خلاف، والأقرب: أنه لا يجب إلا إذا لم يؤد فريضة الحج أو كان الحج نذراً، فإن كان نفلاً فلا يقضيه على الصحيح، والجمهور على أن هذا يجب على العامد وغير العامد. والدليل على وجوب البدنة قضاء الصحابة بذلك، وقالوا: إن الصحابة لم يفرقوا بين العامد وغير العامد، ولو كان ناسياً؛ لأن هذا من باب الإتلاف، والرواية الثانية عن الإمام أحمد: أن الناسي معذور وهذا هو الصواب. والجاهل الذي يجهل مثله، وكذا المكره، فهؤلاء معذورون، وإن كان هذا خلاف قول الجمهور، لكن الجمهور والمذهب على أنه لا يعذر، وقالوا: إن الصحابة لم يفرقوا بين العامد وغير العامد، فهو مثل قتل الصيد، فسواء أكان القاتل مخطئاً أم غير مخطئ عامداً أم غير عامد فالكفارة تلزمه. وقالوا: إن المتعمد لقوله تعالى: {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا} [المائدة:95]، وأن الله نص على المتعمد، وجاء في السنة بغير المتعمد. والقول الثاني: أن غير المتعمد معذور في هذا. أما إذا جامع بعد التحلل الأول، أي: بعد أن رمى وحلق وبقي عليه الطواف جامع؛ فنقول: خفت الأحكام عليه: أولاً: لا يفسد الحج، بل الحج صحيح. ثانياً: يجب عليه ذبح شاة. ثالثاً: يجب عليه أن يذهب إلى التنعيم أو إلى عرفة ويحرم؛ لأنه أفسد إحرامه ولم يفسد حجه؛ حتى يأتي ليطوف طواف الإفاضة محرماً بإحرام جديد. ولابد أن نفرق بين هذا وبين الآثار المروية عن الصحابة في ثبوتها، فإنها تحتاج إلى تأمل في أسانيدها. القول الثاني: وهي الرواية الأخرى عن الإمام أحمد، وأخذ بها أيضاً بعض العلماء: أن الناسي معذور؛ لأن النسيان لا حيلة فيه، وكذلك الجاهل إذا كان المسلم يجهل هذا الشيء، والجاهل قد يكون معذوراً، وقد يكون غير معذور، فليس كل جاهل معذوراً، فإذا كان يجهل هذا الشيء فلا بأس، ولا يمكنه السؤال، أما إذا كان متساهلاً لا يسأل عن دينه فلا يعذر على الصحيح. والأقرب أنه إذا كان مثله يجهل أو ناسياً فهو معذور؛ لأن النسيان لا حيلة فيه، والجاهل كذلك معذور، فقد عذره الله. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وإن كان بعد التحلل الأول ففيه شاة]. وهنا خفت الأحكام، فبدل البدنة شاة، ولا يفسد الحج أيضاً، ولا يقضي؛ لأن الحج صحيح، فيمضي فيه. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويحرم من التنعيم، ليطوف محرماً]. يحرم من التنعيم أو من أي مكان خارج الحرم، والتنعيم أقرب قليلاً، وهو خارج الحرم، فيخرج إلى عرفة أو إلى التنعيم؛ لأنه أفسد إحرامه ولم يفسد حجه، فيحرم بإحرام جديد ليطوف به طواف الإفاضة. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وإن وطئ في العمرة أفسدها، ولا يفسد النسك بغيره]. يعني: إذا طاف ثم جامع قبل السعي فسدت عمرته، أو سعى وطاف ثم جامع قبل الحلق والتقصير فسدت العمرة، فيكملها، وعليه شاة، وعليه قضاء تلك العمرة الفاسدة. وهذا إذا كان متعمداً، والجمهور على الإطلاق، سواءً كان متعمداً أو ناسياً أو جاهلاً، والصواب كما سبق: أن الناسي معذور، والجاهل الذي مثله يجهل. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولا يفسد النسك بغيره]. ولا يفسد النسك بغير الجماع، يعني: لو حلق رأسه لا يفسد النسك، أو غطى رأسه أو تطيب أو قتل الصيد أو باشر، لا يفسد الحج ولا العمرة إلا الجماع في الفرج، وهو أن يغيب الحشفة في الفرج قبل التحلل الأول، وما عداه من محظورات الإحرام إن ارتكبها فإنه يأثم، وعليه فدية إذا كان متعمداً، ولكن لا يفسد النسك حجاً أو عمرة. فحلق الشعر، وتغطية الرأس، والطيب، والمخيط، والمباشرة، وعقد النكاح، والصيد، كل هذه لا تفسد الحج ولا العمرة، ولكن عليه فدية. وإذا فسد الحج بالجماع فإنه يكمل الحج ولا يحتاج إلى إحرام، فما دام الحج فاسداً لا يفيده الإحرام ويتم؛ لقول الله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة:196]، لا بد من الإتمام به، لكن ذهب ابن حزم إلى أنه يخرج منه، قال: إنه فاسد والله تعالى لا يصلح عمل المفسدين، قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ} [يونس:81] فيخرج، وجمهور العلماء يرون أنه يتم، ومن الصحابة من أفتوا بهذا. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والمرأة كالرجل، إلا أن إحرامها في وجهها ولها لبس المخيط]. بمعنى: أنها لا تغطي الوجه بمخيط كالبرقع والنقاب، ولكن لها أن تغطي الوجه بالخمار. وقول: (إحرام المرأة في وجهها، والرجل في رأسه) بعضهم نسب هذا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا ليس بصحيح، وإنما هذا مروي عن ابن عمر أو غيره. والأقرب أن وجه المرأة ليس كرأس الرجل، وإنما هو كالبدن، كما أن الإنسان يغطي بدنه، فالمرأة تغطي وجهها بالخمار، لكن لا تغطيه بالمخيط وهو البرقع والنقاب، كما أنها تغطي يديها بثيابها، ولا تغطي يديها بقفازيها؛ لأنه مخيط على قدر اليدين، فوجهها ويداها لا يغطيان بالمخيط، ولكن يغطيان بغير المخيط على الصحيح. ويدل على هذا حديث عائشة: (كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم محرمات، فإذا حاذونا أسدلت إحدانا جلبابها على وجهها، فإذا جاوزونا كشفنا)، لكن تغطي الوجه واليدين بغير المخيط. كذلك تغطي المرأة رأسها، ولها لبس المخيط، بخلاف الرجل لا يلبس المخيط ولا يغطي رأسه. فلا تغطي المرأة وجهها بالنقاب ولا البرقع، وتكتفي بالخمار، لأن النقاب يكون من المخيط الذي فصل على قدر الوجه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تنتقب المرأة المحرمة ولا تلبس القفازين).

الأسئلة

الأسئلة

هل إحرام المرأة في وجهها؟

هل إحرام المرأة في وجهها؟ Q ما صحة قول: إن إحرام الرجل في رأسه والمرأة في وجهها؟ A بعضهم ذكره في شرح الزاد وساق حديث: (إحرام الرجل في رأسه والمرأة في وجهها) وهذا كلام باطل وليس بحديث. والصواب: أن وجهها ليس كرأس الرجل، وإنما هو كبدن الرجل، كما أن الإنسان يغطي بدنه بالثياب فإن المرأة تغطي رأسها ووجهها بالخمار.

حكم من جامع أثناء إحرامه بالعمرة

حكم من جامع أثناء إحرامه بالعمرة Q إذا وقع الجماع في العمرة هل عليه بدنة؟ A أفسد العمرة، وعليه شاة، ويتم العمرة، وعليه قضاؤها.

حكم من فعل محظورا من محظورات الإحرام ناسيا أو جاهلا

حكم من فعل محظوراً من محظورات الإحرام ناسياً أو جاهلاً Q من فعل محظوراً من محظورات الإحرام ناسياً أو جاهلاً هل عليه شيء في ذلك؟ A الجمهور يرون أنه عليه دم ولا يعذر. القول الثاني: أنه يعذر الناسي والجاهل، وهو الصواب، وروي عن الإمام أحمد ورجحه الشيخ تقي الدين شيخ الإسلام ابن تيمية. والنسيان لا حيلة له، إذا أكل وهو ناسي في الصيام فصومه صحيح، ومثله إذا جامع على الصحيح، لقوله صلى الله عليه وسلم: (من أكل أو شرب ناسياً وهو صائم فليتم صومه؛ فإنما أطعمه الله وسقاه). فبعض العلماء قال: لا يعذر في الجماع، ولو كان ناسياً يبطل صومه. والصواب: أنه مثل الأكل، ومثله في الحج، فالنسيان لا حيلة فيه. وكذلك الجاهل، وله أقسام: فهناك جاهل يمكن أن يفهم ويتعلم فلا يجهل، فهذا غير معذور. القسم الثاني: جاهل يريد أن يسأل لكن لم يجد أحداً، فهذا معذور. الثالث: جاهل لا يريد أن يسأل مطلقاً، وهذا غير معذور، حتى لولم يجد؛ لأنه ليس عنده إرادة. فالجاهل الذي لا يريد أن يسأل غير معذور، والجاهل الذي يمكنه أن يتعلم غير معذور، والجاهل الذي يريد أن يسأل ولم يجد ولا يمكنه أو لم يخطر بباله هذا الشيء؛ فهذا معذور في هذه الحالة، لقوله تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل:43]، أما قول بعض أهل العلم: إن الجاهل والناسي والعامد ليس عليه شيء، فهذا فيه نظر.

ما يقول من أراد الحج عن غيره

ما يقول من أراد الحج عن غيره Q إذا أردت الحج أو العمرة عن شخص ماذا أقول؟ A تقول: لبيك حجاً عن فلان، أو كما سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً يقول: (لبيك عن شبرمة قال: من شبرمة؟! قال: أخ لي أو قريب لي، قال: حججت عن نفسك؟! قال: لا، قال: حج عن نفسك ثم حج عن شبرمة).

حكم من قتل الصيد متعمدا

حكم من قتل الصيد متعمداً Q ما حكم من قتل الصيد متعمداً حال الإحرام؟ A الآية نصت على المتعمد، والسنة جاءت بغير المتعمد، فقالوا: من قتل الصيد متعمداً فعليه الجزاء بالكتاب، ومن قتله غير متعمد فعليه الجزاء بالسنة، هكذا يقولون.

حكم التسمية بـ (ملاك)

حكم التسمية بـ (ملاك) Q ما حكم تسمية الابن بملاك؟ A الظاهر أنه لا حرج في هذا للذكر، لكن لو تسمت امرأة بهذا فإنه يمنع؛ لأن ملاك لغة في الملائكة؛ فهذا في تسمية الأنثى ممنوع، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلائِكَةَ تَسْمِيَةَ الأُنْثَى} [النجم:27]، أما إذا تسمى الرجل بملاك فلا بأس.

كتاب الحج [4]

شرح عمدة الفقه_كتاب الحج [4] الدماء الواجبة في الحج خمسة: - الدم الواجب على المتمتع والقارن ومن ترك نسكاً. - الدم الواجب بالحلق والترفه. - الدم الواجب على المحصر إذا لم يشترط عند الإحرام. - الدم الواجب على من قتل صيداً. - الدم الواجب على الوطء.

الفدية في الحج

الفدية في الحج قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب: الفدية. وهي على ضربين: أحدهما على التخيير]. الفدية: ما يفتدي به الإنسان عن نفسه بسبب فعل محظور أو ترك واجب، فيفدي به الإنسان نفسه من المعصية التي وقع فيها من عذاب الله، ويقدم فدية حتى تكفر عنه هذه المعصية التي ارتكبها، أو إذا احتاج إلى فعل محظور فيقدم فدية حتى يسقط عنه الإثم. وقوله: (أحدهما على التخيير) هي نوعان: الأول: على التخيير والثاني: على الترتيب، التخيير: أن يخير بين اثنين فأكثر، والترتيب يكون واحداً بعد واحد. مثال التخيير في قوله تعالى: {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة:196]، تخيير بين الصيام والصدقة والنسك. والترتيب مثل كفارة اليمين، حيث خير بين ثلاثة أشياء ثم قال: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ} [المائدة:89].

فدية التخيير وما يقاس عليها

فدية التخيير وما يقاس عليها قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وهي فدية الأذى واللبس والطيب فله الخيار بين صيام ثلاثة أيام، أو إطعام ثلاثة آصع من تمر لستة مساكين أو ذبح شاة]. وسميت بفدية الأذى؛ لأنه يحلق الإنسان الرأس لإزالة الأذى الذي يصيبه، فهذا هو الأصل، فيحلق إذا كان في رأسه أذى من جروح تحتاج إلى مداواة أو قمل أو نحو ذلك، فتسمى فدية الأذى، وهذا هو الأصل في هذا. والأصل فيه قول الله عز وجل: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ} [البقرة:196]، هذا الأذى {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة:196] يعني: فعليه فدية إذا احتاج أن يحلق رأسه لإزالة الأذى الذي أصابه وهو محرم، وهي الصيام أو الصدقة أو النسك، وقد فسرها النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث كعب بن عجرة فقال: (حملت إلى النبي صلى الله عليه وسلم والقمل يتساقط على وجهي، فقال: أيؤذيك هوام رأسك؟) وفي لفظ: (ما كنت أرى الوجع بلغ بك ما أرى!) ثم أمره بأن يحلق رأسه ويذبح شاة، أو يطعم ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع، أو يصوم ثلاثة أيام فقال: (صم ثلاثة أيام، أو انسك شاة، أو أطعم ستة مساكين) فهذه تسمى فدية الأذى، فإذا كان الإنسان محرماً ويحتاج إلى حلق رأسه لإزالة الأذى سواء كان قملاً أو به جروح تحتاج إلى حلق الشعر؛ حتى يداوي الجرح، فله ذلك وعليه فدية، ولا إثم عليه. أما إذا حلقه من دون حاجة متعمداً فهو آثم وعليه التوبة مع الفدية، وإذا حلقه ناسياً أو جاهلاً فليس عليه فدية. فتكون الأحوال خمسة: الحالة الأولى: أن يحلق شعر رأسه وهو محرم عالماً مختاراً، ذاكراً محتاجاً، فهذا عليه الكفارة وليس عليه إثم. الحالة الثانية: أن يحلق رأسه عالماً مختاراً، ذاكراً بدون حاجة، فهذا عليه الكفارة مع الإثم، وعليه التوبة والاستغفار. الحالة الثالثة: أن يحلق رأسه ناسياً، فهذا لا شيء عليه، لا إثم ولا كفارة. الحالة الرابعة: أن يحلق رأسه جاهلاً، فهذا أيضاً لا شيء عليه. الحالة الخامسة: أن يحلق رأسه مكرهاً، فهذا ليس عليه شيء على الصحيح. والمذهب أن الحلق لا يعذر فيه الناسي ولا الجاهل؛ لأن هذا من باب الإتلاف، والإتلاف يستوي فيه العمد والجهل، والصواب: أن الجاهل والناسي معفو عنهما؛ لقول الله تعالى: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة:286]، ولقوله صلى الله عليه وسلم: (رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه). وحديث كعب بن عجرة قاس عليه العلماء تقليم الأظفار، والطيب، وتغطية الرأس، ولبس المخيط، فإذا كان محتاجاً إلى ذلك فعليه الفدية، وإذا كان غير محتاج فعليه الإثم والفدية، والناسي والجاهل والمكره ليس عليهم شيء. ولبس المخيط وتغطية الرأس خاص بالرجل دون المرأة، فهذه خمسة أشياء، وقيست أربعة منها على حلق الرأس. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أحدهما على التخيير وهي: فدية الأذى واللبس والطيب]. حلق الرأس واللبس والطيب وتغطية الرأس، هذا نقص ويضاف إليها تقليم الأظفار، فتكون خمسة أشياء. وقد ورد في تغطية الرأس قصة الذي وقصته راحلته قال صلى الله عليه وسلم: (لا تخمروا رأسه ولا وجهه ولا تحنطوه). وثبت في الطيب ما جاء عن الرجل الذي أحرم ثم لبس جبة مضمخة بالطيب فسأل النبي صلى الله عليه وسلم فسكت، ثم نزل عليه الوحي فقال: (انزع عنك الجبة، واغسل عنك أثر الخلوق، واصنع في عمرتك ما أنت صانع في حجك). لكن العلماء قاسوا الطيب على حلق الرأس من جهة الفدية بجامع الترفه في الكل، فالفدية ما جاءت إلا في حلق الرأس، فقاسوا عليها الطيب من جهة أنه محظور، وهذا النص يثبت أنه من المحظورات، وتقليم الأظفار قيس قياساً على حلق الرأس، ولبس المخيط ورد فيه حديث ابن عمر: (سأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم: ما يلبس المحرم؟ قال: لا يلبس القميص ولا العمامة ولا البرانس) وفي هذا الحديث: (ولا شيئاً مسه زعفران أو ورس)، وتقليم الأظفار هو الذي لم يذكر فيه نص، ويقاس على الحلق بجامع الترفه في الكل. وثبت حديث ينهى من أراد أن يضحي عن تقليم أظفاره عند دخول عشر ذي الحجة، قيل: وهذا فيه تشبه بالحاج، وقيل: لأن الأضحية من أسباب المغفرة، فأمر بأن يترك جميع أجزائه لا يأخذ منها شيئاً؛ حتى يكون مهيئاً للمغفرة. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فله الخيار بين صيام ثلاثة أيام، أو إطعام ثلاثة آصع من تمر لستة مساكين، أو ذبح شاة]. قوله: (إطعام ثلاثة آصع) لكل مسكين نصف صاع، ونصف الصاع يقدر بكيلو ونصف، والصاع أربع حفنات كل حفنة ملء كفي الرجل المتوسط، يكون عليه حفنتان، ويفرق العلماء بين البر وغيره، فقالوا: البر يكفيه ربع الصاع حفنة واحدة، والتمر وغيره لا بد من نصف الصاع؛ لأن معاوية رضي الله عنه اجتهد لما وجدت البر فقال: أرى أن نصف الصاع من هذه السمراء يعدل صاعاً؛ فأخذ الناس بقول معاوية، وجعلوا ربع الصاع يقابل نصف الصاع من التمر، والصواب: أنه نصف صاع من الجميع من البر أو التمر أو الأرز من قوت البلد.

جزاء الصيد

جزاء الصيد قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وجزاء الصيد مثلما قتل من النعم، إلا الطائر فإن فيه قيمته]. يعني: جزاء الصيد إذا صاده وهو محرم مثله إن كان له مثل، وهو ما قضى به النبي صلى الله عليه وسلم أو قضى به الصحابة، والنبي صلى الله عليه وسلم قضى بالضبع كبشاً، وقضى الصحابة بالحمامة شاة، والنعامة بدنة، واليربوع جفرة، والأيل والتيتل والوعل والبقر الوحشي بقرة؛ لأن فيها نوعاً من الشبه. الحمامة فيها شاة لأنها تشبهها في عب الماء، فما قضى به الصحابة يقال: له مثل، وما لم يقض فيه الصحابة يرجع فيه إلى قول عدلين، فإذا قتل صيداً وله مثل فإن عليه المثل، وإن شاء قوم المثل بدراهم واشترى بها طعاماً، وأطعم كل مسكين نصف صاع، أو قدرها وصام عن كل مسكين يوماً، هذا إذا كان له مثل، أما إذا لم يكن له مثل فإنه يخير بين الإطعام وبين الصيام، تقدر قيمته ثم يشتري به طعاماً فيطعم كل مسكين نصف صاع، أو يصوم عن إطعام كل مسكين يوماً. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وجزاء الصيد مثلما قتل من النعم، إلا الطائر فإن فيه قيمته، إلا الحمامة ففيها شاة، والنعامة فيها بدنة]. النعامة قضى فيها الصحابة؛ لأنها تشبهها في طول الرقبة. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويتخير بين إخراج المثل وتقويمه بطعام، فيطعم كل مسكين مداً أو يصوم عن كل مد يوماً]. وهذا إذا كان له مثل، فإذا صاد مثلاً حمامة نقول له: عليك شاة؛ لأن الصحابة قضوا بهذا، فأنت مخير بين أن تشتري الشاة وتذبحها وتفرقها على المساكين، ولك الخيار في أن تقدر ثمن الشاة وتشتري بها طعاماً وتطعم كل مسكين نصف صاع، أو تذبح الشاة، فإذا قلنا: تقدر الشاة بخمسمائة ريال فتشتري بخمسمائة ريال براً أو تمراً وتقسمها آصاعاً، فتعطي كل مسكين نصف صاع، فإذا قدرنا مثلاً الخمسمائة ريال بعشرين صاعاً فيقسم كل صاع على مسكينين فيطعم أربعين مسكيناً. فنقول له: أنت بالخيار: تصوم أربعين يوماً أو تطعم أربعين فقيراً كل واحد نصف صاع، أو تشتري شاة وتذبحها، هذا إذا كان له مثل. وأما الصيد الذي ليس له مثل فإنه يقوم، فتقدر قيمته ويشتري به طعاماً ويطعم كل مسكين نصف صاع، أو يصوم عن إطعام كل مسكين يوماً، فإذا قوم هذا الصيد مثلاً بمائة ريال، فيشتري بمائة ريال طعاماً، ويعطي كل مسكين نصف صاع، فإذا قال: لا، أريد الصيام، نقول له: لا، قدرنا الآن أن عليك مثلاً ثلاثين صاعاً، لكل مسكين نصف صاع، إذاً: تصوم عن كل مسكين يوماً، فتكون الأيام ستين يوماً وهكذا!

فدية الترتيب

فدية الترتيب قال المؤلف رحمه الله تعالى: [الضرب الثاني: على الترتيب وهو: المتمتع يلزمه شاة، فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج، وسبعة إذا رجع]. هذا ورد فيه نص من القرآن الكريم قال تعالى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} [البقرة:196]. فالمتمتع الذي اعتمر في أشهر الحج ثم حج من عامه عليه أن يذبح شاة، وهذا الدم يقال له: دم الشكران، بخلاف الدم واجب لترك الواجب أو فعل محظور، يقال له: دم جبران. فإن كان فقيراً لا يجد صام ثلاثة أيام في الحج قبل يوم العيد، فإن فاتته صام أيام التشريق، وسبعة إذا رجع إلى أهله، فهذا هو الأصل، وأما ما عداه فهو مقيس عليه كما سيأتي كالدم لفوات الحج، ودم الوطء، كله مقيس عليه، ودم المضطر الذي أحصر. وهذا الهدي يكون على الترتيب أولاً: ذبح شاة، فإن لم يجد صام عشرة أيام، ثلاثة في الحج وسبعة إذا رجع، والثلاثة الأيام الأولى نص الله أنها في الحج قبل العيد، فإن فاتت صامها أيام التشريق، وإذا كان مريضاً لا يستطيع صيامها يضمها إلى السبعة، وذلك المراد به، أما إذا كان يستطيع فإنه يجب عليه أن يصومها في الحج، لابد أن تكون في الحج سواء بعدما يتحلل من العمرة أو بعدما يحرم بالحج، فإذا أحرم بالحج فيصوم السادس والسابع والثامن. وإذا فاته الصيام كأن يكون معه مال وما وجد هدياً فإنه يصوم أيام التشريق، ويضم الباقي إلى السبعة الأيام فيصومها كلها، وإن خرجت أيام التشريق وما زال يبحث ولم يجد هدياً يصومها كلها بعد الحج، لكن لو قدر أنه عنده نقود ولكن ما وجد إن أمكن أن يصوم قبل ذلك صام، وإن لم يمكن ضمها إلى السبعة.

فدية الجماع

فدية الجماع قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وفدية الجماع بدنة، فإن لم يجد فصيام كصيام المتمتع]. إذا جامع الحاج وهو محرم قبل التحلل الأول عليه بدنة كما سبق وفسد الحج، وعليه المضي فيه، وقضاؤه من العام المقبل، فإن لم يجد البدنة لفقره أو لم يجدها ومعه قيمتها صام عشرة أيام قياساً على هدي التمتع. فإذا جامع امرأته بعد أن رمى وحلق ولم يطف فعليه دم شاة وحجه صحيح، وعليه أن يخرج إلى التنعيم ليحرم من جديد لأنه أفسد إحرامه، أما إذا جامع بعد الطواف فلا.

دم فوات الحج

دم فوات الحج قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وكذلك الحكم في دم الفوات]. إذا فاته الحج، وتأخر حتى طلع الفجر يوم العيد فقد فاته الحج، فيتحلل بعمرة وعليه دم لفواته، فيذبح شاة، فإن عدم صام عشرة أيام قياساً عليها.

دم المحصر عن البيت

دم المحصر عن البيت قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والمحصر يلزمه دم فإن لم يجد فصيام عشرة أيام]. المحصر هو الذي منع من دخول مكة، كما منع النبي صلى الله عليه وسلم وأحصر في صلح الحديبية، فإنه يذبح شاة في مكانه ثم يتحلل، فإن لم يجد شاة صام عشرة أيام وهو على إحرامه ثم يتحلل، قياساً على هدي التمتع. والأصل هو دم التمتع والباقي مقيس عليه، وقد قال الله تعالى: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة:196]. لكنهم قاسوا الهدي على دم التمتع، وبعض العلماء يرون أن الصحابة لما أحصروا لم يكن معهم كلهم شيء، فقد كانوا فقراء وهم أكثر من أربعمائة، ولا نقل أن أحداً منهم صام، لكن العلماء قاسوها فقالوا: كل جميع الدماء مقيسة على دم التمتع، ودم التمتع فيه الصيام عند العجز، وهذا مقيس عليه، أما النص فلا يوجد نص يدل على ذلك.

أحكام الكفارات إذا اجتمعت أو اختلفت

أحكام الكفارات إذا اجتمعت أو اختلفت قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ومن كرر محظوراً من جنس غير قتل الصيد فكفارة واحدة]. إذا كرر محظوراً من جنس واحد غير الصيد فالكفارة واحدة، فمثلاً تطيب مرة، ثم تطيب مرة أخرى أربع مرات خمس مرات، فعليه كفارة واحدة من جنس واحد، أو حلق جزءاً من رأسه، ثم حلق الجزء الثاني، ثم حلقه كله فعليه كفارة واحدة؛ لأنها من جنس واحد، إلا الصيد كأن قتل حمامة وغزالاً فهذه أنفس متعددة كل واحدة منها عليه كفارة، لا تتداخل، فإذا صاد حمامة عليه شاة، وإذا صاد نعامة عليه بدنة، فلا يقال: إنها تتداخل؛ لأنها مختلفة. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فإن كفر عن الأول قبل فعل الثاني سقط حكم ما كفر عنه]. إذا تطيب ثم كفر فأطعم ستة مساكين، ثم تطيب مرة أخرى، فيجيب عليه فدية أخرى، لكن إذا لم يكفر عن الأولى تداخلت الكفارة، أما إذا تطيب ثم كفر، ثم تطيب فعليه فدية ثانية. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وإن فعل محظوراً من أجناس فلكل واحد كفارة]. إذا كان المحظور من أجناس مختلفة، فكل واحد كفارة، فمثلاً: تطيب، وغطى رأسه، وحلق شعره، وقلم أظفاره، ولبس المخيط، فعليه كفارة متعددة، كل فعل له كفارة؛ لأنها أجناس مختلفة، خمس كفارات. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والحلق والتقليم والوطء وقتل الصيد يستوي عمده وسهوه]. والحلق والتقليم والوطء والصيد هذه الأربعة لا يعذر فيها الناسي ولا الجاهل، إذا حلق أو قلم أظفاره أو وطئ أو قتل الصيد فإنه لا يعذر في هذا سواء كان ناسياً أو جاهلاً أو عامداً فعليه كفارة، بخلاف الطيب وتغطية الرأس، ولبس المخيط، فهذه يعذر فيها الجاهل والناسي هذا المذهب، والتعليل قالوا: لأن هذا فيه إتلاف، والإتلاف يستوي فيه العمد والجهل والنسيان. فالشعر فيه إتلاف، وتقليم الأظفار فيه إتلاف، والصيد فيه إتلاف، فلا يعذر الجاهل ولا الناسي ولا العامد. أما ما ليس فيه إتلاف كالطيب ولبس المخيط وتغطية الرأس، فهذا إن كان متعمداً فعليه الفدية وإن كان جاهلاً ناسياً فإنه يعذر. القول الثاني: أنه لا فرق بين ما فيه إتلاف وما ليس فيه إتلاف، وأنه إذا فعلها ناسياً أو جاهلاً فلا شيء عليه، وهذا هو الصواب. والقول الثاني لأهل العلم أنه لا فرق في ذلك حتى الصيد، وعند الجمهور أن الصيد لا يعذر فيه الناسي، ولا الجاهل، وأما قوله تعالى: {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا} [المائدة:95]، قالوا: هذا فيه جزاء الصيد المتعمد في القرآن، وثبت في السنة أيضاً أن على غير المتعمد الكفارة، والصواب: أن الناسي والجاهل معفو عنهم، ولا فرق بين ما فيه إتلاف، وما ليس فيه إتلاف. أما المذهب فيفرق بأن ما فيه إتلاف فلا يعذر فيه الناسي والجاهل، وما ليس فيه إتلاف فيعذر فيه الناسي والجاهل، ولا فدية عليه. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وسائر المحظورات لا شيء في سهوه]. يعني: غير ما سبق مما ليس فيه إتلاف، مثل: الطيب، وتغطية الرأس، ولبس المخيط. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وكل هدي أو إطعام فهو لمساكين الحرم إلا فدية الأذى فإنه يفرقها في الموضع الذي حلق به]. أي: إذا كان عليه هدي أو إطعام فهو لمساكين الحرم، والمراد بمساكين الحرم: من وجد في مكة من الفقراء الذين لهم أخذ الزكاة، سواء كانوا من أهل البلد أو من غيرهم، حتى ولو من الحجاج القادمين، فمن كان في مكة وهو مستحق للزكاة فإنه يعطى. قوله: (إلا فدية الأذى) وذلك إذا كان في الطريق وهو محرم -قبل أن يصل إلى مكة- احتاج إلى حلق رأسه أو إلى تغطية رأسه؛ لأن الوقت بارد، يغطي رأسه ويدفع الفدية في مكانه، ولا يجوز أن يخرجها في مكة. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وهدي المحصر ينحره في موضعه]. أي: إذا منع من دخول مكة فإنه يذبح في مكانه؛ لأنه لا يستطيع إيصاله، إلا إذا سمح له أن يدخل إلى مكة ويذبح فيها فلا بأس، فيذبحه في مكانه ثم يتحلل في المكان الذي أحصر فيه. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وأما الصيام فيجزئه بكل مكان]. إذا قيل: عليه صيام فإنه يجزئ في مكة وفي غيرها؛ لأنه لا ينتفع منه أحد، بخلاف الهدي أو الإطعام فإنه يكون في الحرم؛ لأن المراد نفع مساكين الحرم. أما الصيام إذا وجب عليه الصيام فيصوم في أي مكان، أو في الطريق، أو في أي بلده؛ لأنه لا ينتفع منه أحد. فإذا منع المحرم عن البيت لابد أن يذبح ويتحلل قبل أن يلبس ثيابه. وإذا لبس ثياباً غير لبس الإحرام لئلا يمنع وهو محرم في قلبه فإن عليه فدية؛ لأنه متعمد.

ما يستحب فعله عند دخول مكة

ما يستحب فعله عند دخول مكة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب دخول مكة. يستحب أن يدخل مكة من أعلاها، ويدخل المسجد من باب بني شيبة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم دخل منه]. يستحب دخول مكة من أعلاها، والمسجد من باب بني شيبة، والخروج من أسفلها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك، فدخل من الثنية العليا، وخرج من الثنية السفلى، فيستحب للمسلم أن يقتدي بالنبي صلى الله عليه وسلم، فيدخل مكة من أعلاها من جهة الحجون؛ لأنه إذا جاء من جهة الحجون يكون مقابل الكعبة من أمامها، وهو الذي كان يأتيه حجاج نجد، ويخرج من أسفلها وهذا من باب الاستحباب، وأعلاها يقال له: كَدى بالفتح، وأسفلها يقال له: كُدى، وأهل مكة يقولون: افتح وادخل واضمم واخرج، افتح وادخل: كَدى، واضمم واخرج: كُدى؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم دخلها من كَدى وخرج من كُدى، وهذا من باب الاستحباب، وإلا فلو دخل من أي جهة فلا حرج. وكذلك دخول المسجد من باب بني شيبة، ويقال له مؤخراً: باب السلام؛ لأنه إذا دخل منه يأتي الكعبة من أمامها مواجهاً لها، ويقابل الحجر، وإن دخل من أي باب فلا حرج عليه. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فإذا رأى البيت رفع يديه وكبر الله، وحمده ودعا، ثم يبتدئ بطواف العمرة إن كان معتمراً]. وهذا وردت فيه آثار من الصحابة، لكن في ثبوتها نظر، ولكن الثابت: أنه يقدم رجله اليمنى، ويقول الذكر المشروع في دخول المساجد: باسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، اللهم افتح لي أبواب رحمتك. أعوذ بالله العظيم، وبوجهه الكريم، وبسلطانه القديم، من الشيطان الرجيم. وقول: رب افتح لي أبواب رحمتك، أخذ من عدة آثار، وأما التسمية فإنها وردت في حديث منقطع من رواية فاطمة بنت الحسين عن فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم، فاطمة الصغرى، وفاطمة الكبرى، وهي لم تسمع منها، فهو منقطع، لكن يدل على التسمية الأدلة العامة في الحث على قول باسم الله عند كل أمر. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ثم يبتدئ بطواف العمرة إن كان معتمراً أو بطواف القدوم إن كان مفرداً أو قارناً]. وكذلك إذا كان متمتعاً، فالمعتمر هو الذي أتى بعمرة وحدها في أي وقت يبدأ بطواف العمرة، وطواف القدوم يكفي عنه طواف العمرة في هذه الحالة، كما لو جاء وقد أقيمت الصلاة في الفريضة، فأداء الفريضة تكفي عن تحية المسجد، كذلك طواف العمرة يكفي عن طواف القدوم، هذا إذا كان معتمراً. وكذلك إذا كان متمتعاً -وهو الذي أتى بالعمرة ويريد أن يحج من عامه- فطوافه يكون للعمرة، ولا يحتاج لأن يطوف طواف القدوم، فلا يطوف طوافين أحدهما للقدوم والثاني للعمرة، يطوف طواف العمرة فيكفي عن القدوم. أما إذا كان مفرداً أو قارناً -والمفرد: هو الذي لبى بالحج وحده، والقارن: هو الذي لبى بالحج والعمرة معاً- فهذا يطوف طواف القدوم، وهو سنة وليس بواجب. أما طواف الحج بالنسبة للقارن فإنه يكون يوم العيد، وهو طواف الإفاضة، ويكون طوافه الأول سنة للقدوم. أما المعتمر فطوافه فرض؛ لأن عليه طوافين وسعيين، طواف للعمرة وسعي للعمرة، وطواف للحج وسعي للحج. أما المفرد والقارن ما عليهما إلا طواف واحد وسعي واحد، فلهذا كان الطواف الأول للقدوم. وأما تحية الكعبة فهي الطواف، وتحية المسجد صلاة ركعتين، فإذا أراد أن يطوف طاف، وإذا لم يرد الطواف صلى ركعتين، وجلس كسائر المساجد.

صفة الطواف

صفة الطواف قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فيضطبع برادئه فيجعل وسطه تحت عاتقه الأيمن وطرفيه على عاتقه الأيسر] والاضطباع يكون في طواف القدوم، وهو أن يجعل وسط الرداء تحت عاتقه الأيمن، وطرفيه على عاتقه الأيسر، فيكون كتفه الأيمن مكشوفاً، فهذا سنة في جميع السبعة الأشواط، وهو أول طواف يقدم به مكة، فيسن فيه الاضطباع سواء كان طواف العمرة أو طواف القدوم. والسنة الثانية في هذا الطواف: الرمل، ومعناه: الإسراع في المشي مع مقاربة الخطا، لكن الرمل لا يكون إلا في الثلاثة الأشواط الأولى فقط، وأما الأربعة الأخيرة فلا يرمل، وإنما يمشي مشياً، فهما سنتان في أول طواف يقدم به مكة لحج أو لعمرة. وما عدا الطواف الأول فلا تشرع هاتان السنتان، لا في طواف الإفاضة، ولا في طواف الوداع، ولا في طواف التطوع، فلا اضطباع ولا رمل. وبعض الحجاج تجده يضطبع من أول ما يحرم حتى يحل إحرامه، وهذا غلط؛ لأن هذا الفعل فيه إضاعة للسنة، فتجده في عرفة مضطبعاً كاشفاً للكتف، وفي منى مضطبعاً، وفي السعي مضطبعاً، وفي جميع أحواله حتى يحل إحرامه! وهذا من جهلهم! قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويبدأ بالحجر الأسود فيستلمه ويقبله ويقول: باسم الله والله أكبر، اللهم إيماناً بك، وتصديقاً بكتابك، ووفاء بعهدك، واتباعاً لسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم]. أول ما يبدأ بالطواف يبدأ بالحجر الأسود فيمسحه بيده اليمنى ويقبله بشفتيه ويقول: باسم الله والله أكبر، هذا مستحب. فالاستلام هو المسح، والتقبيل: التكبير، فلو ترك فلا حرج، لكن هذا مستحب، فيستلمه ويقبله، فإن شق عليه التقبيل من الزحام استلمه بيده وقبل يده، فإن شق عليه استلمه بعصا وقبله، فإن شق عليه أشار إليه بيده وكبر. ويقول في بداية الطواف: اللهم إيماناً بك، وتصديقاً بكتابك، ووفاء بعهدك، واتباعاً لسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، وهذا مستحب، فالاستلام والتقبيل والتكبير والدعاء كلها أمور مستحبة، ولو تركها فلا حرج. والطواف له شروط فمن شروطه أولاً: النية، ينوي بقلبه أن هذا طواف القدوم، أو هذا طواف العمرة، أو طواف الحج، لا بد من النية؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى)، فلو لم ينو ما صح الطواف، ولا يتلفظ بالنية كما يفعله بعض الناس من التلفظ بالنية من قولهم: اللهم إني نويت أن أطوف بالبيت سبعة أشواط طواف القدوم أو طواف العمرة أو طواف الوداع، التلفظ هذا بدعة ليس له أصل، وإنما النية محلها القلب، فينوي أن هذا طواف القدوم، وهذه النية لا بد منها فهي شرط، فإن لم ينو لم يصح الطواف. الشرط الثاني: أن يكون مستور العورة، فإن كان مكشوف العورة لم يصح الطواف. الشرط الثالث: أن يكون متطهراً من الحدث الأكبر والأصغر. الشرط الرابع: أن يجعل البيت عن يساره فإن جعله عن يمينه لم يصح. الشرط الخامس: أن يوالي بين الأشواط السبعة، فإن فصلها لم يصح إلا بفاصل يسير كما لو أقيمت الصلاة فإنه يصلي ثم يواصل من حيث وقف. الشرط السادس: أن يطوف من وراء الحجر، فإن دخل بين الحجر وبين الكعبة لم يصح الطواف. الشرط السابع: أن يستوعب الأشواط السبعة كلها، فإن ترك ولو شيئاً يسيراً منها لم يصح. الشرط الثامن: ألا يطوف على الشذروان وهو ما فضل عن جدار الكعبة. هذه كلها شروط لا بد منها ولا يصح الطواف إلا بها. وما عدا ذلك فهو: إما سنن أقوال وإما سنن أفعال. فسنن الأفعال: مثل استلام الحجر وتقبيله، والاضطباع، والرمل، كل هذه سنن. وسنن الأقوال: مثل التكبير، وكذلك الإشارة إلى الحجر الأسود في كل مرة مع التكبير، وقول: اللهم إيماناً بك، وتصديقاً بكتابك، ووفاء بعهدك، واتباعاً لسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، والقول بين الركنين: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة:201]، والذكر أثناء الطواف أو تلاوة شيء من القرآن، كل هذا مستحب، المهم الإتيان بهذه الشروط الثمانية، فإن أتى بهذه الشروط صح الطواف وإلا لم يصح، ولو طاف الأشواط السبعة وهو ساكت لم يتكلم صح طوافه، لأن الأذكار مستحبة، ولو لم يضطبع أو لم يشر أو لم يرمل، صح، المهم الإتيان بهذه الشروط. وهناك بعض الناس قد يكون معه نساء فيستدبر الكعبة من أجل الحفاظ على النساء في الزحام، وهذا لا يجوز، لا بد أن يجعل البيت عن يساره؛ لأن هذا شرط، فإذا استدبرها يرجع في الجزء الذي استدبره، فإن لم يرجع لم يصح الطواف، ولا يجوز أن يستدبر الكعبة، فيرجع إلى المكان الذي استدبر الكعبة فيه. وأما بالنسبة للإشارة والتكبير فيشير بيده ويكبر وهو ماش ولا يحتاج أن يقف مثلما يفعل بعض الجهال، يقف على الخط، ويكبر عشر تكبيرات أو عشرين تكبيرة فيحبس الناس ويؤذيهم! وأما بالنسبة للرمل فهذا حصل في عمرة القضاء، أمرهم النبي عليه الصلاة والسلام أن يرملوا من الحجر الأسود إلى أن يصلوا الركن اليماني، فإذا وصلوا مشوا؛ وذلك لأن كفار قريش كانوا من جهة الحجر يرونهم، فإذا جاءوا إلى الركن اليماني اختفوا عنهم، فأمرهم النبي أن يمشوا ما بين الركنين حتى لا يشقوا على أنفسهم؛ وذلك لأن كفار قريش قالوا: يقدم عليكم محمد وأصحابه قد وهنتهم حمى يثرب، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يروا من أنفسهم القوة، فنظروا إليهم وهم يرملون فقالوا: انظروا إليهم ينقزون نقز الغزلان، ثم بعد ذلك في حجة الوداع أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يرملوا من الحجر إلى الحجر، واستقرت السنة في أن الرمل يكون في جميع الأشواط حتى ما بين الركنين. كذلك إذا سقط عنه الإزار فإذا أخذه بسرعة وستر عورته يعيد الشوط، وإذا طال الفصل وهو مكشوف العورة فإنه يعيد الطواف من جديد. أما الوضوء للطواف فقد جاء اشتراط الطهارة في الطواف من حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الطواف بالبيت صلاة إلا أنكم تتكلمون فيه). والأحناف يرون أنه واجب، وبعضهم يرى أنه سنة، ويميل إلى هذا شيخ الإسلام رحمه الله، لكن المعتمد الآن أنه شرط؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ، وطاف بالبيت على طهارة، وقال: (خذوا عني مناسككم) وقال: (الطواف بالبيت صلاة إلا أنكم تتكلمون فيه)، وإن كان فيه كلام عن ابن عباس في رفعه ووقفه، ولذلك إذا انتقض وضوءه فإنه يذهب يتوضأ ويعيد الطواف من جديد كما لو أحدث في الصلاة فإنه يتوضأ ويعيد الصلاة من جديد. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ثم يأخذ عن يمينه ويجعل البيت عن يساره فيطوف سبعاً]. وهذا شرط يأخذ عن يمينه ويجعل البيت عن يساره. وقوله: (سبعاً) هذا شرط، أن يستوعب سبعة أشواط. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [يرمل في الثلاثة الأول من الحجر إلى الحجر] هذا الرمل سنة، والرمل: هو إسراع المشي مع مقاربة الخطا، وإذا دار الأمر بين أن يقرب من الكعبة ولا يرمل، أو يبعد من الكعبة ويرمل، فأيهما يقدم؟! إذا كان بعيداً عن الكعبة استطاع أن يرمل، وإذا قرب ما استطاع، فأيهما يقدم؟! أن يقرب من الكعبة ولا يرمل أو يبعد من الكعبة ويرمل؟! الصواب: أنه يبعد ويرمل؛ لأن الرمل سنة تتعلق بالطواف أي: بذات العبادة، والقرب من الكعبة سنة تتعلق بمكان العبادة، والمحافظة على سنة تتعلق بذات العبادة مقدمة على المحافظة على ما يتعلق بمكان العبادة. فالقاعدة تقول: المحافظة على سنة تتعلق بذات العبادة مقدم على المحافظة على سنة تتعلق بمكان العبادة. [يرمل في الثلاثة الأول من الحجر إلى الحجر]. هذه السنة كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه في حجة الوداع وفي عمرة القضاء أن يرملوا إلا ما بين الركنين. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويمشي في الأربعة الأخرى، وكلما حاذى الركن اليماني والحجر استلمهما وكبر وهلل]. قوله: (استلمهما) يعني: المسح باليد اليمنى. قوله: (وكبر) قال: الله أكبر. أما التهليل فلا أذكر في هذا سنة؛ لأن ابن عمر رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يدع أن يستلم الركن اليماني والحجر الأسود في طوافه، قال نافع: وكان ابن عمر يفعله). وروى البخاري عن ابن عباس قال: (طاف النبي صلى الله عليه وسلم على بعير كلما أتى الركن أشار إليه وكبر). فلا يوجد تهليل في هذه الأحاديث، فالسنة أنه يستلمه ويكبر، فإذا لم يستلمه بيده يستلمه بعصا ويكبر، وإذا لم يتمكن يشير إليه إشارة ويكبر. والركن اليماني يستلمه ويكبر إذا أمكن، وإذا لم يمكن فلا يكبر على الصحيح. والرواية الأخرى: أنه يكبر، والصواب: أنه لا يكبر إلا إذا استلم الركن اليماني، وإذا لم يستلمه مشى وتركه، فهذا هو الصواب. أما الحجر فإنه يستلمه ويكبر، فإن لم يتمكن من استلامه أشار إليه وكبر، فهذا خاص بالحج على الصحيح. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويقول بين الركنين: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة:201]]. وهذا مستحب. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويدعو في سائره بما أحب]. وكل هذا من المستحبات. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ثم يصلي ركعتين خلف المقام]. هذا هو السنة، إذا انتهى صلى ركعتين خلف المقام إن تيسر؛ اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم، يقرأ فيهما الفاتحة في الأولى وبعدها سورة {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون:1]، والركعة الثانية: يقرأ الفاتحة وسورة: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:1]، فسورة الكافرون والإخلاص شعار بأن الإنسان إنما يطوف بالكعبة امتثالاً لأمر الله، فهو يعبد الله ولا يعبد الكعبة ولا غيرها، وإذا نسي الركعتين فلا حرج لأنهما مستحبتان. وأما السترة في مكة فلا يوجد دليل على تخصيص مكة، ولهذا بوب البخاري في الصحيح فقال: باب: السترة بمكة وغيرها، فلا يوجد دليل

كتاب الحج [5]

شرح عمدة الفقه_كتاب الحج [5] أعمال الحج هي: الإحرام يوم التروية والمبيت بمنى والوقوف بعرفة والمبيت بمزدلفة ورمي جمرة العقبة يوم العيد والذبح والحلق وطواف الإفاضة والسعي ثم المبيت بمنى ليالي التشريق ورمي الجمار الثلاث بها من بعد الزوال ثلاثة أيام لمن تأخر ويومين لمن تعجل، ثم طواف الوداع.

صفة الحج

صفة الحج قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب صفة الحج. وإذا كان يوم التروية فمن كان حلالاً أحرم من مكة وخرج إلى عرفات، فإذا زالت الشمس يوم عرفة صلى الظهر والعصر يجمع بينهما]. إذا كان اليوم الثامن أحرم من أراد الحج من أهل مكة من منازلهم، ويستحب لهم الاغتسال، وكذلك من أحل من عمرته من المتمتعين فإنهم يحرمون من مكة في اليوم الثامن بعد طلوع الشمس، ويسن لهم الاغتسال والتنظيف والتطيب، ثم يلبسون ثياب الإحرام، ثم يحرمون بالحج ويلبون ويخرجون إلى منى. فهذه هي السنة للمحلين من المتمتعين ولأهل مكة ممن أراد الحج؛ فكلهم يحرمون في اليوم الثامن ويتوجهون إلى منى. وأما من كان قارناً أو مفرداً فإنه يتوجه إلى منى ملبياً مع الناس مشتملاً لإحرامه؛ لأنه لم يتحلل. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وإذا كان يوم التروية]. وهو اليوم الثامن من ذي الحجة، سمي يوم التروية لأنهم يستعدون ويتأهبون بالماء فينقلونه إلى منى للاستعداد، وكذلك ينقلون الماء إلى عرفات. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فمن كان حلالاً أحرم من مكة وخرج إلى عرفات، فإذا زالت الشمس يوم عرفة صلى الظهر والعصر يجمع بينهما بأذان وإقامتين]. السنة الخروج إلى منى وليس إلى عرفات في اليوم الثامن، فيصلي بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، ويبيت فيها تلك الليلة، فإذا طلعت الشمس من يوم عرفة صار إلى عرفة. قوله: (وخرج إلى عرفات) الخروج إلى عرفات يوم التروية خلاف السنة، المؤلف اختصر السنة، والسنة أنهم يتوجهون إلى منى، ثم يبيتون بها تلك الليلة، ثم إذا طلعت الشمس صاروا إلى عرفة، ثم ينزل بنمرة إن تيسر له -وهي على حدود عرفة من جهة الغرب- إلى الزوال، لأن النبي صلى الله عليه وسلم ضربت له قبة فيها، فإذا زالت الشمس توجه إلى المصلى، والمصلى: هو عرنة، وهو المكان الذي فيه المسجد الآن في بطن الوادي، خطب النبي صلى الله عليه وسلم الناس على بعيره في بطن الوادي، ثم لما خطب أمر بلالاً فأذن، ثم أقام وصلى الظهر ركعتين يسر فيهما، ثم قام فصلى العصر ركعتين يسر فيهما، ثم بعد الصلاة توجه إلى عرفة فدخلها. إذاً: النبي صلى الله عليه وسلم نزل في ثلاثة مواضع: نزل بنمرة قبل الزوال من جهة الغرب، وهو مكان على حدود عرفة. ثم ركب ناقته عندما زالت الشمس فخطب بالناس في بطن عرنة، وصلى بها الظهر والعصر جمعاً وقصراً، بأذان وإقامتين، وكان ذلك اليوم يوم جمعة، لكنه لم يصليها جمعة عليه السلام؛ لأنه مسافر والمسافر ليس عليه جمعة؛ ولذلك لم يجهر بالقراءة بل أسر بها، وليست الخطبة خطبة جمعة، فلو كانت خطبة جمعة لكانت بعد الأذان، لكن الخطبة كانت قبل الأذان، هذه تعتبر خطبة عرفة لا خطبة الجمعة، فلما انتهت الخطبة أمر المؤذن فأذن ثم أقام الصلاة فصلاها ظهراً ركعتين ولم يصلها جمعة، ثم جمع العصر معها، ولو كانت جمعة ما جمع معها العصر، كل هذا يدل على أنه لم يصلها جمعة، فالخطبة قبل الأذان، والقراءة سرية، وجمع معها العصر. ثم لما صلى الظهر والعصر ركب ناقته عليه الصلاة والسلام فدخل عرفة ووقف بها، وجاء خلف الجبل المسمى جبل هلال وهو المسمى بجبل الرحمة، ووقف تحت الصخرة وجعل حبل المشاة بين يديه، مستقبلاً القبلة عليه الصلاة والسلام، فهو مستقبل الجبل، والجبل إلى جهة القبلة، فكل هذه السنن فاتت على المؤلف رحمه الله، فقد ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم ذهب إلى عرفات. أما بالنسبة للقصر فإن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بأهل مكة قصراً وغيرهم، فاختلف العلماء: هل هو قصر للسفر أم أنه للنسك، على قولين، والحنابلة يرون أن أهل مكة يتمون؛ لأن المسافة ليست مسافة سفر. والصواب: أنهم يقصرون؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي بالحجاج جميعاً أهل مكة وغيرهم، ولم يقل: أتموا يا أهل مكة فإنا قوم سفر، وإنما قال هذا في جوف مكة في غزوة الفتح لما صلى بهم، قال لهم: (أتموا يا أهل مكة فإنا قوم سفر). أما في حجة الوداع فلم يقل لهم: أتموا، بل صلى بهم قصراً وصلى خلفه الحجاج من أهل مكة وغيرهم، فهذا هو الصواب.

ما يفعله الحاج يوم عرفة

ما يفعله الحاج يوم عرفة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فإذا زالت الشمس يوم عرفة صلى الظهر والعصر يجمع بينهما بأذان وإقامتين، ثم يروح إلى الموقف، وعرفات كلها موقف إلا بطن عرنة]. لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (وقفت هاهنا وعرفات كلها موقف، فارفعوا عن بطن عرنة) وهو بطن الوادي الذي فيه الآن المسجد، وقد وسع المسجد أخيراً فصار مؤخر المسجد من عرفة ومقدمه ليس من عرفة، ويوجد فاصل في الوسط ولوحات تبين للحجاج، لأن بعض الحجاج قد يجلس في المسجد إلى غروب الشمس، والذي يجلس في مقدم المسجد ولا يدخل عرفة ما صح وقوفه، بل لا بد أن يدخل عرفة بعض الوقت، فإذا دخل بعض الوقت أدرك الحج، ولكن إذا خرج قبل غروب الشمس فعليه دم؛ لأنه ترك واجباً. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وعرفات كلها موقف إلا بطن عرنة، ويستحب أن يقف في موقف النبي صلى الله عليه وسلم أو قريباً منه على الجبل قريباً من الصخرات]. الصواب: عند الجبل، أي: يقف عند الصخرات، ويجعل حبل المشاة بين يديه، وحبل المشاة: هو طريق المشاة في الأسفل، ولا يصعد الجبل كما يفعل بعض الجهال، وبعضهم يصلي فيه، وبعضهم يكتب كتابات أو يأخذ شيئاً منه، كل هذا من البدع التي لا أصل لها، والنبي صلى الله عليه وسلم ما وقف على الجبل، وإنما وقف أسفل الجبل خلف الصخرات، وجعل حبل المشاة بين يديه واستقبل القبلة إلى الجبل. فالوقوف يجب أن يكون داخل حدود عرفة، فإذا خرج ورجع ليس عليه شيء، لكن لا بد أن تغرب الشمس وهو في عرفة، فإذا غربت الشمس وهو ليس فيها فعليه دم، وعند الحنابلة يرجع فإذا رجع في الليل سقط عنه الدم، لأنه جمع جزءاً من الليل وجزءاً من النهار. القول الثاني: لا يكفيه الرجوع في الليل، لا بد أن يبقى، فإن لم يبق فعليه دم. فالوقوف يبدأ من زوال الشمس إلى غروب الشمس، والمتأخر يستمر في الوقوف إلى طلوع الفجر، فهذا هو المشهور عند جمهور علماء. وذهب الحنابلة إلى أن الوقوف يبدأ من طلوع الشمس يوم عرفة إلى طلوع الفجر، واستدلوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم لـ عروة بن مضرس أنه لما جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو في مزدلفة فأدركه في صلاة الفجر وقال: (إني أتعبت راحلتي، والله! ما تركت من جبل إلا وقفت عليه فهل لي من حج؟!)، كان يبحث عن عرفة، وأدرك النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي في مزدلفة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من أدرك صلاتنا هذه -يعني: صلاة الفجر في مزدلفة- وكان قد وقف بعرفة قبل ذلك ليلاً أو نهاراً فقد تم حجه وقضى تفثه) استدل الحنابلة بقوله: (ليلاً أو نهاراً)، على أن الوقوف يبدأ من طلوع الشمس إلى طلوع الفجر. والجمهور يرون أنه يبدأ من زوال الشمس وقالوا: إن فعل النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي بين معنى الحديث، وأن الوقوف لا يبدأ إلا بعد زوال الشمس. وتظهر فائدة الخلاف بين الحنابلة والجمهور لو جاء إنسان ووقف وقت الضحى في عرفة، ثم خرج منها ولم يرجع فهل له حج أم ليس له حج؟ فعند الحنابلة يعتبر قد أدرك الحج، وعند الجمهور فاته الحج؛ لأنه ما جاء في وقت الوقوف، وهو لا يبدأ إلا بعد الزوال. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويستحب أن يقف في موقف النبي صلى الله عليه وسلم أو قريباً منه عند الجبل قريباً من الصخرات ويجعل حبل المشاة بين يديه ويستقبل القبلة ويكون راكباً]. إن تيسر له أن يكون في موقف النبي صلى الله عليه وسلم، وإلا استقبل القبلة في أي مكان من أرض عرفة، فيستقبل القبلة، ويكثر من الدعاء، ومن كلمة التوحيد: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير. ويكثر من الدعاء والابتهال والتضرع إلى الله؛ لأنها عشية عظيمة ينزل فيها الرب سبحانه وتعالى إلى السماء الدنيا ويضاهي بهذا الموقف ملائكته فيقول: (يا ملائكتي! انظروا إلى عبادي أتوني شعثاً غبراً من كل فج عميق! أشهدكم أني قد غفرت لهم)، فهي عشية عظيمة ينبغي على المسلم أن ينتهزها، فإن تيسر له أن يكون في موقف النبي صلى الله عليه وسلم وإلا استقبل القبلة، وغالباً لا يتيسر الآن؛ لأن حول الجبل زحام شديد يتجمع الجهال من الناس فيصعدون الجبل، ولا يجد الإنسان له مكاناً هناك، فيتجه للقبلة ويستقبلها في أي مكان. قوله: (راكباً) لأن النبي صلى الله عليه وسلم وقف راكباً على ناقته، وهذا على حسب الحال، إن كان وقوفه على دابة أو على السيارة أحسن له وأعون له على الدعاء، وأبعد من زحام الناس فلا بأس، وإلا وقف جالساً في أي مكان يستقبل القبلة. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويكثر من قول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد بيده الخير وهو على كل شيء قدير]. وهذا سنة، كما جاء في حديث أنس: (أفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير). وقال: (خير الدعاء دعاء عرفة). قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويجتهد في الدعاء والرغبة إلى الله عز وجل إلى غروب الشمس]. هذا هو السنة، أن يجتهد ويكثر من الدعاء، اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم، وانتهازاً للوقت الشريف الفاضل.

الدفع إلى مزدلفة

الدفع إلى مزدلفة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ثم يدفع مع الإمام إلى مزدلفة على طريق المأزمين]. يقال: مزدلفة ويقال: مزتلفة، بالتاء والدال؛ لأن الناس يزدلفون إليها أي: يأتون، ويقال لها: جمع؛ لأنها تجمع الناس، فهي تجمع الناس ويزدلفون إليها. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [على طريق المأزمين وعليه السكينة]. أي: مضيق الوادي بين الجبلين، يعني: بين الجبلين اللذين بين مزدلفة وعرفة. والسنة الدفع إلى مزدلفة بعد غروب الشمس، والإكثار من التلبية حين الدفع. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ثم يدفع مع الإمام إلى مزدلفة على طريق المأزمين وعليه السكينة والوقار ويكون ملبياً شاكراً لله عز وجل]. بأن يقول: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك، ويكثر من الذكر كما كان في عرفة، فيستغل الوقت ويكثر من التلبية والذكر والدعاء. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فإذا وصل إلى مزدلفة صلى بها المغرب والعشاء قبل حط الرحال يجمع بينهما]. السنة أن الحاج إذا وصل إلى مزدلفة صلى بها المغرب والعشاء قصراً وجمعاً بأذان وإقامتين، يؤذن ثم يقيم فيصلي المغرب ثلاث ركعات، ثم ينيخ الجمال، فالنبي صلى الله عليه وسلم أمر بأن تناخ الجمال ثم قام فصلى العشاء ركعتين، ثم حط الرحال، فالسنة أن الصلاة قبل حط الرحال، لكن الإبل والدواب ينيخها بعد صلاة المغرب حتى تستريح ويحط الرحل بعد صلاة العشاء. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فإذا وصل إلى مزدلفة صلى بها المغرب والعشاء قبل حط الرحال يجمع بينهما، ثم يبيت بها، ثم يصلي الفجر بغلس]. هذا هو السنة، أن الحاج يبيت بعد الصلاة ولا يسهر، حتى يكون ذلك أعون له على وظائف يوم العيد؛ لأنه بقي معه أربع وظائف يوم العيد: الوظيفة الأولى: رمي جمرة العقبة، والوظيفة الثانية: الذبح أو النحر، الوظيفة الثالثة: حلق الرأس، الوظيفة الرابعة: الطواف والسعي. كل هذه أعمال يوم العيد وهو يوم الحج الأكبر، ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم صلى المغرب والعشاء جمعاً وقصراً ثم نام عليه الصلاة والسلام كما في حديث جابر. وظن بعضهم أن النبي صلى الله عليه وسلم ما أوتر، وقالوا: إنه ما أوتر في تلك الليلة، لكن هذا مجمل، ومعروف من سنته صلى الله عليه وسلم أنه نام عليه الصلاة والسلام ليستعين بذلك على أعمال النهار؛ لأنه صلى الله عليه وسلم في اليوم الثاني عمل أعمالاً عظيمة: رمى جمرة العقبة، ثم نحر بدنه، نحر ثلاثاً وستين بدنة بيده الشريفة عليه الصلاة والسلام، ونحر علي ما غبر وهي سبع وثلاثون، ثم حلق رأسه، ثم أفاض فطاف وسعى، كل هذا قبل الظهر، ثم أدرك صلاة الظهر في المسجد الحرام فصلى الظهر هناك، ثم رجع إلى منى فصلى بهم الظهر، واختلف العلماء في الجمع بينهما؛ لأنه في حديث جابر أنه صلى في مكة، وفي حديث ابن عمر أنه صلى في منى، والجمع بينهما أن النبي صلى الله عليه وسلم أدركته صلاة الظهر في مكة فصلاها، ثم لما رجع إلى منى وجد القوم مجتمعين، فصلى بهم تلك الصلاة، فهي له نافلة ولهم فريضة. فلذلك نام عليه الصلاة والسلام من أول الليل حتى يستعين بذلك على أعمال النهار، ثم صلى فجراً بغلس والغلس: هو اختلاط ضياء الصبح بظلام الليل، يعني: في أول وقتها، بعد ما تبين الفجر وانشقاقه؛ حتى يتسع الوقوف بمزدلفة؛ لأنه يسن الوقوف بالمشعر الحرام واستقبال القبلة والدعاء حتى قبل طلوع الشمس، ثم يدفع إلى منى، فصلى الفجر في أول وقتها حتى يتسع وقت الوقوف. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الفجر دائماً بغلس، والغلس: هو اختلاط ضياء الصبح بظلام الليل، جاء في الحديث: (وصلاة الصبح كان النبي صلى الله عليه وسلم يصليها بغلس) وأنه يصلي معه نساء متلفعات بمروطهن فيخرجن ما يعرفهن أحد من الغلس، لكن بعد تبين الفجر وتحقق طلوعه، ولكن الظلمة تبقى، خلافاً للأحناف الذين يصلون الفجر قرب طلوع الشمس، ويستدلون بحديث: (أسفروا بالفجر؛ فإنه أعظم للأجر). والسنة التقديم بالصلاة بعد طلوع الفجر، ولا يزال الغلس بعد الصلاة بنصف ساعة، أو ثلثي ساعة، لكن في مزدلفة صلاها في أول وقتها من أول انشقاق الفجر، وكان قبل ذلك في غير هذا المكان يتأخر بعض الشيء، يأتيه بلال ويؤذنه بالصلاة، ثم يصلي ركعتين، ثم يذهب ويتأخر بعض الشيء، وإن كان يصليها بغلس، لكن في مزدلفة بادر مبادرة شديدة في أول الوقت، حتى قال ابن مسعود رضي الله عنه: (ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم صلى صلاة في غير ميقاتها إلا صلاته بمزدلفة) يعني: في غير الميقات المعتاد، وليس المراد أنه صلاها قبل طلوع الفجر، والحديث رواه البخاري في الصحيح. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويأتي المشعر الحرام فيقف عنده ويدعو]. المشعر الحرام: جبل صغير، وهو جبل قزح، وقد بني عليه المسجد الآن، فيأتي المشعر ويستقبل القبلة، ويدعو عنده، ومزدلفة كلها مشعر، إن تيسر له أن يأتي الجبل وإلا ففي أي مكان يستقبل القبلة ويرفع يديه ويدعو؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (وقفت هاهنا وجمع كلها موقف) وقال في عرفة: (وقفت هاهنا -يعني: تحت الصخرات وحبل المشاة بين يديه- وعرفة كلها موقف، وارفعوا عن بطن عرنة)، عرفة واسعة لا تضيق بالناس، ولا ليمكن لأحد ألا يقف في عرفة؛ لأن الوقوف بعرفة ركن الحج الأعظم. يبين لهم عليه الصلاة والسلام أنه لا يجب الوقوف في هذا المكان خلف الجبل؛ حتى لا يزدحم الناس عليه فقال: (وقفت هاهنا وعرفة كلها موقف، وارفعوا عن بطن عرنة)، ولما وقف عند الجبل في مزدلفة قال: (وقفت هاهنا وجمع كلها موقف) جمع: اسم لمزدلفة، سميت بهذا؛ لأنها تجمع الناس، (وقفت هاهنا وجمع كلها موقف) في أي مكان من أرض مزدلفة لا يشترط أن تذهب إلى الجبل الصغير الذي بني عليه المسجد. ونحر في منى في مكانه قرب جبل مسجد الخيف، نزل فيه النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (نحرت هاهنا وفجاج مكة كلها طريق ومنحر) في أي مكان ينحر في أرض الحرم، في منى في مكة في مزدلفة أجزأه، لكن الأفضل في منى إن تيسر في داخل حدود الحرم، فلا ينحر في خارجه، فالنحر في عرفة لا يجوز، فلابد أن يكون داخل الحرم، في منى أو مكة أو مزدلفة. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فيقف عنده ويدعو، ويستحب أن يكون من دعائه: اللهم! كما وقفتنا فيه وأريتنا إياه فوفقنا لذكرك كما هديتنا، واغفر لنا وارحمنا كما وعدتنا بقولك وقولك الحق: {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ * ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة:198 - 199]]. هذا الدعاء إذا ثبت فإنه يستحب، وإذا لم يثبت فيدعو بأي شيء. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويقف حتى يسفر جداً ثم يدفع قبل طلوع الشمس]. هذا هو السنة، أنه لا يزال واقفاً في مزدلفة حتى يسفر جداً أي: حتى يظهر الإسفار الشديد، ولكن هذا قبل طلوع الشمس، ثم يدفع؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وقف حتى أسفر، ثم دفع قبل طلوع الشمس، فخالف هدي النبي صلى الله عليه وسلم هدي المشركين، وكان هدي المشركين أنهم لا يدفعون من مزدلفة حتى تطلع الشمس، وتشرق على الجبل الذي يقال له: ثبير، فيخاطبون الجبل ويقولون: أشرق ثبير كيما نغير، فخالفهم النبي صلى الله عليه وسلم فدفع قبل طلوع الشمس. وكان هدي المشركين في عرفة أنهم يدفعون من عرفة قبل غروب الشمس إذا صارت الشمس على رءوس الجبال كعمائم الرجال دفعوا، فخالفهم النبي صلى الله عليه وسلم ولم يدفع حتى غربت الشمس واستحكم غروبها وغاب القرص، فالنبي صلى الله عليه وسلم خالف المشركين في الدفع من يوم عرفة، وخالفهم في الدفع من مزدلفة.

الدفع إلى منى

الدفع إلى منى قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ثم يدفع قبل طلوع الشمس، فإذا بلغ محسراً أسرع قدر رمية بحجر حتى يأتي منى]. قوله: (فإذا بلغ محسراً) هو وادٍ بين مزدلفة ومنى وليس منها، بين كل مشعرين فاصل، فإذا وصل إلى المحسر أسرع بمقدار رمية بحجر، بمقدار مائة متر أو مائتي متر أو خمسمائة متر، مقدار رمية بحجر، سمي وادي المحسر؛ لأنه يحسر سالكه، ويتعب الإنسان في الرمل. وقيل: إن هذا هو المكان الذي عذب فيه أصحاب الفيل؛ فلذلك أسرع فيه عليه الصلاة والسلام، كما أنه لما مر بديار ثمود قنع رأسه، وأسرع السير عليه الصلاة والسلام، فكذلك لما جاء محسراً أسرع فيه بمقدار رمية حجر؛ لأنه مكان العذاب الذي عذب فيه أصحاب الفيل أبرهة وجنوده الذين جاءوا لهدم الكعبة، وكان ذلك العام هو العام الذي ولد فيه النبي صلى الله عليه وسلم. والصواب: أن مكان عذاب أصحاب الفيل ليس هنا، وإنما هو في واد يقال له: مغمس، فهذا هو المكان الذي عذب فيه أصحاب الفيل، وإنما هذا أسرع فيه؛ لأنه يحسر سالكه، لا لأنه مكان العذاب. المقصود: أن السنة الإسراع بمقدار رمية حجر، وقد أخبر جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أتى بطن محسر حرك دابته قليلاً.

أعمال يوم النحر

أعمال يوم النحر قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فإذا بلغ محسراً أسرع قدر رمية بحجر حتى يأتي منى، فيبتدئ بجمرة العقبة فيرميها بسبع حصيات كحصى الخذف]. هذه هي السنة، أن يبدأ برمي جمرة العقبة، وهي تحية لمنى، وهي بمثابة صلاة العيد لأهل الأمصار، الحجاج ليس عليهم صلاة عيد، فرمي جمرة العقبة تنوب عن صلاة العيد، ويقطع التلبية إذا بدأ في الرمي. وجمرة العقبة هي آخر الجمار من جهة منى، فأول ما يليها الجمرة الأولى، ثم الوسطى، ثم العقبة، وهي أول الجمرات من جهة مكة، وهي حد منى وليست من منى. قوله: (كحصى الخذْف)، حصى الخذْف التي تكون بين الأصابع، وهي الحصى الصغيرة التي يخذفها بين أصابعه. فيرمي بسبع حصيات متعاقبات، وقد مر بنا في درس التوحيد في حديث: (إياكم والغلو! فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو) أن سببه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يا ابن عباس! هلم القط لي حصيات، والنبي صلى الله عليه وسلم أمر بأن تلقط له الحصيات وهو في الطريق من مزدلفة إلى منى، وإذا التقطها من مزدلفة أو من منى فلا حرج. وما يفعله بعض الناس يلقط الحصيات قبل الصلاة إذا وصل إلى مزدلفة لا أصل له، الصلاة أول شيء، والفقهاء يقولون: يأخذ من منى سبعين حصاة، والنبي صلى الله عليه وسلم أمر بأن تلقط له سبع حصيات في الطريق وهو ماشٍ بالطريق، فلقط له ابن عباس حصيات، حيث قال: (فالتقطت له حصيات مثل حصى الخذف) يعني: أكبر من الحمص قليلاً، مثل بعر الغنم، أو حبة الفول، فلما وضعها النبي صلى الله عليه وسلم في يده قال: (نعم بأمثال هؤلاء فارموا، وإياكم والغلو! فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو) يعني: لا تغلو فتأتوا بالحجارة الكبار وترمونها بناءً على أنها أبلغ من الصغار؛ فهذا من الغلو، والحديث عام. ومثلها أيضاً الرمي بالنعال كما يفعل بعض الجهال، وكذلك أيضاً يشتد بعضهم ويغضب فيشتم! كل هذا من الجهل، فهذه مشاعر لإقامة ذكر الله، قال عليه الصلاة والسلام: (إنما جعل الطواف بالبيت والصفا والمروة، ورمي الجمار لإقامة ذكر الله)، ينبغي للإنسان أن يأتي متواضعاً متخشعاً يرميها ويكبر الله ويذكره، لا أن يأتي غضبان يشتم ويلطم، ويضرب بالحجارة الكبار وبالنعال، كل هذا من الجهل. وإذا أخذ الحجارة من المرمى -أي: من الجمرة- هل يصح؟ يلقطها من بعيد أحوط، والفقهاء يقولون: لا يرمي بحجر رمي به؛ لأنه استعمل في عبادة، وإن كان هذا ليس عليه دليل، وإنما يقيسونه على الماء المستعمل، والماء المستعمل الصواب فيه أنه لا حرج فيه، لكن الإنسان عليه أن يحتاط فيأخذ الحجارة من بعيد ولا يأخذها من الحوض، وإذا أخذ الحجارة من مكانه فلا بأس، فلا يأخذ من الحوض أو قريب منه. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فيبتدئ بجمرة العقبة فيرميها بسبع حصيات كحصى الخذف يكبر مع كل حصاة، ويرفع يديه في الرمي]. يقول: الله أكبر الله أكبر يكبر مع كل حصاة ويرفع يده بحيث يكون بعيداً ويرميها مع قوله: الله أكبر الله أكبر سبع حصيات متعاقبات، ولا يرميها دفعة واحدة، فإن رماها دفعة واحدة لم يحسب له إلا حجراً واحداً. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويقطع التلبية بابتداء الرمي]. هذا هو السنة؛ إذا بدأ في التحلل قطع التلبية، كما أن المعتمر إذا بدأ في الطواف قطع التلبية، والحاج إذا بدأ في الرمي قطع التلبية؛ لأنه شرع في التحلل. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويقطع التلبية بابتداء الرمي، ويستبطن الوادي، ويستقبل القبلة ولا يقف عندها]. كونه يأتيها من بطن الوادي ويستقبل القبلة فيه نظر؛ لأنه إذا استقبل الوادي لا يستقبل القبلة، وإن رماها من الجهة الأخرى فلا بأس، وسميت جمرة العقبة؛ لأن الطريق كانت ضيقة، ثم أزيل الجبل الآن، وكانت لا ترمى إلا من جهة واحدة، والجهة الثانية كان فيها الجبل، وجاء عن عمر أنه رمى الجمرة من فوق الجبل من الجهة الأخرى، فإذا سقطت في الحوض فلا بأس، فيجزئ من أي جهة، المهم أن تكون الحصاة في الحوض. لكن الأفضل أن يرمي من بطن الوادي، وإذا استقبل الوادي ظاهره أنه لا يستقبل القبلة، إنما هذا في الجمرة الأولى، والجمرة الثانية يستقبل القبلة. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويستبطن الوادي، ويستقبل القبلة، ولا يقف عندها، ثم ينحر هديه ثم يحلق رأسه]. ينحر هديه إذا كان متمتعاً أو قارناً، أو كان معه هدي ساقه من الحل، فينحره بعد الرمي، أما إذا كان مفرداً فليس عليه نحر، ثم يحلق رأسه بعد النحر ويتحلل. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ثم ينحر هديه، ثم يحلق رأسه أو يقصره]. والحلق أفضل؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (اللهم اغفر للمحلقين ثلاثاً) فدعا للمحلقين ثلاثاً، وفي كل مرة يقولون: والمقصرين؟ قال: (اللهم اغفر للمحلقين، قالوا: والمقصرين؟ قال: اللهم اغفر للمحلقين قالوا: والمقصرين؟ قال: والمقصرين) في المرة الرابعة، فدل هذا على أن الحلق أفضل. والمرأة تقصر قدر رأس أصبع من كل ضفيرة إن كان لها ضفائر وإلا قصرت من أطراف الشعر، وليست من أهل الحلق، إنما هذا الفعل للرجل، وإن قصر الرجل فلا حرج، لكن الحلق أفضل. وإذا رمى وحلق تحلل التحلل الأول فيلبس ثيابه، والتحلل يكون باثنين: الرمي والحلق، أما النحر فليس من الأمور التي يتحلل بها، والتي يتحلل بها إنما هي الرمي والحلق والطواف. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ثم ينحر هديه، ثم يحلق رأسه أو يقصره، ثم قد حل له كل شيء إلا النساء]. حل له كل شيء إلا النساء، حل له الطيب، ولبس الثياب، وقص الأظافر، إلا الزوجة فلا تحل له حتى يطوف ويسعى إن كان عليه سعي.

الإفاضة إلى مكة

الإفاضة إلى مكة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ثم يفيض إلى مكة فيطوف للزيارة، وهو الطواف الواجب الذي به تمام الحج]. هو يقصد طواف الإفاضة، فيسمى طواف الإفاضة، ويسمى طواف الزيارة، ويسمى طواف الحج. فيطوف طواف الإفاضة سبعة أشواط، وهو طواف الحج. وجميع الحجاج يطوفون طواف الإفاضة، لا بد منه، وهو ركن من أركان الحج سواء كان الحاج متمتعاً أو قارناً أو مفرداً، أما السعي فإنما هو للمتمتعين، والقارن إذا سعى مع طواف القدوم فله ذلك، وإن أخره مع طواف الإفاضة فله ذلك، سعي واحد، أما المتمتع فعليه سعيان سعي مع طواف العمرة، وسعي مع طواف الحج.

السعي بين الصفا والمروة

السعي بين الصفا والمروة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ثم يسعى بين الصفا والمروة إن كان متمتعاً أو ممن لم يسع مع طواف القدوم]. إن كان متمتعاً سعى؛ لأن عليه السعي، وإن كان مفرداً أو قارناً وسعى مع طواف القدوم كفاه، وإن لم يسع مع طواف القدوم سعى بعد طواف الإفاضة. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ثم قد حل من كل شيء]. أي: حل التحلل الثاني، فإذا طاف وسعى حل التحلل الثاني، وحلت له زوجته، ولو كان بقي عليه يومان من أيام التشريق، ويبقى عليه الرمي والبيتوتة وطواف الوداع، فتحل له زوجته إذا رمى وحلق وطاف وسعى. وهذا مما يبين جهل كثير من الحجاج الآن، إذا رمى وحلق وطاف حلت له زوجته ولو كان في مكة، فبعض الحجاج المساكين من المغاربة وغيرهم يسألون فيقولون: إذا وصلنا إلى بلادنا تنصب لنا الخيام، ونستقبل الناس، ونجلس فيها أسبوعين أو ثلاثة أسابيع، ولا ندخل بيوتنا، حتى إن الحاج ممنوع من زوجته، ولا يقابل زوجته، فهذه أغلال وآصار! هكذا يفعل بعض الحجاج المغاربة وغيرهم. وهنا مسألة: إذا انتهى الرجل من مناسكه بما فيه الطواف ولم تنته المرأة من طواف الإفاضة إلا قبل سفرهما إلى البلد فهل يحل له أن يجامعها؟ A لا يجوز له وإن حل هو، وهي عليها أن تمتنع منه حتى تطوف.

ما يستحب للحاج فعله بعد الطواف والسعي

ما يستحب للحاج فعله بعد الطواف والسعي قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويستحب أن يشرب من ماء زمزم لما أحب، ويتضلع منه، ثم يقول: اللهم اجعله لنا علماً نافعاً، ورزقاً واسعاً، ورياً وشبْعاً وشفاءً من كل داء، واغسل به قلبي، واملأه من خشيتك وحكمتك]. يشرب من ماء زمزم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم شرب من زمزم، أما هذا الدعاء فإنه يحتاج إلى مراجعة، إن ثبت فيستحب قوله، وإلا فليدع بأي دعاء. وروى ابن ماجة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ماء زمزم لما شرب له). يعني: إن شربه وقصد به العلم صار علماً، وإن قصد به الري صار رياً، وإن قصد به الشبع صار شبعاً، قال صلى الله عليه وسلم: (ماء زمزم لما شرب له)، إن صح الحديث. وعن محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر قال: كنت عند ابن عباس فجاء رجل فقال: من أين جئت؟ قال: من زمزم قال: فشربت منها كما ينبغي؟ قال: فكيف؟ قال: إذا شربت منها فاستقبل الكعبة، واذكر اسم الله، وتنفس ثلاثاً من زمزم، وتضلع منها، فإذا فرغت فاحمد الله؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن آية ما بيننا وبين المنافقين لا يتضلعون من زمزم) رواه ابن ماجة. وهذا يحتاج إلى مراجعة لسنده، والحديث الأول حسنه الألباني وابن القيم رحمهما الله تعالى.

كتاب الحج [6]

شرح عمدة الفقه_كتاب الحج [6] أركان الحج: الوقوف بعرفة وطواف الإفاضة والسعي والحلق، وواجباته الإحرام من الميقات والوقوف بعرفة إلى الليل والمبيت بمزدلفة إلى نصف الليل والمبيت بمنى والرمي وطواف الوداع. وأركان العمرة: الطواف والسعي والحلق.

ما يفعله الحاج بعد الحل

ما يفعله الحاج بعد الحل قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب ما يفعله بعد الحل. ثم يرجع إلى منى ولا يبيت لياليها إلا بها، فيرمي بها الجمرات بعد الزوال من أيامها]. قوله: (ثم يرجع بعد الحل إلى منى) يعني: إذا رمى جمرة العقبة يوم العيد، ثم ذبح هديه، ثم حلق رأسه، ثم طاف تحلل تحللين، التحلل الأول والتحلل الثاني، ثم يرجع إلى منى. فهذه الوظائف الأربع أداها يوم العيد، فرمى أولاً جمرة العقبة، ثم ذبح هديه إن كان متمتعاً أو قارناً، وإذا كان مفرداً ليس عليه ذبح، ثم حلق رأسه، ثم يفيض إلى مكة فيطوف ويسعى إن كان متمتعاً أو كان مفرداً ولم يكن سعى مع طواف القدوم، فيكون تحلل تحللين. ثم يرجع بعد الحل إلى منى فيجلس بها ثلاث ليال إن تأخر، وليلتين إن تعجل في كل يوم من الأيام الثلاثة، الحادي عشر، والثاني عشر، والثالث عشر، فيرمي الجمار الثلاث بعد الزوال، فيبدأ يرمي الجمرة الصغرى، ثم يرمي الجمرة الوسطى وهي التي بعدها، ثم يرمي جمرة العقبة وهذه ترمى يوم العيد وتكون هي الأخيرة، فهي آخر الجمرات من منى، وأقرب الجمرات إلى مكة، ولا بد من الترتيب، فإن رمى الجمرة الوسطى ثم الصغرى سقط رمي الجمرة الوسطى، فلابد من الترتيب، ولو نكس فرمى جمرة العقبة، ثم الوسطى، ثم الصغرى يحسب له الصغرى، وعليه أن يرمي الوسطى مرة ثانية بعد الصغرى، ثم العقبة الكبرى، والجاهل بالترتيب هنا لا يعذر، لابد أن يرتبها، فإن لم يرتبها وفاتت أيام التشريق عليه دم، والواجبات ليس فيها عذر، فالعذر في المحظورات مثل: حلق الرأس أو لبس الثوب، أما الواجبات فلابد منها، ومن لم يؤديها ولو جاهلاً أو ناسياً فعليه أن يؤديها في وقتها، فإن فات وقتها عليه دم عند أهل العلم. قوله: (ولا يبيت لياليها إلا بها). هذه هي السنة، يبيت الليالي في منى، والمراد بالبيتوتة أن يكون أكثر الليل موجوداً على أرض منى، سواء كان نائماً أو جالساً أو يصلي أو يأكل، فلا يلزمه النوم، فوجوده على أرض منى يكفي، لابد أن يبيت فيها، وهذا واجب على الصحيح؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم رخص للعباس بعدم البيتوتة؛ لأجل سقاية الحاج، ورخص للسقاة والرعاة، والرخصة لا تكون إلا من شيء واجب، فدل على أنه واجب، وهذا هو المذهب. والرواية الثانية عن الإمام أحمد: أن المبيت بمنى سنة وليس بواجب، ولا شيء على من تركه، وهو قول لبعض العلماء. والصواب: أنه واجب؛ لأن الرخصة لا تكون إلا من شيء واجب، ولولا أنه واجب لما احتاج العباس أن يستأذن النبي صلى الله عليه وسلم ليرخص له، وكذلك السقاة والرعاة، فلما رخص لهم دل على أن غيرهم لا يرخص لهم لوجوبه. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولا يبيت لياليها إلا بها فيرمي بها الجمرات بعد الزوال من أيامها كل جمرة بسبع حصيات يبتدئ بالجمرة الأولى فيستقبل القبلة ويرميها بسبع حصيات كما رمى جمرة العقبة، ثم يتقدم فيقف فيدعو الله، ثم يأتي الوسطى فيرميها كذلك، ثم يرمي جمرة العقبة ولا يقف عندها، ثم يرمي في اليوم الثاني كذلك]. هذه هي السنة، أن يكون الرمي بعد الزوال، فلا يجزئ قبل الزوال، والزوال عند أذان الظهر، فإذا زالت الشمس رمى مرتباً، يبدأ بالجمرة الصغرى، فيرميها مستقبلاً القبلة إن تيسر، وإن لم يتيسر يرميها من أي جهة، سواء كان مستقبل القبلة أو غير مستقبل القبلة، والأفضل الأيسر له، فكونك تؤدي العبادة براحة هذا هو الأفضل، فإذا كان الاستقبال فيه مشقة وزحام تذهب إلى الجهة الثانية، والاستقبال مستحب وليس بواجب، ولا بد أن تكون سبع حصيات، وتكون متعاقبة، ويكبر مع كل حصاة، ويرميها رمياً، ولا يضعها وضعاً، لا بد من رمي، فيرى بياض إبطه حين يرميها، لأن الوضع لا يسمى رمياً، وإن رماها كلها مرة واحدة فيعتبر حجراً واحداً، لا بد أن تكون سبع مرات. ثم بعد ذلك يجعلها عن يمينه ويتقدم ويرفع يديه فيدعو، والنبي صلى الله عليه وسلم دعا دعاءً طويلاً بمقدار قراءة سورة البقرة، وهذا وقت يكون طويلاً، لكن نحن ضعفاء، فيدعو الإنسان ولو دعاء قصيراً، ولو لمدة دقيقتين أو ثلاث أو خمس دقائق أو أقل، والسنة التطويل، لكن لا نستطيع أن نجلس مثلما جلس النبي صلى الله عليه وسلم، ولا قريباً منه عليه الصلاة والسلام، فهو دعا دعاءً طويلاً بمقدار قراءة سورة البقرة، يعني: وقت طويل، وهذا صبر عظيم! ثم يرمي الجمرة الوسطى كذلك سبع حصيات متعاقبات، ويستقبل القبلة إن تيسر، وإلا ففي أي جهة، ثم يجعلها عن يساره ويتقدم فيستقبل القبلة، ويرفع يديه ويدعو دعاءً طويلاً بمقدار قراءة سورة البقرة، فالنبي صلى الله عليه وسلم فعل هذا، لكن المسلم يفعل ما يستطيع. ثم يرمي جمرة العقبة، وذكر المؤلف أنه يستقبل القبلة، والصواب: أنه لا يستقبل القبلة، وإنما يستقبل الوادي ويجعل العقبة أمامه، ولا يقف عندها ولا يدعو. واختلف العلماء في الحكمة، فقال بعضهم: لأن المكان ضيق، فجمرة العقبة كانت متكئة على جبل، فأزيل هذا الجبل، ولما كان المكان ضيقاً ذهب النبي صلى الله عليه وسلم ولم يدع عندها؛ لأنه قد انتهت العبادة، فالجمرة الصغرى والوسطى دعا فيها لأنه ما زال في صلب العبادة، كما لو كان في الصلاة، فلما رمى جمرة العقبة انتهت العبادة فانصرف، كما لو انصرف من الصلاة، وهذا هو الصواب، ولهذا الدعاء في صلب الصلاة أفضل من الدعاء بعد الصلاة. ويفعل هذا الفعل في كل من الأيام الثلاثة الحادي عشر، والثاني عشر، والثالث عشر إن تأخر، وإن تعجل في اليوم الثاني عشر وخرج قبل غروب الشمس سقط رمي يوم الثالث عشر، ويستمر الرمي من زوال الشمس إلى الغروب، فهذا متفق عليه، وأما الرمي في الليل فالمذهب أنه ممنوع. والقول الثاني: أنه لا بأس بالرمي بالليل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم حدد أول الرمي ولم يحدد آخره، وعلى هذا فيستمر الرمي من زوال الشمس إلى طلوع الفجر، وتكون الليلة تابعة لليوم الثاني، ليلة الحادي عشر تابعة لليوم العاشر يوم العيد، فيكون يوم العيد من طلوع الشمس إلى غروبها، ومن الغروب إلى الفجر تابع ليوم العيد، وليلة الثاني عشر تكون تابعة لليوم الحادي عشر، وليلة الثالث عشر تابعة لليوم الثاني عشر. أما اليوم الثالث عشر فليس هناك رمي في الليل؛ لأن الرمي من زوال الشمس إلى الغروب في اليوم الأخير، لأنه بغروب الشمس تنتهي أيام الرمي والذبح وأيام الحج، وليس هناك رمي في الليل في اليوم الثالث عشر. والذي عليه فتوى هيئة كبار العلماء بالأغلبية أن الرمي في الليل جائز، والمذهب منع الرمي في الليل، ولكن القول الثاني -وهو قول الأئمة الثلاثة- أنه لا بأس بالرمي في الليل، وهذا هو الذي يتفق مع سماحة الشريعة ويسرها، قال تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج:78]، والشريعة صالحة لكل زمان ومكان، ولا يكفي الآن الوقت من زوال الشمس إلى غروبها بسبب العدد الكثير من الحجاج، فإذا كانوا مليوناً ونصف فلا يتمكنون من الرمي من زوال الشمس إلى غروبها. وأما من وكل بالرمي للجمرات، فبعض العلماء -وهو المذهب- يرى أنه يرمي الصغرى، ثم الوسطى، ثم العقبة عن نفسه، ثم يرجع فيرمي الصغرى، ثم الوسطى، ثم العقبة عن موكله الأول، وإذا وكله آخر أيضاً يعود، وإذا وكله ثالث يرميها ثلاثاً ثم يرجع. والقول الثاني: أنه يرمي الجمرة الصغرى عن نفسه، ثم يرميها عن موكله، ثم يرمى جمرة الوسطى عن نفسه، ثم يرميها عن موكله، ثم يرمي جمرة العقبة عن نفسه، ثم يرميها عن موكله، ولعل هذا لا بأس به لاسيما مع الزحام. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ثم يأتي الوسطى فيرميها كذلك، ثم يرمي جمرة العقبة ولا يقف عندها، ثم يرمي في اليوم الثاني كذلك]. أما من طلوع الفجر إلى زوال الشمس فهذا ليس فيه رمي، وليس وقتاً للرمي بالاتفاق. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فإن أحب أن يتعجل في يومين خرج قبل الغروب]. خرج قبل غروب الشمس من منى، والمراد خروجه من منى إذا تجاوز جمرة العقبة، بل جمرة العقبة ليست من منى، وإنما هي في حد منى. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فإن غربت الشمس وهو بمنى لزمه المبيت بمنى والرمي من غد]. إذا غربت الشمس وهو لم يتعجل لزمه المبيت والرمي في اليوم الثالث عشر، وإن بات باختياره ورمى فهو أفضل، وهو فعل النبي صلى الله عليه وسلم، وقد قال تعالى: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} [البقرة:203]. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فإن كان متمتعاً أو قارناً فقد انقضى حجه وعمرته]. نعم، لأنه طاف وسعى ورمى وحلق، وانتهى من الرمي، ولم يبق إلا طواف الوداع. [وإن كان مفرداً خرج إلى التنعيم فأحرم بالعمرة منه]. هذا إذا كان مفرداً بأن أحرم بالحج، وبقي عليه العمرة، أما إذا كان قارناً ومتمتعاً فقد جمع الحج والعمرة، فالمتمتع له عمرة مستقلة قبل الحج، والقارن عمرته داخلة في الحج، وبقي المفرد وهو الذي أحرم بالحج فقط، بقي عليه العمرة فإنها تبقى في ذمته، وليس لها وقت فإذا أحب أن يخرج إلى التنعيم ويأتي بعمرة أداها، وإن أتى بعمرة في رمضان أو في أي وقت كفى، ولا تجب العمرة إلا مرة، وأما ما ذكره المؤلف من كونه يخرج إلى التنعيم ويأتي بالعمرة فهذا تركه أولى ولاسيما في وقت الحج؛ لأنه يكون هناك زحام كثير من الناس الذين يخرجون إلى التنعيم، وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أنه لا يشرع لمن كان بمكة أن يأتي بعمرة، والرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة ما فعلوا هذا، وما فعل هذا إلا عائشة لما ألحت وطلبت وقالت: (يا رسول الله! يرجع الناس بحج وعمرة وأرجع بحج!)، فهي كانت قارنة، لكنها تريد عمرة مستقلة، فأعمرها النبي صلى الله عليه وسلم من التنعيم، فقال شيخ الإسلام: ليس بمشروع أن يخرج من مكة ويأتي بعمرة، وإنما المشروع لمن كان بمكة أن يتعبد بالطواف والقراءة، والعمرة إنما هي ل

لزوم الطواف بالبيت عند الوداع

لزوم الطواف بالبيت عند الوداع قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وإذا أراد القفول لم يخرج حتى يودع البيت بطواف عند فراغه من جميع أموره]. يعني: لا يخرج أحد من مكة حتى يودع البيت فيطوف سبعة أشواط؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى الناس ينفرون من كل وجه: (لا ينفرن أحد حتى يكون آخر عهده بالبين)، وفي حديث ابن عباس: (أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت، إلا أنه خفف عن الحائض) فهذا طواف الوداع الذي لابد منه، فهو واجب إلا على الحائض والنفساء فيسقط عنهما، ولكن هذا يكون عند إرادة السفر، وإن أقام بمكة فلا يطوف حتى يخرج، ولو أقام سنة أو سنتين ما عليه طواف وداع حتى يخرج من مكة، وإذا أراد الخروج طاف سواء كان متمتعاً أو قارناً أو مفرداً لابد من الطواف. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حتى يكون آخر عهده بالبيت، فإن اشتغل بعده بتجارة أعاده]. إذا اتجر وصار يبيع ويشتري بالتجارة فيعيد طواف الوداع حتى يكون هو الآخر، أما إذا كان اشترى شيئاً وهو في طريق فلا يضر.

ما يستحب لمن طاف طواف الوداع

ما يستحب لمن طاف طواف الوداع قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويستحب له إذا طاف أن يقف في الملتزم بين الركن والباب، فيلتزم البيت ويقول: اللهم هذا بيتك، وأنا عبدك وابن عبدك وابن أمتك، حملتني على ما سخرت لي من خلقك، وسيرتني في بلادك حتى بلغتني بنعمتك إلى بيتك، وأعنتني على أداء نسكي، فإن كنت رضيت عني فازدد عني رضاً، وإلا فمُنَّ الآن]. (فمن) من المنة يعني: ابتدأ من الآن فمن علي. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وإلا فمنّ الآن قبل أن تنأى عن بيتك داري، فهذا أوان انصرافي، إن أذنت لي غير مستبدل بك ولا ببيتك، ولا راغب عنك ولا عن بيتك، اللهم أصحبني العافية في بدني، والصحة في جسمي، والعصمة في ديني، وأحسن منقلبي، وارزقني طاعتك ما أبقيتني، واجمع لي بين خيري الدنيا والآخرة، إنك على كل شيء قدير، ويدعو بما أحب، ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم]. وهذا الدعاء مروي عن ابن عباس، وأما كونه يقف بالملتزم ويلصق صدره وذراعيه ووجهه ويدعو فهذا جاء في حديث ابن عمرو، وجاء في حديث آخر عن عبد الرحمن بن صفوان (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يلصق صدره وذراعيه في الملتزم) وهذا يحتاج إلى بحث للتأكد من صحة الحديث، وأما هذا الدعاء فهو مروي عن ابن عباس، وهذا من باب الاستحباب، ولو تركه فلا حرج، ليس من الواجبات. وقد ذكر حديث عبد الله بن عمرو وعبد الرحمن بن صفوان في التعليق فقال: أخرجه أبو داود في باب الملتزم وابن ماجة والبيهقي كلهم من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه، قال: كنت مع عبد الله أي: ابن عمرو بن العاص، ورواه الدارقطني باختصار، وقال المنذري في مختصره: في إسناده المثنى بن الصباح لا يحتج به، وقد سمع شعيب من جده على الصحيح، قال في التقريب: المثنى ضعيف اختلط في آخره. وحديث عبد الرحمن بن صفوان قال: إنه ضعيف أخرجه أبو داود في باب الملتزم، والبيهقي وفي سنده يزيد بن أبي زياد. فعلى هذا يكون الحديث ضعيفاً فلا يشرع هذا الفعل، فكونه يلصق صدره وذراعيه ما ثبت، والدعاء كذلك هذا مروي عن ابن عباس، والأمر في هذا واسع.

حكم من لم يطف طواف الوداع

حكم من لم يطف طواف الوداع قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فمن خرج قبل الوداع رجع إليه إن كان قريباً، وإن بعد بعث بدم، إلا الحائض والنفساء فلا وداع عليهما، ويستحب لهما الوقوف عند باب المسجد والدعاء]. هذا الاستحباب يحتاج إلى دليل، فاستحباب الوقوف عند الباب يحتاج إلى دليل، والصواب أن طواف الوداع واجب، وأنه إذا تركه فعليه دم، يقول ابن عباس: (أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت، إلا أنه خفف عن الحائض) والتخفيف إنما يكون على الشيء الواجب، فلو كان مستحباً فلا يحتاج إلى تخفيف، فلما قال: (إلا أنه خفف عن الحائض) دل على أنه واجب. والقول الثاني لأهل العلم: أن طواف الوداع سنة ولا شيء في تركه، لكن هذا قول ضعيف، والصواب أنه واجب، وهو الذي عليه الفتوى الآن، فمن تركه عليه دم. وأما وقوف الحائض في البيت ودعاؤها فيحتاج إلى دليل.

أركان الحج

أركان الحج

الوقوف بعرفة

الوقوف بعرفة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب أركان الحج والعمرة. أركان الحج: الوقوف بعرفة، وطواف الزيارة، وواجباته: الإحرام من الميقات]. ذكر أن للحج ركنين: الوقوف بعرفة، وهذا هو الركن الأعظم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (الحج عرفة).

طواف الإفاضة

طواف الإفاضة الركن الثاني: طواف الإفاضة، ويقال له: طواف الحج، وطواف الزيارة، وكل هذه أسماء له؛ لقوله تعالى: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج:29]، وهذان ركنان متفق عليهما. فمشى المؤلف على القول بأن الحج ليس له إلا ركنان، والمذهب: أنها أربعة أركان، وقد مشى عليه شارح الزاد في الروض المربع أنها أربعة: الوقوف بعرفة، وطواف الإفاضة، والإحرام الذي هو نية الحج، ونية الدخول في النسك، والسعي؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم (اسعوا إن الله كتب عليكم السعي). والسعي مختلف فيه، فقيل: إنه ركن، وهو المذهب، وقيل: إنه واجب يجبر بدم، وقيل: إنه سنة، والقول بأنه واجب قول قوي، لكن المذهب على أن الأركان أربعة، وهنا المؤلف عده من الواجبات، وصاحب الزاد عده من الأركان، فتكون الأركان أربعة: الإحرام، والطواف، والسعي، والوقوف بعرفة. والمؤلف قد جعل السعي والإحرام من الواجبات، لكن الإحرام يعتبر ركناً وكونه من الميقات هذا واجب.

واجبات الحج

واجبات الحج

الإحرام من الميقات

الإحرام من الميقات قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وواجباته: الإحرام من الميقات]. هذا الواجب الأول: الإحرام من الميقات، والواجبات سبعة، وهنا زاد واجباً ثامناً وهو السعي، وكذلك الإحرام جعله واجباً تاسعاً، فلو أحرم من بعد الميقات وجب عليه دم، لابد أن يكون الإحرام من الميقات، وهي المواقيت الخمسة التي حددها النبي صلى الله عليه وسلم.

الوقوف بعرفة إلى الليل

الوقوف بعرفة إلى الليل قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والوقوف بعرفة إلى الليل]. كذلك الوقوف بعرفة ركن، لكن كونه يجلس إلى الليل فهذا واجب، فإن خرج قبل غروب الشمس ولم يرجع فعليه دم؛ لترك الواجب، لابد أن يجمع بين جزء من الليل وجزء من النهار. القول الثاني: أنه يلزمه الدم ولو رجع.

المبيت بمزدلفة

المبيت بمزدلفة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والمبيت بمزدلفة إلى نصف الليل]. كذلك المبيت بمزدلفة إلى نصف الليل، والأقرب إلى غيبوبة القمر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أذن للضعفه حين غاب القمر، والقمر يغيب ليلة عشرة بعد مضي ثلثي الليل تقريباً في الساعة الثانية، لكن العلماء يقولون: بعد نصف الليل؛ لأنه يتحقق بدأ النصف الثاني، فالمبيت في مزدلفة واجب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم رخص للعباس من أجل سقايته، والرخصة لا تكون إلا في الشيء الواجب، وقال بعض العلماء: إنه ركن، ذكر هذا ابن القيم رحمه الله عن اثنين من العلماء، والقول الثالث: أنه سنة لا شيء فيه، وأعدل الأقوال: أنه واجب، فهذا هو الصواب، إذا تركه من غير عذر فعليه دم، أما إذا كان مريضاً ونقل المستشفى فهو معذور، وكذلك من يرافقه يسقط عنه المبيت في مزدلفة والمبيت في منى. وأما بالنسبة للوقوف بعرفة فمن جعل الوقوف ليلاً فلا يستطيع أن يجمع بين الليل والنهار، ومن وقف في النهار لابد أن يبقى إلى الغروب، ووقوف النهار يكفي في الركنية، لكن لا يكفي في الواجب.

السعي

السعي قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والسعي]. كذلك سعي الحج جعله من الواجبات، وجعله صاحب متن الزاد من الأركان، والمذهب أنه من الأركان. والسعي فيه ثلاثة أقوال كما سبق، قيل: إنه ركن، وقيل: إنه واجب، وقيل: إنه سنة، والمذهب أنه ركن، وهو المعتمد الآن، والقول بأنه واجب يجبر بالدم قول قوي.

المبيت بمنى والرمي والحلق

المبيت بمنى والرمي والحلق قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والمبيت بمنى والرمي والحلق]. إذا كان سيبيت في منى ليلة الحادي عشر والثاني عشر إن تعجل، وثلاث ليال إن تأخر، فهذا المبيت واجب، وكذلك رمي الجمار واجب، والحلق والتقصير.

طواف الوداع

طواف الوداع قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وطواف الوداع]. وطواف الوداع، فهذه ثمانية واجبات، والإحرام بالحج هذا ركن، وأما كونه من الميقات فهذا واجب، وهو جعله واحداً، والصواب أن الواجبات سبعة، والأركان أربعة كما سبق.

أركان العمرة وواجباتها

أركان العمرة وواجباتها قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وأركان العمرة: الطواف. وواجباتها: الإحرام، والسعي، والحلق]. العمرة لها ركن واحد، وهو الطواف، وهذا ما مشى عليه المؤلف، والقول الثاني: أن أركانها ثلاثة: الإحرام، والطواف، والسعي، فالإحرام: نية الدخول في العمرة، هذا ركن، والثاني: طواف العمرة، والثالث: السعي. وواجباتها ثلاثة: الإحرام من الميقات أو من الحل كالتنعيم، الثاني: الحلق، والمؤلف مشى على أن العمرة مالها إلا ركن واحد، وهو الطواف. الثالث: الحلق أو التقصير. والصواب: أن واجباتها اثنان: الإحرام من الميقات، والحلق، وأما الأركان فنية الإحرام وهو النية، والطواف، والسعي. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فمن ترك ركناً لم يتم نسكه إلا به، ومن ترك واجباً جبره بدم، ومن ترك سنة فلا شيء عليه]. هذا هو الفرق بينها: إذا ترك ركناً لابد أن يأتي به سواء تركه سهواً أو عمداً أو جهلاً، لابد من الإتيان به، لا يتم الحج إلا بالأركان، وكذلك العمرة، والواجب لا يجوز تركه عمداً، وإذا تركه سهواً أو ناسياً، أو جاهلاً ولا يمكن استدراكه جبره بدم، وإن تركه متعمداً ففيه تفصيل، وأما إذا ترك سنة فلا شيء عليه لا إثم ولا كفارة.

حكم من فاته الوقوف بعرفة

حكم من فاته الوقوف بعرفة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ومن لم يقف بعرفة حتى طلع الفجر يوم النحر فقد فاته الحج فيتحلل بطواف وسعي وينحر هدياً إن كان معه وعليه القضاء]. إذا فاته الحج فعليه أولاً أن يحوِّل إحرامه إلى عمرة، فيطوف ويسعى ويقصر ويتحلل، وعليه هدي يذبحه من أجل فوات الحج، وعليه قضاء هذا الحج من العام القادم ولو كان نفلاً؛ لأنه لما دخل فيه وجب عليه؛ لقول الله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة:196] إذا كان الإنسان حج متنفلاً ثم فاته الحج، نقول: يجب عليك قضاء هذا الحج الذي فوته، ولو كان في الأصل نافلة، فهو صار الآن واجباً؛ لأن الحج والعمرة لهما مزية على غيرهما، وأما الصلاة والصوم فكون الإنسان يقطعهما لا يقضي، لكن في الحج لا بد من قضائه؛ لقول الله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة:196] وعليه مع ذلك الهدي، فيذبح. القول الثاني: أنه ليس عليه هدي ولا قضاء إلا إذا كان الحج الذي فاته حج الإسلام، أو حج نذر، فيقضي، وأما إذا كان حجه مستحباً فليس عليه قضاء، ولعل هذا هو الأقرب، وكذلك الهدي إنما يتحلل بالعمرة، فيطوف ويسعى ويقصر في الحج والعمرة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من فاته الحج فعليه دم، وليجعلها عمرة، وليحج من قابل). لكن هذا منقطع، فهو ضعيف، ولو صح وكان متصلاً ومرفوعاً لانتهى النزاع.

الحكم فيما إذا أخطأ الناس فوقفوا في عرفة في غير يوم عرفة

الحكم فيما إذا أخطأ الناس فوقفوا في عرفة في غير يوم عرفة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وإن أخطأ الناس العدد، ووقفوا في غير يوم عرفة أجزأهم ذلك، وإن فعل ذلك نفر منهم فقد فاتهم الحج]. إذا أخطأ الناس جميعاً في العدد والحساب، فوقفوا في عرفة اليوم الثامن، ونقصوا كلهم يوماً، أو وقفوا في اليوم العاشر، فجعلوا يوم عرفة اليوم العاشر صح حجهم، أما إذا أخطأ بعض الناس كأن وقف الحجاج يوم الخميس، وجاء بعض الناس ولم يأت إلا يوم الجمعة نقول: فاته الحج، لكن إذا أخطأ الناس كلهم فحجهم صحيح؛ لأنهم لم يعلموا هذا، وهذا هو الذي أدى إليه اجتهادهم، فهم معذورون، لكن لو أخطأ بعض الناس وخالف الناس فالذي أخطأ فاته الحج.

حكم زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم

حكم زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويستحب لمن حج زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم، وقبري صاحبيه رضي الله عنهما]. هذا الاستحباب ليس بوجيه؛ لأن القبر لا يشد إليه الرحل، فلو قال: ويستحب زيارة مسجد النبي صلى الله عليه وسلم لكان هو الأولى؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى). فإذا نوى الزيارة للمسجد النبوي، ثم بعد ذلك يزور قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقبر صاحبيه، أو ينوي الزيارة لهم جميعاً للمسجد وللقبر، فحسن، أما أن ينوي الزيارة للقبر فقط فهذا الصواب أنه بدعة، وأنه لا يجوز، وهذا الذي عليه المحققون، وقال بعض العلماء: لا بأس به، ومسألة شد الرحل من المسائل التي امتحن فيها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، والصواب الذي عليه المحققون: أنه لا يجوز شد الرحل إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد)، وهذا من وسائل الشرك، وبعض العلماء يرى الجواز، لكنه قول ضعيف، فلو قال المؤلف: وتستحب زيارة مسجد النبي صلى الله عليه وسلم لكان الأولى.

كتاب الحج [7]

شرح عمدة الفقه_كتاب الحج [7] الأضحية مستحبة، وأقل ما يجزئ في الأضحية الجذع من الضأن، والثني من الماعز والبقر والإبل، ولا تجزئ في الأضحية العوراء البين عورها، والعرجاء البين عرجها، والمريض البين مرضها، والعجفاء التي ذهب مخها من الهزال. ووقت الأضحية من بعد صلاة العيد يوم النحر إلى غروب الشمس من آخر أيام التشريق.

أحكام الهدي والأضحية

أحكام الهدي والأضحية

استحباب الهدي والأضحية

استحباب الهدي والأضحية قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب الهدي والأضحية. والهدي والأضحية سنة لا تجب إلا بالنذر]. هذا الباب معقود للهدي والأضحية، الهدي: ما يهدى إلى البيت من الإبل والبقر والغنم، يبعثه الإنسان فيذبح في مكة، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يذبح الهدي، فهذا سنة، ولا يجب الهدي إلا بالنذر، فإذا نذر أن يهدي إلى البيت الحرام عشر إبل أو بقر إلى الله -يعني: تذبح هناك- وجب، وإلا فهو سنة، وكذلك الأضحية: إذا نذر أن يضحي فهو واجب، وإلا فهي سنة مؤكدة، وذهب بعضهم إلى أنها واجبة على الموسر والقادر، وهو أبو حنيفة رحمه الله قال: إنها تجب الأضحية على الموسر والقادر، واختار هذا شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وهو قول قوي، فإذا كان مستطيعاً وجب عليه أن يضحي، حتى قيل: إن ولي اليتيم لو ضحى من ماله فلا بأس، والمرء يستدين ويضحي إذا كان يجد له وفاء، فهي سنة مؤكدة عند الجمهور، وعند شيخ الإسلام واجبة على القادر، وكذلك أبو حنيفة رحمه الله. أما هدي التمتع والقران فهذا واجب على من حج أو اعتمر، لكن الهدي المستحب الذي يهديه الإنسان ويرسله ليذبح في مكة، فهذا مستحب ولا يجب إلا بالنذر.

أفضلية الأضحية على الصدقة

أفضلية الأضحية على الصدقة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والتضحية أفضل من الصدقة بثمنها]. لأن هذا فيه عمل بالسنة، وإظهار لهذه الشعيرة العظيمة، إظهار لسنة إبراهيم ومحمد عليهما الصلاة والسلام، فالذبح أفضل من الصدقة بثمنها، وما يفعل بعض الناس من أنه يهون من الأضحية ويقول: إنه يأخذ ثمنها ويتبرع به لبعض الفقراء، فهذا خلاف الصواب. والسنة ذبحها في البيت، يذبحها فيظهرها في إشعار هذه الشعيرة، وما تفعله بعض المؤسسات أنهم يأخذون من الناس نقوداً ويذبحونها في أماكن أخرى فهذا ليس بجيد، والذي ينبغي أن تذبح الأضحية في البيت؛ حتى تظهر الشعيرة ويعلم الناس والأطفال والأولاد السنة، أما أن تعطى دراهم وتذبح في مكان آخر فإنه لا يعلم الناس هذه السنة، اذبح الأضحية في بيتك، وكل منها، وتصدق وأهدي، وقل لأولادك: هذه أضحية، وأظهر هذه الشعيرة، وإذا تبرع للبوسنة وغيرهم فالحمد لله يتبرع من غير الأضحية، أما الأضحية فاذبحها بيديك وأظهر هذه الشعيرة، وتبرع بعد ذلك بما زاد على ذلك. ومثله زكاة الفطر كذلك، فهي زكاة البدن، ويجب أن تكون في البلد الذي أنت فيه، فلا تدفعها إلى غيره. والمشروع أضحية واحدة، هذه هي السنة، وكون الإنسان يذبح ثلاثاً أو أربع أضاحي لا أعلم لهذا أصلاً، وتجزئ الشاة عن الرجل وأهل بيته، وكان الناس على عهد النبي صلى الله عليه وسلم يذبح الرجل شاة عنه وعن أهل بيته. وبعض الناس يقول: لابد أن يضحي عن الأموات بواحدة، ويكفي أضحية عن الأحياء والأموات. فكل من كانوا في بيت واحد فعليهم أضحية، وإذا كان أمه وأبوه في بيت مستقل وهو في البيت فعليهم أضحية، وعلى كل أهل بيت أضحية. وأما تخصيص الأموات بأضحية فهذا ليس له أصل، وإنما يكونون تبعاً للأحياء، فالصدقات يشترك فيها الأحياء والأموات.

الأفضل في الأضحية

الأفضل في الأضحية قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والأفضل فيهما الإبل، ثم البقر، ثم الغنم]. الإبل لأنها أكثر لحماً وأنفع للفقراء -يعني: يذبحها كاملة- أما إذا أراد سبع بدنة أو سبع بقرة فالشاة أفضل.

ما يستحب في الأضحية

ما يستحب في الأضحية قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويستحب استحسانها واستسمانها]. يعني: يختار الحسنة الجميلة، ويختار السمينة أيضاً، كل هذا يستحب.

ما يجزئ من الأضحية

ما يجزئ من الأضحية قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولا يجزئ إلا الجذع من الضأن، والثني مما سواه]. لا يجزئ إلا الجذع من الضأن، وهو ماله ستة أشهر، وأما ما عدا الضأن فلابد أن يكون ثنياً، والثني من الإبل: ما تم له خمس سنين، ويجزئ عن سبعة، والثني من البقر: ما تم له سنتان، ويجزئ عن سبعة، والثني من المعز: ما تم له سنة، فالضأن يجزئ منه الجذع، وما عداه لابد أن يكون ثنياً. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وثني المعز ما له سنة، وثني الإبل ما كمل له خمس سنين، ومن البقر ما له سنتان، وتجزئ الشاة عن واحد، والبدنة والبقرة عن سبعة، ولا تجزئ العوراء البين عورها]. هذه هي العيوب التي لا تجزئ في الأضاحي ومنها: العوراء البين عورها، أما إذا كان عوراً خفيفاً فلا يؤثر، لابد أن يكون عوراً بيناً. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولا العجفاء التي لا تنقي]. كذلك الهزيلة التي لا مخ فيها. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولا العرجاء البين ضلعها]. وهي التي لا تطيق المشي مع الصحاح، فيقال لها: عرجاء، أما إذا كان العرج خفيفاً، وهي تمشي مع الغنم ولا تتأخر، فهذه لا يضر عرجها. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولا المريضة البين مرضها]. كذلك لابد أن يكون المرض بيناً أما إذا كان مرضاً خفيفاً فلا يضر، والدليل على هذا حديث البراء بن عازب قال: (قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أربع لا تجوز في الأضاحي: العوراء البين عورها، والمريضة البين مرضها، والعرجاء البين ضلعها، والعجفاء التي لا تنقي). قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولا العضباء التي ذهب أكثر قرنها أو أذنها]. الشاة التي ذهب أكثر أذنها أو قرنها يقال لها: عضباء، على خلاف في ذلك، والذي مشى عليه المؤلف أنه لا تجزئ. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وتجزئ الجماء، والبتراء، والخصي وما شقت أذنها أو خرقت أو قطع أقل من نصفها]. الجماء: التي لم يخلق لها قرن، لا بأس بها، والصماء: التي هي صغيرة الأذن، فتجزئ، والجماء: التي ليس لها قرن، فتجزئ، والبتراء: التي لا ذنب لها بأن قطع ذنبها، والخصي: هو الفحل الذي قطعت خصيتاه أو رضت خصيتاه فيجزئ، وقال بعضهم: إنه يكون أسمن إذا رضت خصيتاه، وهو غير المجبوب، فالمجبوب: الذي قطع ذكره. وأما مشقوقة الأذن أو المقطوعة: فإذا كان القطع أقل من النصف فإنها تجزئ، فإذا قطع أكثر من النصف فلا تجزئ.

السنة في ذبح الأضحية

السنة في ذبح الأضحية قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والسنة نحر الإبل قائمة معقولة يدها اليسرى، وذبح البقر والغنم على صفاحها]. هذه هي السنة، نحر الإبل قائمة معقولة يدها اليسرى، وقائمة على الثلاث فيطعنها في الوهدة، في أصل العنق والصدر بالسكين وهي واقفة، فإذا سقطت أجهز عليها، هذه السنة، ولما رأى ابن عمر رضي الله عنه رجلاً ينحر ناقة على الأرض قال: (ابعثها قياماً مقيدة سنة محمد صلى الله عليه وسلم) السنة: أن يذبحها وهي قائمة على ثلاث، ويعقلها باليسرى، ويطعنها بحربة في الوهدة، ثم يجهز عليها، وأما البقر والغنم فيذبحها على جنبها، ويضع رجله على صفاحها، ويذبحها ذبحاً، هذه السنة، وإن عكس ونحر الإبل وهي على الأرض، وكذا نحر البقر والغنم وهي على الأرض فلا بأس ولا حرج. فالإبل والبقر على جنبها الأيمن يضجعها ويذبحها بيده، والإبل قائمة، وإن عكس فلا حرج، ولكنه خالف السنة. وهذا في نحر الهدي والأضحية، أما إذا ذبح للحم فالأمر واسع، فيمكن أن يقعد الإبل على الأرض وينحرها وهو المعروف الآن، فالإبل ينحرونها مضجعة للحم، لكن هذا في الهدايا والأضاحي، لأنها ليست ذبيحة لحم، وهي عبادة. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وذبح البقر والغنم على صفاحها، ويقول عند ذلك: باسم الله، والله أكبر، اللهم هذا منك ولك]. لفعل النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه ضحى بكبشين أملحين أقرنين عليه الصلاة والسلام، وضع رجله على صفاحهما وسمى وكبر وقال: (اللهم هذا منك ولك) وقال في أحدهما: (عن محمد وآل محمد)، وقال في الآخر: (عن من لم يضح من أمة محمد) عليه الصلاة والسلام. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولا يستحب أن يذبحها إلا مسلم، وإن ذبحها صاحبها فهو أفضل]. ولا يستحب أن يذبحها إلا مسلم وإن ذبحها ذمي من اليهود والنصارى أجزأ، لكن المسلم أولى، فينبغي أن يتولاه مسلم، فالوثني وتارك الصلاة لا تجزئ ذبيحته، لابد أن يكون مسلماً أو كتابياً. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وإن ذبحها صاحبها فهو أفضل]. إذا تولاها بنفسه، وإلا وكل مسلماً يذبحها، ويستحب له أن يحضرها ويشهدها إن تيسر.

وقت الذبح للأضحية والهدي

وقت الذبح للأضحية والهدي قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ووقت الذبح يوم العيد بعد صلاة العيد إلى آخر يومين من أيام التشريق]. فتكون أيام الذبح ثلاثة: يوم العيد، ويوم الحادي عشر، والثاني عشر، والقول الثاني: أن أيام الذبح أربعة أيام، وهذا هو الصواب، يوم العيد وثلاثة أيام من بعده؛ لقول الله تعالى: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} [البقرة:203]. والأيام المعدودات هي أيام التشريق الثلاثة مع يوم العيد؛ ولأن الأيام الثلاثة هي أيام رمي، وهي أيام أكل؛ ولأن الأيام الثلاثة يحرم صومها؛ فاستدل على أنها كلها أيام ذبح، فأيام التشريق تشترك في أنها كلها رمي وكلها يحرم صومها؛ ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أيام التشريق أيام أكل وشرب)، فدل على أنها كلها أيام ذبح، وهذا خلاف المذهب، وهو رواية عن الإمام أحمد وهو الصواب.

ما يتعين به الأضحية والهدي

ما يتعين به الأضحية والهدي قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وتتعين الأضحية بقوله: هذه أضحية، والهدي بقوله: هذا هدي وإشعاره وتقليده مع النية]. يتعين في الأضحية أو الهدي إذا قال: هذا هدي، أو قال: هذا لله، وكذلك أيضاً إذا أشعرها أو قلدها مع النية، والهدي الذي يرسله إلى مكة من إبل أو بقر يسن فيه الإشعار، والإشعار: هو شق صفحة سنام البعير ويمسح الدم عن يمينه وعن شماله، فيكون علامة، وإن كان هذا فيه إيذاء له إلا أن هذا مستثنى، فيشق صفحة سنامه بالسكين حتى يخرج الدم، ويسفكه عن يمينه وعن شماله، وأما الغنم والبقر فيقلدها نعلين في الرقبة بحبل ويجعل فيها نعال تقليد، فإذا فعل هذا مع النية تعين وصار هدياً؛ لأنه كونه يشق صفحة سنامه ويرسله مع النية هذا متعين، وهذا الإشعار خاص بالإبل، أما البقر والغنم فلا تشعر؛ لأنها لا تتحمل، فلا يشق صفحة سنامها، وإنما يقلدها فقط. وأما قبل ذلك فلا يتعين، فلو اشترى إبلاً وبقراً وغنماً ونوى أنه يرسلها ثم عدل فلا بأس، له أن يعدل ما دام أنه لم يشعرها مع النية ولم يقلدها، وكذلك الأضحية إذا اشترى إبلاً وبقراً وغنماً ولم يعين، ولم يقل: هذه أضحية، ثم رأى أنه يبدلها بغيرها فلا بأس. فلا تتعين إلا إذا قال: هذه أضحية لأهل البيت، أو هذه أضحيتنا إن شاء الله، والسنة هذه، لابد أن يتلفظ، فلا يجب إذا لم يتلفظ بالنية، ثم اشترى ورأى أنه يبيعها ويشتري أحسن منها فلا بأس. والفرق بين الهدي والأضحية أن الهدي يرسله إلى مكة، ويذبح هناك، وإذا أراد شخص أن يضحي ويهدي فنقول: يرسلها إلى مكة وهي كافية عن الهدي والأضحية.

لا يعطى الجزار من الأضحية مقابل الأجرة

لا يعطى الجزار من الأضحية مقابل الأجرة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولا يعطى الجزار بأجرته شيئاً منها]. وإنما يعطيه شيئاً آخر، لا يعطيه؛ لأن بعض الناس يأتي بالجزار ويقول: أعطيك الربع أو الثلث، فلا يجزئ، وإنما يعطيه أجرته من خارج الأضحية.

السنة في توزيع الأضاحي

السنة في توزيع الأضاحي قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والسنة أن يأكل ثلث أضحيته، ويهدي ثلثها، ويتصدق بثلثها، وإن أكل أكثر جاز]. السنة أن يجعلها أثلاثاً: يأكل ويهدي ويتصدق، وإن أكل أكثرها جاز، قال الفقهاء: ولو أكلها كلها إلا مقدار أوقية -يعني: قطعة صغيرة-أجزأ، وإن أكلها كلها ولم يبق شيئاً ولم يهد شيئاً ولم يتصدق يضمن مقدار أوقية فيخرجها ويشتري أوقية ويتصدق بها. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وله أن ينتفع بجلدها، ولا يبيعه ولا شيئاً منها]. ينتفع بالجلد ويجعله مثلاً قربة أو يجعله نعالاً فلا بأس، لكن لا يبيعه، وقال بعضهم: له أن يبيعه ويتصدق بثمنه، لكن الصواب أنه لا يبيعه، وإنما ينتفع به.

استحباب الأكل من الهدي

استحباب الأكل من الهدي قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فأما الهدي إن كان تطوعاً استحب له الأكل منه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر من كل جزور ببضعة فطبخت فأكل من لحمها، وحسا من مرقها]. فكأنه أكل منها، وهذا في حجة الوداع، أهدى عليه الصلاة والسلام مائة بعير تطوعاً وذبحها يوم العيد، ذبح ثلاثاً وستين بيده الشريفة، على قدر عمره، وأمر علياً أن ينحر ما بقي، فنحر سبعاً وثلاثين، ثم أمر أن يؤتى له من كل واحدة بقطعة وطبخت في قدر، فشرب من مرقها، وأكل شيئاً من لحمها، فكأنه أكل منها كلها. ولا يجوز بيع جلد الأضحية، إما أن يهديه أو يتصدق به أو يستعمله، وإذا أهدى الجلد الجزار إذا لم يؤثر في الأجرة فلا بأس، أما إذا كان أعطاه الجلد كأنه يأخذ أجرة فلا، لابد أن يعطيه أجرة غير الجلد. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولا يأكل من واجب إلا من هدي المتعة والقران]. إذا كان عليه مثلاً محظور كأن ترك واجباً من واجبات الحج، ثم ذبح عن الواجب فلا يأكل منه إلا هدي التمتع والقران فيأكل منه، أما إذا صار الهدي الذي ذبحه عن واجب من واجبات الحج، أو من واجبات العمرة فلا يأكل منه.

أحكام العقيقة

أحكام العقيقة

استحباب العقيقة

استحباب العقيقة [باب العقيقة. وهي سنة عن الغلام شاتان متكافئتان، وعن الجارية شاة]. العقيقة: هي الذبيحة التي تكون عن المولود، وهي سنة مؤكدة تذبح يوم السابع؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (كل غلام مرتهن بعقيقته، تذبح عنه يوم سابعه، ويحلق رأسه ويسمى) فهذه تذبح شكراً لله عز وجل، فمن أتاه مولود يذبح ذبيحة تسمى عقيقة، وهي من العق وهو القطع والشق، ويذبح عن الغلام الذكر شاتين، وعن الجارية شاة، ويسن أن يكونا متكافئتين في السن والجمال والخلقة، وأما الأنثى فشاة واحدة، وإن لم يتيسر له أن يذبح للغلام شاتين فيكفي شاة، لكن السنة أن يذبح شاتين؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم عق عن الحسن والحسين شاتين شاتين. وتكفي الشاة عن الغلام مع العجز قال تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:16] إذا كان لا يستطيع فلا بأس، وأما الذكر فيحلق رأسه ويتصدق بوزنه ورق أو فضة، أما الأنثى لا يحلق رأسها.

ما يستحب في العقيقة عن الغلام والجارية

ما يستحب في العقيقة عن الغلام والجارية قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وهي سنة عن الغلام شاتان متكافئتان، وعن الجارية شاة]. يعني: سنة مؤكدة مستحبة، عن غلام شاتين في السن والخلقة والجمال. وتذبح العقيقة في اليوم السابع، فإن فاتت ففي يوم أربعة عشر، فإن فاتت ففي إحدى وعشرين، فإن فاتت ففي أي يوم. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [تذبح يوم سابعاً، ويحلق رأسه، ويتصدق بوزنه ورقاً]. يعني: الذكر خاصة دون الأنثى. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فإن فات يوم سابعه ففي أربعة عشر، فإن فات ففي إحدى وعشرين]. وإن فاتته الأسابيع الثلاثة ففي أي يوم. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وينزعها أعضاء، ولا يكسر لها عظماً]. ينزعها أعضاء، وبعضهم قال: ينزعها جذولاً، ولا يكسر عظمها يعني: إذا أراد أن يتصدق يأخذ يداً ورجلاً ويتصدق، فلا يكسر اليد ولا الرجل تفاؤلاً بسلامة الولد، والصواب أنه إذا كسرها فلا حرج، لكن هذا من باب الاستحسان، أنه ينزعها جذولاً يعني: كل عضو لوحده ويتصدق به، يأخذ الرجل ويتصدق بها، أما التفاؤل فليس عليه دليل، والشارح تكلم عليه، وقال: جاء من حديث عائشة، لكنه حديث ضعيف، وهو موقوف عليها، وليس مروياً عن النبي صلى الله عليه وسلم. والحديث أخرجه الحاكم عن عائشة قالت: (من السنة عن الغلام شاتان، وعن الجارية شاة، تقطع جذولاً ولا يكسر لها عظم) ويأكل ويطعم ويتصدق، وليكن ذاك في اليوم السابع، فإن لم يكن ففي أربعة عشر). وقوله: (كل غلام مرتهن بعقيقته) فيه تأكد السنية. وأما حديث عائشة فقال الحافظ: ضعيف الإسناد، وسكت عليه الذهبي، لكنه موقوف على عائشة، فهو اجتهاد منها لو صح.

يشترط في العقيقة ما يشترط في الأضحية

يشترط في العقيقة ما يشترط في الأضحية قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وحكمها حكم الأضحية فيما سوى ذلك]. يعني: أنه يتصدق بها ويأكل ويهدي، ولابد أن تكون السن معتبرة، فمن الإبل ما له خمس سنين، ومن البقر ما له سنتان، ومن المعز ما له سنة، ومن الضأن ما له ستة أشهر مثل الأضحية. وأما بالنسبة للتوزيع فإن أهدى وتصدق وأكل فهذا هو الأفضل، وإن جمع الجيران والأقارب فلا حرج، فينظر ما هو الأنفع والأيسر له، الأمر في هذا واسع. وأما مسألة الأذان في أذن المولود اليمنى والإقامة في الأذن اليسرى فلا يثبت، الحديث فيه مقال، ذكره ابن القيم رحمه الله في تحفة الودود في أحكام المولود، وإن أذن وأقام لا بأس، فهو حسن. وهنا مسألة: السنة في عقيقة الغلام أن يذبح شاتين، فإن كان الضيوف كثيرين، فيذبح الشاة الثالثة وتكون شاة لحم فقط. والأولى أن يعق عنه ولو أسقطته أمه، حتى ولو خرج ميتاً؛ لأنه آدمي يسمى مولوداً إذا نفخ فيه الروح، ويصلى عليه ويدفن، وهذا إذا تبين في المولود خلق الإنسان ونفخ فيه الروح، أما إذا كان قطعة لحم ولم يتبين فيه الخلق فلا يصلى عليه، ولا يكون لأمه حكم النفاس، وفي الغالب أنه يتخلق بعد الأربعة الأشهر.

كتاب البيوع [1]

شرح عمدة الفقه_كتاب البيوع [1] الدين هو المعاملة، وقد جعل الله الناس للناس لتبادل المنفعة، ومن هذه المنفعة البيع والشراء، وقد نهى الإسلام عن أي غش أو تغرير في البيع والشراء، وسد كل الذرائع الموصلة إلى أكل أموال الناس بالباطل.

أحكام البيوع

أحكام البيوع قال المؤلف رحمه الله: [كتاب البيوع. قال الله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة:275]، والبيع: معاوضة المال بالمال]. البيع جائز بالكتاب والسنة والإجماع، قال الله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة:275]، (سئل النبي صلى الله عليه وسلم: أي الكسب أطيب -أو أفضل-؟ قال: عمل الرجل بيده، وكل بيع مبرور)، فالبيع حلال بالكتاب والسنة وإجماع المسلمين، والأصل في الأشياء الحل، والحاجة داعية إلى البيع؛ لأن الإنسان قد يحتاج إلى ما في يد غيره، وليس له وسيلة إليه إلا عن طريق البيع، فمن رحمة الله تعالى بعباده أنه أحل البيع، والمؤلف رحمه الله -كما هي عادة المصنفين- أتى بالبيوع بعد العبادات؛ لأن العبادة مهمة، وهي تشمل الصلاة والزكاة والصيام والحج، ثم يأتي الكلام على المعاملات. قال المؤلف في التعريف: وهو معاوضة مال بمال، أما البيع فمعناه في اللغة: كما قاله ابن هبيرة: أخذ شيء وإعطاء غيره، مأخوذ من الباع، لأن كلاً من المتبايعين يمد يده للأخذ والإعطاء. وأما اصطلاحاً: فعرفه المؤلف بأنه معاوضة مال بمال، وقد عرفه شارح زاد المستقنع بتعريف أوضح وأوسع من هذا فقال: البيع: هو مبادلة مال ولو في الذمة، أو منفعة مباحة كممر -أي: كممر في طريق مثال لمنفعة- بمثل أحدهما على التأبيد غير رباً ولا قرض، مبادلة مال سواءً كان هذا المال حاضراً أو في الذمة أو منفعة، بمثل أحدهما، فشمل هذا تسع صور: مبادلة مال، وهذا المال ولو في الذمة، يعني: قد يكون في عين حاضر، وقد يكون في الذمة، أو مبادلة منفعة، هذه ثلاث صور؛ فإذا ضربت بعضها في بعض صارت تسع صور، مثل: بيع عين بعين، وعين بدين، وعين بمنفعة، هذه ثلاث صور، ثم مبادلة دين بعين، ودين بدين ودين بمنفعة، ثم منفعة بعين، ومنفعة بدين ومنفعة بمنفعة، تسع صور. منفعة عين بعين: كأن تشتري السيارة بدراهم، ومنفعة عين بدين حاضر كشراء السيارة بدراهم مؤجلة، وعين بمنفعة كأن تستأجر، أو تعطيه دراهم لتمر في طريق من اختصاصه، ودين بعين بحيث يكون العوض ديناً مثل السلم فتكون الدراهم مقدمة والسيارة موصوفة، ودين بدين وهو بيع الكالئ بالكالئ وهو لا يصح إلا إذا اشترط التقابض، دين بمنفعة كمرور بالطريق بثمن مؤجل، ثم منفعة بعين، منفعة تكون هي العوض بمال يقدم في الحال؛ أي: بعين يقدم في الحال، ومنفعة بدين كمرور في الطريق بدراهم مؤجلة، ومنفعة بمنفعة كمرور بالطريق بمنفعة؛ كأن تمر في طريقي بعوض وهو أن أن أنتفع بسيارتك شهراً وهكذا، هذه تسع صور. (مبادلة مال ولو في الذمة أو منفعة به كممر بمثل أحدهما على التأبيد) على التأبيد يخرج؛ فإن استئجار البيت ليس على التأبيد وإنما هو مؤقت على التأبيد حتى تخرج الأجرة، والأجرة مبادلة مال بمنفعة لكن ليس على التأبيد. (غير رباًَ ولا قرض): غير الربا، فإن الربا ليس من البيع، وكذلك القرض، القرض فيه مبادلة مال بمال لكنه ليس بيعاً وإنما قصد به الإنفاق. قال: [ويجوز بيع كل مملوك فيه نفع مباح إلا الكلب، فإنه لا يجوز بيعه ولا غرم على متلفة]. كل شيء فيه منفعة مباحة يجوز بيعه إلا الكلب، ولو كان معلماً وإن كانت فيه منفعة، لكن لا يباع؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ثمن الكلب خبيث)، إذاً: بيع الكلب حرام، وإنما كلب الصيد يهدى ولا يباع، فإن فيه منفعة مباحة وهي: الصيد والحراسة، الكلب المعلم وكلب الصيد وكلب الحراسة، لكن وإن كان فيه منفعة مباحة -يباح للإنسان أن يقتني كلب الصيد أو كلب الماشية أو كلب الزرع- إلا أنه لا يجوز بيعه، وإنما يهدى ولا يباع؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ثمن الكلب خبيث)، والسنور -وهو القط- كذلك لا يباع. قوله: (ولا غُرم على متلفه). يعني: إذا أتلفه إنسان -كأن يكون قتل كلب الصيد- فلا يقال له: عليك دية وعليك ثمنه؛ لأنه ليس له ثمن، فلا يغرم شيئاً. قال: [فإنه لا يجوز بيعه ولا غرم على متلفه؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (نهى عن ثمن الكلب)، ولا يجوز بيع ما ليس بمملوك لبائعه إلا بإذن مالكه أو ولاية عليه].

شروط البيع

شروط البيع وهذا من شروط البيع، فلا يجوز بيع مملوك إلا بإذن مالكه أو ولاية عليه، يعني: أنه يشترط للبيع أن يكون مملوكاً للبائع أو مأذوناً فيه، فالبيع له شروط لابد من توافرها: الشرط الأول: التراضي بين المتبايعين، فإن أخذه عن غير رضاً فلا يصح؛ لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء:29]، وقال عليه الصلاة والسلام: (لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيبة من نفسه)، فلابد من التراضي بين المتبايعين. الشرط الثاني: أن يكون الذي يعقد البيع عاقلاً جائز التصرف بأن يكون حراً رشيداً مكلفاً بالغاً عاقلاً. الشرط الثالث: أن تكون فيه منفعة مباحة كما سبق. الشرط الرابع: أن يكون مالكاً للسلعة، أو مأذوناً له فيه بأن يكون وكيلاً. الشرط الخامس: أن يكون مقدوراً على تسليمه، فلا يجوز بيع الطير في الهواء، ولا السمك في الماء، فإنه لا يقدر على التسليم، ولا بيع الجمل الشارد. الشرط السادس: أن يكون المبيع معلوماً. الشرط السابع: أن يكون الثمن معلوماً، فهذه سبعة شروط لابد من توفرها في البيع، فإذا اكتملت هذه الشروط صح البيع، وإلا فلا يصح.

الأشياء التي لا يجوز بيعها

الأشياء التي لا يجوز بيعها قال المؤلف رحمه الله: [ولا يجوز بيع ما ليس بمملوك لبائعه إلا بإذن مالكه أو ولاية عليه]. لقول النبي صلى الله عليه وسلم لـ حكيم بن حزام: (لا تبع ما ليس عندك)، فلا يجوز له أن يبيعه إلا إذا كان مالكاً أو مأذوناً له فيه، واختلف في بيع الفضولي، وهو الذي يبيع السلعة ولم يأذن له صاحبها، قيل: لا يصح، وقيل: يصح موقوفاً على إذن المالك، فإذا أذن له فلا مانع، فمثلاً إذا باع إنسان شجرة جاره يبقى موقوفاً، وإذا جاء الجار وقال له: إني بعتها وأذن له فلا مانع، وإلا فلا يصح، كما في الحديث الذي فيه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى بعض الصحابة درهماً، وقال له: اشتر به شاة فاشترى به شاتين، وباع إحداهما بدرهم، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم بشاة ودرهم، فدعا له النبي صلى الله عليه وسلم بالبركة، فكان بعد ذلك مباركاً، فإذا اشترى شيئاً ربح فيه، ولو اشترى تراباً لربح فيه) فهذا تصرفه تصرف فضولي، فإن النبي أعطاه درهماً وقال: (اشترِ شاةً)، فتصرف واشترى به شاتين، وقال بعضهم: إنه لا يصح، إذ لابد أن يكون مأذوناً له فيه، وأما هذا الصحابي فإن النبي صلى الله عليه وسلم وكله، وظاهره أنه وكله وكالة مطلقة. قال: [ولا بيع ما لا نفع فيه كالحشرات]. لا يجوز بيع ما لا نفع فيه كالحشرات؛ لأنها لا نفع فيها بل هي مستخبثة، ويقاس عليه الحيات والعقارب، فكلها مستخبثة. قال: [ولا ما نفعه محرم كالخمر والميتة]. يعني: ولا يجوز بيع ما نفعه محرم كالخمر والميتة والخنزير والأصنام، كل هذه لا تباع. قال: [ولا بيع معدوم كالذي تحمل أمته أو شجرته]. بيع المعدوم لا يصح للجهالة؛ لأن من شرط البيع العلم بالمبيع، فإذا قال: أبيعك ما تحمل هذه الدابة أو أبيعك حمل هذه الشجرة، أو ما تحمل هذه النخلة فلا يصح لأنه معدوم لا يعلم. قال: [أو مجهول كالحمل والغائب الذي لم يوصف ولم تتقدم رؤيته]. كذلك المجهول لا يحل بيعه؛ لأن شرط البيع العلم بالمبيع، كأن تقول: بعتك ما في بطن هذه الدابة، والحمل الذي في بطن هذه الدابة مجهول، وكذلك أيضاً: بعتك سيارة لكن ليست في هذا البلد بل هي في بلد آخر فلا رآها ولا علم وصفها، فلا يصح للجهالة، فلابد في المبيع أن يكون معلوماً وأن يكون مقدوراً على تسليمه، وأن يكون موجوداً، أو موصوفاً بصفة. قال: [ولا معجوز عن تسليمه كالآبق والشارد والطير في الهواء والسمك في الماء]. هذا من شرط المبيع أن يكون مقدوراً على تسليمه، فالذي لا يقدر على تسليمه لا يباع، فالعبد إذا أبق -أي: هرب من سيده- لا يباع؛ لأنه غير مقدور على تسليمه، والشارد هو الجمل إذا شرد فلا يقدر على إمساكه فلا يجوز البيع؛ لأنه لا يقدر على تسليمه، والطير في الهواء لا يقدر على تسليمه، والسمك في الماء كذلك لا يقدر على تسليمه فلا يصح البيع حتى يقبضه ويمسكه. قال: [ولا بيع المغصوب إلا لغاصبه أو من يقدر على أخذه منه]. كذلك بيع المغصوب لا يصح بيعه؛ لأنه غير مقدور على تسليمه إلا على الغاصب، فإذا جاء الغاصب وقال: أنا غصبت منك هذه السلعة، لكن سأشتريها الآن منك. فلا بأس؛ لأنه عنده مقدور على تسلميه، أو باع على إنسان قوي إما أميرٍ أو سلطانٍ أو عنده قوة يستطيع أخذ السلعة منه، فيبيعها عليه ولا بأس؛ لأنه يقدر على أخذها. قال: [ولا بيع غير معين، كعبد من عبيده، أو شاة من قطيعه، إلا فيما تتساوى أجزاؤه كقفيز من صبرة]. وكذلك لا يجوز بيع المبهم، كأن يكون عنده مثلاً مائة عبد، فقال: بعتك عبداً من عبيدي، أو عنده مائة شاة وقال: بعتك شاةً من الشياه، فهذا مبهم لا يجوز حتى تحدد الشاة وتحدد العبد، أو عندك سيارات في المعرض وقلت: بعتك سيارة من السيارات التي في المعرض، وهي غير متساوية بل متفاوتة؛ فهذا لا يجوز للجهالة، إلا إذا كانت الأشياء متساوية؛ كأن يكون قفيزاً من بر، وكأن يكون صبرة من الطعام، فيجعلها أكواماً، وكل كومة مائة كيلو وكلها متساوية، قال: بعتك كوماً من هذه القفيز من الطعام فلا بأس؛ لأنها متساوية، أو عنده تمر مقداره مائة كيس مثلاً، وكل كيس فيه مائة كيلو أو عشرة كيلو وكلها متساوية فلا بأس، فالجهالة هنا جائزة؛ لأنها متساوية فكلها قفيز معين من البر كذلك التمر معين محدود متماثل فلا بأس، أما أن يبيعك شاةً من غنمه أو عبداً من عبيده أو سيارةً من السيارات التي في المعرض وهي متفاوتة فلا يصح حتى تعين.

أنواع البيوع التي نهى عنها النبي صلى الله عليه وسلم

أنواع البيوع التي نهى عنها النبي صلى الله عليه وسلم قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فصل: (ونهى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن الملامسة وعن المنابذة وعن بيع الحصاة)]. هذه الأنواع من البيع نهى عنها النبي صلى الله عليه وسلم فنهى عن الملامسة، وهو أن يقول مثلاً: أي ثوب لمسته فهو عليك بمائة، وهو في الدكان؛ لما فيه من الغرر؛ لأنه قد يلمس ثوباً يساوي مائة ريال، وقد يلمس ثوباً لا يساوي إلا عشرة ريالات، فلا يجوز حتى يحدد، فهذه يقال لها: الملامسة، والمنابذة يقول: أي ثوب نبذته إلي أو نبذته إليك فهو عليك بمائة، نبذته أي: طرحته، فهذا فيه غرر؛ لأنه قد يطرح ثوباً يساوي مائة، وقد يطرح ثوباً يساوي ألفاً، وقد يطرح ثوباً يساوي عشرة ريالات فلا يجوز، أو يرمي حصاة ويقول: أي ثوب أصابته الحصاة فهو لك بمائة، فهذا لا يجوز لما فيه من الغرر؛ لأنه قد تصيب الحصاة ثوباً يساوي مائة، وقد تصيب ثوباً يساوي عشرة ريالات. ومن صور الحصاة أن يرمي بحصاة في أرض ويقول: بعتك ما تنتهي إليه هذه الحصاة، ثم يرمي بها من الأرض فهذا لا يجوز لما فيه من الغرر؛ لأن الحصاة قد تنتهي عند مسافة مائة متر، وقد تكون على مسافة مائتين، وقد تكون أقل، ففيه غرر فلابد أن يكون المبيع معلوماً، فبيع الملامسة وبيع المنابذة وبيع الحصاة كلها بيوع منهية لما فيها من الغرر والجهالة والخطأ. قال: [وعن بيع الرجل على بيع أخيه]. بيع الرجل على بيع أخيه منهي عنه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يبع أحدكم على بيع بعض)، لما فيه من إيغار الصدور وإيجاد الشحناء والعداوة، كأن يشتري رجل سلعة مثلاً بمائة ريال، فيكون له الخيار ثلاثة أيام فيأتي إنسان إلى المشتري ويقول: أنت اشتريت هذه السلعة بمائة ريال، رد هذه السلعة وأنا أعطيك أحسن منها بثمانين ريالاً، فهذا باع على بيع أخيه، ومثله الشراء على شراء أخيه، كأن يأتي إلى البائع ويقول: بعت هذه السلعة بمائة! ردها عليه، ولك الخيار الآن وأنا أشتريها بمائة وعشرين، فلا يجوز بيع الرجل على بيع أخيه، ولا يجوز الشراء على شراء أخيه؛ لأن هذا يسبب العداوة والبغضاء والشحناء، والإسلام أراد من المسلمين أن يكونوا إخوة متحابين متآلفين، وألا يكون بينهم شحناء ولا عداوة. قال: [وعن بيع حاضر لباد، وهو أن يكون له سمساراً]. بيع الحاضر للباد؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يبع حاضر لباد)، وهو أن يكون له سمساراً، هذا تفسير ابن عباس لما سئل: ما بيع حاضرٍ لباد؟ قال: أن يكون له سمساراً، والسمسار هو الدلال، والمراد بالحاضر: أن يقدم رجل إلى البلد معه سلعة يريد بيعها بثمن الحال، فيأتي إنسان من أهل البلد ويقول: أعطني السلعة أنا أبيعها لك فهذا لا يجوز؛ لأن البادي هذا الذي قدم على البلد يريد أن يبيعها بسعر يومها ويبيعها رخيصة، فإذا جاء إنسان من أهل البلد وقال: أعطني أنا أبيعها، شدد على الناس وأبقاها عنده واستوفى ثمنها، ولا يبيعها إلا بغلاء فنهي عن ذلك، فلا يجوز للإنسان أن يأتي إلى من قدم البلد ويقول: أعطني السلعة أبيعها لك، قال: (دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض)، فهذا الذي جاء من البلد يريد أن يبيع هذه السلعة بسعر يومها أو في الحال، ويرخص على الناس ويمشي، أما إذا جاء أحد من البلد وقال: أعطني إياها فإنه قد يشدد على الناس، وأصل البادي: الرجل من البادية يأتي إلى البلد ثم يبيع السلعة من سمن أو أقط أو غنم، فإذا وصل إلى البلد قال له: أعطني الغنم أنا أبيعها لك، ويريد البادي أن يبيعها مثلاً بثلاثمائة، فيأتي صاحب البلد ويقول: لا تبعها قيمتها خمسمائة ويشدد على الناس، فنهي عن ذلك، ثم أطلق على كل من ورد البلد -سواءً من البادية أو من غير البادية ومعه سلعة يريد أن يبيعها في يومها ويرجع- بادياً، والحاضر هو: الرجل من أهل البلد الذي يأخذ السلعة منه ويبيعها على التراخي، كونه يستوفي ثمنها ويشدد على الناس، فلا يكون له ذلك، بل يتركه يبيعها ويذهب، حتى لا يشدد على الناس. وكل سلعة ورد بها إلى البلد شخص من خارج البلاد لا يعرف السلعة ولا يعرف قيمتها فإنه لا يجوز لواحد من أهل البلد أن يكون له سمساراً، بل يتركه يبيعها على الناس برخصها. قال: [وعن النجش؛ وهو أن يزيد في السلعة من لا يريد شراءها]. والنجش بإسكان الشين إثارة الشيء من مكانه، والمراد به: الزيادة في السلعة وهو لا يريد شراءها، لكنه يزيد في السلعة حتى يضر المشتري أو حتى ينفع البائع أو الأمرين جميعاً، وهذا حرام لا يجوز، فلا يزيد في ثمن السلعة إلا وهو يريد شراءها، وأصل النجش: إثارة الشيء من مكانه، فالناجش يثير السلعة ويرفع قيمتها ليضر المشتري أو ينفع البائع والذي عليه العلماء أن النجش خاص بالسلعة وهو حرام. قال المؤلف رحمه الله: [وعن بيعتين في بيعة، وهو أن يقول: بعتك هذا بعشرة صحاح أو عشرين مكسرة]. نهى عن بيعتين في بيعة وفسرها المؤلف بأن تقول: بعتك هذه السلعة بعشرة صحاح أو بعشرين مكسرة، بعتك هذه الشاة بعشرة دراهم أو بعشر جنيهات صحاح أو مكسرة، يعني: تبيعه السلعة بعشرة جنيهات مضروبة أو بعشر قطع من الذهب غير مضروبة؛ لأن المضروب ثمنه غير الجنيه؛ لأن هذا مصفى وخالص، وقطعة الذهب هذه فيها تراب وشوائب، فإذا قال: بعتك هذه الشاة بعشرة جنيهات مضروبة أو عشر قطع من الذهب مكسرة فهذا بيعتين في بيعة؛ لأنه لم يختر أحدهما فلا يجوز، فلابد أن يقول: بعشرة جنيهات صحيحة أو يقول: بعشرين مكسرة، أما أن يجعل شيئين ويخيره بينهما ولا يختار أحدهما، فهذا بيعتان في بيعة ولا يجوز؛ لأن النبي: (نهى عن بيعتين في بيعة)، هذا ما ذهب إليه المصنف، وفسر البيعتين في بيعة بتفسير آخر وهو أن يقول: لا أبيعك هذه السيارة حتى تبيعني هذا البيت، فيربط هذا بهذا، وهذا بيعتان في بيعة، ولا يجوز أن يربط هذا بهذا، بل يكون هذا بيع وهذا بيع. وفسرت أيضاً ببيع العينة، وهو أن يبيع هذه السيارة بمائة ألف مؤجلة إلى رمضان، ثم يشتريها منه بثمانين حاضرة، هذا بيعتان في بيعة بتفسير العينة. قال: [وعن بيعتين في بيعة، وهو أن يقول: بعتك هذا بعشرة صحاح، أو عشرين مكسرة أو يقول: بعتك هذا على أن تبيعني هذا أو تشتري مني هذا]. وفسرها أيضاً ببيع العينة: وهو أن يبيع سلعة بثمن مؤجل ثم يشتريها بنقد أقل منه. قال: [وقال: لا تلقوا السلع حتى يهبط بها الأسواق]. أي: لا تلقوا السلع حتى يهبط بها الأسواق، هذا النهي عن تلقي الركبان، وهو أن يخرج جماعة أو واحد من البلد يتلقون من يجلب السلع ثم يشترونها منه برخص، وهذا فيه غبن له، وقد جاء في الحديث: (فإذا هبط إلى السوق فهو بالخيار)، فلو كان مغبوناً فهو بالخيار: إن شاء أمضى السلعة، وإن شاء أمسكها؛ لكن يشترون منه السلعة بأقل -كأن يشتروا منه الشاة مثلاً بثلاثمائة ريال- ثم لما وصل إلى السوق وجدها تباع بخمسمائة، فهو مغبون، فله الخيار في هذه الحالة، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تلقوا الركبان، فمن تلقي فهو بخير نظرين، إما أن يفسخ وإما أن يمضي البيع)، إذا ورد إلى البلد ووجد أنه مغبون فهو بالخيار، فالبيع بيع فاسد، ولكن له الخيار. فإن قيل: هل الذهاب إلى الرجل في بيته لشراء سلعة يُعَدُّ من المنهي عنه؟ A لا من بيته هذا واضح، إنما المنهي عنه تلقي الركبان الذين يردون إلى البلد؛ لأن البدو لا يعرفون السلعة، أما الذي يعرف السلعة فليس داخلاً في هذا. قال: [وقال: (من اشترى طعاماً فلا يبعه حتى يستوفيه)]. أي: حتى يقبضه، إذا اشترى طعاماً فلا يبعه حتى يقبضه، فإذا كان مكيلاً يقبضه بالمكيل، وإذا كان موزوناً يقبضه بالوزن ولا يبعيه مرة أخرى حتى يقبضه.

الأسئلة

الأسئلة قال المؤلف رحمه الله: [كتاب البيوع. قال الله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة:275]، والبيع: معاوضة المال بالمال]. البيع جائز بالكتاب والسنة والإجماع، قال الله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة:275]، (سئل النبي صلى الله عليه وسلم: أي الكسب أطيب -أو أفضل-؟ قال: عمل الرجل بيده، وكل بيع مبرور)، فالبيع حلال بالكتاب والسنة وإجماع المسلمين، والأصل في الأشياء الحل، والحاجة داعية إلى البيع؛ لأن الإنسان قد يحتاج إلى ما في يد غيره، وليس له وسيلة إليه إلا عن طريق البيع، فمن رحمة الله تعالى بعباده أنه أحل البيع، والمؤلف رحمه الله -كما هي عادة المصنفين- أتى بالبيوع بعد العبادات؛ لأن العبادة مهمة، وهي تشمل الصلاة والزكاة والصيام والحج، ثم يأتي الكلام على المعاملات. قال المؤلف في التعريف: وهو معاوضة مال بمال، أما البيع فمعناه في اللغة: كما قاله ابن هبيرة: أخذ شيء وإعطاء غيره، مأخوذ من الباع، لأن كلاً من المتبايعين يمد يده للأخذ والإعطاء. وأما اصطلاحاً: فعرفه المؤلف بأنه معاوضة مال بمال، وقد عرفه شارح زاد المستقنع بتعريف أوضح وأوسع من هذا فقال: البيع: هو مبادلة مال ولو في الذمة، أو منفعة مباحة كممر -أي: كممر في طريق مثال لمنفعة- بمثل أحدهما على التأبيد غير رباً ولا قرض، مبادلة مال سواءً كان هذا المال حاضراً أو في الذمة أو منفعة، بمثل أحدهما، فشمل هذا تسع صور: مبادلة مال، وهذا المال ولو في الذمة، يعني: قد يكون في عين حاضر، وقد يكون في الذمة، أو مبادلة منفعة، هذه ثلاث صور؛ فإذا ضربت بعضها في بعض صارت تسع صور، مثل: بيع عين بعين، وعين بدين، وعين بمنفعة، هذه ثلاث صور، ثم مبادلة دين بعين، ودين بدين ودين بمنفعة، ثم منفعة بعين، ومنفعة بدين ومنفعة بمنفعة، تسع صور. منفعة عين بعين: كأن تشتري السيارة بدراهم، ومنفعة عين بدين حاضر كشراء السيارة بدراهم مؤجلة، وعين بمنفعة كأن تستأجر، أو تعطيه دراهم لتمر في طريق من اختصاصه، ودين بعين بحيث يكون العوض ديناً مثل السلم فتكون الدراهم مقدمة والسيارة موصوفة، ودين بدين وهو بيع الكالئ بالكالئ وهو لا يصح إلا إذا اشترط التقابض، دين بمنفعة كمرور بالطريق بثمن مؤجل، ثم منفعة بعين، منفعة تكون هي العوض بمال يقدم في الحال؛ أي: بعين يقدم في الحال، ومنفعة بدين كمرور في الطريق بدراهم مؤجلة، ومنفعة بمنفعة كمرور بالطريق بمنفعة؛ كأن تمر في طريقي بعوض وهو أن أن أنتفع بسيارتك شهراً وهكذا، هذه تسع صور. (مبادلة مال ولو في الذمة أو منفعة به كممر بمثل أحدهما على التأبيد) على التأبيد يخرج؛ فإن استئجار البيت ليس على التأبيد وإنما هو مؤقت على التأبيد حتى تخرج الأجرة، والأجرة مبادلة مال بمنفعة لكن ليس على التأبيد. (غير رباًَ ولا قرض): غير الربا، فإن الربا ليس من البيع، وكذلك القرض، القرض فيه مبادلة مال بمال لكنه ليس بيعاً وإنما قصد به الإنفاق. قال: [ويجوز بيع كل مملوك فيه نفع مباح إلا الكلب، فإنه لا يجوز بيعه ولا غرم على متلفة]. كل شيء فيه منفعة مباحة يجوز بيعه إلا الكلب، ولو كان معلماً وإن كانت فيه منفعة، لكن لا يباع؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ثمن الكلب خبيث)، إذاً: بيع الكلب حرام، وإنما كلب الصيد يهدى ولا يباع، فإن فيه منفعة مباحة وهي: الصيد والحراسة، الكلب المعلم وكلب الصيد وكلب الحراسة، لكن وإن كان فيه منفعة مباحة -يباح للإنسان أن يقتني كلب الصيد أو كلب الماشية أو كلب الزرع- إلا أنه لا يجوز بيعه، وإنما يهدى ولا يباع؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ثمن الكلب خبيث)، والسنور -وهو القط- كذلك لا يباع. قوله: (ولا غُرم على متلفه). يعني: إذا أتلفه إنسان -كأن يكون قتل كلب الصيد- فلا يقال له: عليك دية وعليك ثمنه؛ لأنه ليس له ثمن، فلا يغرم شيئاً. قال: [فإنه لا يجوز بيعه ولا غرم على متلفه؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (نهى عن ثمن الكلب)، ولا يجوز بيع ما ليس بمملوك لبائعه إلا بإذن مالكه أو ولاية عليه].

الاستدلال بحديث الصحابي الذي اشترى شاتين بدرهم على جواز تصرف الفضولي

الاستدلال بحديث الصحابي الذي اشترى شاتين بدرهم على جواز تصرف الفضولي Q هل يستدل بحديث الصحابي الذي اشترى للنبي شاتين بدرهم بدلاً من شاة على جواز تصرف الفضولي؟ A إن عروة البارقي هو الذي أعطاه النبي صلى الله عليه وسلم درهماً وقال: (اشتر به شاة، فاشترى به شاتين، وباع إحداهما بدرهم)، واستدل به على جواز التصرف الفضولي فلهذا إذا باع الإنسان سلعة جاره ثم أقرها، كونه يبيع السيارة وهي تساوي خمسين وباعها بثمانين، فلما جاء البائع قال: أنا بعت السيارة بثمانين، أي: بزيادة ثلاثين فيصلح، ويصح البيع، أما إذا قال: لا، أنا لا أرى ذلك ولا أجيزك هذا البيع، فلا يصح البيع. وقال آخرون من أهل العلم: إن هذا لا يصح، ولا يستدل عليه بقصة عروة بن مالك؛ قيل: إن عروة بن مالك أعطاه النبي صلى الله عليه وسلم إذناً مطلقاً ووكالة وأعطاه درهماً، بخلاف بيع سيارته أو ما أشبهها فإنه ليس عنده وكالة ولا إذن.

حكم بيع الرجل سهما معلوما

حكم بيع الرجل سهماً معلوماً Q هل يصح البيع إذا باع سهمه لمشترٍ؟ A نعم، إذا كان معلوماً، فمن شرط البيع أن يكون معلوماً فمثلاً لو قال: بعتك ألف متر من هذه الأرض التي فيها مائة ألف متر، فلا بأس؛ لأنه جزء مشاع معين أو بعتك مثلاً أسهم شركة معينة ومعدات معينة معروفة.

حكم إنقاص صاحب المال من أصل حقه إذا عجل المقترض بالسداد

حكم إنقاص صاحب المال من أصل حقه إذا عجل المقترض بالسداد Q ما الحكم إذا كان تجار الجملة يبيعون لأصحاب المحلات بالدين وفي حالة السداد قبل السنة يكون لهم خصم خمسة بالمائة مثلاً؟ A لا بأس بهذا فهو عكس الربا.

حكم الزيادة في قيمة السلعة المقسطة بنسبة مئوية خارج عقد البيع

حكم الزيادة في قيمة السلعة المقسطة بنسبة مئوية خارج عقد البيع Q سمعت بجواز بيع التقسيط مع الزيادة في قيمة السيارات وغيرها لمن يمتلك السلعة أولاً، ولكن استفساري عن طريقة التقسيط والزيادة في قيمة السلعة حيث إنها تتم بنسبة مئوية سنوية، حسب قيمة السلعة الأصلية نقداً، فكلما زادت مدة التقسيط زادت قيمة السلعة حسب النسبة السنوية للزيادة، وإذا عجز عن السداد، فما حكم التعاقد بمثل هذا العقد لمن يمتلك السلعة؟ وجزاكم الله خيراً. A إذا كانت الزيادة قبل العقد، يقول: بعتك هذه السلعة -سيارة- بخمسين ألفاً إذا كان نقداً، وبستين ألفاً إذا كانت مؤجلة إلى ستة أشهر، وسبعين ألفاً إذا كانت مؤجلة إلى ثمانية أشهر، وثمانين ألفاً إذا كانت مؤجلة إلى سنة، ومائة ألف إذا كانت مؤجلة إلى سنتين، فإنك تختار شرطاً واحداً قبل العقد، فإن قلت: أنا أختار المؤجلة إلى سنتين، أو أختار المؤجلة ستة أشهر فلا بأس، أما أن يبيعه مثلاً السلعة بستين ألفاً، فإذا حل الأجل ولم يدفع قال له: أنا أزيد عليك في قيمة السيارة كذا، فهذا لا يجوز.

كتاب البيوع [2]

شرح عمدة الفقه_كتاب البيوع [2] الربا هو طلب الزيادة في أشياء مخصوصة والتأجيل في أشياء مخصوصة، وقد حذر الله عباده من التعامل بالربا وتوعد متعاطيه بأشد العقاب لما يترتب عليه من أكل لأموال الناس بالباطل.

أحكام الربا

أحكام الربا

تعريف الربا وحكمه وأنواعه

تعريف الربا وحكمه وأنواعه قال المؤلف رحمه الله: [باب الربا. عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلاً بمثل سواءً بسواء، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم، إذا كان يداً بيد، فمن زاد أو استزاد فقد أربى)]. الربا في اللغة: الزيادة، ومنه قول الله تعالى: {فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ} [الحج:5]، أي: زادت، وقوله تعالى: {أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ} [النحل:92]، أي: أكثر عدداً، يقال: فلان أربى من فلان، يعني: أكثر عدداً، والمادة تدل على الكثرة. وشرعاً: الزيادة في أشياء مخصوصة، أو التأجيل والنسأ في أشياء مخصوصة، والربا نوعان: ربا النسيئة وربا الفضل، ولهذا يكون تعريف الربا: الزيادة في أشياء مخصوصة، والتأجيل والنسأ في أشياء مخصوصة، وكلاهما حرام، فالربا محرم بالكتاب والسنة والإجماع، قال الله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة:275]، وقال عليه الصلاة والسلام: (لعن الله آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه وقال: هم سواء)، وهو من كبائر الذنوب والمحرمات الغليظة في التحريم، فإن الله تعالى توعد المرابي بالوعيد الشديد؛ فقد توعده بالحرب، قال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ} [البقرة:278 - 279]، ولم يأت في معصية من المعاصي أن توعد بهذا الوعيد، إذ إن الوعيد حرب الله {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ}، وجاء في بعض الآثار: (أنه يقال يوم القيامة للمرابي: خذ سلاحك فحارب ربك)، نسأل الله السلامة والعافية، فهو من الكبائر العظيمة، وجاء في الحديث: (درهم رباً يأكله الرجل أشد من ست وثلاثين زنية) نسأل الله السلامة والعافية. والربا نوعان: ربا الفضل وربا النسيئة، وربا النسيئة هو الربا الأعظم، وهو ربا الجاهلية، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الربا في النسيئة)، وفي اللفظ: (لا ربا إلا في النسيئة) يعني: رباً أعظم، يعني: دراهم بدراهم مؤجلة، فلابد أن يكون يداً بيد، دراهم بدراهم، أو براً ببر، أو ملحاً بملح، وربا الفضل هو الزيادة، تبيع مثلاً ذهباً بذهب، درهماً بدرهمين أو ديناراً بدينارين، هذا فضل زيادة وهو ربا، أو تبيع صاعاً من البر بصاعين من البر، أو صاعاً من التمر بصاعين من التمر وهذا زيادة، أو صاعاً من الشعير بصاعين، فالربا نوعان: ربا النسيئة وهذا هو الربا الأعظم وهو ربا الجاهلية، والثاني: ربا الفضل وهو الزيادة، وفي حديث عبادة بن الصامت ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ستة أشياء يجري فيها الربا: وهي الذهب والفضة والبر والشعير والتمر والملح، وهذه الأشياء الستة مجمع على تحريم الربا فيها عند العلماء، قال عليه الصلاة والسلام في حديث عبادة بن الصامت: (الذهب بالذهب والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح مثلاً بمثل، سواءً بسواء، يداً بيد، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم)، يعني: إذا باع أحدهما بالآخر فيجب أمران: الأمر الأول: التماثل، يعني: يتماثلان في الكيل أو الوزن. والأمر الثاني: التقابض في مجلس العقد يداً بيد، لابد من ذلك فإذا بعت ذهباً بذهب يجب أمران: التماثل في الميزان فلا يزيد أحدهما على الآخر، وإذا كانت المرأة معها ذهب وحلي قديم، وتريد أن تأخذ حلياً جديداً فلابد أن يكون بالميزان، ولا يزيد أحدهما على الآخر، ولابد من التقابض، خذ وأعط، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مثلاً بمثل سواءً بسواء يداً بيد)، فقوله: (مثلاً بمثل سواء بسواء)، هذا الشرط الأول: وهو التماثل، وقوله: (يداً بيد) هذا الشرط الثاني: التقابض، كذلك ذهب بذهب فضة بفضة بر ببر شعير بشعير تمر بتمر ملح بملح، لابد فيها من الأمرين: التماثل وهو التساوي، والشرط هنا التقابض بينهما، فإذا اختلفت هذه الأصناف سقط شرط وبقي شرط، فإذا بعت ذهباً بفضة وبراً بشعير وتمراً بملح، سقط شرط وهو التماثل بينهما، فيجوز الزيادة، ولك أن تبيع صاع بر بصاعين من الشعير، لكن يجب التقابض بين السلع من غير تأجيل يداً بيد، أما إذا كان تمراً بتمر -مثلاً- فلا يجوز، ولو كان أحدهما جيداًً فلا يجوز لك أن تبيع صاعاً من السكري أو من الخلاص مثلاً بصاعين من الخضري، ولو كان هذا رديئاً وهذا جيداً، وإذا أردت أن تبيع التمر الرديء الخضري بدراهم، ثم تشتري بالدراهم سكرياً أو خلاصاً، فقد وقع هذا لـ بلال رضي الله عنه، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يشتري له تمراً، فأتاه بتمر جنيب فسأله فقال له: (أكل تمر خيبر هكذا؟ -جنيب- قال: لا يا رسول الله، قال: من أين لك هذا التمر الجنيب؟ قال: إنا نبيع الصاع من هذا بصاعين من الجمع) الجمع: تمر رديء، والجنيب: تمر جيد، فقال النبي: (أوَّه أوَّه! لا تفعل لا تفعل عين الربا عين الربا) ثم أرشده إلى الخلاص منه فقال: (بع الجمع بالدراهم، ثم اشترِ بالدراهم جنيباً)، بع التمر الرديء بدراهم، ثم اشتر بالدراهم تمراً جنيباً، أما أن تبيع صاعين من التمر الرديء بصاع من التمر الجيد فهذا لا يجوز. وهذه الأصناف الستة مجمع على تحريم الربا فيها.

اختلاف العلماء في العلة التي تجري فيها الربا

اختلاف العلماء في العلة التي تجري فيها الربا واختلف العلماء في العلة التي تجري فيها الربا، فالظاهرية قالوا: لا تجري الربا إلا في هذه الستة المذكورة في حديث عبادة بن الصامت؛ ذهب فضة بر شعير تمر ملح، وذهب آخرون من أهل العلم إلى أن هناك أصنافاً تلحق بها لموافقتها في العلة، فالذهب والفضة العلة فيها الثمنية يعني: ثمن الأشياء، فالأوراق النقدية الآن تقوم مقام الذهب والفضة، فالحكم واحد فلا يباع ورق نقدي بورق نقدي إلا يداً بيد من غير تأجيل، وإذا اختلفت العملات فلا بأس بالزيادة؛ لأن العملة قد تكون قائمة مقام الذهب، وقد تكون قائمة مقام الفضة، وإذا كانت كلها قائمة مقام الذهب فلابد من التمايز، وإذا كان بعضها قائماً مقام الفضة وبعضها قائماً مقام الذهب فلا بأس، حتى قال الإمام مالك رحمه الله: لو تعامل الناس بالجلود لكان لها حكم الذهب والفضة، والآن تعامل الناس بالورق وهي أقل من الجلود، فقال: إذا تعامل الناس بالجلود صار لها حكم الثمن، والآن يتعامل الناس بالورق فالعلة الثمن، أما الأشياء الأربعة وهي: البر والشعير والتمر والملح فاختلف العلماء في علة الربا فيها، فالحنابلة والأحناف يرون أن العلة في الكيل والوزن، والشافعي يرى أن العلة: الطُعم، ومالك يرى أن العلة الاقتيات والادخار، والحنابلة ذكروا الكيل والوزن مع الطعم، فإذا اجتمع كاملاً في الكيل والوزن والطعم فهذا يجري فيه الربا، وعلى هذا فإن الأرز يقاس على البر، فالأرز يجري فيه الربا؛ لأنه مطعوم ومكيل ومدخر، بخلاف التفاح مثلاً والبرتقال فهذا لا يكال ولا يدخر، وإن كان مطعوماً ومكيلاً، فلابد أن يدخر، فالأرز فيه ادخار وهو مطعوم ومكيل أيضاً فكل مكيل أو موزون يلحق به، وبعضهم لم يشترط الطُعم، فقال: كل مكيل من الحديد والرصاص يجري فيه الربا لا يباع بعضه من بعضه إلا مثلاً بمثل. والمقصود: أن الجمهور اختلفوا في العلة التي فيها الربا، ولهذا ذهبت الظاهرية إلى الاقتصار على هذه الأصناف فقط.

الأحكام المتعلقة بالسلع التي هي من جنس واحد

الأحكام المتعلقة بالسلع التي هي من جنس واحد قال المؤلف رحمه الله: [ولا يجوز بيع مطعوم -مكيل أو موزون- بجنسه إلا مثلاً بمثل]. هذه العلة في حالة مطعوم من مكيل أو موزون إلا بمثله، أي شيء مكيل أو مطعوم، ولو كان فولاً مطعوماً مكيلاً فيدخر، فلا تبع فولاً بفول إلا مثلاً بمثلٍ سواء بسواءٍ يداً بيد؛ لأنه مطعوم ومكيل والأرز كذلك ولو لم يكن من هذه الستة. قوله: (ولا يجوز بيع مطعوم -مكيل أو موزون- بجنسه إلا مثلاً بمثل). فإن كان بجنس آخر جازت الزيادة. والأقرب: أنه ما اجتمع فيه الكيل والوزن مع الطُعم والاقتيات منه وهو الادخار فإنه يجري فيه الربا، مثل الرز فهو مكيل وموزون ويدخر ومطعوم، وكذلك أنواع الأطعمة الأخرى التي تكال وتدخر وهي مطعومة. قال: [ولا يجوز بيع مكيل من ذلك بشيء من جنسه وزناً ولا موزون كيلاً]. الأشياء الموزونة لا تباع مكيلة، والمكيلة لا تباع موزونة، فالمكيل يبقى مكيلاً مثل البر فلا يباع وزناً، وهذه الأشياء كالبر والشعير كلها مكيلة، فتبيعها بالكيلو ولا تبيعها بالوزن، والذهب والفضة موزون، فلا تبيع الموزون بالكيل ولا تبيع المكيل بالوزن؛ كأن أبيع لك مثلاً صاعاً من البر بثلاثة دراهم بالوزن، فهذا لا يجوز، بل يباع بالكيل، فلا تبع مكيلاً بموزون؛ لأن الأصل فيها الكيل، والتمر كذلك مكيل، فلا تبعه إلا بالكيل. فإن قيل: أيباع بالوزن كيلو؟ A الأصل أنه مكيل، وبعضهم قال: يرجع في الكيل إلى أهل مكة، وفي الوزن إلى أهل المدينة في العرف. قال: [وإن اختلف الجنسان جاز بيعه كيف شاء يداً بيد ولم يجز النسأ فيه]. إذا اختلف الجنسان، كأن يكون براً بشعير، أو تمراً بملح جاز الزيادة، إذا بعت صاعين من البر بصاع من الشعير فلا بأس، لكن لا يجوز النسأ ولا التأخير، بل يداً بيد، خذ وأعط. فإن قيل: هل يجوز أن تقوم الأوراق مقام الفضة؟ A الأوراق ليست قائمة مقام الفضة، بل الدولار قائم مقام الذهب، والريال قائم مقام الفضة. قال: [وإن اختلف الجنسان جاز بيعه كيف شاء يداً بيد ولم يجز النسأ فيه ولا التفرق قبل القبض إلا في الثمن بالمثمن]. يعني: خذ الثمن وأعط السلعة يداً بيد. قال: [وكل شيئين جمعهما اسم خاص فهما جنس واحد]. كل شيئين جمعهما اسم خاص فهما جنس واحد ولو كان لها أسماء مختلفة، فاسم البر قمح وتحته أنواع كثيرة، فإذا جئت البائع الذي يبيع القمح، تقول: هذا بر من الخليج، وهذا بر من القصيم وكل واحد له اسم، وكلها أنواع، لكن يشملها اسم واحد فهو جنس واحد، فإذا ذهبت المطاحن الآن تجد البر من القصيم أو من الخضراء الكيلو بأربعة أو بخمسة ريالات، والكيلو الذي يأتي من الخليج الكيلو بريالين أو بريال، فلا يجوز أن تبيع بالكيلو صاعاً من هذا بصاع ولو كان مختلفاً؛ لأنه جنس واحد كله بر، فهذه أجناس داخلة تحت مسمى واحد وهو البر، كذلك التمر أنواع متعددة؛ فالسكري تمر، والخلاص تمر، والخضري تمر، كله تمر، فلا يجوز بيع صاع من السكري أو من الخلاص بصاعين من الخضري، ولو كان هذا جيد وهذا رديء،؛ لأنها تحت مسمى واحد وهو التمر، فالتمر أجناس والبر أجناس، فهذه الأنواع داخلة تحت مسمى واحد، فلا يجوز بيع بعضها من بعض. قال: [إلا أن يكونا من أصلين مختلفين فإن فروع الأجناس أجناس]. إذا كانا من أصلين مختلفين فلا بأس، إذا كان اشترى من التمر وهذا اشترى من البر فهما مختلفان، هذا جنس وهذا جنس. قال: [وإن اتفقت أسماؤها كالأدقة والأدهان]. هذا فرع وهذا فرع، هذا جنس وهذا جنس، ولو اتفقا في الأسماء. قال: [ولا يجوز بيع رطب منها بيابس من جنسه ولا خالصه بمشوبه ولا نيئه بمطبوخه]. لا يجوز أن يباع الرطب باليابس، فلا يجوز أن تبيع مثلاً مائة كيلو من الرطب بمائة كيلو من اليابس؛ لأن الرطب إذا يبس جف؛ فيخف ويقل، فاليابس يكون أكثر في الوزن، فلا يباع الرطب بيابس، ولا يباع الخالص بالمشوب؛ فلا يجوز أن تبيع قطعة ذهب غير مضروبة بجنيه، لأن هذه مشوبة فيها تراب وفيها كذا، وإذا خلصت قطعة الذهب من الشوائب كان الذهب قليلاً فلا تبع؛ لأنها مشوبة بغيره، ولا تبع خالصاً من الذهب بمشوب -أي: بتبر- لم يضرب، ولا تبع النيء بالمطبوخ، كأن يكون أرزاً نيئاً برز مطبوخ؛ لأنه ينقص، ولا يباع الرطب باليابس، لأنه إذا يبس قل.

النهي عن المزابنة والترخيص في بيع العرايا بشروطه

النهي عن المزابنة والترخيص في بيع العرايا بشروطه قال: [وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن المزابنة، وهو شراء التمر بالتمر في رءوس النخل، ورخص في بيع العرايا -فيما دون خمسة أوسق- أن تباع بخرصها يأكلها أهلها رطباً]. نهى النبي عن المزابنة، والمزابنة: بيع تمر على رءوس النخل بالتمر اليابس، وكذلك بيع العنب بالزبيب، وبيع الحب في سنبله بالحب، هذا يسمى مزابنة؛ لأن التمر الذي في رءوس النخل رطب وهذا يابس، كذلك العنب بالزبيب لا يباع؛ لأن العنب رطب والزبيب يابس، وإذا يبس قل فلا يباع، والحب في سنبله لا يباع بالبر؛ لأنه لا يمكن التساوي، فالحب في سنبله إذا أخلص فلابد أن ينقص، ويستثنى من المزابنة بيع العرايا، وهو بشروط: الشرط الأول: أن تكون خمسة أوسق أو دون خمسة أوسق، والوسق ستون صاعاً، يعني: ثلاثمائة صاع، بصاع النبي صلى الله عليه وسلم. الشرط الثاني: أن يكون المشتري فقيراً ليس عنده دراهم. الشرط الثالث: أن يكون محتاجاً إلى الرطب. الشرط الرابع: أن يخرص التمر على رءوس النخل بمقدار يساوي ما عنده من تمر، فيعطيه فيخرصه. الشرط الخامس: أن يتقابضا في المجلس، فإذا وجدت هذه الشروط فهذه مستثناة من المزابنة، فالمزابنة: بيع الرطب على رءوس النخل بالتمر اليابس وهذا لا يجوز؛ لأنه لا يمكن التساوي؛ لأن التمر الذي على رءوس النخل رطب والتمر الذي على الأرض يابس، ولا يمكن التساوي بين الرطب واليابس؛ لأنه إذا جف نقص، وسئل النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الرطب على رءوس النخل، قال: (أينقص الرطب إذا يبس؟ قالوا: نعم، قال: فلا إذاً)، فالرطب إذا جف يبس. كذلك يدخل في المزابنة بيع العنب بالزبيب، وبيع الحب في سنبله بالقمح أو بالبر، فلا يباع هذا بهذا، ويستثنى من هذا العرايا بهذه الشروط الخمسة. أن تكون في خمسة أوسق أو في أقل، وبعض العلماء قال: خمسة أوسق، وقيل: فيما دون خمسة أوسق وهو الأثبت، كما جاء في الحديث: (أن النبي رخص في لعرايا -فيما دون خمسة أوسق- يأكلها أهلها رطب)، وأن يكون المشتري فقيراً ليس عنده دراهم، فإن كان عنده دراهم فلا يجوز البيع، وأن يكون محتاجاً إلى رطب، وأن تخرص التمر من رءوس النخل بمقدار ما يساويه إذا يبس، ويعطى مقداره من التمر، فالعرايا جائزة بهذه الشروط الخمسة.

الأسئلة

الأسئلة

حكم أخذ قرض ربوي لشراء بيت

حكم أخذ قرض ربوي لشراء بيت Q إذا كان الرجل فقيراً ومحتاجاً ويدعي أنه يجمع المال ليشتري به سكناً، فهل يجوز له أن يشتري هذا السكن بقرض ربوي حيث إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أجاز بيع العرايا للحاجة؟ A لا يجوز ذلك؛ لأنه ليس هناك ضرورة، ولا يجوز للإنسان التعامل بالربا، وليس من اللازم أن تشتري بيتاً، بل تستأجر والحمد لله ويعطى الأجرة من الزكاة وكثير من الناس في هذا الزمن والعياذ بالله تجاوزوا الحدود، حتى سمعت أن بعض الناس يجمع أموالاً ويجمدها، وبعضهم يجمع أموالاً ويشتري بيتاً بأربعمائة وخمسين ألفاً للزوجة الثانية إلى هذا الحد! فأين الضرورة في ذلك؟ ليس ضرورياً أن يأخذ من البنك بالربا ليشتري بيتاً نسأل الله العافية، لكن الحمد لله يستأجر، ولا يقاس على العرايا شيء، بل هذا خاص في الأكل، يعني: إذا كان يحتاج إلى الأكل هو وأولاده، أو يريد أن يأكل مع الناس قمحاً، لكن ليس من اللازم أن الإنسان يكون له بيت يملكه.

حكم بيع الذهب بإضافة مبلغ الصياغة

حكم بيع الذهب بإضافة مبلغ الصياغة Q ما حكم المبلغ الذي يضاف في بيع الذهب ويقول له صاحبه: إن هذا ليس قيمة الذهب وإنما قيمة الصنعة؟ A هذا الكلام باطل لا يبيع ذهب بذهب، بل يبيعه بدراهم ويشتري من غيره.

حكم بيع السلم

حكم بيع السلم Q ما حكم بيع البر بالدراهم مؤجل؟ A هذا لا بأس به، يعني: إذا كان لك أحد النقدين مؤجلاً فهذا لا يخالف، وليس فيه مانع بالإجماع؛ لأنه سلم، والسلم هو أن تقبض الثمن وتؤجل السلعة فإذا اشتريت مثلاً تمراً بدراهم، أو براً بدراهم فلا بأس وبالعكس كذلك، وهذا بالإجماع وبالاتفاق.

حكم شراء النقود المعدنية بالورقية مع التفاضل

حكم شراء النقود المعدنية بالورقية مع التفاضل Q ما حكم من يشتري الورق بالمعدن مع التفاضل؟ A في هذا خلاف، مثل صرف الريال الآن بهلل، ويأخذ زيادة، فهذا بعض المعاصرين يتسامح فيه مادام من نوع آخر، وبعضهم قال: لا يجوز، فالأحوط ألا يأخذ زيادة.

حكم التقبيل للمحلات أو نقل القدم

حكم التقبيل للمحلات أو نقل القدم Q ما حكم التقبيل للمحلات أو نقل القدم، وهو دفع مبلغ لكي يخرج من المحل ويأخذه آخر؟ A هذا يحتاج إلى تأمل، ولا بد أن نصوغ فيه فتوى، والذي يظهر لي أنه لا يجوز؛ لأنه إذا انتهت مدته فليس له أن يحتكر، إذا انتهت مدته من المحل يخرج، أما إذا كان بقي له مدة فيؤجر نقوده، أما أن يأخذ زيادةً وقد انتهت مدته فهذا لا يجوز له، يسلمه لصاحب المحل، والتقبيل هنا ليس ظاهراً، هذا معناه: أنه يؤجره بقية المدة، فإن كان يؤجره بقية المدة فلا بأس أن يؤجره لصاحبه. وبعض الناس صار يؤجر المحل بما فيه من أدوات مقابل مبلغ معين، فهذه الأغراض والأدوات يحتاج الأمر فيها إلى تأمل، وهذا فيه جمع بين العقدين أجرة وبيع، فإذا كان سيبيع عليه ما في الدكان ويؤجر بقية المدة فلا بأس، أما يجعله شيئاً واحداً فهذا لا ينبغي؛ لأنه دمج عقدين في عقد. أما إذا كان قد انتهى إيجاره للمحل، فلا يجوز له ذلك، وإذا أراد أن يخرج من المحل ويأتي مستأجر آخر ويتقبل ما في المحل من أغراض ويستأجر منه، فهذا لا يجوز، بل لابد أن يبيع عليه الأغراض، وأما الإيجار فيستأجر من صاحب المحل، أما أن يؤجره هو فلا يجوز. والمقصود: أنه لابد أن يفصل الأمرين، البيع شيء، والإيجار شيء آخر، فإن كان له مدة باقية فيؤجر، وإن لم يكن له مدة باقية فيسلم المحل، وإن أحب أن يشتري الدكان فلا بأس.

حكم بيع بعض السلع التي قد تمنع

حكم بيع بعض السلع التي قد تمنع Q ما حكم بيع بعض السلع التي قد تمنع، مثل منع بيع بوري (الدورية)؟ A إذا كان في هذا ضرر على أهل الإسلام وأهل الحسبة وضرر على المجتمع فلا يجوز بيعه؛ لأن فيه ضرراً وإيهاماً، ومادام أنه ممنوع فلا يجوز له بيعه؛ لأن هذا يستخدمه إنسان آخر ضد الدورية فيكون فيه إيهام، فلا يجوز لأنه ممنوع بيعه للمصلحة، وبيعه فيه ضرر على المسلمين، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لا ضرر ولا ضرار).

كتاب البيوع [3]

شرح عمدة الفقه_كتاب البيوع [3] من أحكام البيوع التي نظم لها الشارع أحكاماً مخصوصة بيع الأصول والثمار، حيث نهى عن بيع الثمر حتى يبدو صلاحه، وحدد المنتفع بهذا الثمر في حال أن كان بادياً، والمنتفع بالزرع الذي يحصد أكثر من مرة، وغير ذلك.

أحكام بيع الأصول والثمار

أحكام بيع الأصول والثمار قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب بيع الأصول والثمار. روي عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (من باع نخلاً بعد أن تؤبر فثمرتها للبائع إلا أن يشترطها المبتاع)]. وهذا الحديث ثابت في الصحيحين، فكيف يقول المؤلف روي بصيغة التمريض؟ مع أنه ثابت في الصحيحين؟! (من باع نخلاًً فثمرتها للبائع إلا أن يشترطها المبتاع)، وفي هذا الحديث دليل على أن من باع نخلاً قد أبر -يعني: لقح- فالثمرة للبائع إلا أن يشترطها المبتاع على المشتري، فإذا باع الإنسان نخلاً وفيه تمر قد لقح فالثمرة للبائع، وإن كان لم يلقح فهو للمشتري، إلا إذا اشترط المبتاع وقال: أنا اشتريت منك النخيل، وأشترط عليك أن هذه الثمرة لي ولو لقحت فهو على الشرط، أما إذا لم يشترط فإن الثمرة تكون للبائع، وكذلك غير النخيل من الأشجار إن كانت الثمرة ظهرت وبدت فهي للبائع، وإن كانت لم تظهر وما زالت خفية فهي للمشتري، وبعضهم علقه، فقال: التأبير هو التلقيح، وبعضهم قال: ظهور الثمرة، والأقرب أنه التلقيح، وهو أن يأخذ شيئاً من طلع نخل ذكر ويذره في طلع النخل الأنثى، هذا هو التأبير، ويسمى تلقيحاً، فإذا لقح صار تمراً صالحاً، وإذا لم يلقح لا يكون صالحاً. قال: [وكذلك بيع الشجر إذا كان ثمره بادياً]. ويقاس ثمر الشجر على ما سبق فإذا كان بادياً يكون للبائع، وإن لم يكن بادياً يكون للمشتري. قال: [فإن باع الأرض وفيها زرع لا يحصد إلا مرة فهو للبائع ما لم يشترطه المبتاع، وإن يجز مرة بعد أخرى فالأصول للمشتري والجزة الظاهرة عند البيع للبائع]. إذا كان فيه ثمر لا يقطفه إلا مرة واحدة فهو للبائع إلا إذا اشترط المشتري، وإن كان يجز مرة بعد مرة فالأصول تبقى للمشتري، والجزة الظاهرة تكون للبائع، والجزات التي بعدها تكون للمشتري.

النهي عن بيع الثمرة حتى يبدو صلاحها

النهي عن بيع الثمرة حتى يبدو صلاحها قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فصل: (نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن بيع الثمر حتى يبدو صلاحها)، ولو باع الثمرة بعد بدو صلاحها على الترك إلى الجذاذ جاز]. أما إذا باعها قبل بدو صلاحها فلا يجوز، إلا إذا اشترط القطع، يعني: اشترط القطع علفاً للدواب فبعض النخل أخضر، لكن قلت: أنا لا أريده للأكل، بل أريد أن أقطعه للدواب، فلا بأس أن يشترط القطف في الحال، أما إذا لم يقصد القطع فلا يجوز حتى يبدو صلاحه، وبدو الصلاح أن يحمر أو يصفر كما سيأتي، وفي العنب أن يسود ويتموه، وفي كل ثمر حتى يبدو النضج؛ لأنه في هذه الحالة يأمن من الآفة، بخلاف ما إذا لم يبد صلاحه فإنه يكون عرضة للآفة والتلف. قال: [ولو باع الثمرة بعد بدو صلاحها على الترك إلى الجذاذ جاز فإن أصابتها جائحة رجع بها على البائع؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لو بعت من أخيك ثمراً فأصابته جائحة فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئاً، بم تأخذ مال أخيك بغير حق؟)]. وهذا هو الصواب، فإذا اشترى التمر ثم أصابتها جائحة سماوية يرجع الثمن على البائع ولو كان البيع بعد بدو الصلاح؛ لأنه أخذها بدون مقابل، والمسألة فيها خلاف بين أهل العلم لكن الصواب ما دل عليه الحديث. قال: [وصلاح ثمر النخل أن يحمر أو يصفر والعنب أن يتموه، وسائر الثمر أن يبدو فيه النضج ويطيب أكله].

أحكام الخيار في البيع

أحكام الخيار في البيع قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب الخيار. البيعان بالخيار ما لم يتفرقا بأبدانهما، فإن تفرقا ولم يترك أحدهما البيع فقد وجب البيع، إلا أن يشترط الخيار لهما أو لأحدهما مدة معلومة]. الخيار: اسم مصدر اختار، أي: طلب خير الأمرين، من الإمضاء أو الترك، واختار يختار والمصدر اختيار، واسم المصدر خيار؛ لأن اسم المصدر ينقص حروفه عن المصدر، فالخيار اسم مصدر اختار، أي: طلب خير الأمرين من الإمضاء أو الترك، وإذا باع شيئاً أو اشترى شيئاً فإنهما بالخيار ماداما في المجلس ما لم يتفرقا بأبدانهما، والتفرق يكون بالأبدان، فإذا اشتريت من إنسان سيارة وأنتما جالسان في البيت تشربان القهوة، وجلستما ساعة أو ساعتين فهذا خيار المجلس، فإذا أراد أحد أن يفسخ البيع وقال: أنا اشتريت منك قبل ساعة ونحن جالسان في المجلس، لكن الآن بدا لي أن أفسخ؛ لأنني تهورت، فلا أرغب في شرائها. في هذه الحالة له ذلك؛ لأن في مجلس الخيار، فإن تفرقا بالأبدان فقد وجب البيع وانتهى الخيار، إلا إذا اختار إسقاط الخيار، كما جاء في الحديث: (البيعان بالخيار ما لم يتفرقا أو يخير أحدهما الآخر) كما مر معنا في شرح البلوغ، فإذا اختار إسقاط الخيار يلزم بمجرد العقد، وكذلك إذا اشترط الخيار مدة معلومة، كأن يشتري أحدهم سيارة من آخر ويقول: لي الخيار ثلاثة أيام أو شهراً أو شهرين فهما على المشارطة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المؤمنون على شروطهم، إلا شرطاً أحل حراماً أو حرم حلالاً)، والصواب: أن التفرق يكون بالأبدان، هذا هو الذي عليه الجماهير وهو ما دل عليه الحديث، ومر معنا في البلوغ في رواية: (حتى يتفرقا من مكانهما)، بلفظة (من مكانهما)، خلافاً لـ مالك رحمه الله، فإنه قال: يتفرقا بالأقوال، وهذا ضعيف؛ لأنه يسقط فائدة هذا الحديث، وهو راوي الحديث أيضاً، ومع ذلك ذهب إلى أن التفرق بالأقوال لا بالأبدان، حتى تشدد بعض الخصوم، فقال -من باب المبالغة-: ينبغي أن يؤدب مالك لمخالفته للحديث. والصواب: أن التفرق إنما يكون بالأبدان، وقد ورد عن ابن عمر رضي الله عنه أنه إذا باع فأراد أن يلزم البيع مشى خطوات، ثم رجع إليه، وهذا محمول على أنه ما بلغه، ولهذا جاء في الحديث: (ولا يحل له أن يفارقه خشية أن يستقيله)، لكن هذا محمول على أن ابن عمر لم يبلغه النهي فلا ينبغي للإنسان إذا اشترى سلعة أن يقوم حتى يمضي البيع، فعليه أن يجلس، والحمد لله كل واحد بالخيار، فقد يبدو لك أنك لا ترغب في السلعة فتردها إلى صاحبها. قال: [البيعان بالخيار ما لم يتفرقا بأبدانهما، فإن تفرقا ولم يترك أحدهما البيع فقد وجب البيع، إلا أن يشترط الخيار لهما، أو لأحدهما مدة معلومة، فيكونان على شرطهما، وإن طالت المدة إلا أن يقطعاه، وإن وجد أحدهما بما اشتراه عيباً لم يكن علمه فله رده أو أخذ أرش العيب]. إذا وجد في السلعة عيباً فهذا له الخيار، ويسمى خيار العيب، فهناك خيار المجلس وخيار الشرط وخيار العيب (الغرر) فإذا وجد بها عيباً فله الخيار إن شاء ردها وأخذ المال، وإن شاء أبقاها وأخذ الأرش، والأرش هو الفارق بين الصحيح والمعيب، فإن اشترى مثلاً سيارة بخمسين ألفاً، ثم وجد بها عيباً، فقال: أنا أريد السيارة، لكن أريد مقابل هذا العيب فينظر أهل الخبرة كم يساوي هذا العيب، وكم تساوي السيارة إذا كانت معيوبة، فإذا قالوا: تساوي ثلاثين ألفاً، وتساوي الصحيحة خمسين ألفاً، فيقول: إذاً سلموا الأرش، والأرش عشرون ألفاً وهو الفارق، أو يرد المشتري السيارة ويرد البائع الدراهم. قال: [وما كسبه المبيع أو حدث فيه من نماء منفصل قبل علمه بالعيب فهو له؛ لأن الخراج بالضمان]. إذا حصل المبيع وحصل فيه نماء فإنه يكون للمشتري، فمثلاً إنسان اشترى سلعة وجلست عنده سنة، ثم تبين فيها عيب، لكن في هذه السنة المبيع حصل فيه زيادة شجر وصار فيها ثمر أو دابة ولدت ثم رد السلعة إلى صاحبها فإن النماء يكون للمشتري وليس للبائع؛ لأن الخراج بالضمان، والخراج هو النماء والزيادة، يعني: مقابل الضمان، يعني: كما أنها لو تلفت السلعة وهي عند المشتري ضمنها فكذلك إذا كسبت يكون له الكسب، فالكسب الذي يكون للمشتري مقابل الضمان الذي يضمنه لو تلف، فالخراج بالضمان. قال: [وإن تلفت السلعة أو عتق العبد أو تعذر رده فله أرش العيب]. إذا اشترى سلعة وجلست عنده سنة وتلفت هذه السلعة، ولكن تبين أن فيها عيباً قبل أن تتلف، نقول للبائع: رد عليه الأرش، وأعطه مقابل النقص في العيب؛ لأن السلعة لا يمكن ردها، أو اشترى عبداً وتبين فيه عيب، كأن يكون سارقاً فهذا نقص، فنقول للبائع: أعط المشتري الأرش مقابل هذا العيب، فإذا كان العبد يساوي مثلاً مائة ألف، وإذا كان يسرق لا يساوي إلا سبعين ألفاً، نقول: أعطه الأرش ثلاثين ألفاً.

ذكر ما جاء في النهي عن التصرية

ذكر ما جاء في النهي عن التصرية قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تصروا الإبل والغنم، فمن ابتاعها بعد ذلك فهو بخير النظرين، بعد أن يحلبها إن رضيها أمسكها وإن سخطها ردها وصاعاً من تمر فإن علم بتصريتها قبل حلبها ردها ولا شيء معها)]. هذا حديث فيه النهي عن التصرية، والتصرية: حبس اللبن في الضرع، فإذا أراد أن يبيع الشاة أو البقرة أو الناقة ترك حلبها يوماً أو يومين حتى يكون الضرع ممتلئاً، فإذا جاء المشتري يغتر ويقول: إن هذا حليبها يومياً، وهو متروك يومين أو ثلاثة، ويسمى تصرية وهذا عيب، فإذا باع الدابة على أن هذا حليبها في كل يوم، وجاء المشتري في اليوم الثاني وحلبها فوجد أنها لا تحلب إلا ربع ما حلبت في اليوم الأول فقد تبين العيب، فهذا بالخيار إن شاء أمسكها بعيبها، وإن شاء ردها ورد معها صاعاً من تمر، قطعاً للنزاع ومقابل الحليب الذي شربه أما إذا ردها قبل أن يحلبها فليس فيه إشكال، لكن إذا حلبها نقول: أنت بالخيار، إن شئت أمسكتها على ما فيها من اللبن القليل، وإن شئت رددتها ومعها صاعاً من تمر، فقد جعل له النبي صلى الله عليه وآله وسلم الخيار في هذا؛ إذا حلبها فهو بخير النظرين إن شاء أمسكها على ما فيها من نقص، وإن شاء ردها وصاعاً من تمر قطعاً للنزاع، فإن لم يكن معه في بيته تمر يعطي قيمة التمر.

بعض صور التدليس في البيع

بعض صور التدليس في البيع قال المؤلف رحمه الله: [وكذلك كل مدلس لا يُعلم تدليسه فله رده كجارية حمر وجهها أو سود شعرها أو جعده]. (كذلك كل بيع مدلس) من التدليس وهي الظلمة، فكل عيب مدلس؛ يعني: أخفى العيب، فإذا تبين العيب فإن المشتري بالخيار إما أن يرده وإما أن يمسكه ويأخذ الأرش، مثل: الجارية التي حمر وجهها وسود شعرها. وهذا يدل على قوة المسلمين فكان المسلمون يقاتلون ويغنمون من الأعداء نساءهم وذراريهم ويصيرون عبيداً يباعون ويشترون ويتناسلون، ولا يوجد عبيد في زماننا؛ وهذا يدل على ضعف المسلمين في الجهاد؛ لأن الرق يدل على قوة المسلمين. وبعض الناس يظن أن النساء اللاتي يخدمن في البيوت أنهن من الجواري، فيجامعوهن وهذه مصيبة، فالخادمة في البيوت ليست مثل الجارية، فالجارية هي الأمة التي تباع وتشترى وسببها الكفر، ولسيدها أن يتسراها وله أن يزوجها وله أن يبيعها، أما الخادمات فهن أحرار لا إماء، فالخادمة مستأجرة للخدمة، وقد يكون لها أولاد، أو ليس لها أولاد، ولا يجوز استخدامها إلا بمحرم. وفي الزمان الماضي كان بعض الناس يدلس فيبيع جارية كبيرة في السن ويحمر وجهها حتى تكون كأنها شابة، فإذا اشتراها الإنسان ظن أنها شابة، ثم يتبين له فيما بعد أنها عجوز شمطاء، أو غير ذلك من طرق التدليس في بيع الإماء، فإذا تبين أن هذا عيب فإنه إما أن يردها وإما أن يأخذ الأرش. وقوله: (وكذلك كل مدلس لا يعلم تدليسه فله رده كجارية حمر وجهها أو سود شعرها أو جعده) فهذا عيب من العيوب لرد المبيع. قال: [أو رحى ضم الماء وأرسله عليها عند عرضها على المشتري]. أي: لما أراد أن يبيع الرحى جمع الماء وصبه عليها حتى تدور بقوة وبسرعة أمام المشتري فيظن المشتري أن هذا عملها، وأنها جيدة، فلما جف الماء الذي وضعه عليها صارت ضعيفة في دورانها فهذا عيب، فإذا تبين هذا فإما أن يردها وإما أن يأخذ الأرش. وإذا كان هناك عيب أخفاه البائع ثم تبين بعد ذلك، فإن المشتري يرجعها ويأخذ الأرش. ويجب على البائع أن يبين العيب، ويأثم إذا لم يبينه، وإذا تبين العيب للمشتري فهو بالخيار، فله أن يردها وله أن يبقيها. وإذا أحب المشتري أن يبقيها على ما فيها من عيب إذا رضي بالعيب فلا بأس. قال: [وكذلك لو وصف المبيع بصفة يزيد بها ثمنه فلم يجدها فيه كصناعة في العبد أو كتابة]. كما لو باع رجل عبداً وقال أنه نجار أو خراز أو بناء أو سباك أو دهان، فلما بيع على المشتري تبين أنه لا يعرف أن يصنع شيئاً مما سبق، فهذا عيب؛ لأنه وصفه بصفة يزيد بها على المشتري، وظن المشتري أنه سيعمل، فلما جاء وجده لا يعرف شيئاً أبداً. فلو أنه ما دام أن معه حرفة أو صناعة كانت قيمته ثمانين ألفاً، فلما تبين أنه ليس عنده شيء، سألنا أهل الخبرة فقالوا: لا تساوي قيمته إلا خمسين ألفاً فقط، فيرد للمشتري ثلاثين ألفاً أو يفسخ البيع. قال: [أو أن الدابة هملاجة والفهد صيود أو معلم]. وكذلك لو قال البائع أن الدابة هملاجة بمعنى: سريعة العدو والجري ثم تبين للمشتري أنها بطيئة فهذا يعتبر عيباً، فللمشتري الفسخ أو الأرش. والفهد هو السبع المعروف، والفهد للصيد وكذا الكلب المعلم، فالفهد والكلب لا يباعان؛ لأن السباع ليس لها ثمن ولا تباع، إلا الصقر فإنه مستثنى مع أنه لا يؤكل. قال: [أو أن الطائر مصوت ونحوه]. أي: إذا جاء أحد الناس وطرق الباب فإن الطائر يصوت ليعلم صاحب البيت أن أحداً من الناس قد دخل، فلو تبين للمشتري أن هذه الصفة ليست فيه فله أن يرده أو يأخذ الأرش.

حكم البيع إذا اختلف المتبايعان أو غلطا

حكم البيع إذا اختلف المتبايعان أو غلطا قال المؤلف رحمه الله: [ولو أخبره بثمن المبيع فزاد عليه رجع عليه بالزيادة وحظها من الربح إن كان مرابحة]. أي: إذا كان عنده سلعة وقال لرجل: أنا اشتريت هذه السلعة بمائة وأريد أن أربح منك العشر، وهو عشرة، أي: اشتريتها بمائة وبعتها بمائة وعشرة، فلما قبضها المشتري وجد أن البائع اشتراها بتسعين، فهنا ترد للمشتري العشرة؛ لأن المرابحة هكذا. قال: [وإن بان أنه غلط على نفسه خير المشتري بين رده وإعطائه ما غلط به]. ولو غلط البائع بالثمن فقال أنه اشتراها بمائة وعشرة وقيمتها مائة فقط، خير المشتري بين إعطائه ما غلط عليه وهي العشرة وبين إمضاء البيع. قال: [وإن بان أنه مؤجل ولم يخبره بتأجيله فله الخيار بين رده وإمساكه]. يعني: بعت عليك هذا البيت مؤجلاً إلى سنة، فقلت: أنا ما أخبرت أنه بالأجل وما تبين لي، فأنت مخير بين أن تقبل أو ترد. قال: [وإن اختلف البيعان في قدر الثمن تحالفا، ولكل واحد منهما الفسخ إلا أن يرضى بما قال صاحبه]. لو اختلف البائع والمشتري في قدر الثمن، فقال الأول: أنا بعت هذه السيارة بمائة ألف، وقال الآخر: أنا اشتريتها بتسعين، فإنهما يتحالفان ويتفاسخان، فيحلف البائع أنه باعها بمائة ويحلف المشتري أنه اشتراها بتسعين ويتفاسخان إلا أن يرضى أحدهما، أي: البائع والمشتري.

أحكام السلم

أحكام السلم

تعريف السلم ودليل مشروعيته

تعريف السلم ودليل مشروعيته قال المؤلف رحمه الله: [باب السلم. عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وهم يسلفون في الثمار السنة والسنتين فقال: من أسلف في ثمر فليسلف في كيل معلوم أو وزن معلوم إلى أجل معلوم)]. السلم: هو تعجيل الثمن وتأجيل المثمن؛ بأن يقدم الدراهم ويؤخر السلعة، ولابد في المثمن من الصفات المنضبطة، ولابد من تحديد الأجل. فمثلاً: إذا أسلم في سيارة فأعطاه -مثلاً- خمسين ألف ريال في سيارة في الذمة، فالثمن معجل وهو الخمسون ألفاً، فلا بد من قبض الثمن في الحال، ولا بد في المثمن وهي السيارة من أن يضبطها بالأوصاف الكاملة فيقول: سيارة صغيرة أو كبيرة، وموديلها كذا، ونوعها كذا، وإذا كان مكيلاً أو موزوناً فلابد من ضبطه بالكيل أو الوزن، ولابد من تحديد الأجل بعد سنة أو بعد ستة أشهر؛ لما ثبت في الصحيح: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قدم المدينة وهم يسلفون في الثمار السنة والسنتين فقال: من أسلف في شيء فليسلف في كيل معلوم أو وزن معلوم إلى أجل معلوم)، ويقال فيه: سلم وسلف، وأسلف أو أسلم، قوله: (فكانوا يسلفون في الثمار السنة والسنتين) يعني: يعطون الثمن مقدماً كمائة ريال مثلاً بمائة صاع من التمر الموصوف بعد سنة، أو بمائة صاع من البر بعد سنة أو بعد ستة أشهر، ولهذا لما قدم النبي المدينة وهم يسلفون في الثمار السنة والسنتين، أي: يعطون الثمن مقدماً والمثمن يكون مؤجلاً بعد سنة أو سنتين في التمر أو البر قال: (من أسلف في شيء فليسلف في كيل معلوم أو وزن معلوم إلى أجل معلوم)، فلابد من ضبطه بالكيل إذا كان مكيلاً أو بالوزن إذا كان موزوناً، ولابد من تحديد الآجال، وإذا كان غير مكيل أو موزون فبالصفات التي تضبطه وتحدده، ولابد من قبض الثمن معجلاً، وإذا كان معدوداً أيضاً لابد من ضبطه بالعد، وإذا كان مذروعاً فلا بد من ضبطه بالذرع.

فيما يصح فيه السلم

فيما يصح فيه السلم قال المؤلف رحمه الله: [ويصح السلم في كل ما ينضبط بالصفة إذا ضبطه بها وذكر قدره بما يقدر به من كيل أو وزن أو ذرع أو عد، وجعل له أجلاً معلوماً وأعطاه الثمن قبل تفرقهما]. يصح السلم في كل ما ينضبط بالصفة، سواء كان في السيارات أو في الحيوانات أو في الثمار أو في الحبوب أو في الأمتعة، فكل ما ينضبط ويعرف ويتحدد بالصفة يصح السلم فيه، ولابد من تحديد الآجال، وذكر قدره إذا كان مكيلاً بالكيل، أو موزوناً بالوزن كأن يكون مائة كيلو أو بالصاع مائة صاع. ولابد أن يكون الأجل معلوماً ومحدداً كأن يكون بعد سنة أو بعد ستة أشهر، ولابد من قبض الثمن مقدماً، فالبائع يقبض الثمن مقدماً، والمشتري يستفيد من المثمن المؤجل في وقته.

ما يجوز فيه السلم

ما يجوز فيه السلم قال المؤلف رحمه الله: [ويجوز السلم في شيء يقبضه أجزاء متفرقة في أوقات معلومة]. مثلاً: إذا كان في ثمر أو حبوب ففي السنة يقبضه مرتين، فيقبض مائة صاع بعد ستة أشهر والمائة صاع الأخرى بعد ستة أشهر فهذا لا بأس به. قال: [وإن أسلم ثمناً واحداً في شيئين لم يجز حتى يبين ثمن كل جنس]. أي: إذا أسلم ثمناً واحداً في شيئين كمائة ألف في سيارتين فلا يصح هذا فلا بد من تحديد ثمن كل سلعة مع الوصف. قال: [ومن أسلف في شيء لم يصرفه إلى غيره]. أي: إذا أسلم في سيارة شبح بسعر خمسمائة ألف ووصفها كذا وكذا، قال له: أعطيك بدل سيارة الشبح بيتاً فليس له أن يصرفه من السيارة إلى البيت؛ لأن السلم كان في سيارة، فهذا لا يصح.

حالة عدم صحة بيع المسلم فيه

حالة عدم صحة بيع المسلم فيه قال المؤلف رحمه الله: [ولا يصح بيع المسلم فيه قبل قبضه ولا الحوالة به]. ولا يصح بيع المسلم فيه قبل قبضه، فإذا أسلمت في سيارة بعد سنة ولما بقي على السنة شهرين بعتها، فليس ليس لك أن تبيعها حتى تقبضها. وكذا لو قلت: سأحولك على هذه السيارة التي أسلمتها من فلان فليس لك أن تحولها قبل قبضها، فإذا قبضتها ففي هذه الحالة تتصرف فيها ما تشاء ببيع أو حوالة. قال: [وتجوز الإقالة فيه أو في بعضه؛ لأنها فسخ]. فلو أعطاه مائة ألف لأجل سيارة، ثم لما مضت ستة أشهر قال له: أنا ما أرغب في السيارة، فلا بأس أن ترد عليه مائة ألف لأنها فسخ. أو لعله يقيل في بعضها كما لو أعطاه مثلاً خمسة آلاف بألف كيلو سكر أو عشرة آلاف بألف فلما مضى قال: لعلك تقيلني فلا أريد إلا خمسين في المائة، فلو أعطيتك عشرة آلاف فإنك ترد علي خمسة آلاف، ويبقى خمسة آلاف، فهذا لا بأس به.

كتاب البيوع [4]

شرح عمدة الفقه_كتاب البيوع [4] عقد الفرض من عقود الإرفاق التي أجازها الشرع، وهو عقد يكون بين رجلين، لينتفع المقترض بمال المقرض ثم يرد مثله دون زيادة، وإذا رد خيراً منه دون اشتراط من المقرض جاز له ذلك.

أحكام القرض

أحكام القرض

مشروعية القرض من السنة النبوية

مشروعية القرض من السنة النبوية قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب القرض وغيره. عن أبي رافع: (أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم استسلف من رجل بكراً، فقدمت عليه إبل الصدقة فأمر أبا رافع أن يقضي الرجل بكره، فرجع إليه أبو رافع فقال: لم أجد فيها إلا خياراً رباعياً، فقال: أعطوه فإن خير الناس أحسنهم قضاء)]. يستحب القرض، لما جاء في الحديث: (من أقرض شخصاً مرتين كان كصدقة مرة) -هو عقد إرفاق- وإذا أقرضه فإنه يرد مثله، وإذا رد خيراً منه بدون شرط فهذا لا بأس به، فرد القرض بأفضل منه ليس خاصاً بالنبي صلى الله عليه وسلم. والرباعي ما له سنتان، فإذا اقرضك شخص مائة ريال فلما حل الأجل أعطيته مائة وعشرين بدون شرط فلا بأس بالزيادة إذا لم تكن مشروطة، أما إذا كانت مشروطة فهذا رباً ولا يجوز كألف بألف ومائتين. ولو كنت تعرف منه ذلك فلا تأخذ الزيادة، لأن المعروف عرفاً كالمشروط شرطاً. وإذا شرط عليه كان ذلك رباً ولو كان من الإبل أو من البقر أو من الغنم، فلو شرط عليه أنه سيقرضه من الإبل ما له سنة على أن يعطيه ما له سنتان فهذا ربا. قال [ومن اقترض شيئاً فعليه رد مثله، ويجوز أن يرد خيراً منه]. قول النبي صلى الله عليه وسلم: (كل قرض جر نفعاً فهو رباً) هذا الحديث ضعيف لا يصح، لكن أجمع العلماء على أن كل قرض جر نفعاً فهو رباً. ومن اقترض شيئاً فالواجب أن يرد مثله، وإذا رد خيراً منه فهذا أفضل إذا لم يكن هناك شرط، فإن كان هناك شرط صار رباً. قال: [وأن يقترض تفاريق ويرد جملة إذا لم يكن شرط]. أي: يجوز له أن يقترض -مثلاً- في شهر محرم مائة ريال وفي شهر صفر مائة وفي ربيع مائة وفي جمادى مائة وهكذا حتى تجتمع عليه ألف، ثم يردها ألفاً مرة واحدة فهذا لا بأس به. قال: [وإن أجله لم يتأجل]. لأنه حال. قال: [ولا يجوز شرط شيء لينتفع به المقرض إلا أن يشترط رهناً أو كفيلاً]. لا يجوز أن يشترط المقرض منفعة؛ لأنه رباً، فلو قال: سأقرضك الآن مائة ألف بشرط أن تعطيني سيارتك لأستعملها شهراً أو شهرين، أو تعطيني بيتك أسكنه شهراً أو شهرين فهذا رباً، إلا إذا كان رهناً فهذا لا بأس به؛ لأنه توثقة للقرض، أما أن يصير شيئاً ينتفع به فهذا رباً.

حكم قبول هدية المقترض

حكم قبول هدية المقترض قال المؤلف رحمه الله: [ولا يقبل هدية المقترض إلا أن يكون بينهما عادة بها قبل القرض]. لا يجوز أن يقبل الهدية؛ لأنها من الربا إلا إذا احتسبها من الدين فخصم جزءاً منها، فإذا أقرضه ألف ريال ثم أهدى له هدية تساوي مائة ريال فإنه يخصم من القرض مائة، إلا إذا كان بينهما مهاداة قبل المعاملة. وإذا صنع المقترض وليمة للمقرض لأجل القرض فلا ينبغي للمقرض أن يأكل منها؛ إلا إذا كان بينهما ذلك قبل القرض فلا بأس به. أما الجمعيات التعاونية عندما يجمع المشتركون فيها مرة واحدة ويأخذها أحدهم ليستفيد منها، فهي لا تدخل في الشرط في القرض. أما البنوك فإنهم يتعاونون بالربا، لما رأوا الناس يقبلون على البيع المقسط صاروا يفتحون للناس باب التقسيط من أجل أن يكسبوا الناس وأن يأخذوا ما عندهم بأي طريقة. وبعض الدوائر الحكومية كالتربية يأخذون رواتبهم من البنوك الربوية، والأولى عدم التعامل معهم في هذا. أما الحديث: (من أقرض شخصاً مرتين كان كصدقة مرة) والذي رواه ابن ماجة فهو حديث مرفوع وإن لم يكن له شواهد فهو ضعيف، وإن كان له شواهد فهو صحيح.

أحكام تتعلق بالدين

أحكام تتعلق بالدين قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب: أحكام الدين. من لزمه دين مؤجل لم يطالب به قبل أجله]. إذا كان على الإنسان دين مؤجل فإن صاحب الدين ليس له أن يطالبه به قبل أجله؛ لأن من حقه أن يؤخر قضاءه حتى يحل الأجل؛ لأن الأجل من حق المدين، فليس للدائن أن يطالبه قبل حلول الأجل؛ إلا أن يسافر ويخشى أن يسلم الدين قبل مجيئه أو يغلب على ظنه أنه لا يجيء، فإنه يمنعه -كما سيأتي- من السفر حتى يوثق دينه، أما أن يطالبه قبل حلول الأجل فليس له ذلك؛ لأن المدة من حق المدين. فلو اشترى منه السلعة بثمن مؤجل إلى رمضان فلا يحق له أن يطالبه بالثمن في رجب أو في شعبان؛ لأن بينهما عقداً فلا يطالب حتى يأتي رمضان. وإذا دفع الدين مؤجلاً فإن للمقرض أن يتفق معه حتى يسقط عنه بعض دينه فهذا حسن، وهذه مسألة بع وتعجل، فمثلاً: لو كان له دين مؤجل إلى رمضان وقدره عشرة آلاف، فلما كان في شهر محرم صار المقرض محتاجاً للمال، فيسقط عنه ألفين، فأعطاه المقترض ثمانية آلاف وسامحه المقرض في ألفين فهذا لا بأس به، فهو أبرأه من بعض حقه وهذا قبل حلول الأجل. قال: [ولم يحجر عليه من أجله]. أي: لا يحجر عليه؛ لأنه ما حل وقت سداد الدين. قال: [ولم يحل بتفليسه]. أي: إذا صار المدين فقيراً فلا يحل الدين المؤجل بتفليسه، فلو أن شخصاً له دين مؤجل على شخص إلى رمضان وأفلس المدين فلا يحل المؤجل بتفليسه. فلا يطالبه قبل حلول الأجل من أجل كونه أفلس، لأن من حقه أن يتمتع بهذا الأجل. قال: [ولا بموته إذا وثقه الورثة برهن أو كفيل]. كذلك إذا مات المدين فلا يحل الدين إذا وثقه الورثة برهن أو كفيل، فلو أعطاه الورثة رهناً أو كفالة فإن الدين يبقى على أجله؛ لأنه توثق برهن أو كفيل. قال: [وإن أراد سفراً يحل قبل مدته، أو الغزو تطوعاً فلغريمه منعه إلا أن يوثق بذلك]. لأنه يخشى في هذه الحالة ألا يعطيه حقه. والرواية الأخرى: أنه إذا قدم من سفر قبل حلول الدين فليس له أن يطالبه، وعلى هذه الرواية أنه إذا خشي ألا يعطيه إذا غزى أو سافر، حتى ولو قال أنه سيرجع قبل حلول الدين فإن له أن يمنعه من السفر حتى يوثقه، فيقول له: لا تسافر، فإن قال له: سأرجع قبل حلول الدين، قال: ما ندري ترجع أو ما ترجع، أريد منك أن توثق بكفيل أو رهن، فله في هذه الرواية أن يمنعه حتى يوثقه دينه برهن أو كفيل، وعلى الرواية الأخرى أنه ليس له ذلك مادام أنه سيقدم قبل حلول الدين. قال: [وإن كان الدين حالاً على معسر وجب إنظاره]. أي: إذا حل الدين والمدين فقير فلا يجوز لصاحب الدين إيذاؤه ولا حبسه مادام أنه معسر؛ لقوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة:280]، يعني: فأنظروه إلى أن ييسر الله له، ولا يجوز حبسه ولا إيذاؤه ويأثم بذلك؛ لأنه لا حيلة له فيه، ولا يفيد الحبس ما دام أنه ليس عنده شيء، بل تركه أولى حتى يترك له مجالاً لعله يكسب ويوفي الدين. أما إذا عرف أنه مماطل وعنده مال فهذا يحبس حتى يسلم الدين، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مطل الغني ظلم يحل عرضه وعقوبته). وقرابة المعسر لا يدفعون عنه؛ أما في دية الخطأ فإنهم يدفعون عنه. والراجح أنه لا يجوز له إيذاؤه ولا حبسه إذا تحقق أنه معسر للآية. قال: [فإن ادعى الإعسار حُلف وخلي سبيله]. أي: إذا ادعى الإعسار، وصاحب الدين لا يدري هل هو معسر أم لا؟ حلف المدعي أنه معسر فلو حلف يقبل يمينه ويخلي سبيله، هذا إن كان ما يعلم حاله. وهذا يكون عند القاضي، فيقول القاضي: هات بينة تثبت أنك معسر، فلو قال: ما عندي بينة، قال له القاضي: ما لك إلا اليمين، فيحلف أنه معسر ويخلى سبيله. قال: [إلا أن يعرف له مال قبل ذلك فلا يقبل قوله إلا ببينة]. أي: إلا أن يعرف أن له مالاً فلا يقبل ادعاؤه الإعسار إلا بدليل أو بينة، وإذا كان عنده بيت ملك فإنه لا يباع؛ لأنه من الضروريات، وهذا هو الظاهر؛ إلا إذا كان البيت زائداً عن حاجته أو حاجة أمثاله، كأن يكون بيتاً كبيراً فيلزم بيعه ويشتري بيتاً مناسباً صغيراً ويوفي الدين. ولا يقبل قوله أنه ما عنده مال إلا ببينة. قال: [فإن كان موسراً لزمه وفاؤه، فإن أبى حبس حتى يوفيه]. أي: إذا كان معروفاً أنه غني وامتنع عن وفاء الدين، لزمه وفاء الدين، فإن أبى حبس من جهة القاضي أو الحاكم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لي الواجد ظلم يحل عرضه وعقوبته)، أي: امتناع الغني عن وفاء الدين لمستحقه ومماطلته له يحل عرضه، فيقول: فلان منعني حقي (وعقوبته) أي: حبسه حتى يوفي الحق الذي عليه؛ لأنه ظالم. قال: [فإن كان ماله لا يفي بدينه كله فسأل غرماؤه الحاكم الحجر عليه لزمه إجابتهم]. إذا كان ماله قليلاً وأفلس وطلب الغرماء أصحاب الديون من الحاكم أو القاضي أن يحجر عليه، فللحاكم أو القاضي أن يجيب طلبهم فيحجر عليه. والحجر عليه معناه: أن يمنعه من التصرف في أمواله فلا يحق له أن يبيع أو يشتري حتى يوفي الديون التي عليه. قال: [فإذا حجر عليه لم يجز تصرفه في ماله، ولم يقبل إقراره عليه]. لأن النبي صلى الله عليه وسلم حجر على معاذ. وإذا أعلن الحاكم أو القاضي الحجر على فلان فلا يجوز تصرفه، فلو باع لا يصح البيع، والحاكم هو الذي يتولى جمع أمواله وبيعها وإعطاءها الغرماء. وإذا حجر الحاكم عليه في طلب الغرماء فإن الحكم ينفذ، فإذا باع بيته لا ينفذ البيع، فلو أقر أن فلاناً يطلبه عشرة آلاف مثلاً، فيقول له: إقرارك غير صحيح، وبيعك غير صحيح؛ لأنك محجور. قال: [ويتولى الحاكم قضاء دينه، ويبدأ بمن له أرش جناية من رقيقه فيدفع إلى المجني عليه أقل الأمرين من أرشها أو قيمة الجاني]. أي: حينما تكون على الشخص ديون وله غرماء وقل ماله وأفلس وطلبوا أن يحجر عليه، وحجر عليه الحاكم، وهو الذي يتولى جمع أمواله ويبيعها، ويخصص لجنة تحصي أمواله وتسدد الديون، ويبدأ أولاً بمن له أرش جناية، فمثلاً إذا كان له عبد، لما كان العبيد موجودين، والآن العبيد لا يوجدون، ووجود العبيد يدل على قوة المسلمين، والعبيد إنما يوجدون إذا وجد الجهاد في سبيل الله وقاتل المسلمون الكفرة وغنموا أموالهم ونساءهم وذراريهم؛ أما والمسلمون ضعفاء فلا يوجد جهاد. فلو كان له عبد واعتدى على شخص، أو اعتدى على دابته أو سيارته وأفسدها، فإذا جمع الحاكم أمواله فإنه يبدأ بمن له أرش جناية هذا العبد؛ لأن الجناية تعلقت في رقبته. ولو قال الذي أفسد هذا العبد ماله: إن هذا العبد هو الذي أفسد سيارتي وأريد هذا العبد فيسلم له العبد، وينظر في ثمن السيارة التي أفسدها وثمن العبد، فإذا وجدنا أن ثمن السيارة عشرة آلاف والعبد خمسة عشر ألفاً يعطى عشرة آلاف، وإذا وجدنا أن ثمن العبد عشرة آلاف والسيارة خمسة عشر ألفاً، يسلم له العبد فيأخذ العبد كاملاً وينتقل إليه؛ لأن هذه الجناية تعلقت برقبة الجاني. فإن كان ثمن العبد أقل سلم له العبد فيأخذه ويكون من أمواله؛ وإن كان ثمن العبد أكثر نعطيه القيمة والعبد يبقى لصاحبه؛ لأن الجناية تعلقت برقبة العبد وأرش الجناية هنا بين القيمة وثمن العبد فيدفع له أقل الأمرين، فإن كان ثمن السيارة أقل نعطيه ثمن السيارة، وإن كان ثمن السيارة أكثر يسلم العبد لصاحب السيارة، والباقي يكون للغرماء الآخرين. قال: [ثم بمن له رهن فيدفع إليه أقل الأمرين من دينه أو ثمن رهنه]. ثم يبدأ أيضاً بالمرتبة الثانية وهي: الدين الذي به رهن، ونوفي صاحب الدين ونعطيه الأقل، فلو رهن سيارة قيمتها عشرة آلاف، ودينه يساوي خمسة عشر ألفاً يسلمه الرهن مثل العبد، وإن كانت السيارة أكثر من الدين سلم له الدين وتبقى السيارة للمدين، فتكون الخطوات المتبعة في ذلك ما يلي: الأولى: يبدأ بمن له أرش جناية. الثانية: الدين الذي به رهن. قال: [وله أسوة الغرماء في بقية دينه]. أي: الباقي من الدين يكون للغرماء بالنسبة. قال: [ثم من وجد متاعه الذي باعه بعينه لم يتلف بعضه، ولم يزد زيادة متصلة، ولم يأخذ من ثمنه شيئاً فله أخذه لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أدرك متاعه بعينه عند إنسان قد أفلس فهو أحق به من غيره)]. هذا هو الأمر الثالث: من وجد متاعه بعينه فله أخذه بشروط: ألا يتغير، ولا يزيد زيادة متصلة، ولا يأخذ من ثمنه شيئاً، فمثلاً باع إنسان سيارة على شخص بعشرة آلاف وأفلس وحجر عليه الحاكم وطلب الغرماء فجاء صاحب السيارة وقال: هذه سيارتي بعينها ما تغيرت أي ما زاد ولا نقص من ثمنها شيء، فله أن نسلمها إياه؛ لأنه وجد متاعه بعينه للحديث: من وجد متاعه بعينه عند رجل قد أفلس فهو أحق به. أما إذا أخذ جزءاً من ثمنها أو تغيرت السيارة أو عمل فيها أو باعها، ثم رجع فيها مرة أخرى ففي هذه الحالة لا تعطى له بخلاف ما لو كانت دابة زاد ثمنها. فمن وجد متاعه بعينه فله أخذه بشرط: أنه ما زاد فيه شيء ولا قبض من ثمنه شيئاً، ولم يتغير المبيع بحال أو بصفة من الصفات، وألا يتعلق بحق غيره فليس له أن يأخذه، وأن يكون المفلس حياً فلو توفي وجاء أولاده يطالبون فلا يحق لهم. قال: [ويُقْسَمْ الباقي بين الغرماء على قدر ديونهم]. أي: يقسم الباقي بالنسبة، فلو أن شخصاً عليه دين وقدره مليون ريال ثم حجر عليه، وجمعنا ماله ووجدناه مائة ألف، ولغريمه الأول مائة ألف، والثاني: خمسمائة ألف، والثالث: أربعمائة ألف، فنقسم المائة ألف هذه بالنسبة، فالذي يطلبه مائة ألف نسبته العشر فنعطيه من المائة عشرة آلاف، والذي يطلبه خمسمائة ألف نعطيه خمسة آلاف؛ لأن نسبته نصف العشر، والذي يطلبه أربعمائة ألف نعطيه أربعة آلاف، وباقي الدين حتى ييسر الله، فهذه نسبة الغرماء، والذي له دراهم أخذها، والذي وجد ماله بعينه أخذه قبل أن توزع الديون أو تقسم وكذلك العبد الذي تعلق برقبته شيء يسلم له إياه، وليس لهم إلا هذا، وإن جاءه شيء من المال قسم مرة ثانية، وإن لم يأت شيء يبقى هكذا حتى ييسر الله. قال: [وينفق على المفلس وعلى من تلزمه مؤنته من ماله إلى أن يفرغ من القسمة]. أي: أن الحاكم الذي يجمع ا

أحكام تتعلق بالحوالة والضمان

أحكام تتعلق بالحوالة والضمان قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب الحوالة والضمان. ومن أحيل بدينه على من عليه مثله فرضي فقد برئ المحيل]. أي: من أحيل بدينه على مثله فرضي فإنه ينتقل ما في ذمته إلى ذمته، فلو أن زيداً يطلب ديناً من عمرو ألف ريال وبكر يطالب زيداً، فأحال زيد بكراً على عمرو فرضي عمرو انتقل ما في ذمة زيد إلى عمرو. والحوالة لها شروط: لابد أن يكون على مليء، وأن يكون الدين مماثلاً، وأن يكون التأجيل أو الحلول، أي: كل منهما مؤجل وكل منهما حال.

شروط الحوالة

شروط الحوالة ولصحة الحوالة شروط: أحدها: تماثل الحقين؛ أي: ذهب بذهب وفضة بفضة، أما إذا كان هذا يطلب دولارات وهذا يطلب ريالات سعودية فهذا ليس بمتماثل، أو هذا يطلب ذهباً وهذا يطلب فضة فلا بد من التماثل، أو زيد يطلب عمراً ألف ريال وبكر يطلب زيداً ألف ريال فكل منهما يحيله عليه، أما إذا كان زيد يطلب عمراً مائة جنيه وبكر يطلب زيداً ألف ريال فهذا مختلف فلابد أن يتماثل الحقان. الشرط الثاني: يحيل برضاه فإن لم يرض فلا يحيل. الشرط الثالث: أن يحيل على دين مستقر في الذمة، فلا يكون مثل دين الكتابة؛ لأن العبد الذي يسدد الدين عن نفسه قد يعجل بفسخه، وهو مستقر عليه في الذمة. الشرط الرابع: أن يحيل بمال معلوم، فلابد أن يكون معلوم العدد كأن يكون زيد يطلب عمراً ألف ريال، وبكر يطلب زيداً ألف ريال. قال: [ومن أحيل على مليء لزمه أن يحتال؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إذا أتبع أحدكم على مليء فليتبع)]. أي: إذا حولت بكراً الذي يطلبك ماله على عمرو وهو مليء يلزمه أن يقبل؛ لأنه سواء يؤديه لزيد أو لبكر، أما إذا كان معسراً أو مماطلاً فلا يجوز، فإذا أحاله على مثله فلا بأس والدراهم نسبية والحلول كذلك. قال: [وإن ضمنه عنه ضامن لم يبرأ وصار الدين عليهما، ولصاحبه مطالبة من شاء منهما]. إذا ضمن شخص شخصاً في دينه فإن الضامن والمضمون كل منهما ذمته مشغولة حتى يؤدى الدين ولصاحب الدين مطالبة الضامن أو المضمون عليه. قال: [فإن استوفى من المضمون عنه أو أبرأه برئ ضامنه]. أي: إن استوفى صاحب الدين من المضمون عنه دينه أو أبرأه صاحب الدين وأسقط عنه الدين برئ الضامن. قال: [وإن برئ الضامن لم يبرأ الأصيل]. أي: إن برئ الضامن فيبقى الدين في ذمة المضمون عليه، فإذا برئ الضامن لا يبرأ المضمون بخلاف العكس، وهو إذا برئ المضمون برئ الضامن. قال: [وإن استوفى من الضامن رجع عليه]. أي: إذا استوفى حقه من الضامن يرجع الضامن إلى المضمون عنه، فيقول: أنا ضمنتك وسلمت الدين عنك أعطني حقي. قال: [ومن تكفل بإحضار من عليه دين فلم يحضره لزمه ما عليه]. إذا تكفل بإحضار من عليه دين فلم يحضره لزمه الدين الذي عليه، أما إذا تكفل بإحضار بدنه فقط، فتسمى كفالة حضورية، أي: كفالة إحضاره إلى الحاكم، ولم يتكفل بضمان ما عليه فإنه في هذه الحالة يلزم بإحضاره، أو يحبس حتى يحضره، أما إذا كان عليه مال وتكفل بإحضاره من أجل المال الذي عليه ولم يحضره فيطالب بالمال الذي عليه في ذمته. قال: [فإن مات برئ كفيله]. أي: فإن التزم الكفيل بأن يحضره حتى يسلم الحق الذي عليه ثم مات المكفول فقد برئ الكفيل.

كتاب البيوع [5]

شرح عمدة الفقه_كتاب البيوع [5] الرهن هو عقد من عقود التوثيق، فمن استدان ديناً فإن للدائن أن يوثق دينه برهن، ويكون هذا في الحضر والسفر على حد سواء، وكل ما جاز بيعه جاز رهنه، وما لا يجوز بيعه لا يجوز رهنه.

أحكام الرهن

أحكام الرهن

تعريف الرهن ودليل مشروعيته

تعريف الرهن ودليل مشروعيته قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب الرهن. وكل ما جاز بيعه جاز رهنه، وما لا فلا]. الرهن: توثقة دين بعينه، والرهن يكون في الحضر والسفر، وأما قوله تعالى: {وَإِنْ كُنتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة:283] فهذا في بيان الأغلب. وإذا كان زيد يطلب عمراً ألف ريال، ولكنه قال: أخشى ألا توفيني حقي وأريد منك رهناً، فارهني سيارتك، فيوثق دينه الذي في ذمة عمرو بهذه السيارة التي سلمها له. وكل ما جاز بيعه جاز رهنه، كالعقارات والأراضي وغيرها، أما الذي لا يجوز بيعه فلا يجوز رهنه مثل الطير في الهواء والجمل الشارد والعبد الآبق والحوت في البحر فلا بد للرهن أن يكون عيناً مقبوضة يمكن قبضها، ولهذا قال سبحانه: {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة:283]. قال: [ولا يلزم إلا بالقبض، وهو نقله إن كان منقولاً والتخلية فيما سواه]. لا يلزم الرهن إلا بالقبض، وهو نقله إن كان منقولاً، وإن لم يكن منقولاً فبالتخلية، فإذا رهن السيارة يسلمه المفتاح، أما إذا كان لا ينقل إلا بالتخلية كالأرض فيخلي بينه وبينها أو يعطيه الصك، وكذلك الدار يسلمه مفاتيحها، فما يقبل قبضه فبالنقل، وما لا يقبل قبضه فبالتخلية. أما قوله في الشرح: ولا يصح، وفي المتن: ولا يلزم فهما متقاربان؛ لأنه إذا لم يسلمه فلن يستطيع أن يوثق دينه إلا إذا قضاه. وأما بيع الدين بالدين فلا يصح لأنه لابد من قبضه، وهو منهي عنه بالإجماع، ولا يجوز إلا إذا قبض مفاتيح الدار أو الدراهم، أي: قبض العوض أو المعوض. وإذا سلمه العربون وهو أن يدفع له جزءاً من المال، ويقول له: إن سددت لك المال في وقت كذا وإلا فهو لك، فهذا جزء من الشرط، فإن سدد باقي المال وإلا فالعربون له. والصواب: أن بيع العربون يصح؛ لأنه مقابل تأخير السلعة وحبسها. والمقصود: أنه لابد من قبض أحد العوضين وأظن أن هذا البيع يوجد في الشركات، فيبيعون الدين بالدين وهو شيء لم يقبض. أي: صاحب الدين إذا أرسل وكيله ليقبض عنه فهو قبض له إذا كان أميناً. قال: [والرهن أمانة عند المرتهن أو أمينه لا يضمنه إلا أن يتعدى]. الرهن أمانة في يد المرتهن وهو صاحب الدين أو وكيله، فإن تلف الرهن بدون تعد ولا تفريط فلا شيء عليه، وإن تعدى وفرط ضمنه، فإذا أهمل الرهن كأن يكون دابة ولم يعلفها حتى ماتت يضمنها، أما إذا ماتت ولم يفرط في حفظها وعلفها فليس عليه شيء، والقاعدة: أن المؤتمن إذا لم يتعد ولم يفرط لا يضمن، وإذا تعدى وفرط ضمن.

ما ينتفع به من الرهن وما يضمن

ما ينتفع به من الرهن وما يضمن قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولا ينتفع المرتهن بشيء منه إلا ما كان مركوباً أو محلوباً، فللمرتهن أن يركب ويحلب بمقدار العلف]. أي: لا ينتفع المرتهن بشيء من الرهن إلا ما كان مركوباً فمثلاً: السيارة في مقابل البنزين، والعناية بها، وتغيير الزيت إذا احتاج، ويركب الدابة ويحلبها في مقابل العلف، فالمركوب يركب في مقابل النفقة عليه، والمحلوب في مقابل علفه، أما ما عدى ذلك فلا يستعمله كالدار فلا يؤجره، فإن أجره فالإجارة تكون للراهن؛ لأنها لا تحتاج إلى مقابل، لكن الدابة لابد من نفقة فهو ينفق عليها ويشرب حليبها، أو ينفق عليها ويركبها وفي الحديث: (لبن الدر يشرب بنفقته إذا كان محلوباً والظهر يركب إذا كان مركوباً). قال: [وللراهن غنمه من غلته وكسبه ونمائه، لكن يكون رهناً معه]. أي: للراهن غنمه من غلته وكسبه ونمائه، فأجرة الدار للراهن، وكذلك أيضاً النماء، فلو ولدت الدابة تكون للراهن، كذا لو سمنت؛ لأنها لو تلفت تكون عليه، فكذلك إذا حصل فيها نماء فإنها تكون له. وإذا ولدت الدابة يكون ولدها رهناً معها، والجميع للراهن. قال: [وعليه غرمه من مؤنته ومخزنه وكفنه إن مات]. أي: عليه غرمه ومؤنته يعني: حفظه وكذلك كفنه، كما لو كان عبداً ومات فإن كفنه على الراهن، وكما أنه له غنمه فعليه غرمه، وإذا احتاج إلى نفقة فإنها تكون عليه، إلا إذا كان يركب أو يحلب فينفق عليها بقدر الركوب أو الحليب، وما عدى ذلك يكون كل هذا على الراهن. قال: [وإن أتلفه أو أخرجه من الرهن بعتق أو استيلاد فعليه قيمته تكون رهناً مكانه]. أي: إذا أتلف الراهن الرهن، فإن كان عبداً ثم أعتقه أو أتلفه، يلزمه بأن يدفع رهناً مكانه توثقة لدين المرتهن. قال: [وإن جنى عليه غيره فهو الخصم فيه]. أي: وإن جنى الخصم على العبد المرهون أو على الدابة المرهونة، كأن اعتدى على الدابة بكسر عظم أو على العبد بكسر عضو من أعضائه، اتفق معه على أنه يدفع له مثلاً عشرة آلاف أو خمسة آلاف مقابل الجناية ويقبضها الراهن وتكون رهناً معه، فيكون العبد وما سلم له مقابل الجناية رهناً. قال: [وما قبض بسببه فهو رهن]. أي: يكون رهناً معه. قال: [وإن جنى الرهن فالمجني عليه أحق برقبته]. وهذه المسألة عكس الأولى وهي: وإن جنى العبد المرهون على شخص فقتله فالمجني عليه أحق أن يأخذه برقبته، فلو جنى العبد على حر فقطع يده ودية اليد نصف الدية، ولما قدرنا العبد صار يساوي نصف الدية فيسلم الرهن للمجني عليه، ويأخذ العبد والراهن يضع قيمته مكانه. أي: وإن جنى الرهن فالمجني عليه أحق برقبته، وقدم على حق المرتهن لأنه فداؤه؛ فهو قد اعتدى على نفس والفداء مقدم، فيقدم على المالك، فأولى أن يقدم على المرتهن ولسيده فداؤه. ولو جنى العبد وهو غير مرهون تؤخذ الجناية من رقبته، فإذا كان مرهوناً أخذ من باب أولى، فيؤخذ إذا كان في ملك المالك، فإذا كان توثقة للمرتهن فمن باب أولى؛ لأن التوثقة أقل من الملكية. قال: [فإن فداه فهو رهن بحاله، وإذا حل الدين فلم يوفه الراهن بيع ووفي الحق من ثمنه وباقيه للراهن]. أي: فإن فداه ودفع قيمته يبقى رهناً بحاله، وإن لم يفده فالظاهر أنه يجعل شيئاً قيمته مكانه فإن كان أرش الجناية أكثر من ثمنه فطلب المجني عليه تسليمه للبيع وأراد الراهن فداءه فله ذلك؛ لأن حق المجني عليه في قيمته لا في عينه، ولسيده الخيار بين أن يسلمه إلى ولي الجناية فيملكه، وبين أن يفديه بالأقل من قيمته أو أرش جنايته فلو قدرت الجناية بعشرة آلاف، وثمن العبد لا يساوي إلا ثمانية آلاف، فالمجنى عليه يأخذ العبد والباقي دين عليه، أما إذا كانت الجناية ثمانية آلاف وثمنه عشرة آلاف فإن الولي مخير بين أن يسلمه ثمانية آلاف ويبقى الرهن، أو يسلمه العبد فيبيعه ويأخذ حقه ويسلمه ألفين. قال في الشرح: فإن فداه فهو رهن بحاله؛ لأن حق المرتهن لم يبطل وإنما قدم حق المجني عليه بقوته، فإذا زال ظهر حق المرتهن، وإن سلمه بطل الرهن. وظاهره أنه لا يضع قيمته مكانه؛ لأنه ما تسبب، فإذا كان العبد هو المتسبب والمالك لا يعلم ذلك يسلم العبد ويبطل الرهن. وإذا أحل الدين فلم يوفه الراهن بيع ووفي الحق من ثمنه، أي: إذا حل الدين ولم يوفه الراهن الدين يباع الرهن من قبل الحاكم، فيقدم صاحب الدين شكوى للحاكم الشرعي أو القاضي فيباع الرهن ويستوفي حقه، فإن كان مماثلاً لحقه سلمه إياه، وإن كان ثمنه أكثر أخذ حقه والباقي يرده على الراهن، وإن كان أقل سلم له قيمته والباقي يبقى في ذمة الراهن. قال: [وإذا شرط الرهن أو الضمين في بيع فأبى الراهن أن يسلمه، وأبى الضمين أن يضمن، خُير البائع بين الفسخ أو إقامته بلا رهن ولا ضمين]. أي: إذا باع سلعة وشرط فيها رهناً أو كفيلاً، وامتنع الراهن أو الضمين لهذا الشرط، خير المشتري: فإن أحب أن يبقى بدون رهن أو ضمين، وإلا فسخ البيع. والمماطل يحبس حتى يسلم ما عليه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لي الواجد ظلم يحل عرضه وعقوبته)، فيقول صاحب الحق: ظلمني حقي، أما عقوبته: فإنه يحبس حتى يسلم. وإذا كان مماطلاً وله كفيل فيطالب الكفيل بإحضاره، فلو حضر المماطل أمر بأن يسلم وإلا يحبس مادام أنه مماطل. ومن التزم بإحضار من عليه دين فلم يحضره لزمه ما عليه؛ لأنه ضامن فيلزم أن يحضره وإلا سلم ما عليه. وإذا التزم بإحضاره وضمان ما عليه التزم بالأمرين. وما لا يجوز بيعه لا يجوز رهنه للضرورة.

أحكام تتعلق بالصلح

أحكام تتعلق بالصلح قال المؤلف رحمه الله: [باب الصلح. ومن أسقط بعض دينه أو وهب غريمه بعض العين التي في يده جاز ما لم يجعل وفاء الباقي شرطاً في الهبة والإبراء]. أي: ومن صالح على إسقاط بعض دينه فلا بأس، فلو كان له دين عند شخص قدره مائة ألف، وتأخر في وفاء الدين، فقال له صاحب الدين: أعطني ثمانين أو سبعين، فهذا لا بأس بشرط ألا يقول المدين: أنا لا أعطيك المائة إلا إذا أسقطت سبعين، فإذا اشترط عليه لا يصح. ومن صالح على إسقاط بعض دينه فلا بأس كأن يكون له دين عند شخص مقداره مائة ألف، وتأخر الآخر في وفاء الدين فقال: أعطني ثمانين وأسقط عنك عشرين، أو أعطني سبعين، فهذا لا بأس به، بشرط ألا يقول المدين: أنا لا أعطيك المائة إلا إذا أسقطت السبعين، فإذا اشترط عليه فلا يصح كما لو طالبته بالمائة فقال: لا أعطيك المائة إلا إذا أسقطت ثلاثين؛ لأنه قد جعله شرطاً، وإذا جعله شرطاً لا يصح إلا إذا أسقطه باختياره، نظراً لكون المدين فقيراً مثلاً، أو لأنه مماطل ولا يريد أن يشتكيه فإذا كان هذا الإسقاط من قبل الغريم لا من قبل المدين فلا بأس به، وأما إذا كان شرطاً فلا، وكذلك أيضاً إذا كان في يده عين كسيارة مثلاً أو غيرها وقال: أعطني هذه العين، فقال: لا أعطيك إياها إلا إذا أعطيتني ربعها، فهذا شرط، وليس له ذلك، أو مثلاً أخذ منه نوعاً من الطعام، كأن يكون له مائة كيلو من التمر فقال: لا أعطيك المائة حتى تعطيني بعضه، فلا يجوز؛ لأنه جعله شرطاً، ولا يصح إلا إذا أسقطه هو كأن يقول له: أعطني العين الذي في يدك ولك جزء منها، فلا بأس ما لم يجعله المدين شرطاً. قال المؤلف رحمه الله: [ومن أسقط بعض دينه أو وهب غريمه بعض العين التي في يده جاز، ما لم يجعل وفاء الباقي شرطاً في الهبة والإبراء، أو يمنعه حقه إلا بذلك]. فإذا جعله شرطاً أو منعه إلا بهذا فلا يصح. قال: [أو يمنعه حقه إلا بذلك، أو يضع بعض المؤجل ليعجل له الباقي]. فإذا كانا قد اتفقا على هذا فلا بأس ويسمى: ضع وتعجل فإذا كان له مائة ألف ديناً على شخص تحل في ذي الحجة ونحن في محرم، فقال له: أنا محتاج الآن، وديني لا يحل إلا في ذي الحجة، ولكن إن شئت تعجل الدين وأسقط عنك البعض فبدلاً من أن تسلم المائة الألف في ذي الحجة فعجلها لي الآن وأسقط عنك ثلاثين أو أربعين وأعطني ستين وضع وتعجل عكس الربا، وليس مثله. وقوله: (أو يضع بعض المؤجل ليعجل له الباقي). يعني: لو صالح عن المؤجل ببعضه حالاً مثل أن يصالح عن المائة المؤجلة بخمسين حالة لم يجز؛ لأنه ربا وهو بيع بعض ماله ببعض، ولأن بيع الحلول غير جائز. والمعروف أن هذا جائز وهو مسألة: ضع وتعجل وأنه ضد الربا. والجمهور على: أنه لا يجوز؛ لأنه بيع دراهم مؤجلة بدراهم معجلة أقل منها وقال بعض العلماء: إنه لا بأس بذلك؛ لأنه تنازل مقابل تنازل ولأن النبي صلى الله عليه وسلم حين أراد إجلاء بني النضير وعليهم ديون للناس قال لهم: (ضعوا وتعجلوا) فالصواب أنه ليس ربا بل هو عكس الربا.

شروط قضاء الذهب بالفضة والفضة بالذهب

شروط قضاء الذهب بالفضة والفضة بالذهب قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويجوز اقتضاء الذهب عن الورق والورق عن الذهب إذا أخذها بسعر يومها وتقابضا في المجلس]. أي: ولم يبق شيء فلا بأس فإذا كان إنسان مثلاً يطلب من شخص مائة جنيه من الذهب فلما حل الدين قال له: أعطيك عن المائة الجنيه ألف ريال مثلاً، فلا بأس، بشرطين: الأول: التقابض في المجلس، الثاني: ألا يتفرقا وبينهما شيء. ومثله بالعكس لو كان يطالبه بألف ريال فلما حل الدين قال له: أعطيك عنها مائة جنيه من الذهب، ومعلوم أن بيع الذهب بالفضة لا يجوز إلا يداً بيد، فلا بأس إذا تقابضا في المجلس، ولم يبق بينهما شيء؛ لما ثبت عن ابن عمر أنه كان يبيع الإبل في البقيع فيأخذ عن الدراهم الدنانير وعن الدنانير الدراهم، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال له: (لا بأس أن تأخذها بسعر يومها ما لم تفترقا وبينكما شيء). فمثلاً: إذا حل أجل المائة الجنية وكان ثمنها الآن ألف ريال فلا بأس أن يأخذها بها وأما إذا أخذها بسعر سابق أو بسعر لاحق كأن يكون قيمة الذهب الآن ألف ريال، ولكنه يقول: أنا يوم أسلفتك كان ثمنه ألفين، فأعطني ألفين، فهذا لا يصح، وهو ربا. فلا بد أن يكون الثمن بسعرها في الوقت الحاضر، وبشرط ألا يبقى شيء منها فإذا قال: أنا أعطيك الآن خمسمائة عن خمسين ويبقى في الذمة خمسين فلا يصح هذا، بل لا بد أن يتقابضا في المجلس ويتفرقا ولا يبقى بينهما شيء، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا بأس أن تأخذها بسعر يومها ما لم تفترقا وبينكما شيء). وكل منهما مستفيد، فهذا يستفيد إسقاط جزء من الدين، والغريم يستفيد أن يعجل ماله ليستفيد منه ويقضي حاجته.

الحكم إذا جهل الدين من الطرفين أو من أحدهما

الحكم إذا جهل الدين من الطرفين أو من أحدهما قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ومن كان له دين على غيره لا يعلمه المدعى عليه فصالحه على شيء جاز]. وذلك كأن يكون لشخص على آخر دراهم ونسياها معاً ولا يدرون هل هي ألف ريال أو ألفان أو خمسة آلاف، وطالت المدة وليس عندهما بينة، فقال له الغريم: أعطني الآن ثمانمائة وأحللنني وأحللك وسامحني وأسامحك، فلا بأس بذلك فإن كان المدعى عليه يعلم فكتم فقد وقع في الحرام ويجب عليه أن يبين. ولكن إن نسي كل منهما ثم تصالحا على شيء معلوم فلا بأس أما إذا كان أحدهما يعلم فلا يجوز له أن يكتم. قال: [ومن كان له دين على غيره لا يعلمه المدعى عليه فصالحه على شيء جاز، وإن كان أحدهما يعلم كذب نفسه فالصلح في حقه باطل]. فمثلاً إذا كان المدعى عليه يدري أنها ألفان وصالح على ألف فهو حرام عليه. قال: [ومن كان له حق على رجل لا يعلمان قدره فاصطلحا عليه جاز]. وهذا كما سبق، فمن له حق غير محدد -نقوداً أو غيرها- فاصطلحا على شيء وتحالا فلا بأس.

أحكام الوكالة

أحكام الوكالة قال المؤلف رحمه الله: [باب الوكالة وهي جائزة في كل ما تجوز النيابة فيه، إذا كان الموكل والوكيل ممن يصح ذلك منه]. فتجوز إذا كان كل منهما رشيداً عاقلاً بالغاً، (في كل ما تجوز النيابة فيه) كأن يوكل في النفقة على أولاده، أو يوكل في إصلاح سيارته، أو يوكل في قضاء دينه، أو يوكل في بيع شيء من ماله فلا بأس، بشرط أن يكون كل من الموكل والوكيل بالغاً عاقلاً رشيداً. قال: [وهي عقد جائز تبطل بموت كل واحد منهما وفسخه لها]. يعني: أن عقد الوكالة ليس بلازم ولكل واحد منهما فسخه، فمثلاً: لو وكل إنسان إنساناً في بيع سيارته فلما أراد بيعها قال: أنا فسخت الوكالة، فلا تبع السيارة، أو قال الوكيل: أنا لا أقبل الوكالة فهذا فسخ؛ لأنها عقد جائز، وليس لازماً مثل عقد الإجارة وعقد البيع فإن الأصل فيه: أنه عقد لازم، فلو أنه اشترى سيارة ثم قال: إنها غير مناسبة ولا يرغب فيها ويريد ردها قيل له: إن هذا عقد لازم وقد تم البيع، إلا إذا أقله البائع. (من أقال مسلماً أقال الله عثرته يوم القيامة). ولو استأجر منزلاً لمدة سنة ثم خرج بعد خمسة أشهر فجاء آخر يستأجر منه باقي المدة فله أن يؤجرها بمثل أجرها أو أكثر أو أقل، فهو حر في تصرفه، ويسكنها بنفسه أو بغيره، بشرط أن يكون استعماله لها مثل استعمال الأول.

متى تنفسخ الوكالة

متى تنفسخ الوكالة قال المؤلف رحمه الله: [وهي عقد جائز تبطل بموت كل واحد منهما وفسخه لها وجنونه والحجر عليه لسفه]. وكذلك الغيبوبة قد يقال: إنها تنفسخ بها؛ لأن الغيبوبة مثل الجنون وليس ببعيد أن يكون حكمها حكم الجنون ولهذا تسقط عنه الصلاة بالغيبوبة، فالأقرب أنها إذا طالت تنفسخ بها الوكالة. قال: [وكذلك في كل عقد جائز كالشركة والمساقاة والمزارعة والجعالة والمسابقة]. أي: أن كل هذه العقود تسقط بالموت والفسخ والحجر عليه؛ لأنها عقود جائزة. ولو باع الوكيل أو اشترى فإن البيع لازم، ويقوم الوكيل مقام الموكل في هذه الحالة.

ما يحق للوكيل التصرف فيه

ما يحق للوكيل التصرف فيه قال المؤلف رحمه الله: [وليس للوكيل أن يفعل إلا ما تناوله الإذن لفظاً أو عرفاً]. فمثلاً إذا وكله في بيع سلعة فلا يبيعها على نفسه، ولا على أحد من أقربائه إلا إذا أذن له الموكل، وليس له أن يأخذها قرضاً لنفسه. وبعض الناس يتساهل إذا وضعت عنده أمانة فيصرفها أو يقترضها، وكل هذا تصرف لا وجه له. فليس للإنسان أن يبيع على نفسه ولا أن يقترض سلعة ولا يقسم شيئاً من الدراهم إلا بإذن الموكل. قال: [وليس له توكيل غيره ولا الشراء من نفسه ولا البيع]. أي: وليس للوكيل توكيل غيره إلا بإذن الموكل، ولا الشراء لنفسه أو بيعه لقريبه؛ لأنه متهم.

حكم بيع الفضولي دون إذن موكله

حكم بيع الفضولي دون إذن موكله قال المؤلف رحمه الله: [ولا الشراء من نفسه ولا البيع لها إلا بإذن موكله وإن اشترى لإنسان ما لم يأذن له فيه فأجازه جاز]. وهذه مسألة تصرف الفضولي فلو أن إنساناً مثلاً اشترى سيارة لشخص آخر لم يوكله بالشراء، فلما أخبره أنه اشتراها له، قال الآخر: جزاك الله خيراً. صح الشراء، فإن لم يجز الشراء لزمت المشتري. قال: [وإن اشترى لإنسان ما لم يأذن له فيه فأجازه جاز وإلا لزم من اشتراه].

حالات ضمان الوكيل

حالات ضمان الوكيل قال المؤلف رحمه الله: [والوكيل أمين لا ضمان عليه فيما يتلف إذا لم يتعد]. فإذا وُكل مثلاً في سيارة ثم حفظها في البيت فهو أمين غير مفرط، فإذا حدث لها شيء أو سرقت منه فإنه لا يضمنها؛ لأنه غير متعد وغير مفرط، ولكن إذا ضيعها أو جعلها في مكان معروف بأنه فيه لصوص فقد فرط ويضمنها. فالوكيل أمين إذا لم يتعد ولم يفرط، فإن تعدى وفرط ضمن.

الحكم فيما إذا اختلف الوكيل والموكل

الحكم فيما إذا اختلف الوكيل والموكل قال المؤلف رحمه الله: [وإن اشترى لإنسان ما لم يأذن له فيه فأجازه جاز وإلا لزم من اشتراه، والوكيل أمين لا ضمان عليه فيما يتلف إذا لم يتعد والقول قوله في الرد والتلف ونفي التعدي]. أي: أن القول قول الوكيل في الرد. فإذا اختلف الوكيل والموكل في شيء فقال الوكيل: إنه رده، وقال الموكل: لم يرده فالقول قول الوكيل. وكذلك في التلف، فإذا قال الوكيل: إنه تلف ولم يفرط فيه، وقال الموكل: إنه فرط فالقول قول الوكيل في الرد والتلف وكذلك إذا قال الوكيل: إنه لم يتعد، وقال الموكل: إنه تعدى فالقول قول الوكيل؛ لأنه أمين، والقاعدة: أن الأمين مؤتمن ويقبل قوله في الرد والتلف ونفي التعدي.

حكم شراء الوكيل من نفسه أو البيع لها

حكم شراء الوكيل من نفسه أو البيع لها قال الشارح: [مسألة: وليس للوكيل الشراء من نفسه والبيع لها إلا بإذن؛ لأن العرف في العقد أن يعقده مع غيره فحمل التوكيل عليه، ولأنه يلحقه تهمة ويتنافى الغرضان فلم يجز كما لو نهاه عنه، وعنه يجوز؛ لأنه امتثل أمره وحصل غرضه فصح كما لو كان من أجنبي، وإنما يصح بشرط أن يزيد على مبلغ ثمنه في النداء أو يوكل من يبيع ويكون هو أحد المشترين لتنتفي التهمة]. يعني: على هذه الرواية أنه إذا انتفت التهمة بأن وقف السوم وزاد عليه، أو وكل إنساناً يبيعها واشتراها بما وقفت عنده فيجوز والمذهب هو الأقرب وهو الصواب: أنه ليس له ذلك وليس له أن يبيع أو يشتري لنفسه، حتى يبعد التهمة عن نفسه. قال الشارح: [قال القاضي: ويحتمل ألا يشترط ذلك؛ لأنه قد امتثل أمره فأما إذا أذن له في ذلك فقد عمل بمقتضى التوكيل]. وهذا لا إشكال فيه وإنما الكلام إذا لم يأذن فالأقرب المنع.

حكم من قضى الدين بغير بينة إذا أنكر الغريم

حكم من قضى الدين بغير بينة إذا أنكر الغريم قال المؤلف رحمه الله: [وإذا قضى الدين بغير بينة ضمن إلا أن يقضيه بحضرة الموكل]. أي: أنه إذا قضى الدين بغير بينة ثم أنكر الغريم، وقال: لم تقض فإنه يضمن؛ لأنه مفرط فلابد أن يشهد، إلا إذا كان في حضور الموكل فهو لازم يقضى به على الموكل، فمادام أن الوكيل قضاه في حضرة موكله فإن أنكر الغريم بعد ذلك فليس على الوكيل شيء في هذه الحالة.

الأسئلة

الأسئلة قال المؤلف رحمه الله: [باب الوكالة وهي جائزة في كل ما تجوز النيابة فيه، إذا كان الموكل والوكيل ممن يصح ذلك منه]. فتجوز إذا كان كل منهما رشيداً عاقلاً بالغاً، (في كل ما تجوز النيابة فيه) كأن يوكل في النفقة على أولاده، أو يوكل في إصلاح سيارته، أو يوكل في قضاء دينه، أو يوكل في بيع شيء من ماله فلا بأس، بشرط أن يكون كل من الموكل والوكيل بالغاً عاقلاً رشيداً. قال: [وهي عقد جائز تبطل بموت كل واحد منهما وفسخه لها]. يعني: أن عقد الوكالة ليس بلازم ولكل واحد منهما فسخه، فمثلاً: لو وكل إنسان إنساناً في بيع سيارته فلما أراد بيعها قال: أنا فسخت الوكالة، فلا تبع السيارة، أو قال الوكيل: أنا لا أقبل الوكالة فهذا فسخ؛ لأنها عقد جائز، وليس لازماً مثل عقد الإجارة وعقد البيع فإن الأصل فيه: أنه عقد لازم، فلو أنه اشترى سيارة ثم قال: إنها غير مناسبة ولا يرغب فيها ويريد ردها قيل له: إن هذا عقد لازم وقد تم البيع، إلا إذا أقله البائع. (من أقال مسلماً أقال الله عثرته يوم القيامة). ولو استأجر منزلاً لمدة سنة ثم خرج بعد خمسة أشهر فجاء آخر يستأجر منه باقي المدة فله أن يؤجرها بمثل أجرها أو أكثر أو أقل، فهو حر في تصرفه، ويسكنها بنفسه أو بغيره، بشرط أن يكون استعماله لها مثل استعمال الأول.

حكم أخذ الوكيل أجرة على وكالته

حكم أخذ الوكيل أجرة على وكالته Q ما حكم أخذ الوكيل الأجرة على وكالته؟ A تجوز الوكالة بأجرة وبغير أجرة.

حكم الوكالة في النكاح والطلاق

حكم الوكالة في النكاح والطلاق Q ما حكم الوكالة في النكاح أو الطلاق؟ A يجوز التوكيل في الزواج، فيأتي الوكيل فيقول الأب لوكيل الزوج: زوجت بنتي موكلك فلان، فيقول الأخير: قبلت هذا الزواج لموكلي فلان، وكذلك في الطلاق إذا وكل أن يطلق وقال: طلقت زوجة فلان.

حكم توكيل الإمام لغيره في الصلاة

حكم توكيل الإمام لغيره في الصلاة Q ما حكم توكيل الإمام غيره في الصلاة؟ A الإمام الأصل أنه لا يوكل، ولكن لو رأى أن هناك أولى منه بالإمامة ثم أناب فأرجو ألا يكون حرج.

كتاب البيوع [6]

شرح عمدة الفقه_كتاب البيوع [6] الشركة هي عقد بين شخصين ولها صور عدة، فمنها شركة العنان والتي يشتركان فيها ببدنيهما وما ليهما، وشركة الوجوه والتي يشتركان فيها بالذمة، وشركة المضاربة والتي يشترك فيها أحدهما بماله والآخر بعمله، وشركة الأبدان والتي يشتركان فيها ببدنيهما، وشركة المفاوضة والتي يفوض فيها أحدهما الآخر في المال والبدن والذمة وكل شيء.

ما جاء في الشركة

ما جاء في الشركة قال المؤلف رحمه الله: [باب الشركة. وهي على أربعة أضرب: شركة العنان، وهي: أن يشتركا بماليهما وبدنيهما، وشركة الوجوه: وهي أن يشتركا فيما يشتريان بجاهيهما، والمضاربة، وهي: أن يدفع أحدهما إلى الآخر مالاً يتجر فيه، ويشتركان في ربحه، وشركة الأبدان وهي: أن يشتركا فيما يكسبان لأبدانهما من المباح، إما بصناعة أو احتشاش أو اصطياد ونحوه؛ لما روي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: اشتركت أنا وسعد وعمار يوم بدر فجاء سعد بأسيرين ولم آت أنا وعمار]. الشركة دل عليها الكتاب والسنة قال الله تعالى: {وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [ص:24] أي: الشركاء. وفي الحديث القدسي كما يقول الله تعالى: (أنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما الآخر، فإذا خانه خرجت من بينهما)، أو كما جاء. فالشركة جائزة وهي كما ذكر المؤلف رحمه الله أربعة أنواع: شركة العنان, وشركة الوجوه, وشركة المضاربة, وشركة الأبدان وهناك نوع خامس وهو: شركة المفاوضة.

شركة العنان

شركة العنان النوع الأول: شركة العنان هي: أن يشتركا بماليهما وبدنيهما فيكون من كل واحد منهما المال والعمل كأن يضع أحدهما مثلاً خمسة آلاف والآخر مثله، وكل منهما يشتغل بماله ومال صاحبه، فأما اشتغاله بماله فمن أجل ملكه له، ويشتغل كذلك بمال صاحبه بالوكالة عنه. يعني: أن كلاً منهما قد وكل صاحبه، فمثلاً: هذا يشتري سيارات وهذا يشتري عقارات ويشغلها، وقد يربحون أو يخسرون، وقد يربح أحدهما ويخسر الآخر، فإن خسرا جبرت الخسارة من رأس المال، وإن ربحا كان الربح بينهما على حسب الشرط. ولابد أن يكون المال من النقدين أو أحدهما ولا يكون عروضاً. ولابد أن يكون الربح جزءاً مشاعاً فإن كان الربح مجهولاً أو اشترطا لكل واحد منهما دراهم معينة، أو شرط أحدهما أن ربح هذه السيارة لي دون ربح القمار فلا يصح، بل لابد أن يكون الربح جزءاً مشاعاً، يعني: أن لكل واحد منهما نصف الربح، أو لأحدهما الثلث وللآخر الثلثان، فيتقاسمان الربح حسب الاتفاق.

شركة الوجوه

شركة الوجوه النوع الثاني: شركة الوجوه، وهي أن يشتركا فيما يشتريانه بالذمة وليس بينهما مال، وإنما هو في الذمة مثل أن يشتري أحدهما سيارات ديناً والآخر يشتري عقاراً ديناً، والربح بينهما نصفان، أو ثلاثة أرباع، ثم يبيع كل منهما ويسدد ما عليه وهكذا. فإذا مضى مدة تقاسما الربح بينهما وقد سميت هذه الشركة شركة الوجوه؛ لأن كلاً منهما يشتري بوجهه وبذمته؛ لأنه ليس عندهما مالاً.

شركة المضاربة

شركة المضاربة النوع الثالث: شركة المضاربة، وهي: أن يكون من أحدهما المال والآخر منه العمل قال تعالى: {وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} [المزمل:20] فدل القرآن على شركة المضاربة، وأن أحدهما منه المال والآخر منه العمل، مثل: أن يدفع شخص عشرة آلاف لآخر يشتغل بها، فإن خسر فالخسارة تكون على صاحب المال، وإن لم يبق إلا رأس المال فليس له شيء، وإن ربح كان الربح على حسب الشرط الذي بينهما، فمثلاً: إذا قال أحدهما للآخر: أعطيك مائة ألف تشتري بها سيارات أو أرضاً أو عقارات ويكون لك الربع من الربح ولي ثلاثة أرباع، فإذا مضت سنة أو سنتان اقتسما الربح على حسب الشرط الذي بينهما، فإن خسر كانت الخسارة على صاحب المال وليس على العامل شيء فإن لم يوجد إلا رأس المال فليس للعامل منه شيء.

شركة الأبدان

شركة الأبدان النوع الرابع: شركة الأبدان، وهي: أن يشتغل كل واحد منهما ببدنه. مثل: أن يشتغل أحدهما بالنجارة والآخر بالحدادة ويتقاسمان الربح بينهما على حسب الاتفاق أو مثلاً: يشتغل أحدهما في الاحتشاش والآخر في الاحتطاب وقد جاء أنه اشترك عبد الله بن مسعود وسعد وعمار في غزوة بدر فجاء سعد بأسيرين ولم يجئ عبد الله وعمار بشيء فاشتركوا في ربح الأسيرين. فإذا اشتركا في الصناعة أو التجارة أو الاحتطاب أو الصيد فما ربحاه كان بينهما على حسب الشرط، ولابد أن يكون الربح جزءاً مشاعاً، سواء كان ربعاً أو نصفاً أو ثلثاً على حسب الاتفاق بينهما.

شركة المفاوضة

شركة المفاوضة النوع الخامس: وشركة المفاوضة، شركة المفاوضة هذه عامة تشمل المال والبدن والذمة وكل شيء، وهي: أن يفوض كل منهما صاحبه في كل شيء، كأن يضعان مالاً ويشتغلان ببدنهما، ويشتريان في ذمتهما، فإذا رأى أحدهما مثلاً بيعة مناسبة اشتراها بالمال الذي عنده، وإذا رأى أيضاً كسباً بالبدن كسبه ببدنه، وإن رأى شيئاً يُشترى في الذمة اشتراه في الذمة أيضاً، وهكذا: ويكون الربح بينهما على حسب ما اتفقا عليه. قوله: (باب الشركة: وهي على أربعة أضرب: شركة العنان، وهي: أن يشتركا بماليهما وبدنيهما). أي: أن يضع كل واحد ماله وبدنه ويشتغلان معاً ويتصرف كل منهما بالمال، أما تصرفه بماله فلأنه ملكه، وأما تصرفه بمال شريكه فلأنه فوضه ووكله. (وشركة الوجوه، وهي: أن يشتركا فيما يشتريان بجاهيهما). أي: أن كل واحد منهما يشتري في الذمة، ولا يوجد فيها مال ولا بدن، وما حصل من الربح كان بينهما على حسب الشرط. قوله: (والمضاربة، وهي: أن يدفع أحدهما إلى الآخر مالاً يتجر فيه، ويشتركان في ربحه). وهي مثل القراض فأحدهما منه المال والآخر منه العمل، ويكون الربح بينهما على حسب الشرط، فإن خسر فليس على العامل شيء، وإن بقي رأس المال فليس له شيء، وإن ربح كان الربح بينهما على حسب الشرط. قوله: (وشركة الأبدان، وهي: أن يشتركا فيما يكسبان بأبدانهما من المباح إما بصناعة أو احتشاش أو اصطياد ونحوه). وهذه ليس فيها إلا العمل بالبدن، وليس فيها مال، وإنما كل منهما يشتغل ببدنه، كأن يشتغل أحدهما في السيارات والآخر نجاراً، أو كأن يكون أحدهما مصلحاً للساعات والآخر بناءً أو دهاناً أو سباكاً، وما ربحاه جمعاه واقتسماه بينهما. قوله: (وشركة الأبدان، وهي: أن يشتركا فيما يكسبان بأبدانهما من المباح إما بصناعة أو احتشاش أو اصطياد ونحوه؛ لما روي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: اشتركت أنا وسعد وعمار يوم بدر فجاء سعد بأسيرين ولم آت أنا وعمار بشيء). والمعنى: أن النبي صلى الله عليه وسلم أقره على ذلك. وهذا الحديث أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجة عن عبد الله بن مسعود وفيه علة قال ابن حجر: أبو عبيدة لم يسمع من أبيه. وقد كان من قتل قتيلاً أو أتى بأسير فله سلبه، وهذا من باب التشجيع، وهو من غير الغنائم؛ لأنه في الغنائم يشارك الغانمين، وأما هذا فهو شيء خاص.

كيفية تحمل الخسارة في الشركة

كيفية تحمل الخسارة في الشركة قال المؤلف رحمه الله: [والربح في جميع ذلك على ما شرطاه، والوضيعة على قدر المال]. والوضيعة: الخسارة فإذا خسرا مثلاً في شركة العنان فتكون الخسارة على قدر المال، فإذا دفع أحدهما مثلاً خمسة آلاف ودفع الآخر عشرة آلاف ثم خسرا فتكون الخسارة على صاحب العشرة آلالاف أكثر وهكذا. وفي المضاربة تكون الخسارة على رب المال؛ لأن أحدهما منه العمل والآخر منه المال، وليس فيها مال من الطرفين. فإذا كان فيها مال من الطرفين فهي شركة العنان فإذا دفع أحدهما مثلاً ستين ودفع الآخر أربعين ثم خسراً مائة كانت الخسارة على صاحب الستين ستين فقط وعلى صاحب الأربعين أربعين، وهكذا بالنسبة، فإذا دفع أحدهما ستمائة ألف ودفع الآخر أربعمائة ألف ثم خسرا ألفاً كانت الخسارة على الذي دفع الستمائة ألف ستمائة، وعلى الذي دفع الأربعمائة ألف أربعمائة وهكذا. وإذا فسخ أحدهما العقد بطلت الشركة مثل عقد المساقاة والمزارعة، فهي عقد جائز، متى ما فسخها أحدهما فسخت وبطلت، وكذلك تبطل الشركة بموت أحد الشريكين أو بالحجر عليه.

حكم اشتراط أحد الشريكين شرطا زائدا على نسبة الربح أو تصرفه في الشركة دون إذن الآخر

حكم اشتراط أحد الشريكين شرطاً زائداً على نسبة الربح أو تصرفه في الشركة دون إذن الآخر قال المؤلف رحمه الله: [ولا يجوز أن يجعل لأحدهما دراهم معينة]. لأن فيها غرراً فلا يقول أحدهما مثلاً: أنا أشترك معك على أن لي من الربح عشرة آلاف؛ لأنهما قد لا يكسبان عشرة آلاف وقد يكسبانها هي فقط، فيأخذها صاحب الشرط، ويبقى الآخر ليس له شيء، فلا يجوز التحديد في الشركة، وإنما يجوز فيها النسبة. قال: [ولا يجوز أن يجعل لأحدهما دراهم معينة ولا ربح بشيء معين والحكم في المساقاة والمزارعة كذلك]. والمساقاة على الشجر، والمزارعة على الأرض، والمساقاة هي: أن يدفع شخص شجر النخيل لشخص آخر يشتغل فيها بالعمل أو السقي، وتكون الثمرة على حسب ما يخرج منها. والمزارعة هي: أن يعطيه الأرض ليزرعها وسواء كان البذر من العامل أو من رب المال وما خرج يكون بينهما بجزء مشاع من الربح، والأصل في هذا: (أن النبي صلى الله علية وسلم عامل أهل خيبر لما فتحها بشرط ما يخرج منها من ثمر أو زرع، فدفع النبي صلى الله علية وسلم لهم الأرض والشجر يعملون فيها بالنصف) أي: لهم نصف الثمار ولليهود النصف، وذلك لأن الصحابة كانوا مشغولين بالجهاد ولا يستطيعون العمل في النخيل، فلهذا أبقى اليهود وعاملهم عليها. قال: [والحكم في المساقاة والمزارعة كذلك وتجبر الوضيعة من الربح]. أي: تجبر الخسارة من الربح، فيكمل رأس المال من الربح حتى ولو لم يبق منه شيء. قال: [وليس لأحدهما البيع بنسيئة ولا أخذ شيء من الربح إلا بإذن الآخر]. أي: ليس له أن يبيع بشيء مؤجل إلا إذا أذن له صاحبه، ولا يأخذ شيئاً من الربح إلا إذا أذن له.

ما جاء في المساقاة والمرابحة

ما جاء في المساقاة والمرابحة قال: [باب المساقاة والمزارعة. يجوز المساقاة في كل شجر له ثمر بجزء من ثمره مشاع معلوم. والمزارعة في الأرض بجزء من زرعها]. وتكون المساقاة على الشجر، والمزارعة على الأرض، والمساقاة هي: أن يدفع ما عنده من أشجار النخيل أو أشجار العنب أو البرتقال أو التفاح إلى شخص آخر يشتغل فيها بالسقي والحراسة وغيرها، والربح بينهما, فإذا خرج التمر أو العنب أو التفاح أو البرتقال باعه والربح بينهما على النصف أو على الربع, والمزارعة هي: أن يدفع أحدهما أرضه لشخص يسقيها ويحرسها ويبذرها ويزرعها وما تحصل من الحبوب يكون بينهما بالنصف أو بالربع أو بالثلث على حسب الاتفاق, سواء كان البذر من رب الأرض أو من العامل. قال: [تجوز المساقاة في كل شجر له ثمر بجزء من ثمره مشاع معلوم والمزارعة في الأرض بجزء من زرعها، سواء كان البذر منهما أو من أحدهما؛ لقول ابن عمر رضي الله عنهما: (عامل رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل خيبر بشطر ما يخرج منها من زرع وثمر)]. والشطر يعني: النصف، وجاء في بعض الروايات: (أنه لما فتحت خيبر قال اليهود: أنتم مشغولون لو تركتموها في أيدينا نعمل لكم فتركهم النبي يعملون، وساقاهم على الشجر وعلى الأرض جميعاً وزارعهم على الأرض). قال المؤلف رحمه الله: [وفي لفظ: (على أن يعمروهما من أموالهم) وعلى العامل ما جرت العادة بعمله]. وعلى العامل أن يعمل ما جرت العادة بعمله وكان معروفاً أن على العامل عمله، مثل: أن يحرث ويسقي ويبذر ويأتي بالبذر من عنده، وعليه أن يسمدها، ويقوم بما جرت العادة به، فيأتي بالسماد وبغيره في كل وقت. قال: [وعلى العامل ما جرت العادة بعمله ولو دفع إلى رجل دابة يعمل عليها وما حصل بينهما جاز على قياس ذلك]. فلو أعطاه الفرس أو الحمار أو البعير وقال له: اشتغل عليه وما حصل بيننا نصفين فلا بأس، أو قال له: جر عليه عربة واحمل البضائع للناس وما ربحت يكون على النصف أو الربع فلا بأس.

حكم تأجير السيارات على أن يدفع السائق لصاحبها كل يوم مبلغا معينا

حكم تأجير السيارات على أن يدفع السائق لصاحبها كل يوم مبلغاً معيناً ومثله الآن تأجير السيارة على النصف أو الربع أو الثلث وأما ما يفعله بعض الناس الآن من كونه يعطيه سيارته ويقول له: كل يوم تعطيني أربعة آلاف أو خمسة آلاف فهذا غرر وفيه مخاطرة، فقد لا يربح المستأجر هذا المبلغ، ولذلك تجد السائقين يتهورون ويسرعون ويخاطرون من أجل أن يحصل على ما يسدد به لصاحب السيارة وعلى ربحه، فتجده يسهر ويتعب، فالتحديد غرر ولا يصح وهو غلط؛ لأنه قد لا يحصل شيئاً في بعض الأيام. وهذا غرر وظلم وطريقة الخروج منه أن يشتغل بالسيارة بأحد أمرين: إما بالراتب، فيعطيه راتباً شهرياً ويكون الباقي لصاحب السيارة وإما أن يعطيه نسبة مما يكسب، فيعطيه الربع أو الخمس أو السدس أو عشرة في المائة أو عشرين في المائة أو خمسة وعشرين في المائة أو ثلاثين في المائة، والباقي لصاحب السيارة، فهذا لا بأس به فأما أن يفرض عليه أن يأتيه كل يوم بمبلغ معين فهذا غرر وظلم ويترتب عليه مشاكل متعددة كما هو الواقع، ولكن بعض الناس لا يبالي والعياذ بالله. وقد يقال: إنه إذا أجر له السيارة مثل إيجار البيت يشتغل عليها فلا بأس بهذا الإيجار، فيكون مثلاً شهرياً أو يومياً والدليل على هذا ما أخرجه البخاري أن الزبير كان له كذا وكذا من العبيد وكان يطلب من كل أحد منهم كل يوم ديناراً وقد كان هؤلاء العبيد أصحاب صناعات ومهن، وكان منهم أبو لؤلؤة المجوسي الذي قتل عمر رضي الله عنه فجاء إلى عمر يشتكي المغيرة ويقول: إنه يطلب مني كل يوم درهمين أو كذا، فسأله عمر عن الصناعة التي في يده وقال له: أنت تصنع كذا وكذا وكذا والدرهمان ليست كثيرة عليك فحنق عليه وتوعده. وإذا أعطى شخصاً -مثلاً- خمسين وقال: إن كسبت هذه التجارة فلي ثلاثين في المائة وإن لم تكسب تكون سلفة عليك فلا يصح هذا؛ لأنه عقدين في عقد، وهذا عقد غرر، وإذا أراد أن يعطيه سلفة فليعطه من غير أن يشترط عليه جزءاً من الربح. والفرق بين أن يعطيه السيارة على أن يعطيه كل يوم مبلغاً معيناً وبين الإجارة: أن شرطه هذا ليس عن رضا العامل، وإنما هو مجبر على القبول وإلا فُصل. ولو كان راضياً فهو أيضاً مضطر إلى هذا العمل.

ما جاء في الجعالة

ما جاء في الجعالة قال المؤلف رحمه الله: [باب الجعالة. وهي أن يقول: من رد لقطتي أو ضالتي أو بنى لي هذا الحائط فله كذا، فمن فعل ذلك استحق الجعل]. والجعل هو: شيء يخرجه الإنسان يتبرع به لمن عمل عملاً, مثل: من يضيع عليه شيء فيقول: من رد لقطتي فله كذا وكذا، فإذا أتى بها إنسان فيستحق الجعل أو يقول: ضاع مني بعير فمن يأتي به فله كذا فإن أتى به إنسان استحق الجعل. أو يقول: من بنى لي هذا الجدار أو هذا البيت فله كذا وكذا فجاء إنسان وبناه فله الجعل؛ لقول الله تعالى: {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} [يوسف:72] في قصة إخوة يوسف قال تعالى: {فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ * قَالُوا وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ مَاذَا تَفْقِدُونَ * قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} [يوسف:70 - 72] يعني: كفيل. قال المؤلف رحمه الله: [وهو أن يقول: من رد لقطتي أو ضالتي أو بنى لي هذا الحائط فله كذا، فمن فعل ذلك استحق الجعل؛ لما روى أبو سعيد: (أن قوماً لدغ رجل منهم فأتوا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: هل فيكم من راق؟ فقالوا: لا، حتى تجعلوا لنا شيئاً، فجعلوا لهم قطيعاً من الغنم، فجعل رجل منهم يقرأ بفاتحة الكتاب ويرقي ويتفل حتى برأ فأخذوا الغنم وسألوا عن ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: وما يدريك أنها رقية؟ خذوا واضربوا لي معكم بسهم)]. وهذا دليل أيضاً من السنة على جواز الجعالة، فالدليل الأول قوله تعالى: {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ} [يوسف:72]. والدليل الثاني: حديث أبي سعيد وهو في الصحيحين في قصة اللديغ وذلك أن قوماً من الصحابة استضافوا حياً من العرب فلم يضيفوهم ولم يقروهم، فلما ذهبوا عنهم لدغ سيدهم فجعلوا ينادونهم ويقولون: إن سيدنا لدغ وإنا فعلنا الأسباب ولم يستفد منها، فهل فيكم من راق؟ أو هل عندكم أحد يرقي؟ فقالوا: نعم، ولكن لا نعطيكم إلا بجعل؛ لأنكم لم تقرونا، فاجعلوا لنا جعلاً فاتفقوا معهم على قطيع من الغنم فجاء أحدهم وأخذ بيده أو برجله وجعل يقرأ الفاتحة ويتفل ويقرأ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة:2] فجعل السم يسيل ويخرج. وقد كان الصحابة يظنون أنه ليس قارئاً، فقالوا: يا فلان! ما نعلم وما نعرفك قارئاً. قال: والله ما رقيت إلا بأم الكتاب. فساقوا القطيع من الغنم، ثم تحرجوا وقالوا: كيف نأخذها ولم نسأل النبي صلى الله عليه وسلم؟ فلما سألوا النبي صلى الله عليه وسلم قال: (وما يدريك أنها رقية، خذوها واضربوا لي معكم بسهم) من باب تطييب نفوسهم. وكأنه: يقول: أنا شريك لكم فاجعلوا لي سهماً منها؛ حتى يطيب نفوسهم ويطمأنوا أنها لا شبهة فيها. ولمن يرقي بالفاتحة أن يقرأ دون تحديد فيكررها مرتين وثلاثاً. والحديث فيه دليل على: أنه لا بأس بأخذ الأجرة على الرقية، ولكن لا يستغل الناس, مثل بعض الناس الآن الذين يستغلون حاجة الفقير؛ لأنهم قد لا يتمكنون مثلاً من الكسب وكذلك أخذ الأجرة على تعليم القرآن لا بأس بها. ويجوز أن يقرأ معها آية الكرسي والمعوذتين وقل هو الله أحد ويأتي بالتعوذات المسنونة، مثل: (اللهم رب الناس مذهب البأس).

الفرق بين الجعالة والأجرة

الفرق بين الجعالة والأجرة والفرق بين الجعالة والأجرة: أن الفاعل في الجعالة غير محدد، بخلاف الأجرة فإنها اتفاق مع شخص على أن يعمل عملاً معيناً بأجرة معينة، وأما الجعالة فيكون العامل غير معين. قال المؤلف رحمه الله: [ولو التقط اللقطة قبل أن يبلغه الجعل لم يستحقه]. فلو أتى بالبعير وسلمه قبل الجعل أو قبل أن يسلمه فلا يستحق الجعل إلا إذا التقطه بعد أن يجعل له.

ما جاء في اللقطة

ما جاء في اللقطة قال المؤلف رحمه الله: [باب اللقطة وهي على ثلاثة أضرب: أحدها: ما تقل قيمته فيجوز أخذه والانتفاع به من غير تعريف؛ لقول جابر: (رخص لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في العصا والسوط وأشباهه يلتقطه الرجل ينتفع به). الثاني: الحيوان الذي يمتنع بنفسه من صغار السباع كالإبل والخيل ونحوهما فلا يجوز أخذها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن ضالة الإبل فقال: (ما لك ولها؟ دعها، معها حذاؤها وسقاؤها ترد الماء وتأكل الشجر حتى يأتيها ربها) ومن أخذ هذا لم يملكه ولزمه ضمانه ولم يبرأ إلا بدفعه إلى نائب الإمام. الثالث: ما تكثر قيمته من الأثمان والمتاع والحيوان الذي لا يمتنع من صغار السباع فيجوز أخذه، ويجب تعريفه حولاً في مجامع الناس، كالأسواق وأبواب المساجد، فمتى جاء طالبه فوصفه دفعه إليه بغير بينة، ولا يتصرف فيه حتى يعرف وعاءه ووكاءه وصفته، فمتى جاء طالبه فوصفه دفع إليه أو مثله إن كان قد هلك]. اللقطة هي: المال الضائع الذي لا يعرف صاحبه. فإذا وجد إنسان مالاً ضائعاً لا يعرف صاحبه فهو على أحوال ثلاث: الحالة الأولى: أن يكون هذا الملتقط شيئاً حقيراً لا قيمة له، كالسوط والعصا والحبل والريال والخمسة الريالات مثلاً، فهذه يلتقطها وينتفع بها ولا شيء فيها. الحالة الثانية: أن يكون الملتقط حيواناً يمتنع من صغار السباع كالإبل والبقر والخيل، فهذه يتركها ولا يأخذها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم: (لما سئل عن لقطة الإبل احمر وجهه وقال: دعها معها سقاؤها وحذاؤها ترد الماء وتأكل الشجر) أي: لا يضرها شيء، وتستطيع أن تصبر فالبعير يصبر على الماء مدة طويلة وينفر عن صغار السباع كالذئب وغيره، اللهم في حالة الإرهاق كأن يكون في أرض مسبعة ولا يستطيع الامتناع لكثرة السباع، فينقله من المسبعة إلى مكان آخر ولا يأخذه فإذا التقطه في هذه الحالة فإنه يضمنه ولا تبرأ ذمته إلا بأن يسلمه إلى نائب الإمام. الحالة الثالثة: الأثمان والأمتعة التي لها قيمة في همة أوساط الناس، كأن يجد دراهم كثيرة، وكذلك الحيوان الذي لا يمتنع من صغار السباع كالشاة والماعز التي لا تستطيع أن تقاوم السباع، فإنه يلتقطها في هذه الحالة وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لما سئل عن لقطة الشاة قال: خذها فإنما هي لك أو لأخيك أو للذئب) يعني: أن تأخذها أو يأكلها الذئب، فهذه يعرفها سنة في مجامع الناس في الأسواق ويعلن عنها أو يوكل شخصاً يعلن عنها في مجامع الناس في الأسواق وعند أبواب المساجد وعليه أن يعرف صفتها ويضبطها ويسجل عنده أوصافها ولا بد أن يعرف عددها وعفاصها، وهو: الوعاء التي هي فيه ويعرف وكاءها، وهو: الرباط المربوطة فيه فإذا جاء طالبها وعرف عددها وصفتها ووكاءها دفعها إليه، وإلا فلا يعطيه، فإن جاء طالبها قبل تمام الحول فيدفعها إليه وإن انتهى الحول فإنه يملكها بعد ضبط أوصافها، فإن جاء طالبها يوماً من الدهر ولو بعد سنة أو سنتين فيدفعها إليه، وإن لم يأت أحد فهي له وينتهي تعريفها بانتهاء الحول، وأما لقطة الحرم فلا يزال يعرفها مدى الدهر، يقول النبي صلى الله عليه وسلم لما خطب الناس: (ولا تلتقط لقطتها إلا لمنشد)، وإذا كان هذا الملتقط يحتاج إلى نفقة كالشاة التي يخشى عليها أن تهلك أو تحتاج إلى علف، والتي ربما ينفق عليها أكثر من ثمنها فإن الملتقط بين أحد أمرين: إما أن يسجل أوصافها ثم يبيعها ويحفظ الثمن، وله أن يذبحها ويأكلها ويسجل ثمنها، فإذا جاء طالبها دفع إليه ثمنها؛ لأنه إن رباها وأنفق عليها فإنه يتضرر. فإذا جاء صاحبها وعرفها ففليس هناك حاجة إلى تحليفه، فإن لم يعرفها فلا يدفعها إليه. وإن لم يستطع أن هو يعرفها فوكل أحداً يعرفها، ويضبطها وإذا تم الحول فهي له. وإذا كانت اللقطة لا قيمة لها في أوساط الناس فلا بأس أن يتصدق بها وإن جاء طالبها يوماً خيره. ولو وجد اللقطة في عرفة فعليه أن يعرفها في السنة في عرفة وفي المشاعر وفي مكة؛ لأن الحاج يأتي عرفة، وينتقل بين المناسك فإن لم يجد صاحبها عرفها في السنة القادمة، والآن هناك لجان للاهتمام باللقطة فيدفعها إليها. قال المؤلف رحمه الله: [فمتى جاء طالبه فوصفه دفعه إليه بغير بينة، وإن لم يعرف فهو كسائر ماله ولا يتصرف فيه حتى يعرف وعاءه ووكاءه وصفته، فمتى جاء طالبه فوصفه دفع إليه أو مثله إن كان قد هلك، وإن كان حيواناً يحتاج إلى مؤنة أو شيئاً يخشى تلفه فله أكله قبل التعريف أو بيعه]. ويحفظ الثمن لصاحبه. قال: [ثم يعرفه؛ لما روى زيد بن خالد عنه قال: (سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لقطة الذهب والورق؟ فقال: اعرف وكاءها وعفاصها ثم عرفها سنة، فإن جاء طالبها يوماً من الدهر فادفعها إليه)]. فإن لم يأت فتكون له بعد السنة. قال: [(وسأله عن الشاة؟ فقال: خذها فإنما هي لك أو لأخيك أو للذئب) وإن هلكت اللقطة في حول التعريف من غير تعد فلا ضمان فيها]. لأنه مؤتمن فإذا تلفت وهو لم يتعد ولم يفرط فلا يضمنها، فإن كان متعدياً أو مفرطاً فيضمنها.

ما جاء في اللقيط

ما جاء في اللقيط قال المؤلف رحمه الله: [فصل في اللقيط. هو الطفل المنبوذ وهو محكوم بحريته وإسلامه، وما وجد عنده من المال فهو له]. اللقيط هو: الطفل المنبوذ كأن يكون نبذ في المسجد أو في الشارع، فيحكم له بأنه حر وبأنه مسلم، وأحياناً يكون معه مال فينفق عليه منه، وإن لم يكن معه شيء فينفق عليه من بيت المال فإن جاء أحد يدعيه فيما بعد فينسب إليه وإن كان كافراً، ولا يلحق به من جهة الدين. قال: [وولايته لملتقطه إذا كان مسلماً عدلاً، ونفقته في بيت المال إن لم يكن معه ما ينفق عليه وما خلفه فهو فيء]. أي: إذا كبر وصار رجلاً وخلف مالاً وليس له وارث ولا يعرف له أب ولا أم فيكون ماله في بيت مال المسلمين وقيل: تكون ولايته لمن التقطه، وهو ضعيف. قال: [ومن ادعى نسبه ألحق به، إلا إن كان كافراً ألحق به نسباً لا ديناً، ولم يسلم إليه]. فيلحق به نسباً من باب حفظ النسب، ولكنه لا يسلم إليه؛ لأنه ليس بمسلم وقد اختار شيخ الإسلام أن ميراث اللقيط لملتقطه؛ لما روى سعيد عن سفيان عن الزهري أنه سمع شبيباً أبا جميلة فقال: وجدت ملقوطاً فأتيت به عمر رضي الله عنه فقال: عريفي يا أمير المؤمنين إنه رجل صالح، فقال عمر: أكذلك هو؟ قال: نعم، قال: اذهب فهو حر، ولك ولاؤه، وعلينا نفقته، أو: قال رضاعه. وهذا الحديث ضعيف لا يثبت عن عمر، والصواب هو ما قال الجمهور: أن ولاءه لبيت المال.

كتاب البيوع [7]

شرح عمدة الفقه_كتاب البيوع [7] السبق جائز في الأشياء كلها ما لم يكن بجعل، فإن وجد الجعل فيكون بشروط، كأن يكون الجعل من غير المتسابقين أو يكون من أحدهما دون الآخر، وإن كان من كليهما دخل معهما ثالث يكون مكافئاً لهما.

ما جاء في السبق

ما جاء في السبق

معنى السبق وحكمه من حيث الجملة

معنى السبق وحكمه من حيث الجملة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب السبق]. السبق بالسكون يعم المسابقة بعوض أو بغير عوض، والسبَق بالفتح يكون خاصاً بالمسابقة التي يكون فيها عوض، فيقال لها سَبَق. وتجوز المسابقة في كل شيء بدون عوض على الأقدام وعلى الخيل وعلى الإبل وفي غيرها مما يشرع المسابقة فيه، وعلى الزوارق، والحجة في ذلك ما ثبت (أن النبي صلى الله عليه وسلم سابق عائشة على الأقدام، فسابقها مرتين: وفي المرة الأولى سبقته لما كانت خفيفة اللحم، وفي المرة الثانية سبقها لما كانت ثقيلة اللحم فقال: هذه بتلك). وسابق سلمة بن الأكوع رجلاً من الأنصار، وصارع النبي صلى الله عليه وسلم ركانة فصرعه، فلا بأس بالمسابقة بالخيل أو على الإبل أو على الأقدام أو على الزوارق وما أشبه ذلك من الآلات الحربية التي لا محظور فيها، أما السيارات فلا ينبغي المسابقة بها؛ لأنها تفضي إلى الهلاك. وأما السَبَق بالفتح فهو العوض الذي يؤخذ على السباق، أما العوض فلا يؤخذ إلا في ثلاثة أشياء: الإبل، والخيل، والسهام، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا سبق إلا في نصل أو خف أو حافر)، والنصل: هي السهام والرماية، والخف هو الإبل، والحافر: هو الخيل، فلا بأس أن يؤخذ العوض على المسابقة على الخيل، ولا بأس أن يؤخذ العوض على المسابقة على الإبل، ولا بأس أن يؤخذ العوض على الرماية بالسهام، مثل المسابقة على الرماية بالسهام والذي يصيب له كذا وكذا من العوض، والذي يسبق على بعيره له كذا وكذا، والذي يسبق على خيله له كذا وكذا، على تفصيل سيأتي في العوض.

حكم المسابقة بغير عوض وأجرة

حكم المسابقة بغير عوض وأجرة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [تجوز المسابقة بغير جعل في الأشياء كلها]. يعني: المسابقة بغير عوض وبدون أجرة لا بأس بها، مثل المسابقة على الأقدام وعلى خيل، فحين يكون بدون مال يدفع فهو جائز في كل ما يجوز السباق فيه. مثلاً: لو خرجت في البر أنت وزميلك فلا بأس أن تتسابقا على الأقدام بغير عوض، أما أن تقول: نتسابق أنا وأنت على الأقدام ومن سبق فله مائة ريال، فهذا لا يجوز، وإنما يجوز في ثلاثة أشياء: في الإبل، والخيل، والسهام، لكن المسابقة بدون مال في غير هذه الأشياء لا بأس به، كما لو قلت: نتصارع وننظر أينا يصرع الآخر، كذلك السباق على الدرجات إذا لم يكن فيها خطر وما أشبه ذلك لا بأس به. فإن قيل: إن كان الجعل من غير المتسابقين هل يجوز؟ نقول: ولو كان من غيرهما لا يجوز إلا في هذه الأشياء الثلاثة خاصة، أما في غير الثلاثة فلا يجوز لا منهما ولا من غيرهما. إذاً: السباق على الأقدام لا يجوز بمال، ويجوز بدون مال، والمال لا يؤخذ إلا على ثلاثة: الإبل، والخيل، والسهام. أما المسابقات العلمية الشرعية فهذه فيها خلاف، فبعض أهل العلم له كلام فيها، لكن إن وضعت عليها جوائز فهذا يدخل في باب الجعل.

بيان الأمور التي تجوز المسابقة فيها بعوض وصورها

بيان الأمور التي تجوز المسابقة فيها بعوض وصورها قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولا تجوز بجعل إلا في الخيل والإبل والسهام؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا سبق إلا في نصل أو خف أو حافر)]. كان الخليفة المهدي العباسي مولع باللعب بالطيور، فجاء بعض الكذابين الوضاعين يريد أن يؤيد الخليفة ويدخل السرور عليه، فروى له الحديث بهذه الصورة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا سبق إلا في نصل أو خف أو حافر أو جناح) فزاد: (أو جناح)، فلما خرج قال المهدي العباسي: والله إن القفا لقفا كذاب، وبعد ذلك ترك اللعب بالحمام لما رأى هذا الوضاع وضع هذه الزيادة في الحديث. ولا شك أن اللعب بالحمام منهي عنه؛ لأن فيه إيذاء لها وقد تموت، وكذلك الحيوانات كأن تجعل بعض التيوس تتناطح وتضرب بعضها بعضاً وتؤذي بعضها بعضاً فهذا ممنوع؛ لأن فيه إيذاء للحيوان. كذلك جاء النهي عن أن يتخذ الحيوان غرضاً كالطير وغيره، بأن يجعله إشارة فيرمونه، ولما رأى ابن عمر أناساً جعلوا طيراً غرضاً يرمونه قال: لعن الله من فعل هذا، سمعت الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (لعن الله من اتخذ الروح غرضاً).

أن يكون الجعل من غير المتسابقين

أن يكون الجعل من غير المتسابقين قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فإن كان الجعل من غير المستبقين جاز، وهو للسابق منهما]. يعني: أن يكون الجعل من شخص ثالث، كأن يتسابق زيد وعمرو وكل واحد منهما على بعير أو خيل، فجاء بكر وقال: أنا أجعل للسابق منكما ألف ريال، فهذا لا بأس به؛ لأن العوض من شخص ثالث. كذلك لو تسابق اثنان في أيهما يصيب الهدف فجاء شخص ثالث وقال: أجعل لمن يصيب الهدف منكما ألف ريال فهذا لا بأس به.

أن يكون الجعل من أحد المتسابقين

أن يكون الجعل من أحد المتسابقين قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وإن كان من أحدهما فسبق المخرج أو جاءا معاً، أحرز سبقه ولا شيء له سواه]. يعني: لو أن زيداً تسابق مع غيره وقال: أنا أخرج ألف ريال للسابق، فسبق زيد، ففي هذه الحالة يكون الألف لنفسه، كذلك لو جاءا معاً ولم يسبق أحد منهما الآخر، فيكون الألف لزيد أيضاً، هذه الصورة الثانية. قال: [وإن سبق الآخر أخذه]. يعني: هذه ثلاث صور: الصورة الأولى: سبق المخرج في هذه الحالة تكون له، الصورة الثانية: جاءا جميعاً ولم يسبق أحدهما الآخر فهي للمخرج أيضاً، الصورة الثالثة: سبق الثاني فتكون له، فهذه الصورة الثانية تحتها ثلاث صور.

الصورة الثالثة من صور السباق أن يكون الجعل منهما مع وجود ثالث بينهما أو عدمه

الصورة الثالثة من صور السباق أن يكون الجعل منهما مع وجود ثالث بينهما أو عدمه قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وإن أخرجا جميعاً لم يجز إلا أن يدخلا بينهما محللاً يكافئ فرسه فرسيهما، أو بعيره بعيريهما، أو رميه رميهما؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أدخل فرساً بين فرسين وهو لا يأمن من أن يسبق فليس بقمار، ومن أدخل فرساً بين فرسين وقد أمن أن يسبق فهو قمار)]. قال المحقق في تخريج هذا الحديث: ضعيف، أخرجه أبو داود في كتاب الجهاد، وابن ماجة والدارقطني والحاكم والبيهقي وأحمد كلهم من حديث أبي هريرة، وفيه ضعف؛ بسبب سفيان بن حسين وهو الرواي عن الزهري عن ابن المسيب عن أبي هريرة مرفوعاً. وتابعه سعيد بن بشير عن الزهري به، وأخرجه الحاكم وقال: إسناده صحيح. لكن سعيد بن بشير ضعيف، والحاكم متساهل في التصحيح. قال ابن حجر في التلخيص الحبير: وكذا صححه ابن حزم، وسفيان بن حسين ضعيف في الزهري، وقد رواه معمر وعقيل عن الزهري عن جماعة من أهل العلم، قال أبو داود: وهذا أصح عندنا، وقال أبو حاتم: أحسن أحواله أن يكون موقوفاً على ابن المسيب، فقد رواه يحيى بن سعيد عنه من قوله، انتهى كلام أبي حاتم. وكذا هو في الموطأ عن الزهري عن ابن المسيب قوله، وقال ابن أبي خيثمة: سألت عنه ابن معين فقال: هذا باطل، وضرب على أبي هريرة. انتهى. ومتابعة سعيد بن بشير واهية؛ لكونه ضعيفاً، والثقات يروونه عن ابن المسيب قوله، كذا رواه مالك. الخلاصة: هذا حديث قال عنه يحيى: إنه باطل، وكذا أبطله أبو حاتم -أي: كونه مرفوعاً- وكذا رجح عدم وصله أبو داود فلا يلتفت إلى تصحيح الحاكم له، ولا إلى تصحيح ابن حزم، وضعفه الألباني في الإرواء. فالحديث فيه ضعف، لكن العلة في هذا أنه يكون قماراً إذا أخرجا جميعاً؛ لأنه إما أن يَغلب وإما أن يُغلب، إما أن يسبق هو فيكون غانماً، وإما أن يُسبق فيكون غارماً، لكن إذا كان معهما ثالث صار هناك احتمال أن يسبق الثالث، وعلى هذا فلا يكون غانماً ولا غارماًً، يعني: يأمن أن يكون غانماً أو غارماً، بخلاف ما إذا كانا اثنين، فإنه لابد إما أن يكون غانماً أو غارماً، لكن إذا كان معهما ثالث، فإنه يحتمل وقد يغلب على الظن أنه لا يكون غانماً ولا غارماً. إذاً: إذا كان العوض من شخص ثالث فلا بأس، وإذا كان من أحدهما فلا بأس، وإذا كان منهما جميعاً فلا يصح إلا إذا كان معهما ثالث. والحديث لا يصح مرفوعاً، وإنما صح من قول ابن المسيب، وقول الصحابي أو التابعي إذا لم يكن في الباب شيء، فإن بعض أهل العلم يحتج به؛ كالإمام أحمد وغيره، يعني: إذا لم يكن في المسألة إلا قول صحابي أو تابعي فيستأنس به. والمقصود: أن مسألة السباق على الإبل أو الخيل أو السهام لا بد أن يكون العوض فيها إما من شخص ثالث أو من أحدهما، أما إذا كان العوض منهما جميعاً فلا يصح إلا إذا أدخلا ثالثاً حتى يزول احتمال الغنم أو الغرم وتزول مسألة القمار. إذاً: هذه المسألة فيها ثلاثة أحوال: الحالة الأولى: أن يكون العوض من شخص خارج. الحالة الثانية: أن يكون من أحدهما، وهاتان الصورتان جائزتان. الحالة الثالثة: أن يكون منهما جميعاً، وهذه لا تجوز إلا إذا أدخلا معهما ثالثاً، حتى تزول صورة القمار؛ لأنهما إذا كانا اثنين وأخرجا يكون قماراً؛ لأن أحدهما يصير غانماً أو غارماً على كل حال، أما إذا دخل ثالث فيزول هذا؛ لأنه قد يسبق الثالث فلا يكون غانماً ولا غارماً. قوله: (وإن أخرجا جميعاً لم يجز إلا أن يدخلا بينهما محللاً يكافئ فرسه فرسيهما وبعيره بعيريهما ورميه رميهما) يعني: لا يكون ضعيفاً؛ لأنه إذا كان ضعيفاً، أو فرسه أضعف، أو بعيره أضعف صار يغلب على الظن أنه يُسبق فتأتي مسألة القمار، فيكون أحدهما غانماً أو غارماً، فلا بد أن يكافئ فرسه فرسيهما، وبعيره بعيريهما؛ حتى تزول صورة القمار. أما حديث: (من أدخل فرساً بين فرسين وهو لا يأمن أن يسبق فليس بقمار، ومن أدخل فرساً بين فرسين وقد أمن أن يسبق فهو قمار) فالصواب أنه موقوف على ابن المسيب، ورفعه ضعيف.

ضوابط وشروط تتعلق بالسبق الجائز

ضوابط وشروط تتعلق بالسبق الجائز قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فإن سبقهما أحرز سبقيهما، وإن سبق أحدهما أحرز سبق نفسه وأخذ سبق صاحبه، ولا بد من تحديد المسافة]. يعني: لا بد من تحديد المسافة، بأن تكون من كذا إلى كذا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم سابق بين الخيل من الحفياء إلى ثنية الوداع. وتسابقت الخيل التي لم تضمر من ثنية الوداع إلى مسجد بني زريق، فلا بد من تحديد المسافة من كذا إلى كذا، كمسافة كيلوين أو ثلاثة كيلو مترات. قال: [وبيان الغاية]. كذلك بيان الغاية، يعني: يتسابقان إلى مسجد بني زريق مثلاً. قال: [وقدر الإصابة]. يعني: قدر الإصابة إذا كان في الرماية بالسهام، يقول مثلاً: الإصابة تكون مقدارها كذا وكذا، عرضها كذا طولها كذا، بالسنتيمتر، أو تكون الإصابة في الوسط، ولا تكون في آخر الهدف، ولا تكون في طرفه، بل لا بد أن تكون في الوسط، فلا بد من تحديد المسافة وبيان الغاية وقدر الإصابة. قال: [وصفتها]. يعني: صفة الإصابة، مثلاً: الإصابة لا بد أن يكون طولها كذا بالسنتيمتر، وعرضها كذا. قال: [وعدد الرشق] يعني: أن يكون عدد الرشق رميتين أو ثلاثاً أو أربعاً، فيبين عدد الرمي. قال: [وإنما تكون المسابقة في الرمي على الإصابة لا على البعد]. يعني: لا يقول مثلاً: أنا سهمي قطع مائة متر، وأنت سهمك ما قطع إلا تسعين متراً، فليس المراد البعد، وإنما المراد إصابة الهدف؛ لأنهما لو تراميا على المسافة وقالا: أينا أبعد مسافة وأبعد سهماً فله كذا وكذا، ثم وجد أحدهما أن مسافة سهمه خمسين متراً، والثاني مسافة سهمه أربعين متراً، ثم قال صاحب الخمسين: أنا أستحق العوض، نقول: لا، إنما المسابقة في الرمي على إصابة الهدف لا على بعد المسافة.

ما جاء في الوديعة

ما جاء في الوديعة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب الوديعة. وهي أمانة عند المودع لا ضمان عليه فيها إلا أن يتعدى]. الوديعة: هي ما يودع عند الإنسان، فإذا أودع شخص أمانة عند آخر فإنها تسمى وديعة، فإذا أودعها أمانة يحفظها عنده فإنه يعتبر مؤتمناً في هذه الحالة، فإن لم يتعد ولم يفرط فلا يضمنها إذا تلفت، وإذا أودع شخص عند شخص أمانة كسيارة أو أمتعة أو أوانٍ أو أقمشة ثم تلفت فإنه لا يضمنها، إلا إذا تعدى وفرط، فإذا تعدى وفرط ضمنها لأنه فرط في حفظها. ولو كان الأمين يضمنها لانقطع المعروف، وصار كل واحد لا يقبل الأمانة، فالمودع أمين لا يضمنها إذا تلفت إلا إذا فرط وتعدى، أما إذا حفظها بما تحفظ به أمثالها ولكنها تلفت بدون تعد فلا يضمنها، أما إذا تسبب وتعدى وفرط كما في هذه الصور التي ذكرها المؤلف رحمه الله فإنه يضمنها. قال: [وإن لم يحفظها في حرز مثلها]. أي: إذا لم يحفظها في حرز مثلها فإنه يضمنها، مثلاً: أعطاك سيارة، وتركتها في الشارع، وفي عرف بعض البلدان أنه في الليل يتركها في الشارع ولا يضمن، لكن لو قال له: أدخلها البيت فأنا لا آمن عليها ثم تساهل وتركها في الشارع، فقد خالف قول المودع، فإنه يضمنها في هذه الحالة. كذلك الدراهم تكون محفوظة في الصناديق والأقفال. قال: [أو مثل الحرز الذي أمر بإحرازه فيه]. يعني: وضعها في حرز أقل حفظاً من الحرز الذي أمره، في هذه الحالة يضمنها؛ لأنه خالف ما أمره به. قال: [أو تصرف فيها لنفسه]. يعني: لو تصرف فيها لنفسه، مثلما يفعل بعض الناس حيث يتكلف ويأخذ الوديعة قرضاً، ثم يردها بعد ذلك، ولكن في هذه المرة لم يستطع أن يردها، أو ضاعت ولم يستطع أن يردها فإنه يضمنها؛ لأنه متعد. قال: [أو خلطها بما لا تتميز منه]. يعني: إذا خلطها بشيء لا يمكن فصلها منه، أو اختلطت مع غيرها في أشياء مشابهة لها، فإنه يضمنها في هذه الحالة؛ لأنه متعد. قال: [أو أخرجها لينفقها ثم ردها]. يعني: أخرج الأمانة وأنفقها وردها ثم بعد ذلك تلفت، فيضمنها في هذه الحالة؛ لأنه متعد. يعني: لما أخرجها صار ضامناً لها ولو لم ينفقها، فلو أنه كانت عنده وديعة لفلان دراهم، وقال: أنا أقترضها وأردها عليه، ثم بعد أن أخرجها قال: لا، هذا لا يحل، فأرجعها مرة ثانية فتلفت، فإنه يضمنها في هذه الحالة بمجرد إخراجها أول الأمر. قال: [أو كسر ختم كيسها]. يعني: إذا كان عليها ختم أو كيس، فهتك الحرز؛ فإنه يضمنها لو تلفت. قال: [أو جحدها ثم أقر بها]. يعني: لو قال صاحب الأمانة: أعطني الأمانة، فقال: ليس عندي لك شيء، ثم قال: عندي فإنه يضمنها في هذه الحالة؛ لأنه بجحودها صار متعدياً. قال: [أو امتنع من ردها عند طلبها مع إمكانه ضمنها]. يعني: إذا امتنع من ردها حين طلبها منه صاحبها وهو مستطيع، ثم تلفت يضمنها؛ لأنه يعتبر متعدياً لامتناعه. قال: [وإن قال: ما أودعتني ثم ادعى تلفها أو ردها لم يقبل منه]. يعني: لو قال: ما أودعتني ثم قال: أودعتني لكنها تلفت، أو رددتها عليك، لا يقبل منه في هذه الحالة إلا ببينة؛ لأنه أنكر ثم اعترف وأقر. قال: [وإن قال: ما لك عندي شيء، ثم ادعى ردها أو تلفها قبل]. هذه الصورة تختلف عن التي قبلها، فلو قال: ما لك عندي شيء، ثم قال بعد يوم: نعم، ما لك عندي شيء؛ لأني رددت عليك الأمانة، فهذا يقبل، يعني: كان لك عندي شيء، لكن الآن ما لك عندي شيء؛ لأنها تالفة وهو لم يفرط، أو لأنه ردها عليه، كل هذا يقبل.

حكم العارية والفرق بينها وبين الوديعة

حكم العارية والفرق بينها وبين الوديعة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والعارية مضمونة وإن لم يتعد فيها المستعير]. والعارية مضمونة وإن لم يتعد فيها، (لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما أخذ من صفوان بن أمية أدراعاً يوم حنين، قال: أغصباً يا محمد؟! قال: بل عارية مضمونة). فالعارية مضمونة وإن لم يتعد فيها، هكذا شأن العارية إذا استعار إناءً أو سكيناً أو كتاباً لا بد أن يرده، فإذا تلفت العارية فهي مؤداة، يعني: لا بد أن يردها، أو يضمن ثمنها. والعارية غير الأمانة؛ لأن العارية إنما استعارها ليستفيد منها، فلو استعرت كتاباً لتستفيد منه ثم تلف تضمن، ولو استعرت قدراً لتطبخ فيه ثم تلف تضمنه، أما في الأمانة لو أعطاك شخص القدر وقال: احفظه عندك ثم تلف لا تضمن، لكن العارية أنت تستفيد منها. إذاً: مسألة العارية فيها خلاف بين أهل العلم، والمذهب أنه يضمنها مطلقاً؛ لأنه قبضها للانتفاع بها. القول الثاني: وهو الصحيح أن العارية لا تضمن إلا بالتعدي، ووجه الحديث قول النبي صلى الله عليه وسلم: (بل عارية مضمونة) هذا من باب الشرط، والمسلمون على شروطهم، فإن اشترط عليه فإنه يضمن. وقال المحقق في الحاشية: والعارية مضمونة وإن لم يتعد فيها المستعير؛ لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: في خطبته عام حجة الوداع: (العارية مؤداة، والمنحة مردودة، والدين مقضي، والزعيم غارم). وروى صفوان بن أمية رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم استعار منه يوم حنين أدراعاً فقال: أغصباً يا محمد؟! قال: بل عارية مضمونة)، رواه أبو داود. فعلى القول الثاني أن العارية لا تضمن إلا إذا اشترط، كأن يقول: أنا أعطيك الكتاب لكن أشترط عليك إن تلف أن تضمنه، أو تعدى وهذه رواية أخرى عن الإمام أحمد قال الشيخ تقي الدين: هذا القول له وجه، لكن ما مشى عليه المؤلف هو المذهب وهو المشهور، والثاني: رواية عن الإمام أحمد تحتاج إلى مراجعة المغني وغيره وينظر في الأدلة والترجيحات. فإذاً: المسألة فيها روايتان: المذهب أنها مضمونة على كل حال؛ لأنه قبضها لمصلحة فتخالف الوديعة، والوديعة إنما وضعها المودع من أجل مصلحته هو، وأما المستعير فهو الذي ينتفع من العارية. ولحديث صفوان الذي ذكره. والرواية الثانية عن الإمام أحمد أنه لا يضمنها إلا إذا تعدى أو فرط أو اشترط عليه ضمانها، وهذه الرواية اختارها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، والغالب أن اختيارات شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله اختيارات موفقة، ولا يلزم أن يكون هذا في كل اختياراته رحمه الله، إذ من اختياراته رحمه الله في الحج أن المتمتع ليس عليه إلا سعي واحد، وهذا ليس عليه العمل الآن، وهو مرجوح. وفي مسألة وجوب العارية فإن شيخ الإسلام يقول بوجوبها وقوله قوي، قال تعالى: {وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} [الماعون:7] فالله تعالى ذم المشركين؛ لأن من أوصاف المشركين منع الماعون، فإذا كانت العارية لا تتلف ولا يحصل عليها ضرر وهو ليس بحاجة إليها، فليس له أن يمنعها، والقول بوجوبها قول قوي تدل عليه الآية الكريمة، ((وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ)) لأن الله ذم المشركين. فلو طلبه السكين أو دلواً في بئر أو صحناً فينبغي بذله.

الأسئلة

الأسئلة

بيان مدة نحر الهدي وحكم من أخره عن وقته مع القدرة

بيان مدة نحر الهدي وحكم من أخره عن وقته مع القدرة Q ما هي آخر مدة لنحر الهدي في الحج؟ ومن تأخر عن النحر عن شهر ذي الحجة علماً بأنه قادر فماذا عليه؟ A هدي التمتع والقران مدته أربعة أيام: يوم العيد وثلاثة أيام بعده، هذه أيام نحر الهدايا والضحايا، وبعد ذلك فليس له أن يؤخره، لكنه لو أخره بعد ذلك فإنه يقضيه مع التوبة إذا كان يستطيع أن يقضيه.

حكم تحلية الخناجر والسيوف بالذهب

حكم تحلية الخناجر والسيوف بالذهب Q ما حكم الخناجر التي يكون في مقبضها جنيهات ذهب للرجال، وهل عليها زكاة؟ A العلماء ذكروا أنه لا ينبغي تحلية السيوف والخناجر إلا الشيء اليسير فيعفى عنه، لكن ينبغي أن تؤخذ الجنيهات وتزال منها، وفيها الزكاة بلا شك إذا حال عليها الحول وبلغت نصاباً، أو ضمها إلى نصاب عنده. وذكر العلماء من الحنابلة وغيرهم أن تحلية السيف بالذهب جائز إذا كان شيئاً يسيراً.

حكم شراء كلب الصيد

حكم شراء كلب الصيد Q هل يجوز شراء كل الصيد؟ A لا، الكلاب ما لها قيمة، لا كلب الصيد ولا غيره.

حكم استخدام الهاتف في الدوائر الحكومية

حكم استخدام الهاتف في الدوائر الحكومية Q هل استخدام الهاتف في الدوائر الحكومية من اللقطة الحقيرة مثل السوط أو العصا أو أنه لا يجوز استخدامه جزاكم الله خيراً؟ A الظاهر أنه لا يجوز؛ لأن هذا مخصص للعمل.

حكم شحن الهاتف الجوال في مكان العمل

حكم شحن الهاتف الجوال في مكان العمل Q هل يجوز شحن الهاتف الجوال في مكان العمل؟ A قد يقال: إن هذا شيء يسير ويتسامح فيه إن لم يكن يشغله عن العمل ولم يكلف، أما إذا كان يشغله عن العمل أو أنه إذا شحنه يكلف فلا.

حكم إقامة دروس قصيرة أثناء العمل

حكم إقامة دروس قصيرة أثناء العمل Q ما حكم إقامة دروس قصيرة أثناء العمل؟ A لا بد من الإذن.

كتاب الإجارة [1]

شرح عمدة الفقه_كتاب الإجارة [1] عقد الإجارة عقد لازم لا يملك أحد فسخه، ولا يفسخ إلا بشروط معينة كتلف العين المعقود عليها مثلاً. ومن استأجر عيناً فلا يجوز له أن ينتفع بها في غير ما استؤجرت له، فإن فعل ذلك فعليه أجرة المثل، وضمان ما نقص من العين المؤجرة. والأجير قسمان: خاص ومشترك، فالأجير الخاص يده يد أمانة لا يضمن إلا إذا تعدى أو أهمل. أما الأجير المشترك فإنه يضمن ما هلك من العين المؤجرة إذا تلفت بسبب العمل مطلقاً سواء فرط أو لم يفرط.

ما جاء في الإجارة

ما جاء في الإجارة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [كتاب الإجارة. وهي عقد على المنافع لازم من الطرفين لا يملك أحدهما فسخها]. يعني: الإجارة هي العقد على المنفعة لا على الرقبة، بخلاف البيع فإنه عقد على الرقبة، فإذا بعت داراً أو أرضاً فإن العقد يقع على العين وعلى الرقبة. أما الإجارة فإنها عقد على المنافع، بمعنى أنك تنتفع بهذه العين مدة ثم تردها على صاحبها، كأن تستأجر بيتاً تسكنه أو أرضاً تزرعها فهذا عقد على المنافع، ثم ترجع الرقبة أو العين إلى صاحبها، وهي عقد لازم كالبيع، لا يملك أحدهما فسخها، إلا أذا تعطلت منافع العين المعقود عليها. فمثلاً: لو استأجرت بيتاً سنة لزم العقد، وليس لك أن تفسخ، وليس له أن يفسخ، يعني: ليس لأحدهما الفسخ إلا إذا اتفقا على ذلك بخلاف بعض العقود مثل: عقد المساقاة والمزارعة فهذا عقد جائز، أما عقد الإجارة فهو عقد لازم من طرف المؤجر والمستأجر جميعاً، كل منهما العقد في حقه لازم، المؤجر لا يملك فسخ الأجرة، والمستأجر لا يملك فسخها. قال: [ولا تنفسخ بموته ولا جنونه]. يعني: حتى تمضي المدة، ويقوم الورثة مقام الميت. قال: [وتنفسخ بتلف العين المعقود عليها]. يعني: إذا تلفت العين المعقود عليها انفسخت؛ لتعذر المنفعة التي عقد عليها، كما لو استأجر داراً ثم سقطت الدار وانهدمت، فإنها تنفسخ في هذه الحالة. قال بعض العلماء: لا تنفسخ؛ لأنه يستطيع أن يستفيد منها بأن يضع خيمة فيها، والمذهب أنها تنفسخ في هذه الحالة وهو الصواب؛ لأنه لا يمكن للمستأجر أن ينتفع بها، لكن قبل تعطل منافعها، إذا مضى شهران أو ثلاثة ثم سقطت فإنه يستحق المؤجر من الأجرة مقدار الشهرين أو الثلاثة. يعني: إذا انقطع نفعها ولم يكن فيها نفع، كأن تكون العين دراهم مثلاً، فهذه الدراهم تركت ولم تستعمل أو غيرت بعملة أخرى فهذه مثلاً انقطع نفعها. وكذلك إذا كانت العين مثلاً بئراً فانقطع ماؤها، فهنا انقطع نفعها، وفي هذه الحالة تنفسخ الإجارة، لأن المستأجر لا يستطيع أن يستوفي المبلغ. قال: [وللمستأجر فسخها بالعيب قديماً كان أو حادثاً]. يعني: إذا وجد المستأجر فيها عيباً، فإن له الفسخ، وكذلك إذا حدث فيها عيب يمنعه من استيفاء المنفعة فله الفسخ؛ لعدم تمكنه من استيفاء المنفعة.

ذكر ما تصح به الإجارة باعتبار العرف والوصف

ذكر ما تصح به الإجارة باعتبار العرف والوصف قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولا تصح إلا على نفع معلوم، إما بالعرف، كسكنى دار]. لا تصح الإجارة إلا على نفع معروف بالعرف كالسكنى، كأن يستأجر داراً ليسكنها، هذا هو المعروف نفعه بالعرف؛ لأن الناس تعارفوا على أن الدار تسكن. قال: [أو بالوصف كخياطة ثوب معين]. كذلك بالوصف، بأن تستأجر خياطاً ليخيط ثياباً معينة، فأعطيته مائة ثوب، أو عشرين ثوباً، ليخيطها على وصف معين. قال: [أو بناء حائط أو حمل شيء إلى موضع معين]. يعني: استأجرت شخصاً ليبني هذا الحائط أو هذا البيت بأوصاف معينة، بأوصاف مضبوطة صفتها كذا، وصفة البناء كذا، وصفة الجدار كذا، وصفة الحديد كذا. قال: [أو حمل شيء إلى موضع معين]. يعني: يستأجر سيارة ليحمل متاعه إلى بلد معين أو إلى مكان معين مثلاً: من الرياض إلى مكة. وقد يكون المتاع كثيراً، فيستأجر سيارة لتحمله مرتين أو ثلاثاً أو أربعاً، أو يبين له المتاع الذي يريد أن يحمله، حتى لا يكون هناك زيادة عن المطلوب وعن الحمل المعين، فإن زاد فعليه المقابل، عليه أجرة المثل، كذلك لو استأجر دابة لحمل متاع معين فزاد عن المطلوب، فعليه إجارة المثل، وإن أصابها نقص يضمن. كذلك واستأجر الدابة على أن يستعملها للركوب، فاستعملها للحب، فعليه إجارة المثل، وعليه ضمان النقص الذي يحصل على المركوب، أما إذا استأجرها في شيء ثم استعملها فيما هو أقل، فهذا لا بأس.

ضوابط وشروط صحة الإجارة

ضوابط وشروط صحة الإجارة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وضبط ذلك بصفاته أو معرفة أجرته]. يعني: عليه أن يضبط الصفات ومعرفة الأجرة؛ لأن هذا الاستعمال له أجرة. مثلاً: استئجار السيارة للركوب العادي فيه أجرة، واستئجارها للحمل فيه أجرة. وضبط ذلك في صفاته، فيشترط أن يكون النفع معلوماً؛ لأنه المعقود عليه فأشبه المبيع، ويحصل العلم بالعرف كسكنى الدار شهراً، والأرض عاماً. وبناء حائط يصف طوله وعرضه وارتفاعه، ويشترط معرفة الأجرة كما يشترط معرفة الثمن في المبيع. يعني: لابد أن تحدد الأجرة، استأجرها بألف بألفين بخمسة آلاف، كما أنه إذا باع داراً لابد أن يحدد الثمن، وهنا الأجرة لابد أن تكون معروفة. قال: [وإن وقعت على عين فلا بد من معرفتها]. يعني: إذا وقعت الأجرة على عين، كأن استأجر داراً فلا بد أن تعين الدار، أما إذا قال: هناك دار فقط ويسكت، هذا لا يكفي؛ لأن الدار قد تكون كبيرة وقد تكون صغيرة، وقد تكون في حي الإيجار فيه مرتفع، وقد تكون في حي الإيجار فيه غير مرتفع، فلابد أن تحدد العين المعقود عليها.

حكم إقامة المستأجر من يقوم مقامه في استيفاء المنفعة من العين المستأجرة بأجرة أو غيرها

حكم إقامة المستأجر من يقوم مقامه في استيفاء المنفعة من العين المستأجرة بأجرة أو غيرها قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ومن استأجر شيئاً فله أن يقيم مقامه من يستوفيه بإجارة، أو غيرها]. يعني: إذا استأجر بيتاً للسكنى فله أن يستوفي هذه المنفعة بنفسه أو بوكيله، فيسكن فيه هو، أو يسكن فيه أحد أولاده، أو يسكن فيه قريبه أو صديقه، أو يؤجر على شخص آخر، لكن بشرط أن الشخص الآخر يستوفي المنفعة مثل ما يستوفيها هو، ولا يزيد في الاستعمال، يعني: لو استأجر بيتاً للسكنى ثم أجره لإنسان آخر، فهذا الإنسان الآخر ما جعله للسكنى وإنما جعله مكاتب ومستودعات، وصار يجعل أشياء ثقيلة فوق السطوح، فهذا زاد عن الحد، فلابد أن يضمن وعليه أجرة المثل، وضمان ما نقص. لكن له أن يستوفي المال بنفسه أو بوكيله، أو يؤجرها من إنسان، سواء كانت الإجرة بمثل ما استأجر أو أكثر أو أقل، المهم أنه يستوفيها كما يستوفي المنفعة. وهذا لا يحتاج إلى إذن المالك ما دام أنه يستوفي المنفعة ولا يزيد عن الحد الذي عقد عليه. قال: [إذا كان مثله أو دونه]. يعني: إذا كان يستوفيها بمثله أو أقل، فلا بأس، أما إذا كان يستوفيها بأكثر بأن زاد على المطلوب، كأن أجرت الدار للسكنى وصار يجعلها مستودعات، وجعل فيها أشياء ثقيلة ربما تؤثر على السطح، وقد يتعيب البيت بسبب الأشياء الثقيلة، ففي هذه الحالة يضمن العيب وعليه أجرة المثل في الزيادة؛ لأنه ما استوفاها كما عقد عليها، بل زاد على المطلوب. فإن قيل: لو اشترط المالك أنه لا يستوفي المنفعة إلا هذا الشخص، فهل يصح الشرط؟ قد يقال: إذا اشترط عليه ذلك والتزم فالمؤمنون على شروطهم، لكن إذا كان يستوفيها غيره بمثل ما يستوفي فلا يضر هذا. والاستيفاء يكون بالعرف، فالبيت مثلاً للسكنى، فله أن يؤجره لشخص مثله ليسكن فيه من دون زيادة.

شروط وضوابط استئجار الأرض والمركوب

شروط وضوابط استئجار الأرض والمركوب قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وإن استأجر أرضاً لزرع، فله زرع ما هو أقل منه ضرراً]. يعني: لو استأجر أرضاً ليزرعها للحنطة مثلاً، فزرعها شعيراً فلا تضر، لكن لو زرعها شيئاًً أكثر من هذا يؤثر على الأرض فهذا زاد على المطلوب، فعليه أن يزرعها بالمعتاد أو بأقل منه. قال: [فإن زرع ما هو أكثر منه ضرراً يخالف ضرره ضرره]. مثل القطن والحديد، إذا اكترى لأحدها لم فلا يحمل فيه الآخر؛ لأن ضررهما يختلف. فإن الحديد يجتمع في مكان واحد بثقله، والقطن يتجافى وتهب فيه الريح فيصيب الظهر، فإن فعل شيئاً من ذلك فعليه أجرة المثل؛ لأنه استوفى منفعة غير التي عقد عليها، فلزمه أجرة المثل، كما لو استأجر أرضاً لزرع شعير، فزرعها قمحاً، أو كما لو حمل عليها من غير استئجار. المهم أن يستوفي المنفعة بما هو متعارف عليه، أو بأقل من ذلك ولا يزيد. قال: [فإن زرع ما هو أكثر منه ضرراً يخالف ضرره ضرره فعليه أجرة المثل]، يعني: إذا تجاوز الحد وزاد فعليه أجرة المثل. قال: [وإن اكترى إلى موضع فجاوزه، أو لحمل شيء فزاد عليه فعليه أجرة المثل للزائد]. يعني: لو استأجر سيارة مثلاً للخرج ثم تجاوز فوصل بها إلى الجنوب فهنا عليه أجرة الزيادة؛ لأن الأجرة إنما هي للخرج، وهو زاد، فهذه الزيادة عليه أن يدفع أجرتها، وكذلك الحمل: استأجر ناقلة ليحمل عليها مائة طناً، فحمل عليها مائة وخمسين طناً، فعليه أجرة الخمسين الزائدة. قال: [وضمان العين إن عليه الضمان إن تلفت] مثلاً: إذا استأجرت السيارة للخرج ثم بعد ذلك وصل بها إلى أبها، ففي هذه الحالة إن حصل خلل من أجل السفر الطويل يضمن الخلل، وعليه أيضاً الأجرة الزائدة من الخرج إلى أبها، عليه أجرتها ويضمن ما حصل في السيارة من خلل من الزيادة. وكذلك إذا استأجر أن يحمل حملاً معيناً ثم زاد عليه فعليه أجرة الزيادة، وعليه الضمان إذا كان يؤثر على المركوب. قال: [وإن تلفت من غير تعد فلا ضمان عليه]. يعني: إذا لم يتعد فلا ضمان عليه إن تلفت؛ لأنه يعرف أن هذا التلف ليس بسبب عمل المستأجر ولا بتعديه، فهو استعملها استعمالاً عادياً، ولم يتجازو الحد المحدد، فإذا استأجر السيارة للخرج وحصل فيها خلل في أثناء الطريق وهو لم يتعد فليس عليه ضمان في هذه الحالة، وإنما تكون على المؤجر.

حكم تلف العين في يد من يؤجر نفسه

حكم تلف العين في يد من يؤجر نفسه قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولا ضمان على الأجير الذي يؤجر نفسه مدة بعينها فيما يتلف في يده من غير تفريط]. يعني: لا ضمان على الأجير الذي يؤجر نفسه مدة فيما يتلف في يده، فلو استأجر إنسان غيره ليغسل له الثياب أو يخيط له الثياب في مدة معينة شهر أو شهرين، ثم حصل خلل في الثياب وهو لم يتعد ولم يفرط فلا يضمن، هذا يسمى الأجير الخاص، والأجير الخاص هو الذي يشترط أن يلي العمل بنفسه، بخلاف الأجير المشترك، فالأجير المشترك هو الذي يتقبل الأعمال من الناس، يأخذ ثياباً يخيطها للناس عند غيره، هذا يقال له: أجير مشترك؛ لأنه لا يشترط أن يلي العمل بنفسه، إنما يشترط العمل، يقول: أنا أغسل لك الثياب أو أخيط لك هذه الثياب في الوقت المحدد، سواء بنفسي أو بغيري لكذا، هذا هو الأجير المشترك، أما الأجير الخاص فيشترط أن يلي العمل بنفسه. فالأجير الخاص إذا لم يفرط فلا يضمن إذا حصل خلل أو نقص، فإن كان بتفريط منه وإضاعة فإنه يضمن، كأن يهمل العمل أو ترك مثلاً هذا الشيء الذي استؤجر عليه حتى ضاع أو حتى سرق؛ بسبب إهماله فإنه يضمن. والإجارة على ضربين: خاص ومشترك، فهذا هو الأجير الخاص الذي يؤجر نفسه مدة معلومة لخدمة أو خياطة أو رعاية شهراً أو سنة أو أكثر، وسمي خاصاً لاختصاص المستأجر بمنفعته في تلك المدة دون سائر الناس، فهذا لا ضمان عليه فيما يتلف في يده، مثل أن تهلك الماشية معه، أو تنكسر آلة الحرث وما أشبه ذلك إذا لم يتعد؛ لأنه أمين، فلم يضمن من غير تعد كالمودع، والتعدي أن ينام عن الماشية أو يغفل عنها حتى تبعد منه بعداً فاحشاً، فيأكلها الذئب، أو يضرب الشاة ضرباً كثيراً فتموت، فيضمن بعدوانه. فإن أهمل رعي الغنم ونام عنها حتى أكلها الذئب فهذا فرط فيضمن، أما إذا كان وهو بجوارها لكن جاء ذئب، قوي فخطف واحدة وأخذها بدون اختياره ولحقه وعجز، فهذا ما فرط فلا يضمن.

ضمان الأجير المشترك

ضمان الأجير المشترك قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والضرب الثاني: الأجير المشترك، وهو الذي يقع العقد معه على عمل معين كخياطة ثوب أو بناء حائط، سمي مشتركاً لأنه يعمل للمستأجر وغيره، ويتقبل أعمالاً كثيرة في وقت واحد فيشتركون في منفعته، فيضمن ما جنت يده، مثل أن يدفع إلى حائك عملاً فيفسد حياكته، أو القصار يخرق الثوب بدقه أو عصره، والطباخ ضامن لما فسد من طبيخه، والخباز في خبزه؛ لما روى جلاس بن عمرو أن علياً رضي الله عنه كان يضمن الأجير]. الأجير المشترك هو الذي يتقبل الأعمال من الناس ويعطيها لغيره يعلمها، فإذا أعطى ثياباً لغسال لا يحسن غسلها فحرقت الثياب فإنه يضمن، فإذا لم يشرف عليها إشرافاً صحيحاً وأهمل وفرط من دفع إليه، أو كان ليس لذلك أهلاً ولا يحسن العمل، فإنه يضمن إذا حصل فيها خلل. أما الأجير الخاص فهو الذي يلي العمل بنفسه، وهذا أمين، فإن فرط ضمن، وإن لم يفرط فلا ضمان عليه. قال: [ولأنه قبض العين لمنفعة من غير استحقاق وكان ضامناً لها كالمستعير]. والأجير المشترك ضامن لها لأنها ليست في يده، بل في يد غيره.

ضمان الحجام والختان والطبيب

ضمان الحجام والختان والطبيب قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولا على حجام أو ختان أو طبيب إذا عرف منه حذق في الصنعة ولم تجن أيديهم]. الطبيب وكذلك الختان والحجام لا يضمنون إذا لم تجن أيديهم، وكان عندهم حذق في العمل، فإذا كان الواحد منهم حاذقاً يتقن الصنعة ولم تجن يده فلا يضمن؛ فإن لم يكن من أهل الحذق فإنه يضمن، مثل من تطبب وهو لا يحسن الطب، فأصاب المريض بمرض فإنه يضمن، فإذا مات المريض فعليه الدية؛ لأنه ليس أهلاً للطب. وكذلك أيضاً إذا كان عنده حذق لكنه تجاوز الحد المطلوب، فإنه يضمن في هذه الحالة. وأما إذا كان حاذقاً ولم يتجاوز الحد، ثم مات المريض أو حصل له مرض، فليس عليه شيء، وهذا قضاء الله وقدره، مثل الختان الذي يختن فيقطع الجلدة التي فوق الذكر، فإذا كان ختاناً معروفاً وعنده حذق جيد ولم تجن يده بزيادة على الحد المطلوب فإنه لا يضمن. لكن إذا كان لا يحسن الختان ثم أصاب المختون مرض فإنه يضمن، أو جنت يده، بأن تجاوز الجلدة إلى الحشفة، فإنه يضمن في هذه الحالة. وكذلك الحجام الذي يحجم فإذا كان عنده معرفة وعنده خبرة بالحجامة، ولم يتجاوز الحد والوقت المعين للحجامة؛ لأن الحجامة علاج يكون في وقت محدد، وفي مكان محدد، فإذا كان الحجام عنده خبرة ولم يتجاوز المكان والوقت المحدد ثم حصل مرض فلا يضمن. أما إذا كان لا يعرف الحجامة، أو كان يعرف الحجامة لكن تجاوز، كأن تكون الحجامة -مثلاً- في الرأس فجعل الحجامة في الركبة، فإنه يضمن في هذه الحالة. والمقصود أن هؤلاء الثلاثة -الحجام والختان والطبيب- إذا كان عندهم خبرة ومعرفة بصنعتهم ولم يتجاوزوا ولم تجن أيديهم لا يضمنون، فإن لم يكن عندهم خبرة في عملهم، أو كان عندهم خبرة ولكن تجاوزوا فإنهم يضمنون.

ضمان الراعي

ضمان الراعي قال المصنف رحمه الله تعالى: [ولا على الراعي إذا لم يتعد]. راعي الغنم إذا لم يتعد ثم هلك بعض الغنم أو أكلها الذئب، وهو متيقض ومنتبه فإنه لا يضمن. أما إذا كان مهملاً ينام عنها أو كان بعيداً عنها ولم يبال بها إذ قد يسقط بعض الغنم أو قد تعلق شاة بشجرة فتختنق فتموت، وهو نائم لا يدري فإنه يضمن.

ضمان متقبل العمل ما تلف بعمله

ضمان متقبل العمل ما تلف بعمله قال المصنف رحمه الله تعالى: [ويضمن القصار والخياط ونحوهما ممن يتقبل العمل ما تلف بعمله دون ما تلف من حرزه]. هذا هو الأجير المشترك، والفرق بينه وبين الأجير الخاص أن الأجير الخاص لا يضمن إلا إذا فرط، أما الأجير المشترك فإنه يضمن ما تلف بسبب العمل. والقصار هو الغسال. وقوله: دون ما تلف بحرزه مثاله: إذا أخذ الثياب وجعلها في حرز معين، ثم سرقت بدون تفريط، فإنه لا يضمن، لكن إذا أخذ الثياب وأعطاها الغسال فخرقها فإنه يضمن، لأنها تلفت بسبب العمل.

كتاب الإجارة [2]

شرح عمدة الفقه_كتاب الإجارة [2] من أهم مقاصد الشريعة الإسلامية الحفاظ على المال، ومن ذلك ما شرع في حق الغاصب والمغصوب منه من أحكام جعلت كل واحدٍ يأخذ حقه ويسلم ما عليه من غير ضرر يلحق بأحدهما.

أحكام الغصب

أحكام الغصب

تعريف الغصب

تعريف الغصب قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: الغصب، وهو استيلاء الإنسان على مال غيره بغير حق]. الغصب في اللغة: هو أخذ الشيء ظلماً بغير حق. وفي الاصطلاح: استيلاء الإنسان على حق غيره مالاً كان أو اختصاصاً قهراً بغير حق. فيخرج بهذا التعريف السرقة؛ فإن السرقة أخذ الشيء بخفية، وليس بقهر، والغصب قهر، فالغاصب يأخذ الشيء بقوة، أما السارق فإنه يأخذ الشيء بخفية واختلاس. ويخرج به أيضاً ما أخذ بحق، مثل الإنسان الظالم الذي لا يؤدي الحقوق، فإنه يجبر على أداء الحق، ويؤخذ منه قهراً حقوق الناس، ويجبره على ذلك الحاكم، فإن امتنع يباع ماله وتؤدى حقوق الناس، فهذا قهر لكن بحق. وقولنا: (أو اختصاصاً) مثاله الكلب المعلم؛ فإنه لا يباع، لكنه يختص بصاحبه فإذا استولى عليه أحد قهراً فهو غاصب.

وجوب رد المغصوب ودفع أجرته مدة مقامه

وجوب رد المغصوب ودفع أجرته مدة مقامه قال المصنف رحمه الله تعالى: [من غصب شيئاً فعليه رده]. هذا هو الواجب عليه، وعليه كذلك التوبة والندم والاستغفار واستسماح صاحب الحق، فيرد هذا الحق الذي أخذه، وعليه ضمان ما نقص منه. قال المصنف رحمه الله تعالى: [وأجرة مثله إن كان له أجرة مدة مقامه في يده]. أي: إذا غصب شيئاً فعليه أن يرده، وإذا كان كبيت غصبه ومضى عليه سنة فإنه يرد البيت ويرد معه أجرة سنة، وهكذا كل ما كان له أجرة، وإذا نقص فعليه ضمان النقص، وإذا زاد فإنه يكون لصاحب الحق هذه الزيادة كما سيأتي.

ضمان الغاصب أرش نقص المغصوب

ضمان الغاصب أرش نقص المغصوب قال المصنف رحمه الله تعالى: [وإن نقص فعليه أرش نقصه]. الأرش: هو التكملة التي تكمل النقص، والواسطة التي تكون بين شيئين ناقص وتام، فإذا غصب -مثلاً- دابة تساوي مائة ريال، وردها بعد سنة حين صارت لا تساوي إلا ثمانين ريالاً فإن الأرش يكون عشرين ريالاً، فيرد الدابة ويرد عشرين؛ لأنها تكمل الأرش. ومثله أيضاً إذا غصب سيارة ثم صدم بها، واحتاجت إلى تصليح، فإنه يكون عليه ثمنه؛ لأنه هو الغاصب، فإذا قدرت الصدمة بألفين أو ثلاثة آلاف فإنه يرد السيارة، وعليه أن يدفع الألفين والثلاثة؛ لأن هذا بسببه.

ضمان الغاصب جناية المغصوب

ضمان الغاصب جناية المغصوب قال المصنف رحمه الله تعالى: [وإن جنى المغصوب فأرش جنايته عليه سواء جنى على سيده أو أجنبي]. إذا جنى المغصوب فأرش جنايته على الغاصب؛ لأنه هو الذي تسبب، فإذا غصب دابة ثم اعتدت هذه الدابة على آخرين، فإن الضمان يكون على الغاصب؛ لأنه غصبها، فلزمه أرش الجناية. وكذلك إذا غصب عبداً، ثم جنى العبد على آخر فقطع يده، فإن الضمان يلزم الغاصب؛ لأنه هو الذي غصبه، فلزمه أرش جنايته. وقوله: سواء جنى على سيده أو أجنبي. أي: لو جنى العبد على سيده، أو جنى على أجنبي فإن الغاصب يدفع أرش جنايته؛ لأنه لما غصبه ترتب عليه هذه الآثار.

جناية الأجنبي على المغصوب في يد الغاصب

جناية الأجنبي على المغصوب في يد الغاصب قال المصنف رحمه الله تعالى: [وإن جنى عليه أجنبي فلسيده تضمين من شاء منهما]. هذه المسألة عكس الأولى، فالأولى هي فيما إذا جنى العبد على أحد، فالذي يدفع أرش الجناية هو الغاصب، سواء جنى على سيده أو على غير سيده. أما إذا اعتدي على العبد، كأن جاء شخص واعتدى على العبد وقطع يده، فالسيد له الخيار: فإما أن يضمن الغاصب وإما أن يضمن الجاني، فله أن يضمن الغاصب؛ لأنه هو الذي تسبب، وله أن يضمن الذي قطع يده؛ لأنه هو الجاني.

زيادة المغصوب ونقصانه

زيادة المغصوب ونقصانه قال المصنف رحمه الله تعالى: [وإن زاد المغصوب رده بزيادته، سواء كانت متصلة أو منفصلة]. إذا زاد المغصوب فإن الغاصب يرده بزيادته، سواءً أكانت زيادة متصلة، كما إذا سمنت الدابة، ثم لما ردها بعد سنة، وزادت قيمتها، فقال الغاصب: أنا غصبتها وهي لا تساوي إلا مائة، والآن صارت تساوي مائة وخمسين، فأعطني الخمسين. فحينئذٍ نقول: أنت الجاني، والزيادة لصاحبها. وكذلك إذا تعلم العبد حرفة كخياطة أو نجارة فزادت قيمته، فالزيادة لصاحبه. أو كانت منفصلة، مثل الدابة إذا ولدت، فولدها يكون لصاحبها، أو الشجرة إذا أثمرت وما ردها إلا بعد سنة، فإنه يرد ما غصبه بزيادته. فالزيادة المتصلة أو المنفصلة ترد؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ليس لعرق ظالم حق). قال المصنف رحمه الله تعالى: [وإن زاد أو نقص رده بزيادته وضمن نقصه]. إذا زاد يرده بزيادته، وإذا نقص يضمن النقص؛ لأنه معتد ظالم. قال المصنف رحمه الله تعالى: [سواء زاد بفعله أو بغير فعله]. مثال الزيادة بالفعل تعليم العبد، ومثال الزيادة بغير الفعل ثمرة الشجرة، فهذه الزيادة تكون تابعة لصاحبها، فيردها على صاحبها بزيادتها، وليس للغاصب شيء من هذه الزيادة. قال المصنف رحمه الله تعالى: [فلو نجر الخشبة باباً أو عمل الحديد إبرا ردهما بزيادتهما وضمن نقصهما إن نقصا]. إذا غصب الغاصب صوفاً ثم نسج الصوف، بحيث صار صوفاً، أو أخذ حبوباً وزرعها وصارت زرعاً، أو غصب بيضة فصارت دجاجة، فإن كل هذا يرده وليس له شيء منه. وكذلك إذا غصب خشبة ثم نجرها فصارت باباً، فإنه يردها على صاحبها، وليس له شيء؛ لأنه ظالم. قال المصنف رحمه الله تعالى: [ولو غصب قطناً فغزله أو غزلاً فنسجه أو ثوباً فقصره أو فصله وخاطه أو حباً فصار زرعاً أو نوىً فصار شجرا أو بيضاً فصار فراخاً فكذلك]. قوله: فكذلك أي: يرده وليس له شيء؛ لأنه ظالم، فإذا غصب قطعة قماش، ثم فصلها أربعة أثواب أو خمسة أثواب، فإنه يردها وليس له شيء، وكذلك إذا أخذ ثوباً متسخاً ثم غسله وصار نظيفاً فإنه يرده وليس له شيء مقابل عمله. وكذلك إذا غصب بيضاً فصار فراخاً، أو غصب حباً ثم بذر فصار زرعاً، أو غصب نوى ثم غرسه فصار نخيلاً بعد مدة، فإنه يرد كل ذلك وليس له شيء. قال المصنف رحمه الله تعالى: [وإن غصب عبداً فزاد في بدنه أو بتعليمه ثم ذهبت الزيادة رده وقيمة الزيادة]. إذا غصب عبداً ثم حصلت له زيادة، سواء زيادة تتعلق ببدنه، أو بغير بدنه كأن علمه صنعة، ثم نسي هذه الصنعة، فإن عليه أن يرد العبد وعليه أرش مقابل نقص تعلم الصنعة، ولو كان ما تعلمها إلا عنده؛ لأنه لما حصلت له صارت ثابتة له، فيضمنها. وكذلك أيضاً لو غصب عبداً أو دابة ثم سمنت الدابة وصار لها قيمة، فبدلاً من أن كانت قيمتها مائة صارت قيمتها مائة وخمسين، ثم هزلت الدابة وصارت لا تساوي إلا مائة، فإنه يردها ويرد الخمسين مقابل نقص السمن، ولو لم يحصل السمن إلا عنده؛ لأنه لما حصلت الزيادة ثبتت له، فلما نقصت وزالت الزيادة زالت الصفة، فكان ضامناً لها؛ لأنه معتد.

حكم تلف المغصوب وتعذر رده

حكم تلف المغصوب وتعذر رده قال المصنف رحمه الله تعالى: [وإن تلف المغصوب أو تعذر رده فعليه مثله إن كان مكيلاً أو موزوناً وقيمته إن لم يكن كذلك، ثم إن قدر على رده رده ويأخذ القيمة]. إذا غصب شيئاً ثم تلف فإنه يرد مثله إذا كان مثليا، وإن لم يكن له مثل فإنه يرد القيمة، فإذا كان المغصوب مكيلاً كحبوب فإنه يرد حبوباً مثلها. قوله: ثم إن قدر على رده رده ويأخذ القيمة. يعني أن الغاصب إذا غصب شيئاً ثم تعذر عليه أن يرده، فأعطى المغصوب منه القيمة وقال: أنا غصبت منك حبوباً وهذه قيمتها خمسة آلاف، ثم بعد ذلك وجدها فإنه يردها عليه ويسترجع القيمة، وكذلك إذا غصب دابة، تساوي ألفين أو ثلاثة، فضاعت فدفع قيمتها خمسة آلاف، ثم بعد ذلك وجدها فإنه يردها ويسترجع القيمة.

كيفية رد المغصوب حال خلطه بغيره

كيفية رد المغصوب حال خلطه بغيره قال المصنف رحمه الله تعالى: [وإن خلط المغصوب بما لا يتميز به من جنسه فعليه مثله منه]. إذا خلط البر ببر بحيث لم يتميز، كأن غصب مائة كيلو بر، وخلط معها مائة كيلو أخرى فإنه يرد مثلها من جنسها. قال المصنف رحمه الله تعالى: [وإن خلطه بغير جنسه فعليه مثله من حيث شاء]. إذا خلطه بغير جنسه ولم يتميز فعليه مثله من جنس آخر، ولا يلزم أن يكون من جنس هذا الشيء الذي خلطه به، بل عليه ما يماثله ولو من جنس آخر.

حكم الغرس في الأرض المغصوبة

حكم الغرس في الأرض المغصوبة قال المصنف رحمه الله تعالى: [وإن غصب أرضاً فغرسها أخذ بقلع غرسه وردها وأرش نقصها وأجرتها]. يعني: إذا غرس أرضاً غصبها فإنه يجبر بقلع غرسه ورد الأرض على صاحبها ورد النقص إذا كان حصل فيها نقص، وكذلك يلزمه الأجرة إذا كانت تؤجر ومضت عليها مدة يستطيع فيها أن يؤجرها.

حكم أخذ الغاصب الأرض وزرعها

حكم أخذ الغاصب الأرض وزرعها قال المصنف رحمه الله تعالى: [وإن زرعها وأخذ الغاصب الزرع ردها وأجرتها]. أي: إذا زرعها فإن الغاصب يرد الأرض ويرد الأجرة مقابل الزرع الذي استفاد منه. قال المصنف رحمه الله تعالى: [وإن أدرك مالكها الزرع قبل حصاده خير بين ذلك وبين أخذ الزرع بقيمته]. يعني أنه مضت مدة ورد الغاصب الأرض وفيها زرع، فإن صاحبها يخير بين أن يتركه لغاصبه ويأخذ الأجرة، أو يأخذ الزرع ويعطي قيمته للغاصب. أما إذا كان ليس فيها زرع ولا أشجار أثمرت فإن الغاصب يجبر على قلع غرسه.

حكم غصب الجارية ووطئها وإيلادها

حكم غصب الجارية ووطئها وإيلادها قال المصنف رحمه الله تعالى: [وإن غصب جارية فوطئها وأولدها لزمه الحد وردها ورد ولدها ومهر مثلها وأرش نقصها وأجرة مثلها]. هذا الحكم حين كانت الجواري تباع وكان العبيد يباعون، والرق سببه الكفر، فالمسلمون إذا غزوا الكفار وجاهدوا في سبيل الله وغنموا أموالهم وأولادهم صاروا عبيداً للمسلمين، فيوزعون على الجيش، ثم يبقون عبيداً يتناسلون ويتوالدون ويباعون، فالعبد مثله مثل المال، يبيعه المرء ويشتريه، وإذا اشترى الجارية فله أن يتسراها، فيطؤها بملك اليمين، وله أن يزوجها بآخر إذا كان لا يريد أن يتسراها. فالرق الشرعي سببه الكفر، وأما سرقة الأولاد وبيعهم فهي أمر محرم، ومن باع حراً وأكل ثمنه فقد جاء في حقه الوعيد الشديد، فإذا اشترى شخص جارية، فجاء ظالم وغصب الجارية، بحيث أخذها بالقوة، ثم وطئها، فولدت ولداً، ثم استطاع المغصوب منه أن يرد الجارية وألزم الغاصب بأنه يردها، فيلزمه ردها، ويقام عليه حد الزنا، وعليه أن يردها وولدها إن كان أولدها، وعليه أرش النقص من قيمتها أيضاً؛ لأنه أولدها، وكل ما ترتب على غصبه فإنه يلزمه. فعليه أمور: الأول: يقام عليه الحد، والثاني: رد الجارية، والثالث: رد الولد، والرابع: مهر مثلها لو كانت حرة؛ لأن البكر لها مهر، والثيب لها مهر. والخامس: أرش النقص؛ لأن قيمتها نقصت الآن، والسادس: أجرة مثلها في المدة التي استولى عليها؛ لأن الأمة تؤجر وتعمل، فلو عملت عند أناس يكون لها أجرة، فلو غصبها سنتين أو ثلاثاً فعليه أجرة هذه المدة.

حكم بيع الغاصب الجارية لمشتر وطئها بعد البيع

حكم بيع الغاصب الجارية لمشتر وطئها بعد البيع قال المصنف رحمه الله تعالى: [وإن باعها فوطئها المشتري وهو لا يعلم فعليه مهرها وقيمة ولدها إن أولدها وأجرة مثلها، ويرجع بذلك كله على الغاصب]. صورة هذه المسألة هي أن إنساناً غصب جارية، ولما غصبها باعها لشخص آخر لا يدري أنه غاصب، ويظن أنها ملك له، فتسراها وأولدها، ثم بعد ذلك علم أنها مغصوبة. فإنه يرد الجارية على صاحبها، ويرد الولد، وعليه مهر المثل، وعليه النقص، ثم يرجع بهذه الأشياء على الغاصب الذي باعها إليه، فتكون الغرامة راجعة إلى الغاصب.

الشفعة

الشفعة

تعريف الشفعة

تعريف الشفعة قال الإمام أبو محمد بن قدامة رحمه الله تعالى: [باب: الشفعة. وهو استحقاق الإنسان انتزاع حصة شريكه من يد مشتريها]. الشفعة: مشتقة من الشفع، والشفع ضد الوتر، والوتر ما كان واحداً والشفع ما كان اثنين، وسمي الشفيع شفيعاً لأنه يضم صوته إلى صوت من يشفع له، فإذا جاءك إنسان وقال لك: اشفع لي عند فلان فمعنى ذلك أن تضم صوتك إلى صوته، فيصير الصوت اثنين بعد أن كان واحداً. والشفعة: هي أن ينتزع الإنسان حصة شريكه بعد بيعها، كأن يكون لك أرض -مثلاً- أو بيت مشترك بينك وبين زيد لك نصفه، وله نصفه فبعت أنت نصيبك لمحمد ولم تخبر شريكك، فإنه إذا علم يشفع، بمعنى أنه ينتزع حصة الشريك أي: ينتزع نصف البيت ممن بعته له ويسلمه الثمن دفعاً للضرر، فالحكمة في ذلك دفع الضرر عن الشريك لأنه قد يتضرر بالشراكة. فإذا كان لزيد وعمر بيت بمائة ألف ثم جاء عمر وباع نصيبه من محمد بستين ألفاً، ولم يعلم الشريك الثاني فإنه إذا علم ينتزع حصة شريكه ويسلمه الستين ألفاً، ويكون له البيت كاملاً دفعاً للضرر بشروط الشفعة كما سيأتي.

شروط وجوب الشفعة

شروط وجوب الشفعة قال المصنف رحمه الله تعالى: [ولا تجب إلا بشروط سبعة: أحدها: البيع، فلا تجب في موهوب ولا موقوف ولا عوض خلع ولا صداق]. يعني: إذا باع الشريك نصيبه يكون فيه شفعة، أما إذا وهبه فليس فيه شفعة، وكذلك إذا وقفه، كأن يقول: وقفت نصيبي من البيت لله. فإنك لا تستطيع أن تنتزعه وتقول: أنا أشفع؛ لأنه لم يبع، وكذلك إذا جعله عوضاً لخلع زوجته، فقال لها: أخالعك على نصف البيت، فليس للشريك أن يقول: سآخذ النصف منها. لأنه إذا وهب أو وقف لا يأخذ عوضاً، فكيف للشريك أن يشفع حيث لا عوض؟! قال المصنف رحمه الله تعالى: [الثاني: أن يكون عقاراً أو ما يتصل به من البناء والغراس]. يعني: أن يكون ثابتاً كالأراضي والبيوت، ويتبعها الغراس، أما إذا كان منقولاً مثل السيارة فلا شفعة فيه؛ لأن الضرر في المنقول ليس كالضرر في الثابت. والمسألة فيها خلاف، فقد قيل: إن له الشفعة. قال المصنف رحمه الله تعالى: [الثالث: أن يكون شقصاً مشاعا فأما المقسوم المحدود فلا شفعة فيه]. أي: إذا كانت الأرض محددة ومقسمة فلا شفعة فيها. قال المصنف رحمه الله تعالى: [لقول جابر رضي الله عنه: (قضى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالشفعة في كل ما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة)]. ولأنه يزول الضرر، فإذا قسمت ووضحت الحدود فلا ضرر في البيع حينئذٍ ولا شفعة. قال المصنف رحمه الله تعالى: [الرابع: أن يكون مما ينقسم، فأما ما لا ينقسم فلا شفعة فيه]. وذلك كالبئر والحمام، فمثل هذين إذا باع أحدهما نصفه لا شفعة فيه؛ لأنه لا يقسم، إلا أن بعض العلماء قال في الحمام: فيه الشفعة. قال المصنف رحمه الله تعالى: [الخامس: أن يأخذ الشقص كله، فإن طلب بعضه سقطت شفعته]. الشرط الخامس: أن يأخذ الشقص كاملاً، فلو كانت أرض بين شخصين وباع أحدهما نصيبه فقال الشفيع: أنا لا أستطيع أن آخذ نصيبك كله، ولكن سآخذ الربع فإنه يقال له: إما أن تأخذ الجميع وإما أن تترك الجميع. قال المصنف رحمه الله تعالى: [ولو كان له شفيعان فالشفعة بينهما على قدر سهامهما]. أي: لو كانت الأرض بين ثلاثة كل واحد له الثلث ثم باع أحدهم ثلثه، فإنه تكون الشفعة للشريكين بحسب نصيب كل واحد منهما، وحينئذٍ يكون لكل واحد السدس، فالأول يضم إلى نصيبه السدس، والثاني يضم إلى نصيبه السدس، فتكون بينهما نصفين، فبدلاً من أن كانت الأرض أثلاثاً صارت بينهما نصفين. قال المصنف رحمه الله تعالى: [فإن ترك أحدهما شفعته لم يكن للآخر إلا أخذ الكل أو الترك]. أي: إذا كانت هناك أرض بين ثلاثة، ثم باع أحدهم فإن لكل واحد من الشريكين الآخرين أن يشفع بالسدس، فإذا قال أحدهما: أنا لا أريد الشفعة، نقول للثالث: عليك أن تأخذ الجميع، فإن قال: أنا لا أريد إلا السدس نصيبي نقول له: إما أن تأخذ الجميع وإما أن تترك الجميع. قال المصنف رحمه الله تعالى: [السادس: إمكان أداء الثمن، فإن عجز عنه أو عن بعضه سقطت شفعته]. يعني: أن يستطيع الشفيع أن يؤدي الثمن، فإن كان فقيراً فقال: سأشفع، ولكن ليس لدي نقود نقول له: فإما أن تسلم الثمن وإلا فلا شفعة لك. قال المصنف رحمه الله تعالى: [وإذا كان الثمن مثليا فعليه مثله، وإن لم يكن مثليا فعليه قيمته]. أي: إذا كان الثمن مثلياً فإنه يسلم المثل، وإذا كان قيمياً فإنه يسلمه القيمة. قال المصنف رحمه الله تعالى: [وإن اختلفا في قدره ولا بينة لهما فالقول قول المشتري مع يمينه]. وذلك لأنه هو الغارم، فإذا اختلفا وليس لهما بينه فالقول قول المشتري مع يمينه؛ لأنه هو الدافع. قال المصنف رحمه الله تعالى: [السابع: المطالبة بها على الفور ساعة يعلم، فإن أخرها بطلت شفعته، إلا أن يكون عاجزاً عنها لغيبة أو حبس أو مرض أو صغر فيكون على شفعته متى قدر عليها]. أي: لا بد من أن يطالب بالشفعة ساعة أن يعلم، فإذا علم أن الشريك باع فإنه يطالب بالشفعة، فإن سكت مدة ثم ادعى الشفعة فلا شفعة له، إلا إذا منعه مانع، كأن يكون مريضاً أو صغير السن، أو محبوساً، أو غائباً، فهو حينئذٍ معذور، فالغائب متى ما جاء وعلم له الشفعة، ولو بعد سنين، والصغير إذا كبر يشفع، والمريض كذلك إذا شفي من مرضه يشفع، والمحبوس إذا خرج من حبسه وعلم له أن يشفع. أما إذا كان ليس له عذر وسمع أن شريكه باع وسكت، ثم بعد مدة بدى له أن يشفع فإنا نقول: ليس لك ذلك؛ لأنك سكت ورضيت أولاً ولم تطالب. قال المصنف رحمه الله تعالى: [إلا أنه إن أمكنه الإشهاد على الطلب بها فلم يشهد بطلت شفعته]. يعني: ينبغي له إذا كان في مثل الحبس أن يشهد من عنده، فيقول: اشهدوا أني أشفع لكنني لا أستطيع الآن، أو كان غائباً فإنه يشهد من حوله فيقول: اشهدوا أني على شفعتي الآن إذا قدمت. وهذا أحسن وأحوط. قال المصنف رحمه الله تعالى: [فإن لم يعلم حتى تبايع ثلاثة فأكثر فله مطالبة من شاء منهم، فإن أخذ من الأول رجع عليه الثاني بما أخذ منه والثالث على الثاني]. إذا حصل أن بيعت الأرض مرات وهو مريض أو غائب أو لم يعلم فهو على شفته، فلو بيع الشقص على ثلاثة فإنه ينتزع الحصة ويسلم القيمة، فإن أخذها من الأول رجع عليه الثاني، وإن أخذها من الثاني رجع عليه الثالث، وهكذا.

حكم أخذ المشتري المشفوع فيه وفيه بناء أو غراس

حكم أخذ المشتري المشفوع فيه وفيه بناء أو غراس قال المصنف رحمه الله تعالى: [ومتى أخذه وفيه غرس أو بناء للمشتري أعطاه الشفيع قيمته، إلا أن يختار المشتري قلعه من غير ضرر فيه]. لو كان هناك شركة في أرض أو في بستان ثم باع أحد الشريكين نصيبه فغرس فيه المشتري نخلاً أو شجراً ثم جاء الشريك وشفع وأعطاه القيمة فإن النخل والأشجار تبقى ويدفع قيمتها للمشتري، إلا إذا اختار قلعها فقال: أنا سأقلع أشجاري. يقلع أشجاره إذا لم يكن عليه ضرر.

حكم وجود الزرع والثمر البادي في المشفوع فيه بعد أخذه

حكم وجود الزرع والثمر البادي في المشفوع فيه بعد أخذه قال المصنف رحمه الله تعالى: [وإن كان فيه زرع أو ثمر باد فهو للمشتري يبقى إلى الحصاد أو الجذاذ]. يعني: لو لم يعلم حتى أثمرت النخل، أو صار الزرع فيه حبوباً فإنه يبقى ويأخذه المشتري، فيأخذ التمر ويأخذ الزرع.

الشفعة في الشقص المباع مع سيف في عقد واحد

الشفعة في الشقص المباع مع سيف في عقد واحد قال المصنف رحمه الله تعالى: [وإن اشترى شقصا وسيفا في عقد واحد فللشفيع أخذ الشقص بحصته]. أي: إذا بيع الشقص من الأرض والسيف في عقد واحد فإن الشفيع يأخذ نصف الأرض بقيمته والسيف لا حاجة له فيه. وقال بعض العلماء: إنه ليس له الشفعة في هذه الحالة ما دام أنه باع شيئين، والصواب أن له الشفعة.

كتاب الوقف

شرح عمدة الفقه_كتاب الوقف حث الإسلام على إنفاق المال في وجوه الخير والبر، وجعل لهذا الإنفاق نظاماً حتى لا تكون النفقة عشوائية، فمن أنظمة الإنفاق وصوره الوقف والهبة والزكاة وغيرها.

أحكام الوقف

أحكام الوقف

تعريف الوقف وبيان ألفاظه

تعريف الوقف وبيان ألفاظه قال المصنف رحمه الله تعالى: [كتاب الوقف. هو تحبيس الأصل وتسبيل الثمرة]. الوقف معناه: الحبس، وعرفه بأنه تحبيس الأصل وتسبيل الثمرة، بمعنى أنه يحبس الرقبة فيجعلها محبوسة لا تباع ولا تورث ولا توهب. والثمرة هي ثمرة هذا الأصل وريعه وما يخرج منه، فينفق في الأعمال الخيرية. ولا بد للوقف أن يكون له ألفاظ، كـ (وقفت) أو (حبست) أو (سبلت) وهذه ألفاظ صريحة، أما الكنايات فلا بد لها من نية، كأن يقول: (تصدقت)، و (حرمت)، و (أبدت)، فهذه كناية إذا وجدت معها النية أو قرن بها ما يدل عليها صار وقفاً، كأن يقول: تصدقت صدقة موقوفة أو محبوسة. والصواب أن الوقف يكون بالقول وبالفعل، فالقول هو أن يقول: تصدقت أو حرمت أو سبلت، والفعل كأن يبني مسجداً ويأذن للناس في الصلاة فيه، أو يسور أرضاً ويأذن للناس بدفن الموتى فيها، فيكون هذا وقفاً بالفعل.

ما يجوز وقفه وما لا يصلح فيه الوقف

ما يجوز وقفه وما لا يصلح فيه الوقف قال المصنف رحمه الله تعالى: [ويجوز في كل عين يجوز بيعها وينتفع بها دائماً مع بقاء عينها كالمزارع والبيوت ونحوها]. أي أن كل عين لا يجوز بيعها لا توقف، فالأشياء المحرمة لا يجوز وقفها. وكذلك التي لا تبقى عينها، كالأشياء المائعة والرياحين وما أشبهها لا توقف؛ لأن عينها لا تبقى، والأطعمة تؤكل ولا تبقى، فلابد أن تكون العين باقية ينتفع بها كالأراضي والمزارع والسيارات. قال: [ولا يصح في غير ذلك مثل الأثمان والمطعومات والرياحين]. الأثمان هي النقود، فإذا دفعها إلى من يشتري بها وقفاً فهذه وكالة في شراء وقف، أما أن يعطيه دراهم ويقول: هذه وقف، فلا يصح ذلك؛ لأن الدراهم والدنانير ونحوها لا تبقى. وكذلك المطعومات كالبر يجعله وقفاً أو يأخذ تمراً ويقول: هذا وقف فإن هذا الوقف لا يصح، فلابد أن يكون الوقف عيناً ثابتة.

الجهة التي يصح صرف الوقف فيها

الجهة التي يصح صرف الوقف فيها قال المصنف رحمه الله تعالى: [ولا يصح إلا على بر أو معروف، مثل ما روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: (يا رسول الله! إني أصبت مالاً بخيبر لم أصب مالاً قط هو أنفس عندي منه؛ فما تأمرني فيه؟ قال: إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها، غير أنها لا يباع أصلها ولا يوهب ولا يورث، فتصدق بها عمر في الفقراء وفي القربى وفي الرقاب وفي سبيل الله والضيف)]. الوقف لا يباع ولا يورث ولا يوهب، وإنما يحبس فيه الأصل، ولا بد أن يكون الوقف على بر، لا أن يكون على محرم، كأن يقف كنيسة على النصارى، فهذا لا يجوز، أو يقف بيتاً ليشترى به خمور أو دخان، فلا يجوز هذا، فلابد أن يكون الوقف على جهة بر، ولا يكون على جهة معصية. والوقف لا يباع ولا يورث ولا يوهب، والثمرة والريع يصرفان في جهة البر، كما فعل عمر رضي الله عنه، فقد سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (إني أصبت مالاً بخيبر لم أصب مالاً قط هو أنفس عندي منه، فما تأمرني فيه؟ فقال: إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها، غير أنها لا يباع أصلها ولا يوهب ولا يورث) فتصدق بها عمر في القربى، والفقراء والمساكين وعلى الضيف. وإذا وقف المرء بيتاً يؤجر فإن الأجرة تصرف في أعمال البر، وإن أراد وقفه سكناً للفقراء والمساكين. قوله: فتصدق بها عمر في الفقراء. أي: في المساكين. وفي القربى، أي: قرابته. وفي الرقاب، أي: في العبيد المكاتبين. وابن السبيل، هو المسافر المنقطع الذي نفد ماله.

حدود انتفاع ناظر الوقف من الموقوف

حدود انتفاع ناظر الوقف من الموقوف قال المصنف رحمه الله تعالى: [ولا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف ويطعم صديقا غير متمول فيه]. أي: أن الذي يلي هذا الوقف لا جناح عليه أن يأكل منه ويطعم صديقه، إلا أنه لا يتمول ولا يأخذ من ريع هذا المال، لكن يأكل هو بالمعروف ويطعم الصديق ويطعم الضيف. وإذا تعطلت مصالح هذا الوقف فإنه ينقل على الصحيح، وقال بعض أهل العلم: إنه لا ينقل، وأما المسجد فإنه إذا استغنى عن بعض الفرش أو الحصير أو عن شيء مما يتعلق بالمسجد فإنه ينقل إلى مسجد مماثل محتاج.

الكيفية التي يعتبر بها الوقف صحيحا

الكيفية التي يعتبر بها الوقف صحيحاً قال المصنف رحمه الله تعالى: [ويصح الوقف بالقول والفعل الدال عليه، مثل أن يبني مسجداً ويأذن في الصلاة فيه، أو سقاية ويشرعها للناس]. يصح الوقف بالفعل، وروي عن الإمام أحمد أنه لا يصح إلا بالقول، والصواب أنه يصح بالقول وبالفعل.

حكم بيع الوقف

حكم بيع الوقف قال المصنف رحمه الله تعالى: [ولا يجوز بيعه إلا أن تتعطل منافعه بالكلية، فيباع ويشترى به ما يقوم مقامه]. هذا هو الصواب، وهو أنه إذا تعطلت مصالحه فإنه يباع ويشترى به ما يقوم مقامه. قال المصنف رحمه الله تعالى: [والفرس الحبيس إذا لم يصلح للغزو بيع واشترى به ما يصلح للجهاد]. إذا كان الفرس محبوساً على الجهاد، ولا يصلح للغزو فإنه يباع ويشترى به ما يصلح للجهاد، وكذلك إذا كانت سيارة أو مدرعات محبوسة ثم تعطلت فإنها تباع ويشترى بها ما يقوم مقامها. قال المصنف رحمه الله تعالى: [والمسجد إذا لم ينتفع به في مكانه بيع ونقل إلى مكان ينتفع به]. وفي الرواية الأخرى أنه لا يباع المسجد.

الجهة التي يرجع إليها في تصريف الوقف

الجهة التي يرجع إليها في تصريف الوقف قال المصنف رحمه الله تعالى: [ويرجع في الوقف ومصرفه وشروطه وترتيبه وإدخال من شاء بصفة وإخراجه بها -وكذلك الناظر فيه والنفقة عليه- إلى شرط الواقف]. الوقف يرجع فيه إلى شرط الواقف وترتيبه ويرجع فيه إلى الصفة التي ذكرها الواقف، فإذا قال: وقفته على طلبة العلم ينظر فمن اتصف بطلب العلم، فيكون داخلاً في الوقف. وكذلك الترتيب، فإذا رتبه فقال: يصرف على كذا ثم على الفقراء ثم على المساكين ثم على طلبة العلم يبدأ صرفه بالترتيب، ولهذا يقول العلماء: قول الواقف مثل النص الشرطي، فإذا نص الواقف على شيء ينفذ. وكذلك مصرفه، فإذا قال: يصرف في أعمال البر، أو: يصرف على الفقراء، أو على الأيتام، أو على أقاربي فإنه يلزم أن يصرف في الجهة التي عينها الواقف إذا كانت جهة بر، فإن كانت جهة معصية فإنه لا ينفذ، ويصرف إلى جهة بر.

حكم الوقف على الأولاد ثم على المساكين

حكم الوقف على الأولاد ثم على المساكين قال المصنف رحمه الله تعالى: [فلو وقف على ولد فلان ثم على المساكين كان الذكر والأنثى بالسوية إلا أن يفضل بعضهم]. وذلك لأن الولد يشمل الذكر والأنثى. قال: [فإذا لم يبق منهم أحد رجع إلى المساكين]. وذلك لأنه أتى بكلمة (ثم)، وهي تفيد الترتيب.

تقسيم الوقف إذا وقف على من يمكن حصرهم ومن لا يمكن حصرهم

تقسيم الوقف إذا وقف على من يمكن حصرهم ومن لا يمكن حصرهم قال المصنف رحمه الله تعالى: [وإن كان الوقف على من يمكن حصرهم لزم استيعابهم به إلا أن يفضل بعضهم]. إذا قال: وقفت على أولاد عمي وكانوا عشرة أو عشرين يمكن حصرهم فيلزم استيعابهم، أما إذا قال: وقفت على قبيلة بني فلان أو القبيلة الفلانية، وكانت كثيرة لا يمكن حصرها، فهذا لا يلزم الحصر. قوله: إلا أن يفضل بعضهم. يعني: إلا إذا فضل الواقف بعضهم، فإذا فضل بعضهم على بعض فله ذلك. قال المصنف رحمه الله تعالى: [وإن لم يمكن حصرهم جاز تفضيل بعضهم على بعض وتخصيص واحد منهم به]. إذا لم يمكن حصرهم بأن قال: وقفت على قبيلة فلان وما وجدنا إلا خمسة أو اثنين أو عشرة فإنا نعطيهم هذا الوقف.

أحكام الهبة

أحكام الهبة

تعريف الهبة وبيان ألفاظها

تعريف الهبة وبيان ألفاظها قال الإمام أبو محمد بن قدامة رحمه الله تعالى: [باب: الهبة. وهي: تمليك المال في الحياة بغير عوض]. الهبة هي التمليك في الحياة بغير عوض، والفرق بينها وبين الوصية أن الوصية تمليك بعد الوفاة، والهبة تمليك في حال الحياة. وقوله: بغير عوض، يعني: بغير مقابل، وبهذا يخرج البيع، فالبيع تمليك في الحياة بعوض، والهبة تمليك بغير عوض في الحياة، والوصية تمليك بغير عوض بعد الموت. ولها ألفاظ، فتقول: (وهبتك) أو (ملكتك) أو (أعطيتك). وتصح أيضاً بالعطية مع القرينة، فتناوله إياها ويكون هناك قرينة، أو مع اللفظ، فتقول: هذه لك، فتكون هبة، وتملك حرزاً بالقبض. وليس للواهب أن يشتري الهبة، وليس له أن يعود فيها، إلا الوالد إذا أعطى ولده فله أن يرجع؛ لأن ما يملكه الابن لأبيه، لحديث: (أنت ومالك لأبيك)، أما غيره فلا يجوز له أن يرجع في عطيته بعد أن أقبضها الموهوب له؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (العائد في هبته كالكلب يقيئ ثم يعود في قيئه).

ما تصلح به الهدية

ما تصلح به الهدية قال المصنف رحمه الله تعالى: [وتصح بالإيجاب والقبول والعطية المقترنة بما يدل عليها]. الإيجاب والقبول أن يقول الواهب: وهبتك، ويقول الموهوب له: قبلت. كأن يقول: وهبتك هذا المال أو هذه السيارة، فيقول: قبلت. وكذلك تصح بالمعاطاة مع قرينة أنه وهبها له.

لزوم الهبة بالقبض وبيان وجوب التسوية بين الأولاد فيها

لزوم الهبة بالقبض وبيان وجوب التسوية بين الأولاد فيها قال المصنف رحمه الله تعالى: [وتلزم بالقبض، ولا يجوز الرجوع فيها إلا الأب؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وعلى آله سلم: (لا يحل لأحد أن يعطي عطية فيرجع فيها إلا الوالد فيما يعطي ولده)، والمشروع في عطية الأولاد أن يسوى بينهم على قدر ميراثهم؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم)]. هذا هو الصواب، وهو أن الأب ليس له أن يفرق بين أولاده، بل يعدل بينهم، والعدل يكون بأن يعطي الذكر مثل حظ الأنثيين، أي: أن يعطي الذكر ضعف ما يعطي الأنثى. وهذا هو العدل؛ لأن الله تعالى قسم الميراث هكذا فقال: {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ} [النساء:11]، ولما ثبت في الصحيحين وغيرهما أن النعمان بن بشير نحله والده عبداً، أي: أعطاه عبد، فقالت له زوجه عمرة بنت رواحة: أشهد على ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فلما جاء ليشهد النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أكل ولدك نحلته هكذا -أي: أكل واحد أعطيته عبداً-؟ قال: لا، قال: اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم) وفي لفظ: (أشهد على هذا غيري) وهذا من باب الإنكار، وفي لفظ: (إني لا أشهد على جور)، وفي لفظ آخر: (أتحب أن يكونوا لك في البر سواء؟ قال: نعم، قال: فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم)، وفي رواية: (فارجعه). كل هذا الروايات تدل على أنه لا يجوز للأب أن يفاضل بين أولاده، وأنه إذا فاضل فعليه أن يرجع في العطية أو يعطي الأولاد الآخرين مثلما أعطى الأول. والتفضيل بينهم من أسباب القطيعة والبغضاء، فإذا عرفوا أن أباهم فضل واحداً عليهم صار بينهم بغضاء.

حكم العمرى

حكم العمرى قال المصنف رحمه الله تعالى: [وإذا قال لرجل: أعمرتك داري أو هي لك عمرى فهي له ولورثته من بعده]. قوله: أعمرتك داري يعني: أعطيتك إياها مدة عمرك وحياتك، فهي له عطية كاملة؛ إذا مات ورثها أولاده. قال: [وإن قال: سكناها لك عمرك فله أخذها متى شاء]. يعني: لو أعطاها للانتفاع فإنه ينتفع بها.

حكم عطية المريض

حكم عطية المريض قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: عطية المريض. تبرعات المريض مرض الموت المخوف، ومن هو في الخوف كالواقف بين الصفين عند التقاء القتال، ومن قدم ليقتل، وراكب البحر حال هيجانه، ومن وقع الطاعون ببلده إذا اتصل بهم الموت حكمها حكم وصيته في ستة أحكام: أحدها: أنها لا تجوز لأجنبي بزيادة على الثلث] يعني: أن المريض مرضاً مخوفاً ومن في حكمه عطيته حكمها حكم الوصية لا تجوز إلا بالثلث. والمرض نوعان: مرض غير مخوف، ومرض مخوف، فالمرض غير المخوف لصاحبه كافة التصرفات في جميع ماله، أما المرض المخوف وما في حكمه فحكم العطية فيه حكم الوصية. ومثل المصنف رحمه الله، لمن في حكم المريض مرضاً مخوفاً بمن وقف في الصف عند التحام القتال، ومن ركب البحر عند هيجانه، ومن قدم للقتل، كل هؤلاء لا يتبرعون إلا بالثلث. وكذلك من كان مرضه السرطان -والعياذ بالله- إذا كانت ظاهرة خطورته، فهذا يعتبر مرضاً مخوفاً، فحكم تبرع صاحبه حكم الوصية لا تجوز إلا في الثلث. أما إذا كان مرضاً عادياً ليس بمخوف فللمريض أن يتصرف في جميع ماله. قال المصنف رحمه الله تعالى: [ولا لوارث بشيء إلا بإجازة الورثة]. أي: أن الوارث لا يتبرَّع له بشيء مطلقاً، إلا إذا أذن الورثة عن رضا وطواعية فلا بأس بذلك. قال المصنف رحمه الله تعالى: [لما روي (أن رجلا أعتق ستة مملوكين عند موته لم يكن له مال غيرهم، فدعا بهم النبي صلى الله عليه وسلم فجزأهم أثلاثاً، فأعتق اثنين وأرق أربعة)]. هذا دليل على أنه لا ينفذ تبرعه إلا في الثلث، حيث أنفذ النبي صلى الله عليه وسلم العتق في اثنين -وهما الثلث- ورد الأربعة إلى الدار. قال المصنف رحمه الله تعالى: [الثاني: أن الحرية تجمع في بعض العبيد بالقرعة إذا لم يف الثلث بالجميع للخبر]. إذا أعتق مثلاً ستة أعبد وليس له غيرهم فلا ينفذ إلا الثلث، لكن لو كان عنده ثمانية عشر عبداً وأعتق ستة قال: هؤلاء الستة عبيد ينفذ؛ لأنهم الثلث، لكن إذا أعتق ستة وليس له غيرهم، نقول: ليس لك إلا اثنان، اثنان تنفذ فيهم الوصية ويعتقان، وأربعة يعودون إلى الرق ونعرف ذلك بالقرعة، نأتي بالستة ونعيد القرعة فالذي تقع عليه القرعة يكون هو الذي ينفذ فيه العتق، والباقي يكونون أرقاء. قال: [الثالث: أنه إذا أعتق عبداً غير معين أو معيناً فأشكل أخرج بالقرعة]. كذلك إذا قال: عنده مائة عبد، وقال: واحد من عبيدي حر. قال: [الرابع: أنه يعتبر خروجها من الثلث حال الموت]. العبرة بحال الموت فلو قال: ستة من عبيدي أحرار، وليس له مال غيرهم -يعني: بعد موته- لكن بعد ذلك عاش سنين، ثم بلغ ثمانية عشر عبداً، نقول: إذاً: يعتقون الآن، لكن لما كان عنده ستة فقط فإنهم لا ينفذون، فلا تأخرت وفاته وملك زيادة من المال وخرج من الثلث فإنه ينفذ، فالعبرة بوقت الوفاة، ولا يعتبر ثلث ماله إلا عند الوفاة. قال: [فلو أعتق عبداً لا مال له سواه أو تبرع به، ثم ملك عند الموت ضعف قيمته تبينا أنه عتق كله حين إعتاقه، وكان ما كتبه بعد ذلك له، وإن صار عليه دين يستغرقه لم يعتق منه شيء]. لأن الدين مقدم. قال: [ولا يصح تبرعه به، ولو وصى له بشيء فلم يأخذه الموصى له زماناً قوم عليه وقت الموت لا وقت الأخذ]. لو أوصى لشخص وصية في حال الحياة، لكن لم يأخذها إلا بعد الموت يكون حكمه حكم الثلث ثابت. قال: [الخامس: أن كونه وارثاً يعتبر حالة الموت فيهما فلو أعطى أخاه أو وصى له ولا له ولد فولد له ابن صحت العطية والوصية]. لأنه لا بأس به في هذه الحالة، إذ لا يوجد الابن، فلو وصى لأخيه قبل أن يوجد له أولاد، نقول: هذه الوصية لا تصح الآن في حال الحياة، لكن قبل أن يتوفى رزق بابن نقول: صحت الوصية؛ لأن الأخ أصبح غير وارث، فالعبرة بوقت الموت. قال: [ولو كان له ابن فمات بطلت]. لو كان له ابن عندما وصى له، ثم مات يرث الأخ وتبطل الوصية، يعني: العبرة بحال الموت. قال: [السادس: أنه لا يعتبر رد الورثة وإجازتهم إلا بعد الموت فيهما]. يعني: إذا أوصى بأكثر من ثلث ماله، فالورثة ليس لهم رد ولا إذن إلا بعد وفاته.

الأحكام الأربعة التي تفارق فيها العطية الوصية

الأحكام الأربعة التي تفارق فيها العطية الوصية قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وتفارق العطية والوصية لأحكام أربعة]. العطية في وقت الحياة والوصية بعد الموت، بينهما فروق أربعة. قال: [أحدها: أن العطية تنفذ من حينها، فلو أعتق عبداً أو أعطاه إنساناً صار المعتق حراً وملكه المعطى وكسبه له، ولو وصى به أو دبَره لم يعتق]. يعني: لم يعتق إلا بعد الموت. قال: [ولم يملكه الموصى له إلا بعد الموت]. أي: لم يكن للموصى له إلا بعد الموت، هذا الفارق الأول: أن العطية تنفذ في الحال، فإذا أعطاه عبداً أو غيره تنفذ في الحال ويملكه ويكون له كسبه، أما إذا أوصى له فلا يرث إلا بعد الموت ويأخذ من الثلث، والعطية في الحياة لا تعتبر من الثلث. قال: [وما كسب أو حدث فيه من نماء منفصل فهو للورثة]. يعني: ما كسبه أو نماه الموصى به. قال: [الثاني: أن العطية يعتبر قبولها وردها حين وجودها كعطية الصحيح، والوصية لا يعتبر قبولها ولا ردها إلا بعد موت الموصي]. فالعطية شروط قبولها وردها في الحال، إذا قال: أعطيتك كذا، يقول: قبلت أو يردها، بخلاف الوصية فلا يكون ذلك إلا بعد الموت. قال: [الثالث: أنها تقع لازمة لا يملك المعطي الرجوع فيها، والوصية له الرجوع فيها متى شاء]. فالفرق الثالث: إذا أعطى شخصاً وقبضه ليس له الرجوع، وأما الوصية فإذا أوصى لفلان بعد موته ثم أراد أن يرجع رجع؛ لأنه لم يأت وقت الوصية، إنما يكون وقتها بعد الموت، فالعطية ليس له أن يرجع فيها، والوصية له أن يرجع فيها. قال: [الرابع: أن يبدأ بالأول فالأول منها إذا ضاق الثلث عن جميعها، والوصية يسوى بين الأول منها والآخر]. يعني: العطية يكون فيها الترتيب، العطية الأولى ثم العطية الثانية ثم العطية الثالثة، والوصية يسوى بينها لا فرق بين أن أوصى لفلان أو فلان أو فلان، وإذا ضاق الثلث فكل واحد يأخذ بالنسبة، مثل الغرماء، لكن في العطية كيف يبدأ بالأول فالأول وهو في زمن الحياة، والأصل أن العطية تنفذ كلها؟ وذلك لأن السابق استحق الثلث فلم يسقط فيما بعده. حيث إن العطية ليس لها علاقة بالثلث، ما دام هو في زمن الحياة، فالعطية ليست في زمن الحياة فكيف تربط بالثلث؟ فالإشكال إذا ضاق الثلث عنه، كيف تربط الثلث بالعطية ما دامت في زمن الحياة؟ ومعنى قوله: أن يبدأ بالأول فالأول منها إذا ضاق الثلث عن جميعها والوصية يسوي بين الأول أن هذا كعطية المريض، وعطية المريض تنفذ في الحال، لكن أعطى فلاناً مائة وفلاناً مائة وفلاناً مائة، ولما أعطينا الأول مائة والثاني مائة انتهى الثلث، وأصبح الثالث ليس له شيء؛ لأنه لا تنفذ إلا الثلث، لكن إذا وصى لفلان ووصى بمائة لفلان ووصى لفلان، ولم نجد في ماله إلا مائة فإننا نعطي الأول ثلاثة وثلاثين، والثاني ثلاثة وثلاثين والثالث ثلاثة وثلاثين، وإذا كانا اثنين نعطي كل واحد منها النصف، وفي عطية الملك في زمن الحياة أعطى واحداً مائة والثاني مائة والثالث مائة، ولم نجد إلا مائة فقط، فإننا نقول: نبدأ بالأول فالأول يأخذ مائة والثاني والثالث ليس لهما شيء، لكن الوصية أوصى لفلان بمائة وفلان بمائة وفلان بمائة فكل واحد نعطيه الثلث، لكن نعطي الأول ثلاثة وثلاثين من الثلث والثاني ثلاثة وثلاثين من الثلث، والثالث ثلاثة وثلاثين فظهر الفرق بينهما؛ لأن العطية يلزم الأول فالأول والوصية يسوى بين الأول والآخر. قال: [ويدخل النقص على كل واحد بقدر وصيته سواء كان فيها عتق أو لم يكن]. النقص يعني: بالنسبة. قال: [وكذلك الحكم في العطايا إذا وقعت دفعة واحدة]. العطايا إذا وقعت دفعة واحدة كذلك، كان قال: أعطيت هؤلاء كل واحد منهم كذا وكذا، فهذا يدخل في حكم الوصية بالنسبة.

الأسئلة

الأسئلة

حكم من لم يستطع القيام بالإشراف على الوقف

حكم من لم يستطع القيام بالإشراف على الوقف Q أعطيت مبالغاً من المال وبعض الأجهزة الإلكترونية لمشروع خيري، وما زال ذلك كله عندي، علماً أنني تركت هذا المشروع، فماذا أعمل بالأموال والأجهزة الإلكترونية؟! A عليه أن يلتزم، أو يخبر المتبرعين بأنه لا يستطيع؛ حتى يوكلوا غيره ليقوم بإكمال المشروع.

اختلاف الوصية عن التبرع

اختلاف الوصية عن التبرع Q هل تقاس الوصية على التبرع؟ A العطية إن كانت في حالة الصحة فله أن يعطي ما شاء، وإن كانت في حال المرض المخوف فحكمها حكم الوصية، لكن تفارقها، فيكون الثلث للأول فالأول، وإذا سقط الثلث سقطت العطايا التي بعدها، أما الوصية فإنه يسوى بينها وبين الأولى والثانية والثالثة وإذا ضاقت عن الثلث فكل واحد يأخذ بالنسبة.

وجوب تسوية العطاء بين الأولاد

وجوب تسوية العطاء بين الأولاد Q كيف يعطي إذا كان هناك اختلاف في أعمار الأولاد ومتطلباتهم تختلف؟ A لابد أن يسوي بينهم صغيراً أو كبيراً، لكن كأن السائل فهم من هذا النفقة والكسوة، تقول: النفقة والكسوة لا تدخل في العطية، ومعلوم أن نفقات الكبير غير نفقات الصغير، وكذلك إذا كان كبيراً وله أولاد وأعطاه نفقه فهذه لا تسمى عطية، بل هي نفقة واجبة، فإذا كان بعض الأولاد محتاجاً وبعض الأولاد غير محتاج وأعطى المحتاج فإن ذلك من باب النفقة لا تدخل في العطية، لكن العطية التي يجب أن يسوى بها ما زادت عن النفقة، والصغير والكبير واحد، فالعطية واحدة، فلا يعطي الابن الكبير أرضاً والصغير لا يعطيه شيئاً، بل كل واحد يعطيه أرضاً، وكل واحد يعطيه سيارة، أما النفقة فإنها تختلف، فمن يحتاج النفقة يعطيه كبيراً أو صغيراً، ومن لا يحتاج النفقة فليس له شيء.

المتون التي تعين على فهم الفرائض

المتون التي تعين على فهم الفرائض Q ما هو المتن الذي ينصح بحفظه ليعين على فهم الفرائض وتثبيتها؟ A متن الرحبية، ثم الفوائد الجلية في المباحث الفرضية للشيخ عبد العزيز بن باز فممكن للإنسان أن يحفظها ويتقنها وليس فيها استطرادات.

حديث تميم الداري في الدابة والدجال

حديث تميم الداري في الدابة والدجال Q ما درجة حديث تميم الداري رضي الله عنه في الحديث عن الدابة والدجال؟ A حديث صحيح، في صحيح مسلم وهو ثابت من أصح الأحاديث لا إشكال فيه، وهو في رواية الشعبي عن فاطمة بنت قيس.

وجوب العدل بين الأبناء

وجوب العدل بين الأبناء Q إذا كان أحد الأبناء أحوج من الباقين وأعطيته منزلاً باسمه فما الحكم؟ الشيخ: لا يجوز، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم)، لكن إذا كان فقيراً ينفق عليه، أما إذا لم يكن له منزل فإنه يستأجر منزلاً كغيره، فإذا كان له مرتب يسدد الإيجار من مرتبه وينفق على نفسه، أما إذا كان فقيراً ولا يستطيع أن ينفق على نفسه فلا بأس أن ينفق عليه، أما أن يعطيه منزلاً فليس له ذلك، إلا أن يعطي كل واحد من أبنائه منزلاً مثل منزله.

كتاب الوصايا [1]

شرح عمدة الفقه_كتاب الوصايا [1] حفظ الإسلام ممتلكات المسلمين وأعراضهم، وضمن لليتيم حقه، ولأبناء الموصي حقوقهم، فلا ضرر ولا ضرار، فلعطية المريض ووصيته أحكام في الشرع مستنبطة من الكتاب والسنة.

الوصايا

الوصايا يقول المؤلف رحمه الله تعالى: [كتاب الوصايا]. الوصايا: جمع وصية، والوصية: هي الأمر بالتصرف بعد الموت، والوصية بالمال معناها: التبرع بالمال بعد الموت، يعني: يأمر غيره أن يتصرف بعد موته.

الدليل من السنة على حكم الوصية ومقدارها

الدليل من السنة على حكم الوصية ومقدارها قال المؤلف رحمه الله تعالى: [روي عن سعد رضي الله عنه قال: (قلت: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بلغ بي الجهد ما ترى، وأنا ذو مال ولا يرثني إلا ابنة، أفأتصدق بثلثي مالي؟ قال: لا، قلت: فالشطر؟ قال: لا، قلت: فالثلث؟ قال: الثلث، والثلث كثير، إنك أن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس)]. هذا الحديث رواه الشيخان، والوصية مستحبة إذا ترك الإنسان مالاً خيراً كثيراً فيستحب له أن يوصي، إلا إذا ترك مالاً قليلاً فالأولى أن يبقيه للورثة، لهذا الحديث حديث سعد: (إنك أن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس) وتجب الوصية إذا كان له أو عليه ديون للناس وليس بها بينة نهاءته يجب أن يوصي في هذه الحالة، حتى لا تضيع الحقوق، وحتى لا يأخذها الورثة، أما إذا لم يكن له شيء أو عليه فإنه مستحب، لحديث ابن عمر: (ما حق امرئ يبيت ليلتين له شيء يوصي فيه إلا وصيته مكتوبة عند رأسه)، وهو في خارج الصحيح، فيستحب الوصية، وله أن يوصي بالثلث، والأفضل أن يوصي بأقل من الثلث، لأن ابن عباس قال: لو أن الناس نظروا من الثلث إلى الربع فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال (الثلث والثلث كثير)، ولهذا أوصى بعض السلف بالخمس، روي عن أبي بكر أنه أوصى بالخمس، وبعض العامة الآن لا يعرف إلا الثلث، فيوصي بثلث ماله؛ لعدم البصيرة، فتراه لا يتعدى الثلث ولا ينقص منه ولا يزيد عليه، وهذا خطأ، فالنبي صلى الله عليه وسلم يبين للعامة أنه يستحب له أن يوصي بالثلث وبالربع وبالخمس وبالسدس وبالعشر إذا كان ماله كثيراً. فالأولى أن يكون في أعمال البر، وكان الناس سابقاً لا يعرفون إلا الضحايا، فيوصي أحدهم بضحية له ولأبيه ولأمه ولجده، فتكون في أعمال البر على نظر الموصي. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويستحب لمن ترك خيراً الوصية بخمس ماله]. الخير: هو المال الكثير، إذا ترك مالاً كثيراً فعليه أن يوصي بالخمس.

ممن ولمن تصح الوصية؟

ممن ولمن تصح الوصية؟ قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وتصح الوصية والتدبير من كل من تصح هبته]. أي: كل من يصح أن يهب وهو الذي يجوز تصرفه، والتدبير معناه: إعتاق العبد بعد موته، يقول: إذا مت فعبدي حر، فهذا يسمى تدبيراً؛ لأنه يعتق دبر حياته، ويصح أن يدبر الإنسان عبده إذا كان رشيداً نافذ التصرف فلا بأس، لكن كل من تصح هبته تصح وصيته وتدبيره، والذي تصح هبته هو الرشيد النافذ الذي له التصرف بخلاف السفيه، فالسفيه لا تنفذ تصرفاته ويحجر عليه، وكذلك من حجر عليه، أي: كالمفلس، وهو الذي كثرت ديونه، وطلب الغرماء حقوقهم فهذا يحجر عليه فلا يصح أن يوصي ولا يدبر. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ومن الصبي العاقل والمحجور عليه لسفه]. والصبي العاقل له أن يتصرف وله أن يوصي؛ لأن هذا خير، فالصبي ابن اثنتي عشرة سنة إذا قال: أنا أوصي بربع مالي صح، وله أن يغير الوصية، أو قال: إذا كان لي عبد عتقت عبدي. وكذلك المحجور عليه لسفه ضعيف العقل إذا وصى وقال: أوصي بربع مالي، أو أنا أعتق عبدي فلاناً فلا بأس، لكن المحجور عليه بحظ غيره من التلف هذا لا يتصرف إذا حجر عليه الحاكم؛ لأن هذا ضر بالغرماء. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولكل من تصح الهبة له]. أي: كل من تصح الهبة له تصح له الوصية. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وللحمل إذا علم أنه كان موجوداً حين الوصية له]. فلان امرأته حامل فقال: أنا أوصي بألف ريال للحمل الذي في بطن زوجة فلان فلا بأس، ولو سقط ميتاً أو لم تسقط شيئاً تبطل الوصية.

بماذا تصح الوصية؟

بماذا تصح الوصية؟ قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وتصح بكل ما فيه نفع مباح ككلب الصيد والغنم وبما فيه نفع من النجاسات]. فيوصي بكلب الصيد والحراسة أو كلب الغنم أو كلب بستان، أو الدهن المتنجس الذي يستفاد منه. والدهن الذي يستفاد منه كمثل إشعال النار، فقد كان هناك سابقاً يشعلون النار عن طريق الدهن. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وبالمعدوم كالذي تحمل أمته أو شجرته]. قوله: يصح بالمعدوم، كأن أقول: أوصيت بالذي تحمل أمتي، أو بالذي تحمل هذه الشجرة أو هذه النخلة من التمر، أوصي به لفلان لا بأس، أو ما حملت دابته أو الولد في بطن الناقة أو البقرة لفلان لا بأس ولا يضر؛ لأنها وصيته. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وتصح بما لا يقدر على تسليمه كالطير في الهواء والسمك في الماء]. كذلك أوصيت مثلاً لفلان طيوراً، أو له جمل شارد فيقول: أوصيت بالجمل الشارد لفلان، أو السمك الذي في الماء لا يقدر عليه، فلا بأس إن قدر عليه صار له، وإن لم يقدر عليه سقطت الوصية ولا يضر. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وبما لا يملكه كمائة درهم لا يملكها]. أوصى بمائة درهم ولا يملكها، لا بأس إن وجد بعد موته دراهم يعطى منها، وإن لم يوجد سقطت الوصية. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وبغير معين كعبد من عبيده ويعطيه الورثة منهم ما شاءوا]. شخص عنده مائة عبد فقال: أوصيت بعبد من عبيدي فلان فتصح، والورثة يعينون هذا العبد ويعطونه إياه. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويعطيه الورثة منهم ما شاءوا]. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وبالمجهول كحظ من ماله أو جزء ويعطيه الورثة ما شاءوا]. تقول: أوصيت لفلان بحظ من المال أو بجزء من مالي، أو بسهم من مالي تصح الوصية، والورثة هم الذين يعينون ويعطونه ما شاءوا، يعطونه ألف ريال أو خمسمائة ريال مثلاً، إن اتفقوا على شيء أعطوه جزءاً من المال قليلاً كان أو كثيراً؛ لأنه لم يحدد وكلمة جزء وحظ يشمل القليل والكثير، وهذا يرجع إلى الورثة يعطونه ما شاءوا.

أمثلة على المقادير التي تجوز الوصية بها

أمثلة على المقادير التي تجوز الوصية بها قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وإن وصى له بمثل نصيب أحد ورثته فله مثل أقلهم نصيباً يزاد على الفريضة]. إذا وصى بمثل نصيب أحدهم يعطى عطاء أقل واحد، فلو مات شخص مثلاً عن جدة وابن فالمسألة من ستة الجدة لها السدس يعني: واحد والابن له خمسة، وقال: وأوصى لشخص أن يعطى مثل نصيب واحد من الورثة، فيعطى مثل أقل نصيب واحد؛ فيعطى سهماً واحداً، فيجعل سبعة أسهم سهم وصية، وواحد للجدة وخمسة للابن، فإذا كانت الجدة هي أقل نصيب يعطى مثلها، فتكون المسألة من سبعة، ونصيب سهم وصية، ثم يبقى ستة، للجدة واحد والابن خمسة. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فلو خلف ثلاثة بنين ووصى بمثل نصيب أحدهم فله الربع]. لو مات شخص عن ثلاثة أبناء فقط، فالمسألة من ثلاثة، فلكل واحد ثلث المال، فإذا وصى بمثل نصيب واحد تجعل المسألة من أربعة، سهم للموصى به وثلاثة أسهم للبنين. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فإن كان معهم ذو فرض كأم صححت مسألة الورثة بدون الوصية من ثمانية عشرة، وزدت عليها بمثل نصيب ابن فصارت من ثلاثة وعشرين]. أي: إذا قال: أوصي بمثل نصيب وارث، إذا كانوا ثلاثة أبناء تكون المسألة من أربعة؛ لأن كل واحد له الثلث ونزيد عليها واحداً فتكون أربعة أسهم، لكن إذا كان معهم أم تكون المسألة من ستة للأم السدس واحد والباقي خمسة للأبناء وهم ثلاثة أبناء، فنأخذ ثلاثة ونضربها في أصل المسألة ستة تصبح ثمانية عشر، للأم واحد في ثلاثة يساوي ثلاثة، وللأبناء خمسة في ثلاثة يساوي خمسة عشر، فلكل واحد خمسة إذا صحت من ثمانية عشر صار لكل واحد خمسة، إذاًً: نزيد خمسة على ثمانية عشر فتصير ثلاثة وعشرين. فإن كان معهم والوصية لملك أحد البنين، والمعنى يحمل على هذا، يعني: إذا كان بنصيب أحد البنين، أما إذا قال: بمثل أحد الورثة فيكون أقل الورثة الأم، هذه مبنية على العبارة الثانية، لكنه قال: فإن كان معهم وقد وصى بمثل أحد أبنائه فتكون المسألة تصح من ثمانية عشر ويزاد عليه خمسة، على هذا قول مقيد بمثل أحد البنين لا أحد الورثة. فإن قيل: إذا وصى الرجل بأكثر من الثلث فهل تنفذ الوصية؟ A لا يجوز تنفيذ الوصية إلا بإذن الورثة، حتى إذا كانت الوراثة واحدة فبإذنها. قوله: فإن كان معهم ذو فرض كأم صححت مسألة الورثة بدون الوصية من ثمانية عشر. لأن للأم السدس، والباقي خمسة، والأبناء ثلاثة فإن كثر على رءوسهم الرباعية نضرب ثلاثة في خمسة تصير خمسة عشر، ثلاثة في ستة بثمانية عشر، فتصح من ثمانية عشر، وللأم السدس نصيب واحد، فتقول: واحد في ثلاثة تصير ثلاثة ولهم ثلاثة في خمسة تصير خمسة عشر، فلكل واحد خمسة، ونزيد عليها سدس ثمانية عشر فتصير ثلاثة فتكون بدلاً من ثمانية عشر واحداً وعشرين، ونعطي ثلاثة للموصى له والأم ثلاثة والباقي للأبناء للورثة. لكن المؤلف قال: (من ثلاثة وعشرين)؛ لأن الأبناء كل واحد يأخذ خمسة فيأخذ الموصى خمسة إذا وصى الموصي بمثل أحد الأبناء، أما إذا وصى بمثل أقل الورثة فإنه يعطى السدس نصيب أقل الورثة وأقلهم الأم. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولو وصى بمثل نصيب أحدهم ولآخر بسدس باقي المال جعلت صاحب سدس الباقي كذي فرض وصححتها كالتي قبلها]. فيعطى صاحب الفرض السدس كأنه يعطى السدس، والثاني بمثل نصيب أحد الأبناء فيعطى مثل نصيب الأبناء، فالذي أوصى له بالسدس من الباقي يعطى السدس، والذي وصى له بمثل نصيب الورثة يعطى مثل أحدهم، فيكون كأنهم أربعة أبناء وسدس. وهذه من الأشياء النادرة، فالمؤلف رحمه الله طول في هذه الصور وجعلها كأنها مسائل فرضية تقسم، والغالب أن الإنسان إما أن يوصي له بشيء معين مفروض له أو الثلث أو بقدر من الدراهم، أما إذا أوصى بمثل نصيب الورثة أو قال: سدس الباقي فهذا نادر وقليل، وقد لا يقوله إلا بعض من كان عنده شيء من العلم. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فإن كانت وصية الثاني بسدس باقي الثلث صححتها كما قلنا سواء، ثم زدت عليها مثليها فتصير تسعة وستين، وتعطي صاحب السدس سهما واحداً والباقي بين البنين والوصي الآخر أرباعاً، وإن زاد البنون على ثلاثة زدت صاحب السدس الباقي بقدر زيادتهم، فإن كانوا أربعة أعطيته مما صححت منه المسألة سهمين، وإن كانوا خمسة فله ثلاثة، وإن كانت الوصية بثلث باقي الربع والبنين أربعة فله سهم واحد]. فله سهم واحد؛ لأن الثلث الباقي يساوي السدس. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وإن زاد البنون على أربعة زدته بكل واحد سهماً]. إذا قال: له مثل نصيب الواحد وهم أربعة فاجعلهم خمسة، وإن كانوا خمسة فاجعلهم ستة، وهكذا تزيد واحداً، وتعطيه مثل نصيب أحدهم. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وإن زاد البنون على أربعة زدته بكل واحد سهماً، وإن وصى بضعف نصيب وارث أو ضعفيه فله مثلا نصيبه]. وصى بضعفه أو ضعفيه، فيعطى مثل النصيب مرتين، إذا قال: أوصي لفلان بضعفي ما لأحد الورثة، ينظر إذا كان أقل الورثة السدس يعطى السدسين؛ لأن الضعف مثل الشيء مرتين. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وثلاثة أضعاف (ثلاثة أمثاله)]. إذا قال: أعطوا فلاناً ثلاثة أضعاف، ننظر أقل الورثة إذا كان السدس نعطيه ثلاثة أضعاف السدس مثل السدس، يعني: ثلث وسدس، وذلك مثله ثلاث مرات. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وإن وصى بجزء مشاع كثلث أو ربع أخذته من مخرجه] ثلث أو ربع، مخرج الثلث من ثلاثة ومخرج الربع من أربعة، إذا كان وصى بثلث أو بربع يعطى سهم من أربعة، أو سهم من ثلاثة، وإن زاد على الثلث فلابد من إجازة الورثة. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقسمت الباقي على الورثة وإن وصى بجزأين كثلث وربع أخذتهما من مخرجهما]. الثلث من ثلاثة والربع من أربعة، تصير ثلثاً وربعاً، هذا بعد إجازة الورثة ما زاد على الثلث؛ لأنه لا يجوز الوصية بأكثر من الثلث إلا بإذن الورثة. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وإن وصى بجزأين كثلث وربع أخذتهما من مخرجهما وهو اثنا عشر وقسمت الباقي على الورثة]. يعني: ثلاثة في أربعة باثني عشر، إذ المفروض يكون ثلاثة، ومخرج الربع من أربعة وبينهما مباينة، فاضرب ثلاثة في أربعة باثني عشر، فتعطيه الربع من اثني عشر تصير ثلاثة، وتعطيه الثلث من اثني عشر فتصير أربعة، فيكون له سبعة. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فإن ردوا جعلت سهام الوصية ثلث المال وللورثة ضعف ذلك]. أي: إن رد الورثة وقالوا: هذا زاد على الثلث، ثلاثة وأربعة سبعة، قال: تعطيه الثلث فقط، وللورثة ضعف ما للموصى له مرتين، يعني: الثلثان للورثة والثلث للموصى. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وإن وصى بمعين من ماله فلم يخرج من الثلث فللموصى له قدر الثلث إلا أن يجيز الورثة]. يعني: إذا قال: أوصي لفلان بيتي الفلاني، العمارة الفلانية لفلان، فلما مات وجدنا العمارة نصف التركة، نقول: ما نعطيه نصف التركة نعطيه مقدار الثلث إلا إذا أجاز الورثة. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وإن زادت الوصايا على المال كرجل وصى بثلث ماله لرجل، ولآخر بجميعه ضممت الثلث إلى المال فصار أربعة أثلاث، وقسمت التركة بينهما على أربعة إن أجيزت لهما]. إذا قال: فلان له جميع مالي، وفلان له الثلث ننظر جميع المال ثلاثة أثلاث، والذي له الثلث صارت أربعة أثلاث نقسهما ونعطيهم سهماً فيكون الربع أو الثلث إن أجاز الورثة. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولو وصى بمعين لرجل ثم وصى به لآخر، أو أوصى إلى رجل ثم أوصى إلى آخر فهو بينهما]. كأن يقول: هذا البيت لمحمد بن عبد الرحمن، ثم قال: هذا البيت لعبد العزيز بن عبد الله فإنه يقسم بينهما ويصير البيت لهم نصفين. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وإن قال: ما أوصيت به للأول فهو للثاني بطلت وصية الأول]. كأن يكون أوصى لمحمد بن عبد الله ببيت، ثم أوصى به لعبد الرحمن بن عبد الله، وقال: ما أوصيت به للأول فهو للثاني معناه أبطل وصية الأول ويعطى الثاني؛ لأن الوصية الثانية ناسخة للوصية الأولى. وتقسم على كتاب الله. ويجوز الرجوع في الوصية بإجماع منهم؛ لأنها عطية تتنجز بالموت فجاز له الرجوع فيها قبل تنجزها كهبة ما يفتقر إلى القبض قبل تقبيضه يجوز الرجوع في الوصية على الإنسان إذا أوصى ثم أراد أن يغير في الوصية أو يزيد أو ينقص أو يلغيها له ذلك، قال: أوصيت لفلان بعد وفاتي، ثم بدا له شيء جديد، فقال: أنا أوصيت له بالربع وأوصي له الآن بالثلث، أو قال: أنا أوصيت بالربع وأوصي له بالخمس، أو قال: عدلت عن الوصية، فلا أوصي بشيء فله أن يغير ويبدل ويزيد وينقص؛ لأنه ماله وهو مادام في حال حياته فحكمه لا ينفذ إلا بعد الموت، والرجوع في الوصية نقلوا الإجماع فيها عن أهل العلم؛ لأنها عطية تتنجز بالموت، فجاز له الرجوع فيها قبل تنجزها كهبة ما يفتقر إلى القبض قبل تقبيضه.

كتاب الوصايا [2]

شرح عمدة الفقه_كتاب الوصايا [2] من أهم مقاصد الشريعة الحفاظ على المال، ومن الحفاظ على المال أن شرع فيمن يوصي، ويوصى له، وفي الوصي شروطاً لا تنفذ الوصية بدونها.

حكم بطلان الوصية أو بعضها

حكم بطلان الوصية أو بعضها يقول المؤلف رحمه الله تعالى: [فصل: إذا بطلت الوصية أو بعضها رجع إلى الورثة]. يعني: إذا أوصى الإنسان بوصية بشيء من ماله لشخص بعد وفاته، ثم بطلت الوصية أو مات الموصى له فهي ترد إلى الورثة، أو أوصى لوارث ترجع إلى الورثة، أو أوصى لشخص ثم توفي قبله، فإن ما أوصى له يرجع إلى الورثة، ويقتسمون حسب إرثهم على كتاب الله. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فلو وصى أن يشتري عبد زيد بمائة فيعتق، فمات أو لم يبعه سيده فالمائة للورثة]. يعني: أوصى وقال: بعد وفاتي يشترى هذا العبد ويعتق لله، فلما توفي جاءوا إلى زيد وقالوا: بع لنا عبدك؟ قال: لا، أنا لا أبيعه، فإن المائة ترجع إلى الورثة يقسمونها، أو توفي هذا العبد قبل وفاته، تكون المائة هذه التي وصى بها ترجع إلى الورثة ويقتسمونها إرثاً؛ لأن الوصية بطلت. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وإن وصى بمائة تنفق على فرس حبيس فمات الفرس فهي للورثة]. كذلك وصى أن يشترى بمائة فرساً يكون محبوساً في سبيل الله، فمات الفرس فإن المائة ترجع إلى الورثة. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولو وصى أن يحج عنه زيد بألف فلم يحج فهي للورثة]. كأن وصى وقال: يحج من ثلث مالي زيد بألف، فلم يحج ترجع الألف إلى الورثة. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وإن قال الموصى له: أعطوني الزائد على نفقة الحج لم يعط شيئاً]. كأن أوصى بأن يحج عنه زيد بألف ريال، فقال زيد: لن أحج، والحج تكلفته ثمانمائة ريال فأعطوني المائتين الزائدة، نقول: لا نعطيك المائة إلا إذا حججت، أما إذا لم تحج فلن نعطيك، فإن أبى لا يعطى شيئاً؛ لأنه لم يحج وكلها ترجع إلى الورثة. فإن أراد أن يأخذ ثلاث حجات: حجة له وحجة لأبيه وحجة لأمه، من ثلثه لا بأس، إلا إذا كانت أكثر من الثلث فلابد من إذن الورثة. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولو مات الموصى له قبل موت الموصي أو رد الوصية ردت إلى الورثة]. كذلك إذا أوصى لشخص بمائة ثم تراجع عنها وقال: أنا أريدها ترجع إلى الورثة، فترجع إلى الورثة، أو مات قبله، كأن أوصى لزيد بعد وفاته بمائة، ثم توفي زيد قبله ترجع المائة إلى الورثة. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولو وصى لحي وميت فللحي نصف الوصية]. إذا وصى لحي وميت قال: مثلاً أوصي بألفين لفلان وفلان واحد منهم حي والآخر ميت، الحي يأخذ ألفاً والألف الثاني ترجع إلى الورثة. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولو وصى لوارثه ولأجنبي بثلث ماله فللأجنبي السدس ويوقف سدس الوارث على الإجازة]. إذا أوصى لأجنبي وللوارث كأن يكون أوصى لأحد أبنائه ولأحد جيرانه بالثلث، نقول: أحد جيرانه يأخذ السدس، وأما السدس الذي للابن يبقى موقوفاً على الورثة إن أجازوا نفذ وإن لم يجيزوا رد إلى الورثة.

الموصى إليه

الموصى إليه قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب: الموصى إليه. تجوز الوصية إلى كل مسلم عاقل عدل من الذكور والإناث لما يجوز للموصي فعله]. تجوز الوصية لمسلم عاقل، يخرج الكافر، فالكافر لا يوصى إليه، وعاقل يخرج السفيه والمعتوه. كذا العدل يخرج الفاسق، فالفاسق لا يوصى إليه فيما يجوز له التصرف فيه، يوصي إليه بأن ينظر مثلاً في أولاده والنفقة عليهم، وكل ما يجوز التصرف فيه، فله أن يوصي لغيره فيما يجوز له التصرف فيه. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [بما يجوز للموصي فعله من قضاء ديونه وتفريق وصيته والنظر في أمر أطفاله]. كل هذا يجوز للإنسان أن يوصي إليه: النظر في ديونه، سواء أوصى إلى رجل أو أوصى إلى امرأة لابد أن يكون مسلماً وعاقلاً وعدلاً، فيجوز له إذا أوصى إليه أن يقضي دينه أو يفرغ وصيته، أو أمره بأن الوصية تجعل في كذا وكذا، أو ينظر في أمر أولاده ويلاحظهم وينفق عليهم وينمي أموالهم فلا بأس في ذلك، لكن بهذه الشروط، وهي أن يكون مسلماً فلا تصح الوصية إلى كافر، عاقلاً فلا تصح الوصية إلى ضعيف العقل، عدلاً فلا يوصي إلى فاحش؛ لأنه متهم، سواء كان رجلاً أو امرأة. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ومتى أوصى إليه بولاية أطفاله أو مجانينه ثبتت ولايته عليهم]. إذا أوصى إليه بولاية أطفاله، يقول: أنت الولي على أطفال فلان، أو المجانين وضعاف العقول من أولاده فإنه ينظر في مصالحهم وينمي أموالهم وينفق عليهم. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ونفذ تصرفه لهم بما لهم فيه الحظ من البيع والشراء وقبول ما يوهب لهم]. يتصرف فيهم بما يكون لهم الحظ فيه من البيع والشراء، فيبيع من أموالهم ويشتري وينميها بما لهم الحظ، ولابد أن يكون لهم حظ فيه، فلا ينميها بشيء يكون عليه ضرر على مالهم، كأن يكون هناك نقص بسبب الأخطاء، فعليه أن يتاجر ويضارب بأموالهم، لكن بشرط أن يجنبهم الأخطاء، ولا يدخل في معاملته خطأ على مال القصار من الصبيان والضعفاء، وإذا أهدى لهم شخص هبة يقبلها، ويجعلها مع أموالهم، ولا ينفق شيئاً من أموالهم في غير وجوهه المشروعة، بل ينفق عليهم فقط، وليس له أن يتصدق من أموالهم، أو ينفق شيئاً منها، ويقبل ما يهدى إليهم ويتصرف في مالهم بما فيه الحظ لهم، في البيع والشراء والمضاربة، لكن بشرط أن يجنبه الخسران ولا يدخل إلا في معاملة يغلب على ظنه أنها تسلم وأنها تغني وقال العلماء: إنه لا يجعل مال اليتيم مثلاً يمر في البحر؛ لأنه ربما تغرق السفينة فيضيع مال اليتيم أو مال القصار. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والإنفاق عليهم وعلى من تلزمهم مئونته بالمعروف]. كذلك ينفق عليهم وينفق -إذا كان لهم أموال- على من تلزمهم نفقتهم، إذا كان هناك فقراء فيمكن أن يكون لهؤلاء القصار ولاية عليهم كأم الأيتام مثلاً يكونون منفقين عليها، أو مثلاً إخوة الأيتام كأن يكون لهم أخ من الأم فقير أو ابن عم فقير لا أحد ينفق عليه، فعلى ذلك ينفق عليهم من أموالهم؛ لأن النفقة واجبة في هذه الحالة عليهم. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والتجارة لهم ودفع أموالهم مضاربة بجزء من الربح]. كذلك يتجر في أموالهم ويجنبها الأخطار، ويتفق معهم على أن يكون الربح بالأرباع فيأخذ الربع مثلاً أو بالأثلاث، فيأخذ الثلث ولهم الثلثان على حسب ما اشترط، هذا منه المال وهذا منه العمل والربح بينهما، وإذا خسر المال أو لم يربح ليس له شيء من المضاربة. ولا يجوز للوصي أن يأكل الربح حتى ينمو، وينمي الأموال هذه؛ لأن هذا فيه الحظ لهم، وحتى لا تأكله النفقة، بل ينفق عليهم وينمي الأرباح. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وإن أتجر لهم بنفسه فليس له من الربح شيء]. إذا اتجر صار هو الذي يشغل أموالهم فلا يأخذ أجرته إلا إذا كان فقيراً، وليس له كسب فإنه في هذه الحالة يأكل بقدر حاجته أو بقدر عمالته، وينظر ما هو الأقل، فإن كان الأقل أجرته يأخذ الأجرة، وإن كان الأقل النفقة التي يحتاجها يأخذ النفقة، فإذا فرضنا أن ولي الدين فقير لا يستطيع أن يتفرغ لمال الأيتام؛ لأنه ليس عنده شيء وهو يعمل في مال الأيتام، وإذا ترك مال الأيتام مثلاً ليكسب تعطل مال اليتيم، فهنا نقول: خذ حاجتك، فإن قال: أنا يكفيني في كل شهر خمسمائة ريال، فإذا نظرنا وجدنا أن أجرة من يشتغل أربعمائة، نقول: لن نعطيك إلا أربعمائة؛ لأن الأقل أربعمائة، فإن كان أجرة من يشتغل خمسمائة، لكن يكفيه النفقة أربعمائة، فلا يعطى إلا نصفها، فيأخذ الأقل من النفقة أو الأجرة، يقول الله تعالى: {وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء:6]. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وله أن يأكل من مالهم عند الحاجة بقدر عمله ولا غرم عليه]. أي: إذا كانت أقل من حاجته، أو كانت مساوية لحاجته، يعني: يأخذ الأقل من حاجته أو أجرته. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولا يأكل إذا كان غنياً؛ لقول الله تعالى: {وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء:6] وليس له أن يوصي بما أوصى إليه به]. يعني: الميت أوصى إليه بأن ينظر في أولاده وأن يكون ولياً على أولاده، ثم أراد أن يوصي شخصاً من الناس فليس له ذلك، وليس له أن يوكل فيما وكل فيه؛ لأن الميت قد أوصى لشخص معين؛ ولأن الثاني قد لا يقوم مقامه، فإذا وصى أن يكون على أولاده زيد، قال زيد: أنا سأوصي عمراً يقوم مقامي ليس له ذلك. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولا أن يبيع ويشتري من مالهم لنفسه]. إذا كان والياً على الأيتام فلا يبيع لنفسه ولا يشتري لنفسه؛ لأنه متهم في هذه الحالة، فليس له أن يفعل ذلك، وإنما يبيع لغيره ويشتري من غيره. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويجوز ذلك للأب فلا يلي مال الصبي والمجنون إلا الأب أو وصيه أو الحاكم]. يعني: الأب يجوز له أن يوصي على أولاده من يقوم مقامه، وإنما هذا للأب خاصة، فالأب له أن يوصي، أما الوصي فليس له أن يوصي.

الإذن للمميز بالتصرف لاختبار رشده

الإذن للمميز بالتصرف لاختبار رشده قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فصل: ولوليهم أن يأذن للمميز من الصبيان بالتصرف ليختبر رشده]. للولي أن يأذن للصبي المميز أن يتصرف فيختبر رشده، بأن يعطيه شيئاً من الدراهم قليلة، ويأذن له أن يبيع ويشتري حتى ينظر هل عنده رشد أو ليس عنده رشد؟ فإن أضاعها عرفنا أنه ليس برشيد، وإن أحسن التصرف دل على أنه رشيد، فإذا بلغ يعطى ماله. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والرشد هنا الصلاح في المال]. والمراد بالرشد: الصلاح في المال، يعني: هل هو يحسن التصرف في المال في البيع والشراء، والأخذ والعطاء؟ قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فمن آنس رشده دفع إليه ماله إذا بلغ]. إذا كان مثلاً مراهقاً أو قريباً من البلوغ يعطيه ليتصرف، وكل يوم يعطيه شيئاً يتصرف به وينظر هل يحسن التصرف أو لا؟ فإن أحسن التصرف فإذا بلغ مجرد بلوغه يدفع إليه المال، لقول الله تعالى: {حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء:6]، فاشترط الرب سبحانه لدفع المال شرطان: الشرط الأول: إيناس الرشد. والشرط الثاني: البلوغ. فلابد من البلوغ أن يكون رشيداً، أما إذا لم يبلغ فلا يعطى ولو كان حافظاً للمصحف، وإن كان مراهقاً ينتظر حتى يبلغ، وإذا بلغ ولكنه غير رشيد لا يعطى، قال الإمام أبو حنيفة: حتى ولو كان شيخاً، لكن لا يحسن التصرف فلا يعطى ماله؛ لأنه لا يزال سفيهاً. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فمن آنس رشده دفع إليه ماله إذا بلغ وأشهد عليه ذكراً كان أو أنثى]. لقول الله تعالى: {فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا} [النساء:6]؛ لأن هذا فيه قطع للنزاع وحتى لا يسول الشيطان مثلاً للصبي أن يطالب الولي ويقول: ما أعطاني مالي، فإذا أشهد صار هناك قطع للاحتمالات. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فإن عاود السفه أعيد عليه الحجر]. يعني: صبي بلغ ورشد ثم بعد ساعات عاود السفه فأصبح سفيهاً فإنه يرجع إليه الحجر ونحجر عليه مرة ثانية. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولا ينظر في ماله إلا الحاكم، ولا ينفك عنه الحجر إلا بحكمه]. لا ينظر في ماله إلا الحاكم الشرعي، هو الذي ينظر في أموال اليتامى والقصار إذا حصل إشكال، وكذلك الحجر لا ينفك عنه إلا بالرجوع إلى الحاكم، فهو الذي يفك عنه، فإذا أراد أن يفك عنه الحجر رجع إلى القاضي. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولا يقبل إقراره في المال، ويقبل في الحدود والقصاص والطلاق]. يعني: الصبي لا يقبل إقراره في المال مادام محجوراً عليه، لكن في القصاص يقبل إقراره إذا أقر بذنب، أو طلق زوجته إذا كان متزوج وهو صغير، أو أقر بأنه ارتكب حداً يقام عليه الحد؛ لأن هذا ليس فيه شيء من المال، لكن فيما يتعلق بالمال لا يقبل إقراره. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فإن طلق أو أعتق نفذ طلاقه دون إعتاقه]. يعني: إذا كان الصبي له زوجة وله عبد يملكه، ثم طلق زوجته وأعتق عبده ينفذ الطلاق ولا ينفذ العتق؛ لأن إعتاق العبد فيه إضاعة لماله، بخلاف الطلاق، والرواية الثانية في المذهب أنه ينفذ عتقه؛ لأن الشارع يتشوق إلى العتق.

أحكام إذن السيد لعبده في التجارة

أحكام إذن السيد لعبده في التجارة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فصل: وإذا أذن السيد لعبده في التجارة صح بيعه وشراؤه وإقراره]. لأنه رشيد، فيصح بيعه وشراؤه وإقراره؛ لأنه مأذون له نعم. وهذا في السيد والعبد، والعبد معروف أنه ملك للسيد وأنه لا يتصرف إلا بإذنه، فإذا أذن له وأعطاه حرية التصرف جعله مثلاً في الدكان أو في المؤسسة يبيع ويشتري فله التصرف في هذا؛ لأنه مأذون له من قبل مالكه وهو السيد. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولا ينفذ تصرفه إلا في قدر ما أذن له فيه]. إذا حدد له القدر المأذون له ومنعه من أشياء فلا ينفذ إلا فيما أذن له فيه، ولا ينفذ فيما منعه منه. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وإن رآه سيده أو وليه يتصرف فلم ينهه لم يصر بهذا مأذوناً له]. يعني: إذا لم يكن هناك إذن صار الصبي يبيع ويشتري وما أذن له السيد، لكن رآه سكت فلا يعتبر السكوت هذا إذناً، ولا يصير مجرد رؤية الولي أو السيد له إذناً.

الأسئلة

الأسئلة

حكم وصاية شارب الدخان

حكم وصاية شارب الدخان Q الرجل الذي لا يصلي في المسجد وهو يشرب الدخان، هل يوصى على الأيتام؟ A لا، هذا ليس بعدل.

حكم الوصية لمن هو أصغر من الموصى له

حكم الوصية لمن هو أصغر من الموصى له Q هل يوصى من هو أصغر منه؟ A نعم، إذا كان رشيداً؛ لأنه من شرط الموصى إليه أن يكون عدلاً كما سبق.

الفرق بين الموالاة والتولي

الفرق بين الموالاة والتولي Q ما الفرق بين الموالاة والتولي؟ A التولي كفر وردة وهي محبة الكفار في القلب ثم مساعدتهم ومعاونتهم على المسلمين، وأما الموالاة فهي المعاشرة والمصادقة.

حكم فعل حاطب قبل دخول المسلمين مكة

حكم فعل حاطب قبل دخول المسلمين مكة Q بالنسبة لـ حاطب رضي الله عنه هل يعتبر ما فعله من إخبار قريش بقدوم النبي صلى الله عليه وسلم كفر وردة؟ A بالنسبة لـ حاطب قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنه شهد بدراً وإنه قد صدقكم). وحاطب تجسس على المسلمين والجاسوس يقتل، لكن منع من قتله أمران: الأمر الأول: أنه قد صدق قال حيث قال صلى الله عليه وسلم: (إنه قد صدقكم). والأمر الثاني: أنه شهد بدراً.

وجوب رد المغصوب لصاحب الحق

وجوب رد المغصوب لصاحب الحق Q مجموعة من الشباب اشتروا مخدرات بأربعمائة ريال ثم ضربوا البائع وأخذوا منه المبلغ بقوة وتاب أحدهم الآن ويسأل هل يلزمه شيء؟ A أما المخدرات فلا قيمة لها، لكن يردون الدراهم؛ لأنهم أخذوها منه.

محرمية جد الرجل من أمه وأبيه لزوجته

محرمية جد الرجل من أمه وأبيه لزوجته Q هل جد الرجل من أمه وأبيه محرم للزوجة؟ A جده محرم للزوجة، والجد أب.

حكم صلاة الاستسقاء في المدارس

حكم صلاة الاستسقاء في المدارس Q ما حكم صلاة الاستسقاء في المدارس، وإذا صلى الإنسان في المصلى أو المسجد، ثم دخل المدرسة ووجدهم يصلون فهل يصلي معهم؟ A ينبغي أن تكون صلاة الاستسقاء في المصليات المعدة ولا تكون في المدارس، إلا إذا كانت بعيدة وأخذوا إذناً فلا بأس. Q وإذا كان لتعليم الطلاب في المدارس كيفية صلاة الاستسقاء؟ A إذا كان له إذن وجاءهم تعميم من الوزارة أو تبليغ من الوزارة فحسن.

ما يجب على المستسقي فعله لصلاة الاستسقاء

ما يجب على المستسقي فعله لصلاة الاستسقاء Q ما السنة في صلاة الاستسقاء، وماذا يجب على الإنسان فعله؟ A السنة أن يخرج إلى المصلى بالتضرع والخشوع والتوبة من المظالم، ومن السنة أن الإمام أو نائب الإمام يذكر الناس قبل الاستسقاء بالتوبة والخروج من المظالم ويأمرهم بالصدقة والخضوع والخشوع والخروج إليها بالثياب العادية، فلا يخرج إليها بثياب الزينة في الجمعة والعيد، بل يخرج بالثياب العادية المعتادة مع التضرع والتوبة من المعاصي والخروج من المظالم والصدقة والإحسان.

قول المأموم ربنا ولك الحمد ووقته

قول المأموم ربنا ولك الحمد ووقته Q متى يقول المأموم ربنا ولك الحمد، هل هو عند الرفع أم بعد اعتداله؟ A عند الرفع، وفي أثنائه؛ لأن هذا هو المشروع في حق المأموم، كما أن الإمام حين يصلي يقول عند تحركه: سمع الله لمن حمده، فالمأموم عند تحركه يقول: ربنا ولك الحمد، يعني: هذا هو ذكر الانتقال في حقه.

حكم صلاة المسافرين مع الناس في المسجد

حكم صلاة المسافرين مع الناس في المسجد Q هل يشرع للمسافرين أن يصلوا مع الناس في المسجد أو يصلوا جميعاً ويقصروا الصلاة؟ A إذا كانوا في البلد وصلوا مع الناس يصلون معهم ويتمون، وإن صلوا وحدهم قصروا وجمعوا على حسب الحاجة، وإن كانوا محتاجين لجمع جمعوا بأن كانوا جادين في السير وإن كانوا نازلين فالأفضل القصر بدون جمع.

الأجر المترتب على صلاة الجنازة

الأجر المترتب على صلاة الجنازة Q هل إذا صليت على عدد من الجنائز يكون لي الأجر مضاعفاً؟ A يرجى أن لكل جنازة قيراط.

حكم جعل مكافأة لمن يجمع التبرعات الخيرية

حكم جعل مكافأة لمن يجمع التبرعات الخيرية Q ما حكم ما تفعله بعض المؤسسات الخيرية من قيامها بعرض مبلغ ألف ريال مثلاً لمن يقوم بجمع عشرة آلاف لتبرعات أو غير ذلك من باب حث هؤلاء على جمع التبرعات؟ A الأولى أنه ينبغي للإنسان أن يحتسب ما يجمعه، وإذا كان هذا الألف ريال يعطى من التبرعات فلا ينبغي هذا ولا يجوز؛ لأن المتبرعين ما تبرعوا لهذا المشروع الخيري، أما يؤخذ منه ألف فلا، أما إذا كان عندهم ألف من تبرعات عامة ليس في شيء مخصص فأعطوه فلا بأس، لكن الأولى في مثل هذا أن يكون الإنسان عنده احتساب ونية، فلا يكون قصده جمع التبرعات من أجل أن يأخذ الألف، وإلا فإنه إن فعل ذلك فقد أخذ أجره من الدنيا.

المؤمن في ظل صدقته

المؤمن في ظل صدقته Q ما فضل الصدقة؟ وهل صحيح أن المؤمن في ظل صدقته؟ A نعم، الصدقة فضلها عظيم، وجاء في بعض الأحاديث أن المؤمن في ظل صدقته.

حكم تخليل اللحية والأصابع في الوضوء

حكم تخليل اللحية والأصابع في الوضوء Q هل تخليل اللحية والأصابع واجب أم سنة في الوضوء؟ A تخليل اللحية والأصابع سنة، أما تخليل الأصابع فلابد من إدخال الماء إلى ما بين الأصابع إذا لم يصل الماء لابد أن يخلل حتى يصل الماء.

حكم استعمال الأشياء الخاصة بجهة العمل

حكم استعمال الأشياء الخاصة بجهة العمل Q هل يدخل في الغلول ما قد يحتاجه ويستعمله الإنسان من حاجيات خاصة بعمله وصرفت للعمل كأقلام وغير ذلك؟ A إذا صرف شيء للعمل واستعمل في العمل فلا يجوز استعماله في الحوائج الخاصة.

حكم صلاة المسافر الذي لم يصل المغرب

حكم صلاة المسافر الذي لم يصل المغرب Q إذا حضرت مجموعة من المسافرين المسجد وهم يصلون العشاء وهذه المجموعة لم يصلوا المغرب ولا العشاء فهل يدخلون مع الجماعة في المسجد بنية المغرب أم بنية العشاء أم ما العمل؟ A هذه المسألة فيها اختلاف بين أهل العلم، من العلماء من يرى أنهم يدخلون معهم في المغرب ويجلسون، وإذا قام الإمام للثالثة ينتظرون حتى يسلم، ومن العلماء من قال: أنه يصلون معهم نافلة؛ لأن الصلاة مختلفة فإذا صلوا المغرب قام المسافرون وصلوا المغرب، ثم العشاء. Q إذا كان الشخص لديه مساهمة في أحدى مخططات الأراضي فكيف يزكيها إذا حال الحول ولم يتم بيعها؟ A يزكيها بالتقدير، فيسأل أهل الأرض كم تساوي قيمتها ويزكيها، وإذا قال أهل الخبرة أو المسئول عن الشركة: قيمتها كذا وكذا يزكي.

كتاب الجنائز

شرح عمدة الفقه_كتاب الجنائز يلزم في الميت غسله وتكفينه والصلاة عليه ودفنه، والشهيد لا يغسل ولا يصلى عليه، ويكفن في ثيابه التي قتل فيها، ويستحب تكفين الميت في ثلاثة أثواب بيض، ويطيب إلا أن يكون محرماً، ويكبر عليه أربع تكبيرات عند الصلاة عليه، ويدفن في لحد مستقبل القبلة، ولا بأس بالبكاء على الميت من غير نوح ولا شق جيب ولا صياح، والتعزية مشروعة.

ما جاء في أحكام الجنائز

ما جاء في أحكام الجنائز

تعريف الجنائز اصطلاحا

تعريف الجنائز اصطلاحاً قال المؤلف رحمه الله تعالى: [كتاب الجنائز. الجنائز: جمع جنازة يقال: جنائز بالفتح، أما المفرد فيقال: جَنازة وجِنازة، وهل هي اسم للميت وحده أو اسم للميت إذا كان على النعش؟! تسمى جنازة إذا كان الميت على النعش، وإذا كان على غير النعش فلا يسمى جنازة، وانظر كلمة (جنازة) في القاموس، الجنائز ويقال: جنائز ولا يقال: جِنايز، وأما المفرد فيقال: جِنازة وجَنازة، ويطلق على الميت وحده أو على الميت إذا كان على النعش، وفيه خلاف.

ما يستحب فعله عند موت الميت

ما يستحب فعله عند موت الميت قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وإذا تيقن موته أغمضت عيناه وشد لحياه]. هذا هو السنة، إذا تيقن موته أغمض عيناه؛ لأن الميت إذا مات خرجت عيناه، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا قبضت الروح تبعها البصر) فتكون عيناه مفتوحتان، فيسن إغماضها؛ لأن هذا فيه منظر غير لائق؛ فسن تغميض عينيه حتى يكون منظره حسناً، وشد لحييه حتى لا يدخل فمه شيء من الهوام والدواب. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وجعل على بطنه مرآة أو غيرها كحديدة]. وهذا الفعل حتى لا تنتفخ بطن الميت

ما يستحب فعله عند تغسيل الميت

ما يستحب فعله عند تغسيل الميت قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فإذا أخذ في غسله سترت عورته ثم يعصر بطنه عصراً رفيقاً]. السنة أنه تستر العورة، ولا يكشف الميت وإن جرد عن الثياب، لكن تستر العورة، فلا يجوز النظر إلى عورة الميت كما أنه لا يجوز النظر إلى عورة الحي، بل يسترها ويعصر بطنه حتى يخرج ما كان فيها وما كان مستعداً للخروج قبل غسله. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ثم يلف على يده خرقة فينجيه بها]. السنة للغاسل أن يلف على يده خرقة أو يجعل على يديه قفازاً وينجيه، ولا يمس عورته باليد مباشرة، فلا يجوز لها. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ثم يوضئه، ثم يغسل رأسه ولحيته بماء وسدر]. بعدما ينجيه يغسل فرجه وما حولهما، ثم يوضئه فيغسل وجهه ويديه، ويغسل رجليه كوضوئه للصلاة، والسنة أن يأخذ خرقة أخرى غير الخرقة التي كان ينجيه بها، أو يأخذ قفازاً آخر ليغسل بقية جسمه وأعضائه. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ثم يوضئه ثم يغسل رأسه ولحيته بماء وسدر، ثم شقه الأيمن ثم الأيسر]. يعني: بعد الوضوء يغسل رأسه، كما أن الحي عندما يغتسل يستنجي أولاً، ثم يتوضأ، ثم يغسل رأسه ثلاثاً، فكذلك الميت يغسل رأسه بماء وسدر، فالسدر منظف، ومنه الأشنان قبل أن يوجد الصابون، والآن الصابون ينوب مناب الأشنان، فإذا غسله بالصابون والماء يكون نظيفاً. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ثم شقه الأيمن ثم الأيسر]. هذا السنة، كالحي حينما يغتسل، يبدأ بالشق الأيمن، ثم ينتهي بالشق الأيسر. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ثم يغسله كذلك مرة ثانية وثالثة يمر في كل مرة يده]. المرة الأولى: ينجيه، ثم يوضئه، ثم يغسل رأسه، ثم شقه الأيمن، فشقه الأيسر، هذه مرة، ثم يغسله مرة ثانية فيمر يده على جسده، ثم يغسله الثالثة، وإن كان فيه أوساخ فاحتاج إلى زيادة فلا بأس يزيد غسلة رابعة وخامسة، وفي كل مرة يعصر بطنه ليخرج ما كان مستعداً للخروج؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم للنساء اللاتي يغسلن ابنته زينب لما ماتت: (اغسلنها ثلاثاً أو خمساً إن رأيتن بماء وسدر واجعلن في الآخرة كافوراً). فالغاسل يغسله ثلاثاً من باب النظافة، وإن كان فيه وسخ أو خرج شيء من بطنه فينجيه مرة أخرى ويوضئه كالحي؛ لأنه انتقض وضوءه، ثم يغسله. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فإن خرج منه شيء غسله وسده بقطن]. إن خرج شيء غسله وسده بقطن، وأعاد غسله ووضوءه وغسله. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فإن لم يستمسك فبطين حر]. أي: حتى ينسد الخارج منه. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويعيد وضوءه]. إذا خرج منه شيء أعاد وضوءه؛ لأنه انتقض وضوءه. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وإن لم ينق بثلاث زاد إلى خمس أو إلى سبع، ثم ينشفه بثوب]. إذا لم ينق، وكان فيه بعض الأوساخ ويحتاج إلى النظافة، فإنه يزيد رابعة وخامسة وسادسة أو سابعة حتى ينقى. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويجعل الطيب في مغابنه]. ينشفه بقطعة ثوب، ويجعل الطيب في إبطه وفي أذنه، وفي ركبتيه وما أشبه ذلك، من طيات البدن. وتطييب المغابن لأنها مظنة الرائحة مثل الإبط، ومثل تحت الركبة، ومثل السرة وما أشبه ذلك، وكذلك ما تحت الفخذين والبطن وطيات البدن. كذلك الحي عليه أن يتفقد هذه الأشياء، فبعض الناس يأتي وله روائح كريهة من فمه أو إبطه أو رائحة الأسنان، فينبغي للإنسان أن يتعاهد هذا، ولهذا شرع الغسل في الجمعة، وشرع أن يتعاهد مغابنه إن كان فيها رائحة، فيتعاهد فمه فلا يخرج منه رائحة كريهة للناس، وأشد من هذا رائحة الدخان والكراث والثوم والبصل، ولهذا نهي الإنسان أن يدخل المسجد وقد أكل كراثاً أو ثوماً أو بصلاً، وسبق أن هذا عذر من أعذار الجماعة، إذا أكل كراثاً وثوماً وبصلاً إما أن يزيل الرائحة أو لا يأتي المسجد ويصلي في البيت حتى لا يؤذي الناس، وكذلك من عنده رائحة كريهة فعليه أن يعالج نفسه قبل الدخول للمسجد حتى تزول هذه الرائحة أو تخف. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويجعل الطيب في مغابنه ومواضع سجوده، وإن طيبه كله كان حسناً ويجمر أكفانه]. يعني: إن طيبه كله فحسن، وإن اكتفى بالمغابن وسجدات البدن فلا بأس، ويجمر أكفانه يعني: يبخرها بالبخور بأن يجعل البخور في الجمر ويبخر الأكفان حتى تكون طيبة الرائحة. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وإن كان شاربه أو أظافره طويلة أخذ منه ولا يسرح شعره]. إن كان شاربه أو أظافره طويلة لا بأس بأن يقص الشارب والأظفار، أما العانة والختان فلا، ليس له أن يأخذ شيئاً من العانة ولا الختان، ولا يسرح شعره، فلا يحتاج إلى شد الشعر وتسريحه، لكن الأنثى يجعل لها ضفائر ثلاث، فيجعل لها ثلاثة قرون وتسدل من خلفها، أما الذكر فلا يحتاج إلى تسريح للشعر. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والمرأة يضفر شعرها ثلاثة قرون ويسدل من ورائها]. هذا هو السنة، ويجعل لها ثلاث ضفائر، وتسمى جدائل عند العامة، فتكون ثلاثة قرون من الخلف، واحدة من الأمام، والثانية من الخلف، وكلها تجعل من الخلف.

ما يكفن به الرجل والمرأة

ما يكفن به الرجل والمرأة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ثم يكفن في ثلاثة أثواب بيض ليس فيها قميص ولا عمامة يدرج فيها إدراجاً]. هذه هي السنة، يلف في ثلاث لفائف كما فعل بالنبي صلى الله عليه وسلم فقد (كُفن في ثلاثة أثواب بيض سحولية، ليس فيها قميص ولا عمامة) ثلاث قطع يلف فيها ويدرج فيها القطعة الأولى، ثم الثانية، ثم الثالثة، وإن كُفن في قميص وإزار ولفافة، أو ثلاث لفائف فلا بأس. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وإن كُفن في قميص وإزار ولفافة فلا بأس]. أي: قميص، وإزار، ولفافة، والواجب لفافة واحدة بعد القميص والإزار والمراد بالثوب: القطعة تلف عليه وتكون على الجسد كاملاً، لكن السنة أن تكون ثلاث لفائف للرجل، والمرأة خمس لفائف، فتكفن المرأة في درع وخمار وثلاث لفائف، والدرع: الثوب، والخمار على رأسها، وثلاث لفائف، فهذا هو الأفضل، والرجل يكفن بثلاث لفائف، كما فعل بالنبي صلى الله عليه وسلم، فإنه كُفن في ثلاثة أثواب بيض سحولية من بلدة سحول في اليمن، ليس فيها قميص ولا عمامة، والواجب ثوب واحد، وإذا ستر الميت سواء رجلاً أو امرأة بثوب واحد صفيق يغطي جميع الجسد كفى. وأما المحرم فإنه يكفن في إزاره وردائه، يقول النبي صلى الله عليه وسلم في الرجل الذي وقصته راحلته في عرفة: (كفنوه في ثوبيه، وجنبوه الطيب، ولا تخمروا رأسه ولا وجهه؛ فإن الله يبعثه يوم القيامة ملبياً) فيكفن في ثوبيه الإزار والرداء، والثوب في اللغة يطلق على القطعة، وفي لهجتنا نسمي الثوب المخيط، أما في اللغة العربية فهو القطعة، فالإزار هذا ثوب، والرداء الذي على الكتف يعتبر ثوباً، فالمحرم له ثوبان: إزار ورداء، كل واحد يسمى ثوباً، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال في المحرم الذي مات: (كفنوه في ثوبيه) يكفن في ثوبيه الإزار والرداء. والمحرم يغسل، إنما الذي لا يغسل هو الشهيد، أي: قتيل المعركة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بشهداء أحد فدفنوا بثيابهم ودمائهم ولم يغسلوا ولم يصل عليهم، أما المحرم فإنه يغسل، لكن يجنب الطيب، ولا يغطى رأسه ووجهه؛ لأنه محرم فإن الله يبعثه يوم القيامة ملبياً. والذي يدفن بدمه وثوبه هو شهيد المعركة الذي مات فيها في الحال، أما الشهيد في الفضل مثل المقتول ظلماً، أو الغريق أو الحريق فإنه يغسل، وشهيد المعركة إذا تأخر موته يكون حكمه حكم غيره أنه يغسل، فإذا جرح وتأخر موته فيكون حكمه حكم غيره. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والمرأة تكفن في خمسة أثواب في درع ومقنعة وإزار ولفافتين]. المقنعة التي يقنع بها رأسها، أو تغطي بها رأسها، والخمار: ثوب كامل.

أحق الناس بغسل الميت ودفنه والصلاة عليه

أحق الناس بغسل الميت ودفنه والصلاة عليه قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وأحق الناس بغسله والصلاة عليه ودفنه وصيه في ذلك، ثم الأب]. إذا كان له وصي فإنه يقدم، وإذا قال الميت: يغسلني فلان يقدم، ويصلي علي فلان فيقدم، فيغسله ويصلي عليه ويدفنه، فإن لم يكن له وصي فإنه يقدم أبوه، ثم جده على حسب العصبات، ثم الابن، ثم ابن الابن وهكذا، وإذا أحب أن يكل ذلك إلى غيره فلا بأس. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وأحق الناس بغسله والصلاة عليه ودفنه وصيه في ذلك، ثم الأب ثم الابن، ثم الأقرب فالأقرب من العصبات]. الأب ثم الجد ثم الابن، ثم ابن الابن، ثم الأخ الشقيق، ثم الأخ للأب، ثم ابن الأخ الشقيق، ثم الأخ لأب، ثم العم الشقيق، ثم العم لأب، ثم ابن عم الشقيق، ثم ابن عم الأب، ثم المعتق وهكذا حسب العصبات، الأقرب فالأقرب. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وفي غسل المرأة الأم ثم الجدة ثم الأقرب فالأقرب من نسائها]. كما سبق في الرجل، إذا كان لها وصية فوصيتها تقوم بالأمر، ثم الأم، ثم الجدة، ثم البنت وهكذا، والأقرب فالأقرب من نسائها. أما الزوجان لكل واحد أن يغسل الآخر كما سيأتي، الزوجة يغسلها زوجها، والزوج يغسله زوجته. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [إلا أن الأمير يقدم في الصلاة على الأب ومن بعده]. لأن له الولاية العامة، ويقدم على الوصي في الصلاة خاصة؛ لأن له الولاية العامة. وإمام المسجد الظاهر أنه لا يقدم إلا إذا سمح له، والشارح تكلم عن هذه المسألة. قال الشارح: مسألة: إلا أن الأمير يقدم في الصلاة على الأب ومن بعده؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن الرجل الرجل في سلطانه)، وروى الإمام أحمد بإسناده أن عماراً مولى بني هاشم قال: شهدت جنازة أم كلثوم بنت علي فصلى عليها سعيد بن العاص وكان أمير المدينة، قال: وخلفه يومئذ ثمانية من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم ابن عمر والحسن والحسين وزيد بن ثابت وأبو هريرة، ولأنها صلاة شرع لها الاجتماع فأشبهت سائر الصلوات، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي على الجنائز مع حضور أقاربها والخلفاء، ولم ينقل أنهم استأذنوا ولي الميت في التقدم. فالظاهر أن إمام المسجد له ولاية خاصة، وهي إمامة المسجد. وولي الأمر يقدم على إمام المسجد؛ لأنه هو الخليفة، وهو إمام المسجد، ومن بعد موته ليس هناك إمامة، وعبد الرحمن لما تقدم فـ عمر هو الذي قدمه ليخلفه لما طعن، فليس هناك أمير ولا إمام حتى يقال: إنه قدم عليه. ولم يذكر الزوجين، ولكن لكل واحد الحق أن يغسل الآخر، فالزوجة لها أن تغسل زوجها كما غسلت أسماء بنت عميس أبا بكر الصديق لما توفي، وخرجت إلى الناس في يوم بارد شديد البرد، وسألتهم: هل علي غسل؟ قالوا: لا، فدل على أنه لا يجب الغسل من تغسيل الميت، وكذلك علي رضي الله عنه غسل زوجته فاطمة، فدل على أن الزوجة تغسل زوجها والزوج يغسل زوجته، وما عدا الزوجين فليس للرجل أن يغسل المرأة ولو كانت من محارمه ما عدا الزوجة، فالمرأة تغسلها النساء، وكذلك أيضاً الزوجة ليس لها أن تغسل الرجال ولو كان أباها أو أخاها، فلا تغسل إلا زوجها. فالزوجان يغسل أحدهما الآخر؛ لأن الأحكام ما زالت باقية من العدة والإرث، فالزوج تغسله الزوجة، وهي يغسلها زوجها، وما عداهم فلا يجوز فإذا ماتت امرأة ولا يوجد امرأة أخرى تغسلها وليس لها زوج فإنها تيمم ولا يغسلها الرجال، وكذلك الرجل إذا مات بين النساء وليس معه زوجة فإنه ييمم ولا تغسله النساء؛ لأن المرأة لا يغسلها إلا النساء والرجل لا يغسله إلا الرجال، ما عدا الزوجين فإنه يحق لكل واحد أن يغسل صاحبه، فإذا لم يوجد أحدهما ومات رجل بين النساء أو امرأة بين الرجال ييمم ولا يغسل. والأموات لم يكن يصلى عليهم في المسجد مثلما عندنا اليوم، وإنما كان يوجد مصلى مثل مصلى العيد خارج البلد، كان يعرف بمصلى الجنائز، والآن صار المصلى في المسجد، وفي هذه الحالة الإمام إنما سلطانه في إمامة الفرائض، أما الجنائز فليس له سلطان، ففي هذه الحالة يقدم الوصي على الإمام، فالناس كانوا يصلون في مكان معد للجنائز خارج المسجد، فلهذا يقدم الوصي، ولا يوجد إمامة، ولا أحد له ولاية إلا الأمير، وما عداه فإنه يتقدم الوصي، فإذا كان في المسجد فيحتمل أن يقال: إن الإمام له ولايته في الصلاة الخاصة أي: الفريضة أما صلاة الجنازة فليس له ولاية فيصلي وصيه، وليس ببعيد. وأما الصبي الذي هو دون السبع فليس له عورة، يغسله الرجال أو النساء، الذكر دون السبع يجوز أن تغسله النساء، والأنثى دون السبع يغسلها الرجال ليس لها عورة. ولا يغسل المرأة الرجال لأن المقام مقام فتنة، ولهذا المرأة لا بأس أن ينزلها في قبرها غير محارمها؛ لأنه ليس المقام مقام فتنة، ويحتمل أن ييممها من وراء الخمار إذا خيف الفتنة، فالرجل لا يغسل المرأة، وبالنسبة للكفن فإنها تكفن في ثيابها التي عليها، ويجعل عليها زيادة لفائف.

صفة الصلاة على الميت

صفة الصلاة على الميت قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والصلاة عليه: يكبر ويقرأ الفاتحة، ثم يكبر ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يكبر ويقول: اللهم اغفر لحينا وميتنا، وشاهدنا وغائبنا، وصغيرنا وكبيرنا، وذكرنا وأنثانا، إنك تعلم منقلبنا ومثوانا، وأنت على كل شيء قدير، اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام والسنة، ومن توفيته فتوفه عليهما، اللهم اغفر له وارحمه وعافه واعف عنه، وأكرم نزله، ووسع مدخله، واغسله بالماء والثلج والبرد، ونقه من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، وأبدله داراً خيراً من داره، وجواراً خيراً من جواره، وزوجاً خيراً من زوجه، وأدخله الجنة وأعذه من عذاب القبر ومن عذاب النار، وأفسح له في قبره ونور له فيه، ثم يكبر ويسلم تسليمة واحدة عن يمينه، ويرفع يديه مع كل تكبيرة]. هذه هي كيفية الصلاة على الميت، يكبر أربع تكبيرات في التكبيرة الأولى: يقرأ الفاتحة، والتكبيرة الثانية: يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، والتكبيرة الثالثة يدعو بهذا الدعاء: اللهم اغفر لحينا وميتنا، وشاهدنا وغائبنا ثم يقول له: اللهم اغفر له وارحمه، وعافه واعف عنه، ثم يكبر الرابعة ويسلم، والواجب: التكبيرات الأربع وقراءة الفاتحة والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وإن حفظ الدعاء فحسن، وإلا يدعو بما تيسر: اللهم اغفر له، فإن دعا له بالمغفرة كفى وحصل المقصود، وأقل دعاء يكفي. وجاء في صحيح مسلم (أن النبي صلى الله عليه وسلم كبر خمساً وكبر ستاً) ولكن ذكر النووي وغيره أن هذا كان أولاً، والسنة استقرت على أربع تكبيرات، وهذا هو الذي عليه العمل. وأما الدعاء: (وأبدله زوجاً خيراً من زوجه) فهذا يدعى به للزوج دون المرأة فلا يقال: أبدلها زوجاً خيراً من زوجها، وذلك لأن الزوج يعطى زوجات كثيرة، وهذه تكون خيراً له. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويجب من ذلك التكبيرات والقراءة والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وأدنى دعاء الحي للميت والسلام]. هذا هو الواجب، التكبيرات وقراءة الفاتحة والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وأدنى دعاء والسلام. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ومن فاتته الصلاة عليه صلى على القبر إلى شهر]. إذا فاتته الصلاة فالذي يدركه منها تكبيرتان، فإذا سلم الإمام وخشي أن ترفع الجنازة تابع التكبيرات وسلم، وإن لم يخش أكملها على صفتها، وإذا فاتته صلى على قبره إذا شهد دفنه، والجنازة عندما ترفع من المصلى إلى المقبرة ليس معها ذكر يقال.

حكم الصلاة على الغائب

حكم الصلاة على الغائب قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وإن كان الميت غائباً عن البلد صلى عليه بالنية]. هذا على مذهب المؤلف وذهب إليه بعض العلماء أنه يصلى على الغائب، وذهب آخرون من أهل العلم كـ شيخ الإسلام وجماعة إلى أنه لا يصلى على الغائب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل على الغائبين، وقد مات جم غفير في مكة وغيرها ولم يصل إلا على النجاشي، فقالوا: إنها خاصة بـ النجاشي؛ لأن النجاشي لم يصل عليه، وقال آخرون: كون النجاشي لم يصل عليه؛ لأنه لا يوجد مسلم يصلي عليه، وقالوا: إن النجاشي أسلم وحده فقط، ولما مات صلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه لم يصل عليه في بلده؛ لأنهم كلهم كانوا نصارى، ولكن هذا بعيد أن يكون ملك يسلم ولا يسلم معه أحد من حاشيته، لابد أن يكون أسلم معه بعض الخدم والحاشية، والصواب في هذا: أنه يصلى على الغائب إذا كان له شأن في الإسلام مثل عالم كبير، أو داعية قدير، أو مصلح، أو إمام عادل، أو أمير عادل، أما أن يصلى على كل أحد فهذا غير مشروع؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ما صلى على الغائبين والجم الغفير، إنما يصلى على الجنازة الحاضرة، والغائب لا يصلى إلا على من كان له شأن أو قدم في الإسلام شيئاً كالداعية والعالم الكبير والأمير والمصلح والعادل، فهذا أعدل الأقوال، وهو قول وسط بين من قال: إنه خاص بـ النجاشي ومن قال: إنه يصلى على كل أحد. ويجوز الصلاة على الميت بعد دفنه؛ لأن أكثر ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى على أم سعد بن عبادة بعد شهر من دفنها، والظاهر أن هذا هو الحد، أما كون الإنسان يصلي على الميت بعد سنين فهذا ليس له أصل.

كيفية معاملة من تعذر غسله من الموتى

كيفية معاملة من تعذر غسله من الموتى قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ومن تعذر غسله لعدم الماء أو الخوف عليه من التقطع كالمجذوم: والمحترق أو لكون المرأة بين رجال أو الرجل بين نساء فإنه ييمم]. إذا تعذر غسله ينتقل إلى التيمم، كأن إذا كان الجسم مقطعاً ولا يمكن غسله، وكذلك المحترق مثلما يكون في حوادث السيارات، فبعض الأحيان يكون الميت مقطعاً نسأل الله السلامة والعافية، فهذا ييمم، ومثلما تموت المرأة بين رجال، والرجل يموت بين النساء فيكتفى بالتيمم فينوي الميمم ويضرب الأرض بالنية ويفرج بين أصابعه ويمسح الوجه والكفين، ويكتفي بهذا.

حكم غسل السيد أم الولد

حكم غسل السيد أم الولد قال المؤلف رحمه الله تعالى: [إلا أن لكل من الزوجين غسل صاحبه وكذلك أم الولد مع سيدها]. أم الولد: الأمة إذا حملت وجاءت بالولد، فتسمى أم ولد، فسيدها له أن يغسلها؛ لأن السيد أعلى من الزوج في هذا.

حكم الشهيد إذا مات في المعركة

حكم الشهيد إذا مات في المعركة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والشهيد إذا مات في المعركة لم يغسل، ولم يصل عليه، وينحى عنه الحديد والجلود ثم يزمل في ثيابه، وإن كفن بغيرها فلا بأس]. يزمل يعني: يدفن فيها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بشهداء أحد أن يدفنوا بثيابهم ودمائهم فالأفضل أن يكفن بثيابه ويدفن. والحكمة من عدم الصلاة على الشهيد: أنه جاء في الحديث أن الصلاة شفاعة له، والشهيد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه يأمن من الفتان في القبر، فقال: (كفى ببارقة السيف على رأسه فتنة) يعني: أنه مغفور له وأن الشهادة من أسباب المغفرة. قوله: (وإن كفن بغيرها فلا بأس) الأفضل أن يكفن فيها كما فعل بشهداء أحد.

ما يفعل بالميت المحرم

ما يفعل بالميت المحرم قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والمحرم يغسل بماء وطيب، ولا يلبس مخيطاً، ولا يقرب طيباً، ولا يغطى رأسه، ولا يقطع شعره ولا ظفره]. لا يغطى رأسه ولا وجهه، كما جاء في صحيح مسلم: (لا تغطوا رأسه ولا وجهه) ولا يُلبس المخيط، ولا يقطع شيء من شعره، أو يقص أظافره أو يقص شاربه؛ لأنه محرم، ولا يطيب؛ لأن الله يبعثه يوم القيامة ملبياً.

ما يستحب فعله عند دفن الميت

ما يستحب فعله عند دفن الميت قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويستحب دفن الميت في لحد وينصب اللبن عليه نصباً كما صنع برسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يدخل القبر آجراً]. وهذه هي السنة، أن يدفن الميت في لحد، واللحد: هو الشق المائل إلى جهة القبلة، والشق: هو أن يحفر القبر ويجعل فيه الميت، وجاء في الحديث: (اللحد لنا والشق لغيرنا)، ففي اللحد تكون الحفرة مائلة إلى جهة القبلة، ويدفن فيها، وينصب عليه اللبن نصباً، كما هو معمول به الآن، وسمي اللحد لحداً لميله عن وسط القبر، ومنه سمي الملحد؛ لأنه مائل عن التوحيد والإيمان إلى الكفر والشرك ملحد، والشق لا يكن فيه لحد، وإنما هو حفرة يوضع فيها الميت، والسنة أن يكون هناك لحد، وينصب اللبن عليه. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وينصب اللبن عليه نصباً كما صنع برسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يدخل القبر آجراً ولا خشباً ولا شيئاً مسته النار]. الآجر: هو الطين المطبوخ بالنار مثل الفخار، ومثل الطين الذي يحرق، فلا يدخل شيء مسته النار، ومن ذلك الآن اللبن من الإسمنت فهذا مسته النار، فلا ينصب منه، وإنما ينصب على اللحد اللبن من الطين، ولا يؤتى بلبن من الإسمنت.

ذكر ما يستحب من التعزية وما يجوز من البكاء

ذكر ما يستحب من التعزية وما يجوز من البكاء قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويستحب تعزية أهل الميت، والبكاء عليه غير مكروه، إذا لم يكن معه ندب ولا نياحة]. يسن التعزية، كأن يقول: أحسن الله عزاءك، وجبر مصيبتك، وغفر لميتك، وليس لها وقت ولا مكان، فيعزيه في البيت، أو في المسجد، أو بالهاتف بأن يتصل به، كل هذا وقت التعزية، وإن اجتمعوا في مكان حتى لا يتعبوا الناس فلا بأس، لكن من اعتقد أنه ينبغي أن يكون له وقت معين فهذا غير صحيح، والبكاء على الميت بدمع العين لا بأس به، وإنما المحرم رفع الصوت في البكاء، والعويل والصراخ، وتعداد محاسن الميت، وفعل شيء من المنهيات مثل لطم الخد، وشق الجيب، ونفش الشعر، فهذا كله حرام. وأما دمع العين من دون شيء فهذا لا يؤثر؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لما مات ابنه إبراهيم: (إن الله لا يعذب بدمع العين ولا بحزن القلب، وإنما يعذب بهذا أو يرحم وأشار إلى لسانه) ولما جاء خبر قتل الأمراء في غزوة مؤتة جعفر بن أبي طالب وعبد الله بن رواحة وزيد بن حارثة جلس النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر يعرف في وجهه الحزن عليه الصلاة والسلام، أما ما يروى عن بعض الناس أنه إذا مات ابنه جعل يضحك، فهدي النبي صلى الله عليه وسلم أكمل من هديه، فالنبي صلى الله عليه وسلم حزن ودمعت عيناه وهذا لا ينافي الصبر.

زيارة القبور وما يقال فيها

زيارة القبور وما يقال فيها قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولا بأس بزيارة القبور للرجال، ويقول إذا مر بها أو زارها: سلام عليكم أهل دار قوم مؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، اللهم لا تحرمنا أجرهم، ولا تفتنا بعدهم، واغفر لنا ولهم، نسأل الله لنا ولكم العافية]. فزيارة القبور سنة مستحبة للرجال؛ لأنها تذكر بالآخرة، وفيها فائدتان فائدة للحي: يرق قلبه ويتذكر الآخرة، وفائدة للميت بالدعاء له، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها؛ فإنها تذكركم الآخرة)، وإذا مر بالمقبرة يقول هذا الدعاء: السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون الخ. أما المرأة فإنها منهية عن زيارة القبور؛ لأنها ضعيفة ولا تتحمل؛ ولأنه يؤدي بها إلى الفتنة والعويل والصراخ؛ ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لعن الله زائرات القبور، والمتخذين عليها المساجد أو السرج). وإذا دخل الرجل المقبرة أو إذا مر عليها لا بأس أن يسلم.

حكم إهداء القرب وثواب الأعمال للميت

حكم إهداء القرب وثواب الأعمال للميت قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وأي قربة فعلها وجعل ثوابها للميت المسلم نفعه ذلك]. إذا أراد أن يهدي ثواباً للميت أي قربة فعلها وجعلها لمسلم حي أو ميت نفعه، هكذا يقول هنا، والعبارة في الزاد: (وأي قربة فعلها وجعل ثوابها لمسلم حي أو ميت نفعه) على هذا يجوز له أن يتصدق عن الميت ويحج عنه ويعتمر ويصلي له ركعتين؛ لأن هذه قربة يهدى ثوابها للميت، ويصوم عنه يوماً ويجعل ثوابه للميت، ويقرأ القرآن ويجعل ثوابه للميت، ويسبح ويجعل ثوابه للميت على هذا القول، فهذا قول ذهب إليه بعض العلماء كالحنابلة والأحناف. القول الثاني: أن الميت لا ينفعه إلا أربعة أشياء: الدعاء، والصدقة، والحج، والعمرة؛ لأن هذا هو الذي وردت فيه النصوص، وما عداه فإنه لا يهدى ثواب للميت، فلا تصلي عنه ركعتين ولا تصوم عنه، إلا إذا كان عليه أيام من رمضان أو أيام نذر أو كفارة فإنه يصام عنه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من مات وعليه صيام صام عنه وليه) إن أحب وليه صام عنه، فإن لم ير ذلك فإنه يطعم عنه عن كل يوم مسكيناً، والصواب الذي عليه المحققون وهو مذهب المالكية والشافعية: أن الميت لا يهدى له إلا ثواب الدعاء والصدقة والحج والعمرة، وبهذا جاءت النصوص، أما كونه يصلي ركعتين وينوي ثوابها للميت فهذا ما عليه دليل، أو يصوم يوماً وينوي ثوابه للميت، أو يقرأ القرآن وينوي ثوابه للميت، أو يطوف بالبيت سبعة أشواط وينوي ثوابها للميت، أو يسبح وينوي ثوابه للميت فهذا ما عليه دليل، والذين قالوا بذلك قاسوا على الدعاء والصدقة، فقال لهم الآخرون: لا تقيسوا، فالعبادات ليس فيها قياس، العبادات توقيفية، والأصل في العبادات الحظر والمنع، وهذا هو الصواب، أنه يأتيه الثواب على ما وردت به النصوص، فيتصدق عن الميت يحج عنه ويعتمر ويدعو له، أما الصلاة والصوم وقراءة القرآن فلم ترد، والصوم الواجب يقضى عنه، إذا كان عليه صيام من رمضان ولم يتمكن من قضائه ولم يقضه أو كان عليه نذر أو كفارة فلا بأس أن يصوم عنه الولي إن أحب، وإن لم يحب فإنه يطعم عن كل يوم مسكيناً؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من مات وعليه صيام صام عنه وليه) رواه الشيخان من حديث عائشة رضي الله عنها. وذكر المعلق أن الإمام أحمد يرى جواز ذلك وابن تيمية له قولان في المسألة، قال المعلق: قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى: الميت يصل إليه كل شيء من الخير للنصوص الواردة فيه، ذكره المجد وغيره. وزاد في الروض: أنه حتى لو أهداها للنبي صلى الله عليه وسلم جاز ووصل إليه الثواب. وهذا قول ضعيف، بل بدعة، وهو إهداء الثواب للنبي صلى الله عليه وسلم، وهذا قال به بعض المتأخرين، والصواب الذي عليه المحققون: أنه بدعة، ما فعله السلف ولا الصحابة، ولأن الرسول صلى الله عليه وسلم له مثل أجر الأمة عليه الصلاة والسلام فلا يحتاج إلى ذلك، والرسول له مثل أجرك سواء أهديته له أو لم تهده، قال صلى الله عليه وسلم: (من دل على خير فله مثل أجره) وكل خير نالته الأمة فعلى يديه عليه الصلاة والسلام وبسببه. وجاء في حاشية المقنع ما يلي: لكن قال الشيخ تقي الدين رحمه الله تعالى: لم يكن من عادة السلف إن صلوا تطوعاً أو صاموا تطوعاً أو حجوا تطوعاً أو قرءوا قرآناً يهدون ذلك لموتى المسلمين، فلا ينبغي العدول عن طريق السلف فإنه أفضل وأكمل. وقال أبو العباس في موضع آخر: الصحيح أنه ينتفع الميت بجميع العبادات البدنية من الصلاة والصوم والقراءة كما ينتفع بالعبادات المالية من الصدقة والعتق ونحوهما باتفاق الأئمة، وهذا قوله، وكذلك ذهب ابن القيم إلى هذا، ونقل صاحب شرح الطحاوية الأقوال، والصواب: أن العبادات توقيفية، وأنه يقتصر على ما وردت فيه النصوص.

الأسئلة

الأسئلة

حكم تقديم الماء لمن حضر الجنازة

حكم تقديم الماء لمن حضر الجنازة Q ما حكم توزيع الماء لمن حضر دفن الجنازة؟ A لا ينبغي، بعض الناس يأتي بالماء المعبأ في (الصحة) ويوزعها على الناس، وهذا قد صدرت فيه فتوى من هيئة كبار العلماء بالمنع؛ لأن هذا وسيلة إلى البدع ووسيلة إلى أنه يأتي بعض الناس فيوزع فاكهة ويوزع كذا، فلا داعي أن يأتي بالماء، الوقت قصير، فإذا انتهى الإنسان يشرب من أي مكان.

حكم جعل رأس الميت عن يمين الإمام عند الصلاة

حكم جعل رأس الميت عن يمين الإمام عند الصلاة Q هل وضع رأس الميت على يمين الإمام عليه دليل؟ A يكون اتجاه الميت إلى القبلة على الشق الأيمن، فهم يكونون أحياءً وأمواتاً على الشق الأيمن، فالسنة أن ينام الشخص على شقه الأيمن متوضأ، وكذلك الميت يكون على شقه الأيمن ما يكون على شقه الأيسر.

حكم الموعظة عند القبر

حكم الموعظة عند القبر Q ما حكم الموعظة عند القبر؟ A بوب البخاري وقال: باب موعظة المحدث عند القبر، وذكر الحديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم وعظهم وقال: استعيذوا بالله من عذاب القبر)، فإذا تكلم بكلمات معدودة فلا بأس.

كتاب الفرائض [1]

شرح عمدة الفقه_كتاب الفرائض [1] قسم الله المواريث بين عباده في كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، والوارثون ثلاثة أقسام، أولهم أصحاب الفروض، وقد بين الله فروضهم ومتى يأخذونها.

مقدمة في علم الفرائض

مقدمة في علم الفرائض

تعريف علم الفرائض لغة واصطلاحا

تعريف علم الفرائض لغةً واصطلاحاً قال المؤلف رحمه الله تعالى: [كتاب الفرائض. وهي قسمة الميراث]. الفرائض جمع فريضة، والفرض يطلق على معان منها: القطع والحز، وهو نصيب مقدر شرعاً لوارث مخصوص. قد جاءت النصوص في الحث على تعلم الفرائض، وإن كان في بعضها ضعف، منها: (تعلموا الفرائض وعلموها الناس؛ فإنه أول علم ينسى) أو كما جاء في الحديث، وفي الحديث الآخر: (العلم ثلاث: آية محكمة، وفريضة عادلة، وسنة قائمة)، والمراد بالفرائض في اصطلاح علماء الفرائض قسمة المواريث، فقد أفردها العلماء بمؤلفات خاصة، وصار علماً خاصاً يسمى علم الفرائض.

القسم الأول من أقسام الورثة: أصحاب الفروض

القسم الأول من أقسام الورثة: أصحاب الفروض قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والوارث ثلاثة أقسام: ذو فرض، وعصبة، وذو رحم]. الوارث ثلاثة أنواع: صاحب فرض، وعصبة، أو رحم من ذوي الأرحام، هذا على ما ذهب إليه المؤلف على قول الحنابلة ومن وافقهم؛ بأن ذوي الأرحام يرثون. القول الثاني: أنهم نوعان: ذوو فرض، وذوو عصبة، ولا يرث ذوو الأرحام، وإنما إذا لم يكن للميت وارث بالفرض ولا معصب المال لبيت المال. قال: [فذو الفرض عشرة: الزوجان، والأبوان، والجد، والجدة، والبنات، وبنات الابن، والأخوات، والإخوة من الأم]. الزوج والزوجة لا يرثان إلا بالفرض ولا يرثان بالتعصيب. قوله: (والأبوان) يعني: الأب والأم، الأم لا ترث إلا بالفرض، والأب يرث بالفرض ويرث بالتعصيب ويجمع بينهما، فيرث بالفرض تارة، وبالتعصيب تارة، وبالجمع بينهما تارة، والمؤلف أراد أن يعد أهل الفروض الذين يرثون بالفرض. قوله: (والجد). الجد يرث بالتعصيب وبالفرض مع الفرع الوارث. قوله: (والجدة). الجدة من أهل الفروض لا ترث إلا بالفرض. قوله: (والبنات). البنات يرثن بالفرض، إلا إذا عصبهن إخوانهن. قوله: (وبنات الابن). بنات الابن كذلك يرثن بالفرض إلا إذا عصبهن إخوانهن، أو أبناء عمهن الذين في درجتهن، أو أنزل منهن إذا احتجن إليه. قوله: (والأخوات). الأخوات يرثن أيضاً بالفرض، ويرثن بالتعصيب مع إخوانهن، والبنات أيضاً قد تعصبهن الأخوات، كما قال الرحبي: والأخوات إن تكن بنات فهن معهن معصبات قوله: (والإخوة من الأم). يعني: الإخوة من الأم لا يرثون إلا بالفرض.

نصيب الزوج والزوجة

نصيب الزوج والزوجة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فللزوج النصف إذا لم يكن للميتة ولد]. فالزوج له النصف إذا لم يكن للزوجة ولد، لا ذكر ولا أنثى؛ لقول الله تعالى: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ} [النساء:12]. قال: [فإن كان لها ولد فله الربع]. يعني: إذا كان للزوجة ولد فإنه يرث الربع؛ لقوله تعالى: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ} [النساء:12] فالزوج يرث بالفرض فإن كان لزوجته ولد فله الربع، وإن لم يكن لها ولد فله النصف. قال المصنف رحمه الله تعالى: [ولها الربع واحدة كانت أو أربعاً إذا لم يكن له ولد، فإن كان له ولد فلهن الثمن]. يعني: نصيب الزوجة دائر بين الربع والثمن، فإن كان زوجها الذي توفي عنها له ولد فلها الثمن، وإن لم يكن له ولد فلها الربع، وسواء كانت زوجة واحدة أو اثنتين أو ثلاثاً أو أربعاً فالميراث بينهن؛ لقول الله تعالى: {وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ} [النساء:12].

نصيب الأب وأحواله

نصيب الأب وأحواله قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فصل: وللأب ثلاثة أحوال: حال له السدس، وهي مع ذكور الولد. وحال يكون عصبة، وهي مع عدم الولد. وحال له الأمران: مع إناث الولد]. هذه ثلاث حالات للأب: حال يرث فيها بالفرض فقط، فيرث السدس إذا كان لابنه الميت أبناء ذكور. الحالة الثانية: يرث بالتعصيب فقط، وهو إذا لم يكن للميت أولاد ذكور ولا إناث، يرث المال تعصيباً، ويسقط الإخوة. الحالة الثالثة: يجمع بين الفرض والتعصيب، وذلك إذا كان للميت بنت أو بنات إناث، فإن البنت تأخذ النصف إن كانت واحدة، وإن كن اثنتين فأكثر فيرثن الثلثين، والباقي للأب، فيرث الأب السدس بالفرض والباقي بالتعصيب، فيجمع بين الأمرين، هذه حالات الأب؛ لأن الله تعالى نص على هذا: {وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ} [النساء:11].

نصيب الجد وأحواله

نصيب الجد وأحواله قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فصل: والجد كالأب في أحواله]. يعني: الجد كالأب في أحواله الثلاث: إن كان للميت فرع وارث ذكر ورث السدس، وإن لم يخلف ولداً لا ذكراً ولا أنثى ورث بالتعصيب، وإن خلف أنثى ورث بالفرض والتعصيب؛ لأن الجد كالأب في أحواله الثلاث، كما قال المؤلف رحمه الله. قال: [وله حال رابع وهو مع الإخوة والأخوات للأبوين أو للأب، فله الأحظ من مقاسمتهم كأخ، أو ثلث جميع المال، فإن كان معهم ذو فرض أخذ فرضه، ثم كان للجد الأحظ من المقاسمة، أو ثلث الباقي أو سدس جميع المال]. يعني: هذه الحالة الرابعة على القول بتوريث الإخوة مع الجد، والمراد بالإخوة الأشقاء أو لأب، أما الإخوة لأم فيسقطهم الجد بالاتفاق. وله حالتان أيضاً: الأولى: إذا كان معهم صاحب فرض. الثانية: ألا يكون معهم صاحب فرض. فالحالة التي لا يكون معهم صاحب فرض يخير الجد بين أمرين: بين المقاسمة أو ثلث المال، ويأخذ ما هو الأحظ، فإذا كان الإخوة أكثر من مثلي الجد فالأحظ للجد المقاسمة، وإن كانوا مثليه استوى له الأمران. أما إذا كان معهم صاحب فرض، فصاحب الفرض يأخذ فرضه، ثم يخير الجد بين واحد من ثلاثة أمور: المقاسمة، أو ثلث الباقي، أو سدس جميع المال. قال: [وولد الأبوين كولد الأب في هذا إذا انفردوا]. يعني: إذا انفرد الإخوة الأشقاء قاسموا الجد، وإذا انفرد الإخوة لأب كذلك، أما إذا اجتمع إخوة لأب وإخوة أشقاء، فإن الإخوة الأشقاء يعادون الجد بالإخوة لأب، فإذا عادوهم وانصرف الجد، رجع الإخوة الأشقاء وأخذوا ما بأيدي الإخوة لأب، وهذه تسمى مسائل المعادة، وهي معروفة في باب الجد والإخوة. أقول: والصواب أن الإخوة لا يرثون مع الجد مطلقاً، وهذا هو الذي تدل عليه الأدلة، والذي عليه المحققون أن الجد يسقط الإخوة مطلقاً، مثل: الشيخ الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، وكذلك شيخ الإسلام وابن قدامة، وشيخنا الشيخ عبد العزيز بن باز رحمة الله عليه وجمع من المحققين وهو الصواب الذي تدل عليه النصوص، وعلى هذا يلغى باب الجد والإخوة من الفرائض على هذا القول الصحيح. قال: [فإن اجتمعوا عاد ولد الأبوين الجد بولد الأب، ثم أخذوا ما حصل لهم، إلا أن يكون ولد الأبوين أختاً واحدة، فتأخذ النصف وما فضل فلولد الأب، فإن لم يفضل عن الفرض إلا السدس أخذه الجد وسقط الإخوة، إلا في الأكدرية وهي: زوج وأم وأخت وجد، فإن للزوج النصف، وللأم الثلث، وللجد السدس، وللأخت النصف، ثم يقسم نصف الأخت وسدس الجد بينهما على ثلاثة، فتصح من سبعة وعشرين، ولا يعول من مسائل الجد سواها، ولا يفرض لأخت مع جد في غيرها]. يعني: تكون من ستة، للزوج النصف ثلاثة وللأم الثلث اثنان، وللجد السدس واحد انتهت الفريضة، لكن يفرض للأخت النصف ثلاثة، فتعول إلى تسعة، ثم بعد ذلك ينظر إلى الجد مع الأخت كأنه أخ، فرءوسهم ثلاثة: الجد عن اثنين، والأخت عن واحد، فتضرب مجموع رءوسهم في أصل المسألة، وهي من تسعة، فتصير من سبعة وعشرين، ثم يقتسمونها؛ للجد اثنان وللأخت واحد، هذا إذا تمت المسألة، وسميت أكدرية؛ لأنها كدرت على المسألة الأولى. قال: [ولو لم يكن فيها زوج كان للأم الثلث، والباقي بين الأخت والجد على ثلاثة، وتسمى الخرقاء؛ لكثرة اختلاف الصحابة رضي الله عنهم فيها]. يعني: إذا لم يكن في هذه المسألة زوج، فتكون المسألة من ثلاثة: للأم الثلث واحد، والباقي للأخت والجد، الجد برأسين اثنين، والأخت واحد، فتضرب ثلاثة في ثلاثة تصير من تسعة، للأم الثلث واحد في ثلاثة بثلاثة، وللجد والأخت اثنين في ثلاثة بستة، له أربعة ولها اثنان. قال: [ولو كان معهم أخ أو أخت لأب صحت من أربعة وخمسين، وتسمى مختصرة زيد، فإن كان معهم أخ آخر من أب صحت من تسعين، وتسمى تسعينية زيد، ولا خلاف في إسقاط الإخوة من الأم وبني الإخوة]. يعني: الإخوة من الأم يسقطهم الجد، وكذلك يسقط أبناء الإخوة، إنما الخلاف في الإخوة الأشقاء والإخوة لأب، أما الإخوة من الأم فلا خلاف في أن الجد يسقطهم، وكذلك أبناء الإخوة. قال الشارح: (ولو كان معه أخ أو أخت لأب صحت من أربعة وخمسين وتسمى مختصرة زيد، وهي أن تكون أم وأخت لأبوين، وأخ وأخت لأب، وجد، فللأم السدس من ستة، يبقى خمسة، للجد ثلثها، فتضرب المسألة في ثلاثة، تكون ثمانية عشر: للأم ثلاثة، وللجد خمسة، وللأخت من أبوين تسعة، ويبقى سهم للأخ والأخت على ثلاثة، فتصح من أربعة وخمسين). يعني: ثلاثة في ثمانية عشر ينتج أربعة وخمسين. قال: (وتسمى مختصرة زيد؛ لأنه لو قاسم الجد الأخ والأخت لانتقلت إلى ستة وثلاثين، يأخذ الجد عشرة والأم ستة والأخت من أبوين ثمانية عشر، ثم يبقى سهمان على ثلاثة). وهذا مخالف للأصول؛ لأن الأخت تأخذ سهم الجد، فلذلك جعل هنا خمسة أسهم، وضربت رءوسهم فيما صح من المسألة. قال: (فتضربها في ستة وثلاثين تصير مائة وثمانية، ثم ترجع بالاختصار إلى أربعة وخمسين فبذلك سميت مختصرة زيد، فإن كان معهم أخ آخر أو أختان من أب صحت من تسعين وتسمى تسعينية زيد، وهي أن تكون أم وأخت لأبوين، وأخوات، وأخت لأب، وجد، أصلها من ستة: للأم سهم فيبقى خمسة، للجد ثلثها، فتنتقل إلى ثمانية عشر، للأم ثلاثة، وللجد خمسة، وللأخت لأبوين تسعة، ويبقى سهم الأخوين). يعني: السهم الثالث للجد، وأصل المسألة من ثمانية عشر. قال: [والأخت من الأب على خمسة تضربها في ثمانية عشر تكن تسعين، فلهذا سميت تسعينية زيد). يعني: إذا وضعها على الجدول وقسمها اتضحت له.

نصيب الأم وأحوالها

نصيب الأم وأحوالها قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فصل. وللأم أربعة أحوال: حال لها السدس، وهي مع الولد أو الاثنين فصاعداً من الإخوة والأخوات]. يعني: الأم لها أربع حالات: الحالة الأولى: أن ترث السدس مع الفرع الوارث، أو مع جمع من الإخوة، والجمع اثنان فأكثر، فإذا كان الميت وهو ابنها له فرع وارث ابن أو بنت أو كان هناك جمع من الإخوة اثنان من الإخوة أو الأخوات، فإنها في هذه الحالة يفرض لها سدس المال. قال: [وحال لها ثلث الباقي بعد فرض أحد الزوجين، وهي مع الأب وأحد الزوجين]. هذه الحالة الثانية: ترث الثلث الباقي بعد فرض الزوج أو الزوجة، يعني: في مسألة العمريتين: وهي زوج وأم وأب، أو زوجة وأم وأب، فإن الأم ترث الثلث الباقي، وهاتان المسألتان يقال لهما: العمريتان؛ لأن عمر رضي الله عنه قضى فيها للأم بثلث الباقي. زوج وأم وأب فالمسألة من ستة: للزوج النصف ثلاثة، وإذا قلنا: للأم الثلث اثنان بقي واحد للأب، فصارت الأم تأخذ ضعف الأب، وهذا ليس له نظير في الفرائض، فلهذا اجتهد عمر رضي الله عنه، وقال: في هذه الحالة نعطيها ثلث الباقي، فإذا أخذ الزوج النصف ثلاثة بقي ثلاثة تأخذ الأم ثلث الباقي واحد والباقي اثنان للأب، ووافقه الصحابة على هذا. المسألة الثانية: زوجة وأم وأب، المسألة من أربعة: للزوجة الربع واحد، فلو قيل: إن الأم لها الثلث تأخذ اثنان والأب واحد، وهذا لا نظير له، فلهذا اجتهد عمر وقال: تعطى ثلث الباقي، تأخذ الزوجة الربع واحد، واثنان للأب، وواحد للأم وهو ثلث الباقي. إذاً: في هاتين المسألتين وهما: زوج وأم وأب، أو زوجة وأم وأب يفرض للأم ثلث الباقي، ويقال لهما: العمريتان؛ لأن عمر رضي الله عنه قضى فيهما بذلك ووافقه الصحابة؛ لئلا تأخذ الأم ضعف الأب، وهذا لا نظير له في الفرائض، فالمعروف أن الأنثى تأخذ نصف ما يأخذ الذكر. قال: [وحال لها ثلث المال، وهي في ما عدا ذلك]. هذه الحالة الثالثة: تأخذ ثلث المال؛ وهي إذا لم يكن للميت -وهو ابنها- فرع وارث، ولا جمع من الإخوة، وليست المسألة إحدى العمريتين، فإنها تأخذ ثلث المال، كما لو مات شخص عن أم وعم، فالمسألة من ثلاثة: للأم الثلث واحد، والباقي للعم. قال: [وحال رابع: وهي إذا كان ولدها منفياً باللعان، أو كان ولد زنا، فتكون عصبته، فإن لم تكن فعصبتها عصبة]. هذه الحالة الرابعة: إذا كان ابن زنا نعوذ بالله فإن ولد الزنا ينسب إلى أمه، ليس له أب، فإذا مات فإنها ترثه أمه، وتكون له عصبة، أي: لا ترثه بالفرض، وإنما تعصبه وترث ماله كله، فإن لم يكن له أم، فإن عصبة أمه يرثون ابنها من الزنا، كأبيها أو أخيها أو ابنها أو عمها، وكذلك الابن الذي لاعنت عليه زوجها وانتفى من الأب، فإنها ترثه عصبة، كما لو لاعن زوج زوجته على نفي الابن وانتفى منه، فقال: إنه ليس ابني ولاعن عند الحاكم أو القاضي، وشهد أربع شهادات أنه ليس ابناً له، والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين، ثم شهدت أربع شهادات إنه كاذب والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين، في هذه الحال يفرق بينهما، وينتفي الابن عن الأب، وينسب إلى أمه وترثه، فإن ماتت ورثه عصبتها.

نصيب الجدة ومراتب الجدات

نصيب الجدة ومراتب الجدات قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فصل: وللجدة -إذا لم تكن أم- السدس واحدة كانت أو أكثر إذا تحاذين]. يعني: الجدة لها السدس بشرط فقد الأم، فإن وجدت الأم فإن الجدة محجوبة بالأم، وسواء كانت واحدة أو اثنتين أو ثلاثاً، إذا تساوين في الدرجة، ويكون لكل واحدة منهن ثلث السدس، كما لو مات شخص عن ثلاث جدات: أم أم الأم، وأم أم الأب، وأم الجد، فهن متساويات، فيكون السدس بينهن أثلاثاً، كل واحدة لها ثلث السدس. فمن قربت منهن فهو لها وحدها، كما لو مات شخص عن أم الأم، وأم أم الأب، فالسدس لأم الأم؛ لأنها أقرب، وكما لو مات شخص عن أم الأب وأم أم أم أب الأب، فالسدس لأم الأب؛ لأنها أقرب. وإذا أدلت الجدة بقرابتين فلها ثلثا السدس، كما لو تزوج شخص ببنت عمته فأتت بولد فإن الجدة واحدة من قبل أمه ومن قبل أبيه، ترث ثلثي السدس، وكما لو تزوج بنت خالته فأتت بولد فكذلك ترث ثلثي السدس، أعني إذا كانت صاحبة القرابتين مع جدة أخرى لها قرابة واحدة، فتأخذ ذات القرابتين ثلثي السدس، والأخرى تأخذ ثلثي السدس، كما لو تزوج شخص بنت عمته أو بنت خالته فأم أم أمه هي أم أم أبيه، وإذا كان معها جدة ثالثة، فتكون التي أتت بالأم والأب تأخذ ثلث السدس، والجدة الأخرى ترث ثلث السدس. قال: [فإن كان بعضهن أقرب من بعض فهو لقرباهن]. يعني: الأقرب منهن. قال: [وترث الجدة وابنها حي]. يعني: ترث الجدة وابنها حي وإن كانت تدلي به، فإذا مات شخص عن أب وجدة من قبل أبيه ترث الجدة السدس والباقي للأب، بخلاف الأم فإنها لا ترث الجدة معها، فالأم تحجب الجدة. قال: [ولا يرث أكثر من ثلاث جدات: أم الأم، وأم الأب، وأم الجد ومن كان من أمهاتهن وإن علون]. وفي الرواية الأخرى: أنه ترث الجدة ولو أتت بأب أعلى من الجد، ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية. قال: [ولا ترث جدة تدلي بأب بين أمين]. يعني: لا ترث جدة تدلي بأب بين أمين، مثل: أم أب الأم، فتسمى في عرف الفرضيين: الجدة الفاسدة، قد تكون صالحة في نفسها، ولكنها فاسدة في عرف الفرضيين؛ لأنها لا ترث، وهي الجدة التي تدلي بأب بين أنثيين، مثل: أم أب الأم، فلا ترث في هذه الحالة؛ لابد أن تدلي بمحض الأمهات، أو بمحض الآباء، تكون أم أم أم، أو أم أم أب أب، أما أم أب أم، فلا ترث وتسمى الجدة الفاسدة عند الفرضيين. قال: [ولا بأب أعلى من الجد]. يعني: هذه الجدة لا ترث، لأنها أتت بأب أعلى من الجد، والقول الثاني: أنها ترث، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية. قال: [فإن خلف جدتي أمه وجدتي أبيه سقطت أم أبي أمه، والميراث للثلاث الباقيات]. يعني: شخص خلف أربع جدات: جدتين من قبل الأم، وجدتين من قبل الأب، فالجدتان من قبل الأم: أم أم أمه وأم أبي أمه، والجدتان من قبل الأب: أم أم أبيه وأم أب أبيه، فترث ثلاث جدات وتسقط الرابعة وهي الجدة الفاسدة: أم أبي أمه؛ لأنها أدلت بذكر بين أنثيين، والثلاث الجدات الباقيات يرثن السدس أثلاثاً.

نصيب البنات وبنات الابن

نصيب البنات وبنات الابن قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فصل: وللبنت النصف، وللبنتين فصاعداً الثلثان]. يعني: إذا مات الإنسان عن بنت فإنها ترث نصف المال؛ لقول الله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ} [النساء:11] يعني: إذا كانت واحدة فإنها ترث النصف، بشرط عدم المشارك وهي أختها، وعدم المعصب وهو أخوها، كما مر معنا في الفرائض، وإن كن اثنتين فأكثر فإنهن يرثن الثلثين. قال: [وبنات الابن بمنزلتهن إذا عدمن]. يعني: بنت الابن إن كانت واحدة ترث النصف، وإن كن اثنتين فأكثر يرثن الثلثين، لكن بشرط عدم البنات الأعلى منهن. قال: [فإن اجتمعن سقط بنات الابن، إلا أن يكون معهن أو أنزل منهن ذكر فيعصبهن فيما بقي]. يعني: إذا اجتمع بنات وبنات ابن، كما إذا هلك هالك عن بنتين وثلاث بنات ابن، فالبنتان لهما الثلثان وبنات الابن يسقطن ولا يرثن، إلا إذا كان معهن أخوهن فإنه يعصبهن ويرثن معه الباقي تعصيباً، أو كان معهن ابن عمهن الذي في درجتهن أو أنزل منهن فإنه يعصبهن ويسمى الأخ المبارك. إذاً: بنات الابن لا يرثن مع البنات؛ لأن البنات يأخذن الثلثين، إلا إذا كان معهن معصب كأخيهن أو ابن عمهن الذي في درجتهن، أو أنزل منهن إذا احتجن إليه. قال: [وإن كانت بنت واحدة وبنات ابن فللبنت النصف ولبنات الابن -واحدة كانت أو أكثر من ذلك- السدس تكملة الثلثين، إلا أن يكون معهن ذكر فيعصبهن فيما بقي]. يعني: إذا مات شخص عن بنت وبنت ابن، فالبنت لها النصف وبنت الابن السدس تكملة الثلثين، إلا إذا كان معها أخوها أو ابن عمها فإنه يعصبها، وترث معه الباقي تعصيباً. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فصل. والأخوات من الأبوين كالبنات في فرضهن]. يعني: إذا مات شخص عن أخت فلها النصف، وعن أختين فلهما الثلثان، بشرط ألا يوجد فرع وارث، وبشرط عدم المعصب وهو أخوها، وكذلك أيضاً عدم الأصل الوارث من الذكور وهو الأب والجد، إذا وجدت هذه الشروط فالأخت الواحدة لها النصف، والأختان لهما الثلثان. قال: [والأخوات من الأب معهن كبنات الابن مع البنات سواء]. يعني: إذا مات شخص عن أخت شقيقة وأخت لأب، فالأخت الشقيقة لها النصف والأخت من الأب لها السدس تكملة الثلثين. قال: [ولا يعصبهن إلا أخوهن]. يعني: الأخت لا يعصبها إلا أخوها، بخلاف بنت الابن فإنه يعصبها أخوها أو ابن عمها الذي في درجتها أو الذي أنزل منها، أما الأخوات فلا يعصبهن إلا أخوهن، فلا يعصبهن ابن العم ولا يعصبهن من هو أنزل منهن. قال: [والأخوات مع البنات عصبة، لهن ما فضل]. يعني: إذا مات الميت عن بنتين وأختين فالبنتان لهما الثلثان، والأختان لهما الباقي تعصيباً، قال الرحبي: والأخوات إن تكن بنات فهن معهن معصبات فالأخوات يكن عصبة مع الغير، يعني: مع البنات، فإذا مات شخص عن بنات فلهما الثلثان، والأخوات لهن الباقي تعصيباً. قال: [وليس لهن معهن فريضة مسماة؛ لقول ابن مسعود رضي الله عنه في بنت وبنت ابن وأخت: (أقضي فيها بقضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم: للبنت النصف، ولبنت الابن السدس، وما بقي فللأخت)]. يعني: البنت لها النصف، وبنت الابن لها السدس تكملة الثلثين، والباقي للأخت تعصيباً.

نصيب الإخوة والأخوات لأم

نصيب الإخوة والأخوات لأم قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فصل: والإخوة والأخوات من الأم سواء ذكرهم وأنثاهم، لواحدهم السدس، وللاثنين السدسان، فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث]. يعني: الإخوة لأم لهم أحكام تخالف بقية الورثة، منها: أن ذكرهم وأنثاهم سواء، بخلاف الإخوة الأشقاء فللذكر مثل حظ الأنثيين، أما الإخوة لأم فالأخ يرث السدس، سواء كان ذكراً أو أنثى، وإن كانا اثنين فلهما الثلث، وإن كانوا أكثر من اثنين فكذلك ليس لهم أكثر من الثلث؛ لقوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} [النساء:12]، ولا يرث الإخوة من الأم إلا إذا كان الميت كلالة، وهو الذي لا ولد له ولا والد؛ لأن الإخوة من الأم يسقطهم ستة: الأب، والجد، والابن، وابن الابن، والبنت، وبنت الابن. ومنها: أن أحدهم إذا انفرد فله السدس، وإذا كانوا اثنين فأكثر فلهم الثلث.

الأسئلة

الأسئلة

كيفية غسل الثوب والبدن من المذي وحكمه

كيفية غسل الثوب والبدن من المذي وحكمه Q يقول السائل: أنا صاحب مذي وأتوضأ إذا دخل الوقت وأصلي، ولكني أجد المذي في بعض الأحيان مستمراً بعد الصلاة، فهل أعيد الصلاة؟ وهل يكفي رش ما أصابه بالماء أم يلزم غسله؟ A هذا فيه تفصيل: المذي ليس من البول؛ لأن المذي نجاسته مخففة، لكن يجب غسل ما أصاب من البدن، ويجب غسل الذكر والأنثيين؛ لحديث: (اغسل ذكرك وأنثييك) فإذا تحقق أن الرطوبة موجودة في أثناء الصلاة، فإنه يقطع الصلاة، لكن لا يكون وسواساً، لابد أن يتحقق من هذا. والمذي هو ماء لزج يخرج على رأس الذكر عند اشتداد الشهوة وعند الملاعبة، فإذا أصاب الثوب فيكفي فيه النضح؛ لأن نجاسته مخففة، وللمشقة.

مقدار كفارة إتيان الحائض

مقدار كفارة إتيان الحائض Q هل كفارة إتيان الحائض دينار أم نصف دينار؟ وما مقداره؟ A هو مخير بين دينار أو نصف دينار، وهو أربعة أسهم من سبعة، فصرف الجنيه أربعة من سبعة أسهم من الجنيه، فإذا كان الجنيه بسبعين، يكون الدينار بأربعين ونصف الدينار بعشرين، وإذا كان سبعمائة يكون الدينار أربعمائة، ونصف الدينار مائتين، فالدينار أربعة أسباع الجنيه.

حكم أخذ الأخت مرتب أخيها من التقاعد

حكم أخذ الأخت مرتب أخيها من التقاعد Q مات رجل عن أخت من أب فقط، وبقي لهذا الميت راتب تقاعده، فهل يجوز لهذه الأخت أخذ هذا التقاعد، علماً بأن هذه الأخت متزوجة ولها أبناء وهي تأخذ هذا المال فتتصدق ببعضه وتأكل شيئاً منه؟ A المعروف أن التقاعد عندنا في هذه البلاد منحة من الدولة، يكون للقصار فقط، يعطى الابن والبنت والزوجة، فإذا تزوجت الزوجة سقط حقها، وإذا بلغ الابن ثماني عشرة سنة سقط حقه، وإذا تزوجت البنت سقط حقها، والمعروف أن التقاعد ليس إرثاً، فإذا كانت هذه الأخت متزوجة فليست من القصار، وليست من الأبناء، فليس لها شيء، هذا المعروف عندنا، وفي البلاد الأخرى على حسب النظام. إذاً: المعروف أن التقاعد ليس إرثاً، وإنما هو منحة من الدولة للقصار، ولهذا يقسمونه ويقولون: للابن كذا، والبنت كذا، وللزوجة كذا، فإذا تزوجت البنت سقط حقها، وإذا تزوجت الزوجة سقط حقها، وإذا بلغ الابن سقط حقه.

كتاب الرضاع [1]

شرح عمدة الفقه - كتاب الرضاع [1] القول الجامع لكثير من مسائل الرضاع هو: يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب، فمن رضع من امرأة حرمت عليه وحرمت عليه بناتها وأخواتها وعماتها وخالاتها، ويصير زوجها أباً له، فتحرم عليه بناته وأخواته وعماته وخالاته.

الرضاع كالنسب في التحريم والمحرمية

الرضاع كالنسب في التحريم والمحرمية قال المصنف رحمه الله تعالى: [كتاب الرضاع. حكم الرضاع حكم النسب في التحريم والمحرمية]. يقال: الرَّضاع والرِّضاع، ويقال: الرَّضاعة والرِّضاعة بالفتح والكسر، والرَّضاع: هو أن يرتضع طفل من غير أمه، سواء ارتضع من ثديها، أو حلبت له في إناء فشربه، أو جفف، أو جُعل له وجور صب في حلقه، أو سعوط صب في حلقه، وإذا فُعل به ذلك خمس مرات فإنها تثبت المحرمية، لحديث: (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب)، وإذا ارتضع من امرأة فمص الثدي ثم تركه باختياره للعب أو لتنفس ولم يؤخذ منه ثم أخذه وارتضع تعتبر هذه رضعة ثانية، فإذا ارتضع خمس رضعات ثبتت المحرمية، ويحرم به ما يحرم من النسب، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب)، ولابد أن يكون هذا الرضاع في الحولين؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا رضاع إلا ما فتق الأمعاء) وفي لفظ: (إلا ما أنشز العظم وكان في الحولين)، وفي صحيح مسلم: (إنما الرضاعة من المجاعة) فلابد أن يكون في الحولين، ولابد أن يرتضع الطفل خمس رضعات؛ لما ثبت في حديث عائشة في صحيح مسلم قالت: (فنسخن بخمس معلومات يحرمن)، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم لـ سهلة بنت أبي سهيل في سالم مولى أبي حذيفة: (أرضعيه خمس رضعات تحرمي عليه)، فلابد من خمس رضعات، وتكون الرضعات في الحولين، فإذا رضع طفل من امرأة خمس رضعات في الحولين صار ابناً لها، وصارت أماً له، ويكون جميع أبنائها وبناتها من هذا الزوج أو من زوج سابق أو لاحق إخوة له من الرضاعة، ويكون إخوتها أخوالاً له من الرضاعة، ويكون أبوها جده من الرضاعة، وأمها جدته من الرضاعة، ويكون الزوج الذي له اللبن أباه من الرضاعة، ويكون إخوة الزوج الذي له اللبن أعمامه من الرضاعة، ويكون جميع أبناء هذا الزوج إخوة له، فإذا كانوا من هذه المرأة التي رضع منها فإنهم يكونون إخوة أشقاء، وأبناؤه من غيرها إخوة للرضيع من الأب من الرضاعة، كما أن أولاد الأم التي أرضعته من هذا الزوج إخوة له أشقاء، ومن زوج آخر إخوة له من الأم وهكذا. وكذلك تنتشر المحرمية في الرضيع نفسه وفي أولاده، وتنتشر في المرضعة التي أرضعته وأبنائها وبناتها وأقاربها: آباؤها وأجدادها وجداتها وإخوتها، فتنتشر الحرمة في الزوج الذي له اللبن، فيكون أباً له من الرضاعة، وأبوه جداً له من الرضاعة، وإخوته أعماماً له من الرضاعة، وأما إخوة الرضيع من النسب فلا علاقة لهم بالرضاعة، وأخوات الرضيع من النسب لا علاقة لهن بالرضاعة، وأم الرضيع من النسب لا علاقة لها بالرضاعة، وأبو الرضيع من النسب لا علاقة له بالرضاعة، فيجوز لأخي الرضيع من النسب أن يتزوج أخته من الرضاعة، ويعايا بها فيقال: رجل زوج أخاه أخته، كيف ذلك؟ أي: أنه ارتضع من امرأة ولها بنت، فصارت أخته من الرضاع، وله أخت من النسب فزوج أخاه من النسب أخته من الرضاع؛ لأن أخاه من النسب ليس له علاقة بالرضاعة، فالحرمة تنتشر في الرضيع وأبنائه وبناته، وتنتشر في الأم وأقاربها، وتنتشر في الزوج الذي له اللبن وأقاربه فقط. قوله: (حكم الرضاع حكم النسب في التحريم والمحرمية). يعني: يحرم عليه أن يتزوج أمه من الرضاع، أو أخواته من الرضاع، وكذلك أيضاً يجوز له أن ينظر إليها، وأن ينظر إلى أخواته من الرضاع، ويخلو ويسافر بهن، وأما التوارث فليس بينهم توارث، وليس هناك توارث بين الرضيع وبين إخوته من الرضاعة وأمه من الرضاعة، وكذلك النفقة لا يجب عليه أن ينفق عليها، وكذلك العقل والدية، لا يعقل عن إخوته من الرضاع، إنما العقل خاص بالعصبات من النسب. قال المصنف رحمه الله تعالى: [فمتى أرضعت المرأة طفلاً صار ابناً لها وللرجل الذي ثاب اللبن بوطئه]. قوله: (ثاب اللبن) أي: اجتمع اللبن، فالرضيع يصير ابناً للمرضعة، ويصير ابناً للزوج الذي له اللبن، فيكون الزوج الذي له اللبن أباً من الرضاعة، والمرأة التي أرضعته أمه من الرضاعة، ويكون أقارب الزوج الذي له اللبن: أبناؤه وبناته إخوة له، وإخوته أعماماً له، وأبوه جداً له وأمه جدة له، وكذلك الأم التي أرضعته تكون أمه من الرضاعة، وأبناؤه وبناته إخوة له من الرضاعة، وأمها جدة له من الرضاعة، وأبوها جده من الرضاعة، وهكذا. قال المصنف رحمه الله تعالى: [فيحرم عليه كل من يحرم على ابنها من النسب]. أي: من جهة النكاح، فكما أن ابنها من النسب تحرم عليه أخواته، فكذلك ابنها من الرضاع تحرم عليه أخواته من الرضاع. قال المصنف رحمه الله تعالى: [وإن أرضعت طفلة صارت بنتاً لهما، تحرم على كل من تحرم عليه ابنتهما من النسب؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب)]. أي: إذا أرضعت طفلة صارت هذه الطفلة أختاً لأبناء هذه المرأة وأبناء الزوج الذي له اللبن، فتكون أختهم؛ فيحرم عليهم أن يتزوجوها، وكذلك إخوة الزوج الذي له اللبن يصيرون أعماماً لها من الرضاعة لا يجوز لهم أن يتزوجوها. قال المصنف رحمه الله تعالى: [والمحرم من الرضاع ما دخل الحلق من اللبن، سواء دخل بارتضاع من الثدي، أو وجور أو سعوط، محضاً كان أو مشوباً إذا لم يُستهلَك]. أي: أن الطفل سواء مص اللبن من الثدي أو صب له في كأس وشربه، أو جُفِّف فأكله، أو صب عليه ماء ثم شربه فكذلك، وهذا ما لم يكن الماء كثيراً بحيث يزول عنه اسم اللبن، وسواء شربه من جهة الفم، أو صب في فمه، وهذا هو الوجور، أو سُعط من جهة الأنف، أي: صب في أنفه فالأنف منفذ مثل الفم، قال النبي صلى الله عليه وسلم لـ لقيط بن صبرة: (وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً)، وهذا بخلاف ما لو صب في الأذن فإنه ليس منفذاً، وكذلك العين ليست منفذاً، وأما الأنف فإنها تنوب عن الفم، فأحياناً قد يغذى من جهة الأنف.

شروط الرضاع المحرم

شروط الرضاع المحرم قال المصنف رحمه الله تعالى: [ولا يحرم إلا بشروط ثلاثة:]. أي: أن الرضاع لا يحرم إلا بشروط ثلاثة. قال المصنف رحمه الله تعالى: [أحدها: أن يكون لبن امرأة، بكراً كانت أو ثيباً، في حياتها أو بعد موتها]. هذا هو الشرط الأول: أن يكون لبن امرأة، كانت بكراً أو ثيباً، فالبكر التي لم تتزوج إذا اجتمع فيها اللبن، أو كانت عجوزاً كبيرة وأخذت طفلاً ثم درت عليه ولو لم يكن معها زوج فإن المحرمية تثبت، ولو أخذته بكر ثم درت عليه، أو أخذته عجوز ولو بعد إياس ثم درت عليه، أو أخذته امرأة لها زوج فأرضعته، فالمهم أن يكون لبن رضاع، أو حتى بعد وفاة المرأة، وهذا من الفرضيات لكن قد يقع، فإذا ماتت وجاء طفل ودب وارتضع منها فوجد فيه لبناً، ثم أطلق الثدي، ثم ارتضع منها وهي ميتة وكرر هذا خمس مرات فإن المحرمية تثبت لبناتها، فالشرط الأول إذاً: أن يكون لبن امرأة، وهذه المرأة سواء كان معها زوج أو لم يكن معها زوج؛ لأنها قد تدر عليه بدون زوج وهي بكر أو عجوز كبيرة حية أو ميتة، أما الرجل فلا، فإن هذا من الفرضيات، ولو أرضعه رجل فلا تثبت المحرمية؛ لأن الرجل ليس محلاً للإرضاع، أو رضع لبن البهيمة كأن يشرب من بقرة، أو من شاة، أو من خلفة، فهذا لا تثبت به محرمية، فلابد أن يكون لبن امرأة. قال المصنف رحمه الله تعالى: [فأما لبن البهيمة أو الرجل أو الخنثى المشكل فلا يحرم شيئاً]. ذكرنا أن لبن البهيمة لا يحرم، وكذلك لبن الرجل لا يحرم، وهذا من الفرضيات، ولو قدر أن رجلاً أرضع -مع أن الرجل ليس له ثدي- فلا تثبت الحرمة؛ لأنه ليس محلاً للرضاع، وكذلك أيضاً الخنثى المشكل، والخنثى المشكل هو الذي له آلتان: آلة ذكر وآلة أنثى، وأمره مشكل لم يتبين، وأما إذا كان له آلتان وكان خنثى فاتضح الأمر بأن نبتت له لحية، فهذا رجل، فلو كان له آلتان وأرضعه لا يصح رضاعه، وأما إذا اتضح أنه أنثى بأن كان له ثديان، أو كان يبول من آلة الأنثى واتضح أمره ثم در له لبن فإنه تثبت به الحرمة إذا تبين أنه أنثى، وأما الخنثى المشكل الذي لم يتبين أمره فهذا لا يحرم لبنه. قال المصنف رحمه الله تعالى: [الثاني: أن يكون في الحولين؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا يحرم من الرضاع إلا ما فتق الأمعاء، وكان قبل الفطام)]. الشرط الثاني: لابد أن يكون في الحولين، وأما ما كان بعد الحولين فإنه لا يحرم. وأما ما جاء في قصة سالم مولى أبي حذيفة فإنه خاص بـ سالم مولى أبي حذيفة وسهلة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أرضعيه خمس رضعات تحرمي عليه). قال المصنف رحمه الله تعالى: [الثالث: أن يرتضع خمس رضعات؛ لقول عائشة رضي الله عنها: (أنزل في القرآن عشر رضعات يحرمن، فنسخ من ذلك خمس وصار إلى خمس رضعات معلومات يحرمن، فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمر على ذلك)]. وفي لفظ: (توفي رسول الله وهن فيما يقرأ من القرآن)، والمعنى أن بعض الناس الذي لم يعلم بالنسخ استمر على قراءتها حتى علموا بالنسخ لأن نسخها تأخر، فهذا هو الصواب، فلابد من خمس رضعات، وقال جمهور العلماء: إنه يكفي الرضعة الواحدة؛ أخذاً بإطلاق الآية: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ} [النساء:23]. وذهب جماعة إلى أنه لا يحرم إلا الثلاث رضعات؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تحرم المصة ولا المصتان ولا الإملاجة ولا الإملاجتان)، قالوا: فدل على أن الثلاث تحرم، والصواب أنه لابد من خمس رضعات؛ لحديث عائشة السابق.

تحريم لبن الفحل وصور ذلك

تحريم لبن الفحل وصور ذلك قال المصنف رحمه الله تعالى: [ولبن الفحل محرم، فإذا كان لرجل امرأتان]. هذا هو الصواب: أن لبن الفحل يحرم، والمراد بالفحل الزوج الذي له اللبن، فكما أن رضاع الصغير من المرأة يحرم فكذلك لبن الفحل يحرم، يقول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة: (انظرن من إخوانكن، فإنما الرضاعة من المجاعة)، وذلك لما دخل وعندها رجل كما في الصحيح. ولما ثبت في الصحيحين: (أن أفلح أخا أبا القعيس استأذن على عائشة فأبت أن تأذن له وكان عمها من الرضاعة، فاستفتت النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ائذني له فإنه عمك)، وكذلك حفصة أيضاً أذن لها النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (يدخل عليها)، فدل على أن لبن الفحل يحرم، وذلك أن حرمة الرضاع كما سبق أن ذكرنا تنتشر في المرضعة التي أرضعت الطفل وأقاربها، فإذا أرضعت امرأة طفلاً في الحولين خمس رضعات فإن المحرمية تثبت بذلك، فتصير أماً له من الرضاع، ويصير أبناؤها وبناتها إخوة له من الرضاع، ويصير إخوتها أخوالاً له من الرضاع، ويصير أبوها جده من الرضاع، وكذلك تنتشر الحرمة في الرضيع الذي ارتضع وأبناءه وبناته، فيصير هو ابناً للمرضعة، وتصير بناته وأبناؤه محارم لها، وتنتشر الحرمة في الزوج الذي له اللبن، فيكون الزوج الذي له اللبن أباً للرضيع الذي ارتضع خمس رضعات، وأبوه جداً للرضيع، وإخوته أعماماً للرضيع، وأبناؤه وبناته إخوة للرضيع، فأبناؤه وبناته من المرضعة إخوة أشقاء، وأبناؤه وبناته من غير المرضعة إخوة من الرضاع من الأب، وأما إخوة الرضيع من النسب، وأخواته من النسب، وأبوه من النسب، وأمه من النسب فلا علاقة لهم بالرضاع، فيجوز أن يتزوج أخوه من النسب أخته من الرضاع كما سبق. قال المصنف رحمه الله تعالى: [ولبن الفحل محرم، فإذا كان لرجل امرأتان فأرضعت إحداهما بلبنه طفلاً والأخرى طفلة صارا أخوين؛ لأن اللقاح واحد]. إذا كان للرجل زوجتان أرضعت إحداهما طفلاً والأخرى طفلة صارا أخوين؛ لأن اللبن للزوج، فهما إن كانتا امرأتين لكن اللقاح واحد، فاللبن للزوج، ويكونا أخوين من الرضاعة. قال المصنف رحمه الله تعالى: [وإن أرضعت إحداهما بلبنه طفلة ثلاث رضعات ثم أرضعتها الأخرى رضعتين صارت بنتاً له دونهما، فلو كانت الطفلة زوجة له انفسخ نكاحها، ولزمه نصف مهرها، ويرجع به عليهما أخماساً، ولم ينفسخ نكاحهما]. أي: إن كان للرجل زوجتان فأرضعت إحدى الزوجتين طفلة ثلاث رضعات، وأرضعتها الثانية رضعتين فتم لها خمس رضعات ثبتت الأبوة للزوج؛ لأن اللبن له، ولم تثبت الأمومة لواحدة منهما؛ لأن كل واحدة منهما لم ترضعها العدد الذي تصير به أماً لها، ولو عقد على طفلة وهي صغيرة ثم رضعت من زوجتيه خمساً انفسخ نكاحها؛ لأنها صارت بنتاً له، وإذا كان أمهرها مثلاً عشرة آلاف فإنه يكون لها خمسة آلاف؛ لأنها مطلقة قبل الدخول، والمطلقة قبل الدخول بها لها نصف المهر، فنقول له: زوجتك هذه انفسخ نكاحها وصارت بنتاً لك، وعليك أن تدفع نصف المهر، وترجع على من غرك، واللتان غرتاه هما زوجتاه، فيأمر الزوجة التي أرضعتها ثلاث رضعات أن تدفع ثلاثة آلاف، والزوجة التي أرضعتها رضعتين أن تدفع ألفين؛ لأنهما تسببا في إفساده عقده، فتثبت الأبوة ولم تثبت الأمومة، وأما إذا لم تكن زوجة له فلا إشكال، لكن لو كانت هذه الطفلة زوجته فإنه يترتب عليها هذه الأحكام. هذا قول، والقول الثاني أو الوجه الثاني: أنه إذا لم تثبت الأمومة فلا تثبت الأبوة، وعلى هذا فلا يترتب عليه شيء. وهذا القول إنما هو بناء على أن لبن الفحل يحرم. قوله: (وإن أرضعت إحداهما بلبنه طفلة ثلاث رضعات ثم أرضعتها الأخرى رضعتين صارت بنتاً له دونهما فلو كانت الطفلة زوجة له انفسخ نكاحها ولزمه نصف مهرها ويرجع به عليهما أخماساً). قوله: ثلاثة أخماس أي: أن نصف المهر يكون على التي أرضعتها ثلاث رضعات، والخمسين على التي أرضعتها رضعتين، وهذا كما سبق أنه إذا كان النصف خمسة آلاف فإن الأولى تدفع ثلاثة آلاف، والثانية ألفين. قوله: (ولم ينفسخ نكاحهما). أي: ولم ينفسخ نكاح كل واحدة؛ لأن كل واحدة منهما لم ترضعها خمس رضعات، فلم تم الرضاع، فتبقى كل واحدة منهما زوجة له؛ لأنه لم ثبتت لهما الأمومة، فلا ينفسخ نكاحهما، لكن ينفسخ نكاح البنت الصغيرة؛ لأنها تم لها خمس رضعات. قال المصنف رحمه الله تعالى: [ولو أرضعت إحدى امرأتيه الطفلة خمس رضعات: ثلاثاً من لبنه، واثنتين من لبن غيره صارت أماً لها، وحرمتا عليه، وحرمت الطفلة على الرجل الآخر على التأبيد]. هذه صورة أخرى وهي: إذا أرضعت امرأة الطفلة من لبن رجل ثلاث رضعات، ثم طلقها زوجها واعتدت، ثم تزوجت بزوج آخر وحملت، ثم أرضعت تلك الطفلة الأولى رضعتين، فالثلاث الرضعات الأولى من الزوج السابق، والرضعتان الأخيرتان من الزوج الثاني، فتتم لهذه الطفلة خمس رضعات، فتثبت الأمومة لهذه المرأة فتصير أماً لها، وتحرم هذه الطفلة على الزوج الأول والزوج الثاني على التأبيد؛ لأنها صارت ربيبة لهما. قوله: (ولو أرضعت إحدى امرأتيه الطفلة خمس رضعات إلخ). أي: ثلاث من لبنه وبعدما طلقها تزوجت زوجاً آخر في السنة الثانية فأرضعتها رضعتين، فيتم لها خمس رضعات؛ ثلاث من لبن الزوج الأول، ورضعتين من لبن الزوج الثاني، فتصير أماً لها. قوله: (وحرمتا عليه، وحرمت الطفلة على الآخر على التأبيد). أي: حرمتا على الزوج الأول؛ لأنها صارت أم زوجته، هذا إذا كانت الطفلة زوجة له، وتصير الطفلة ربيبته، فلا يجوز لهذا أن يتزوج هذه المرأة الكبيرة ولو طلقها زوجها الثاني، وحرمت الطفلة على الزوج الثاني أيضاً؛ لأنها صارت ربيبته، فهي بنت زوجته، فقد ثبتت البنوة لها وإن كانت تلك المرأة لم ترضعها من لبنه إلا رضعتين، وأرضعتها من لبن الزوج الأول ثلاث فثبت أنها بنت زوجته، فصارت ربيبة للزوج الثاني فتحرم عليه. قال المصنف رحمه الله تعالى: [وإن لم تكن الطفلة امرأة له لم ينفسخ نكاح المرضعة]. أي: أن الصورة السابقة إنما هي فيما إذا كانت البنت الصغيرة زوجة له، وأما إذا لم تكن زوجة له فليس هناك محظور في ذلك، ولا ينفسخ نكاح الزوجة؛ لأن الطفلة أجنبية، وأما ما سبق فإنه يتصور إذا كانت الطفلة الصغيرة قد عقد عليها وهي صغيرة ترضع، وقد سبق هذا المعنى في كتاب النكاح، وذكرنا أنه يجوز للأب أن يزوج ابنته الصغيرة إذا خاف فوات الكفؤ، ولا إذن لها في هذا، فقد زوج أبو بكر رضي الله عنه عائشة رضي الله عنها وهي صغيرة، وهذا خاص بالأب. وجاء عن بعض السلف أنه تزوج امرأة صغيرة وهي في النفاس، وقال: إن مت ورثتني، وإن عشت فهي زوجتي. فهذه الطفلة الصغيرة كانت زوجة له ولكنها حرمت عليه بسبب الرضاع من زوجته. إذاً: فهذه المرأة الكبرى في هذه الصورة انتقلت إلى زوج آخر، وصارت أماً لزوجته، فلا تحل للزوج الأول حتى ولو طلقها الزوج الثاني، وهذه البنت صارت ربيبة له فلا يجوز نكاحها، وحرمت البنت على الزوج الثاني؛ لأنها ثبتت بنوتها لزوجته فصارت ربيبة له.

الحكم فيما لو تزوجت امرأة طفلا فأرضعته خمسا

الحكم فيما لو تزوجت امرأة طفلاً فأرضعته خمساً قال المصنف رحمه الله تعالى: [ولو تزوجت امرأة طفلاً فأرضعته خمس رضعات حرمت عليه وانفسخ نكاحها، وحرمت على صاحب اللبن تحريماً مؤبداً؛ لأنها صارت من حلائل أبنائه]. في هذه الصورة: أن امرأة عُقد لها على طفل وهو في المهد، ثم أرضعته خمس رضعات فإنها تصير أماً له، فتحرم عليه وينفسخ النكاح، وحرمت على صاحب اللبن؛ لأنها صارت حليلة لابنه الطفل. وهذه الصورة وإن كانت قليلة الوقوع لكنها قد تقع.

حكم ما لو تزوج الرجل كبيرة وصغيرة فأرضعت الكبيرة الصغيرة

حكم ما لو تزوج الرجل كبيرة وصغيرة فأرضعت الكبيرة الصغيرة قال المصنف رحمه الله تعالى: [فصل: ولو تزوج رجل كبيرة ولم يدخل بها وصغيرة فأرضعت الكبيرة الصغيرة حرمت الكبيرة، وثبت نكاح الصغيرة]. فإذا تزوج شخص امرأتين كبيرة وصغيرة فأرضعت الكبيرة الصغيرة فإنه ينفسخ نكاح الكبيرة؛ لأنها صارت أم زوجته، وأم الزوجة تحرم عليه، وثبت نكاح الصغيرة؛ لأنه لم يدخل بأمها، ولا تحرم الربيبة إلا بالدخول وهو لم يدخل بها، وأما الأم فإنها تحرم بمجرد العقد، قال الله تعالى: {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} [النساء:23] ثم قال: {وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} [النساء:23] فاشترط في تحريم الربيبة الدخول، ولم يشترط هذا في أم الزوجة، فلو فرضنا أن إنساناً عقد على امرأة كبيرة ولم يدخل بها، ثم عُقد له على طفلة؛ لأنه رجل صالح ورأى والد الطفلة أن يزوجه حتى لا يفوت عليه الكفؤ والطفلة هذه التي تزوجها ترضع فجاءت زوجته الكبرى وأرضعتها خمس رضعات، حرمت الكبرى عليه؛ لأنها صارت أم زوجته ولم تحرم الصغرى؛ لأنه لم يدخل بأمها، فثبت نكاح الصغيرة وانفسخ نكاح الكبيرة. قال المصنف رحمه الله تعالى: [وإن كانتا صغيرتين فأرضعتهما الكبرى حرمت الكبرى، وانفسخ نكاح الصغيرتين، وله نكاح من شاء من الصغيرتين]. أي: إذا عقد على ثلاث: كبيرة وطفلتين صغيرتين ثم أرضعت الكبرى الطفلتين كل واحدة منهما خمس رضعات فإنه في هذه الحال ينفسخ نكاح الكبرى؛ لأنها صارت أم زوجتيه، وكذلك الصغيرتان ينفسخ أيضاً نكاحهما؛ لأن فيه جمع بين الأختين، والجمع بين الأختين لا يجوز لا في الرضاع ولا في النسب، وحتى الإماء، فينفسخ نكاحهما، ثم بعد ذلك له أن يتزوج واحدة منهما. قال المصنف رحمه الله تعالى: [وإن كن ثلاثاً فأرضعتهن متفرقات حرمت الكبرى، وانفسخ نكاح المرضعتين أولاً، وثبت نكاح الثالثة]. أي: أنه عقد على أربع: كبرى وثلاث صغيرات، فأرضعت الكبرى الثلاث، لكن إرضاعها كان متفرقاً، فأرضعت اثنتين ثم بعد فترة أرضعت الثالثة، فإنه ينفسخ نكاح الكبرى؛ لأنها صارت أم زوجاته، وينفسخ نكاح الصغيرتين لأن فيه جمعاً بين الأختين، ويبقى نكاح الثالثة؛ لأنه لما انفسخ نكاح الاثنتين بقي نكاح الثالثة؛ لأن الثالثة لم يجمع بينها وبين غيرها، وانفسخ نكاح السابقتين لأنهما أرضعتا في وقت واحد، وأما الثالثة فأرضعت متأخرة، ولو كان إرضاع الثلاث في وقت واحد لانفسخ نكاح الثلاث. وهنا ليس للصغيرة أن ترفض من تزويج الأب لها في هذه الحالة؛ لأن الأب له أن يزوج الصغيرة كما زوج أبو بكر عائشة رضي الله عنها، فهو كامل الشفقة، وما زوجها إلا لأن الزوج كفؤ. قال المصنف رحمه الله تعالى: [وإن أرضعت إحداهن منفردة واثنتين بعدها معاً انفسخ نكاح الثلاث]. هذه صورة ثالثة، وهي: أن يعقد على أربع: كبيرة وثلاث صغيرات، فأرضعت الكبرى إحدى الصغيرات خمس رضعات انفسخ نكاح الكبرى، وبقي نكاح الصغرى، ثم أرضعت بعد ذلك الاثنتين الأخريتين في وقت واحد، ففي هذه الحالة ينفسخ نكاح الثلاث؛ لأن الثلاث أصبحن كلهن زوجات له في وقت واحد، ولا يجوز الجمع بين الأخوات؛ لأن أصلهن أخوات من الرضاعة، فينفسخ نكاح الثلاث، فالأولى بقي نكاحها عندما أُرضعت، فلما أرضعت الثانية والثالثة في وقت واحد صارت الثلاث أخوات وانفسخ نكاح الثلاث، ثم بعد ذلك له أن يختار واحدة منهن. قال المصنف رحمه الله تعالى: [وله نكاح من شاء منهن منفردة]. أي: إذا انفسخ نكاح الثلاث الصغيرات فله بعد ذلك أن يتزوج واحدة منهن، وأما الكبرى فقد انفسخ نكاحها؛ لأنها صارت أم زوجاته، وأما الثلاث الصغيرات فله أن يتزوج أي واحدة منهن؛ لأنها لم يدخل بأمهن، فالأم تحرم بمجرد العقد، والبنت لا تحرم إلا بالدخول بأمها. قال المصنف رحمه الله تعالى: [وإن كان دخل بالكبرى حرم الكل عليه على الأبد]. قوله: (إذا دخل بالكبرى) أي: خلا بها وجامعها، حرمت زوجاته كلهن؛ لأنهن أصبحن ربيبات بمجرد الدخول بأمهن، فيحرمن عليه إلى الأبد. قال المصنف رحمه الله تعالى: [ولا مهر للكبرى إن كان لم يدخل بها، وإن كان قد دخل بها فلها مهرها]. لا مهر لكبرى إذا كان لم يدخل بها؛ لأنها تسببت في إفساد النكاح، وإن كان دخل بها فإنه يستقر المهر كاملاً باستحلال فرجها. قال المصنف رحمه الله تعالى: [وإن كان قد دخل بها فلها مهرها وعليه نصف مهر الأصاغر يرجع به على الكبرى]. الأصاغر هن زوجاته الصغيرات اللاتي حرمن عليه وانفسخ نكاحهن؛ لأنهن أصبحن ربيبات له، فلهن نصف المهر؛ لأن المطلقة قبل الدخول لها نصف المهر، فكل واحدة منهن نصف المهر، ويرجع به على من غره وكانت سبباً في انفساخ النكاح، وهي الكبرى حيث أرضعتهن، فوجب لهن نصف المهر؛ لأنهن مطلقات قبل الدخول، وقد مر في الآية الكريمة أن المطلقة قبل الدخول لها نصف المهر.

حكم ما لو دبت الطفلة الصغيرة المعقود عليها على الكبرى فرضعت منها خمسا

حكم ما لو دبت الطفلة الصغيرة المعقود عليها على الكبرى فرضعت منها خمساً قال المصنف رحمه الله تعالى: [ولو دبت الصغرى على الكبرى وهي نائمة فارتضعت منها خمس رضعات حرّمتها على الزوج]. إذا تزوج كبرى وصغرى في المهد عقد عليها بدون دخول، ثم نامت الكبرى فجاءت الطفلة الصغيرة ودبت وارتضعت من الكبرى وهي نائمة، ثم تركت الثدي، ثم ارتضعت مرة ثانية ثم تركت الثدي، وفعلت هذا خمس مرات حتى تمت خمس رضعات فإن الصغرى حرمت الكبرى؛ لأن الكبرى تصير أم زوجته، ومعلوم أن الزوجة محرمة. وهذا أمر قد يقع، فقد يكون نوم الكبرى ثقيلاً، فتقوم الصغرى في ساعة من الساعات فترضع وتترك الثدي ثم تعود إليها، حتى تفعل هذا خمس مرات، وبهذا تحرم الكبرى عليه؛ لأنها صارت أم زوجته. قال المصنف رحمه الله تعالى: [ولو دبت الصغرى على الكبرى وهي نائمة فارتضعت منها خمس رضعات حرمتها على الزوج، ولها نصف مهرها يرجع به على الصغرى إن كان قبل الدخول]. قوله: (ولها نصف المهر) لأنها مثل المطلقة قبل الدخول، ويرجع به على من تسبب في ذلك وهي الصغيرة، أو يرجع به على من أهملها. قال المصنف رحمه الله تعالى: [وإن كان بعده فلها مهرها كله لا يرجع به على أحد، ولا مهر للصغرى]. أي: إن دبت إليها ورضعت منها بعد الدخول فلها المهر كاملاً بعد الدخول، وأما إذا كان قبل الدخول فلها نصف المهر. قال المصنف رحمه الله تعالى: [وإن كان بعده فلها مهرها كله لا يرجع به على أحد، ولا مهر للصغرى]. لا يرجع به على أحد؛ لأن المهر قد استقر بالدخول قبل أن ترتضع الصغرى، والصغرى لا مهر لها في هذه الحالة. فوقوع مثل هذه الصورة ليس مستحيلاً، فقد تدب الصغيرة إلى الكبرى وهناك من يراها كالخادمة مثلاً، وهي لا تعلم الحكم الشرعي في هذه الحالة، ورأتها ترضع خمس رضعات وضبطت هذا.

حكم ما لو نكح امرأة ثم قال: هي أختي من الرضاع

حكم ما لو نكح امرأة ثم قال: هي أختي من الرضاع قال المصنف رحمه الله تعالى: [ولو نكح امرأة ثم قال: هي أختي من الرضاع، انفسخ نكاحها]. أي: أنه يؤاخذ بإقراره، فينفسخ نكاحه، ولا عذر لمن أقر، فإذا نكح وأقر أنها أخته من الرضاع فإنه يؤاخذ بذلك، وهو الذي جنى على نفسه، ولا يطلب منه بينة على ذلك، مادام عاقلاً. وهذا بخلاف ما لو ادعى ذلك على غيره فلا يؤخذ غيره بذلك، وهذا مثل لو جاء إنسان وادعى أنه من الأشراف وقال: إنه من بني هاشم، فإنا لا نعطيه من الزكاة؛ لأنه أقر فيؤاخذ بإقراره، وأما إذا أراد أن يعطى من الفيء فنقول له: هاتِ البينة. وهكذا فإذا أقر بنفسه فإنه يؤاخذ بإقراره ويفرق بينهما. قال المصنف رحمه الله تعالى: [ولو نكح امرأة ثم قال: هي أختي من الرضاع انفسخ نكاحها، ولها المهر إن كان دخل بها، ونصف المهر إن لم يدخل بها ولم تصدقه]. إذا تزوج امرأة وقال: هي أختي من الرضاع فيه تفصيل وهو: إن كان قد دخل بها فلها المهر كاملاً بما استحل من فرجها، وإن كان لم يدخل بها ففيه تفصيل أيضاً: إن لم تصدقه فلها نصف المهر، وإن صدقته أنها أخته فليس لها شيء؛ لأنها أقدمت على نكاح أخيها. أما إن قالت: هو كذاب ولا أعلم أنه أخي من الرضاع وليس عنده دليل في ذلك، فإن لها نصف المهر. قال المصنف رحمه الله تعالى: [وإن صدقته قبل الدخول فلا شيء لها]. لأنها أقدمت على عقد نكاح فاسد. قال المصنف رحمه الله تعالى: [وإن كانت هي التي قالت: هو أخي من الرضاع فأكذبها ولا بينة لها فهي امرأته في الحكم]. إذا قالت الزوجة هو أخي من الرضاعة وليس عندها بينة وكذبها فإنها تبقى امرأته؛ لأنها متهمة في هذه الحالة وليس عندها دليل وإنما تريد أن تتخلص منه، سواء قالت ذلك قبل الدخول أو بعده، فإن صدقها فيجب التفريق بينهما، وإن كذبها وليس عندها دليل فالنكاح باقٍ.

الأسئلة

الأسئلة

حكم العقد الواقع بين أخوين من الرضاعة

حكم العقد الواقع بين أخوين من الرضاعة Q رجل عقد على أخته من الرضاعة، فما حكم العقد؟ A العقد فاسد ويجب التفريق بينهما. أما لو ثبت أنهما أخوان من الرضاعة وقد أنجب منهما أولاداً فإنهم يلحقون به لأجل الشبهة ولا يضر ذلك. وإذا كان العقد فاسداً فلا يحتاج إلى طلاق، لأن النكاح فاسد، والطلاق لا يكون إلا في النكاح الصحيح. وإذا ثبت أنها أخته من الرضاع وكان ذلك قبل الدخول بها فلا يلزم لها شيء من المهر، وإن كان بعده فلها وضع آخر.

الضابط الشرعي في لباس المرأة أمام النساء والأطفال

الضابط الشرعي في لباس المرأة أمام النساء والأطفال Q ما الضابط الشرعي للباس المرأة أمام النساء والأطفال مع العلم بأن المرأة تظهر الزينة للنساء وتظهر شعرها وعنقها وصدرها وساعديها وجزءاً من ساقيها وترتدي الثياب الضيقة، وربما تلبس البنطال أمام النساء، وهل قول الفقهاء بأن عورة المرأة مع المرأة من السرة إلى الركبة على إطلاقه، أم هو في حال الضرورة؟ A عورة المرأة مع المرأة من السرة إلى الركبة ليس على إطلاقه، ولا ينبغي للمرأة أن تلبس البنطلون؛ لأن في هذا تشبه بالرجال، ولا يجوز لها ذلك، وكونها تتكشف أمام النساء فإن هذا مدعاة للفتنة، فقد يحصل عشق من بعض النساء للنساء، وهذا فيه وسيلة إلى تقليد غيرها لها، فلا ينبغي للمرأة أن تكون بهذه الحالة، ولا ينبغي لها أن ترتدي الثياب الضيقة فتكشف صدرها وساعديها وساقيها أمام الصبيان والنساء.

محرمية جدة الزوجة لأبيها

محرمية جدة الزوجة لأبيها Q والد الزوجة له امرأة أب هل هي محرم؟ A ليست محرماً، إنما المحرم هي أم الزوجة، فإذا كان والد الزوجة معه أم الزوجة فهذه محرم، وإذا كان معه امرأة غير أم الزوجة فليست محرماً.

حكم الصلاة في الاستراحات مع وجود المساجد القريبة

حكم الصلاة في الاستراحات مع وجود المساجد القريبة Q هناك شباب يجتمعون في إحدى الاستراحات، وبجوار هذه الاستراحة مسجد يسمعون منه الأذان، فهل لهم أن يصلوا في الاستراحة وعددهم يزيد عن العشرين؟ A لا يجوز لهم الصلاة في الاستراحة في هذه الحالة وعليهم أن يصلوا في المسجد مادام أن المسجد قريب ويسمعون النداء؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (من سمع النداء فلم يجب فلا صلاة له إلا من عذر).

حكم لعب البلوت والشطرنج

حكم لعب البلوت والشطرنج Q ما حكم لعب البلوت والشطرنج؟ A لعب الشطرنج من أنواع القمار، وأما البلوت إن كان فيه عوض فهو محرم مثل القمار، وإذا لم يكن فيه شيء فأقل أحواله الكراهة الشديدة، لإضاعة الوقت، هذا إذا لم يؤدِ إلى تضييع الصلاة، وأما إذا كان يؤدي إلى تضييع الصلاة، أو يؤدي إلى الشحناء والبغضاء أو كان فيه مال فهو حرام، وأما إذا لم يكن فيه شحناء ولا بغضاء ولا ترك للصلاة فأقل أحواله الكراهة.

حكم الأذان والإقامة للمرأة

حكم الأذان والإقامة للمرأة Q هل تقيم المرأة الصلاة لنفسها؟ A المرأة لا تؤذن ولا تقيم، فالأذان والإقامة إنما هما للرجال.

حكم من رضعت بعض الرضعات من إحدى الزوجتين وأتمت من الأخرى ثم عقد عليها

حكم من رضعت بعض الرضعات من إحدى الزوجتين وأتمت من الأخرى ثم عقد عليها Q هل ينعقد الزواج على من رضعت خمس رضعات ثلاثة من زوجة له، واثنتين من زوجته الأخرى، أو رضعت خمساً من زوجته الوحيدة بغير علمه ثم عقد عليها فماذا عليه؟ A لا يجوز ذلك، سواء رضعت من زوجتيه أو من زوجته الوحيدة، وصارت بنتاً له من الرضاعة، وسواء علموا أو لم يعلموا، وإذا لم يعلم فعقد عليها فرق بينهما.

ما يصنعه من فاتته صلاة الجماعة في المسجد

ما يصنعه من فاتته صلاة الجماعة في المسجد Q لو فات الإنسان صلاة الجماعة وذهب إلى المسجد وقد انتهت الجماعة فهل يصلي وحده، أم يرجع ويصلي بأهله في بيته، وإن كان يعلم أن هناك مسجداً آخر يتأخر فهل يخرج ويذهب إليه؟ A إذا كان المسجد قريباً فإنه يذهب ويدرك الجماعة معهم، وإلا صلى وحده لعل أحداً أن يأتي فيصلي معه في المسجد.

كتاب الرضاع [2]

شرح عمدة الفقه - كتاب الرضاع [2] يحرم على المسلم الزواج بالكافرة إلا أن تكون كتابية، وإذا أسلم الزوج وزوجته كتابية بقي النكاح، وإن أسلمت وبقي على دينه انفسخ النكاح، وشروط النكاح منها ما ينافي العقد فهذا باطل، ومنها ما لا ينافي العقد فيجب الوفاء به، وقد بينت الشريعة الإسلامية العيوب التي ينفسخ بها النكاح كأن يكون أحد الزوجين مملوكاً أو مجبوباً أو مجذوباً أو أبرص وغيرها.

نكاح الكفار

نكاح الكفار

حرمة نكاح المسلمة بالكافر والمسلم بالكافرة غير الكتابية

حرمة نكاح المسلمة بالكافر والمسلم بالكافرة غير الكتابية يقول الإمام أبو محمد بن قدامة رحمه الله تعالى: [باب نكاح الكفار. لا يحل لمسلمة نكاح كافر بحال، ولا لمسلم نكاح كافرة إلا الحرة الكتابية]. لا يحل لمسلمة نكاح كافر بحال؛ لقول الله تعالى: {وَلا تُنكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا} [البقرة:221] ولقوله تعالى: {لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} [الممتحنة:10]. ولا يحل لمسلم نكاح الكافرة إلا إذا كانت كتابية محصنة؛ لقول الله تعالى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [المائدة:5]، فهذه الآية مخصصة لقوله تعالى: {وَلا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} [البقرة:221] خص منها المحصنة الكتابية.

حكم نكاح الزوجين الكافرين إذا أسلما أو أسلم أحدهما

حكم نكاح الزوجين الكافرين إذا أسلما أو أسلم أحدهما قال المصنف رحمه الله تعالى: [ومتى أسلم زوج الكتابية أو أسلم الزوجان الكافران معاً فهما على نكاحهما]. إذا أسلم الكافران معاً فهما على نكاحهما؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أقر المشركين الذين أسلموا يوم الفتح على نكاحهم. وكذلك إذا أسلم زوج الكتابية فإنه يقر على نكاحها؛ لأن المسلم له أن يتزوج الكتابية. أما إذا أسلمت الزوجة والزوج لم يسلم فقد اختلف العلماء في ذلك، فمن العلماء من قال: إنه ينفسخ النكاح في الحال، ومنهم من قال: يوقف حتى تخرج من العدة، فإن خرجت من العدة ولم يسلم الزوج فإنه ينفسخ النكاح، وهذا هو الذي مشى عليه في المذهب، وهو أنه يوقف حتى تنقضي العدة، فإن أسلم الزوج فهي زوجته، وقد ثبت أن زينب بنت النبي صلى الله عليه وسلم أسلمت وزوجها أبو العاص بن الربيع لم يسلم، فانتظرت زوجها حتى أسلم فردها عليه بعد ست سنين. وقد اختلف العلماء هل ردها عليه بعقد جديد أم ردها بالعقد الأول؟ وكانوا على قولين: فمنهم من قال: إنها إذا جلست تنتظره فإنها ترد عليه بالعقد الأول، ومنهم من قال: بعقد جديد، فالأحوط أن يكون بعقد جديد.

حكم نكاح الزوجين المسلمين إذا ارتد أحدهما قبل الدخول

حكم نكاح الزوجين المسلمين إذا ارتد أحدهما قبل الدخول قال المصنف رحمه الله تعالى: [وإن أسلم أحدهما غير زوج الكتابية أو ارتد أحد الزوجين المسلمين قبل الدخول انفسخ النكاح في الحال]. فإذا عقد رجل على امرأة وكانا مشركين ثم أسلم أحدهما انفسخ النكاح في الحال، وكذلك إذا ارتد أحد الزوجين المسلمين، هذا إذا كان قبل الدخول. أما إذا كان بعد الدخول فإنه يوقف الآخر حتى تخرج الزوجة من العدة، فإن أسلم الآخر قبل أن تنقضي من عدتها فهي زوجته، وإلا فرق بينهما قبل إتمام العدة. وقيل: أنه ينفسخ النكاح في الحال. وعدة المرأة إذا كانت حاملاً حتى تضع الحمل، وإذا كانت من ذوات الأقراء: ثلاث حيض.

حكم نكاح الزوجين الكافرين غير زوج الكتابية إذا أسلم أحدهما بعد الدخول

حكم نكاح الزوجين الكافرين غير زوج الكتابية إذا أسلم أحدهما بعد الدخول قال المصنف رحمه الله تعالى: [وإن كان ذلك بعد الدخول فأسلم الكافر منهما في عدتها فهما على نكاحهما وإلا تبين أن النكاح انفسخ منذ اختلف دينهما]. إذا أسلم أحد الزوجين الكافرين بعد أن خرجت الزوجة من عدتها فقد انفسخ النكاح، فإن أسلم أحدهما قبل أن تنقضي العدة فالزواج باقٍ بحاله، وإن خرجت من العدة فرق بينهما لانفساخ النكاح من حين إسلام الآخر. وقيل: أنه ينفسخ في الحال. قال المصنف رحمه الله تعالى: [وإلا تبين أن النكاح انفسخ منذ اختلف دينهما وما سمى لها وهما كافران فقبضته في كفرهما فلا شيء لها غيره وإن كان حراماً، وإن لم تقبضه وهو حرام فلها مهر مثلها أو نصفه حيث وجب ذلك]. هناك قول آخر: وهو أن الزوجة إذا أسلمت وبقيت تنتظره، فإنها ترد عليه بالنكاح الأول على ما جاء في قصة زينب أنها جلست تنتظر زوجها فردها عليه النبي صلى الله عليه وسلم بالعقد الأول. فإذا أعطاها شيئاً من المهر وقبضته استقر لها ذلك ولو كان شيئاً محرماً كالخمر ما داموا مشركين فصار المهر خمراً، أما إذا لم تقبضه وبقي في ذمته حتى أسلما فإنه يفرض لها مهر المثل ويلغى المهر المحرم. قال الله تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال:38].

إسلام الحر وتحته إماء

إسلام الحر وتحته إماء قال المصنف رحمه الله تعالى: [فصل: وإن أسلم الحر وتحته إماء فأسلمن معه وكان في حال اجتماعهم على الإسلام ممن لا يحل له نكاح الإماء انفسخ نكاحهن، وإن كان ممن يحل له نكاحهن أمسك منهن من تعفه وفارق سائرهن]. إذا أسلم شخص وتحته إماء -أي: زوجات- فإن كان ممن لا يحل له نكاحهن، كأن يكون حراً ويستطيع أن يتزوج الحرة فإنه ينفسخ نكاح الأمة؛ لأنه لا يجوز له في الإسلام أن يتزوج الأمة إلا بشرطين: الشرط الأول: أن يخشى على نفسه العنت. الشرط الثاني: أن يعجز عن مهر الحرة. فإذا أسلم وتحته إماء وكان قادراً على مهر الحرة انفسخ نكاحهن، أما إذا كان عاجزاً فقيراً ويخشى على نفسه العنت، تبقى له واحدة، فإن لم تعفه فالثانية، فإن لم فالثالثة وهكذا.

الشروط في النكاح

الشروط في النكاح

الشرط الباطل والشرط الصحيح في عقد النكاح

الشرط الباطل والشرط الصحيح في عقد النكاح قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الشروط في النكاح. إذا اشترطت المرأة دارها أو بلدها أو ألا يتزوج عليها أو لا يتسرى فلها شرطها وإن لم يف به فلها فسخ النكاح؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إن أحق الشروط أن توفوا بها ما استحللتم به الفروج)]. الشروط على أقسام، منها: شرط ينافي العقد فهذا باطل كما سبق أن مر في العتق أن بريرة اشترتها عائشة واشترطوا عليها أن يكون ولاؤها لهم فأبطل النبي صلى الله عليه وسلم هذا الشرط وأبقى البيع، فالشرط الذي ينافي مقتضى العقد، شرط باطل؛ لأنه يفسد النكاح، كأن يشترطوا على الزوجة ألا يسكن معها وألا تسكن معه أو يتصل بها. والشرط الثاني: شرط صحيح، كأن تشترط على الزوج أن تكون في بيتها ويأتيها في دارها؛ لأن عندها أولاد أو عندها أبويها، أو تشترط عليه ألا يسافر بها عن البلد التي فيها أبواها، أو تشترط ألا يتزوج عليها ولا يتسرى بأمة فإن في ذلك إضراراً بها، فهذه الشروط صحيحة، فإذا شرطت عليه ذلك ثم خالف فلها الخيار إن شاءت فسخت النكاح وإن شاءت بقيت معه وأسقطت حقها. ولهذا جاء في الحديث: (إن أحق الشروط أن توفوا بها ما استحللتم به الفروج). فيجب عليه الوفاء. فإذا لم يف فلها المطالبة بالطلاق.

حكم نكاح المتعة

حكم نكاح المتعة قال المصنف رحمه الله تعالى: [ونهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن نكاح المتعة وهو أن يتزوجها إلى أجل]. نكاح المتعة هو أن يشترط الزوج فيه الأجل، كأن يتزوج سنة أو سنتين أو شهر أو شهرين فهذا حرام، فإذا شرط هذا فإنه يفرق بينهما؛ لأن العقد فاسد. ونكاح المتعة أبيح في أول الإسلام ثم حرم يوم الفتح ولم يبحه أحد فهو محرم بإجماع المسلمين إلا الشيعة، وهو عقد باطل بالإجماع، فإذا عقد على امرأة وحدد المدة فإن العقد فاسد فيفرق بينهما. قال المصنف رحمه الله تعالى: [وإن شرط أن يطلقها في وقت بعينه لم يصح كذلك]. وكذلك إذا اشترط عند العقد أن يطلقها بعد سنة أو سنتين فالعقد لا يصح النكاح، فهو مثل نكاح المتعة.

حكم زواج الشغار

حكم زواج الشغار قال المصنف رحمه الله تعالى: [(ونهى عن الشغار) وهو: أن يزوج الرجل ابنته على أن يزوجه الآخر ابنته ولا صداق بينهما]. هذا الحديث هو حديث نافع عن ابن عمر. والشغار هو: أن يزوج الرجل ابنته أو أخته على أن يزوجه الآخر ابنته أو أخته ولا صداق بينهما بأن يجعل بضع هذه صداقاً لتلك والعكس. ولو سمى الصداق لهما فلا ينفع على الصحيح، ما دام أنه جعل هذا الشرط. والحكمة من التحريم: أن فيه ظلم للمرأة وعدم النصح لها؛ لأن الولي في هذه الحالة ينظر لمصلحة نفسه فقط، فهو لا يزوج ابنته الكفء ولو كان كبيراً في السن أو كان فاسقاً، وهذا نكاح فاسد، فيجب أن يفرق بينهما ويجدد العقد.

حكم نكاح التحليل

حكم نكاح التحليل قال المصنف رحمه الله تعالى: [(ولعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المحلل والمحلل له)، وهو أن يتزوج المطلقة ثلاثاً ليحلها لمطلقها]. نكاح التحليل نكاح فاسد وهو: أن يتزوج امرأة ليحلها لزوجها الذي طلقها ثلاثاً، ويسمى هذا التيس المستعار، والمحلل والمحلل له ملعونان، فإذا تواطأ الزوج الذي طلق زوجته ثلاثاً مع رجل آخر على أن ينكحها مدة ثم يطلقها ليحلها له فهما ملعونان، وكذلك إذا تواطأت المرأة أو تواطأ ولي المرأة مع رجل آخر على أن ينكحها ثم يطلقها لتحل لزوجها الأول، فالمرأة والمحلل ملعونان، فلا تحل للزوج الأول بهذا النكاح.

العيوب التي يفسخ بها النكاح

العيوب التي يفسخ بها النكاح قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب العيوب التي يفسخ بها النكاح. متى وجد أحد الزوجين الآخر مملوكاً أو مجنوناً أو أبرصاً أو مجذوماً أو وجد الرجل المرأة رتقاء أو وجدته مجبوباً فله فسخ النكاح إن لم يكن علم ذلك قبل العقد، ولا يجوز الفسخ إلا بحكم حاكم]. هذه العيوب في النكاح، فإذا وجد أحد الزوجين عيباً في الآخر فإن له الفسخ إن لم يعلم بذلك قبل العقد، فإن كان قد علم ذلك وسكت عنه فقد أسقط حقه في الفسخ، فمثلاً: إذا كان أحد الزوجين مملوكاً فإن الحر منهما له حق الفسخ؛ لأن المملوك مشغول بخدمة سيده، سواءً كان عبداً أو أمة؛ ولأن الأولاد سيكونون أرقاء، إلا إذا رضي بذلك وكذلك إذا كان أحد الزوجين مجنوناً والعياذ بالله أو مجذوماً أو أبرص أو كانت الزوجة رتقاء: وهي التي انسد فرجها؛ لأن هذا يمنع من النكاح، أو وجدته مجبوباً: وهو الذي قطع ذكره، فإن الزوج المتضرر له حق الفسخ، إلا إذا علم بذلك قبل العقد أو بعده وسكت فيسقط حقه في الفسخ. ولا يجوز الفسخ إلا بحكم الحاكم فإنه يتبين وينظر في الأمر؛ فإذا ادعى أحد الزوجين عيباً في الآخر ترفع الدعوى إلى الحاكم الشرعي فإذا ثبت العيب فإن الحاكم هو الذي يتولى الفسخ، أما الزوج المتضرر من الفسخ فإنه يرجع على من غره بهذا الزواج.

الحكم فيما إذا ادعت المرأة أن زوجها عنين

الحكم فيما إذا ادعت المرأة أن زوجها عنين قال المصنف رحمه الله تعالى: [وإن ادعت المرأة أن زوجها عنين لا يصل إليها فاعترف أنه لم يصبها، أجل سنة منذ ترافعه]. العنين هو: الذي لا يستطيع جماع امرأته لأن ذكره لا ينتشر فينظر سنة حتى تمر عليه الفصول الأربعة، وهي: فصل الربيع، وفصل الخريف، وفصل الشتاء، وفصل الصيف؛ لأن بعض الناس قد يحصل عنده يبس في فصل الشتاء فإذا جاء فصل الصيف ينتشر ذكره أو بالعكس، فإذا مرت الفصول الأربعة وهو على حاله، يفسخ النكاح، ولو جامعها في أحد الفصول ولو مرة واحدة لا يفسخ العقد. قال المصنف رحمه الله تعالى: [فإن لم يصبها خيرت في: المقام معه أو فراقه]. فإذا أحبت الزوجة أن تبقى ولو كان عنيناً، ورغبت في خدمته لأنه رجل كريم، أو عالم تستفيد من علمه وليس لها رغبة في الجماع فلا بأس لها في ذلك. قال المصنف رحمه الله تعالى: [فإن اختارت فراقه فرق الحاكم بينهما إلا أن تكون قد علمت عنته قبل نكاحها أو قالت: رضيت به عنيناً في وقت، وإن علمت بعد العقد وسكتت عن المطالبة لم يسقط حقها]. إذا كانت قد علمت أنه عنين ورضيت به فقد سقط حقها في الفسخ، إلا أن ترضى به في وقت ثم يبدو لها أن تطالب بحقها فلها ذلك. قال المصنف رحمه الله تعالى: [وإن قال: قد علمت عنتي ورضيت بي بعد علمها فأنكرته فالقول قولها وإن أصابها مرة لم يكن عنيناً]. وإن كذبها زوجها وقال: إنها قد علمت عنتي ورضيت بي فأنكرت الزوجة فالقول قولها؛ لأن الحق لها. وإن أصابها ولو مرة واحدة في السنة لم يكن عنيناً. قال المصنف رحمه الله تعالى: [وإن ادعى ذلك فأنكرته فإن كانت عذراء أوريت النساء الثقات ورجع إلى قولهن، فإن كانت ثيباً فالقول قوله مع يمينه]. إن ادعى الزوج أنه جامعها وأنكرت ذلك، فهذا فيه تفصيل: فإن كانت عذراء، أي: بكراً جعلت النساء الثقات ينظرن إلى بكارتها، فإذا كانت البكارة موجودة فدعوى الزوج ليست بصحيحة، وإن زالت بكارتها، فدعواه صحيحة. أما إذا كانت ثيباً فالقول قوله مع يمينه.

الحكم فيما إذا أعتقت الأمة وزوجها عبد

الحكم فيما إذا أعتقت الأمة وزوجها عبد قال المصنف رحمه الله تعالى: [فصل: وإن عتقت المرأة وزوجها عبد خيرت في المقام معه أو فراقه]. إذا أُعتقت الأمة وزوجها ما زال عبداً فإنها تخير بين البقاء معه وبين الفسخ، فإن بريرة كانت أمة وكان زوجها مغيث عبداً فخيرها النبي صلى الله عليه وسلم فاختارت نفسها وكان زوجها مغيث يحبها كثيراً وهي تكرهه حتى شفع له النبي صلى الله عليه وسلم، وكان يمشي في الأسواق ودموعه تجري على خديه يريدها. وهي لا تريده وكان النبي يعجب من كراهة بريرة لـ مغيث وشدة حبه لها حتى إن النبي صلى الله عليه وسلم رق لحاله فشفع له وقال: (يا بريرة! لو راجعتي زوجك؟) وكانت فقيهة، (قالت: يا رسول الله! تأمرني أو تشفع، إن كان أمراً لا خيرة لي، سمعاً له وطاعة، وإن كان شفاعة فلا أشفع، قالت: لا حاجة لي فيه). وفيه دليل على أن عدم قبول شفاعة الكبير لا يؤثر، فهذا الرسول صلى الله عليه وسلم شفع في الأمة وردت شفاعته، فدل هذا الحديث على أن الأمة إذا عتقت وزوجها عبد فإنها تخير، إن شاءت بقيت معه وإن شاءت فارقته. لأنها حرة، وقد صارت أعلى منه طبقة. قال المصنف رحمه الله تعالى: [ولها فراقه من غير حكم حاكم]. كما فعلت بريرة فإنها فارقت زوجها ولم يحكم لها رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك. قال المصنف رحمه الله تعالى: [فإن أعتق قبل اختيارها أو وطئها بطل خيارها]. لو أعتق قبل أن تختار فراقه، أو جامعها زال اختيارها؛ لأنها رضيت به. قال المصنف رحمه الله تعالى: [وإن أعتق بعضها أو عتقت كلها وزوجها حر فلا خيار لها]. إذا كان الزوج حراً سواء عتقت كلها أو بعضها فليس لها الخيار إنما لها الخيار إذا كان زوجها عبداً.

الأسئلة

الأسئلة

حكم زواج المسلم باليهودية أو النصرانية

حكم زواج المسلم باليهودية أو النصرانية Q هل يجوز للمسلم أن يتزوج الكتابية؟ A نعم يجوز للمسلم أن يتزوج الكتابية إذا كانت حرة ومحصنة، أي: عفيفة عن الفواحش. سواء في الوقت الحاضر أو في كل وقت، قال الله تعالى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [المائدة:5] لكن تركه أولى مخافة أن ينشأ أولاده على دينها.

حكم عقد تارك الصلاة إذا تاب من ترك الصلاة

حكم عقد تارك الصلاة إذا تاب من ترك الصلاة Q ما حكم عقد تارك الصلاة إذا تاب بعد ذلك وحافظ عليها؟ A الصواب أنه يجدد العقد؛ لأنه كفر بتركه للصلاة، نسأل الله السلامة والعافية.

حكم المال الذي تأخذه العروس من زوجها قبل الدخول بها

حكم المال الذي تأخذه العروس من زوجها قبل الدخول بها Q هناك زوجات يشترطن على أزواجهن ألا يدخلوا عليهن إلا بمبلغ من المال عند أول ليلة، فهل هذا من المهر؟ A هذا من المتعارف عليه، وهو زائد على المهر فيجب عليه أن يعطيها لأنه ما كان عرفاً فهو كالمشروط شرطاً.

حكم قول (خير يا طير)

حكم قول (خير يا طير) Q هناك مدرس يقول لأحد طلابه: إذا جاء من خارج الفصل: خير يا طير، فهل هذا يكون من التطير؟ A نعم، هذا من التطير، وينبغي أن ينكر عليه؛ لأن الصحابة أنكروا على من قال: خير يا طير. أما إذا قال: خير إن شاء الله فهذا لا بأس به، وليس فيه إشكال.

القول في بيان اسم الله الأعظم

القول في بيان اسم الله الأعظم Q هل اسم الله الأعظم هو لفظ الجلالة أم أنه لم يبين؟ A الصواب أنه لم يبين، وقد قيل: إن اسم الله الأعظم هو لفظ الجلالة (الله) وقيل: اسم الله الأعظم في قوله تعالى: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [البقرة:255]. وقيل: المراد بالأعظم العظيم وأن كل أسماء الله عظيمة، والأعظم هنا ليس على بابه.

حكم الزواج بنية الطلاق

حكم الزواج بنية الطلاق Q ما حكم الزواج بنية الطلاق؟ A فيه خلاف بين العلماء منهم من قال: إنه لا يصح؛ لأن الولي لو علم بنيته ما زوجه، ومنهم من قال: إنه يصح؛ لأن النية غير معول عليها ما دام لم يتكلم ولأنه قد ينوي ولا ينفذ هذه النية، أما بالنسبة للذين يذهبون إلى الخارج كأندونيسيا وغيرها ويتزوجون بنية الطلاق فإن كان معروفاً عندهم أنه سيطلق وهو لم ينو بذلك، فإن المعروف عرفاً كالمشروط شرطاً. أما أن يضحك عليها فهذا شيء لا ينبغي، والأحوط البعد عنه.

حكم زواج المسيار

حكم زواج المسيار Q ما حكم زواج المسيار؟ A زواج المسيار يكون بولي وشاهدي عدل وبرضا الزوجة وبالمهر، ولكن الزوجة تسقط حقها من النفقة والكسوة والقسم، فإذا أسقطت حقها فلا بأس إذا كان هذا المراد من زواج المسيار، لكن بعضهم يخفيه عن زوجته الأولى، فلا ينبغي ذلك، وعليه أن يعلن النكاح ما دام صحيحاً، فهذا الزواج لا إشكال فيه. فإذا أسقطت حقها من القسم أو النفقة أو الكسوة سقط عنها ذلك، وإذا أرادت أن تعود بذلك فلها أن تعود كما أسقطت سودة رضي الله عنها ليلتها لـ عائشة رضي الله عنهما.

صبر الزوجة على زوجها العنين لمدة سنة

صبر الزوجة على زوجها العنين لمدة سنة Q أليس الصبر على الزوج العنين سنة فيه فتنة للمرأة؟ A الأصل أن الزوجة تصبر على زوجها العنين سنة، أما أن يحصل لها فتنة فهذا شيء آخر، فإذا كان عليها مشقة فإنها تطالب بالفسخ.

§1/1