شرح علل الترمذي

ابن رجب الحنبلي

القسم الأول: مقدمة شرح علل الترمذي للدكتور همام عبد الرحيم سعيد

القسم الأول: مقدمة شرح علل الترمذي للدكتور همام عبد الرحيم سعيد الباب الأول شرح علل الترمذي لابن رجب الحنبلي وفيه أربعة فصول: الفصل الأول: في العلة وميدانها وأشهر علماء العلل. الفصل الثاني: في التعريف بأصل الكتاب وصاحبه، ومنهج ابن رجب فيه ومصادره في العلل. الفصل الثالث: دراسة حول علم العلل، من خلال كتاب ابن رجب. الفصل الرابع: دراسة في مصطلح الحديث، من خلال كتاب شرح علل الترمذي.

الفصل الأول مقدمة في العلة وميدانها وأشهر علماء العلل

الفصل الأول مقدمة في العلة وميدانها وأشهر علماء العلل وفيه مبحثان: المبحث الأول: العلة في اللغة والاصطلاح، وفيه مطلبان: المطلب الأول: العلة في اللغة. المطلب الثاني: العلة في الاصطلاح. المبحث الثاني: ميدان علم العلل، وغايته وأشهر علمائه ومصنفاته: تمهيد، المطلب الأول: ميدان علم العلل وغايته. المطلب الثاني: أهميته واتساعه. المطلب الثالث: أشهر العلماء المشتغلين بالعلل.

والثالث: العلة المرض، وصاحبها معتل، قال ابن الأعرابي: "عل المريض يعل فهو عليل". وقال في القاموس: "اعتله وأعله الله - تعالى - فهو معل وعليل، ولا تقل: معلول والمتكلمون يقولونها، ولست منه على ثلج". وقال في اللسان: إنما هو أعله الله فهو معل، إلا أن يكون على ما ذهب إليه سيبويه من قولهم مجنون ومسلول، من أنه جاء على جننته وسللته. والمحدثون يطلقون على الحديث الذي في عله "معلول"، (وكذا وقع في كلام البخاري والترمذي الدارقطني والحاكم وغيرهم) . وقد أنكر بعض العلماء هذا، كما سبق في اعتراضهم على المتكلمين، (وقال إن المعلول في اللغة اسم مفعول من عله إذا سقاه السقية الثانية، وتعقبهم آخرون فقالوا: قد ذكر في بعض كتب اللغة: عل الشيء إذا أصابته علة فيكون لفظ معلول هنا مأخوذا منه. قال ابن القوطية: (عل الإنسان: مرض، والشيء أصابته العلة فيكون استعماله بالمعنى الذي أرادوه غير منكر، بل قال بعضهم: استعمال هذا اللفظ أولى لوقوعه في عبارات أهل الفن، مع ثبوته لغة، ومن حفظ حجة على من لم يحفظ قال ابن هشام في شرح بانت سعاد: (تجلو عوارض ذي ظلم إذا ابتسمت ... كأنها منهل بالراح معلول)) والراجح في هذه المسألة أن "معلول" موفق للغة ومنسجم مع قواعدها إذا

المطلب الثاني العلة في اصطلاح المحدثين

كان مشتقا من عله بمعنى سقاه الشربة الثانية، وهو معنى "معلول" في الشاهد الذي ذكره ابن القوطية وليس كما أراده شاهدا للعلة بمعنى المرض، لأن "معلول" في البيت مرتبط بمنهل، والمنهل هو المورود في المرة الأولى، والمعلول هو المورود في المرة الثانية. ولما كان من معاني "عل" في أصل اللغة الشربة الثانية، كما ذكر ابن فارس في معنى هذه المادة، فيكون هذا الاستعمال لا غبار عليه، لا في اللغة ولا في الاصطلاح، وتكون العلاقة بين المعنى اللغوي والاصطلاحي أن العلة ناشئة عن إعادة النظر في الحديث مرة بعد مرة. وكما يقال "معلول" بهذا المعنى فإنه يقال "معل" لما دخل على الحديث من العلة بمعنى المرض. وأما استعمال "معلل" فلا تمنعه القواعد إذا كان مشتقا من "علله" بمعنى ألهاه به وشغله، ويكون معنى "الحديث المعلل": هو الحديث الذي عاقته العلة وشغلته فلم يعد صالحا للعمل به. المطلب الثاني العلة في اصطلاح المحدثين تقاربت عبارات أهل المصطلح في تعريفهم العلة في الحديث. وأول كتاب ذكر تعريفا للعلة هو "معرفة علوم الحديث" للحاكم، وقد قال فيه: "وهو علم برأسه غير الصحيح والسقيم والجرح والتعديل". ويقول الحاكم أيضا: "وإنما يعلل الحديث من أوجه ليس للجرح فيها مدخل". وهذا من الحاكم محاولة أولى لتحديد مفهوم عام للعلة، ولا يمكن أن نسميه حدا بما يحمله الحد من الضوابط. كما يلاحظ في كلام الحاكم قصر العلة على ما لا مدخل للجرح والتعديل فيه، وهو مخالف لمنهج كتب العلل التي احتوت على علل سببها جرح الراوي، وسيأتي الكلام على هذا.

وجاءت عبارة أبي عمرو بن الصلاح أكثر تحديدا من عبارة الحاكم فقال: "المعلول هو الذي أطلع فيه على عله تقدح في صحته مع أن ظاهره السلامة منها ويتطرق ذلك إلى الإسناد الذي رجاله ثقات الجامع شروط الصحة من حيث الظاهر"، وفي هذا التعريف دور لأنه أدخل "العلة" في تعريف المعلول إلى جانب أنه ذكر علة الإسناد، ولم يشمل هذا التعريف علة المتن، التي لا تقل أهمية عن علة الإسناد. وأما الحافظ زين الدين عبد الرحيم العراقي (ت 804هـ) فقد عرف العلة بقوله: "العلة عبارة عن أسباب خفية غامضة طرأت على الحديث فأثرت فيه، أي قدحت في صحته". ويلاحظ على هذا التعريف تكرار الألفاظ فيه، وقوله "طرأت" يشعر بأن الحديث كان في أصله صحيحا، وليس ذلك بلازم، إذ قد تدخل العلة على الحديث الصحيح، وقد يكون الحديث من أصله معلولا، كأن يظهر بعد البحث أن الحديث لا أصل له، وإنما أدخل على الثقة فرواه. وقد نقل برهان الدين البقاعي (ت 855هـ) في نكتة على ألفية العراقي، كلاما آخر للعراقي، جاء فيه: "والمعلل خبر ظاهره السلامة اطلع فيه بعد التفتيش على قادح " وأما الحافظ ابن حجر (ت 852هـ) فقد ذكر في تعريف المعلل أثناء كلامه على أنواع الضعيف فقال "ثم الوهم إن اطلع عليه بالقرائن وجمع الطرق فهو المعلل"، ولا يصلح هذا لأن يكون حدا للعلة، إذ هو بيان لطرق الكشف عن العلة. وما نختاره من هذه التعاريف هو ما نقله البقاعي عن العراقي: "والمعلل خبر ظاهره السلامة اطلع فيه بعد التفتيش على قادح". وهو تعريف جامع مانع.

وفيما يلي بيان لعناصر هذا التعريف يوضح أسباب اختياره: (أ) في قوله "خبر" ذكر لعلة السند وعلة المتن لأن الخبر يشمل السند والمتن. (ب) وفي قوله "ظاهرة السلامة" بيان أن العلة تكون في الحديث الذي رجاله ثقات، الجامع شروط الصحة من حيث الظاهر. (ج) قوله "اطلع فيه بعد التفتيش" دليل على خفاء القادح، وعلى إمعان النظر ولا يكون ذلك إلا من الناقد الفهم العارف. (د) وقوله "على قادح" تعميم لأسباب العلل لتشمل العلل التي مدارها الحرج، وتلك الناشئة عن أوهام الثقات وما يلتبس عليهم ضبطه من الأخبار. وبذلك يكون هذا التعريف مطابقا لواقع كتب العلل التي اشتملت على أحاديث كثيرة أعلت بجرح راو من رواتها.

ينتهي بكلمة أو سطر أو صفحة، أو مجموعة من الأقوال، في الرجل موضع الجرح أو التعديل، وأما هذا الذي معنا فإنه يواكب الثقة في حلة وترحاله، وأحاديثه عن كل شيخ من شيوخه، ومتى ضبط، ومتى نسي، وكيف تحمل، وكيف أدى. ولذلك نجد علي بن المديني يخرج علل ابن عيينة في ثلاثة عشر جزءا، وسفيان بن عيينة ثقة ثبت، ولكن هذا لا يعني سلامة أحاديثه كلها فهو بشر يخطئ ويصيب، وإن كان خطؤه نادرا، ولكن كم يكون حجم هذا النادر من بين ألوف الأحاديث التي يرويها؟ وهذا النوع من النقد أفرده الإمام مسلم بن الحجاج (ت 261هـ) في كتاب سماه "التمييز"، وقال في مقدمته: " فإنك يرحمك الله ذكرت أن قبلك قوما ينكرون قول القائل من أهل العلم، إذا قال: هذا حديث خطأ، وهذا حديث صحيح، وفلان يخطئ في روايته حديث كذا، والصواب ما روى فلان بخلافه، وذكرت انهم استعظموا ذلك من قول من قاله، ونسبوه إلى اغتياب الصالحين من السلف الماضيين، حتى قالوا: إن من ادعى تمييز خطأ رواياتهم من صوابها متخرص بما لا علم له به، ومدح علم غيب لا يوصل إليه" ويمضي الإمام مسلم فيقول: "وبعد، فإن الناس متباينون في حفظهم لما يحفظون، وفي نقلهم لما ينقلون، فمنهم الحافظ المتقن الحفظ، المتوقي لما يلزمه توقيه فيه، ومنهم المتساهل المشيب حفظه بتوهم يتوهمه أو تلقين يلقنه من غيره، ومنهم من همته حفظ متون الأحاديث دون أسانيدها فيتهاون في حفظ الآثار يتخرصها من بعد فيحيلها بالتوهم على قوم غير الذين أدى إليه عنهم". وأكثر من هذا فإن الإمام مسلما لا يبرئ أحدا من هذا وإن كان من أحفظ الناس وأشدهم توقيا: "ومع ما ذكرت لك من منازلهم في الحفظ ومراتبهم

فيه فليس من ناقل خبر وحامل أثر من السلف الماضين إلى زماننا - وإن كان من أحفظ الناس وأشدهم توقيا واتقانا لما يحفظ وينقل - إلا والغلط والسهو ممكن في حفظه ونقله". وهكذا فإن الإمام مسلما يكشف لنا بجلاء ووضوح عن مجال هذا النوع من النقد فمجاله أحاديث الثقات وهدفه تنقيتها من الأوهام والأخطاء، وعلى لوحات كتابه نجد تطبيقات كثيرة لهذا النقد، وسنختار مثالا منها يدور حول وهم رجل من أكابر المحدثين الثقات الأثبات وهو محمد بن مسلم بن شهاب الزهري (ت 124هـ) قال الإمام مسلم: "حدثنا الحسن الحلواني (ثنا) يعقوب بن إبراهيم (ثنا) أبي عن صالح عن ابن شهاب: أن أبا بكر بن سليمان بن أبي حثمة أخبره أنه بلغه أن النبي - A - صلى ركعتين ثم سلم، فقال ذو الشمالين بن عبد عمرو يا رسول الله، أقصرت الصلاة أم نسيت؟ فقال رسول الله - A - "لم تقصر الصلاة، ولم أنس" قال ذو الشمالين: فقد كان ذلك يا رسول الله، فأقبل رسول الله - A - على الناس، وقال: أصدق ذو اليدين قالوا: نعم، فقام رسول الله - A - فأتم ما بقي من الصلاة، ولم يسجد السجدتين اللتين يسجدان إذا شك الرجل في صلاته. قال ابن شهاب: "وأخبرني ابن المسيب عن أبي هريرة، وأبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وأبو بكر بن عبد الرحمن، وعبيد الله بن عبد الله. سمعت مسلما يقول: وخبر ابن شهاب هذا في قصة ذي اليدين. وهم غير محفوظ، لظاهر الأخبار الصحاح عن النبي - A - في هذا". حدثنا أبو كريب (ثنا) أبو أسامة (ثنا) عبيد الله عن نافع عن ابن عمر، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة (ثنا) إسماعيل بن إبراهيم عن خالد الحذاء عن

المطلب الثاني أهميته واتساعه

أبي قلابة عن أبي المهلب عن عمر، وأن كل هؤلاء ذكروا في حديثهم أن رسول الله - A - حين سها في صلاته، يوم ذي اليدين، سجد سجدتين بعد إذ أتم الصلاة. المطلب الثاني أهميته واتساعه بالرغم من أن علم العلل قسم من أقسام علم الحديث دراية، إلا أن العلماء ركزوا عليه وأعطوه الأهمية القصوى حتى قال الحاكم: "معرفة علل الحديث. وهو علم برأسه غير الصحيح والسقيم والجرح والتعديل". وحقا إن هذا العلم رأس علوم الحديث وأوسعها وأخفاها وأدقها وأهمها ولولاه لاختلط الصحيح بالسقيم لأن الأصل في أحاديث الثقات الاحتجاج بها والالتزام بقبولها وما يدخل عن طريق الثقات والحفاظ لا يدخل عن طريق الضعفاء والمجروحين، لأنه كما يقول الحاكم أبو عبد الله: "فإن حديث المجروحين ساقط واه وعلة الحديث تكثر في حديث الثقات أن يحدثوا بحديث له علة، فيخفى عليهم علمه فيصير الحديث معلولا". وأما اتساع هذا العلم فسنرى - بعون الله ومشيئته - في مباحث أنواع العلل أن معظم علوم الحديث يدخل في العلل، فقد يعلل الحديث بالانقطاع أو الإرسال أو الأعضال أو الإدراج أو القلب، أو الاضطراب، ولكن الذي يميز علم العلل عن هذه الفروع، هو ما تتضمنه العلة من الخفاء إذ يقع الإرسال أو الانقطاع أو الإدراج في حديث الثقات ويصعب تمييزه والحكم عليه، وينطلي على أكثر المحدثين، حتى يتنبه جهابذتهم ونقادهم إلى هذا القادح الذي يتصف بالخفاء. وخلاصة القول أن القادح منه الخفي ومنه الجلي، ومنه ما كان في حديث الثقات، ومنه ما كان في حديث المجروحين والضعفاء. فما كان خفيا وفي حديث

الثقات فهو داخل في علم العلل، ولا أنسى أن أقول: إن معيار خفائه سؤال الحفاظ عنه، ووروده في كتب العلل. وأما ما نجده في كتب العلل من أحاديث أعلت بالجرح كأن يقال في أحد رواتها: متروك أو منكر الحديث، أو ضعيف، فيمكن حمل هذه القوادح على علم العلل وإلحاقها به إذا وردت في أحاديث الثقات، كرواية الزهري عن سليمان بن أرقم، ورواية مالك عن عبد الكريم أبي أمية، ورواية الشافعي عن إبراهيم بن أبي يحيى، فرواية هؤلاء الأئمة الجهابذة عن هؤلاء الضعفاء توقع كثيرين في العلة اعتمادا على تثبت هؤلاء الأئمة، ومكانة الزهري ومالك والشافعي تخفي أمر هؤلاء المتروكين والضعفاء. وقد يلتبس أمر راو ما على أحد الحفاظ النقاد، فيروي عنه، ويكون الحديث معلولا بجهالة أمر هذا الراوي أو بنكارته، ولا تدرك هذه الجهالة والنكارة إلا بمعرفة كبار النقاد. وهذا تخريج لوجود مثل هذه القوادح التي ذكرت في كتب العلل. وقد ذكر أكثر المصنفين في علوم الحديث أن العلة قد تطلق على أنواع من الجرح، وذلك بعدما ذكروا أن غالب العلل في أحاديث الثقات، ولذلك نجد ابن الصلاح يقول: "وقد يعلون بأنواع الجرح من الكذب والغفلة وسوء الحفظ وفسق الراوي، وذلك موجود في كتب علل الحديث"، وهذا ما ذكره ابن كثير والعراقي، ولكنهم لم يحاولوا تخريج وجود هذه الأنواع في كتب العلل. أما السخاوي فقد تنبه لهذا فقال: ولكن ذلك منهم - أي أصحاب كتب العلل الذي يعلون بالجرح - بالنسبة للذي قبله قليل، على أنه يحتمل أيضا أن التعليل بذلك من الخفي لخفاء وجود طريق آخر ليخبر بها ما في هذا من ضعف، فكأن المعلل أشار إلى تفرده.

المطلب الثالث أشهر علماء هذا الفن

المطلب الثالث أشهر علماء هذا الفن لقد قيض الله تعالى لميدان علم الحديث والعلل أعلاما عبدوا مساربه. فكان شعبة بن الحجاج أبو بسطام (المتوفى سنة 160هـ) من رواده الأوائل وشعبة هذا قال عنه الإمام الشافعي - C -: "لولا شعبة ما عرف الحديث بالعراق. وقال أبو حاتم الرازي: إذا رأيت شعبة يحدث عن رجل فاعلم بأنه ثقة. وقال يحيى بن سعيد: كان شعبة أعلم الناس بالحديث". قال ابن رجب في معرض ترجمته لشعبة بن الحجاج: "وهو أول من وسع الكلام في الجرح والتعديل واتصال الأسانيد وانقطاعها، ونقب عن دقائق علم العلل، وأئمة هذا الشأن بعده تبع له في هذا العلم". وقال السمعاني صاحب كتاب اٍلأنساب: "هو أول من فتش بالعراق عن أمر المحدثين". وهذه العبارة تكفي لأن نعرف من هو شعبة. وفي كتب العلل والرجال يتردد اسمه في كل صفحة، وكافة النقاد بعده يتسابقون في نقل عباراته والبحث عن نظراته في الرجال والعلل. وخلاصة القول في شأن هذا الرجل أن الحديث أصبح صناعة وفنا على يديه. ومن فرسان هذا الميدان وأفذاذه يحيى بن سعيد القطان (المتوفى سنة 198هـ) خليفة شعبة والقائم بعده مقامه، وعنه تلقاه أئمة هذا الشأن

كأحمد وعلي ويحيى بن معين، وقد كان شعبة يحكمه على نفسه في هذا العلم، هذا قول ابن رجب فيه - C -. قال أحمد: لم يكن في زمان يحيى القطان مثله كان تعلم من شعبة وقال ابن معين: قال لي عبد الرحمن بن مهدي: لا ترى بعينيك مثل يحيى بن سعيد القطان. وقد ترجم له ابن رجب ترجمة تليق بمقامه، وترفع شأنه، وقد ذكر ابن رجب أن ليحيى القطان كتابا في العلل فيكون بذلك أول من صنف في هذا العلم. وقد وصفه ابن الأثير بوصف جامع أوقفني على عظمة هذا الرجل، وشدني إلى مزيد من التعرف عليه فقال: "وهو الذي مهد لأهل العراق رسم الحديث، وأمعن في البحث عن الرجال". وقد صحب يحيى القطان شعبة مدة عشرين عاما فاكتسب منه مهارة فائقة ظهرت آثارها فيما نقل عنه، وفي التلاميذ الذين تلقوا عنه كيحيى بن معين، وأحمد بن حنبل، وعلي بن المديني، وقل أن يجد الباحث قضية في العلل والرجال خلت من رأي ليحيى بن سعيد، وقد بلغ من علو كعبه في النقد أن قبله شيخه شعبة حكما بينه وبين مخالفيه، قال عبد الرحمن بن مهدي: اختلفوا يوما عند شعبة، فقالوا اجعل بيننا وبينك حكما. فقال: قد رضيت بالأحول، يعني يحيى بن سعيد القطان، فما برحنا حتى جاء يحيى فتحاكموا إليه، فقضى على شعبة، فقال له شعبة: ومن يطيق مثل نقدك يا أحول؟ " ويعلق ابن أبي حاتم على هذه القصة، فيقول: "هذه غاية المنزلة إذا اختاره شعبة من بين أهل العلم، ثم بلغ من دالته بنفسه وصلابته في دينه أن قضى على شعبة".

ومن رجال هذا الفن الحاذقين فيه عبد الرحمن بن مهدي (المتوفى سنة 198هـ) ، وهو الذي قال عنه علي بن المديني: "لو أخذت فأحلفت بين الركن والمقام لحلفت بالله أنني لم أر أحدا قط أعلم بالحديث من عبد الرحمن بن مهدي وقال صالح بن أحمد بن حنبل: قلت لأبي: أيما أثبت عندك عبد الرحمن بن مهدي أو وكيع؟ قال: عبد الرحمن أقل سقطا من وكيع في سفيان، قد خالفه وكيع في ستين حديثا من حديث سفيان، وكان عبد الرحمن يجيء بها على ألفاظها، وكان لعبد الرحمن توق حسن". وأما يحيى بن معين بن عون المري أبو زكريا (المتوفى سنة 233هـ) فإليه انتهى علم العلل حتى قال عنه الإمام أحمد: "ههنا رجل خلقه الله لهذا الشان". ومن آثاره التي وصلتنا "التاريخ والعلل" وفيه علم غزير ومعرفة واسعة في علم الرجال والعلل، ولم يكتب هو بيده شيئا وإنما جمع عدد من تلاميذه أخباره ومسائله في العلل كعثمان الدارمي، وعباس الدوري، وابن الجنيد، ومضر بن محمد، وابن محرز، وخالد بن الهيثم. وقل أن نجد رجلا لم يتكلم ابن معين فيه جرحا أو تعديلا، ولقد عرف أهل زمانه مكانته به بالمدينة والمنادي ينادي: هذا الذي ذب الكذب عن أحاديث رسول الله - A -. ومن كبار النقاد ورجال العلل أبو الحسن علي بن جعفر المديني (المتوفى سنة 234هـ) شيخ البخاري، قال عنه أو حاتم الرازي: "كان علي بن المديني علما في الناس في معرفة الحديث والعلل". وقد ترجم له ابن رجب في شرح

علل الترمذي وذكر له قائمة من الكتب زادت على الثلاثين كتابا. معظمها في العلل - مثل: - علل المسند في ثلاثين جزءا. - العلل التي كتبها عنه إسماعيل القاضي، أربعة عشر جزءا. - علل حديث ابن عيينة ثلاثة عشر جزءا. - الوهم والخطأ في خمسة أجزاء. - من حدث ثم رجع عنه جزء. - اختلاف الحديث، خمسة أجزاء. - العلل المتفرقة ثلاثون جزءا. ومن هؤلاء الأفذاذ الإمام أحمد بن حنبل (المتوفى سنة 241هـ) وباعه في الحديث عامة، وفي العلل خاصة طويل. ولقد كتب عنه تلاميذه مئات الأجزاء في العلل وفي سائر فنون الحديث. ومن هذه الأجزاء ما كتبه ابنه عبد الله عنه وقد بلغ كتابه" العلل ومعرفة الرجال" اثني عشر جزءا مخطوطا. وقد ترجم له ابن رجب - C - ترجمة تليق بمقامه. وأما الإمام محمد بن إسماعيل البخاري (المتوفى سنة 256هـ) فقد وصفه تلميذه مسلم بن الحجاج بقوله: "أستاذ الأستاذين وسيد المحدثين، وطبيب الحديث في علله". وله كتاب في العلل ذكره ابن حجر في المعجم المفهرس له، وابن خير في فهرسته.

الأول: "العلل الصغير"، وهو ملحق بكتابه الجامع. والثاني: العلل الكبير ومعظمه منتزع من كتاب الجامع. وممن صنف في العلل أبو زرعة عبد الرحمن بن عمر الدمشقي (المتوفى سنة 280هـ) وله في ذلك كتاب التاريخ وعلل الرجال". وللحافظ أبي بكر أحمد عمرو بن عبد الخالق المعروف بالبزار، (المتوفى سنة 292هـ) كتاب مهم هو "المسند الكبير المعلل". وقد هذبه ابن حجر، وتوجد منه نسخة في مكتبة مراد ملا. وممن صنف في العلل أبو يحيى زكريا بن يحيى الساجي، (المتوفى سنة 307هـ) وقد ترجم له الذهبي في تذكرته، وقال: له كتاب في علل الحديث يدل على تبحره، وذكره ابن خير في فهرسته. وصنف الحافظ البارع أبو علي الحسين بن محمد بن أحمد الماسرجسي النيسابوري (المتوفى سنة 365هـ) كتابا في العلل. وهو مسند كبير مهذب معلل في ألف جزء وثلاثمائة جزء - وقد نقل الذهبي عن الحاكم قوله: هو سفينة عصره في كثرة الكتابة، وقال: وعلى التخمين يكون مسنده في خطوط الوراقين في أكثر من ثلاثة آلاف جزء، فعندي أنه لم يصنف في الإسلام مسند أكبر منه، وكان مسند أبي بكر الصديق بخطه في بضعة عشر جزءا بعلله وشواهده، فكتبه النساخ في نيف وستين جزءا. وقد تلقي عنه هذا الفن محمد بن محمد بن أحمد بن إسحاق النيسابوري

وللحاكم أبي عبد الله محمد بن البيع كتاب في العلل، وقد أفرد للعلل مبحثا في كتابه "معرفة علوم الحديث". وللحسن بن محمد البغدادي المعروف بالخلال (المتوفى سنة 439هـ) كتاب في العلل. ولابن الجوزي عبد الرحمن بن علي بن محمد (المتوفى سنة 597هـ) ، كتاب العلل المتناهية". وأما عبد الرحمن بن أحمد بن رجب (المتوفى سنة 795هـ) فقد شرح كتاب الترمذي الجامع ثم شرح كتاب العلل الصغير الملحق بالجامع وأضاف عليه إضافات مهمة في علم العلل، وهذا الجهد كله منصب على هذا الكتاب لخدمته وإظهاره إن شاء الله. وقد صنف أحمد بن علي بن حجر (المتوفى سنة 852هـ) كتابا سماه الزهر المطلول في الخبر المعلول". وكثير من هذه الكتب طوته يد الحدثان وبقي بعضهما رهين دور المخطوطات، ولم يطبع منها سوى مجلد من علل الإمام أحمد، وعلل ابن أبي حاتم، وجزء من علل ابن المديني

الفصل الثاني في التعريف بأصل كتاب شرح علل الترمذي ومنهج ابن رجب فيه وأشهر

الفصل الثاني في التعريف بأصل كتاب شرح علل الترمذي ومنهج ابن رجب فيه وأشهر مصادره في العلل وفيه أربعة مباحث: المبحث الأول: في التعريف بأصل الكتاب وصاحبه. المبحث الثاني: نظرة في مناهج كتب العلل المتقدمة. المبحث الثالث: منهج ابن رجب في شرح علل الترمذي. المبحث الرابع: دراسة لأشهر مصادر ابن رجب في العلل.

المبحث الأول التعريف بأصل الكتاب وصاحبه

المبحث الأول التعريف بأصل الكتاب وصاحبه تمهيد لما كان منطلق هذه الدراسة كتاب "شرح علل الترمذي" فإنه منطق البحث يلزمنا أن نعرف بأصل الكتاب وصاحبه. وسيكون هذا - إن شاء الله - على وجه الإجمال والاختصار، وذلك لأن الأصل الذي هو "العلل الصغير" مبثوث في شرح ابن رجب، وقد تكلم عليه فأجاد وأفاد. وأما صاحبه فهو الإمام الترمذي وهو غني عن التعريف والبيان. وقد جعلت هذا المبحث في مطلبين اثنين: المطلب الأول التعريف بكتاب العلل الصغير صنف الإمام الترمذي كتابه المسمى بـ "الجامع" على الأبواب المعللة، ثم ختم كتابه بكتاب صغير في العلل، بين فيه مقاصده، ومصادره ورجاله ومصطلحاته. ومع أن هذا الكتاب مسبوق بجهود متفرقة في علم الدراية، كما هو مسبوق بمقدمة صحيح مسلم، التي حددت مقاصد مسلم ورجاله، وبعض آرائه، رغم كل هذا فإن كتاب العلل الصغير للترمذي جاء أتم وأكمل، وجاز لنا أن نعتبره أول مصنف في علوم الحديث، وموضوعاته أشمل وأدق من موضوعات "المحدث الفاصل" للرامهرمزي الذي قيل فيه: أنه أول مصنف في علوم الحديث.

ولما كنت سأكل الكلام عن هذا الكتاب لشارحه فسأقتصر هنا على ذكر مقاصد الكتاب. وهي كما يلي: 1 - بين الترمذي أن الأحاديث المذكورة في كتابه معمول بها كلها ما عدا اثنين ذكرهما. 2 - حدد الترمذي أسانيده إلى الفقهاء الذين ذكر مذاهبهم في كتابه. 3 - بين الترمذي فيه مقصده العام من كتابه "الجامع"، وأنه كتاب معلل. 4 - ساق فيه الترمذي أدلة كثيرة على جواز الكلام في الرجال والعلل، بل على وجوبه. 5 - قسم الرواة فيه إلى أربعة أقسام: (أ) قوم من الثقات الحفاظ الذين يندر الخطأ في حديثهم. (ب) قوم من الثقات الذين يكثر الغلط والخطأ في حديثهم. (ج) قوم من جلة أهل العلم غلب عليهم الخطأ والوهم فلا يحتج بحديثهم إذا انفردوا. (د) قوم من المهتمين وأصحاب الغفلة، وهؤلاء لا يحتج بهم. وفي الكلام عن الرواة ركز الترمذي على تفاوت الحفاظ في الضبط، وأثر ذلك على رواياتهم. وهذا لب علم العلل كما سنرى فيما بعد - إن شاء الله -. 6 - تكلم الترمذي على الرواية بالمعنى واللفظ، ووضع شروطا لجواز الرواية بالمعنى. 7 - فصل الكلام في أنواع التحمل. 8 - تكلم عن الاختلاف في توثيق الرواة وتضعيفهم. وفي هذه إشارة منه إلى أن صاحب الكتاب قد يأخذ عن رجل ضعيف عند غيره، ولكنه ثقة عنده.

المطلب الثاني التعريف بالإمام الترمذي (209 - 279هـ)

9 - تكلم الترمذي عن المرسل وحكمه واختلاف العلماء في قبول المراسيل. 10 - تكلم عن اصطلاح "الحسن" في كتابه وحدد مفهومه له، وكذلك ما اشتق منه. 11 - تكلم عن الغريب وأنواعه، وتكلم عن زيادة الثقة في المتن والإسناد. هذه هي مقاصد الترمذي في كتابه العلل. وعند كل مقصد من هذه المقاصد يذكر الترمذي جملة من الأخبار المسندة. وهذه المقاصد تخدم حديث الثقات وتلقي ضوءا باهرا على كتاب الترمذي المعلل، فكانت بهذا داخلة في علم العلل، وهي بلا شك البواكير النظرية لهذا العلم. المطلب الثاني التعريف بالإمام الترمذي (209 - 279هـ) هو الإمام محمد بن عيسى بن سورة بن موسى بن الضحاك، أبو عيسى السلمي نسبة إلى بني سليم، الضرير، الترمذي، البوغي، نسبة إلى بوغ، قرية من قرى ترمذ. ولد هذا الإمام سنة تسع ومائتين على أرجح الأقوال وكان ذلك بترمذ، وتلقى العلم في صباه على شيوخ بلدته والقادمين إليها وإلى ما جاورها. وكان من أوائل شيوخه إسحاق بن راهويه. ثم رحل إلى الآفاق يتلمس العلم رواية ودراية، فتتلمذ على مشاهير عصره، كالإمام محمد بن إسماعيل البخاري، ومسلم بن الحجاج، وأبي داود السجستاني، وكان البخاري أكثر الشيوخ تأثيرا فيه، وعنه أخذ الترمذي علم العلل.

المبحث الثاني نظرة في مناهج كتب العلل المتقدمة

أما تلاميذه: فقد روى عنه واستفاد منه كثير من علماء عصره منهم مكحول بن الفضل، والهيثم بن كليب الشاشي، وأبو العباس المحبوبي، والحسين بن يوسف الفربري وقد تلقى عنه هؤلاء كتابه "الجامع" وكتاب "الشمائل" وكتاب "العلل الكبير" وقد ذكر في العلل الصغير أن له كتابا آخر جعله للآثار الموقوفة. وقد امتاز الإمام الترمذي بحافظة قوية حتى كان يضرب المثل بحفظه وضبطه. وكان مع هذا على جانب من الورع والاحتياط في الدين والزهد في الدنيا، وأما علمه بالحديث رواية ودراية فكتابه الجامع شاهد على طول باعه، وحسن تصنيفه، وبراعته في العلل والرجال. وثناء العلماء عليه كثير، حتى قال عنه الذهبي في ميزان الاعتدال: "الحافظ العلم، أبو عيسى الترمذي صاحب الجامع ثقة مجمع عليه. ولا التفات إلى قول أبي محمد بن حزم في الفرائض انه مجهول فإنه ما عرف ولا درى بوجود الجامع ولا العلل التي له". وقد توفي - C - بعد ما كف بصره، وكانت وفاته في رجب سنة تسع وسبعين ومائتين. *** المبحث الثاني نظرة في مناهج كتب العلل المتقدمة تعرضنا في الفصل الأول من هذا الباب لمفهوم العلة والجهود التي بذلها علماء العلل، وذكرنا أكثر الكتب التي صنفت في هذا المضمار، كل ذلك على طريقة المسح الزمني. أما من حيث المناهج التي سارت عليها هذه المصنفات فقد تنوعت إلى مناهج عدة: أولاً: فمنها ما كان على طريقة المسائل المتفرقة، والمعارف غير المبوبة، وذلك بأن يجيب إمام من أئمة هذه الصنعة على أسئلة تلاميذه، ثم ينشط واحد من هؤلاء التلاميذ فيجمع هذه المسائل المنثورة المتفرقة في كتاب. وذلك كما فعل عباس الدوري في أجوبه يحيى بن معين وأقواله حيث جمعها في كتاب "التاريخ والعلل" وكذلك فعل عثمان الدارمي، وابن الجنيد، وابن محرز، فكل واحد من هؤلاء أسهم بجمع هذه المسائل المتفرقة. وكما نقلت مسائل يحيى بن معين فقد نقلت مسائل أحمد وأقواله في العلل، إذ قام عدد من تلاميذه يجمعون هذا النوع من المعارف الحديثية، منهم عبد الله بن أحمد الذي جمع مسائل والده في "العلل ومعرفة الرجال" وكذلك فعل صالح بن الإمام أحمد، والميموني، وابن هانئ، والأثرم، كل واحد من هؤلاء له كتاب جمع فيه مسائل في العلل عن الإمام أحمد. ثانيا: ومنها ما كان على طريقة المسانيد المعللة، وذلك بان يصنف إمام معتبر علل الحديث على مسانيد الصحابة، فيذكر حديث الصحابي الواحد، ثم

يذكر علة كل حديث بعد الفراغ منه، وذلك كما فعل يعقوب بن شيبة في "المسند المعلل" وأبو بكر البذار في "المسند الكبير المعلل" والدارقطني في "العلل الواردة في الأحاديث النبوية". ثالثا: ومنها ما كان على "طريقة الأبواب المعللة" وذلك بأن يصنف الحديث على الأبواب الفقهية، ثم تذكر علل كل باب بعد الفراغ منه أو علة كل حديث بعده، وذلك كما فعل أبو عيسى الترمذي في كتابه "الجامع" المشهور "بسنن الترمذي" وكما فعل عبد الرحمن بن أبي حاتم في كتابه "علل الحديث". رابعا: ومنها ما كان على طريقة جمع الحديث المعلل لشيخ واحد، وذلك كما فعل علي بن المديني عندما صنف في علل الحديث ابن عيينة. وهذه الطريقة مفيدة في معرفة نسبة العلل في حديث هذا الشيخ. خامسا: ومنها ما كان على طريقة التراجم المعللة، وقد تكون هذه التراجم إما على الطبقات أو على الترتيب الهجائي، وفيها يعمد المصنف إلى الرواة فيذكرهم ويذكر بعض العلل التي عرف بها المترجم. وذلك ككتاب العقيلي "الضعفاء" الذي احتوى على تراجم مرتبة ترتيبا هجائيا، و"الكامل في ضعفاء المحدثين وعلل الحديث" لابن عدي، كذلك. سادسا: أما كتب مصطلح الحديث "كمعرفة علوم الحديث" للحاكم، و"مقدمة ابن الصلاح" ومن تابعهما من المصنفين في المصطلح فقد جعلوا الحديث المعلل نوعا من الأنواع التي تعرضوا لها، وذكروا شيئا من تعريف العلة وأنواعها، ولكنه على غاية من الاختصار، وهذا يناسب موضوع كتب المصطلح والهدف منها، وهو التعريف بعلوم الحديث عامة. وهذه هي الرمز المنهجية لكتب العلل، وأما كتاب ابن رجب ففي المطلب الثاني تفصيل لمنهجه وبيان لمزاياه، ان شاء الله تعالى

المبحث الثالث منهج ابن رجب في شرح علل الترمذي

المبحث الثالث منهج ابن رجب في شرح علل الترمذي تمهيد: يتألف شرح علل الترمذي من قسمين رئيسين أطلقنا على كل قسم اصطلاح "باب". ولاحظنا أن لكل قسم من هذين القسمين سمات منهجية خاصة، كما أن للكتاب كله سمات منهجية عامة. وبهذا يكون مبحث المنهج في ثلاثة مطالب: المطلب الأول: منهج ابن رجب في الباب الأول "شرح علل الترمذي". المطلب الثاني: منهج ابن رجب في الباب الثاني "القواعد والفوائد". المطلب الثالث: ملاحظات عامة على منهج ابن رجب في الكتاب. *** المطلب الأول "شرح علل الترمذي" منهج ابن رجب في الباب الأول: تناول ابن رجب كلام الترمذي في "العلل الصغير" بالشرح والتوضيح، والاستدراك والنقد، والتكميل والتمثيل. وقد استقرأت منهج ابن رجب في هذا القسم فوجدت ما يلي:

أولا - من حيث طريقة ابن رجب في عرض كلام الترمذي: امتاز عصر ابن رجب والعصور التي تلته بالاتجاه إلى شرح الكتب السابقة أو اختصارها، وذلك في ميادين العلوم المختلفة وخاصة علوم العقيدة، والتفسير، والحديث، والفقه، والأصول. وكان لهذه الشروح طريقتها التقليدية التي تتلخص ببث كلام الأصل بين عبارات الشرح، ثم يكون الشرح حلا لألفاظ الأصل وتراكيبه. وأحيانا كثيرة تختلط عبارة الأصل بعبارة الشرح فيقع القارئ في اللبس علاوة على ما في هذا المنهج من الاضطراب في الأسلوب، وعدم الانسجام. والجدير بالذكر أن هذا الانسجام المفقود هو من السمات البارزة في هذه الشروح حتى ولو كان صاحب الأصل هو صاحب الشرح، فالعراقي الذي يعتبر من مشاهير عصر ابن رجب صنف ألفيته المنظومة في المصطلح، ثم فك كلماتها وعباراتها في شرح سماه "فتح المغيث"، وبالرغم من أن المؤصل هو نفس الشارح، إلا أن تنافر الأسلوب ملحوظ. أما ابن رجب فقد شرح علل الترمذي بطريقة أخرى فانتهج ذكر كلام الترمذي أولا في الموضوع الواحد، ثم يعقب على كلام الترمذي بالشرح والإيضاح التمثيل، دون أن يلجأ إلى حل الألفاظ والتراكيب، وإنما يكتفي بالإشارة إلى أصل الموضوع ومعناه عند الترمذي، فيكون ابن رجب قد استقل استقلالا تاما في عبارته وأسلوبه، فكانت ثمرة هذا المنهج سهولة العبارة وانسجام التراكيب ووحدة الأسلوب. وفي ظل هذا المنهج يصبح كلام الترمذي كأنه ترجمة للباب. أو رأس موضوع له. أو مدخل مناسب. ثانيا - من حيث وقوف ابن رجب عند كلام الترمذي: وابن رجب خير من يشرح كلام الترمذي، ويفصله، ويرفع عنه الإبهام، إلا انه لا يقف عند هذا الحد، بل يتجاوزه إلى طرق الموضوع من جميع جوانبه، ويضيف إلى قول الترمذي أقوال خلفه من العلماء.

وسبب هذا التوسع، عند ابن رجب، إنما يرجع إلى أن كتاب "العلل الصغير" يعتبر من أوائل كتب المصطلح في ذلك الوقت المبكر، الذي لم يكن فيه التصنيف في هذا الفن قد بلغ رشده بعد، ثم توالت التصانيف بعد الترمذي وجمعت أقوال العلماء في هذا العلم، فكان على ابن رجب أن يضم اللاحق إلى السابق. وكذلك فإن مكانة الترمذي وإمامته لم تمنع ابن رجب من أن يستدرك عليه، وهي استدراكات قيمة تظهر علم ابن رجب وفضله، وسنرى في الكلام عن "شرح الترمذي" استدراكات ابن رجب الهامة كأن يقول: وفي الباب مما لم يخرجه الترمذي، أما في شرح العلل فإنه يكثر من الاستدراكات، كما في المثال الآتي: قال الترمذي: "جميع ما في هذا الكتاب معمول به، وقد أخذ به بعض العلماء، ما خلا حديثين: حديث ابن عباس - Bهما - أن النبي - A - جمع بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، في المدينة، من غير خوف ولا سفر". وحديث النبي - A -: "إذا شرب الخمر فاجلدوه، فإن عاد في الرابعة فاقتلوه". وقال ابن رجب: "وكان مراد الترمذي - C - أحاديث الأحكام. وقد روى في كتاب الحج حديث جابر في "التلبية عن النساء"، ثم ذكر أن الإجماع أن لا يلبى عن النساء، فهذا ينبغي أن يكون حديثا ثالثا مما لم يؤخذ به عند الترمذي". (وقد وردت أحاديث أخر، ذكر بعضهم أنه لم يعمل بها أيضا، فمنها ما أخرجه الترمذي، وأكثرها لم يخرجه. فمنها حديث: "من غسل ميتا

فيغتسل، ومن حمله فليتوضأ" وقد قال الخطابي: لا أعلم أحدا من العلماء قال بوجوب ذلك ولكن القائل باستحبابه يحمله على الندب، وذلك عمل به. ومنها، حديث: "أنه - A - توضأ ثلاثا، ويقال: ومن زاد على هذا أو نقص فقد أساء وظلم". ومنها حديث: "التيمم إلى المناكب والآباط"، ومنها حديث: "التيمم إلى نصف الذراعين"، ومنها حديث: "الأكل في الصيام بعد الفجر" ومنها حديث أنس "في أكل البرد للصائم") . وهكذا فإن ابن رجب يستمر في استدراكه على الترمذي فيذكر أحاديث صحت أسانيدها، ولكن العمل على خلافها. ثالثا - الاعتراض على كلام الترمذي أحيانا: وكما أن ابن رجب يشرح عبارة الترمذي، ويضيف إليها ويستدرك عليها فإنه كذلك ينقد ويعترض حيث يجد مبررا لذلك. وفيما يلي مثال لهذه الاعتراضات: "قال الترمذي: وما ذكرنا في هذا الكتاب من اختيار الفقهاء، فما كان من قول سفيان الثوري فأكثره ما حدثنا محمد بن عثمان الكوفي، (ثنا) عبيد الله بن موسى، عن سفيان الثوري. ومنه ما حدثنا مكتوم أبو الفضل بن العباس الترمذي، (ثنا) محمد بن يوسف الفريابي، عن سفيان. وما كان فيه من قول مالك بن أنس فأكثره ما حدثني به إسحاق بن موسى الأنصاري، (ثنا) معن بن عيسى القزاز، عن مالك ... ". وهكذا فإن الترمذي يذكر أسانيد أقوال الفقهاء، ولكن ابن رجب لم يكتف بأسانيد الترمذي المجملة سيرا على قواعد المحدثين في قبول الإسناد ولذلك فإنه سجل اعتراضه على هذا المنهج، فقال:

"أعلم أن أبا عيسى - C - ذكر في هذا الكتاب مذاهب كثير من فقهاء أهل الحديث المشهورين كسفيان، وابن المبارك، ومالك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وذكر فيه كثيرا من العلل والتواريخ والتراجم، ولم يذكر أسانيد أكثر من ذلك، فذكر ههنا أسانيد مجملة، وإن كان لم يحصل بها الوقوف على حقيقة أسانيده، حيث ذكر أن بعضه عن فلان، وبعضه عن فلان، ولم يبين ذلك البعض". رابعا - الكلام على منهج الترمذي في الجامع: تكلم الترمذي في العلل الصغير عن منهجه في الجامع، وجاء ابن رجب ففضل الكلام عن هذا المنهج. وأصبح من الضروري للباحث في سنن الترمذي أن يطلع على شرح علل الترمذي، بل إن هذا الكتاب احتوى على مقارنة ضافية بين مناهج عدد من كتب السنة كالسنن الثلاثة، ومسند أحمد وصحيحي البخاري ومسلم. وأستطيع أن أقول: إن كتاب شرح علل الترمذي لكتاب الترمذي - يشابه "هدى الساري" الذي قدم به ابن حجر لفتح الباري، وتكلم فيه عن منهج البخاري في صحيحه، وهذان الكتابان: شرح العلل، وهدى الساري يستحقان اهتمام الباحثين في السنة، وفيها المقدمة الضرورية التي على ضوئها تكون الفائدة المرجوة من كتب السنة كبيرة. ولما كان موضوعنا هذا يتناول كلام ابن رجب عن منهج الترمذي في الجامع فسنذكر بعض الأمثلة من شرح العلل على هذا، ولعل من أهم هذه الأمثلة ما يكون منصبا على مقارنة منهج الترمذي بغيره، ولنستمع لابن رجب يحدثنا عن مثل هذا: قال ابن رجب - C -: "والذين صنفوا منهم من أفراد الصحيح كالبخاري ومسلم، ومن بعدهما كابن خزيمة وابن حبان، ولكن كتابهما لا يبلغ مبلغ كتاب الشيخين. ومنهم من لم يشترط الصحة وجمع الصحيح وما قاربه، وما فيه بعض العلل والضعف، وأكثرهم لم يكتبوا ذلك ولم يتكلموا على الصحيح

المطلب الثاني القواعد والفوائد

والضعيف. وأول من علمناه بين ذلك أبو عيسى الترمذي، وقد بين في كلامه هذا أنه لم يسبق إليه، وقد صنف ابن المديني ويعقوب بن شيبة مسانيد معللة. وأما الأبواب المعللة فلا نعلم أحدا سبق الترمذي إليها، وزاد الترمذي ذكر كلام الفقهاء. وهذا كان قد سبق إليه مالك في الموطأ، وسفيان في الجامع". وفي مكان آخر يقول ابن رجب: وقد اعترض على الترمذي - C - بأنه في غالب الأبواب يبدأ في الأحاديث الغريبة الإسناد، وليس ذلك بعيب فإنه - C - يبين ما فيها من العلل ثم يبين الصحيح من الإسناد. وكان مقصده - C - ذكر العلل، ولهذا نجد النسائي إذا استوعب طرق الحديث بدأ بما هو غلط ثم يذكر بعد ذلك الصواب المخالف له. وأما أبو داود - رحمه الله - فكان عنايته بالمتون، ولهذا يذكر الطرق واختلاف ألفاظها، والزيادات المذكورة في بعضها دون بعض. فكانت عنايته في الحديث أكثر من عنايته في الإسناد. المطلب الثاني القواعد والفوائد منهج ابن رجب في الباب الثاني من الكتاب: يتألف الباب الثاني من الكتاب من مجموعة قواعد وفوائد في علم العلل، وما يتصل به من أحوال الرواة. وكان غرض ابن رجب في هذا النصف الأخير من الكتاب تقريب علم العلل على من ينظر فيه، وقد بدأه بمقدمة، قال فيها: "ولما انتهى الكلام على ما ذكره أبو عيسى الترمذي - رحمه الله - في كتاب الجامع، وآخره كتاب العلل، أحببت أن أتبع كتاب العلل بفوائد آخر مهمة

وقواعد كلية، تكون للكتاب تتمة، وأردت بذلك تقريب علم العلل على من ينظر فيه، فإنه علم قد هجر في هذا الزمان". وفي هذا القسم يجد الباحث نفسه أمام منهج فريد في التصنيف لم يشارك فيه ابن رجب أحد من السابقين، كما سيجد الباحث في هذه القواعد متعة ما بعدها متعة، وتضعه أمام منهج تطبيقي حي. وفيما يلي عرض للسمات الأساسية لمنهج ابن رجب في هذا الجزء من الكتاب: أولا - حسن التقسيم ودقته: وهي سمة أساسية في هذا الجزء من الكتاب تحدد معالم مادته، وتيسر فهمه وإدراكه، ورغم ما في علم العلل من الصعوبة والاتساع إلا أن حسن التقسيم ودقته تجاوزت الصعوبة المعهودة إلى سهولة غير معهودة في كتب العلل السابقة على ابن رجب. وقد بدأ ابن رجب هذا التقسيم ببيان مكان علم العلل من علوم الحديث، أو على الأخص، من علوم التصحيح والتضعيف، فقال: "أعلم أن معرفة صحة الحديث وسقمه تحصل من وجهين: أحدهما: معرفة رجالهم وثقتهم وضعفهم، ومعرفة هذا هين، لأن الثقات الضعفاء قد دونوا في كثير من التصانيف، وقد اشتهرت بشرح أحوالهم التواليف. والوجه الثاني: معرفة مراتب الثقات وترجيح بعضهم على بعض عند الاختلاف إما في الإسناد، وإما في الوصل والإرسال، وإما في الوقف والرفع، ونحو ذلك، وهذا هو الذي يحصل من معرفته وإتقانه وكثرة ممارسته الوقوف على علل الحديث".

وبعد أن حدد ابن رجب - C - مكان علم العلل من علم التصحيح والتضعيف دخل إلى علم العلل فقسمه إلى قسمين رئيسيين: "القسم الأول: في معرفة مراتب كثير من أعيان الثقات وتفاوتهم، وحكم اختلافهم وقول من يرجع منهم عند الاختلاف. والقسم الثاني: في معرفة قوم من الثقات لا يوجد ذكر كثير منهم أو أكثرهم في كتب الجرح، قد ضعف حديثهم، إما في بعض الأماكن أو في بعض الأزمان، أو بعض الشيوخ". ثانيا - التقعيد: عرف التصنيف على طريقة القواعد الكلية في علوم العقيدة، والتفسير، والفقه، والأصول، منذ زمن بعيد قبل ابن رجب، الذي لم يكن كتابه القواعد بدعا في هذا اللون من التصنيف رغم ما وصفه به صاحب كشف الظنون فقال"وهو كتاب نافع من عجائب الدهر، حتى أنه استكثر عليه، وزعم بعضهم أنه وجد قواعد مبددة لشيخ الإسلام ابن تيمية، فجمعها، وليس الأمر كذلك، بل كان - C - فوق ذلك، كذا قيل". وأما قواعد ابن رجب في العلل، والتي نحن بصدد التعليق عليها، فهي ولا شك بدع في موضوعها، وأسلوب جديد في عرض علوم الحديث. وهو وإن لم يأتي بجديد في هذه القواعد إلا أنه جمع قواعد مبددة، ولم شعث فروع متشابهه فكان بهذا أول من علمناه صنف كتابا أفرد فيه قواعد العلل في الحديث. ويكون بهذا قد لفت نظر الباحثين إلى اتجاه جديد في دراسة علوم الحديث ينصب على التقعيد، وممن سار على مثل هذا النهج العلامة ظفر أحمد العثماني التهانوي في كتابه "قواعد في علوم الحديث" وعبد الحي اللكنوي في كتابه

"الرفع والتكميل". وفيما يلي أمثلة من القواعد التي أودعها ابن رجب كتابه هذا: "قاعدة: الصالحون غير العلماء يغلب على حديثهم الوهم والغلط. قاعدة: الفقهاء المعتنون بالرأي حتى يغلب عليهم الاشتغال به لا يكادون يحفظون الحديث. قاعدة: إذا روى الحفاظ الأثبات حديثا بإسناد واحد، وانفراد واحد منهم بإسناد آخر، فإن كان المنفرد منهم ثقة حافظاً فحكمه قريب من حكم زيادة الثقة في الأسانيد والمتون". قاعدة: قتادة، عن الحسن، عن النبي - A - هذه السلسلة لم يثبت منها حديث أصلا من رواية الثقات". قاعدة: "يحيى بن سعيد الأنصاري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، عن النبي - A - لم يصح منها شيء مسندا". قاعدة: "كل شيء روى عبيدة السلماني، سوى رأيه فهو عن علي". قاعدة: حذاق النقاد من الحفاظ لكثرة ممارستهم للحديث ومعرفتهم بالرجال وأحاديث كل منهم لهم فهم خاص يفهمون به أن هذا الحديث يشبه حديث فلان، ولا يشبه حديث فلان".

المطلب الثالث ملاحظات عامة على منهج ابن رجب في الكتاب

المطلب الثالث ملاحظات عامة على منهج ابن رجب في الكتاب سبق أن عرضنا بعض ملاحظاتنا الخاصة بكل قسم من أقسام الكتاب، وفيما يلي عرض للملاحظات العامة على منهج ابن رجب في كتاب شرح علل الترمذي كله: أولا: منهج ابن رجب في شرح علل الترمذي منهج نظري تطبيقي، ونقصد بالنظري أنه يذكر جوانب الموضوع الواحد المتكامل في بناء نظري ضمن تقسيمات علمية دقيقة، ثم لا يترك هذا البناء بعيدا عن التطبيق العملي بل يزوده بالأمثلة المتنوعة معتمدا في ذلك على حشد هائل من مراجع السنة سواء الصحيح منها أو ما كتب في العلل، ولا يترك ابن رجب - C - قضية نظرية إلا ويؤيدها بشاهد عملي، ففي موضوع مراتب الرواة جعلهم ابن رجب أربع مراتب: 1 - الثقات الحفاظ الذين يندر الغلط في حديثهم. 2 - الثقات الذين يكثر في حديثهم الوهم والغلط. 3 - الرواة الذين يغلب عليهم الوهم والغلط. 4 - المتهمون بالغفلة وكثرة الغلط أو الكذب. ومع كل زمرة من هذه الزمر نماذج من الرواة وبيان شاف كاف لأحوال ورواياتهم. وهذا كله في القسم الأول، وكذلك الحال في القسم الثاني الذي هو تعقيبات لابن رجب على الكتاب. ففي موضوع مراتب الثقات، ومعرفة قول من منهم يقدم عند الاختلاف، يذكر مراتب هؤلاء، ثم يعرض حشدا من الأسانيد التي وقع الخلاف بين العلماء في ترجيح بعضها على بعض.

وكذلك إذا ذكر القاعدة النظرية فإنه يبتعها بالعديد من الأمثلة التي تجلي هذه القاعدة وتوضحها. وكل باحث في شرح الترمذي سيجد أن الفرق واسع بينه وبين كتب المصطلح السابقة وذلك في حدود المواضيع التي تناولها، وسيلاحظ أن الكتب السابقة تجنح إلى الجانب النظري أكثر من الجانب العملي، وأما كتاب ابن رجب ففيه توازن بديع بين هذين الجانبين. ثانيا: وبالرغم من ميل ابن رجب إلى الناحية التطبيقية إلا أنه يورد الأحاديث والأسانيد على درجة بالغة في الاختصار والإيجاز، فيوعر طريق الباحث ويجهده في الوصول إليها. وقل أن نجد حديثا واضحا بإسناده ومتنه يمكنك من سرعة الوصول إليه، بل تجده يقول: "ومنها حديث التيمم إلى نصف الذراعين"، أو يقول: ومنها حديث أنس في أكل البرد للصائم، أو يقول: "حديث ابن عمر في الصلاة" ولا يزيد على هذا. وقد بذلت جهدي لتخريج هذه الأحاديث والأسانيد، فأكملت عمل ابن رجب في هذا الكتاب، ولله الحمد والمنة. ثالثا: وابن رجب يغترف مادته وأمثلته من مجموعة كبيرة من المصادر الأصلية ولا يذكر شيئا من كتاب معاصريه أو سابقيه من رجال قرنه. حتى ابن تيمية والذهبي والمزي وابن القيم، حتى هؤلاء لا يوجد لهم ذكر في كتابه. وأكثر اعتماده على رجال القرون الأربعة الأولى. وقد أخذ من كتب العلل السابقة بنصب وافر، وأكثر اعتماده على مسائل الإمام أحمد. وأما اعتماده على كتب التواريخ والرجال فكبير جدا. ومن مصادره الأساسية تواريخ البخاري، والجرح والتعديل لابن أبي حاتم، والكامل لابن عدي، والضعفاء للعقيلي وأمثال هذه الكتب.

وقد لاحظت أثناء تخريج نقول ابن رجب من هذه الكتب دقة الرجل في النقل وأمانته العلمية في نسبة كل قول إلى قائله. ولما كانت كتب العلل من أهم مصادر ابن رجب، ولأهميتها في هذه الدراسة ولصلتها المباشرة بشرح علل الترمذي فقد أفردت الحديث عنها مبحث مطول

المبحث الرابع دراسة أشهر مصادر ابن رجب في العلل

المبحث الرابع دراسة أشهر مصادر ابن رجب في العلل تمهيد تنوعت مصادر ابن رجب في شتى فنون الحديث حتى أصبح من المتعذر دراسة هذه المصادر ومعرفة مأخذ ابن رجب من كل منها إلا في رسالة مستقلة في مصادر الكتاب. والجدير بالذكر أن المصادر التي استمد منها ابن رجب هي مصادر أصلية ترجع في غالبها إلى ما قبل القرن الخامس. ولما كانت هذه الدراسة مخصصة في معظمها للكشف عن العلل، فقد رأيت أن أعقد هذا المبحث لدراسة أشهر كتب العلل التي اعتمد عليها ابن رجب، ومن خلال هذه الدراسة تتبين لنا مناهج متنوعة في العلل، كما سنتبين الفرق بين منهج ابن رجب ومنهج من سبقه من المصنفين في العلل. وقد جعلت هذا المبحث في ستة مطالب: المطلب الأول: العلل، لعلي بن المديني. المطلب الثاني: التاريخ والعلل، ليحيى بن معين. المطلب الثالث: علل الإمام أحمد بن حنبل. المطلب الرابع: علل الترمذي الكبير. المطلب الخامس: علل الحديث، لعبد الرحمن بن أبي حاتم. المطلب السادس: العلل الواردة في الأحاديث النبوية، للدارقطني.

المطلب الأول العلل، لعلي بن المديني

المطلب الأول العلل، لعلي بن المديني لا نكاد نجد صفحة من صفحات "شرح علل الترمذي" إلا وفيها قول لعلي بن المديني أو أكثر، وهذه الأقوال استمدها ابن رجب من كتب العلل التي صنفها هذا الإمام الكبير. وقد ذكرت في الفصل الأول من هذا الباب نبذة عن الرجل وما صنفه في العلل، وذكرت طائفة من كتبه مثل: - علل المسند في ثلاثين جزءا. - العلل التي كتبها عنه إسماعيل القاضي، أربعة عشر جزءا. - علل حديث ابن عيينة، ثلاثة عشر جزءا. - الوهم والخطأ في خمسة أجزاء. - اختلاف الحديث، خمسة أجزاء. - العلل المتفرقة، ثلاثون جزءا. ولم تذكر فهارس المخطوطات سوى كتاب بعنوان "علل الحديث ومعرفة الرجال". ويبدو أن كتب ابن المديني الأخرى قد فقدت. أما هذا الجزء المحفوظ فهو ورقات من كتاب في العلل، يغلب على ظني أنه جزء من كتابه "العلل المتفرقة". وقد نشر هذا الجزء بتحقيق الدكتور محمد مصطفى الأعظمي. وهذا الكتاب يمثل صورة للزمرة المنهجية الأولى في العلل التي ذكرناها في المبحث الثاني من هذا الفصل، فهو مسائل متفرقة وأجوبة غير مرتبة تنتقل فجأة من موضوع إلى موضوع، ولكن الكتاب بمجموعه يتناول العلل في أربعة أقسام. القسم الأول: تكلم فيه ابن المديني عن مقدمات عامة في العلل وعلم الرجال، بين فيها

طبقات الرواة في مختلف الأمصار، مع ذكر أول من صنف في الحديث. وفي هذه المقدمات ذكر للمكثرين من الرواة، وإلقاء الضوء على من دار عليه الإسناد منهم من عهد الصحابة - رضوان الله عليهم - إلى زمن ابن المديني. وفيما يلي نص من كلامه: "قال علي: لم يكن من أصحاب النبي - A - أحد له أصحاب يفتون بقوله في الفقه إلا ثلاثة: عبد الله بن مسعود، وزيد بن ثابت، وابن عباس، وكان لكل رجل منهم أصحاب يقولون بقوله ويفتون الناس. وكان أصحاب عبد الله الذين يقرأون بقراءته، ويفتون بقوله، ويذهبون مذهبه: علقمة بن قيس، والأسود بن يزيد، ومسروق بن الأجدع، وعبيدة السلماني، وعمرو بن شرحبيل، والحارث بن قيس، ستة هؤلاء عدهم إبراهيم النخعي، وكان أعلم أهل الكوفة بأصحاب عبد الله وطريقتهم ومذاهبهم إبراهيم والشعبي، إلا أن الشعبي كان يذهب مذهب مسروق، يأخذ من علي وأهل المدينة وغيرهم، وكان إبراهيم يذهب مذهب أصحابه، أصحاب عبد الله هؤلاء. وكان أبو إسحاق وسليمان الأعمش أعلم أهل الكوفة بمذهب عبد الله وطريقته، والحكم بعد هذين، وكان سفيان بن سعيد أعلم الناس بهذين وبحديثهم وطريقهم، ولا يقدم عليهم أحدا". إنها كلمات معدودة يتابع من خلالها ابن المديني الحركة العلمية - الحديث منها خاصة - خلال مئة وخمسين عاما، في الكوفة، بدأها بابن مسعود - Bهـ - وانتهى بسفيان الثوري. وانتهج هذا الأسلوب في مدرسة المدينة بدءا بزيد بن ثابت، وفي مدرسة مكة بدءا بابن عباس وانتهاء بابن جريح، كما تعرض للرواة في الشام والبصرة وواسط. وبهذا الأسلوب القائم على استقصاء طبقات الرواة يكون علي بن المديني

قد أرسى أحد الأسس لعلم العلل خاصة وعلم الرجال عامة، ومن خلال كلمات علي بن المديني يصل القارئ إلى التصور الصادق لطرق الرواية وبيان خطوطها عبر الأجيال افتراقا واتفاقا. أما القسم الثاني: ففيه عملية استقصاء للرواية عن بعض الرواة، وجاء هذا بعد أن ذكر مسارات الرواية في البلدان. وفي هذا القسم يتابع الرواية عن شخص واحد، فيذكر من سمع منه، ومن لم يسمع. وقد بدأ بالصحابي الجليل زيد بن ثابت، فذكر من روى عنه من أهل المدينة، ثم من روى عنه من أهل الكوفة، ثم من روى عنه ولم يثبت سماعه منه. ثم ذكر بعض الأحاديث كنماذج تطبيقية. وقد عقد في هذا القسم فصلا عن الحسن البصري، فجاء كلاما ضافيا وافيا أظهر فيه قدرة علمية فائقة فكشف حركة الحديث عن الحسن صحة وعلة. ولعل ابن المديني هو أول من نقل الحديث إلى ميدان الدراسة التحليلية الشاملة المستقصية. ولا بأس أن ننتقل إلى عبارته فلعلها تعطي القارئ مزيد إيضاح وبيان "قال علي: سمع الحسن من عثمان بن عفان وهو غلام، ومن عثمان بن أبي العاص ومن أبي بكر، ولم يسمع من عمران بن حصين شيئا، وليس بصحيح، لم يصح عن الحسن عن عمران سماع من وجه صحيح ثابت. قلت: سمع الحسن من جابر؟ قال: لا. قلت: سمع الحسن من أبي سعيد الخدري؟ قال: لا. كان بالمدينة أيام كان ابن عباس بالبصرة، استعمله عليها علي، وخرج إلى صفين. وقال في حديث الحسن: خطبنا ابن عباس بالبصرة، إنما

هو كقول ثابت، قدم علينا عمران بن حصين، ومثل قول مجاهد: خرج علينا علي، وكقول الحسن: إن سراقة بن مالك بن جعشم حدثهم، وكقوله: غزا بنا مجاشع". ولا يفوتني أن أنبه وأنا أتناول هذا القسم بالعرض، إلى أن الباحثين في الحديث قد يقعون في الوهم والخطأ إذا اعتمدوا على كتب التراجم المشهورة وتركوا كتب العلل، فإن أشخاصا كثيرين يذكر لهم السماع وحقيقة الأمر غير ذلك. والمقارنة بين ما ذكره علي بن المديني هنا عن الحسن البصري، وبين ما ذكره صاحب تهذيب التهذيب تبين للباحث دقة ابن المديني، وتعميم غيره وتوسعه كأن يقول صاحب التهذيب: "روي عن أبي بن كعب وسعد بن عبادة وعمر بن الخطاب، ولم يدركهم. وعن ثوبان وعمار بن ياسر وأبي هريرة وعثمان بن أبي العاص ومعقل بن سنان لم يسمع منهم، وعن عثمان وعلي وأبي موسى وعمران بن حصين وجندب البجلي وابن عمرو وابن عباس وابن عمر ومعاوية ومعقل بن يسار وجابر وخلق". وفي هذه العبارة سمى قوما، وقال: لم يدركهم، وسمى آخرين، وقال: ولم يسمع منهم. وسمى فئة ثالثة، ولم يذكر نفي الإدراك أو السماع. بينما جاء النفي القاطع بعدم سماع الحسن من بعضهم كعمران بن حصين، وابن عباس، وجابر. القسم الثالث: وهذا القسم ذكر فيه ابن المديني مجموعة من الأحاديث، وبين علة كل واحد منها، وعرض طرقه عرضا مستفيضا سيرا على أسلوبه الذي سبق وأن أشرت إليه، وفيما يلي مثال من هذا القسم: "قال علي: وحديث أبي هريرة أن النبي A قال "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله". قال: رواه صالح، عن ابن شهاب، عن ابن المسيب، عن أبي هريرة. ورواه عقيل، فخالفه صالح في إسناد، فرواه عن عبيد الله بن عبد الله، عن أبي هريرة، عن عمر بن الخطاب. ورواه ابن عيينة عن أبي هريرة مرسلا. ورواه معمر عن الزهري عن عبيد الله مرسلا. ورواه سفيان بن حسين عن الزهري عن عبيد الله عن أبي هريرة ورواه عمران القطان فخالفهم جميعا فرواه عن معمر عن الزهري عن أنس عن أبي بكر، والحديث حديث عبد الله". القسم الرابع: وفي هذا القسم تعرض لعدد من الرجال، من حيث العدالة والضعف، وثبوت الرواية عنهم أو انقطاعها كما أن فيه البيان لكثير من الوفيات والكنى: قال علي: إسرائيل ضعيف. قال علي: عنبسة البصري الذي يروي عن الحسن، روى عنه عبد الوهاب الثقفي: ضعيف. قال علي: غاضرة بن عروة الفقيمي شيخ مجهول، لم يرو عن غير عاصم بن هلال. وبعد هذه الجولة في كتاب العلل لابن المديني، أقول: إن هذه المعرفة أساسية لرجل العلل، ومن يستوعبها ويتقنها فلا بد أن يصبح من رجال هذا الفن. وكلام علي هذا مبثوث في الكتب التي جاءت بعده، ككتاب الجرح والتعديل لابن أبي حاتم.

المطلب الثاني التاريخ والعلل، ليحيى بن معين

المطلب الثاني التاريخ والعلل، ليحيى بن معين أقول ابن معين التي اعتمد عليها ابن رجب كثيرة جدا، وهي من كتب عديدة لتلاميذ يحيى الذين سجلوا أقواله وأجوبته على أسئلتهم. وأكثر هذه الأقوال من كتاب "التاريخ والعلل" رواية العباس بن محمد الدوري (المتوفى سنة 271هـ) وهو أكمل الكتب التي جمعت أقوال يحيى، وقد وصل إلينا سليما من كل أذى، ولله الحمد. ومادة هذا الكتاب مجموعة كبيرة من آراء يحيى وأجوبته في ميدان الرجال والعلل. ويبدأ كل قول بكلام لعباس الدوري يقول فيه: سألت يحيى، أو سمعت يحيى. وأما كلام عباس الدوري الخاص به فقليل جدا، ويذكر أحيانا إذا لزم التعقيب على كلام الشيخ لتصحيح رواية أو لتفسير غريب. وكما رأينا في علل ابن المديني فإن كتاب يحيى هذا يسير على نفس الطريقة، ومادته غير منظمة والموضوعات المختلفة متداخلة فيه، فهو يتكلم عن الطبقات، والوفيات والجرح والتعديل، والكنى المتشابهة، والأحاديث المسلسلة. وفيما يلي نص من هذا الكتاب يكشف لنا منهجه: "سمعت يحيى يقول: عمر بن محمد بن زيد صالح الحديث، وكان ينزل عسقلان مرابطا. سألت يحيى عن حديث يحدث به ابن أبي ذئب عن ابن حسنة الجهني فقال يحيى: هو كذا ابن أبي ذئب عن ابن حسنة عن أبي هريرة. سمعت يحيى يقول: لم يسمع محمد بن إسحاق من طلحة بن نافع شيئا، ولم يسمع حديث ابن عباس في البكر، هو حديث ليس له أصل. سمعت يحيى يقول: حديث هشام بن عروة عن أبيه أن بلالا سمع أمية بن خلف يوم بدر، وهو على بعير له وهو يقول: (يا حدراها) ، (ياحدراها) ، قال يحيى: قال أبو عبيدة البصري: يريد: هل أحد رأى مثل هذا. هل أحد رأى مثل هذا. سمعت يحيى يقول:

أبو مسلمة بن محمد ليس حديثة بشيء". وقد دخلت مادة هذا الكتاب في جميع كتب الرجال التي جاءت من بعده. إذ هو من المراجع الأصلية في موضوعه، ولكن هذه المادة دخلت في الكتب الأخرى مبوبة منظمة، فما يتعلق بالضعفاء دخل في كتب الضعفاء وما كان عن الثقات دخل في كتب الثقات. والحصول على المراد من هذا الكتاب صعب وعسير إلا بقراءته كله، والبحث عن نص واحد فيه يلزم منه قراءة مائة وسبع وستين لوحة، وقد لا تجد ما تريد إذا كان النص من رواية غير العباس الدوري كعثمان الدارمي أو ابن محرز، أو ابن الجنيد. وكتاب التاريخ والعلل يقع في أحد عشر جزءا استغرقت مائة وسبعا وستين ورقة، وبالرغم من اختلاط المادة فيه وعدم تبويبها إلا أن الكتاب يقع في أربعة أقسام رئيسية: 1 - قسم عام: تناول فيه قضايا متفرقة لمختلف البلدان. ويهتم في هذا القسم بالصحابة. 2 - أهل الكوفة: وقد أعطى يحيى بن معين أهل الكوفة النصيب الوافر من اهتمامه فزادت اللوحات التي تناولت أهل الكوفة عن مائة، وأخبارهم تعق بين لوحة 43/أ - 146/أوبهذا تكون الكوفة قد أخذت ثلثي الكتاب، فهو بحق موسوعة كوفية، وهو عمدة لكل من يدرس أسانيد الكوفة والحديث فيها. 3 - تسمية أهل واسط والسواد وأهل المدائن وبغداد من لوحة 46/أ - 152/أ.

علل أحاديث من التاريخ والعلل:

4 - تسمية الشاميين وأهل البصرة والجزيرة إلى نهاية الكتاب لوحة 167. وقد ذكر ابن معين رسالة الليث إلى مالك، ورسالة مالك إلى الليث. وإلى جانب ما ذكرناه عن مادة هذا الكتاب وأنها مسائل متنوعة في مختلف علوم الحديث وعلله، فإنه يمتاز باحتوائه على مجموعة من الآراء الفقهية المستمدة من السنة، ومن خلالها يظهر مذهب أهل الكوفة الفقهي، وفيما يلي بعضها: "قال يحيى: زكاة الفطر لا بأس أن تعطى فضة. سمعت يحيى يقول: لا بأس بالصلاة على الجنازة بعدما يصلى عليها، ولا بأس بالصلاة على القبر". ومن ذلك: "سمعت يحيى يقول، وسألته عن هذه المسائل: قلت له: كم يصلى بعد الجمعة؟ قال: أربع لا أفصل بينهن بسلام. سألت يحيى عن القراءة خلف الإمام، قال: لا أقرأ خلفه إن جهر، ولا إن خافت. وإن قرأ إنسان فليس به بأس". قلت ليحيى: ما تقول في التكبير بالعيدين السبع والخمس؟ قال: لا أرى أن أرفع يدي في كل تكبيرة". ومع أن هذه هي مجموعة من الآراء الفقهية إلا أنها ذات ارتباط وثيق بعلم العلل، لصدورها من رجل كيحيى بن معين، إذ أنه بمثابة التصحيح والتضعيف لمجموعة من الأحاديث الواردة في هذه الأبواب. علل أحاديث من التاريخ والعلل: وقد اشتمل هذا الكتاب على عدد كبير من الأحاديث المعلة، وبعضها علل في الإسناد والبعض الآخر علل في المتن، ونختار منها بعض الأمثلة:

الجرح والتعديل في التاريخ والعلل:

(أ) (سمعت يحيى يقول: حديث هشام عن أبيه عن عائشة: "كان النبي A يقبل الهدية"، إنما هو عن هشام عن أبيه فقط) وبهذا يكون يحيى قد كشف علة الحديث. فهو مرسل، وليس بمتصل، لأن التابعي وهو عروة بن الزبير، يقول: كان رسول الله A. (ب) (سمعت يحيى يقول: كان محمد بن عبيد الطنافسي يصحف في هذا الحديث، عن عبد الملك، عن عطاء: "من قرأ جزءا من القرآن" ... وإنما يريد من قرأ حرفا من القرآن) . (ج) "سمعت يحيى يقول: سعيد بن المسيب قد رأى عمر، وكان صغيرا، قلت ليحيى: هو يقول: ولدت لسنتين مضتا من خلافة عمر. وقال يحيى: ابن ثماني سنين يحفظ شيئا! ثم قال: ههنا قوم يقولون: إنه أصلح بين علي وعثمان. وهذا باطل". والكتاب مليء بالأسانيد المعلة التي يناقشها يحيى بأسلوب الحوار مع تلميذه، أو جوابا على سؤاله، وفي كل مرة يكشف عن الخطأ ويبين الصواب. الجرح والتعديل في التاريخ والعلل: يعتبر هذا الكتاب من المصادر الرئيسة في الجرح والتعديل، وقل أن تجد رجلا لم يعط يحيى بن معين رأيا فيه وقد تنوعت في هذا الكتاب أسباب الجرح وأنواعه وألقابه وكذلك التعديل. وقل مبتدع لا تجد له ذكرا في هذا الكتاب. وقد ظهر رأي ابن معين جليا في هذا النص: "قلت ليحيى: هكذا نقول في كل داعية يكتب حديثه إن كان قدريا أو رافضيا، أو غير ذلك من أهل الأهواء، من هو داعية؟ قال: لا يكتب عنهم إلا أن يكونوا ممن يظن بهم ذاك، ولا يدعوا

اختلاف الأقوال في الجرح والتعديل عند يحيى:

إليه، كهشام الدستوائي وغيره ممن يرى القدر، ولا يدعو إليه". أما الألفاظ التي يستعملها في التعديل والتجريح فكثيرة منها ثقة: "سألت يحيى عن مسلم بن خالد الزنجي، فقال: ثقة ثقة ولكن ليس بحجة. محمد بن إسحاق ثقة، ولكنه ليس بحجة". "ليس به بأس: وإنما كان فيه شيء، زعموا أنه كان طفيليا". صدوق: "محمد بن أسباط الذي كان بالشام رجل صدوق". وأما ألفاظ التجريح فمنها: ليس بثقة، ليس بشيء، ولا يسوى فلسا، ولا يكتب عنه، لم يكن بثقة ولا مأمون، رجل سوء، بين يدي عدل. اختلاف الأقوال في الجرح والتعديل عند يحيى: يلاحظ من يقرأ كتاب ابن معين أنه يعطي عدة أحكام على الرجل الواحد، فقد جاء في هذا الكتاب قولان مختلفان في الحارث الأعور: "سمعت يحيى يقول: الحارث الأعور، هو الحارث بن عبد الله، ليس به بأس"، فإننا نراه يقول في موضع آخر: حدثنا جرير عن حمزة الزيات، قال: سمع قرة الهمذاني من الحارث الأعور شيئا، فقال له: اقعد حتى أخرج إليك، فدخل مرة الهمذاني واشتمل على سيفه، وأحس الحارث بالشر فذهب". كما ضعف يحيى أسامة بن زيد بن أسلم أكثر من مرة، ثم قال عنه: ثقة.

المطلب الثالث علل الإمام أحمد بن حنبل

ومع أن هذه الدراسة ليست موجهة للجرح والتعديل، إلا أن الكلام عن منهج الكتاب لا يكتمل إلا بهذا، بالإضافة إلى أن من العلل ما يرتبط بالجرح، كأن يروي الثقة عن ضعيف أو مجهول وغير ذلك. المطلب الثالث علل الإمام أحمد بن حنبل اعتمد ابن رجب اعتمادا كبيرا على أقوال الإمام أحمد في العلل، وهذا أمر لا بد منه لأن الإمام أحمد يعتبر بحق أستاذ فن العلل، وقد شاعت أقواله فيه وذاعت حتى استعصت على الإحاطة والحصر، ومرجع ذلك علمه الوفير، وشخصيته الفذة يضاف إليه ما امتاز به الإمام أحمد إذ أقبل عليه كثرة من التلاميذ الأوفياء الأذكياء العلماء، فسألوا الكثير، وكتبوا عنه الكثير. وقد كان بعض هؤلاء التلاميذ ممن يشار إليه بالفضل والفقه قبل التحاقه بصحبة الإمام أحمد. وقد اشتهر من هؤلاء عدد تناقل الناس مسائلهم، وجاء ذكرهم كثيرا في "شرح علل الترمذي" لابن رجب، منهم: - مهنا بن يحيى الشامي، كتب عن أحمد بضعة عشر جزءا من المسائل، ولزمه ثلاثا وأربعين سنة، وأول لقيه له في مجلس سفيان بن عيينة. - عبد الملك بن عبد الحميد الميموني، صحب الإمام أحمد من (سنة 202 - 227هـ) وكان في أحمد مثل ابن جريح في عطاء لكثرة مسائله. - أحمد بن محمد بن الحجاج أبو بكر المروزي (ت 275هـ) . - أحمد بن محمد بن هانئ الطائي الأثرم، نقل عن الإمام أحمد مسائل وصنفها ورتبها أبوابا. - أبو طالب، أحمد بن حميد، المتخصص بصحبة الإمام أحمد ومسائله (ت 244هـ) .

- الحربي أبو إسحاق إبراهيم بن إسحاق (ت 285هـ) . - حنبل بن هاني (ت 265هـ) . - إسماعيل بن سعيد الشالنجي، وله مسائل كثيرة عن أحمد. - أحمد بن محمد أبو الحارث الصائغ، روى عن أحمد بضعة عشر جزءا من المسائل. - صالح بن الإمام أحمد بن حنبل، ومسائله كثيرة ومشهورة، (ت 266هـ) . - عبد الله بن الإمام أحمد، ومسائله مشهورة، وأكثرها وصل إلينا (ت 290هـ) . - أبو داود، سليمان بن الأشعث السجستاني، (ت 265هـ) وهو الإمام المشهور. وأما ما وصلنا من هذه المسائل فقليل، وما وصل لم يسلم منه إلا أجزاء يسيرة، فيما عدا كتاب العلل ومعرفة الرجال، وكتاب مسائل الإمام أحمد فقد وصلا كاملين. وأما المسائل الأخرى فقد سلم منها: (أ) جزء من مسائل الميموني. (ب) جزء من مسائل صالح بن الإمام أحمد. (ج) جزء من مسائل المروزي، في العلل. (د) جزء من مسائل الأثرم في العلل. والجدير بالذكر أن هذه الكتب متشابهة في طريقة العرض، وهي غير مرتبة ولا مبوبة بينما نجد المسائل الفقهية قد دخل عليها التبويب والترتيب كمسائل

المروذي في الفقه والجزء الأول من مسائل أحمد، لأبي داود السجستاني. ولمعرفة محتويات هذه الكتب وبيان منهج الإمام أحمد فيها نختار منها كتابا كاملا هو "العلل ومعرفة الرجال". وهو نموذج يمثل كل ما ورد عن الإمام أحمد في العلل. وهذا الكتاب يرويه عبد الله بن الإمام أحمد عن أبيه، وتوجد منه نسخة كاملة في مكتبة أيا صوفيا تحت (رقم 3380) ، وهذه النسخة يرويها أبو علي محمد بن أحمد بن الحسن بن الصواف (ت 359هـ) عن عبد الله بن الإمام أحمد، وقد قام الدكتور طلعت فوج بيكيت والدكتور إسماعيل جراح أوغلي بتحقيق الجزء الأول من هذا الكتاب، وقد وجدت في خزانة المكتبة الظاهرية بدمشق الجزء الثاني عشر من العلل ومعرفة الرجال، ولكنه من رواية أبي بكر مكرم بن أحمد بن مكرم عن عبد الله، وعلى هذا الجزء سماع ابن أبي يعلى الفراء. وفي هذا الكتاب أسئلة وسماعات يقول فيها عبد الله: سألت أبي، وسمعت أبي وحدثني أبي، ومادة الكتاب عرضت بلا ترتيب ولا تصنيف. وحتى الخطوط الرئيسة والأقسام الكبيرة، التي رأيناها في علل ابن معين وابن المديني، حتى هذه معدومة في كتاب "العلل ومعرفة الرجال"، ولكن هذا ليس عيبا في الكتاب لأنه إجابات وأخبار عن القضايا اليومية التي تعترض الإمام وتلاميذه، وغزارة المادة والانشغال بالمتابعة والسماع يجعل مهمة التصنيف والترتيب عسيرة. وقد استفاد كل من جاء بعد الإمام أحمد من هذا الكتاب، وكل أخذ منه

ما يدخل في اهتمامه، ومن أكثر الكتب اعتمادا عليه: "كتاب الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم وكتاب "الضعفاء" للعقيلي. أما موضوعات الكتاب فإنها متنوعة، وأستطيع أن أجزم بأن مادته اشتملت على كل أبواب علوم الحديث، ففيه الكلام عن الثقات والرواة عنهم، والضعفاء، والمبتدعة، والمتروكين والمجاهيل، وفيه أخبار المدلسين، والكلام عمن أرسل الحديث، وكثير من تراجم رجال الأخبار فيذكر وفياتهم ومواطنهم، والقسم الأعظم والأكبر هو الكلام عن الأسانيد والمتون المعلة. ولهذا حق لنا أن نقول: إن كتب العلل هي الكتب الأولى لعلوم الحديث. وكما سبق القول، فإن القسم الأعظم من هذا الكتاب يتعلق بروايات الثقات، سواء بذكر علل حديثهم، أو بذكر مراتب الرواة عنهم، أو ما يتعلق بتراجمهم مما له علاقة بحديثهم من رحلة أو اختلاط أو تدليس أو إرسال. والجدير بالذكر أنه يسوق مجموعة كبيرة من الأخبار محورها أحاديث شيخ واحد ويطيل في ذلك فهو يذكر علل أحاديث هشيم بن بشير، شيخه، في قرابة العشرين صفحة من صفحات الكتاب وفيها يلي بعض هذه الأحاديث التي ذكر علتها. قال عبد الله: "حدثني أبي قال: حدثنا هشيم، عن سيار عن أبي وائل، قال: "لا يقرأ القرآن جنب ولا حائض". قال أبي: لم يسمعه هشيم من سيار. "سمعت أبي يقول: حدثنا هشيم قال: أخبرنا منصور، يعني ابن زاذان عن نافع أن امرأة صبحت قوما في سفر.. سمعت أبي يقول: لم يسمع منصور من نافع شيئا".

"حدثني أبي: قال، حدثنا هشيم عن مغيرة عن سماك - يعني ابن سلمة - قال: "رأيت ابن عمرو وابن عباس يتربعان في الصلاة" سمعت أبي يقول: لم يسمعه هشيم من مغيرة". وهكذا فإن الإمام أحمد يستعرض الكثير من حديث هشيم ويكشف عن انقطاع أو تدليس فيه، وقد يثبت السماع النادر له، كأن يقول: هذان الحديثان سمعهما هشيم من جابر الجعفي، وكل شيء حدث عن جابر مدلس إلا هذين: عن أبي جعفر عن ابن عباس "أن النبي A مر بقدر يغلي فأخذ منها عرقا أو كتفا فأكله، ثم صلى ولم يتوضأ". وذكر حديثا آخر. وفي موضع آخر نجد ذكرا مستفيضا لحصين بن عبد الرحمن المديني ويميزه عن حصين بن عبد الرحمن الحارثي الكوفي. وفي موضع ثالث نجده يستعرض حديث وكيع بن الجراح، من ذلك: "حدثني أبي قال: حدثنا وكيع عن سفيان عن ابن أبي نجيح عن عبد الله بن أبي كثير، عن أبي المنهال عن ابن عباس، قال أبي: كذا قال وكيع، وهو خطأ: إنما هو عبد الله بن كثير". ثم نجده يعود فيتكلم عن حديث وكيع، رواية ونقدا، في موضع آخر ويفيض في ذلك. ولو قدر لهذا الكتاب أن ترتب مادته، بحيث يجمع ما يتعلق بوكيع، وما يتعلق بشعبة، وما يتعلق بهشيم وغيرهم، لو قدر له ذلك، لكان على غاية من الفائدة لما يذكره من دقائق المعارف عن هؤلاء، وما يعالجه من أحاديثهم رواية ونقدا. وهو ما لا يوجد في كتاب من كتب التراجم المعروفة.

ومن القضايا المهمة في هذا الكتاب حصر الرواة عن شيخ ما، كأن يقول: "هذه تسمية من روى عن عمر بن الخطاب - Bهـ - من أهل مكة، روى عن عمر بن الخطاب من أهل مكة: يعلى بن أمية، وعبد الله بن الزبير، وأبو الطفيل، وعبد الله بن صفوان، وعبيد بن عمير. وأملى علي أبي: ومن أهل المدينة: عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر ... " ويذكر عشرات الأسماء. وخلال ذكره لهذه الأسماء يقف عند من اختلفت الأقوال في سماعه عن عمر، فيقول مثلا: وحميد روى عن عمر فلا أدري سمع منه أم لا، وقال ابن أبي ذئب، عن الزهري، عن حميد: رأيت عمر. ثم يواصل ذكر الرواة عن عمر - Bهـ - من أهل البصرة، ثم من روى عن علي - Bهـ - من أهل البصرة، ثم من روى عن عثمان من أهل المدينة، ثم من روى عن عمر من أهل الكوفة. وهذا اللون من فنون الحديث نجده عند الإمام أحمد في علله يرتقي إلى أسلوب يدل على معرفته الواسعة، فهو يقول: "هؤلاء الرجال من روى عنهم مسعر من أهل الكوفة وغيرهم، لم يسمع منهم شعبة: عمير بن سعد، وعبد الرحمن بن الأسود، وأبو بكر بن عمرو بن عتبة ... " وهكذا. وفي موضع آخر يقول: "وهؤلاء من روى عنهم شعبة، ولم يسمع منهم سفيان: المنهال بن عمرو، وطلحة بن مصرف، والحكم بن عتبة وأبو عمرو يحيى بن عبيد ... " وهكذا.

وفي موضع ثالث يقول: حدثنا أبو عامر عبد الملك بن عمرو عن شعبة قال: رأيت محمد بن المنتشر، وحبيب بن سالم والحسن بن أبي الحسن البصري ... ويذكر ما يزيد على المائتين. وفي موضع رابع يقول: "هؤلاء من روى عنهم سفيان ولم يحدث عنه شعبة ... " ويذكر ما يزيد على المائة. وأما الجزء الثاني عشر الذي وجدته في الظاهرية بدمشق فهو من رواية القاضي أبي بكر مكرم بن أحمد بن مكرم البزاز عن عبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل. ومادة هذا الجزء تشبه مادة النسخة الأولى، فهي مسائل وسماعات متفرقة غير منتظمة بترتيب معين. وتجمع بين التضعيف والتوثيق وذكر العلل، والكنى. وفيما يلي مثال من هذا الجزء يدور حول علة حديث: قال أبي كنا عند سليمان بن حرب، فذكرنا المسح على الخفين، فذكرنا أحاديث، فجعل سليمان يقول: ذا لا يحتمل، وذا ما أدري. قلنا إيش عندك؟ قال: خالد عن أبي عثمان عن عمر، قال: "يمسح حتى يأوي إلى فراشه". قلنا: قال بعض الناس خالد لم يسمع من أبي عثمان شيئا، يقول ذلك بعض الناس، "ويروي عن النبي A أنه كان يوقت". ويقول: خالد عن أبي عثمان! كأنه لم يرض منه بذلك". ونلاحظ في هذا النص النقد الذي وجهه الإمام أحمد لرواية سليمان بن حرب هذه، وسليمان بن حرب من الثقات الحفاظ.

المطلب الرابع علل الترمذي الكبير

المطلب الرابع علل الترمذي الكبير اشتهر الترمذي - C - ونبغ في هذا الفن من فنون الحديث حتى جاء كتابه الجامع كتابا معللا، فكانت ميزة خاصة له دون سائر كتب السنة، وقد ربط الإمام الكبير ربطا محكما بين الحديث وعلله فجعل لجامعه ملحقا سماه "العلل" وضمنه الكلام عن منهجه في الرواية والدراية، سندا ومتنا، وقد رأيت في هذا الكتاب - الصغير في حجمه، الكبير في أهدافه ومعارفه - فلسفة كاملة "للجامع" أولا وللحديث ثانيا، وفيه كشف الترمذي أسانيده وخطته ومصطلحاته ومذهبه في النقد والتعليل، وكما يصلح هذا الكتاب لجامع الترمذي فإنه يصدق في أكثر جوانبه على كتب الحديث الأخرى. وقد تكلمنا عن منهجه ومقاصده في المباحث السابقة. على وجه الإجمال والاختصار، وذلك لأن "العلل الصغير" من خلال شرح ابن رجب، هو موضوع رسالتي هذه، فسأترك الكلام عليه لمن هو أهله، وكفى بابن رجب أهلا لذلك، وسنلتقي به - إن شاء الله - في ستمائة صفحة بعد هذه الدراسة. وأما العلل الكبير، فصفته الكبير تشير إلى أنه أكبر من سابقه وأشمل. وقد كان يظن إلى عهد قريب أنه مفقود، وجاء ذلك في كتاب الدكتور نور الدين العتر "الترمذي والموازنة بين جامعه وبين الصحيحين" والذي نال به درجة الدكتوراه من كلية أصول الدين، جاء في هذا الكتاب قوله: "لكن يد الحدثان

طوت عنا هذا الكتاب، حتى لا نجد منه إلا النقول عنه، ولولا وفرة هذه النقول لما أمكن أن نكتب هذا البحث". ولقد قادت هذه النقول الأستاذ الفاضل إلى القول: "وهذا كتاب صنفه أبو عيسى على الأبواب - فيما يبدو لنا". وبحمد الله وجدت هذا الكتاب باسم: "كتاب فيه علل الترمذي الكبير، رتبه على أبواب الجامع أبو طالب القاضي" وهو من مخطوطات مكتبة أحمد الثالث بتركيا وتحت رقم (530) . وجاء في مقدمة هذا الكتاب: "قال الفقيه القاضي أبو طالب وفقه الله: هذا كتاب قصدت فيه ترتيب كتاب العلل لأبي عيسى الترمذي - C - على نسق كتاب الجامع له حتى يسهل فيه طلب الحديث، إذ الأحاديث فيه مفرقة منثورة، فلا تضبطها أبواب. فنظرت فيها فرددت أحاديث كتاب العلل إلى ما يليق بها من كتب الجامع، فجعلت الطهارة في كتاب الطهارة، وهكذا إلى آخر الجامع. إلا أن يكون كتاب لم يكن فيه في كتاب العلل حديث فأني أسقطه، وأدخلت أحاديث هذه الكتب تحت أبوابها التي هي تبويب الترمذي على ما أذكره، وذلك إما أن يكون الحديث المذكور في العلل مذكورا بعينه في ذلك الباب من كتاب الجامع، وإما بأن ينبه عليه أبو عيسى بأن يقول: في الباب عن فلان من الصحابة، ويكون الحديث في العلل مخرجا عن ذلك الصحابي، وإما أن يكون مطابقا للحديث الذي تضمنه الباب، وفي معناه فعلى هذا النحو جعلت الأحاديث تحت الأبواب وأسقطت من تراجم الأبواب ما لم يكن في كتاب العلل فيه أحاديث.

وقد تجيء في كتاب العلل أحاديث لا يذكرها أبو عيسى في الجامع ولا يبوب فيه بابا يقتضي أن تجعل فيه، فأفردت لما كان من هذا النوع فصولا في أواخر الكتب التي تكون تلك الأحاديث منها. ونبهت على أنها ليست في الجامع إذ تبين من مطالعة الكتابين ما زاد كتاب العلل على كتاب الجامع. وذلك هو الأقل. وما كان فيه من كلام على رجال جرى ذكرهم في سند حديث فإني سقته حيث سقت الحديث. وما كان من الكلام على رجال لم يقع ذكرهم في حديث، وإنما جاء ذلك منثورا في أثناء الكلام، فإني ذكرت ذلك في آخر الكتاب، في باب الجامع يأتي ذكره هنالك إن شاء الله. ولقد كان يتجه أن يسقط من كتاب العلل ما كان مذكورا في الجامع، حتى لا يذكر فيه إلا ما ليس في الجامع، غير أنا كرهنا أن نسقط منه شيئا فتركناه على ما هو عليه فربما يجيء الباب ويكون فيه الحديث الذي في ذلك الباب من الجامع بنحو الكلام الذي تكلم عليه في الجامع بلا مزيد على ذلك". وفي نهاية هذه المقدمة التفصيلية، التي بين فيها عمله ومنهجه، ذكر إسناد كتاب العلل إلى الترمذي والجدير بالذكر أنه رواه عن شيخه أبي القاسم خلف بن عبد الملك بن بشكوال0 ومن هذه المقدمة الوافية الضافية تبين لنا ما يلي: 1 - إن الترمذي لم يرتب كتابه "العلل الكبير" على الأبواب، بل ترك مادته منثورة مفترقة. 2 - إن الذي رتبه على الأبواب هو القاضي أبو طالب، وذلك ليسهل الرجوع إلى الحديث فيه. 3 - إنه رتب كتاب العلل تماما على أبواب كتاب الجامع الصحيح، واحتفظ بعناوين الأبواب عند الترمذي كما هي في الجامع. فإذا كان باب من أبواب الجامع لا مادة فيه في كتاب العلل، فإنه يسقط الباب ولا يذكره. وفيما يلي تمثيل لعمله من باب الطهارة مقارنا بجامع الترمذي:

رقم الباب أبواب جامع الترمذي/ أبواب علل الترمذي الكبير رقم الباب (1) (2) (3) (4) (5) (6) (7) (8) (9) (10) (11) باب / لا تقبل صلاة بغير طهور باب / فضل الطهور باب / مفتاح الصلاة الطهور باب / ما يقول إذا دخل الخلاء باب / ما يقول إذا خرج من الخلاء باب / النهي عن استقبال القبلة بغائط أو بول باب / الرخصة في ذلك باب / النهي عن البول قائما باب / الرخصة في البول قائما باب / في الاستتار عند الحاجة باب / كراهة الاستنجاء باليمين - باب / ما جاء في فضل الطهور باب / مفتاح الصلاة الطهور باب / ما يقول إذا دخل الخلاء - باب / الرخصة في استقبال القبلة - باب / الرخصة في البول قائما باب / في الاستتار عند الحاجة - (1) (2) (3) (4) (5) (6) ومن هذه المقارنة يظهر الترتيب الذي سار عليه أبو طالب القاضي، والذي وافق ترتيب الجامع، مع إسقاط الباب الذي لم يذكر عنه شيء في كتاب العلل. 4 - أما الأسس التي اعتمد عليها أبو طالب في إلحاق مادة العلل بالأبواب فهي ما يلي: (أ) إذا كان الحديث المذكور في العلل مذكورا في كتاب الجامع فإنه يضعه تحت نفس العنوان. (ب) إذا كان الحديث المذكور في الجامع قد أشار إليه الترمذي إشارة في الباب بقوله: وفي الباب عن فلان من الصحابة، وقد جاء هذا الحديث مفصلا في العلل فإنه يلحقه في الباب الذي أشار إليه.

(ج) إذا كان الحديث غير مذكور في الجامع ولكنه مطابق لباب من أبوابه فإنه يضعه تحت ذلك الباب. 5 - أما الأحاديث التي ذكرت في "العلل" ولم ترد في "الجامع" فإن أبا طالب قد جعلها في فصول آخر الكتاب. 6 - وأما الكلام عن الرجال فترتيبه على ضربين: (أ) إذا كان ذكر هؤلاء الرجال متعلقا بحديث ما، فإنه يساق مع هذا الحديث في بابه. (ب) وإذا كان الكلام عن الرجال عاما لا يرتبط بحديث معين موجود، فإنه يذكره في آخر الكتاب في باب جامع في الرجال. ومن خلال قراءتي لهذا الكتاب أكثر من مرة بحثا عن النصوص التي أوردها ابن رجب عنه، وجدت فيه نموذجا يحتذى لمن يعزم على ترتيب بقية كتب العلل، والتي لا تجنى الفائدة الكاملة منها إلا بترتيبها، وأي كتاب سيكون علل أحمد لو قدر له أن يرتب بمثل هذا الترتيب، وبذلك تجتمع مئات الأحاديث المعلة في أبواب منظمة، وتفهرس أسماء الرجال الواردة فيه فتشكل مصدرا من أهم مصادر البحث في الرجال والتراجم، وبذلك يضاف إلى إمامة صاحبه سهولة تناوله.

لقد سبقت الإشارة إلى أن الدكتور العتر بحث عن نصوص من كتاب العلل فوجد نقولا في بعض الكتب، وكانت هذه النقول الأساس الذي بني عليه دراسته لهذا الكتاب. وقد قابلت هذه النقول بمادة الأصل فوجدتها مطابقة تماما، مما يشهد للنسخة المخطوطة بالسلامة والدقة. ومن هذه النقول ما أخذه من "نصب الراية" وهو حديث عائشة: كان رسول الله A يكبر في الفطر والأضحى في الأولى سبع تكبيرات، وفي الثانية خمسا. قال الترمذي في العلل: سألت محمدا عن هذا الحديث فضعفه وقال: لا أعلم رواه غير ابن لهيعة. وجاء هذا النص في العلل تحت عنوان "في التكبير في العيدين" وفيه: وسألته عن حديث ابن لهيعة عن عقيل عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة أن النبي A كان يكبر في الفطر والأضحى في الأولى سبع تكبيرات، وفي الثانية خمس تكبيرات". ورواه بعضهم عن ابن لهيعة عن خالد بن يزيد عن الزهري عن عروة عن عائشة، فضعف هذا الحديث، قلت له: رواه غير ابن لهيعة، قال: لا أعلمه. أما مادة هذا الكتاب فأكثرها أحاديث ذكرت عللها، ومعظم هذه المادة موجود في كتاب الجامع، ويبدو أن الترمذي أراد من علله الكبير إفراد العلل بالتصنيف المستقل، ليكون نموذجا للبحث التطبيقي المتخصص في العلل. وقد اكتسبت هذه المادة أهمية كبيرة وذلك لأمور: 1 - أنها في أكثرها آراء للبخاري في العلل ومعرفة الرجال حتى كأن الكتاب للبخاري وليس للترمذي، إذ لا يكاد يخلو حديث من قول الترمذي: وسألت محمدا عن هذا الحديث".

2 - أن الذي يسأل البخاري هو من أرباب هذا الشأن العارف بمواطن الأوهام واللبس إذ هو ممن دار عليهم هذا العلم في زمنه إلا أنه الترمذي. 3 - أن الأحاديث المعلة هنا هي في غالبها من الأحاديث المشهورة المتداولة بين الناس. وقد استعرضنا نماذج كثيرة من هذا الكتاب في أسباب العلل وأنواعها. وفيما يلي نموذج من مادة الكتاب: 1 - "حدثنا محمد بن بشار (نا) يحيى بن سعيد، عن أسامة بن زيد عن سالم بن خربوذ أبي النعمان، عن أم حبيبة، قالت: "ربما اختلفت يدي ويد رسول الله A في الوضوء من إناء واحد" وهكذا روى أبو أسامة وغير واحد عن أسامة بن زيد. وقال وكيع: عن أسامة بن زيد، عن النعمان بن خربوذ قال: سمعت أم حبيبة: ربما اختلفت يدي. فسألت محمدا عن هذا الحديث، فقال: وهم وكيع، والصحيح: عن أسامة بن زيد، عن سالم بن خربوذ، أبي النعمان. قلت لمحمد: روى هذا الحديث قبيصة، عن سفيان عن أسامة، فقال عن أم حبيبة - فقال: أخطأ فيه قبيصة". وفي هذا المثال نرى العلة في حديث رجلين من الثقات وكيع بن الجراح وقبيصة بن ذؤيب. أما الأول فقد وهم في تغيير اسم الراوي، وأما الثاني فقد أعل سنده بالانقطاع. 2 - وفيما يلي نموذج من آخر الكتاب مما يتعلق بالرجال: "قال أبو عيسى: رأيت محمدا يثني على الأفريقي خيرا، يعني عبد الرحمن بن زياد الأفريقي، ويقوي أمره، وسألت محمدا عن صالح المري، فقال: هو ضعيف الحديث، ذاهب الحديث، قال أبو عيسى: صالح المري رجل صالح ثقة تفرد بأحاديث عن الثقات يخاف عليه الغلط.

المطلب الخامس علل الحديث: لعبد الرحمن بن أبي حاتم (ت 327هـ)

قال محمد: "محمد بن الفضل بن عطية ذاهب الحديث". هذا نموذج من علل الترمذي في الرجال، ويلاحظ فيه رأي الترمذي في مقابل كلام البخاري. أما استمداد ابن رجب من هذا الكتاب، فأمر ملحوظ في شرح العلل حتى انه يعتبر من أبرز مصادره في العلل. المطلب الخامس علل الحديث: لعبد الرحمن بن أبي حاتم (ت 327هـ) إذا كان القرن الثالث هو عصر السنة الذهبي، فإن النصف الثاني منه هو ثمرته وخلاصته، حيث امتد النقد الحديثي واتسع على يد رجلين من الري هما: أبو زرعة عبيد الله بن عبد الكريم الرازي، ومحمد بن إدريس، أبو حاتم الرازي. وقد قيض الله تعالى لهما تلميذا عالما عارفا يجني علمهما ويلم شتاته، فجاء هذا العلم في كتابين مهمين: الأول: كتاب الجرح والتعديل، والثاني: كتاب "علل الحديث وبيان ما وقع من الخطأ والخلل في بعض طرق الأحاديث المروية في السنن النبوية". وقد نشر هذا الكتاب الأستاذ محب الدين الخطيب - C - في المطبعة السلفية سنة 1343هـ، وقدم له الأستاذ محب الدين الخطيب ولم تخل مقدمته من أوهام، فقد قال: وأول من ألف فيه - على ما نعلم - الإمام مسلم بن الحجاج القشيري - المتوفى عام (261هـ) ، ثم جاء بعده الحافظ الكبير عبد الرحمن بن أبي حاتم. ... وممن ألف بعدهما في العلل الإمام الحاكم النيسابوري المتوفى

سنة 405هـ، والإمام الدارقطني المتوفى سنة 485هـ، فقد وهم بقوله: أول من ألف فيه مسلم، مع العلم أن مسلما مسبوق بهذا، إذ ألف فيه الإمام أحمد ويحيى بن معين وعلي بن المديني والبخاري، وكلهم من طبقة شيوخ مسلم. وأما قوله: وممن ألف بعدهما في العلل الإمام الحاكم النيسابوري والإمام الدارقطني المتوفى سنة 485هـ، فهو خطأ بين إذ الأمام الدارقطني شيخ الحاكم وقد توفي سنة 385هـ. ويبدو أن الناشر قد تابع كشف الظنون، الذي ذكر هذه العبارة بهذا الترتيب: وفي التحقيق سقط كثير، وأخطاء في الضبط، ونقص في المقابلة بين النسخ، مما يجعل إعادة تحقيق هذا الكتاب واجبا على ذوي الاختصاص، لا سيما وأن نسخه كثيرة وكاملة. أما مادة هذا الكتاب: فهي أسئلة عبد الرحمن بن أبي حاتم لأبيه وأبي زرعة، أو سماعاته منهما، وكلها تدور على الأحاديث المعلة والأسانيد التي يعتريها الخلل والخطأ. وعبارته تأتي بأحد الأشكال الآتية: سالت أبي، سألت أبا زرعة، سألت أبي وأبا زرعة، سمعت أبي، سمعت أبا زرعة وقولهما قد يسبق بعبارة: "قالا" أو يذكر رأي أحدهما ثم رأي الآخر، والجدير بالذكر أن اتفاقهما هو السائد والغالب في هذه الأجوبة. وهذا يشهد لهذا العلم بوحدة منطقة ومنهجية. أما طريقة عرض هذه المادة: فهذا الكتاب أول كتاب في العلل لقي عناية كبيرة من المصنف فرتبه على أبواب الفقه، بدءا بباب الطهارة، ثم الصلاة، وانتهاء بباب النذر، ولكن رغم هذا الترتيب إلا أن اتساع أبوابه تجعل من الصعوبة بمكان الوصول إلى المطلوب منه ولا بد من تقسيم أبوابه إلى فروع تسهل على الباحثين الرجوع إلى الأحاديث، أو أن تفهرس مادة هذا الكتاب فهرسة مستقلة في آخره ترشد إلى الأحاديث فيه، وفي هذا الكتاب ثلاثة آلاف حديث ذكرت عللها، وهذه العلل

المطلب السادس العلل الواردة في الأحاديث النبوية

متنوعة وكثيرة، فمنها العلل الخفية كاكتشاف الإرسال والانقطاع، وأخرى بالقوادح الظاهرة كالمنكر والموضوع الضعيف. وأما مادة الرجال فهي مبثوثة خلال الكلام عن الأحاديث والأسانيد. أهمية هذا الكتاب: وترجع أهمية هذا الكتاب إلى مادته الغزيرة في العلل والرجال، وإلى إمامة الرجلين العظيمين، أبي زرعة وأبي حاتم، وإلى تبويبه الذي يجعل الحصول على المبتغى منه أقرب من غيره من كتب العلل الأخرى. وقد اعتمد ابن رجب في كتابه "شرح علل الترمذي" كثيرا على هذا الكتاب، فكان من أهم مصادره. المطلب السادس العلل الواردة في الأحاديث النبوية صنف الإمام أبو الحسن علي بن عمر الدارقطني (ت 385هـ) مصنفات كثيرة في مختلف فنون الحديث إلا أن مصنفه في العلل هو أشهرها وأهمها، وهذا الكتاب يشهد لعلم الدارقطني وتبحره في الحديث وطرقه، ولقد استحق بسببه عظيم الثناء من العلماء. قال ابن كثير في اختصار علوم الحديث، وقد جمع أزمة ما ذكرناه كله الحافظ الكبير أبو الحسن الدارقطني في كتابه في ذلك، وهو من أجل الكتب، بل أجل ما رأيناه وضع في هذا الفن، لم يسبق إلى مثله، وقد أعجز من يريد أن يأتي بعده، فC وأكرم مثواه".

وبحق فإن الكتاب موسوعة حديثية، وقد جمع من طرق الحديث وعلله ما يدهش المرء، ويعجزه عن الملاحقة، والاطلاع، فكيف بالابتداء والتصنيف. والكتاب يقع في خمسة مجلدات مخطوطة كبيرة، قدر لي أن أطلع عليها - الحمد لله - بعد جهد جهيد وصبر، إذ لم أوفق بالاطلاع على بعض أجزائه إلا بعد وقت طويل من البحث، وذلك بسبب ضياع بعض هذه الأجزاء، حتى إن فهارس المخطوطات المتخصصة لم تشر إليها، وكم كانت فرحتي عظيمة يوم أن علمت بوجود ثلاث نسخ مخطوطة من هذا الكتاب في دار الكتب بالقاهرة. وبعد الاستعراض السريع لهذا الكتاب للتعرف على مادته ومنهجه ظهر لي أنه كتاب اعتمد أسلوب العلل على الأسانيد خلافا لعلل ابن أبي حاتم الذي اعتمد أسلوب العلل على الأبواب فكتاب الدارقطني هذا هو من كتب العلل الفريدة التي اعتمدت منهجا موحدا، لا كما هو الحال في علل أحمد وابن المديني وابن معين وأصل الترمذي قبل ترتيبه. والمنهج الذي سلكه الدارقطني أنه يذكر الصحابي ومن روى عنه ويذكر العلل في حديث هذا الصحابي من هذه الطريق، ثم ينتقل إلى الصحابي الآخر بعد أن يستوفي الرواة عن الصحابي الأول. ففي الجزء الأول: بدأ بأبي بكر الصديق - Bهـ -. وقال: حديث عمر عن أبي بكر، ثم حديث عثمان عن أبي بكر، ثم حديث علي عن أبي بكر.. وفي كل مرة يذكر العلل في هذه الطرق. وأما الجزء الثاني فقد أتم الكلام في أوله عن عبد الله بن مسعود، فعرض حديث عتبة عنه ثم حديث مسروق عنه وهكذا.. ثم ذكر مسند

أبي طلحة زيد بن سهل الأنصاري، ثم مسند أبي بردة، ثم مسند معاذ بن جبل، وهكذا ... وفي كل مسند يتناول الرواة عنهم، فيذكر عللهم. وآخره بعض مسند أبي هريرة. أما الجزء الثالث: فأوله بقية مسند أبي هريرة فبدأ بحديث سعيد بن المسيب عن أبي هريرة ثم من حديث أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة، ثم المقرونات من حديث أبي سلمة وسعيد عن أبي هريرة. وكذلك فإن الجزء الرابع احتوى بقية مسانيد الصحابة، وهو في جميع هذه الأجزاء يرتب المسانيد حسب الأكثر ثم الأقل فيما عدا مسانيد الخلفاء الراشدين فإنه يبدأ بها، ولو كانت قليلة. وأما الجزء الخامس فقد تضمن مسند النساء الصحابيات بدءا بعائشة - Bها - ثم أم حبيبة وهكذا حتى ينتهي بقوله آخر مسند النساء من كتاب العلل. وقد جاءت عبارة الكتاب على شكل مسائل يقال فيها: وسئل عن حديث فلان عن فلان ورغم ما فيه من منهجية على المسانيد إلا أنه صعب التناول فلا بد من معرفة إسناد الحديث للبحث عن علته ثم نقلب صفحات الكتاب لنهتدي إلى مكان هذا الصحابي فيه ثم الرواة عنه حتى نصل إلى المطلوب، ولو رتب الكتاب ترتيبا أبجديا أو على أبواب الفقه لكانت الفائدة منه أكبر وأعم، وفي هذا يقول ابن كثير: "ولكنه يعوزه شيء لا بد منه وهو أن يرتب على الأبواب ليقرب تناوله للطلاب، أو أن تكون أسماء الصحابة الذين اشتمل عليهم مرتبة على أبواب المعجم ليسهل الأخذ منه فإنه مبدد جدا، لا يكاد الإنسان يهتدي إلى مطلوبه منه بسهولة". نماذج من كتاب العلل للدارقطني: ومن حديث ابن المسيب عن أبي هريرة عن النبي A: "وسئل عن حديث ابن المسيب عن أبي هريرة أن النبي

A حض على صدقة رمضان، فقال: على المرء صاع من تمر أو صاع من شعير أو صاع من قمح". فقال: يرويه الزهري واختلف عنه في إسناده، وفي لفظه، فرواه بكر بن الأسود، عن عباد بن العوام، عن سفيان بن حسين عن الزهري، عن سعيد بن المسيب مرسلا وهو الصواب. وأما في لفظه فإن بكر بن الأسود ذكر في صدقه الفطر، أمر بصاع، وخالفه إسحاق، فقال: "على كل نفس مدان من قمح" وهو المحفوظ عن الزهري وكذلك قال عقيل، وعبد الرحمن بن خالد بن مسافر، ومحمد بن أبي حفصة عن ابن المسيب مرسلا. وكذلك رواه زهرة بن معبد، ويزيد بن قسيط، عن ابن المسيب. وعند ابن عدي فيه أقاويل من هذا. ورواه معمر، عن الزهري، عن الأعرج، عن أبي هريرة. وقيل عن معمر، عن الزهري، عن أبي هريرة. وقال النعمان بن راشد، عن الزهري، عن ثعلبة بن أبي صعير عن أبيه. وقال يحيى بن خارجة: عن الزهري، عن عبد الله بن ثعلبة، عن سليمان بن أرقم، عن أبي هناد، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة. والمحفوظ عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، وقبل عن سليمان بن أرقم عن الزهري عن قبيصة بن ذؤيب، عن زيد بن ثابت، عن النبي A. وسليمان بن أرقم متروك". ونلاحظ في هذا الحديث عللا في الإسناد من حيث الوصل والقطع، كما نلاحظ في بعض رواياته علة القوادح الظاهرية، وهي الرواية عن المتروك من الرواة.

كما نلاحظ العلم الغزير الذي يفيض به الدارقطني على سائله، ويعرض من الطرق والأسانيد، واختلاف الرواة ما يصلح تعريفا كاملا بأبعاد علم العلل ومهمة عالم العلل. وقد استفاد ابن رجب من هذا الكتاب وأحال عليه في كثير من مواضع كتابه.

الفصل الثالث دراسة حول علم العلل من خلال كتاب ابن رجب شرح علل الترمذي

الفصل الثالث دراسة حول علم العلل من خلال كتاب ابن رجب "شرح علل الترمذي" وفيه مباحث: المبحث الأول: في أسباب العلة من خلال كتاب ابن رجب. المبحث الثاني: في معرفة العلة والكشف عنها من خلال كتاب ابن رجب. المبحث الثالث: في أنواع العلل من خلال كتاب ابن رجب. المبحث الرابع: في الأشباه في العلل من خلال كتاب ابن رجب.

تمهيد

المبحث الأول في أسباب العلة من خلال كتاب ابن رجب تمهيد لقد حاولت من خلال استقراء "شرح علل الترمذي" لابن رجب، وغيره من كتب العلل أن أحدد أهم الأسباب التي تؤدي إلى حدوث العلة، إذ الكلام عن هذه الأسباب، منظما مجتمعا، لم يقع لي في كتاب من الكتب التي تعرضت للعلل، ومع أن كتاب ابن رجب هو كتاب العلل الوحيد الذي تكلم على العلل كعلم له قواعده وأقسامه إلا أنه لم يفصل أسباب العلل في مبحث مستقل، وإنما عرض لها في مواضع متفرقة. ولعل دراستنا هذه هي بداية المحاولة في هذا الترتيب النظري لعلم العلل. وفيما يلي عرض لهذه الأسباب والكلام عليها، مع ذكر كلام ابن رجب في كل منها: السبب العام: هو الذي يقف وراء الكثير من هذه العلل، إلا أنه الضعف البشري الذي لا يسلم منه مخلوق، ولا عصمة إلا لله ولكتابه ولرسوله A وما وراء ذلك ناس يصيبون ويخطئون، ويتذكرون وينسون، وينشطون ويغفلون، على ما بينهم من تفاوت في ذلك بين مكثر مقل. ودخول الوهم والخطأ على الصحابة والتابعين والأئمة المتقدمين شيء معروف عند العامة والخاصة، وقد أشار الترمذي في "علله آخر الجامع" إلى

هذا في القسم الرابع من الرواة عنده، وهم الحفاظ الذي يندر أو يقل الغلط في حديثهم، وهؤلاء هم الطبقة العليا من الرواة، فهو لم يصفهم بالضبط التام الكامل، بل قال: وإنما تفاضل أهل العلم بالحفظ والإتقان مع أنه لم يسلم من الخطأ والغلط كبير أحد من الأئمة. فالضبط التام الكامل هو ضبط نسبي يدخل فيه الوهم والخطأ القليل النادر. وهذا احتراز ينبغي أن يدخل صراحة في شرط رجال الصحيح، وإن كان قد تناوله تعريف الحديث الصحيح بصورة غير مباشرة، عند ذكرهم سلامة الحديث من الشذوذ والعلة القادحة. وقد تناول ابن رجب في شرحه لعلل الترمذي هذا القسم الرابع الذي ذكره الترمذي بالشرح وذكر أقوال العلماء في أخطاء الثقات وأوهامهم فقال: "وذكر الترمذي ههنا حكم القسم الرابع، وهم الحفاظ المتقنون الذين يقل خطؤهم، وذكر أنه لم يسلم من الخطأ كبير أحد من الأئمة، على حفظهم. وقال ابن معين: من لم يخطئ في الحديث فهو كذاب. وقال أيضا: لست أعجب ممن يحدث فيخطئ، إنما أعجب ممن يحدث فيصيب. وقال ابن المبارك: ومن يسلم من الوهم وقد وهمت عائشة جماعة من الصحابة في رواياتهم وقد جمع بعضهم جزءا في ذلك. ووهم سعيد بن المسيب ابن عباس في قوله: تزوج النبي A ميمونة وهو محرم". وذكر ابن رجب في ذلك كلاما لأبي الحسن الدارقطني بعد ذكر بعض الأوهام في روايات الصحابة، وقول الدارقطني: مثل هذا في الصحابة، أي الوهم والخطأ.

وأما أوهام كبار أئمة الحديث، فقد ذكر ابن رجب أقوالا فيها: قال أحمد: كان مالك من أثبت الناس وكان يخطئ. وقال البرذعي: شهدت أبا زرعة، وذكر عبد الرحمن بن مهدي ومدحه وأطنب في مدحه، وقال: وهم في غير شيء، ثم ذكر عدة أسماء صحفها. وهذه الأسماء ورد النص بها في كتاب البرذعي وهي: قول ابن مهدي: شهاب بن شريفة، وإنما هو شهاب بن شرنقة. وقال: عن هشام عن الحجاج عن عائذ بن بطة وإنما هو ابن نضلة. وقال: قيس بن جبير، وإنما هو قيس بن حبتر (وزن جعفر) التميمي. وفيما يلي عرض لأحاديث وهم فيها كبار الثقات: منهم شعبة بن الحجاج: وثناء العلماء على شعبة جزيل طويل، فهو أمير المؤمنين في الحديث، ورجل روى عنه شعبة لا يسأل عنه، وكان الثوري يقول: أستاذنا شعبة. وقال الشافعي: لولا شعبة ما عرف الحديث بالعراق. ولكن لشعبة أوهاما، وفي حديثه علل، وإن كانت قليلة، وقد وقف النقاد عليها: مثال: أخرج الترمذي في العلل الكبير قال: حدثنا محمود بن غيلان، قال (أنا) أبو داود، قال: (أنا) شعبة، قال: (أنا) عبد ربه بن سعيد، قال: سمعت أنس بن أبي أنس، عن عبد الله بن نافع بن العمياء، عن عبد الله بن الحارث بن المطلب، أن رسول الله A قال: "الصلاة مثنى مثنى، تشهد في ركعتين، وتبؤس، وتمسكن، وتقنع وتقول: اللهم، اللهم، فمن لم يفعل ذلك فهي خداج". وقال الليث: (أنا) عبد ربه بن سعيد، عن عمران بن أبي أنس، عن 96 عبد الله بن نافع بن العمياء، عن ربيعة بن الحارث، عن الفضل بن عباس. سمعت محمد بن إسماعيل يقول: رواية الليث بن سعد أصح من حديث شعبة. وشعبة أخطأ في هذا الحديث في مواضيع: - فقال: عن أنس بن أبي أنس، وإنما هو عمران بن أبي أنس. - وقال: عن عبد الله بن الحارث، وإنما هو عن عبد الله بن نافع، عن ربيعة بن الحارث. - وربيعة بن الحارث هو ابن المطلب، فقال: هو: عن المطلب. - ولم يذكر فيه: عن الفضل بن العباس. هذه أوهام لشعبة ذكرها البخاري جوابا على سؤال الترمذي له، وفيها بيان جلي لأخطاء الثقات ولو كانوا بمنزلة شعبة، وقد ذكر ابن أبي حاتم كلاما للإمام أحمد في أوهام شعبة، فقال: (قال أحمد: ما أكثر ما يخطئ شعبة في أسامي الرجال. وقال أحمد: كان شعبة يحفظ، لم يكتب إلا شيئا قليلا، وربما وهم في الشيء) ، وفي العبارة الأخيرة كشف عن مصدر الوهم والخطأ عند هذا الإمام الفذ. ورجل آخر شارك شعبة في الفضل والعصر، ولا يقل عنه إن لم يزد في الحفظ والعلم، وهو إمام دار الهجرة مالك بن أنس. وقد ترجم له ابن رجب ترجمة ضافية وافية جمع شتاتها ودورها من كثير من المراجع في التواريخ والرجال، ولكن هذا الفضل لم يمنع أن يسجل النقاد على مالك مآخذ وعللا في بعض رواياته:

فقد أخذ عليه الجماهير روايته عن عبد الكريم أبي أمية وهو متهم بالكذب. وأما مثال العلة في حديثه، فمما ذكره ابن أبي حاتم في علله. سألت أبي عن حديث رواه مالك، عن عمرو بن الحارث، عن عبيد بن فيروز عن البراء، عن النبي A في الضحايا" فقال أبي: نقص مالك من هذا الإسناد، إنما هو سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي، عن عبيد بن فيروز، عن البراء، عن النبي A. واستيفاء لهذا الموضوع نذكر رجلا ثالثا لا يقل عن سابقيه في الإمامة والفضل وهو الليث بن سعد إمام أهل مصر، ومع علو رتبته في الحفظ والضبط إلا أن النقاد سجلوا عليه عللا في حديثه، مثال ذلك، ما رواه ابن أبي حاتم في علله، قال: سمعت أبا زرعة، وحدثنا عن يحيى بن بكير، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي هريرة، قال: قالوا: يا رسول الله، أصحاب الحمر، قال: "لم ينزل علي في الحمر إلا هذه الآية الفاذة، (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره) إلى آخر السورة. قال أبو زرعة: وهم فيه الليث، إنما هو زيد بن

أسلم عن أبي صالح، عن أبي هريرة، عن النبي A. ونختم هذا السبب العام، الذي لا يكاد يخرج من تأثيره أحد من الحفاظ، بما ذكره ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل، وهو نص يؤكد وقوع بعض الأوهام في روايات الحفاظ، ويكشف عن القدر من الخطأ الذي يبقى معه الحافظ، الضابط الإمام، على رتبته في الإمامة والضبط: (أنا) أبي، أخبرنا سليمان بن أحمد الدمشقي، قال: قلت لعبد الرحمن بن مهدي: اكتب عمن يغلط في عشرة؟ قال: نعم. قيل له: يغلط في عشرين قال: نعم. قلت: فثلاثين؟ قال: نعم. قلت: فخمسين؟ قال: نعم. وهكذا، فإنه يمكننا أن نرجع قسما، لا بأس به، من علل الحديث لأخطاء مثل هؤلاء الجهابذة، ويعتبر كشف هذه العلل من أعلى مراتب هذا العلم، وذلك لخفائها واستتارها بمنزلتهم في الحفظ والضبط. وفي هذا درس بالغ لأعداء السنة، والطاغين فيها، ليعلموا أية حراسة حرس الله بها سنة نبيه A وليدركوا أنه ما دامت منزلة كبار الأئمة لم تمنع من تتبع رواياتهم ونقدها وتمحيصها، وبيان الخطأ فيها، فمن باب أولى أن يكشف وهم غيرهم، وعبث العابثين مهما كانت غايتهم، ومهما استخدموا من أساليب التزوير والكذب. السبب الثاني: هو ما اتصف به بعض رواة الآثار من خفة الضبط، وكثرة الوهم، مع بقاء عدالتهم. وهؤلاء هم الذين ذكرهم الترمذي في علله (آخر الجامع) بقوله: أهل صدق وحفظ، ولكن يقع الوهن في حديثهم كثيرا. وعلى أسلوب ابن رجب في توليد الموضوعات من الكلمات، فقد شرح عبارة الترمذي وحشد لها عيون الشواهد من كلام أرباب هذه الصنعة، فقال:

(وهم أيضا أهل صدق وحفظ، ولكن يقع الوهم في حديثهم كثيرا، ولكن ليس هو الغالب عليهم، وهذا هو القسم الذي ذكره الترمذي ههنا. وذكر عن يحيى بن سعيد أنه ترك حديث هذه الطبقة. وعن ابن المبارك وابن مهدي ووكيع وغيرهم أنهم حدثوا عنهم، وهو أيضا رأي سفيان وأكثر أهل الحديث، والمصنفين منهم في السنن والصحاح، كمسلم بن الحجاج وغيره فإنه ذكر في مقدمة كتابه أنه لا يخرج حديث من هو متهم عند أهل الحديث، أو عند أكثرهم، ولا من الغالب على حديثه المنكر أو الغلط. وذكر قبل ذلك أنه يخرج حديث أهل الحفظ والإتقان، وأنهم على ضربين: أحدهما: من لم يوجد في حديثه اختلاف شديد، ولا تخليط فاحش. والثاني: من هو دونهم في الحفظ والإتقان، وشملهم اسم الصدق والستر، وتعاطى العلم كعطاء بن السائب ويزيد بن أبي زياد وليث بن أبي سليم) . من كل هذا نعلم أن حديث هؤلاء الذين كثر غلطهم، مقبول عند جماهير علماء الحديث، ولا يعين قبول حديثهم أن يؤخذ دونما تمييز بين الصواب والخطأ بل استطاع النقاد أن يحصوا ما لهم من أوهام ويسجلوا شوارد أخبارهم شواذها، فكان نصيب كتب العلل من هذه الأوهام كبيرا. وكثيرا ما نقرأ الحديث في هذه الكتب ثم تذكر علته، ويقال بعد ذلك، أخطأ فيه شريك، وهم فيه عطاء الخراساني ... وهكذا. وقد ذكر ابن رجب في شرحه لعلل الترمذي عددا من هؤلاء الثقات الذين يكثر الخطأ في حديثهم، مع ترجمة قصيرة لكل منهم، فأنار سبيل سالك هذا الدرب بمعرفتهم، وأتاح لدارسي الكتاب فرصة كشف كثير من العلل.

فذكر من هذا الصنف، محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص الليثي، وعبد الرحمن بن حرملة المدني، وشريك بن عبد الله النخعي قاضي الكوفة، وأبا بكر بن عياش المقرئ الكوفي، والربيع بن صبيح، ومبارك بن فضالة، وسهيل بن أبي صالح، ومحمد بن إسحاق، ومحمد بن عجلان، وحماد بن سلمة، وغيرهم. وسيرا على المنهج التطبيقي الذي التزمته في هذه الدراسة، فسأمثل لحديث هؤلاء الرواة، وأذكر عللا سجلها النقاد في مصنفاتهم عليهم: ومثال ذلك ما ذكره الترمذي في علله قال (حدثنا علي بن نصر الجهضمي، (نا) بشر بن عمر، (نا) شعيب بن زريق أبو شيبة، قال: حدثنا عطاء الخراساني، عن عطاء بن أبي رباح، عن ابن عباس، قال سمعت رسول الله A يقول: "عينان لا تمسهما النار، عين بكت من خشية الله، وعين باتت تحرس في سبيل الله". سألت محمدا عن هذا الحديث فقال: شعيب بن زريق مقارب الحديث، ولكن الشأن في عطاء الخراساني، ما أعرف لمالك بن أنس رجلا يروي عنه مالك يستحق أن يترك غير عطاء الخراساني. قلت له: ما شأنه؟ قال: عامة أحاديثه مقلوبة. ثم ذكر البخاري أمثلة لهذه الأحاديث المقلوبة التي يرويها عطاء الخراساني. روى عطاء الخراساني، عن سعيد بن المسيب أن رجلا أتى النبي A وأفطر في رمضان، وبعض أصحاب سعيد بن المسيب يقولون سألت سعيدا عن هذا الحديث، فقال: "كذب على عطاء لم أحدث هكذا".

وروى عطاء، عن أبي سلمة، عن عثمان وزيد بن ثابت في الإيلاء: إذا أمضت أربعة أشهر فهي تطليقة بائنة. وروى حبيب بن أبي ثابت، عن طاوس، عن عثمان: أنه قال في المولي يوقف) . وعطاء الخراساني، بالرغم من أن البخاري جعل عامة أحاديثه مقلوبة ونعته بالضعف، إلا أن بقية العلماء احتجوا بحديثة الخالي من الوهم والخطأ، وروى عنه مسلم وأصحاب السنن الأربعة، (وقد وثقه ابن معين، وقال ابن أبي حاتم عن أبيه ثقة صدوق، قلت يحتج به، قال: نعم. وقال النسائي: ليس به بأس. وقال الدارقطني: ثقة في نفسه) . وتوثيق هذا العدد الغفير له يدفع رأي البخاري فيه، ومع هذا الدفع تبقى لعطاء أوهامه وعلله. ويشابه عطاء الخراساني في مرتبته وأوهامه شريك بن عبد الله النخعي، فيما يلي مثال على العلة في حديثه: قال الترمذي في علله الكبير: "حدثنا أحمد بن إبراهيم الدورقي، (نا) يزيد بن هارون عن شريك، عن عاصم بن كليب، عن أبيه، عن وائل بن حجر، قال: رأيت رسول الله A يضع ركبتيه إذا سجد قبل يديه". قال يزيد: لم يرو شريك عن عاصم بن كليب إلا هذا الحديث الواحد. قال أبو عيسى: وروى همام بن يحيى، عن شقيق، عن عاصم بن كليب شيئا من هذا مرسلا، لم يذكر فيه، عن وائل بن حجر، وشريك بن عبد الله كثير الغلط والوهم. وشريك هذا الذي وهم في هذا الحديث كما وهم في غيره، قال عنه ابن معين: ثقة ثقة، وقال عنه العجلي: كوفي ثقة، وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم: وسألت أبي عن شريك وأبي الأحوص أيهما إليك؟ قال: شريك، وقد كان له أغاليط وقال النسائي: ليس به بأس. وقال ابن عدي" والغالب على حديثة الصحة والاستواء، والذي يقع في حديثه من النكرة إنما أتى به من سوء حفظه، والغالب في من يوثق شريكا أنه يذكر خفة ضبطه وكثرة أوهامه ولكنه مع كل هذا يبقى من أهل الصدق والستر ولا تزول عنه رتبة الاحتجاج بحديثه. ولقد وصف بعض الحفاظ الثقات بكثرة الوهم، ولا شك أنهم يقلون في أوهامهم عن مثل شريك وعطاء بن السائب، وهؤلاء مثل عبد الرزاق بن همام، ومعمر بن راشد الصنعانيين، قال ابن أبي حاتم في علله: سألت أبي وأبا زرعة عن حديث رواه عبد الرزاق، عن معمر، عن أبي إسحاق عن صلة، عن عمار، عن النبي A. "ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: الإنفاق من الاقتار ... الحديث". فقالا: هذا خطأ: هذا خطأ. رواه الثوري وشعبة وإسرائيل وجماعة يقولون: عن أبي إسحاق، عن صلة، عن عمار، قوله. لا يرفعه أحد منهم. والصحيح موقوف عن عمار. قلت لهما: الخطأ ممن؟ قال أبي: أرى من عبد الرزاق، أو معمر فإنهما جيعا كثيرو الخطأ". السبب الثالث - الاختلاط أو الآفة العقلية: وقد تكلم ابن رجب عن هذا السبب أثناء الكلام عن اختلاط المشاهير من الثقات. وقد جعل هذا نوعا من القسم الثاني من أقسام علم العلل، وبيان ذلك: أنه قسم علم العلل إلى قسمين: القسم الأول: في معرفة مراتب الثقات، قول من يقدم منهم عند الاختلاف.

القسم الثاني: ذكر قوم من الثقات، لا يذكر أكثرهم غالبا في كتب الجرح، وقد ضعف حديثهم - أما في بعض الأوقات، وهم المختلطون. أو في بعض الأماكن. أو عن بعض الشيوخ. فيكون ابن رجب قد ذكر هذا السبب في صورة طائفة من مشاهير الثقات، ففصل حالة كل منهم، ذاكرا زمان الاختلاط ومكانه، ومن روى عنه في الاختلاط، ومن روى عنه قبله، وضابط اختلاطه، وخلال الكلام عنه يشير إلى أحاديث رويت عنه في الاختلاط. مفهوم الاختلاط: والاختلاط آفه عقلية تورث فسادا في الإدراك، وتصيب الإنسان في آخر عمره، أو تعرض له بسبب حادث ما، كفقد عزيز، أو ضياع مال، ومن تصيبه هذه الآفة لكبر سنة يقال فيه: اختلط بأخرة. ورغم أن كثيرا من الناس يختلطون إلا أن الاختلاط إذا أطلق انصرف إلى فئة قليلة منهم، وهي فئة المحدثين، وذلك لما في اختلاط المحدث من أثر على روايته، لا سيما وأنه الثقة العدل، المحتج به. الكشف عن الاختلاط والكشف عن الاختلاط يلقي على الناقد، رجل العلل، مهمة عسيرة وشاقة، إلى جانب أنها دقيقة وخطيرة، فهي لا تقتصر على متابعة المحدث في فترة دون فترة، أو مكان دون آخر أو عن شيخ دون سواه، بل تمتد مهمة رجل العلل حتى وفاة الرجل موضع النقد والعلة، ولمعرفة طريقة النقاد في الكشف عن الاختلاط، وتحديد زمنه يحسن بنا أن نستشهد بما ذكره البرذعي في مسائله لأبي زرعة الرازي، قال:

قلت لأبي زرعة: قرة بن حبيب تغير. فقال: نعم، كنا أنكرناه بأخرة، غير أنه كان لا يحدث إلا من كتابه، ولا يحدث حتى يحضر ابنه، ثم تبسم، فقلت: لم تبسمت؟ قال: أتيته ذات يوم وأبو حاتم، فقرعنا عليه الباب، واستأذنا عليه، فدنا من الباب ليفتح لنا فإذا ابنته قد لحقت، وقالت: يا أبت، إن هؤلاء أصحاب الحديث، ولا آمن أن يغلطوك أو أن يدخلوا عليك ما ليس من حديثك، فلا تخرج إليهم، حتى يجيء أخي، تعني علي بن قرة، فقال لها: أنا أحفظ فلا أمكنهم ذاك، فقالت: لست أدعك تخرج إليهم فإني لا آمنهم عليك. فما زال قرة يجتهد، ويحتج عليها في الخروج، وهي تمنعه، وتحتج عليه في ترك الخروج إلى أن يجيء علي بن قرة، حتى غلبت عليه، ولم تدعه. قال أبو زرعة: فانصرفنا وقعدنا حتى وافى ابنه علي. قال أبو زرعة: "فجعلت اعجب من صرامتها، وصياتنها أباها". هذه القصة تسلط ضوءا باهرا على قضية الاختلاط، سواء من جانب النقاد الذين يكشفون على الرواة كما يكشف الطبيب على مرضاه، أو من جانب أهل المختلط وذويه الذين لا يذرون صاحبهم دونما رقابة ومتابعة. وإنما هم خير عون للناقد على مهمته، إما بمنع المختلط من الرواية، أو صيانة كتبه وإلزامه التحديث منها، مع الرعاية والإشراف. وأحيانا كان الناقد يدخل على المختلط يخضعه لاختبار دقيق فيقلب عليه الأسانيد والمتون. ويلقنه ما ليس من روايته، فإن لم يتنبه الشيخ لما يراد به فإنه يتأكد اختلاطه ويحذر الناس من الرواية عنه: روى أبو محمد الرامهرمزي من طريق يحيى بن سعيد، قال: "قدمت الكوفة وبها ابن عجلان وبها من يطلب الحديث، مليح بن وكيع. وحفص بن غياث، وعبد الله بن إدريس، ويوسف بن خالد التيمي، قلنا: نأتي ابن عجلان نقلب على هذا الشيخ ننظر فهمه. قال: فقلبوا، فجعلوا ما كان

عن سعيد عن أبيه، وما كان عن أبيه عن سعيد، ثم جئنا إليه، لكن ابن إدريس تورع وجلس بالباب، وقال: لا أستحل وجلست معه، ودخل حفص ويوسف بن خالد ومليح، فسألوه فمر فيها، فلما كان عند آخر الكتاب انتبه الشيخ، فقال: أعد العرض، فعرض عليه، فقال: ما سألتموني عن أبي، فقد حدثني به سعيد، وما سألتموني عن سعيد، فقد حدثني به أبي". ولكن بصيرة الناقد ويقظة المجتمع ليس لهما تلك القدرة التي تحدد ساعات بدء الاختلاط، إذ الاختلاط حالة عقلية تبدأ خفية ثم يتعاظم أمرها بالتدريج، وبين الخفاء والظهور يكون المختلط قد روى أحاديث تناقلها الثقات عن الثقات وما دورا أنهم أخذوها عن الثقة، ولكن في اختلاطه. وهكذا تدخل العلة من هذا الطريق، الذي هو طريق الاختلاط، ولكن رجال هذا العلم بما لديهم من وسائل الدراية، يقفون بالمرصاد لتمييز الصحيح من السقيم. وفيما يلي مثال على حديث علته اختلاط راويه: قال عبد الرحمن بن أبي حاتم: "سألت أبي وأبا زرعة عن حديث رواه زكريا بن أبي زائدة وزهير، فقال أحدهما: عن أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمون، عن عبد الله عن النبي A: أنه كان يتعوذ من خمس: من البخل والجبن، وسوء العمر، وفتنة الصدر. روى هذا الحديث الثوري، فقال: عن أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمون، عن النبي A يتعوذ، مرسل. والثوري أحفظهم. وقال أبي: أبو إسحاق كبر، وساء حفظه بأخرة، فسماع الثوري منه قديم، قال أبو زرعة: تأخر سماع زهير وزكريا من أبي إسحاق".

أشهر الرواة الذين اختلطوا: وقد ذكر ابن رجب طائفة من مشاهير المختلطين، وفصل أحوالهم، وما يتعلق باختلاطهم، وهم: عطاء بن السائب الثقفي، وحصين بن عبد الرحمن السلمي، وسعيد بن إياس الجريري، وسعيد بن أبي عروبة، وعبد الرحمن بن عبد الله المسعودي، وأبان بن صمعة، وسفيان بن عيينة، وأبو قلابة الرقاشي، ومحمد بن الفضل السدوسي. وتناول ابن رجب للمختلطين تناول فريد بين الكتب التي تعرضت لهم، وقد حرص ابن رجب على ما يلي: 1 - ذكر اسم المختلط ونسبه وكنيته وموطنه. 2 - بيان أقسام الرواة عنه، وجعلهم على أقسام: - الذين رووا عنه قبل اختلاطه. - الذين رووا عنه بعد اختلاطه. - الذين رووا عنه قبل الاختلاط وبعده ولم يميزوا هذا من هذا. - الذين رووا عنه قبل اختلاطه وبعده وميزوا هذا من هذا. 3 - ذكر ضابط التمييز بين السماع قبل الاختلاط وبعده. وقد فصل ابن رجب في هذا الأمر الثالث، وجمع أقوال العلماء التي تصلح ضابطا للتمييز بين الرواية عنه قبل الاختلاط وبعده. ونرى مثل هذا في كلامه على اختلاط عطاء بن السائب، فقال: وقد اختلفوا في ضابط من سمع منه قديما، ومن سمع منه بأخرة. - فمنهم من قال: من سمع منه بالكوفة فسماعه صحيح ومن سمع منه بالبصرة، فسماعه ضعيف. - ومنهم من قال: دخل عطاء البصرة مرتين، فمن سمع منه في المرة الأولى فسماعه صحيح ومنهم الحمادان والدستوائي، ومن سمع منه في المقدمة الثانية فسماعه ضعيف، منهم وهيب وإسماعيل بن علية.

- ومنهم من قال: إن حدث عطاء عن رجل واحد فحديثه جيد، وإن حدث عن جماعة فحديثه ضعيف. وهو ضابط التمييز عند شعبة بالنسبة لروايات عطاء. - ومنهم من قال حديث شعبة وسفيان عنه صحيح لأنه قبل الاختلاط. كل هذا يدلنا على الجهد الذي بذله علماؤنا في تتبع هذا السبب من أسباب العلة، وبالرجوع إلى قسم التحقيق نطلع على مزيد في هذا، فجزى الله ابن رجب عنا خير الجزاء. السبب الرابع - خفة الضبط بالأسباب العارضة: ونقصد بالأسباب العارضة أمورا تعرض للمحدث، تؤثر في ضبطه، دون أن تؤثر في إدراكه، وبهذا نميز هذه الأمور العارضة عن الاختلاط، ولا أرى ضمها إلى الاختلاط كما فعل السخاوي في كتابه "فتح المغيث". وهذه العوارض تعتري المحدث الذي يعتمد على كتابه في الرواية، فإذا ضاع الكتاب أو احترق، أو أضر الراوي، أو لم يصطحب كتابه معه إذا رحل، في كل هذه الحالات يختل ضبط الراوي، ويكون سبب خفة الضبط هذا العارض الذي اعترض المحدث. وقد تعرض ابن رجب - C - لهذه الأسباب من العوارض في أكثر من مكان من كتابه الذي نحن بصدده، فأطال في ذكر من حدث في مكان لم تكن معه كتبه فخلط، وحدث في مكان آخر من كتبه فضبط، وكان هذا هو الضرب الأول من النوع الثاني الذي هو من ضعف حديثه في بعض الأماكن دون بعض، كما تعرض ابن رجب للمحدث الذي كان كل اعتماده على كتبه

فأضر فخف ضبطه لذلك، ونجد هذا في آخر كلام ابن رجب عن المختلطين تحت عنوان: "من يلتحق بالمختلطين ممن أضر في آخر عمره". وقبل الكلام عن هذه العوارض نرى ضرورة التنبيه إلى أن من لا يحفظ إذا روى من كتابه فروايته جائزة، إذا كان صادقا ضابطا للكتاب، وهذا معروف في شرط الحديث الصحيح، وهو أن يكون راويه ضابطا لما في صدره أو لما في كتابه وقد تعرض ابن رجب لهذا أثناء كلامه عن الرواية عن الضرير والأمي إذا لم يحفظا، وهما بمنزلة من ليس له كتاب في هذه الحالة. ونقل ابن رجب قول أحمد فيهما وخلاصته أنه لا يجوز أن يحدثا إلا بما سمعا. وقد ذكر الخطيب البغدادي في كفايته كلاما أسنده إلى مروان بن محمد، قال: "لا غنى لصاحب الحديث عن ثلاث: صدق وحفظ، وصحة كتاب، فإن كانت فيه ثنتان وأخطأته واحدة لم يضره: إن كان صدق، وصحة كتب ولم يحفظ ورجع إلى كتب صحيحة"، وروى الخطيب كذلك، بسنده إلى يحيى بن معين قوله: "ينبغي للمحدث أن يتزر بالصدق، ويرتدي بالكتب". ودفعا لما قد يدخل على الكتاب من زيادة أو نقص فقد وضع المحدثون مبادىء لا بد من التزامها أثناء الكتاب وقد طول الخطيب في الكلام على هذه المبادىء في كتابه"الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع" ولكن ضبط الكتاب لا يغني، وبالتالي يقع المحذور، في حالة بعد الكتاب أو فقده وفقد آلة النظر في الكتاب. ومن هنا دخلت العلة في أحاديث بعض الثقات فكان لا بد من دخول الناقد، رجل العلل، في دائرة أحاديث هؤلاء الثقات لتمييز سقيمها معلولها من صحيحها ومستقيمها.

وممن خف ضبطه لبعده عن كتبه معمر بن راشد، وهذا الرجل عده علي بن المديني ممن دار الإسناد عليهم، وثناء العلماء عليه عظيم، ولكن ذلك لم يمنع من أن يقال فيه: إذا حدثك معمر عن العراقيين فخفه، إلا عن الزهري وابن طاوس فإن حديثه عنهما مستقيم، فأما أهل الكوفة وأهل البصرة فلا. ونقل ابن رجب عن الإمام أحمد قوله: حديث عبد الرزاق عن معمر أحب إلي من حديث هؤلاء البصريين، كان يتعاهد كتبه وينظر فيها، يعني في اليمن، وكان يحدثهم بخطأ بالبصرة، كما ذكر ابن رجب مثالا من الأحاديث المعلولة التي تكشف عن أمر معمر بالعراق، وذلك أن معمرا روى حديثا وهو: "أن النبي A كوى أسعد بن زرارة من الشوكة". رواه باليمن عن الزهري، عن أبي أمامة بن سهل مرسلا، ورواه بالبصرة عن الزهري عن أنس، والصواب المرسل. وأما عبد الله بن لهيعة، قاضي مصر، فهو ممن أجمع العلماء على خفة ضبطه قبل موته بسنين، والأكثر على أن هذا راجع إلى احتراق كتبه، روى العقيلي من طريق البخاري عن أبي بكير، قال: احترقت كتب ابن لهيعة سنة سبعين ومائة، وقال ابن خراش كان يكتب حديثه، احترقت كتبه، فكان من جاء بشيء قرأه عليه حتى لو وضع أحد حديثا وجاء به إليه قرأه ليه، قال الخطيب فمن ثم كثرت المناكير في روايته لتساهله، وقال يحيى بن حسان: رأيت مع قوم جزءا سمعوه من ابن لهيعة فنظرت فإذا ليس هو من حديثه، فجئت إليه، فقال: ما أصنع؟ يجيئون بكتاب فيقولون: هذا من حديثك، فأحدثهم.

وقد فصل ابن رجب في الكلام عن ابن لهيعة، وذكر أقوال العلماء في تضعيفه من قبل حفظه، وساق بعض أحاديث رواها فوهم فيها. قال ابن حجر في تهذيب التهذيب: ومن أشنع ما رواه ابن لهيعة ما أخرجه الحاكم في المستدرك من طريقه. عن أبي الأسود عن عروة عن عائشة، قال: "مات رسول الله A من ذات الجنب" وهذا مما يقطع ببطلانه لما ثبت في الصحيح أنه قال لما لدوه: "لما فعلتم هذا"؟ قالوا: خشينا أن يكون بك ذات الجنب، فقال: "ما كان الله ليسلطها علي". وإسناد الحاكم إلى ابن لهيعة صحيح، والآفة فيه من ابن لهيعة. ومن الحفاظ من خف ضبطه، لضياع كتبه فدخلت الأوهام على حديثه، فمنهم علي بن مسهر القرشي الكوفي قاضي الموصل، ولي قضاءها للمهدي (سنة 166هـ) ، وكان ثقة صالح الكتاب قبل ذهاب كتبه. نقل ابن رجب عن الإمام أحمد - من رواية الأثرم - أنه أنكر حديثا، فقيل له: رواه علي بن مسهر، فقال: إن علي بن مسهر كانت كتبه قد ذهبت فكتب بعد، فإن كان روى هذا غيره، وإلا فليس بشيء يعتمد. ومن أسباب خفة الضبط - وبالتالي دخول الوهم والعلل - الانشغال عن العلم حفظا وكتابة وضبطا، وقد ذكر هذا السبب في علل من تولوا القضاء كشريك بن عبد الله النخعي وحفص بن غياث. فإما شريك فقد ولي قضاء واسط (سنة 155هـ) (وقال عنه العجلي: - بعد ما ذكر أنه ثقة - وكان صحيح القضاء، ومن سمع منه قديما فحديثه صحيح، ومن سمع منه بعدما ولي القضاء ففي سماعه بعض الاختلاط، وقال صالح جزرة: صدوق، لما ولي القضاء

اضطرب حفظه) . ونقل ابن رجب قولا لأحمد - من رواية الأثرم - ذكر فيه سماع أبي نعيم من شريك، فقال: سماع قديم، وجعل يصححه، وقال أحمد في رواية ابنه عبد الله: قال لي حجاج بن محمد: كتبت عن شريك نحوا من خمسين حديثا عن سالم قبل القضاء. وقد سبق أن مثلت لأحاديث أعلها النقاد من وراية شريك، وكان معرض ذكرها خفة الضبط كسبب عام ويشمل روايات المحدث كلها، وأما ما نحن فيه فهو الكلام عن حالة خاصة تعتري المحدث. وحديث شريك قبل القضاء الغالب عليه القبول، وأما بعد القضاء فالغالب عليه الرد ومن ذلك ما رواه ابن أبي حاتم في علله قال: (سألت أبي عن حديث رواه شريك عن عاصم الأحول، عن الشعبي عن ابن عباس: "أن النبي A احتجم وهو صائم محرم". فقال: هذا خطأ أخطأ فيه شريك، وروى جماعة هذا الحديث، ولم يذكروا صائما محرما، إنما قالوا: احتجم وأعطى الحجام أجره فحدث شريك هذا الحديث من حفظه بأخرة، وكان قد ساء حفظه فغلط فيه) . وأما حفص بن غياث النخعي، أبو عمر الكوفي، فقد ولي القضاء في الكوفة وبغداد، وللعلماء كلام كثير في الثناء عليه وتوثيقه، ولكنه "لما ولي القضاء جفا كتبه"، قال عنه أبو زرعة: ساء حفظه بعدما استقضي. ومما أنكر على حفص حديثه، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر "كنا نأكل ونحن نمشي". قال ابن معين: تفرد وما أظنه إلا وهم فيه، وقال أحمد: ما أدري ماذا، كالمنكر له، وقال أبو زرعة: رواه حفص وحده.

ومن الثقات من فقد بصره، وكان يعتمد على كتبه، فخف ضبطه ووهم فيما حدث به بعد ذلك، وهؤلاء كثيرون، منهم عبد الرزاق بن همام، فبالرغم من أنه أحد الأئمة المشهورين، وإليه كانت الرحلة في زمانه في الحديث، حتى قيل أنه لم يرحل إلى أحد بعد رسول الله A ما رحل إلى عبد الرزاق، هذا ما قاله ابن رجب معبرا عن توثيق العلماء لهذا العلم، بالرغم من كل هذا إلا أن حديثه ضعيف بعد فقد بصره، وهذا ما قرره الإمام أحمد بقوله: عبد الرزاق لا يعبأ بحديث من سمع منه وقد ذهب بصره، كان يلقن أحاديث باطلة وقد حدث عن الزهري بأحاديث كتبناها من أصل كتابه جاء بخلافها. وعلى هذا فآفة عبد الرزاق انه كان يتلقن ولم يوفق بمحدث واحد ثقة يلقنه. روى الخطيب بإسناده عن إسحاق بن أبي إسرائيل قال: كان أصحاب الحديث يلقنون عبد الرزاق من كتبهم فيختلفون في الشيء فيقول لي: كيف في كتابك؟ فإذا أخبرته صار إليه لما يعرف أنني كنت أتعب في تصحيحها. وهذه القصة وما قبلها فيهما دلالة واضحة على أن عبد الرزاق ابتلي بمن يلقنه الباطل أو الضعيف من الحديث، وعليه يحمل تكذيب من كذبه، وما روى من الفضائل عنه حتى اتهم بالتشيع. ومما أدخل على عبد الرزاق ما رواه ابن أبي حاتم في علله، قال: "سألت أبي عن حديث رواه أبو عقيل بن حاجب، عن عبد الرزاق، عن سعيد بن قماذين، عن عثمان بن أبي سليمان عن سعيد بن محمد بن جبير بن مطعم، عن عبد الله بن حبشي، قال: سمعت رسول الله A يقول: "لا تطرقوا الطير في أوكارها فإن الليل أمان لها".

قال أبي: يقال إن هذا الحديث مما ادخل على عبد الرزاق، وهو حديث موضوع". وقد ذكر ابن رجب ضابطا لرواية الضرير والأمي فقال: وهذا يرجع إلى أصل وهو أن الضرير والأمي إذا لم يحفظا الحديث فإنه لا تجوز الرواية عنهما، ولا تلقينهما، ولا القراءة عليها من كتاب، وقد نص على ذلك أحمد - في رواية عبد الله - في الضرير والأمي لا يجوز أن يحدثا إلا بما حفظا، وقال: كان أبو معاوية الضرير إذا حدثنا بالشيء الذي نرى أنه لا يحفظه، يقول: في كتابي كذا وكذا. ولقد أخذ على يزيد بن هارون أنه لما أضر كانت جاريته تحفظه من كتاب فيتلقن. قال ابن رجب: "وحاصل الأمر أن الناس ثلاثة أقسام: حافظ متقن، يحدث من حفظه فهذا لا كلام فيه، وحافظ نسي فلقن حتى ذكر أو تذكر حديثه من كتاب فرجع إليه حفظه، الذي كان نسيه، وهذا أيضا حكمه حكم الحافظ، ومن لا يحفظ وإنما يعتمد على مجرد التلقين فهذا الذي منع أحمد ويحيى من الأخذ عنه. السبب الخامس - قصر الصحبة للشيخ، وقلة الممارسة لحديثه: أعطى المحدثون طول ملازمة الشيخ وممارسة حديثه أهمية كبيرة فرجحوا - من أجل ذلك - أسانيد كثيرة على أخرى، وأعانتهم معرفتهم بالصحبة والممارسة على تمييز كثير من الأوهام والعلل. 114 - واهتمام النقاد بهذا الأمر جعلهم يتابعون الرواة عن شيخ ما فيقسمونهم فئات بين الأطول صحبة والأقصر، والأقل ممارسة والأكثر، وممن اعتنى اعتناء فائقا باختيار أكثر رجاله من بين الأوثق والأطول صحبة، الإمام محمد بن إسماعيل البخاري، في كتابه الصحيح، وفي هذا يقول الإمام ابن رجب - في شرحه لعلل الترمذي - وأما البخاري فشرطه أشد من ذلك، وهو أنه لا يخرج إلا للثقة الضابط، ولمن ندر وهمه ... ونذكر لذلك مثالا، وهو أن أصحاب الزهري خمس طبقات. الطبقة الأولى: جمعت الحفظ والإتقان وطول الصحبة للزهري، والعلم بحديثه والضبط له، كمالك، وابن عيينة، وعبيد الله بن عمر، ومعمر، ويونس، وعقيل وشعيب وغيرهم، وهؤلاء متفق على تخريج حديثهم عن الزهري. الطبقة الثانية: أهل حفظ وإتقان ولكن لم تطل صحبتهم للزهري، وإنما صحبوه مدة يسيرة، ولم يمارسوا حديثه، وهم في إتقانه دون الأولى، كالأوزاعي والليث، وهؤلاء يخرج لهم مسلم عن الزهري. الطبقة الثالثة: لازموا الزهري وصحبوه ولكن تكلم في حفظهم، كسفيان بن حسين ومحمد بن إسحاق. الطبقة الرابعة: قوم رووا عن الزهري من غير ملازمة، ولا طول صحبة، ومع ذلك تكلم فيهم مثل إسحاق بن أبي فروة، وهؤلاء قد يخرج الترمذي لبعضهم. الطبقة الخامسة: قوم من المتروكين والمجهولين، كالحكم الأيلي وعبد القدوس بن حبيب. ورجال البخاري - كما دل عليه الاستقراء - هم في معظمهم من الطبقة الأولى، طبقات الثقات ذات الصحبة والممارسة. وهكذا نرى أن درجة الثقة وحدها لا تكفي لقبول الحديث، بل لا بد من

معرفة سياق السند ومعرفة ممارسة كل رجل من رجاله لحديث شيخه، ومعرفة هذه الممارسة تجعل نظرة المحدث تختلف - عما قبل المعرفة - وهو يرى حديث الأوزاعي عن الزهري، وحديث معمر عن الزهري، فمما لا شك فيه أن الأوزاعي أكبر وأجل، ولكن إسناد معمر أصح وأدق. إذ أن معمر عن الزهري من الطبقة الأولى، والأوزاعي عن الزهري من الطبقة الثانية لقصر صحبته وقلة ممارسته. ومن أجل هذه الممارسة كان بعض المحدثين لا يرضى أن يسمع الحديث من الشيخ مرة واحدة. قال حماد بن زيد: ما أبالي من خالفني إذا وافقني شعبة، لأن شعبة كان لا يرضى أن يسمع الحديث مرة واحدة، يعاود صاحبه مرارا. وتظهر هذه الممارسة في عبارات القوم وهم يقولون: ليس هذا الحديث من حديث فلان أو يقولون: هذا الحديث أشبه بفلان، إلى غير ذلك من العبارات التي تدل على خبرة واسعة بعلاقة الرواة، بعضهم ببعض. والجدير بالذكر أن هذه الممارسة قد ترفع الراوي من رتبة الصدوق إلى رتبة الثقة، أو إلى رتبة أوثق الناس في هذا الشيخ، ومثاله حماد بن سلمة، فق اتفق النقاد أنه أوثق الناس في ثابت، بالرغم من أن حمادا بشكل عام كثير الوهم والخطأ. قال أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم في علله: "وسئل أبو زرعة عن حديث رواه القعنبي عن سليمان بن المغيرة، عن ثابت، عن أبي موسى عن النبي A: "إذا سقطت لقمة أحدكم فليمط عنها، ثم ليأكلها ولا يدعها للشيطان" ورواه حماد بن سلمة عن ثابت، عن أنس عن النبي A فقال أبو زرعة حماد أحفظ".

وقال أبو حاتم في علة حديث ذكره: المسعودي أفهم بحديث عون وأشبه. وقال أبو زرعة: محمد بن يزيد عن أشبه لأنه أفهم لحديث أبيه. وهذا كله في مجال تقديم إسناد على آخر إذ يتقدم الأفهم والأكثر ممارسة على غيره. السبب السادس - اختصار الحديث أو روايته بالمعنى: رأى الجمهور على أن الرواية بالمعنى جائزة وقد دلل ابن رجب على جوازها بأقوال بعض الصحابة والتابعين، وعلماء الحديث المتقدمين، وبأن الله يقص قصص القرون السالفة بغير لغاتها، وقد قيد العلماء هذا الجواز فاشترطوا فيمن يروي الحديث بالمعنى أن يكون عارفا بمواقع الألفاظ، بصيرا بدلالاتها، حتى لا يحيل الحلال حراما، أو يضع الدليل في غير مكانه. وفي شرح علل الترمذي تفصيل لهذا الموضوع، وعرض لأقوال العلماء فيه وأن الرواية بالمعنى، إن لم يلتزم راويها بشرطها الذي يضمن عدم الإحالة، فإن هذه الرواية تكون سببا في دخول العلة على الحديث. وقد مثل ابن رجب لروايات بالمعنى أحال الرواة معناها، لاضطراب في المقدرة اللغوية، وعدم معرفتهم بلغة العرب، أو عدم إدراك المراد من الحديث وسببه الذي قيل فيه. وفي هذا يقول ابن رجب: "وقد روى كثير من الناس الحديث بمعنى فهموه منه، فغيروا المعنى: مثل ما اختصر بعضهم من حديث عائشة في حيضها في الحج، أن النبي A قال لها وكانت حائضا: "انقضي رأسك وامتشطي" وأدخله في باب غسل الحيض، وقد أنكر أحمد ذلك على من

فعله، لأن يخل بالمعنى، فإن هذا لم تؤمر به في الغسل من الحيض عند انقطاعه، بل في غسل الحائض إذا أرادت الإحرام. وروى بعضهم حديث "إذا قرأ" يعني الإمام "فأنصتوا" بما فهمه من المعنى، فقال: إذا قرأ الإمام " (ولا الضالين) فأنصتوا، فحمله على فراغه من القراءة، لا على شروعه فيها. وروى بعضهم حديث: كنا نؤديه على عهد رسول الله A يريد زكاة الفطر، فصحف نؤديه، فقال نورثه، ثم فسره من عنده فقال الجد. كل هذا تصرف سيئ لا يجوز مثله". وقد يدخل هذا الوهم على كبار الثقات رغم يقظتهم، وذلك إما لانشغالهم أثناء التحديث، وإما لحضورهم بعض الحديث دون بعضه الآخر، ومثال ذلك: ما رواه أبو داود في سننه "عن زيد بن ثابت قوله في كراء المزارع: يغفر الله لرافع بن خديج، أنا - الله - أعلم بالحديث منه، إنما أتاه رجلان، - قال مسدد: من الأنصار اتفقا، ثم اقتتلا، فقال رسول الله A: "إن كان هذا شأنكم فلا تكروا المزارع" زاد مسدد: فسمع قوله: لا تكروا المزارع"، فروى رافع ما سمعه من الحديث، علما بأن المنع مقيد بما إذا اقتتلوا فأخطأ في روايته. ونقل مثل هذا عن عائشة - Bها - في إنكارها على ابن عمر روايته "إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه". فقالت: يغفر الله لأبي عبد الرحمن، أما إنه لم يكذب ولكنه نسي

أو أخطأ، إن رسول الله A مر على يهودية يبكى عليها، فقال: "إنهم يبكون، وإنها تعذب في قبرها". وقد ذكر الحاكم هذا الحديث وقول عائشة - Bها - في ردها على ابن عمر في موضوع معرفة الناسخ والمنسوخ وهو النوع الحادي والعشرون من كتابه. وأرى أن ذكر هذا الحديث ليس مناسبا في هذا النوع، وإنما هو إلى الرواية بالمعنى أقرب منه إلى النسخ، علما بأن ابن قتيبة في كتابه مختلف الحديث رد قول القائلين بوهم ابن عمر - Bهما - مؤيدا قوله بروايات عدد من الصحابة لهذا الحديث. السبب السابع - تدليس الثقات: وقد يكون سبب العلة تدليسا أدركه النقاد فكشفوا فيه عن انقطاع في الإسناد أو رواية عن ضعيف غير اسمه أو كنيته. وغالبا ما تكون العلة في حديث الأعمش أو هشيم بن بشير أو إسحاق بن أبي فروة أو ابن جريح ناشئة عن التدليس. والتدليس إما أن يكون تدليسا للإسناد، وهو أن يروي عمن لقيه ولم يسمع منه أو عمن عاصره ولم يلقه، أو عمن سمع منه شيئا ولم يسمع موضوع الرواية وفي كل هذا يوهم أنه سمع. وتدليس الشيوخ: هو أن يسمي شيخه أو يكنيه أو ينسبه أو يصفه بما لا يعرف وقد أفرد ابن رجب الكلام عن التدليس بمبحث ذكر فيه أقوال العلماء، وشروطهم لقبول رواية المدلس. السبب الثامن - الرواية عن المجروحين والضعفاء: وقد تضمنت كتب العلل أحاديث ذكر أن علتها جرح الراوي، فكان هذا

الجرح سببا في العلة، وقد سبق وأن اشترطنا لدخول هذا الفرع في العلل أن يكون من الخفاء بحيث يغيب عن بعض الثقات الأعلام، كأن يروي مالك عن عبد الكريم أبي أمية والشافعي عن إبراهيم بن أبي يحيى. والأمثلة على هذا السبب من أسباب الجرح كثيرة سنذكر بعضها في هذه الدراسة، وينبغي التنبيه إلى أن الأغلب في العلل أوهام الثقات، حتى الرواية عن المجروحين كثيرا ما ترتبط بالثقة الذي روى الحديث. *** وفي جعل الجرح سببا من أسباب العلة يقول ابن الصلاح: "ثم اعلم أنه قد يطلق اسم العلة على غير ما ذكرناه من باقي الأسباب القادحة في الحديث، المخرجة له من حال الصحة إلى حال الضعف، المانعة من العمل به، على ما هو مقتضى لفظ العلة في الأصل، ولذلك نجد في كتب علل الحديث الكثير من الجرح بالكذب والغفلة وسوء الحفظ، ونحو ذلك من أنواع الجرح"

المبحث الثاني معرفة العلل والكشف عنها من خلال كتاب ابن رجب

المبحث الثاني معرفة العلل والكشف عنها من خلال كتاب ابن رجب وفيه مطلبان: المطلب الأول: معرفة العلة. المطلب الثاني: وسائل الكشف عن العلة. *** المطلب الأول معرفة العلة ذكر ابن رجب في شرح علل الترمذي أن مجال العلة - في الأغلب والأكثر - حديث الثقات، وذلك لأن رواية الثقة للحديث تكسبه في الأصل صفة الصحة الظاهرة، والسلامة التي تجعله مقبولا محتجا به، ولكن ليس عجيبا أن يفاجئنا رجل العلل بما لديه من الوسائل العلمية والمعرفة الحديثية بكشف ما يقدح في هذه السلامة الظاهرة، وإذا بالحديث بعد الصحة معلولا، وبعد القبول والاحتجاج به شاذا لا يستند عليه ولا يحتج به. وإذا كان الأمر كذلك، فهل لنا أن نتعرف على وسائل النقاد وجوانب معرفتهم الحديثية التي مكنتهم من ارتياد هذا المجال؟ وقبل الشروع في الكلام عن وسائل الناقد رجل العلل في كشف العلة وتبينها، لا بد من عقد مناقشة لما شاع على ألسنة كبار النقاد أثناء وصفهم لهذا العلم بأنه أقرب إلى الكهانة والعرافة لغموض أسبابه وخفاء طرائقه، وكأنه معرفة

نفسية أو وجدانية أكثر منه معرفة عقلية علمية، وفي هذا يقول إمام من أئمة هذا الفن، وهو عبد الرحمن بن مهدي: "معرفة الحديث الهام، فلو قلت للعالم بعلل الحديث: من أين قلت هذا؟ لم يكن له حجة". ونقل عن أبي حاتم ما يشبه هذا، قال عبد الرحمن بن أبي حاتم: سمعت أبي - C - يقول: جاءني رجل من جلة أصحاب الرأي من أهل الفهم منهم، ومعه دفتر، فعرضه علي، فقلت في بعضها هذا حديث خطأ، قد دخل لصاحبه حديث في حديث، وقلت في بعضه: هذا حديث منكر، وقلت في بعضه: هذا حديث كذب، وسائر ذلك أحاديث صحاح، فقال لي: من أين علمت أن هذا خطأ، وهذا باطل، وأن هذا كذب؟ أخبرك راوي هذا الكتاب بأني غلطت وأني كذبت في هذا حديث كذا؟ فقلت: لا، ما أدري هذا الجزء من رواية من هو؟ غير أني أعلم أن هذا خطأ، وأن هذا الحديث باطل، وأن هذا الحديث كذب، فقال: تدعى الغيب؟ قال: قلت: ما هذا ادعاء الغيب، قال: فما الدليل على ما تقول؟ قلت: سل عما قلت من يحسن مثل ما أحسن، فإن اتفقنا علمت أنا لم نجازف ولم نقله إلا بفهم. قال: من هو الذي يحسن مثل ما تحسن؟ قلت: أبو زرعة، قال: ويقول أبو زرعة مثل ما قلت؟ قلت: نعم، قال: هذا عجب، فأخذ فكتب في كاغذ ألفاظي في تلك الأحاديث، ثم رجع إلي وقد كتب ألفاظ ما تكلم به أبو زرعة في تلك الأحاديث، فما قلت: إنه باطل، قال أبو زرعة: إنه كذب، قلت: والكذب والباطل واحد، وما قلت إنه كذب، قال أبو زرعة باطل، وما قلت: إنه منكر، قال: هو منكر، وما قلت: إنه صحاح، قال أبو زرعة: هو صحاح، فقال: ما أعجب هذا، تتفقان في غير مواطأة فيما بينكما، فقلت: إنا لم نجازف وإنما قلنا بعلم ومعرفة قد أوتينا. والدليل على صحة ما نقوله: بأن دينارا نبهرجا يحمل إلى الناقد فيقول: هذا دينار نبهرج، ويقول لدينار: هذا جيد فإن قيل له: من أين قلت: إن هذا نبهرج؟ هل كنت حاضرا حين بهرج هذا الدينار؟ قال:

لا، فإن قيل له: فأخبرك الرجل الذي بهرجه: إني بهرجت هذا الدينار؟ قال: لا، قيل: فمن أين قلت: إن هذا نبهرج؟ قال: علما رزقت. كذلك نحن رزقنا معرفة ذلك". وقد فهم السخاوي من كلام العلماء حول التعليل أنه أمر يهجم على القلب أو هيئة نفسانية لا تدفع، فهو يقول: "والتعليل أمر يهجم على قلوب هؤلاء لا يمكنهم رده وهيئة نفسانية لا معدل لهم عنها، ولهذا ترى الجامع بين الفقه والحديث، كابن خزيمة والإسماعيلي والبيهقي وابن عبد البر لا ينكر عليهم، بل يشاركهم ويحذو حذوهم، وربما يطالبهم الفقيه والأصولي العاري عن الحديث بالأدلة". وأرى أن كلام السخاوي هذا - في جعل معرفة العلة هيئة نفسانية وخواطر وجدانية - لا يستفاد من مجموع كلام النقاد، ولا يشهد له هذا العلم، بل يشهد عليه، وهو مرفوض بمنطق مئات الأمثلة والشواهد التي احتوتها هذه الرسالة. ولابن رجب في شرح العلل عبارة تنقض قوله: قال: "وقد قال أبو عبد الله بن منذة الحافظ: إنما خص الله بمعرفة هذه الأخبار نفر يسيرا من كثير ممن يدعي علم الحديث، فإما سائر من يدعي كثرة كتابه الحديث، أو متفقهه في علم الشافعي وأبي حنيفة، أو متبع لكلام الحارث المحاسبي، والجنيد، وذي النون، وأهل الخواطر فليس لهم أن يتكلموا في شيء من علم الحديث إلا من أخذه عن أهله، وأهل المعرفة به، فحينئذ يتكلم بمعرفته". أما كلام النقاد - كابن مهدي وأبي زرعة - فإنه يحمل على أن من يجهل هذا العلم لا يمكنه الإحاطة بطرائقه ومعارفه وعناصره، وعرض الدليل

والبرهان يلزم منه وجود من يدركهما لأنهما ثمرة هذه المعارف المتنوعة الشاملة وغير ذوي الاختصاص يكفيهم الحكم المتضمن صحة أو ضعفا أو بطلانا. فإن حرصوا على المزيد فعليهم أن يسلكوا مسلك النقاد في إعداد الرصيد الكافي، فهذا أبو زرعة يقول: "نظرت في نحو من ثمانين ألف حديث من حديث ابن وهب بمصر ما أعلم أني رأيت له حديثا لا أصل له. وعلى القارئ أن يقدر الرصيد الذي يحتفظ به أبو زرعة خلف هذه الكلمات، فقد حفظ لرجل واحد هذا العدد ثم عرض هذا العدد على الأصول، ثم أصدر حكمه بقوله: "ما أعلم أني رأيت له حديثا لا أصل له". ومن لا يحيط بهذا العلم قد يشك في الخبر، فإذا ثبتت له صحته فإنه يقول متى حفظها؟ وكيف عرفها؟ وعلام عرضها؟ وهل عرض كل حديث عند ابن وهب على مئات مثل هذا الحديث عند غيره؟ وأسئلة غير هذه تلح على معرفة الدليل والحجة، ولكن ذلك بعيد المنال على من لا يعرف هذا الفن. هذا الذي يحمل عليه كلام النقاد عندما يمتنعون عن الاحتجاج لقولهم ويظهر هذا جليا في قول أبي حاتم في بداية قصته التي أوردتها وفيها: "جاءني رجل من أهل الرأي" واهتمامات رجل الرأي غيرها عند رجل العلل الناقد، فإذا كان رجل الرأي لا يدرك الحجة في العلة، فإنه لا يعني خلوها من الحجة والدليل: ولقد عبر ابن مهدي عن هذا المعنى تعبيرا دقيقا عندما قال: "إنكارنا الحديث عند الجهال كهانة" وهو ما أبرزه ابن كثير أثناء تعريفه للعلل بقوله: وهو فن خفي على كثير من علماء الحديث، حتى قال بعض حفاظهم: معرفتنا بهذا كهانة عند الجاهل".

وعلى هذا يمكن تخريج كلام النقاد، إذ أن كل علم هو كالعرافة والسحر بالنسبة لمن يجهله، وكلام أبي حاتم وهو يشبه معرفة الناقد للعلة بمعرفة الصائغ للدرهم الزائف من الجيد إنما يعني به أن الحديث صناعة وفن كالصياغة التي هي صناعة وفن، ولكل منها مبادئه وطرائقه وقوانينه.. وإلى جانب ما سبق، أقول: إن كتب العلل في أكثر ما أسئلة وأجوبة، وهذه الأجوبة في معظمها يحمل الحجة والدليل، ولا غرابة في هذا إذا عرفنا أن السائل هو من أهل هذا الفن والمختصين به، فالترمذي يسأل البخاري، وعبد الله بن أحمد يسأل أباه وابن أبي حاتم يسأل أباه وأبا زرعة، والبرذعي يسأل أبا زرعة، والبرقاني والسهمي يسألان الدارقطني، وهكذا. وفي مباحث أنواع العلل وأسبابها أمثلة كثيرة فيها بيان كاف للعلة ونوعها وسببها والدليل عليها. وبعد كل هذا فإننا نخرج بنتيجة هي أن الناس أمام هذا العلم عالم خبير به، أو جاهل منكر له. وأكبر دليل على منهجية هذا العلم وحدة منطقه، الذي يظهر باتفاق النقاد عليه، كما رأينا في إحالة أبي حاتم على أبي زرعة، ثم تشابه قوليهما في كل مسألة، فعلم العلل علم قائم على أصول وطرائق متداولة بين أصحابه، وقد ترتقي هذه الأصول والطرائق بلغتها حتى لا يعود من السهل كشف غموضها عن غير أهلها. ويضاف إلى كل ما سبق، أن منهج علماء الحديث هو جزء من المنهج الإسلامي العام القائم على (قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين) والمنهج الإسلامي هو أول منهج أخرج الإنسان من سلطان الطلاسم والفيوض الوجدانية، وحرره من تحكم الأهواء والأوهام والخواطر. وإن كنت قد أطلت في مناقشة هذه القضية، فلخطورتها وأهميتها حتى إنها تقف أمام كل باحث في العلل لتشعره باستحالة البحث والوصول إلى نتائج جديدة.

وأما كلام العلماء عن مبادئ هذا العلم وظهور حجته عند أهله فكثير، يقول الحاكم أبو عبد الله: "والحجة فيه عندنا الحفظ والفهم والمعرفة لا غير". فالعلة عند الحاكم لا تدعى إلا بالحجة، ولكنها حجة الحافظ الفهم العارف يدركها الحافظ الفهم العارف، ولاحظ قوله: "عندنا" وكأنها تختلف في نظر غيره، ولاحظ قوله: "لا غير". وقال في موضع آخر من كتابه: "وليس لهذا العلم عون أكثر من مذاكرة أهل الفهم والمعرفة، ليظهر ما يخفى من علة الحديث". وفي هذه العبارة يؤكد الحاكم دور الفهم والمعرفة لما فيهما من المعاني الزائدة على العلم، قال تعالى: (ففهمناها سليمان) . وابن رجب يؤكد في كتابه أن هذا العلم معرفة وممارسة، ومذاكرة، فيقول: "والوجه الثاني في معرفة مراتب الثقات وترجيح بعضهم على بعض عند الاختلاف إما في الإسناد، وإما في الوصل والإرسال، وإما في الوقف والرفع، ونحو ذلك، وهذا الذي يحصل من معرفته، وإتقانه، وكثرة ممارسته الوقوف على دقائق علم العلل، ونحن نذكر - إن شاء الله تعالى - من هذا العلم كلمات جامعة مختصرة يسهل بها معرفته وفهمه، لمن أراد الله - تعالى - به ذلك، ولا بد في هذا العلم من طول الممارسة، وكثرة المذاكرة، فإذا عدم المذاكر به، فليكثر طالبه المطالعة في كلام الأئمة العارفين كيحيى القطان، ومن تلقى عنه كأحمد وابن المديني، فمن رزق مطالعة ذلك وفهمه وفقهت نفسه فيه وصارت له فيه قوة نفس وملكة، صلح له أن يتكلم فيه". ومن كل هذا نستفيد أن الكشف عن العلة يحتاج إلى علم غزير بالأسانيد والطرق وأساليب التعبير، كما يحتاج إلى مزيد فهم ومعرفة وحدة ذكاء وسرعة

المطلب الثاني وسائل الكشف عن العلة

بديهة، وإن شئت فقل هو فن القلة من الناس، وحتى هؤلاء القلة فإنهم متفاوتون في القدرة عليه. يقول ابن كثير في اختصار علوم الحديث: وإنما يهتدي إلى تحقيق هذا الفن الجهابذة، النقاد، يميزون بين صحيح الحديث وسقيمه، ومعوجه ومستقيمه، فمنهم من يظن، ومنهم من يقف، بحسب مراتب علومهم وحذقهم واطلاعهم على طرق الحديث، وذوقهم حلاوة عبارة الرسول A التي لا يشبهها غيرها من ألفاظ الناس، فمن الأحاديث المروية ما عليه أنوار النبوة. ومنها ما وقع فيه تغيير لفظ أو زيادة باطلة يدركها البصير من أهل هذه الصناعة". ويقول ابن الصلاح في هذا: "ويستعان على إدراكها بتفرد الراوي أو بمخالفته غيره له مع قرائن تنضم إلى ذلك، تنبه العارف بهذا الشأن". أما الخطيب البغدادي فإنه يقول: "السبيل إلى معرفة علة الحديث أن يجمع بين طرقه وينظر في اختلاف رواته، ويعتبر بمكانتهم من الحفظ ومنزلتهم من الإتقان". وإن نظرة سريعة يلقيها الباحث في كتب العلل تظهر له أي علم يحتاجه صاحب هذا الفن، وأية معرفة يفتقر إليها، حتى يصبح من أهل هذه الصنعة. إنه يحتاج ملكة علمية متعددة الجوانب، كثيرة العناصر، تمتاز بالشمول والتكامل. لأننا بعد التحقق نستطيع أن نقول: إن كل جزئية من جزيئات علوم الحديث داخلة في علم العلل، إما دخولا مباشرا، أو غير مباشر كخادم لأصول هذا العلم وضروراته. المطلب الثاني وسائل الكشف عن العلة دفعنا فيما سبق توهم إدراك العلة بالخواطر والتأملات الباطنية، وذكرنا كلام ابن رجب - C - في هذا، وأثبتنا أن كشف العلة لا يكون إلا بعلم ومعرفة وفهم، والدليل على كل علة لا بد من قيامه، وظهور لأهل هذا الفن. وأما موضوعنا هذا فمعقود للكلام عن جوانب من معرفة الناقد وعلمه حتى نتصور كيف تجري عملية الكشف عن العلة، وما هي طبيعة هذا الذهن الذي يتناول النصوص الحديثية بالتمحيص والنقد؟ إيضاحا لهذا نقول: إن كتب العل تحمل بين طياتها صورة كاملة شاملة لما ينبغي أن يكون عليه رجل هذا الفن، وأنه إن كان حصر جوانب هذه المعرفة لا يمكن في مبحث صغير فإن ذكر أهم هذه الجوانب يسير ومعقول، وفيما يلي بعض هذه الجوانب: 1 - معرفة المدارس الحديثية، ونشأتها، ورجالها، ومذاهبها العقدية والفقهية وأثرها وتأثيرها في غيرها، وما تميزت به عن غيرها، فقد نشأت للحديث مدارس في المدينة ومكة والكوفة والبصرة والشام ومصر واليمن. وبهذه المعرفة يعالج الباحث أسانيد كثيرة فيكشف عن علتها، فإذا كان الحديث كوفيا، احتمل التدليس، أو الرفض. إن كان بصريا احتمل النصب وتأثير الإرجاء والاعتزال في إسناده. فإذا روى المدنيون عن الكوفيين فإنها تختلف الاحتمالات عما إذا روى المدنيون عن البصريين. ولذلك نجد الحاكم يقول بعد ذكره علة حديث: والمدنيون إذا رووا عن الكوفيين زلقوا. أما حديث الشام عن المدارس الأخرى فأكثره ضعيف. وقد تكلم ابن رجب عن هذا عند كلامه على النوع الثاني من أنواع العلل، وهو من ضعف حديثه في بعض الأماكن دون بعض.

قال ابن رجب: "ومنهم عبيد الله بن عمر العمري، ذكر يعقوب بن شيبة أن في سماع أهل الكوفة منه شيئا. ومنهم الوليد بن مسلم الدمشقي صاحب الأوزاعي، ظاهر كلام الإمام أحمد أنه إذا حدث بغير دمشق ففي حديثه شيء، قال أبو داود: سمعت أبا عبد الله سئل عن حديث الأوزاعي، عن عطاء، عن أبي هريرة عن النبي A "عليكم بالباءة" قال: هذا من الوليد يخاف أن يكون ليس بمحفوظ عن الأوزاعي لأنه حدث به الوليد بحمص، ليس هو عند أهل دمشق. ومنهم المسعودي من سمع منه بالكوفة فسماعه صحيح، ومن سمع منه ببغداد فسماعه مختلط". وكذلك فقد ذكر ابن رجب طائفة من الثقات، حدثوا عن أهل إقليم فحفظوا حديثهم، وحدثوا عن غيرهم فلم يحفظوا: فمنهم إسماعيل بن عياش الحمصي أبو عتبة، إذا حدث عن الشاميين فحديثه عنهم جيد، وإذا حدث عن غيرهم فحديثه مضطرب. ومنهم معمر بن راشد كان يضعف حديثه عن أهل العراق خاصة وأمثلة هذا كثيرة عند ابن رجب، وهذا يلزم الباحث في العلل أن يعرف مدارس الحديث المختلفة ومن أضبط الناس فيها، ومن أكثر الناس خطأ فيها وهكذا. 2 - معرفة من دار عليهم الإسناد، وأوثق الناس فيهم، وتمييز أصح الأسانيد أضعفها وممن اهتم بهذا، وأرسى قواعده علي بن المديني، فنراه يقول: نظرت فإذا الإسناد يدور على ستة: فلأهل المدينة ابن شهاب، ولأهل

مكة عمرو بن دينار، ولأهل البصرة قتادة بن دعامة السدوسي، ويحيى بن أبي كثير، ولأهل الكوفة أبو إسحاق السبيعي، وسليمان بن مهران. ثم صار علم هؤلاء الستة إلى أصحاب الأصناف ممن صنف، فلأهل المدينة مالك بن أنس، ومحمد بن إسحاق، من أهل مكة عبد العزيز بن جريح، وسفيان بن عيينة. ثم انتهى علم هؤلاء الثلاثة من أهل البصرة وعلم الاثني عشر إلى سنة ... وهكذا يمضي علي بن المديني في تأصيل هذه الخبرة الإسنادية وتفريعها. ومع ذكر الراوي فإنه يذكر أصحابه، ويبين أوثقهم فيه وأكثرهم في الرواية عنه. وهذا جزء هام من علم العلل. وفيما يلي نص من علل أحمد - C - أوقفي على ارتباط هذا الجانب بعلم العلل، ودوره في الكشف عن العلة، يقول عبد الله بن الإمام أحمد: سألته عن مطرف بن طريف، فقال: ثقة مطرف، قلت له: أيما أثبت أصحاب الأعمش؟ فقال: سفيان الثوري أحبهم إلي، قلت له: ثم من؟ فقال: أبو معاوية في الكثرة والعلم - يعني عالما بالأعمش - قلت له: أيما أثبت أصحاب الزهري؟ فقال: لكل واحد منهم علة: إلا أن يونس وعقيلا يؤديان الألفاظ وشعيب بن أبي حمزة، وليسوا مثل معمر، معمر يقاربهم في الإسناد، قلت: فمالك؟ قال: مالك أثبت في كل شيء، ولكن هؤلاء الكثرة، كم عند مالك!! ثلاثمائة حديث أو نحو ذا وابن عيينة نحو من ثلاثمائة حديث، ثم قال: هؤلاء الذي رووا عن الزهري الكثير، يونس وعقيل ومعمر، قلت له: شعيب؟ قال: شعيب قليل، هؤلاء أكثر حديثا عن الزهري، قلت: فصالح بن كيسان روايته عن الزهري؟ قال: صالح أكبر من الزهري، قد رأى صالح بن عمر. قلت فهؤلاء أصحاب الزهري، قلت: أثبتهم مالك؟ قال: نعم، مالك

أثبتهم، ولكن هؤلاء الذين بقروا علم الزهري يونس وعقيل ومعمر. قلت له: فبعد مالك من ترى؟ قال: ابن عيينة. انتهى. ومن خلال هذا النص نلاحظ أمرين لا بد من البحث عنهما ونحن نتناول الرواة عن الثقات، الأول: من أوثق الناس في هذا الشيخ؟ والثاني: من أكثرهم جمعا ورواية عنه؟ وهكذا الأمر في كل ثقة على حدة، ولنتصور حجم هذه المعرفة التي لا بد منها لرجل العلل. وعن طريق مثل هذه المعرفة يتكون عند الناقد منهج يستعين به في نقده. ولقد أخذ هذا النوع من الدراية الإسنادية مساحة كبيرة من شرح ابن رجب لعلل الترمذي. فذكر تراجم مطولة لمن دار عليهم الإسناد، ولم يكتف بما أوجزه الترمذي عنهم. فجاء كلامه مفصلا مليئا بالمعارف الحديثية، وعدد هذه التراجم اثنتان وعشرون ترجمة. وأما الأسانيد فقد أمد ابن رجب الباحث في العلل بمجموعة من المعارف الإسنادية وذلك عند كلامه عن مراتب الثقات وقول من يقدم في هؤلاء الثقات، وكان هذا هو القسم الأول من أقسام علم العلل عنده، وقد عنونه بما يلي: "القسم الأول في معرفة مراتب أعيان الثقات، الذين تدور غالب الأحاديث الصحيحة عليهم، وبيان مراتبهم في الحفظ، وذكر من يرجح قوله منهم عند الاختلاف". وبدأ ابن رجب بذكر أصحاب ابن عمر، وبعد كلام طويل كأنه مال إلى ترجيح قول نافع مولى ابن عمر على غيره عند الاختلاف، ثم ثنى بذكر أصحاب نافع، ثم أصحاب عبد الله بن دينار ... وهكذا، فإن ابن رجب يتابع الكلام في أعيان الثقات فيذكر أصحاب كل واحد منهم، ومن أوثق الناس فيه، وكأن كل واحد من هؤلاء مدرسة حديثية مستقلة.

ولم يكتف ابن رجب - C - بهذه الضروب من المعارف الإسنادية النادرة، بل عقد - C - فصلا هذا عنوانه: "ذكر الأسانيد التي لا يثبت منها شيء، أو لا يثبت منها إلا شيء يسير مع أنه قد روي بها أكثر من ذلك" وهاك أمثلة على هذه الأسانيد: قال ابن رجب: قتادة، عن الحسن، عن أنس، عن النبي A هذه السلسلة لا يثبت منها حديث أصلا من رواية الثقات. قتادة، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة عن النبي A قال البرديجي: هذه الأحاديث كلها معلولة. حميد الطويل، عن أنس، قال أبو داود الطيالسي: قال شعبة: إنما روى حميد عن أنس ما سمعه منه خمسة أحاديث. الزبير بن عدي، عن أنس، عن النبي A ليس له إلا حديث واحد". كل هذا يشكل جانبا لا بد لرجل العلل من معرفته، وعن طريق هذه المعرفة تتشكل صورة واحدة لخريطة الأسانيد وتظهر على هذه الصورة محطات كبرى. هذه المحطات هي من يدور عليهم الإسناد من العلماء في كل زمان ومكان، ولا بد له كذلك من معرفة قواعد التمييز بين هذه الأسانيد، فيعرف الصحيح، والضعيف، والمشهور والغريب، حتى يصل الأمر برجل العلل إلى أن يقول: فلان عن فلان خمسة أحاديث، وهكذا فإنه يذكر مع كل إسناد ما صح به من الحديث وما دخل عليه من الوهم والخطأ.

3 - معرفة الأبواب: ورجل العلل الحافظ العارف الفهم لم يصل إلى ما وصل إليه إلا بعد أن جمع الأحاديث في الأبواب. وأحاديثه كما سبق وأن قلت: إنها مرتبة على الأسانيد فهي أيضا مرتبة على الأبواب: باب الطهارة.. الصلاة.. الزكاة ... وهكذا، والعملية النقدية عنده هي عرض ما يسمعه على أبوابه وأصوله، وبعد هذا العرض يذكر نتيجة من النتائج الكثيرة عنده: معروف.. منكر.. مشهور.. غريب.. شاذ.. لا أصل له ... وفي معرفة الأبواب وحصرها اشتهر عدد من العلماء كالإمام أحمد والبخاري وأبي زرعة، وهذا أبو زرعة يقول لعبد الله بن الإمام أحمد: "ذاكرت أباك فوجدته يحفظ ألف ألف حديث، فقال عبد الله: كيف ذاكرته؟ قال أبو زرعة: ذاكرته على الأبواب". ومعنى هذا أنهما يذكران رؤوس الموضوعات، والعناوين التي تضم عددا من الأحاديث. ولا غرابة في هذه القدرة على جمع الأبواب وعرضها من إمام كأحمد - Bهـ - ولكن الغرابة أن يجمع هذا ويعرضه رجل الدولة مع مسؤولياته ومشاغله، فقد أورد الحاكم أبو عبد الله في كتابه معرفة علوم الحديث قصة دارت بين المأمون ورجل ادعى معرفة الحديث وجاء يطلب رفده فقال: يا أمير المؤمنين، صاحب حديث منقطع، فقال له المأمون: أيش تحفظ في باب كذا؟ فلم يذكر فيه شيئا، فما زال المأمون يقول: حدثنا هشيم وحدثنا حجاج بن محمد وحدثنا فلان حتى ذكر الباب، ثم سأله عن باب ثان، فلم يذكر فيه شيء فذكره المأمون". وروي عن علي بن المديني أنه قال: "الباب إذا لم تجمع طرقه لم يتبين خطؤه".

4 - معرفة المتشابه من الأسماء والكنى والألقاب: وكتب العلل مليئة بهذا النوع كمعرفة عامة أو تطبيقية تخدم موضوع العلة. ومثال ذلك: ما ذكره عبد الله بن أحمد - C - في العلل، قال: "حدثني أبي، قال: حدثنا هشيم، قال: زعم لي بعضهم، قال: كتب الحجاج أن يؤخذ إبراهيم بن يزيد إلى عامله فلما أتاه الكتاب قال: فكتب إليه: إن قبلنا إبراهيم بن يزيد التيمي، وإبراهيم بن يزيد النخعي، فأيهما نأخذ؟ قال: فكتب أن يأخذهما جميعا". هذه القصة ظاهرها أنها طرفة، ومقصدها ذكر اثنين من الرواة اجتمعا في الاسم والعصر والرتبة، ومن لا يميز بينهما قد يخلط في حديثهما وقد يقول قائل: ما داما ثقتين فما الضرر من هذا الخلط؟ والجواب على ذلك أن لكل من الرجلين إسناده ولكل منهما رجاله، والخلط بينهما لا يقتصر عليهما بل يتعداهما إلى بقية رجال الإسناد. وإن الباحث ليدهش وهو يجد أن أربعة عشر رجلا من الثقات يحملون اسم إبراهيم بن يزيد، مما يجعل معرفة هذا الجانب ضرورية لرجل العلل حتى لا تشتبه عليه الأمور. وكما تتشابه الأسماء تتشابه الكنى، ولا بد من معرفتها من قبل صاحب هذا الشأن. يقول عبد الله بن أحمد: "سمعت أبي يقول: من كنيته من أصحاب النبي A أبو عبد الرحمن: عبد الله بن مسعود أبو عبد الرحمن، ومعاذ بن جبل أبو عبد الرحمن، وعبد الله بن عمر أبو عبد الرحمن، وعبد الله بن عمروا أبو عبد الرحمن، ويقولون أبو محمد. وفيروز الديلمي أبو عبد الرحمن، وسفينة أبو عبد الرحمن، ومعاوية بن أبي سفيان أبو عبد الرحمن".

هذا التشابه في الصحابة، وهو في غيرهم أكثر، وتمييزه أصعب، وكم من علة دخلت على الحديث بجهل هذا الجانب. وإلى جانب التشابه في الكنى نجد الكثير من الكنى التي لم تشتهر أصحابها بها فستغلها المدلسون ستارا لتدليسهم، ولكن المعرفة الواسعة التي يتمتع بها الناقد تقف لكل ذلك بالمرصاد. 5 - معرفة مواطن الرواة: قال الحاكم أبو عبد الله: "وهو علم قد زلق فيه جماعة من كبار العلماء بما يشتبه عليهم فيه" وقد يثبت هذه المعرفة في كتب العلل لارتباطها وعلاقتها الوثيقة به. ففي علل أحمد: "ابن أبي حسن قرشي مكي، هشام بن حجير مكي، ضعيف الحديث ومحمد بن أبي إسماعيل شيخ كوفي ثقة وعبد الله بن سعيد بن أبي هند شيخ مديني موثق، وإبراهيم بن ميسرة طائفي سكن مكة" ... وهكذا، إذ القصد هو التمثيل على هذه المعرفة لا الإحاطة بما كتب عليها، فهو كثير. 6 - معرفة الوفيات والولادات: وعن طريق هذه المعرفة - مضافا إليها غيرها - يتأكد الناقد من السماع والمعاصرة أو ينفيهما. وتجد هذه المعرفة مبثوثة في كتب العلل: يقول ابن المديني: "مات أيوب سنة إحدى وثلاثين في الطاعون، ومات يونس سنة تسع وثلاثين، ومات إبراهيم النخعي سنة خمس وتسعين، وقتل ابن جبير سنة خمس وتسعين وفيها مات الحجاج ... وهكذا". ومعرفة الولادات جانب آخر يحدد اللقاء وفترته بين الراوين، فعندما يأتي

حديث يرويه عبد الجبار بن وائل عن أبيه، نجد النقاد يقولون: "عبد الجبار لم يدرك أباه، ولد بعد وفاة أبيه". 7 - معرفة من أرسل ومن دلس ومن اختلط: وقد اعتنت كتب العلل اعتناء كبيرا بهذه المعرفة وكثير اما تجد فيها علل الإرسال والتدليس والاختلاط، كما نجد تحديدات دقيقة للاختلاط وتفاوت المراسيل وما دلس من الأسانيد. وقد توسع ابن رجب في الكلام عن الإرسال والتدليس والاختلاط، وقد عرضنا للاختلاط في أسباب العلل، وعرضنا للإرسال في مباحث دراسة علوم المصطلح عند ابن رجب. 8 - معرفة أهل البدع والأهواء: وقد سبق وأن ذكرت أن هذه المعرفة جزء من معرفة المدارس الحديثية ولكنها هنا تهتم بالرواة كأفراد كل على حدة. وقد يكون الغالب على مدرسة ما التشيع ولكن فيها الناصبي، والخارجين والمعتزلي، وغير ذلك ... وعلى صفحات كتب العلل نجد كلاما كثيرا حول هذا الجانب مثل: "يونس بن عباد كان خبيث الرأي"، "كان يزيد بن عبد الرحمن شيخا فقيرا مرجئيا". هذه بعض جوانب المعرفة التي لا بد منها للمشتغل بالعلل، وتركت غيرها، لأن الموضوع لا يتسع لعلوم الحديث، إذ ظهر لي بعد البحث والاستقصاء أن أكثر علوم الحديث استمد من علم العلل، وأن أقدم المحاولات في هذا الميدان هي كتب ابن المديني وأحمد الترمذي وأبي زرعة وأبي حاتم وهي كتب شاملة تطبيقية.

وقد قصدت من ذكر هذه الجوانب التمثيل لا الحصر. ولعل أبرز ثمرات هذا الموضوع القناعة التامة بأن علم العلل عماده المعرفة المستفيضة أفقيا وعموديا وهو ما يعبر عنه بعلم الرواية والدراية. ومن تتوافر له هذه المعرفة تنكشف له العلاقات بين الروايات، فيصبح مجال الحديث، سندا ومتنا، بمتناول بصيرته. وعند التعليل يستفيد من كل هذه الجوانب، فجزى الله علماءنا عن أمتهم خير الجزاء، فلقد، والله، حملوا الأمانة التي لا تحملها الجبال الراسيات

المبحث الثالث في أنواع العلل من خلال كتاب ابن رجب

المبحث الثالث في أنواع العلل من خلال كتاب ابن رجب ويشتمل على: المطلب الأول: علة الإسناد. المطلب الثاني: علة المتن. *** المطلب الأول علل الإسناد أولا - علة موضوعها: إبطال السماع الصريح أو نفي السماع المتوهم بالعنعنة اتصال الحديث شرط من شروط صحته، والأصل ان التصريح بالسماع من الراوي الثقة معتبر، وكذلك الحال فيما يروى من الأسانيد ويكون "معنعنا" أو "مؤننا" فإنه معتبر كذلك إذا كان الراوي ثقة، بريئا من التدليس. ولكن رغم التصريح بالسماع، ورغم المعاصرة الأكيدة بين الراوي والمروي عنه وسلامة الراوي من التدليس رغم كل هذا قد يكشف النقاد من أهل صنعة العلل أن الإسناد منقطع، ولا حقيقة لهذا السماع. وقد أطال الإمام ابن رجب في هذا الموضوع وبحثه تحت عنوان

"التدليس" وقد أفردنا للعنعنة مبحثا مستقلا عرضنا فيه كلام ابن رجب - C - وحررنا هذه المسألة. وفيما يلي طائفة من الأمثلة على هذه العلة استقينا بعضها من شرح علل الترمذي لابن رجب، وأكثرها من كتب العلل الأخرى، وذلك بهدف إبراز قيمة كتب العلل الأخرى، وتقديم نماذج منها للباحثين والمطلعين، ومن جهة أخرى فإن هذه الكتب مليئة بالأمثلة الصالحة لكل نوع من أنواع العلة، ولقيمة العلل في هذه الدراسة فسأمثل لكل نوع منها بما فيه الكفاية - إن شاء الله -. قال ابن رجب: قال أحمد: "البهي ما أراه سمع من عائشة، إنما يروى عن عروة عن عائشة، رغم أنه يقول في حديث زائدة، عن السدي: حدثتني عائشة". ونقل ابن رجب عن ابن مهدي ما يؤكد هذا، فقال: "وكان ابن مهدي سمعه من زائدة، وكان يدع منه "حدثتني عائشة". وبهذا تكون العلة في هذا الإسناد إبطال السماع، وإثبات أن الوهم دخل عليه. ومثل هذه العلة كثير في الأسانيد، قال ابن رجب: "وكان أحمد يستنكر دخول التحديث في كثير من الأسانيد، ويقول: هو خطأ، يعني ذكر السماع. قال في رواية هدبة، عن قتادة، ثنا خلاد الجهني، وهو خطأ، خلاد قديم ما رأى قتادة خلادا. وذكروا لأحمد قول من قال: عن عراك بن مالك سمعت عائشة، فقال: هذا خطأ. وأنكره وقال: عراك من أين سمع عائشة؟ إنما يروى عن عروة، عن عائشة". ولقد أفرد ابن رجب - C - قاعدة من القواعد التي في كتابه لهذا النوع من العلل، تحت عنوان: "ذكر الأسانيد التي لا يثبت منها شيء،

أو لا يثبت منها إلا شيء يسير". واستعرض أسانيد كثيرة العدد من الثقات الحفاظ، بعضها لم يثبت منه شيء البتة، وبعضها ثبت منها قليل من كثير. وأما نفي السماع المتوهم بالعنعنة: ففي هذا يقول ابن رجب "في شرح علل الترمذي": "وقد ذكر الترمذي في كتاب العلم أن سماع سعيد بن المسيب عن أنس ممكن، لكن لم يحكم لروايته عنه بالاتصال. وقد حكى بعض أصحابنا عن أحمد مثله" والحديث الذي رواه سعيد بن المسيب عن أنس هو: عن أنس، قال: قال رسول الله A "يا بني إن قدرت أن تصبح، وتمسي، ليس في قلبك غش لأحد فافعل" وقال الترمذي: "لا نعرف لسعيد بن المسيب رواية عن أنس إلا هذا الحديث". وفيما يلي بعض الأمثلة الأخرى لهذا النوع من العلة: مثال: قال الترمذي في علله الكبير: "ثنا يحيى بن أكثم، ثنا يحيى بن آدم، ثنا زهير بن معاوية، عن حميد الطويل، عن ثابت، عن أنس بن مالك، قال: لبى رسول الله A بالعمرة والحج معا، قال لبيك بعمرة وحجة". سألت محمد بن إسماعيل عن هذا الحديث، فقال: "هذا خطأ، أصحاب حميد يقولون: عن حميد سمع أنسا". وقول البخاري هذا يعني أن رواية حميد عن ثابت غير صحيحة، بل الوارد هو ما ذكره أصحاب حميد أنه سمع أنسا، ومع أن روايات أصحاب حميد ظاهرها سلامة الإسناد، إلا أن البخاري كشف عن وهم في هذا السماع، وأن

حميدا لم يسمع أنسا، كما ورد في روايات أصحاب حميد. وفي هذا يقول الترمذي: "قال محمد: حدثنا عمرو بن خالد، نا زهير، قال: قدمت البصرة فرأيت حميدا، وعنده أبو بكر بن عياش، جعل حميد يقول: قال أنس، قال أنس، فلما فرغ، قلت له: أسمعت هذا؟ قال: سمعت عمن حدث عنه". ويلاحظ على هذا الحديث أن الإسنادين التقيا بزهير بن معاوية. أما الأول وهو المعل ففيه زهير عن حميد، عن ثابت، عن أنس. وأما الثاني ففيه زهير، عن حميد، عمن حدث عن أنس، عن أنس. ويكون البخاري قد كشف علة الحديث وأثبت أن حميدا لم يسمع من أنس وإنما بينهما واسطة، وقد بين أن الوهم إنما دخل من إكثار حميد من القول: قال أنس، فجعل أصحاب حميد هذه العبارة: سمع أنسا. مثال: ومنه قول الحسن: خطبنا ابن عباس. وهذا مثال آخر فيه تصريح بالسماع إلا أن حقيقته غير ذلك. وهذا الإسناد روي عن يزيد بن هارون، عن حميد، عن الحسن، وعقب عليه الترمذي بقوله: "روى غير يزيد بن هارون، عن حميد، عن الحسن، قال: خطب ابن عباس، وكأنه رأى هذا أصح وإنما قال محمد هذا، لأن ابن عباس كان في البصرة في أيام علي، والحسن البصري في أيام عثمان وعلي كان بالمدينة". وبهذا يظهر لنا البخاري - C - علة الحديث ومدارها على يزيد بن هارون الذي قال: خطبنا، وقد حاول بعض النقاد التماس تأويل للحسن

ل البصري، وقالوا: خطبنا أي خطب الناس، ولو تنبهوا لمثل ما تنبه له البخاري لأدركوا العلة، ولما احتاجوا لمثل هذا التأويل البعيد. مثال: ومن الأمثلة التي يظهر فيها علم العلل بجلاء ويظهر فيها خفاء هذا العلم على غير الأئمة ما ذكره أبو عبد الله الحاكم في كتابه "معرفة علوم الحديث"، قال: "مثاله ما حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، فقال: (ثنا) محمد بن إسحاق الصغاني، قال (ثنا) حجاج بن محمد، قال، قال ابن جريح، عن موسى بن عقبة عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النبي A قال: من جلس مجلسا كثر فيه لغطه فقال قبل أن يقوم: سبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك، إلا غفر له ما كان في مجلسه ذاك. وقال أبو عبد الله: هذا حديث من تأمله لم يشك أنه من شرط الصحيح، وله علة فاحشة، قال محمد بن إسماعيل: هذا حديث مليح، ولا أعلم في الدنيا في هذا الباب غير هذا الحديث، إلا انه معلول، حدثنا به موسى بن إسماعيل، قال حدثنا وهيب، قال: (ثنا) سهيل، عن عون بن عبد الله، قوله.. قال محمد بن إسماعيل: هذا أولى، فإنه لا يذكر لموسى بن عقبة سماع من سهيل". وقول البخاري هذا زاده أبو زرعة وأبو حاتم إيضاحا وبيانا، وحاولا الكشف عن سبب العلة ومصدرها. فقد روى ابن أبي حاتم في علله هذا الحديث فقال: "سألت أبي وأبا زرعة عن هذا الحديث، فقالا: هذا خطأ رواه وهيب

ثانيا - علة موضوعها:

عن سهيل عن عون بن عبد الله "موقوف"، وهذا أصح، قلت لأبي: ممن هو؟ قال: يحتمل أن يكون الوهم من ابن جريح، ويحتمل أن يكون من سهيل، وأخشى أن يكون ابن جريح دلس هذا الحديث عن موسى بن عقبة، ولم يسمعه من موسى وإنما أخذه من بعض الضعفاء، سمعت أبي مرة أخرى يقول: لا أعلم روي هذا الحديث عن سهيل إلا ما يرويه ابن جريح عن موسى بن عقبة، فأخشى أن يكون أخذه عن إبراهيم بن أبي يحيى. إذ لم يروه أصحاب سهيل. لا أعلم روي هذا الحديث في شيء من طرق أبي هريرة". وبهذا يكون أئمة علماء الحديث والعلل في عصرهم، البخاري وأبو زرعة وأبو حاتم، قد اتفقوا على خطأ نسبة سماع موسى بن عقبة من سهيل، وهي علة على جانب من الخفاء حتى عبر عنها الحاكم بقوله: هذا حديث من تأمله لم يشك أنه من شرط الصحيح. وأختم كلامي في هذا النوع من أنواع العلل بعبارة لأبي عبد الله الحاكم (405هـ) يقول فيها: "هذا باب يطول، فليعلم صاحب الحديث أن الحسن لم يسمع من أبي هريرة، ولا من ابن عمر، ولا من ابن عباس شيئا قط، وأن الأعمش لم يسمع من أنس، وأن الشعبي لم يسمع من صحابي غير أنس، وأن الشعبي لم يسمع من عائشة، ولا من عبد الله بن مسعود، ولا من أسامة بن زيد، وأن قتادة لم يسمع من صحابي غير أنس وأن عامة حديث عمرو بن دينار عن الصحابة حوالة، وأن ذلك كله يخفى إلا على الحفاظ للحديث". ثانيا - علة موضوعها: إبدال الإسناد كله أو بعضه وهذا نوع من أنواع العلل التي منشؤها إبدال الإسناد كله أو بعضه،

(قاعدة) :

ورغم هذا الخطأ بقي الإسناد المعل يحمل السلامة الظاهرة حتى كشف النقاد عن علته وعرفوا وجه التغيير الذي طرأ على الأصل. وقد يكون هذا الوهم ناشئا عن ملابسات خاصة بالإسناد، وقد يكون ناشئا عن الوهم المجرد، دون ملابسات خاصة ومثال الملابسات الخاصة أن يشتهر إسناد معين على لسان راو معين، كمالك، عن نافع، عن ابن عمر، أو كسعيد المقبري، عن أبيه، عن أبي هريرة، أو كأبي بردة عن أبيه. فكل حديث يروى عن مالك قد يسبق اللسان إلى: نافع عن ابن عمر، وفي واقع الأمر يكون مالك قد رواه عن غير نافع. وقد أفرد ابن رجب - C - في "شرح علل الترمذي" قاعدة لهذا النوع من العلة، وكأنها إشارة منه - C - للباحثين أن يحصروا الأسانيد المشهورة، ثم يفتشوا عن كل إسناد خرج عن طريق المشهور. (قاعدة) : قال ابن رجب: "قال أحمد، في رواية ابنه عبد الله: ثنا محمد بن فضيل، ثنا عمارة بن القعقاع، عن أبي زرعة، عن أبي هريرة عن النبي A فذكر بضعة عشر حديثا كلها بهذا الإسناد إلا حديث "أول زمرة يدخلون الجنة على صورة القمر" فإنه قال: عن عمارة بن القعقاع عن أبي صالح، عن أبي هريرة". وفي قاعدة أخرى من قواعد ابن رجب هذه يقول - C -: (قاعدة) : قال العجلي: "كل شيء روي عن محمد بن سيرين، عن عبيدة السلماني سوى رأيه فهو عن علي، وكل شيء روى إبراهيم النخعي عن عبيدة سوى رأيه فإنه عن عبد الله إلا حديثا واحدا".

مثال: وقد مثل ابن رجب - C - لهذا النوع فذكر حديثنا "في رفع اليدين في الصلاة" "رواه حصين بن عبد الرحمن، عن عمرو بن مرة، عن علقمة بن وائل، عن أبيه، عن النبي A ورواه شعبة، عن عمرو بن مرة، عن أبي البختري، عن عبد الرحمن اليحصبي، عن وائل بن حجر، عن النبي A." وسئل عن ذلك أحمد: فقال: شعبة أثبت في عمرو بن مرة من حصين، القول قول شعبة، من أين يقع شعبة، عن أبي البختري، عن عبد الرحمن اليحصبي عن وائل؟. قال ابن رجب "يشير إلى أن هذا إسناد غريب لا يحفظه إلا حافظ بخلاف علقمه بن وائل عن أبيه فإنه طريق مشهور" مثال: ومن الأمثلة التي ذكرها ابن رجب لمثل هذا النوع قوله: "روى حماد بن سلمة، عن ثابت، عن حبيب، عن أبي سبيعة الضبعي، عن الحارث، أن رجلا قال: يا رسول الله، إني أحب فلانا. قال: "أعلمته"؟ قال: لا ... الحديث، قال ابن رجب: هكذا رواه حماد بن سلمة، وهو أحفظ أصحاب ثابت، وأثبتهم في حديثه. وخالفه من لم يكن في حفظه بذاك من الشيوخ فرووه عن ثابت، عن أنس، عن النبي A وحكم الحفاظ هنا بصحة قول حماد، وخطأ من خالفه، منهم أبو حاتم، والنسائي، والدارقطني. قال أبو حاتم: مبارك لزم الطريق. يعني أن رواية ثابت، عن أنس سلسلة معروفة، مشهورة، تسبق إليها الألسنة والأوهام، فيسلكها من قل حفظه بخلاف ما قاله حماد بن سلمة، فإن في إسناد ما يستغرب فلا يحفظه إلا حافظ وأبو حاتم كثيرا ما يعلل الأحاديث بمثل هذا". وقد تكون علة الإسناد إبدال صحابي بآخر، ومثاله فيما يلي: مثال: أخرج الترمذي في العلل الكبير، قال: "حدثنا أحمد بن مبيع، نا يزيد بن هارون أنا إسماعيل بن أبي خالد، عن سالم البراد، عن ابن عمر، عن النبي A قال: "من صلى على جنازة فله قيراط، ومن تبعها حتى يفرغ منها: فله قيراطان، أحدهما، أو أصغرهما مثل أحد". سألت محمدا عن هذا الحديث سالم البراد، عن ابن عمر، فقال: رواه عبد الملك بن عمير، عن سالم البراد، عن أبي هريرة، وهو الصحيح، وحديث ابن عمر ليس بشيء، ابن عمر أنكر على أبي هريرة، حديثه" ومحمد في هذا المثال هو البخاري. ويقصد بقوله وحديث ابن عمر ليس بشيء أي هذا الإسناد الذي فيه ابن عمر لا يثبت. وقد استدل البخاري على علة الحديث بأن ابن عمر أخذ على أبي هريرة روايته مثل هذا الحديث، واستنكر. أما الدارقطني فقد ذكر في علله أسانيد كثيرة دخل الوهم على بعض رواتها فغيروا فيها: مثال: "وسئل، أي الدارقطني، عن حديث محمد بن سيرين، عن أبي هريرة صليت مع النبي A العصر، فلما انصرف رأى رجلين لم يصليا، فقال: علي بهما: ما لكما لم تصليا معنا؟ قالا: كنا في منازلنا، فظننا أنك قد صليت فصلينا، قال: لا تفعلا، إذا جئتما مسجدا والناس يصلون، فصليا معهم".

ثالثا - علة موضوعها:

فقال - أي الدارقطني - يرويه هشام بن حسان، اختلف عليه فيه. فرواه الحكم بن عبده، وهو بصري سكن مصر، عن هشام، عن ابن سيرين عن أبي هريرة، ووهم فيه على هشام بن حسان، وروي هذا الحديث عن يعلى بن عطاء، عن جابر بن يزيد بن الأسود، عن أبيه، عن النبي A" وبهذا يكون الدارقطني قد كشف علة هذا الإسناد وهي تغيير فاحش أصابه، ومصدر هذا الوهم هو الحكم بن عبده، الراوي عن هشام بن حسان. وقد تكون العلة تغييرا أو تصحيفا طرأ على الاسم، ومثال ذلك ما ذكره ابن رجب في شرح علل الترمذي قال: "روى زهير بن معاوية عن واصل بن حبان، عن ابن بريدة، عن أبيه، عن النبي A عدة أحاديث منها "حديث الكمأة وحديث الحبة السوداء و"حديث عرضت على الجنة". قال أحمد وأبو داود: انقلب على زهير اسم صالح بن حيان، فقال واصل ابن حبان، يعني إنما يروي عن صالح بن حيان فسماه واصلا. وقال ابن معين: سمع منهما معا فجعلهما واحدا، وسماه واصل ابن حبان، قال أبو حاتم زهير مع اتقانه أخطأ في هذا ولم يسمع من واصل بن حبان ولم يدركه، إنما سمع من صالح بن حيان". والذي أخطأ في هذا الإسناد رجل كبير من الأعلام الثقات، ولولا فطنة أحمد وأبي حاتم وأبي داود لكان من العسير كشف مثل هذا الوهم لا سيما وأن في الرواة الثقات. واصل بن حبان الأسدي، المتوفى سنة 129، وهو ثقة، وصالح بن حيان القرشي، المتوفى سنة 140هـ. هذه بعض أمثلة من الأوهام الواقعة في حديث الثقات والتي نشا عنها تغيير في الإسناد كله أو بعضه، أو قلب للأسماء والكنى، وسنختم هذا النوع بأمثلة تبين أن العلة تغيير في أسماء الرواة لعيب في نطق الراوي عنهم، كما جاء في علل الإمام أحمد، قال: "ابن الثلب إنما هو ابن التلب، ولكن شعبة كان في لسانه شيء. ولعل غندرا لم يفهم عنه". وقد وقع في مثل هذا أبو يوسف القاضي تلميذ أبي حنيفة، قال أحمد: "كانت فيه لثغة فكان يقول: مطيف بن طييف الحايثي، بدل من مطرف بن طريف الحارثي". ثالثا - علة موضوعها: الوهم في رفع الوقوف، أو وصل المرسل أو ما فيه انقطاع وهذا النوع من العلة هو ميدان العلل الأوسع والأكبر، والذي لا تكاد تخلو منه صفحة من كتب هذا الفن، ولذا فقد نص ابن رجب على الاختلاف في الوصل والإرسال والوقف والرفع فقال: والوجه الثاني، "من وجوه معرفة صحة الحديث وسقمه" معرفة مراتب الثقات، وترجيح بعضهم على بعض عند الاختلاف، إما في الإسناد، وإما في الوصل والإرسال، وإما في الوقف والرفع". فقد يروى الحديث مرفوعا ولكن النقاد يكشفون عن وهم في رفعه ويثبتون أن وقفه أصح، وقد يروى الحديث متصلا، وإرساله أثبت وآكد. أو قد يروى متصلا وهو في الحقيقة معضل أو منقطع. مثال: وقد ذكر ابن رجب - C - في شرح علل الترمذي أحاديث رفعها

سالم بن عبد الله بن عمر، عن أبيه، عن جده عن النبي A ووقفها نافع مولى ابن عمر، عن ابن عمر، عن عمر. ورجح ابن رجب وقف هذه الأحاديث. قال ابن رجب: "وسئل أحمد إذا اختلفا فلأيهما يقضي؟ فقال: كلاهما ثبت. ولم ير أن يقضي لأحدهما على الآخر، نقله عنه المروذي، ونقل عثمان الدارمي عن ابن معين نحوه، مع أن المروذي نقل عن أحمد أنه مال إلى قول نافع في حديث "من باع عبدا له مال"، وهو وقفه. وكذلك نقل غيره عن أحمد أنه رجح قول نافع في وقف حديث "فيما سقت السماء العشر" ورجح النسائي والدارقطني قول نافع في وقف ثلاثة أحاديث: "فيما سقت السماء العشر" وحديث: "تخرج نار من قبل اليمن" وكذا حكى الأثرم عن غير أحمد أنه رجح قول نافع في هذه الأحاديث وفي حديث: "الناس كابل مائة". مثال: وتوضيحا لهذه العلة، وهي الوهم في رفع الموقوف، نسوق مثالا من علل الدارقطني جاء فيه "وسئل عن حديث محمد بن سيرين، عن أبي هريرة، عن النبي A أحبب حبيبك هونا، ... الحديث" فقال: يرويه الحسن بن دينار، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة، عن النبي A واختلف عنه: - فرواه سويد بن عمرو، عن حماد بن سلمة، عن أيوب، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة. - وخالفه الحسن بن أبي جعفر، رواه عن أيوب، عن حميد الحميري، عن علي بن أبي طالب.

- وقال هارون بن إبراهيم الأهوازي: عن ابن سيرين عن حميد الحميري، عن علي يرفعه. - قال الدارقطني: والصحيح عن علي موقوف". مثال: ومن الأمثلة على ما كان الإرسال هو أولى والأرجح من الاتصال ما ذكره ابن رجب في شرح علل الترمذي، في معرض الكلام عن هشام بن عروة، وأن الإمام أحمد قال: "إن عيسى بن يونس أسند عنه ما كان يرسله الناس، كحديث الهدية". وحديث الهدية هذا ما روي "أن رسول الله A كان يقبل الهدية ويثيب عليها، فهذا الحديث رواه عيسى بن يونس، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، وعلق البخاري على هذا الإسناد بقوله: لم يذكر وكيع ومحاضر عن هشام، عن أبيه، عن عائشة. مثال: ومثال آخر ذكره ابن رجب في شرح علل الترمذي، قال: ومنهم حمد بن يحيى الأبح، له أوهام عن ثابت منها حديثه عن أنس مرفوعا مثل أمتي مثل المطر. والصواب: عن ثابت عن الحسن مرسلا. ومما كان موقوفا، والمرفوع أولى وأصح، ما ذكره ابن رجب في اختلاط ابن علية وحماد بن زيد في أيوب. قال ابن رجب: "ورجحت طائفة ابن علية على حماد. قال البرذيجي:

رابعا - علة موضوعها:

ابن علية أثبت من روى عن أيوب، وقال بعضهم: حماد بن زيد. وقال: ولم يختلفا إلا في حديث أوقفه ابن علية، ورفعه حماد وهو حديث أيوب عن ابن سيرين، عن أبي هريرة، عن النبي A "ليس أحد منكم ينجيه عمله، قالوا: ولا أنت؟ قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل". قال ابن رجب: وليس وقف هذا الحديث مما يضره، فإن ابن سيرين كان يقف الأحاديث كثيرا، والناس كلهم يخالفونه فيرفعونها". وقد يكون الحديث متصلا، ولكن النقاد يكشفون عن علة فيه، وهي قطعه على التابعي، ومثاله ما ذكره الترمذي في علله الكبير، قال: "حدثنا هناد، (نا) محمد بن فضيل عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله A "إن الصلاة أولا وآخرا". حدثنا هناد، (نا) أبو أسامة، عن الفزاري، عن الأعمش، قال: قال مجاهد: كان يقال "إن للصلاة أولا وآخرا"، فذكره بنحوه. سألت محمدا، (يعني البخاري) ، عن هذا الحديث، فقال: وهم فيه محمد بن فضيل والصحيح حديث الأعمش عن مجاهد. رابعا - علة موضوعها: جمع الشيوخ وبقاء اللفظ واحدا الأصل أن يوجد بعض الاختلاف في روايات الحديث الواحد، لتصرف الرواة في لفظ الحديث، دون المعنى، فإذا روي أحد الرواة حديثا واحدا عن عدد من الشيوخ ثم ساق اللفظ سياقا واحدا، فإن هذا دليل على الوهم والخطأ إلا أن يكون الراوي مبرزا في الحفظ جدا. قال ابن رجب في شرح علل الترمذي: "ومعنى هذا أن الرجل إذا جمع بين حديث جماعة، وساق الحديث سياقة

خامسا - علة موضوعها:

واحدة، فالظاهر أن لفظهم لم يتفق فلا يقبل هذا الجمع إلا من حافظ، متقن لحديثه، يعرف اتفاق شيوخه واختلافهم، كما كان الزهري يجمع بين شيوخ له في حديث الإفك وغيره". وقد مثل ابن رجب لهذا النوع من الإسناد المعلل بأمثلة كثيرة: مثال: قال ابن رجب: "قال أحمد في رواية الأثرم في حديث حماد بن سلمة عن أيوب وقتادة، عن أبي أسماء عن أبي ثعلبة الخشني، عن النبي A "في آنية المشركين". قال أحمد: هذا من قبل حماد، كان لا يقوم على مثل هذا، يجمع الرجال ثم يجعله إسنادا واحدا، وهم يختلفون". "وقال أحمد: ابن إسحاق حسن الحديث، لكن إذا جمع بين رجلين. قلت: كيف؟ قال: يحدث عن الزهري وآخر، يحمل حديث هذا على هذا". وممن يعل حديثه إذا جمع الشيوخ ليث بن أبي سليم، وعطاء بن السائب والواقدي، وعبد الرحمن بن عبد الله بن عمر العمري. خامسا - علة موضوعها: جرح الراوي عرفنا فيما سبق أن ميدان علم العلل حديث الثقات فيكشف عن أوهامهم وأخطائهم، ورأينا ابن رجب يحدد مهمة علم العلل بأنه يبحث في مراتب الثقات، وقول من منهم يرجح عن الاختلاف، كما رأينا يجعل علم الجرح

قاعدة:

قسيما لعلم العلل، ويكل امر المجروحين من المحدثين إلى الكتب التي صنفت فيهم. كل هذا إذا روى المجروح حديثا، لكن إذا روى الثقة عن المجروح فإن هذه الرواية قد تعمي حال المجروح على كثير من الناس، وعندها فلا بد من أن يتدخل العالم بالعلل ليكشف عن موضع العلة، وإذا بها رواية العدل عن المجروح. هذا النوع من علة الإسناد تكلم عنه ابن رجب كثيرا في شرح علل الترمذي كأن يقول: "قاعدة: قال أحمد: كل من روى عنه مالك فهو ثقة. قال النسائي: لا نعلم مالكا روى عن إنسان ضعيف مشهور بالضعف إلا عاصم بن عبيد الله فإنه روى عنه حديثا، وعن عمرو بن أبي عمرو، وهو أصلح من عاصم، وعن شريك بن أبي نمر، وهو أصلح من عمرو. ولا نعلم مالكا حدث عن أحد يترك حديثه، إلا عن عبد الكريم أبي أمية". ويقول ابن رجب - C - في موضع آخر: وأما علي بن عاصم فهو علي بن عاصم بن صهيب بن سنان الواسطي، يكنى أبا الحسن، وقد رماه طائفة بالكذب، منهم يزيد بن هارون وغيره، وكذبه - أيضا - ابن معين، وكان أحمد يحسن القول فيه، ويوثقه ويقول: إنه يخطئ". ومن هنا يتأكد لنا أن دخول هذا النوع من الجرح في علم العلل إنما كان لعلاقته الوطيدة برواية الثقات.

مثال: قال الترمذي في علله الكبير: (ثنا) قتيبة بن سعيد (نا) أبو صفوان، عن يونس بن يزيد، عن الزهري، عن أبي سلمة عن عائشة عن النبي A قال: "لا نذر في معصية، وكفارته كفارة يمين". سألت محمدا عن هذا الحديث، فقال: روى ابن المبارك، عن يونس عن الزهري، قال: أخبرت عن أبي سلمة، عن عائشة، وروى موسى بن عقبة وابن أبي عتيق، عن الزهري، عن سليمان بن أرقم، عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة، عن عائشة. قال محمد (هو البخاري) : وسليمان بن أرقم متروك، ذاهب الحديث". وفي هذا الحديث نجد الزهري يروي عن سليمان بن أرقم، والزهري إمام من الأئمة الأعلام، وهو ثقة من كبار الثقات، وروايته هذه عن سليمان بن أرقم قد تجعل الحديث فوق التهمة والظنة عند كثير من الناس. مثال آخر: جاء في علل ابن أبي حاتم: "سئل أبو زرعة عن حديث كان حدث به قديما، عن محمد بن جامع العطار عن معتمر بن سليمان، عن الحجاج الباهلي، وهو الأحول، عن قتادة، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: أرادت عائشة أن تشتري بريرة فتعتقها، فقال مواليها: لا، إلا أن تجعل الولاء لنا. فذكرت ذلك لرسول الله A فقال: اشتريها فإن الولاء لمن أعتق ... الخ الحديث. فقال أبو زرعة: اضربوا عليه، وأبى أن يقرأه، وقال: خطأ، وأظنه من محمد بن جامع. وقال: محمد بن جامع شيخ فيه لين".

المطلب الثاني العلة في متن الحديث

ونلاحظ في هذا الحديث قول ابن أبي حاتم. وسئل أبو زرعة عن حديث كان يحدث به قديما. وبهذا يكون إلحاق هذا الجرح بالعلل لأن أبا زرعة حدث به قديما، ولم يكن حال محمد بن جامع مكشوفا له كما يبدو من العبارة. المطلب الثاني العلة في متن الحديث رأينا فيما سبق عللا وقعت في سند الحديث كرفع الوقوف، ووصل المرسل وزيادة راو، أو إبداله، أو تحريف في أسماء الرواة. وأما مبحثنا هذا فهو معقود للتعرف على علة المتن. والمتن هو ما ينقل عن النبي A من قول، أو فعل، أو تقرير، أو صفة خلقية، أو خلقية أو ما ينقل عن الصحابة والتابعين وقد يتعرض هذا المتن لأوهام النقلة فتدخل عليه علة من العلل فتحيله عن معناه، أو تحرف لفظه، أو تدخل فيه ما ليس منه. ويمكننا أن نرجع علل المتون إلى الأنواع التالية: الأول: ما كانت علته إحالة المعنى كليا أو جزئيا. الثاني: ما كانت علته تحريفا في لفظ من ألفاظه. الثالث: ما كانت علته مخالفة الراوي الذي رواه لمقتضاه. الرابع: ما كانت علته إدراج كلام آخر فيه، ليس منه. الخامس: ما كانت علته أنه لا يشبه كلام النبوة. ولقد بث ابن رجب - C - هذه الأنواع على شكل أمثلة ومباحث وقواعد في كتابه شرح علل الترمذي. وفيما يلي تفصيل لهذه الأنواع مستفيدين من أمثلة ابن رجب ومباحثه وقواعده: النوع الأول: إحالة معنى الحديث إذا كان راويه غير عالم باللغة ولا بالمراد من اللفظ،

وقد تكلم ابن رجب - C - على راوية الحديث بالمعنى، ونقل جوازها عن جمهور العلماء بشرط أن يكون الراوي ملما باللغة، عارفا، عالما، بصيرا بمواقع الألفاظ، وما يحيلها عن المراد. ولا بد أن يكون الراوي عارفا المراد من الحديث ليحمله على هذا المراد، ولا يصرفه لغيره. قال ابن رجب: "وقد روى كثير من الناس الحديث بمعنى فهموه منه، فغيروا المعنى، مثل ما اختصر بعضهم من حديث عائشة في حيضها في الحج، أن النبي A قال لها، وكانت حائضا: "انقضي رأسك وامتشطي". وأدخله في أبواب غسل الحيض. وقد أنكر أحمد ذلك على من فعله، لأنه يخل بالمعنى، فإن هذا لم تؤمر به في الغسل من الحيض عند انقطاعه، بل في غسل الحائض إذا أرادت الإحرام". قال ابن رجب - رحمه الله -: وروى بعضهم حديث إذا قرأ الإمام فأنصتوا، بما فهمه من المعنى، فقال: إذا قرأ الإمام (ولا الضالين) فأنصتوا فحمله على فراغه من القراءة، لا على شروعه فيها. ومثل هذا ما أخرجه ابن أبي حاتم في العلل، قال: "وسألت أبا زرعة عن حديث أبي الأحوص عن سماك، عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبيه، عن أبي بردة، قال: قال رسول الله A "اشربوا في الظروف ولا تسكروا". قال أبو زرعة: وفي هذا الحديث أخطأ أبو الأحوص فصحف في الإسناد، فقال: بردة وهو بريدة، وقلب في الإسناد فقال: عن أبيه، عن أبي بريدة، وهو ابن بريدة، عن أبيه. ثم قال أبو زرعة:

قاعدة: في تضعيف حديث الراوي إذا روى ما يخالف رأيه

وأفحش من ذلك وأشنع تصحيفة في المتن: "اشربوا في الظروف ولا تسكروا" وقد روى هذا الحديث عن ابن بريدة، عن أبيه عن النبي A من طرق كثيرة، ونصه: "نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها، ونهيتكم عن لحوم الأضاحي فوق ثلاث فأمسكوا ما بدا لكم، ونهيتكم عن النبيذ إلا في سقاء، فاشربوا في الأسقية، ولا تشربوا مسكرا". وفي حديث بعضهم عن بريدة قال: واجتنبوا كل مسكر، ولم يقل أحد من الرواة ولا تسكروا. النوع الثاني - ما كانت علته تحريفا في لفظ من ألفاظه: وقد مثل له ابن رجب بمن حرف كلمة "نؤديه" فجعلها "نورثه" وبدل أن يجعل الحديث في صدقة الفطر، وهو: كنا نؤديه على عهد رسول الله A قال: الجد. وقد سبق الكلام عن هذا في أسباب العلل. النوع الثالث - ما كانت علته مخالفة راويه لمقتضاه: هذا النوع من العلة أفرد له ابن رجب قاعدة من قواعد كتابه شرح علل الترمذي، فقال: "قاعدة: في تضعيف حديث الراوي إذا روى ما يخالف رأيه" . وقال ابن رجب: قد ضعف الإمام أحمد وأكثر الحفاظ أحاديث كثيرة بمثل هذا. فمنها: أحاديث أبي هريرة عن النبي A في المسح على الخفين، ضعفها أحمد ومسلم وغير واحد وقال أحمد أبو هريرة ينكر المسح على الخفين فلا يصح له فيه رواية.

ومنها: أحاديث ابن عمر في المسح على الخفين أيضا، أنكرها أحمد، وقال: ابن عمر أنكر على سعد بن أبي وقاص، المسح على الخفين، فكيف يكون عنده عن النبي A فيه رواية. ومنها: حديث عائشة عن النبي A أنه قال للمستحاضة: "دعي الصلاة أيام أقرائك". قال أحمد: كل من روى هذا عن عائشة فقد أخطأ، لأن عائشة تقول: الأقراء الأطهار، لا الحيض". ومن ذلك: ما أخرجه الترمذي في علله الكبير، قال: "حدثنا أحمد بن منيع نا يزيد بن هارون، أنا إسماعيل بن أبي خالد، عن سالم البراد، عن ابن عمر، عن النبي A قال: "من صلى على جنازة فله قيراط، ومن تبعها حتى يفرغ منها فله قيراطان أحدهما أو أصغرهما مثل أحد. سألت محمدا عن هذا الحديث، فقال: رواه عبد الملك بن عمير عن سالم البراد عن أبي هريرة وهو الصحيح، وحديث ابن عمر ليس بشيء. ابن عمر أنكر على أبي هريرة حديثه". هكذا أعل البخاري هذا الحديث. ومن ذلك: ما أخرجه الترمذي في علله أيضا: "ثنا علي بن حجر، ثنا عيسى بن يونس، عن هشام بن حسان، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة، أن النبي A قال: "من ذرعه القيء فليس عليه قضاء، ومن استقاء عمدا فليقض". سألت محمدا عن هذا الحديث فلم يعرفه إلا من حديث عيسى بن

يونس، عن هشام بن حسان، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة، وقال: ما أراه محفوظا. قال: وقد روى يحيى بن أبي كثير عن عمر بن الحكم، أن أبا هريرة كان لا يرى القيء يفطر الصائم". النوع الرابع - ما كانت علته إدراج كلام آخر فيه: وصورة هذا النوع من العلة أن يدخل في سياق الحديث ما ليس منه، سواء أكان هذا الدخل حديثا آخر أو بعض حديث، أم كان كلاما للراوي يوضح به المراد من الحديث، وفي كلتا الحالتين يظهر الحديث مع ما أدرج فيه حديثا واحدا دونما تمييز بينهما أو فاصل يحدد كلا منهما. ومثال إدراج الحديث في الحديث ما ذكره ابن رجب في معرض كلامه، عن جعفر بن برقان، فقال: "وكذا قال العقيلي هو ضعيف في روايته عن الزهري وذكر له حديثه عن الزهري عن سالم عن أبيه، عن النبي A أنه نهى عن لبستين، وبيعتين، ونكاحين، وعن مطعمين، وذكر الجلوس على مائدة يشرب عليها الخمر، وأن يأكل الرجل وهو منبطح على وجهه"، وقال: لا يتابع عليه من حديث الزهري. وأما الجلوس فيروى من غير حديث الزهري بأسانيد صالحة ما خلا الجلوس على مائدة يشرب عليها الخمر فالرواية فيها لين انتهى كلام ابن رجب ومراد ابن رجب أن جعفر بن برقان روى عن الزهري النهي عن الجلوس على مائدة يشرب عليها الخمر، وروى أحاديث أخرى من غير طريق محمد بن شهاب الزهري فأدخل كل هذه الأحاديث في إسناد واحد وهو الزهري عن سالم، عن أبيه، عن النبي A.

وقد خرجنا هذا الحديث في مكانه من شرح العلل، وذكرنا قول أبي زرعة فيه: حديث جعفر بن برقان إنما هو عن قبيصة بن ذؤيب، وعروة بن الزبير، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن أبي هريرة - وحديث "نهى أن يتزوج الرجل المرأة على عمتها"، وحديث "المنابذة والملامسة"، إنما هو عن الزهري، عن عامر بن سعد، عن أبي سعيد. وأما ما كان الإدراج فيه دخول كلام من الراوي على متنه فمثاله حديث الاستسعاء، وهو ما أخرجه أبو داود من طريق سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن النضر بن أنس، عن بشير بن نهيك، عن أبي هريرة، عن النبي A قال: من أعتق شقصا أو شقيصا له في مملوك فخلاصه عليه في ماله، إن كان له مال، فإن لم يكن له مال قوم العبد قيمة عبد، ثم استسعى لصاحبه في قيمته غير مشقوق عليه. وقد روي هذا الحديث من طرق أصح وأكثر، وليس فيها ذكر الاستسعاء. وفي هذا نقل ابن رجب كلاما عن الإمام أحمد أنه لا يعبأ برواية سعيد بن أبي عروبة هذه التي ذكر فيها الاستسعاء، وقدم رواية شعبة وهمام عن قتادة ولم يذكرا الاستسعاء، ونقل ابن رجب قول الإمام أحمد: "ولا أذهب إلى الاستسعاء". وقد تعرضنا لهذا الحديث في زيادة الثقة، وقد خرجنا رواياته في شرح العلل. وقد بين الحاكم في معرفة علوم الحديث مكان الإدراج في هذا الحديث فقال: "حديث العتق ثابت صحيح وذكر الاستسعاء فيه من قول قتادة، وقد

وهم من أدرجه في كلام النبي A ويشهد بصحة ذلك ما روي عن قتادة عن النضر بن أنس، عن بشير بن نهيك عن أبي هريرة أن رجلا أعتق شقصا له في مملوك فغرمه النبي A قال همام: "وكان قتادة يقول: إن لم يكن له مال استسعى العبد". فقول همام هذا أكد لنا بأن الاستسعاء مدرج في الحديث. وليس في الحديث زيادة ثقة، لأن زيادة الثقة هي جزء من الحديث روي من بعض الطرق ولم يرو من بعضها الآخر. النوع الخامس - ما كانت علته أنه لا يشبه كلام النبي A: ومن ذلك ما يشبه كلام القصاص: وقد مثل له ابن رجب في شرح علل الترمذي بحديث يرويه عمر بن يزيد الرفاء، عن شعبة، عن عمرو بن مرة، عن أبي وائل، عن عبد الله، عن النبي A قال: "ما بال أقوام يشرفون المترفين، ويستخفون بالعابدين، ويعملون بالقرآن ما وافق أهواءهم وما خالف أهواءهم تركوه، فعند ذلك يؤمنون ببعض الكتاب، ويكفرون ببعض، يسعون فيما يدرك بغير سعي من القدر المقدور، والأجل المكتوب، والرزق المقسوم، ألا يسعون فيما لا يدرك بالسعي من الجزاء الموفور، والسعي المشكور، والتجارة التي لا تبور". قيل في هذا أنه يشبه كلام القصاص، واستغرب عن شعبة، وحمله النقاد على رجل كذاب اسمه عبد الله بن المسور المدائني. قال ابن رجب: ومنه قول أبي أحمد الحاكم، في حديث علي الطويل في الدعاء لحفظ القرآن، إنه يشبه أحاديث القصاص كذلك.

المبحث الرابع الأشباه في العلل

وقال في موضع آخر: ومن ذلك أنهم يعرفون الكلام الذي يشبه كلام النبي A من الكلام الذي لا يشبه كلامه قال ابن أبي حاتم الرازي، عن أبيه: تعلم صحة الحديث بعدالة ناقليه، وأن يكون كلاما يصلح أن يكون مثل كلام النبوة. ويعرف سقمه وإنكاره بتفرد من لم تتضح عدالته، والله أعلم. هذه بعض أنواع علة المتن، وهي الأنواع التي وقعت لي في شرح علل الترمذي وفي كتب العلل التي اطلعت عليه، وهذه الأنواع ليست على سبيل الحصر، وإنما على سبيل التمثيل، وإنني لا أدعي استقراء كتب العلل كلها لإخراج كل أنواع العلة، لأن هذا بحث يحتاج إلى سنين، وتفنى فيه أعمار. المبحث الرابع الأشباه في العلل تمهيد: رأينا في الأنواع السابقة نماذج من العلل كشفها النقاد بعبارات صريحة واضحة لا لبس فيها، وذلك لقيام الأدلة الكاملة عندهم. وأما هذا المبحث فقد أفردته للأشباه في العلل. وعنوان هذا المبحث رأيت أنه يصلح لأن تنطوي تحته هذه العلل التي يكشف عنها الناقد بقوله: حديث فلان أشبه أو أشبه بالصواب. أو يقول: حديث فلان أشبه بحديث فلان أو يقول الناقد: هذا الحديث يشبه حديث القصاص، هذه مادة هذا المبحث، وهذا الذي أقصده بالأشباه، ولعلي لا أستبق الموضوع إن قلت أن الأشباه تعبير عن الكشف الظني للعلة الذي يحتمل أمورا كثيرة، وإن كان قول الناقد هذا هو الأرجح من غيره. وننطلق في هذا المبحث من قاعدة رسمها ابن رجب - C - فقال: (قاعدة مهمة) : حذاق النقاد من الحفاظ لكثرة ممارستهم للحديث، ومعرفتهم بالرجال وأحاديث كل واحد منهم، لهم فهم خاص يفهمون به أن هذا الحديث يشبه حديث فلان ولا يشبه حديث فلان فيعللون الأحاديث بذلك. وهذا مما لا يعبر عنه بعبارة تحصره وإنما يرجع فيه أهله إلى مجرد الفهم، والمعرفة، التي خصوا بها عن سائر أهل العلم، كما سبق ذكره في غير موضع.

ثم مثل ابن رجب - C - لهذا بأمثلة، منها: شعيب بن أبي حمزة، عن ابن المنكدر. روى عنه أحاديث منها حديث ابن المنكدر عن جابر، مرفوعا: من قال حين يسمع النداء: اللهم رب هذه الدعوة التامة ... الحديث، وله علة ذكرها ابن أبي حاتم عن أبيه، قال: قد طعن في هذا الحديث، وكان قد عرض شعيب بن أبي حمزة على ابن المنكدر كتابا، فأمر بقراءته عليه، فعرف بعضا، وأنكر بعضا، وقال لابنه أو ابن أخيه: اكتب هذه الأحاديث، فروى شعيب ذلك الكتاب، وعرض علي بعض تلك الأحاديث فرأيتها مشابهة لحديث إسحاق بن أبي فروة، وهذا الحديث من تلك الأحاديث. قلت - أي ابن رجب - ومصداق ذلك ما ذكره أبو حاتم أن شعيب بن أبي حمزة روى عن ابن المنكدر، عن جابر حديث الاستفتاح في الصلاة بنحو سياق حديث علي، وروى عن شعيب عن ابن المنكدر، عن الأعرج، عن محمد بن مسلمة فرجع الحديث إلى الأعرج. وإنما رواه الناس عن الأعرج، عن عبيد الله بن رافع، عن علي بن أبي طالب. ومن جملة من رواه عن الأعرج بهذا الإسناد إسحاق بن أبي فروة. وقيل إنه رواه عن عبد الله بن الفضل عن الأعرج، وروى عن محمد بن حمير، عن شعيب بن أبي حمزة، عن ابن أبي فروة، وابن المنكدر، عن الأعرج، عن محمد بن مسلمة. ورواه أبو معاوية، عن شعيب، عن إسحاق عن الأعرج، عن عبيد الله بن رافع عن محمد بن مسلمة. فظهر بهذا أن الحديث عند شعيب عن ابن أبي فروة وكذا قال أبو حاتم الرازي: هذا الحديث من حديث إسحاق بن أبي فروة يرويه شعيب عنه.

وحاصل الأمر أن حديث الاستفتاح رواه شعيب عن إسحاق بن أبي فروة وابن المنكدر، فمنهم من ترك إسحاق، وذكر ابن المنكدر، ومنهم من كنى عنه فقال عن ابن المنكدر وآخر، وكذا وقع في سنن النسائي. وهذا مما لا يجوز فعله وهو أن يروي الرجل حديثا عن اثنين، أحدهما مطعون فيه والآخر ثقة، فيترك ذكر المطعون فيه، ويذكر الثقة. وقد نص الإمام أحمد على ذلك، وعلله بأنه ربما كان في حديث الضعيف شيء ليس في حديث الثقة. وهو كما قال، فإنه ربما كان سياق الحديث للضعيف، وحديث الآخر محمولا عليه. فهذا الحديث يرجع إلى رواية إسحاق بن أبي فروة وابن المنكدر ويرجع إلى حديث الأعرج. ورواية الأعرج له معروفة عن ابن أبي رافع عن علي وهو الصواب عند النسائي والدارقطني وغيرهما وهذا الاضطراب في الحديث الظاهر أنه من ابن أبي فروة لسوء حفظه وكثرة اضطرابه في الأحاديث وهو يروي عن ابن المنكدر. وقد روى هذا الحديث يزيد بن عياض بن جعدبة، عن ابن المنكدر، عن الأعرج، عن ابن أبي رافع، عن علي. ويمكن أن نلخص ما مضى بما يلي: 1 - الصحيح ما رواه الناس ومنهم إسحاق بن أبي فروة عن ابن المنكدر، عن الأعرج، عن عبيد الله بن رافع، عن علي أن النبي A كان إذا قام يصلي قال: الله أكبر وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا ... الخ الآية.

2 - وأما إسحاق بن أبي فروة فقد روى هذا الحديث من طريقين: الأولى: ابن أبي فروة، عن ابن المنكدر، عن الأعرج، عن محمد بن مسلمة. الثانية: ابن أبي فروة، عن الأعرج، عن عبيد الله بن رافع، عن محمد بن مسلمة. 3 - رواه شعيب عن ابن المنكدر وإسحاق بن أبي فروة، علما بأنه لم يسمعه من ابن المنكدر، وإنما من إسحاق، فسلك به طريق إسحاق إلى محمد بن مسلمة وسوى بين إسناد ابن المنكدر وإسناد إسحاق بن أبي فروة. 4 - ترك بعض الرواة إسحاق بن أبي فروة، وذكر ابن المنكدر، وبعضهم قال: ابن المنكدر وآخر، يكنى عن إسحاق بن أبي فروة. 5 - وهكذا دخل إسناد إسحاق بن أبي فروة في إسناد ابن المنكدر، وانتهى بإسقاط إسحاق من الإسناد. ولما عرف النقاد تفرد إسحاق في ذكر محمد بن مسلمة علموا بعد ذلك أن هذا الحديث من حديث إسحاق ولو لم يذكر هو في السند. فقالوا: شعيب عن ابن المنكدر يشبه حديث إسحاق بن أبي فروة. وبالرغم من أنني حاولت جهدي أن أسهل وأوضح، إلا أن الأمر يبقى على جانب من الصعوبة. وذلك لما في هذه الأسانيد من التداخل إذ أنها تلتقي في راو وتفترق عند آخر، وتبدو وكأنها جهاز دقيق الآلات، تتشابك بداخله الخيوط والأسلاك، ولكنه لا يعدم من يعرف أجزاءه ويتابع أسلاكه وخيوطه. مثال: قال ابن رجب: "سعيد بن سنان ويقال سنان بن سعيد يروى عن أنس ويروى عنه أهل مصر. قال أحمد: تركت حديثه، حديثه مضطرب. وقال: بشبه حديثه حديث الحسن لا يشبه أحاديث أنس".

قال ابن رجب: "ومراده أن الأحاديث التي يرويها عن أنس مرفوعة إنما تشبه كلام الحسن البصري أو مراسليه. وقال الجوزجاني: أحاديثه واهية لا تشبه أحاديث الناس عن أنس". وهكذا يتضح لنا أن أحاديث سعيد بن سنان إنما يرويها عن الحسن لا عن أنس لعدة قرائن: 1 - إن هذا الرجل معروف باضطرابه. 2 - إن هذه الأحاديث غريبة عن أنس ولم يروها الناس عنه 3 - إن هذه الأحاديث معروفة عن الحسن، لا عن أنس. مثال: قال ابن رجب - C -: قال البرذعي: "قال لي أبو زرعة: خالد بن يزيد المصري وسعيد بن أبي هلال صدوقان، وربما وقع في قلبي من حسن حديثهما. قال: وقال لي أبو حاتم: أخاف أن يكون بعضهما مراسيل عن ابن أبي فروة وابن سمعان". قال ابن رجب: "ومعنى ذلك أنه عرض حديثهما على حديث ابن أبي فروة وابن سمعان، فوجده يشبهه ولا يشبه حديث الثقات الذين يحدثان عنهما فخاف (أبو زرعة) أن يكونا أخذا حديث ابن أبي فروة وابن سمعان، ودلساه عن شيوخهما". هذا كلام ابن رجب، وفيه تفسير واضح لشك أبي زرعة في هذين الرجلين، ثم كيف تحقق من صحة هذا الشك.

مثال: قال ابن رجب - C -: "روى القواريري، عن ابن بكر الحنفي، عن عاصم بن محمد العمري، ثنا سعيد المقبري، عن أبيه عن أبي هريرة، عن النبي A: قال الله تعالى: ابتلي عبدي المؤمن، فإن لم يشكني إلى عواده أطلقته من أسارى ثم أبدلته لحما خيرا من لحمه. هذا الحديث ليس من أحاديث سعيد المقبري، بل هو يشبه أحاديث عبد الله بن سعيد المقبري: ودليل ذلك كما يقول ابن رجب - C -: 1 - هذا حديث منكر بهذا الإسناد وإنما رواه عاصم بن محمد، عن عبد الله بن سعيد المقبري، عن أبيه. 2 - رواه معاذ بن معاذ، عن عاصم بن محمد، عن عبد الله بن سعيد، عن أبيه. وعبد الله بن سعيد شديد الضعف، قال: يحيى القطان ما رأيت أحدا أضعف منه". مثال: قال ابن رجب - رحمه الله -: "روى أبو جعفر العقيلي في كتابه "الضعفاء" قال: حدثنا إبراهيم بن محمد، وعلي بن عبد العزيز، قالا: حدثنا عمر بن يزيد الشيباني الرفا، قال: حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة، عن أبي وائل، عن عبد الله، عن النبي A، قال: "ما بال أقوام يشرفون المترفين، ويستخفون بالعابدين، ويعلمون بالقرآن ما وافق أهواءهم، وما خالف أهواءهم تركوه، فعند ذلك مؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض، يسعون فيما يدرك بغير سعي من القدر والمقدور، والأجل المكتوب، الرزق المقسوم، إلا يسعون فيما لا يدرك إلا بسعي من الجزاء الموفور، والسعي المشكور والتجارة التي لا تبور"؟

قال العقيلي: "ليس لهذا الحديث أصل من حديث شعبة، هذا الكلام عندي، والله أعلم، يشبه كلام عبد الله بن المسور الهاشمي المدائني، وكان يضع الحديث. وقد روى عن عمرو بن مرة، عنه. ولعل هذا الشيخ - الذي هو عمر بن يزيد الرفا - روى عن رجل عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن المسور فأحاله على شعبة". وهكذا أدرك العقيلي، وهو الناقد البصير، أن هذا الحديث من المحتمل أن يكون لرجل لم يذكر نهائيا في هذا الإسناد، وذلك: 1 - لغرابته عن شعبة، ولكون هذا الشيخ (عمر بن يزيد) مجهولا. 2 - لشبهه بأحاديث القصاص الذين يتألفون قلوب الناس بأحاديث يضعونها، فإن من يمعن النظر في هذا الحديث يرى فيه أثر الصنعة. 3 - لما كان عمرو بن مرة معروفا بالرواية عن أحد الكذابين، وهو عبد الله بن المسور، فإن العقيلي يرى أن هذا الحديث يشبه أحاديث هذا الوضاع، ولا يشبه حديث شعبة. هذه أمثلة ذكرها ابن رجب لهذا الضرب من العلة، وجعل لها قاعدة من قواعده، وصفها بالأهمية كما رأينا. وكتب العلل مليئة بهذا النوع من العلة وكثيرا ما يقال: حديث فلان أشبه، أو أشبه بالصواب، أو أشبه لسبب من الأسباب المرجحة. وفيما يلي بعض الأمثلة من كتب العلل الأخرى توقفنا على مزيد من البيان والإيضاح. جاء في علل الدارقطني: "سئل عن حديث عمر عن أبي بكر أنه قبل الحجر، وقال: لولا أني رأيت رسول الله A يقبلك ما قبلتك. فقال:

يرويه سليمان بن بلال، عن شريك بن أبي نمير، واختلف عنه. - فرواه أبو بكر الأعشى وهو عبد الحميد بن أبي أويس أخو إسماعيل بن أبي أويس عن سليمان بن بلال، عن شريك بن أبي نمر، عن عيسى بن طلحة، عن عمر، عن أبي بكر. - وخالفه خالد بن مخلد، وعبد الله بن وهب، فروياه عن سليمان بن بلال: عن شريك بن أبي نمر، عن عيسى بن طلحة عن رجل حدثه لم يسميا عمر لا غيره، عن أبي بكر. وقولهما أشبه بالصواب. وتابعهما عبد الملك بن مسلمة عن سليمان بن بلال". فالإسناد الذي أبهم فيه رجل أشبه بالصواب. قال ابن أبي حاتم: "سالت أبي عن حديث رواه الأعمش وفضيل بن عمرو، عن علقمة، عن عبد الله، قال النبي A: "لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من كبر" ... وذكر الحديث. ورواه ابن أبجر، عبد الملك بن سعيد بن أبجر، عن أبي معشر، عن إبراهيم عن الأسود، عن عبد الله، موقوفا. أيهما أصح. فقال: الأعمش وفضيل أضبط من أبي معشر، وهو أشبه بالصواب". قال ابن أبي حاتم: "سألت أبي عن حديث رواه موسى بن خلف، وحماد بن زيد، وأحسبه عن أنس. وقال موسى: عن أنس، عن النبي A "من كانت له ابنتان أو ثلاث كنت أنا وهو كهاتين. قال أبي:

رواه حماد بن سلمة عن ثابت، عن عائشة، عن النبي A هو أشبه بالصواب وحماد أثبت الناس في ثابت، وعلي بن زيد". هذه أمثلة كان الحكم فيها بصيغة أشبه بالصواب، وذلك عند مقارنة إسنادين، أو رواية رجلين، ويكون أحدهما أقرب إلى الصحة من الآخر. وكثيرا ما تكون هذه العبارة مبررة بقرينة تؤيدها. وفيما يلي عبارات من العلل لابن أبي حاتم ومن العلل الكبير للترمذي فيها مثل هذا التبرير: - قال أبو زرعة: محمد بن يزيد أشبه عن أبيه، لأنه أفهم لحديث أبيه. - حديث عنبسة وعمرو أشبه عندي. إذ اتفق عليه النفسان، وهما الرواة عن الزبير بن عدي. - قال أبو زرعة: عبد الله بن الربيع، عن أبي بردة، عن الربيع بن خيثم أشبه، الرواية من طريق الثوري. - "قال أبي: ابن عباس أشبه، لأن أيوب أشبههم وأحفظهم". أي الرواية التي تنتهي بابن عباس أشبه من الرواية الأخرى، لأن رواية ابن عباس جاءت من طريق أيوب. - "لم يسمع يحيى بن أبي كثير من نوف شيئا، إنما روى عن زيد بن سلام عن أبي سلام عن نوف وهو أشبه"، أي أن الرواية الثانية سليمة من الانقطاع، خلافا للأولى.

هذه أشبه، وزكريا لزم الطريق، ومعنى لزم الطريق دخل على إسناد آخر لشهرة رجاله، وترك إسناده الصحيح. - مرسل أشبه، يحيى بن جعدة لم يلق ابن مسعود. - لا يشبه هذا الحديث حديث الأعمش، لأن الأعمش لم يرو عن أبي تميمة شيئا، وهو بأبي إسحاق أشبه. أي أن الوهم أدخل الأعمش مكان أبي إسحاق. - لا يرفعون هذا الحديث، والموقوف عندنا أشبه. - حديث عقيل، عن الزهري أشبه من حديث عبد الله بن بشير، عنه، لأن عقيلا معروف بالرواية عن الزهري. - وحديث يونس بن أبي إسحاق أشبه من حديث عمار بن زريق عن أبي إسحاق، لأن عمار بن زريق سمع من أبي إسحاق بأخرة. - وحديث همام عن قتادة أشبه، وهو ثقة حافظ. وذلك في مقابل رواية عبد الأعلى بن سعيد عن قتادة. - حديث أبي سلمة، عن أبي هريرة أشبه، وعكرمة بن عمار يغلط الكثير في أحاديث يحيى بن أبي كثير، وفي ذلك ترجيح رواية محمد بن عمرو، عن أبي سلمة عن أبي هريرة، على رواية عكرمة بن عمار عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة.

- قال أبي، حديث منصور أشبه، لأن حديث أبي هاشم رواه حجاج بن دينار، عن أبي هاشم وحجاج ليس بالقوي، وفي حديث الربيع بن أنس دونه مصعب بن حيان، عن مقابل بن حيان. قال أبو زرعة: حديث منصور أشبه، لأن الثوري رواه وهو أحفظهم. - حديث أبي معمر أشبه من حديث عبد الصمد بن عبد الوارث، لأن ابن بريدة يروي عن ابن عمر في حديث عبد الصمد، قلت لأبي: ابن بريدة أدرك ابن عمر؟ قال: أدركه ولم يبين سماعه منه. - وهيب أشبه، ووهيب أتقن وأوثق من أبي معاوية. - وحديث إسرائيل أشبه، إذ كان هو أحفظ. - وهو أشبه عندي، لأن الثوري أحفظهم. - قال أبي: لا يحتمل عندي أن يكون من حديث ابن عمر، عبد الله بن عمرو أشبه. وذلك في حديث: كل مسكر حرام، وهو مشهور عن ابن عمرو، وتشابه عمر وعمرو يوقع في مثل هذا الوهم، فقال أبوا حاتم "بابن عمرو أِشبه". - قيل لأبي: أيهما أصح؟ قال: المسعودي أفهم بحديث عون، وهو أشبه.

هذه الأمثلة تعرض لأسانيد وقع الاختلاف فيها، فحاول النقاد بيان الأشبه بالصواب، وكذلك الحال عندما يقع الاختلاف في المتون، فإنهم يلتمسون لأحدهما المرجح على بقيتها، وذلك فيما لا يمكن فيه الجمع من هذه المتون. مثال: قال الترمذي: "حدثنا أبو موسى بن المثنى، حدثنا محمد بن جعفر، ثنا شعبة، عن الحكم، عن القاسم بن مخيمرة، عن عمرو بن شرحبيل، عن قيس بن سعد: كنا نصوم يوم عاشوراء ونعطي زكاة الفطر قبل أن ينزل علينا.. الحديث. حدثنا محمد بن بشار، حدثنا ابن مهدي، حدثنا سفيان، عن سلمة بن كهيل، عن القاسم، عن أبي عمار، عن قيس بن سعد، قال: أمرنا بصوم عاشوراء. سألت محمدا عن هذا الحديث فقلت له: حديث الحكم، عن القاسم بن مخيمرة، عن عمرو بن شرحبيل، عن قيس بن سعد أصح؟ أو حديث سلمة بن كهيل عن القاسم، عن أبي عمار، عن قيس بن سعد؟. فقال لم أسمع أحدا يفضي في هذا بشيء، إلا أن حديث سلمة بن كهيل أشبه عندي، لأن هذا خلاف ما يروى عن النبي A في زكاة الفطر. قال ابن عمر: فرض رسول الله A زكاة الفطر". ولما كان التمييز بين الأسانيد "بهذه العبارة" يحمل ما يبرره، فلا بأس أن نقول: إننا نعرف أن سندا ما هو أشبه بالصواب، لأحد الأسباب التالية: 1 - أشبه، لأنه أضبط، أو أتقن، أو أوثق، أو أثبت في شيخ ما، أو أفهم بحديث أبيه أو شيخه أو قطرة.

2 - أشبه، لأن رواته أكثر. 3 - أشبه، لأن سمع وغيره لم يسمع، أو أدرك وغيره لم يدرك. 4 - أشبه، لأن هذا الحديث مشهور عنه وغريب عن غيره. 5 - أشبه، لأن غيره لزم الطريق. 6 - أشبه، لأن غيره خلاف ما يروى عن النبي A. وهكذا فقد دلنا استقراء هذه العبارة في كتب العلل أنها تعني الأسلم والأقرب إلى الصواب. وينبغي أن أنبه إلى أن هذا لا يعني دائما صحة الإسناد في اصطلاح المحدثين، إذ قد يكون الإسناد أشبه بالصواب ويكون مرسلا أو معضلا والله أعلم

الفصل الرابع دراسة لمباحث في مصطلح الحديث من كتاب شرح علل الترمذي

الفصل الرابع دراسة لمباحث في مصطلح الحديث من كتاب شرح علل الترمذي

تمهيد

تمهيد تعرضنا فيما سبق للمادة الرئيسة في شرح علل الترمذي وهي مادة علم العلل، وحاولنا إبراز بناء متكامل لهذا العلم، مستمدا من كتاب ابن رجب، ومسترشدا بالأصول التي اعتمد عليها. وأما الجزء التالي من الدراسة فجعلته لدراسة مباحث في مصطلح الحديث خرج فيها ابن رجب عن المألوف، وأظهر فيها براعة وإبداعا، وقد جعلت هذا الفصل في ثلاثة مباحث، هي: المبحث الأول: في المرسل. المبحث الثاني: في العنعنة. المبحث الثالث: في زيادة الثقة.

المبحث الأول في المرسل عند ابن رجب مقارنا بآراء غيره من العلماء

المبحث الأول في المرسل عند ابن رجب مقارنا بآراء غيره من العلماء تعريف المرسل في الاصطلاح: يطلق المرسل عند علماء المصطلح على قول التابعي: قال رسول الله A، وهو ما اختاره الحاكم في معرفة علوم الحديث، وسار عليه أبو عمرو بن الصلاح في مقدمته، تابعه على ذلك شراح المقدمة ومختصروها. أما الخطيب البغدادي فقد أطلق المرسل على ما انقطع إسناده مطلقا، وعليه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي وأبو زرعة وأبو حاتم الرازيان،والدارقطني وهو المشهور عند الفقهاء والأصوليين.

ورغم هذا الاختلاف الظاهر في الاصطلاح إلا أن الحقيقة المختلف عليها واحدة، وبيان ذلك: أن المرسل عند أهل المصطلح نوع خاص من المنقطع، وهو ما انقطع بعد التابعي، وقول الخطيب ومن سبقه أو لحقه عام في كل منقطع، يضاف إلى هذا أن المرسل الذي دار حوله الخلاف، بين التصحيح والتضعيف والقبول والرد، هو مرسل التابعي، وأما المنقطع دون التابعي فهذا لا جدال في ضعفه، وأهل الاصطلاح وغيرهم يقرون بضعفه. ولما كانت صورة الخلاف الحقيقي هي مرسل التابعي كانت صور الانقطاع الأخرى محل نزاع لفظي لا نزاع حقيقي. المرسل عند ابن رجب: أما ابن رجب فإنه لم يتعرض لتعريف المرسل كما فعل سلفه وخلفه من أهل المصطلح، وإنما اكتفى بالأمثلة التطبيقية تحدد مفهومه عن المرسل، وفي شرح العلل له تبعا لأصله، صور من المرسل، هاك أمثلتها: 1 - أن يقول التابعي: قال رسول الله A كما كان يفعل سعيد بن المسيب والحسن البصري وعطاء بن أبي رباح ويحيى بن أبي كثير. وهذا هو الأعم الأغلب في المرسلات. 2 - أن يسقط التابعي راويا بينه وبين الصحابي: كرواية مجاهد عن علي، وبينهما ابن أبي ليلى. أو يقال: سعيد بن المسيب عن عمر حجة، رغم انه لم يسمع من عمر كثيرا، ولكنه أرسل عنه كثيرا. 3 - أن يقول تابع التابعي: قال رسول الله A كمالك مثلا، ومن في طبقته جاء في علل الترمذي قوله: قال علي: قلت ليحيى: فمرسلات مالك؟ قال: هي أحب إلي. ثم قال يحيى: ليس في القوم أحد أصح حديثا من مالك.

عرض الترمذي لمذاهب العلماء في المرسل / واعتراضات ابن رجب عليه: المذهب الأول - تضعيف المراسيل: وفي ذلك يقول الترمذي: "والحديث إذا كان مرسلا فإنه لا يصح عند أكثر أهل الحديث". ومن أهل الحديث الذين استدل الترمذي بقولهم الإمام الزهري الذي قال لإسحاق بن أبي فروة، وكان يرسل الحديث مالك - قاتلك الله - تجيئنا بأسانيد لا خطم لها ولا أزمة، فرأى الإمام الترمذي أن هذا دليل على تضعيف الزهري لمطلق المراسيل، وانه لا يحتج بها. ولكن ابن رجب اعترض في الشرح على هذا الاستدلال، وقال: ليس هذا دليلا على رد الزهري للمراسيل عموما، وإنما هو تضعيف خاص لمراسيل ابن أبي فروة الذي عرف أن الإرسال عادة له، ويضاف هذا إلى ما كان عليه هذا الرجل من الضعف، إذ أن كتب الجرح طافحة بكلام العلماء في جرحه. وأما بيان المحدثين الذين قالوا بتضعيف المرسل فلم يرد على لسان الترمذي، وإنما ذكر على سبيل الإجمال أن هذا مذهب أكثر أهل الحديث، ولقد ذكر الحاكم أبو عبد الله أسماء عدد من هؤلاء المحدثين. وفي هذا يقول ابن رجب: وحكاه الحاكم عن جماعة من أهل الحديث من فقهاء الحجاز وسمى منهم: سعيد بن المسيب، والزهري، ومالك بن أنس، والأوزاعي، والشافعي وأحمد، فمن بعدهم من فقهاء المدينة. وبعد إجمال الترمذي وبيان الحاكم قال ابن رجب: وفي حكايته عن أكثر من سماهم نظر، ولا يصح عن أحدهم الطعن في المراسيل عموما، ولكن في بعضها. وهذا اعتراض وجيه من ابن رجب على الترمذي والحاكم، لأن لكل واحد من أهل الحديث كلاما طويلا في المراسيل، وهو كلام يدل على تفاوتها في الاحتجاج والرتبة، حتى يصل بعضها إلى منتهى درجات الضعف، فيقال:

مرسلات فلان رياح. وفي الوقت نفسه يقول نفس القائل ومرسلات فلان أحب إلي، أو يقول: ومرسلات فلان صحاح. وكلام يحيى بن سعيد القطان الذي ذكره الترمذي يبين قدر التفاوت بين المرسلات. قال ابن رجب: وذكر الترمذي - أيضا - كلام يحيى بن سعيد القطان في أن بعض المرسلات أضعف من بعض. ومضمون ما ذكره عنه تضعيف مرسلات عطاء، وأبي إسحاق والأعمش، والتيمي، ويحيى بن أبي كثير والثوري، وابن عيينة، وأن مرسلات مجاهد، وطاوس، وسعيد بن المسيب، ومالك أحب إليه منها. ضابط التفاوت بين المراسيل: وهذا التفاوت الكبير بين المراسيل يحتاج إلى ضابط يحكم هذه المرسلات ويحدد قيمتها العلمية، وهذا ما استدركه ابن رجب على الترمذي عندما عرض آراء يحيى بن سعيد القطان الكثيرة، فقال ابن رجب: وكلام يحيى بن سعيد في تفاوت مراتب المرسلات بعضها على بعض يدور على أربعة أسباب: أحدهما: أن من عرف بروايته عن الضعفاء ضعف مرسله بخلاف غيره. الثاني: أن من عرف له إسناد صحيح إلى من أرسل عنه فإرساله خير ممن لم يعرف له ذلك. وهذا معنى قوله: مجاهد، عن علي ليس به بأس، قد أسند عن ابن أبي ليلى عن علي. الثالث: إن من قوي حفظه يحفظ كل ما يسمعه، ويثبت في قلبه، ويكون فيه ما لا يجوز الاعتماد عليه، بخلاف من لم يكن له قوة الحفظ ولهذا كان سفيان إذا مر بأحد يتغنى يسد أذنيه حتى لا يدخل إلى قلبه ما يسمعه منه، فيقر فيه، وقد أنكر مرة يحيى بن معين على علي بن عاصم حديثا، وقال: ليس هو من

حديثك إنما ذوكرت به فوقع في قلبك، فظننت أنك سمعته ولم تسمعه، وليس هو من حديثك. الرابع: إن الحافظ إذا روى عن ثقة لا يكاد يترك اسمه، بل يسميه، فإذا ترك اسم الراوي دل إبهامه على أنه غير مرضي، وقد كان يفعل ذلك الثوري وغيره، يكتبون عن الضعيف ولا يسمعونه، بل يقولون، عن رجل وهذا معنى قول القطان: لو كان فيه إسناد صاح به، يعني: لو كان أخذه عن ثقة لسماه. وبناء على هذه الضوابط التي قعدها ابن رجب نحكم على مرسلات الزهرى والشعبي بالضعف، كما نحكم على مرسلات كل من عرفنا له رواية عن الضعفاء. ولا يفوتني هنا أن أنوه بعقلية ابن رجب العلمية القادرة على جمع نثار المتفرقات ضمن قواعد وضوابط. ورغم هذا التفاوت في المراسيل، ورغم الضوابط التي وضعها ابن رجب لكلام يحيى القطان إلا أن المراسيل تبقى في دائرة الضعيف، وقد ذكر ابن رجب كلاما لابن المبارك، وابن سيرين، وأبي حاتم، وأبي زرعة والدارقطني، يشهد بضعف المراسيل. المذهب الثاني - الاحتجاج بالمرسل: قال ابن رجب، وحكاه الترمذي عن بعض أهل العلم، وذكر كلام النخعي أنه كان إذا أرسل فقد حدثه به غير واحد. قال ابن رجب: "وقد استدل كثير من الفقهاء بالمرسل، وهو الذي ذكره أصحابنا أنه الصحيح عن الإمام أحمد، وهو قول أبي حنيفة وأصحابه، وأصحاب مالك وحكى الاحتجاج بالمرسل عن أهل الكوفة وعن أهل العراق جملة، وحكاه الحاكم عن إبراهيم النخعي، وحماد بن أبي سليمان وأبي حنيفة".

رأي ابن رجب في الاحتجاج بالمرسل: بعد أن ذكر ابن رجب هذين المذهبين حاول التوفيق بينهما فقال: "واعلم انه لا تنافي بين كلام الحفاظ وكلام الفقهاء في هذا الباب، فإن الحفاظ إنما يريدون صحة الحديث المعين إذا كان مرسلا، وهو ليس بصحيح على طريقتهم، لانقطاعه وعدم اتصال إسناده. وأما الفقهاء فمرادهم صحة ذلك المعنى الذي دل عليه الحديث فإذا عضد ذلك المرسل قرائن تدل على أنه له أصلا قوي الظن بصحة ما دل عليه فاحتج به مع ما احتف به من القرائن. قال ابن رجب: "وهذا هو التحقيق في الاحتجاج بالمرسل عند الأئمة، كالشافعي وأحمد وغيرهما مع أن في كلام الشافعي ما يقتضي صحة المرسل حينئذ". القول الثالث في المرسل: وهو تصحيح المرسل بشروط: وهذا ما عليه الشافعي - C تعالى - ولقد عرض ابن رجب مضمون كلام الشافعي عرضا غير مسبوق إليه - فيما أعلم - فقال بعد أن ساق كلامه في الرسالة: وهو كلام حسن جدا، ومضمونه: إن الحديث المرسل يكون صحيحا ويقبل بشروط منها. 1 - في نفس المرسل، وهي ثلاثة: أحدهما: أن لا يعرف له رواية عن غير مقبول الرواية. ثانيهما: أن لا يكون ممن يخالف الحفاظ إذا أسند الحديث فيما أسندوه. ثالثهما: أن يكون من كبار التابعين فإنهم لا يروون غالبا إلا عن صحابي، أو تابعي كبير.

2 - وأما الخبر الذي يرسله: فيشترط لصحة مخرجه وقبوله أن يعضده ما يدل على صحته، وأن له أصلا والعاضد له أشياء. أحدهما: وهو أقوها، أن يسنده الحفاظ المأمونون، من وجه آخر عن النبي A بمعنى ذلك المرسل، فيكون ذلك دليلا على صحة المرسل، وأن الذي أرسل عنه ثقة". وقد تنبه ابن رجب إلى ظاهر كلام الشافعي: "فيكون ذلك دليلا على صحة المرسل"، فرد قول من زعم أن العمل يكون عند الاعتضاد بالمسند، لا بالمرسل وذلك لتصريح الشافعي - C - بكون المسند دليلا على صحة المرسل. اعتراض ابن رجب على أبي العباس بن سريج: ذكر ابن رجب أن أبا العباس بن سريج يرى أن مراد الشافعي أن المرسل للحديث ينظر في مراسيله هل توافق ما أسنده الحفاظ المأمونون، فإن وجد ذلك كذلك فإن أي مرسل له بعد ذلك يقبل وإن لم يسنده الحفاظ. واعتراض ابن رجب على ابن سريج من وجهين: الوجه الأول: أنه مخالف لما فهم من كلام الشافعي وان العبرة في البحث عن عاضد لكل مرسل على حدة. الوجه الثاني: أن هذا الكلام قد يؤدي إلى خلاف المطلوب وذلك إذا وجدنا أن المرسلات الأولى، التي بحثنا عن عاضد لها، ليس لها ما يؤيدها، فنحكم على بقية مرسلاته بالضعف، وتكون النتيجة عكس ذلك إذا عثرنا على ما يعضد هذه المرسلات أولا، فنمد الأمر إلى باقي المرسلات ونحكم لها بالصحة. والثاني: أن يوجد مرسل آخر موافق له عن عالم يروي عن غير من يروي

عنه المرسل الأول، فيكون ذلك دليلا على تعدد مخرجه، وهذا الثاني أضعف من الأول. والثالث: أن لا يوجد شيء مرفوع يوفقه، لا مسند ولا مرسل، لكن يوجد ما يوافقه من كلام بعض الصحابة فيستدل به على أن للمرسل أصلا صحيحا أيضا، لأن الظاهر أن الصحابي إنما أخذ قوله عن النبي A. والرابع: أن لا يوجد للمرسل ما يوافقه، لا مسند، ولا مرسل، ولا قول صحابي، لكنه يوجد عامة أهل العلم على القول به، فإنه يدل على أن له أصلا. المرسل المعتضد بالقرائن دون المتصل الصحيح: وبالرغم من صحة المرسل إذا وجدت معه بعض هذه القرائن، إلا أن الشافعي - C - لا يجعله في منزله المتصل، وذلك لورود بعض الاحتمالات عليه كأن يكون أصل المرسل ضعيفا، ولو وجد حديث صحيح بمعناه، وإن عضده مرسل فيحتمل أن يكون أصلهما واحد ... وهكذا. موقف الشافعي من مراسيل ابن المسيب: ظاهر كلام الشافعي انه يقبل مراسيل ابن المسيب جميعها، ونجد هذا في قوله: لا نحفظ لابن المسيب منقطعا إلا وجدنا ما يدل على تسديده، وكلام الشافعي - C - ليس على إطلاقه إذ أنه يقول بمرسل ابن المسيب إذا احتفت به القرائن التي سبق ذكرها واشتراطها لقبول المرسل، ولذلك فإن الشافعي لم يقبل مرسل ابن المسيب في زكاة الفطر "مدين من حنطه" ولا بمرسله في التولية في الطعام ولا بمرسله في دية المعاهد، ولا بمرسله "من ضرب أباه فاقتلوه". وبذلك يكون كلام الشافعي محمولا على المراسيل المؤيدة بالقرائن أو التي لا معارض لها.

موقف الشافعي من مراسيل غير ابن المسيب: ولا يقتصر الشافعي على تصحيح مرسل ابن المسيب إذا احتفت به القرائن بل يحكم كذلك بصحة غيره من مراسيل كبار التابعين إذا وجدت الشروط المطلوبة. وقد نقل ابن رجب كلاما للبيهقي في هذا "أنكر فيه البيهقي على أبي محمد الجويني قوله: لا تقوم الحجة بسوى مرسل ابن المسيب، وأنكر البيهقي صحة ذلك عن الشافعي، قال ابن رجب، وكأنه لم يطلع على رواية الربيع عنه التي قدمنا ذكرها. ورواية الربيع عنه قوله في الرهن الصغير: كيف قبلتم عن ابن المسيب منقطعا ولم تقبلوه عن غيره؟ قال: لا نحفظ لابن المسيب منقطعا إلا وجدنا ما يدل على تسديده ولا أثر عن أحد عرفناه عنه إلا عن ثقة معروف، فمن كان مثل حاله قبلنا منقطعه". وفي رواية الربيع هذه لا يعتد الشافعي بمرسل ابن المسيب فقط، بل يؤكد على قبول مرسل من كانت حاله كحال ابن المسيب، وهذا يجعل قول الجويني مردودا قال البيهقي: وليس الحسن، وابن سيرين، بدون كثير من التابعين وإن كان بعضهم أقوى مرسلا منهما، أو من أحدهما، وقد قال الشافعي بمرسل الحسن حين اقترن به ما يعضده في مواضع منها: "النكاح بلا ولي"، وفي "النهي عن بيع الطعام حتى يجري فيه الصاعان"، وقال بمرسل طاوس، وعروة، وأبي أمامة بن سهل، وعطاء بن أبي رباح، وعطاء بن يسار، وغيرهم من كبار التابعين، حين اقترن به ما أكده. وبهذا يكون المرسل عند الشافعي قسمين: 1 - صحيح محتج به، وهو مراسيل كبار التابعين بشرائط مخصوصة، ومرسل ابن المسيب وغيره في ذلك سواء.

2 - ضعيف غير محتج به: وهو كل مرسل فقد الشرائط المذكورة، ومرسل ابن المسيب وغيره في ذلك سواء. اتفاق الإمام أحمد مع الشافعي في هذا المذهب: الشائع والمعروف عند أهل المصطلح أن الشافعي انفرد بهذا المذهب في المراسيل، ولكن ابن رجب يثبت في شرح الترمذي أن الإمام أحمد يشارك الشافعي في هذا، فنجده يقول: "وهذا المعنى الذي ذكره الشافعي من تقسيم المراسيل إلى صحيح محتج به، وغير محتج به، يؤخذ من كلام غيره من العلماء، كما تقدم عن أحمد وغيره تقسيم المراسيل إلى صحيح وضعف، ولم يصحح أحمد المرسل مطلقا، ولا ضعفه مطلقا، وإنما ضعف مرسل من يأخذ عن غير ثقة، كما قال في مراسيل الحسن وعطاء، وهي أضعف المراسيل، لأنهما يأخذان عن كل أحد. وقال أيضا: لا تعجبني مراسيل يحيى بن أبي كثير لأنه يروي عن رجال ضعاف صغار. وقال مهنا: قلت لأحمد: لم كرهت مرسلات الأعمش؟ وقال: كان الأعمش لا يبالي عمن حدث". "قال أبو طالب: قلت لأحمد: سعيد بن المسيب عن عمر حجة؟ قال: هو عندنا حجة، قد رأى عمر، وسمع منه". الأصل الذي بنى عليه الإمام أحمد احتجاجه بالمرسل: عرفنا ان الأصل الذي بنى عليه الشافعي احتجاجه بالمرسل هو إلحاق المرسل بالصحيح إذا احتفت به القرائن. أما الإمام أحمد فقد بنى احتجاجه بالمراسيل على قاعدة معروفة عنه وهي: العمل بالحديث الضعيف ما لم يرد خلافه: قال الأثرم: كان أبو عبد الله ربما كان الحديث عن النبي A

وفي إسناده شيء، فيأخذ به إذا لم يجئ خلافه أثبت منه مثل حديث عمرو بن شعيب، وإبراهيم الهجري، وربما أخذ بالحديث المرسل إذا لم يجئ خلافه. وقال أحمد في رواية مهنا، في حديث معمر عن سالم، عن ابن عمر: "إن غيلان أسلم وعنده عشر نسوة". قال أحمد: ليس بصحيح والعمل عليه، ويعني أن الحديث لم يصح، مع أن العمل عليه، بأن يطلق ما عدا أربع نسوة. وكلام أحمد هذا ينطبق على المرسل الذي احتفت به القرائن، قال الإمام أحمد في حديث عراك، عن عائشة، تروي عن النبي A قوله: "حولوا مقعدتي إلى القبلة" هو أحسن ما روي في الرخصة وإن كان مرسلا فإن مخرجه حسن، ويعنى بإرساله أن عراكا لم يسمع من عائشة، وقال: إنما يروى عن عروة عن عائشة. فلعله حسنه لأن عراكا قد عرف أنه يروي حديث عائشة، عن عروة عنها. قال ابن رجب: "وظاهر كلام أحمد أن المرسل عنده من نوع الضعيف، ولكنه يأخذ بالحديث إذا كان فيه ضعف، ما لم يجئ عن النبي A أو عن أصحابه خلافه".

المبحث الثاني في العنعنة عند ابن رجب مقارنا بآراء غيره من العلماء

المبحث الثاني في العنعنة عند ابن رجب مقارنا بآراء غيره من العلماء العنعنة في اصطلاح المحدثين: العنعنة من عنعن الحديث إذا رواه بـ (عن) من غير بيان التحديث، أو الإخبار، أو السماع، ويلحق بالمعنعن المؤنن، وهو ما روى بـ (أن) من غير بيان التحديث، أو الأخبار، أو السماع كذلك. ولقد أولت كتب المصطلح هذه الصيغة قدرا من الاهتمام، ودار جدل كثير حولها، وذلك إنما يرجع إلى أنها تحتمل الاتصال، كما تحتمل الانقطاع. وقد اتخذ منها المدلسون وسيلة يتوصلون بها إلى مرادهم، يضاف إلى هذا كثرة الإرسال في الأسانيد المعنعنة. وأمام هذه المشكلة من مشاكل الاصطلاح تباينت أنظار العلماء، فرأى الإمام مسلم في مقدمة صحيحه أن المعاصرة والبراءة من التدليس شرطان لا بد من توفرهما لرفع احتمال الانقطاع، وأما البخاري وشيخه علي بن المديني فإنهما يشترطان ثبوت اللقاء، وهو مقتضى كلام الشافعي. وروي عن أبي المظفر بن السمعاني أنه اشترط طول الصحبة بين المعنعن الذي فوقه، وأما أبو عمرو الداني

فيشترط أن يكون الراوي معروفا بالرواية عن المعنعن، واشترط أبو الحسن القابسي إدراك الناقل للمنقول عنه إدراكا بينا. وما يهمنا من هذه الآراء اثنان: رأي البخاري وابن المديني، ورأي الإمام مسلم الذي حرره في مقدمة الصحيح. أما رأي البخاري فيتلخص باشتراط ثبوت اللقاء بين الراوي وشيخه، وهذا الرأي استقرأه العلماء من خلال النظر في كتاب البخاري، ورأى بعضهم أن هذا الشرط شرط صحة، لا يصح الحديث إلا به، وهو مقتضى كلام الإمام مسلم في مقدمته ومنهم من يرى أن هذا الشرط هو شرط كتاب، لم يلتزمه البخاري في الأحاديث التي صححها خارج كتابه. وأما رأي مسلم فيتلخص باشتراط المعاصرة، وهي تساوي إمكان اللقاء، ويضاف إليها البراءة من التدليس. وفيما يلي عرض لرأي الإمام مسلم، ثم عرض لرأي ابن رجب في هذه المسألة واعتراضه على الإمام مسلم. ثم نورد في ختام هذا البحث ما نرجحه ونراه أقرب وأوفق - إن شاء الله -. عرض لرأي الإمام مسلم - C -: "قال الإمام مسلم - C - في مقدمة صحيحة: وزعم القائل الذي افتتحنا الكلام على الحكاية عن قوله، والإخبار عن سوء رويته، أن كل إسناد لحديث فيه: فلان عن فلان، وقد أحاط العلم بأنهما قد كانا في عصر واحد، وجائز أن يكون الحديث الذي روى الراوي عمن روى عنه قد سمعه منه وشافهه به، غير أنه لا نعلم له منه سماعا ولم نجد في شيء من الروايات أنهما التقيا قط، أو تشافها بحديث، أن الحجة لا تقوم عنده بكل خبر جاء هذا المجيء، حتى يكون عنده العلم بأنهما قد اجتمعا من دهرهما مرة فصاعدا،

أو تشافها بالحديث بينهما، أو يرد خبر فيه بيان اجتماعهما، وتلاقيهما مرة من دهرهما، فما فوقها، فإن لم يكن عنده علم ذلك، ولم تأت رواية صحيحة تخبر أن هذا الراوي عن صاحبه قد لقيه مرة، وسمع منه شيئا، ولم يكن في نقله الخبر عمن روى عنه ذلك حجة، وكان الخبر عنده موقوفا حتى يرد عليه سماعه منه لشيء من الحديث قل أو كثر. وهذا القول، في الطعن في الأسانيد، قول مخترع مستحدث، غير مسبوق صاحبه إليه، ولا مساعد له من أهل العلم عليه، وذلك أن القول الشائع المتفق عليه بين أهل العلم بالأخبار والروايات قديما وحديثا، أن كل رجل ثقة روى عن مثله حديثا، وجائز ممكن له لقاؤه والسماع منه، لكونهما جميعا كانا في عصر واحد، وإن لم يأت في خبر قط أنهما اجتمعا، ولا تشافها بكلام فالرواية ثابتة، والحجة بها لازمة، إلا أن يكون هناك دلالة بينة أن هذا الراوي لم يلق من روى عنه، أو لم يسمع منه شيئا، فأما والأمر مبهم على الإمكان الذي فسرنا، فالرواية على السماع أبدا حتى تكون الدلالة التي بينا. فيقال لمخترع هذا القول الذي وصفنا مقالته، قد أعطيت في جملة قولك أن خبر الواحد الثقة عن الواحد الثقة حجة، يلزم به العمل، ثم أدخلت فيه الشرط بعد، فقلت حتى نعلم أنهما كانا التقيا مرة فصاعدا، أو سمع منه شيئا، فهل تجد هذا الشرط الذي اشترطته عن أحد يلزم قوله؟ وإلا فهلم دليلا على ما زعمت". ويطيل الإمام مسلم في عرض هذا الموضوع، ويضيف إلى ما ذكر أمورا منها: 1 - إن التفتيش عن سماع كل راو عمن روى لم يعرف عن السلف فقال مسلم: "فإن ادعى قول أحد من علماء السلف طولب به ولن يجد هو ولا غيره إلى إيجاده سبيلا".

2 - ويجيب الإمام مسلم على قول من يرى أن احتمال الإرسال قائم في صيغة العنعنة، ولذلك اشترط التفتيش عن اللقاء أو السماع، ولو مرة واحدة، فيقول: "فإن كانت العلة في تضعيفك الخبر وتركك الاحتجاج به إمكان الإرسال فيه لزمك أن لا تثبت إسنادا معنعنا حتى ترى فيه السماع من أوله إلى آخره وذلك أن الحديث الوارد علينا بإسناد هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة، فبيقين نعلم أن هشاما قد سمع من أبيه، وأن أباه قد سمع من عائشة، كما نعلم أن عائشة قد سمعت من النبي A وقد يجوز إذا لم يقل هشام في رواية يرويها عن أبيه: سمعت أو أخبرني، أن يكون بينه وبين أبيه في تلك الرواية إنسان آخر، أخبره بها عن أبيه، ولم يسمعها هو من أبيه، لما أحب أن يرويها مرسلا، ولا يسندها إلى من سمعها منه. وكما يمكن ذلك في هشام عن أبيه فهو أيضا ممكن في أبيه عن عائشة - Bها - ". 3 - ويذكر الإمام مسلم لتأييد مذهبه طائفة من الأسانيد التي حكم عليها بالصحة مع أن رواتها لم يثبت لهم لقاء بشيوخهم، ولا سماع منهم، فقال: (فمن ذلك أن عبد الله بن يزيد الأنصاري، وقد رأى النبي A وقد روى عن حذيفة وأبي مسعود الأنصاري، عن كل واحد منهما حديثا يسنده إلى النبي A وليس في روايته عنهما ذكر السماع منهما، ولا حفظنا في شيء من الروايات أن عبد الله بن يزيد شافه حذيفة وأبا مسعود بحديث قط، ولا وجدنا ذكر رؤيته إياهما في رواية بعينها، ولم نسمع من أحد من أهل العلم ممن مضى، ولا ممن أدركنا أنه طعن في هذين الخبرين. ولو ذهبنا نعدد

الأخبار الصحاح عند أهل العلم، ممن يهن بزعم هذا القائل، ونحصيها لعجزنا عن تقصي ذكرها". ابن رجب يعارض مسلما، وينتصر للرأي المنسوب للبخاري: وقف الإمام ابن رجب موقف المعارض للإمام مسلم، وساق كلاما طويلا في هذه المسألة ينصر به الرأي المنسوب للإمام البخاري، وفي ذلك يقول: "وما قاله ابن المديني والبخاري هو مقتضى كلام أحمد، وأبي زرعة، وأبي حاتم، وغيرهم من أعيان الحفاظ، بل كلامهم يدل على اشتراط ثبوت السماع، فإنهم قالوا في جماعة من الأعيان ثبتت لهم الرواية عن بعض الصحابة، وقالوا مع ذلك لم يثبت لهم السماع منهم فرواياتهم عنهم مرسلة. منهم الأعمش، ويحيى بن أبي كثير، وأيوب، وابن عون، وقرة بن خالد، رأوا أنسا، ولم يسمعوا منه، فرواياتهم عنه مرسلة، كذا قاله أبو حاتم، وقاله أبو زرعة في يحيى بن أبي كثير. وقال أحمد في يحيى بن أبي كثير: رأى أنسا، فلا أدري سمع منه أم لا؟ ولم يجعلوا روايته عنه متصلة لمجرد الرواية. والرواية أبلغ من إمكان اللقى، وكذلك كثير من صبيان الصحابة رأوا النبي A ولم يصح لهم سماع فرواياتهم عنه مرسلة، كطارق بن شهاب وغيره، وكذلك من علم منه أنه مع اللقاء لم يسمع ممن لقيه إلا شيئا يسيرا، فرواياته عنه زيادة على ذلك مرسلة، كرواية ابن المسيب عن عمر - Bهـ - فإن الأكثرين نفوا سماعه منه. وقال أبو حاتم: الزهري لا يصح سماعه من ابن عمر، رآه ولم يسمع منه، ورأى عبد الله بن جعفر، ولم يسمع منه، وأثبت أيضا دخول مكحول على واثلة بن الأسقع ورؤيته له ومشافهته، وأنكر سماعه منه. وقال أحمد: أبان بن عثمان لم يسمع من أبيه، من أين سمع منه؟ ومراده من أين صحت الرواية بسماعه منه، وإلا فإن إمكان ذلك واحتماله غير مستبعد".

ويواصل ابن رجب عرض أقوال العلماء الذين فتشوا عن السماع، ولم يكتفوا بمجرد المعاصرة، أو حتى اللقى والرواية، ويخلص من هذا العرض بقوله: "فدل كلام أحمد وأبي زرعة، وأبي حاتم، على أن الاتصال لا يثبت إلا بثبوت التصريح بالسماع. وهذا أضيق من قول ابن المديني والبخاري، فإن المحكى عنهما أحد أمرين: إما السماع، وإما اللقاء، وأحمد ومن تبعه لا بد عندهم من ثبوت السماع". ويقول ابن رجب أيضا: "اعتبار السماع أيضا لاتصال الحديث هو الذي ذكره ابن عبد البر، وحكاه عن العلماء، وقوة كلامه تشعر بأنه إجماع منهم، وقد تقدم أنه قول الشافعي أيضا". ما يستدل به على عدم ثبوت السماع وأما الدليل الذي يكشف عدم السماع والاتصال في الرواية، فهو كما يقول ابن رجب أحد أمرين: 1 - "أن يروي الراوي عن شيخ من غير أهل بلده، ولم يعلم أنه دخل إلى بلده، ولا أن الشيخ قدم إلى بلد كان الراوي عنه فيه، ومثاله ما نقله مهنا عن أحمد، قال: لم يسمع زرارة بن أوفى من تميم الداري، تميم بالشام وزرارة بصري، وقال ابن المديني: لم يسمع الحسن من الضحاك بن قيس كان الضحاك يكون بالبوادي 2 - أن يروي عمن عاصره أحيانا، ولكن لم يثبت عدم لقيه له، ثم يدخل أحيانا بينه وبينه واسطة. فهذا يستدل به هؤلاء الأئمة على عدم السماع، ومثاله: قال أحمد: البهي ما أراه سمع من عائشة إنما يروى عن عروة عن عائشة. وقال في حديث زائدة

دخول الوهم على الصيغ الصريحة يجعل التفتيش عن السماع في غير الصريحة أولى:

عن السدى عن البهي، قال حدثتني عائشة. قال: وكان ابن مهدي سمعه من زائدة، وكان يدع منه: حدثتني عائشة". دخول الوهم على الصيغ الصريحة يجعل التفتيش عن السماع في غير الصريحة أولى: لم يكتف ابن رجب بهذه الحملة على موقف الإمام مسلم الذي يقبل العنعنة بمجرد المعاصرة والبراءة من التدليس. ولم يكتف بإيراد مثل أو مثلين، إنما حشد الكثير من الأمثلة، وما تركناه منها أكثر، وزيادة في إيضاح مذهب من يشترط اللقاء نرى ابن رجب يمد يده الماهرة إلى بطون كتب العلل ليخرج منها أمثلة عديدة ورد فيها التصريح بالسماع، ولكن النقاد فتشوا عن هذا السماع فوجدوا أنه وهم من الراوي وذلك رغم جلالة الراوي وعظم شأنه، ويخلص ابن رجب إلى القول بأن الاحتمال قد يدخل على السماع، فمن باب أولى أن يدخل الاحتمال الكبير على العنعنة مع المعاصرة، فتكون منقطعة لا متصلة. قال ابن رجب: "وحينئذ ينبغي التفطن لهذه الأمور، ولا يعتبر بمجرد ذكر السماع والتحديث في الأسانيد، فقد ذكر ابن المديني أن شعبة وجدوا له غير شيء يذكر فيه الأخبار عن شيوخه، ويكون منقطعا. وذكر أحمد أن ابن مهدي حدث بحديث عن هشيم (أنا) منصور بن زاذان، قال أحمد: ولم يسمعه هشيم من منصور. ولم يصحح قول معمر وأسامة عن الزهري، سمعت عبد الرحمن بن أزهر. وقال أبو حاتم: الزهري لم يثبت له سماع من المسور، يدخل بينه وبين سليمان بن يسار وعروة بن الزبير. قال ابن رجب: وكلام أحمد، وأبي زرعة، وأبي حاتم، في هذا المعنى كثير جدا، يطول

خلاصة رد ابن رجب على الإمام مسلم:

لكتاب بذكره، كله يدور على أن مجرد ثبوت الرواية لا يكفي في ثبوت السماع، وأن السماع لا يثبت بدون التصريح به. وأن رواية من روى عمن عاصره تارة بواسطة، وتارة بغير واسطة، يدل على أنه لم يسمع منه، إلا أن يثبت له السماع منه من وجه". خلاصة رد ابن رجب على الإمام مسلم: ويخلص ابن رجب - C تعالى - بعد كل هذه الأدلة التي تنقض قول الإمام مسلم - C - واعتراضه على البخاري إلى القول: "فإذا كان هذا هو قول هؤلاء الأئمة الأعلام، وهم أعلم أهل زمانهم بالحديث وعلله وصحيحه وسقيمه مع موفقة البخاري وغيره فكيف يصح لمسلم - C - دعوى الاجماع على خلاف قولهم، بل اتفاق هؤلاء الأئمة على قولهم هذا يقتضي حكاية إجماع الحفاظ - المعتد بهم - على هذا القول، وأن القول بخلاف قولهم لا يعرف عن أحد من نظرائهم، ولا عمن قبلهم ممن هو في درجتهم وحفظهم، ويشهد لصحة ذلك حكاية أبي حاتم"، وهي قوله في يحيى بن أبي كثير: ما أراه سمع من عروة بن الزبير لأنه يدخل بينه وبينه رجلا، ورجلين، ولا يذكر سماعا ولا رؤية، ولا سؤاله عن مسألة. كلام ابن رجب في رده على مسلم: قوله: إن شعبة ومن بعده لا يفتشون عن السماع. وأما إنكار الإمام مسلم أن يكون التفتيش عن السماع هو مذهب شعبة أو من بعده، فإن ابن رجب يثبت خلافه، فيقول: "فقد أنكر شعبة سماع من روي سماعه ولكن لم يثبت، كسماع مجاهد من عائشة، وسماع أبي عبد الرحمن السلمي من عثمان وابن مسعود، وقال شعبة: أدرك أبو العالية عليا، ولم يسمع منه، ومرده أنه لم يرد سماعه منه، ولم يكتف بإدراكه، فإن أبا العالية سمع ممن

كلام ابن رجب على الأسانيد التي وصفها والإمام مسلم بالصحة ولم يثبت اللقاء فيها:

هو أقدم موتا من علي، فإنه قيل: إنه سمع من أبي بكر وعمر - Bهما - ". كلام ابن رجب على الأسانيد التي وصفها والإمام مسلم بالصحة ولم يثبت اللقاء فيها: وكان الإمام مسلم قد ذكر جملة من الأسانيد لم يتحقق فيها لقاء رواتها لشيوخهم، ومع هذا فإن العلماء صححوها ولم يطعنوا فيها ومثل ذلك حديث عبد الله بن يزيد وقيس بن أبي حازم عن ابن مسعود، والنعمان بن أبي عياش عن أبي سعيد. ورد ابن رجب كلام مسلم هذا بأن القول في هذه الأسانيد كالقول في غيرها ويقصد ابن رجب أنه لا بد من التفتيش عن اللقاء وثبوت السماع، وإلا فإن هذه الأسانيد تحمل على الانقطاع، وتكون مرسلة. ويرى ابن رجب أن اشتراط اللقاء عظم على مسلم حتى لا يؤدي ذلك إلى طرح الكثير من الأحاديث وترك الاحتجاج بها، ولكن ابن رجب يرى مخرجا من هذا وهو أن لا يحكم باتصالها ولكن يحتج بها مع اللقي كما يحتج بمرسل أكابر التابعين. ولقد انفرد ابن رجب بهذا الدعاء، بينما نجد السخاوي يخرج من هذه المسألة بما هو أسلم وأحكم فيقول: "وما خدشه به مسلم من وجود أحاديث اتفق الأئمة على صحتها مع أنها ما رويت إلا معنعنة، ولم يأت في خبر قط أن بعض رواتها لقي شيخه فغير لازم، إذ لا يلزم من نفى ذلك عنده نفيه في نفس الأمر".

ومقتضى كلام السخاوي أنه ما دام الأئمة قد صححوا هذه الأحاديث فإن هذا التصحيح يستلزم الحكم بثبوت اللقاء فيها. مناقشة ابن رجب فيما ذهب إليه: لقد فصل ابن رجب رأيه في هذه المسألة تفصيلا غير مسبوق به، ولم أجد مثله لأحد من العلماء قبله أو بعده. وإنما تناول السابقون واللاحقون هذه المسألة بإيجاز، سواء منهم من أيد الإمام مسلم، كالحاكم في معرفة علوم الحديث وكالنووي في تقريبه، والطيبي في خلاصته، ومن عارضه ونصر البخاري: كابن عبد البر في تمهيده، وابن الصلاح، والنووي في شرح مسلم. وجاء ابن حجر والسيوطي والسخاوي بعد ابن رجب يحملون مثل رأيه وينصرون البخاري كذلك. وإعجابنا بابن رجب وثناؤنا عليه لا يعني أننا نوفقه في هذه المسألة، وإنما ينصب إعجابنا على لكتاب بمجموعه وما فيه من سبق وتفصيل وسعة اطلاع، وتقعيد لقواعد علم العلل، والمصطلح بشكل عام. وأما اختياره في هذه المسألة، ففيما يلي تحليل ومناقشة ونقد لما ذهب إليه. أولا: من بدهيات هذه المسألة أن التفتيش عن اللقاء بين الراوي والمروي عنه أعم من التفتيش عن السماع ولو مرة، وأن التفتيش عن السماع ولو مرة أعم من التفتيش عن السماع في كل رواية.

ولم يكتف العلماء بهذا بل فحصوا السماع للتأكد من عدم دخول الوهم والخطأ على السماع. وابن رجب في رده على الإمام مسلم جمع بين هذه المراتب كلها، وساق الأدلة على أن العلماء فتشوا عن اللقاء بين الراوي والمروي عنه، ولم يكتفوا به بل فتشوا عن ورود السماع، ولم يكتفوا به بل فتشوا عن صحة السماع وعدم دخول الوهم والخطأ عليه. وهذا الذي جاء به ابن رجب ينقض مدعاه في نصرة البخاري، وهو يعارض البخاري كما يعارض مسلما، فالبخاري لم يشترط السماع الذي هو أخص من اللقاء، ولم يشترط البحث في سلامة كل سماع من الوهم والخطأ. ثانيا: لم يحدد ابن رجب رأيه في المسألة، وبعد عرض طويل مليء بالأمثلة الشواهد لم نعرف مراده بالتحديد، هل هو مع اشتراط اللقاء، أم مع اشتراط السماع، أم مع اشتراط تحقق السماع في كل مسألة. وقد أظهر من كلامه أنه أدخل التفتيش عن السماع في أصل الصحة، ولا يوافقه أحد من العلماء على ما ذهب إليه، وخاصة ألئك الذي كتبوا في المصطلح. ثالثا: يستدل ابن رجب على عدم السماع بأمرين ذكرهما عن الإمام أحمد: الأول - أن يكون الراوي ببلد غير بلد المروي عنه، ولم يعرف عن أحدهما النقلة إلى بلد الآخر. الثاني - أن يروي الراوي مباشرة عن شيخه ثم يدخل بينه وبينه واسطة. وليس في هذا ما ينصر مذهب ابن رجب لأن الإمام مسلما كذلك يبحث عن اللقاء في مثل هاتين الحالتين، لما فيهما من القرينة على انتقاء اللقاء، لأن الإمام مسلما يعتبر المعاصرة مع إمكان اللقاء لا مع القرينة على نفي اللقاء. وفي هذا يقول الإمام مسلم: فالرواية ثابتة، والحجة بها لازمة، إلا أن يكون هناك دلالة بينة، أن هذا الراوي لم يلق الراوي عنه.

ويقول الإمام مسلم كذلك: وإنما كان تفقد من تفقد سماع رواة الحديث ممن روى عن رجل ثم روى حديثا عن آخر عنه. ومن هذا كله يتبين لنا أن كلام الإمام مسلم ينصب على إمكان اللقاء العاري عن أية قرينة على خلافه. رابعا: إن الأمثلة التي ساقها ابن رجب للتدليل على رأيه لا تصلح للاستدلال، لأنها كلها حالات من العنعنة التي قامت القرينة على عدم الاتصال فيها، فمثلا: المعروف أن لقاء سعيد بن المسيب بعمر - Bهـ - لا يتسع لحجم رواية سعيد عنه، وهذا يكفي قرينة على عدم السماع ويدعو إلى التفتيش عنه في كل رواية. وكذلك كل من بحث من السلف عن اللقاء أو السماع إنما بحث لقيام قرينة ترجح جانب الانقطاع على الاتصال، وقد ذكرنا القرائن التي توجب التفتيش عن اللقاء أو السماع في الاعتراض الثالث السابق، وقلنا أن مذهب مسلم لا يعارض هذا. خامسا: وإنني أرى في ختام هذه المناقشة رأي مسلم أسلم وأوجه وأثبت وأنه يتناول أدنى مراتب الاتصال. ولا يمنع هذا أن يصنف غيره كتابا فيضيف شرطا، كشرط اللقاء أو السماع ولكن هذا الشرط يبقى شرط كتاب لا شرط صحة والله أعلم

المبحث الثالث في زيادة الثقة عند ابن رجب مقارنا بآراء غيره من العلماء

المبحث الثالث في زيادة الثقة عند ابن رجب مقارنا بآراء غيره من العلماء زيادة الثقة: عرض ابن رجب زيادة الثقة ضمن مباحث الغريب عند الترمذي. وذلك أن الغريب يطلق عند الترمذي بمعان: المعنى الأول: أن لا يروى الحديث في أصله إلا من وجه واحد. والمعنى الثاني: أن يكون الحديث في نفسه مشهورا لكن يزيد بعض الرواة في متنه زيادة تستغرب. والمعنى الثالث: أن يروى الحديث من أوجه كثيرة، وإنما يستغرب لحال إسناده من أسانيده. والغريب بالمعنى الثاني هو ما يسمى بزيادة الثقة في المتن، وللعلماء في قبول هذه الزيادة وردها كلام طويل. وقد فصل ابن رجب الكلام فيها أثناء عرضه وشرحه لعبارة الترمذي. والجدير بالذكر أن الصلة وثيقة بين علم العلل وبين هذا الفن من فنون الحديث، وكثيرا ما يجد الباحث في كتب العلل تطبيقات لزيادة الثقة، وأمام كل زيادة من هذه الزيادات تختلف الأنظار، وذلك حسب موفقة الزيادة أو مخالفتها للأصل المزيد عليه وحسن مكانة الراوي الذي جاء بهذه الزيادة. وقبل الدخول في عرض هذا الموضوع سنذكر كلام الترمذي، وقد تضمن

مثالا بين فيه صورة الزيادة، كما تضمن إجمالا سريعا لكلام العلماء فيها: قال الترمذي: "ورب حديث استغرب لزيادة تكون في الحديث، وإنما يصح إذا كانت الزيادة ممن يعتمد على حفظه، مثل ما روى مالك بن أنس، عن نافع، عن ابن عمر، قال: فرض رسول الله A زكاة الفطر في رمضان على كل حر وعبد ذكر أو أنثى من المسلمين: صاعا من تمر أو صاعا من شعير. فزاد مالك في هذا الحديث: "من المسلمين". وروى أيوب السختياني وعبيد الله بن عمر، وغير واحد من الأئمة هذا الحديث عن نافع، عن ابن عمر، ولم يذكر فيه "من المسلمين" وقد روى بعضهم عن نافع رواية مالك، ممن لا يعتمد على حفظه. وقد أخذ غير واحد من الأئمة بحديث مالك واحتجوا به، منهم الشافعي وأحمد بن حنبل". ويلاحظ على المثال الذي ذكره الترمذي ما يلي: 1 - إن رواة الأصل، دون زيادة، من مشاهير الثقات: أيوب وعبيد الله بن عمر. 2 - إن المستقل بالزيادة هو كذلك من الأعلام الثقات، وهو مالك بن أنس. 3 - إن موضوع المزيد والزيادة واحد وهو زكاة الفطر. 4 - إن الزيادة أعطت حكما جديدا وهو تقييد من تجب عليهم الزكاة بالمسلمين. عرض لآراء المحدثين والأصوليين في زيادة الثقة: عالجت كتب مصطلح الحديث والأصول هذا الموضوع، فطول بعضها، وبعضها اختصر، وبعضها اكتفى بإيراد الأمثلة والشواهد دون الخوض في

التفصيل والترجيح، كما فعل الحاكم في معرفة علوم الحديث، مع أن بعض الأمثلة التي ضربها كانت خارجة تماما عن موضوع زيادة الثقة وذلك لأمرين: 1 - إما لضعف راوي الزيادة، ونحن في زيادة الثقة، لا في زيادة الضعيف. 2 - وإما لتعدد مخرج الحديثين، ونحن في زيادة الثقة التي تتحد في المخرج مع الحديث الأصل. وكل حديثين في الموضوع الواحد اختلفا في المخرج وفي أحدهما زيادة في الحكم، فإنهما يخضعان للعموم والخصوص أو الإطلاق والتقييد. وقد نبه ابن رجب على هذا الفارق بين زيادة الثقة وغيرها. أما الخطيب البغدادي فقد فصل في كفايته هذا الموضوع، وعضده، بالأمثلة والشواهد وعرض آراء المحدثين بما فيه كفاية. وكما تناول الخطيب هذا الموضوع فقد تناوله ابن الصلاح في مقدمته، وجعل الزيادة على ثلاثة أقسام: (أ) قسم مخالف ومناف لما رواه سائر الثقات فمردود. (ب) قسم لا مخالفة ولا منافاة فيه لما رواه سائر الثقات، فهذا مقبول. (ج) قسم بين هاتين المرتبتين مثل زيادة لفظة في حديث لم يذكرها سائر من روى الحديث. ومع أن ابن الصلاح مثل للقسم الثالث بحديث جعلت لنا الأرض مسجدا، الذي وردت عليه زيادة "وتربتها طهورا" إلا أنه لم يمثل للقسم الأول، وكنت أظن أنه تقسيم نظري حتى وحدت مثالا يصلح لهذا القسم، وهو حديث السعاية الآتي فيما بعد.

ونظرا لكثرة الآراء في هذا المسألة فسأوجزها ضمن ثلاثة آراء رئيسية، هي: أولا: أن ترد الزيادة مطلقا، وحجة هذا الرأي أنه لا يعقل أن يجتمع الجماعة من الحفاظ على الشيء، ويكون قد غاب عنهم بعضه ليذكره واحد بمفرده دونهم. ثانيا: أن تقبل الزيادة مقيدة، وقد اختلفت الأنظار في القيد الذي تقبل الزيادة معه: 1 - إذا كان راوي الزيادة غير راوي الحديث بدونها قبلت. 2 - إذا توافر شرطان في راوي الزيادة قبلت، وهما: أن يذكر أنه سمع الحديث مرتين، وأن يذكر أن رواية الحديث بدونها كان نسيانا منه، وهذا قيد لمن يروي الزيادة والحديث. 3 - إذا كان رواة الزيادة أكثر من رواه الحديث، أو تساوي رواتها ورواة الحديث قبلت. 4 - إذا أفادت الزيادة حكما قبلت. 5 - إذا لم تغير الزيادة الإعراب قبلت. 6 - إذا لم تناف أصل الحديث قبلت، وإذا قيدت مطلقه قبلت، وهو رأي النووي، وابن الصلاح، وابن حجر، والسيوطي. 7 - إذا لم يكن رواة الحديث بدونها كثيرين بحيث لا يعقل أن يغفلوا عنها، قبلت. ثالثا: أن تقبل الزيادة مطلقا: وهو ما ذهب إليه جمهور الفقهاء والمحدثين وحكاه الخطيب عنهم، أن زيادة الثقة العدل الضابط مقبولة مطلقان ولا فرق بين

أن تكون من نفس الراوي الذي روى الحديث بدونها أو من غيره، تعلق بها حكم شرعي، أو لم يتعلق بها حكم، أوجبت نقصانا من أحكام ثبتت أو قيدت الحكم الثابت، ويشترط لقبولها أن يكون راويها عدلا حافظا، ومتقنا ضابطا، والدليل على هذا: (أ) لو انفرد الثقة بحديث لوجب قبوله، فإن قيل إن رواية الجماعة تشير إلى وهم وقع فيه الواحد بهذه الزيادة، يقال بجواز أن يكون الراوي أعاد الحديث بالزيادة، أو بجواز حضور بعضهم كل الحديث، وغياب بعضهم عن بعضه. (ب) إن الثقة العدل يقول: سمعت وحفظت ما لم يسمعه الباقون، وهم يقولون: ما سمعنا ولا حفظنا، فعند الزائد زيادة علم، والمثبت مقدم على النافي. الرأي المختار في المسألة: والرأي المختار أن تقبل الزيادة إذا كانت من حافظ يعتمد على حفظه، وهذا قول الترمذي، وهو ظاهر كلام الإمام أحمد كما ذكر ابن رجب، نقلا عن رواية صالح عنه قال في زيادة مالك: "من المسلمين": قد أنكر على مالك هذا الحديث، ومالك إذا انفرد بحديث هو ثقة، وما قال أحد بالرأي أثبت منه. وذكر ابن رجب رواية أخرى عن أحمد قال فيها: كنت أتهيب حديث مالك "من المسلمين" يعني حتى وجده من حديث العمري. وهذه الرواية ظاهرها يناقض الرواية السابقة، حتى قال ابن رجب: "وهذه الرواية تدل على توقفه، ولو جاءت الزيادة من مثل مالك بن أنس". ولكنني أرى أن تهيب أحمد لا يعني توقفه كما ذهب ابن رجب بل قد يكون قبول الزيادة مع هذا التهيب الذي زال عند مجيء المتابعة، والرواية الأولى صريحة في قبول الزيادة إذا كانت من مثل مالك عند أحمد".

وإذا كان الثقة غير مبرز بالحفظ فإن أحمد لا يقبل الزيادة منه مطلقا، ومثل ابن رجب لهذا بمثالين: الأول: بحديث تفرد به ابن فضيل عن الأعمش، عن عمارة بن عمير، عن ابن عطية، عن عائشة، في تلبية النبي A وذكر فيها "والملك لا شريك لك". ولا تعرف هذه عن عائشة، وإنما تعرف عن ابن عمر، وروى الثوري وأبو معاوية، عن الأعمش هذا الحديث، من غير هذه الزيادة. وبالرغم من أن ابن فضيل ثقة إلا أن الثوري وأبا معاوية أوثق منه في الأعمش، فمن ههنا لم يقبل أحمد هذه الزيادة. الثاني: روى شعبة وهمام، عن قتادة، حديث أبي هريرة، أن رجلا أعتق شقصا من غلام، فأجازه النبي A وغرمه بقية ثمنه. ورواه سعيد بن أبي عروة بزيادة ذكر الاستسعاء، وصورته أنه إذا كان العبد مشتركا بين رجلين، وأراد أحدهما أن يعتق العبد، وهذا يقتضي تصرفه في حصة شريكه، فإن لم يكن للمعتق مال يدفع قيمة حصة شريكه، فإن العبد يعمل ويسدد حصة الشريك. ولم يذهب الإمام أحمد إلى هذه الزيادة بالرغم من أن سعيد بن أبي عروبة ثقة. ووجد من يتابعه عليها إلا أن المعتبر عند أحمد الزيادة من المبرز في الحفظ. ومن المعروف في علم العلل أن شعبة وهماما أوثق الناس في قتادة، وبخاصة من سعيد بن أبي عروبة.

وهذان المثالان يؤكدان أن الإمام أحمد لا يقبل الزيادة مطلقا، وإنما يقبلها من أوثق الناس في المروي عنه وهذا يناقض قول بعض الحنابلة الذين قالوا: إن أحمد يقبل الزيادة مطلقا. واعتمدوا على كلام لأحمد في حديث فوات الحج حيث جاء فيه روايتنا الأولى، فيها القضاء فقط، والثانية فيها زيادة دم، فقال أحمد، والزائد أولى أن يؤخذ. اعتراض ابن رجب على أصحابه من الحنابلة الذي قالوا أن أحمد يقبل الزيادة مطلقا: واعتراض ابن رجب على من قال إن أحمد يقبل الزيادة مطلقا، ورد الاستدلال السابق فقال: "وهذا ليس مما نحن فيه فإن مراده أن الصحابة روى بعضهم فيمن يفوته الحج أن عليه القضاء، وعن بعضهم أن عليه القضاء مع الدم فأخذ بقول من زاد الدم، فإذا روي حديثان مستقلان في حادثة، وأحدهما فيه زيادة فإنها تقبل كما لو انفرد الثقة بأصل الحديث. وليس هذا من باب زيادة الثقة، التي صورتها أن يروي جماعة حديثا واحدا بإسناد واحد ومتن واحد، فيزيد بعض الرواة فيه زيادة لم يذكرها بقية الرواة". ونخلص مما سبق أن الزيادة المقبولة هي زيادة المبرز في الحفظ على غيره، وهذا أمر اعتباري يختلف من راو إلى آخر، فحماد بن سلمة أوثق الناس في ثابت البناني فالزيادة التي ينفرد بها في حديث ثابت مقبولة وأما حماد في غير ثابت ففي حفظه نظر فزيادته في غير ثابت فيها نظر كذلك. وكذلك كل راو من الرواة فإنه مختص برجل يروي عنه فيضبط أحاديثه أكثر من غيره. فزيادة هذا الراوي مقبولة. زيادة الثقة في الإسناد: وزيادة الثقة في الإسناد فرع من زيادة الثقة بشكل عام، ولبيان معنى هذا النوع من الزيادة نمثل لها بمثال ذكره أكثر المصنفين وهو حديث "النكاح بلا ولي".

هذا الحديث رواه يونس بن أبي إسحاق، عن أبي إسحاق، عن أبي بردة، عن أبي موسى، عن النبي A قال: "لا نكاح إلا بولي". ورواه شعبة، عن أبي إسحاق، عن أبي بردة، عن النبي A مرسلا. ووافق شعبة سفيان الثوري في هذا. وقد تباينت أنظار العلماء في زيادة الإسناد هذه: أولا: نقل الخطيب عن أكثر أصحاب الحديث أن الحكم في هذه أو ما كان بسبيله للمرسل، ومنهم من قدح في عدالة من يصل حديثا أرسله الحفاظ. ومنهم من قال الحكم للمسند، إذا كان راويه ثابت العدالة ضابطا للرواية. فيجب قبول الخبر ويلزم العمل به، وإن خالفه غيره. وسواء كان المخالف واحدا أو جماعة، قال الخطيب: وهذا هو الصحيح عندنا، لأن إرسال الحديث ليس بجرح للراوي الذي وصله ولا تكذيب له، ولعله أيضا مسند عند الذين رووه مرسلا، أو عند بعضهم، إلا أنهم أرسلوه لغرض، أو نسيان، والناسي لا يقضي على الذاكر. ثانيا: وقد اشترط ابن رجب لقبول زيادة الإسناد ما اشترطه لقبول زيادة المتن، وأن العبرة في الزيادة التي رواها المبرز في الحفظ والإتقان، ولا يكفي مجرد العدالة والضبط. ويجري تمييز المبرز من غيره في كل إسناد ورواية تبعا لقواعد العلل في تفاوت الرواة: قال ابن رجب: وكلام أحمد وغيره من الحفاظ إنما يدور على اعتبار قول الأوثق في ذلك، والأحفظ أيضا، وقد قال أحمد في حديث أسنده حماد بن سلمة: أي شيء ينفع وغيره يرسل.

وبهذا يكون رأي ابن رجب واحدا في زيادة المتن وزيادة الإسناد، ولا يترك الأمر على مطلق الحافظ الضابط كما فعل الخطيب بل يتعداه إلى الضابط المبرز، المقدم في شيخه. اعتراضات ابن رجب على سابقيه في هذه المسألة: لقد ساق ابن رجب مجموعة من الاعتراضات على سابقيه، ويبدو في هذه الاعتراضات مصنفا بارعا، ومحققا ناقدا، ولم أجد من تعرض لهذه الأمور كما تعرض لها ابن رجب وسنسوق هذه الاعتراضات مع شيء من التفصيل. الاعتراض الأول: اعترض ابن رجب على الحاكم أبي عبد الله في كتابه معرفة علوم الحديث الذي لم يقبل الزيادة من الثقة في الإسناد، وقال: أئمة الحديث على أن القول قول الأكثرين الذين أرسلوا الحديث. فاعترض عليه ابن رجب بقوله: وهذا يخالف تصرفه في المستدرك، وذلك لأن الحاكم يقبل زيادة الثقة في الإسناد هناك. الاعتراض الثاني: اعترض ابن رجب على الخطيب البغدادي الذي اختار قبول الزيادة في الإسناد، مطلقا، إذا كانت من الثقة الحافظ، وذكره اختياره هذا في كتاب الكفاية. ولكنه خالف هذا في كتاب "تمييز المزيد في متصل الأسانيد" وفي هذا الكتاب قسم زيادة الإسناد إلى قسمين: - ما حكم فيه بصحة الزيادة في الإسناد. - ما حكم فيه برد الزيادة وعدم قبولها. فقال ابن رجب تعقيبا على هذا: ثم إن الخطيب تناقض فذكر في كتاب الكفاية للناس مذاهب في اختلاف الرواة، في إرسال الحديث ووصله، كلها

لا تعرف عن أحد من متقدمي الحفاظ، إنما هي مأخوذة من كتب المتكلمين، ثم إنه اختار أن الزيادة من الثقة تقبل مطلقا، كما نصره المتكلمون وكثير من الفقهاء، وهذا يخالف تصرفه في كتاب "تمييز المزيد" وقد عاب تصرفه هذا في كتاب "تمييز المزيد" محدثي الفقهاء، وطمع فيه لموافقته لهم في كتاب الكفاية. الاعتراض الثالث: واعتراض ابن رجب على الخطيب باعتراض آخر، وهو أنه ذكر في كتاب الكفاية، حكاية عن البخاري: أنه سئل عن حديث أبي إسحاق "في النكاح بلا ولي" فقال: الزيادة من الثقة مقبولة، وإسرائيل ثقة. وهذا يعني أن الزيادة في الإسناد مقبولة على الإطلاق من الثقة عند البخاري ولكن ابن رجب يعترض على هذا بقوله: وهذه الحكاية إن صحت فإن مراده الزيادة في هذا الحديث، وإلا فمن تأمل كتاب البخاري يتبين له قطعا أنه لم يكن يرى أن زيادة كل ثقة في الإسناد مقبولة. قال ابن رجب: وهكذا الدارقطني يذكر في بعض المواضع أن الزيادة من الثقة مقبولة، ثم يورد في أكثر المواضع زيادات كثير من الثقات، ويرجح الإرسال على الإسناد المتصل. قال ابن رجب فدل على أن مرادهم زيادة الثقة في مثل تلك المواضع الخاصة وهي إذا كان الثقة مبرزا في الحفظ قال ابن رجب: وقال الدارقطني في حديث زاد في إسناده رجلان ثقتان رجلا، وخالفهما الثوري فلم يذكره، قال: لولا أن الثوري خالف، لكان القول قول من زاد فيه، لأن زيادة الثقة مقبولة. وهذا تصريح بأنه إنما تقبل زيادة الثقة إذا لم يخالفه من هو أحفظ منه. الاعتراض الرابع: واعتراض ابن رجب على تصرف المصنفين قبله كالحاكم والخطيب وابن

الصلاح الذين جعلوا رواية "وجعل ترابها طهورا" زيادة ثقة على أصل الحديث، ولكن ابن رجب عاب صنيعهم هذا، فقال: وهذا ليس مما نحن فيه، لأن حديث حذيفة لم يرد بإسقاط هذه اللفظة وإثباتها، وأكثر الأحاديث فيها: "وجعلت لنا الأرض مسجدا وطهورا". وحديث حذيفة فقط هو الذي ورد فيه "وجعل ترابها طهورا"، وقد روى هذا الحديث مسلم في صحيحه، وقد روى مسلم هذا الحديث عن جابر بن عبد الله وأبي هريرة، في نفس الباب، ولم توجد عبارة حديث حذيفة السابق. وهذا اعتراض وجيه لابن رجب فحديث جابر غير حديث حذيفة، وليس حديث حذيفة زيادة ثقة، بل هو تقييد لمطلق حديث جابر وأبي هريرة، ولو أدرك بعض الفقهاء هذا الفرق بين زيادة الثقة وغيرها من أدلة التقييد لما أسقطوا التيمم بالتراب لأنها زيادة ثقة على أصل الحديث. الاعتراض الخامس: ذكر ابن رجب كلاما للإمام مسلم في كتاب التمييز له في قبول زيادة الثقة، جاء فيه "والحديث للزائد والحافظ لأنه في معنى الشاهد، الذي حفظ في شهادته ما لم يحفظ صاحبه". واعتراض ابن رجب على قياس الزيادة على الشهادة، فقال: وهذا القياس الذي ذكره ليس بجيد، لأنه لو كان كذلك لقبلت زيادة كل ثقة زاد في روايته، كما يقبل ذلك في الشهادة، وليس ذلك قول مسلم ولا قول أئمة الحافظ والله أعلم.

الباب الثاني: ترجمة ابن رجب عصره - حياته - جهوده في الحديث

الباب الثاني: ترجمة ابن رجب عصره - حياته - جهوده في الحديث

الفصل الأول عصر ابن رجب

الفصل الأول عصر ابن رجب تمهيد: (أ) الحالة السياسية. (ب) الحالة الاجتماعية. (ج) الحالة العلمية.

تمهيد

تمهيد ولد زين الدين عبد الرحمن بن أحمد بن رجب في الثلث الثاني من القرن الثامن الهجري ببغداد، وكانت العراق تحت سلطان أحفاد هولاكو الذين دخلوا في الإسلام. وكانت ولادة ابن رجب سنة 736 للهجرة،بعد مضي ثمانين عاما على سقوط بغداد، حاضرة الإسلام والخلافة، بأيدي المغول. وبالرغم من توالي الأيام، وإسلام الأحفاد، إلا أن الصورة القاتمة للغزو المغولي ظلت قائمة في النفوس، تشيع فيها القلق، وتهيج الذكريات المؤلمة لتلك الكارثة التي أفقدت الدولة الإسلامية مجدها، وقضت على مركز بغداد الروحي، والحضاري، والسياسي، والعلمي. وفي ظل تلك الذكريات يصعب المقام فتبحث النفوس عن مكان آخر، تتنفس فيه الصعداء، لا سيما وأن الوطن الإسلامي في ذلك الزمان لم يكن يعرف هذه الحدود السياسية والإقليمية، التي تفقد الإنسان حرية الحركة. وهكذا فإن البقية الباقية، من علماء بغداد، توجهت نحو حواضر الإسلام العامرة كدمشق والقاهرة. ومن هذه البقية الإمام المقرئ أحمد بن رجب، والد شيخنا عبد الرحمن الذي حمل أولاده، وتوجه تلقاء دمشق، وفيها نشأ ابنه عبد الرحمن، وفيها شب وترعرع واكتهل، وبها توفي. ولقد اكتنفت البلاد الشامية - موطن ابن رجب - كما اكتنفت البلاد

(أ) الحالة السياسية

المصرية أحداث سياسية واجتماعية وعلمية شكلت بيئة معينة يخضع الأفراد لتأثيرها وتطبعهم بإيجابياتها وسلبياتها. وفيما يلي عرض سريع للحالات السياسية، والاجتماعية، والعلمية في بلاد الشام في القرن الثامن الهجري. (أ) الحالة السياسية ورث المماليك سلطان الأيوبيين على مصر والشام، بعد مقتل توران شاه سنة 648هـ، وفي هذه السنة تولى الملك المعز أيبك التركماني كرسي السلطنة، وبعد بضع سنين، وعلى يد المظفر قطز، حطم المماليك غزو التتار وكان ذلك سنة 657هـ، فسلمت البقية الباقية من العالم الإسلامي - بفضل الله وبرحمته - من تلك الهجمة الشرسة. وبذلك حقق المماليك في أوائل عهدهم مفخرة إسلامية كبرى، انضم إليها قضاؤهم على الفلول الصليبية، فطهروا البلاد الشامية من آخر قلاع الصليبيين. ويضاف إلى ما سبق أثر ثالث لا يقل أهمية عن دحر التتار والصليبيين، وهو إحياء الخلافة الإسلامية، وكان ذلك سنة 659هـ، بعد سقوط بغداد بثلاث سنين، حيث نصب أبو القاسم أحمد بن الخليفة الظاهر خليفة للمسلمين. ومع أن هذا المنصب ظل منصب تشريف، لا يحمل من حقيقة الخليفة إلا الاسم، إلا أنها كانت باردة وجهت قلوب المسلمين نحو هذه الدولة الجديدة، التي أصبحت حامية حمى المسلمين، ومركز خلافتهم بعد بغداد. وأما الحكم الفعلي فقد تعاقبت عليه فئتان من المماليك هما: 1 - المماليك البحرية (أو الأتراك) وحكموا من سنة 648 إلى سنة 784هـ.

2 - المماليك البرجية (أو الجراكسة) وحكموا من سنة 784 إلى سنة 923هـ. وقد أدرك الإمام ابن رجب طرفا من كلا العهدين، فعاش في ظل المماليك البحرية من سنة 744 - إلى 784هـ، وعاش في ظل البرجية من سنة 784 - إلى 795هـ أي حتى وافاه أجله. ويتسم عصر المماليك - رغم الانتصارات العسكرية التي حققها - بعدم الاستقرار، وكثرة الفتن، والتنافس على الحكم، أو قل: بالفوضى السياسية الكاملة، إذ في كل صفحة من صفحات تاريخ هذا العصر مخامرة على السلطان، أو صراع بين الأمراء، أو سفك للدماء، أو مصادرة للأموال، وكل هذه أمور عادية، أصبح المؤرخ يتقبلها، ويعرضها، دون استغراب أو تعجب. أما شكل النظام السياسي في الدولة المملوكية: فقد كانت القاهرة مركز الحكم، وفيها الخليفة العباسي، والسلطان المملوكي، وهو الحاكم الفعلي الذي يصرف الأمور، فيولي ويعزل، ويقطع الإقطاعات، ويسير الجيوش، ويساعد السلطان نائب له في مصر، وقد يستقل هذا النائب بالأمر إذا كان السلطان قاصرا، وغالبا ما يكون النائب من الشخصيات ذات المطامع، يتولى السلطنة وقد يصل عن طريق الفتك بالسلطان، أو يفتك به السلطان قبل أن يصل إلى مراده. وأما بلاد الشام - التي تعنينا بوجه خاص لأنها موطن ابن رجب - فهي تابعة للنظام في مصر، وتحكم بشكل مماثل، فهي مقسمة إلى عدة نيابات: نيابة دمشق، وحلب، وطرابلس، وحماة، وصفد، والكرك. وكل نائب في نيابته

(ب) الحالة الاجتماعية

سلطان مختصر، إلا أن دمشق تقف بين النيابات الشامية مقام السلطان في أكثر الأمور، ونائبها هو الذي يكتب عنه التوقيع، مع بقاء بعض المراكز الكبرى في النيابة من اختصاص السلطان، وذلك لضمان عدم الخروج عليه. وكان في كل نيابة أربعة قضاة يمثلون المذاهب الأربعة، ووزير يتمتع بما يتمتع به الوزير في مصر، ويسمى ناظر النظار. وأما الدواوين: فأشهرها ديوان الإنشاء، وديوان النظر، وديوان الجيش ويلقب صاحب ديوان الإنشاء بكاتب السر، ويمثل ديوان النظر الإدارة المالية. ومما يمتاز به عصر المماليك أن الأحداث والمناصب السياسية حكر على عنصر المماليك، لا يشاركهم فيها أحد من عامة الناس، وإنما دور بقية الناس يقف عند مراقبة الأحداث، فإذا تغلب مملوك على آخر فعلى العامة أن تقيم الزينات، وتعلن الابتهاج، وكل ما يحدث في مركز الدولة تتأثر به دمشق وسائر النيابات، ونواب دمشق وغيرها، كسادتهم في القاهرة، بين جديد تقام له الزينات، وطريد غير مأسوف عليه، وهكذا دواليك. (ب) الحالة الاجتماعية في معرض الكلام عن الحالة الاجتماعية في العصر المماليكي سنتكلم إن شاء الله على ناحيتين بارزتين مؤثرتين في المجتمع: الأولى: فئات الناس الاجتماعية وأوضاعها المعيشية. الثانية: الأوبئة والمجاعات التي كان يتعرض لها المجتمع.

أما عن الأولى: فإن الباحث في تاريخ هذا العصر يجد أمامه فئات من الناس، كل فئة لها حالتها الاجتماعية الخاصة، وهذه الفئات هي: المماليك، والعلماء، والتجار، والعامة، والفلاحون، والعربان. فالمماليك هم الطبقة الأولى في المجتمع وهم أصحاب السلطان والجاه في الدولة، ويرجع هؤلاء في أصلهم إلى جنسيات مختلفة، فمنهم التركي، ومنهم الجركسي، ومنهم المغولي، ومنهم الصيني، وينسب هؤلاء إلى سيدهم الذي اشتراهم إن كان سلطان من السلاطين أو تاجرا من التجار، كالمماليك الأشرفية والخليلية نسبة للسلطان الأشرف خليل، وكبرقوق العثماني، نسبة للتاجر الذي اشتراه. ولقد اعتنى السلاطين عناية فائقة بمماليكهم، وحرصوا على تربيتهم تربية سليمة، فإذا اشترى السلطان عددا من المماليك فإنه يرسلهم إلى الفحص أولا، للتأكد من سلامة أبدانهم، وبعد ذلك ينزل كل مملوك في طبقة جنسه، وكان في القلعة طباق، خصص لكل جنس من أجناس المماليك طبقة معينة. ويقوم بتربية هؤلاء المماليك مجموعة من الطواشية ويتردد عليهم الفقهاء والقراء ويعلمونهم القرآن والفقه كما يعلمونهم الخط وكان هؤلاء المماليك يتقلبون في رغيد العيش، ويلقون من سلاطينهم كل تكريم وحنو، ولم يكن ينظر إليهم كالعبيد الأرقاء، وإنما ينظر إليهم بعين الإحسان والتربية، وهذا يعلل قوة ارتباطهم بأسانيدهم. وعندما يبلغ المملوك سن البلوغ يتلقى فنون الفروسية والحرب، وبعدها يخرج من الطباق، ثم يتدرج في الخدمة السلطانية، ويترقى حتى يصل إلى رتبة الأمراء. ولقد حرص السلاطين والأمراء على بقاء الانفصال تاما بين المماليك وسائر الناس، ومن مظاهر هذا الانفصال منع الزواج بين هذه الفئة وغيرها من

فئات المجتمع، وكان السلاطين يؤيدون هذا الانفصال بالتحذيرات المستمرة، وفرض العقوبات الرادعة. وهذه العزلة أوجدت هوة كبيرة بين المماليك الذين هم الحكام من جهة، وبين المحكومين من جهة أخرى، وأصبح الشعب لا يبالي بما يجري من الأحداث ولا تحركه أشجان السلاطين ومآسيهم إذا دارت الدائرة عليهم. ولم تسجل الكتب التي بين أيدينا موقف حاسمة لجماهير الناس فيما عدا بعض المواقف النادرة كنصرة العامة للسلطان الناصر محمد بن قلاوون سنة 708هـ عندما تحالف زعيما البحرية والبرجية للتخلص منه، ولم يكن معه إلا عدد قليل من المماليك، ولم يخلصه من هذه الورطة - التي أوشكت أن تودي بحياته - إلا العامة الذين ثبتوا في أماكنهم وهم يصرخون "يا ناصر يا منصور، الله يخون من يخون ابن قلاوون" وهذا من الموقف النادرة التي شارك فيها الناس لتأييد سلطانهم. وأما العلماء: فقد لقي هؤلاء تكريم سلاطين المماليك، وكان للعلماء كلمتهم المسموعة، وسلطانهم الكبير على العامة، وهذا السلطان مكن بعضهم من الوقوف في وجه السلاطين، يأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر، ويصدعون بالحق، كالعز ابن عبد السلام، وشمس الدين الحريري قاضي الحنفية، وابن تيمية الحراني. وأما التجار: فقد شعر السلاطين بأن التجار هم المصدر الأول الذي يعتمدون عليه في سد حاجاتهم في الأوقات العصبية، لذا فقد كانت هذه الفئة تتمتع بمكانة مرموقة، وقد نشط السلاطين الحركة التجارية في بلادهم، وأعطوا التجار الأجانب امتيازات وتسهيلات تجارية، كل ذلك فتح الباب أمام التجار المسلمين لأن يجمعوا ثروات طائلة لانعكاس تلك التسهيلات عليهم، وقد

استفادوا كثيرا من ذلك المركز التجاري الممتاز، الذي جعل بلاد المماليك ملتقى النشاط التجاري العالمي آنذاك. والجدير بالذكر أنه بالرغم من هذه المكانة التي حظي بها التجار عند السلاطين، إلا أنهم كانوا يتعرضون لسطوتهم، فيؤخذ منهم المال الوفير بين الحين والآخر. وأما العامة: فتتألف من العمال، والصناع، والسقائين، والسوقة، والمكاريين، وكان أفراد هذه الفئة على درجة كبيرة من الفقر والحاجة. وأما الفلاحون: وهم سواد الناس، فلم يكن نصيبهم سوى الإهمال، وقد وصلت أحوالهم إلى درجة كبيرة من السوء، وزاد من هذا السوء كثرة المغارم، التي حلت بهم، والضرائب التي فرضت عليهم، علاوة على أنهم لم يسلموا من فئة العربان وبطشهم. وأما العربان فهؤلاء لهم شخصيتهم المتميزة، وهم المنافس الوحيد لفئة المماليك، ولذلك فهم يثورون بين الفينة والفينة، وفي بعض الأوقات يتمنعون عن دفع الضرائب والخراج. ومن أشهر ثورات هؤلاء الأعراب ثورة بدر بن سلام سنة 779هـ، الذي هاجم دمنهور وفتك في أهلها، ولم تتمكن الدولة من إخماد هذه الثورة إلا بعد ثلاث سنين، أي سنة 782هـ. ولقد جرب العربان حظهم مرة أخرى بالثورة، ومعهم الخليفة المتوكل والمماليك الأشرفية، وحاولوا قتل السلطان برقوق وتنصيب الخليفة المتوكل سلطانا، ولكن هذه المحاولة لم تفلح.

(ج) الحالة العلمية

وأما الناحية الثانية من المؤثرات الاجتماعية: فهي الأوبئة والمجاعات: وما كان يتعرض له الناس في هذا القرن من الأوبئة والمجاعات فإن الحديث عنه يطول، ولا بد أن يكون لهذه الأوبئة أثرها على النفوس، فتوجهها نحو بارئها بالتضرع والخشية كلما قسمت القلوب، أو طال عليها الأمد. فهذا طاعون سنة 749هـ ملأت مآسيه الصفحات، وما أصاب الناس من جرائه من العنت سجله المؤرخون، وعلى رأسهم عماد الدين بن كثير فقال: "وكثر الموت في الناس بأمراض الطواعين، وزادت الأموات كل يوم على المائة، وإذا وقع في أهل بيت لا يكاد يخرج حتى يموت أكثرهم، ثم زاد الموتى على المائتين في كل يوم، وتعطلت مصالح الناس". ولا يقف الأمر عند هذا الحد، بل يزداد الضنك على الناس حتى تكاد القلوب تخرج من صدورها، فيقول ابن كثير: "وفي يوم الاثنين ثاني عشر رجب حصل بدمشق وما حلوها ريح شديدة، أثارت غبارا شديدا، اصفر الجو منه، ثم اسود، حتى أظلمت الدنيا، وبقي الناس يستجيرون الله، ويستنصرون، ويبكون، مع ما هم فيه من شدة الموت، وبلغ المصلى عليهم في الجامع الأموي نحو المائة وخمسين". ويودع الناس هذا الموت الأسود، ويتنفسون الصعداء، وما إن تهل عليهم سنة 765هـ حتى تأتي موجة أخرى منه، يصاحبها الجراد والغلاء، يقول ابن كثير: "واستهل شهر شوال سنة 765هـ والجراد قد أتلف شيئا كثيرا من البلاد، ورعى الخضراوات والأشجار، وأوسع أهل الشام في الفساد، وغلت الأسعار واستمر الفناء، وكثر الضجيج والبكاء، وفقدت كثيرا من الأصحاب والأصدقاء". (ج) الحالة العلمية شهد العصر المملوكي بشكل عام، والقرن الثامن بشكل خاص، حركة علمية، ناشطة، ولقد كان هذا النشاط فريدا في كميته ونوعيته، ويبدو أن

السبب الرئيس في هذا النشاط هو التحدي الحضاري الذي بدأت الأمة الإسلامية تمارسه ردا على الموجات المغولية والصليبية، فبدأت الأمة تلقي بكل ثقلها لتثبت ذلك، وأنها لم تمت. ولعل هذا من الأسباب الكامنة، وراء إنشاء الكثرة الكاثرة من المدارس العلمية في كل مكان، حتى أنه لقد أصبح شغل أهل العصر الشاغل كيف يبنون المدارس، وماذا يقفون عليها من الأوقاف. ويرجع الكثير من إنشاء هذه المدارس إلى عهد نور الدين زنكي، وصلاح الدين، اللذين وجدا في المدرسة حصنا يحفظ على الأمة شخصيتها في وجه كل التحديات الصليبية من جهة، والفاطمية والباطنية من جهة أخرى. وقد كانت المدارس العلمية التي أنشئت في هذا العصر على درجة عالية من التنظيم والإدارة، ذات أهداف بينة ومناهج محددة، وكان لكل مدرسة شيخ، وفيها العدد الجم الغفير من المدرسين والمعيدين والإداريين، والخدم، وربما كان بعض هذه المدارس يفوق في إمكانياته جامعات هذا العصر وكلياته. فهذا ابن كثير يذكر في تاريخه في حوادث سنة 724هـ نبذة عن المدرسة الناصرية، بالقاهرة، فيقول: كان عدد المدرسين ثلاثين في كل مذهب، فجعلهم السلطان أربعة وخمسين. ولا يحتاج هذا الخبر إلى تعليق لبيان إمكانية هذه المدرسة. أما المدرسة السكرية بدمشق، والتي كان شيخنا ابن رجب يسكن فيها فقد عين لهذه المدرسة ثلاثون محدثا لكل منهم جراية شهرية، وقرر فيها ثلاثون نفرا يقرأون القرآن، لكل عشرة شيخ، ولكل واحد من القراء نظير ما للمحدثين، ورتب لها إمام، وقارئ حديث، ونواب. وقد تعاقب على مشيخة هذه المدرسة عبد الحليم بن تيمية، ثم أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الإمام المشهور، ثم الذهبي.

وقد كان في دمشق - وحدها - وحيث يقطن ابن رجب ثلاثمائة وخمسون مدرسة، منها ثماني عشرة دارا للحديث، وإلى جانب هذا العدد من المدارس وجد الكثير من الخوانق والربط والمساجد، وكلها تساهم في نشر الثقافة والعلم. وقد تجاوزت هذه الحركة العلمية رجال هذا العصر إلى نسائه لنجد العالمات والمسندات والفقيهات، وقد تتلمذ على كثير منهن مشايخ هذا العصر الأجلاء ومنهن ست العز بنت محمد بن الفخر المسندة (ت 767هـ) ، التي سمع منها الحافظان العراقي والهيثمي، والمقرئ ابن رجب والد شيخنا عبد الرحمن. وكزينب بنت إسماعيل بن الخباز، التي تتلمذ عليها العراقي، وعبد الرحمن بن رجب، ومعظم مشايخ العصر. وأما مشاهير علماء هذا العصر فإنه يصعب حصرهم لكثرتهم، فقد امتلأت المدن والحواضر بكبار العلماء، وحتى القرى النائية والأمصار المهجورة كان عندها من العلماء من يسد حاجتها، وتفيض به على غيرها. ومن مشاهير علماء هذا العصر: أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني (ت 728هـ) صاحب الفتاوى، ومنهاج السنة، والحسبة، والسياسة الشرعية وغيرها كثير من الكتب، والقاسم بن محمد البرزالي (ت 740هـ) محدث الشام، وصاحب التاريخ، والمعجم الكبير، والحافظ جمال الدين المزي (ت 742) صاحب تهذيب الكمال، والحافظ محمد بن قايماز الذهبي (ت 748هـ) ، عالم التاريخ الموسوعي، وعالم الحديث، وصاحب الكتب الكثيرة كتاريخ الإسلام، وسير أعلام النبلاء وميزان الاعتدال، وغيرها كثير، والحافظ عماد الدين بن كثير (ت 774هـ) صاحب التاريخ، والتفسير، وأحمد بن فضل الله العمري الدمشقي إمام أهل الأدب، والتاريخ، والجغرافيا، والاصطرلاب، ومسالك الأبصار له معلمة تاريخية كبرى، وصلاح الدين

خليل بن أيبك الصفدي (ت 764هـ) صاحب الوافي بالوفيات. أما الذين عاشوا عامة هذا العصر ولكن وفياتهم كانت في القرن التاسع فهم كثيرون مثل الحافظ العراقي (ت 806هـ) والهيثمي (ت 807هـ) ، وابن خلدون (808هـ) القلقشندي (ت 803 هـ) وابن الملقن (ت 805هـ) . ولقد قدم علماء هذا القرن موسوعات علمية في كل المجالات التاريخية، والفقهية، والحديثية، والأدبية، والجغرافية. ومن يستعرض بعض هذه الموسوعات ير أنها عنوان تحد كبير من هذه الأمة لأعدائها، ورد فعل للمحاولات التي بذلها المغول والصليبيون لطمس الحضارة الإسلامية. والباحث في هذه الموسوعات يخيل إليه كأن العلوم قد نسيت فوقف أهل هذا العصر أنفسهم على جمعها، وتبويبها وعرضها من جديد، وتحمل هذه الموسوعات بين طياتها الثقافة المتكاملة التي حفظت شخصية الأمة أمام أشرس الهجمات.

الفصل الثاني حياة ابن رجب وشيوخه وتلاميذه وآثاره

الفصل الثاني حياة ابن رجب وشيوخه وتلاميذه وآثاره

المبحث الأول حياة ابن رجب

المبحث الأول حياة ابن رجب 1 - اسمه ونسبه ولقبه وكنيته. 2 - مولده. 3 - أسرته. 4 - نشأته ورحلته. 5 - وفاته. 6 - عقيدة ابن رجب. 7 - تأثره بابن تيمية وابن القيم. 8 - أخلافه. 9 - ثناء العلماء عليه. *** - 1 - اسمه، ونسبه، ولقبه، وكنيته هو الإمام الحجة زين الدين عبد الرحمن بن أحمد بن رجب بن الحسين بن

-2- مولده

محمد بن أبي البركات مسعود السلامي البغدادي، ثم الدمشقي، أبو الفرج الشهير بابن رجب الحنبلي. لقبه المشهور زين الدين، ولقبه الشيخ شمس الدين عبد القادر النابلسي بالشيخ جمال الدين. وأما ما ذكره ابن تغري بردي فقال: شهاب الدين أبو العباس، فهو خطأ واضح، وإن كان ابن فهد قد سبقه إلى ذلك. وشهاب الدين هو لقب والده أحمد. وكذلك فقد وهم من كناه بأبي العباس إذ هي كنية أبيه كذلك. - 2 - مولده ولد ابن رجب في بغداد سنة 736هـ وأجمعت على ذلك مصادر ترجمته باستثناء بعضها كالدرر الكامنة لابن حجر، وطبقات الحفاظ للسيوطي وذيله على تذكرة الحفاظ حيث ذكر أنه ولد سنة 706هـ، وهذا هو تاريخ ولادة والده أحمد. وقد تابعهما على هذا الخطأ صاحب كشف الظنون، ومما يثبت خطا هذا التاريخ ما ذكره العليمي في المنهج بقوله: قدم مع والده من بغداد إلى دمشق وهو صغير سنة 744هـ وبذلك يتضح على وجه القطع أن مولده سنه 736هـ. - 3 - أسرة ابن رجب لم تتوسع المراجع التي بين أيدينا - على كثرتها - في التعريف بأسرة ابن رجب، وما ذكر في ثنايا هذه المراجع نثار لا يزيد على أسطر قليلة، ألقت بعض الضوء على حياة جده، أبي أحمد، وحياة والده أبي العباس، شهاب الدين أحمد. أما الجد عبد الرحمن المكنى بأبي أحمد، والملقب برجب، فكل ما ذكره عنه حفيده في طبقاته قوله: قرئ على جدي أبي أحمد - رجب بن الحسين - غير مرة - ببغداد وأنا حاضر، في الثالثة، والرابعة، والخامسة: أخبركم أبو عبد الله

محمد بن عبد الله بن إبراهيم البزاز سنة ست وثمانين وستمائة، أخبرنا أبو الحسن محمد بن أحمد بن عمر القطيعي، أخبرنا أبو الوقت عبد الأول بن عيسى، أخبرنا أبو الحسن الداودي، أخبرنا أبو محمد السرخسي، أخبرنا أبو عبد الله الفربري، حدثنا البخاري، حدثنا المكي بن إبراهيم، حدثنا يزيد بن أبي عبيد، عن سلمة بن الأكوع، قال: سمعت النبي A - يقول: من يقل علي ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار. وهذا الخبر - على قصره - يكشف عن مكانة جده أبي أحمد وأنه مهتم بالحديث ويقرأ عليه الناس. ويدل هذا الخبر كذلك على انه سماعه كان سنة 686هـ ومعنى هذا أن الرجل عمر، وكانت وفاته سنة 742هـ. وأما أبوه فهو أبو العباس شهاب الدين أحمد، ولد في بغداد صبيحة يوم السبت خامس عشر ربيع الأول سنة 706، ونشأ بها وسمع مشايخها، وقرأ بالروايات، ثم رحل إلى دمشق بأولاده سنة 744هـ وسمع مشايخها كمحمد بن إسماعيل الخباز، ورحل إلى القدس، ثم حج سنة 749هـ وبمكة اسمع ابنه عبد الرحمن ثلاثيات البخاري على الشيخ أبي حفص عمر، ثم رحل إلى مصر قبل سنة 756 وفيها روى عن أبي الحرم القلانسي، وفي ذلك يقول صاحب المنهج الأحمد: وفيها روى عن أبي الجرم القلانسي، وذكره في مشيخته. وبعد ذلك جلس للإقراء بدمشق وانتفع به، وكان ذا خير ودين وعفاف ولقد سجل شيوخه في معجم خاص له، نقل منه ابن حجر كثيرا في الدرر الكامنة وقال عنه ابن حجر: "شيخنا"، ولا يعقل أن يكون ابن حجر قد تتلمذ فعلا على والد ابن رجب هذا ولعله قصد بهذه العبارة أن المقرئ شهاب الدين بن جرب هو شيخ شيوخه كالعراقي والهيثمي، وهذان من

-4- نشأته ورحلته

تلاميذه، فعلا، ومن تلاميذه الذين أكدت المراجع أستاذيته لهم شمس الدين يوسف بن سيف الدين بن نجم الحنبلي الشيرازي (ت 751هـ) وعبد الله بن محمد بن قيم الضيائية. - 4 - نشأته ورحلته قيض الله - تعالى - لابن رجب عوامل كثيرة أسهمت في تكوين شخصيته العلمية الفذة، منها استعداده الفطري الموهوب، وأسرته الكريمة التي توارثت العلم كابرا عن كابر، وعصره المزدحم بالثقافة الموسوعية، والمعرفة المتنوعة، ونوابغ العلماء في كل مضمار. هذه العوامل وجهت ابن رجب في مرحلة مبكرة نحو الطلب. وقبل سن التمييز أحضر مجالس العلم والعلماء، ولقد سجل هذا في طبقاته، فيقول أثناء ترجمة شيخه عبد الرحيم بن عبد الله الزريراتي (ت 741هـ) : درس بالمجاهدية ببغداد، وحضرت درسه، وأنا إذ ذاك صغير لا أحقه. ويبدو أن هذا كان قبل الثالثة من عمره، لأنه يصرح بالتمييز بعد الثالثة، فيقول: قرئ على جدي أبي أحمد وأنا حاضر، في الثالثة، والرابعة، والخامسة وما يهمنا من هذا أنه أحضر مجالس العلم وهو صغير لا يكاد يحق شيئا. أما في الخامسة من عمره فقد فصل سماعاته بكل وعي ودقة وثقة، فنجده يقول: أخبرنا أبو الربيع علي بن عبد الصمد بن أحمد البغدادي، قرأت عليه وأنا في الخامسة. أو يحدد السنة التي سمع فيها فيقول: قرئ على أبي الربيع على ابن عبد الصمد، وأنا أسمع سنة 741هـ ببغداد.

وقد تلقى في هذا السن المبكر إجازات كبار العلماء في بغداد ودمشق، وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على مكانة أسرته العلمية، وأنها من الشهرة بحيث تكتب الإجازات إلى أبنائها، ويصرح ابن رجب بأنه تلقى الإجازات في طفولته المبكرة فيقول: وذكر شيخنا بالإجازة الإمام صفي الدين عبد المؤمن بن عبد الحق القطيعي البغديدي (ت 739هـ) - كما ذكر بعض علماء الشام الذين أجازوه، كالقاسم بن محمد البرزالي (ت 739هـ) ، ومحمد بن أحمد بن حسان التلي الدمشقي (ت 741هـ) . وقد ذكرنا سني الوفاة لهؤلاء الشيوخ للدلالة على أن الاجازات كانت وابن رجب في الثالثة أو الخامسة، وأن بعضها تلقاها ابن رجب وهو في بغداد من كبار علماء الشام. هذه بدايات الطلب كما سجلتها بعض المراجع وأهمها كتاب ابن رجب نفسه الذيل على طبقات الحنابلة، ولكن أسرة ابن رجب، بما عرفت من مذاق العلم والرحلة فيه، لم تقف عند هذا الحد، بل حمل أحمد بن رجب أبناءه، ومنهم صحابنا، وتوجه بهم نحو مركز الثقل، ومجتمع العلم والعلماء، فدخل بهم دمشق سنة 744هـ، وبها سمع الوالد والولد كبار المسندين والمحدثين، وأدركا البقية الباقية من علماء القرن السابع، مثل شمس الدين محمد بن أبي بكر بن النقيب (ت 745 هـ) والإمام علاء الدين أحمد بن عبد المؤمن السبكي ثم النووي (ت 749هـ) . وفي دمشق سمع ابن رجب محمد بن إسماعيل الخباز

(ت 756هـ) ومحمد بن إسماعيل الحموي الدمشقي (ت 757هـ) ، ورحل إلى نابلس ليلتقي بجماعة من أصحاب عبد الحافظ بن بدران، ثم إلى القدس فسمع الحافظ أبا سعيد العلائي.

ورجع ابن رجب مع والده إلى بغداد سنة 748هـ، وقد ذكر هذا في طبقاته أثناء ترجمته لسليمان بن أحمد النهرماري البغدادي، فقال: وتوفي في جمادى الآخرة سنة 748هـ، وصلي عليه بجامع قصر الخلافة، وحضرت الصلاة عليه، ودفن بمقبرة الإمام أحمد بباب حرب، وفي بغداد قرأ على الشيخ أبي المعالي محمد بن عبد الرزاق الشيباني، وفي ذلك يقول: أخبرنا أبو المعالي محمد بن عبد الرزاق الشيباني بقراءتي عليه سنة 749هـ. ويحدد مكان هذه القراءة في موضع آخر فيقول: ببغداد. ومن بغداد يتوجه مع والده إلى الحج، وبمكة يسمع ثلاثيات البخاري من الشيخ أبي حفص عمر بن علي بن الخليل البغدادي (ت 759هـ) - عاد بعد ذلك إلى دمشق حيث لزم شيخه ابن قيم الجوزية إلى أن مات سنة 751هـ. وأما رحلته إلى مصر فقد كانت قبل سنة 754هـ وهي السنة التي توفي بها شيخه أبو الفتح محمد بن محمد بن إبراهيم الميدومي، وقد أكثر عنه، ونص على ذلك بقوله: قرأت على أبي الفتح محمد بن محمد الميدومي المصري بها. كما لقي بالقاهرة محمد بن إسماعيل الصوفي المعروف بابن الملوك (ت 756هـ) وفي ذلك يقول: أخبرنا محمد بن إسماعيل الصوفي بالقاهرة والجدير بالذكر أن والده كان يرافقه في هذه الرحلة، فسمعا معا أبا الحرم القلانسي (ت 765هـ) .

-5- وفاته

وفي سنة 763هـ اتجه إلى الحج، وهناك التقى بالمشاهير من العلماء، ويبين هذا أثناء ترجمة شمس الدين محمد بن الشيخ أحمد السقا، فيقول: وقد جمعت بينه وبين قاضي قضاة مصر الموفق، وابن جماعة بمنى عام ثلاث وستين وسبعمائة. وبعد هذه الرحلة، الحافلة بالحركة والنشاط، استقر ابن رجب بدمشق، يدرس بمدارسها ويعقد المواعيد الوعظية، فدرس بالمدرسة الحنبلية بعد وفاة ابن التقي (788هـ) وولي حلقة الثلاثاء بعد وفاة ابن قاضي الجبل سنة 771هـ. وظل ابن رجب يخرج الطلبة النجباء، والعلماء الأكفياء، ويصنف الكتب النافعة، والرسائل القيمة حتى وافاه أجله. ولم تذكر لنا مصادر ترجمته شيئا عن زواجه أو أولاده، وكل ما نعرفه أنه كان يسكن في المدرسة السكرية بالقصاعين منجمعا عن الناس، أي منعزلا عنهم، منصرفا إلى أموره العلمية - C تعالى -. - 5 - وفاته اتفقت مصادر الترجمة على أن وفاته - C - كانت سنة 795هـ، وقول ابن تغري بردي في المنهل الصافي أن وفاته كانت سنة خمس وسبعين وسبعمائة تصحيف ظاهر، ولم تتفق مصادر الترجمة على تحديد يوم الوفاة وشهرها، فبينما يذكر صاحب المنهج الأحمد أن ذلك كان ليلة الاثنين رابع شهر رمضان المعظم، فإننا نجد صاحب المنهل الصافي يقول: إن ذلك كان في شهر رجب، وهو قول ابن ناصر الدين الذي نقله عنه صاحب المنهج الأحمد فقال:

-6- عقيدة ابن رجب

وأرخ الشيخ شمس الدين بن ناصر الدين - C - وفاته في شهر رجب، من السنة المذكورة، وهي سنة 795هـ، ثم قال: ودفن بمقبرة الباب الصغير، جوار قبر الشيخ الفقيه الزاهد أبي الفرج عبد الواحد بن محمد الشيرازي، ثم المقدسي، الدمشقي، المتوفى في ذي الحجة سنة 486هـ، وهو الذي نشر مذهب الإمام أحمد ببيت المقدس، ثم بدمشق - رحمه الله تعالى -، وقال ابن ناصر الدين: ولقد حدثني من حضر لحد ابن رجب أن الشيخ زين الدين بن رجب جاء قبل أن يموت بأيام، فقال له: احفر لي ههنا لحدا، وأشار إلى البقعة التي دفن فيها، قال: فحفرت له، فلما فرعت نزل في القبر، واضطجع فيه، فأعجبه وقال: هذا جيد، ثم خرج، قال: فوالله ما شعرت بعد أيام إلا وقد أتي به ميتا، محمولا على نعشه، فوضعه في ذلك اللحد، وواريته فيه - C تعالى -. - 6 - عقيدة ابن رجب ابن رجب سلفي العقيدة، يمر آيات الصفات دونما تأويل أو تعطيل، وقد ذكر عقيدته هذه في أكثر من موضع في طبقاته، فنجده يسند حكاية جاء فيها: دخل ابن فورك على السلطان محمود، فتناظرا، قال ابن فورك لمحمود، لا يجوز أن تصف الله بالفوقية لأنه يلزمك أن تصفه بالتحتية، لأن من جاز أن يكون له فوق جاء أن يكون له تحت، فقال محمود: ليس أنا وصفته بالفوقية فتلزمني أن أصفه بالتحتية، وإنما هو وصف نفسه بذلك. قال: فبهت. وفي موضع آخر نقل قول أحمد: هذه الأحاديث نمرها كما جاءت. وقال في كتاب فضل علم السلف على الخلف: "والصواب ما عليه السلف الصالح من إمرار آيات الصفات وأحاديثها من غير تفسير لها ولا تكييف ولا تمثيل".

-7- تأثر ابن رجب بابن تيمية وبابن القيم ومخالفته لهما في بعض المسائل

- 7 - تأثر ابن رجب بابن تيمية وبابن القيم ومخالفته لهما في بعض المسائل يقف ابن تيمية علما على رأس القرن الثامن الهجري، وقد ضمت مدرسته أكابر علماء هذا العصر كالمزي والذهبي وابن كثير وابن القيم. ولا شك أن أشدهم تأثرا به هو ابن القيم الذي رافقه في سجنه حتى وافاه الأجل. فتشرب الرجل أخلاق شيخه وتبنى أفكاره وحرر أدلة اختياراته. وقد انتقل هذا التأثير إلى ابن رجب عبر شيخه ابن القيم كسائر الحنابلة في عصره، ولكن شخصية ابن رجب العلمية جعلته يراجع القضايا التي تبناها شيخه ويقدح فيها زناد ذهنه فكانت النتيجة أن خالف شيخه في بعضها، ومن ذلك قضية الطلاق، وأن لفظ الثلاث يقع واحدة، وأنه طلاق رجعي، هذا مذهب ابن تيمية وابن القيم، اعتمادا على حديث يرويه طاوس، عن ابن عباس، وقد جاء إليه أبو الصهباء، فقال: يا ابن عباس، ألم تعلم أن الثلاث كانت على عهد رسول الله A وأبي بكر وصدرا من خلافة عمر - رضي الله عنهما - ترد إلى الواحدة؟ قال: نعم. وقد أثارت هذه المسألة خلافات فقهية لا تقل عن تلك التي أثارتها وجهات النظر المتباينة في موضوع الصفات. وكان لابن رجب موقف من هذه القضية. وألف في ذلك رسالة اعتمد عليها الشيخ زاهد الكوثري في كتابه "الإشفاق على أحكام الطلاق"، فقال: وكان ابن رجب من اتبع الحنابلة منذ صغره لابن القيم وشيخه، ثم تيقن ضلالهما في كثير من المسائل، ورد قولهما في هذه المسألة في كتاب سماه "مشكل

الأحاديث الواردة في أن الطلاق الثلاث واحدة" - ومن جملة ما يقول ابن رجب في كتابه المذكور: "اعلم أنه لم يثبت عن أحد من الصحابة ولا من التابعين، ولا من أئمة السلف المعتد بقولهم في الفتاوى في الحلال والحرام شيء صريح في أن الطلاق الثلاث بعد الدخول يحسب واحدة، إذا سيق بلفظ واحد" وأما حديث ابن عباس، فقد قال ابن رجب: فهذا الحديث لأئمة الإسلام فيه طريقان، أحدهما مسلك الإمام أحمد ومن وافقه، وهو يرجع إلى الكلام في إسناد الحديث، لشذوذه وانفراد طاوس به، وأنه لم يتابع عليه، وانفراد الراوي بالحديث مخالفا للأكثرين هو علة في الحديث، يوجب التوقف فيه، وأنه يكون شاذا ومنكرا إذا لم يرو معناه من وجه يصح، وهذه طريقة المتقدمين كالإمام أحمد، ويحيى القطان ويحيى بن معين، ثم قال ابن رجب: ومتى أجمع علماء الأمة على اطراح العمل بحديث وجب اطراحه، وترك العمل به. ثم قال ابن رجب: وقد صح عن ابن عباس وهو راوي الحديث أنه أفتى بخلاف هذا الحديث، ولزوم الثلاث المجموعة، وقد علل بهذا أحمد والشافعي كما ذكره الموفق ابن قدامة في المغني. وهذه أيضا علة في الحديث بانفرادها فكيف وقد انضم إليها علة الشذوذ، والانكار، وإجماع الأمة على خلافه. وعن طريق الثاني يقول ابن رجب: وهو مسلك ابن راهويه ومن تابعه، وهو الكلام في معنى الحديث، وهو أن يحمل على غير المدخول بها. وقد ذكر الشيخ الكوثري أدلة ابن رجب على هذا، وهي أدلة قوية. وقد ذكر ابن حجر عدول ابن رجب عن بعض مقالات ابن تيمية، فقال في الإنباء: ونقم عليه إفتاؤه بمقالات ابن تيمية ثم أظهر الرجوع عن ذلك فنافره

-8- أخلاقه

التيميون، فلم يكن مع هؤلاء ولا مع هؤلاء. وكان قد ترك الإفتاء بأخرة. كما ذكر ابن حجر قصة تدل على هذا خلاصتها أن على ابن أيبك الصفدي نظم قصيدة يتوسل فيها النبي A ويطلب منه الشفاعة، ويقول: يا خير خلق الله، فأنكر عليه الشيخ صدر الدين علي بن العز الحنفي هذا كله، فوصل الأمر إلى مصر، فأنكر القضاة قول ابن العز، وعقدت مجالس في دمشق للإنكار عليه وتعزيزه، وممن حضر هذه المجالس سعد الدين النووي وجمال الدين الكردي، وشرف الدين الغزي، وزين الدين بن رجب، وتقي الدين بن مفلح وأخوه، وشهاب الدين بن حجي، فتواردوا على الانكار عن ابن العز في أكثر ما قاله. ولعل هذه المواقف ساهمت في اختصار سيرة هذا الرجل فلم يأخذ حقه في كتب التراجم، فلا هو مع الحنابلة، ولا هو مع الشافعية أو غيرهم. - 8 - أخلاقه كان - C - صاحب عبادة وتهجد، منجمعا عن الناس، لا يخالطهم ولا يتردد إلى أحد من ذوي الولايات ويسكن المدرس السكرية بالقصاعين، وكان لا يعرف شيئا من أمور الدنيا بعيدا عن الرياسة وأسبابها، ليس له شغل إلا الاشتغال بالعلم وبالجملة لم يخلق بعده مثله، هذه عبارة ابن قاضي شهبة في وصف أخلاق هذا الرجل، وهي ترسم صورة واضحة في ذهن القارئ تصور ابن رجب راغبا عن الدنيا وزينتها، وجاهها ووجاهتها، مع علم جم وعبادة شاغلة، ولا عجب أن يقال فيه بعد ذلك: اجتمعت الفرق عليه ومالت

-9- ثناء العلماء عليه

القلوب بالمحبة إليه. ولقد كان - C - داعية محبة ووحدة ويظهر هذا أثناء ترجمته للحسن بن أحمد بن عبد الله البغدادي (ت 471هـ) فهو يقول: ولقد رأيت له في مجموعة من المعتقدات ما يوافق بين المذهبين الشافعي وأحمد، ويقصد به تأليف القلوب واجتماع الكلمة، مما أرجو له به عند الله الزلفى في العقبى، فلقد كان من شيوخ الإسلام النصحاء والفقهاء والألباء. - 9 - ثناء العلماء عليه لقد استحق ابن رجب ثناء العلماء وتقديرهم بما كان عليه من الفضل والعلم، وما رأيت أحدا ترجم له إلا وأثنى عليه، ولم أجد كلمة واحدة تذمه أو تنقص من قدره، وهذا الإجماع نادر جدا، فكل رجل لا يخلو من مبغض أو حاسد أو ناقد إلا أن ابن رجب - وفقه الله تعالى - فاجتمعت الفرق على الثناء عليه، يقول ابن قاضي شهبة: كتب وقرأ وأتقن الفن واشتغل في المذهب حتى أتقنه وأكب على الاشتغال بمعرفة متون الحديث وعلله ومعانية. وقال فيه ابن حجر: ومهر في فنون الحديث أسماء ورجالا وطرقا واطلاعا على معانيه: ونقل عن أبي حجي قوله: أتقن الفن وصار أعرف أهل عصره بالعلل وتتبع الطرق. وقال صاحب المنهج: وكان أحد الأئمة الحفاظ الكبار، والعلماء الزهاد الأخيار.

وقال النعيمي في الدارس: الشيخ العلامة الحافظ الزاهد شيخ الحنابلة. وقال ابن فهد: الإمام الحافظ الحجة والفقيه العمدة أحد العلماء الزهاد والأئمة العباد مفيد المحدثين واعظ المسلمين

المبحث الثاني شيوخ ابن رجب الحنبلي

المبحث الثاني شيوخ ابن رجب الحنبلي المطلب الأول: شيوخ ابن رجب. المطلب الثاني: ترجمة لأشهر شيوخ ابن رجب. 1 - ابن الخباز. 2 - أبي سعيد العلائي. 3 - الميدومي. *** لما كان المقام لا يتسع لذكر تراجم شيوخ ابن رجب، لأن هذا شيء يطول، فقد رأيت أن الفائدة تتحقق بما يلي: 1 - ذكر هؤلاء الشيوخ مرتبين على حروف المعجم، مع ذكر وفياتهم، إن وجد ذلك. 2 - بيان طريق التحمل سماعا أو إجازة وزمان ذلك ومكانه. 3 - الإشارة إلى مراجع ترجمة كل شيخ، والمكان الذي يبين أستاذيته لابن رجب. 4 - الترجمة لأشهر شيوخه.

المطلب الأول شيوخ ابن رجب

المطلب الأول شيوخ ابن رجب 1 - قاضي القضاة أبو العباس: أحمد بن الحسن بن عبد الله، المشهور بابن قاضي الجبل (693 - 771هـ) سماعا في دمشق. 2 - أبو العباس: أحمد بن سليمان الحنبلي، في بغداد، قراءة عليه. 3 - شهاب الدين، أبو العباس: أحمد بن عبد الرحمن الحريري المقدسي الصالحي (663 - 758هـ) في دمشق سماعا. 4 - أحمد بن عبد الكريم البعلي، شهاب الدين (696 - 777هـ) حدث ببلده وفي دمشق. 5 - عماد الدين، أبو العباس: أحمد بن عبد الهادي بن يوسف بن محمد بن قدامة المقدسي (ت 754هـ) سمعه في دمشق. 6 - جمال الدين أبو العباس: أحمد بن علي بن محمد البابصري، البغدادي (707 - 750هـ) سمعه في بغداد. 7 - شهاب الدين، أحمد بن محمد الشيرازي المعروف بـ (زغنش) .

8 - بشر بن إبراهيم بن محمود بن بشر البعلبكي، الحنبلي (681 - 761هـ) سمعه في الشام. 9 - صفي الدين، أبو عبد الله: الحسين بن بدران البصري البغدادي (712 - 749هـ) قرأ عليه، في بغداد. 10 - صلاح الدين، أبو سعيد: خليل بن كيكلدي العلائي (694 - 761هـ) سمعه في القدس. 11 - جمال الدين أبو سليمان: داود بن إبراهيم العطار (665 - 752هـ) سمعه في دمشق. 12 - بنت الكمال: زينب بنت أحمد بن عبد الرحيم المقدسية (646 - 740هـ) إجازة، وهو في بغداد. 13 - نجم الدين، أبو المحامد، سليمان بن أحمد النهرماري البغدادي الفقيه. (ت 748هـ) سمعه في بغداد. 14 - عز الدين: عبد العزيز بن محمد بن إبراهيم بن سعد الله بن جماعة،

قاضي المسلمين، (694 - 767هـ) قال عنه شيخنا، ولقيه في مصر ومكة. 15 - تاج الدين: عبد الله بن عبد المؤمن بن الوجبة الواسطي، المقرئ (671 - 740هـ) سمعه في بغداد. 16 - تقي الدين، أبو محمد: عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن نصر بن فهد، المعروف بابن قيم الضيائية (669 - 761هـ) سمعه في دمشق. 17 - صفي الدين، أبو الفضائل: عبد المؤمن بن عبد الحق بن عبد الله البغدادي الحنبلي (658 - 739هـ) إجازة في بغداد. 18 - عز الدين، أبو يعلى: حمزة بن موسى بن أحمد بن بدران المعروف: بابن شيخ السلامية (712 - 769هـ) سمعه في دمشق. 19 - فخر الدين: عثمان بن يوسف بن أبي بكر النويري الفقيه، المالكي (663 - 756هـ) سمعه في مكة سنة 749هـ.

20 - علاء الدين، أبو الحسن علي بن الشيخ زين الدين المنجا بن عثمان بن أسعد بن المنجا (673 - 673هـ) سمعه في دمشق. 21 - أبو الربيع: علي بن عبد الصمد بن أحمد بن عبد القادر البغدادي، (656 - 742هـ) سمعه ببغداد وهو في الخامسة. 22 - عمر بن حسن بن مزيد بن أميلة المراغي، الحلبي، ثم الدمشقي (679 - 778هـ) سمعه في دمشق. 23 - سراج الدين أبو حفص: عمر بن علي بن موسى بن خليل البغدادي (688 - 749هـ) سمعه في دمشق. 24 - سراج الدين، أبو حفص: عمر بن علي بن عمر القزويني، محدث العراق (683 - 750هـ) قراءة عليه في بغداد. 25 - علم الدين، أبو محمد: القاسم بن محمد البرزالي، مؤرخ الشام (665 - 739هـ) إجازة من دمشق. 26 - عز الدين أبو عبد الله: محمد بن إبراهيم بن عبد الله بن محمد بن أحمد بن قدامة المقدسي (663 - 748هـ) إجازة في دمشق.

27 - أبو عبد الله: محمد بن أحمد بن تمام بن حسان الصالحي (651 - 741هـ) إجازة من دمشق. 28 - محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن سالم الدمشقي الأنصاري العبادي من ولد عبادة بن الصامت، المعروف بابن الخباز (667 - 756هـ) سمعه في دمشق وأكثر عنه جدا. 29 - ناصر الدين، محمد بن إسماعيل بن عبد العزيز بن عيسى بن أبي بكر بن أيوب، ينتهي نسبة بالعادل الأيوبي، ويلقب بابن الملوك (674 - 756هـ) سمعه في مصر وأخذ عنه كثيرا. 30 - شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعيد بن جرير الزرعي، ابن قيم الجوزية (691 - 751هـ) سمعه في دمشق ولازمه أزيد من سنة. 31 - أبو المعالي: محمد بن عبد الرزاق الشيباني في بغداد، قراءة عليه سنة 749هـ. 32 - صدر الدين، أبو الفتح: محمد بن محمد بن إبراهيم الميدومي (664 - 754هـ) سمعه في مصر.

المطلب الثاني ترجمة لأشهر شيوخ ابن رجب

33 - فتح الدين، أبو الحرم: محمد بن محمد بن محمد القلانسي الحنبلي (683 - 765هـ) سمعه في القاهرة. 34 - ابن النباش: ذكر ابن رجب أنه لازمه حتى الممات، ولم يذكر له تاريخ وفاة. 35 - شمس الدين يوسف بن نجم الحنبلي (ت 751هـ) سمعه في دمشق. 36 - جمال الدين، يوسف بن عبد الله بن العفيف المقدسي النابلسي (691 - 754هـ) قرأ عليه سنن ابن ماجه بدمشق. هذا ما وفقني الله إلى تحصيله من شيوخ ابن رجب، استغرق مني دراسة طويلة، اطلعت أثناءها على كتب التراجم التي تناولت عصر ابن رجب وعلى كتب الطبقات كذلك، علما بأن من ترجموا لابن رجب لم يذكروا إلا عددا قليلا من الشيوخ، لا يزيد على الأربعة. المطلب الثاني ترجمة لأشهر شيوخ ابن رجب وفيما يلي ترجمة لثلاثة من شيوخه الذين أكثر من الرواية عنهم، أو أثروا فيه، فيما نحسب: 1 - ابن الخباز: هو محمد بن إسماعيل بن إبراهيم الدمشقي، الأنصاري العبادي من ولد

عبادة بن الصامت، المعروف بابن الخباز. مولده في شهر رجب سنة 667هـ وبكر به أبوه فأحضره على أحمد بن عبد الدائم، وإسماعيل بن إبراهيم بن أبي اليسر التنوخي، وعبد الرحمن بن نجم الحنبلي - وهو آخر من حدث عنهم بالسماع - وأحمد بن عبد السلام بن أبي عصرون، ومؤمل بن محمد البالسي، وأبي بكر بن عمر بن يونس المزي. روى عنه الأئمة والحفاظ أبو محمد القاسم بن محمد البرزالي وأبو عبد الله محمد بن أحمد الذهبي، وأبو سعيد خليل بن كيكلدي العلائي، والشريف أبو المحاسن محمد بن علي بن حمزة الحسيني، وزين الدين عبد الرحيم العراقي، وزين الدين عبد الرحمن بن أحمد بن رجب. قال عنه العراقي: كان مسند الآفاق في زمانه وتفرد برواية مسلم بالسماع المتصل، وكان صدوقا مأمونا محبا للحديث وأهله. حدث قديما مع أبيه وهو ابن عشرين سنة واستمر يحدث نحوا من سبعين سنة، وتأخر إلى أن صار مسند دمشق في عصره. قال ابن حجر في الدرر: أكثر عنه شيخنا العراقي، وذكر لي أنه كان صبورا على السماع، وكان يكتسب بالنسخ. قال: فكنا نقرأ عليه وهو يعمل في منزله، من بكرة إلى العصر. قال أبو زرعة العراقي في طرح التثريب: انقطعت بموته كتب وأجزاء. مات في ثالث شهر رمضان سنة 756هـ عن تسعين سنة إلا عشرة أشهر. وقد أكثر عنه ابن رجب وله عنه أسانيد كثيرة نشرها في كتابه طبقات الحنابلة أشرنا إلى بعضها في هامش ثبت مشيخة ابن رحب

2 - أبو سعيد العلائي: شيخ الإسلام علاء الدين أبو سعيد خليل بن كيكلدي العلائي الدمشقي ثم المقدسي الشافعي، ولد بدمشق في ربيع الأول سنة أربع وتسعين وستمائة، وسمع الكثير ورحل وبلغ عدة شيوخه بالسماع سبعمائة، وأخذ عن مشايخ الدنيا، وأجيز بالفتوى وجد واجتهد حتى فاق أهل عصره، درس بدمشق بحلقة ابن صاحب حمص ونزل عنها للحافظ المزي، ودرس بالأسدية أيضا، وأعاد بالناصرية. ثم انتقل إلى القدس مدرسا بالصلاحية سنة 731هـ. وأقام بالقدس مدة طويلة يدرس ويفتي ويحدث ويصنف إلى أخر عمره. قال الآسنوي: كان حافظ زمانه إماما في الفقه والأصول وغيرهما. وله ذوق في معرفة الرجال وذكاء وفهم. قال ابن حجر: وقرأت بخط شيخنا العراق: توفي حافظ المشرق والمغرب صلاح الدين في ثالث المحرم. وذلك سنة 761هـ. قال صاحب الأنس الجليل: ومن تصانيفه القواعد المشهورة، وهو كتاب نفيس يشتمل على علمي الأصول والفروع. "والوشى المعلم فيمن روى عن أبيه عن جده عن النبي A و"المراسيل" و"كتاب في المدلسين" وكتب أخرى كثيرة. وقد رحل إليه ابن رجب وسمع منه. 3 - الميدومي: صدر الدين أبو الفتح محمد بن محمد بن إبراهيم بن أبي القاسم بن عنان الميدومي. ولد في شعبان سنة 664هـ وبكر به أبوه فأسمعه من النحيب، وابن علاق، وابن عزون. حدث بالكثير بالقاهرة ومصر، ورحل إلى القدس زائرا بعد الخمسين فأكثروا عنه، وسمع منه ابن رافع، والحسيني، والعراقي، وابن رجب، والشيخ سراج الدين البلقيني. قال الحسيني: وكان مسند الدنيا ولم يخلف بعده مثله. ووصفه ابن تغري بردي بالمسند المعمر. توفي في رمضان سنة 754هـ. وقد تلقى عنه العلم الزين عبد الرحيم العراقي، وابن رجب، والبلقيني وابن الملقن، وغيرهم كثير. ***

المبحث الثالث تلاميذه وآثاره

المبحث الثالث تلاميذه وآثاره المطلب الأول: تلاميذ ابن رجب. المطلب الثاني: التعريف بأشهر تلاميذ ابن رجب. المطلب الثالث: آثاره العلمية. *** المطلب الأول تلاميذ ابن رجب وقد رتبناهم على حروف المعجم مع مراعاة ولاداتهم ووفياتهم، وكيفية تحملهم عن ابن رجب، ومكانه: 1 - الشهاب أبو العباس: أحمد بن أبي بكر بن سيف الدين الحموي، الحنبلي ويعرف بابن الرسام، (773 - 844هـ) أجازه ابن رجب، وقال في الشذرات: وكان يعمل المواعيد وله كتاب في الوعظ على نمط كتاب شيخه ابن رجب. 2 - محب الدين أبو الفضل، أحمد بن نصر الله بن أحمد بن محمد بن عمر، مفتي الديار المصرية، (765 - 844هـ) ، سمع ابن رجب في دمشق ولازمه.

3 - داود بن سليمان بن عبد الله الزين الموصلي الدمشقي الحنبلي (764 - 744هـ) سمع ابن رجب في دمشق. 4 - زين الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن أحمد بن محمد بن محمد الدمشقي الأصل الملكي المقرئ (772 - 853) هـ سمع ابن رجب في دمشق. 5 - زين الدين عبد الرحمن بن سليمان بن أبي الكرم الحنبلي المعروف بأبي شعر، (780 - 844هـ) سمع ابن رجب في دمشق. 6 - زين الدين أبو ذر، عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن محمد المصري الحنبلي، المعروف بالزركشي (758 - 846هـ) سمع ابن رجب في دمشق قبيل الفتنة اللنكية. 7 - علاء الدين أبو الحسن، علي بن محمد بن عباس البعلي الشهير بابن اللحام، ولد بعد الخمسين وسبعمائة في بعلبك، وتوفي سنة ثلاث وثمانمائة. سمع ابن رجب في دمشق. 8 - علاء الدين علي بن محمد بن علي الطرسوسي المزي، كان يعيش حتى سنة 850هـ، وحضر على ابن رجب وقال: "انه سمعه يقول: أرسل إلي الزين العراقي يستعين بي في شرح الترمذي". 9 - علاء الدين أبو المواهب، علي بن محمد بن أبي بكر السلمي الحموي الحنبلي،

ويعرف بابن المغلي (761 - 828هـ) ، أخذ عن ابن رجب في دمشق. 10 - أبو حفص عمر بن محمد بن علي بن أبي بكر بن محمد السراج الحلبي الأصل الدمشقي الشافعي، يعرف بابن المزلق (بضم الميم وفتح الزاي وكسر اللام المشددة) (787 - 841هـ) سمع ابن رجب في دمشق. 11 - محب الدين أبو الفضل ابن الشيخ نصر الله ولد سنة 765هـ في بغداد، وأخذ عن ابن رجب في دمشق. 12 - قاضي القضاة شمس الدين محمد بن أحمد بن سعيد المقدسي الحنبلي قاضي مكة (771 - 855هـ) سمع ابن رجب في دمشق. 13 - شهاب الدين أحمد بن علي محمد الأنصاري الحلبي ابن الشحام (781 - 864هـ) ، سمع ابن رجب في دمشق. 14 - عز الدين محمد بن بهاء الدين علي المقدسي الحنبلي (764 - 820هـ) أخذ عن ابن رجب في دمشق. 15 - شمس الدين محمد بن خالد الحمصي القاضي، توفي سنة 830هـ قرأ على ابن رجب في دمشق. 16 - شمس الدين أبو عبيد الله محمد بن خليل بن طوغان الدمشقي الحريري الحنبلي، المعروف بابن المخصفي (746 - 803هـ) . سمع ابن رجب في دمشق.

المطلب الثاني التعريف بأشهر تلاميذ ابن رجب

17 - شمس الدين أبو عبد الله محمد بن محمد بن عبادة الأنصاري الحنبلي الدمشقي قاضي القضاة بدمشق، توفي سنة 820هـ، سمع ابن رجب في دمشق. المطلب الثاني التعريف بأشهر تلاميذ ابن رجب "وفيما يلي ترجمة موجزة لثلاثة من هؤلاء التلاميذ". "ابن اللحام": علي بن محمد بن علي بن عباس بن فتيان، العلاء، البعلي، ثم الدمشقي الحنبلي، ويعرف بابن اللحام، وهي حرفة أبيه. ولد بعد الخمسين وسبعمائة ببعلبك، ونشأ بها في كفالة خاله، لكون أبيه مات وهو رضيع. فعلمه صنعة الكتابة، ثم حبب إليه الطلب، فطلب بنفسه، وتفقه على الشمس بن اليونانية، ثم انتقل إلى دمشق، وتلمذ لابن رجب وغيره، وبرع في مذهبه ودرس وأفتى، وشارك في الفنون وناب في الحكم، ووعظ بالجامع الأموي في حلقة ابن رجب بعده. وكانت مواعيده حافلة، ينقل فيها مذاهب المخالفين محررة من كتبهم، مع حسن المجالسة وكثرة التواضع، ثم ترك الحكم بأخرة. وصار شيخ الحنابلة بالشام مع ابن مفلح فانتفع الناس به. وقد قدم القاهرة بعد الكائنة العظمى بدمشق فسكنها، وولي تدريس المنصورية، ثم نزل عنها، وعين للقضاء بعد موت الموفق بن نصرالله فامتنع. ومات بعد ذلك بيسير في يوم الأضحى وقد جاوز الخمسين. أبو ذر: عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن محمد الزين أبو ذر المصري

الحنبلي، يعرف بالزركشي صنعة أبيه، ولد في سابع عشر رجب سنة 758هـ بالقاهرة، ونشأ بها، فحفظ القرآن والعمدة، وعرض على مشاهير العلماء المصريين كالجمال الأسنوي والزين العراقي. ثم ارتحل إلى دمشق قبيل الفتنة فأخذ الفقه أيضا عن الزين بن رجب وقاضي الحنابلة الشمس بن التقي، ودخل نابلس وإسكندرية ودمياط، والصعيد، وغيرها. استقر في تدريس الحنابلة في الأشرفية برسباي، وكان إماما متواضعا جيد الذهن، صار مسند مصر، مع صحة بدنه، وضعف بصره. مات سنة 846هـ بالقاهرة. شمس الدين محمد بن أحمد بن سعيد المقدسي: محمد بن أحمد بن سعيد بن العز، المقدسي الأصل النابلسي، ثم الدمشقي، الحلبي المكي قاضيها الحنبلي. ولد سنة 771هـ، بكفر لبد من جبل نابلس، ونشأ بها فحفظ القرآن، ثم انتقل سنة 789 لصالحية دمشق، فتفقه بها على ابن رجب، وابن مفلح، وابن اللحام، ثم انتقل إلى حلب سنة 791 فسمع بها على ابن صديق، وناب بها في القضاء والخطابة بجامعها الكبير، ثم رحل إلى بيت المقدس في سنة 812هـ، وأقام بها حتى سنة 818هـ، ثم رحل إلى دمشق أيضا، وحج وجاور مرارا، وسمع من الجمال بن ظهيرة. ثم قطن مكة من سنة 852هـ. وكان عالما كثير الاستحضار لفروع مذهب الإمام أحمد. وقد صنف كتبا منها: "الشافي" و"الكافي" و"كشف الغمة بتيسير الخلغ لهذه الأمة" و"المسائل المهمة فيما يحتاج إليه العاقد في الخطوب المدلهمة" و"سفينة الأبرار الجامعة للآثار والأخبار" في المواعظ في ثلاث مجلدات، والآداب. مات بمكة ليلة الخميس رابع عشر صفر سنة 855هـ.

المطلب الثالث آثاره العلمية

المطلب الثالث آثاره العلمية صنف ابن رجب - C - كتبا قارب عددها الخمسين، بين كتاب يقع في مجلدات ورسالة تقع في ورقات. وسأذكر هذه الكتب - إن شاء الله - في ثبت مربت على الموضوعات، مكتفيا بذكر اسم الكتاب تحت موضوعه وهل هو مطبوع أو مخطوط. وأما ما يهمنا من هذه الكتب وهو كتب الحديث فسأتناولها في الفصل التالي الذي هو جهود ابن رجب في الحديث. وفيما يلي ثبت بأسماء الكتب حسب الموضوعات: التفسير: 1 - تفسير سورة النصر ط. لاهور 1339هـ مع تحفة الودود بأحكام المولود لابن القيم. 2 - تفسير سورة الإخلاص، مخطوط. الحديث: 3 - فتح الباري بشرح صحيح البخاري، مخطوط بدار الكتب المصرية 389، حديث تيمور. 4 - شرح الترمذي، وتوجد منه قطعة، تقع في عشر ورقات، مخطوطة في المكتبة الظاهرية بدمشق. ويوجد منه شرح علل الترمذي الذي هو آخر الكتاب، وهو موضوع هذه الدراسة. 5 - جامع العلوم والحكم، ط في مصر والهند 1382، 1346هـ. 6 - اختيار الأولى في شرح حديث اختصام الملأ الأعلى، ط. المنيرية 1353، ومكتبة القاهرة. 7 - البشارة العظمى في أن حظ المؤمن من النار الحمى، مخطوط في مكتبة فاتح باستانبول، ضمن مجموعة لابن رجب 5318.

8 - تحفة الأكياس بشرح وصية النبي A لابن عباس، ط. بمطبعة الإمام بمصر. 9 - تسلية نفوس النساء والرجال عند فقد الأطفال، مخطوط بمكتبة فاتح باستانبول 5318. 10 - الحكم الجديرة بالإذاعة من قول النبي A: بعثت بالسيف بين يدي الساعة، ط. المنار 1349هـ. 11 - ماذئبان جائعان، ط. المبيرية. 12 - شرح حديث " ان أغبط أوليائي عندي"، مخطوط بمكتبة فاتح، باستانبول، رقم 5318. 13 - شرح حديث أبي الدرداء "من سلك طريقا يلتمس فيه علما"، ط. مكة 1347هـ. 14 - حديث عمار "اللهم بعلمك الغيب" مخطوط، بمكتبة الرياض بالسعودية رقم 527 /26. 15 - شرح حديث شداد بن أوس: "إذا كنز الناس الذهب والفضة"، مخطوط بمكتبة الأوقاف بالعراق رقم 4767/25 مجاميع. 16 - شرح حديث "يتبع الميت ثلاث"، مخطوط، بمكتبة فاتح باستانبول، رقم 5318. 17 - صدقة السر وفضها، مخطوط، بمكتبة فاتح باستانبول، رقم 5318. 18 - غاية النفع في شرح "تمثيل المؤمن بخامة الزرع" ط. أنصار السنة بمصر، 1358هـ. 19 - كشف الكربة في وصف حال أهل الغربة، ط. المنار، بمصر 1340هـ، والمنيرية 1351هـ. 20 - مختصر فيما روي عن أهل المعرفة والحقائق في معاملة الظالم السارق، مخطوط، بمكتبة فاتح باستانبول، رقم 5318.

22 - المحجة في مسير الدلجة، ط. مطبعة الترقي الماجدية، بمكة المكرمة، 1347هـ. الفقه: 22 - الاستخراج لأحكام الخراج، ط. بالمطبعة الإسلامية بالأزهر، بمصر سنة 1352هـ. 23 - رسالة في أحكام الخواتم، مخطوطة، بدار الكتب المصرية، رقم 23794/ب. وهي ورقات من شرح الترمذي. 24 - تعليق الطلاق بالولادة، مخطوطة، بمكتبة فاتح باستانبول، رقم 5318. 26 - القواعد الفقهية، ط. عدة طبعات آخرها، 1972م. 26 - مشكل الأحاديث الواردة في أن الطلاق الثلاث واحدة، مفقود، وقد استفاد منه ابن عبد الهادي في كتابه "سير الحاث إلى علم الطلاق الثلاث" وقد طبع بمطبعة السنة المحمدية بمصر سنة 1953م. 27 - فتوى في هلال ذي الحجة، مخطوط بالرياض بالسعودية، رقم 18/527. التاريخ: 28 - اختيار الأبرار "سيرة أبي بكر وعمر"، مخطوط، برلين، رقم 9690. 29 - الذيل على طبقات الحنابلة، ط. المعهد الفرنسي بدمشق، 1951م، وظهر منه الجزء الأول، ثم طبع بمطبعة السنة المحمدية بمصر سنة 1952م. 30 - سيرة عمر بن عبد العزيز، ط. بالرياض، بالسعودية. الوعظ: 31 - أهوال القبور وأحوال أهلها إلى النشور، ط. أم القرى بمكة المكرمة سنة 1357هـ.

32 - التخويف من النار والتعريف بحال أهل البوار، ط. أم القرى بمكة المكرمة سنة 1357هـ. 33 - الخشوع في الصلاة، أو الذلة والانكسار، ط. البابي الحلبي سنة 1341هـ. 34 - ذم الخمر وشاربها، مخطوط، بمكتبة فاتح باستانبول، رقم 5318. 35 - ذم قسوة القلب، شهيد علي باستانبول، مخطوط، رقم 543. 36 - لطائف المعارف فيما لمواسم العام من الوظائف، ط. الحلبي سنة 1343هـ. كتب أخرى: 37 - فضل علم السلف على الخلف، ط. المنيرية 1347هـ. 38 - نزهة الاستماع في مسألة السماع، مخطوط، دار الكتب المصرية 16163 آب. 39 - كلمة الإخلاص، وتحقيق معناها، ط. بالقاهرة، 1390هـ، وبدمشق، 1961م. 40 - استنشاق نسيم الأنس من نفحات رياض القدس، ط. مطبعة الإمام بمصر سنة 1363هـ. 41 - الفرق بين النصيحة والتعيير، مطبوع. الكتب المفقودة: والتي ذكرها ابن حميد في "السحب الوابلة على ضرائح الحنابلة" أو إسماعيل باشا البغدادي في "هدية العارفين": 42 - الاستيطان فيما يعتصم به العبد من الشيطان (ابن حميد) . 43 - الاستغناء بالقرآن "هداية العارفين". 44 - الإلمام في فضائل بيت الله الحرام "هداية العارفين".

45 - الكشف والبيان عن حقيقة النذور والإيمان (ابن حميد) . 46 - حماية الشام بما فيها من الأحلام (ابن حميد) . 47 - مسألة الصلاة يوم الجمعة بعد الزوال وقبل

الفصل الثالث جهود ابن رجب في الحديث رواية ودراية

الفصل الثالث جهود ابن رجب في الحديث رواية ودراية تمهيد المبحث الأول: الرواية عند ابن رجب. المبحث الثاني: الدراية عند ابن رجب. المطلب الأول: شرح الترمذي. المطلب الثاني: فتح الباري بشرح صحيح البخاري. المطلب الثالث: جامع العلوم والحكم. المطلب الرابع: الرسائل الحديثية.

تمهيد

تمهيد إن غلبة الحديث على شخصية ابن رجب يرجع إلى اهتمامات أسرته بهذا الجانب. وقد أشرنا في ترجمته إلى حصوله على إجازات مشاهير عصره، وذكرنا أن هذا يدل على مكانة أسرته المرموقة. وقد ذكرنا أسماء عدد من شيوخه وبينا طريق التحمل عن كل شيخ. ويقف من بين هؤلاء الشيوخ من اشتهر بالإسناد العالي كالقاسم بن محمد البرزالي (ت 739هـ وزينب نبت أحمد المقدسية (ت 740هـ) ومحمد بن أحمد بن تمام الصالحي (ت 741هـ) وصفي الدين عبد المؤمن بن عبد الحق البغدادي (ت 739هـ) . وقد أعقب هذا الطلب المبكر رحلة حافلة بلقاء الشيوخ، ساعده على ذلك نشاط والده الذي حمله ولما يتجاوز الثامنة من عمره فطاف به حواضر العلم كدمشق، وبيت المقدس، ونابلس، والقاهرة، ومكة، واستطاع أن يبلغ به مرتبة الشيوخ وهو في مقتبل الشباب، فكان مرجعا في العلم قبل وفاة شيخه محمد بن إسماعيل بن الخباز (المتوفى سنة 757هـ) . ولقد ذكر هذا ابن فهد المكي في ترجمة الحافظ زين الدين العراقي فقال: قرأ صحيح مسلم على محمد بن إسماعيل ابن الخباز في ستة مجالس، وذلك بحضور الحافظ زين الدين بن رجب وهو معارض بنسخته.

المبحث الأول الرواية عند ابن رجب

فيكون ابن رجب قد بلغ مرتبة علمية مرموقة، وهو دون العشرين، وتتقدم هذه المرتبة كلما تقدم به الزمن حتى استحق أن يوصف على لسان ابن حجي بقوله: أتقن الفن، وصار أعرف أهل عصره بالعلل، وتتبع الطرق، ويقول أيضا عنه: ومهر في فنون الحديث أسماء ورجالا، وعللا، وطرقا، واطلاع على معانيه. وفيما يلي عرض لجهوده في الحديث رواية ودراية. *** المبحث الأول الرواية عند ابن رجب ونعني بالرواية العلم بأقوال النبي A وأفعاله وتقريراته، وروايتها وضبطها، وتحرير ألفاظها، كل ذلك بالإسناد. فعلم الحديث رواية يشمل حفظ المتون، والأسانيد، ولقد كان لعلم الحديث رواية مكانة كبيرة حتى دونت الكتب المشهورة، فأصبح الناس يعتمدون على كتب السنة. ولكن هذا لم يلغ علم الرواية. إذ بقيت الكتب نفسها تروى بالأسانيد إلى أصحابها، وتحرر ألفاظها بواسطة الرواية، يضاف إلى ذلك أن قسما من طرق الحديث بقي خارج الكتب المدونة، وظل يروى مشافهة أو في أجزاء غير مشهورة شهرة الكتاب المعتمدة، ويضاف إلى كل هذا أن الإسناد خصيصة الأمة الإسلامية فحافظ العلماء عليه، وفيه دلالات حاسمة على اللقاء والسماع والتلمذة والرحلة وما شابه ذلك. ولابن رجب رواياته وأسانيده، وقد سبق في مبحث رحلة ابن رجب الإشارة إلى الاستدلال بالرواية على رحلته وتنقله بين حواضر العلم، ومجالس العلماء. وروايات ابن رجب هذه مدونة في كتابه "الذيل على طبقات الحنابلة" وغالبا ما يذكر ترجمة الشيخ ثم يذكر حديثا أو أكثر، يصله ابن رجب بإسناده إلى الرجل صاحب الترجمة.

وهذه الروايات تمتاز بعلو الإسناد بالنسبة للعصر والأقران، فالحافظ زين الدين العراقي أشهر أقران ابن رجب، وهو إمام مشهود له في إمامته وعلمه وقد ولد قبل ابن رجب بعشر سنين، ولكن أعلى شيخ عنده هو محمد بن محمد بن إبراهيم الميدومي (664 - 754هـ) ، والميدومي شيخ ابن رجب كذلك. ولكن ابن رجب روى عن طبقة متقدمة كزينب بن أحمد بن عبد الرحيم المقدسية (646 - 740هـ) ومحمد بن أحمد بن تمام الصالحي (651 - 741هـ) وعلي بن عبد العزيز البغدادي (606 - 742هـ) فيكون ابن رجب بذلك أعلى إسنادا

المبحث الثاني دراية ابن رجب في الحديث

المبحث الثاني دراية ابن رجب في الحديث ونعني بالدراية: "معرفة حقيقة الرواية وشروطها، وأنواعها، وأحكامها، وحال الرواة وشروطهم وأصناف المرويات، وما يتعلق بها". فكل ما عدا نقل الحديث بسنده ومتنه يدخل في الدراية: كالجرح والتعديل، والجمع بين المتعارض والشرح والبيان والاستنباط. ولابن رجب جهوده الجليلة في هذا الجانب، وقد طوت يد الحدثان الكثير من مصنفات هذا الرجل. وما بقي من آثاره شاهد على فهم دقيق، وقدره على الاستقصاء والبحث. وسندرس جانب الدراية عنده في أربعة مطالب هي: 1 - شرح الترمذي بما فيه شرح علل الترمذي. 2 - فتح الباري بشرح صحيح البخاري. 3 - جامع العلوم والحكم. 4 - رسائل حديثية، تشرح كل واحدة منها حديثا أو أكثر. المطلب الأول شرح الترمذي لابن رجب ذكرت المراجع التي ترجمت لابن رجب أنه صنف شرحا للترمذي أتمه في

عشرين مجلدا. وفي ذلك يقول ابن حجر في إنبائه عنه: صنف وشرح الترمذي فأجاد فيه في نحو عشرين مجلدة. وقد سبق ابن رجب في شرح هذا الكتاب أبو بكر محمد بن العربي المعافري (ت 543هـ) في كتاب سماه "عارضة الأحوذي"، وشرحه كذلك البغوي المتوفى سنة 510هـ. أما أبو الفتوح محمد بن محمد بن سيد الناس (ت 734هـ) فقد شرح منه جزءا، ثم جاء زين الدين عبد الرحيم العراقي فأتم ما شرع فيه ابن سيد الناس، ويبدو لي أن ابن رجب شرع في شرح الترمذي قبل أن يبدأ العراقي في شرح هذا الكتاب، إذ وفاة ابن رجب متقدمة على وفاة العراقي بإحدى عشرة سنة. وشرح ابن رجب شرح كامل للترمذي من أوله إلى آخره بينما نجد شرح العراقي تكملة لما بدأ به ابن سيد الناس، وهذه التكملة لم تنته كما صرح بذلك ابن فهد والسخاوي وابن حجر، ونص ابن فهد على أن هذا الشرح يبدأ من "باب ما جاء أن الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام" إلى قوله في أثناء كتاب البر والصلة "باب ما جاء في الستر على المسلمين" وفي ذلك يقول السخاوي: أكمل شرح الترمذي لابن سيد الناس فكتب منه تسع مجلدات. ومما يؤكد أن ابن رجب سبق العراقي في هذا ما ذكره السخاوي في ترجمة علاء الدين علي بن محمد بن علي الطرسوسي المزي فقال: كان يعيش حتى سنة 850هـ وحضر على ابن رجب، وقال أنه سمعه يقول: أرسل إلي الزين العراقي يستعين بي في شرح الترمذي. البحث عن الكتاب: ولقد حاولت جاهدا العثور على شرح الترمذي لابن رجب فلم أجد منه إلا قطعة من كتاب اللباس لا تزيد على عشر ورقات، وذلك علاوة على شرح

العلل الذي هو الجزء الأخير من جامع الترمذي، وبعد بحث طويل عن هذا الكتاب رجعت إلى قول صاحب كشف الظنون الذي يقول: شرح الترمذي في عشرين مجلدا إلا أنه احترق في الفتنة. ويؤكد هذا أن القطعة الباقية حملت في الورقة الأولى منها عبارة: (ملك يوسف بن عبد الهادي وهي بخط ابن رجب نفسه) ، فلو كان عند يوسف بن عبد الهادي جميع هذا الكتاب لما وجدنا ذكر الملكية والاسم على أول هذه الصفحات. منهج ابن رجب في شرح الترمذي: ولقد وجدت من خلال استعراض هذه القطعة الباقية من شرح الترمذي أن منهج ابن رجب يتلخص بما يلي: 1 - يذكر ابن رجب الباب كما هو عند الترمذي. 2 - ثم يخرج أحاديث الباب من كل الطرق والكتب. 3 - يتكلم على هذه الطرق جرحا وتعديلا، ويكشف عما فيها من مسائل مشكلة، كرفع الإبهام في الأسماء، ويتكلم عن العلل. 4 - يفصل ما أجمله الترمذي بقوله: وفي الباب عن علي، وابن عمر وأبي هريرة، ومعاوية، ويذكر حديث كل واحد من هؤلاء، ويفصل الطرق ويذكر ما فيها من علل أو جرح. 5 - يضيف إلى ما ذكره الترمذي بقوله: وفي الباب عن علي، وابن عمر، وأبي هريرة، فيقول: وفي الباب - أيضا - ما لم يذكره الترمذي عن عمر، وأبي سعيد، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وجابر، وبريدة، وأبي ثعلبة الحشني، وابن مسعود، وابن عباس، ورجل من الصحابة. 6 - يفصل ابن رجب هذه الاستدراكات التي استدرك بها على الترمذي فيقول: وأما حديث عمر: فمن طريق حماد بن سلمة (أنا) عمار بن

باب ما جاء في كراهة خاتم الذهب

أبي عمار أن عمر بن الخطاب قال.. وهكذا يفعل بكل صحابي ذكر أن له شيئا في هذا الصدد. ويتكلم على ما في هذه الروايات من علل أو جرح. 7 - ثم يختم كلامه بذكر أقوال الفقهاء، ويفصل في فقه الحديث. 8 - هذا المنهج يستخدمه ابن رجب في كشف مصطلحات الترمذي عندما يقول: حديث حسن أو حسن صحيح، أو غريب، وذلك لاطلاعه الواسع على طرق الحديث ورواياته. وسنبحث فيما يلي نصا من شرح الترمذي لابن رجب يظهر فيه منهجه وأسلوبه. باب ما جاء في كراهة خاتم الذهب حدثنا سلمة بن شبيب، والحسن بن علي الخلال وغير واحد، قالوا: (ثنا) عبد الرزاق (أنا) معمر، عن الزهري، عن إبراهيم بن عبد الله بن حنين، عن أبيه، عن علي بن أبي طالب، قال: نهاني رسول الله A عن التختم بالذهب وعن لباس القسي، وعن القراءة في الركوع والسجود، وعن لباس المعصفر. هذا حديث حسن صحيح. حدثنا يوسف بن حماد المعني البصري، (ثنا) عبد الوارث بن سعيد، عن أبي التياح، (ثنا) حفص الليثي، قال: أشهد على عمران بن حصين أنه حدث، قال: نهى رسول الله A عن التختم بالذهب. وفي الباب عن علي وابن عمر، وأبي هريرة ومعاوية. حديث عمران حديث حسن صحيح، وأبو التياح اسمه يزيد بن حميد. "الشرح": أما حديث علي الذي خرجه الترمذي وصححه فخرجه مسلم عن عبد بن

طريق آخر:

حميد عن عبد الرزاق، كما خرجه الترمذي. وقد سبق ذكر الاختلاف في إسناده في باب لبس المعصفر بما فيه كفاية. وأما حديث عمران بن حصين الذي خرجه الترمذي وصححه أيضا فخرجه النسائي وابن حبان في صحيحه، وقد سبق الحديث بتمامه وذكر الاختلاف في أسانيده في باب لبس الحرير والذهب للرجال. وأبو التياح ذكر الترمذي أن اسمه يزيد بن حميد، وهو الضبعي البصري، ثقة، جليل، متفق عليه. وأما حديث علي الذي أشار إليه الترمذي بقوله: وفي الباب عن علي فأراد بذلك بقية طرق حديث علي غير الطريق التي خرجه منها: فمن ذلك رواية شعبة، عن أبي إسحاق، عن هبيرة، عن علي، قال: نهاني رسول الله A عن خاتم الذهب وعن القسي وعن المثيرة الحمراء. وخرجه ابن ماجه من طريق أبي الأحوص، ولفظه: "وعن المثيرة الحمراء" وفي بعض ألفاظه: "وعن المثيرة" فقط. وهذا خرجه الترمذي في الأدب من جامعة هذا، وقال: حسن صحيح. وخرجه النسائي من طريق أبي الأحوص وزكريا، وزهير، كلهم عن أبي إسحاق، قال النسائي: وخالفهم عمار بن زريق، رواه عن أبي إسحاق، عن صعصعة بن صوحان، عن علي، قال: نهاني رسول الله A عن حلية الذهب، وخرجه بإسناده وقال: الذي قبله أشبه بالصواب. وقال الدارقطني: هو غريب من حديث أبي إسحاق. طريق آخر: روى مروان بن معاوية وعبد الواحد، كلاهما. عن مالك بن عمير قال: جاء صعصعة بن صوحان إلى علي فقال: أنهنا عما نهاك عنه رسول الله A قال: نهاني رسول الله A عن خاتم الذهب، ولبس الحرير والقسي والمثيرة الحمراء.

طريق آخر:

أخرجه النسائي من طريق إسرائيل عن إسماعيل بن سميع، عن مالك بن عميرة عن صعصعة بن صوحان، قال: قلت لعلي، فذكره، وقال: حديث مروان وعبد الواحد أولى بالصواب من حديث إسرائيل. وقال الدارقطني: رواه محمد بن فضيل عن إسماعيل بن سميع، عن مالك بن عمير، سمعت صعصعة عن علي، وخالفه عباد بن العوام ومروان بن معاوية فروياه عن إسماعيل بن سميع، عن مالك بن عمير عن علي. وكذلك رواه عمار بن زريق، عن مالك بن عمير، قال: كنت جالسا عند علي فجاء صعصعة بن صوحان. طريق آخر: روى أسعد بن علي بن سليمان، عن عبيدة، عن علي، قال: نهاني رسول الله A عن القسي والحرير، وخاتم الذهب، وأن أقرأ راكعا، خرجه النسائي، وقال: خالفه هشام فلم يرفعه. ثم خرجه من طريق عن ابن سيرين، عن عبيدة، عن علي، قال: نهى عن مياثر الأرجوان ولبس القسي وخاتم الذهب. أخرجه من طريق أيوب عن محمد بن سيرين، عن عبيدة، قال: نهى عن المياثر الأرجوان وخواتيم الذهب. وخرجه أبو داود من طريق هشام. وخرجه الإسماعيلي من طريق محمد بن أبان عن عمران بن خالد الراعي، عن محمد بن سيرين عن عبيدة عن علي، قال محمد: أحسبه رفعه إلى النبي A فذكره بمعناه، وزاد: قال له: فذكرت ذلك لمحمد بن سيرين. فقال: أو ما سمعت بهذا؟ قال: نعم، ونهى عن القميص المكفف بالديباج. طريق آخر: روى أبو إسحاق عن الحارث عن علي قال: قال رسول الله A: لا تختم الذهب". وقد سبق الكلام إسناده في باب لبس القميص.

طريق آخر:

طريق آخر: روى جابر بن يزيد الجعفي عن عبد الله بن نجي، عن علي، قال: نهاني رسول الله A عن لبس خاتم الذهب وعن لبس الحرير والقسي وعن ركوب المياثر وعن السرج الفضية. خرجه الإسماعيلي. وفي رواية له: ومياثر الحمر. طريق آخر: روى علي بن المديني في كتاب العلل من رواية أبي بكرن حدثنا يحيى بن حماد (نا) أبو عوانة، عن عطاء بن السائب عن أبي جهضم موسى بن سالم، إن أبا جعفر أخبرهم عن أبيه أنه أخبره عن علي بن أبي طالب، أن رسول الله A نهاه عن ثلاث، قال: لا أدري أخاصة، أم عامة للمسلمين؟ نهاني أن أتختم بالذهب، ونهاني أن ألبس القسي ونهاني أن أقرأ راكعا. وروى عمران بن عبيد عن عطاء بن السائب، عن أبيه، عن علي، قال: نهاني رسول الله A أن أتختم بالذهب وأن أقرأ وأنا راكع، فلا أدري لي خاصة أو عامة؟ خرجه إسماعيل، وعمران فيه ضعف وقد خالف أبو عوانة. طريق آخر: روى محمد بن سيرين، عن ربيعة، عن رافع بن سلمة، سمعت عليا يقول: نهاني رسول الله A أن أتختم بالذهب أو ألبس قسية أو أفترش ميثرة حمراء. طريق آخر: روى حجاج بن أرطأة، عن حبيب بن أبي ثابت، عن ثعلبة بن زيد عن علي، قال: نهينا عن خاتم الذهب والقسي والميثرة. وثعلبة بن يزيد قال البخاري: فيه نظر.

هذه طريقة ابن رجب في تفصيل قول الترمذي "وفي الباب عن علي". ويستمر في تفصيل ما كان عن ابن عمر ذاكرا طرق الحديث إليه، مع الكلام على هذه الطرق كما فعل بطرق الحديث إلى علي، وهكذا يفعل في كل قول للترمذي "وفي الباب فلان". ويواصل ابن رجب شرح الحديث يذكر استدراكات على الترمذي وهي أبواب عن صحابة آخرين فيقول: وفي الباب أيضا مما لم يذكره الترمذي عن عمر وأبي سعيد وعبد الله بن عمرو بن العاص، وجابر، وبريدة، وأبي ثعلبة الخشني، وابن مسعود، وابن عباس البراء بن عازب، وعائشة، ورجل من الصحابة. ثم يفصل هذا الاستدراك المجمل فيقول: أما حديث عمر فمن طريق حماد بن سلمة (أنا) عمار بن أبي عمار أن عمر بن الخطاب، قال: إن رسول الله A رأى في يد رجل خاتما من ذهب، فقال: الق هذا. فتختم بخاتم من حديث، فقال: "وأشر منه" فتختم بخاتم من فضة، فسكت عنه، خرجه الإمام أحمد، وهو منقطع - والله أعلم - بين عمار وعمر، وقد رواه منصور بن سفيان الحراني عن ابن عباس، عن عمر، عن النبي A فوصله. ومنصور بن سفيان، قال العقيلي في حديثه وهم، وأشار إلى أن المنقطع أصح. وقد روي هذا المعنى عن عمر من وجوه كثيرة موقوفا عليه غير مرفوع، وهو أشبه. وهكذا فإن ابن رجب يواصل تفصيل ما أجمل عندما قال: وفي الباب أيضا مما لم يذكره الترمذي، ويذكر تخريج الطرق على منوال ما فعل بطريق عمر - Bهـ - السابقة. ويعلق على كل طريق تصحيحا وتضعيفا. وبعد هذا التخريج الوافي وجمع غير المذكور إلى المذكور يشرع ابن رجب في الكلام على الفقه فيقول:

المطلب الثاني شرح البخاري المسمى فتح الباري لابن رجب

وقد اختلف العلماء في لبس الخاتم من فضة، فذهب أكثر أهل العلم إلى إباحته. قال أحمد: ليس به بأس، ومن أصحابنا من قال: إن كان يقصد التزين فقط فتركه أولى، ومنهم من قال بكراهته حينئذ. وقال طائفة مستحب لبسه، وهو وجه لأصحابنا أيضا، ذكر مالك عن صدقه بن يسار قال: سألت سعيد بن المسيب عن الخاتم، قال: ألبسه. هذا نموذج من شرح الترمذي لابن رجب يدل على مكانة الرجل في الحديث والتخريج والعلل وعلم الرجال خاصة. وفي هذا الكتاب خدمة جليلة لجامع الترمذي تبرز قيمة كتاب الترمذي ككتاب معلل. وأما شرح علل الترمذي وإن كان تابعا لشرح الترمذي إلا أنه تظهر عليه الوحدة الموضوعية إذ هو في علوم الحديث وليس شرحا للحديث. ولهذا أفرده بالذكر أكثر من ترجم لابن رجب. المطلب الثاني شرح البخاري المسمى "فتح الباري" لابن رجب ذكرت المراجع التي ترجمت لابن رجب أنه شرع في شرح البخاري سماه "فتح الباري" قال صاحب الدارس في تاريخ المدارس: وشرع في شرح للبخاري سماه فتح الباري في شرح البخاري ونقل فيه كثيرا من كلام المتقدمين. وقال ابن فهد المكي: له شرح على صحيح البخاري لم يكمل، وصل فيه إلى كتاب الجنائز.

نسخ الكتاب:

نسخ الكتاب: توجد في دور المخطوطات نسختان من هذا الكتاب. النسخة الأولى: في دار الكتب المصرية تحت رقم 389 حديث تيمور، وتبدأ من أول كتاب الصلاة، وتنتهي بكتاب الكسوف، وفيها خروم من البداية. النسخة الثانية: نسخة المكتبة الظاهرية بدمشق وهي في مجلدين: الأول - تحت رقم: الكواكب الدراري 377 (ق 50 - 250) ويبدأ من كتاب الصلاة وينتهي بباب السمر في الفقه والخير بعد العشاء. الثاني - من حيث انتهى الأول إلى باب الإشارة في الصلاة، وهو تحت رقم الكواكب الدراري 574 (ق 1 - 268) . منهج ابن رجب في كتابه فتح الباري: يمتاز جامع البخاري الصحيح على غيره من كتب الحديث بطريقته الفقهية ومن هنا كان على من يتصدى لشرحه أن يكون على دراية واسعة بالحديث والفقه. وهذا ما عرف به ابن رجب من خلال شرح الترمذي من جهة وكتاب القواعد الفقهية من جهة أخرى، وكل منهما في بابه يدل على اكتمال شخصية الرجل العلمية وأهليته لأن يتصدى لمثل البخاري بالشرح، فشرع في هذا الشرح قبيل وفاته بقليل إلا أن المنية اخترمته قبل إتمامه على نفس النهج لكان لابن رجب شأن آخر بين العلماء. ولقد حاولت استقراء منهج ابن رجب فظهر لي أن منهجه يتلخص بما يلي: 1 - يذكر ترجمة الباب، ثم يعقب عليها بتعليق ضاف، يتناول ما في الترجمة من القضايا الفقهية، ويذكر آراء العلماء فيها، وكأنه بهذا التعليق يمهد للحديث، بمدخل مناسب، ويلاحظ طول هذا المدخل في النموذجين التاليين بعد هذا المبحث. 2 - يأتي بعد هذا المدخل ذكر الحديث بإسناده ومتنه كما هو في البخاري.

3 - يخرج حديث الباب تخريجا واسعا، في الغالب، يستقصي الحديث من جميع رواياته وطرقه، وكثيرا ما يذكرنا هذا التخريج بصنيعه في شرح الترمذي، وإلى جانب التخريج يتكلم عن القضايا الحديثية في الحديث وطرقه، كرفع توهم الانقطاع وإثبات التصريح بالسماع إذا كان الراوي مدلسا، كما يتكلم في الرجال تعديلا وجرحا. 4 - يتناول فقه الحديث ويفصل قضاياه، ويذكر أقوال العلماء وأدلتهم ويناقش، يرجح، كل ذلك باستيعاب وإطالة غير مخلين، فيجد الباحث نفسه، وهو يستعرض هذه المسائل، مستغرقا مع كتاب موسوعي في الفقه المقارن. وفي النموذج الأول الذي ألحقناه بهذا المبحث مثال على هذا المنهج، فقد تناول قضاء الصلاة الفائتة عمدا بما يزيد على ست لوحات مخطوطة. ويمتاز منهجه هذا بالأدب الجم، والحرص على نسبة كل قول إلى قائلة، والإفاضة في ذكر أدلة كل قول. وهو وإن كان يركز على المذهب الحنبلي، إلا أنه قد يعدل عن هذا المذهب إلى غيره تبعا للدليل القوي. ولقد عبر صاحب الدارس في تاريخ المدارس عن شمول هذا الكتاب على آراء الكثيرين من الفقهاء بقوله: "ونقل فيه كثيرا من كلام المتقدمين". وإذا كان الدليل حديثا فإنه يتناول طرقه بنفس الاستقصاء الذي أشرنا إليه سابقا، ويضاف إلى ذلك بحث مستفيض في التعديل والتجريح والتصحيح والتضعيف وذكر العلل، ويعتمد في ذلك على كتاب "علل الدارقطني" إلى جانب مجموعة كبيرة من مصادر علوم الحديث الأصلية. مقارنة بين كتاب ابن رجب وكتاب ابن حجر: صنف ابن رجب "فتح الباري بشرح البخاري" وصنف ابن حجر كتابا في نفس الموضوع والعنوان، ومما لا ريب فيه أن ابن رجب هو من طبقة شيوخ ابن حجر، ومن المؤكد أن كتابه متقدم على كتاب ابن حجر.

وكنت أتوقع أن يكون ابن حجر قد اعتمد على شرح ابن رجب، وبحثت في كتابي ابن حجر المعجم والمفهرس، والمجمع المؤسس، وهما كتابان ذكر في أحدهما شيوخه وفي الآخر الكتب التي وصلت إليه، فلم أجد ذكرا لابن رجب ولا لكتابه فتح الباري. ولجأت إلى كتاب ابن حجر "فتح الباري" أبحث فيه عن استمداد مصنفه من ابن رجب فلم أجد ابن حجر يشير إلى شيء من ذلك، ولم أجد ذكرا لكتاب ابن رجب بالرغم من أن كثيرا من المسائل تعرض لها ابن حجر بكلام قريب جدا من كلام ابن رجب، إلا أن حجر يوجز ويختصر بالنسبة لكتاب ابن رجب. ومن الفروق الرئيسية فيهما بالإضافة إلى ما ذكرت من الاختصار والتطويل: 1 - أن ابن حجر يذكر الترجمة مع أحاديث الباب، ثم يبدأ بالشرح، بينما رأينا ابن رجب يذكر الترجمة ثم يعقب عليها بكلام يطول أحيانا ثم يأتي بحديث الباب. 2 - التخريج عند ابن حجر مادة فرعية يأتي بها عرضا وعند ابن رجب مادة أساسية يطيل فيها غالبا. 3 - بينما يوجز ابن حجر في عرض الآراء الفقهية ويبرز رأي الشافعية غالبا، فإننا نجد ابن رجب المقابل يفصل الآراء الفقهية ويبرز رأي الحنابلة غالبا. 4 - يحمل ابن حجر الأحكام المستمدة من الحديث في مكان واحد وغالبا ما يكون آخر الحديث بينما نجد ابن رجب ينثر هذه الأحكام في الباب كله. وفيما يلي باب من أبواب فتح الباري لابن رجب، وما يماثله عند ابن حجر.

باب من نسي صلاة فليصل إذا ذكر ولا يعيد إلا تلك الصلاة وقال إبراهيم: من ترك صلاة واحدة عشرين سنة، لم يعد إلا تلك الصلاة الواحدة. يدخل تحت تبويب البخاري - C - ههنا مسألتان: إحداهما: أن من نسي صلاة ثم ذكرها فإنه يعيدها مرة واحدة، ولا يعيدها مرة ثانية، وهذا قول جمهور أهل العلم، وروي عن سمرة بن جندب أنه يعيدها إذا ذكرها ثم يعيدها من الغد لوقتها، وقد سبق عنه في النوم كذلك. وروي مرفوعا فخرج أبو داود من حديث أبي قتادة أن النبي A التي نام عليها: إذا سها أحدكم عن الصلاة فليصلها حيث ذكرها، ومن الغد للوقت، وخرج الإمام أحمد من طريق حماد عن كثير بن حرب قال: سمعت سمرة، قال: قال رسول الله A: من نسي صلاة فليصلها حين يذكرها، ومن الغد للوقت. وخرجه أيضا من طريق همام عن كثير عن سمرة، قال: أحسبه مرفوعا، فذكره. قال أحمد، في رواية أبي طالب: هو موقوف، إن رفعه وهم، وكثير ابن حرب ضعفه غير واحد. وخرجه البزار في مسنده من طريق أولاده سمرة به: أن النبي A كان يأمرنا إذا نام أحدنا عن الصلاة، أو نسيها، حتى يذهب حينها الذي تصلى فيه أن نصليها مع التي تليها من الصلاة المكتوبة. المسألة الثانية: إذا نسي صلاة ثم ذكرها بعد أن صلى صلوات في مواقيتهن فإنه يعيد تلك الصلاة المنسية وحدها، وها هو معنى ما حكاه النخعي،

وهذا يبنى على أصل، وهو أن ترتيب القضاء هل هو واجب أم لا، وفيه اختلاف، سيذكر في الباب الآتي - إن شاء الله - ومذهب الشافعي أنه مستحب غير واجب، وحكى رواية عن أحمد، وجزم بها بعض الأصحاب. ومذهب أبي حنيفة ومالك، وأحمد - في المشهور عنه - أنه واجب، ثم اختلفوا: فقال أبو حنيفة ومالك يجب الترتيب فيما دون ست صلوات، ولا يجب في ست صلوات فصاعدا، قال أحمد: يجب بكل حال. وحكى ابن عبد البر الإجماع على خلافه، فمن قال إنه غير واجب قال: يجب الترتيب بين الصلوات الفوائت في القضاء، ولا بين الفائت والحاضر، ومن قال إنه واجب فهل يسقط الترتيب عندهم بنسيان الثانية حتى يصلي صلوات حاضرة، أم لا يسقط بالنسيان؟ فيه قولان: أن يسقط بالنسيان فهو قول النخعي كما ذكره البخاري عنه، وقول الحسن وحماد والحكم وأبي حنيفة وأحمد في ظاهر مذهبه وإسحاق. والثاني: لا يسقط بالنسيان فيعيد الفائت وما صلى بعدها وحكى رواية عن أحمد حكاها بعض المتأخرين عنه والله أعلم بصحتها عنه. وأما مالك فعنده إن ذكر قبل أن يذهب وقت الحاضرة، وقد بقي منه قدر ركعة فصاعدا أعادهما، وإن بقي دون ذلك وكان الوقت قد ذهب بالكلية أجزأه، وأما إن صلى الحاضرة وعليه فائتة وهو ذاكر لها: فمن اشترط الترتيب أوجب قضاء ما صلاه وهو ذاكر للفائتة، ومن لم يوجب الترتيب لم يوجب سوى قضاء الفائتة، ويحتمله كلام النخعي الذي حكاه عنه البخاري، ولكن روي عنه صريحا خلافه: فروى مغيرة عن إبراهيم، قال: إذا ترك صلاة متعمدا أعادها وعاد كل صلاة صلاها بعدها. فيكون الذي حكاه البخاري عنه محمولا على حال النسيان، أو يكون عن النخعي روايتان، وكان الإمام أحمد ورعه واحتياطه في الدين يأخذ في مثل هذه المسائل المختلف فيها بالاحتياط وإلا فإيجاب سنين عديدة ببقاء صلاة واحدة

فائية في الذمة لا يكاد يقوم عليه دليل قوي والذي صح عن ابن عمر في ذلك إنما هو في صلاة واحدة فائتة ذكرت مع اتساع وقت الحاضرة لها فلا يلزم ذلك أن يكون حكم الصلوات إذا كثرت أو تأخر قضاؤها حتى صلى صلوات كثيرة في أوقاتها كذلك. ولهذا فرق أكثر العلماء بين أن تكثر الفوائت أو تقل، ولم ير مالك إلا إعادة الصلاة التي وقتها ولى خاصة فإن إيجاب إعادة صلوات سنين عديدة لأجل صلاة واحدة فيه عسر عظيم تأباه قواعد الحنيفية السمحة، وقد أخبرني بعض أعيان العلماء أنه رأى النبي A وسأله عما يقوله الشافعي وأحمد فيه هذه المسائل أيهما أرجح، قال: ففهمت منه A أنه أشار إلى رجحان ما يقوله الشافعي - C - ومما يدل على صحة ذلك حديث عمران بن حصين عن النبي A أنه قال: لا ينهاكم الله عن الربا ويقبله منكم، فهذا يدل على أن من عليه صلاة واحدة لم يأمره الله بأن يصلي زيادة عليها. قال البخاري - C - ثنا أبو نعيم وموسى بن إسماعيل قالا: ثنا همام، عن قتادة عن أنس بن مالك عن النبي A، قال: من نسي صلاة فليصل إذا ذكر لا كفارة لها إلا ذلك "وأقم الصلاة لذكري"، قال موسى: قال همام: سمعته يقول بعد (وأقم الصلاة لذكري) ، وقال حبان: ثنا همام، ثنا قتادة، ثنا أنس عن النبي A نحوه. هذا الحديث قد رواه جماعة عن همام، وجماعة عن قتادة، وقد خرجه مسلم من طريق همام وأبي عوانة وسعيد والمثنى كلهم عن قتادة، عن أنس، وليس في رواية أحد منهم التصريح بقول قتادة: (ثنا) أنس كما ذكر البخاري أن حبانا رواه عن همام وإنما احتاج إلى ذلك لما عرف من تدليس قتادة. ولفظ رواية سعيد عن قتادة التي خرجها مسلم: من نسي صلاة أو نام عنها فكفارتها أن يصليها إذا ذكرها، ولفظ حديث المثنى عن قتادة عنده إذا رقد أحدكم عن الصلاة أو نام عنها فكفارتها أن يصليها إذا ذكرها، وقد دل الحديث

على وجوب القضاء على النائم إذا استيقظ والناسي إذا ذكر وقد حكى الإجماع على ذلك غير واحد، وذكر ابن عبد البر أن محمد بن (رسم) روى عن محمد بن الحسن أن النائم إذا فاتته في نومه أكثر من خمس صلوات لا قضاء عليه إلحاقا للنوم الطويل إذا زاد على يوم وليلة بالإغماء، والمغمى عليه لا قضاء عليه عنده، ويكون الأمر عنده بالقضاء في النوم المعتاد، وهو ما تفوت فيه الصلاة أو صلاتان أو دون خمس أو أكثر وأخذ الجمهور بعموم الحديث وقوله فليصل إذا ذكر استدل به من يقول بوجوب قضاء الصلوات على الفور وهو قول أبي حنيفة ومالك، وأحمد يوجبه بكل حال، قلت الصلوات أو كثرت واستدلوا أيضا بقوله: لا كفارة لها إلا ذلك، وذهب الشافعي إلى أن القضاء على التراخي كقضاء صيام رمضان، وليس الصوم كالصلاة، فإن الصيام لا يجوز تأخيره حتى يدخل نظيره من العام القابل، والصلاة عندهم بخلاف ذلك، واستدلوا أيضا بتأخير النبي A الصلاة حتى خرج من الوادي وفيه نظر، فإن ذاك تأخير يسير لمصلحة تتعلق بالصلاة، وهو التباعد عن موضع تكره الصلاة فيه وقد روي عن سمرة بن جندب فيمن عليه صلوات فائتة أنه يصلي مع كل صلاة صلاة، وقد روي عنه مرفوعا خرجه البزار بإسناده ضعيف. ولأصحاب الشافعي فيما إذا كان الفوات بغير عذر في جوب القضاء على الفور وجهان، وحمل الخطابي قوله لا كفارة لها إلا ذلك على وجهين: أحدهما: أن المعنى: أنه لا يجوز له تركها إلى بدل، ولا يكفرها غير قضائها. والثاني: أن المعنى أنه لا يلزمه في نسيانها كفارة، ولا غرامة. قال: إنما عليه أن يصلي ما فاته. وقد روي عن أبي هريرة مرفوعا: من نسي صلاة فوقتها إذا ذكرها، خرجه الطبراني والدارقطني والبيهقي من رواية حفص بن أبي العطاف، واختلف عليه في إسناده إلى أبي هريرة، وحفص هذا قال عنه البخاري وأبو حاتم: منكر الحديث، وقال يحيى بن يحيى: كذاب، ولا يلتفت إلى ما تفرد به.

وأما تلاوته قوله تعالى: (أقم الصلاة لذكري) ، وقد رواه قتادة مرة فقال: للذكرى ومرة قال لذكري كما هي القراءة المتواترة، وكان الزهري - أيضا - يقرأها للذكرى وهذه القراءة أظهر في الدلالة على الفور، لأن المعنى: أد الصلاة حين الذكرى والمعنى أنه يصلي الصلاة إذا ذكرها، وبذلك فسرها أبو العالية والشعبي والنخعي وقال مجاهد: أقم الصلاة لذكري أي تذكرني قال: فإذا صلى عبد ذكر ربه، ومعنى قوله: أقم الصلاة لذكري، أي لأجل ذكري بها، والصلاة إنما فرضت ليذكر الله بها كما في حديث عائشة المرفوع: إنما جعل الطواف بالبيت وبالصفا والمروة، ورمي الجمار لإقامة ذكر الله، خرجه الترمذي وأبو داود، فأوجب الله على خلقه كل يوم وليلة أن يذكروه خمس مرار بالصلاة المكتوبة، فمن ترك شيئا من ذكر الله الواجب عليه سهوا فليعد إليه إذا ذكر، كما قال تعالى: واذكر ربك إذا نسيت فقد أمره إذا نسي ربه أن يذكره بعد ذلك، فمن نسي الصلاة فقد نسي ذكر ربه، فإذا ذكر أنه نسي فليعد إلى ذكر الله بعد نسيانه". وأما ترك الصلاة متعمدا فذهب أكثر العلماء إلى لزوم القضاء له، ومنهم من يحكيه إجماعا واستدل بعضهم بعموم قول النبي A اقضوا الله الذي له، فالله أحق بالقضاء. واستدل بعضهم بأنه إذا أمر المعذور بالنوم والنسيان أمره بالقضاء، فغير المعذور أولى، وفي هذا الاستدلال نظر، فإن المعذور إنما أمره بالقضاء لأنه جعل قضاءه كفارة له، والعامد ليس القضاء كفارة له، فإنه عاص تلزمه التوبة من ذنبه بالاتفاق، ولهذا قال الأكثرون لا كفارة على قاتل العمد، ولا على من حلف يمينا متعمدا فيها الكذب، لأن الكفارة لا تمحو ذنب هذا، وأيضا فإذا قيل إن القضاء إنما يجب بأمر جديد، وهو ألزم لكل من يقول بالمفهوم فلا دليل على إلزام العامد بالقضاء فإنه ليس لنا أمر جديد يقتضي أمره بالقضاء كالنائم والناسي. واستدل بعضهم للزوم العامد القضاء بأن النبي A أمر المجامع في رمضان عمدا بالقضاء كما خرجه أبو داود، وهو حديث في إسناده مقال، تفرد به من لا يوثق بحفظه وإتقانه، وأيضا فيفرق بين من ترك

الصلاة والصيام، ومن دخل فيهما ثم أفسدهما فالثاني عليه القضاء كمن أفسد حجه، والأول كمن وجب عليه الحج ولم يحج، وإنما أمره أن يحج بعد ذلك لأن الحج فريضة العمر، فمذهب الظاهرية أو أكثرهم أنه لا قضاء على المتعمد. وحكي عن عبد الرحمن صاحب الشافعي بالعراق، وعن ابن بنت الشافعي، وهو قول أبي بكر الحميدي في الصوم والصلاة إذا تركهما عمدا، أنه لا يجزئه قضاؤهما، ذكره في عقيدته في آخر مسنده، ووقع مثله في كلام طائفة من أصحابنا المتقدمين منهم الجوزجاني، وأبو محمد البربهاري وابن بطة. قال ابن بطة: اعلم أن للصلاة أوقاتا فمن قدمها على أختها فلا فرض له من عذر وغيره ومن أخرها عن وقتها مختارا من غير عذر فلا فرض له فجعل الصلاة بعد الوقت لغير عذر كالصلاة قبل الوقت، وقال في كل منها أنه ليس بفرض، يريد أنها تقع نفلا في الحالين، وقال البربهاري: الصلوات لا يقبل الله منها شيئا إلا أن تكون لوقتها إلا أن تكون نسيانا، فإنه معذور يأتي بها إذا ذكرها فيجمع بين الصلاتين إن شاء. وقد نص الإمام أحمد في رواية ابنه عبد الله على أن المصلي لغير الوقت كالتارك للصلاة في استتابته وقتله فكيف يؤمر بفعل صلاة. وروي عن طائفة من السلف منهم الحسن. وحكى الخلاف في ذلك إسحاق بن راهويه ومحمد بن نصر المروزي، فقال محمد بن نصر في كتاب الصلاة: إذا ترك الرجل صلاة مكتوبة متعمدا حتى ذهب وقتها فعليه قضاؤها، لا نعلم في ذلك خلافا إلا ما روي عن الحسن، فمن أكفره بتركها استتابه وجعل توبته وقضاءها رجوعا منه إلى الإسلام، ومن لم يكفر تاركها ألزمه المعصية وأوجب عليه قضاءها، وكان إسحاق يكفر بترك الصلاة ويرى عليه القضاء إذا تاب. وقال: أخبرني ابن أبي رزمة عن ابن المبارك أنه سأله رجل عن رجل ترك صلاة أياما ثم ندم، قال: يقضي ما ترك من الصلاة، قال: ثم أقبل ابن المبارك علي، فقال: هذا يستقيم على الحديث. قال إسحاق: يقول القياس على الأصل أن لا يقضي، وربما بني على الأصل ثم يوجد في ذلك الشيء بعينه خلاف البناء، فمن ههنا خاف ابن المبارك أن يقيس تارك الصلاة في الإعادة على ما جاء أنه قد كفر فيجعله كالمشرك، ورأى أحكام المرتدين على

غير أحكام الكفار. رأى قوم أن يورثوا المسلمين من ميراث المرتد فأخذ بالاحتياط فرأى القضاء على تارك الصلاة عمدا، وكان يكفره إذا تركها عمدا حتى يذهب وقتها. قال إسحاق: وأكثر أهل العمل على إعادة الصلاة إذا ترك صلاة متعمدا فهو كما قال ابن المبارك: الإعادة لا تستقيم على الحديث، ثم ترك القياس في ذلك فاحتاط في القضاء. قال إسحاق: ولقد قال بعض أهل العلم إذا ارتد عن الإسلام ثم أسلم أعاد كل صلاة تركها في ردته، وحجته أن ارتداده معصية، ومن كان في معصية لم يجعل له من الرخصة شيء، كالباغي، وقاطع الطريق. قلت: قد اعترف ابن المبارك وإسحاق بأن القياس أن ترك الصلاة إذا حكمنا بكفره فإنه يكون مرتدا ولا قضاء عليه، وإنما أوجبنا القضاء على المرتد هما روايتان عن أحمد. ومذهب الشافعي وغيره الوجوب. وهذا الكلام من ابن المبارك وإسحاق يدل على أن من كفر تارك الصلاة عمدا كفره بذلك بمجرد خروج وقت الصلاة عليه ولم يعتبر أن يستتاب، ولا أن يدعى إليها، وهو ظاهر كلام الإمام أحمد وغيره من الأئمة أيضا، وعليه يدل كلام المتقدمين من أصحابنا كالخرقي وأبي بكر وابن أبي موسى، ثم قال محمد بن نصر: فأما المروي عن الحسن فإن إسحاق ثنا، قال ثنا النضر عن الأشعث، عن الحسن قال إذا ترك الرجل صلاة واحدة متعمدا فإنه لا يقضيها، قال محمد بن نصر: قول الحسن هذا يحتمل معنيين: أحدهما أنه كان يكفره بترك الصلاة متعمدا، فلذلك لم ير عليه القضاء، لأن الكافر لا يؤمر بقضاء ما ترك من الفرائض في كفره، والمعنى الثاني: أنه لم يكن يكفره بتركها فإنه ذهب إلى أن الله D إنما افترض عليه أن يأتي بالصلاة في وقت معلوم، فإذا تركها حتى يذهب وقتها فقد لزمته المعصية لتركه الفرض في الوقت المأمور بإتيانه به فيه، فإذا أتي به بعد ذلكن فقد أتي به

في وقت لم يؤمر بإتيانه به فيه. ولا ينفعه أن يأتي بغير المأمور به عن المأمور به، قال: وهذا قول مستنكر بالنظر، لولا أن العلماء قد اجتمعت على خلافه، قال: ومن ذهب إلى هذا قال في الناسي للصلاة حتى يذهب وقتها وفي النائم أيضا أنه لو لم يأت الخبر عن النبيA أنه قال: "من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها"، لما وجب عليه من النظر قضاؤها أيضا، انتهى ما ذكره ملخصا. وقد اعترف بأن القياس يقتضي أنه لا يجب القضاء على من تركها متعمدا، فإنه إن كان كافرا بالترك متعمدا، فالقياس أن لا قضاء على الكافر، لأن القضاء يحتاج إلى أمر جديد، وليس فيه أمر جديد، وإنما أمر بالقضاء من يكون القضاء كفارة له، وهو المعذور، والعامد لم يأت نص بأن القضاء من له، بل ولا يدل عليه النظر، لأنه عاص آثم يحتاج إلى توبة كقاتل العمد وحالف اليمين الغموس، وكيف ينعقد الإجماع مع مخالفة الحسن مع جلالته وفضله وسمع علمه وزهده وورعه، ولم يعرف عن أحد من الصحابة في وجوب القضاء على العامد شيء، بل ولم أجد صريحا عن التابعين أيضا، فيه شيئا، إلا عن النخعي، وقد وردت آثار كثيرة عن السلف في تارك الصلاة عمدا أنه لا يقبل منه صلاة، كما روي عن الصديق - Bهـ - أنه قال لعمر في وصيته له: أن لله حقا بالليل ولا يقبله بالنهار. وفي حديث مرفوع: ثلاثة لا تقبل لهم صلاة: منهم الذي لا يأتي الصلاة إلا دبارا، يعني فوات الوقت. خرجه أبو داود وبان ماجه من حديث عبد الله بن عمرو، مرفوعا، وفي إسناده ضعيف، ولكن مجرد نفي القبول لا يستلزم عدم وجوب الفعل كصلاة السكران في مدة الأربعين، وصلاة الآبق والمرأة التي زوجها عليها ساخط. فإن قيل فقد قال تعالى: (فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون) وفسره الصحابة بإضاعة مواقيتها، وكذا قال ابن مسعود في المحافظة على الصلاة المحافظة على مواقيتها، وإن تركها كفر، ففرقوا بين تركها وبين صلاتها بعد وقتها، وقد أمر النبي A بالصلاة خلف من

يضيع الصلاة ويصليها لغير وقتها، وهذا يدل على أن صلاتهم صحيحة، وقد سئل عن الأمراء وقتالهم، قال: لا، ما صلوا، وكانت على هذا الوجه، فدل على إجزائها. قيل السهو عن مواقيت الصلاة لا يستلزم متعمد التأخير عن الوقت الحاضر، فإنه قد يقع على وجه التهاون بتأخير الصلاة حتى يفوت الوقت أحيانا عن غير تعمد لذلك، وقد يكون تأخيرها إلى وقت الكراهة، أو إلى الوقت المشترك الذي يجمع فيه أهل الأعذار عند جمهور العلماء وغيرهم على رأي طائفة من المدنيين، وهذه الصلاة كلها مجزئة، ولا يكون المصلي لها كالتارك بالاتفاق، وقد سئل سعيد بن جبير عن قوله تعالى: (فويل للمصلين ... ) الآية، فدخل المسجد فرأى قوما قد أخروا الصلاة لا يتمون ركوعا ولا سجودا فقال: الذين سألتموني عنهم هم هؤلاء، هذه الصلاة مثل الصلاة التي سماها النبي A صلاة المنافقين وهكذا كانت صلاة الأمراء الذين أمر النبي A بالصلاة خلفهم نافلة، فإنهم كانوا يؤخرون العصر إلى اصفرار الشمس وربما أخروا الصلاتين إلى ذلك الوقت، وهو تأخير إلى الوقت المشترك لأهل الأعذار وكغيرهم عند طائفة من العلماء فليس حكمهم حكم من ترك الصلاة، فإن التارك هو المؤخر عمدا إلى وقت مجمع على أنه غير جائز، كتأخير صلاة الليل إلى النهار، وصلاة النهار إلى الليل عمدا وتأخير الصبح إلى بعد طلوع الشمس عمدا، وقد وردت أحاديث كثيرة تدل على أن نقص الفرائض يجبر من النوافل يوم القيامة. وفيما يلي شرح هذا الحديث من فتح الباري لابن حجر:

باب من نسي صلاة فليصل إذا ذكرها ولا يعيد إلا تلك الصلاة وقال إبراهيم: من ترك صلاة واحدة عشرين سنة لم يعد إلا تلك الصلاة الواحدة. حدثنا أبو نعيم وموسى بن إسماعيل قالا: حدثنا همام عن قتادة عن أنس عن النبي A قال: من نسي صلاة فليصل إذا ذكرها، لا كفارة لها إلا ذلك (وأقم الصلاة لذكري) . قال موسى: قال همام: سمعته يقول بعد: (وأقم الصلاة للذكرى) وقال حبان: حدثنا همام حدثنا قتادة، حدثنا أنس، عن النبي A نحوه. قوله: "باب من نسي صلاة فليصل إذا ذكر، ولا يعيد إلا تلك الصلاة" قال علي بن المنير: صرح البخاري بإثبات هذا الحكم مع كونه مما اختلف فيه لقوة دليله، ولكونه على وفق القياس، إذ الواجب خمس صلوات لا أكثر فمن قضى الفائتة كمل العدد المأمور به، ولكونه على مقتضى ظاهر الخطاب لقول الشارع "فليصلها" ولم يذكر زيادة، وقال أيضا: "لا كفارة لها إلا ذلك"، فاستفيد من هذا الحصر أن لا يجب غير إعادتها، وذهب مالك إلى أن من ذكر بعد أن صلى صلاة أنه لم يصل التي قبلها فإنه يصلي التي ذكر ثم يصلي التي كان صلاها مراعاة للترتيب. انتهى. ويحتمل أن يكون البخاري أشار بقوله: "ولا يعيد إلا تلك الصلاة" إلى تضعيف ما وقع في بعض طرق حديث أبي قتادة عند مسلم في قصة النوم عن الصلاة، حيث قال: "فإذا كان الغد فليصلها عند وقتها"، فإن بعضهم زعم أن ظاهره إعادة المقضية مرتين عند ذكرها وعند حضورها مثلها من الوقت الآتي، ولكن اللفظ المذكور ليس نصا في ذلك لأنه يحتمل أن يريد بقوله: "فليصلها" عند وقتها أي الصلاة التي تحضر لا أنه يريد أن يعيد التي صلاها بعد خروج

وقتها، لكن في رواية أبي داود من حديث عمران بن حصين في هذه القصة: "من أدرك منكم صلاة الغداة من غد صالحا فليقض معها مثلها". قال الخطابي: لا أعلم أحدا قال بظاهره وجوبا. قال: ويشبه أن يكون الأمر فيه للاستحباب ليحوز فضيلة الوقت في القضاء. انتهى. ولم يقل أحد من السلف باستحباب ذلك أيضا، بل عدوا الحديث غلطا من راويه، وحكى ذلك الترمذي وغيره عن البخاري. ويؤيد ذلك ما رواه النسائي من حديث عمران بن حصين أيضا: "أنهم قالوا: يا رسول الله ألا نقضيها لوقتها من الغد؟ فقال A: لا ينهاكم الله عن الربا ويأخذه منكم". قوله: (وقال إبراهيم) أي النخعي، وأثره هذا موصول عند الثوري في جامعه عن منصور وغيره عنه. قوله: "عن همام" هو ابن يحيى، والإسناد كله بصريون. قوله: "من نسي صلاة فليصل" كذا وقع في جميع الروايات بحذف المفعول، ورواه مسلم عن هداب بن خالد عن همام بلفظ "فليصلها" وهو أبين للمراد. وزاد مسلم أيضا من رواية سعيد عن قتادة "أو نام عنها" وله من رواية المثنى بن سعيد الضبعي عن قتادة نحوه وسيأتي لفظه، وقد تمسك بدليل الخطاب منه القائل إن العامد لا يقضي الصلاة لأن انتفاء الشرط يستلزم انتفاء المشروط فيلزم منه أن من لم ينس لا يصلن وقال من قال: يقضي العامد بأن ذلك مستفاد من مفهوم الخطاب فتكون من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى، لأنه إذا وجب القضاء على الناس - مع سقوط الإثم ورفع الحرج عنه - فالعامد أولى. وادعى بعضهم أن وجوب القضاء على العامد يؤخذ من قوله: "نسي" لأن النسيان يطلق على الترك، سواء كان عن ذهول أم لا، ومنه قوله تعالى: (نسوا الله فأنساهم أنفسهم - نسوا الله فنسيهم) . قال: ويقوي ذلك قوله: "لا كفارة لها" والنائم والناسي لا إثم عليه. قلت: وهو بحث ضعيف لأن الخبر بذكر النائم ثابت وقد قال فيه: "لا كفارة لها" والكفارة قد تكون عن الخطأ كما تكون عن العمد والقائل بأن العامد

لا يقضي لم يرد أنه أخف حالا من الناسي، بل يقول إنه لو شرع له القضاء لكان هو والناسي سواء، والناسي غير مأثوم بخلاف العامد، فالعامد أسوأ حالا من الناسي فكيف يستويان؟ ويمكن أن يقال إن إثم عليه مطلقا، ووجوب القضاء على العامد بالخطاب الأول لأنه قد خوطب بالصلاة وترتبت في ذمته فصارت دينا عليه، والدين لا يسقط إلا بأدائه فيأثم بإخراجه لها عن الوقت المحدود لها ويسقط عنه الطلب بأدائها، فمن أفطر من رمضان عامدا فإنه يجب عليه أن يقضيه مع بقاء إثم الإفطار عليه، والله أعلم. قوله: "قال موسى" أي دون أبي نعيم "قال همام: سمعته" يعني قتادة "يقول بعد" أي في وقت آخر "للذكرى" يعني أن هماما سمعه من قتادة مرة بلفظ للذكرى" بلامين وفتح الراء بعدها ألف مقصورة، ووقع عند مسلم من طريق يونس أن الزهري كان يقرأها كذلك، ومرة كان يقولها قتادة بلفظ "لذكري" بلام واحدة وكسر الراء وهي القراءة المشهورة. وقد اختلف في ذكر هذه الآية هل هي من كلام قتادة أو هي من قول النبي A وفي رواية مسلم عن هداب قال قتادة: "وأقم الصلاة لذكري" وفي روايته من طريق المثنى عن قتادة قال رسول الله A: "إذا رقد أحدكم عن الصلاة أو غفل عنها فليصلها إذا ذكرها فإن الله يقول: (وأقم الصلاة لذكري) وهذا ظاهر أن الجميع من كلام النبي A، واستدل به على أن شرع من قبلنا شرع لنا لأن المخاطب بالآية المذكورة موسى E وهو الصحيح في الأصول ما لم يرد ناسخ، واختلف في المراد بقوله: "لذكري"، فقيل المعنى لتذكرني فيها وقيل: لأذكرك بالمدح، وقيل إذا ذكرتها لك إياها، وهذا يعضد قراءة من قرأ "للذكرى"، وقال النخعي: اللام للظرف، أي إذا ذكرتني أي إذا ذكرت أمري بعدما نسيت، وقيل: لا تذكر فيها غيري، وقيل: شكرا لذكري، وقيل: المراد بقوله ذكري أمري، وقيل: المعنى إذا ذكرت الصلاة فقد ذكرتني فإن الصلاة عبادة الله فمتى ذكرها ذكر المعبود فكأنه أراد لذكر الصلاة وقال

المطلب الثالث جامع العلوم والحكم

التوربشتي: الأولى أن يقصد إلى وجه يوافق الآية والحديث، وكأن المعنى أقم الصلاة لذكرها، لأنه إذا ذكرها ذكر الله تعالى أو يقدر مضاف أي لذكر صلاتي أو ذكر الضمير فيه موضع الصلاة لشرفها. قوله: "وقال حبان" هو بفتح أوله والموحدة وهو ابن هلال، وأراد بهذا التعليق بيان سماع قتادة له من أنس لتصريحه فيها بالتحديث، وقد وصله أبو عوانة في صحيحه عن عمار بن رجاء عن حبان بن هلال وفيه أن هماما سمعه من قتادة مرتين كما في رواية موسى. المطلب الثالث جامع العلوم والحكم وهو من أشهر كتب ابن رجب في الحديث، وأكثرها تداولا، وهو شرح لخمسين حديثا من جوامع الكلم، كان الإمام أبو عمرو بن الصلاح قد اختار بعضها وأملاها في مجلس سماه "الأحاديث الكلية"، ثم إن الإمام النووي أوصلها إلى اثنين وأربعين حديثا، أضاف إليها ابن رجب ثمانية أحاديث فبلغت عدتها خمسين حديثا ثم شرحها وفصلها في هذا الكتاب. أما منهجه في الكتاب: فقد حدد منهجه في مقدمة الكتاب بقوله: "واعلم أنه ليس غرضي إلا شرح الألفاظ النبوية التي تضمنتها هذه الأحاديث الكلية". ويقول كذلك: قد علمتك أنه ليس لي غرض في غير شرح معاني كلمات النبي A الجوامع، وما تضمنته من الآداب والحكم، والمعارف والأحكام، والشرائع". ويقول كذلك: وأشير إشارة لطيفة قبل الكلام في شرح الحديث إلى إسناده ليعلم بذلك صحته وقوته وضعفه، وأذكر بعض ما روي في معناه من الأحاديث إن كان في ذلك الباب شيء غير الحديث الذي ذكره الشيخ (النووي) وإن لم يكن في الباب غيره، أو لم يكن يصح فيه غيره نبهت على ذلك كله.

المطلب الرابع رسائل ابن رجب التي تضمنت شرح حديث واحد

ومن الجدير بالذكر أن هذا الكتاب ليس كتابا للوعظ، كما يظن، بل هو كتاب تناول أصول الحياة من الحديث فاشتمل على الحكم والأحكام وغرر الآداب والشرائع. ففي الحديث الأول الذي هو "إنما الأعمال بالنيات" يتكلم عن النية وقيمتها في العمل، ويتوسع في الحديث عن النية في بعض الأعمال الشرعية كالطلاق مثلا. وفي الحديث الثاني يتحدث عن مسمى الإسلام ومسمى الإيمان وما يدخل في ذلك من أعمال الجوارح. وفي الحديث الثالث أركان الإسلام. وفي الحديث الرابع عشر تحريم قتل النفس وما يتعلق بذلك من الأحكام. وفي الثاني والثلاثين تحريم الضرر والضرار والكلام على ذلك. وفي الثالث والثلاثين بيان أن المدعي تلزمه البينة واليمين تلزم المنكر، وتفصيل ذلك. وفي التاسع الثلاثين أحكام الخطأ والنسيان. وفي الرابع والأربعين ما حرم من النسب يحرم من الرضاع، وتفصيل أحكام الرضاع. وفي السادس والأربعين تحريم شراب البتع. هذه بعض أحاديث الأحكام التي احتوى عليها الكتاب مع التفصيل، وإفرادها بالشرح أمر مهم وضروري، حتى أحاديث الحكم والآداب فيها من التفصيلات ما يخرجها عن كونها للوعظ فقط. وقد طبع هذا الكتاب عدة طبعات في الهند ومصر (1346هـ - 1382هـ) ، وهو شرع الدكتور محمد الأحمدي أبو النور بتحقيقه ولم يتمه. المطلب الرابع رسائل ابن رجب التي تضمنت شرح حديث واحد وهذه المجموعة من الرسائل تشرح كل واحدة منها حديثا واحدا ومنها ما يطول فيصل إلى قريب المائة صفحة، ومنها ما يقصر فلا يتجاوز عشر ورقات. وفيما يلي عرض لهذه المسائل: 1 - اختيار الأولى في شرح حديث اختصام الملأ الأعلى، وهو الحديث الذي أخرجه الإمام أحمد والترمذي من حديث معاذ بن جبل - Bهـ - قال: احتبس عنا رسول الله A ذات غداة في صلاة الصبح حتى كدنا نترءى قرن الشمس، فخرج رسول الله A فثوب بالصلاة وصلى، وتجوز في صلاته، فما سلم قال: كما أنتم على مصافكم، ثم أقبل إلينا فقال: إني سأحدثكم ما حبسني عنكم الغداة إني قمت من الليل فصليت ما قدر لي فنعست في صلاتي حتى استثقلت فإذا أنا بربي - D - في أحسن صورة، فقال: يا محمد، فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت: لا أدري، رب، قال: يا محمد، فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت: لا أدري، رب. قال: يا محمد، فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت: لا أدري، رب. فرأيته وضع كفه بين كتفي حتى وجدت برد أنامله في صدري وتجلى لي كل شيء وعرفت، فقال: يا محمد، فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت: في الكفارات والدرجات، قال: وما الكفارات؟ قلت: نقل الأقدام إلى الجمعات. والجلوس في المساجد بعد الصلوات، وإسباغ الوضوء عند الكريهات. قال: وما الدرجات؟ قلت: إطعام الطعام، ولين الكلام، والصلاة والناس نيام، قال: سل. قلت: اللهم إني أسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين، وأن تغفر لي وترحمني، وإذا أردت فتنة في قوم فتوفني غير مفتون، وأسألك حبك وحب من يحبك، وحب عمل يقربني إلى حبك.

وقال رسول الله A: إنها حق فادرسوها وتعلموها. وقد تكلم الإمام ابن رجب على إسناده هذا الحديث، وفصل ما فيه من الأحكام والمعارف، وتقع هذه الرسالة في ست وتسعين صفحة من القطع المتوسط، وطبعت بمطبعة القاهرة، وقد طبعتها ذلك المطبعة المنيرية سنة 1353هـ. 2 - الحكم الجديرة بالإذاعة من قول النبي A بعثت بالسيف بين يدي الساعة. وهي رسالة عني بنشرها محمد حامد الفقي، وطبعت بمطبعة المنار بمصر سنة 1349، ضمن مجموعة رسائل "من دفائن الكنوز"، وتقع بين ص 92 - 116. وفيها شرح ابن رجب حديث ابن عمر - Bهما - عن النبي A: "بعثت بالسيف بين يدي الساعة، حتى يعبد الله وحده لا شريك له، وجعل رزقي تحت ظل رمحي، وجعل الذلة والصغار على من خالف أمري، ومن تشبه بقوم فهو منهم". 3 - شرح حديث أبي الدرداء فيمن سلك طريقا يلتمس فيه علما. وقد طبعت هذه الرسالة بمراجعة واهتمام الشيخ عبد الظاهر أبي السمح، بالمطبعة السلفية بمكة المكرمة، سنة 1347هـ. وتقع في ستين صفحة. 4 - البشارة العظمى في أن حظ المؤمن من النار الحمى، مخطوطة في مكتبة فاتح باستانبول تحت رقم 5318، ضمن مجموعة رسائل لابن رجب. وهي شرح حديث: "الحمى كير من جهنم فما أصاب المؤمن منها كان حظه من النار".

5 - شرح حديث أن أغبط أوليائي عندي، مخطوطة بمكتبة فاتح باستانبول تحت رقم 5318 وهي شرح لحديث أخرجه الإمام أحمد والترمذي وهذا نصه: "إن أغبط أوليائي عندي لمؤمن خفيف، ذو حظ من الصلاة، أحسن عبادة ربه وأطاعه في السر، وكان غامضا في الناس، لا يشار إليه بالأصابع، وكان رزقه كفافا فصبر على ذلك، ثم نقر على إصبعيه فقال: عجلت منيته، قلت: بواكيه، قل تراثه". أخرجه الترمذي في باب ما جاء في الكفاف والصبر عليه. 6 - شرح حديث: "ضرب الله مثلا صراطا مستقيما"، مخطوطة بمكتبة فاتح باستانبول رقم 5318 وهو الحديث الذي أخرجه أحمد والترمذي والنسائي من طريق العرباض بن سارية، قال: قال رسول الله A: "ضرب الله مثلا صراطا مستقيما وعلى جنبتي الصراط سوران فيهما أبواب مفتحة، وعلى الأبواب ستور مرخاة، وعلى باب الصراط داع يقول: أيها الناس ادخلوا الصراط جميعا، ولا تعوجوا، وداع يدعو من جوف الصراط، فإذا أراد أن يفتح شيئا من تلك الأبواب قال: ويحك لا تفتحه فإنك إن فتحته تلجه". والصراط الإسلام، والسوران حدود الله، والأبواب المفتحة محارم الله، وذلك الداعي على رأس الصراط كتاب الله، والداعي من جوفه واعظ الله في قلب المسلم. 7 - شرح حديث شداد بن أوس إذا كنز الناس الذهب والفضة فأكثروا أنتم من هؤلاء الكلمات: "اللهم إني أسألك الثبات في الأمر والعزيمة على الرشد، وأسألك شكر نعمتك وحسن عبادتك. وهي رسالة مخطوطة بمكتبة الأوقاف ببغداد رقم 25/4767 مجاميع. 8 - شرح حديث يتبع الميت ثلاث. مخطوطة بمكتبة فاتح باستانبول برقم 5318 وهو حديث أنس عن النبي A، قال:

"يتبع الميت ثلاث فيرجع اثنان ويبقى واحد، يتبعه أهله وماله وعمله، فيرجع أهله وماله، ويبقى عمله". 9 - غاية النفع في شرح حديث تمثيل المؤمن بخامة الزرع، طبع بمطبعة أنصار السنة المحمدية بمصر سنة 1358هـ وهو حديث أبي هريرة عن النبي A قال: "مثل المؤمن كخامة الزرع من حيث أتتها الريح كفأتها، والفاخر كالأرزة صماء معتدلة حتى يقصمها الله إذا شاء. 10 - كشف الكربة في وصف حال أهل الغربة. طبعت بمكتبة المنار بمصر سنة 1340هـ، والمنيرية سنة 1351هـ وهي رسالة في شرح حديث النبي A: "بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ". 11 - مختصر فيما روي عن أهل المعرفة والحقائق في معاملة الظالم السارق، مخطوطة بمكتبة فاتح باستانبول رقم 5318 مجموع. وهي شرح لحديث رواه أبو داود من طريق عائشة - Bها - أنها سرقت لها ملحفة فجعلت تدعو على من سرقها، فقال النبي A: لا تسبخي عليه. 12 - المحجة في سير الدلجة، وطبعت بمطبعة الترقي بمكة المكرمة سنة 1347هـ،. وفيما شرح ابن رجب أربعة أحاديث أولها: لن ينجي منكم أحدا عمله، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته. 13 - تحفة الأكياس في شرح وصية المصطفى لابن عباس طبع بمطبعة الإمام بمصر.

14 - تسلية نفوس النساء والرجال عند فقد الأطفال، شرح لحديث أخرجه البخاري: قالت النساء للنبي A: غلبنا عليك الرجل ... مخطوطة بمكتبة فاتح باستانبول 5318 مجموعة. 15 - ما ذئبان جائعان أرسلا في غنم، طبع بالمنيرية. 16 - صدقة السر وفضلها مخطوطة

الخاتمة في نتائج البحث

الخاتمة في نتائج البحث وختاما لهذه الدراسة حول "شرح علل الترمذي" فإنني أقف لأسجل أهم النتائج والفوائد التي توصلت إليها: أولا: أوقفتني هذه الدراسة على أحد الأئمة الأعلام الذي كان لهم في الحديث باع طويل وفي علم العلل خاصة، وترك الآثار الشاهدة على سعة علمه، وقد رأينا منها شرح الترمذي، وشرح البخاري المسمى بفتح الباري، ثم هذا لكتاب الذي شرفت بتحقيقه، ودراسته. ثانيا: كشف هذه الدراسة عن مفهوم محدد للعلة في الحديث، واستطعت بفضل الله أن أوفق بين الاشتقاق اللغوي، والاشتقاق الاصطلاحي، دون اللجوء إلى التأويل البعيد أو الحمل التعسفي.. ووقع الاختيار على تعريف للعلة رجحته على غيره، ورأيت أنه ينسجم مع المنهج التطبيقي لهذا العلم، وهو قول الإمام زين الدين عبد الرحمن العراقي: والمعلل خبر ظاهره السلامة أطلع فيه بعد التفتيش على قادح. وقد بينت ما في التعاريف الأخرى من عدم المناسبة. ثالثا: أبرزت هذه الدراسة أن ميدان علم العلل هو حديث الثقات، وكشف عن سعة هذا الميدان وأنه أكبر من ميدان الجرح والتعديل، وذلك لأن علم الجرح والتعديل يحكم على الشخص بوصف عام، كأن يقال: صدوق، ثقة، ضابط، لين الحديث، ضعيف، كذاب، وأما علم العلل فهو يتناول الثقة

فيبحث في رواياته وينظر هل رواياته واحدة في كل الأماكن؟ وهل هي واحدة في كل الأزمان؟ وهل هي واحدة عن كل الشيوخ؟ ولا بد أن يجد الناقد أن الثقة يقوى في بلد ويضعف في أخرى، ويقوى في زمن ويضعف في زمن آخر، ويقوى في رجل ويضعف في آخر. وهكذا فإن علم العلل يتابع الثقة في مختلف الأماكن ومختلف الأزمنة ومختلف الشيوخ الذين يروي عنهم، ومختلف الظروف التي تعتريه، من ضياع كتاب أو فقد عزيز أو فقدان البصر، ويتناوله من حيث ممارسته لحديث كل شيخ من شيوخه أو قلة ممارسته. ومن هنا كان تتبع ثقة من الثقات في ضوء علم العلل يحتاج إلى جهود كبيرة، وقد ذكرت مصادر هذا العلم أن ابن المديني صنف علل ابن عيينة في ثلاثة عشر جزءا. رابعا: ومن خلال دراسة شرح علل الترمذي استخلصت أسباب العلة في الحديث وأعدتها إلى ثمانية أسباب رئيسية، وأظن أن هذه الأسباب تجمل وتذكر مجتمعة لأول مرة إن شاء الله. وقد أبرزت السبب العام الذي هو الضعف البشري الذي لا يسلم معه أحد من الوهم مهما علت مرتبته وسمت مكانته. وفصلت موضوع الاختلاط، وتكلمت عن الأسباب العارضة. وعند كل سبب من هذه الأسباب كنت أسوق عددا من الأمثلة التطبيقية. خامسا: في موضوع الكشف عن العلة بينت أن العلة لا تخضع معرفتها للفيوض الوجدانية، والكشوف، والتأملات الباطنية، وإنما تظهر العلة لممارس هذا العلم الذي حوى من المعارف ما يجعله قادرا على تتبع مسارب الإسناد ومساراته، والتقائه بغيره وافتراقه عنه. وأما كلام عبد الرحمن بن مهدي أن معرفة العلة كالعرافة، فإنما هو محمول على كلام العالم بالعلة في مقابل الجاهل الذي لا يعرف شيئا عن هذا العلم. ثم تكلمت عن وسائل الكشف عن العلل، وقد أوجزت في ذكر أهم

المعارف اللازمة لرجل العلل. وكل هذا استخلصته من الأمثلة الكثيرة المبثوثة في كتب العلل، وخاصة كتاب ابن رجب شرح علل الترمذي. سادسا: وفي موضوع أنواع العلل: حاولت حصر أنواع علة الإسناد وأنواع علة المتن، وعرضت هذه الأنواع بعبارة سهلة مستعينا بالأمثلة التطبيقية المستمدة من كتب العلل المتنوعة. سابعا: أظهر هذه الدراسة منهج ابن رجب في شرح علل الترميذي وكشف بالمقابل عن مناهج كتب العلل الأخرى فظهر لنا أن المناهج في تصنيف العلل ليست واحدة بل تنوعت إلى ستة مناهج، كان شرح العلل سابعها وأقربها إلى البناء النظري. وأما في موضوع مصادر ابن رجب في العلل فقد عرضت الدراسة لستة من هذه المصادر وكشفت عن كتاب "علل الترمذي الكبير". وثامنا: أما مباحث مصطلح الحديث التي ختمت بها الدراسة ففي موضوع المرسل ظهر لنا أن الإمام أحمد يوافق الشافعي في شروطه للعمل بالمرسل، وفي زيادة الثقة ظهر لنا أن الزيادة ليست مقبولة دائما إنما تكون مقبولة من المبرز في الحفظ. وفي موضوع العنعنة خالفت رأي ابن رجب في رده على الإمام مسلم الذي يرى أن المعاصرة والبراءة من التدليس كافيان للحكم بالاتصال، وقد فصلت رأي ابن رجب وأدلته التي ساقها ليدلل على أن التفتيش عن السماع هو دأب العلماء وأنه لا يكفي مجرد اللقاء، وأن الوهم قد يدخل على الصيغ الصريحة، ولكنني لم أوافق ابن رجب فيما ذهب إليه وسقت عددا من الأدلة خلصت منها إلى أن رأي ابن رجب هذا لا ينصر البخاري كما أراد، لأن المعروف أن البخاري يشترط ثبوت اللقي لا ثبوت السماع. وأما في موضوع زيادة الثقة فقد أبرزت الفوارق بين التقييد والإطلاق وبين زيادة الثقة، وأكدت رأي ابن رجب في رده على من جعل حديث "وتربتها طهورا" من قبيل زيادة الثقة، والصحيح أنه من باب تقييد المطلق.

تاسعا: كشفت هذه الدراسة عن الأسس التي صنفت على أساسها كتب الحديث وأنها كتب معللة، روعي في اختيار أحاديثها سلامتها من العلة وخاصة كتاب البخاري وكتاب مسلم. عاشرا: وكشفت هذه الدراسة أن عملية التصحيح والتضعيف، اعتمادا على ما كتب في الجرح والتعديل، هي عملية ذات شق واحد، ولا يمكن الحكم على الحديث صحة أو ضعفا بعيدا عن علم العلل، وحتى تتم هذه العملية متوازنة متناسقة سليمة، فإنه لا بد من إخراج كتب العلل وجمع شتات هذه العلم، وتبويب معارفه، وإعادة تصنيف الثقات على أساسه.

القسم الثاني التحقيق

القسم الثاني التحقيق وصف لنسخ كتاب "شرح علل الترمذي المخطوطة حصلت على ثلاث نسح خطية لكتاب "شرح علل الترمذي"، وفيما يلي وصف لهذه النسخ، مع إثبات نماذج مصورة عن أولها وآخرها: 1 - النسخة الأولى: وهي نسخة أحمد الثالث - تركيا: ذات الرقم 532 حديث. ويوجد عنها نسخة مصورة بالمكيروفيلم في معهد المخطوطات بجامعة الدول العربية، ورقمها في المعهد 248، وتبلغ عدة أوراق هذه النسخة 151 ورقة. وقد كتب على الورقة الأولى منها: "كتاب شرح علل الترمذي للإمام العلامة زين الدين بن رجب"، وهي بخط قاضي القضاة ابن اللحام بدمشق، وعليها خط المؤلف في مواضع كثيرة. كما كتب عليها: "خمس عشرة كراسة وورقة واحدة". وفي الصفحة الأولى من هذه النسخة: بسم الله الرحمن الرحيم وبه ثقتي وعليه توكلي: قال شيخنا الإمام العلامة، شيخ الإسلام، حافظ مصر والشام أوحد العلماء، الأعلام أبو الفرج عبد الرحمن زين الدين بن رجب البغدادي الحنبلي فسح الله في مدته وختم له بخير في عافيته بمنه وكرمه، في كتاب شرح الترمذي له: كتاب الترمذي. أما آخر هذه النسخة فهو: "ووجدت في آخر نسخة من نسخ كتاب الجامع للترمذي مما كتب باليمن

بثغر عدن ما هذا صورته: أنشدنا الفقيه الحافظ أبو العباس أحمد بن معد بن عيسى التجيبي لنفسه في مدح أبي عيسى محمد بن عيسى بن سورة الترمذي - رضي اله عنه -: (كتاب الترمذي رياض علم ... حكت أزهار النجوم) " إلى قوله، وهو آخر القصيدة وآخر الكتاب: ("من العلماء والفقهاء قدما ... وأهل الفضل والنهج القويم") حالة هذه النسخة، كتبت بخط النسخ، وهي جيدة، ولا تخلو من خروم وخاصة في بعض الهوامش الداخلية في الأصل. الناسخ: أما ناسخها فهو الإمام علاء الدين بن اللحام قاضي قضاة دمشق وهو علي بن محمد بن علي بن عباس بن فتيان، البعلي، ثم الدمشقي الحنبلي، ويعرف بابن اللحام، وقد ترجمت له أثناء الكلام على تلاميذ ابن رجب، وذلك في صفحة 264 من الدراسة. وهذه النسخة قيمة للغاية لشهرة كاتبها، وهو أكبر تلاميذ ابن رجب، ولما حملت من تعليقات من ابن رجب نفسه، ولا شك أنها أقدم النسخ التي حصلت عليها ولهذا كله فقد اعتمدتها أصلا، ورمزت لها بالحرف (أ) . 2 - النسخة الثانية: وهي نسخة دار الكتب المصرية: ورمزنا لها بالرمز (د) : ورقم هذه النسخة بدار الكتب المصرية 49 مصطلح، وقد كتبت هذه النسخة بخط النسخ وعدد أوراقها 135 ورقة، وبها خروم كثيرة جدا، أكبرها خرم في أولها، بمقدار أربع عشرة لوحة. وفيها تصحيف وسقط. وقد بدأت هذه النسخ بقوله: "يتهم في الحديث، فقال: لأن أقطع الطريق أحب غلي من أن أروي عنه وهذا المقطع يقابله السطر الثالث من الورقة 14/أمن نسخة أحمد الثالث".

الناسخ وتاريخ النسخ: وقد كتب في نهاية هذه النسخة: "وكان الفراغ من تعليقه يوم الأحد ثامن عشر ربيع الآخر من شهور سنة تسع وتسعين وثمانمائة، بمكة المكرمة، زادها الله شرفا وتعظيما، ومهابة على يد العبد الفقير إلى الله تعالى محمد بن محمد بن أبي حامد بن حسن بن علي المالكي البكري، والخليلي، غفر الله تعالى له ولإخوانه، ولأحبابه، ولمشايخه، والجميع المسلمين والحمد لله رب العالمين". (وما كنت أهلا للذي قد كتبته ... وأني لفي خوف من الله نادم) (ولكنني أرجو من الله عفوه ... وأني لأهل العلم لا شك خادم) ولقد بحثت عن ترجمة هذا النسخ في وفيات المئة العاشرة فوجدت في كتاب الكواكب السائرة ترجمة قد تكون هي ترجمة هذا الشيخ وجاء فيها: "هو محمد البكري العالم الورع الزاهد الشيخ صدر الدين البكري، حج وزار النبي A وكانت وفاته بالمدينة المنورة سنة 918هـ". 3 - النسخة الثالثة: وهذه النسخة دار الكتب الظاهرية بدمشق، ورمزنا لها بالحرف (ظ) : وهذه النسخ مماثلة لنسخة دار الكتب في الخروم الكثيرة وخاصة الخرم الذي في أولها وهو بنفس مقدار خرم النسخة المصرية. وتتشابه النسختان في كثيرة من مواضع الخروم مما يرجح أنهما منسوختان عن أصل واحد، وتحمل هذه النسخة رقم 405 حديث وعدد أوراقها 102 ورقة وهي بخط النسخ. "قال الإمام أحمد: حدثنا حسن بن عيسى قال، ترك ابن المبارك الحسن بن دينار". وتنقص هذه البداية سطرا واحدا عن نسخة دار الكتب المصرية. وأما آخر هذه النسخة فهو قوله: "والحمد لله وحده صلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم وحسبي الله ونعم الوكيل، وكتبه محمد بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن زريق".

التعريف بالناسخ: وقد بحثت في التراجم عن ابن زريق فوقع لي شخصان أحدهما يعرف بزريق والثاني يعرف بابن زريق. أما الأول فهو محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن أحمد ابن التقي سليمان بن حمزة المقدسي ثم الصالحي، ناصر الدين، قال ابن حجر: المعروف بزريق تصغير أزرق. وكانت وفاته سنة (803) هـ. وأما الثاني فهو ناصر الدين أبو عبد الله بن أبي كبر بن عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن سليمان بن حمزة المعروف بابن زريق، كذا ورد اسمه في ثبت سماعات كتاب المحدث الفاصل تحت عنوان: سمع محمد بن أبي بكر بن عبد الرحمن، ابن زريق بقراءته على الشيخ إبراهيم بن محمد الحلبي، (سبط ابن العجمي) وكان ذلك سنة 837هـ بالمدرسة الشرقية بحلب، وجاء في السماع: "وكتبه محمد بن أبي بكر ... " وساق الاسم كاملا، ثم جاء ذكر سماع إبراهيم بن عبد الله المقدسي الذئابي على الشيخ ناصر الدين محمد بن أبي بكر ابن زريق في ربيع الآخر سنة (881هـ) ثم ورد سماع ابن طولون الحنفي على الشيخ ناصر الدين ابن زريق في ربيع الآخر سنة 899هـ. ونخلص إلى أن صاحبنا هو ابن زريق الصالحي الحنبلي الإمام العالم المحدث ولد سنة اثنتي عشرة وثمانمائة، ولي مدرسة جده أبي عمر ابن قدامة، ومات سنة تسعمائة

رموز واصطلاحات التحقيق

رموز واصطلاحات التحقيق اعتمدت نص نسخة أحمد الثالث أصلا للكتاب، ورمزت لها بالحرف (أ) ، وقابلت عليها النسختين الأخريين، ورمزت لنسخة دار الكتب المصرية بالحرف (د) ، ولنسخة دار الكتب الظاهرية بالحرف (ظ) . وضعت الفوارق بين النسخ ضمن قوسين () وأشرت في الحاشية إلى النسخة المختلفة عن نسخة الأصل زيادة أو نقصا. ولما كان استعمال صيغ التحمل (ثنا، نا، وأنا) كثيرا فقد جعلتها بين () قوسين حتى لا يلتبس الأمر على القارئ. أما العناوين فقد عنونت كثيرا من مباحث الكتاب وجعلت هذه العناوين بين " " للدلالة على أنه من وضع المحقق. وجميع الأرقام التي في النص هي من وضع المحقق. وفيما يلي بعض المختصرات والرموز المستعلمة في التحقيق: - تهذيب أو التعذيب: هو تعذيب التهذيب لابن حجر. - اللسان: إذا كان في التراجم فهو لسان الميزان للذهبي، وإذا كان في تفسير الغريب فهو لسان العرب لابن منظور. - الميزان: هو ميزان الاعتدال للذهبي. - المغني: هو كتاب المغني في الضعفاء للذهبي.

- ?: إشارة لانتهاء اللوحة من المخطوط. - ت: لسنة الوفاة. وكل السنين المستعملة هي بالتاريخ الهجري، وما كان بالميلادي فإنني أنبه عليه، وليسهل تقسم الكتاب وبيان منهجه جعلته في بابين، فأطلقت على القسم الأول: الباب الأول "شرع علل الترمذي"،

الباب الأول شرح علل الترمذي لابن رجب الحنبلي

"الباب الأول" "شرح علل الترمذي" لابن رجب الحنبلي"

بسم الله الرحمن الرحيم وبع ثقتي وعليه توكلي

بسم الله الرحمن الرحيم وبع ثقتي وعليه توكلي قال شيخنا الشيخ الإمام العالم "العلامة، شيخ الإسلام، حافظ مصر والشام، وأوحد العلماء الأعلام، أبو الفرج عبد الرحمن زين الدين بن رجب البغدادي الحنبلي - فسح الله له مدته، وختم له بخير في عافيته، بمنه وكرمه - في كتاب "شرح الترمذي" له: كتاب العلل قال أبو عيسى - C -: جميع ما في هذا الكتاب من الحديث معمول به، وقد أخذ به بعض أهل العلم، ما خلا حديثين: حديث ابن عباس - Bهما -: أن النبي A جمع بين الظهر والعصر بالمدينة والمغرب والعشاء من غير خوف ولا سقم".

وحدث النبي A إنه قال: "إذا شرب الخمر فاجلدوه، فإن عاد في الرابعة فاقتلوه". وقد بينا علة الحديثين جميعا في هذا الكتاب. وكأن مراد الترمذي - C تعالى - أحاديث الأحكام. وقد سبق الكلام على هذين الحديثين اللذين أشار إليهما ههنا في موضعهما في الكتاب.. وذكرنا مسالك العلماء فيهما من النسخ وغيره. وذكرنا أيضا عن بعضهم العمل بكل واحد من الحديثين. وقوله: (قد بينا علة الحديثين جميعا في الكتاب) ، فإنما بين ما قد يستدل به للنسخ، لا أنه بين ضعف وإسناد. وقد روى الترمذي في كتاب الحج حديث جابر في التلبية عن النساء،

ثم ذكر الإجماع على أنه لا يلبى عن النساء، فهذا ينبغي أن يكون حديثا ثالثا، مما لم يؤخذ به عند الترمذي. وقد وردت أحاديث أخر قد ادعى بعضهم أنه لم يعمل بها أيضا. وقد ذكرنا غالبها في هذا الكتاب، فمنها ما خرجه الترمذي وأكثرها لم يخرجه: فمنها حديث: "من غسل ميتا فليغسل ومن حمله فليتوضأ". وقد قال الخطابي: لا أعلم أحدا من العلماء قال بوجوب ذلك. ولكن القائل باستحبابه يحمله على الندب، وذلك عمل به. ومنها حديث أنه A: توضأ ثلاثا، وقال: "ومن زاد على هذا أو نقص فقد أساء وظلم".

وقد ذكر مسلم الإجماع على خلافه. ومنها حديث التيمم إلى المناكب والآباط. ومنها حديث التيمم إلى نصف الذراعين. ومنها حديث الأكل في الصيام بعد الفجر، قال الجوزجاني: هو حديث قد أعيا العلماء معرفته. ومنها حديث أنس في أكل البرد للصائم. ومنها حديث ابن أم مكتوم، وأن النبي A

لم يرخص له في ترك الجماعة. مع ما ذكره من ضرره وعدم قائد والسيول. وقد ذكر بعضهم أنه لا يعلم أحدا أخذ بذلك. ومنها أحاديث النهي عن كرى الأرض، وهي أحاديث صحيحة ثابتة. ومنها أحاديث المسح على النعلين ذكره الطحاوي وغيره. ومنها حديث أن في خمس وعشرين من الإبل خمس شياه. ومنها حديث توريث المولى من أسفل. وقد ذكرنا الكلام عليه.

ومنها حديث الرضاع، أن لا يحرم إلا عشر رضعات. ومنها حديث الطلاق الثلاث جمع. ومنها حديث أسماء بن عميس في إحداد المتوفى عنها ثلاثة أيام. ومنها حديث سلمة بن المحبق فيمن وقع على جارية امرأته. ومنها حديث الذي تزوج امرأة فوجدها حبلى. فجعل النبي A لها المهر، وقال: "الولد عبد" لكن قال الخطابي: لا أعلم أحدا قال باسترقاق ولد الزنا.

ومنها أحاديث متعددة في الحج، مثل: حديث النهي عن التمتع. وحديث أن المعتمر إذا مسح الركن حل. وحديث أن الوقوف بعرفة لا يفوت إلا بطلوع الشمس يوم النحر. وحديث أن التحلل برمي الجمرة مشروط بطواف الإفاضة في بقية يوم

النحر وقد حكى عن عروة القول به. وحديث الاضطباع في السعي بين الصفا والمروة. وقد ادعى بعضهم ترك العمل بأحاديث أخر وهو خطأ ظاهر: كدعوى ابن قتيبة الإجماع على ترك العمل بأحاديث المسح على العمامة.

ودعوى بعضهم الإجماع على ترك العمل بأحاديث فسخ الحج إلى العمرة. ودعوى بعضهم الإجماع على ترك العمل بحديث: إذا اختلف المتبايعان والسلعة قائمة فالقول ما قال البائع، أو يترادان البيع. قال ابن المنذر: ما علمت أحدا قال بظاهره غير الشعبي. وكحديث ابن عباس في دية المكاتب.

قال الخطابي: لم يذهب إليه أحد سوى النخعي، وقد روى في ذلك شيء عن علي. وذكر الطحاوي الإجماع على ترك العمل بحديث "إذا انتصف شعبان فلا تصوموا حتى رمضان". وعلى ترك العمل بحديث تحريق متاع الغال إلا عن مكحول. والطحاوي من أكثر الناس دعوى لترك العمل بأحاديث كثيرة، وعامة هذه الأحاديث قد ذكرناها في مواضعها من هذا الكتاب، مع بسط الكلام عليها، فمن أراد الوقوف عليها فليتتبعها من مظانها من الكتاب. وقد ذكر للثوري ما روي عن عمر قال: من لم يدرك الصلاة بجمع مع الإمام فلا حج له. فقال الثوري: قد جاءت أحاديث لا يؤخذ بها. وسنذكر هذا المعنى مستوفى عند الكلام على الحديث الغريب - إن شاء الله تعالى -.

أسانيد أقوال الفقهاء عند الترمذي

"أسانيد أقوال الفقهاء عند الترمذي" قال أبو عيسى الترمذي - C -: وما ذكرنا في هذا الكتاب من اختيار الفقهاء فما كان فيه من قول سفيان الثوري، فأكثره ما حدثنا: محمد بن عثمان الكوفي، ثنا عبيد الله بن موسى، عن سفيان الثوري. ومنه ما حدثني مكتوم أبو الفضل بن العباس الترمذي، ثنا محمد بن يوسف الفريابي، عن سفيان.. وما كان فيه من قول مالك بن أنس.

فأكثره ما حدثني به إسحق بن موسى الأنصاري، ثنا معن بن عيسى القزاز، عن مالك بن أنس. وما كان فيه من أبواب الصوم: فأخبرنا به أبو مصعب المدني، عن مالك بن أنس. وبعض كلام مالك ما (أنا) به موسى بن حزام (أنا) عبد الله بن مسلمة القعنبي، عن مالك بن أنس. وما كان فيه من قول ابن المبارك: فهو ما حدثنا به أحمد بن عبده الآملي عن أصحاب ابن المبارك. ومنه ما روي عن أبي وهب، محمد بن مزاحم، عن ابن المبارك.

ومنه ما روي عن علي بن الحسن بن شقيق عن عبد الله. ومنه ما روي عن عبدان عن سفيان بن عبد الملك ابن المباكر. ومنه ما روي عن حبان بن موسى، عن عبد الله بن المبارك. وله رجال مسمون سوى من ذكرنا عن عبد الله بن المبارك. - وما كان فيه من قول الشافعي: فأكثره ما أخبرني به الحسن بن محمد الزعفراني عن الشافعي. وما كان من الوضوء والصلاة: (ثنا) به الوليد المكي عن الشافعي. ومنه ما (ثنا) به أبو إسماعيل الترمذي (ثنا) يوسف بن يحيى القرشي

البويطي، عن الشافعي. وذكر منه أشياء عن الربيع، عن الشافعين وقد أجاز لنا الربيع ذلك وكتب به إلينا. - وما كان فيه من قول أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه، فهو ما (أنا) به إسحاق بن منصور الكوسج، عن أحمد وإسحاق، إلا ما في أبواب فإني لم أسمعه من إسحاق بن منصور وأخبرني به محمد بن موسى الأصم، عن إسحاق بن منصور، عن أحمد وإسحاق. وبعض كلام إسحاق بن إبراهيم (أنا) به محمد بن أفلح عن إسحاق،

وقد بينا هذا على وجهه، في الكتاب الذي فيه الموقوف. وأما ما كان فيه من ذكر العلل في الأحاديث والرجال والتاريخ، فهو ما استخرجته من كتاب التاريخ، وأكثر ذلك ما ناظرت به محمد بن إسماعيل. ومنه ما ناظرت به عبد الله بن عبد الرحمن. وأبا زرعة، وأكثر ذلك عن محمد، وأقل شيء فيه عن عبد الله وأبي زرعة. ولم أر أحدا بالعراق ولا بخراسان في معنى العلل والتاريخ، ومعرفة الأسانيد، كبير أحد أعلم من محمد بن إسماعيل - C تعالى -. اعلم أن أبا عيسى - C - ذكر في هذا الكتاب مذاهب كثير من فقهاء أهل الحديث المشهورين: كسفيان، وابن المبارك، ومالك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق. وذكر فيه كثيرا من العلل والتواريخ والتراجم ولم يذكر أسانيد أكثر ذلك، فذكر ههنا أسانيد مجملة، وإن كان لم يحصل بها الوقوف على حقيقة أسانيد ذلك، حيث ذكر أن بعضه عن فلان، وبعضه عن فلان، ولم يبين ذلك البعض ولم يميزه.

وقد ذكر أنه بين ذلك على وجهه في كتابه الذي فيه الموقوف، وكأنه - C - له كتاب مصنف اكبر من هذا، فيه الأحاديث المرفوعة، والآثار الموقوفة مذكورة كلها بالأسانيد، وهذا الكتاب وضعه للأحاديث المرفوعة، وإنما يذكر فيه قليلا من الموقوفات. وأما التواريخ والعلل والأسماء ونحو ذلك: فقد ذكر أن أكثر كلامه فيه استخرجه من كتاب تاريخ البخاري، وهو كتاب جليل لم يسبق إلى مثله - C تعالى - وهو جامع لذلك كله. ثم لما وقف عليه أبو زرعة وأبو حاتم الرازيان - رحمهما الله - صنفا على منواله كتابين: أحدهما: كتاب الجرح والتعديل، وفيه ذكر الأسماء فقد، وزاد على ما ذكره البخاري أشياء من الجرح والتعديل. وفي كتابهما من ذلك شيء كثير لم يذكره البخاري. والثاني: كتاب العلل، وأفردا فيه الكلام في العلل. وقد ذكر الترمذي - C - أنه لم ير بخراسان ولا بالعراق في معنى علة العلوم كبير أحد أعلم بها من البخاري، مع أنه رأى أبا زرعة، وعبد الله بن عبد الرحمن الدارمي، وذاكرهما، ولكن أكثر علمه في ذلك مستفاد من البخاري، وكلامه كالصريح في تفصيل البخاري في هذا العلم على أبي زرعة والدارمي وغيرهما.

كتاب العلل والرجال

"كتاب العلل والرجال" وقد صنف في هذا العلم كتب غير مرتبة كترتيب كتاب البخاري وأبي حام وأبي زرعة، منها ما هو منقول عن يحيى بن سعيد القطان. - ومنها عن علي المديني وابن معين. - ومنها عن أحمد بن حنبل - C -. وقد رتب أبو بكر الخلال العلل المنقولة عن أحمد على أبواب الفقه وأفرادها فجاءت عدة مجلدات. "أهمية علم العلل" وقد ذكرنا فيما تقدم، في كتاب العلم، شرف علم العلل وعزته، وأن أهله المتحققين به أفراد يسيرة من بين الحفاظ وأهل الحديث، وقد قال أبو عبد الله بن مندة الحافظ إنما خص الله بمعرفة هذه الأخبار نفرا يسيرا من كثير ممن يدعي علم الحديث فأما سائر الناس من يدعي كثرة كتابة الحديث، أو متفقه في علم الشافعي وأبي حنيفة، أو متبع لكلام الحارث المحاسبي،

والجنيد وذي النون، وأهل الخواطر، فليس لهن أن يتكلموا في شيء من علم الحديث، إلا من أخذه عن أهله وأهل المعرفة به، فحينئذ يتكلم بمعرفته، انتهى. قال أبو عيسى الترمذي - C -. وإنما حملنا على ما بينا في هذا الكتاب من قول الفقهاء، وعلل الحديث، لأنا سئلنا عن ذلك فلم نفعله زمانا، ثم فعلنا لما رجونا فيه من منفعة الناس، لأنا وجدنا غير واحد من الأئمة تكلفوا من التصنيف ما لم يسبقوا إليه: فمنهم: هشام بن حسان، وعبد الملك بن عبد العزيز بن جريح، وسعيد بن أبي عروبة، ومالك بن أنس، وحماد بن سلمة، وعبد الله بن المبارك، ويحيى بن زكريا بن أبي زائدة، ووكيع بن الجراح، وعبد الرحمن بن مهدي. وغيرهم من أهل العلم والفضل صنفوا فجعل الله تبارك وتعالى في ذلك منفعة كبيرة فنرجو لهم بذلك الثواب الجزيل من عند الله - تعالى - لما نفع الله المسلمين به، فهم القدوة فيما صنفوا.

كتاب الحديث والتصنيف فيه

"كتاب الحديث والتصنيف فيه" اعلم أن العلم المتلقى عن النبي A من أقواله وأفعاله كان الصحابة - Bهم - في زمن نبيهم A يتداولونه بينهم حفظا له ورواية. ومنهم من كان يكتب كما تقدم - في كتاب العلم - عن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - ثم بعد وفاة النبي A كان بعض الصحابة يرخص في كتابة العلم عنه وبعضهم لا يرخص في ذلك، ودرج التابعون أيضا على مثل هذا الاختلاف. وقد ذكرنا كراهة كتاب الحديث والرخصة فيه، مستوفى في كتاب العلم من هذا الكتاب. والذي كان يكتب في زمن الصحابة والتابعين تصنيفا مرتبا مبوبا، وإنما كان يكتب للحفظ والمراجعة فقط، ثم إنه في زمن تابعي التابعين صنفت التصانيف، وجمع طائفة من أهل العلم كلام النبي A وبعضهم جمع كلام الصحابة. قال عبد الرزاق: أول من صنف الكتب ابن جريح، وصنف الأوزاعي،

حين قدم على يحيى بن أبي كثير كبته، خرجه ابن عدي وغيره. وانقسم الذين صنفوا في الكتب أقساما: فمنهم من صنف كلام النبي A أو كلامه وكلام أصحابه على الأبواب، كما فعل مالك وابن المبارك وحماد بن سلمة وابن أبي ليلى ووكيع وبعد الرزاق ومن سلك مسلكهم في ذلك. ومنهم من جمع الحديث إلى مسانيد الصحابة كما فعله أحمد وإسحاق وعبد بن حميد والدارمي ومن سلك مسلكهم في ذلك. قال ابن أبي خيثمة: (ثنا) الزبير بن بكار، أخبرني محمد بن الحسن عن مالك بن أنس، قال: أول من دون العلم ابن شهاب، يعني الزهري. ومحمد بن الحسن كأنه ابن زبالة لا يعتمد عليه. قال بان خراش: يقال: إن أول من صنف الكتب سعيد بن أبي عروبة. وقال يعقوب بن شيبة: يقولون إن أول من صنف الكتب بالكوفة: يحيى بن زكريا بن أبي زائدة، وبالبصرة: حماد بن سلمة. وقال عبد الله بن أحمد: قلت لأبي: أول من صنف الكتب من هو؟ قال: ابن جريج، وابن أبي عروبة، ونحو هؤلاء. قال ابن جريج: ما صنف أحد العلم تصنيفي. قال: وسمعت أبي يقول: قدم ابن جريج على أبي جعفر - يعني -

المنصور، فقال له: إني قد جمعت حديث جدك عبد الله بن عباس، وما جمعه أحد جمعي، أو نحو ذا فلم يعطه شيئا. وقال أبو محمد الرامهرمزي: أول م صنف وبوب - فيما أعلم - الربيع بن صبيح بالبصرة، ثم سعيد بن أبي عروبة بها، وخالد بن جميل الذي يقال له العبد، ومعمر باليمن، وابن جريج بمكة، ثم سفيان الثوري بالكوفة، وحماد بن سلمة بالبصرة، وصنف ابن عيينة بمكة والوليد بن مسلم بالشام وجرير بن عبد الحميد بالري، وابن المبارك بمرو وخراسان، وهشيم بواسط. وصنف في هذا العصر بالكوفة ابن أبي زائدة وابن فضيل ووكيع، ثم صنف عبد الرزاق باليمن وأبو قرة موسى بن طارق.

أبو عيسى أول من تكلم على الصحيح والضعيف في جامعه، وأول من علل الأبواب

"أبو عيسى أول من تكلم على الصحيح والضعيف في جامعه، وأول من علل الأبواب" وأول من علمناه بين ذلك عيسى الترمذي - C - وقد بين في كلامه هذا أنه لم يسبق إلى ذلك، واعتذر بأن هؤلاء الأئمة الذي سماهم صنفوا ما لم يسبقوا إليه، فإذا زيد في التصنيف ببيان العلل ونحوها كان فيه تأس بهم في تصنيف ما لم يسبق إليه. وقد صنف ابن المديني ويعقوب بن شيبة مسانيد معللة. وأما الأبواب المعللة، فلا نعلم أحدا سبق الترمذي إليها. وزاد الترمذي ذكر كلام الفقهاء، وهذا كان قد سبق إليه مالك في الموطأ، وسفيان في الجامع. "موقف الإمام أحمد من ذكر كلام الفقهاء مع الحديث، ورأي ابن رجب في ذلك" وكان أحمد يكره ذلك، وينكره - Bهـ - حتى إنه أمر بتجريد أحاديث الموطأ وآثاره عما فيه من الرأي الذي يذكره مالك من عنده. وكره أحمد أن يكتب مع الحديث كلام يفسره، ويشرحه، وكان ينكر على من صنف في الفقه كأبي عبيد وأبي ثور وغيرهما. ورخص في غريب الحديث الذي صنفه أبو عبيد أولا، ثم لما بسطه أبو عبيد وطوله كرهه أحمد، وقال:

تدوين الكلام في العلل والتواريخ وأهميته

"هو يشغل عما هو أهم منه"، ولكن عند بعد العهد بكلام السلف وطول المدة وانتشار كلام المتأخرين في معاني الحديث والفقه انتشارا كثيرا بما يخالف كلام السلف الأول، يتعين ضبط كلام السلف من الأئمة، وجمعه، وكتابته، والرجوع إليه، ليتميز بذلك ما هو مأثور عنهم، مما أحدث بعدهم، مما هو مخالف لهم. وكان ابن مهدي يندم على أن لا يكون كتب عقب كل حديث من حديثه تفسيره. "تدوين الكلام في العلل والتواريخ وأهميته" وكذا الكلام في العلل والتواريخ قد دون أئمة الحفاظ، وقد هجر في هذا الزمان ودرس حفظه وفهمه، فلولا التصانيف المتقدمة فيه لما عرف هذا العلم اليوم بالكلية، ففي التصنيف فيه ونقل كلام الأئمة المتقدمين مصلحة عظيمة جدا. وقد كان السلف الصالح، ومع سعة حفظهم، وكثرة الحفظ في زمانهم، يأمرون بالكتابة للحفظ، فكيف بزماننا هذا الذي هجرت فيه علوم سلف الأمة وأئمتها، ولم يبق منها إلا ما كان مدونا في الكتب، لتشاغل أهل هذا الزمان بمدارسة الآراء وحفظها؟ قال أبو قلابة: الكتابة أحب إلي من النسيان. وقال ابن المبارك: لولا الكتاب لما حفظنا. وقال الخلال: أخبرني الميموني، أنه قال لأبي عبد الله، يعني أحمد بن

حنبل قد كره قوم كتاب الحديث بالتأويل. وقال: إذا يخطئون إذا تركوا كتاب الحديث. وقال: حدثونا قوم من حفظهم، وقوم من كتبهم، فكان الذين حدثونا من كتبهم أتقن. وقال إسحق بن منصور: قلت لأحمد: من كره كتاب العلم؟ قال كرهه قوم، ورخص فيه قوم. قلت: لو لم يكتب ذهب العلم. قال أحمد: ولولا كتابة أي شيء كنا نحن؟ قال أبو عيسى - رحمه الله -: وقد عاب بعض من لا يفهم على أصحاب الحديث الكلام في الرجال: وقد وجدنا غير واحد من الأئمة من التابعين قد تكلموا في الرجال: منهم: والحسن البصري وطاوس قد تكلما في معبد الجهني. وتكلم سعيد بن جبير في طلق بن حبيب. وتكلم إبراهيم النخعي وعامر الشعبي في الحارث الأعور. وهكذا روي عن أيوب السختياني، وعبد الله بن عون وسليمان التيمي، وشعبة بن الحجاج، وسفيان الثوري، ومالك بن أنسن والأوزاعي، وعبد الله بن المبارك، ويحيى بن سعيد القطان، ووكيع بن الجراح، وعبد الرحمن بن مهدي وغيرهم من أهل العلم، أنهم تكلموا في الرجال وضعفوا، فما حملهم على ذلك - عندنا والله أعلم - غلا النصيحة للمسلمين. لا نظن أنهم أرادوا الطعن على الناس، أو الغيبة، إنما أرادوا - عندنا - أن يبينوا ضعف هؤلاء لكي

وجوب الكلام في الجرح والتعديل

يعرفوا، لأن بعضهم - من الذين ضعفوا - كان صاحب بدعة وبعضهم كان متهما في الحديث، وبعضهم كانوا أصحاب غفلة وكثرة خطأ، فأراد هؤلاء الأئمة أن يبينوا أحوالهم، شفقة على الدين وتثبيتا، لأن الشهادة في الدين أحق أن يتثبت فيها من الشهادة في الحقوق والأموال. "وجوب الكلام في الجرح والتعديل" مقصود الترمذي - C - أن يبين أن الكلام في الجرح والتعديل جائز، قد أجمع عليه سلف الأمة وأئمتها، لما فيه من تمييز ما يجب قبوله من السنن مما لا يجوز قبوله. وقد ظن بعض من لا علم عنده أن ذلك من باب الغيبة، وليس كذلك، فإن ذكر عيب الرجل إذا كان فيه مصلحة، ولو كانت خاصة كالقدح في شهادة شاهد الزور، جائز بغير نزاع، فما كان فيه مصلحة عامة للمسلمين أولى. وروى ابن أبي حاتم، بإسناده، عن بهز بن أسد، قال: لو أن لرجل على رجل عشرة دراهم، ثم جحده، لم يستطع أخذها منه إلا بشاهدين عدلين، فدين الله أحق أن يؤخذ في بالعدول. وكذلك يجوز ذكر العيب إذا كان فيه مصلحة خاصة، كمن يستشير في نكاح أو معاملة، وقد دل عليه قول النبي A لفاطمة بنت قيس: "أما معاوية فصعلوك لا مال له، وأما أبو جهم فلا يضع العصا عن عاتقه".

وكذلك استشار النبي A عليا وأسامة في فراق أهله، لما قال أهل الإفك ما قالوا. ولهذا كان شعبة يقول: تعالوا حتى نغتاب في الله ساعة، يعني: نذكر الجرح والتعديل. وذكر ابن المبارك رجلا فقال: يكذب. فقال له رجل: يا أبا عبد الرحمن، تغتاب؟ قال: اسكت، إذا لم نبين كيف يعرف الحق من الباطل؟. وكذا روي عن ابن علية، أنه قال في الجرح: إن هذا أمانة، ليس بغيبة. وقال أبو زرعة الدمشقي: سمعت أبا مسهر يسأل عن الرجل يغلط ويهم ويصحف. فقال: بين أمره، فقلت لأبي زرعة: أترى ذلك غيبة؟ قال: لا. وروى أحمد بن مروان المالكي، (ثنا) عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: جاء أبو تراب النخشبي إلى أبي، فجعل أبي يقول: فلان ضعيف، وفلان ثقة.

فقال أبو تراب: يا شيخ، لا تغتب العلماء. قال: فالتفت أبي إليه، قال: ويحك. هذا نصيحة، ليس هذا غيبة. وقال محمد بن بندار السباك الجرجاني: قلت لأحمد بن حنبل: أنه ليشتد علي أن أقول: فلان ضعيف، فلان كذاب. قال أحمد: إذا سكت أنت، وسكت أنا فمن يعرف الجاهل الصحيح من السقيم؟ وقال إسماعيل الخطبي، (ثنا) عبد الله بن أحمد، قلت لأبي: ما تقول في أصحاب الحديث يأتون الشيخ لعله أن يكون مرجئا أو شيعيا أو فيه شيء من خلاف السنة، أيسعني أن أسكت عنه، أن أحذر عنه. فقال أبي: إن كان يدعو إلى بدعة، وهو إمام فيها ويدعو إليها، قال: نعم، تحذر عنه. وقد خرج ذلك كله أبو بكر الخطيب في كتاب الكفاية، وغيره من أئمة الحفاظ. وكلام السلف في هذا يطول ذكره جدا. وذكر الخلال، عن الحسن بن علي الإسكافي، قال: سألت أبا عبد الله، يعني أحمد بن حنبل، عن معنى الغيبة. قال: إذا لم ترد عيب الرجل.

الكلام في معبد الجهني

قلت: فالرجل يقول: فلان لم يسمع، وفلان يخطئ؟ قال: لو ترك الناس هذا لم يعرف الصحيح من غيره. وخرج البيهقي من طريق الحسن بن الربيع، قال: قال ابن المبارك. المعلى بن هلال هو، إلا أنه إذا جاء الحديث يكذب. فقال له بعض الصوفية: يا أبا عبد الرحمن، تغتاب؟ قال: اسكت. إذا لم نبين كيف يعرف الحق من الباطل؟ أو نحو هذا. "الكلام في معبد الجهني" وما ذكره الترمذي - C - من تكلم الحسن وطاوس في معبد فقد روى مرحوم بن عبد العزيز عن أبيه وعمه سمعا الحسن يقول: إياكم ومعبد الجهني فإنه ضال مضل. ورواه أيضا حماد بن زيد، عن أبي طلحة، عن غيلان بن جرير، سمعت الحسن يقول: لا تجالسوا معبدا، فإنه ضال مضل. وروى نعيم بن حماد، عن ابن المبارك (نا) رياح بن زيد الصنعاني، عن جعفر بن محمد بن عباد، عن طاوس، أنه قال لمعبد الجهني: أنت الذي تفتري على الله D؟ فقال معبد: كذب علي.

الكلام في طلق بن حبيب

"الكلام في طلق بن حبيب" وأما تلكم سعيد بن جبير في طلق، فمن طريق حماد بن زيد، عن أيوب قال: رآني سعيد بن جبير مع طلق بن حبيب، فقال: ألم أرك مع طلق؟ لا تجالسه. وكان طلق رجلا صالحا، لكنه كان يرمى بالأرجاء. "الكلام في الحارث الأعور" وأما تكلم الشعبي والنخعي في الحارث الأعور، فقد ذكره مسلم في مقدمة كتابه، من طريق زائدة، عن منصور، والمغيرة، عن إبراهيم، أن الحارث اتهم. ومن طريق مغيرة عن الشعبي، قال: حدثني الحارث الأعور، وكان كذابا. قال أبو عيسى الترمذي - C -: أخبرنا محمد بن إسماعيل (ثنا) محمد بن يحيى بن سعيد القطان، حدثني أبي، قال: سألت سفيان الثوري وشعبة ومالك بن أنس وسفيان بن عيينة عن الرجل يكون فيه تهمة أو ضعف، أسكت أو أبين؟ قالوا: بين. هذا الأثر خرجه البخاري في أول كتابه الضعفاء، كما خرجه الترمذي ههنا عنه، وخرجه مسلم في مقدمة كتابه، عن عمرو بن علي الفلاس، عن يحيى بن سعيد، قال: سألت الثوري وشعبة ومالكا وابن عيينة عن الرجل لا يكون ثبتا في الحديث، فيأتيني الرجل، فيسألني عنه. قالوا: أخبر عنه ليس بثبت.

ورواه أبو بكر النجار، (نا) جعفر بن محمد الصائغ، (نا) عفان، (نا) يحيى بن سعيد، قال: سألت شعبة وسفيان ومالك بن أنس وسفيان بن عيينة عن الرجل يتهم في الحديث، أو لا يحفظ. قالوا: بين أمره للناس. ورواه الإمام أحمد عن عفان أيضا بنحوه. وقال يعقوب بن شيبة، (ثنا) موسى بن منصور، حدثني أبو سلمة الخزاعي قال: سمعت حماد بن سلمة، ومالك بن أنس، وشريك بن عبد الله، يقولون في الرجل يحدث: نخبر بأمره، يعنون ضعفه من قوته، وصدقه من كذبه. قال: وقال شريك: كيف نعرف الضعيف من القوي إذا لم نخبر به؟. قال الترمذي - C -: حدثنا محمد بن رافع النيسابوري، (ثنا) محمد بن يحيى، قال: قيل لأبي بكر بن عياش: إن ناسا يجلسون، ويجلس إليهم الناس، ولا يستأهلون، قال: فقال أبو بكر: كل من جلس جلس الناس إليه، وصاحب السنة إذا مات أحيا الله ذكره، والمبتدع لا يذكر. قال ابن أبي الدنيا: (ثنا) أبو صالح المروزي، سمعت رافع بن أشرس قال: كان يقال من عقوبة الكذاب أن لا يقبل صدقه. وأنا أقول: من عقوبة الفاسق المبتدع أن لا تذكر محاسنه.

قال - C -: حدثنا محمد بن علي بن الحسن بن شقيق، (نا) النضر بن عبد الله الأصم، (انا) إسماعيل بن زكريا، عن عاصم، عن ابن سعيد، عن ابن سيرين، قال: كان في الزمان الأول لا يسألون عن الإسناد، فلما وقعت الفتنة، سألوا عن الإسناد لكي يأخذوا حديث أهل السنة، ويدعوا حديث أهل البدع. هذا الأثر خرجه مسلم في مقدمة كتابه، عن محمد بن الصباح البزاز، عن إسماعيل بن زكريا به. ولفظه، قال: لم يكونوا يسألون عن الإسناد، فلما وقعت الفتنة قالوا: سموا لنا رجالكم فينظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم، وينظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم. وخرجه أبو بكر الخطيب من طريق أحمد بن سيار، (ثنا) النضر بن عبد الله المديني - من مدينة الداخلة - أبو عبد الله الأصم (ثنا) إسماعيل بن زكريا فذكره، وخرجه أيضا من طريق محمد بن حميد الرازي، عن جرير، عن عاصم عن ابن سيرين بنحوه.

ابن سيرين أول من انتقد الرجال وفتش عن الإسناد

"ابن سيرين أول من انتقد الرجال وفتش عن الإسناد" وابن سيرين - رضي الله عنه - هو أول من انتقد الرجال، وميز الثقات من غيرهم، وقد روى عنه من غير وجه أنه قال: إن هذا العلم دين، فانظروا عمن تأخذون دينكم. وفي رواية عنه أنه قال: إن هذا الحديث دين، فلينظر الرجل عمن يأخذ دينه. قال يعقوب بن شيبة: قلت ليحيى بن معين: تعرف أحدا من التابعين كان ينتقي الرجال، كما كان ابن سيرين ينتقيهم؟ فقال - برأسه -: أي لا. قال يعقوب: وسمعت علي بن المديني يقول: كان ممن ينظر في الحديث ويفتش عن الإسناد، ولا نعرف أحدا أول منه، محمد بن سيرين ثم كان أيوب وابن عون، ثم كان شعبة، ثم كان يحيى بن سعيد، وعبد الرحمن. قلت لعلي: فمالك بن أنس؟ فقال: أخبرني سفيان بن عيينة، قال: ما كان أشد انتقاء مالك الرجال. "بدء السؤال عن الإسناد" وروى الإمام أحمد، عن جابر بن نوح، عن الأعمش، عن إبراهيم، قال: إنما سئل عن الإسناد أيام المختار، وسبب هذا: أنه كثر الكذب على علي في تلك الأيام. كما روى شريك، عن أبي إسحاق، قال: سمعت خزيمة بن نصر العبسي، أيام المختار، وهم يقولون ما يقولون من

الرواية عن أهل الأهواء والبدع

الكذب، وكان من أصحاب علي قال: ما لهم قاتلهم الله، أي عصابة شانوا؟، وأي حديث أفسدوا؟. وروى يونس بن أبي إسحاق عن صلة بن زفر العبسي قال: قاتل الله المختار، أي شيعة أفسد، وأي حديث شان. "الرواية عن أهل الأهواء والبدع" وهذه المسألة قد اختلف العلماء فيها، قديما وحديثا، وهي الرواية عن أهل الأهواء والبدع. "من منع مطلقا" فمنعت طائفة من الرواية عنهم، كما ذكره ابن سيرين، وحكى نحوه عن مالك وابن عيينة والحميدي ويونس بن أبي إسحاق، وعلي بن حرب وغيرهم. وروى أبو إسحاق الفزاري، عن زائدة، عن هشام، عن الحسن، قال: لا تسمعوا من أهل الأهواء. أخرجه ابن أبي حاتم. "ومن قبل حديثهم" ورخص طائفة في الرواية عنهم إذا لم يتهموا بالكذب، منهم أبو حنيفة والشافعي ويحيى بن سعيد وعلي بن المديني، وقال ابن المديني: لو تركت أهل البصرة للقدر، وتركت أهل الكوفة للتشيع لخربت الكتب. "من فرق بين الداعية وغيره" وفرت طائفة أخرى بين الداعية وغيره فمنعوا الرواية عن الداعية إلى البدعة دون غيره.

حجة المانعين مطلقا

منهم: ابن المبارك، وابن المهدي، وأحمد بن حنبل، ويحيى بن معين وروى أيضا عن مالك. "حجة المانعين مطلقا" والمانعون الرواية لهم مأخذان: أحدهما: لكفر أهل الأهواء وفسقهم، وفيه خلاف مشهور. والثاني: الإهانة لهم والهجران والعقوبة وترك الرواية عنهم، وإن لم نحكم بكفر أو فسقهم. ولهم مأخذ ثالث: وهو أن الهوى والبدعة لا يؤمن معه الكذب، لا سيما إذا كانت الرواية مما تعضد هوى الراوي. وروى أبو عبد الرحمن المقري، عن ابن لهيعة، أنه سمع رجلا من أهل البدع رجع عن بدعته وجعل يقول: انظروا هذا الحديث عمن تأخذونه، فإنا كنا إذا رأينا جعلناه حديثا. ورواه المعافى عن ابن لهيعة، عن أبي الأسود، حدثني المنذر بن الجهم، فذكره بمعناه. وقال علي بن حرب: من قدر أن لا يكتب الحديث إلا عن صاحب سنة، فإنهم يكذبون، كل صاحب هوى يكذب، ولا يبالي. وعلى هذا المأخذ فقد يستثنى من اشتهر بالصدق والعلم، كما قال أبو داود: ليس في أهل الأهواء أصح حديثا من الخوارج، ثم ذكر عمران بن حطان، وأبا حسان الأعرج. وأما الرافضة فبالعكس. قال يزيد بن هارون: لا يكتب عن الرافضة فإنهم يكذبون. خرجه ابن أبي حاتم.

الرأي المختار

ومنهم من فرق بين من يغلو في هواه ومن لا يغلوه، كما ترك ابن خزيمة حديث عباد بن يعقوب لغلوه. وسئل ابن الأخرم: لا ترك البخاري حديث أبي الطفيل؟ قال: لأنه كان يفرط في التشيع. وقريب من هذا القول من فرق بين البدع المغلظة، كالتجهم والرفض والخارجية والقدر، والبدع المخففة ذات الشبه كالأرجاء. قال أحمد في رواية أبي داود: احتملوا من المرجئة الحديث، ويكتب عن القدري إذا لم يكن داعية. وقال المروزي: كان أبو عبد الله يحدث عن المرجئ إذا لم يكن داعيا. ولم نقف له على نص في الجهمي. أنه يروى عنه إذا لم يكن داعيا، بل كلامه فيه عام، أنه لا يرى عنه. "الرأي المختار" فيخرج من هذا: أن البدع الغليظة كالتجهم يرد بها الرواية مطلقا، والمتوسطة كالقدر إنما يرد رواية الداعي إليها، والخفية كالأرجاء، هل تقبل معها الرواية مطلقا أو ترد عن الداعية؟. على روايتين.

الإسناد وأهميته

"الإسناد وأهميته" قال - C -: حدثنا محمد بن علي بن الحسن، قال: سمعت عبدان، يقول: قال عبد الله بن المبارك: الإسناد عندي من الدين، لولا الإسناد لقال من شاء ما شاء، فإذا قيل له: من حدثك؟ بقي. حدثنا محمد بن علي (أنا) حبان بن موسى، قال: ذكر لعبد الله حديث، فقال: يحتاج لهذا أركان من آجر. قال أبو عيسى: يعني إنه ضعيف الإسناد. أما قول عبد الله بن المبارك الإسناد من الدين، فخرجه مسلم في مقدمة كتابه، عن محمد بن عبد الله بن قهزاد المروزي عن عبدان، عنه، إلى قوله: ما شاء. وخرجه بتمامه ابن حبان في أول كتابه من طريق الحسين بن الفرج عن عبدان. وأما قوله الثاني: وذكر مسلم أيضا: قال محمد بن عبد الله، حدثني العباس بن رزمة، قال: سمعت عبد الله - يعني - ابن المبارك يقول: بيننا وبين القوم القوائم، يعني الإسناد. قال: وقال محمد: سمعت أبا إسحاق، إبراهيم بن عيسى الطالقاني يقول: قلت لعبد الله بن المبارك: يا أبا عبد الرحمن، الحديث الذي جاء، "إن من البر بعد البر أن تصلي لأبويك مع صلاتك، وتصوم لهما مع صومك".

فقال عبد الله: يا أبا إسحاق، عمن هذا؟. قلت له: هذا من حديث شهاب بن خراش. قال: ثقة. عمن؟ قلت: عن الحجاج بن دينار، قال: ثقة. عمن؟ قلت: قال رسول الله A. قال: يا أبا إسحاق، إن بين الحجاج بن دينار، وبين النبي A مفاوز تنقطع فيها أعناق المطى، لكن ليس في الصدقة اختلاف. وخرج ابن حبان وغيره من طريق الحسين بن الفرج، عن عبد الصمد بن حسان، سمعت الثوري يقول: الإسناد سلاح المؤمن، إذا لم يكن معه سلاح فبأي شيء يقاتل؟. وخرج أبو عمر بن عبد البر في أول التمهيد من طريق محمد بن خيرون، (ثنا) محمد بن الحسين البغدادي، قال: سمعت أحمد بن حنبل يقول: سمعت يحيى بن سعيد يقول: الإسناد من الدين. قال يحيى: وسمعت شعبة يقول: إنما يعلم صحة الحديث بصحة الإسناد. وفي هذا الإسناد نظر، وخرج أيضا بإسناده نظر، وخرج أيضا بإسناده عن الأوزاعي قال: ما ذهاب العلم إلا ذهاب الإسناد، وبإسناده عن ابن عون قال: كان الحسن يحدثنا بأحاديث لو كان يسندها كان أحب إلينا. وخرج البيهقي من طريق علي بن حجر، قال: قال ابن المبارك: لولا الإسناد لذهب الدين، ولقال امرؤ ما شاء أن يقول: ولكن إذا قلت: عمن؟ يبقى.. قال: وسمعت ابن المبارك يقول: إن الله حفظ الأسانيد على أمة محمد A.

ومن طريق الشافعي، قال: قال سفيان بن عيينة: حدث الزهري يوما بحديث، فقلت: هاته بلا إسناد، فقال الزهري: أيرقى السطح بلا سلم؟ وخرج أبو بكر الخطيب من طريق مالك بن إسماعيل النهدي: سمعت ابن المبارك يقول: طلب الإسناد المتصل من الدين. ومن طريق هلال بن العلاء، عن أبيه سمع ابن عيينة، وقال له أخوه: حدثهم بغير إسناد. فقال سفيان: انظروا إلى هذا يأمرون أن أصعد فوق البيت بغير درجة. ومن طريق إبراهيم بن معدان، قال: قال ابن المبارك: مثل الذي يطلب دينه بلا إسناده كمثل الذي يرتقي السطح بلا سلم. ومن طريق ابن المديني، قال أبو سعيد الحداد: الإسناد مثل الدرج، ومثل المراقي، فإذا زلت رجلك عن المرقاة سقطت. وروى الفضل بن موسى، قال: قال بقية: ذاكرت حماد بن زيد أحاديث. فقال: ما أجود أحاديثك، لو كان له أجنحة، يعني الأسانيد. وقال علي بن المديني: قال يحيى، قال هشام بن عروة: إذا حدثك رجل بحديث، فقل: عمن هو؟ وممن سمعته؟ فإن الرجل يحدث عن آخر دونه. قال يحيى: فعجبت من فطنته. وقد روى عن ابن سيرين معنى ذلك أيضا، خرج مسلم في مقدمة كتابه من طريق هشام، عن ابن سيرين قال: إن هذا العلم دين فانظروا عمن

تأخذون دينكم وخرجه العقيلي في مقدمة كتابه من طريق ابن عون، عن ابن سيرين، وزاد: قال: وذكر عند محمد حديث عن أبي قلابة، فقال: إنا لا نتهم أبا قلابة، ولكن عمن أخذه أبو قلابة. وفي رواية له أيضا، عن ابن عون، قال: ذكر أيوب لمحمد حديثا عن أبي قلابة، قال: فقال: أبو قلابة - إن شاء الله رجل صالح، ولكن عمن ذكره أبو قلابة؟ ومن طريق أيوب عن ابن سيرين، أنه كان إذا حدثه الرجل الحديث ينكره لم يقبل عليه ذاك الإقبال، ويقول: إني لا أتهمك، ولا أتهم ذاك، ولكن لا أدري من بينكم. ومن طريق عبيد الله بن عمر، قال: قال محمد بن سيرين: إن الرجل لحدثني بالحديث لا أتهمه، ولكن أتهم من حدثه وأن الرجل ليحدثني بالحديث عن الرجل، فما أتهم الرجل، ولكن اتهم من حدثني. وذكر أيضا من طريقين أن التيمي حدث عن ابن سيرين بشيء، فبلغ ابن سيرين فكذبه، فقال التيمي: حدثنيه مؤذن لنا عن ابن سيرين، وخرجه غيره، وعنده أن المؤذن سئل، فقال: حدثني رجل عن ابن سيرين. وروى الشافعي (أنا) عمي محمد بن علي، عن هشام بن عروة، عن أبيه قال: إني أسمع الحديث أستحسنه، فما يمنعني من ذكره إلا كراهة أن يسمعه سامع فيقتدي به، أسمعه من الرجل، لا أثق به، قد حدثه عمن أثق به، وأسمعه من الرجل أثق به، فيحدثه عمن لا أثق به. وقد روى عن زيد بن أسلم، أنه قال: إن هذا العلم دين، فانظروا ممن تأخذون دينكم. خرجه ابن حبان، وخرجه أيضا من كلام الحسن وابن سيرين، والضحاك بن مزاحم، والنخعي. وخرجه أيضا، بإسناده لا يصح عن أبي هريرة، وابن عباس - رضي الله

عنهما - وخرجه ابن عدي أيضا من وجوه. مرفوعا إلى النبي A ولا يصح منها شيء. وروى أبو نعيم من طريق إسحاق بن بشر الرازي، قال: قال ابن المبارك: ليس جودة الحديث في قرب الإسناد، ولكن جودة الحديث في صحة الرجال. وخرج الحاكم في المدخل بإسناده عن ضمرة، عن ابن شوذب، عن مطر الوراق في قوله تعالى" (أو أثارة علم) ، قال: إسناد الحديث. قال الترمذي - C -: حدثنا أحمد بن عبده، (ثنا) وهب بن زمعة، عن عبد الله بن المبارك أنه ترك حديث الحسن بن عمارة، والحسن بن دينار، وإبراهيم بن محمد الأسلمي، ومقاتل بن سليمان، وعثمان البري، وروح بن مسافر وأبي شيبة الواسطي، وعمرو بن ثابت، وأيوب بن خوط، وأيوب بن سويد، ونصر بن طريف أبي جزي والحكم وحبيب بن حجر، والحكم روى له حديثا في

كتاب الرقائق ثم تركه، وحبيب لا أدري. قال أحمد بن عبده: وسمعت عبدان يقول: كان عبد الله بن المبارك قرأ أحاديث بكر بن خنيس، فكان آخر إذا آتى عليها أعرض عنها، ولم يذكرها. حدثنا أحمد، (ثنا) أبو وهب، قال: سمعوا لعبد الله بن المبارك رجلا يتهم في الحديث، فقال: لأن أقطع الطريق أحب إلي من أروي عنه. قال الإمام أحمد: (ثنا) حسن بن عيسى قال: قال ابن المبارك. الحسن بن دينار، وعمرو بن ثابت، وأيوب بن خوط، ومحمد بن سالم، وعبيدة والسري بن إسماعيل، يعني أنه ترك الحديث عنهم. وذكر حرب الكرماني، في كتابه، قال: بلغني أن ابن المبارك ترك حديث عباد بن كثير والحسن بن دينار، والحسن بن عمارة، وروح بن مسافر، وابن سمعان، وعمرو بن ثابت. وقال ابن المبارك: ما يسوى حديث عباد بن كثير عندي كفا من تراب. وهؤلاء الذين سماهم الترمذي في روايته مشهورون بالضعف، وقد سبق ذكرهم مفرقا في الكتاب، وفي مواضع متعددة.

وإبراهيم بن محمد الأسلمي: هو ابن أبي يحيى المدني. وعثمان البري - هو بصري، ضعيف، معتزلي، أحاديثه مناكير. قال أحمد: حديثه منكر، وكان رأيه رأي سوء. وأبو شيبة الواسطي: هو إبراهيم بن عثمان، جد بني شيبة. وعمرو بن ثابت: هو ابن أبي المقدام الكوفي. وأيوب بن سويد: هو الرملي.

وأما الحكم: فالظاهر أنه ابن عبد الله بن سعد الأيلى. وقد حكى البخاري وابن حبان وغيرهما عن ابن المبارك أنه كان يحمل عليه. وحكى ابن أبي حاتم عن أبيه: أن ابن المبارك كان تركه. وكذا ذكر ابن عدي في ترجمة الحكم الأيلي (عن الحسين بن يوسف، (ثنا) أبو عيسى، (ثنا) أحمد بن عبده (ثنا) وهب بن زمعة، عن عبد الله بن المبارك) أنه ترك حديث الحكم. وأما حبيب بن حجر (فهو حبيب بن حجر) بالتشديد، تصغير حبيب، كذا قاله يزيد بن هارون، وموسى بن إسماعيل، ورويا عنه. وكناه يزيد أبا حجر. وكناه موسى أبا يحيى وهو قيسي بصري. وقال ابن المبارك: هو حبيب أو حبيب، شك في ضبطه. وهو يروي عن ثابت البناني والأزرق بن قيس. وقد ذكرنا له حديثا في كتاب الأدب في باب السلام على الصبيان. وروى عنه أيضا وكيع، ويونس، وروح وابن المبارك وكناه روح أبا حجر أيضا، وذكره ابن حبان في ثقاته. وقال يحيى بن معين: ليس به بأس. وقد ذكر ابن عدي أن ابن المبارك إنما ترك حبيب بن حبيب أخا حمزة

الزيات، فإنه ذكره في كتابه ثم قال: (ثنا) حسين بن يوسف البندار، (ثنا) أبو عيسى الترمذي، (ثنا) أحمد بن عبده الآملي، (ثنا) وهب بن زمعة عن ابن المبارك أنه ترك حبيب بن حبيب. وذكر عن ابن معين أنه قال: لا أعرفه، وعن عثمان بن أبي شيبة أنه روى عنه. وقال: كان ثقة. وقد وثقه ابن معين في رواية أخرى عنه، ويعقوب بن شيبة، وقال: ليس ممن يعتمد على تثبته. وقال أبو زرعة: واهي الحديث. وقد تكلم ابن المبارك في غير هؤلاء. فذكر مسلم في مقدمة كتابه: عن إسحاق بن راهويه، قال: سمعت بعض أصحاب عبد الله، قال: قال ابن المبارك نعم الرجل بقية، لولا أنه يسمي الكنى ويكني الأسامي. قال كان دهرا يحدثنا عن أبي سعيد الوحاظي، فنظرنا فإذا هو عبد القدوس. قال مسلم: و (ثنا) أحمد بن يوسف الأزدي، سمعت عبد الرزاق يقول: ما رأيت ابن المبارك يفصح بقوله: كذاب، إلا لعبد القدوس فإني سمعته يقول له كذاب. قال: حدثني محمد بن عبد الله بن قهزاذ، قال: سمعت أبا إسحاق الطالقاني يقول: سمعت ابن المبارك يقول: لو خيرت يبن أن أدخل الجنة وبين أن ألقى عبد الله بن محرر لاخترت أن ألقاه، ثم أدخل الجنة، فلما رأيته كانت بعرة أحب إلي منه.

قال: وسمعت الحسن بن عيسى يقول: قال لي ابن المبارك: إذا قدمت على جرير فاكتب علمه كله إلا حديث ثلاثة: لا تكتب حديث عبيدة بن معتب، والسري بن إسماعيل، ومحمد بن سالم. قال: وحدثني محمد بن عبد الله قهزاذ، أخبرني علي بن حسين بن واقد، قال: قال عبد الله بن المبارك، قلت لسفيان الثوري: إن عباد بن كثير من تعرف حاله، فإذا حدث جاء بأمر عظيم، فترى أن أقول للناس: لا تأخذوا عنه؟ قال سفيان: بلى. قال عبد الله:فكنت إذا كنت في مجلس ذكر عباد أثنيت عليه في دينه، وأقول: لا تأخذوا عنه. قال الترمذي - C -: أخبرني موسى بن حزام (ثنا) يزيد بن هارون، قال لا يحل لأحد أن يروي عن سليمان بن عمر النخعي الكوفي. سليمان هذا هو أبو داود النخعي، وهو مشهور بالكذب، ووضع الحديث. وقال أحمد: وكان كاذبا. سئل شريك عنه، فقال ذاك كذاب النخع.

وقال ابن معين: كان أكذب الناس. وقال قتيبة: وهو معروف بالكذب. ونسبه إلى (الوضع) أحمد وإسحاق ويحيى وغيرهم. قال ابن عدي: أجمعوا على (أنه يضع) الحديث. قال الترمذي: (ثنا) محمود بن غيلان، (ثنا) أبو يحيى الحماني سمعت أبا حنيفة يقول: ما رأيت أحدا أكذب من جابر، الجعفي، ولا أفضل من عطاء بن أبي رباح. قال أبو عيسى: وسمعت الجارود يقول: سمعت وكيعا يقول: لولا جابر الجعفي لكان أهل الكوفة بغير حديث، ولولا حماد لكان أه الكوفة بغير فقه. هذا يوجد في بعض النسخ، ولا يوجد في بعض. وجابر الجعفي قد سبق ذكره مستوفى في أبواب الأذان. وما ذكره وكيع غلو غير مقبول، فأين أبو إسحاق والأعمش ومنصور وغيرهم من أهل الثقة والصدق والأمانة؟ وأين إبراهيم وغيره من أهل الفقه والعلم؟ وإسقاط هذا الكتاب أولى مع أن الترمذي قد ذكره في غير هذا الموضع في كتابه أيضا.

قال أبو عيسى - C -: سمعت أحمد بن الحسن يقول: كنا عند أحمد بن حنبل فذكروا من تجب عليه الجمعة، فذكر فيه بعض أهل العلم من التابعين وغيرهم فقلت: فيه عن النبي A حديث؟ فقال: عن النبي A؟ قلت: نعم، حدثنا حجاج بن نصير، (أنا) المعارك بن عباد، عن عبد الله بن سعيد المقبري، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله A: "الجمعة على من آواه الليل إلى أهله". قال: فغضب أحمد، وقال: استغفر ربك، استغفر ربك مرتين. قال أبو عيسى: وإنما فعل أحمد هذا لأنه لم يصدق هذا عن النبي A لضعف إسناده، ولأنه لا يعرفه عن النبي A والحجاج بن نصير يضعف في الحديث، (وعبد الله بن) سعيد المقبري ضعفه يحيى بن سعيد القطان جدا في الحديث، فكل من روى عنه حديث، ممن يتهم أو يضعف لغفلته أو لكثرة خطئه، ولا يعرف ذلك الحديث إلا من حديثه فلا يحتج به. هذه الحكاية عن أحمد بن الحسين عن أحمد بن حنبل قد ذكرها الترمذي أيضا في كتاب الجمعة. وسبق ذكر هذا الحديث هناك وبيان ضعفه،

جواز الرواية عن الضعفاء في الرقائق وضابط ذلك

وفيه ثلاثة من الضعفاء: حجاج بن نصير الفساطيطي، ومعارك بن عباد، وعبد الله بن سعيد المقبري، وهو أبو عباد، وقد سبق ذكره وذكر حجاج أيضا ومعارك في الكتاب في غير موضع. وكان الثوري - يروي عن أبي عباد هذا ويقول: استبان لي كذبه في مجلس، وكان يحيى بن وعبد الرحمن لا يحدثان عنه. وقال يحيى بن معين: لا يكتب حديثه، وقال البخاري: تركوه. "جواز الرواية عن الضعفاء في الرقائق وضابط ذلك" وأما ما ذكره الترمذي أن الحديث إذا انفرد به من هو متهم بالكذب، أو من هو ضعيف في الحديث، لغفلته، وكثرة خطئه، ولم يعرف ذلك الحديث إلا من حديثه، فإنه لا يحتج به، فمراده: أنه لا يحتج به في الأحكام الشرعية والأمور العملية وإن كان قد يروى حديث بعض هؤلاء في الرقائق والترغيب والترهيب. فقد رخص كثير من الأئمة في رواية الأحاديث الرقاق ونحوها (عن الضعفاء) منهم: ابن مهدي وأحمد بن حنبل.

وقال رواد بن الجرح: سمعت سفيان الثوري يقول: لا تأخذوا هذا العلم في الحلال والحرام إلا من الرؤساء المشهورين بالعلم، الذين يعرفون الزيادة والنقصان، ولا بأس بما سوى ذلك من المشايخ. وقال ابن أبي حاتم: (ثنا) أبي، (ثنا) عبدة، قال: قيل لابن المبارك، وروى عن رجل حديثا، فقيل: هذا رجل ضعيف.. فقال: يحتمل أن يروى عنه هذا القدر، أو مثل هذه الأشياء. قلت لعبدة: مثل أي شيء) كان؟. قال: في أدب، في موعظة، في زهد. وقال ابن معين في موسى بن عبيدة: يكتب من حديثه الرقاق. وقال ابن عيينة: لا تسمعوا من بقية ما كان في سنة، واسمعوا منه ما كان في ثواب وغيره. وقال أحمد في ابن إسحاق: يكتب عنه المغازي وشبهها. وقال ابن معين في زياد البكائي: لا بأس به في المغازي، وأما في غيرها فلا. وإنما يروى في الترهيب والترغيب والزهد والآداب أحاديث أهل الغفلة الذين لا يتهمون بالكذب. فأما أهل التهمة فيطرح حديثهم، كذا (قال) ابن (أبي) حاتم وغيره. وظاهر ما ذكره مسلم في مقدمة كتابه يقتضي أنه لا تروى أحاديث الترغيب والترهيب إلا عمن تروى عنه الأحكام. قال الترمذي - C -: وقد روى غير واحد من الأئمة عن الضعفاء، وبينوا أحوالهم للناس: حدثنا إبراهيم بن عبد الله بن المنذر الباهلي، حدثنا يعلى بن عبيد، قال: قال لنا سفيان (الثوري) : اتقوا الكلبي، قال: فقيل له: فإنك تروي عنه. قال: أنا أعرف صدقه من كذبه. وأخبرني محمد بن إسماعيل: حدثني يحيى بن معين، ثنا عفان، عن أبي عوانة، قال: لما مات الحسن (البصري) - C - اشتهيت كلامه، فتتبعته عن أصحاب الحسن، فأتيت به أبان بن أبي عياش، فقرأه علي كله عن الحسن، فما استحل أن أروي عنه شيئا. قال أبو عيسى: وقد روى (عن) أبان بن أبي عياش غير واحد من الأئمة، وإن كان فيه من الضعف والغفلة ما وصفه (به) أبو عوانة وغيره فلا تغتروا برواية الثقات عن الناس، لأنه يروى عن ابن سيرين أنه قال: إن الرجل ليحدثني فما أتهمه، ولكن أتهم من فوقه. وقد روى غير واحد عن إبراهيم النخعي أن عبد الله بن مسعود كان يقنت في وتره قبل الركوع. وروى أبان بن أبي عياش، عن إبراهيم النخعي، عن علقمة عن عبد الله بن مسعود: أن النبي A كان يقنت في وتره قبل الركوع هكذا روى سفيان الثوري، عن أبان بن أبي عياش. وروى بعضهم عن أبان بن أبي عياش، بهذا الإسناد، نحو هذا، وزاد فيه، قال عبد الله بن مسعود: وأخبرتني أمي أنها باتت عند النبي A فرأت النبي A يقنت في وتره قبل الركوع. قال أبو عيسى: وأبان بن أبي عياش، وإن كان قد وصف بالعبادة والاجتهاد، فهذه حاله في الحديث. والقوم كانوا أصحاب حفظ، فرب رجل، وإن كان صالحا لا يقيم الشهادة ولا يحفظها.

فكل من كان متهما في الحديث بالكذب، أو كان مغفلا يخطئ الكثيرن فالذي اختاره أكثر أهل الحديث من الأئمة أن (لا يشتغل) بالرواية عنه. ألا ترى أن عبد الله بن المبارك حدث عن قوم من أهل العلم، فلما تبين له أمرهم ترك الرواية عنهم؟ أخبرني موسى بن حزام، سمعت صالح بن عبد الله يقول: كنا عند أبي مقاتل السمرقندي، فجعل يروي عن عون بن أبي شداد الأحاديث الطوال التي (كانت تروى) في وصية لقمان، وقتل سعيد بن جبير، وما أشبه هذه الأحاديث. فقال ابن أخ لأبي مقاتل: يا عم، لا تقل: حدثنا، فإنك لم تسع هذه الأشياء. قال: يا بني، هو كلام حسن. وسمعت الجارود يقول: كنا عند أبي معاوية، فذكر له حديث أبي مقاتل، عن سفيان الثوري، عن الأعمش، عن أبي ظبيان، قال:

المسألة الأولى: رواية الثقة عن رجل هل ترفع جهالته ومتى ترتفع الجهالة؟

سئل علي كور الزنابير، قال: لا بأس به، هو بمنزلة صيد البحر. قال أبو معاوية: ما أقول أن صاحبكم كذاب، ولكن هذا الحديث كذب. "المسألة الأولى: "رواية الثقة عن رجل هل ترفع جهالته ومتى ترتفع الجهالة"؟ ما ذكره الترمذي - C - يتضمن مسائل من علم الحديث. أحدها - أن رواية الثقة عن رجل لا تدل على توثيقه، فإن كثيرا من الثقات رووا عن الضعفاء، كسفيان الثوري وشعبة وغيرهما. وكان شعبة يقول: لو لم أحدثكم إلا عن الثقات لم أحدثكم إلا عن نفر يسير. قال يحيى القطان: إن لم أرو إلا عمن أرضى ما رويت عن خمسة، أو نحو ذلك. وقد اختلف الفقهاء وأهل الحديث في رواية الثقة عن رجل غير معروف: هل هو تعديل له، أم لا؟ وحكى أصحابها عن أحمد في ذلك روايتين. وحكوا عن الحنيفة أنه تعديل. وعن الشافعية خلاف ذلك. والمنصوص عن أحمد يدل على أنه من عرف منه أنه لا يروي إلا عن ثقة،

فروايته عن إنسان تعديل له. ومن لم يعرف منه ذلك فليس بتعديل، وصرح بذلك طائفة من المحققين من أصحاب الشافعي. قال أحمد - في رواية الأثرم - إذا روى الحديث (عبد الرحمن) بن مهدي (عن) رجل، فهو حجة، ثم قال: كان عبد الرحمن أولا يتساهل في الرواية عن غير واحد، ثم تشدد بعد، وكان يروى عن جابر، ثم تركه. (وقال) في رواية أبي زرعة: مالك بن أنس إذا روى عن رجل لا يعرف فهو حجة. وقال (في) رواية ابن هانئ: ما روى مالك عن أحد إلا وهو ثقة. كل من روى عنه مالك فهو ثقة. وقال الميموني: سمعت أحمد - غير مرة - يقول: كان مالك من أثبت الناس. ولا تبال أن لا تسأل عن رجل روى عنه مالك، ولا سيما مدني. قال الميموني: وقال لي يحيى بن معين: لا تريد أن تسأل عن رجال مالك كل من حدث عنه ثقة إلا رجلا أو رجلين. وقال يعقوب بن شيبة: قلت ليحيى بن معين: متى يكون الرجل معروفا؟ إذا روى عنه كم؟ قال: إذا روى عن الرجل مثل ابن سيرين والشعبي، وهؤلاء أهل العلم، فهو غير مجهول. قلت: فإذا روى عن الرجل (مثل سماك) بن حرب، وأبي إسحاق؟

قال: هؤلاء يروون عن مجهولين، انتهى. وهذا تفصيل حسن. وهو يخالف إطلاق محمد بن يحيى الذهلي، الذي تبعه عليه المتأخرون، أنه لا يخرج الرجل من الجهالة إلا برواية رجلين فصاعدا عنه. وابن المديني يشترط أكثر من ذلك: فإنه يقول فيمن يروي عنه يحيى بن أبي كثير وزيد بن أسلم معا، إنه مجهول. ويقول فيمن يروي عنه شعبة وحده، إنه مجهول. وقال فيمن يروي عنه ابن المبارك ووكيع وعاصم، هو معروف. وقال فيمن يروي عنه عبد الحميد بن جعفر وابن لهيعة، ليس بالمشهور. وقال فيمن عنه ابن وهب وابن المبارك، معروف. وقال فيمن يروي عنه المقبري - وزيد بن أسلم، معروف. وقال في يسيع الحضرمي (معروف) وقال مرة أخرى مجهول،

من روى عنه واحد ولكنه معروف

روى عنه ذر وحده. وقال فيمن روى (عنه) مالك وابن عيينة معروف. وقد قسم المجهولين من شيوخ أبي إسحاق إلى طبقات متعددة. والظاهر أنه ينظر إلى اشتهار الرجل بين العلماء وكثرة حديثه، ونحو ذلك، لا ينظر إلى مجرد رواية الجماعة عنه. وقال في داود بن عامر بن سعد بن أبي وقاص: ليس بالمشهور، مع أنه روى عنه جماعة. وكذا قال أبو حاتم الرازي في إسحاق بن أسيد الخراساني: ليس بالمشهور، مع أنه روى عنه جماعة من المصريين لكنه لم يشتهر حديثه بين العلماء. وكذا قال أحمد في حصين بن عبد الرحمن الحارثي، ليس يعرف، ما روي عنه غير حجاج بن أرطأة وإسماعيل بن أبي خالد روى عنه حديثا واحدا. وقال في عبد الرحمن بن وعلة، إنه مجهول، مع أنه روى عنه جماعة، لكن مراده أنه لم يشتهر حديثه ولم ينتشر بين العلماء. "من روى عنه واحد ولكنه معروف" وقد صحح حديث بعض من روى عنه واحد ولم يجعله مجهولا. قال في خالد بن (شمير) : (لا يعلم) روى عنه أحد سوى الأسود بن شيبان، ولكنه حسن الحديث. وقال مرة أخرى: حديثه عندي صحيح. وظاهر هذا أنه لا عبرة بتعدد الرواة، وإنما العبرة بالشهرة ورواية الحفاظ الثقات. "رأى ابن عبد البر فيما يرفع الجهالة" وذكر ابن عبد البر في استذكاره أن من روي عنه ثلاثة فليس بمجهول. قال: وقيل: اثنان. وقد سئل مالك عن رجل، فقال: لو كان ثقة لرأيته في كتبي، ذكره مسلم في مقدمة كتابه من طريق بشر بن عمر عن مالك. وقال ابن أبي خيثمة: سمعت يحيى بن معين، يقول: سمعت ابن عيينة يقول: إنا كنا نتبع آثار مالك بن أنس، وننظر إلى الشيخ إن كان مالك ابن أنس كتب عنه وإلا تركناه. قال القاضي إسماعيل:

إنما يعتبر بمالك في أهل بلده (فأما الغرباء) فليس يحتج به فيهم، وبنحو هذا اعتذر غير واحد (عن مالك) في روايته عن عبد الكريم أبي أمية وغيره من الغرباء. قال ابن أبي حاتم: سألت أبي عن رواية الثقات عن رجل غير ثقة، مما يقويه؟. قال: إذا كان معروفا (بالضعف) ، لم تقوه، روايته عنه، وإن كان مجهولا نفعه رواية الثقة عنه. قال: وسمعت أبي يقول: إذا رأيت شعبة يحدث عن رجل فاعلم أنه ثقة. إلا نفرا بأعيانهم. وسألت أبا زرعة عن رواية الثقات عن الرجل، مما يقوي حديثه؟ قال: إي لعمري. قلت: الكلبي روى عنه الثوري. قال: إنما ذلك إذا لم يتكلم فيه العلماء، وكان الكلبي يتكلم فيه. قلت: فما معنى رواية الثوري عنه، وهو غير ثقة عنده؟ قال: كان الثوري يذكر الرواية عن الرجل على الإنكار والتعجب، فيعلقون عنه روايته عنه. ولم تكن روايته عن الكلبي قبوله له. وذكر العقيلي بإسناده له عن الثوري، قال: إني لأروي الحديث على ثلاثة أوجه: أسمع الحديث من الرجل وأتخذه دينا، وأسمع الحديث من الرجل أوقف حديثه، وأسمع الحديث من الرجل لا أعبأ بحديثه وأحب معرفته.

المسألة الثانية: الرواية عن الضعفاء أهل التهمة بالكذب (والغلط) والغفلة وكثرة الخطأ

المسألة الثانية: الرواية عن الضعفاء أهل التهمة بالكذب (والغلط) والغفلة وكثرة الخطأ وقد ذكر الترمذي للعلماء في ذلك قولين: أحدهما: جواز الرواية عنهم. حكاه عن سفيان الثوري، لكن كلامه في روايته عن الكلبي يدل على أنه لم يكن يحدث عنه إلا بما يعرف أنه صدق. والثاني: الامتناع عن ذلك. ذكره عن أبي عوانة وابن المبارك. وحكاه الترمذي عن أكثر أهل الحديث من الأئمة. وقد ذكر الحاكم المذهب الأول عن مالك والشافعي وأبي حنيفة، واعتمد في حكايته عن مالك على روايته عن عبد الكريم، أبي أمية، ولكن قد ذكرنا عذره في روايته عنه، وفي حكايته عن الشافعي على روايته عن إبراهيم بن أبي يحيى، وأبي داود سليمان بن عمروا النخعي، وغيرهما من المجروحين، وفي حكايته عن أبي حنيفة على روايته عن جابر الجعفي، وأبي العطوف الجزري. قال: وحدث أبو يوسف ومحمد بن الحسن، عن الحسن بن عمارة،

التفريق بين الكتابة عن الضعفاء والرواية عنهم

وعبد الله بن محرر، وغيرهما من المجروحين. قال: وكذلك من بعدهم من أئمة المسلمين، قرنا بعد قرن، وعصرا بعد عصر إلى عصرنا هذا لم يخل حديث إمام من أئمة الفريقين (عن) مطعون فيه من المحدثين، وللأئمة في ذلك غرض ظاهر وهو أن يعرفوا الحديث من أين مخرجه والمنفرد به عدل أو مجروح. ثم روى بإسناده، عن الأثرم، قال: رأى أحمد بن حنبل يحيى بن معين بصنعاء يكتب صحيفة معمر، عن أبان، عن أنس، فإذا اطلع عليه إنسان كتمه، فقال له أحمد: تكتب صحيفة معمر عن أبان، وتعلم أنها موضوعة، فلو قال لك قائل: أنت تتكلم في أبان ثم تكتب حديثه على الوجه!! فقال: رحمك الله يا أبا عبد الله، أكتب هذه الصحيفة عن عبد الرزاق، عن معمر على الوجه، فأحفظها كلها، وأعلم أنها موضوعة، حتى لا يجيء بعد إنسان فيجعل بدل أبان ثابتا، ويرويها عن معمر، عن ثابت، عن أنس، فأقول له: كذبت. إنما هي عن معمر عن أبان، لا عن ثابت. وذكر أيضا من طريق أحمد بن علي الأبار، قال: قال يحيى بن معين: كتبنا عن الكذابين، وسجرنا به التنور وأخرجنا به خبزا نضيجا. وخرج العقيلي من طريق أبي غسان، قال: جاءني علي بن المديني يكتب عني، عن عبد السلام بن حرب أحاديث إسحاق بن أبي فروة، فقلت له: أي شيء تصنع بها؟ "التفريق بين الكتابة عن الضعفاء والرواية عنهم" قلت: فرق بين كتابة حديث الضعيف وبين روايته فإن الأئمة كتبوا أحاديث الضعفاء لمعرفتها ولم يرووها، كما قال يحيى: سجرنا بها التنور. وكذلك أحمد حرق حديث (خلق ممن) كتب حديثهم، ولم يحدث به، وأسقط من المسند (حديث) خلق من المتروكين لم يخرجه فيه، مثل فائد أبي

(الورقاء) ، وكثير بن عبد الله المزني، وأبان بن أبي عياش وغيرهم، وكان يحدث عمن دونهم في الضعف. قال - في رواية إسحاق بن إبراهيم بن هانئ - قد يحتاج الرجل يحدث عن الضعيف مثل عمرو بن مرزوق، وعمرو بن حكام، ومحمد بن معاوية، وعلي بن الجعد، وإسحاق بن إسرائيل ولا يعجبني أن يحدث عن بعضهم. وقال - في روايته أيضا - وقد سأله: ترى أن نكتب الحديث المنكر؟ قال: المنكر أبدا منكر. قيل له: فالضعفاء؟ قال: قد يحتاج إليهم في وقت. كأنه لم ير بالكتابة عنهم بأسا. وقال - في رواية ابن القاسم -: ابن لهيعة ما كان حديثه بذاك، وما أكتب حديثه إلا للاعتبار والاستدلال، إنما قد أكتب حديث الرجل، كأني أستدل به، مع حديث غيره يشده، لا أنه حجة إذا انفرد. وقال - في رواية المروذي -: كنت لا أكتب حديث جابر الجعفي، ثم كتبته، أعتبر به.

وقال في رواية مهنا وسأله: (لم) تكتب حديث أبي بكر بن أبي مريم، وهو ضعيف؟.. قال: أعرفه. وقال محمد بن رافع النيسابوري: رأيت أحمد بين يدي يزيد بن هارون وفي يده كتاب لزهير، عن جابر الجعفي، وهو يكتبه. قلت: يا أبا عبد الله، تنهوننا عن جابر وتكتبون (عنه) ؟. قال: نعرفه. وكذا قال أحمد في حديث عبيد الله الوصافي: (إنما) أكتبه للمعرفة. (والذي) يتبين من عمل الإمام أحمد وكلامه أنه يترك الرواية عن المتهمين والذين (كثر خطؤهم) للغفلة وسوء الحفظ، ويحدث عمن دونهم في الضعف مثل في (في) حفظه شيء. ويختلف الناس في تضعيفه وتوثيقه.

المسألة الثالثة

وكذلك كان أبو زرعة الرازي يفعل. وأما الذين كتبوا حديث الكذابين، من أهل المعرفة والحفظ، فإنما كتبوه لمعرفته، وهذا كما (ذكروا أحاديثهم) في كتب الجرح والتعديل، ويقول بعضهم في كثير من أحاديثهم: لا يجوز ذكرها إلا ليبين أمرها أو معنى ذلك. وقد سبق عن ابن أبي حاتم: أنه يجوز رواية حديث من كثرت غفلته في غير الأحكام، وأما رواية أهل التهمة بالكذب فلا تجوز إلا مع بيان حاله وهذا هو الصحيح - والله أعلم -. المسألة الثالثة ذكر الترمذي أنه رب رجل صالح مجتهد في العبادة، ولا يقيم الشهادة ولا يحفظها وكذلك الحديث، لسوء حفظه، وكثره (غفلته) ، وقد سبق قول ابن المبارك في عباد بن كثير وعبد الله بن محرر. وروى مسلم في مقدمة كتاب من طريق محمد بن يحيى بن سعيد القطان عن أبيه قال: (لن ترى) الصالحين في شيء أكذب منهم في الحديث. وفي رواية: لم تر أهل الخير في شيء أكذب منهم في الحديث. قال مسلم: يقول: يجري الكذب على (ألسنتهم) ، (ولا يتعمدون) الكذب. وروى أيضا بإسناده له عن أيوب، قال:

إن لي جارا، ثم ذكر من فضله، ولو شهد على تمرتين ما رأيت شهادته جائزة. وروى ابن عدي بإسناده، عن أبي عاصم النبيل، قال: ما رأيت الصالح يكذب في شيء أكثر من الحديث. وروى ابن أبي حاتم بإسناده عن أبي أسامة، قال: إن الرجل يكون صالحا، ويكون كذابا، يعني: يحدث بما لا يحفظ. وقال الجوزجاني: سمعت أبا قدامة، يقول: سمعت يحيى بن سعيد يقول: رب رجل صالح لو لم يحدث كان خيرا له، إنما هو أمانة، تأدية الأمانة في الذهب والفضة أيسر منه في الحديث. وروى عمرو الناقد: سمعت وكيعا، يقول، وذكر له حديث يرويه وهب بن إسماعيل، فقال: ذاك رجل صالح، وللحديث رجال. وروى أبو نعيم بإسناده عن ابن مهدي قال: فتنة الحديث أشد من فتنة المال وفتنة الولد، لا تشبه فتنته فتنة. كم من رجل يظن به الخير، قد حمله فتنة الحديث على الكذب. يشير إلى أن من حدث من الصالحين من غير إتقان وحفظ فإنما حمله على ذلك حب الحديث، والتشبه بالحفاظ، فوقع في الكذب على النبي A وهو لا يعلم، ولو تورع واتقى الله لكف عن ذلك فسلم.

قال (أبو قلابة) ، عن علي بن المديني، سئل يحيى بن سعيد عن مالك بن دينار ومحمد بن واسع، وحسان بن أبي سنان، فقال: ما رأيت الصالحين أكذب منهم في الحديث، لأنهم يكتبون عن كل من يلقون لا تمييز لهم فيه. ويروي عن أبي عبد الله بن مندة، قال: إذا رأيت في حديث (ثنا) فلان الزاهد فاغسل يدك منه. (قال ابن عدي) : الصالحون قد وسموا بهذا الاسم أن يرووا أحاديث في فضائل الأعمال، موضوعة بواطيل ويتهم جماعة منهم بوضعها. وهؤلاء المشتغلون بالتعبد الذين يترك حديثهم على قسمين: منهم من شغلته العبادة عن الحفظ، فكثر الوهم في حديثه، فرفع الموقوف، ووصل المرسل، (وهؤلاء) مثل أبان بن أبي عياش ويزيد الرقاشي.

أبان بن أبي عياش

وقد كان شعبة يقول في كل واحد منهما: لأن أزني أحب إلي من أن احدث عنه. ومثل جعفر بن الزبير، ورشدين بن سعد، وعباد بن كثير، وعبد الله بن محرر والحسن بن أبي جعفر الجفري، وغيرهم: ومنهم من كان يتعمد الوضع، كما ذكر عن أحمد بن محمد بن غالب، غلام خليل، وعن زكريا بن يحيى الوقار المصري. "أبان بن أبي عياش" وقد ذكر الترمذي من أهل العبادة المتروكين رجلين: أحدهما: أبان بن أبي عياش، وذكر حكاية أبي عوانة عنه أنه جمع حديث الحسن، ثم أتى به إليه فقرأه كله عليه، يعني أنه رواه له كله عن الحسن ولم يتوقف في ذلك. وقال أحمد: قال لي عفان: أول من أهلك أبان بن أبي عياش أبو عوانة، جمع حديث الحسن عامته، فجاء به إلى أبان فقرأه عليه. وقال مسلم - في أول كتابه - (ثنا) الحسن الحلواني، قال: سمعت عفان، قال: سمعت أبا عوانة يقول (لي) : ما بلغني عن الحسن حديث

إلا أتيت به أبن بن أبي عياش فقرأه علي. ثنا سويد بن سعيد، حدثنا علي بن مسهر، قال: سمعت أنا وحمزة الزيات من أبان بن أبي عياش نحوا من ألف حديث. قال علي: فلقيت حمزة فأخبرني أنه رأى النبي A في المنام، فعرض عليه ما سمع (من أبان) فما عرف منها إلا شيئا يسيرا خمسة أو ستة. وذكر العقيلي هذه الحكاية، ثم قال: وقال لنا أحمد بن علي الأبار، وكان شيخا صالحا: وأنا رأيت رسول الله A في المنام فقلت: يا رسول الله، أترضى أبان بن أبي عياش؟ قال: لا. وذكر الترمذي حديث القنوت في الوتر، فإنه رفعه، والناس يقفونه على ابن مسعود. وربما وقف على إبراهيم، وقد سبق ذكره في أبواب الوتر من كتاب الصلاة وكان أبان لسوء حفظه يفعل ذلك كثيرا، يرفع الموقوف، ويصل المرسل، قال أبو زرعة لم يكن يتعمد الكذب، كان يسمع الحديث من أنس ومن شهر بن حوشب ومن الحسن، فلا يميز بينهم. قال ابن عدي: قد حدث عنه الثوري، ومعمر، وابن جريج، وإسرائيل وحماد بن سلمة، وغيرهم، وأرجو أنه ممن لا يتعمد الكذب، إلا أنه ممن يشتبه عليه ويغلط وعامة ما أتى من جهة الرواة عنه. لا من جهته، لأنه قد روى عنه قوم مجهولون وهو إلى الضعف أقرب منه إلى الصدق، كما قال شعبة.

أبو مقاتل السمرقندي

وذكر أن شعبة حدث عنه بحديث قنوت الوتر، فقيل له: تقول فيه ما قلت، ثم تحدث عنه؟ قال: إني لم أجد هذا الحديث إلا عنده. ذكرها من وجه منقطع، والمعروف أن شعبة قيل له: لم سمعت منه هذا الحديث؟ قال: ومن يصبر على هذا؟ أخرجه العقيلي وغيره. "أبو مقاتل السمرقندي" الرجل الآخر: أبو مقاتل السمرقندي، واسمه حفص بن سلم الفزاري، وهو من العباد، يروى عن الكوفيين، كأبي حنيفة، ومسعر، والثوري، عن البصريين كأيوبن والتيمي، وعن الحجازيين كهشام بن عروة، وعبيد الله بن عمر، وسهيل. قال أبو يعلى الخليلي في كتاب الإرشاد: هو مشهور بالصدق والعلم، غير مخرج في الصحيح، وكان ممن يفتى في أيامه. وله في الفقه والعلم محل، يعتني بجمع حديثه. وذكره الحاكم في تاريخ نيسابور، وقال: يروي المناكير. وسئل عنه إبراهيم بن طهمان، فقال: خذوا عنه عبادته، وحسبكم: وقد أفحش قتيبة بن سعيد وغيره القول فيه. مات سنة ثمان ومائتين. وذكره ابن حبان في كتاب "الضعفاء" وقال: كان صاحب تقشف وعبادة ولكنه كان يأتي بالأشياء المنكرة، التي يعلم من كتب الحديث أنه ليس لها أصل يرجع إليها.

سئل ابن المبارك (عنه) فقال: خذوا عن أبي مقاتل عبادته وحسبكم. وكان قتيبة بن سعيد يحمل علي شديدا ويضعفه بمرة. وقال: كان لا يدري ما يحدث به (وكان) عبد الرحمن بن مهدي يكذبه. قال نصر بن حاجب المروزي: ذكرت أبا مقاتل لعبد الرحمن بن مهدي، فقال: والله لا تحل الرواية عنه. فقلت له: عيسى أن يكون كتب له في كتابه، وجهل ذلك. فقال: يكتب في كتابه الحديث؟ فكيف بما ذكرت عنه أنه قال: ماتت أمي بمكة فأردت الخروج منها فتكاريت فلقيت عبيد الله بن عمر، فأخبرته بذلك. فقال: حدثني نافع عن ابن عمر، قال: قال رسول الله A "من زار قبر أمه كان (كعمرة) " قال: فقطعت الكرى، وأقمت. فكيف يكتب هذا في كتابه؟. وكذلك وكيع بن الجراح كان يكذبه، وليس لهذا الحديث أصل يرجع إليه - انتهى ما ذكره ابن حبان. وذكره ابن عدي في كتابه، وذكر بإسناده عن قتيبة (بن سعيد) أنه سئل عن حديث كور الزنابير، فقال: (ثنا) أبو مقاتل السمرقندي، عن سفيان، عن الأعمش، عن أبي ظبيان، سئل (علي) عن كور الزنابير، فقال: هم من هذا ابحر، لا بأس به.

قال: فقلت: يا أبا مقاتل، هو موضوع. قال: هو في كتابي، تقول: هو موضوع قال: فقلت: نعم، وضعوه في كتابك. وذكر بإسناده عن الجوزجاني قال: أبو مقاتل السمرقني كان فيما حدثت ينشئ للكلام الحسن إسنادا، ثم خرج (له) ابن عدي أحاديث منكرة، ثم قال: أبو مقاتلك هذا له أحاديث كثيرة، ويقع في أحاديثه مثل ما ذكرته وأعظم منه، وليس هو ممن يعتمد على رواياته. وذكره الإدريسي في تاريخ سمرقند، وغير واحد من العلماء. ووقع لابن أبي حاتم في ذكره غير وهم، فإنه قال: حفص بن سليمان أبو مقاتل روى عن عون بن أبي شداد، روى عنه موسى بن إسماعيل الجبلي كذا قال.

أهل الصدق غير الحفاظ

وقوله ابن سليمان وهم، وإنما هو ابن سلم، ثم قال: حفص بن مسلم أبو مقاتل السمرقندي روى عن الثوري، وجويبر، وعمرو بن عبيد، روى عنه أبو تميلة وإبراهيم بن شماس، سمعت أبي يقول بعض ذلك. فقوله ابن مسلم وهم أيضا، ووهم حيث جعل الراوي عن عون بن أبي شداد غير هذا. وهما رجل واحد. "أهل الصدق غير الحفاظ" قال أبو عيسى: وقد تكلم بعض أهل الحديث في وقم من جلة أهل العلم، وضعفوهم من قبل حفظهم، ووثقهم آخرون لجلالتهم وصدقهم، وإن كانوا قد وهموا في بعض ما رووا. وقد تكلم يحيى بن سعيد القطان في محمد بن عمرو، ثم روى عنه: حدثنا أبو بكر عبد القدوس بن محمد العطار البصري، (ثنا) علي بن المديني. قال: سألت يحيى بن سعيد عن محمد بن عمرو بن علقمة، فقال: تريد العفو، أو تشدد؟. فقلت: لا، بل أشدد. فقال: ليس هو ممن تريد: كان يقول: أشياخنا أبو سلمة ويحيى بن عبد الرحمن بن حاطب. (قال يحيى) .

أقسام الرواة

وسألت مالك بن أنس عن محمد بن عمرو فقال فيه نحو ما قلت. قال علي: قال يحيى: ومحمد بن عمرو أعلى من سهيل بن أبي صالح، وهو عندي فوق عبد الرحمن بن حرملة. قال علي: فقلت ليحيى: ما رأيت من عبد الرحمن بن حرملة؟ قال: لو شئت أن ألقنه لفعلت. قلت: كان يلقن؟. قال: نعم. قال علي: ولم يرو يحيى عن شريك، ولا عن أبي بكر بن عياش ولا عن الربيع بن صبيح، ولا عن المبارك بن فضالة. قال أبو عيسى: وإن كان يحيى بن سعيد القطان قد ترك الرواية عن هؤلاء فلم يترك الرواية عنهم أنه اتهمهم بالكذب، ولكنه تركهم لحال (حفظهم) . وذكر عن يحيى بن سعيد أنه كان إذا رأى الرجل يحدث من حفظه، مرة هكذا ومرة هكذا، لا يثبت على رواية واحدة، تركه. وقد حدث عن هؤلاء الذين تركهم يحيى بن سعيد (القطان) عبد الله بن المبارك، ووكيع بن الجراح، وعبد الرحمن بن مهدي، وغيرهم من الأئمة. "أقسام الرواة" اعلم أن الرواة أقسام: فمنهم من يتهم بالكذب، ومنهم من غلب على حديثه المناكير، لغفلته وسوء حفظه، وقد سبق ذكر هذين القسمين، وحكم الرواية عنهما. وقسم ثالث: أهل صدق وحفظ، ويندر الخطأ والوهم في حديثهم، أو يقل وهؤلاء هم الثقات المتفق على الاحتجاج (بهم) .

رأي الجمهور جواز الرواية عن هؤلاء

وقسم رابع: هم أيضا أهل صدق وحفظ، ولكن يقع الوهم في حديثهم كثيرا. لكن ليس هو الغالب عليهم. وهذا هو القسم الذي ذكره الترمذي ههنا. وذكر عن يحيى بن سعيد أنه ترك حديث هذه الطبقة. "رأي الجمهور جواز الرواية عن هؤلاء" وعن ابن المبارك وابن مهدي، ووكيع، وغيرهم، أنهم حدثوا عنهم. وهو أيضا رأي سفيان وأكثر أهل الحديث، (المصنفين) منهم في السنن والصحاح كمسلم بن الحجاج، وغيره، فإنه ذكر في مقدمة كتابه، أنه لا يخرج حديث من متهم عند أهل الحديث، أو عند أكثرهم، ولا من الغالب على حديثه المنكر أو الغلط، وذكر قبل ذلك أنه يخرج حديث أهل الحفظ الإتقان: وأنهم على ضربين. أحدهما: من لم يوجد في حديثه اختلاف شديد، ولا تخليط فاحش. الثاني: من هو دونهم في الحفظ والإتقان ويشملهم اسم الصدق والستر وتعاطى العلم، كعطاء بن السائب، ويزيد بن أبي زياد، وليث بن أبي سليم. قيل إنه أدركته المنية قبل أن يخرج حديث هؤلاء وقيل: أنه خرج لهم في المتابعات، وذلك كان مراده.

من لا يحتج بحديث غير الحفاظ المتقنين

وعلى هذا المنوال نسج أبو داود والنسائي والترمذي، مع أنه خرج لبعض من هو دون هؤلاء، وبين ذلك لم يسكت عنه. "من لا يحتج بحديث غير الحفاظ المتقنين" وإلى طريقة يحيى بن سعيد يميل علي بن المديني (وصاحبته) . البخاري. وكان علي بن المديني فيما نقله عنه يعقوب بن شيبة لا يترك حديث رجل حتى يجتمع على تركه ابن مهدي، ويحيى القطان، فإن حدث عنه أحدهما (وتركه الآخر) حدث عنه. "رأي ابن مهدي يوافق رأي الجمهور" قال أحمد بن سنان: كان ابن مهدي لا يترك حديث رجل إلا رجلا متهما بالكذب، أو رجلا الغالب عليه الغلط. وقال أبو موسى، محمد بن المثنى: سمعت ابن مهدي يقول: الناس

ثلاثة: رجل حافظ متقن، فهذا لا يختلف فيه، وآخر يهم والغالب على حديثه الصحة، فهذا لا يترك حديثه، وآخر يهم والغالب في حديثه الوهم، لهذا يترك حديثه. وقال أبو بكر بن خلاد: سمعت ابن مهدي يقول: ثلاثة لا يؤخذ عنهم: المتهم بالكذب، وصاحب بدعة إلى بدعته، والرجل الغالب عليه الوهم والغلط. وقال إسحاق بن عيسى: سمعت ابن المبارك يقول: يكتب الحديث إلا عن أربعة: غلاط لا يرجع، وكذاب، وصاحب هوى يدعو إلى بدعته، ورجل لا يحفظ فيحدث من حفظه. وقال الوليد بن شجاع: سمعت الأشجعي يذكر عن سفيان الثوري. قال: ليس يكاد يفلت من الغلط أحد، إذا كان الغالب على الرجل الحفظ فهو حافظ وإن غلط، وإذا كان الغالب عليه الغلط ترك. وقال الحسين بن منصور، أبو علي السلمي النيسابوري: سئل أحمد

عمن يكتب حديثه، فقال: عن الناس كلهم إلا عن ثلاثة: صاحب هوى يدعو إليه، أو كذاب، أو رجل يغلط في الحديث، فيرد عليه، فلا يقبل. وقال الربيع بن سليمان: قال الشافعي: من كثر غلطه من المحدثين، ولم يكن له أصل كتاب صحيح لم يقبل حديثه، كما يكون من أكثر الغلط في الشهادة، لم تقبل شهادته. وكذا ذكر الحميدي، وهذا قد يكون موافقا لقول يحيى بن سعيد ومن تابعه. وروى نعيم بن حماد، حدثني ابن مهدي، قال: سئل شعبة: حديث من يترك؟. قال: من يكذب في الحديث، ومن يكثر الغلط، ومن يخطئ في حديث مجتمع عليه، فيقيم على غلطه ولا يرجع، ومن روى عن المعروفين ما لا يعرفه المعروفون. وذكر أبو حاتم الرازي: (ثنا) سليمان بن أحمد الدمشقي، قال: قلت لعبد الرحمن بن مهدي: اكتب عمن يغلط في عشرة؟ قال: نعم. قيل له: يغلط في عشرين؟ قال: نعم، قيل له: فثلاثين؟ قال: نعم. قيل له: فخمسين؟ قال: نعم. وقال حمزة السهمي: سألت الدارقطني عمن يكون كثير الخطأ. قال

أن نبهوه عليه ورجع عنه فلا يسقطن وإن لم يرجع سقط. خرج ذلك كله أبو بكر الخطيب في كتابه الكفاية. وقال ابن أبي حاتم: حدثني أبي، عن أحمد الدروقي، (ثنا) ابن مهدي، قال: قيل لشعبة: متى يترك حديث الرجل؟ قال: إذا حدث عن المعروفين بما لا يعرف المعروفين، وإذا أكثر الغلط، وإذا روى حديثا غلطا مجتمعا عليه، فلم يتهم نفسه فيتركه، طرح حديثه. وما كان غير ذلك فارووا عنه. قال: و (ثنا) أبي، (أنا) سليمان بن أحمد الدمشقي، قال: قلت لابن مهدي: اكتب عمن يغلط في مائة؟. قال: لا، مائة كثير، وهذه الرواية عن ابن مهدي توافق قول شعبة، ويحيى والشافعي: إن كثرة الغلط ترد به الرواية، وتخالف رواية ابن المثنى وأحمد بن سنان عنه أن الاعتبار في ذلك بالأغلب. وكلام الإمام أحمد يدل على مثل قول ابن المبارك ومن وافقه، فإنه حديث عن أبي سعيد مولى بني هاشم. وقد قال فيه: كان كثير الخطأ، ولم يترك حديثه. وحدث عن زيد بن الحباب وقال فيه: كان كثير الخطأ.

وقال أبو عثمان البرذعي: (ثنا) محمد بن يحيى النيسابوري، قال: قلت لأحمد بن حنبل في علي بن عاصم، وذكرت له خطأ، فقال لي أحمد: كان حماد بن سلمة يخطئ، وأومأ أحمد بن حنبل بيده، خطأ كثير. ولم ير بالرواية عنه بأسا. وقال إسحاق بن منصور: قلت لأحمد: متى يترك حديث الرجل؟ قال: إذا كان الغالب عليه الخطأ. وكلام الترمذي ههنا يحتمل مثل قول شعبة، ويحيى، ومن وفقهما، حيث ذكر أن من كان مغفلا يخطئ الكثير، فإنه لا يشتغل بالرواية عنه، عند أكثر أهل الحديث. وذكر أيضا قبل ذلك أن من ضعف لغفلته وكثرة خطئه لا يحتج بحديثه. فلم يعتبر إلا كثرة الخطأ. ويحتمل أن يكون مراده سقوط حديث من جمع بين الوصفين معا: الغفلة وكثرة الخطأ، دون من كان فيه أحدهما. أما الغفلة المجردة مع قلة الخطأ، أو كثرة الخطأ لسوء الحفظ دون الغفلة فهذا قول ثالث في المسألة - الله أعلم -.

محمد بن عمرو بن علقمة

"محمد بن عمرو بن علقمة" وأما محمد بن عمرو الذي تكلم فيه يحيى، فهو محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص الليثي، وقد تكلم فيه يحيى ومالك. وقال أحمد: كان محمد بن عمرو يحدث بأحاديث فيرسلها، ويسندها لأقوام آخرين. قال: وهو مضطرب الحديث، والعلاء أحب إلي منه. وقال ابن أبي خيثمة: سمعت يحيى بن معين يقول: ما زال الناس يتقون حديث محمد بن عمرو، قيل له: ما علة ذلك؟ قال: كان مرة يحدث عن أبي سلمة بالشيء رأيه، ثم يحدث به مرة أخرى عن أبي سلمة، عن أبي هريرة.. ووثقه ابن معين في رواية أخرة. ونقل إسحاق بن حكيم عن يحيى القطان أنه قال فيه: رجل صالح ليس بأحفظ الناس للحديث. وقد ذكر الترمذي أن يحيى بن سعيد روى عنه، وكذلك روى عنه مالك في الموطأ، وخرج حديثه مسلم متابعة، وخرجه البخاري مقرونا. وقد قال يحيى بن سعيد: هو فوق سهيل بن أبي صالح، وخالفه في ذلك الإمام أحمد، وقال: ليس كما قال يحيى. قال أحمد: ولم يرو شعبة عن محمد بن عمرو إلا حديثا واحدا.

عبد الرحمن بن حرملة

"عبد الرحمن بن حرملة" وأما عبد الرحمن بن حرملة الذي ذكر يحيى القطان أن محمد بن عمرو فوقه فهو مدني، كان يحيى القطان يضعفه، ولا يرضاه. وقال (ابن) المديني: راددت يحيى في ابن حرملة، فقال: ليس هو عندي مثل يحيى بن سعيد (الأنصاري) . وقال: سمعت سعيد بن المسيب. قال (يحيى) : لو شئت أن ألقنه أشياء. قال قلت: كان يلقن؟ قال: نعم. وقال أحمد في (ابن) حرملة: هو كذا وكذا، يضعفه. وقال ابن معين: لا بأس به. قيل له: يقولون: سمع من ابن المسيب، وهو صغير. قال: لا. وذكر ابن أبي خيثمة عن ابن معين، عن يحيى، عن ابن حرملة، قال: كنت سيئ الحفظ، فسألت سعيد بن المسيب، فرخص لي في الكتاب.

شريك بن عبد الله النخعي

"شريك بن عبد الله النخعي" وأما شريك فهو ابن عبد الله النخعي، قاضي الكوفة، وكان كثير الوهم، ولا سيما بعد أن ولي القضاء، وكان (فيه - أيضا -) في تلك الحالة تيه وكبر، واحتقار للأئمة الصالحين. وقد خرج حديثه مسلم مقرونا بغيره. ومن الأوهام المتعلقة بترجمته أن مسلما ذكر في كتاب الكنى أن أحمد سمع منه، وهو وهم، لم يسمع منه أحمد، إنما سمع من أصحابه. "أبو بكر بن عياش" وأما بكر بن عياش، فهو المقرئ الكوفي، وهو رجل صالح، لكنه كثير الوهم، ومع هذا فقد خرج البخاري حديثه. وأنكر عليه ابن حبان تخريج حديثه وتركه لحماد بن سلمة.

الربيع بن صبيح ومبارك بن فضالة

"الربيع بن صبيح ومبارك بن فضالة" وأما الربيع بن صبيح ومبارك بن فضالة فلم يخرج لهما في الصحيح. وقد وثق المبارك عفان وأبو زرعة وغيرهما، وقال شعبة: هو أحب إلي من الربيع، وسوى ابن معين بينهما في الضعف. وقال أحمد ما أقربهما، وقال مرة: مبارك أحب إلي إذا قال سمعت الحسن يشير إلى أنه يدلس. وقال نعيم: كان ابن مهدي لا يكتب للمبارك شيئا يقول فيه: سمعت الحسن. وقال الفلاس: كان يحيى وعبد الرحمن لا يحدثنا عن مبارك.

وقال ابن معين: لم يرو عنه يحيى. وقال أحمد: تركه عبد الرحمن، لأنه كان يروي أقاويل الحسن، يأخذها من الناس. قال: وكان عبد الرحمن يروي عن الربيع بن صبيح. وكان الربيع رجلا صالحا. وقال الفلاس: كان عبد الرحمن يحدث عن الربيع، وكان يحيى لا يحدث عنه. *** قال أبو عيسى: وقد تكلم بعض أهل الحديث في سهيل بن أبي صالح، ومحمد بن إسحاق، وحماد بن سلمة، ومحمد بن عجلان، وأشباه هؤلاء من الأئمة، إنما تكلموا فيهم من قبل حفظهم في بعض ما رووا، وقد حدث عنهم الأئمة. حدثنا الحسن بن علي الحلواني (ثنا) علي بن المديني قال: قال لنا سفيان بن عيينة: كنا نعد سهيل بن أبي صالح ثبتا في الحديث. وحدثنا ابن أبي عمر، قال: قال سفيان بن عيينة: كان محمد ابن عجلان ثقة، مأمونا في الحديث. قال أبو عيسى: وإنما تكلم يحيى بن سعيد القطان - عندنا - في رواية محمد بن عجلان عن سعيد المقبري. حدثنا أبو بكر، عن علي بن عبد الله، قال: قال يحيى بن سعيد: قال محمد بن عجلان: أحاديث سعيد المقبري بعضها عن سعيد عن أبي هريرة،

وبعضها عن سعيد عن رجل، عن أبي هريرة، فاختلطت علي فصيرتها عن سعيد عن أبي هريرة. وإنما تكلم يحيى بن سعيد - عندنا - في ابن عجلان لهذا، وقد روى يحيى عن ابن عجلان الكثير. أما سهيل بن أبي صالح السمان فقد تكلم فيه جماعة من الأئمة: قال ابن أبي خثيمة: سمعت يحيى بن معين يقول: لم يزل أصحاب الحديث يتقون حديث سهيل قال: وسئل ابن معين مرة أخرى عن سهيل، فقال: ليس بذاك وسئل مرة أخرى فقال: سهيل ضعيف. وحكى عباس الدوري قال: سئل يحيى بن معين عن حديث سهيل والعلاء بن عبد الرحمن، فقال: حديثهما قريب من السواء، وليس حديثهما بالحجة، قال: وسمعت يحيى يقول: سهيل صويلح، وفيه لين. قال: ومحمد بن عمرو أكبر من هؤلاء، يعني من سهيل والعلاء وعاصم بن عبيد الله، وابن عقيل. وقد سبق قول يحيى بن سعيد إن محمد بن عمرو أعلى من سهيل. وأنكر ذلك عليه أحمد، وقال: لم يكن ليحيى بسهيل علم. وكان قد جالس محمد بن عمرو. قال: وسهيل صالح. وقال أيضا: لم يصنع يحيى شيئا، الناس عندهم سهيل ليس مثل محمد بن عمرو. فقيل له: سهيل عندهم أثبت؟ قال: نعم. وقال أحمد أيضا.

سهيل ما أصلح حديثه. قال: والعلاء بن عبد الرحمن - عندي - فوق سهيل وفوق محمد بن عمرو. وقال عبد الله: سألت أبي عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه، وعن سهيل عن أبيه فقال: ما سمعت أحدا يذكر العلاء إلا بخير. وقدم أبا صالح على العلاء، كذا في المسند، وإنما كان السؤال عن سهيل، لا عن أبيه. وقد ذكر الترمذي هنا عن ابن عيينة، قال: كنا نعد سهيلا ثبتا في الحديث. وقال ابن معين - في رواية عباس - في موضع آخر - عنه: سهيل: ثقة. ووثقه العجلي وقال النسائي: ليس به بأس. وقال ابن عدي: هو عندي ثبت، لا بأس به، مقبول الأخبار. وقال أبو زرعة: سهيل أشبه، وأشهر من العلاء بن عبد الرحمن. وقال أبو حاتم: هو أحب إلي من العلاء، وأحب إلي من عمرو بن أبي عمرو، يكتب حديثه، ولا يحتج به. وقد روى عنه الأئمة، مالك وشعبة والثوري. وخرج له مسلم في صحيحه، والبخاري مقرونا بغيره.

محمد بن عجلان

"محمد بن عجلان" وأما محمد بن عجلان المدني، الفقيه الصالح فقد روى عنه شعبة ومالك والقطان وخلق. وقد وثقه ابن عيينة، وأحمد، وابن معين، وخرج مسلم حديثه مقرونا وتكلم جماعة في حفظه. قال ابن أبي خيثمة: سمعت يحيى بن معين يقول: كان يحيى بن سعيد لا يرضى محمد بن عجلان. قال: وسمعت يحيى بن سعيد يقول: لو جربت من (أروى عنه) ، لم أرو إلا عن قليل. (وفي) كتاب علي بن المديني: قال يحيى بن سعيد: قال ابن عجلان: كان سعيد المقبري يحدث عن أبيه عن أبي هريرة، وعن رجل، عن أبي هريرة فاختلط علي فجعلته عن أبي هريرة. قال يحيى: سمعته منه أو حدثته عنه. ولا أعلم إلا أني سمعته منه. وقال أحمد: كان ثقة، إلا أنه اختلط عليه حديث المقبري، كان عن رجل، جعل يصيره عن أبي هريرة. وقال ابن عيينة: حدثنا محمد بن عجلان، وكان ثقة.

وروى أبو بكر بن خلاد، عن يحيى بن سعيد، قال: كان ابن عجلان مضطرب الحديث في حديث نافع، ولم يكن له تلك القيمة عنده. وروى أبو محمد الرامهرمزي في كتابه، من طريق يحيى بن سعيد، قال: قدمت الكوفة وبها ابن عجلان، وبها من يطلب الحديث، مليح بن وكيع، وحصف بن غياث، وعبد الله بن إدريس، ويوسف بن خالد السمتي. قلنا نأتي ابن عجلان. فقال ويوسف بن خالد: نقلب على هذا الشيخ حديثه ننظر فهمه. قال: فقلبوا فجعلوا ما كان عن سعيد، عن أبيه. وما كان عن أبيه عن سعيد. ثم جئنا إليه. لكن ابن إدريس تورع وجلس بالباب، وقال: لا أستحل، وجلس معه. ودخل حفص ويوسف بن خالد، ومليح، فسألوه، فمر فيها، فلما كان عند آخر الكتاب انتبه الشيخ، فقال: أعد العرض. فقرض عليه، فقال: ما سألتموني عن أبي فقد حدثني به سعيد، وما سألتموني عن سعيد، فقد حدثني به أبي، ثم أقبل على يوسف بن خالد، فقال:

محمد بن إسحاق بن يسار

إن كنت أردت شيني وعيبي فسلبك الله الإٍسلام. وأقبل على حفص، فقال: ابتلاك الله في دينك ودنياك. وأقبل على مليح، فقال: لا نفعك الله بعلمك. قال يحيى: فمات مليح، ولم ينتفع به، وابتلى حفص في بدنه بالفالج. وبالقضاء في دينه. ولم يمت يوسف حتى اتهم بالزندقة. "محمد بن إسحاق بن يسار" وأما محمد بن إسحاق بن يسار، صاحب المغازي، فيطول ذكر ترجمته على وجهها. وقد وثقه جماعة: قال أحمد: هو حسن الحديث. وقال مرة: يكتب من حديثه هذه الأحاديث (كأنه) يعني المغازي. وقال مرة: هو صالح الحديث، وأحتج به (أنا) أيضا. وقال ابن المديني: حديثه عندي صحيح. وقال ابن عيينة: ما سمعت أحدا تلكم في محمد بن إسحاق إلا في قوله بالقدر. وقال ابن معين مرة: هو ثقة، وليس بحجة.

وتكلم في آخرون: وكان يحيى بن سعيد شديد الحمل عليه، وكان لا يحدث عنه، ذكره عنه الإمام أحمد، وقال: ما رأيت يحيى أسوأ رأيا منه في محمد بن إسحاق، وليث (بن أبي سليم) وهمام، لا يستطيع أحد أن يراجعه فيهم. وكان ابن مهدي يحدث عن رجل عنه. وكذبه مالك وهشام بن عروة والأعمش. ولا ريب أنه كان يتهم بأنواع من البدع، ومن التشيع والقدر وغيرهما. وكان يدلس عن غير الثقات، وربما دلس عن أهل الكتاب ما يأخذه عنهم من الأخبار. قال أحمد: هو كثير التدليس جدا. قيل له: فإذا قال: حدثنا أو (أنا) فهو ثقة؟. قال: هو يقول: أخبرني فيخالف يشير إلى أنه يصرح بالتحديث والأخبار ويخالف الناس في حديثه مع ذلك. وقال الجوزجاني: يمضع حديث الزهري بمنطقة حتى يعرف من رسخ في علمه أنه خلاف رواية أصحابه عنه. وروى عنه يحيى بن سعيد الأنصاري وشعبة والحمادان والسفيانان وخلق. وخرج مسلم حديثه مقرونا بغيره.

حماد بن سلمة

"حماد بن سلمة" وأما حماد بن سلمة، فهو أرفع من هؤلاء كلهم. وهو الإمام الرباني العالم بالله، والعلم بأمر الله، أبو سلمة، (حماد بن سلمة) البصري، الفقيه، الزاهد، العابد. وقد روى عنه الأئمة الكبار مثل يحيى بن القطان وابن مهدي وابن المبارك، ومالك والثوري، وهما من أقرانه، وشعبة وهو أسن منه، وهو ثقة (ثقة) ، من أصلت الناس في السنة. ولذلك قال ابن معين: من ذكره بسوء فاتهمه على الإسلام. وأثنى عليه الأئمة ثناء عظيما. وفصل القول في رواياته: أنه من أثبت الناس في بعض شيوخه الذين لزمهم كثابت البناني، وعلي بن زيد ويضطرب في بعضهم الذين لم يكثر ملازمتهم كقتادة وأيوب وغيرهما، وسنذكر ذلك مستوفى فيما بعد إن شاء الله تعالى. وقد خرج له مسلم الكثير في صحيحه واستشهد به البخاري وقيل: إنه خرج له حديثا واحدا في الرقاق. وأنكر ابن حبان ذلك عليه، فقال:

لم ينصف من جانب حديث حماد بن سلمة، واحتج بأبي بكر بن عياش في كتابه وبابن أخي الزهري، وبعبد الرحمن بن عبد الله بن دينار، فإن كان تركه إياه لما كان يخطئ فغيره من أقرانه مثل الثوري وشعبة وذويهما كانوا يخطئون. فإن زعم أن خطأه قد كثر من تغير حفظه، فقد كان ذلك في أبي بكر بن عياش موجودا، وأنى يبلغ أبو بكر حماد بن سلمة في إتقانه أم جمعه، أم في علمه والدين والنسك والعلم والكتبة والجمع والصلابة في السنة، والقمع لأهل البدع، ولم يكن يثلبه في أيامه إلا معتزلي قدري أو مبتدعي جهمي، لما كان يظهر من السنن الصحيحة التي ينكرها المعتزلة. قال أبو عيسى: وهكذا من تكلم في ابن ليلى إنما تلكم فيه من قبل حفظه. قال علي: قال يحيى بن سعيد القطان: روى شعبة عن ابن أبي ليلى عن أخيه عيسى، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن أيوب عن النبي A في العطاس. قال يحيى: ثم لقيت ابن أبي ليلى فحدثنا عن أخيه عيسى عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن علي، عن النبي A. قال أبو عيسى: ويروى عن ابن أبي ليلى نحو هذا غير شيء، وكان يروي الشيء مرة هكذا ومرة هكذا، يغير الإسناد. وإنما جاء هذا من قبل حفظه، لأن أكثر من مضى من أهل العلم كانوا لا يكتبون. ومن منهم إنما كان يكتب بعد السماع. قال: وسمعت أحمد بن الحسن يقول: سمعت أحمد بن حنبل يقول: ابن أبي ليلى لا يحتج به.

ابن أبي ليلى

قال أبو عيسى: وكذلك من تلكم من أهل العلم في مجالد بن سعيد وعبد الرحمن بن لهيعة وغيرهما، إنما تكلموا فيهم من قبل حفظهم وكثرة خطئهم، وقد روى عنهم غير واحد من الأئمة. فإذا انفرد واحد من هؤلاء بحديث ولم يتابع عليه لم يحتج به، كما قال أحمد بن حنبل: ابن أبي ليلى لا يحتج به، إنما عنى إذا انفرج بالشيء، وأشد ما يكون في هذا إذا لم يحفظ الإسناد، فزاد في الإسناد أو نقص أو غير الإسناد أو جاء بما يتغير فيه المعنى. "ابن أبي ليلى" أما ابن أبي ليلى (فهو محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى) قاضي الكوفة. وكان من جلة الفقهاء المعتبرين وله حديث كثير، وهو صدوق لا يتهم بتعمد الكذب، ولكنه كان سيئ الحفظ جدا. قال أبو داود الطيالسي: قال شعبة: ما رأيت أحدا أسوأ حفظا من ابن أبي ليلى.

وقال النضر بن شميل: قال شعبة أفادني محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى أحاديث، فإذا هي مقلوبة. وقال علي بن المديني: سمعت يحيى يقول: كان ابن أبي ليلى سيئ الحفظ وقال أحمد: هو مضطرب الحديث جدا سيئ الحفظ وقال: لا يحتج بحديثه. وذكر إبراهيم بن سعيد عن يحيى بن معين، كان يحيى بن سعيد لا يحدث عن ابن أبي ليلى ما روى عن عطاء. قال ابن معين: ابن أبي ليلى ضعيف في روايته. قال إبراهيم: وكان أحمد بن حنبل لا يحدث عنه. وقال أحمد بن حفص السعدي عن أحمد بن حنبل: ابن أبي ليلى ضعيف، وعن عطاء أكثره خطأ. وقال العجلي: كان صدوقا، جائز الحديث. وأما حديث العطاس الذي ذكره الترمذي أن ابن أبي ليلى اضطرب

مجاهد بن سعيد الهمذاني

فيه. فقد خرجه الترمذي أيضا في كتاب الأدب في باب "كيف يشمت العاطس" وسبق الكلام عليه هناك مستوفى. وذكر الترمذي أنه يروى عن ابن أبي ليلى نحو هذا غير شيء، وهو كما قال. وقد سبق له حديث في أبواب الدعاء "في أبواب الذكر عند الصباح والمساء وسبق له حديث آخر في القنوت في كتاب الصلاة. وحديث آخر في التيمم في آخر كتاب الطهارة. "مجاهد بن سعيد الهمذاني" وأما مجالد بن سعيد الهمذاني الكوفي، فليس هو بالحافظ أيضا، قد ضعفه غير واحد.

عبد الله بن لهيعة

قال يحيى بن سعيد: لو شئت أن يجعلها لي مجالد كلها عن الشعبي، عن مسروق، عن عبد الله فعل، يشير إلى أنه كان يقبل التلقين. وضعفه أحمد، وقال: كم من أعجوبة لمجالد. وقال مرة: هو يزيد في الأسانيد. وقال مرة: ليس بشيء يرفع حديثا كثيرا لا يرفعه الناس وقد احتمله الناس. وضعفه يحيى بن معين. وقال: لا يحتج به، وقال مرة: صالح. وقال النسائي: ليس بالقوي. قوال مرة: ثقة. وقال ابن حبان، يقلب الأسانيد، ويرفع المراسيل، لا يجوز الاحتجاج به. وقال ابن عدي: عامة ما يرويه غير محفوظ. وقال الدارقطني: ليس بثقة، يزيد بن أبي زياد أرجح منه، ومجالد لا يعتبر به. وخرج له مسلم مقرونا. وكان يحيى بن سعيد يحدث عنه. وحدث ابن مهدي عن رجل عنه. عبد الله بن لهيعة وأما ابن لهيعة، فهو عبد الله بن لهيعة بن عقبة، قاضي مصر، وهو كثي الاضطراب. وكان يحيى بن سعيد يضعفه لا يراه شيئا. وقد اختلف الأئمة في أمره:

فمنهم من قال: حديثه في أول عمره قبل احتراق كتبه أصح. وقد سمع منه قبل احتراق كتبه ابن المبارك والمقبري، كذا قال الفلاس وغيره. وقاله ابن معين في رواية عنه. ومنهم من قال: حديثه في عمره كله واحد، وهو ضعيف، وهو المشهور عن يحيى بن معين وأنكر أن تكون كتبه احترقت. وقال: لا يحتج به. وقال أبو زرعة: سماع الأوائل والأواخر منه سواء إلا أن ابن وهب وابن المبارك كانا يتتبعان أصوله. وليس ممن يحتج به. وقال ابن مهدي: ما (اعتد) بشيء سمعته من حديث ابن لهيعة إلا سماع ابن المبارك ونحوه. وقال مرة: لا أحمل عن ابن لهيعة قليلا ولا كثيران ثم قال: كتب لي ابن لهيعة كتابا فيه: (ثنا) عمرو بن شعيب، قال عبد الرحمن: فقرأته على ابن المبارك، فأخرجه إلي ابن المبارك من كتابه عن ابن لهيعة، قال: أخبرني إسحاق بن أبي فروة عن عمرو بن شعيب. وقال أحمد: كان ابن لهيعة يحدث عن المثنى بن الصباح، عن عمرو بن شعيب، وكان (بعد) يحدث بها عن عمرو بن شعيب نفسه. وقال أيضا: ما حديث ابن لهيعة بحجة. وإني لأكتب كثيرا مما أكتب أعتبر به، وهو يقوي بعضه ببعض. وروى عن أحمد أنه قال: سماع العبادلة من ابن لهيعة عندي صالح، عبد الله بن وهب، وعبد الله بن يزيد المقرئ، وعبد الله بن المبارك.

وقال الجوزجاني: لا ينبغي أن يحتج بروايته، ولا يعتد بها. وقال ابن حبان: سبرت أخباره فرأيته يدلس عن أقوام ضعفاء على أقوام ثقات قد رآهم ثم كان لا يبالي ما دفع إليه قرأه سواء اكان من حديث أو لم يكن من حديثه، فوجب التنكب عن رواية المتقدمين عنه قبل احتراق كتبه، لما فيها من الأخبار المدلسة، عن المتروكين، ووجب ترك الاحتجاج (برواية) المتأخرين بعد احتراق كتبه، لما فيها مما ليس من حديثه. ونقل أبو عبيد الآجري عن أبي داود، عن أحمد، قال: من كان مثل ابن لهيعة بمصر في كثرة حديثه وضبطه وإتقانه، وكذا نقله النسائي عن أبي داود عن أحمد. وذكر جعفر الفريابي عن بعض أصحابه عن قتيبة، قال: قال (لي) أحمد: أحاديثك عن ابن لهيعة صحاح.. قلت: لأنا كنا نكتب من كتاب عبد الله بن وهب ثم نسمعه من ابن لهيعة. وقال الثوري: (عند) ابن لهيعة الأصول، وعندنا الفروع. وقال حججت حججا لألقى ابن لهيعة.

وكان ابن وهب يقول: حدثني (- والله -) الصادق البار عبد الله بن لهيعة. وأثنى عليه أحمد بن صالح المصري، وقال: هو صحيح الكتاب، فمن ضبط عنه من إملائه من كتابه فحديثه صحيح. قال: وأنا أذهب إلى أنه لا يترك حديث محدث حتى يجتمع أهل مصره على ترك حديثه. قال ابن عدي: هو حسن الحديث، يكتب حديثه، وقد حدث عنه الثقات: الثوري، وشعبة، ومالك، وعمرو بن الحارث، والليث بن سعد. خرج مسلم حديثه مقرونا بعمرو بن الحارث. وأما البخاري والنسائي فإذا ذكرا إسنادا فيه ابن لهيعة وغيره سميا ذلك الغير، وكنيا عن اسم ابن لهيعة، ولم يسمياه. وممن يضطرب في حديثه أيضا شهر بن حوشب. وهو يروي المتن الواحد بأسانيد متعددة. ومنهم ليث بن أبي سليم، ويزيد بن أبي زياد الكوفي.

ومنهم عبد الملك بن عمير، على أن حديثه مخرج في الصحيحين، وقال أحمد: هو مضطرب الحديث جدا، وهو أشد اضطرابا من سماك. وممن يضطرب في حديثه سماك، وعاصم بن بهدلة. وقد ذكر الترمذي أن هؤلاء وأمثالهم ممن تكلم فيه من قبل حفظه، وكثرة خطئه لا يحتج بحديث أحد منهم إذا انفرد. يعني في الأحكام الشرعية والأمور العلمية، وأن أشد ما يكون ذلك إذا اضطرب أحدهم في الإسناد. فزاد فيه أو نقص، أو غير الإسناد أو غير المتن، تغييرا يتغير به المعنى. ومثال ذلك حديث رواه ابن لهيعة فزاد في إسناده على الناس، ورواه أيضا بغير الإسناد الذي رواه به الناس، ورواه بمعنى غير معنى حديث الناس: روى الليث بن سعد، وعمرو بن الحارث، وعبد الحميد بن جعفر كلهم عن يزيد بن أبي حبيب، عن عبد الله بن الحارث بن جزء قال: أنا أول من سمع النبي A يقول: "لا يبول أحدكم مستقبل القبلة"، وأنا أول من حدث الناس بذلك. وفي رواية الليث بن سعد وغيره عن يزيد بن أبي حبيب، أنه سمع عبد الله بن الحارث يذكره.

ورواه ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب، عن جبلة بن نافع، عن عبد الله بن الحارث (بن جزء) ، (فزاد في إسناده رجلا. ورواه أيضا عن عبد الله بن الحارث) سليمان بن زياد الحضرمي وسهيل بن ثعلبة. وقد رواه عن سليمان بن زياد غير واحد، منهم ابن لهيعة، وانفرد ابن لهيعة فرواه عن عبيد الله بن المغيرة، عن عبد الله بن الحارث بن جزء، قال: "رأيت رسول الله A يبول مستقبل القبلة" وأنا أول من حدث الناس بذلك. وهذا اللفظ خطأ. تفرد به ابن لهيعة، وخالف رواية الناس كلهم. وقد روى مسلم في مقدمة كتابه، عن الحسن الحلواني: سمعت يزيد بن هارون وذكر زياد بن ميمون، فقال: حلفت أن لا أروي عنه شيئا، لقيته، فسألته عن حديث فحدثني به عن بكر المزني. ثم عدت إليه فحدثني به عن مورق. ثم عدت إليه فحدثني به عن الحسن (وكان ينسبه) إلى الكذب، انتهى. فاختلاف الرجل الواحد في الإسناد إن كان متهما فإنه ينسب به إلى الكذب. وإن كان سيئ الحفظ ينسب به إلى الاضطراب وعدم الضبط، وإنما (يحتمل مثل ذلك) ممن كثر حديثه وقوي حفظه، كالزهري، وشعبة، ونحوهما.

الرواية باللفظ والمعنى

وقد كان عكرمة يتهم في رواية الحديث عن رجل ثم يرويه عن آخر حتى ظهر لهم سعة علمه وكثرة حديثه. وذكر معنى ذلك ابن لهيعة عن ابن هبيرة وأبي الأسود، عن إسماعيل بن عبيد الأنصاري، وكان من أصحاب ابن عباس. "الرواية باللفظ والمعنى" قال الترمذي - C -: فإما من أقام الإسناد وحفظه وغيره اللفظ، فإن هذا واسع عند أهل العلم، إذا لم يتغير به المعنى. حدثنا محمد بن بشار، (ثنا) عبد الرحمن بن مهدي ثنا معاوية بن صالح، عن العلاء بن الحارث، عن مكحول، عن واثلة بن الأسقع، قال: "إذا حدثناكم على المعنى فحسبكم" (ثنا) يحيى بن موسى، (أنا عبد الرزاق، (أنا) معمر، عن أيوب، عن محمد بن سيرين قال: كنت أسمع من عشرة، اللفظ مختلف والمعنى واحد. (ثنا) أحمد بن منيع، (ثنا) محمد بن عبد الله الأنصاري، عن ابن عون قال: كان إبراهيم النخعي والحسن والشعبي يأتون بالحديث على المعاني، وكان القاسم بن محمد، ومحمد بن سيرين ورجاء بن حيوة يقيدون الحديث على حروفه. حدثنا علي بن خشرم، (ثنا) حفص بن غياث، عن عاصم الأحول،

قال: قلت لأبي عثمان النهدي: إنك تحدثنا بالحديث ثم تحدثنا به على غير ما حدثتنا!! قال: عليك بالسماع الأول. قال: حدثنا الجارود بن معاذ، (ثنا) وكيع عن الربيع بن صبيح عن الحسن، قال: إذا أصبت المعنى أجزأك. (ثنا) علي بن حجر، (أنا) ابن المبارك، عن سيف هو ابن سليمان، قال: سمعت مجاهدا يقول: أنقص من هذا الحديث إن شئت، ولا تزد فيه. حدثنا أبو عمار، الحسين بن حريث قال: (أنا) زيد بن حباب، عن رجل، قال: خرج إلينا سفيان الثوري، فقال: إن قلت لكم: إني أحدثكم كما سمعت، فلا تصدقوني، إنما هو المعنى. حدثنا الحسين) بن حريث، قال: سمعت وكيعا يقول: إن لم يكن المعنى واسعا فقد هلك الناس. حديث واثلة بن الأسقع الموقوف ذكره البخاري في تاريخه وذكر أن

أمثلة لرواية بالمعنى أحالت الحديث عن أصلة

أبا نعيم النخعي رواه عن (العلاء) بن كثير عن مكحول، عن واثلة مرفوعا، قال: ولا يصح. والعلاء بن كثير منكر الحديث. مقصود الترمذي بهذا الفصل الذي ذكره ههنا، أن من أقام الأسانيد وحفظها، وغير المتون تغييرا لا يغير المعنى، انه حافظ ثقة يعتبر بحديثه: (وبنى ذلك على) أن رواية الحديث بالمعنى جائزة وحكاه عن أهل العلم، وكلامه يشعر بأنه إجماع، وليس كذلك، بل هو قول كثير من العلماء. ونص عليه أحمد وقال: ما زال الحفاظ يحدثون بالمعنى وإنما يجوز ذلك لمن هو عالم بلغات العرب بصير بالمعاني عالم بما يحيل المعنى، وما لا يحيله. نص على ذلك الشافعي. "أمثلة لرواية بالمعنى أحالت الحديث عن أصلة" وقد روى كثير من الناس الحديث بمعنى فهموه منه فغيروا المعنى: مثل ما اختصره بعضهم من حديث عائشة في حيضها في الحج، أن النبي A قال لها وكانت حائضا: "انقضي رأسك وامتشطي"

جواز الرواية بالمعنى وأدلة ذلك من قال به

وأدخله في باب غسل الحيض، وقد أنكر ذلك على من فعلة، لأنه يخل بالمعنى، فإن هذا لم يؤمر به في الغسل من الحيض عند انقطاعه، بل في غسل الحائض إذا أرادت الإحرام، وهي حائض. وروى بعضهم حديث إذا قرأ، يعني الإمام، فانصتوا. بما فهمه من المعنى، فقال: إذا قرا الإمام: "ولا الضالين" فانصتوا، فحمله على فراغه من القراءة، لا على شروعه فيها. وروى بعضهم حديث: كنا نؤديه على عهد النبي A يريد زكاة الفطر. فصحف نؤديه، فقال: نورثه، ثم فسره من عنده، فقال: يعني الجد. كل هذا تصرف سيئ، لا يجوز مثله. "جواز الرواية بالمعنى وأدلة ذلك من قال به" فأما الرواية بلفظ آخر لا يختل به المعنى، فهو الذي ذكر الترمذي جوازه عند أهل العلم، وذكره عمن ذكره من السلف. وروي عن الحسن أنه استدل لذلك بأن الله يقص قصص القرون السالفة بغير لغاتها. وروى قتادة، عن زرارة بن أوفى، قال: لقيت عدة من أصحاب النبي A فاختلفوا علي في اللفظ، واجتمعوا في المعنى.

اتباع اللفظ ومن قال به

وقد روى إجازة ذلك أيضا عن عائشة، وأبي سعيد الخدري، وابن عباس. وفي أسانيدها نظر. وروى معناه عن ابن مسعود، وأبي الدرداء، وأنس، أنهم كانوا يحدثون عن النبي A ثم يقولون: أو نحو هذا، أو شبهه. وكان أنس يقول: أو كما قال. وهو أيضا قول عمرو بن دينار، وابن أبي نجيح وعمرو بن مرة، وجعفر بن محمد، وحماد بن زيد، ويحيى بن سعيد، ويزيد بن هارون، وابن عيينة وأبي زرعة. وحكى عن أكثر الفقهاء. وروي فيه أحاديث مرفوعة، لا يصح شيء منها. "اتباع اللفظ ومن قال به" وكان ابن عمر - Bهما - يشدد في اتباع لفظ الحديث، وينهي عن تغيير شيء منه، وكذلك محمد بن سيرين والقاسم بن محمد، ورجاء بن حيوة. وهو قول مالك في حديث النبي A خاصة دون حديث غيره. وروى عنه أنه قال: استحب ذلك.

رأي في جواز النقص دون الزيادة

وحكى الإمام أحمد عن وكيع أنه كان يحدث على المعنى، وأن ابن مهدي كان يتبع الألفاظ ويتعاهدها. "رأي في جواز النقص دون الزيادة" ورخص طائفة في النقص في الحديث للشك فيه، دون الزيادة، منهم: مجاهد، وابن سيرين. وروى أيضا عن مالك أنه كان يترك منه كل ما شك فيه. "رأى ابن حبان اتباع اللفظ لمن ليس بفقيه" وقد قال ابن حبان في أول كتاب الضعفاء: الثقة الحافظ إذا حدث من حفظه وليس بفقيه، لا يجوز عندي الاحتجاج بخبره، لأن الحفاظ الذين رأيناهم أكثرهم كانوا يحفظون الطرق والأسانيد دون المتون. ولقد كنا نجالسهم برهة من دهرنا على المذاكرة، ولا أراهم يذكرون من متن الخبر إلا كلمة واحدة يشيرون إليها، وما رأيت على أديم الأرض من كان يحسن صناعة السنن، ويحفظ الصحاح بألفاظها، ويقوم بزيادة كل لفظة زاد في الخبر ثقة، حتى كأن السنن نصب عينيه إلا محمد بن إسحاق بن خزيمة فقط، فإذا كان الثقة الحافظ لم يكن بفقيه، وحدث من حفظه، ربما قلت المتن، وغير المعنى، حتى يذهب الخبر عن معنى ما جاء فيه، ويقلبه إلى شيء ليس منه وهو لا يعلم، فلا يجوز عندي الاحتجاج بخبر من هذا نعته، إلا أن يحدث من كتاب، أو يوافق الثقات فيما يرويه من متون الأخبار. انتهى.

اعتراض على ابن حبان

"اعتراض على ابن حبان" وفيما ذكره نظر، وما أظنه سبق إليه. ولو فتح هذا الباب لم يحتج بحديث انفرد به عامة حفاظ المحدثين كالأعمش وغيره، ولا قائل بذلك، اللهم إلا أن يعرف من أحد أنه لا يقيم متون الأحاديث، فيتوقف حينئذ فيما انفرد به فأما مجرد هذا الظن فيمن ظهر حفظه وإتقانه، فلا يكفي في رد حديثه - والله أعلم -. "الحفاظ المتقنون" قال أبو عيسى: وإنما تفاضل أهل العلم بالحفظ والإتقان والتثبيت عند السماع، مع أنه لم يسلم من الخطأ والغلط كبير أحد من الأئمة، مع حفظهم. حدثنا محمد بن حميد الرازي، (ثنا) جرير عن عمارة بن القعقاع، قال: قال لي إبراهيم النخعي: إذا حدثتني فحدثني عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير، فإنه حدثني مرة بحديث ثم سأله بعد ذلك بسنتين فلم يخرم منه حرفا. (ثنا) أبو حفص، عمرو بن علي. (ثنا) يحيى بن سعيد القطان، عن سفيان، عن منصور، قال: قلت لإبراهيم النخعي: ما لسالم بن أبي الجعد أتم حديثا منك؟ قال: لأنه كان يكتب. حدثنا عبد الجبار بن العلاء، (ثنا) سفيان بن عيينة قال: قال عبد الملك بن عمير: إني لأحدث بالحديث فما أدع منه حرفا.

حدثنا الحسين بن مهدي البصري، (ثنا) عبد الرزاق (أنا) معمر، عن قتادة، قال: ما سمعت أذناي شيئا قط إلا وعاه قلبي. حدثنا سعيد بن عبد الرحمن المخزومي (ثنا) سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، قال: ما رأيت أحدا أنص للحديث من الزهري. أخبرنا إبراهيم بن سعيد الجوهري (ثنا) سفيان بن عيينة قال: قال أيوب السختياني: ما علمت أحدا كان أعلم بحديث أهل المدينة بعد الزهري من يحيى بن أبي كثير. حدثنا محمد بن إسماعيل، (ثنا) سليمان بن حرب (ثنا) حماد بن زيد، قال: كان ابن عون يحدث، فإذا حدثته عن أيوب بخلافه تركه، فأقول: قد سمعته. فيقول: إن أيوب أعلمنا بحديث محمد بن سيرين. أخبرنا أبو بكر، عن علي بن عبد الله، قال: قلت ليحيى بن سعيد: أيهما أثبت هشام الدستوائي أو مسعر؟ قال: ما رأيت مثل مسعر. كان مسعر من أثبت الناس. حدثنا أبو بكر عند القدوس بن محمد، قال: وحدثنا أبو الوليد، قال: سمعت حماد بن زيد يقول: ما خالفني شعبة في شيء إلا تركته. قال أبو بكر: حدثني أبو الوليد، قال: قال لي حماد بن سلمة: إن أردت الحديث فعليك بشعبة. حدثنا عبد بن حميد، (ثنا) أبو داود، قال: قال شعبة ما رويت عن رجل حديثا إلا أتيته أكثر من مرة، والذي رويت عنه عشرة أحاديث أتيته أكثر من

عشر مرار. والذي رويت عنه (خمسين حديثا أتيته أكثر من خمسين مرة) . والذي رويت عنه مائة أتيت أكثر من مائة مرة، إلا حيان البارقي، فإني سمعت منه هذه الأحاديث، ثم عدت إليه فوجدته قد مات. حدثنا محمد بن إسماعيل، (ثنا) عبد الله بن أبي الأسود (أنا) ابن مهدي، قال: سمعت سفيان يقول: شعبة أمير المؤمنين في الحديث. حدثنا أبو بكر، عن علي بن عبد الله، قال: سمعت يحيى بن سعيد يقول: ليس أحد أحب إلي من شعبة، ولا يعدله أحد عندي، وإذا خالفه سفيان أخذت بقول سفيان. قال علي: قلت ليحيى: أيهما كان أحفظ للأحاديث الطوال سفيان أو شعبة؟ قال: كان شعبة أمر فيها. قال يحيى: وكان شعبة أعلم بالرجال فلان، عن فلان وكان سفيان صاحب أبواب. حدثنا أبو عمار الحسين بن حريث، قال: سمعت وكيعا يقول: قال شعبة: سفيان الثوري أحفظ مني. ما حدثني سفيان عن شيخ بشيء فسألته إلا وجدته كما حدثني. حدثنا عمرو بن علي، قال: سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول: الأئمة في الحديث أربعة: سفيان الثوري، ومالك بن أنس، والأوزاعي، وحماد بن زيد.

قال أبو عيسى: سمعت إسحاق بن موسى الأنصاري، قال: سمعت معن بن عيسى القزاز، يقول: كان مالك بن أنس يشدد في حديث رسول الله A في الباء والتاء ونحوهما. أخبرنا أبو موسى حدثني إبراهيم بن عبد الله بن قريم الأنصاري، قاضي المدينة، قال: مر مالك بن أنس على أبي حازم، وهو جالس فجازه، فقيل له: قال: إني لم أجد موضوعا أجلس فيه، وكرهت أن آخذ حديث رسول الله A وأنا قائم. أخبرنا أبو بكر، عن علي بن عبد الله، قال: قال يحيى بن سعيد: مالك عن سعيد بن المسيب أحب إلي من سفيان الثوري، عن إبراهيم النخعي. قال يحيى: ما في القوم أحد أصح حديثا من مالك بن أنس، كان مالك إماما في الحديث. سمعت أحمد بن الحسن، يقول: سمعت أحمد بن حنبل، يقول: ما رأيت بعيني مثل يحيى بن سعيد القطان.

أقسام الرواة

قال أحمد بن الحسن: وسئل أحمد بن حنبل عن وكيع وعبد الرحمن بن مهدي. قال أحمد: وكيع أكبر في القلب وعبد الرحمن إمام. سمعت محمد بن عمرو بن نبهان بن صفوان الثقفي البصري يقول: سمعت علي بن المديني يقول: لو حلفت بين الركن والمقام، لحلفت أني لم أر أحدا أعلم من عبد الرحمن بن مهدي. قال أبو عيسى: والكلام في هذا والرواية عن أهل العلم تكثر، وإنما بيننا شيئا منه على الاختصار. ليستدل به على منازل أهل العلم وتفاضل بعضهم على بعض في الحفظ والإتقان، ومن تكلم فيه من أهل العلم لأي شيء تكلم فيه. "أقسام الرواة" وقد ذكرنا فيما تقدم أن الرواة ينقسمون أربعة أقسام: أحدهما: من يتهم بالكذب. والثاني: من لا يتهم، ولكن الغالب على حديثه الوهم والغلط. وأن هذين القسمين يترك تخريج حديثهم إلا لمجرد معرفته. والثالث: من هو صادق، ويكثر في حديثه الوهم ولا يغلب عليه. وقد ذكرنا الاختلاف في الرواية عنه وتركه. والرابع: الحفاظ الذي يندر أو يقل الغلط والخطأ في حديثهم وهذا هو القسم المحتج به بالاتفاق. وقد ذكر الترمذي حكم الأقسام الثلاثة فيما تقدم. وذكر ههنا حكم القسم الرابع. وهم الحفاظ المتقنون الذي يقل خطؤهم. وذكر أنه لم يسلم من الغلط كبير أحد من الأئمة مع حفظهم، وهو كما قال.

أخطاء الحفاظ

"أخطاء الحفاظ" وقال ابن معين: من لم يخطئ فهو كذاب. وقال ابن معين: لست أعجب ممن يحدث فيخطئ، إنما أعجب ممن يحدث فيصيب. وقال ابن المبارك: ومن يسلم من الوهم، وقد وهمت عائشة جماعة من الصحابة في رواياتهم للحديث وقد جمع جزءا في ذلك. ووهم سعيد بن المسيب ابن عباس في قوله: تزوج النبي A ميمونة وهو محرم. وقرأت بخط أبي حفص البرمكي الفقيه الحنبلي - ذكرت لأبي الحسن يعني الدارقطني: جاء عمرو بن يحيى المازني، في ذكره الحمار موضع البعير في توجه النبي A إلى خيبر. وأن أحمد لم يضعفه بذلك. فقال أبو الحسن: مثل هذا في الصحابة.

قال: روى رافع بن عمرو المزني. قال: رأيت النبي A يخطب على بلغة بمنى. وروى الناس كلهم خطبة النبي A على ناقة. أو جمل. أفيضعف الصحابي بذلك؟ انتهى. وقد ذكر الأثرم لأحمد أن ابن المديني كان يحمل على عمرو بن يحيى، وذكر له هذا الحديث. "أن النبي A صلى على حمار". قال: إنما هو على بعير. فقال أحمد: هذا سهل. وقال أحمد: كان مالك من أثبت الناس وكان يخطئ. وقال: حماد بن زيد قد أخطأ في غير شيء. وقال علي بن المديني: المحدثون صحفوا وأخطأوا ما خلا أربعة: يزيد بن زريع، وابن علية، وبشر بن المفضل، وعبد الوارث بن سعيد.

تراجم أعيان الحفاظ

وقال البرذعي: شهدت أبا زرعة ذكر عبد الرحمن بن مهدي ومدحه وأطنب في مدحه، وقال: وهم في غير شيء. ثم ذكر عدة أسماء صحفها. وقال: (قال) عن سماك، عن عبد الله بن ظالم وإنما هو مالك بن ظالم. وقال ابن معين: يحيى بن زكريا بن أبي زائدة كيس، لا أعلمه أخطأ إلا في حديث واحد. "تراجم أعيان الحفاظ" وقد ذكر الترمذي ههنا تراجم طائفة من أعيان الحفاظ مختصرة، فنذكرهم ونذكر معهم طائفة ممن لم يسمع أيضا على وجه الاختصار إن شاء الله تعالى. "1 - أبو زرعة بن عمرو بن جرير": فمنهم أبو زرعة بن عمرو بن جرير، واسمه هرم، وقيل عبد الرحمن، قاله ابن معين وغيره. وقيل: عبد الله، وقيل: عمرو. وجده جرير بن عبد الله البجلي الكوفي. يروي عن جده جرير، وعن أبي هريرة.

روى عنه إبراهيم النخعي، وغيره. قال ابن أبي خيثمة: (ثنا) أبي، (ثنا) جريرة، عن عمارة بن القعقاع قال: قال لي إبراهيم: حدثني عن أبي زرعة، فإني سألته عن حديث، ثم سألته عنه بعد سنتين، فما أخرم منه حرفا. وخرجه ابن عدي، عن الحسين بن يوسف الفربري، عن أبي عيسى الترمذي، عن ابن حميد، كما أخرجه الترمذي ههنا. "2 - سالم بن أبي الجعد، ت 101": ومنهم سالم بن أبي الجعد. واسم أبي الجعد رافع الأشجعي، مولاهم الكوفي، وهو ثقة متفق على حديثه. وكلام منصور الذي خرجه الترمذي خرجه ابن عدي، عن الحسين بن يوسف، عن الترمذي: مع أن بعضهم تكلم في سالم بن أبي الجعد. قال ابن جرير: (ثنا) ابن حميد، (ثنا) جرير، عن المغيرة قال: ثلاثة كانوا لا يعبأون بحديثهم فذكر أحدهم سالم بن أبي الجعد. "3 - عبد الله بن عمير، ت 136": ومنهم عبد الملك بن عمير القرشي الكوفي. يكنى أبا عمرو. وهو ثقة. متفق على حديثه. وقد سبق أن أحمد قال: هو كثير الاضطراب.

وقدم سماكا وعاصم بن أبي النجود عليه في الاضطراب، يعني انه أكثر منهم اضطرابا. وقال أحمد: (ثنا) سفيان، سمعت عبد الملك بن عمير يقول: والله إني لأحدث بالحديث، وما أدع منه حرفا. وخرجه ابن عدي عن الحسين بن يوسف، عن الترمذي، كما خرجه هنا. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا صالح بن أحمد (ثنا) علي بن المديني، قال: سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول: كان سفيان يعجب من حفظ عبد الملك قال صالح: قلت لأبي: هو عبد الملك بن عمير؟ قال: نعم. قال ابن أبي حاتم: فذكرته لأبي. قال: هذا وهم، إنما هو عبد الملك بن أبي سليمان. وعبد الملك بن عمير لم يوصف بالحفظ. "4 - قتادة بن دعامة السدوسي، ت 117": ومنهم قتادة بن دعامة السدوسي البصري. يكنى أبا الخطاب، أحد الأئمة الأعلام، والحفاظ والثقات، والمتفق على صحة حديثهم. وإليه المنتهى في الحفظ والإتقان.

قال أبو هلال، عن غالب، عن بكر بن عبد الله المزني: من سره أن ينظر إلى أحفظ من أدركنا في زمانه، وأجدر أن يؤدي الحديث كما سمعه، فلينظر إلى قتادة. ما رأيت الذي هو أحفظ منه ولا أجدر أن يؤدي الحديث كما سمعه. وقال الصعق بن حزن: (ثنا) زيد أبو عبد الواحد، قال: سمعت سعيد بن المسيب يقول: ما أتاني عراقي أحفظ من قتادة. وروي عبد الرزاق، عن معمر أن ابن سيرين، قال في منام قص عليه، فعبره، فقال: قتادة احفظ الناس. وقال موسى بن إسماعيل، (ثنا) صاحب لنا عن مطر الوراق: _، قال: كان قتادة إذا سمع الحديث حفظه حفظا وكان إذا سمع الحديث أخذه العويل والزويل حتى يحفظه.

وقال أحمد: (ثنا) عبد الرزاق، عن معمر، قال: قال قتادة لسعيد: خذ المصحف. فعرض عليه سورة البقرة فلم يخطئ فيها حرفا واحدا فقال: أحكمت. قال: نعم. قال: لأنا لصحيفة جابر بن عبد الله احفظ من لسورة البقرة. وكانت قرئت عليه. وبهذا الإسناد عن قتادة، قال: ما قلت لأحد قط: أعد علي. وقال أبو داود الطيالسي: ذكر سفيان (لشعبة) حديثا لقتادة، فقال سفيان: وكان في الدنيا مثل قتادة؟ "5 - محمد بن شهاب الزهري، ت 124": ومنهم محمد بن مسلم بن شهاب الزهري القرشي. يكنى أبا بكر، أحد الأئمة الأعلام الحفاظ الإثبات. وكان يقال: انه أعلم الناس بكل فن. قال ابن أبي خيثمة: (ثنا) أبو سلمة التبوذكي، (ثنا) ابن عيينة عن عمرو بن دينار قال: جالست جابر بن عبد الله، وابن عمر، وابن عباس، وابن الزبير فلم أر أحد أنسق للحديث من الزهري. وقال أحمد بن حنبل: قيل لسفيان، يعني ابن عيينة، قال عمرو بن دينار: ما رأيت أحدا أبصر بالحديث من الزهري. قال: نعم.

وروى ابن عدي بإسناده، عن الليث قال: كان ابن شهاب يقول: ما استودعت قلبي شيئا قط فنسيته. وعن عمر بن عبد العزيز قال: ما رأيت أحدا أحسن سوقا للحديث إذا حدث من الزهري. وعن أيوب السختياني، قال: ما رأيت أعلم من الزهري، قيل له: ولا الحسن؟ قال: ما رأيت أعلم من الزهري. وقال عبد الرحمن بن إسحاق، عن الزهري: ما استعدت حديثا قط ولا شككت في حديث قط، إلا حديثا واحدا. فإذا هو كما حفظت. وقال أحمد: الزهري أحسن حديثا وأجود الناس إسنادا. وكان عمر بن عبد العزيز يقول: لم يبق أحد أعلم بسنة ماضية منه. وكذا قال مكحول: وقال الثوري: مات الزهري يوم مات وما أحد أعلم بالسنة منه. وقال هشام بن عمار: (أنا) الوليد، عن سعيد، أن هشام بن عبد الملك سأل الزهري أن يملي على بعض ولده شيئا من الحديث، فدعا بكاتب فأملى عليه أربعمائة حديث، فخرج الزهري من عند هشام فقال: أين أنتم

يا أصحاب الحديث، فحدثهم بتلك الأربعمائة، ثم لقي هشام بعد شهر، أو نحوه، فقال الزهري: إن ذلك الكتاب قد ضاع. فقال: لا عليك. فدعا بكاتب فأملاها عليه. ثم قابل هشام بالكتاب الأول. فما غادر حرفا واحدا. قال أبو حاتم الرازي: أثبت أصحاب أنس الزهري، ثم قتادة، ثم ثابت البناني. "6 - يحيى بن أبي كثير، ت 129": ومنهم يحيى بن أبي كثير الطائي. يكنى أبا نصر من أهل اليمامة واسم أبي كثير صالح بن المتوكل. كان أحد الأئمة الربانيين، والحفاظ المتقنين. قال أيوب: ما بقي على وجه الأرض مثل يحيى بن أبي كثير. وذكر ابن المديني، انه سمع يحيى بن سعيد يقول: قال شعبة: حديث يحيى بن أبي كثير أحسن من حديث الزهري. وروى عبد الرحمن بن الحكم بن بشير قال: كان شعبة يقدم يحيى بن أبي كثير على الزهري. والحكاية التي ذكرها الترمذي عن أيوب خرجها ابن عدي، عن الحسين بن يوسف، عن الترمذي.

وكان يحيى بن أبي كثير يرسل. وضعف يحيى بن سعيد مرسلاته وقال: هي شبه الريح. وقال أحمد: لا تعجبني مراسيله، لأنه قد روى عن رجال صغار ضعاف. وليحيى بن أبي كثير كلام حسن في علم المعارف والمحبة والخشية والمخاوف. "7 - أيوب بن أبي تميمة السختياني، ت 131": ومنهم أيوب بن أبي تميمة السختياني البصري يكنى أبا بكر، واسم أبيه كيسان. أحد الأئمة الأعلام الربانيين الحفاظ الأثبات. وكان شعبة يقول: (ثنا) أيوب السختياني وكان سيد الفقهاء. وقال أبو خشينة: سألت محمد بن سيرين: من حدثك بحديث كذا وكذا؟ قال: حدثني الثبت الثبت أيوب. وحدث (عنه) مالك بن أنس، وقال: ما حدثتكم عن أحد إلا أيوب أفضل منه. وروى عن (شعبة) مثله. وعن هشام بن عروة: قال: ما قدم علينا أحد من أهل العراق أفضل من أيوب السختياني ومسعر. وقال ابن أبي مليكة: أيوب ما بالمشرق مثله.

وقال عبد الوهاب الثقفي، سمعت ابن عون يقول: عليكم بأيوب. فانه أعلم مني، قال وسمعت يونس يقول: عليكم بأيوب، فإنه أعلم مني. وقال ابن المبارك: لم أر رجلا أفضل من أيوب. وقال القواريري: سمعت حماد بن زيد يقول: سمعت أيوب ويحيى بن عتيق وهشاما يتذاكران حديث محمد بن سيرين، فذكروا حديثا، فقال أيوب: هو كذا، فخالفه هشام ويحيى، ثم لم يقوما حتى رجعا إلى حفظ أيوب. قال: فأراد أيوب أن يضع من نفسه، فقال: وما الحفظ؟ وأي شيء الحفظ؟ هذا فلان يحفظ، قال حماد: رجل رأيته يضحك (به) . وقال ابن معين: أيوب ثقة، وهو أثبت من ابن عون. وإذا اختلف أيوب وابن عون في الحديث فأيوب أثبت منه. وسئل ابن معين عن أحاديث أيوب، اختلاف ابن علية وحماد بن زيد، فقال: إن أيوب كان يحفظ، وربما نسي شيء. قال يحيى: وأخبرني عبد الصمد بن عبد الوارث، عن أبيه، عن أيوب أنه كان إذا قدم البصرة يقول: خذوها رطبة قبل أن تتغير، ولم يكن يكتب ولا يكتب. قيل ليحيى: كان شعبة هم أن يترك حديث أيوب. قال: كان أيوب خيرا من شعبة، ولكن لحال أنه كان يتحفظ. ولم يكن يكتب. قال يحيى: وأيوب ويونس وابن عون هؤلاء خيار الناس وسليمان التيمي أيضا.

وذكر ابن مهدي حماد بن زيد، قال: قال لي أيوب: لقد كنت أجمعت أن لا أحدث بشيء اختلف علي فيه. وقال سلام بن أبي مطيع، قال أيوب: لو كنت كاتبا عن أحد من الناس كتبت عن ابن شهاب. "8 - مسعر بن كدام بن ظهير، ت 153": ومنهم مسعر بن كدام بن ظهير بن رافع الهلالي الرواسي. وقيل له: الرواسي لكبر رأسه. يكنى أبا سلمة، أحد الأئمة الأعلام الكوفيين. وكان هشام بن عروة يقول: ما رأيت بالكوفة مثله. وقال ابن عيينة: ما رأيت أفضل من مسعر. وقال يحيى بن سعيد: ما رأيت مثل مسعر. وكان ابن عيينة يحدث عن مسعر، ويقول: كان مسعر من معادن الصدق. وقال الثوري: كنا إذا اختلفنا في شيء، سألنا مسعرا عنه. وقال إبراهيم بن سعيد الجوهري: كان شعبة وسفيان إذا اختلفا قالا: اذهبا بنا إلى الميزان، مسعر.

قال ابن المديني: قلت ليحيى بن سعيد: أيما أثبت هشام الدستوائي أو مسعر؟ قال: كان مسعر؟ قال: كان مسعر أثبت الناس. وقال أبو نعيم: ما رأيت أثبت في حديث من مسعر. وقال ابن عيينة: قالوا للأعمش: أن مسعرا يشك في الحديث. قال: شك مسعر أحب إلي من يقين غيره. وروى ابن أبي حاتم بإسناده، عن شعبة، قال: (كنا نسمي مسعرا) المصحف. كأنه يريد اتقانه، وضبطه. وكان مسعر قانتا الله مخلصا يجتنب الشهرة يحب الخمول. وقد نسب إلى شيء من الأرجاء، فتكلم فيه الثوري وشريك بسبب ذلك. "9 - شعبة بن الحجاج، ت 160": ومنهم شعبة بن الحجاج بن الورد العتكي الأزدي الواسطي، يكنى أبا بسطام، سكن البصرة. وهو أول من وسع الكلام في الجرح والتعديل، واتصال الأسانيد وانقطاعها، ونقب عن دقائق علم العلل، وأئمة هذا الشأن بعده تبع له في هذا العلم. وقال صالح بن محمد الحافظ: أول من تلكم في الرجال شعبة بن الحجاج، ثم تبعه يحيى بن سعيد القطان ثم تبعه يحيى بن معين، وأحمد بن حنبل.

وقال عبد الله بن أحمد عن أبيه، قال: كان شعبة أمة وحده في هذا الشأن يعني في الرجال، وبصره في الحديث وتثبته وتنقيته للرجال. وقال عبد الله بن إدريس: كان شعبة قبان المحدثين. وقال حماد بن زيد: قال لنا أيوب: الآن يقدم عليكم رجل من أهل واسط، هو فارس في الحديث، فخذوا عنه. قال حماد: فلما قدم شعبة أخذت عنه. وقال أبو الوليد الطيالسي: قال لي حماد بن سلمة: إذا أردت الحديث فالزم شعبه. قال أبو الوليد: وسمعت حماد بن زيد يقول: لا أبالي من خالفني إذا وافقني شعبة، لأن شعبة كان لا يرضى أن يسمع الحديث مرة، إذا خالفني شعبة في شيء تركته. وكان الثوري يقول: شعبة أمير المؤمنين في الحديث، وكان يقول أستاذنا شعبة. قال الشافعي: لولا شعبة ما عرف الحديث بالعراق. وقال أحمد: شعبة أثبت في الحكم من الأعمش، وأعلم بحديث الحكم، ولولا شعبة ذهب حديث الحكم وشعبة أحسن حديثا من الثوري.

لم يكن في زمان شعبة مثله في الحديث، ولا أحسن حديثا منه قسم له من هذا حظ، وروى عن ثلاثين رجلا من أهل الكوفة لم يرو عنهم سفيان. وقال أحمد أيضا: كان شعبة أثبت من سفيان وأنقى رجالا. وقال مرة: شعبة أنبل رجالا وأنسق حديثا، يعني من سفيان. وقال علي بن المديني: سمعت يحيى بن سعيد، يقول: كان شعبة أعلم بالرجال، عن فلان، عن فلان كذا وكذا. وكان سفيان صاحب أبواب. وكان شعبة أمر في الأحاديث الطوالات يعني أسرد لها. وقال أبو داود: لما مات شعبة، قال سفيان: مات الحديث. قيل له: هو أحسن حديثا من سفيان؟ قال: ليس في الدنيا أحسن حديثا من شعبة، ومالك على القلة - والزهري أحسن الناس حديثا، وشعبة يخطئ فيما لا يضره، ولا يعاب عليه يعني في الأسماء. وقال العجلي: (شعبة) ثقة ثبت في الحديث. وكان يخطئ في أسماء الرجال قليلا. وقال أحمد: ما أكثر ما يخطئ شعبة في أسامي الرجال. وقال أيضا: كان شعبة يحفظ، لم يكتب إلا شيئا قليلا. ربما وهم في الشيء.

وقال أحمد: سئل عفان: أيما أقل خطأ شعبة أو سفيان؟ قال: شعبة بكثير. قال يزيد بن هارون: لولا أن شعبة أراد الله ما ارتفع هكذا قال ابن أبي حاتم: يعني بكلامه في رواة العلم. وقال أبو حاتم الرازي: كان الثوري قد غلب عليه شهوة الحديث وحفظه. وكان شعبة أبصر بالحديث وبالرجال. وكان الثوري أحفظ. وكان شعبة بصيرا بالحديث جدا، فهما له كأنه خلق لهذا الشأن. وقد خرج ابن عدي عن الحسين بن يوسف عن الترمذي عن عبد بن حميد الحديث الذي خرجه الترمذي ههنا في اختلاف شعبة إلى شيوخه. وخرج أيضا من حديث حماد بن زيد، قال: إذا خالفني شعبة في الحديث تبعته. قيل له: ولم؟ قال: إن شعبة كان يسمع ويعيد، ويبدي وكنت أنا أسمع مرة واحدة. وقال يعقوب بن شيبة كان يقال: إن شعبة كان إذا لم يسمع الحديث مرتين لم يعتد به. سمعت سهل بن محمد العسكري، أخبرني ابن أخي ابن أبي زائدة عن عمه يحيى بن زكريا بن أبي زائدة. قال: سألت شعبة عن حديث فلم يحدثني به، وقال: لم أسمعه إلا مرة، فلا أحدثك به. وخرج ابن أبي حاتم، عن أبيه، عن أبي الوليد، قال: سألت شعبة عن حديث، فقال: لا أحدثك، إني سمعته من ابن عون مرة واحدة.

وقال أبو الوليد: قال حماد بن زيد شعبة كان لا يرضى أن يسمع الحديث مرة، يعاود صاحبه مرارا. ونحن كنا إذا سمعناه مرة اجتزينا به. "10 - سفيان بن سعيد الثوري، ت161": ومنهم سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، وليس من ثور همدان على الأصح، أبو عبد الله الكوفي، أحد الأئمة المجتهدين، والعلماء الربانيين الحفاظ المبرزين. وقد قال فيه شعبة وابن عيينة وأبو عاصم وابن معين وغيرهم: إنه أمير المؤمنين في الحديث. وقال ابن المبارك: ما كتبت عن أحد أفضل منه. وعنه قال: ما رأيت مثل سفيان. وعن يونس بن عبيد، قال: ما رأيت أفضل من سفيان. وقال ورقاء بن عمر: لم ير سفيان مثل نفسه. وقال ابن عيينة: ما رأيت قط مثله. قال عبد الرزاق: سمعت سفيان يقول: ما استودعت قلبي شيئا قط فخافني.

وكان شعبة يقول: سفيان أحفظ مني، وإذا خالفني في حديث فالحديث حديثه. وقال يحيى بن سعيد: ما رأيت أحدا أحفظ من سفيان، ثم شعبة ثم هشيم. وقال محمد بن خلاد: سمعت يحيى بن سعيد، وذكر شعبة وسفيان، فقال: سفيان أقل خطأ: لأنه يرجع إلى كتاب. وقال ابن عيينة: ما بالعراق أحد يحفظ الحديث إلا سفيان. وقال أبو داود الطيالسي، عن شعبة: ما حدثني أحد عن شيخ إلا وإذا سألته، يعني ذلك الشيخ، يأتي بخلاف ما حدث به. ما خلا سفيان الثوري فإنه لم يحدثني عن شيخ إلا وإذا سألته وجدته على ما قال سفيان. وقال أحمد: سفيان أحفظ للإسناد وأسماء الرجال من شعبة. وقال إسحاق بن هانئ: قلت لأحمد: إن اختلف سفيان وشعبة في الحديث، فالقول قول من؟ قال: سفيان أقل خطأ، وبقول سفيان آخذ. وقال: الثوري أعلم بحديث الكوفيين ومشايخهم من الأعمش. وقال: علم الناس إنما هو عن شعبة وسفيان وزائدة وزهير، هؤلاء أثبت الناس واعلم بالحديث من غيرهم.

وقال معاوية بن عمرو، عن زائدة: كنا نأتي الأعمش فيحدثنا فيكثر، ونأتي سفيان الثوري فنذكر له تلك الأحاديث، فيقول: ليس هذا من حديث الأعمش. فنقول: هو حدثنا به الساعة. فيقول: اذهبوا فقولوا له إن شئتم فنأتي الأعمش فنخبره بذلك، فيقول: صدق سفيان. ليس هذا من حديثنا. وقال أبو حاتم الرازي: هو إمام أهل العراق، وأتقن أصحاب أبي إسحاق، وهو أحفظ من شعبة وإذا اختلف شعبة والثوري فالثوري. وقال أبو زرعة: كان الثوري أحفظ من شعبة في إسناد الحديث ومتنه. وقال أبو داود: ليس يختلف سفيان وشعبة في شيء إلا يظفر به سفيان. وخالفه في أكثر من خمسين حديثا، القول فيها قول سفيان. قال: وبلغني عن يحيى بن معين، أنه قال: ما خالف أحد سفيان في شيء إلا كان القول قول سفيان. وقال وهيب بن خالد: ما أدرك الناس أحفظ من سفيان. قال الأشجعي: ذهبت مع سفيان إلى هشام بن عروة، فجعل سفيان

يسأل هشاما، وهشام يحدثه، حتى إذا فرغ قال له سفيان: أعيدها عليه. فأعادها (عليه) . قال: ثم قال هشام لأصحاب الحديث: احفظوا كما حفظ صاحبكم. قالوا: لا نستطيع أن نحفظ كما حفظ. وذكر العجلي عن بعض الكوفيين عن شريك، قال: قدم علينا سالم الأفطس، فأتيته ومعي قرطاس فيه مائة حديث، فسألته عنها، فحدثني بها وسفيان يسمع، فلما (فرغ) قال لي سفيان: أرني قرطاسك، فأعطيته (إياه) فخرقه فرجعت إلى منزلي فاستلقيت على قفاي، فحفظت منها سبعة تسعين حديثا، وذهبت عني ثلاثة. قال: وحفظها سفيان كلها. كان سفيان ممرورا لا يخالطه شيء من البلغم (حتى كان يخاف عليه وكان لا يسمع شيئا إلا حفظه) . وقال يحيى بن سعيد: سفيان فوق مالك في كل شيء. وعن ابن المبارك، قال: لا أعلم على وجه الأرض أعلم من سفيان. وعنه قال: ما رأيت أحدا خيرا من سفيان.

وعن ابن عيينة، قال: ما رأيت رجلا أعلم بالحلال والحرام من سفيان. وقال زائدة: سفيان أعلم الناس في أنفسنا. وكان يرى أنه سيد المسلمين. قال أحمد: قال ابن عيينة: لن ترى بعينيك مثل سفيان حتى تموت، قال أحمد: هو كما قال. قال أحمد: ما يتقدم سفيان في قلبي أحد. ثم قال: أتدري من الإمام؟ الإمام سفيان الثوري قال عبد الرحمن بن الحكم بن بشير: ما سمعت بعد التابعين بمثل سفيان. وقال المثنى بن الصباح: سفيان عالم الأمة وعابدها، وفضائله كثيرة جدا، وهي مذكورة في كتب كثيرة من تصانيف العلماء. وأفراد (أبو الفرج) بن الجوزي مناقبه في مجلد. قال علي بن المديني: لا أعلم سفيان صحف في شيء قط، إلا في اسم امرأة أبي عبيد، كان يقول حفينة (يعني أن الصواب جفينة بالجيم) . "11 - مالك بن أنس، ت 179": ومنهم مالك بن أنس بن أبي عامر الأصبحي إمام دار الهجرة، المجتمع على إمامته وجلالته وفضله وعلمه.

قال الشافعي: إذا جاء الأثر فمالك النجم. وقال أيضا: لولا مالك وسفيان لذهب علم الحجاز. وقال أيضا: كان مالك إذا شك في الحديث تركه كله. وقال أيضا: العلم يدور على مالك وابن عيينة والليث. وقال ابن مهدي: ما أقدم على مالك في صحة الحديث أحدا. وقال يحيى بن سعيد: ما في القوم أصح حديثا من مالك. يعني بالقوم مالكا والثوري وابن عيينة. قال أحمد: مالك أصح حديثا من ابن عيينة. قيل له: فمعمر؟ فقدم عليه مالكا. وسئل أي أصحاب الزهري أثبت؟ قال: مالك أثبت في كل شيء. وقال ابن معين: أثبت أصحاب الزهري مالك، ثم معمر. قال: ومالك أثبت في نافع من أيوب، وعبيد الله بن عمر، وليث بن سعد. وقال الفلاس: أثبت من روى عن الزهري ممن لا يختلف فيه مالك بن أنس. قال عبد الله بن أحمد: سمعت أبي يقول: كنت أنا وعلي بن المديني

فذكرنا أثبت من روى عن الزهري. فقال علي: سفيان بن عيينة. فقلت أنا: مالك بن أنس. وابن عيينة يخطئ في نحو من عشرين حديثا عن الزهري. وقلت هات ما أخطأ فيه مالك. فجاء بحديثين أو ثلاثة. قال: فنظرت ما أخطأ فيه سفيان بن عيينة فإذا هو أكثر من عشرين حديثا. وقال أبو حاتم الرازي: مالك إمام أهل الحجاز، وهو أثبت أصحاب الزهري: وإذا خالفوا مالكا من أهل الحجاز حكم لمالك، ومالك نقي للرجال، نقي الحديث، وهو أتقن حديثا من الثوري والأوزاعي وأقوى في الزهري من ابن عيينة، وأقل خطأ منه (وأقوى) من معمر وابن أبي ذئب. وقال أحمد: مالك من أثبت الناس، ولا تبالي أن (لا) تسأل عن رجل روى عنه مالك، ولا سيما مديني. وسئل أحمد عن مالك وابن عيينة في الزهري، قال: مالك أثبت مع قلة ما روى وقال: معمر أحبهم إلي (وأحسنهم) حديثا وأصح، يعني أصحاب الزهري، وبعده مالك. وسئل: أيما أثبت في نافع عبيد الله أو مالك؟ قال ليس أحد أثبت في نافع من عبيد الله، كذا نقله المروزي عن أحمد. ونقل ابن هانئ عن أحمد، قال: أوثق أصحاب نافع، عندي:_،

أيوب ثم مالك ثم عبيد الله. ونقل ابن هانئ عنه أيضا، قال: ليس أحد في نافع أثبت من عبيد الله بن عمر ولا أصح حديثا منه. وهذا كله يخالف قول ابن معين. وقد روى ابن أبي حاتم من طريق (ابن) مهدي، قال: قال وهيب لمالك: لم أر أروى عن نافع من عبيد الله بن عمر، إن كان حفظ. فقال مالك (صدقت) . قال وهيب، وقلت: لم أر أثبت عن نافع من أيوب، فضحك مالك، أي كأنه يريد (مالك) نفسه. وذكر ابن أبي حاتم بإسناده، عن ابن عيينة، قال: ومن كان أطلب لحديث نافع وأعلم به من أيوب؟. وقال ابن المديني: أثبتهم عندي أيوب. وقال يحيى القطان: ابن جريج أثبت في نافع من مالك. قال يحيى: مرسلات مالك أحب إلي من مرسلات الأعمش، والتيمي،

ويحيى بن أبي كثير، وأبي إسحاق: (وابن عيينة) ، والثوري. قال يحيى، ليس في القوم أصح حديثا من مالك. وهذا معنى ما ذكره الترمذي عن يحيى أنه قال: مالك عن ابن المسيب أحب إلي من سفيان عن النخعي. وقال النسائي: أمناء الله D على (علم) رسول الله A شعبة (بن الحجاج) ومالك بن أنس، ويحيى بن سعيد القطان. قال: والثوري إمام إلا أنه كان يروي عن الضعفاء. وكذلك ابن المبارك من أجل أهل زمانه إلا أنه يروي عن الضعفاء. قال وما أحد عندي بعد التابعين أنبل من مالك، ولا أجل ولا آمن على الحديث (ثم "يليه" شعبة في الحديث، ثم يحيى القطان، ليس بعد التابعين آمن على الحديث) من هؤلاء الثلاثة ولا أقل رواية عن الضعفاء. وقال يحيى القطان: سفيان وشعبة ليس لهما ثالث إلا مالك. وقال ابن معين: مالك أمير المؤمنين في الحديث. وقال ابن المديني: كل مدني لم يحدث عنه مالك ففي حديثه شيء. لا أعلم مالكا ترك إنسانا في حديثه شيء. "12 - عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي، ت 157": ومنهم عبد الرحمن بن عمرو بن (يحمد) الأوزاعي أبو عمرو. إمام أهل

الشام، وأحد الأئمة الأعلام. ذكر إسماعيل بن عياش أنه سمع الناس سنة أربعين ومائة يقولون: الأوزاعي اليوم عالم الأمة. وقال مالك: الأوزاعي إمام يقتدى به. وكان مالك يرجحه على سفيان الثوري وغيره. وقال عبد الله بن داود الخريبي، كان الأوزاعي أفضل أهل زمانه. قال ابن معين: الأوزاعي أثبت من سفيان بن عيينة. وقال إسحاق بن إبراهيم: إذا اجتمع سفيان الثوري ومالك بن أنس والأوزاعي على أمر فهو سنه، وإن لم يكن في كتاب ناطق، فإنهم أئمة. وقال الفلاس: الأئمة خمسة، الأوزاعي بالشام والثوري بالكوفة ومالك بالحرمين، وشعبة وحماد بن زيد بالبصرة. وذكر ابن مهدي: الأئمة أربعة، ولم يذكر شعبة، وقد خرجه الترمذي، وروى من غير وجه عن ابن مهدي. وفي رواية عنه. قال: أئمة الناس في زمانهم أربعة، فذكرهم. وقال ابن مهدي أيضا: لم يكن بالشام أعلم بالسنة من الأوزاعي. وذكر الوليد بن مسلم عن الأوزاعي، قال: كنا نسمع الحديث فنعرضه

على أصحاب كما يعرض الدرهم الزائف على الصيارفة، فما عرفوا منه أخذنا، وما أنكروا منه تركنا. "13 - حماد بن زيد، ت 179": ومنهم حماد بن زيد بن درهم، أبو إسماعيل البصري، أحد الأعلام الأثبات. قال أحمد: هو من أئمة المسلمين، من أهل الدين والإسلام، وهو أحب إلي من حماد بن سلمة، يعني في صحة الحديث. وقال ابن مهدي: لم أر أحدا قط أعلم بالسنة، وما يدخل في السنة من حماد بن زيد. وقال ابن مهدي أيضا: ما رأيت أحدا لم يكتب الحديث أحفظ من حماد بن زيد. وقال أيضا: ما رأيت بالبصرة أفقه منه. وروي عنه، قال: ما رأيت أعلم من حماد بن زيد (ولا من سفيان من مالك) . وسئل وكيع: أيهما أحفظ حماد بن زيد أو ابن سلمة؟. قال: حماد بن زيد، ما كنا نشبه حماد بن زيد إلا بمسعر. وقال الثوري: هو رجل أهل البصرة.

وقال يحيى بن يحيى: ما رأيت أحدا من الشيوخ أحفظ من حماد بن زيد. وقال سليمان بن حرب: سمعت حماد بن زيد يحدث بالحديث، فيقول سمعته منذ خمسين سنة، ولم أحدث (به) قبل اليوم. ولم يكن له كتب إلا كتاب ليحيى بن سعيد الأنصاري. وقال يزيد بن زريع: حماد بن زيد أثبت في الحديث من حماد بن سلمة. وقال ابن معين: حماد بن زيد أثبت من عبد الوارث، وابن علية والثقفي، وابن عيينة. وقال أبو الوليد: يرون أن حماد بن زيد دون شعبة في الحديث. وقال أبو زرعة: حماد بن زيد أثبت من حماد بن سلمة بكثير، أصح حديثا وأتقن. وقال أحمد: ما عندي أعلم بحديث أيوب من حماد بن زيد، وقد أخطأ في غير شيء. وقال أحمد: ما عندي أعلم بحديث أيوب من حماد بن زيد، وقد أخطأ في غير شيء. وقال ابن معين: ليس أحد أثبت في أيوب من حماد بن زيد. وقال ابن مهدي: ليس أحد أثبت في أيوب من حماد بن زيد. وقال ابن مهدي: لم يكن عنده كتاب إلا جزء ليحيى بن سعيد، وكان يخلط فيه. وذكر (ابن حبان) وغيره: أنه كان ضريرا، وكان يحفظ حديثه كله.

وقال وهب بن جرير: سأل رجل شعبة عن حديث من حديث أيوب، فقال له: يا مجنون تسألني عن حديث (من حديث) أيوب وحماد إلى جنبك. وقال سليمان بن حرب: حماد بن زيد في أيوب أكبر من كل من روى عن أيوب. وقال ابن معين: إذا اختلف إسماعيل ابن علية وحماد بن زيد في أيوب كان القول قول حماد، قيل ليحيى: فإن خالفه سفيان الثوري؟ قال: فالقول قول حماد بن زيد في أيوب. قال يحيى: ومن خالفه من الناس جميعا في أيوب فالقول قوله. ولما مات حماد بن زيد قال يزيد بن زريع: مات سيد المسلمين. "14 - يحيى بن سعيد القطان، ت 198": ومنهم يحيى بن سعيد القطان، أبو سعيد، خليفة شعبة، والقائم بعده مقامه في هذا العلم وعنه تلقاه أئمة هذا الشأن، كأحمد، وعلي، ويحيى، ونحوهم. وقد كان شعبة يحكمه على نفسه في هذا العلم. ذكر ابن أبي حاتم عن أبيه عن رستة الأصبهاني، قال، سمعت ابن مهدي يقول: اختلفوا يوما عند شعبة فقالوا: اجعل بيننا وبينك حكما. فقال: قد رضيت بالأحوال، يعني يحيى بن سعيد القطان، فجاء يحيى فتحاكموا إليه، فقضى على شعبة، فقال له شعبة: ومن يطيق نقدك يا أحوال؟ أو من له مثل نقدك؟.

وقال ابن معين: قال لي عبد الرحمن بن مهدي: لا ترى بعينيك مثل يحيى بن سعيد القطان أبدا. وقال الإمام أحمد: ما رأينا مثل يحيى بن سعيد في هذا الشأن (يعني في معرفة الحديث ورواته، هو كان صاحب هذا الشأن) ، وجعل يرفع أمره جدا. وقال أحمد أيضا: لم يكن في زمان يحيى القطان مثله: كان تعلم من شعبة. وسئل أحمد عن يحيى وابن مهدي ووكيع، فقال: كان يحيى أبصرهم بالرجال، وأنقاهم حديثا، وأظنه قال: وأثبتهم حديثا. وقال أيضا: لا يقاس بيحيى بن سعيد في العلم أحد. وقال أيضا: ما رأيت في الحديث أثبت منه. وقال سهيل (بن صالح) . سألت أحمد بن حنبل، فقلت: يحيى القطان، وابن المبارك إذا اختلفا في حديث، فقول من تقدم؟ فقال: ليس نقدم نحن على يحيى أحدا. وقال أبو حاتم الرازي: إذا اختلف ابن المبارك ويحيى بن سعيد وسفيان بن عيينة في حديث، آخذ بقول يحيى. قال ابن المديني: ما رأيت أحدا أنفع للإسلام وأهله من يحيى بن سعيد القطان.

قال (علي) : سمعت يحيى بن سعيد يقول: ينبغي لصاحب الحديث أن يكون ثبت الأخذ ويكون يفهم ما يقال له، ويبصر الرجال، ثم يتعاهد ذاك. وقال البخاري: أعلم الناس بالثوري يحيى بن سعيد، لأنه عرف صحيح حديثه من تدليسه. وقال أبو علي الحافظ: (ثنا) أبو بكر الواسطي، قال: سمعت علي بن المديني، يقول: شعبة أحفظ الناس للمشايخ، وسفيان أحفظ الناس للأبواب، وابن مهدي أحفظهم، (ثم إنه) قال: للمشايخ والأبواب، ويحيى بن سعيد أعرف بمخارج الأسانيد، وأعرف بمواضع الطعن من جمعيهم. وقال يحيى بن غيلان: سمعت يحيى بن سعيد يقول: ما تركت حديث محمد بن إسحاق إلا لله. وقال أبو بكر بن خلاد: دخلت على يحيى بن سعيد في مرضه، فقال لي: يا أبا بكر، ما تركت أهل البصرة يتكلمون؟ قلت: يذكرون خيرا، إلا أنهم يخافون عليك من كلامك في الناس. فقال: احفظ عني، لأن يكون خصمي (في الآخرة) رجل من عرض الناس أحب إلي من أن يكون خصمي في الآخرة النبي A يقول: بلغك عني حديث وقع في وهمك أنه عني غير صحيح، يعني فلم تنكر.

15- عبد الرحمن بن مهدي، ت 198:

"15 - عبد الرحمن بن مهدي، ت 198": ومنهم عبد الرحمن بن مهدي البصري، قرين يحيى بن سعيد، ويكنى أبا سعيد أيضا. قال حسين بن عروة: كنا عند حماد بن زيد، وعنده عبد الرحمن بن مهدي، فقال حماد: إن كان أحد يؤتى لهذا الشأن، فهو هذا الشاب. وقال جرير الرازي: ما رأيت مثل عبد الرحمن بن مهدي، ووصف عنه بصرا بالحديث وحفظا. وقال ابن المديني: كان ابن مهدي أعلم الناس، قالها مرارا. وفي رواية عنه: قال: أعلم الناس بالحديث عبد الرحمن بن مهدي. وقال أيضا: (أعلم الناس بزيد بن ثابت وقوله عشرة، وسماهم، أولهم سعيد بن المسيب. قال: وكان) أعلم الناس بقولهم وحديثهم ابن شهاب، ثم بعده مالك، ثم بعد مالك عبد الرحمن بن مهدي.

وقال أبو حاتم: (ثنا محمد بن صفوان. قال: سمعت ابن المديني يقول: لو أخذت فأحلقت بين الركن والمقام لحلفت بالله أنني لم أر أحدا قط أعلم بالحديث من عبد الرحمن بن مهدي. وقال صالح بن أحمد بن حنبل: قلت لأبي: أيما أثبت عندك: عبد الرحمن بن مهدي أو وكيع؟ قال: عبد الرحمن أقل سقطا من وكيع في سفيان، قد خالفه وكيع في ستين حديثا من حديث سفيان، وكان عبد الرحمن يجيء بها على ألفاظها، وكان لعبد الرحمن توق حسن. وقال محمد بن أبي بكر المقدمي: ما رأيت أحدا أتقن لما سمع، ولما لم يسمع من عبد الرحمن بن مهدي. وقال أبو حاتم الرازي: عبد الرحمن بن مهدي أثبت من يحيى بن سعيد وأتقن من وكيع وكان عرض حديثه علي سفيان الثوري. وقال الإمام أحمد أيضا (في ابن مهدي) - C - ما كان أشد تتبعه للألفاظ، وأشد توقيه. وقال: كان (حافظا) ، وكان يتوقى كثيرا، كان يحب أن يحدث باللفظ. قال: وهو إمام من أئمة المسلمين.

وقال: لم يكن يكثر الحديث جدا، كان الغالب عليه حديث سفيان. قال: وكان يتوسع في الفقه، كان فيه أوسع من يحيى، كان يحيى يميل إلى قول الكوفيين، وكان عبد الرحمن يذهب إلى بعض مذاهب الحديث، وإلى رأي المدنيين. نقل ذلك كله الأثرم عن الإمام أحمد. وقال أبو حاتم الرازي: سئل أحمد عن يحيى وعبد الرحمن ووكيع فقال: كان عبد الرحمن أكثرهم حديثا. وروى الحافظ أبو نعيم بإسناده عن القواريري. قال: كان ابن مهدي يعرف حديثه وحديث غيره وكان يحيى بن سعيد يعرف حديثه. وعن حماد بن زيد، قال: لئن عاش ابن مهدي ليخرجن رجل أهل البصرة. وعن حماد، أنه سئل عن مسألة. فقال: من لهذا إلا ابن مهدي فأقبل عبد الرحمن فسألوه عن ذلك: فأجاب، فلما (قما) من عنده قال: هذا سيد أو فتى أهل البصرة منذ ثلاثين سنة أو نحو هذا. وعن القواريري، قال: أملى على عبد الرحمن بن مهدي عشرين ألف حديث حفظا. وعن أحمد بن حنبل، قال: كأن عبد الرحمن بن مهدي خلق للحديث. وعن مهنا، سألت أحمد أيهما أفقه: عبد الرحمن أو يحيى؟ قال: عبد الرحمن. وعن ابن المديني، قال: كان علم عبد الرحمن بن مهدي في الحديث كالسحر. وقال نعيم بن حماد: قلت لابن مهدي: كيف تعرف صحيح الحديث وسقيمه؟ قال: كما يعرف الطبيب المجنون.

16- وكيع بن الجراح مليح، ت 196:

وعن ابن نمير، قال: ابن مهدي: معرفة الحديث إلهام. قال ابن نمير: صدق، لو قلت له: من أين؟. لم يكن له جواب. وقال ابن مهدي: لا يجوز أن يكون الرجل إماما حتى يعلم ما يصح مما لا يصح، وحتى لا يحتج بكل شيء، وحتى يعلم مخارج العلم. وقال ابن مهدي: لأن أعرف (علة) حديث واحد أحب إلي من أن أستفيد عشرة أحاديث. وعنه قال: لا يكون إماما في الحديث من يحدث بكل ما سمع ولا يكون إماما في العلم من يحدث عن كل أحد، ولا يكون إماما في العلم من يحدث بالشاذ من العلم، (والحفظ والإتقان) . "16 - وكيع بن الجراح مليح، ت 196": ومنهم وكيع بن الجراح بن مليح بن فرس بن عدي، أبو سفيان الرؤاسي الكوفي، أحد الأئمة الأعلام. وقال أحمد: ما رأيت أحدا أوعى للعلم من وكيع، ولا أشبه بأهل النسك.

وقال أيضا: كان وكيع حافظا (حافظا) ، وكان أحفظ من ابن مهدي (كثيرا كثيرا) . وقال أيضا: ما رأيت أحد ممن أدركنا كان أحفظ للحديث من وكيع. وقال: أيضا -: وكيع كان يحفظ عن سفيان وعن المشايخ، فلم يكن يصحف. وقال: أيضا -: ما رأيت أحدا كان أجمع من وكيع. وقال: وما كتبت عن أحد أكثر مما كتبت عنه. وقال إسحاق بن راهويه: حفظي وحفظ ابن المبارك تكلف، وحفظ وكيع أصلي، قام وكيع يوما قائما، ووضع يده على الحائط وحدث بسبعمائة حديث. وقال بشر بن السري، وسهل بن عثمان، ويحيى بن معين، ما رأينا أحفظ من وكيع. وقال إبراهيم بن شماس: وكيع أحفظ الناس. وسئل أحمد بن يحيى وابن مهدي ووكيع، فقال: كان وكيع أسردهم.

قال أبو حاتم: وكيع أحفظ من ابن المبارك. وقال يحيى بن يمان: إن لهذا الحديث رجالا خلفهم الله منذ خلق السماوات والأرض، وان وكيعا منهم. وقال حماد بن زيد: ليس الثوري عندنا بأفضل من وكيع. وسئل عبد الرحمن: من أثبت في الأعمش بعد الثوري؟ قال: ما أعدل بوكيع أحدا. قال له رجل: يقولون أبو معاوية، فنفر من ذلك، وقال: أبو معاوية عنده كذا وكذا وهما. وقال ابن معين وكيع أحب إلي في سفيان من عبد الرحمن بن مهدي. فذكر ذلك لأبي حاتم، وقيل له: أيهما أحب إليك؟ فقال: عبد الرحمن ثبت، ووكيع ثقة. وظاهر هذا أنه قدم عبد الرحمن على وكيع. وقال ابن معين: ما رأيت أحفظ من وكيع. وقال أيضا: من فضل عبد الرحمن بن مهدي على وكيع لعنه يحيى. وعن عبد الرزاق، قال: رأيت الثوري وابن عيينة ومعمرا ومالكا، ورأيت ورأيت فما رأت عيناي قط مثل وكيع.

الأعلام الذين لم يترجم لهم الترمذي

وقال محمد بن عبد الله بن نمير وكيع: أعلم بالحديث من ابن إدريس وكانوا إذا رأوا وكيعا سكتوا، يعني للحفظ والاجلال. "الأعلام الذين لم يترجم لهم الترمذي" فهذا ما أشار إليه الترمذي من تراجم بعض أعيان الأئمة الحفاظ المقتدى بهم في هذا العلم. وذكر أنه ذكره على وجه الاختصار، ليستدل به على منازلهم، وتفاوت مراتبهم في الحفظ. ونذكر بعض تراجم الأئمة الذين تكرر ذكرهم في هذا الكتاب في أثناء الأبواب، وحكى عنهم الكلام في الجرح والتعديل والعلل. ولم يذكرهم ها هنا. "17 - عبد الله بن المبارك": فمنهم عبد الله بن المبارك الخراساني، أبو عبد الرحمن، إمام خراسان الجامع بين الخلال الحسان. وقال ابن عيينة: كان فقيها عالما زاهدا سخيا شجاعا شاعرا. وقال أحمد: لم يكن في زمن ابن المبارك أطلب للعلم منه، رحل إلى

اليمن وإلى مصر والشام والبصرة والكوفة. وكان من رواة العلم. وكان أهل ذاك. كتب عن الصغار والكبار، وجمع أمرا عظيما. ما كان أحد أقل سقطا من ابن المبارك. وكان يحدث من حفظه، ولم يكن ينظر في كتاب. وقال أيضا: ما أخرجت خراسان مثل ابن المبارك. وعن الثوري، قال: ابن المبارك أعلم أهل المشرق وأهل المغرب. وعن ابن عيينة، قال: ابن المبارك عالم المشرق والمغرب وما بينهما. وقال ابن مهدي: ما رأيت مثل ابن المبارك، فقيل له: ولا سفيان ولا شعبة؟ قال: ولا سفيان، ولا شعبة. وقال (معمر) بن سليمان: ما رأيت مثل ابن المبارك نصيب عنده شيء الذي لا يصاب عند أحد. وقال أبو الوليد الطيالسي: ما رأيت أجمع من ابن المبارك. وروى ابن الطباع، عن ابن مهدي، قال: الأئمة أربعة: الثوري

ومالك، وحماد بن زيد، وابن المبارك. وقال أبو إسحاق الفزاري: ابن المبارك إمام المسلمين. وقال نعيم بن حماد: قلت لابن مهدي: أيهما أفضل عندك ابن المبارك أو سفيان؟. قال: ابن المبارك. قلت: إن الناس يخالفونك. قال: إن الناس لم يجربوا. ما رأيت مثل ابن المبارك. وعنه قال: ابن المبارك أثبت من الثوري. وقال سنيد عن شعيب بن حرب: سمعت سفيان الثوري يقول: لو جهدت جهدي أن أكون في السنة ثلاثة أيام على ما عليه ابن المبارك، لم أقدر عليه. وقال ابن عيينة: لا ترى عينك مثل ابن المبارك. وسئل ابن (معين) : من أثبت في حيوة، ابن المبارك، أو ابن وهب؟

قال ابن المبارك أثبت منه. يعني ابن وهب، في جميع ما يروي. ثم قال: ابن المبارك بابه يحيى بن سعيد القطان يعني انه يشبهه. وقال أسود بن سالم: كان ابن المبارك إماما يقتدى به. كان من أثبت الناس في السنة، إذا رأيت رجلا يغمز ابن المبارك بشيء فاتهمه على الإسلام. وقال الأوزاعي لرجل: لو رأيت ابن المبارك لقرت عينيك. ولما مات ابن المبارك، قال الفضيل بن عياض: ما خلف بعده مثله. وعن ابن عيينة، قال: نظرت في الصحابة فما رأيت لهم فضلا على ابن المبارك إلا صحبتهم النبي A وغزوهم معه. وعن أبي أسامة، قال: كان ابن المبارك في أصحاب الحديث مثل أمير المؤمنين (في الناس) . وقال شعيب بن حرب: ما لقي ابن المبارك رجلا إلا وابن المبارك أفضل منه. وقال الحسن بن عياش: لم يأخذ ابن المبارك في فن من الفنون إلا يخيل إليك أن علمه كان فيه. وقال إسماعيل بن عياش: ما على وجه الأرض مثل ابن المبارك، وملا أعلم أن الله خلق خصلة من خصال الخير إلا وقد جعلها فيه.

18- الإمام أحمد بن حنبل، ت 241:

وقال عبد العزيز بن أبي رزمة: لم تكن خصلة من خصال البر إلا جمعت في ابن المبارك. حياء، وكرم، وحسن خلق، وحسن صحبة، حسن المجالسة والزهد والورع وكل شيء. وقال الحسن بن عيسى: اجتمع جماعة من أصحاب ابن المبارك مثل الفضل بن موسى، ومخلد بن حسين ومحمد بن النضر، فقالوا: تعالوا حتى نعد خصال ابن المبارك، من أبواب الخير، فقالوا: جمع العلم، والفقه، والأدب، والنحو، واللغة، والزهد، والشعر، والفصاحة، والورع، والإنصاف، وقيام الليل، والعبادة، والحج، والغزو والشجاعة، والفروسية، والشدة في بدنه، وترك الكلام فيما لا يعنيه، وقلة الخلاف على أصحابه. وقال العباس بن مصعب: جمع ابن المبارك الحديث والفقه والعربية وأيام الناس والشجاعة، والتجارة، والسخاء، والمحبة عند الفرق. وقال ابن المديني: ابن المبارك أوسع علما من ابن مهدي ويحيى بن آدم. 478 - وقال جعفر الطيالسي: قلت لابن معين: إذا اختلف يحيى القطان ووكيع؟ قال: القول قول يحيى. قلت: إذا اختلف عبد الرحمن ويحيى؟ قال: يحتاج من يفصل بينهما. قلت: أبو نعيم وعبد الرحمن؟ قال: يحتاد من يفصل بينهما. قلت: ابن المبارك؟ قال: ذاك أمير المؤمنين. وقال النسائي: أثبت أصحاب الأوزاعي ابن المبارك. وقال إبراهيم الحربي. عن أحمد: إذا اختلف أصحاب معمر فالقول قول ابن المبارك. وقال نعيم بن حماد: قال ابن المبارك: قال لي أبي: لئن وجدت كتبك لأحرقنها. فقلت له: وما علي من ذلك وهو في صدري. وكان ابن المبارك، يقول: لنا في صحيح الحديث شغل عن سقيمه. وقال: العلم ما يجيئك من هنا وهنا، يعني المشهور. وقيل له: هذه الأحاديث المصنوعة؟ قال: تعيش لها الجهابذة. وفضائله ومناقبه كثيرة جدا. وله تصانيف كثيرة في فنون العلم - Bهـ -. "18 - الإمام أحمد بن حنبل، ت 241": ومنهم الإمام أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني: أبو عبد الله رباني الأمة في وقته وعالمها وفقيهها، وحافظها وعابدها، وزاهدها وشهرة فضائله ومناقبه تغني عن الإطالة فيها، وقد أفرد العلماء، التصانيف لمناقبه، فمنهم من طول، ومنهم من قصر.

وممن أفرد التصنيف لمناقبه: ابن أبي حاتم، وابن شاهين والبيهقي، وأبو إسماعيل الأنصاري ويحيى بن مندة، وابن الجوزي. وقد أفردت مصنفا لمناقبه، ونذكر ههنا نبذة يسيرة من فضائله في الحديث وعلومه، لأن المقصود يحصل بذلك ههنا. قال عبد الله بن أحمد: كتب أبي ألف ألف حديث، وترك لقوم لم يرو عنهم مائتي ألف حديث. وقال أبو زرعة: كان أحمد بن حنبل يحفظ ألف ألف حديث، فقيل له وما يدريك؟. قال: ذاكرته، فأخذت عليه الأبواب. وسئل أبو زرعة: أنت أحفظ، أم أحمد بن حنبل؟. قال: بل أحمد. قالوا: كيف علمت ذاك؟ قال: وجدت كتب أحمد بن حنبل ليس فيها في أوائل الأجزاء ترجمة أسماء المحدثين الذين سمع منهم، فكان يحفظ كل جزء ممن سمعه وأنا أقدر على هذا. وعن أبي زرعة، قال: أتيت أحمد بن حنبل، فقلت أخرج إلى حديث سفيان، فأخرج إلى أجزاء كلها سفيان، سفيان، ليس على حديث منها (ثنا) فلان فظننت أنها عن رجل واحد، فجعلت أنتخب فلما قرأ علي جعل يقول في

الحديث: (ثنا) وكيع ويحيى، و (ثنا) فلان. قال: فعجبت من ذلك. قال أبو زرعة: فجهدت في عمري أن أقدر على شيء من هذا فلم أقدر. وقال عبد الله بن أحمد: قال لي أبي: خذ أي كتاب شئت من كتب وكيع من (المصنف) فإن شئت تسألني عن الكلام حتى أخبرك بالإسناد، وإن شئت بالإسناد حتى أخبرك: بالكلام. وقيل لأبي زرعة من رأيت من المشايخ المحدثين أحفظ؟. قال: أحمد بن حنبل حزر كتبه اليوم الذي مات فيه فبلغت اثني عشر حملا وعدلا، ما كان على ظهر كتاب منها حديث فلان، ولا في بطنه (ثنا) فلان، وكل ذلك كان يحفظه عن ظهر قلبه. وقال صالح بن أحمد: قال أبي: كتبت بخطي ألف ألف حديث سوى ما كتب لي. وقال أحمد بن الدورقي: سمعت أحمد يقول: نحن كتبنا الحديث من ستة أوجه وسبعة وجوه ولم نضبطه، كيف يضبطه من كتبه من وجه واحد أو نحو هذا؟ وقال أبو عبيد: انتهى العلم إلى أربعة: إلى أحمد بن حنبل وهو أفقههم فيه، وإلى ابن أبي شيبة وهو أحفظهم له، وإلى علي بن المديني، وهو أعلمهم

به، وإلى يحيى بن معين، وهو أكتبهم له. وذكر يحيى بن مندة في مناقب أحمد بإسناده له عن أبي عبيد، قال: ربانيو العلم أربعة، فأعرفهم بالحلال والحرام أحمد بن حنبل، وأحسنهم سياقة للحديث علي بن المديني، وأحسنهم معرفة بالرجال يحيى بن معين، أحسنهم وضعا للباب أبو بكر بن أبي شيبة. وقال إبراهيم الحربي: انتهى علم رسول الله A ما رواه أهل المدينة وأهل الكوفة وأهل البصرة وأهل الشام، إلى أربعة: إلى أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وأبي خيثمة، وأبي بكر بن أبي شيبة، وكان أحمد أفقه القوم. وقال عبد الرزاق: رحل إلينا من العراق أربعة من رؤساء الحديث الشاذكوني، وكان أحفظهم للحديث، ابن المديني، وكان أعرفهم باختلافه ويحيى بن معين. وكان أعلمهم بالرجال، وأحمد بن حنبل، كان أجمعهم لذلك كله. وقال ابن المديني: ليس في أصحابنا أحفظ من أبي عبد الله، أحمد بن حنبل، وبلغني أنه لا يحدث إلا من كتاب، ولنا فيه أسوة. وسئل أبو زرعة: عن علي بن المديني ويحيى بن معين، أيهما كان أحفظ؟ قال: كان علي أسرد وأتقن، ويحيى أفهم بصحيح الحديث وسقيمه.

وأجمعهم أبو عبد الله بن حنبل، كان صاحب حفظ، وصاحب فقه، وصاحب معرفة. قال: وما أعلم في أصحابنا أفقه من أحمد. قيل له: اختيار أحمد وإسحاق أحب إليك، أم قول الشافعي؟ قال: بل اختيار أحمد وإسحاق أحب إلي. وقال: ما رأت عيناي مثل أحمد في العلم والزهد والفقه والمعرفة وكل خير. وقال أبو زرعة أيضا: ما رأيت مثل أحمد في فنون العلم. وقال أيضا: ما رأيت أجمع من أحمد بن حنبل. قيل (له) : إسحاق؟. قال: أحمد أكبر من إسحاق، وأفقه من إسحاق. وسئل أبو حاتم الرازي: عن أحمد وعلي بن المديني أيهما كان أحفظ؟ قال: كانا في الحفظ متقاربين، وكان أحمد أفقه. قال أبو حاتم: وكان أحمد بارع الفهم بمعرفة الحديث، بصحيحه وسقيمه. وتعلم الشافعي أشياء من معرفة الحديث منه. وكان الشافعي يقول لأحمد: حديث كذا وكذا قوي الإسناد محفوظ؟ فإذا قال: نعم جعله أصلا، وبنى عليه.

وقال أحمد بن (سلمة) : قلت لأبي حاتم الرازي: أراك في الفتوى على قول أحمد وإسحاق، وعند كتاب الشافعي، وكتاب مالك والثوري وشريك، فتركت هؤلاء كلهم، وأقبلت على قول أحمد وإسحاق. قال: لا أعلم في دهر ولا عصر مثل هذين الرجلين رحلا وكتبا وذاكرا وصنفا. وقال النسائي: لم يكن في عصر أحمد مثل هؤلاء الأربعة: أحمد ويحيى، وعلي، وإسحاق، وأعلمهم علي بالحديث وعلله، وأعلمهم بالرجال وأكثرهم حديثا يحيى، وأحفظهم للحديث والفقه إسحاق، إلا أن أحمد بن حنبل كان - عندي - أعلم بعلل الحديث من إسحاق، وجمع أحمد المعرفة بالحديث والفقه والورع والزهد. وقال العجلي: أحمد ثقة، ثبت في الحديث فقه في الحديث، متبع للآثار، وصاحب سنة (وخبر) نزه النفس. وقال قتيبة: أحمد وإسحاق إماما الدنيا. وقال: لو أدرك أحمد عصر الثوري ومالك والأوزاعي والليث لكان هو المقدم.

19- علي بن المديني، ت234:

قلت: تضم أحمد إلى التابعين؟ قال: إلى كبار التابعين. وقال أبو عبد الله البوشنجي: (أحمد) - عندي - أفضل من سفيان الثوري، لأن سفيان لم يمتحن من الشدة والبلوى بمثل ما امتحن به أحمد ولا علم سفيان ومن تقدم من فقهاء الأمصار كعلم أحمد لأنه كان أجمع لها، وأبصر (بمتقنهم) ، وغالطهم، وصدوقهم، وكذوبهم (منه) . وقال زكريا الساجي: أحمد أفضل عندي من مالك والأوزاعي والثوري، والشافعي، لأن لهؤلاء نظيرا، وأحمد (لا) نظير له، يعني في وقتهم ووقته - Bهم أجمعين -. "19 - علي بن المديني، ت234": ومنهم علي بن عبد الله بن جعفر بن نجيح المديني السعدي البصري أبو الحسن، أحد الأئمة الحفاظ المبرزين في علم الحديث وعلله. كان ابن عيينة - وهو أحد شيوخه - يروي عنه ويقول: "يلومونني على

حبه) والله ما أتعلم منه أكثر مما يتعلم مني. وكذا روي عن يحيى القطان أنه قال: أنا أتعلم من علي أكثر مما يتعلم مني. وعلي بن المديني هو شيخ البخاري، وعنه (تلقى) هذا العلم. وكان البخاري يقول: ما استصغرت نفسي عند أحد إلا عند علي بن المديني. وقال أبو حاتم الرازي: كان علي بن المديني علما في الناس، في معرفة الحديث والعلل. وكان أحمد بن حنبل لا يسميه، وإنما يكنيه "أبو الحسن" تبجيلا له. وسئل أبو حاتم عن علي وأحمد: أيهما أحفظ؟ قال: كانا في الحفظ متقاربين. وكان أحمد أفقه، وكان علي أفهم للحديث. وقال هارون بن إسحاق الهمداني: الكلام في صحة الحديث وسقيمه لأحمد بن حنبل وعلي بن المديني. وسئل ابن وارة الحافظ عن ابن المديني وابن معين، أيهما أحفظ؟ قال: كان علي أسرد، وأتقن.

وقال ابن حبان: سمعت علي بن أحمد الجرجاني بحلب، يقول: سمعت حنبل بن إسحاق يقول: سمعت عمي أحمد بن حنبل يقول: أحفظنا للطوالات، الشاذكوني، وأعرفنا بالرجال يحيى بن معين، وأعلمنا بالعلل علي بن المديني، وكأنه أومأ إلى نفسه انه أفقههم. ولابن المديني تصانيف كثيرة في علوم الحديث منها: كتاب الأسامي والكنى، ثمانية أجزاء. كتاب المدليسن، خمسة أجزاء. كتاب أول من نظر في الرجال، وفحص عنهم، جزء. الطبقان، عشرة أجزاء. من روى عن رجل لم يره، جزء. علل المسند، ثلاثون جزء. العلل التي كتبها عنه إسماعيل القاضي، أربعة عشر جزءا. علل حديث ابن عيينة، ثلاثة عشر جزءا. كتاب من (لا يحتج) بحديث ولا يسقط، جزءان. (الكنى) ، خمسة أجزاء. الوهم والخطأ، خمسة أجزاء. قبائل العرب، عشرة أجزاء. من نزل من الصحابة سائر البلدان، خمسة أجزاء.

التاريخ، عشرة أجزاء. العرض على المحدث جزآن. من حدث ثم رجع عنه، جزء. كتاب يحيى وعبد الرحمن في الرجال خمسة أجزاء. سؤالات يحيى، جزآن. كتاب الثقات والمتثبتين، عشرة أجزاء. اختلاف الحديث، خمسة أجزاء. الأسامي الشاذة، ثلاثة أجزاء. الأشربة، ثلاثة أجزاء. تفسير غريب الحديث، خمسة أجزاء. الإخوة والأخوات، ثلاثة أجزاء. من يعرف باسمه دون اسم أبيه، جزآن. من يعرف (باللقب) ، جزء. العلل المتفرقة، ثلاثون جزءا. مذاهب المحدثين، جزآن. كان ابن المديني قد امتحن في محنة خلق القرآن، فأجاب مكرها، ثم إنه تقرب إلى ابن أبي دؤاد حيث استماله بدنياه وصحبه وعظمه، فوقع بسبب

20- يحيى بن معين، ت 233:

ذلك في أمور صعبة حتى إنه كان يتكلم في طائفة من أعيان أهل الحديث ليرضي بذلك ابن أبي (دؤاد) ، فهجره الإمام أحمد لذلك وعظمت الشناعة عليه حتى صار عند الناس كأنه مرتد، وترك أحمد الرواية عنه، وكذلك (إبراهيم) الحربي وغيرهما. وكان يحيى بن معين (يقول) : هو رجل خاف فقال ما عليه. ولو اقتصر على ما ذكره ابن معين لعذر، لكن حاله كما وصفنا. وقد روي عنه أنه قال: من قال: القرآن مخلوق فهو كافر. والله تعالى. يرحمه ويسامحه بمنه وكرمه. "20 - يحيى بن معين، ت 233": ومنهم يحيى بن معين، (أبو) زكريا البغدادي، الإمام المطلق في الجرح والتعديل، وإلى قوله في ذلك يرجع الناس، وعلى كلامه فيه يعولون. وقد قال هلال بن العلاء وحجاج بن الشاعر: من الله على هذه

الأمة بيحيى بن معين، نفى الكذب عن حديث رسول الله A. قال أحمد بن (عقبة) : سألت يحيى بن معين: كم كتبت من الحديث؟. قال: كتبت بيدي هذه ستمائة ألف حديث. قال (أحمد) : وإني أظن المحدثين قد كتبوا له بأيديهم ستمائة ألف (وستمائة ألف) . وقال علي بن المديني: حديث الثقات يدور على (ستة) ، وذكرهم قال: وما شذ عنهم يصير إلى اثني عشر، فذكرهم. (ثم قال) : صار حديث هؤلاء كلهم إلى يحيى بن معين. وذكر داود بن رشيد: أن يحيى بن معين خلف له أبوه ألف ألف درهم وخمسين ألف درهم، فأنفقه كله على الحديث حتى لم يبق له نعل يلبسه. وكان يحيى يوسع القول في الجرح، ولا يحابي أحدا، بل يصدع به في وجه صاحبه، ولهذا قال عبد الله بن أحمد الدورقي: كل من سكت عنه يحيى بن معين فهو ثقة. وسئل ابن وارة عن ابن معين وابن المديني، أيهما أحفظ؟ فقال: كان علي أسرد وأتقن، وكان يحيى أفهم بصحيح الحديث وسقيمه. وقال سليمان بن حرب: كان يحيى بن معين يقول في الحديث هذا خطأ، فأقول: كيف صوابه؟ فلا يدري، فأنظر في الأصل فأجده كما قال.

وقال أبو عمرو الطالقاني: رأيتهم يقولون الناس عندنا أربعة: أحمد بن حنبل، ومحمد بن عبد الله بن نمير، وعلي بن المديني، ويحيى بن معين وسمعتهم يقولون: محمد بن نمير ريحانة الكوفة، وأحمد قرة عين الإسلام. وابن المديني أعلم علماء آثار رسول الله A وابن معين أعلم بروايته، وأكثر علمه آثار رسول الله A. وعمرو الناقد، قال: ما كان في أصحابنا أحفظ للأبواب من أحمد بن حنبل، ولا أسرد للحديث من الشاذكوني، ولا أعلم بالإسناد من يحيى (بن معين) ، ما قدر أحد يقلب عليه إسنادا قط. قال محمد بن هارون الفلاس المخرمي: إذا رأيت الرجل تقع في يحيى بن معين فاعلم أنه كذاب يضع الحديث. وإنما يبغضه لما يبين أمر الكذابين. قال أبو حاتم: توفي ابن معين بمدينة النبي A وحمل على سرير النبي A واجتمع في جنازته خلق كثير، وإذا رجل يقول: هذه جنازة يحيى بن معين، الذاب عن رسول الله A الكذب، والناس يبكون. كان ابن معين يكره أن يدون كلامه في الجرح والتعديل، ولم يدون هو شيئا - فيما أظن - وإنما سأله أصحابه ودونوا كلامه، منهم: عباس الدوري

21- أبو زرعة، ت 264:

وإبراهيم بن الجنيد، ومضر بن محمد، و (الفضل) الغلابي، وعثمان بن سعيد الدارمي، ويزيد بن الهيثم. وغيرهم. "21 - أبو زرعة، ت 264": ومنهم أبو زرعة، عبيد الله بن عبد الكريم بن يزيد الرازي. أحمد الأعلام، وحفاظ الإسلام وكان من الصلاح والعبادة والخشية بمحل عظيم. قال أبو العباس محمد بن إسحاق الثقفي، لما انصرف قتيبة بن سعيد إلى الري، سألوه أن يحدثهم فامتنع وقال: أحدثكم بعد أن حضر مجالسي أحمد بن حنبل، وعلي بن المديني، ويحيى بن معين، وأبو بكر بن أبي شيبة، وأبو خيثمة؟ فقالوا له: فإن عندنا غلاما يسرد كل ما حدثت به مجلسا مجلسا، قم فقال أبو زرعة فسرد كل ما حدث به قتيبة، فحدثهم قتيبة. وقال محمد بن يحيى الذهلي: لا يزال المسلمون بخير ما أبقى الله لهم

مثل أبي زرعة الرازي. وما كان الله ليترك الأرض إلا وفيها مثل أبي زرعة يعلم الناس ما جهلوه. وقال علي بن الحسين بن الجنيد: ما رأيت أحدا أعلم بحديث مالك مسندة ومنقطعة من أبي زرعة وكذلك سائر العلوم ولكن خاصة حديث مالك قيل له: ما في الموطأ والزيادات التي ليست في الموطأ؟ (قال نعم) . وكان أحمد يعظم أبا زرعة. وإذا جالسه ترك أحمد نوافله واشتغل عنها بمذاكرة أبي زرعة. وروي عنه أنه قال: صح من الحديث سبعمائة ألف حديث، وهذا الفتى، يعنى أبا زرعة، يحفظ ستمائة ألف حديث. وقال يونس بن عبد الأعلى: أبو زرعة وأبو حاتم إماما خراسان، وبقاؤهما صلاح للمسلمين. وقال ابن وارة: سمعت إسحاق بن راهويه، يقول: كل حديث لا يعرفه أبو زرعة فليس له أصل. وقال أبو بكر بن أبي شيبة: ما رأيت أحفظ من أبي زرعة الرازي. وحلف رجل بالطلاق في زمن أبي زرعة أن أبا زرعة يحفظ مائة ألف حديث، فسئل عن ذلك أبو زرعة، فقال: ليمسك امرأته، فإنها لم تطلق منه.

وقال أبو مصعب الزهري: لقيت مالك بن أنس وغيره، فما رأت عيناي مثل أبي زرعة الرازي. وقال أبو حاتم الرازي: ما خلف أبو زرعة بعده مثله، علما وفقها وصيانة وصدقا، وهذا مما لا يرتاب فيه، ولا أعلم (بين) المشرق والمغرب من كان يفهم هذا الشأن مثله، ولقد كان من هذا الأمر بسبيل. وقال أبو حاتم أيضا: الذي كان يعرف صحيح الحديث وسقيمه وعنده تمييز ذلك، ويحسن علل الحديث أحمد بن حنبل ويحيى بن معين، وعلي بن المديني، وبعدهم أبو زرعة كان يحسن ذلك. قيل له: فغير هؤلاء تعرف اليوم أحدا؟ قال: لا. وذكر أبو حاتم شيئا من معرفة الرجال، فقال: ذهب الذي كان يحسن هذا يعني أبا زرعة، ما بقي بمصر ولا بالعراق أحد يحسن هذا. قال أبو حاتم: وجرى بيني وبين أبي زرعة يوما تمييز الحديث ومعرفته فجعل يذكر أحاديث ويذكر عللها، وكنت أذكر أحاديث خطأ وعللها، وخطأ الشيوخ، فقال لي: يا أبا حاتم، قل من يفهم هذا، ما أعز هذا، إذا رفعت هذا عن واحد واثنين فما أقل ما تجد من يحسن هذا. وقال أبو يعلى الموصلي: ما سمعنا أحدا يذكر في الحفظ إلا كان اسمه أكثر من رؤيته، إلا أبا زرعة الرازي، فإن مشاهدته كان أعظم من اسمه وكان

22- محمد بن إسماعيل البخاري:

لا يرى أحدا ممن هو دونه في الحفظ أنه أعرف منه، وكان قد جمع حفظ الأبواب، والشيوخ، والتفسير، وغير ذلك. قال يحيى بن مندة: قيل أحفظ الأمة أبو هريرة، ثم أبو زرعة الرازي. وقيل ما ولدت حوافظ أحفظ من أبي زرعة. قال: وبلغني بإسناد هو لي مسموع أن أبا زرعة قال: أنا أحفظ ستمائة ألف حديث صحيح وأربعة عشر ألف إسناد في التفسير والقراءات، وعشرة آلاف حديث مزورة. قيل له: ما بال المزورة تحفظ؟ قال: إذا مر بي (منها) حديث عرفته. "22 - محمد بن إسماعيل البخاري": ومنهم محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة الجعفي، مولاهم البخاري، الإمام أبو عبد الله، صاحب الصحيح وإمام المحدثين في وقته وأستاذ هذه الصناعة، وعنه أخذها كثير من الأئمة، منهم: مسلم بن الحجاج وسماه أستاذ الأستاذين، وسيد المحدثين، وطبيب الحديث في علله، وأبو عيسى الترمذي، وقد ذكر أبو عيسى في أول كتاب العلل، أنه لم ير بالعراق ولا بخراسان في معنى العلل والتاريخ ومعرفة الأسانيد، كبير أحد أعلم من محمد بن إسماعيل - C -. وقال ابن خزيمة: ما رأيت تحت أديم هذه السماء أعلم بالحديث ولا أحفظ له من محمد بن إسماعيل البخاري.

ولما سأل مسلم البخاري عن حديث سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة في كفارة المجلس، فبين له علته، قال مسلم: لا يبغضك إلا حاسد، وأشهد أن ليس في الدنيا مثلك. وروى عن محمد بن الأزهر السجزي قال: كنت بالبصرة في مجلس سليمان بن حرب والبخاري جالس لا يكتب، فقلت: ما لأبي عبد الله لا يكتب؟ قال: يرجع إلى بخارى فيكتب من حفظه. وقال محمد بن حمدويه سمعت البخاري يقول: أحفظ مائة ألف حديث صحيح، وأعرف مائتي ألف حديث غير صحيح. وقال أحمد بن حمدون: رأيت البخاري ومحمد بن يحيى يسأله عن الأسامي والكنى والعلل، ومحمد بن إسماعيل يمر فيه مثل السهم، كأنه يقرأ (قل هو الله أحد) . وقال عبد الله الدارمي، قد رأيت العلماء بالحجاز والعراق فما رأيت فيهم أجمع من محمد بن إسماعيل. وقال ابن المديني في البخاري: ما رأى مثل نفسه. وقال الفلاس: حديث ليس يعرفه محمد بن إسماعيل ليس بحديث، وسئل صالح بن محمد الحافظ عن البخاري وأبي زرعة، فقال: أعلمهم بالحديث البخاري وأبو زرعة أحفظهم وأكثرهم حديثا.

وعن أبي حاتم الرازي، قال: محمد بن إسماعيل أعلم من دخل العراق. وقال علي بن حجر: أخرجت خراسان ثلاثة: أبا زرعة بالري، ومحمد بن إسماعيل ببخارى، وعبد الله بن عبد الرحمن السمرقندي بسمرقند، ومحمد بن إسماعيل - عندي - أبصرهم وأعلمهم وأفقههم. وعن إسحاق بن راهويه، قال: لو كان محمد بن إسماعيل في زمن الحسن بن أبي الحسن لاحتاج الناس إليه، لمعرفته بالحديث وفقهه. وفضائل البخاري كثيرة جدا، وامتحن في آخر عمره بمسألة اللفظ بالقرآن، فإنه قال: أفعال العباد مخلوقة، فنسبه محمد بن يحيى الذهلي إلى القول بأن اللفظ بالقرآن مخلوق، وأمر بهجره وضيق عليه فخرج البخاري من نيسابور إلى بخارى، فكتب محمد بن يحيى إلى والي بخارى في أخره فنفاه من بخارى فتوفي بقرية من قراها. وقد روي عنه أنه قال: من زعم أني قلت: لفظي بالقرآن مخلوق فهو كذاب، فإني لم أقل هذه المقالة، إلا أني قلت: أفعال العباد مخلوقة. وروى عنه أنه قال: هذه مسألة مشؤومة، يعني مسألة اللفظ، رأيت أحمد بن حنبل وما ناله في هذه المسألة، جعلت على نفسي ألا أتكلم فيها. وللبخاري تصانيف كثيرة، وقد سبق الناس إلى تصنيف الصحيح والتاريخ، والناس بعده تبع له في هذين الكتابين. إذ كل من صنف في هذين العلمين يحتاج إلى كتابه، وقد كان أبو أحمد الحاكم يعيب من صنف فيهما.

23- عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي، ت 255:

بعده، ويزعم أنهم إنما أخذوا كتابي البخاري، ولا ريب أنهم استعانوا بهما، وزادوا عليهما، والله يغفر لنا ولهم أجمعين آمين. "23 - عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي، ت 255": ومنهم عبد الله بن عبد الرحمن بن الفضل بن بهرام بن عبد الصمد السمرقندي الدارمي. يكنى أبا محمد، أحد الأئمة الحفاظ المبرزين والعلماء العاملين، وقد صنف المسند والجامع التفسير، وامتحن في مسألة القرآن فلم يجب. (وألح عليه السلطان في قضاء سمرقند فتقلده وقضى قضية واحدة ثم استعفى) . فأعفي، وكان الإمام أحمد (إذا ذكره) قال: ذاك السيد عرض على الكفر فلم يقبل، وعرضت عليه الدنيا فلم يقبل. وقال أحمد: هو إمام. وقال محمد بن بشار بندار: حفاظ الدنيا أربعة: أبو زرعة بالري، ومسلم بن الحجاج بنيسابور، وعبد الله بن عبد الرحمن الدارمي بسمرقند، ومحمد بن إسماعيل ببخارى. قال بندار: وهم غلماني خروجا من تحت كرسي. وروي عن الإمام أحمد قال: انتهى الحفظ إلى أربعة من أهل خراسان أبي زرعة الرازي، ومحمد بن إسماعيل البخاري، وعبد الله بن عبد الرحمن السمرقندي، والحسن بن شجاع البلخي: ثم قال: أبو زرعة أحفظهم، والبخاري أعرفهم، وابن شجاع أجمعهم للأبواب، والسمرقندي أتقنهم.

ذكره يحيى بن مندة بإسناده. وقال محمد بن عبد الله بن نمير: غلبنا عبد الله بن عبد الرحمن بالحفظ والورع. وعن أبي حاتم الرازي، قال: محمد بن إسماعيل أعلم من دخل العراق، ومحمد بن يحيى أعلم من خراسان اليوم، ومحمد بن أسلم أورعهم، وعبد الله بن عبد الرحمن أتقنهم. وعنه قال: عبد الله بن عبد الرحمن إمام أهل زمانه. وعن رجاء بن المرجا، قال: رأيت أحمد وإسحاق وابن المديني والشاذكوني، فما رأيت أحفظ من عبد الله، يعني الدارمي. وعن رجاء أيضا قال: ما رأيت أحدا أعلم بحديث النبي A من عبد الله بن عبد الرحمن. وعن أبي حامد بن الشرقي، قال: إنما أخرجت خراسان من الأئمة الحديث خمسة رجال:

صيغ الأداء

محمد بن يحيى، ومحمد بن إسماعيل، وعبد الله بن عبد الرحمن، ومسلم بن الحجاج، وإبراهيم بن أبي طالب. وقال ابن حبان: كان عبد الله بن عبد الرحمن بن الحفاظ المتقنين وأهل الورع في الدين، ممن حفظ وجمع وتفقه، وصنف، وحدث، وأظهر السنة في بلده، ودعا إليها، وذب عن حريمها، وقمع من خالفها. وقال محمد بن منصور الشيرازي: كان عبد الله بن عبد الرحمن على غاية من العقل الديانة ممن يضرب به المثل في الحلم والرواية، والحفظ، والعبادة، والزهادة. أظهر علم (الحديث) والآثار بسمرقند، وذب عنها الكذب، وكان مفسرا كاملا، وفقيها عالما - C -. "صيغ الأداء" قال أبو عيسى - رحمه الله تعالى -: والقراءة على العالم إذا كان يحفظ ما يقرأ عليه، أو يمسك أصله فيما يقرأ عليه إذا لم يحفظ، وهو صحيح عند أهل الحديث مثل السماع. حدثنا حسين بن مهدي البصري (ثنا) عبد الرزاق (نا) ابن جريج قال: قرأت على عطاء بن أبي رباح: فقلت له: كيف أقول؟ قال: قل: حدثنا سويد بن نصر، (أنا) علي بن الحسين بن واقد، عن أبي عصمة،

عن يزيد النحوي، عن عكرمة، أن نفرا قدموا على ابن عباس، من أهل الطائفن بكتب من كبته، فجعل يقرأ عليهم فيقدم ويؤخر، فقال: إني بليت بهذه المصيبة، فاقرأوا علي، فإن إقراري بها كقراءتي عليكم. حدثنا سويد بن نصر، (أنا) علي بن الحسين بن واقد، عن أبيه، عن منصور بن المعتمر. قال: إذا ناول الرجل كتابه آخر فقال: أرو هذا عني فله أن يرويه. قال أبو عيسى: وسمعت محمد بن إسماعيل يقول: سألت أبا عاصم النبيل عن: حديث، قال: اقرأ علي. فأحببت أن يقرأ هو، فقال: أنت لا تجيز القراءة. وكان سفيان الثوري ومالك بن أنس يجيزان القراءة. حدثنا أحمد بن الحسين، (ثنا) يحيى بن سليمان الجعفي المصري، قال: قال عبد الله بن وهب: ما قلت (ثنا) فهو ما سمعت مع الناس، وما قلت: حدثني، فهو ما سمعت وحدي. وما قلت: (أنا) ، فهو ما قرئ على العالم، وأنا شاهد. وما قلت: أخبرني، فهو ما قرأت على العلم، يعني أنا وحدي. سمعت أبا موسى، محمد بن المثنى، يقول: سمعت يحيى بن سعيد القطان، يقول: (ثنا) و (أنا) واحد: قال أبو عيسى: وكنا عند أبي مصعب المديني فقرئ عليه بعض حديثه فلما فرغ منه، قلت: كيف نقول: قال: قل (ثنا) أبو مصعب.

أنواع التحمل

"أنواع التحمل" قال أبو عيسى: وقد أجاز بعض أهل العلم الإجازة، وإذا أجاز العالم (لأحد أن يروي عنه) شيئا من حديثه، فله أن يروي عنه. حدثنا محمود بن غيلان، (أنا) وكيع، عن عمران بن حدير، عن أبي مجلز عن بشير بن نهيك، قال: كتبت كتابا عن أبي هريرة، فقلت: ارويه عنه؟ قال: نعم. أخبرنا محمد بن إسماعيل الواسطي، (ثنا) محمد بن الحسن الواسطي، عن عوف الأعرابي. قال: قال رجل للحسن: عندي بعض حديثك. ارويه عنك؟ قال: نعم. قال أبو عيسى: ومحمد بن الحسن الواسطي إنما يعرف بمحبوب بن الحسن وقد حدث عنه غير واحد من الأئمة. حدثنا الجارود، (ثنا) أنس بن عياض، عن عبيد الله بن عمر، قال: أتيت الزهري بكتاب، فقلت: هذا من حديثك، ارويه عنك؟ قال: نعم. حدثنا أبو بكر، عن علي بن عبد الله عن يحيى بن سعيد قال:

المسألة الأولى: مسألة العرض

وجاء ابن جريج إلى هشام بن عروة بكتاب، فقال: هذا حديثك أرويه عنك؟ ز قال: نعم. قال يحيى: فقلت في نفسي: لا أدري أيهما أعجب أمرا؟. قال علي: سألت يحيى عن حديث ابن جريج، عن عطاء الخراساني، فقال: ضعيف. فقلت: انه يقول: أخبرني. قال: لا شيء، إنما هو كتاب دفعه إليه. ذكر الترمذي - C - ههنا مسائل من مسائل تحمل الحديث وروايته: "المسألة الأولى: مسألة العرض" وهو القراءة على العالم، وقد (ذكر) انه صحيح عند أهل الحديث مثل السماع من لفظ العالم، وهذا يشعر بحكاية الإجماع على ذلك، وقد ذكر جوازه عن عطاء وسفيان (الثوري) ومالك، وابن وهب. وأما الأثر الذي أسنده عن ابن عباس فلا يصح. وأبو عصمة في إسناده هو نوح بن أبي مريم. وقد خرجه عبد الغني بن سعيد في كتاب "أدب المحدث والمحدث" من

طريق نعيم بن حماد (ثنا) نوح بن أبي مريم. عن يزيد النحوي به، فذكره. وخرج أيضا من طريق نعيم بن حماد (ثنا) نوح بن أبي مريم عن أبي إسحاق، عن هبيرة، عن علي: قال: القراءة على العالم والسماع منه بمنزلة. ونوح بن أبي مريم مشهور بالكذب ووضح الحديث. وخرج أبو بكر الخطيب من طريق سلم بن سالم، عن نوح بن أبي مريم به. وخرج أيضا حديث ابن عباس من طريق الحسين بن الحسن الأشقر، عن سلم بن سالم عن زياد بن أبي مريم. (عن يزيد النحوي به، ثم قال: هكذا قال عن زياد بن أبي مريم) . والصواب: نوح بن أبي مريم. وخرج الخطيب أيضا من طريق أبي مقاتل السمرقندي، عن سفيان عن الأعمش، عن أبي ظبيان، عن علي، قال: القراءة على العالم أصح من قراءة العالم، بعدما أقر أنه حديثه. وهذا أيضا كذب على سفيان. وأبو مقاتل قد تقدم انه متهم بالكذب. وخرج الرامهرمزي في كتابه "المحدث الفاصل" من طريق محمد بن

منصور الجواز، عن يحيى بن سليم، عن ابن جريج عن عكرمة، عن ابن عباس. انه قال: اقرأوا علي، فإن قراءتكم علي كقراءتي عليكم. ويحيى بن سليم تركه أحمد، ولعل ابن جريج دلسه عن غير ثقة. وخرج الخطيب من طريق إسحاق بن الضيف، عن إبراهيم بن الحكم، حدثني أبي عن عكرمة، قال: قال ابن عباس: اقرأوا علي فإن قراءتكم علي كقراءتي عليكم. وإبراهيم بن الحكم ضعيف. ورواه أيضا حفص بن عمر العدني، وهو ضعيف، عن (الحكم بن) أبان بنحو سياق أبي عصمة، نوح بن أبي مريم خرجه البيهقي من طريقه ولا يصح هذا.

وخرج الرامهرمزي هذا الحديث من طريق إسحاق بن عيسى (ثنا) محمد بن حصين الواسطي. قال: وقال في موضع آخر (ثناه) محمد بن يزيد الواسطي (ثنا) عون، فذكره. قلت: ولا يصح هذا عن علي، ولا عن ابن عباس، وقد روي عن أبي هريرة من طريق علي بن (معبد) ، (ثنا) شعيب بن إسحاق الدمشقي عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة - إن شاء الله - عن بشير بن نهيك، قال: كنت آتي أبا هريرة فآخذ منه الكتب، فأنسخها، ثم أقرأها عليها، فأقول هذا سمعته منك؟ فيقول: نعم. هذا إسناد مشكوك فيه. والصحيح عن بشير نهيك خلاف هذا اللفظ وسنذكره، وقد روي عن طائفة من التابعين، ومن بعدهم. قال مروان بن معاوية، عن عاصم الأحول. قرأت على الشعبي: (أحاديث فأجازها لي) . وروى أيضا عن مروان عن إسماعيل عن الشعبي مثله. وروى أبو حمة (ثنا) عبد الرزاق (أنا) معمر عن أيوب عن ابن سيرين أنه

كان يجيز للعرض وروى داود بن عطاء المديني وفيه ضعف، عن هشام بن عروة، عن أبيه، قال: عرض الكتاب والحديث سواء. وعن جعفر بن محمد عن أبيه مثله. وروى حنبل بن إسحاق والأثرم، قالا: (ثنا) أبو عبد الله، (ثنا) محمد بن الحسن الواسطي، (ثنا) عوف. أن رجلا قال للحسن: معي أحاديث، فإن لم تكن ترى بالقراءة بأسا قرأت عليك. قال: ما أبالي قرأت عليك، أو قرأت علي، وأخبرتك أنه حديثي أو حديثك به. قال: يا أبا سعيد، فأقول: حدثني الحسن؟ قال: نعم. ورواه يحيى بن معين عن محمد بن الحسن الواسطي أيضا. وخرجه البخاري في صحيحه عن محمد بن سلام، (ثنا) محمد بن الحسن الواسطي عن عوف، عن الحسن، قال: لا بأس بالقرأة على العالم.

ومحمد بن الحسن الواسطي، هو الذي ذكره الترمذي ههنا أنه يقال له: محبوب. وقد قال ابن معين: لا بأس به وخرج له البخاري في صحيحه وضعفه النسائي. وهذا يخالف اللفظ الذي خرجه الترمذي عن محمد بن إسماعيل، وهو الحساني، وقد رواه محمد بن مخلد العطار عن الحساني كما رواه عنه الترمذي، إلا أن لفظه: قال رجل للحسن: إن عندي كتابا من علمك، فأرويه عنك؟ قال: نعم. وفي روايته أن محمد بن الحسن هو المزني، والمزني كان قاضي واسط، ليس محبوبا بصري، ليس بواسطي. وخرج الرامهرمزي هذا الحديث من طريق إسحاق بن عيسى، (ثنا) محمد بن الحسين الواسطي. قال: وقال في موضع آخر (ثنا) محمد بن يزيد الواسطي، (ثنا) عوف، فذكره. قلت: ما كان إسحاق حفظ نسب هذا الرجل.

من روى عنه الرخصة في العرض من التابعين

"من روى عنه الرخصة في العرض من التابعين" وممن روى عنه الرخصة في العرض من التابعين ومن بعدهم مكحول، والزهري، وأيوب السختياني، ومنصور بن المعتمر، وشريك، وهو قول الثوري، والأوزاعي، ومالك، مسعر، وأبي حنيفة، والليث بن سعد وابن عيينة والشافعي وأحمد وغيرهم من أهل العلم. وكان شعبة يبالغ، فيقول: القراءة عند أثبت من السماع، ووافقه على ذلك يحيى القطان وعبد الرحمن بن مهدي. وروي نحوه عن ابن أبي ذئب، وأبي حنيفة، ومالك، والليث، والثوري. وهو قول أبي حاتم، وأبي عبيد. وقال إسحاق بن هانئ: كنت أقرأ على أبي عبد الله، يعني أحمد، الحديث وأنا أنظر في كتابه، هو ينظر معي. فقال لي: هذا أحب إلي من أن أقرأ أنا عليك. قلت له: أقول: حدثني؟ قال: قل إن شئت، لكن (أحب إلي) أن تصدق، تقول: قرأت. "من كره العرض" وكره طائفة العرض، منهم وكيع، ومحمد بن سلام، وأبو مسهر، وأبو عاصم. وحكى ذلك عن أهل العراق جملة. وكان مالك ينكره عليهم. وروى بشر بن الوليد عن أبي يوسف عن أبي حنيفة، قال: لا يحل للرجل أن يروي الحديث إلا إذا سمعه من فم المحدث، فيحفظه، ثم يحدث به.

واستدل البخاري وغيره على صحة العرض بحديث ضمام بن ثعلبة. وقد ذكر الترمذي ذلك عند تخريجه لحديث، في أول كتاب الزكاة. واستدل مالك وغيره بعرض القرآن على القارئ، وبقراءة الصحيفة بالدين على من عليه الحق فيقر بها فيشهد عليه وقد اشترط الترمذي لصحة العرض على العالم أن يكون العالم حافظا لما يعرض عليه، ويمسك أصله بيده عند العرض عليه إذا لم يكن حافظا. ومفهوم كلامه انه إذا لم يكن المعروض عليه حافظا، ولا أمسك أصله انه لا تجوز الرواية عنه بذلك العرض. وقد قال أحمد في رواية حنبل: لا بأس بالقراءة إذا كان رجل يعرف ويفهم ويبين ذلك. قال سعيد بن مروان البغدادي: سمعت يحيى بن إسماعيل الواسطي يقول: القراءة على مالك بن أنس (مثل) السماع من غيره.

الرواية عن الضرير والأمي إذا لم يحفظا

"الرواية عن الضرير والأمي إذا لم يحفظا" وهذا يرجع إلى أصل وهو أن الضرير والأمي إذا لم يحفظا الحديث فانه لا تجوز الرواية عنهما، ولا تلقينهما، ولا القراءة عليهما من كتاب، وقد نص على ذلك أحمد في رواية عبد الله في الضرير والأمي، لا يجوز أن حدثا إلا بما يحفظان. وقال كان أبو معاوية الضرير إذا حدثنا بالشيء الذي نرى انه لا يحفظه يقول: في كتابي كذا وكذا، ولا يقول: (ثنا) ولا سمعت. وكذلك قال يحيى بن معين في الضرير والأمي، نقله عنه عبد الله بن أحمد وعباس الدوري. وقال أبو خيثمة: كان يعاب على يزيد بن هارون انه كان بعدما أضر يأمر من يلقنه حديثه من كتابه ويتحفظه. وأنكر طائفة على من كان يكتب من كتاب (موسى بن) عبيدة الربذي ثم يقرؤها (عليه) وكان أعمى. وذكر ابن المديني عن أبي معاوية الضرير انه قال: ما سمعته من الشيخ وحفظته عنه قلت: حدثنا وما قرئ علي من الكتب، قلت: ذكر فلان. وكان عبد الرزاق يتلقن ممن يثق به، (كما كان يزيد بن هارون يفعله، وعلى قول هؤلاء يجوز العرض على الشيخ وان كان ضريرا لا يحفظ، أو أميا لا كتاب بيده إذا كان العرض ممن يوثق به) .

حكم التحديث من الكتاب إذا كان المحدث لا يحفظ ما فيه

وقد رخص ابن معين في السماع ممن يتلقن إذا كان يعرف حديثه ويعرف ما يدخل عليه، فإن لم يعرف ما يدخل عليه فانه كرهه. وحاصل الأمر أن الناس ثلاثة أقسام: حافظ متقن يحدث من حفظه، فهذا لا كلام فيه. وحافظ نسي، فلقن حتى ذكر أو تذكر حديثه من كتاب، فرجع إليه حفظه الذي كان نسيه وهذا أيضا حكمه حكم الحافظ. وكان شعبة أحيانا يتذكر حديثه من كتاب. ومن لا يحفظ شيئا، وإنما يعتمد على مجرد التلقين، فهذا هو الذي منع أحمد ويحيى بن الأخذ عنه. "حكم التحديث من الكتاب إذا كان المحدث لا يحفظ ما فيه" واختلف العلماء أيضا في التحديث من الكتاب إذا كان المحدث لا يحفظ ما فيه، وهو ثقة: فقال مالك: لا يؤخذ العلم عمن هذه الصفة صفته، لأني أخاف أن يزاد في كتبه بالليل. وحكي أيضا عن أبي حنيفة - C -: وعلى قول هؤلاء فلا يجوز العرض على من لا يحفظ، وان أمسك الكتاب، كما لا يجوز له أن حدث من الكتاب ولا يحفظ، وأولى. وهكذا اشترط عثمان بن أبي شيبة في العرض أن يكون العالم يعرف ما يقرأ عليه.

ورخص طائفة في التحديث من الكتاب لمن لا يحفظ، منهم: مروان بن محمد، وابن عيينة، وابن مهدي، ويحيى بن معين وغيرهم. وهذا إذا كان الخط معروفا موثوقا به، والكتاب محفوظا عنده. فإن غاب عنه كتابه ثم رجع إليه، فكان كثير منهم يتوقى الرواية منه خشية أن يكون غير فيه شيء. منهم ابن مهدي وابن المبارك والأنصاري. ورخص فيه بعضهم، منهم: يحيى بن سعيد. وقال أحمد في رجل يكون له السماع مع الرجل، أله أن يأخذ بعد سنين؟ قال: لا بأس به إذا عرف الخط. قال أبو بكر الخطيب: إنما يجوز هذا إذا لم ير فيه أثر تغيير حادث من زيادة أو نقصان، أو تبديل وسكنت نفسه إلى سلامته. قال: وعلى ذلك يحمل كلام يحيى بن سعيد. قلت: وكذا إن كان له فهم ومعرفة بالحديث، وإن لم يحفظه. وقد قال أبو زرعة: لما رد عليه كتابه، ورأى فيه تغييرا أنا أحفظ هذا، ولو لم أحفظه لم يكن يخفى علي. وقد قال أحمد في الكتاب قد طال على الإنسان عهده، لا يعرف بعض حروفه فيخبره بعض أصحابه، ما ترى في ذاك؟ قال: إذا كان يعلم أنه كما في الكتاب فليس به بأس، نقله عنه ابن هانئ. واختلفوا في المحدث الذي لا يحفظ إذا حدث من كتاب غيره.

فرخص طائفة فيه إذا وثق بالخط، منهم ابن جريج. وهو اختيار الإسماعيلي. وقال أحمد: ينبغي للناس أن يتقوا هذا. وكان يحيى بن سعيد يعيب قوما يفعلونه. وقال المروذي: سمعت أبا عبد الله، قال: ما بالكوفة مثل هناد بن السري، وهو شيخهم، فقيل له: هو يحدث من كتاب وراقه. فجعل يسترجع ثم قال: إن كان هكذا لم يكتب عن هناد شيء. هذا كله إذا قرأ القارئ على العالم وليس معه أحد، فإن كان معه أحد يسمع معه: فقالت طائفة: لا بد لمن يسمع معه أن ينظر في نسخته، وإلا فلا يصخ سماعه، منهم ابن وارة وغيره. وكذا قالوا في المحدث إذا قرأ عليهم من كتابه، ولم ينظروا فيه، ثم نسخوا من الكتاب من غير نظر ولا حفظ. وكذا إذا أملى المحدث، فكتب عنه بعضهم، ثم نسخ الباقون من كتابه من غير حفظ. وذكر أحمد عن عبد الرزاق أن سفيان لما قدم اليمن جاؤوا بمن يكتب، وكانوا ينظرون في الكتاب فإذا فرغ ختموا الكتاب حتى ينسخوه. وروى ابن عدي بإسناده عن معمر، قال: اجتمعت أنا وشعبة والثوري وابن جريج، فقدم علينا شيخ فأملى علينا أربعة آلاف حديث من ظهر قلب. فإذا جن الليل ختمنا الكتاب، فوضعناه تحت رؤوسنا. وكان الكاتب شعبة، ونحن ننظر في الكتاب. وذكر الخلال عن علي بن عبد الصمد المكي، قال: قلت لأحمد بن حنبل

ونحن في مجلس نسمع فيه الحديث، وأنا لا أنظر في النسخة: يا أبا عبد الله يجزيني أن لا أنظر في النسخة فأقول: (ثنا) مثل الصك إذا لم ينظر فيه ويشهد. قال لي: لو نظرت في الكتاب كان أطيب لنفسك. وذكر ابن معين عن ابن أبي ذئب أنه كان يقرأ عليهم كتابا ثم يلقيه إليهم فيكتبونه، ولم ينظروا في الكتاب. وروي عن مالك ما يدل عليه. ورخص في ذلك أكثر المتأخرين إذا كان صاحب الكتاب مأمونا في نفسه موثوقا بضبطه. وروى أحمد بن حرب الموصلي، عن زيد بن أبي الزرقاء، (ثنا) سفيان الثوري في القوم يكونون جميعا، فيأتون الرجل ومعهم حديث من حديثه في كتاب، ويكون الكتاب مع بعضهم، وهو عندهم ثقة وهم أكثر (من) أن يستطيعوا أن ينظروا فيه جميعا، هل يدخل عليهم أن يصدقوا صاحبهم في مسائله؟. قال: لا، إنما بمنزلة الشهادة. خرجه الرامهرمزي، وحمله على أن مراد سفيان الرخصة في ذلك كما (يقرأ) الصك على المشهود عليه بالدين فيقربه فيشهد عليه من سمعه. وكلام أحمد يدل على مثل ذلك أيضا إلا أنه استحب للسامع أن ينظر في الكتاب لتطيب نفسه.

المسألة الثانية: فيما يقول من عرض الحديث إذا حدث به

المسألة الثانية: فيما يقول من عرض الحديث إذا حدث به وقد ذكر الترمذي بإسناده عن عطاء أنه أجاز أن يقول: (ثنا) . وذكره أيضا عن أبي مصعب صاحب مالك. وعن يحيى نب القطان أنه قال: (ثنا) و (أنا) واحد. وسئل محمد بن نصر المروزي ما الفرق بين (ثنا) و (أنا) ؟ قال: سواء، الخلق. وروى محمد بن سعيد بن الأصبهاني عن شريك مثل ذلك. وذكر الترمذي أيضا عن ابن وهب أنه كان لا يقول: (ثنا) إلا فيما سمع من لفظ العالم مع الناس، فإذا قرئ على العالم وهو شاهد، قال: (أنا) ، وإن سمع وحده قال: حدثني، وإن قرأ وحده قال: أخبرني. والقول الأول: وهو الرخصة في أن يقول من عرض على العالم (ثنا) وهو مروي عن الحسن والزهري ومنصور والثوري ومالك وابن جريج وأبي حنيفة. ورواه محمد بن كثير عن الأوزاعي. وروي أيضا عن يحيى بن سعيد القطان. وقد تقدم مثله عن أحمد إلا أنه استحب أن يقول: قرأت. وقال أحمد أيضا: (ثنا) و (أنا) واحد. نقله عنه سلمة بن (شبيب)

وغيره وكذلك قال يزيد بن هارون والنضر بن شميل، وأبو عاصم النبيل ووهب بن جرير وابن عيينة، وأبو الوليد، وإسحاق بن إبراهيم، وروي عن مالك وسفيان أيضا (وقد جمع الطحاوي في التسوية بينهما جزءا) . وأما القول الثاني: وهو أن يقول في العرض (أنا) وفي السماع (ثنا) فهو محكي عن طائفة من العلماء منهم النسائي وقبله يونس بن عبد الأعلى. وحكاه بعضهم عن أكثر أصحاب الحديث، وهو مأثور عن ابن جريج. قال يحيى بن سعيد: كان ابن جريج صدوقا، إذا قال: حدثني فهو سماع، وإذا قال: أخبرنا أو أخبرني فهو قراءة، وإذا قال: قال، فهو شبه الريح، يعني أنه لم يسمعه ولم يقرأه. وروي عن الأوزاعي أنه أمر في الرواية عنه بذلك، وكذا نقله الربيع عن الشافعي وذكر أبو داود في مسائله، قال: قيل لأحمد كان "أخبرنا" أسهل من "حدثنا"؟ قال: نعم. هو أسهل. (ثنا) شديد. وقال عوف: إذا قرأ العالم على العالم، فقال: حدثني فهي كذيبة. وكذلك روي عن حماد بن زيد أنه منع في العرض أن يقول: (ثنا) . وقال عثمان بن أبي شيبة: كان ابن المبارك يقول: قرأت على ابن جريج، ولا يقول (أنا) .

وقال أحمد في رواية أبي داود: يعجبني أن يقول كما فعل، يقول: قرأت. وقال أحمد في رواية ابنه عبد الله: إذا سمعت من المحدث، فقل: (ثنا) ، وإذا قرأت عليه فقل: قرأت، وإذا قرئ عليه فقل: قرئ عليه. قال: وأحب إلى أن يبين كما كان. ولكن هذا محمول على الاستحباب كما تقدم ذلك صريحا عنه. ومن أصحابنا من حمله الوجوب. وقال أبو القاسم البغوي: كان أحمد لا يرى في العرض والإجازة (أنا) ولا (ثنا) إما رأيه أن يبين (الراوي) كما كان. وقرأ رجل على شريك، ثم سأله، فقال: أقول: (ثنا) شريك؟. فقال: إذن تكذب. وقال يحيى بن سعيد: ينبغي أن يحدث الرجل كما سمع، فإن سمع يقول: (ثنا) ، وإن عرض يقول: عرضت، وإن كان إجازة يقول: أجازني. وقال محمد بن كثير: سألت الأوزاعي عن الرجل يقرأ على الرجل الحديث، يقول: (ثنا) ؟. قال: لا، يقول كما صنع (يقول) : قرأت.

التفريق بين حدثني وحدثنا، وأخبرني وأخبرنا

(وقال ابن معين: أرى إذا قرأ الرجل على الرجل أن يقول: قرأت) على فلان، ولا يقول: (ثنا) ، وإذا قرئ على الرجل وهو شاهد فليقل قرئ على فلان وأنا شاهد، يقول كما كان. وقال أحمد بن صالح المصري فيمن قرأ على العالم، يقول: قرأت (قيل له: فإن قال: (ثنا) ؟ قال: لا ينبغي له أن يقول إلا كما قرأ، فإن قال: حدثنا فلم يكذب. قيل له: فإن قال: (أنا) وأنبأنا؟ قال: هو دون (ثنا) . وقال محمد بن عبد الله الأنصاري: تقول: قرأت على فلان، ولا تقول: حدثني. وقال شعبة: أحب إلي أن يبين. قال نعيم بن حماد: ما رأيت ابن المبارك يقول قط: (ثنا) ، وكأنه يرى (أنا) أوسع. "التفريق بين حدثني وحدثنا، وأخبرني وأخبرنا" وأما تفريق ابن وهب بين أن يكون سماعه أو عرضه وحده، أو مع غيره، فيقول إذا كان وحده. حدثني، أو أخبرني، وإذا كان مع غيره (يقول) (ثنا) أو أخبرنا. فهذا محمول على الاستحباب، دون الوجوب.

وقد روي مثل ذلك عن سعيد بن أبي مريم المصري. وروى معناه عن طائفة من السلف. قال ابن أبي خيثمة: (ثنا) الوليد بن شجاع، حدثني ضمرة عن رجاء بن أبي سلمة، عن ابن عون، قال: ربما حدثنا ابن سيرين فيقول: حدثني أبو هريرة، وربما قال: (ثنا) أبو هريرة. قال: فنقول: كيف هذا يا أبا بكر؟ قال: أكون وحدي فيحدثني فأقول: حدثني، وأكون في جماعة فيحدثنا، فأقول حدثنا. وقال الوليد بن يزيد: قلت للأوزاعي: كتبت عنك حديثا كثيرا، فما أقول فيه؟. قال: ما قرأته عليك وحدك فقل فيه: حدثني، وما قرأته على جماعة أنت فيهم فقل فيه: (ثنا) ، وما قرأته علي وحدك فقل فيه: أخبرني، وما قرئ على جماعة أنت فيهم فقل فيه: (أنا) : وما أخبرته لك وحدك فقل فيه: خبرني، وما أخبرته لجماعة أنت فيهم، فقل فيه: خبرنا. وخرج الخطيب كلام ابن وهب الذي خرج الترمذي من طريق ابن

أخي ابن وهب (عنه) ، ثم قال: هذا هو المستحب، وليس بواجب عند أهل العلم. وثم ذكر عن أحمد بن صالح أنه أجاز لمن سمع وحده أن يقول: (ثنا) ، ولمن سمع مع جماعة أن يقول: حدثني. وعن أبي داود، قال: قلت لأبي عبد الله، يعين أحمد: إذا سمع الرجل وحده يقول: (ثنا) فلان؟ قال: لا بأس. ومن طريق الأثرم، قال: قلت لأبي عبد الله: أليس هذا جائزا أن يقول: حدثني وهو ينوي أنه قد حدثه فيمن حدث، ويقول: أشهدني، وقد أشهد جماعة؟. قال: فظننت أنه سهل في ذلك. وعن المبارك، قال: إذا حدث الرجل جماعة فليقل كل منهم: حدثني. وعن يحيى بن سعيد أنه رخص فيه أيضا. قال أبو عبيد: كنت أسمع ابن المبارك كثيرا يقول: أخبرني، وكنت أرى أنه سمعه وحده حتى أخبروني، أنه كان يقول: إذا حدثنا فقد حدث كل واحد منا على حياله، فلهذا استجاز أن يقول. وذكر البيهقي قول ابن وهب وسعيد بن أبي مريم الذي تقدم ذكرهن قال: وهذا تفصيل حسن. وعليه أدرنا مشايخنا، وهو معنى قول الشافعي وأحمد - رحمهما الله -.

المسألة الثالثة: الرواية بالمناوبة

وذكر عبد الغني بن سعيد، قال: سمعت الوليد بن القاسم، يقول: سمعت أبا عبد الرحمن النسائي يقول: كان إسحاق بن راهويه، يقول: إذا قرأت فقل: قرأت، وإذا قرئ عليك فقل: قرئ وإذا حدثك فقل: حدثني، وإذا حدثكم فقل: حدثنا، قل كما كان. قال عبد الغني: وبلغني عن أحمد بن حنبل نحوه. وروي بإسناده عن أبي نعيم، قال: أتينا موسى بن علي بمكة، فقلت: حدثك أبوك؟ قال: لا، حدث القوم وأنا فيهم. فقلت: كيف تقول؟ قال: أقول: سمعت أبي. المسألة الثالثة: الرواية بالمناوبة وقد أسند الترمذي عن منصور بن المعتمر، أنه رخص في الرواية بها. والمناولة نوع من أنواع الإجازة، إلا أنها أرفع أنواعها، وصورتها أن يدفع العالم كتابه إلى رجل، ويقول له: هذا حدثني أو كتابي، فاروه عني، أو نحو ذلك. وممن رأى الرواية بها أيضا: الزهري، ومالك، والأوزاعي، في المشهور عنه، والليث وأحمد. قال المروذي: قال أبو عبد الله: إذا أعطيتك كتابي، فقلت لك: اروه عني وهو من حدثني فما تبالي أسمعته أم لم تسمعه. قال: فأعطاني المسند ولأبي طالب مناولة.

وقول يحيى بن سعيد، في رواية ابن جريج عن عطاء الخراساني: إنها ضعيفة لا شيء، إنما هي كتاب دفعه إليه، يدل على أنه كان لا يرى الرواية بالمناولة، إلا أن يحمل على أنه لم يأذن له في روايته عنه. وفي جواز الرواية بذلك في هذه الحال خلاف بين أهل العلم ذكره أبو بكر الخطيب وغيره. وروى الوليد عن الأوزاعي أن المناولة يعمل بها، ولا يحدث. ومن أنواع المناولة أن يأتي الطالب إلى العالم بجزء من حديثه قد كتبه من أصل صحيح. فيدفعه إلى العالم، ويستجيزه إياه، فيجيز له، ويرده إليه، إلا أنهم اشترطوا أن ينظر فيه العالم ويصححه إن كان يحفظ ما فيه، وأن يقابل به أصله، إن كان لا يحفظه. وقد فعل ذلك مالك وأحمد ومحمد بن يحيى الذهلي، واشترطه أحمد بن صالح المصري. وقال أحمد في رواية حنبل: المناولة لا أدري ما هي، حتى يعرف المحدث حديثه، وما يدريه ما في الكتاب؟. قال: (وأهل مصر يذهبون إلى هذا، وأنا لا يعجبني. قال أبو بكر الخطيب: أراه أراد أن) أهل مصر يذهبون إلى المناولة من غير أن يعلم الراوي هل ما في الجزء حديثه أم لا - والله أعلم -. وهذا الذي ذكر الخطيب صحيح، وقد اعتمد أحمد في ذلك على حكاية حكاها له ابن معين، عن ابن وهب، أنه طلب من سفيان بن عيينة (أن يجيز

له رواية جزء) أتاه به في يده، فأنكر ذلك ابن معين، وقال لابن وهب: هذا والريح بمنزلة، ادفع إليه الجزء حتى ينظر في حديثه. وقد روي عن ابن شهاب جواز ذلك أيضا، إلا أن الخطيب تأوله على أنه كان سبق علمه بما فيه، وفيه بعد. وظاهر ما أسند الترمذي عن ابن جريج، وهشام بن عروة يدل على جواز ذلك أيضا. وروى عن مالك ما يدل عليه. وإن قال العالم: إن كانت هذه من حديثي، فحدث بها جاز، ومقالة مالك - Bهـ - وظاهر الكلام أحمد يدل على أنه لا بد أن يكون المناول حاضرا، فإن أذن له في رواية شيء غائب لم يجز، فإنه قال في رواية الأثرم: كان شعيب بن أبي حمزة عسرا في الحديث، فسألوه أن يأذن لهم أن يرووا عنه، فقال: لا ترووا هذه الأحاديث عني، ثم كلموه، وحضر ذلك أبو اليمان، فقال لهم: ارووا تلك الأحاديث عني.

قبول حديث أبي اليمان وتخريجه

وقيل لأبي عبد الله: مناولة؟ قال (لو كان مناولة) كان، لم يعطهم كتبا ولا شيئا، إنما سمع هذا فقط، فكان أبو اليمان بعد يقول: (أنا) شعيب، فكأنه استحل ذلك بأن سمع شعيبا يقول لقوم: ارووه عني. قال: استحل ذلك.. شيء عجيب.. وذكر أحمد ذلك على وجه الإنكار على أبي اليمان. "قبول حديث أبي اليمان وتخريجه" وحديث أبي اليمان عن شعيب متفق على تخريجه في الصحيحين. وإذا كان حديث شعيب عندهم معروفا، وأذن لهم في روايته عنه، فلا حاجة إلى إحضاره ومناولته، بل هذه إجازة من غير مناولة. والحديث الذي خرجه الترمذي عن الحسن يدل على جواز ذلك أيضا، إلا أن أبا اليمان كان يقول في الرواية بها: (أنا) . وقد نهى عن ذلك الأوزاعي وأحمد بن صالح المصري. ورخص فيه آخرون، منهم مالك، ورواه الوليد بن يزيد عن الأوزاعي أيضا، وقد روي عن أحمد أيضا.

المناولة بالكتابة

قال صالح بن أحمد الحافظ: سمعت القاسم بن أبي صالح، يقول: سمعت إبراهيم بن الحسين يقول: سمعت أبا اليمان الحكم بن نافع يقول: قال لي أحمد بن حنبل: كيف سمعت الكتب من شعيب بن أبي حمزة؟. قلت: قرأت عليه بعضه، وبعضه قرأه علي، وبعضه أجاز لي، وبعضه مناولة فقال: قل في كله: (أنا) شعيب. ونقل البرذعي عن أبي زرعة الرازي، قال: لم يسمع أبو اليمان من شعيب بن أبي حمزة إلا حديثا واحدا، والباقي إجازة. "المناولة بالكتابة" ومن أنواع المناولة أن يكتب العالم إلى رجل بشيء من حديثه، ويختمه، ويأذن له في روايته عنه، وهي دون المناولة من يده، وقد روى بها خلق كثير من جلة السلف والخلف. وقال أيوب وشعبة منصور وغيرهم: إذا كتب إليك العالم، فقد حدثك. وقال ابن وهب: كان يحيى بن سعيد يكتب إلى الليث بن سعد، فيقول الليث: حدثني (يحيى بن سعيد. وكان هشام يكتب إليه فيقول: حدثني) هشام.

الشهادة على الكتاب المختوم

"الشهادة على الكتاب المختوم" وهؤلاء منهم من طرد ذلك في باب الشهادة، فأجاز الشهادة على الكتاب المختوم ونحوه، وإن لم يعلم ما فيه. وحكي ذلك عن الزهري، وهو قول أبي عبيد، وأبي يوسف. وخرجه طائفة من أصحابنا، رواية عن أحمد. "من فرق بين الرواية والشهادة" ومنهم من فرق بين الرواية والشهادة، فأجاز الرواية بالمناولة دون الشهادة على الخط المختوم، وهو المشهور عن الشافعي وأحمد وأبي حنيفة وغيرهم من الفقهاء. وفرق كثير منهم بأن الرواية مبناها على المسامحة، فإنه لا يشترط لها العدالة الباطنة، ويقبل فيها قول النساء والعبيد مطلقا، ويقبل فيها العنعنة بخلاف الشهادة. ومنهم من فرق بأن الشهادة يخفي تغييرها وزيادتها ونقصها، بخلاف الحديث فإنه قد حفظ وضبط، فلا يكاد يخفي تغييره. وقيل: إن كلام أحمد إيماء إلى هذا الفرق. "العمل بالوصية المختومة وعمل القاضي بكتاب القاضي" وقد يجوز كثير من العلماء العمل بالوصية المختومة، وإن لم يشهد عليها، وهو نص أحمد وقول محمد بن نصر المروزي وغيره. وكذلك جوز كثير من فقهاء الحجاز عمل القاضي بكتاب القاضي، إذا

عرف أنه كتابه من غير شهادة على ما فيه. وقد حكى المعافى بن زكريا ذلك عن جمهور فقهاء الحجاز والشام ومصر والمغرب والبصرة. وحكاه عن مالك والأوزاعي، والليث، وإسحاق وأبي عبيد، وسمى عددا كثيرا. ولكن لا يلزم من جواز العمل بالخط المعروف جواز تحمل الشهادة بما لم يسمعه، وإن جاز أن يشهد أنه خط فلان إذا عرفه، ولعل مراد كثير ممن قال بقبول الكتاب المختوم المشهود عليه. وإن لم يقرأ على الشهود أن الشاهد يشهد أن هذا كتاب فلان أو خطه فحينئذ يكون العمل بالخط. وقد تقدم أن الأوزاعي فرق بين المناولة بين العمل والرواية في رواية عنه، فلا يلزم من جواز العمل بما عرف صحته جواز تحمله من غير تحمل له. وأما الأثرم الذي خرجه الترمذي من حديث بشير بن نهيك، عن أبي هريرة، فقد رواه روح بن عبادة، عن عمران بن حدير، عن أبي مجلز، قال بشير بن نهيك: كنت أكتب بعض ما أسمع من أبي هريرة، فلما أردت فراقه أتيت بالكتب فقرأتها عليه. فقلت: هذا سمعته منك؟ فقال: نعم. ورواه عثمان بن الهيثم عن عمران به بنحوه. ورواه أبو عاصم، عن عمران بن حدير به، وقال في حديثه: فلما أردت فراقه أتيته فقلت: هذا حديثك، أحدث به عنك؟ قال: نعم.

المسألة الرابعة: الرواية بالإجازة من غير مناولة

وهذا ليس من باب المناولة ولا من باب العرض المجرد، بل رواية روح تدل على أنه عرض بعد سماع. وفي كلا الروايتين أنه كان يكتب بعدما يسمع منه، ثم أقر له به أبو هريرة، وأذن له في روايته، وهذا نهاية ما يكون من التثبيت في السماع، مع أن البخاري قال في بشير: لا أرى له سماعا من أبي هريرة. نقله عنه الترمذي في العلل. المسألة الرابعة: الرواية بالإجازة من غير مناولة وقد ذكر الترمذي عن بعض أهل العلم إجازتها، وقد حكاه غيره عن جمهور أهل العلم. وحكاه بعضهم إجماعا، وليس كذلك، بل قد أنكر الإجازة جماعة من العلماء، وحكي ذلك عن أبي زرعة، وصالح بن محمد، وإبراهيم الحربي. وروى الربيع عن الشافعي أنه كره الإجازة. قال الحاكم: لقد كرهت عند أكثر أئمة هذا الشأن. والذين أنكروا الإجازة المطلقة، منهم من رخص في المناولة، وهو قول أحمد بن صالح المصري. وروي أيضا مثله عن إبراهيم الحربي وأبي بكر البرقاني، وظاهر

المرسل

كلام أحمد في رواية الأثرم في قصة رواية أبي اليمان عن شعيب يدل على مثل ذلك، إلا أن يحمل إنكاره على أبي اليمان على إطلاقه لفظ الإخبار في الرواية بالإجازة، لا على أصل الرواية بالإجازة. وقد ذكرنا عنه رواية أخرى أنه أجاز لأبي اليمان إطلاق قوله (أنا) فيما يرويه عن شعيب بالمناولة والإجازة، وهو قول كثير من السلف والخلف. وروي عن أحمد أنه أجاز يقول (ثنا) فيما يرويه بالإجازة، وحكى أيضا عن مالك والليث بن سعد والثوري وغيرهم. "المرسل" قال أبو عيسى - C -: والحديث إذا كان مرسلا فإنه لا يصخ عند أكثر أهل الحديث، وقد ضعفه غير واحد. أخبرنا علي بن حجر (أنا) بقية بن الوليد، عن عتبة بن أبي حكيم، قال: سمع الزهري إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة يقول: قال رسول الله A قال رسول الله A فقال الزهري: قاتلك الله يا ابن أبي فروة تجيئنا بأحاديث ليس لها خطم ولا أزمة. أخبرنا أبو بكر عن علي بن عبد الله، قال: قال يحيى بن سعيد: مرسلات مجاهد أحب إلي من مرسلات عطاء بن أبي رباح بكثير، كان عطاء (يحطب) يأخذ من كل شرب.

قال علي: قال يحيى: مرسلات سعيد بن جبير أحب إلي من مرسلات عطاءز قلت ليحيى: مرسلات مجاهد أحب (إليك) أم مرسلات طاوس". قال: ما أقربهما؟. قال علي: وسمعت يحيى يقول: مرسلات أبي إسحاق عندي شبه لا شيء، والأعمش والتيمي ويحيى بن أبي كثير. ومرسلات ابن عيينة شبه الريح. ثم قال: إي والله وسفيان بن سعيد. قلت ليحيى: فمرسلات مالك؟ قال: هي أحب إلي. ثم قال يحيى: ليس في القوم أحد أصح حديثا من مالك. حدثنا سوار بن عبد الله العنزي، قال: سمعت يحيى بن سعيد القطان، يقول: ما قال الحسن في حديثه، قال رسول الله A إلا وجدنا له أصلا إلا حديثا أو حديثين. قال أبو عيسى: ومن ضعف المرسل فإنه ضعفه من قبل أن هؤلاء الأئمة قد حدثوا الثقات وغير الثقات. فإذا روى أحدهم حديثا وأرسله لعله أخذه عن غير ثقة. وقد تكلم الحسن البصري في معبد الجهني، ثم روى عنه: حدثنا بشر بن معاذ البصري (ثنا) مرحوم بن عبد العزيز العطار، قال: حدثني أبي وعمي، قالا: سمعنا الحسن يقول: إياكم ومعبد الجهني فإنه ضال مضل.

قال أبو عيسى: ويروى عن (الشعبي) ، قال: (ثنا) الحارث الأعور، وكان كذابا. وقد حدث عنه. وأكثر الفرائض التي يرويها عن علي وغيره هي عنه. وقد قال الشعبي: الحارث الأعور علمني الفرائض، وكان من أفرض الناس. سمعت محمد بن بشار يقول: سمعت عبد الرحمن بن مهدي، يقول: ألا تعجبون من سفيان بن عيينة؟ لقد تركت لجابر الجعفي بقوله لما روى عنه أكثر من ألف حديث، ثم هو يحدث عنه. قال محمد بن بشار: وترك عبد الرحمن بن مهدي حديث جابر الجعفي. قال أبو عيسى: وقد احتج بعض أهل العلم بالمرسل أيضا. حدثنا أبو عبيدة بن أبي سفر الكوفي، (ثنا) سعيد بن عامر عن شعبة عن سليمان الأعمش، قال: قلت لإبراهيم النخعي أسند لي عن عبد الله بن مسعود. فقال إبراهيم: إذا حدثتك عن رجل عن عبد الله فهو الذي سميت، وإذا قلت: قال عبد الله فهو عن غير واحد عن عبد الله.

الكلام ههنا في حكم الحديث المرسل

الكلام ههنا في حكم الحديث المرسل وقد ذكر الترمذي لأهل العلم فيه قولين: أحدهما: أنه لا يصح، ومراده: أنه لا يكون حجة. وحكاه عن أكثر أهل الحديث. وحكاه الحاكم عن جماعة أهل الحديث من فقهاء الحجاز، وسمى منهم: سعيد بن المسيب، والزهري، ومالك بن أنس والأوزاعي، والشافعي، وأحمد، فمن بعدهم من فقهاء المدينة. وفي حكايته عن أكثر من سماه نظر. ولا يصح عن أحد منهم الطعن في المراسيل عموما، ولكن في بعضها. وأسند الترمذي قول الزهري لإسحاق بن أبي فروة: قاتلك الله تجيئنا بأحاديث ليس لها خطم ولا أزمة، يريد لا أسانيد لها، وهذا ذم لمن يرسل الحديث ولا يسنده. وروى سلمة بن العيار عمن سمع الزهري يقول: ما هذا الأحاديث التي تأتون بها ليس لها خطم وأزمة، يعني الأسانيد. وذكر الترمذي أيضا كلام يحيى بن سعيد القطان في أن بعض المرسلات أضعف من بعض. ومضمون ما ذكر عنه تضعيف مرسلات عطاء، وأبي إسحاق، والأعمش، والتيمي، ويحيى بن أبي كثير والثوري، وابن عيينة، وأن مرسلات مجاهد وطاوس وسعيد بن المسيب ومالك أحب إليه منها. وقد أشار إلى علة ذلك بأن عطاء كان يأخذ عن كل ضرب، يعني أنه كان يأخذ عن الضعفاء ولا ينتقي الرجال، وهذه العلة مطردة في أبي إسحاق،

والأعمش والتيمي ويحيى بن أبي كثير، والثوري، وابن عيينة، فإنه عرف عنهم الرواية عن الضعفاء أيضا. وأما مجاهد وطاوس وسعيد بن المسيب ومالك فأكثر تحريا في رواياتهم وانتقادا لمن يروون عنه، مع أن يحيى بن سعيد صرح بأن الكل ضعيف. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا صالح بن أحمد بن حنبل، (ثنا) علي بن المديني، قال: قلت ليحيى بن سعيد: (ابن المسيب) عن أبي بكر؟ ز قال: شبه الريح. قال: وسمعت يحيى يقول: مالك عن سعيد بن المسيب أحب إلي من سفيان عن إبراهيم، قال يحيى: وكل ضعيف. قال: وسمعت يحيى يقول: سفيان عن إبراهيم شبه لا شيء. لأنه لو كان فيه إسناد صاح به. قال: وقال يحيى: أما مجاهد عن علي فليس بها بأس، قد أسند عن ابن أبي ليلى عن علي. وأما عطاء، يعني عن علي، فأخاف أن يكون من كتاب. قال: وسمعت يحيى يقول: مرسلات ابن أبي خالد ليس بشيء، ومرسلات عمرو بن دينار أحب إلي. قال: وسمعت يحيى يقول: مرسلات معاوية بن قرة أحب إلي من مرسلات زيد بن أسلم.

وذكر يحيى عن شعبة أنه كان يقول: عطاء عن علي إنما هي من كتاب، ومرسلات معاوية بن قرة نرى أنها عن شهر بن حوشب. قال ابن أبي حاتم: وحدثنا أحمد بن سنان الواسطي قال: كان يحيى بن سعيد لا يرى إرسال الزهري وقتادة شيئا، ويقول: هو بمنزلة الريح، ويقول: هؤلاء قوم حفاظ كانوا إذا سمعوا الشيء (علقوه) . وكلام يحيى بن سعيد في تفاوت مراتب المرسلات بعضها على بعض يدور على أربعة أسباب: أحدهما: ما سبق من أن من عرف روايته عن الضعفاء ضعف مرسله بخلاف غيره. والثاني: أن من عرف له إسناد صحيح إلى من أرسل عنه، فإرساله خير ممن لم يعرف له ذلك. وهذا معنى قوله: مجاهد عن علي ليس به بأس، قد أسند عن ابن أبي ليلى عن علي. والثالث: أن من قوي حفظه يحفظ كل ما يسمعه ويثبت في قلبه، ويكون فيه ما لا يجوز الاعتماد عليه. بخلاف من لم يكن له قوة الحفظ. ولهذا كان سفيان إذا مر بأحد يتغنى يسد أذنيه حتى لا يدخل إلى قلبه ما يسمعه منه فيقر فيه. وقد أنكر مرة يحيى بن معين على علي بن عاصم حديث، وقال: ليس هو من حديثك، إنما ذوكرت به فوقع في قلبك، فظننت انك سمعته، ولم تسمعه، وليس هو من حديثك. وقال الحسين بن حريث: سمعت وكيعا يقول: لا ينظر الرجل في كتاب لم يسمعه، لا يأمن أن يعلق قلبه منه.

مرسل الزهري ومنزلته

وقال الحسين بن الحسن المروزي: سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول: كنت عند أبي عوانة فحدث بحديث عن الأعمش: فقلت: ليس هذا من حديثك. قال: بلى. قلت: لا. قال: بلى. قلت: لا. قال: يا سلامة هات الدرج فأخرجت فنظرت فيه، فإذا ليس الحديث فيه، فقال: صدقت يا أبا سعيد، فمن أين أتيت؟ قلت: ذوكرت به وأنت شاب فظننت أنك سمعته. والرابع: إن الحافظ إذا روى عن ثقة لا يكاد يترك اسمه بل يسميه، فإذا ترك اسم الراوي دل إبهامه على انه غير مرضي، وقد كان يفعل ذلك الثوري وغيره كثيرا، يكنون عن الضعيف ولا يسمونه، بل يقولون: عن رجل، وهذا معنى قول القطان: لو كان فيه إسناد صاح به، يعني لو كان أخذه عن ثقة لسماه وأعلن باسمه. "مرسل الزهري ومنزلته" وخرج البيهقي من طريق أبي قدامة السرخسي، قال: سمعت يحيى بن سعيد يقول: مرسل الزهري شر من مرسل غيره، لأنه حافظ، وكل ما يقدر أن يسمى سمي، وإنما يترك من لا يستجيز أن يسميه. وقال يحيى بن معين: مراسيل الزهري ليس بشيء. وقال الشافعي: إرسال الزهري - عندنا - ليس بشيء، وذلك أنا نجده يروي عن سليمان بن أرقم. وقد روي أيضا تضعيف مراسيل الزهري عن يحيى بن سعيد، وأن أحمد بن صالح المصري أنكر ذلك عليه. لكن من وجه لا يثبت.

مراسيل الحسن

"مراسيل الحسن" وأما مراسيل الحسن البصري ففي كلام الترمذي ما يقتضي تضعيفها مع مراسيل الشعبي، فإنه ذكر أن الحسن ضعف معبدا ثم روى عنه، وأن الشعبي كذب جابرا الجعفي ثم روى عنه، فتضعف مراسيلهما حينئذ، وما ذكره عن يحيى القطان أن مراسيل الحسن وجد لها أصلا إلا حديثا أو حديثين يدل على أن مراسيله جيدة. وقال ابن عدي: سمعت الحسن بن عثمان يقول: سمعت أبا زرعة الرازي يقول: كل شيء يقول الحسن قال رسول الله A وجدت له أصلا ثابتا ما خلا أربعة أحاديث. وخرج عبد الغني بن سعيد من طريق نصر بن مر زوق وسلمة بن مكتل، قالا: سمعنا الخصيب بن ناصح يقول: كان الحسن إذا حدثه رجل واحد عن النبي A بحديث ذكره. فإذا حدثه أربعة بحديث عن النبي A ألقاهم، وقال: قال رسول الله A سلمة بن مكتل مصري، ذكره ابن يونس. والخصيب بن ناصح مصري - أيضا - متأخر، لم يدرك الحسن، إنما يروي عن خالد بن خداش ونحوه، ويروي عنه أيضا عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم.

قال محمد بن أحمد بن محمد بن أبي بكر المقدمي: سمعت علي بن المديني يقول: مرسلات الحسن البصري التي رواها عنه الثقات صحاح، ما أقل ما يسقط منها. وقال ابن عبد البر: روى عباد بن منصور: سمعت الحسن، قال: ما حدثني به رجلان قلت: قال رسول الله A وروى محمد بن موسى الحرشي عن ثمامة بن عبيدة (ثنا) عطية بن محارب عن يونس، قال: سالت الحسن قلت: يا أبا سعيد انك تقول: قال رسول الله A ولم تدركه. قال: كل شيء سمعتني أقوله: قال رسول الله A فهو عن علي بن أبي طالب - Bهـ - غير أني في زمان لا أستطيع أن أذكر عليا، وكان في عمل الحجاج. وهذا إسناد ضعيف، ولم يثبت للحسن سماع من علي. وذكر البخاري في تاريخه، قال: قال الهيثم بن عبيد (الصيد)

حدثني أبي، قال: قال رجل للحسن: انك لتحدثنا: قال النبي A فلو كنت تسند لنا؟ قال: والله ما كذبناك ولا كذبنا، لقد غزوت إلى خراسان غزوة معنا فيها ثلاثمائة من أصحاب محمد A. وهذا يدل على أن مراسيل الحسن، أو أكثرها عن الصحابة. وضعف آخرون مراسيل الحسن: روى حماد عن ابن عون، عن ابن سيرين، قال: كان ههنا ثلاثة يصدقون كل من حدثهم، وذكر الحسن وأبا العالية ورجلا آخر. وروى جرير عن رجل عن عاصم الأحول، عن ابن سيرين قال: لا تحدثنا عن الحسن، ولا عن أبي العالية فانهما لا يباليان عمن أخذا الحديث. وروى داود بن أبي هند عن الشعبي، قال: لو لقيت هذا يعني الحسن لنهيته عن قوله: قال رسول الله A صحبت ابن عمر ستة أشهر فما سمعته قال: قال رسول الله A إلا في حديث واحد. وروى شعبة عن عبد الله بن صبيح عن محمد بن سيرين قال: ثلاثة كانوا يصدقون من حديثهم أنس، وأبو العالية، والحسن البصري. قال الخطيب أراد أنس بن سيرين وفيه نظر. وقال الإمام أحمد: (ثنا) أبو أسامة عن وهيب بن خالد، عن خالد

الحذاء، قال: سمعت محمد بن سيرين يقول: كان أربعة يصدقون من حديثهم، أبو العالية والحسن وحمدي بن هلال، ورجل آخر سماه. وقد كان ابن سيرين يقول: سلوا الحسن ممن سمع "حديث العقيقة". وسلوا الحسن ممن سمع "عمار تقتله الفئة الباغية". وقال أحمد في رواية الفضل بن زياد: مرسلات سعيد بن المسيب أصح المرسلات، ومرسلات إبراهيم لا بأس بها. وليس في المرسلات أضعف من مراسيل الحسن وعطاء بن أبي رباح، فانهما يأخذان عن كل. وقال أحمد في رواية الميموني وحنبل عنه: مرسلات سعيد بن المسيب صحاح لا نرى أصح من مرسلاته. زاد الميموني: وأما الحسن وعطاء فليس هي بذاك. هي أضعف المراسيل كلها فإنهما كانا يأخذان عن كل. وقال ابن سعد: قالوا ما أرسل الحسن ولم يسنده فليس بحجة. وقال أحمد في رواية ابنه عبد الله: ابن جريج كان لا يبالي من أين يأخذ، وبعض أحاديثه التي يرسلها، يقول: أخبرت عن فلان، موضوعه. وممن تكلم من السلف في المراسيل ابن سيرين، وقد تقدم قوله: كانوا

لا يسألون عن (الإسناد) حتى وقعت الفتنة، وقوله لما حدث عن أبي قلابة: أبو قلابة رجل صالح، ولكن عمن أخذه أبو قلابة. وكذلك تقدم قول ابن المبارك، لما روي له حديث عن الحجاج بن دينار عن النبي A: بين الحجاج بن دينار وبين النبي A مفاوز تنقطع فيها أعناق الإبل. وقد سبق كلام شعبة ويحيى القطان. وكذلك ذكر أصحاب الشافعي أن مذهبه أن المراسيل ليست حجة، واستثنى بعضهم مراسيل سعيد بن المسيب، وقال: هي حجة عنده. قال أبو الطيب الطبري: وعلى ذلك يدل كلام الشافعي. ومن أصحابه من قال: إنما تصلح للترجيح لا غير. وقال يونس بن عبد الأعلى: قال لي الشافعي: ليس المنقطع بشيء ما عدا منقطع ابن المسيب.

خرجه ابن أبي حاتم في أول كتاب المراسيل عن أبيه عن يونس. وتأوله على أن مراده أن يعتبر بمراسيل سعيد بن المسيب. وخرجه عبد الغني بن سعيد من طريق محمد بن (سفيان) بن سعيد المؤذن عن يونس به. قال ابن أبي حاتم: وسمعت أبي وأبا زرعة يقولا: لا يحتج بالمراسيل، ولا تقوم الحجة إلا بالأسانيد الصحاح. وكذلك قال الدارقطني: المرسل لا تقوم به حجة. وخرج مسلم في مقدمة كتابه من طريق قيس بن سعد عن مجاهد، قال: جاء بشير بن كعب العدوي إلى ابن عباس فجعل يحدث ويقول: قال رسول الله A فجعل ابن عباس لا يأذن بحديثه ولا ينظر إليه. فقال: يا ابن عباس، ما لي أراك لا تسمع لحديثي، أحدثك عن رسول الله A ولا تسمع؟ فقال ابن عباس: إنا كنا مرة إذا سمعنا رجلا يقول: قال رسول الله A ابتدرته أبصارنا، وأصغينا إليه بآذاننا، فلما ركب الناس الصعبة والذلول لم نأخذ من الناس إلا بما نعرف. ثم قال مسلم في أثناء كلامه: المرسل في أصل قولنا وقول أهل العلم بالإخبار ليس بحجة.

القول الثاني في المسألة: الاحتجاج بالمرسل

القول الثاني في المسألة: الاحتجاج بالمرسل وحكاه الترمذي عن بعض أهل العلم وذكر كلام إبراهيم النخعي أنه كان إذا أرسل فقد حدثه به غير واحد وان أسند لم يكن عنده إلا عمن سماه. وهذا يقتضي ترجيح المرسل على المسند، لكن عن النخعي خاصة، فيما أرسله عن ابن مسعود خاصة. وقد قال أحمد في مراسيل النخعي، لا بأس بها. وقال ابن معين: مرسلات ابن المسيب أحب إلي من مرسلات الحسن. ومرسلات إبراهيم صحيحة إلا حديث تاجر البحرين، وحديث الضحك في الصلاة. وقال أيضا: إبراهيم أعجب إلي مرسلات من سالم والقاسم وسعيد بن المسيب. قال البيهقي: والنخعي نجده يروي عن قوم مجهولين لا يروي عنهم غيره، مثل هنى بن نويرة وخزام الطائي، قرثع الضبي ويزيد

ابن أوس، وغيرهم. وقال العجلي: مرسل الشعبي صحيح، لا يكاد يرسل إلا صحيحا. وقال الحسن بن شجاع البلخي: سمعت علي بن المديني يقول: مرسل الشعبي وسعيد بن المسيب أحب إلي من داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس. وقد استدل كثير من الفقهاء بالمرسل، وهو الذي ذكره أصحابنا أنه الصحيح عن الإمام أحمد، وهو قول أبي حنيفة وأصحابه، وأصحاب مالك أيضا هكذا أطلقوه. وفي ذلك نظر سنبين علته - إن شاء الله - تعالى. وحكي الاحتجاج بالمرسل عن أهل الكوفة، وعن أهل العراق جملة، وحكاه الحاكم عن إبراهيم النخعي، وحماد بن أبي سليمان، وأبي حنيفة، وصاحبيه. وقال أبو داود السجستاني في رسالته إلى أهل مكة: وأما المراسيل فقد كان يحتج بها العلماء فيما مضى مثل سفيان الثوري، ومالك بن أنس والأوزاعي، حتى جاء الشافعي فتكلم فيه، وتابعه على ذلك أحمد بن حنبل وغيره. قال أبو داود: فإذا لم يكن مسند ضد المراسيل، ولم يوجد (مسند) ، فالمراسيل يحتج بها، وليس هو مثل المتصل في القوة، انتهى. وأعلم أنه لا تنافي بين كلام الحفاظ، وكلام الفقهاء في هذا الباب، فإن

الحفاظ إما يريدون صحة الحديث المعين إذا كان مرسلا، وهو ليس بصحيح، على طريقتهم، لانقطاعه وعدم اتصال إسناده إلى النبي A. وأما الفقهاء فمرادهم صحة ذلك المعنى الذي دل عليه الحديث، فإذا عضد ذلك المرسل قرائن تدل على أن له أصلا قوي الظن بصحة ما دل عليه، فاحتج به مع ما احتف به من القرائن. وهذا هو التحقيق في الاحتجاج بالمرسل عند الأئمة كالشافعي وأحمد وغيرهما مع أن في كلام الشافعي ما يقتضي صحة المرسل حينئذ. وقد سبق قول أحمد في مرسلات ابن المسيب: صحاح. ووقع مثله في كلام ابن المديني، وغيره. قال ابن المديني في حديث يرويه أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه هو منقطع، وهو حديث ثبت. قال يعقوب بن شيبة: إنما استجاز أصحابنا أن يدخلوا حديث أبي عبيدة عن أبيه في المسند، يعني في الحديث المتصل، لمعرفة أبي عبيدة بحديث أبيه وصحتها، وأنه لم يأت فيها بحديث منكر. وقد ذكر ابن جرير وغيره أن إطلاق القول بأن المرسل ليس بحجة من غير تفصيل بدعة حدثت بعد المائتين. ونحن نذكر كلام الشافعي وأحمد في ذلك بحروفه:

قال الشافعي - C - في الرسالة: والمنقطع مختلف، فمن شاهد أصحاب رسول الله A (من التابعين، فحدث حديثا منقطعا عن النبي A اعتبر عليه بأمور منها: أن ينظر إلى ما أرسل من الحديث، فإن شركه الحفاظ المأمون فأسندوه إلى رسول الله A بمثل معنى ما روى، كانت هذه دلالة على صحة من قبل عنه وحفظه، وإن انفرد بإرسال حديث لم يشركه فيه من يسنده قبل ما ينفرد به من ذلك ويعتبر عليه بأن ينظر: - هل يوافقه مرسل غيره ممن قبل عنه العلم، من غير رجاله الذي قبل عنهم؟ فإن وجد ذلك كانت دلالة تقوي له مرسله، وهي أضعف من الأولى. - وإن لم يوجد ذلك نظر إلى بعض ما يروى عن بعض أصحاب النبي A قولا له، فإن وجد يوافق ما روى عن رسول الله A كانت في هذا دلالة على أنه لم يأخذ مرسله إلا عن أصل يصح - إن شاء الله -. وكذلك إن وجد عوام (من) أهل العلم يفتون بمثل معنى ما روي عن النبي A ثم يعتبر عليه بأن يكون إذا سمى من روى عنه لم يسم مجهولا، ولا مرغوبا عن الرواية عنه، فيستدل بذلك على صحته فيما روي عنه. ويكون إذا شرك أحد من الحفاظ في حديث لم يخالفه فإن خالفه (ووجد) حديثه أنقص كانت في هذه دلائل على صحة مخرج حديثه.

مضمون كلام الشافعي:

ومتى خالف ما وصفت أضر بحديثه، (حتى) لا يسع أحدا قبول مرسله. قال: وإذا (وجدت) الدلائل بصحة حديثه بما وصفت أحببنا أن يقبل مرسله. ولا نستطيع أن نزعم أن الحجة تثبت بها ثبوتها بالمتصل، وذلك أن معنى المنقطع مغيب يحتمل أن يكون حمل عمن يرغب عن الرواية عنه، إذا سمي، وأن بعض المنقطعات وإن وافقه مرسل مثله قد يحتمل أن يكون مخرجهما واحدا من حيث لو سمي لم يقبل، وأن قول بعض أصحاب النبي A إذا قال برأيه لو وافقه (لم) يدل على صحة مخرج الحديث دلالة قوية إذا نظر فيها: ويمكن أن يكون إنما غلط به حين سمع قول بعض أصحاب النبي A فوافقه، ويحتمل مثل هذا فيمن يوافقه بعض الفقهاء. قال: فأما من بعد كبار التابعين فلا أعلم منهم أحدا يقبل مرسله لأمور: - أحدهما أنهم أشد تجوزا فيمن يروون عنه. - والآخر أنهم توجد عليهم دلائل فيما أرسلوا بضعف مخرجه. والآخر كثرة الإحاطة في الأخبار، وإذا كثرت الإحاطة، كان أمكن للوهم، وضعف من يقبل عنه. انتهى كلامه. "مضمون كلام الشافعي": وهو كلام حسن جدا، ومضمونه: أن الحديث المرسل يكون صحيحا، ويقبل بشروط منها.

1 في نفس المرسل، وهي ثلاثة:

"1" في نفس المرسل، وهي ثلاثة: أحدهما - أن لا يعرف له رواية عن غير مقبول الرواية، من مجهول أو مجروح. ثانيهما - أن لا يكون ممن يخالف الحفاظ إذا أسند الحديث فيما أسندوه، فإن كان ممن يخالف الحفاظ عند الإسناد لم يقبل مرسله. ثالثها - أن يكون من كبار التابعين فإنهم لا يروون غالبا إلا عن صحابي، أو تابعي كبير، وأما غيرهم من صغار التابعين ومن بعدهم فيتوسعون في الرواية عمن لا تقبل روايته، وأيضا فكبار التابعين كانت الأحاديث في وقتهم الغالب عليها الصحة، وأما من بعدهم فانتشرت في أيامهم الأحاديث المستحيلة، وهي الباطلة الموضوعة، وكثر الكذب حينئذ. وهذا ليس بشيء، فإن الشافعي اعتبر أن يسنده الحفاظ المأمون،

وكلامه إنما هو في صحة المرسل وقبوله، لا في الاحتجاج للحكم الذي دل عليه المرسل، وبينهما بون. وبعد أن كتبت هذا وجدت أبا عمرو بن الصلاح قد سبق إليه، وفي كلام أحمد إيماء إليه، فإنه ذكر حديثا رواه خالد بن أبي قلابة، عن ابن عباس، فقيل له: سمع أبو قلابة من ابن عباس أو رآه؟ قال: لا، ولكن الحديث صحيح عنه، يعني عن ابن عباس، وأشار إلى أنه روي عن ابن عباس من وجوه أخر. (ثم وجدت في كلام أبي العباس بن سريج في رده على أبي بكر بن أبي داود ما اعترض به على الشافعي أن مراد الشافعي أن المرسل للحديث يعتبر أن توجد مراسيله توافق ما أسنده الحفاظ المأمون، فيستدل بذلك على أن لمراسيله أصلا، فإذا وجدنا له مرسلا بعد ذلك قبل، وإن لم يسنده الحفاظ. وكأنه اعتبر أن يوجد الغالب على مراسيله ذلك، إذ لو كان معتبرا في جميع مراسيله لم يقبل له مرسل حتى يسنده الثقات، "فيعود الإشكال". وهذا الذي قاله ابن سريج مخالف لما فهم الناس من كلام الشافعي مع مخالفته لظاهر كلامه - والله أعلم -) .

والثاني: أن يوجد مرسل آخر موافق له عن عالم يروي عن غير من يروي عنه (المرسل) الأول، فيكون ذلك دليلا على تعدد مخرجه، وأن له أصلا بخلاف ما إذا كان المرسل الثاني لا يروي إلا عمن يروي عنه الأول) ، فإن الظاهر أن مخرجها واحد، لا تعدد فيه. وهذا الثاني أضعف من الأول. والثالث: أن لا يوجد شيء مرفوع يوافقه لا مسند ولا مرسل، لكن يوجد ما يوافقه من كلام بعض الصحابة فيستدل (به) على أن للمرسل أصلا صحيحا أيضا، لأن الظاهر أن الصحابي إنما (أخذ) قوله عن النبي A. والرابع: أن لا يوجد للمرسل ما يوافقه، ولا مسند، ولا مرسل، ولا قول صحابي لكنه يوجد عامة أهل العلم على القول به، فإنه يدل على أن له أصلا، وأنهم مستندون في قولهم إلى ذلك الأصل. فإذا وجدت هذه الشرائط دلت على صحة المرسل، وأن له أصلا، وقبل واحتج به، ومع هذا فهو دون المتصل في الحجة، فإن المرسل وإن اجتمعت فيه هذه الشروط فإنه يحتمل أن يكون في الأصل مأخوذا عن غير من يحتج به، ولو عضده حديث متصل صحيح، لأنه يحتمل أن لا يكون أصل المرسل صحيحا، وإن عضده مرسل فيحتمل أن يكون أصلهما واحدا وأن يكون متلقى عن (غير مقبول) الرواية، وإن عضده قول الصحابي فيحتمل أن الصحابي قال برأيه من غير سماع من النبي A فلا يكون في ذلك ما يقوي المرسل. ويحتمل أن المرسل لما سمع قول الصحابي ظنه مرفوعا فغلط

ورفعه، ثم أرسله ولم يسم الصحابي، فما أكثر ما يغلط في رفع الموقوفات، وإن عضده موافقة قول عامة الفقهاء فهو كما لو عضده صحابي وأضعف، فإنه يحتمل أن يكون مستند الفقهاء اجتهادا منهم، وأن يكون المرسل غلط، ورفع كلام الفقهاء، لكن هذا في حق كبار التابعين بعيد جدا. وقال الشافعي أيضا في كتاب الرهن الصغير وقد قيل له: كيف قبلتم عن ابن المسيب منقطعا، ولم تقبلوه عن غيره؟. قال: لا نحفظ لابن المسيب منقطعا إلا وجدنا ما يدل على تسديده، ولا أثر عن أحد عرفناه عنه إلا عن ثقة معروف، فمن كان مثل حاله قبلنا منقطعة. وهذا موافق لما ذكره في الرسالة. فإن ابن المسيب من كبار التابعين، ولم تعرف له رواية عن غير ثقة، وقد اقترن بمراسيله كلها ما يعضدها. وقد قرر كلام الشافعي هذا البيهقي في مواضع من تصانيفه كالسنن والمدخل ورسالته إلى أبي محمد الجويني وأنكر فيها على الجويني قوله: لا تقوم الحجة بسوى مرسل ابن المسيب. وأنكر صحة ذلك عن الشافعي، وكأنه لم يطلع على رواية الربيع عنه التي قدمنا ذكرها. قال البيهقي: وليس الحسن وابن سيرين بدون كثير من التابعين، وإن كان بعضهم أقوى مرسلا، منهما أو من أحدهما، وقد قال الشافعي بمرسل الحسن حين اقترن به ما يعضده في مواضع منها: "النكاح بلا ولي" وفي "النهي عن بيع الطعام حتى يجري فيه الصاعان". وقال بمرسل طاوس وعروة وأبي أماه بن سهل وعطاء بن أبي رباح

وعطاء بن يسار وابن سيرين وغيرهم من كبار التابعين، حين اقترن به ما أكده، ولم يجد ما هو أقوى منه، كما قال بمرسل ابن المسيب في النهي عن بيع اللحم بالحيوان، وأكده بقول الصديق وبأنه روي عن وجه آخر مرسلا. وقال: مرسل ابن المسيب عندنا حسن. ولم يقل بمرسل ابن المسيب في زكاة الفطر بمدين من حنطة ولا بمرسلة في التولية في الطعام قبل أن يستوفى، ولا بمرسله في دية المعاهد، ولا بمرسله "من ضرب أبه فاقتلوه"، لما لم يقترن بها من الأسباب ما يؤكدها، أو لما وجد من المعارض لها ما هو أقوى منها. انتهى ما ذكره البيهقي. وأما مرسل أبي العالية (الرياحي) في الوضوء من القهقهة في الصلاة فقد رده الشافعي وأحمد. وقال الشافعي: حديث أبي العالية الرياحي رياح، يشير إلى هذا المرسل، وأحمد رده بأنه مرسل مع أنه يحتج بالمراسيل كثيرا، وإنما ردا هذا المرسل لأن أبا العالية وإن كان من كبار التابعين فقد ذكر ابن سيرين أنه كان يصدق كل من حدثه، ولم يعضد مرسله هذا شيء مما يعتضد به المرسل، فإنه لم يرو من وجه متصل صحيح، بل ضعيف، ولم يرو من وجه آخر مرسل، إلا من وجوه ترجع كلها إلى أبي العالية.

وهذا المعنى الذي ذكره الشافعي من تقسيم المراسيل إلى (صحيح محتج به، وغير محتج به) ، يؤخذ من كلام غيره من العلماء، كما تقدم عن أحمد وغيره بقسيم المراسيل إلى صحيح، وضعيف، ولم يصحح أحمد المرسل مطلقا، ولا ضعفه مطلقا، وإنما ضعف مرسل من يأخذ عن غير ثقة، كما قال في مراسيل الحسن وعطاء، وهي أضعف المراسيل، لأنهما كانا يأخذان عن كل. وقال أيضا: لا يعجبني (مراسيل) يحيى بن أبي كثير، لأنه يروي عن رجال ضعاف صغار. وكذا قوله في مراسيل ابن جريج، قال: بعضها موضوعة. وقال مهنا: قلت لأحمد: لم كرهت مرسلات الأعمش؟ قال: كان الأعمش لا يبالي عمن حدث. وهذا يدل على أنه إنما يضعف مراسيل من عرف بالرواية عن الضعفاء خاصة، وكان أحمد يقوي مراسيل من أدرك الصحابة، فأرسل عنهم. قال أبو طالب: قلت لأحمد: سعيد بن المسيب، عن عمر، حجة؟ قال: هو عندنا حجة، وقد رأى عمر وسمع منه، وإذا لم يقبل سعيد عن عمر فمن يقبل؟ ومراده أنه سمع منه شيئا يسيرا، لم يرد أنه سمع منه كل ما روى عنه، فإنه كثير الرواية عنه، ولم يسمع ذلك كله منه قطعا. ونقل مهنا عن أحمد أنه ذكر حديث إبراهيم بن محمد بن طلحة، وقال: قال عمر: "لأمنعن فروج ذوات الأحساب إلا من الأكفاء"، قال: فقلت له: هذا مرسل عن عمر؟ قال: نعم. ولكن إبراهيم بن محمد بن طلحة كبير.

وقال في حديث عكرمة، عن النبي A "من لم يسجد على أنفه مع جبهته فلا صلاة له". هو مرسل أخشى أن لا يكون شيئا. وقال في حديث عراك عن عائشة، حديث "حولوا مقعدتي إلى القبلة"، هو أحسن ما روي في الرخصة، وإن كان مرسلا، فإن مخرجه حسن، ويعني بإرساله أن عراكا لم يسمع من عائشة، وقال: إنما يروي عن عروة عن عائشة. فلعله حسنه لأن عراكا قد عرف أنه يروي حديث عائشة عن عروة عنها. وظاهر كلام أحمد أن المرسل عنده من نوع الضعيف، لكنه يأخذ بالحديث إذا كان فيه ضعف، ما لم يجيء عن النبي A أو عن أصحابه خلافه. قال الأثرم: كان أبو عبد الله ربما كان الحديث عن النبي A

وفي إسناده شيء فيأخذ به إذا لم يجيء خلافه أثبت منه، مثل حديث عمرو بن شعيب، وإبراهيم الهجري، وربما أخذ بالحديث المرسل إذا لم يجيء خلافه. وقال أحمد في رواية مهنا، في حديث معمر عن سالم عن ابن عمر: أن غيلان أسلم وعند عشر نسوة، قال أحمد: ليس بصحيح والعمل عليه. كان عبد الرزاق يقول: عن معمر عن الزهري، مرسلا. وظاهر هذا أنه يعمل به مع أنه مرسل، وليس بصحيح، ويحتمل أنه أراد: ليس بصحيح وصله، وقبله. وقد نص أحمد على تقديم قول الصحابي على الحديث المرسل. وكذا كلام ابن المبارك، فإنه قد تقدم عنه أنه ضعف مرسل حجاج بن

وأما مراسيل ابن المسيب

دينار وقد احتمل مرسل غيره، فروى الحاكم، عن الأصم: (ثنا) عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: وجدت في كتاب أبي، (ثنا) الحسن بن عيسى، قال: حدثت ابن المبارك بحديث لأبي بكر بن عياش عن عاصم، عن النبي A فقال: حسن. فقلت لابن المبارك: إنه ليس فيه إسناد، فقال: إن عاصما يحتمل له أن يقول: قال رسول الله A. قال: فغدوت إلى أبي بكر فإذا ابن المبارك قد سبقني إليهن وهو إلى جنبه فظننته قد سأله عنه. فإذا احتمل مرسل عاصم بن بهدلة، فمرسل من هو أعلى منه من التابعين أولى. وأما مراسيل ابن المسيب فهي أصح المراسيل كما قال أحمد وغيره. وكذا قال ابن معين: أصح المراسيل ابن المسيب. قال الحاكم: قد تأمل الأئمة المتقدمون مراسيله فوجدوها بأسانيد صحيحة. قال: وهذه الشرائط لم توجد في مراسيل غيره، كذا قال. وهذا وجه ما نص عليه الشافعي في رواية يونس بن عبد الأعلى كما سبق.

ولقد أنكر الخطيب وغيره ذلك وقالوا: لابن المسيب مراسيل لا توجد مسنده. وقد ذكر أصحاب مالك أن المرسل يقبل إذا كان مرسله ممن لا يروى إلا عن الثقات. وقد ذكر ابن عبد البر ما يقتضي أن ذلك إجماع، فإنه قال: كل من عرف بالأخذ عن الضعفاء، والمسامحو في ذلك لم يحتج بما أرسله، تابعا كان أبو من دونه. وكل من عرف أنه لا يأخذ إلا عن ثقة فتدليسه ومرسله مقبول. فمراسيل سعيد بن المسيب ومحمد بن سيرين وإبراهيم النخعي عندهم صحاح. وقالوا: مراسيل الحسن وعطاء لا يحتج بهما لأنهما كانا يأخذان عن كل أحد، وكذلك مراسيل أبي قلابة، وأبي العالية، وقالوا: لا يقبل تدليس الأعمش لأنه إذا وقف أحال على غير مليء، يعنون على غير ثقة. إذا سألته عمن هذا؟ قال: عن موسى بن طريق وعباية بن ربعي، والحسن بن ذكوان. قالوا: ويقبل تدليس ابن عيينة، لأنه إذا وقف أحال على ابن جريج ومعمر ونظرائهما. ثم ذكر بعد ذلك كلام إبراهيم النخعي الذي خرجه الترمذي ههنا.

ثم قال: إلى هذا نزع من أصحابنا من زعم أن مرسل الإمام أولى من مسنده لأن في هذا الخبر ما يدل على أن مراسيل النخعي أقوى من مسانيده، وهو لعمري كذلك، إلا أن إبراهيم ليس بمعيار على غيره. انتهى. وقول من قبل مراسيل من لا يرسل إلا عن ثقة يدل على أن مذهبه أن الراوي إذا قال: حدثني الثقة، أنه يقبل حديثه ويحتج به، وإن لم يسم عين ذلك الرجل. وهو خلاف ما ذكره المتأخرون من المحدثين كالخطيب وغيره. وذكره أيضا طائفة من أهل الأصول كأبي بكر الصيرفي وغيره. وقالوا: قد يوثق الرجل من يجرحه غيره، فلا بد من تسميته لنعرف هل هو ثقة، أم لا؟. أما لو علم أنه لا يرسل إلا عن صحابي كان حديثه حجة، لأن الصحابة كلهم عدول. فلا يضر عدم المعرفة بعين من روى عنه منهم. وكذلك لو قال تابعي: أخبرني بعض الصحابة، لكان حديثه متصلا يحتج به، كما نص عليه أحمد. وكذا ذكر ابن عمار الموصلي، ومن الأصوليين أبو بكر الصيرفي وغيره، وقال البيهقي: هو مرسل.

الاختلاف في تضعيف الرواة

"الاختلاف في تضعيف الرواة" قال أبو عيسى ـ C ـ: وقد اختلف الأئمة من أهل العلم في تضعيف الرجال كما اختلفوا في سوى ذلك من العلم. ذكر عن شعبة أنه ضعف أبا الزبير المكي وعبد الملك بن أبي سليمان وحكيم بن جبير، وترك الرواية عنهم. ثم حدث شعبة عمن دون هؤلاء في الحفظ والعدالة، حدث عن جابر الجعفي، وإبراهيم بن مسلم الهجري، ومحمد بن عبيد الله العرزمي، وغير واحد ممن يضعفون في الحديث. حدثنا محمد بن عمرو بن نبهان البصري (ثنا) أمية بن خالد قال: قلت لشعبة: تدع عبد الملك بن أبي سليمان ونحدث عن محمد بن عبيد الله العرزمي. قال: نعم. قال أبو عيسى: وقد كان شعبة حدث عن عبد الملك بن أبي سليمان، ثم تركه. ويقال إنما تركه لما تفرد بالحديث الذي روي عن عطاء بن أبي رباح عن جابر بن عبد الله عن النبي ـ A ـ قال: "الرجل أحق بشفعته ينتظر بها وإن كان غائباً، إذا كان طريقها واحداً". وقد ثبت عن غير واحد من الأئمة، وحدثوا عن أبي الزبير، وعبد الملك بن أبي سليمان، وحكيم بن جبير.

حدثنا احمد بن منيع، (أنا) هشيم، (أنا) حجاج، وابن أبي ليلى، عن عطاء بن أبي رباح، قال: كنا إذا خرجنا من عند جابر بن عبد الله تذاكرنا حديثه، وكان أبو الزبير أحفظنا للحديث. حدثنا محمد بن (يحيى بن) أبي عمر المكي، (ثنا) سفيان بن عيينة قال: قال أبو الزبير، كان عطاء يقدمني إلى جابر بن عبد الله فأحفظ لهم الحديث. حدثنا ابن أبي عمر، (ثنا) سفيان، قال: سمعت أيوب السختياني يقول: حدثني أبو الزبير، قال سفيان بيده فقبضها. قال أبو عيسى: إنما يعني به الإتقان والحفظ. ويروي عن عبد الله بن المبارك أنه قال: كان سفيان يقول: كان عبد الملك بن أبي سليمان ميزاناً في العلم. حدثنا أبو بكر، عن علي بن عبد الله، قال: سألت يحيى بن سعيد عن حكيم بن جبير، فقال: تركه شعبة من أجل الحديث الذي روي في الصدقة. يعني حديث عبد الله بن مسعود عن النبي ـ A ـ قال: "من سأل الناس، وله ما يغنيه، كان يوم القيامة خموشاً في وجهه". قالوا: يا رسول الله، ما يغنيه؟. قال: خمسون درهماً أو قيمتها من الذهب. قال علي: قال يحيى: وقد حدث عن حكيم بن جبير سفيان الثوري وزائدة. قال علي: ولم ير يحيى بحديثه بأساً. أخبرنا محمود بن غيلان، (ثنا) يحيى بن آدم (عن سفيان الثوري، عن

حكيم بن جبير بحديث الصدقة، قال يحيى بن آدم) ، فقال عبد الله بن عثمان، صاحب شعبة لسفيان الثوري: لو غير حكيم حدث بهذا؟ فقال له سفيان: وما لحكيم، لا يحدث عنه شعبة؟ قال: نعم. فقال سفيان الثوري: سمعت زبيداً يحدث بهذا عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد. قد تقدم أن رواه الحديث أربعة أقسام: "1" ـ من هو متهم بالكذب. "2" ـ ومن هو صادق، لكن يغلب على حديثه الغلط والوهم، لسوء حفظه. وهذا القسمان متروكان. "3" ـ ومن هو صادق ويغلط أحياناً. وهذا القسم هو المحتج بحديثه. "4" ـ ومن هو صادق ويخطىء كثيراً ويهم، ولكن لا يغلب الخطأ عليه وهؤلاء مختلف في الرواية عنهم. والاحتجاج بهم. وسبق الكلام على ذلك كله مستوفى، وبقي الكلام في أن بعض الرواة يختلف الحفاظ فيه من أي هذه الأقسام هو، فمنهم من يختلف فيه: ـ هل هو متهم بالكذب، أم لا؟. ـ ومنهم من يختلف فيه هل هو ممن غلب على حديثه الغلط أم لا؟. - ومنهم من يختلف فيه هل هو ممن كثر غلطه وفحش، أم ممن قل خطؤه وندر؟. وقد ذكر الترمذي هنا بعض من اختلف في ترك حديثه، وفي الرواية عنه ونحن نذكر أمثلة هذه الأقسام الثلاثة التي ذكرناها ـ إن شاء الله ـ.

القسم الأول: المختلف فيه بالكذب وعدمه

"القسم الأول: المختلف فيه بالكذب وعدمه" فمثال القسم الأول: وهو من اختلف فيه هل هو متهم بالكذب أم لا. عكرمة مولى ابن عباس: اتهمه بالكذب جماعة منهم سعيد بن المسيب، والقاسم بن محمد، وعطاء، وعلي بن عبد الله بن عباس، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وغيرهم. وأنكر ذلك جماعة آخرون: قال أيوب: لم يكن بكذاب، ولم أكن أتهمه. ووثقه ابن أبي ذئب وقال بكر المزني: أشهد أنه صدوق. ووثقه أيضاً من الحفاظ يحيى بن معين وغيره. وخرج له البخاري في صحيحه. وقال ابن عدي: إذا روى عنه الثقات فهو مستقيم الحديث، ولم يمتنع الأئمة من الرواية عنه. وقال أحمد ـ في رواية عنه: عمرو بن أبي عمرو كل شيء يرويه عن

عكرمة مضطرب، وكذا كل من يروي عن عكرمة، سماك وغيره. قيل له: فترى هذا من عكرمة أو منهم؟. قال: لا، ما أحسبه إلا من قبل عكرمة. وقال أحمد بن القاسم: رأيت أحمد ضعف رواية عكرمة، ولم ير روايته حجة. قال أبو بكر الخلال: هذا في حديث خاص، قال: وعكرمة عند أبي عبد الله ثقة، يحتج بحديثه. كذا قال. والظاهر خلافه، وقد يكون عن أحمد فيه روايتان، فإن المروزي نقل عن احمد أنه قال: عكرمة يحتج به. وذكر يحيى بن معين عن محمد بن فضيل، (ثنا) عثمان بن حكيم قال: جاء عكرمة إلى أبي أمامة بن سهل، وأنا جالس عنده، فقال: يا أبا أمامة، أسمعت ابن عباس يقول: ما حدثكم عكرمة عني بشيء فصدقوه، فإنه لن يكذب علي؟. قال: نعم. وقال ابن معين: إذا سمعت من يقع في عكرمة فاتهمه على الإسلام. وقال أبو حاتم الرازي: يحتج بحديثه إذا روى عنه الثقات. قال: والذي أنكر عليه مالك ويحيى بن سعيد فلسبب رأيه، يعني أنه نسب إلى رأي الخوارج. وأما تكذيب ابن عمر له، فقد روي من وجوه لا تصح، وقد أنكره مالك. قال إسحاق بن عيسى: قلت لمالك: أبلغك أن ابن عمر قال لنافع:

لا تكذب علي، كما يكذب عكرمة على ابن عباس؟ قال: لا، ولكن بلغني أن ابن المسيب قال ذلك لبرد مولاه. وذكر أحمد أن ابن سيرين كان يروي عنه ولا يسميه، وكذلك مالك، وأشار أحمد إلى أنهما طعنا في مذهبه ورأيه، لكن روي عن ابن سيرين أنه كذبه، من رواية الصلت بن دينار عنه، والصلت لا تقبل رواياته، وابن سيرين لا يروي عن كذاب أبداً. "محمد بن إسحاق وغيره": وممن اختلف في اتهامه بالكذب أيضاً محمد بن إسحاق، وقد سبق ذكره. ومنهم جابر الجعفي، وقد سبق ذكره مستوفى في أبواب الأذان. ومنهم كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف، فإن الترمذي يصحح حديثه وقد مشى أمره غير واحد، وتركه الأكثرون وضرب أحمد على حديثه، ولم يخرجه في المسند. ومنهم إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى، والأكثرون على اتهامه بالكذب.

القسم الثاني: المختلف فيه هل غلب عليه الوهم أم لا؟

"القسم الثاني: المختلف فيه هل غلب عليه الوهم أم لا"؟ ومثال القسم الثاني، وهو من اختلف فيه، هل هو ممن غلب على حديثه الوهم والغلط أم لا؟. عبد الله بن محمد بن عقيل: وقد ذكر الترمذي في أول كتابه عن البخاري، أن أحمد وإسحاق والحميدي كانوا يحتجون بحديثه، وقد صحح الترمذي حديثه. وقال ابن معين وغيره: لا يحتج به. وقال الجوزجاني: عامة ما يروى عنه غريب وتوقف عنه. عاصم بن عبيد الله العمري: وكذلك عاصم بن عبيد الله العمري، فإن الترمذي يصحح حديثه في غير موضع، والأكثرون ذكروا أنه كان مغفلاً، يغلب عليه الوهم والخطأ. قال شعبة: كان عاصم لو قلت له من بنى مسجد البصرة؟ لقال: حدثني فلان عن فلان أن النبي ـ A ـ بناه. وقال شعبة أيضاً: كان عاصم لو قلت له: رأيت رجلاً راكباً حماراً، لقال: حدثني أبي.

القسم الثالث: المختلف فيه في كثرة الخطأ وقلته

"القسم الثالث: المختلف فيه في كثرة الخطأ وقلته" ومثال القسم الثالث، وهو من اختلف فيه، هل هو ممن كثر خطؤه وفحش، أم ممن قل خطؤه؟. حكيم بن جبير: حكيم بن جبير الأسدي الكوفي، فإنه قليل الحديث، وله أحاديث منكرة. قال محمد بن عبد الرحمن العنبري، عن عبد الرحمن بن مهدي، وسئل عن حكيم بن جبير، فقال: إنما روى أحاديث يسيرة، وفيها أحاديث منكرات. وقال ابن المديني: سألت يحيى بن سعيد عنه، فقال: كم روى؟ إنما روى شيئاً يسيراً. وقال يحيى: وقد روى عنه زائدة. قلت ليحيى من تركه؟ قال شعبة. قلت: من أجل حديث الصدقة؟ قال: نعم. ثم قال يحيى: نحن نحدث عمن دون هؤلاء.

وقد خرج الترمذي حديث الصدقة في كتاب الزكاة وحسنه، وسبق الكلام عليه هناك مستوفى. وقد احتج به أحمد في رواية عنه وعضده بأن سفيان رواه عن زبيد عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد. وقد أنكر ابن معين وغيره حديث زبيد هذا. وقال ابن حبان في حكيم بن جبير: كان غالياً في التشيع، كثير الوهم فيما يروي، كان أحمد لا يرضاه. وخرج له ابن حبان حديث الصدقة، وقال: ليس له طريق يعرف، ولا رواية إلا من حديث حكيم بن جبير، وحكيم هذا روى عنه الثوري والأعمش وزائدة، وغيرهم وتركه شعبة ويحيى وابن مهدي وقيل أن يحيى كان يحدث عنه. وقال الجوزجاني: هو كذاب. وقد تقدم أن الترمذي حسن حديثه. وقال أحمد في رواية عنه في حديث الصدقة: هو حسن، واحتج به، وقال مرة في حكيم: هو ضعيف الحديث مضطرب. وقال ابن معين: ليس بشيء.

وقال أبو زرعة في رأيه شيء، ومحله الصدق ـ إن شاء الله ـ. وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث، منكر الحديث، له رأي غير محمود. قال وهو قريب من يونس بن خباب. وثوير بن أبي فاختة. وقال النسائي: ليس بالقوي. وقال الدارقطني: متروك. "عبد الملك بن أبي سليمان العرزمي": وممن اختلف في أمره، هل هو ممن فحش خطؤه أم لا؟ عبد الملك بن أبي سليمان العرزمي، واسم أبي سليمان ميسرة. قال أمية بن خالد: قلت لشعبة، ما لك لا تحدث عن عبد الملك بن أبي سليمان؟ قال: تركت حديثه. قلت: تحدث عن محمد بن عبيد الله العرزمي تدع عبد الملك بن أبي سليمان، وكان حسن الحديث؟ قال: من حسنها فررت.

خرجه ابن أبي حاتم والعقيلي وابن عدي وغيرهم. وقال وكيع عن شعبة: لو روى عبد الملك بن أبي سليمان حديثاً آخر مثل حديث الشفعة لطرحت حديثه. وقد خرج الترمذي حديث الشفعة في كتاب الأحكام والأقضية، وسبق الكلام عليه هناك مستوفى. وقد ذكر الإمام أحمد أن له منكرات، وأنه يوصل أحاديث يرسلها غيره. وقد ذكرنا ذلك في كتاب النكاح في باب "تنكح المرأة على ثلاث". وقال أبو بكر بن خلاد: وسمعت يحيى، وهو ابن سعيد، يقول: كان صفة حديث عبد الملك بن أبي سليمان فيها شيء منقطع يوصله، وموصل يقطعه. وقال أحمد كان من الحفاظ، وكان سفيان الثوري يسميه الميزان. وذكر ابن أبي حاتم بإسناده عن نوفل بن مطهر، عن ابن المبارك عن سفيان قال: حفاظ الناس ثلاثة: إسماعيل بن أبي خالد، وعبد الملك بن أبي سليمان العرزمي، ويحيى بن سعيد الأنصاري.

ووثقه يحيى بن معين، وسئل: هو أحب إليك أم ابن جريج؟ قال: كلاهما، ثبتان. وقال أحمد: هو يخالف ابن جريج في أحاديث، وابن جريج عندنا أثبت منه. وخرج له مسلم. وإنما ترك شعبة حديثه لرواية حديث الشفعة، لأن شعبة من مذهبه أن من روى حديثاً غلطاً مجتمعاً عليه ولم يتهم نفسه فيتركه، ترك حديثه، وقد ذكرنا ذلك عنه فيما تقدم. وروى نعيم بن حماد عن ابن مهدي عن شعبة، أنه سئل عمن يستوجب الترك؟ قال: إذا أكثر عن المعروفين ما لا يعرف، أو تمادى في غلط مجمع عليه، فلم يشكك نفسه فيه، أو كذاب. وسائر الناس فارو عنهم. وخرج أبو بكر الخطيب بإسناده عن ابن معين أنه سئل عن رجل حدث بأحاديث منكرة، فردها عليه أصحاب الحديث، أن هو رجع عنها، وقال: ظننتها، فأما إذا أنكرتموها، ورددتموها علي، فقد رجعت عنها، فقال: لا يكون صدوقاً أبداً إنما ذاك الرجل يشتبه له الحديث الشاذ والشيء فيرجع عنه، فأما الأحاديث المنكرة التي لا تشتبه لأحد فلا. فقيل ليحيى: فما يبريه؟ قال: يخرج كتاباً عتيقاً فيه هذه الأحاديث، فإذا أخرجها في كتاب عتيق فهو صدوق، وقد شبه له فيها، وأخطأ كما يخطىء الناس، ويرجع عنها، وأن لم يخرجه فهو كذاب أبداً.

وقد ذكرنا فيما تقدم عن ابن المبارك أن الحديث لا يكتب عن غلاط، لا يرجع. وعن أحمد، أن الحديث لا يكتب عن رجل يغلط فيرد عليه، فلا يقبل. "محمد بن عبيد الله العرزمي": وأما محمد بن عبيد الله العرزمي، الذي روى عنه شعبة، وروى عنه سفيان أيضاً، فهو ابن أخي عبد الملك بن أبي سليمان، المذكور قبله. وكان شريك ينسبه إلى جده، تدليساً، فيقول: حدثنا محمد بن أبي سليمان. وقد تركه ابن المبارك، وكان يحيى وعبد الرحمن لا يحدثان عنه. قال يحيى: سألته، فجعل لا يحفظ فأتيته بكتاب فجعل لا يحسن يقرأ. قال وكيع: هو رجل صالح ذهبت كتبه، فكان يحدث حفظاً، فمن ذاك أتى. وقال ابن نمير: هو رجل صدوق، ولكن ذهبت كتبه، وكان رديء الحفظ، فمن ثم أنكرت أحاديثه. وضعفه ابن معين، وقال: ليس بشيء، ولا يكتب حديثه. وقال الفلاس والنسائي: متروك الحديث. وقال ابن عدي: عامة رواياته غير محفوظة.

وقال ابن حبان: كان صدوقاً إلا أن كتبه ذهبت، وكان رديء الحفظ فجعل يحدث من حفظه، ويهم، فكثر المناكير في رواياته. "أبو الزبير المكي": وأما أبو الزبير، محمد بن مسلم بن تدرس المكي، فإن شعبة ترك حديثه وأعتل بأنه رآه لا يحسن يصلي، وبأنه رآه يزن ويسترجح في الوزن، وبأن رجلاً أغضبه فافترى عليه وهو حاضر. قال شعبة: وفي صدري لأبي الزبير عن جابر أربعمائة حديث، والله لأحدثت عنه حديثاً أبداً. ولم يذكر عليه كذباً ولا سوء حفظ. وقد اختلف العلماء فيه: قال المروذي: سالت أبا عبد الله، يعني أحمد بن حنبل، عن أبي الزبير، فقال: قد روى عنه قوم واحتملوه، روى عنه أيوب (وغيره) ، إلا أن شعبة لم يحدث عنه. قلت: هو لين الحديث؟. فكأنه لينه، قلت هو أحب إليك، أو أبو نضرة؟ قال: أبو نضرة أحب إلي. انتهى. وتكلم فيه أيوب أيضاً قال ابن المديني: حدثنا سفيان، (ثنا) أيوب (ثنا) أبو الزبير، وهو أبو الزبير، يغمزه، كذا أخرجه العقيلي من طريق البخاري عن علي وهذا خلاف ما فسر به الترمذي أنه عنى حفظه واتقانه.

وخرج ابن عدي هذا الأثر من طريق الترمذي عن ابن أبي عمر، عن سفيان. وعنده، قال سفيان: هذه نقيصة. وهذا خلاف ما وجدنا في نسخ كتاب الترمذي. وقال عبد الله بن أحمد: قال أبي: كان أيوب يقول: (ثنا) أبو الزبير، وأبو الزبير أبو الزبير، قلت لأبي: كأنه يضعفه؟ قال: نعم. وخرج العقيلي من طريق أبي عوانة، قال: كنا عند عمرو بن دينار جلوساً، ومعنا أيوب فحدثنا أبو الزبير بحديث فقلت لأيوب: تدري ما هذا؟ فقال: هو لا يدري ما حدث، أدري هذا. وهذا يدل على أن أيوب كان يغمزه، لا أنه كان يقويه. وخرج العقيلي من طريق أبي داود، (أنا) رجل من أهل مكة، قال: قال ابن جريج: ما كنت أرى أن أعيش حتى أرى حديث أبي الزبير يروى. ومن طريق نعيم بن حماد، قال: سمعت سفيان يقول: حدثني أبو الزبير، وهو أبو الزبير، كأنه يضعفه. وروى عبد الجبار بن العلاء، (ثنا) ابن عيينة، حدثني عمرو بن دينار وأبو الزبير، وعمرو بن دينار أوثق عندنا من أبي الزبير. وقال ابن خراش: و (ثنا) زيد بن أخزم، (ثنا) أبو عاصم، سمعت ابن جريج يقول: إن أبا الزبير اتخذ جابراً مطية. وقد وثقه ابن معين.

أقسام الحديث عند الترمذي.

وقال أحمد في رواية ابن هاني: هو حجة احتج به. وقال يعلى بن عطاء المكي: (ثنا) أبو الزبير المكي (أكمل) الناس عقلاً، وأحفظه. وقال ابن عدي: كفى بأبي الزبير صدقاً أن يحدث عنه مالك، فإن مالكاً لا يحدث إلا عن ثقة ولا أعلم أحداً من الثقات تخلف عنه، إلا وقد كتب عنه، وهو في نفسه ثقة صدوق، لا بأس به. انتهى. خرج حديثه مسلم، وخرج له البخاري مقروناً. "أقسام الحديث عند الترمذي". قال أبو عيسى: وما ذكرنا في هذا الكتاب "حديث حسن" فإنما أردنا به حسن إسناده ـ عندنا ـ. كل حديث يروى لا يكون في إسناده متهم بالكذب، ولا يكون الحديث شاذاً ويروى من غير وجه نحو ذلك. فهو عندنا حديث حسن. وما ذكرنا في هذا الكتاب "حديث غريب" فإن أهل الحديث يستغربون الحديث بمعان، رب حديث يكون غريباً لا يروى إلا من وجه واحد، مثل ما حدث به حماد بن سلمة عن أبي العشراء، عن أبيه، قال: قلت يا رسول الله، أما تكون الذكاة إلا في الحلق واللبة؟ فقال: لو طعنت في فخذها اجزأ عنك. فهذا حديث تفرد به حماد بن سلمة عن أبي العشراء، ولا يعرف لأبي العشراء عن أبيه إلا هذا الحديث، وإن كان هذا الحديث مشهوراً عند أهل العلم فإنما اشتهر من حديث حماد بن سلمة، ولا نعرفه إلا من حديثه.

(ورب رجل من الأئمة يحدث بالحديث لا يعرف إلا من حديثه) فيشتهر الحديث لكثرة من روى عنه، مثل ما روى عبد الله بن دينار عن ابن عمر عن النبي ـ A ـ "نهى عن بيع الولاء، وعن هبته". لا نعرفه إلا من حديث عبد الله بن دينار، روى عنه عبيد الله بن عمر وشعبة وسفيان الثوري، ومالك بن أنس وابن عيينة وغير واحد من الأئمة، وروى يحيى بن سليم هذا الحديث عن عبيد الله بن عمر، عن نافع عن ابن عمر، فوهم فيه يحيى بن سليم، والصحيح هو عن عبيد الله بن عمر، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر، (هكذا روى عبد الوهاب الثقفي وعبد الله بن نمير عن عبيد الله بن عمر، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر) . وروى المؤمل هذا الحديث عن شعبة، فقال شعبة: وددت أن عبد الله بن دينار أذن لي حتى أقوم إليه فاقبل رأسه. أعلم أن الترمذي قسم ـ في كتابه هذا ـ الحديث إلى صحيح، وحسن، وغريب، وقد يجمع هذه الأوصاف الثلاثة في حديث واحد، وقد يجمع منها وصفين في الحديث، وقد يفرد أحدها في بعض الأحاديث، وقد نسب طائفة من العلماء الترمذي إلى التفرد بهذا التقسيم، ولا شك أنه هو الذي اشتهرت عنه هذه القسمة، وقد سبقه البخاري إلى ذلك، كما ذكره الترمذي عنه في كتاب العلل أنه قال في حديث "البحر هو الطهور ماؤه"، هو حديث حسن صحيح، وإنه قال في أحاديث كثيرة: هذا حديث حسن، وكذلك ذكر ابن أبي حاتم عن أبيه أنه قال في حديث إبراهيم بن أبي شيبان، عن يونس بن

ميسرة بن حلبس، عن أبي إدريس، عن عبد الله بن حوالة، عن النبي ـ A ـ. "تجندون أجناداً ... الحديث". قال: هو صحيح حسن غريب. وقد كان أحمد وغيره يقولون: حديث حسن. وأكثر ما كان الأئمة المتقدمون يقولون في الحديث أنه صحيح أو ضعيف، ويقولون: منكر وموضوع وباطل.

الصحيح من الحديث ومعناه

وكان الإمام أحمد يحتج بالحديث الضعيف الذي لم يرد خلافه، ومراده بالضعيف قريب من مراد الترمذي بالحسن. وقد فسر الترمذي ههنا مراده بالحسن وفسر مراده بالغريب، ولم يفسر معنى الصحيح، ونحن نذكر ما قيل في معنى الصحيح، أولاً، ثم نشرح ما ذكره الترمذي في معنى الحسن والغريب، إن شاء الله تعالى. "الصحيح من الحديث ومعناه" أما الصحيح من الحديث، وهو الحديث المحتج به، فقد ذكر الشافعي ـ C ـ شروطه بكلام جامع، قال الربيع: قال الشافعي: ولا تقوم الحجة بخبر الخاصة حتى يجمع (أموراً) منها: أن يكون من حدث به ثقة في دينه معروفاً بالصدق في حديثه، عاقلاً لما يحدث به، عالماً بما يحيل معاني الحديث من اللفظ، أو أن يكون ممن يؤدي الحديث بحروفه كما سمعه، ولا يحدث به على المعنى؛ لأنه إذا حدث على المعنى وهو غير عالم بما يحيل معناه، لم يدر لعله يحيل الحلال إلى الحرام وإذا أدى بحروفه لم يبق وجه يخاف فيه إحالة الأحاديث. حافظاً إن حدث من حفظه، حافظاً لكتابه، إن حدث من كتابه. إذا شرك أهل الحفظ في الحديث وافق حديثهم. بريئاً من أن يكون مدلساً، يحدث عمن لقي، ما لم يسمع منه، أو يحدث عن النبي ـ A ـ بما يحدث الثقات بخلافه. ويكون هكذا من فوقه ممن حدثه حتى ينتهي بالحديث موصولاً إلى النبي

مضمون كلام الشافعي

ـ A ـ أو إلى من انتهى به إليه دونه، لأن كل واحد مثبت لمن حدثه، ومثبت على من حدث عنه. قال: ومن كثر غلطه من المحدثين، ولم يكن له أصل كتاب صحيح، لم يقبل حديثه، كما يكون من أكثر الغلط في الشهادات، لم تقبل شهادته. قال: وأقبل الحديث حدثني فلان عن فلان إذا لم يكن مدلساً، ومن عرفناه دلس مرة فقد أبان لنا عورته في روايته. وليست تلك العورة بكذب فيرد بها حديثه، ولا (على) النصيحة في الصدق فنقبل منه ما قبلناه من أهل النصيحة في الصدق، فقلنا: لا نقبل من مدلس حديثاً حتى يقول: حدثني أو سمعت. "مضمون كلام الشافعي" فقد تضمن كلامه ـ C ـ أن الحديث لا يحتج به حتى يجمع رواته من أولهم إلى آخرهم شروطاً. أحدها: الثقة في الدين، وهي العدالة، وشروط العدالة مشهورة معروفة في كتب الفقه. والثاني: المعرفة بالصدق في الحديث ويعني بذلك، أن يكون الراوي معروفاً بالصدق في رواياته، فلا يحتج بخبر من ليس بمعروف بالصدق، كالمجهول الحال، ولا من يعرف بغير الصدق. وكذلك ظاهر كلام الإمام أحمد أن خبر مجهول الحال لا يصح، ولا يحتج به. ومن أصحابنا من خرج قبول حديثه على الخلاف في قبول المرسل. وقال الشافعي أيضاً: كان ابن سيرين والنخعي وغير واحد من التابعين

يذهب هذا المذهب في أن لا يقبل إلا ممن عرف. قال: وما لقيت ولا علمت أحداً من أهل (العلم) بالحديث يخالف هذا المذهب. الثالث: العقل لما يحدث به، وقد روي مثل هذا الكلام عن جماعة من السلف. ذكر ابن أبي الزناد عن أبيه، قال: أدركت بالمدينة مائة كلهم مأمون، ما يؤخذ عنهم شيء من الحديث، يقال: ليس من أهله، خرجه مسلم في مقدمة كتابه. وروى إبراهيم بن المنذر، حدثني معن بن عيسى، قال: كان مالك يقول: لا تأخذ العلم من أربعة وخذ ممن سوى ذلك، لا تأخذ من سفيه معلن بالسفه، وإن كان أروى الناس، ولا تأخذ من كذاب يكذب في أحاديث الناس، وإن كان لا يتهم أن يكذب على رسول الله ـ A ـ ولا من صاحب هوى يدعو الناس إلى هواه، ولا من شيخ له فضل وعباده إذا كان لا يعرف ما يحدث به. قال إبراهيم بن المنذر فذكرت هذا الحديث لمطرف بن عبد الله (اليساري) مولى زيد بن أسلم، فقال: ما أدري ما هذا، ولكن أشهد أني سمعت مالك بن أنس يقول: لقد أدركت بهذا البلد، يعني المدينة مشيخة لهم فضل وصلاح وعبادة، يحدثون، ما سمعت من واحد منهم حديثاً قط، قيل: ولم يا أبا عبد الله؟ قال: لم يكونوا يعرفون ما يحدثون.

وروى ضمرة: عنه سعيد بن عبد العزيز عن مغيرة، عن إبراهيم قال: لقد رأيتنا وما نأخذ الأحاديث إلا ممن يعرف حلالها من حرامها، وحرامها من حلالها، وإنك لتجد الشيخ يحدث بالحديث فيحرف حلاله عن حرامه، وحرامه عن حلاله، وهو لا يشعر. وقال محمد بن عبد الله بن عمار الحافظ الموصلي وقد سئل عن علي بن غراب، فقال: كان صاحب حديث بصيراً به، فقيل له: أليس هو ضعيفاً؟ قال: إنه كان يشيع، ولست بتارك الرواية عن رجل صاحب حديث يبصر الحديث بعد أن لا يكون كذوباً للتشيع أو للقدر، ولست براوٍ عن رجل لا يبصر الحديث ولا يعقله ولو كان أفضل من فتح، يعني الموصلي. وحكى الترمذي في علله عن البخاري قال: كل من لا يعرف صحيح الحديث من سقيمه لا أحدث عنه، وسمى منهم زمعة بن صالح وأيوب بن عتبة. وحكى الحاكم هذا المذهب عن مالك وأبي حنيفة.

وحكى عن أكثر أهل الحديث الاحتجاج بحديث من لا يعرف ما يحدث به ولا يحفظه. والظاهر ـ والله أعلم ـ حمل كلام الشافعي على من لا يحفظ لفظ الحديث، وإنما يحدث بالمعنى كما صرح بذلك فيما بعد، وكذلك نقل الربيع عنه في موضع آخر، أنه قال: تكون اللفظة تترك من الحديث فتحيل المعنى، أو ينطق بها بغير لفظ المحدث، والناطق بها غير عامد (لاحالة) الحديث (فيختل معناه، فإذا كان الذي يحمل الحديث يجهل هذا المعنى وكان غير عاقل للحديث) فلم يقبل حديثه إذا كان يحمل ما لا يعقل، إذا كان ممن لا يؤدي الحديث بحروفه، وكان يلتمس روايته على معانيه، وهو لا يعقل المعنى، إلى أن قال: فالظنة فيمن لا يؤدي الحديث بحروفه ولا يعقل معانيه أبين منها في الشاهد لمن ترد شهادته (له) فيما هو ظنين فيه. فهذا يبين أن الشافعي إنما اعتبر في الراوي أن يكون عارفاً بمعاني الحديث إذا كان يحدث بالمعنى ولا يحفظ الحروف، والله أعلم. فقوله هنا، عاقلاً لما يحدث به، عالماً بما يحيل معاني الحديث من اللفظ هو شرط واحد ليس فيه تكرير، بل مراده يعقل ما يحدث به فهم المعنى، ومراده بالعلم بما يحيل المعنى من الألفاظ معرفة الألفاظ التي تؤدي بها المعاني. وقد فسر أبو بكر الصيرفي في شرح الرسالة قول الشافعي: عاقلاً لما يحدث به بأن مراده أن يكون الراوي ذا عقل فقط، قال: وهذا شرط بإجماع. وهذا الذي قاله فيه نظر وضعيف، وهذا (كله) في حق من لا يحفظ

الحديث بألفاظه بدليل أنه قال بعد ذلك: أو أن يكون ممن يؤدي الحديث بحروفه كما سمعه، ولا يحدث به على المعنى، فجعل هذا قسيماً للذي قبله، فقسم الرواة إلى قسمين: من يحدث بالمعنى، فيشترط فيه أن يكون عاقلاً لما يحدث به من المعاني، عالماً بما يحيل المعنى من الألفاظ. ومن يحدث باللفظ، فيشترط فيه الحفظ للفظ الحديث، واتقانه، وما علل به من اشتراط معرفة المعنى واللفظ المؤدي له فهو حق واضح، وقد سبق معنى ذلك عن إبراهيم النخعي. وقد قال أحمد في رواية الأثرم: سعيد بن زكريا المدائني كنا كتبنا عنه، ثم تركناه، قيل له: لم؟ قال: لم أكن أرى به في نفسه بأساً ولكن لم يكن بصاحب حديث. وهذا محمول على أنه كان يحدث من حفظه أيضاً فيخشى عليه الغلط. الرابع: حفظ الراوي، فإن كان يحدث من حفظه اعتبر حفظه لما يحدث به، لكن إن كان يحدث باللفظ اعتبر حفظه لألفاظ الحديث، وإن كان يحدث بالمعنى اعتبر معرفته بالمعنى واللفظ الدال عليه كما تقدم، وإن كان يحدث من كتابه اعتبر حفظه لكتابه، وقد سبق كلام الأئمة واختلافهم في جواز التحديث من الكتاب، وفي صفة حفظ الكتاب بما فيه كفاية. الخامس: أن يكون في حديثه الذي لا ينفرد به يوافق الثقات في حديثهم، فلا يحدث بما لا يوافق الثقات وهذا الذي ذكره معنى قول كثير من الأئمة الحفاظ

في الجرح في كثير من الرواة يحدث بما يخالف الثقات، أو يحدث بما لا يتابعه الثقات (عليه) لكن الشافعي اعتبر أن لا يخالفه الثقات، ولهذا قال بعد هذا الكلام: (بريئاً) أن يحدث عن النبي ـ A ـ بما يحدث الثقات خلافه. وقد فسر الشافعي الشاذ من الحديث بهذا. قال يونس بن عبد الأعلى: سمعت الشافعي يقول: ليس الشاذ من الحديث أن يروي الثقة حديثاً لم يروه غيره، إنما الشاذ من الحديث أن يروي الثقات حديثاً فيشذ عنهم واحد فيخالفهم. وأما أكثر الحفاظ المتقدمين فإنهم يقولون في الحديث إذا انفرد به واحد وإن (لم) يرو الثقات خلافه أنه لا يتابع عليه، ويجعلون ذلك علة فيه، اللهم إلا أن يكون ممن كثر حفظه واشتهرت عدالته وحديثه كالزهري ونحوه، وربما يستنكرون بعض تفردات الثقات الكبار أيضاً، ولهم في كل حديث نقد خاص، وليس عندهم لذلك ضابط يضبطه. قال صالح بن محمد الحافظ: الشاذ، الحديث المنكر الذي لا يعرف، وسيأتي لذلك مزيد إيضاح عند ذكر الحديث الغريب إن شاء الله تعالى. السادس: أن لا يكون مدلساً، فمن كان مدلساً يحدث عمن رآه بما لم يسمعه منه فإنه لا يقبل منه حديثه حتى يصرح بالسماع ممن روى عنه، وهذا الذي ذكره الشافعي قد حكاه يعقوب بن شيبة عن يحيى بن معين. وقال الشاذكوني: من أراد التدين بالحديث فلا يأخذ عن الأعمش، ولا عن قتادة إلا ما قالا: سمعناه. وقال البرديجي: لا يحتج من حديث حميد إلا ما قال: (ثنا) أنس. ولم يعتبر الشافعي أن يتكرر التدليس من الراوي، ولا أن يغلب على

حديثه، بل اعتبر ثبوت تدليسه، ولو بمرة واحدة. واعتبر غيره من أهل الحديث أن يغلب التدليس على حديث الرجل، وقالوا: إذا غلب عليه التدليس لم يقبل حديثه حتى يقول: (ثنا) وهذا قول ابن المديني، حكاه يعقوب بن شيبة عنه. وذكر مسلم في مقدمة كتابه أنه إنما يعتبر التصريح بالسماع ممن شهر بالتدليس، وعرف به، وهذا يحتمل أن يريد به كثرة التدليس في حديثه، ويحتمل أن يريد ثبوت ذلك عنه، وصحته، فيكون كقول الشافعي. وفرقت طائفة بين أن يدلس عن الثقات أو عن الضعفاء، فإن كان يدلس عن الثقات قبل حديثه، وإن عنعنه، وإن كان يدلس عن غير الثقات لم يقبل حديثه حتى يصرح بالسماع، وهذا الذي ذكره حسين الكرابيسي، وأبو الفتح الأزدي الموصلي الحافظ، وكذلك ذكره طائفة من فقهاء أصحابنا، وهذا بناء على قولهم بقبول المراسيل، واعتبروا كثرة التدليس في حق من يدلس عن غير الثقات، وكذا ذكر الحاكم أن المدلس إذا لم يذكر سماعه في الرواية فحكم حديثه حكم المرسل. وكذلك أشار إليه أبو بكر الصيرفي في شرح رسالة الشافعي. وأما الإمام أحمد فتوقف في المسألة، قال أبو داود: سمعت أحمد سئل عن الرجل يعرف بالتدليس في الحديث، يحتج فيما لم يقبل فيه: حدثني، أو سمعت؟ قال: لا أدري.

وأما من يدلس عمن لم يره، فحكم حديثه حكم المرسل، وقد سبق ذكره ومتى صرح بالسماع، أو قال: (ثنا) أو (أنا) فهو حجة. وزعم أبو الطيب الطبري من الشافعية أنه لا يحتج بقول المدلس: (أنا) ؛ لأنه قد يكون إجازة وهذا ضعيف، فإن مثله يتطرق إلى قوله: (ثنا) أيضاً، فإن ذلك جائز عند كثير من العلماء في الإجازة كما سبق، ثم إن الإجازة والمناولة تصح الرواية بهما على ما تقدم، فيحتج بحديث من حدث بهما حينئذ، وأيضاً فقد تستعمل "حدثنا" في الإرسال كما كان الحسن يقول: (ثنا) ابن عباس، ويتأوله أنه حدث أهل البصرة، ولكن هذا استعمال نادر، والحكم للغالب. وأما قول الشافعي: إن التدليس ليس بكذب يرد به حديث صاحبه كله، فهذا أيضاً قول أحمد وغيره من الأئمة، لأن قول المدلس "عن فلان" ليس بكذب منه وإنما فيه كتمان من سمع منه عن فلان. وحكى الخطيب هذا القول عن كثير من العلماء، وعن بعضهم أنه كذب يرد به حديث صاحبه، وممن قال إنه كذب: حماد بن زيد وأبو أسامة. وقال شعبة: هو أخو الكذب، وقال مرة: هو أشد من الزنا. وروى رزق الله بن موسى عن وكيع، قال: لا يحل تدليس (الثوب) ، فكيف يحل تدليس الحديث، وهذا في التدليس عن غير الثقات (أشد) . وقال أحمد في التدليس: أكرهه. قيل له: قال شعبة: هو كذب. قال أحمد: لا قد دلس قوم، ونحن نروي عنهم، وقال يحيى بن معين: كان

الأعمش يرسل، فقيل له: إن بعض الناس قال: من أرسل لا يحتج بحديثه. فقال: الثوري إذا لا يحتج بحديثه. وقد كان يدلس: إنما سفيان أمير المؤمنين في الحديث، انتهى. والتدليس مكروه عند الأكثرين لما فيه من الإيهام، وهو عن الكذابين أشد. وقد صرح طائفة من العلماء، منهم مسلم في مقدمة كتابه بأن من روى عن غير ثقة، وهو يعرف حاله، ولم يبين ذلك لمن لا يعرفه أنه يكون آثماً بذلك، يريدون أنه فعل محرم، فإسقاط من ليس بثقة من الحديث أقبح من الرواية عنه من غير تبيين حاله. ورخص في التدليس طائفة، قال يعقوب بن شيبة، من رخص فيه فإنما رخص فيه عن ثقة سمع (منه) ، وأما من دلس عمن لم يسمع منه، فلم يرخص فيه، وكذا إذا دلس عن غير ثقة، كذا قال يعقوب. وقد كان الثوري وغيره يدلسون عمن لم يسمعوا منه أيضاً، فلا يصح ما قال يعقوب. وقول الشافعي ـ C ـ: وأقبل الحديث حدثني فلان عن فلان، إذا لم يكن مدلساً مراده أن تقبل العنعنة عمن عرف منه أنه ليس بمدلس، فإن الربيع نقل عنه أيضاً، قال في كلام له: لم يعرف التدليس ببلدنا، فيمن مضى، ولا ممن أدركنا من أصحابنا، إلا حديثاً، فإن منهم من قبله عمن لو تركه عليه كان خيراً له. وكان قول الرجل: سمعت فلاناً (يقول: سمعت فلاناً) وقوله: "حدثني فلان عن

فلان" سواء عندهم، لا يحدث واحد منهم عمن لقي إلا ما سمع منه، (فمن عرفناه) بهذا الطريق قبلنا منه: حدثني فلان عن فلان، إذا لم يكن مدلساً. وظاهر هذا أنه لا يقبل العنعنة إلا عمن عرف منه أنه لا يدلس، ولا يحدث إلا عمن لقيه بما سمع منه، وهذا قريب من قول من قال: إنه لا يقبل العنعنة إلا عمن ثبت أنه لقيه وفيه زيادة أخرى عليه، وهي أنه اشترط أنه يعرف أنه لا يدلس عمن لقيه أيضاً، ولا يحدث إلا بما سمع، وقد فسره أبو بكر الصيرفي في شرح الرسالة باشتراط ثبوت السماع لقبول العنعنة، وأنه إذا علم السماع فهو على السماع حتى يعلم التدليس، وإذا لم يعلم سمع أو لم يسمع وقف فإذا صح السماع فهو عليه حتى يعلم غيره، قال: وهذا الذي قاله صحيح. انتهى. وهذه المسألة فيها اختلاف معروف بين العلماء. وقد أطال القول فيها مسلم في مقدمة كتابه، واختار أنه تقبل العنعنة من الثقة غير المدلس عمن عاصره، وأمكن لقيه له، ولا تعتبر المعرفة باجتماعهما والتقائهما. وذكر عن بعضهم أنه اعتبر المعرفة بلقائهما واجتماعهما وأنه لا تقبل العنعنة من الثقة عمن لم يعرف أنه (لقيه و) اجتمع به ورد هذا القول على

قائله رداً بليغاً، ونسبه إلى مخالفة الإجماع في ذلك. واستدل مسلم على صحة قوله، باتفاق العلماء على قبول الخبر إذا رواه الثقة عن آخر ممن تيقن أنه سمع منه من غير اعتبار أن يقول: (ثنا) أو سمعت، ولو كان الإسناد لا يتصل إلا بالتصريح بالسماع لم يكن فرق بين الرواية عمن ثبت لقيه ومن لم يثبت، فإنا نجد كثيراً ممن روى عن رجل، ثم روى حديثاً عن آخر عنه. وقد طرد بعض المتأخرين من الظاهرية ونحوهم هذا الأصل، وقال: كل خبر لا يصرح فيه بالسماع فإنه لا يحكم باتصاله مطلقاً، وربما تعلق بعضهم بقول شعبة: كل إسناد ليس فيه (ثنا) أو (أنا) فهو خل وبقل. وروى عن شعبة قال: فلان عن فلان ليس بحديث. قال وكيع: وقال سفيان هو حديث. قال ابن عبد البر: رجع شعبة إلى قول سفيان في هذا. وهذا القول شاذ مطرح. وقد حكى مسلم وغيره الإجماع على خلافه. وقال الخطيب: أهل العلم بالحديث مجمعون على أن قول المحدثين (ثنا) فلان عن فلان صحيح معمول به، إذا كان شيخه الذي ذكره يعرف أنه قد أدرك الذي حدث عنه ولقيه وسمع منه، ولم يكن هذا المحدث ممن يدلس. انتهى. ومما استدل به مسلم على المخالف له: أن من تكلم في صحة الحديث من السلف لم يفتش أحد منهم على موضع السماع، وسمى منهم شعبة والقطان (وابن مهدي، قال) ومن بعدهم من أهل الحديث. وذكر أن عبد الله بن يزيد روى عن حذيفة وأبي مسعود حديثين ولم يرد

أنه سمع منهما، ولا رآهما قط، ولم يطعن فيهما أحد. وذكر أيضاً رواية أبي عثمان النهدي، وأبي رافع الصائغ عن أبي بن كعب ورواية أبي عمرو الشيباني وأبي معمر عن أبي مسعود، ورواية عبيد بن عمير عن أم سلمة، ورواية ابن أبي ليلى عن أنس، وربعي بن حراش عن عمران بن حصين. ونافع بن جبير عن أبي شريح، والنعمان بن أبي عياش عن أبي سعيد وعطاء بن يزيد عن تميم الداري، وسليمان بن يسار عن رافع بن خديج، وحميد الحميري عن أبي هريرة وكل هؤلاء لم يحفظ لهم عن هؤلاء الصحابة سماع ولا لقاء، يعني وقد قبل الناس حديثهم (عنهم) . وقال الحاكم: قرأت بخط محمد بن يحيى: سألت أبا الوليد: أكان شعبة يفرق بين أخبرني وعن؟. فقال: أدركت العلماء وهم لا يفرقون بينهما وحمله البيهقي (على من) لا يعرف بالتدليس، (ويمكن حمله على من ثبت لقيه أيضاً) ، وكثير من العلماء المتأخرين على ما قاله مسلم ـ C ـ من أن إمكان اللقى كاف في الاتصال من الثقة غير المدلس، وهو ظاهر كلام ابن حبان وغيره. (وقد ذكر الترمذي في كتاب العلم أن سماع سعيد بن المسيب من أنس

ممكن لكن لم يحكم لروايته عنه بالاتصال) . وقد حكى بعض أصحابنا عن أحمد مثله، وقال الأثرم: سألت أحمد قلت: محمد بن سوقة سمع من سعيد بن جبير؟ قال: نعم، قد سمع من الأسود غير شيء. كأنه يقول: إن الأسود أقدم، لكن قد يكون مستند أحمد أنه وجد التصريح (لسماعه منه، وما ذكره من قدم الأسود إنما ذكره ليستدل به على صحة قول من ذكر سماعه من سعيد بن جبير فإنه كثيراً ما يرد التصريح بالسماع ويكون خطأ) وقد روى ابن مهدي عن شعبة: سمعت أبا بكر بن محمد بن حزم؛ فأنكره أحمد، وقال: لم يسمع شعبة من أحد من أهل المدينة من القدماء ما يستدل به على أنه سمع من أبي بكر إلا سعيداً المقبري، فإنه روى عنه حديثاً فقيل له: فإن المقبري قديم: فسكت أحمد. وأما جمهور المتقدمين فعلى ما قاله ابن المديني والبخاري وهو القول الذي أنكره مسلم على من قاله. وحكى عن أبي المظفر السمعاني أنه اعتبر لاتصال الإسناد اللقى

وطول الصحبة، وعن أبي عمرو الداني أن يكون معروفاً بالرواية عنه. وهذا أشد من شرط البخاري وشيخه، الذي أنكره مسلم. وما قاله ابن المديني والبخاري هو مقتضى كلام أحمد وأبي زرعة وأبي حاتم وغيرهم من أعيان الحفاظ، بل كلامهم يدل على اشتراط ثبوت السماع كما تقدم عن الشافعي ـ Bهـ ـ فإنهم قالوا في جماعة من الأعيان ثبتت لهم الرؤية لبعض الصحابة، وقالوا مع ذلك: لم يثبت لهم السماع منهم فرواياتهم عنهم مرسلة، منهم الأعمش ويحيى بن أبي كثير، وأيوب، وابن عون، وقرة بن خالد، رأوا أنساً ولم يسمعوا منه فرواياتهم عنه مرسله، كذا قاله أبو حاتم، وقاله أبو زرعة أيضاً في يحيى بن أبي كثير. وقال أحمد في يحيى بن أبي كثير: قد رأى أنساً فلا أدري سمع منه أم لا؟ ولم يجعلوا روايته عنه متصلة بمجرد الرؤية، والرؤية أبلغ من إمكان اللقى، وكذلك كثير من صبيان الصحابة رأوا النبي ـ A ـ ولم يصح لهم سماع منه فرواياتهم عنه مرسله كطارق بن شهاب وغيره، وكذلك من علم منه أنه مع اللقاء لم يسمع ممن لقيه إلا شيئاً يسيراً فرواياته عنه زيادة على ذلك مرسلة، كروايات ابن المسيب عن عمر، فإن الأكثرين نفوا سماعه منه، وأثبت أحمد أنه رآه وسمع منه، وقال مع ذلك: إن رواياته عنه مرسلة لأنه إنما سمع منه شيئاً يسيراً، مثل (نعيه) النعمان بن

مقرن على المنبر ونحو ذلك، وكذلك سماع الحسن من عثمان وهو على المنبر يأمر بقتل الكلاب وذبح الحمام، ورواياته عنه غير ذلك مرسلة. وقال أحمد: ابن جريج لم يسمع من طاوس ولا حرفاً، ويقول: رأيت طاوساً. وقال أبو حاتم الرازي أيضاً: الزهري لا يصح سماعه من ابن عمر رآه، ولم يسمع منه، ورأى عبد الله بن جعفر، ولم يسمع منه، وأثبت أيضاً دخول مكحول على واثلة بن الأسقع، ورؤيته له ومشافهته، وأنكر سماعه منه، وقال: لم يصح له منه سماع، وجعل رواياته عنه مرسلة. وقد جاء التصريح بسماع مكحول من واثلة للحديث من وجه فيه نظر، وقد ذكرناه في آخر كتاب الأدب. وقد ذكر الترمذي دخول مكحول على واثلة في ذكر الرواية بالمعنى. وقال أحمد: أبان بن عثمان لم يسمع من أبيه، من أين سمع منه؟ ومراده: من أين صحت الرواية بسماعه منه، وإلا فإن إمكان ذلك وإحتماله غير مستبعد. وقال أبو زرعة في أبي أمامة بن سهل بن حنيف: لم يسمع من عمر، هذا مع أن أبا أمامة رأى النبي ـ A ـ.

فدل كلام أحمد وأبي زرعة وأبي حاتم على أن الاتصال لا يثبت إلا بثبوت التصريح بالسماع، وهذا أضيق من قول ابن المديني والبخاري، فإن المحكى عنهما: أنه يعتبر أحد أمرين: أما السماع، وإما اللقاء. وأحمد ومن تبعه عندهم لا بد من ثبوت السماع. ويدل على أن هذا مرادهم أن أحمد قال: ابن سيرين لم يجيء عنه سماع من ابن عباس. وقال أبو حاتم: الزهري أدرك أبان بن عثمان، ومن هو أكبر منه، ولكن لا يثبت له السماع (كما أن حبيب بن أبي ثابت لا يثبت له السماع) من عروة، وقد سمع ممن هو أكبر منه، غير أن أهل الحديث قد اتفقوا على ذلك، واتفاقهم على شيء يكون حجة. واعتبار السماع أيضاً لاتصال الحديث هو الذي ذكره ابن عبد البر، وحكاه عن العلماء، وقوة كلامه تشعر بأنه إجماع منهم، وقد تقدم أنه قول الشافعي أيضاً. وحكى البرديجي قولين في ثبوت السماع بمجرد اللقاء، فإنه قال قتادة حدث عن الزهري. قال بعض أهل الحديث: لم يسمع منه. وقال بعضهم: سمع منه، لأنهما التقيا عند هشام بن عبد الملك. ومما يستدل به أحمد وغيره من الأئمة على عدم السماع الاتصال، أن يروي عن شيخ من غير أهل بلدة، لم يعلم أنه دخل إلى بلده، ولا أن الشيخ قدم إلى بلد كان الراوي عنه فيه. نقل مهنا عن أحمد، قال: لم يسمع زرارة بن أوفى من تميم الداري، تميم بالشام وزرارة بصري.

وقال أبو حاتم في رواية ابن سيرين عن أبي الدرداء لقد أدركه ولا أظنه سمع منه، ذاك بالشام وهذا بالبصرة. وقال ابن المديني: لم يسمع الحسن من الضحاك بن قيس، كان الضحاك يكون بالبوادي. وقال الدارقطني: لا يثبت سماع سعيد بن المسيب من أبي الدرداء، لأنهما لم يلتقيا، ومراده: أنه لم يثبت التقاؤهما: لا أنه ثبت انتفاؤه، لأن نفيه لم يرد في رواية قط. فإن كان الثقة يروي عمن عاصره أحياناً ولم يثبت لقيه له ثم يدخل أحياناً بينه وبينه واسطة فهذا يستدل به هؤلاء الأئمة على عدم السماع منه. قال أحمد: البهي ما أراه سمع من عائشة إنما يروي عن عروة عن عائشة، قال وفي حديث زائدة عن السدي عن البهي، قال: حدثتني عائشة، قال: وكان ابن مهدي سمعه من زائدة وكان يدع منه "حدثتني عائشة" ينكره. وكان أحمد يستنكر دخول التحديث في كثير من الأسانيد، ويقول: هو خطأ، يعني ذكر السماع. قال في رواية هدبة، عن حماد، عن قتادة، (ثنا) خلاد الجهني: هو خطأ، خلاد قديم، ما رأى قتادة خلاداً.

وذكروا لأحمد قول من قال: عن عراك بن مالك: سمعت عائشة، فقال: هذا خطأ وأنكره، وقال: عراك من أين سمع من عائشة، إنما يروي عن عروة عن عائشة. وكذلك ذكر أبو حاتم الرازي أن بقية بن الوليد كان يروي عن شيوخ ما لم يسمعه، فيظن أصحابه أنه سمعه، فيروون عنه تلك الأحاديث ويصرحون بسماعه لها، من شيوخه، ولا يضبطون ذلك. وحينئذ ينبغي التفطن لهذه الأمور ولا يغتر بمجرد ذكر السماع والتحديث في الأسانيد، فقد ذكر ابن المديني أن شعبة وجدوا له غير شيء يذكر فيه الإخبار عن شيوخه، ويكون منقطعاً. وذكر أحمد أن ابن مهدي حدث بحديث عن هشيم (أنا) منصور بن زاذان: قال أحمد: ولم يسمعه هشيم من منصور. وقال أبو حاتم في يحيى بن أبي كثير: ما أراه سمع من عروة بن الزبير لأنه يدخل بينه وبينه رجلاً، ورجلين، ولا يذكر سماعاً، ولا رؤية، ولا سؤاله عن مسألة. وقال أحمد في رواية قتادة عن يحيى بن يعمر: لا أدري سمع منه أم لا؟ قد روى عنه. وقد روى عن رجل عنه.

وقال أيضاً: قتادة لم يسمع من سليمان بن يسار، بينهما أبو الخليل، ولم يسمع من مجاهد، بينهما أبو الخليل. وقال في سماع الزهري من عبد الرحمن بن أزهر: قد رآه ـ يعني ولم يسمع منه ـ قد أدخل بينه وبينه طلحة بن عبد الله بن عوف. ولم يصحح قول معمر وأسامة عن الزهري: سمعت عبد الرحمن بن أزهر. وقال أبو حاتم: الزهري لم يثبت له سماع من المسور، يدخل بينه وبينه سليمان بن يسار وعروة بن الزبير. وكلام أحمد وأبي زرعة، وأبي حاتم، في هذا المعنى كثير جداً، يطول الكتاب بذكره، وكله يدور على أن مجرد ثبوت الرواية لا يكفي في ثبوت السماع، وأن السماع لا يثبت بدون التصريح به. وأن رواية من روى عمن عاصره تارة بواسطة، وتارة بغير واسطة، يدل على أنه لم يسمع منه، إلا أن يثبت له السماع منه من وجه.

وكذلك رواية من هو من بلد عمن هو ببلد آخر، ولم يثبت اجتماعهما ببلد واحد يدل على عدم السماع منه. وكذلك كلام ابن المديني وأحمد وأبي زرعه وأبي حاتم والبرديجي وغيرهم في سماع الحسن من الصحابة كله يدور على هذا، وأن الحسن لم يصح سماعه من أحد من الصحابة إلا بثبوت الرواية عنه أنه صرح بالسماع منه ونحو ذلك، (وإلا فهو مرسل) . فإذا كان هذا هو قول هؤلاء الأئمة الأعلام، وهم أعلم أهل زمانهم بالحديث وعلله وصحيحه وسقيمه (مع) موافقة البخاري وغيره، فكيف يصح لمسلم ـ C ـ دعوى الإجماع على خلاف قولهم، بل اتفاق هؤلاء الأئمة على قولهم هذا يقتضي حكاية إجماع الحفاظ (المعتد بهم) على هذا القول، وأن القول بخلاف قولهم لا يعرف عن أحد من نظرائهم، ولا عمن قبلهم ممن هو في درجتهم وحفظهم، ويشهد لصحة ذلك حكاية أبي حاتم. كما سبق اتفاق أهل الحديث على أن (حبيب) بن أبي ثابت لم يثبت له السماع من عروة مع إدراكه له، وقد ذكرنا من قبل أن كلام الشافعي إنما يدل على مثل هذا القول، لا على خلافه، وكذلك حكاية ابن عبد البر عن العلماء، فلا يبعد حينئذ أن يقال: هذا هو قول الأئمة من المحدثين والفقهاء. وأما إنكار مسلم أن يكون هذا قول شعبة، أو من بعده، فليس كذلك،

فقد أنكر شعبة سماع من روى سماعه ولكن لم يثبته كسماع مجاهد من عائشة، وسماع أبي عبد الرحمن السلمي من عثمان وابن مسعود، وقال شعبة: أدرك أبو العالية علياً ولم يسمع منه، ومراده: أنه لم يرد سماعه منه ولم يكتف بإدراكه فإن أبا العالية سمع (ممن هو أقدم موتاً من علي، فإنه قيل انه سمع) من أبي بكر وعمر ـ Bهما ـ. وما ذكره مسلم من رواية عبد الله بن يزيد ومن سماه بعده، فالقول فيها كالقول في غيرها. وقد قال أبو زرعة في روايات أبي أمامة بن سهل عن عمر هي مرسلة، مع أنه له أيضاً رؤية. فإن قال قائل: هذا يلزم منه طرح أكثر الأحاديث، وترك الاحتجاج بها، قيل من ههنا عظم ذلك على مسلم ـ C ـ والصواب أن ما لم يرد فيه السماع من الأسانيد لا يحكم باتصاله، ويحتج به مع إمكان اللقى، كما يحتج بمرسل أكابر التابعين، كما نص عليه الإمام أحمد، وقد سبق ذكر ذلك في المرسل.

ويرد على ما ذكره (مسلم) أنه يلزمه أن يحكم باتصال كل حديث رواه من ثبت له رؤية من النبي ـ A ـ بل هذا أولى، لأن هؤلاء، ثبت لهم اللقى، وهو يكتفي بمجرد إمكان السماع. ويلزمه أيضاً الحكم باتصال حديث كل من عاصر النبي ـ A ـ وأمكن لقيه له إذا روى عنه شيئاً، وإن لم يثبت سماعه منه، ولا يكون حديثه عن النبي ـ A ـ مرسلاً، وهذا خلاف إجماع أئمة الحديث، والله أعلم. (ثم إن بعض ما مثل به مسلم ليس كما ذكره، فقوله: إن عبد الله بن يزيد، وقيس بن أبي حازم رويا عن أبي مسعود، وأن النعمان بن أبي عياش روى عن أبي سعيد ولم يرد التصريح بسماعهم منهما ليس كما قال. فإن مسلماً ـ C ـ خرج في صحيحه التصريح بسماع النعمان بن أبي عياش من أبي سعيد في حديثين في صفة الجنة، وفي حديث (أنا فرطكم) على الحوض".

صيغ الأداء

وأما سماع عبد الله بن يزيد وقيس بن (أبي حازم من) أبي مسعود فقد وقع مصرحاً به في صحيح البخاري، والله أعلم. ولهذا المعنى تجد في كلام شعبة ويحيى وأحمد وعلي ومن بعدهم التعليل بعدم السماع، فيقولون: لم يسمع فلان من فلان، أو لم يصح له سماع منه، ولا يقول أحدهم قط: لم يعاصره. وإذا قال بعضهم: لم يدركه، فمرادهم الاستدلال على عدم السماع منه بعدم الإدراك. فإن قيل فقد قال أحمد، في رواية ابن مشيش وسئل عن أبي ريحانة: سمع من سفينة؟ قال: ينبغي، هو قديم، قد سمع من ابن عمر. قيل: لم يقل إن حديثه عن سفينة صحيح متصل، إنما قال: هو قديم، ينبغي أن يكون سمع منه، وهذا تقريب لإمكان سماعه، وليس في كلامه أكثر من هذا. "صيغ الأداء" واعلم أن الراوي في روايته تارة يصرح بالسماع أو التحديث أو الإخبار وتارة يقول: (عن) ولا يصرح بشيء من ذلك، وقد ذكرنا حكم هذا كله آنفاً. وتارة يقول قال فلان كذا، فهذا له ثلاثة أحوال. أحدها: أن يكون القائل لذلك ممن يعلم منه عدم التدليس، فتكون روايته مقبولة محتجاً بها، كهمام، وحماد بن زيد، وشعبة، وحجاج

ابن محمد، وغيرهم. قال همام: ما قلت: قال قتادة، فأنا سمعته من قتادة، وقال حماد بن زيد: إني أكره إذا كنت لم أسمع من أيوب حديثاً أن أقول: قال أيوب كذا وكذا فيظن أني قد سمعته. وقال شعبة: لأن أزني أحب إلى من أن أقول: قال فلان، ولم أسمعه منه. (وكذلك حجاج بن محمد كان إذا قال: قال ابن جريج فقد سمعه منه) . والحال الثاني: أن يكون القائل لذلك معروفاً بالتدليس فحكم قوله: قال فلان حكم قوله "عن فلان" كما سبق. وبعضهم كانت هذه عادته كابن جريج. قال أحمد: كل شيء قال ابن جريج: قال عطاء، أو عن عطاء فإنه لم يسمعه من عطاء. وقال أيضاً: إذا قال ابن إسحاق: وذكر فلان، فلم يسمعه منه. الحال الثالث: أن يكون حاله مجهولاً، فهل يحمل على الاتصال، أم لا قد ذكر الفقهاء من أصحابنا وأصحاب الشافعي خلافاً في الصحابي إذا قال: قال رسول الله ـ A ـ هل يحمل على السماع أم لا؟ وأن الأصح حمله على السماع. وحكى ابن عبد البر عن الجمهور من العلماء أن من روى عمن صح له لقيه والسماع منه، قال قال فلان، حمل على الاتصال، بل كلامه يدل على أنه

المؤنن

إجماع منهم) وذكر الإجماع على أن قول الصحابي: عن رسول الله ـ A ـ وقال رسول الله ـ A ـ، وسمعت رسول الله ـ A ـ كله سواء ولكن هذا قد يبنى على أن مرسل الصحابي حجة. "المؤنن" فأما قول الراوي: أن فلان قال: فهل يحمل على الاتصال، أم لا؟. فهذا على قسمين: أحدهما: أن يكون ذلك القول المحكى عن فلان، أو الفعل المحكى عنه بالقول، مما يمكن أن يكون الراوي قد شهده، وسمعه منه، فهذا حكمه حكم قول الراوي: قال فلان كذا، أو فعل فلان كذا على ما سبق ذكره. والقسم الثاني: أن يكون ذلك القول المحكى عن المروي عنه أو الفعل مما لا يمكن أن يكون قد شهده الراوي مثل أن لا يكون قد أدرك زمانه، كقول عروة: إن عائشة قالت للنبي ـ A ـ كذا وكذا، فهل هو مرسل لعدم الإتيان بما يبين أنه رواه عن عائشة أم هو متصل، لأن عروة قد عرف بالرواية عن عائشة؟ فالظاهر أنه سمع ذلك منها. هذا فيه خلاف. قال أبو داود: سمعت أبا عبد الله، يعني أحمد، قال: كان مالك

ـ زعموا أنه ـ يرى "عن فلان"، و "أن فلاناً" سواء. وذكر أحمد مثل حديث جابر: أن سليكاً جاء والنبي ـ A ـ يخطب، وعن جابر، عن سليك أنه جاء والنبي ـ A ـ يخطب. قال: وسمعت أحمد، قيل له: إن رجلاً قال: عن عروة، قالت عائشة يا رسول الله، وعن عروة، عن عائشة، سواء؟ قال: كيف هذا سواء؟ ليس هذا بسواء. فذكر أحمد القسمين اللذين أشرنا إليهما. فأما رواية جابر: أن (سليكا) جاء والنبي ـ A ـ

يخطب، (وروايته عن سليك أنه جاء والنبي ـ A يخطب) فهذا من القسم الأول، لأنه يمكن أن يكون جابر شهد ذلك، وحضره، ويمكن أن يكون رواه عن سليك. ومثل هذا كثير في الحديث، مثل رواية ابن عمر عن النبي ـ A ـ فمن رواه عن ابن عمر، أن النبي ـ A ـ قال لعمر كذا وكذا في أحاديث متعددة، وروى بعضها عن ابن عمر عن عمر عن النبي ـ A ـ فمن رواه عن ابن عمر، أن النبي ـ A ـ قال لعمر، جعله من مسند ابن عمر، ومن رواه عن ابن عمر عن عمر، جعله من مسند عمر. ولكن كان القدماء كثيراً ما يقولون: "عن فلان" ويريدون به الحكاية عن قصته، والتحديث عن شأنه، لا يقصدون الرواية عنه. وقد حكى الدارقطني، عن موسى بن هارون (الحافظ) ، أن المتقدمين كانوا يفعلون ذلك. وقد ذكرنا كلامه في كتاب الحج في باب الصيد للمحرم. وأما إذا روى الزهري مثلاً عن سعيد بن المسيب ثم قال مرة: إن سعيد بن المسيب قال، فهذا محمول على الرواية عنه، دون الانقطاع، ولعل هذا هو مراد مالك الذي حكاه أحمد عنه ولم يخالفه. وقد حكى ابن عبد البر هذا القول عن جمهور العلماء. وحكى عن البرديجي خلاف ذلك، وأنه قال: هو محمول على الانقطاع،

إلا أن يعلم اتصاله من وجه آخر، وقال: لا وجه لذلك، ولم يذكر لفظ البرديجي فلعله قال ذلك في القسم الثاني، كما سنذكره. وأما رواية "عروة عن عائشة، عن النبي ـ A ـ" وعروة أن عائشة قالت للنبي ـ A ـ فهذا هو القسم الثاني وهو الذي أنكر أحمد التسوية بينهما. والحفاظ كثيراً ما يذكرون مثل هذا، ويعدونه اختلافاً في إرسال الحديث واتصاله، وهو موجود كثيراً في كلام أحمد، وأبي زرعة، وأبي حاتم، والدارقطني وغيرهم من الأئمة. ومن الناس من يقول: هما سواء، كما ذكر ذلك لأحمد. وهذا إنما يكون فيمن اشتهر بالرواية عن المحكي قصته، كعروة مع عائشة، أما من لم يعرف له سماع منه، فلا ينبغي أن يحمل على الاتصال، ولا (عند من يكتفي) بإمكان اللقى. والبخاري قد يخرج من هذا القسم في صحيحه، كحديث عكرمة "أن عائشة قالت للنبي ـ A ـ في قصة امرأة رفاعة، وقد ذكرناه في كتاب النكاح، هذا على تقدير أن يكون عكرمة سمع من عائشة. وقد ذكر الإسماعيلي في صحيحه أن المتقدمين كانوا لا يفرقون بين هاتين العبارتين، وكذلك ذكر أحمد أيضاً أنهم كانوا يتساهلون في ذلك، مع قوله: إنهما ليسا سواء، وان حكمهما مختلف، لكن كان يقع ذلك منهم أحياناً على وجه التسامح، وعدم التحرير. قال أحمد، في رواية الأثرم، في حديث سفيان، عن أبي النضر، عن

سليمان بن يسار، عن عبد الله بن حذافة في النهي عن صيام أيام التشريق: ومالك قال فيه: عن سليمان بن يسار أن النبي ـ A ـ بعث عبد الله بن حذافة. قال أحمد: هو مرسل. سليمان بن يسار لم يدرك عبد الله بن حذافة. قال: (وهم كانوا يتساهلون بين: (عن) عبد الله بن حذافة) ، وبين أن النبي ـ A ـ بعث عبد الله بن حذافة. قيل له: وحديث أبي رافع أن النبي ـ A ـ بعثه يخطب ميمونة، وقال مطر: عن أبي رافع؟ قال: نعم وذاك أيضاً.

معنى الحسن عند الترمذي

"معنى الحسن عند الترمذي" وأما الحديث الحسن فقد بين الترمذي مراده بالحسن: وهو ما كان حسن الإسناد. وفسر حسن الإسناد: بأن لا يكون في إسناده متهم بالكذب، ولا يكون شاذاً، ويروى من غير وجه نحوه، فكل حديث كان (كذلك) فهو عنده حديث حسن. وقد تقدم أن الرواة منهم من يتهم بالكذب، ومنهم من يغلب على حديثه الوهم والغلط، ومنهم الثقة الذي يقل غلطه، ومنهم الثقة الذي يكثر غلطه. فعلى ما ذكره الترمذي: كلما كان في إسناده متهم فليس بحسن، وما عداه فهو حسن، بشرط أن لا يكون شاذاً. والظاهر أنه أراد بالشاذ ما قاله الشافعي، وهو أن يروي الثقات عن النبي ـ A ـ خلافه بشرط أن لا يكون شاذاً. وبشرط أن يروى نحوه من غير وجه، يعني أن يروي معنى ذلك الحديث من وجوه أخر عن النبي ـ A ـ بغير ذلك الإسناد. فعلى هذا الحديث الذي يرويه الثقة العدل، ومن كثر غلطه، ومن يغلب على حديثه الوهم إذا لم يكن أحد منهم متهماً، كله حسن؛ بشرط أن لا يكون شاذاً، مخالفاً للأحاديث الصحيحة، وبشرط أن يكون معناه قد روي من وجوه متعددة. فإن كان مع ذلك من رواية الثقات العدول الحفاظ، فالحديث حينئذ "حسن صحيح". وإن كان مع ذلك من رواية غيرهم من أهل الصدق، الذين في حديثهم وهم وغلط، إما كثير، أو غالب عليهم، فهو حسن، ولو لم يرو لفظه إلا من ذلك الوجه، لأن المعتبر أن يروى معناه من غير وجه، لا نفس لفظه.

الرد على ابن الصلاح فيما ذهب إليه

وعلى هذا فلا يشكل قوله: "حديث حسن غريب"، ولا قوله: صحيح حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، لأن مراده أن هذا اللفظ لا يعرف إلا من هذا الوجه، لكن لمعناه شواهد من غير هذا الوجه، وإن كانت شواهد بغير لفظه. وهذا كما في حديث "الأعمال بالبينات" فإن شواهده كثيرة جداً في السنة، مما يدل على أن المقاصد والنيات هي المؤثرة في الأعمال، وأن الجزاء يقع على العمل بحسب ما نوي به، وإن لم يكن لفظ حديث عمر مروياً من غير حديثه من وجه يصح. "الرد على ابن الصلاح فيما ذهب إليه" وبمعنى هذا الذي ذكرناه فسر ابن الصلاح كلام الترمذي في معنى الحسن، غير أنه زاد: أن لا يكون من رواية مغفل كثير الخطأ. وهذا (لا) يدل عليه كلام الترمذي، لأنه إنما اعتبر أن لا يكون راويه متهماً فقط. لكن قد يؤخذ مما ذكره الترمذي قبل هذا، أن من كان مغفلاً كثير الخطأ، لا يحتج بحديثه ولا يشتغل بالرواية عنه عند الأكثرين. "معنى قول الترمذي: ويروى من غير وجه نحو ذلك" وقول الترمذي ـ C ـ يروى من غير وجه نحو ذلك، لم يقل عن النبي ـ A ـ فيحتمل أن يكون مراده عن النبي ـ A ـ ويحتمل أن يحمل كلامه على ظاهره، وهو أن يكون معناه يروى من غير وجه، ولو موقوفاً، ليستدل بذلك على أن هذا المرفوع له أصل يعتضد به. وهذا كما قال الشافعي في الحديث المرسل: إنه إذا عضده قول صحابي، أو عمل عامة أهل الفتوى به كان صحيحاً.

تخريج قول الترمذي: حسن صحيح وحسن غريب

وعلى هذا التفسير الذي ذكرناه لكلام الترمذي إنما يكون الحديث صحيحاً حسناً إذا صح إسناده، برواية الثقات العدول، ولم يكن شاذاً، وروى نحوه من غير وجه وأما الصحيح المجرد فلا يشترط فيه أن يروى نحوه من غير وجه، لكن لا بد أن لا يكون ـ أيضاً ـ شاذاً، (وهو ما روت الثقات بخلافه على ما يقوله الشافعي والترمذي) فيكون حينئذ الصحيح الحسن أقوى من الصحيح المجرد. وقد يقال: إن الترمذي إنما يريد الحسن ما فسره به ههنا، إذا ذكر الحسن مجرداً عن الصحة، فأما الحسن المقترن بالصحيح فلا يحتاج (إلى) أن يروى نحوه من غير وجه، لأن صحته تغني عن اعتضاده بشواهد أخر، والله أعلم. "تخريج قول الترمذي: حسن صحيح وحسن غريب" وقد اضطرب الناس في جمع الترمذي بين الحسن والصحيح، لأن الحسن دون الصحيح، فكيف يجتمع الحسن والصحة، وكذلك جمعه بين الحسن والغريب (فإن الحسن عنده ما تعددت مخارجه، والغريب) ، ما لم يرو إلا من وجه واحد. "المذهب الأول": فمنهم من قال: إن مراده أنا لحديث حسن لثقة رجاله، وارتقى من الحسن إلى درجة الصحة، لأن رواته في نهاية مراتب الثقة، فحديثهم (حسن صحيح) ، لجمعهم بين صفات من يحسن حديثه، وصفات من يصحح حديثه، وعلى هذا فكل صحيح حسن، ولا عكس، ولهذا لا يكاد يفرد الصحة عن

الحسن إلا نادراً (وعلى هذا التفسير) فالحسن ما تقاصر عن درجة الصحيح، لكون رجاله لم يبلغوا من الصدق والحفظ درجة رواة الصحيح، وهم الطبقة الثانية من الثقات، الذين ذكرهم مسلم في مقدمة كتابه، وقيل: إنه خرج حديثهم في المتابعات، وهذا الحسن هو (الذي) أراده أبو داود في كتابه بقوله: خرجت في كتابي الصحيح، وما يشبهه وما يقاربه. وذكر ابن الصلاح أن تفسير الحسن بهذا (المعنى) هو قول الخطابي، وليس هو قول الترمذي، وذكر أن الحسن نوعان: أحدهما: ما ذكره الترمذي وهو أن يكون راويه غير متهم، ولا مغفلاً كثير الخطأ، ولا صاحب فسق، ويكون متن الحديث قد اعتضد بشاهد آخر له، فيخرج بذلك عن أن يكون شاذاً أو منكراً. والثاني: وهو قول الخطابي: أن يكون رواته من المشهورين بالصدق والأمانة، غير أنهم لم يبلغوا درجة رجال الصحيح، لتقصيرهم عنهم في الاتقان والحفظ، ولا يكون الحديث شاذاً ولا منكراً ولا معللاً. "مذهب ابن الصلاح": وذكر أن الترمذي إذا جمع بين الحسن والصحة فمراده أنه روي بإسنادين، أحدهما حسن، والآخر صحيح. وهذا فيه نظر، لأنه يقول كثيراً: "حسن صحيح، غريب، (لا نعرفه) إلا من هذا الوجه". وقد أجاب عن ذلك بعض أكابر المتأخرين بأنه قد يكون أصل الحديث غريباً ثم تتعدد طرقه عن بعض رواته، أما التابعي، أو من بعده. فإن كانت تلك الطرق

كلها صحيحة فهو "صحيح غريب" (وإن كانت كلها حسنة فهو "حسن غريب" وإن كان بعضها صحيحاً وبعضها حسناً فهو "صحيح حسن غريب"، إذ الحسن عند الترمذي ما تعددت طرقه وليس فيها متهم، وليس شاذاً، فإذا قال مع ذلك: إنه غريب لا يعرف إلا من ذلك الوجه حمل على أحد شيئين: إما أن (تكون) طرقه قد تعددت إلى أحد رواته الأصليين، فيكون أصله غريباً ثم صار حسناً، وإما أن يكون إسناده غريباً، بحيث لا يعرف بذلك الإسناد إلا من هذا الوجه، ومتنه حسناً بحيث روي من وجهين (وأكثر) ، كما يقول: وفي الباب عن فلان وفلان، فيكون لمعناه شواهد تبين أن متنه حسن، وإن كان إسناده غريباً. وفي بعض هذا نظر، وهو بعيد من مراد الترمذي، لمن تأمل كلامه. "المذهب الثالث": ومن المتأخرين من قال: إن الحسن الصحيح عند الترمذي دون الصحيح المفرد، فإذا قال: "صحيح" فقد جزم بصحته، وإذا قال: حسن صحيح، فمراده أنه جمع طرفاً من الصحة وطرفاً من الحسن، وليس بصحيح محض، بل حسن مشرب بصحة، كما يقال في المز: إنه حلو حامض، باعتبار أن فيه حلاوة وحموضة، وهذا بعيد جداً، فإن الترمذي يجمع بين الحسن والصحة في غالب الأحاديث الصحيحة، المتفق على صحتها، والتي أسانيدها في أعلى درجة الصحة، كمالك، عن نافع، عن ابن عمر، والزهري، عن سالم، عن أبيه. ولا يكاد الترمذي يفرد الصحة إلا نادراً. وليس ما أفرد فيه الصحة بأقوى مما جمع فيه بين الصحة والحسن.

شرط الترمذي في الرجال مع عرض لشرط غيره من الأئمة

"المذهب الرابع": ومن المتأخرين ـ أيضاً ـ من قال: مراد الترمذي في الحسن أن كلاً من الأوصاف الثلاثة التي ذكرها في الحسن، وهي سلامة الإسناد من المتهم، وسلامته من الشذوذ، وتعدد طرقه، ولو كانت واهية، موجب لحسن الحديث عنده. "المذهب المختار": وهذا بعيد جداً، وكلام الترمذي وإنما يدل على أنه لا يكون حسناً حتى يجتمع فيه الأوصاف الثلاثة. وتسمية الحديث الواهي التي تعددت طرقه حسناً لا أعلمه وقع في كلام الترمذي في شيء من أحاديث كتابه. "شرط الترمذي في الرجال مع عرض لشرط غيره من الأئمة" واعلم أن الترمذي ـ C ـ خرج في كتابه الحديث الصحيح، والحديث الحسن، وهو ما نزل عن درجة الصحيح، وكان فيه بعض ضعف، والحديث الغريب كما سيأتي. والغرائب التي خرجها فيها بعض المناكير، ولا سيما في كتاب الفضائل، ولكنه يبين ذلك غالباً ولا يسكت عنه. ولا أعلمه خرج عن متهم بالكذب، متفق على اتهامه حديثاً بإسناد منفرد إلا أنه قد يخرج حديثاً مروياً من (طرق) ، أو مختلفاً في إسناده، وفي بعض طرقه متهم. وعلى هذا الوجه خرج (حديث) محمد بن سعيد المصلوب، ومحمد بن السائب الكلبي.

نعم، قد يخرج عن سيىء الحفظ، وعمن غلب على حديثه الوهم، ويبين ذلك غالباً، ولا يسكت عنه. وقد شاركه أبو داود في التخريج عن كثير من هذه الطبقة، مع السكوت على حديثهم، كإسحاق بن أبي فروة، وغيره. وقد قال أبو داود، في رسالته إلى أهل مكة: ليس في كتاب السنن الذي صنفته (عن رجل) متروك الحديث، سيىء الحفظ، وإذا كان فيه حديث منكر بينت أنه منكر. ومراده: أنه لم يخرج لمتروك الحديث، عنده، على ما ظهر له، أو لمتروك متفق على تركه، فإنه قد خرج لمن قيل: "إنه متروك"، ومن قيل "إنه متهم بالكذب". وقد كان أحمد بن صالح المصري وغيره لا يتركون إلا حديث من (اجتمع) على ترك حديثه. وحكي مثله عن النسائي. والترمذي ـ C ـ يخرج حديث الثقة الضابط، ومن يهم قليلاً، ومن يهم كثيراً، ومن يغلب عليه الوهم، يخرج حديثه نادراً، ويبين ذلك، ولا يسكت عنه. وقد خرج حديث كثير بن عبد الله المزني، ولم يجمع على ترك حديثه، بل قد قواه قوم، وقدم بعضهم حديثه على مرسل ابن المسيب، وقد ذكرنا ذلك (في مواضع) . وقد حكى الترمذي في العلل، عن البخاري، أنه قال في حديثه

"في تكبيرة صلاة العيدين": هو أصح حديث في هذا الباب، قال: وأنا أذهب إليه. وأبو داود قريب من الترمذي في هذا، بل هو اشد انتقاداً للرجال منه. وأما النسائي فشرطه أشد من ذلك، ولا يكاد يخرج لمن يغلب عليه الوهم، ولا لمن فحش خطؤه، وكثر. وأما مسلم فلا يخرج إلا حديث الثقة الضابط، ومن في حفظه بعض شيء، وتكلم فيه لحفظه لكنه يتحرى في التخريج عنه، ولا يخرج عنه إلا ما لا يقال إنه مما وهم فيه. وأما البخاري فشرطه أشد من ذلك، وهو أنه لا يخرج إلا للثقة الضابط، ولمن ندر وهمه. وإن كان قد اعترض عليه في بعض من خرج عنه. ونذكر لذلك مثالاً: وهو أن أصحاب الزهري خمس طبقات: الطبقة الأولى: جمعت الحفظ والاتقان، وطول الصحبة للزهري، والعلم بحديثه، والضبط له، كمالك، وابن عيينة، وعبيد الله بن عمر، ومعمر، ويونس وعقيل، وشعيب، وغيرهم، وهؤلاء متفق على تخريج حديثهم عن الزهري.

الطبقة الثانية: أهل حفظ واتقان، لكن لم تطل صحبتهم للزهري، وإنما صحبوه مدة يسيرة، ولم يمارسوا حديثه، وهم في اتقانه دون الطبقة الأولى، كالأوزاعي، والليث، وعبد الرحمن بن خالد بن مسافر، والنعمان بن راشد ونحوهم. وهؤلاء يخرج لهم مسلم عن الزهري. الطبقة الثالثة: لازموا الزهري، وصحبوه، ورووا عنه، ولكن تكلم في حفظهم كسفيان بن حسين، ومحمد بن إسحاق، وصالح بن أبي الأخضر، وزمعة بن صالح، ونحوهم. وهؤلاء يخرج لهم أبو داود، والترمذي والنسائي، وقد يخرج مسلم لبعضهم متابعة. الطبقة الرابعة: قوم رووا عن الزهري، من غير ملازمة، ولا طول صحبة، ومع ذلك تكلم فيهم، مثل إسحاق بن يحيى الكلبي،

أصحاب نافع.

ومعاوية بن يحيى الصدفي، وإسحاق بن أبي فروة، وإبراهيم بن يزيد المكي، والمثنى بن الصباح، ونحوهم. وهؤلاء قد يخرج الترمذي لبعضهم. الطبقة الخامسة: قوم من المتروكين والمجهولين كالحكم الأيلي، وعبد القدوس بن حبيب، ومحمد بن سعيد المصلوب وبحر السقاء، ونحوهم. فلم يخرج لهم الترمذي، ولا أبو داود، ولا النسائي، ويخرج ابن ماجه لبعضهم، ومن هنا نزلت درجة كتابه عن بقية الكتب، ولم يعده من الكتب المعتبرة سوى طائفة من المتأخرين. أصحاب نافع. قسمهم ابن المديني تسع طبقات: الطبقة الأولى: أيوب، وعبيد الله بن عمر، ومالك، وعمر بن نافع. قال: فهؤلاء أثبت أصحابه، وأثبتهم ـ عندي ـ أيوب. قال: وسمعت يحيى يقول: ليس ابن جريج بدونهم فيما سمع من نافع. الطبقة الثانية: عبد الله بن عون، ويحيى الأنصاري، وابن جريج.

الطبقة الثالثة: أيوب بن موسى، وإسماعيل بن أمية، وسليمان بن موسى، وسعد بن إبراهيم. الطبقة الرابعة: موسى بن عقبة، ومحمد بن إسحاق، وداود بن الحصين. الطبقة الخامسة: محمد بن عجلان، والضحاك بن عثمان، وأسامة بن زيد الليثي، ومالك بن مغول. الطبقة السادسة: ليث بن سعد، وإسماعيل بن إبراهيم بن عقبة، وسليمان بن مساحق، وابن غنج المصري.

الطبقة السابعة: عبد الرحمن بن السراج، وسعيد بن عبد الله بن حرب، وسلمة بن علقمة، وعلي بن الحكم، والوليد بن أبي هشام. الطبقة الثامنة: أبو بكر بن نافع، وخليفة بن غلاب، ويونس بن يزيد، وجويرية بن أسماء، وعبد العزيز بن أبي رواد، ومحمد بن ثابت العبدي، وأبو علقمة الفروي، وعطاف بن خالد، وعبد الله بن عمر،

وحجاج بن أرطأة، وأشعث بن سوار، وثور بن يزيد. وطبقة تاسعة: لا يكتب عنهم، عبد الله بن نافع، وأبو أمية بن يعلى، وعثمان البري، وعمر بن قيس سندل انتهى. وقد خولف في بعض هذا الترتيب، فمن ذلك وتقديم سليمان بن موسى على موسى بن عقبة، والليث والضحاك بن عثمان، ومالك بن مغول، وجويريه، ويونس. وحديث جويرية والليث بن سعد عن نافع مخرج في الصحيحين، وسليمان بن موسى قد تكلم فيه غير واحد، ولم يخرجا له شيئاً. وقد قسم النسائي أصحاب نافع تسع طبقات أيضاً، وخالف ابن المديني، في بعض ما ذكره، ووافقه في بعضه، فوافقه في ذكر الطبقة الأولى، وزاد في الطبقة الثانية صالح بن كيسان، وزاد في الثالثة موسى بن عقبة، وكثير بن

فرقد، وأسقط منها سعد بن إبراهيم، وسليمان بن موسى، وذكر الطبقة الرابعة: الليث بن سعد، وجويرية بن أسماء وإسماعيل بن إبراهيم بن عقبة، ويونس بن يزيد، لم يذكر غيرهم، وزاد في الخامسة ابن أبي ذئب وحنظلة بن أبي سفيان، وابن غنج، وأسقط ذكر أسامة وابن مغول، وذكر الطبقة السادسة سليمان بن موسى، وبرد بن سنان، وهشام بن الغاز، وابن أبي رواد، وزاد في السابعة عبيد الله بن الأخنس، وأسقط منها سعيداً، وعلي بن الحكم، وقال الطبقة الثامنة: عمر بن محمد زيد، وأسامة بن زيد، ومحمد بن إسحاق، وصخر بن جويرية، وهمام بن يحيى، وهشام بن سعد، قال: والتاسعة: الضعفاء: عبد الكريم أبي أمية، وليث بن أبي سليم، وحجاج بن أرطأة، وأشعث بن سوار، وعبد الله بن عمر وذكر طبقة عاشرة، وقال: هم المتروك حديثهم، إسحاق بن أبي فروة، وعبد الله بن نافع، وعمر بن قيس، ونجيح أبو معشر، وعثمان البري، وأبو أمية بن يعلى، ومحمد بن

أصحاب الأعمش

عبد الرحمن بن المجير، وعبد العزيز بن عبيد الله. أصحاب الأعمش قال النسائي: هم سبع طبقات: الأولى: يحيى القطان، والثوري، وشعبة. الثانية: زائدة، وابن أبي زائدة، وحفص بن غياث. الثالثة: أبو معاوية، وجرير بن عبد الحميد، وابو عوانة. الرابعة: قطبة بن عبد العزيز، ومفضل بن مهلهل، وداود الطائي

الغريب

وفضيل بن عياض، وابن المبارك. الخامسة: ابن إدريس، وعيسى بن يونس، ووكيع، وحميد الرواسي، وعبد الله بن داود، والفضل بن موسى، وزهير بن معاوية. السادسة: أبو أسامة، وابن نمير، وعبد الواحد بن زياد. السابعة: عبيدة بن حميد، وعبدة بن سليمان. "الغريب" وأما الحديث الغريب فهو ضد المشهور. وقد كان السلف يمدحون المشهور من الحديث، ويذمون الغريب منه في الجملة، ومنه قول ابن المبارك: العلم هو الذي يجيئك من ههنا ومن ههنا، يعني المشهور. خرجه البيهقي من طريق الترمذي عن أحمد بن عبدة، عن أبي وهب عنه. وخرج أيضاً من طريق الزهري عن علي بن حسين، قال: ليس من العلم ما لا يعرف إنما العلم ما عرف وتواطأت عليه الألسن.

وبإسناده عن مالك، قال: شر العلم الغريب، وخير العلم الظاهر، الذي قد رواه الناس. وروى محمد بن جابر، عن الأعمش، عن إبراهيم، قال: كانوا يكرهون غريب الحديث، وغريب الكلام. وعن أبي يوسف، قال: من طلب غرائب الحديث كذب. وقال أبو نعيم: كان عندنا رجل يصلي كل يوم خمسمائة ركعة، سقط حديثه في الغرائب. وقال (عمرو) بن خالد: سمعت زهير بن معاوية يقول لعيسى بن يونس ينبغي للرجل أن يتوقى رواية غريب الحديث، فإني أعرف رجلاً كان يصلي في اليوم مائتي ركعة، ما أفسده عند الناس إلا رواية غريب الحديث. وذكر مسلم، في مقدمة كتابه، من طريق حماد بن زيد، أن أيوب قال لرجل: لزمت عمراً؟ قال: نعم، إنه يجيئنا بأشياء غرائب. قال: يقول له أيوب: إنما نفر أو نفرق من تلك الغرائب.

وقال رجل لخالد بن الحارث: (اخرج لي) حديث الأشعث لعلي أجد فيه شيئاً غريباً. فقال: لو كان فيه شيء غريب لمحوته. ونقل علي بن عثمان النفيلي، عن أحمد، قال: شر الحديث الغرائب التي لا يعمل بها، ولا يعتمد عليها. وقال المروذي: سمعت أحمد يقول: تركوا الحديث وأقبلوا على الغرائب ما أقل الفقه فيهم. ونقل محمد بن سهل بن عسكر، عن أحمد، قال: إذا سمعت أصحاب الحديث يقولون: هذا الحديث "غريب" أو "فائدة" فاعلم أنه خطأ، أو دخل حديث في حديث، أو خطأ من المحدث، أو ليس له إسناد، وإن كان قد روى شعبة وسفيان. وإذا سمعتهم يقولون لا شيء، فاعلم أنه حديث صحيح. وقال أحمد بن يحيى: سمعت أحمد غير مرة، يقول: لا تكتبوا هذه الأحاديث الغرائب، فإنها مناكير، وعامتها عن الضعفاء. قال أبو بكر الخطيب: أكثر طالبي الحديث في هذا الزمان يغلب عليهم

أنواع الغريب

كتب الغريب دون المشهور، وسماع المنكر دون المعروف، والاشتغال بما وقع فيه السهو والخطأ، من رواية المجروحين والضعفاء حتى لقد صار الصحيح عند أكثرهم مجتنباً، والثابت مصدوفاً عنه مطرحاً، وذلك لعدم معرفتهم بأحوال الرواة ومحلهم، ونقصان علمهم بالتمييز، وزهدهم في تعلمه. وهذا خلاف ما كان عليه الأئمة من المحدثين الأعلام من أسلافنا الماضين. وهذا الذي ذكره الخطيب حق. ونجد كثيراً ممن ينتسب إلى الحديث، لا يعتني بالأصول الصحاح كالكتب الستة ونحوها، ويعتني بالأجزاء الغريبة، وبمثل مسند البزار، ومعاجم الطبراني، وأفراد الدارقطني، وهي مجمع الغرائب والمناكير. "أنواع الغريب" ومن جملة الغرائب المنكرة الأحاديث الشاذة المطرحة، وهي نوعان: - ما هو شاذ الاسناد، وسيذكر الترمذي، فيما بعد، بعض أمثلته. - وما هو شاذ المتن كالأحاديث التي صحت (الأحاديث) بخلافها، أو أجمعت أئمة العلماء على القول بغيرها، وهذا كما قاله أحمد في حديث أسماء بنت عميس: "تسلبي ثلاثاً، ثم اصنعي ما بدا لك". إنه من الشاذ المطرح، مع أنه قد قال به شذوذ من العلماء في أن المتوفى عنها لا إحداد عليها بالكلية، كما سبق ذكره في موضعه.

اعتراض على الترمذي وبيان لمنهجه، ومنهج النسائي وأبي داود

وكذلك حديث طاوس عن ابن عباس، في الطلاق الثلاث، فقد تقدم في كتاب الطلاق كلام أحمد وغيره من الأئمة فيه، وإنه شاذ مطرح. قال إبراهيم بن أبي عبلة: من حمل شاذ العلم حمل شراً كثيراً. وقال معاوية بن قرة: إياك والشاذ من العلم. وقال شعبة: لا يجيئك الحديث الشاذ إلا من الرجل الشاذ. قال صالح بن محمد الحافظ: الشاذ الحديث المنكر الذي لا يعرف. وقد تقدم قول ابن مهدي: لا يكون إماماً في العلم من يحدث بالشاذ من العلم. "اعتراض على الترمذي وبيان لمنهجه، ومنهج النسائي وأبي داود" وقد اعترض على الترمذي ـ C ـ بأنه في غالب الأبواب يبدأ بالأحاديث الغريبة الإسناد غالباً. وليس ذلك بعيب، فإنه ـ C ـ يبين ما فيها من العلل، ثم يبين الصحيح في الإسناد. وكان مقصده ـ C ـ ذكر العلل، ولهذا تجد النسائي إذا استوعب طرق الحديث بدأ بما هو غلط، ثم يذكر بعد ذلك الصواب المخالف له.

وأما أبو داود ـ C ـ فكانت عنايته بالمتون أكثر، ولهذا يذكر الطرق واختلاف ألفاظها، والزيادات المذكورة في بعضها دون بعض، فكانت عنايته بفقه الحديث أكثر من عنايته بالأسانيد، فلهذا يبدأ بالصحيح من الأسانيد، وربما لم يذكر الإسناد المعلل بالكلية، ولهذا قال في رسالته إلى أهل مكة: سألتم أن أذكر لكم الأحاديث التي في كتاب السنن أهي أصح ما عرفت في الباب؟ فاعلموا أنه كذلك (كله) ، إلا أن يكون قد روى من وجهين صحيحين، وأحدهما أقوى إسناداً، والآخر صاحبه أقدم في الحفظ فربما كتبت ذلك، ولا أرى في كتابي من هذا عشرة أحاديث، ولم أكتب في الباب إلا حديثاً أو حديثين، وإن كان في الباب أحاديث صحاح، فانه يكثر، وإذا أعدت الحديث في الباب من وجهين أو ثلاثة، فإنما هو من زيادة كلام فيه، وربما فيه كلمة زائدة على الأحاديث، وربما اختصرت الحديث الطويل، لأني لو كتبته بطوله لم يعلم بعض من سمعه ولا يفهم موضع الفقه منه، فاختصرته لذلك. إلى أن قال: وما كان في كتابي من حديث فيه وهن شديد فقد بينته، ومنه ما لا يصح مسنداً، وما لم أذكر فيه شيئاً فهو صالح، وبعضها أصح من بعض. إلى أن قال: والأحاديث التي وضعتها في كتاب السنن أكثرها مشاهير، وهي عند كل من كتب شيئاً من الأحاديث، إلا أن تمييزها لا يقدر عليه كل

الغريب في اصطلاح الترمذي

الناس، والفخر بها أنها مشاهير، فانه لا يحتج بحديث غريب، ولو كان من رواية مالك ويحيى بن سعيد، والثقات من أئمة العلم، ولو أحتج بحديث غريب وجدت من يطعن فيه ولا يحتج بالحديث الذي قد احتج به إذا كان الحديث غريباً شاذاً، فأما الحديث المشهور المتصل الصحيح فليس يقدر أن يرده علينا أحد. وقال إبراهيم النخعي: كانوا يكرهون الغريب من الحديث. وقال يزيد بن أبي حبيب: إذا سمعت الحديث فأنشده كما تنشد الضالة، فإن عرف، وإلا فدعه. وذكر بقية الرسالة. وخرج البيهقي بإسناده عن ابن وهب، قال: لولا مالك بن انس والليث بن سعد لهلكت، كنت أظن أن كل ما جاء عن النبي ـ A ـ يعمل به. قال ابن أبي خيثمة: (ثنا) بن الأصبهاني. (ثنا) عيسى بن يونس، عن الأعمش، عن إبراهيم، قال: إني لأسمع الحديث فآخذ منه ما يؤخذ به وأدع سائره. الغريب في اصطلاح الترمذي ثم لنرجع إلى ما ذكره الترمذي ـ C ـ فنقول: ذكر الترمذي ـ C ـ عند أهل الحديث يطلق بمعان: أحدها: "ما لا يروى إلا من وجه واحد": أن يكون الحديث لا يروى إلا من وجه واحد. ثم مثله بمثالين وهما في الحقيقة نوعان: أحدهما: أن يكون ذلك الإسناد لا يروى به إلا ذلك الحديث أيضاً، وهذا مثل حديث حماد بن سلمة، عن أبي العشراء الدارمي عن أبيه،

عن النبي ـ A ـ "في الذكاة" فهذا حديث غريب لا يعرف إلا من حديث حماد بن سلمة، عن أبي العشراء، ثم اشتهر عن حماد ورواه عنه خلق فهو في أصل إسناده، غريب ثم صار مشهوراً عن حماد. قال الترمذي: ولا نعرف لأبي العشراء عن أبيه غير هذا الحديث. وقد خرج الترمذي في كتاب الصيد والذبائح هذا الحديث، وقال: غريب لا نعرفه إلا من حديث حماد بن سلمة، ولا نعرف لأبي العشراء عن أبيه غيره، ولم يقل: إنه حسن، لما ذكر ههنا أن شرطه في الحسن أن يروى نحوه من غير وجه، وهذا ليس كذلك فإنه لم يرو في الذكاة في غير الحلق واللبة إلا في حال الضرورة. وحكى أيضاً ـ في كتاب العلل عن البخاري، أنه قال: لا يعرف لأبي العشراء شيء غير هذا. وقد ذكرنا هناك أن بعضهم ذكر لحماد بن سلمة عن أبي العشراء عن أبيه نحو عشرة أحاديث، لكن كل أسانيدها إلى حماد ضعيفة، لا يكاد يصح منها شيء عنه. ووهن أحمد حديث أبي العشراء في الذكاء أيضاً. النوع الثاني: أن يكون الإسناد مشهوراً، يروى به أحاديث كثيرة،

ولكن هذا المتن لم تصح روايته إلا بهذا الإسناد، ومثله الترمذي بحديث عبد الله بن دينار، عن ابن عمر، عن النبي ـ A ـ في النهي عن بيع الولاء وهبته، فإنه لا يصح عن النبي ـ A ـ إلا من هذا الوجه، ومن رواه من غيره فقد وهم وغلط. وقد خرجه الترمذي في كتاب البيوع وسبق الكلام عليه هناك مستوفى، وهو معدود من غرائب الصحيح فإن الشيخين خرجاه، ومع هذا فتكلم فيه الإمام أحمد (ووهنه، ثم) قال: لم يتابع عبد الله بن دينار عليه، وأشار إلى أن الصحيح ما روى نافع عن ابن عمر: أن النبي ـ A ـ: قال: "الولاء لمن أعتق" لم يذكر النهي عن بيع الولاء وهبته. قلت: وروى نافع عن ابن عمر، من قوله: النهي عن بيع الولاء وعن هبته (غير) مرفوع. وهذا مما يعلل به حديث عبد الله بن دينار، والله أعلم.

زيادة الثقة

ومن غرائب الصحيح أيضاً حديث عمر عن النبي ـ A ـ "إنما الأعمال بالنيات" الحديث وقد خرجه الترمذي في الجهاد، وسبق الكلام عليه هناك مستوفى، فانه لم يصح إلا من حديث يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم التيمي، عن علقمة بن وقاص، عن عمر. ومنها أيضاً، "حديث أنس" دخل النبي ـ A ـ مكة وعلى رأسه المغفر، فانه لم يصح إلا من حديث مالك عن ابن شهاب عن أنس، وقد سبق ذكره في الجهاد أيضاً. وأمثلة ذلك كثيرة. "زيادة الثقة" قال أبو عيسى ـ C ـ: ورب حديث أستغرب لزيادة تكون في الحديث، وإنما يصح إذا كانت الزيادة ممن يعتمد على حفظه، مثل ما روى مالك بن أنس، عن نافع عن ابن عمر، قال: فرض رسول الله ـ A ـ زكاة الفطر في رمضان على كل حر أو عبد ذكر أو أنثى، من المسلمين: صاعاً من تمر، أو صاعاً من شعير. فزاد مالك في هذا الحديث "من المسلمين". وروى أيوب السختياني وعبيد الله بن عمر، وغير واحد من الأئمة هذا الحديث عن نافع عن ابن عمر، ولم يذكر فيه من المسلمين". وقد روى بعضهم عن نافع مثل رواية مالك، ممن لا يعتمد على حفظه. وقد أخذ غير واحد من الأئمة بحديث مالك واحتجوا به: منهم الشافعي

وأحمد بن حنبل، قالا: إذا كان للرجل عبيد غير مسلمين لم يؤد زكاة الفطر عنهم، واحتجا بحديث مالك. فإذا زاد حافظ ممن يعتمد على حفظه قبل ذلك عنه. هذا أيضاً نوع من الغريب، وهو أن يكون الحديث في نفسه مشهوراً لكن يزيد بعض الرواة في متنه زيادة تستغرب. وقد ذكر الترمذي أن الزيادة إن كانت من حافظ يعتمد على حفظه فإنها تقبل، يعني: وإن كان الذي زاد ثقة لا يعتمد على حفظه لا تقبل زيادته. وهذا ـ أيضاً ـ ظاهر كلام الإمام أحمد، قال في رواية صالح: قد أنكر على مالك هذا الحديث، يعني زيادته "من المسلمين". ومالك إذا انفرد بحديث هو ثقة. وما قال أحد ممن قال بالرأي أثبت منه، يعني في الحديث.

وقال: قد رواه العمري الصغير والجمحي ومالك. فذكر أحمد أن مالكاً يقبل تفرده، وعلل بزيادته في التثبيت على غيره، وبأنه قد توبع على هذه الزيادة. وقد ذكرنا هذه الزيادة، ومن تابع مالكاً عليها في كتاب الزكاة. ولا تخرج بالمتابعة عن أن تكون زيادة من بعض الرواة، لأن عامة أصحاب نافع لم يذكروها. وقد قال أحمد في رواية عنه: كنت أتهيب حديث مالك "من المسلمين" يعني حتى وجده من حديث (العمريين) قيل له: أمحفوظ هو عندك "من المسلمين"؟ قال: نعم. وهذه الرواية تدل على توقفه في زيادة (واحد من الثقات) ، ولو كان مثل مالك، حتى يتابع على تلك الزيادة، وتدل على أن متابعة مثل العمري لمالك مما يقوي رواية مالك، ويزيل عن حديثه الشذوذ والإنكار. وسيأتي فيما بعد ـ إن شاء الله ـ عن يحيى القطان نحو ذلك أيضاً. وكلام الترمذي ههنا يدل على خلاف ذلك وأن العبرة برواية مالك، وأنه لا عبرة ممن تابعه ممن لا يعتمد على حفظه. وفي حديث ابن عمر في صدقة الفطر زيادات أخر لا تثبت، منها ذكر القمح، وكذلك في حديث أبي سعيد في صدقة الفطر زيادات، وقد ذكرنا ذلك كله مستوفى في كتاب الزكاة. وقال أحمد أيضاً: في حديث ابن فضيل عن الأعمش، عن عمارة بن

عمير، عن أبي عطية، عن عائشة في تلبية النبي ـ A ـ وذكر فيها: "والملك لا شريك لك"، قال أحمد: وهم ابن فضيل في هذه الزيادة، ولا تعرف هذه عن عائشة، إنما تعرف عن ابن عمر، وذكر أن أبا معاوية روى الحديث عن الأعمش بدونها: وخرجه البخاري بدونها أيضاً من طريق الثوري، عن الأعمش وقال: تابعه أبو معاوية. قال الخلال: أبو عبد الله لا يعبأ بمن خالف أبا معاوية في الأعمش إلا أن يكون الثوري، وذكر أن هذه الزيادة رواها ابن نمير وغيره أيضاً ـ عن الأعمش. وكذلك قال أحمد في رواية الميموني: حديث أبي هريرة في الاستسعاء

يرويه ابن أبي عروبة. وأما شعبة وهمام فلم يذكراه، ولا أذهب إلى الاستسعاء. فالذي يدل عليه كلام الإمام أحمد في هذا الباب: إن زيادة الثقة للفظة في حديث من بين الثقات إن لم يكن مبرزاً في الحفظ والتثبت على غيره ممن لم يذكر الزيادة، ولم يتابع عليها، فلا يقبل تفرده، وإن كان ثقة مبرزاً في الحفظ على من لم يذكرها ففيه عنه روايتان، لأنه قال مرة في زيادة مالك "من المسلمين": كنت أتهيبه حتى وجدته من حديث العمريين. وقال مرة: إذا انفرد مالك بحديث هو ثقة، وما قال أحد بالرأي أثبت منه. وقال في حديث أيوب عن نافع، عن ابن عمر المرفوع: من حلف فقال:

إن شاء الله فلا حنث عليه". خالفه الناس، عبيد الله وغيره فوقفوه. وأما أصحابنا الفقهاء، فذكروا في كتب أصول الفقه في هذه المسألة روايتين عن أحمد: بالقبول مطلقاً، وعدمه مطلقاً، ولم يذكروا نصاً له بالقبول مطلقاً مع أنهم رجحوا هذا القول، ولم يذكروا به نصاً عن أحمد، وإنما اعتمدوا على كلام له، لا يدل على ذلك، مثل قوله في فوات الحج: جاء فيه روايتان، إحداهما: فيه زيادة دم، قال: والزائد أولى أن يؤخذ وهذا ليس مما نحن فيه، فإن مراده أن الصحابة روى بعضهم فيمن يفوته الحج أن عليه القضاء، وعن بعضهم عليه القضاء مع الدم، فأخذ بقول من زاد الدم، فإذا روي حديثان مستقلان في حادثة، وفي أحدهما زيادة فإنها تقبل من الثقة، كما لو انفرد الثقة بأصل الحديث. وليس هذا من باب زيادة الثقة، (ولا سيما إذا كان الحديثان موقوفين عن صحابيين) ، وإنما قد يكون أحياناً من باب المطلق والمقيد. وأما مسألة زيادة الثقة التي نتكلم فيها ههنا فصورتها: إن يروي جماعة حديثاً واحداً بإسناد واحد، ومتن واحد فيزيد بعض الرواة فيه زيادة، لم يذكرها بقية الرواة. ومن الأصحاب من قال في هذه المسألة: إن تعدد المجلس الذي نقل فيه الحديث قبلت الزيادة وإن كان المجلس واحداً وكان الذي ترك الزيادة جماعة

لا يجوز عليهم الوهم لم تقبل الزيادة وإن كان ناقل الزيادة جماعة كثيرة قبلت، وإن كان راوي الزيادة واحداً والنقصان واحداً قدم أشهرهما (وأوثقهما) في الحفظ والضبط. قالوا: وإن خالفت الزيادة ظاهر المزيد عليه، لم تقبل. وحملوا كلام أحمد في حديث السعاية على ذلك. وليس في كلام أحمد تعرض لشيء من هذا التفصيل، وإنما يدل كلامه على ما ذكرناه أولاً. وأما الفرق بين أن يكون المجلس متحداً أو متعدداً فإنه مأخوذه مما ذكره بعضهم في حديث أبي موسى "في النكاح بلا ولي" فإن شعبة وسفيان أرسلاه عن أبي إسحاق، عن أبي بردة وإسرائيل وصله. ويقال إن سماع شعبة وسفيان كان واحداً، والذين وصلوه جماعة، فالظاهر أنهم سمعوه في مجالس متعددة. وقد أشار الترمذي إلى هذا في كتاب النكاح، كما تقدم.

وحكى (أصحابنا الفقهاء) عن أكثر الفقهاء والمتكلمين قبول الزيادة إذا كانت من ثقة، ولم تخالف المزيد وهو قول الشافعي. وعن أبي حنيفة أنها لا تقبل. وعن أصحاب مالك في ذلك وجهان. (وفي حكاية ذلك عن الشافعي نظر، فإنه قال في الشاذ: هو أن يروي ما يخالف الثقات. وهذا يدل على أن الثقة إذا انفرد عن الثقات بشيء أنه يكون ما انفرد به عنهم شاذاً غير مقبول، والله أعلم) . ولا فرق في الزيادة بين الإسناد والمتن، كما ذكرنا في حديث النكاح بلا ولي، وقد تكرر في هذا الكتاب ذكر الاختلاف في الوصل والإرسال، والوقف والرفع، وكلام أحمد وغيره من الحفاظ يدور على اعتبار قول الأوثق في ذلك، والأحفظ ـ أيضاً ـ. وقد قال أحمد في حديث أسنده حماد بن سلمة: أي شيء ينفع وغيره يرسله؟. وذكر الحاكم أن أئمة الحديث على أن القول قول الأكثرين، الذين أرسلوا الحديث. وهذا يخالف تصرفه في المستدرك. وقد صنف (في ذلك) الحافظ أبو بكر الخطيب مصنفاً حسناً سماه "تمييز المزيد في (متصل) الأسانيد" وقسمه قسمين: أحدهما: ما حكم فيه بصحة ذكر الزيادة في الإسناد، وتركها.

والثاني: ما حكم فيه برد الزيادة وعدم قبولها. ثم إن الخطيب تناقض، فذكر في كتاب الكفاية للناس مذاهب في اختلاف الرواة في إرسال الحديث ووصله، كلها لا تعرف عن أحد من متقدمي الحفاظ إنما هي مأخوذة من كتب المتكلمين، ثم إنه اختار أن الزيادة من الثقة تقبل مطلقاً، كما نصره المتكلمون وكثير من الفقهاء. وهذا يخالف تصرفه في كتاب "تمييز المزيد". (وقد عاب تصرفه في كتاب "تمييز المزيد") بعض محدثي الفقهاء وطمع فيه لموافقته لهم في كتاب الكفاية. وذكر في الكفاية، حكاية عن البخاري، أنه سئل عن حديث أبي إسحاق في "النكاح بلا ولي". قال: الزيادة من الثقة مقبولة، وإسرائيل ثقة. وهذه الحكاية إن صحت فإنما مراده الزيادة في هذا الحديث. وإلا فمن تأمل كتاب تاريخ البخاري تبين له قطعاً أنه لم يكن يرى أن زيادة كل ثقة في الإسناد مقبولة. (وهكذا الدارقطني يذكر في بعض المواضع أن الزيادة من الثقة مقبولة) ، ثم يرد في أكثر المواضع زيادات كثيرة من الثقات، ويرجح الإرسال على الإسناد. فدل على أن مرادهم زيادة الثقة في مثل تلك المواضع الخاصة، وهي إذا كان الثقة مبرزاً في الحفظ. وقال الدارقطني في (حديث) زاد في إسناده رجلان ثقتان رجلاً،

وخالفهما الثوري فلم يذكره، قال: لولا أن الثوري خالف لكان القول قول من زاد فيه، لأن زيادة الثقة مقبولة. وهذا تصريح بأنه إنما يقبل زيادة الثقة إذا لم يخالفه من هو أحفظ عنه. وأما الزيادة في المتون وألفاظ الحديث، فأبو داود ـ C ـ في كتاب السنن أكثر الناس اعتناء بذلك، وهو مما يعتني به محدثو الفقهاء. قال الحاكم: هذا مما يعز وجوده، ويقل في أهل الصنعة من يحفظه: وقد كان أبو بكر بن زياد النيسابوري الفقيه ببغداد يذكر بذلك، وأبو نعيم عبد الملك بن محمد بن عدي الجرجاني بخراسان، وبعدهما شيخنا أبو الوليد، يعني حسان بن محمد القرشي. وذكر الحاكم لذلك أمثلة منها: حديث الوليد بن العيزار عن أبي عمرو الشيباني، عن ابن مسعود. سألت النبي ـ A ـ أي العمل أفضل، قال: "الصلاة لأول وقتها". وقال: هذه الزيادة لم يذكرها غير بندار والحسن بن مكرم، وهما ثقتان، عن عثمان بن عمر، عن مالك بن مغول، عن الوليد بن العيزار، عن أبي عمر الشيباني.

وقال الدارقطني: ما رأيت أحفظ من أبي بكر بن زياد: كان يعرف زيادات الألفاظ في المتون. قال وكنا في مجلس فيه أبو طالب والجعابي وغيرهما، فجاء فقيه فسأل: من روى عن النبي ـ A ـ "وجعل تربتها طهوراً" فلم يجيبوه، ثم قاموا، وسألوا أبا بكر بن زياد، فقال: نعم، حدثنا فلان، وسرد الحديث. والحديث خرجه مسلم في صحيحه، من حديث حذيفة، وخرجه ابن خزيمة (في صحيحه) ولفظه. "وجعل ترابها لنا طهوراً". وقد تقدم الحديث في كتاب الصلاة، "في باب ما جاء أن الأرض كلها مسجد". وهذا ـ أيضاً ـ ليس مما نحن فيه، لأن حديث حذيفة لم يرد بإسقاط هذه

اللفظة وإثباتها، وإنما وردت هذه اللفظة فيه، وأكثر الأحاديث فيها "وجعلت لنا الأرض مسجداً وطهوراً". وليس هذا من باب المطلق (والمقيد) ، كما ظنه بعضهم، وإنما هو من باب تخصيص بعض أفراد العموم بالذكر، ولا يقتضي ذلك التخصيص: إلا عند من يرى التخصيص بالمفهوم. ويرى أن للقب مفهوماً معتبراً. ومن الزيادات الغربية في المتون زيادة من زاد في حديث صفوان بن عسال "في المسح على الخفين": ثم يحدث بعد ذلك وضوءاً. وزيادة من زاد في حديث "إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة"، قالوا: يا رسول الله، ولا ركعتي الفجر؟ قال: "ولا ركعتي الفجر". وقد ذكرنا الحديثين في موضوعهما من الكتاب، وهما زيادتان ضعيفتان.

وقد ذكر مسلم في كتاب التمييز حديث أيمن بن نابل، عن أبي الزبير عن جابر: أن النبي ـ A ـ كان يقول في التشهد: بسم الله وبالله، والتحيات الله" الحديث. وذكر أن زيادة التسمية في التشهد تفرد بها أيمن بن نابل، وزاد في آخر التشهد: "وأسأل الله الجنة، وأعوذ به من النار". وذكر أن الحفاظ رووه عن أبي الزبير، عن طاوس، عن أبي عباس بدون هاتين الزيادتين. قال: والزيادة في الأخبار لا تلزم إلا عن الحفاظ الذين لم يكثر عليهم الوهم في حفظهم. وذكر مسلم ـ أيضاً ـ في هذا الكتاب رواية من روى من الكوفيين ممن روى حديث ابن عمر في سؤال جبريل للنبي ـ A ـ عن شرائع الإسلام فأسقطوا من الإسناد عمر، وزاد في المتن ذكر الشرائع. قال مسلم في هذه الزيادة: هي غير مقبولة، لمخالفة من هو أحفظ منهم من الكوفيين كسفيان، ولمخالفة أهل البصرة لهم قاطبة، فلم يذكروا هذه الزيادة، وإنما ذكرها طائفة من المرجئة ليشيدوا بها مذهبهم.

وأما زيادة عمر في الإسناد، فقال: أهل البصرة أثبت وهم له أحفظ من أهل الكوفة إذ هم الوائدون في الإسناد عمر، ولم يحفظه الكوفيون، والحديث للزائد والحافظ، لأنه في معنى الشاهد الذي حفظ في شهادته ما لم يحفظ صاحبه. وهذا القياس الذي ذكره ليس بجيد، لأنه لو كان كذلك لقبلت زيادة كل ثقة، زاد في روايته، كما يقبل ذلك في الشهادة، وليس ذلك قول مسلم، ولا قول أئمة الحفاظ ـ والله أعلم ـ وإنما قبلت زيادة أهل البصرة في الإسناد لعمر (لأنهم) أحفظ وأوثق ممن تركه من الكوفيين، وفي كلامه ما يدل على أن صاحب الهوى إذا روى ما يعضد هواه فإنه لا يقبل منه، لا سيما إذا انفرد بذلك. ثالثها: "ما يروى من وجوه كثيرة ويستغرب من وجه معين": قال أبو عيسى ـ رحمه الله ـ: رب حديث يروى من أوجه كثيرة، وإنما يستغرب لحال الإسناد: حدثنا أبو كريب وأبو هشام الرفاعي وأبو السائب والحسين الأسود قالوا: (ثنا) أبو أسامة، عن بريد بن عبد الله بن أبي بردة، عن جده، أبي بردة، عن أبي موسى، عن النبي ـ A ـ قال: "الكافر يأكل في سبعة أمعاء، والمؤمن يأكل في معى واحد".

هذا حديث غريب من هذا الوجه، من قبل إسناده، وقد روي من غير وجه عن النبي ـ A ـ. وإنما يستغرب من حديث أبي موسى. وسألت محمود بن غيلان عن هذا الحديث، فقال: هذا حديث أبي كريب عن أبي أسامة. (وسألت محمد بن إسماعيل عن هذا الحديث، فقال: هذا حديث أبي كريب: عن أبي أسامة) ولم نعرفه إلا من حديث أبي كريب عن أبي أسامة. فقلت: حدثنا غير واحد عن أبي أسامة بهذا، فجعل يتعجب، ويقول: ما علمت أن أحداً حدث بهذا غير أبي كريب. قال محمد: وكنا نرى أن أبي كريب أخذ هذا الحديث عن أبي أسامة في المذاكرة. حدثنا عبد الله بن أبي زياد، وغير واحد، قالوا: (ثنا) شبابة بن سوار، (ثنا) شعبة، عن بكر بن عطاء، عن عبد الرحمن بن يعمر، "أن النبي ـ A ـ نهى عن الدباء والمزفت". هذا حديث غريب من قبل إسناده. لا نعلم أحداً حدث به عن شعبة غير شبابة، وقد روي عن النبي ـ A ـ من أوجه كثيرة، أنه نهى أن ينتبذ في الدباء، والمزفت. وحديث شبابة إنما يستغرب لأنه تفرد به عن شعبة. وقد روى شعبة وسفيان الثوري بهذا الإسناد عن بكير بن عطاء، عن عبد الرحمن بن يعمر، عن النبي ـ A ـ أنه قال:

غريب عن صحابي ومشهور عن آخرين من الصحابة

"الحج عرفة". فهذا الحديث المعروف عند أهل الحديث بهذا الإسناد. "غريب عن صحابي ومشهور عن آخرين من الصحابة" هذا نوع آخر من الغريب. وهو أن يكون الحديث يروى عن النبي ـ A ـ من طرق معروفة، ويروى عن بعض الصحابة من وجه يستغرب عنه بحيث لا يعرف حديثه إلا من ذلك الوجه. وقد ذكر الترمذي لهذا النوع مثالين: أحدهما: حديث أبي كريب، عن أبي أسامة، عن بريد بن عبد الله بن أبي بردة، عن جده، عن أبيه أبي موسى. عن النبي ـ A ـ "المؤمن يأكل في معى واحد والكافر يأكل في سبعة أمعا". فهذا المتن معروف عن النبي ـ A ـ من وجوه متعددة وقد خرجاه في الصحيحين من حديث أبي هريرة، ومن حديث ابن عمر، عن النبي ـ A ـ. وأما حديث أبي موسى هذا فخرجه مسلم، عن أبي كريب، وقد

استغربه غير واحد من هذا الوجه وذكروا أن ابا كريب تفرد به، منهم البخاري وأبو زرعة. وذكر لأبي زرعة من رواه عن أبي أسامة غير أبي كريب، فكأنه أشار إلى أنهم أخذوه منه، وحسين بن الأسود كان يتهم بسرقة الحديث، وأبو هشام فيه ضعف أيضاً. وقد ذكرنا كلام أبي زرعة في هذا في كتاب الأطعمة وإنكاره، على أبي السائب وأبي هشام روايته، وظاهر كلام أحمد يدل على استنكار هذا الحديث أيضاً. قال أبو داود: سمعت أحمد، وذكر له حديث بريد هذا، فقال أحمد:

يطلبون حديثاً من ثلاثين وجهاً، أحاديث ضعيفة، وجعل ينكر طلب الطرق نحو هذا. قال: هذا شيء لا تنتفعون به، أو نحو هذا الكلام. وإنما كره أحمد تطلب الطرق الغريبة الشاذة المنكرة: وأما الطرق الصحيحة المحفوظة فإنه كان يحث على طلبها، كما ذكرناه عنه في أول الكتاب. وما حكاه الترمذي عن البخاري ههنا أنه قال: كنا نرى أن أبا كريب أخذ هذا عن أبي اسامة في المذاكرة، فهو تعليل للحديث، فإن أبا أسامة لم يرو هذا الحديث عنه أحد من الثقات غير أبي كريب. والمذاكرة يجعل فيها تسامح، بخلاف حال السماع، أو الإملاء، وكذلك لم يروه أحد عن بريد غير أبي أسامة. المثال الثاني: حديث شبابة، عن شعبة عن بكير بن عطاء، عن عبد الرحمن بن يعمر، عن النبي ـ A ـ: أنه نهى عن الدباء والمزفت. فإن نهى النبي ـ A ـ عن الانتباذ في الدباء، والمزفت صحيح ثابت عنه، رواه عنه جماعة كثيرون من أصحابه، وأما رواية عبد الرحمن بن يعمر عنه فغريبة جداً، ولا تعرف إلا بهذا الإسناد، تفرد بها شبابة عن شعبة، عن بكير بن عطاء، عنه.

وعند شعبة بهذا الإسناد، عن عبد الرحمن بن يعمر، عن النبي ـ A ـ أنه قال: "الحج عرفة" في حديث ذكره. فهذا المتن هو الذي يعرف بهذا الإسناد. وأما حديث النهي عن الدباء والمزفت، فهو بهذا الإسناد غريب جداً، وقد أنكره على شبابة طوائف من الأئمة، منهم الإمام أحمد، والبخاري وأبو حاتم، وابن عدي. وأما ابن المديني فإنه سئل عنه، فقال: لا ينكر لمن سمع من شعبة، يعني حديثاً كثيراً، أن ينفرد بحديث غريب. وقال أحمد: إنما روى شعبة بهذا الإسناد: حديث (الحج) ، يشير إلى أنه لا يعرف بهذا الإسناد غير حديث الحج. وقد سبق ذكر هذا الحديث، مع الكلام عليه في كتاب الأشربة والله أعلم.

رابعا: ما كان مشهورا عن الصحابي

رابعاً: "ما كان مشهوراً عن الصحابي من طريق وغريباً من طريق آخر": قال أبو عيسى ـ C ـ: (ثنا) محمد بن بشار (ثنا) معاذ بن هشام، حدثني أبي، عن يحيى بن أبي كثير، قال: حدثني أبو مزاحم: أنه سمع أبا هريرة يقول: قال رسول الله ـ A ـ: "من تبع جنازة فصلى عليها فله قيراط، ومن تبعها حتى يقضي قضاؤها فله قيراطان"، قالوا: يا رسول الله، وما القيراطان؟ قال: "أصغرهما مثل أحد". حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن، (أنا) مروان بن محمد، عن معاوية بن سلام، قال: حدثني يحيى بن أبي كثير عن أبي مزاحم سمع أبا هريرة يقول عن النبي ـ A ـ: قال: "من تبع جنازة فله قيراط"، فذكره بمعناه. قال عبد الله بن عبد الرحمن: و (أنا) مروان عن معاوية بن سلام، قال: قال يحيى: وحدثني أبو سعيد مولى المهري عن حمزة بن سفينة، عن السائب، سمع عائشة، عن النبي ـ A ـ نحوه. قلت: لأبي محمد، عبد الله بن عبد الرحمن: ما الذي استغربوا من حديثك بالعراق؟

فقال: حديث السائب عن عائشة، عن النبي ـ A ـ فذكر الحديث. وسمعت محمد بن إسماعيل يحدث بهذا الحديث عن عبد الله بن عبد الرحمن، قال: وهذا حديث قد روي من غير وجه، عن عائشة، عن النبي ـ A ـ وإنما يستغرب هذا الحديث لحال إسناده لرواية السائب عن عائشة عن النبي ـ A ـ. هذا نوع آخر من الغريب. وهو أن يكون الحديث عن النبي ـ A ـ معروفاً من رواية صحابي عنه، من طريق أو من طرق ثم يروى عن ذلك الصحابي من وجه آخر، يستغرب من ذلك الوجه خاصة عنه، مثل ما ذكر الترمذي ههنا من حديث يحيى بن أبي كثير، عن أبي سعيد مولى المهري، عن حمزة بن سفينة عن السائب، عن عائشة، عن النبي ـ A ـ. وهذا الحديث إنما يعرف من رواية عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي الحافظ، الذي خرجه الترمذي هنا عنه، ذكر أن البخاري كان يحدث به عنه. وقد ذكره البخاري في تاريخه عنه، فقال: قال عبد الله، (أنا) مروان، عن معاوية، فذكره. وخرجه بقي بن مخلد في مسنده، عن عبد الله الدارمي أيضاً. وذكر الترمذي عن الدارمي أن أهل العراق كانوا يستغربون من حديثه هذا الحديث

وحمزة بن سفينة الذي يرويه عن السائب بن يزيد، شيخ بصري، ذكره ابن حبان في ثقاته. وهذا الحديث مروي من وجوه متعددة عن عائشة، أنها صدقت أبا هريرة بما حدث به عن النبي ـ A ـ من هذا الحديث. وأما من حديث السائب بن يزيد عنها فلا يعرف إلا من هذا الوجه. ومما كان يستغرب من حديث الدارمي ـ أيضاً ـ بالعراق حديثه عن يحيى بن حسان عن سليمان بن بلال عن هشام، عن أبيه، عن عائشة، عن النبي ـ A ـ: "نعم الادام الخل". وقد خرجه الترمذي في كتاب الأطعمة من كتابه هذا، ومسلم في صحيحه كلاهما عن الدارمي به. وقد سبق الكلام عليه في موضعه، وذكرنا أن كثيراً من الحفاظ استنكروه، على سليمان بن بلال منهم أحمد، وأبو حاتم، وأحمد بن صالح، وغيرهم. وكذلك قال جماعة منهم في حديث: "بيت لا تمر فيه جياع أهله". بهذا

المنكر وحده

الإسناد، ولكن هذا من نوع الغريب المذكور قبل هذا، فإنه غريب من حديث عائشة عن النبي ـ A ـ على أنه قد روي من وجه آخر عنها، وهو ضعيف. والحديث معروف من حديث جابر عن النبي ـ A ـ. "المنكر وحده" قال أبو عيسى ـ C ـ: حدثنا أبو حفص عمرو بن علي، (ثنا) يحيى بن سعيد القطان، (ثنا) المغيرة بن أبي قرة السدوسي، قال: سمعت أنس بن مالك يقول: قال رجل: يا رسول الله أعقلها وأتوكل، أو أطلقها وأتوكل؟ قال: "أعقلها وتوكل". قال عمرو بن علي: قال يحيى بن سعيد: وهذا عندي حديث منكر. قال أبو عيسى: وهذا حديث غريب من هذا الوجه، لا نعرفه من حديث أنس بن مالك إلا من هذا الوجه. وقد روى عن عمرو بن أمية الضمري عن النبي ـ A ـ نحو هذا. قال أبو عيسى ـ C ـ:

وقد وضعنا هذا الكتاب على الاختصار لما رجونا فيه من المنفعة، ونسأل الله ـ D ـ النفع بما فيه وأن لا يجعله وبالاً علينا برحمته. آخر الكتاب والحمد لله وحده. حديث أنس هذا قد خرجه الترمذي فيما تقدم ـ أيضاً ـ في أواخر كتاب الزهد، وسبق هناك ذكره، وذكر حديث عمرو بن أمية الضمري ـ أيضاً ـ. وحديث أنس قد رواه غير واحد عن المغيرة بن أبي قرة، عن أنس. وقد تفرد به المغيرة عنه، ولهذا غربه الترمذي من حديث أنس. وقال يحيى القطان: هو عندي منكر. فهذا الحديث من الغرائب المنكرة. ولم أقف لأحد من المتقدمين على حد المنكر من الحديث، وتعريفه إلا على ما ذكره أبو بكر البرديجي الحافظ، وكان من أعيان الحفاظ المبرزين في العلل: أن المنكر هو الذي يحدث به الرجل عن الصحابة، أو عن التابعين، عن الصحابة، لا يعرف ذلك الحديث، وهو متن الحديث، إلا من طريق الذي رواه فيكون منكراً. ذكر هذا الكلام في سياق ما إذا انفرد شعبة أو سعيد بن أبي عروبة أو هشام الدستوائي بحديث عن قتادة، عن أنس، عن النبي ـ A ـ. وهذا كالتصريح بأن كل ما ينفرد به ثقة عن ثقة ولا يعرف المتن من غير ذلك الطريق فهو منكر، كما قاله الإمام أحمد في حديث عبد الله بن دينار، عن

ابن عمر، عن النبي ـ A ـ "في النهي عن بيع الولاء وهبته". وكذا قال أحمد في حديث مالك، عن الزهري، عن عروة عن عائشة: "إن الذين جمعوا الحج والعمرة طافوا حين قدموا لعمرتهم، وطافوا لحجهم حين رجعوا من منى". قال: لم يقل هذا أحد إلا مالك. وقال: ما أظن مالكاً إلا غلط فيه، ولم يجىء به أحد غيره، وقال مرة: لم يروه إلا مالك، ومالك ثقة. ولعل أحمد إنما استنكره لمخالفته للأحاديث، في أن القارن يطوف طوافاً واحداً. قال البرديجي بعد ذلك: فأما أحاديث قتادة التي يرويها الشيوخ مثل حماد بن سلمة، وهمام، وأبان، والأوزاعي، ننظر في الحديث فإن كان الحديث يحفظ من غير طريقهم عن النبي ـ A ـ أو عن أنس بن مالك من وجه آخر، لم يدفع، وإن كان لا يعرف عن أحد عن النبي ـ A ـ ولا من طريق عن أنس إلا من رواية هذا الذي ذكرت لك، كان منكراً. وقال أيضاً: إذا روى الثقة من طريق صحيح عن رجل من أصحاب النبي ـ A ـ حديثاً لا يصاب إلا عند الرجل الواحد لم يضره أن لا يرويه غيره، إذا كان متن الحديث معروفاً، ولا يكون منكراً ولا معلولاً. وقال في حديث رواه عمرو بن عاصم، عن همام، عن إسحاق بن أبي طلحة عن أنس، أن رجلاً قال للنبي ـ A ـ "إني

أصبت حداً فأقمه علي" الحديث: هذا عندي حديث منكر، وهو عندي وهم من عمرو بن عاصم. ونقل ابن أبي حاتم عن أبيه أنه قال: هذا حديث باطل بهذا الإسناد. وهذا الحديث مخرج في الصحيحين من هذا الوجه. وخرج مسلم معناه أيضاً من حديث أبي أمامة عن النبي ـ A ـ فهذا شاهد لحديث أنس. ولعل أبا حاتم والبرديجي إنما أنكرا الحديث لأن عمرو بن عاصم ليس هو عندهما في محل من يحتمل تفرده بمثل هذا الإسناد، والله أعلم. وقال إسحاق بن هانىء، قال لي أبو عبد الله، (يعني أحمد) ، قال لي يحيى بن سعيد: لا أعلم عبيد الله، يعني ابن عمر، أخطأ (إلا) في حديث

واحد لنافع، عن ابن عمر أن النبي ـ A ـ قال: "لا تسافر امرأة فوق ثلاثة أيام ... الحديث". قال أبو عبد الله: فأنكره يحيى بن سعيد عليه. قال (أبو عبد الله) : قال لي يحيى بن سعيد: فوجدته قد حدث به العمري الصغير عن ابن عمر مثله. قال أبو عبد الله: لم يسمعه إلا من عبيد الله، فلما بلغه عن العمري صححه. وهذا الكلام يدل على أن النكارة عند يحيى القطان لا تزول إلا بمعرفة الحديث من وجه آخر. وكلام الإمام أحمد قريب من ذلك. قال عبد الله: سألت أبي عن حسين بن علي، الذي يروي حديث المواقيت فقال: هو أخو أبي جعفر محمد بن علي، وحديثه الذي روي في المواقيت ليس بمنكر لأنه قد وافقه على بعض صفاته غيره.

وقال أحمد في بريد بن عبد الله بن أبي بردة: يروي أحاديث مناكير. وقال أحمد في محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي، وهو المنفرد برواية حديث الأعمال بالنيات: في حديثه شيء، يروي أحاديث مناكير، أو قال: منكرة. وقال في زيد بن أبي أنيسة: إن حديثه لحسن مقارب، وأن فيها لبعض النكارة، قال: وهو على ذلك حسن الحديث. قال الأثرم: قلت لأحمد: إن له أحاديث أن لم تكن مناكير فهي غرائب، قال: نعم وهؤلاء الثلاثة متفق على الاحتجاج بحديثهم في الصحيح، وقد استنكر أحمد ما تفردوا به، وكذلك قال في عمرو بن الحارث: (له أحاديث) مناكير، وفي الحسين بن واقد، وخالد بن مخلد، وجماعة خرج لهم في الصحيح بعض ما ينفردون به. وأما تصرف الشيخين والأكثرين فيدل على خلاف هذا، وإن ما رواه الثقة عن الثقة إلى منتهاه، وليس له علة فليس بمنكر. (وقد خرجا في الصحيحين حديث بريد بن عبد الله بن أبي بردة، وحديث محمد بن إبراهيم التيمي، وحديث زيد بن أبي أنيسة) . وقد قال مسلم في أول كتابه: حكم أهل العلم والذي يعرف من مذهبهم في قبول ما ينفرد به المحدث من الحديث أن يكون قد شارك الثقات من أهل الحفظ في بعض ما رووا وأمعن في ذلك على الموافقة لهم، فإذا وجد كذلك ثم زاد بعد ذلك شيئاً (ليس) عند أصحابه قبلت زيادته.

فأما من نراه يعمد لمثل الزهري في جلالته وكثرة أصحابه الحفاظ المتقنين لحديثه وحديث غيره، أو لمثل هشام بن عروة، وحديثهما عند أهل العلم مبسوط مشترك، قد نقل أصحابهما عنهما حديثهما على اتفاق منهم في أكثره، فيروي عنهما أو عن أحدهما العدد من الحديث، مما لا يعرفه أحد من أصحابهما، وليس ممن قد شاركهم في الصحيح الذي عندهم، فغير جائز قبول حديث هذا الضرب من الناس، والله أعلم. (فصرح بأن الثقة إذا أمعن في موافقة الثقات في حديثهم، ثم تفرد عنهم بحديث قبل ما تفرد به، وحكاه عن أهل العلم) . وقد ذكرنا فيما تقدم قول الشافعي في الشاذ، وأنه قال: ليس الشاذ من الحديث أن يروي الثقة (من الحديث) ما لا يروي غيره، إنما الشاذ أن يروي الثقة حديثاً يخالف الناس. وكذا قال أبو بكر الأثرم، وحكى أبو يعلى الخليلي هذا القول عن الشافعي وجماعة من أهل الحجاز، ثم قال: الذي عليه حفاظ الحديث أن الشاذ ما ليس له إلا إسناد واحد يشذ بذلك شيخ ثقة كان، أو غير ثقة، فما كان عن غير ثقة فمتروك، لا يقبل، وما كان عن ثقة يتوقف فيه، ولا يحتج به. وكذلك ذكر الحاكم، أن الشاذ هو الحديث الذي ينفرد به ثقة، من الثقات، وليس له أصل متابع لذلك الثقة ولم يوقف له على علة. ولكن كلام الخليلي في تفرد الشيوخ، والشيوخ في اصطلاح أهل هذا العلم عبارة عمن دون الأئمة والحفاظ، وقد يكون فيهم الثقة وغيره، فأما ما انفرد به الأئمة والحفاظ فقد سماه الخليلي فرداً، وذكر أن أفراد الحفاظ المشهورين

خاتمة العلل للترمذي

الثقات، أو إفراد إمام عن الحفاظ، والأئمة صحيح متفق عليه، ومثله بحديث مالك في المغفر. (فتلخص من هذا أن النكارة لا تزول عند يحيى القطان والإمام أحمد والبرديجي وغيرهم من المتقدمين إلا بالمتابعة، وكذلك الشذوذ كما حكاه الحاكم. وأما الشافعي وغيره فيرون أن ما تفرد به ثقة مقبول الرواية، ولم يخالفه غيره فليس بشاذ، وتصرف الشيخين يدل على مثل هذا المعنى. وفرق الخليلي بين ما ينفرد به شيخ من الشيوخ الثقات، وما ينفرد به إمام أو حافظ، فما انفرد به إمام أو حافظ قبل واحتج به، بخلاف ما تفرد به شيخ من الشيوخ، وحكى ذلك عن حفاظ الحديث، والله أعلم) . "خاتمة العلل للترمذي" وقد ذكر الترمذي ـ C ـ إنما وضع كتابه هذا على الاختصار لما رجا فيه من المنفعة، وهو تقريبه على طلبة العلم. وكان قد وعد بكتاب أكبر منه يستوعب فيه الأحاديث والآثار، ثم سأل الله عند فراغ كتابه النفع بما فيه، وأن لا يجعله وبالاً عليه برحمته. وقد ظهرت آثار إجابة دعائه الأول، وحصل النفع بهذا الكتاب نفعاً عاماً.

قال محمد بن طاهر المقدسي: سمعت أبا إسماعيل عبد الله بن محمد الأنصاري، يقول: كتاب أبي عيسى الترمذي ـ عندي ـ أفيد من كتاب البخاري ومسلم، قلت: لم؟. قال: لأن كتاب البخاري ومسلم لا يصل إلى الفائدة منهما إلا من يكون من أهل المعرفة التامة، وهذا كتاب قد شرح أحاديثه وبينها، فيصل إلى فائدته كل واحد من الناس، من الفقهاء والمحدثين، وغيرهم.

الباب الثاني فوائد وقواعد في علم العلل لابن رجب الحنبلي عقب بها على

"الباب الثاني" "فوائد وقواعد في علم العلل" لابن رجب الحنبلي عقب بها على شرح علل الترمذي

ولما انتهى الكلام على ما ذكره الحافظ أبو عيسى الترمذي ـ C ـ في كتاب الجامع وآخره كتاب العلل أحببت (أن أتبع) كتاب العلل بفوائد أخر مهمة، وقواعد كلية تكون للكتاب تتمة. وأردت بذلك تقريب علم العلل على من ينظر فيه، فإنه علم قد هجر في هذا الزمان، فقد ذكرنا في كتاب العلم أنه علم جليل قل من يعرفه من أهل هذا الشأن، وأن بساطه قد طوي منذ أزمان، وبالله المستعان، وعليه التكلان، فإن التوفيق كله بيديه ومرجع الأمور كلها إليه. أعلم أن معرفة صحة الحديث وسقمه تحصل من وجهين: أحدهما: معرفة رجاله وثقتهم وضعفهم، ومعرفة هذا هين، لأن الثقات والضعفاء قد دونوا في كثير من التصانيف، وقد اشتهرت بشرح أحوالهم التواليف. والوجه الثاني: معرفة مراتب الثقات وترجيح بعضهم على بعض عند الاحتلاف، إما في الإسناد وإما في الوصل والإرسال، وإما في الوقف والرفع ونحو ذلك، وهذا هو الذي يحصل من معرفته واتقانه (وكثرة ممارسته) الوقوف على دقائق علل الحديث.

ونحن نذكر ـ إن شاء الله تعالى ـ من هذا العلم كلمات جامعة، مختصره، يسهل بها معرفته وفهمه، لمن أراد الله ـ تعالى ـ به ذلك. ولا بد في هذا العلم من طول الممارسة، وكثرة المذاكرة فإذا عدم المذاكرة به فليكثر طالبه المطالعة في كلام الأئمة، العرفين كيحيى القطان، ومن تلقى عنه كأحمد وابن المديني، وغيرهما، فمن رزق مطالعة ذلك، وفهمه، وفقهت نفسه فيه، وصارت له فيه قوة نفس وملكة صلح له أن يتكلم فيه. قال الحاكم أبو عبد الله: الحجة في هذا العلم ـ عندنا ـ الحفظ، والفهم، والمعرفة، لا غير. وذكر ابن مهدي: معرفة الحديث إلهام، فإذا قلت للعالم بعلل الحديث: من أين قلت هذا؟ لم تكن له حجة. وقد قسمته قسمين: القسم الأول: في معرفة مراتب كثير من أعيان الثقات، وتفاوتهم، وحكم اختلافهم وقول من يرجح منهم عند الاختلاف. والقسم الثاني: في معرفة قوم من الثقات لا يوجد ذكر كثير منهم أو أكثرهم في كتب الجرح، قد ضعف حديثهم، إما في بعض الأماكن، أو في بعض الأزمان، أو عن بعض الشيوخ دون بعض.

القسم الأول في معرفة مراتب أعيان الثقات، الذين تدور غالب الأحاديث الصحيحة ع

القسم الأول في معرفة مراتب أعيان الثقات، الذين تدور غالب الأحاديث الصحيحة عليهم وبيان مراتبهم في الحفظ وذكر من يرجح قوله منهم عند الاختلاف أصحاب ابن عمر أشهرهم سالم ابنه، ونافع مولاه، وقد اختلفا في أحاديث ذكرناها في باب رفع اليدين في الصلاة، وقفها نافع، ورفعها سالم. وسئل أحمد: إذا اختلفا، فلأيهما تقضي؟ فقال: كلاهما ثبت، ولم ير أن يقضي لأحدهما على الآخر، نقله عنه المروذي، ونقل عثمان الدارمي عن ابن معين نحوه، مع أن المروذي نقل عن أحمد أنه مال إلى قول نافع في حديث: "من باع عبداً له مال". وهو وقفه.

وكذلك نقل غيره عن أحمد أنه رجح قول نافع، في وقف حديث "فيما سقت السماء العشر". ورجح النسائي والدارقطني قول نافع في وقف ثلاثة أحاديث "فيما سقت السماء العشر"، وحديث "من باع عبداً له مال" وحديث "تخرج نار من قبل اليمن". وكذا حكى الأثرم عن غير أحمد أنه رجح قول نافع في هذه الأحاديث، وفي حديث "الناس كإبل مائة" أيضاً.

وذكر ابن عبد البر أن الناس رجحوا قول سالم في رفعها. أصحاب نافع مولى ابن عمر وقد تقدم عن علي بن المديني أنه قسمهم تسع طبقات. وذكر أن أعلاهم أيوب السختياني، وعبيد الله بن عمر ومالك، وعمر بن نافع، وأن بعدهم ابن عون، ويحيى الأنصاري، وابن جريج، وبعدهم أيوب بن موسى، وإسماعيل بن أمية، وبعدهم موسى بن عقبة. وذكر أن أثبت أصحاب نافع ـ عنده ـ أيوب السختياني. وروى نحو ذلك عن ابن عيينة، ووهيب. وخالفهم في ذلك يحيى بن معين، وقال: اثبت أصحاب نافع مالك، هو أثبت من أيوب، وعبيد الله بن عمر، والليث بن سعد. وقال يحيى القطان: أثبت أصحاب نافع أيوب، وعبيد الله بن عمر، ومالك، وابن جريج أثبت في نافع من مالك. وعن أحمد روايتان: إحداهما: قال: أثبت أصحاب نافع عبيد الله، نقلها عنه المروذي، وابن هانىء. والثانية: قال: أوثق أصحاب نافع عندي أيوب، ثم مالك، ثم عبيد الله، نقلها ابن هانىء ـ أيضاً ـ وزاد في روايته، قال: ومحمد بن إسحاق ليس بذلك القوي، وموسى بن عقبة صالح الحديث، وصخر بن جويرية صالح ـ أيضاً، قال: والعمري الصغير، بعني عبد الله بن عمر، أحب إلي من عبد الله بن نافع.

أصحاب عبد الله بن دينار، مولى ابن عمر

وقال ابن معين: موسى بن عقبة ثقة، وكانوا يقولون: ليس هو في نافع مثل مالك. وروي عن يحيى بن معين أنه لم يفضل من أصحاب نافع الكبار أحداً. قال عثمان بن سعيد: قلت ليحيى: أيوب أحب إليك عن نافع أو عبيد الله؟. قال: كلاهما، ولم يفضل. قلت: فمالك أحب إليك عن نافع أو عبيد الله؟. قال: كلاهما، ولم يفضل. قلت: فعبد الله العمري ما حاله في نافع؟. قال: صالح. قلت: فالليث بن سعد، كيف حديثه عن نافع؟. قال: صالح ثقة. ومما اختلف فيه أصحاب نافع حديث "من حلف، فقال: إن شاء الله فلا حنث عليه" رفعه أيوب ووقفه مالك وعبيد الله، واختلف الحفاظ في الترجيح وأكثرهم رجح قول مالك. أصحاب عبد الله بن دينار، مولى ابن عمر قال أبو جعفر العقيلي: روى شعبة، والثوري، ومالك، وابن عيينة عن عبد الله بن دينار أحاديث متقاربة، عند شعبة عنه نحو عشرين حديثاً، وعند الثوري (نحو ثلاثين حديثاً، وعند مالك نحوها، وعند ابن عيينة بضعة عشر حديثاً) .

وأما رواية المشايخ عنه ففيها اضطراب، ثم ذكر منهم يحيى بن سعيد، وعبد العزيز بن الماجشون وسهيلاً، وابن عجلان، ويزيد بن الهاد، وهؤلاء الثلاثة رووا عن عبد الله بن دينار، عن أبي صالح، عن أبي هريرة حديث "الإيمان بضع وسبعون شعبة" قال: ولم يتابعهم أحد ممن سمينا من الأثبات ولم يتابع عبد الله بن دينار عن أبي صالح عليه أحد. قال: وقد روى موسى بن عبيدة ونظراؤه عن عبد الله بن دينار أحاديث مناكير، إلا أن الحمل فيها عليهم. انتهى ما ذكره. وحديث "الإيمان بضع وستون شعبة" مخرج في الصحيحين، خرجه البخاري من طريق سليمان بن بلال، وخرجه مسلم، من طريق سهيل، كلاهما عن عبد الله بن دينار به. وقول العقيلي: لم يتابع عليه يشبه كلام القطان وأحمد والبرديجي، الذي سبق ذكره في أن الحديث إذا لم يتابع راويه عليه فإنه يتوقف فيه، أو يكون منكراً.

أصحاب سعيد بن أبي سعيد المقبري

وقد سبق أيضاً ـ كلام أحمد في حديث "النهي عن بيع الولاء وعن هبته". وقال البرديجي: أحاديث عبد الله بن دينار صحاح من حديث شعبة، ومالك وسفيان الثوري، ولم يزد على هذا. ولم يذكر ابن عيينة معهم، كما ذكره العقيلي. أصحاب سعيد بن أبي سعيد المقبري قال عبد الله بن أحمد: قال أبي: أصح الناس (حديثاً) عن سعيد المقبري ليث بن سعد، وعبيد الله بن عمر يقدم في سعيد. وقال يحيى بن سعيد: ابن عجلان لم يقف على حديث سعيد المقبري ما كان عن أبيه عن أبي هريرة، وما روى هو عن أبي هريرة. أضعفهم عنه، يعني عن المقبري حديثاً (أبو معشر) . وقال عبد الله ـ أيضاً ـ: قال أبي: بلغني عن يحيى بن سعيد قال: لم يقف ابن عجلان على حديث سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة. فترك أباه، فكان يقول: سعيد المقبري عن أبي هريرة. وأصح الناس عن سعيد المقبري ليث بن سعد، يفصل ما روى (عن أبي هريرة، وما) عن أبيه عن أبي هريرة، هو ثبت في حديثه جداً. وقال ابن المديني: الليث وابن أبي ذئب ثبتان في حديث سعيد المقبري.

أصحاب الزهري

أصحاب الزهري قد سبق أنهم خمس طبقات، وهم خلق كثير يطول عددهم، واختلفوا في أثبتهم وأوثقهم: فقالت طائفة: مالك، قاله أحمد في رواية، وابن معين. وذكر الفلاس أنه لا يختلف في ذلك. قال أحمد في رواية ابنه عبد الله: مالك ثم ابن عيينة، قال: وأكثرهم عنه رواية يونس وعقيل ومعمر، وقال: يونس وعقيل يؤديان الألفاظ. وقال أبو حاتم الرازي: مالك أثبت أصحاب الزهري، فإذا خالفوا مالكاً من أهل الحجاز حكم لمالك. وهو أقوى من الزهري من ابن عيينة، وأقل خطأ منه. وأقوى من معمر، وابن أبي ذئب. وقال يحيى بن إسماعيل الواسطي: سمعت يحيى بن سعيد القطان، وذكر يوماً أصحاب الزهري فبدأ بمالك في أولهم، ثم ثنى بسفيان بن عيينة، ثم ثلث بمعمر، وذكر يونس بعده. وقالت طائفة: أثبتهم ابن عيينة، قاله ابن المديني، وتناظر هو وأحمد في ذلك، وبين أحمد أن ابن عيينة أخطأ في أكثر من عشرين حديثاً عن الزهري وأما مالك فذكر له مسلم في كتاب التمييز عن الزهري ثلاثة أوهام، وذكر أبو بكر الخطيب له وهمين عن الزهري، وأحدهما ذكره مسلم.

وقال يحيى بن سعيد: ابن عيينة أحب إلي في الزهري من معمر. ونقل عثمان الدارمي عن ابن معين عكس ذلك. وقالت طائفة أثبتهم معمر، وأصحهم حديثاً، وبعده مالك. قاله أحمد في رواية ابن هانىء عنه، وقال ابن أبي خيثمة: سمعت يحيى بن معين يقول: أثبت أصحاب الزهري مالك ومعمر ويونس، كانوا عالمين به، قال: وحدثنا إبراهيم بن المنذر، قال: سمعت ابن عيينة يقول: أخذ

مالك ومعمر عن الزهري عرضاً، وأخذت سماعاً، فقال يحيى بن معين: لو أخذا كتاباً لكانا أثبت منه، يعني من ابن عيينة. قال: وسمعت يحيى يقول: ما أحد أحب إلي من سفيان ويونس ومعمر وعقيل يعني في الزهري، وقد كان يونس وعقيل عالمين به. وسمعت يحيى يقول: معمر أثبت في الزهري من سفيان. وذكر بإسناده عن يونس قال: كان عقيل يصحب الزهري في حضره وسفره. وقال إبراهيم بن الجنيد: سئل يحيى بن معين وأنا أسمع: من أثبت الناس في الزهري؟. قال: مالك، ثم معمر، ثم عقيل، ثم يونس، ثم شعيب، والأوزاعي والزبيدي وابن عيينة، فكل هؤلاء ثقات. قيل له: إيما أثبت، سفيان أو الأوزاعي؟ فقال: الأوزاعي أثبت، والزبيدي أثبت منه، يعني من ابن عيينة، قال: ومحمد بن أبي حفصة ضعيف الحديث. قال: وسمعت يحيى بن معين يقول: يونس شهد الإملاء من الزهري للسلطان، وشعيب شهده ـ أيضاً ـ قال: وعبد الرحمن بن نمر عن الزهري ضعيف الحديث. وقال عبد الله بن الإمام أحمد عن يحيى بن معين، قال: ابن أبي ذئب عرض على الزهري، وحديثه عن الزهري ضعيف، ثم قال: يضعفونه في الزهري.

وسئل الجوزجاني: من أثبت في الزهري؟ قال: مالك من أثبت الناس فيه، وكذلك أبو أويس، وكان سماعهما من الزهري قريباً من السواء إذ كانا يختلفان إليه جميعاً، ومعمر، إلا أنه يهم في أحاديث، ويختلف الثقات من أصحاب الزهري، فإذا صحت الرواية عن الزبيدي فهو من أثبت الناس فيه، وكذلك شعيب وعقيل، ويونس بعدهم، وعبد الرحمن بن خالد بن مسافر والليث بن سعد، فأما الأوزاعي فربما يهم عن الزهري، وسفيان بن عيينة كان غلاماً صغيراً حين قدم عليهم الزهري، وإنما أقام يعني الزهري تلك الأيام مع بعض ملوك بني أمية بمكة أياماً يسيرة، وفي حديثه يعني ابن عيينة عن الزهري اضطراب شديد. وسفيان بن حسين وصالح بن أبي الأخضر، وسليمان ابن كثير متقاربون في الزهري، يعني في الضعف، فأما ابن أبي ذئب فقد كان له معه صحبة إلا أنه يحكى عنه أنه لم يسمع من الزهري، ولكن عرض عليه، والزبيدي وشعيب لزماه لزوماً طويلاً، إذ كانا معه في الشام في قديم الدهر، وعقيل قد سأله عن مسائل كثيرة، تدل على خبر به، وكذا أبو أويس لزمه سنة وسنتين، فما وجدت من حديث يحكى عن الزهري ليس له أصل عند هؤلاء فتأن في أمره. وابن إسحاق روى عن الزهري إلا أنه يمضغ حديث الزهري بمنطقه حتى يعرف من رسخ في علمه أنه خلاف رواية أصحابه عنه، وإبراهيم بن سعد صحيح الرواية من الزهري. وذكر قوماً رووا عن الزهري قليلاً أشياء يقع في قلب المتوسع في حديث الزهري أنها غير محفوظة. منهم، برد بن سنان، وروح بن جناح، وغيرهما، انتهى كلام الجوزجاني. وكان الإمام أحمد سيىء الرأي في يونس بن يزيد جداً. وقدم عليه معمراً،

وعقيلاً، وشعيب بن أبي حمزة، وقال: عقيل وإبراهيم بن سعد عن الزهري أقل خطأ من يونس. وقال: إسماعيل بن أمية ثبت في الحديث، وهو أحب إلي حديثاً من أيوب بن موسى، وكان ابن عمه. وقال الذي صح لهشيم عن الزهري أربعة أحاديث، ذكر منها حديث الإفك، وسنذكر كلام أحمد في يونس في موضع آخر ـ إن شاء الله تعالى. وأما ابن إسحاق وابن أخي الزهري فتكلم أحمد في حديثهما عن الزهري ولينه. وقال: موسى بن عقبة ما أراه سمع من ابن شهاب إنما هو كتاب نظر فيه. وقال ابن معين: الأوزاعي في الزهري ليس بذاك، أخذ كتاب الزهري من الزبيدي. ذكره يعقوب بن شيبة من طريق أبي داود عنه، ثم قال يعقوب: الأوزاعي ثقة ثبت إلا روايته عن الزهري خاصة فإن فيها شيئاً. وقال يعقوب (بن شيبة) أيضاً ـ ابن أبي ذئب ثقة، وفي روايته عن الزهري خاصة شي. وقال أبو حاتم الرازي: الزبيدي أثبت من معمر في الزهري خاصة، لأنه سمع منه مرتين. وقال ابن المبارك وابن مهدي: يونس بن يزيد كتابه صحيح. وقال نعيم بن حماد: سمعت ابن عيينة، يقول: كان زياد بن سعد عالماً بحديث الزهري.

وقال عبد الله بن أحمد: (ثنا) إسحاق بن موسى الأنصاري، (ثنا) الوليد بن مسلم، قال: سمعت الأوزاعي يفضل محمد بن الوليد الزبيدي على جميع من سمع من الزهري. (وقال أحمد في رواية ابنه عبد الله: ابن أبي ذئب سمع من الزهري) ويزيد بن أبي حبيب لم يسمع من الزهري، إنما هو كتاب. ونقل عثمان بن سعيد عن يحيى بن معين، قال: معمر أحب إلي من صالح بن كيسان يعني في الزهري. قال: وابن جريح ليس بشيء في الزهري، وابن إسحاق ليس به بأس، وهو ضعيف الحديث عن الزهري، والماجشون ليس به بأس، ومحمد بن أبي حفصة صويلح ليس بالقوي، وأسامة بن زيد في الزهري ليس به بأس، وابن أخي الزهري ضعيف، وزياد بن سعد في الزهري ثقة، وسليمان بن موسى في الزهري ثقة. وقال الدارقطني: أبو أويس في بعض حديثه عن الزهري شيء.

أصحاب يحيى بن أبي كثير

أصحاب يحيى بن أبي كثير قال إسحاق بن هانىء: قلت لأبي عبد الله، يعني أحمد، أيما أحب إليك في حديث يحيى بن أبي كثير؟. قال: هشام أحب إلي ممن روى عن يحيى بن أبي كثير. قلت: فحسين المعلم، وحرب بن شداد، وشيبان؟. قال: هؤلاء ثقات. قلت له: فهمام؟ قال: ليس منهم أصح حديثاً ولا أحب إلي من هشام. قلت: فأبان العطار؟ قال: هو مثل همام وشيبان. ونقل الأثرم عن أحمد، قال: هشام الدستوائي أثبت في حديث يحيى من معمر. وقال أبو زرعة الدمشقي: سألت أحمد عن أصحاب يحيى بن أبي كثير. فقال: هشام، قلت: ثم من؟ قال: أبان. قلت: ثم من؟ فذكر آخر. قلت: فالأوزاعي؟ قال: الأوزاعي إمام. وذكر أحمد في رواية غير واحد من أصحابه أن الأوزاعي كان لا يقيم حديث يحيى بن أبي كثير. ولم يكن عنده في كتاب، إنما كان يحدث به من

أصحاب هشام بن عروة

حفظه، ويهم فيه. ويروي عن يحيى بن أبي كثير، عن ابي قلابة، عن أبي المهاجر، وإنما هو أبو المهلب. وقال البرديجي: أبان العطار أمثل من همام وعكرمة بن عمار. وحديثه عن يحيى بن أبي كثير مضطرب، لم يكن عنده كتاب، قاله الإمام أحمد والبخاري وغيرهما. قال أبو حاتم الرازي: سألت علي بن المديني: من أثبت أصحاب يحيى بن أبي كثير؟ قال: هشام الدستوائي. قلت: ثم من؟، قال: ثم الأوزاعي، وحجاج الصواف، وحسين المعلم. ونقل إبراهيم بن الجنيد عن يحيى بن معين، قال: ما روى أيوب يعني السختياني عن يحيى بن أبي كثير شيئاً فيه خير، ولكن هشام الدستوائي، يعني أن هشاماً هو الثبت في يحيى (ابن أبي كثير) . أصحاب هشام بن عروة قال أحمد، في رواية الأثرم كأن رواية أهل المدينة عنه أحسن، أو قال: أصح. وقال: كان يحيى بن سعيد يرسل الأحاديث التي يسندونها، يعني أنه كان يرسل عن هشام كثيراً.

قال: فقلت له: هذا الاختلاف عن هشام، منهم من يرسل، ومنهم من يسند عنه، من قبله كان؟ فقال: نعم. وذكر أن عيسى بن يونس أسند عنه ما كان يرسله الناس، كحديث الهدية وغيره. وقيل له: علي بن مسهر قال: كان علي بن مسهر قد ذهب بصره، فكان يحدثهم من حفظه. وقال الأثرم ـ أيضاً ـ: قال أبو عبد الله: ما أحسن حديث الكوفيين عن هشام بن عروة، أسندوا عنه أشياء. قال: وما أرى ذاك إلا على النشاط، يعني أن هشاماً ينشط تارة فيسند، ثم يرسل مرة أخرى. قلت لأبي عبد الله: كان هشام تغير؟ قال: ما بلغني عنه تغير. وقال أبو عبد الله: ما كان أروى أبا أسامة، يعني عن هشام، روى عنه أحاديث غرائب.

قال: ومالك، يرسل أشياء كثيرة، يسندها غيره. وقال أيضاً: ما رأيت أحداً أكثر رواية عن هشام بن عروة من أبي أسامة، ولا أحسن رواية منه، ثم ذكر حديث "تركة الزبير" فقال: ما أحسن ما جاء بذلك الحديث وأتمه؟ قال: وحديث الإفك حسنه وجوده. وجوده. قال الأثرم: قلت لأبي عبد الله: أبو معاوية، صحيح (الحديث) عن هشام؟. قال: لا، ما هو بصحيح الحديث عنه. وقال الدارقطني: أثبت الرواة عن هشام بن عروة الثوري، ومالك، ويحيى القطان، وابن نمير، والليث بن سعد. وقال ابن خراش في تاريخه: هشام بن عروة كان مالك لا يرضاه، وكان هشام صدوقاً، تدخل أخباره في الصحاح، بلغني أن مالكاً نقم عليه حديثه لأهل العراق. قدم الكوفة ثلاث قدمات، قدمة كان يقول: حدثني أبي، قال: سمعت عائشة، وقدم الثانية، فكان يقول: حدثني أبي، عن

عائشة، (وقدم الثالثة فكان يقول: أبي، عن عائشة) ، يعني لا يذكر السماع. قال: وسمع منه بأخرة وكيع، وابن نمير، ومحاضر، انتهى. وهذا مما يؤيد ما ذكره الإمام أحمد أن حديث أهل المدينة عنه كمالك وغيره، أصح من حديث أهل العراق عنه. وذكر العقيلي بإسناده عن ابن لهيعة، قال: كان أبو الأسود (يعجب من حديث هشام بن عروة، عن أبيه، وربما مكث سنة لا يكلمه. وعن ابن) لهيعة عن أبي الأسود، قال: لم يكن عروة يرفع حديث أم زرع إلى النبي ـ A ـ إنما كان يقطع به الطريق. قال العقيلي: لم يأت بحديث أم زرع غير هشام. وأبو الأسود يتيم عروة أوثق من هشام. وقال ابن أبي خيثمة: حدثنا موسى بن إسماعيل، (ثنا) العوام بن أبي العوام الأعلم، قال: كنت مع الزهري، فقال: أنا أعلم بعروة من هشام.

أصحاب ابن جريج

قال: ورأيت في كتاب علي بن المديني، قال: قال يحيى بن سعيد: رأيت مالك بن أنس في النوم فسألته عن هشام بن عروة، فقال: أما ما حدث به وهو عندنا فهو، أي كأنه صححه، وما حدث به بعدما خرج من عندنا فكأنه يوهنه. وذكر ابن أبي خيثمة عن يحيى بن معين، قال: حديث معمر عن هشام بن عروة مضطرب، كثير الأوهام. قال القاضي إسماعيل المالكي: بلغني عن علي بن المديني أن يحيى القطان كان يضعف أشياء حدث بها هشام بن عروة في آخر عمره، لاضطراب حفظه، بعدما أسن، والله أعلم. وسمعت علي بن نصر وغيره يذكرون نحو هذا، عن يحيى (بن سعيد) . أصحاب ابن جريج قال يحيى بن معين: قال لي المعلى الرازي: قد رأيت أصحاب ابن جريج بالبصرة، ما رأيت فيهم أثبت من حجاج بن محمد. قال يحيى: وكنت أتعجب منه، فلما تبينت ذلك إذا هو كما قال: كان أثبتهم في ابن جريج. وقد قوى أحمد رواية يحيى بن سعيد عنه، وضعف رواية أبي عاصم عنه.

قال الأثرم: قال أبو عبد الله: (كان) يحيى بن سعيد يقول: كان ابن جريج يحدثهم بما لا يحفظ، يشير إلى أنه كان يحدث من كتب غيره، قال: وما كنا نحن نسمع من ابن جريج إلا من حفظه، قال: فقال له إنسان: فلعل ابن جريج حدثكم شيئاً من حفظه من كتب الناس. ثم قال أبو عبد الله: كان ابن جريج يحدثهم من كتب الناس، سماع أبي عاصم. وذكر غيره، قال: إلا أيام الحج فإنه كان يخرج كتاب المناسك فيحدثهم به من كتابه. ونقل ابن أبي مريم عن يحيى بن معين، قال: عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد ثقة، وكان أعلم الناس بحديث ابن جريج. ونقل عبد الله بن أحمد الدورقي، عن ابن معين، قال: عبد الله بن وهب ليس بذاك في ابن جريج، كان يستصغر، يعني لأنه سمع منه وهو صغير. وقال الحسن بن محمد الصباح: سئل يحيى بن معين عن حجاج بن محمد وأبي عاصم، أيهما أحب إليك في ابن جريج؟ قال: حجاج. قال مسلم في كتاب التمييز: عبد الرزاق وهشام بن سليمان أكبر في ابن

أصحاب عمرو بن دينار

جريج من ابن عيينة، وعبد الله بن فروخ. قال الجوزجاني: يروي عن ابن جريج عن عطاء غير حديث لم نجده عند الناس، أحاديثه معضلة، ووثقه غيره، وأثنى عليه ابن أبي مريم ثناء عظيماً. أصحاب عمرو بن دينار قال أحمد في رواية الأثرم: أعلم الناس بعمرو بن دينار ابن عيينة، ما أعلم أحداً أعلم به من ابن عيينة. قيل له: كان ابن عيينة صغيراً. قال: وإن كان صغيراً، فقد يكون صغيراً كيساً. وقال عبد الله بن أحمد: قال أبي: سفيان أثبت الناس في عمرو بن دينار وأحسنهم حديثاً. قال عباس الدوري: سألت يحيى بن معين عن حديث شعبة، عن عمرو بن دينار، والثوري عن عمرو بن دينار، وابن عيينة عن عمرو بن دينار. قال: سفيان بن عيينة أعلمهم بحديث عمرو بن دينار، وهو أعلم بعمرو ابن دينار من حماد بن زيد. ونقل عثمان الدارمي عن ابن معين، أن ابن عيينة أعلم بعمرو بن دينار من سفيان الثوري، وحماد بن زيد، قيل: فشعبة؟ قال: وأي شيء روى عنه شعبة، إنما روى عنه نحواً من مائة حديث. وقال ابن المديني: ابن جريج وابن عيينة من أعلم الناس بعمرو بن دينار.

ذكر أهل البصرة أصحاب الحسن بن أبي الحسن، رضي الله عنه

وقال أيضاً: ابن عيينة أعلم بعمرو من حماد بن زيد. وقال أبو حاتم: ابن عيينة أعلم بحديث عمرو بن دينار من (شعبة) ، وقيل لابن عيينة في حديث لعمرو بن دينار، اختلف فيه ابن جريج وهشيم، فقال ابن عيينة: أنا أحفظ لهذا منهما. وقال الدارقطني: أرفع الرواة عن عمرو بن دينار، ابن جريج، وابن عيينة، وشعبة، وحماد بن زيد. وذكر مسلم في كتاب التمييز أن حماد بن سلمة يخطىء في روايته عن عمرو بن دينار كثيراً. ذكر أهل البصرة أصحاب الحسن بن أبي الحسن، Bهـ ذكر ابن البراء في تاريخه عن علي بن المديني: يونس أثبت في الحسن من ابن عون، ويزيد بن إبراهيم ثبت في الحسن، وابن سيرين وهشام عن الحسن عامتها تدور على حوشب، يعني هشام بن حسان.

وروى صالح بن أحمد عن علي بن المديني، سمعت عرعرة بن البرند قال: قال لي عباد بن منصور: ما رأيت هشام بن حسان عند الحسن قط. قال: سألت جرير بن حازم، فقال: قاعدت الحسن سبع سنين ما رأيت هشاماً عنده قط، فقلت: يا أبا النضر، قد حدثنا عن الحسن بأشياء، ورويناها عنه، فعمن تراه أخذها؟ قال: أراه أخذها عن حوشب. وقال يعقوب بن سفيان: قال ابن المديني: أصحاب الحسن حفص (المنقري) ، ثم قتادة، وحفص فوقه، ثم قتادة بعده، ويونس وزياد الأعلم، وكان حفص في الحسن مثل ابن جريج في عطاء، وبعد هؤلاء أشعث بن عبد الملك ويزيد بن إبراهيم وقرة طبقة، وأبو الأشهب وجرير بن حازم طبقة، وأبو حرة (وهشام بن حسان في الحسن طبقة، وسلام بن مسكين والسري

ابن يحيى طبقة) ، وأبو هلال فوق مبارك، ومبارك أحب إلي من الربيع، يعني ابن صبيح. وقال أحمد: ما في أصحاب الحسن أثبت من يونس، ولا أسند عن الحسن من قتادة. وقال حرب: سئل أحمد عن أصحاب الحسن فقال: لا يعدل أحد يونس. قال: وأيوب، وابن عون، وهشام، هؤلاء أصحاب محمد، يعني ابن سيرين. وقال عثمان بن سعيد الدارمي: قلت ليحيى بن معين: يونس بن عبيد أحب إليك في الحسن أو حميد؟ قال: كلاهما. قال عثمان: يونس أكبر بكثير. قلت ليحيى: فحميد أحب إليك فيه أو حبيب بن الشهيد؟ قال: كلاهما. قال عثمان: وحبيب أحب إلينا. قال: قلت: سلام بن مسكين؟ قال: ثقة. قلت: سلام أحب إليك في الحسن، أو المبارك؟ قال: سلام.

أصحاب محمد بن سيرين، رحمه الله تعالى

أصحاب محمد بن سيرين، C تعالى قال ابن المديني: أحاديث هشام بن حسان عن محمد صحاح، قال: ونسخت من كتاب: ليس أحد أثبت في ابن سيرين من أيوب وابن عون إذا اتفقا، وإذا اختلفا فأيوب أثبت، وهشام أثبت من خالد الحذاء في ابن سيرين، وكلهم ثبت، وكذلك سلمة بن علقمة، وعاصم الأحول، وليس في القوم مثل أيوب وابن عون، وهشام الدستوائي ثبت. وقال ابن أبي خيثمة: سمعت يحيى بن معين، يقول: إذا اختلف ابن عون وأيوب في الحديث، فأيوب أثبت منه. وقال البرديجي: أحاديث هشام عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة، عن النبي ـ A ـ أكثرها صحاح، غير أن هشام بن حسان دون أيوب ويونس، وابن عون وسلمة بن علقمة، وعوف عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة فيها صحاح وفيها منكرة ومعلولة. وعوف صدوق، ويزيد بن إبراهيم عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة صحيح، إذا لم يكن الحديث منكراً أو مضطرباً أو معلولاً، انتهى. وقد تكلم قوم في رواية هشام بن حسان (عن محمد بن سيرين، قال ابن معين: زعم معاذ بن معاذ، قال: كان شعبة يتقي حديث هشام بن حسان) عن عطاء ومحمد والحسن. وقال وهيب: سألني سفيان أن أفيده عن هشام بن حسان، قلت: لا أستحله فأفدته عن أيوب، عن محمد، فسأل عنها هشاماً. قال (المروزي) : سألت أبا عبد الله عن هشام بن حسان، فقال: أيوب

وابن عون أحب إلي، وحسن أمر هشام، وقال: قد روى أحاديث رفعها أوقفوها، وقد كان مذهبهم أن يقصروا بالحديث ويوقفوه. وقال عثمان الدارمي: قلت ليحيى: هشام أحب إليك في ابن سيرين، أو يزيد بن إبراهيم؟ قال: كلاهما ثبتان. قال عثمان: وسمعت أبا الوليد الطيالسي يقول: يزيد بن إبراهيم أثبت ـ عندنا ـ من هشام بن حسان. قال عثمان: وسألت يحيى عن (يحيى) بن عتيق، قال: ثقة. قلت: هو أحب إليك في ابن سيرين أو هشام بن حسان؟ قال: ثقة وثقة. قال عثمان: يحيى خير. قلت: هشام بن حسان أحب إليك أو جرير بن حازم؟ قال: هشام أحب إلي. قلت: فيزيد بن إبراهيم أحب إليك أو جعفر بن حيان؟ قال: يزيد أحب إلي. قلت: داود أحب إليك أو خالد الحذاء؟ قال: داود أحب إلي. وقال الدارقطني: أثبت أصحاب ابن سيرين، أيوب، وابن عون، وسلمة بن علقمة، ويونس بن عبيد.

أصحاب ثابت البناني

أصحاب ثابت البناني وفيهم كثرة، وهم ثلاث طبقات: الطبقة الأولى: (الثقات) : كشعبة، وحماد بن زيد، وسليمان بن المغيرة، وحماد بن سلمة، ومعمر، وأثبت هؤلاء كلهم في ثابت حماد بن سلمة، كذا قال أحمد في رواية ابن هانىء: ما أحد روى عن ثابت أثبت من حماد بن سلمة. وقال ابن معين: حماد بن سلمة أثبت الناس في ثابت البناني. وقال ـ أيضاً ـ: حماد بن سلمة أعلم الناس بثابت، ومن خالف حماد بن سلمة في ثابت، فالقول قول حماد. وقال ابن المديني: لم يكن في أصحاب ثابت أثبت من حماد بن سلمة، ثم من بعده سليمان بن المغيرة، ثم من بعده حماد بن زيد، وهي صحاح، يعني أحاديث هؤلاء الثلاثة عن ثابت. وقال أبو حاتم الرازي: حماد بن سلمة في ثابت وعلي بن زيد أحب إلي من همام، وهو أحفظ الناس، وأعلم الناس بحديثهما، بين خطأ الناس، يعني أن من يخالف حماداً في حديث ثابت وعلي بن زيد قدم قول حماد عليه، وحكم بالخطأ على مخالفه. وحكى مسلم في كتاب التمييز إجماع أهل المعرفة على أن حماد بن سلمة أثبت الناس في ثابت، وحكى ذلك عن يحيى القطان، وابن معين، وأحمد وغيرهم من أهل المعرفة.

وقال الدارقطني: حماد بن سلمة أثبت الناس في ثابت. قال ابن المديني: وروى حميد عن ثابت شيئاً، وأما جعفر يعني ابن سليمان فأكثر عن ثابت، وكتب مراسيل. وكان فيها أحاديث مناكير عن ثابت عن النبي ـ A ـ. "ليسأل أحدكم ربه حتى يسأله شسع نعله والملح". قال علي: وفي أحاديث معمر عن ثابت أحاديث غرائب، ومنكرة. وذكر علي أنها تشبه أحاديث أبان بن أبي عياش. وقال العقيلي: أنكرهم رواية عن ثابت معمر. وذكر ابن أبي خيثمة عن يحيى بن معين، قال: حديث معمر، عن ثابت مضطرب كثير الأوهام. الطبقة الثانية: الشيوخ مثل الحكم بن عطية. وقد ذكر أحمد الحكم بن عطية، (فقال: هؤلاء الشيوخ يخطئون على

ثابت، وذكر للحكم بن عطية) عن ثابت، عن أنس أحاديث مناكير. وقال: سهيل بن أبي حزم يروي عن ثابت منكرات. وقال في عمارة بن زاذان: يروي عن ثابت أحاديث مناكير، ثم قال: هؤلاء الشيوخ رووا عن ثابت، وكان ثابت جل حديثه عن أنس فحملوا حديثه عن أنس. قال: ويوسف بن عبدة يروي عن حميد وثابت أحاديث مناكير بالتوهم، ليس هي عندي من حديث حميد، ولا ثابت، انتهى. ومنهم حماد بن يحيى الأبح، له أوهام عن ثابت: منها: حديثه عن أنس مرفوعاً، حديث: "مثل أمتي مثل المطر".

والصواب: عن ثابت عن الحسن مرسلاً. كذا رواه حماد بن سلمة عن ثابت، وتقدم هذا الحديث في كتاب الأمثال. الطبقة الثالثة: الضعفاء، والمتروكون، وفيهم كثرة. كيوسف بن عطية الصفار، قال ابن هانىء: قال أحمد: كان (حماد) ثبتاً في حديث ثابت البناني وبعده سليمان بن المغيرة، وكان ثابت يحيلون عليه في حديث أنس، وكل شيء لثابت روى عنه، يقولون: ثابت عن أنس. وقال أحمد، في رواية أبي طالب: أهل المدينة إذا كان الحديث غلطاً، يقولون: ابن المنكدر عن جابر. وأهل البصرة ثابت عن أنس، يحيلون علهما. ومراد أحمد بهذا كثرة من يروي عن ابن المنكدر من ضعفاء أهل المدينة، وكثرة من يروي عن ثابت من ضعفاء أهل البصرة، وسيىء الحفظ والمجهولين منهم، فإنه كثرت الرواية عن ثابت من هذا الضرب، فوقعت المنكرات في حديثه، وإنما أتى من جهة من روى عنه من هؤلاء. ذكر هذا المعنى ابن عدي وغيره. ولما اشتهرت رواية ابن المنكدر عن جابر، ورواية ثابت عن أنس صار

أصحاب قتادة بن دعامة السدوسي

كل ضعيف وسيىء الحفظ إذا روى حديثاً عن ابن المنكدر يجعله عن جابر عن النبي ـ A ـ وإن رواه عن ثابت، جعله عن أنس عن النبي ـ A ـ. هذا معنى كلام الإمام أحمد، والله أعلم. أصحاب قتادة بن دعامة السدوسي قال إبراهيم بن الجنيد، عن يحيى بن معين: سعيد بن أبي عروبة أثبت الناس في قتادة. وقال ابن أبي خيثمة: سمعت يحيى بن معين يقول: أثبت الناس في قتادة ابن أبي عروبة. وسمعته يقول: همام في قتادة أحب إلي من أبي عوانة. وسئل يحيى بن معين عن أبان وهمام أيهما أحب إليك؟ فقال: كان يحيى القطان يروي عن أبان، وكان أحب إليه. وأما همام فهو أحب إلي. وقال أحمد، في رواية الأثرم: إذا خالف أبو عوانة وأبان العطار سعيداً أعجبني ذلك يعني حديثهما: قال: لأنه يكون مما قد حفظناه. قال أحمد: قال عفان: قال أبو عوانة: كان قتادة يقول لي: لا تكتب عني شيئاً، فسمعت منه، وحفظت، ثم نسيت بعد، فجلست إلى سعيد، فجعل يحدث عن قتادة بما أعرف، أو نحو هذا. وقال إسحاق بن هانىء: سألت أبا عبد الله، قلت: أيما أحب إليك في حديث قتادة؟ سعيد بن أبي عروبة، أو (همام) أو (شعبة) أو الدستوائي؟

فسمعته يقول: قال عبد الرحمن بن مهدي: سعيد عندي في الصدق مثل قتادة وشعبة ثبت، ثم همام. قلت: والدستوائي؟ قال: والدستوائي ـ أيضاً ـ. وقال عثمان بن سعيد: قلت ليحيى بن معين: شعبة أحب إليك في قتادة أو هشام؟. قال: كلاهما. قال عثمان بن سعيد: هشام في قتادة أكبر من شعبة. وقال البرديجي: شعبة وهشام الدستوائي وسعيد بن أبي عروبة، عن قتادة عن أنس صحيح، فإذا ورد عليك حديث لسعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أنس مرفوعاً، وخالفه هشام وشعبة حكم لشعبة وهشام على سعيد، وإذا روى حماد بن سلمة وهمام وأبان ونحوهم من الشيوخ عن قتادة (عن أنس) عن النبي ـ A ـ وخالف سعيد أو هشام أو شعبة، فإن القول قول (هشام) وسعيد، وشعبة على الانفراد، فإذا اتفق هؤلاء الأولون (وهم همام وأبان وحماد) على حديث مرفوع، وخالفهم شعبة وهشام وسعيد، أو شعبة أو هشام وحده، أو سعيد وحده، توقف عن الحديث، لأن هؤلاء الثلاثة (شعبة، وسعيد، وهشام) أثبت من همام وأبان وحماد. قلت: مراده، أن (الحفاظ من أصحاب قتادة ثلاثة) : شعبة، وسعيد، وهشام، والشيوخ من أصحابه مثل حماد بن سلمة، وهمام، وأبان، ونحوهم.

فأما الحفاظ الثلاثة، فإذا روى سعيد حديثاً عن قتادة وخالفه فيه شعبة وهشام، فالقول قولهما. وسيأتي فيما بعد قوله إن القول قول رجلين من الثلاثة، من غير تعيين وقوله أيضاً: إنه إذا روى هشام وسعيد (بن أبي عروبة) شيئاً وخالفهما شعبة، فالقول قولهما، وأما إذا اختلف الثلاثة فسيأتي قوله: إنه يتوقف عن الحديث، وإن خالف هشام شعبة فقد حكى فيما بعد فيه قولين: أحدهما: القول قول شعبة. والثاني: التوقف. وأما الشيوخ فإذا روى أحدهم حديثاً، وخالفه واحد من الحفاظ الثلاثة، فالقول قول ذلك الحافظ، فإذا اتفق الشيوخ الثلاثة على حديث، وخالفهم الحفاظ الثلاثة أو أحدهم، توقف عن الحديث، ففرق بين أن ينفرد شيخ بحديث يخالفه فيه حافظ، فإنه حكم بأن القول قول الحافظ، وبين أن يجتمع الشيوخ على حديث ويخالفهم الحفاظ أو بعضهم، فقال: يتوقف فيه. وهذا بخلاف قول أحمد، إنه إذا اختلف سعيد بن أبي عروبة مع أبي عوانة وأبان، أنه يعجبه قو ل الشيخين، كما سبق عنه. وقال البرديجي: ـ أيضاً ـ أصح الناس رواية عن قتادة شعبة، كان يوقف قتادة على الحديث. قلت: كأنه يعني بذلك اتصال حديث قتادة، لأن شعبة كان لا يكتب عن قتادة إلا ما يقول فيه: (حديثاً) ، ويسأله عن سماعه. (فأما حفظ) حديثه، فقد تقدم عن أحمد وغيره أن سعيد ابن

أبي عروبة أحفظ له، ولكن ظاهر كلام البرديجي خلاف هذا، وأن شعبة أثبت في قتادة وسيأتي من كلامه ما يبينه. ثم قال البرديجي: فإذا أردت أن تعلم صحيح حديث قتادة فانظر إلى رواية شعبة وسعيد بن أبي عروبة وهشام الدستوائي، فإذا اتفقوا فهو صحيح. وإذا خالف هشام (قول) شعبة (فالقول قول شعبة، وقال بعضهم) : يتوقف عنه، وإذا اتفق هشام و (سعيد) (بن أبي عروبة) من رواية أهل التثبت عنهما وخالفهما شعبة كان القول قول (هشام وسعيد) ، غير أن شعبة من أثبت الناس في قتادة ولا يلتفت (إلى رواية الفرد عن شعبة) ممن ليس له حفظ، ولا تقدم في الحديث (من أهل الاتقان) . وقال البرديجي: ـ أيضاً ـ: (أحاديث) شعبة، عن قتادة، عن أنس عن النبي ـ A ـ كلها صحاح، وكذلك سعيد بن أبي عروبة، وهشام الدستوائي، إذا اتفق هؤلاء الثلاثة على الحديث فهو صحيح وإذا اختلفوا في حديث واحد، فإن القول فيه قول رجلين من الثلاثة، فإذا اختلف الثلاثة توقف عن الحديث، وإذا انفرد واحد من الثلاثة في حديث نظر فيه: فإن كان لا يعرف من الحديث إلا من طريق الذي رواه كان منكراً. وأما أحاديث قتادة، التي يرويها الشيوخ، مثل حماد بن سلمة، وهمام، وأبان، والأوزاعي، فينظر في الحديث: فإن (كان) الحديث يحفظ من غير طريقهم عن النبي ـ A ـ، وعن أنس بن مالك، من

وجه آخر، لم (يدفع) ، وإن كان لا يعرف عن أحد عن النبي ـ A ـ ولا من طريق عن أنس إلا من رواية هذا الذي ذكرت لك كان منكراً. انتهى. وقد (سبق) ذكر ذلك في الكلام على المنكر، وما فيه من اختلاف الحفاظ (في) ذلك. وقال ابن معين: قال شعبة: هشام الدستوائي أعلم بقتادة، وبأكثر مجالسه له مني. قال أحمد في رواية حرب: أصحاب قتادة شعبة وسعيد وهشام، إلا أن شعبة لم يبلغ علم هؤلاء، كان سعيد يكتب كل شيء. قال أحمد: وقال عفان: وذكر حديثاً، فقال: أصاب همام وأخطأ هشام وسعيد. وذكر مسلم في كتاب التمييز أن حماد بن سلمة عندهم يخطىء في حديث قتادة كثيراً. وقال الدارقطني في العلل: معمر سيىء (الحفظ) (الحديث) قتادة والأعمش. وقال ابن أبي خيثمة: سمعت يحيى (بن معين) (يقول) : قال معمر: جلست إلى قتادة وأنا صغير، فلم أحفظ عنه (الأسانيد) .

أصحاب أيوب السختياني

ونقل الأثرم عن أحمد، قال: عمرو بن الحارث روى عن قتادة (مناكير، وقال) في جرير بن حازم: كان يحدث بالتوهم أشياء عن قتادة (يسندها بواطيل) ، وكذلك ضعف يحيى وغيره حديث جرير عن قتادة (خاصة وسليمان التيمي. قال الأثرم: حديثه عن قتادة مضطرب) . وفي تاريخ الغلابي: يزيد بن إبراهيم عن قتادة ليس بذاك. والظاهر أنه حكاه عن ابن معين. أصحاب أيوب السختياني قال الإمام أحمد: ما عندي أعلم بحديث أيوب من حماد بن زيد، (وقد أخطأ في غير شيء) . وقال ابن معين: ليس أحد أثبت في أيوب من حماد بن زيد. وقال سليمان بن حرب: وحماد بن زيد في أيوب أكبر من كل من روى عن أيوب. وقال ابن معين: إذا اختلف إسماعيل بن علية، وحماد بن زيد في أيوب، كان القول قول حماد. قيل ليحيى: فإن خالفه سفيان الثوري؟ قال: فالقول قول حماد بن زيد في أيوب. قال يحيى: ومن خالفه من الناس جميعاً في أيوب فالقول قوله.

وهذا القول اختيار ابن عدي وغيره. وقال النسائي: أثبت أصحاب أيوب حماد بن زيد، وبعده عبد الوارث وابن علية. ورجحت طائفة ابن علية على حماد. قال البرديجي: ابن علية أثبت من روى عن أيوب، وقال بعضهم: حماد بن زيد. قال: ولم يختلفا إلا في حديث أوقفه ابن علية، ورفعه حماد، وهو حديث أيوب، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة، عن النبي ـ A ـ "ليس أحد منكم ينجيه عمله"، قالوا: ولا أنت؟. قال: "ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل" انتهى. وليس وقف هذا (الحديث) مما يضر، فإن ابن سيرين كان يقف الأحاديث كثيراً، ولا يرفعها والناس كلهم يخالفونه ويرفعونها. قلت: وقد اختلفا أيضاً في أحاديث أخر، منها حديث أيوب عن نافع،

عن ابن عمر، "أن عمر قبل الحجر" كذا رواه حماد بن زيد عن أيوب، ورواه ابن علية عن أيوب (عن نافع عن ابن عمر) ، (قال: ثبت) أن عمر قبل الحجر. وذكر شعيب بن حرب حماد بن زيد وابن علية (فقدم ابن علية، وقال) هو أثبتهم في الحديث. وقال غندر: نشأت (في الحديث يوم نشأت وليس) أحد يقدم في الحديث على إسماعيل بن علية. وقال (عيسى بن يونس: إسماعيل) أثبت عندنا من حماد، وحماد وأبي عوانة، وسمى قوماً. خرج ذلك (كله) يعقوب بن شيبة، وقال: أخبرني الهيثم بن خالد قال: اجتمع حفاظ أهل البصرة، فقال أهل الكوفة لأهل البصرة: نحوا عنا إسماعيل، وهاتوا من شئتم.

أصحاب شعبة

وقال عبد الله بن احمد بن حنبل: قال أبي: كان حماد بن زيد لا يعبأ إذا خالفه الثقفي ووهيب، وكان يهاب أو يتهيب إسماعيل بن علية إذا خالفه. وقال يزيد بن الهيثم: سمعت يحيى بن معين سئل عن أحاديث أيوب، اختلاف ابن علية وحماد بن زيد، فقال: إن أيوب كان يحفظ، وربما نسي الشيء. انتهى. فنسب الاختلاف إلى أيوب. وقال أحمد في رواية الميموني: عبد الوارث قد غلط في غير شيء. روى عن أيوب أحاديث لم يروها أحد من أصحابه. وهو عنده ـ مع هذا ـ ثبت ضابط. وقال الأثرم، عن أحمد: جرير بن حازم يروي عن أيوب عجائب. وذكر القواريري عن يحيى بن سعيد أنه كان يثبت عبد الوارث. وإذا خالفه أحد من أصحابه، يقول: ما قال عبد الوارث، انتهى. ولم يكتب عبد الوارث ولا ابن علية حديث أيوب حتى مات أيوب. وأما حماد بن زيد، فكان ضريراً، وكان يحفظ، ولم يكن عنده كتاب لأيوب بالكلية. ونقل عثمان الدارمي عن ابن معين، قال: عبد الوارث مثل حماد. قال: وهو أحب إلي في أيوب من الثقفي، وابن عيينة. أصحاب شعبة (قال أحمد في رواية ابن هانىء: ما في أصحاب شعبة) (أقل خطأ من محمد بن جعفر، ولا يقاس بيحيى بن سعيد في العلم أحد) .

وقال صالح بن أحمد: (ثنا) علي بن المديني، قال: ذكرت (ليحيى أصحاب) شعبة، فقال: أنا لا أسمي لك أحداً، كان عامتهم يميلها عليهم (رجل، إلا خالداً ومعاذاً) ، فانا كنا إذا قمنا من عند شعبة جلس خالد ناحية، (ومعاذ ناحية) ليكتب كل واحد منهما بحفظه. وأما أنا فكنت (لا أكتب حتى أجيء إلى البيت) . قال ابن أبي حاتم (ثنا) أحمد بن منصور المروزي: سمعت سلمة بن سليمان يقول: قال عبد الله بن المبارك: إذا اختلف الناس في حديث شعبة فكتاب غندر حكم فيما بينهم: وذكر ابن خراش، عن الفلاس، قال: كان يحيى، وعبد الرحمن ومعاذ، وخالد، وأصحابنا إذا اختلفوا في حديث عن شعبة رجعوا إلى كتاب غندر فحكم عليهم. وقال العجلي: غندر من أثبت الناس في حدث شعبة.

وقال يزيد بن الهيثم عن يحيى بن معين: لم أر في أصحاب شعبة أحسن حديثاً من أبي الوليد، قيل له: من كان أحب إليك، أبو داود أو بهز؟ قال: أبو داود ثقة، وكان بهز أتقن منه في كل شيء. وقال عثمان بن سعيد: سألت يحيى بن معين عن أصحاب شعبة، قلت: يحيى القطان أحب إليك في شعبة، أو يزيد بن زريع؟ قال: ثقتان. قلت: فغندر أحب إليك أو محمد بن أبي عدي، قال: ثقتان. قلت: فأبو داود أحب إليك أو حرمى، قال: أبو داود أحب إلي. قلت: فأبو داود أحب إليك فيه أو ابن مهدي؟ قال: أبو داود أعلم به. قال عثمان: عبد الرحمن بن مهدي أحب إلينا في كل شيء. وأبو داود أكثر الرواية عن شعبة. قال: سألت يحيى عن أبي عامر العقدي، قال: ثقة. قلت:

فشبابة قال: ثقة. قلت: فمعاذ أثبت في شعبة أو غندر؟ قال: ثقة، وثقة. وقال أبو مسعود بن الفرات: ما رأيت أحداً أكبر في شعبة من أبي داود. وقال أحمد: مسكين بن بكير يخطىء عن شعبة. وقال ابن عدي: أصحاب شعبة معاذ بن معاذ، وخالد بن الحارث ويحيى القطان، وغندر، وأبو داود خامسهم. ونقل ابن البراء عن ابن المديني، قال: عبد الصمد في شعبة ثبت.

أصحاب معمر (بن راشد)

أصحاب معمر (بن راشد) قال أحمد في رواية إبراهيم الحربي: إذا اختلف أصحاب معمر في شيء فالقول قول ابن المبارك. وقال ابن عسكر: سمعت (أحمد بن حنبل يقول) : إذا اختلف أصحاب معمر فالحديث لعبد الرزاق. قال (يعقوب بن شيبة) : عبد الرزاق (متثبت) في معمر، جيد الاتقان. وسنذكر فيما بعد (ـ إن شاء الله ـ أن من سمع) باليمن منه فهو أصح ممن سمع منه بالبصرة. وقال ابن معين: أبو سفيان المعمري محمد حميد، صاحب معمر، ثقة وعبد الرزاق أحب إلي منه. قال الدارقطني: أثبت أصحاب معمر هشام بن يوسف، وابن المبارك.

أصحاب حماد بن سلمة

أصحاب حماد بن سلمة قال عبد الله بن أحمد: سمعت يحيى بن معين يقول: من أراد أن يكتب حديث حماد بن سلمة، فعليه بعفان بن مسلم. وقال النسائي: أثبت أصحاب حماد بن سلمة ابن مهدي، وابن المبارك، وعبد الوهاب الثقفي.

ذكر أهل الكوفة:

ذكر أهل الكوفة: أصحاب عامر بن شراحيل الشعبي قال إسحاق بن هانىء: قلت لأبي عبد الله، يعني أحمد: من أحب إليك، يعني من أصحاب الشعبي؟. قال: إسماعيل أحبهم إلي وأحسنهم حديثاً. قلت: أيما أحب إليك بيان أو فراس؟ قال: ما منهما إلا ثقة. (قلت: أيما أحب إليك زكريا أو فراس؟ قال: ما منهما إلا ثقة) وزكريا حسن الحديث. وقال عبد الله بن أحمد: قال أبي: أصح الناس حديثاً عن الشعبي إسماعيل بن أبي خالد. قلت: فزكريا وفراس، وابن أبي السفر. قال: ابن أبي خالد يشرب العلم شرباً، ابن أبي خالد أحفظهم،

أصحاب أبي إسحاق السيبعي

وقال: ابن أبي السفر وزكريا كلاهما كانا يختلفان إلى الشعبي جميعاً. وحكى عثمان بن سعيد عن يحيى بن معين، قال: إسماعيل بن أبي خالد أحب إلي في الشعبي من الشيباني، وإسماعيل أعلم بالشعبي من ابن عون، قيل له: فراس أحب إليك أو بيان؟ (قال: كلاهما ثقة) . وقال ابن المديني: سألت يحيى بن سعيد عن زكريا عن الشعبي، (فقال: ليس هو عندي مثل إسماعيل وليس به بأس) . أصحاب أبي إسحاق السيبعي واسمه عمرو بن عبد الله. وقد ذكر الترمذي في كتابه هذا أن الثوري وشعبة أثبت وأحفظ من جميع من روى عن أبي إسحاق. وقال ابن المديني: سمعت معاذ بن معاذ، وقيل له: أي أصحاب أبي إسحاق أثبت؟. قال: شعبة، وسفيان، ثم سكت. وقال ابن أبي خيثمة: سمعت ابن معين، يقول: أثبت أصحاب أبي إسحاق الثوري، وشعبة وهما أثبت من زهير وإسرائيل، وهما قرينان. قال: وسمعت ابن معين يقول: لم يكن أحد أعلم بحديث أبي إسحاق من الثوري.

وقال عثمان الدارمي: سألت يحيى: شعبة أحب إليك في أبي إسحاق، أو سفيان؟ قال: سفيان. وقال أبو زرعة: أثبت أصحاب أبي إسحاق الثوري، وشعبة، وإسرائيل وشعبة أحب إلي من إسرائيل. وقال أبو حاتم الرازي: سفيان أتقن أصحاب أبي إسحاق، وهو أحفظ من شعبة. وإذا اختلف الثوري وشعبة، فالثوري. وقال أبو عثمان البرذعي: سمعت أبا زرعة، يقول: سمعت ابن نمير، يقول: سماع يونس وزكريا وزهير من أبي إسحاق بعد الاختلاط. وقال أبو زرعة: إذا فات شعبة وسفيان، فزهير خلف، ثم زائدة. وقال البرديجي: حديث أبي إسحاق من حديث شعبة وسفيان الثوري إذا اتفقا لم يختلفا صحيح، فإذا اختلفا كان القول قول سفيان، لأنه أحفظ الرجلين. وقد روى عن أحمد أنه يقدم قول شعبة في أبي إسحاق. قال الميموني: قلت لأبي عبد الله: من أكبر في أبي إسحاق؟ قال: ما (أجد) في نفسي أكبر من شعبة (فيه) ، ثم الثوري، قال: وشعبة أقدم سماعاً من سفيان، قلت: وكان أبو إسحاق قد تأخر، قال: إي والله هؤلاء الصغار زهير (وإسرائيل يزيدون) في الإسناد وفي الكلام. ونقل جماعة عن أحمد تقديم (شريك على إسرائيل) ، في أبي إسحاق، وقال: أنه أضبط عنه، وأقدم سماعاً.

قال: (ويختلف على إسرائيل) في حديث أبي إسحاق، وقدم شريكاً في أبي إسحاق على (يونس وأبي الأحوص أيضاً، وقال في زهير) وزكريا: ليس حديثهم بالقوي عن أبي إسحاق: وقال: إذا اختلف زكريا وإسرائيل في أبي إسحاق فإن زكريا أحب إلي (في أبي إسحاق) من إسرائيل، ثم قال: ما أقربهما. ونقل الأثرم عن أحمد، قال: ما أقرب حديث زكريا بن أبي زائدة، عن أبي إسحاق، ولكن سماعه ـ عندي ـ مع هؤلاء الذين سمعوه بأخره. قال: وضعف حديث يونس بن أبي إسحاق، عن أبيه، وقال: حديث إسرائيل أحب إلي منه. ونقل عثمان بن سعيد عن يحيى، قال: شريك أحب إلي في أبي إسحاق من إسرائيل، وهو أقدم. ونقل الدوري (عنه) ، قال: زكريا، وزهير، وإسرائيل حديثهم عن أبي إسحاق قريب من السواء، سمعوا (منه) بأخرة، إنما صحب أبا إسحاق سفيان وشعبة. وقال العجلي: رواية زكريا بن أبي زائدة، وزهير بن معاوية وإسرائيل، عن أبي إسحاق قريب من السواء، قال: ويقال: إن شريكاً أقدم سماعاً منه. وقال ابن المديني: الأعمش يضطرب في حديث أبي إسحاق.

وذكر عثمان بن سعيد عن ابن معين، قال: شريك أحب إلي في أبي إسحاق من إسرائيل وهو أقدم. قيل له: أبو الأحوص أحب إليك فيه أو أبو بكر بن عياش؟ قال: ما أقربهما. ونقل يزيد بن الهيثم عن يحيى بن معين، قال: شعبة وسفيان في أبي إسحاق جميعاً واحد، يعني: لا يرجح أحدهما على الآخر، قال: وزهير، وإسرائيل، وشريك، وأبو عوانة، في أبي إسحاق واحد، وإسرائيل أقدم من عيسى ليس به بأس. وقد رجحت طائفة إسرائيل في أبي إسحاق وخاصة على الثوري وشعبة، منهم: ابن مهدي، (وروي عن شعبة) أنه كان يقول في أحاديث أبي إسحاق سلوا عنها (إسرائيل، فإنه) أثبت فيها مني. وقد سبق ذكر هذا مستوفى أيضاً (في أول الكتاب) في الكلام على حديث ابن مسعود في الاستنجاء بالحجرين وإلقاء الروثة، وفي كتاب النكاح، في الكلام على حديث "النكاح بغير ولي".

أصحاب إبراهيم بن يزيد النخعي

أصحاب إبراهيم بن يزيد النخعي ذكر علي بن المديني، عن يحيى بن سعيد، قال: ما أحد أثبت عن مجاهد وإبراهيم من منصور، فقلت ليحيى: منصور أحسن حديثاً عن مجاهد من ابن أبي نجيح؟ قال: نعم، وأثبت. وقال: منصور أثبت الناس. وقال أحمد: حدثني يحيى قال، قال سفيان: كنت إذا حدثت الأعمش عن بعض أصحاب إبراهيم، قال. فإذا قلت: منصور، سكت. وقال ابن المديني عن يحيى عن سفيان، قال: كنت لا أحدث الأعمش عن أحد إلا رده، فإذا قلت: منصور، سكت. وذكر ابن أبي خيثمة عن يحيى بن معين، قال: لم يكن أحد أعلم بحديث منصور من سفيان الثوري. ورجحت طائفة الأعمش على منصور في حفظ إسناد حديث النخعي. قال وكيع: الأعمش أحفظ لإسناد إبراهيم من منصور. وقد ذكره الترمذي في باب التشديد في البول من كتاب الطهارة

واستدل به على ترجيح قول الأعمش في حديث ابن عباس "في القبرين"، سمعت مجاهداً يحدث عن طاوس عن ابن عباس. وأما نصور فرواه عن مجاهد عن ابن عباس. وكذلك ذكره أيضاً في كتاب الصيام، في باب صيام العشر، واستدل به على ترجيح رواية الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة، ما رأيت النبي ـ A ـ صائماً في العشر قط، على قول منصور، فإنه أرسله. ورجحت طائفة الحكم. قال عبد الله بن أحمد: سألت أبي: من أثبت الناس في إبراهيم، قال: الحكم ثم منصور. (وقال أيضاً قلت لأبي: أي أصحاب إبراهيم أحب إليك؟ قال: الحكم ثم منصور ما أقربهما، ثم قال: كانوا) يرون أن عامة حديث

أصحاب الأعمش

أبي معشر إنما هو عن حماد، يعني (ابن أبي سليمان) . وقال حرب عن أحمد: كان يحيى بن سعيد يقدم منصوراً (والحكم على الأعمش) . قال ابن المديني: قلت ليحيى بن سعيد: أي أصحاب (إبراهيم أحب إليك؟ قال) : الحكم ومنصور. قلت: أيهما (أحب إليك؟ قال: ما أقربهما. وقال عثمان الدارمي: قلت ليحيى بن معين: ألحكم) أحب إليك في إبراهيم أو فضيل بن عمرو؟ قال: الحكم أعلم. أصحاب الأعمش وهو سليمان بن مهران الكاهلي. قال ابن أبي خيثمة: سمعت يحيى بن معين يقول: لم يكن أحد أعلم بحديث الأعمش من سفيان الثوري. قال: وسمعت يحيى بن معين يقول: أبو معاوية كنا إذا ذاكرناه حديث الأعمش، فكأنا لم نسمع الحديث، يشير إلى كثرة حديثه، وسعة حفظه. قال ابن أبي حاتم: (ثنا) أحمد بن سنان الواسطي، سمعت

عبد الرحمن بن مهدي يقول: ما رأيت سفيان لشيء من حديثه أحفظ منه لحديث الأعمش. قال: (ثنا) أبي، (ثنا) أبو بكر الأعين، قال: سمعت أحمد بن حنبل، وقلت له: من أحب الناس إليك في حديث الأعمش؟ قال: سفيان، قلت: شعبة؟. قال: سفيان. (ثنا) محمد بن إبراهيم (أنا) عمرو بن علي. قال: سمعت أبا معاوية يقول: كان سفيان يأتيني ههنا، فيذاكرني بحديث الأعمش، فما رأيت أحداً أعلم بحديث الأعمش منه. وقال علي: قال يحيى بن سعيد: سماعي من سفيان عن الأعمش أحب إلي من سماعي من الأعمش. قال ابن أبي حاتم وسمعت أبي، يقول: احفظ أصحاب الأعمش الثوري. وقال يعقوب بن شيبة: سفيان الثوري، وأبو معاوية، مقدمان في الأعمش على جميع من روى عن الأعمش. وذكر عن علي بن المديني. قال: كان أبو معاوية (حسن) الحديث عن الأعمش، حافظاً عنه. وذكر بإسناده عن جرير بن عبد الحميد، قال: أبو معاوية حفظ حديث الأعمش، ونحن أخذناها (من الرقاع) .

وقال عبد الله بن أحمد، عن أبيه، قال أبو معاوية: كنا إذا قمنا من عند (الأعمش كنت أمليها) عليهم، قال أبي: أبو معاوية من أحفظ أصحاب الأعمش قلت له: مثل سفيان؟ قال: لا، سفيان في طبقة أخرى، مع أن أبا معاوية يخطىء في أحاديث من أحاديث الأعمش. وقال عبد الله ـ أيضاً ـ: قال أبي في أصحاب الأعمش: سفيان أحبهم إلي، وأبو معاوية في الكثرة والعلم بالأعمش. ونقل عثمان بن سعيد عن يحيى بن معين، قال: سفيان أحب إلي في الأعمش من شعبة. قال: وأبو عوانة أحب إلي فيه من عبد الواحد، وأبو شهاب أحب إلي من أبي بكر بن عياش في كل شيء، يعني في الأعمش، وغيره. قال: وأبو بكر وأبو الأحوص، ما أقربهما، وقطبة وحفص ثقتان. وقال حرب، عن أحمد: أبو معاوية أثبت في الأعمش من جرير، وقيل لأحمد: أبو معاوية فوق شعبة يعني في الأعمش؟ قال: أبو معاوية في الكثرة وعلمه بالأعمش، وشعبة صاحب حديث يؤدي الألفاظ والأخبار، وابو معاوية (عن، عن) . وقيل له: بعد أبي معاوية، شعبة أثبت؟ قال: شعبة أثبت في كل شيء، وقد غلط شعبة في بعض ما روى عن الأعمش، وكان زائدة من أصح

الناس حديثاً عن الأعمش، ما خلا الثوري، قال: وجرير لم يكن بالضابط عن الأعمش، وقال: أبو معاوية عنده أحاديث يقلبها عن الأعمش. وقال أبو بكر الخلال: أحمد لا يعبأ بمن خالف أبا معاوية في حديث الأعمش، إلا أن يكون الثوري. وقال يعقوب بن شيبة: عبيد الله بن موسى، ومحاضر، ومندل، وأبو معاوية، ووكيع، وابن نمير، ويحيى بن عيسى كل هؤلاء ثقة في الأعمش. قال: وقد تكلم في رواية وكيع عن الأعمش بشيء دفعه عيسى بن يونس. حدثني أحمد بن داود (الحداني) ، قال: قيل لعيسى بن يونس، وأنا أسمع: إن وكيعاً سمع من الأعمش، وهو صغير، قال: لا تقولوا ذاك، إنه كان ينتقيها ويعرفها (أو قال ينقيها) . قال ابن أبي حاتم: (ثنا) محمد بن سعيد المقري، قال: سئل، عبد الرحمن، من أثبت في الأعمش بعد الثوري؟

قال: ما أعدل بوكيع أحداً، قال له رجل: يقولون: أبو معاوية. قال: فنفر من ذلك. وقال: أبو معاوية عنده كذا وكذا وهماً. وأما حفص بن غياث فقد كان أحمد وغيره يتكلمون في حديثه، لأن حفظه كان فيه شيء. وقدمه غيرهم، قال أبو عبيد الآجري عن أبي داود: كان عبد الرحمن بن مهدي لا يقدم بعد الكبار من أصحاب الأعمش غير حفص بن غياث، قال أبو داود سمعت عيسى بن شاذان يقدم حفصاً. وكان بعضهم يقدم أبا معاوية. وقال ابن خراش: بلغني عن علي بن المديني، قال: سمعت يحيى بن سعيد يقول: أوثق اصحاب الأعمش حفص بن غياث، قال علي: فأنكرت ذلك، ثم قدمت الكوفة بأخرة فأخرج إلى عمر بن حفص كتاب أبيه عن الأعمش، فجعلت أترحم على يحيى، وقلت لعمر: سمعت يحيى يقول: حفص أوثق اصحاب الأعمش ولم أعلم حتى رأيت كتابه. وروى محمد بن عبد الرحيم البزار عن علي بن المديني، قال: كان يحيى يقول: حفص ثبت، ثم ذكر معنى حكاية ابن خراش، وهذه أصح، وتلك منقطعة.

وقال ابن معين: حفص أثبت من عبد الواحد بن زياد، وهو أثبت من عبد الله بن إدريس. وقال الدارقطني: ارفع الرواة عن الأعمش الثوري وأبو معاوية ووكيع ويحيى القطان وابن فضيل. وقد غلط عليه في شيء. وقال ابن عمار: قال أبو معاوية: كان أهل خراسان يجيئون إلى الأعمش ليسمعوا منه فلا يقدرون، فكانوا يجيئون يسمعون من شعبة عن الأعمش. فكان شعبة لا يحدثهم حتى يقعدني معه، فيقول: يا أبا معاوية، أليس هو كذا وكذا؟ فإن قلت: نعم (حدثهم) . قال ابن عمار: إنما يراد من هذا أن أبا معاوية كان أثبت في الأعمش من (شعبة) . وسئل أحمد بن الحسن السكري الحافظ: من أحب إليك في اصحاب الأعمش؟ قال أبو معاوية أعرف به، وأما معمر في الأعمش فهو (سيىء الحفظ جداً) ، وكذا ذكره ابن معين والأثرم والدارقطني. وقال ابن عسكر: سمعت أحمد يقول: أحاديث معمر عن الأعمش التي يغلط فيها ليس هو من عبد الرزاق إنما هو من معمر، يعني الغلط.

أصحاب منصور بن المعتمر

أصحاب منصور بن المعتمر قال عثمان بن سعيد: قلت ليحيى بن معين: جرير أحب إليك في منصور أم شريك؟ قال: جرير أعلم به. قلت: فشريك أحب إليك في منصور او أبو الأحوص؟ قال: شريك أعلم به. قال عثمان: وأراه قال: وكم روى أبو الأحوص عن منصور؟ وروى أبو يعلى الموصلي عن يحيى بن معين معناه، إلا أنه قال: أحب إلي بدل قوله أعلم به. وكذا روى يزيد بن الهيثم (عن يحيى) وليس في روايتهما التخصيص بمنصور. وكذا قال أبو حاتم: شريك أحب إلي من أبي الأحوص. انتهى. ومعمر في منصور كأنه ليس بالقوي، فإن معمراً روى عن منصور عن سالم بن أبي الجعد عن جابر "أن النبي ـ A ـ كان إذا سجد جافى". ورواه سفيان عن منصور، عن إبراهيم مرسلاً. والصحيح عند أحمد وابن معين قول سفيان في هذا، وحديث معمر عندهما خطأ. وقال الدارقطني: أثبت أصحاب منصور، الثوري، وشعبة، وجرير الضبي.

أصحاب سفيان بن سعيد الثوري رحمه الله

أصحاب سفيان بن سعيد الثوري C قال ابن أبي خيثمة: سمعت يحيى بن معين، وسئل عن اصحاب الثوري: أيهم أثبت؟ قال: هم خمسة، يحيى بن سعيد، ووكيع بن الجراح، وعبد الله بن المبارك، وعبد الرحمن بن مهدي، وأبو نعيم الفضل بن دكين، فأما الفريابي، وأبو حذيفة، وقبيصة، وعبيد الله، وأبو عاصم، وأبو أحمد الزبيري، وعبد الرزاق، وطبقتهم، فهم كلهم في سفيان بعضهم قريب من بعض وهم ثقات كلهم. دون أولئك في الضبط والمعرفة. وقال عثمان بن سعيد: سألت (يحيى) بن معين عن أصحاب سفيان، قلت: (يحيى) أحب إليك في سفيان أو عبد الرحمن؟. قال: يحيى. قلت: فعبد الرحمن أحب إليك أو وكيع؟ قال:

(وكيع) ، (قلت: فوكيع أحب إليك أو أبو نعيم؟ قال: وكيع) . قلت: فالأشجعي؟ قال: صالح ثقة. قلت: فمعاوية بن هشام؟ قال: صالح، وليس بذاك. قلت: فالزبيري؟ يعني أبا أحمد، قال: ليس به بأس. قلت: فأبو إسحاق الفزاري؟ قال: ثقة ثقة. قلت: فأبو داود الحفري؟ قال: ثقة. قلت: فيحيى بن يمان؟ قال: أرجو أن يكون صدوقاً. قلت: فكيف هو في حديثه؟ قال: ليس بالقوي. قلت: فعبيد الله؟ قال: ثقة، ما أقربه من ابن اليمان.

(قلت: فقبيصة؟ قال: مثل عبيد الله) . قلت: فالفريابي؟ قال مثلهم. قلت: فعبد الرزاق عن سفيان؟ قال: مثلهم. قلت: فأبو حذيفة؟ قال: مثلهم. قلت: ما حال المؤمل في سفيان؟ قال: هو ثقة) . قلت: هو أحب إليك أو عبيد الله؟ فلم يفضل أحدهما على الآخر. قلت: ابن المبارك أعجب إليك، أم وكيع؟ فلم يفضل. قلت: يحيى بن آدم ما حاله في سفيان؟ قال: ثقة. وقال أبو حاتم الرازي: سألت علي بن المديني: من أوثق أصحاب الثوري؟ قال: يحيى القطان. وعبد الرحمن بن مهدي. وذكر صالح بن أحمد بن حنبل عن أبيه قال: (عبد الرحمن) ، بن مهدي أقل سقطاً من وكيع في سفيان، قد خالفه وكيع في ستين حديثاً من حديث سفيان، وكان عبد الرحمن يجيء بها على ألفاظها، قيل له: فأبو نعيم؟ قال: أين يقع أبو نعيم من هؤلاء؟. وقال عبد الله بن أحمد: سمعت أبي يقول: (خالف وكيع: ابن مهدي في نحو من ستين حديثاً من حديث سفيان، ثم سمعت أبي يقول) بعد ذلك: هي أكثر من ستين، وأكثر من ستين، وأكثر من ستين.

قال: وكان عبد الرحمن بن مهدي عند أبي أكثر (إصابة) من وكيع، يعني في حديث سفيان خاصة. وقال حرب عن أحمد: ليس من (أصحاب سفيان) أعلى من يحيى وقال: ما أثبت أبا نعيم وأكيسه، ولا نقدمه على (ابن مهدي) . (قلت لأحمد: أيهما أثبت يحيى بن سعيد أو عبد الرحمن بن مهدي؟ قال: كانا ثبتين، ولكن عبد الرحمن أعلم بعلم الثوري. قلت: أيهما أثبت: عبد الرحمن أو أبو نعيم؟ قال: ما منهما إلا ثبت) . وقال ابن أبي حاتم: قيل لأبي: قال يحيى بن معين: وكيع أحب إلي في سفيان من ابن مهدي، فأيهما أحب إليك، قال: عبد الرحمن ثبت، ووكيع ثقة. وهذا الكلام يدل على ترجيح عبد الرحمن عند أبي حاتم. وقال إسحاق بن هانىء: قلت لأبي عبد الله: أيما أثبت في سفيان الثوري أبو نعيم أو وكيع؟ قال: لا يقاس بوكيع. قلت: إخاله في الصلاح لا يقاس بوكيع، فإيما أصح حديثاً؟ فقال: أبو نعيم أصح حديثاً، ثم ابتدأ فذكر الفريابي، فقال: ما رأيت أكثر خطأ في الثوري من الفريابي. وقال العجلي: قال لي بعض البغداديين: أخطأ الفريابي في خمسين ومائة حديث من حديث سفيان.

وضعف ابن معين قبيصة في سفيان. وقال في محمد بن عبيد الطنافسي: هو كثير الخطأ عن سفيان الثوري. وأما أبو حذيفة: فضعفه جماعة في سفيان. قال عبد الله بن أحمد، عن أبيه: قبيصة أثبت حديثاً في سفيان من أبي حذيفة، أبو حذيفة شبه لا شيء. وقال الجوزجاني: سمعت أحمد يقول: كأن سفيان الذي يحدث عنه أبو حذيفة ليس هو سفيان الثوري الذي يحدث عنه الناس. قال العقيلي: جاء عن سفيان بأحاديث بواطيل، لم يحدث بها عن سفيان غيره. وقال ابن معين: أبو داود الحفري والفريابي وقبيصة وأبو حذيفة حديثهم بعضه قريب من بعض في الضعف. وضعف أحمد سماع عبد الرزاق من سفيان بمكة، دون ما سمع منه باليمن. وقال العجلي: الفريابي ويحيى بن آدم وأبو أحمد الزبيري، وقبيصة بن عقبة، ومعاوية بن هشام ثقات، وهم في الرواية عن سفيان قريب بعضهم من بعض، وأبو نعيم، ووكيع، وعبيد الله الأشجعي، ويحيى القطان، وابن مهدي، وأبو داود الجفري، أثبت في سفيان من الفريابي وأصحابه، يعني الذي سماهم معه.

ذكر أهل الشام ومصر

ذكر أهل الشام ومصر أصحاب مكحول قال أبو زرعة الدمشقي: قلت لعبد الرحمن بن إبراهيم يعني دحيماً (وسألته) عن ثابت بن ثوبان والعلاء بن الحارث، أيهما أثبت؟ قال: (العلاء) أفقه حديثاً، (وثابت بن ثوبان) قليل الحديث قلت له: إن أبا مسهر قال: أنبل أصحاب مكحول (ثابت بن) ثوبان، والعلاء ابن الحارث. وأعدت عليه تقدم سن ثابت بن ثوبان، ولقيه سعيد بن المسيب، فلم يدفعه عن ثقة وتقدم، وقدم العلاء بن الحارث عليه لفقهه. قلت له: فيزيد بن يزيد بن جابر فوق العلاء بن الحارث؟ قال: نعم. قلت: فسليمان بن موسى فوق يزيد؟ قال: نعم. قلت: وهو المقدم من أصحابه محكول؟.

قال: نعم. قلت: فمن بعد العلاء بن الحارث؟ قال: زيد بن واقد. قلت: فعبد الرحمن بن يزيد بن جابر؟ قال: بعده. قلت فما تقول في أبي معيد، حفص بن غيلان؟ قال: ثقة. قلت: فما تقول في الوضين بن عطاء؟ قال: ثقة. قلت: فأين هو من أبي معيد؟ قال: فوقه، ولسنه ولقيه. قلت: فمن بعد عبد الرحمن بن يزيد بن جابر من أصحاب مكحول؟ قال: الأوزاعي وسعيد بن عبد العزيز. قلت له: سعيد أكثر مجالسة لمكحول من الأوزاعي؟ قال: ذاك بين في حديثه، كان الأوزاعي ربما غاب. قال أبو زرعة: وكنت أرى أبا مسهر يقدم كل التقديم من أصحاب

مكحول (ثلاثة) : سليمان بن موسى، ويزيد بن يزيد بن جابر، والعلاء بن الحارث. و (ثنا) أبو مسهر، أن سعيد بن عبد العزيز حدثه أن كتاب مكحول في الحج أخذه من العلاء بن الحارث، وذكر أبو زرعة أسماء جماعة من الرواة، عن مكحول، سأل عنهم، منهم محمد بن راشد، الذي يقال له: المكحولي، وذكر أنه سأل دحيماً عنه، فقال: ثقة، وكان (يميل) إلى هوى، وقدم سعيد ابن بشير عليه، وقال أبو زرعة: أعلم أهل دمشق بحديث مكحول، وأجمعه لأصحابه، الهيثم بن حميد، ويحيى بن حمزة. وقال الإمام أحمد: يزيد بن يزيد بن جابر هو أخو عبد الرحمن بن جابر، قال: وعبد الرحمن أقدم موتاً، وأثبت منه ـ إن شاء الله تعالى ـ.

أصحاب الأوزاعي

أصحاب الأوزاعي قال أبو زرعة الدمشقي: سألت أبا مسهر الدمشقي: من أنبل ـ أصحاب الأوزاعي؟ قال: هقل وابن سماعة بعده. وقال إبراهيم (بن الجنيد عن يحيى بن) معين: قلت: لأبي مسهر، ابن سماعة عرض على الأوزاعي؟. قال: أحسن أحواله إن كان عرض، ثم قال: قال لي أبو مسهر: لم يكن ههنا بدمشق اثبت في الأوزاعي من هقل. قال: وسئل يحيى عن عبد الحميد بن أبي العشرين، فقال: ليس به بأس. وروى من وجه آخر عن أبي مسهر، قال أثبت من صحب الأوزاعي وسمع منه يزيد بن السمط وسلمة بن العيار، وأصح وأحفظ. وعن هشام بن عمار: أوثق اصحاب الأوزاعي عبد الحميد بن حبيب بن أبي العشرين.

قال أبو زرعة الدمشقي: حدثني أحمد بن أبي الحواري، قال: قال لي مروان بن محمد إذا كتبت حديث الأوزاعي عن الوليد بن مسلم، فما تبالي من فاتك. قال: (ثنا) أبو مسهر، قال: قيل للأوزاعي: ابن السفر يحدث عنك؟ قال: كيف ولم يجالسني؟ وابن السفر هو يوسف، وهو ضعيف. وقال مهنا: قلت لأحمد: أيما أثبت الوليد بن مسلم أو القرقساني؟ يعني محمد بن مصعب. قال الوليد: كان القرقساني صغيراً في الأوزاعي. وقال النسائي: اثبت أصحاب الأوزاعي عبد الله بن المبارك، قال: والوليد بن مزيد أحب إلينا في الأوزاعي من الوليد بن مسلم لا يخطىء ولا يدلس. (وقال الحاكم: أثبت أصحاب الأوزاعي أبو إسحاق الفزاري) .

أصحاب بكير بن عبد الله بن الأشج أحد علماء المدينة، نزيل مصر

أصحاب بكير بن عبد الله بن الأشج أحد علماء المدينة، نزيل مصر قال الأثرم: سمعت أبا عبد الله يقول: لا أعلم أحداً أحسن حديثاً عن بكير بن عبد الله من ليث بن سعد. وقال: هو أحسن حديثاً ـ عندي ـ من عمرو بن الحارث. ومن ابن لهيعة. قلت له: ومن ابن عجلان؟ قال: وكم يروي ابن عجلان عن بكير؟ ما أيسرها. قلت: إن أبا الوليد يتكلم في روايته، ويقول: مناولة، أعني: ليث بن سعد، فقال: ما أدري أي شيء هذا، وأنكر قوله، وقال: أي شيء (ينكر) من حديث ليث، وليث حسن الحديث صحيحه. أصحاب يزيد بن أبي حبيب قال عبد الله بن أحمد: سئل أبي عن حيوة بن شريح (وسعيد بن أبي أيوب، ويحيى بن أيوب) . فقال: حيوة أعلى القوم ثقة، وسعيد بن أبي أيوب (ليس به بأس. ويحيى بن أيوب) دونهم في الحديث، وكان سيىء الحفظ، وهو دون هؤلاء، وحيوة بن شريح أعلاهم. القسم الثاني في ذكر قوم من الثقات، لا يذكر أكثرهم غالباً في أكثر كتب (الجرح) ، وقد ضعف حديثهم: إما في بعض الأوقات؛ أو في بعض الأماكن؛ أو عن بعض الشيوخ. فهذا القسم تحته ثلاثة أنواع كما ذكرنا: النوع الأول من ضعف حديثه في بعض الأوقات دون بعض. وهؤلاء هم الثقات الذين خلطوا في آخر عمرهم. وهم متفاوتون في تخليطهم، (فمنهم من خلط) تخليطاً فاحشاً، ومنهم من خلط تخليطاً يسيراً. ومن أعيان هؤلاء:

عطاء بن السائب الثقفي الكوفي

عطاء بن السائب الثقفي الكوفي يكني أبا زيد. ذكر الترمذي في باب كراهية التزعفر والخلوق للرجال، من كتاب الأدب من جامعة هذا، قال: يقال: إن عطاء بن السائب كان في آخر عمره قد ساء حفظه. وذكر عن علي بن المديني عن يحيى بن سعيد، قال: من سمع من عطاء بن السائب قديماً فسماعه صحيح. وسماع شعبة وسفيان من عطاء بن السائب صحيح، إلا حديثين عن عطاء بن السائب عن زاذان، قال: شعبة: سمعتهما منه بأخرة. وذكر العقيلي من طريق عمرو الفلاس عن يحيى بن سعيد، قال: ما سمعت أحداً من الناس يقول في حديث عطاء بن السائب شيئاً في حديثه القديم، ثم قلت ليحيى: ما حدث سفيان وشعبة، صحيح هو؟ قال: نعم إلا حديثين كان شعبة يقول: سمعتهما بأخرة. ومن طريق علي قال: كان يحيى بن سعيد لا يروي من حديث عطاء بن السائب إلا عن شعبة وسفيان.

ومن طريق أبي النعمان، عن يحيى بن سعيد القطان، قال: عطاء بن السائب تغير حفظه بعد، وحماد، يعني ابن زيد سمع منه قبل أن يتغير. "من سمع من عطاء قبل الاختلاط": ذكر من سمع منه (قبل أن) يتغير: سفيان وشعبة. وقد تقدم أن يحيى بن سعيد نقل عن شعبة (أنه سمع منه حديثين) بعد أن تغير. ـ (ومنهم حماد بن زيد، كما ذكرناه عن يحيى، وحكاه البخاري عن علي) . ـ ومنهم حماد بن سلمة: نقله (ابن الجنيد عن يحيى بن معين) . ونقل عبد الله بن الدورقي عن ابن معين، قال: حديث سفيان وشعبة وحماد بن سلمة عن عطاء بن السائب مستقيم. وقال ابن أبي خيثمة: سمعت يحيى يقول: شعبة وسفيان وحماد بن سلمة في عطاء خير من هؤلاء الذين بعدهم. ونقل ابن المديني عن يحيى بن سعيد أن أبا عوانة وحماد بن سلمة سمعا منه قبل الاختلاط وبعده، وكانا لا يفصلان هذا من هذا، خرجه العقيلي.

ومنهم سفيان بن عيينة: روى الحميدي عن سفيان، قال: كنت سمعت من عطاء بن السائب قديماً، ثم قدم علينا قدمة، فسمعته يحدث ببعض ما كنت سمعته منه، فيخلط فيه، فاتقيته واعتزلته. قال أبو داود: قال أحمد: سماع ابن عيينة مقارب، يعني من عطاء بن السائب، سمع بالكوفة. ومنهم هشام الدستوائي، ذكره أبو داود عن بعضهم، ولم يسمه. "من سمع من عطاء بعد الاختلاط": ومن سمع منه بأخرة بعد اضطرابه: جرير، قاله أحمد ويحيى. ومنهم خالد بن عبد الله، قاله أحمد وعلي. ومنهم ابن علية، وعلي بن عاصم، قاله أحمد. ومنهم محمد بن فضيل، قاله يحيى. ومنهم وهيب وعبد الوارث، ذكره أبو داود وغيره. ومنهم هشيم، ذكره العجلي وغيره. "ضابط التمييز بين السماع قبل الاختلاط وبعده": وقد اختلفوا في ضابط من سمع منه قديماً، ومن سمع منه بأخرة.

فمنهم من قال: من سمع منه بالكوفة فسماعه صحيح، ومن سمع منه بالبصرة، فسماعه ضعيف، كذا نقله أبو داود عن أحمد. ومنهم من قال: دخل عطاء البصرة مرتين، فمن سمع منه في المرة الأولى فسماعه صحيح، ومنهم الحمادان والدستوائي، ومن سمع منه في القدمة الثانية فسماعه ضعيف، منهم وهيب وإسماعيل بن علية وعبد الوارث، نقله أبو داود عن غير أحمد. وقاله أيضاً النسائي في سننه إلا أنه لم يسم. ومنهم من قال: إن حدث عطاء عن رجل واحد بعينه فحديثه جيد، وإن حدث عن جماعة فحديثه ضعيف. روى العقيلي بإسناده عن ابن علية، قال: قال لي شعبة ما حدثك عطاء بن السائب عن رجاله عن زاذان وميسرة وأبي البختري فلا تكتبه، وما حدثك عن رجل بعينه) فاكتبه. ومن طريق علي بن المديني عن ابن علية، قال: قدم علينا عطاء بن السائب البصرة، فكنا نسأله، قال: فكان يتوهم. قال: فنقول له: من؟ فيقول: أشياخنا ميسرة وزاذان، وفلان، وفلان.

ومن طريق أبي بكر بن الأسود: سمعت ابن علية، قال: كان عطاء ابن السائب إذا سئل عن الشيء، قال: كان أصحابنا يقولون: ويقال له: من؟ فيسكت ساعة، ثم يقول: أبو البختري وزاذان وميسرة. قال: فكنت أخاف أن يجيء بهذا على التوهم فلم أحمل منها شيئاً. ومنهم من قال: إذا حدث عن أبيه فهو صحيح، وإذا حدث عن الشيوخ (مثل ميسرة) وزاذان، بعد التغير، فهو مضطرب. قال ابو داود: سمعت أحمد، قال: كان فلان بعض المحدثين سماه أحمد عند عطاء بن السائب، وكان إذا حدث عن أبيه أحاديثه المشهورة كتبها، وإذا حدث بأحاديث ميسرة وزاذان يعني الشيوخ، لا يكتب، يعني حين أنكر عطاء. واتفقوا على أن شعبة وسفيان أصح حديثاً عنه من غيرهما. قال أبو داود: قلت لأحمد: يشاكل أحد سفيان وشعبة في عطاء؟ قال: لا، قلما يختلف عنه سفيان وشعبة. وقال أحمد بن أبي يحيى عن يحيى بن معين: جميع من روى عن عطاء ابن السائب روى عنه في الاختلاط إلا شعبة وسفيان. وقال ابن أبي خيثمة: سمعت يحيى بن معين يقول: كل شيء من حديث عطاء بن السائب ضعيف إلا ما كان عن شعبة وسفيان.

حصين بن عبد الرحمن

"حصين بن عبد الرحمن" ومنهم حصين بن عبد الرحمن السلمي الكوفي، يكنى أبا الهذيل أحد الثقات الأعيان المحتج بهم في الصحيحين. قال ابن معين: اختلط بأخرة. قال أبو حاتم الرازي: في آخر عمره ساء حفظه. قال يزيد بن الهيثم عن يحيى بن معين: ما روى هشيم وسفيان عن حصين صحيح، ثم أنه اختلط. وقال أيضاً يزيد: قلت ليحيى بن معين: عطاء بن السائب وحصين اختلطا؟ قال: نعم. قلت: من أصحهم سماعاً؟ قال: سفيان أصحهم يعني الثوري وهشيم في حصين. قلت: فجرير؟ فكأنه لم يلتفت إليه. وقال أحمد في رواية الأثرم: هشيم لا يكاد يسقط عليه شيء من حديث حصين، ولا يكاد يدلس عن حصين. وقد خرجا في الصحيحين حديث حصين بن عبد الرحمن من رواية جماعة من أصحابه، منهم شعبة وسفيان، وخالد الواسطي، وعبثر بن القاسم وهشيم وأبو عوانة ومحمد بن فضيل.

وخرج البخاري ـ أيضاً ـ حديثه من رواية زائدة وحصين بن نمير، وسليمان بن كثير العبدي، وعبد العزيز بن مسلم، وعبد العزيز العمي، وأبي بكر بن عياش، وأبي كدينة. وخرجه مسلم أيضاً ـ من رواية أبي الأحوص سلام بن سليم، وزياد البكائي، وابن إدريس وعباد بن العوام.

وقد أنكر ابن المديني وغيره أن يكون حصين اختلط، قالوا: ولكن ساء حفظه، كما قاله أبو حاتم. وقال عبد الله بن أحمد عن أبيه: سمعت يزيد بن هارون يقول: طلبت الحديث، وحصين حي بالمبارك، يقرأ عليه، وكان قد نسي. وقال الحسن: قلت لعلي بن المديني: حصين؟ قال: حصين حديثه واحد وهو صحيح. قلت: فاختلط؟ قال: لا، ساء حفظه، وهو على ذاك ثقة. قال الحسن: وسمعت يزيد يقول: اختلط. وقد ذكر العقيلي وابن عدي حصين بن عبد الرحمن هذا في كتابيهما وقال ابن عدي: أرجو أنه لا بأس به. وذكره البخاري أيضاً في كتاب الضعفاء. وذكر حكاية أحمد عن يزيد بن هارون المتقدمة.

"سعيد بن إياس الجريري" ومنهم سعيد بن إياس الجريري البصري، يكنى أبا مسعود. أحد الثقات الأعيان اختلط بأخرة، فكان يلقن فيتلقن. وقد حدث عنه الأئمة بالكثير قبل الاختلاط. وحديثه مخرج في الصحيحين من رواية جماعة عنه، وقد سمع منه قوم بعد الاختلاط، منهم عيسى بن يونس، قاله يحيى بن معين وغيره. وامتنع عيسى أن يحدث عنه حيث نهاه يحيى بن سعيد أن يحدث عنه. قال ابن معين: وسمع يزيد بن هارون من الجريري ـ وهو مختلط. وذكر الفلاس عن يحيى القطان، قال: أتيت الجريري فسمعته يقول: (ثنا) عبد الله بن بريدة، عن عبد الله بن عمرو قال: "بين كل آذانين صلاة" فلما خرجت، قال لي رجل: إنما هو عن عبد الله بن مغفل، فرجعت إليه، فقلت له، فقال: عن عبد الله بن مغفل. وممن سمع منه بعد الاختلاط محمد بن أبي عدي، وكان يقول: لا أكذب الله، ما سمعت من الجريري إلا بعدما اختلط.

وممن سمع منه قبل الاختلاط الثوري، وابن علية، وبشر بن المفضل. وكان ابن علية ينكر أن يكون الجريري اختلط. قال عبد الله بن أحمد: حدثني أبي، قال: سألت يحيى عن الجريري أكان اختلط؟. قال: لا، كبر الشيخ فرق. "سعيد بن أبي عروبة" ومنهم سعيد بن أبي عروبة، واسمه مهران البصري، يكنى أبا النضر، أحد الحفاظ الأعلام. اختلط في آخر عمره، وقد أكثر الأئمة السماع منه قبل الاختلاط. منهم: يزيد بن زريع، قاله الإمام أحمد. وقال ابن معين: يزيد بن هارون صحيح السماع منه، قال: وأثبت الناس سماعاً منه عبدة بن سليمان. وقال ابن عدي: اثبت الناس يزيد بن زريع، وخالد بن الحارث ويحيى بن سعيد. وقال أحمد: سماع محمد بن بشر وعبدة منه جيد، ومحمد بن بكر

البرساني، قال: وسماع عيسى يعني ابن يونس منه جيد، سمع منه بالكوفة. وقال السهمي هو فوق هؤلاء، يعني فوق محمد بن بكر وغيره في سماعة من سعيد. قال: وروح حديثه عنه صالح. قيل لأحمد: فالخفاف؟ قال: ما أقربه منه، إلا أنه كان عالماً بسعيد. قيل له: يقولون سماع خالد منه بعد الاختلاط، قال: لا أدري. وأما من سمع منه بعد الاختلاط فجماعة، منهم: محمد بن جعفر غندر. نهى عبد الرحمن بن مهدي أن يكتب حديثه عن سعيد بن أبي عروبة وقال: إنه سمع منه بعد الاختلاط. وأنكر ذلك عمرو الفلاس، وقال: سمعت غندراً، يقول: ما أتيت شعبة حتى فرغت من سعيد، يعني أنه سمع منه قديماً. ومنهم أبو نعيم الفضل بن دكين: قال: كتبت عن سعيد بن أبي عروبة حديثين، ثم اختلط، فقمت، وتركته.

ومنهم ابن أبي عدي: قال أحمد عن يحيى بن سعيد: جاء ابن أبي عدي إلى ابن أبي عروبة، بأخرة، يعني وهو مختلط. وقال العجلي: روى عن ابن أبي عروبة في الاختلاط يزيد بن هارون وابن المبارك وابن عدي، كلما روى عنه مثل هؤلاء الصغار فهو مختلط، إنما الصحيح حديث حماد بن سلمة، وابن علية، وعبد الأعلى عنه، والثوري وشعبة صحيح. وقال أحمد: شعيب بن إسحاق: سمع من سعيد بآخر رمق. وحكى يزيد بن الهيثم عن ابن معين، أن يزيد سمع من ابن أبي عروبة بالكوفة قبل أن ينكر، وقد روى عن (يزيد) ما يشهد لذلك، وأنه (رآه) بعد الاختلاط، فأنكره. وهذا يدل على أنه لم يسمع منه حينئذ. وقال أحمد في رواية ابنه عبد الله: سماع يزيد بن هارون من ابن أبي عروبة في الصحة إلا ثلاثة أحاديث، أو أربعة. قال عبد الله: قلت لأبي: أيما أحب إليك في سعيد: الخفاف

أو أسباط بن محمد؟ قال: أسباط أحب إلي، لأنه سمع بالكوفة. قلت: أيما أحب إليك الخفاف، أو أبو قطن، في سعيد؟ قال: الخفاف أقدم سماعاً من أبي قطن. ومما أنكر على سعيد في حال اختلاطه أنه روى عن قتادة، عن أنس، انه قال: "الأذنان من الرأس" أنكره يحيى القطان. ونقل الأثرم عن أحمد أنه ذكر سماع يزيد بن هارون من سعيد بن أبي عروبة، فضعفه، وقال: كذا وكذا حديث أخطأ. قال: وروايات عباد العوام عن سعيد بن أبي عروبة مضطربة. قيل لأحمد: روى الكوفيون عن سعيد غير شيء خلاف ما روى عنه البصريون قال: هذا من حفظ سعيد، كان يحدث من حفظه. وقال محمد بن عبد الله بن نمير: عبد الوهاب الخفاف كان أصحاب الحديث

يقولون: إنه سمع من سعيد بآخره، (كان شبه المتروك، ووكيع سمع من سعيد بأخرة، وأبو نعيم سمع من سعيد بأخرة) . وزعم أبو أسامة أنه كتب عن سعيد بالكوفة. وقال ابن عمار الموصلي: سمع وكيع والمعافى بن عمران من سعيد بعد الاختلاط. قال: وليست روايتهما عنه بشيء. وقال جعفر الطيالسي: سمعت يحيى بن معين يقول: قلت لعبد الوهاب: سمعت من سعيد في الاختلاط؟ قال: سمعت منه في الاختلاط وغير الاختلاط، فليس أميز بين هذا وهذا. "عبد الرحمن بن عبد الله المسعودي" ومنهم عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة بن مسعود المسعودي الكوفي اختلط بأخرة. قال عبد الله بن أحمد: سمعت أبي يقول: كل من سمع من المسعودي بالكوفة، مثل وكيع وأبي نعيم، وأما يزيد بن هارون وحجاج ومن سمع منه ببغداد سمع في الاختلاط، إلا من سمع منه بالكوفة، يعني أن سماع من سمعه منه بالكوفة صحيح، ومن سمع منه ببغداد كيزيد بن هارون وحجاج فهو بعد الاختلاط. قال عبد الله أيضاً: قال أبي: سماع (وكيع من) المسعودي بالكوفة

قديماً، وأبو نعيم ـ أيضاً ـ. وإنما اختلط المسعودي ببغداد، ومن سمع منه بالبصرة والكوفة فسماعه جيد. انتهى. وممن كتب عنه قبل أن يختلط مسلم بن قتيبة، وكتب عنه أبو داود بعد الاختلاط. ونقل حنبل عن أحمد، قال: سماع عاصم بن علي، وأبي النضر، وهؤلاء من المسعودي بعدما اختلط. وذكر معاذ بن معاذ أن المسعودي قدم عليهم الكوفة مرتين وهو صحيح، قال: ثم لقيته ببغداد سنة أربع وخمسين ومائة، وهو صحيح، ثم لقيته ببغداد مرة أخرى سنة إحدى وستين، وقد أنكروه. وقال محمد بن عبد الله بن نمير: المسعودي كان ثقة، اختلط بأخرة، سمع منه عبد الرحمن بن مهدي، ويزيد بن هارون أحاديث مختلطة. وما روى (عنه) الشيوخ هو مستقيم. وليحيى بن معين في المسعودي تفصيل آخر. ذكر محمد بن عثمان بن أبي شيبة عن يحيى بن معين، قال: المسعودي ثقة، وكان يغلط فيما يحدث عن عاصم بن بهدلة وسلمة يعني ابن كهيل، وكان صحيح الرواية فيما يحدث عن القاسم، ومعن. ونقل الغلابي عن ابن معين نحوه ـ أيضاً ـ.

سفيان بن عيينة

"عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي" ومنهم عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي البصري، أحد الحفاظ المشهورين. تغير حفظه في آخر عمره، واختلط. قال عقبة بن مكرم: كان عبد الوهاب الثقفي قد اختلط قبل موته بثلاث سنين، أو أربع سنين. وقال أبو داود جرير بن حازم وعبد الوهاب الثقفي تغيراً فحجب الناس عنهما. "سفيان بن عيينة" ومنهم سفيان بن عيينة: قال ابن عمار الموصلي، عن يحيى القطان: أشهد أن ابن عيينة اختلط سنة سبع وتسعين، فمن سمع منه في هذه السنة وبعدها فسماعه لا شيء. "صالح مولى التوأمة" ومنهم صالح بن نبهان مولى التوأمة اختلط بأخرة. فمن سمع منه قديماً فسماعه صحيح، قاله أحمد وغيره.

أبان بن صمعة

ومن سمع منه قديماً ابن أبي ذئب، قاله ابن معين. قال: وسماع الثوري منه بعد أن خرف. قال احمد: وروى عنه أكابر أهل المدينة. قال: وقول مالك بن أنس "ليس بثقة" لأنه إنما أدركه (وقد) كبر واختلط. وقال البخاري: موسى بن عقبة سمع من صالح قديماً، نقله عنه الترمذي في علله. وذكر ابن حبان أن حديث صالح اختلط قديمه بحديثه ولم يتميز. "أبان بن صمعة" ومنهم أبان بن صمعة: ذكر يحيى وابن مهدي وأحمد وغيرهم أنه اختلط بأخرة. وذكر ابن عدي أنه مع ذلك لم يجد له حديثاً منكراً. "محمد بن الفضل السدوسي" ومنهم محمد بن الفضل السدوسي، وأبو النعمان ولقبه عارم، أحد الثقات المتفق على تخريج حديثهم. اختلط في آخر عمره.

أبو قلابة الرقاشي

قال العقيلي: سمع منه علي بن عبد العزيز البغوي بعد اختلاطه. ومما روى في اختلاطه عن حماد بن سلمة عن حميد عن انس أن النبي ـ A ـ قال: "اتقوا النار ولو بشق تمرة". ورواه قبل اختلاطه عن حميد عن الحسن عن النبي ـ A ـ مرسلاً. وكذا رواه عفان عن حماد بن سلمة، وهو الصواب. "أبو قلابة الرقاشي" ومنهم أبو قلابة الرقاشي: عبد الملك بن محمد. كان ابن خزيمة يقول: (ثنا) أبو قلابة بالبصرة قبل أن يختلط، ويخرج إلى بغداد. قلت: وهو مع هذا كثير الوهم قبل اختلاطه ـ أيضاً ـ.

من يلتحق بالمختلطين ممن اضر في آخر عمره

من يلتحق بالمختلطين ممن اضر في آخر عمره يلتحق بهؤلاء من أضر في آخر عمره، وكان لا يحفظ جيداً، فحدث من حفظه أو كان يلقن فيتلقن. وقد ذكر أبو خيثمة أن يزيد بن هارون كان يعاب عليه أنه لما أضر كان يأمر جارية له أن تلقنه الأحاديث من كتاب فيحدث بها، وقد سبق ذكر ذلك. فمنهم عبد الرزاق بن همام الصنعاني أحد أئمة الحديث المشهورين، وإليه كانت الرحلة في زمانه في الحديث، حتى قيل: إنه لم يرحل إلى أحد بعد رسول الله ـ A ـ ما رحل إلى عبد الرزاق. قال الإمام أحمد في رواية إسحاق بن هانىء: عبد الرزاق لا يعبأ بحديث من سمع منه، وقد ذهب بصره، كان يلقن أحاديث باطلة وقد حدث (عن الزهري) أحاديث كتبناها من أصل كتابه وهو ينظر جاؤوا بخلافها. ونقل الأثرم عنه معنى ذلك. وقال في النيسابوري يعني محمد بن يحيى الذهلي: قدم على عبد الرزاق مرتين: إحداهما بعدما عمي. وذكر الأثرم عن أحمد أنه ذكر له حديث "النار جبار" فقال: هذا باطل ليس من هذا شيء. ثم قال: ومن يحدث (به) عن عبد الرزاق؟ قلت: حدثني به أحمد بن

شبويه. قال: هؤلاء سمعوا بعدما عمي، كان يلقن فلقنه، وليس هو في كتابه وقد أسندوا عنه أحاديث ليست في كتبه، كان يلقنها بعدما عمي. قال أبو عبد الله: حكوا عنه عن الحلواني أحاديث أسندها. وقد ذكر غير واحد أن عبد الرزاق حدث بأحاديث مناكير في فضل علي وأهل البيت، فلعل تلك الأحاديث مما لقنها بعدما عمي. كما قاله الإمام أحمد، والله أعلم، وبعضها مما رواه عنه الضعفاء ولا يصح عنه. وقال النسائي: عبد الرزاق ما حدث عنه بأخرة ففيه نظر. وذكر عبد الله بن أحمد أنه سمع يحيى بن معين قيل له تحفظ عن عبد الرزاق عن معمر عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي عن النبي ـ A ـ "أنه مسح على الجبائر" فقال يحيى: باطل، ما حدث به معمر قط. ثم قال يحيى: عليه مائة بدنة مقلدة مجللة إن كان معمر

أبو حمزة السكري

حدث بهذا قط. هذا باطل ولو حدث بهذا عبد الرزاق كان حلال الدم. من حدث بهذا عن عبد الرزاق؟ قالوا: فلان. وفي بعض النسخ، قالوا: محمد بن يحيى. قال: لا والله ما حدث به معمر. وعليه حجة من هنا إلى مكة إن كان معمر يحدث بهذا. قال عبد الله بن أحمد: هذا الحديث يروونه عن إسرائيل عن عمرو بن خالد، عن زيد بن علي، عن آبائه. عن علي، عن النبي ـ A ـ وعمرو بن خالد لا يساوي شيئاً. قال عبد الله: وسمعت يحيى يقول: ما كتبت عن عبد الرزاق حديثاً قط إلا من كتابه، لا والله ما كتبت عنه حديثاً قط إلا من كتابه. وذكر بعضهم أن سماع الدبري من عبد الرزاق بأخرة. قال إبراهيم الحربي: مات عبد الرزاق وللدبري ست سنين أو سبع سنين. "أبو حمزة السكري" ومنهم أبو حمزة السكري. واسمه محمد بن ميمون، ثقة مشهور من أهل مرو. قال أحمد في رواية ابن هانىء: كان قد ذهب بصره، وكان ابن شقيق قد كتب عنه وهو بصير، قال: وابن شقيق أصح حديثاً ممن كتب عنه من غيره. وقال النسائي في سننه، في (أبي) حمزة: هو مروزي لا بأس به إلا أنه كان ذهب بصره في آخر عمره فمن كتب عنه قبل ذلك فحديثه جيد.

علي بن مسهر

"علي بن مسهر" ومنهم علي بن مسهر، أحد الثقات المشهورين. قال أحمد في رواية الأثرم: كان ذهب بصره، فكان يحدثهم من حفظه، وأنكر عليه حديثه عن هشام عن ابيه عن عائشة "كان رسول الله ـ A ـ إذا سمع المؤذن، قال: وانا". وقال: إنما هو عن هشام عن أبيه مرسل. وعلي بن مسهر له مفاريد. ومنها في حديث "إذا شرب الكلب في إناء أحدكم فليرقه" وقد خرجه مسلم. وذكر الأثرم أيضاً عن أحمد أنه أنكر حديثاً فقيل له: رواه علي بن مسهر، فقال: إن علي بن مسهر كانت كتبه قد ذهبت فكتب بعد، فإن كان روى هذا غيره، وإلا فليس بشيء يعتمد. ويلتحق بهؤلاء من احترقت كتبه، فحدث من حفظه، فوهم. كما قاله غير واحد في ابن لهيعة.

من لا يحدث من كتابه فيهم في حديثه

وقد سبق ذكر ذلك، وقد كان أحمد يضعف حديث المتأخرين عنه، وقال: قتيبة ويحيى بن يحيى النيسابوري آخر من سمع منه، نقله عنه الأثرم. وقال أبو حاتم الرازي: مروان بن محمد تأخر سماعه من ابن لهيعة فهو يحدث عنه يعني بمناكير. "من لا يحدث من كتابه فيهم في حديثه" ومن هذا النوع أيضاً قوم ثقات لهم كتاب صحيح وفي حفظهم بعض شيء فكانوا يحدثون من حفظهم أحياناً فيغلطون، ويحدثون أحياناً من كتابهم فيضبطون: "عبد الرزاق بن همام الصنعاني" فمنهم عبد الرزاق بن همام: وقد تقدم أنه لما كان بصيراً ويحدث من كتابه كان حديثه جيداً، وما حدث من حفظه خلط. قال أحمد في رواية الأثرم: في حديث عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سالم عن أبيه: "أن النبي ـ A ـ رأى على عمر ثوباً جديداً"، فقال: هذا كان يحدث به من حفظه، ولم يكن في الكتب، وقد

عبد العزيز الدراوردي

تقدم ذكر هذا الحديث في كتاب اللباس. وقال يحيى بن معين: ما كتبت عن عبد الرزاق حديثاً واحداً إلا من كتابه كله. ومما أنكر على عبد الرزاق حديثه عن معمر عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعاً: "الخيل معقود في نواصيها الخير". أنكره أحمد ومحمد بن يحيى، وقال: لم يكن في أصل عبد الرزاق. وذكر الدارقطني أن الصواب إرساله. وقال الدارقطني عبد الرزاق يخطىء عن معمر في أحاديث لم تكن في الكتاب. "عبد العزيز الدراوردي" ومنهم الدراوردي عبد العزيز بن محمد. أحد علماء أهل المدينة وثقاتهم.

همام بن يحيى العوذي

قال الأثرم: قال أبو عبد الله: الدراوردي إذا حدث من حفظه فليس بشيء، أو نحو هذا. فقيل له: في تصنيفه؟ فقال: ليس الشأن في تصنيفه إن كان في أصل كتابه، وإلا فلا شيء. (كان يحدث بأحاديث ليس لها أصل في كتابه. قال: ويقولون: إن حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة "أن النبي ـ A ـ كان يستعذب له الماء"، ليس له أصل في كتابه) . انتهى. وقد تقدم عن ابن معين أنه قال في حديثه عن العلاء عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النبي ـ A ـ: "تقتل عماراً الفئة الباغية" إنه لم يكن في كتابه أيضاً. وقال يحيى بن معين: الدراوردي ما روى من كتابه فهو أثبت من حفظه. "همام بن يحيى العوذي" ومنهم همام بن يحيى العوذي البصري، أحد الثقات المشهورين. قال يزيد بن زريع وعبد الرحمن بن مهدي: كتابه صحيح، وحفظه ليس بشيء.

شريك بن عبد الله النخعي

وكان يحيى بن سعيد لا يرضى كتابه، ولا حفظه، ثم بعد ذلك قدم معاذ بن هشام، فرآه يحيى يوافق هماماً في أشياء، فكان يحيى يقول بعد ذلك: كيف قال همام؟ قال عبد الله بن أحمد: سمعت أبي قال: قال عفان: (ثنا) يوماً همام فقلت له: إن يزيد بن زريع حدثنا عن سعيد عن قتادة، ذكر خلاف ذلك الحديث قال: فذهب فنظر في الكتاب، ثم جاء فقال: يا عفان ألا تراني أخطىء، وأنا لا أعلم. قال عفان: وكان همام إذا حدثنا بقرب عهده بالكتاب فقلما كان يخطىء. قال عبد الله: وقال أبي: ومن سمع من همام بأخرة فهو أجود، لأن هماماً كان في آخر عمره أصابته زمانة، فكان يقرب عهده بالكتاب، فقلما كان يخطىء. "شريك بن عبد الله النخعي" ومنهم شريك بن عبد الله النخعي، قاضي الكوفة. قال يعقوب بن شيبة وغيره: كتبه صحاح، (وحفظه فيه اضطرب. وقال محمد بن عمار الموصلي الحافظ: شريك كتبه صحاح) . فمن سمع منه من كتبه فهو صحيح، قال: ولم يسمع من شريك من كتابه إلا إسحاق الأزرق.

وقد قيل: إن أصوله كان فيها الخطأ، فذكر محمد بن يحيى (بن) سعيد القطان، عن ابيه، قال: نظرت في كتب شريك فإذا الخطأ في أصوله. وفرق آخرون بين ما حدث به في آخر عمره بعد ولايته القضاء، فضعفوه، لاشتغاله بالقضاء عن حفظ الحديث، وبين ما حدث به قبل ذلك فصححوه. وقال أحمد في رواية الأثرم، وذكر سماع أبي نعيم من شريك، فقال: سماع قديم، وجعل أحمد يصححه. وقال أحمد في رواية ابنه عبد الله. قال لي حجاج بن محمد: كتبت عن شريك نحواً من خمسين حديثاً عن سالم قبل القضاء، يعني قبل أن يلي القضاء. قال أبو حاتم: حديث شريك، من حفظه بأخرة، وكان قد ساء حفظه، عن عاصم الأحول، عن الشعبي عن ابن عباس، "أن النبي ـ A ـ احتجم وهو صائم محرم" فغلط فيه. ورواه جماعة، ولم يذكروا صائماً محرماً، إنما قالوا: "احتجم وأعطى الحجام أجره" وأنكر ذلك يحيى القطان. قال عبد الجبار بن محمد الخطابي: قلت ليحيى بن سعيد: زعموا أن

شريكاً إنما خلط بأخرة، قال: ما زال مخلطاً، وبكل حال فهو سيىء الحفظ، كثير الوهم. وقال إبراهيم بن سعيد الجوهري: أخطأ شريك في أربعمائة حديث. "حماد بن أبي سليمان" ومنهم حماد بن أبي سليمان. فقيه الكوفة، وشيخ أبي حنيفة. قال أبو داود سمعت أحمد يقول: حماد مقارب الحديث، ما روى عنه سفيان وشعبة والقدماء، قال: وهشام الدستوائي سمع منه قديماً، سماعه صالح، ولكن حماد بن سلمة عنده عنه تخليط. ونقل الأثرم عن أحمد، قال: رواية القدماء عن حماد (مقاربة) : (شعبة) والثوري وهشام الدستوائي. وأما غيرهم، فقد جاؤوا عنه بأعاجيب. قلت له: حجاج وحماد بن سلمة قال: حماد على ذاك، أي لا بأس به. قال: وقد سقط فيه غير واحد مثل محمد بن جابر وأشار بيده، فظننت أنه سلمة الأحمر.

قال الأثرم: ولعله قد عنى غيره. قوله: قد سقط فيه يعني رووا عنه ما لا يرتضى. وقال أبو داود عن احمد، قال: ما روى سفيان وشعبة وحماد، وعن إبراهيم، أحب إلي من رواية مغيرة عن إبراهيم، إلا أن في حديث الآخرين عن حماد تخليطاً. "حفص بن غياث" ومنهم حفص بن غياث النخعي، أبو عمر قاضي الكوفة. قال أبو زرعة: ساء حفظه بعدما استقضى، فمن كتب عنه من (كتابه فهو صالح، وإلا فهو كذا وكذا. وقال ابن المديني حفص ثبت) . قيل له: إنه يهم. قال: كتابه صحيح. وقال يعقوب بن شيبة: (وهو ثقة ثبت) إذا حدث من كتابه ويتقي بعض حفظه. وقد تكلم في حفظه غير واحد، منهم الإمام أحمد. (وقال) داود بن رشيد: كان كثير الغلط. وذكر ذلك لمحمد بن عمار، فقال: لا، ولكن كان لا يحفظ حسناً، ولكن كان إذا حفظ الحديث، أي فكان يقوم به حسناً. وقد روي عن ابن معين أن حفصاً لم يكن يحدث إلا من حفظه ببغداد والكوفة ولم يخرج كتاباً، كتبوا عنه ثلاثة آلاف أو أربعة آلاف حديث من حفظه.

"شبيب بن سعيد الحبطي" ومنهم شبيب بن سعيد الحبطي، البصري، أبو أحمد بن شبيب. خرج حديثه البخاري. قال علي بن المديني: ثقة. كان من أصحاب يونس بن يزيد. كان يختلف في تجارة إلى مصر، وكتابه كتاب صحيح، وقد كتبتها عن ابنه أحمد. (قال ابن عدي: له نسخة عن يونس بن يزيد، عن الزهري، يرويها عنه ابنه أحمد) ، وهي أحاديث مستقيمة. وروى عنه ابن وهب أحاديث مناكير، فلعل شبيباً حدث بمصر في تجارته إليها، كتب عنه ابن وهب، من حفظه فيغلط ويهم. "إبراهيم بن سعد الزهري" ومنهم إبراهيم بن سعد الزهري، أحد الأعيان الثقات، المتفق على تخريج حديثهم. قال أحمد: كان يحدث من حفظه فيخطىء، وفي كتابه الصواب. وقد تكلم فيه يحيى القطان. روى من حفظه أحاديث أنكرت عليه، منها: روى عن أبيه، عن أنس،

عن النبي ـ A ـ قال: "الأئمة من قريش". وسئل أحمد عنه، فقال: ليس هذا في كتب إبراهيم، لا ينبغي أن يكون له أصل. "أبو داود الطيالسي" ومنهم سليمان بن داود، أبو داود الطيالسي البصري. حدث من حفظه فوهم، وكان حفظه كثيراً جداً. يقال أنه حدث من حفظه بأصبهان بأربعين ألف حديث فأخطأ فيها في مواضع، (وليس ذلك يعجب منه. ويقال أنه أخطأ في ألف حديث) . ومن جملة ما أخطأ فيه أنه (روى عن شعبة عن سعيد) بن قطن عن أبي زيد الأنصاري مرفوعاً: "من لم يرحم صغيرنا فليس منا". ويقال أنه نظر في كتابه فلم يجده. وقد ذكرنا هذا الحديث والاختلاف فيه في كتاب البر والصلة.

"يونس بن يزيد الأيلي" ومنهم يونس بن يزيد الأيلي، صاحب الزهري. قال أحمد: إذا حدث من حفظه يخطىء. وقال أبو عثمان الرذعي: سألت أبا زرعة عن يونس في غير الزهري، فقال: ليس بالحافظ. قال: وقال لي أبو حاتم، وكان شاهداً: سمعت علي بن محمد الطنافسي يذكر عن وكيع، قال: لقيت يونس بن يزيد بمكة، فجهدت به الجهد على أن يقيم حديثاً، فلم يقدر عليه. قال أبو زرعة: كان صاحب كتاب، فإذا حدث من حفظه لم يكن عنده شيء. وكذا قال ابن المبارك، وابن مهدي في يونس: إن كتابه صحيح وقال ابن مهدي: لم أكتب حديث يونس بن يزيد إلا عن ابن المبارك، فإنه أخبرني أنه كتبها عنه من كتابه. "عبد الصمد بن حسان" ومنهم عبد الصمد بن حسان. ذكر البخاري في تاريخه أنه يهم من حفظه، قال: وأصله صحيح. وقد ذكر أحمد أن ابا عوانة كان يحدث من حفظه فيخطىء.

النوع الثاني من ضعف حديثه في بعض الأماكن دون بعض وهو على ثلاثة أضرب:

وكذلك يحيى بن أيوب المصري ـ قال أحمد: كان إذا حدث من حفظه يخطىء، وإذا حدث من كتاب فليس به بأس. وقد حدث يحيى من حفظه عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة: في قراءة النبي ـ A ـ في الوتر. فقال أحمد: من يحتمل هذا؟ يعني أنه خطأ فاحش. وقال أبو زرعة، في سويد بن سعيد: أما كتبه فصحاح، كنت أتتبع أصوله، وأكتب منها، فأما إذا حدث من حفظه فلا. وقال البخاري: أبو أويس المدني ما روى من أصل كتابه فهو أصح. وقال ابن المبارك في إبراهيم بن طهمان، وأبي حمزة السكري: كانا صحيحي الكتب. وهذا يدل على أن حفظهما كان فيه شيء عنده. النوع الثاني من ضعف حديثه في بعض الأماكن دون بعض وهو على ثلاثة أضرب: الضرب الأول من حدث في مكان لم تكن معه فيه كتبه فخلط، وحدث في مكان آخر من كتبه فضبط أو من سمع في مكان من شيخ فلم يضبط عنه، وسمع منه في موضع آخر فضبط. "معمر بن راشد" فمنهم معمر بن راشد، حديثه بالبصرة فيه اضطراب كثير، وحديثه باليمن جيد. قال أحمد في رواية الأثرم: حديث عبد الرزاق عن معمر أحب إلي من حديث هؤلاء البصريين، كان يتعاهد كتبه وينظر، يعني باليمن، وكان يحدثهم بخطأ بالبصرة. وقال يعقوب بن شيبة: سماع أهل البصرة من معمر، حيث قدم عليهم فيه اضطراب، لأن كتبه لم تكن معه. فمما اختلف فيه باليمن والبصرة. حديث "أن النبي ـ A ـ كوى أسعد بن زرارة من الشوكة" رواه باليمن عن الزهري، عن أبي أمامة بن سهل مرسلاً. ورواه بالبصرة عن الزهري عن أنس.

والصواب المرسل. ومنه حديث "إنما الناس كإبل مائة". رواه باليمن عن الزهري عن سالم عن أبيه مرفوعاً. ورواه بالبصرة مرة كذلك، ومرة عن الزهري، عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة. ومنه حديثه عن الزهري عن سالم عن أبيه "أن غيلان أسلم وتحته عشر نسوة" الحديث. قال أحمد في رواية ابنه صالح: معمر أخطأ بالبصرة (في) إسناد حديث غيلان، ورجع باليمن، فجعله منقطعاً.

"هشام بن عروة" ومنهم هشام بن عروة: وقد سبق قول الإمام أحمد: كأن رواية أهل المدينة عنه أحسن، أو قال أصح. وقال يعقوب بن شيبة: هشام مع تثبته ربما جاء عنه بعض الاختلاف، وذلك فيما حدث بالعراق خاصة، ولا يكاد يكون الاختلاف عنه فيما يفحش، يسند الحديث أحياناً ويرسله أحياناً، لا أنه يقلب إسناده كأنه على ما يذكر من حفظه يقول: عن أبيه عن النبي ـ A ـ ويقول: عن أبيه عن عائشة عن النبي ـ A ـ. إذا اتقنه أسنده، وإذا هابه أرسله. وهذا فيما نرى أن كتبه لم تكن معه في العراق فيرجع إليها، والله أعلم. "عبد الرحمن بن أبي الزناد" ومنهم عبد الرحمن بن أبي الزناد. وقد وثقه قوم وضعفه آخرون منهم يحيى بن معين.

وقال يعقوب بن شيبة: سمعت علي بن المديني يضعف ما حدث به ابن أبي الزناد (بالعراق) ويصحح ما حدث به بالمدينة. قال: وسمعت ابن المديني يقول: ما روى سليمان الهاشمي عنه فهي حسان، نظرت فيها فإذا هي مقاربة وجعل علي يستحسنها. "يزيد بن هارون" ومنهم يزيد بن هارون. قال صالح بن أحمد: قال أبي: يزيد بن هارون من سمع (منه) بواسط هو اصح ممن سمع (منه) ببغداد، لأنه كان بواسط يلقن فيرجع إلى ما في الكتب. "عبد الرزاق بن همام" ومنهم عبد الرزاق بن همام الصنعاني: وقد تقدم: (ذكره) . قال أحمد في رواية الأثرم: سماع عبد الرزاق بمكة من سفيان مضطرب جداً، روى عن (عبيد الله) أحاديث مناكير هي من حديث العمري. وأما سماعه باليمن، فأحاديث صحاح. قال أبو عبد الله أحمد: قال عبد الرزاق: كان هشام بن يوسف القاضي

يكتب بيده، وأنا انظر، يعني عن سفيان باليمن، قال عبد الرزاق: قال سفيان: ائتوني برجل خفيف اليد، فجاءوه بالقاضي، وكان ثم جماعة يسمعون، لا ينظرون في الكتاب. قال عبد الرزاق: وكنت أنا أنظر، فإذا قاموا ختم القاضي الكتاب. قال أبو عبد الله: لا أعلم أني رأيت ثم خطأ إلا في حديث بشير بن سلمان، عن سيار. قال: أظن أني رأيته عن سيار، عن أبي حمزة، فأراهم أرادوا عن سيار. أبي حمزة، فغلطوا، فكتبوا: عن سيار؛ عن أبي حمزة هذا كله كلام أحمد ـ C ـ ليبين به صحة سماع عبد الرزاق باليمن من سفيان وضبط الكتاب الذي كتب هناك عنه. وذكر لأحمد حديث عبد الرزاق، عن الثوري، عن قيس، عن الحسن بن محمد عن عائشة قالت: "أهدى للنبي ـ A ـ وشيقة لحم، وهو محرم فلم يأكله". فجعل أحمد ينكره إنكاراً شديداً، وقال: هذا سماع مكة.

"عبيد الله بن عمر العمري" ومنهم عبيد الله بن عمر العمري. ذكر يعقوب بن شيبة أن في سماع أهل الكوفة منه شيئاً. "الوليد بن مسلم الدمشقي" ومنهم الوليد بن مسلم الدمشقي صاحب الأوزاعي. ظاهر كلام الإمام أحمد أنه إذا حدث بغير دمشق ففي حديثه شيء. قال أبو داود: سمعت أبا عبد الله سئل عن حديث الأوزاعي عن عطاء عن أبي هريرة عن النبي ـ A ـ "عليكم بالباءة". قال: هذا من الوليد يخاف أن يكون ليس بمحفوظ عن الأوزاعي، لأنه حدث به الوليد بحمص، ليس هو عند أهل دمشق. وتكلم أحمد ـ أيضاً ـ فيما حدث به الوليد من حفظه بمكة. "المسعودي" ومنهم المسعودي. وقد سبق قول أحمد فيه أن من سمع منه بالكوفة، فسماعه صحيح، ومن سمع منه ببغداد فسماعه مختلط.

الضرب الثاني من حدث عن أهل مصر أو إقليم فحفظ حديثهم، وحدث عن غ

الضرب الثاني من حدث عن أهل مصر أو إقليم فحفظ حديثهم، وحدث عن غيرهم فلم يحفظ "إسماعيل بن عياش" فمنهم إسماعيل بن عياش الحمصي أبو عتبة، إذا حدث عن الشاميين (فحديثه) عنهم (جيد) . وإذا حدث عن غيرهم فحديثه مضطرب. هذا مضمون ما قاله الأئمة فيه منهم أحمد ويحيى والبخاري وأبو زرعة. وقد ذكر الترمذي ذلك ـ أيضاً ـ في كتاب الوصايا في باب ما جاء "لا وصية لوارث". وذكرنا هناك كلام الحفاظ بألفاظهم في هذا المعنى، وذكرنا كلامهم في إسماعيل بن عياش، وبقية بن الوليد، في ترجيح أحدهما على الآخر بما فيه كفاية.

بقية بن الوليد

"بقية بن الوليد" ومنهم بقية بن الوليد الحمصي: وهو مع كثرة روايته عن المجهولين الغرائب والمناكير فإنه إذا حدث عن الثقات المعروفين ولم يدلس فإنما يكون حديثه جيداً عن أهل الشام، كبحير بن سعيد، ومحمد بن زياد، وغيرهما. وأما رواياته عن أهل الحجاز وأهل العراق فكثيرة المخالفة لروايات الثقات، كذا وذكره ابن عدي وغيره. وذكر سعيد البردعي، قال: قال لي أبو زرعة في حديث أخطأ فيه بقية عن المسعودي: إذا نقل بقية حديث الكوفة إلى حمص، يكون هكذا. "معمر بن راشد" ومنهم معمر بن راشد ـ أيضاً ـ كان يضعف حديثه عن أهل العراق خاصة. قال ابن أبي خيثمة: سمعت يحيى بن معين يقول: إذا حدثك معمر عن العراقيين (فخفه) إلا عن الزهري وابن طاوس فإن (حديثه عنهما) مستقيم، فأما أهل الكوفة والبصرة فلا. وما عمل في حديث الأعمش شيئاً.

فرج بن فضالة

"فرج بن فضالة" ومنهم خرج بن فضالة حمصي؛ قال إسحاق بن هانىء: سئل عنه أبو عبد الله يعني أحمد، فقال: أما ما روى عن الشاميين فصالح الحديث، وأما ما روى عن يحيى بن سعيد فمضطرب. قلت: ومما أنكر من حديثه عن يحيى بن سعيد "إذا عملت أمتي خمس عشرة خصلة حل بها البلاء". وقد خرجه الترمذي في كتاب الفتن، وسبق الكلام عليه. "خالد بن مخلد القطواني" ومنهم خالد بن مخلد القطواني. ذكر الغلابي في تاريخه. قال: القطواني يؤخذ عنه مشيخة المدينة، وابن بلال فقط يريد سليمان بن بلال.

ومعنى هذا أنه لا يؤخذ عنه إلا حديثه عن أهل المدينة، وسليمان بن بلال منهم، لكنه أفرده بالذكر. (وقال الإمام أحمد: كان ابن عيينة حافظاً إلا أنه في حديث الكوفيين له غلط كثير) .

الضرب الثالث من حدث عنه أهل مصر أو إقليم فحفظوا حديثه، وحدث عنه غ

الضرب الثالث من حدث عنه أهل مصر أو إقليم فحفظوا حديثه، وحدث عنه غيرهم فلم يقيموا حديثه "زهير بن محمد الخراساني" فمنهم زهير بن محمد الخراساني، ثم المكي، يكنى أبا المنذر، ثقة، متفق على تخريج حديثه؛ مع أن بعضهم ضعفه. وفصل الخطاب في حال رواياته أن أهل العراق يروون عنه (أحاديث مستقيمة، وما خرج عنه في الصحيح فمن رواياتهم عنه. وأهل الشام يروون عنه) روايات منكرة، وقد بلغ الإمام أحمد بروايات الشاميين عنه إلى أبلغ من الإنكار. قال أحمد في رواية (الأثرم: الشاميون يروون عنه أحاديث مناكير، ثم قال: ترى هذا زهير بن محمد الذي يروي منه عنه أصحابنا؟ ثم قال: أما رواية أصحابنا عنه فمستقيمة، عبد الرحمن بن مهدي وأبو عامر، أحاديث مستقيمة صحاح.

وأما أحاديث أبي حفص التنيسي عنه، فتلك بواطيل موضوعة، أو نحو هذا. أما بواطيل فقد قاله) . وقال البخاري في زهير: روى عنه ابن مهدي والعقدي، وموسى ابن مسعود وروى عنه أهل الشام أحاديث مناكير. قال أحمد: كأن الذي روى عنه أهل الشام زهير آخر. وقال البخاري ـ أيضاً ـ: روى عنه الوليد بن مسلم، وعمرو ابن أبي سلمة مناكير عن ابن المنكدر، وهشام بن عروة، وأبي حازم. قال أحمد: كأن الذي روى عنه أهل الشام زهير آخر فقلبوا اسمه. (وقال أبو حاتم: في حفظه سوء، وكان حديثه بالشام أنكر من حديثه بالعراق لسوء حفظه فما حدث من حفظه ففيه أغاليط، وما حدث من كتبه فهو صالح) . قال ابن عدي: لعل الشاميين حيث رووا عنه أخطأوا عليه فإنه إذا حدث عنه أهل العراق فرواياتهم عنه شبه مستقيمة، وأرجو أنه لا بأس به. انتهى. وقد خرج الترمذي من رواية الشاميين عنه غير حديث، كحديث:

محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب

"كان النبي ـ A ـ يسلم تسليمة واحدة". وحديث: قرأ رسول الله ـ A ـ على أصحابه سورة الرحمن، الحديث. والحاكم يخرج من روايات الشاميين عنه كثيراً كالوليد بن مسلم وعمرو بن أبي سلمة، ثم يقول: صحيح على شرطهما، وليس كما قال: "محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب" ومنهم محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب المدني الفقيه الإمام الرباني.

أيوب بن عتبة

ذكر مسلم في كتاب التمييز أن سماع الحجازين منه، يعني أنه صحيح. قال: وفي حديث العراقيين عنه وهم كبير، قال: ولعله كان يلقن فيتلقن يعني بالعراق. وذكر أن ذكر الاستسعاء في العتق، في حديث ابن عمر، إنما رواه عن ابن أبي ذئب، ابن أبي بكير، قال: وسماعه منه بالعراق، فيما نرى، وأما ابن أبي فديك فلم يذكر عنه السعاية، وهو سماع الحجازيين. "أيوب بن عتبة" ومنهم أيوب بن عتبة اليمامي. ذكر أبو عثمان البرذعي، عن أبي زرعة قال: حديث أهل العراق عن أيوب بن عتبة ضعيف. ويقال: حديثه باليمامة صحيح.

النوع الثالث قوم ثقات في أنفسهم لكن حديثهم عن بعض الشيوخ فيه ضعف ب

النوع الثالث قوم ثقات في أنفسهم لكن حديثهم عن بعض الشيوخ فيه ضعف بخلاف حديثهم عن بقية شيوخهم وهؤلاء جماعة كثيرون: "حماد بن سلمة" فمنهم حماد بن سلمة البصري ـ Bهـ ـ. وقد ذكرنا فيما تقدم أنه أثبت الناس حديثاً عن ثابت. وكذلك حديثه عن علي بن زيد بن جدعان، هو حافظ له، وقد ذكرنا ذلك فيما سبق أيضاً. قال يعقوب بن شيبة: حماد بن سلمة ثقة في حديثه اضطراب شديد، إلا عن شيوخ فإنه حسن الحديث عنهم متقن لحديثهم مقدم على غيره فيهم. منهم: ثابت البناني، وعمار بن أبي عمار. وقال أحمد في رواية الأثرم: لا أعلم أحداً أحسن حديثاً عن حميد من حماد بن سلمة، سمع منه قديماً، يروي أشياء مرة يرفعها. ومرة يوقفها. قال: وحميد يختلفون عنه اختلافاً شديداً.

وأما الشيوخ الذين تكلم في رواية حماد عنهم، فمنهم:

وقال في رواية أبي الحارث: ما أحسن ما روى حماد عن حميد. وقال في رواية أبي طالب: حماد بن سلمة أعلم الناس بحديث حميد وأصح حديثاً. وقال أيضاً في روايته: حماد بن سلمة أثبت الناس في حميد الطويل، سمع منه قديماً، يخالف الناس في حديثه، يعني في حديث حميد. وقال أحمد في رواية علي بن سعيد: محمد بن زياد صاحب أبي هريرة ثقة، وأجاد حماد بن سلمة الرواية عنه. وأما سماعه من أيوب فسمع منه قديماً، قبل حماد بن زيد ثم تركه وجالسه حماد بن زيد فأكثر عنه، وكان حماد بن زيد أعلم بحديث أيوب من حماد بن سلمة، قاله الإمام أحمد أيضاً. وقال في رواية حنبل: حماد بن سلمة يسند عن أيوب أحاديث لا يسندها الناس عنه. وأما الشيوخ الذين تكلم في رواية حماد عنهم، فمنهم: قيس بن سعد قال أحمد: ضاع كتابه عنه فكان يحدث من حفظه فيخطىء.

وضعف يحيى بن سعيد القطان روايات حماد بن سلمة عن قيس بن سعد ورواياته عن زياد الأعلم. قال البيهقي: حماد ساء حفظه في آخر عمره، فالحفاظ لا يحتجون بما يخالف فيه، ويجتنبون ما تفرد به عن قيس خاصة. وقد ذكرنا في الزكاة حديث حماد، عن قيس، عن أبي بكر بن حزم، في فرائض الصلاة. وقال أحمد في رواية الأثرم: حماد بن سلمة إذا روى عن الصغار أخطأ وأشار إلى روايته عن داود بن أبي هند. وقال مسلم في كتاب التمييز: اجتماع أهل الحديث من علمائهم على أن أثبت الناس في ثابت حماد بن سلمة، كذلك قال يحيى القطان، ويحيى بن معين، وأحمد بن حنبل، وغيرهم من أهل المعرفة. وحماد يعد عندهم إذا حدث عن غير ثابت، كحديثه عن قتادة، وأيوب، وداود بن أبي هند، والجريري، ويحيى بن سعيد، وعمرو بن دينار، وأشباههم، فإنه يخطىء في حديثهم كثيراً، وغير حماد في هؤلاء اثبت عندهم، كحماد بن زيد، وعبد الوارث، ويزيد بن زريع. انتهى. ومع هذا فقد خرج مسلم في صحيحه لحماد بن سلمة عن أيوب وقتادة وداود بن أبي هند والجريري ويحيى بن سعيد الأنصاري، ولم يخرج حديثه عن عمرو بن دينار، ولكن إنما خرج حديثه عن هؤلاء فيما تابعه عليه غيره من الثقات، ووافقوه عليه، لم يخرج له عن أحد منهم شيئاً تفرد به عنه، والله أعلم.

جرير بن حازم

وقد قيل: إن من سمع من حماد تصانيفه فليس حديثه بذاك، ومن سمع منه النسخ التي كانت عنده عن شيوخه فسماعه جيد. قال جعفر الطيالسي عن يحيى بن معين: من سمع من حماد بن سلمة الأصناف ففيها اختلاف، ومن سمع من حماد بن سلمة نسخاً فهو صحيح. "جرير بن حازم" ومنهم جرير بن حازم البصري، ثقة، متفق على تخريج حديثه، وقد تغير قبل موته بسنة، لكن قال ابن مهدي حجبه أولاده، فلم يسمع منه في اختلاطه بشيء، ولكن يضعف في حديثه عن قتادة. قال أحمد: كان يحدثهم بالتوهم أشياء عن قتادة يسندها (بواطيل) . وقال ـ أيضاً ـ: كأن حديثه عن قتادة غير حديث الناس، يسند أشياء، ويوقف أشياء. وقال عبد الله بن أحمد، عن يحيى بن معين: ليس به بأس. قال عبد الله: فقلت له: يحدث عن قتادة عن أنس بأحاديث مناكير، فقال: ليس بشيء هو عن قتادة، ضعيف. وقد أنكر عليه أحمد ويحيى وغيرهما من الأئمة أحاديث متعددة يرويها عن قتادة عن أنس عن النبي ـ A ـ وذكروا أنت بعضها مراسيل أسندها. فمنها حديثه بهذا الإسناد "في الذي توضأ وترك على قدمه لمعة لم يصبها

الماء". ومنها حديثه: "في قبيعة سيف النبي أنها كانت من فضة". ومنها حديثه في الحجامة في الأخدعين والكاهل". ومنها حديثه: "كانت قراءة النبي ـ A ـ مداً".

ومنها حديثه في صفة النبي ـ A ـ أنه كان ضخم الكفين والقدمين. ولكن هذان الحديثان خرجا في الصحيح. وقد تابعه عليهما عمر وأبن عاصم وغيره. وقد ذكر ابن عدي لجرير أحاديث أخر، عن قتادة، عن أنس، ذكر أنه لا يتابع عليها. وحديثه عن أيوب السختياني، قال أحمد: جرير بن حازم يروي عن أيوب عجائب. وحديثه عن يحيى بن سعيد الأنصاري، قال مسلم في كتاب التمييز: لم يمعن في الرواية عنه، إنما روى من حديث نزراً يسيراً، لا يكاد يأتي بها على التقويم والاستقامة. وأنكر حديثه عن يحيى عن عمرة عن عائشة "أن النبي ـ A ـ أمرها بالقضاء لما أفطرت في صيام التطوع". وكذلك أنكره الإمام أحمد والنسائي وغيرهما. وقد ذكرنا هذا الحديث في كتاب الصيام. وروى جرير بن حازم، عن ثابت، عن أنس حديث: "إذا أقيمت

محمد بن عجلان

الصلاة فلا تقوموا حتى تروني" فبلغ ذلك حماد بن زيد فأنكره، وقال: إنما سمعه من حجاج الصواف عن يحيى بن أبي كثير، عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه في مجلس ثابت، فظن أنه سمعه من ثابت. "محمد بن عجلان" ومنهم محمد بن عجلان، في رواياته عن سعيد المقبري، وقد سبق حكايتها من قبل.

عاصم بن بهدلة

"عاصم بن بهدلة" ومنهم عاصم بن بهدلة، وهو عاصم بن أبي النجود الكوفي، القارىء، كان حفظه سيئاً، وحديثه ـ خاصة ـ عن زر، وأبي وائل، مضطرب. كان يحدث بالحديث تارة عن زر، وتارة عن أبي وائل. قال حنبل بن إسحاق: (ثنا) مسدد، (ثنا) أبو زيد الواسطي، عن حماد بن سلمة، قال: كان عاصم يحدثنا بالحديث الغداة عن زر، وبالعشي عن أبي وائل. قال العجلي: عاصم ثقة في الحديث، لكن يختلف عليه في حديث زر وأبي وائل. هشام بن حسان" ومنهم هشام بن حسان. قال يعقوب بن شيبة: وهو يعد في أصحاب ابن سيرين، ومن العلماء به وليس يعد من المتثبتين في غير ابن سيرين. "سليمان التيمي" ومنهم سليمان التيمي: أحد أعيان الأئمة البصريين. قال أبو بكر الأثرم في كتاب الناسخ والمنسوخ: كان التيمي من الثقات، ولكن كان لا يقوم بحديث قتادة. وقال أيضاً: لم يكن التيمي من الحفاظ، من أصحاب قتادة. وذكر له أحاديث وهم فيها عن قتادة. منها حديثه عن قتادة، عن يونس بن جبير، عن حطان، عن

أبي موسى عن النبي ـ A ـ "إنما جعل الإمام ليؤتم به". قال فيه: "وإذا قرأ فانصتوا". ولم يذكر هذه اللفظة أحد من أصحاب قتادة (الحفاظ) . ومنها: إنه روى عن قتادة، عن أنس، عن النبي ـ A ـ أوصى عند موته بالصلاة وما ملكت أيمانكم. وإنما رواه قتادة عن أبي الخليل عن سفينة عن النبي ـ A ـ. قال: وهذا خطأ فاحش. ومنها أنه روى عن قتادة عن يونس بن جبير، عن رجل من أصحاب النبي ـ A ـ "أنه ـ A ـ صعد أحداً ومعه أبو بكر وعمر وعثمان فاهتز الجبل ... الحديث". وإنما رواه عن قتادة عن أنس. ومنها أنه روى عن قتادة "أن أبا رافع حدثه". ولم يسمع قتادة من أبي رافع شيئاً.

جعفر بن برقان

وقد ذكر الأثرم في العلل أنه عرض هذا الكلام كله على أحمد، قال: فقال أحمد: هذا اضطراب، هكذا حفظت. وحديث سليمان التيمي في الأنصات "إذا قرأ الإمام" خرجه مسلم في صحيحه، وقد أنكر هذه الزيادة غير واحد من الحفاظ، كما ذكرناه في موضعه من كتاب الصلاة. وحديث سليمان عن قتادة، "أن أبا رافع حدثه" قد خرجه البخاري في صحيحه، وهو في حديث "إن الله كتب كتاباً فهو عنده أن رحمتي سبقت غضبي". وكان شعبة ينكر سماع قتادة من أبي رافع. وقال أحمد: لم يسمع قتادة من أبي رافع، نقله عنه الأثرم. "جعفر بن برقان" ومنهم جعفر بن برقان، الجزري، ثقة، مشهور، لكن حديثه عن الزهري خاصة مضطرب.

قال عبد الله بن أحمد: سألت أبي عن جعفر بن برقان قال: إذا حدث عن غير الزهري فلا بأس به. ثم قال: في حديث الزهري يخطىء. وقال الميموني عن أحمد: جعفر بن برقان ضابط لحديث ميمون، وحديث يزيد بن الأصم، وهو في حديث الزهري يضطرب ويختلف فيه. وقال ابن معين: هو ضعيف في الزهري. وقال يحيى مرة: ليس هو في حديث الزهري بشيء. ونقل إبراهيم بن الجنيد عن ابن معين، قال: جعفر بن برقان، ثقة، فيما يروي عن غير الزهري. وأما ما روى عن الزهري، فهو فيه ضعيف، وكان أمياً لا يكتب، وليس هو مستقيم الحديث عن الزهري، وهو في غير الزهري أصح حديثاً. وقال يعقوب بن شيبة: قلت لابن معين: أما روايته عن الزهري فليست مستقيمة؟. قال: نعم. وقال ابن نمير: هو ثقة، أحاديثه عن الزهري مضطربة. قال البرقاني: سألت الدارقطني وأبو الحسين بن المظفر حاضر، عن جعفر بن برقان، قال: فقالا جميعاً: قال أحمد بن حنبل: يؤخذ من حديثه ما كان عن غير الزهري، فأما عنه فلا. قلت: لقد لقيه، فما بلاؤه؟ قال: ربما حدث الثقة عن ابن برقان عن الزهري، ويحدثه الآخر عن ابن برقان، عن رجل، عن الزهري، أو يقول: بلغني عن الزهري. قال: فأما حديثه عن ميمون بن مهران، ويزيد بن الأصم فثابت صحيح.

وقال ابن عدي: هو ضعيف في الزهري خاصة، وكان أمياً، ويقيم روايته عن غير الزهري. ويثبتونه في ميمون بن مهران وغيره، وكذا قال العقيلي: هو ضعيف في روايته عن الزهري، وذكر له حديثه عن الزهري، عن سالم، عن أبيه، عن النبي ـ A ـ "أنه نهى عن لبستين وبيعتين ونكاحين وعن مطعمين"، وذكر "الجلوس على مائدة يشرب عليها الخمر"، "وأن يأكل الرجل وهو منبطح على وجهه"، وقال: لا يتابع عليه من حديث الزهري.

معقل بن عبيد الله الجزري

وأما الكلام فيروى من غير حديث الزهري بأسانيد صالحة، ما خلا الجلوس على مائدة يشرب عليها الخمر، فالرواية فيها لين. وقال مسلم في كتاب التمييز: جعفر بن برقان، أعلم الناس بميمون أبن مهران، ويزيد بن الأصم. فأما روايته عن غيرهما، كالزهري، وعمرو بن دينار، وسائر الرجال فهو فيها ضعيف الركن، ردىء الضبط في الرواية عنهم. قلت: لا يبعد أن يكون حديثه عن أهل الجزيرة ـ خاصة ـ محفوظاً ـ بخلاف حديثه عن غيرهم، وتحقيق ذلك يحتاج إلى سبر أحاديثه عن غير الجزريين كعكرمة ونافع. "معقل بن عبيد الله الجزري" ومنهم معقل بن عبيد الله الجزري، ثقة، كان أحمد يضعف حديثه عن أبي الزبير خاصة ويقول: يشبه حديثه حديث ابن لهيعة. ومن أراد حقيقة الوقوف على ذلك فلينظر إلى أحاديثه عن أبي الزبير، فإنه يجدها عند ابن لهيعة يرويها عن أبي الزبير كما يرويها معقل سواء.

المغيرة بن مسلم

ومما أنكر على (معقل) بهذا الإسناد حديث "الذي توضأ وترك لمعة لم يصبها الماء". وحديث "النهي عن ثمن السنور" وقد خرجهما مسلم في صحيحه (وكذلك حديث "لا يقيمن أحدكم أخاه يوم الجمعة ثم يخالف إلى مقعده". المغيرة بن مسلم ومنهم المغيرة بن مسلم. أحاديثه عن أبي الزبير خاصة مستنكرة. قال إبراهيم بن الجنيد عن يحيى بن معين وسئل عن المغيرة بن مسلم فقال: ما أنكر حديثه عن أبي الزبير. وقال النسائي في كتابه: عنده عن أبي الزبير غير حديث منكر.

عكرمة بن عمار

وخرج حديثه عن أبي الزبير عن جابر مرفوعاً: "إذا استهل الصبي ورث، وصلي عليه". وخرجه من طريق ابن جريج عن أبي الزبير موقوفاً، وقال: وهو أصح. وقد ذكرنا له حديثاً آخر في كتاب الأطعمة "في النهي عن بيع الجلالة" بهذا الإسناد، وهو ـ أيضاً ـ منكر. وقد روي من وجه آخر عن الزبير مرسلاً، وهو أصح. "عكرمة بن عمار" ومنهم عكرمة بن عمار اليمامي: وهو ثقة، لكن حديثه عن يحيى بن أبي كثير خاصة مضطرب لم يكن عنده في كتاب. قاله يحيى القطان وأحمد والبخاري وغيرهم. وحديثه عن إياس بن سلمة بن الأكوع متقن، قاله أحمد. وقال في رواية حرب: هو في غير يحيى ثبت. وقد أنكر عليه حديثه عن يحيى عن أبي سلمة عن عائشة في "استفتاح

سماك بن حرب

النبي ـ A ـ الصلاة بالليل"، وقد خرجه مسلم في صحيحه وخرجه الترمذي في الدعاء. وذكرنا هناك كلام الأئمة بألفاظهم في رواية عكرمة عن يحيى، وأنكر عليه أيضاً حديثه بهذا الإسناد: "لا يقبل الله صلاة بغير طهور". وقد ذكرناه في أول الكتاب. وقال أحمد في رواية ابنه عبد الله: هو مضطرب عن غير إياس بن سلمة وكأن حديثه عن إياس بن سلمة صالح. "سماك بن حرب" ومنهم سماك بن حرب. وقد وثقه جماعة، وخرج حديثه مسلم.

ومن الحفاظ من ضعف حديثه عن عكرمة خاصة، وقال: يسند عنه عن ابن عباس ما يرسله غيره. وقال ابن المديني: رواية سماك عن عكرمة مضطربة، سفيان وشعبة يجعلونها عن عكرمة، وغيرهما يقول عن ابن عباس، إسرائيل، وأبو الأحوص. ومنهم من ضعف حديثه في آخر عمره، وقال: كان يلقن حينئذ، وقد ذكرنا ذلك كله مستوفى في أول الكتاب. "عمرو بن أبي عمرو" ومنهم عمرو بن أبي عمرو المدني، مولى المطلب بن حنطب. وهو ثقة، متفق على تخريج حديثه. مع أنه تكلم فيه ابن معين، وقال: روى عنه مالك، وكان يستضعفه.

داود بن الحصين

وقال البخاري: هو صدوق، لكن روى عن عكرمة مناكير، ولم يذكر في شيء منها أنه سمع عكرمة. نقله عنه الترمذي في كتاب العلل. ولم يخرج له في الصحيح شيء عن عكرمة، وقد روى عنه حديث: "من وقع على بهيمة فاقتلوه". وقال أحمد: كل أحاديثه عن عكرمة مضطربة، لكنه نسب الاضطراب إلى عكرمة لا إلى عمرو. "داود بن الحصين" (ومنهم داود بن الحصين. روى عنه مالك، وخرجا حديثه في الصحيحين، وتكلم فيه طائفة. وقال ابن المديني ما روي عن عكرمة فمنكر. وهذا يقتضي اختصاص نكارة حديثه بما رواه عن عكرمة) .

الأوزاعي

"الأوزاعي" ومنهم الأوزاعي إمام أهل الشام. تكلم طائفة في حديثه عن الزهري خاصة. وقد ذكرنا ذلك في ذكر أصحاب الزهري. وتكلم الإمام أحمد في حديثه عن يحيى بن أبي كثير، خاصة، وقال: لم يكن يحفظه جيداً فيخطىء فيه. وكان يروي عن يحيى، عن أبي قلابة، عن أبي المهاجر، وإنما هو أبو المهلب. وذكر له حديث الأوزاعي عن يحيى عن أبي سلمة عن أبي هريرة "أن النبي ـ A ـ سئل متى كنت نبياً" فأنكره، وقال: هذا من خطأ الأوزاعي. وقد ذكرنا ذلك في أول كتاب المناقب. وقال مهنا: سألت أحمد عن حديث الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير قال أحمد: كان كتاب الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير قد ضاع منه، فكان يحدث عن يحيى بن أبي كثير حفظاً.

الأعمش وشعبة وسفيان

"الأعمش وشعبة وسفيان" ومنهم الأعمش، سليمان بن مهران، حافظ أهل الكوفة. وشعبة بن الحجاج، حافظ أهل البصرة. وسفيان بن عيينة، محدث الحجاز بعد (مالك) . حكى ابن البراء في "كتاب العلل" عن علي بن المديني، قال: الأعمش كثير الوهم في أحاديث هؤلاء الصغار، مثل الحكم، وسلمة بن كهيل، وحبيب بن أبي ثابت، وأبي إسحاق، وما أشبههم. وقال ابن المديني: الأعمش يضطرب في حديث أبي إسحاق. قال يعقوب بن شيبة عن علي بن المديني: حديث الأعمش عن الصغار كأبي إسحاق، وحبيب، وسلمة ليس بذلك. عن ابن المديني عن يحيى بن سعيد قال: كان سفيان الثوري يحفظ عن الصغار والكبار، يعني أن الأعمش ليس كذلك. قال يحيى: كان شعبة إذا جاء حديث الصغار لم يحفظ. قال علي: وكان سفيان بن عيينة ـ أيضاً ـ حديثه عن الصغار ليس بذاك.

منصور بن المعتمر

قال يعقوب بن شيبة: الحكم بن عتيبة هو من صغار شيوخ الأعمش، وليس هو من صغار شيوخ شعبة. "منصور بن المعتمر" ومنهم منصور بن المعتمر، هو من أثبت الناس في مجاهد، كما سبق. قال أحمد، في رواية ابنه صالح: منصور إذا نزل إلى المشايخ اضطرب إلى أبي إسحاق، والحكم، وحبيب بن أبي ثابت وسلمة بن كهيل، روى حديث أم سلمة في الوتر، خالف فيه، وحديث ابن أبزى خالف فيه. "حماد بن زيد" ومنهم حماد بن زيد، كان يخلط في حديث يحيى بن سعيد، وكان عنده كتاب عنه، لم يكن عنده كتاب غيره، قاله يحيى بن معين، وقد سبق ذكر كلامه. "حبيب بن أبي ثابت" ومنهم حبيب بن أبي ثابت. عالم كبير، ثقة، متفق على حديثه، أحاديثه عن عطاء خاصة، ليست محفوظه، قال أبو بكر بن خلاد، سمعت يحيى بن سعيد يقول حبيب بن أبي ثابت عن عطاء ليست محفوظة. سمعته يقول: إن كانت محفوظة فقد نزل عنها، يعني عطاء.

وحديث حبيب عن عروة ـ أيضاً ـ قال أحمد ويحيى: هو منكر، وله عنه حديثان: أحدهما: أن النبي ـ A ـ كان يقبل، ثم يصلي، ولا يتوضأ. والآخر: "في المستحاضة تصلي وإن قطر الدم على الحصير". وقد سبق الكلام عليهما مستوفى في كتاب الطهارة. وله حديث آخر عن عروة "في الدعاء"، سبق أيضاً في كتاب الدعاء وقد اختلف في سماعه له من عروة. ومن أحاديثه عن عطاء عن عائشة، أنها سرق لها شيء، فجعلت تدعو

عبد الكريم بن مالك الجزري

عليه، فقال لها رسول الله ـ A ـ: "لا تسبخي عنه". قال العقيلي: له عن عطاء غير حديث لا يتابع عليه. وهذا الحديث المشار إليه خرجه الترمذي في أواخر الأدعية، وسبق الكلام عليه هناك. ولم يخرج له في الصحيح شيء عن عطاء بن أبي رباح. ومما يستغرب أن حبيب بن أبي ثابت يروي عن عطاء، ويروي عطاء عنه. "عبد الكريم بن مالك الجزري" ومنهم عبد الكريم بن مالك الجزري. ثقة كبير، روى عنه مالك وغيره. ولكن أحاديثه عن عطاء تكلم فيها. قال ابن معين: أحاديثه عن عطاء رديئة. ومما أنكر من حديثه عن عطاء عن عائشة "أن النبي ـ A ـ

معمر بن راشد

كان يقبل ثم يخرج إلى الصلاة، ولا يتوضأ". وحديثه عن عطاء، عن جابر، "كنا نأكل لحوم الخيل على عهد رسول الله ـ A ـ". "معمر بن راشد" ومنهم معمر بن راشد. وضعف حديثه عن ثابت خاصة. وقد تقدم ذكر ذلك عن علي ابن المديني وغيره. وكذا قال ابن معين: حديث معمر عن ثابت ضعيف. ومما أنكر عليه أنه حدث عن ثابت، عن أنس، عن النبي ـ A ـ بحديث قصة جليبيب، وأخطأ في إسناده، إنما رواه ثابت، عن كنانة بن نعيم عن أبي برزة، عن النبي ـ A ـ وكذا رواه حماد بن سلمة عن ثابت.

مطر بن طهمان الوراق

"مطر بن طهمان الوراق" ومنهم مطر بن طهمان الوراق البصري. ضعفه أحمد ويحيى في عطاء، خاصة. قال أحمد: هو مضطرب الحديث عن عطاء. "أبو معشر" ومنهم أبو معشر نجيح السندي. قال مضر بن محمد، عن يحيى بن معين، يكتب حديثه، مما روى عن محمد بن قيس، وعن محمد بن كعب القرظي، وعن مشايخه. وأما ما روى عن المقبري، وعن نافع، وهشام فهو فيه ضعيف فلا يكتب. قال يزيد بن الهيثم عن يحيى بن معين: اكتبوا عن أبي معشر حديث محمد بن كعب في التفسير، وأما أحاديث نافع وغيرها فليس بشيء، التفسير حسن يعني ما يرويه عن محمد بن كعب القرظي في تفسير القرآن، وغالبه أو جميعه من كلامه غير مرفوع. ونظير هذا قول سعيد بن عبد العزيز الدمشقي في سعيد بن بشير: كان غالب (علمه) التفسير. خذ عنه التفسير ودع ما سوى ذلك، فإنه كان حاطب ليل، خرجه العقيلي.

وعكس هذا ما قاله الإمام أحمد في إسماعيل بن عبد الرحمن السدي الكوفي صاحب التفسير، قال: هو حسن الحديث وحديثه مقارب، إلا أن هذا التفسير الذي يجيء به أسباط عنه، فجعل يستعظمه ويقول: من أين قد جعل له أسانيد؟ ما أدري ما ذاك. وقال أحمد في رواية ابنه عبد الله في إسماعيل بن مسلم المكي: ما روى عن الحسن في القراءات، فأما إذا جاء المسند يسند عن الحسن عن سمرة أحاديث مناكير، وعن عمرو بن دينار، يسند عنه مناكير. ونقل البرذعي، عن أبي زرعة، قال: عبد الجبار بن عمر واهي الحديث وأما مسائله فلا بأس قال البرذعي: كأنه يقول حديثه واه ومسائله مستقيمة، يعني ما روي من المسائل عن ربيعة وغيره. ومنهم عمر بن إبراهيم البصري مختلف فيه. وقال ابن عدي: له عن قتادة خاصة مناكير. وهو راوي حديث العباس بن عبد المطلب في وقت المغرب. وقد استنكره الإمام أحمد وسبق الكلام عليه في كتاب الصلاة مستوفى.

ومنهم يزيد بن إبراهيم (التستري) ، البصري. ثقة متفق على حديثه. قال ابن عدي: أحاديثه مستقيمة إنما أنكرت عليه أحاديث رواها عن قتادة عن أنس، وذكر عن علي بن المديني: سمعت يحيى بن سعيد يقول: يزيد بن إبراهيم عن قتادة ليس بذاك. ومنهم عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد. قال ابن عدي، هو ثبت في ابن جريج خاصة، يعني أنه في غيره ليس بذاك. وقد ضعفه بعضهم مطلقاً. ومنهم هشام بن سليمان المخزومي. قال العقيلي: في حديثه عن غير ابن جريج وهم. ثم خرج له حديثاً من حديثه عن الثوري عن سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة مرفوعاً: من حج البيت أو اعتمر فلم يرفث ولم يفسق كان كما ولدته أمه. قال: ورواه الناس عن الثوري وغيره، عن منصور، عن أبي حازم عن أبي هريرة، عن النبي ـ A ـ وهو الصواب. ومنهم ورقاء بن عمر اليشكري: ثقة مشهور. قال العقيلي: تكلموا فيه في حديثه عن منصور، ثم ذكر من

أصحاب الزهري الذين ضعفوا فيه.

طريق عباس عن ابن معين، قال: سمعت معاذ بن معاذ يقول ليحيى ابن سعيد: سمعت حديث منصور. فقال يحيى: ممن سمعت حديث منصور؟، قال: من ورقاء. قال: لا يساوي شيئاً. أصحاب الزهري الذين ضعفوا فيه. ومنهم جماعة من أصحاب الزهري ضعفوا في الزهري خاصة. منهم سفيان بن (حسين) : قال ابن معين: هو عن غير الزهري أثبت منه عن الزهري، إنما سمع من الزهري بالموسم، يعني لم يصحبه، ولم يجتمع به غير أيام الموسم. وقال يحيى أيضاً فيه: ليس به بأس. هو صالح. حديثه عن الزهري فقط ليس بذاك. ومنهم عبد الرزاق بن عمر الدمشقي. قال أبو مسهر: ذهب سماعه من الزهري، فيترك حديثه عن الزهري، ويؤخذ عنه ما سواه. وقال سعيد البرذعي: أحاديثه عن غير الزهري أشبه، ليس فيها تلك المناكير. إنما المناكير في حديثه عن الزهري. قال: وتتبعت أحاديثه، فوجدت حديثه عن إسماعيل بن عبيد الله مستقيماً.

أصحاب عبيد الله بن عمر العمري الذين ضعفوا فيه

ومنهم إسحاق بن راشد الجزري: قال ابن معين: ليس هو في الزهري بذاك. قيل له: ففي غير الزهري؟ قال: ليس به بأس. وقال ابن معين: ابن أبي ذئب ثقة، وكانوا يقولون، حديثه عن الزهري فيه شيء. وقال ـ أيضاً ـ: حديثه عن الزهري ضعيف. يضعفونه في الزهري. "أصحاب عبيد الله بن عمر العمري الذين ضعفوا فيه" ومنهم جماعة من أصحاب عبيد الله بن عمر العمري، ضعف حديثهم عنه ـ خاصة ـ. فمنهم: عبد الرزاق بن همام. قال ابن أبي مريم: قيل ليحيى بن معين: إن عبد الرزاق كان يحدث بأحاديث عبيد الله بن عمر، عن عبد الله بن عمر، ثم حدث بها عن (عبيد الله) ، فقال يحيى: لم يزل عبد الرزاق يحدث بها عن عبيد الله، ولكنها كانت منكرة. يعني أحاديثه عن عبيد الله بن عمر. ومما أنكر من حديثه عن عبيد الله بن عمر: أنه حدث عنه عن نافع عن ابن عمر "أن النبي ـ A ـ وأبا بكر وعمر كانوا ينزلون الأبطح يعني المحصب".

وخالفه خالد بن الحارث، قال: سئل عبيد الله بن عمر عن المحصب والنزول به، فحدثنا عبيد الله عن نافع. قال: نزل بها رسول الله ـ A ـ وعمر وعبد الله بن عمر. فخالف عبد الرزاق، ولم يصله بل أرسله. وقد اختلف على عبد الرزاق في لفظ الحديث ـ أيضاً ـ. فمنهم من روى عنه "أن النبي ـ A ـ وأبا بكر وعمر لم يكونوا ينزلون الأبطح" فخالف في المتن ـ أيضاً ـ وقد ذكرناه في كتال الحج. وقد خرج مسلم والترمذي حديث عبد الرزاق هذا، وخرج البخاري حديث خالد بن الحارث المرسل. ومنهم عبد العزيز بن محمد الدراوردي: قال أحمد: أحاديثه عن عبيد الله بن عمر تشبه أحاديث عبد الله بن عمر. قال أبو حاتم الرازي: ظهر مصداق قول أحمد في حديث الدراوردي عن

عبيد الله عن نافع عن ابن عمر، "من أتى عرافاً فصدقه بما يقول، لم تقبل له صلاة أربعين ليلة". قال: والناس يروونه، عن عبد الله العمري، عن نافع عن ابن عمر، وليس يشبه هذا حديث عبيد الله. ورواه الدراوردي عن أبي بكر بن نافع عن أبيه عن صفية بنت أبي عبيد عن عمر عن النبي ـ A ـ ثم قال: وعن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر مثله. قلت: والصحيح أن عبيد الله بن عمر إنما رواه عن نافع، عن صفية بنت أبي عبيد، عن بعض أزواج النبي ـ A ـ وهذا أصح من حديث أبي بكر بن نافع، قاله ابن المديني. وقد خرجه مسلم في صحيحه من طريق يحيى القطان عن عبيد الله، كما ذكرناه. وقال النسائي: الدراوردي ليس به بأس، حديثه عن عبيد الله بن عمر منكر. ومنهم قبيصة بن عقبة: قال ابن أبي خيثمة عن يحيى بن معين: هو ثقة إلا في حديث سفيان الثوري ليس بذاك القوي.

وقال يعقوب بن شيبة: كان ثقة صدوقاً فاضلاً تكلموا في روايته عن سفيان خاصة، كان ابن معين يضعف روايته عن سفيان. ومنهم يعلى بن عبيد: قال ابن معين:) كان كثير الخطأ عن سفيان الثوري. ومنهم أبو معاوية الضرير محمد بن خازم: قال أحمد: هو في حديث الأعمش أثبت منه في غيره. وقال ـ أيضاً ـ: هو يضطرب في أحاديث عبيد الله يعني ابن عمر. وقال ـ أيضاً ـ: هو في غير حديث الأعمش مضطرب، لا يحفظها حفظاً جيداً. وقال ابن نمير: كان أبو معاوية (يضطرب) فيما كان عن غير الأعمش. وقال عثمان ابن أبي شيبة: أبو معاوية حجة في حديث الأعمش، وفي غيره لا. وذكر يعقوب بن شيبة عن ابن المديني، قال: أبو معاوية حسن الحديث عن الأعمش حافظ له، وكان غير حديث الأعمش، تقرأ عليه الكتب يعني أنه كان لا يحفظ. وقد سبق الكلام في الأعمى إذا قرىء عليه حديثه من كتاب وهو لا يحفظه. ومنهم محمد بن كثير الصنعاني: حديثه عن معمر منكر قاله الإمام أحمد وغيره. قال أحمد: سمع من معمر، ثم أرسل إلى اليمن (أخذ) كتبه فحدث

ذكر من ضعف حديثه إذا جمع الشيوخ دون ما إذا أفردهم.

منها، وقد وصل حديثاً عن معمر لم يصله غيره. ذكرناه في تفسير سورة سبحان من التفسير. ومنهم زيد بن الحباب العكلي: ثقة مشهور. قال ابن معين: أحاديثه عن الثوري مقلوبة. وقال أحمد: هو كثير الخطأ ما نفذ في الحديث إلا بصلاحه. ومنهم سلمة الأحمر: قال أحمد في رواية حنبل: يحدث عن أبي إسحاق أحاديث صحاحاً، إلا أنه عن حماد يعني ابن أبي سليمان مختلط الحديث، حدث عن حماد بأحاديث مضطربة. ومنهم يونس بن أبي إسحاق: ففي تاريخ الغلابي: كان يونس بن أبي إسحاق مستوي الحديث في غير أبي إسحاق، مضطرب في حديث أبيه. ذكر من ضعف حديثه إذا جمع الشيوخ دون ما إذا أفردهم. قد تقدم عن شعبة أنه قال لابن علية: إذا حدثك عطاء بن السائب عن رجل واحد فهو ثقة، وإذا جمع فقال: زاذان وميسرة وأبو البختري فاتقة، كان الشيخ قد تغير. وقد ذكره يعقوب بن شيبة بهذا اللفظ، وقال: أحسب علي بن طبراخ حدثني بهذا، عن ابن علية، أو بعضه.

وكذلك قال الدارقطني في ليث بن أبي سليم: إنما أنكروا عليه الجمع بين عطاء وطاوس ومجاهد. (ونقله عن البرقاني، وهذا أصله من قول شعبة لليث بن أبي سليم: أين اجتمع لك هؤلاء الثلاثة عطاء وطاوس ومجاهد) ؟. قال أبو نعيم: قال شعبة لليث: كيف سألت عطاء وطاوساً ومجاهداً كلهم في مجلس واحد؟. قال ابن أبي حاتم: يعني كالمنكر عليه اجتماعهم. قال يعقوب بن شيبة: يقال إن ليثاً كان يسأل عطاء وطاوساً ومجاهداً عن الشيء فيختلفون فيه، فيحكي عنهم في ذلك الاتفاق من غير تعمد له. قال: وقد طعن بمثل هذا على جابر الجعفي، كان يجمع الجماعة في المسألة الواحدة وربما سأل بعضهم. وأما يحيى فضعف ليثاً، وقال: إذا جمع بين الشيوخ ازداد ضعفاً. قال الميموني: سمعت يحيى ذكر ليث بن أبي سليم، فقال: هو ضعيف الحديث عن طاوس، فإذا جمع بين طاوس وغيره فزيادة. هو ضعيف. وكذلك ذكر بعضهم في ابن إسحاق. قال أحمد في رواية المروذي: ابن إسحاق حسن الحديث، لكن إذا جمع بين رجلين، قلت: كيف؟ قال: يحدث عن الزهري وآخر، يحمل حديث هذا على هذا.

وكذلك قيل في حماد بن سلمة: قال أحمد في رواية الأثرم، في حديث حماد بن سلمة عن أيوب وقتادة عن أبي اسماء، عن أبي ثعلبة الخشني، عن النبي ـ A ـ في آنية المشركين". قال أحمد: هذا من قبل حماد، كان لا يقوم على مثل هذا يجمع الرجال، ثم يجعله إسناداً واحداً، وهم يختلفون. وقال أبو يعلى الخليلي، في كتابه الإرشاد: ذاكرت بعض الحفاظ قلت: لم لم يدخل البخاري حماد بن سلمة في الصحيح؟ قال: لأنه يجمع بين جماعة من أصحاب أنس يقول: (ثنا) قتادة وثابت وعبد العزيز بن صهيب. عن أنس وربما يخالف في بعض ذلك. فقلت: (أليس) ابن وهب اتفقوا عليه، وهو يجمع بين أسانيد فيقول: (أنا) مالك وعمرو بن الحارث والأوزاعي، ويجمع بين جماعة غيرهم؟ فقال: ابن وهب أتقن لما يرويه وأحفظ.

ومعنى هذا أن الرجل إذا جمع بين حديث جماعة، وساق الحديث سياقه واحدة فالظاهر أن لفظهم لم يتفق فلا يقبل هذا الجمع إلا من حافظ متقن لحديثه، يعرف اتفاق شيوخه واختلافهم كما كان الزهري يجمع بين شيوخ له في حديث الإفك، وغيره. وكان الجمع بين الشيوخ ينكر على الواقدي وغيره ممن لا يضبط هذا، كما أنكر على ابن إسحاق وغيره. وقد أنكر شعبة أيضاً على عوف الأعرابي. قال ابن المديني: سمعت يحيى، قال: قال لي شعبة في أحاديث عوف، عن خلاس.، عن أبي هريرة ومحمد عن أبي هريرة إذا جمعهم قال لي شعبة: ترى لفظهم واحداً. قال ابن أبي حاتم: أي كالمنكر على عوف. وكذلك أنكر يحيى بن معين على عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر العمري أنه كان يحدث عن أبيه وعمه. ويقول: مثلاً بمثل سواء بسواء، واستدل بذلك على ضعفه، وعدم ضبطه. وقد ذكر يعقوب بن شيبة أن ابن عيينة كان ربما يحدث بحديث واحد عن اثنين ويسوقه سياقة واحد منهما. فإذا أفرد الحديث عن الآخر أرسله أو أوقفه.

ذكر من حدث عن ضعيف وسماه باسم ثقة

ومن هؤلاء من كان يجمع (بين) المشايخ لاختلاطه، وهو لا يشعر كما قيل عن عطاء بن السائب إنه كان يأتي بذلك على وجه التوهم. وكذلك قيل في أبي بكر بن أبي مريم، قال أحمد عن إسحاق بن راهويه، عن عيسى بن يونس: لو أردت أبا بكر بن أبي مريم يجمع لي فلاناً وفلاناً وفلاناً لفعل، يعني يقول: عن راشد بن سعد، وضمرة بن حبيب، وحبيب بن عبيد. ذكر من حدث عن ضعيف وسماه باسم ثقة رواية أبي أسامة عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر الدمشقي. قال محمد بن عبد الله بن نمير: ليس هو بابن جابر المعروف، إنما هو رجل يسمى بابن جابر كتب عنه أبو أسامة هذه الأحاديث. قال ألا ترى روايته لا تشبه شيئاً من حديثه الصحاح الذي يروي عنه أهل الشام، وأصحابه الثقات؟ وكأن ابن نمير يشير إلى أن أبا أسامة علم ذلك، وتغافل عنه، فكان يوهن أبا أسامة ويتعجب ممن يحدث عنه. نقله يعقوب الفسوي عن ابن نمير.

ومما روي عن أبي أسامة، عن ابن جابر، عن إسماعيل بن عبيد الله عن أبي صالح الأشعري، عن أبي هريرة، حديث "الحمى حظ المؤمن من النار". ورواه من الشاميين أبو المغيرة عن ابن تميم عن إسماعيل بهذا الإسناد فقوي بذلك أن أبا أسامة إنما رواه عن ابن تميم. وقال أبو عبيد الأجري عن أبي داود: أبو أسامة روى عن عبد الرحمن بن يزيد بن تميم، وغلط في اسمه فقال: حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر. قال: وكلما جاء عن أبي أسامة (ثنا) عبد الرحمن بن يزيد فهو ابن تميم. وكذلك روى حسين الجعفي عن ابن جابر عن أبي الأشعث عن أوس بن أوس عن النبي ـ A ـ. "أكثروا علي من الصلاة يوم الجمعة ـ الحديث" فقالت طائفة:

زهير بن معاوية

هو حديث منكر، وحسين الجعفي سمع من عبد الرحمن بن يزيد بن تميم الشامي، وروى عنه أحاديث منكرة فغلط في نسبته. وممن ذكر ذلك البخاري وأبو زرعة وأبو حاتم وأبو داود وابن حبان وغيرهم. وأنكر ذلك آخرون، وقالوا: الذي سمع منه حسين هو ابن جابر. قال العجلي: سمع من ابن جابر حديثين في الجمعة. وكذا أنكر الدارقطني على من قال: إن حسيناً سمع من ابن تميم وقال: إنما سمع من ابن جابر، قال: والذي سمع من ابن تميم هو أبو أسامة وغلط في اسم جده: فقال: ابن جابر، وهو ابن تميم. وقد ذكرنا هذا الحديث والكلام عليه في أول كتاب الجمعة. وقد استنكر البخاري روايات الكوفيين جملة عن ابن جابر. قال البخاري: أهل الكوفة يروون عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر أحاديث مناكير، وإنما أرادوا ـ عندي ـ عبد الرحمن بن يزيد بن تميم، وهو منكر الحديث. وهو بأحاديثه أشبه منه بأحاديث عبد الرحمن بن يزيد بن جابر. زهير بن معاوية روى عن واصل بن حبان، عن ابن بريدة، عن أبيه، عن النبي ـ A ـ عدة أحاديث: منها "حديث الكمأة"، وحديث "الحبة السوداء" وحديث "عرضت علي الجنة".

قال أحمد وأبو داود: انقلب على زهير اسم صالح بن حيان فقال: واصل بن حبان. يعني إنما يروي عن صالح بن حيان فسماه واصلاً. وقال ابن معين: سمع منهما معاً فجعلهما واحداً، وسماه واصل بن حبان. قال أبو حاتم: زهير مع اتقانه أخطأ في هذا، ولم يسمع من واصل بن حبان، ولم يدركه إنما سمع من صالح بن حيان.

أبو بلج الواسطي

وهذا يوافق قول أحمد وأبي داود ويخالف قول ابن معين، وقد ذكرنا حديثه في الحبة السدوداء، وحديثه الآخر في الكمأة في كتاب الطب، فعلى قول يحيى يتوقف في رواية زهير، عن واصل بن حبان، حتى يعرف الحديث عند غيره عن واصل. وأما على قول أحمد، ومن وافقه، فروايات زهير عن واصل ضعيفه ولا بد، لأنها عن صالح بن حيان من غير تردد، وصالح بن حيان القرشي فيه ضعف، وواصل بن حبان ثقة. وقد اشتبه على كثير من المتأخرين صالح بن حيان القرشي الكوفي الذي يروي عن ابن بريدة بصالح بن حيان والد الحسن، وعلي، فإنه يقال له، صالح بن حيان والمشهور في نسبه صالح بن حي الهمذاني الكوفي، وهو ثقة كبير. أبو بلج الواسطي يروي عن عمرو بن ميمون عن ابن عباس عن النبي ـ A ـ أحاديث منها حديث طويل "في فضل علي" أنكرها الإمام أحمد في رواية الأثرم، وقيل له: عمرو بن ميمون يروي عن ابن عباس؟ قال: ما أدري، ما أعلمه.

جرير بن عبد الحميد الضبي

وذكر عبد الغني بن سعيد المصري الحافظ أن أبا بلج أخطأ في اسم عمرو بن ميمون هذا، وليس هو بعمرو بن ميمون المشهور، إنما هو ميمون أبو عبد الله مولى عبد الرحمن بن سمرة، وهو ضعيف. وليس هذا ببعيد، والله أعلم. جرير بن عبد الحميد الضبي روى عن عاصم الأحول أحاديث. وكان قد اشتبه عليه حديث عاصم الأحول بحديث أشعث بن سوار فلم يفصل بينهما، فميزها له بهز، فحدث بها على قول بهز. قيل ليحيى بن معين: كيف تكتب هذه الأحاديث عن جرير إذا كانت هكذا؟ قال: ألا تراه قد بين لهم أمرها، كأنه يبين لهم، ثم يحدثهم بها. وقال أحمد: لم يكن جرير ذكياً في الحديث، ثم ذكر عنه هذه الحكاية بالمعنى. وروايات الشاميين عن زهير بن محمد: قال أحمد ينبغي أن يكون قلب اسمه أهل الشام، يعني سمواً رجلاً ضعيفاً زهير بن محمد، وليس بزهير بن محمد الخراساني. ونقل الترمذي في علله عن البخاري أنه قال: أنا أتقى هذا الشيخ، كأن حديثه موضوع، ليس هذا عندي ـ زهير بن محمد.

ذكر من روى عن ضعيف وسماه باسم يتوهم أنه اسم ثقة

ذكر من روى عن ضعيف وسماه باسم يتوهم أنه اسم ثقة منهم: عطية العوفي: قال عبد الله بن أحمد: سمعت أبي ذكر عطية العوفي، فقال: هو ضعيف الحديث، بلغني أن عطية يأتي الكلبي فيأخذ عنه التفسير، وكان يكنيه بأبي سعيد، فيقول: قال أبو سعيد، قال أبو سعيد. قال عبد الله: و (ثنا) أبي، (ثنا) أبو أحمد الزبيري، سمعت الثوري، قال: سمعت الكلبي قال: كناني عطية بأبي سعيد، ولكن الكلبي لا يعتمد على ما يرويه. وأن صحت هذه الحكاية عن عطية فإنما يقتضي التوقف فيما يحكيه عن أبي سعيد من التفسير خاصة. فأما الأحاديث المرفوعة التي يرويها عن أبي سعيد، فإنما يريد أبا سعيد الخدري، ويصرح في بعضها بنسبته. ومنهم: الوليد بن مسلم: كان كثير التدليس، وكان يروي عن الأوزاعي فيقول: (ثنا) : أبو عمرو ويروي عن عبد الرحمن بن يزيد بن تميم الدمشقي، وهو ضعيف جداً فيقول: (ثنا) أبو عمرو، وحكى ذلك ابن حبان وغيره.

ومنهم: بقية بن الوليد: وهو من أكثر الناس تدليساً وأكثر شيوخه الضعفاء مجهولون لا يعرفون، وكان ربما روى عن سعيد بن عبد الجبار الزبيدي أو عن زرعة (بن عمرو) الزبيدي، وكلاهما ضعيف الحديث، فيقول: (ثنا) الزبيدي فيظن أنه محمد بن الوليد الزبيدي، صاحب الزهري. وقد تقدم له عنه في كتاب الصيام في باب الكحل للصائم، حديث رواه عن الزبيدي وظنه بعضهم محمد بن الوليد فنسبه كذلك، وأخطأ، وإنما هو سعيد بن عبد الجبار. ومنهم: حسين بن واقد: يروي عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر، وعنده عن أيوب السختياني، وعن أيوب بن (خوط) . وأيوب بن خوط ضعيف جداً. فالمنكرات التي عنده عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر، إنما هي عن أيوب بن خوط، ذكره ابن حبان.

تدليس التسوية

"تدليس التسوية" وأما من روى عن ضعيف فأسقطه من الإسناد بالكلية فهو نوع تدليس. ومنه ما يسمى التسوية، وهو أن يروي عن شيخ له ثقة، عن رجل ضعيف، عن ثقة، فيسقط الضعيف من الوسط. وكان الوليد بن مسلم، وسنيد بن داود وغيرهما يفعلون ذلك. ذوكر أفراد الأحاديث التي فعل فيها ذلك يطول جداً، لكن نذكر بعض الأسانيد، التي كان رواتها يسقطون منها الضعيف غالباً: فمن ذلك رواية عبد الرزاق عن ابن جريج عن صفوان بن سليم: (قال أبو عثمان البرذعي: سمعت أبا مسعود، أحمد بن الفرات، يقول: رأيت عند عبد الرزاق، عن ابن جريج، عن صفوان بن سليم) ـ أحاديث حساناً، فسألته عنها، فقال: أي شيء تصنع بها؟ هي أحاديث إبراهيم بن أبي يحيى. قال أبو مسعود: فتركتها، ولم أسمعها. انتهى. ويقال: إن ابن جريج كان يدلس أحاديث صفوان، عن ابن أبي يحيى، وكذلك أحاديث ابن جريج، عن المطلب بن عبد الله بن حنطب. قال ابن المديني، لم يسمع منه، وإنما أخذ حديثه عنه عن ابن أبي يحيى. وقال ابن المديني ـ أيضاً ـ كل ما في كتاب ابن جريج أخبرت عن داود بن الحصين، وأخبرت عن صالح مولى التوأمة، فهو من كتب إبراهيم بن يحيى.

ومنها رواية عباد بن منصور، عن عكرمة، عن ابن عباس، وقد قيل إنها كلها مأخوذة عن ابن أبي يحيى عن داود بن الحصين عن عكرمة. وله حديث في اللعان عن عكرمة. قال أحمد: إنما رواه عن ابن أبي يحيى، وقد ذكرناه في أبواب اللعان، وله حديث آخر في الحجامة، وحديث في الاكتحال، وقد ذكرناهما ـ أيضاً ـ وقد سئل عنهما عباد فقال: حدثنيهما ابن أبي يحيى عن داود، عن عكرمة. ومنها: أحاديث متعددة يرويها الحسن بن ذكوان، عن حبيب بن

أبي ثابت عن عاصم بن ضمرة عن علي، يرويها عنه عبد الوارث بن سعيد إنما رواها الحسن بن ذكوان عن عمرو بن خالد الواسطي، وهو كذاب ـ متهم بالوضع عن حبيب، ثم أسقط عمراً من إسنادها. وكلها بواطيل قاله الإمام أحمد. وقال ابن المديني نحو ذلك. وقال ابن معين: بين الحسن وحبيب رجل غير ثقة، وقال أيضاً: لم يسمع الحسن من حبيب، إنما سمع حديثه من عمرو بن خالد عنه، وعمرو متروك. وقد ذكرنا من هذه الأحاديث أحاديث متعددة متفرقة في الكتاب وبينا علتها. وروى ابن جريج عن حبيب بن أبي ثابت، عن عاصم بن ضمرة، عن علي مرفوعاً، حديثاً في كشف الفخذ. قال أبو حاتم: لم يسمعه ابن جريج من حبيب، فأرى أن ابن جريج أخذه عن الحسن بن ذكوان، عن عمرو بن خالد، عن حبيب.

وقال ابن المديني: أحاديث حبيب عن عاصم بن ضمرة لا تصح إنما هي مأخوذة عن عمرو بن خالد الواسطي. ولكن ذكر يعقوب بن شيبة عن ابن المديني أنه قال في حديث ابن جريج هذا رأيته في كتب ابن جريج: أخبرني إسماعيل بن مسلم، عن حبيب. وحبيب، قال أبو حاتم: لا تثبت له رواية عن عاصم. وقد سبق ذكر حديث الفخذ في أبواب الأدب. ومنها: أحاديث يرويها عبد الرحمن بن زياد الافريقي، عن عتبة بن حميد، عن عبادة بن نسي، عن عبد الرحمن بن غنم عن معاذ عن النبي ـ A ـ قد قيل أنها كلها مأخوذة عن محمد بن سعيد، المصلوب في الزندقة المشهور بالكذب والوضع، وأنه أسقط اسمه من الإسناد بين عتبة وعبادة. ومن جملتها حديث المنديل بعد الوضوء، وقد سبق في كتاب الطهارة.

ذكر من سمع من ثقة مع ضعيف فأخذ حديثه وهو لا يشعر

ذكر من سمع من ثقة مع ضعيف فأخذ حديثه وهو لا يشعر منهم عثمان بن صالح المصري. قال البرذعي عن أبي زرعة: لم يكن عثمان عندي ممن يكذب، لكنه كان يكتب الحديث مع خالد بن نجيح فكان خالد إذا سمعوا من الشيخ أملى عليهم ما لم يسمعوا فبلوا به، وقد بلي به أبو صالح أيضاً يعني كاتب الليث في حديث زهير بن معبد عن سعيد بن المسيب عن جابر، ليس له أصل إنما هو من حديث خالد بن نجيح. قلت: وهذا الحديث قد ذكرناه في فضائل الصحابة وذكرنا قول أحمد فيه إنه موضوع. وكذا ذكر أبو زرعة وأبو حاتم في عبد الله بن صالح بن أبي صالح أن خالد بن نجيح كان (يدس) له في كتبه أحاديث.

ومنهم: يحيى بن بكير وغيره ممن سمع من مالك بعرض حبيب كاتبه. قال عباس وغيره: عن ابن معين: حبيب كان يقرأ على مالك وكان يخطرف للناس، ويصفح ورقتين وثلاثة. قال يحيى: سألوني عنه بمصر فقلت: ليس بشيء. قال: وكان يحيى بن بكير سمع بعرض حبيب، وهو شر العرض. قال الأثرم عن أحمد: كان مالك إذا حدث من حفظه كان أحسن مما يعرضون عليه، يقرأون عليه الخطأ، وهو شبه النائم. قال ابن حبان: امتحن أهل المدينة بحبيب بن أبي حبيب الوراق كان يدخل عليهم الحديث فمن سمع بقراءته عليهم فسماعه لا شيء انتهى. وممن كان يستملي استملاء سيئاً إبراهيم بن بشار الرمادي كان يملي على الناس ما يحدث به سفيان بن عيينة بزيادة وتغيير، قاله أحمد ويحيى، ولكن لا أعلم من كتب بإملائه.

تخريج المتكلم فيه في الصحيح

وقد روى قتيبة بن سعيد عن الليث بن سعد حديث الجمع بين الصلاتين في السفر. وهو غريب جداً فاستنكره الحفاظ ويقال: إنه سمعه مع خالد بن الهيثم فأدخله على الليث، وهو لا يشعر. كذا ذكره الحاكم في علوم الحديث، وقد سبق الكلام عليه مستوفى في كتاب الصلاة. "تخريج المتكلم فيه في الصحيح" تنبيه: اعلم أنه قد يخرج في الصحيح لبعض من تكلم فيه، إما متابعة واستشهاداً وذلك معلوم. وقد يخرج من حديث بعضهم ما هو معروف عن شيوخه من طرق أخرى، ولكن لم يكن وقع لصاحب الصحيح ذلك الحديث إلا من طريقه، إما مطلقاً أو بعلو، فإذا كان الحديث معروفاً عن الأعمش صحيحاً عنه، ولم يقع لصاحب الصحيح عنه بعلو، إلا من طريق بعض من تكلم فيه من أصحابه خرجه عنه. قال أبو عثمان سعيد بن عثمان البرذعي: شهدت أبا زرعة وأنكر على مسلم تخريجه لحديث أسباط بن نصر، وقطن بن نسير، وروايته عن أحمد بن عيسى المصري، في كتابه الصحيح، في حكاية طويلة ذكرها. قال: فلما رجعت إلى نيسابور، ذكرت ذلك لمسلم، فقال: إنما أدخلت

من حديث أسباط، وقطن بن نسير، واحمد ما قد رواه الثقات عن شيوخهم، إلا أنه ربما وقع إلي عنهم بارتفاع، ويكون عندي من رواية أوثق منهم بنزول، فاقتصر على أولئك، وأصل الحديث معروف من رواية الثقات انتهى. وهذا قسم آخر ممن خرج له في الصحيح على غير وجه المتابعة والاستشهاد، ودرجته تقصر عن درجة رجال الصحيح عند الإطلاق.

قواعد في العلل

"قواعد في العلل" ولنختم هذا الكتاب بكلمات مختصرات، من كلام الأئمة، النقاد، الحفاظ، الأثبات، وهي في هذا العلم كالقواعد الكليات، يدخل تحتها كثير من الجزئيات. والله الموفق للخير، والمعين عليه في كل الحالات. (1) قاعدة الصالحون غير العلماء يغلب على حديثهم الوهم والغلط، وقد قال أبو عبد الله بن مندة: إذا رأيت في حديث: "فلان الزاهد" فاغسل يدك منه. وقال يحيى بن سعيد: ما رأيت الصالحين أكذب منهم في الحديث. وقد ذكرنا ذلك مستوفى فيما تقدم. والحفاظ منهم قليل. فإذا جاء الحديث من جهة أحد منهم، فليتوقف فيه حتى يتبين أمره. (2) قاعدة الفقهاء المعتنون بالرأي حتى يغلب عليهم الاشتغال به لا يكادون يحفظون

الحديث كما ينبغي، ولا يقيمون أسانيده، ولا متونه، ويخطئون في حفظ الأسانيد كثيراً، ويروون المتون بالمعنى، ويخالفون الحفاظ في ألفاظه. وربما يأتون بألفاظ تشبه ألفاظ الفقهاء المتداولة بينهم، وقد اختصر شريك حديث رافع بن خديج في المزارعة، فأتى به بعبارة أخرى فقال: "من زرع في أرض (قوم) بغير إذنهم فليس له من الزرع شيء وله نفقته". وهذا يشبه كلام الفقهاء. وكذلك روى حديث أنس "أن النبي ـ A ـ كان يتوضأ برطلين من ماء". وهذا ما رواه بالمعنى الذي فهمه، فإن لفظ الحديث: أنه كان يتوضأ بالمد، والمد عند أهل الكوفة رطلان. وكذلك (سليمان) بن موسى الدمشقي، الفقيه، يروي الأحاديث بألفاظ مستغربة. وكذلك فقهاء الكوفة، ورأسهم حماد بن أبي سليمان، وأتباعه. وكذلك الحكم بن عتيبة، وعبد الله بن نافع الصائغ، صاحب مالك وغيرهم.

قال شعبة: كان حماد بن أبي سليمان لا يحفظ. قال ابن أبي حاتم: كان الغالب عليه الفقه، ولم يرزق حفظ الآثار. وقال شعبة ـ أيضاً ـ: كان حماد ومغيرة أحفظ من الحكم، يعني مع سوء حفظ حماد للآثار كان أحفظ من الحكم. وقال عثمان البتي: كان حماد إذا قال برأيه أصاب، وإذا قال: قال إبراهيم أخطأ. قال أبو حاتم الرازي: حماد صدوق، لا يحتج بحديثه، وهو مستقيم في الفقه، فإذا جاء الآثار شوش. وكان حماد إذا سئل عن شيء من الرأي سر به، فإذا سئل عن الرواية ثقلت عليه وربما كان يسأل عن شيء من حديث إبراهيم فيقول: قد طال العهد بإبراهيم. قال حماد بن سلمة: كنت أسأل حماد بن أبي سليمان عن أحاديث مسنده، وكان الناس يسألونه عن رأيه، فكنت إذا جئت قال: لا جاء الله بك. قال حماد بن زيد: قدم علينا حماد البصرة، فجعل فتيان البصرة يسخرون به، فقال له رجل: ما تقول في رجل وطىء دجاجة ميتة، فخرج منها بيضة؟ وقال له آخر: ما تقول في رجل طلق امرأته ملء سكرجة. قال ابن حبان: الفقيه إذا حدث من حفظه، وهو ثقة في روايته،

لا يجوز ـ عندي ـ الاحتجاج بخبره، لأنه إذا حدث من حفظه فالغالب عليه حفظ المتون، دون الأسانيد. وهكذا رأينا أكثر من جالسناه من أهل الفقه، كانوا إذا حفظوا الخبر لا يحفظون إلا متنه. وإذا ذكروه أول أسانيدهم يكون: قال رسول الله ـ A ـ فلا يذكرون بينهم وبين النبي ـ A ـ أحداً. فإذا حدث الفقيه من حفظه ربما صحف الأسماء، وأقلب الأسانيد ورفع الموقوف، وأوقف المرسل، وهو لا يعلم، لقلة عنايته به، وأتى بالمتن على وجهه، فلا يجوز الاحتجاج بروايته إلا من كتاب أو يوافق الثقات في الأسانيد. قلت: هذا إن كان الفقيه حافظاً للمتن، فأما من لا يحفظ متون الأحاديث بألفاظها من الفقهاء، وإنما يروي الحديث بالمعنى فلا ينبغي الاحتجاج بما يرويه من المتون، إلا بما يوافق الثقات في المتون، أو يحدث به من كتاب موثوق به. والأغلب أن الفقيه يروي الحديث بما يفهمه من المعنى، وأفهام الناس تختلف، ولهذا نرى كثيراً من الفقهاء يتأولون الأحاديث بتأويلات مستبعدة جداً، بحيث يجزم العارف المنصف بأن ذلك المعنى الذي تأول (به) غير مراد بالكلية. فقد يروي الحديث على هذا المعنى الذي فهمه. وقد سبق أن شريكاً روى حديث الوضوء بالمد بما فهمه من المعنى. وأكثر فقهاء الأمصار يخالفونه في ذلك.

(3) قاعدة

(3) قاعدة الثقات الحفاظ إذا حدثوا من حفظهم وليسوا بفقهاء، قال ابن حبان: ـ عندي ـ لا يجوز الاحتجاج بحديثهم. لأن همتهم حفظ الأسانيد والطرق، دون المتون. قال: وأكثر من رأينا من الحفاظ كانوا يحفظون الطرق، ولقد كنا نجالسهم برهة من دهرنا على المذاكرة، ولا أراهم يذكرون من متن الخبر إلا كلمة واحدة، يشيرون إليها. قال: ومن كانت هذه صفته، وليس بفقيه، فربما يقلب المتن، ويغير المعنى إلى غيره، وهو لا يعلم، فلا يجوز الاحتجاج به، إلا أن يحدث من كتابه، ويوافق الثقات. وقد ذكرنا هذا عن ابن حبان، فيما تقدم، وبينا أن هذا ليس على إطلاقه، وإنما هو مختص بمن عرف منه عدم حفظ المتون وضبطها، ولعله يختص بالمتأخرين من الحفاظ، نحو من كان في عصر ابن حبان، فأما المتقدمون كشعبة، والأعمش، وأبي إسحاق، وغيرهم فلا يقول ذلك أحد في حقهم، لأن الظاهر من حال الحافظ المتقن حفظ الإسناد والمتن، إلا أن يوقف منه على خلاف ذلك، والله أعلم. وقد سبق قول الشافعي أن من حدث بالمعنى، ولم يحفظ لفظ الحديث، إنه يشترط فيه أن يكون عاقلاً لما يحدث به من المعاني، عالماً بما يحيل المعنى من الألفاظ، وأن من حدث بالألفاظ، فإنه يشترط أن يكون حافظاً للفظ الحديث، متقناً له، والله أعلم.

(4) قاعدة

(4) قاعدة إذا روى الحفاظ الأثبات حديثاً بإسناد واحد، وانفرد واحد منهم بإسناد آخر، فإن كان المنفرد ثقة حافظاً، فحكمه قريب من حكم زيادة الثقة، في الأسانيد أو في المتون، وقد تقدم الكلام على ذلك. وقد تردد الحفاظ كثيراً في مثل هذا. هل يرد قول من تفرد بذلك الإسناد، لمخالفة الأكثرين له، أم يقبل قوله، لثقته وحفظه. ويقوي قبول قوله إن كان المروي عنه واسع الحديث، يمكن أن يحمل الحديث من طرق عديدة كالزهري، والثوري، وشعبة، والأعمش. ومثال ذلك: ما روى أصحاب الأعمش مثل وكيع، وعيسى بن يونس، وعلي بن مسهر، وعبد الواحد بن زياد، وغيرهم عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله أنه كان مع النبي ـ A ـ في حرث المدينة، فمر على نفر من اليهود، فسألوه عن الروح الحديث. وخالفهم ابن إدريس، فرواه عن الأعمش عن عبد الله بن مرة، عن مسروق عن عبد الله، ولم يتابع عليه فصححت طائفة الروايتين عن الأعمش. وخرجه مسلم من الوجهين. وقال الدارقطني، لعلهما محفوظان وابن إدريس من الأثبات، ولم يتابع على هذا القول. قلت: ومما يشهد لصحة ذلك أن ابن إدريس روى الحديث بالإسناد الأول أيضاً.

وهذا مما يستدل به الأئمة كثيراً على صحة رواية من انفرد بالإسناد إذا روى الحديث بالإسناد الذي روى به الجماعة، فخرجه ابن أبي خيثمة في كتابه، (ثنا) عبد الله بن محمد أبو عبد الرحمن الكرماني كتبت عنه (بكفربيا) ، ثنا عبد الله بن إدريس، عن الأعمش، عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال: إني لأمشي مع النبي ـ A ـ فذكره. مثال آخر: روى أصحاب الزهري، (عن الزهري، عن) عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس عن ميمونة عن النبي ـ A ـ "حديث الفأرة في السمن" ورواه معمر عن الزهري عن ابن المسيب، عن أبي هريرة.

فمن الحفاظ من صحح كلا القولين، ومنهم الإمام أحمد، ومحمد بن يحيى الذهلي، وغيرهما. ومنهم من حكم بغلط معمر، لانفراده بهذا الإسناد، منهم البخاري، والترمذي، وأبو حاتم، وغيرهم. وذكر الذهلي أن سعيد بن أبي هلال تابع معمراً على روايته عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، إلا أنه أرسله ولم يذكر أبا هريرة. ويدل على صحة رواية معمر أنه رواه بالإسنادين كليهما. وأما لفظ الحديث بالتفريق بين الجامد والمائع فقد ذكره معمر عن الزهري بالإسنادين معاً. وتابعه الأوزاعي عن الزهري، فرواه عن عبيد الله عن ابن عباس. وكذلك رواه إسحاق بن راهويه، عن سفيان بن عيينة، عن الزهري لكنه حمل حديث ابن عيينة على حديث معمر. وقد سبق ذلك كله مستوفى في كتاب الأطعمة. فأما إن كان المنفرد عن الحفاظ سيىء الحفظ، فإنه لا يعبأ بانفرداه، ويحكم عليه بالوهم. مثال ذلك ـ أن أصحاب الزهري رووا عن الزهري، عن حميد بن

عبد الرحمن، عن أبي هريرة، عن النبي ـ A ـ في قصة المجامع في رمضان. ورواه هشام بن سعد، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة. فحكم الأئمة بأنه وهم في ذلك. فإن كان المنفرد عن الحفاظ، مع سوء حفظه قد سلك الطريق المشهور، والحفاظ يخالفونه، فإنه لا يكاد يرتاب في وهمه وخطئه، لأن الطريق المشهور تسبق إليه الألسنة والأوهام كثيراً. فيسلكه من لا يحفظ. ومثال ذلك: روى حماد بن سلمة، عن ثابت، عن حبيب بن أبي سبيعة الضبعي، عن الحارث أن رجلاً قال: يا رسول الله إني أحب فلاناً. قال: أعلمته؟ قال: لا، الحديث. هكذا رواه حماد بن سلمة، وهو أحفظ أصحاب ثابت، وأثبتهم في حديثه، كما سبق. وخالفه من لم يكن في حفظه بذاك من الشيوخ الرواة عن ثابت كمبارك بن فضالة، وحسين بن واقد،

ونحوهما، فرووه عن ثابت، عن أنس عن النبي ـ A ـ. وحكم الحفاظ هنا بصحة قول حماد، وخطأ من خالفه، منهم أبو حاتم، والنسائي، والدارقطني. قال أبو حاتم: مبارك لزم الطريق، يعني أن رواية ثابت عن أنس سلسلة معروفة، مشهورة، تسبق إليها الألسنة والأوهام، فيسلكها من قل حفظه، بخلاف ما قاله حماد بن سلمة، فإن في إسناده ما يستغرب فلا يحفظه إلا حافظ. وأبو حاتم كثيراً ما يعلل الأحاديث بمثل هذا وكذلك غيره من الأئمة. وقد سبق إلى نحو ذلك ابن عيينة وابن مهدي، فإن مالكاً روى عن صفوان بن سليم، عن عطاء بن يسار عن النبي ـ A ـ قال: أنا وكافل اليتيم في الجنة كهذه من هذه. وخالفه ابن عيينة، فرواه عن صفوان بن سليم عن أنيسة عن أم سعيد بنت مرة الفهرية، عن أبيها، عن النبي ـ A ـ. ورجح الحفاظ كأبي زرعة، وأبي حاتم قول ابن عيينة في هذا الإسناد على قول مالك. قال الحميدي: قيل لسفيان: إن عبد الرحمن بن مهدي يقول: إن سفيان أصوب في هذا الحديث من مالك. قال سفيان: وما يدريه، أدرك سفيان صفوان؟ قالوا: لا، لكنه قال: إن مالكاً قال: عن صفوان، عن عطاء بن يسار. وقال سفيان: عن أنيسة عن أم سعيد بنت مرة، عن أبيها، فمن أين جاء بهذا الإسناد؟.

فقال سفيان: ما أحسن ما قال. لو قال لنا صفوان، عن عطاء بن يسار كان أهون علينا من أن يجيء بهذا الإسناد الشديد. ومن ذلك أن حصين بن عبد الرحمن روى عن عمرو بن مرة، عن علقمة بن وائل، عن أبيه، عن النبي ـ A ـ حديث رفع اليدين في الصلاة، ورواه شعبة عن عمرو بن مرة عن أبي البختري، عن عبد الرحمن اليحصبي، عن وائل بن حجر، عن النبي ـ A ـ. وسئل عن ذلك أحمد، فقال: شعبة أثبت في عمرو بن مرة من حصين. القول قول شعبة. من أين يقع شعبة عن أبي البختري، عن عبد الرحمن اليحصبي عن وائل؟ يشير إلى أن هذا إسناد غريب لا يحفظه إلا حافظ، بخلاف علقمة بن وائل، عن أبيه، فإنه طريق مشهور. وأعلم أن هذا كله إذا علم أن الحديث الذي اختلف في إسناده حديث واحد، فإن ظهر أنه حديثان بإسنادين، لم يحكم بخطأ أحدهما. وعلامة ذلك أن يكون في أحدهما زيادة على الآخر، أو نقص منه، أو تغير ـ يستدل به على أنه حديث آخر، فهذا يقول علي بن المديني وغيره من أئمة الصنعة: هما حديثان بإسنادين. وقد ذكرنا كلام ابن المديني في ذلك، في باب صفة الصلاة على النبي ـ A ـ من كتاب الصلاة.

وكثير من الحفاظ كالدارقطني وغيره لا يراعون ذلك، ويحكمون بخطأ أحد الإسنادين وإن اختلف لفظ الحديثين إذا رجع إلى معنى متقارب. وابن المديني ونحوه إنما يقولون: هما حديثان بإسنادين إذا احتمل ذلك، وكان متن ذلك الحديث يروى عن النبي ـ A من وجوه متعددة: كحديث الصلاة على النبي ـ A ـ فأما ما لا يعرف إلا بإسناد واحد، فهذا يبعد فيه ذلك. وكذلك حديث الأعمش، عن أبي سفيان عن جابر في هدي النبي ـ A ـ الغنم المقلدة.

(5) ذكر الأسانيد التي لا يثبت منها شيء، أو لا يثبت منها إلا ش

وحديثه عن إبراهيم، عن ألأسود، عن عائشة، في هدي النبي ـ A ـ الغنم. فمن الحفاظ من قال: الصحيح حديث عائشة، وحديث جابر وهم. ومنهم من قال: هما حديثان مختلفان، في أحدهما لتقليد، وليس في الآخر. ومنهم أبو حاتم الرازي. وقد سبق ذلك في كتاب الحج. (5) ذكر الأسانيد التي لا يثبت منها شيء، أو لا يثبت منها إلا شيء يسير مع أنه قد روي بها أكثر من ذلك قتادة، عن الحسن، عن انس، عن النبي ـ A ـ. هذه السلسلة، قال البرديجي: لا يثبت منها حديث أصلاً من رواية الثقات. قتادة، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، عن النبي ـ A ـ. قال البرديجي: هذه الأحاديث كلها معلولة، وليس عند شعبة منها شيء. وعند سعيد بن أبي عروبة منها حديث. وعند هشام منها آخر. وفيهما نظر.

يحيى بن سعيد الأنصاري عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، عن النبي ـ A ـ. قال البرديجي: قال ابن المديني: لم يصح منها شيء مسند بهذا الإسناد. وقال البرديجي: لا يصح منها شيء إلا من حديث سليمان بن بلال، من حديث ابن أبي أويس عن أخيه، عنه. قال: وسائر ذلك مراسيل، وصلها قوم ليسوا بأقوياء. يحيى بن سعيد الأنصاري، عن أنس: قال البرديجي: هي صحاح، وهي ثلاثة أحاديث. منها حديث فيه اضطراب. وسائر حديث يحيى، عن أنس، فيها نظر. حماد بن زيد، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر: قال سليمان بن حرب: لم يصح بهذا الإسناد إلا حديث واحد، وأنكر حديث نافع عن ابن عمر، عن عمر في تقبيل الحجر. وقال: (ليس هو عن أيوب قط. وحديث حماد عن (أيوب) ، عن نافع، عن ابن عمر، عن عمر "في تقبيل الحجر") رواه غير واحد عنه.

وخرجه مسلم في صحيحه، ورواه ابن علية عن أيوب، قال: نبئت أن عمر قبل الحجر، كذا رواه مرسلاً. يحيى بن الجزار عن علي: قال شبابة عن شعبة، لم يسمع يحيى بن الجزار عن علي إلا ثلاثة أشياء. منها أن النبي ـ A ـ قام على فرضة من فرض الخندق وأن رجلاً جاء إلى علي، فقال: أي يوم هذا؟ الحسن عن سمرة: قيل أنه لم يسمع منه سوى حديث العقيقة، وقيل لم يسمع منه شيئاً بالكلية. وقد ذكرنا ذلك غير مرة. حميد الطويل، عن أنس: قال أبو داود الطيالسي: قال شعبة: إنما روى حميد عن أنس ما سمعه منه خمسة أحاديث. قال أبو داود قال حماد بن سلمة: عامة ما يروي حميد عن أنس لم يسمع منه إنما عامتها سمعه من ثابت.

(وذكر العجلي عن يحيى بن معين عن أبي عبيدة الحداد، قال: قال شعبة: لم يسمع حميد من أنس إلا أربعة وعشرين حديثاً) . الزبير بن عدي عن أنس عن النبي ـ A ـ: قال ابن معين: ليس له إلا حديث واحد، يعني حديث "لا يأتي عليكم زمان إلا والذي بعده شر منه". وكذا قال ابن حبان. وقال أبو حاتم الرازي: له عنه أربعة أحاديث أو خمسة. وروى بشر بن الحسين الأصبهاني، عن الزبير، عن أنس، عن النبي

ـ A ـ نسخة نحو عشرين حديثاً، وهي موضوعة، قاله أبو حاتم وغيره. الأعمش: قيل أنه سمع من أنس حديثاً، وقيل أنه لم يسمع منه شيئاً: وقد سبق ذلك مستوفى في أول الكتاب. الزهري: قيل أنه لم يسمع من ابن عمر: وقيل: سمع منه حديثين، كذا ذكره محمد بن يحيى عن عبد الرزاق عن معمر. أبو إسحاق عن الحارث: لم يسمع منه غير أربعة أحاديث والباقي كتاب أخذه: كذا قال شعبة، وكذا قال العجلي وغيره. وقال الإمام أحمد: سمعت أبا بكر بن عياش، قال: قل ما سمع أبو إسحاق من الحارث؛ ثلاثة أحاديث. الحكم عن مقسم: روى عنه كثيراً، ولم يسمع منه سوى أربعة أحاديث، قاله شعبة.

قال أبو داود: وليس فيها مسند واحد، يعني كلها موقوفات. وذكر ابن المديني، عن يحيى عن سعيد، عن شعبة، أنه قال: هي خمسة أحاديث وعدها شعبة: حديث الوتر، وحديث القنوت، وحديث عزمة الطلاق، وحديث جزاء ما قتل من النعم، والرجل يأتي امرأته وهي حائض. قتادة عن أبي العالية: قال شعبة: لم يسمع منه إلا أربعة أحاديث.

وحديث يونس بن متى، وحديث ابن عمر في الصلاة، وحديث القضاة ثلاثة، وحديث ابن عباس: شهد عندي رجال مرضيون، وأرضاهم عندي عمر. وقد خرجا له في الصحيحين عن أبي العالية حديثين آخرين: أحدهما: حديث دعاء الكرب. والثاني: رؤية النبي ـ A ـ ليلة أسرى به موسى وغيره من الأنبياء.

أبو سفيان طلحة بن نافع: قال شعبة وابن عيينة: روايته عن جابر إنما هي صحيفة. ومرادهما: أنه كتاب أخذه فرواه عن جابر، ولم يسمعه. وروي عن شعبة قال: حديث أبي سفيان عن جابر، إنما هو كتاب سليمان اليشكري. وقال ابن المديني: قال معلى الرازي، عن يحيى بن أبي زائدة، قال: سمعت يزيد الدالاني، قال: لم يسمع أبو سفيان من جابر إلا اربعة أحاديث. وذكر الترمذي في علله عن البخاري، قال: كان يزيد أبو خالد الدالاني، يقول: أبو سفيان لم يسمع من جابر إلا أربعة أشياء. ثم قال البخاري وما يدريه؟ أو ما يرضى أن رأسا برأس حتى يقول مثل هذا؟ يشير البخاري إلى أن أبا خالد في نفسه ليس بقوي، فكيف يتكلم في غيره، وأثبت البخاري سماع أبي سفيان من جابر. وقال في تاريخه: قال لنا مسدد، عن أبي معاوية، عن الأعمش عن أبي سفيان: جاورت جابراً بمكة ستة أشهر.

قال: وقال علي: سمعت عبد الرحمن، قال: قال لي هشيم عن أبي العلاء، قال: قال لي أبو سفيان: كنت أحفظ، وكان سليمان اليشكري يكتب يعني عن جابر. وخرج مسلم حديث أبي سفيان عن جابر، وخرجه البخاري مقروناً. الأعمش: قيل أنه لم يسمع من مجاهد إلا أربعة أحاديث: قاله ابن المبارك عن هشيم. وذكر ابن أبي حاتم بإسناده، عن وكيع، قال: كنا نتتبع ما سمع الأعمش من مجاهد فإذا هي سبعة أو ثمانية. وحكى الكرابيسي أنه سمع علي بن المديني يقول: لم يصح عندنا سماع الأعمش من مجاهد إلا نحواً من ستة أو سبعة. قال علي: وكذلك سمعت يحيى وعبد الرحمن يقولان في الأعمش. وقال الترمذي في علله: قلت للبخاري: يقولون لم يسمع الأعمش من مجاهد إلا أربعة أحاديث. قال: ريح، ليس بشيء، لقد عددت له أحاديث كثيرة نحواً من ثلاثين أو أقل أو أكثر، يقول فيها: (ثنا) مجاهد. وكذا نقل الكرابيسي عن الشاذكوني أن الأعمش سمع من مجاهد أقل من ثلاثين حديثاً. ومما اختلف في سماع الأعمش له من مجاهد حديث ابن عمر: "كن في

الدنيا كانك غريب" والبخاري يرى أنه سمعه الأعمش من مجاهد، وخرجه في صحيحه كذلك، وأنكر ذلك جماعة، وقد ذكرناه في كتاب الزهد. سفيان بن عيينة عن يزيد بن عبد الله بن أبي بردة عن أبي بردة عن أبي موسى عن النبي ـ A ـ: قال العقيلي: ليس لسفيان بهذا الإسناد غير أربعة أحاديث: مثل الجليس الصالح، والمؤمن للمؤمن كالبنيان، واشفعوا إلي فلتؤجروا، والخازن الأمين.

قال: ليس عنده غير هذه الأربعة. وروى إبراهيم بن بشار، عن سفيان بهذا الإسناد حديث "كلكم راع". قال: وليس له أصل. ولم يتابع إبراهيم عليه أحد عن ابن عيينة. سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن أنس عن النبي ـ A ـ: ذكر بعض الحفاظ أنه لا يصح بهذا الإسناد غير ستة أحاديث أو سبعة قال: وأظهر بعضهم كتاباً كله بهذا الإسناد، فظهر كذبه وافتضح. هشيم، لم يصح له السماع من الزهري إلا أربعة أحاديث: منها حديث السقيفة قاله الإمام أحمد. قال أحمد: وسمع هشيم من جابر يعني الجعفي حديثين. حجاج بن أرطأة: قال أبو نعيم، الفضل بن دكين، لم يسمع حجاج من عمرو بن شعيب إلا أربعة أحاديث، والباقي عن محمد بن عبيد الله العرزمي. يعني أنه يدلس بقية حديثه عن عمرو عن العرزمي. الأعمش عن أبي سفيان: قال الكرابيسي: حدثني علي بن المديني وسليمان الشاذكوني، قالا: روى الأعمش، عن أبي سفيان أكثر من مائة، لم يسمع منها إلا أربعة. قال علي: سمعت يحيى يقول ذلك.

وذكر البزار في مسنده أن الأعمش لم يسمع من أبي سفيان. قال: وقد روى عنه نحو مائة حديث. كذا قال: وهو بعيد. وحديث الأعمش عن أبي سفيان مخرج في الصحيح. (معاوية بن سلام بن أبي سلام، عن أبيه سلام، وعن أخيه زيد بن سلام: وسمع من جده أبي سلام حديثاً واحداً عن كعب: قال: "من قال سبحان الله وبحمده مائتي مرة غفرت ذنوبه ولو كانت أكثر من زبد البحر". ذكره جعفر الفريابي، عن ابن هشام بن خالد، عن مروان بن محمد الدمشقي) .

(6) ذكر من عرف بالتدليس وكان له شيوخ لا يدلس عنهم فحديثه عنهم متصل

وقال شعبة: أحاديث الحكم، عن مجاهد كتاب، إلا ما قال: سمعت. (6) ذكر من عرف بالتدليس وكان له شيوخ لا يدلس عنهم فحديثه عنهم متصل منهم: هشيم بن بشير: ذكر أحمد أنه لا يكاد يدلس عن حصين. وقال البخاري، فيما حكاه عنه الترمذي في علله: لا أعرف لسفيان، يعني الثوري، عن حبيب بن أبي ثابت، ولا عن سلمة بن كهيل، ولا عن منصور، وذكر شيوخاً كثيرة، لا أعرف لسفيان عن هؤلاء تدليساً، ما أقل تدليسه. (7) ذكر من كان يدلس بعبارة دون عبارة قال العجلي: إذا قال سفيان بن عيينة: عن عمرو، سمع جابراً فصحيح. وإذا قال سفيان: سمع عمرو جابراً: فليس بشيء. يشير إلى أنه إذا قال: عن عمرو، فقد سمعه منه، وإذا قال: سمع عمرو جابراً فلم يسمعه ابن عيينة من عمرو.

(8) قاعدة

(8) قاعدة قال العجلي: كل شيء روى محمد بن سيرين عن عبيدة، يعني السلماني سوى رأيه فهو من علي. وكل شيء روى إبراهيم النخعي، عن عبيدة سوى رايه فإنه عن عبد الله إلا حديثاً واحداً، انتهى. وقد روى ابن سيرين، عن عبيدة، حديثاً مرسلاً عن النبي ـ A ـ: "فيمن مات له ثلاثة أولاد". وقيل فيه عن علي، ولا يثبت. وكذلك روى ابن سيرين عن عبيدة حديث أسارى بدر، والصواب إرساله من غير ذكر علي. وقد ذكرنا الحديث الأول في آخر الجنائز، والثاني في كتاب الجهاد.

(9) قاعدة

وقد روى يزيد بن زريع عن سعيد بن أبي عروبة، عن أبي معشر، عن إبراهيم، عن عبيدة، عن علي. "انه كان يكره ذبائح نصارى بني تغلب". وخالفه ابن علية وغيره، فرووه عن سعيد، عن بي معشر، عن إبراهيم، عن علي مرسلاً. من غير ذكر عبيدة. قال الدراقطني: وهو المحفوظ. (9) قاعدة قال أحمد في رواية ابنه عبد الله: (ثنا) محمد بن فضيل (ثنا) عمارة بن القعقاع، عن أبي زرعة، عن أبي هريرة عن النبي ـ A ـ فذكر بضعة عشر حديثاً كلها بهذا الإسناد، إلا حديث "أول زمرة يدخلون الجنة على صورة القمر الحديث".

فإنه قال: عن عمارة، عن أبي صالح، عن أبي هريرة؛ كذا قال. يشير أحمد أن هذا قاله ابن فضيل وأن الصحيح خلافه وأنه عن أبي زرعة. وقد خرجاه في الصحيحين كذلك. وقد رواه عن عمارة عن أبي زرعة، جرير وعبد الواحد بن زياد. قال أحمد: و (ثنا) ابن فضيل، (ثنا) أبي، عن عمارة، عن أبي زرعة عن أبي هريرة، عن النبي ـ A ـ. "اللهم اجعل رزق آل محمد قوتاً". قال عبد الله: قال ابي: كل شيء يرويه ابن فضيل عن عمارة، إلا هذا الحديث. يعني أنه رواه عن أبيه، عن عمارة، وبقية الأحاديث يرويها (ابن) فضيل عن عمارة.

قاعدة مهمة

(10) قاعدة مهمة حذاق النقاد من الحفاظ لكثرة ممارستهم للحديث، ومعرفتهم بالرجال واحاديث كل واحد منهم، لهم فهم خاص (يفهمون) به أن هذا الحديث يشبه حديث فلان، ولا يشبه حديث فلان فيعللون الأحاديث بذلك. وهذ1 مما لا يعبر عنه بعبارة تحصره، وإنما يرجع فيه أهله إلى مجرد الفهم والمعرفة التي خصوا بها عن سائر أهل العلم، كما سبق ذكره في غير موضع. فمن ذلك (سعيد) بن سنان، ويقال: سنان بن سعيد يروي عن أنس، ويروي عنه أهل مصر. قال احمد: تركت حديثه، حديثه مضطرب. وقال: يشبه حديثه حديث الحسن، لا يشبه أحاديث انس، نقله عبد الله بن احمد عن أبيه. ومراده أن الأحاديث التي يرويها عن أنس مرفوعة إنما تشبه كلام الحسن البصري أو مراسيله. وقال الجوزجاني: احاديثه واهية، لا تشبه أحاديث الناس عن أنس. شعيب بن أبي حمزة، عن ابن المنكدر. روى عنه احاديث منها حديث ابن المنكدر عن جابر مرفوعاً.

من قال حين ـ يسمع النداء "اللهم رب هذه الدعوة التامة ... " الحديث. وقد خرجه البخاري في صحيحه. وله علة ذكرها ابن ابي حاتم، عن أبيه قال: قد طعن في هذا الحديث، وكان قد عرض شعيب بن أبي حمزة على ابن المنكدر كتاباً، فأمر بقراءته عليه، فعرف بعضاً، وانكر بعضاً، وقال لابنه أو ابن أخيه: اكتب هذه الأحاديث. فروى شعيب ذلك الكتاب، ولم يثبت رواية شعيب تلك الأحاديث على الناس، وعرض على بعض تلك الكتب، فرأيتها مشابهة لحديث إسحاق بن أبي فروة. وهذا الحديث من تلك الأحاديث: قلت: ومصداق ذلك ما ذكره أبو حاتم: أن شعيب بن أبي حمزة روى

عن ابن المنكدر، عن جابر حديث الاستفتاح في الصلاة بنحو سياق حديث علي. وروي عن شعيب، عن ابن المنكدر، عن الأعرج، عن محمد بن مسلمة، فرجع الحديث إلى الأعرج. وإنما رواه الناس عن الأعرج، عن عبيد الله بن أبي رافع، عن علي بن أبي طالب. ومن جملة من رواه عن ألأعرج بهذا الإسناد إسحاق بن أبي فروة. وقيل أنه رواه عن عبد الله بن الفضل عن الأعرج. وروى عن محمد بن حمير، عن شعيب بن أبي حمزة، عن ابن أبي فروة، وابن المنكدر، عن الأعرج، عن محمد بن مسلمة. ورواه أبو معاوية، عن شعيب، عن إسحاق عن الأعرج، عن عبيد الله بن أبي رافع عن محمد بن مسلمة. فظهر بهذا أن الحديث عند شعيب عن ابن أبي فروة. وكذا قال أبو حاتم الرازي: هذا الحديث من حديث إسحاق بن أبي فروة يرويه شعيب عنه.

وحاصل الأمر: أن حديث الاستفتاح رواه شعيب عن إسحاق بن أبي فروة، وابن المنكدر. فمنهم من ترك إسحاق، وذكر ابن المنكدر (ومنهم من كنى عنه، فقال: عن ابن المنكدر) وآخر. وكذا وقع في سنن النسائي. وهذا مما لا يجوز فعله، وهو أن يروي الرجل حديثاً عن إثنين: أحدهما مطعون فيه، والآخر ثقة، فيترك ذكر المطعون فيه، ويذكر الثقة. وقد نص الإمام أحمد على ذلك، وعلله بأنه ربما كان في حديث الضعيف شيء ليس في حديث الثقة، وهو كما قال. فإنه ربما كان سياق الحديث للضعيف، وحديث الآخر محمولاً عليه. فهذا الحديث يرجع إلى رواية إسحاق بن أبي فروة، وابن المنكدر، ويرجع إلى حديث الأعرج. ورواية الأعرج له معروفة عن ابن أبي رافع عن علي، وهو الصواب عند النسائي والدارقطني وغيرهما. وهذا الاضطراب في الحديث الظاهر أنه من ابن أبي فروة لسوء حفظه، وكثرة اضطرابه في ألأحاديث وهو يروي عن ابن المنكدر. وقد روى هذا الحديث ويزيد بن عياض بن (جعدبة) عن ابن المنكدر،

عن الأعرج، عن (ابن) أبي رافع، عن علي. وقد كان بعض المدلسين يسمع الحديث من ضعيف فيرويه عنه، ويدلسه معه عن ثقة لم يسمعه منه، فيظن أنه سمعه منهما، كما روى معمر عن ثابت وأبان وغير واحد. عن أنس عن النبي ـ A ـ. "إنه نهى عن الشغار". قال أحمد: هذا عمل أبان، يعني أنه حديث أبان. وإنما معمر، يعني لعله دلسه. ذكره الخلال عن هلال بن العلاء الرقي، عن أحمد. ومن هذا المعنى أن ابن عيينة كان يروي عن ليث وابن أبي نجيح جميعاً، عن مجاهد، عن أبي معمر، (عن علي) "حديث القيام للجنازة"، قال الحميدي: فكنا إذا وقفنا عليه لم يدخل في الإسناد أبا معمر إلا في حديث ليث خاصة.

يعني أن حديث ابن أبي نجيح كان يرويه عن مجاهد، عن علي منقطعاً. وقد رواه ابن المديني وغيره عن ابن عيينة بهذين الإسنادين. ورواه ابن أبي شيبة وغيره، عن ابن عيينة، عن ابن أبي نجيح وحده وذكر في إسناده مجاهداً، وهو وهم. قال يعقوب بن شيبة: كان سفيان بن عيينة ربما يحدث بالحديث عن اثنين فيسند الكلام عن أحدهما، فإذا حدث به عن الآخر على الانفراد أوقفه أو أرسله. معقل بن عبيد الله الجزري: قد سبق قول الإمام أحمد أن حديثه عن أبي الزبير يشبه حديث ابن لهيعة. وظهر مصداق قول أحمد أن أحاديثه عن أبي الزبير مثل أحاديث ابن لهيعة سواء، كحديث "اللمعة في الوضوء" وغيره. وقد كانوا يستدلون باتفاق حديث الرجلين في اللفظ على أن أحدهما أخذه عن صاحبه. كما قال ابن معين في مطرف بن مازن: إنه قابل كتبه عن ابن جريج

ومعمر، فإذا هي مثل كتب هشام بن يوسف سواء. وكان هشام يقول: لم يسمعها من ابن جريج ومعمر، إنما أخذها من كتبي. قال يحيى: فعلمت أن مطرفاً كذاب. يعني علم صدق قول هشام عنه. ومن ذلك قول أحمد وأبي حاتم في أحاديث الدراوردي، عن عبيد الله بن عمر: إنها تشبه أحاديث عبد الله بن عمر. ومن ذلك ما ذكر البرذعي، قال: قال لي أبو زرعة: خالد بن يزيد المصري، وسعيد بن أبي هلال صدوقان، وربما وقع في قلبي من حسن حديثهما. قال: وقال لي أبو حاتم: أخاف أن يكون بعضها مراسيل عن ابن أبي فروة وابن سمعان، انتهى. (ومعنى ذلك أنه عرض حديثهما على حديث ابن أبي فروة وابن

سمعان) فوجده يشبهه ولا يشبه حديث الثقات الذين يحدثان عنهم، فخاف أن يكونا أخذا حديث ابن أبي فروة وابن سمعان ودلساه عن شيوخهما. ومن ذلك أن مسلماً خرج في صحيحه عن القواريري عن أبي بكر الحنفي عن عاصم بن محمد العمري، (ثنا) سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة، عن النبي ـ A ـ، قال: قال الله تعالى: "ابتلى عبدي المؤمن فإن لم يشكني إلى عواده أطلقته من أساري ثم ابدلته لحماً خيراً من لحمه". قال الحافظ أبو الفضل بن عمار الهروي الشهيد ـ C ـ هذا حديث منكر، وإنما رواه عاصم بن محمد عن عبد الله بن سعيد المقبري عن أبيه، وعبد الله بن سعيد شديد الضعف. قال يحيى القطان: ما رايت أحداً أضعف منه. ورواه معاذ بن معاذ، عن عاصم بن محمد، عن عبد الله بن سعيد عن أبيه عن أبي هريرة. وهو يشبه أحاديث عبد الله بن سعيد، انتهى. ومن ذلك قول ابن المديني في حديث الفضل بن عباس عن النبي ـ A ـ في خطبة الوداع الذي رواه القاسم بن يزيد بن عبد الله بن

قسيط، عن ابيه، عن عطاء، عن الفضل: إنه يشبه أحاديث القصاص، وليس يشبه أحاديث عطاء بن أبي رباح. ومنه قول أبي أحمد الحاكم، في حديث علي الطويل في الدعاء، لحفظ القرآن: إنه يشبه أحاديث القصاص. ومن ذلك حديث يرويه عمرو بن يزيد الرفاء، عن شعبة، عن عمرو بن مرة، عن أبي وائل عن عبد الله عن النبي ـ A ـ: ما بال أقوام يشرفون المترفين، ويستخفون بالعابدين، ويعملون بالقرآن ما وافق أهوائهم، وما خالف أهوائهم تركوه ... الحديث.

قال ابن عدي: هذا يعرف بعمر بن يزيد عن شعبة، وهو بهذا الإسناد باطل. قال العقيلي: ليس لهذا الحديث أصل من حديث شعبة. قال: وهذا الكلام عندي ـ والله أعلم ـ يشبه كلام عبد الله بن المسور الهاشمي المدائني وكان يضع الحديث. وقد روى عمرو بن مرة عنه، فلعل هذا الشيخ حمله عن رجل عن عمرو بن مرة، عن عبد الله بن المسور مرسلاً، وأحاله على شعبة، انتهى. والأمر على ما ذكره العقيلي ـ C ـ. وقد روى عمرو بن مرة، عن ابن المسور المدائني، حديثاً آخر، اصله مرسل عن النبي ـ A ـ لما نزل قوله تعالى: (فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام) ، قال النبي ـ A ـ إذا دخل النور القلب انشرح وانفسح، الحديث. فهذا هو أصل الحديث، ثم وصله قوم، وجعلوا له إسناداً موصولاً مع اختلافهم فيه ... قال الدارقطني: يرويه عمرو بن مرة واختلف عنه. فرواه مالك بن مغول، عن عمرو بن مرة، عن عبيدة، عن عبد الله بن مسعود عن النبي ـ A ـ قاله: عبد الله بن محمد بن المغيرة تفرد بذلك.

ورواه زيد بن أبي أنيسة، عن عمرو بن مرة، عن أبي عبيدة، عن عبد الله بن مسعود، قاله أبو عبد الرحيم عن زيد. وخالفه يزيد بن سنان، فرواه عن زيد، عن عمرو بن مرة، عن عبد الله بن الحارث، عن ابن مسعود. وقال وكيع، عن المسعودي، عن عمرو بن مرة، عن أبي عبيدة، عن عبد الله. وكلها وهم. والصواب: عن عمرو بن مرة، عن أبي جعفر عبد الله بن المسور مرسلاً، عن النبي ـ A ـ كذلك قاله الثوري. وعبد الله بن المسور هذا متروك، وهو عبد الله بن المسور بن عون بن جعفر بن أبي طالب، انتهى. والصحيح عن وكيع كما رواه الثوري. فقد خرجه وكيع في كتاب الزهد، عن المسعودي عن عمرو بن مرة، عن أبي جعفر عبد الله بن مسور عن النبي ـ A ـ مرسلاً.

وما ذكره الدارقطني عن وكيع لا يثبت عنه. ومن ذلك ما ذكره عبد الله بن الإمام أحمد في "كتاب العلل". قال: حدثني أبو معمر، (ثنا) أبو أسامة، قال كنت عند سفيان الثوري فحدثه زائدة، عن شعبة عن سلمة بن كهيل عن سعيد بن جبير: (فصعق من في السماوات ومن في الأرض، إلا ما شاء الله) ، قال: هم الشهداء. فقال له سفيان: إنك لثقة، وإنك لتحدثنا عن ثقة، وما يقبل قلبي إن هذا من حديث سلمة، فدعا بكتاب فكتب: من سفيان بن سعيد إلى شعبة، وجاء كتاب شعبة: من شعبة إلى سفيان: إني لم أحدث بهذا عن سلمة، ولكن حدثني عمارة بن أبي حفصة، عم حجر الهجري، عن سعيد بن جبير. ومن ذلك أنهم يعرفون الكلام الذي يشبه كلام النبي ـ A ـ من الكلام الذي لا يشبه كلامه. قال ابن أبي حاتم الرازي عن أبيه: تعلم صحة الحديث بعدالة ناقليه، وأن يكون كلاماً يصلح أن يكون مثله كلام النبوة ويعرف سقمه وإنكاره بتفرد من لم تصح عدالته بروايته، والله أعلم.

(11) قواعد في علم الجرح والتعديل

(11) قواعد في علم الجرح والتعديل قد ضعف رجال واختلف فيهم. ولكن منهم من روايته عن بعض شيوخه أضعف من روايته عن غيره. ومنهم من رواية بعض أصحابه عنه أضعف من رواية بعض: فنذكر ههنا جملة من ذلك. فمنهم عباد بن منصور، قاضي البصرة: ضعفوه، وأضعف رواياته عن عكرمة. يقال: إنه أخذها عن ابن أبي يحيى عن داود بن الحصين عنه. ومنهم شهر بن حوشب: مختلف في أمره، لكن رواية عبد الحميد بن بهرام عنه أصح من رواية غيره من أصحابه. قال يحيى القطان: من أراد حديث شهر فعليه بعبد الحميد بن بهرام. وقال احمد: حديثه عن شهر مقارب. كان يحفظها كأنه يقرأ سورة من القرآن، وهي سبعون حديثاً طوالاً. وقال أبو حاتم الرازي: عبد الحميد بن بهرام في شهر مثل الليث بن سعد في سعيد المقبري، أحاديثه عن شهر صحاح، لا أعلم روى عن شهر

(12) قاعدة في الرواة

أحسن منها. قلت: يحتج بحديثه؟ قال: لا، ولا بحديث شهر، ولكن يكتب حديثه. وقال شعبة: نعم الشيخ عبد الحميد بن بهرام، لكن لا تكتبوا عنه، فإنه يحدث عن شهر. ومنهم أبو فروة يزيد بن سنان الرهاوي: ضعيف، ضعفه الأكثرون مطلقاً. ونقل الترمذي في العلل عن البخاري قال: لا بأس بحديثه إلا ما رواه عنه ابنه محمد، فإنه يروي عنه مناكير. (12) قاعدة في الرواة رشدين اثنان: أحدهما رشدين بن كريب، مولى ابن عباس. والثاني: رشدين بن سعد المصري. وكلاهما ضعيف فهذه الترجمة من الأسماء ليس فيها ثقة، فيما نعلم.

(13) قاعدة

(13) قاعدة قال إسماعيل بن علية: من كان اسمه عاصماً ففي حفظه شيء، ذكره ابن عدي في كتابه. وحكى المروذي عن يحيى بن معين، قال: كل عاصم في الدنيا ضعيف، ولم يوافق أحمد على ذلك، فإن عاصم بن سليمان الأحول عنده ثقة، وذكر له أن ابن معين تكلم فيه، فعجب. وعاصم بن بهدلة ثقة، إلا أن في حفظه اضطراباً. وعاصم بن عمر بن قتادة ثقة أيضاً متفق على حديثه كعاصم الأحول. وعاصم بن كليب ثقة، وقد وثقه ابن معين أيضاً. (وعاصم بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر: ثقة متفق على حديثه، وممن وثقه ابن معين ـ أيضاً) . وأما عاصم بن عمر بن الخطاب فأجل من أن يقال فيه ثقة.

(14) قاعدة

وفوق هؤلاء من اسمه عاصم من الصحابة، وهم جماعة، ولم يرد ابن معين دخولهم في كلامه قطعاً. (14) قاعدة قال أحمد في رواية ابن هانىء: كل أبي فروة ثقة، إلا أبا فروة الجزري، يعني يزيد بن سنان، وقد تقدم ذكره. (15) قاعدة قال أحمد في رواية ابن هانىء ـ أيضاً: قال: آل كعب بن مالك كلهم ثقات، كل من روى عنه الحديث، يعني كل من روى عنه الحديث من أولاد كعب بن مالك وذريته فهو ثقة. (16) قاعدة قال أحمد: كل من روى عنه مالك فهو ثقة. وقال النسائي: لا نعلم مالكاً روى عن إنسان ضعيف مشهور بالضعف إلا عاصم بن عبيد الله، فإنه روى عنه حديثاً وعن عمرو بن أبي عمرو، وهو أصلح من عاصم. وعن شريك بن أبي نمر وهو أصلح من عمرو.

ولا نعلم مالكاً حدث عن أحد يترك حديثه إلا عن عبد الكريم أبي أمية. ونقل الترمذي في علله عن البخاري أنه قال: لا نعلم مالكاً حدث عمن يترك حديثه إلا عن عطاء الخراساني. وقد ذكرنا فيما تقدم أن عطاء الخراساني ثقة، عالم رباني، وثقة كل الأئمة ما خلا البخاري، ولم يوافق على ما ذكره. وأكثر ما فيه أنه كان في حفظه بعض سوء. قال شعبة: حدثنا عطاء الخرساني، وكان نسياً. وقال ابن معين عنه هو ثبت، وكان كثير الإرسال، نقله عنه الغلابي. وكان سفيان الثوري يحث على الأخذ عنه، ووثقه الأوزاعي، وأحمد ويحيى، ويعقوب بن شيبة، ومحمد بن سعد، والعجلي، والطبراني، (والدارقطني) . وقد بين الترمذي في علله أن ما ذكره البخاري لا يوافق عليه، وأنه ثقة عند أكثر أهل الحديث.

قال: ولم أسمع أن أحداً من المتقدمين تكلم فيه. وقال يعقوب بن شيبة: هو ثقة ثبت، قال: وهو مشهور، له فضل وعلم ومعروف بالفتوى والجهاد، روى عنه مالك بن أنس وكان مالك ممن ينتفي الرجال. وأما الحكاية عن سعيد بن المسيب أنه كذبه فيما روى عنه فلا تثبت. وقد كذب ابن المسيب عكرمة، ولم يتركه البخاري بتكذيبه، بل خرج له، واعتذر عن تكذيب من كذبه في كتاب "القراءة خلف الإمام" وعن تكذيب مالك لابن إسحاق. قال البخاري: لو صح عن مالك تناوله من ابن إسحاق، فلربما تكلم الإنسان فرمى صاحيه بشيء واحد، ولا يتهمه في الأمور كلها. وقال إبراهيم بن المنذر، عن محمد بن فليح: نهاني مالك عن شيخين من قريش، وقد أكثر عنهما في الموطأ. وهما ممن يحتج بهما. ولم ينج كثير من الناس من كلام بعض الناس فيهم، نحو ما يذكر عن إبراهيم من كلامه في الشعبي، وكلام الشعبي في عكرمة، وفيمن كان قبلهم. وتأويل بعضهم في العرض والنفس. ولم يلتفت أهل العلم في هذا النحو إلا ببيان وحجة، ولم تسقط عدالتهم إلا ببرهان ثابت وحجة، انتهى.

وعطاء الخراساني أحق أن يعتذر عما قاله ابن المسيب إن صح، فإنه أعظم وأجل قدراً من عكرمة، بل لا نسبة بينهما في الدين والورع. وزعم البخاري أن عبد الكريم أبا أمية مقارب الحديث، وهو عند جميع الأئمة مباعد الحديث جداً. ليس بين حديثه وبين حديث الثقات قرب البتة. ومن ذلك قول ابن المديني: كل مدني لم يحدث عنه مالك ففي حديثه شيء. وهذا على إطلاقه فيه نظر، فإن مالكاً لم يحدث عن سعد بن إبراهيم، وهو ثقة جليل متفق عليه. ونظير هذا قول عبد الله بن أحمد الدورقي: كل من سكت عنه يحيى بن معين، فهو ثقة. ومن ذلك قول أبي داود: مشايخ حريز بن عثمان كلهم ثقات. وقول أبي حاتم في مشايخ سليمان بن حرب كلهم ثقات.

(17) قاعدة

(17) قاعدة قال الحسين بن فهم: ثلاثة أبيات كانت عند يحيى بن معين من أشر قوم: المحبر بن قحذم وولده، وعلي بن عاصم وولده، وآل أبي أويس كلهم كانوا عنده ضعافاً جداً. أما المحبر بن قحذم فروى عن أبيه قحذم بن سليمان: قال العقيلي: في حديثهما يعني المحبر وأباه وهم وغلط. وأما ولد المحبر فلا يعرف منهم سوى داود، وهو ضعيف جداً، وسئل عنه أحمد، فضحك وقال: شبه لا شيء، (كان يدري ذاك ايش الحديث؟ ويقول أحمد على الانكار) . وقال ابن معين عنه: لم يكن كذاباً، وكان قد سمع الحديث بالبصرة، ثم

صار إلى عبادان فصار مع الصوفية فنسي الحديث وجفاه، ثم قدم بغداد فجاءه أصحاب الحديث فجعل يخطىء في الحديث، لأنه لم يجالس أصحاب الحديث. فأما بدل بن المحبر فثقة بصري ليس بينه وبين هؤلاء قرابة، وقد خرج عنه البخاري في صحيحه. وأبان بن المحبر شامي، وهو ضعيف، وليس من هؤلاء بشيء. ومن ولد المحبر بن قحذم الوليد بن هشام القحذمي، وقد روى الوليد بن هشام هذا عن المحبر بن قحذم عن جده، أبي قحذم، سليمان بن ذكوان عن أنس، عن النبي ـ A ـ أسلم سالمها الله، وغفار غفر الله لها. وأما علي بن عاصم: فهو علي بن عاصم بن صهيب بن سنان الواسطي يكنى أبا الحسن. وقد رماه طائفة بالكذب منهم يزيد بن هارون وغيره. وكذبه ـ أيضاً ـ ابن معين. وكان أحمد يحسن القول فيه، ويوثقه، ويحدث عنه ويقول، أنه يخطىء.

وأنكر ذلك ابن معين عليه. ومما أنكر على علي بن عاصم روايته عن محمد بن سوقة عن إبراهيم، عن الأسود عن عبد الله، عن النبي ـ A ـ: "من عزى مصابا فله مثل أجره". وقد تابعه عليه قوم من الضعفاء. وقد سبق الكلام عليه مستوفى في كتاب الجنائز. وأما ولد علي بن عاصم فله ابنان: أحدهما: اسمه عاصم، وكان ابن معين يذمه، وقال مرة: كذاب ابن كذاب. وكان أحمد يوثقه ويقول: هو صحيح الحديث قليل الغلط. وقال أيضاً هو أصح حديثاً من أبيه.

وخرج له البخاري في صحيحه. والآخر اسمه الحسن، وقد ضعفه ابن معين، وقال: ليس بشيء. وقال أبو حاتم: محله الصدق. وقال ابن عدي: الحسن وعاصم ابنا علي خير من أبيهما، وليس لهما من المناكير عشر ما لأبيهما. وقال ابن أبي خيثمة: سمعت ابن معين يقول: لا يصلح من آل عاصم بن صهيب الرومي أحد أبداً. وأما آل أبي أويس: فأبو أويس اسمه عبد الله بن عبيد الله بن أويس بن مالك بن أبي عامر الأصبحي المدني، ابن ابن عم مالك بن أنس. ضعفه يحيى. وقال مرة: صدوق وليس بحجة. وقال أحمد: صالح. وقال ابن المديني: كان عند أصحابنا ضعيفاً. وقال الفلاس: فيه ضعف، وهو عندهم من أهل الصدق. وقال أبو حاتم: صالح صدوق، كأنه لين، وقال أبو حاتم: يكتب حديثه، ولا يحتج به، وليس بالقوي. وخرج حديثه مسلم في صحيحه. وله ولدان: أحدهما: إسماعيل بن أبي أويس: وقد خرج حديثه الشيخان في صحيحهما. وضعفه ابن معين والنسائي. وقال أبو حاتم: مغفل محله الصدق.

وقال البرقاني: قلت للدارقطني: لم ضعف النسائي إسماعيل بن أبي أويس؟. فقال: ذكر محمد بن موسى الهاشمي، وهذا أحد الأئمة، وكان أبو عبد الرحمن يعني النسائي يخصه ما لم يخص به ولده، فذكر عن أبي عبد الرحمن النسائي أنه قال: حكى لي سلمة بن شبيب عنه، قال: ثم توقف أبو عبد الرحمن. قال: فما زلت بعد ذلك أداريه أن يحكي لي الحكاية، حتى قال لي: قال سلمة بن شبيب: سمعت إسماعيل بن أبي أويس يقول: ربما كنت أضع الحديث لأهل المدينة إذا اختلفوا في شيء فيما بينهم. قلت للدارقطني: من حكى لك هذا عن محمد بن موسى؟ قال: الوزير كتبتها من كتابه وقرأتها عليه، يعني ابن حنرابة. والثاني أبو بكر: واسمه عبد الحميد. وقد خرج له الشيخان. ووثقه ابن معين وغيره. وهو أوثق من أبيه بكثير، قاله أبو داود وغيره. وقال الدارقطني: حجة. وضعف ابن عبد البر أبا أويس وابنيه، وقال: هم ضعاف لا يحتج بهم، ولعل مستنده في ذلك ما ذكرناه أولاً عن يحيى بن معين. والله أعلم. ويلتحق بهؤلاء من البيوت الضعفاء، عطية بن سعد العوفي وأولاده.

(أما عطية) فضعفه غير واحد، وقد تكرر ذكره في الكتاب غير مرة. وأما أولاده، فقال العقيلي: عبد الله بن عطية بن سعد، عن أخيه الحسن بن عطية، ولا يتابع على حديثه. ولهما أخ ثالث يقال له: عمرو بن عطية، ويقاربهما في الضعف وقلة الضبط. وقال البخاري: عبد الله بن عطية بن سعد العوفي عن أخيه الحسن بن عطية، هو أخو محمد، لم يصح حديثه. والحسن بن عطية الذي روى عنه أخوه عبد الله، ذكره البخاري، وقال: ليس بذاك، وضعفه أبو حاتم. وذكره ابن حبان في ثقاته، وقال: أحاديثه ليست نقية. وخرج له أبو داود حديثاً واحداً. ومحمد بن عطية أخوهم الذي أشار إليه البخاري يروي عن أبيه، قال البخاري: يروي عنه أسيد الحمال عجائب. (وذكره العقيلي في الضعفاء فيمن اسمه محمد) . وكذا ذكره ابن حبان، ولكنه لم يطلق عليه الجرح، لأنه تردد في نسبة النكارة الواقعة في حديثه بين أن تكون منه، أو من أبيه، أو من أسيد بن زيد الراوي عنه.

وخالف في ذلك الدارقطني، وقال: محمد ليس من أولاد عطية لصلبه، إنما هو محمد بن الحسن بن عطية. ثم قال: (ثنا) أحمد بن محمد بن سعيد الهمذاني، هو ابن عقدة قال: قلت لمحمد بن سعد بن محمد العوفي: محمد بن عطية، الذي روى عنه أسيد بن زيد، من هو؟. قال: ليس لعطية ابن يقال له محمد، إنما هو جده محمد بن الحسن بن عطية بن سعد نسبه أسيد إلى جده. وللحسن بن عطية ولدان: أحدهما: الحسين بن الحسن بن عطية، كان قاضي بغداد. ضعفه ابن معين، وأبو حاتم، وغيرهما. والآخر محمد بن الحسن بن عطية. قال ابن معين: ليست بمتقن، وقال أبو حاتم: ضعيف. وقال ابن حبان: لا يجوز الاحتجاج به إذا نفرد، وخرج له أبو داود في كتابه. وزعم ابن حبان أنه (محمد بن) الحسن بن سعد، ابن أخي عطية بن سعد، ووهمه الدارقطني في ذلك، وقال: إنما هو محمد بن الحسن بن عطية بن سعد العوفي بلا شك، نسبه محمد بن ربيعة الكلابي كذلك، ونسبه أيضاً

ابن ابنه محمد بن سعيد بن محمد بن الحسن بن عطية بن سعد. ومنهم محمد بن عبيد الله العرزمي. ضعيف الحديث. وقد ذكرنا له ترجمة مفردة فيما تقدم. وقد تكرر ذكره في الكتاب كثيراً. وابنه، عبد الرحمن بن محمد بن عبيد الله، وابنه محمد بن عبد الرحمن بن محمد كلهم ضعفاء. قال الدارقطني فيما نقله عنه البرقاني: محمد بن عبد الرحمن متروك، وأبوه وجده، وابن أخي محمد عباد بن أحمد بن عبد الرحمن العرزمي، قال: الدارقطني: هو متروك أيضاً. وروى ابن شاهين من طريق محمد بن عثمان بن أبي شيبة: قال: سمعت أبي يقول: ذكرت لأبي نعيم: عبد الرحمن بن محمد بن عبيد الله العرزمي، فقال: كان هؤلاء أهل بيت يتوارثون الضعف قرناً بعد قرن. ومنهم ولد عبد العزيز بن عمر بن عبد الرحمن بن عوف. قال أبو حاتم: هم ثلاثة إخوة: محمد وعبد الله وعمران أولاد عبد العزيز بن عمر، وهم ضعفاء الحديث ليس لهم حديث مستقيم. انتهى. ولعمران ابن يقال له عبد العزيز يكنى بأبي ثابت. ويقال له ـ أيضاً ـ ابن أبي ثابت، فإن أباه يكنى بأبي ثابت ـ أيضاً ـ وهو ـ أيضاً ـ ضعيف جداً. ولمحمد بن عبد العزيز ابنان: أحدهما إبراهيم يروي عنه يعقوب الزهري

(18) قاعدة

وإبراهيم بن المنذر ذكره البخاري في كتاب الضعفاء (وقال: منكر الحديث، سكتوا عنه) . وقال ابن عدي: منكر الحديث، عامة أحاديثه مناكير، ولا يشبه حديثه حديث أهل الصدق. وقال يعقوب بن شيبة: لا علم لي به. والآخر أحمد يروي عن كتاب أبيه، ويروي عنه عبد الله بن شبيب، ويظهر أن جميعهم ضعفاء، لأن أحاديثهم منكرة، لا توافق حديث الثقات. ومنهم ولد سلمة بن كهيل: وله ابنان: يحيى ومحمد. فأما يحيى فضعيف جداً، وأما محمد فقد ضعف ـ أيضاً ـ وهو أصلح من يحيى. وقال أبو زرعة: هو ضعيف قريب من أخيه يعني يحيى. وليحيى ابن اسمه إسماعيل، قال فيه الدارقطني متروك. ولإسماعيل بن يحيى ابن اسمه إبراهيم. منكر الحديث، ضعفه غير واحد. (18) قاعدة في تضعيف حديث الراوي إذا روى ما يخالف رأيه. قد ضعفه الإمام أحمد وأكثر الحفاظ أحاديث كثيرة بمثل هذا.

فمنها: أحاديث أبي هريرة، عن النبي ـ A ـ في المسح على الخفين. (ضعفهما أحمد ومسلم وغير واحد، وقال: أبو هريرة ينكر المسح على الخفين) فلا يصح له فيه رواية. ومنها: أحاديث ابن عمر عن النبي ـ A ـ في المسح على الخفين ـ أيضاً ـ، أنكرها أحمد، وقال: ابن عمر أنكر على سعد المسح على الخفين فكيف يكون عنده عن النبي ـ A ـ فيه رواية. ومنها: حديث عائشة، عن النبي ـ A ـ أنه قال للمستحاضة: "دعي الصلاة أيام أقرائك". قال أحمد: كل من روى هذا عن عائشة فقد أخطأ، لأن عائشة تقول: الأقراء: الأطهار لا الحيض.

ومنها: حديث طاوس، عن ابن عباس في الطلاق الثلاث. وقد سبق. ومنها: حديث ابن عمر عن النبي ـ A ـ في فضل الصلاة على الجنازة. ذكر الترمذي، عن البخاري أنه قال: ليس بشيء، ابن عمر، أنكر على أبي هريرة حديثه. ومنها: حديث عائشة: "لا نكاح إلا بولي". أعله أحمد في رواية عنه بأن عائشة عملت بخلافه.

(19) قاعدة

ومنها: حديث ابن عباس أن النبي ـ A ـ لما سئل عن الصبي: ألهذا حج؟ قال: نعم. رده البخاري بأن ابن عباس كان يقول: أيما صبي حج به ثم أدرك فعليه الحج. (19) قاعدة في تضعيف أحاديث رويت عن بعض الصحابة، والصحيح عنهم رواية ما يخالفها. فمن ذلك: حديث سعد بن سعيد، عن عمرة، عن عائشة، عن النبي ـ A ـ: "في النهي عن صلاتين: صلاة بعد العصر ... الحديث". أنكره أحمد والدارقطني وغيرهما: قال الدارقطني: المحفوظ عنها أنها قالت: "ما دخل على النبي ـ A ـ بعد العصر إلا صلى ركعتين". ومن ذلك: حديث يزيد الرشك وقتادة، عن معاذة، عن عائشة: "كان النبي ـ A ـ يصلي الضحى أربعاً، ويزيد ما شاء الله". أنكره أحمد، والأثرم، وابن عبد البر وغيرهم، وردوه بأن الصحيح عن عائشة قالت: ما سبح رسول الله ـ A ـ سبحه الضحى قط.

فصل

فصل قد ذكرنا في كتاب العلم فضل علم "علل الحديث"، وشرفه وعزته، وقلة أهله المتحققين به من بين الحفاظ والمحدثين. وقد صنفت فيه كتب كثيرة مفردة، بعضها غير مرتبة، "كالعلل" المنقولة عن يحيى القطان وعلي بن المديني، وأحمد ويحيى وغيرهم. وبعضها مرتبة، ثم منها ما رتب: على المسانيد "كعلل الدارقطني"، وكذلك "مسند علي بن المديني" و "مسند يعقوب بن شيبة". هما في الحقيقة موضوعان لعلل الحديث. ومنها ما هو مرتب على الأبواب: "كعلل ابن أبي حاتم" و "العلل" لأبي بكر الخلال، وكتاب "العلل" للترمذي، أوله مرتب وآخره غير مرتب. وقد ذكر أبو داود في رسالته إلى أهل مكة، أنه ضرر على العامة أن يكشف لهم كل ما كان من هذا الباب فيما مضى من عيوب الحديث، لأن علم العامة يقصر عن مثل هذا. وهذا كما قال أبو داود فإن العامة تقصر أفهامهم عن مثل ذلك، وربما ساء ظنهم بالحديث جملة، إذا سمعوا ذلك. وقد تسلط كثير ممن يطعن في أهل الحديث عليهم بذكر شيء من هذه العلل، وكان مقصوده بذلك الطعن في أهل الحديث جملة، والتشكيك فيه أو الطعن في غير حديث أهل الحجاز، كما فعله حسين الكرابيسي في كتابه الذي سماه "بكتاب المدلسين". وقد ذكر كتابه هذا للإمام أحمد فذمه ذماً شديداً.

وكذلك أنكره عليه أبو ثور وغيره من العلماء. قال المروذي: مضيت إلى الكرابيسي، وهو إذ ذاك مستور يذب عن السنة، ويظهر نصرة أبي عبد الله، فقلت له: إن كتاب المدلسين يريدون أن يعرضوه على أبي عبد الله، فأظهر أنك قد ندمت حتى أخبر أبا عبد الله. فقال لي: إن أبا عبد الله رجل صالح مثله يوفق لإصابة الحق، وقد رضيت أن يعرض كتابي عليه. وقال: قد سألني أبو ثور وابن عقيل، وحبيش أن أضرب على هذا الكتاب فأبيت عليهم. وقلت: بل أزيد فيه. ولج في ذلك وأبي أن يرجع عنه، فجيء بالكتاب إلى أبي عبد الله، وهو لا يدري من وضع الكتاب، وكان في الكتاب الطعن على الأعمش والنصرة للحسن بن صالح، وكان في الكتاب: إن قلتم: إن الحسن بن صالح كان يرى رأي الخوارج فهذا ابن الزبير قد خرج. فلما قرىء على أبي عبد الله، قال: هذا جمع للمخالفين ما لم يحسنوا أن يحتجوا به، حذروا عن هذا، ونهى عنه. وقد تسلط بهذا الكتاب طوائف من أهل البدع من المعتزلة وغيرهم في الطعن على أهل الحديث، كابن عباد الصاحب، ونحوه. وكذلك بعض أهل الحديث ينقل منه دسائس، إما أنه يخفي عليه أمرها، أو لا يخفى عليه، في الطعن في الأعمش، ونحوه كيعقوب الفسوي، وغيره.

وأما أهل العلم والمعرفة والسنة والجماعة، فإنما يذكرون علل الحديث نصيحة للدين وحفظاً لسنة النبي ـ A ـ وصيانة لها، وتمييزاً مما يدخل على رواتها من الغلط والسهو والوهم ولا يوجب ذلك عندهم طعناً في غير الأحاديث المعلنة، بل تقوي بذلك الأحاديث السليمة عندهم لبراءتها من العلل وسلامتها من الآفات. فهؤلاء هم العارفون بسنة رسول الله ـ A ـ حقاً وهم النقاد الجهابذة الذين ينتقدون انتقاد الصيرفي الحاذق للنقد البهرج من الخالص، وانتقاد الجوهري الحاذق للجوهر مما دلس به.

خاتمة

خاتمة وقد انتهى الكلام على كتاب الجامع لأبي عيسى الترمذي ـ C تعالى ورضي عنه ـ والله تعالى المسؤول أن يجعله خالصاً لوجهه الكريم، وموجباً للفوز برضوانه في جنات النعيم، وأن ينفع به صاحبه وكاتبه وقارئه، في الدنيا والآخرة وأن يجعله سبباً لإحياء علوم السنن التي هي مهجورة دائرة، وان لا يجعل ما علمنا وبالاً علينا، وأن لا يجعل سعينا ونصبنا في العلم يذهب ضلالاً، بمنه وكرمه، إنه أكرم الأكرمين، وأرحم الراحمين، لا يرد سؤالاً ولا يخيب آمالاً. ووجدت في آخر نسخة من نسخ الترمذي مما كتب باليمن بثغر عدن ما هذا صورته: أنشدنا الفقيه الحافظ أبو العباس أحمد بن معد بن عيسى التجيبي لنفسه في مدح أبي عيسى محمد بن عيسى بن سورة الترمذي ـ رضي الله عنه ـ: (كتاب الترمذي رياض علم ... حكت أزهاره زهر النجوم)

(به الألفاظ واضحة أبينت ... بألقاب أقيمت كالرسوم) (فأعلاها الصحاح وقد أنـ ... ـارت نجوماً للخصوص وللعموم) (ومن حسن يليها أو غريب ... وقد بان الصحيح من السقيم) (فعلله أبو عيسى مبيناً ... معالمه لطلاب العلوم) (وطرزه بآراء صحاح ... تخيرها أولو النظر السليم) (من العلماء والفقهاء قدماً ... وأهل الفضل والنهج القويم)

§1/1